Professional Documents
Culture Documents
دعوة الحق - الشعر المغربي الحديث والمعاصر بين مفهومي الاستمرارية والقطيعة
دعوة الحق - الشعر المغربي الحديث والمعاصر بين مفهومي الاستمرارية والقطيعة
المواضيع
يحاول بعض الباحثين المحدثين النظر إلى الشعر المغربي ،من خالل مفه
القطيعة .وهم في هذا النظر يحاولون تكريس مبدأ الفصل بين فترتين تاريخيتين السنة
فترة ما قبل االستقالل ،وفترة ما بعده.
إن هؤالء الباحثين ينفون كل عالقة بين هاتين الفترتين في عملية اإلبد
العدد األخير
الشعري .بمعنى أن كل فترة تستقل بتجربتها الشعرية ،ورؤيتها اإلبداعية .غ
أن هذا الرأي ال يصمد أمام منطق الحركة الشعرية ،التي عرفها المغرب ،م This is a SEO version of Numero 404
بداية القرن العرين إلى اآلن .كما أنه ال يستجيب لمنطق تطور العملية اإلبداع Page 1
ذاتها .ولذلك فإنني سأحاول في هذا البحث التأكيد على مبدأ االستمرارية ف To view this content in Flash, you must
have version 8 or greater and
حركة سير الشعر العربي الحديث والمعاصر في المغرب ،معتمدا على عناص Javascript must be enabled. To
موضوعية في تالحم الفترات التاريخية ،وترابط األزمنة اإلبداعية .نعم.. download the last Flash player click
هناك اختالفا كبيرا بين فترتي :ما قبل االستقالل وما بعده ،وخاصة من حي here
التوجهات والرؤى ،وأسس عملية إلى حد الفصل بين تجربتين شعريتين ال عال
بينهما.
إننا نقر بوجود تطور كبير في التجربة الشعرية التي عرفها المغرب منذ بدا
الستينيات إلى اآلن .ولكن هذا التطور الذي لحق هذه التجربة ،ساهمت فيه ك
التيارات األدبية والشعرية ،التي سادت فترتي الثالثينيات واألربعينيات من القر
العرين .فكل باحث موضوعي ال يمكن له استبعاد تأثير هذه التيارات التي عرفت
األوساط األدبية في المغرب .إنني من خالل بحث هذا الموضوع ،انتهيت إلى
هناك خمس مراحل أساسية مر من خاللها مفهوم الشعر ،وهي كما يلي:
-1مرحلة فترة أواخر القرن التاسع عشر.
-2مرحلة فترة أوائل القرن العشرين,
-3مرحلة الثالثينيات.
-4مرحلة األربعينيات.
-5المرحلة المعاصرة التي انطلقت منذ الستينيات إلى اآلن.
وكل مرحلة ن هذه المراحل الخمس ،كان الشعر العربي في المغرب ،يكتس
فيها مفهوما خاصا ،حسب تطور وعي اإلنسان المغربي ،في ظل التقدم الثقاف
واالجتماعي والفكري واألدبي.
إن التطور الذي لحق مفهوم الشعر ،عبر هذه المراحل كلها ،كان بطيئا حق
ولكننا نالحظ مع هذه الحركة البطيئة نوعا من التالحم أو الترابط بين المراح
Start Previous Next End
الخمس .فليس هناك ما يمكن أن نعده طفرة ،في حركة هذا التطور ،من غ
إيجاد أسباب منطقية ومعقولة لذلك. 11 10 9 8 7 6 5 4 3 2 1
https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/7748 1/9
31/03/2024 23:45 دعوة الحق -الشعر المغربي الحديث والمعاصر بين مفهومي االستمرارية والقطيعة
-1إن مفهوم الشعر ،في فترة الربع األخير من القرن التاسع عشر ،لم يكن يرتب 20 19 18 17 16 15 14 13 12
بأي عنصر من عناصر الفن .ذلك أن الشعر لم يكن له موضوعه المستقل، 29 28 27 26 25 24 23 22 21
38 37 36 35 34 33 32 31 30
كان موضوعه مرتبطا بموضوعات العلم والمعارف األخرى .وبمعنى آخر ف
47 46 45 44 43 42 41 40 39
الشعر كان مجرد أداة للعلوم الفقهية واللغوية ،ووسيلة لحفظ الشواهد في معرض 56 55 54 53 52 51 50 49 48
علم النحو ،وعلم البالغة ورواية المثل السائر. 65 64 63 62 61 60 59 58 57
إننا ال ننكر على شعراء هذه الفترة قراءاتهم المختلفة للموروث الشعري .ف 74 73 72 71 70 69 68 67 66
تأكدت لدينا هذه القراءات من خالل أشعارهم ،وأيضا من خالل بعض كت 83 82 81 80 79 78 77 76 75
التراجم ،غير أن هذه القراءات لم تثمر ،فهي لم تؤد إلى إضافة جديد. 92 91 90 89 88 87 86 85 84
100 99 98 97 96 95 94 93
يقول علي مصباح في معرض حديثه عن المكانة التي يحتلها األدب إزاء ع
107 106 105 104 103 102 101
الفقه ..." :وأما مكانة علم األدب من العلوم ،فحسبه أن الفقه أشرف العل 114 113 112 111 110 109 108
وأوالها بالنقد في الفضل والشرف ...فمعظم علوم األدب آلة لفقه.)1( "... 121 120 119 118 117 116 115
إن مثل هذا المعنى الذي ينقص م قيمة األدب ،كان شائعا في الكتب السائدة ف 128 127 126 125 124 123 122
هذا العصر ،وقد انتقل بكامل ثقله إلى الفترة الالحقة التي تمتد من بداية القر 135 134 133 132 131 130 129
العشرين إلى حدود العشرينيات منه ،وذلك من غير أن ننكر بعض األثر الذ 142 141 140 139 138 137 136
149 148 147 146 145 144 143
أحدثته الحركة السلفية في األدب والشعر .لقد استطاعت الحركة السلفية أن تحد
156 155 154 153 152 151 150
هزة وخلخلة في مفهوم الشعر ،ولكن هذه الهزة 160 159 158 157
أو الخلخلة كانت لصالح الحركة نفسها وليس للفن الشعري.
-2ففي هذه المرحلة التاريخية لم يعد الشعر مجرد ثقافة مكملة لشخصية العال
بل أصبح ذا موضوع مستقل نسبيا ،هو موضوع الفكر السلفي .فالتغير الذي ط العدد ما قبل األخير
على مفهوم الشعر ،لم يمس عناصر الفن ،وإنما مس فقط مجال موضوعه ,ولذل
This is a SEO version of Numero 400
كان البد من انتظار فترة الثالثينيات التي سيبدأ فيها الصراع بحدة ،بين أنص Page 1
التجديد وأنصار التقليد. To view this content in Flash, you must
-3في هذه الفترة المتقدمة ،ظهر مفهوم جديد للشعر ،أخذ يقترب من عناص have version 8 or greater and
الفن شيئا فشيئا ،وكان للشعراء الشباب دور كبير وحاسم في ظهور هذا المفه Javascript must be enabled. To
الجديد ،يقول األستاذ عالل الفاسي في الشعر)2( : download the last Flash player click
here
جمعت مــن اآلالم واألحـزان قــد مثلته بد األولــهة كتلة
نســجت من اإلقالل والحرمان وكسته من أيدي الطبيعة حـلة
وينــام نـوم العاشق الولهان يبكـي مع األطيـار في دوحـاتها
ليشارك الـمشتاق في التحنـان ويئن للصـوت الضعيف وينثني
كان وراء اكتساب هذا المفهوم الجديد للشعر ،أسباب موضوعية من أهمها:
-1التطور الذي حدث للبنية االجتماعية والثقافية والفكرية .فقد عملت الحر
الوطنية على بث الوعي في نفوس الناس ،وشجعت على إنشاء المدارس والمعا
العلمية.
-2التواصل بين المغرب والمشرق الذي كان قويا في هذه الفترة ،عن طري
البعثات العلمية والكتب والمجالت والصحف التي كانت تصل إلى المغر
بانتظام .فما كان معروفا في الساحة المشرقية من علوم معارف أصبح معرو
في الساحة المغربية)3(.
ظهور حركة نقدية ،عملت على نشر بعض المفاهيم في إطار اتجاهات متنوع
ويمكن أن نقسم هذه الدراسات النقدية إلى قسمين :قسم كان يهتم باألدب العرب
القديم ،وقسم آخر يهتم باألدب العربي الحديث.
إننا –منذ فترة الثالثينيات -نجد أقالما جادة تكتب حول أعالم مدرسة النهضة ف
المشرق .فنقرأ على سبيل المثال دراسات حول شوقي والبارودي وحافظ إبراه
إلى جانب دراسات أخرى حول طه حسين والعقاد والرافعي .ونشير بص Start Previous Next End
خاصة إلى دراسة تشيد بعبقرية أحمد شوقي ،نشرتها مجلة المغرب)4( ،
نشرت بعد ذلك تحت اسم " يوم شوقي بفاس" عام 1936م )5( .ونشير كذل 11 10 9 8 7 6 5 4 3 2 1
إلى دراسات لألديب محمد أبا حنيني عن العقاد ،وطه حسين والرافعي بمج 20 19 18 17 16 15 14 13 12
29 28 27 26 25 24 23 22 21
المغرب )6( .إلى سعيد حجي حول حافظ إبراهيم وأحمد زكي أبي شادي7( ، 38 37 36 35 34 33 32 31 30
وعبد الكبير الفاسي حول آثار الرافعي )8( .أما مجلة السالم التطوانية ،فإن 47 46 45 44 43 42 41 40 39
كانت تخصص ركنا لدراسة ونقد كل ما يصل من الشرق العربي من آثار أدب 56 55 54 53 52 51 50 49 48
65 64 63 62 61 60 59 58 57
https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/7748 2/9
31/03/2024 23:45 دعوة الحق -الشعر المغربي الحديث والمعاصر بين مفهومي االستمرارية والقطيعة
وشعرية )9( .هذا باإلضافة إلى عشرات من الدراسات األخرى حول آث 74 73 72 71 70 69 68 67 66
القدماء من الشعراء والكتاب. 83 82 81 80 79 78 77 76 75
إن هذه الحركة النشطة في مجال الدراسات األدبية والنقدية ،أفرزت ع 92 91 90 89 88 87 86 85 84
100 99 98 97 96 95 94 93
اتجاهات على مستوى التصورات والمفاهيم .كان من أبرزها اثنان: 107 106 105 104 103 102 101
أولهما؛ مجدد ،يرمي إلى تطوير الحركة األدبية والشعرية في ضوء التصورا 114 113 112 111 110 109 108
الجديدة التي عمل أصحاب التيار اإلحيائي على نشرها وإذاعتها. 121 120 119 118 117 116 115
وثانيهما؛ محافظ؛ يرمي إلى اإلبقاء على التقاليد في بناء اللغة الشعرية حفاظا م 128 127 126 125 124 123 122
ضياع ما كان يسمى باألصالة العربية اإلسالمية. 135 134 133 132 131 130 129
غير أن أهم من كل هذا ،هوأننا ألول مرة ،بدأنا نسمع الحديث عن بعض 142 141 140 139 138 137 136
149 148 147 146 145 144 143
المصطحات من مثل :الخيال الشعري ،والشعور ،واإلبداع ،والذات الشاعر 156 155 154 153 152 151 150
والذات الجماعية وما إلى ذلك .ولكن كل ذلك كان يتم في إطار الحركة الوطن 162 161 160 159 158 157
وعالقة هذه الحركة باإلبداع األدبي.
إن نجاح هذه الفترة في نظري ،يتمثل فقط ،في أن أصحابها عملوا على تغيي
المفاهيم القاصرة التي كانت تسود الفترات السابقة .ويتمثل كذلك في الكشف ع
بعض التطور الذي حدث لمفهوم الشعر .ويعود الفضل في ذلك إلى نقاد ه
المرحلة ،الذين بدأوا يفهمون أن الشعر الحق ،هو الذي يعبر عن ذات الفر
وذات الجماعة في آن واحد .فالبد للشعر أن يكون صورة صادقة لخلجات النفس
وصورة تعكس أحالم الناس .وهو حين يفعل أ يتوخى الصدق والصواب ،ويبت
عن الكذب والزيف ،وأن يستلهم موضوعاته من الكون والطبيعة.
فالشعر كما يقول أحد نقاد هذه المرحلة " :صورة صادقة لخلجات نفس صاحبه
( )10والشاعر الحقيقي من يستطيع " :أن يرسم بشعره صورة لخلجات نفس
وأمل أمته ،وينطق بالصواب الذي ال يتطرق إليه الزيف والكذب ،وال المبالغ
وال يفسده الغموض واإلبهام")11( .
-عراء المناسبات ،أولئك الذين كانوا يعتبرون العشر مطية لنيل الحظوة والمال
والجاه والوظيفة .إذ الشعر الذي يترك هؤالء ساقط مرذول ،هو عر يدل عل
قرائح جافة ،ويعتبر ع أرواح فانية وذلك من خالل:
-1محاكاته لنماذج األقدمين ،وهي محاكاة في غير روح من الفن.
-2عدم الصدق فيما يقولون .والنقد هنا يهاجم عراء المدح الذين ينتهزو
الفرص لقضاء مآربهم وأغراضهم الرخيصة .فهذا أحدهم وهو الشاع
البيضاوي " :ال يدع الفرصة دون أن ينتهزها ،وال يفوته عيد أو رحلة سيد ،م
غير أن يهيئ لها قصيدة من نظمه ليقدمها برهانا على والئه وإخالصه ،وزك
لوظيفته التي يتمتع بها")12( .
هكذا كابن العباس القباج ،يحمل بعنف على هؤالء الشعراء الذين يجافون الحقي
والصواب في شعرهم.
-3الصورة االنعكاسية؛ وهي الصورة التي تعبر عن القصور والعجز في الرؤ
والتعبير معا .فلم يكن هؤالء الشعراء يتجاوزن النقل الحسي والحرفي لمظاه
الحياة المختلفة.
لقد أجمع الناس على مختلف مداركهم على أهمية رسالة األدب والشعر ،ك
أجمعوا على رفض التقاليد الشعرية البالية ،هذه التقاليد التي كانت تسخر الشع
من أجل مآرب خاصة .هكذا نالحظ أن األسس التي قامت عليها هذه الحر
النقدية ،أعطت نتائجها في فترة الثالثينيات ،وعملت على خلق تيار عري وتي
نقدي في الفترات الالحقة.
وبالذات في سنوات األربعين من هذا القرن ،ويعتبر الباحثون المغاربة أن هذ
التيارين :العري والنقدي ،من أهم منجزات مرحلة الثالثينيات.
-4مرحلة األربعينيات وسيادة مفهوم الشعر الوجداني :اكتسب الشعراء المغارب
منذ السنوات األولى من األربعين مفاهيم جديدة حول الشعر ،تجاوزوا ف
الشعراء في الفترات السابقة .لقد كان هذا المفهوم يستمد مقوماته وأسسه م
المذهب الرومانسي الذي تأثر به المغاربة في هذه الحقبة التاريخية .وكان م
ساعد على هذا المفهوم مجموعة من األسباب أهمها:
https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/7748 3/9
31/03/2024 23:45 دعوة الحق -الشعر المغربي الحديث والمعاصر بين مفهومي االستمرارية والقطيعة
-1العنصر الزمني .فمن المالحظ أن الوعي األدبي الذي بدأ قبل هذه الفتر
وصل في مرحلة األربعينيات إلى مستوى متقدم.
-2استمرار احتكاك المغرب بالمشرق على نحو أشد ،مما جعل الشعر
المغاربة يكتشفون طرقا جديدة في التعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم .ففي ه
الفترة تم التعرف بشكل أفضل وأعمق على المدارس الشعرية الجديدة ،مثل أبو
والمهجر ،والديوان ،وفي هذا الصدد وقفنا على أصناف كثيرة من المجال
والصحف التي كانت تصل إلى المغرب بانتظام ،بل وأكثر من ذلك وجد
مجالت مغربية كانت تصدر يومئذ في بعض المدن ،تخصص أعمدة خاص
تشير فيها باستمرار إلى الدراسات المنجزة ضمن تلك المدارس الجديدة.
-3مواصلة نشر الدراسات األدبية والنقدية في صور أكثر عمقا في دراس
القضايا األدبية والشعرية ،وأشير هنا بصفة خاصة إلى مقاالت عبد الكريم
ثابت ،والتي كانت تنشر تحت ) ركن حديث مصباح( في جريدة المغرب)13(.
-4ظهور صحف ومجالت أخرى عززت الحركة األدبية في مناحيها الجديد
مما أدى إلى ظهور جيل جديد من الشباب كان يكتب باستمرار في هذه الصحف
والمجالت.
كان من شأن هذه العوامل كلها أن تعمل على خلق حركة شعرية جديدة غنية ف
مضامينها وصيغها وعناصرها الفنية .ومن الشعراء الشباب الذين أسهموا في ه
الحركة نجد :عبد الكريم بن ثابت ،ومصطفى المعداوي وعبد السالم العلو
وعبد المجيد بنجلون وعالل بن الهاشمي الفيالني والبوعناني ومحمد السرغيني
باإلضافة إلى الشعراء الذين ينتمون إلى الفترة السابقة ،وكانت لهم استمراريت
في هذه الحقبة مثل :عبد القادر حسن ،وعبد المالك البغيثي ومحمد الحلوي.
وجد هؤالء الشعراء زادا ال ينفذ في صور الشعر الجديد وصيغها الجديدة ك
عند الشابي وأحمد أبي شادي وإيليا أبي ماضي وغيرهم.
إن الشعر بالنسبة إلى هؤالء الشعراء أصبح روح الحياة وجوهرها ،إنه الفرص
المتأللئة في فضاءات األمل والدمعة المرتعشة في جفون األلم والنسمة المنعش
في طلعة الزهر .والوخز المؤلم في إبرك الشوك ،واألرق في إشراقة الشمس
وابتسامة القمر ،والظالم والغضب في وجه العاصفة ،والطهر والبراءة في أغان
الطير ،والصفاء والنقاء في طلعة الفجر .وهذه األشياء شهادات تؤكد أن الشع
بمفهومه الوطني االجتماعي أصبح متجاوزا .فالوسط األدبي المغربي بدأ يعرف
هذه الثروة الضخمة من الشعر الوجداني الذي يتفجر بمشاعر وإحساسات جديدة
إن هؤالء العراء الجدد ذاتيون ،ينطلقون من كون الشعر تعبيرا عن الوجد
وأسرار الذات ،وهم في ذلك يلتقون مع أصحاب المدارس التجديدية في المشر
العربي .يلتقون معهم في التصوارت والمفاهيم ،كما في الممارسة اإلبداعية.
لقد سئم الناس الحديث عن شعر اإلصالح والدعوة إلى إنشاء المدارس وبن
المالجئ الخيرية وإنشاء القناطر .ومن ثم بدأوا يلتفتون إلى ذواتهم ،ويرحلون ف
غابات نفوسهم .فالفرحة تمتزج بالحزن في هذا الشعر ،واالبتسامة بالدمع
والصباح بالليل ،والشروق بالغروب ،والنعيم بالشقاء ،واألمل باأللم .وكل ذل
في هذا الشعر الذي يكشف عن عمق تلك المعاني من خالل الكلمة الجديدة.
إن الشعر عاطفة قوية ،وشعور عارم لدى شعراء هذه المرحلة .وهو يقوم عل
عنصر الخيال .والخيال عند شعراء فترة األربعين ،هو المنفذ الوحيد إلى أعما
حقيقة الحياة ،واألجنحة القوية التي تحملهم إلى عوالم :األحالم والحر
واالنعتاق ،بعيدين عن الرتابة وقيود الحس وموانع المادة .يقول عالل
الهاشمي الفياللي)14( :
ه و قــد كـان يـوسع الكـون دوا فـي يـدي أرعن الخلود أماتـو
من صدى الروح ضاع في غير جدوى فـتهاوت آلـهة الشعر صـرعى
شــاعر شـاء لــتقاليد مـحوا مــن خيالـي صغت الجنان فقالوا
ـه وتيهي في وهلة الغيب زهـوا رفـرفي يا صالة روحـي إلى اللـ
انت في عــالم الطــالسم أقوى وأطـلقي الـروح في تـقاليد كون
ــوه بحـلم وكان لي الحلم مهوى! في دمي واقع واقع الحياة أحاطــ
https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/7748 4/9
31/03/2024 23:45 دعوة الحق -الشعر المغربي الحديث والمعاصر بين مفهومي االستمرارية والقطيعة
فالحديث عن أرغن الخلود ،وآلهة الشعر ،والخيال الذي يصوغ الجنان ،وصال
الروح ،وعالم الطالسم ،هو نوع جديد في مسيرة الشعر المغربي.
إن الشعر الرومانسي الذي هيمن على هذه الفترة نوعان :نوع يرحل في األشي
إلى درجة التوحد والذوبان .وهذا النوع يرقى إلى مستوى الشعر الرؤياوي الذ
يكشف عن األبعاد العميقة في النفس اإلنسانية .ونوع ذاتي يهتم بالنزاعا
والميوالت الفردية .وال يستطيع تجاوزها إلى احتواء ذوات اآلخرين .وهذا النو
األخير هو الذي كان سائدا بشكل يلفت النظر.
ومن المالحظ أن هذا الشعر بنوعيه لم يكن ليسلم من نقد الواقعيين ،الذين يرو
في األدب والشعر مفهوما مخالفا ومغايرا .ولذلك فإن هذه الفترة ستشهد صرا
حادا بين اتجاهين :احدهما واقعي وثانيهما رومانسي .ولك هذا الصراع لم يك
بين تيارين ،أحدهما يتمسك بتقاليد عتيقة ،وثانيهما بتقاليد جديدة ،كما كان شأن ف
الثالثينيات .وإنما الصراع سيأخذ سبيال آخر ،فهو بين هذين االتجاهين كل واح
منهما يهدف إلى التطور والتجديد في إطار تصور واضح المعالم .فالنظرا
النقدية -في الفترة السابقة – كانت منصبة على مبادئ أساسية ،من أهمهم
التخلص من تقاليد القدماء ،ومحاكاتهم ،والتزام الصدق في التجربة ،وتصو
الحياة الواقعية لإلنسان المغربي ،وتجنب األساليب العتيقة في عملية بناء الشعر
وغير هذه األشياء التي تكشف عن تصورين متناقضين.
أما النظرات الجديدة في الفترة التي نحن بصددها ،فقد تجاوزت تلك القضايا إل
مناقشة بعض المفاهيم في صور أكثر شموال أكثر عمقا .فأغلبية المقاالت النقدي
كانت تحلل وتعمق النظر في مفهوم الواقعية في األدب ،ومفهوم الذاتية وكان
تعطي آراءها المتباينة حول ماهية اإلبداع ،ووظيفة الشعر ،وعالقة اللغة الشعر
بالحياة .فالرومانسيون أو الذاتيون ينطلقون من كون الشعر تعبير عن الوجد
وأسرار الذات .والتركيز على الذات اإلنسانية ال يعني الهروب من الواقع،
يعني االنطالق إلى ما هو أعمق في هذا الواقع ،حتى يستطيع اإلنسان أن يدر
الظواهر ويكتنه أسرار الطبيعة.
لقد أجمع الرومانسيون؛ على أن الشعر رسالة سماوية ،تعمل لخير البشرية ،و
الشاعر ليس واصفا للواقع ،أو مركبا للجمل اللغوية حسبما تتطلبه الموضوعات
وإنما هو كاشف للحقيقة في مجال الكون .والشاعر الحقيقي حين يشعر ،ال يقص
إلى هدف معين ،أو يحسب حسابات لكل خطوة يخطوها .وأكثر عيوب الشعر ف
نظر شاعر كابن ثابت هو :القيد .فالقيد يكبل النفس ويحجزها .فيقول " :الشع
تعبير عن الذات ،والشاعر ذو رؤية متطلعة إلى استكشاف مجاهل النفس دو
تفاعل مع األحداث اآلنية ،ولكن مع الحياة الكون في إطار قوامة :اللفظة الهاد
لكنها شاعرية")15( .
إننا هنا ال نشك في تأثر ابن ثابت بالمدارس التجديدية التي ظهرت في الع
العربي ،وبمقاالت الشابي خاصة .بالمفاهيم التي ينظر من خاللها إلى الظواه
األشياء ،والتحليالت التي يقدمها في كتاباته وهو يركز على عناصر :الشعو
بالحرية والتلقائية ،كل ذلك يجعل منه أديبا وشاعرا يربط بقوة بالمنظور الجد
الذي كان سائدا عند الشعراء والنقاد المجددين في المشرق العربي وفي تونس.
إننا ال ننكر بعض الحماس في بعض كتابات نقاد هذه الفترة .وخاصة حين ل
بعضهم إلى المقارنة بين موروثنا الشعري والشعر األجنبي .فقد أدت ه
المقارنة إلى إصدار بعض األحكام القاسية التي تجاوزت حدود الموضوعية.
فهذا الناقد والشاعر الرومانسي عبد السالم العلوي ،الذي أغنى الحركة النقد
الشعرية في فترة األربعين ،نراه يكتب مقاالت أغلبها في موضوع المقارنا
الموازنات بين األدب العربي واألدب األجنبي .ففي مقالة نقدية طويلة ،جعل ب
الشعراء الفرنسيين أمثال :كورني ،وراسين ،والمرتين ،وفكتور هيجو م
الشعراء واألدباء اإلنسانيين ،وفي مقابل ذلك نراه ينزل بالشعراء العرب إل
أسفل منزلة .إنهم في نظره ليسوا سوى أصحاب البديع والمحسنات)16( .
فاألدب العربي برمته –كما في نظره -ال عالقة له بالفن والجمال ،وإن ما بل
األدب العربي من نضج ورقي في عصوره الحديثة ،إنما يرجع سببه إلى العال
https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/7748 5/9
31/03/2024 23:45 دعوة الحق -الشعر المغربي الحديث والمعاصر بين مفهومي االستمرارية والقطيعة
https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/7748 6/9
31/03/2024 23:45 دعوة الحق -الشعر المغربي الحديث والمعاصر بين مفهومي االستمرارية والقطيعة
وعي مرتبط بالقضايا التي تهم قواعد الفن األدبي والشعري ،وتمس طبي
ورسالة ووظيفة األدب والشعر.
هكذا يمكن أن نلخص المفاهيم األدبية السائدة في فترة األربعينيات في العناص
اآلتية:
-1مفهوم الشعر الذي يضع نفسه في خدمة وجدان اإلنسان الفرد .وقد سار ه
المفهوم في اتجاهين اثنين :أحدهما مرتبط باإلنسان المغربي في إطاره الضي
وبيئته المحصورة .وثانيهما متعلق باإلنسان المطلق.
-2مفهوم الشعر الذي يقف موقفا مخالفا ،وينادي بالواقعية انطالقا من وجد
الجماعة .وقد طرح مجموعة من التصورات في موضوع األدب وطبيع
ووظيفته ورسالته.
-3مفهوم ثالث؛ وهو يحاول الجمع بين وجدان الفرد والجماعة.
هكذا تتبعنا تحول مفهوم الشعر لدى المغاربة ،في الحقبة التاريخية الممتدة م
أواخر القرن التاسع عشر إلى بداية الخمسينيات من القرن العشرين .وقد خض
هذا التحول لعدة مؤثرات ضاغطة ،بعضها مرتبط بأسباب الحياة السياس
واالجتماعية ،وبعضها اآلخر ،بأسباب ثقافية عامة وأدبية وشعرية.
فمن مفهوم ،يخضع فيه الشعر لخدمة أهداف علوم أخرى ،مثل علوم الفقه والل
والبالغة ،إلى مفهوم ثاني ،يضع فيه نفسه ضمن الفكر السلفي في خدمة الحر
اإلصالحية ،إلى مفهوم ثالث يجد فيه نفسه مرتبطا بأهداف الحركة الوطن
المغربية ،إلى مفهوم رابع ،ارتمى فيه في أحضان وجدان اإلنسان المغربي ف
صورتيه :الفردية والجماعية.
إن هذا التحول الذي خضع له مفهوم الشعر ،كان يواكب حركة وعي اإلنس
المغربي ،خالل هذه الفترات التاريخية ،فكل فترة من هذه الفترات ،كان في
المجتمع يخضع لرؤية معينة نحو الحياة.
ستعرف هذه الحقبة التاريخية ،من الربع األخير في القرن الماضي ،إلى بدا
االستقالل عام 1956م ،ثالث محطات تستحق الوقوف والتأمل ،وتفرض عل
أي باحث أن يقرأها بأكثر من معنى:
-1المحطة األولى ،تمثلت في ظهور كتاب محمد بن العباس القباج ) :األد
العربي في المغرب األقصى( .وهذا الكتاب الذي ظهر في نهاية العشرينات ليس
مهما فيما جمعه من نصوص ،وقدمه من تراجم ،وإنما أهميته تكمن في نظري
في األسباب التي كانت وراء إعداد الكتاب .فوراء إعداد الكتاب وعي أدبي
ترجمه صاحبه في المقدمة التي صدر بها كتابه .يقول» )22( :منذ سنتين كن
في مجمع ضم ثلة من أدبائنا وعلية من مفكرينا ،فجرى ذكر األدب العربي الذ
تطور في فجر هذا القرن تطورا محسوسا ،وساير العلم والحضارة في تقدم
وارتقائهما ،فساقنا الحديث في األمة العربية من قطر إل قطر ،واستعرضنا أمام
شعراء العراق والشام ومصر والسودان والمهاجر وتونس والجزائر ،فإذا بنا
ندرك حق اإلدراك ونعلم علما يوشك أن يكون يقينا مقدره أي أديب من أدباء ك
قطر ،ونعرف حق المعرفة المكانة التي تبوأها من البيان والبراعة واالبتكار ،و
ذلك إال من مزايا حركة النشر والتأليف التي أمدتنا وأفادتنا كثيرا .ومن عظ
اهتمام أهل كل قطر بشعرائه وأدبائه ،حيث قاموا أجل قيام بنشر بنات أفكار
وثمرات قرائحهم .هذه النظرة هي التي ألقيناها على الشعوب العربية ،فسرتنا
السرور ،وطفحنا بها بشرا واغتباطا ،ولكن لما حانت منا التفاتة إلى قطر
المغربي ،الذي هو جزء من أجزاء األمة العربية ،ونظرنا هل له مثل هذه السم
األدبية والشهرة العالية ،وهل أوتي أدباؤه وشعراؤه ذكرا يرفع مقامهم ،ويط
شهرتهم ،ألفينا من خمول الذكر ما ال ترضى به أمة تنشد الحياة ،وتؤمل أن يكو
لها مركز في الوجود.
في ذلك الحين جال في ضميري ،ألول مرة ،أن أتصدى للقيام بجمع تأليف يض
بين دفتيه تراجم شعرائنا ومنتخبات من شعرهم ،ليعطي لكل قارئ صورة صاد
من الشعر المغربي ،ويفيد كل باحث في األمة المغربية مبلغ تدرج األدب في
وطرق تفكير شعرائها «.
https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/7748 7/9
31/03/2024 23:45 دعوة الحق -الشعر المغربي الحديث والمعاصر بين مفهومي االستمرارية والقطيعة
لقد تعمدت أن آتي بهذا النص رغم طوله ،ليتبين القارئ مدى التقدم الذي حص
لوعي اإلنسان المغربي في مسيرته األدبية ،ففي الوقت الذي كان يشك في قي
األدب والشعر ،وتنزع منهما وظيفتهما السامية ،وخاصة عند شعراء فترة الر
األخير من القرن التاسع عشر وأوائل العشرين ،أصبحنا اآلن أمام وعي جد
يؤمن بفعالية األدب ورسالة الشعر والشعراء ،فاألدب في نظر القباج هو الذ
يرفع من شأن األمة ،والشعراء هم الذين يبوؤون مراكز أممهم في الوجود .وم
أجل ذلك ،كان كتاب األدب العربي في المغرب األقصى يحمل أكثر من دال
وأكثر من معنى في مسيرة تطور األدب المغربي.
-2أما المحطة الثانية ،فيمثلها كتاب »النبوغ« ()23لألستاذ عبد هللا كنون الذ
صدر في سنة 1938م .ومن خالل مقدمة هذا الكتاب الضخم نستشف الدواع
التي كانت وراء تأليف كتاب النبوغ .إنها تدخل في هذه الحركة من الوعي بقي
األدب ودور األدباء في حياة األمم .فعبد هللا كنون يتطرق إلى اإلبداع المغرب
منذ فجر التاريخ إلى عصوره الحديثة ،فيواصل الماضي بالحاضر .ويكشف
للناس هذه الثروة الكبيرة ،التي تعبر عن أحالم المغاربة خالل الفترات التاريخ
المتعاقبة.
لقد كان لظهور هذا الكتاب تأثير كبير على الحركة األدبية والشعرية ،في فت
األربعينيات ،وعمل على شحذ همم الشباب لمواصلة الطريق ،وإعادة االطمئن
والثقة إلى النفوس ،واإليمان بشخصية اإلنسان المغربي في مجال الخل
واالبتكار واإلبداع .وعبد هللا كنون إلى جانب هذا الكتاب ،كان مثل محمد
العباس القباج ،يسهم بكتاباته النقدية التي أحدثت تأثيراتها في نفوس الشباب ف
فترة األربعينيات .ومن مقاالته المهمة التي تركها في هذا المجال ،مقالة نشر
في مجلة المعتمدة .يقول في فقرة منها)24( :
» ...وإذن فالشعر المغربي له اتجاه واحد معين ،هو حفز الهمم وإذكاء المشاع
وتربية اإلرادة والحث على التضحية ،من أجل حياة الخلود ،والشعراء يعتبرو
كقواد مظفرين ،يقودون جيوشهم من معركة إلى معركة ،حتى يربحوا معر
النصر األخيرة ...والشعر بهذا المعنى بعيد عن مفهومه األدبي األصيل .فما جع
هللا الشعر إال رجعا لصدى األبدية في مواكب الحياة ،وشعورا بالجمال في مج
الطبيعة الفاتنة ،واستجابة لوحي الوحدة في الغاب وسحر األنس في حض
حواء ،وهياما في أودية الخيال ،وشغفا بتملح الخالق في وجوه خلقه ،واستما
لصوت القدرة القاهرة في قصف الرعد ،وعصف الريح ،ولصوتها الحنون ف
زقزقة العصفور وخرير الجداول ،وتوقانا مالزما مدى الحياة إلى العوالم غ
المنظورة ،حيث تسعد نفس الشاعر وتتوالى فتوحات قلبه «.
ومثل هذا التصور الجديد لمفهوم الشعر ،كان يلقى الرضى والبول لدى كثير م
الشعراء الشباب الذين أشرنا إليهم فيما سبق ،من أمثال ابن ثابت ،والعلوي
والهامشي الفياللي وغيرهم.
-3المحطة الثالثة؛ تمثلها الكتابات النقدية ،التي أسهم بها كل من ابن ثابت وع
السالم العلوي وعبد هللا إبراهيم؛ في المجالت الثقافية واألدبية التي ظهرت زم
األربعينيات .فقد عملت هذه الكتابات على ترسيخ المفاهيم والتصورات الجدي
حول الفن بصفة عامة ،واألدب والشعر بصفة خاصة ،على النحو الذي أشر
إليه قبل قليل .وتستمر الحركة الشعرية في ضوء هذه التصورات إلى أواخ
الخمسينيات من القرن العشرين.
هكذا نالحظ أن التطور الذي خضع له مفهوم الشعر ،كان تحت تأثير التصورا
المتباينة التي عرفها المغرب ،منذ بداية القرن العشرين إلى بداية الستينيات م
هذا القرن .وقد تم ذلك في ظل تطور وعي اإلنسان المغربي بفضلل التق
االجتماعي والثقافي واألدبي.
إن هذا الغنى في التصورات والرؤى ،التي عرفتها الحركات األدبية والنقدي
وخاصة في فترتي :الثالثينيات واألربعينيات ،عمل بطريقة مباشرة أو غ
مباشرة ،على تفجير القصيدة الشعرية المعاصرة ،التي بدأت في الستينيات.
https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/7748 8/9
31/03/2024 23:45 دعوة الحق -الشعر المغربي الحديث والمعاصر بين مفهومي االستمرارية والقطيعة
وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية المشور السعيد -الرباط -المغرب الهاتف 212( 5 37 76 68 01 - )212( 5 37 76 68 51 :
https://www.habous.gov.ma/daouat-alhaq/item/7748 9/9