You are on page 1of 27

‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬

‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬


‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬


‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫َ‬
‫أوروبيا؛ حيث انطلقت من شبه جزيرة‬ ‫ًّ‬ ‫كان بناء الدولة العثمانية‬
‫الببنطية المتاخمة لها فز‬ ‫مباطورية ز‬
‫ي‬ ‫آسيا الصغرى وانقضت عىل ال ر‬
‫حت فتحت القسطنطينية‬ ‫البلقان‪ ،‬وأخذت تهزمها زف كل الميادين ى‬
‫ي‬
‫واستولت عليها‪ ،‬و اكتسحت شبه جزيرة البلقان‪ ،‬ولم يتوقف العثمانيون‬
‫ز يف زحفهم ز يف أوروبا إال بعد أن وصلوا إىل أبواب فيينا عاصمة النمسا‪،‬‬
‫ز‬
‫العثمانيي‬ ‫والسالم تنظر إىل انتصارات‬ ‫العرب‬ ‫وكانت أقطار الوطن‬
‫ي‬ ‫ري‬
‫حبام‬ ‫الببنطية نظرة ملؤها اال ى‬
‫ز‬ ‫مباطورية‬ ‫وفـتـوحـاتهم عىل حساب ال ر‬
‫ز‬
‫العثمانيي‬ ‫والحماس والتأييد ز يف الوقت الذي جعلت هذه االنتصارات‬
‫السالم والدول السالمية‪.‬‬
‫ي‬ ‫ينظرون إىل أنفسهم نظرة حماة الدين‬
‫ر‬ ‫ن‬ ‫ً‬
‫سالم ا‪ .‬ا‬
‫ي‬ ‫ل‬
‫ا‬ ‫قاا‬‫انحواالش‬‫دوافعااتجاهاالعثمانيي‬ ‫ا‬‫‪-‬‬ ‫ا‬
‫أول‬
‫ولكن الدولة العثمانية بعد أن زادت ز يف التوسع غربا‪ ،‬توقف‬
‫وف مقابل ذلك وجدناها تتجه رشقا‪ ،‬وتزحف نحو أقطار‬ ‫ز‬
‫الزحف أو كـاد‪ ،‬ي‬
‫لتستوىل عليها‪ ،‬فما الذي دفع الدولة العثمانية إىل‬
‫ي‬ ‫العرب‬
‫ري‬ ‫الوطن‬
‫االستيالء عىل األقطار العربية؟ لقد قدم الباحثون عدة استفسارات‬
‫ى‬
‫اآلب‪:‬‬ ‫ز‬
‫وإجابات عن ذلك‪ ،‬يمكن أن نجملها يف ي‬
‫هل أن الدولة العثمانية قد وصلت إىل درجة التشبع ز يف فتوحاتها‬
‫العرب‪.‬‬
‫ري‬ ‫ز يف أوروبا ولم يعد أمامها ز يف نهمها للفتوحات سوى أقطار الوطن‬
‫أو بعبارة أخرى أن الدولة العثمانية قد وصلت إىل أقىص مدى ز يف الغرب‬
‫يمكن أن تصل إليه وال يمكنها تجاوز هذا المدى فإذا أرادت التوسع فليس‬
‫الشق؟‬ ‫أمامها إال ر‬

‫‪27‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫هل كان السبب هو رغبة الدولة العثمانية السنية المذهب ز يف‬


‫اغبي ز يف السيطرة عىل‬
‫الصفويي الشيعة زف فارس الر ز‬
‫ي‬
‫ز‬ ‫الوقوف أمام خطر‬
‫السالم؟‬
‫ي‬ ‫العالم‬
‫هل كان الدافع هو اتجاه الدولة العثمانية الفتية والقوية التصدي‬
‫العرب ومداخلهما وإيقاف‬ ‫ري‬ ‫البتغال ز يف البحر األحمر والخليج‬ ‫ألطماع ر‬
‫البتغالية ضد األقطار العربية السالمية‪ ،‬وذلك بعد‬ ‫التهديدات واألخطار ر‬
‫أن فشلت دولة المماليك ز يف مرص والشام ز يف القضاء عىل التهديدات‬
‫البتغالية‪.‬‬
‫واألخطار ر‬
‫العثمانيي ز يف شن حمالت لتأديب السبان‬
‫ز‬ ‫هل الدافع هو رغبة‬
‫وفرسان القديس يوحنا ز يف البحر األبيض المتوسط والذين يهددون‬
‫العثماب ز يف ‪ -‬هذا البحر كما يهددون أمن وسالمة األقطار‬
‫ي‬
‫ز‬ ‫نشاط األسطول‬
‫ز‬
‫العربية السالمية المطلة عىل هذا البحر وخاصة يف شمال أفريقيا‪.‬‬
‫ز‬
‫سالطي‬ ‫ز‬
‫العثماب هو األطماع لدى‬ ‫هل كان الدافع لهذا االتجـاه‬
‫ي‬
‫مبامية األطراف حول البحر المتوسط‬ ‫آل عثمان ‪ -‬زف تكوين إمباطورية ى‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫تجعـل مـن هـذا البحر بحبة عثمانية؟‬
‫ه ز يف واقع األمر من استنتاجات‬ ‫ر‬
‫وهذه الدوافع عىل كبتها ي‬
‫المؤرخي‪ ،‬ومن ثم تعددت‪ ،‬ولهذا وجب علينا أن نناقشها قـبل أن نسجل‬ ‫ز‬
‫ز‬
‫العثمانيي يزحفون نحو األقطار العربية‪.‬‬ ‫رأينا حـول الدافع الذي جعل‬
‫بالنسبة للدافع األول فنحن ال نستطيع أن نغفل أن الفتوحات‬
‫العثمانية استمرت ز يف أوروبا ز يف عهد السلطان سليمان بن السلطان سليم‬
‫حت وصلت إىل أسوار فيينا عام ‪ ١٥٢٩‬م إال أننا ز يف نفس الوقت ال يمكن‬‫ى‬
‫أن نغفل أن الدولة العثمانية وعاصمتها إستانبول لم يكن ز يف مقدورها أن‬
‫ـعي ز يف التوسع ودولة مركزها‬
‫أكب من هذا؛ فلكل دولة مـدى م ز‬ ‫تتوغل ر‬
‫اآلستانة من المعقول أن يقف مداها عند المجر‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫يي نحو‬ ‫الثاب الذي يرجع اتجاه العثمان ز‬ ‫ز‬ ‫وفيما يتصل بالدافع‬
‫ي‬
‫يطاب‬‫ز‬ ‫ز‬ ‫ر‬
‫الب ي‬ ‫الصفويي الشيعة‪ ،‬فإن المؤرخ ر‬ ‫الشق إىل التصدي ألطماع‬
‫ز‬
‫القائلي به‪ ،‬وال يقلل من‬ ‫ز‬
‫المؤرخي‬ ‫توينت ‪ Toynbee‬عىل رأس‬ ‫أرنولد‬
‫ري‬
‫هذا الرأي كون السلطان سليم عند انتصاره عىل الشاه إسماعيل الصفوي‬
‫ز يف موقعة جالديران عام ‪ ،١٥١٤‬ودخوله عاصمة الدولة الصفوية‬
‫«ت ربيز» واستيالئه عىل مناطق العراق الشمالية‪ ،‬أنه لم يشأ أن يستمر ز يف‬
‫زحفه داخل فارس وعاد إىل عاصمة ملكه ألن «اختالف المذاهب ز‬
‫بي‬
‫ز‬
‫العثمانيي ال يرحبون بالسيطرة‬ ‫ز‬
‫السنيي والفرس الشيعة جعـل‬ ‫ز‬
‫العثمانيي‬
‫عىل فارس خوفا من عدم استتباب لهم فيها»‪.‬‬
‫ز‬
‫العثمانيي‬ ‫ز‬
‫والخاصي برغبة‬ ‫وفيما يتعلق بالدافع الثالث والرابع‬
‫البتغال والسبان‬ ‫األوروب من ناحية ر‬
‫ري‬ ‫ز يف الوقوف أمام الخطر االستعماري‬
‫نعتب هذا الدافع نتيجة وليس سبب اتجاه‬ ‫وفرسان القديس يوحنا فإننا ر‬
‫العثمانيي نحو أقطار الوطن العرب وإن كان يجب أن نذكر أن العثما ز‬
‫نيي‬ ‫ز‬
‫ري‬
‫حت استقروا‬ ‫هم الذين طردوا فرسان القديس يوحنا من جزيرة رودس‪ ،‬ى‬
‫ز يف جزيرة مالطة‪.‬‬

‫سالطي آل عثمان ز يف‬‫ز‬ ‫أما بالنسبة للدافع األخب والخاص برغبة‬


‫مبامية األطراف‪ ،‬فإنه رغم أنه من المحتمل أن يكون‬ ‫تكوين إمباطورية ى‬
‫ر‬
‫اض المقدسة فز‬ ‫السلطان سليم قد تطلع إىل أن يضم إىل ملكه األر ز‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الحجاز‪ ،‬إال أن فكرة ضم الشام ومرص ثم بقية البالد العربية لم تكن فز‬
‫ي‬
‫الت أدت إىل حدوث هذا الضم‬ ‫ى‬ ‫ز‬
‫ه ي‬ ‫وف مخططه‪ ،‬ولكن الظروف ي‬ ‫ذهنه ي‬
‫فقد قال السلطان سليم للسلطان طومان باي بعد انكسار األخب ووقوعه‬
‫ز يف قبضة األول ما نصه‪« :‬وهللا ما كان قصدي أذيتك‪ ،‬ونويت الرجوع من‬
‫باسم ما جئت‬ ‫أطعتت من األول وجعلت السكة والخطبة‬ ‫ز‬ ‫حلب‪ ،‬ولو‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ز‬ ‫ى‬
‫بسالطي المماليك‬ ‫الت حاقت‬ ‫لك وال دست أرضك»‪ .‬ولكن الهزائم ي‬
‫أطمعت السلطان سليم ز يف احـتـالل ممتلكاتهم ز يف الشام والحجاز‪ ،‬ومن‬
‫ثم أغرته انتصاراته ليواصل فتح بقية األقطار العربية‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫ويرى الدكتور رأفت الشيخ‪ ،‬أنه ال يمنع من أن تكون معظم هذه‬


‫الشق‬ ‫ى‬
‫مشبكة عن اتجاه الدولة العثمانية إىل ر‬ ‫الدوافع أو كلها مسئولية‬
‫والتوسع باالستيالء عىل األقطار العربية‪ ،‬وإذا كانت ظروف الدولة‬
‫العرب قد‬
‫ري‬ ‫العثمانية القوية قد هيأت لها التوسع‪ ،‬فإن ظروف الوطن‬
‫سهلت عىل الدولة العثمانية تحقيق اتجاهها للتوسع‪.‬‬
‫ن‬
‫االسياسيةاقبيلاالزحفاالعثماب ا‪ :‬ا‬‫قاالعرب‬‫المش‬ ‫ً‬
‫ثانيا‪-‬اأوضاعا ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫مباشة مقسما إىل‬ ‫ز‬
‫العثمانيي‬ ‫العرب قبيل دخول‬ ‫ر‬
‫المشق‬ ‫كان‬
‫ري‬
‫ز‬
‫قسمي كببين‪:‬‬

‫الغربا(دولةاالمماليك)‪ ،‬ويشمل‪ :‬مرص والشام والحجاز‬ ‫يا‬ ‫القسما‬


‫واليمن وهو الذي نجا من هذه الغارات بفضل المماليك‪ .‬وقد كانت دولة‬
‫المماليك‪ ،‬رغم ضخامتها قد وصلت إىل حالة من العياء الشديد‪،‬‬
‫وإعياؤها راجع إىل عوامل خارجية وداخلية؛ ز يف مقدمة العوامل الخارجية‬
‫البتغال وتحولت بواسطته‬ ‫العالم الذي تم عىل يد ر‬‫ي‬ ‫االنقالب التجاري‬
‫الشق والغرب‪ ،‬عن مرص والبحر األحمر إىل طريق‬ ‫بي ر‬‫التجارة العالمية ز‬
‫رأس الرجاء الصالح منذ عام ‪ ،١٤٩٨‬وعبثا حاولت الدولة المملوكية‬
‫إيقاف هذا التحول فبسطت نفوذها ز يف البحر األحمر وعىل اليمن‪،‬‬
‫البتغالية كان نصيبها فيها الهزيمة‬ ‫ز‬
‫ودخلت يف حرب بحرية مع الدولة ر‬
‫ى‬
‫ماىل مهم‪ ،‬كما‬‫والباجع‪ .‬ولقد حرم هذا التحول التجاري مرص من مصدر ي‬
‫عالم؛ فالتحول التجاري كان السبب ز يف‬ ‫ي‬
‫ي‬
‫ًّ‬
‫تجاريا‬ ‫لم تعد مرص بسببه سوقا‬
‫الت عانت من جرائها مرص منذ أوائل القرن السادس‬ ‫ى‬
‫األزمة التجارية ي‬
‫عش‪.‬‬ ‫ر‬

‫الش ى يف (الدولة الصفوية الشيعية)‪ ،‬ويشمل‪ :‬إيران والعراق‬ ‫القسم ر‬


‫وقد قامت فيه الدولةاالصفويةاالشيعية ز يف إيران أن تكون منه ز يف أوائل‬
‫ديت‪ .‬اوالدولةاالصفوي اة‬‫ز‬ ‫ر‬
‫القرن السادس عش وحدة سياسية عىل أساس ي‬
‫ز يف إيران فقد نشأت أوال كحركة دينية وسط االضطراب الذي عم إيران‬

‫‪30‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫الكبى والحركة تنسب إىل الشيخ‬ ‫والعراق عقب سقوط دولة المغول ر‬
‫صف الدين الذي كان يقيم ز يف أردبيل من أعمال أذربيجان وكانت هذه‬ ‫ي‬
‫ز‬
‫الت اجتاحت هذه‬ ‫ى‬ ‫ز‬
‫الحركة يف نشأتها صوفية كبقية الحركات الصوفية ي‬
‫المناطق ولكنها لم تتخذ الدعوة الشيعية إال ابتداء من مشيخة خوج اةا‬
‫عش الشاه إسماعيل‬ ‫حت توىل الحكم زف مطلع القرن السادس ر‬ ‫عل‪ ،‬ى‬ ‫يا‬
‫ي‬
‫الحقيف الدولة الصفوية‪ ،‬وقد حكم إيران‬ ‫ى‬ ‫الصفوي‪ ،‬الذي يعد المؤسس‬
‫ي‬
‫يرم إىل خلق دولة شيعية موحدة ز يف إيران‬ ‫من ‪ ١٥٠٠‬إىل ‪ ،١٥٢٤‬وكان ي‬
‫ز‬
‫فأخذ يعمل عىل إخضاع أجزائها المتفرقة واستعان يف الوصول إىل ذلك‬
‫بعنارص من األتراك من األناضول وسورية‪ ،‬و استوىل عىل مدية " رتبيز"‬
‫رسميا للدولة‪.‬‬‫ًّ‬ ‫واتخذها عاصمة له‪ ،‬كما اتخذ التشيع مذهبا‬
‫وف سنة ‪ ١٥٠٨‬تم لسماعيل فتح العراق ودخل بغداد واتبع ز يف‬ ‫ز‬
‫الت كان يطبقها ز يف‬ ‫ى‬
‫وه السياسة ي‬ ‫الشيع ي‬ ‫ي‬ ‫العراق سياسة بسط المذهب‬
‫إيران واعتمد ز يف ذلك عىل بقايا الشيعة هناك وال شك أنه نجح يف ذلك‪،‬‬
‫ز‬
‫ولكنه نجاح غب مطلق‪ ،‬وبخاصة بعد أن ضم العثمانيون العراق بعد‬
‫حت‬ ‫الست‪ ،‬وبذلك أصبـح العراق ى‬ ‫ز‬ ‫ذلك‪ ،‬فعملوا عىل رفعة المذهب‬
‫ي‬
‫بي السنة والشيعة‪.‬‬ ‫الحارص موزعا توزيعا متوازنا ز‬ ‫ز‬ ‫الوقت‬
‫المباطورية الصفوية ز يف حدودها من‬ ‫ر‬ ‫عىل هذا النحو تاخمت‬
‫المباطورية العثمانية ط ولم تكن هذه الحدود مضبوطة‬ ‫ناحية العراق ر‬
‫الدولتي‪ ،‬كما كان يسكنها عنارص مختلفة من‬ ‫ز‬ ‫بي‬ ‫بحيث تمنع االشتباك ز‬
‫ز‬
‫للدولتي‬ ‫أكراد وتركمان وعرب وأتراك‪ ،‬وهؤالء كانوا يتأرجحون ز يف والئهم‬
‫الت البد من أن تؤدي إىل قيام الحرب‬ ‫ى‬
‫فكانت مشاكل الحدود من العوامل ي‬
‫بينهما‪.‬‬

‫شت فأصبحت‬ ‫لعثمانيي بطرق ى‬


‫ز‬ ‫أخذ إسماعيل يعمل عىل إثارة ا‬
‫ز‬
‫العثمانيي كذلك أخذ الصفويون‬ ‫ز‬
‫السالطي‬ ‫فارس ملجأ للفارين من وجه‬
‫ر‬
‫المنتشة‬ ‫يبثون دعوتهم ز يف األناضول معتمدين عىل األقليات الصفوية‬

‫‪31‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫الست‪ .‬ولقد ثار الشيعة بالفعل‬ ‫ز‬ ‫ز‬


‫العثماب‬ ‫هناك للقيام بثورة ضد الحكم‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫قوىل اعتمادا‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫الثاب بزعامة رجل يسم" شاه ي‬ ‫يف السنة األخبة لحكم بايزيد ي‬
‫عىل تأييد أصحاب األمر ز يف فارس‪ ،‬و لكن السلطان سليما أخمد الفتنة‪،‬‬
‫المقيمي ز يف الدولة‬
‫ز‬ ‫وشع ز يف تنفيذ سياسة االضطهاد ضد الشيعة‬ ‫ر‬
‫العثمانية؛ ففرقهم ز يف الواليات العثمانية األوربية‪ ،‬ورد إسماعيل عىل ذلك‬
‫بإقامة مذابح عامة ضد السنة ز يف بالده‪ ،‬ثم قام لألخذ بالثأر لخوانه ز يف‬
‫التف سليم‬ ‫وف سهل جالديران‪ ١٥١٤‬ى‬ ‫ز‬
‫المذهب مهاجما آسيا الصغرى‪ ،‬ي‬
‫الصفويي‪ ،‬وتقدم سليم ز يف‬
‫ز‬ ‫وإسماعيل ز يف معركة دارت الدائرة فيها عىل‬
‫إيران‪ ،‬فوصل " رتبيز" واستوىل عىل أموال الشاه وكنوزه ونسائه‪ ،‬وفر‬
‫ز‬
‫العثماب عائدا إىل إستانبول‪.‬‬ ‫إسماعيل إىل الداخل‪ .‬ثم انسحب الجيش‬
‫ي‬
‫ً‬
‫صاوالحجازاواليمناللدولةاالعثمانية ا‪ :‬ا‬
‫ثالثا‪-‬اضماالشاماوم ا‬
‫ن‬
‫االمماليكاوالعثمانيي ا‪ :‬ا‬ ‫ن‬
‫العالقاتابي‬ ‫‪.1‬‬
‫ماذا كانت العالقات ز‬
‫بي سلطنة المماليك والدولة العثمانية تلك‬
‫ى‬
‫الت انتهت بالحرب بينهما؟‬
‫ي‬
‫يسبع وجودها انتباه دولة‬ ‫حي نشأت الدولة العثمانية‪ ،‬لم ى‬ ‫ز‬
‫المماليك ثم شعان ما اتسعت الدولة العثمانية وابتلعت آسيا الصغرى‪،‬‬
‫أعاىل بالد الشام وأوجد‬ ‫ز‬ ‫ى‬
‫فاقببت حدودها من حدود سلطنة المماليك يف ي‬
‫ز‬
‫العثمانيي إىل البحر‬ ‫ز‬
‫الدولتي‪ ،‬ثم إن خروج‬ ‫هذا نقطة لالحتكاك ز‬
‫بي‬
‫األبيض خلق نقطة أخرى االحتكاك بسبب سيطرة المماليك النسبية ز يف‬
‫هذا البحر‪.‬‬
‫ولقد وجد من البداية اتجاهان ز يف العالقات العثمانية المملوكية‪:‬‬
‫الت تعرض لها‬ ‫ى‬ ‫ز‬ ‫اتجاه التحالف والتعاون ز‬
‫األخطار ي‬
‫ً ً‬
‫الدولتي مبعثه‬ ‫بي‬
‫الشق أو الغرب ممثل أول ز يف إغارة تيمور‬ ‫الشق األوسط السالم من ر‬
‫ي‬
‫ر‬
‫لنك‪ ،‬ولكن هزيمة السلطان بايزيد األول ز يف أنقرة عام ‪١٤٠٢‬عطلت فكرة‬
‫تغاىل عىل حدود‬ ‫التحالف‪ ،‬ثم ظهرت هذه الفكرة ز‬
‫الب ي‬
‫حي ظهر الخطر ر‬

‫‪32‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬
‫ز‬
‫تغاليي لعادة‬ ‫الب‬ ‫ز‬ ‫ر‬
‫الشق األوسط واشتباك سلطنة المماليك يف حرب مع ر‬
‫الطريق التجاري إىل البحر األحمر؛ فطلب الغوري مساعدة السلطان‬
‫المملوك‬
‫ي‬ ‫الثاب‪ ،‬وبذلت المساعدة ز يف شكل أخشاب لبناء األسطول‬ ‫ز‬
‫بايزيد ي‬
‫بي السفن المرصية العثمانية من ناحية‬ ‫كما حدث بالفعل اشتباك ز‬
‫برتغاىل بالقرب من مياه‬ ‫ي‬ ‫وسفن فرسان القديس يوحنا بقيادة قائد‬
‫السكندرية ز يف سنة ‪.١٥١٠‬‬

‫تلف القاهرة أنباء‬ ‫ى‬ ‫ز‬


‫كذلك يالحظ يف سبيل هذا االتجاه الودي ي‬
‫العثمانيي ز يف أوروبا بابتهاج وشور باعتبارها انتصارا لإلسالم‬ ‫ز‬ ‫انتصارات‬
‫حي احتفل السلطان إينال فز‬ ‫وبصفة خاصة نبأ سقوط القسطنطينية ز‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫رسميا بهذا الحدث‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫القاهرة احتفال‬
‫ز‬
‫الدولتي حول‬ ‫للباع ز‬
‫بي‬ ‫وف نفس الوقت وجد اتجاه آخر ز ز‬ ‫ز‬
‫أعاىل الشام من ناحية والسيطرة ز يف البحر األبيض من ناحية‬ ‫الحدود يف ي‬
‫ز‬
‫العثمانيي استيالء المماليك ز يف عهد السلطان برسباي‬ ‫ز‬ ‫أخرى‪ .‬فلقد أقلق‬
‫سنة ‪ ١٤٢٤‬عىل جزيرة رقبص‪ ،‬كذلك حدث نزاع عىل الحدود ز يف عهد‬
‫الثاب ز يف العرش‬ ‫ز‬
‫الثاب زاد من حدته التجاء األمب جم منافس بايزيد ي‬
‫ز‬
‫بايزيد ي‬
‫العثماب فنشبت‬ ‫ي‬
‫ز‬ ‫إىل مرص ز يف عهد السلطان قايتباي؛ فأساء ذلك السلطان‬
‫بي بايزيد وقايتباي ز يف سنة ‪ ١٤٨٥‬وأغار العثمانيون عىل مدينة‬ ‫الحرب ز‬
‫طرسوس‪ ،‬إال أن قايتباى هزمهم‪ ،‬فعقد الصلح بينهما ز يف عام ‪.١٤٩٢‬‬

‫والواقع أن اتجاه الخالف هذا لم يتطور ز يف جميع مراحله إىل نزاع‬


‫والصفويي كان عىل الغوري أن‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫العثمانيي‬ ‫عنيف فلما نشبت الحرب ز‬
‫بي‬
‫العثماب ولم يكن موقف الغوري‬ ‫ز‬ ‫الباع الصفوي‬ ‫يتخذ موقفا معينا من ز ز‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫اشا يرجح‬ ‫تدخل مب ر‬ ‫الصفويي رصاحة وتدخل‬ ‫ز‬ ‫رصيحا أو حاسما نارص‬
‫الصفويي‪ ،‬وال هو من ناحية أخرى استطاع أن يكسب ثقة‬ ‫ز‬ ‫كفة‬
‫يعتب الغوري مسئول إىل حد ما عن قيام الحرب ز‬ ‫ً‬ ‫ز‬
‫بي‬ ‫العثمانيي‪ ،‬وبــهذا ر‬
‫الدولة العثمانية والدولة المملوكية‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫‪ .2‬ضماالشاما‪:1516‬ا‬
‫وف ‪ ١6‬مايو عام ‪ ،١٥١6‬خرج الغوري قاصدا البالد الشامية‬ ‫ز‬
‫ي‬
‫وف ‪ ٤‬يونيو وصل إىل غزة ز‬ ‫ز‬
‫وقىص بها خمسة أيام‪ ،‬ثم رحل بعد‬ ‫والحلبية‪ .‬ي‬
‫ذلك إىل دمشق حيث مكث بها تسعة أيام‪ ،‬وتوجه بعدها إىل حمص‪،‬‬
‫حت وصل حلب ز يف أوائل يوليو‪ ،‬وجعل منها قاعدته‬ ‫واستمر زف تقدمه ى‬
‫ي‬
‫األمامية‪ .‬وكانت قد وصلت قبل ذلك أنباء تحركات المماليك إىل القائد‬
‫يخب السلطان‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫العثماب سنان باشا ـ الذي كان يعسكر يف البستان ‪ -‬فأنفذ ر‬ ‫ي‬
‫سليم باألمر‪ .‬ولمواجهة هذا التهديد ـ ومن المرجح أنه لم يكن متوقعا ـ‬
‫العثماب رسال من عنده يعرضون رشوط الصلح عىل‬ ‫ز‬ ‫أرسل السلطان‬
‫ي‬
‫الغوري؛ فاستقبلهم الغوري‪ ،‬وأظهر رغبته ز يف السلم والصلح‪ ،‬وذكر له‬
‫الرسل أن السلطان سليم ال ينظر إىل الغوري إال نظرته للوالد الذي يطلب‬
‫ز‬
‫العثمانيي ما قدموا إال لحرب الشاه الصفوي‬ ‫منه الدعاء‪ ،‬وأكدوا له أن‬
‫وسوف ال يرجعون دون القضاء عليه‪ .‬فرد عليهم الغوري قائال‪« :‬لوال أنه‬
‫حت‬ ‫(سليم) مثل ولدى ما جئت من مرص إىل هنا بأهل العلم جميعا ى‬
‫بي المماليك‬‫وبي إسماعيل شاه»‪ .‬وتحقق الصدام إذا نشب ز‬ ‫نصلح بينه ز‬
‫ز‬
‫والعثمانيي فقد يؤدي إىل نتائج خطبة بالنسبة له‪.‬‬

‫قرر قنصوه الغوري أن يرسل سفارة من قبله إىل سليم وعىل زيارة‬
‫ز‬
‫فاقتىص رأيهم أن‬ ‫البعثة العثمانية‪ ،‬واستشار أكابر دولته ز يف هذا األمر‪،‬‬
‫ز‬
‫المسلمي‪ .‬ولكن الغوري‬ ‫رجلي من أهل العلم والدين لحقن دماء‬‫ز‬ ‫يرسل‬
‫لم يفعل وأرسل كاتم شه (الدوادار) األمب مغلباي إىل السلطان سليم‪،‬‬
‫عشة من خيار‬ ‫ليؤكد له رغبته زف الصلح واهتمامه بأمر الوساطة‪ ،‬كما أمر ر‬
‫ي‬
‫ز‬ ‫‪.‬‬
‫العسكر باصطحابه وكان سليم قد وصل إىل مدينة ألبستان يف ‪ ٢٣‬يوليو‬
‫عىل رأس حملة كببة لالنضمام إىل سنان باشا‪ .‬وتضايق سليم كثبا من‬
‫اصطحاب العسكر لرسول الغوري‪ ،‬وقال له‪« :‬يا مغلباي‪ ،‬أستاذك ما كان‬
‫العشة يرعب‬‫عنده رجل من أهل العلم يرسله لنا؟! وإنما أرسلك بهؤالء ر‬
‫بهم قلوب عسكري ويخوفهم برؤية أجناده‪ ،‬ولكن أنا أكيده بمكيدة‬

‫‪34‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫أعظم من مكيدته»‪ .‬وقبض عىل مغلباي وكاد يشنقه لوال شفاعة بعض‬
‫وأخبه بما حدث‬ ‫ر‬ ‫وزراء سليم‪ .‬وعاد مغلباي إىل الغوري ز يف حالة سيئة‬
‫وبمقالة السلطان سليم له‪« :‬قل ألستاذك يالقينا عىل «مرج دابق»‪.‬‬

‫المملوك‬ ‫وف ‪ ٢٤‬أغسطس عام ‪ ،١٥١6‬تقابل الجيشان‬ ‫ز‬


‫ي‬ ‫ي‬
‫والعثماب ز يف معركة ز يف سهل مرج دابق‪ ،‬بالقرب من حلب‪ .‬وكان يساند‬ ‫ي‬
‫ز‬
‫التفوق العسكري لقوات المشاة والمدفعية ذلك االنقسام ز يف قيادة‬
‫الت تحرج فيها القتال سحب خاير بك ‪ -‬حاكم‬ ‫ى‬ ‫ى‬ ‫ز‬
‫فف الفبة ي‬ ‫المماليك العليا‪ ،‬ي‬
‫الت تحت إمرته‪ ،‬وأشاع‬ ‫ى‬
‫المملوك ‪ -‬القوات ي‬
‫ي‬ ‫حلب وقائد ميشة الجيش‬
‫هزيمة المماليك قائال‪« :‬الفرار القرار‪ ،‬فإن السلطان سليما أحاط بكم‪،‬‬
‫وقتل الغوري‪ ،‬والكشة علينا وأحدثت هذه الشائعة أثرا خطبا‪ ،‬وتحولت‬
‫المعركة إىل هزيمة‪ ،‬سقط فيها السلطان الغوري المسن مصابا بالرصع‬
‫الت لحقت بالمماليك‪ .‬وذاع نبأ وفاته بشعة ز‬
‫بي‬ ‫ى‬
‫من هول الكارثة ي‬
‫المملوك‪ ،‬وأقام سليم ز يف وطاق الغوري‬‫ي‬
‫ز‬
‫العثمانيي‪ ،‬فنهبوا المعسكر‬
‫واستوىل عىل ما فيه من سالح ومال وتحف وأرزاق‪ ،‬ونزل كل قائد من‬
‫أهاىل‬
‫ي‬ ‫مملوك‪ ،‬وكانت مغانمهم ال حرص لها‪ .‬وأغلق‬ ‫ي‬ ‫قواده ز يف وطاق أمب‬
‫الهاربي الذين سلكوا طريقهم ز يف‬
‫ز‬ ‫حلب أبواب مدينتهم ز يف وجه المماليك‬
‫ظروف قاسية إىل دمشق‪.‬‬

‫ي‪ ،‬توجهت قواتهم إىل‬ ‫وبعد هذا االنتصار الساحق للعثماني ز‬


‫مدينة حلب‪ ،‬ثم مدينة حماة‪ ،‬ثم مدينة دمشق‪ ،‬حيث أقيمت الخطبة‬
‫العثماب سليم األول‪ ،‬وتم الدعاء له فوق المنابر‪،‬‬ ‫ز‬ ‫باسم السلطان‬
‫ي‬
‫حت مدينة غزة جنوبا إىل‬‫وباالستيالء عىل دمشق خضع الشام بأكمله ى‬
‫ز‬
‫العثمانيي‪ .‬وعىل كل حال‪ ،‬فكان المماليك ما يزالوا يسيطرون عىل مرص‪،‬‬
‫ز‬ ‫ًّ‬
‫العثمانيي‪،‬‬ ‫وكانت صحراء سيناء تمثل بالنسبة لهم سدا منيعا ضد تقدم‬
‫العثمانيي ز يف اجتيازها؟ هذا ما سنعرضه ز يف النقطة‬
‫ز‬ ‫ولكن هل سيفشل‬
‫التالية‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫‪ .3‬ضمامصا‪:151٧‬ا ا‬
‫لم يكن السلطان سليم األول يريد الزحف إىل مرص‪ ،‬وإنما كان‬
‫نهائيا ز يف‬
‫ًّ‬ ‫يأمل ز يف أن تؤدى معركة مرج دابق إىل سقوط سلطة المماليك‬
‫قبضته‪ ،‬فأرسل إىل طومان باي‪ ،‬نائب الغوري ز يف القاهرة‪ ،‬كتابا شديد‬
‫ى‬
‫االعباف بالسيادة العثمانية‪ ،‬وبأن يكون‬ ‫اللهجة يهدده فيه ويطلب إليه‬
‫حت مدينة غزة‪ ،‬ولكن طومان باي رفض هذا العرض‪.‬‬ ‫نائبه زف حكم مرص ى‬
‫ي‬
‫اشبك ز يف معركة "مرج دابق" ‪ ،١٥١6‬بل‬ ‫ولم يكن طومان باي قد ى‬
‫بف ز يف مرص ينوب عن‬ ‫ى‬ ‫ز‬
‫لم يخرج مع الغوري يف حملته إىل الشام؛ إذ ي‬
‫الغوري إبان غيبته ز يف الشام‪ .‬وعرف عن طومان باي الشجاعة والذكاء‬
‫والعدل‪ ،‬والحقيقة أن طومان باي كان زاهدا ز يف السلطنة فهناك الخالف‬
‫ز يف صفوف المماليك‪ ،‬وخزانة الدولة خاوية فقد أخذ قنصوه الغوري معه‬
‫أمواله وكنوزه‪ ،‬ولكن طومان باي اضطر إىل قبول السلطنة‪ ،‬تحت إرصار‬
‫المماليك‪.‬‬
‫ز‬
‫العثمانيي ان تجدى ويعرف‬ ‫وكان طومان باي يعلم أن مقاومة‬
‫ز‬
‫تماما المصب الذي ينتظره هو ودولته ولكنه رغم هذا كان يشعر يف أعماقه‬
‫أنه قد قدر له أن يحمل لواء المقاومة الملوكية ى‬
‫حت النهاية رافضا كل‬
‫ى‬
‫الت لم‬ ‫ى‬
‫الت قدمها له سليم‪ ،‬لقد بذل طومان باي إبان سلطنته ي‬ ‫العروض ي‬
‫ى‬
‫فاشبى قدرا من‬ ‫أكب من ثالثة شهور كل ما ز يف لتنظيم قواته للدفاع‬‫تدم ر‬
‫البنادق والمدافع من البندقية و أقام خط دفاع الصالحية لعرقلة الزحف‬
‫ز‬
‫العثمانيي بعد استيالئهم عىل غزة تجنبوا خط دفاع‬ ‫ز‬
‫العثماب‪ ،‬غب أن‬
‫ي‬
‫واخبقوا صحراء سيناء‪ ،‬ودخلوا الدلتا ى‬
‫حت‬ ‫ى‬ ‫الصالحية وانحرفوا جنوبا‪،‬‬
‫فوج بهم طومان باي عند الريدانية‪ ،‬ز يف يناير سنة ‪١٥١٧‬؛‬ ‫بلبيس‪ ،‬ثم ر ئ‬
‫فقامت المعركة وانتهت بهزيمة طومان باي‪ ،‬ثم دخل العثمانيون‬
‫القاهرة‪ ،‬وخطب للسلطان سليم عىل منابر القاهرة‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫اسبداد القاهرة‪ ،‬وحدث قتال عنيف ز يف‬


‫وحاول طومان باي ى‬
‫شوارع العاصمة‪ ،‬ظفر طومان باي ببعض االنتصارات المحلية المؤقتة‪،‬‬
‫ولكن النتيجة النهائية كانت الهزيمة له واالنتصار لسليم‪ ،‬ثم حاول وقف‬
‫القتال فعرض عىل طومان باي حكم الصعيد تحت السيادة العثمانية‪،‬‬
‫ولكن طومان باي رفض العرض واستمرت المناوشات‪.‬‬
‫ز‬
‫الجبة وما حولها ثم تمكنت القوات العثمانية‬ ‫كان مركز طومان باي ز يف‬
‫من عبور النيل‪ ،‬واشتبكت مع طومان باي ز يف معركة فاصلة‪ ،‬انتهت بهزيمته‬
‫وهربه إىل الدلتا والتجائه إىل أحد زعماء العريان ز يف مديرية البحبة فسلمه هذا‬
‫ً‬ ‫ز‬
‫العثمانيي‪ .‬واستقبله سليم استقبال طيبا‪ ،‬وكان معجبا لفرط شجاعته‬ ‫إىل‬
‫ز‬ ‫ً‬
‫وذكائه وحادثه طويل يف شئون مرص وإدارتها‪.‬‬

‫وتقول الرواية‪ :‬إن السلطان سليم األول كان يريد البقاء عىل حياة‬
‫اىل أوغرا صدره عليه؛ فأمر بشنقه‪.‬‬
‫طومان باي لوال أن خب بك وجان بردى الغز ي‬
‫ز‬
‫وف اليوم الذي اختب لقتله‪ ،‬قاده إىل باب زويلة يف حراسة شديدة سائرا عىل‬ ‫ز‬
‫ي‬
‫يلف عليها السالم ز يف طريقه‬
‫قدميه وخرج الناس للفرجة‪ ،‬وكان طومان باي ى‬
‫حت إذا ما وصل إىل باب زويلة طلب ممن حوله أن يقرؤا‬ ‫وكانت الناس تبك ى‬
‫ي‬
‫عليه الفاتحة ثم قرأ هو الفاتحة بصوت مرتفع‪ ،‬فلما انتىه من قراءتها التفت‬
‫المشاعىل (الجلد) وقال له ز يف صوت هادى‪« :‬اعمل شغلك»‪.‬‬
‫ي‬ ‫إىل‬
‫عىل هذا النحو يصف لنا المؤرخ المعارص ابن إياس مرصع طومان باي‬
‫الت طالما دافعت بسيوفها‬‫ى‬ ‫ز‬
‫يف الجزء الثالث نهاية دولة المماليك تلك الدولة ي‬
‫السالم أخطارا‬ ‫الشق‬‫والت طالما دفعت عن ر‬ ‫ودمائها عن عزة السالم ى‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫محققة كادت تودي به‪ ،‬وهكذا كانت نهاية سلطنة المماليك نهاية مجيدة كما‬
‫كانت حياتها سواء بسواء‪.‬‬

‫بف سليم ز يف مرص بعض الوقت ليدرس أحوالها بنفسه فأحسن‬ ‫ي‬
‫ى‬
‫ى‬
‫الت تمتعوا‬
‫استقبال سفراء البندقية وعقد معاهدة تمنحهم نفس االمتيازات ي‬
‫ه‬ ‫ز‬
‫وه امتيازات تجارية بطبيعة الحال‪ ،‬وهذه المعاهدة ي‬ ‫بها يف عهد المماليك ي‬
‫النموذج الذي وضعت عىل أساسه معاهدات الدول العثمانية مع الدول‬
‫األخرى حول االمتيازات األجنبية ز يف مرص‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫‪ .4‬ضماالحجازا‪:151٧‬ا ا‬
‫ز‬
‫للعثمانيي وزوال دولة‬ ‫ولقد ترتب عىل خضوع مرص والشام‬
‫ً‬ ‫تلقائيا وسل ًّ‬
‫ًّ‬
‫ميا ضمن الدولة العثمانية‪ ،‬بدل‬ ‫المماليك أن دخل الحجاز‬
‫الشيف بركات ‪ -‬رشيف مكة‬ ‫من السيادة االسمية المملوكية‪ ،‬فقد رأى ر‬
‫ز‬
‫العثمانيي بعد انهيار‬ ‫‪ -‬أنه ليس هناك مشكلة من أن يتحول بوالئه إىل‬
‫دولة المماليك‪ ،‬بل عىل العكس سيكون لهذا التحول فائدته من ناحية‬
‫المساعدات والحماية؛ ولذلك فإنه عندما دعاه السلطان سليم‬
‫العثمانيي استجاب عىل الفور لهذه الدعوة وأرسل‬‫ز‬ ‫للدخول ز يف طاعة‬
‫يفي إىل السلطان سليم ز يف‬
‫الش ز‬ ‫الحرمي ر‬
‫ز‬ ‫نم) يحمل مفاتيح‬
‫ابنه (أبو ي‬
‫القاهرة تعببا عن الوالء فمنحه السلطان سليم تفويضا بحكم مكة‬
‫حيث صارت الخطبة باسم سليم األول‪.‬‬
‫الشافة‪ ،‬وأنشأت‬‫وبذلك احتفظت الدولة العثمانية بنظام ر‬
‫سنجقية (والية) عثمانية تضم جدة ز يف ساحل الحجاز بالضافة إىل‬
‫تعيي رشيف مكة‬
‫ز‬ ‫ى‬
‫الفريف‪ ،‬وأصبح‬
‫ي‬ ‫مدينت سواكن ومصوع ز يف الساحل‬
‫ي‬
‫ى‬
‫العثماب‪ ،‬ولقد ترتب عىل ذلك أن أصبحت األماكن‬ ‫ز‬ ‫بيد السلطان‬
‫ي‬
‫الشيفان) ضمن الدولة العثمانية‪ ،‬وقبل‬ ‫المقدسة زف الحجاز (الحرمان ر‬
‫ي‬
‫ز‬
‫ذلك كانت كل من دمشق والقدس والقاهرة قد دخلت يف حوزة‬
‫العثمانيي‪ ،‬وبذلك صار لهؤالء وجود ز يف البحر األحمر حاولوا استكمال‬
‫ز‬
‫سيطرتهم عليه باالستيالء عىل اليمن‪.‬‬
‫‪ .5‬ضمااليمنا‪:1538‬ا ا‬
‫سلميا ز يف بادئ األمر‬
‫ًّ‬ ‫دخلت بالد اليمن تحت السيادة العثمانية‬
‫كما حدث بالنسبة للحجاز‪ ،‬وذلك عندما أصدر السلطان سليم أمرا‬
‫كس واليا عىل اليمن مثلما كان ز يف عهد المماليك‪،‬‬
‫بتثبيت إسكندر الجر ي‬
‫ز‬
‫بي القواد الجراكسة يف اليمن مما أدى إىل زعزعة‬ ‫إال أن ز ز‬
‫الباع استمر ز‬

‫‪38‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫العثمانيي إىل إرسال حملة بقيادة‬ ‫ز‬ ‫لعثماب‪ ،‬األمر الذي دفع‬ ‫ز‬ ‫النفوذ ا‬
‫ي‬
‫سليمان باشا الخادم عام ‪ ،١٥٣٨‬دخلت عدن ىببحيب من حاكمها‬
‫عامر ابن داود الطاهري‪ ،‬الذي كان ز يف نزاع مع إمام اليمن‪ ،‬إال أن الجنود‬
‫العثمانيي اعملوا فيها النهب والسلب‪ ،‬بل وغدر سليمان باشا الخادم‬ ‫ز‬
‫ز‬
‫العثمانيي‪ ،‬ولكن‬ ‫بأمب عدن نفسه مما كان له أسوأ األثر عىل سمعة‬
‫سليمان باشا الخادم فشل ز يف استدراج المام رشف الدين‪.‬‬
‫ئ‬
‫الست‬ ‫ثم حاولت الدولة العثمانية ز يف سنة ‪١٥٥١‬م أن تزيل األثر‬
‫مصطف‬‫ز‬ ‫الذي أحدثته سياستها فعينت واليا جديدا عىل اليمن وهو‬
‫الواىل ز يف ذلك‪.‬‬
‫ي‬ ‫باشا النشار من أجل التفاهم مع األئمة الزيدية‪ ،‬ونجح‬
‫العثماب ز يف اليمن إىل سبته األوىل‬ ‫ي‬
‫ز‬ ‫ولم يلبث أن عاد الحكم‬
‫والعثمانيي ونجح الزيديون ز يف‬
‫ز‬ ‫الباع ز‬
‫بي الزيدية‬ ‫السيئة‪ ،‬وتجدد ز ز‬
‫كبى‬ ‫طردهم من معظم جهات اليمن فأرسلت الدولة العثمانية حملة ر‬
‫لعادة فتح اليمن بقيادة سنان باشا (‪ )١٥6٩-١٥6٨‬م وهو ما يسم‬
‫اب لليمن‪ ،‬وخاض سنان باشا حربا عنيفة ضد‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫العثماب الث ي‬
‫ي‬ ‫بالفتح‬
‫يقىص بأن يحكم إمام الزيدية‬ ‫حت توصل الطرفان إىل اتفاق ز‬ ‫الزيدية ى‬
‫ي‬
‫الباع مرة أخرى ونجح الزيديون‬ ‫ز‬
‫العثماب‪ .‬ولكن تجدد ز ز‬ ‫باسم السلطان‬
‫ي‬
‫ز‬
‫العثمانيي من اليمن كله سنة‬ ‫انباع صنعاء وتعز وعدن‪ ،‬بل وأخرجوا‬ ‫زف ى ز‬
‫ي‬
‫العثماب إىل اليمن مرة أخرى‬ ‫ز‬ ‫‪١6٣6‬م‪ ،‬وعىل الرغم من عودة الحكم‬
‫ي‬
‫فقد ظلت الثورات تعم اليمن دون انقطاع‪.‬‬

‫ا‬
‫ا‬
‫ا‬
‫ا‬

‫‪39‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬
‫ً‬
‫تغال ا‪ .‬ا‬
‫اقاوالخليجاالعربا اومواجهةاالغزواالب ي ا‬
‫يا‬ ‫ثالثا‪-‬اضماالعر‬
‫قا‪ 1534‬ا‪ :‬ا‬
‫‪ .1‬ضماالعرا ا‬
‫والصفويي ز يف‬
‫ز‬ ‫ز‬
‫العثمانيي‬ ‫رأينا كيف أسفر الصدام األول ز‬
‫بي‬
‫العثمانيي عىل المناطق الشمالية‬‫ز‬ ‫جالديران سنة ‪ ،١٥١٤‬عن سيطرة‬
‫بي النهرين (كردستان‪ ،‬وديار بكر‪ ،‬والموصل)‪ ،‬أما العراق‬ ‫من بالد ما ز‬
‫وف عهد السلطان‬ ‫األوسط والجنوب فقد ظل تحت سيطرة الفرس‪ ،‬ز‬
‫ي‬ ‫ري‬
‫الست إىل منصب حاكم بغداد‪،‬‬ ‫ز‬ ‫المشع قفز ذو الفقار الكردي‬ ‫سليمان ر‬
‫ي‬
‫العثماب‪ ،‬إال أن الحكم الصفوي عاد إىل بغداد‪.‬‬ ‫ز‬ ‫وأعلن والءه للسلطان‬
‫ي‬
‫القانوب خطورة عودة الحكم‬ ‫ز‬ ‫وقد رأى السلطان سليمان‬
‫ي‬
‫الفارس للعراق عىل ما سبق أن حصلت عليه الدولة العثمانية‬ ‫ي‬
‫اعتب‬‫خصوصا وقد تحالف الشاه مع ملك المجر عدو السلطان الذي ر‬
‫ذلك خيانة لإلسالم؛ لذلك زحف السلطان سليمان بقواته عىل العراق‬
‫لفتح بغداد سنة ‪ ،١٥٣٤‬ورغم اهتمامه برفع شأن أهل السنة فقد كان‬
‫ً‬
‫معتدل ز يف معاملة الشيعة‪ ،‬ومنح السلطان للبرصة شبه استقالل تحت‬
‫تبي للسلطان أنه ال بد من إخضاعها للسيطرة‬ ‫قبائل المنتفق ‪،‬ولكن ز‬
‫ز‬
‫العثمانيي‬ ‫حت ال تحول ‪ -‬بحكم موقعها – ز‬
‫بي‬ ‫العثمانية بالكامل ى‬
‫تغاليي الذين كان ال بد من منازلتهم زف البحار ر‬
‫الشقية‪.‬‬ ‫ز‬ ‫الب‬
‫وأعدائهم ر‬
‫ي‬
‫ز‬
‫العثماب‪،‬‬ ‫وهكذا خضع العراق من الشمال إىل الجنوب للحكم‬
‫ي‬
‫ر‬
‫اسبده الفرس أكب من مرة‬ ‫للعثمانيي‪ ،‬فقد ى‬‫ز‬ ‫ًّ‬
‫نهائيا‬ ‫ومع ذلك لم يخلص‬
‫الثاب‪ ،‬إىل أن نجح السلطان مراد الرابع‬ ‫وبخاصة زف عهد الشاه عباس ز‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اسبداد العراق سنة ‪ ،١6٣٨‬ثم عاد نادر شاه لحصار بغداد سنة‬ ‫زف ى‬
‫ي‬
‫الواىل أحمد باشا‪ ،‬أي أن‬ ‫ي‬ ‫أهاىل بغداد بقيادة‬ ‫ي‬ ‫‪١٧٣٢‬م لوال استبسال‬
‫العثماب تماما إال ز يف منتصف القرن الثامن‬ ‫ي‬
‫ز‬ ‫العراق لم يخلص للحكم‬
‫عش تقريبا‪.‬‬ ‫ر‬

‫‪40‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫العرب ا‪ :‬ا‬
‫يا‬ ‫‪ .2‬ضماالخليجا‬
‫ز‬
‫العثماب‬ ‫اتخذ العثمانيون من البرصة بعد أن خضعت للحكم‬
‫ي‬
‫المباش سنة ‪ ١٥٤6‬قاعدة للتقدم ز يف الخليج والسيطرة عىل أقطاره‬ ‫ر‬
‫ز‬
‫صفويي‪.‬‬ ‫األوروب وال‬
‫ري‬ ‫وأقاليمه‪ ،‬وكانوا ز يف ذلك يواجهون الزحف‬
‫ز يف البداية لم يستطع العثمانيون تثبيت أقدامهم لعجزهم عن‬
‫تثبيت أقدامهم ز يف البرصة ذاتها‪ ،‬ولمقاومة العشائر العربية ولضعف‬
‫األسطول وبعده عن مراكز تموينه هذا إىل جانب المقاومة األجنبية أوربية‬
‫أو فارسية‪.‬‬

‫العرب بشكل عام كانوا يكنون عطفا‬ ‫ري‬ ‫ومن الثابت أن أمراء الخليج‬
‫العثماب بسبب الرابطة الدينية إىل جانب ارتباط‬ ‫ز‬ ‫كببا نحو السلطان‬
‫ي‬
‫مصالحهم السياسية واالقتصادية بالعراق ولذلك نجد أن شيوخ الكويت‬
‫العثماب ز يف البرصة‪.‬‬
‫ي‬
‫ز‬ ‫للواىل‬
‫ي‬ ‫عرضوا ز يف سنة ‪ ١٧١٨‬تقريبا الوالء‬
‫االبحرااألحمراوالخليجاالعرب ا‪.‬‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫اف‬
‫تغال ي‬
‫‪ .3‬مواجهةاالغ ازواالب ي‬
‫ز‬
‫العثمانيي عىل الحجاز واليمن أن‬ ‫كان من نتائج سيطرة‬
‫ز‬
‫تغاىل الذي استفحل يف المحيط‬‫الب ي‬‫أصبح عليهم مجابهة الخطر ر‬
‫الهندي‪ ،‬وعمل جاهدا عىل التخطيط لمهاجمة البحر األحمر‬
‫وتخريب مكة المكرمة والمدينة المنورة‪ ،‬وكذلك السيطرة عىل‬
‫ز‬
‫العثمانيي‬ ‫العرب‪ ،‬ولذلك ورث‬
‫ري‬ ‫المواب التجارية المهمة ز يف الخليج‬
‫زئ‬
‫عن المماليك تركة ثقيلة كانت تتطلب منهم بذي جهود جبارة‬
‫تغاليي ز يف تلك المناطق‪ ،‬أو عىل األقل وقف زحفهم ز يف‬
‫ز‬ ‫الب‬
‫لهزيمة ر‬
‫االستيالء عىل أماكن جديدة‪.‬‬
‫ز‬ ‫ّ‬ ‫ز‬
‫تغاليي إىل المحيط الهندي‬‫الب‬
‫وف حقيقة األمر فق أدى وصول ر‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المتوسط‪ ،‬ما‬ ‫عام ‪١٤٩٨‬م إىل خفض التدفق التجاري إىل البحر األبيض‬
‫ز‬ ‫ّ‬
‫تغاليي إىل المنطقة نقطة‬
‫الب‬
‫أثر سلبا عىل دولة المماليك‪ ،‬وكان وصول ر‬

‫‪41‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫ألكب من سبب؛ فقد‬ ‫تحول زف تاري ــخ المحيط الهندي والخليج العرب ر‬ ‫ّ‬
‫ري‬ ‫ي‬
‫عش‪ ،‬إىل تثبيت سيادتهم‬ ‫األول من القرن السادس ر‬ ‫سعوا خالل النصف ّ‬
‫المسلمي‪ ،‬وفرضوا بوجود‬‫ز‬ ‫التنفيذية زف المحيط الهندي بإبعاد ّ‬
‫التجار‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫سفنهم البحرية المسلحة نظام شاء تصاري ــح المرور البحرية عىل سفن‬
‫تحول التجارة ر‬ ‫حدد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ز‬ ‫ّ‬
‫الشقية من أيدي‬ ‫المسلمي غب المسلحة‪ .‬لقد‬ ‫التجار‬
‫بارعي ز يف التجارة البحرية‬ ‫ز‬ ‫عرب الخليج‪ ،‬الذين كانوا لقرون عديدة‬
‫وخوض البحار‪ ،‬بداية االنحدار االقتصادي ز يف المنطقة‪.‬‬
‫بي ز ئ‬
‫مواب‬ ‫البتغاليون قد استولوا عىل دور الوسيط التجاري ز‬ ‫كان ر‬
‫يمثلون الطور الطبيع الفطري فز‬ ‫ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫المحيط الهندي من أعضاء كانوا‬
‫ز‬ ‫ّ‬
‫المحليي التجارية‪،‬‬ ‫التجارة؛ وما لبثت أن تأثرت مجتمعات العرب‬
‫التحوالت‪ .‬وتحت تأثب‬ ‫ّ‬ ‫والمجتمعات األخرى ز يف المحيط الهندي بتلك‬
‫انتهاكاتهم وسيطرتهم‪ ،‬تركت المجتمعات العربية التجارية ز يف الخليج‬
‫تعرضت عدة‬ ‫والساحل‪ ،‬حيث تراجعوا مؤقتا نحو المناطق الداخلية‪ ،‬كما ّ‬
‫العرب لالنحدار‪.‬‬ ‫ري‬ ‫مدن تجارية ز يف عمان وسائر مدن الخليج‬
‫ّ‬
‫تغاىل منذ‬
‫الب ي‬ ‫وقد بدأ العثمانيون يتدخلون لمكافحة هذا الخطر ر‬
‫نسبيا‪ ،‬فقدموا ز يف البداية كل مساعدة ممكنة للمماليك‬ ‫ًّ‬ ‫وقت مبكر‬
‫المملوك‬ ‫تغاليي لألسطول‬ ‫ز‬ ‫الب‬
‫للتصدي لهذا الخطر‪ ،‬وبخاصة بعد تدمب ر‬
‫ي‬
‫ز يف معركة ديو البحرية المشؤومة‪ ،‬ز يف ساحل الهند عام ‪١٥٠٩‬م‪.‬‬

‫بعد استيالء السلطان سليم األول (‪ )١٥٢٠-١٥١٢‬عىل مرص‪،‬‬


‫تلقائيا‪ ،‬صار العثمانيون ز يف‬
‫ًّ‬ ‫وخضوع الحجاز واليمن للسيادة العثمانية‬
‫والشقية وجها لوجه‪ ،‬لكن‬ ‫ر‬ ‫تغاليي ز يف البحار الجنوبية‬
‫ز‬ ‫الب‬
‫مواجهة ر‬
‫تغاليي؛ نظرا لضعف‬ ‫ز‬ ‫الب‬ ‫ز‬
‫العثمانيي لم يتعجلوا المواجهة العسكرية مع ر‬
‫إمكاناتهم البحرية ز يف البحر األحمر‪ ،‬وأيضا النشغالهم بفتوحاتهم ز يف رش ى يف‬
‫اكتف العثمانيون‬ ‫أوربا‪ ،‬وبالحرب مع الدولة الصفوية المارقة‪ ،‬ولذلك فقد ز‬
‫ز‬
‫بالمقاتلي األشداء‪ ،‬واتخاذه‬ ‫ز‬
‫بتحصي ميناء جدة وشحنه‬ ‫ز يف بداية األمر‬

‫‪42‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫قاعدة للدفاع عن البحر األحمر‪ ،‬حيث عهد السلطان سليم األول إىل‬
‫العثماب الكبب سلمان ريس بأمر القيادة ز يف هذا الميناء‪ ،‬لحماية‬ ‫ي‬
‫ز‬ ‫القائد‬
‫يفي بصورة خاصة والبحر األحمر بصورة عامة‪.‬‬ ‫الش ز‬ ‫الحرمي ر‬ ‫ز‬

‫القانوب (‪١٥66-١٥٢٠‬م) وضعت‬ ‫ز‬ ‫وف عهد السلطان سليمان‬ ‫ز‬


‫ي‬ ‫ي‬
‫تغاىل ز يف‬
‫الب ي‬ ‫خطط إسباتيجية عىل أعىل مستوى لمكافحة الخطر ر‬
‫ى‬
‫ز‬
‫للصفويي‬ ‫ز‬
‫تغاليي‬ ‫الب‬ ‫العرب‪ ،‬بعد مد ر‬ ‫المحيط الهندي والخليج‬
‫ري‬
‫ز‬
‫الصفويي‬ ‫ز‬
‫العثمانيي لبغداد من سيطرة‬ ‫بالمعونات العسكرية‪ ،‬إثر تحرير‬
‫ز‬
‫العثماب يف ميناء السويس‪،‬‬ ‫ز‬ ‫سنة ‪١٥٣٤‬م‪ ،‬فتم بناء أسطول البحر األحمر‬
‫ي‬
‫وتجهبه بالمدافع والمعدات الحربية بشعة قياسية‪ ،‬برغم العقبات‬ ‫ز‬
‫الجغرافية‪ ،‬وبرغم الصعوبات الناتجة عن اضطرارهم الستباد الخشب‬
‫عب الصحراء من أجل بناء السفن‬ ‫ونقله من السكندرية إىل السويس ر‬
‫ز‬
‫وف عام ‪١٥٣٨‬م تحرك هذا األسطول نحو الهند معقل‬ ‫هناك‪ .‬ي‬
‫تغاليي‪ ،‬فافتتح هذا األسطول ز يف طريقه إىل الهند جميع السواحل‬ ‫ز‬ ‫الب‬
‫ر‬
‫والعرب‪ ،‬وعىل‬ ‫ر‬
‫العربية الجنوبية والشقية‪ ،‬الواقعة عىل البحرين األحمر‬
‫ري‬
‫تغاىل‬ ‫ى‬
‫الب ي‬
‫اتيج‪ ،‬الذي صار قاعدة للتصدي للخطر ر‬ ‫رأسها ميناء عدن السب ر ي‬
‫ز يف المحيط الهندي‪.‬‬

‫كانت أهم الحمالت العثمانية حملةاببياباشا (‪)١٥٥٢-١٥٥٠‬‬


‫البتغالية‬
‫الت تحركت من السويس إىل مسقط‪ ،‬واستولت عىل القلعة ر‬ ‫ى‬
‫ي‬
‫فرصبت‬ ‫فيها وأشت قائد حاميتها‪ ،‬ثم تقدمت الحملة إىل جزيرة هرمز‪ ،‬ز‬
‫ز‬
‫العثمانيي؛ لوال أن ببي باشا‬ ‫عليها حصارا محكما وكادت تسقط ز يف أيدي‬
‫قائد الحملة أمر برفع الحصار عنها فجأة‪ ،‬واتجه بسفنه إىل البرصة‪ ،‬ورأى‬
‫السلطان أن ترصف الباشا خيانة عظم؛ فأمر بإعدامه ومصادرة أمواله‪،‬‬
‫ولم يكن بمقدور الدولة العثمانية أن ترسل حمالت بحرية أخرى إىل‬
‫ز‬
‫تغاليي؛ ألن السالح البحري‬ ‫رش ى يف الجزيرة العربية أو الهند للتصدي ل رلب‬
‫عش‪.‬‬ ‫العثماب كان قد توقف عن النمو منذ منتصف القرن السادس ر‬ ‫ز‬
‫ي‬

‫‪43‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬
‫ز‬
‫الحرمي‬ ‫ز‬
‫العثمانيي عىل أمن‬ ‫ومع ذلك فقد ظل القلق يساور‬
‫تغاىل‬ ‫ز‬ ‫ر‬
‫الش ز‬
‫الب ي‬
‫يفي‪ ،‬وعىل وجودهم يف جنوب البحر األحمر‪ ،‬نظرا للوجود ر‬
‫القوي ز يف رشق إفريقيا عىل السواحل الغربية للبحر األحمر‪ ،‬المقابلة‬
‫لميناء جدة‪ ،‬وأيضا عىل سواحل المحيط الهندي‪ ،‬وخصوصا بعد أن نجح‬
‫البتغاليون ز يف إعادة بناء الدولة الحبشية المسيحية‪ ،‬كحليف قوي لهم‬ ‫ر‬
‫الت لم تكن مألوفة من قبل ز يف رش ى يف‬
‫ى‬ ‫ّ‬
‫هناك‪ ،‬وزودوها باألسلحة النارية‪ ،‬ي‬
‫ز‬
‫تغاليي‬ ‫الب‬ ‫ز ز‬
‫العثماب يف إضعاف قوة ر‬
‫ي‬ ‫إفريقيا‪ ،‬وأيضا لفشل األسطول‬
‫البحرية ز يف المحيط الهندي‪.‬‬

‫وشقا‬ ‫استقر رأي الباب العاىل عىل نضورةا فتحا السودانا ر‬


‫ي‬
‫ز‬
‫إفريقيا‪ ،‬وتأسيس والية عثمانية هناك لغالق البحر األحمر يف وجه‬
‫ّ‬
‫والا اليمنا‬ ‫البتغالية تماما‪ .‬وقد أعد هذها الخطةاأزدمراباشا‪ ،‬ا ي‬ ‫السفن ر‬
‫العثماب األول لها‪ ،‬والذي اشتهر‬ ‫ز‬ ‫السابق‪ ،‬الذي ينسب إليه الفتح‬
‫ي‬
‫ز‬
‫القانوب‬ ‫بالشجاعة والمهارة الحربية والعدل‪ ،‬وصادق السلطان سليمان‬
‫ي‬
‫عىل الخطة سنة ‪١٥٥٥‬م‪ ،‬وكلف أزدمر باشا نفسه بفتح هذه الجهة‬
‫لخبته بشئونها‪.‬‬
‫ر‬
‫وقد تحرك أزدمر من مرص ز يف نفس العام‪ ،‬عىل رأس ثالثة آالف‬
‫وه سواكن ومصوع وزيلع‬ ‫زئ ز ر‬
‫مقاتل‪ ،‬فافتتح أهم المواب يف شق إفريقيا‪ ،‬ي‬
‫ز‬
‫العثماب‪،‬‬ ‫وجميع سواحل البحر األحمر الفريقية‪ ،‬بمساعدة األسطول‬
‫ي‬
‫الش ى يف من إفريقيا‪،‬‬ ‫العثمانيي عىل الجزء الشماىل ر‬
‫ي‬
‫ز‬ ‫ومن ثم بسط سلطة‬
‫حت خليج عدن‪ ،‬واختار أزدمر مدينة مصوع عاصمة‬ ‫من حدود مرص ى‬
‫الت عرفت باسم والية الحبشة‪ ،‬وحولها إىل قاعدة‬ ‫ى‬
‫لهذه الوالية الجديدة‪ ،‬ي‬
‫تغاليي وحليفتهم مملكة الحبشة‪ ،‬وكانت قلعة‬ ‫ز‬ ‫الب‬‫عسكرية للحرب ضد ر‬
‫العثماب أحيانا‪ .‬وقد‬ ‫ز‬ ‫الواىل‬ ‫جدة جزءا من هذه الوالية‪ ،‬حيث كان يقيم بها‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫تغاليي واألحباش‪،‬‬ ‫ز‬ ‫الب‬ ‫ز‬
‫وف جهاد ر‬ ‫استمر أزدمر باشا واليا عىل هذه الوالية‪ ،‬ي‬
‫حت وفاته سنة ‪١٥6٠‬م‪.‬‬ ‫ى‬

‫‪44‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫وهكذا ّثبت العثمانيون سلطتهم عىل سواحل مضيق باب‬


‫موط قدم عىل‬ ‫ئ‬ ‫الجانبي‪ ،‬وحرموا مملكة الحبشة من أي‬‫ز‬ ‫المندب من‬
‫الغرب‪ ،‬وجعلوها دولة داخلية مغلقة‬ ‫ري‬ ‫الصوماىل‬
‫ي‬ ‫البحر األحمر‪ ،‬والساحل‬
‫تغاليي‪،‬‬ ‫ز‬ ‫الب‬‫وبي ر‬ ‫محارصة باليابس من كل اتجاه‪ ،‬وقطعوا االتصال بينها ز‬
‫البتغالية‪ ،‬وسفن القوى‬ ‫ز‬
‫وتم إغالق البحر األحمر‪ ،‬تماما يف وجه السفن ر‬
‫بتحصي ميناء عدن أفضل عناية‪،‬‬ ‫ز‬ ‫وعت العثمانيون‬ ‫األوربية األخرى‪ ،‬ز‬
‫ي‬
‫لكونه البوابة الحقيقية للبحر األحمر‪ ،‬والقاعدة المتقدمة لحماية‬
‫برتغاىل عىل سواكن‬ ‫يفي‪ ،‬ولذلك يرد آخر ذكر لهجوم‬ ‫الش ز‬‫الحرمي ر‬ ‫ز‬
‫ي‬
‫والسويس ز يف عام ‪١٥٥6‬م‪.‬‬
‫ن‬
‫مناالبحارافا‬
‫ي‬ ‫وقد عمل العثمانيون عىل منعاالسفنااألوروبي اة ا‬
‫البحرااألحمر‪ ،‬أبعد من ميناء المخا‪ ،‬الواقع ز يف أقىص جنوب هذا البحر‪،‬‬
‫العثماب‪،‬‬ ‫ي‬
‫ز‬ ‫والذي حل محل ميناء عدن‪ ،‬ز يف النشاط التجاري خالل العهد‬
‫تدريجيا تقليدا جديدا‪ ،‬أال وهو تحديد نطاق توغل‬ ‫ًّ‬ ‫ورسخ العثمانيون‬
‫ز‬
‫الحرمي‬ ‫السفن األوربية ز يف البحر األحمر أبعد من ميناء المخا‪ ،‬نظرا لكون‬
‫يفي يقعان عىل مقربة من ساحل هذا البحر‪ ،‬وكانت محاوالت‬ ‫الش ز‬ ‫ر‬
‫الشير لتدمب‬ ‫تغاليي المحمومة للوصول إىل جدة لتنفيذ مخططهم ر‬ ‫ز‬ ‫الب‬ ‫ر‬
‫مبرا كافيا ىلبسيخ هذا التقليد‪ ،‬وبذلك تم تحويل البحر األحمر إىل‬ ‫مكة ر‬
‫بحبة إسالمية‪ ،‬ولم يكن يسمح بالبحار فيها إال للسفن السالمية‪.‬‬

‫وف الوقت الذي تحمل العرب والعثمانيون أعباء المقاومة‬ ‫ز‬


‫ي‬
‫ز‬
‫تغاليي‬ ‫الب‬
‫تغاىل‪ ،‬فقد رحب الفرس ومنذ البداية بالغزاة ر‬ ‫الب ي‬‫للوجود ر‬
‫ز‬
‫تغاليي‬ ‫الب‬ ‫ز‬ ‫وعقدوا معهم معاهدة تضمنت ى‬
‫الصفويي باستيالء ر‬ ‫اعباف‬
‫العرب‬ ‫ري‬ ‫والبتغال ز يف الخليج‬ ‫بي فارس ر‬‫عىل هرمز‪ ،‬وقيام تحالف عسكري ز‬
‫العرب‪.‬‬
‫ري‬ ‫ظاهره ضد الدولة العثمانية وحقيقته ضد الوجود‬
‫وهكذا نرى أن األمر الواقع ز يف ذلك الوقت صار يتمثل ز يف سيطرة‬
‫تغاليي عىل المحيط الهندي فحسب بينما سيطر العثمانيون عىل‬ ‫ز‬ ‫الب‬‫ر‬

‫‪45‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬
‫ز‬
‫تغاليي من بحار‬ ‫الب‬ ‫ز‬
‫البحر األحمر‪ ،‬وإذا كان العثمانيون لم ينجحوا يف طرد ر‬
‫الهند فقد أنقذوا البحر األحمر واألقطار الواقعة عىل شطآنه من الخطر‬
‫تغاىل وتركز االهتمام من السلطان سليمان عىل البحر األحمر الذي‬ ‫الب ي‬‫ر‬
‫الجنوب (اليمن وعدن)‪،‬‬
‫ري‬ ‫تسيطر الدولة العثمانية عليه وعىل مدخله‬
‫ولتسهيل هذه المهمة نقل العثمانيون مركز أسطولها من السويس إىل‬
‫مخا‪ ،‬وأخذت سفنهم تراقب السواحل الجنوبية للجزيرة العربية وتهاجم‬
‫الغرب من المحيط الهندي‪.‬‬
‫ري‬ ‫الشماىل‬
‫ي‬ ‫البتغال ز يف القسم‬
‫سفن ر‬
‫ن‬
‫العثمانييا‬ ‫التا جعلتا‬ ‫وقدا تساءلا الباحثونا عنا األسبابا ي‬
‫ز‬ ‫ر‬
‫امناالبحاراالشقية وذهبوا يف هذا السبيل‬ ‫ن‬
‫تغاليي‬ ‫يعجزوناعناطر اداالب‬
‫ا‬
‫الت حصل عليها العثمانيون‬ ‫ى‬ ‫مذاهب ى‬
‫الخبة البحرية ي‬ ‫ر‬ ‫شت منها أن‬
‫البتغاليون الذين التحم‬ ‫ز‬
‫اكتسبوها يف البحر المتوسط بينما كان البحارة ر‬
‫معهم العثمانيون ز يف البحر األحمر أو المحيط الهندي او الخليج أفضل‬
‫تغاليي كأمة بحرية رشعوا ز يف ركوب البحار قبل‬ ‫ز‬ ‫الب‬ ‫ز‬
‫العثمانيي ألن ر‬ ‫من‬
‫حت أصبحوا أبرز أمة بحرية‬ ‫فبة زمنية طويلة ى‬ ‫العثمانيي‪ ،‬وعىل مدى ى‬ ‫ز‬
‫متقدمة ز يف العالم‪ ،‬ولم يصلوا إىل الهند إال بعد أن اضطروا للمالحة من‬
‫الغرب والدوران حول رأس الرجاء‬ ‫ري‬ ‫لشبونة عىل طول ساحل أفريقيا‬
‫عب المحيط الهندي مما أكسبهم‬ ‫الصالح‪ ،‬ثم ساحل أفريقيا ر ى‬
‫الش يف‪ ،‬ثم ر‬
‫الب إىل البحر‪.‬‬
‫خبة وتدريب بينما كان العثمانيون أمة برية‪ ،‬ثم تحولوا من ر‬ ‫ر‬
‫العثمانيي وإن أظهروا شجاعة ز يف قتال‬ ‫ز‬ ‫يضاف إىل ذلك أن‬
‫ز‬
‫تغاليي كما هو معروف عنهم فإن هذه الشجاعة لم تنجح يف تعويض‬ ‫ز‬ ‫الب‬‫ر‬
‫البحريي الذين صدرت منهم ترصفات‬ ‫ز‬ ‫وجي بعض قادتهم‬ ‫وموازنة غباء ر ز‬
‫شاذة مثل سليمان باشا الخادم وببي ريس‪ ،‬إضافة إىل ذلك أنه كان لدى‬
‫المواب الصالحة بينما كان العثمانيون يفتقرون إىل‬ ‫زئ‬ ‫تغاليي الكثب من‬ ‫ز‬ ‫الب‬ ‫ر‬
‫ز‬
‫الت تمكنهم من االستمرار يف الرصاع فلم يكن‬ ‫ى‬
‫القواعد العسكرية البحرية ي‬
‫مواب صالحة كما أن ميناء البرصة‬ ‫ز‬ ‫الشقية سوى أربعة‬ ‫لديهم زف المياه ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ز‬
‫البتغاليي أنه كان لديهم نظام‬ ‫ر‬
‫ميناء نهري أكب منه ميناء بحري ومما كفة ر‬

‫‪46‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫يبت العثمانيون أساطيل ز يف‬


‫للتجسس قوي بشكل جعل من المتعذر أن ز‬
‫ز‬
‫تغاليي فيعدون العدة‬ ‫الب‬
‫السويس أو البرصة دون أن تصل أخبارها إىل ر‬
‫لمواجهتها‪.‬‬

‫العثمانيي هو عدم تمكنهم من‬ ‫ز‬ ‫ولعل من أقوى األسباب لفشل‬


‫تغاىل بسبب ا‬ ‫ز‬
‫الب ي‬ ‫تكوين جبهة إسالمية موحدة تقف يف وجه الزحف ر‬
‫الخالف مع الدولة الصفوية ز يف فارس‪ ،‬كما فشلوا؟ تجميع القوى البحرية‬
‫وشق أفريقيا‪.‬‬ ‫الموجودة عىل سواحل الخليج والجزيرة العربية ر‬

‫العثمانيي لم ينجحوا ز يف طرد‬


‫ز‬ ‫ومع ذلك يمكن القول بأنه إذا كان‬
‫الشقية واستئصال شأفتهم فقد وقفوا موقف‬ ‫تغاليي من البحار ر‬
‫ز‬ ‫الب‬
‫ر‬
‫والسالم من أن يجتاحها‬ ‫العرب‬ ‫الدفاع ودافعوا عن أقطار ر‬
‫الشق‬
‫ي‬ ‫ري‬
‫العثمانيي ينجحون ز يف‬
‫ز‬ ‫البتغاليون كما نتساءل عن السبب الذي جعل‬ ‫ر‬
‫ز‬
‫العرب ونجد أن السبب يف ذلك يرجع إىل أن‬ ‫طرد السبان من المغرب‬
‫ري‬
‫أهاىل شمال أفريقية هم الذين تحملوا عبء الكفاح ضد السبان‬ ‫المغاربة ي‬
‫وهؤالء المغاربة كانوا بحارة مهرة بطبيعتهم‪ ،‬كما كان من السهل توصيل‬
‫عب البحر المتوسط بينما‬ ‫ز‬
‫مواب شمال أفريقيا ر‬ ‫ي‬ ‫المدادات العثمانية إىل‬
‫اب البرصة والسويس يحتاج إىل عبور‬ ‫ز‬
‫كان وصول هذه المدادات إىل مو ي‬
‫ز‬
‫العثمانيي إىل‬ ‫مناطق برية وصحراوية مما يخلق مشقة وهذا ما دفع‬
‫التفكب ز يف حفر قناة السويس‪.‬‬

‫البتغالية‬
‫وال تستطيع أن نختم الحديث عن المواجهة العثمانية ر‬
‫ز‬
‫تغاليي‬ ‫الب‬ ‫ز‬
‫يف البحر األحمر بالذات دون الحديث عن عالقة كل من ر‬
‫ز‬
‫الفريقي أهمية الحبشة للسيطرة‬ ‫ز‬
‫والعثمانيي بالحبشة‪ ،‬لقد أدرك كال‬
‫عىل طريق البهار لقربــها من البحر األحمر والمحيط الهندي فكانت‬
‫للبك أنها تساعدهم ز يف السيطرة عىل البحر األحمر وابعاد‬‫أهميتها ى‬
‫تغاليي من أن يتواجدوا فيه لذلك فإن البابا بيوس الرابع حذر‬‫ز‬ ‫الب‬
‫ر‬
‫تغاليي ز يف عام ‪١٥6٣‬م من أنهم إذا ضاعت منهم الحبشة‪ ،‬ضاعت‬ ‫ز‬ ‫الب‬‫ر‬

‫‪47‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬
‫منهم الهند أيضا؛ ولذلك كان البتغاليون ّ‬
‫يعولون كثبا عىل التحالف مع‬ ‫ر‬
‫ز‬
‫والمسلمي‪،‬‬ ‫األحباش؛ إذ كان يجمعهم هدف واحد هو معاداة السالم‬
‫المذهت ز‬
‫بي األحباش‬ ‫ري‬ ‫والرغبة ز يف القضاء عليهم‪ ،‬لوال االختالف‬
‫البتغاليون تحويل األحباش‬ ‫ز‬
‫تغاليي الكاثوليك‪ ،‬وحاول ر‬ ‫والب‬
‫األرثوذكس ر‬
‫إىل الكاثوليكية مما أدى إىل نفور األحباش‪.‬‬
‫ز‬
‫تغاليي‪ ،‬كان‬ ‫والب‬
‫ومن أجل الحيلولة دون تعاون األحباش ر‬
‫العثمانيون يقومون بمد يد العون والسالح لإلمارات السالمية المحيطة‬
‫بالحبشة والمعروفة باسم "إمارات الطراز"‪ ،‬وذلك لتمكينها من االستمرار‬
‫ز‬
‫تغاليي‪ ،‬ومن‬ ‫الب‬‫حت تنشغل الحبشة عن مساعدة ر‬ ‫زف محاربة األحباش‪ ،‬ى‬
‫ي‬
‫الغرب للبحر األحمر‪ ،‬قام‬
‫ري‬ ‫موط قدم لهم عىل الساحل‬ ‫ئ‬ ‫أجل إقامة‬
‫العثمانيون ز يف زبيد باليمن بإرسال قوات من المشاة والمدفعية إىل أحمد‬
‫ز‬
‫العثمانيي‬ ‫جران‪ ،‬الذي كان ثائرا ز يف مدينة هرر عام ‪١٥6٢‬م‪ ،‬كما أن‬
‫نجحوا ز يف عام ‪١٥٧٢‬م ز يف بناء قلعة اتخذوها قاعدة للسيطرة عىل ساحل‬
‫الحبشة‪ ،‬بل وتحول هذا الميناء إىل مقاطعة بايلربكية (والية)‪ ،‬إال أن‬
‫ز‬
‫العثمانيي فرصة كببة لالحتفاظ بأسطول‬ ‫يعط‬ ‫ئ‬
‫موط القدم هذا كان ال‬
‫ي‬
‫البتغال‪ ،‬وهذا‬ ‫قوي‪ ،‬وهو أمر له أهميته للدفاع عن أنفسهم ضد ر‬
‫ز‬
‫العثمانيي كثبا‪ ،‬وبخاصة أنه كان عليهم جلب المواد‬ ‫األسطول كان يكلف‬
‫الخام الالزمة لصناعة السفن من األناضول‪.‬‬

‫ا‬

‫‪48‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬
‫ن‬
‫ومواجهةاالغزواالسباب ا‪ .‬ا‬ ‫ا‬‫ا‬
‫المغرباالعرب‬ ‫ا‬‫ام‬ ‫ضم‬‫ان‬‫ا‬‫‪-‬‬ ‫ا‬ ‫ر ً‬
‫ابع‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫العرب‪ ،‬كان‬ ‫البتغاىل زف ر‬
‫الشق‬ ‫مثلما واجه العثمانيون الخطر ر‬
‫ري‬ ‫ي ي‬
‫االمغرباالعرب (شمال إفريقيا) فز‬ ‫ن ن‬
‫ي‬ ‫يا‬ ‫اف‬
‫الخطراالسباب ي‬
‫ي‬ ‫عليهم أن يواجهوا‬
‫البحر المتوسط‪ ،‬حيث كانت الهجمة السبانية رشسة عىل ساحل شمال‬
‫الت اتخذوها مخلب قط‬ ‫ى‬ ‫زئ‬
‫إفريقيا‪ ،‬وسيطروا عىل بعض المواب المهمة‪ ،‬ي‬
‫السالم هناك‪ ،‬كما‬
‫ي‬ ‫للوثوب عىل المناطق العربية‪ ،‬وتقويض الوجود‬
‫ز‬
‫المسلمي منها عام ‪.١٤٩٢‬‬ ‫فعلوا من قبل ز يف األندلس وطردهم‬
‫عش ازداد اهتمام إسبانيا بشمال‬ ‫ومنذ أوائل القرن السادس ر‬
‫الجنوب للبحر المتوسط‬
‫ري‬ ‫أفريقيا وتطلعت إىل بسط سيادتها عىل الحوض‬
‫وبدأ السبان ينفذون وصية الملكة إيزابيال باحتالل شمال إفريقيا‪،‬‬
‫وتحويل أهلها إىل المسيحية‪ .‬واستمر الهجوم عىل ز ئ‬
‫مواب شمال إفريقيا‪،‬‬
‫المغرب‪ ،‬وأخذت‬ ‫بميناب (سبتة ومليلة) عىل الساحل‬‫ئ‬ ‫واحتفظت إسبانيا‬
‫ري‬ ‫ي‬
‫سفنها تعمل بحرية تامة أمام سواحل المغرب‪.‬‬

‫الفبة عىل أن أهل المغرب‬ ‫ويدل تاري ــخ المغرب العرب زف تلك ى‬
‫ري ي‬
‫تبت مسألةا الجهادا البحري‪ ،‬ولقد أخطأ الكثبون‬ ‫مسوقي إىل ز‬
‫ز‬ ‫كانوا‬
‫الت كان‬‫ى‬
‫عندما أطلقوا عىل أعمال الغزو والحرب البحرية غب النظامية ي‬
‫أهل المغرب يقومون بها اسم قرصنة أو لصوصية؛ ولكنها كانت ز يف‬
‫الوقت نفسه ليست إال لونا من ألوان الجهاد البحري‪.‬‬

‫نا‬
‫للعثمانييا‪ 1518‬ا‪ .‬ا‬ ‫‪ .1‬انضماماالجزائ ارا‬
‫كانت مدينة الجزائر قد ازدهرت زف أواخر القرن الخامس ر‬
‫عش‪،‬‬ ‫ي‬
‫ز‬
‫الهاربي من إسبانيا بعد سقوط غرناطة عام ‪،١٤٩٢‬‬ ‫وزاد من ذلك توافد‬
‫ز‬
‫الهاربي من الصناع المهرة‪ ،‬الذين أخذوا يمارسون‬ ‫وكان معظم هؤالء‬
‫صناعتهم القديمة ز يف وطنهم الجديد‪ ،‬ولكنهم لم يأمنوا عىل أنفسهم‬
‫والسبان يهددون مدينتهم الجزائر بالغزو والنهب‪ ،‬وإزاء ذلك كان عىل‬
‫أمراء الجزائر من أن يختاروا ز‬
‫بي واحد من ثالثة أمور‪ :‬إما توجيه قواهم‬

‫‪49‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫كلها نحو البحر لمحاربة القرصنة السبانية‪ ،‬وإما التسليم لإلسبان الذين‬
‫هددوا بالدهم بالغزو والخضوع لهم‪ ،‬وإما الدخول ز يف حماية أحد كبار‬
‫المسلمي الذين دانت لهم البحار والثغور السالمية كلها ز يف‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫المالحي‬
‫ز‬
‫الحي‪.‬‬ ‫ذلك‬
‫المسلمي ز يف القرن‬
‫ز‬ ‫بي أسماء رجال البحر‬ ‫ولقد لمعت من ز‬
‫عروج وأخوه خب‬ ‫عش أسماء سجلها التاري ــخ بكل فخر‪ ،‬مثل بابا ّ‬ ‫السادس ر‬
‫الدين بارباروس ‪ Barbarous‬ذي اللحية الحمراء‪ ،‬ولقد ذاق عروج األش‬
‫المسيحيي‪ ،‬إال أنه أفلح ز يف الهرب بعد قليل ونجح ز يف العودة إىل‬
‫ز‬ ‫ز يف سفن‬
‫واشبك مع أخيه خب‬ ‫ى‬ ‫بالده‪ ،‬وعمل ز يف سفن الدولة الحفصية ز يف تونس‪،‬‬
‫الدين ز يف إنشاء مركز لهما ز يف جزيرة جربة‪ ،‬وقد استأذنا ز يف ذلك سلطان‬
‫الحفىص‪.‬‬
‫ي‬ ‫تونس ز يف ذلك الوقت أبا عبد هللا محمد بن الحسن‬
‫عروج الذي‬ ‫ز‬
‫العثماب بالجزائر إىل ّ‬
‫ًي‬ ‫ويرجع الفضل ز يف قيام الحكم‬
‫قاتل السبان وحليـفـهـم صاحب تلمسان قتال مريرا‪ ،‬وداهم السبان‬
‫الب بعد أن سيطر عىل‬ ‫ز‬
‫بأسطوله يف ميناء بجاية بالجزائر‪ ،‬وعندما نزل إىل ر‬
‫الفريقي قتال شديد اضطر عروج إزاءه‪،‬‬ ‫ز‬ ‫الميناء التقاه السبان ودار ز‬
‫بي‬
‫تحي الفرص‬ ‫عروج ي ّ ز‬ ‫فبة أخذ ّ‬ ‫إىل التقهقر والعودة إىل تونس‪ ،‬وبعد ى‬
‫الت استوىل عليها السـبـان عـام ‪.١٥١٠‬‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫السبداد مدينة الجزائر ي‬
‫ومن ناحية أخرى عمل سكان الجزائر عىل التخلص من الحكم‬
‫توم زعيم زبت فرغانة فرصـة مـوت الملك‬ ‫ز‬
‫سباب‪ ،‬فانتهز سالم بن ي‬‫ال ي‬
‫عروج يستنجد به عىل السبان؛ فسارع اىل تلبية‬ ‫فرديناند‪ ،‬وأرسل إىل ّ‬
‫بي ترحيب‬ ‫النداء ووصل اىل ثغر الجزائر الذي استوىل عليه زف شعة ز‬
‫ي‬
‫السكان واستقبال األعيان الحافل عىل اعتبار أنه المنقذ لحريتهم‪ ،‬غب أن‬
‫ً‬
‫وم الذي أخذ ز يف تدبب مؤامرة‬
‫ي‬ ‫ت‬ ‫بن‬ ‫وسالم‬ ‫وج‬ ‫بي ّ‬
‫عر‬ ‫طويل ز‬ ‫الوئام لم يدم‬
‫عروج‬ ‫ز‬
‫عروج وأخيه‪ ،‬وإقامة حكومة مستقلة ف الجزائر‪ ،‬إال أن ّ‬ ‫الغتيال ّ‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫تمكن من القبض عليه وقتله‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬
‫ز‬
‫العثماب‬ ‫عىل أن إسبانيا لم تقف مكتوفة األيدي إزاء التدخل‬
‫ي‬
‫عروج‪ ،‬فتحالفت مع‬ ‫المبايد زف شمال أفريقيا‪ ،‬وقررت أن تواجه قوات ّ‬
‫ىز‬
‫ي‬
‫ى‬
‫المشبكة عىل الجزائر‪،‬‬ ‫أب حمو‪ ،‬صاحب تلمسان‪ ،‬وزحفت الجيوش‬ ‫ري‬
‫ولكن هزم السبان هزيمة منكرة ودخل عروج مدينة الجزائر منترصا‪،‬‬
‫عروج عىل غزو تلمسان‪ ،‬وهزم قواتها وأصبح‬ ‫وبعد ذلك قويت عزيمة ّ‬
‫يشكل تهديدا خطبا للقاعدة السبانية ز يف وهران؛ ولذلك أشع السبان‬
‫عروج‬ ‫المشبكة زف النهاية من محارصة ّ‬
‫ى‬ ‫بنجدة تلمسان‪ ،‬وتمكنت القوات‬
‫ي‬
‫وقتله ز يف عام ‪ ١٥١٨‬وتشتيت أتباعه‪.‬‬

‫عروج أخـوه خب الدين بارباروس‪ ،‬الذي كانت تسيطر عليه‬ ‫خلفـ ّ‬


‫العثماب سليم‪ ،‬ووضع‬‫ز‬ ‫عاطفة دينية صادقة‪ ،‬فطلب حماية السلطان‬
‫ي‬
‫نفسه ز يف خدمته‪ ،‬ولقد وقع ترصفه من نفس السلطان سليم موقعا طيبا‬
‫ّ‬
‫وخلع عليه لقب باشا ولقبه بأمـيـر األمـراء أو (بكلب بك الجزائر) وأمـده‬
‫بألفي من الجنود‪ ،‬ومدفعية قوية‪ ،‬وبعض قـوات من النكشارية‪ ،‬وظل‬ ‫ز‬
‫بت‬ ‫ز ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫الرصاع دائرا بي قوات بارباروس وبي السبان من جهة‪ ،‬وبينه وبي ي‬
‫وف مايو عام‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫زيان يف تلمسان وبت حفص يف تونس من جهة أخرى‪ ،‬ي‬
‫‪ ١٥٢٩‬استطاع خب الدين أن يستوىل عىل الجزائر ‪ ،‬ثم استمر ز يف عملية‬
‫توحيد مناطق شمال أفريقيا‪.‬‬
‫ز‬
‫لتأمي‬ ‫وقد رأى خب الدين أن ضم تونس هو خب وسيلة‬
‫وف عام ‪١٥٣٤‬‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫المواصالت بينه وبي السلطنة العثمانية يف إستانبول‪ ،‬ي‬
‫وف‬ ‫ز ز‬ ‫ز‬ ‫زز‬
‫استوىل عىل ميناء ببرت – يف تونس ‪ -‬بعد قهر مقاومة الحفصيي‪ ،‬ي‬
‫بت حفص ولم يسع أبو محمد‬ ‫ز‬
‫نفس الوقت أعلن بارباروس سقوط دولة ي‬
‫الحسن إال الفرار إىل القبوان‪ ،‬ثم االلتجاء إىل ملك إسبانيا بعد أن خذله‬
‫أهل تونس وفتحوا أبواب المدينة لخب الدين وجنوده‪ ،‬ووافق ملك‬
‫أب الحسن ألنه أدرك أن جميع المكاسب السبانية‬ ‫إسبانيا عىل مساعدة ر ي‬
‫تبف إذا تـرك خب الدين وشأنه‪.‬‬‫عىل ساحل شمال أفريقيا ال يمكن أن ى‬

‫‪51‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫البية‬ ‫ز‬
‫وف أوائل يونيو عام ‪ ١٥٣٥‬خرجت من برشلونة الحملة ر‬ ‫ي‬
‫الكبى وكانت تضم أربعمائة سفينة و ‪ ۲۸۰۰۰‬جندي‪ ،‬وبفضل هذا‬ ‫ر‬
‫المحليي؛ تمكن ملك‬ ‫ز‬ ‫التـفـوق العـددي واعـتـمـادا عىل خـيـانة األمراء‬
‫ز‬
‫إسبانيا بسهولة من االستيالء عىل تونس‪ ،‬وكاد خب الدين أن يقع يف األش‪،‬‬
‫ولكن بدل أن يفر إىل إستانبول ‪ -‬كما كان متوقعا ‪ -‬ذهب إىل جزر البليار‪،‬‬
‫ً‬
‫وشن غارة فجائية عليها‪ ،‬ثم عاد إىل الجزائر حامل معه ستة آالف أسب‪،‬‬
‫الحفىص إىل الحكم‬
‫ي‬ ‫ولم تحقق حملة تونس النجاح‪ ،‬فرغم إعادة الحسن‬
‫ز يف تونس وقبوله الحماية السبانية؛ إذ عقد السبان معه اتفاقا لضمان‬
‫مصالحهم‪ ،‬وبالغوا ز يف االنتقام من أهل تونس النضمامهم لخب الدين‪.‬‬
‫ظلت الجزائر محتفظة بقوتها البحرية ى‬ ‫ّ‬
‫الت جعلت المالحة‬ ‫ي‬ ‫وقد‬
‫ًّ‬
‫ز يف البحر المتوسط عسبة جدا بالنسبة لألساطيل السبانية‪ ،‬وحاول ملك‬
‫القوة زف الجزائر‪ ،‬ولم ير ًّ‬
‫مفرا من القيام‬ ‫يقىص عىل مركز هذه ّ‬ ‫إسبانيا أن ز‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫بحملة أخرى لالستيالء عىل الجزائر بالقوة‪ ،‬فخرجت حملة ز يف عام‬
‫‪ ،١٥٤٢‬ولكنها فشلت أمام سواحل الجزائر‪ ،‬وال شك أن فشل ملك‬
‫إسبانيا أمام الجزائر قد أثر عىل هيبته ز يف أوروبا‪ ،‬والمهم أن السبان لم‬
‫يفكروا بعد هذا – لمدة طويلة – ز يف إعادة الكرة ضد الجزائر‪.‬‬
‫ن‬
‫ضماليبيااللعثمانييا‪ 1551‬ا‪ .‬ا‬ ‫‪.2‬‬
‫عش انتقل الرصاع ز‬
‫بي‬ ‫الثاب من القرن السادس ر‬
‫ي‬
‫ز‬ ‫ز يف النصف‬
‫الش ى يف للبحر المتوسط‪.‬‬ ‫العثمانيي من الجزائر إىل تونس والحوض ر‬ ‫ز‬
‫ز‬
‫مهتمي‬ ‫وكانت إسبانيا قد احتلت طرابلس عام ‪ ،١٥١٠‬لكن السبان كانوا‬
‫أكب من اهتمامهم بإدارة المدينة‪ ،‬و ز يف عام ‪،١٥٣٠‬‬
‫بالسيطرة عىل الميناء ر‬
‫تنازل ملك إسبانيا عن مدينة طرابلس إىل فرسان القديس يوحنا؛‬
‫ز‬
‫العثمانيي‪.‬‬ ‫كتعويض عن طردهم من جزيرة رودس عىل يد‬
‫العثمانيي وقائدهم خب الدين ز يف محاربة‬
‫ز‬ ‫ونتيجة انشغال البحارة‬
‫ّ‬ ‫السبان زف الجزائر‪ ،‬ى‬
‫لفبة طويلة من الوقت‪ ،‬تمكن فرسان القديس يوحنا‬ ‫ي‬
‫ى‬ ‫ز‬
‫من االستمرار يف سيطرتهم عىل طرابلس‪ ،‬واستمر الحال حت وفاة خب‬

‫‪52‬‬
‫ولة العثْ َمانِيَّ ِة‬
‫لد ِ‬‫الع َربِيَّة لِ َّ‬
‫ض ُّم األَقْطَار َ‬
‫الفصل الثالث‪َ :‬‬

‫ي درغوث رئيس‪ ،‬ز يف منصب قبطان األساطيل العثمانية‪ ،‬وبعد‬ ‫الدين وع ز‬


‫ز‬
‫العثماب‪ ،‬وضع سنان باشا ودرغوث‬ ‫أهاىل طرابلس إىل السلطان‬
‫ي‬ ‫استنجاد ي‬
‫رئيس خطة لتحرير طرابلس من فرسان القديس يوحنا وذلك بالهجوم‬
‫واىل مرص سنان باشا وهجوم بحري يقوم‬ ‫ر‬
‫البي من ناحية الشق بقيادة ي‬ ‫ر‬
‫به درغوث باشا باألساطيل العثمانية من ناحية الشمال‪ ،‬ففرضا عليها‬
‫حصارا دام أسبوعا واحدا‪ ،‬وبتكتيك الكماشة المحكم استطاع العثمانيون‬
‫تحرير طرابلس ز يف ‪ ١٥‬أغسطس ‪.١٥٥١‬‬

‫‪ .3‬ضماتونسا‪.15٧4‬ا‬
‫كانت تونس تخضع للدولة الحفصية‪ ،‬وهذه الدولة كان حاكمها‬
‫حت إنه استعان بهم لطرد خب الدين بارباروس –‬ ‫يتعاون مع السبان‪ ،‬ى‬
‫وارتىص بأن يكون تابعا لهم‪ ،‬ونظرا‬ ‫ز‬ ‫كما تمت الشارة – ثم خضع لإلسبان‬
‫ز‬
‫العثماب الجزائر‬
‫ي‬ ‫لهذا الوضع ز يف تونس‪ ،‬وما يمثله من خطورة عىل الوجود‬
‫العثماب أوامره إىل سنان باشا‪ ،‬وقلج‬ ‫ز‬ ‫وطرابلس؛ ولهذا أصدر السلطان‬
‫ي‬
‫ًّ‬
‫بالتوجه اىل تونس الستعادتها وفتحها نهائيا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عىل باشا‬
‫ي‬
‫توجهت القوات العثمانية من طرابلس الغرب‬ ‫وف عام ‪١٥٧٤‬م ّ‬ ‫ز‬
‫ي‬
‫عىل‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والجزائر‪ ،‬وانضمت إليها قوات عثمانية بقيادة سنان باشا وقلج ي‬
‫عىل ز يف االستيالء عىل حلق الوادي بعد أن فرض عليها حصارا‬ ‫ونجح قلج ي‬
‫ز‬
‫محكما‪ ،‬ونجح سنان باشا يف االستيالء عىل تونس‪ ،‬وتال ذلك اخضاع‬
‫البالد التونسية كلها‪ ،‬وبذلك انتىه عهد الدولة الحفصية‪.‬‬
‫ًّ‬
‫وقد وضع خروج تونس من يد السبان حدا لنفوذها ز يف شمال‬
‫ي ز يف رصاعهم معهم ز يف منطقة غرب‬ ‫ّ‬
‫العثماني ز‬ ‫أفريقيا‪ ،‬كما أنهم هزموا أمام‬
‫المتوسط‪ .‬وباالستيالء عىل هذه القواعد أصبحت تحركات‬ ‫ّ‬ ‫البحر األبيض‬
‫المتوسط آمنة تماما‪ .‬وبما أن تونس‬ ‫ّ‬ ‫ز‬
‫البواخر العثمانية يف البحر األبض‬
‫ز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العثماب‬
‫ي‬ ‫العثمانية فإن ساحة النفوذ‬ ‫أصبحت تابعة بشكل كامل للدولة‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫زف شمال أفريقيا قد ّ‬
‫وتمددت لتشكل رشيطا متصل‪.‬‬ ‫توسعت‬ ‫ي‬

‫‪53‬‬

You might also like