You are on page 1of 4

‫مقالة الظواهر اإلنسانية والمنهج التجريبي ‪:‬‬

‫يعتبر موضوع اإلنسان منذ زمن طويل من التاريخ الفلسفي محط اهتمام الفالسفة ومجاال لتأمالتهم ونتيجة استقاللية العلم عن‬
‫الفلسفة وتحقيق التقدم والتطور في العلوم التجريبية على المستوى النظري والعملي في العصر الحديث ‪-‬القرن التاسع عشر ‪ -‬بعد‬
‫اإلعتماد على التج ربة كمصدر لليقين ‪ ،‬جعل منها نموذجا لكل معرفة تسعى لتحقيق الدقة والموضوعية وأصبحت دراسة اإلنسان‬
‫والحوادث المتعلقة به تتصف بالعلمية في إطار ما يعرف بميدان العلوم اإلنسانية التي تعتبر علوم معنوية روحية تهتم بدراسة ماهو‬
‫كائن وموجود كالحوادث النفسية والتاريخية ‪،‬والميزة التي تميزت بها هذه األخيرة فرضت خصوصية ومنهج منظم يمكن الظاهرة‬
‫اإلنسانية من تحقيق العلم ‪،‬لكن نتيجة اإلختالف الظاهر بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة اإلنسانية جعل من الدراسة العلمية للظواهر‬
‫اإلنسانية غير ممكنة ‪ ،‬وهذا التناقض الموجود فرض جداال ونقاشا بين أصحاب النزعة الحديثة الذين تبنوا مبدأ أنه يمكن إخضاع‬
‫الظواهر اإلنسانية للدراسة التجريبية وبين أصحاب النزعة المادية الذين رفضوا تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر اإلنسانية‬
‫‪،‬وعليه نطرح التساؤالت التالية ‪ ،‬هل يمكن للظواهر اإلنسانية أن ترتقي لمرتبة العلم؟ أو بعبارة أخرى هل يمكن إخضاع الظواهر‬
‫اإلنسانية للتجريب؟‬

‫يرى أنصار الطرح األول (النزعة المادية ) أنه ال يمكن إخضاع الظواهر اإلنسانية للدراسة العلمية وال يمكن تحقيق الموضوعية‬
‫أثناء دراستها نظرا للصعوبات المتعلقة بطبيعة الموضوع والمنهج ‪ ،‬فاإلنسان يدرس أخيه اإلنسان و يتعذر تجاهل الذات ‪ ،‬ومن بين‬
‫أنصار هذا الطرح نذكر ‪ :‬جون استوارت ميل ‪،‬غوبلو‪ ،‬برغسون ‪،‬ويليام جيمس ‪،‬كروتشه ‪،‬ويليام دالتاني ‪،‬إدموند هوسرل‪ ،‬جان‬
‫بياجي ‪،‬محمد العابد الجابري ‪ ..‬معتمدين في تبرير موقفهم بذكر جملة من الصعوبات والعوائق التي تعرقل تطبيق المنهج التجريبي‬
‫في الدراسة‪:‬‬

‫‪ -1‬الظواهر اإلنسانية ال تخضع للقياس الكمي (ال تكمم ) كالرياضيات ‪،‬أي أن الظواهر اإلنسانية كيفية‪،‬فال يمكن أن نقيس حادثة حرب‬
‫وال حجم التذكر وال سعة الخيال والوزن العواطف‪ ..‬قال غوبلو ‪":‬ال علم بدون قياس"‪.‬‬

‫‪-2‬عدم خضوعها للحتمية التي هي مبدأ ضروري في الدراسة العلمية ‪.‬‬

‫‪-‬فالحادثة التاريخية ماضية و فريدة من نوعها باعتبارها حادثة زمكانية ال تحدث إال مرة واحدة بظروف خاصة ‪ ،‬فهي ال تخضع للمبدأ‬
‫الذي يقضي بأن نفس األسباب تؤدي إلى نفس النتائج وبالتالي استحالة وضع القوانين ‪.‬‬

‫‪ -‬كما أن الحادثة النف سية داخلية ال يدركها سوى صاحبها الذي يعيشها ‪ ،‬إضافة إلى أن الشعور مستمر وال يمكن أن نراقب اآلنيات ‪،‬‬
‫فمثال انتحار شخص أو القتل حادثتان تتدخل فيهما عدة أسباب ال يمكن إحصاؤها وبالتالي نفس األسباب ال تؤدي إلى نفس النتائج‬
‫(إلغاء مبدأ الحتمية )‪.‬قال اوغست كونت ‪":‬علم النفس علم وهمي "‪.‬‬

‫‪-3‬عائق الذاتية حيث تبقى أبعاد الظواهر اإلنسانية تحت سيطرة األحكام الذاتية عكس التفسير العلمي الذي يقتضي الموضوعية والحياد‬
‫‪،‬يقول فولكيه ‪":‬إن العالم في مجال العلوم اإلنسانية يصبح هو نفسه جزءا من مواد دراسته فهو يؤثر بصورة الشعورية في دراسة‬
‫موضوعه"‪.‬‬

‫‪-‬فالمؤرخ إنسان يعيد بناء الماضي طبقا لمقتضيات الحاضر باعتباره ينتسب لعصر و مجتمع ما وال يستطيع رغم اجتهاده أن تكون‬
‫دراسته موضوعية بحتة واعتماد السرد المبني على الرؤى الذاتية ‪،‬يقول شوبنهاور ‪":‬إن التاريخ فن وليس علم "‪.‬‬

‫‪-‬قد يؤثر الباحث في الظاهرة النفسية فيغير من طبيعتها ويدركها إدراكا خاصا ‪،‬مما يجعل النتائج تختلف من باحث آلخر وبالتالي عدم‬
‫إمكانية التعميم‪ ،‬يقول اوغست كونت ‪":‬علم النفس هو تكديس لألفكار الالهوتية الميتافيزيقية "‪.‬‬

‫‪- 4‬تعذر المالحظة المباشرة على خالف الظاهرة العلمية المالحظة مباشرة ‪.‬‬

‫‪ -‬فالمؤرخ ال يالحظ إال مخلفات و آثار الحادثة التاريخية التي يمكن أن تكون غير كافية أو مشوهة أو خاطئة ‪،‬وبالتالي تكون المالحظة‬
‫غير علمية تحمل الشك (غير دقيقة )‪،‬فمثال ال يمكننا مالحظة حادثة المروحة وال المعارك والحروب السابقة وهذا ما يجعل من النتائج‬
‫مجرد إفتراضات ‪،‬وهذا ما تجلى في قول عبد الرحمان األخضري ‪ ":‬المعرفة العلمية تشترط مالحظة الوقائع من أجل اكتشاف‬
‫القوانين فالحادث البيولوجي يمكن مالحظته أما الحادث التاريخي فال يمكن بلوغه "‪.‬‬

‫‪-‬كما أن الحادثة النفسية محورها الرئيسي هو الشعور وهو داخلي معنوي روحي‪ ،‬ومتغير يتعذر على الدارس مالحظته والتجريب‬
‫عليه‪.‬قال اوغست كونت ‪":‬مثل النفس التي تريد أن تعرف نفسها كمثل العين التي تريد أن ترى نفسها"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-5‬تتميز بالتعقيد والتداخل فال يمكن للدارس عزل أحد جوانبها دون اآلخر ‪.‬‬

‫‪-‬وبالتالي استحالة إعادة التجربة على الحادثة التاريخية الماضية بطرق إصطناعية مما يؤدي إلى استحالة وضع قوانين وبالتالي عدم‬
‫التأكد من الفرضيات ومن الحادثة التاريخية ‪،‬يقول هرنشو ‪":‬إن اإلختبار والتجربة أمران غير ممكنان في الدراسات التاريخية"‪.‬‬

‫‪-‬إضافة إلى أن الحادثة النفسية متغيرة من إنسان إلى آخر وتمتاز بالخصوصية والتغير في ذات اإلنسان أي أنها غير ساكنة ومنه ال‬
‫يمكن ضبطها كميا ‪.‬‬

‫وهذا يعني عدم إمكانية وضع قوانين لكلتا الظاهرتين أي عدم إمكانية التنبؤ بهذه الظواهر مستقبال وهذا ما يجعلها غير قابلة للتعميم‪.‬‬

‫يقول جون كيميني ‪":‬إذا تعلق األمر بإرادة اإلنسان الحرة يلغى التنبؤ"‪.‬و قال جون استوارت ميل ‪":‬إن الظواهر المعقدة والنتائج‬
‫التي ترجع إلى أسباب متداخلة ال تصلح أن تكون موضوعا حقيقيا لإلستقراء العلمي المبني على المالحظة والتجربة "‪.‬‬

‫ومنه فإن أنصار هذا الطرح أرادوا تأكيد فكرة مفادها أن الظواهر اإلنسانية ال يمكن أن تتصف بالعلمية والموضوعية وال يمكن‬
‫دراستها دراسة تجريبية ‪.‬‬

‫و على الرغم من أن أنصار هذا الموقف قد قاموا بتقديم ما يبرر مبدؤهم على أن هناك فعال عوائق في تطبيق المنهج التجريبي‬
‫تجعل من الدراسة العلمية صعبة وإن أمكن القول شبه مستحيلة ‪،‬إال أنهم بالغوا في طرحهم هذا ألنهم قد وضعوا حدا للتطور العلمي‬
‫وليس بالضرورة أن نجزم أن المنهج التجريبي ال يمكن تطبيقه على الظواهر اإلنسانية إذ يمكن تكييفه حسب طبيعة الظاهرة وبذلك‬
‫نتجاوز العوائق والصعوبات ‪.‬‬

‫‪-‬وال يمكن إنكار أن المؤرخين حاولوا تجسيد الموضوعية والتجرد من الذاتية إذ يعتبر إهمال الظاهرة التاريخية كعلم إهمال للجهود‬
‫المبذولة من طرف فولتير وابن خلدون ‪.‬‬

‫‪ -‬وال تقتصر الصعوبة على تحليل الحوادث النفسية فقط بل هي موجودة في علوم أخرى كالكيمياء والعلوم الطبيعية ‪ ..‬فقد تطورت‬
‫الدراسة النفسية وتخطت مرحلة المالحظة والوصف إلى مرحلة التجريب والقياس وصار باإلمكان التعبير عنها بلغة رياضية ‪.‬‬

‫يؤكد أنصار الطرح النقيض أنه يمكن دراسة الظواهر اإلنسانية دراسة علمية من أجل تحقيق نتائج معتبرة وذلك بتكييف المنهج‬
‫التجريبي وخطواته حسب طبيعة الظاهرة المدروسة ومن بين أنصار هذا الطرح نذكر ‪ :‬عبد الرحمان ابن خلدون ‪ ،‬إرنست رينان ‪،‬‬
‫جون واطسن ‪،‬فرويد‪...،‬معتمدين في دعم موقفهم على مجموعة من الحلول لتجاوز العوائق ومجموعة من الحجج ‪:‬‬

‫‪ -1‬عمل عبد الرحمان ابن خلدون على تكييف المنهج التجريبي لدراسة الحادثة التاريخية دراسة موضوعية مع مراعاة طبيعتها‬
‫الخ اصة المتعلقة بالماضي ‪،‬وفق خطوات تنسجم مع الدراسة ابتداءا بجمع المصادر سواء كانت مصادر إرادية المنجزة من طرف‬
‫اإلنسان وكان المقصود تركها كالمعاهدات والوثائق ‪ ..‬أو مصادر ال إرادية و التي تعبر عن اآلثار التي تركت بطريقة عفوية مثل‬
‫النقود واللباس ‪، ..‬‬

‫ليمارس ب عدها المؤرخ عملية النقد الذي يشمل النقد الخارجي عبارة عن تناول المصدر من حيث الشكل كنوع الورق والحبر أو شكل‬
‫الخط ‪ ،‬والنقد الداخلي(نقد المضمون) عبارة عن تناول محتوى الوثيقة واختبار صحتها من أجل كشف المزيف منها وهنا يقول ابن‬
‫خلدون ‪":‬كل وثيقة مدانة حتى تثبت صحتها"‪،‬‬

‫ثم العمل على تحليل هذه المصادر والتحقق منها ألنها ليست سليمة دائما من حيث الشكل والمضمون ‪،‬يقول ابن خلدون ‪":‬فإن النفس‬
‫إذا كانت على حال اإلعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى يتبين صدقه من كذبه " ‪،‬‬

‫وبعد الجمع والنقد ينتقل المؤرخ إلى إعادة بناء الحادثة التاريخية من جديد من خالل ترتيب الحوادث التاريخية حسب تسلسها الزمني‬
‫ويمكن للمؤرخ ملء الفراغات والفجوات بوضع فرضيات بعيدا عن الذاتية وتفسيرها وذلك بإرجاعها إلى أسبابها اإلجتماعية‬
‫والسياسية والعقائدية ‪..‬يقول ابن خلدون ‪":‬إن المؤرخ الحقيقي ال ينتمي ألي ممان وال مكان "‪.‬‬

‫‪ -‬حيث اعتمد هذا المنهج ابن خلدون في وصف معركة اليرموك ‪،‬وتناول مارك بلوج المجتمعات األوروبية (األلمان‪،‬الفرنسيين‬
‫‪،‬اإلنجليز‪ )..‬و الحظ أن ظهور المجتمعات اإلقطاعية مرهون بتنوع اإلقتصاد المعتمد من طرف الدولة وهذه الظاهرة تتكرر ‪،‬كما أن‬

‫‪2‬‬
‫المؤرخون استطاعوا التنبؤ بسقوط اإلمبراطوريات فإذا غاب العدل شاع الظلم وهنا مبدأ الحتمية محقق وهناك مؤرخين من الغرب‬
‫يمدحون الحضارة العربية وهنا تجسدت الموضوعية‪ ، ،‬وهذا ما يؤكد بأن التاريخ يعتمد على العلمية كبقية العلوم التجريبية األخرى‪.‬‬

‫‪-2‬يؤكد علماء النفس أن النفس ليست خرافة ميتافيزيقية بل هي ظاهرة حيوية لها أسبابها و نتائجها وآثارها التي تظهر في سلوك‬
‫اإلنسان حيث تجسدت المبادرة األولى مع المدرسة السلوكية بزعامة األمريكي واطسن الذي استفاد من التجارب التي قام بها العالم‬
‫الفيزيولوجي بافلوف المتمثلة في أ خذ كلب و تقديم له الطعام مع قرع الجرس دائما ‪،‬فالحظ أن قرع الجرس وحده كفيل وكاف‬
‫الستثارة سيالن اللعاب عند الكلب وهنا اختار بافلوف عبارة 'المنعكس الشرطي ' ليؤكد على وجود منعكس تكون فيه اإلستجابة‬
‫مرتبطة بمؤثر وقد سماه في دراسته 'فيزيولوجيا الدماغ' ‪،‬هذا ما جعل واطسن يستبدل كلمة الروح بالشعور وهنا يقول ‪":‬إن علم‬
‫النفس كما يرى السلوكي فرع موضوعي وتجريبي محض من فروع العلوم الطبيعية ‪،‬هدفه النظري التنبؤ بالسلوك وضبطه "‪ ،‬ودعا‬
‫واطسن إلى أن تكون مهمة علم النفس دراسة السلوك باعتباره استجابة (رد فعل ) على المنبهات ‪،‬فالسلوك عبارة عن أفعال قابلة‬
‫للمالحظة والقياس وهذا ما جعله أساسا يكون موضوع لعلم النفس ‪،‬يقول وطسن ‪":‬فإن لم تكن قادر على رؤية ما تدرسه و تقسيه‬
‫فانسحب "ويقول‪ ":‬إن الظاهرة النفسية بعيدة كل البعد عن الذاتية فهي موضوعية محضة "‪.‬كما أكد وطسن على أنه ال يوجد أي‬
‫شيء غريزي بل يكتسب األطفال كل شيء من خالل التفاعل مع البيئات المحيطة بهم لذا فطبيعة البيئة تحدد السلوك‪.‬‬

‫‪ -‬علم النفس يعالج النفس كما تعالج البيولوجيا العضوية ويستطيع الطبيب النفسي إخراج نفس المريض من أغوارها إلى جانب‬
‫المالحظة التجريبية وهذا ما يدعى بالتداعي الحر (األخالقي )‪ ،‬ثم أن النزعة اآللية استطاعت تجسيد مبدأ التعميم باعتبار السلوك عالقة‬
‫تزامنية بين المنبه واإلستجابة كالتجربة الفيزيولوجية على الكلب لبافلوف أو إمكانية تهذيب حيوانات السيرك‪ ،‬وعلى سبيل المثال الفتاة‬
‫"آنا "مصابة بالعمى رغم سالمة العضو ‪،‬تم إخضاعها للتنويم أي سحبها من الوعي إلى الالوعي وقد اكتشفوا أن السبب هو موت‬
‫والدها ‪ ،‬و الهستيريا التي تعبر عن األعراض النفسية بإعياء عضوي‪،‬ودراسة الخوف حسب المدرسة السلوكية يستوجب دراسته ليس‬
‫كحالة شعورية وإنما كسلوك له آثاره البادية على الشخص مثل االحمرار واالرتعاش ‪ ،..‬يقول بيار نافيل ‪":‬إن سلوك الكائنات‬
‫البشرية يمكن دائما وصفه بلغة المثيرات واإلستجابات" ‪.‬‬

‫‪-‬تمكن العلماء من وضع قوانين مثل قانون بيرون القائل ‪":‬النسيان يزداد بصورة متناسبة مع قوة لوغاريتم الزمن "‪ ،‬و جاء بول‬
‫فاريس بقوله ‪":‬ليس هناك ما يمنع حقا أو واقعا من قيام علم النفس" ‪ ،‬وقد تنوعت وسائل قياس الظاهرة النفسية ‪،‬إما باختبارات‬
‫لفظية وعملية كاختبارات الذكاء أو قياس القدرات العقلية كجهاز كشف الكذب الذي يربط اإلنفعاالت بالحالة النفسية ‪،‬كما سلط فرويد‬
‫الضوء على الالشعور وأنه يمكن معالجة الحالة النفسية بالحالة المادية حيث قال ‪ ":‬يستمد األنا طاقته من ال "هو" وقيوده من ال‬
‫"األنا األعلى " وعقباته من الوسط الخارجي"‪.‬‬

‫ومنه نجد أن أنصار هذا الطرح قد أكدوا على فكرة تبني الظواهر اإلنسانية للمنهج العلمي قصد دراستها‪.‬‬

‫ال شك من أن أنصار هذا الطرح قد صاغوا حججا قوية لتأكيد موقفهم ‪ ،‬وعلى الرغم من أنه يمكن تطبيق الدراسة العلمية على‬
‫الظواهر اإلنسانية إال أن الذاتية والالحتمية عقبتان إبستمولجية في الدراسات اإلنسانية إذ تؤثر على دقة النتائج وجعلها تتصف‬
‫باإلحتمالية وهذا يدل على تعثر العلماء وعدم قدرتهم على فهم السلوك اإلنساني فهما صحيحا وكافيا ‪.‬‬

‫‪ -‬وال يجب التسليم بأن الدراسات التاريخية قد بلغت مستوى العلوم الطبيعية في دقة النتائج وتطبيق المنهج ‪،‬كما أن لجوء المؤرخ لخياله‬
‫في ملء الفجوات التي تصادفه دليل على عدم تحقيق الموضوعية والدراسات التي قام بها ابن خلدون كانت في شمال إفريقيا فهل يمكن‬
‫التعميم على باقي المناطق ‪.‬‬

‫‪ -‬الحوادث النفسية ليست مجرد سلوك يرتد إلى العالقة اآللية التي تجمع بين المنبه واإلستجابة ‪ ،‬فالحادثة النفسية في جوهرها شعور‬
‫قبل أن تكون سلوك وبالتالي فإن هؤالء العلماء بتركيزهم على السلوك والمالحظة الخارجية أهملوا الجانب الباطني (الشعوري‬
‫الواعي) للحوادث النفسية أي المالحظة الداخلية (التأمل الذاتي) فهي مهمة إلبراز ما يشعر به اإلنسان لذا قيل"لقد انتحر علم النفس‬
‫على يد السلوكيين "‪ .‬كما أن نظرية الالشعور لفرويد ال تقبل التعميم الختصاصها بالمرضى ال السليمين ‪ ،‬ويصعب التنبؤ باألحوال‬
‫الداخلية ألنها متعلقة بكائن واع ‪.‬‬

‫من عرض األطروحتين نجد أن أنصار النزعة المادية قد تبنوا مبدأ أنه ال يمكن دراسة الظاهرة اإلنسانية دراسة علمية بينما‬
‫عاكسهم أنصار النزعة الحديثة الذين أكدوا على إمكانية الدراسة العلمية للظاهرة اإلنسانية ‪ ،‬ومنه يمكن الخروج بالموقف التركيبي بأنه‬
‫يمكن تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر اإلنسانية شرط تكييفه بما يتالءم وينسجم مع خصائص وطبيعة الظاهرة المدروسة وبالتالي‬
‫فالدراسة العلمية الموضوعية لهذه الظواهر أمر ممكن‪ ،‬يقول جان لدريير ‪":‬إن حقل الظواهر اإلنسانية واإلجتماعية يمكن أن يمنحنا‬
‫صورة للعلمية مغايرة للعلمية في مجال الظواهر الفيزيائية "‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬وال يمكن إنكار قيمة العلوم اإلنسانية فقد عرفت تطورا كبيرا ‪ ،‬وبفضل الجهود المبذولة من طرف المؤرخين استطاعوا االقتراب‬
‫من الدقة والموضوعية وتكوين علم قائم بحد ذاته يهتم بالحوادث اإلنسانية ‪ ،‬وقد عرفت نظريات المدرسة السلوكية استعماال واسعا في‬
‫التعليم والسياسة واإلشهار ومعرفة الذات اإلنسانية ‪..‬‬

‫أخيرا يمكن القول أن موضوع إمكانية تطبيق المنهج التجريبي على الظواهر اإلنسانية لم يكن مسألة واضحة المعالم بل غلب عليها‬
‫الطابع الجدلي بين مؤي دين ورافضين بحيث حاول كل منهما تفنيد اآلخر ‪،‬غير أن منطق التحليل والسيرورة اإلبستمولوجية كشفا لنا أنه‬
‫يمكن دراسة الظواهر اإلنسانية دراسة علمية مع مراعاة خصوصيتها فتطور الوسائل التجريبية كفيل بالتخفيف من الصعوبات‬
‫وبالتالي تحقيق مكسب حضاري يمكن اإلنسان من التعرف على مختلف أبعاده وتحريره ‪،‬يقول بول موي‪..":‬من الممكن أن يكون‬
‫اإلنسان موضوعيا لعلم وضعي ‪،‬ألنه يمكن أن يخضع لمالحظات منهجية "‪.‬‬

‫مالحظات لمقاالت جزئية‪:‬‬

‫علم التاريخ ‪:‬هو دراسة عالقة اإلنسان باألحداث الماضية وتأثيرها المستقبلي ‪.‬‬

‫‪-‬ممثلين ضد تطبيق المنهج التجريبي على الحادثة التاريخية ‪:‬شوبنهاور ‪،‬جون كميني ‪.‬‬

‫‪-‬ممثلين مع تطبيق م ت في الحادثة التاريخية‪:‬ابن خلدون ‪.‬‬

‫علم النفس‪ :‬الدراسة العلمية لسلوك الكائنات الحية وخاصة اإلنسان بهدف التوصل إلى فهم هذا السلوك وتفسيره والتنبؤ به والتحكم‬
‫فيه ‪.‬‬

‫‪-‬ممثلين ضد‪ :‬إدموند هوسرل ‪،‬اوغست كونت ‪.‬‬

‫‪-‬ممثلين مع ‪:‬سيغموند فرويد ‪،‬واطسن‪،‬بافلوف‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like