You are on page 1of 91

–8 9 %: ; ' 3

:( $' ) " #$ $% &' ( &'

+' + + +
7 , - ./0' 123 4 5 6 & <3 '

: !: : =

> ' #? &

2017 -2016 : '@ 6


–8 9 %: ; ' 3
!

:( $' ) " #$ $% &' ( &'

+' + + +
7 , - ./0' 123 4 5 6 & <3 '

: !: : =

> ' #? &

2017 -2016 : '@ 6


‫التعريف بمقياس املالية العامة‬
‫يتمحور موضوع مقياس املالية العامة حول فكرة احلاجات العامة‪ ،‬و نشأة و تطور مفهوم املالية العامة‪،‬‬
‫و حتديد مفهوم النفقات العامة و مصادر متويلها‪ ،‬و رضورة املوازنة بينهام‪ ،‬و دراسة املوازنة العامة من خالل بيان‬
‫مفهومها و إجراءات حتضريها و اعتامدها و تنفيذها و الرقابة عليها‪.‬‬

‫الفئة املستهدفة‬
‫طلبة السنة الثانية جذع مشرتك بكلية العلوم االقتصادية و التجارية و علوم التسيري مجيع األقسام‪.‬‬

‫أهداف املقياس‬
‫بعد االنتهاء من دراسة املقياس يكون الطالب قادرا عىل‪:‬‬

‫‪ -‬تعريف املالية العامة‪ ،‬و معرفة نشأهتا و عالقتها بتطور دور الدولة يف النشاط االقتصادي؛‬
‫‪ -‬تعريف النفقات العامة و أنواعها و تقسيامهتا و آثارها؛‬
‫‪ -‬تعريف اإليرادات العامة و أنواعها و مصادرها املختلفة؛‬
‫‪ -‬تعريف املوازنة العامة و خصائصها و املبادئ التي تقوم عليها؛‬
‫‪ -‬حتديد اجلهة املكلفة بإعداد املوازنة العامة و اعتامدها و إقرارها؛‬
‫‪ -‬اكتشاف املراحل و اخلطوات املرتبطة بتنفيذ املوازنة العامة و اجلهات املكلفة بالرقابة عليها‪.‬‬

‫املعارف املسبقة املطلوبة‬


‫لدراسة هذا املقياس و اإلملام به ال بد أن يكون الطالب ملام باملفاهيم األساسية ملبادئ االقتصاد و االقتصاد‬
‫الكيل‪.‬‬

‫معلومات أخرى عن املقياس‬


‫احلجم الساعي األسبوعي‬

‫احلجم الساعي األسبوعي‬


‫من األعامل املوجهة‬
‫احلجم الساعي‬
‫أعامل شخصية‬
‫مراقبة مستمرة‬

‫وحدة التعليم‬
‫من الدروس‬
‫للسدايس‬

‫الرصيد‬

‫املقياس‬
‫امتحان‬

‫املعامل‬

‫‪x‬‬ ‫‪x‬‬ ‫‪ 50‬سا ‪55‬‬ ‫‪ 50‬سا ‪55‬‬ ‫‪ 1‬سا ‪05‬‬ ‫‪ 1‬سا ‪05‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪50‬‬ ‫املنهجية‬ ‫املالية العامة‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة‬
‫حيتل علم املالية العامة مركزا هاما ضمن العلوم االقتصادية‪ ،‬حيث تعترب املالية العامة حلقة الوصل بني‬
‫االقتصاد و السياسة‪ ،‬لذلك سمي علم املالية العامة قديام باالقتصاد السيايس‪ .‬و الواقع أن النظام املايل انعكاس‬
‫للنظام السيايس و االجتامعي و االقتصادي‪ ،‬و الذي يعكس معتقدات املجتمع‪ ،‬و يؤثر فيه أحكام سياسية‬
‫و اقتصادية و أخالقية‪.‬‬

‫و لقد مرت املالية العامة بمراحل متعددة جتلت يف تطور دور الدولة املايل و تغري النظرة لإليرادات‬
‫و النفقات‪ ،‬و اعتبارها أدوات مالية هامة متنوعة لتحقق الدولة أهدافها االقتصادية و االجتامعية و السياسية‪.‬‬

‫وتبحث هذه املطبوعة يف القواعد و األصول الرئيسية للاملية العامة‪ ،‬لذا فقد قسمت إىل أربعة‬
‫فصول‪ ،‬و هذا حسب املقرر الوزاري املعتمد؛ حيث يبحث الفصل األول منها يف نشأة و تطور علم املالية العامة‬
‫و عالقته بالعلوم االجتامعية األخرى‪ ،‬و الفصل الثاين يبحث يف النفقات العامة (مفهوم النفقات العامة‬
‫و اخلاصة‪ ،‬أنواع النفقات العامة‪ ،‬تقسيم النفقات العامة‪ ،‬اآلثار االقتصادية و االجتامعية للنفقات‬
‫العامة)‪ ،‬و الفصل الثالث يبحث يف اإليرادات العامة (مفهوم اإليرادات العامة‪ ،‬أنواع اإليرادات العامة‪ ،‬مصادر‬
‫اإليرادات العامة)‪ ،‬أما الفصل الرابع فيبحث يف املوازنة العامة و أصوهلا العلمية (مبادئ املوازنة العامة‬
‫للدولة‪ ،‬إعداد‪ ،‬تنفيذ املوازنة العامة و التوازن االقتصادي و االجتامعي‪.‬‬

‫ويتوقع من الطالب الذي يدرس هذا املقياس أن يصبح ملام باألسس النظرية للاملية العامة‪ ،‬و معرفة‬
‫اإليرادات و النفقات العامة و حتليل آثارمها االقتصادية و االجتامعية‪ ،‬و اإلملام هبيكل املوازنة العامة‬
‫للدولة‪ ،‬و آليات الرقابة عليها‪ ،‬و من ثم التعرف عىل السياسات املالية و النقدية و أدوات كل منهام‪.‬‬

‫و يف األخري آمل أن جيد الطلبة األعزاء يف هذه املطبوعة ما يفيد‪ ،‬و اهلل املوفق‪.‬‬

‫الدكتور‪ /‬الطاهر ميمون‬

‫املشرتيات‬ ‫سلة‬

‫‪4‬‬
:

!" # $ % &'
‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫متهيد‬

‫مع ظهور الدولة و تطورها ظهر النشاط املايل و تطور بتطور دور الدولة‪ ،‬و كذلك ظهرت احلاجات العامة‬
‫و تطورت؛ و قد ترتب عىل هذا تطور علم املالية العامة‪ ،‬العلم الذي هيتم بدراسة النشاط املايل للدولة و األهداف التي‬
‫يرمي النشاط املايل إىل حتقيقها‪.‬‬

‫و عليه سنتناول يف هذا الفصل بعض املفاهيم األساسية التي هلا عالقة وثيقة بعلم املالية العامة يف املبحث‬
‫األول؛ أما يف املبحث الااي‪ ،‬فسنتطرق إىل نشأة و تطور علم املالية العامة؛ ثم التطرق إىل مفهومي املالية العامة‬
‫التقليدي و احلديث يف املبحث الاالث؛ و أخريا و يف املبحث الرابع‪ ،‬نتطرق إىل العالقة بني علم املالية العامة و خمتلف‬
‫العلوم االجتامعية األخرى‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مفاهيم أساسية‬


‫حيتوي مصطلح املالية العامة عىل كلمتني إحدامها املالية‪ ،‬و تعني الذمة املالية بام فيها من جانبني دائن و مدين‪،‬‬
‫فاجلانب الدائن يتمال يف إيرادات الدولة (‪ )Recettes‬بام هلا من حقوق لدى األفراد؛ و اجلانب املدين يتمال يف‬
‫النفقات العامة (‪ )Dépenses‬التي يتوجب عىل الدولة رصفها‪ .‬و وصف هذه املالية بأهنا عامة و ليست خاصة يعني‬
‫أهنا ختص مالية اإلدارات و السلطات و اإلدارات العامة‪ ،‬أي األشخاص املعنوية العامة القائمة و املوجودة بالدولة‪.‬‬

‫إن دراسة علم املالية العامة يقتيض من الطالب اإلملام بمفاهيم أساسية ال غنى عنها لفهم املوضوعات املطروحة‬
‫يف هذا املجال‪ .‬فعلم املالية العامة يدرس املشاكل املتعلقة بتوجيه املوارد و ختصيصها إلشباع احلاجات العامة؛ لذا هو‬
‫يرتبط بالنظام املايل العام الذي يتكون من أجزاء مع ّينة مرتابطة‪ .‬و للتعرف عىل أهداف هذا العلم‪ ،‬و إىل عنارصه‬
‫و عالقاته و ارتباطاته بالعلوم األخرى‪ ،‬و مراحل تطوره و موضوعه و تعريفه‪ ،‬فإن ذلك يتطلب تناول املوضوعات‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪6‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫أوال‪ -‬احلاجات العامة (‪)Besoins Publics‬‬


‫هيدف أي نشاط إنساي أيا كان نوعه إىل إشباع احلاجات اإلنسانية‪ ،‬و هذه احلاجات تنقسم إىل نوعني‪ ،‬نوع‬
‫يمكن إشباعه بشكل فردي كاملأكل و امللبس و املسكن؛ و نوع آخر يمكن إشباعه بشكل مجاعي مال املحافظة عىل‬
‫األمن و إقامة العدالة و العناية بالصحة‪.‬‬

‫و يعرف النوع األول من هذه احلاجات باحلاجات اخلاصة أو الفردية (‪ ،)Besoins Individuels‬و تشبع هذه‬
‫احلاجات بواسطة النشاط اخلاص‪ ،‬أي أن كل فرد يستطيع أن يشبع حاجته منها بنفسه برصف النظر عن إشباع غريه‪.‬‬

‫أما النوع الثاين فيعرف باحلاجات العامة (‪ ،)Besoins Publics‬و هي حاجات ال يمكن ألي فرد أن يشبع‬
‫حاجته منها بمفرده‪ ،‬إما ألنه ال يقوى عىل ذلك‪ ،‬و إما ألنه ال يستطيع بمفرده أن يشبعها عىل الوجه األكمل‪ ،‬مال‬
‫احلاجة إىل التعليم و العالج‪.‬‬

‫و لقد ارتبط ظهور احلاجات العامة بنشأة الدولة‪ ،‬عندما حتول اإلنسان من الرعي إىل الزراعة‪ ،‬و ازداد عدد‬
‫السكان و بدأ التنافس عىل امتالك األرض‪ ،‬هنا ظهرت بعض احلاجات التي هتم اجلامعة كلها‪ ،‬و أمهها األمن داخل‬
‫القبيلة أوال‪ ،‬ثم بني القبائل بعضها مع بعض‪ .‬و هلذا نجد أن احلاجات اخلاصة أسبق يف الظهور من احلاجات‬
‫العامة‪ ،‬و هذا أمر بدهيي‪ ،‬فحاجات اإلنسان الفردية كاملأكل و امللبس و املسكن أقدم يف الظهور من حاجته إىل األمن‬
‫و العدالة و الصحة‪.‬‬

‫و يمكن تعريف احلاجات العامة بأهنا حاجات مجاعية حيقق إشباعها املنفعة العامة‪ ،‬و يتم متويلها من خالل‬
‫املوازنة العامة للدولة‪ ،‬و يفشل جهاز الامن يف إشباعها كليا أو جزئيا‪.‬‬

‫من خالل هذا التعريف يمكن استنتاج أنه ال يمكن اعتبار حاجة ما‪ ،‬حاجة عامة إال إذا توافرت فيها الرشوط‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫‪ -‬جيب أن تتصف احلاجة العامة بجامعية الطلب و العرض‪ ،‬و من ثم عدم قابليتها للتجزئة؛‬
‫‪ -‬جيب أن تتوىل الدولة إشباع احلاجة العامة عن طريق املوازنة العامة‪ ،‬عندما يفشل السوق كليا أو جزئيا يف‬
‫إشباعها؛‬
‫‪ -‬جيب أن حتقق احلاجة العامة منفعة عامة‪ ،‬و املقصود بذلك أن يكون اهلدف من إشباع هذه احلاجة نفعا عاما‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬و تنقسم احلاجات العامة إىل قسمني رئيسيني مها‪:‬‬

‫‪7‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫‪ -1‬احلاجات االجتامعية (‪ :)Besoins Sociaux‬و يطلق عليها أيضا احلاجات غري القابلة للتجزئة‪ ،‬و هي‬
‫احلاجات التي ال يمكن جتزئة كل من طلبها وعرضها‪ ،‬ومن ثم ال يمكن ترك إشباعها للقطاع اخلاص‪ ،‬ألن إشباعها ال‬
‫يتوقف عىل دفع الامن‪ ،‬فهي ال يمكن حتديد ثمنها بحسبان أن ثمن السلعة أو اخلدمة يتحدد تبعا لقانون العرض‬
‫والطلب‪ ،‬كام أنه يصعب استبعاد أحد أفراد املجتمع من االستفادة منها‪ ،‬سواء ساهم يف متويلها أم ال‪ ،‬لذا ال بد للدولة‬
‫أن تقوم بإشباع تلك احلاجات‪ ،‬وقد وجدت الدولة من أجل ذلك‪.‬‬

‫‪ -2‬احلاجات اجلديرة باإلشباع أو احلاجات املستحقة (‪ :)Besoins Mérités‬و يطلق عليها أيضا احلاجات‬
‫القابلة للتجزئة‪ ،‬أي التي يمكن جتزئة كل من عرضها وطلبها‪ ،‬و يمكن حتديد ثمن هلا‪ ،‬و أن يشبعها القطاع اخلاص‪،‬‬
‫و لكن عند مستوى يقل عن املستوى األمال‪ . ‬لذلك‪ ،‬يمكن للدولة أن تتدخل إلشباعها‪ ،‬و يتوقف نطاق هذا‬
‫‪.‬‬

‫التدخل عىل طبيعة الفلسفة السياسية و االقتصادية التي تقوم عليها الدولة‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬النظام املايل‬


‫يعترب النظام املايل أحد املكونات األساسية القتصاديات أي دولة‪ .‬و هو جمموعة املؤسسات و األجهزة التي‬
‫متارس الدولة من خالهلا النشاط املايل‪ ،‬و من املمكن النظر إىل هذا النظام من عدة زوايا خمتلفة هي‪:‬‬
‫‪ -1‬زاوية العالقات املالية العامة‪ :‬و التي تتمال يف النفقات العامة و الرضائب و الرسوم و القروض العامة‬
‫و إيرادات الدولة من مرشوعاهتا‪ ،‬و يمكن دراسة كل منها عىل حدة‪ ،‬و عالقة كل منها باألخرى‪ ،‬و التي تظهر يف‬
‫املوازنة العامة للدولة‪ ،‬أو عالقة كل منها باالقتصاد الوطني‪ ،‬و التي تظهر املوازنة الوطنية‪.‬‬

‫‪ -2‬زاوية املؤسسات‪ :‬ينظر إىل النظام املايل من هذه الزاوية كمجموعة من األجهزة و املؤسسات التي متارس‬
‫الدولة من خالهلا نشاطها املايل و تنظمه‪ ،‬مال‪ :‬وزارة املالية و اإلدارات التابعة هلا‪ ،‬البنك املركزي‪ ،‬البنوك التجارية‪،‬‬
‫اجلهاز الرضيبي‪....‬‬

‫‪ ‬يقتىض حتقيق املستوى األمال تدخل الدولة‪ .‬و من ثم فإن هذا التدخل إلشباع هذا النوع من احلاجات هو تدخل إلشباع حاجة عامة‪.‬‬
‫‪‬‬
‫املوازنة الوطنية أو االقتصادية‪ :‬هي جمموعة من التقديرات ملا ينتظر أ ن يكون عليه كافة النشاط االقتصادي يف املجتمع يف فرتة زمنية مقبلة‪ ،‬من خالل توقعات‬
‫الدخل الوطني و توزيع هذا الدخل‪ ،‬و هي توقع بدون إجازة من السلطة الترشيعية‪ .‬إذا ختتلف متاما بالرغم من استفادة املوازنة العامة من املوازنة الوطنية عند‬
‫التخطيط و التنبؤ‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫و ال شك أن الزاوية األوىل هي التي تسود عند دراسة موضوعات علم املالية العامة؛ و أيا كانت الزاوية التي‬
‫ينظر منها إىل النظام املايل للدولة‪ ،‬فإنه ينشأ داخل نظام اقتصادي و اجتامعي وسيايس معني‪ ،‬و من ثم فإنه ال بد و أن‬
‫يكون انعكاسا هلذا النظام الذي يتعايش معه‪ ،‬و أداة هامة من أدوات حتقيق أهدافه‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬السياسة املالية‬


‫تعرف السياسة املالية عىل أهنا كافة الوسائل املالية التي تتدخل الدولة من خالهلا‪ ،‬للتأثري يف حجم الطلب‬
‫اإلمجايل و التأثري عىل مستوى التشغيل الوطني و حجم الدخل الوطني‪.‬‬

‫و يركز هذا التعريف عىل تأثري األدوات املالية للدولة يف احلياة االقتصادية للبالد‪ ،‬وفق األهداف التي تضعها‬
‫لنفسها أو تفرضها احلالة االقتصادية التي تعيشها؛ فالسياسة املالية احلدياة يف ظل الدولة املتدخلة أصبحت هتدف إىل‬
‫حتقيق االستقرار االقتصادي و ليس جمرد حتقيق التوازن املايل احلسايب فقط‪.‬‬

‫و قد بدأ هذا املفهوم اجلديد للسياسة املالية مع االقتصادي كينز‪ ،‬و جاءت حال ملشكلة األزمات االقتصادية‬
‫و الكساد الكبري الذي ساد العامل يف الاالثينيات من القرن العرشين؛ فالسياسة املالية الكينزية كانت سياسة‬
‫توسعية‪ ،‬و قد ركز كينز يف نظريته عىل تفعيل دور احلكومة يف احلياة االقتصادية‪ ،‬عن طريق زيادة حجم اإلنفاق‬
‫العام‪ ،‬عرب اآلثار النامجة عن ذلك التي تتوقف عىل مصادر متويل هذه الزيادة‪.‬‬

‫و السياسة املالية الكينزية أخرجت املالية العامة من إطار التوازن املايل إىل إطار التوازن االقتصادي‪ ،‬و اعتربت‬
‫أدوات املالية العامة وسائل لتحقيق أهداف املجتمع االقتصادية و االجتامعية‪ ،‬فأصبحت تستخدم القروض العامة إىل‬
‫جانب الرضائب لتحقيق هذه األهداف؛ بحيث تساهم يف متويل اإلنفاق العام الذي تؤثر من خالله يف الطلب الكيل‬
‫الذي حيفز املنتجني عىل زيادة اإلنتاج‪ ،‬الذي يؤدي بدوره إىل زيادة نسبة التشغيل‪ ،‬و بالتايل نقل حالة االقتصاد إىل حالة‬
‫أفضل‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬نشأة و تطور املالية العامة‬


‫منذ وجود اإلنسان عىل وجه األرض و هو حياول إشباع حاجاته األساسية‪ ،‬من مأكل و مرش و ملبس‪ ،‬من‬
‫هنا ظهرت بوادر هذا العلم ‪ ،‬فبدأت تتطور حاجات اإلنسان و يتطور معه شكل التنظيم اجلامعي للبرشية‪ ،‬فظهرت‬
‫العشائر و القبائل‪ ،‬و من ثم نشأ املجتمع و الدولة‪ ،‬و أصبح لزاما أن يكون لكل مجاعة و دولة شخص حيكمها‪ ،‬و هذا‬
‫الشخص هو صاحب السيادة الفعيل يف الدولة‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫يالحظ أن علم املالية العامة قد مر بعدة مراحل حتى وصل إىل ما هو عليه اآلن‪ ،‬و يمكن تقسيم هذه املراحل‬
‫إىل‪:‬‬

‫أوال‪ -‬املرحلة األوىل‪ :‬مرحلة ما قبل قيام الدولة اإلسالمية‬


‫مل يكن هنالك علم خاص باملالية العامة يف هذه املرحلة كاملفهوم احلارض‪ ،‬و إنام كانت هنالك بعض األعراف‬
‫التي تنظم األمور املالية للدولة‪ ،‬و بعض األنظمة التي كانت تتفق مع مفهوم الدولة احلارسة‪.‬‬

‫ففي عهد الفراعنة كانت الدولة جتبي الرضائب و تنفق األموال وفق أنظمة مالية خاصة هبا‪ ،‬أخذها عنهم‬
‫فلم يكن لدهيم نظم مالية خاصة‬ ‫اليونان‪ ،‬و لكن مالية احلكام كانت ختتلط باملية الدولة يف ذلك الوقت‪ ،‬أما العر‬
‫قبل اإلسالم ألهنم كانوا يعيشون عيشة قبلية ال أثر فيها لتنظيم األموال العامة‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬املرحلة الثانية‪ :‬مرحلة الدولة اإلسالمية‬


‫جاء اإلسالم‪ ،‬فوجدت الدولة يف القرآن و السنة قواعد مالية واضحة املعامل‪ ،‬و قد استكملت هذه القواعد يف‬
‫االجتهاد و الفقه اإلسالمي حتى غدت املالية العامة يف اإلسالم نظاما متكامال‪ ،‬و قد اشتمل هذا النظام عىل اخلطوط‬
‫العامة التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬اإليرادات يف الدولة اإلسالمية ‪:‬اشتمل بيت املال يف اإلسالم عىل إيرادات دورية (كالزكاة و اخلراج)‬
‫و إيرادات أخرى غري دورية ال تتكرر سنويا‪ ،‬و يف خالفة عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه أمر بإنشاء (ديوان بيت املال)‪،‬‬
‫و قد نظم اإليرادات يف عدة بيوت‪ ،‬أمهها‪:‬‬

‫أ‪ -‬بيت الزكاة‪ :‬و يعد هذا البيت موردا ماليا ال ينضب الحتوائه عىل هدفني (دنيوي و أخروي)‪ ،‬و هدف مايل‬
‫و اجتامعي و اقتصادي؛‬

‫ب‪ -‬بيت اخلراج و اجلزية و العشور‪ :‬اخلراج رضيبة عينية عىل األرض الزراعية التي ُفتحت صلحا أو قهرا دون‬
‫النظر إىل الشخص املكلف بدفعها؛ أما اجلزية فهي فريضة مالية تفرض عىل رؤوس أهل الذمة‪ ،‬و تسقط بإسالم‬
‫الشخص؛ و تعد العشور من الفرائض املالية التي تفرض عىل بضائع التجار من أهل الذمة و غري املسلمني التي‬
‫يقدمون هبا إىل البالد اإلسالمية‪ ،‬و ال تفرض عىل التجارة بني الدول اإلسالمية تشجيعا هلا بني هذه الدول؛‬

‫ج‪ -‬بيت الغنائم و الفيء و الركاز‪ :‬إن إيرادات الغنائم و الفيء و الركاز ـ و إن كانت إيرادات غري دورية ـ‬
‫تعكس آنذاك التصنيف الدقيق و التوزيع يف إيرادات الدولة؛ حيث كان ختصيص هذه املوارد إلنفاقها عىل منافع‬

‫‪01‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫و خدمات عامة‪ .‬و هي توجه لتغطية النفقات العسكرية و احلربية‪ ،‬و يوزع الباقي من هذه اإليرادات إىل عدة أسهم‬
‫حمددة بآيات قرآنية‪ .‬فالغنائم ما يؤخذ عنوة أو جربا بالقتال؛ و الفيء ما حيصل عليه املسلمون دون قتال؛ أما الركاز‬
‫فهو املال الذي يعار عليه يف باطن األرض كنزا أو معدنا‪ ،‬و حكمه يشبه إىل حد كبري أموال الغنائم؛‬

‫د‪ -‬البيت اخلاص باإليرادات األخرى‪ :‬و يقصد هبا األموال املصادرة و أموال املرتدين و الضوائع التي ال‬
‫صاحب هلا و ال يعرف مالكها أو وارثها‪ ،‬فجميعها تعد إيرادات لبيت املال‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلنفاق يف الدولة اإلسالمية ‪ُ :‬قسم اإلنفاق يف اإلسالم إىل نوعني‪:‬‬

‫أ‪ -‬اإلنفاق احلكومي‪ :‬و فيه يقسم اإلنفاق بحسب طبيعة اإليراد‪ ،‬و بحسب حاجة الدولة؛ ففي احلالة األوىل‬
‫توزع النفقة ضمن دائرة إيراد معني‪ ،‬أي إن كل إيراد ُينفق عىل جهة معينة حيدد هلا نوع اإليراد‪ ،‬و يف احلالة الاانية و هو‬
‫تقسيم النفقة بحسب حاجة الدول و ما متر به من ظروف عرضية و استانائية‪ ،‬فغالبا ما ختصص اإليرادات الرضورية‬
‫و االستانائية لسد حاجة الدولة لنفقات طارئة و عرضية‪ ،‬و هي نفقات خمصصة لإلصالحات املستعجلة و الالزمة‬
‫لرضورات متر هبا الدولة؛‬

‫ب‪ -‬اإلنفاق األهيل‪ :‬و يستند هذا اإلنفاق إىل مبدأ التكافل أو التضامن االجتامعي و قاعدته‪ ،‬و أنواعه كارية‬
‫كالصدقة و احلسنة و الكفارة و الوصية و الوقف‪ ،‬فهي إنفاقات متممة و مكملة للرتابط اإلسالمي و االجتامعي‬
‫و االقتصادي يف املجتمع اإلسالمي‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬املرحلة الثالثة‪ :‬املالية العامة يف العصور الوسطى و ما بعدها‬


‫يف العصور الوسطى مل يكن للدول الغربية مالية منفصلة عن مالية حكامها‪ ،‬فكان هؤالء ينفقون عىل حاجات‬
‫ِ‬
‫تكف لسد نفقات طارئة كانوا يقبلون التربعات من األغنياء‪ ،‬و يفرضون‬ ‫البالد من ريع أمالكهم اخلاصة‪ ،‬و إن مل‬
‫الرضائب إلنفاقها عىل تلك النفقات الطارئة (كاحلرو )‪ ،‬فأخذت الرضائب يف ذلك احلني الصفة املؤقتة‬
‫و االستانائية‪.‬‬

‫و بعد ازدياد وظائف اإلقطاعيات و تشعبها أصبحت واردات أمالك احلكام اخلاصة و تربعات األغنياء‬
‫االختيارية ال تكفي لسد حاجة الدولة من النفقات العامة؛ لذلك جلأت إىل فرض الرضائب اإلجبارية‪.‬‬

‫مع بداية الاورة الصناعية و تشكيل الدول األوربية عاد من جديد يتشكل علم خاص له ذاتيته يضم دراسة‬
‫النفقة و اإليراد و القروض العامة‪.‬‬

‫‪00‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫رابعا‪ -‬املرحلة الرابعة‪ :‬املالية العامة يف عرص الدولة احلديثة‬


‫إن مفهوم املالية العامة للدولة له جوانب تارخيية و اقتصادية و سياسية حمدودة و ضيقة يف الفكر املايل التقليدي‪،‬‬
‫و ارتبط هذا املفهوم ارتباطا وثيقا بدور الدولة و بالفلسفة السياسية السائدة آنذاك‪.‬‬

‫و مفهوم املالية العامة يف ظل الدولة احلارسة كان مفهوما ضيقا و عالقته باالقتصاد الوطني و باملجاالت‬
‫االجتامعية و السياسية كانت ضعيفة‪ ،‬و هدفها كان ماليا بحتا‪ ،‬و مل يتعدَّ مفهوم التوازن احلسايب بني حجم اإلنفاق‬
‫و حجم اإليرادات‪ ،‬و استبعد التوسع باإلنفاق العام بسبب وظائف الدولة املحدودة‪ ،‬فاقترص دور اإليرادات عىل‬
‫بعض الرضائب الرضورية‪.‬‬

‫وكان من أبرز املؤلفني الذين أعطوا املالية العامة مالحمها األوىل االقتصادي اإلنكليزي (‪ )Adam Smith‬يف‬
‫كتابه "ثروة األمم"‪ ،‬و (‪ )Ricardo‬يف كتابه "الصلة الوثيقة بني االقتصاد و الرضائب"‪ ،‬و (‪)John Stewart Mill‬يف‬
‫كتابه عن "مبادئ االقتصاد السيايس"‪ ،‬و من ثم ظهرت كتابات مستقلة خاصة بعلم املالية العامة‪ ،‬ككتا‬
‫(‪)Bastable‬عام ‪ ،0891‬و (‪ )Dalton‬عام ‪ ،0911‬و(‪ )Pigou‬عام ‪ ،0918‬بذلك اختذ علم املالية العامة استقاللية‬
‫و ذاتية خاصة به‪ ،‬و إن كان له صلة وثيقة بغريه من العلوم‪.‬‬

‫و استمر احلال يف تطبيق املفهوم التقليدي للاملية العامة حتى جاءت احلربان العامليتان األوىل و الاانية و ما‬
‫صاحبهام من تداعيات و آثار‪ ،‬دفعت إىل رضورة إجياد مفهوم آخر للاملية العامة‪ ،‬يتامشى و املتطلبات السياسية‬
‫و االقتصادية و االجتامعية و املالية للدولة‪ ،‬و يتناسب مع دورها و أهدافها اجلديدة‪ ،‬سواء الدولة التدخلية يف ظل‬
‫النظام الرأساميل أم الدولة املنتجة يف ظل النظام االشرتاكي‪ ،‬و بدأت تتاميز املالمح العامة للاملية التدخلية الرأساملية من‬
‫املالمح العامة للاملية االشرتاكية‪.‬‬

‫و هكذا يمكن القول‪ :‬إن نشأة املالية العامة احلدياة تعود إىل ظهور الدولة احلدياة و نظمها السياسية؛ حيث غدا‬
‫املال ركيزة السلطة السياسية و وسيلة احلكم و تنفيذ السياسة العامة للدولة‪ ،‬و قد كان هنالك صلة وثيقة بني تطور‬
‫املالية العامة و تطور الديمقراطيات احلدياة؛ إذ كانت الرضائب هي السبب الرئيس لتشكيل الربملانات و إقرار احلقوق‬
‫السياسية للشعو ‪ ،‬التي عملت فيام بعد عىل ترسيخ علم املالية و تأصيل قواعده؛ و بالتايل غدا علام مستقال بذاته‬
‫يبحث يف الظاهرة املالية من النواحي السياسية و االقتصادية و االجتامعية‪ ،‬و بدأ االهتامم أكار يف آثارها عىل املستوى‬
‫فروع أخرى‪ ،‬كالسياسة املالية‪ ،‬و اقتصاديات املالية‬
‫ٌ‬ ‫الداخيل و اخلارجي‪ .‬و هذا ما أدى إىل أن يتفرع من هذا العلم‬
‫العامة‪ ،‬و جعل كل منها يركز عىل جانب من جوانب املالية العامة أكار من جوانبها األخرى‪.‬‬

‫‪01‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫املبحث الثالث‪ :‬مفهوم املالية العامة‬


‫‪‬‬
‫تعترب املالية العامة (‪ )Finance publique‬بمفهومها احلديث أحد الفروع الرئيسية لعلم االقتصاد العام‬
‫(‪)Economie publique‬؛ حيث ظهر األخري كعلم مستقل عن االقتصاد اخلاص يف اآلونة األخرية‪ ،‬و بعد أن‬
‫تغريت النظرة جوهريا إىل دور الدولة يف النشاط االقتصادي‪.‬‬

‫و كام سبق ذكره‪ ،‬فقد ارتبطت املالية العامة و من ثم االقتصاد العام ارتباطا وثيقا بتطور دور الدولة يف النشاط‬
‫االقتصادي‪ ،‬من حيث األعباء املالية املرتتبة عليها للقيام بوظائفها‪ ،‬و اإليرادات الرضورية الالزمة لتغطية نفقاهتا‪.‬‬

‫أوال‪ -‬تعريف املالية العامة يف الفكر االقتصادي التقليدي (الدولة احلارسة)‬


‫وفقا للفكر التقليدي و يف نطاق املبادئ و القيم التي يؤمن هبا جتاه النشاط االقتصادي للدولة‪ ،‬يعرف كل من‬
‫(‪ )Adger Allix( ،)Gaston Jeze‬و (‪ )Maurice Duverger‬املالية العامة عىل أهنا " علم دراسة الوسائل‬
‫و األساليب التي بواسطتها تستطيع الدولة توفري اإليرادات الرضورية لتغطية النفقات العامة و توزيع أعبائها عىل مجيع‬
‫املواطنني"‪.‬‬

‫و حتديد مضمون و مفهوم هذا التعريف يتعني أن يكون مقيدا بالدور الذي حيدده الفكر التقليدي للدولة يف‬
‫النشاط االقتصادي؛ حيث يرى هذا الفكر أن دور الدولة يتعني أن يكون عند أدنى مستوى ممكن‪ ،‬بحيث يقترص فقط‬
‫عىل إشباع احلاجات العامة من أمن و دفاع و عدالة و مرافق عامة‪ ،‬رشيطة أن يكون تدخلها حياديا ال تأثري له عىل‬
‫سلوك األفراد‪.‬‬

‫مع حمدودية دور الدولة يف النشاط االقتصادي‪ ،‬ظل مفهوم املالية العامة حمصورا و حمدودا بنطاق تدخل الدولة‬
‫و وظائفها ‪ ،‬و اقترص مفهومه و مضمونه يف البحث عن موارد مالية للدولة تكفي متاما نفقات الدولة عىل وظائفها‬
‫املحددة سلفا‪ ،‬دون أن يكون لنشاط الدولة تأثري عىل قرارات األفراد يف القطاع اخلاص‪ .‬فاملبادرة الفردية لألفراد يف‬
‫ظل فروض و ظروف معينة كفيلة بتحقيق أقىص إنتاج ممكن و أقىص رفاهية‪ ،‬و حتقيق التوزيع العادل للدخل و الاروة‬
‫دون احلاجة لتدخل الدولة؛ فتدخل الدولة يعيق األفراد عن القيام بوظائفهم بكفاءة‪ ،‬باإلضافة إىل أن الدولة أقل‬
‫كفاءة من األفراد يف ممارسة النشاط االقتصادي‪ ،‬و من ثم فإن تدخل الدولة يتعني أن يقترص فقط عىل بعض املجاالت‬
‫التي يفشل متاما القطاع اخلاص عن القيام هبا‪.‬‬

‫‪ ‬هو جزء من االقتصاد الوطني الذي تديره السلطات العامة قصد إشباع احلاجات العامة إما بواسطة االقتطاعات أو املساعدات‪.‬‬

‫‪01‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫عىل ضوء النظرة السابقة لدور الدولة يف النشاط االقتصادي‪ ،‬و القيود املوضوعة عىل نشاطها‪ ،‬أصبح مفهوم‬
‫املالية العامة جمرد مفهوم حسايب لنفقات الدولة و إيراداهتا‪ ،‬و مقيدا بتحقيق قاعديت توازن املوازنة (التعادل التام بني‬
‫إيرادات الدولة و نفقاهتا)‪ ،‬و احلياد املايل لنشاط الدولة‪ ،‬و بذلك خال مفهوم و مضمون علم املالية العامة من أي بعد‬
‫اقتصادي أو اجتامعي‪.‬‬

‫املخطط رقم (‪ :)11‬التعريف التقليدي للاملية العامة‬

‫النفقات العامة‬ ‫اإليرادات العامة‬

‫هدف‬ ‫وسيلة‬

‫ثانيا‪ -‬تعريف املالية العامة يف الفكر االقتصادي احلديث (الدولة املتدخلة)‬


‫ظل املفهوم التقليدي للاملية العامة سائدا عدة قرون حتى هناية النصف األول من ثالثينيات القرن العرشين؛‬
‫حيث ظهر فكر اقتصادي يؤمن أيضا باحلرية و املبادرة الفردية‪ ،‬و لكنه يعطي دورا جديدا و متميزا للدولة يف النشاط‬
‫االقتصادي ‪ ،‬و معاجلة التناقضات التي أظهرها تطبيق مبادئ و سياسات الفكر التقليدي‪ ،‬هذا الفكر اجلديد سمي يف‬
‫األد االقتصادي بالفكر الكينزي‪ ،‬و الذي أدخل عليه العديد من التعديالت و التفسريات‪.‬‬

‫يرى أنصار هذا الفكر بأن دور الدولة يف النشاط االقتصادي يتعني أن يكون إجيابيا و ليس حياديا‪ ،‬كام هو احلال‬
‫يف نطاق الفكر التقليدي؛ فوفقا للفكر احلديث اتسعت و تشبعت وظائف الدولة و تغريت طبيعة وظائفها و نمط‬
‫تدخلها يف النشاط االقتصادي‪ .‬فهي تارة تتدخل إلشباع احلاجات العامة‪ ،‬و تارة تتدخل لتعالج بعض املشاكل‬
‫االقتصادية من بطالة و تضخم‪ ،‬و ثالاة تتدخل لتقلل من التفاوت يف توزيع الدخول و الاروات بني أفراد‬
‫املجتمع‪ ،‬و تارة أخرى تتدخل لتفعيل دور القطاع اخلاص يف النمو و دفع عجلة التنمية‪.‬‬

‫إزاء هذا التعدد و التنوع يف مهام الدولة‪ ،‬كان ال بد و أن يتطور مفهوم و مضمون املالية العامة ليواكب تلك‬
‫التغريات‪ ،‬و يتجاوز املفهوم احلسايب التقليدي‪ ،‬و أصبح علم املالية العامة أكار تعبريا عن فكرة املالية الوظيفية التي‬
‫اعتنقها الفكر الكينزي؛ فلم يعد ينظر إىل الرضيبة عىل أهنا أداة جلمع املوارد املالية فقط‪ ،‬بل أصبح ينظر إليها عىل أن هلا‬
‫وظيفة معينة تساهم هبا يف حتقيق أهداف املجتمع االقتصادية و االجتامعية‪ .‬و بالتايل أصبحت كافة الوسائل‬
‫و األساليب املالية التي تلجأ إليها الدولة ‪ ،‬سواء يف جانب اإليرادات أو يف جانب النفقات‪ ،‬أدوات وظيفية هامة تعتمد‬
‫عليها الدولة يف حتقيق أهداف املجتمع بمختلف اجتاهاهتا االقتصادية و االجتامعية و السياسية أيضا‪.‬‬

‫‪01‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫متاشيا مع هذه التحوالت يمكن تعريف املالية العامة عىل أهنا " ذلك العلم الذي يبحث يف نشاط الدولة عندما‬
‫تستخدم الوسائل و األساليب املالية بشقيها اإليرادي و اإلنفاقي‪ ،‬لتحقيق أهداف املجتمع بمختلف اجتاهاهتا‬
‫االقتصادية و االجتامعية و املالية "‪.‬‬

‫املخطط رقم (‪ :)12‬التعريف احلديث للاملية العامة‬

‫النفقات العامة‬ ‫اإليرادات العامة‬

‫هدف وسيط‪ -‬وسيلة‬ ‫وسيلة‬

‫االقتصاد الوطني‬

‫اهلدف الرئييس‬
‫ثالثا‪ -‬الفرق بني املالية العامة و املالية اخلاصة‬
‫خيتص علم املالية العامة ببحث اجلانب املايل لنشاط الدولة بمختلف مرافقها و مرشوعاهتا العامة؛ بينام ختتص‬
‫املالية اخلاصة ببحث هذا اجلانب من نشاط األفراد‪ ،‬طبيعيني كانوا أم اعتباريني‪ .‬و يرى التقليديون أنه ليس هناك فرق‬
‫بينهام‪ ،‬و أهنام جيب أن يقوما عىل نفس األسس‪ ،‬و أن حتكمهام نفس القواعد‪.‬‬

‫أما املاليون املعارصون‪ ،‬فريون أن هناك فارقا أساسيا بني املالية العامة و املالية اخلاصة‪ ،‬ينتج عن اختالف‬
‫املبادئ التي حتكم كال منهام اختالفا تاما‪ .‬فاملالية العامة ترتكز عىل استخدام الدولة المتيازاهتا‪ ،‬و ما تتمتع به من‬
‫سلطات عىل األفراد و املرشوعات اخلاصة‪ ،‬و ال يملك أي شخص أن يعارضها‪ .‬فالرضيبة التي تعد املورد األسايس‬
‫للدولة‪ ،‬هي استقطاع جربي من موارد القطاع اخلاص‪ ،‬و ال يوجد إطالقا‪ ،‬و ال ُيت ََص َور أن يوجد‪ ،‬ما يامثلها يف مالية‬
‫القطاع اخلاص‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬أن الفنون املستخدمة يف نوعي املالية‪ ،‬و إن كانت تبدو متشاهبة ألول وهلة‪ ،‬إال أن‬
‫بينهام فروقا جوهرية‪.‬‬

‫تتجىل هذه الفروق يف ثالثة أوجه رئيسية‪ ،‬تتصل باهلدف من القيام باإلنفاق‪ ،‬و بالوسائل املتبعة يف احلصول عىل‬
‫اإليرادات الالزمة لتغطية هذا اإلنفاق‪ ،‬و أخريا يف كيفية الوصول إىل موازنة النفقات مع اإليرادات‪.‬‬

‫‪01‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫‪ -1‬الفرق من حيث اهلدف من باإلنفاق‪ :‬هتدف املالية اخلاصة (التي تنرصف أساسا إىل مالية األفراد‬
‫و املرشوعات الفردية و الرشكات بأنواعها‪ ،‬أو بعبارة أخرى مالية القطاع اخلاص من االقتصاد الوطني) من قيامها‬
‫باإلنفاق إىل حتقيق أقىص ربح ممكن‪ ،‬باعتبار أن اهلدف الرئييس من قيام األفراد بنشاط ما هو حتقيق مصلحتهم‬
‫اخلاصة‪ ،‬و التي تتمال يف حتقيق أقىص قدر من األرباح‪ .‬فاحلافز عىل الربح يدفع املنظم إىل عدم القيام بأي مرشوع يعلم‬
‫سلفا أنه لن يسمح له بام قصد إليه‪.‬‬

‫أما الدولة فإهنا تتوخى يف نشاطها‪ ،‬أوال‪ ،‬حتقيق املصلحة العامة للمجتمع حتى لو تعارض هذا مع حتقيق أقىص‬
‫ربح ممكن من هذا النشاط‪ ،‬و بالتايل فإهنا قد ُت ْق ِدم عىل القيام ببعض املرشوعات رغم علمها مقدما أن اإليرادات‬
‫الناجتة منها لن تسمح بتحقيق أرباح‪ ،‬بل و قد ال تكفي ملواجهة النفقات الالزمة إلقامة املرشوعات و تسيريها‪ ،‬و هي‬
‫ُت ْق ِدم عىل ذلك حتقيقا العتبارات أخرى ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو اجتامعية‪ ،‬ترى وجو إنجازها لتحقيق‬
‫املنفعة العامة‪.‬‬

‫و يرتتب عىل اختالف اهلدف من اإلنفاق بني النشاط اخلاص و الدولة‪ ،‬أن خيتلف احلكم عىل مدى نجاح‬
‫السياسة املالية لكل منهام؛ فمعيار نجاح النشاط اخلاص هو حتقيق أقىص ربح ممكن؛ بينام معيار نجاح مرشوعات‬
‫الدولة هو حتقيق أقىص منفعة عامة ممكنة‪.‬‬

‫‪ -2‬الفرق من حيث وسائل احلصول عىل اإليرادات الالزمة لتغطية هذا اإلنفاق‪ :‬ختتلف الوسائل املتبعة يف‬
‫احلصول عىل إيراد ملقابلة اإلنفاق يف النشاط اخلاص عنها يف النشاط العام‪ .‬فاملرشوعات اخلاصة حتصل عىل إيرادها‬
‫بطريقة اختيارها‪ ،‬أي باالتفاق (تعاقدي أو إرادي)‪ ،‬عن طريق بيع منتجاهتا و خدماهتا للدولة و لألفراد‪.‬‬

‫أما الدولة فإهنا حتصل عىل إيراداهتا بموجب ما تتمتع به من سلطات خاصة‪ ،‬ناشئة عن حقها يف‬
‫السيادة‪ ،‬و باعتبارها سلطة سياسية‪ ،‬مما يمكنها من اتباع وسائل معينة يف احلصول عىل إيراداهتا‪ ،‬ال يستطيع النشاط‬
‫اخلاص اتباعها كالرضائب و الرسوم و اإلصدار النقدي و عقد القروض الداخلية و اخلارجية‪ ،‬و بل إىل مصادرة‬
‫بعض السلع أو املمتلكات اخلاصة‪ ،‬و االستيالء عليها يف أوقات األزمات و الظروف االستانائية‪.‬‬

‫إال أن هذا ال يمنع من أن الدولة قد حتصل عىل إيراد هلا باتباع نفس الوسائل التي يتبعها النشاط‬
‫اخلاص‪ ،‬و يتجىل ذلك باألخص فيام يتعلق باملرشوعات االقتصادية املختلفة التي تنشئها الدولة إىل جانب املرشوعات‬
‫اخلاصة‪ ،‬و التي ترسي عليها طرق اإلدارة و القواعد الفنية السارية عىل هذه املرشوعات األخرية‪.‬‬

‫‪06‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫‪ -3‬الفرق من حيث كيفية الوصول إىل موازنة النفقات مع اإليرادات‪ :‬يوجد فرق جوهري من حيث كيفية‬
‫الوصول إىل موازنة النفقات مع اإليرادات لدى الدولة من جهة‪ ،‬و لدى األفراد و املرشوعات اخلاصة من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫فبينام تقوم الدولة بتقدير نفقاهتا أوال الالزمة لسري املرافق العامة‪ ،‬و حتقيق أهدافها السياسية و االقتصادية‬
‫و االجتامعية‪ ،‬ثم يف مرحلة ثانية‪ ،‬تقوم بتقرير األوجه التي حتصل منها عىل إيرادات كافية ملقابلة هذه النفقات‪ ،‬تقوم‬
‫املرشوعات اخلاصة بتقدير حجم إيراداهتا أوال من دخول و أرباح‪ ،‬ثم حتدد أوجه إنفاق تلك اإليرادات يف مرحلة‬
‫ثانية‪.‬‬
‫إحداث املوازنة بني نوعي املالية يعود أساسا إىل أن الدخل‬ ‫بصفة عامة‪ ،‬فإن االختالف يف كيفية و أسلو‬
‫اخلاص (يف املالية اخلاص) حمدود املصادر يف املعتاد‪ ،‬هذا بخالف دخل الدولة (يف املالية العامة) الذي تتمتع الدولة‬
‫بشأن احلصول عليه –و لو من الناحية النظرية عىل األقل‪ -‬بسلطات مالية و نقدية واسعة‪.‬‬

‫بالرغم من الفروق الظاهرة بني املالية العامة و اخلاصة‪ ،‬إال أن ذلك ال يقلل من الرتابط القوي بينهام‪ ،‬فاملالية‬
‫العامة و املالية اخلاصة يؤثر كل منهام يف اآلخر و يتأثر به‪.‬‬

‫املبحث الرابع‪ :‬عالقة علم املالية العامة ببعض العلوم األخرى‬


‫ال يمكن يف حقيقة األمر فصل علم املالية العامة أو عزله عن سائر العلوم األخرى‪ ،‬كعلم االقتصاد و القانون‬
‫و علم االجتامع و علم السياسة‪ ...‬ذلك أن الظاهرة املالية و املشكالت املالية يكون هلا تأثري عىل الظواهر االقتصادية‬
‫و السياسية و االجتامعية‪ ،‬كام أهنا تتأثر هبذه الظواهر غري املالية‪ ،‬و من ثم فإن علم املالية العامة يتكامل مع سائر العلوم‬
‫االجتامعية األخرى‪ ،‬من أجل فهم و حتليل و معاجلة الظاهرة املالية؛ باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن العلوم االجتامعية‬
‫األخرى‪ ،‬كعلم االقتصاد و علم اإلحصاء و علم التاريخ‪ ...‬تقدم أدوات هامة للتحليل يعتمد عليها علم املالية العامة‬
‫يف دراسة و معاجلة الظاهرة املالية التي يتعامل معها‪.‬‬

‫أوال‪ -‬العالقة بني علم املالية العامة و علم االقتصاد‬


‫وجد عالقة وثيقة بني علم املالية العامة و علم االقتصاد‪ ،‬و جتد هذه العالقة منشأها يف وحدة موضوع كل‬
‫منهام؛ فإذا كان موضوع علم االقتصاد هو دراسة مشكلة الندرة و العمل عىل حلها عن طريق إدارة املوارد النادرة‬
‫لتحقيق أكرب قدر من اإلشباع للحاجات الفردية‪ ،‬فإن مشكلة الندرة مالام هي موجودة عىل املستوى الفردي‪ ،‬فهي‬
‫موجودة أيضا عىل املستوى اجلامعي املتعلقة بإشباع احلاجات العامة‪ ،‬و قد مشكلة الندرة وراء ظهور علم املالية العامة‬

‫‪07‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫أيضا؛ و بالتايل فاملوضوعات التي تتضمنها املالية العامة تعترب يف األساس جزء من االقتصاد‪ .‬و كام سبق‬
‫الذكر‪ ،‬فموضوع علم املالية العامة هو دراسة النشاط املايل االقتصادي للدولة و سائر السلطات العامة‪ ،‬و آثار هذا‬
‫النشاط عىل خمتلف جوانب احلياة العامة‪.‬‬

‫و هكذا‪ ،‬فإنه يوجد تقار بني علم االقتصاد و علم املالية العامة من حيث وحدة اهلدف الذي يسعى كل منهام‬
‫إىل حتقيقه؛ فعلم االقتصاد يبحث عن أفضل الوسائل حلل املشكلة االقتصادية التي تنشأ عن تعدد احلاجات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬و ندرة املوارد االقتصادية التي تصلح إلشباع تلك احلاجات‪ .‬أما علم املالية العامة فيهتم بدراسة أفضل‬
‫الوسائل إلشباع احلاجات العامة و اجلامعية‪ ،‬عن طريق املوارد املالية املحدودة املتاحة للدولة‪.‬‬

‫باإلضافة إىل ما سبق‪ ،‬فإن العالقة بني الظواهر املالية و الظواهر االقتصادية تكون يف الغالب عالقة‬
‫تبادلية؛ فاملالية العامة تؤثر يف االقتصاد‪ ،‬كام يؤثر االقتصاد يف املالية العامة‪ .‬و من األمالة التي يمكن ذكرها للتدليل‬
‫عىل ذلك كارية‪ ،‬نذكر منها عىل سبيل املاال ال احلرص ما ييل‪:‬‬

‫‪ -‬أن حصيلة اإليرادات العامة تتوقف عىل الدخل الوطني‪ ،‬فكلام زاد هذا الدخل نتيجة لنمو النشاط‬
‫االقتصادي كلام زادت إيرادات الدولة من حصيلة الرضائب و الرسوم‪ ،‬و أمكنها فرض رضائب جديدة أو زيادة‬
‫الرضائب القائمة؛ و هذا ما يعني أن مالية الدولة تتوقف عىل األوضاع االقتصادية السائدة يف املجتمع؛‬

‫‪ -‬إن اختالل املوازنة العامة من شأنه التأثري عىل احلالة االقتصادية‪ ،‬و كاريا ما يؤدي متويل عجز املوازنة بواسطة‬
‫اإلصدار النقدي ماال إىل ارتفاع مستوى األسعار‪ ،‬و ظهور موجة تضخمية يف املجتمع؛ و هذا ما يعني أن األوضاع‬
‫االقتصادية كاريا ما تتوقف عىل احلالة املالية للدولة؛‬

‫‪ -‬إن حتديد حجم النفقات العامة ينبغي أن يتم عىل ضوء األوضاع االقتصادية العامة؛ فلو كانت هناك بوادر‬
‫تضخم فإنه جيب ختفيض حجم اإلنفاق العام‪ ،‬حتى ال تتفاقم األوضاع‪ .‬و بالعكس‪ ،‬لو كان االقتصاد الوطني يعاي‬
‫من مشكلة الركود أو الكساد‪ ،‬فإن زيادة اإلنفاق العام قد تؤدي إىل إنقاذ االقتصاد الوطني من تباطؤ النمو‬
‫االقتصادي‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬العالقة بني علم املالية العامة و علم القانون‬


‫توجد عالقة وثيقة بني املالية العامة و القانون‪ ،‬و تتضح هذه العالقة من خالل ما ييل‪:‬‬

‫‪08‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫‪ -‬يمال اإلطار القانوي عامال مشرتكا بني القانون بمعناه الفني املتفق عليه‪ ،‬كمجموعة من القواعد العامة‬
‫امللزمة التي حتكم و تنظم سلوك األفراد يف املجتمع و حتدد عالقاهتم بالسلطات العامة‪ ،‬و بني القواعد املنظمة للنشاط‬
‫املايل للدولة‪ .‬ذلك أن معظم القواعد املالية تأخذ شكال قانونيا‪ ،‬سواء وردت هذه القواعد ضمن الدستور أو القانون‬
‫العادي أو اللوائح أو األوامر اإلداري‪ ،‬و يستلزم ذلك اإلملام بالفن القانوي لفهم هذه القواعد و تفسريها متهيدا‬
‫لتطبيقها عىل نحو صحيح‪.‬‬

‫باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن معظم القواعد املنظمة لكيفية استخدام األدوات املالية العامة تصدر يف شكل قوانني‬
‫أو أوامر إدارية‪ .‬فالترشيع الرضيبي الذي ينظم فرض الرضائب و حتصيلها يعترب كغريه من القوانني األخرى املنظمة‬
‫لكافة املجاالت االق تصادية و التجارية و النقدية؛ كام أنه ال بد من قانون حتى تعقد القروض العامة‪ ،‬و كذلك ال بد‬
‫من قانون اربط املوازنة و احلسا اخلتامي‪.‬‬

‫‪ -‬يرتبط القانون و املالية العامة من حيث املوضوع؛ إذ يسعى كل منهام إىل حتقيق غاية واحدة و هي العدالة يف‬
‫املجتمع عىل نحو خاص به‪ .‬فالقانون بام يشتمل عليه من قواعد حتكم سلوك األفراد هيدف إىل حتقيق العدل بينهم‬
‫و كفالة احرتام حقوق األفراد و إلزام كل منهم بأداء واجباته؛ و كذلك فإن القواعد و املبادئ التي حتكم النشاط املايل‬
‫للدولة‪ ،‬سواء من حيث حتصيل اإليرادات أو القيام بالنفقات العامة‪ ،‬هتدف إىل حتقيق العدالة يف توزيع أعباء النفقات‬
‫العامة عىل جمموع األفراد‪ ،‬و االستفادة العادلة من منافع اإلنفاق العام بام حيقق االستقرار االقتصادي‬
‫و االجتامعي‪ ،‬و من ثم العدالة االقتصادية و االجتامعية بني أفراد املجتمع‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬العالقة بني علم املالية العامة و علم السياسة‬


‫إن عالقة علم املالية العامة بعلم السياسة ال تقل أمهية عن عالقته بعلمي االقتصاد و القانون‪ ،‬و يتضح ذلك‬
‫عىل النحو التايل‪:‬‬

‫‪ -‬يرتبط النظام املايل للدولة بنظامها السيايس ارتباطا وثيقا‪ ،‬فهو يؤثر فيه و يتأثر به؛ فالنظام املايل يعكس‬
‫اجتاهات النظام السيايس‪ ،‬و يعترب يف نفس الوقت أداة من أدوات حتقيق أهداف هذا النظام‪ .‬فاملذهب السيايس للدولة‬
‫يؤثر عىل نظامها املايل‪ ،‬و من ثم فإن مالية الدولة ختتلف بحسب ما إذا كانت الدولة ديمقراطية أو تأخذ بالنظام‬

‫‪09‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫الشمويل‪ ،‬و بحسب ما إذا كانت الدولة رأساملية أو اشرتاكية‪ ،‬و بحسب ما إذا كانت الدولة تأخذ بنظام املركزية‬
‫أو الالمركزية اإلدارية‪ ،‬و بحسب ما إذا كانت الدولة بسيطة أو احتادية؛‬

‫‪ -‬إذا كانت املالية العامة تتأثر بالنظام السيايس للدولة‪ ،‬فإهنا بدورها تؤثر يف األوضاع السياسية للدولة‪ ،‬و ليس‬
‫أدل عىل قوة تأثري األوضاع املالية عىل األوضاع السياسية من تتبع ترصحيات رؤساء األحزا يف الدول الديمقراطية‬
‫يف الفرتات السابقة لالنتخابات الترشيعية؛ فالوعود أغلبها مالية و الدعوة لتعميم الرخاء االقتصادي متال أهم دعائم‬
‫الدعاية االنتخابية عىل اإلطالق‪ .‬فهم يعدون تارة بتحقيق عدالة أكرب يف توزيع األعباء العامة‪ ،‬و تارة أخرى بتقديم‬
‫إعانات للفقراء و غري القادرين‪ ،‬أو بتحسني اخلدمات العامة و تنميتها؛‬

‫‪ -‬تعكس مالية الدولة يف نفس الوقت قدرات السلطات احلاكمة و أهدافها السياسية و االقتصادية‬
‫و االجتامعية‪ .‬فالنظام املايل قد يتم إعداده بصورة تالئم مصالح طبقة دون أخرى من طبقات الشعب‪ ،‬مما يرتتب عليه‬
‫نتائج هامة من حيث حصيلة اإليرادات‪ ،‬و من حيث كيفية استخدامها؛‬

‫‪ -‬جتدر اإلشارة كذلك إىل أن كاريا من اإلصالحات و النظم السياسية ترجع أصال إىل أسبا مالية‪.‬‬

‫رابعا‪ -‬العالقة بني علم املالية العامة و علم االجتامع‬


‫يوجد تأثر متبادل بني املالية العامة و األوضاع االجتامعية السائدة يف الدولة‪ .‬فالنظام املايل هو انعكاس للنظام‬
‫االجتامعي‪ ،‬و يف نفس الوقت يعترب من أدوات حتقيق أهداف هذا النظام؛ فكاريا ما تسعى الدولة عن طريق أدواهتا‬
‫املالية إىل حتقيق أغراض اجتامعية‪ ،‬كمنح إعانات للبطالة و العجز و الشيخوخة‪ ،‬و تقديم اخلدمات الصحية‬
‫و التعليمية و خدمات النقل و املواصالت بمقابل زهيد‪ ،‬مراعاة للظروف االجتامعية للطبقات الفقرية‬
‫و يؤدي ذلك إىل حتميل املوازنة بأعباء مالية تدفع الدولة إىل زيادة قيمة الرضائب القائمة أو فرض‬ ‫و املتوسطة‪،‬‬
‫رضائب جديدة‪ ،‬أو عقد القروض العامة سواء كانت داخلية أو خارجية‪ ،‬مما يكون له آثار اجتامعية هامة‪.‬‬

‫كذلك فإن موارد الدولة يمكن أن تكون بماابة أداة فعالة حلل الكاري من املشكالت االجتامعية‪ .‬ففرض‬
‫رضائب بنسب تصاعدية عىل الدخول يقلل من التفاوت يف توزيع الدخول و الاروات بني خمتلف الطبقات‪ ،‬و فرض‬
‫رضائب بنسب مرتفعة عىل السلع الضارة بالصحة و املحرمة طبقا للعادات و التقاليد‪ ،‬مال اخلمور و التبغ قد يؤدي‬

‫‪‬‬
‫هو النظام التى تتحكم فيه الدولة ىف كل تفاصيل حياة املواطنني‪ ،‬و حيصل هذا النظام عىل دعم و تأييد املواطنني بفضل اآللة الدعائية للحكومة‪ ،‬و التى تعمل عىل‬
‫تعزيز الصورة االجيابية لنظام احلكم‪ .‬و من الناحية األخرى خياف املواطنون من انتقاد الدولة حتى ال يتعرضوا للبطش‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫للتقليل من استهالكها‪ ،‬و من ثم املحافظة عىل الصحة العامة‪ ،‬و إعفاء أصحا الدخول املحدودة من الرضيبة هيدف‬
‫إىل املحافظة عىل احلد األدنى الالزم للمعيشة‪.‬‬

‫من ناحية أخرى‪ ،‬قد تؤثر األهداف االجتامعية التي تسعى الدولة إىل حتقيقها يف املالية العامة تأثريا‬
‫مبارشا‪ ،‬ذلك أن أي إصالح اجتامعي يتوقف عىل املوارد املالية للدولة‪ .‬فاإلصالحات االجتامعية التي يكون الغرض‬
‫منها حتسني حال الطبقات الفقرية و ذات الدخول املحدودة‪ ،‬مال ختفيض نسبة البطالة أو خفض نسبة األمية بني‬
‫سكان الريف‪ ،‬أو حتسني املستوى الصحي و التوسع يف خدمات التأمني الصحي‪ ،‬فكل ذلك يتطلب من الدولة زيادة‬
‫النفقات العامة و زيادة املبالغ املخصصة للدعم و النفقات التحويلية‪ ،‬و هذا يستلزم بدوره فرض رضائب جديدة‬
‫أو رفع نسب الرضائب احلالية‪ ،‬لتغطية عبء الزيادة يف النفقات العامة‪.‬‬

‫خامسا‪ -‬العالقة بني علم املالية العامة و علم املحاسبة‬


‫يعد االرتباط وثيقا أيضا بني املالية العامة و املحاسبة؛ إذ أن العديد من مسائل املالية العامة‪ ،‬و خاصة الرضائب‪،‬‬
‫تستلزم املعرفة و اإلملام بأصول املحاسبة و املراجعة و فنوهنا‪ ،‬من اهتالكات و جرد و احتياطات و عمل احلسابات‬
‫اخلتامية و املوازنة العامة للدولة و تنفيذها و الرقابة عليها‪ .‬و كلام زاد تدخل الدولة يف النشاط االقتصادي كلام ازدادت‬
‫الصلة بني املالية العامة و املحاسبة؛ إذ يستدعي األمر نرش ميزانيات جتارية ملرشوعات الدولة‪ ،‬إىل جانب البيانات املالية‬
‫اخلاصة هبا‪ ،‬و الواردة يف موازنة الدولة أو املوازنات املستقلة أو املوازنات امللحقة‪.‬‬

‫سادسا‪ -‬العالقة بني علم املالية العامة و علم اإلحصاء‬


‫الصلة بني املالية العامة و اإلحصاء ال ختفى عىل أحد؛ إذ أن علم اإلحصاء يتيح للباحاني الرؤية الصحيحة‬
‫و الواضحة لكافة الظواهر املالية التي يعرب عنها‪ ،‬و يقوم برتمجتها و جتسيدها يف صورة أرقام و بيانات و إحصاءات‪.‬‬
‫و ال شك أن دراسة اإلحصاءات هي التي متال األساس الرضوري إلجراء التوقعات املالية‪ ،‬من تقدير النفقات‬
‫املستقبلية و اإليرادات املتوقعة؛ فضال عن أمهيتها القصوى يف حتقيق الرقابة عىل األجهزة املالية املختلفة‪ .‬و بعبارة‬
‫أخرى‪ ،‬يعترب علم اإلحصاء من العلوم املساعدة لعلم املالية العامة التي ال غنى عنها يف دراسة و رسم السياسة املالية‬
‫للدولة؛ إذ يتطلب رسم هذه السياسة توافر البيانات و املعلومات اإلحصائية اخلاصة بالدخل الوطني‪ ،‬و توزيع الاروة‬
‫و الدخول بني األفراد و الطبقات يف املجتمع‪ ،‬و عدد السكان و توزيعهم من حيث السن و املناطق اجلغرافية‬
‫املختلفة‪ ،‬و حالة ميزان املدفوعات‪ ،‬و مدى اإلقبال عىل استهالك بعض السلع و اخلدمات و غري ذلك من األمور‬
‫الالزمة لتقرير السياسة املالية الواجبة االتباع يف ظروف معينة‪ ،‬و لتحقيق أهداف حمددة سلفا‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬

‫أسئلة الفصل‬

‫‪ -‬ما هو الفرق بني احلاجات العامة و احلاجات الفردية؟‬

‫‪ -‬كيف كانت املالية العامة يف العصور الوسطى؟‬

‫‪ -‬عرف املالية العامة يف الدولة احلارسة؟‬

‫‪ -‬عرف املالية العامة يف الدولة املتدخلة؟‬

‫‪ -‬ما هو الفرق بني املالية العامة و املالية اخلاصة؟‬

‫‪ -‬كيف يؤثر علم املالية العامة عىل علم السياسة و العكس؟‬

‫أعامل شخصية‬

‫‪ -‬البحث يف احلاجات العامة‪ :‬التعريف‪ ،‬األنواع و اخلصائص؛‬

‫‪ -‬البحث يف السياسة املالية‪ :‬التعريف‪ ،‬اخلصائص‪ ،‬األهداف‪ ،‬األدوات‪ ،‬السياسة املالية يف حاالت الركود‬

‫و السياسات املالية يف حاالت الرواج‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


:
Dépenses publiques; Public expenditure
‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة (‪)Dépenses publiques; Public expenditure‬‬

‫متهيد‬

‫حتتل النفقات العامة مكانا بارزا يف الدراسات املالية‪ ،‬و ذلك لكوهنا إحدى أهم أدايت السياسة املالية التي‬

‫تستخدم لتحقيق األهداف االقتصادية و االجتامعية؛ إذ أهنا تلعب دورا حيويا يف حتقيق أهداف إعادة التخصيص‬

‫و التوزيع و االستقرار و النمو االقتصادي‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬ماهية النفقات العامة‬

‫تعمد الدولة و هي بصدد القيام بنفقاهتا العامة إىل استخدام مبالغ من النقود لتحقيق أغراض النفع‬

‫العام‪ ،‬من هذه الزاوية يمكن اعتبار النفقة العامة بمثابة مبلغ نقدي يقوم بإنفاقه شخص عام‪.‬‬

‫أوال‪ -‬تعريف النفقات العامة‬

‫رغم تعدد تعاريف النفقة العامة و وجود بعض االختالفات فيام بينها‪ ،‬إال أن األطر العامة هلذه التعاريف‬

‫تكاد تكون متقاربة‪ ،‬من أهم هذه التعاريف ما ييل‪:‬‬

‫‪ -‬النفقة العامة كم قابل للتقويم النقدي‪ ،‬يأمر بإنفاقه شخص من أشخاص القانون العام‪ ،‬و ذلك إشباعا‬

‫حلاجة عامة؛‬

‫‪ -‬النفقة العامة مبلغ من النقود‪ ،‬خيرج من خزانة الدولة بواسطة إداراهتا و مؤسساهتا و هيئاهتا و وزاراهتا‬

‫املختلفة‪ ،‬إلشباع حاجة عامة‪.‬‬

‫و بتعريف بسيط‪ ،‬النفقة العامة هي مبلغ نقدي‪ ،‬يقوم بإنفاقه شخص عام‪ ،‬هبدف حتقيق نفع عام‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬عنارص النفقة العامة‬

‫وفق التعريف السابق‪ ،‬تشتمل النفقة العامة عىل ثالثة عنارص أساسية‪ ،‬تعترب يف نفس الوقت صفات مميزة هلا‬

‫عن غريها من أنواع النفقات التي تقوم هبا الدولة‪.‬‬

‫‪42‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫‪ -1‬الصفة النقدية للنفقة العامة (استعامل مبلغ من النقود)‪ :‬تقوم الدولة بواجباهتا يف اإلنفاق العام‬

‫باستخدام مبلغ من النقود ثمنا ملا حتتاجه من منتجات‪ ،‬سلع و خدمات‪ ،‬من أجل تسيري املرافق العامة‪ ،‬و ثمنا‬

‫رؤوس األموال اإلنتاجية التي حتتاجها للقيام باملرشوعات االستثامرية التي تتوالها‪ ،‬و ملنح املساعدات‬

‫و اإلعانات املختلفة من اقتصادية و اجتامعية و ثقافية و غريها‪.‬‬

‫و مما ال شك فيه أن استخدام الدولة للنقود هو أمر طبيعي و يتامشى مع الوضع القائم يف ظل اقتصاد‬

‫نقدي‪ ،‬تقوم فيه مجيع املبادالت و املعامالت بواسطة النقود‪ ،‬و من ثم تصبح النقود هي وسيلة الدولة لإلنفاق‬

‫شأهنا يف ذلك شأن األفراد‪.‬‬

‫و بالرغم من أن اإلنفاق العام قد ظل لفرتة طويلة من الزمن يتم يف صورة عينية‪ -‬كقيام الدولة بمصادرة‬

‫جزء من ممتلكات األفراد‪ ،‬أو االستيالء جربا عىل ما حتتاجه من أموال و منتجات دون تعويض أصحاهبا تعويضا‬

‫عادال‪ ،‬أو إرغام األفراد عىل العمل بدون أجر (السخرة‪ ،-)‬إال أن هذا الوضع قد اختفى قد اختفى بعد انتهاء‬

‫مرحلة اقتصاد املقايضة‪ ،‬أو كام يسمى بالتبادل العيني‪ ،‬و بعد أن صارت النقود هي األداة الوحيدة يف التعامل‬

‫و املبادالت‪.‬‬

‫استنادا إىل ذلك‪ ،‬ال تعترب الوسائل غري النقدية التي قد تتبعها الدولة‪ ،‬للحصول عىل ما حتتاجه من منتجات‬

‫أو منح املساعدات من قبيل النفقات العامة؛ كذلك ال تعترب نفقات عامة املزايا العينية مثل السكن‬

‫املجاين‪ ،‬أو النقدية كاإلعفاء من الرضائب‪ ،‬أو الرشفية كمنح األلقاب و األوسمة التي تقدمها الدولة لبعض‬

‫القائمني بخدمات عامة أو لغريهم من األفراد‪ .‬و ال يقلل من ذلك‪ ،‬أنه يف بعض احلاالت االستثنائية التي قد يتعذر‬

‫عىل الدولة متاما احلصول عىل احتياجاهتا عن طريق اإلنفاق النقدي‪ ،‬مثل أوقات احلروب و األزمات احلادة‪ ،‬قد‬

‫تعترب بعض الوسائل غري النقدية من قبيل النفقات العامة‪ ،‬إال أن ذلك استثناء ال جيب التوسع فيه بأي حال من‬

‫األحوال‪.‬‬

‫‪ ‬السخرة‪ :‬هي طريقة إجبار الناس عىل عمل يؤدو نه بدون مقابل مادي جلهدهم ‪ ،‬إنام بإطعامهم طعاما رديئا‪ ،‬أما الكساء فربام ما يسرت عوراهتم فقط‪ ،‬و يعملون‬
‫يف ظروف صعبة للغاية يف أيام الربد و احلر‪ .‬و من ضمن ما قيل عن نظام السخرة يف فرنسا أيام امللكية‪ ،‬أن امللك لويس السادس عرش كان يأمر الفالحني‬
‫بإسكات نقيق الضفادع يف هنر السني‪ ،‬حيث يقع قرصه كي يستطيع أن ينام‪.‬‬

‫‪42‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫و السؤال الذي يطرح نفسه هنا‪ ،‬ملما ُي َعد اإلنفاق النقدي أفضل صور اإلنفاق عىل اإلطالق؟‬

‫ترتكز اإلجابة هنا عىل عدة دعائم أساسية‪:‬‬

‫‪ -‬يسهل استخدام الدولة للنقود يف اإلنفاق ما يقتضيه النظام املايل احلديث من تقرير مبدأ الرقابة بصورها‬

‫املتعددة عىل النفقات العامة‪ ،‬ضامنا حلسن استخدامها‪ ،‬بناء عىل الضوابط و القواعد التي حتقق مصالح األفراد‬

‫العامة‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬متثل الرقابة عىل اإلنفاق العيني صعوبة كبرية‪ ،‬نظرا لصعوبة تقييم هذا النوع من‬

‫اإلنفاق؛‬

‫‪ -‬يؤدي نظام اإلنفاق العيني (بام قد يستتبعه من منح بعض املزايا العينية) إىل اإلخالل بمبدأ املساواة‬

‫و العدالة بني األفراد يف االستفادة من نفقات الدولة‪ ،‬و يف توزيع األعباء و التكاليف العامة بني األفراد؛‬

‫‪ -‬أدى رسوخ مبادئ الديمقراطية إىل عدم إكراه األفراد عىل تأدية أعامهلم عن طريق السخرة (بدون أجر)‪،‬‬

‫لتنايف ذلك مع حرية اإلنسان و كرامته؛‬

‫‪ -‬يثري اإلنفاق العيني العديد من املشاكل اإلدارية و التنظيمية‪ ،‬و يؤدي إىل عدم الدقة‪ ،‬و قد يؤدي إىل حماباة‬

‫بعض األفراد و إعطائهم مزايا عينية دون غريهم؛‬

‫نتيجة لألسباب و الدعائم السالفة‪ ،‬فإن النفقات العامة تتم دائام يف صورة نقدية‪ ،‬و ال خيفى عىل أحد أن‬

‫اإلنفاق يف صورته النقدية قد أدى إىل ازدياد حجم النفقات العامة‪ ،‬و بالتايل ازدياد حجم الرضائب (كمصدر‬

‫أسايس لإليرادات العامة) و غريها من األعباء العامة‪ ،‬مع توزيع أعدل هلذه األعباء كل حسب مقدرته التكليفية‪.‬‬

‫‪ -2‬صدور النفقة عن شخص عام‪ :‬وفقا هلذا العنرص‪ ،‬ال يعترب املبلغ النقدي الذي ينفق ألداء خدمة عامة‬

‫قصد باألشخاص العامة الدولة‪ ،‬بام يف ذلك اهليئات‬


‫من قبيل النفقة العامة‪ ،‬إال إذا صدر من شخص عام‪ .‬و ُي َ‬

‫و املؤسسات العامة ذات الشخصية املعنوية‪ ،‬و الواليات يف الدول االحتادية‪ ،‬أو قد تكون أشخاص عامة حملية‬

‫كمجالس املحافظات و املدن و القرى يف الدول املوحدة‪.‬‬

‫‪42‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫و عىل هذا‪ ،‬فإن النفقات التي ينفقها أشخاص خاصة‪ ،‬طبيعية أو اعتبارية‪ ،‬ال تعترب نفقة عامة‪ ،‬حتى و لو‬

‫كانت هتدف إىل حتقيق نفع عام‪ .‬مثال ذلك‪ ،‬إذا قام شخص ببناء مستشفى ثم تربع هبا للدولة‪ ،‬فإن هذا اإلنفاق ال‬

‫ُي َعد عاما‪ ،‬ذلك أن األموال التي قام بإنفاقها ُت َعد أمواال خاصة و ليست عامة‪ ،‬بالرغم من عمومية اهلدف‪ ،‬و من ثم‬

‫ُي َعد من قبيل اإلنفاق اخلاص‪.‬‬

‫و لكن هل يعني ذلك أن كافة املبالغ التي تنفقها الدولة أو اهليئات العامة ُت َعد من قبيل النفقات العامة؟‬

‫من املتفق عليه‪ ،‬أن كافة املبالغ التي تنفقها الدولة بصدد ممارستها لنشاطها العامة‪ ،‬و بموجب سيادهتا‬

‫و سلطتها اآلمرة ُت َعد نفقات عامة‪ .‬أما النفقات التي تنفقها الدولة بصدد ممارستها لنشاط اقتصادي مماثل للنشاط‬

‫الذي يبارشه األفراد‪ ،‬مثل املرشوعات اإلنتاجية‪.‬‬

‫‪ -3‬الغرض من النفقة العامة حتقيق نفع عام‪ :‬ينبغي أ ن يكون اهلدف من النفقات العامة هو إشباع احلاجات‬

‫العامة‪ ،‬و من ثم حتقيق النفع العام أو املصلحة العامة‪ .‬و بالتايل‪ ،‬ال تعترب من قبيل النفقات العامة تلك النفقات التي‬

‫هتدف إىل إشباع حاجة خاصة و حتقيق نفع خاص يعود عىل األفراد‪.‬‬

‫و تربير ذلك يرجع إىل مبدأ العدالة و املساواة بني مجيع األفراد؛ إذ أن مجيع األفراد يتساوون يف حتمل األعباء‬

‫العامة‪ ،‬كالرضائب‪ ،‬و من ثم فيجب أن يتساووا كذلك يف االنتفاع بالنفقات العامة للدولة؛ إذ أن حتمل األعباء‬

‫العامة و النفقات العامة مها وجهان لعملة واحد‪ .‬و بذلك‪ ،‬فليس من املتصور أن تكون النفقة لغرض نفع‬

‫أو مصلحة خاصة بفئة معينة‪ ،‬ملما يف ذلك من خمالفة ملبدأ العدالة و املساواة يف حتمل األعباء العامة‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬تقسيامت النفقات العامة‬

‫يقصد بتقسيم النفقات العامة وضع هذه النفقات يف أقسام و زمر متجانسة‪ ،‬و متييزها متييزا واضحا عن‬

‫بعضها البعض‪ .‬و يمكن التمييز بني نوعني رئيسيني لتقسيم (تبويب) النفقات العامة مها‪:‬‬

‫‪ -‬التقسيم العلمي (املوضوعي) للنفقات العامة؛‬

‫‪ -‬التقسيم الوضعي للنفقات العامة وفقا للقوانني النافذة يف كل دولة‪.‬‬

‫‪42‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫أوال‪ -‬التقسيم العلمي (املوضوعي‪ -‬االقتصادي) للنفقات العامة‬

‫حيتل هذا التقسيم املكانة األوىل بني خمتلف التقسيامت لشموله من ناحية‪ ،‬و لفائدته يف جمال التحليل املايل‬

‫و التعرف عىل آثار النفقات العامة من ناحية أخرى‪ .‬و تنقسم النفقات العامة حسب هذا التقسيم إىل‪:‬‬

‫‪ -‬التقسيم الوظيفي للنفقات العامة (تبعا ألهدافها)؛‬

‫‪ -‬تقسيم النفقات العامة حسب دوريتها و انتظامها؛‬

‫‪ -‬تقسيم النفقات العامة حسب نطاق رسياهنا؛‬

‫‪ -‬تقسيم النفقات العامة حسب تأثريها يف اإلنتاج الوطني‪.‬‬

‫‪ -1‬التقسيم الوظيفي للنفقات العامة (تبعا ألهدافها)‪ :‬يعد التقسيم الوظيفي للنفقات العامة تقسيام حديثا‬

‫نسبيا‪ ،‬فهو يعتمد عىل املفهوم احلديث للاملية العامة؛ فالتقسيم الوظيفي يظهر النفقات العامة للدولة حسب‬

‫الوظائف التي تقوم هبا‪ ،‬أي أنه يتبع النشاطات املختلفة التي تقوم هبا الدولة‪ .‬و وفقا هلذا التقسيم تصنف النفقات‬

‫العامة طبقا للوظائف و اخلدمات التي تقوم هبا الدولة يف خمتلف املجاالت‪ .‬و بناء عىل ذلك‪ ،‬يتم تبويب النفقات‬

‫العامة يف جمموعات متجانسة‪ ،‬بحيث ختصص كل جمموعة لوظيفة معينة من هذه الوظائف‪.‬‬

‫من هنا يمكن أن تظهر النفقات العامة تبعا للوظائف التالية‪:‬‬

‫أ‪ -‬النفقات العامة االقتصادية‪ :‬تشمل األموال املخصصة للقيام بخدمات هتدف إىل حتقيق هدف اقتصادي‪.‬‬

‫و مثال ذلك‪ ،‬االستثامرات يف املشاريع االقتصادية املتنوعة‪ ،‬و اإلعانات و املنح االقتصادية و النفقات التي هتدف‬

‫إىل تزويد االقتصاد الوطني باخلدمات األساسية كالطاقة و النقل‪...‬؛‬

‫ب‪ -‬النفقات العامة االجتامعية‪ :‬تتضمن النفقات العامة الالزمة للقيام بخدمات اجتامعية‪ ،‬كاملبالغ التي‬

‫متنح لبعض الفئات االجتامعية أو األفراد أو األرس الكبرية ذات الدخل املحدود‪ ،‬و النفقات العامة املخصصة‬

‫للخدمات الصحية و التعليمية و الرتفيهية و الضامن االجتامعي؛‬

‫‪42‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫ج‪ -‬النفقات اإلدارية‪ :‬تتضمن النفقات العامة املخصصة لتسيري املرافق العامة‪ ،‬من رواتب و أجور العاملني‬

‫يف اإلدارات احلكومية‪ ،‬و أثامن مستلزمات اإلدارات احلكومية؛ كام تتضمن املبالغ املخصصة للجهاز اإلداري من‬

‫أجل إعداده و تدريبه‪ ،‬لكي يكون قادرا عىل أداء اخلدمات العامة عىل الوجه األكمل؛ كام يدخل ضمنها‪ ،‬املبالغ‬

‫الالزمة لتحقيق األمن الداخيل و استمرار العالقات من اخلارج؛‬

‫د‪ -‬النفقات العسكرية‪ :‬تتضمن النفقات العامة املخصصة إلقامة و استمرار مرافق الدفاع الوطني من‬

‫رواتب و أجور و نفقات إعداد و دعم و جتهيز القوات املسلحة‪ ،‬و برامج التسليح يف أوقات السلم و احلرب؛‬

‫ه‪ -‬النفقات املالية‪ :‬تتضمن النفقات العامة املخصصة من أجل أداء أقساط و فوائد الدين العام و السندات‬

‫املالية األخرى‪.‬‬

‫‪ -2‬تقسيم النفقات العامة حسب دوريتها و انتظامها‪ :‬نميز وفقا هلذا التقسيم ما بني نفقات عامة‬

‫عادية‪ ،‬و نفقات عامة غري عادية‪.‬‬

‫أ‪ -‬النفقات العامة العادية (‪ :)Dépenses Ordinaires‬هي تلك النفقات العامة التي تنفق بشكل دوري‬

‫و منتظم سنويا‪ ،‬دون أن يعني هذا االنتظام و التكرار ثبات مقدار النفقة‪ ،‬أو تكرارها باحلجم ذاته‪ .‬و مثاهلا الرواتب‬

‫و األجور‪ ،‬و نفقات الصيانة‪ ،‬و نفقات العدالة‪ ،‬و فوائد القروض العامة و نفقات اإلدارة؛‬

‫ب‪ -‬النفقات العامة غري العادية (‪ :)Dépenses Extra-ordinaires‬يقصد هبا تلك النفقات العامة التي‬

‫ال تتكرر بانتظام و ال تتميز بالدورية؛ فهي حتدث عىل فرتات متباعدة‪ ،‬و بصورة غري منتظمة‪ .‬مثاهلا‪ ،‬النفقات‬

‫العامة االستثامرية الضخمة (بناء السدود و الطرق)‪ ،‬و نفقات مكافحة البطالة‪ ،‬و نفقات احلرب‪ ،‬و النفقات العامة‬

‫الالزمة ملواجهة الكوارث الطبيعية الكبرية كالفيضانات و الزالزل‪.‬‬

‫‪ -3‬تقسيم النفقات العامة حسب نطاق رسياهنا‪ :‬يعتمد هذا التقسيم للنفقات العامة عىل مبدأ شمول‬

‫اإلنفاق‪ ،‬و بناء عىل ذلك‪ ،‬تقسم النفقات العامة وفقا لنطاق رسياهنا إىل‪:‬‬

‫‪42‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫أ‪ -‬النفقات العامة الوطنية أو املرزيية (‪ :)Dépenses Nationales‬هي تلك النفقات التي ترد يف املوازنة‬

‫العامة للدولة‪ ،‬و تتوىل احلكومة االحتادية أو املركزية القيام هبا‪ .‬مثل نفقة الدفاع و القضاء و األمن‪ ،‬فهي نفقات‬

‫ذات طابع وطني؛‬

‫ب‪ -‬النفقات العامة املحلية أو اإلقليمية (‪ :)Dépenses Locales‬هي تلك النفقات التي تقوم هبا الواليات‬

‫أو جمالس احلكم املحيل‪ ،‬كمجالس املحافظات و املدن و القرى‪ ،‬و ترد يف موازنة هذه اهليئات‪ .‬مثل توزيع املاء‬

‫و الكهرباء و املواصالت داخل اإلقليم أو املدينة‬

‫‪ -4‬تقسيم النفقات العامة حسب تأثريها يف اإلنتاج الوطني‪ :‬يمكن تقسيم النفقات العامة حسب تأثريها يف‬

‫اإلنتاج الوطني إىل نوعني مها‪ :‬النفقات العامة احلقيقية و النفقات العامة التحويلية‪.‬‬

‫أ‪ -‬النفقات العامة احلقيقية (‪ :)Dépenses Réelles‬هي تلك النفقات التي تقوم هبا الدولة مقابل احلصول‬

‫عىل سلع أو خدمات أو رؤوس أموال إنتاجية‪ ،‬كاملرتبات و أثامن املواد و التوريدات و املهامت الالزمة لسري املرافق‬

‫العامة التقليدية و احلديثة‪ ،‬و النفقات االستثامرية أو الرأساملية‪.‬‬

‫فاإلنفاق احلقيقي يتمثل يف استخدام الدولة للقوة الرشائية‪ ،‬و ينتج عنها حصوهلا عىل السلع و اخلدمات‬

‫و القوى العاملة‪ ،‬فاإلنفاق هنا يمثل املقابل أو ثمن الرشاء الذي تدفعه الدولة للحصول عليها‪.‬‬

‫ب‪ -‬النفقات العامة التحويلية (‪ :)Dépenses de Transfert‬هي تلك النفقات التي ال يرتتب عليها‬

‫حصول الدولة عىل مقابل من سلع أو خدمات أو رؤوس أموال؛ بل بموجبها تقوم الدولة بتحويل جزء من‬

‫الدخل الوطني من الطبقات االجتامعية مرتفعة الدخل إىل الطبقات االجتامعية األخرى حمدودة الدخل‪.‬‬

‫فاإلنفاق التحوييل يؤدي إىل نقل القوة الرشائية من طائفة إىل أخرى‪ ،‬مما يؤدي إىل زيادة القوة الرشائية‬

‫لبعض األفراد ‪ .‬و بمقتىض ذلك‪ ،‬فإن النفقات التحويلية تنفقها الدولة دون اشرتاط احلصول عىل مقابل هلا يف‬

‫صورة سلع و خدمات من املستفيدين منها‪ .‬و من ثم‪ ،‬فإهنا ال تؤدي إىل زيادة الدخل الوطني بشكل مبارش؛ و من‬

‫أمثلتها‪ ،‬اإلعانات و املساعدات االقتصادية و االجتامعية املختلفة‪ ،‬التي متنحها أو تقدمها الدولة‬

‫‪03‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫لألفراد‪ ،‬أو املرشوعات‪ ،‬و مسامهة الدولة يف نفقات التأمني االجتامعي و املعاشات؛ أي أن الدولة هتدف منها إعادة‬

‫توزيع الدخل و لو بصورة جزئية ملصلحة هذه الفئات‪.‬‬

‫واجب منييل‪ :‬التفريق بني اإلعانات االجتامعية و اإلعانات االقتصادية؟‬

‫ثانيا‪ -‬التقسيم الوضعي للنفقات العامة‬

‫بعد استعراض أهم أنواع التقسيم العلمي املوضوعي للنفقات العامة‪ ،‬يطرح السؤال التايل نفسه‪ :‬ما هو‬

‫موقف املرشع املايل من هذه التقسيامت العلمية‪ ،‬و إىل أي مدى يأخذ هبا يف تصنيفه للنفقات العامة يف املوازنة العامة‬

‫للدولة؟‬

‫إن التقسيامت الوضعية للنفقات العامة هي تلك التي تتبناها املوازنات العامة للدول املختلفة استنادا إىل‬

‫االعتبارات الواقعية أو العملية‪ ،‬و خاصة االعتبارات اإلدارية و الوظيفية التي تدعو يف الغالب إىل عدم االلتزام‬

‫بالتقسيم العلمي(االقتصادي) للنفقة‪.‬‬

‫و هيتم التقسيم اإلداري للنفقات العامة بتوزيع النفقات العامة تبعا للهيئات اإلدارية التي تقوم بها‪ ،‬و بغض‬

‫النظر عن أوجه النشاط و الوظائف التي تقوم بها هذه اهليئات‪ ،‬و قد أخذ عىل التقسيم اإلداري صفته اإلدارية‬

‫البحتة و عدم اهتاممه بتجميع النفقات حسب موضوعها‪.‬‬

‫أما التقسيم الوظيفي فهو هيتم بتقسيم النفقات العامة حسب الوظائف التي تقوم بها الدولة دون االهتامم‬

‫بطبيعة النفقة‪ ،‬و هذه الطريقة تسمح بجمع كافة النفقات التي تهدف إىل حتقيق نفس الغرض يف قسم واحد حتى‬

‫و لو كانت موزعة عىل عدة وزارات أو مصالح‪ ،‬و يتميز هذا التقسيم يف كونه ال ينظر إىل مشرتيات الدولة يف حد‬

‫ذاتها و إنام ينظر إليها يف نطاق اهلدف الذي يسعى إىل حتقيقه من ورائها‪.‬‬

‫و يالحظ بأن التقسيم الوظيفي هو الصورة الغالبة يف الوقت احلارض يف موازنات الدول املختلفة‪.‬‬

‫‪03‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫املبحث الثالث‪ :‬ضوابط النفقات العامة (قواعد اإلنفاق العام)‬

‫لكي حتقق النفقات العامة األغراض املنشودة منها من إشباع للحاجات العامة‪ ،‬فإن هذا يستلزم حتقيق ثالثة‬

‫أمور يف غاية األمهية‪ :‬أوهلام‪ ،‬حتقيق أكرب قدر ممكن من املنفعة؛ و ثانيهام‪ ،‬أن يتم ذلك عن طريق أكرب قدر ممكن من‬

‫االقتصاد يف النفقات؛ و ثالثهام‪ ،‬اإلجراءات القانونية الالزمة إلجراء النفقة‪ .‬و إذا تم مراعاة هذه الضوابط فإننا‬

‫نكون قد وصلنا إىل اإلنفاق الرشيد أو احلجم األمثل اقتصاديا للنفقات العامة‪.‬‬

‫أوال‪ -‬ضابط املنفعة القصوى‬

‫قصد بضابط املنفعة القصوى أن يكون الغرض من النفقات العامة دائام‪ ،‬يف ذهن القائمني هبا‪ ،‬حتقيق أكرب‬
‫ُي َ‬

‫منفعة ممكنة‪ ،‬و هو أمر منطقي؛ إذ ال يمكن تربير النفقة العامة إال بمقدار املنافع التي ترتتب عليها‪ ،‬و بذلك فإن‬

‫تدخل الدولة باإلنفاق العام يف جمال معني دون منفعة تعود عىل األفراد من هذه النفقة يعني أن هذا اإلنفاق ال مربر‬

‫له‪.‬‬

‫قصد بتحقيق أكرب قدر ممكن من املنفعة أال توجه النفقة العامة للمصالح اخلاصة لبعض األفراد أو لبعض‬
‫و ُي َ‬

‫فئات املجتمع دون البعض اآلخر‪ ،‬نظرا ملا يتمتعون به من نفوذ سيايس أو اقتصادي أو اجتامعي‪ .‬كام يعني أيضا‪ ،‬أن‬

‫ُين َظر إىل املرافق العامة نظرة إمجالية شاملة لتقدير احتياجات كل مرفق و كل وجه من أوجه اإلنفاق‪ ،‬يف ضوء‬

‫احتياجات املرافق و أوجه اإلنفاق األخرى‪ .‬كام يلزم أيضا‪ ،‬أن توزع مبالغ النفقات العامة بحيث تكون املنفعة‬

‫املرتتبة عىل النفقة احلدية يف كل وجه من أوجه اإلنفاق مساوية للمنفعة املرتتبة عىل النفقة احلدبة يف األوجه‬

‫األخرى‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬و أن تكون املنفعة املرتتبة عىل النفقة احلدية يف كافة أوجه اإلنفاق مساوية للمنفعة املرتتبة‬

‫عىل النفقة احلدية للدخل املتبقي يف يد األفراد بعد دفع التكاليف العامة‪ ،‬كالرضائب‪ ،‬من جهة أخرى‪ .‬و هذا يعد‬

‫تطبيقا لقاعدة توازن املستهلك‪.‬‬

‫و تثري فكرة املنفعة العامة و حتديدها مشكلة وضع ضابط دقيق لتحديدها‪ ،‬خاصة إذا ما أخذنا يف االعتبار‬

‫أن للنفقات آثارا متعددة اقتصادية و غري اقتصادية‪ ،‬ظاهرة و غري ظاهرة‪ ،‬مبارشة و غري مبارشة‪ ،‬حارضة‬

‫و مستقبلية‪ ،‬مما يتعذر معه قياسها عىل وجه الدقة‪ .‬و إن كان من املمكن االسرتشاد بعاملني يف هذا الصدد‪:‬العامل‬

‫‪04‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫األول‪ ،‬مقدار الدخل النسبي‪ ،‬أي نصيب كل فرد من الدخل الوطني‪ .‬و العامل الثاين‪ ،‬طريقة توزيع الدخل‬

‫الوطني عىل األفراد‪.‬‬

‫و مما هو جدير بالذكر‪ ،‬أنه كلام زاد مقدار الدخل النسبي و قل التباين بني دخول األفراد كلام أدى ذلك إىل‬

‫حتقيق رفاهية األفراد‪ .‬و ينبغي لتحقيق أقىص منفعة اجتامعية أن تتجه سياسة الدولة يف احلصول عىل إيرادها و يف‬

‫إنفاقه نحو العمل عىل زيادة الدخل الوطني‪ ،‬و تقليل التباين بني دخول األفراد‪ .‬و زيادة الدخل الوطني تكون‬

‫بالعمل عىل حتسني اإلنتاج بزيادة القوى املنتجة من جهة‪ ،‬و تنظيم اإلنتاج من جهة أخرى‪ .‬أما تقليل التباين بني‬

‫دخول األفراد فيكون بنقل القوى الرشائية من األشخاص الذين تقل عندهم منفعتها احلدية‪ ،‬إىل األشخاص الذين‬

‫تزداد لدهيم تلك املنفعة (أي من جانب أصحاب الدخول املرتفعة إىل أصحاب الدخول املحدودة)‪ ،‬و تقليل‬

‫التباين بني دخل نفس األشخاص (حمدودي الدخل) يف األوقات املختلفة‪ ،‬لكي يتحقق االستقرار للمجتمع‬

‫بمختلف طبقاته‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬ضابط االقتصاد يف النفقات‬

‫يرتبط هذا الضابط بضابط املنفعة‪ ،‬فمن البدهيي أن املنفعة تزيد كلام قلت النفقات إىل أدنى حد ممكن‪ ،‬و لذا‬

‫فيجب عىل القائمني بالنفقات العامة جتنب أي تبذير أو إرساف‪ ،‬ألن يف ذلك ضياعا ملبالغ كبرية دون أن يرتتب‬

‫عليها أي منفعة‪ .‬باإلضافة إىل أن اإلرساف و التبذير من جانب اإلدارة املالية يف الدولة يؤدي إىل زعزعة الثقة‬

‫فيها‪ ،‬و يربر حماوالت املكلفني و املمولني يف التهرب من أداء الرضيبة‪.‬‬

‫و يف عبارة موجزة‪ ،‬يعني هذا الضابط استخدام أقل نفقة ممكنة ألداء نفس اخلدمة أو اخلدمات‪.‬‬

‫و مظاهر التبذير و اإلرساف املايل العام متعددة يف كل دول العامل‪ ،‬و عىل وجه اخلصوص يف الدول‬

‫النامية‪ ،‬بسبب انخفاض كفاءة الرقابة السياسية بصورة خاصة‪ .‬و تتمثل تلك املظاهر يف دفع مرتبات و أجور‬

‫موظفني زائدين عىل احلاجة‪ ،‬التسيب يف مشرتيات احلكومة و توريداهتا‪ ،‬عدم اتباع الطرق التجارية يف رشاء و بيع‬

‫ما حتتاج احلكومة إىل رشائه أو بيعه‪ ،‬استئجار املباين و السيارات بدال من رشائها‪ ،‬و غري ذلك من مظاهر اإلرساف‪.‬‬

‫و هلذا فإن احلاجة تدعو إىل ضبط النفقات العامة يف شتى القطاعات عىل أسس معينة‪ ،‬تتمثل يف مراعاة احلاجات‬

‫‪00‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫احلقيقية الفعلية‪ ،‬بحيث ال تتحمل الدولة نفقات عامة إال إذا كانت رضورية متاما‪ ،‬و بالقدر الالزم فقط‪ ،‬لتحقيق‬

‫املنافع اجلامعية العامة‪ .‬هذا فضال عام يمكن أن تؤديه أجهزة اإلعالم و الرقابة املختلفة من أدوار هامة يف إجياد رقابة‬

‫فعالة و حازمة عىل عمليات اإلنفاق احلكومي بام يضمن توجيه النفقات العامة إىل األوجه النافعة‪.‬‬

‫و الرقابة عىل اإلنفاق العام يمكن أن متارسها ثالث جهات هي اإلدارة‪ ،‬اهليئات السياسية و جهات أخرى‬

‫مستقلة و متخصصة‪ .‬و بذلك‪ ،‬فالرقابة تأخذ أشكاال ثالثة‪:‬‬

‫‪ -1‬الرقابة اإلدارية‪ :‬هي الرقابة التي تتوالها وزارة املالية عىل باقي املصالح احلكومة بواسطة املراقبني‬

‫و املوظفني املحاسبني العاملني يف خمتلف الوزارات و املصالح و اهليئات‪ .‬و تنحرص مهمتهم يف عدم السامح برصف‬

‫أي مبلغ إال إذا كان يف وجه وارد يف املوازنة العامة‪ ،‬و يف حدود االعتامد املقرر له‪ ،‬فالرقابة هنا رقابة سابقة عىل‬

‫اإلنفاق (‪.)Contrôle à priori‬‬

‫و يف واقع األمر‪ ،‬أن هذا النوع من الرقابة ال يكون ذا فاعلية بصدد ترشيد اإلنفاق؛ إذ هي رقابة من اإلدارة‬

‫عىل نفسها‪ ،‬وفقا للقواعد و الضوابط التي تضعها اإلدارة نفسها‪ ،‬و من ثم فال متثل أي ضغط حلجم اإلنفاق العام‬

‫نفسه؛ حيث غالبا ال متيل اإلدارة إىل تقييد حريتها‪.‬‬

‫‪ -2‬الرقابة السياسية (الربملانية)‪ :‬هي الرقابة التي متارسها السلطات النيابية و الترشيعية‪ ،‬و دور الربملان ال‬

‫يقترص عىل الرقابة يف تنفيذ االعتامدات املقررة يف املوازنة‪ ،‬بل يمتد أيضا ليشمل حجم اإلنفاق العام و ختصيصه‪.‬‬

‫و يرجع ذلك إىل حق الربملان يف السؤال و االستجواب و التحقيق و سحب الثقة من الوزير أو الوزارة‬

‫كلها‪ ،‬و حق طلب البيانات و الوثائق عن سري التنفيذ‪ ،‬و حق فحص احلسابات اخلتامية و إقرارها‪ ،‬و حق إقرار‬

‫أو رفض االعتامدات اإلضافية‪ .‬و تظهر هذه الرقابة بصورة واضحة عند اعتامد املوازنة و عند اعتامد احلساب‬

‫اخلتامي‪.‬‬

‫و هذا النوع من الرقابة‪ ،‬عىل الرغم من أمهيته‪ ،‬قد يكون قليل الفاعلية‪ ،‬خاصة يف الدول النامية؛ حيث يلجأ‬

‫الربملان إىل منارصة اإلدارة حتى و لو كانت خمطئة‪.‬‬

‫‪02‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫‪ -3‬الرقابة املحاسبية املستقلة‪ :‬هي التي تقوم هبا أجهزة متخصصة مهمتها األساسية الرقابة عىل أوجه‬

‫اإلنفاق العام بصورة خاصة‪ ،‬و تتوىل التأكد من أن مجيع عمليات اإلنفاق قد متت عىل الوجه القانوين‪ ،‬و يف حدود‬

‫قانون املوازنة و القواعد املالية السارية‪ .‬و قد تكون هذه الرقابة سابقة لعملية رصف النفقات أو الحقة عليها‪.‬‬

‫و يتوىل هذا النوع من الرقابة يف اجلزائر جملس املحاسبة (‪.)Cour des comptes‬‬

‫و مما ال شك فيه‪ ،‬أن هذا النوع من الرقابة يعترب أكثر فاعلية‪ ،‬نظرا لتخصص القائمني به‪ ،‬و توفر إمكانيات‬

‫املتابعة و التحليل و احلق يف الرقابة السابقة و الالحقة‪ ،‬و حق وقف املخالفات و األخطاء املالية‪ ،‬و إبداء الرأي يف‬

‫اإلجراءات التي يتعني اختاذها لتصحيح املسار‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬ضابط الرتخيص (اإلجراءات القانونية الالزمة إلجراء النفقة)‬

‫يعد هذا الضابط مكمال للضابطني السابقني؛ إذ أن التحقق من توافر املنفعة القصوى كنتيجة لإلنفاق العام‬

‫دون إرساف أو تبذير‪ ،‬يمكن أن يتحقق من خالل القوانني و الترشيعات املالية التي تنظم كل ما يتعلق بالنشاط‬

‫املايل للدولة‪ ،‬و الذي يتمثل يف احرتامها لكافة اإلجراءات و القواعد التي تنص عليها الترشيعات و اللوائح عند‬

‫إجراء اإلنفاق العام‪.‬‬

‫فالقوانني املالية يف الدولة تنظم كل ما يتعلق بإجراء النفقات العامة‪ ،‬فتحدد السلطة التي تأذن‬

‫بالرصف‪ ،‬و توضح خطوات الرصف و اإلجراءات الالزمة لكل منها‪ ،‬حتى تؤدى النفقة العامة يف‬

‫موضعها‪ ،‬و يرتتب عليها فعال النفع العام الذي تستهدفه‪.‬‬

‫و عىل اجلهات احلكومية عند قيامها برصف املبالغ املدرجة يف املوازنة‪ ،‬أن تتقيد بالقوانني و اللوائح املالية‬

‫السارية‪ ،‬و أال تتجا وز تنقل أي مبلغ من باب إىل آخر‪ ،‬أو من بند إىل آخر إال بعد احلصول عىل اإلذن الالزم لذلك‬

‫من السلطة املختصة‪.‬‬

‫كام أن الرقابة املالية بصورها املختلفة تتوىل اإلرشاف عىل التطبيق الصحيح هلذه اإلجراءات؛ بحيث ال‬

‫يرصف أي مبلغ إال إذا كان واردا يف املوازنة و يف حدود االعتامد املقرر له‪ ،‬و طبقا للقواعد املالية املعمول هبا‪.‬‬

‫‪02‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫املبحث الرابع‪ :‬اآلثار االقتصادية للنفقات العامة‬

‫يرتتب عىل النفقات العامة آثار اقتصادية متعددة اجلوانب‪:‬‬

‫‪-‬عىل االستهالك؛‬

‫‪-‬عىل اإلنتاج؛‬

‫‪-‬عىل توزيع الدخل‪.‬‬

‫أوال‪ -‬أثار النفقات العامة عىل االستهالك‬

‫تؤثر النفقات العامة عىل االستهالك بصورة مبارشة فيام يتعلق بنفقات االستهالك احلكومي أو العام من‬

‫السلع و اخلدمات‪ ،‬أو من خالل ما توزعه الدولة عىل األفراد من إعانات للبطالة و املعاشات أو من خالل اإلنفاق‬

‫عىل إنشاء مشاريع تستوعب عامال يتقاضون أجورا تذهب إىل االستهالك‪ ،‬و ستتناول كل نوع من هذه النفقات‬

‫عىل حدة‪.‬‬

‫‪ -1‬نفقات االستهالك احلكومي أو العام‪ :‬يقصد بنفقات االستهالك احلكومي ما تقوم به الدولة من رشاء‬

‫سلع و مهامت الزمة لسري املرافق العامة‪ ،‬و من أمثلتها النفقات العامة التي تدفعها الدولة يف سبيل صيانة املباين‬

‫احلكومية و رشاء األجهزة و اآلالت و املواد األولية الالزمة لإلنتاج العام أو ألداء الوظائف العامة‪ ،‬و النفقات‬

‫املتعلقة بامللفات و األوراق و األثاث الالزمة للمصالح احلكومية و الوزارات‪..‬الخ‪.‬‬

‫و يرى البعض أن هذا النوع من االستهالك يمثل نوعا من حتويل االستهالك من األفراد اىل الدولة؛ فبدال‬

‫من أن تقدم الدولة لألفراد زيادة يف مرتباهتم لزيادة استهالكهم تقوم هي باإلنفاق‪ ،‬مما يؤدي اىل زيادة هذا‬

‫االستهالك بطريق غري مبارش‪.‬‬

‫‪ -2‬نفقات االستهالك اخلاصة بدخول األفراد‪ :‬من أهم البنود الواردة يف النفقات العامة هو ما يتعلق‬

‫بالدخول بمختلف أشكاهلا من مرتبات و أجور أو معاشات التي تدفعها الدولة ملوظفيها و عامهلا ) احلاليني‬

‫و السابقني)‪ .‬و تعد هذه النفقات من قبيل النفقات املنتجة‪ ،‬ألهنا تعترب مقابال ملا يؤديه هؤالء األفراد من األعامل‬

‫‪02‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫و خدمات؛ فتؤدي مبارشة إىل زيادة اإلنتاج الكيل‪ ،‬و من ثم فدخول األفراد تؤدي إىل زيادة االستهالك الذي يؤدي‬

‫إىل زيادة اإلنتاج من خالل أثر املضاعف‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬أثار النفقات العامة عىل اإلنتاج‬

‫تتجىل هذه اآلثار يف النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬تؤدي النفقات الرأساملية أو اإلنتاجية باإلضافة إىل تكوين رؤوس األموال العينية‪ ،‬التي حتدث زيادة‬

‫مبارشة يف الدخل الوطني اجلاري‪ ،‬تقاس بمقدار االستثامرات اجلديدة إىل زيادة املقدرة اإلنتاجية الوطنية؛‬

‫‪ -‬تؤدي النفقات العامة االجتامعية التي تتمثل يف النفقات املخصصة إلنتاج اخلدمات العلمية و الطبية‬

‫و الثقافية و التعليمية‪ ،‬و نفقات التعليم الفني و التدريب املهني و األبحاث العلمية و اإلعانات االجتامعية إىل‬

‫زيادة الناتج الوطني اجلاري‪ ،‬و زيادة املقدرة اإلنتاجية لرأس املال البرشي؛‬

‫‪ -‬تساهم اإلعانات االقتصادية املمنوحة للمرشوعات إىل رفع أرباحها‪ ،‬و بالتايل ارتفاع مقدرهتا اإلنتاجية؛‬

‫‪ -‬تؤدي النفقات العامة عىل الدفاع و األمن و العدالة و حتقيق االستقرار إىل رفع املقدرة اإلنتاجية الوطنية؛‬

‫‪ -‬يؤدي اإلنفاق العام عىل البنية التحتية‪ ،‬كالطرق و وسائل النقل و املواصالت و الطاقة و تلك التي متول‬

‫التقدم التكنولوجي إىل خفض نفقة اإلنتاج‪ ،‬و بالتايل إىل رفع األرباح و زيادة الناتج الوطني؛‬

‫‪ -‬تؤدي زيادة النفقات العامة يف جمال مشاريع جديدة إىل استحداث وظائف‪ ،‬و استيعاب بعض العاطلني‬

‫عن العمل‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬أثار النفقات العامة عىل توزيع الدخل‬

‫للتعرف عىل أثر االنفاق العام عىل نمط الدخل الوطني‪ ،‬البد من حتديد السياسة اإليرادية للدولة‪ ،‬ذلك أن‬

‫ما قد تنهجه الدولة بشأن تقليل التفاوت بني الدخول ) بمنح إ للطبقة حمدودة الدخل (‪ ،‬قد يضيع مفعوله باتباع‬

‫سياسة إيرادية معينة‪ ،‬كفرض رضائب مثال عىل هذه الطبقات‪ ،‬و لذا البد من التنسيق بني السياسة اإلنفاقية‬

‫و اإليرادية‪ ،‬و قد يكون أثر االنفاق العام عىل نمط توزيع الدخل مبارشا أو غري مبارش‪:‬‬

‫‪02‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫‪ -‬يكون أثر اإلنفاق العام عىل نمط توزيع الدخل مبارشا بزيادة القوة الرشائية لدى بعض الوحدات‬

‫اإلنتاجية عن طريق اإلعانات املبارشة؛‬

‫‪ -‬و يكون أثر االنفاق العام عىل نمط توزيع الدخل غري مبارش عن طريق تزويد فئات كعينة ببعض السلع‬

‫و اخلدمات بثمن أقل من ثمن تكلفتها‪ ،‬و ذلك بدفع إعانات استغالل للمرشوعات التي تنتج هذه السلع‬

‫و اخلدمات‪ ،‬كذلك عندما حيصل بعض األفراد عىل سلعة أو خدمة تؤدهيا اهليئات العامة بال مقابل أو بمقابل يقل‬

‫عن ثمن تكلفتها‪ ،‬وحيث أن هذه اخلدمات و املشاريع تستفيد منها طبقات ذوي الدخل املنخفض‪ ،‬فهي تعمل عىل‬

‫متومل هذه النفقات من رضائب ذوي الدخول املرتفعة و يستفيد‬


‫حتقيق أهداف العدالة يف توزيع الدخول‪ ،‬حيث ّ ّ‬

‫منها ذوي الدخول املنخفضة‪.‬‬

‫‪02‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة‬

‫أسئلة الفصل‬

‫‪ -‬عرف النفقات العامة؟‬

‫‪ -‬ما هي أركان النفقات العامة مع الرشح؟‬

‫‪ -‬ملما ُي َعد اإلنفاق النقدي أفضل صور اإلنفاق عىل اإلطالق؟‬

‫‪ -‬ما هي أهم تقسيامت النفقات العامة؟‬

‫‪ -‬ما هي ضوابط اإلنفاق العام؟‬

‫‪ -‬ما هي اآلثار االقتصادية املرتتبة عىل النفقات العامة؟‬

‫األعامل الشخصية‬

‫‪ -‬البحث يف صور اإلنفاق العام‪.‬‬

‫‪ -‬البحث يف حدود اإلنفاق العام‪.‬‬

‫‪ -‬البحث يف ظاهرة تزايد النفقات العامة‪.‬‬

‫‪02‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


:
Recettes publiques; Public Revenus
‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة (‪)Recettes publiques, Public Revenus‬‬

‫متهيد‬

‫لقد صاحب تطور دور الدولة يف النشاط االقتصادي تطور مصادر الدولة يف احلصول عىل إيراداهتا و زيادة‬

‫األمهية النسبية لبعض املصادر‪ .‬فمع زيادة الدور االقتصادي و االجتامعي للدولة‪ ،‬كان من املنطقي أن يبحث كتاب‬

‫املالية العامة عن املصادر اإليرادية املختلفة‪ ،‬مع بحث اآلثار االقتصادية و االجتامعية التي تصاحب كل مصدر من‬

‫هذه املصادر‪ ،‬و اختيار الوسائل اإليرادية املناسبة و التي تساهم يف حتقيق أهداف املجتمع االقتصادية و السياسية‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬اإليرادات العامة من أمالك الدولة (الدومني –‪)-Le Domaine‬‬

‫يقصد بالدومني كل ما متتلكه الدولة سواء كانت ملكية عامة أو خاصة‪ ،‬و سواء كانت أمواال عقارية‬

‫أو منقولة‪ ،‬و يمكن تقسيم الدومني وفقا ملعيار النفع إىل الدومني العام و اخلاص‪.‬‬

‫أوال‪ -‬الدومني العام (‪)Le Domaine public‬‬

‫يقصد بالدومني العام األموال التي متتلكها الدولة أو األشخاص العامة و تكون معدة لالستعامل العام‪،‬‬

‫و حتقق نفعا عاما‪ ،‬و من ثم ختضع ألكحكام القانون العام‪ .‬و من أمثلتها‪ ،‬الطرق العامة‪ ،‬املوانئ‪ ،‬املطارات‪ ،‬احلدائق‬

‫العامة‪ ،‬و أبنية الوزارات و املصالح العامة و غريها من األموال األخرى‪ .‬و األصل العام‪ ،‬أن استخدام هذه‬

‫املمتلكات من جانب اجلمهور يتم باملجان‪ ،‬و إن كان من املمكن أن تفرض الدولة يف حاالت معينة رسوما ضئيلة‬

‫مقابل االنتفاع هبا‪ ،‬مثل فرض بعض الرسوم عىل دخول احلدائق العامة أو دخول املطارات أو املوانئ‪ ،‬و ذلك‬

‫بغرض تنظيم استعامل هذه املمتلكات أو تغطية بعض النفقات العامة أو صيانتها‪.‬‬

‫و مما هو جدير بالذكر‪ ،‬أن فرض هذه الرسوم ال يعني اعتبار الدومني العام مصدرا لإليرادات العامة‪ ،‬إذ أنه‬

‫مال عام معد لالستخدام العام‪ ،‬فالغرض منه تقديم خدمات عامة و ليس احلصول عىل أموال للخزينة‬

‫‪‬‬
‫القانون العام‪ :‬هو جمموعة القواعد و القوانني املنظمة لعالقات الدولة مع خمتلف مؤسستها (وزارات‪ ،‬هيئات بلدية‪ ،)...‬كام ينظم عالقة الدولة مع األفراد‬
‫و األشخاص‪ ،‬إذا فالقانون العام هو قانون يراعي مصالح عموم األفراد‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫العامة‪ ،‬و بالتايل فهو ال يمثل مصدرا لإليرادات العامة‪ ،‬و من ثم خيرج من نطاق دراستنا عند احلديث عن إيرادات‬

‫ممتلكات الدولة‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬الدومني اخلاص (‪)Le Domaine privé‬‬

‫يقصد بالدومني اخلاص األموال التي متتلكها الدولة ملكية خاصة و معدة لالستعامل اخلاص‪ ،‬و حتقق نفعا‬

‫خاصا للفئة التي تستخدمها‪ ،‬و من ثم ختضع ألكحكام القانون اخلاص‪ .‬و بطبيعة احلال‪ ،‬فإن استخدام هذه األموال‬

‫يكون بمقابل‪ ،‬و حيقق دخال يمثل مصدرا من مصادر اإليرادات العامة‪ .‬و من أمثلته‪ ،‬األرايض الزراعية التي‬

‫متلكها الدولة و غريها من العقارات‪ ،‬و املرشوعات التجارية و الصناعية و األوراق املالية التي متتلكها الدولة‪.‬‬

‫و هذا النوع من اإليرادات يامثل اإليرادات التي حيصل عليها األفراد‪ .‬و يتميز الدومني اخلاص‪ ،‬بأن الغاية منه هو‬

‫احلصول عىل إيرادات للخزينة العامة‪.‬‬

‫و مما هو جدير بالذكر‪ ،‬أن الطابع اخلاص للدومني هنا‪ ،‬و إن كان خيضع ألحكام القانون اخلاص‪ ،‬إال أن‬

‫هناك نصوصا خاصة متعلقة به كحامية هذه املمتلكات‪ ،‬من أمثلتها عدم جواز متلكها عن طريق التقادم أو كسب‬

‫أي حقوق عينية غليها بميض املدة‪.‬‬

‫و قد اكتسبت أمالك الدومني اخلاص أمهية كمصدر إليرادات الدولة منذ القدم؛ فقد كانت إيرادات‬

‫الدومني هي املورد األكرب للملك أو اإلقطاعي يف العصور الوسطى‪ ،‬عندما كانت ماليته اخلاصة خمتلطة باملية‬

‫اململكة أو اإلمارة‪ ،‬و كان دخل أراضيه الزراعية اململوكة له ملكية خاصة تساهم بالنصيب األكرب يف إيراداته‪ .‬إال‬

‫أنه ترتب عىل إرساف امللوك يف التنازل عن أجزاء من ممتلكاهتم لألمراء اإلقطاعيني‪ ،‬و من ثم حرماهنم من دخل‬

‫هذه املمتلكات‪ ،‬إىل إن تضاءلت أمهية إيرادات الدومني تدرجييا‪ ،‬و حلت حملها اإليرادات املتحصلة من األفراد‬

‫اختيارا يف البداية ثم إجبارا يف النهاية‪ ،‬أي أهنا أخذت صورة الرضائب‪ .‬و قد استمر هذا الوضع يف عرص ما بعد‬

‫اإلقطاع حتى العرص احلديث الذي شهد‪ ،‬و ال يزال يشهد ازديادا يف أمهية إيرادات الدومني مرة أخرى‪ ،‬و لكن مع‬

‫اختالف يف نوع الدومني‪ ،‬فلم تعد ممتلكات الدولة التي تدر هلا إيرادا ال بأس به هي األرايض الزراعية‪ ،‬كام كان‬

‫‪ ‬القانون اخلاص‪ :‬هو جمموعة القواعد التي تنظم عالقات األفراد فيام بينهم و ال تتدخل الدولة إال بشخص املرشع‪ ،‬إذا فهو قانون يراعي حرية األفراد يف تنظيم‬
‫عالقتهم‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫احلال فيام سبق‪ ،‬بل أصبحت املرشوعات الصناعية و التجارية التي متتلكها الدولة‪ ،‬و التي يقصد منها احلصول عىل‬

‫إيرادات للخزينة العامة‪.‬‬

‫و يرجع هذا التطور التارخيي ألمهية إيرادات الدومني اخلاص إىل التطور الذي حلق بدور الدولة و ازدياد‬

‫تدخلها يف النشاط االقتصادي بصورة ملحوظة‪ ،‬مما ساهم يف ازدياد عدد املرشوعات التي متتلكها‪ ،‬و من ثم ازدياد‬

‫الدخل الذي يمثل أمهية نسبية‪ ،‬كمصدر لإليرادات العامة التي تستخدمها الدولة يف تغطية جزء من نفقاهتا العامة‬

‫املتزايدة‪.‬‬

‫و هيمنا يف هذا املجال‪ ،‬حتديد التقسيامت املختلفة للدومني اخلاص‪ ،‬و التي تأخذ أشكاال ثالثة‪ :‬الدومني‬

‫العقاري‪ ،‬الدومني الصناعي و التجاري و الدومني املايل‪.‬‬

‫‪ -1‬الدومني العقاري‪ :‬يتضمن الدومني العقاري ما متتلكه الدولة من عقارات متعددة‪ ،‬تتمثل يف األرايض‬

‫الزراعية و الغابات‪ ،‬و يطلق عليه الدومني الزراعي أو الدومني التقليدي‪ ،‬و املناجم و املحاجر‪ ،‬و يطلق عليه‬

‫الدومني االستخراجي‪ .‬و تساهم هذه املمتلكات يف حتقيق املورد املايل الذي حيققه الدومني العقاري يف مجلته‪.‬‬

‫‪ -2‬الدومني الصناعي و التجاري‪ :‬كام ذكرنا سابقا‪ ،‬أن ترك الدولة لدورها كدولة حارسة و اجتاهها إىل دور‬

‫الدولة املتدخلة‪ ،‬قد أدى إىل زيادة تدخل الدولة يف املجاالت املختلفة املتعلقة بالنشاط االقتصادي‪ ،‬مما ترتب عليه‬

‫متلك الدولة ملرافق عامة صناعية و جتارية‪ ،‬متارس من خالهلا نشاطا جتاريا أو صناعيا شبيها بنشاط األفراد‬

‫أو املرشوعات اخلاصة‪.‬‬

‫و ال يقترص األمر عىل ذلك‪ ،‬بل اتسع نشاط الدولة و شمل قيامها أحيانا بالتجارة و الصناعة رغبة يف حتقيق‬

‫مصلحة األفراد‪ .‬و إذا كانت الدولة يف سبيل قيامها هبذه األنشطة تسعى لتحقيق الربح‪ ،‬فإن هذا ال يعني ختليها عن‬

‫دورها األسايس يف توفري خدمة لألفراد و تيسري استهالكهم للسلع الرضورية‪ ،‬محاية هلم من املرشوعات اخلاصة‪.‬‬

‫فقد تقصد الدولة من القيام ببعض املرشوعات الصناعية حتقيق أغراض تتعلق باألمن الوطني‪ ،‬تتمثل يف خدمة‬

‫املجهود العسكري و ضامن إنتاج أنواع معينة من األسلحة و املعدات احلربية‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫و استنادا إىل ذلك‪ ،‬فإن الدولة قد تقوم هبذه املرشوعات بقصد حتقيق أغراض اقتصادية ‪ ،‬مثل قيام الدولة‬

‫باملرشوعات الصناعية الالزمة لتنمية البنية األساسية يف االقتصاد الوطني‪ ،‬كمرشوعات الطاقة و املرشوعات‬

‫الصناعية الثقيلة و إنشاء حمطات الكهرباء و املاء‪ .‬و كلها مرشوعات حتتاج لرؤوس أموال ضخمة ال يقوى عليها‬

‫األفراد‪ .‬أو بقصد حتقيق أغراض سياسية و اجتامعية‪ ،‬تتمثل يف املرشوعات العسكرية و املرشوعات املتعلقة بتوفري‬

‫السلع الرضورية‪ ،‬و خاصة الغذائية لألفراد بأسعار زهيدة‪ .‬و أخريا‪ ،‬يكون الغرض ماليا‪ ،‬مثال ذلك احتكار معظم‬

‫دول العامل لتجارة التب و احلكول و الكربيت‪.‬‬

‫و قيام الدولة هبذه املرشوعات‪ ،‬أيا كان الغرض منها‪ ،‬يعني حتقيق إيرادات عىل جانب كبري من‬

‫األمهية‪ ،‬و تتمثل هذه اإليرادات يف صورتني أساسيتني‪:‬‬

‫أ‪ -‬الثمن العام (‪ :)Prix public‬يقصد بالثمن العام املقابل الذي حتصل عليه الدولة بمناسبة قيامها بنشاط‬

‫جتاري أو صناعي‪ .‬و بذلك‪ ،‬فهو ثمن السلع و اخلدمات التي تنتجها و تبيعها املرشوعات العامة الصناعية‬

‫و التجارية‪ ،‬متييزا له عن الثمن اخلاص الذي حتصل عليه املرشوعات اخلاصة‪ ،‬نظري بيعها ملنتجاهتا من السلع‬

‫و اخلدمات‪.‬‬

‫و بطبيعة احلال‪ ،‬فإن الثمن العام حيقق إيرادا عاما للدولة‪ ،‬يتمثل يف األرباح التي حتققها الدولة من بيع هذه‬

‫املنتجات‪.‬‬

‫واجب منزيل‪ :‬كيف يتم حتديد الثمن العام؟ و ما هي االعتبارات التي تربر متييزه عن الثمن اخلاص؟‬

‫ب‪ -‬االكحتكار املايل (‪ :)Monopole fiscal‬يف بعض احلاالت‪ ،‬تقوم الدولة بموجب سلطاهتا بفرض حظر‬

‫عىل األفراد و املرشوعات اخلاصة‪ ،‬بشأن القيام بمرشوعات جتارية أو صناعية معينة‪ ،‬و ذلك بقصد حتقيق أغراض‬

‫معينة‪ .‬و يف هذا الصدد تتمتع الدولة بمركز احتكاري‪ ،‬و تنفرد بتحديد ثمن السلع و املنتجات التي حتتكرها‪.‬‬

‫و الغرض من االحتكار هنا يكون لتحقيق أحد أمرين‪:‬‬

‫‪11‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫‪ -‬تقديم السلع الرضورية لالستهالك بأسعار يف مقدرة فئات الشعب املختلفة‪ ،‬و خاصة ذوي الدخل‬

‫املحدود‪ .‬و لذا ختشى الدولة اجتاه املرشوعات اخلاصة إىل رفع أسعارها‪ ،‬لعلمها بمدى احتياج األفراد هلا باعتبارها‬

‫سلع رضورية استهالكية؛‬

‫‪ -‬أن يكون اهلدف من االحتكار للنشاط الصناعي أو التجاري هو الرغبة يف حتقيق إيراد مايل‪ ،‬و هذا ما‬

‫يطلق عليه باالحتكار املايل‪.‬‬

‫‪ -3‬الدومني املايل‪ :‬يقصد بالدومني املايل األسهم و السندات اململوكة للدولة‪ ،‬و التي حتصل منها عىل إيراد‬

‫مايل‪ ،‬يتمثل يف األرباح و الفوائد‪ ،‬و متثل إيرادا للخزينة العامة‪.‬‬

‫و يعترب هذا النوع من أحدث أنواع الدومني اخلاص‪ ،‬و قد ازدادت أمهيته يف العرص احلديث‪ ،‬و حدث تطور‬

‫يف مضمونه‪ ،‬فلم يعد قارصا عىل حق الدولة يف إصدار النقود‪ ،‬و لكنه اتسع ليشمل األسهم بصورة خاصة‪ ،‬التي‬

‫متثل مسامهة الدولة يف املرشوعات االقتصادية املختلفة؛ أو قيام الدولة باستثامر أمواهلا عن طريق رشاء سندات‬

‫ذات فائدة مرتفعة‪ .‬و قد ساهم ذلك يف إمكانية الدولة من اإلرشاف عىل القطاع اخلاص‪ ،‬و السيطرة عىل بعض‬

‫املرشوعات ذات النفع العام‪ ،‬من أجل توجيهها إىل حتقيق الصالح العام‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬الرسوم ( ‪)Taxes- Fees‬‬

‫تعترب الرسوم من مصادر اإليرادات العامة للدولة ذات األمهية اخلاصة‪ ،‬و تأيت يف املرتبة الثانية بعد الدومني‬

‫من حيث درجة األمهية‪ .‬و تتميز بأهنا من اإليرادات التي تدخل خزينة الدولة بصفة دورية منتظمة‪ ،‬و من ثم‬

‫تستخدمها الدولة يف متويل نفقاهتا العامة و حتقيق املنافع العامة‪.‬‬

‫أوال‪ -‬تعريف الرسم‬

‫الرسم هو مبل نقدي يدفعه الفرد جربا إىل الدولة‪ ،‬أو إىل إحدى هيئاهتا العامة‪ ،‬مقابل نفع خاص حيصل‬

‫عليه الفرد بجانب نفع عام يعود عىل املجتمع ككل‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫ثانيا‪ -‬عنارص الرسم‬

‫من هذا التعريف للرسم يتضح أن الرسم يتميز بخصائص هامة هي‪:‬‬

‫‪ -1‬الصفة النقدية للرسم‪ :‬كان الرسم قديام حيصل يف صورة عينية‪ ،‬وفقا لألوضاع االقتصادية العامة‬

‫القائمة يف ذلك الوقت؛ و مع تطور مالية الدولة‪ ،‬و بعد أن أصبحت النقود هي وسيلة التعامل الرئيسية‪ ،‬إن مل تكن‬

‫الوحيدة‪ ،‬أصبح من املنطقي أن يتم دفع الرسوم يف صورة نقدية‪ ،‬فالدولة تقوم بنفقاهتا العامة يف صورة‬

‫نقدية‪ ،‬و من ثم فإهنا حتصل عىل إيراداهتا يف صورة نقدية‪ .‬و بطبيعة احلال‪ ،‬ال يتصور أن يتم جباية الرسم يف صورة‬

‫عينية‪ ،‬أو بالعمل بفرتة زمنية معينة لصالح اإلدارة العامة‪ ،‬بل يتم فرض الرسوم يف صورة نقدية و جبايتها عىل‬

‫نفس الصورة‪ ،‬كام تنص القوانني و اللوائح التي تصدر يف هذا الصدد‪.‬‬

‫‪ -2‬صفة اإلجبار للرسم‪ :‬فالرسم يدفع جربا بواسطة الفرد‪ ،‬مقابل احلصول عىل اخلدمة اخلاصة التي‬

‫يتلقاها من جانب إحدى اإلدارات و املرافق العامة‪ .‬و تفرض الرسوم بقواعد قانونية هلا صفة اإللزام‪ ،‬جترب الفرد‬

‫عىل دفعها إذا ما تقدم بطلب إلحدى اإلدارات أو اهليئات العامة‪ ،‬و حتدد قيمة الرسوم بمقتىض هذه القواعد‬

‫القانونية‪ ،‬معربا عن إرادة الدولة‪ ،‬و ال سبيل أمام الفرد إال اخلضوع ملضمون تلك اإلرادة‪.‬‬

‫‪ -3‬صفة املقابل للرسم‪ :‬فالرسم يدفعه الفرد مقابل خدمة خاصة حيصل عليها من جانب الدولة‪ ،‬و قد‬

‫تكون هذه اخلدمة عمل تتواله إحدى اهليئات العامة لصالح الفرد‪ ،‬كالفصل يف املنازعات (الرسوم القضائية)‬

‫أو توثيق العقود و شهرها (رسوم التوثيق)‪ ،‬أو استعامل الفرد لبعض املرافق العامة استعامال يرتتب عليه يف الغالب‬

‫تيسري مبارشة مهنته‪ ،‬كاستعامل املوانئ و املطارات (رسوم املوانئ)‪ ،‬و بعض الطرق العامة الربية و النهرية (رسوم‬

‫الطرق)‪.‬‬

‫‪ -4‬صفة النفع‪ :‬يعني ذلك أن الفرد الذي يدفع الرسم إنام حيصل عىل نفع خاص به ال يشاركه فيه غريه من‬

‫األفراد‪ ،‬يتمثل يف اخلدمة املعينة التي تؤدهيا له اهليئات العامة يف الدولة؛ كام أنه يعني أن هذه اخلدمة متثل إىل جانب‬

‫النفع اخلاص نفعا عاما يعود عىل املجتمع ككل‪ ،‬او عىل االقتصاد الوطني يف جمموعه‪ ،‬فالرسوم القضائية التي‬

‫يدفعها املتقاضون م قابل احلصول عىل خدمة مرفق القضاء يرتتب عليها حتقيق نفع خاص‪ ،‬يتمثل يف حصول كل‬

‫‪14‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫منهم عىل حقه و ضامن عدم منازعة أحد فيه بعد ذلك‪ ،‬و يف آن احد يستفيد املجتمع من نشاط القضاء الذي يعطي‬

‫احلقوق ألصحاهبا‪ ،‬و يضمن هلم الطمأنينة و األمن و االستقرار‪ ،‬و هذا نفع عام كام هو واضح‪.‬‬

‫واجب منزيل‪ :‬التفريق بني الرسم و الثمن العام؟ الرسم و األتاوة؟‬

‫املبحث الثالث‪ :‬الرضائب (‪)Les Impots‬‬

‫تعد الرضائب من أقدم و أهم مصادر اإليرادات العامة التي عرفتها الدول‪ ،‬و د مثلت الرضيبة خالل‬

‫مراحل طويلة أساس الدراسات املالية‪ ،‬و ال يرجع ذلك لكوهنا تعد مصدرا رئيسيا من مصادر اإليرادات العامة‬

‫فقط ‪ ،‬و لكن ألمهية الدور الذي تلعبه لتحقيق أغراض السياسة املالية من جهة‪ ،‬و ملا تثريه من مشكالت فنية‬

‫و اقتصادية متعلقة بفرضها أو بآثارها من جهة أخرى‪.‬‬

‫أوال‪ -‬تعريف الرضائب و خصائصها‬

‫تعرف الرضيبة عىل أهنا فريضة مالية يدفعها الفرد جربا إىل الدولة‪ ،‬أو إحدى اهليئات العامة املحلية‪ ،‬بصورة‬

‫هنائية‪ ،‬مسامهة منه يف التكاليف و األعباء العامة‪ ،‬دون أن يعود عليه نفع خاص مقابل دفع الرضيبة‪.‬‬

‫من خالل هذا التعريف نستخلص خصائص الرضيبة‪ ،‬و هي‪:‬‬

‫‪ -1‬الرضيبة فريضة مالية‪ :‬يقصد هبا أن الرضيبة استقطاع مايل من ثروة أو دخل األشخاص الطبيعيني‬

‫أو املعنويني‪ ،‬و بام أهنا فريضة مالية فإن ما يتم جبايته من األفراد جيب أن يأخذ صفة املال‪ ،‬سواء كان االقتطاع يف‬

‫شكل نقدي أو عيني‪.‬‬

‫و مع ذلك يبقى األصل يف الرضيبة هو النقد‪ ،‬و ذلك لألسباب التالية‪:‬‬

‫‪ -‬انخفاض تكاليف اجلباية‪ ،‬فالتحصيل العيني يمثل عبئا عىل اإلدارة؛‬

‫‪ -‬حيقق الشكل النقدي اعتبارات العدالة؛‬

‫‪ -‬عدم مالءمة الرضيبة العينية لألنظمة املالية احلديثة‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫‪ -2‬الرضيبة تدفع جربا‪ :‬إن صفة اإلجبار يف الرضيبة ذات صبغة قانونية‪ ،‬بمعنى أن اإلجبار هنا إجبار‬

‫قانوين و ليس معنويا‪ ،‬جيد مصدره يف القانون و ليس يف إرادة األفراد أو الدولة‪ .‬و بناء عليه يكون الفرد جمربا عىل‬

‫دفع الرضيبة دون أخذ رغبته أو استعداده للدفع يف االعتبار؛ و يكون للدولة‪ ،‬يف حالة امتناعه عن أدائها‪ ،‬حق‬

‫اللجوء إىل التنفيذ اجلربي للحصول عىل مقدار الرضيبة‪ ،‬كام أهنا تتمتع يف سبيل اقتضائها بامتياز عىل أموال املدين‪.‬‬

‫‪ -3‬الرضيبة تدفع بصورة هنائية‪ :‬يدفع األفراد الرضيبة إىل الدولة بصورة هنائية‪ ،‬بمعنى أن الدولة ال تلتزم‬

‫برد قيمتها هلم أو بدفع أية فوائد عنها‪ .‬و بذلك ختتلف الرضيبة عن القرض العام الذي تلتزم الدولة برده إىل‬

‫املكتتبني فيه‪ ،‬كام تلتزم بدفع فوائد عن قيمة القرض‪.‬‬

‫‪ -4‬الرضيبة تدفع بدون مقابل‪ :‬يقوم املكلف بدفع الرضيبة دون أن حيصل عىل نفع خاص يعود عليه وحده‬

‫مقابل أداء الرضيبة‪ .‬و يدفع املكلف الرضيبة مسامهة منه كعضو داخل املجتمع يف حتمل األعباء و التكاليف العامة‪.‬‬

‫‪ -5‬الرضيبة متكن الدولة من حتقيق أهدافها‪ :‬تعد الرضيبة من أهم مصادر اإليرادات العامة عىل‬

‫اإلطالق‪ ،‬و لذا فإهنا متكن الدولة من حتقيق أهدافها‪ .‬و يمثل هدف احلصيلة اهلدف الدائم و الرئييس‪ ،‬ألنه يوفر‬

‫للدولة املوارد التي حتتاجها ملواجهة نفقاهتا و زيادة أعبائها التي حتقق منافع عامة للمجتمع يف جمموعه‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬األساس القانوين للرضيبة‬

‫يثور التساؤل حول األساس القانوين الذي يلتزم بمقتضاه األشخاص بدفع الرضائب‪ ،‬و الذي تستمد منه‬

‫الدولة حقها يف فرض الرضائب عليهم‪ .‬و قد اختلف التفسريات التي أخذ هبا حول األساس القانوين‬

‫للرضيبة‪ ،‬و يمكن رد النظريات و اآلراء التي أخذ هبا حول هذا األساس القانوين للرضيبة إىل جمموعتني من‬

‫النظريات‪ ،‬و مها نظرية املنفعة و العقد و نظرية التضامن و السيادة‪.‬‬

‫‪ -1‬نظريات املنفعة و العقد‪ :‬يرى أنصار هذه النظريات‪ ،‬أن الفرد يدفع الرضيبة للدولة يف مقابل املنفعة‬

‫أو املنافع التي تعود عليه من اخلدمات‪ ،‬التي تقدمها املرافق العامة للدولة يف خمتلف املجاالت‪ ،‬مثل التعليم‬

‫و الصحة و الدفاع و األمن و العدالة و غريها‪ ،‬فالرضيبة حسب أنصار هذا االجتاه هي ثمن لألمان الذي تقدمه‬

‫الدولة لألفراد‪ ،‬و بصفة عامة للخدمات التي تؤدهيا هلم‪.‬‬

‫‪14‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫و يذهب أنصار هذا االجتاه إىل حد القول بأن هناك عقد ضمني انعقد بني الدولة بوصفها ممثلة اجلامعة‬

‫و األفراد‪ ،‬و أن هذا العقد هو من طبيعة مالية‪ ،‬التزمت بمقتضاه الدولة أن تقدم لألفراد بعض اخلدمات‪ ،‬و التزم‬

‫بمقتضاه األفراد بدفع الرضائب إىل الدولة مقابل املنافع التي حيصل عليها هؤالء األفراد من اخلدمات التي تقدمها‬

‫هلم الدولة‪ ،‬فالرضيبة إذا –طبقا ألنصار هذا االجتاه‪ -‬هي من طبيعة عقدية‪ ،‬كام أن دفع الرضيبة يأخذ شكل املبادلة‪.‬‬

‫‪ -2‬نظرية التضامن االجتامعي و السيادة‪ :‬يذهب الفكر احلديث إىل تأسيس حق الدولة يف فرض الرضائب‬

‫عىل نظرية التضامن االجتامعي و السيادة‪ .‬و الفكرة األساسية يف هذه النظرية هي أن الدولة تنفق نفقات عامة ال‬

‫غنى عنها النتظام اجلامعة و استمرارها‪ ،‬و األفراد بحكم كوهنم أعضاء يف تلك اجلامعة ملزمون بالتضامن فيام بينهم‬

‫بتحمل هذه النفقات‪ ،‬كل حسب مقدرته يف مواجهة أعباء التكاليف و النفقات العامة‪ ،‬و ذلك حتى تتمكن‬

‫الدولة‪ ،‬باعتبارها رضورة اجتامعية‪ ،‬من القيام بوظائفها الرضورية للجامعة‪ ،‬و املحافظة عىل التضامن الوطني بني‬

‫أفراد اجلامعة‪ ،‬و بينهم و بني كل من األجيال السابقة و الالحقة‪ .‬و ملا كانت الدولة يف حاجة إىل إيرادات لتحقيق‬

‫هذه األغراض‪ ،‬فإهنا تلجأ إىل فرض الرضائب عىل األفراد األعضاء يف تلك اجلامعة‪ ،‬بام هلا من سيادة‬

‫عليهم‪ ،‬و حتقيقا للتضامن االجتامعي فيام بينهم‪ .‬و عىل كل فرد أن يدفع هذه الرضائب مسامهة منه يف األعباء‬

‫و التكاليف العامة تبعا ملقدرته التكليفية‪ ،‬و بغض النظر عن املنافع التي تعود عليه شخصيا من التنظيم اإلداري‬

‫أو االقتصادي أو االجتامعي الذي تقوم عليه الدولة‪.‬‬

‫و يرتتب عىل كون التضامن االجتامعي بني أفراد املجتمع املقرتن بالسيادة التي متارسها الدولة‬

‫عليهم‪ ،‬أساسا لفرض الرضائب‪ ،‬عدة نتائج أمهها ما ييل‪:‬‬

‫‪ -‬أن فرض الرضائب يعترب عمال من أعامل السيادة‪ ،‬و يرتتب عىل ذلك أن الدولة تتمتع بسلطة حتديد‬

‫الرضائب التي يلتزم بدفعها كل فرد و حتديد تنظيمها الفني‪ .‬و يعني ذلك‪ ،‬أن الدولة و هي بصدد فرض الرضائب‬

‫ال تدخل يف عالقات تعاقدية مع املمولني؛‬

‫‪14‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫‪ -‬استنادا إىل فكرة التضامن االجتامعي‪ ،‬تفرض الرضيبة عىل كافة أعضاء اجلامعة‪ .‬و يشكل هذا املبدأ‬

‫أساس " قاعدة عمومية الرضائب"؛ بحيث ال تعفى من الرضيبة فئة اجتامعية معينة بصفتها هذه‪ ،‬كام كان شائعا‬

‫حتى القرن ‪ ،81‬و ال ينفي مبدأ عمومية الرضيبة إعفاء غري القادرين من دفعها؛‬

‫‪ -‬أال يتحدد مقدار الرضيبة الذي يلتزم به الفرد بمقدار ما يعود عليه من نفع من اخلدمات العامة التي‬

‫تقدمها املرافق العامة للدولة‪ ،‬و أن يكون أساس حتديد مقدار الرضيبة هو املقدرة التكليفية للممول‪ ،‬بمعنى قدرته‬

‫عىل حتمل أعباء النفقات العامة‪ ،‬و يشكل هذا املبدأ أساس قاعدة العدالة الرضيبية؛‬

‫‪ -‬يفرس مبدأ التضامن االجتامعي بني األجيال‪ ،‬التزام األجيال احلارضة بدفع رضائب يستخدم جزء من‬

‫حصيلتها يف خدمة أعباء قروض عامة عقدهتا األجيال السابقة لظروف معينة‪ ،‬كحروب أو كوارث أو غريها‬

‫و استنفذت كل منافعها‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬القواعد األساسية للرضائب‬

‫يقصد بالقواعد األساسية للرضيبة تلك القواعد التي يتعني عىل املرشع املايل مراعاهتا عند وضع النظام‬

‫الرضيبي‪ ،‬حتى يكون مالئام للخزينة العامة من جهة‪ ،‬و ملصلحة املمولني من جهة أخرى‪ .‬و يعترب آدم سميث أول‬

‫من قام بصياغة جمموعة متامسكة من القواعد التي يلزم اتباعها يف التنظيم الفني للرضيبة‪ ،‬و ذلك يف مؤلفه املشهور‬

‫عن "ثروة األمم" عام ‪4444‬؛ حيث ذكر يف مؤلفه أربعة قواعد جيب أن تلتزم هبا الدولة عند فرض‬

‫الرضائب‪ ،‬مراعاة ملصلحة كل من اخلزينة و املمول‪ ،‬و هذه القواعد هي العدالة‪ ،‬اليقني‪ ،‬املالءمة و االقتصاد يف‬

‫نفقات التحصيل‪.‬‬

‫‪ -1‬قاعدة العدالة و املساواة‪ :‬يتلخص مضمون هذه القاعدة يف أن يساهم كل فرد يف حتمل األعباء‬

‫و النفقات العامة للدولة وفقا ملقدرته النسبية‪ ،‬و تتحدد هذه املقدرة النسبية للمولني بنسبة الدخل الذي يتمتع به‬

‫كل منهم يف ظل محاية الدولة؛ بحيث تكون مسامهة أفراد املجتمع يف األعباء العامة بالتناسب مع دخوهلم‪ .‬و طبقا‬

‫هلذه القاعدة ‪ ،‬فإن االلتزام الرضيبي جيب أن يتامشى مع املقدرة النسبية عىل الدفع‪ ،‬و هو ما يؤدي إىل حتقيق العدالة‬

‫يف توزيع األعباء الرضيبية بني املمولني من جانب‪ ،‬و تقرير املساواة فيام بينهم أمام الرضيبة‪.‬‬

‫‪45‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫‪ -2‬قاعدة اليقني‪ :‬يقصد هبا أن تكون الرضيبة حمددة بصورة قاطعة دون أي غموض أو إهبام‪ .‬و الغرض من‬

‫ذلك‪ ،‬أن يكون املكلف عىل علم يقيني بمدى التزامه بصورة واضحة ال لبس فيها‪ ،‬و من ثم يمكنه أن يعرف مقدما‬

‫موقفه الرضيبي‪ ،‬من حيث الرضائب امللزم بأدائها و سعرها و كافة األحكام القانونية املتعلقة هبا‪ ،‬و غري ذلك من‬

‫املسائل الفنية املتعلقة بالرضيبة‪ ،‬باإلضافة إىل معرفته حلقوقه جتاه اإلدارة املالية و الدفاع عنها‪.‬‬

‫‪ -3‬قاعدة املالءمة يف الدفع‪ :‬و يقصد هبا رضورة تنظيم أحكام الرضيبة بصورة تالئم ظروف املكلفني‬

‫هبا‪ ،‬و تيسري دفعها و خاصة فيام يتعلق بميعاد التحصيل و طريقته و إجراءاته‪.‬‬

‫و هتدف هذه القاعدة يف حقيقة األمر إىل عدم تعسف اإلدارة املالية يف استعامل سلطتها فيام يتعلق بإجراءات‬

‫الربط و التحصيل‪ .‬و تدعو اعتبارات املالءمة أن تكون القواعد املتعلقة بكل رضيبة متفقة مع طبيعتها‬

‫الذاتية‪ ،‬و األشخاص اخلاضعني هلا‪ ،‬من أجل جتنب العديد من املشاكل التي يمكن أن تثور يف حالة خمالفة هذه‬

‫القاعدة‪.‬‬

‫‪ -5‬قاعدة االقتصاد يف النفقات‪ :‬يقصد هبا أن يتم حتصيل الرضيبة بأسهل و أيرس الطرق التي ال تكلف‬

‫اإلدارة املالية مبال كبرية‪ ،‬خاصة يف ظل الروتني و اإلجراءات املعقدة‪ ،‬مما يكلف الدولة نفقات قد تتجاوز حصيلة‬

‫الرضيبة ذاهتا‪ .‬و مراعاة هذه القاعدة‪ ،‬يضمن للرضيبة فعاليتها كمورد هام تعتمد عليه الدولة دون ضياع جزء كبري‬

‫منه يف سبيل احلصول عليه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬القروض العامة‬

‫تعترب القروض العامة من مصادر اإليرادات العامة للدولة‪ ،‬و هي من اإليرادات االئتامنية‪ ،‬فقد حتتاج الدولة‬

‫إىل تغطية نفقاهتا املتزايدة‪ ،‬بد أن تكون قد استنفذت كافة إيراداهتا العادية‪ ،‬فتلجأ إىل اقرتاض املبال التي حتتاجها‬

‫لتستكمل هبا إيراداهتا العادية املتحصلة من الدومني و الرسوم و الرضائب‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪Public Loan (or Debt) ; Emprunt (au Dette) Publique‬‬

‫‪44‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫و القروض العامة‪ ،‬تعد موردا من موارد الدولة التي ينتفي بصددها صفة الدورية و االنتظام‪ ،‬بل و تعد من‬

‫وجهة نظر الفكر التقليدي موردا غري عادي‪ ،‬تلجأ إليه الدولة بصورة استثنائية بحتة‪ ،‬من أجل تغطية نفقات غري‬

‫عادية‪.‬‬

‫و تلجأ الدولة عادة إىل القروض العامة يف حالتني أساسيتني‪:‬‬

‫‪ -1‬يف كحالة وصول الرضائب إىل احلجم األمثل‪ :‬بمعنى أن املقدرة التكليفية الوطنية أو ما تعرف بالطاقة‬

‫الرضيبية الوطنية قد استنفذت‪ ،‬فال تستطيع الدولة أن تفرض املزيد من الرضائب‪ ،‬و إال ترتب عىل ذلك آثار‬

‫اقتصادية بالغة اخلطورة‪ ،‬تتمثل يف تدهور النشاط االقتصادي و مستوى املعيشة؛‬

‫‪ -2‬يف كحالة عدم وصول الرضائب إىل احلجم األمثل‪ :‬أي قبل استنفاذ املقدرة التكليفية الوطنية‪ ،‬و لكن‬

‫فرض املزيد من الرضائب يستتبعه ردود فعل عنيفة‪ ،‬و استياء عام من جانب املكلفني هبا‪ .‬فالرضائب من هذه‬

‫الزاوية هلا حدود من طبيعة اقتصادية‪ ،‬و من طبيعة نفسية‪ ،‬تضع قيدا عىل قدرة الدولة يف اللجوء إليها‪.‬‬

‫و معنى ذلك‪ ،‬أن القرض يشكل وسيلة فعالة يف يد الدولة لتجميع املدخرات التي ال تستطيع الرضيبة‬

‫احلصول عليها‪ ،‬و أنه يشكل وسيلة لتوزيع العبء املايل العام بني املقرضني و املكلفني‪.‬‬

‫و ال تعد القروض العامة أداة متويلية فقط‪ ،‬بل كذلك أداة من أدوات السياسة املالية و االقتصادية يف كثري‬

‫من األحيان‪ ،‬و لذا فإنه ينبغي عىل الدولة استخدامها بحذر شديد‪ ،‬خلدمة األغراض االقتصادية للدولة‪ ،‬نظرا لثقل‬

‫عبئها عىل االقتصاد الوطني‪.‬‬

‫أوال‪ -‬تعريف القروض العامة‬

‫القروض العامة هي املبال التي حتصل عليها الدولة من الغري‪ ،‬مع التعهد بردها إليه مرة أخرى‪ ،‬عند حلول‬

‫ميعاد استحقاقها و بدفع فوائد عنها‪.‬‬

‫إن التعهد بوفاء القرض هو الصفة األساسية التي يتميز بها القرض العام عن إيرادات الدولة األخرى ‪.‬و قد‬

‫وجد عىل أساس تعاقدي بني الدولة و بني املقرضني‪ ،‬لذلك فهو خيتلف عن الرضيبة‪ ،‬فإيرادات الرضيبة تدخل‬

‫‪44‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫اخلزينة العامة و ال ترد مطلقا لدافعها‪ ،‬بينام إيرادات القرض تدخل اخلزينة العامة دينا و تتعهد الدولة بردها مع‬

‫الفوائد يف أجل حمدد‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬تقسيامت القروض العامة‬

‫يمكن تقسيم القروض العامة استنادا إىل عدة معايري‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ -1‬القروض من كحيث كحرية االكتتاب فيها‪ :‬و يمكن تقسيمها إىل‪:‬‬

‫أ‪ -‬القروض االختيارية‪ :‬ينجم القرض االختياري عن عقد ترايض‪ ،‬حيث يتم برتايض املتعاقدين‬

‫و اختيارمها‪ .‬و املكتتب يف هذا النوع من القروض ليس له احلقوق سوى بالقبول أو االمتناع‪ ،‬فبعض الكتاب‬

‫اعتربوا عقد القرض االختياري عقد إذعان‪ ،‬ألن املكتتب ال يستطيع مناقشة الدولة يف رشوط القرض‪ ،‬و ال يملك‬

‫إال القبول أو الرفض‪ ،‬و يف الواقع أن املكتتب ال خيضع إلكراه هنا‪ ،‬ألنه يكتتب يف القرض بدافع ذايت‪ ،‬و بقصد‬

‫احلصول عىل االمتيازات املالية املقدمة‪.‬‬

‫ب‪ -‬القروض اإلجبارية‪ :‬هي القروض التي تفرضها الدولة عىل رعاياها بصورة إجبارية‪ ،‬مقابل تعهدها‬

‫هلم بسدادها يف الوقت املناسب‪ .‬و تلجأ الدول إىل مثل هذه القروض يف األزمات االقتصادية‪ ،‬و احلروب‬

‫و الظروف الطارئة كالكوارث الطبيعية التي تصيب البالد‪ ،‬و مثل هذه القروض تشبه الرضيبة لكونها مفروضة‬

‫بصورة إلزامية‪ ،‬إال أنها ختتلف عن الرضيبة‪ ،‬بأنها غالبا ما تعود املبال لدافعها مع فوائد حتددها السلطات العامة‪.‬‬

‫‪ -2‬القروض من كحيث نطاقها‪ :‬و يمكن تقسيمها إىل‪:‬‬

‫أ‪ -‬القروض الداخلية‪ :‬هي القروض التي حتصل عليها الدولة من األشخاص الطبيعيني أو االعتباريني‬

‫املقيمني فوق أراضيها‪ .‬و تتمتع الدولة عادة بحرية كبرية بهذا النوع من القروض‪ ،‬ألنها تستطيع وضع الرشوط‬

‫التي جتدها مالئمة‪ ،‬حيث تبني املزايا املختلفة للمقرتض‪ ،‬و حتدد أجل القرض و معدل الفائدة وكيفية السداد‪.....‬‬

‫ب‪ -‬القروض اخلارجية‪ :‬هي القروض التي حتصل عليها الدولة من شخص طبيعي أو اعتباري مقيم يف‬

‫خارج البالد أو من حكومات أجنبية‪ .‬و تلجأ الدول إىل مثل هذه القروض عندما تكون بحاجة إىل رؤوس‬

‫‪44‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫أموال‪ ،‬و عدم كفاية اإليرادات الداخلية و عدم كفاية املدخرات الوطنية ‪.‬كذلك تلجأ للقروض اخلارجية عند‬

‫حاجة الدولة إىل عمالت أجنبية لتغطية العجز يف ميزان املدفوعات‪ ،‬أو لدعم نقدها الوطني و محايته من تدين‬

‫قيمته‪ ،‬أو من أجل احلصول عىل ما يلزمها من سلع إنتاجية و سلع استهالكية رضورية لتلبية حاجة السوق‬

‫الداخلية‪.‬‬

‫‪ -3‬القروض من كحيث مدهتا‪ :‬و يمكن تقسيمها إىل‪:‬‬

‫أ‪ -‬القروض املؤبدة‪ :‬هي القروض التي ال حتدد الدولة تارخيا معينا لردها‪ ،‬و لكنها تلتزم بدفع فائدة عنها‪.‬‬

‫و متلك الدولة احلق باستهالك ما تشاء من سندات القرض يف الوقت الذي يناسبها‪ ،‬و املقرض ال يستطيع أن‬

‫يطالب الدولة وفاء القرض‪ ،‬و لكن يملك احلق باملطالبة بالفائدة املقررة سنويا‪.‬‬

‫ب‪ -‬القروض املؤقتة‪ :‬هذه القروض تلجأ إليها الدولة ملواجهة حاالت مؤقتة و طارئة‪ ،‬و بهذا فهي تعقد‬

‫ملدة معينة ينقيض الدين بنهايتها‪ .‬و سندات هذا النوع من القروض إما أن تكون ألجل متوسط و طويل األجل‬

‫تزيد مدتها عىل سنتني و تقل عن ‪ 45‬سنة‪ ،‬و يطلق عليها القروض املثبتة؛ أو ألجل قصري ملدة ال تتجاوز‬

‫السنتني‪ ،‬و يطلق عليها القروض السائرة أو العائمة أو الكافية‪.‬‬

‫املبحث اخلامس‪ :‬اإلصدار النقدي اجلديد‬

‫قد تضطر الدولة يف بعض األحيان‪ ،‬ملواجهة نفقاهتا املتزايدة و عجز املوازنة‪ ،‬إىل اللجوء لطريقة اإلصدار‬

‫النقدي‪ ،‬و ذلك حينام ال تستطيع أن تواجه يف نفقاهتا استنادا إىل مصادر اإليرادات العامة‪ ،‬الرسوم و الرضائب‬

‫أو مصادر اإليرادات االئتامنية‪ ،‬القروض‪ ،‬فتقوم الدولة بإصدار كمية جديدة من النقود و طرحها‬

‫للتداول‪ ،‬و يعرف ذلك بالتضخم املايل‪ ،‬أو التمويل عن طريق التضخم‪.‬‬

‫و يؤدي اإلصدار النقدي اجلديد إىل انخفاض قيمة النقود‪ ،‬مما يشكل عبئا إضافيا عىل دخول و ثروات‬

‫األفراد‪.‬‬

‫‪41‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫و هناك مربران للجوء إىل وسيلة اإلصدار النقدي اجلديد‪:‬‬

‫األول‪ ،‬أنه يعترب حافزا عىل االستثامر‪،‬ذلك أن اإلصدار اجلديد يؤدي إىل ضعف القوة الرشائية‬

‫للنقود‪ ،‬و بالتايل ارتفاع األثامن‪ ،‬مما يؤدي إىل زيادة األرباح و التوسع يف االستثامر القائم و ظهور فرص جديدة‬

‫لالستثامر‪ .‬كام أنه يؤدي إىل توزيع الدخول لصالح أصحاب الدخول املرتفعة عىل حساب أصحاب الدخول‬

‫املحدودة‪ ،‬مما يعني زيادة االدخار عىل حساب االستهالك‪ ،‬و يعد هذا املربر غري فعال‪ ،‬بل قد يكون خطرا؛ فالواقع‬

‫أن الذي يعيق االستثامر هو عدم وجود طلب كاف‪ ،‬و عدم التنسيق بني الصناعات القائمة بالفعل؛‬

‫الثاين‪ ،‬أن اإلصدار النقدي يعترب وسيلة لتمويل االستثامر العام و احلصول عىل الوسائل الالزمة لربامج‬

‫التنمية‪ .‬ففعاليته تكمن فيام يسمح به من حتويل للموارد لتحقيق أهداف التنمية‪ .‬ففي هذه احلالة يؤدي اإلصدار‬

‫النقدي إىل تكوين ادخار إجباري لتمويل مرشوعات إنتاجية هلا أثر هام عىل معدالت التنمية االقتصادية‪.‬‬

‫فالتضخم يسمح للدولة باحلصول عىل موارد عينية و ختصيصها لالستخدامات األكثر فائدة للتنمية االقتصادية‪.‬‬

‫و جتدر اإلشارة‪ ،‬إىل أن اللجوء لطريقة اإلصدار النقدي (التضخم املايل) جيب أن يتم يف أضيق نطاق‬

‫ممكن‪ ،‬و بحذر شديد لتاليف اآلثار السيئة التي تنتج عنه‪.‬‬

‫‪44‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة‬

‫أسئلة الفصل‬

‫‪ -‬عرف الدومني؟‬

‫‪ -‬ما هو الفرق بني الدومني العام و الدومني اخلاص؟‬

‫‪ -‬عرف الرسم و ما هي عنارصه؟‬

‫‪ -‬عرف الرضيبة و ما هي عنارصها؟‬

‫‪ -‬ما هي أسس فرض الرضائب؟‬

‫‪ -‬ما هي قواعد فرض الرضائب؟‬

‫أعامل شخصية‬

‫‪ -‬البحث يف كيفية تقدير الرسم و فرضه؛‬

‫‪ -‬البحث يف أنواع الرضائب؟‬

‫‪ -‬البحث يف التنظيم الفني للرضائب؛‬

‫‪ -‬البحث يف التنظيم الفني للقروض العامة‪.‬‬

‫‪44‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


:
Budget public; Public Budget
‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة (‪)Budget puclic- Public budget‬‬

‫متهيد‬
‫تعترب فكرة املوازنة العامة للدولة فكرة حديثة نسبيا‪ ،‬فلم تكن املوازنة العامة يف املايض كام هي عليه‬
‫اآلن‪ ،‬فقد مرت بمراحل تطور متعددة‪ ،‬كانت املرحلة األوىل‪ ،‬عندما طالب أفراد الشعب السلطة احلاكمة بعدم‬
‫فرض الرضائب إال بعد موافقة الشعب أو ممثليهم‪ ،‬و ملا سلمت السلطة احلاكمة بهذا املبدأ‪ ،‬طلب ممثلو الشعب أن‬
‫يراقبوا إنفاق حصيلة الرضائب‪ ،‬و يناقشوا األسباب التي تدعو إىل فرض الرضائب‪ ،‬ثم انتقل الشعب و ممثلوه إىل‬
‫تأكيد حقهم يف مناقشة اإليرادات و النفقات كافة و أوجه استخدامها‪ ،‬و من ثم جاهدوا يف سبيل أن يكون تقرير‬
‫اجلباية و اإلنفاق بشكل دوري‪ ،‬فكانت املوازنة العامة‪.‬‬

‫و متثل املوازنة العامة للدولة يف الوقت احلارض الوثيقة األساسية لدراسة املالية العامة ألية دولة من‬
‫الدول‪ ،‬و احتلت هذه الدراسة جانبا هاما من الدراسات املالية‪ ،‬و ذلك نظرا لتطور حجم املوازنة العامة و تزايد‬
‫تأثريها عىل التوازن االقتصادي و االجتامعي و السيايس و املايل‪.‬‬

‫فاملوازنة العامة للدول تتضمن تقديرا لإليرادات العامة و النفقات العامة عن مدة قادمة‪ ،‬فهي خطة مالية‬
‫للدولة‪ ،‬تهدف إىل إشباع احلاجات العامة يف ضوء الظروف و األهداف السياسية و االقتصادية و املالية القائمة يف‬
‫المجمتع‪ ،‬فهي املرآة التي تعكس نشاط الدولة و تعرب عن دورها‪ ،‬إذ أن الدولة ال تستطيع مبارشة نشاطها دون‬
‫إنفاق‪ ،‬و ال يمكنها أن تنفق دون احلصول عىل اإليرادات الرضورية هلذه الغاية‪.‬‬

‫لذلك فإن دراسة املوازنة العامة‪ ،‬توضح أن اإلجراءات املتبعة يف إعداد و تنفيذ املوازنة العامة تعكس النظام‬
‫السيايس و االجتامعي و اإلداري للدولة‪ ،‬كام توضح أن البحث يف بنود املوازنة العامة يظهر نشاط الدولة‬
‫االقتصادي و أهدافه‪ ،‬كام تبني الدراسة التأثري املتبادل بني هذه العوامل و االعتبارات املالية للدولة‪ ،‬و تؤكد أمهية‬
‫الدور الذي تقوم به املالية العامة يف العرص احلارض‪.‬‬

‫فمن الناحية السياسية‪ ،‬وكام هو معروف‪ ،‬هناك عالقة متبادلة بني النظام السيايس و املالية العامة‪ ،‬فالسلطة‬
‫احلاكمة يف جمتمع معني حتدد إىل درجة كبرية السياسة املالية للدولة‪ ،‬و توزيع النفقات العامة و اإليرادات‬
‫العامة بني فئات و طبقات المجمتع املختلفة‪ ،‬كام تتأثر املالية العامة باألحداث السياسية و االضطرابات‪ ،‬و من‬
‫الناحية األخرى‪ ،‬تؤثر املالية العامة يف النظام السيايس من خالل تدعيم أو تقليص نشاطات السلطة الترشيعية‪ ،‬كام‬

‫‪85‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫كانت املالية العامة و الضغوط املالية املتولدة عنها األسباب ألمهات الثورات يف العامل‪ ،‬و تساهم دراسة املوازنة‬
‫العامة للدولة اإليرادات و النفقات يف التعرف عىل التنظيم اإلداري للدولة‪ ،‬و فيام إذا كان عىل شكل فيدرايل‬
‫أو موحد‪ ،‬و هل تتبع الدولة املركزية الشديدة أو الالمركزية يف طريقة احلكم‪ ،‬و ينعكس ذلك كله عىل طرائق‬
‫الرقابة التي تتبعها الدولة يف مراقبة تنفيذ املوازنة العامة‪ ،‬كام تؤثر املالية العامة يف استقرار التنظيم اإلداري للدولة‪،‬‬
‫و املحافظة عىل اختصاصات الوحدات اإلدارية التي يتكون منها التنظيم اإلداري‪ ،‬و تؤثر املوازنة العامة يف‬
‫االقتصاد الوطني‪ ،‬و بخاصة بعد أن تطور دور الدولة من احلياد إىل التدخل املتزايد يف الشؤون االقتصادية‪ ،‬الذي‬
‫أدى إىل اتساع نشاط الدولة‪ ،‬و بالتايل تزايد دور املوازنة العامة‪ ،‬التي تضم اإليرادات العامة للدولة و نفقاتها‬
‫العامة‪ ،‬التي ترتبط باهليكل االقتصادي للدولة‪ ،‬و تتأثر بالتغريات االقتصادية التي تطرأ عىل االقتصاد‪ ،‬من فرتات‬
‫انتعاش و فرتات ركود و كساد‪ ،‬التي ختتلف بدورها من دولة إىل أخرى حسب درجة سيطرة الدولة عىل االقتصاد‬
‫الوطني‪.‬‬

‫و بناء عىل ذلك‪ ،‬فقد تطورت املوازنة العامة للدول و املبادئ التي حتكمها بطريقة تعكس تطور دور الدولة‬
‫و األهداف التي تصبو إىل حتقيقها‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬مفهوم املوازنة العامة للدولة‬


‫تعد املوازنة العامة للدولة من أهم أدوات التخطيط املايل‪ ،‬كونها األداة األساسية التي حتدد أهداف احلكومة‬
‫و سياستها و براجمها يف كيفية استغالل املوارد و عملية توزيعها‪ ،‬و من املعلوم أنه ليس هناك دولة متلك قدرة‬
‫للحصول عىل موارد غري حمدودة برصف النظر عن مدى ثرائها‪ ،‬لذلك فإن أسس إعداد املوازنة العامة للدولة‬
‫ترتكز يف عملية املفاضلة بني البدائل املتاحة‪ ،‬و بمعنى آخر الكيفية التي يتم من خالهلا حتقيق أكرب قدر ممكن من‬
‫املنافع باستخدام موارد‪ ،‬كام متثل عملية إعداد املوازنة الوسيلة التي تتجسد من خالهلا اخلطط عىل الواقع‬
‫الفعيل‪ ،‬و هلذا فإن هذه العملية متثل عنرصا مهام يف عملية التخطيط التنموي‪ ،‬و استمرارا للتنمية االقتصادية‬
‫ذاتها‪ ،‬هذا باإلضافة إىل أنها عنرص أسايس يف نظام اإلدارة املالية‪ ،‬الذي يتميز بخصائص مهمة يف نطاق األداء‬
‫املحاسبي و الرقابة املالية‪ ،‬كام أن إعداد املوازنة يؤثر يف عملية تنفيذ الربامج و املرشوعات؛ ألنه يتوىل ختطيطها‬
‫و توزيعها‪ ،‬و بناء عىل ما تقدم أصبح إعداد املوازنة حيظى بهذا االهتامم الكبري‪ ،‬و قد تطور مفهوم املوازنة العامة مع‬
‫تطور مفهوم الدولة و تطور دورها يف امليادين االقتصادية و االجتامعية‪.‬‬

‫‪85‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫و تعترب انجلرتا من أوائل الدول التي وضعت املوازنة العامة بمفهومها احلديث‪ ،‬ثم تلتها فرنسا‪ ،‬و رسخت‬
‫مبادئ الدول التي وضعت املوازنة العامة عىل أسس علمية واضحة‪ ،‬و انتقلت هذه املبادئ من إنجلرتا و فرنسا إىل‬
‫الدول األخرى‪.‬‬

‫و بالتايل فإن توسع مفهوم و دور الدولة يف المجمتع‪ ،‬و انتقاله من دور الوسيط إىل املحرض للفعاليات‬
‫االقتصادية و االجتامعية كافة‪ ،‬أدى إىل تغري مفهوم املوازنة العامة للدولة‪ ،‬فأصبح يأخذ اجتاها و أبعادا جديدة‬
‫بشكل رئييس عن طبيعة اهلياكل االقتصادية و االجتامعية والسياسية املالية و النقدية‪ ،‬سواء أكان ذلك يف‬
‫اقتصاديات الدولة املخططة مركزيا‪ ،‬أم يف االقتصاديات الرأساملية واملشرتكة‪.‬‬

‫و مع انتشار التخطيط االقتصادي و تطور مناهجه و أساليبه اكتسبت املوازنة العامة للدولة أمهية‬
‫خاصة‪ ،‬حيث أصبحت متثل اخلطة املالية الرئيسة لتنفيذ برامج التنمية االقتصادية و االجتامعية‪.‬‬

‫أوال‪ -‬تعريف املوازنة العامة‬


‫عرف القانون الفرنيس املوازنة العامة بأنها القانون املايل السنوي‪ ،‬الذي يقدر و جييز لكل سنة ميالدية جمموع‬
‫واردات الدولة و أعبائها؛‬

‫و عرفها القانون البلجيكي بأنها بيان الواردات و النفقات العامة خالل الدورة املالية؛‬

‫و عرفها القانون األمريكي بأنها صك تقدر فيه نفقات السنة التالية و وارداتها‪ ،‬بموجب القوانني املعمول‬
‫بها عند التقديم و اقرتاحات اجلباية املعروضة فيها؛‬

‫و قد عرفت املوازنة العامة يف القانون املتعلق باملحاسبة العمومية يف اجلزائر بأنها الوثيقة التي تقدر للسنة‬
‫املدنية‪ ،‬جمموع اإليرادات و النفقات اخلاصة بالتسيري و االستثامر‪ ،‬و منها نفقات التجهيز العمومي و النفقات‬
‫بالرأسامل و ترخص هبا‪.‬‬

‫و هكذا أصبحت املوازنة العامة بهذه التطورات جزء من برنامج أوسع‪ ،‬يعكس فيه جممل النشاط‬
‫االقتصادي واملايل للدولة‪ ،‬و استخدمت املوازنة كأداة من أدوات التوجيه االقتصادي و املايل و االجتامعي لتحقيق‬
‫التنمية االقتصادية و العدالة االجتامعية‪.‬‬

‫‪06‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫ثانيا‪ -‬خصائص املوازنة العامة‬


‫للموازنة جمموعة من اخلصائص منها ما ييل‪:‬‬

‫‪ -1‬املوازنة العامة تقدير إليرادات و نفقات الدولة عن فرتة قادمة‪ :‬تتضمن املوازنة العامة للدولة توقعا‬
‫ألرقام مبالغ النفقات العامة و اإليرادات العامة ملدة الحقة غالبا ما تكون سنة‪ ،‬يتطلب هذا الطابع التقديري‬
‫للموازنة العامة أقىص درجات الدقة واملوضوعية‪ ،‬إذ تتوقف أمهية املوازنة العامة عىل دقة معايري التوقع‬
‫والتقدير‪ ،‬و نجاحها يف تقليل هامش اخلطأ‪ ،‬و تقليص الفجوة بني التقدير والواقع‪ ،‬و ال يمكن ملثل هذا التقدير‬
‫للموازنة العامة أن يتم بمنأى عن تغريات النشاط االقتصادي الكيل‪.‬‬

‫فتقوم أجهزة الدولة املختلفة‪ ،‬بتقدير حجم النفقات العامة و اإليرادات العامة الالزمة من أجل تنفيذ‬
‫السياسة املالية‪ ،‬بحيث تأيت هذه التوقعات بصورة مفصلة و موزعة بني اإلدارات العامة املختلفة‪ ،‬و مقسمة حسب‬
‫أنواعها املتعددة‪ ،‬و بام يتفق مع أبعاد السياسة املالية للدولة‪.‬‬

‫‪ - 2‬املوازنة العامة تقدير معتمد من السلطة الترشيعية‪ :‬إن وجود تقديرات لإليرادات العامة و النفقات‬
‫العامة‪ ،‬ال يكفي وحده لتكون أمام موازنة عامة للدولة؛ بل ال بد من أن يقرتن هذا التقدير بموافقة أو بإجازة من‬
‫السلطة الترشيعية عىل هذا التقدير‪ ،‬أي أن موافقة السلطة الترشيعية و اعتامد املوازنة العامة رشط أسايس لتنفيذ‬
‫املوازنة العامة‪ ،‬ودون هذه املوافقة‪ ،‬تبقى املوازنة مرشوعا مقرتحا غري قابل للتنفيذ‪.‬‬

‫و يالحظ أن موافقة السلطة الترشيعية تنرصف بصفة أساسية إىل النفقات العامة‪ ،‬ذلك أن موافقة ممثيل‬
‫الشعب عىل النفقات العامة‪ ،‬تعطي احلق للسلطة التنفيذية (احلكومة) القيام بعملية اإلنفاق حسبام هو حمدد يف‬
‫املوازنة العامة‪ ،‬أما اعتامد السلطة الترشيعية لإليرادات العامة فال يعطي احلكومة حق االختيار‪ ،‬بتحصيل أو عدم‬
‫حتصيل اإليرادات العامة‪ ،‬حيث أن اإليرادات العامة واجبة التحصيل استنادا إىل القوانني التي تفرضها‪ ،‬و الوقائع‬
‫التي توجبها (الرضائب) ومبارشة الدولة نشاطها الصناعي و التجاري‪.‬‬

‫و لكن ليس معنى إجازة السلطة الترشيعية أن تنفرد هذه السلطة بمختلف خطوات املوازنة العامة‪ ،‬بل‬
‫تقسم االختصاصات بينها و بني السلطة التنفيذية‪ ،‬فاختصاص السلطة التنفيذية اإلعداد و التنفيذ‪ ،‬و اختصاص‬
‫السلطة الترشيعية املوافقة و الرقابة‪.‬‬

‫‪06‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫و ختتلف اإلجراءات التفصيلية العتامد املوازنة العامة من دولة إىل أخرى وفق الكثري من العوامل السياسية‬
‫و التارخيية و االقتصادية و االجتامعية و اإلدارية‪ ،‬كام ختتلف املدة الالزمة إلمتام إجراءات االعتامد‪ ،‬و من ثم خيتلف‬
‫املوعد الذي جيب أن يقدم فيه مرشوع املوازنة العامة إىل السلطة الترشيعية‪.‬‬

‫‪ - 3‬املوازنة العامة خطة مالية لسنة قادمة‪ :‬تعترب املوازنة العامة من الناحية االقتصادية و املالية بمثابة خطة‬
‫مالية تعد يف ضوء تفضيل اقتصادي‪ ،‬يعرب عن االختيارات السياسية و االقتصادية للدولة و يضمن ختصيص موارد‬
‫معينة يف استخدامات حمددة‪ ،‬عىل النحو الذي يكفل حتقيق أقىص إشباع ممكن للحاجات العامة‪ ،‬خالل فرتة زمنية‬
‫قادمة هي السنة‪ ،‬و هي بذلك ال ختتلف عن أية خطة اقتصادية تقوم عىل تقديرات لكل من اإليرادات العامة‬
‫و النفقات العامة‪ ،‬األمر الذي يضفي عليها كذلك خصائص قانونية و إدارية و سياسية تنعكس بشكل واضح فيام‬
‫تتطلبه من إجراءات‪ ،‬و ما تقوم عليه تقديراتها من قواعد و أسس‪.‬‬

‫فاملوازنة العامة تعبري عن برنامج عمل للمستقبل يتضمن تقديرا ملا تنوي احلكومة إنفاقه‪ ،‬و ما تتوقع‬
‫احلكومة حتصيله من إيرادات خالل السنة القادمة‪ ،‬و هذه هي الفرتة التي اختذتها مجيع املرشوعات العامة‬
‫و اخلاصة‪ ،‬و حتديد أرباحها (املرشوعات العامة و اخلاصة)‪ ،‬و مقدار الفائض أو العجز (الدولة)‪ ،‬و هذا ال يعني‬
‫أن تبدأ السنة املالية للدولة يف تاريخ حمدد بذاته‪ ،‬فلكل دولة أن حتدد بداية و نهاية عامها املايل بام يتناسب مع‬
‫ظروفها السياسية و االقتصادية‪ ،‬و إمكاناتها اإلدارية و العملية‪.‬‬

‫‪ - 4‬املوازنة العامة خطة سنوية لتحقيق أهداف املجتمع‪ :‬تضع الدولة خطة اقتصادية شاملة‪ ،‬و من ثم تقرر‬
‫إىل جانبها السياسات و الربامج لتحقيق األهداف التي وردت يف اخلطة الشاملة‪ ،‬إال أن احلكومة قد تنحرف بهذه‬
‫السياسات و الربامج لتحقيق مآربها‪ ،‬فتضع الربامج املناسبة إلرضاء فئة أو طبقة دون أخرى أو تستخدم الربنامج‬
‫ملصلحة السلطة احلاكمة خلوض إحدى املعارك االنتخابية‪ ،‬و لكن تأيت املوازنة العامة لتحدد املسار الصحيح الذي‬
‫يؤدي إىل حتقيق أهداف اخلطة الشاملة‪ ،‬و الذي جيب أن تلتزم به احلكومة لتحقيق األهداف السنوية املرحلية أمال‬
‫يف الوصول إىل األهداف النهائية املحددة للمجتمع‪ .‬فاملوازنة العامة هي اإلطار الذي ينعكس فيه اختيار احلكومة‬
‫ألهدافها البعيدة‪ ،‬و أداة احلكومة إىل حتقيق تلك األهداف‪.‬‬

‫‪ - 5‬املوازنة العامة عمل إداري و مايل‪ :‬تتطلب املوازنة العامة جمموعة من اإلجراءات اإلدارية‬
‫واملالية‪ ،‬تتخذها السلطة التنفيذية حتى تتمكن من خالهلا من تنفيذ السياسة املالية للدولة‪ ،‬فالسلطة التنفيذية هي‬
‫التي تتوىل عملية إعداد املوازنة العامة‪ ،‬و تتوىل فيام بعد اعتامدها من السلطة الترشيعية‪ ،‬فاملوازنة من الناحية العامة‬

‫‪06‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫هي من الناحية اإلدارية و التنظيمية خطة عمل‪ ،‬يتم بمقتضاها توزيع املسؤوليات املتعلقة باختاذ القرارات التي‬
‫تتطلبها عملية التنفيذ عىل خمتلف األجهزة اإلدارية و التنفيذية بام يضمن سالمة التنفيذ‪ ،‬و حتت إرشاف السلطة‬
‫الترشيعية املمثلة للشعب‪ ،‬و بذلك يضمن الشعب عدم جتاوز السلطة التنفيذية لالعتامدات املقررة‪ ،‬وفق أوجه‬
‫اإلنفاق املحددة‪ ،‬و يضمن كذلك حتصيل اإليرادات الالزمة لتمويل النفقات العامة املقررة يف املوازنة العامة‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬مبادئ املوازنة العامة‬


‫حددت النظرية التقليدية يف املالية العامة للموازنة العامة عددا من املبادئ (القواعد) تهدف من ورائها‬
‫وضع نشاط السلطة التنفيذية حتت رقابة السلطة الترشيعية‪ ،‬سواء أكان ذلك عند اعتامدها لإليرادات العامة‬
‫و النفقات العامة أم الرقابة عند تنفيذ املوازنة العامة‪.‬‬

‫و نتيجة تطور مفهوم املالية العامة بسبب تدخل الدولة يف المجاالت االقتصادية و االجتامعية‪ -‬السيام بعد‬
‫األزمة االقتصادية العاملية التي تلت احلرب العاملية الثانية‪ ،-‬فقد كثر اجلدل بني فقهاء املالية العامة حول استمرار‬
‫قيمة هذه املبادئ و إمكان جتاوزها أو إلغائها‪ ،‬إال أن دور مبادئ املوازنة من النواحي السياسية و الفنية جعل هذه‬
‫املبادئ تصمد سواء عىل صعيد الدولة أم عىل صعيد املؤسسات الدولية‪ ،‬و حافظت عىل أمهيتها و رضورتها‬
‫لإلدارة املالية السليمة‪ ،‬رغم تطور هذه املبادئ التقليدية من حيث عددها و أمهيتها النسبية تبعا للمستجدات‬
‫و املتغريات‪.‬‬

‫إن مبادئ املوازنة العامة هي قواعد نظرية كام وصفها فقهاء املالية العامة و كتابها و منهم من بالغ بقيمتها‬
‫و زاد عددها و منهم من قسمها من حيث األمهية إىل مبادئ أساسية و أخرى ثانوية‪ ،‬و ختتلف قيمة هذه املبادئ يف‬
‫الزمان و املكان وفق الترشيع الوضعي لكل دولة‪.‬‬

‫و قد ارتبطت هذه املبادئ باملفهوم الكالسيكي للموازنة العامة الذي كان سائدا يف القرن التاسع عرش‬
‫و القرن العرشين‪ ،‬إال أنه مع تطور مفهوم املالية العامة‪ ،‬فقد تطورت مبادئ املوازنة العامة و أصبح هلا العديد من‬
‫االستثناءات‪.‬‬

‫و نبني فيام ييل املبادئ األساسية إلعداد املوازنة العامة للدولة‪:‬‬

‫‪06‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫أوال‪ -‬مبدأ وحدة املوازنة‬


‫يعني مبدأ وحدة املوازنة أن ترد نفقات الدولة و إيراداتها ضمن صك واحد أو وثيقة واحدة تعرض عىل‬
‫السلطة الترشيعية إلقرارها‪ ،‬فال تنظم الدولة سوى موازنة واحدة تتضمن خمتلف أوجه النفقات و اإليرادات مهام‬
‫اختلفت مصادرها و مهام تعددت املؤسسات و اهليئات العامة التي يقتضيها تنظيم الدولة اإلداري‪.‬‬

‫و ينتج عن هذا املبدأ أن تعرض املوازنة عىل السلطة الترشيعية بصك واحد ينظم خمتلف أوجه أنشطة‬
‫و فعاليات الدولة املالية‪ ،‬و ال فرق بني أن يتم عرض هذا الصك دفعة واحدة أو عىل مراحل متتالية‪.‬‬

‫فمبدأ وحدة املوازنة بمفهومه احلديث‪ ،‬يسمح بتسجيل خمتلف أنواع النفقات و اإليرادات دون سهو‬
‫أو غموض‪.‬‬

‫و من خصائص هذا املبدأ ما ييل‪:‬‬

‫‪-‬يتصف بالوضوح و السهولة ملن يريد أن يقف عىل حقيقة املركز املايل للدولة‪ ،‬حيث أن للدولة حسابا‬
‫واحدا؛‬
‫‪-‬يؤدي إىل سهولة حتديد نسبة اإليرادات و النفقات العامة إىل جمموع الدخل الوطني بوجود أرقامها يف‬
‫صك واحد للموازنة العامة؛‬
‫‪-‬يساعد السلطة الترشيعية عىل أن تفرض رقابتها عىل ختصيص النفقات العامة حسب وجوه اإلنفاق‬
‫األكثر رضورة؛‬
‫‪-‬حيول مبدأ وحدة املوازنة دون تالعب اجلهاز احلكومي يف ماهية اإلنفاق و االعتامد؛‬
‫‪-‬يكشف عن إساءة استعامل النفقات العامة و عن التبذير يف إنفاقها؛‬
‫‪-‬يساعد عىل إجياد نظام حماسبي موحد حلسابات احلكومة و إداراتها املختلفة؛‬
‫‪-‬يدعم أسلوب التخطيط‪ ،‬ألن املوازنة العامة ما هي إال الوجه املايل للخطة االقتصادية‪.‬‬

‫و هناك بعض االستثناءات من مبدأ وحدة املوازنة و أمهها‪:‬‬

‫‪-‬املوازنة امللحقة؛‬
‫‪-‬املوازنات االستثنائية؛‬
‫‪-‬حسابات اخلزينة خارج املوازنة‪.‬‬

‫‪06‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫‪ - 1‬املوازنة امللحقة‪ :‬هي موازنة منفصلة عن املوازنة العامة للدولة‪ ،‬و تتضمن إيرادات و نفقات بعض‬
‫اإلدارات أو اهليئات العامة التي تتمتع بشخصية معنوية مستقلة‪ ،‬كام ترسي عىل هذه املوازنة القواعد العامة التي‬
‫حتكم املوازنة العامة للدولة‪.‬‬

‫‪ - 2‬املوازنة االستثنائية‪ :‬املوازنة االستثنائية هي موازنة منفصلة عن موازنة الدولة‪ ،‬تعد ألغراض مؤقتة‬
‫أو غري عادية و بموارد استثنائية و تنظم هذه املوازنة إىل جانب املوازنة العادية‪ ،‬لكونها تتضمن (نفقات استثنائية‪-‬‬
‫مشاريع كربى‪ ،‬سدودا‪ ،‬خطوطا حديدية‪ ،‬مشاريع عمرانية‪ ،‬كوارث طبيعية‪ -‬إيرادات استثنائية‪ -‬قروضا‪،‬‬
‫تعويضات)‪ ،‬إذ لو أدرجت هذه النفقات و اإليرادات االستثنائية ضمن املوازنة العامة ألدى األمر لعدم صحة‬
‫املقارنة التي يمكن أن جتري بني املوازنات لألعوام املختلفة‪.‬‬

‫‪ - 3‬حسابات اخلزينة خارج املوازنة‪ :‬هي حسابات ليس هلا عالقة مبارشة بإيرادات و نفقات املوازنة‪،‬‬
‫و ترشف عليها اخلزينة العامة للدولة‪ ،‬فقد تتلقى احلكومة بعض املبالغ ال تلبث أن تعيدها بعد مدة ألصحابها‬
‫كتأمني املناقصات التي ترد ألصحابها بعد انقضاء سببها‪ ،‬و بذلك ال يمكن عدها إيرادات للموازنة العامة‪ ،‬فهذه‬
‫األموال التي تدخل اخلزينة و خترج منها ال تذكر عادة يف موازنة الدولة‪ ،‬بل ترد يف حسابات خارج املوازنة‪،‬‬
‫و لذلك اعتربت استثناءات من مبدأ وحدة املوازنة‪.‬‬

‫و تقسم حسابات خارج املوازنة عادة إىل ثالث أنواع هي‪:‬‬

‫أ‪-‬حسابات األمانات‪ :‬حيث تقبل اجلهات املشمولة بأحكام النظام املحاسبي للهيئات العامة ذات الطابع‬
‫اإلداري األمانات و الودائع املختلفة‪ ،‬و ال ترد هذه األمانات و الودائع إال بعد حتقيق الغاية التي وضعت من‬
‫أجلها و بناء عىل موافقة املراجع املختصة‪.‬‬

‫ب‪-‬حسابات السلف‪ :‬و هي حسابات تسجل فيها السلف الدائمة أو املؤقتة املمنوحة من أموال اخلزينة‬
‫اجلاهزة‪ ،‬و يتم منحها بقرار من وزير املالية لغايات معينة برشوط خاصة‪:‬‬

‫‪-‬أن تكون السلفة معدة لتأدية نفقات ال تسمح طبيعتها بتأديتها مبارشة؛‬
‫‪-‬أن تكون هناك اعتامدات باملوازنة العامة تسمح بتسديدها‪.‬‬

‫ج‪-‬حسابات حركة النقود‪ :‬هي سائر العمليات املتعلقة باملبالغ املرسلة أو املأخوذة من اإلدارة املركزية إىل‬
‫املحافظات أو من حمافظة إىل أخرى أو من منطقة إىل مركز املحافظة التي تتبع هلا‪.‬‬

‫‪08‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫ثانيا‪ -‬مبدأ شمول املوازنة‬


‫يقصد بمبدأ شمول املوازنة أو املوازنة اإلمجالية أن تشمل موازنة الدولة مجيع نفقاتها‪ ،‬مجيع إيراداتها دون‬
‫إخفاء أو سهو‪ ،‬و دون إجراء أي خصم أو تقاص بني أي إيراد من إيرادات الدولة و أية نفقة من نفقاتها‪ .‬و معنى‬
‫ذلك أنه ال جيوز‪:‬‬

‫‪-‬ختصيص أي نوع من أنواع اإليرادات العامة لتغطية نفقة بذاتها أو بإدارة من اإلدارات العامة؛‬

‫‪-‬عدم تنزيل نفقات أي إدارة أو مؤسسة من إيراداتها‪.‬‬

‫و يساعد هذا املبدأ السلطة الترشيعية عىل إعامل الرقابة عىل اإليرادات و النفقات كافة‪ ،‬بحيث ال يسمح‬
‫ألي إدارة باستعامل إيراداتها لتغطية نفقاتها بعيدا عن رقابة السلطة الترشيعية‪ ،‬و يقابل هذا املبدأ مبدأ معاكس هو‬
‫مبدأ الصوايف‪.‬‬

‫و لقد كان مبدأ الصوايف مطبقا يف أغلب موازنات القرن التاسع عرش‪ ،‬إال أنه تم التخيل عنه يف املوازنات‬
‫املعارصة بسبب املساوئ التي نجمت عنه‪ ،‬و سارت أغلب الدول منذ مطلع القرن العرشين عىل تطبيق مبدأ‬
‫الشمول‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬مبدأ سنوية املوازنة‬


‫يقصد بمبدأ سنوية املوازنة‪ ،‬أن يتم تقدير اإليرادات و النفقات بصورة دورية و ملدة سنة واحدة‪ ،‬و يكون‬
‫لكل سنة موازنة مستقلة بنفقاتها و إيراداتها عن موازنة السنة السابقة‪ ،‬و عن موازنة السنة الالحقة‪.‬‬

‫وهلذا املبدأ أسباب و مربرات‪ ،‬من أمهها‪:‬‬

‫‪-‬إن للدورة الزمنية غري السنوية الكثري من املساوئ‪ ،‬فإذا كانت هذه الدورة أقل من سنة مالية فإن مؤدى‬
‫ذلك عرض املوازنات العامة عىل السلطة الترشيعية عدة مرات خالل السنة املالية و إطالة فرتة املناقشات‬
‫الربملانية‪ ،‬و إذا كانت هذه الدورة أكثر من سنة مالية فإن من شأن ذلك إضعاف رقابة السلطة الترشيعية بسبب‬
‫إطالة مدة الدورة و تقلب الظروف االقتصادية خالهلا‪ ،‬فالسنة إذن هي املدة الطبيعية التي نستطيع خالهلا تصوير‬
‫الوضع املايل للدولة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫مبدأ الصوايف‪ :‬جيري بموجبه تقاص بني نفقات كل إدارة وإيراداتها‪ ،‬بحيث ال يظهر يف املوازنة العامة إال فائض اإليرادات عن النفقات أو العكس‪.‬‬

‫‪00‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫‪-‬السنة هي املدة الرضورية و الكافية إلعداد املوازنة العامة و املصادقة عليها‪ ،‬ألن احلكومة ال تستطيع أن‬
‫تعد أكثر من موازنة واحدة خالل العام‪ ،‬و باملقابل ال تستطيع ا لسلطة الترشيعية التخيل عن مهمتها أكثر من سنة‪.‬‬
‫‪-‬إن تنظيم املوازنة العامة‪ ،‬لفرتة أقل من سنة‪ ،‬عملية حمفوفة باملخاطر و األخطاء و سوء التقدير و التفاوت‬
‫بني حجم وأزمة تدفقات اإليرادات والنفقات‪.‬‬

‫و إن األخذ بمبدأ سنوية املوازنة ال يعني أن تتوافق السنة امليالدية مع السنة املالية‪ ،‬و إنام يتضمن أن تكون‬
‫مدة املوازنة إثني عرش شهرا‪ ،‬لذلك جيب التمييز بني السنة املالية و السنة امليالدية‪ ،‬كام أن التطابق بينهام جائز بحيث‬
‫تبدأ السنة املالية مع السنة امليالدية و جيوز أيضا االختالف بينهام‪.‬‬

‫و يثري ختام السنة املالية مشكالت دقيقة من الناحية الفنية أكثر تعقيدا من موضوع حتديد بداية السنة‬
‫املالية‪ ،‬فاملوازنة توضع ملدة مستقبلية من الزمن هي السنة‪ ،‬و ال بد يف نهاية السنة من إغالق حساباتها ملعرفة املبالغ‬
‫التي أنفقت فعال و اإليرادات التي تم حتصيلها فعال‪ ،‬و هي بالطبع ختتلف عن تقديرات املوازنة يف بداية السنة‬
‫املالية‪.‬‬

‫رابعا‪ -‬مبدأ توازن املوازنة‬


‫يقصد بهذا املبدأ تعادل النفقات العامة مع اإليرادات العامة يف املوازنة العامة للدولة أي‪:‬‬

‫‪-‬أال تزيد النفقات العامة عىل اإليرادات العامة و أال تقل عنها؛‬
‫‪-‬جيب االعتامد يف متويل النفقات العامة عىل اإليرادات العامة فقط‪.‬‬

‫خامسا‪ -‬مبدأ عدم ختصيص اإليرادات‬


‫يقصد بهذا املبدأ أن تغطى مجيع نفقات الدولة بجميع إيراداتها و دون ختصيص إيراد معني لنفقة معينة‪ .‬مثال‬
‫ذلك ‪:‬ال جيوز ختصيص رسم السيارات إلنشاء الطرق‪ ،‬و يقابل هذا املبدأ التخصيص‪.‬‬

‫و تتجىل فائدته يف أنه‪:‬‬

‫‪-‬حيقق فكرة املساواة بني إدارات احلكومة؛‬


‫‪-‬يسهل عمل السلطة الترشيعية‪.‬‬

‫‪06‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫املبحث الثالث‪ :‬دورة املوازنة العامة‬


‫إن تطور مفهوم املوازنة العامة جعل من املوازنة العامة املرآة التي تعكس خمتلف السياسات االقتصادية‬
‫و االجتامعية و املالية للدولة‪ ،‬و متثل تلك السياسات السبيل التي تسكلها الدولة لتحقيق أهداف المجمتع‬
‫االقتصادية و االجتامعية و املالية‪ ،‬و تقع عىل عاتق السلطة الترشيعية باعتبارها ممثلة ألفراد المجمتع‪ ،‬مسؤولية‬
‫التحقق من صحة و سالمة هذه السياسات و مراقبة تنفيذها‪ ،‬و من هنا كانت للموازنة العامة أمهيتها و وظيفتها‬
‫كحلقة أساسية من حلقات الوصل بني مسؤوليات السلطة التنفيذية و السلطة الترشيعية‪ ،‬و يطلق االقتصاديون‬
‫املاليون لفظ دورة املوازنة العامة عىل املراحل الزمنية املتعاقبة و املتداخلة التي متر بها املوازنة العامة‪ ،‬حتقيقا‬
‫للمسؤوليات املشرتكة بني السلطة التنفيذية و السلطة الترشيعية‪.‬‬

‫و متر عمليات املوازنة يف دورة مستمرة تتضمن مراحل يتداخل فيها كل من املايض و املستقبل و احلارض‪،‬‬
‫خالل السنة املالية‪ ،‬و تتعاقب و تتكرر عاما بعد عام‪ ،‬لكل مرحلة منها خصائصها و مشاكلها و متطلباتها‪ ،‬و بذلك‬
‫فإنه من املمكن تقسيم دورة املوازنة العامة ألغراض املطبوعة إىل أربع مراحل متميزة‪ ،‬تبدأ بمرحلة التحضري‬
‫و اإلعداد‪ ،‬ثم االعتامد (اإلقرار) من السلطة الترشيعية‪ ،‬ثم مرحلة تنفيذ املوازنة العامة‪ ،‬و من ثم مرحلة رابعة‪،‬‬
‫ترافق التنفيذ يف مرحلة الرقابة‪.‬‬

‫و إذا ما توافرت هذه املراحل بمسمياتها و تعاقبها الزمني‪ ،‬يف مجيع أنظمة املوازنات العامة‪ ،‬يف خمتلف‬
‫الدول‪ ،‬فإن توزيع املسؤوليات و السلطات املتعلقة بكل مرحلة من املراحل ختتلف من دولة إىل أخرى‪ ،‬و يتوقف‬
‫هذا التوزيع للمسؤوليات و نظام املوازنة العامة يف كل دولة عىل النظام السيايس السائد‪ ،‬و نوع الدستور القائم‪،‬‬
‫و طريقة احلكم‪ ،‬حميل أو مركزي أو احتادي املعمول بها‪ ،‬فقد ترك اإلعداد و التنفيذ للسلطة التنفيذية‪ ،‬بينام انفردت‬
‫السلطة الترشيعية‪ ،‬ممثلة بالمجلس النيايب‪ ،‬بحقها يف اإلجازة و االعتامد‪ ،‬و شاركت يف الرقابة عىل تنفيذ املوازنة‬
‫العامة‪ ،‬حتت ضغط األوضاع املالية و االقتصادية‪ ،‬و انعكاساتها الفنية عىل املوازنة العامة‪.‬‬

‫أوال‪ -‬مرحلة التحضري و اإلعداد‬


‫تثري مرحلة التحضري و اإلعداد عددا من املشاكل‪ ،‬ذات اجلوانب السياسية و االقتصادية و املالية‪ ،‬و يرتبط‬
‫بعضها بتحديد السلطة املختصة بالتحضري و اإلعداد‪ ،‬و يدور اآلخر منها حول األساليب الفنية املتبعة يف تقدير‬
‫كل من النفقات العامة و اإليرادات العامة‪.‬‬

‫‪05‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫‪ - 1‬السلطة املختصة وإعداد املوازنة‪ :‬تعترب مرحلة التحضري و اإلعداد املرحلة األوىل يف دورة املوازنة‬
‫العامة‪ ،‬و من املتفق عليه أن عملية حتضري و إعداد املوازنة العامة هي عملية إدارية بحتة‪ ،‬ختتص بها السلطة‬
‫التنفيذية يف مجيع الدول عىل اختالف أنظمتها و هياكلها االقتصادية و االجتامعية‪ ،‬حيث تقع عىل السلطة التنفيذية‬
‫مسؤولية حتقيق أهداف المجمتع االقتصادية و السياسية‪ ،‬و من حق احلكومة أن تضع من السياسات و الربامج ما‬
‫تراه يف ظل الظروف االقتصادية و السياسية و املالية السائدة كفيال بتحقيق هذه األهداف‪ ،‬و أن تطالب احلكومة‬
‫بكل ما تراه رضوريا لتنفيذ براجمها و سياساتها‪ ،‬و القيام بوظائفها‪ ،‬و ّملا كانت املوازنة العامة الرتمجة املالية و الفنية‬
‫لتلك الربامج و السياسات‪ ،‬فإن من حق السلطة التنفيذية أن تقوم باإلعداد و التحضري للموازنة العامة‪ ،‬و يرجع‬
‫ذلك إىل عدد من املربرات و احلجج‪ ،‬أمهها‪:‬‬

‫‪-‬حتتاج املوازنة العامة إىل معلومات و بيانات خمتلفة و متعددة‪ ،‬و السلطة التنفيذية هي السلطة التي تتجمع‬
‫لدهيا البيانات و اإلحصاءات عن النشاطات و القطاعات و األوضاع االقتصادية و املالية املختلفة‪ ،‬كام تتوافر لدهيا‬
‫األجهزة و اإلدارات و اخلربة‪ ،‬للقيام برسم برنامج عمل للمستقبل‪.‬‬
‫‪-‬يضاف إىل ذلك أن السلطة التنفيذية هي اجلهة املسؤولة عن عملية تنفيذ املوازنة العامة‪ ،‬مما جيعل من‬
‫املنطقي أن توكل إليها عملية التحضري و اإلعداد فتسبغ عليها إملامها بجوانب احلياة املختلفة‪ ،‬و بام تتضمن من‬
‫مواطن قوة أو ضعف أو اقتصاد أو إرساف‪ ،‬و ال شك أن مصلحة احلكومة تتطلب أن تقوم بهذه املهمة بدقة‬
‫و عناية فائقة‪.‬‬
‫‪-‬حتتاج املوازنة العامة إىل قدر كبري من التنسيق بني بنودها و تقسيامتها و أجزائها املختلفة‪ ،‬و هو أمر ال‬
‫يتحقق إال إذا تولت احلكومة إعداد و حتضري املوازنة‪ ،‬ذلك أن إعطاء هذه املهمة للسلطة الترشيعية لن حيقق‬
‫التنسيق بني بنودها و أقسامها املختلفة‪ ،‬نظرا لتعدد أعضائها‪ ،‬و اختالف اجتاهاتهم السياسية و انتامءاتهم احلزبية‪،‬‬
‫و من ثم تباين مطالبهم املالية إرضاء لناخبيهم‪ ،‬أو جتاوبا مع برامج أحزابهم دون النظر إىل االعتبارات الفنية‬
‫و االقتصادية و املالية‪.‬‬
‫‪-‬إن من خصائص املوازنة العامة للدولة‪ ،‬اعتبارها بمثابة الربنامج السيايس و االقتصادي و املايل‬
‫و االجتامعي للحكومة‪ ،‬خالل السنة املقبلة‪ ،‬لذلك فمن الطبيعي أن يرتك للحكومة إعداد و حتضري املوازنة العامة‬
‫حتى تأيت معربة عن هذا الربنامج‪ ،‬و حتى يمكن يف نهاية املطاف‪ ،‬حماسبة احلكومة عن مدى تنفيذها ملا التزمت‬
‫به‪ ،‬يف برناجمها أمام السلطة الترشيعية و الشعب‪.‬‬

‫‪05‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫‪-‬بام أن احلكومة هي املسؤولة عن تسيري املرافق العامة‪ ،‬لذلك فإنها تعترب أقدر السلطات عىل تقدير‬
‫اإليرادات العامة و النفقات العامة‪ ،‬بدرجة كبرية من الدقة و املوضوعية‪ ،‬ألنها أقرب من غريها إىل معرفة‬
‫احتياجات تلك املرافق العامة من النفقات‪ ،‬و ما يتوقع أن تدره من إيرادات‪.‬‬

‫و هكذا فإن من احلكمة بمكان أن تتوىل احلكومة حتضري و إعداد املوازنة العامة و تبدأ هذه املرحلة عادة‬
‫بقيام أصغر الوحدات احلكومية التابعة للوزارات و املؤسسات و اهليئات و املصالح العامة‪ ،‬كل واحدة منها بإعداد‬
‫تقديراتها ملا يلزمها من نفقات‪ ،‬و ما تتوقع أن حتصل عليه من إيرادات خالل السنة املالية‪ ،‬املطلوب إعداد‬
‫موازنتها‪ ،‬و خيتلف الفاصل الزمني بني هذه املرحلة من اإلعداد و التحضري‪ ،‬و بني بداية السنة املالية التي جيري هلا‬
‫هذا التقدير من دولة إىل أخرى‪ ،‬و يتم هذا كله بعد استالم التعميم (املنشور) الذي ترسله وزارة املالية عن طريق‬
‫رئاسة احلكومة إىل مجيع الوحدات احلكومية املعنية‪ ،‬يدعوها فيه إىل تقديم تقديراتها خالل مدة حمددة‪.‬‬

‫و إذا كان هناك اتفاق حول رضورة قيام السلطة التنفيذية بتحضري و إعداد املوازنة العامة‪ ،‬فإن هناك‬
‫اختالفا حول تسمية اجلهة و دورها يف حتضري و إعداد املوازنة العامة‪ ،‬ففي انجلرتا يتمتع وزير املالية (اخلزينة)‬
‫بمركز خاص‪ ،‬و دور واسع يف هذا المجال‪ ،‬كام جيمع تقديرات اإليرادات للوزارات املختلفة‪ ،‬و قد يطلب إجراء‬
‫بعض التعديالت أو يقبل أو يرفض التقديرات التي يضعها الوزراء اآلخرون‪ ،‬و قد يتجاوب معه الوزراء‬
‫املختصون‪ ،‬أو قد يرفضون التعديالت‪ ،‬و يف حالة الرفض تتجىل سلطته يف إجراء التعديالت التي يراها‬
‫رضورية‪ ،‬و ينرصف هذا اإلجراء إىل النفقات كافة‪ ،‬عدا تلك التي تتعلق بالنفقات العسكرية فإن اخلالف حوهلا‬
‫يبت فيه جملس الوزراء‪.‬‬

‫إن املوازنة العامة يف املفهوم احلديث هي عمل سيايس رئييس يعرب عن نشاط الدولة و توجيهاتها يف‬
‫المجاالت كافة ‪ ،‬و بذلك فإن رئيس الوزراء أو رئيس السلطة التنفيذية (رئيس اجلمهورية) هو املعرب عن السياسة‬
‫التي تتبناها‪ ،‬و من ثم فإنهم يعطون هذا احلق إىل رئيس جملس الوزراء‪ ،‬أو يف النظم الرئاسية كالواليات املتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬فإن رئيس اجلمهورية باعتباره رئيس السلطة التنفيذية‪ ،‬فإنه يطلب حتضري و إعداد املوازنة إىل مكتب‬
‫يتبع مبارشة رئاسة اجلمهورية يسمى مكتب املوازنة هو الذي يتوىل عملية التحضري و اإلعداد بدال من وزارة‬
‫املالية‪.‬‬

‫‪66‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫‪ - 2‬طرق تقدير النفقات العامة و اإليرادات العامة‪ :‬أصبح من املعلوم‪ ،‬أن املوازنة العامة تتكون من‬
‫جانبني‪ ،‬النفقات العامة و اإليرادات العامة‪ ،‬و يعني حتضري و إعداد املوازنة العامة‪ ،‬تقدير كل من النفقات العامة‬
‫و اإليرادات العامة للسنة القادمة‪.‬‬

‫و تثري عملية التقدير مشكلة كيفية حتديد األرقام الواردة يف مرشوع املوازنة العامة‪ ،‬و التعرف عىل األسس‬
‫التي تستند إليها عملية التقدير‪ ،‬و التي ختتلف بالنسبة للنفقات العامة‪ ،‬عنها بالنسبة لإليرادات العامة‪ ،‬و التي جيب‬
‫أن تراعي الدقة و املرونة‪ ،‬بحيث تأيت هذه التقديرات مطابقة إىل حد كبري للواقع العميل‪.‬‬

‫أ ‪-‬طريقة تقدير النفقات العامة‪ :‬ال تثري تقدير النفقات العامة مشاكل كبرية‪ ،‬و ال يوجد طرق متعددة لتقدير‬
‫النفقات العامة‪ ،‬بل يتم التقدير عادة بيرس و سهولة‪ ،‬و يتم االعتامد يف تقدير النفقات العامة عىل طريقة واحدة هي‬
‫طريقة التقدير املبارش‪ ،‬و يتم التقدير بموجب هذه الطريقة وفقا للحاجة املستقبلية املعروفة من قبل العاملني يف‬
‫خمتلف الوزارات و اهليئات العامة‪ ،‬و ال تسبب هذه الطريقة صعوبات فنية‪ ،‬و ال تتطلب سوى أن يكون القائمني‬
‫عىل تقدير اعتامدات النفقات العامة عىل خربة بتلك احلاجات و املتطلبات‪.‬‬

‫و من املتعارف عليه أنه ال جيوز للسلطة التنفيذية أن تتجاوز االعتامدات الواردة يف املوازنة العامة‪ ،‬و إذا ما‬
‫كان هناك رضورة هلذا التجاوز‪ ،‬فيجب عىل السلطة التنفيذية أن حتصل عىل موافقة مسبقة من السلطة الترشيعية‪.‬‬

‫ب‪-‬طريقة تقدير اإليرادات العامة‪ :‬يثري تقدير اإليرادات العامة كثريا من الصعوبات الفنية‪ ،‬و يمكننا التمييز‬
‫بني عدد من طرق التقدير التي ترمي كل طريقة منها إىل الدقة‪ ،‬و االقرتاب من الواقع قدر اإلمكان‪ ،‬و تقليل‬
‫االختالف بني اإليرادات املتوقعة و اإليرادات املتحققة فعال‪ ،‬و حتى ال يكون هناك أي اختالل أو ارتباك يف املركز‬
‫املايل للدولة‪ ،‬و من ثم فإننا يمكن أن نميز ثالث طرق لتقدير اإليرادات العامة‪ ،‬و هي‪:‬‬

‫الطريقة األوىل‪ :‬و هي الطريقة التي تعتمد يف تقدير اإليرادات العامة‪ ،‬عىل حسابات السنة قبل‬
‫األخرية‪ ،‬و بموجب هذه الطريقة يتم تقدير اإليرادات العامة للسنة املالية املقبلة‪ ،‬باالعتامد عىل اإليرادات التي‬
‫حتققت فعال يف السنة قبل األخرية‪ ،‬التي عرفت نتائجها من خالل مناقشة حسابها اخلتامي‪ ،‬و مثال ذلك أن يتم‬
‫االعتامد عىل بيانات و نتائج عام ‪ 6666‬عند التحضري و اإلعداد ملوازنة عام ‪ 6668‬مثال‪ ،‬مع إدخال بعض‬
‫التعديالت التي تدعو إليها التغريات املتوقعة يف الظروف املالية‪.‬‬

‫‪66‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫تتميز هذه الطريقة بالبساطة و ال تتطلب جهودا كبرية‪ ،‬و تسمى بالطريقة اآللية‪ ،‬و قد كان ينظر إىل هذه‬
‫الطريقة قديام عىل أنها طريقة تتسم باحلذر و التعقل من جانب و تضع قيودا عىل حرية وزير املالية يف‬
‫التقدير‪ ،‬و تقلل من الضغوط و األخطار التي قد يقع فيها من جانب آخر‪.‬‬

‫و يؤخذ عىل هذه الطريقة أنها تغفل العالقة الوثيقة بني اإليرادات العامة و األوضاع االقتصادية املتغرية‬
‫و املتقبلة‪ ،‬مثل حاالت التضخم و الكساد‪ ،‬و هو ما يؤدي إىل عدم دقة تقدير اإليرادات العامة‪.‬‬

‫فاألوضاع االقتصادية تتغري و برسعة و ما مل تتوافق السياسة املالية للدولة معها للتأثري عليها‪ ،‬يكون لذلك‬
‫األثر السيئ‪ ،‬ليس يف اإليرادات العامة فقط‪ ،‬بل يتعدى ذلك ليشمل الوضع االقتصادي بأكمله‪.‬‬

‫الطريقة الثانية‪ :‬و هي طريقة الزيادة السنوية؛ حيث حاول بعض املاليني احلد من النقد املوجه إىل الطريقة‬
‫اآللية السابقة‪ ،‬بالتخفيف من آلية التقدير املتبعة‪ ،‬و ربطه بطريقة أكثر واقعية مع االحتفاظ بفكرة‬
‫اآللية‪ ،‬فاستخدموا طريقة الزيادة النسبية السنوية‪ ،‬و مفاد هذه الطريقة أن يتم تقدير اإليرادات العامة للسنة‬
‫القادمة‪ ،‬و زيادتها بنسبة مئوية تقدر بمتوسط نسبة الزيادة‪ ،‬التي حصلت يف اإليرادات العامة‪ ،‬خالل سنوات سابقة‬
‫( ‪ 6‬أو ‪ )8‬سنوات مثال‪ ،‬تراعي يف ذلك توقع ارتفاع الدخل الوطني‪ ،‬و ازدياد النشاط االقتصادي‪.‬‬

‫و يعاب عىل هذه الطريقة أنه ال يمكن إتباعها إال يف سنوات االزدهار حيث تزداد اإليرادات العامة خالل‬
‫الفرتة بمعدل متزايد وبصورة مؤكدة‪.‬‬

‫الطريقة الثالثة‪ :‬و هي طريقة التقدير املبارش؛ حيث دفعت العقبات التي تثريها الطريقتان اآلليتان السابقتان‪،‬‬
‫املاليني إىل استخدام الطرق احلديثة يف التقدير‪ ،‬أي الطريقة املبارشة‪ ،‬و يستعني املسؤولون عن إعداد املوازنة العامة‬
‫بمقتىض هذه الطريقة‪ ،‬بجميع البيانات واملعلومات التي يستطيعون احلصول عليها‪ ،‬لتحديد اإليرادات العامة‬
‫املتوقعة للعام القادم‪ ،‬و يستخدمون أدوات التحليل احلديثة املختلفة‪ ،‬يف الرياضيات و اإلحصاء إلعطاء فكرة‬
‫واضحة عن الفرتة السابقة‪ ،‬و املرحلة التي يمر بها االقتصاد والتنبؤ بطريقة أكثر دقة و موضوعية‪ ،‬باملتغريات املالية‬
‫و االقتصادية املختلفة‪ ،‬و بحرية كبرية‪ ،‬مما يسمح بالوصول إىل تقديرات أقرب إىل الواقع‪ ،‬وأكثر دقة من الطريقتني‬
‫السابقتني‪.‬‬

‫و هكذا يتم تقدير اإليرادات العامة و النفقات العامة‪ ،‬و يكتمل مرشوع املوازنة العامة للدولة‪ ،‬الذي يتعني‬
‫دراسته و مناقشته و إقراره و اعتامده من السلطة الترشيعية‪.‬‬

‫‪66‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫ثانيا‪ -‬اعتامد املوازنة العامة‬


‫تقوم وزارة املالية بتحضري و إعداد مرشوع املوازنة العامة‪ ،‬و تعرض هذا املرشوع عىل جملس الوزراء‬
‫لدراسته و إقراره‪ ،‬و يودع هذا املرشوع إىل السلطة الترشيعية‪ ،‬إما من قبل رئيس جملس الوزراء‪ ،‬أو من قبل رئيس‬
‫اجلمهورية‪ ،‬حسب نظام احلكم‪ ،‬لدراسته و مناقشته‪ ،‬و اعتامده (قراره)‪.‬‬

‫‪ - 1‬السلطة املختصة باعتامد املوازنة العامة‪ :‬ختتص السلطة التنفيذية (احلكومة) بتحضري و إعداد املوازنة‬
‫العامة‪ ،‬باعتبار أنها تعرب عن اخلطة‪ ،‬التي ترسمها احلكومة لنشاطها االقتصادي و السيايس و االجتامعي للسنة‬
‫املقبلة‪ ،‬و تنفرد السلطة الترشيعية بحق اعتامد (إقرار) املوازنة‪ ،‬باعتبار أنها جهة االختصاص التي تتوىل مراجعة‬
‫احلكومة يف مجيع أعامهلا‪ ،‬سواء تكونت السلطة الترشيعية من جملس واحد أم أكثر‪ ،‬حسب النظام السيايس‬
‫و اإلداري املتبع‪.‬‬

‫و يعترب حق السلطة الترشيعية يف اعتامد املوازنة العامة‪ ،‬من احلقوق الرئيسية التي ختتص بها السلطة‬
‫الترشيعية‪ ،‬و التي اكتسبتها عرب تطور تارخيي‪ ،‬بدأ برضورة موافقة السلطة الترشيعية عىل فرض الرضائب‪ ،‬ثم تبع‬
‫ذلك رضورة مراقبتها إلنفاق حصيلة الرضائب‪ ،‬ثم تطورت املوافقة لتصبح رضورة املوافقة عىل املوازنة العامة‪ ،‬إىل‬
‫جانب اإليرادات و النفقات‪.‬‬

‫و يالحظ أن السلطة التنفيذية (احلكومة) ال يمكنها البدء بتنفيذ املوازنة العامة إال بعد مناقشة السلطة‬
‫الترشيعية ملرشوع املوازنة العامة‪ ،‬و إقراره‪ ،‬و هو ما يعني تطبيقا للقاعدة املالية التي تقول أسبقية االعتامد عىل‬
‫التنفيذ‪ ،‬و هذا ما يقوي موقف السلطة الترشيعية يف الرقابة عىل احلكومة‪ ،‬و حتى ال توضع السلطة الترشيعية أمام‬
‫األمر الواقع‪.‬‬

‫و قد حيدث يف الواقع العميل‪ ،‬أن تبدأ السنة املالية اجلديدة‪ ،‬و ملا تنتهي السلطة الترشيعية من اعتامد املوازنة‬
‫العامة‪ ،‬لذلك و ضامنا لسري أعامل الدولة‪ ،‬التي ال تتوقف مع انتهاء السنة املالية السابقة‪ ،‬فإن السلطة الترشيعية‬
‫تعطي املوافقة للسلطة التنفيذية‪ ،‬مع عدم اإلخالل بقاعدة أسبقية االعتامد عىل التنفيذ‪ ،‬عىل االستمرار بالعمل‪،‬‬
‫حسب اعتامدات املوازنة السابقة‪ ،‬و تطبيق االستثناء من سنوية املوازنة‪ ،‬باتباع نظام املوازنات اإلثني عرشية‪ ،‬إىل‬
‫حني اعتامد املوازنة العامة اجلديدة‪.‬‬

‫‪ ‬املوازنات اإلثني عرشية‪ :‬هي ترخيص استثنائي من احلكومة بفتح اعتامدات شهرية مؤقتة عىل حساب املوازنة املقبلة‪ ،‬ريثام يقرها الربملان‪.‬‬

‫‪66‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫‪ - 2‬إجراءات اعتامد املوازنة العامة‪ :‬يودع رئيس جملس الوزراء أو رئيس اجلمهورية‪ ،‬حسب النظام السيايس‬
‫مرشوع املوازنة العامة‪ ،‬لدى السلطة الترشيعية (جملس النواب‪ ،‬جملس الشعب) لدراسته و مناقشته و من ثم‬
‫اعتامده‪.‬‬

‫حييل المجلس هذا املرشوع إىل جلنة فنية خمتصة (اللجنة املالية‪ ،‬جلنة املوازنة العامة‪ ،‬جلنة املوازنة و اخلطة)‬
‫حسب تسميتها تابعة للمجلس‪ ،‬تتكون من عدد حمدود من األعضاء املتخصصني‪ .‬تتحدد مهمة هذه اللجنة‬
‫بدراسة و مناقشة مرشوع املوازنة العامة‪ ،‬و بحث الوثائق و املستندات املتعلقة به‪ ،‬و يكون من حق اللجنة أن‬
‫تطلب من اجلهات العامة املختلفة‪ ،‬مجيع ما تراه رضوريا من بيانات و معلومات و وثائق‪ ،‬لالستفادة منه عند‬
‫دراسة مرشوع املوازنة‪ ،‬كام حيق هلا أن تستدعي املسؤولني الذين سامهوا يف حتضري و إعداد مرشوع املوازنة العامة‬
‫ملناقشتهم‪.‬‬

‫و بعد أن تنتهي اللجنة املالية املختصة من دراسة و مناقشة مرشوع املوازنة العامة‪ ،‬تقوم بوضع تقريرها‪،‬‬
‫يتضمن مالحظات اللجنة‪ ،‬و التعديالت التي ترى إدخاهلا عىل هذا املرشوع‪ ،‬و ترفع تقريرها إىل المجلس للقيام‬
‫بفحص و دراسة و مناقشة مرشوع املوازنة العامة يف ضوء تقرير اللجنة و مالحظاتها و تعديالتها الواردة فيه‪.‬‬
‫و بعد أن ينتهي المجلس بجميع أعضائه من مناقشة مرشوع املوازنة العامة مجلة و تفصيال‪ ،‬يقرتع المجلس بكامل‬
‫أعضائه‪ ،‬عىل مرشوع املوازنة العامة و يعتمده بابا بابا‪.‬‬

‫‪ - 3‬حق السلطة الترشيعية يف تعديل تقديرات املوازنة العامة‪ :‬يعترب احلق املقرر للسلطة الترشيعية يف إجراء‬
‫تعديل عىل مرشوع املوازنة العامة أمرا طبيعيا‪ ،‬و إن مل يكن كذلك‪ ،‬كان اعتامد السلطة الترشيعية ملرشوع املوازنة‬
‫العامة غري ذي معنى‪.‬‬

‫فال شك أنه حيق للسلطة الترشيعية إبداء املالحظات عىل مجيع أبواب وبنود مرشوع املوازنة العامة‪ ،‬كام حيق‬
‫هلا تعديل االعتامدات املقدرة بالزيادة أو بالنقص يف مرشوع املوازنة العامة‪.‬‬

‫و تلجأ بعض الدول إىل توسيع صالحيات السلطة الترشيعية باعتبارها صاحبة السلطة‪ ،‬يف التحقق من‬
‫سياسة احلكومة و السامح هلا بتحصيل إيرادات حمددة و القيام بنفقات معينة‪ ،‬و لكن يقتيض حسب سري األوضاع‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬وضع القيود عىل هذه السلطة حتى ال تؤدي املناورات السياسية إىل اإلخالل بالربامج‬
‫احلكومية‪ ،‬سواء باخلضوع للضغوط التي تدفع إىل التوسع يف النفقات العامة‪ ،‬أم تلك التي تؤدي إىل احلد من‬

‫‪66‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫اإليرادات العامة‪ ،‬فاملوازنة العامة متثل إدارة لتحقيق برنامج اجتامعي اقتصادي سيايس متكامل ترتبط باخلطة‬
‫االقتصادية الشاملة‪.‬‬

‫لذلك فإن إطالق حرية السلطة الترشيعية يف إجراء التعديالت عىل التقديرات الواردة يف مرشوع املوازنة‬
‫العامة‪ ،‬قد يكون من شأنه املساس باملصلحة العامة‪ ،‬لذلك فإن األمر يقتيض تقييد صالحيات السلطة الترشيعية يف‬
‫التعديالت و رضورة احلصول عىل موافقة احلكومة‪ ،‬عىل املقرتحات التي تطلبها السلطة الترشيعية‪.‬‬

‫و جتدر اإلشارة إىل أنه أرصت السلطة الترشيعية عىل إجراء التعديالت‪ ،‬و مل توافق احلكومة عليها فتستطيع‬
‫السلطة الترشيعية أال توافق (ترفض) عىل مرشوع املوازنة العامة‪ ،‬األمر الذي يؤدي إىل استقالة (أو حل) احلكومة‬
‫(الوزارة) أو أن يصدر رئيس اجلمهورية قرارا بحل جملس الشعب‪ ،‬و يدعو إىل إجراء انتخابات ترشيعية جديدة‪.‬‬

‫‪ - 4‬قانون املوازنة العامة (قانون املالية)‪ :‬بعد أن ينتهي جملس الشعب من مناقشة و دراسة مرشوع املوازنة‬
‫العامة‪ ،‬و يقرتع باملوافقة عىل هذا املرشوع كامال‪ ،‬يصدر قانون يسمى قانون املوازنة العامة‪ ،‬حيدد هذا القانون الرقم‬
‫اإلمجايل‪ ،‬لكل من اإليرادات العامة و النفقات العامة‪ ،‬و يرفق به جدوالن يتضمن أحدمها تفصيل اإليرادات‬
‫العامة‪ ،‬و يشتمل اآلخر عىل تفصيل النفقات العامة‪.‬‬

‫و يعترب قانون املوازنة العامة قانونا من الناحية الشكلية‪ ،‬و ال يعترب قانونا من الناحية املوضوعية؛ ألنه ال‬
‫يتضمن قواعد عامة جمردة‪ ،‬مثل التي يتضمنها كل قانون بشكل عام‪ ،‬بل يقترص عىل حتديد إيرادات و نفقات‬
‫الدولة خالل عام مايل قادم‪ ،‬أي أن قانون املوازنة العامة يعترب من الناحية املوضوعية‪ ،‬عمال تنفيذيا إداريا و ماليا‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬تنفيذ املوازنة العامة‬


‫إن موافقة السلطة الترشيعية عىل املوازنة العامة‪ ،‬و صدور قانون املوازنة العامة‪ ،‬يعني بداية مرحلة التنفيذ‪،‬‬
‫أي االنتقال من التنبؤ ملدة مقبلة إىل واقع ملموس يف وقت حارض‪ ،‬و يقصد بتنفيذ املوازنة العامة‪ ،‬العمليات التي‬
‫يتم بواسطتها حتصيل املبالغ الواردة يف جانب اإليرادات العامة‪ ،‬و إنفاق املبالغ الواردة يف جانب النفقات‬
‫العامة‪ ،‬و كلام كان حتضري و إعداد املوازنة العامة حمكام ودقيقا و موضوعيا‪ ،‬كلام كان تنفيذ املوازنة العامة متطابقا‬
‫مع الواقع العميل و قريبا جدا من األرقام الواردة يف املوازنة العامة‪.‬‬

‫و ال تقترص مرحلة تنفيذ املوازنة العامة عىل حتصيل اإليرادات العامة‪ ،‬و إنفاق النفقات العامة‪ ،‬بل تتناول‬
‫كذلك املتابعة و الرقابة‪ ،‬آلثار العمليات و املالية يف االقتصاد الوطني‪ ،‬و اجتاهات تطبيق املوازنة نحو األهداف‬

‫‪68‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫االقتصادية و املالية املنشودة‪ ،‬حتى تستطيع الدولة من خالل املتابعة و الرقابة‪ ،‬تعديل سياسة اإليراد و سياسة‬
‫اإلنفاق يف الوقت املناسب إذا تطلب األمر ذلك‪.‬‬

‫و سوف نعرض عمليات تنفيذ املوازنة العامة حسب التفصيل التايل‪:‬‬

‫‪ - 1‬حتصيل اإليرادات العامة‪ :‬تتوىل الوزارات و اهليئات العامة و املصالح و األجهزة احلكومية املختلفة‬
‫حتصيل اإليرادات العامة‪ ،‬و ال تستمد تلك الوزارات و األجهزة حقها من قانون املوازنة العامة فحسب‪ ،‬و إنام‬
‫تستند السلطة التنفيذية و تستمد االلتزام بتحصيل اإليرادات العامة إىل و من الترشيعات املالية الصادرة و القوانني‬
‫اخلاصة بفرض الرضائب و الرسوم‪ ،‬إضافة إىل قانون املوازنة العامة نفسه‪.‬‬

‫و ختتلف اجلهة التي تقوم بتحصيل و جباية اإليرادات العامة‪ ،‬باختالف نوع اإليراد العام نفسه‪ ،‬فهناك‬
‫بعض أنواع اإليرادات العامة‪ ،‬تتوىل حتصيلها وزارة املالية‪ ،‬أو مصالح و أجهزة تابعة هلا‪ ،‬بينام هناك أنواع أخرى من‬
‫اإليرادات العامة‪ ،‬تتوىل حتصيلها و جبايتها مصالح و أجهزة ال تتبع وزارة املالية و لكن تستطيع وزارة املالية أن‬
‫تراقب حتصيل اإليرادات بواسطة موظفني تابعني هلا (حماسبي اإلدارة)‪.‬‬

‫فوزارة الصحة تتوىل جباية و حتصيل الرسوم الصحية‪ ،‬و رسم احلجز الصحي‪ ،‬و وزارة العدل تتوىل جباية‬
‫و حتصيل الرسوم القضائية‪ .‬و وزارة املالية تتوىل جباية الرضائب املبارشة و غري املبارشة‪ ،‬و تتوىل مديرية اجلامرك يف‬
‫كل حمافظة جباية الرضائب اجلمركية‪ ،‬و كذلك البلديات‪....‬الخ‪ .‬و تعتمد األجهزة احلكومية املختلفة عىل القاعدة‬
‫املالية املعروفة و املتبعة و هي عدم ختصيص اإليرادات العامة‪ ،‬أي عدم ختصيص إيرادات معينة لنفقات معينة‪.‬‬

‫و من املسلم به أن أرقام مبالغ اإليرادات العامة الواردة يف املوازنة العامة‪ ،‬هي أرقام تقريبية (تقديرية) لذلك‬
‫فإن تنفيذ املوازنة العامة‪ ،‬قد يظهر اختالفا يف األرقام املحصلة فعليا عن تلك األرقام املحصلة الفعلية عن تلك‬
‫األرقام الواردة يف املوازنة العامة‪.‬‬

‫فإذا ما كان هناك اختالف (زيادة) يف اإليرادات الفعلية‪ ،‬عن اإليرادات الواردة يف املوازنة العامة‪ ،‬ففي هذه‬
‫احلالة يتم حتويل الزيادة (الفائض) يف اإليرادات إىل األموال االحتياطية‪.‬‬

‫و إذا ما كان جمموع اإليرادات الفعلية أقل من جمموع اإليرادات املقدرة الواردة يف املوازنة العامة فقد تلجأ‬
‫احلكومة إىل تغطية هذا العجز عن طريق فرض رضائب جديدة أو زيادة معدل رضائب قديمة قائمة‪ ،‬أو قد تلجأ‬
‫إىل القروض العامة‪ ،‬أو إىل اإلصدار اجلديد‪.‬‬

‫‪60‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫و قد حيدث أن تكون هناك زيادة يف بعض أنواع اإليرادات العامة‪ ،‬و نقص يف بعضها اآلخر‪ ،‬عن التقديرات‬
‫الواردة يف املوازنة العامة‪ ،‬فتعوض هذا االختالف بعضها البعض‪ ،‬و من ثم لن يكون هناك تأثري عىل املوازنة‬
‫العامة‪ ،‬تطبيقا للقاعدة املتبعة و هي عدم ختصيص اإليرادات العامة‪.‬‬

‫‪ - 2‬عمليات رصف النفقات العامة‪ :‬و ينرصف املقصود بتنفيذ املوازنة العامة إىل جانب آخر‪ ،‬و هو‬
‫العمليات التي يرتتب عليها رصف النفقات العامة‪ ،‬و حتدد عملية رصف النفقات العامة بمقدار االعتامدات‬
‫املقررة يف املوازنة العامة‪ ،‬و التي متت موافقة السلطة الترشيعية عليها‪ ،‬و متثل هذه االعتامدات احلد األقىص‬
‫املسموح به لإلنفاق‪ ،‬يف األغراض املحددة لكل اعتامد منها‪ ،‬و تعتمد السلطة التنفيذية يف عمليات رصف النفقات‬
‫العامة عىل القاعدة املالية املتبعة و هي قاعدة ختصيص االعتامدات‪ ،‬أي أن تلتزم السلطة التنفيذية بعدم حتويل اعتامد‬
‫ما من الغرض املخصص له يف املوازنة العامة إىل إنفاق هيدف غرضا آخر غري املخصص له‪.‬‬

‫و خيتلف وضع االختالل‪ ،‬بالزيادة أو بالنقص يف النفقات العامة عام هو عليه احلال بالنسبة لإليرادات‬
‫العامة‪ ،‬فإن أخطاء التقدير يف النفقات العامة ال تعوض بعضها بعضا‪ ،‬بمعنى أن االعتامدات الواردة يف باب معني‬
‫ال جيوز حتويلها إىل باب آخر‪ ،‬إال بعد احلصول عىل موافقة السلطة الترشيعية‪ ،‬و ذلك تنفيذا لقاعدة ختصيص‬
‫االعتامدات‪.‬‬

‫فإذا ما حدث فائض يف االعتامد املخصص لغرض معني‪ ،‬فإنه ال جيوز استخدام هذا الفائض‪ ،‬يف تغطية‬
‫غرض آخر‪ ،‬و يلغى يف نهاية السنة املالية‪ ،‬و ال يدرج يف املوازنة اجلديدة‪ ،‬إذا مل تكن هناك حاجة إىل هذا االعتامد يف‬
‫السنة القادمة‪.‬‬

‫و إذا ما تبني خالل تنفيذ املوازنة‪ ،‬أن االعتامد املخصص لغرض معني ال يكفي لتحقيقه سواء كان ذلك‬
‫خلطأ يف التقدير‪ ،‬أم نتيجة ظروف طارئة فال مناص من العودة واللجوء إىل السلطة الترشيعية‪ ،‬إما لطلب اعتامد‬
‫إضايف تكمييل‪،‬الستكامل ما تبقى من العام املايل‪ ،‬أو لطلب اعتامدات غري عادية ملواجهة النفقات اجلديدة‪ ،‬التي مل‬
‫توضع يف املوازنة العامة نتيجة للظروف الطارئة‪.‬‬

‫لذلك فمن املستحسن أن تلجأ بعض الدول إىل إدراج اعتامد إمجايل أو ترك احلرية للسلطة التنفيذية يف متويل‬
‫بعض االعتامدات‪ ،‬ال تكون خمصصا لغرض معني‪ ،‬و إنام ينفق منه عىل النفقات غري العادية‪ ،‬و يف مجيع األحوال ال‬
‫يتم الرصف من هذا االعتامد إىل رقابة دقيقة وحازمة من السلطة الترشيعية‪ ،‬طاملا يتم ذلك يف ضوء قاعدة ختصيص‬
‫االعتامدات و ال خيل بالتخصص الوارد‪.‬‬

‫‪66‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫رابعا‪ -‬الرقابة عىل تنفيذ املوازنة العامة‬


‫تعد هذه املرحلة هي املرحلة األخرية التي متر هبا املوازنة العامة للدولة‪ ،‬و تسمى أيضا مرحلة مراجعة تنفيذ‬
‫املوازنة‪ .‬و اهلدف منها هو التأكد من أن تنفيذ املوازنة قد تم عىل الوجه املحدد للسياسة التي وضعتها السلطة‬
‫التنفيذية‪ ،‬و أجازهتا السلطة الترشيعية‪.‬‬

‫و بمعنى آخر‪ ،‬أن كل عملية مالية يقوم هبا أي مرشوع تستلزم وجود رقابة مالية من نوع معني‪ .‬فمن باب‬
‫أوىل‪ ،‬تكون احلاجة إىل املراقبة عىل تنفيذ املوازنة العامة أكثر رضورة و حيوية‪ ،‬و ذلك بسبب‪ :‬كرب حجم‬
‫عملياهتا‪ ،‬و ما ترتبط به هذه العمليات من آثار توزيعية للدخل الوطني احلقيقي بني األفراد و الفئات و الطبقات‪،‬‬
‫و أخريا ما تساهم به هذه املوازنة يف التطور العام االجتامعي و االقتصادي و السيايس للمجتمع‪.‬‬

‫و بناء عىل ذلك‪ ،‬فإن اهلدف األسايس من الرقابة عىل تنفيذ املوازنة هو ضامن حتقيقها ألقىص قدر من املنافع‬
‫للمجتمع يف حدود السياسة العامة للدولة‪.‬‬

‫و تأخذ الرقابة عىل تنفيذ املوازنة العامة عدة صور خمتلفة‪ ،‬و هي الرقابة اإلدارية و الرقابة الترشيعية‬
‫و الرقابة املستقلة‪.‬‬

‫‪ -1‬الرقابة اإلدارية‪ :‬تتوىل وزارة املالية الرقابة اإلدارية عىل تنفيذ املوازنة؛ حيث يقوم الرؤساء من موظفي‬
‫احلكومة بمراقبة مرؤوسيهم‪ ،‬و كذلك مراقبة موظفي وزارة املالية عن طريق السكرتريين املاليني و مديري‬
‫احلسابات عىل عمليات املرصوفات التي يأمر بدفعها الوزراء املختصون أو من ينوبون عنهم‪.‬‬

‫و تنقسم الرقابة اإلدارية من حيث توقيتها‪ ،‬إىل رقابة قبل تنفيذ املوازنة و أخرى الحقة لتنفيذ املوازنة‪.‬‬

‫أ‪ -‬الرقابة السابقة‪ :‬متثل اجلزء األكرب و األهم من الرقابة اإلدارية‪ ،‬و تكون مهمتها عدم رصف أي مبلغ إال‬
‫إذا كان مطابقا لقواعد املالية املعمول هبا‪ ،‬سواء كانت قواعد املوازنة أو القواعد املقررة يف اللوائح اإلدارية‬
‫املختلفة‪.‬‬

‫ب‪ -‬الرقابة الالحقة عىل تنفيذ املوازنة‪ :‬و يقصد هبا الرقابة اإلدارية الالحقة عىل احلسابات‪ .‬و تتلخص يف‬
‫إعداد حسابات شهرية و ربع سنوية و سنوية‪ ،‬و يقوم املراقب املايل يف كل وزارة أو مصلحة‪ ،‬بمناسبة‬
‫إعدادها‪ ،‬بفحصها للتأكد من سالمة املركز املايل للوزارة أو املصلحة‪ ،‬و بمراجعة دفاتر احلسابات املختلفة‪ .‬و يضع‬
‫عن كل هذا تقريرا يرسله مع احلسابات إىل إدارة املوازنة يف وزارة املالية‪.‬‬

‫‪65‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫و مما هو جدير بالذكر‪ ،‬أن الرقابة املالية‪ ،‬أيا كان نوعها ال تعدو أن تكون رقابة من اإلدارة عىل نفسها‪ ،‬أي‬
‫أهنا رقابة ذاتية أو داخلية‪ ،‬طبقا للقواعد التي تضعها السلطة التنفيذية‪ .‬و لذا فإهنا ال تعد كافية للتأكد من حسن‬
‫الترصف يف األموال العامة؛ إذ كشفت التطبيقات العملية أن مراقبة اإلدارة لنفسها قد أدى إىل العديد من مظاهر‬
‫التسيب و اإلرساف‪ ،‬بل و االنحراف املايل‪ ،‬و التي كان مصدرها األسايس يكمن يف انعدام اإلرشاف و الرقابة عىل‬
‫السلطة التنفيذية يف قيامها بتنفيذ املوازنة‪ .‬و لذا فإن الرقابة عىل تنفيذ املوازنة العامة مل تعد ذات أمهية يف هذا الشأن‪.‬‬

‫‪ -2‬الرقابة الترشيعية‪ :‬تتوىل املجالس النيابية يف الدول الديمقراطية مبارشة الرقابة الترشيعية عىل تنفيذ‬
‫املوازنة العامة للدولة‪ .‬فإذا كانت تلك املجالس هي التي تقوم باعتامد موازنة الدولة‪ ،‬فإنه من الطبيعي أن يمنح هلا‬
‫حق الرقابة عىل تنفيذها‪ ،‬للتأكد من سالمة و صحة تنفيذها عىل النحو الذي اعتمدهتا و إجازهتا به‪.‬‬

‫و تتمثل تلك الرقابة‪ ،‬التي يطلق عليها كذلك الرقابة السياسية‪ ،‬يف مطالبة املجالس النيابية للحكومة بتقديم‬
‫اإليضاحات و املعلومات التي تساهم يف التأكد من سري العمليات اخلاصة بالنفقات و اإليرادات العامة‪ ،‬سواء تم‬
‫ذلك يف صورة أسئلة شفوية أو خطية أو حتى االستجوابات‪ .‬كذلك‪ ،‬فمن حق اللجان املالية التابعة للمجالس‬
‫النيابية أن تستدعي ممثيل السلطة التنفيذية‪ ،‬عند الرضورة‪ ،‬لالستامع إليهم فيام خيص مالية الدولة العامة‪ ،‬أو ماليتهم‬
‫اخلاصة‪ ،‬كام قد تتمثل الرقابة الترشيعية عن طريق مناقشة احلساب اخلتامي عن السنة املالية السابقة‪.‬‬

‫و عىل هذا‪ ،‬فإن الرقابة الترشيعية عىل املوازنة العامة تتمثل يف مرحلتني‪ :‬الرقابة املعارصة (املوازية) لتنفيذ‬
‫املوازنة‪ ،‬و الرقابة الالحقة عىل تنفيذ املوازنة العامة‪.‬‬

‫أ‪ -‬الرقابة املعارصة (املوازية) لتنفيذ املوازنة العامة‪ :‬ختتص بالرقابة الترشيعية جلنة الشؤون املالية يف املجالس‬
‫النيابية‪ ،‬التي هلا أن تطلب البيانات و املستندات و الوثائق الالزمة عن تنفيذ املوازنة العامة أثناء السنة املالية‪ .‬فإذا‬
‫تبني وجود أي خمالفة للقواعد املالية اخلاصة بتنفيذ املوازنة‪ ،‬فإنه يكون من حقها تقديم أسئلة و استجوابات إىل‬
‫الوزراء املختصني عن كيفية تنفيذ املوازنة‪ ،‬بل و أيضا حتريك املسؤولية السياسية ضد كل من يثبت يف حقه ارتكاب‬
‫خمالفة للقواعد املالية املتعلقة بسري و تنفيذ املوازنة‪.‬‬

‫ب‪ -‬الرقابة الالحقة عىل تنفيذ املوازنة العامة‪ :‬تتعلق تلك املرحلة بعرض احلساب اخلتامي‪‬عن السنة املالية‬
‫املنتهية ملناقشته و اعتامده ثم إصداره‪ ،‬إما يف شكل قانون أو يف شكل قرار من رئيس الدولة‪.‬‬

‫‪ ‬احلساب اخلتامي‪ :‬هو الوثيقة التي تبني مبالغ النفقات و مبالغ اإليرادات التي أنفقت فعال بعد انتهاء السنة املالية‪.‬‬

‫‪65‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫و بالرغم من فاعلية الرقابة الترشيعية‪ ،‬إال أن يعاب عليها أن أعضاء السلطة الترشيعية ال يكون لدهيم‬
‫الوقت الكايف و اخلربة الفنية و املحاسبية الكافية ملناقشة احلساب اخلتامي‪ ،‬الذي قد يصل إىل آالف الصفحات‬
‫و األرقام مناقشة تفصيلية‪ .‬باإلضافة إىل األعباء و املهام السياسية اخلطرية التي يتحملها أعضاء السلطة الترشيعية؛‬
‫مما جيعل الرقابة الترشيعية غري كافية بمفردها عىل تتبع سري و مراقبة حسن تنفيذ املوازنة العامة للدولة‪.‬‬

‫‪ -3‬الرقابة املستقلة‪ :‬تعترب هذه الرقابة أكثر أنواع الرقابة فاعلية‪ ،‬و يقصد هبا الرقابة عىل تنفيذ املوازنة العامة‬
‫للدولة عن طريق هيئة مستقلة عن كل من اإلدارة و السلطة الترشيعية‪ ،‬تنحرص مهمتها يف رقابة تنفيذ املوازنة‬
‫و التأكد من أن عمليات النفقات و اإليرادات قد متت عىل النحو الصادرة به إجازة السلطة الترشيعية‪ ،‬و طبقا‬
‫للقواعد املالية املقررة يف الدولة‪.‬‬

‫و بمعنى آخر تتوىل هذه الرقابة هيئة فنية خاصة‪ ،‬تقوم بفحص تفاصيل تنفيذ املوازنة و مراجعة حسابات‬
‫احلكومة و مستندات التحصيل و الرصف‪ ،‬و حماولة كشف ما تتضمنه من خمالفات و وضع تقرير شامل عن ذلك‪.‬‬

‫‪56‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة‬

‫أسئلة الفصل‬
‫‪ -‬عرف املوازنة العامة؟ و ما هي خصائصها؟‬
‫‪ -‬ما هي املبادئ التي ترتكز عليها املوازنة العامة؟‬
‫‪ -‬ما هي املراحل املتبعة يف إعداد املوازنة العامة؟‬

‫أعامل شخصية‬
‫‪ -‬البحث يف كيفية إعداد املوازنة العامة يف اجلزائر؟‬
‫‪ -‬البحث يف قانون ضبط املوازنة يف اجلزائر؟‬

‫‪56‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫قائمة املراجع‬

‫املراجع باللغة العربية‬

‫‪ -1‬إبراهيم عىل عبد اهلل إبراهيم و أنور العجارمة‪ ،‬مبادئ املالية العامة‪ ،‬دار صفاء للطباعة و النرش‬

‫و التوزيع‪ ،‬عامن‪.0222 ،‬‬

‫‪ -0‬أمحد زهري شامية و خالد اخلطيب‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬دار زهران للنرش و التوزيع‪ ،‬عامن‪.1991 ،‬‬

‫‪ -3‬اعمر حيياوي‪ ،‬مسامهة يف دراسة املالية العامة (النظرية العامة وفقا للتطورات الراهنة)‪ ،‬دار هومة‪،‬‬

‫اجلزائر‪.0223 ،‬‬

‫‪ -4‬زينب حسني عوض اهلل‪ ،‬مبادئ املالية العامة‪ ،‬الفتح للطباعة و النرش‪ ،‬القاهرة‪.0223 ،‬‬

‫‪ -5‬حامد عبد املجيد دراز‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬مؤسسة شباب اجلامعة‪ ،‬مرص‪ ،‬دون سنة نرش‪.‬‬

‫‪ -6‬حسني مصطفى حسني‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬ط ‪ ،0‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪.1991 ،‬‬

‫‪ -1‬يونس أمحد البطريق‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪.1994 ،‬‬

‫‪ -9‬حممد حامد دويدار‪ ،‬مبادئ املالية العامة‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬املكتب املرصي احلديث‪ ،‬اإلسكندرية‪.1969 ،‬‬

‫‪ -9‬حممد عباس حمرزي‪ ،‬اقتصاديات املالية العامة‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪ ،‬اجلزائر‪.0223 ،‬‬

‫‪ -12‬حممد الصغري بعيل و يرسي أبو العال‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬اجلزائر‪.0223 ،‬‬

‫‪ -11‬سوزي عديل ناشد‪ ،‬الوجيز يف املالية العامة‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة للنرش‪ ،‬مرص‪.0222 ،‬‬

‫‪ -10‬السيد عبد املوىل‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬القاهرة‪.1915 ،‬‬

‫‪ -13‬عادل أمحد حشيش‪ ،‬أساسيات املالية العامة‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة و النرش‪ ،‬بريوت‪.1990 ،‬‬

‫‪ -14‬عادل فليح العيل‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬دار احلامد‪ ،‬عامن‪.0221 ،‬‬

‫‪ -15‬صفوت عبد السالم عوض اهلل‪ ،‬حمارضات يف مبادئ علم املالية العامة‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬

‫‪.0211/0212‬‬

‫‪ -16‬فوزت فرحات‪ ،‬املالية العامة؛ االقتصاد املايل‪ ،‬منشورات احللبي احلقوقية‪ ،‬بريوت‪.0221 ،‬‬

‫‪ -11‬غازي عبد الرزاق النقاش‪ ،‬املالية العامة‪ ،‬دار وائل‪ ،‬عامن‪.0223 ،‬‬

‫‪38‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫الطاهر ميمون‬/‫د‬ ‫قائمة املراجع‬

‫املراجع باللغة األجنبية‬


- François Adam, Olivier Ferrand, Rémy Rioux, Finances Publiques, 2° Ed, Presse de
Sciences Politiques, Dalloz, Paris, 2003.

- Michel Bouvier et Marie-Christian Esclassane et Jean-Pierre Lassale, Finances


publiques, 15°Ed, LGDJ, Paris, 2016.

- Michel Lascombe, Les finances publiques, 4° Ed, Dalloz, Paris, 2001.

- Mohamed Tahar Bouara, Les finances publiques (L’évolution de la loi de finance


endroit algérien), Pages bleues, Alger, 2007.

- Stéphanie Damarey, Finances publiques, Mémentos LMD, 4° Ed, Gualino Edition,


France, 2016.

38 ‫ املسيلة‬-‫جامعة حممد بوضياف‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفهرس‬

‫الصفحة‬ ‫البيان‬
‫‪30‬‬ ‫التعريف باملقياس‬

‫‪30‬‬ ‫مقدمة‬

‫‪22 -30‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬نشأة و تطور علم املالية العامة و عالقته بالعلوم األخرى‬
‫‪30‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬مفاهيم أساسية‬
‫‪30‬‬ ‫أوال‪ -‬احلاجات العامة (‪)Besoins Publics‬‬

‫‪30‬‬ ‫ثانيا‪ -‬النظام املايل‬

‫‪30‬‬ ‫ثالثا‪ -‬السياسة املالية‬

‫‪30‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬نشأة و تطور املالية العامة‬


‫‪03‬‬ ‫أوال‪ -‬املرحلة األوىل‪ :‬مرحلة ما قبل قيام الدولة اإلسالمية‬

‫‪03‬‬ ‫ثانيا‪ -‬املرحلة الثانية‪ :‬مرحلة الدولة اإلسالمية‬

‫‪00‬‬ ‫ثالثا‪ -‬املرحلة الثالثة‪ :‬املالية العامة يف العصور الوسطى و ما بعدها‬

‫‪02‬‬ ‫رابعا‪ -‬املرحلة الرابعة‪ :‬املالية العامة يف عرص الدولة احلديثة‬

‫‪00‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬مفهوم املالية العامة‬


‫‪00‬‬ ‫أوال‪ -‬تعريف املالية العامة يف الفكر االقتصادي التقليدي (الدولة احلارسة)‬

‫‪00‬‬ ‫ثانيا‪ -‬تعريف املالية العامة يف الفكر االقتصادي احلديث (الدولة املتدخلة)‬

‫‪01‬‬ ‫ثالثا‪ -‬الفرق بني املالية العامة و املالية اخلاصة‬

‫‪00‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬عالقة علم املالية العامة ببعض العلوم األخرى‬
‫‪00‬‬ ‫أوال‪ -‬العالقة بني علم املالية العامة و علم االقتصاد‬

‫‪00‬‬ ‫ثانيا‪ -‬العالقة بني علم املالية العامة و علم القانون‬

‫‪00‬‬ ‫ثالثا‪ -‬العالقة بني علم املالية العامة و علم السياسة‬

‫‪23‬‬ ‫رابعا‪ -‬العالقة بني علم املالية العامة و علم االجتامع‬

‫‪20‬‬ ‫خامسا‪ -‬العالقة بني علم املالية العامة و علم املحاسبة‬

‫‪22‬‬ ‫أسئلة الفصل و األعامل الشخصية‬

‫‪68‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفهرس‬

‫‪00-20‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬النفقات العامة (‪)Dépenses publiques; Public expenditure‬‬


‫‪20‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬ماهية النفقات العامة‬
‫‪20‬‬ ‫أوال‪ -‬تعريف النفقات العامة‬

‫‪24‬‬ ‫ثانيا‪ -‬عنارص النفقة العامة‬

‫‪20‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬تقسيامت النفقات العامة‬


‫‪20‬‬ ‫أوال‪ -‬التقسيم العلمي (املوضوعي‪ -‬االقتصادي) للنفقات العامة‬

‫‪00‬‬ ‫ثانيا‪ -‬التقسيم الوضعي للنفقات العامة‬

‫‪02‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬ضوابط النفقات العامة (قواعد اإلنفاق العام)‬


‫‪02‬‬ ‫أوال‪ -‬ضابط املنفعة القصوى‬

‫‪00‬‬ ‫ثانيا‪ -‬ضابط االقتصاد يف النفقات‬

‫‪01‬‬ ‫ثالثا‪ -‬ضابط الرتخيص (اإلجراءات القانونية الالزمة إلجراء النفقة)‬

‫‪00‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬اآلثار االقتصادية للنفقات العامة‬


‫‪00‬‬ ‫أوال‪ -‬أثار النفقات العامة عىل االستهالك‬

‫‪00‬‬ ‫ثانيا‪ -‬أثار النفقات العامة عىل اإلنتاج‬

‫‪00‬‬ ‫ثالثا‪ -‬أثار النفقات العامة عىل توزيع الدخل‬

‫‪00‬‬ ‫أسئلة الفصل و األعامل الشخصية‬

‫‪10-00‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬اإليرادات العامة (‪)Recettes publiques, Public Revenus‬‬


‫‪00‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬اإليرادات العامة من أمالك الدولة (الدومني –‪)-Le Domaine‬‬
‫‪00‬‬ ‫أوال‪ -‬الدومني العام (‪)Le Domaine public‬‬

‫‪02‬‬ ‫ثانيا‪ -‬الدومني اخلاص (‪)Le Domaine privé‬‬

‫‪01‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬الرسوم ( ‪)Taxes- Fees‬‬


‫‪01‬‬ ‫أوال‪ -‬تعريف‬

‫‪00‬‬ ‫ثانيا‪ -‬عنارص الرسم‬

‫‪00‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬الرضائب (‪)Les Impots‬‬

‫‪68‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفهرس‬

‫‪00‬‬ ‫أوال‪ -‬تعريف الرضائب و خصائصها‬

‫‪00‬‬ ‫ثانيا‪ -‬األساس القانوين للرضيبة‬

‫‪13‬‬ ‫ثالثا‪ -‬القواعد األساسية للرضائب‬

‫‪10‬‬ ‫املبحث الرابع‪ :‬القروض العامة‬


‫‪12‬‬ ‫أوال‪ -‬تعريف القروض العامة‬

‫‪10‬‬ ‫ثانيا‪ -‬تقسيامت القروض العامة‬

‫‪10‬‬ ‫املبحث اخلامس‪ :‬اإلصدار النقدي اجلديد‬


‫‪10‬‬ ‫أسئلة الفصل و األعامل الشخصية‬

‫‪00-10‬‬ ‫الفصل الرابع‪ :‬املوازنة العامة (‪)Budget puclic- Public budget‬‬


‫‪10‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬مفهوم املوازنة العامة للدولة‬
‫‪03‬‬ ‫أوال‪ -‬تعريف املوازنة العامة‬

‫‪00‬‬ ‫ثانيا‪ -‬خصائص املوازنة العامة‬

‫‪00‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬مبادئ املوازنة العامة‬


‫‪00‬‬ ‫أوال‪ -‬مبدأ وحدة املوازنة‬

‫‪00‬‬ ‫ثانيا‪ -‬مبدأ شمول املوازنة‬

‫‪00‬‬ ‫ثالثا‪ -‬مبدأ سنوية املوازنة‬

‫‪00‬‬ ‫رابعا‪ -‬مبدأ توازن املوازنة‬

‫‪00‬‬ ‫خامسا‪ -‬مبدأ عدم ختصيص اإليرادات‬

‫‪00‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬دورة املوازنة العامة‬


‫‪00‬‬ ‫أوال‪ -‬مرحلة التحضري و اإلعداد‬

‫‪00‬‬ ‫ثانيا‪ -‬اعتامد املوازنة العامة‬

‫‪01‬‬ ‫ثالثا‪ -‬تنفيذ املوازنة العامة‬

‫‪00‬‬ ‫رابعا‪ -‬الرقابة عىل تنفيذ املوازنة العامة‬

‫‪00‬‬ ‫أسئلة الفصل و األعامل الشخصية‬

‫‪66‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬


‫د‪/‬الطاهر ميمون‬ ‫الفهرس‬

‫‪00‬‬ ‫قائمة املراجع‬


‫‪00‬‬ ‫الفهرس‬

‫‪68‬‬ ‫جامعة حممد بوضياف‪ -‬املسيلة‬

You might also like