You are on page 1of 38

‫ضوابط العمل بمقاصد الشريعة في الممارسات االجتهادية‬

‫‪1‬‬
‫د‪ .‬عبد الرءوف محمد أمين‬

‫مستخلص البحث‬

‫يع اجل ه ذا البحث قض ية ض وابط االجته اد املقاص دي وهي من‬


‫أهم القض ايا فيم ا يتعل ق يف موض وع مقاص د الش ريعة‪.‬وي دور‬
‫حمور ه ذا البحث ح ول كيفي ة التوظي ف الس ليم لفق ه املقاص د‬
‫ليس فقط يف املمارسات االستنباطية واالجتهادية بل يف التثقيف‬
‫والتفكري املقاصدي أيضا‪ .‬وتكمن أمهية هذا املوضوع يف كوهنا‬
‫مرجع ا يرج ع إلي ه اجملته د أو الفقي ه جتنب ا للمزال ق وتفادي ا‬
‫للمخ اطر ال يت ميكن أن يق ع فيه ا االجته اد املقاص دي‪ ،‬وكوهنا‬
‫معي ارا موض وعيا للحكم بالش رعية على املمارس ات االجتهادي ة‬
‫ال يت توظ ف مقاص د الش ريعة كعنص ر م ؤثر يف اس تنباط وتقري ر‬
‫األحكام الشرعية‪.‬هذه القض ية رغم أمهيتها وضروريتها مل تنل‬
‫من اهتمامات الباحثني املعاصرين والكتاب احملدثني يف موضوع‬
‫االجته اد واملقاص د عام ة واالجته اد املقاص دي خاص ة حقه ا‬
‫املنشود وحظها املطلوب‪ .‬ومن االنصاف أن نقول إن علماءنا‬
‫الق دامى واألص ولني خاص ة ق د أش اروا إىل ه ذا املوض وع يف‬
‫أم اكن متن اثرة أثن اء ح ديثهم عن املس ائل األص ولية املختلف ة‬
‫كمسألة القطع والظن والتعليل واملصلحة وما إىل ذلك‪ .‬وبعد‬
‫تتبع الكتابات املعاصرة حول املقاصد واملصلحة أجد أن هناك‬
‫ثالث ة كتب هلا ارتب اط شديد بض وابط االجته اد املقاصدي هي‬

‫‪1‬‬
‫()حماضر أول بكلية الرتبية وشؤون التدريس جامعة عالء الدين اإلسالمية احلكومية مكاسر‪-‬‬
‫إندونيسيا دكتوراه يف أصول الفقه جامعة األزهر بالقاهرة‪-‬‬
‫ضوابط العمل‬

‫كتاب ضوابط المصلحة للدكتور حممد سعيد رمضان البوطي‬


‫وكت اب االجته‪// /‬اد المقاص‪// /‬دي لل دكتور ن ور ال دين اخلادمي‬
‫وكت اب الفك ر املقاص دي‪ :‬قواع ده وفوائ ده لل دكتور أمحد‬
‫الريس وين إال أهنا بع د الفحص م ا زالتفي حاج ة إىل توض يح‬
‫وتفصيل بل إىل إعادة نظر يف بعض استنتاجاهتا‪.‬‬

‫توطئة‬

‫ينبغي اإلش ارة –يف البداي ة‪ -‬إش ارة س ريعة إىل مفه وم االجته اد املقاص دي‬
‫رغم وضوح املفهوم نتيجة لوفرة الكتابات املقاصدية يف األوساط الثقافة اإلسالمية‪.‬‬
‫أقص د باالجته اد املقاص دي ه و أن يلتفت اجملته د إىل مقاص د الش ريعة واعتباره ا‪،‬‬
‫والعمل هبا يف ممارساهتم االجتهادية سواء على مستوى تفسري النصوص واألحكام‬
‫أو على مس توى تطبيقه ا(‪ ،)1‬وه ذا نتيج ة لنظري ة فقهي ة إن املمارس ة االجتهادي ة ىف‬
‫جماالهتا املختلف ة س واء ك ان فقه ا أو فت وى أو قض اء أو حكم ا ينبغى أن تستحض ر‬
‫األم ور الثالث ة النص أو النص وص املتعلق ة باملوض وع ومقاص د الش ريعة يف ذل ك‬
‫املوضوع والواقع الذي يالبس ذلك املوضوع‪ .‬بناء على هذا فإن االجتهاد الذى ال‬
‫يستحضر يف ذهنه هذه األمور يكاد خيالف شريعة اهلل‪.‬‬

‫أهمية االجتهاد المقاصدي‬

‫ينبغي اإلشارة يف البداية إىل أن أمهية العلم باملقاصد ال تنحصر يف االجتهاد‬


‫واجملتهدين‪ ،‬بل إهنا تتعدى إىل كل من تشبع هبا وتزود بنصيب منها‪ ،‬وتكون فائدته‬
‫بق در علم ه وفهم ه ملقاص د الش ريعة وبق در اعتم اده عليه ا يف فك ره ونظ ره‪.)2(.‬‬

‫()يراجع نور الدين اخلادمي‪ ،‬االجتهاد املقاصديجـ‪ 1‬ص ‪ 21‬كتاب األمة‪ ،‬قطر‪1998 :‬م‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫()أمحد الريس وين‪ ،‬الفك ر املقاص دي‪ :‬قواع ده وفوائ ده ص ‪ 81‬ط‪.‬دار اهلادي‪-‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ط‪.‬أوىل‪200،‬م‪.‬‬
‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪2‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫فاملقاص د بأسس ها ومراميه ا‪ ،‬وبكلياهتا‪ ،‬م ع جزئياهتا‪ ،‬وبأقس امها ومراتبه ا‪،‬‬
‫ومبس الكها ووس ائلها‪ ،‬تش كل منهج ا متم يزا للفك ر والنظ ر‪ ،‬والتحلي ل والتق ومي‪،‬‬
‫واالستنتاج والرتكيب‪.‬‬

‫والنظرة املقاصدية‪-‬من حيث كوهنا جتمع بني الكليات واجلزئيات‪ ،‬وتبين‬


‫الكليات على اجلزئيات‪ ،‬وَحُتِّك م الكليات يف اجلزئيات‪ ،‬ومن حيث كوهنا متيز بني‬
‫الوسائل واملقاصد‪ ،‬فتتعامل مع األوىل باملرونة‪ ،‬وتتعامل مع الثانية بالتثبيت‪-‬أفضل‬
‫ضمان للتوازن بني الثوابت واملتغريات‪ ،‬بني املرونة والصالبة ‪ ،‬فاملقاصد ال متثل‬
‫دائما‪-‬كما يظن‪ -‬عنصر املرونة والقابلية للتغيري‪ ،‬بل عنصر الثبات والرسوخ‬
‫واالستمرارية‪ .‬ولكن املقاصد حني تعرف وتتحدد‪ ،‬تسمح باملرونة والتغري والتكيف‬
‫يف الوسائل واألحكام التوسلية املفضية إليها‪ ،‬مبا ال خيل باملقصود‪ ،‬بل حيققه وحيافظ‬
‫عليه(‪.)1‬‬

‫وت ربز أمهي ة التفك ري واملنهج املقاص دي أيض ا يف أن املقاص د تزي ل الكل ل‬
‫وتس دد العم ل‪ .‬فاإلنس ان عن دما يع رف م ا يقص د إلي ه‪ ،‬يه ون علي ه م ا جيد‪.‬‬
‫وبالعكس‪ ،‬حني يقدم اإلنسان على عمل وهو ال يدري ملاذا هذا العمل‪ ،‬وال يدري‬
‫النتائج اليت يسعى إىل بلوغها والفوائد اليت يعمل جلنيها وحتصيلها‪ ،‬وال يدري قيمة‬
‫ما هو فيه وجدوى ما هو بصدده‪ ،‬هذا اإلنسان عادة ما يصاب يف عمله وسعيه‬
‫بتحري واضطراب‪ ،‬أو بكلل وملل‪ ،‬أو بضجر وانقطاع‪.‬‬

‫إذن ال خيفى على أح د من الدارس ني يف الش ريعة اإلس المية م دى أمهي ة‬


‫االجتهاد املقاصدي وضرورته يف اجملاالت االجتهادية الواسعة املسطورة يف األدبيات‬
‫األصولية‪،‬وذلك يف سبيل ضمان خلود الشريعة وكفالة صالحيتها جلميع العصور‬
‫واألمكن ة‪ .‬لكن‪ ،‬على ال رغم من ه ذه األمهي ة والض رورية ال يت حيظى هبا االجته اد‬
‫املقاصدي إال أن ه ينبغي أن نؤكد على أن االجته اد املقاصدي ال يع ىن إطالقه دون‬
‫()املصدر السابق ص ‪.84‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪3‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫قي ود وض وابط وقواع د وش روط‪ ،‬ألن ع دم تقيي ده ي رتتب علي ه خماطر‪ ،‬والتوغ ل يف‬
‫التوسع فيه يؤدي حتما إىل حماذير ونتائج غري مرجوة‪.‬‬

‫ومن املخاطر اليت قد تصاحب االجتهاد املقاصدي حالة عدم ربطه بضوابط‬
‫منهجية الزمة وثوابت شرعية أنه قد يشكل منزلقا خطريا ينتهي بصاحبه إىل التحلل‬
‫من أحك ام الش ريعة‪ ،‬أو تعطي ل أحكامه ا باس م املص احل‪ ،‬وحماص رة النص وص باس م‬
‫املصاحل‪ ،‬واختالط مفهوم املصاحل مبفهوم الضرورات‪ ،‬يف حماولة إلباحة احملظورات‪،‬‬
‫فُتوّق ف األحكام الشرعية تارة باسم الضرورة‪ ،‬وتارة باسم حتقيق املصلحة‪ ،‬وتارة‬
‫حتت عن وان ال نزوع إىل تط بيق روح الش ريعة لتحقي ق املص لحة‪ ،‬فيس تباح احلرام‪،‬‬
‫وُتَو َّه ُن القيم‪ ،‬وتغري األحكام وتعطل‪ ،‬ويبدأ االجتهاد من خارج النصوص‪ ،‬ومن مث‬
‫ي ربز التفسري املتعسف للنصوص من هذا االجته اد اخلارجي‪ ،‬وهبذا تصبح نصوص‬
‫الكت اب والس نة ال يت م ا ش رعت إال لتحقي ق املص احل‪ ،‬وال يت ك انت ال دليل والس بيل‬
‫لبن اء االجته اد املقاص دي‪ ،‬عقب ة أم ام حتقيـق املص احل‪ ،‬ل ذلك ال ب د من إيقافه ا‬
‫واخلروج عليه ا يف حماول ة لفص ل العق ل عن مرجعي ة ال وحي‪ ،‬واس تقالله بتق دير‬
‫املصاحل واملفاسد‪ ،‬والتحسني والتقبيح‪ ،‬حبيث يصبح مقابال للوحي‪ ،‬بدل أن يكون‬
‫قسيما له‪ ،‬مهتديا به‪ ،‬منطلقا منه(‪.)1‬‬

‫واحلقيق ة أن اخلوف من املخ اطر والت وجس من املنزلق ات ال يت ميكن أن يق ع‬


‫فيها االجتهاد املقاصدي ال ميكن حبال من األحوال أن جيّر نا إىل غلق األبواب أمامه‬
‫والقول بعدم شرعيته ووضع العقبات اليت حتول دون تفعيله‪ ،‬ألن املخاطر اليت ميكن‬
‫أن تق ع من ه ذا التص رف املع اكس ال تق ل خطورت ه عن نظريت ه الس ابقة‪ ،‬ألن أي‬

‫()عم ر عبي د حس نة‪ ،‬مق االت يف التفك ري املقص دي ص ‪ ،32‬ط‪.‬املكتب اإلس المي‪-‬ب ريوت‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ط‪.‬أوىل‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪4‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫ن وع من اإلف راط والتفري ط ال جمال هلم ا عقال وش رعا وبالت ايل ال ميكن أي ي أيت‬
‫بنتائج مرجوة يف جمال احلياة والدين والتدين (‪.)1‬‬

‫وإذا ك ان اإلف راط والتفري ط ال ش رعية هلم ا يف قض ية االجته اد بص فة عام ة‬


‫واالجته اد املقاص دي بص فة خاص ة كم ا قلن ا‪ ،‬ف إن الس بيل الوحي د ال ذي ميكن أن‬
‫حيول دون حدوثهما هو وضع الضوابط املنهجية اليت ينبغي أن يلتزم هبا ويتقيد هبا‬
‫االجته اد املقاص دي ح ىت ميكن أن ُيَتَح َّص َل من ه م ا ُي رَج ى من ه أال وه و حتص يل‬
‫املص لحة اجلوهري ة واملقاص د الش رعية احلقيقي ة‪.‬من هن ا ك ان ب ذل اجله ود يف عملي ة‬
‫ضبط التوجه واالجتهاد املقاصدي أمرًا يصل إىل حد الضرورة‪.‬‬

‫وعلى ال رغم من أمهي ة وض رورة وج ود ض وابط ومع ايري حتكم عملي ة‬


‫االجتهاد وفق مقاصد الشارع‪ ،‬إال أن الواقع يرشد إىل أن قضية الضوابط اليت يلزم‬
‫أن يهت دي هبا االجته اد املقاص دي‪ ،‬والقواع د ال يت تض فى علي ه املش روعية حال ة‬
‫ممارس ته يف إطاره ا قض ية ال جند احلديث عنه ا ب وفرة وبش كل ب ارز يف املؤلف ات‬
‫املقاصدية‪ ،‬إال إذا اعتربنا النظر املصلحي يف الفقه اإلسالمي جزءا حموريا يف القضية‬
‫املقاصدية‪ .‬ولعل ذلك يرجع إىل حداثة االهتمام بعلم املقاصد يف العصور املتأخرة‪،‬‬
‫مما جيع ل اخلوض يف احلديث عن ض بطها والتحكم يف س ريها نوع ا من التنب ؤ املبك ر‬
‫بوقوع اإلفراط أو الغلو يف استعماهلا‪ ،‬يف الوقت الذي ال يزال احلديث عن أمهيتها‬
‫ومكانتها يف ط ور النش أة والطفول ة‪ .‬والبحث يف الضوابط غالبا م ا ي أيت يف مراحل‬
‫متأخرة عند ظهور الغلو يف االستعمال أو التطرف يف االعتماد عليها(‪.)2‬‬

‫() يراجع‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪33‬؛ورقية طه جابر‪ ،‬أثر العرف يف فهم النصوص‪،‬ص ‪275‬‬ ‫‪1‬‬

‫ط‪ .‬دار الفكر‪-‬سوريا ط‪ .‬أوىل‪ ،‬ط‪2003 .‬م‪.‬‬


‫()يراجع‪ :‬املرجع السابق ص ‪.271‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪5‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫ولعل أول من أشار إىل قضية ضبط االجتهاد املقاصدي بشكل خمتصر هو‬
‫اإلمام ابن عاشور يف كتابه "مقاصد الشريعة"(‪ ،)1‬مث تبعه بشكل بارز د‪.‬نور الدين‬
‫اخلادمي يف كتاب ه " االجته اد املقاص دي‪ :‬حجيت ه‪ ،‬وض وابطه‪ ،‬وجماالت ه"(‪ .)2‬مث ج اء‬
‫بع ده د‪.‬أمحد الريس وين ليق وم ببل ورة القض ية بش كل أوض ح ممن س بقه يف كتاب ه "‬
‫الفك ر املقاص دي‪ :‬قواع ده وفوائ ده"(‪ ،)3‬وفعلت مثل ه د‪ .‬رقي ة ط ه ج ابر العل واين يف‬
‫كتاهبا‪ :‬أثر العرف يف فهم النصوص(‪.)4‬‬
‫يف ضوء ما سبق‪ ،‬فإن استدعاء الضوابط والمعايير في التوجه المقاصدي‬
‫يمكن أن يس ‪//‬هم في إح ‪//‬داث نقل ‪//‬ة منهجي ‪//‬ة‪ ،‬يتم من خالله ‪//‬ا التح ‪//‬ول من مرحل ‪//‬ة‬
‫التأص‪//‬يل والترك‪//‬يز على أهمي‪//‬ة المقاص‪//‬د ودوره‪//‬ا في االجته‪//‬اد إلى مرحل‪//‬ة بن‪//‬اء‬
‫وتك‪//‬وين ض‪//‬وابط القب‪//‬ول وال‪//‬رفض ألي تأوي‪//‬ل أو اجته‪//‬اد ي‪//‬روم استحض‪//‬ار النهج‬
‫المقاصدي‪.‬‬

‫()ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الشريعة‪ ،‬ص ‪ ،271‬ط‪ .‬دار النفائس‪-‬األردن‪ -‬ط‪ .‬ثانية‪ ،‬ط‪2001 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫م ت‪ :‬حممد الطاهر امليساوي‪.‬‬


‫()ن ور ال دين اخلادمي‪ ،‬االجته اد املقاص دي‪ :‬حجيت ه‪ ،‬وض وابطه‪ ،‬وجماالت ه جـ‪ ،2‬ط‪-.‬وزارة‬ ‫‪2‬‬

‫األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬قطر‪-‬كتاب األمة عدد ‪ 65،66‬ط‪ .‬أوىل ‪ . .1998‬إال أننا‬
‫نالح ظ من حماول ة اخلادمي لض بط االجته اد املقاص دي أهنا م ا زالت يف اإلط ار التقلي دي‪،‬‬
‫حيث إن ه أرج ع ض وابط االجته اد املقاص دي إىل ض وابط األدل ة التبعي ة من مص لحة وع رف‬
‫وحنومها على اعتبار أن املقاصد ليست بدليل مستقل بذاته بل هي تابعة لغريها‪ .‬وهذا يبدو‬
‫أن ه ال جيد م ا ي ربره ويقوي ه‪ ،‬خاص ة إذا الحظن ا املي ول املقاص دية الواس عة يف خمتل ف القض ايا‬
‫املطروحة‪ .‬وعلى الرغم من وجود نوع من الوجاهة يف حماولة اخلادمي إال أنه ال ميكن حبال‬
‫من األحوال القول بأن ضوابط االجتهاد املقاصدي هي نفس الضوابط اليت يتقيد هبا األدلة‬
‫التبعي ة كاملص لحة مثال خاص ة إذا أخ ذنا يف االعتب ار أن ش رعية املص لحة أن تك ون يف إط ار‬
‫وهدي املقاصد‪.‬‬
‫()الريسوين‪ ،‬الفكر املقاصدي‪ :‬قواعده وفوائدهص ‪ ،74-33‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() رقية طه جابر العلواين‪ ،‬أثر العرف يف فهم النصوص ص ‪ ،270‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪6‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫وبناء على ذلك سأتناول هذا املوضوع سائال اهلل التوفيق والسداد فأقول‪:‬‬
‫الفك ر املقاص دي بص فة عام ة ه و منط يف الفهم والتص ور لألم ور‪ ،‬ومنهج يف النظ ر‬
‫والتفكري يأيت كنتيجة حِل صيلة معرفية متكاملة تشبع هبا يف فهم الشريعة وأهدافها‬
‫ومراميها وتزود بثروة من اِحلَك ِم واملقاصد العامة واخلاصة‪ ،‬الكلية واجلزئية للشريعة‬
‫اإلسالمية‪ .‬واالجتهاد املقاصدي ال خيتلف كثريا عن الفكر املقاصدي‪ ،‬إذ إنه بكل‬
‫إجياز واختص ار يعت رب عمال مبقاص د الش ريعة التفات ا إليه ا‪ ،‬واعت دادا هبا يف عملي ة‬
‫االجتهاد الفقهي وممارسة االستنباط(‪.)1‬‬

‫وكل من الفكر املقاصدي واالجتهاد املقاصدي ال بد له من مبادئ وقواعد‬


‫مقاصدية منهجية كي يكون فكرا أو اجتهادا متميزا علميا‪ ،‬توجهه تلك الضوابط‬
‫وهتديه سواء السبيل وتؤطره وتضبط اعتماده على مقاصد الشريعة واستفادته منه‪.‬‬
‫فالفكر املقاصدي ليس ذلك الفكر الذي حترر من الظواهر واألشكال‪ ،‬ومترد على‬
‫الض وابط املنهجي ة والقواع د اللغوي ة وب دأ يك ثر من ذك ر املقاص د ومن حتدي دها‬
‫وتكييفه ا حس ب رأي ه ونظ ره‪ ،‬وأخ ذ يعتم د على املقاص د لتس ويق آرائ ه‬
‫وحتسينها‪.....‬إما بسبب فهمه املقاصد الشرعية فهما سطحيا مبتسرا‪....‬وإما أنه‬
‫يستغلها حلاجة يف نفسه ومسلمات مستقرة يف فكره‪ ،‬حيث وجد يف املقاصد مرونة‬
‫ورحابة فاختذها وسيلة ومعربا(‪.)2‬‬

‫ضوابط المقاصد عند ابن عاشور‪:‬‬

‫ضبط اإلمام ابن عاشور املقاصد ضبطا دقيقا مل يسمح مبرور املقاصد غري‬
‫اخلاضعة لتلك الضوابط‪ ،‬فقال‪-:‬‬

‫() يراج ع‪:‬الريس وين‪ ،‬الفكر املقاص دي‪ :‬قواع ده وفوائده‪ ،‬ص ‪ ،33‬مرجع س ابق؛واخلادمي‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫االجتهاد املقاصدي ص ‪ ،39‬مرجع سابق‪.‬‬


‫() يراجع‪ :‬الريسوين‪ ،‬الفكر املقاصدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪7‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫((املقاصد الشرعية نوعان‪ :‬معان حقيقية(‪ ،)1‬ومعان عرفية عامة(‪ .)2‬ويشرتط‬


‫يف مجيعها أن يكون ثابتا‪ ،‬ظاهرا‪ ،‬منضبطا‪ ،‬مطردا)) (‪.)3‬‬

‫إذن‪ ،‬الضوابط اليت تضبط املقاصد الشرعية حبيث ال يستحق معىن من املعاين‬
‫أن يك ون مقص دا ش رعيا إال إذا ك ان منض بطا هبا أربع ة وهي‪ :‬أن يك ون املقص د‬
‫ثابتا‪ ،‬وأن يكون ظاهرا‪ ،‬وأن يكون منضبطا‪ ،‬وأن يكون مطردا(‪ .)4‬وفيما يلى بيان‬
‫لتلك الضوابط بإجياز‪:‬‬

‫‪-1‬الثبوت‪ :‬وفسر اإلمام ابن عاشور ذلك بقوله‪(( :‬أن تكون تلك املعاين‬
‫جمزوم ا بتحققه ا أو مظنون ا ظن ا قريب ا من اجلزم)) (‪ .)5‬وه ذا يفي د أن املقاص د كلم ا‬
‫حتقق ما يناسبها من األحكام جيب تأكد حصوهلا وال يقبل ختلفها إال لضرورة‪ ،‬ألن‬
‫كثرة التخلف جتعل املقصد بعيدا عن صفة الثبات وبالتايل ال ميكن اجلزم به وال بناء‬
‫األحكام عليه‪ .‬فاملقصد من تشريع القصاص مثال هو حفظ مهج اخللق من الضياع‬

‫()المع ‪//‬اني الحقيقي ‪//‬ة‪ :‬هي ال يت هلا َحَتُّق ٌق يف نفس ها حبيث ت درك العق ول الس ليمة مالءمته ا‬ ‫‪1‬‬

‫للمصلحة أو منافرهتا هلا‪ ...‬إدراكا مستقال عن التوقف على معرفة عادة أو قانون‪ ،‬كإدراك‬
‫كون العدل نافعا وكون االعتداء على النفوس ضارا‪ (.‬ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الشريعة‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.)251‬‬
‫()المع‪//‬اني العرفي‪//‬ة العام‪//‬ة‪ :‬هي اجملرب ات ال يت ألفته ا نف وس اجلم اهري واستحس نتها استحس انا‬ ‫‪2‬‬

‫ناشئا عن جتربة مالءمتها لصالح اجلمهور كإدراك كون عقوبة اجلاين رادعة إياه عن العود‬
‫إىل مثل جنايته ورادعة غريه عن اإلجرام (املصدر السابق ص ‪.)252‬‬
‫()ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.251‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جتدر اإلش ارة إىل أن الض وابط ال يت وض عها ابن عاش ور ش املة للمقاص د العام ة واخلاص ة‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ولع ل ال دليل على ذل ك أن ه ذه الض وابط ق د جعله ا متهي دا قب ل ب دء احلديث عن املقاص د‬


‫العامة واخلاصة‪.‬‬
‫()ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الشريعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.252‬‬ ‫‪5‬‬

‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪8‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫وأج زاء أجس ادهم من التل ف‪ .‬فكلم ا التزمن ا بتط بيق القص اص عن د ح دوث م ا‬
‫يقتضيه كلما حصلنا على املقصد الثابت يف ذلك الذي قلناه(‪.)1‬‬

‫‪-2‬الظه‪//‬ور‪ :‬أن يك ون املقص د واض حا حيث ال ختتل ف أنظ ار اجملته دين يف‬
‫االجتاه إليه وتشخيصه بعيدا عن كل التباس أو مشاهبة‪ ،‬مثل اتفاقهم على أن تشريع‬
‫القصاص حلفظ النفوس‪ ،‬وتشريع قطع يد السارق حلفظ األموال‪ ،‬وكذلك تشريع‬
‫النكاح مبواصفات معينة وشروط حمَّد َدة حلفظ النسب‪ ،‬وحىت ال خيتلط هذا مبعىن‬
‫احلفظ احلاصل باملخادنة واإلالطة وهي إلصاق املرأة الَبِغِّي احلمل الذي تعلقه برجل‬
‫معني ممن ضاجعوها(‪.)2‬‬

‫‪-3‬االنض‪//‬باط‪ :‬أي أن املع ىن كي يص لح أن يك ون مقص دا ش رعيا جيب أن‬


‫يكون له حد معني ال يتجاوزه فيؤدي إىل وقوع احلرج املرفوع شرعا ونفور البشر‬
‫من التشريع‪ ،‬وقدر معني ال يقصر عنه فيؤدي إىل ضعف الوازع الديين يف النفوس‬
‫وفقدان الشريعة هليبتها وسلطاهنا على اخللق‪ ،‬وإمنا جيب التزام حد صاحل ألن يعترب‬
‫ِّك‬
‫مقص دا ش رعيا ي راعي في ه ق درة املكلفني وط اقتهم‪ ،‬وحيق ق للش ريعة هيبته ا وَمُي ُن‬
‫س لطاهنا‪ ،‬فالش ريعة ح رمت ك ل مس كر حفاظ ا على س المة العق ل البش ري من‬
‫االحنراف يف تص رفاته وح رمت من ه القلي ل‪ ،‬وأق امت احلد والتعزي ر على متعاطي ه‬
‫متكين ا لس لطاهنا وهيبته ا وحتقي ق نفوذه ا‪ ،‬وأج ازت اس تعماله إذا ختل ل وزالت عن ه‬
‫صفة اإلسكار لرعاية جانب املكلفني برفع احلرج عنهم وحتقيق التوسعة هلم(‪.)3‬‬

‫()يراج ع‪ :‬ابن زغيب ة‪ ،‬مقاص د الش ريعة ص ‪ ،88‬ط‪ .‬دار الص فوة‪-‬الق اهرة ط‪ .‬أوىل‪ ،‬ط‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1996‬م‬
‫()ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الشريعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.253‬‬ ‫‪2‬‬

‫()يراج ع‪ :‬ابن عاش ور‪ ،‬مقاص د الش ريعة‪ ،‬مرج ع س ابق‪ ،‬ص ‪ ،253‬ابن زغيب ة‪ ،‬مقاص د‬ ‫‪3‬‬

‫الشريعة‪ ،‬مرجع سابق ص‪.89-88‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪9‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫‪-4‬االطراد‪ :‬قال اإلمام ابن عاشور يف بيان وتوضيح هذا الضابط‪(( :‬أن ال‬
‫يك ون املع ىن خمتلف ا ب اختالف أح وال األقط ار والقبائ ل واألعص ار‪ ،‬مث ل وص ف‬
‫اإلسالم والقدرة على اإلنفاق يف حتقيق مقصد املالءمة للمعاشرة املسماة بــ"الكفاءة"‬
‫املش روطة يف النك اح يف ق ول مال ك ومجاع ة من الفقه اء خبالف التماث ل يف اإلث راء‬
‫والقبلية‪.‬‬

‫وقد ترتدد معان بني كوهنا صالحا تارة وفسادا مرة أخرى‪ ،‬أي بأن اختل‬
‫منها وصف االطراد‪ .‬فهذه ال تصلح العتبارها مقاصد شرعية على اإلطالق أوعدم‬
‫اعتباره ا‪ ،‬ب ل املقص د الش رعي فيه ا أن توك ل إىل نظ ر علم اء األم ة ووالة أموره ا‬
‫األمن اء على مص احلها من أه ل احلل والعق د ليعين وا هلا الوص ف اجلدير باالعتب ار يف‬
‫أح د األح وال دون غ ريه‪ .‬وذل ك مث ل القت ال واجملادل ة‪ .‬فق د يك ون ض ررا إذا ك ان‬
‫لشق عصا األمة‪ ،‬وقد يكون نفعا إذا كان للذب عن احلوزة ودفع العدو‪ ،‬أال ترى‬
‫أن اهلل تع اىل ق ال‪ :‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ،)1(‬فجع ل قت اهلم‪-‬‬
‫وهو احلرابة‪-‬موجبا للعقاب ألهنا فساد‪ ،‬وقال تعاىل ‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ،)2(‬فأعلمن ا أن ه ذا‬
‫التقاتل ضرر‪ ،‬فلذلك أمر البقية باإلصالح بينهما النتهاء القتال‪ .‬مث قال تعاىل‪ :‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫()املائدة‪ ،‬جزء اآلية‪.33 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫()احلجرات‪ ،‬جزء اآلية‪.9 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪10‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫‪ ،)3(‬ف أمر بإيق اع قت ال لإلص الح وق ال‪ :‬‬


‫‪‬‬
‫‪ )2(ِ‬وغري ذلك آيات كثرية(‪.)3‬‬

‫هذه الضوابط سيؤدي االلتزام هبا والعمل يف إطارها‪-‬كما أشار إليه اإلمام‬
‫ابن عاش ور‪-‬إىل حتص يل املقاص د الش رعية احلقيقي ة‪ ،‬وبالت ايل إىل اس تبعاد الوق وع يف‬
‫األوه ام والتخيالت ال يت ق د ت زين للب احث عن املقاص د مقاص د ال يعت د هبا يف‬
‫الش ريعة‪ .‬وأت رك اإلم ام ليع رض علين ا مث الني خلط ورة األوه ام والتخيالت يف جمال‬
‫البحث عن املقاصد‪ ،‬قال‪:‬‬

‫((ومن حق الفقيه‪-‬مهما الح له ما يوهم جعل الوهم مدرَك حكٍم شرعي‪-‬‬


‫أن يتعم ق يف التأم ل عس ى أن يظف ر مبا يزي ل ذل ك ال وهم‪ ،‬وي رى أن مثة مع ىن‬
‫حقيقي ا‪-‬ه و من اط التش ريع‪-‬ق د قارن ه أم ر ومهي‪ ،‬فغطى علي ه يف نظ ر عم وم الن اس‬
‫ألهنم ألفوا املصري إىل األوهام‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬النهي عن غسل الشهيد يف اجلهاد‪ ،‬لقول رسول اهلل ‪ ‬يف الشهيد‪:‬‬
‫«إنه يبعث يوم القيامة ودمه يثعب‪ ،‬اللون لون الدم والريح ريح املسك»(‪ ،)4‬فيتوهم‬
‫كثري من الناس أن علة ترك غسله هي بقاء دمه يف جروحه يبعث هبا يوم القيامة‪.‬‬
‫وليس كذلك‪ ،‬ألنه لو غسل جهال أو نسيانا أو عمدا ملا بطلت تلك املزية‪ ،‬وجلعل‬
‫اهلل ل ه يف جرح ه دم ا يثعب ش هادة ل ه بني أه ل احملش ر‪ .‬ولكن عل ة النهي هي أن‬

‫()احلجرات‪ ،‬جزء اآلية‪.9 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫()البقرة‪ ،‬جزء اآلية‪.244 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الشريعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.254-253‬‬ ‫‪3‬‬

‫()أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اجلهاد والسري‪ ،‬باب‪ :‬من خيرح يف سبيل اهلل‪ ،‬رقم‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ،2649‬ومس لم يف ص حيحه‪ ،‬كت اب‪ :‬اإلم ارة‪ ،‬ب اب‪ :‬فض ل اجله اد واخلروج يف س بيل اهلل‪،‬‬
‫رقم‪ ،1876 :‬ومالك يف املوطأ كتاب‪ :‬اجلهاد‪ ،‬باب‪ :‬الشهداء يف سبيل اهلل‪ ،‬رقم‪.984 :‬‬
‫ويثعب معناه‪ :‬يسيل وينهمر أو ينفجر‪.‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪11‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫الناس يف شغل عن التفرغ لغسل موتى اجلهاد فلما علم اهلل ما حيصل من انكسار‬
‫خواطر أهل الصف حني إصابتهم باجلراح من بقاء جراحتهم ومن دفنهم على تلك‬
‫احلالة‪ ،‬وعلم انكسار خواطر أهليهم وذويهم عوضهم اهلل تلك املزية اجلليلة‪))....‬‬
‫(‪.)1‬‬

‫فالش ريعة باس تقراء نصوص ها وأحكامه ا ومقاص دها ت رفض مجي ع أش كال‬
‫الومهي ات وتطلب من املكلفني اجتناهبا إال إذا اقتض ت الض رورة ذل ك ش ريطة أن ال‬
‫يصح بناء األحكام على تلك الضرورة‪ .‬قال ابن عاشور يف توضيح هذه املسألة‪:‬‬

‫واعلم أن األم ور الومهي ة وإن ك انت ال تص لح ألن تك ون مقص دا ش رعيا‬


‫للتش ريع فهي تص لح ألن تك ون عون ا على حتقي ق املقاص د الش رعية‪ ،‬ك أن تك ون‬
‫وسيلة يف جمال الدعوة واملوعظة ترغيبا وترهيبا‪ .‬اقتداء مبنهج الشارع املتمَّثل يف قوله‬
‫تع اىل‪ :‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ )2(ُ‬وقوله ‪«:‬العائد يف صدقته كالكلب يعود يف قيئه»(‪ .)3‬فعلى الفقيه‬
‫أن يف رق بني املق امني‪ ،‬فال يف رع على تل ك املواع ظ أحكام ا فقهي ة ألن ذل ك من‬
‫اجلهالة‪ ،‬كمن توهم أن الصائم إذا اغتاب أحدا أفطر ألنه قد أكل حلم أخيه(‪.)4‬‬

‫ه ذا‪ ،‬وعلى ال رغم من أمهي ة ه ذه الض وابط ال يت أسس ها ابن عاش ور إال أن‬
‫قض ية ض بط االجته اد املقاص دي‪-‬يف تق دير الب احث‪-‬م ازالت حباج ة إىل التوس ع‪،‬‬

‫()ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الشريعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،257-256‬ويراجع أمثلة الومهيات أثناء‬ ‫‪1‬‬

‫البحث عن مقاصد الشريعة‪ :‬مقاصد الشريعة البن عاشور ص ‪.257-256‬‬


‫()احلجرات‪ ،‬جزء اآلية‪.12 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫()أخرج ه البخ اري فس ص حيحه‪ ،‬كت اب‪ :‬الزك اة‪ ،‬ب اب‪ :‬الرج ل يش رتي ص دقته‪ ،‬رقم‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.1419‬‬
‫()ابن عاشور‪ ،‬مقاصد الشريعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.258‬‬ ‫‪4‬‬

‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪12‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫علما بأن الضوابط العاشورية ميكننا القول بأهنا ال تعدو أن تكون ضوابط مقاصدية‬
‫أي ضبط املعاىن اليت يتوصل إليها الباحث عن املقاصد حىت تكون مقاصد معتربة أو‬
‫غ ري معت ربة‪ ،‬أم ا حنن فبص دد احلديث عن ض بط االجته اد أو الفك ر املقاص دي‪.‬‬
‫وبعبارة أخرى أن ابن عاشور كان يعاجل الضبط النظري لالجتهاد املقاصدي وحنن‬
‫يف إط ار معاجلة الض بط التط بيقي للممارس ة االجتهادي ة املقاص دية‪ .‬والف رق بني‬
‫األمرين أنه قد يكون معىن من املعاين مقصدا معتربا بالشروط اليت تتوفر فيه إال أنه‬
‫يف حالة من األحوال ال يلجأ إليه وال يؤثر يف قضية فقهية ‪-‬جمال البحث‪ -‬بسبب‬
‫من األسباب الىت ترجع إىل الضوابط والقواعد املقاصدية املقررة‪ ،‬شأن األمرين شأن‬
‫فهم النص وص وتطبيقه ا‪ .‬األم ر ال ذي جيع ل الب احث ي دعو إىل زي ادة االهتم ام هبذه‬
‫القض ية وتك ثيف اجله ود فيه ا‪ ،‬وهي قض ية ال نكون مب الغني إذا اعتربناها من أكثر‬
‫مث ار اجلدل واخلالف الواس ع يف الفك ر اإلس المي بش كل ع ام ويف جمال الفق ه‬
‫اإلسالمي املعاصر بصورة خاصة‪.‬‬

‫ضوابط االجتهاد المقاصدي عند نور الدين الخادمي ‪:‬‬

‫تأسيس ا على ذل ك‪ ،‬ح اول بعض الب احثني املعاص رين إع ادة النظ ر يف قض ية‬
‫ضبط االجتهاد املقاصدي رغم ضآلة حجم حماوالهتم وجهودهم بسبب ما ذكرناه‬
‫من حداثة املوضوع املقاصدي‪.‬‬

‫ولع ل أول من ب ادر إىل إع ادة النظ ر يف القض ية يف حبث مس تقل ‪-‬حس ب‬
‫اطالعي وتتبعي‪ -‬ه و ال دكتور ن ور ال دين اخلادمي يف كتاب ه "االجته اد املقاص دي‪:‬‬
‫حجيت ه‪ ،‬ض وابطه جماالت ه‪ .‬ه ذه احملاول ة رغم ِعْلِم َّيِتَه ا وص الحيتها يؤخ ذ عليه ا أهنا‬
‫حماول ة تقليدي ة‪ ،‬حيث إن اخلادمي ُيْر ِج ع ض وابط االجته اد املقاص دي إىل ض وابط‬
‫األدلة التبعية من مصلحة مرسلة وعرف إضافة إىل ضوابط التعليل‪ .‬وهذا عنده يعود‬
‫إىل أن املقاص د الش رعية ال تس تقل عن تل ك األدل ة ب ل تس تفاد منه ا وتس تمد منه ا‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪13‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫شرعيتها ‪ ،‬وبالتايل فإن األمر طبيعي أن تكون املقاصد منضبطة مبا تنضبط به تلك‬
‫األدلة‪.‬‬

‫وض‪// /‬وابط ه‪// /‬ذه األدل‪// /‬ة التبعي‪// /‬ة ‪ :‬أن ال تع ارض نصوص ا قطعي ة الثب وت‬
‫والداللة واإلمجاع القطعي(‪ )1‬وأن ال تعارض قياسا‪ ،‬وأن ال ُتَفِّو ت مصلحة أهم منها‬
‫أو مس اوية هلا(‪ ،)2‬وهي‪-‬بص فة عام ة‪-‬ض وابط أي ن وع من االجته اد املص لحي أو‬
‫النظر املصلحي‪.‬‬

‫تعقيب‪:‬‬

‫إن ض بط االجته اد املقاص دي بالش روط الس ابقة وإن ك ان ل ه مربرات ه ومس وغاته‬
‫العلمية واملنهجية اليت منها أن االجتهاد املقاصدي يكون يف جزء كبري منه اجتهادا‬
‫مصلحيا‪ ،‬حيث إن املصلحة متثل ركيزة حمورية يف نظرية املقاصد على غرار ما سبق‬
‫عرض ه يف نظري ة املص لحة واملفس دة‪ ،‬إال أن الض وابط هبذه الص ورة فيه ا ن وع من‬
‫حتجيم قض ية املقاص د م ع أنن ا على دراية تام ة ب أن نظري ة املقاصد أك رب حجم ا من‬
‫نظرية املصلحة‪ ،‬ال سيما إذا أخذنا بعني االعتبار وجوب تأطري املصلحة برجوعها‬
‫إىل حفظ مقاصد الشريعة وبالتايل تستحق أن تطلق عليها مصلحة شـرعيـة‪ .‬إضـافة‬
‫إىل أن تطبيق النصوص حىت ولو كانت قطعية الداللة والثبوت جيب أن يكون وفق‬

‫()اإلمجاع ق د يك ون قطعي ا وق د يك ون ظني ا‪ .‬واإلمجاع القطعي ه و اإلمجاع الق ائم على‬ ‫‪1‬‬

‫مدلوالت النص وص القطعية يف داللته ا وثبوهتا وعلى مصاحل دائم ة كاإلمجاع على العب ادات‬
‫واملقدرات وغريها كاإلمجاع على حترمي اجلدة كاألم‪ ،‬وحترمي اجلمع بني املرأة وخالتها‪ ،‬وحترمي‬
‫ش حم اخلنزير وت وريث اجلدة لألب م ع اجلدة لألم وغ ري ذل ك من املس ائل ال يت حتق ق فيه ا‬
‫اإلمجاع القطعي‪ .‬أم ا االمجاع الظ ين فه و م ا يق وم على أحك ام متغ رية بتغ ري الزم ان واملك ان‬
‫تثبت أبديتها وبقاؤها‪ ،‬فإنه خاضع‬ ‫واحلال‪ ،‬ويكون مبنيا على مصاحل ظرفية مل‬
‫للتع ديل والتغي ري مبوجب املص لحة احلادث ة‪ .‬يراج ع‪ :‬اخلادمي‪ ،‬االجته اد املقاص دي‪ ،‬مرج ع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.41 -40‬‬
‫()يراجع‪ :‬املصدر السابق ص ‪.56-33‬‬ ‫‪2‬‬

‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪14‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫ما قلناه فيما سبق بالتطبيق املقاصدي للنصوص‪ .‬وهذا ال يعىن حبال من األحوال أن‬
‫املقاص د جيب أن تتحل ل من النص وص حال ة التط بيق ب ل معن اه ال يع دو أن يك ون‬
‫تطبيقها منسقا مع املقاصد‪ .‬فضابطية النصوص هبذا الشكل وهبذه البساطة قد حيتاج‬
‫إىل الضبط أكثر مما صنعه اخلادمي‪.‬‬

‫وأب رز إش كالية تكمن يف الض وابط اخلادمي ة ه و وض عه القي اَس كمعي ار‬
‫لشرعية االجتهاد املقاصدي‪ .‬هذه قضية منهجية إن مل تكن غري مشروعة فهي قضية‬
‫غ ري جاري ة على تص رفات بعض األص وليني‪ .‬ومن مث أص بحت قض ية خالفي ة‪.‬‬
‫ولتوض يح األم ر أت رك ردود فع ل بعض الب احثني على ال دكتور س عيد رمض ان‬
‫البوطي‪-‬عندما وضع موافقة القياس شرطا لشرعية املصلحة املرسلة‪-‬الذي أعتقد أن‬
‫اخلادمى قد استلهم فكرته عنه‪ ،‬أو قرأ ما عند البوطي يف كتابه" ضوابط املصلحة "‬
‫على األقل‪.‬‬

‫يقول د‪ .‬حممد بلتاجي‪(( :‬إن استقراء فقه مالك يدل على أنه كان أحيانا‬
‫ي راعي املص لحة وإن عارض ت القي اس‪ ،‬ومن مث ال أواف ق على ض رورة الض ابط‬
‫الراب ع‪-‬أي ش رط موافق ة املص لحة القي اَس ‪-‬فيم ا ذكره الب وطي‪ .‬وأرى أن م ا ذكره‬
‫الش اطيب ص حيح يف أن مقتض ى عم ل مال ك باالستحس ان رجوع ه إىل تق دمي‬
‫االستدالل املرسل على القياس‪ ،‬حينما يكون إجراء القياس يف مسألة ما مؤديا إىل‬
‫فوت مصلحة أو جلب مفسدة‪ ،‬أو مؤديا إىل احلرج بالناس‪ ،‬فيستثين موضع احلرج‬
‫من أصل العمل بالقياس‪.‬‬

‫وليس هناك مقرر شرعي أو أمر متفق علي ه حيول دون الرجوع للمصلحة‬
‫وترك القياس‪ ،‬إذ ليست مراعاة القياس‪-‬كمصدر تشريعي مستقل‪-‬أوىل من مراعاة‬
‫املص لحة املندرج ة يف مقاص د الش ارع ومقررات ه العام ة‪ ،‬وخباص ة حني ي ؤدي اتب اع‬
‫القي اس إىل نقيض ذل ك‪ .‬وليس ت األقيس ة الفقهي ة ال يت ختط ر على ذهن الفقي ه أم را‬
‫مَنّز ال منصوصا عليه كالقرآن والسنة حبيث تصبح هلا هذه األسبقية املطلقة يف جمال‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪15‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫تع ارض األدل ة؛ إذ ليس القي اس يف هناي ة األم ر إال نتيج ة جله ود الفقي ه واجته اده يف‬
‫املسألة‪ ،‬وهكذا شأن املصلحة املرسلة أيضا‪ ،‬فليس للقياس إذن هذه األسبقية املطلقة‬
‫اليت للنصوص‪.‬‬

‫أم ا الق ول ب أن القي اس الص حيح ال ميكن أن يع ارض املص لحة املرس لة‬
‫الص حيحة فه و ق ول نظ ري غ ري مقب ول؛ إذ إن االعتب ارات التش ريعية الناجتة عن‬
‫االجتهاد كثريا ما تتعارض يف نظر الفقيه يف صورة وجهات نظر متعددة ومتعارضة‬
‫حيت وى ك ل منه ا على م ا يؤي د األخ ذ ب ه‪ ،‬إال أن ه ينتهي ت رجيح أح دها ب النظر إىل‬
‫أمور معينة يراعيها‪.‬‬

‫وق د أحّس ال دكتور الب وطي أن أخ ذ مال ك وغ ريه باالستحس ان ب املعىن‬


‫السابق يناقض ما ذكره من هذا الضابط‪-‬الذي خنالفه يف حتمية األخذ به‪-‬فعقد‬
‫فصال بعنوان‪( :‬ليس يف األخذ باالستحسان ما خيالف هذا الضابط) (‪-)1‬حاول فيه‬
‫تأوي ل املس ائل ال يت ت رك القي اس فيه ا لالستحس ان‪-‬على النح و الس ابق‪-‬بأهنا ترج ع‬
‫على وج ه العم وم إىل مس تند من الش رع ونصوص ه ه و ال دليل املع ارض للقي اس يف‬
‫املسألة‪ ،‬وهو الذي يؤخذ به يف مقابله‪ ،‬أو أن علة القياس مفقودة يف هذه املسائل‬
‫خاص ة‪(( ،‬فليس حكمه ا عن د الق ائلني هبا يف احلقيق ة معتم دا على دلي ل مس تقل‬
‫يسمى "االستحسان"‪ ،‬وإمنا هو معتمد على ما يصلح أن يكون دليال شرعيا لذلك‪،‬‬
‫وإن سكتوا عنه مكتفني بلفظ االستحسان)) (‪.)3()2‬‬

‫هذه احملاولة اليت دافع من خالهلا د‪ .‬البوطي عن حتمية ترك املصلحة املرسلة‬
‫يف حالة معارضتها للقياس عقب عليها د‪ .‬البلتاجي بقوله‪:‬‬
‫() يراجع‪ :‬رمضان البوطي‪ ،‬ضوابط املصلحة‪ ،‬ص ‪ ،207‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة‪-‬بريوت‪ ،-‬ط‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫سادسة ‪1992‬م‪.‬‬
‫() املصدر السابق ص ‪.211‬‬ ‫‪2‬‬

‫()حمم د بلت اجي‪ ،‬من اهج التش ريع اإلس المي يف الق رن الث اين اهلج ري‪ ،‬ص ‪ ،459-458‬ط‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫دار السالم ط‪ .‬أوىل‪ ،‬ط‪2004 .‬م‪.‬‬


‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪16‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫((وأرى‪-‬بعد مراجعة ما ذكره تفصيال يف هذه املسائل‪-‬أن يف هذا التأويل‬


‫نوع ا من البع د ينبغي عدم اللج وء إلي ه يف تكييفه ا الفقهي؛ ألن م ا يص ح عندنا أن‬
‫نطلق عليه دليال شرعيا يف املسألة هو ما جند فيه نصا خاصا من القرآن والسنة‪ ،‬أما‬
‫ما يرجع إىل األصل املتفق عليه الذي راعاه الشارع يف مجيع املسائل والفروع فال‬
‫ميكن أن يعترب حبال دليال شرعيا مبع ىن النص اخلاص يف املس ألة‪ .‬كما أن القول بأن‬
‫علة القياس مفقودة يف بعض هذه املسائل خاصة ينطوى على قدر من التكلف يف‬
‫التأويل‪ ،‬مع أنه ليس هناك حمظور يرتتب على القول برتجيح الرجوع إىل املصلحة‬
‫املرس لة يف مقاب ل قي اس؛ ألن املص لحة هن ا مندرج ة يف مقاص د الش ارع ومقررات ه‬
‫العامة‪ ،‬اليت تآزرت عليها النصوص‪ ،‬وإن مل يشهد هلا أصل خاص باالعتبار بطريق‬
‫مباشر)) (‪.)1‬‬

‫بع د ه ذه العب ارات الواض حة‪ ،‬واالس تدالل املنطقي ال ذي بني من خالل ه د‪.‬‬
‫بلت اجي نظريت ه‪ ،‬أعتق د أن ين ال أحت اج إىل زي ادة يف توض يح ع دم حتمي ة األخ ذ‬
‫بالقي اس إذا أدى التمس ك ب ه إىل ض ياع مص لحة ش رعية معت ربة أو جلب مفس دة‬
‫وضرر‪ .‬كما ال أحتاج إىل زيادة يف بيان أن الضوابط اخلادمية كانت تصاغ بصورة‬
‫غري مركزة‪ ،‬األمر الذي يدعو إىل ضرورة تكثيف اجلهود يف سبيل إثراء قضية ضبط‬
‫االجتهاد املقاصدي‪.‬‬

‫هبذه املناسبة‪ ،‬قد أضطر إىل تكرار منهج االجتهاد الذي تبناه اإلمام الشافعي‬
‫حسب نقل إمام احلرمني اجلويين عنه يف الربهان‪ .‬هذا املنهج هو اآلخر يؤكد على‬
‫أن االلتفات إىل مقاصد الشريعة اليت أطلق عليها اإلمام الشافعي (كليات الشرع)‬
‫أوىل من األخ ذ بالقي اس‪ ،‬حيث يلتفت اجملته د يف ممارس تة االجتهادي ة إىل مقاص د‬
‫الشريعة‪-‬وفق ما عليه اإلمام الشافعي‪-‬أوال قبل اخلوض يف عامل القياس(‪.)2‬‬

‫() يراجع‪ :‬املصدر السابق ص ‪.460-459‬‬ ‫‪1‬‬

‫() يراج ع‪ :‬اإلم ام اجلوي ىن‪ ،‬الربه ان ىف أص ول الفق ه‪ ،‬جـ ‪ 2‬ص‪ ،875-874‬ط‪ .‬دار الوف اء‬ ‫‪2‬‬

‫املنصورة‪ ،‬ط‪ .‬ثالثة ط‪1992 .‬م‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬عبد العظيم حممود الديب‪.‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪17‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫ه ذه ض وابط املص لحة املرس لة ال يت أرج ع إليه ا اخلادمي ض وابط االجته اد‬
‫املقاص دي‪ .‬أم ا ض وابط الع رف والتعلي ل فهي ال تق ل غموض ا عن نظريمها‪ ،‬ب ل رمبا‬
‫أكثر غموضا وبساطة بالنسبة إىل ضوابط العرف‪.‬‬

‫محاولة من الباحث لضبط االجتهاد المقاصدي ‪:‬‬

‫في ض ‪//‬وء م ‪//‬ا س ‪//‬بق عرض ‪//‬ه‪ ،‬ف إنين أَو ُّد أن أش ري إىل بعض األط ر العام ة أو‬
‫القواعد اليت ينبغي أن يلتزم هبا االجتهاد املقاصدي حىت ال يقع يف مستنقع اإلفراط‬
‫والتفريط‪ .‬وهذه القواعد نتيجة الستنتاج ما كتب يف جمال املقاصد‪.‬‬

‫‪-1‬مراعاة ضبط مفهوم التعبد والتعليل‪:‬‬

‫أرى أن هذه قض ية مركزي ة ينبغي أن تبذل فيه ا اجله ود املكثف ة يف الس احة‬
‫الفقهية بوجه خاص يف سبيل جتلية أبعادها إلثراء االجتهاد املقاصدي وضبطه‪ ،‬هذا‬
‫يعود إىل إشكالية منهجية تكمن يف أن املمارسة االجتهادية اليت يقوم هبا اجملتهد قد‬
‫تصل يف قضية معينة‪-‬مناط البحث‪-‬إىل أنه جيب أن يراعى فيها معىن التعبد مع أن‬
‫الالئق هو إحلاق معىن التعليل هبا‪ ،‬والعكس صحيح‪.‬‬

‫ومنشأ هذا كما أعتقد هو التقسيم الثنائي ملعىن االجتهاد املقاصدي‪ .‬ألن‬
‫االجتهاد املقاصدي له معنيان‪:‬‬

‫المع‪// / / /‬نى األول‪ :‬البحث عن أس رار األحك ام‪-‬من أم ر وهني وغريمها‪-‬‬


‫وِح َك ِم ه ا وَمَعاِنْيَه ا وبالت ايل اعتب ار تل ك املع اين واحلكم عن د ممارس ة االجته اد يف‬
‫قض ايا فقهي ة مش اهبة لتأخ ذ حكمه ا بس بب وح دة اِحلكم والِعل ل واملع اين‪ ،‬وه ذا‬
‫اإلجراء يطلق عليـه " التعليل املقاصدي"‪.‬‬

‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪18‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫المع‪//‬نى الث‪//‬اني‪ :‬البحث عن أس رار التص رفات التش ريعية وحكمه ا ومعانيه ا‬
‫يف بعض القض ايا احلكمي ة دون العم ل على تعدي ة تل ك املع اين إىل قض ايا أخ رى‬
‫مشاهبة اكتفاء باألشكال واحلدود اليت حددها الشارع‪.‬‬

‫فمهم ة "االجته اد املقاص دي" األساس ية هي البحث عن األس رار واملع اين‬
‫واحلكم التشريعية اعتمادا على قاعدة مقاصدية معتمدة وهي أن مجيع ما يف الشريعة‬
‫معلل بعلة وحبكمة عرفها َمْن عرفها وخفيْت على من خفيت عليه‪ .‬ففي املعىن الثاين‬
‫لالجته اد املقاص دي ليس هن اك جمال ملع ىن التعب د (ع دم معقولي ة املع ىن)‪ ،‬ألن من‬
‫ضرورات معىن التعبد يف الشريعة بطالن القاعدة املقررة السابقة‪ .‬وبالتايل فإن عدم‬
‫وجدان بعض الفقهاء أو العلماء حكمة بعض األحكام سواء كانت يف العبادات أو‬
‫املعامالت ليس مربرا شرعيا هلدم القاعدة‪ .‬فاليقني بأن مجيع ما يف الشريعة له حكمة‬
‫معين ة من قواع د االجته اد املقاص دي املعت ربة‪ ،‬نص علي ه نص وص كث رية من الق رآن‬
‫والسنة‪.‬‬

‫هذه هي الوظيف ة الرئيسة لالجتهاد املقاصدي مبعنييه‪ .‬ويف هذه النقطة‪ ،‬ال‬
‫نكاد جند مشكلة منهجية‪ ،‬حيث يكاد جيمع اجلميع على هذا املعىن(‪.)1‬‬

‫بع د تقري ر ه ذه املهم ة األساس ية لالجته اد املقاص دي ج اءت املش كلة يف‬
‫املهمة الثانوية له أال وهي‪:‬‬

‫()أحس ن م ا كتب يف االجته اد املقاص دي هبذا املع ىن حس ب تق ديري ه و م ا كتب ه ال دكتور‬ ‫‪1‬‬

‫أمحد الريسوين يف‪ :‬الفكر املقاصدي‪ :‬قواعده وفوائده‪ ،‬حيث إنه انتهى فيه إىل أن األصل يف‬
‫مجي ع م ا يف الش ريعة‪-‬عب ادات ومع امالت وع ادات ومناكح ات وعقوب ات‪-‬معل ل بعل ة ول ه‬
‫حكمته ومقصده‪ .‬هلذا فال أساس ملا قالته د‪ .‬رقية من أن الشاطيب ميز بني أحكام العبادات‬
‫واملعامالت‪ ،‬فاألصل يف أحكام املعامالت التعليل‪ ،‬كما أن األصل يف أحكام العبادات التعبد‬
‫وع دم االلتف ات إىل التعلي ل‪ ،‬وتبع ه يف ذل ك مجي ع من تط رق لدراس ة املقاص د يف العص ر‬
‫احلديث‪ .‬يراجع‪ :‬د‪.‬رقية طه جابر‪ ،‬أثر العرف يف فهم النصوص‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.276‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪19‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫‪ .1‬تعدي‪//‬ة المع‪//‬اني والِح َك م واألس‪//‬رار المعث‪//‬ور عليه‪//‬ا في قض‪//‬ية معين‪//‬ة إلى قض‪//‬ايا‬
‫أخرى مشابهة من حيث المعنى والحكمة لتأخذ حكمها بس‪/‬بب اتحادهم‪/‬ا‬
‫في هذا المعنى وتلك الحكمة‪.‬‬

‫‪ .2‬إدارة األحكام الش‪/‬رعية م‪//‬ع مقاص‪/‬دها وحكمه‪/‬ا وج‪/‬ودا وع‪/‬دما وإج‪/‬راء ه‪/‬ذه‬
‫القاع‪//‬دة كم‪//‬ا س‪//‬بق في العب‪//‬ادات والمع‪//‬امالت‪ .‬هن‪//‬ا نج‪//‬د مش‪//‬كلة منهجي‪//‬ة‬
‫ضخمة ما زالت هي محل اهتمام الباحثين اإلسالميين من جميع األوس‪//‬اط‬
‫والخلفيات‪.‬‬

‫إن املشكلة األساسية يف هذه النقطة هي‪ :‬ما هو املعيار أواألصل املتعامل به‬
‫يف النظر إىل أحكام الشريعة؟ هل األصل هو التعبد أو التعليل؟‪ .‬أو بعبارة أخرى‪:‬‬
‫إذا أراد جمته د م ا أن حيكم يف قض ية م ا‪ ،‬فم ا هي املع ايري ال يت جيب أن حيتكم إليه ا‬
‫واليت تتحكم يف أن هذه القضية املبحوث فيها جيب فيها التعبد أو التعليل؟(‪.)1‬‬

‫على ال رغم من أن ين ق د تعرض ت لقض ية التعب د والتعلي ل بش كل معني فيم ا‬


‫مض ى عن د مناقش ة موق ف الش اطيب منه ا وعن د إي راد إس هام ابن عاش ور ح ول‬
‫األدوار ال يت تلعبه ا املقاص د يف االجته اد‪ ،‬إال أن ين أعتق د أن ه ذه القض ية م ازالت‬
‫حباجة إىل توضيح يف هذه املناسبة ال سيما وحنن بصدد قضية مركزية مهمة وهي‬
‫حماولة لضبط االجتهاد املقاصدي حيث يبدو من تتبع ما كتب يف هذه اجلزئية أهنا‬
‫ما زالت حتتاج إىل ضبط منهجي وبلورة علمية حىت يتضح أمرها بالنسبة للباحثني‬
‫والدارسني‪.‬‬

‫‪‬‬

‫()ومن أحسن ما كتب يف هذه القضية تعليل األحكام‪/‬د‪.‬حممد مصطفى شليب‪ ،‬ط‪.‬دار النهضة‬ ‫‪1‬‬

‫العربية‪ ،‬والتعليل باملصلحة عند األصوليني‪/‬أستاذنا الدكتور رمضان عبد الودود عبد التواب ‪،‬‬
‫ط‪ .‬دار الكتاب اجلامعي‪.‬‬
‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪20‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫أقول‪ :‬إن معاجلة هذه اإلشكالية تعتمد بشكل أساسي على تقسيم الشريعة‬
‫إىل عبادات ومعامالت‪:‬‬

‫أم ا الـعـبـادات‪ :‬فاألص ول منه ا جيب أن نتعام ل معه ا مبنهجي ة موح دة مبع ىن‬
‫أهنا حقوق الشارع‪ ،‬خاصة به‪ ،‬وبالتايل فإن الطريقة الوحيدة ملعرفة هذه احلقوق‬
‫َكًّم ا وَك ْيًف ا وزمانا ومكانا هي ما رمسه وحدده الشارع نفسه للعباد‪ ،‬وبالتايل فإن‬
‫وجد شيء من ذلك جيب الوقوف عنده دون تعدية وال قياس‪ .‬وهذا يعود إىل أن‬
‫هذه املنهجية أساس الدين وإىل أن الشارع كان قصده من العبادات مجلة وتفصيال‬
‫االمتث ال وال دخل العتبار املص احل الظاهرة فيه ا وإن كان فيها مص احل غري ظاهرة‬
‫مجلة (‪ .)1‬ويلحق هبا املقدرات والكفارات والكيفيات‪.‬‬

‫أما فروع العبادات فاألمر فيها تابع لعلماء األمة وفقهائها وجمتهديها‪ .‬فإذا‬
‫ك انت طبيع ة الف روع تقتض ي القي اس والتعدي ة ك ان هبا وإال ف الوقوف عن ده الزم‬
‫اس تنادا إىل أن بعض الفقه اء أج ازوا القي اس يف ف روع العب ادات‪ .‬كتج ويز اجلمهور‬
‫قي اس الص الة باإلمياء‪ -‬س واء أك ان ذل ك باحلاجب ملن عج ز عن القي ام والقع ود‬
‫واإلمياء ب الرأس أم ك ان اإلمياء ب الرأس ملن عج ز عن القي ام والقع ود‪-‬على ج واز‬
‫الص الة قاع دا ملن عج ز عن القي ام جبامع العج ز يف ك ل(‪ .)2‬أم ا أص ول العب ادات‬
‫فيمكن أن منثل هلا بعدم جواز إثبات صالة سادسة ملن أراد أن يستكثر من ذكر اهلل‬
‫ع ز وج ل اعتم ادا على أن مقص د الش ارع من الص الة ه و ذك ر اهلل مص داقا لقول ه‬
‫تع اىل‪ :‬‬
‫‪ ،)3(‬وع دم ج واز ت رك الص الة ملن أدى الص لوات ومل‬

‫()يراجع‪ :‬حممد مصطفى شليب‪ ،‬تعليل األحكام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.297‬‬ ‫‪1‬‬

‫() يراج ع‪ :‬ال رازي‪ ،‬احملص ول ىف علم األص ول‪ ،‬جـ‪ 2‬ص ‪ ،423‬ط‪ .‬دار الكتب العلمي ة‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫ب ريوت‪ ،‬ط‪ .‬أوىل‪ ،‬ط‪1988 .‬م‪ .‬؛رمض ان عب د ال ودود عب د الت واب‪ ،‬دراس ات أص ولية يف‬
‫حجية القياس وأقسامه ص ‪ ،201-200‬ط‪ .‬دار اهلدى للطباعة‪ ،‬القاهرة ط‪.1985 .‬‬
‫()طه‪ ،‬جزء اآلية‪.14 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪21‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫يس تطع أن ينتهي معه ا من الفحش اء واملنك ر‪ ،‬حيث إن مقص د الص الة ال ذي أش ار‬
‫إليه قوله عز وجل ‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪)1( ‬ه و هني املص لى عن ارتك اب الفحش اء واملنك ر مل يع د‬
‫يتحق ق من أدائه ا‪ .‬فالص الة هي أص ل للص الة قائم ا والص الة قاع دا‪ ،‬والص الة إمياء‬
‫سواء أ كان باحلاجب أو بالرأس‪.‬‬

‫والس بب ال ذي جيع ل التعلي ل يف أص ول العب ادات غ ري وارد ويل زم فيه ا‬


‫الوق وف عن د ح دود الش ارع ه و أن العل ة أو احلكم ة ال يت ُتُو ِّص َل إليه ا‪-‬بع د‬
‫البحث‪-‬ال جيزم بأهنا هي املؤثرة يف احلكم ألن هذا اجملال جمال فيه حقوق اهلل غالبة‪.‬‬
‫وبالتايل فإن الوقوف معناه إعطاء اهلل حقه كامال‪ ،‬ألن ما وجد من ذلك من علة‬
‫ق د ال تك ون هي املؤثرة ب ل حيتم ل أن تك ون هن اك عل ل وحكم هي ال يت قص دها‬
‫الش ارع غ ري تل ك العل ة ال يت وج دها اجملته د الب احث‪ .‬ف املعىن املعق ول على وج ه‬
‫اخلص وص ال ذي قص ده الش ارع يف ه ذا اجملال ليس ه و من اط التكلي ف وال يك ون‬
‫نفس معرفته والقصد إليه مكلفا به‪.‬‬

‫ه ذه املنهجي ة ال يت نتعام ل هبا م ع أص ول العب ادات هبذه الص ورة ختتل ف عن‬
‫اليت نتعامل هبا مع املعامالت‪ .‬لكن قبل بيان هذه املنهجية يف املعامالت أوّد أن أشري‬
‫إىل نقطة مهمة تتعلق بالنظام الذي نتعامل به مع مجيع جماالت الشريعة‪ ،‬أال وهي‪:‬‬
‫أنن ا ال ميكن أن نفهم من وج ود التعليالت يف بعض العب ادات ويف كث ري من‬
‫املعامالت نفي التعبد عنها مطلقا‪ .‬وعلى هذا قال العلماء‪ :‬إن حق اهلل ال خيلو منه‬
‫حكم من األحكام الشرعية‪ ،‬مبعىن أن جانب التعبد ال خيلو منه حكم شرعي‪ ،‬سواء‬
‫ما اختص بالعبادات أو ما اختص باملعامالت(‪.)2‬‬

‫()العنكبوت‪ ،‬جزء اآلية‪.45 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫()الشاطيب‪ ،‬املوافقات ىف أصول الشريعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ 2‬ص ‪.316‬‬ ‫‪2‬‬

‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪22‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫إذن‪ ،‬استحض ار أص الة التعب د فيم ا اتس مت ب ه أحك ام الش ريعة اإلس المية‪،‬‬
‫ومراعاته ميكن أن يسهم يف ضبط االجتهاد املقاصدي‪ .‬فالنزعة املقاصدية يف الفهم‬
‫والتأوي ل والفك ر واالجته اد ال تع ين تض ييق مفه وم العب ادة‪ ،‬واألحك ام املتعلق ة هبا‪،‬‬
‫والتوس ع غ ري املنض بط يف جمال أحك ام املع امالت على اعتب ار بنيته ا على التعلي ل‬
‫وااللتفات إىل املصاحل مطلقا‪-‬كما سيتبني بعد قليل‪ ،-‬وإال فإن التوغل يف إضفاء‬
‫التعلي ل باملقاص د يف دائ رة أحك ام املع امالت س يؤدي حتم ا إىل اعتب ار ص فة التب دل‬
‫والتغري يف مجيع ما عدا العبادات‪ ،‬وهذا قد حصل فعال من بعض املعاصرين‪ ،‬ومن مث‬
‫أصبح االجتهاد املقاصدي يسفر عن نتائج غري إجيابية‪ .‬وعلى الرغم من ذلك فإن‬
‫مراعاة التعبد يف خمتلف النواحي ال تعين اجلمود على النصوص يف جمال املعامالت‪.‬‬
‫ألن النص وص املعامالتي ة ج اءت يف الغ الب جممل ة‪ ،‬حمددة ألسس ها العام ة وأطره ا‬
‫الب ارزة‪ ،‬والبحث يف تفاص يلها وجزئياهتا مف وض إىل اجملته دين وف ق م ا تقتض يه‬
‫املصاحل واألحوال(‪.)1‬‬

‫بعد هذا‪ ،‬أبدأ يف توضيح قضية مراعاة االجتهاد املقاصدي للتعبد والتعليل‬
‫يف جمال املعامالت‪ ،‬فأقول‪ :‬إن املبدأ الذي ينبغي أن يرجع إليه اجملتهد ويلتزم به أثن اء‬
‫إج راء االجته اد املقاص دي يف جمال املع امالت ه و أن ه ذا اجملال جمال تك ون الع ربة‬
‫فيه ا أوال هي "جلب املص احل ودرء املفاس د" وبعب ارة أدق‪ :‬إن اجملته د جيب علي ه‪-‬‬
‫وهو بصدد البحث عن حكم يف هذا اجملال‪-‬أن يسعى إىل معرفة املصلحة اليت تبعث‬
‫الشارع على تشريع احلكم مث يسعى‪-‬بعد املعرفة‪-‬إىل حتصيلها بأي طريقة كانت‪،‬‬
‫وحينئ ذ يواج ه أم رين حمتملني‪ :‬إم ا أن يك ون احلكم املنص وص علي ه وتطبيق ه على‬
‫الواقع قادرا على حتصيل تلك املصلحة أو ال‪ .‬فإن كان فإنه يف هذه احلالة جيب عليه‬
‫أن ميش ي م ع احلكم ويبقي ه كم ا ه و وبالت ايل ال جيوز ل ه أن يعم ل مبص لحة أخ رى‬
‫موهوم ة فيغ ري هلا احلكم‪ .‬وإم ا إن يك ون احلكم ال حيق ق املص لحة ال يت ش رع من‬

‫()يراج ع‪ :‬رقي ة ط ه ج ابر العل واين‪ ،‬أث ر الع رف يف فهم النص وص‪ ،‬مرج ع س ابق ص ‪-279‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.280‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪23‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫أجلها فحينئذ يغري إىل حكم آخر ميكن أن يوقع تلك املصلحة يف الواقع(‪ )2‬اعتمادا‬
‫على القاعدة اليت جيب أن يستحضرها دائما وهي أن املصلحة اليت وجدها وحتقق‬
‫منها هي املؤثرة يف تلك القضية اليت أمامها وال يلتفت إىل احتمال أن تكون هناك‬
‫مصاحل أخرى‪-‬حالة عدم عثوره عليها‪ -‬تؤثر دون املصلحة اليت انتهي إليها‪ ،‬اعتبارا‬
‫بأن ما يقع التكليف به هو املصلحة املتحققة دون املصاحل احملتملة‪ .‬واعتمادا كذلك‬
‫على أن ح ق اآلدمي يف جمال املع امالت ه و الغ الب م ع وج ود ح ق اهلل في ه‪ ،‬وأن‬
‫وجود حق اهلل فيه ال حيول دون التعدية والقياس كما ذهب إليه بعض العلماء(‪.)2‬‬

‫هذه املنهجية من شأهنا حتقيق الوئام والتناغم بني النصوص واملصلحة‪ ،‬وهبا‬
‫أيض ا نس تطيع ف ّك إش كالية م ا يت وهم من حص ول ن وع من التع ارض والتن اقض‬
‫بينهم ا‪ ،‬وق د أش رت عن د كالمي عن قض ية املص لحة واملفس دة إىل ه ذه القض ية‬
‫وأمثلتها فال أحتاج إىل تكرارها‪ .‬وهبذه املنهجية أيضا يستطيع اجملتهد ومن يف معناه‬
‫من فقيه وقاض ومفت أن يضبط اجتهاده املقاصدي فيكيف هبا جمال املعامالت من‬

‫()ال يش كل ه ذا الس لوك املنهجي جتاس را على النص وص وإمنا ه و حتقي ق م ا تقص د إلي ه‬ ‫‪1‬‬

‫النصوص‪ ،‬وال يقال أيضا إن هذا التصرف يتعارض مع مبدأ التعبد الذي يف جمال املعامالت‪،‬‬
‫ألن التعب د إذا ك ان معن اه حف ظ ح ق اهلل في ه ف إن معن اه اآلخ ر يف ه ذا اجملال ه و االمتث ال ملا‬
‫كلفنا اهلل به‪ ،‬والتكليف هنا هو السعي إىل حتصيل ما يقصد إليه الشارع الذي ما هو إال‬
‫جلب املصلحة ودرء املفسدة وهو ما ينبغي أن يكون "األصل" كما أمجع عليه اجلميع‪.‬‬
‫() هبذه املناسبة جتدر اإلشارة إىل أن التعبد له معنيان‪ ،‬املعىن األول‪ :‬يطلق التعبد ويعىن به ما ال‬ ‫‪2‬‬

‫يعقل معناه على اخلصوص‪ ،‬وإن فهمت حكمته إمجاال‪ .‬واملعىن الثاين‪ :‬يطلق التعبد ويراد به‬
‫ما يكون فيه حق هلل إذا قصده املكلف بالفعل أثيب عليه ويستحق العقاب على تركه‪ ،‬وهذا‬
‫يس تفاد من جمرد ورود الطلب من الش ارع أم را ك ان أو هني ا‪ ،‬وه ذا املع ىن ال ين ايف القي اس‬
‫والتعدية‪ .‬والذين منعوا التعدية والقياس يف بعض أحكام املعامالت الحظوا معىن التعبد الذي‬
‫يكون فيه حق اهلل‪ ،‬وليس معىن التعبد ب املعىن األول‪ ،‬ألهنم أنفسهم معرتفون بأن األصل يف‬
‫املعامالت هو التعليل‪ .‬يراجع‪ :‬شليب‪ ،‬تعليل األحكام ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.299‬‬
‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪24‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫تعبد إىل تعليل‪ .‬وهبا أيضا يستطيع اجملتهد أن يقلل من جماالت التعبد كما أشار إليه‬
‫اإلمام ابن عاشور من قبل‪.‬‬

‫هبذا العرض املوجز نستطيع أن نصل باطمئنان إىل أن مجيع ما يف الشريعة‪-‬‬


‫عبادة أو معاملة‪-‬معلل بعللل وحكم ومعان وهذا هو األصل‪ .‬وأن ما فيها من تعبد‬
‫يكون استثناء من األصل‪.‬‬

‫‪-2‬التمييز المنهجي بين المقاصد والوسائل‪:‬‬

‫أعتقد أن هذه القضية قضية يف غاية األمهية ينبغي أن تتضافر اجلهود العلمية‬
‫يف س بيل جتليته ا‪ ،‬إذ من ش أهنا أن تس هم يف بل ورة ض وابط االجته اد املقاص دي(‪.)1‬‬
‫وق د أش رت إىل ه ذه القض ية فيم ا س بق بش يء من التفص يل‪ ،‬وال أحت اج إىل إع ادة‬
‫البحث فيها إال بشيء من زيادة بيانات مهمة‪ ،‬فأقول‪:‬‬

‫إذا ك انت قض ية املقاص د‪-‬س واء أ ك انت مقاص د الش ارع أم مقاص د‬
‫املكلفني‪-‬معت ربة حبيث إن املعرف ة التام ة هبا مهم ة وض رورية يف مجي ع جماالت‬
‫االجته اد وعلى وج ه اخلص وص يف عملي ة تنزي ل األحك ام على الواق ع‪ ،‬ف إن البحث‬
‫عن أحس ن الوس ائل ال يت حتق ق تل ك املقاص د وال يت حتدد م ا إذا ك انت مقاص د‬
‫املكلفني يف تص رفاهتم متوافق ة م ع مقاص د الش ارع أو خمالف ة هلا‪ ،‬ال يق ل أمهي ة‬
‫وض رورة عن املعرف ة املقاص دية‪ .‬وبالت ايل ف إن اجلم ود على وس ائل بعينه ا ح ىت ول و‬
‫أدت إىل إبطال املقاصد يؤدي بدوره إىل خمالفة مقاصد الشارع‪ .‬وبناء على هذا‪،‬‬
‫فإن الوسائل غري مطلوبة بشكل دائم بل يكون طلب اإلتيان هبا وعدمه متوقفا على‬
‫ما يؤول إليه أداؤها من حتقيق مقاصدها أو عدم حتقيقها‪ .‬مث إن اإلصرار على وسيلة‬
‫معينة توهم حتقيق مقاصد معينة واالنصراف عن وسيلة منصوصة متحققة هو أيضا‬

‫() أدرج ال دكتور أمحد الريس وين ه ذه القض ية ض من ض وابط االجته اد املقاص دي‪ .‬يراج ع‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫الريسوين‪ ،‬الفكر املقاصدي‪ :‬قواعده وفوائده‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.64‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪25‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫ن وع من خمالف ة مقاص د الش ارع‪ .‬من هن ا تكمن أمهي ة التمي يز املنهجي بني املقاص د‬
‫والوسائل‪.‬‬

‫ولبيان الفرق بني املقاصد والوسائل يف اخلطاب الشرعي أوّد تـقدمي مثال أال‬
‫وهـو قـوله تعاىل‪ :‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ .)1(‬فاهلل تعاىل أمر هنا بإعداد ما ميكن من القوة ومن رباط اخليل‪ ،‬وليس أحد‬
‫منهم ا مقص ودا لذات ه‪ ،‬وإمنا املأمور ب ه األول وه و (الق وة) وس يلة واملأمور ب ه الث اين‬
‫وهو (رباط اخليل) وسيلة الوسيلة‪ .‬واملقصود هو ما عللت به اآلية األمرين معا وه و‬
‫إرهاب العدو‪ .‬مبعىن أن يكون للمسلمني‪-‬مبا أعدوه وتزودوا به من قوة ومن وسائل‬
‫القوة‪-‬هيبة ورهبة يف نفوس أعدائهم‪ ،‬حىت ال يتجرأوا عليهم بغزو أو عدوان فهذه‬
‫هي العل ة واحلكم ة‪ ،‬وه ذا ه و املقص د‪ ،‬ووس يلته التمكن من الق وة‪ ،‬ووس يلة إع داد‬
‫القوة املذكورة هي اخليل ورباط اخليل‪.)2(.‬‬

‫ولع ل من املناس ب مبك ان أن أؤك د على م ا س بقت اإلش ارة إلي ه يف قض ية‬
‫املقاص د والوس ائل؛ أوال‪ :‬أن أحك ام الش رع منه ا م ا ه و مقص ود ومنه ا م ا ه و‬
‫وسيلة‪ .‬ثانيا‪ :‬أمهية التمييز بني ما هو مقصود بذاته يف الشريعة وما هو وسيلة إىل‬
‫املقص ود‪ .‬ثالث ا‪ :‬أن الوس يلة نفس ها ق د تتوق ف على وس يلة أخ رى‪ ،‬وهي وس يلة‬
‫الوسيلة‪ ،‬ويف هذه احلالة تصبح الوسيلة املتوقفة على وسيلة غريها مقصودا بالنسبة‬
‫إىل وسيلتها‪ ،‬فمثل هذه الوسائل هي مقاصد ووسائل يف آن واحد؛ مقاصد بالنسبة‬

‫()األنفال‪ ،‬جزء اآلية‪.60 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫()الريسوين‪ ،‬الفكر املقاصدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫‪2‬‬

‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪26‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫إىل الوس ائل ال يت دوهنا وقبله ا‪ ،‬ووس ائل بالنس بة إىل م ا بع دها مما ه و مطل وب هبا‪.‬‬
‫وميكن تسميتها باملقاصد الوسطية(‪.)1‬‬

‫وإذا ك ان األم ر كم ا قلن ا‪ ،‬ف إن االجته اد املقاص دي ينبغي أن يرك ز على‬


‫املقاص د والوس ائل‪ ،‬إال أن ترك يزه على املقاص د واهتمام ه هبا ينبغي أن يك ون أكثر‬
‫وأش د من ه بالوس ائل‪ ،‬ألن الث اين نس يب‪ ،‬فيك ون ق ابال لالجته اد يف حتقيق ه ومفتوح ا‬
‫للنقاش حول صالحيته‪ .‬أما األول فمعياري أو موضوعي‪.‬‬

‫وهلذا وجب الق ول بأولوي ة املقاص د على الوس ائل‪ ،‬حبيث تك ون العناي ة‬
‫باملقاصد أكثر منها بالوسائل‪ ،‬ويكون التساهل واملرونة يف الوسائل أكثر مما ميكن‬
‫أن يك ون يف املقاص د‪ .‬ويك ون التغي ري واالس تبدال يف الوس ائل ال يف املقاص د‪.‬‬
‫فاملقاصد ثابتة والوسائل قابلة للتغيري والتكييف‪.‬‬

‫من أمثلة ذلك‪ :‬زكاة الفطر اليت أمر هبا النيب ‪ ،‬عن أيب سعيد اخلدري ‪‬‬
‫ق ال‪ :‬ف رض رس ول اهلل ‪ ‬ص دقة الفط ر ص اعا من طع ام‪ ،‬أو ص اعا من ش عري‪ ،‬أو‬
‫صاعا من متر‪ ،‬أو صاعا من أقط‪.‬‬

‫هذا النص يثري تساؤال منهجيا يف قضية االجتهاد املقاصدي وهو هل حتديد‬
‫هذه األصناف أمر تعبدي مطلوب لذاته؟ أي هل طلب هذه األصناف طلب الغاية‬
‫أو املقصد؟ أم أهنا مطلوبة طلب الوسيلة؟ ما املقصود من زكاة الفطر؟ ومعروف أن‬
‫املقصد إذا حتدد ظهر أن ما سواه وسائل‪.‬‬
‫ق ال ابن عب اس ‪ ‬يف حتدي د مقص د زك اة الفط ر‪ :‬ف رض رس ول اهلل ‪‬‬
‫زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث‪ ،‬وطعمة للمساكني(‪.)2‬‬

‫()نفس املصدر والصفحة‪..‬‬ ‫‪1‬‬

‫()أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب‪ :‬الزكاة‪ ،‬باب‪ :‬زكاة الفطر‪ ،‬رقم‪.1609 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪27‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫يالح ظ‪-‬كم ا ي داللنص‪-‬أن الزك اة هلا مقص دان‪ :‬مقص د للم زكي وه و‬
‫تطه ريه وتزكي ة نفس ه‪ .‬ومقص د آلخ ذ الزك اة‪-‬الفق ري‪-‬وه و س ّد خل ة املس اكني‬
‫والفقراء يوم العيد‪.‬‬

‫وقد أشار إىل هذا التعليل والتقصيد أيضا اإلمام الشوكاين يف نيل األوطار‬
‫فق ال‪(( :‬والعل ة ال يت ش رعت هلا الفط رة يف الغ ين والفق ري‪-‬وهي التطه ر من اللغ و‬
‫وال رفث واعتب ار كون ه واج دا لق وت ي وم وليل ة‪ -‬أم ر ال ب د من ه ألن املقص ود من‬
‫شرع الفطرة إغناء الفقراء يف ذلك اليوم كما أخرجه البيهقي والدارقطين عن ابن‬
‫عمر قال‪ :‬فرض رسول اهلل ‪ ‬زكاة الفطر وقال أغنوهم يف هذا اليوم‪ ،‬ويف رواية‬
‫للبيهقي أغنوهم عن طواف هذا اليوم)) (‪.)1‬‬

‫إذن‪ ،‬فاملقص د املعت رب من ش رعية زك اة الفط ر ه و حتقي ق كفاي ة الفق راء‬


‫واملس اكني يف ي وم العي د وإغن اؤهم عم ا اعت ادوه من التس ول والبحث عن لقم ة‬
‫العيش‪ ،‬لكي يستمتعوا بالعيد وبراحته‪ ،‬وبسعادته‪ .‬وإذا ظهر أن هذا هو املقصود‪،‬‬
‫فقد ((ظه ر أن حتديد م ا حدد من أص ناف األطعمة ليس مقص ودا لذات ه‪ ،‬وإمنا هو‬
‫حتديد ظريف ألنسب الوسائل وأبلغها يف حتقيق املقصود‪ .‬ولذلك جند مجهور الفقهاء‬
‫قدميا وحديثا ال يرون ضرورة االلتزام باألمساء واملسميات املذكورة)) (‪ .)2‬قال ابن‬
‫القيم‪(( :‬هذا قول مجهور العلماء وهو الصواب الذي ال يقال بغريه‪ ،‬إذ املقصود سّد‬
‫خل ة املس اكني ي وم العي د ومواس اهتم من جنس م ا يقتات ه أه ل بل دهم وعلى ه ذا‬
‫فيجزئ إخراج الدقيق وإن مل يصح فيه احلديث)) (‪.)3‬‬

‫()اإلمام الشوكاين‪ ،‬نيل األوطارجـ‪ 4‬ص ‪ ،258‬ط‪ .‬دار اجليل‪-‬بريوت‪ ،‬ط‪1973.‬م‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫()الريسوين‪ ،‬الفكر املقاصدي قواعده وفوائده‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.69‬‬ ‫‪2‬‬

‫()اإلم ام ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعني عن رب الع املني‪ ،‬مرج ع س ابق‪ ،‬جـ‪ 3‬ص ‪ ،12‬دار اجلي ل‪-‬‬ ‫‪3‬‬

‫بريوت‪ ،‬ط‪ 1973 .‬م ت‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪.‬‬


‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪28‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫إن بإمكانن ا الق ول ب أن توس ع الفقه اء وتس اهلهم يف أص ناف األطمع ة‬


‫واألموال اليت تؤدى منها زكاة الفطر مبا يف ذلك القيمة النقدية يرجع إىل االجتهاد‬
‫املقاصدي الذي يركز على التمييز املنهجي بني املقصد املطلوب والوسيلة النسبية‪.‬‬

‫ف إذا ك ان أم ر الوس يلة النس بية حبيث ين وب بعض ها عن بعض يف حتقي ق‬


‫املقاص د ف إن التش دد يف أمره ا ق د يش كل عائق ا وعقب ة يف حتص يل املقاص د‪ ،‬األم ر‬
‫الذي جيعل التغاضي والتساهل يف الوسيلة مطلوب جتنبا حلصول ذلك‪ .‬وينبغي أن‬
‫يفهم أن هذا هو معىن أولوية املقاصد على الوسائل(‪.)1‬‬

‫‪-3‬مراعاة القواعد المقاصدية(‪:)2‬‬

‫تع د قض ية تقعي د العل وم من الوس ائل الناجع ة يف حتقي ق نض جها وض بطها‪.‬‬


‫وعلم املقاص د يف ال وقت ال راهن يش هد مي وال كب رية وبش كل ب ارز من العلم اء‬
‫املعاص رين يف االهتم ام ب ه والرتك يز علي ه وتقعي د قواع دها ابت داء باإلم ام الش اطيب‬
‫وانتهاء بعبد الرٰمحن الكيالين(‪.)3‬‬

‫يعترب تقعيد املقاصد بقواعد حمددة ومن مث مراعاة االجتهاد املقاصدي تلك‬
‫القواعد أثن اء إجراءات ه االجتهادي ة من الوس ائل ال يت ميكن أن تس هم يف ض بط ذل ك‬
‫الن وع من االجته اد وتوجيه ه‪ .‬ذل ك أن االلتف ات إىل جزئي ات مبع ثرة يف املقاص د‬
‫() ملزيد من التفاصيل يراجع‪ :‬الريسوين‪ ،‬الفكر املقاصدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪،72-64‬‬ ‫‪1‬‬

‫()إن ض رورية القواع د املقاص دية بالنس بة لالجته اد املقاص دي أم ر ط بيعي ألن االجته اد‬ ‫‪2‬‬

‫املقاصدي حالة خمالفته تلك القواعد ال يعىن إال خمالفته للمقاصد نفسها‪ .‬شأنه يف ذلك شأن‬
‫الفتوى اليت ختالف القواعد الفقهية أو القواعد األصولية‪ ،‬فكال األمرين ال يصح‪.‬‬
‫()يالح ظ أن اإلم ام الش اطيب ق د ق ام بتقعي د املقاص د يف مواض ع مبع ثرة يف املوافق ات‪ ،‬وق ام‬ ‫‪3‬‬

‫بتنظيمه ا الريس وين يف مبحث من مب احث "نظري ة املقاص د عن د الش اطيب" ل ه ص ‪-280‬‬
‫‪ ،284‬مث قام الكيالين بإفراد هذه القواعد يف حبث مستقل لنيل درجة دكتوراه حتت عنوان‪:‬‬
‫قواعد املقاصد عند اإلمام الشاطيب‪ :‬عرضا ودراسة وحتليال‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر للطباعة والتوزيع‬
‫والنشر‪-‬سوريا‪ -‬واملعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ .‬ط‪ .‬أوىل‪ ،‬ط‪2000 .‬م‪..‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪29‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫دون االهتمام بكلياهتا وقواعدها سيخرج باألفهام واالجتهادات عن مرمى املقاصد‬


‫وحكمة التشريع‪ .‬فكما أن عدم مراعاة املقاصد ميكن أن ينجم عنه قصور يف الرؤي ة‬
‫والتأويل واالجتهاد‪ ،‬فكذا األمر بالنسبة للغلو والتطرف يف استعماهلا دون ضبواط‬
‫أو حدود‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬أمهية هذه القواعد املقصدية يف عملية ضبط االجتهاد املقاصدي تكمن‬
‫يف أهنا تض بط اجلزئي ات والف روع املندرج ة حتته ا‪ .‬ألن استحض ار الكلي ات‬
‫واس تدعاءها عن د دراس ة اجلزئي ات من األم ور املنهجي ة الض رورية‪ ،‬فال يص ح فص ل‬
‫اجلزئي عن الكلي‪ ،‬ألن اجلزئيات حمكومة بالكليات‪ :‬قال الشاطيب‪(( :‬فمن الواجب‬
‫اعتب ار تل ك اجلزئي ات هبذه الكلي ات عن د إج راء األدل ة اخلاص ة من الكت اب والس نة‬
‫واإلمجاع والقي اس‪ ،‬إذ حمال أن تك ون اجلزئي ات مس تغنية عن كلياهتا‪ .‬فمن أخ ذ‬
‫بنص مثال ىف جزئي معرضا عن كليه فقد أخطأ‪ .‬وكما أن من أخذ باجلزئي معرضا‬
‫عن كليه فهو خمطئ كذلك من أخذ بالكلي معرضا عن جزئيه(‪.)1‬‬

‫فكم ا أن القواع د املقاص دية مهم ة يف ض بط األم ور اجلزئي ة حيث ال خترج‬


‫عن الكلي ات‪ ،‬فال خيفى أيض ا دوره ا وأمهيته ا يف نفي التع ارض والتن اقض بني‬
‫األحك ام املس تنبطة وف ق إج راء املقاص د وإعماهلا‪ .‬فمن خالل تل ك املقاص د ميكن‬
‫توجيه األنظار والتأويالت مبنظور ينتفي فيه التعارض والتناقض‪.‬‬

‫يف ضوء ما سبق‪ ،‬نستطيع القول بأن تقعيد املقاصد والتوجه حنو تطبيق تلك‬
‫القواعد لالستفادة منها يف التأويل واالستنباط واالجتهاد ميكن أن يسهم يف ضبط‬
‫التوج ه املقاص دي يف جمال فهم النص وص وتأويله ا وتطبيقه ا وف ق مقاص ديتها‪ ،‬وأن‬
‫القواع د املقاص دية من الض وابط املهم ة ال يت ينبغي مراعاهتا يف االجته اد املقاص دي‬

‫()الش اطيب‪ ،‬املوافق ات يف أص ول الش ريعة‪ ،‬مرج ع س ابق‪،‬جـ‪ 3‬ص ‪ ، 8‬ويراج ع ملزي د من‬ ‫‪1‬‬

‫التفص يل ح ول مكان ة القواع د املقاص دية يف التش ريع‪ :‬الكيالين‪ ،‬قواع د املقاص د ص ‪-102‬‬
‫‪.122‬‬
‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪30‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫اليت ميكن أن يسوق إغفاهلا وإمهال البحث فيها إىل اإلفراط أو التفريط يف هذا اجملال‬
‫املهم‪.‬‬

‫‪-4‬ترتيب المصالح والمفاسد‪:‬‬

‫إذا ك ان املع روف يف املمارس ات االجتهادي ة الفقهي ة أن اجملته د‪-‬ومن يف‬


‫معن اه‪-‬ينبغي أن ي راعي املص احل ويس عى إىل حتقيقه ا بطريق ة تتواف ق م ع مقاص د‬
‫الش رع‪ ،‬فاملش كلة ال يت تواج ه اجملته د أثن اء ه ذه العملي ة هي أن املص احل ال يت أمام ه‬
‫واليت هو مكلف بتحقيقها وحتصيلها تتعدد وتتنوع وتتفاضل‪ ،‬ورمبا يعارض بعضها‬
‫بعض ا ‪ .‬وكم ا يك ون التفاض ل يف احملاس ن واحلس نات‪ ،‬يك ون التف اوت يف املس اوئ‬
‫والسيئات‪ .‬وهذا هو ما يعرب عنه باختالف رتب املصاحل واملفاسد‪.‬‬

‫يق ول ابن عب د الس الم ((واملص احل واملفاس د يف رتب متفاوت ة‪ .‬وعلى رتب‬
‫املص احل ت رتتب الفض ائل يف ال دنيا واألج ور يف العق ىب‪ .‬وعلى رتب املفاس د ت رتتب‬
‫الصغائر والكبائر وعقوبات الدنيا واآلخرة)) (‪.)1‬‬

‫وق د أش ار أيض ا اإلم ام الق رايف إىل أن الق رآن الك رمي ق د أش ار إىل التمي يز‬
‫الرتتييب بني املصاحل واملفاسد‪ .‬فقال ‪(( :‬وقد ورد الكتاب العزيز باإلشارة إىل الفرق‬
‫يف قول ه تع اىل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ .)2(‬فجع ل للمعص ية رتب ا ثالث ا‪ :‬كف را‪،‬‬
‫وفسوقا وهو الكبرية‪ ،‬وعصيانا وهي الصغرية‪ .‬ولو كان املعىن واحدا لكان اللفظ‬
‫يف اآلية متكررا ال مبعىن مستأنف وهو خالف األصل)) (‪.)3‬‬

‫()اإلمام العز بن عبد السالم‪ ،‬قواعد األحكام يف مصاحل األنام جـ‪ 1‬ص ‪ ،29‬ط‪ .‬دار الكتب‬ ‫‪1‬‬

‫العلمية‪-‬بريوت‪ -‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬


‫() احلجرات‪ ،‬جزء اآلية‪.7 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫()اإلمام القرايف‪ ،‬الفروق جـ ‪ 4‬ص ‪ ،66‬ط‪.‬عامل الكتب‪ ،‬د‪.‬ط‪ .‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪31‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫وإذا ما تصفحنا القرآن الكرمي والسنة النبوية سنجد أن هناك نصوصا كثرية‬
‫تشري إىل تفاضل املصاحل وتفاوت املفاسد‪ ،‬كقـوله تعاىل‪ :‬‬
‫ه‬ ‫‪ )1( ‬وقول‬
‫‪‬‬
‫‪ )2( ‬ففي ه اتني‬
‫اآليتني قرر القرآن الكرمي التفاضل مث أرشد إىل ترجيح ما هو أفضل‪ .‬وإىل املفاضلة‬
‫بني املص احل أش ار قول ه تع اىل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ )3(‬وقوله ‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪.)4(‬‬

‫أم ا إش ارة الس نة النبوي ة إىل ه ذا فعلى س بيل املث ال قول ه ‪«:‬أال أخ ربكم‬
‫بأفضل درجة من درجة الصيام والصالة والصدقة؟ قالوا‪ :‬بلى يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫إصالح ذات البني‪ ،‬فإن فساد ذات البني هي احلالقة»(‪ .)5‬ومثله كثري‪.‬‬

‫() البقرة‪ ،‬جزء اآلية‪.61 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() البقرة‪ ،‬جزء اآلية‪.263 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() التوبة‪ ،‬جزء اآلية‪.19 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() احلديد‪ ،‬جزء اآلية‪.10 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرج ه أب و داود‪ ،‬كت اب‪ :‬األدب‪ ،‬ب اب‪ :‬إص الح ذات ال بني‪ ،‬رقم احلديث‪.4919 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫واحلالقة أي اخلصلة اليت من شأهنا أن حتلق الدين وتستأصله كما استأصل املوسى الشعر‪.‬‬
‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪32‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫أم ا بالنس بة إىل ج انب املفاس د وال رتتيب بينه ا حس ب درج ة فس ادها‬
‫وض ررها وخطره ا فاآلي ات القرآني ة ال ىت تنص على ذل ك كث رية مث ل قول ه تع اىل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ .)2()1(‬ومن األح اديث النبوي ة‬
‫الواردة يف هذا الشأن قوله ‪« :‬اتقوا السبع املوبقات‪ :‬اإلشراك باهلل‪ ،‬والسحر‪،‬‬
‫وقت ل النفس‪ ،‬وأك ل الرب ا‪ ،‬وأك ل أم وال الي تيم‪ ،‬والت ويل ي وم الزح ف‪ ،‬وق ذف‬
‫احملصنات الغافالت املؤمنات»(‪.)3‬‬

‫() النساء‪ ،‬اآلية‪.31 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فسر اإلمام ابن عاشور هذه اآلية بطريقة تؤكد على تفاضل املفاسد ‪ .‬فقال‪(( :‬وقد دلت‬ ‫‪2‬‬

‫إض افة (كب ائر) إىل (م ا تنه ون عن ه) على أن املنهي ات قس مان‪ :‬كب ائر‪ ،‬ودوهنا‪ ،‬وهي ال يت‬
‫تسمى الصغائر‪-‬وصفا بطريق املقابلة‪-‬وقد مسيت هنـا سيئـات‪...‬وقـال يف آية النجم‪32 ،‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬فس مى الكب ائر ف واحش‬
‫ومسى مقابله ا اللمم‪ .‬فثبت ب ذلك أن املعاص ي عن د اهلل قس مان‪ :‬مع اص كب رية فاحش ة‪،‬‬
‫ومع اص دون ذل ك‪ ...‬مث ق ال ((ومن الس لف من ق ال‪ :‬ال ذنوب كله ا س واء إن ك انت عن‬
‫عمد‪ .‬وعن أيب إسحاق اإلسفراييين أن الذنوب كلها سواء‪ ،‬مطلقا‪ ،‬ونفى الصغائر‪ .‬وهذان‬
‫قوالن واهيان‪ ،‬ألن األدلة شاهدة بتقسيم الذنوب إىل قسمني‪ ،‬وألن ما تشتمل عليه الذنوب‬
‫من املفاس د متف اوت أيض ا‪ .‬وىف األح اديث الص حيحة إثب ات ن وع الكب ائر‪ ،‬وأك رب‬
‫الكبائر‪...‬فمن العجائب أن يقول قائل‪ :‬إن اهلل مل مييز الكبائر عن الصغائر ليكون ذلك زاجرا‬
‫للن اس عن اإلق دام على ك ل ذنب)) ابن عاش ور‪ ،‬التحري ر والتن وير‪ /‬جـ ‪ ،5/26،27‬ط‪ .‬دار‬
‫سحنون للنشر والتوزيع‪ -‬تونس‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫() أخرج ه البخ اري يف ص حيحه‪ ،‬كت اب‪ :‬احلدود‪ ،‬ب اب‪ :‬رمي احملص نات‪ ،‬رقم‪6465 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ومسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب‪ :‬اإلميان‪ ،‬باب‪ :‬بيان الكبائر وأكربها‪ ،‬رقم‪. 89 :‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪33‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫بناء على هذا التأصيل القرآين والنبوي لرتاتب املصاحل واملفاسد وتفاضلها‬
‫انطلق عامة العلماء يف نظرهم إىل أحكام الشرع وأوامره ونواهيه على أهنا ليست‬
‫يف منزلة واحدة كما أهنا ليست ذات أمهية واحدة‪.‬‬

‫ويف فق ه الفقه اء وتقس يمات األص وليني جند ه ذا املنهج الرتتي يب‪-‬ص رحيا أو‬
‫ضمنيا‪ -‬وجند خصوصية الرؤية ووضوح التعبري عند علماء املقاصد‪ .‬فيعربون عن‬
‫هذه املراتب مبراتب املصاحل واملفاسد‪.‬‬

‫قال اإلمام الشاطيب مثال‪(( :‬الفعل يعترب شرعا مبا يكون عنه من املصاحل أو‬
‫املفاسد‪ .‬وقد بني الشرع ذلك ومّي ز بني ما يعظم من األفعال مصلحته فجعله ركنا‬
‫أو مفس دته فجعل ه كب رية‪ ،‬وبني م ا ليس ك ذلك فس ماه ىف املص احل إحس انا وىف‬
‫املفاس د ص غرية‪ .‬هبذه الطريق ة يتم يز م ا ه و من أرك ان ال دين وأص وله وم ا ه و من‬
‫فروعه وفصوله‪ ،‬ويعرف ما هو من الذنوب كبائر وما هو منها صغائر‪ ،‬فما عظمه‬
‫الش رع ىف املأمورات فه و من أص ول ال دين وم ا جعل ه دون ذل ك فمن فروع ه‬
‫وتكميالته‪ ،‬وما عظم أمره ىف املنهيات فهو من الكبائر وما كان دون ذلك فهو من‬
‫الصغائر وذلك على مقدار املصلحة أو املفسدة))(‪.)1‬‬

‫وقد أشار اإلمام العز أيضا إىل املعىن بنفس الوضوح فقال‪(( :‬مفسدة فوات‬
‫األعض اء واألرواح أعظم من مفس دة ف وات األبض اع‪ .‬ومفس دة ف وات األبض اع‬
‫أعظم من مفسدة فوات األموال‪ ،‬ومفسدة فوات األموال النفيسة أعظم من مفسدة‬
‫فوات األموال اخلسيسة‪ ،‬ومفسدة هالك اإلنسان أعظم من مفسدة هالك احليوان))‬
‫(‪.)2‬‬

‫وتفاضل املص احل وتنازعها ي ّربران النظرية القائلة‪ :‬بأنه إذا كانت املصاحل‪-‬‬
‫بأي وجه كانت‪ -‬معتربًة من حيث النظرية‪ ،‬فإنه ليس كل مصلحة تراعى ويؤخذ‬
‫()الشاطيب‪ ،‬املوافقات ىف أصول الشريعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬جـ‪ 1‬ص‪. 213‬‬ ‫‪1‬‬

‫()اإلمام العز بن عبد السالم‪ ،‬قواعد األحكام ىف مصاحل األنام‪ ،‬مرجع سابق‪،‬جـ‪ 1‬ص ‪.74‬‬ ‫‪2‬‬

‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪34‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫هبا ويلتفت إليه ا من حيث التط بيق‪ .‬ألن املص احل ق د ت تزاحم وعندئ ذ نلج أ إىل‬
‫ال رتجيح وه و يقتض ي أن نأخ ذ بالفاض ل ون رتك املفض ول‪ .‬من هن ا ن درك أمهي ة‬
‫وض رورة ت رتيب املص احل واملفاس د‪ ،‬ومن مث ال تزام اجملته د هبذا ال رتتيب‪ ،‬وإن انته اك‬
‫هذا الرتتيب يعترب خمالفة لضوابط االجتهاد املقاصدي‪ .‬هذا ومن مقتضيات ترتيب‬
‫املصاحل واملفاسد حسب قيمتها ومصلحتها أن نسعى إىل حتصيل األصلح بتفويت‬
‫املصاحل وأن ندرأ األفسد بارتكاب املفاسد‪ .‬وأن ال يكون حتصيل مصلحة ما يرتتب‬
‫علي ه تف ويت مص لحة أك رب‪ .‬وه ذا ه و نفس م ا أك د علي ه اخلادمي ورمض ان‬
‫البوطي(‪.)1‬‬

‫الخاتمة‬
‫ه ذه هي قواعد االجته اد املقاص دي وض وابطه ال ىت يك ون إمهاهلا والعبث‬
‫هبا وس يلة توص ل إىل اإلف راط والتفري ط يف فهم وتفس ري النص وص وف ق مقاص ديتها‬
‫ويف االجتهاد حسب املقاصد‪ .‬وينبغي اإلشارة إىل أن هذه الضوابط اليت وضعناها‬
‫هي نتيجة تتبع وتقٍّص حملاوالت مبعثرة من علماء املقاصد يف مؤلفاهتم‪ ،‬وال أعتقد‬
‫أن هذه احملاولة تناقش موضوعا جديدا خارجا عن ما عند علمائنا األفذاذ‪ ،‬وما هي‬
‫إال توضيح ما طرأ عليه غبار عرب التاريخ‪ .‬وىف اخلتام أود أن أسجل أهم ما توصلنا‬
‫إليه يف البحث وهو كما يلى ‪:‬‬

‫‪-1‬إن اعتب ار مقاص د الش ريعة يف املمارس ات االجتهادي ة ب ل يف التفك ري اإلس المي‬
‫ليس مهما فقط بل أصبح ضرورة منهجية لتحقيق االجتهاد الذى أراده الشارع ىف‬
‫تنزيله األحكام على الوقائع والنوازل واألحداث‪.‬‬
‫‪-2‬وىف س بيل حتقي ق مهم ة االجته اد املقاص دي كم ا أراده اهلل ينبغى أن يلتفت‬
‫وينضبط بالضوابط كي يتخلص من االفراط والتفريط‪ .‬ومن أمهها أن يفهم جيدا مث‬

‫()يراج ع‪ :‬اخلادمي‪ ،‬االجته اد املقاص دي‪ ،‬مرج ع س ابق‪ ،‬ص ‪ ،44‬س عيد رمض ان الب وطي‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ضوابط املصلحة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.217‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪35‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫متي يز بني اجملالني من األحك ام ومها جمال التعب د والتعلي ل كم ا ه و مش ار إلي ه يف‬
‫البحث‪.‬‬
‫‪-3‬إن الكتابات املعاصرة حول موضوع الضوابط والقواعد يف االجتهاد املقاصدي‬
‫مازالت نادرة ومازلنا ىف أمس احلاجة إىل اجلهود الزائدة وعليه فإن اجلهود ينبغى أن‬
‫تتضافر إلثراء هذه القضية وأقرتح أن يكون من أوليات الدراسات األكادميية على‬
‫مستوى أطروحات الدكتوراه واملاجستري‪.‬‬

‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪36‬‬
‫مستخلص البحث‬

‫املصادر واملراجع ‪:‬‬


‫ابن زغيبة‪ ،‬مقاصد الشريعة‪ ،‬ط‪ .‬دار الصفوة‪-‬القاهرة ط‪ .‬أوىل‪ ،‬ط‪1996 .‬م‬
‫ابن عاشور‪ ،‬التحرير والتنوير‪ ،‬ط‪ .‬دار سحنون للنشر والتوزيع‪ -‬تونس‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ابن عاش ور‪ ،‬مقاص د الش ريعة‪ ،‬ط‪ .‬دار النف ائس‪-‬األردن‪ -‬ط‪ .‬ثاني ة‪ ،‬ط‪ 2001 .‬م ت‪ :‬حمم د‬
‫الطاهر امليساوي‪.‬‬
‫أبو داود‪ ،‬سنن أيب داود‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪ ،‬ت‪ :‬حممد حمي الدين عبد احلميد‬
‫أمحد الريسوين‪ ،‬الفكر املقاصدي‪ :‬قواعده وفوائده‪ ،‬ط‪.‬دار اهلادي‪-‬بريوت‪ ،‬ط‪.‬أوىل‪200،‬م‪.‬‬
‫اإلم ام ابن القيم‪ ،‬إعالم املوقعني عن رب الع املني‪ ،‬دار اجلي ل‪-‬ب ريوت‪ ،‬ط‪ 1973 .‬م ت‪ :‬ط ه عب د‬
‫الرؤوف سعد‪.‬‬
‫اإلم ام اجلويىن‪ ،‬الربه ان ىف أصول الفقه‪ ،‬ط‪ .‬دار الوف اء املنص ورة‪ ،‬ط‪ .‬ثالثة ط‪1992 .‬م‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬عب د‬
‫العظيم حممود الديب‪.‬‬
‫اإلمام الشوكاين‪ ،‬نيل األوطار‪ ،‬ط‪ .‬دار اجليل‪-‬بريوت‪ ،‬ط‪1973.‬م‪.‬‬
‫اإلمام العز بن عبد السالم‪ ،‬قواعد األحكام يف مصاحل األنام ‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪-‬بريوت‪-‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫اإلمام القرايف‪ ،‬الفروق‪ ،‬ط‪.‬عامل الكتب‪ ،‬د‪.‬ط‪ .‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫اإلمام مالك‪ ،‬املوطأ‪ ،‬ط‪.‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬مصر‪ ،‬ت‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‬
‫اإلمام مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬ط‪ .‬دار إحياء الرتاث العريب‪ -‬بريوت ط‪ ،1972.‬ت‪ :‬حممد فؤاد‬
‫عبد الباقي‬
‫البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬ط‪ .‬دار ابن كثري‪ ،‬اليمامة‪-‬بريوت ط‪1407.‬هـ– ‪1987‬م ط‪.‬ثالثة‪،‬‬
‫ت‪ :‬د‪ .‬مصطفى ديب البغا‪.‬‬
‫الرازي‪ ،‬احملصول ىف علم األصول‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪-‬بريوت‪ ،‬ط‪ .‬أوىل‪ ،‬ط‪1988 .‬م‪.‬‬
‫رقية طه جابر‪ ،‬أثر العرف يف فهم النصوص‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‪-‬سوريا ط‪ .‬أوىل‪ ،‬ط‪2003 .‬م‪.‬‬
‫رمضان البوطي‪ ،‬ضوابط املصلحة‪ ،‬ط‪ .‬مؤسسة الرسالة‪-‬بريوت‪ ،-‬ط‪ .‬سادسة ‪1992‬م‪.‬‬
‫رمضان عبد الودود عبد التواب‪،‬التعليل باملصلحة عند األصوليني ‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتاب اجلامعي‪.‬‬

‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪37‬‬


‫ضوابط العمل‬

‫رمض ان عب د ال ودود عب د الت واب‪ ،‬دراس ات أص ولية يف حجي ة القي اس وأقس امه‪ ،‬ط‪ .‬دار اهلدى‬
‫للطباعة‪ ،‬القاهرة ط‪.1985 .‬‬
‫الشاطيب‪ ،‬املوافقات ىف أصول الشريعة‪ ، ،‬ط‪ .‬دار املعرفة‪-‬بريوت‪ -‬ت‪ :‬الشيخ عبد اهلل دراز‪.‬‬
‫عبد الرمحن الكيالين‪،‬قواعد املقاصد عند اإلمام الشاطيب‪ :‬عرضا ودراسة وحتليال‪ ،‬ط‪ .‬دار الفكر‬
‫للطباعة والتوزيع والنشر‪-‬سوريا‪ -‬واملعهد العاملي للفكر اإلسالمي‪ .‬ط‪ .‬أوىل‪ ،‬ط‪2000 .‬م‪.‬‬
‫عم ر عبي د حس نة‪ ،‬مق االت يف التفك ري املقص دي‪ ،‬ط‪.‬املكتب اإلس المي‪-‬ب ريوت‪ ،‬ط‪.‬أوىل‪،‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫حمم د بلت اجي‪ ،‬من اهج التش ريع اإلس المي يف الق رن الث اين اهلج ري‪ ،‬ط‪ .‬دار الس الم ط‪ .‬أوىل‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪2004‬م‪.‬‬
‫حممد مصطفى شليب‪،‬تعليل األحكام‪ ، ،‬ط‪.‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫نور الدين اخلادمي‪ ،‬االجتهاد املقاصدي‪ ،‬كتاب األمة‪ ،‬قطر‪1998 :‬م‪.‬‬

‫]‪[Type text‬‬
‫‪JICSA Volume 03- Number 02, Dec 2014‬‬ ‫‪38‬‬

You might also like