You are on page 1of 196

‫مجلة علمية محكمة سداسية‬

‫تصدر عن‬
‫كلية احلقوق والعلوم السياسية‬
‫جامعة البشري اإلبراهيمي ‪-‬برج بوعريريج‪-‬‬
‫اجلزائر‬

‫ر د م‪2477-9970‬‬ ‫أفريل ‪2021‬‬ ‫العدد التاسع ‪9‬‬


‫‪2016‬م‬
‫مجلة البيبان للدراسات القانونية والسياسية‬

‫مجلة علمية سداسية تصدر عن كلية الحقوق والعلوم السياسية‬


‫جامعة برج بوعريريج‬

‫مدير النشر الشرفي‪:‬‬


‫أ‪.‬د‪ ،‬بن بوبرتة عبد احلق ‪ -‬رئيس جامعة حممد البشري اإلبراهيمي برج بوعريريج‪.‬‬

‫مدير المجلة‪:‬‬
‫د‪ ،‬فرشة كمال ‪ -‬عميد كلية احلقوق والعلوم السياسية جامعة برج بوعريريج‪.‬‬

‫رئيس التحرير‪:‬‬
‫د‪ ،‬خلضر رفاف ‪ -‬أستاذ كلية احلقوق والعلوم السياسية جامعة برج بوعريريج‪.‬‬

‫نائب رئيس التحرير‪:‬‬


‫أ‪ ،‬رفيق زأو ي ‪ -‬أستاذ كلية احلقوق والعلوم السياسية جامعة برج بوعريريج‪.‬‬

‫مستشار التحرير‪:‬‬
‫أ‪ ،‬عياش محزة ‪ -‬أستاذ كلية احلقوق والعلوم السياسية جامعة برج بوعريريج‪.‬‬

‫أمانة التحرير‪:‬‬
‫أ‪ ،‬عجريي عبد الوهاب ‪ -‬أستاذ كلية احلقوق والعلوم السياسية جامعة برج بوعريريج‪.‬‬

‫أ‪ ،‬عاشور ميلود ‪ -‬كلية احلقوق والعلوم السياسية جامعة برج بوعريريج‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫اللجنة العلمية للمجلة‪:‬‬

‫جامعة تيزي وزو‬ ‫أ‪.‬د اقلولي محمد‬


‫جامعة تيزي وزو‬ ‫أ‪.‬د زوايمية رشيد‬
‫جامعة عنابة‬ ‫أ‪.‬د طالبي حليمة‬
‫جامعة البويرة‬ ‫أ‪.‬د سرور محمد‬
‫جامعة الجزائر ‪03‬‬ ‫أ‪.‬د ضيف اهلل عقيلة‬
‫جامعة المسيلة‬ ‫د‪ .‬بن مرزوق عنترة‬
‫جامعة الجلفة‬ ‫د‪ .‬الكر محمد‬
‫جامعة المسيلة‬ ‫د‪.‬دخان نور الدين‬
‫جامعة بجاية‬ ‫د‪ .‬آيت منصور كمال‬
‫جامعة بجاية‬ ‫للمجلة‪:‬‬
‫العلميةبيدة‬
‫اللجنةإقروفة ز‬
‫د‪.‬‬
‫تيزي وزو‪.‬‬ ‫جامعةجامعة‬
‫بسكرة‬ ‫شرون محمد‬
‫حسينة‬ ‫أ‪.‬دد‪.‬اقلولي‬
‫عنابة‪.‬يريج‬ ‫جامعةجامعة‬
‫برج بوعر‬ ‫كمالالصغير‬
‫فرشةمحمد‬
‫أ‪.‬دد‪.‬بعلي‬
‫خنشلة‪.‬ريريج‬
‫جامعةبرج بوع‬
‫جامعة‬ ‫الطاهر‬
‫زواقريجميلة‬
‫أ‪.‬دد‪ .‬دوار‬
‫جامعةبرجتبسة‪.‬‬
‫بوعريريج‬ ‫جامعة‬ ‫عمار‬
‫بوضيافالعيد‬
‫أ‪.‬دد‪ .‬هدفي‬
‫عنابةري‪.‬ريج‬ ‫جامعة‬
‫برج بوع‬ ‫جامعة‬ ‫حليمةيد‬ ‫أ‪.‬دد‪.‬طالبي‬
‫ميهوب يز‬
‫برجعنابة‬
‫بوعريريج‬ ‫جامعة‬
‫جامعة‬ ‫فضيلةأو د‬ ‫أ‪.‬دد‪.‬سحري‬
‫حسين بن د‬
‫جامعةبرجباتنةبوعريريج‬
‫جامعة‬ ‫مباركي‬
‫محمد‬ ‫أ‪.‬دد‪.‬دليلة‬
‫خضري‬
‫‪01‬يج‬
‫بوعرير‬‫اجلزائر‬
‫جامعةبرج‬
‫جامعة‬ ‫كوسبندليلة‬
‫محمود‬ ‫د‪ .‬فربوزيد‬
‫أ‪.‬د‬
‫بوعريوزرويج‬
‫برجتيزي‬‫جامعة‬
‫جامعة‬ ‫عبدريةالحق‬
‫ماني حو‬
‫أ‪.‬دد‪.‬يسعد‬
‫جامعة البويرة‬ ‫أ‪.‬د سرور محمد‬
‫جامعة برج بوعريريج‬ ‫د‪ .‬البشير بن يحي‬
‫جامعة سكيكدة‬ ‫أ‪.‬د رحماني منصور‬
‫الجامعة اإلسالمية غزة فلسطين‬ ‫أ‪.‬د محمد نعمان سعيد النحال‬
‫جامعة اجلزائر ‪03‬‬ ‫أ‪.‬د ضيف اهلل عقيلة‬
‫جامعة القاهرة مصر‬ ‫أ‪.‬د جابر عوض‬
‫جامعة املسيلة‬ ‫أ‪.‬د بن مرزوق عنترة‬
‫جامعة جباية‬ ‫د‪ .‬آيت منصور كمال‬
‫جامعة اجلزائر ‪1‬‬ ‫د‪ .‬بن قوية سامية‬
‫جامعة بسكرة‬ ‫د‪ .‬إقروفة زبيدةد‪ .‬شرون حسينة‬

‫‪3‬‬
‫مقاييس ورشوط النرش‬
‫‪ ‬ترسل املقاالت املقرتحة هليئة أمانة التحرير لرتتيبها وتصنيفها‪.‬‬
‫‪ ‬تعرض املقاالت على اللجنة العلمية لتحكيمها‪.‬‬
‫‪ ‬حترر املقاالت باللةة العربية أو الفرنسية أو األجنليزية ويتعني على أصحاهبا مراعاة أجبديات املقال األكادميي‪.‬‬
‫‪ ‬يذكر صاحب املقال امسه ولقبه ورتبته العلمية وصفته ومؤهالته املهنية‪.‬‬
‫‪ ‬جيب أال يكون املقال قد سبق نشره أو قدم إىل جملة أخرى‪.‬‬
‫‪ ‬ترتب املراجع يف هناية املقال حسب الطرق املنهجية املتعارف عليها ووفقا للتسلسل العلمي املنهجي ‪Not‬‬
‫‪.De Fin‬‬
‫‪ ‬ترفق املقاالت مبلخص ال يتجأو ز ‪ 15‬سطرا بالفرنسية أو بالعربية وفقا للةة املقال مع ذكر الكلمات‬
‫املفتاحية‪.‬‬
‫‪ ‬ال تقل املقاالت عن ‪ 10‬صفحات وال تتجأو ز املقاالت ‪ 30‬صفحة‪.‬‬
‫‪ ‬تكتب املقاالت على ورقة ‪ 21‬سم × ‪ 29‬سم واهلوامش ‪ 02‬ميني ويسار و‪ 2.5‬أعلى وأسفل الصفحة‬
‫ومقاس الكتابة بصيةة خط‪ traditional arabic :‬حجم ‪ 18‬بالنسبة للمنت و‪ 14‬بالنسبة للهوامش‬
‫وبصيةة ‪ Times New Roman‬بالنسبة للةات األجنبية حجم ‪ 14‬بالنسبة للمنت و‪ 12‬بالنسبة للهوامش‬
‫‪ ‬ترسل أو تودع املقاالت بأمانة اجمللة بكلية احلقوق والعلوم السياسية برج بوعريريج مطبوعة يف نسخة ورقية‬
‫ومصحوبة بنسختني على قرص لني‪ CD‬أو على الربيد االلكرتوين للمجلة واحدة بصيةة ‪ PDF‬والثانية‬
‫بصيةة ‪:WORD‬‬
‫‪ ‬املقاالت اليت ال تنشر ال ترد إىل أصحاهبا‬
‫‪ ‬متلك اجمللة حقوق نشر املقاالت املقبولة وال جيوز نشرها لدى أيه جهات أخرى إال بعد احلصول على ترخيص‬
‫رمسي منها‪.‬‬
‫‪ ‬ال تنشر املقاالت اليت ال تتوافر على مقاييس البحث العلمي أو مقاييس اجمللة املذكورة‪.‬‬

‫المقاالت المنشورة ال تعبر بالضرورة على رأي المجلة‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬ ‫لالتصال ‪:‬‬


‫جامعة محمد البشير االبراهيمي – برج بوعريريج‬
‫الهاتف ‪00.213.35.81.68.85 :‬‬
‫البريد االلكتروني‪revue_droit@univ-bba.dz :‬‬

‫‪4‬‬
‫الفهرس‬
‫الصفحة‬ ‫عنوان المقال‬ ‫الرقم‬
‫‪03‬‬ ‫اللجنة العلمية للمجلة‬ ‫‪01‬‬
‫‪04‬‬ ‫مقاييس وشروط النشر‬ ‫‪02‬‬
‫‪05‬‬ ‫فهرس العدد‬ ‫‪04‬‬
‫سلطة القاضي التقديرية في حماية تنفيذ العقد‬

‫‪07‬‬ ‫م‪.‬د عمار مراد العيساوي ‪ -‬كلية القانون جامعة الكفيل ‪ -‬العراق‬ ‫‪05‬‬

‫م‪.‬د علي مزهر كاظم الشيباني ‪ -‬كلية المصطفى الجامعة ‪ -‬العراق‬


‫مدى تأثير فايروس "كوفيد ‪ "19‬كورونا على حقوق األنسان‬
‫‪33‬‬ ‫م‪.‬م عمار مراد غركان ‪ -‬كلية القانون جامعة الكفيل – العراق‬ ‫‪06‬‬

‫م‪.‬د علي مزهر كاظم الشيباني ‪ -‬كلية المصطفى الجامعة ‪ -‬العراق‬


‫دراسة تحليلية لظاهرة غسل األموال والجهود المبذولة لمكافحتها في الجزائر‬
‫‪48‬‬ ‫د‪ /‬توهامي محمد رضا ‪ -‬كلية العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير ‪ -‬برج‬ ‫‪07‬‬
‫بوعريريج‬
‫تأثير جائحة كورونا على العالقات الصينية األمريكية‬

‫‪67‬‬ ‫أ‪ /‬مسعود مقعاش‪ ،‬أ‪ /‬لزهر وناسي كلية الحقوق والعلوم السياسية‪،‬‬ ‫‪08‬‬

‫مخبر األمن اإلنساني ‪ -‬جامعة باتنة ‪- 1‬‬

‫تركيبة المجتمع وتأثيرها في صنع السياسة الخارجية‬

‫‪85‬‬ ‫دراسة حالة تركيا‬ ‫‪09‬‬

‫د‪ /‬مي سامي المرشد باحث في العالقات الدولية‬

‫‪5‬‬
‫حجيـ ــة القرين ـ ــة القضائيــة في اإلثبــات الجنائ ـ ــي‬
‫‪107‬‬ ‫‪10‬‬
‫ط د‪ /‬خلفـ ــة سميـ ـ ــر ‪ -‬جامعة الجزائر‪- 01‬‬
‫المحاكمة عن بعد وسؤال المحاكمة العادلة في ظل جائحة كورونا بالمغرب‬

‫‪ -‬بين متطلبات الواقع والفراغ التشريعي –‬


‫‪132‬‬ ‫‪11‬‬
‫وئيل العياط‪ ،‬باحث دكتوراه‪ ،‬مختبر األبحاث القانونية والسياسية‬

‫‪ -‬جامعة سيدي بن عبد اهلل بفاس ‪ -‬المغرب‬

‫المواجهة التشريعية لجريمة التملك الجنائي عبر شبكة المعلومات‬


‫واالتصاالت في القانون السوداني‬
‫‪147‬‬ ‫‪12‬‬
‫د‪ /‬محمد التجاني محمد الشريف‪ ،‬كلية الشريعة والقانون ‪ -‬جامعة الزعيم االزهري‬
‫– السودان‬

‫التحكيم العمالي في المنازعات ذات الطابع الجماعي ‪ -‬دراسة مقارنة ‪-‬‬


‫‪165‬‬
‫د‪ /‬شواخ محمد األحمد – جامعة دار العلوم – الرياض‪ ،‬السعودية‬

‫‪6‬‬
‫سلطة القاضي التقديرية في حماية تنفيذ العقد‬

‫ العراق‬- ‫ كلية القانون جامعة الكفيل‬- ‫د عمار مراد العيساوي‬.‫م‬

‫ العراق‬- ‫ كلية المصطفى الجامعة‬- ‫د علي مزهر كاظم الشيباني‬.‫م‬


:‫الملخص‬

‫ ويراد هبا تلك الوسائل اليت‬،‫ فهنالك وسائل حتفظية‬،‫تتنوع الوسائل املشروعة حلماية تنفيذ العقد‬
‫ وهناك وسائل تنفيذية‬،‫ لغرض احملافظة على حقوق الدائنني‬،‫تؤدي إىل ابقاء ذمة املدين على حالتها الراهنة‬
‫ وهناك وسائل‬،‫هتدف حنو استخالص احلق من أموال املدين ببيعها بعد احلجز عليها من قبل دائرة التنفيذ‬
.‫متوسطة أكثر من التحفظية وأقل من التنفيذية‬

‫ ولكنها من ناحية أخرى متهد‬،‫حيث ال تكفي هذه الوسائل حبد ذاهتا للتنفيذ على أموال املدين‬
‫ فعندما تزداد ديون املدين اليت اصبح استحقاقها حاالً على ما له من‬،‫السبيل لذلك ومتنع االضرار بالدائنني‬
‫ حيث يزداد احتمال قيام املدين بتهريب أمواله واخفائها من أنظار‬،ً‫ فأنه يعد مفلساً أو معسرا‬،‫حقوق‬
.‫ يقابل اإلعسار يف القانون التجاري‬،‫ واإلعسار يف القانون املدين‬،‫دائنيه‬
Summary:

here are various legal means to protect the execution of the contract. There are
conservative means, and these means are intended to keep the debtor’s liability in its
current state, for the purpose of preserving the rights of creditors, and there are
enforcement means aimed at extracting the right from the debtor’s money to sell it
after seizing it by the enforcement department A medium means more than
conservative and less than executive.
As these means are not sufficient by themselves to implement the debtor’s
money, but on the other hand they pave the way for that and prevent harm to the
creditors. When the debtor’s debts, which are due immediately on his rights, increase,
he is considered bankrupt or insolvent, as the likelihood of the debtor smuggling his
money increases. Hiding it from the view of its creditors, and insolvency in civil law,
corresponds to insolvency in commercial law.

7
‫مقدمة‬

‫أوالً‪ :‬موضوع البحث‬

‫منح املشرع العراقي ضماناً عاماً للدائن على أموال مدينه مجيعها يف املادة (‪ )260‬مـن القـانون‬
‫املدين‪ ،‬إذ جاء فيها أن ((أموال املدين مجيعها ضامنة للوفاء بديونه))‪ .‬مث منح الدائن وسائل تكفـل له تنفيذ‬
‫الدين‪ .‬ولكن قد ال تكفل هذه الوسائل لكل دائن احلصول على حقه كامالً‪ ،‬والسيما إذا كانـت أموال‬
‫املدين ال تكفي لسداد الديون املرتتبة يف ذمته كلّها‪ ،‬ذلك كون مجيع الدائنني متساوون يف الضمان العام‪،‬‬
‫باستثناء من كان منهم له حق التقدم طبقاً ألحكام القانون‪ .‬ونتيجة ذلك كرس املشرع احلقوق العينية‬
‫التبعية‪ ،‬كـالرهن واالمتيـاز‪ ،‬اليت ترتتب للدائن على مال معني من أموال مدينه‪ ،‬فيكون هذا املال ضماناً‬
‫خاصـاً حلـق الـدائن ال يزامحه فيه أي من الدائنني اآلخرين‪ ،‬وإذا كـان هـذا املال حمل الضمان اخلاص قد خرج‬
‫من ملك املدين‪ ،‬أعطى القانون احلق للدائن يف التنفيذ عليه يف يد مالكه اجلديد مبوجب مزية حق التتبع‬
‫الذي مينحه احلق العيين التبعي املرتتب له على ذلك املال‪ ،‬فضالً عن حق التقدم‪ .‬ولكن قد يكون هذا‬
‫الضمان اخلاص غري ٍ‬
‫جمد يف بعض احلاالت‪ ،‬والسيما عنـدما يكـون الدائن صاحب احلق العيين مديناً يف‬
‫اآلن ذاته ملدينه‪ ،‬ونتيجة ذلك قرر املشرع وسائل أخـرى مـن وسائل الضمان اخلاص‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬أهمية البحث‬

‫ملا كانت مجيع أموال املدين ضامنة لوفاء ديونه‪ ،‬وهي تعد ضماناً عاماً جلميع الدائنني؛ فإن مصلحة‬
‫الدائنني تقتضي احلفاظ عليها‪ ،‬وذلك باحملافظة على أموال املدين‪ .‬وال شك أن إمهال املدين يف احملافظة‬
‫على حقوقه سواء بعدم مطالبته ملدينه‪ ،‬أو إبرامه تصرفات بقصد إنقاص حقوقه‪ ،‬أو زيادة ديونه‪ ،‬سيلحق‬
‫حتماً ضرراً بدائنيه‪ ،‬إال أن املشرع وحرصاً منه يف توسيع نطاق احلماية للدائنني منح الدائنني وسائل خمتلفة‬
‫يستعني هبا للمحافظة على ضمانه وحلماية حقه واستيفائها دون مزامحة باقي الدائنني‪ ،‬أي الغرض منها غل‬
‫يد املدين ومنعه من التصرف يف أمواله‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ومبا أن لكل حبث هدفاً‪ ،‬فيكمن هدف هذا البحث مبحاولة اجياد احللول لعدد من االشكاليات القانونية‬
‫اليت سيتم توضيحها والوقوف عليها واملصاغة على شكل اسئلة‪ ،‬دراسةً ومناقشةً وحتليالً‪ ،‬وتتجلى ابرز هذه‬
‫االسئلةمنه ما هو املقصود باحلجر ؟ وكيف يتم ايقاعه‪ .‬وما هي حاالت انقضائه؟ وما مدى سلطة‬
‫القاضي بشأن احلكم باحلجر؟ وما هي أثاره؟ من هي اجلهة املختصة بإصدار قار املنع من السفر؟ وما هي‬
‫شروطه؟ وما االثار املرتتبة عليه؟ وهل حيق للمدين نقضه أمام حمكمة االستئناف بصفتها التميزية؟ ومىت‬
‫حيق للدائن طلب احلجز على أموال املدين؟ وما هي أنواعه؟ وما هي سلطة القاضي من قرار احلجز سواء‬
‫أكان تنفيذياً أم احتياطاً؟ مىت يلجأ الدائن بطلب حق احلبس للضمان؟ وهل حيق للدائن االعرتاض؟ وما‬
‫هي اثاره؟ وما هي سلطة القاضي التقديرية من حق احلبس للضمان؟ لذلك كان اهلدف من الدراسة هو‬
‫اظهار االحكام القانونية املتعلقة بكيفية استخدام هذه الوسائل القانونية للمحافظة على حق الدائنني‬
‫ومعرفة مدى كفايتها‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬منهجية البحث‬

‫سنتبع يف دراستنا موضوع البحث محاية تنفيذ العقد منهج الدراسة املقارنة‪ ،‬وستكون القوانني اليت‬
‫نركز دراستنا فيها القانون املدين العراقي والقانون املدين املصري‪ ،‬فضالً عن ذلك سنعرض نصوص القوانني‬
‫ذات العالقة ومنها قانون التنفيذ العراقي وقانون املرافعات العراقي‪ ،‬وسنتطرق إىل مواقف الفقه‪ ،‬القضاء أن‬
‫وجد‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬خطة البحث‪:‬‬


‫ولغرض إعطاء البحث إبعاده الالزمة واإلحاطة وجوانبه القانونية مجيعها سنقسم هذا البحث على‬
‫أربعة مطالب‪ ،‬سنخصص املطلب األول لبيان كيفية احلجر على املدين املفلس‪ ،‬وسنفرد املطلب الثاين لقرار‬
‫منع املدين من السفر‪ ،‬وسيكون ثالثهما لبيان احلجز على أموال املدين‪ ،‬وسنبحث يف املطلب الرابع حق‬
‫احلبس للضمان‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الحجر على المدين المفلس‬

‫نظم املشرع العراقي االعسار املدين بنظام استمد تسميته من الفقه االسالمي واقتبس احكامه االخرى‬
‫من القانون املصري وهو احلجر على املدين املفلس‪ ،‬وقد افرد املواد ‪ 279 - 270‬من القانون املدين‬
‫العراقي رقم ‪ 40‬لسنة ‪ 1951‬نظم مبقتضاها االعسار‪ ،‬واحاله اىل حالة قانونية تنشأ مبقتضى حكم‬
‫قضائي‪ ،‬واملدين املفلس احملجور هو املدين الذي تزيد ديونه املستحقة على امواله ويصدر حكم من احملكمة‬
‫حبجره وبناء على طلب احد املدينني مىت كان طالب احلجر مبنياً على اسباب معقولة مقنعة‪ ،‬وعليه‬
‫سنتناول موضوع احلجر على املدين املفلس ضمن أربع فروع تباعاً وكااليت‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف الحجر‬

‫فاحلجر لغة هو املنـع مـن التـصرف‪ ،‬وحجـر القاضـي عليـه حيجـر حجـراً‪ ،‬إذا منعه من التصرف يف‬
‫ماله‪ ،‬أما أصطالحاً فعرفة الفقه القانوين بأنه" هو أن مينع القاضي املدين من التصرف يف ماله بناءً على‬
‫شكوى مقدمة من الدائن مع بيان االدلة على شكواه‪ ،‬وال يكون له التصرف بالشيء اليسري‪ ،‬حىت يزول‬
‫سبب احلجر"‪ ،‬وعرفه البعض االخر بأنه " املدين الذي تزيد ديونه على أمواله ويصدر حكم من احملكمة‬
‫حبجره بناءاً علـى طلب أحد الدائنني املستند إىل أسباب معقولة"‪.‬‬

‫وقد عرفته جملة األحكـام العدلية يف املادة (‪ )941‬اليت جاء فيها ( احلجر هو منع شخص خمصوص‬
‫عن تصرفه القـويل ويقـال لذلك الشخص بعد احلجر حمجور)‪.‬‬

‫ومن هذا التعريف ميكن القول بأن احلجر ال يتم إال بصدور حكم قضائي بناءاً على دعوى مقدمة إىل‬
‫احملكمة البداءة املختصة من قبل أحد الدائنني والكائنة يف حمل أقامة املدين وبناءً على أسباب معقولة‪،‬‬
‫لغرض اعتبار تصرفات املدين الذي تزيد ديونه على أمواله غري نافذة يف حق الدائنني كوهنا تضر حبقوق‬
‫الدائنني‪.‬‬

‫ويذهب الفقه القانوين بأن املدين يعد مفلساً مىت ما ترتبت ديون بذمته حبيث ال تفي أمواله هبا‪،‬‬
‫وأصدار حكم قضائي بناءً على طلب الغرماء مبنع املدين من التصرف‪ ،‬كما ويذهب الفقه بأن قصور الذمة‬
‫املالية عن أداء الديون احلالة يعد اعسار قانوين‪ ،‬أما اإلعسار الفعلي قصور ذمته عن أداء مجيع الديون حالة‬
‫ثان وجهةً تقضي بأن اإلعسار القانوين هو زيادة العناصر السالبة على‬‫كانت أم مؤجلة‪ ،‬فيما تبىن رأي ٍ‬

‫‪10‬‬
‫العناصر املوجبة للذمة املالية‪ ،‬بينما اإلعسار الفعلي هو عدم وجود أموال ظاهرة لدى املدين متكنـه مـن أداء‬
‫الدين‪ ،‬وأخريا فقد ذهب اجتاه ثالث إىل أن اإلعسار الفعلي هو زيادة ديون شخص ما على أموالـه مما حيول‬
‫بينه وبني استيفاء حقه يف حني أن اإلعسار القانوين هو صدور حكم يقـرر زيـادة ديـون الشخص على‬
‫أمواله‪ .1‬ويالحظ أن الرأي األخري هو األدق للتمييز بني ما هو فعلي وما هو قانوين إذ قرر أن الفرقبني‬
‫اإلعسار الفعلي واإلعسار القانوين هو صدور حكم قضائي حييل الوضع الفعلي املتمثـل بزيـادة الدين على‬
‫املال إىل وضع قانوين ينظمه حكم قضائي‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬سلطة القاضي التقديرية بالحجر على المدين‬

‫حىت يكون للقاضي سلطة تقديرية يف إصدار احلكم القضائي حبق املدين يشرتط توافر أمرين‪ ،‬أوهلما‬
‫زيادة االلتزامات على احلقوق‪ ،‬وثانيهما إقامة دعوى لطلب احلجر‪ ،‬وستناوهلما ضمن فقرتني‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬زيادة التزامات المدين على حقوقه‬

‫إن وجود هذا الشرط هو املسوغ الذي يستند إليه القاضي يف حكمه‪ ،‬فإذا كانـت أمـوال املدين تفي‬
‫بسداد ديونه فال موجب ملنعه من التصرف يف أمواله‪ .‬ويشرتط أن تكون الديون اليت تزيد على حقوق املدين‬
‫ثابتة وتدخل عند حساب اإلعسار هي الديون مستحقة األداء سواء أكانت ثابتة بسند تنفيذي أم ال‪،‬‬
‫وعلى أية حال فإن عبء إثبات اإلعسار يقع على من يقيم الدعوى‪ ،‬وعلى املدين إذا أراد نفي اإلعسار‬
‫بإثبات أن له أموال تكفي بسداد الدين‪ ،‬وهنا ال بد من التعرف على إمكانية دخول الديون املؤجلة يف‬
‫العناصر السالبة للذمـة املالية عند تقدير القاضي لإلعسار‪.2‬والظاهر من نص املادة (‪ )٢٧٠‬أن القانون‬
‫املدين العراقي يقرر أن الـديون املـستحقة األداء تدخل يف حساب الديون اليت على املدين سواء أكانت‬
‫حالة‪ ،‬أم مؤجلة‪ ،‬ومن مث فأن الديون تدخل حىت وإن كانت مؤجلة‪ .‬وقد اخذ القانون املدين املصري بنفس‬
‫احلكم يف املادة (‪ )249‬منه‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬اقامة الدعوى بطلب الحجر من قبل احد الدائنين‬

‫الشك أن اجلهة الوحيدة اليت متلك الصالحية يف احلكم باحلجر هي القضاء فال ميكن أن يتفق‬
‫الدائنون على احلجر على املدين دون استحصال حكم قضائي حىت وإن وافق األخري على ذلك‪ ،‬لذا جيب‬
‫رفع الدعوى امام حمكمة متخصصة واحملكمة املتخصصة هي حمكمة البداءة الكائن يف دائرهتا حمل اقامة‬

‫‪11‬‬
‫املدين‪ ،‬كما انه البد من اقامة الدعوى بطلب احلجر من قبل احد الدائنني وقد كان النص القانوين صرحياً‬
‫يف وجوب توفر هذا الشرط‪ ،‬كما جيب ان يكون املدعى عليه مفلساً‪ ،‬وجيب أن يستند طلب احلجر إىل‬
‫اسباب معقولة دفعت الدائنني إىل اخلوف من ضياع اموال املدين بتصرفاته واعماله خيشى الدائنون اخفاءها‬
‫أو هتريبها وأخرياً‪ ،‬جيب أن يصدر حكم احملكمة بتوقيعه‪ ،‬وباحلكم القضائي يتحول اعسار املدين من امر‬
‫واقع إىل حالة قانونية منظمة‪.3‬‬

‫ويتمتع القاضي بسلطة تقديرية يف احلكم باحلجر تنبين على مايتمتع به من حق يف تقدير ما اذا‬
‫كانت االسباب اليت يستند إليها طلب احلجر معقولة تربره‪ ،‬واذا صدر احلكم حبجر املدين وجب شهره الن‬
‫احلكم يعد حجة على الكافة‪ ،‬ولذلك ينبغي ان حييط ذوو املصلحة من دائنني وغريهم علماً به‪ ،‬وقد اكتفى‬
‫القانون املدين العراقي إلشهار حكم احلجر بقيام كاتب احملكمة بتسجيل احلكم بطريق القيد يف السجل‬
‫العام املعد يف احملكمة لقيد اشهار االفالس‪ .‬واذا صدر حكم يف دعوى احلجر برفض توقيعه او باحلكم به‬
‫كان احلكم قابالً للطعن فيه بالطرق القانونية العادية من اعرتاض واستئناف ومتييز‪.4‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬اثار الحكم القضائي الخاص بالحجر‬

‫إذا حتققت شروط احلكم باحلجر على املدين املفلس وصدر احلكم به‪ ،‬ترتبت علـى هـذا احلكم‬
‫آثاره‪ ،‬منها‪:‬‬

‫أوالً‪ /‬الحجز على جميع أموال المدين‪ :‬وتشمل احلجز على مجيع أموال املدين عدا ما ال جيوز حجزه‬
‫ملصلحة مجيع الدائنني بناءً على قرار يصدر لصاحلهم من دائرة التنفيذ ويبقى احلجز قائماً حىت انتهاء‬
‫احلجر‪ ،‬وإذا صدر القرار حبجز اموال املدين احملجور وجب تعيني من يشرف على ادارهتا واستغالهلا حىت تتم‬
‫تصفيتها حلساب الدائنني ويسمى احلارس القضائي‪.5‬‬

‫ثانياً‪ /‬منع المدين من التصرف المالي‪ :‬إن أهم آثار احلكم باحلجر هو منع املدين من التصرف يف أمواله‪،‬‬
‫ذلك أن هدف احلجـر هـو احلفاظ على حقوق الدائنني وهو أمر ال يتحقق إذا ِمسح للمدين بالتصرف يف‬
‫أمواله وإنقاص حقوقه وهو ما يعين إنقاص الضمان العام حلقوق الدائنني‪ .‬وإن املنع املقصود به هنا هو‬
‫ترتيب حكم على تصرف املدين جيعـل هـذا التصرف غري مؤثر على الضمان العام حلقوق الدائنني وهذا ما‬
‫يطرح سؤاالً يتعلـق بـاحلكم الـذي ترتب على التصرف الذي جيريه املدين فيجعله غري مؤثر على حقوق‬
‫الدائنني‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫وهذا ما نصت عليه املادة ‪ 271‬من القانون املدين العراقي‪ ،‬بأنه يرتتب على ذلك ان املدين ال‬
‫يستطيع بعد صدور احلكم حبجره بيع امواله او هبتها او رهنها‪ .‬كما ال يستطيع احملجور منذ تاريخ احلكم‬
‫باحلجر ان يقر بدين جديد يف ذمته الحتمال ان يعمد هبذا االقرار اىل هتريب امواله من متناول ايدي‬
‫دائنيه‪ ،‬وجيب ان يتم تعيني نفقة للمدين احملجور‪ ،‬ومن تلزمه نفقته طوال مدة احلجر بناء على طلب يقدمه‬
‫اىل رئيس احملكمة املتخصصة‪.6‬‬

‫ويرتتب على احلكم باحلجر أن حيل كل مايف ذمة املدين من ديون مؤجلة وخيصم من هذه الديون‬
‫مقدار الفائدة االتفاقية او القانونية عن املدة اليت سقطت بسقوط االجل‪ ،‬وللقاضي سلطة تقديرية يف ان‬
‫يبقي املدين على االجل او ان ميده بالنسبة اىل الدين املؤجل او ان مينح اجالً بالنسبة اىل الدين احلال عند‬
‫توافر ثالثة شروط هي‪ :‬ان يتقدم املدين بطلب ابقاء االجل او مده او منحه اجالا عن دين مستحق االداء‪،‬‬
‫وجيب ان يقع الطلب يف مواجهة ذوي الشأن من الدائنني وهم اصحاب الديون املؤجلة‪ ،‬وان يستند الطلب‬
‫إىل مربرات معقولة تقنع القاضي بأن ظروف املدين تقتضي الرفق به وإن االستجابة لطلبه تكفل مصاحل‬
‫املدين والدائنني معاً ويتمتع القاضي بسلطة تقدير واسعة يف هذا الشأن‪.7‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬انتهاء الحجر‬

‫ال شك أن احلجر على املدين املفلس ليس حالة دائمة بل هي حالة مؤقتة مينع فيها املدين من‬
‫التصرف يف أمواله حتقيقا ملصلحة الغرماء‪ ،‬لذلك ال بد للحجر أن ينتهي ويستعيد املدين القدرة على‬
‫التصرف يف أمواله بعد سداد ديونه كاملة‪ ،‬أو بشكل جيعلها أقل من أمواله‪ .‬وينتهي احلجر يف احلاالت‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬إن الطريق الطبيعي النتهاء احلجر هو استيفاء الدائنني حقوقهم‪.‬‬


‫‪ -2‬زوال اإلعسار الفعلي‪ :‬أن أهم شرط يستند عليه القاضي يف إيقاع احلجر على املدين هو عجز أموال‬
‫األخري عن الوفاء بااللتزامات املرتتبة عليه‪ ،‬بل ميكن القول أن هذا الشرط هو األساس يف احلكم‬
‫باحلجر‪ ،‬وهذا الشرط بالنسبة للحكم باحلجر شرط ابتداء وبقاء إذ يشرتط بقاء حالة اإلعسار لبقاء‬
‫احلجر على املدين‪ ،‬فإذا زال اإلعسار الفعلي ألي سبب كان أصبح بقاء احلجر على املدين دون‬
‫مسوغ‪.‬وتتعدد األسباب اليت تزول هبا حالة اإلعسار فقد تزول مثالً بإبراء كل الدائنني أو بعضهم‬
‫لديوهنم حبيث يبقى يف ذمة املدين ديون ميكن ألمواله الوفاء‪.8‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -3‬انقضاء فرتة زمنية على احلجر‪ :‬ملا كان احلجر على املدين املفلس حالة مؤقتة مقررة ملصلحة الدائنني‬
‫مينع فيها املدين من التصرف يف أمواله‪ ،‬ولكن هؤالء الدائنني إذا مل يستغلوا الفرصة اليت أعطاهم إياها‬
‫القانون الختاذ اإلجراءات القانونية حبق املدين أدى هذا إىل ضياع تلك الفرصة أي خالل ثالث سنوات من‬
‫تاريخ صدور احلكم باحلجر‪ .9‬يف حني وضع القانون املدين املصري مدة مخس سنوات للدائنني القتضاء‬
‫حقوقهم‪ ،10‬وإن مضي هذه املدة دون تصفية الدائنني ألموال املدين واقتضاء حقوقهم منها يعطي احلقل‬
‫األخري يف رفع احلجر إذ ال يعقل أن يستمر احلجر أبداً فيجب أن يستعيد املدين القدرة على التصرف يف‬
‫أمواله‪.‬‬

‫ومن املالحظ أنه إذا حتققت أحدى حاالت انتهاء احلجر وصدر حكم قضائي بانتهاء احلجر‬
‫ترتبت على هذا احلكم آثاره القانونية‪ ،‬ومنها استعادة املدين للقدرة على التصرف يف أمواله حيث تصبح‬
‫تصرفاته صحيحة ونافذة يف حق دائنيه‪ ،‬ويسرتد حقه يف إدارة أمواله واإلشراف عليها وهو ما جيعله قادراً‬
‫على اإلنفاق واالستغالل لألموال مبجرد حصوله على قرار برفع احلجر عنه‪ ،‬وهذا يعين انتفاء احلاجة إىل‬
‫ختصيص نفقة له وملن يعليهم‪ ،‬كما إن آجال الديون اليت سقطت بسبب احلجر تعود إىل ما كانت عليه قبل‬
‫احلجر ذلك أن سقوط آجال هذه الديون كان بسبب اخلوف من فوات الفرصة يف استيفاء حقوقهم فإذا‬
‫زال احلجر زال معه سبب سقوط آجال هذه الديون وأصبح من غري املسوغ بقائها‪.11‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬منع المدين المفلس من السفر‬

‫يعد إجراءٌ وقيت‪ ,‬يُصدره منفذ العدل يتمثل حبرمان شخص من مغادرة إقليم الدولة الصادر فيها‬
‫اإلجراء‪ ،‬كوسيلة إلجباره على تنفيذ التزاماته؛ خشية فراره من التزامه وهتريب أمواله‪ ،‬ولذا يعد منع املدين من‬
‫السفر من الطلبات املستعجلة‪ ،‬كونه إجراء حتفظي الغرض منه احملافظة على حقوق الدائن املهددة بالضياع‬
‫خشية مغادرة املدين بعد التصرف يف أمواله أو هتريبها للخارج؛ هبدف احليلولة دون التنفيذ عليها‪ ،12‬وعليه‬
‫سنتناول هذا املطلب ضمن فرعيني وكااليت‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬شروط المنع من السفر‬

‫وملا كان احتمال جلوء املدين للسفر بغيه التخلص مما عليه من ديون مستحقه امراً حمتمالً‪ ،‬فضالً عن‬
‫إن منعه من السفر قد يُلحق به الكثري من األضرار املادية واملعنوية يف حالة ما إذا رغب بالسفر‪ ،‬سواءٌ‬

‫‪14‬‬
‫للتجارة واالستثمار والعالج والتعليم أو السياحة‪ ،‬فقد قرر املشرع للدائن احلق يف الطلب من منفذ العدل‬
‫اصدار قرار مبنعه من السفر وفقاً لشروط معينة‪:‬‬

‫واقر املشرع لدائن هذا احلق من املادة (‪ )30‬من قانون التنفيذ بقوله ( إذا اثبت الدائن احتمال فرار‬
‫املدين وطلب اخذ كفاله بالدين‪ ،‬فاملنفذ العدل اذا اقتنع بصحه االداء ان يقرر الزام املدين بتقدمي كفالة‬
‫الدين‪ ،‬فاذا رفض املدين تقدمي الكفالة فعلى منفذ العدل ان يقرر منع سفره )‪.‬‬

‫ويتضح من النص اعاله أنه يشرتط ملنع املدين من السفر توافر الشروط التالية‪-:‬‬

‫‪ -1‬أن يطلب الدائن منع مدينه من السفر‪.‬‬


‫‪ -2‬أن يثبت الدائن صحه ادعاءه املتضمن سفر املدين بقصد الفرار من الدين‪ ،‬وال مينع من ذلك كما لو‬
‫تبني بأنه يروم السفر اىل بقصد املعاجلة الطبية أو الدراسة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن ال يضمن حق الدائن بوسيله اخرى‪ .‬لذلك فان املدين ال مينع من السفر اذا كانت اموال حمجوزة مبا‬
‫يكفي لوفاء بدين الدائن ألن الغرض من منع املدين السفر هو ضمان حق الدائن وقد حتقق حبجز‬
‫اموال املدين مبا يكفي للوفاء به‪.13‬‬
‫‪ -4‬أن ميتنع املدين عن تقدمي الكفالة اليت قررها املنفذ العدل‪ ،‬وال يلزم املدين بتقدميهما إال إذا اقتنع بصحه‬
‫ادعاءه الدائن املتضمن احتمال سفر املدين بقصد الفرار من الدين‪ ،‬وللدائن أن يطالب مبنع الكفيل من‬
‫السفر إذا توافرت الشروط اعاله‪ ،‬وقرار منفذ العدل مينع املدين من السفر أو يرفض ذلك يكون ذلك‬
‫قابل للتظلم أو التمييز‪.14‬‬

‫وبذلك جند أنه يتوجب على الدائن كونه املكلّف بإثبات ذلك‪ ،‬أن يقدم أدلة الثبوت على ذلك يف‬
‫طلبه املق ّدم ملنفذ العدل‪ ،‬مرف ًقا به املستندات املؤيدة لألسباب اجلديّة‪ ،‬ذلك أنه يشرتط أن تتوافر يف‬
‫طالب املنع من السفر صفة الدائن أو احملكوم له‪ ،‬وكذلك صفة املدين أو احملكوم عليه يف املطلوب منع‬
‫سفره‪ ،‬مبعىن أن يكون املنفذ ضده هو الشخص الذي ّقرر احلكم أنه املدين‪ ،‬فإذا مل يكن املطلوب منع‬
‫مقبوال ويتعني رفضه‪ ،‬وقرار منع السفر يكون‬
‫سفره مدينًا لطالب منع السفر‪ ،‬ال يكون طلب منع السفر ً‬
‫مؤقتاً حلني انتهاء إجراءات التنفيذ‪ ،‬فإذا تغريت الظروف اليت دعت إلصداره وقدم املدين الكفالة‬
‫املطلوبة‪ ،‬أو أظهر أمواال تكفي للتنفيذ عليها‪ ،‬فإنه جيوز لقاضي التنفيذ الرجوع عن قراره مبنع سفر‬
‫املدين‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬سلطة القاضي التقديرية في قرار منع المدين من السفر‬

‫االصل أن قرار املنع من السفر يسري حىت انقضاء الدين بالوفاء أو اإلبراء إال يف حال إيداع املدين‬
‫خزانة دائرة التنفيذ مبلغاً من املال مساو للدين وملحقاته خيصص للوفاء حبق الدائن مستصدر األمر‪ ،‬االمر‬
‫الذي يلزم دائرة التنفيذ باختاذ اإلجراءات الواجبة ومنها ايقاف قرار املنع من السفر‪ .‬تقاعسها عن ذلك‬
‫يرتب املسؤولية عما حيدث من ضرر‪ ،15‬ويكون قرار املنفذ العدل قابالً للطعن فيه عن طريق التظلم من قرار‬
‫منفذ العدل امامه خالل ثالثة ايام‪ ،‬بعريضة يقدمها اليه‪ ،‬وللمنفذ العدل تأييد القرار او تعديله او ابطاله‬
‫خالل ثالثة ايام من تاريخ تقدمي الطلب اليه‪.16‬‬

‫وللقاضي سلطة تقديرية يف بيان صحة القرار اخلاص مبنع املدين من السفر بناءاً على االسباب‬
‫واملربرات املقدمة يف عريضة الدعوى يف حال قام اخلصم املدين بالطعن متييزاً يف قرار منفذ العدل لدى‬
‫حمكمة استئناف املنطقة خالل سبعة ايام‪ ،‬بعريضة يقدمها اىل احملكمة املختصة بالطعن‪ .‬كما ان الطعن متييزاً‬
‫يف قرار املنفذ العدل‪ ،‬ال يوقف اجراءات التنفيذ‪ ،‬ما مل تقرر احملكمة املقدم اليها الطعن خالف ذلك‪.17‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الحجز على أموال المدين‬

‫أن احلجز يفرتض وجود دين مببل من املال لشخص معني وهو الدائن علـى شخص آخر وهو‬
‫املدين‪ ،‬ومل يتمكن الدائن من حتصيل دينه رضاء‪ ،‬فلجأ إىل التنفيذ اجلربي على ممتلكات املدين بواسطة‬
‫السلطة العامة‪ ،‬ولذا يعد التنفيذ اجلربي آخر مراحل إعمال عنصر اجلزاء يف القاعدة القانونية‪ ،‬كونه حيدث‬
‫آثاراً وخيمة بالنسبة للمدين‪ ،‬تصل إىل حـد نزع ملكية ماله‪ ،‬بل واملساس بسمعته أيضاً‪ .‬وعليه سنقسم هذا‬
‫املطلب على أربع فروع تباعاً‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬تعريف الحجز على أموال المدين‬

‫حجزا فصل‪ ،‬وحجز الشيء حازه ومنعه عن غريه‪ ،‬وحجز القاضي على‬ ‫احلجز لغةً‪ :‬حجز بينهما ً‬
‫‪18‬‬
‫اصطالحا فإن هناك من يذهب من الفقه‬
‫ً‬ ‫‪.‬أما‬ ‫املال منـع صـاحبه مـن التصرف فيه حىت يؤدي ما عليه‬
‫القانوين إىل تعريفه بأنه " وضع األموال فـي يـد القضاء تقيداً لتصرفات صاحبه فيه بغية احملافظة على حقوق‬
‫الدائن احلاجز"‪ ،19‬ولكن هذا التعريف يأخذ باملفهوم الضيق كونه يشمل فقد أحد نوعي احلجز وهو احلجز‬
‫االحتياطي‪ ،‬وال يشمل النوع اآلخر الذي يتمثل باحلجز التنفيذي‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وعرفه اخرون من الفقه بأنه "وسيلة لقهر املدين على الوفاء مبقتـضاها يـتم التنفيذ‪ ،‬بواسطة السلطة‬
‫العامة على أموال املدين اليت جييز القانون التنفيذ عليهـا‪ ،‬حيث حتتجز وتباع وتسدد حقوق الدائن من‬
‫اقيامها"‪.20‬‬

‫يضا على احد نوعي احلجز وهو احلجـز التنفيذي‪ ،‬وال يشمل‬
‫ولكننا جند أن هذا التعريف يقتصر أ ً‬
‫النوع اآلخر من احلجز والذي يتمثل باحلجز االحتياطي‪.‬‬

‫وعرفه اخرون بشكل شامل لنوعي احلجز بانه " وضع مال املدين حتت يد السلطة العامة‪ ،‬أما لتقييد‬
‫متهيدا لبيعه واستيفاء دين الدائن من‬
‫تصرفات صاحبه فيه بغية احملافظة على حقوق الدائن احلاجز‪ ،‬أو ً‬
‫قيمته"‪.21‬‬

‫واحلجز هبذا املعىن وسيلة من وسائل التنفيذ اجلربي على أموال املدين‪ ،‬اجاز املشرع للدائن اللجوء‬
‫إليها لغرض احملافظة على حقوقه يف حالة عدم قيام املدين بالتنفيذ الرضائي‪ ،‬ولقد خصص قانون التنفيذ‬
‫العراقي رقم ‪ 45‬لعام ‪ 1980‬للحجز بابًا مستقالً منه وهو الباب الرابع منه‪.‬‬

‫أساسا رابطة بني طرفني أوهلما الدائن احلاجز وثانيهما املدين‬


‫واجلدير بالذكر أنه تنشأ عند التنفيذ ً‬
‫احملجوز عليه‪ .‬وفيما يتعلق بالطرف األول الدائن احلاجز يشرتط توفر صفة الدائن يف الشخص الذي يطالب‬
‫بوضع احلجز على امـوال املدين ملا له عليه من دين‪ ،‬ويستوي ان يكون الشخص طبيعياً يطلب احلجز بذاته‬
‫شخصا اعتباري‪.22‬وبذلك جند أن احلجز يكون باطالً إذا تقرر بناء على‬ ‫ً‬ ‫أو ممثله القانوين‪ ،‬أو ان يكون‬
‫طلب شـخص غيـر دائن أو مل يصبح دائنًا إال بعد صدور قرار احلجز حىت ولو اكتسب هـذه الـصفة خالل‬
‫اجراءات التنفيذ‪ ،‬وهلذه املسألة أمهيتها بالنسبة ألي دائن آخر حيجـز علـى املال ذاته‪ ،‬ألنه قد يتعرض ملزامحة‬
‫الدائن االول‪ ،‬ولذلك يهمه إبطـال اجـراءات احلجز الواقع بناء على طلب الدائن االول‪ ،‬ألنه بابطاهلا خيلص‬
‫للحـاجز الثـاين املال احملجوز كله‪.‬‬

‫أما بالنسبة لألهلية الالزم توافرها يف طالب احلجز هو احلصول على احلق‪ ،‬فأنه يكون من اعمال‬
‫االدارة‪ ،‬وليس من اعمال التصرف‪ ،‬لذلك يكفي ان تتوافر يف طالب احلجز‪ ،‬اذا كان هو الدائن‪ ،‬اهلية ادارة‬
‫امواله كالقاصر املأذون بالتجارة‪ ،‬أما اذا كان طالب التنفيذ هو املدين‪ ،‬فال بد من أن تتوافر فيه اهلية‬
‫التصرف‪ ،‬أي اكمال الثامنة عشرة من العمر‪.23‬‬

‫‪17‬‬
‫يف حني يشرتط يف املدين احملجوز على ماله‪ ،‬أن حتقق فيه صفة املديونية‪ ،‬غري أن هنالك حاالت ال‬
‫جيوز فيها التنفيذ على شخص وأن حتققت فيه صفة املديونية منها ما يلي‪:‬‬

‫‪ -١‬حالة كون مال املدين هو من االموال املمنوع حجزها مبوجب القانون‪ ،‬كأموال الدولة والقطاع‬
‫صحيحا وغريهـا من االموال‪.24‬‬
‫ً‬ ‫االشرتاكي واالموال واالعيان املوقوفة وق ًفا‬

‫‪ -٢‬حالة عدم جواز احلجز على اموال الدول االجنبيـة واملمثلـني الدبلوماسـيني االجانب بسبب ما للدول‬
‫االجنبية وممثليها الدبلوماسيني من حصانة مقررة هلـم مبقتضى القانون الدويل العام‪ ،‬وال تشرتط يف املطلوب‬
‫التنفيذ ضده اهلية معينة‪ ،‬حيث جيـوز التنفيـذ ضـد ناقص االهلية أو عدميها‪ ،‬ولكن يلزم لصحة االجراءات‬
‫يف هذه احلاالت ان توجه االوراق املتعلقة بالتنفيذ اىل من ميثله‪.25‬‬

‫واجلدير بالذكر أن التنفيذ ال جيري على املدين فحسب‪ ،‬بل أن هنـاك حاالت جيوز فيها التنفيذ على‬
‫غري املدين منها ما يأيت‬

‫‪ -1‬يف حالة التنفيذ على العقار اعماالً حلق التتبع املقرر للـدائن املـرهتن‪ ،‬فـأن التنفيذ جيري ضد احلائز الذي‬
‫انتقلت إليه ملكية ذلك العقار املرهون مع أنـه ليس مديناً حسب املادة (‪ ١٣٠٦‬مدين)‪.‬‬

‫‪ -٢‬يف حالة التنفيذ ضد الكفيل العيين الذي يـرهن عقـاره بـدين سـواه ( املادة‪ ،١٣٠٠‬وهذا احلكم ال‬
‫يقتصر على حالة التنفيذ ضد الكفيـل العيين الذي يرهن عقاره‪ ،‬بل يسري أيضاً ضد الكفيل الذي يرهن‬
‫منقوله‪ ،‬ولذا جند ان حمكمة التمييز العراقية ذهبت الـى حق املرهتن يف التنفيذ على املرهون سواء كان الراهن‬
‫هو املدين‪ ،‬ام كان كفيالً عينياً‪ ،‬اذ اهنا قضت بأن ( للمرهتن بيع املرهون إذا حل اجـل الـدين وال جيـوز تأخري‬
‫معاملة املزايدة والبيع ولو كان للراهن او غيـره اعتـراض رفعـه الـى احملكمة‪ ،‬ولكن جيوز اجبار املرهتن على‬
‫تسديدا‬
‫ً‬ ‫تقدمي كفالة بأمر احملكمة)‪ ،26‬كما اهنا قضت يف قرار هلا أيضاً بأن ( للمرهتن طلب بيع املرهون‬
‫للدين اذا كان الراهن قد رهن ماله ضماناً لدين الغري)‪.27‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬محل الحجز‬

‫األصل ان لكل دائن حق على مال مدينه حبجزه صـيانة حلقوقـه حينما خياف من عدم مالءة املدين‬
‫أو من افالسه أو هربه‪ ،‬لذلك كـان للـدائن أن يلقي احلجز على كافة أموال املدين‪ .‬وقد يقع احلجز على‬
‫امللكية املفرزة للمدين‪ ،‬تلك الصورة اليت يسيطر فيهـا مالك واحد على شيء معني‪ ،‬فتبدو امللكية يف هذه‬

‫‪18‬‬
‫الـصورة مكتملـة الـسلطات واخلصائص كون مجيع اموال املدين تكون قابلة للحجز منقولة كانت ام عقاريـة‪،‬‬
‫وحتـى االموال املعنوية وسواء كان مال املدين بيده او حتت يد شخص ثالث ولو كان املال مثقالً بتأمني او‬
‫رهن او بامتياز لدائن آخر‪ ،‬الن هذه احلقـوق ال جتعل الدائن الذي تعود له خمتصاً باحلجز دون سواه‪ ،‬بل‬
‫اهنا تضمن لـه حـق التقدم على سائر الدائنني يف استيفاء دينه من مثن الشيء املنفذ عليه‪.28‬‬

‫ويثار التساؤل فيما اذا كان هناك ترتيب معني يتطلب اتباعه عند احلجز على اموال املدين وبيعها؟‬

‫لإلجابة على هذا التساؤل يالحظ ان قـانون التنفيـذ العراقي ال يتطلب مراعاة ترتيب معني يف احلجز‬
‫على اموال املدين ألن املـادة (‪ )٥٦‬منه تنص على انه (اذا كانت اموال املدين متعددة فيحجز منها مـا‬
‫يكفـي لوفاء الدين واملصاريف)‪ .‬اال ان قـانون حتـصيل الـديون احلكومية لسنة ‪ ١٩٧٧‬يتطلب مراعاة ترتيب‬
‫معني‪ ،‬إذ اهنا ال جتيز احلجز على اموال املدين غري املنقولة اال اذا مل تكن له اموال منقولة او كانـت ولكنهـا‬
‫التكفي للوفاء بالدين‪ ،‬ولكن التنفيذ على االموال غري املنقولة يعد من اختـصاص مديريات التنفيذ حىت ولو‬
‫كان الدين من الديون احلكومية‪.29‬‬

‫وقد حيـصل ان يكـون الشيء الواحد مملوًكا ألكثر من شخص حبيث يكون لكل منهم احلق فـي‬
‫حـصة رمزية شائعة تنسب اىل الشيء يف جمموعة كالنصف مـثالً‪ ،‬ودون ان خيصص لكل منهم جزءًا ماديًا‬
‫مفرزا من الشيء فتكون امللكية يف هذه احلالة ملكية شائعة‪ ،‬فهنا وفقاً للمادة ( ‪ ) ١٠٦١‬من القانون املدين‬
‫ً‬
‫العراقي أنه للشريك يف الشيوع ان يتصرف حبصته الشائعة باعتبـاره مال ًكا هلا‪ ،‬تصرف املالك‪ ،‬ويعترب تصرفه‬
‫صحيحا وناف ًذا يف حق مجيع الشركاء دون حاجة اىل موافقتهم‪ ،‬ومن مث حيق لدائنيه ان ينفذوا بديوهنم على‬
‫ً‬
‫هذه احلصة‪ ،‬ويقتصر التنفيذ على احلصة الشائعة فتباع جرباً على صـاحبها‪ ،‬وحيل املشرتي حمل صاحب‬
‫احلصة ويصبح شري ًكا حمله مع سائر الشركاء‪ ،‬أما الدائن احلاجز فيستويف دينه من مثنها‪.30‬‬

‫وجتدر اإلشارة هنا ان اموال املدين ليس مجيعها قابلة للحجز عليها‪ ،‬اذ ان املشرع قد منع احلجز على اموال‬
‫معينـة لعـدة اعتبارات وال يقع اثبات وجود النص املانع من احلجز على عاتق املدين الن ذلـك مسألة قانونية‬
‫العلم هبا من شؤون القاضي‪ ،‬اال انه تقع على املدين تبعة اثبات كون املال املطلوب حجزه من االموال اليت‬
‫منع املشرع التنفيذ عليها‪ ،‬وان حاالت عدم جواز احلجز واردة يف القانون على سـبيل احلـصر‪ ،‬فقـد حددهتا‬
‫املادة (‪ )62‬من قانون التنفيذ بست عشرة فقرة‪ ،‬كما وردت هذه االموال مع بعض االختالف يف املادة‬
‫(‪ )248‬من قانون املرافعات املدنية‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬انواع الحجز‬

‫تبعا للغاية املتوخاة منه على نوعني خمتلفني‪ ،‬يتمثالن بـاحلجز االحتياطي واحلجز‬
‫ينقسم احلجز ً‬
‫التنفيذي‪ ،‬االمر الذي يقتضي تقسيم هذا الفرع على فقرتني سنخصص االول للحجز االحتياطي وسنتناول‬
‫يف الثاين احلجز التنفيذي‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬سلطة القاضي التقديرية في الحكم بالحجز االحتياطي‬

‫أن احلجز االحتياطي هو تدبري وقائي يهدف اىل ضـبط الـشيء احملجـوز ووضع يد القضاء عليه ومنع‬
‫احلجوز عليه مـن التـصرف بـه تـصرفًا نـاقالً للملكية‪ ،‬فاذا ترتب االلتزام يف ذمة شخص نشأ حق الدائن جتاه‬
‫مدينه وامكنه احلصول عليه عن طريق التنفيذ اجلربي‪ ،‬واذا مل يقم املدين بتنفيذ التزامه اختياراً‪ ،‬وملا كـان حق‬
‫الدائن يبدو عدمي الفائدة اذا مل يشمله القانون بضمان‪ ،‬فان الذمة املالية للمدين أضحت هي الضمان العام‬
‫حلقوق الدائنني‪ ،‬واذا كان القانون قد اعترب مجيع اموال املدين ضماناً حلقوق دائنيه‪ ،‬فان هذا الضمان ال‬
‫يظهر أثره اال عنـد الشروع يف اختاذ إجراءات التنفيذ على اموال املدين‪ ،‬لذا فان مـصلحة الـدائنني تقتضي‬
‫احملافظة على اموال املدين واالبقاء على ذمته املالية مليئـة كـي تزيـد فرص استيفائهم حلقوقهم‪ ،31‬ويشرتط‬
‫إليقاع احلجز االحتياطي توفر الشروط التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬رفع طلب من قبل الدائن تتضمن إيقاع احلجز االحتياطي‪ :‬ذلك الن القضاء ال ينظر يف أمر اال اذا‬
‫قدم بـه طلب رفع إليه‪ ،32‬وجيوز طلب احلجز االحتياطي قبل اقامة الدعوى أو بنفس عريـضتها عنـد‬
‫اقامتها‪ ،33‬كما جيوز طلبه اثناء السري يف الدعوى او بعد صدور احلكم فيها‪ ،‬فاذا وقع طلب احلجز قبل‬
‫اقامة الدعوى على طالبه ان يقيم الدعوى لتأييد حقه باحلجز خالل مثانية من تاريخ تبلي املدين او‬
‫الشخص احملجوز حتت يده بأمر احلجز االحتياطي‪ ،‬واال ابطل بناء على طلب احملجوز حتت يده‪ ،‬واذا‬
‫مل يقم طالب احلجز الدعوى بتأييد حقه يف املدة املذكورة‪ ،‬أو مل يبل احملجوز على امواله يبطل احلجز‬
‫بعد مضي ثالثة اشهر ويعترب كانه مل يكن‪.34‬‬

‫‪ -2‬أن يستند احلجز اىل دليل سواء كان هذا الدليل كتابياً‪ ،‬كأن يكون بيد الـدائن سند رمسي‪ 35‬او عادي‬
‫او اوراقًا اخرى تتضمن االقرار بالكتابة‪ ،‬وللقاضي سلطة تقديرية يف تقدير مدى كفايتها لذلك‪ ،‬ام كان هذا‬
‫الدليل غري كتابياً كأن تكون الدعوى مما ميكـن اثباهتـا بشهود فيجوز االستناد اىل الشهادة يف طلب‬
‫احلجز‪.36‬‬
‫‪20‬‬
‫‪ -3‬ان الدين يكـون معلوماً ومستحق االداء وغري مقيد بشرط‪ ،‬ويكون معلوماً اذا كان معيناً‪ ،‬وان طريقة‬
‫تعيني الدين ختتلف حسب مـا اذا كـان حمـل االلتزام نقل حق عيين او القيام بعمل او االمتناع عن عمل‪،‬‬
‫موجودا وقت العقد او ببيان االوصاف ميزة له‬
‫ً‬ ‫وسواء كان تعيينـه باإلشارة اليه او اىل مكانه اخلاص ان كان‬
‫مع ذكر مقداره ان كان من املقدرات‪ ،‬ويكفي أن يكون معلوماً للمتعاقدين‪ ،‬وإذا مل يعني يعد العقد‬
‫باطالً‪.37‬‬

‫‪ -4‬ال تكون االموال املطلوب حجزها من االشياء اليت ال جيوز حجزها قانوناً‪.‬‬

‫‪ -5‬ان يقدم طالب احلجز كفالة رمسية او تأمينات نقدية مقدارها عشرة يف املائـة من قيمة الدين املطالب به‬
‫او يضع عقاراً قيمته النسبة املذكورة على االقل للحجز عليه ضماناً ملا يرتتب على احلجز من ضرر اذا ظهر‬
‫ان طالبـه غيـر حمـق‪ ،‬وبالنسبة للدوائر الرمسية وشبه الرمسية فيكتفي منها تعهد الدائرة بأداء الـضرر واملصاريف‬
‫اذا ظهر ان احلاجز غري حمق‪.38‬‬

‫واذا حتققت شروط احلجز االحتياطي يكون للقاضي سلطة تقديرية واسعة بشأن احلكم بإيقاعه‪،‬‬
‫ذلك أنه ال جيوز للمدعي (الدائن) ان حيجز على امـوال املـدعى عليه (املدين ) بوجه عام قبل ان حيصل‬
‫على حكم يف مواجهة املـدعى عليـه‪ ،‬على ان تصبح هذه االموال ضماناً للوفاء بدينه‪.‬‬
‫كما يكون للقاضي سلطة تقديرية يف رفع احلجز اذا قام الدائن الدعوى يف الوقت احملدد وقررت احملكمة رد‬
‫الدعوى‪ ،‬وال ينفذ القـرار الصادر برفع احلجز اال اذا اكتسب احلكم الصادر برد الـدعوى درجـة البتـات‪،‬‬
‫وللمحجوز عليه املطالبة بتعويض الضرر الذي حلقه من توقيع احلجز يف حالـه رفعه او ابطاله‪ ،‬أما اذا اثبت‬
‫املدعي دعواه ثبت حقه يف احلجز‪ ،‬وتقـضي احملكمـة بتأييـد ويكون لطالب احلجز ايداع حكم التأييد اىل‬
‫مديرية التنفيذ للتنفيذ‪ ،‬ويقرر املنفذ العدل حتول احلجز االحتياطي الـى حجز تنفيذي ويبل املدين مبذكرة‬
‫االخبار بالتنفيذ‪ ،‬فاذا امتنع عن دفع الدين خـالل مهلتها قرر بيع احملجوز كما لو كان حمجوزاً حجزاً‬
‫تنفيذاً‪.39‬‬

‫ثانياً‪ :‬سلطة القاضي التقديرية في الحجز التنفيذي‬

‫يعد وسيلة لقهر املدين على الوفاء‪ ،‬مبقتضاها يتم التنفيذ بواسـطة السلطة العامة على اموال املدين‬
‫اليت جييز القانون التنفيذ عليها حيث حتجز وتباع وتسدد حقوق الدائن من اقيامها‪ ،‬وان احلجز التنفيذي‬

‫‪21‬‬
‫وف ًقا لقانون التنفيذ‪ ،‬اما ان يقع على االموال املنقولـة‪ ،‬او على ما للمدين لدى الغري‪ ،‬او على الرواتب‬
‫واملخصصات‪ ،‬او على العقار‪.40‬‬

‫ولقد خصص املشرع العراقي الفصل الثالث من الباب الرابع من قانون التنفيذ للكالم عن حجز‬
‫االموال املنقولة يف املواد (‪ ،)٦٠-٧٣‬وحدد فيها اجراءات بيعها‪ ،‬بأنه تبدأ بقيام الدائن بدفع مقدماً مجيع‬
‫املصاريف اليت ينبغي صرفها يف سبيل احلجز والبيع على ان حتصل له فيما بعد من املدين‪ ،41‬ليقوم بعد‬
‫ذلك منفذ العدل أو من ينيبه من موظفي مديريته بتنفيذ قرار حجـز امـوال الدين املنقولة‪ ،42‬يكون تنفيذ‬
‫قرار احلجز حبضور خمتار احمللة أن كان موجـوداً‪ ،‬وشـاهدين‪ ،‬وينظم حمضراً يدون فيه جنس االموال احملجوزة‬
‫وانواعها ومقدارها وقيمتهـا مبعرفـة خبري ان وجد ضرورة لذلك وبيان املكان الذي حفظت فيه وكيفية‬
‫حراستها‪ ،‬ويوقع هو واحلاضرون على ذلك احملضر‪ ،‬ويقدمه اىل املنفذ العدل‪ ،‬واذا كان احملجوز شيئًا مثينًا‬
‫فعليه ان ينقله اىل املديرية ويودعه اىل احملل اخلاص حبفظ االمانـات واال فيحفظ حسب طبيعته سواء أكان‬
‫ذلك خبتم مكان وجوده أو بنقله الـى مكـان يناسبه‪ ،‬أو بإيداعه يف يد عدل او بإقامة حارس عليه لقاء‬
‫اجـرة‪.43‬‬

‫ومن املالحظ أنه جيوز للدائن حجز ما للمدين لدى الغري‪ ،‬وتبدأ إجراءات احلجز بتبليغه بقرار احلجز‬
‫ويفهم بان ال يسلم االموال املذكورة الحد وانه املسؤول عنها وليس حق التـصرف هبـا اال بقرار من املنفذ‬
‫العدل‪ ،‬وله ان يبدي ما يشاء من بيانـات واعرتاضـات ويـنظم‪ ،‬وتبليغه‪ ،‬واذا نكر الغري وجود مال للمدين‬
‫لديه فال توجه اليه مسؤولية مباشرة‪ .44‬كما جيوز حجز راتب وخمصصات كل مـن يتقاضى راتباً أو اجوراً من‬
‫الدولة بنسبة ال تزيد على مخس ما يتقاضـاه مـن راتـب وخمصصات وبضمنها خمصصات غالء املعيشة‬
‫وحددت قواعد قانون املرافعات هذه النسبة‪ ،‬ويكون الشخص املسؤول عن صرف الراتب واملخصصات‬
‫ملزماً بتنفيـذ قرار احلجز عندما تبلغه مديرية التنفيذ باحلجز وعليه اجابتها خالل سبعة ايام عند تنفيذ احلجز‬
‫املطلوب ومقدار الراتب واملخصصات وعليه ان خيربها بكل تبـدل يطرأ على وظيفة املدين وراتبه‬
‫وخمصصاته‪.45‬‬

‫وفيما يتعلق حبجز العقار فأن اجراءات حجزه تتمثل بقيام منفذ العدل مبعاملة وضع اليد على العقار‬
‫حمضرا يدون فيه كل ما يتعلق بالعقار مـن‬‫احملجـوز حبـضور طالـب التنفيذ او من ينوب عنه قانونًا وينظم ً‬
‫معلومات تفصيلية‪ ،‬وله االستعانة بكل ذلك خببري او اكثر ويوقع احملضر املنفـذ العـدل واخلبري وطالب التنفيذ‬

‫‪22‬‬
‫او من ينوب عنه قانونا‪ ،‬لذلك فان بيع العقار بدون اجراء معاملة وضع اليد او بعد اجرائها بشكل خمـالف‬
‫يؤدي اىل ابطال املزايدة واالحالة‪ ،46‬وعلى املنفذ العدل ان يشعر دائرة التسجيل العقاري بوضع اشارة‬
‫احلجز على سجل العقار‪.‬‬

‫وتتمثل سلطة القاضي يف احلجز التنفيذي بإمكانية اصدار حكم قضائي برفع احلجز التنفيذي مىت‬
‫ما وجدت أسباب ومربرات مقبولة كما لو قام املدين بتسديد الدين لدائن أو فيه خمالفة للقانون او خطأ يف‬
‫تطبيقه او عيب يف تأويله‪ ،‬أو إذا كان احلكم قد صدر على خالف قواعد االختصاص هذا من ناحية‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى للقاضي سلطة أما بتعديل قرار منفذ العدل يف حال قام اخلصم املدين بتمييز قرار‬
‫منفذ العدل أمام حمكمة االستئناف‪ ،‬أو يؤيده أو يقضي بأبطاله‪ ،‬ومن االمثلة على ذلك ما قضت به‬
‫حمكمة االستئناف يف الرصافة بقرار املرقم (‪ )207‬لعام ‪ 2006‬بأنه "لدى التدقيق واملداولة وجد أن الطعن‬
‫التمييزي واقع ضمن املدة القانونية قرر قبوله شكالً ولدى عطف النظر على القرار املميز وجد أنه غري‬
‫صحيح وخمالف للقانون ذلك أن الكفيلة (و) قد حضرت أمام املنفذ العدل مبوجب احملضر املؤرخ يف‬
‫‪ 2005/4/20‬وطلبت وضع احلجز التنفيذي على العقار العائد هلا تسلسل (‪ 11770/4‬م ‪ )11‬مزرعة‬
‫(ح) لقاء طلب اجلهة الدائنة االحتاد العام للجمعيات الفالحية وبالتايل فإهنا أسقطت حقها باحلماية املقررة‬
‫لدار السكن‪ ،‬مما يكون معه القرار املميز املتضمن إلغاء اإلجراءات التنفيذية بشأن ال سند له من القانون‪،‬‬
‫لذا قرر نقضه وإعادة اإلضبارة إىل مرجعها "‪ ،‬حيث كان طلب املدين يف العريضة اخلاصة بتمييز القرار‬
‫املذكور هو وضع احلجز التنفيذي على الدار العائدة له حيرمه من التمسك بكون الدار هي دار سكن ال‬
‫جيوز بيعها لكونه قد أسقط حقه بذلك‪ ،‬إال أن القاضي بسلطته التقديرية عند متييزه للقرار قرر نقضه‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬الحق في الحبس للضمان‬

‫احلق يف احلبس هو وسيلة من وسائل الضمان اليت هتدف إىل ضمان تنفيذ االلتزامات بشكل عام‬
‫ومنها االلتزام العقدي‪ ،‬ونص املشرع العراقي على هذه الوسيلة من وسائل احملافظة على الضمان العام يف‬
‫املواد(‪ ،)282,281,280‬ونظم املشرع املصري هذا احلق يف املواد(‪ 246‬وحىت ‪ ) 248‬من القانون‬
‫املدين‪ ،‬وسنتناول هذا املوضوع ضمن اربع فروع تباعاً‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫الفرع األول‪ :‬طبيعة الحق في الحبس للضمان‬

‫يفرتض هذا احلق وجود شخصني كل منهما دائن ومدين لآلخر‪ ،‬والتزام كل منهما مرتتب على‬
‫اآلخر ومرتبط به حبيث جيوز لكل منهما أن ميتنع عن تنفيذ التزامه ما دام مل يقدم دائنه على الوفاء بااللتزام‬
‫الذي يقع على عاتقه‪ ،‬أو مل يقدم تأميناً كافياً للوفاء‪ .47‬ويقوم احلق باحلبس على اعتبارات من العدالة‬
‫وحسن النية واملنطق القانوين‪ ،‬فليس من العدل أن يلتزم شخص بالوفاء بدين ترتب يف ذمته دون ان يلزم من‬
‫يطالبه بالتنفيذ بالوفاء مبا عليه من دين له‪ ،‬وليس من حسن النية ان ميتنع شخص عن التنفيذ التزامه‬
‫ويطالب دائنه مبا ترتب يف ذمته من التزام حنوه‪ ،‬وليس من املنطق القانوين ان جيرب شخص على الوفاء بالتزامه‬
‫مادام الدائن مل يعرض الوفاء بالتزام ارتبط بالتزام املدين ونشأ مناسبته‪.48‬‬

‫أما من حيث طبيعته يف القانون العراقي فهو ليس حبق عيين ألنه ال يشارك احلقوق العينية يف‬
‫مقوماهتا االساسية‪ ،‬فهو ال ينطوي على حق التقدم وعلى حق التتبع اللذين يتمتع هبا اصحاب احلقوق‬
‫العينية التبعية ألنه ال خيول الدائن حق امتياز على ما حبس‪ ،‬والن احلابس يفقد حقه يف احلبس إذا ختلى‬
‫عن حيازة العني احملبوسة‪ ،‬كما أنه ال خيضع إلجراءات الشهر اليت ختضع هلا كثري من احلقوق العينية‪ ،‬ألن‬
‫القانون مل يفرض اجراءات لشهر حق احلابس وهو ليس حبق شخصي يرتتب يف ذمة املدين متعلقاً بالشيء‬
‫احملبوس‪ ،‬واحلق أنه ال يعدو ان يكون دفعاً بعدم التنفيذ خيول الدائن حق االمتناع عن الوفاء مبا عليه من‬
‫دين حىت يستويف دينا له ترتب يف ذمته مىت توافرت صفتا الدائن واملدين يف كل من الطرفني وحتقق الرتابط‬
‫بني الدينني‪.49‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬خصائص الحق في الحبس للضمان‬

‫يتميز احلق يف احلبس باخلصائص االتية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أنه دفع يثبت للمدين عند توافر شروط معينة فيدفع به مطالبة الدائن له بتنفيذ التزامه‪ ،‬أو باسرتداد‬
‫عني يف حيازته‪ ،‬وخيول صاحبه االمتناع عن الوفاء فحسب ولذلك ال يتصور أن ترفع به دعوى اصلية‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬أنه حق ال يقبل التجزئة فاحلابس أن حيبس كل الشيء يف يده حىت يستويف حقه كله‪ ،‬وال يلزم بتسليم‬
‫جزء من الشيء احملبوس كمقابل للجزء الذي استوفاه‪.50‬‬

‫‪24‬‬
‫ثالثاً‪ :‬أنه حق ينبغي أن يتحاشى صاحبه التعسف يف استعماله‪ ،‬فإذا كان الشيء احملبوس كبري القيمة‬
‫بالنسبة إىل الدين الذي حبس من اجله وكان بإمكانه االكتفاء حببس جزء منه ضماناً للحصول على حقه‬
‫وطالبه مالك العني بذلك فأىب‪ ،‬اجرب على تسليم ما يزيد على القدر الذي يضمن حقه إذا كان الشيء‬
‫يقبل التجزئة دون تلف يصيبه ودون ضرر يلحق باحلابس‪.51‬‬

‫ولكن ليس هناك ما مينع من أن حيكم القاضي بتسليم الشيء كله إذا كان الباقي من حقه ومل‬
‫يستوفه وهو ميثل اجلزء من االلتزام الذي مل ينفذه املدين قليل األمهية بالنسبة لباقي االلتزام‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬شروط نشوء الحق في الحبس‬

‫من خالل استقراء نصوص املواد (‪ ) 282 ،281 ،280‬من القانون املدين العراقي يتبني أن احلق يف‬
‫احلبس ينشأ عند توافر ثالثة شروط‪ ،‬أوهلا ثبوت حق للحابس مستحق االداء يف ذمة مدينه‪ ،‬وثانيها وجود‬
‫التزام يف ذمة احلابس بإداء شيء‪ ،‬وثالثها قيام ارتباط بني حق احلابس وبني التزامه باإلداء‪ .‬وعليه سنتناول‬
‫هذه الشروط كما يلي‪:‬‬

‫الشرط االول‪ :‬ثبوت حق للحابس يف ذمة مدينه تتوافر فيه اوصاف معينة يشرتط يف الدين الذي يثبت‬
‫للحابس أن يكون ديناً مدنياً حمققاً مستحق اإلداء تالياً أو معاصراً حليازة الشيء ومل يتم تنفيذه‪.‬‬

‫الشرط الثاني‪ :‬وجود التزام على الحابس بإداء شيء مما يعني التقابل بين دينين‬

‫البد لقيام احلق يف احلبس من وجود حمل يرد عليه احلق‪ ،‬ويلتزم احلابس بإدائه لتعلق حق املدين به‪،‬‬
‫ويكون يف يد احلابس أو يف ذمته‪ ،‬أما حمل احلق يف احلبس وهو الدين الذي يلتزم الدائن بإدائه‪ ،‬فقد يتعلق‬
‫بعني معينه بالذات سواء كانت عقاراً أو منقوالً‪ ،‬والغالب ان يرد احلق يف احلبس على شيء مادي يكون يف‬
‫يد الدائن كعني يبيعها مالكها ويلتزم بتسليمها‪ ،‬إال أن له ايقاف تنفيذ التزامه بالتسليم حىت يستويف مثنها‪،‬‬
‫وقد يتعلق بشيء معني بالنوع كالنقود وسائر املثليات كأن حيبس املشرتي الثمن يف يده حىت يتسلم املال‬
‫املبيع‪ ،‬وقد يكون حمل الدين عمالً‪ ،‬وقد يكون احملل امتناعاً عن عمل كأن يوقف من تعهد بعدم منع جاره‬
‫من املرور يف ارضه تنفيذ التزامه فيمنع اجلار من املرور حىت يستويف ما تقرر له من تعويض عادل‪.52‬‬

‫وال يتصور أن يرد احلبس على االشخاص فال جيوز ملستشفى مثالً ان حتبس املريض حىت يستويف اجوره‪،‬‬
‫واذا كان احلق يف احلبس يرد على كل دين أياً كان حمله فال عربه لقيامه مبصدر الدين كذلك فقد ينشأ الدين‬

‫‪25‬‬
‫عن عقد وقد ينشأ عن مصادر االلتزام االخرى‪ ،‬وحيوز أن ال حيوز احلابس الشيء بنفسه‪ ،‬وأمنا حيوزه عدل‬
‫يتفق عليه احلابس واملالك ويشرتط يف احلائز للشيء كي يثبت له احلق يف حبسه أربعة شروط‪:‬‬

‫‪ -1‬أن ال تكون حيازته للشيء جمرد حفظ مادي تفتضيه واجبات وظيفته‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يظل الشيء يف حيازته فإذا خرج من يده بإرادته تعذر عليه اسرتداده وحبسه‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون ملتزماً بإدائه ملدينه الن تعلق حق املدين بالشيء شرط لنشوء احلق يف احلبس‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون الشيء قد وصل إىل يده عن طرق مشروع‪.‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬قيام االرتباط بين حق الحابس وبين التزامه باإلداء‬

‫ال يكفي لقيام احلق يف احلبس وجود دين يف يد الدائن أو يف ذمته يلتزم بإدائه ملدينه‪ ،‬وامنا ينبغي أن‬
‫يتحقق االرتباط بني الدينني‪ ،53‬ويرى الفقه العراقي ان عبارة (نشأ بسبب التزام املدين) اليت توحي بان احلق‬
‫يف احلبس قاصر على العقود امللزمة للجانبني عبارة مل يوفق املشرع العراقي يف صياغتها وختالف يف معناها ما‬
‫قصده املشرع واحلق انه مل يقصد هبذه العبارة غري أن االلتزام الذي مل يوف الدائن به نشأ مبناسبة التزام‬
‫املدين وارتبط به ولذلك ال يكون الدفع بعدم تنفيذ العقد مرادفاً للحق يف احلبس‪ ،‬وأمنا يعد تطبيقاً له يرد‬
‫يف العقود التبادلية الكاملة‪.54‬‬

‫الفرع الرابع‪ :‬سلطة القاضي التقديرية في حق الحبس للضمان‬

‫ترتتب يف حق احلبس للضمان سلطة تقديرية للقضاء يف حال رفع دعوى من قبل املدعي املدين‬
‫تتضمن امتناع الدائن عن تسليم العني‪ ،‬فهنا قد يقضي باستمرار حق احلبس حىت يستويف الدائن كامل حقه‬
‫دون احلاجة اىل حكم أو اعذار‪ .‬ويالحظ على حق احلابس يف االمتناع عن الرد أن اثر احلبس يقتصر على‬
‫احليازة املادية للعني دون ان تتأثر ملكيتها‪ ،‬مامل يتنازل احلابس أمام القضاء فهنا يعد ذلك نزوالً من احلابس‬
‫عن حقه‪ ،‬أما اذا اسرتدها املدين عنوة او خلسة اعترب ذلك اعتداء على احلق يف احلبس وجاز للحابس‬
‫مطالبة املدين بردها خالل ثالثني يوما من وقت علمة خبروج العني من يده وقبل انقضاء سنة من وقت‬
‫خروجها‪.55‬‬

‫كما يكون للمحكمة سلطة تقديرية بشأن احلكم بغلة ومثرات الشيء احملبوس ذلك أن حق احلابس‬
‫يقتصر على حبسها فقط‪ ،‬أما ملكية الغلة والثمرات فتؤل إىل مالك العني الذي ال حيرم إال من حق‬

‫‪26‬‬
‫استعماهلا‪ ،‬ويبقى للمالك حق التصرف فيها وتدخل يف الضمان العام للدائنني بشرط ان ال خيل التنفيذ‬
‫عليها حبقه يف احلبس‪.56‬كما للمحكمة سلطة يف تقدير قيمة النفقات واملصروفات اليت بذهلا اخللف اخلاص‬
‫لغرض احملافظة على ملكية العني احملبوسة أو تلك النفقات اليت زادت من قيمتها‪.57‬‬

‫ملا كان احلق يف احلبس شرع ضماناً حلصول احلابس على حق ترتب له يف ذمة مالك الشيء احملبوس‬
‫أو يف ذمة من له احلق يف اسرتداد العني احملبوسة اذا مل يكن مالكا هلا فهو اذن حق تابع لاللتزام املضمون به‬
‫وينقضي تبعا النقضاء حق احلابس يف ذمة املدين وينقضي حق احلابس بالوفاء أو مبا يعادل الوفاء‪ ،‬وقد‬
‫ينقضي دون وفاء كانقضائه باإلبراء او باستحالة التنفيذ‪.58‬‬

‫ويكون للقاضي سلطة تقديرية بشأن اهناء حق حبس العني للدائن من عدمه يف حال قام املدين‬
‫بتقدمي تأميناً كافيا للوفاء مبا يف ذمته من دين‪ ،‬سواء كان التأمني شخصياً كالكفالة أو عيناً كالرهن‪ ،‬أي‬
‫يتوىل القاضي هنا تقدير كفاية ما قدمه الدائن لتأمني حق احلابس إذا مل يقتنع االخري بكفايته ألن تقرير‬
‫كفاية التأمني يعد مسألة وقائع ختضع لتقدير القاضي عند اخلالف‪.59‬‬

‫وكذلك يكون للقاضي سلطة يف اهناء حق حبس العني للدائن كذلك يف حال اخالله بالتزامه‬
‫باحملافظة على الشيء أو بعدم تقدمي حساب عن غلته ذلك الن احلابس يلتزم باحملافظة على الشيء حمافظة‬
‫الرجل املعتاد ألنه التزام ببذل عناية‪ ،‬فإن قصر يف ذلك فانه يكون قد اخل بالتزامه‪ ،‬وعندئذ جيوز للمالك‬
‫ان حيصل على حكم قضائي لغرض اسقاط حق احلابس بسبب تقصريه‪ ،60‬وكذلك احلال يف حالة هالك‬
‫العني احملبوسة بسبب احلابس الدائن‪ ،‬وعندئذ يكون مسؤوالً عن تعويض املالك عنها‪.61‬‬

‫خاتمة‬

‫أوالً‪ :‬النتائج‬

‫‪ -1‬يتمتع القاضي بسلطة تقديرية يف احلكم باحلجر تنبين على ما يتمتع به من حق يف تقدير ما اذا‬
‫كانت االسباب اليت يستند إليها طلب احلجر معقولة تربره‪ ،‬واذا صدر احلكم حبجر املدين وجب‬
‫شهره الن احلكم يعد حجة على الكافة‪ ،‬واكتفى القانون املدين العراقي إلشهار حكم احلجر بقيام‬
‫كاتب احملكمة بتسجيل احلكم بطريق القيد يف السجل العام املعد يف احملكمة لقيد اشهار االفالس‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ -2‬تبني لنا أنه يرتتب على احلكم باحلجر أن حيل كل ما يف ذمة املدين من ديون مؤجلة وخيصم‬
‫من هذه الديون مقدار الفائدة االتفاقية او القانونية عن املدة اليت سقطت بسقوط االجل‪،‬‬
‫وللقاضي سلطة تقديرية يف ان يبقي املدين على االجل او ان ميده بالنسبة اىل الدين املؤجل او ان‬
‫مينح اجالً بالنسبة اىل الدين احلال‪.‬‬
‫‪ -3‬منع املدين من السفر يعد إجراءٌ وقيت‪ ,‬يُصدره منفذ العدل يتمثل حبرمان شخص من مغادرة‬
‫إقليم الدولة الصادر فيها اإلجراء‪ ،‬كوسيلة إلجباره على تنفيذ التزاماته؛ وللقاضي سلطة تقديرية يف‬
‫بيان صحة القرار اخلاص مبنع املدين من السفر بناءاً على االسباب واملربرات املقدمة يف عريضة‬
‫الدعوى يف حال قام اخلصم املدين بالطعن متييزاً يف قرار منفذ العدل لدى حمكمة استئناف املنطقة‬
‫خالل سبعة ايام‪ ،‬بعريضة يقدمها اىل احملكمة املختصة بالطعن‪ .‬كما ان الطعن متييزاً يف قرار املنفذ‬
‫العدل‪ ،‬ال يوقف اجراءات التنفيذ‪ ،‬ما مل تقرر احملكمة املقدم اليها الطعن خالف ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬وجدنا من خالل البحث أنه للقاضي سلطة تقديرية يف رفع احلجز اذا قام الدائن الدعوى يف‬
‫الوقت احملدد وقررت احملكمة رد الدعوى‪ ،‬وال ينفذ القـرار الصادر برفع احلجز اال اذا اكتسب احلكم‬
‫الصادر برد الـدعوى درجـة البتـات‪ ،‬وللمحجوز عليه املطالبة بتعويض الضرر الذي حلقه من توقيع‬
‫احلجز يف حالـه رفعه او ابطاله‪.‬‬
‫‪ -5‬أتضح لنا أن سلطة القاضي يف احلجز التنفيذي تتمثل بإمكانية اصدار حكم قضائي برفع احلجز‬
‫التنفيذي مىت ما وجدت أسباب ومربرات مقبولة كما لو قام املدين بتسديد الدين لدائن أو فيه‬
‫خمالفة للقانون او خطأ يف تطبيقه او عيب يف تأويله‪ ،‬أو إذا كان احلكم قد صدر على خالف‬
‫قواعد االختصاص هذا من ناحية‪.‬‬
‫‪ -6‬يكون للقاضي سلطة تقديرية بشأن اهناء حق حبس العني للدائن من عدمه يف حال قام املدين‬
‫بتقدمي تأميناً كافيا للوفاء مبا يف ذمته من دين‪ ،‬سواء كان التأمني شخصياً كالكفالة أو عيناً كالرهن‪،‬‬
‫أي يتوىل القاضي هنا تقدير كفاية ما قدمه الدائن لتأمني حق احلابس إذا مل يقتنع االخري بكفايته‬
‫إلن تقرير كفاية التأمني يعد مسألة وقائع ختضع لتقدير القاضي عند اخلالف‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫ثانياً‪ :‬التوصيات‬

‫‪ -1‬نقرتح على املشرع العراقي تنظيم موضوع املنع من السفر بشكل مستق يف القانون املدين وبيان مدى‬
‫سلطة القاضي فيها بشكل صريخ‪.‬‬
‫‪ -2‬تعديل النصوص املتعلقة حبق احلبس للضمان وبيان طبيعته بشكل صريح حبيث يتم تفرقته عن‬
‫قاعدة الدفع بعدم التنفيذ‬

‫الهوامش‬

‫‪ -1‬فقد نصت املادة ‪ 270‬من القانون املدين العراقي على أن ( املدين املفلس يكون دينه املستحق االداء ازيد من ماله اذا‬
‫خاف غرماؤه ضياع ماله أو خافوا ان خيفيه أو ان جيعله باسم غريه وكان خوفهم مبنيا على اسباب معقولة وراجعوا‬
‫احملكمة يف حجره عن التصرف يف ماله واقراره بدين ألخر حجرته احملكمة )‪.‬‬
‫‪ -2‬انور طلبة‪ ،‬املطول يف شرح القانون املدين‪ ،‬اجلزء الرابع واخلامس‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬املكتب اجلامعي احلديث‪ ،‬االسكندرية‪،‬‬
‫‪ ،2006‬ص‪.43‬‬
‫‪ -3‬د‪ .‬أمين سعد سليم‪ ،‬احكام االلتزام‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار احلافظ للنشر والتوزيع‪ ،‬جدة‪ ،2007 ،‬ص‪.54‬‬
‫‪ -4‬د‪ .‬مجيل الشرقاوي‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬الكتاب االول‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪،1981 ،‬‬
‫ص‪.87‬‬
‫‪ -5‬د حسن علي الذنون‪ ،‬شرح القانون املدين العراقي‪ ،‬احكام االلتزام‪ ،‬العاتك لصناعة الكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،200 ،‬ص‪.43‬‬
‫‪ -6‬د‪0‬حسن علي الذنون‪ ،‬شرح القانون املدين العراقي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫‪ -7‬د‪0‬عبد اجمليد احلكيم واخرون‪ ،‬القانون املدين وأحكام االلتزام‪ ،‬ج‪ ،2‬العاتك لصناعة الكتاب‪ ،‬القاهرة‪،2009 ،‬‬
‫ص‪.132-131‬‬
‫‪ -8‬وقد نصت املادة ‪ 271‬من القانون املدين على (املادة (‪ )272‬من القانون املدين العراقي‪ .‬ويف حالة قيام املدين بإتالف‬
‫او اخفاء االموال احملجوزة بقصد احليلولة من دون تصفيتها فانه يتعرض لعقوبة جنائية استنادا اىل قانون العقوبات العراقي‬
‫رقم ‪ 111‬لسنة ‪.1969‬‬
‫‪ -9‬املادة (‪ )273‬من القانون املدين العراقي‪.‬‬
‫‪ -10‬د‪ .‬سليمان مرقس‪ ،‬شرح القانون املدين‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬االلتزامات املطبعة العاملية‪ ،‬القاهرة‪ ،1964 ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ -11‬د‪ .‬عبد اجمليد احلكيم وآخرون‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.١٣4‬‬
‫‪ -12‬املادة (‪ )262‬من القانون املدين املصري‪.‬‬
‫‪ -13‬تنظر املواد (‪ )278 -279‬من القانون املدين العراقي‪ ،‬تقابلها املادة (‪ )261‬من القانون املدين املصري‪ .‬ويالحظ أن‬
‫القانون املدين املصري يف املادة (‪ )263‬يستلزم لعودة آجال هذه الديون طلب املدين ذلك وخالفه ال ترجع آجال هذ‬
‫الديون تلقائياً‪.‬‬
‫‪ -14‬د‪ .‬رمزي سيف‪ ،‬قواعد تنفيذ االحكام والعقود الرمسية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1960 ،‬ص‪.45‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ -15‬قرار حمكمة التمييز املرقم (‪ /109‬مستعجل ‪ )963 /‬يف ‪ ،1963 /2 /4‬قضاء حمكمة متييز العراق‪ ،‬اجمللد األول‪،‬‬
‫السنة ‪ ،966‬ص‪.153‬‬
‫‪ -16‬تنظر املواد (‪ )123_ 118‬من قانون التنفيذ العراقي‪.‬‬
‫‪ -17‬د‪ .‬امحد املليجي‪ ،‬املوسوعة الشاملة يف التعليق على قانون املرافعات‪ ،‬اجلزء السادس‪ ،‬الطبعة الثامنة‪ ،‬املركز القومي‬
‫لإلصدارات القانونية‪ ،‬بدون ذكر مكان الطبع‪ ،2010 ،‬ص‪.54‬‬
‫‪ -18‬تنظر املادة (‪ )120‬من قانون التنفيذ العراقي‪.‬‬
‫‪ -19‬تنظر املادة (‪ )122‬من قانون التنفيذ العراقي‪.‬‬
‫‪ -20‬د‪ .‬حممود حممود الطحاين‪ ،‬دعوى اسرتداد املنقوالت احملجـوز عليهـا‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،٢٠٠٧ ،‬ص‪.٧‬‬
‫‪ -21‬د اجمليد الصفماوي‪ ،‬ود‪.‬عكاشة حممد عبد العال‪ ،‬تاريخ النظم االجتماعيـة والقانونية والقانون الروماين‪ ،‬مطبعة‬
‫احلوادث‪ ،‬بغداد‪ ،١٩٨٩ ،‬ص‪.١٨٢‬‬
‫‪ -22‬د‪ .‬امحد علي اخلطيب‪ ،‬احلجر على املدين حلق الغرماء يف الفقه االسالمي والقانون املقارن‪ ،‬مطبعة دار التأليف‪،‬‬
‫‪ ،١٩٦٤‬ص‪.١٥‬‬
‫‪ -23‬د‪ .‬سعيد مبارك‪ ،‬احكام قانون التنفيذ رقم ‪ ٤٥‬لـسنة ‪ ،١٩٨٠‬ط‪ ،1‬مكتبة السنهوري للكتب القانونية‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫‪ ،١٩٨٩‬ص‪.١٣٥‬‬
‫‪ -24‬ينظر املادة (‪ ) ٦٢‬من قانون التنفيذ العراقي رقـم ‪ ٤٥‬لـسنة ‪ ،١٩٨٠‬ووردت هذه االموال مع بعض االختالف يف‬
‫املادة ( ‪ ) ٢٤٨‬من قانون املرافعات العراقي رقم ‪ ٨٣‬لسنة ‪.١٩٦٩‬‬
‫‪ -25‬د‪ .‬عبد الباسط مجيعي‪ ،‬طرق التنفيذ واشكاالته‪ ،‬دار الفكر العريب‪ ،‬مـصر‪ ،1964 ،‬ص‪.43‬‬
‫‪ -26‬قرار حمكمة التمييز رقم ‪ ،١٢‬هيئة عامة اولـى \‪ ١٩٧٧‬املـؤرخ فـي ‪ .٣٠\٤\١٩٧٧‬منشور يف جمموعة االحكام‬
‫الدولية‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬السنة الثامنة‪١٩٧٧ ،‬‬
‫‪ -27‬انظر قرارها رقم ‪\٣‬مسجل\‪ ١٩٥٨‬املؤرخ يف ‪ .٦\١\١٩٥٨‬منشور فـي جملـة القضاء \ العدد الثالث‪ ،‬السنة‬
‫السادسة عشرة‪ ،١٩٥٨ ،‬ص‪٤٢٢‬‬
‫‪ -28‬د‪.‬عزمي عبد الفتاح‪ ،‬قواعد التنفيذ اجلربي‪ ،‬دار النهضة العربيـة‪ ،‬القـاهرة‪ ،١٩٩٦ ،‬ص‪.65‬‬
‫‪ -29‬املادة (‪ )5‬مـن قـانون حتـصيل الـديون احلكومية رقم ‪ ٥٦‬لسنة ‪.١٩٧٧‬‬
‫‪ -30‬نزيه نعيم شالال‪ ،‬احلجز االحتياطي‪ ،‬دراسة مقارنـة بـني الفقـه واالجتهاد والنصوص القانونية‪ ،‬منشورات احللبـي‬
‫احلقوقيـة‪ ،‬بيـروت‪ ،١٩٩٩ ،‬ص‪.١٢١‬‬
‫‪ -31‬املادة (‪ ) ٢٣٦‬من قانون املرافعات املدنية العراقي رقم (‪ )٨٣‬لعام ‪.١٩٦٩‬‬
‫‪ -32‬اذ نصت املادة ( ‪ )٢٣٢‬مـن قـانون املرافعات املدنية على ان (لكل من يدعي حقاً عينياً او حقاً يف حيازة منقـول او‬
‫عقار ان يطلب احلجز االحتياطي على ذات املنقول او العقار املنازع فيه ولو كان يف يد الغري اخلارج عن احلجز)‪.‬‬
‫‪ -33‬املادة (‪ )237‬من قانون املرافعات املدنية العراقي‪.‬‬
‫‪ -34‬السندات الرمسية هي اليت يثبت فيها موظف عام او شخص مكلف خبدمـة عامة طب ًقا لألوضاع القانونية ويف حدود‬
‫اختصاصه ما مت على يديه او ما ادىل بـه ذوي الشأن حبضوره مامل يتبني تزويرها بالطرق املقررة قانونا‪ ،‬اما ما ورد على‬
‫لسان ذوي الشأن من بيانات او اقرارات فيجوز اثبات عـدم صـحتها طبقاً ألحكام القانون‪ .‬تنظر املادة ((‪ )٢٢‬من قانون‬
‫االثبات العراقي رقم (‪ )١٠٧‬لعام ‪.١٩٧٩‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ -35‬املادة (‪ )1 /٢١‬من قانون االثبات العراقي‪.‬‬
‫‪ -36‬د‪ .‬سعيد مبارك‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.168‬‬
‫‪ -37‬املادة (‪ )٢٣٥‬من قانون املرافعات املدنية‪ ،‬وجيوز وضع احلجز االحتياطي بناء على سند رمسي منظم من كاتب العدل‬
‫او بناء على حكم سواء حاز درجة البتات او مل حيزها‪ ،‬ويف هذه احلالة يعفى طالـب احلجز من تقدمي الكفالة او‬
‫التأمينات‪.‬ينظر‪ :‬د‪.‬سعيد مبارك‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.170‬‬
‫‪ -38‬نزيه نعيم شالالً‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.٦9‬‬
‫‪ -39‬د‪.‬سعيد مبارك‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.١٧٠‬‬
‫‪ -40‬املادة (‪ )٦٣‬من قانون التنفيذ‪.‬‬
‫‪ -41‬املادة (‪ )٦٤‬من قانون التنفيذ‪.‬‬
‫‪ -42‬املادة (‪ )٦٧‬من قانون التنفيذ‪.‬‬
‫‪ -43‬يتم التبلي بتـسليم الورقـة املطلـوب تبليغها اىل الشخص نفسه ولو كان خارج حمل اقامته او تسلم يف حمل اقامته اىل‬
‫مقيما معه من اقاربه او اصهاره او ممن يعملون يف خدمته من املميزين وكذلك جيوز تسليم الورقة اىل‬ ‫زوجه او من يكون ً‬
‫مستخدميه يف حمل عمله‬
‫‪ -44‬املادة (‪ )٨٢‬من قانون التنفيذ العراقي رقم (‪ )٤٥‬لعام ‪.١٩٦٩‬‬
‫نقصا يف قيمته او امتنع عن‬
‫ضررا أو سبب ً‬ ‫‪ -45‬وجيوز ابقاء العقار احملجوز حبيازة شاغله حىت انتهاء املزايدة اال اذا احلق به ً‬
‫عرضه للراغبني يف شرائه فيجـوز عندئذ ختليته بقرار من املنفذ العدل مع مراعـاة احكـام قـانون تنظـيم اجيـار والسبب يف‬
‫هذه االجازة يكمن يف تعذر التصرف به والتمكـني مـن العقار االنتفاع به خالل مدة احلجز‪.‬د‪ .‬سعيد مبارك‪ ،‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.189‬‬
‫‪ -46‬نتقد بعض الفقهاء مصطلح " احلق يف احلبس" مفضالً عليها مصطلح "حق االحتباس"‪ ،‬وذلك ألن لفظ احلبس‬
‫يصرف الـذهن إىل عقوبة احلبس اليت نص عليها قانون العقوبات‪ .‬ينظر يف ذلك‪ :‬د‪ .‬مصطفى الزرقاء‪ ،‬شرح القانون املدين‬
‫السوري‪ ،‬نظريـة االلتزام العامة‪ ،‬مطبعة دار احلياة‪ ،‬دمشق ‪ ،1964‬ص‪ .179‬ولذا جند أن القانون املدين األردين نظمه‬
‫حتت عنوان حق االحتباس فـي املـواد مـن ‪ .392- 387‬كما يطلق بعض الفقهاء على احلق يف احلـبس مـصطلح "‬
‫الـدفع باحلبس" متأثراً بطريقة استعمال هذا احلق‪ .‬انظر‪ :‬د‪ .‬توفيق حسن فرج ود‪ .‬جالل علي العدوي‪ ،‬النظرية العامة‬
‫لاللتزام‪ ،‬مـصادر االلتزام وأحكام االلتزام‪ ،‬منشورات دار احلليب‪ ،‬بريوت ‪ ،2002‬ص‪.659‬‬
‫‪ -47‬د‪ .‬وجدي حاطوم‪ ،‬حق احلبس يف القانون املدين كوسيلة ضمان ٌغر مباشرة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬منشورات احللىب احلقوقية‪،‬‬
‫‪ ،2007‬ص‪.7‬‬
‫‪ -48‬ويرى الفقيه الكبري السنهوري أن احلق يف احلبس ليس هو (( باحلق العيين‪ ،‬وال باحلق الشخصي‪ .‬بل هو حق املدين‬
‫يف أن يقف الوفاء بدينه حىت يستويف الدين الذي له يف ذمة دائنه‪ ،‬فهو دفع بعدم التنفيذ‪ ،‬يدخل حتته الدفع بعدم تنفيذ‬
‫العقد الذي يعد فرعاً عنه‪ ،‬وهو مبنزلة ضـمان خـاص أعطـاه التقنني املدين اجلديد لكل دائن يكون مديناً يف الوقت ذاته‬
‫لدائنه‪ ،‬فيحبس الدين الـذي عليـه حتـى يستويف الدين الذي له))‪ .‬د‪.‬حممـود جالل محزة‪ ،‬التبسيط يف شرح القانون املدين‬
‫األردين‪ ،‬اجلزء الثالث‪ ،‬آثار احلق الشخصي وااللتـزام‪ ،‬عمـان ‪ ،2006‬ص‪.134‬‬
‫‪ -49‬د‪ .‬زهري حرج‪ ،‬د‪ .‬علي اجلاسم‪ ،‬العقود املسماة‪ ،‬منشورات جامعة دمشق‪ ،‬مركز التعلٌم املفتوح‪ ،‬قسم الدراسات‬
‫القانونية‪ ،2006 ،‬ص‪.54‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ -50‬د‪ .‬حممد لبيب شنب‪ ،‬كيفية استعمال احلق يف احلبس‪ ،‬حبث منشور يف جملة العلوم القانونية واالقتـصادية‪ ،‬الـسنة‬
‫العاشـرة‪ ،‬العدد الثاين ‪ ،1968‬ص‪445‬‬
‫‪ -51‬د‪ .‬حممود مجال الدين زكي‪ ،‬نظرية االلتزام يف القانون املدين املصري‪ ،‬ج‪ ،2‬يف أحكـام االلتـزام‪ ،‬القاهرة ‪،1967‬‬
‫ص‪.81‬‬
‫‪ -52‬وإىل هذا االرتباط اشارت الفقرة االوىل من املادة ‪ 282‬من القانون املدين العراقي بأنه ( لكل من التزم بإداء شيء أنن‬
‫ميتنع عن الوفاء به مادام الدائن مل يوف بالتزام يف ذمته نشأ بسبب التزام املدين وكان مرتبطا به)‪.‬‬
‫‪ -53‬د‪ .‬عبد اجمليد احلكيم واخرون‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.141‬‬
‫‪ -54‬د‪ .‬عبد الفتاح عبد الباقي‪ ،‬دروس يف أحكام االلتزام‪ ،‬مطبعة جامعة القاهرة والكتاب اجلـامعي‪ ،‬القاهرة ‪.1989‬‬
‫‪ -55‬د‪ .‬عبد اجمليد احلكيم واخرون‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.141‬‬
‫‪ -56‬د‪ .‬حممود مجال الدين زكي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫‪ -57‬نواف حازم خالد‪ ،‬انقضاء احلق يف احلبس للضمان بطريق أصلي‪ ،‬حبث منشور يف جملة الرافدين للحقوق‪ ،‬جملد‪،2‬‬
‫السنة العاشرة‪ ،‬العدد‪ ،2005 ،14‬ص‪.229‬‬
‫‪ -58‬حممد حسام حممود لطفي‪ ،‬حممد السعيد رشدي‪ ،‬أمحد حممد‪ ،‬عقود مدنٌية‪ ،‬البٌيع واإلجيار والتأمني‪ ،‬مركز جامعة‬
‫القاهرة للتعلٌم املفتوح‪ ،2000 ،‬ص‪.278‬‬
‫‪ -59‬تنظر الفقرة الثانية من املادة ‪ 283‬من القانون املدين العراقي‪.‬‬
‫‪ -60‬د‪.‬حممود مجال الدين زكي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.81‬‬

‫‪32‬‬
‫مدى تأثير فايروس "كوفيد ‪ "19‬كورونا على حقوق األنسان‬

‫م‪.‬م عمار مراد غركان ‪ -‬كلية القانون جامعة الكفيل – العراق‬

‫م‪.‬د علي مزهر كاظم الشيباني ‪ -‬كلية المصطفى الجامعة ‪ -‬العراق‬


‫ملخص‬

‫أحدث االنتشار الواسع والسريع لفريوس "كورونا" والذي طال خمتلف البلدان واملناطق حالة من‬
‫اهللع واالرتباك حبيث اصبح هذا الفريوس الغامض يهدد مبيالد أزمة كارثية هي األخطر يف الوقت احلاضر‪.‬‬
‫فعلى مدى الشهور السبعة املاضية‪ ،‬أصاب هذا الوباء املاليني من البشر وأزهق أرواح املئات من‬
‫اآلالف ومشلت تداعياته اخلطرية خمتلف مناحي احلياة االقتصادية والسياسية واإلنسانية واالجتماعية‬
‫والصحية والدينية والرياضية والبيئية وحىت التعليمية والثقافية‪ ،‬حبيث اصبح التحدي املباشر الذي تواجهه‬
‫مؤسسات التعليم يكمن يف كيفية التصدي هلذه اجلائحة واحلد من أثارها السلبية على عملية التعليم‬
‫والتعلم‪ ،‬وكذلك يف كيفية االستفادة من هذه التجربة لتطوير الربامج واملناهج وتأمني العودة اآلمنة والسريعة‬
‫إىل مسار التحسني املتواصل للعملية الرتبوية والتعليمية‪،‬وعدم الوقوف عند مرحلة التفكري يف كيفية التصدي‬
‫هلذه األزمة اخلانقة‪ ،‬بل البد للقائمني على إدارة وتسيري املؤسسات التعليمية أن يفكروا أيضاً ومبهنية عالية‬
‫يف كيفية اخلروج منها وهم أقوى من ذي قبل‪.‬‬

‫‪Summary‬‬

‫‪The widespread and rapid spread of the "Corona" virus, which affected various‬‬
‫‪countries and regions, has caused a state of panic and confusion, so that this‬‬
‫‪mysterious virus threatens to give birth to a catastrophic crisis that is the most‬‬
‫‪dangerous at present. Over the past seven months, this epidemic has affected millions‬‬
‫‪of people and claimed hundreds of thousands of lives, and its dangerous‬‬
‫‪repercussions included various aspects of economic, political, humanitarian, social,‬‬
‫‪health, religious, sports, environmental and even educational and cultural life, so that‬‬
‫‪the direct challenge facing education institutions is how to address this pandemic and‬‬
‫‪limit From its negative effects on the teaching and learning process, as well as on‬‬
‫‪how to benefit from this experience to develop programs and curricula and secure a‬‬

‫‪33‬‬
‫‪safe and rapid return to the path of continuous improvement of the educational and‬‬
‫‪educational process, and not to stop at the stage of thinking about how to address this‬‬
‫‪stifling crisis, but rather for those in charge of managing and running educational‬‬
‫‪institutions To also think very professionally about how to get out of it and they are‬‬
‫‪stronger than before.‬‬

‫مقدمة‬

‫وجهت جائحة كورونا ضربة قوية لالقتصاد العاملي وتتواصل تداعياهتا حول العامل منذ أن بدأت‬
‫رحلة زحفها من مدينة ووهان الصينية عام ‪ ،2019‬حيث أحدث الوباء أكرب صدمة مررنا هبا منذ أجيال‪،‬‬
‫واثر تفشي جائحة كورونا بشكل خاص على وضع حقوق اإلنسان يف غالبية دول العامل‪ ،‬وخاصة مع أختاذ‬
‫دول اجراءات احرتازية منها إغالق احلدود الدولية الذي مينع املهاجرين والالجئني من طلب احلماية عرب‬
‫احلدود‪ ،‬والتباطؤ االقتصادي الذي بدوره يضعف من احلقوق االجتماعية واالقتصادية للشعب‪ ،‬فضالً عن‬
‫احلجر الصحي الذي أدى بدوه حنو زيادة مستويات العنف املنزيل وسوء املعاملة اضافة اىل ذلك‪ ،‬يؤدي منع‬
‫كافة اشكال التجمهر واالنشطة اإلجتماعية إىل تغيري موازين القوى بني اجملتمعات وحكوماهتا‪.‬‬

‫ومما الشك فيه أن جائحة فريوس كورونا‪ ،‬كان هلا تأثريات على قطاع التعليم‪ ،‬غري أن احلكومات‬
‫ومنها العراق توجه حنو إجياد بدائل يف ظل أزمة الوباء املنتشرة‪ ،‬وكان التعليم عن بُعد هو طوق النجاة‬
‫للطالب الذين فرضت عليهم أزمة كورونا املكوث بالبيوت‪ ،‬نتيجة تعليق الدراسة باملدارس واجلامعات للحد‬
‫من تفشي الفريوس وتطبيق إجراءات التباعد االجتماعي‪ ،‬لذا اجته حنو التعليم االلكرتوين ولكن ال يزال ما‬
‫يعادل نصف العدد اإلمجايل للمتعلمني الذين حالت أزمة كورونا بينهم وبني مقاعد الدراسة‪ ،‬ال ميتلكون‬
‫رفاهية التعلّم عن بُعد ألهنم ال ميلكون جهاز حاسوب منزيل‪ ،‬أو ألهنم يفتقرون إىل إمكانية االتصال‬
‫بالشبكة العنكبوتية (اإلنرتنت) لضمان استمرارية عملية التعلّم‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬اثر أزمة كورونا على الحقوق المتعلقة بشخصية االنسان‬

‫سنتناول يف املطلب األول احلق يف التعليم اما يف املطلب الثاين سندرس اثر أزمة كورونا على حق‬
‫الصحة‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الحق في التعليم‬

‫يعرف احلق بالتعليم بأنه حق االفراد يف التعليم وتعليم غريهم مبا يعرفون أو يعتقدون ويشكل احلق‬
‫يف تعليم اآلخر مظهراً من مظاهر حق االفراد يف نقل آرائهم والتعبري عنهم‪ ،‬حبيث يشمل احلق يف التعليم‬
‫جماالت حرية التعليم واحلريات األكادميية اليت اصبحت تشكل جزءاً هاما من قانون حقوق االنسان‬
‫املعاصر‪.‬‬

‫ويكتسب احلق يف التعليم امهيه كذلك باعتباره مترين حلقوق االنسان‪ ،‬فالتمتع واستخدام احلقوق‬
‫االخرى وحىت التعرف على حقوق االنسان املختلفة السياسية واملدنية مثل احلق يف احلصول على املعرفة‬
‫وحق التعبري عن الرأي والتجمع وحق التصويت واالنتخاب وغريها من احلقوق السياسية االخرى يتطلب‬
‫حدوداً دنيا من التعليم لالستفادة منها‪.‬‬

‫أي بلغه اخرى ال ميكن ممارسة هذه احلقوق من قبل املواطنني دون معرفه من القراءة والكتابة‪ .‬وهذا‬
‫احلال نفسه ينطبق على احلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية مثل حق اختيار العمل وتشكيل النقابات‬
‫واملشاركة يف احلياه الثقافية والوصول للتعليم العايل على اساس االمكانيات املتاحة‪ ,‬وهذا كله حباجه اىل‬
‫حدود معينه من التحصيل العلمي االساسي‪.1‬‬

‫وبطبيعة احلال اوىل االعالن العاملي حلقوق االنسان احلق يف التعليم اهتماماً واضحاً يف مواده حيث‬
‫اشار يف املادة السادسة والعشرين منه اىل (لكل شخص احلق يف التعليم‪ ،‬وجيب ان يوفر التعليم جمانا على‬
‫االقل يف مرحلته االبتدائية واألساسية ويكون التعليم االساسي الزاميا‪ ،‬وأن يكون التعليم الفين واملهين متاحا‬
‫للعموم (ويؤكد االعالن العاملي على ان حق التعليم جيب ان يستهدف التنمية الكاملة للفرد‪ ،‬وأن يعزز‬
‫التفاهم والتسامح والصداقة بني مجيع االمم ومجيع الفئات العنصرية والدينية وأن يؤكد على األنشطة اليت‬
‫تعزز حفظ السالم(‬

‫وباتت أزمة كورونا صفعة على وجه الواقع جبميع حيثياته مما أثر على مجيع القطاعات عاملياً‪ ،‬ومن‬
‫أهم القطاعات اليت سأفرد احلديث عنها قطاع التعليم الذي يعد األساس يف هنوض الدول قاطبةً‪ ،‬واألصل‬
‫‪35‬‬
‫يف أي مؤسسة أن يكون لديها خطة بديلة يف حال حدوث أي طارئ قد يعيق العمل فيها‪ ,‬ومن املؤسف‬
‫أن معظم املؤسسات مل تدرك ذلك إطالقا اال بعد اجتياح أزمة كورونا اليت كشفت عن مواطن الضعف يف‬
‫املؤسسات اليت مل تضع يف حسباهنا أحد مكونات التخطيط االسرتاتيجي أال وهو إدارة األزمات والتحليل‬
‫الرباعي‪.‬‬

‫وجاءت أزمة كورونا لتكشف عن الفجوات والثغرات ملخططات بعض املؤسسات اليت تعترب عصب‬
‫احلياة يف الدولة وخصوصاً مؤسسات التعليمية بشقيها التعليم اجلامعي واملدرسي‪.2‬‬

‫وبظل إجراءات العزل اإلجباري والتباعد االجتماعي الحتواء تفشي الوباء‪ ،‬اختذت غالبية‬
‫املؤسسات التعليمية قراراً اضطرارياً بالتحول إىل نظام التعلم االلكرتوين كبديل كلي لضمان استمرارية العملية‬
‫التعليمية‪ ،‬ورغم إجيابيات نظام التعلم االلكرتوين اليت حيققها يف الوقت واجلهد واملال‪.‬‬

‫إال أن هناك العديد من التساؤالت اليت يطرحها اخلرباء بشأن فاعليته يف تأمني تعليم عايل اجلودة‬
‫لكل املتعلمني‪ ،‬وبشأن جاهزية املنظومة التعليمية (املعلم واملتعلم واملؤسسة التعليمية والبيت واجملتمع …)‬
‫ملواكبة هذا التحول املفاجئ‪ ،‬وما إذا كان استخدام التعليم اإللكرتوين كبديل للتعليم التقليدي سيستمر إىل‬
‫ما بعد جائحة كورونا‪ ،‬أم إنه سيرتاجع وتعود األمور إىل سابق عهدها؟ وهنا تتباين اآلراء بني من يظن ‪-‬‬
‫أن تعود األمور إىل ما كانت عليه‪ ،‬ومن يعتقد أنه ال رجعة عن التعلم اإللكرتوين ألنه بات خياراً ال بديل‬
‫عنه إال يف حالة انعدام البىن التحتية‪.‬‬

‫ويف تقديري املتواضع‪ ،‬إن التعليم لن يعود ملرحلته السابقة عقب جائحة كورونا وأمامنا اآلن فرصة‬
‫نادرة لتطويره وإحداث نقلة نوعية من خالل الدمج بني التعليم املباشر والتعليم االفرتاضي والتوسع يف‬
‫استخدام التقنيات الرقمية والربجميات الذكية لتقدمي خمرجات عالية اجلودة وفقاً للمعايري الدولية‪.‬‬

‫ومع تفشي وباء كورونا يف العراق برزت حتديات غري مسبوقة للحق يف التعليم‪ ،‬فمن البديهي إن‬
‫الفرد يف العراق ينبغي أن يضمن حقه يف التعليم السيما االبتدائي وصوالً إىل التعليم اجلامعي‪ ،‬ويف ظل‬
‫توصيات منظمة الصحة العاملية وخلية األزمة يف العراق واللجنة العليا للصحة والسالمة الوطنية جند إن‬
‫‪36‬‬
‫هنالك جزء مل يتم تسليط الضوء عليه‪ ،‬إال وهو احلق يف التعليم أو استمرار التعليم فقد تزامن انتشار‬
‫اجلائحة مع منتصف العام الدراسي وكان باإلمكان االنتقال السلس والتام للتعليم اإلليكرتوين لضمان حق‬
‫األجيال يف التعليم‪.‬‬

‫فالدستور العراقي للعام ‪ 2005‬نص صراحة يف املادة (‪ )34‬على مبادئ غاية باألمهية متثل‬
‫التزامات قانونية وأخالقية ومهنية للحكومة تتمثل بـالتعليم عامل أساس لتقدم اجملتمع‪ .‬وحق تكفله الدولة‪،‬‬
‫مما يثري تساؤل حول مدى استعداد اهليئات التعليمية والرتبوية للنهوض بواجباهتا املهنية إزاء التالميذ‬
‫والطلبة‪.3‬‬

‫ويتبادر إىل الذهن سؤال هل استطاعت احلكومة توفري املاء الصاحل للشرب يف املدارس أصالً؟‪ ،‬وهل‬
‫جنحت وزارة الرتبية حبل مشكلة توفري الصرف الصحي يف املدارس؟ أو تأهيل األبنية املدرسية لتستوعب‬
‫ذوي االحتياجات اخلاصة؟‪ ،‬هل متكنت الوزارة املختصة من استبدال مدارس الطني مبدارس عصرية تتوافر‬
‫فيها ما جيذب الطالب للدراسة؟‬

‫واألمر ذاته بالنسبة للجامعات فال تقل أبنيتها سوءً عن املدارس حيث ال تتوافر أدىن مقومات طرق‬
‫وأساليب التعليم احلديث وحيشر الطلبة كاألفواج يف قاعات واسعة وكبرية تفتقد لوسائل التعليم ويستحيل‬
‫فيها التواصل اإلنساين بني الطالب واألستاذ‪ ،‬فهل هذا املقصود من اجملانية يف التعليم بالطريقة العراقية أي‬
‫تقدمي خدمات سيئة فيضطر األمر الكثري من األسر إىل تسجيل أبناءهم يف املدارس اخلاصة أو األهلية‬
‫فتنتفي صفة اجملانية يف التعليم متاماً‪ ،‬وجائحة كورونا ملا اضطرت اجلميع للجلوس بالبيت شكلت فرصة‬
‫تارخيية لتصحيح املسارات أعاله‪ ،‬بزيادة الكوادر البشرية واإلمكانيات املادية لغرض ضمان خمرجات مؤهلة‬
‫للقيام باملهام املوكلة إليها يف املستقبل بدل ختريج بعض األفراد املعوقني علمياً وتدريبيا‪.4‬‬

‫وهبذا ميكننا القول أن أزمة كورونا لتضيف حتديات جديدة وخطرية جملموعة التحديات اليت يواجها‬
‫أو يعيشها قطاع التعليم يف العديد من البلدان السيما بلدان العامل الثالث ومن ضمنها دول منطقة الشرق‬

‫‪37‬‬
‫األوسط ومشال أفريقيا‪ .‬وتؤكد التقارير الصادرة عن منظمة اليونسكو والبنك الدويل ومنظمات عاملية‬
‫وإقليمية على أن قطاع التعليم يف هذه الدول يعاين من أزمات ومشكالت بنيوية ومالية وإدارية عديدة؛ ومن‬
‫مث ال بد من إجراء إصالحات جذرية واعتماد اسرتاتيجيات جديدة هبدف إخراجه من أزماته وحل‬
‫مشكالته وإعادة تأهيله ملواجهة حتديات العصر املعقدة‪.‬‬

‫وأحدثت كورونا نقلة واسعة يف إثارة أسئلة يف خمتلف جماالت تعلم املناهج والكتب وطرق التدريس‬
‫وأمهية املدرسة كمكان‪ ،‬ووظائف املنزل كمكان‪ ،‬وعالقات وقيم هذه النقلة ما كان هلا أن تتم دون معارضة‬
‫تذكر لوال هذه األزمة‪،‬فمن املعلوم أن التغري الرتبوي بطيء جداً وحمارب جداً من فئات عديدة منتقدة حتكم‬
‫قيم اجملتمع وسلوكه بل وروحه‪ ،‬وعلى الرغم من أننا مل نكن مستعدين هلذه التغيريات‪ ،‬فقد قبلها الناس حتت‬
‫ضغط الضرورة‪ ،‬لكنها خيار مهم للرتبويني الذين يعتقدون أن املدرسة ليست هي املكان املالئم أو األكثر‬
‫مالءمة للتعلم‪ ،‬ولذلك فإن للتغيريات احلالية واملقبلة داعمني يروهنا تطويراً مستهدفاً‪ ،‬كما أن معارضيها‬
‫سيقبلون هبا خوفاً من "كورونات" مستقبلية‪.5‬‬

‫كما كشفت األزمة أن التدريس التقليدي املباشر للمعلمني يف مدارسهم ما زال تلقيناً حيث حيتكر‬
‫املعلم كل وقت احلصة لشرح املادة الدراسية‪ ،‬وأن الطلبة يف العادة ال يكادون يشاركون إالّ يف إثارة سؤال أو‬
‫إجابة لسؤال‪ ،‬ولذلك أقول إن االنتقال من التدريس التقليدي إىل أي شكل آخر ال يوجد به أي خماطر‬
‫ألن ترك أي تدريس غري مؤثر هو حبد ذاته تطور أو حتسن حني نرتك تدريساً تقليدياً أو مدرسة تقليدية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اثر أزمة كورونا على حق الصحة‬

‫يثار جدل كبري حول التأثريات اليت أفرزها تفشي وباء فريوس كورونا املستجد (كوفيد‪ )19 -‬على‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬وختشى املنظمات احلقوقية‪ ،‬اليت عربت عن موقفها بشكل صريح يف هذا السياق‪ ،‬أن‬
‫يؤثر هذا الوباء يف هذه احلقوق بشكل سليب‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫كما ويعتقد البعض أن شعار هذه املرحلة جيب أن يكون ‪ -‬ال صوت يعلو فوق املعركة ضد‬
‫كورونا ‪ -‬وأن احلديث عن حقوق اإلنسان ظل هذه الظروف العصيبة اليت خيوض فيها العامل معركة حامية‬
‫ضد وباء فريوس كورونا املستجد (كوفيد‪ )19 -‬يعد نوعاً من الرفاهية‪ ،‬وهذه رؤية قاصرة‪ ،‬كون تفشي‬
‫وباء كورونا وهتديده حلياة اإلنسان‪ ،‬يثريان بالضرورة احلق يف الصح ة باعتباره أحد احلقوق األصيلة‬
‫لإلنسان‪ ،‬اليت تشمل شبكة متكاملة من احلقوق‪ ،‬تضم احلقوق السياسية واملدنية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية واحلقوق اجلماعية وغريها من حقوق اإلنسان‪ ،‬التقليدية منها واملستحدثة‪ .‬وهنا جيب التأكيد‬
‫أن حق الفرد يف الصحة‪ ،‬مكفول مبوجب اإلعالن الع املي حلقوق اإلنسان‪ ،‬الذي ينص على احلق يف‬
‫الوصول إىل الرعاية الصحية‪ ،‬وحظر التمييز يف تقدمي اخلدمات الطبية‪ ،‬وعدم اإلخضاع للعالج الطيب دون‬
‫موافقة املريض‪ ،‬وغريها من الضمانات املهمة‪.‬‬

‫وإن تنفيذ احلق يف الصحة يكون بالتدرج باعتباره أحد احلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية اليت‬
‫يتطلب تنفيذها توفر موارد مالية كافية‪ ،‬تفوق يف كثري من األحيان إمكانية الدولة‪ ،‬خاصة إذا كانت من‬
‫ضمن الدول النامية‪ ،‬شريطة أن تبذل الدولة املعنية أقصى ما ميكن من مواردها احمللية للوفاء بالتزاماهتا يف‬
‫جماالت الصحة حىت تستحق الدعم الدويل من هيئات األمم املتحدة املتخصصة كالصحة العاملية أو الدول‬
‫املاحنة‪ ،‬وما يدعم ذات املبدأ القائم على أن اإلنسان هو حمور التنمية وأن احرتام الدول حلقوقه وحرياته هو‬
‫املعيار األساس لقياس مدى حتضر الدول وتقدمها‪.‬‬

‫حيث ال يكفي القول بأن احلق يف الصحة هو فقط احلق يف التمتع بصحة جيدة‪ ،‬إمنا يشمل‬
‫احلصول على مياه الشرب النظيفة‪ ،‬والغذاء الصحي والكايف واآلمن‪ ،‬واحلصول على التوعية واملعلومات‬
‫الصحية‪ ،‬والظروف الصحية يف مكان العمل‪ ،‬مع مراعاة توفر تكافؤ الفرص بني األفراد يف الوصول‬
‫واالستفادة من النظام احمللي للحماية الصحية‪ ،‬مبا يف ذلك حقوق وحريات أساسية أخرى منها حق يف‬
‫سالمته النفسية واجلسدية بأن يكون يف مأمن من التعذيب‪ ،‬أو إجراء التجارب الطبية عليه دون إذنه‪.6‬‬

‫‪39‬‬
‫وجند أن القانون الدويل حلقوق اإلنسان قد منح كل شخص احلق يف أعلى مستوى من الصحة‬

‫ميكن بلوغه‪ ،‬ويُل ِزم الدول باختاذ تدابري ملنع هتديد الصحة العامة‪ ،‬وتقدمي الرعاية الطبية ملن حيتاجها‪ّ ،‬‬
‫ويقر‬
‫فرض على بعض احلقوق‪ ،‬يف سياق التهديدات اخلطرية للصحة‬ ‫قانون حقوق اإلنسان أيضا بأ ّن القيود اليت تُ َ‬
‫ِ‬
‫العامة وحاالت الطوارئ العامة‪ُ ،‬ميكن تربيرها عندما يكون هلا أساس قانوين‪ ،‬وتكون ضرورية للغاية‪ ،‬بناءً‬
‫على أدلة علمية‪ ،‬وال يكون تطبيقها تعسفياً وال متييزياً‪ ،‬ولفرتة زمنية حمددة‪ ،‬وحترتم كرامة اإلنسان‪ ،‬وتكون‬
‫قابلة للمراجعة ومتناسبة من أجل حتقيق اهلدف املنشود‪.‬‬

‫وهو ما يدفعنا لطرح تساؤالت بشأن جدية الدول يف الوفاء بالتزاماهتا بتنفيذ واحرتام ومحاية احلق يف‬
‫الصحة‪ ،‬الذي يُعد واحدا من حقوق اإلنسان األساسية املنصوص عليها مبوجب العهد الدويل اخلاص‬
‫باحلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬الذي صادقت عليه أغلب بلدان العامل‪ -‬وهو معاهدة متعددة‬
‫األطراف اعتمدهتا اجلمعية العامة لألمم املتحدة يف ‪ 16‬ديسمرب ‪ 1966‬ودخلت حيز النفاذ يف الثالث من‬
‫شهر يناير ‪ ،1976‬فإ ّن لكل شخص احلق يف التمتّع بـ"أعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية"‪،‬‬
‫أي مضت أكثر من أربعني عاما من تعهد الدول األطراف حبق كل إنسان يف التمتع بأعلى مستوى يف‬
‫الصحة اجلسمية والعقلية ميكن بلوغه‪.‬‬

‫وبذلك يُلزم العهد الدويل اخلاص باحلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية كل احلكومات‪ ،‬دون‬
‫فعالة من أجل الوقاية من األمراض الوبائية واملتوطنة واملهنية وغريها من األمراض‬
‫استثناء‪ ،‬باختاذ خطوات ّ‬
‫وعالجها ومكافحتها ويرتبط احلق يف الصحة ارتباطاً وثيقاً بإعمال حقوق اإلنسان األخرى ويتوقّف عليها‪،‬‬
‫على النحو الوارد يف الشرعة الدولية للحقوق‪ ،‬مبا يف ذلك احلق يف الغذاء والسكن والعمل والتعليم والكرامة‬
‫اإلنسانية واحلياة وعدم التمييز واملساواة…وحظر التعذيب واخلصوصية‪ ،‬واحلصول على املعلومات‪ ،‬وحرية‬
‫تكوين اجلمعيات والتجمع والتنقل‪ .‬كما تتناول هذه احلقوق واحلريات مجيع العناصر املتكاملة للحق يف‬
‫الصحة‪.7‬‬

‫‪40‬‬
‫وحسب املادة ‪ 12‬من العهد‪ ،‬فقد أقرت الدول األطراف بأن ضمان ممارسة التمتع التام هبذا احلق‬
‫يفرض عليها العمل على الوقاية من األمراض الوبائية واملتوطنة واملهنية واألمراض األخرى وعالجها‬
‫ومكافحتها‪ ،‬مع مراعاة أن تكون هناك استعدادات جيدة لتأمني اخلدمة والعناية الطبية للجميع يف حالة‬
‫املرض‪ ،‬مبا يف ذلك االهتمام بتحسني مجيع جوانب صحة البيئة احمليطة‪ ،‬وعدم احلرمان من تقدمي الرعاية‬
‫الصحية املناسبة للمحتجزين لدى الدول‪ ،‬مبن فيهم طاليب اللجوء أو املهاجرين غري احلاملني للوثائق الالزمة‪،‬‬
‫وجيب أن حيظوا بالرعاية الصحية والوقائية‪ ،‬على قدم املساواة مع باقي املواطنني يف الدولة‪ ،‬وكذلك الالجئون‬
‫الذين يعيشون يف املخيمات‪ ،‬واألشخاص الذين يعانون من التشرد‪ ،‬خلطر متزايد من تفشي الفريوس بسبب‬
‫عدم حصوهلم على املياه النظيفة ومرافق النظافة الصحية الكافية‪.8‬‬

‫وجند أن القرارات والقيود الصارمة اليت فرضتها العديد من الدول واحلكومات للحد من انتشار‬
‫فريوس كورونا املستجد‪ ،‬اثارت قلق وخماوف الكثري من املنظمات واهليئات املعنية باحلقوق واحلريات‪ ،‬واليت‬
‫ختشى ان تسعى بعض االنظمة احلكومات اىل استثمار هذه األزمة الصحية‪ ،‬يف تعزيز قبضتها األمنية حتت‬
‫شعارات جديدة قد تكون سبباً يف انتهاك احلريات‪ ،‬كون وباء كوفيد‪ ،19-‬مبدى اتساعه وخطورته‪ ،‬يرقى‬
‫إىل مستوى هتديد للصحة العامة‪.‬‬

‫يربر فرض قيود على بعض احلقوق‪ ،‬مثل تلك اليت تنجم عن فرض احلجر الصحي أو‬ ‫وميكن أن ّ‬
‫العزل الذي حي ّد من حرية التنقل‪ .‬يف الوقت نفسه‪ ،‬من شأن االهتمام الدقيق حبقوق اإلنسان مثل عدم‬
‫خضم‬
‫ّ‬ ‫التمييز ومبادئ حقوق اإلنسان مثل الشفافية واحرتام الكرامة اإلنسانية أن تعزز االستجابة الفعالة يف‬
‫االضطراب احلتمي الذي حيصل يف أوقات األزمات‪ ،‬واحل ّد من األضرار اليت قد تنجر عن فرض التدابري‬
‫الفضفاضة اليت ال تُراعي املعايري الدولية‪.9‬‬

‫ويف هذا الشأن عرب مكتب األمم املتحدة حلقوق اإلنسان عن قلقه بشأن أكثر من ‪ 12‬دولة‪،‬‬
‫أعلنت حاالت الطوارئ بسبب جائحة كوفيد‪ ،19-‬ودعت مفوضة األمم املتحدة العليا حلقوق اإلنسان‬

‫‪41‬‬
‫ميشيل باشليه الدول الحرتام دولة القانون رغم فريوس كورونا املستجد من التدابري االستثنائية تفاديا‬
‫"لكارثة" على حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫وأعلنت باشليه يف بيان ان "املساس باحلقوق مثل حرية التعبري قد يلحق ضررا كبريا باجلهود الحتواء‬
‫وباء كوفيد‪ 19-‬وآثاره االجتماعية‪-‬االقتصادية اجلانبية السيئة"‪ ،‬ألن التدابري والقوانني املطبقة يف بعض‬
‫الدول تشري إىل خروقات غري حمددة مصحوبة أحيانا بعقوبات صارمة ‪ ،10‬ونظراً للطبيعة االستثنائية لألزمة‬
‫من الواضح أن الدول حباجة إىل صالحيات اضافية ملواجهتها‪ ،‬ولكن يف حال مل حترتم دولة القانون فقد‬
‫تتحول األوضاع الصحية الطارئة إىل كارثة على حقوق اإلنسان ستتخطى عواقبها السلبية تفشي الوباء لفرتة‬
‫طويلة‪.‬‬

‫وكما ينص العهد الدويل اخلاص باحلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬كجزء من احلق يف‬
‫الصحة‪ ،‬على أنّه يقع على عاتق احلكومات هتيئة الظروف اليت “تضمن للجميع احلصول على خدمات‬
‫طبية ورعاية صحية يف حالة املرض‪ ،‬وذلك بالتقليل‪ ،‬إىل احلد األدىن‪ ،‬من خطر احلوادث واألمراض املهنية‪،‬‬
‫مبا يف ذلك عن طريق ضمان حصول العمال على معلومات صحية موثوقة‪ ،‬ومالبس ومعدات واقية كافية‪.‬‬

‫وهذا يعين تزويد العاملني الصحيني وغريهم من املشاركني يف مكافحة الفريوس بالتدريب املناسب يف‬
‫جمال مكافحة العدوى‪ ،‬وم ّدهم مبعدات احلماية املناسبة‪ ،‬كون مكافحة انتشار فريوس كورونا املستج ّد كوفيد‬
‫‪ 19‬يتطلب ضرورة أن يتوفّر يف املرافق الصحية ما يكفي من املياه النظيفة‪ ،‬وأنظمة الصرف الصحي‪ ،‬وإدارة‬
‫نفايات الرعاية الصحية‪ ،‬وكانت منظمة الصحة العاملية ومنظمة األمم املتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد‬
‫كشفتا‪ ،‬يف تقرير صادر عنهما يف العام ‪ ،2019‬عن أن ‪ 896‬مليون شخص يستخدمون مرافق رعاية‬
‫صحية ال توجد فيها خدمات مياه‪ ،‬و‪ 1.5‬مليار شخص يستخدمون مرافق بدون خدمات صرف‬
‫صحي‪.11‬‬

‫‪42‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تأثير أزمة كورونا على حق العمل‬

‫تفشي مرض "كوفيد‪ "19-‬الناتج عن فريوس "كورونا"‬


‫ما أن أعلنت منظمة الصحة العاملية" ّ‬
‫املستجد واعتربته وباء عاملي‪ ،‬اجتهت غالبية احلكومات حنو اختاذ خطوات عاجلة وأكثر صرامة لوقف‬
‫انتشار الفريوس من خالل اعالن حالة الطوارئ‪ ،‬معللة ذلك مبخاوف بشأن املستويات املقلقة لالنتشار‬
‫وش ّدته وذلك بفرض حظر جتوال يف املدن جزئياً أو كلياً‪ ،‬ملنع هتديد الصحة العامة‪ ،‬وتقدمي الرعاية الطبية‬
‫ملن حيتاجها‪ ،‬مما تسبب يف غلق الطرق واحلدود ووقف العمل‪.‬‬

‫وأصبحت الدول حباجة إىل التدخل التشريعي لتنظيم املعامالت املدنية ومنها عقود العمل‪ ،‬والسيما‬
‫قطاع العمل األهلي الذي تأثر كثرياً جراء األزمة‪ ،‬وهو أمر انعكس على العمالة‪ ،‬وتأثر عقود العمل باألزمة‪،‬‬
‫وهو األمر الذي أحدث تفاعالً حملياً متثّل يف تعديل حكومي على قانون العمل بالقطاع األهلي يتيح لرب‬
‫العمل خفض أجور العمالة يف حل حدوث جائحة‪ ،‬كجائحة كورونا‪ ،‬وهو أمر أثار جدالً واسعاً حملياً‪،‬وفيما‬
‫مل تتأثر عقود العمل احلكومية‪ ،‬وظل املوظفون يتقاضون أجورهم بشكل اعتيادي‪ ،‬تأثر عمال القطاع‬
‫اخلاص‪ ،‬حيث برزت مسائل من قبيل خفض األجور أو التسريح من العمل‪.‬‬

‫وأدى تفشي وباء فريوس كورونا إىل إحداث مجلة من ا لتأثريات االقتصادية السلبية يف معظم‬
‫الدول‪ ،‬نتيجة فرض حاالت طوارئ وحظر التجول يف عدد من الدول‪ ،‬وعزل مدن أو مناطق بعينها‪،‬‬
‫وهذه إجراءات ضرورية ومطلوبة للحد من هذا التفشي السريع للفريوس الذي ميكن أن ينتقل بسهولة بني‬
‫األفراد‪ ،‬ولكنها يف هناية املطاف تعين أن الوب اء هدد احلريات الشخصية لألفراد الذين اضطروا إىل الدخول‬
‫يف حجر منزيل لغرض التخفيف من انتشار الفريوس وتفشي اجلائحة‪.12‬‬

‫االمر الذي يثري قضية احلقوق االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬ومنها احلق يف العمل أو إعانات البطالة‬
‫حلني احلصول على وظيفة جديدة‪ ،‬وقد بدأت كثري من الدول يف تعويض األشخاص الذين فقدوا‬
‫وظائفهم وانضموا إىل فئة العاطلني‪ .‬وقد أثرت تدابري احلجر الصحي بشكل واضح على هذه الطائفة من‬
‫حقوق اإلنسان وغريها من احلقوق األخرى‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يتوجب على احلكومات جتنب القيود‬
‫‪43‬‬
‫الشاملة والواسعة بشكل مفرط على احلركة واحلرية الشخصية‪ ،‬واالعتماد على التباعد االجتماعي‬
‫الطوعي‪ ،‬وفرض القيود اإللزامية فقط عندما يكون ذلك مربراً وضرورياً وعلمياً‪.13‬‬

‫وهبذا نرى أنه ينبغي للحكومات اختاذ تدابري سياسية لتخفيف اآلثار االقتصادية لفريوس كورونا‪،‬‬
‫واليت ستؤثر أوال وبشدة أكرب على العمال ذوي األجور املتدنية‪ .‬قد يكون للتباعد االجتماعي‪ ،‬واحلجر‬
‫الصحي‪ ،‬وإغالق املؤسسات عواقب اقتصادية هائلة‪ ،‬أكثر الناس عُرضة هم العمال ذوو األجور املنخفضة‬
‫يف األسر احملدودة الدخل‪.‬‬

‫تعرض العمال املتأثرين بفريوس كورونا لفقدان الدخل‬


‫وينبغي للحكومات إنشاء آليات لتفادي ّ‬
‫الذي قد مينعهم من العزل الذايت الحتواء انتشار الفريوس‪ ،‬وذلك من خالل تشجع الشركات املوظفني على‬
‫العمل من املنزل ملنع انتشار الفريوس‪ ،‬بالرغم من أن العمل عن بعد ليس متاحا ملاليني العمال يف جماالت‬
‫مثل البيع بالتجزئة‪ ،‬واملطاعم‪ ،‬واخلدمات الشخصية‪ ،‬وسوق املهن احلرة أو املؤقتة‪ ،‬والقطاعات غري الرمسية‪.‬‬
‫يف هذه اجملاالت‪ ،‬لذا تكون أوضاع العمالة أقل استقرارا‪ ،‬ومتيل األجور إىل االخنفاض‪.‬‬

‫وفضالً عن ذلك أدى الفايروس إىل توقف الكثري من وسائل اإلعالم يف بعض الدول‪ ،‬وخباصة‬
‫الصحف الورقية‪ ،‬اليت كانت متثل منابر مهمة للتعبري عن الرأي والرقابة على احلكومات‪ ،‬كما أن الكثري‬
‫من وسائل اإلعالم أصبحت تعمل باحلد األدىن من كوادرها البشرية‪ ،‬وهو أمر حيد من قدرهتا على القيام‬
‫بدورها على النحو األكمل كمنابر للتعبري عن الرأي أو كأدوات للرقابة على احلكومة‪.14‬‬

‫وهذه الشواهد تعين أن قضية حقوق اإلنسان تقع يف قلب احلديث عن األزمة الوجودية اليت‬
‫يواجهها العامل حالياً بفعل تفشي وباء فريوس كورونا‪ .‬واملشكلة تكمن يف توظيف هذا الوباء من قبل‬
‫جهات معينة لتحقيق أهداف سياسية‪ ،‬سواء كانت نظماً حاكمة أو قوى سياسية‪ ،‬وهذا األمر ال جيوز‬
‫من الناحية األخالقية‪ ،‬فاحرتام حقوق اإلنسان قضية أساسية‪ ،‬ولكن ال جيب استغالهلا لتحقيق أهداف‬
‫خاصة‪ ،‬واحلديث ينبغي أن يكون حول األولوية القصوى ملواجهة هذا التحدي اخلطري دون تأثريات سلبية‬
‫على حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫خاتمة‬

‫أوالا‪ :‬النتائج‬

‫‪ -1‬عدم استعداد األنظمة الصحية يف الدول املتقدمة اليت كان نصيبها من اإلصابات األكرب بأضعاف‬
‫مقارنة مع نظرياهتا من الدول النامية‪ .‬على الرغم من توفر أنظمة اإلنذار املبكر ومراكز البحوث‬
‫واملعامل األكثر تطورا حول العامل‪.‬‬
‫‪ -2‬كشفت جائحة فريوس كورونا عن هشاشة النظم الصحية يف مجيع أحناء العامل‪ ،‬ويف العامل العريب‪،‬‬
‫حيث تعاين النظم الصحية أصالً من اإلجهاد بسبب النزاعات املسلحة والسكان النازحني‪ ،‬لذا قد‬
‫يزيد الوباء من تفاقم اهلشاشة ويعمق نقاط الضعف‪ ،‬ومع أن اجلائحة سوف تتسبّب بعواقب صحية‬
‫تصور دور اجلهات احلكومية وغري‬
‫واقتصادية خطرية لسنوات قادمة‪ ،‬إال أهنا ُمتثّل فرصةً مثينة إلعادة ُّ‬
‫احلكومية يف تعزيز النظم الصحية‪.‬‬
‫‪ -3‬أن وباء كورونا يشكل قوة قاهرة يتطلب استجابة استثنائية قد يتأثر البعض أو الكثري سلباً من هذه‬
‫االستجابة وقد تطول الفرتة مما يرهق كاهل الكثري من السكان والعاملني يف جماهبة اجلائحة‪ .‬لذا‬
‫يشرتط توافر شروط القوة القاهرة يف عقد العمل املتفق على تنفيذه يف جائحة كورونا لتطبيق القضاء‬
‫مبدأ التوازن العقدي وتتمثل باالستحالة وعدم التوقع‪ ،‬ويكون احلدث مستقالً وخارجاً عن أرادة‬
‫املدين‪.‬‬

‫ثاني ا‪ :‬التوصيات‬

‫‪ -1‬يتوجب أن تنشر مجيع املعلومات املتعلقة بفريوس كورونا متاحة وبلغات متعددة‪ ،‬مبا يف ذلك‬
‫لألشخاص الذين جييدون‪ ،‬أو ال جييدون‪ ،‬القراءة والكتابة تشمل ذلك إتاحة اإلعالنات التلفزيونية‬
‫بلغة اإلشارة عرب مرتمجني فوريني مؤهلني‪ ،‬وإتاحة مواقع إلكرتونية يسهل الوصول إليها لألشخاص‬
‫الذين لديهم إعاقة يف البصر والسمع والتعلم وغري ذلك؛ وإتاحة اخلدمات عرب اهلاتف اليت تشمل‬

‫‪45‬‬
‫الصم أو الذين لديهم صعوبة يف السمع‪ ،‬ينبغي أيضا أن‬
‫النصي لألشخاص ّ‬ ‫ّ‬ ‫إمكانية التواصل‬
‫تستخدم عمليات التواصل لغة بسيطة لتحقيق أفضل فهم ممكن‪.‬‬
‫‪ -2‬ينبغي على احلكومات تكثيف الدورات التدريبية يف تصميم وختطيط مقررات بالتعلم اإللكرتوين‬
‫ألعضاء هيئة التدريس وجعلها إلزامية‪ ،‬لنشر ثقافة تكنولوجيا االتصال والتواصل والتعليم والتعلم‪.‬‬
‫الهوامش‬

‫‪ 1‬حممد ذبيان غزاوي‪ ،‬تكنولوجيا التعليم والنظريات الرتبوية‪ ،‬ط‪1‬؛ عامل الكتب احلديث‪ ،‬االردن‪،2007،‬ص‪.65‬‬
‫‪ 2‬طارق عبد الرؤوف عامر‪ ،‬التعليم عن بعد والتعليم املفتوح‪،‬دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،2007،‬ص‪.45‬‬
‫‪ 3‬رمزي أمحد عبد احلي‪ ،‬التعليم العايل االلكرتوين " حمدداته ومربراته ووسائطه "‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الوفاء للنشر‪ ،‬االسكندرية‪،2005 ،‬ص‪.77‬‬
‫‪ 4‬عبد اهلل عمر الفرا‪ ،‬املدخل إىل تكنولوجيا التعليم‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬عمان‪،1999 ،‬ص‪.13‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Nacoti ,Mirco ,et al".At the epicenter of the Covid-19 pandemic and humanitarian crises in Italy:‬‬
‫‪changing perspectives on preparation and mitigation ".NEJM Catalyst Innovations in Care Delivery‬‬
‫‪1.2 (2020) https://catalyst.nejm.org/doi/full/10.1056/CAT.20.0080‬‬
‫‪6‬‬
‫‪,David L“.Weeks Into This Global Pandemic ,What Should We Be Doing Next?” Medium ,13 May‬‬
‫‪2020 ,‬‬
‫‪https://medium.com/@DrDavidKatz/weeks-into-this-global-pandemic-what-should-webe-doing-‬‬
‫‪next-90fad0910bb4‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Katz ,David L".COVID-19:How New Information Should Drive Policy?" U.S.Senate Committee‬‬
‫‪on Homeland Security & Governmental Affairs ,6 May ,2020 ,‬‬
‫‪http://www.hsgac.senate.gov/download/testimony-katz-2020-05-06‬‬

‫‪ 8‬وتوصي منظمة الصحة العاملية‪ ،‬وفقا لقواعد القانون الدويل‪ ،‬بأن حترتم مرافق التمريض‪ ،‬وغريها من األماكن اليت تضم أعدادا كبرية من‬
‫كبار السن‪ ،‬قواعد القانون وتطبيق روحه‪ ،‬حبيث يعمل القائمون على تلك املرافق العمومية جاهدين على إجياد توازن بني السياسات اليت‬
‫السن إىل‬
‫الزوار اآلخرين‪ ،-‬وحاجة كبار ّ‬ ‫الزوار –سواء أكانوا من أهايل املقيمني أم من ّ‬
‫تتّبعها تلك املرافق‪ ،‬هبدف محاية النزالء فيها من ّ‬
‫األسرة والتواصل مع الناس‪ ،‬وبالتايل السماح‪ ،‬يف نطاق حمدود وبعد اختاذ كافة إجراءات السالمة‪ ،‬للزوار بزيارة أهلهم وذويهم‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪McKie ,Robin ,et al“.Don't Bet on Vaccine to Protect Us from Covid-19 ,Says World Health‬‬
‫‪Expert ”.The Guardian ,18 Apr.2020 , https://www.theguardian.com/world/2020/apr/18/dont-bet-‬‬
‫‪onvaccine-to-protect-us-from-covid-19-says-world-health-expert‬‬
‫‪10‬منظمة الصحة العاملية‪ ،‬احلق يف الصحة‪ ،‬مقال منشور بتاريخ ‪ 2020 /8 /29‬على موقع االنرتنيت التايل‪:‬‬
‫‪https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/human-rights-and-health‬‬
‫‪11‬منظمة الصحة العاملية‪ ،‬احلق يف الصحة‪ ،‬مقال منشور بتاريخ ‪ 2020 /8 /29‬على موقع االنرتنيت التايل‪:‬‬
‫‪https://www.who.int/ar/news-room/fact-sheets/detail/human-rights-and-health‬‬
‫‪12‬منظمة العمل الدولية‪ ،‬وباء ‪ COVID-19‬وعامل العمل‪ :‬آثار املرض وردود األفعال عليه‪ ،‬مقال منشور بتاريخ ‪2020/4/18‬‬
‫على موقع االنرتنيت التايل‪:‬‬
‫‪https://www.ilo.org/global/about-the-ilo/newsroom/news/WCMS‬‬

‫‪46‬‬
‫‪13‬رامسوسالينيوسبوسروب‪ ،‬جائحة كورونا لن توقف العمل يف جمال الدفاع حقوق االنسان‪ ،‬مقال منشور بتاريخ ‪ 2020/5/4‬على موقع‬
‫االنرتنيت التايل‪:‬‬
‫‪https://euromedrights.org/ar/publication‬‬
‫‪14‬‬
‫تفشي الوباء؟‪ ،‬مقال منشور بتاريخ ‪ 2020/5/4‬على موقع االنرتنيت‬
‫داميانفاولر‪ ،‬فريوس كورونا‪ :‬كيف تتجاوز حمنة فقدان الوظيفة إثر ّ‬
‫التايل‪:‬‬
‫‪https://www.bbc.com/arabic/vert-fut-52139026‬‬

‫‪47‬‬
‫دراسة تحليلية لظاهرة غسل األموال والجهود المبذولة لمكافحتها في الجزائر‬
‫ برج بوعريريج‬- ‫ كلية العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير‬- ‫ توهامي محمد رضا‬/‫د‬
:‫الملخص‬
‫تعد ظاهرة غسل األموال من أهم الظواهر السلبية اليت هتدف بالدرجة األوىل إىل تغيري صفةة األمفوال‬
‫الففيت حل ال ففول بلييففا بمرروففة غففري معففروبة مففن ف ل العدرففد مففن األ عففمة اإلجراميففة كتجففارة اراففدرا‬
‫ وغريهفا لتظيفر وكأهنفا متولفدة مفن م فا ر معفروبة وقا و يفة وتفتم‬. ‫وأ عمة السوق اروازي والةسفا والتيررف‬
.‫هذه العملية بن طررق العدرد من المرق واألسالي اررتكزة أساسا بلى النظام ار ريف‬
‫يفع اريففا رن و وصففا‬ ‫وترتتف بففن بمليففا غسففيل األمفوال الك ففري مففن السففار السففلبية حيففمت ف‬
‫االقت ففا رة واالجتمابيففة والسياسففية فيففت تففعسر بلففى توزرففع الففد ل الوففومت وبلففى معففدال التمففام والبمالففة‬
.‫باإلضافة إىل زبزبتيا ل ستورار السياست واالجتمابت‬
‫تويل اجلزائر اليت ا تعر فييا بمليا غسفيل األمفوال يف الو فة األ فرية اهتمامفا واضفلا لوضفع حفد‬
.‫هلذه الظاهرة من ل تك يف اجليو وإ عاء الليا وإصدار الووا ني الر بية وابتكار المرق الدر ة‬
.‫ غسل األموال اجلرائم االقت ا رة الةسا العوائد اإلجرامية‬:‫الكلمات المفتاحية‬
Résumé:
Le phénomène du blanchiment de l'argent est un phénomène négatif, il a pour
premier objectif, la transformation de la nature de l'argent gagné d'une manière
illégitime en exercent différentes activités de criminalité telles que le commerce de
drogue, le marché noir ainsi que le trafique, de reste qu'il apparaisse parvenir d'une
source légitime, cette transformation se fait de différentes manière basées sur le
système bancaire.
Plusieurs inconvénients sont engendrés par le phénomène du blanchiment de
l'argent, parce qu'il touche tous les domaines, notamment économique, sociale et
politique, il régresse le revenu de peuple et cause le chômage comme, il tremble la
stabilité politique et sociale.
L'Algérie, que a vu la multiplication des cas des blanchiments de l'argent
dernièrement, a accordé un grand intérêt pour mettre fin à ce phénomène et cela en
déployons les efforts, construire des matériaux et proclames des lois égides ainsi que
d'inventer de nouvelles techniques pour cela.
Mots clés: Blanchiment de L’argent, Crimes Economiques, Corruption, Revenus du
crime.

48
‫مقدمة‪:‬‬
‫تعد ظاهرة غسل األموال‪ 1‬مفن ارعفاكل االقت فا رة واالجتمابيفة واألمنيفة الفيت فرضف ةسفيا ب فورة‬
‫قورة يف السنوا األ رية يف احملافل الدولية واإلقليمية اريتمة باألمن االقت ا ي واالجتمابت واجلرمية ارنظمة‬
‫ب ففةة بامففة ومللففر رففا برفتففه هففذه الظففاهرة مففن فو كبففري وا تعففار يف تلففف ول العففا وكففذا صففلتيا الوسيوففة‬
‫الناجتة بن األ عمة غري ارعروبة واأل عمة اإلجرامية اليت جتد طررويفا إىل اافارع بفل الونفوا‬ ‫بارتل‬
‫ار ففرفية وارعسسففا اراليففة إلج فراء بمليففا الغسففل هلففا فأو ل العففو ة مففرة أ ففر ب ففةة ميففربية وميكففن‬
‫الو ففول أش مع ففكلة غس ففل األمف فوال أص ففبل ظ ففاهرة باري ففة حي ففمت ا تع ففر يف تل ففف ول الع ففا ارتودم ففة‬
‫والناميففة بلففى حففد س فواء حيففمت روففدر حجففم األم فوال الففيت رففتم غسففليا يف العففا بففني ‪ 800‬مليففار إىل ‪1.5‬‬
‫تررليوش والر سنورا أي ما رعا ل حوايل ‪ ٪ 5‬من الناتج العارت‪.2‬‬
‫و ظفرا لاسففار السففلبية الكبففرية واال عكاسففا اامففرية الففيت ففدسيا بمليففا غسففل األمفوال بلففى يففع‬
‫اريا رن االقت ا رة واالجتمابية والسياسية؛ بكة أغل الدول مم لة هبيئاهتا الوطنية وكذا اهليئفا الدوليفة‬
‫ارنب وة بن ارنظما العارية واهليئا اإلقليمية ارعنية مبكافلة الظفاهرة بلفى بفذل جيفو كبفرية مفن ف ل‬
‫االجتفاه إىل وضفع أطفر تعفررعية وإ اررفة وقا و يفة تت فد هلفذه الظفاهرة وهفو العفتء الفذي فتج بنفه ابتمفا‬
‫العدرد من االتةاقيا وارعاهدا الدولية اريمفة والتعفررعا والعووبفا احملليفة الرا بفة وكفذا إ عفاء أجيفزة‬
‫وجلاش تعاوش ورقابة ولية‪.‬‬
‫ويف ظل سياسة اال ةتاح االقت ا ي ارنتيجة من طرف اجلزائر وبالنظر لكوش غسل األموال ظاهرة‬
‫ولية بابرة لللفدو أصفبل اجلزائفر كغريهفا مفن الفدول مسفرحا لفدو بمليفا غسفل األمفوال ا ليفا‬
‫إضفافة إىل اال تعفار الرهيف لأل عفمة غفري ارعفروبة الةسفا والرميفوة واال فت و‪ ..‬وغريهفا وتغلغليفا يف‬
‫اجملتمفع اجلزائفري ممفا أسفر سفلبا بلفى االقت فا الفوط ولفذا سفع اجلزائفر لتك يفف جيو هفا ركافلفة هفذه‬
‫الظفاهرة وليفا بفن طررفق تنسفيق جيو هفا مفع اجليفو الدوليفة واإلقليميفة يف هفذا السفياق وحمليفا بفن طررفق‬
‫إ عفاء العدرفد مفن اللجفاش واهليئفا وسفن الك فري مفن التعفررعا والوفوا ني اجملرمفة واركافلفة لظفاهرة غسفل‬
‫ل هذا ميكن طرح التساؤل التايل‪:‬‬ ‫األموال ومن‬
‫ما هي ظاهرة غسل األموال؟ وكيف تعاملت الجزائر معها من أجل مكافحتها؟‬
‫اروضوع واإلجابة بن هذا التساؤل حل توسيم الدراسة إىل ستة حماور كاأليت‪:‬‬ ‫من أجل اإلرام جبوا‬

‫‪49‬‬
‫احملور األول‪ :‬تعررف بمليا غسل األموال‪.‬‬
‫ائص بمليا غسل األموال‪.‬‬ ‫احملور ال اين‪:‬‬
‫احملور ال المت‪ :‬مراحل بملية غسل األموال‪.‬‬
‫احملور الرابع‪ :‬بعض السار االقت ا رة واالجتمابية لغسل األموال‪.‬‬
‫احملور ااام ‪ :‬أسالي غسل األموال بل البنوك‪.‬‬
‫احملور السا و‪ :‬بعض اجليو اربذولة يف مكافلة غسل األموال‪.‬‬
‫المحور األول‪ :‬تعريف ظاهرة غسل األموال‬
‫تعد وتبارن التعررةا اااصة بعملية غسل األموال ظرا ال ت ف الزاورة اليت رتم منيفا تنفاول‬
‫هذه الظاهرة و تيجة لذلر فمل العدرد من الدول تب تعررف اتةاقية األمم ارتلدة ركافلة االجتار غري‬
‫ارعففروع يف اراففدرا بففام ‪ 1988‬أو مففا رسففمى باتةاقيففة فيينففا والففيت تعففد مففن أوىل اجليففو الدوليففة الففيت حل‬
‫مبوجبيا جترمي بمليا غسل األمفوال ورفنص هفذا التعررفف بلفى أش بمليفا غسفل األمفوال هفت‪ :‬ببفارة بفن‬
‫بمليففة رلجففأ إلييففا مففن رعمففل يف جتففارة اراففدرا إل ةففاء ار ففدر الويوففت للففد ل أو ارففور غففري ارعففروع‬
‫والوي ففام بأبم ففال أ ففر لك ففت رب ففدو ال ففد ل وكأ ففه م ففن م ففا ر مع ففروبة وه ففذه العملي ففة ف فر ب س ففة مراح ففل‬
‫رناميكية تتمل ‪:3‬‬
‫‪ - 1‬ررر األموال من م درها اررتبط مباميرة باجلرمية‪.‬‬
‫‪ - 2‬إ ةاء أسرها جرهتا بغرض تلميعيا‪.‬‬
‫‪ - 3‬جعل األموال متاحة مرة أ ر للجرمية من م در جغرايف ووظيةت جدرد ةت بن األ ظار‪.‬‬
‫إال أش هذا التعررف ركز ب فورة كبفرية بلفى الفد ل النفاتج مفن جتفارة ارافدرا وأمفل اجلفرائم األ فر لفذلر‬
‫برفتفه مموبفة العمفل ارفايل الدوليفة ركافلفة غسففل األمفوال)‪ (FATF‬بأ فه بمليفة إجراميفة هتفدف إىل طمف‬
‫وإ ةاء األصل غري ارعروع لألموال الناجتة بن طرق إجرامية م ل مبيعا األسفللة غفري العفربية التيررف‬
‫أ عففمة اجلرميففة ارنظمففة زرابففة وبيففع اراففدرا الرميففوة الن ف واالحتيففال اجل فرائم االلكرتو يففة‪...‬وغريهففا‬
‫بو د إكساهبا صةة ارعروبية‪.4‬‬

‫‪50‬‬
‫التعريف الذي وضعه صندوق النقد الدولي ‪:IMF‬‬
‫غسف ففل األم ف فوال هف ففت بمليف ففة غف ففري معف ففروبة رف ففتم مف ففن هلف ففا إ ةف ففاء م ف ففا ر األم ف فوال ارتولف ففدة مف ففن‬
‫أ ع ف ففمة إجرامي ف ففة أي إ ة ف ففاء الع ق ف ففة ب ف ففني ه ف ففذه األمف ف فوال والنع ف ففا اإلجرام ف ففت األص ف ففلت وش لة ف ف ا تب ف ففاه‬
‫‪5‬‬
‫السلما إىل م در هذه األموال‪.‬‬
‫إملا فعمليففا غسففل األم فوال هففت بمليففة روففوم مبوتمففاها صففاح األم فوال غففري ارعففروبة وارتأتيففة مففن‬
‫اجل فرائم اراتلةففة بصضففةاء صففةة العففربية بلففى هففذه األم فوال مففن ف ل إ اهلففا يف الففدورة اراليففة الوطنيففة أو‬
‫العارية بل الونوا ار رفية وإبا ة تدوررها ب ورة رمسية بلفى أهنفا أمفوال ظيةفة متأتيفة مفن أ عفمة معفروبة‬
‫ومللر لتجن ار حوة الوا و ية هلا‪.‬‬
‫أمفا فيمفا ففص التعررفف الفذي ابتمففده ارعفرع اجلزائفري فوففد صفدر أو ل فص قففا وين يف هفذا العففأش‬
‫ضمن قا وش العووبا رقفم ‪ 15-04‬ارفعر يف ‪ 27‬رممفاش ‪ 1425‬ه ف ارراففق ل ف‪ 10‬فوفمل‪ 2004‬ارعفدل‬
‫وارففتمم لا ففر رقففم ‪ 156-66‬ارففعر يف ‪ 18‬صففةر ‪ 1386‬ه ف اررافففق ل‪ 8‬روليفو‪ 1966‬والففذي ففص‬
‫قسففما بأكملففه هلففذه الظففاهرة وهفو‪ :‬الوسففم السففا و مكففرر ف بنفواش‪ :‬تبيففيض األمفوال واحتففو بلففى تسففع‬
‫موا بدءًا من ارا ة ‪ 389‬مكرر إىل ارا ة ‪ 389‬مكرر‪.7‬‬
‫وجاء يف ارا ة ‪ 389‬مكرر‪ :‬رعتل تبييما لألموال‪:‬‬
‫أ‪ -‬ورففل ارمتلكففا أو وليففا مففع بلففم الةابففل أهنففا بائففدا إجراميففة بغففرض إ ةففاء أو ورففه ار ففدر غففري‬
‫ارعففروع لتلففر ارمتلكففا أو مسففابدة أي ميففاص متففور يف ارتكففاا اجلرميففة األصففلية الففيت تأتف منيففا هففذه‬
‫ارمتلكا بلى اإلف من السار الوا و ية لةعلته‪.‬‬
‫ا‪ -‬إ ةاء أو وره المبيعفة الويويفة للممتلكفا أو م فدرها أو مكاهنفا أو كيةيفة الت فرف فييفا أو حركتيفا‬
‫أو الووق ارتعلوة هبا مع بلم الةابل بلم أهنا بائدا إجرامية‪.‬‬
‫جف‪ -‬اكتساا ارمتلكا أو حيازهتا أو استاداميا مع بلم العاص الوائم بذلر وقف تلوييفا أهنفا تعفكل‬
‫بائدا إجرامية‪.‬‬
‫‪ -‬ارعفاركة يف ارتكففاا أي مففن اجلفرائم اروفررة وفوففا هلففذه ارففا ة أو التواطفع أو التففرمر بلففى ارتكاهبففا أو حماولففة‬
‫ارتكاهبا وارسابدة والتلررض بلى مللر وتسييله وإسداء ارعورة بعأ ه "‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫تممن يف بياش غسيل األموال ما رلت‪:‬‬
‫ور حففظ أش هذا التعررف َّ‬
‫‪ -‬ورل أو ول ارمتلكا بغية إ ةاء م درها أو مسابدة اررتك األصلت‬
‫‪ -‬إ ةاء أو وره طبيعة ارمتلكا أو الووق ارتعلوة هبا‪.‬‬
‫‪ -‬اكتساا أو حيازة أو استادام ارمتلكا اليت م درها غري معروع‪.‬‬
‫ويف كل النوا السابوة رعرت بلم الةابل بأهنا بائدا إجرامية‪.‬‬
‫‪ -‬ارعاركة أو التواطع أو الترمر أو ارسابدة أو التلررض أو إسداء ارعورة يف بملية غسيل األموال‪.‬‬
‫وبعففد صففدور قففا وش العووبففا ارعففدل وارففتمم مواكبففة ومسففاررة ل تةاقيففا الدوليففة بنفةزز ارنظومففة الوا و يففة‬
‫بوا وش اص ريتم بظاهرة غسيل األموال فوفط وهفو الوفا وش رقفم ‪ 01-05‬ارفعر يف ‪ 27‬ملي الجفة بفام‬
‫‪ 1425‬ارراف ففق ل ف ف ‪ 6‬فلار ففر ‪ 2005‬وارتعل ففق بالوقار ففة م ففن تبي ففيض األمف فوال و ور ففل اإلره ففاا ومكافلتيم ففا‬
‫وحيتففوي بلففى فسففة ف ففول وسففتة وس سففني مففا ة ؛ الة ففل األول تنففاول أحكامففا بامففة الة ففل ال ففاين تنففاول‬
‫الوقارففة مففن تبيففيض األمفوال و ورففل اإلرهففاا الة ففل ال الففمت تنففاول سففبل استكعففاف ظففاهرة غسففيل األمفوال‬
‫الة ففل الرابففع تنففاول التع فاوش الففدويل للومففاء بلففى هففذه الظففاهرة الة ففل ااففام تنففاول األحكففام اجلزائيففة‬
‫الة ل السا و تناول أحكاما تامية‪.‬‬
‫وقففد جففاء يف ارففا ة ‪ 02‬منففه تعررةففا لظففاهرة غسففيل األمفوال – وهفو تعررففف ال تلففف بففن التعررففف الفوار يف‬
‫قا وش العووبا السالف الذكر – كاليت‪ ":‬رعتل تبييما لألموال‪:‬‬
‫أ‪ -‬ورففل ارمتلكففا أو وليففا مففع بلففم الةابففل أهنففا بائففدا إجراميففة بغففرض إ ةففاء أو ورففه ار ففدر غففري‬
‫ارعففروع لتلففر ارمتلكففا أو مسففابدة أي ميففاص متففور يف ارتكففاا اجلرميففة األصففلية الففيت تأتف منيففا هففذه‬
‫ارمتلكا بلى اإلف من السار الوا و ية لةعلته‪.‬‬
‫ا‪ -‬إ ةاء أو وره المبيعفة الويويفة للممتلكفا أو م فدرها أو مكاهنفا أو كيةيفة الت فرف فييفا أو حركتيفا‬
‫أو الووق ارتعلوة هبا مع بلم الةابل بلم أهنا بائدا إجرامية‬
‫ج ف‪ -‬اكتسففاا ارمتلكففا أو حيازهتففا أو اسففتاداميا مففع بلففم العففاص الوففائم بففذلر وفففق وقف تلوييففا أهنففا‬
‫تعكل بائدا إجرامية‬

‫‪52‬‬
‫‪ -‬ارعفاركة يف ارتكففاا أي مففن اجلفرائم اروفررة وفوففا هلففذه ارففا ة أو التواطفع أو التففرمر بلففى ارتكاهبففا أو حماولففة‬
‫ارتكاهبا وارسابدة والتلررض بلى مللر وتسييله وإسداء ارعورة بعأ ه"‪.‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬خصائص عمليات غسل األموال‬
‫مففن ف ل التعررة ففا الس ففابوة لعمليففا غس ففل األم فوال رتب ففني لن ففا العدرففد م ففن اا ففائص ال ففيت ي ففز‬
‫بمليففا غسففل األمفوال بففن غريهففا مففن األ عففمة اراليففة األ ر فواليت تففعسر بلففى طبيعففة ركاهتففا وأهففدافيا ومففن‬
‫أهم هذه اا ائص ذكر ما رلت‪:‬‬
‫‪ -1‬إضففةاء صففةة ارعففروبية بلففى األم فوال غففري ارعففروبة‪ :‬اهلففدف الرئيسففت لعمليففا غسففل األم فوال ه فو‬
‫إ ةففاء ار ففدر الويوففت هلففا واسففتبداله مب ففدر أ ففر ومففت مففن أجففل أش تبففدو األمفوال بلففى أهنففا حم ففلة بمففرق‬
‫قا و ية أي جعل األموال الوذرة تبدو وكأهنا أموال ظيةة ومعروبة‬
‫‪ -2‬تعد بمليا غسل األموال أ عمة مكملة لنعا رئيست سابق أسةر بفن فيل كميفا كبفرية مفن‬
‫األمفوال وهففذا النعففا غففري قففا وين وغففري معففروع كتجففارة اراففدرا واألسففللة وجتففارة الرقيففق األبففيض‪...‬ا‬
‫وبالتايل تعتل األموال احمل لة منه غري قا و ية ومعرضة للم حوة من طرف األجيزة الرمسية للدول‪.‬‬
‫‪ -3‬اال تع ففار اجلغف فرايف‪ :‬تتمي ففز بملي ففا غس ففل األمف فوال بس ففربة اال تع ففار اجلغف فرايف فنظف فرا لك ففوش األمف فوال‬
‫اإلجرامية معرضة للم حوة الوا و ية وار ا رة فصهنا تبلمت بن م جئ أمنة يف تلف الفدول واألمفاكن الفيت‬
‫ميكن إرواؤهفا واارتيفا مفن أجفل أش تعفو وتظيفر مفرة أ فر بلفى أهنفا أمفوال ظيةفة وال بفد هلفذه العمليفة مفن‬
‫اال توال بني العدرد من البنوك والدول اليت تسمح بذلر من أجل ت فعي بمليفة ار حوفة فتجفدها تنتعفر‬
‫جغرافيا لتمم بد ا أكل من الدول واألفرا و توف بنفد حفدو الفدول الرأمساليفة فوفط بفل امتفد لتعفمل‬
‫وال امي ففة يف جن ففوا مي ففرق أس ففيا وأمررك ففا ال تيني ففة و ول إفرروي ففا ومي ففرق أو رب ففا أرم ففا وكلم ففا ك ففاش التوس ففع‬
‫اجلغرايف اكل كلما صع م حوة هذه األموال وتوةت أسرها‪.6‬‬
‫‪ -4‬اسففتعمال التكنولوجيففا‪ :‬تتواكف بمليففا غسففل األمفوال مففع ال ففورة التكنولوجيففة وارعلوماتيففة و اصففة‬
‫تكنولوجيفا ارعلومففا واالت ففاال يف البنفوك حيف تعففيد تلفر العمليففا تمففورا كبفريا يف فنوهنففا مدفوبففة يف‬
‫مللر بالتزارد الكبري يف حجم األمفوال الناجتفة بفن األ عفمة غفري ارعفروبة ورفتم إ اهلفا يف ب ف االقت فا‬
‫الرمسففت بففن طررففق إ اهلففا يف البورصففا ومي فراء األسففيم والسففندا وإقامففة ارعففاررع حيففمت رتعففذر كعففةيا‬
‫و تلط ارال ارعروع بغري ارعروع ورتلوق اهلدف الرئيست من العملية‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ -5‬ارتبففا بمليففا غسففل األمفوال بففالتلررر االقت ففا ي وارففايل حيففمت تزرففد بمليففا غسففل األمفوال مففع‬
‫تزارد النعا اااص و ررفر ارعفام اراليفة واالقت فا رة ويف توررفر البنفر الفدويل بفن التنميفة بفام ‪1996‬‬
‫رعففري إىل أش فو الومففاع ااففاص والتلررففر ارففايل رففع ي إىل فففتح أفففاق جدرففدة لقجفرام االقت ففا ي ومففا رففع ي‬
‫‪7‬‬
‫إليه من غسل للعوائد ارتأتية منه وبالتايل تزارد بمليا غسل األموال‪.‬‬
‫‪ -6‬إش بملي ففا غس ففيل األم ف فوال ت ففتم م ففن ف ف ل ف فلاء متا ف ففني وبلف ففى بل ففم ت ففام بوواب ففد الرقاب ففة‬
‫واإلميف فراف يف ال ففدول وم ففا روج ففد هب ففا م ففن سغف فرا ميك ففن النة ففامل مني ففا وبل ففى اطف ف ع كب ففري بة ففرص وم ففاال‬
‫االست مار وتوظيف األصول اليت توفر األماش هلذه األموال‪.‬‬
‫‪ -7‬غالبية بمليا غسل األموال تتم بن طررق البنوك والعمليا ار رفية ومللر را توفره هفذه األ فرية‬
‫مفن اارففة و ففلة يف إ ارة األمفوال واسففت مارها وكففذا ورليففا و اصفة البنففوك الففيت تتعمفد اسففتوماا م ففل هففذه‬
‫األموال واليت تعتمد بلى مبدأ السابا السررة أو السررة ار رفية يف معام هتا وبالتايل تووم حبمارة العم ء‬
‫من أي متابعا أو ويوا قد جتر وال تووم باإلف اح بن بم ئيا وال بن أرصدهتم أو بملياهتم‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬مراحل عملية غسل األموال‬
‫هتدف بملية غسل األموال كما حل ملكره سفابوا إىل إضفةاء صفةة العفربية بلفى األمفوال غفري ارعفروبة وهفذه‬
‫العمليففة ليس ف بمليففة بسففيمة أو ابتباطيففة بففل هففت ميففبكة مففن اإلج فراءا الففيت روففوم هبففا غاسففلت األم فوال‬
‫حيففمت رسففتيدفوش ف ل كففل مرحلففة منيففا قمففع ال ففلة بالتففدررج بففني األم فوال الوففذرة وار ففدر غففري ارعففروع‬
‫ارستمدة منه ولتلدرد آلية غسل األموال هناك اجتاهاش ما االجتاه التوليدي واالجتاه الدرمت‪.‬‬
‫أوال‪ :‬االتجاه التقليدي‬
‫مراحففل متتابعففة كففل مرحلففة يففد للمرحلففة‬ ‫روففوم هففذا االجتففاه بلففى أسففاو أش بمليففة غسففل األمفوال ففر بف‬
‫ال حوة حىت رتم الوصول إىل اررحلة النيائية وهذه ارراحل هت‪:8‬‬
‫‪ -1‬مرحلة التجهيز واإلعداد‬
‫ر ففتم يف ه ففذه اررحل ففة جتيي ففز وإب ففدا األمف فوال غ ففري النظية ففة ال ففيت حل ففيليا م ففن بوائ ففد أ ع ففمة غ ففري‬
‫معففروبة و وليففا وجتميعيففا يف أمففاكن مدروسففة ييففداً لعففربتنيا باسففتادام آليففا معينففه كتجزئففة األمفوال إىل‬
‫و ائع صغري حبيمت تول كل و رعة منيا بن الفد األ الفذي رعفرت اإلبف ه بنفه ورفتم الت بف يف ففواتري‬
‫الت ف ففدرر واالس ف ففتريا والتزور ف ففر يف ماب ف ففا ابتم ف ففا ال ف فوار ا وت ف ففرحيا اجلم ف ففارك مب ف ففا ر ف ففع ي إىل إ ة ف ففاء‬

‫‪54‬‬
‫التلففور بففل الففدو وقففد تسففتادم بمليففا االئتمففاش ارفوازي أو ااةففت لتجنف االقت ففا الرمسففت ورففتم‬
‫مللففر هبففدف ررففر األمفوال مففن م ففدرها ارفرتبط مباميففرة باجلرميففة إىل النظففام ارففايل مففع اسففتبعا ميففبية اجلرميففة‬
‫بففن م ففدر تلففر األم فوال أو اسففتبدال تلففر األم فوال غففري العففربية بأميففكال أ ففر مففن األم فوال مففن ف ل‬
‫توظيةيففا يف صففورة إرففدابا يف البنففوك أو ارعسسففا اراليففة أو ميفراء األسففيم والسففندا أو ميفراء ارعسسففا‬
‫ال نابية والتجاررة واادمية أو غريها‪.‬‬
‫ومففن ت ففبح األمفوال مففر إميففارا الكرتو يففة بلففى مياميففا مرئيففة تنتوففل ف ل سفواين بففل الففدول‬
‫وبففذلر تةففت األسففر الففورقت للمعففام النودرففة الكبففرية الففيت تكففوش معرضففة جلففذا اال تبففاه ولففذلر فيففذه‬
‫اررحلة تعتمد ك ريا بلى الةسا اإل اري والسياست لتسييل اجنازها والتغمية بلييا‪.‬‬
‫‪ -1‬مرحلة التعتيم والتمويه‬
‫يف هففذه اررحلففة رففتم الويففام مبجموبففة معوففدة مففن العمليففا اراليففة بغففرض التمورففه والتعتففيم بلففى أصففل‬
‫وم ففدر هففذه األمفوال وهكففذا روففوم أصففلاا األم فوال غففري ارعففروبة بففصجراء العدرففد مففن العمليففا ار ففرفية‬
‫بل ففى و ائعي ففم للة ففل ب ففني م ففدرها األص ففلت وح ففيلة األم فوال وملل ففر باس ففتادام بملي ففا مالي ففة متع ففد ة‬
‫ومعوففدة تففع ي إىل التعتففيم بلففى ار ففدر غففري ارعففروع لألم فوال مففع تففدبيم مللففر بارسففتندا ارمففللة الففيت‬
‫تسابد بلى تمليل اجليا الرقابية أو األمنية بند ممار هتم هلذه األموال‪.9‬‬
‫ورتم ول األموال الكرتو يا حول العا إىل م ملا أمنة تمبق قوا ني السررة ار رفية م ل بنما جزر‬
‫اللقيفة‬ ‫البيامفا سورسفرا كفامين‪..‬ا وتفتم بمليفة إبعفا األمفوال بفل سلسفلة متواصفلة مفن التلفور‬
‫وااللكرتو ية من ل اسفتادام الونفوا ار فرفية العاريفة ارتاحفة وباسفتادام السفابا ار فرفية للعفركا‬
‫الوميفة الفيت توفوم بتلوفت التلفور اراليفة تعيفد إرسفاهلا إىل طفرف آ فر موابفل بمولفة متةفق بلييفا كمفا‬
‫تووم بنوك األوفعور‪ 10‬بدور الوسيط ارايل إلجناز ارعام ار رفية‪.‬‬
‫‪ -2‬مرحلة الدمج‬
‫و ل اررحلة النيائية من مراحل غسفل األمفوال وهفت اررحلفة األك فر ب يفة حيفمت رفتم فييفا إضفةاء‬
‫المابع العربت بلى العائدا غري ارعروبة بعد أش ا ومع صلتيا اما مبنعئيا اإلجرامت بو اررحلتني‬
‫السابوتني ومن مثة رتم فع هذه العائدا إىل االمتزاع واال دماع كليا يف قنوا االقت ا الرمست إلكساهبا‬
‫‪11‬‬
‫ستار االست مار يف معروبا جتاررة وصةوا مالية تدر أرباحا جدردة و ظيةة‪.‬‬ ‫مظيرا قا و يا‬

‫‪55‬‬
‫تعتففل مرحلففة الففدمج األصففع مففن احيففة االكتعففاف بابتبففار أش األم فوال تكففوش قففد مففع مسففبوا لعففدة‬
‫مستورا من التدورر وقد تد هذه العمليا لعدة سنوا وبلى فرتا زمنية متبابدة ‪.12‬‬

‫ثانيا‪ :‬االتجاه الحديث‬


‫روفوم هفذا االجتفاه بلفى أسفاو ا فه لفي مفن المفروري أش تفتم بمليفة غسفل األمفوال بلفى الرتتيف‬
‫التسلسلت السابق ملكفره يف االجتفاه التوليفدي ألش الوفول بوجفو فوملع موحفد لعمليفة غسفل األمفوال رةفرتض‬
‫وحفدة الظفروف يف كفل حالفة رفتم فييفا غسفل األمفوال كفاألموال ارفرا غسفليا وكميتيفا ومفن حيفمت الاجفة‬
‫اررا إميبابيا والنظام السياست والوا وين السائد وهذا االفرتاض بالتأكيد غري واقعفت وغفري حموفق ال فت ف‬
‫األميااص الوائمني بلى غسفل األمفوال واسفتاداما األمفوال يف ورفل معفاررع اقت فا رة أو إبفا ة ورفل‬
‫ارتكفاا جفرائم أ فر لفذا ففصش بمليفة غسفل األمفوال قفد تفتم بعمليفة واحفدة فل يف الوقف ةسفه ارراحفل‬
‫السابق ملكرها كما قد تندمج فييا مرحلتاش يف بملية واحدة‪.13‬‬ ‫ال‬

‫‪56‬‬
‫وحسف هفذه النظررفة ففصش كيةيفة غسفل األمفوال تتنفوع لعفدة ابتبفارا فذكر منيفا‪ :‬االبتبفارا‬
‫العا فية للوفائمني بلفى غسفل األمفوال وم فداقيتيم يف ظفر اجملتمفع وكميفا األمفوال ارفرا غسفليا‬
‫والويو الوا و ية اليت تتممنيا التعررعا اليت رتم الغسل يف إطاره‪.‬‬
‫المحور الرابع‪ :‬بعض اآلثار االقتصادية واالجتماعية لغسل األموال‬
‫‪ -‬تعففكل بمليففا غسففل األم فوال زرةففا ل قت ففا الففوط مففن ف ل هترر ف هففذه األم فوال إىل ااففارع والففيت‬
‫تعتل تسربا من الد ل الوومت مما رع ي إىل اخنةاضه‪.‬‬
‫‪ -‬تفع ي بمليففا غسففل األمفوال إىل حرمففاش الدولففة مففن اسفت مار هففذه األمفوال ا ليفا وبالتففايل فيفو حيرميففا‬
‫من الويمة ارمافة إىل الد ل الوومت وما ررتت بلييفا مفن تفوفري ففرص بمفل زرفا ة اإل تفاع تفوازش األسفعار‬
‫وغريها‪.‬‬
‫‪ -‬ت ففع ي بملي ففا غس ففل األم فوال إىل ح ففدو توزر ففع بع فوائت لل ففد ل الو ففومت منع ففئة فج ففوة ب فني األغني ففاء‬
‫والةوراء تيجة الستئ ار بد قليل من األفرا ألموال ضامة هت يف الويوة أموال غفري معفروبة ومنتزبفة مفن‬
‫الةئا ارنتجة يف اجملتمع ممفا رربفر الكومفة وهعليفا توفف بفاجزة بفن إمكا يفة إبفا ة توزرفع الفد ل الوفومت‬
‫مبا حيوق االستورار للدولة ‪.‬‬
‫‪ -‬رففع غسففل األم فوال إىل التففأسري يف السياسففا اراليففة بففن طررففق التيففرا مففن فففع الم فرائ وإىل ضففعف‬
‫إرفرا ا الدولففة ممففا رنفتج بنففه جلوؤهففا إىل ففرض ضفرائ جدرففدة أو اللجفوء إىل االقفرتاض أو اإلصففدار النوففدي‬
‫من أجل ورل براميا االقت ا رة وهذا ما ررهق كاهل ارواطن والدولة يف أش واحد‪.‬‬
‫‪ -‬رع ي هروا رأو ارال إىل ااارع إىل اتساع مفاق الةجفوة التمورليفة حيفمت أش ارفد را رفتم إرفدابيا يف‬
‫البنوك ااارجية وش أش توجه إىل قنوا االست مار ا ل الب كما رفع ي الملف بلفى النوفد األجنف إىل‬
‫إضعاف قيمة العملة احمللية وتدهور الووة العرائية هلا‪.‬‬
‫‪ -‬التأسري السل بلى النظام ارايل وار ريف من ل إغراء بعفض مسفئويل ار فارف بالتعفاوش ممفا رتسفب يف‬
‫تةعت الةسا وإضعاف ور ار ارف يف الرقابة بلى بمليا غسل األموال‪.‬‬
‫‪ -‬حففدو لففل يف البنففاء االجتمففابت وتركففل المبوففة الوسففمى مففن اجملتمففع وظيففور طبوففة اررتفففني مففن أسررففاء‬
‫جرميففة غسففل األم فوال مم فا رزرففد يف اتسففاع الةجففوة بففني األغنيففاء والةو فراء وإب ف ء قيمففة ارففال بغففض النظففر بففن‬
‫معروبيته )كملد للمركز االجتمابت(‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫ل ميراء ملمم ارسعولني واإل اررني فيه‪.‬‬ ‫‪ -‬إفسا اجلياز اإل اري من‬
‫المحور الخامس‪ :‬أساليب غسل األموال عبر البنوك‬
‫تتعففد سففبل وأسففالي غسففل األم فوال بففل البنففوك فينففاك أسففالي توليدرففة بسففيمة وأ ففر حدر ففة‬
‫وتكنولوجيففة ر ففتم فييففا اس ففتادام احففد األس ففالي التكنولوجيففة للوي ففام بعمليففا غس ففل األم فوال وال ففتالص‬
‫النيائت من م درها غري ارعروع‬
‫أو ال‪ :‬األساليب التقليدية‬
‫ال رو فد باألسففالي التوليدرففة أهنففا قدميفة بففل مففازال العمففل هبففا قائمفا إىل الش إ ففا رعتمففد مللففر بلففى‬
‫حجم األموال اررا غسليا واركاش ار ئم لذلر فيتم ا تيار األسلوا بناءا بلى مللر‪.‬‬
‫‪ -1‬إيداع وتحويل األموال‪:‬‬
‫حيففمت رففتم هترر ف وتبففا ل العم ف مففن ف ل البنففوك فيففتم إرففداع األمفوال ار فرا غسففليا يف إحففد‬
‫حسابا البنر رتم ورليا من حساا إىل أ ر ب ورة متكفررة وسفررعة حبيفمت ر فبح مفن ال فع معرففة‬
‫م درها وغالبا ما تكفوش هفذه اإلرفدابا بلفى ميفكل و ائفع صفغرية حبيفمت توفل كفل و رعفة بفن الفد األ‬
‫الففذي رعففرت اإلبف ه بنففه هففذا وقففد تففتم العمليففة بتواطففع البنففر ةسففه أو بعففض مففوظةت البنففر كمففا قففد تففتم‬
‫الو ائففع بعففكل فابت وركففوش السففل منةففر ا أو بففالعك حبيففمت رففتم جتزئففة اإلرففداع بففني بففدة أميففااص‬
‫وبأمساء تلةة إلبا ة ورليفا وتتلفف طرروفة التيررف هفذه مفن بلفد أل فر حبسف اا فائص والعوامفل الفيت‬
‫تتمي ففز هب ففا ك ففل ول ففة اص ففة م ففن حي ففمت اقت ففا ها وأسف فواقيا ارالي ففة و ظامي ففا ار ففريف والتع فررعا اااص ففة‬
‫‪14‬‬
‫مبكافلة بمليا غسل األموال فييا‪.‬‬
‫‪ -2‬التصرفات العينية‬
‫قد تتم بمليا غسل األموال يف ميكل بي و س ولي مملوا مبعىن أ ه قد تتم بمليا الغسفل‬
‫العيف يف ارراحففل األوىل لعمليففة الغسففل هبففدف التمورففه والتعتففيم بلففى م ففدر األمفوال غففري ارعففروبة ورتلوففق‬
‫مللر من ل ميراء بعض األميياء العينية ملا الويمفة اررتةعفة م فل الفذه واجملفوهرا والعوفارا والو فور‬
‫وغريهففا‪ 15‬قيففام هففعالء األميففااص بتلورففل األصففول العينيففة إىل أصففول سففائلة ومللففر ببيففع مففا حل ميفراؤه مففن‬
‫ه ففذه األص ففول يف مواب ففل ال ففول بل ففى مي ففيكا م ففرفية بويم ففة األمي ففياء ارباب ففة وم ففن تس ففتادم ه ففذه‬
‫العففيكا ار فرفية يف فففتح حسففابا م ففرفية للوففائمني بغسففل األم فوال يف البنففوك اراتلةففة ارسففلوا بلييففا‬
‫‪58‬‬
‫هذه العيكا وفروبيا وبعد مللفر روفوم أصفلاا هفذه السفابا بفصجراء العدرفد مفن التلفور ار فرفية‬
‫بن طررق تلر البنوك ارسلوا بلييا العيكا بو د التعتيم بلى ار ا ر غري ارعروبة لألمفوال وحبيفمت‬
‫ر ع بعد مللر التعرف بلى ار در الويوت هلذه األموال‪.‬‬
‫‪-3‬الشركات الوهمية‬
‫رملففق بلييففا يف بعففض األحيففاش ميففركا الففدمى أو العففركا ال ففوررة ‪ SEHAA MOC LLEHS‬حيففمت‬
‫تةتوففر إىل هففدف جتففاري واضففح ألهنففا ال توففوم بففاألغراض واأل عففمة ارن ففوص بلييففا يف تأسيسففيا أو أ ظمتيففا‬
‫األساس ففية ب ففل إهن ففا تو ففوم بالوس ففاطة يف بملي ففا غس ففل األمف فوال غ ففري ارع ففروبة وملل ففر ب ففن طرر ففق تم ففليل‬
‫‪16‬‬
‫الكوما هبدف ورل ح يلة ارادرا واجلرائم األ ر إىل أموال معروبة رسيل التعامل هبا‪.‬‬
‫وبا ة ما ر ع تعو أ عمتيا اصة إملا كا تووم يف ملا الوق بفبعض العمليفا ارعفروبة‬
‫وم ف ففن ال ف ففور ال ف ففيت تأ ف ففذها تل ف ففر الع ف ففركا مي ف ففركا االس ف ففتريا والت ف ففدرر مي ف ففركا الس ف ففياحة مي ف ففركا‬
‫الت ففأمني‪...‬ا وتو ففوم ه ففذه الع ففركا بعملي ففا غس ففل األمف فوال م ففن ف ف ل أس ففالي بدر ففدة فو فد تلج ففأ إىل‬
‫ال ول بلى قفروض مفن أحفد البنفوك توفوم بصرفداع األمفوال يف بنفوك أ فر إلبفا ة توظيةيفا يف الفب الفيت‬
‫تنتعر فييا جتارة ارادرا حبيمت تتلط هذه األموال مع األموال غري ارعفروبة أو تلجفأ إىل ميفراء العفركا‬
‫اااسرة أو اليت هت بلى حافة اإلف و أو قد تلجأ إىل تزريفف ففواتري التجفارة ااارجيفة بفن طررفق قيفام هفذه‬
‫العففركا بعفراء بمففائع مففن ميففركة أجنبيففة بسففعر مرتةففع وبمرروففة صففوررة بلففى أش رففتم إرففداع الةففرق بففني السففعر‬
‫ال وري اررتةفع والسفعر الويوفت يف حسفاا سفري للعفركة يف أحفد البنفوك األجنبيفة وصفا يف تلفر الفدول‬
‫اليت تتمتع بنظام بايل من السررة ار رفية‪.‬‬
‫‪-4‬التحويالت البرقية لألموال‬
‫م ففع التو ففدم والتم ففور التكنول ففوجت و ففول الكمبي ففوتر يف العدر ففد م ففن العملي ففا ار ف فرفية أص ففبل‬
‫التلففور ار فرفية تففتم بواسففمة الففتلك ومسي ف بففالتلور ار ففرفية االلكرتو يففة أو التلففور اللقيففة‬
‫وأصففبل هففت المرروففة ار لففى الففيت غالبففا مففا رلجففأ إلييففا غاسففلت األم فوال ملا األحجففام الكبففرية ومللففر ظ فرا‬
‫ل ففعوبة تتبففع ارسففار النوففدي لألم فوال غففري ارعففروبة إملا مففا حل إرسففاهلا ففارع الففب بففن طررففق التلففور‬
‫اللقية هذا فم بن ال غرا اليت تعرتي هذا النظام فالتلور اللقية هفت أساسفا غفري حمكومفة كمفا أش‬
‫ك ريا من البنوك ليس أبماء يف األ ظمة اليت تتيح م ل هذه التلور ‪.17‬‬

‫‪59‬‬
‫لود أ رك غاسلت األموال أش بصمكاهنم اسفتادام ظفام التلورفل اللقفت إلرفداع النوفو لفد البنفوك يف‬
‫ااففارع ومللففر وش الاجففة إىل اإلب ف ش بففن أمسففائيم وبعففد أش رففتم إرففداع النوففو لففد البنففوك روففوم هففعالء‬
‫األميااص بتلورليا برقيا مرة أ ر بلى حساا ميركة من ميركا الواجية م ‪.‬‬
‫كمففا أش ظففام التلففور اللقيففة ةسففه ال رسففمح بففالتعرف بلففى طبيعففة العمليففة موضففوع التلورففل‬
‫و اصة أش بمليا التلورل قد تتم بن طررق تد ل أك ر من بنر مراسفل ممفا هعفل التلفري بفن موضفوع‬
‫العملي ففة ص ففعبا ب ففالنظر للس ففربة الةائو ففة ال ففيت ت ففتم هب ففا وال ففذي رزر ففد األم ففر ص ففعوبة أش البن ففوك ال ففيت تع ففرتك يف‬
‫التلور اللقية با ة ما تكوش موجو ة يف أقاليم ول تلةة كما أش التلور تتم وفوا للنموملع الذي‬
‫رمعه كل بنر فيما رتعلق بالعكل واألرقام والرموز ارستادمة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬األساليب التكنولوجية الحديثة‬
‫مففع التو ففدم العلمففت والتكنول ففوجت لوسففائل االت ففال وارواص ف والنوففل الس فررع أصففبل بملي ففا غس ففل‬
‫األموال من الظواهر ارنتعرة بلى ارستو العفارت اصفة أش اسفتادام الوسفائل ارتودمفة مفن ميفأ ه أش هعفل‬
‫بملية تعو مراحل غسل األموال صعبة للغارة إش تكن مستليلة ومن هذه الوسائل واألسالي الدر ة‬
‫ذكر ما رلت‪:‬‬
‫‪ -1‬بنوك اإلنترنت ‪:‬‬
‫من أ مر الوسائل التكنولوجية الدر ة ما رعرف بنظام ‪ MNBHN BLLEELC‬أو البنفوك بفل اإل رت ف‬
‫وهت ليس بنوكفا بفارعىن العفائع وارفألوف إمل ال توفوم بوبفول الو ائفع مف أو توفدمي التسفيي ار فرفية أو‬
‫غريهففا مففن العمليففا ار ففرفية ارعتففا ة ولكنيففا ببففارة بففن وسففيط يف الويففام بففبعض العمليففا اراليففة فيوففوم‬
‫ارتعامفل مففع تلففر البنففوك بص ففال العففةرة السفررة مفن أرقففام و فففه ومففن رسففتميع ورففل األمفوال بالمرروففة‬
‫اليت رأمر هبا اجلياز‪.‬‬
‫وهففذه الوسففيلة تتففيح لغاسففلت األم فوال وففل أو ورففل كميففا ضففامة مففن األم فوال بسففربة وأمففاش س فواء يف‬
‫حسففابا ا ففل البنففر ةسففه أو مففن بنففر أل ففر وتعمففل هففذه البنففوك يف حمففيط مففن الس فررة العففاملة إمل ال‬
‫ركففوش ارتعففاملني فيففه معلففومت اهلورففة باإلضففافة إىل أش هففذه البنففوك غففري اضففعة ألرففة لفوائح أو قفوا ني رقابيففة‬
‫ومن ل هذه الوسائل ميكن ورل األرصدة بدة مرا روميا يف أك ر من بنر حول العا ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫‪ -2‬الكارت الذكي‪:‬‬
‫هذا األسلوا هو تكنولوجيا عفأ يف اجنلفرتا وامتفد العمفل هبفا يف الوالرفا ارتلفدة األمرركيفة ومفن إىل‬
‫تلففف ول العففا وه فو روففوم ب ففرف النوففو الففيت كففاش قففد سففبق ففيليا مففن العميففل مباميففرة إىل الوففرص‬
‫ارغناطيست بفن طررفق ماكينفة ورفل آليفة "‪ 18 "LTC‬أو تليةفوش معفد هلفذا الغفرض و مفورة هفذا الكفار‬
‫أش لدرففه اصففية االحتةففا مب رففني الففدوالرا ز ففة بلففى الوففرص ااففاص بففه " ‪ "MEE‬وففل هففذه األم فوال‬
‫بسيولة بلى كار آ ر بواسمة التليةوش ارعد لذلر وبدوش تد ل أي بنر من البنوك‪.‬‬
‫كفن مسفتادمييا مفن ورفل األمفوال بفل اإل رت ف مفع‬ ‫كما أش البماقا الذكية تعتمد بلفى بفدة تونيفا‬
‫ضماش تعةري العملية لللمارة‪.‬‬
‫المحور السادس‪ :‬بعض الجهود المبذولة في مكافحة غسل األموال‪.‬‬
‫قام اجلزائر يف سبيل مكافلة بمليا غسل األموال بسن العدرد من الووا ني والن وص التعفررعية‬
‫اليت جترم العملية وتعاق بلييا إضافة إىل إ عاء العدرفد مفن اللجفاش واهليئفا اركلةفة بتتبفع بمليفا غسفل‬
‫األم فوال والكعففف بنيففا؛ كاليففة معاجلففة االسففتع م ارففايل الففيت أ عففئ مبوج ف اررسففوم التنةيففذي رقففم ‪-02‬‬
‫‪ 127‬ارعر يف ‪ 7‬أفررل ‪ 2002‬وهت معسسة بمومية تتمتع بالعا ية ارعنورة واالسفتو ل ارفايل تتكفوش‬
‫مففن ‪ 6‬سففتة أبمففاء رففتم ا تيففارهم حسف كةففاءهتم يف اجملففاال اراليففة وار ففرفية واألمنيففة لعيففدة مففدهتا أربففع‬
‫سنوا قابلة للتجدرد مرة واحدة فوط ومللر مبرسوم رئاست‪ .‬تسند هلذه اللجنة بدة ميام منيا‪:‬‬
‫است م ت رحيا االميتباه ارتعلوة بعمليا غسل األموال أو ورل اإلرهاا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إرسال ارلةا لوكيفل اجلميوررفة ارافتص طبوفا للوفا وش يف حفال االميفتباه بوجفو بمليفة لغسفل ارفال أو‬ ‫‪-‬‬
‫ورل اإلرهاا‪.‬‬
‫اقرتاح الن وص التعررعية والتنظيمية اليت تسابد بلى مكافلة غسل األموال‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫االبرتاض ب ورة ةظية ردة أق اها ‪ 72‬سابة بلى تنةيذ أرفة بمليفة م فرفية ألي ميفاص توفع بليفه‬ ‫‪-‬‬
‫ميبية غسل ارال حىت رنظر يف األمر‪.‬‬
‫حجز األموال غري ارعروبة احمل لة من جرمية غسل األموال ق د م ا رهتا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وقد قام لية معاجلة االستع م ارايل منذ إ عائيا فعليفا يف ‪ 2004‬بصح فاء ‪ 575‬ت فررح بعفبية‬
‫غسل األموال لغارة ‪ 2010‬رتم التلويق فييا ومعاجلتيا‪ .‬كما بلف بفد مراسف االيفة مفع ميفركائيا بلفى‬

‫‪61‬‬
‫ارسففتو احمللففت ‪ 3230‬مراسففلة إىل غارففة ‪ 2017/12/31‬إرسففال تلوففائت وطلف معلومففا ‪ .‬كمففا تلوف‬
‫‪ 180‬طل مسابدة بلى ارستو الدويل وأرسل ‪ 166‬طلبفا إىل غارفة ‪ .2016/12/31‬كمفا أرسفل‬
‫االي ف ففة ك ف ففل ارلة ف ففا ال ف ففيت سبت ف ف ف فيي ف ففا الع ف ففبية إىل الومف ف ففاء والف ف ففيت بل ف ف ف ب ف ففد ها ‪ 170‬قم ف ففية إىل غارف ف ففة‬
‫‪.192017/12/31‬‬
‫اجلففدول التففايل رقففم ‪ 01‬روضففح بففد الت ففرحيا ارودمففة للاليففة بوجففو ميففبية غسففل لألمفوال وكففذا‬
‫بد التواررر السررة الوار ة إلييا للسنوا ‪.2017-2016-2015‬‬
‫جدول رقم (‪ )01‬التقارير الواردة لخلية معالجة االستعالم المالي (‪ 2015‬إلى ‪)2017‬‬
‫تقرير سري‬ ‫تصريح بالشبهة‬ ‫السنوات‬
‫‪159‬‬ ‫‪1290‬‬ ‫‪2015‬‬
‫‪168‬‬ ‫‪1240‬‬ ‫‪2016‬‬
‫‪184‬‬ ‫‪1239‬‬ ‫‪2017‬‬
‫ار در‪ :‬توررر النعا ومعميا إح ائية ‪ 2017‬ص‪.9‬‬
‫حظ ارتةابا كبريا يف بد الت اررح بالعبية اررسفلة إىل االيفة بفأك ر‬ ‫ل اجلدول رقم ‪01‬‬ ‫من‬
‫من ‪ 1200‬ت ررح يف السنة موار ة بف ‪ 575‬ت ررح بني ‪ 2004‬و‪ 2010‬ستة سنوا وهذا ردل بلى‬
‫عا االية يف السفنوا األ فرية إضفافة إىل أك فر مفن ‪ 150‬توررفر سفري كفل سفنة وهنفا جتفدر اإلميفارة إىل‬
‫أش التوففاررر السفررة هففت الففيت ت ففدر بففن البنففر ارركففزي أو إ ارة اجلمففارك فتوسففم باسففم توررففر سففري؛ أمففا تلففر‬
‫ال ا رة بن البنوك واهليئا األ ر فتعتل ت اررح بالعبية‪.‬‬
‫أما فيما ص الووا ني وارراسيم ارتعلوة مبكافلة غسل األموال فود قام اجلزائر بدارة بار ا قة‬
‫بلى اتةاقية األمم ارتلدة ركافلة لقجتار غري ارعروع بارادرا وارعسرا العولية لسنة ‪ 1988‬مبوج‬
‫اررسوم الرئاست ‪ 41-95‬ارعر يف ‪.1995/01/28‬‬
‫حل سن أحكام قا و ية مبوج األمر رقم ‪ 22-96‬ال ا ر بتاررخ ‪ 1996/06/09‬وارتعلق بومع‬
‫الةا التعررع والتنظيم اااصني حبركة رؤوو األموال من وإىل ااارع ومن ا ملو يف بناء ترسا تيا‬

‫‪62‬‬
‫الوا و ية الكةيلة بال ةد من هذه الظاهرة فكاش أش أصدر قا و ا اصا هبذه الظاهرة سبوه وتبعه تعررعا‬
‫أ ر تعمد هذه العملية كما هو موضح يف الةورا التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬قا وش رقم ‪ 15-04‬معر يف ‪ 27‬رمماش بام ‪ 1425‬اررافق لف ‪ 10‬وفمل سنة ‪ 2004‬رعدل ورتمم‬
‫األمر رقم ‪ 156-66‬ارعر يف ‪ 18‬صةر ‪ 1386‬هف اررافق لف ‪ 08‬رو يوسنة ‪ 1966‬وارتممن ق‪.‬ع ‪.‬‬
‫حيمت ص يف ارا ة ‪ 389‬وما بعدها بلى األحكام اروررة هلا‪.‬‬
‫‪ 2‬قا وش رقم ‪ 01-05‬معر يف ‪ 27‬ملي الجة بام ‪ 1425‬هف اررافق لف ‪ 06‬فلارر ‪2005‬م رتعلق‬
‫بالوقارة من تبييض األموال و ورل اإلرهاا ومكافلتيما‪.‬‬
‫وصه‪:‬‬ ‫وقد جاء هذا الوا وش يف ستة وس سني ‪ 36‬ما ة وقد تممن‬
‫أ‪ -‬تعاررف للعبارا االصم حية ارن وص بلييا‪.20‬‬
‫ة يف هذا العأش‪.21‬‬ ‫ب‪ -‬إ عاء هيئة متا‬
‫جـ‪ -‬إقرار التعاوش الدويل يف مال تبيض األموال‪.22‬‬
‫إقرار األحكام اجلزائية‪.23‬‬
‫د‪َّ -‬‬
‫ور حظ بلى هذا الوا وش اجتاه ارعرع اجلزائري إىل جترمي كافة صور وأميكال غسل األموال احمل لة من كل‬
‫اجلرائم وش االكتةاء بلى جرائم ارادرا فوط كما ر حظ بليه أرما توسعه يف مةيوم حيازة األموال‬
‫غري ارعروبة بعر بلم اجلاين هبا ألهنا بائدا إجرامية وتوسعه يف مةيوم اجلرمية األو لية اركو ة هلذه‬
‫الظاهرة ليعمل كل العائدا اإلجرامية باإلضافة إىل جترميه كافة أميكال ارسابدة أو التلررض أو‬
‫ارعورة‪.24‬‬
‫‪ -3‬ق ففا وش رق ففم ‪ 01-06‬م ففعر يف ‪ 21‬حم ففرم ب ففام ‪ 1427‬ه ف ف ارراف ففق ل ف ف ‪ 20‬فلار ففر س ففنة ‪ 2006‬رتعل ففق‬
‫بالوقارة يف الةسا ومكافلته‪.‬‬
‫حيففمت ففص يف ارففا ة ‪ 16‬بلففى مكافلففة الةسففا الففيت تففأيت بففل مراقبففة البنففوك وار ففارف مففن بمليففا غسففل‬
‫األموال ويف ارا ة ‪ 42‬ص بلى تبييض العائدا اإلجرامية وبووباهتا‪.‬‬
‫كمفا قامف اجلزائفر بالتنسفيق الفدويل يف مفال مكافلففة بمليفا غسفل األمفوال؛ حيفمت رحبف كفل مففن‬
‫مموبففة العمففل الففدويل فففاتف‪ FATF‬ف ل اجتمابيففا يف فيةففري‪ 2016‬يف بففارر وكففذا مموبففة العمففل‬
‫‪63‬‬
‫ارففايل للعففرق األوسففط ولففال إفررويففا مينففا فففاتف‪ MENAFATF‬يف أفرر فل ‪ 2016‬بالتوففدم ارعتففلة الففذي‬
‫أحرزته اجلزائفر يف سفني منظومتيفا اااصفة مبكافلفة بمليفا غسفل األمفوال و ورفل اإلرهفاا وبليفه تعفد‬
‫اجلزائر اضعة لعملية ارتابعة الن ف سنورة جملموبة العمل ارايل كل ستة أميير ‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫تعتففل بمليففا غسففل األم فوال مففن أ مففر اجل فرائم اراليففة ملا اال عكاسففا السففلبية بلففى االقت ففا‬
‫واجملتم ففع وملل ففر لكوهن ففا الواس ففم ارع ففرتك لكاف ففة أمي ففكال وأ ففا اجل فرائم واأل ع ففمة غ ففري ارع ففروبة ورو ففد‬
‫بعملي ففا غس ففل األم فوال ب ففورة بام ففة مموب ففة اإلج فراءا والعملي ففا اهلا ف ففة إىل إ ة ففاء ار ففدر الويو ففت‬
‫لألموال وارمتلكا ارتأتية بن أبمال إجرامية ومنح صةة العفربية هلفذه األمفوال ومفن إبفا ة ضفايا مفن‬
‫جدرفد يف االقت ففا ‪ .‬وتأ ففذ هففذه اإلجفراءا بنففاءا بلففى هفذا ارنلففى س سففة مراحففل وهففت التوظيففف التغميففة‬
‫وأ ريا الدمج وإبا ة ضخ هذه األموال إىل االقت ا كأموال معروبة‪.‬‬
‫ل ما سبق ميكن استعراض أهم النتائج ارتوصل إلييا كاأليت‪:‬‬ ‫من‬
‫‪ -1‬تعتل ظاهرة غسفل األمفوال ظفاهرة باريفة واسفعة اال تعفار وضفامة العائفدا حيفمت روفدر حجفم األمفوال‬
‫اليت رتم غسليا يف العا بفني ‪ 800‬مليفار إىل ‪ 1.5‬تررليفوش والر سفنورا أي مفا رعفا ل حفوايل ‪ ٪ 5‬مفن‬
‫الناتج العارت‪.‬‬
‫‪ -2‬هتففدف بمليففا غسففل األمفوال إىل إكسففاا صففةة العففربية والوا و يففة لألمفوال اإلجراميففة مففن أجففل جتنف‬
‫ار حوة الوا و ية هلا‪.‬‬
‫‪ -3‬تعتل بمليا غسل األموال بملية الحوة أل عمة إجرامية سابوة‪.‬‬
‫‪ -4‬تعاين اجلزائر كغريها من ول العا من ظاهرة غسل األموال وهت معنية مبكافلتيا‪.‬‬
‫‪ -5‬قام اجلزائر بالعدرد من اإلجراءا يف سبيل مكافلة ظاهرة غسل األموال ذكر منيا‪:‬‬
‫‪ -‬قبول التنسيق الدويل وار ا قة بلى االتةاقيا الدولية يف هذا اجملال‪.‬‬
‫‪ -‬إصدار الووا ني والتعررعا اجملرمة للظاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬إ عففاء اهليئ ففا واللجففاش ارات ففة يف مراقبففة ومتابع ففة بملي ففا غسففل األم فوال كاليففة االس ففتع م ار ففايل‬
‫‪CTRF‬‬

‫‪64‬‬
‫الهوامش‪:‬‬

‫‪  -1‬رتم استادام ار مللني غسل األموال أو تبييض األموال للداللة بن الظاهرة ومللر راجع للرت ة حيمت‪ :‬رملق تبيض األموال‬
‫تيجة لرت ة معناها من الةر سية ‪ Blanchiment de capitaux‬أما م ملح غسيل األموال فنتيجة الرت ة من االجنليزرة ‪Money‬‬
‫‪Laundering‬‬
‫‪ -2‬قفدر م فا ر صفندوق النوفد الفدويل الجفم اإل فايل لعمليفا غسفل األمفوال سفنورًا يف العفا بنلفوررتأو ح بفني ‪ 2‬يف ارائفة إىل ‪ 5‬يف‬
‫ارائة من الناتج احمللت اإل ايل العارت‪.‬‬
‫‪ - 3‬اروقع الرمست ركت األمم ارتلدة ارع بارادرا واجلرمية ‪.www.unodc.org‬‬
‫‪ - ‬فاتف ‪ :‬فررق العمل ارايل وهت هيئة ولية هتدف إىل تمورر وتعزرز السياسا الوطنية والدولية ركافلة غسيل األموال و ورل اإلرهاا‬
‫أ عئ بام ‪"Financial action task force on money laundering " .1989‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬اروقع االلكرتوين الرمست لةررق العمل الدويل اركلف مبكافلة غسيل األموال ‪www.fatf.gafi.org:‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬اروقع االلكرتوين الرمست ل ندوق النود الدويل‪www. Imf.org /external / np / exr/facts/ aml.htm:‬‬
‫‪ -6‬األ مر بزي ظاهرة تبييض األموال بل البنوك ملة راسا اقت ا رة العد ال امن ص‪10‬‬
‫‪ -7‬البنر الدويل توررر بن التنمية يف العا ‪ 1996‬ص‪.126‬‬
‫‪8‬‬
‫‪-Scott Sulzer, Money Laundering , The Scope of The Problem and Attempt to Combat it,‬‬
‫)‪Tennesee Law Review, Vplume 63, pp(145-150‬‬
‫‪ - 9‬ببد الةتاح ببد الران ببد اجمليد االقت ا االجتمابت مكتبة اجل ء اجلدردة المبعة ال ا ية م ر ‪ 2003‬ص‪.535‬‬
‫‪ -10‬بنوك األو فعور هت البنوك الواقعة ارع بلد إقامة ارو ع وتكوش غالبًا يف بلداش ملا ضرائ مناةمة أو معدومة ومعسسا مالية‬
‫ن‬
‫ال تمع للرقابة الدولية تتميز هذه ار ارف بسررة السابا البنكية والمرائ ارناةمة أو ارعدومة تستوم األموال ميولة ار در‬
‫وتووم حبمارتيا‪.‬‬
‫‪ -11‬صةو ببد الس م بوض اهلل السار االقت ا رة لعمليا غسيل األموال ار النيمة العربية م ر ‪ 2003‬ص‪.42‬‬
‫‪ -12‬هعام غريب األبعا واال عكاسا االقت فا رة لتبفيض األمفوال رسفالة ماجسفتري كليفة العلفوم االقت فا رة جامعفة قارفة ‪ 2007‬ص‬
‫‪.38‬‬
‫‪ -13‬تدررس كرمية ور البنوك يف مكافلة تبييض األموال رسالة كتوراه كلية الووق جامعة تيزي وزو اجلزائر ‪ 2014‬ص‪.88‬‬
‫‪ -14‬سوزي بديل اميد غسل األموال من ل مبدأ السررة ار رفية ار ارمبوبا اجلامعية االسكندررة م ر ‪ 2011‬ص‪.28‬‬
‫‪ - 15‬ببد ارنعم التيامت تبيض األموال وسررة أبمال ار ارف ارنظمة العربية للتنمية اإل اررة ‪ 2007‬ص‪.08‬‬
‫‪ -16‬ادي ببد العظيم غسيل األموال يف م ر والعا ار اجلامعة للنعر الواهرة ‪ 1997‬ص‪.38‬‬
‫‪ - 17‬ببد ارنعم التيامت مرجع سابق ص‪.09‬‬
‫‪18‬‬
‫‪LNTOCLTEM TNLLSTHN CLMEELH -‬‬
‫‪ -19‬توررر النعا ومعميا إح ائية ‪ 2017‬ص ص‪.8 9‬‬
‫‪ -20‬م ‪ 04‬من ق‪.01-05‬‬
‫‪ -21‬م ‪ 15‬من ق ‪.01-05‬‬
‫‪ -22‬م ‪ 25‬من ق ‪01-05‬‬
‫‪ -23‬م ‪ 31‬من ق ‪.01-05‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ -24‬م ‪ 02‬فورة من ق ‪.01-05‬‬

‫‪66‬‬
‫تأثير جائحة كورونا على العالقات الصينية األمريكية‬
The impact of the Corona pandemic on Sino-US relations

،‫ لزهر وناسي كلية الحقوق والعلوم السياسية‬/‫ أ‬،‫ مسعود مقعاش‬/‫أ‬


- 1 ‫ جامعة باتنة‬- ‫مخبر األمن اإلنساني‬
:‫الملخص‬
‫هتدف هذه الورقة إىل تسليط الضوء على واحدة من أهم العالقات الدولية القائمة يف النظام الدويل‬
‫ وهي العالقات الصينية‬،‫وأكثرها تعقيدا وتشابكا وصعوبة يف حتديد مسارها لتداخل املصاحل بينهما‬
‫ وهي عرضة للتوتر والتقلب أكثر من الثبات حبكم التنافس القائم‬،‫حيث تتميز بأمهية وحيوية‬،‫األمريكية‬
.‫بينهما ورغبة كل طرف يف حتقيق مصاحله بناءا على رؤية خاصة به‬
‫ كان من‬،‫ولقد زادت من حدة التوتر واحتماالت احلرب بني القوتني العديد من امللفات الساخنة‬
‫ ناهيك عن احلرب التجارية‬،‫أبرزها النزاعات اإلقليمية يف حبر الصني اجلنويب وتايوان وشبه اجلزيرة الكورية‬
‫املتبادلة بني الطرفني وسنحاول من خالل هذه الدراسة تسليط الضوء على منعرج آخر يف العالقات الصينية‬
‫ وكيف أثرت هذه األزمة يف العالقات الصينية األمريكية ؟ وما هي‬،‫األمريكية واملتمثل يف أزمة كورونا‬
‫السيناريوهات املستقبلية للعالقات الصينية األمريكية ملا بعد كورونا؟‬
.‫ الواليات املتحدة األمريكية‬،‫ الصني‬،‫ جائحة كورونا‬:‫الكلمات المفتاحية‬
Abstract:
This paper aims to highlight one of the most important and complex
international relations in the international system, the most complex, complex and
difficult to determine its course of interplay of interests between them, namely Sino-
American relations, where it is important and vital, and is subject to tension and
volatility rather than stability due to the rivalry between them and the desire of each
party to achieve its interests based on its own vision.
Tensions and the prospect of war between the two powers have increased many
hot files, most notably regional disputes in the South China Sea, Taiwan and the
Korean peninsula, not to mention the mutual trade war between the two sides, and we
will try through this study to shed light on another breakthrough in Sino-U.S.
relations, namely the Corona crisis and how has this crisis affected Sino-U.S.
relations?. What are the future scenarios for Post-Corona Sino-U.S. Relations?.
Key words: Corona pandemic, China, United States of America.

- 67 -
‫مقدمة‪:‬‬
‫شكلت جائحة كورونا هزة فجائية على مستوى النظام الدويل‪ ،‬نتيجة انتشاره الواسع من بؤرة حملية‬
‫انطلقت من الصني إىل بؤرة عاملية انتقل خالهلا إىل معظم بلدان املعمورة‪ .‬وأفرز هذا الوضع صدمة مل‬
‫يشهدها العامل منذ احلرب العاملية الثانية نظرا لتداعياهتا على االستقرار العاملي‪ ،‬حبيث أدى إغالق العامل‬
‫جراء فرض حالة الطوارئ واحلجر الصحي إىل حدوث تغيريات على شكل النظام الدويل الذي حدث فيه‬
‫ارتباك كبري نتيجة هذه األزمة العاملية اليت كان هلا تأثري كبري على جمال العالقات الدولية‪،‬كما أفرزت األزمة‬
‫ضعفا على مستوى العمل املشرتك ودور التكتالت العاملية واإلقليمية الكربى اليت ثبت فشلها يف مواجهة‬
‫هذه األزمة الصحية العاملية‪.‬‬
‫إن كثريا من الكوارث على مستوى العامل واليت مسيت باحلرب الكونية واجلائحة هو ما نعيشه هذه‬
‫األيام بعد ظهور هذا الوباء املستجد وانتشار هذا الفريوس الذي أصبح عابرا للحدود يف مجيع قارات العامل‬
‫والعدو اخلفي الذي مل يشهد التاريخ له مثيال بسرعة اإلنتشار والتأثري والقتل والتدمري الذي طال كل أركان‬
‫ومقومات حياة الدول وبنيتها ومؤسساهتا وجعل العامل يقف متوترا يف كثري من األحيان مما حيدث وتغريت‬
‫لغة اخلطاب بني الدول وتبدلت أولوياهتا واهتماماهتا وزاد الشك يف سلوكيات بعضها جتاه البعض اآلخر‪،‬‬
‫وكل ذلك انعكس على عالقاهتا التعاونية‪ ،‬وبرزت الكثري من املفاهيم اجلديدة اليت قد تؤطر لنوع من‬
‫العالقات الدولية‪.‬‬
‫العديد املقاالت واآلراء اليت كتبت حول العالقة بني الواليات املتحدة والصني وتأثرها باجلائحة‬
‫بالتغري مع انتشار وباء كورونا‪ ،‬وقد انقسمت يف‬‫وخصوصاً تلك اليت تتحدث عن أ ّن شكل العامل بدأ ّ‬
‫جمملها إىل قسمني رئيسني‪ ،‬القسم األول يرى أ ّن النهوض الصيين ميكن أن يتعثّر نتيجة للوباء وأن الواليات‬
‫املتحدة ستقوم باستغالله ملهامجة بكني‪ ،‬وقسم آخر يرى أ ّن الصني ميكن أن تغتنم الفرصة وتققصي الواليات‬
‫املتحدة عن زعامة العامل‪ ،‬ونتيجة هلذه التصورات واآلراء بات من املهم مناقشة هذه األفكار وحماولة‬
‫استشراف الشكل للعالقات الثنائية ما بعد كورونا‪.‬‬
‫التعرف على واقع وشكل العالقات‬ ‫نستطيع القول أ ّن مشكلة البحث يف هذه الورقة تدور حول ّ‬
‫الصينية األمريكية ظل أزمة كورونا وتأثري اجلائحة على املصاحل اإلسرتاتيجية والتنافس على زعامة العامل‪ ،‬وقد‬
‫مت بلورهتا على شكل السؤال اآليت‪:‬‬

‫‪- 68 -‬‬
‫إىل أي مدى تأثري جائحة كورونا على العالقات الصينية األمريكية؟‪ ،‬وما هي السيناريوهات املستقبلية‬
‫للعالقات الصينية األمريكية ملا بعد جائحة كورونا؟‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مظاهر التوتر في العالقات الصينية األمريكية‬
‫لذا سنتناول يف املطلب األول النزاعات اإلقليمية أما يف املطلب الثاين سنتناول احلرب التجارية‬
‫املتبادلة‬
‫المطلب األول‪ :‬النزاعات اإلقليمية‪:‬‬
‫إن وجود العديد من النزاعات اإلقليمية والصدامات العسكرية اليت من شأهنا أن تزيد من‬
‫احتماالت احلرب‪ ،‬وقد اشرتكت بالفعل الواليات املتحدة والصني يف أنشطة صراعية ذات انعكاسات‬
‫إقليمية يف عدة حاالت (مباشرة وغري مباشرة) أبرزها ما يلي‪:‬‬

‫الفرع األول‪ :‬بحر االصين الجنوبي‪:‬‬


‫تناولت الشبكة اإلخبارية ‪ CNN‬األمريكية قضية اخلالف األمريكي الصيين بأنه ليس حديث بل‬
‫يعود إىل فرتة طويلة‪ ،‬وقالت إنه من الصعب حتديد اللحظة اليت بدأت فيها العالقات الصينية األمريكية يف‬
‫اإلحندار املتزايد‪ ،‬لكن الشبكة اإلعالمية ‪ CNN‬ترى سيطرة بكني على حبر الصني اجلنويب هو العالمة‬
‫األوىل للخالف‪.‬‬
‫ميثل حبر الصني اجلنويب منطقة إسرتاتيجية حيوية ليس فقط للصني وإمنا كذلك للواليات املتحدة‪،‬‬
‫ويبدو أن األسباب اجليواسرتاتيجية اليت تتمثل يف األمهية اإلسرتاتيجية لبحر الصني اجلنويب ووجود موارد‬
‫طبيعية متنوعة وهائلة يف هذا البحر مع تغري مراكز الثقل االقتصادي العاملي إىل شرق آسيا‪ ،‬وحتويل‬
‫الواليات املتحدة تركيزها إىل منطقة آسيا واحمليط اهلادي بالتوازي مع بناء الصني لقوهتا العسكرية بشكل‬
‫ٍ‬
‫متنام على رقعة الشطرنج اإلقليمية ومركزها حبر الصني اجلنويب تدفع كل طرف إىل التشبث مبواقفه واالمتناع‬
‫مؤثرا يف‬
‫عامال ً‬
‫عن تقييم أية تنازالت‪ ،‬مما يشري إىل أن فرص تسوية اخلالف ضئيلة‪ ،‬وأن القضية ستكون ً‬
‫حتديد مستقبل العالقات األمريكية الصينية ومستقبل املنطقة والعامل ككل‪ ،‬وهذا ما اتضح بالفعل من خالل‬
‫وقوع ثالثة حوادث خطرية يف مياه هذا البحر وهى‪:‬‬
‫ـ ـ حادثة يف عام ‪2009‬م عندما اعرتضت سفن شبه عسكرية صينية سفينة مراقبة تابعة للبحرية‬
‫األمريكية‪.‬‬

‫‪- 69 -‬‬
‫وطائرة مقاتلة‬ ‫)‪(EP3‬‬ ‫ـ ـ تصادم جوي يف عام ‪2011‬م بني طائرة استطالع أمريكية من طراز‬
‫صينية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ـ ـ مناوشات يف عام ‪2014‬م بني مقاتلة صينية وطائرة دورية أمريكية من طراز )‪.(P-8‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬القضية التايوانية‪:‬‬
‫تعد القضية التايوانية أحد بؤر التوتر يف العالقات الصينية األمريكية‪ ،‬ويعود تاريخ ظهور هذه املشكلة‬
‫إىل التدخل األمريكي الذي يعترب أهم عامل عرقل حل املشكلة التايوانية وتتمثل مشكلة تايوان إحدى‬
‫املشاكل الكربى لتوحيد الصني‪ ،‬فالصينيون لديهم حساسية خاصة فيما يتعلق بتايوان حيث يعتربوهنا جزء‬
‫من الصني‪ ،‬وال ميكن فصلها عن الوطن األم‪.‬‬
‫تعترب الصني القضية داخلية ورمزا قوميا وال حيق ألي طرف التدخل يف شؤوهنا فاهلدف الرئيس هلا‬
‫تأكيد السيادة اإلقليمية املباشرة عليها‪ ،‬لذلك فقيادهتا لن تتخلى عن مبدأ صني واحدة ونظامان‪ ،‬وتأكيدا‬
‫هلذا التوجه أعلن رئيسها السابق "جيان تشه مني" عام ‪ 1995‬املبادئ الرئيسية السرتجاع تايوان وهي‬
‫التمسك مببدأ صني واحدة وهو أساس التوحيد السلمي ومعارضة أي حماولة يف إجتاه خلق دولة مستقلة‬
‫بالقوة‪ ،‬وعدم اإلعرتاض على تنمية العالقات اإلقتصادية والثقافية غري احلكومية لتايوان مع الدول األجنبية‪،‬‬
‫مع معارضة أي أنشطة هتدف إىل التوسيع النشاط الدويل لتايوان واحرتام أسلوب احلياة ألهاليها‬
‫‪2‬‬
‫ورعاية حقوقهم القانونية ومصاحلهم‪.‬‬
‫وبالرغم من قبول الواليات املتحدة مببدأ "صني واحدة"‪ ،‬والذي اعترب شرطًا أساسيًا إلقامة العالقات بني‬
‫الصني والواليات املتحدة‪ ،‬إال أن الوجود األمريكي العسكري والسياسي يف تايوان ميثل حتديًا وقل ًقا بالغني‬
‫لدى الصني‪.‬‬

‫فالصني تفسر هذا التواجد والعالقات غري الرمسية اليت تقيمها الواليات املتحدة مع الصني ‪-‬خاصة‬
‫تاما عن االتفاق بني‬
‫وخروجا ً‬
‫ً‬ ‫يف جمال مبيعات األسلحة األمريكية لتايوان‪ -‬على أهنا حتمل خروقًا جوهرية‬
‫البلدين بصدد املسألة التايوانية منذ السبعينيات‪ ،‬كما تفسر الصني ذلك على أنه يكرس وضعية االنفصال‬
‫أيضا تضمن هذا النزاع عروض القوة مع القوات البحرية االمريكية من‬
‫التايواين‪ ،‬وحيول دون حتقيق الوحدة‪ً ،‬‬
‫وقت آلخر‪.‬‬

‫‪- 70 -‬‬
‫وبالنظر إىل التوترات الدورية على تايوان والقوة العسكرية املتنامية للصني‪ ،‬والتصرحيات الواضحة‬
‫لزعماء الصني والتصرحيات االستفزازية لقادة تايوان‪ ،‬وبعض األدلة على تزايد النزعة القومية واحتمال اخلطأ‬
‫يف التقدير سواء يف الصني أو تايوان أو الواليات املتحدة قد تكون سبب للصراع بني الواليات املتحدة‬
‫والصني‪ ،‬فيجب أن تؤخذ احلرب على تايوان على حممل اجلد‪. 3.‬‬

‫ميكن تلخيص أهم نقاط حول اخلالف الصيين األمريكي يف تايوان ‪:‬‬
‫ـ ـ تبادل الزيارات بني القادة والسياسني األمريكيني والتايوانيني‪.‬‬
‫ـ ـ تدعيم الواليات األمريكية لتايوان باألسلحة العسكرية‪.‬‬
‫ـ ـ تواصل التهديدات العسكرية الصينية لتايوان‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬األزمة الكورية‬


‫جماال‬
‫إن وجود مصاحل اسرتاتيجية يف شبه اجلزيرة الكورية لكل من الواليات املتحدة والصني ش ّكل ً‬
‫مهما يف العالقات األمريكية الصينية‪ ،‬العتبارات ترتبط بالنفوذ واهليمنة اإلقليمية والعاملية‪ ،‬فالدولتان مها‬
‫ً‬
‫القوتان األساسيتان يف تقرير أوضاع السالم واالستمرار فيها‪.‬‬
‫لذا فإن الشكل الذي ميكن أن تتخذه كوريا املوحدة سيكون حمط اهتمام لدى الدولتني يف الوقت‬
‫ذاته‪ ،‬وهذا ما اتضح بالفعل يف عام ‪1950‬م عندما ازدادت حدة التوتر تدرجييًا حتت شعار توحيد‬
‫الشطرين بالقوة واندلعت احلرب بني الكوريتني‪ ،‬وتدخلت فيها الواليات املتحدة وحلفاؤها الغربيون وقوات‬
‫األمم املتحدة إىل جانب كوريا اجلنوبية‪ ،‬ويف املقابل تدخلت الصني وروسيا بقواهتا إىل جانب كوريا‬
‫الشمالية‪ ،‬وبالتايل أنتجت هذه القضية مشاركة صراعية مباشرة بني الواليات املتحدة والصني يف ساحة‬
‫املعركة‪.‬‬

‫فضال عن التصرحيات املباشرة والضمنية لزعماء الصني املشرية إىل تدخلها العسكري يف حالة‬ ‫هذا ً‬
‫تدخل الواليات املتحدة األمريكية يف القضية الكورية بشكل غري سلمي‪ ،‬حيث تكمن مصلحة الصني‬
‫باملقابل يف استمرار الوضع القائم يف شبه اجلزيرة الكورية‪ ،‬ملا تقتضيه املصاحل االسرتاتيجية للصني‪ ،‬فهي ال‬
‫تريد قيام كوريا جماورة‪ ،‬قوية موحدة‪ ،‬مع قوة عسكرية‪ ،‬ورمبا تكون نووية‪ ،‬ومتحالفة مع الواليات املتحدة‪.‬‬
‫كما حتاول الصني استغالل امللف النووي لكوريا الشمالية‪ ،‬كوسيلة يف إدارة عالقاهتا مع الواليات املتحدة‬
‫خاصة وأن الصني هي الطرف الوحيد األكثر تأثرياً على السلوك اخلارجي لكوريا الشمالية‪ ،‬ويعود ذلك‬

‫‪- 71 -‬‬
‫أساساً للمساعدات املالية اليت تقدمها‪ ،‬واستعدادها حلماية طبيعة النظام العسكري والسياسي القائم يف‬
‫كوريا‪ .‬هذا باإلضافة إىل أن الصني حتتاج إىل عازل ألمنها يقابل التحالف األمريكي مع كل من اليابان‬
‫‪4‬‬
‫وكوريا اجلنوبية‪ ،‬وهذا ما جتسده نسبياً يف كوريا الشمالية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الحرب التجارية المتبادلة‬
‫ظهرت مالمح احلرب التجارية بني الصني والواليات املتحدة األمريكية خالل احلملة االنتخابية‬
‫للرئيس "دونالد ترامب" يف العام ‪ 2016‬واليت توعد فيها باستعادة الوظائف األمريكية املفقودة بسبب ما‬
‫أمساه بالتغلغل الصيين‪ ،‬كما وعد بفرض الضرائب اجلمركية على املنتجات الصينية والتدقيق يف استثمارات‬
‫الشركات الصينية العاملة يف أمريكا‪ ،‬باملقابل كانت هناك خطوات مماثلة من قبل الصني بفرض ضرائب على‬
‫البضائع واملنتجات األمريكية مشلت السيارات واألجهزة الذكية عالية التقنية‪.‬ويف العام ‪ 2017‬حثت الصني‬
‫الواليات املتحدة األمريكية على إجراء حمادثات بني اجلانبني للوصول إىل قرارات مشرتكة‪ ،‬وصرحت بأهنا ال‬
‫تريد حربا جتارية مع الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬ودعت واشنطن إىل احرتام القواعد التجارية الدولية‪،‬‬
‫وتراجع ترامب عن تصرحياته املعادية للصني بعد القمة األوىل اليت مجعته مع الرئيس الصيين شي‪ ،‬إال أنه‬
‫سرعان ما تغريت تصرحياته وقام بتوقيع مذكرة تنفيذية لفرض رسوم مجركية على الصني يف شهر مارس‬
‫‪5‬‬
‫لعام‪.2018‬‬
‫فمنذ تويل اإلدارة األمريكية احلالية احلكم وهي ترفع شعار"أمريكا أوال"‪ ،‬وتتخذ من العجز يف‬
‫امليزان التجاري‪ ،‬وحقوق امللكية الفكري‪ ،‬واألمن القومي األمريكي كذريعة واهية إلثارة االحتكاكات‬
‫التجارية مع الصني وشركاهتا‪ ،‬وقد أظهرت أمريكا تناقضا صارخا بني أقواهلا وأفعاهلا مرارا وتكرارا‪ ،‬وما فتئت‬
‫قُتارس ضغوطاً متزايدة على اجلانب الصيين بل إن أمريكا مل تنتظر نتيجة املفاوضات التجارية الثنائية وكانت‬
‫املبادرة إىل رفع الرسوم اجلمركية من ‪ %10‬إىل ‪ % 25‬على واردات صينية بقيمة ‪ 200‬مليار دوالر‪ ،‬وقبل‬
‫أيام قامت باإلعداد لفرض رسوم على سلع صينية إضافية بقيمة ‪ 300‬مليار دوالر مشعلة بذلك شرارة‬
‫أكرب حرب جتارية يف تاريخ االقتصاد العاملي‪ ،‬هذا باإلضافة إىل استخدام أمريكا كل قوهتا كدولة لتشويه‬
‫مسعة شركة هواوي الصينية اخلاصة وذلك دون أي أدلة مقنعة‪ ،‬وأمريكا بإجراءاهتا هذه ختالف أبسط قواعد‬
‫السوق‪ ،‬وتنتهك قواعد التجارة الدولة‪ ،‬وتضرب منوذجا حقيقيا على فرض اهليمنة األحادية‪ ،‬والبلطجة‬
‫‪6‬‬
‫االقتصادية‪ ،‬وحماولة يائسة منها إلعادة عجلة التاريخ إىل الوراء‪.‬‬

‫‪- 72 -‬‬
‫إستمر اجلانبان يف توجيه الضربات لبعضهما‪ ،‬األمر الذي انتهى هبدنة قصرية ُتثلت يف توقيع املرحلة‬
‫األوىل من االتفاق التجاري‪ .‬وعلى الرغم من البدء يف تنفيذها؛ إال أنه من غري املتوقع أن تستمر الصني يف‬
‫توسيع وارداهتا من الواليات املتحدة األمريكية أو الدخول يف املرحلة الثانية من االتفاق‪ ،‬حيث جاءت أزمة‬
‫فريوس كورونا لتقلب موازين األمور وتزيد من حدة املعركة املتواصلة بني البلدين‪ ،‬واليت كان قد بدا أن وتريهتا‬
‫وبدال من ذلك استعد اجلانبان لصراع طويل‪ ،‬لن تعتمد فيه إحدامها على األخرى كما كان من‬ ‫قد خفت‪ً ،‬‬
‫‪7‬‬
‫قبل‪ ،‬حيث عملت الواليات املتحدة على إجياد بدائل ملصانعها يف املكسيك وفيتنام واهلند‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬العالقات الصينية األمريكية في ظل أزمة كورونا‬
‫شهدت العالقات الصينية األمريكية وال زالت عدة تطورات يف السنوات األخرية كوهنما يتنافسان‬
‫على املركز األول عامليا من حيث القوة اإلقتصادية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬ما الذي نحن بصدده‬
‫شكل فريوس كورونا أزمة صحية غري مسبوقة يف التاريخ السياسي احلديث ليضع دول العامل أمام‬
‫حتديات كبرية هلا تداعياهتا على العالقات الدولية اليت حكمت معظم دول العامل‪ ،‬فالعامل كان مستقرا‬
‫بعالقاته ضمن جمموعة اتفاقيات ومعاهدات حكمت حتالفاته لتأيت جائحة فريوس كورونا الذي أدخل‬
‫‪8‬‬
‫اجلميع يف دوائر اخلوف واهللع‪،‬بل وأفقد البعض القدرة على السيطرة على إحتوائه‪.‬‬
‫هي فريوس ال مييز بني أخضر وأمحر وأصفر وأسود وأبيض‪ ،‬وال بني نيبايل أو موزامبيقي أو عريب أو‬
‫صيين أو أورويب‪ .‬إنه فريوس هائج يصيب الناس على اتساع العامل‪ ،‬وال يبدو أن دولة ستنجو من إصاباته‪.‬‬
‫وهلذا دعت منظمة الصحة العاملية الدول إىل االستنفار والتعاون لكي يتجنب العامل أخطار عدو صعب ال‬
‫يهادن وال يفاوض وال يساوم‪.‬‬
‫وألن كورونا عدو عاملي لكل العامل‪ ،‬ال بد أن تستند األمم والدول بعضها إىل بعض إذ ال يوجد‬
‫دولة واحدة تتمكن من مواجهة كورونا وحدها ومبعزل عن الدول األخرى مبن فيها الواليات املتحدة‬
‫والصني‪ .‬على األقل‪ ،‬تتطلب كل دولة من الدول األخرى وخباصة دول اجلوار أن تقوم مبا جيب من إجراءات‬
‫للقضاء على الوباء حىت ال ينتقل إىل اآلخرين إذا أقام فيها‪ .‬العامل متداخل ومتشابك العالقات‪ ،‬والتنقل مسة‬
‫من مسات العصر واحلركة السكانية العاملية يف نشاط مستمر‪ ،‬وسنة بعد سنة يرتفع منسوب التشابك‬
‫العاملي‪ ،‬وتتعقد العالقات الدولية باملزيد‪.‬‬

‫‪- 73 -‬‬
‫يشكل هذا الوضع الذي تسبب به كورونا اختبارا للعامل وقدرته على التعاون ووضع اخلالفات‬
‫السياسية واالقتصادية جانبا حىت حتقيق القضاء على الوباء‪ ،‬إذ أنه مل يشهد العامل سابقا قضية عاملية‬
‫مشرتكة تستدعي تعاون كل الدول حىت زمن احلرب العاملية الثانية‪ ،‬مل تشارك كل دول وشعوب العامل يف‬
‫احلرب العاملية الثانية على الرغم من أن تأثرياهتا طالت اجلميع‪ ،‬ومل يكن من الضروري استنفار كل األمم‬
‫والشعوب يف تلك الفرتة ألن أغلب من ابتعدوا عن احلرب مل تطلهم كل النريان؛ أما اآلن فالنريان مرشحة‬
‫‪9‬‬
‫لتطال كل بيت‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬حرب باردة خلف الكواليس‪:‬‬
‫تداولت منذ البداية أوساط صينية عديدة‪ ،‬من بينها بعض األوساط الدبلوماسية واحلكومية‪ ،‬نظرية‬
‫مفادها أن مصدر تفشي جائحة كورونا هو عدد من جنود اجليش األمريكي‪ ،‬قاموا بزيارة مدينة (ووهان)‬
‫الصينية يف أكتوبر املاضي‪ ،‬للمشاركة يف األلعاب العسكرية الدولية‪ ،‬ويف املقابل تداول عضو يف جملس‬
‫الشيوخ األمريكي‪ ،‬من بني أطراف أخرى‪ ،‬نظرية مفادها أن منشأ هذه اجلائحة كان خمترب لتطوير األسلحة‬
‫البيولوجية يف مدينة ووهان‪ ،‬وعضو جملس الشيوخ األمريكي (من بني آخرين) طرح نظرية أن الفريوس نشأ‬
‫يف خمترب أسلحة بيولوجية يف ووهان‪.‬‬
‫بالتأكيد ال ميكن أن نضع كال النظريتني يف كفة واحدة‪ ،‬فالنظرية الصينية نقلها يف األساس متحدث‬
‫رمسي بإسم احلكومة الصينية يف حني النظرية األمريكية نقلها عضو مبجلس الشيوخ يعرب عن رأيه‪ .‬على‬
‫الرغم من تراجع حدة تراشق االهتامات يف هذا الصدد بني اجلانبني‪ ،‬إال أنه كان دليالً واضحاً على إنعدام‬
‫الثقة والعداء املتبادل بينهما‪ ،‬واإلستعداد الدائم لتبادل األهتامات‪ ،‬حىت ولو كانت غري مدعومة بأدلة‬
‫‪10‬‬
‫قاطعة‪.‬‬
‫جاء يف حبث نشر يف لندن يوم ‪ 25‬مارس ‪ :2020‬أدت أزمة فريوس كورونا إىل تدهور العالقات‬
‫بني الصني والواليات املتحدة‪ ،‬من الواضح جدا أن الزمن الذي نعيش فيه ليس زمنا جيدا للعامل والسيما‬
‫للعالقات بني الصني والواليات املتحدة‪ ،‬فقد دأب الرئيس األمريكي ترامب على وصف فريوس كورونا‬
‫“بالفريوس الصيين” ‪ ،‬بينما أطلق عليه وزير خارجيته املتشدد "مايك بومبيو" اسم فريوس ووهان‪ ،‬وهي أمور‬
‫تثري غضبا حقيقيا يف بكني‪.‬‬
‫وهاجم الرئيس ترامب ووزير خارجيته الصني لتقاعسها املزعوم يف املراحل األوىل النتشار وباء فريوس‬
‫كورونا‪ ،‬ولكن الناطقني باسم احلكومة الصينية رفضوا بشكل قاطع أي ادعاء بأهنم مل يتحلوا بالشفافية‬

‫‪- 74 -‬‬
‫حول اإلعالن عما جيري‪ ،‬ويف غضون ذلك انتشرت عرب منصات التواصل االجتماعي يف الصني شائعات‬
‫فحواها أن برناجما أمريكيا للحرب اجلرثومية هو سبب انتشار الوباء‪ ،‬وقد صدق عدد كبري من الصينيني هذه‬
‫الشائعات‪ ،‬رغم أن العلماء أكدوا أن بنية الفريوس طبيعية ُتاما وليست مصنعة‪.‬‬
‫ولكن هذه احلرب بني العمالقني ليست حربا كالمية فقط‪ ،‬بل تتخطى ذلك إىل أمر أكثر خطورة‪،‬‬
‫ففي وقت سابق من شهر مارس‪ ،‬وعندما أعلنت الواليات املتحدة أهنا قررت إغالق حدودها بوجه‬
‫القادمني من عدة دول أوروبية مبا فيها إيطاليا‪ ،‬أعلنت احلكومة الصينية بأهنا بصدد إرسال فرق طبية ومواد‬
‫ضرورية إىل إيطاليا البلد األورويب األكثر تأثرا بالوباء‪ ،‬كما أرسلت الصني مساعدات إىل إيران وصربيا‬
‫للغرض نفسه‪،‬كانت تلك حلظة حتمل رمزية كبرية‪ ،‬كما أشارت إىل احلرب املعلوماتية والدعائية الدائرة خلف‬
‫الكواليس‪ .‬فالصني مصممة على اخلروج من هذه األزمة وموقعها كقوة عظمى معزز‪.‬‬
‫ويف الواقع أن الواليات املتحدة ختسر هذه احلرب جبدارة يف الوقت الراهن على األقل‪ ،‬ولن يغري هذه‬
‫احلقيقة القرار األمريكي الذي أعلن عنه مؤخرا بإرسال عيادة طبية تابعة للقوة اجلوية إىل إيطاليا‪ ،‬فهذا زمن‬
‫ُتتحن فيه األنظمة السياسية واإلدارية لكل الدول إىل أقصى مدى‪ ،‬وستكون القدرة على القيادة ضرورية بل‬
‫حامسة‪ ،‬وسيحكم على القادة السياسيني بالطريقة اليت تعاملوا هبا مع األزمة والسرعة اليت حتركوا هبا للتصدي‬
‫للوباء والوضوح الذي حتلوا به مع شعوهبم والكفاءة اليت أبدوها يف توجيه موارد بلداهنم للرد على انتشار‬
‫الوباء‪.‬‬
‫وجاء انتشار الوباء يف وقت كانت العالقات بني الصني والواليات املتحدة متأزمة يف األصل‪ .‬فلم‬
‫ينجح اتفاق جتاري جزئي أبرم مؤخرا يف حل اخلالفات التجارية بني البلدين‪ ،‬عالوة على ذلك فإن البلدين‬
‫سائران قدما يف تعزيز قدراهتما العسكرية‪ ،‬استعدادا لصراع عسكري حمتمل يف منطقة آسيا واحمليط اهلادئ‪.‬‬
‫ويف غضون ذلك برزت الصني كقوة عسكرية عظمى على املستوى اإلقليمي‪ ،‬واآلن تسعى الصني إىل تبوأ‬
‫‪11‬‬
‫املوقع القيادي الذي تعتقد أهنا تستحقه‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬المشهد األمريكي في ظل جائحة كورونا‬
‫يرى املفكر بول كيندي أن الواليات املتحدة كقوة عظمى ُتثل حالة فريدة يف قوهتا االقتصادية‬
‫والعسكرية والتكنولوجية وحجم نفوذها وتأثريها يف املشهد الدويل الذي مل يتحقق لقوة غريها‪ ،‬لكن شأهنا‬
‫شأن أي قوة عظمى تشهد اخنفاضا يف املستويات االقتصادية ألسباب معينه‪،‬وبالتايل تفقد القدرة على‬
‫مواكبة النفقات العسكرية اليت تؤدي إىل الرتاجع يف النفوذ االسرتاتيجي العاملي‪ .‬وعليه فإهنا أمام إختبار‬

‫‪- 75 -‬‬
‫حقيقي يتحدى أي قوة عظمى تريد أن تبقى مهينمة أال وهو تأخري الوصول اىل حالة "الرتهل االمرباطوري"‬
‫مبعىن أن على الواليات املتحدة أن تواجه حقيقة مستمرة مفادها أن إمجايل املصاحل األمريكية واإللتزامات‬
‫اليت ورثتها من هيمنتها على قيادة النظام العاملي طوال فرتة ما قبل جائحة كورونا هي اليوم أكرب من قدرة‬
‫الدولة عن الدفاع عنها واإلنفاق عليها مجيعا يف وقت واحد‪ .‬وأن على الواليات املتحدة جتاوز هذه األزمة‬
‫بقدرهتا الفريدة اليت تتميز هبا عن غريها من القوى السابقه وذلك بسبب "كما يرى كيندي" جمتمعاهتا احلرة‪،‬‬
‫والقيادات القادرة على التنبؤ باألزمات وتستعد هلا إضافة إىل استخدام القدرة التكنولوجية يف مواجهة كافة‬
‫أشكال األزمات‪.‬‬
‫لكن جائحة كورونا إىل اآلن أظهرت تفوقا على القدرات األمريكية الفريدة وتسببت مبزيد من‬
‫االنقسام الداخلي حول سياسات إدارة الرئيس ترمب‪ ،‬اليت قد تضطرها اجلائحة خليارات تؤدي إىل اختالل‬
‫امليزان الدقيق بني العاملني االقتصادي والعسكري‪ ،‬كإعادة توزيع امليزانيات يف املوازنة العامة لصاحل الرعاية‬
‫الصحية واخلدمات الداخلية ملواجهة جائحة كورنا وذلك على حساب اإلنفاق العسكري مما سينعكس سلبا‬
‫على النفوذ األمريكي االسرتاتيجي اخلارجي مسببا فراغا جيوسياسيا يف اجملاالت احليوية للواليات املتحدة‬
‫األمر الذي سيؤثر يف شكل ميزان القوة العاملي (‪ )Balance of Power‬يف املديني املتوسط والبعيد متيحا‬
‫الفرصة لقوى عاملية وإقليمية أخرى مللئ الفراغ اجليوسياسي دوليا وإقليميا وتشكيل ميزان قوة جديد وبالتايل‬
‫تراجع مكانة الواليات املتحدة‪ .‬أو أهنا تستمر يف نفس معدالت اإلنفاق العسكري على النفوذ االسرتاتيجي‬
‫واالنتشار العسكري األمر الذي سريهق كاهل اإلقتصاد األمريكي املتأثر بالفعل من حربه مع كورونا وبالتايل‬
‫لن تستطيع الواليات املتحدة احلفاظ على امليزان الدقيق بني العاملني (النمواالقتصادي والقدرة العسكرية)‬
‫‪12‬‬
‫املهمني يف بقاء أي قوة عظمى مهيمنة على املشهد الدويل‪.‬‬
‫من الواضح أن الرئيس ترامب يريد أن يهدئ من تداعيات ما جيري خاصة مع تزايد أرقام املصابني‬
‫من واليات كربى‪ ،‬مما سيكون هلا قرار احلسم والتأثري الفاعل يف االنتخابات الرئاسية املقبلة‪ ،‬بصرف النظر‬
‫عن احلشد اإلعالمي املؤثر الذي يتبناه الرئيس ترامب وجمموعة خلية إدارة األزمة‪ ،‬واليت تظهر يف امليديا‬
‫األمريكية خبطاب إعالمي وسياسي جديد ومغاير ملا جيري على أرض الواقع‪ ،‬حيث ما زال السعي األمريكي‬
‫للبحث عن حل حقيقي والتوصل للقاح أمريكي وليس أملاين أو صيين‪ ،‬وهو ما يريد أن يقوله الرئيس ترامب‬

‫‪- 76 -‬‬
‫للرأي العام أنه مل يقصر يف حق مواطنيه‪ ،‬وأنه يفعل الكثري من أجل الدفاع عن صحة املواطن األمريكي‬
‫‪13‬‬
‫باألساس مثلما فعل القادة الصينيون‪ ،‬والذين يتحدثون من أعلى عن خيارات صينية حقيقية‪.‬‬
‫يقول عامل السياسة األمريكي جوزيف ناي إن هذا الشعار يعين عمليا إدارة السياسة اخلارجية‬
‫للواليات املتحدة مبنطق حتقيق املصاحل األمريكية على حساب اآلخرين‪ .‬وقد رأينا بالفعل خالل أزمة فريوس‬
‫كورونا أن الرئيس األمريكي وكل أجهزة إدارته‪ ،‬كانوا يعملون لصاحل الواليات املتحدة فقط‪ .‬ووصل تطبيق‬
‫مبدأ "أمريكا أوال" إىل حد القرصنة على شحنات أدوية ومستلزمات طبية كانت يف طريقها إىل دول حليفة‬
‫مثل كندا وأملانيا وفرنسا‪ ،‬ما أثار غضبا بني شعوب وحكام تلك الدول‪ .‬كذلك ال خيفي الرئيس األمريكي‬
‫رغبته يف احتكار أدوية كورونا املستجد‪ ،‬واستخدامها كسالح سياسي لفرض سيطرة الواليات املتحدة على‬
‫‪14‬‬
‫صحة العامل‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬السياسة الصينية في مواجهة األزمة‪:‬‬
‫العمالق الصيين كما يسميه البعض دائما ما يشهد أزمات صحية ووبائية يف الستوات األخرية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬كيفية إدارة الصين لألزمة‪:‬‬
‫تعد أزمة كورنا مثاال جيًدا على كيفية استيعاب احلكومة يف بكني لألزمة الصحية غري املسبوقة‪ ،‬ليس‬
‫فقط على صعيد قدرهتا الطبية واإلدارية والسياسية‪ ،‬بل على صعيد تعزيز نفوذها الدبلوماسي وحتسني‬
‫صورهتا الدولية وحتدي الوضع املهيمن للواليات املتحدة كنموذج عاملي حيتذى به يف الرعاية الصحية‬
‫وانتهجت بكني "سياسات الكرم" مع الدول ملواجهة الفريوس يف ظل جناحها املبكر يف التصدي لكورونا‪،‬‬
‫خاصة مع دول شرق وجنوب أوروبا‪ ،‬وحققت جناحات دولية‪ ،‬يف الوقت الذي كانت الواليات املتحدة‬
‫تشهد تعبئة متأخرة إلدارة الرئيس دونالد ترامب ضد الفريوس‪ ،‬وفوضى وانقسامات يف االحتاد األورويب‪،‬‬
‫وانشغال كل دولة بأزمة الصحة احمللية اخلاصة هبا‪ ،‬وينظر احلزب الشيوعي الصيين إىل معركته ضد فريوس‬
‫كورونا يف سياق املنافسة االقتصادية واجليوسرتاتيجية العميقة‪ ،‬ويف سياق "حرب باردة جديدة" مع الواليات‬
‫املتحدة‪ ،‬وختتلف هذه احلرب الباردة اجلديدة ‪-‬من ناحية مهمة‪ -‬عن احلرب القدمية بني الغرب واالحتاد‬
‫السوفييت‪ ،‬وهي أن الصني اآلن جزء من االقتصاد العاملي ومستوى الرتابط االقتصادي واالجتماعي والبشري‬
‫‪15‬‬
‫بني هذا البلد وبقية العامل أعلى بكثري من االحتاد السوفيايت‪.‬‬
‫وقد أبرزت هذه األزمة الصحية على مستوى الكوكب مدى اعتماد العامل على الصني‪ ،‬ليس فقط‬
‫فيما يتعلق باملنتجات الطبية والصيدالنية بل يف اجلانب اإلداري أيضا‪ ،‬مما دفع الواليات املتحدة وحلفاءها‬

‫‪- 77 -‬‬
‫على وجه اخلصوص حملاولة تقليل هذا االعتماد والتعويض عن اخلسائر السياسية بفعل "األنانية" اليت‬
‫استخدمتها الدول يف مساعدة بعضها البعض خاصة دول اإلحتاد األورويب الذي يعد تعاملها مع إيطاليا‬
‫منوذج على هذه السياسية اليت أضرب وعززت الصدع بني الدول‪ ،‬وحياول االحتاد األورويب والواليات املتحدة‬
‫بذل جهود متزايدة ليس فقط إلدارة الوباء يف الداخل ولكن أيضا ملساعدة الدول الفقرية على هزميته يف‬
‫حماولة للتعويض جزئً يا املنفعة الدبلوماسية اليت ميكن أن تستفيد منها الصني وخالل سيطرهتا على الوباء‬
‫داخليا‪ ،‬أطلقت احلكومة الصينية محلة دولية غري مسبوقة طالبت فيها دبلوماسييها تسليط الضوء بشكل‬
‫استباقي على تفوق نظام احلزب الواحد الصيين على الدميقراطيات "الغربية"‪ ،‬وإقناع السلطات والنخب يف‬
‫‪16‬‬
‫الدولة اليت يعملون فيها للثناء على الصني إلدارهتا لألزمة‪.‬‬
‫كما حاولت جاهدة تقدمي نفسها على أهنا تلميذ منوذجي ملنظمة الصحة العاملية‪ ،‬مؤكدة حقيقة أهنا‬
‫أبلغتها دون تأخري بشأن ظهور الوباء‪ ،‬باإلضافة إلظهار نفسها كنموذج حيتذى به من حيث التعاون مع‬
‫األمم املتحدة واملنظمات الدولية القائمة‪ ،‬وهو األمر اليت حتاول الواليات املتحدة نفيه‪ .‬بشكل عام منذ‬
‫أوائل مارس‪ ،‬كانت الدبلوماسية الصينية موجهة بالكامل خلدمة احلرب ضد الفريوس وإظهار تضامن الصني‬
‫مع العامل بأسره باإلضافة إىل دورها الرائد يف هذه املعركة‪ ،‬وروجت لنفسها على أهنا "األخ األكرب" املتمرس‬
‫‪17‬‬
‫ملساعدة البلدان األخرى على فهم الفريوس وتقدمي األقنعة وغريها من معدات الوقاية الشخصية بسرعة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الفيروس كناقل للنفوذ الصيني‬
‫أصبح ينظر للفريوس على انه "ناقل" جديد لنفوذ الصني‪ ،‬وبشكل عام‪ ،‬سامهت املساعدة الصينية‬
‫يف الوقت املناسب ليس فقط يف تقسيم االحتاد األورويب ولكن يف تسليط الضوء على عدم استعداد االحتاد‬
‫‪18‬‬
‫لتقدمي املساعدة لدوله واالنقسام والفوضى اليت يعيشها‪.‬‬
‫ويف الوقت الذي كانت إيطاليا تنتقد بشدة سلوك أملانيا وفرنسا‪ ،‬كانت وسائل إعالمها تشيد يف‬
‫الدعم الصيين‪ ،‬وتعرب عن امتناهنا لبكني‪ ،‬وهو األمر الذي استفاد منه إىل حد كبري احلزب الشيوعي الصيين‬
‫‪19‬‬
‫للرتويج لدور بالده يف مساندة الدول يف مواجهة الوباء يف ظل ختاذل الدول الغربية عن ذلك‪.‬‬
‫كتب "جوزيف س‪ .‬ناي جونيور" يف جملة «فورين بوليسي» إن «الصني قدمت املساعدة‪ ،‬وتالعبت‬
‫ٍ‬
‫ألسباب سياسية‪ ،‬واخنرطت يف دعاية قوية؛ يف حماولة لتحويل رواية فشلها إىل استجابة سريعة‬ ‫باإلحصاءات‬
‫للوباء»‪.‬‬

‫‪- 78 -‬‬
‫ومن خالل استخدام «نظرية املؤامرة»‪َّ ،‬روجت وسائل اإلعالم الصينية أن الفريوس رمبا يكون قد‬
‫نشأ يف أمريكا‪ .‬ومل تكن هذه األخبار سوى شائعات‪ ،‬لكنها مسحت لبكني بفرصة االبتعاد فرتة عن أهنا‬
‫املسؤولة عن تفشي املرض‪ .‬وبالنظر إىل انتشار اإلعالم الصيين‪ ،‬إذ تضم صفحة «فيسبوك» باللغة اإلجنليزية‬
‫أيضا ‪99‬‬‫لوكالة األنباء الصينية حنو أكثر من ‪ 75‬مليون متابع‪ ،‬ولدى «شبكة تليفزيون الصني الدولية» ً‬
‫مليو َن متابع‪ ،‬بينما ُتتلك شركات اإلعالم األمريكية العمالقة «فوكس نيوز»‪ ،‬و«سي إن إن»‪ 18 ،‬و‪32‬‬
‫مليون متابع عرب صفحاهتا على «فيسبوك» على التوايل؛ ما عزز من التأثري اإلعالمي للصني‪ .‬ويف األسابيع‬
‫األخرية‪ ،‬أرسلت مساعدات طبية وأطباء ملساعدة العديد من الدول‪ ،‬مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا واليونان‬
‫للتعامل مع تفشي املرض‪ ،‬يف حماولة إظهار أهنا تقف على اخلطوط األمامية إلنقاذ البشرية‪ ،‬بينما ال تستطيع‬
‫الواليات املتحدة القيام بذلك‪ ،‬وتقف عاجزة ومشغولة يف توجيه أصابع االهتام‪ .‬على الصعيد اجليوسياسي‪،‬‬
‫سوف ختدم هذه السياسة بكني على املدى الطويل؛ واليت تأمل من خالل مساعدهتا للبلدان املنكوبة‪ ،‬يف‬
‫حصد ٍ‬
‫تأييد سياسي من شأنه أن يساعد على إقامة روابط اقتصادية أوثق مبجرد انتهاء األزمة‪ ،‬إذ إن الصني‬
‫شوه مسعتها السياسية‪ .‬ويف‬‫استفادت من أخطائها األولية‪ ،‬بينما استجابة أمريكا كانت بطيئة وعشوائية‪ ،‬ما َّ‬
‫الوقت احلايل‪ ،‬يعرتي الغرب خماوف من أن الصني سوف تستخدم الذعر العاملي للفريوس لرتسيخ حكمها‬
‫االستبدادي على املناطق اليت تسببت يف مشاكل سياسية لبكني مثل‪" ،‬هونغ كونغ" ومقاطعة "شينجيانغ"‪،‬‬
‫اليت يقطنها قمسلمو اإليغور‪ .‬وزعم العامل السياسي الصيين‪« ،‬وو تشيانغ»‪ ،‬أن «هنج بكني هو تعزيز‬
‫السيطرة االستبدادية وسط تفشي الوباء»‪ .‬وقال الربوفيسور "ستيف تسانغ" من معهد «اس أو ايه اس»‪،‬‬
‫إنه «يف حني جتثو الدميقراطيات الغربية على ركبتيها وتعتمد على الصني للحصول على معدات احلماية‬
‫الشخصية؛ ميثل ذلك فرصة قمثلى هلا»‪،‬وطوال العقد املاضي سعت بكني إىل توسيع نفوذها العاملي ملنافسة‬
‫الواليات املتحدة‪ .‬يف إفريقيا‪ ،‬شرعت يف بناء شراكات مع إثيوبيا وأجنوال‪ ،‬ومت عقد صداقات جديدة أخرى‬
‫مع صربيا وفنزويال‪ ،‬واستثمرت مبالغ كبرية يف بناء اقتصادات هذه الدول‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬يف إثيوبيا‬
‫ختطط لبناء مقر جديد للمراكز اإلفريقية ملكافحة األمراض والوقاية منها‪ .‬ومع ذلك ما زالت تفتقر إىل‬
‫شبكة التحالفات الدولية اليت ُتتلكها واشنطن‪ .‬ويصف "دوغ باندو" يف «فورين بوليسي»‪ ،‬وضع الصني‬
‫اخلارجي بـ«الصداقة الباردة» مع روسيا‪ ،‬و«عالقات غري متكافئة» مع «بيونغ يانغ» و«إسالم آباد»‪،‬‬
‫‪20‬‬
‫والشراكة «الضعيفة» مع طهران‪.‬‬

‫‪- 79 -‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬سيناريوهات العالقات الصينية األمريكية لما بعد كورونا‬
‫إن الوضعية الوبائية احلالية فرضت عدة سيناريوهات على الساحة الدولية وخاصة يف العالقات بني‬
‫الصني وأمريكا‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬سيناريو المواجهة وعزل الصين‪:‬‬
‫يف هذا السيناريو قد تتقدم الصني لقيادة العامل خالل الفرتة املقبلة‪ ،‬وهو ما يفسر وبوضوح السلوك‬
‫الصيين واخلط اب اإلعالمي والسياسي للقادة الصينيني يف الرد على اإلدارة األمريكية‪ ،‬والتأكيد على تبنيهم‬
‫خطابا قائما على الصراحة والشفافية‪ ،‬بل املطالبة بضرورة توحد املواقف واالجتاهات العلمية بني بكني‬
‫وواشنطن؛ للتوصل للقاح للفريوس ولغريه من الفريوسات املرشحة لالنتشار يف العامل‪ ،‬وهو ما مل يتعامل معه‬
‫األمريكيون بصورة جدية يف ظل افتقاد اجلانبني إلجراءات بناء الثقة‪ ،‬ومسعى اجلانب األمريكي للوصول‬
‫للقاح مبكرا وحسم األمر‪ ،‬حيث ما زال اجلانب الصيين يتكتم ما جرى‪ ،‬وال يريد أن يعلنه على العامل بل‬
‫ميارس أكرب قدر من التشويش على الكارثة‪ ،‬ويتعامل معها حبلول انفرادية ودون تنسيق مع أي طرف‪ ،‬مبا يف‬
‫‪21‬‬
‫ذلك عدم مد منظمة الصحة العاملية مبزيد من املعلومات املطلوبة‪.‬‬
‫يف يوم ‪ 14‬مايو ‪ 2020‬نشرت صحيفة "أوراسيا ديلي"‪ ،‬مقاال حول اضطرار بكني إىل تغيري‬
‫هنجها والدخول يف صراع مباشر مع واشنطن‪ .‬وجاء يف املقال‪ :‬سوف تستمر السياسات األمريكية املعادية‬
‫للصني‪ .‬وبعد تطبيق العقوبات‪ ،‬ستغري بكني أيضا اسرتاتيجيتها وتدخل يف مواجهة مباشرة مع الواليات‬
‫املتحدة‪ .‬حتدث عن ذلك‪ ،‬يف ‪13‬ماي‪ ،2020‬مدير الشؤون العلمية بنادي "فالداي" فيدور‬
‫لوكيانوف‪.‬مقتنع بأن واشنطن تستغل الوضع الوبائي ليس من أجل احلصول على تنازالت من السلطات‬
‫الصينية أو الوصول إىل حل وسط مع مجهورية الصني الشعبية‪ ،‬إمنا ألن الضغط على الصني والتصعيد غاية‬
‫يف حد ذاته بالنسبة للواليات املتحدة‪ .‬وقال‪“ :‬حىت وقت قريب‪ ،‬مل تكن الصني ُتيل إىل االخنراط يف نزال‬
‫مباشر‪ ،‬فلطاملا كان النهج الصيين يتجنب ذلك بطريقة ما‪ ،‬ويتحايل وال ينخرط يف مواجهة مباشرة‪ ،‬مثلما‬
‫جتيد روسيا‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬فعل ذلك‪ .‬ولكن الصينني سيضطرون على ما يبدو إىل إعادة النظر يف‬
‫هنجهم التقليدي”‪ .‬وسوف يكون رد بكني على العقوبات األمريكية مماثال وميس التجارة مع الواليات‬
‫املتحدة‪.‬‬

‫‪- 80 -‬‬
‫وأشار لوكيانوف إىل أن االقتصاد العاملي بأكمله بين يف العقود األخرية على عالقة اقتصادية وثيقة ال‬
‫تنفصم عراها بني الصني والواليات املتحدة‪ .‬وختفيف الرتابط بينهما واالنتقال إىل املرحلة التالية من فصل‬
‫‪22‬‬
‫االقتصادات‪ ،‬يف رأيه‪ ،‬سيكون النتيجة الرئيسية لتفاقم العالقات احلالية على خلفية الوباء‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬سيناريو اإلحتواء وتعزيز العالقة التعاونية‬
‫جيب على بعض الساسة األمريكيني الوقف الفوري لتسييس اجلائحة ووضع عالمة جغرافية على‬
‫الفريوس‪ ،‬ووقف حتميل اجلانب الصيين املسؤولية‪ ،‬بل وجيب عليهم حتمل املسؤولية جتاه شعبهم والوفاء‬
‫بالتزاماهتم الدولية املطلوبة كدولة كربى‪ ،‬والعمل مع اجملتمع الدويل على تعزيز التعاون العاملي يف مكافحة‬
‫اجلائحة وإنقاذ أرواح البشرية‪.‬‬
‫يف مقاله مبجلة “ناشيونال إنرتست”‪ ،‬تناول رجل االستخبارات السابق بول هرين‪ ،‬ملف واقع‬
‫ومستقبل العالقات األمريكية الصينية‪ ،‬على خلفية تداعيات تفشي جائحة كورونا‪ ،‬وما صاحبه من تراشق‬
‫سياسي بني اجلانبني‪ ،‬سبقه تراشق اقتصادي متزايد خالل السنوات املاضية‪،‬ويرى هرين أنه وأن كان الوقت‬
‫مازال مبكراً لتحديد آثار تفشي هذه اجلائحة على العالقات بني اجلانبني‪ ،‬إال أهنا ُتثل فرصة كبرية‪ ،‬من‬
‫املمكن استغالهلا لتطبيع العالقات بني البلدين‪ ،‬وتوحيد جهودمها ملكافحة هذه اجلائحة‪.‬‬
‫املؤشرات احلالية تشري إىل ان العالقة بني بكني وواشنطن تتجه إىل التدهور املتزايد‪ ،‬ما بني اهتامات‬
‫متبادلة بينهما‪ ،‬يف جانب منها تتهم بكني الواليات املتحدة‪ ،‬مبحاولة ابتزازها سياسياً‪ ،‬ويف جانب آخر‬
‫قحتمل واشنطن فيه بكني‪ ،‬املسؤولية عن تفشي هذه اجلائحة يف كافة أقطار العامل‪ ،‬لكن حسب ما يرى‬
‫الباحث فإن الفرصة مازالت موجودة أمام اجلانبني لتجاوز هذا اخلالف‪ ،‬وتأسيس عالقة اسرتاتيجية‬
‫‪23‬‬
‫ممتدة‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬سيناريو إختالل ميزان القوى لصالح الصين‪:‬‬
‫لقد أفرز هذا املوضوع العديد من الفرضيات حول مآل التوازنات الدولية يف ظل أزمة فريوس كورونا‪،‬‬
‫فهناك‪ ،‬من أقر أن مراكز النفوذ والقوة ستتحول من الغرب بزعامة الواليات املتحدة األمريكية إىل دول‬
‫آسيوية على رأسها الصني‪ ،‬نتيجة ماأمسوه جناحها يف تدبري أزمة كورونا يف مقابل سوء التدبري وضعف‬
‫االستجابة الذي رافق اإلدارة نفوذ األمريكية والعديد من الدول األوروبية‪ ،‬وهذا ما أكده ستيفان والت‪،‬‬
‫والذي أيد فرضية انتقال مركز القوة والنفوذ من الغرب إىل دول آسيوية‪ ،‬وذلك بسبب قدرة هذه الدول على‬
‫النجاح بالسيطرة على الفريوس من خالل هنج اسرتاتيجية فعالة يف التعامل مع األزمة‪ ،‬األمر الذي سيقوي‬

‫‪- 81 -‬‬
‫مكانتها ومركزها داخل النظام الدويل‪ ،‬يف مقابل ضعف التعامل مع هذه اجلائحة الفجائية من جانب الغرب‬
‫الذي شهد أعلى معدالت اإلصابة على مستوى العامل‪ .‬إذن‪ ،‬فإن القوة اآلسيوية وعلى رأسها الصني‬
‫‪24‬‬
‫مصممة على اكتساب مركزية جديدة يف نظام عاملي منظم تقليديا حملاكاة دول حلف األطلسي‪.‬‬
‫مكاسب سياسية‪ ،‬إذ‬‫ٍ‬ ‫بدال من اختاذ تدابري ملعاجلة الوباء؛ سعى «ترامب» إىل مهامجة بكني لتحقيق‬
‫ً‬
‫إن التذرع بـأعذا ٍر واهية وإلقاء اللوم على بكني ليس كافيًا لتربير أخطاء اإلدارة األمريكية‪ ،‬اليت كان جيب‬
‫عليها أن تقود العامل حنو تبين اسرتاتيجية منسقة لتصدي للوباء‪ .‬فالرئيس األمريكي يتبىن سياسةً انعزالية‪ ،‬وال‬
‫هنج قومي للسياسة‪ ،‬وهو ما أدى إىل حتطيم مكانة واشنطن كقوة‬ ‫يؤيد فكرة التعاون الدويل‪ ،‬ويدافع عن ٍ‬
‫عسكرية وسياسية واقتصادية عاملية‪ .‬ففي األزمات العاملية السابقة مثل األزمة املالية لعام ‪ ،2008‬ووباء‬
‫ِ‬
‫بعظمة أمريكا أكثر‬ ‫أيبوال ‪2014‬؛ ظهرت واشنطن ٍ‬
‫كقائد مسؤول‪ ،‬أما اإلدارة احلالية فمن الواضح أهنا هتتم‬
‫من اهتمامها مبستقبل البشرية‪ .‬ومع انتهاء األزمة‪ ،‬سوف تتناقص ثقة الدول فيها ويف قدراهتا على التعامل‬
‫أفول عصر‬
‫كقائد عاملي‪ .‬فالقليل سيتبع زعيما ال يتحمل املسؤولية‪ ،‬وال يعرتف باألخطاء‪ ،‬ليؤكد بذلك َ‬
‫احلكم األمريكي املطلق على العامل‪ ،‬وستكون أزمة كورونا واحدة من أسباب هذا التغيري‪.‬‬
‫وبالنسبة إىل معظم احملللني‪ ،‬فإن الدولة اليت ستمأل الفراغ الذي خلفته أمريكا هي الصني‪ ،‬وبالرغم من‬
‫أهنا مصدر األزمة‪ ،‬إال أهنا جنحت يف حماصرة الوباء‪ ،‬مث حتولت إىل دولة تصارع الزمن يف معركة البحث عن‬
‫عالج‪ .‬يقول «كورت كامبل» يف جملة «فورين أفريز»‪ ،‬إن «بكني تتفهم أهنا إذا مت النظر إليها ٍ‬
‫كقائد عاملي‪،‬‬
‫يغري بشكل أساسي‬ ‫ومت النظر إىل واشنطن على أهنا غري قادرة على القيام بذلك‪ ،‬فإن هذا التصور ميكن أن ر‬
‫ين السياسة العاملية ومسابقة القيادة يف القرن الـ‪ ،21‬إذ نرى بكني كزعي ٍم لنظام عاملي جديد مبجرد أن‬ ‫مواز َ‬
‫‪25‬‬
‫ختف حدة األزمة»‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫بناءًا على ما سبق فإن العالقات األمريكية الصينية حتمل عناصر للصراع بقدر ما حتمل عناصر‬
‫للتعاون وأن كل طرف من أطراف هذه العالقة سيحاول توجيه هذه العالقة مبا حيقق له أقصى مصاحل ممكنة‬
‫يف ظل عناصر القوة املتاحة لديه وقدرته على تعبئتها وتوظيفها آخ ًذا يف االعتبار جوانب الضعف اليت يعاين‬
‫أيضا وتوظيفها مبا خيدم مصاحله وأهدافه‪ ،‬وأزمة‬‫منها واليت ميكن أن يسعى الطرف اآلخر إىل التعامل معها ً‬
‫جائحة كورونا مل ينتج عنها تغرياً واضحاً على أساسيات العالقات االسرتاتيجية بني الواليات املتحدة‬
‫والصني‪ .‬فقد دفعت دوماً االعتبارات اجليوسياسية‪ ،‬وانعدام الثقة املتبادل واملنافسة املستمرة‪ ،‬البلدين حنو‬

‫‪- 82 -‬‬
‫املواجهة املستمرة‪ .‬وقد أقضيف إىل ذلك مؤخراً‪ ،‬حماولة كال اجلانبني تعزيز مواقفهم واصباغها بصبغات‬
‫إجيابية‪ ،‬ويف نفس الوقت إلقاء اللوم واملسؤولية على الطرف األخر‪ ،‬وبالربغم من هذا ال يزال بإمكان بكني‬
‫وواشنطن التحرك لتخفيف حدة التوتر‪ ،‬وحماولة الوصول إىل صيغة للتقارب السياسي والتعايش السلمي‪.‬‬
‫وهذا يتطلب من كال اجلانبني أيضاً‪ ،‬التوصل إىل فهم أكثر دقة لوجهات نظر وطموحات بعضهما‬
‫البعض‪،‬وكذا االعرتاف مبصاحلهما املشرتكة على املستوى الدويل‪ ،‬وحقيقة احتياج كل منهما لآلخر يف‬
‫جماالت عدة‪ ،‬منها مكافحة جائحة كورونا‪.‬‬
‫وإن كان الوقت مازال مبكراً لتحديد آثار تفشي هذه اجلائحة على العالقات بني اجلانبني‪ ،‬إال أهنا‬
‫ُتثل فرصة كبرية‪ ،‬من املمكن استغالهلا لتطبيع العالقات بني البلدين‪ ،‬وتوحيد جهودمها ملكافحة هذه‬
‫اجلائحة‪ ،‬وهو ما يفتح مستقبالً آفاقاً أوسع للتعاون الثنائي بينهما يف كافة امللفات الدولية‪.‬‬
‫الهوامش‪:‬‬

‫‪ 1‬مىن هاين حممد‪" ،‬نظرية تحول القوة واحتماالت الصراع بين الواليات المتحدة األمريكية والصين"‪ 19 ،‬جانفي ‪،2020‬مت‬
‫اإلطالع عليه يوم‪ 10‬فيفري ‪ ،2021‬متاح على الرابط‪http://www.acrseg.org/41471 :‬‬

‫‪ 2‬يونس مؤيد يونس‪ ،‬أدوار القوى اآلسيوية الكبرى في التوازن اإلستراتيجي في آسيا بعد الحرب الباردة وآفاقها المستقبلية‪،‬‬
‫األكادمييون للنشر والتوزيع ‪:‬عمان ـ ـ األردن‪2015،‬‬
‫‪ 3‬مىن هاين حممد‪ .‬مرجع سابق‬
‫‪ 4‬مىن هاين حممد‪ ،‬مرجع سابق‬

‫‪5‬هالة طه‪ ،‬دودين حممود‪" ،‬العالقات الصينية االمريكية مابين الحرب التجارية وفيروس كورونا"‪ ،‬جملة قضايا آسيوية‪ ،‬املركز الدميقراطي‬
‫العريب‪،‬العدد‪ ،4،2020‬ص ‪.28‬‬
‫‪ 6‬زهانغ جيانغو‪" ،‬حقيقة الحرب التجارية األمريكية الصينية"‪ ،2020/08/11.‬مت اإلطالع عليه يوم‪ 2020/02/12:‬متاح على‬
‫الرابط‪http://mr.china http://mr.china-embassy.org/fra/xwdt/t1672054.htm-:‬‬

‫‪ 7‬سارة عبد العزيز‪" ،‬كيف يهدد الخالف األمريكي الصيني بحرب باردة جديدة؟"‪ 06 ،‬جويلية‪ ،2020 ,‬مركز املستقبل لألحباث‬
‫والدراسات املتقدمة‪ ،‬مت اإلطالع عليه يوم ‪ 12‬فيفري‪ ،2021‬متاح على الرابط‪:‬‬
‫‪https://futureuae.com/ar/Mainpage/Item/5683‬‬
‫‪ 8‬حسناء نصر الدين‪" ،‬حتمية التحوالت في العالقات الدولية في عالم مابعد كورونا‪...‬وكوفيد‪ 19‬يغير وجهة القيادة العالمية‬
‫ويرسم شكال جديدا من العولمة"‪ 23،‬نوفمرب ‪ ،،2020‬مت اإلطالع عليه يوم ‪ 02‬فيفري‪ ،2021‬متاح على الرابط‪:‬‬
‫‪https://www.raialyoum.com/index.php‬‬

‫‪- 83 -‬‬
‫ متاح‬،2020 02/12 ‫ تاريخ اإلطالع‬،2020 ,‫ أفريل‬02 "‫ "تداعيات كورونا على العالقات الدولية واإلنسانية‬،‫عبد الستار قاسم‬9
www.trtarabi.com: https://www.trtarabi.com/opinion/24969 :‫على الرابط‬
10
23 :‫ مت اإلطالع عليه يوم‬،2020 /02/ 09 ."‫نقطة فاصلة في العالقات األمريكية الصينية‬...‫ "جائحة كورونا‬،‫حممد منصور‬
https://marsad.ecsstudies.com/26518 ‫ متاح على الرابط‬،2020 ,12

‫إحتماالت نشوب حرب أمريكية صينية في‬...‫على الصراع من أجل نظام عالمي جديد‬19‫" تأثير جائحة كوفيد‬،‫ عمر جنيب‬11
:‫ متاح على الرابط‬:‫ جريدة الرأي اليوم‬،2021 ,01 02 ‫ تاريخ اإلطالع‬،2020 ,‫ أفريل‬28 ."‫الميزان‬
https://www.raialyoum.com/index.php

2021 ‫ نوفمرب‬3: ‫ تاريخ اإلطالع‬،2020 ,‫ ماي‬18 ،"‫" كورونا ومكانة الواليات المتحدة االمريكية العالمية‬،‫ بدر صيام‬12
https://www.aljazeera.net/blogs :‫متاح على الرابط‬
‫ مرجع سابق‬،‫ جنيب عمر‬13
‫ متاح‬،2021 /01/ 12 ‫ تاريخ اإلطالع‬2020 ‫ ماي‬09 ،"‫ "جدلية القوة والتغيير في الصراع األمريكي الصيني‬،‫ إبراهيم نوار‬14
https://www.alquds.co.uk :‫على الرابط‬
15
Deutsche Welle, Coronavirus pandemic further strains US-China relation, 1.June.2020,
Retrieved 23 .01.2021, from http://bit.ly/2gksqis
16
Zhao Suisheng. China and the US Fail the World over Covid-19 .Retrieved 02.02.2021
from https://www.globalasia.org/v15no2
17
cabestan, j. p. China’s Battle with Coronavirus Possible Geopolitical Gains and Real
Challenges,19 ApriL 2020, Retrieved 12 02, 2021, from: https://studies.aljazeera.net
18
Center for European Policy Analysis, Disinformation, Opportunism and Gaslighting, COVID-
19 as a Vector for Chinese Influence in Central Europe, April 2020, Retrieved ،2020 ,12 5from
http://www.bit.ly/3gmtvmy
19
david hutt. chans mask diplomacy pendemic hit europe stirs unease, 2020 ,03 25, Retrieved
22.12.2020, from http://www.asia.nikkei.com

:‫ متاح على الرابط‬،2020 ,12 23 ‫ تاريخ اإلطالع‬،05.01.2021.‫ أخبار اخلليج‬،‫ مركز اخلليج للدراسات اإلسرتاتيجية‬20
http://www.akhbar-alkhaleej.com/news/article/1208698
,12 23 :‫ تاريخ اإلطالع‬،2020 .02.04 ،"‫ "أزمة كورونا والسيناريوهات المستقبلية للصراع الصيني األمريكي‬،‫ طارق فهمي‬21
https://al-ain.com/article/chinees-american-corona-crisis-future-conflict :‫ متاح على الرابط‬،2020
21 ."‫هل يمكن لواشنطن إبعاد الدوالر عن حافة الهاوية‬،‫ "الصراع األمريكي الصيني عناصر القوة ومواطن الضعف‬،‫ جنيب عمر‬22
https://www.raialyoum.com/index.php :‫ على الرابط‬،2020 ,12 27 ‫ تاريخ اإلطالع‬،2020 ,‫جويلية‬
‫ مرجع سابق‬،‫ حممد منصور‬23
24
mark minevich, "can china use corona viros to pave the way to a newworld order the hill"
02.04.2020,Retrieved 23.12 .2020 , from https://thehill.com/opinion/international/490816
.‫ مرجع سابق‬، ‫ مركز اخلليج‬25

- 84 -
‫تركيبة المجتمع وتأثيرها في صنع السياسة الخارجية‬

‫دراسة حالة تركيا‬

‫د‪ /‬مي سامي المرشد باحث في العالقات الدولية‬

‫الملخص‬

‫هتدف هذه الدراسة إىل توضيح مدى تأثري تكييةة ممووات اتجممع الكري ي ععلية صن القكار على‬
‫الصعيد اخلترج ممتحور مشولة الدراسة حول المستؤل الكئيس المتيل‪ :‬مت ه حدمد تأثري تكييةة اتجممع‬
‫الكري على السيتسة اخلترجية الكريية ؟ مإىل أي حد شولت األقليت عتملا مؤثكا على مستر السيتسة‬
‫اخلترجية الكريية جتته املنطقة العكبية؟‬

‫مأشتر فكضية الدراسة إىل أن المنوع العكق مالديين للعجمع الكري شول عتملا ضتبطتا ممقومتا‬
‫للسيتسة اخلترجية الكريية ي آن ماحد‪.‬‬

‫مللمحقق من صحة الفكضية ملإلجتبة عن أسئلة الدراسة مت توظيف املنهج المترخي ممنهج دراسة‬
‫احلتلة ماملنهج المحليل متوصلت الدراسة إىل أن المنوع مالمعدد العكق مالديين ي اتجممع الكري يشول‬
‫عتملا مقومتا مضتبطتا للسيتسة اخلترجية الكريية ال سيعت جتته الدمل العكبية اتجمتمرة هلت ممعثلة بسوريت مالعكاق‬
‫مظهك ذلك جليتا خلل املوقف الكري من الثورا اليت شهدهتت هذه الدمل‪.‬‬

‫كلمات مفتاحية‪ :‬اتجممع الكري ‪ ،‬دمل اجلوار‪ ،‬السيتسة اخلترجية‪ ،‬صن القكار‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪This study aims to clarify the extent of the influence of the composition and‬‬
‫‪components of Turkish society on the decision-making process at the external level.‬‬
‫‪The problem of the study revolved around the following main question: What are the‬‬
‫?‪limits of the impact of the composition of Turkish society on Turkish foreign policy‬‬
‫‪And to what extent were minorities a factor affecting the course of Turkish foreign‬‬
‫?‪policy towards the Arab region‬‬
‫‪The hypothesis of the study indicated that the ethnic and religious diversity of‬‬
‫‪Turkish society formed a controlling and constraining factor for Turkish foreign‬‬
‫‪policy at the same time.‬‬

‫‪85‬‬
‫‪In order to verify the validity of the hypothesis and to answer the study‬‬
‫‪questions, the historical method, the case study method, and the analytical method‬‬
‫‪were employed. The study concluded that ethnic and religious diversity and pluralism‬‬
‫‪in the Turkish society constitute a constraining and controlling factor for the Turkish‬‬
‫‪foreign policy, especially towards the neighboring Arab countries represented by‬‬
‫‪Syria and Iraq, and this was evident during the situation. Turki from the revolutions‬‬
‫‪in these countries.‬‬
‫‪Key words: Turkish society, neighboring countries, foreign policy, decision-‬‬
‫‪making.‬‬

‫مقدمة‬

‫حتمل الةتحثون ي جمتل السيتسة اخلترجية تفسري دماف السلوك السيتس اخلترج للدملة‪ ،‬ذلك‬
‫ألن ععلية صن القكار ال تأيت من فكاغ بل ه اميجة لمفتعل جمعوعة من العوامل ماملمغريا الداخلية‬
‫ماخلترجية‪ ،‬مقد قتم بتحثون أمثتل سنتيدر بدراسة مدى تأثري مجتعت املصتحل مالكأي العتم مالقيم‬
‫االجمعتعية ي املوقف اخلترج للدملة‪ ،‬مبتملقتبل يكى هولسيت أن االعمقتد ي تفوق جنس أم عنصك إاستين‬
‫على آخك أم تفوق اظتم سيتس أم اقمصتدي معني تؤثك ي احلتلة الذهنية مالنفسية مرؤية صنتع القكار ي‬
‫السيتسة اخلترجية‪.‬‬

‫متعمرب املمغريا اتجممععية من أهم املؤثكا الداخلية ي صن السيتسة اخلترجية ذلك ألن صنتع القكار‬
‫هم أستستا امتجتا تجممععتهتم‪ ،‬ممتثل املمغريا اتجممععية جمعوع القيم ماألفوتر ماخلطتبت مالثقتفت‬
‫االجمعتعية الستئدة داخل اتجممع مالكرييب القوم مالعكق مالطتئف اليت توعن أمهيمهت أهنت مبثتبة املعيتر‬
‫القيع لقةول أم رفض القكارا اليت يمم اختتذهت على الصعيد اخلترج ‪.‬‬

‫ي مقمنت احلتضك يعمرب املقوم الةشكي ماتجممعع رينتا أستسيتا ي حيتة الدملة‪ ،‬ميعد أحد أبكز العوامل‬
‫املؤثكة ي قوة الدملة متوجهتهتت ميعت يكى راي س يلين ي يمتبه (اجتتهت القوة الدملية مالسيتسية‬
‫اخلترجية األمكيوية لعتم ‪ )1980‬إن القوة الشتملة للدملة تموون من حصيلة جمعوع الوملة احليوية (األرض‬
‫مالسوتن مالقدرة العسوكية) مضكمب ي حصيلة جمعوعة الوملة (اهلدف االسكراتيج ماإلدارة الوطنية)‬

‫القوة الشتملة للدملة = (الوملة احليوية ‪ +‬القدرة االقمصتدية ‪ +‬القدرة العسوكية) × (اهلدف‬
‫االسكراتيج ‪ +‬اإلرادة الوطنية)‬

‫‪86‬‬
‫بنتء على ذلك يعد المووين اتجممعع لسوتن الدملة من أبكز العوامل اليت تستهم ي تووين قوة‬
‫الدملة مبتلمتيل المأثري على قكارهت السيتس اخلترج ‪ ،‬ملقد أثةمت العديد من الدراست أاه ي حتل الكبط‬
‫بني اخلصتئص اتجممععية لدملة مت مبني اخلصتئص اتجممععية لدملة أخكى بشول ثنتئ فإاه يموصل إىل امتئج‬
‫أفضل بتلنسةة لمفسري السيتسة اخلترجية‪ ،‬فقد مجد "رمل" أن المشتبه االجمعتع مالثقتي يتن من أبكز‬
‫العوامل اليت أد إىل السلم بني اتجممععت اليت تشكرك ي اخلصتئص افسهت‪ ،‬مأظهك دراسة أخكى العلقة‬
‫مبعىن آخك يلعت يتن هنتلك جتتاس جممعع‬
‫بني المجتاس االجمعتع لدملمني مبني االتصتل املمةتدل بينهعت‪ ،‬ا‬
‫‪1‬‬
‫بني الدمل يلعت ازداد احمعتل أن تسلك تلك الدمل سلويت تعتمايتا اادمتجيتا‬
‫إن دراسة تأثري السوتن ي العلقت الدملية تمطلب حتديد العديد من الظواهك ذا الصلة ممن‬
‫أمههت درجة المعتسك الداخل مالمجتاس بني السوتن ممدى تأثك الدملة بتهلجكا اخلترجية متكييةة اتجممع‬
‫من حيث األقليت ماجلعتعت العكقية مالدينية اليت قد تثري العديد من املستئل على الصعيدين الداخل‬
‫ماخلترج ‪.‬‬

‫أهمية الدراسة‪:‬‬

‫تمنتمل الدراسة مدى تأثري الةعد اتجممعع متكييةة السوتن ي ععلية صن القكار على الصعيد اخلترج‬
‫مالدميل سواء أيتن ذلك بشول سليب أم إجيتيب‪ ،‬متسعى الدراسة لموضيح مدى تأثري األقليت اليت يموون‬
‫منهت اتجممع الكري ي مستر السيتسة اخلترجية الكريية ال سيعت جتته املنطقة العكبية اليت شهد حضورا تكييتا‬
‫ملحوظتا منذ مصول حزب العدالة مالمنعية إىل السلطة ي عتم ‪ 2002‬متنتم الدمر الكري ي العديد من‬
‫قضتيت املنطقة بعد اادالع الثورا العكبية ي هنتية ‪.2010‬‬

‫المنهجية المتبعة‪:‬‬

‫المنهج التاريخي‪ :‬يقمض الةحث توظيف املنهج المترخي ي سةيل رصد اجلذمر المترخيية لألقليت‬
‫ي تكييت متأثريهت ي السيتسة اخلترجية الكريية‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫المنهج التحليلي‪ :‬اقمضى الةحث اسمخدام املنهج المحليل مذلك من خلل حتليل السيتسة‬
‫على سري‬ ‫ممدى تأثري هذه األقليت‬ ‫اخلترجية الكريية جتته الدمل اليت تشكرك معهت ي بعض األقليت‬
‫العلقت بني تكييت متلك الدمل‪.‬‬

‫منهج دراسة الحالة‪ :‬لموضيح مدى تأثري تكييةة اتجممع الكري ي مستر السيتسة اخلترجية الكريية يتن‬
‫ال بد من المطكق أليثك دمل االقليم العكيب ارتةتطت بكرييت من اتحية الكرييب اتجممعع مه سوريت مالعكاق‪.‬‬

‫فرضية الدراسة‪ :‬تقوم الدراسة على فكضية رئيسة مفتدهت قد يشول المنوع العكق مالديين للعجمع عتملا‬
‫ضتبطتا ممقومتا للسيتسة اخلترجية ي آن ماحد‪.‬‬

‫اإلشكالية‪ :‬مت ه حدمد تأثري تكييةة اتجممع على السيتسة اخلترجية للدملة الكريية ؟ مإىل أي مدى‬
‫شول اتجممع الكري مموواتته العكقية مالدينية عتملا مؤثكا على مستر السيتسة اخلترجية الكريية جتته املنطقة‬
‫العكبية؟‬

‫أهمية تركيبة المجتمع في السياسة‪:‬‬

‫تعد تكييةة اتجممع من أهم العنتصك اليت يمم دراسمهت لمقديك الفعتلية السيتسية للدملة ميكى الةعض‬
‫أن عدد السوتن ماسةة العنتصك الشتبة املؤثكة على القدرة االقمصتدية للدملة ه ذا أمهية ي بنتء قوة‬
‫الدملة مدمرهت ي العلقت الدملية محتديد أملويتهتت ي السيتسة اخلترجية‪َّ ،‬‬
‫إن هذه العنتصك ال ميون المقليل‬
‫من أمهيمهت إالّ أن تكييةة اتجممع االثنوغكافية مالكرييب القوم مالعكق ذم أمهية يةرية ي الوزن السيتس‬
‫للدملة مهو الذي حيدد مدى قدرهتت المفتعل م الدمل األخكى‪ ،‬ميقصد به دراسة حتلة الشعوب‬
‫مالقوميت اليت توجد داخل إطتر الوحدة السيتسية‪ ،‬مميون تقسيم الدمل حسب الوجود القوم فيهت إىل‬
‫‪2‬‬
‫ثلث أاواع ه‬

‫‪ - 1‬النوع البسيط‪ :‬تموون الدمل ي هذا النعوذج من عنتصك ممعددة‪ ،‬لون ععلية املزج مالمعثيل‬
‫متت منذ أمد‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫‪ - 2‬النوع الملتئم‪ :‬مه الدمل اليت يموون سوتهنت من عدة شعوب ملول منهت لغمهت محضترهتت‬
‫اخلتصة‪ ،‬لون ال ينتميء أي منهت الدملة مال ينةغ االافصتل السيتس الوتمل عنهت ميكج ذلك إىل محدة‬
‫اللغة الكمسية مالمتريخ الواحد ماملصتحل املشكرية متوتفؤ الفكص اليت جتعل منهت محدة مموتملة‪.‬‬

‫‪ – 3‬النوع المركب‪ :‬مه الدمل اليت مل تنضج قوميتا ممل متمزج ميسعى يل عنصك من عنتصكهت‬
‫للافصتل عن الدملة‪.‬‬

‫إن مسألة تكييةة اتجممع متعدد اجلعتعت العكقية ي الدملة تثري العديد من املشتيل من أمههت اسمقكار‬
‫الدملة ختصة عندمت توون إحدى االقليت هلت اممدادهت خترج حدمد الدملة‪ ،‬فعندمت توون إحدى‬
‫األقليت األثنية حمتذية للدملة متشتريهت بتللغة مالثقتفة على خلف اجلعتعة احلتيعة فإهنت قد تثري حتلة من‬
‫الصكاع الداخل الذي سكعتن مت ينمقل إىل الدملمني قد تنمه بتسمقلل هذه اجلعتعة األثنية ‪.3‬‬

‫يذلك إن اجلعتعت اليت تقوم على أستس السللة متشعك بوجود خصتئص جتععهت تعمرب أيثك‬
‫دميومة ماسمقكار عند مقترامهت بتجلعتعت اليت تموون من أيثك من سللة ي أيثك من بلد متوون السيطكة‬
‫السيتسية فيهت حمموكة من قةل أقلية معينة فإن ذلك سيؤدي إىل صكاعت دملية محوادث اافصتل مموكرة‪.‬‬

‫العامل الديني‬

‫إن الدين يستهم ي خلق المستمح مالسلم بني الشعوب لون من اتحية أخكى تسةةت النزاعت‬
‫الدينية ي حكمب مأزمت على الصعيدين احملل مالدميل مثل النزاع بني اهلند مالةتيسمتن مأحيتات بني أتةتع‬
‫الدين الواحد‪ ،‬ملعل أبكز مت مييز العتمل الديين هو جتتمزه للحدمد حيث جند أن هنتلك دين مثل الدين‬
‫اإلسلم ينمشك ي العديد من الدمل سواء العكبية أم غري العكبية يذلك الكرابط بني اليهود ماملسيحيني‪،‬‬
‫متقسم الدمل من حيث سيتدة الدين معلقمه بتلسيتسة إىل مت يل ‪:4‬‬

‫‪ -1‬الدمل اليت يسود فيهت دين ماحد بنسةة تمجتمز ‪ %90‬من سوتهنت مثل الدين اإلسلم‬
‫ي الدمل العكبية متكييت مأفغتاسمتن ماملسيحية ي إسةتايت الربتغتل إيطتليت‪ ،‬فكاست‪ ،‬أسكراليت‪ .‬ي هذه الدمل‬
‫يسود الملحم مالوحدة مال ينظك للدين يسةب للنزاع ماالضطكاب مالضعف ي الدملة‪ ،‬مقد توون‬
‫هنتك أقليت دينية لونهت تمويف م األغلةية‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ -2‬الدمل اليت تضم أيثك من ديتاة مأيثك من مذهب لون السيطكة مالغلةة توون ملذهب‬
‫ملدين دمن غريه فف الواليت املمحدة يوجد ‪ %65‬من سوتهنت من الربمتسمتات مالةقية يتثوليك‬
‫ميهود ممسلعني‪.‬‬
‫‪ -3‬هنتك دمل تمعدد فيهت الديتات حبيث ال تمغلب جمعوعة على أخكى متمعتيش يل الديتات‬
‫مال تشول أي خطك يعت ي يندا حيث النتطقون بتلفكاسية من الوتثوليك مالنتطقني بتإلجنليزية‬
‫بكمتسمتات مال يوجد خلفت دينية لون الوض خيملف ي لةنتن مالعكاق فتلصكاع ماخللف قتئم على‬
‫أستس ديين بني الشيعة مالسنة مبني املسلعني ماملترمايني‪ ،‬ميذلك اهلند حيث تمعدد الديتات‬
‫ماملعمقدا بكز مشولة اهلندمس ماملسلعني اامهت بتافصتل بتيسمتن من اهلند‪ ،‬ميعت حدث عندمت‬
‫تفووت يوغسلفيت إىل ثلث دمل على أستس ديين الةوسة ماهلكسك(مسلعني)‪ ،‬مالصكب(ارثوذيس)‬
‫مالوكما (يتثوليك)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الواقع القومي والديني في تركيا‬

‫يعد الكرييب القوم مالديين ماللغوي للسوتن ي أي بلد‪ ،‬مصدرا مهعتا ي معكفة األمنتط الثقتفية‬
‫مالقيعية ماالجمعتعية ماالقمصتدية للعجعوعت السوتاية‪ ،‬مهو مت يستعد صتا القكار السيتس ي اختتذ‬
‫‪.5‬‬
‫القكارا املنتسةة‬

‫لقد متيز اتجممع العثعتين على اخملف قوميتته مطوائفه طوال قكمن عديدة بتلسوون ممحدة اهلوية‬
‫على اخملف موواتهتت ختصة بني الشعوب املسلعة اليت يتات منضوية حتت الكاية العثعتاية‪ ،‬ممل يون‬
‫للهوية الكريية ظهور بترز على اإلطلق حىت بدأ ملمح اهنيتر االمرباطورية مظهور بوادر احلكية القومية‬
‫الطورااية ‪6‬مبعد سقوط الدملة العثعتاية ي احلكب العتملية الثتاية متقسيم مرياثهت مبوجب اتفتقية لوزان اليت‬
‫مقعت ي ‪ 24‬متوز ‪ 1923‬مرمست فيهت حدمد اجلعهورية الكريية احلتلية يتن اجلنكال مصطفى يعتل أتتتورك‬
‫خيوض معترك عنيفة م جريااه لمثةيت احلدمد على أرض الواق حىت أعلن ااةثتق اجلعهورية الكريية حبدمدهت‬
‫احلتلية يوم ‪ 29‬تشكين األمل ‪ ،1923‬محتفظت على موواتهتت االجمعتعية مالدينية اسمعكارا للواق الذي‬
‫يتات عليه الدملة العثعتاية طيلة سمة قكمن‪.7‬‬
‫الموجه الوعتيل مصةغ تكييت‬
‫ملقد متون أتتتورك من إعتدة صيتغة مض األقليت ي تكييت مبت ينتسب ّ‬
‫بتلقومية الكريية بعد أن أشتر إتفتقية سيفك ي ‪ 10‬آب ‪ 1920‬ي العديد من موادهت إىل مجود أقليت‬
‫‪90‬‬
‫تنمع لعكقيت خمملفة بتإلضتفة إىل اإلخملف الديين ماللغوي ماالعكراف بقيتم دملة أرمنية مسمقلة يضم‬
‫جزءا منهت مستحت ماسعة من األراض اليت تش ّول اآلن شكق تكييت‪ ،‬ميذلك بقيتم حوم ذايت لأليكاد‬
‫ي جنوب شكق تكييت‪ ،‬مت ّونت تكييت بعد ذلك من تقليص مفهوم األقليت الذي حيددهت بدقة‪.8‬‬

‫لقد مصف الديمور أمحد دامد أمغلو ععلية المحول اليت رافقت إاشتء الدملة الكريية احلديثة‬
‫بتالاوستر المترخي الذي سةب أزمة بني النظتم السيتس اجلديد مهوية اتجممع ممؤسستته‪ 9‬مي معكض‬
‫حديثنت عن تكييةة اتجممع الكري ال بد من اإلشترة إىل أاه ال يموفك ي تكييت إحصتءا رمسية حول عدد‬
‫األقليت سواء الدينية أم العكقية‪ ،‬ماعمةترا من المعداد السوتين الذي اظم سنة ‪ 1965‬قد ألغيت اخلتات‬
‫اليت تةني لغة املواطن األم أم عكقه أم دينه مإن مجد أرقتم ي بعض الدراست إال أهنت تعد غري دقيقة‬
‫فممةتين األرقتم بشول يةري لوجود معوقت مثل‪.10‬‬

‫أسةتب ماعمةترا سيتسية فتلسلطت الكريية متترس ععلية تعميم يةرية على العدد احلقيق‬ ‫‪‬‬
‫لألقليت القومية رغةة منهت ي المقليل من أمهيمهت‪.‬‬
‫‪ ‬اعمعتد اإلحصتءا الكريية على اللغة األم معيترا لمعداد القوميت غري دقيق مذلك ألن‬
‫هنتلك الوثري من األقليت اليت تمولم لغة الةلد اليت يقطنوهنت‪.‬‬
‫‪ ‬ال يعكرف الدسمور الكري إال بتلقومية الكريية‪ ،‬مثل يطلق على األيكاد تعةري أتكاك اجلةل‪.‬‬
‫إممنتع بعض العشتئك مالفلحني من المسجيل أثنتء اإلحصتءا الكمسية خوفت من المجنيد‬ ‫‪‬‬
‫مالضكائب‪.‬‬

‫أوال‪ :‬التركيب القومي للمجتمع التركي‬

‫تق تكييت ي موق جغكاي يشول اقطة تقتط هلويت ثقتفية ممعددة‪ ،‬فممقتط فيهت اهلوية األمرمبية‬
‫من جهة الغكب مالثقتفة الكمسية من جهة الشعتل‪ ،‬مالثقتفة اآلسيوية من جهة الشكق مالثقتفة العكبية من‬
‫اجلنوب مستمهت هذه اجلغكافيت ي تووين اهلوية الثقتفية مالسيتسية لكرييت‪ ،‬من خلل المفتعل السيتس‬
‫مالثقتي هلذه احلضترا على األرض على مك المتريخ‪ ،‬يعت أن مجود تكييت على اخلط الفتصل بني آسيت‬
‫مأمرمبت من النتحية اجليوثقتفية مالنتحية اجليوسيتسية منحهت فكصة للطلع بتلعديد من األدمار الثقتفية‬

‫‪91‬‬
‫مالسيتسية‪ ،‬ممن اتحية أخكى محلهت أعةتء ممسؤمليت تمأرجح بني اهلويت األمرمبية ماآلسيوية مالشكق‬
‫أمسطية مميون إمجتل األقليت مالقوميت اليت يموون منهت اتجممع الكري يعت يل ‪:‬‬

‫أوالا‪ :‬القومية التركية‬

‫يعمرب األتكاك من اسل يتفث بن اوح عليه السلم مهم ينحدرمن من فكع آلمتي (‪ )Altay‬املنةثق من‬
‫جمعوعة أعكاق أمرال – آلمتي ( ‪ )Ural- Altay‬ميطلق عليهم غتلةتا الطوراايني ممعىن يلعة تكك‪ :‬قوي‬
‫‪11‬‬
‫أم مقمدر أم يثري أم موثك مقد اسمخدمت هذه الولعة للداللة على مجي األقوام النتطقة بتلكريية‬
‫متشول القومية الكريية أغلةية السوتن األتكاك يعت أن رئيس اجلعهورية مالوزراء ميةتر املوظفني ي الدملة من‬
‫العسوكيني ماملدايني هم من األتكاك‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬القومية الكردية‬

‫تعد القومية الوكدية ثتين أيرب جمعوعة قومية ي تكييت‪ ،‬لون مل تعكرف هبم احلوومة الكريية‬
‫يعجعوعة عكقية خمملفة عن العكق الكري ‪ ،‬بل تعمربهم أتكاك يقطنون اجلةتل ميطلق عليهم رمسيتا أتكاك اجلةل‬
‫ينمشكمن ي أيثك من ‪ 23‬مالية تكيية ي جنوب شكق األاتضول مأمههت ديتر بوك اليت تعد من أقدم املدن‬
‫الوكدية مان مهتيكى‪ ،‬بمليس مدرسيم‪.‬‬

‫متعد القومية الوكدية من أيثك القوميت حستسية ي تكييت بسةب مطتلةهت بتالافصتل ماالسمقلل ممت‬
‫ميس محدة الدملة الكريية ماسمقكارهت‪ ،‬ماميجة هلذه املطتلب شهد تكييت العديد من اإلامفتضت اليت قتم هبت‬
‫األيكاد ماليت من أمههت إامفتضة الشيخ سعيد الوكادي عتم ‪ 1925‬ماامفتضة آغكي ‪1930-1928‬‬
‫ماامفتضة ديكسيم عتم ‪ ،1938‬متعد منمصف الثعتاينت بداية مكحلة جديدة للحكية الوكدية م إعلن‬
‫حزب الععتل الوكدسمتين الععل املسلح ضد تكييت‪ ،‬لون متونت تكييت من إلقتء القةض على زعيعه عةداهلل‬
‫أمجلن م هنتية المسعينيت ليشول اقطة حتول ي مطتلب احلزب من اإلسمقلل إىل احلوم الذايت‪.‬‬

‫معند تنتمل املسألة الوكدية ال بد من المنويه بأن الةعد اهلتم ماألخطك ي هذه املسألة هو اممدادهت‬
‫خترج احلدمد الكريية من جهة‪ ،‬مالمأثري اخلترج على هذه القضية من جهة أخكى ممن أبكز املمغريا‬
‫اخلترجية تأثريا ي املسألة الوكدية ه جتكبة األيكاد ي مشتل العكاق ماملوتسب السيتسية اليت مت حتقيقهت‬
‫أصةح لديهم افوذ متأثري على األيكاد املوجودين ي تكييت مسوريت مإيكان‪ ،‬مقد يؤدي هذا النفوذ لمقوية النزعة‬
‫‪92‬‬
‫اإلافصتلية لأليكاد متأسيس دملة مسمقلة هلم (يكدسمتن) ماليت تشعل منطقة جغكافية ماسعة تشعل‬
‫يكدسمتن العكاق ميكدسمتن سوريت ميكدسمتن تكييت ميكدسمتن إيكان‪.‬‬

‫ماميجة ألمهية املسألة الوكدية ُم ِض َعت ي درجة ممقدمة على سلم األملويت مجدمل أععتل السيتسة‬
‫اخلترجية ماالسكراتيجية الدفتعية لكرييت‪ ،‬ملأليكاد دمر يةري ي توجهت السيتسة اخلترجية الكريية من خلل‬
‫ممترسة الضغوط السيتسية ماألمنية ال سيعت جتته عدد من دمل اجلوار اليت حتولت العلقت معهت من اهتتم‬
‫بتلمآمك متقدمي العون ماملستعدة لأليكاد إىل تثعني للمعتمن ي املوضوع األمين الوكدي على مجه اخلصوص‪،‬‬
‫حيث شهد السيتسة اخلترجية الكريية تنسيقتا أمنيتا م عدد من الدمل لعل من أمههت االتفتقت األمنية‬
‫اليت مقعت م سوريت بدءا بتتفتق أضنه ‪1997/10/ 20‬ختص موتفحة اإلرهتب مأن أي طكف لن‬
‫يسعح للعنظعت اليت يعدهت الطكف اآلخك غري شكعية بتلععل ااطلقت من أراضيه ‪.12‬‬

‫يعت أن لأليكاد دمر يةري ي توجهت السيتسة اخلترجية الكريية إزاء عدة قضتيت مقد بكز بشول‬
‫ماضح خلل األزمة السورية حيث رفضت تكييت تقسيم سوريت على أستس عكق أم طتئف ‪ ،‬أم قيتم أي‬
‫ييتن مسمقل على احلدمد الكريية السورية ممت يؤثك سلةتا على أمن ماسمقكار تكييت‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬القومية العربية‬

‫اللجوء من‬ ‫تشول األقلية العكبية مت يقترب ‪ % 12‬من السوتن ارتفعت اسةمهم بسةب موجت‬
‫دمل اجلوار العكيب ال سيعت بعد األزمة السورية‪.‬‬

‫تشول القوميت ي تكييت عتملا هتمتا ي توجه تكييت حنو املنطقة العكبية اظكاﹰ لمداخل الكرييب القوم‬
‫ي تكييت م عدد من الدمل اإلقليعية احمليطة هبت فه تشكرك م يل من سوريت مالعكاق ي إامشتر القومية‬
‫الوكدية على اممداد احلدمد املشكرية فيعت بينهت‪ ،‬إىل جتاب القومية الكريعتاية ي العكاق ماألقلية العكبية‬
‫ماألذرية (اإليكااية) ي تكييت‪.13‬‬

‫معلى الكغم من أمهية العتمل القوم ي توجه تكييت حنو املنطقة العكبية إال أاه يعد عتملا حمددا مضتبطتا‬
‫لموجهتهتت من اتحية أخكى‪ ،‬لذلك حتكص تكييت ي علقتهتت م تلك الدمل اليت تشكرك معهت ي بعض‬
‫القوميت على تعزيز أماصك الصداقة مالمعتمن ممت خيدم سيتسمهت اخلترجية ميدعم دمرهت ي املنطقة‪ ،‬إضتفةا‬
‫إىل حكصهت على عدم الدخول معهت ي أي أزمت قد تؤثك سلةتا على مض األقليت لديهت ممت يهدد أمنهت‬
‫‪93‬‬
‫القوم ‪ ،‬ختصة أاه ي بعض األحيتن يمم اسمخدام القوميت يورقة ضغط من قةل الدمل اليت ختملف م‬
‫تكييت إزاء قضية معينة على سةيل املثتل جلأ مصك ي عهد الكئيس عةد الفمتح السيس إىل اسمخدام قضية‬
‫إبتدة األرمن يورقة ضغط على تكييت مذلك من خلل احمفتهلت م األرمن بعد مكمر مئة عتم على املذحبة ي‬
‫‪ 24‬ايستن ‪ ،2015‬مدعوة تكييت إىل االعكراف بملك املذحبة مجتء ذلك ردا على املزاعم املصكية بتلمدخل‬
‫الكري ي الشؤمن الداخلية ملصك مرفضهت االعكراف حبوم السيس ‪ 14‬مقد اسمغل النظتم السوري الورقة‬
‫الوكدية للضغط على تكييت من خلل دععه لأليكاد ي مشتل سوريت قكب احلدمد الكريية السورية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التركيب الديني في تركيا‬

‫لقد تزععت تكييت العتمل اإلسلم لقكمن عدة‪ ،‬مأدى اإلسلم دمرا مهعتا ي حيتة االمرباطورية‬
‫العثعتاية ميتن السلطتن يمعم بتلسلطمني الدينية مالدايوية‪ ،‬ميتن ينظك إىل الدملة العثعتاية على أهنت الويتن‬
‫الشكق اإلسلم الذي يواجه الغكب املسيح ‪ ،‬لون بعد قيتم اجلعهورية الكريية بدأ احلوومة بتتةتع‬
‫السيتسة العلعتاية مجتكد الدملة من املسؤمليت مالكموز الدينية من خلل إلغتئهت مؤسسة اخللفة ‪،15‬‬
‫ملعل تشويلة الشعب الكري الذي تضم غتلةيمه العظعى سوتات مسلعني تصل اسةمهم مت يقترب ‪%99‬‬
‫من أهم مقومت السيتسة اخلترجية الكريية جتته املنطقة العكبية‪ ،‬مينمع لإلسلم الكرك ماأليكاد مغتلةية‬
‫العكب مالشكيس ميموزعون على طتئفمني مهت السنة مالشيعة‪ ،‬ميشول السنة الغتلةية العظعى مينسةون إىل‬
‫املذهب الشتفع ماملذهب احلنف ‪ ،‬أمت الشيعة (العلويني) تسمعد إهلتمهت من الصوفية معلى الكغم من ارتةتط‬
‫امسهم بتلعلويني العكب ي منطقة الشتم إال أن العلويني األاتضوليني الذين يمحدثون الكريية مالوكدية ميثلون‬
‫مجتعة مسمقلة بذاهتت ممتترس هذه الفئة إسلمتا بتطنيتا بتلغ االلمزام يشكرك فيه العلويون املؤيدمن لنظتم األسد‬
‫ي سوريت‪ ،‬مبتلكغم من إخملفتهتم فإن العلويني األتكاك مالعلويني العكب ممحدمن سيتسيتا ي تكييت حيث‬
‫جتععهم الشووك ي امليول السنية لـحزب العدالة مالمنعية مبت فيهت دعم احلزب للسنة ي سوريت متنمهج يلمت‬
‫اجلعتعمني هنجتا علعتايتا قويتا ي حتكيتهتعت السيتسية إذ تصوتتن بأعداد هتئلة لصتحل «حزب الشعب‬
‫اجلعهوري» مأحزاب يسترية أخكى‪ 16‬ميعمرب العلويون الدعتمة الكئيسية للنظتم اجلعهوري العلعتين ي تكييت‪ ،‬إذ‬
‫يكف العلويني ي مجي منتسةتهتم صورة مصطفى يعتل أتتتورك‪ ،‬إىل جتاب صوريت اإلمتم عل بن أيب طتلب‬
‫محج بومتش‪.17‬‬

‫‪94‬‬
‫أمت الطتئفة اليهودية تشول أحد أهم الطوائف الدينية ي تكييت‪ ،‬ميعمرب احلدث األبكز ي تتريخ‬
‫الطتئفة عندمت أسس جتك قعح (رجل أععتل يهودي) عتم ‪1989‬مكيز العتمل ال‪ 500‬املسموحى امسه‬
‫شجعهم‬‫من ذيكى مكمر ‪ 500‬عتم على هجكة اليهود من إسةتايت عتم ‪ ،1942‬مقدممهم إىل تكييت ملقد ّ‬
‫على ذلك السيتسة االافمتحية اليت اامهجهت الزعيم الكري الكاحل تورغو أمزال مرغةمه ي توطيد علقتتـه‬
‫مد اللويب اليهودي ي أمرييت مبتلمتيل دعم اليهود األتكاك‬
‫م الواليت املمحدة األمرييية عن طكيق يسب ّ‬
‫الذين متونوا من إيصتل أحد رجتل أععتهلم جيف قعح ابن جتك قعح إىل الربملتن ي إامختبت العتم‬
‫‪ 1995‬على الئحة حزب الطكيق املسمقيم عن دائكة اسطنةول‪ ،‬غري أن قعح اسمقتل من احلزب ي العتم‬
‫‪ 1997‬بعدمت اعكرض على النهج اإلسلم الذي تمةعه حوومة جنم الدين أربوتن مالذي يتن حزب‬
‫الطكيق املسمقيم شكيوتا فيهت‪ ،‬ميقوم اليهود األتكاك اليوم بدمر حيوي ي توثيق المقترب الذي بلغ منذ مطل‬
‫العتم ‪ 1996‬درجة المحتلف بني يل من تكييت مإسكائيل‪ ،‬يعت أن اجلعتعة اليهوديـة ماحلتختمية الوربى ي‬
‫اسطنةول تشول حلقة مصل أستسية بني السلطت الكريية ممجتعة الضغط اليهودية ي الواليت املمحدة‬
‫‪.18‬‬

‫أمت أتةتع الدين النصكاين ي تكييت يموزعون على عدة طوائف‪ :‬أرمن ميواتن‪ ،‬مسكيتن‪ ،‬ميلدان‪ ،‬ميمةعون‬
‫‪19‬‬
‫عدة ينتئس؛ الونيسة األرثوذيسية مالونيسة األرمنية‪ ،‬مالوتثوليوية‪ ،‬مالربمتسمتات‬

‫بنتء على مت تقدم ميون القول بأن تكييت اليوم تعمرب منوذجتا مصغكا لإلمرباطورية العثعتاية اليت اممد‬
‫افوذهت ليشعل القترا الثلث (أمرمبت مآسيت مأفكيقيت) فه تموون من مزيج من الطوائف مالقوميت اليت‬
‫بتتت تشول عتملا أستسيتا مهتمتا ال ميون جتتهله ي توجهت السيتسة اخلترجية الكريية جتته املنطقة العكبية‬
‫اليت خضعت للحوم العثعتين مت يقترب ‪ 400‬عتم‪ ،‬بنتء على ذلك تكييت اليوم تمحعل تكية االمرباطورية‬
‫العثعتاية ال سيعت فيعت يمعلق بقضتيت األقليت الدينية مالعكقية بأعةتئهت محستسيمهت متداعيتهتت على املسمويني‬
‫احملل مالدميل‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مدى تأثير األقليات في السياسة الخارجية التركية‬

‫منذ اهنيتر االمرباطورية العثعتاية ماشوء الدملة القومية الكريية مض أتتتورك أمهية يةرية للقومية الكرييت‬
‫ممتتسوهت ممغتيكهتت ماخملفهت عن شعوب دمل اجلوار لذلك يتات تكييت منعزلة عن جوارهت ستعية للحفتظ‬

‫‪95‬‬
‫على محدهتت القومية‪ ،‬إىل جتاب ذلك ستمهت األجواء السيتسية مالمصكفت العنصكية من بعض املسؤملني‬
‫األتكاك ضد العكب ي تعزيز اظكة العداء مالشك بني العكب ماألتكاك مهتعيش متأخري تطور العلقت العكبية‬
‫الكريية إىل أن تسلم حزب العدالة مالمنعية سدة احلوم ي تكييت بدأ تكييت تموجه حنو دمل اجلوار العكيب‬
‫مبلغ هذا الدمر ذرمته إبتن الثورا العكبية اليت شهدهتت بعض دمل املنطقة‪ ،‬ال سيعت تلك احملتذية للحدمد‬
‫اجلنوبية الكريية ممثلة بسوريت مالعكاق اللمني تشكريتن م تكييت بتلعديد من القوميت ماألقليت العكقية مالدينية‬
‫اليت أثك بشول يةري على مستر مطةيعة العلقت متطورهت بني اجلتاةني‪ ،‬مهنت أمل مت يمةتدر إىل الذهن‬
‫القومية الوكدية اليت تعد من أبكز القوميت اليت تشكرك فيهت تكييت م يل من سوريت مالعكاق مإيكان معند تمة‬
‫السيتسة اخلترجية الكريية يلحظ مدى تأثري القضية الوكدية على مستر العلقت الكريية م تلك الدمل‬
‫سواء سلةتا أم إجيتبتا‪.‬‬

‫بكز تأثري األقليت مأمهيمهت ي توجهت السيتسة اخلترجية الكريية بشول ماضح بعد ااطلق الثورا‬
‫العكبية لون األصح هو القول بأن هنتك جذمر هلذه القضتيت ستمهت الثورا العكبية بمغذيمهت محتفيزهت‬
‫للظهور إىل السطح مكة أخكى مبشول أخطك ممت سةق لمؤيد على حقيقة هتمة بأن المتريخ سلسلة ممصلة ال‬
‫تنقط مال ميون أن تنسى حىت مإن حكصت بعض الدمل مالشعوب على اسيتهنت أم طعسهت فه تعود‬
‫للظه ور مكة أخكى مىت توفك الةيئة مالظكمف احملفزة هلت مهو مت تؤيده السيتسة اخلترجية الكريية اليوم فل‬
‫ميون العيش مبعزل عن المتريخ مرماسةه‪.‬‬

‫من اتحية أخكى جند أن العتمل الديين يعد أحد املؤثكا ي مستر السيتسة اخلترجية الكريية إذ أن‬
‫تكييت اليت لطتملت عكفت بعلعتايمهت بدأ متترس حضورا يكتةط بتملعطى الديين ماملذهيب ملعل اجلذمر اإلسلمية‬
‫حلزب العدالة مالمنعية ستمهت ي تعزيز الدمر الكري مخلق اوع من القةول له‪ ،‬ممن اتحية أخكى هنتلك‬
‫تكحيب بتلدمر الكري مه الدملة ذا األغلةية السنية من قةل السنة اليت تكى ي تكييت موازاتا إقليعيتا لدمر‬
‫إيكان ذا األغلةية الشيعية ممت شول عتملا أستسيتا ي تعزيز دمرهت يقتئد للعتمل اإلسلم السين فقد رأ‬
‫الشعوب العكبية ي تكييت زعيعة مقتئدا للسنة مموازاتا إقليعيتا للدمر اإليكاين الذي بدأ يزحف على حستب‬
‫السنة ي املنطقة العكبية‪ ،‬ميتن قد حتدث أمحد دامد أمغلو ي يتاون الثتين ‪ 2012‬عن إحيتء سين حممعل‬
‫ضد اإلحيتء الشيع الذي تقوده إيكان بعد تعتظم قوهتت ي املنطقة اميجة لرباتجمهت النومي‪ ،‬مأشتر إىل" أن‬

‫‪96‬‬
‫مت حيدث ي املنطقة هو ربي إسلم مليس ربيعتا عكبيتا لون من اتحية أخكى يعد العتمل الديين عنصكا‬
‫ضتبطتا للدمر الكري إزاء بعض القضتيت ال سيعت تلك اليت تكتةط بتلعلويني‪.‬‬

‫لقد حتملت تكييت جتهدة ي ظل حوم حزب العدالة مالمنعية أن تظهك افسهت يدملة فتعلة ممشترية‬
‫ي القضتيت اإلقليعية مقضتيت العتمل اإلسلم ‪ ،‬مبكز ذلك من خلل مواقفهت اإلجيتبية ماملصريية م قضتيت‬
‫العتمل العكيب ماإلسلم لعل من أمههت القضية الفلسطينية اليت تعد من أهم القضتيت ي عتملنت العكيب‬
‫ماإلسلم ‪ ،‬ممت ستهم ي تغيري الصورة السلةية لكرييت على الصعيد السيتس اليت عكفهت العتمل العكيب‬
‫ماإلسلم ي القكن املتض ‪.‬‬

‫فقد سعى الكئيس الكئيس الكري رجب طيب أردمغتن حلشد الدعم الدميل للكئيس الفلسطيين حمعود‬
‫عةتس عتم ‪ 2011‬من أجل احلصول على دملة غري عضو ي األمم املمحدة مهو موسب دبلومتس ميون‬
‫اسمغلله أمتم املؤسست ماملنظعت الدملية ماحلقوقية من أجل يةح آلة الةطش اإلسكائيلية ضد الشعب‬
‫الفلسطيين‪ ،‬مخلل مؤمتك دافوس االقمصتدي ي ‪ 29‬يتاون الثتين ‪ 2009‬اامهز رئيس الوزراء الكري‬
‫أردمغتن الفكصة ممجه اامقتدا ملت قتمت به إسكائيل ي غزة ماميجة لمصكحيت الكئيس اإلسكائيل مشعون‬
‫برييس غتدر أردمغتن اللقتء غتضةت‪ ،‬ممل تكرك تكييت منتسةة إال معرب فيهت عن تنديدهت بتملعترست‬
‫اإلسكائيلية ممن أبكز تلك املواقف ي ‪ 24‬أيلول ‪ 2009‬أمتم اجلععية العتمة المتبعة لألمم املمحدة عندمت‬
‫طتلب رئيس الوزراء الكري رجب طيب أردمغتن بفمح املعتبك احلدمدية إىل قطتع غزة ألن إقفتهلت يعكقل‬
‫ععلية إعتدة إععتر القطتع مأضتف أن تكييت لديهت مسؤملية إاستاية مأخلقية مشكرية لضعتن إهنتء املأستة‬
‫اليت تشهدهت غزة مبعد صدمر قكار جملس األمن ‪ 1860‬عتم ‪ 2009‬مالذي طتلب بوقف الععليت فورا‬
‫صكح أردمغتن بتلقول ”جيب من إسكائيل من دخول أرمقة األمم املمحدة حىت تنفذ القكار‪.20‬‬

‫متعد حتدثة أسطول احلكية ي ‪ 31‬أيتر ‪ 2010‬اليت توجهت لوسك حصتر غزة املنعطف األبكز ي‬
‫تطور الةعد الديين ي السيتسة اخلترجية الكريية ماليت ستمهت ي شعةية الكئيس الكري رجب طيب أردمغتن‬
‫الذي اظك إليه بعض الشعوب العكبية بطلا ي دفتعه عن األقصى مأرض فلسطني‪ ،‬معلى إثك تلك‬
‫احلتدثة اشك صحيفة اإلادبندات الربيطتاية ي ‪ 9‬حزيكان ‪ 2010‬تقكيكا بعنوان ( ‪New face of powe‬‬
‫‪ )in the Middle East‬الوجه اجلديد للقوة ي الشكق األمسط جتء فيه أن الطكيقة اليت عتجل فيهت الكئيس‬
‫الكري أردمغتن أزمة أسطول احلكية جعلت تكييت ي قلب املشهد السيتس اإلقليع مأظهكهتت ميأهنت املداف‬
‫‪97‬‬
‫األمل عن حقوق الشعب الفلسطيين‪ ،‬إضتفة إىل ذلك أن الدمر الشخص الذي اضطل به أردمغتن ي‬
‫تنظيم أسطول احلكية هبدف يسك احلصتر املفكمض على غزة‪ ،‬جعل تكييت تقود دمرا قويتا ي املنطقة العكبية مل‬
‫حتظ به منذ اهنيتر اإلمرباطورية العثعتاية مدللت الصحيفة على تنتم شعةية تكييت ي الشكق األمسط‬
‫بتملظتهكا اليت ااطلقت بتلعواصم العكبية مرفعت األعلم الكريية مصور الكئيس الكري أردمغتن‪.‬‬
‫لقد بدا الةعد الديين ي السيتسة اخلترجية الكريية جليتا ال سيعت جتته ثورة مصك ‪ 25‬يتاون الثتين‬
‫‪ ،2011‬فقد زار الكئيس الكري الستبق عةداهلل جول مصك ي ‪ 3‬آذار ‪ ،2011‬مث جتء زيترة رئيس‬
‫الوزراء آاذاك أردمغتن ملصك ي أيلول ‪ 2011‬مت خلهلت توقي العديد من االتفتقيت لمعزيز المعتمن بني‬
‫الةلدين‪.21‬‬
‫مبت ماضحتا أن سقف المعتمن الكري املصكي ارتف عقب فوز اإلخوان املسلعني ي االامختبت اليت‬
‫أجكيت ي ‪ 24‬حزيكان ‪ 2012‬حيث مصل المعتمن بينهعت درجة المحتلف اإلسكراتيج ‪ ،‬ممت عقد العديد‬
‫من االتفتقيت االقمصتدية‪ ،‬ممت إجكاء املنتمرا العسوكية بني الطكفني ي تشكين األمل‪ 2010‬يعت أجك‬
‫الدملمتن منتمرا عسوكية ي مينتء أيستز احلكيب ي تكييت‪ ،‬مقد أجكيت الدمرة الثتلثة من املنتمرا ي‬
‫‪ 2012‬ي شكق الةحك املموسط‪ ،‬يعت تعتقد مصك على عدد من الطتئكا بدمن طيتر من تكييت بدالا من‬
‫الواليت املمحدة‪.22‬‬

‫بلغ المعتمن الكري املصكي ذرمته بعد اامختب حمعد مكس رئيستا ملصك‪ ،‬اظكا للجذمر اإلسلمية‬
‫لول من حزب العدالة مالمنعية بقيتدة أردمغتن محزب العدالة ماحلكية بقيتدة حمعد مكس ‪ ،‬مرغةة تكييت‬
‫بمعويض خسترهتت لول من العكاق مطهكان مدمشق بسةب تةتين املواقف حيتل املطتلب الشعةية ي سوريت‬
‫ماملوقف اإليكاين الذي اامقد اشك صورايخ بتتكيو على احلدمد الكريية اإليكااية‪ ،‬لون هذه العلقت مل تدم‬
‫طويلا اميجة اإلاقلب العسوكي ي مصك معلى إثكه خكج اإلخوان املسلعني من احلوم ي ‪ 30‬متوز‬
‫‪ ،2013‬ممت شول ضكبة قوية للدمر اإلقليع لكرييت ي املنطقة مرغةمهت ي تعزيز افوذ اإلخوان املسلعني إذ‬
‫قدمت تكييت افسهت ينعوذج لإلسلم الليربايل املعمدل الذي مين صعود اإلسلم اجلهتدي املمطكف مإن‬
‫حوم اإلخوان ي مصك يتن هو الةداية ‪.23‬‬

‫ستد الموتك العلقت الكريية املصكية بسةب تصكحيت ممواقف تكييت بعد حمتيعة الكئيس الستبق حمعد‬
‫مكس ‪ ،‬مإجكاء اامختبت رئتسية إامهت بفوز مزيك الدفتع الستبق املشري عةد الفمتح السيس ي ‪ 3‬حزيكان‬

‫‪98‬‬
‫‪ 2014‬بنتء على ذلك جتء تصكحيت املسؤملني األتكاك بوصف مت حدث بتإلاقلب عسوكي مليس‬
‫ثورة شعةية مرفض إعطتء الكئيس اجلديد أي شكعية‪ ،‬مأيد على أن املعثل الشكع الوحيد للشعب‬
‫املصكي هو الكئيس املنمخب الديمور حمعد مكس ‪.24‬‬

‫ي املقتبل شول املوقف املصكي من حمتملة االاقلب اليت تعكضت هلت تكييت ي منمصف متوز ‪2016‬‬
‫عتملا إضتفيتا ي توتك العلقت ‪ ،‬حيث يعمرب املوقف املصكي األسوأ على املسمويني اإلقليع مالدميل سواء‬
‫من النتحية السيتسية أم اإلعلمية فعلى الصعيد اإلعلم يتن هنتك إحمفتء بتحملتملة اإلاقلبية ي تكييت‪،‬‬
‫أمت على املسموى السيتس مل تصدر تصكحيت رمسية عن الكئيس عةد الفمتح السيس ‪ ،‬معكقلت مصك‬
‫إصدار بيتن تجملس األمن الدميل يدعم احلوومة الكريية املنمخةة بتلوستئل الدميقكاطية ميمخذ موقفتا ضد‬
‫احملتملة االاقلبية الفتشلة مخلل املنتقشت ي جملس األمن ي ‪ 16‬متوز ‪ْ 2016‬اعمَرب مصك أاه ال يعود‬
‫إىل جملس األمن حتديدا مت إذا يتات احلوومة (الكريية) منمخةة دميقكاطيتا مطلةت إلغتء هذه العةترة ‪.25‬‬

‫األزمة السورية‬
‫تعد األزمة السورية اليت اادلعت منذ ‪ 15‬آذار‪ 2011‬من أبكز المحديت اليت ماجهت صنتع القكار‬
‫ي تكييت اظكا الرتةتطهت بسلسة من امللفت اخلطكة اليت ي حتل تفجكهت قد تنعوس سلةتا على األمن الكري ؛‬
‫لذلك اتسم املوقف الكري جتته األزمة السورية ال سيعت ي بدايمهت بتلةطء ماحلذر مهو مت ظهك بشول‬
‫ماضح من خلل تأخك تكييت ي إدااة اظتم بشتر األسد بعد أن شهد العلقت تقتربتا ملحوظتا مصل‬
‫ملسموى الشكاية اإلسكراتيجية منذ أن توىل حزب العدالة مالمنعية سدة احلوم‪.‬‬
‫مارتةط املوقف الكري من األزمة السورية بتلعديد من اإلعمةترا أمههت حكص أاقكة ي احلفتظ على‬
‫أمنهت مأن ال يؤدي المغيري ي سوريت إىل اهنيتر اإلسمقكار فيهت؛ إذ يثري مجود قكابة مليوين يكدي سوري ي‬
‫املنتطق احلدمدية اتجمتمرة لكرييت قلقتا ممزايدا لدى أاقكة من قيتم دملة يكدية متمخوف أاقكة من حدمث ازاع‬
‫طتئف ي سوريت بني األقلية العلوية ماألغلةية من السنة األمك الذي يهدد اإلسمقكار ي داخل تكييت اظك‬
‫لمشتبه النسيج اتجممعع بينهعت‪ 26‬ميتن رد الفعل األمل هو الضغط على األسد للقيتم بإجكاء إصلحت‬
‫سيتسية‪ ،‬ميتات هذه املةتدرة تسمند على أستس أن العلقت الشخصية بني أردمغتن ماألسد سموفك افوذا‬
‫لكرييت ي أن تؤدي دمرا ي اإلافمتح السيتس ي سوريت‪ ،‬دمن أن يسملزم تغيري النظتم القتئم‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫لون اظتم األسد رفض أن يسمجيب للنصيحة الكريية‪ ،‬مأصك على إسمخدام القوة املفكطة ضد‬
‫مواطنيه‪ ،‬مجتء الفكصة لكرييت لمقط علقتهتت يتملا م النظتم السوري على إثك قيتم النظتم السوري‬
‫مكمعة ي مدينة احلولة قكب ريف محص؛ فأعلنت على إثكهت احلوومة الكريية عن قكاراهت بطكد مجي‬ ‫مبجزرة ّ‬
‫الدبلومتسيني السوريني من أاقكة ي ‪ 31‬أيتر ‪ 2012‬يعت اسمضتفت تكييت املعترضة السورية ي آب‬
‫‪ ،2011‬مقدمت هلت تسهيل سيتسية مأمنية مإعلمية معسوكية‪ ،‬متطور املوقف الكري مبطتلةمه بمنح‬
‫األسد من السلطة ماعمةتره جزء من من األزمة السورية‪ ،‬مبدأ تكييت بتلمحكك على يتفة املسمويت‬
‫االقليعية مالدملية ملعتجلة األزمة السورية مي إطتر المحكك اإلقليع دععت أاقكة قكارا اجلتمعة العكبية مثل‬
‫تعليق عضوية سوريت‪ ،‬معلى الصعيد الدميل ععلت تكييت م الدمل الغكبية على تشويل حتتلف دميل خترج‬
‫جملس األمن الدميل بسةب الكفض الكمس إلصدار قكارا إدااة حبق النظتم السوري ي جملس األمن‬
‫مطتلةت بإقتمة منطقة أمنية عتزلة على حدمدهت م سوريت ماسمضتفت تكييت مؤمتك أصدقتء سوريت الدميل ي‬
‫إسطنةول ي ايستن ‪ ،2012‬ماعكرفت بتتجملس الوطين السوري املعترض ممثلﹰ شكعيت للشعب السوري‬
‫مأقتمت خميعت للجئني مالنتزحني السوريني ‪.27‬‬

‫هدد تكييت بمقدمي األسلحة للععترضة السورية حلعتية أافسهم ي مواجهة النظتم مجلأ تكييت‬
‫لذلك من أجل من أي تدخل من الغكب أم حلفتئهم ألن تكييت تدرك مدى خطورة هذا المدخل الغكيب ي‬
‫حتل حدمثه على سوريت مدمل املنطقة مهذا مت حصل بتلفعل فقد حتولت سوريت اليوم إىل أرض حلكب بتردة‬
‫بني الواليت املمحدة مرمسيت من خلل قوا أجنةية مثلعت حدث ي تشكين الثتين‪ 2015‬عندمت أسقطت‬
‫مقتتل تكيية مقتتلة رمسية على احلدمد السورية الكريية‪.‬‬

‫ماميجة هلذا المدخل الكري ي سوريت تزايد املختطك األمنية على احلدمد الكريية السورية بسةب دعم‬
‫النظتم السوري جلعتعت حزب الععتل الوكدسمتين حيث ااسحةت قوا النظتم السوري من املنتطق‬
‫الشعتلية احملتذية للحدمد الكريية اجلنوبية تترية زمتم األمور حلزب الععتل الوكدسمتين‪28‬مهذا مت يتات‬
‫تمخوف منه تكييت‪ ،‬ألن مجود األتكاك ي املنتطق الشعتلية السورية على غكار مت حصل ي الشعتل العكاق‬
‫قد يعزز النزعة اإلافصتلية لدى األيكاد ي تكييت ممن هنت ميون تفسري ععلية درع الفكا اليت بدأهتت تكييت ي‬
‫‪ 24‬آب ‪ 2016‬ي مدينة جكابلس مشتل سوريت اليت هتدف إىل تطهري املنطقة من حزب اإلحتتد الدميقكاط‬

‫‪100‬‬
‫الذراع السوري حلزب الععتل الوكدسمتين ي تكييت مللحيلولة من بسط سيطكته مشتيل سوريت‪ ،‬مفكض ييتن أم‬
‫دميلة متن تكييت من المواصل اجلغكاي م سوريت مالةلدان العكبية‪.‬‬

‫مخلل األزمة السورية مجهت إهتتمت إىل تكييت بمأثري الةعد األيديولوج ي سيتسمهت اخلترجية من‬
‫خلل الدعم العسوكي الذي قدممه سواء بشول مةتشك أم غري مةتشك للقوا اليت تقتتل ي سوريت تدعم‬
‫فيه تكييت مثل تنظيم الدملة (داعش) مالقتعدة مجةهة النصكة‪ ،‬مدعم للععترضة السورية متأمني ممكا آمنة‬
‫للجهتدين أثنتء عةورهم إىل سوريت من خلل احلدمد الكريية ممعسوكا المدريب‪ ،‬معلى املسموى الداخل‬
‫ي تكييت مجهت املعترضة بقيتدة حزب الشعب اجلعهوري إامقتدا حلزب العدالة مالمنعية بتتةتعه سيتسة‬
‫مذهةية ي سوريت قد يكتب تةعت أمنية على احلدمد الكريية السورية‪.‬‬
‫عملية درع الفرات ومعركة تحرير الرقة‬

‫إن هتجس تقسيم املنطقة على أسس مذهةية معكقية هو السينتريو األسوأ الذي ختشته أاقكة محتكص‬
‫على جتنةه عرب إهنتء األزمة ي سوريت اليت تعمرب من أيثك الدمل عكضة للمقسيم بعد العكاق ميلمت الدملمني‬
‫ممتمخمني جلنوب تكييت ممت يعين إربتك األمن القوم الكري ‪ ،‬متعزيز النزعة اإلافصتلية ي جنوب الةلد‪ ،‬لذلك‬
‫إسمهدفت تكييت جكابلس اليت تموسط يل من عني العكب ي الشكق معفكين ي الغكب مه املنتطق اليت‬
‫يسيطك عليهت األيكاد‪ ،‬مأطلقت تكييت على الععلية درع الفكا مااطلقت ي الكابعة من فجك يوم األربعتء‬
‫‪ 24‬آب ‪ 2016‬مأعلنت هذه الععلية عن ثلثة أهداف رئيسة هلت ه طكد تنظيم الدملة (داعش) من‬
‫املدينة ممحتية احلدمد الكريية‪ ،‬ماحملتفظة على محدة األراض السورية‪ ،‬ممهعت تون األسةتب املعلنة إال أاه ال‬
‫خيفى بأن احملكك األستس هلت هو اخلوف من تقدم القوا الوكدية غكيب الفكا مإقتمة دملة يكدية حمتذية‬
‫حلدمدهت ممت يستهم بمعزيز النزعة اإلافصتلية ي جنوب الةلد ممت يهدد أمنهت ماسمقكارهت ممن اتحية أخكى‬
‫حكصت تكييت على املشترية ي ععلية حتكيك الكقة من تنظيم الدملة اإلسلمية (داعش) على الكغم من اجلدل‬
‫الذي ثتر حول املشترية الكريية مرفض العديد من اجلهت الدمر الكري ‪ ،‬مال شك ي أن السع الكري ملثل‬
‫هذا الدمر إمنت هو لوةح مجتح األهداف الوكدية اليت تسعى لموسي دمرهت ي سوريت فقد مضعت تكييت‬
‫شكمطت للعشترية ي هذه املعكية اليت تملخص ي اسمةعتد محدا محتية الشعب الوكدية من املشترية ي‬
‫هذه املعكية حيث تكى أاقكة أن مشترية هذه الوحدا سمعط دفعة قوية للعشكمع الوكدي على حدمدهت‬
‫اجلنوبية ي مشتل سوريت‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫العراق‪:‬‬

‫تويل تكييت أمهية يةرية للعكاق الذي طتملت شول الستحة األيثك حكية للمحكك الكري ي مطتردة حزب‬
‫الععتل الوكدسمتين بتلمعتمن م اظتم الكئيس العكاق الستبق صدام حسني‪ ،‬لذلك فإن تكييت معنية بتسمقكار‬
‫العكاق ممحدته مهنضمه مجنتحه مجتلى ذلك من خلل حتفظ القتدة األتكاك بشأن الغزم األمكيو للعكاق‪،‬‬
‫حيث يتن خيشى األتكاك من أن اإلطتحة بنظتم الكئيس صدام حسني سمقود إىل العنف الطتئف متعزيز‬
‫القومية الوكدية متفميت العكاق يدملة مموتملة ممت يفتقم املعضل األمنية الكريية إضتفةا إىل ذلك فإن الكأي‬
‫العتم الكري يعترض الغزم األمكيو للعكاق‪.29‬‬

‫بنتءا على ذلك جتء قكار الربملتن الكري بكفض المعتمن م الواليت املمحدة لغزم العكاق‪ ،‬الذي أبعد‬
‫الةلد عن تورط عسوكي يؤثك سلةتا على األمن الكري ميثري الشووك لدى جريان العكاق فيعت يمعلق‬
‫بطعوحت العثعتاية اجلديدة اخلفية للدملة الكريية ‪ 30‬معلى الكغم من عدم املشترية الكريية ي غزم العكاق‪،‬‬
‫إال أن تكييت تعمرب من أيثك الدمل اليت تضكر جكاء الغزم األمكيو ملت تكتب عليه من آثتر سلةية أمههت‬
‫زيتدة العنف الطتئف ‪ ،‬متشمت سيطكة احلوومة املكيزية على الةلد‪ ،‬يعت أدى إىل زيتدة النفوذ اإليكاين ي‬
‫العكاق ماملنطقة على حستب الدمر الكري ‪ ،‬إضتفة إىل ذلك ستهم غزم العكاق ي تزايد موجت العنف‬
‫الذي مترسه حزب الععتل الوكدسمتين؛ فقد عتد احلزب حلعل السلح ي حزيكان ‪ 2004‬بعد أن أعلن عن‬
‫مقف إطلق النتر من جتاب ماحد بشول مؤقت بعد إعمقتل زعيعه عةداهلل أمجلن ي ‪.1999‬‬

‫مبعد أن ااقضى بعض الوقت على الغزم األمكيو للعكاق؛ ظهك الرباغعتتية الكريية مبكز املواقف‬
‫الكريية لمشول سيتسة قتئعة على الدبلومتسية ماملصتحل االقمصتدية أيثك منهت على العوامل السيتسية‪،‬‬
‫مسعت تكييت منذ بدء تةلور النظتم العكاق اجلديد إىل تعزيز مض السنة العكب‪ ،‬متقليص الدمر الوكدي‬
‫فمواصلت معهم مطور العلقت الثنتئية م رموزهم متيتراهتم محتملت إشكايهم ي الععلية السيتسية‬
‫مععلت من خلل جملس األمن الدميل ممنظعة املؤمتك اإلسلم ‪ ،‬مالدمل اتجمتمرة للعكاق مخمملف األثنيت ‪،‬‬
‫ماجلعتعت الدينية ي العكاق؛ من أجل اإلسهتم ي حتقيق اإلسمقكار السيتس ي العكاق‪.31‬‬

‫إال أن العلقت الةينية شهد بعض األزمت مثل هجعت حزب الععتل الوكدسمتين ضد األراض‬
‫الكريية عتم ‪ ،2007-2006‬مرد أاقكة بععليت عسوكية ي الشعتل العكاق فضلا عن اخللفت بني‬

‫‪102‬‬
‫الطكفني خلل فكرة حوومة املتلو اليت مصفمهت أاقكة بأهنت تمة سيتست إقصتئية طتئفية‪ ،‬ملمجتمز هذه‬
‫األزمة م العكاق جلأ أاقكة إىل دعم حوومة العةتدي ي سةيل تغيري السيتست احلتيعة ي العكاق‪،‬‬
‫مسعى اجلتاةني الكري مالعكاق لمطويك العلقت بينهعت ممت توقي العديد من االتفتقيت االقمصتدية‬
‫مالسيتسية ‪.32‬‬

‫متعمرب العلقت الكريية م إقليم يكدسمتن العكاق من عوامل توتك العلقت بني حووميت أاقكة‬
‫مبغداد‪ ،‬حيث يتات بغداد قلقة حول طعوحت أربيل (عتصعة يكدسمتن العكاق) االقمصتدية مجتتمزهت‬
‫بغداد ي صفقتهتت املمعلقة بتلطتقة م أطكاف ثتلثة مممت زاد من أمهية العلقت الكريية م إقليم يكدسمتن‬
‫تلك الكمابط القوية ماملمطورة بني األيكاد العكاقيني ماجلهت الكئيسية املؤثكة على اجلةهة السيتسية ي تكييت‬
‫ليس حزب العدالة مالمنعية فحسب بل أحزاب املعترضة الوربى مبت فيهت حزب احلكية القومية الكري املنتمىء‬
‫لأليكاد‪ ،‬الذي تكبطه علقت معقدة بعتئل مشكيت هلت مصتحل اقمصتدية ي مشتل العكاق‪ ،33‬مايمسةت‬
‫العلقت الدبلومتسية زمختا جديدا بعد زيترة أمحد داممد أمغلو يأمل مزيك خترجية تكي يزمر مشتل العكاق ي‬
‫تشكين األمل ‪ ،2009‬مبدأ المغري ي املوقف الكري من حيث اإلعكراف ي حوومة يكدسمتن مافممتح‬
‫القنصلية الكريية ي أربيل ي آذار ‪ ،2010‬مذلك بعد إعلن جلل طتلةتين ي أذار ‪ 2009‬أن حوومة‬
‫يكدسمتن ال تطعح لإلافصتل‪.34‬‬

‫معسكر بعشيقة ومعركة تحرير الموصل‬

‫من أبكز أسةتب توتك العلقت الكريية العكاقية ه إرستل تكييت لقوة مقتتلة من ألف جندي معشكا‬
‫الدبتبت إىل منطقة بعشيقة شكق املوصل ي ‪ 5‬يتاون األمل ‪ 2015‬حيث اختذ بغداد على إثك هذه‬
‫األزمة عدة إجكاءا ضد أاقكة ي مقدممهت إغلق امللحقية المجترية العكاقية ي تكييت ماسمدعتء السفري‬
‫العكاق ‪ ،‬ي املقتبل جتء الكد الكري بأن اهلدف حمتربة داعش محتكيك املوصل‪ ،‬مضعتن محدة الكراب العكاق ‪،‬‬
‫ممحتية املدربني العسوكيني األتكاك الذين يمولون مهعة تدريب عنتصك عسوكية عكاقية‪ ،‬مم اسمعكار تواجد‬
‫القوا الكريية ي بعشيقة مإصكارهت على املشترية ي ععليت المحتلف لمحكيك املوصل من داعش اليت‬
‫إاطلقت ي ‪ 16‬تشكين األمل ‪ 2016‬إزداد حدة الموتك بني اجلتاةني مطتلب رئيس الوزراء العكاق حيدر‬
‫العةتدي بتاسحتب القوا الكريية مادعى بأن تواجدهت غري قتاوين‪ ،‬مي معكض احلديث عن معكية املوصل‬
‫يطكح المستؤل المتيل ملتذا اإلصكار الكري على املشترية ي حتكيك املوصل ماإلبقتء على قواهتت ي مشتل العكاق؟‬
‫‪103‬‬
‫إن اإلجتبة على هذا المستؤل مكتةطة بعوامل تترخيية مجغكافية فكرييت هلت علقت تترخيية بتملوصل اليت‬
‫يتات حتت احلوم الكري حلوايل ‪ 400‬سنة مذلك قةل توقي اتفتقية أاقكة عتم ‪ 1926‬اليت حسعت‬
‫مسألة سيتدة مالية املوصل لصتحل العكاق ممن اتحية أخكى ستهم مجود املوون السين ماألقلية الكريعتاية بأن‬
‫تمحكك القوا الكريية حلعتيمهت‪ ،‬إذن اهلدف األستس لكرييت هو محتية سوتن املوصل السنة مالكريعتن من‬
‫اامهتيت امليليشيت الشيعية (احلشد الشعيب) املوالية إليكان الستعية لموسي افوذهت ي العكاق‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫خلصت هذه الدراسة إىل أن المنوع العكق مالديين هو من أبكز مست اتجممع الكري ميمجلى مدى‬
‫تأثري هذا المنوع ي مستر السيتسة اخلترجية الكريية السيعت جتته املنتطق اليت يمداخل معه الكرييب اتجممعع‬
‫مأبكزهت سوريت مالعكاق‪.‬‬

‫مقد تةني أن المنوع مالمعدد ي اتجممع الكري يشول عتملا مقومتا مضتبطتا للسيتسة اخلترجية الكريية‬
‫آن ماحد مقد ظهك ذلك جليتا من خلل املواقف اليت اختذهتت تكييت خلل الثورا العكبية‪ ،‬فهو عتملا‬ ‫ي ٍ‬
‫مقومتا ستهم بإجيتد اوع من القةول العكيب لكرييت اليت تكتةط معهت بعوامل تترخيية مدينية مسيتسية مثقتفية‬
‫مشكرية‪ ،‬لون من جهة أخكى شول هذا المنوع مالمعدد العكق مالديين ي اتجممع الكري مصدر هتديد‬
‫للسمقكار الداخل مخبتصة جلهة تداعيت املسألة الوكدية متزايد تأثري الكاديوتلية الدينية مالطةيعة املموتكة‬
‫للعلقت اإلقليعية متدخل الدمل الوربى إىل جتاب املطتلب اجلغكافية مالمترخيية لعدد من الدمل‬
‫مالمووينت األثنية اليت يتن من أبكز تداعيتهتت حدمث تغيري جذري ي أسس السيتسة اخلترجية الكريية اليت‬
‫يتن من أبكز مةتدئهت سيتسة صفك املشول معدم المدخل ي شؤمن دمل اجلوار فقد جلأ تكييت إىل‬
‫حسم العديد من امللفت اخلترجية مثل امللف السوري مالوكدي‪ ،‬ممشولة تنظيم الدملة (داعش) اليت‬
‫مصلت إىل حد المدخل العسوكي ي سوريت من خلل ععلية درع الفكا اليت بدأ ي آب ‪،2016‬‬
‫إضتفة إىل تواجد القوا الكريية ي معسوك بعشيقة ي املوصل مشتل العكاق منذ عتم ‪ 2015‬ماملشترية‬
‫بععلية بمحكيك الكقة ماملوصل‪ ،‬يل تلك السيتست اليت اتةعمهت تكييت أد إىل توجيه اهتتمت هلت بتتةتع‬
‫سيتسة خترجية على أسس عكقية مطتئفية إىل جتاب اهتتمهت بمقدمي المسهيل للجعتعت الكاديوتلية‬
‫املمطكفة اليت حتترب ي سوريت‪ ،‬لون تؤيد تكييت دممتا بأن اهلدف من المدخل هو محتيةا ألمنهت القوم مليس‬
‫السمعتدة أجمتد االمرباطورية العثعتاية أم ألهداف توسعية‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫الهوامش‬

‫‪ 1‬جنسن لويد‪ ،‬تفسري السيتسة اخلترجية‪/ ،‬حمعد بن امحد مفيت‪ ،‬حمعد السيد سليم‪ ،‬ععتدة شؤمن املومةت جتمعة امللك سعود‪،‬‬
‫الكيتض‪ ،1989 ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ 2‬صربي فترس اهلييت‪ ،‬اجلغكافيت السيتسية م تطةيقت جيةولوتيوية‪ ،‬دار صفتء للنشك مالموزي ‪ ،‬ععتن‪ ،‬األردن‪ ،2000 ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ 3‬سعد حق توفيق‪ ،‬مةتديء العلقت الدملية‪ ،‬دار مائل للنشك‪ ،‬ععتن‪ ،2000 ،‬ص ‪97‬‬
‫‪4‬ديمور حمعد عةد السلم‪ ،‬اجلغكفيت السيتسية دراسة اظكية متطةيقت عتملية‪ ،‬مومةة النور‪ ،‬ععتن‪ ،2020 ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪ 5‬عةد الزهكة العمتيب‪ ،‬توجهت تكييت حنو أقطتر اخلليج العكيب‪:‬دراسة ي اجلغكافيت السيتسية‪ ،‬دار الشؤمن الثقتفية العتمة‪ ،‬بغداد‪،2002 ،‬‬
‫ص ‪.45‬‬
‫‪6‬‬
‫‪http://www.aljazeera.net‬‬
‫‪ 7‬مصلح خضك اجلةوري‪ ،‬الدمر السيتس لألقليت ي الشكق األمسط‪ ،‬األيتدمييون للنشك مالموزي ‪ ،‬األردن‪ ،2014 ،‬ص ‪65‬‬
‫‪8‬‬
‫‪www.turkey-post.net/p-11548‬‬
‫‪ 9‬حمعد ثلج ‪ ،‬أزمة اهلوية‪ ...‬طكق جديدة للععتجلة‪ ،‬ي تكييت حتديت الداخل مرهتات اخلترج‪ ،‬مكيز اجلزيكة للدراست ‪ ،‬قطك‪،2010 ،‬‬
‫ص ‪.88‬‬
‫‪ 10‬رماء زي ‪ ،‬الكرييب القوم مالديين ي تكييت‪ ،‬دراست إجمعتعية‪ ،‬العدد (‪ ،)5‬قسم الدراست اإلجمعتعية ي بيت احلوعة‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫‪ 2001‬ص ‪.45‬‬
‫‪ 11‬حمعود مقديش‪ ،‬ازهة النظتئك ي عجتئب المواريخ ماألخةتر‪ ،‬دار الغكب اإلسلم ‪ ،‬بريم ‪ ،1998 ،‬ص‪.38‬‬
‫‪ 12‬عقيل حمفوض‪ ،‬السيتسة اخلترجية الكريية االسمعكارية مالمغري‪ ،‬املكيز العكيب لألحبتث مدراسة السيتسيت ‪ ،‬بريم ‪ ،2012 ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪ 13‬عل بتيري )‪ ،‬تكييت الدملة ماتجممع ‪..‬املقومت اجليوسيتسية ماجليوإسكراتيجية‪ ،‬ي تكييت حتديت الداخل مرهتات اخلترج‪ ،‬تقدمي عةد‬
‫العتط ‪ ،‬حمعد‪ ،‬مكيز اجلزيكة للدراست ‪ ،‬قطك‪ ،2010 ،‬ص‪.68‬‬
‫‪14‬‬
‫‪http://www.turk-now.com‬‬
‫‪ 15‬أمحد داممد أمغلو‪ ،‬الععق اإلسكراتيج موق تكييت مدمرهت ي الستحة الدملية‪ ،‬مكيز اجلزيكة للدراست ‪ ،‬قطك‪ ،2010 ،‬ص ‪120‬‬
‫‪16‬‬
‫‪http://www.washingtoninstitute.org‬‬
‫‪ 17‬حمعد اور الدين‪ ، ،‬الكفته‪ ،‬الدميقكاطية ي تكييت‪ :‬درمس املتض مخيترا املسمقةل‪ ،‬جملة شؤمن األمسط‪ ،‬عدد (‪ ،1997 )66‬ص ‪83‬‬
‫‪ 18‬حمعد اور الدين‪ ،‬افس املصدر‪ ،‬ص ‪.85‬‬
‫‪ 19‬أمحد عةد العزيز تكييت ي القكن العشكين‪ ،‬دار الومب مالوثتئق القومية‪ ،‬القتهكة‪ ،2012 ،‬ص ‪.40‬‬
‫‪ 20‬غتزي ربتبعة‪ ،‬السيتسة اخلترجية لكرييت جتته القضية الفلسطينية ‪ 2010 – 2000‬ي مؤمتك العلقت الكريية العكبية‪ ،‬اجلتمعة األرداية‪،‬‬
‫ععتن‪ ،2011 ،‬ص ‪.157‬‬
‫‪ 21‬حمعد عةد القتدر خليل‪ ،‬حزبت العدالة ممسمقةل العلقت املصكية الكريية‪ ،‬جملة رؤية تكيية‪ ،‬عدد(‪ ،)3‬مكيز سيمت للدراست ‪ ،‬أاقكة‪،‬‬
‫‪ ،2012‬ص‪56‬‬
‫‪ 22‬ختلد أبو احلسن النفوذ اإلقليع لكرييت ي ضوء األزمة السورية جملة دراست شكق أمسطية‪ ،‬عدد شمتء(‪ ،)66‬مكيز دراست الشكق‬
‫األمسط‪ ،‬األردن‪ ،2014 ،‬ص‪.79‬‬

‫‪105‬‬
‫‪ 23‬عةد الفمتح بشري المطورا املصكية الداخلية متأثرياهتت على العلقت املصكية الكريية‪ ،‬شؤمن عكبية‪ ،‬عدد (‪ ،)155‬األمتاة العتمة جلتمعة‬
‫الدمل العكبية‪ ،‬القتهكة‪ ،2013 ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪24‬‬
‫سعيد احلتج حمددا السيتسة اخلترجية الكريية إزاء مصك‪ ،‬مكيز إدراك للدراست ماالسمشترا ‪https://idraksy.net/turkey- ،‬‬
‫‪/foriegn-policy-egypt‬‬
‫‪25‬‬
‫‪www.alarabiya.net‬‬
‫‪ 26‬ستمية بيربس‪ ،‬سوريت متكييت بني المحتلف مالعداء‪ ،‬شؤمن عكبية‪ ،‬عدد شمتء (‪ ،)152‬األمتاة العتمة جلتمعة الدمل العكبية‪ ،‬القتهكة‪،‬‬
‫‪ ،2012‬ص‪) 48‬‬
‫‪ 27‬أتتش اورشني ‪ ،‬حتد جديد لكرييت‪ :‬احلكب األهلية ي سوريت‪ ،‬جملة رؤية تكيية‪ ،‬العدد (‪ ،)3‬مكيز سيمت للدراست السيتسية ماالقمصتدية‬
‫ماالجمعتعية‪ ،‬أاقكة‪ ،2014 ،.‬ص ‪.46‬‬
‫‪28‬‬
‫‪Ziya Öniş, "Turkey and the Arab revolutions: boundaries of regional power influence in a‬‬
‫‪turbulent Middle East." Mediterranean Politics 19.2، 2014 ،P54‬‬
‫‪29‬‬
‫‪F. Larrabee Stephen, Troubled Partnership US-Turkish Relations in an Era of Global Geopolitical‬‬
‫‪Change. RAND PROJECT AIR FORCE SANTA MONICA CA ،2010، p87‬‬
‫‪ 30‬ميشتل اوفل‪ ،‬عودة تكييت إىل الشكق اإلجتتهت اجلديدة للسيتسة الكريية‪ ،‬الدار العكبية للعلوم اتشكمن‪ ،‬بريم ‪ ،2010 ،‬ص ‪.9‬‬
‫‪ 31‬شكيف تغيتن الشيخ رجب طيب أردمغتن مؤذن إسطنةول محمطم الصنم األتتتوري ‪ ،‬دار الومتب العكيب‪ ،‬دمشق‪ ،2011 ،‬ص ‪52‬‬
‫‪32‬‬
‫‪Hale، William، "Turkey and the Middle East in the 'new era'." Insight Turkey11، no. 3 ،2009 ،p64‬‬
‫‪ 33‬جكاهتم فولك‪ ،‬اجلعهورية الكريية اجلديدة‪ ،‬مكيز اإلمترا للدراست مالةحوث اإلسكراتيجية‪ ،‬أبو ظيب‪ ،2009 .‬ص ‪137‬‬
‫‪34‬‬
‫‪Meltem Müftüler-Baç, "Changing Turkish foreign policy towards Iraq: new tools of‬‬
‫‪engagement." Cambridge Review of International Affairs 27، no. 3, 2014, p5.‬‬

‫‪106‬‬
‫حجي ـ ـة القرينـ ـ ـة القضائي ـة في اإلثب ـات الجنائـ ـ ـي‬
- 01‫ جامعة الجزائر‬- ‫ خلفـ ــة سميـ ـ ــر‬/‫ط د‬
‫الملخ ـ ـص‬
‫ ذلك أن مسألة احلصول على األدلة اليت تنصب‬،‫تعد القرينة القضائية من أدلة اإلثبات الغري مباشرة‬
‫ وهنا يتحتم على القاضي‬،‫مباشرة على الواقعة حمل البحث غالبا ما يكون متعذرا إن مل يكن مستحيال‬
‫ بصورة‬،‫ وأصول املنطق السليم للوصول إىل اجلزم واليقني‬،‫اجلنائي حتكيم عقله باستخدام ضوابط االستدالل‬
.‫ وأخذ به القضاء‬،‫ ومبا نص عليه املشرع ونادى به الفقه‬،‫تتطابق مع احلقيقة والواقع‬
‫ أو معزز ومكمل لألدلة‬،‫وبناء على ذلك فان للقرائن القضائية يف ميدان اإلثبات اجلنائي دور أصيل‬
.‫ بل أصبحت من أكثر الوسائل اعتمادا يف العصر احلايل‬،‫األخرى‬
‫والذي يزيد من أمهية القرينة القضائية يف جمال اإلثبات اجلنائي هو مدى تأثريها يف مصداقية األدلة‬
‫ على الرغم من أن التشريعات قد اعتمدت على مبدأ االقتناع الشخصي‬،‫ كالشهادة واالعرتاف‬،‫األخرى‬
‫ واجتاهاهتا الفقهية‬،‫ وتطبيقاهتا القضائية‬،‫ إال أهنا اختلفت من خالل نصوصها التشريعية‬،‫للقاضي اجلنائي‬
.‫حول االعتماد على القرينة القضائية كدليل إثبات أصيل‬
.‫ الدالئل‬،‫ القاضي اجلنائي‬،‫ القرائن القضائية‬،‫ اإلثبات اجلنائي‬:‫الكلمات الدالة‬
Abstract
The judicial prosemption is one of the indirect evidences, because the question of abtaining
the proofs dealing directly with the fact subject of research is very difficult.
in this case the penal judge is obligateed to use his analysis by using the jeduction, and the
principles of good logic to reach to the truth which is identical with the factual facts and the
intention of the legislator and the doctrine and jurisprudence.
Consequently, the judicial presomputions play an essential role, helping or complementary to
other evidences, and they became of current application in ou
Our time.
They are very important in renforcing the other evidence such as the witness and the aview
nevertheless, the legislations which were subject of this study has adopted the principle of judicial
conviction, but they are different in their dispositions and their application and their judicial
approaches about the adoption of the judicial presompution as principal evidence.
Key words: Criminal evidence – Judicial presumptions - The penal judge – Indic

107
‫مقدمـ ـ ـة‬
‫تعترب مسألة اإلثبات يف املواد اجلزائية من أهم املسائل اليت يتعرض هلا القاضي اجلنائي على اإلطالق‪،‬‬
‫ذلك أنه إذا كان دور القاضي املدين ينحصر يف املوازنة بني األدلة اليت يقدمها اخلصوم وتقديرها‪ ،‬فان أكرب‬
‫مشكل يواجه القاضي اجلنائي يتمثل يف مسألة اإلثبات‪،‬ألن موضوع الدعوى اجلزائية يتمثل يف اجلرمية‬
‫املرتكبة اليت هي عبارة عن وقائع مادية تقع بصفة عابرة‪ ،‬ولذلك فان احلصول على األدلة اليت تنصب‬
‫مباشرة على الواقعة حمل البحث غالبا ما يكون متعذرا إن مل يكن مستحيال‪ ،‬ذلك أن اجلرمية حبسب األصل‬
‫ترتكب بطريقة تضيع معاملها‪ ،‬األمر الذي يصعب أن ترد عليها وسائل اإلثبات املباشرة كالشهادة‬
‫واالعرتاف‪ ،‬وذلك بسبب طبيعة اإلثبات يف املواد اجلزائية‪ ،‬وهنا يتحتم على القاضي اجلنائي حتكيم عقله‬
‫باستخدام ضوابط االستدالل وأصول املنطق للوصول إىل اجلزم واليقني بصورة تتطابق مع احلقيقة والواقع‪،‬‬
‫حينئذ يتدخل القاضي باستنتاج ما يسمى بالقرينة اليت تشكل إحدى الدعامات األساسية بيد القاضي اليت‬
‫يستند عليها يف حكمه من خالل تكوين قناعته للوصول إىل حكم عادل‪.‬‬
‫وبناءا على ذلك ظهرت أمهية القرينة القضائية كإحدى وسائل اإلثبات اجلنائي الغري مباشرة‪ ،‬وملا هلا‬
‫من دور أصيل أو معزز أو مكمل لألدلة األخرى‪ ،‬والذي زاد من قيمتها أكثر يف جمال اإلثبات اجلنائي هو‬
‫مدى تأثريها يف مصداقية األدلة األخرى‪ ،‬كالشهادة واالعرتاف‪ ،‬ويستند ذلك من خالل احلرية الواسعة اليت‬
‫يتمتع هبا القاضي اجلزائي يف اإلثبات من خالل مبدأ االقتناع الشخصي للقاضي يف تكوين عقيدته‪ ،‬والذي‬
‫يعد اجملال اخلصب الذي تتجسد من خالله القرائن القضائية باعتباره املصدر الذي تنبع منه وأهم عنصر‬
‫فيها‪.‬‬
‫وقد ازدادت أمهية القرائن يف ميدان اإلثبات اجلنائي وأصبحت من أكثر الوسائل اعتمادا يف العصر‬
‫احلايل بسبب التقدم العلمي‪ ،‬حيث سامهت وسائل التطور العلمي املختلفة عند فحص تلك الدالئل يف‬
‫استنباط القرائن القضائية كدليل للكشف عن اجملرمني‪ ،‬خاصة بعد أن بات هؤالء خيططون بصورة علمية‬
‫منظمة إىل استخدام أدق الوسائل واألساليب العلمية احلديثة يف خدمة جرائمهم‪ ،‬هبدف عدم ترك أي أثار‬
‫تدل عليهم‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫وإدراكا مين ألمهية القرينة القضائية ودورها يف اإلثبات اجلنائي‪ ،‬قمت بتناول هذا املوضوع‪ ،‬حماوال‬
‫بيان دور القرينة القضائية يف اإلثبات اجلنائي ومدى إمكانية االستعانة هبا باعتبارها دليال يف اإلثبات‬
‫اجلزائي‪ ،‬وبالتايل حتديد مدى حجيتها كدليل غري مباشر يف اإلثبات اجلزائي على ضوء اختالف‬
‫االجتهادات الفقهية والتوجهات القضائية على الرغم من انعدام نص صريح حيسم مسألة قبوهلا كدليل يف‬
‫اإلثبات اجلنائي‪ ،‬وموقف التشريع والقضاء اجلزائري من اإلثبات بالقرينة القضائية‪ ،‬وبيان مدى حرية القاضي‬
‫اجلنائي وسلطته يف االقتناع بالقرائن‪ ،‬وما هي القيود الواردة على حريته يف األخذ هبا‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ماهية القرينة القضائية وأهميتها في اإلثبات الجنائي‬
‫لدراسة القرينة القضائية بوصفها واحدة من أدلة اإلثبات اهلامة واملؤثرة يف الدعوى اجلزائية‪ ،‬البد لنا‬
‫من بيان ماهيتها ومعناها احلقيقي مث نتناول احلديث عن أمهيتها يف عملية اإلثبات اجلنائي وذلك ضمن‬
‫التقسيم التايل‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مدلول القرينة القضائية وخصائصها‬
‫يثري حتديد مدلول القرينة القضائية كدليل إثبات غري مباشر‪ ،‬اختالفا داخل األوساط الفقهية‬
‫والتشريعية والقضائية‪ ،‬فضال عن خصائصها اليت تنفرد هبا عن غريها‪ ،‬وعليه سنعرج لشرح ذلك ضمن‬
‫السياق التايل‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تعريف القرينة القضائية‬
‫لبيان معىن القرينة القضائية‪ ،‬ال بد قبل إيضاح هذا املعىن أن نتطرق ضمن هذا الفرع لبعض العناصر‬
‫الضرورية‪ ،‬حبيث نشري أوال إىل حتديد معىن القرينة بوجه عام‪ ،‬مث نتناول تعريف القرينة القضائية يف كل من‬
‫التشريع والقضاء والفقه ثانيا‪ ،‬مع اإلشارة إىل موقف التشريع والقضاء اجلزائري‪ ،‬وذلك على النحو التايل‪:‬‬
‫أوال‪ /‬معنى القرينة بوجه عام‪ :‬بالنسبة للتعريف اللغوي للقرينة فإننا نالحظ بأن قواميس اللغة العربية‬
‫مل تدرج تعريفا هلا مبعىن األمارة أو العالمة أو ما شابه ذلك مما يومئ إىل الشيء وال يدل عليه داللة قاطعة‪،‬‬
‫ووردت القرينة يف حديثهم بعدة معان‪ ،‬القاسم املشرتك بني كل ما وردت فيه مادة (ق ر ن) هي التالزم‬
‫واملقارنة واملصاحبة(‪.)01‬‬

‫‪109‬‬
‫أما اصطالحا فهي حتمل عدة معان منها" األمارة اليت تدل على األمر اجملهول استنباطا واستخالصا‬
‫من األمارة املصاحبة واملقارنة لألمر اخلفي واليت لوالها ملا أمكن التوصل إليها‪ ،‬فأثر السري يدل على‬
‫املسري"(‪ ،)02‬وعرفها البعض األخر بأهنا‪ " :‬كل أمارة ظاهرة تقارن شيئا خفيا فتدل عليه"(‪.)03‬‬
‫وقد ورد تعريف القرينة يف الفقه بعدة تعاريف حيث عرفها الفقيه الفرنسي دوندييو دو فابر بأهنا‪:‬‬
‫"الصلة الضرورية اليت ينشئها القانون من وقائع معينة‪ ،‬أو هي نتيجة يتحتم على القاضي أن يستخلصها من‬
‫واقعة معينة"(‪.)04‬‬
‫وعرفها الدكتور أمحد فتحي سرور بأهنا" استنتاج جمهول من معلوم‪ ،‬وذلك باستنباط الواقعة اجملهولة‬
‫املراد إثباهتا من واقعة أخرى ثابتة‪ ،‬وهذا االستنباط يقوم إما على افرتاض قانوين‪ ،‬أو على صلة منطقية بني‬
‫الواقعتني‪ ،‬ويف احلالة األوىل تعترب القرينة قانونية‪ ،‬ويف احلالة الثانية تعترب القرينة قضائية"(‪.)05‬‬
‫أما الدكتور حممود مصطفى بأهنا‪ ":‬الصلة الضرورية اليت قد ينشئها القانون‪ ،‬بني وقائع معينة‪ ،‬أو‬
‫نتيجة يتحتم على القاضي أن يستنتجها من واقعة معينة"(‪ ،)06‬بينما عرفها األستاذ زبدة بأهنا‪ ":‬عالقة‬
‫افرتاضية ينشئها القانون بني وقائع معينة‪ ،‬أو هي عالقة منطقية يستنتجها القاضي بني واقعة معلومة‪ ،‬وأخرى‬
‫جمهولة يريد إثباهتا"(‪.)07‬‬
‫ثانيا‪ /‬تعريف القرينة القضائية في التشريع والقضاء والفقه‪ :‬أطلق على القرائن القضائية هبذا االسم‬
‫نسبة إىل القاضي الذي يقوم باستنباطها‪ ،‬ومسيت بالقرائن املوضوعية‪ ،‬ألهنا تنصب على واقعة من وقائع‬
‫الدعوى‪ ،‬ومسيت بالقرائن الشخصية‪ ،‬ألهنا قد تنصب يف بعض األحيان على واقعة تكونت يف صفة يف‬
‫الشخص‪ ،‬ومسيت باإلقناعية‪ ،‬ألن أمر تقديرها مرتوك لقناعة القاضي‪ ،‬ومسيت بالقرائن البسيطة‪ ،‬ألهنا تقبل‬
‫إثبات عكسها يف مجيع األحوال(‪.)08‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف القرينة القضائية في التشريع‪ :‬مل يضع املشرع اجلزائري يف قانون اإلجراءات اجلزائية‬
‫تعريفا للقرينة القضائية‪ ،‬وإمنا اكتفى باحلديث عنها يف املادة ‪ 340‬من القانون املدين‪ ،‬بنصها على أنه‪":‬‬
‫يرتك لتقدير القاضي استنباط كل قرينة مل يقررها القانون‪ ،‬وال جيوز اإلثبات هبذه القرائن إال يف األحوال اليت‬
‫جييز فيها القانون اإلثبات بالبينة"‪ ،‬غري أنه وبالرجوع إىل قانون اإلجراءات اجلزائية وبتأمل املواد املتعلقة‬

‫‪110‬‬
‫بقواعد اإلثبات اجلزائي‪ ،‬جند أن املشرع اجلزائري يعترب القرائن القضائية مثل سائر عناصر اإلثبات األخرى‬
‫مرتوكة لسلطة القاضي التقديرية‪ ،‬طبقا ملبدأ حرية القاضي يف اإلثبات وفقا القتناعه الشخصي‪ ،‬ويستفاد‬
‫ذلك ضمنيا من خالل املادة ‪ 212‬من قانون اإلجراءات اجلزائية اجلزائري بنصها على أنه" جيوز إثبات‬
‫اجلرائم‪ ،‬بأي طريق من طرق اإلثبات‪ ،‬ما عدا األحوال اليت مل ينص فيها القانون على غري ذلك‪ ،‬وللقاضي‬
‫أن يصدر حكمه تبعا القتناعه اخلاص"(‪.)09‬‬
‫أما املشرع الفرنسي فقد تطرق للقرينة القضائية مبوجب املادة ‪ 1353‬من القانون املدين الفرنسي‬
‫بنصها على أن‪" :‬القرائن اليت مل ينص عليها القانون ترتك لنظر القاضي وتقديره‪ ،‬وال جيوز أن يأخذ إال‬
‫بالقرائن قوية الداللة دقيقة التحديد ظاهرة التوافق‪ ،‬وال يأخذ هبا إال يف األحوال اليت جييز فيها القانون‬
‫اإلثبات بالبينة ما مل يطعن يف التصرف بالغش أو التدليس"(‪.)10‬‬
‫ثانيا‪ :‬موقف القضاء من تعريف القرينة القضائية‪ :‬عرفت حمكمة النقض املصرية القرائن القضائية‬
‫بأهنا‪ ":‬ما يستخلصه القاضي من أمر معلوم للداللة على أمر جمهول‪ ،‬وهي أمارة ظاهرة تفيد العلم عن طريق‬
‫االستنتاج مبا ال يقبل شكا أو احتماال"(‪.)11‬‬
‫أما يف اجلزائر فان احملكمة العليا مل تتطرق إىل تعريف القرينة القضائية‪ ،‬إال أن القضاء قد طبقها يف‬
‫العديد من أحكامه‪ ،‬وجواز االعتماد عليها كوسيلة إثبات على غرار وسائل اإلثبات األخرى‪ ،‬حيث قضت‬
‫يف إحدى قراراهتا بأنه‪ ":‬يكفي لقناعتها وتكوين عقيدهتا وهي غري ملزمة بأن تسرتشد يف قضائها بقرائن‬
‫معينة‪ ،‬بأن هلا مطلق احلرية يف تكوين عقيدهتا وقناعتها بأية بينة أو قرينة يرتاح إليها ضمريها ويؤدي إىل‬
‫النتيجة اليت اجتهت إليها مبنطق سائغ وسليم"(‪.)12‬‬
‫ثالثا‪ :‬تعريف القرينة القضائية في الفقـه‪ :‬لقد برز يف الفقه اجلنائي الوضعي عدة تعريفات للقرينة‬
‫القضائية حيث يعرفها بعض الشراح بأهنا‪ ":‬استنباط القاضي لواقعة جمهولة من وقائع معلومة‪ ،‬حبيث يكون‬
‫االستنباط ضروريا حبكم اللزوم العقلي واملنطقي وبعبارة أخرى القرينة القضائية هي النتيجة اليت يتحتم على‬
‫القاضي أن يستخلصها من واقعة معينة"(‪.)13‬‬

‫‪111‬‬
‫ويعرفها البعض األخر بأهنا‪ ":‬استنباط الواقعة اجملهولة املراد إثباهتا من واقعة أخرى ثابتة‪ ،‬وهذا‬
‫االستنباط يقوم على صلة منطقية بني الواقعتني واستخالصها يتم بعملية ذهنية يربط فيها القاضي حبكم‬
‫الضرورة املنطقية وباللزوم العقلي بني واقعة معينة والواقعة املراد إثباهتا"(‪.)14‬‬
‫وعلى هدي ذلك ميكن تعريف القرينة القضائية على أهنا ما يستنبطه القاضي من واقعة جمهولة يريد‬
‫إثباهتا بداللة الواقعة املعلومة لصلة بينهما مستمدة حبكم الضرورة املنطقية واللزوم العقلي‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬خصائص القرينة القضائية‬
‫تتسم القرينة القضائية خبصائص عديدة تنفرد هبا عن باقي األدلة األخرى‪ ،‬واليت جنملها على النحو‬
‫التايل‪:‬‬
‫أوال‪ -‬القرينة القضائيـة دليل إثبات غير مباشر‬
‫ذلك ألن اإلثبات هبا يف املواد اجلنائية ال ينصب بصفة مباشرة على الواقعة األصلية املراد إثباهتا‪ ،‬وإمنا‬
‫ينصب على واقعة أخرى جماورة هلا ومعلومة‪ ،‬تكون بينها وبني الواقعة األصلية صلة سببية منطقية‪ ،‬مىت ثبتت‬
‫أمكن االستدالل هبا على ثبوت الواقعة األصلية‪ ،‬ونسبتها إىل املتهم (‪.)15‬‬
‫ثانيا‪ -‬القرينة القضائية تقبل إثبات العكس‬
‫إن القرينة القضائية تعترب دليل غري قاطع يف اإلثبات‪ ،‬ألهنا أضعف األدلة‪ ،‬وميكن إثبات عكس‬
‫داللتها بقرينة قضائية مثلها أو مبا هو أقوى من باب أوىل(‪ ،)16‬وتقدير ذلك يعود للقاضي اجلنائي‬
‫وقناعته(‪.)17‬‬
‫ثالثا‪ -‬القرينة القضائية دليل عقلي وايجابي‬
‫ومعىن ذلك أن القاضي حىت يصل للقرينة حيتاج إىل بذل جهد عقلي وفكري شاق حىت يستطيع أن‬
‫يستنبط الدليل من الواقعة الثابتة على الواقعة املراد إثباهتا‪ ،‬فيتوصل بداللة الواقعة املعلومة إىل كشف الواقعة‬
‫اجملهولة (‪.)18‬‬

‫‪112‬‬
‫أما اإلجيابية فهي تعين إمكانية املتهم أو اخلصم على تقدمي الواقعة األساسية للقرينة القضائية‪،‬‬
‫وكذلك على االستنباط منها‪ ،‬مبعىن أن املتهم هو الذي يستجمع عناصرها‪ ،‬ويتقدم إىل القاضي باستنباط‬
‫الواقعة املطلوب استخالصها منها(‪)19‬‬
‫رابعا‪ -‬القرينة القضائية قرينة موضوعية أو شخصية‬
‫القرينة القضائية تتصف إما بطابعها املوضوعي أو الشخصي‪ ،‬فإذا كانت مبنية على وقائع ثابتة وعلى‬
‫استنباط غريها منها اعتربت قرينة موضوعية‪ ،‬أما إذا كانت مبنية على صفة يف شخص كانت قرائن شخصية‬
‫(‪.)20‬‬
‫خامسا‪ -‬استحالة حصر القرائن القضائية‬
‫القرائن القضائية ال تقع حتت حصر ألهنا تستنتج من وقائع كل دعوى وظروفها(‪ ،)21‬وختتلف من‬
‫قضية إىل أخرى‪ ،‬وألهنا تبىن أساسا على واقعة ثابتة خمتارة‪ ،‬فان القرائن تتنوع بقدر تنوع تلك الوقائع‪ ،‬أي ال‬
‫حصر هلا(‪)22‬‬
‫سادسا‪ -‬السلطة المطلقة للقاضي في اعتماد الوقائع التي يتخذها أساسا الستنباطه‬
‫لقاضي املوضوع سلطة مطلقة يف اعتماد الوقائع الثابتة اليت يبين عليها استنباطه‪ ،‬فالقاضي وحده‬
‫ويف مجيع األحوال مطلق السلطة يف اعتماد هذا االختيار من عدمه‪ ،‬ألن ذلك حقه الذي يستند إليه يف‬
‫تكوين عقيدته‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أهمية القرينة القضائية في اإلثبات الجنائي‬
‫يتجه غالبية الشراح إىل اعتبار القرائن القضائية من أهم طرق اإلثبات يف املواد اجلنائية اليت يعتمد‬
‫عليها‪ ،‬سواء وحدها أو لتعزيز عناصر اإلثبات األخرى‪ ،‬وتزداد هذه األمهية خصوصا مع الثورة العلمية اهلائلة‬
‫اليت تشهدها خمتلف العلوم املتصلة بفحص الدالئل‪ ،‬وملعاجلة هذين العنصرين‪ ،‬اعتمدت الفرعني التاليني‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أهمية القرائن القضائية باعتبارها دليل إثبات قائم بذاته‬
‫تكون القرائن القضائية على درجة كبرية من األمهية عندما تكون دليال قائما بذاته‪ ،‬ومعىن ذلك أنه‬
‫ميكن للقاضي أن يعتمد على القرينة القضائية وحدها كدليل إثبات أصيل وكايف(‪ ،)23‬يف استخالص ما‬

‫‪113‬‬
‫تؤدي إليه بطريق االستنتاج واالستقراء‪ ،‬دون أن تكون معززة بأدلة أخرى‪ ،‬ويكون احلكم الذي يستند إليها‬
‫سليما طاملا كان استخالصه للنتيجة اليت وصل إليها مستساغا عقال ومنطقا(‪.)24‬‬
‫فقد يرتكب اجلاين جرمية معينة ويعمل على طمس معاملها‪ ،‬وإبعاد أي دليل يتصل هبا‪ ،‬وليس ذلك‬
‫بأمر صعب على اجملرمني خاصة اليوم نتيجة التقدم العلمي الذي استغله اجلناة يف استخدام املبتكرات‬
‫العلمية احلديثة‪ ،‬األمر الذي نتج عنه تعدد وتنوع أساليب ارتكاب اجلرمية وخروجها من شكلها التقليدي إىل‬
‫شكلها العلمي احلديث‪ ،‬مما أدى إىل صعوبة إقامة الدليل على ارتكاهبا باألساليب التقليدية لإلثبات(‪،)25‬‬
‫اليت أضحت عقيمة بالنسبة لإلثبات اجلنائي(‪)26‬‬
‫وقد أصبح نطاق القرائن القضائية كدليل قائم بذاته واسعا يف العصر احلديث نظرا للتطور العلمي‬
‫الذي تشهده خمتلف العلوم املتصلة بتحليل الدالئل املادية واملعنوية‪ ،‬مما حدى من نسبة اخلطأ يف االستنباط‬
‫الذي تقوم على أساسه هذه القرائن‪ ،‬حيث أتاح السبيل الكتشاف مجيع القرائن بفضل إخضاعها ألساليب‬
‫الفحص العلمي الدقيق واستخالص داللتها واالستعانة هبا يف إثبات اجلرمية(‪ ،)27‬حىت صار طبيعيا للغاية‬
‫أن يوصف اإلثبات القضائي املعاصر باإلثبات العلمي(‪.)28‬‬
‫ومن مستحدثات الوسائل العلمية احلديثة اليت ميكن للقاضي اجلنائي االعتماد عليها مبفردها لتكوين‬
‫قناعته القضائية يف جمال إسناد اجلرمية ملرتكبها أو نفيها عنه دون احلاجة إىل تعزيزها بأدلة إثبات أخرى‪،‬‬
‫وهذا النوع من األدلة العلمية يستمد صحته من خصائص فردية وذاتية ينفرد هبا كل إنسان عن غريه‪،‬‬
‫كبصمة اإلصبع وبصمة الصوت وبصمة احلمض النووي ‪ ،DNA‬والبقع الدموية واملنوية‪ ،‬وأثار األقدام‬
‫والشعر واألسنان‪ ،‬وأجهزة كشف اخلطوط‪ ،‬واألشعة فوق البنفسجية‪ ،‬والتحليل النووي‪ ،‬والتصوير اجلنائي‬
‫والتسجيل الصويت(‪.)29‬‬
‫ومل تقتصر اخلربات والبحوث عن األدلة املادية فقط‪ ،‬بل امتدت لتشمل األدلة املعنوية‪ ،‬كضبط‬
‫املراسالت واحملادثات السلكية والالسلكية وتسجيل األحاديث الشخصية‪ ،‬وغريها من الوسائل العلمية‬
‫احلديثة(‪.)30‬‬

‫‪114‬‬
‫أما بالنسبة ملوقف التشريع اجلنائي اجلزائري حول النص على بعض الوسائل العلمية احلديثة‬
‫واالستفادة منها يف استنباط القرائن القضائية‪ ،‬فاملالحظ أن املشرع اجلزائري فيما خيص قرينة بصمة األصابع‬
‫مل يورد أي نص يف قانون العقوبات أو قانون اإلجراءات اجلزائية جييز استخدام بصمات األصابع يف‬
‫اإلثبات اجلنائي على خالف ما هو مقرر يف القانون املدين‪ ،‬حني أجاز اعتماد بصمات األصابع كدليل‬
‫إثبات‪ ،‬وهذا مبوجب املادة ‪ 324‬مكرر ‪ 02‬فقرة ‪.02‬‬
‫أما بالنسبة ملوقف القضاء اجلزائري فانه على عكس التشريع اجلنائي‪ ،‬فقد أجاز اعتماد قرائن‬
‫بصمات األصابع يف جمال اإلثبات اجلنائي‪ ،‬ولكن ليس مبفردها‪ ،‬ولكن ال بد من وجود أدلة أخرى ذات‬
‫طابع قضائي تدعمها وتشد من أزرها‪ ،‬وهذا مبوجب إحدى القرارات الصادرة عن احملكمة العليا يف هذا‬
‫الشأن مؤداه‪" :‬إن وجود البصمات وحدها يف جرمية ما ال ترقى إىل دليل وإمنا تعد قرينة حتتاج إىل دليل‬
‫قضائي يدعمها"(‪.)31‬‬
‫أما بالنسبة لقرينة البصمة الوراثية‪ ،‬فانه وبالنظر اىل كون نتائجها قطعية اىل حد بعيد‪ ،‬فقد استدرك‬
‫املشرع اجلزائري النقص التشريعي وقام بإصدار القانون رقم‪ 03-16 :‬املؤرخ يف‪ 19 :‬يونيو ‪ 2016‬املتعلق‬
‫باستعمال البصمة الوراثية يف اإلجراءات القضائية والتعرف إىل األشخاص وضمنه عشرون مادة(‪،)32‬‬
‫وبذلك يكون املشرع اجلزائري قد حسم املوقف بإجازة استخدام البصمة الوراثية‪ ،‬وقبوله هلذه القرينة يف‬
‫اإلثبات اجلنائي‪ ،‬نظرا ملا تتسم به هذه األخرية من خصوصية وقطعية متيزها عن غريها من أعمال اخلربة‪.‬‬
‫أما بالنسبة ملوقف القضاء فقد كرست احملكمة العليا استخدام البصمة الوراثية ضمن إحدى قراراهتا‬
‫مفاده‪" :‬يتعني على جهيت التحقيق اللجوء إىل خربة حتليل احلمض النووي(‪ ،(ADN‬عندما يكون ذلك‬
‫ضروريا"(‪.)33‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أهمية القرائن القضائية كدليل معزز ألدلة اإلثبات األخرى‬
‫ان القرينة القضائية هبذا املوضع ال تدل مبفردها على الواقعة وإمنا توجد إىل جانبها أدلة أخرى‬
‫وعندئذ ستكون القرينة القضائية املعيار الذي يوازن به القاضي بني األدلة املختلفة ونقطة الثقل اليت يرجح‬
‫على ضوئها القاضي أدلة اإلثبات على أدلة النفي أو العكس‪ ،‬مبعىن تربز أمهيتها من ناحية تعزيز أدلة‬

‫‪115‬‬
‫اإلثبات األخرى‪ ،‬وإيضاح ذلك ضمن الشرح التايل‪ -01 :‬دور القرائن القضائية في تعزيز االعتراف‪:‬قد‬
‫يكون االعرتاف صادقا مطابقا للحقيقة‪ ،‬وقد يكون كاذبا‪ ،‬ونتيجة لذلك فاالعرتاف كغريه من وسائل‬
‫اإلثبات األخرى مرتوك للتقدير احلر للقاضي حسب قناعته الشخصية‪ ،‬ومن هنا تأيت أمهية القرائن‬
‫القضائية‪ ،‬هلذا كان على القاضي اجلنائي البحث عن عناصر أخرى لالستدالل هبا على مدى صحة‬
‫اعرتاف املتهم من كذبه ومدى مطابقة أقواله للحقيقة‪ ،‬يف إطار مبدأ اإلقناع الشخصي للقاضي‬
‫اجلنائي(‪.)34‬‬
‫فالقاضي اجلنائي يستدل بالقرائن يف تأكيد صحة االعرتاف أو دحضه‪ ،‬من خالل استظهار جوانب‬
‫اإلكراه اليت أحاطت باملتهم‪ ،‬والتأكد من صدق أقواله‪ ،‬وفحصه طبيا ونفسيا‪ ،‬وقد يعرتف املتهم على نفسه‬
‫كذبا لقاء مكافأة مالية‪ ،‬أو كمربر للتخفيف عنه يف حالة ثبوت مجيع األدلة ضده‪ ،‬كما قد يكون الدافع‬
‫لذلك هو التماس السجن لفرج العيش الضيق‪ ،‬أو ختليص الفاعل احلقيقي حبكم الصلة أو تضامنا معه‪،‬‬
‫ومن هنا يأيت دور القرائن القضائية يف تعزيز صدق االعرتاف‪ ،‬أو دحضه لثبوت كذبه وفقا للتصور املنطقي‬
‫والعقلي لألمور(‪.)35‬‬
‫وبالنتيجة فالقرائن تكون مبثابة الرقيب للتأكد من صدق االعرتاف أو كذبه‪ ،‬ويبقى األمر مرتوكا‬
‫لقناعة القاضي وهو ال يستطيع أن يأخذ به أو يستبعده إال بوجود أدلة أخرى أو قرائن تدعمه أو‬
‫تنفيه(‪ -02 .)36‬دور القرائن القضائية في تعزيز الشهادة‪ :‬ويتضح ذلك عندما يعرتي الشهادة ضعف‬
‫معني وال ميكن االطمئنان إليها‪ ،‬ولكن توجد قرائن تدعم هذه الشهادة وتعززها(‪ ،)37‬فالشهادة قد تكون‬
‫صادقة وهذا هو األصل‪ ،‬وقد تكون كاذبة خمالفة للحقيقة‪ ،‬وهلذا كان على القاضي أن يهتم بالشهادة‬
‫فيحقق فيها ويقومها ويتحرى قيمتها احلقيقية‪ ،‬ومن هنا كان للقرائن دور هام يف مساعدة القاضي يف عمله‪،‬‬
‫فقد تؤيد القرائن الشهادة وتعززها وتؤكد صدقها ومطابقتها للحقيقة وتشجع القاضي على اعتماد الشهادة‬
‫يف إصدار قراره (‪ ،)38‬وقد تكذب القرائن الشهادة‪ ،‬وتؤكد خمالفتها للحقيقة‪ ،)39( ،‬فالقرائن بالنسبة‬
‫للشهادة هي الضوء الذي ينري ضمري القاضي لكشف اآلثار املطلوبة من أجل الوصول إىل احلقيقة‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫هذا وتعد القرائن القضائية بالنسبة للشهادة أكثر صدقا من الشهود‪ ،‬ألن الوقائع ال تعرف الكذب‪،‬‬
‫فهي الشاهد الصامت الذي يشري بكل حواسه اىل مرتكب اجلرمية‪ ،‬فمن سلطة القاضي اجلنائي أن يدعم‬
‫اقتناعه بقرائن واضحة ومطابقة‪ ،‬وله تقدير قوهتا من الوقائع املعروضة وظروف الدعوى دون معقب عليه‬
‫(‪.)40‬‬
‫وعليه ميكن القول بأن عالقة القرائن القضائية بالشهادة عالقة قوية يف مجيع مراحل الدعوى‪ ،‬سواء‬
‫كانت كثرية أو منفردة‪ ،‬أو سليمة أو ملفقة‪ ،‬أو متناقضة‪ ،‬فالقرائن تكشف عن صدق الشهادة أو كذهبا‪،‬‬
‫فتعطي للقاضي قيمة اقناعية قوية إذا تأيدت الشهادة هبا وتضعف من تلك القيمة إذا تناقضت معها(‪.)41‬‬
‫‪ - 03‬دور القرائن القضائية في تعزيز الخبرة‪ :‬تشكل اخلربة دورا مهما يف املسائل اجلنائية‪،‬‬
‫باعتبارها مصدرا لكثري من القرائن العلمية يف جمال اإلثبات اجلزائي‪ ،‬ذلك ألن التطور العلمي قد وسع من‬
‫جمال االستفادة من القرائن‪ ،‬اليت يتم استنتاجها من الدالئل املادية‪ ،‬خاصة يف جمال حتقيق ذاتية اآلثار املادية‬
‫املضبوطة مبسرح اجلرمية‪ ،‬فمثل هذه املسائل تصعب على القاضي وضع تقرير مسبق هلا دون أن يكون لديه‬
‫معطيات صادقة أمينة‪ ،‬من خالل تقارير اخلرباء‪ ،‬فهي اليت متحص وتفند الوقائع عن طريق القرائن للتوصل‬
‫إىل احلقيقة(‪.)42‬‬
‫وإذا كان اخلبري يبدي رأيا فنيا حبتا حول مسألة ما‪ ،‬فانه يف نفس الوقت جيب أن ال ننسى دور‬
‫القاضي وخربته يف الكشف عن القرائن‪ ،‬إذ أنه يستطيع أن يبدي رأيه يف املسائل الفنية اليت ال حتتاج إىل‬
‫خربة إذا كانت واضحة‪ ،‬فقد تكون القرينة اليت يستنبطها القاضي دور مهم يف تعزيز رأي اخلبري‪ ،‬ومن مث‬
‫تسهم مجيعها لتكوين قناعة القاضي كشهادة شاهد‪ ،‬أو وجود عداء سابق بني اجلاين واجملين عليه‪ ،‬وكذلك‬
‫تربز أمهية القرائن يف حالة تناقض أراء اخلرباء‪ ،‬فاحملكمة هبذه احلالة ترجح التقرير الذي يكون مطابقا للوقائع‬
‫وتؤيده القرائن(‪.)43‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أركان القرينة القضائية وسلطة القاضي الجنائي في استنباطها‬
‫للوصول بعملية اإلثبات بالقرائن القضائية يف الدعوى اجلنائية‪ ،‬فان الدراسة تقتضي التطرق إىل حتديد‬
‫أركاهنا أوال‪ ،‬مث احلديث عن سلطة القاضي اجلنائي يف استنباط القرينة القضائية ثانيا‪ ،‬وذلك ضمن املطلبني‬
‫التاليني‪:‬‬
‫‪117‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أركان القرينة القضائية‬
‫تقوم القرينة القضائية على ركنني أساسيني‪ ،‬يتمثل األول بالركن املادي وهي الدالئل‪ ،‬ويتمثل الثاين‬
‫بالركن املعنوي وهو االستنباط‪ ،‬وسنتعرض لشرح هذين الركنني ضمن الفرعني التاليني‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الركن المادي(الدالئل)‬
‫إن الركن املادي للقرينة القضائية عبارة عن وقائع ثابتة خيتارها القاضي من بني الوقائع املعروضة عليه‬
‫يف الدعوى‪ ،‬وتسمى هذه الوقائع بالدالئل أو األمارات(‪ ،)44‬والوقائع املختارة إمنا هي متثل األمر املعلوم‬
‫الذي يستنبط منه القاضي األمر اجملهول املراد إثباته‪ ،‬فالدالئل هي جزء من القرينة القضائية وعنصر أساسي‬
‫يف تكوينها‪.‬‬
‫ومسيت هذه الوقائع بالدالئل ألهنا وقائع ذات داللة جنائية فلها صلة ودور ملموس يف القضية‬
‫اجلنائية القائمة باعتبارها وقائع ملوثة مبادية اجلرمية‪ ،‬وهي ذات قيمة متغرية يف اإلثبات‪ ،‬ألن صلتها باجلرمية‬
‫ليست على درجة واحدة من القوة واالستنباط‪ ،‬كما أهنا تتغري بظروف كل جرمية عن األخرى‪ ،‬فهي تتميز‬
‫حبسب طبيعتها أو بالنظر إىل ظروف وجودها بأن هلا داللة معينة على كشف الواقعة اجملهولة املراد إثباهتا‪،‬‬
‫وهذا سر اختيارها بالذات لتكون أساسا الستنباط القرينة منها‪ ،‬فإذا كانت الواقعة ال حتمل هذا املعىن بأن‬
‫كانت خالية من أية داللة جنائية‪ ،‬فإهنا ال تصلح أن تكون عنصرا ماديا للقرينة (‪.)45‬‬
‫وجيب التنويه على أن هناك بعض الدالئل تكون قوية الداللة حبيث أهنا تؤدي إىل قرائن قضائية قوية‬
‫يف اإلثبات‪ ،‬ومثاهلا وجود املسروق عند املتهم بالسرقة‪ ،‬فهذه األمارة تؤدي إىل قرينة قضائية تكون غالبا قوية‬
‫الداللة يف اإلثبات‪ ،‬بينما هناك دالئل أخرى ضعيفة بطبيعتها مثل سوابق املتهم القضائية فهي ال تؤدي يف‬
‫كثري من األحيان إىل نتائج قاطعة الداللة يف اإلثبات (‪.)46‬‬
‫وللقاضي حق اختيار أي واقعة يراها منتجة لالستدالل هبا بعد التقصي والتحقيق يف وقائع الدعوى‬
‫من مجيع جوانبها لتحديدها حتديدا دقيقا‪ ،‬حبيث تعطي للقاضي مؤشرا على ارتباطها أو صلتها بدرجة معينة‬
‫بالواقعة اجملهولة‪ ،‬حبيث يستنتجها القاضي باجتهاده وذكائه مبوضوعية وحرفية (‪.)47‬‬
‫وكما أن الدالئل هلا قيمتها يف اإلثبات‪ ،‬فقد تكون بقدر أقل من قيمة الدليل‪ ،‬فتكون الدالئل يف‬
‫هذه احلالة ذات دور تكميلي أو تعزيري ألدلة اإلثبات األخرى املوجودة يف الدعوى‪ ،‬ولذلك أطلق عليها يف‬
‫‪118‬‬
‫مثل هذه األحوال اسم القرائن التكميلية أو التعزيرية‪ ،‬أي قرائن على سبيل االستدالل لتوافر ظرف‬
‫معني(‪.)48‬‬
‫ويلجأ القاضي اجلنائي غالبا للدالئل من أجل أن يثبت بدقة الظروف اليت وقعت يف ظلها الوقائع‬
‫املرتكبة‪ ،‬من بينها املعاينات املادية لألماكن‪ ،‬بصمات األصابع املوجودة يف مسرح اجلرمية‪ ،‬اآلثار املادية‪،‬‬
‫الشعر‪ ،‬حتليل الدم‪ ،‬وغريها من الدالئل األخرى(‪ ،)49‬وتصنف الدالئل بصفة عامة اىل نوعني رئيسيني‬
‫ومها‪:‬دالئل مادية ودالئل معنوية(‪.)50‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الركـ ـ ـن المعنـ ـوي(اإلستنباط)‬
‫إن وجود الواقعة املعلومة الثابتة ال يعد قرينة حبد ذاته‪ ،‬فالدالئل وحدها مهما كانت درجتها يف‬
‫اإلثبات وتعددها‪ ،‬فإهنا ال تعترب دليال كامال إلدانة املتهم‪ ،‬بل البد من أن يقرتن وجود هذه الواقعة أو‬
‫الدالئل بعملية ذاتية قائمة على أسس عقلية ومنطقية يضطلع هبا القاضي اجلنائي وتشكل هذه العملية مبا‬
‫يعرف بعنصر االستنباط للقرينة القضائية‪ .‬وقد سبق وقلنا عند تعريف القرينة القضائية‪ ،‬بأهنا استنباط‬
‫القاضي لواقعة جمهولة من الواقعة املعلومة‪ ،‬حبيث يكون هذا االستنباط ضروريا حبكم اللزوم العقلي‬
‫واملنطقي(‪ ،)51‬ومعىن ذلك أن عملية االستنباط اليت يقوم هبا القاضي هي اليت تكون الركن املعنوي للقرينة‬
‫القضائية‪ ،‬ويتجسد هذا العنصر يف حقيقة األمر من خالل االقتناع الشخصي للقاضي(‪.)52‬‬
‫واالستنباط هو استخالص نتيجة مؤكدة من مقدمات يقينية‪ ،‬فالوقائع املعلومة اليت يتم االستنباط‬
‫منها هي املقدمات اليقينية‪ ،‬مبعىن جيب أن تكون ثابتة على سبيل التأكيد إذ ال يصح إقامة دليل على واقعة‬
‫مشكوك فيها(‪ ،)53‬فاالستنباط ميثل العملية الفكرية اليت يقوم هبا القاضي عن طريق إعمال الفكر واملنطق‪،‬‬
‫بعد أن خيتار الواقعة الثابتة اليت متثل الركن املادي للقرينة‪ ،‬إذ عليه أن يستنبط من هذه الواقعة الثابتة الواقعة‬
‫اليت يراد إثباهتا فيصل إىل النتيجة اليت يريدها‪ ،‬وبذلك تكون الواقعة املعلومة قرينة على الواقعة اجملهولة(‪،)54‬‬
‫ولذلك فان هذه العملية تتطلب من القاضي قدرا من الدقة يف املالحظة‪ ،‬والذكاء‪،‬والفطنة‪ ،‬يف معاجلة‬
‫الوقائع وتقييمها وبيان جوانب االتفاق واالختالف فيها(‪.)55‬‬

‫‪119‬‬
‫ومنه فان جوهر عملية االستنباط يتمثل برتتيب النتائج على املقدمات‪ ،‬ذلك أن القاضي يعتمد على‬
‫ظروف الواقعة املعلومة ومالبساهتا اليت تكون مدارا للقناعة القضائية والتقدير العقلي واملنطقي‪ ،‬فمسألة‬
‫استنباط القرينة‬
‫ينبغي أن تكون دقيقة وحمكمة كي توصل إىل نتيجة سليمة تصلح فيما بعد لبناء حكم‬
‫صائب(‪.)56‬‬
‫وألن االستنباط مناطه فكر القاضي وفطنته وذكاؤه‪ ،‬فانه خيتلف باختالف القضاة الختالف‬
‫مداركهم وذكائهم يف تقدير الوقائع فمنهم من يكون استنباطه سليما فيستقيم له الدليل‪ ،‬ومنهم من يبتعد‬
‫استنباطه عن منطق الواقع‪ ،‬لذلك كانت القرينة القضائية من أسلم األدلة من حيث الواقعة الثابتة اليت يقع‬
‫عليها االستنباط‪ ،‬ومن أخطرها من حيث صحة االستنباط واستقامته(‪.)57‬‬
‫وهبذا فان االستنباط يعتمد أساسا على طريقة فهم القاضي للدالئل‪ ،‬وعلى تقديره لداللتها وعلى ما‬
‫يستقر يف عقيدته من يقني يف شأهنا‪ ،‬لذلك كان اخلطأ فيه حمتمال‪ ،‬حينما يسيء القاضي فهم هذه الدالئل‬
‫أو غاىل يف تقديرها‪ ،‬أو وقف عند املعىن احلريف‪ ،‬أو خضع لتأثريات إحيائية أو أراء سابقة(‪ ،)58‬وبالتايل قد‬
‫تكون النتيجة اليت يستنتجها مغلوطة‪ ،‬إال أن العيب هنا ليس يف الدليل نفسه‪ ،‬وإمنا هو يف تفكري القاضي‬
‫وخطأ القاضي يف تقييم القرينة‪ ،‬أو أن الدليل الذي استند إليه ال يشكل مسألة قانونية‪ ،‬فهو من مجلة‬
‫الوقائع اليت يستقل القضاة بتقديرها(‪.)59‬‬
‫وعلى هدي ما سبق يتضح بأن عملية استنباط القاضي للقرينة مير بثالث مراحل‪ ،‬فهي تستلزم أوال‬
‫إثباتا كامال للواقعة اليت تستمد القرينة منها‪ ،‬وبعد ذلك يستظهر العالقة املنطقية بني هذه الواقعة وبني‬
‫الواقعة األخرى اليت يراد إثباهتا‪ ،‬وإذا كانت يف الدعوى أدلة أخرى كاالعرتاف والشهادة فانه يتحرى مدى‬
‫املالئمة بينها وبني القرينة‪ ،‬فإذا تبينت هذه املالئمة فمن غري شك يتحصل القاضي على داللة‬
‫القرينة(‪.)60‬‬
‫لقد ترك املشرع للقاضي احلرية كاملة يف االستنتاج عن طريق االستنباط‪ ،‬ومل يقيده بأي قيد‪ ،‬ومل‬
‫يشرتط إال أن يكون مرتكزا على الواقعة املختارة‪ ،‬وان يكون متماشيا مع العقل واملنطق‪ ،‬فكل ما يقتنع به‬

‫‪120‬‬
‫القاضي حيكم مبقتضاه‪ ،‬وهو يف واقع األمر ال يأخذ إال بالواقعة القوية يف داللتها‪ ،‬واملتصلة بالواقعة املراد‬
‫إثباهتا اتصاال وثيقا وحمكما‪ ،‬حبيث يؤدي استنباطه منها اىل ما سيقضي به مباشرة(‪.)61‬‬
‫وهناك مسألة هامة جيب التنويه هبا مفادها أن الركن املعنوي للقرينة القضائية يقوم على فكرة قوامها‬
‫الغالب الراجح كأساس جوهري عند االستنباط‪ ،‬وأن هذا الراجع الغالب يؤدي إىل احتمال قوي‪ ،‬وهذا ال‬
‫ينفي وجود القليل النادر الذي يعد مبثابة شك مقرتن هبذا االحتمال القوي(‪.)62‬‬
‫غري أنه يف جمال اإلثبات اجلزائي ال بد لتكوين دليل القرينة القضائية من ترقية هذا االحتمال القوي‬
‫إىل درجة القطعية واليقني املؤكد‪ ،‬الذي ال حيتمل الشك أو الظن‪ ،‬ولن يتأتى ذلك إال عن طريق وقائع‬
‫أخرى غري تلك اليت تولد عنها ذلك االحتمال القوي‪ ،‬وال بد هنا من ضرورة تدخل اقتناع القاضي(‪.)63‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬سلطة القاضي الجنائي في استنباط القرينة القضائية‬
‫إن دراسة سلطة القاضي اجلنائي يف استنباط وتقدير القرينة القضائية‪ ،‬يستلزم بيان املسوغات اليت‬
‫أدت إىل بروز مثل هذه السلطة أوال‪ ،‬وحتديد القيود الواردة على هذه السلطة أثناء قيامه باستنباط القرينة‬
‫القضائية ثانيا‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬مسوغات سلطة القاضي الجنائي في استنباط القرينة القضائية‬
‫تستند سلطة القاضي اجلنائي يف استنباط القرينة القضائية إىل مجلة من املسوغات تتمثل يف ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ -‬حرية القاضي الجنائي في االقتناع‬
‫يعترب مبدأ حرية القاضي اجلنائي يف االقتناع من أهم املبادئ املستقرة يف نظرية اإلثبات اجلنائي بصفة‬
‫عامة‪ ،‬ويعترب هذا املبدأ القاعدة الرئيسية يف التشريعات اجلزائية احلديثة‪ ،‬حيث ال تكاد ختلو القوانني الوضعية‬
‫املقارنة من النص عليه(‪ ،)64‬ويقصد هبذا املبدأ أن للقاضي اجلنائي حرية االستعانة يف قبول أي دليل يطرح‬
‫أمامه يف الدعوى‪ ،‬فله أن يأخذ بالدليل الذي اطمأن إليه ويعتقد بصحته‪ ،‬وأن يطرح أي دليل ال يطمئن‬
‫إليه‪ ،‬فهو غري مقيد بأدلة حمددة قانونا(‪ ،)65‬مبعىن أن القاضي اجلنائي يقدر حبرية قيمة األدلة املقدمة إليه‪،‬‬
‫فضال عن ذلك حريته يف االستعانة بأي دليل يراه ضروريا لتكون قناعته(‪.)66‬‬

‫‪121‬‬
‫وقد تبىن املشرع اجلزائري مبدأ حرية القاضي يف االقتناع الشخصي مبوجب املادة ‪ 212‬من قانون‬
‫اإلجراءات اجلزائية واليت تنص على أنه‪ ":‬جيوز إثبات اجلرائم بأي طريق من طرق اإلثبات ما عدا األحوال‬
‫اليت ينص فيها القانون على غري ذلك‪ ،‬وللقاضي أن يصدر حكمه تبعا القتناعه اخلاص"‪.‬‬
‫ومن خالل املواقف التشريعية‪ ،‬جند أن مبدأ القناعة القضائية‪ ،‬الذي يسود نظم اإلثبات اجلنائي‪ ،‬يف‬
‫ظل هذه القوانني‪ ،‬يتيح اجملال أمام القاضي اجلنائي اللجوء إىل القرائن القضائية واالستعانة هبا يف جمال‬
‫اإلثبات‪ ،‬ذلك ألن القرائن القضائية هي اجملال الرحب الذي تتجسد فيه حرية القاضي يف الوصول إىل‬
‫تكوين قناعته‪ ،‬وهي عنصر اإلثبات الذي يتبلور من خالله مبدأ اقتناع القاضي بكل جالء‪ ،‬باعتباره املصدر‬
‫الذي تنبع منه وأهم عنصر فيها(‪.)67‬‬
‫والقاضي حني يقوم باستنتاج القرينة بطريق االستنباط‪ ،‬فهو ينبع من ذاته معربا عن قناعته‬
‫الشخصية‪ ،‬كما أن بعض القرائن اليت يستنتجها القاضي من وقائع الدعوى املعروضة عليه قد تشكل يف‬
‫بعض األحيان عناصر إثبات‪ ،‬ويف أحيان أخرى تكمل وتؤكد األدلة األخرى‪ ،‬ويف احلالتني تشكل القرائن‬
‫عناصر لإلثبات ختضع يف تقديرها حلرية القاضي مثل بقية األدلة األخرى‪ ،‬وذلك كنتيجة منطقية ملبدأ‬
‫االقتناع الشخصي للقاضي(‪.)68‬‬
‫وقد أكد القضاء اجلنائي على مبدأ االقتناع الشخصي للقاضي‪ ،‬حيث كرست احملكمة العليا يف‬
‫اجلزائر يف العديد من قراراهتا‪ ،‬هلذا املبدأ بقوهلا على أنه‪" :‬جيوز لقضاة االستئناف أن يأخذوا بالدليل الذي‬
‫يرونه صاحلا لتدعيم اقتناعهم على شرط أن يكون له أصل ثابت يف أوراق الدعوى‪ ،‬وأن يعللوا قضاءهم‬
‫تعليال كافيا"(‪.)69‬‬
‫وهكذا يتضح لنا مما تقدم بأن السند الرئيسي لسلطة القاضي اجلنائي يف استنباط القرينة القضائية‬
‫هو مبدأ حرية القاضي اجلنائي يف االقتناع‪ ،‬إذ أن هذا املبدأ يتيح للقاضي اجلنائي احلرية والسلطة املطلقة يف‬
‫اختيار أو اعتماد الوقائع اليت يتخذها أساسا الستنباط القرينة القضائية‪ ،‬فذلك حقه الذي يستند إليه يف‬
‫تكوين عقيدته‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫ثانيا‪ -‬الدور اإليجابي للقاضي الجنائي في البحث عن دليل القرينة‬
‫تعد سلطة القاضي اجلنائي يف استنباط القرينة القضائية نتيجة ضرورية مرتتبة على ما يتمتع به‬
‫القاضي اجلنائي من دور اجيايب إزاء اإلثبات اجلنائي‪ ،‬إذ ال يقتصر دوره على جمرد تقييم ووزن األدلة اليت‬
‫يقدمها أطراف الدعوى اجلزائية‪ ،‬كما هو احلال بالنسبة للقاضي املدين‪ ،‬حيث يكون دوره سليب‪ ،‬أما دور‬
‫القاضي اجلنائي فيتعدى ذلك بكثري‪ ،‬حيث ان اإلثبات اجلنائي ال يرتك لتقدير اخلصوم‪ ،‬بل يؤدي فيه‬
‫القاضي اجلنائي دورا اجيابيا‪ ،‬فهو ملزم بالبحث عن احلقيقة ولذلك جيب أن يبحث عن كل األدلة املفيدة‬
‫لتكوين عقيدته‪ ،‬فيتحرى املوضوعية واحلقيقة بالطرق كافة دون التقيد بأدلة حمددة(‪ ،)70‬فيتعني عليه اختاذ‬
‫املبادرات الضرورية عندما تكون أدلة وقرائن اإلثبات اليت مجعها غري كافية من أجل تربير قراره‪ ،‬ومن بينها‬
‫قيام القاضي اجلنائي مبناقشة األدلة والقرائن املعروضة يف القضية‪ ،‬وله استظهارا للحقيقة أن يأمر بأي إجراء‬
‫أو أي تدبري للوصول إىل هذه الغاية(‪.)71‬‬
‫ثالثا‪ -‬اعتماد اإلثبات في المواد الجنائية على القرائن القضائية‬
‫تستمد القرائن القضائية أمهيتها يف اإلثبات اجلنائي من مبدأ حرية االقتناع للقاضي اجلنائي‪ ،‬حيث‬
‫يرى العديد من الفقهاء أن أهم مربر ملبدأ االقتناع القضائي يكمن يف االعتماد الكبري على القرائن القضائية‬
‫يف جمال اإلثبات اجلنائي نظرا لصعوبة اإلثبات اجلنائي‪ ،‬وال يبقى أمام القاضي إال استنتاج القرائن القضائية‬
‫واالعتماد عليها كليا للوصول إىل احلقيقة‪ ،‬لذا كان من الطبيعي أن تكون للقاضي احلرية الكاملة واملطلقة يف‬
‫استنتاج القرائن القضائية من الدالئل املتنوعة(‪ ،)72‬سواء ما كان منها ماديا أو معنويا‪ ،‬وأن هذا اجملال‬
‫الرحب الستنتاج القرائن القضائية واستحالة حتديده وضبطه هو من أهم األسباب اليت أدت إىل اللجوء إىل‬
‫مبدأ االقتناع الشخصي للقاضي اجلنائي‪ ،‬باعتباره األسلوب اليت تنعدم فيه كل القيود اليت تعيق القاضي‬
‫للوصول إىل احلقيقة(‪.)73‬‬

‫‪123‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ضوابط سلطة القاضي الجنائي في استنباط وتقدير القرينة القضائية‬
‫األصل أنه ال توجد قيود أو شروط على حرية القاضي أثناء قيامه باستنباط القرينة القضائية‪ ،‬فإمجاع‬
‫الشراح‪ ،‬وكذلك املشرع‪ ،‬اتفقوا على أن يرتك للقاضي احلرية كاملة يف استنباط القرائن القضائية‪ ،‬ويف سلطة‬
‫تقدير قيمتها يف اإلثبات‪ ،‬ومن مث يسري عليها ما يسري على سائر أدلة اإلثبات اجلنائية‪ ،‬فكل ما يقتنع به‬
‫القاضي يف تكوين عقيدته حيكم مبقتضاه‪ ،‬ومل يشأ أن يقيده بأي قيد‪ ،‬سواء يف اختياره للواقعة الثابتة اليت‬
‫يعتمدها أساسا لالستنباط‪ ،‬أو يف عملية االستنباط ذاهتا‪ ،‬وحسنا فعل املشرع فلكل قضية ظروفها‬
‫ومالبساهتا(‪.)74‬‬
‫وإذا كان للقاضي حبسب األصل يتمتع هبذه احلرية يف استنباط القرينة القضائية ويف سلطة تقدير‬
‫قيمتها يف اإلثبات إال أن هذه احلرية ليست مطلقة‪ ،‬بل هي مقيدة بضوابط معينة يلتزم هبا القاضي اجلنائي‪،‬‬
‫الغرض منها هو كفالة ممارسة تلك احلرية يف إطارها الصحيح‪ ،‬مبا يضمن الوصول إىل احلقيقة الفعلية‪ ،‬ومحاية‬
‫حقوق وحريات الدفاع‪ ،‬وهذه القيود منها ما هو وارد يف التشريع ومنها ما هو مستوحى من أراء الفقهاء‪،‬‬
‫ومنها ما هو مستلهم من أحكام القضاء(‪.)75‬‬
‫أوال‪ -‬الضوابط المتعلقة بوجوب التقيد بالقواعد العامة لإلثبات بالقرائن القضائية‪ -01 :‬وجوب‬
‫تأسيس اقتناع القاضي اجلنائي على قرائن مشروعة ومطروحة للمناقشة‪ -02 .‬وجوب تأسيس اقتناع‬
‫القاضي اجلنائي على القرائن املبنية على اجلزم واليقني‪ -03 .‬التزام القاضي اجلنائي بالتسبيب يف تقدير‬
‫القرائن‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬الضوابط المتعلقة بشأن الدالئل وعملية االستنباط‪ -01 :‬أن تكون الوقائع املختارة ثابتة‬
‫على سبيل التأكيد‪ -02 .‬أن تكون الوقائع املختارة أي الدالئل صحيحة غري مضللة أو مفتعلة‪ -03 .‬أن‬
‫تكون الوقائع املختارة دقيقة التحديد ومثرية لالحتماالت‪ -04 .‬وجود صلة ضرورية بني الواقعة املعلومة‬
‫والواقعة اجملهولة‪ -05 .‬أن تكون الواقعة املختارة ضمن وقائع الدعوى وليس خارجة عنها‪ -06 .‬أن يكون‬
‫االستنباط متماشيا ومتفقا مع العقل واملنطق‪.‬‬
‫‪ -07‬أن يكون استنتاج الواقعة اجملهولة متسقا ومتوافقا مع ظروف الواقعة واألدلة األخرى‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫‪ -08‬ال جيوز أن ينصب االستنباط على وقائع يعلم هبا القاضي علما شخصيا دون إيرادها يف أوراق‬
‫الدعوى‪.‬‬
‫خاتمـ ـ ـة‬
‫بعد عرض حبثنا الذي تناول موضوع حجية القرينة القضائية يف اإلثبات اجلنائي‪ ،‬ملا هلا من أمهية‬
‫خاصة يف العصر احلديث الذي تغريت فيه أمناط اجلرمية وظهور أنواع حديثة من اجلرائم مل تكن معروفة‪،‬‬
‫وهلذا بدت أمهية القرينة القضائية ومدى حجيتها يف اإلثبات اجلنائي‪ ،‬باعتبارها الشاهد الصامت‪ ،‬ووسيلة‬
‫من وسائل اإلثبات اليت نص عليها املشرع‪ ،‬وأخذ هبا القضاء والفقه‪ ،‬مبا يسهم يف صدق وجزم النتائج اليت‬
‫يتم استنباطها‪.‬‬
‫وبعد أن حددنا مفهوم القرينة القضائية‪ ،‬وأمهيتها يف اإلثبات اجلنائي‪ ،‬وتعرفنا على حدود سلطة‬
‫القاضي اجلنائي يف تقدير قيمتها يف اإلثبات‪ ،‬ينبغي أن نستعرض النتائج األساسية اليت خلص إليها البحث‬
‫هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى نبدي توصيات اليت نرى أن األخذ هبا سريسم حدودا واضحة تساعد‬
‫القاضي اجلنائي يف جمال االعتماد على القرينة القضائية كوسيلة إثبات يف املواد اجلزائية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬النتائـ ـ ـ ـ ـ ــج‬
‫‪ -01‬إن القرينة القضائية هي من صنع القاضي‪ ،‬أي ما يستنتجه القاضي من العالقة املنطقية اليت‬
‫تربط الواقعة‬
‫املعلومة بالواقعة اجملهولة املراد إثباهتا‪.‬‬
‫‪ -02‬إن املشرع اجلزائري مل يعرف ومل ينص على القرينة القضائية كوسيلة إثبات يف قانون اإلجراءات‬
‫اجلزائية‪ ،‬على غرار وسائل اإلثبات األخرى‪ ،‬غري أنه أكد على جواز االعتماد عليها كدليل إثبات شأهنا‬
‫شأن أدلة اإلثبات األخرى وذلك ضمن املبدأ العام الذي حيكم سلطة القاضي اجلنائي يف تقدير أدلة‬
‫اإلثبات املنصوص عليها يف املادة ‪ 212‬من قانون اإلجراءات اجلزائية اجلزائري‬
‫‪ -03‬للقرينة القضائية أمهية كبرية يف اإلثبات اجلنائي‪ ،‬سواء من الناحية العلمية نتيجة التقدم‬
‫العلمي‪ ،‬أو من الناحية العملية لتعزيز أدلة اإلثبات األخرى‪ ،‬كالشهادة واالعرتاف وغريها‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫‪ -04‬اعتماد اإلثبات يف املواد اجلنائية على القرائن القضائية‪ ،‬باعتبارها اجملال اخلصب اليت تتجسد‬
‫فيها مبدأ االقتناع الشخصي للقاضي اجلزائي‪. .‬‬
‫‪ -05‬إن املشرع اجلنائي اعترب القرينة القضائية من أدلة اإلثبات األصلية‪ ،‬ومل يعتربها دليل إثبات‬
‫ناقص‪ ،‬إذ مل ينص على عدم االعتماد على القرينة لوحدها يف اإلثبات مامل يؤيدها دليل أخر‪ ،‬حيث جند‬
‫أن احملكمة العليا ويف كثري من قراراهتا قد أخذت مببدأ عدم كفاية القرينة القضائية لوحدها كدليل إثبات‪.‬‬
‫‪ -06‬األصل أن للقاضي اجلنائي احلرية الكاملة يف استنباط القرائن القضائية وال يتقيد يف ذلك بأي‬
‫قيد‪ ،‬غري أن هذه احلرية ليست مطلقة بل هي مقيدة جبملة من الضوابط‪ ،‬ومنها وجوب تأسيس اقتناع‬
‫القاضي على القرائن املبنية على اجلزم واليقني والتزام القاضي بالتسبيب يف حكمه وان تكون عملية‬
‫االستنباط متفقة مع العقل واملنطق السليم‪.‬‬
‫‪ -07‬استقرار قضاء احملكمة العليا يف عديد القرارات على قبول القرائن كدليل إثبات بإمكان‬
‫القاضي اجلنائي االعتماد عليها يف اإلثبات‪ ،‬ضمن مبدأ تكوين قناعته الشخصية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التوصي ـ ــات‬
‫‪ -01‬النص يف قانون اإلجراءات اجلزائية اجلزائري بصفة صرحية على القرائن كدليل إثبات شأهنا يف‬
‫ذلك شأن بقية أدلة اإلثبات األخرى يف املسائل اجلنائية‪.‬‬
‫‪ -02‬أن يقلل املشرع اجلنائي يف تقرير القرائن القانونية‪ ،‬وأن يرتك للقاضي مهمة استنباط القرينة‬
‫طبقا لظروف كل حالة على حدة‪.‬‬
‫‪ -03‬من الضروري االهتمام بتخصص القاضي اجلزائي وذلك بتأهيله علميا وعمليا‪ ،‬اذ ينبغي أن‬
‫يشمل التخصص بالعلوم اليت هلا عالقة بالقانون اجلنائي اليت متكنه من االستنباط املنطقي العلمي للقرائن‬
‫اليت يستند إليها ويعتمد عليها يف حكمه‪ ،‬مبا يساعده يف الوصول اىل تكوين اقتناعه بصورة سليمة‪ ،‬ومن‬
‫بني هذه العلوم خاصة علم النفس اجلنائي وعلم اإلجرام والطب الشرعي‪.‬‬
‫‪ -04‬محاية األدلة املتحصل عنها من مسرح اجلرمية فور العثور عليها‪ ،‬وذلك بصدور تشريع يفرض‬
‫احلماية واحملافظة على كافة األدلة‪ ،‬حىت ال تضيع معاملها أو يكون عرضة للعبث‪ ،‬السيما القرائن املؤسسة‬

‫‪126‬‬
‫على أدلة علمية‪ ،‬حيث تشكل هذه األخرية حجة يعول عليها القضاء يف بناء أحكام اإلدانة أو الرباءة‪،‬‬
‫واليت أمكن بواسطتها كشف غموض كثري من اجلرائم اليت تستعصي على أي دليل أخر‪.‬‬
‫‪ -05‬ضرورة حتسيس القاضي اجلنائي وحثه على االستعانة واالستفادة من أساليب التقدم العلمي‬
‫يف كشف حقيقة اجلرمية ومرتكبيها‪ ،‬ومن أهم هذه األساليب اعتماد حتليل البصمة الوراثية أو احلمض‬
‫النووي (‪ )D.N.A‬املستحدث مبوجب القانون رقم‪ ،03-16:‬حيث أن قرينة البصمة الوراثية تشكل دليال‬
‫قوي يف جمال اإلثبات اجلنائي وتعطي نتائج يقينية‪ ،‬فهي يف كثري من األحيان تعد قرينة قضائية قاطعة ال‬
‫تقبل إثبات العكس‪.‬‬
‫‪ -06‬من الضروري اعتماد القضاء اجلزائري على األخذ بالقرينة املنفردة يف احلكم حينما تكون هي‬
‫الدليل الوحيد لإلدانة‪ ،‬والسيما عندما تكون متعددة ومتناسقة‪ ،‬طاملا كانت موافقة للعقل واملنطق‪ ،‬واعتبار‬
‫القرينة القضائية يف مرتبة متساوية مع بقية األدلة األخرى‪ ،‬بل أن ترتك لتقدير قيمتها يف اإلثبات لقاضي‬
‫املوضوع‬
‫التهميـش‬
‫(‪ -)01‬حممد طيب عمور‪ ،‬اإلثبات اجلزائي بالقرائن القضائية بني الشريعة والقانون‪ ،‬مقال منشور مبجلة األكادميية للدراسات‬
‫االجتماعية واإلنسانية‪ ،‬العدد ‪ ،2013-09‬جامعة الشلف‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫(‪ -)02‬حممود دبور‪ ،‬القرائن ودورها يف اإلثبات يف الفقه اجلنائي اإلسالمي(حبث مقارن)‪ ،‬دار الثقافة العربية‪ ،‬القاهرة ‪،2001‬‬
‫ص ‪.08‬‬
‫(‪ -)03‬عمرو العروسي‪ ،‬القرائن القضائية يف الفقه اجلنائي اإلسالمي‪ ،‬مكتبة الوفاء القانونية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫‪ ،2014‬ص ‪.149‬‬
‫‪(04)- Donnedieu de vabres:Traité de droit criminel et de et de législation pénale comparé, paris ,‬‬
‫‪1947, No. 1267, p. 730.‬‬
‫(‪ -)05‬أمحد فتحي سرور‪ ،‬الوسيط يف قانون اإلجراءات اجلزائية‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،1981 ،‬‬
‫ص ‪.347‬‬
‫(‪ -)06‬حممود حممود مصطفى‪ ،‬شرح قانون اإلجراءات اجلنائية‪ ،‬الطبعة احلادية عشر‪ ،‬مطبعة جامعة القاهرة والكتاب اجلامعي‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،1976 ،‬ص ‪.475‬‬
‫(‪ -)07‬زبدة مسعود‪ ،‬القرائن القضائية‪ ،‬دار األمل‪ ،2011 ،‬ص ‪.36‬‬
‫(‪ -)08‬حممود عبد العزيز حممود خليفة‪ ،‬ماهية القرائن القضائية يف اإلثبات اجلنائي‪ ،‬دار الكتاب احلديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪ ،2010‬ص ‪.162‬‬
‫(‪ -)09‬أحسن بوسقيعة‪ ،‬شرح قانون اإلجراءات اجلزائية اجلزائري‪ ،‬منشورات برييت‪ ،‬طبعة ‪.2008-2007‬‬

‫‪127‬‬
‫‪(10)- Art 1353" les présomptions que ne sont point étabies par la loi, sont abandonées aux lumiérs‬‬
‫‪Et la prudence du magistrate, qui ne doit admettre que les présomptions graves precises et‬‬
‫‪Concordantes et dant les cas sulement ou la loi admet les preuves testimonialés a, moinsque L’acte‬‬
‫‪ne soit attaque pour couse de fraude ou de dol".‬‬
‫(‪ -)11‬عبد احلكيم ذنون الغزايل‪ ،‬القرائن اجلنائية ودورها يف اإلثبات اجلنائي‪-‬دراسة مقارنة‪ -‬دار املطبوعات اجلامعية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬طبعة ‪ ،2009‬ص ‪.62‬‬
‫(‪ -)12‬قرار صادر عن احملكمة العليا بتاريخ‪ 1991/02/19 :‬ملف رقم‪ 83421 :‬غري منشور مشار إليه يف العريب شحط‬
‫عبد القادر ونبيل صقر‪ ،‬اإلثبات يف املواد اجلزائية‪ ،‬دار اهلدى‪ ،‬اجلزائر‪ ،2006 ،‬ص ‪.197‬‬
‫(‪ -)13‬أنظر يف ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬رؤوف عبيد‪ ،‬مبادئ اإلجراءات اجلنائية يف القانون املصري‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مطبعة هنضة مصر‪ ،1956 ،‬ص‪.727‬‬
‫‪ -‬أمحد فتحي سرور‪ ،‬أصول قانون اإلجراءات اجلنائية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،1969،‬ص ‪.332‬‬
‫(‪ -)14‬فاضل زيدان حممد‪ ،‬سلطة القاضي اجلنائي يف تقدير األدلة‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬الطبعة الثالثة‪ ،2010،‬دار الثقافة‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬ص ‪ 320‬و‪.321‬‬
‫(‪ -)15‬عبد احلكيم ذنون الغزايل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 77‬وأيضا حممود عبد العزيز خليفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.253‬‬
‫(‪ -)16‬أمحد نشأت‪ ،‬رسالة اإلثبات‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬ص ‪.425‬‬
‫(‪ -)17‬حسون عبيد هجيج وحيدر حسني علي‪ ،‬حدود سلطة القضاء اجلنائي يف جمال القرائن القضائية‪ ،‬جملة الكوفة للعلوم‬
‫القانونية والسياسية‪ ،‬السنة ‪ ،2015‬اجمللد األول‪ ،‬اإلصدار ‪ ،23‬جامعة الكوفة‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫‪)18(Anne Blandine Caire, Relecture du droit des présomptions a la lumière du droit européen des‬‬
‫‪droits de l’homme, Thèse de doctorat, Faculté de droit et de sciences économiques, Université de‬‬
‫‪limoges, 2010.p39.‬‬
‫(‪ -)19‬حسون عبيد هجيج وحيدر حسني علي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫(‪ -)20‬سليمان مرقس‪ ،‬الوايف يف شرح القانون املدين‪-‬أصول اإلثبات وإجراءاته يف املواد املدنية‪ ،-‬اجمللد الثاين‪ ،‬األدلة املقيدة‪،‬‬
‫الطبعة الرابعة‪ ،1991 ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪ 85‬و‪ 88‬وأيضا وليد عبد الكرمي العطية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫(‪ -)21‬أمحد نشأت‪ ،‬املرجع السابق‪،‬ص ‪.88‬‬
‫(‪ -)22‬حممود عبد العزيز خليفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .256‬وأيضا أمحد نشأت‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.423‬‬
‫(‪ -)23‬عبد العزيز حممود خليفة‪ ،‬الدور القضائي للقرائن القضائية والقرائن القانونية يف اإلثبات اجلنائي‪ ،‬دار الكتاب احلديث‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،2011 ،‬ص ‪.120‬‬
‫(‪ -)24‬بدر الدين يونس‪ ،‬سلطة القاضي اجلنائي يف تقدير الدليل اجلنائي‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬أطروحة دكتوراه علوم‪ ،‬قانون خاص‪،‬‬
‫شعبة القانون اجلنائي‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة قسنطينة ‪ ،01‬سنة ‪ ،2014‬ص ‪.97‬‬
‫(‪ -)25‬وليد عبد الكرمي العطية‪ ،‬وليد عبد الكرمي العطية‪ ،‬القرينة القضائية ودورها يف اإلثبات اجلنائي‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬الدار‬
‫العلمية الدولية للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2017،‬ص ‪.125‬‬
‫(‪ -)26‬عائشة بن قارة مصطفى‪ ،‬حجية الدليل اإللكرتوين يف جمال اإلثبات اجلنائي‪ ،‬دار اجلامعة اجلديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪، 2010‬‬
‫ص‪.23‬‬
‫(‪ -)27‬فاضل زيدان حممد‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.322‬‬
‫(‪ -)28‬حممود عبد العزيز خليفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.265‬‬

‫‪128‬‬
‫(‪ -)29‬حسون عبيد هجيج وحيدر حسني علي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ 77‬وعبد الكرمي العطية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫(‪ -)30‬حممود عبد العزيز‪ ،‬الدور القضائي للقرائن القضائية والقرائن القانونية يف اإلثبات اجلنائي‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬
‫ص‪167‬و‪170‬و‪.172‬‬
‫(‪ -)31‬احملكمة العليا‪ ،‬غرفة اجلنح واملخالفات‪ ،‬القسم الثاين‪ ،‬قرار صادر بتاريخ‪ 2002-06-04 :‬رقم‪ 256544:‬نشرة‬
‫القضاة العدد ‪ ،2006 ،58‬ص‪.255‬‬
‫(‪ -)32‬القانون رقم‪ 03-16:‬املؤرخ يف ‪ 19‬يونيو ‪ 2016‬املتعلق باستعمال البصمة الوراثية يف اإلجراءات القضائية والتعرف‬
‫اىل األشخاص‪ ،‬اجلريدة الرمسية العدد ‪ 37‬املؤرخة يف ‪ 22‬يونيو ‪ ،2016‬ص ‪ 05‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ -)33‬احملكمة العليا‪ ،‬الغرفة اجلنائية‪ ،‬قرار صادر بتاريخ‪ ،2007-03-21 :‬رقم‪ ،414233:‬اجمللة القضائية‪ ،‬العدد‬
‫األول‪ ،2007،‬ص ‪.567‬‬
‫(‪ -)34‬حممد الطاهر رحال‪ ،‬اإلثبات بالقرائن القضائية يف املواد اجلنائية‪ ،‬أطروحة دكتوراه يف القانون العام‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة‬
‫منتوري‪ ،‬قسنطينة‪ ،2017-2016 ،‬ص ‪.264‬‬
‫(‪ -)35‬رائد صبار األزيرجاوي‪ ،‬القرينة ودورها يف اإلثبات يف املسائل اجلزائية‪-‬دراسة مقارنة يف القانونني األردين والعراقي‪ ،-‬رسالة‬
‫ماجستري‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬القسم العام‪ ،‬جامعة الشرق األوسط‪ ،2011-2010 ،‬ص ‪ 105‬و‪.106‬‬
‫(‪ -)36‬علي حسن الطوالبه‪ ،‬دور القرينة القضائية يف تكوين القناعة الوجدانية لدى القاضي اجلزائي‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬جملة‬
‫احلقوق‪ ،‬العدد األول‪ ،‬اجمللد السابع‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة البحرين‪ ،‬مملكة البحرين‪ ، 2010،‬ص ‪.464‬‬
‫(‪ -)37‬عبد احلافظ عبد اهلادي‪ ،‬القرائن يف اإلثبات اجلنائي بني الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي‪-‬دراسة مقارنة‪-‬أطروحة‬
‫دكتوراه يف علوم الشرطة‪ ،1989 ،‬أكادميية الشرطة‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬ص‪ 231‬و‪.232‬‬
‫(‪ -)38‬عبد احلكيم ذنون الغزايل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 100‬و‪ 101‬و‪102‬‬
‫(‪ -)39‬وليد عبد الكرمي العطية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫(‪ -)40‬عبد احلميد الشواريب‪ ،‬القرائن القانونية والقضائية يف املواد املدنية واجلنائية واألحوال الشخصية‪ ،2003 ،‬منشأة املعارف‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫(‪ -)41‬علي حسن طوالبة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 466‬وأنظر أيضا‪ ،‬عبد احلكيم ذنون الغزايل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.106‬‬
‫(‪ -)42‬وليد عبد الكرمي العطية‪ ،‬القرينة القضائية ودورها يف اإلثبات اجلزائي‪ ،‬املرجع سابق‪ ،‬ص ‪.144‬‬
‫(‪ -)43‬حسني املؤمن‪ ،‬القرائن وحجية األحكام‪ ،‬مطبعة الفجر‪ ،‬بريوت‪ ،1977 ،‬ص ‪.327‬‬
‫(‪ -)44‬سليمان مرقس‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫(‪ -)45‬حممود عبد العزيز خليفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 171‬و‪176‬‬
‫(‪ -)46‬زبدة مسعود‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫(‪ -)47‬حسون عبيد هجيج وحيدر حسني علي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.08‬‬
‫(‪ -)48‬عبد العزيز حممود خليفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫‪)49(Bernard Bouloc-Haritini Matsopoulou, Droit Pénal Général et procédure pénale, 17éme‬‬
‫‪édition, sirey 2009, p 249-250.‬‬
‫(‪ -)50‬زبدة مسعود‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 50‬و‪ 51‬و‪ 95‬و‪.96‬‬
‫(‪ -)51‬عبد العزيز حممود خليفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 169‬و‪.203‬‬

‫‪129‬‬
‫(‪ -)52‬زبدة مسعود‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 45‬و‪.117‬‬
‫(‪ -)53‬عبد العزيز حممود خليفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 169‬و‪.170‬‬
‫(‪ -)54‬عبد احلكيم ذنون الغزايل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫(‪ -)55‬عبد احلميد الشواريب‪ ،‬اإلثبات اجلنائي يف ضوء القضاء والفقه‪-‬النظرية والتطبيق‪،-‬منشأة املعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪،1996 ،‬‬
‫ص‪122‬‬
‫(‪ -)56‬حسون عبيد هجيج وحيدر حسني علي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫(‪ -)57‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط يف شرح القانون املدين‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه عام‪ ،‬دار النشر للجامعات‬
‫املصرية‪ ،‬القاهرة ‪ ،1952‬ص ‪ 333‬و‪337‬‬
‫(‪ -)58‬حممود عبد العزيز حممود خليفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.221‬‬
‫(‪ -)59‬حيي بكوش‪ ،‬أدلة اإلثبات يف القانون املدين اجلزائري والفقه اإلسالمي‪ -‬دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة‪ ،-‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬اجلزائر‪ ،1988 ،‬ص ‪.189‬‬
‫(‪ -)60‬فاضل زيدان حممد‪ ،‬سلطة القاضي اجلنائي يف تقدير األدلة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.324‬‬
‫(‪ -)61‬أمحد نشأت‪ ،‬رسالة اإلثبات‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 417‬و‪.418‬‬
‫(‪ -)62‬عبد العزيز حممود خليفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 221‬و‪.248‬‬
‫(‪ -)63‬عبد العزيز حممود خليفة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 170‬و‪ 171‬و‪ 247‬و‪.249‬‬
‫(‪ -)64‬أنظر‪ :‬املادة ‪ 427‬قانون اإلجراءات اجلزائية الفرنسي‪ ،‬املادة ‪ 261‬من قانون اإلجراءات اجلنائية األملاين‪ ،‬املادة ‪1/192‬‬
‫من قانون اإلجراءات اجلنائية اإليطايل‪،‬املادة ‪ 1/169‬قانون اإلجراءات اجلنائية االحتادي السويسري‪ ،‬املادة ‪01/302‬‬
‫قانون اإلجراءات اجلنائية املصري‪ ،‬املادة ‪ 147‬قانون أصول احملاكمات اجلزائية األردين‪ ،‬املادة ‪ 175‬قانون أصول‬
‫احملاكمات اجلزائية السوري‪ ،‬املادة ‪ 1/213‬قانون أصول احملاكمات اجلزائية العراقي‪.‬‬
‫السيد حممد شريف‪ ،‬النظرية العامة لإلثبات اجلنائي‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬دار الكتاب اجلامعي‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعودية‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،2017 ،‬ص ‪ 90‬و‪ 91‬و‪ 92‬و‪ 93‬و‪.95‬‬
‫(‪ -)65‬نائل عبد الرمحن صاحل‪ ،‬حماضرات يف أصول احملاكمات اجلزائية األردين‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪ ،1990‬ص ‪ 173‬وأنظر فاضل زيدان حممد‪ ،‬سلطة القاضي اجلنائي يف تقدير األدلة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪94‬‬
‫(‪ -)66‬رقية فاحل حسني‪ ،‬طرق الرقابة على سلطة القاضي اجلنائي‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬املصدر القومي لإلصدارات القانونية‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،2016 ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫(‪ -)67‬زبدة مسعود‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪130‬و ‪.158‬‬
‫(‪ -)68‬زبدة مسعود‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.158‬‬
‫(‪ -)69‬القرار األول صادر بتاريخ‪ 29:‬أفريل ‪،198‬الغرفة اجلنائية الثانية‪ ،‬طعن رقم‪ ،25085:‬والقرار الثاين صادر بتاريخ‪:‬‬
‫‪03‬أفريل‪ ،1984‬الغرفة اجلناية الثانية‪ ،‬طعن رقم‪ ،29526:‬والقرار الثالث صادر بتاريخ‪ 13 :‬نوفمرب‪ ،1982‬الغرفة‬
‫اجلنائية األوىل‪ ،‬طعن رقم‪ .26575:‬أنظر جياليل بغدادي‪ ،‬االجتهاد القضائي يف املواد اجلنائية‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل‪ ،‬الديوان الوطين لألشغال الرتبوية‪ ،‬اجلزائر‪ ،2001 ،‬ص ‪ 73‬و‪ 74‬و‪.75‬‬
‫(‪ -)70‬حسون عبيد هجيج وحيدر حسني علي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 74‬و‪.75‬‬
‫(‪ -)71‬نصر الدين ماروك‪ ،‬حماضرات يف اإلثبات اجلنائي‪ ،‬ج‪ ،1‬النظرية العامة لإلثبات اجلنائي‪ ،‬دار هومة‪ ،‬طبعة ‪،2013‬‬

‫‪130‬‬
‫ص ‪.626‬‬
‫(‪ -)72‬فرحان خورشيد محكول الدلوي‪ ،‬القرينة القضائية ودورها يف اإلثبات اجلنائي‪-‬دراسة مقارنة‪ ،-‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية‬
‫احلقوق‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،2017-2016 ،‬ص ‪.66‬‬
‫(‪ -)73‬زبدة مسعود‪ ،‬القرائن القضائية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫(‪ -)74‬حممود عبد العزيز حممود خليفة‪ ،‬ماهية القرائن القضائية يف اإلثبات اجلنائي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪177‬و‪178‬و ‪179‬‬
‫و‪.180‬‬
‫(‪ -)75‬مايسة حممد غنيم سامل‪ ،‬القرائن ودورها يف اإلثبات اجلنائي‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪ ،2013‬ص ‪ 256‬وأنظر أيضا عبد اهلل علي فهد العجمي‪ ،‬دور القرائن يف اإلثبات املدين‪-‬دراسة مقارنة بني القانون‬
‫األردين والكوييت‪ ،-‬رسالة ماجستري يف القانون اخلاص‪ ،‬كلية احلقوق‪ ،‬جامعة الشرق األوسط‪ ،2011 ،‬ص ‪ 67‬و‪68‬‬

‫‪131‬‬
‫المحاكمة عن بعد وسؤال المحاكمة العادلة في ظل جائحة كورونا بالمغرب‬

‫‪ -‬بين متطلبات الواقع والفراغ التشريعي –‬

‫وئيل العياط‪ ،‬باحث دكتوراه‪ ،‬مختبر األبحاث القانونية والسياسية‬

‫‪ -‬جامعة سيدي بن عبد اهلل بفاس ‪ -‬المغرب‬

‫الملخص‪:‬‬

‫عرفت املنظومة القضائية باملغرب خطوة مهمة على مستوى احملاكمة يف املادة الزجرية‪ ،‬حبيث أطلقت‬
‫وزارة العدل بشراكة مع اجمللس األعلى للسلطة القضائية مبادرة احملاكمة عن بعد وهي نتاج احلاجة امللحة‬
‫هلذا النوع من احملاكمات فرضتها ظروف اجلائحة لفريوس كورونا وكذا إعالن حالة الطوارئ بسائر تراب‬
‫اململكة‪ ،‬مما أصبح يتعذر معه إحضار املعتقلني لقاعات احملاكمة يف كل حماكم اململكة حفاظا على أمنهم‬
‫الصحي وكذا احرتام التدابري االحرتازية يف حالة الطوارئ‪.‬‬

‫لكن يبقى التساؤل املطروح حول مدى مراعاة احملاكمة عن بعد لضمانات احملاكمة العادلة واليت‬
‫يكفلها القانون والدستور وكذا املواثيق الدولية‪ ،‬فهناك من عارض الفكرة بداعي أهنا متس ببعض احلقوق‬
‫املكفولة للمتهمني أثناء احملاكمة كمبدأ العلنية وكذا احلضورية ومها أهم مبدأين ميثالن ضمانات احملاكمة‬
‫العادلة‪ ،‬باإلضافة إىل أن القواعد القانونية اإلجرائية واملنصوص عليها يف قانون املسطرة اجلنائية ال يوجد‬
‫ضمنها ما ينص على هذه اإلمكانية مما يعترب خروجا عن األحكام القانونية‪.‬‬

‫لكن على العكس من ذلك ذهب البعض اآلخر‪ ،‬حبيث استبشروا خريا هبذه املبادرة واعتربوها‬
‫تكريسا أكثر للمحاكمة العادلة وأنه ال ميكن سلوك هذه الطريقة يف احملاكمة إال عند موافقة املتهم بشكل‬
‫صريح‪ ،‬كما أهنا هتدف إىل محاية أمنه الصحي يف ظل انتشار وباء كورونا‪ ،‬باإلضافة ملسامهتها بشكل كبري‬
‫يف تسريع البت يف الدعوى والفصل فيها مما يعترب أمرا إجيابيا بالنسبة للمتهم‪.‬‬

‫‪132‬‬
Abstract

The judicial system in Morocco knew an important step at the level of trial in
the injunction, so that the Ministry of Justice, in partnership with the Supreme
Council of the Judicial Authority, launched the initiative for remote trial, which is the
result of the urgent need for this type of trials imposed by the pandemic conditions of
the Corona virus, as well as the declaration of a state of emergency in the rest of the
Kingdom, which has become With him, it is difficult to bring detainees to courtrooms
in all courts of the Kingdom in order to preserve their health security, as well as to
respect precautionary measures in case of emergency.

However, the question remains about the extent to which the remote trial takes
into account the guarantees of a fair trial that are guaranteed by the law and the
constitution as well as international covenants. Procedural legal and stipulated in the
Code of Criminal Procedure, there is nothing within it that provides for this
possibility, which is considered a violation of the legal provisions.

On the contrary, some others went, so that they were pleased with this initiative
and considered it more devotion to a fair trial, and that this method of trial can only
be taken when the accused explicitly agrees, and it aims to protect his health security
in light of the spread of the Corona epidemic, in addition to its contribution in a way.
Great in expediting the decision and adjudication of the case, which is considered
positive for the accused

‫مقدمة‬

‫عرف املغرب تطورا كبريا على مستوى تكريس الضمانات القانونية وكذا العمل على محايتها‬
‫ فإن أمهيتها‬،‫ فكما هو معلوم أن هذه الضمانات وبتعدد جماالهتا‬،‫وحتصينها من أي مس أو مساس هبا‬
‫ لتجعل النظام القانوين‬،‫ظاهرة من الصياغة الدستورية اليت أكدت عليها واالرتقاء هبا ملستويات أفضل‬
‫ وكذلك مسو‬،‫باملغرب يعرب عن مسو مبدأ دولة احلق والقانون مبقتضى األحكام الدستورية والقوانني الوطنية‬
.‫املواثيق الدولية اليت يعترب املغرب طرفا فيها‬

‫ فإن أي‬،‫لكن عالقة بالوضع الراهن الذي مير منه املغرب شأنه يف ذلك شأن كل بلدان املعمور‬
‫ ميكنه أن يالحظ هذا التأثري‬،‫متتبع للشأن القانوين والتغريات اليت عرفها يف ظل تأثريات جائحة كورونا‬
،‫ خاصة مع فرض حالة الطوارئ وكذا احلجر الصحي باملغرب‬،‫الكبري على بعض املقتضيات القانونية‬
‫وهكذا فال مناص من التطرق هلذه التغريات اليت طالت بعض املقتضيات وتعترب مبثابة ضمانات قانونية‬

133
‫يكفلها القانون والدستور يف مناسبات متفرقة وكذا مدى تأثري اجلائحة عليها‪ ،‬حماولة منا االقتصار على أهم‬
‫ضمانة يكرسها القانون وهي احملاكمة العادلة‪ 1‬وما هلا من أمهية على املستويني القانوين والواقعي‪.‬‬

‫ويعترب موضوع احملاكمة العادلة والضمانات املتعلقة به يف امليدان اجلنائي من أهم االنشغاالت احلقوقية‬
‫‪2‬‬
‫يف خمتلف الدول‪ ،‬وتتابعها العديد من اهليئات واملؤسسات الدولية املهتمة حبقوق اإلنسان‪.‬‬

‫ومن أهم صور هذه الضمانات جند املادة األوىل من قانون املسطرة اجلنائية اليت نصت على أهم مبدأ‬
‫يف اجملال اجلنائي وهو املتعلق بقرينة الرباءة كما ان نفس املقتضى أكد على حماكمة عادلة تتوفر فيها كل‬
‫الضمانات القانونية‪.3‬‬

‫ومما جيب التأكيد عليه‪ ،‬فإنه ال ميكن االعتداد بشرعية احملاكمة اليت تنتفي فيها كل معايري احملاكمة‬
‫العادلة أو بعضها من قواعد مسطرية وإجراءات قانونية واملتعلقة إما باملتابعة أو البحث التمهيدي أو‬
‫التحقيق أو احملاكمة‪ ،‬كما ميكن التمسك ببطالهنا من طرف من أضرت مصاحله‪.‬‬

‫وعالقة بالوضع الوبائي الذي يعيشه املغرب وما رافقته من إجراءات لفرض حالة الطوارئ واحلجر‬
‫الصحي‪ ،‬فإنه كان على اجلهات املعنية العمل على سن أحكاما قانونية تتماشى والوضع الراهن‪.‬‬

‫ويف هذا السياق مت إصدار مرسوم بقانون يتعلق بأحكام خاصة حبالة الطوارئ الصحية‪ ،4‬وكذلك‬
‫مرسوم يتعلق بإعالن حالة الطوارئ الصحية ملواجهة تفشي فريوس كورونا‪.5‬‬

‫ومع كل هذه التدابري املتخذة واملنصوص عليها يف املرسومني أعاله‪ ،‬إال أهنا ال حتول دون ضمان‬
‫استمرارية املرافق العمومية احليوية‪ ،‬وذلك حسب الفقرة األخرية من املادة الثالثة من مرسوم بقانون يتعلق‬
‫بسن أحكام خاصة حبالة الطوارئ الصحية وإجراءات اإلعالن عنها واليت جاء فيها‪ ..." :‬ال حتول التدابري‬
‫املتخذة املذكورة دون ضمان استمرارية املرافق العمومية احليوية‪ ،‬وتأمني اخلدمات اليت تقدمها ملرتفقيها‪".‬‬

‫إذن يعترب القضاء أهم هذه املرافق العمومية واملهمة يف حياة األفراد‪ ،‬لكن ومع صعوبة توفري كل‬
‫ظروف حضور اجللسات مت إطالق مبادرة احملاكمات عن بعد من طرف وزارة العدل‪ ،‬خاصة يف القضايا‬
‫الزجرية وذلك تزامنا مع البالغ املشرتك لوزارة العدل واجمللس األعلى للسلطة القضائية الذي من خالله مت‬
‫تقرير تعليق انعقاد اجللسات مبختلف حماكم اململكة باستثناء اجللسات املتعلقة بالبت يف قضايا املعتقلني‪،‬‬
‫واجللسات املتعلقة بالبت يف القضايا االستعجالية‪ ،‬وقضاء التحقيق‪ ،‬وذلك يف إطار التدابري الوقائية الرامية‬

‫‪134‬‬
‫إىل احلد من تفشي وانتشار وباء كورونا املستجد (كوفيد‪ ،)19‬وحرصا على سالمة كل العاملني مبحاكم‬
‫اململكة‪ ،‬قضاة وموظفني ومساعدي القضاء‪ ،‬وكذا املتقاضني واملرتفقني‪.‬‬

‫وقد جاء هذا البالغ انسجاما مع قرار املندوبية العامة للسجون القاضي مبنع نقل السجناء إىل‬
‫احملاكم‪ ،‬ومع تزايد نسبة االعتقال االحتياطي فإن هذه املبادرة –احملاكمة عن بعد‪ -‬كان اللجوء إليها أمرا‬
‫ضروريا‪.‬‬

‫وهكذا فإن موضوع احملاكمة عن بعد قد أثار نقاشات واسعة وردود أفعال كثري‪ ،‬وعالقته ببعض‬
‫الضمانات اليت كرسها املشرع املغريب يف القوانني اإلجرائية‪ ،‬ومن أمهها قانون املسطرة اجلنائية وذلك يف ظل‬
‫الفراغ التشريعي فيما يتعلق هبذا النوع من احملاكمات‪.‬‬

‫مما يفتح اجملال للتساؤل عن ما مدى اعتبار احملاكمات عن بعد صورة من صور احملاكمة العادلة؟‬

‫لتتفرع عن هذه اإلشكالية تساؤالت مهمة ميكن صياغتها على الشكل التايل‪:‬‬

‫ما هي مظاهر إخالل احملاكمة عن بعد بضمانات احملاكمة العادلة خاصة فيما يتعلق باحلضورية‬
‫والعلنية؟‬

‫وكيف ميكن هلذه احملاكمات أن تساهم يف جناعة العمل القضائي وجودته دون املساس حبقوق‬
‫املتقاضني والضمانات املمنوحة هلم قانونا؟‬

‫وهكذا سوف حناول أن نعتمد يف دراستنا هلذا املوضوع على املنهج التحليلي نظرا لتعدد أوجهه‬
‫وترابطها واقعا وقانونا‪ ،‬وهو ما سنقوم بالعمل عليه وفق منهجية ثنائية التقسيم نركز من خالهلا على حمورين‬
‫رئيسيني‪:‬‬

‫احملور األول‪ :‬احملاكمة عن بعد ومظاهر اإلخالل بضمانات احملاكمة العادلة‬

‫احملور الثاين‪ :‬احلاكمة عن بعد آلية من آليات رقمنة العدالة وجتويد العمل القضائي‬

‫المحور األول‪ :‬المحاكمة عن بعد ومظاهر اإلخالل بضمانات المحاكمة العادلة‬

‫‪135‬‬
‫تعترب ضمانات احملاكمة العادلة باملغرب خاصة فيما يتعلق جبلسة احملاكمة وهي املرحلة احلامسة يف كل‬
‫مراحل الدعوى من أهم الضمانات القانونية واليت ميكن اختصارها يف مبدأ احلضورية والعلنية‪.‬‬

‫خبصوص احرتام مبدأ احلضورية الذي يستهدف إقرار التواجهية بني الطرف املؤسسايت اجملسد للحق‬
‫العام (قضاء النيابة العامة) والطرف اخلاص املواجه باالهتام فهو يفرتض ضمان احلضور للجلسة وما يقتضيه‬
‫من مساعدة وإخبار بالقضية وطبيعتها‪ ،‬باكتساب القدرة على املواجهة والرتافع‪ ،‬ولعل املهم يف تفعيل ذلك‬
‫بالنسبة للمتهم متكينه من حضور املرافعات أكثر من جلسة للنطق باحلكم‪.‬‬

‫هذا بالرجوع لقانون املسطرة اجلنائية جند الكثري من املواد من ‪ 308‬إىل ‪ 324‬بشأن االستدعاء‬
‫وحضور املتهمني‪ ،‬باإلضافة ملواد أخرى هتم حضور باقي املتدخلني من شهود وخرباء وضحية يف حالة‬
‫انتصابه طرفا مدنيا‪.6‬‬

‫ويبقى لنا من املبادئ أعاله احرتام مبدأ العلنية والذي تقرر إلزامية االمتثال له املادة ‪ 300‬من قانون‬
‫املسطرة اجلنائية‪ ،‬لذلك فالعدالة اجلنائية على مستوى احلسم يف القضية البد وأن تكون على مرأى ومسمع‬
‫اجلميع‪ ،‬أوال ألن مفهوم كشف احلقيقة يقتضي ذلك خاصة على مستوى املتهم املواجه باالهتام‪ ،‬كما أن‬
‫العدالة نفسها تستطيع من خالل احرتامه حتقيق هدفها بكوهنا عدالة مستجيبة حلق عام‪ ،‬وهذه االستجابة‬
‫ال ميكن أن تنتهي إىل إدانة إال بعد إعطاء املتهم كل الفرص اإلجرائية من أجل الدفاع عن نفسه حبضور‬
‫‪8‬‬
‫اجملتمع وصاحب احلق‪ ،7‬لكن تبقى هناك استثناءات على هذه القاعدة‪.‬‬

‫بالرغم من احلاجة امللحة العتماد التقاضي عن بعد ومن أمهه إجراءات احملاكمة اليت تتخذ مظهرا‬
‫غري مظهرها العادي وهو احملاكمة عن بعد‪ ،‬فإن هذه املبادرة مل تسلم من انتقادات واسعة ملا ميكنها أن‬
‫تتسبب فيه من مس واضح مببدأ احملاكمة العادلة باملغرب‪ ،‬خاصة مع حساسية بعض امللفات واليت جيب أن‬
‫تتوفر فيها مجيع الضمانات القانونية ومن أمهها (العلنية‪ ،‬التواجهية واحلضورية) وهو ما عرب عنه جملس هيئة‬
‫احملامني بالناظور يف بيان له‪ ،‬إضافة إىل ذلك نفس النهج سارت عليه هيئة احملامني مبكناس واليت عربت عن‬
‫رفضها للمحاكمات عن بعد وذلك استحضارا ملبادئ وضمانات احملاكمة العادلة‪ ،‬وطبيعة امللفات وما‬
‫تقتضيه من عناية خاصة حتتم بالضرورة املخابرة املباشرة سواء مع املعتقل أو عائلته‪.9‬‬

‫ويف نفس االجتاه ذهبت نقابة احملامني باملغرب يف بيان هلا بشأن قرار اعتماد احملاكمة عن بعد دون‬
‫إحضار املتهمني املعتقلني أمام احملاكم الزجرية‪ ،‬والذي اعتربت فيه أن "مبدأ الشرعية اإلجرائية اجلنائية ينبين‬
‫‪136‬‬
‫على اعتبار التشريع مصدر اإلجراءات اجلنائية‪ ،‬مع ما يستتبع ذلك عدم اختاذ أي إحراء ضد املتهم إال‬
‫بنص صريح يف قانون املسطرة اجلنائية"‪.‬‬

‫وأضاف البيان كون أن "احملاكمات عن بعد تثري إشكاالت قانونية وحقوقية تتعلق أساسا مبدى‬
‫مراعاهتا لشروط احملاكمة العادلة واليت تتطلب توافر عدة ضمانات أمهها‪ :‬العلنية والتواجهية والشفهية‬
‫واحلضورية‪ ،‬فضال عما أقره الفقه اجلنائي من كون احملاكمات عن بعد تؤثر على حق املتهم يف االستفادة من‬
‫املشاعر اإلنسانية للقاضي اجلنائي يف نطاق مبدأ القناعة الوجدانية‪."...‬‬

‫إن استخدام تكنولوجيا التواصل بني املتهمني والقضاة يف ظل غياب نص تشريعي ينص على ذلك‪،‬‬
‫ال على مستوى القانون اجلنائي كقانون موضوعي أو على مستوى قانون املسطرة اجلنائية باعتباره قانون‬
‫إجرائي‪ ،‬وكل ما جنده هو مقتضيات تنظم هذا نوع من احملاكمات ضمن مشروع قانون املسطرة اجلنائية‬
‫خاصة يف الباب الثامن منه واملعنون ب (استعمال تقنيات االتصال عن بعد)‪ ،‬على عكس ما عليه األمر يف‬
‫بعض الدول العربية واليت نصت قوانينها على هذا اإلجراء بشكل صريح كما هو الشأن بالنسبة للقانون‬
‫اجلزائري‪ 10‬وكذلك األمر بالنسبة للقانون اإلمارايت‪ ،11‬أما بالنسبة للقانون الفرنسي جنده بدوره قد أسس‬
‫للمحاكمة عن بعد توافقا مع ظروف اجلائحة وهو ما نص عليه يف املادة السابعة من القرار رقم‬
‫‪ 2020/303‬الصادر يف ‪ 25‬مارس ‪ 2020‬املتمم لقواعد قانون املسطرة اجلنائية الفرنسي على أن رئيس‬
‫اجللسة ميكنه أن يأمر جبعل اجللسة سرية إذا دعت ضرورة احلفاظ على الصحة العامة ذلك‪.‬‬

‫وهو ما اعتربه عدة باحثني وممارسني يف مداخالت عدة على أن األمر ال ميكن اعتباره جمرد ارجتالية‬
‫فرضتها ظروف احلال‪ ،‬وتبقى دائما موضع نقاش حول مدى مساسها مببدأ األمن القانوين‪.‬‬

‫خاصة وأن قواعد التقاضي حتتكم ملبدأ الشرعية‪ ،‬وهذا املبدأ يفيد ضرورة تواجد قواعد مكتوبة‬
‫منصوص عليها يف القانون وتكون صادرة من جهة هلا الوالية يف إصدارها تلتزم احملاكم الزجرية باتباعها على‬
‫سبيل الوجوب وتطبيقها ‪-‬دون غريها من القواعد غري املكتوبة‪-‬على اخلصومة اجلنائية منذ ارتكاب اجلرمية‬
‫حلني الفصل النهائي يف شأهنا‪.12‬‬

‫وأن حىت املقتضيات اليت يتم االستناد عليها يف مرسوم بقانون بسن أحكام خاصة حبالة الطوارئ‪،‬‬
‫غري كافية وال ميكن أن يفهم منها أهنا تنزيل قانوين ملبدأ احملاكمة عن بعد‪ ،‬وأهنا مقتضيات ال تعدو أن‬
‫تكون عامة وختص النشاط اإلداري غري القضائي‪.‬‬
‫‪137‬‬
‫وهو ما عرب عنه أحد الباحثني‪ 13‬على أن احملاكمة عن بعد تعرتضها جمموعة من املعيقات من شأهنا‬
‫املساس بضمانات احملاكمة العادلة‪ ،‬معتربا أن كل إصالح مل ترصد له إمكانيات بشرية فبل تنزيله تظل‬
‫كالسراب‪ ،‬وأن قرار اعتماد التقاضي عن بعد دون إحضار املتهمني املعتقلني يصطدم مببدأ الشرعية اجلنائية‪.‬‬

‫كما أن من يعترب أن مبادئ احملاكمة العادلة يف إطار احملاكمة عن بعد هي حاضرة ومن بينها‬
‫احلضورية وما هلذا اإلجراء من أمهية‪ ،‬فإن هذه احلضورية (عرب الصورة والصوت) تظل غري مكتملة‪ ،‬ألن هيئة‬
‫احملكمة صعب عليها أن تساير إجراءات استجواب واستفسار املتهم من مكان وجوده باملؤسسة السجنية‬
‫لضعف وجود األنرتنت وكذا سرعة عالية‪ ،‬وميكروفونات ومساعات ذات جودة عالية وكامريات الويب سهلة‬
‫النقل دون تعطل‪ ،‬وهو ما مت اشرتاطه من طرف احملكمة األوروبية حلقوق اإلنسان حبيث جيب أن تتوفر‬
‫بعض املعايري يف جمال التقاضي عن بعد كتوفري اللوازم االلكرتونية والسهر على أن متر احملاكمة االلكرتونية‬
‫بالسالسة الالزمة ودون انقطاع يف البث مث أخريا مراعاة حقوق الدفاع‪ ،14‬كما أن إمكانية إجراء حماكمة‬
‫عن بعد تتوقف على موافقة صرحية للمتهم ولكافة أطراف الدعوى اجلنائية يف استعمال هذه التقنية‪ ،‬وهو‬
‫إجراء كذلك حمل نقاش قانوين‪ ،‬من حيث أن وجود املتهم باملؤسسة السجنية تعدم إرادته‪ ،‬فقد يوافق على‬
‫التقنية عبثا دون أدىن معرفة هبا وحبقوقه القانونية‪ ،‬ودون أن يكون له حمام للتخابر معه بشأهنا‪.15‬‬

‫وبالعودة حلديثنا عن احلضورية فإن هذه النقطة بالضبط هي األهم يف جمال التقاضي عن بعد وما تثريه‬
‫من إشكاالت‪ ،‬وذلك انطالقا من تساؤلنا عما مدى ضمان هذا اإلجراء ملبادئ احملاكمة العادلة سواء من‬
‫حيث التواجهية أو من حيث مناقشة ملف القضية أمام هيئة احلكم؟‬

‫وإننا هنا نركز على أمهية احلضورية نظرا لدورها الكبري يف تكوين قناعة القاضي الزجري يف القضايا‬
‫املعروضة أمامه‪ ،‬لكن احملاكمة عن بعد يكون معها القاضي أمام شاشة وداخل مناقشات افرتاضية وعامل‬
‫افرتاضي‪ ،‬دون أن يرى انفعاالت األطراف ودون أن يتدخل يف تفاصيل ردود أفعاهلم‪ ،‬كما أن طريقة اجلواب‬
‫يف بعض األحيان تكون دالة على احلقيقة أكثر من اجلواب يف حد ذاته‪ ،‬وهناك تفاصيل عديدة ينبغي أن‬
‫تكون هلا أرضية تشريعية واضحة تضمن التوازن داخل مسطرة التقاضي ألن سلطان القضاء يقتضي‬
‫‪17‬‬
‫ذلك‪ ،16‬وهو ما حنى حنوه باحثني آخرين‬

‫هذا دون أن ننسى قرار املندوبية العامة إلدارة السجون املتعلق مبنع إخراج املعتقلني إىل خمتلف حماكم‬
‫اململكة‪ ،‬والذي يعترب منافيا ملقتضيات قانون ‪ 23.98‬املتعلق بتنظيم وتسيري املؤسسات السجنية‪،18‬‬

‫‪138‬‬
‫ويتعارض مع املقتضيات اليت تنص على إلزامية تنفيذ األوامر واملقررات القضائية من طرف هذه األخرية‪،19‬‬
‫خاصة فيما يتعلق بإخراج املعتقلني من هذه املؤسسات قصد نقلهم للمحكمة اليت حياكمون فيها‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬التقاضي عن بعد آلية من آليات رقمنة العدالة وجودة العمل القضائي‬

‫فبالرغم من كل االنتقادات اليت مت توجيهها إلجراءات التقاضي عن بعد يف اجملال الزجري‪ ،‬إال أن‬
‫هناك من استبشر خريا هلذه اخلطوة املهمة اليت طال انتظارها ملدة من الزمن بني الرتدد واخلوف من أن يكون‬
‫األمر مسا مبكتسبات قانونية مهمة وضمانات استنزف العمل عليها سنوات من أجل تكريسها على أرض‬
‫الواقع‬

‫وهكذا فإن التقاضي عن بعد هو حتول رقمي وذكي ملنظومة العدالة‪ ،‬بل هو نتاج للمخرجات‬
‫املعتمدة لتوصيات احلوار الوطين إلصالح منظومة العدالة‪ ،‬كما أنه إجراء أفرزته احلاجة املاسة مع انتشار‬
‫وباء كوفيد‪ ،19‬باعتباره كاجتهاد إجرائي على مستوى احملاكم باملغرب‪ ،‬والذي حول األسرة القضائية من‬
‫عدالة كالسيكية إىل عدالة حديثة تنفتح على اجملريات وعلى االجتهادات التكنولوجية املعتمدة يف هذا‬
‫الشأن‪ ،‬لذلك فإن األمر يستدعي منا مجيعا أن نقف وقفة تأمل لكي نشجع مثل هاته املبادرات‪ ،‬ال أن‬
‫نربطها مبخاوف قطع فيها احلوار الوطين حول إصالح منظومة العدالة أشواطا متقدمة‪ ،‬بل وإن احملاكمة عن‬
‫بعد هي حل وليست إشكال‪ ،‬وهي حل لعدة إشكاليات كتلك املرتبطة بالتبليغ وسرعة البت يف القضايا‪،‬‬
‫واملرتبطة بالنجاعة القضائية بالدرجة األوىل‪.‬‬

‫واجلديد يف هذا اإلجراء أننا نطور املكاسب الدستورية يف باب احملاكمة‪ ،‬اليت انتقلت من نص إجرائي‬
‫داخل املسطرة املدنية واملسطرة اجلنائية لنص دستوري يفرض على القضاء وعلى كل املتدخلني يف جمال‬
‫العدالة أن يسامهوا بشكل إجيايب يف البت يف امللفات داخل آجال معقولة‪ ،‬والتقاضي عن بعد هو مأسسة‬
‫جديدة هلذا املقتضى‪ ،‬وهو ما سيساهم يف كسب رهان النجاعة القضائية على مستوى عمر القضايا وعلى‬
‫مستوى جودة األحكام‪.20‬‬

‫وقد دعا جاللة امللك حممد السادس يف عدة مناسبات على تبين الالمادية يف اإلجراءات واملساطر‬
‫القضائية‪ ،‬حيث جاء يف رسالته السامية بتاريخ ‪ 2019/10/21‬للمؤمتر الدويل مبراكش بدورته الثانية حول‬
‫"العدالة واالستثمار" ما يلي‪" :‬ويف نفس السياق‪ ،‬ندعو الستثمار ما توفره الوسائل التكنولوجية احلديثة من‬
‫إمكانيات لنشر املعلومة القانونية والقضائية‪ ،‬وتبين خيار تعميم وتعزيز المادية اإلجراءات واملساطر القانونية‬
‫‪139‬‬
‫والقضائية‪ ،‬والتقاضي عن بعد‪ ،‬باعتبارها وسائل فعالة تسهم يف حتقيق السرعة والنجاعة‪ ...‬مع احلرص على‬
‫‪21‬‬
‫تقعيدها قانونا‪ ،‬واخنراط كل مكونات منظومة العدالة يف ورش التحول الرقمي‪".‬‬

‫(انتهى اخلطاب امللكي السامي)‪.‬‬

‫وحتقق احملاكمة عن بعد عدة مزايا أمهها‪:22‬‬

‫‪ -‬حتقيق النجاعة عرب تيسري البت يف القضايا؛‬

‫‪ -‬ربح الوقت واجلهد وتفادي خماطر التنقل؛‬

‫‪ -‬محاية الشهود واملبلغني والضحايا؛‬

‫‪ -‬تيسري التعاون القضائي الدويل يف املادة اجلنائية؛‬

‫‪ -‬ترشيد النفقات املادية املرتبطة بنقل آالف املعتقلني‪ ،‬حيث تكلف خزينة الدولة يوميا مبالغ مهمة؛‬

‫‪ -‬ترشيد املوارد البشرية املتدخلة يف عملية نقل السجناء من املؤسسات السجنية إىل احملاكم‪ ،‬حيث‬
‫تتطلب هذه العملية تعبئة موارد بشرية مهمة من موظفي إدارة السجون وعناصر األمن املكلفني باخلفر؛‬

‫‪ -‬تيسري العمل بالنسبة ملساعدي العدالة‪ ،‬فعوض أن يتنقل مثال اخلبري من مدينة إىل أخرى قصد‬
‫االستماع إليه بشأن توضيح خالصات اخلربة اليت أجنزها‪ ،‬ميكنه القيام بذلك دون عناء التنقل عن طريق‬
‫استخدام تقنيات االتصال عن بعد مع احملكمة؛‬

‫ولقد مكن انعقاد احملاكمات عن بعد من تفادي خماطر انتشار عدوى فريوس كورونا‪ ،‬كما ساهم يف‬
‫ترشيد النفقات وترشيد املوارد البشرية وحتقيق نتائج مشجعة فيما خيص تدبري القضايا‪ ،‬حيث متكنت حماكم‬
‫اململكة بفضل استعمال تقنيات االتصال عن بعد إىل غاية يومه ‪ 05‬يونيو ‪ 2020‬من عقد ‪1826‬‬
‫جلسة أدرجت فيها ‪ 27507‬قضية‪ ،‬حيث استفاد من هذه احملاكمات عن بعد ‪ 30539‬شخصا‬
‫معتقال‪ ،‬وقد أفضت إىل اإلفراج عن حوايل ‪ 1149‬معتقال كانوا سيبقون يف السجون لوال اعتماد احملاكم‬
‫وسائل االتصال عن بعد يف تدبريها للقضايا‪ ،‬وهي كلها نتائج مشجعة وحمفزة على اعتماد النموذج احلديث‬
‫للمحاكمات‪ ،‬وهي أمور ساعد فيها اجلانب التكنولوجي بشكل كبري بفضل التقنيات احلديثة والعالية اجلودة‬

‫‪140‬‬
‫اليت يوفرها فيما خيص الصوت والصورة‪ ،‬واليت تضمن التواصل املباشر واملسرتسل بني احملكمة واملتهم والدفاع‬
‫‪23‬‬
‫وباقي األطراف‪.‬‬

‫كما أن إجراءات احملاكمة عن بعد توفر مجيع ضمانات احملاكمة العادلة‪ ،‬ومن خالهلا فإن الرقمنة‬
‫تطرق باب العدالة لدخوهلا من باهبا الواسع‪ ،‬وبالتايل ال حميد عن اعتماد التقاضي الرقمي مستقبال بعد زوال‬
‫هذه اجلائحة‪ ،‬اليت فرضت شروطا احرتازية جتنبا النتشار فريوس كورونا املستجد‪ ،‬ومن أبرزها إجراء‬
‫حماكمات عن بعد وفق شروط تقنية وعادلة تضمن احلقوق لكافة املتقاضني‪.24‬‬

‫وأن املس بضمانات احملاكمة العادلة غري قائم أساسا ما دام أن اهليئات القضائية تؤسس لقاعدة‬
‫خيار املتهم يف أحقيته للمحاكمة عن بعد من عدمه‪ ،‬وأن احملاكمة عن بعد شرعت ملصلحة املتهم ال‬
‫لالعتداء على احلق يف احملاكمة العادلة‪ ،‬وأن السلطة القضائية بتبنيها للتقاضي عن بعد جتسد مفهوم حتقيق‬
‫األمن القضائي بتجلياته الواسعة يف ضرورة توفري أمن صحي للسجناء وذلك بعدم إحضارهم للمحاكم‬
‫تفاديا ملخاطر إصابتهم بالوباء مع ضمان حقهم يف احملاكمة جبميع شروطها وضماناهتا املتعارف عليها دوليا‬
‫ودستوريا‪ ،‬وال جمال للبطالن أو حىت اإلرتكان ملقتضيات املادة ‪ 751‬من قانون املسطرة اجلنائية‪ 25‬ألهنا‬
‫خارجة عن السياق من أساسه‪ ،‬حبيث أن قانون الطوارئ الصحية أفرز إعادة ترتيب احلقوق جبعل احلق يف‬
‫السالمة الصحية يتسيد على كل حق‪ ،‬ويرتقي به لدرجة ميكن اعتباره من مقومات النظام العام الصحي‪،‬‬
‫وأن جمهودات اجمللس األعلى للسلطة القضائية تستحق التنويه يف هذا الباب‪.26‬‬

‫كما أن مبدأ العلنية بالرغم من انتفائه يف جمال التقاضي عن بعد إال أن هذا املبدأ مل يكن مطلقا‪ ،‬بل‬
‫إن القضاء ميكنه اعتماد السرية كلما دعت الضرورة إىل ذلك‪ ،‬وهبذا فإننا جند املادة ‪ 302‬من قانون‬
‫املسطرة اجلنائية اليت نصت على أنه "إذا اعتربت احملكمة أن يف علنية اجللسة خطرا على األمن أو على‬
‫األخالق‪ ،‬أصدرت مقررا جبعل اجللسة سرية‪"...‬‬

‫وهكذا فإن املادة تسمح باعتماد السرية يف اجللسات إذا كان هناك خطر على األمن وهو ما‬
‫يستجيب للوضع احلايل بفعل الوباء‪ ،‬ألن األمن ورد دون تقييد أو ختصيص ملاهيته وهو ما قد يشمل األمن‬
‫الصحي ويندرج حتته‪ ،‬مما يعترب مربرا العتماد السرية واليت تصبغ إجراءات التقاضي عن بعد يف ظل توقف‬
‫احملاكم عن فتح أبواهبا أمام املهتمني واملتابعني جللساهتا وكل من له عالقة بذلك‪ ،‬وأن األمن الصحي‬

‫‪141‬‬
‫للمتهمني وكذا للجهات القضائية وهيئة الدفاع وكل املتدخلني يف اجملال القضائي يبقى فوق كل اعتبار يف‬
‫ظل األزمة اليت دفعت بالعامل حنو التوقف الشبه الكلي‪.‬‬

‫باإلضافة إىل ما سبق‪ ،‬جتد العدالة الرقمية قواعدها القانونية يف جمموعة من النصوص الوطنية األخرى‪،‬‬
‫من بينها قانون ‪ 2705-53‬املتعلق بالتبادل االلكرتوين للمعطيات القانونية‪ ،‬والذي تضمن ‪ 43‬مادة تطرق‬
‫املشرع من خالهلا إىل حجية املستندات االلكرتونية وشروط صحتها‪ ،‬كما أورد جمموعة من اآلليات اليت‬
‫‪28‬‬
‫تضمن أمن التعامل االلكرتوين كالتوقيع االلكرتوين والتشفري‪ ،‬ومقدمو خدمات املصادقة االلكرتونية‪.‬‬

‫وما دامت احملكمة الرقمية تتضمن معطيات وبيانات خاصة وشخصية‪ ،‬فهي بذلك ختضع للقانون‬
‫‪ 2909-08‬املتعلق حبماية األشخاص الذاتيني جتاه معاجلة املعطيات ذات الطابع الشخصي‪ ،‬والذي عهد‬
‫إىل اللجنة الوطنية ملراقبة محاية املعطيات ذات لطابع الشخصي مسؤولية السهر عليها‪ ،30‬كما أن التقاضي‬
‫عن بعد جيد أساسه يف املادة الثالثة من مرسوم بقانون ‪ 2.20.292‬املتعلق بسن أحكام خاصة حبالة‬
‫الطوارئ الصحية وإجراءات اإلعالن عنها والذي سبق اإلشارة إليه‪.31‬‬

‫وباإلضافة لذلك فإن قانون املسطرة اجلنائية مل يأيت خاليا من اعتماد وسائل التقنيات احلديثة يف جمال‬
‫احملاكمات وهنا ميكن لنا أن نشري إىل املادة ‪ 321-347‬من القانون أعاله واليت تنص‪" :‬إذا كانت هناك‬
‫أسباب جدية تؤكدها دالئل على أن حضور الشاهد لإلدالء بشهادته أو مواجهته مع املتهم من شأهنا أن‬
‫تعرض حياته أو سالمته اجلسدية أو مصاحله األساسية أو حياة أفراد أسرته أو أقاربه أو سالمتهم اجلسدية‬
‫أو مصاحلهم األساسية‪ ،‬جاز للمحكمة بناء على ملتمس النيابة العامة‪ ...‬االستماع إليه عن طريق تقنية‬
‫االتصال عن بعد‪".‬‬

‫وهكذا وانطالقا من هذه املادة فإن إمكانية االستعانة بتقنيات االتصال عن بعد يف إطار تلقي‬
‫الشهادة من طرف الشاهد تظهر لنا مدى إمكانية اعتماد هذه التقنيات يف جمال احملاكمات الزجرية‪ ،‬وال‬
‫حرج يف ذلك كلما دعت الضرورة إىل االستعانة هبا‪ ،‬وأن املشرع جيعل هذه اإلمكانية حسب ظروف احلال‬
‫وحسب ما يظهر للمحكمة مفيدا ويساعدها على تنفيذ إجراءات البحث والتحقيق على أكمل وجه دون‬
‫أي توقف أو معيقات تعرقل هذه اإلجراءات‪ ،‬وأن تكون االستعانة هبذه الوسائل املعتمدة مفيدة فال ضري‬
‫يف اعتمادها هبدف سري هذه اإلجراءات وفق مبدأ املشروعية اإلجرائية ويف احرتام تام لضمانات احملاكمة‬
‫العادلة‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫دون أن ننسى كذلك دور النيابة العامة يف مواكبة هذه التحوالت والتطورات اليت عرفها اجملتمع مع‬
‫متطلبات الواقع يف ظل جائحة كوفيد‪ ،19‬واليت أصبح معها املواطنني غري قادرين على تقدمي شكاياهتم‬
‫لدى مكاتب النيابة العامة مبحاكم اململكة‪ ،‬مما دفع هبذه األخرية إىل فتح إمكانية تقدمي الشكايات لديها‬
‫عن بعد‪ ،‬وذلك بإحداث منصة إلكرتونية خاصة بالشكايات اإللكرتونية وكذلك الربيدية‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫تعميم أرقام اهلواتف والفاكس اخلاصة بالنيابات العامة بكل ربوع اململكة‪ ،‬وتعزيز ذللك بدوريات تؤكد على‬
‫ضرورة ضمان تنفيذ القانون املتعلق حبالة الطوارئ ومواكبته بكل ما يقتضيه القانون‪ ،‬دون أي إخالل أو‬
‫مس حبق من احلقوق املكفولة قانونا‪ ،‬وتعترب هذه املبادرات ذات إجيابية كبرية‪ ،‬وذلك عن طريق تعزيز دور‬
‫النيابة العامة يف محاية املواطنني وموازنتها بني املصلحة اخلاصة واملصلحة العامة يف ظل حالة الطوارئ اليت‬
‫يعيشها املغرب‪.‬‬

‫كل هذه املؤشرات ال يسعنا معها إال القول أن منظومة العدالة باملغرب تعرف هنضة رقمية مهمة‬
‫فرضتها ظروف احلال‪ ،‬مما سيكون له أثر إجيايب كبري على تنزيل عديد من اخلطوات املهمة يف هذا الصدد‪،‬‬
‫واليت ستخدم اجملال القضائي وكل املتدخلني فيه‪ ،‬مما سيكون له مردودية جد إجيابية على حتقيق العدالة‬
‫بشكل أكرب‪ ،‬وكذا تكريس مبدأ األمن القضائي الذي كان والزال هو املبتغى الذي تنكب حوله كل‬
‫اجلهود‪ ،‬وهو ما سيساهم بشكل كبري يف توفري ضمانات أكرب ومحاية أكرب حلقوق املتقاضني‪ ،‬ويسهم كذلك‬
‫يف وضع أسس الرقي القضائي من جناعة وسرعة وكذا الرفع من نسبة جودة العمل القضائي‪.‬‬

‫وأخريا فإننا ال ميكن إال نقول على أن احملاكمات عن بعد واليت ساهم فيها كل املتدخلني‪ ،‬تظل‬
‫خطوة مهمة أفرزت نتائج جد إجيابية ال ميكن التغافل عنها‪ ،‬خاصة فيما يتعلق مبحاكمة املعتقلني املوجودين‬
‫يف كل سجون اململكة‪ ،‬كما أن إجراء احملاكمة عن بعد كان متطلبا واقعيا قد فرضته احلاجة امللحة له‬
‫مسايرة لظروف جائحة كورونا‪ ،‬وذلك قصد تسريع البت يف امللفات الزجرية‪ ،‬واحلكم على من مت اعتقاهلم‬
‫مبناسبة اقرتافهم جلرائم متفرقة أو عدم اقرتافهم إياها‪ ،‬ما دامت هذه احملاكمات تعترب هي املرحلة احلامسة‬
‫تقضي من خالهلا احملكمة إما باإلدانة أو الرباءة‪.‬‬

‫وهذا ما جيعل هذه املبادرة بأمهية مبا كان‪ ،‬لكن يبقى املطلب الوحيد والذي يعترب مطلبا مشروعا‪ ،‬هو‬
‫ملئ الفراغ التشريعي يف هذا اجملال وذلك عن طريق إخراج مشروع قانون املسطرة اجلنائية حيز التنفيذ‪ ،‬حىت‬
‫نؤسس للمحاكمة عن بعد واقعا وقانونا‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫الهوامش‬

‫‪ 1‬دستورية احملاكمة العادلة حسب مقتضيات الفصل ‪ 23‬من دستور اململكة الذي ينص على أن‪" :‬قرينة الرباءة واحلق يف احملاكمة العادلة‬
‫مضمونان‪ ".‬وهي نفس الضمانات مت ترسيخها يف الفصل ‪ 120‬من الدستور املغريب الذي ينص على أن‪" :‬لكل شخص احلق يف حماكمة‬
‫عادلة ويف حكم يصدر داخل أجل معقول‪."...‬‬
‫‪ 2‬العدالة اجلنائية وضمانات احملاكمة العادلة‪ ،‬جملة الشؤون اجلنائية‪ ،‬منشور على املوقع الرمسي لرئاسة النيابة العامة ملف دراسات وأحباث‪:‬‬
‫‪ Www.pmp.ma‬تاريخ الزيارة ‪ 2020/06/29‬على الساعة ‪.15:16‬‬
‫‪ 3‬املادة األوىل من قانون املسطرة اجلنائية‪" :‬كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جرمية يعترب بريئا إىل أن تثبت إدانته قانونا مبقرر مكتسب‬
‫لقوة الشيء املقضي به‪ ،‬بناء على حماكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية‪"...‬‬
‫‪ 4‬مرسوم بقانون رقم ‪ 2.20.292‬صادر يف ‪ 28‬رجب ‪ 23( 1441‬مارس ‪ )2020‬يتعلق بسن أحكام خاصة حبالة الطوارئ الصحية‬
‫وإجراءات اإلعالن عنها‪.‬‬
‫‪ 5‬مرسوم رقم ‪ 2.20.293‬صادر يف ‪ 29‬من رجب ‪ 24( 1441‬مارس ‪ )2020‬بإعالن حالة الطوارئ الصحية بسائر الرتاب الوطين‬
‫ملواجهة تفشي فريوس كورونا – كوفيد ‪.19‬‬
‫‪ 6‬فريد السموين‪ ،‬سلسلة حماضرات مركزة وخمتصرة يف مادة املسطرة اجلنائية‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – احملمدية‪،‬‬
‫املوسم اجلامعي ‪ ،2019/2018‬ص ‪.15‬‬
‫‪ 7‬فريد السموين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫حسب املادة ‪ 301‬من قانون املسطرة اجلنائية ميكن لرئيس اجللسة أن مينع األحداث أو بعضهم من احلضور للجلسة إذا رأى ذلك غري‬
‫مناسب هلم‪.‬‬
‫‪ 8‬كذلك نصت املادة من نفس القانون ‪ 302‬أن احملكمة ميكنها تعطيل مبدأ العلنية إذا اعتربت يف ذلك خطرا على األمن أو األخالق‪.‬‬
‫‪ 9‬متت اإلشارة له يف املوقع االلكرتوين "املفكرة القانونية"‪ ،‬تاريخ الزيارة ‪ 01‬يونيو ‪ ،2020‬على الساعة ‪.21:15‬‬
‫‪ 10‬وذلك مبوجب قانون رقم ‪ 15.03‬واملتعلق بعصرنة العدالة والذي أتاح إمكانية استخدام تقنية احملادثة الرقمية يف اإلجراءات القضائية‬
‫(مرحلة التحقيق‪ ،‬مواجهة األطراف املتنازعة‪ ،‬أو تلقي تصرحيات املتهمني داخل املؤسسات العقابية‪ ،‬مساع الشهود واألطراف املدنية يف‬
‫الدعوى وكذا اخلرباء‪)...‬‬
‫كذلك إمكانية االستماع للشهود بواسطة الوسائل التكنولوجية احلديثة عن بعد وفقا لألمر رقم ‪ 02.15‬املعدل واملتمم لقانون اإلجراءات‬
‫اجلزائية اجلزائري‪ ...‬كما أن املشرع اجلزائري اعترب اللجوء إىل اعتماد هذه التقنيات هو إجراء اختياري‪ ،‬كما أنه أتاح إمكانية اعتماد هذه‬
‫التقنيات فقط يف القضايا اجلنحية شريطة موافقة املتهم والنيابة العام على ذلك وإال لن يتم اعتمادها‪.‬‬
‫‪ 11‬جند على أن املشرع اإلمارايت بدوره نص على إجراءات التقاضي عن بعد بشكل صريح وذلك يف القانون رقم ‪ 5‬سنة ‪ 2017‬واملتعلق‬
‫باستخدام تقنية االتصال عن بعد يف اإلجراءات اجلزائية وقد عرفها يف املادة األوىل منه على أهنا "حمادثة مسموعة ومرئية بني طرفني أو‬
‫أكثر بالتواصل املباشر مع بعضهم البعض عرب وسائل االتصال احلديثة لتحقيق احلضور عن بعد" وأضاف نفس القانون على أن للمتهم‬
‫طلب حضوره شخصيا أمام احملكمة وللمحكمة أن تفصل يف طلبه بالقبول أو الرفض‪ ،‬وله احلق يف حضور حماميه أثناء احملاكمة عرب تقنية‬
‫االتصال عن بعد‪ ،‬كما أن نفس القانون نص على سرية اإلجراءات عن بعد حبيث يتم تسجيل اإلجراءات وحفظها بشكل إلكرتوين وال‬
‫جيوز تداوهلا واالطالع عليها أو نسخها إال بإذن النيابة العامة أو احملكمة املختصة وفقا للمادة الثامنة منه‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫‪ 12‬عبد الواحد العلمي‪ ،‬شرح يف القانون اجلديد املتعلق باملسطرة اجلنائية –اجلزء األول‪( ،-‬دون وجود معطيات أخرى)‪.‬‬
‫‪ 13‬خالد املروين‪ ،‬جتربة احملاكمة عن بعد‪ ،‬جريدة العلم‪ ،‬تاريخ ‪ 29‬ماي ‪ ،2020‬ص ‪.4‬‬
‫‪14‬‬
‫‪L’arrêt lawyer Partner CEDH 16/06/2009, n54252/07, lawyer Partner SA c/ slovaquie‬‬
‫‪procédures, 2009, N358.‬‬
‫‪ 15‬خالد هالل‪ ،‬احملاكمة الزجرية عن بعد ومبدأ الشرعية اإلجرائية‪ ،‬مقال منشور باملوقع االلكرتوين‪:‬‬
‫‪ ww.assaharaa.ma‬تاريخ الزيارة ‪ 02‬يونيو ‪ ،2020‬على الساعة ‪.22:35‬‬
‫‪ 16‬ميمون حاجي‪ ،‬التقاضي عن بعد‪ ،‬مقال منشور مبوقع املنصة القانونية‪:‬‬
‫‪ www.sajplus.om‬تاريخ الزيارة يوم ‪ 24.06.2020‬على الساعة ‪21:20‬‬
‫‪ 17‬إبراهيم الشويعر‪ ،‬احملاكمة الزجرية عن بعد يف ظل زمن الطوارئ الصحية‪ ،‬جملة عدالة للدراسات القانونية والقضائية‪ ،‬عدد خاص‪،‬‬
‫يونيو ‪ ،2020‬ص ‪.107‬‬
‫‪ 18‬اجلريدة الرمسية عدد ‪ 4726‬بتاريخ ‪ ،1999/09/16‬الصفحة ‪ ،2283‬ظهري شريف رقم ‪ 1.99.200‬صادر يف ‪ 13‬من مجادى‬
‫األوىل ‪ 25( 1420‬أغسطس ‪ )1999‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 23.98‬املتعلق بتنظيم وتسيري املؤسسات السجنية‪.‬‬
‫‪ 19‬الفقرة األخرية من املادة ‪ 21‬من قانون ‪ 23.98‬املتعلق بتنظيم وتسيري املؤسسات السجنية‪.‬‬
‫‪ 20‬مداخلة لألستاذ شريف الغيام‪ ،‬يف الندوة الوطنية عن بعد املنظمة من طرف الودادية احلسنية للقضاة يوم ‪ 2020/06/12‬على‬
‫الساعة الثامنة ليال‪ ،‬حتت عنوان التقاضي عن بعد االنتظارات واإلكراهات‪.‬‬
‫‪ 21‬الرسالة اليت وجهها جاللة امللك إىل املشاركني يف الدورة الثانية للمؤمتر الدويل للعدالة بتاريخ ‪ 21‬أكتوبر ‪ ،2019‬منشورة يف موقع‪:‬‬

‫‪www.maroc.ma‬مت االطالع بتاريخ ‪ ،2020/06/27‬على الساعة ‪.00:16‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ 22‬هشام البالوي‪ ،‬احملاكمة عن بعد وضمانات احملاكمة العادلة‪ ،‬جملة رئاسة النيابة العامة‪ ،‬العدد األول‪ ،‬سنة ‪ ،2020‬الصفحة ‪.12‬‬
‫‪ 23‬هشام البالوي‪ ،‬جملة رئاسة النيابة العامة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.34 ،33‬‬
‫‪ 24‬حممد اهليين‪ ،‬مداخلة يف ندوة علمية عن بعد حول موضوع "التقاضي عن بعد‪ :‬أية ضمانة للمحاكمة العادلة"‪ ،‬املنظمة من طرف‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ابن زهر ‪-‬أكادير‪ ،‬يوم ‪ ،2020/05/09‬على الساعة التاسعة والنصف ليال‪.‬‬
‫‪ 25‬تنص املادة ‪ 751‬من قانون املسطرة اجلنائية على‪" :‬كل إجراء يأمر به هذا القانون ومل يثبت إجنازه على الوجه القانوين يعد كأنه مل‬
‫ينجز‪ ،‬وذلك مع مراعاة مقتضيات الفقرة الثالثة من املادة ‪ 442‬املتعلقة جبلسات غرفة اجلنايات"‪.‬‬
‫‪ 26‬شريف الغيام‪ ،‬مداخلة يف ندوة علمية عن بعد حول موضوع "التقاضي عن بعد‪ :‬أية ضمانات للمحاكمة العادلة"‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ 27‬القانون رقم ‪ 53.05‬املتعلق بالتبادل االلكرتوين للمعطيات القانونية‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهري الشريف رقم ‪ 1.07.129‬صادر يف‬
‫‪ 19‬من ذي القعدة ‪ 30( 1428‬يونيو ‪ ،)2009‬اجلريدة الرمسية عدد ‪ 5584‬بتاريخ ‪ 25‬ذو القعدة ‪ 6( 1428‬ديسمرب ‪،)2007‬‬
‫ص ‪.3879‬‬
‫‪ 28‬سعيد املريين‪ ،‬الشرعية اجلنائية يف زمن كورونا‪ ،‬مقال منشور مبناسبة املسابقة العلمية الوطنية عن بعد‪ ،‬حتت إشراف األستاذ سعيد‬
‫املريين‪ ،‬ماسرت العلوم اجلنائية واألمنية‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية – جامعة عبد املالك السعدي بتطوان‪ ،‬سنة ‪،2020‬‬
‫ص ‪.15‬‬

‫‪145‬‬
‫‪ 29‬القانون رقم ‪ 08.09‬املتعلق حبماية األشخاص الذاتيني جتاه املعطيات ذات الطابع الشخصي‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهري الشريف رقم‬
‫‪ 1.09.15‬صادر يف ‪ 22‬صفر ‪ 18( 1430‬فرباير ‪ ،)2009‬اجلريدة الرمسية عدد ‪ 5711‬بتاريخ ‪ 27‬صفر ‪ 23( 1430‬فرباير‬
‫‪ ،)2009‬ص‪.552 :‬‬
‫‪ 30‬إبراهيم الشويعر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪106‬‬
‫‪ 31‬سعيد املريين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪15‬‬
‫‪ 32‬أضيفت املادة مبقتضى القانون رقم ‪ 37.10‬املنشور باجلريدة الرمسية عدد ‪ 5988‬بتاريخ ‪ 20‬أكتوبر ‪.2011‬‬

‫‪146‬‬
‫المواجهة التشريعية لجريمة التملك الجنائي عبر شبكة المعلومات واالتصاالت‬

‫في القانون السوداني‬


‫د‪ /‬محمد التجاني محمد الشريف‪ ،‬كلية الشريعة والقانون ‪ -‬جامعة الزعيم االزهري – السودان‬

‫المخلص‬

‫تناولت الدراسة املواجهة التشريعية جلرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات واإلتصاالت يف القانون‬
‫السوداين‪ ،‬متثلت مشكلة الدراسة يف ان هنالك قصور تشريعي فيما يتعلق بتجرمي أفعال التملك اجلنائي اليت‬
‫ترتكب عرب شبكة املعلومات أو اإلتصاالت أو أي من وسائل اإلتصاالت واملعلومات‪ ،‬حيث جاء قانون‬
‫مكافحة جرائم املعلوماتية تعديل ‪2020‬م خالياً من النص على ذلك‪ ،‬نبعت أمهية الدراسة من خطورة‬
‫وجسامة االثار اليت ترتتب على هذه اجلرمية يف ظل تطور وسائل املعلومات واإلتصاالت يوماً بعد يوم‪ ،‬وجلؤ‬
‫اجملرمني للوسائل املتطورة يف إرتكاب جرائم التملك اجلنائي‪ ،‬هدفت الدراسة ايل بيان مفهوم التملك اجلنائي‬
‫وسبل إرتكابه عرب وسائل املعلوماتية احلديثة‪ ،‬وإستعراض القواعد القانونية اليت تكفل محاية اجملتمع من تلك‬
‫اجلرمية والوصول ايل مقرتحات للحد منها‪ ،‬إتبعت الدراسة املنهج التحليلي واملنهج الوصفي واملنهج املقارن‪،‬‬
‫توصلت الدراسة إىل عدد من النتائج أمهها‪ :‬ان قانون مكافحة جرائم املعلوماتية تعديل ‪2020‬م جاء خالياً من‬
‫أي نص جٌيّرم التملك اجلنائي عرب شبكة املعلوماتية وكذلك قانون جرائم املعلوماتية امللغي لسنة ‪2007‬م‪ ،‬مما‬
‫يعد قصوراً ٌيب سده‪ ،‬كما إن العقوبات الواردة يف القانون اجلنائي لسنة ‪1991‬م تعديل ‪2020‬م اخلاصة‬
‫جبرمية التملك هي عقوبات طفيفة ال تكبح مجاح مرتكيب هذه اجلرمية عندما ترتكب عرب شبكة املعلومات‬
‫واإلتصاالت‪ ،‬مما يستدعي تشديد العقاب وفقاً لقانون مكافحة جرائم املعلوماتية‪ ،‬وأوصت الدراسة بالعديد من‬
‫التوصيات أمهها‪ :‬نوصي املشرع بالنص على جترمي فعل التملك اجلنائي (املعلومايت) ضمن نصوص قوانني‬
‫مكافحة جرائم املعلوماتية النه قانون ذو طابع خاص حملاربة هذا النوع من اجلرائم اليت إصبحت ترتكب عرب‬
‫شبكة املعلومات واإلتصاالت أكثر من إرتكاهبا بالصورة التقليدية‪.‬‬
‫‪147‬‬
Abstract:
The study addressed the legislative confrontation with the crime of
criminalpossession through the information and communication network in Sudanese
law. The problem of the study was that there is a legislative deficiency with regard to the
criminalization of acts of criminal possession committed through the information or
communication network or any of the means of communication and information, as the
law against information crimes came to amend 2020 AD is devoid of text on
that,.The importance of the study came out from the seriousness and gravity of the
consequences of this crime in light of the development of the means of information and
communication day after day, and the criminals resorting to advanced means in
committing crimes of criminal possession. The study aimed to clarify the concept of
criminal possession and the means of its perpetration through modern information
means, and to review the legal rules that ensure the protection of society from this crime
and arrive at proposals to reduce it,.The study followed the analytical method, the
descriptive method, and the comparative approach. The study reached many results, the
most important of were there: The Anti-Information Crime Law Amendment 2020 AD
was devoid of any text criminalizing criminal possession through the computer network,
as well as the repealed Information Crimes Law of 2007 AD, which are deficiencies that
must be filled, and the penalties contained in the Criminal Law of 1991 Amendment
2020 AD on the crime of ownership are minor penalties that do not restrain the
perpetrators of this crime when it is committed through the information and
communication network, which calls for increased punishment in accordance with the
Law on Combating Information Crimes. The study The study have recommended: We
recommend that the legislator stipulate the criminalization of the act of criminal
possession (information) within the provisions of the laws to combat information crimes,
because it is a law of a special nature to combat this type of crime that has become
committed through the information and communication network more than it is
committed in the traditional way.
‫مقدمة‬
‫مل ينص املشرع السوداين على جترمي التملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات يف قانون مكافحة جرائم‬
.‫م أو يف قوانني مكافحة جرائم املعلوماتية السابقة‬2020 ‫املعلوماتية تعديل‬

148
‫أهمية ة ةةة الد ا ة ة ةةة‪ :‬نبعت ت تتت أمهيت ت تتة الدراست ت تتة مت ت تتن خطت ت تتورة وجست ت تتامة االثت ت تتار الت ت تتيت ترتتت ت تتب علت ت تتى جرميت ت تتة‬
‫التمل ت تتك اجلن ت تتائي ع ت تترب ش ت تتبكة املعلوم ت تتات يف ظ ت تتل تط ت تتور وس ت تتائل املعلوم ت تتات واإلتص ت تتاالت يوم ت ت تاً بع ت تتد ي ت تتوم‪،‬‬
‫وجلوء اجملرمني للوسائل املتطورة يف إرتكاب جرائم التملك اجلنائي‪.‬‬

‫مش ة ة ةةكلة الد ا ةة ة ةةة‪ :‬متثل ت ت تتت مش ت ت تتكلة الدراس ت ت تتة يف ان هنال ت ت تتك قص ت ت تتور فيم ت ت تتا يتعل ت ت تتق بتج ت ت تترمي أفع ت ت تتال‬
‫التملك اجلنائي وفقاً لقانون مكافحة جرائم املعلوماتية تعديل ‪2020‬م‪.‬‬
‫أه ة ةةدار الد ا ة ةةة‪ :‬ه ت تتدفت الدراس ت تتة ايل بي ت تتان مفه ت تتوم التمل ت تتك اجلن ت تتائي وس ت تتبل إرتكاب ت تته ع ت تترب وس ت تتائل‬
‫املعلوماتيت تتة احلديثت تتة‪ ،‬وإست تتتعراض القواعت تتد القانونيت تتة الت تتيت تكفت تتل محايت تتة اجملتمت تتع مت تتن تلت تتك اجلرميت تتة والوصت تتول ايل‬
‫مقرتحات للحد منها‪.‬‬
‫منهج الد ا ة‪ :‬إتبعت الدراسة املنهج الوصفى واملنهج املقارن واملنهج التحليلي‪.‬‬
‫هيكة ة ةةا الد ا ة ة ةةة‪ :‬تق ت تتوم هيكل ت تتة ه ت تتذه الدراس ت تتة عل ت تتى مقدم ت تتة وارب ت تتع مباح ت تتث ت ت تتوي عل ت تتى مفه ت تتوم‬

‫جرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات أو اإلتصاالت‪ ،‬وعناصر هذه اجلرمية وسبل مكافحتها‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم الجريمة وتعريف التملك الجنائي وشبكة المعلومات واإلتصاالت‬

‫إن أخذ مال الغري بغري حق حرام يؤمث فاعله‪ ،‬وعليه حيرم أخذ مال الغري بطريقة إنكار احلق سواء بإنكار‬

‫األمانتة أو العارية أو القرض أو الغش أو وصول املال عن طريق اخلطأ مث جحده‪ ،‬نتناول من خالل هذا املطلب‬

‫مفهوم التملك اجلنائي يف اللغة واإلصطالح الفقهي والقانوين‪.‬‬

‫اوالً‪ :‬مفهوم الجريمة‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫والتعدي‪،‬‬ ‫(‪ )1‬مفهوم الجريمة في اللغة‪ :‬من مادة جرم‪ ،‬وهلا عدة معاين‪ ،‬تطلق علي الذنب‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وجترم على فالن‪ ،‬إي ادعى ذنباً‬
‫ّ‬ ‫‪،‬‬ ‫وجرمي‬ ‫جمرم‬ ‫فهو‬ ‫‪،‬‬ ‫اجرم‬
‫و‬ ‫أجرتم‬
‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫مية‬
‫ر‬ ‫اجل‬ ‫وهو‬ ‫‪،‬‬ ‫وجروم‬ ‫ام‬
‫ر‬ ‫أج‬ ‫اجلمع‬
‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫والقطع‬
‫‪149‬‬
‫ِ‬ ‫مل أفعله‪ ،‬قال تعاىل‪ " :‬وَال ٌَي ِرمنَّ ُكم شنآَ ُن قَتوٍم علَى أََّال تَتع ِدلُوا اع ِدلُوا هو أَقْتر ِ‬
‫ب للتَّت ْق َوى َواتَّت ُقوا اللَّهَ إ َّن اللَّهَ َخبِريج‬
‫ْ َُ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ْ ََ ْ َ‬
‫‪3‬‬
‫ِِبَا تَت ْع َملُو َن"‬

‫(‪ )2‬مفهوم الجريمة في اإلصطالح‪ :‬لقد قام كثري من العلماء‪ ،‬كل يف ختصصه – بتعريف اجلرمية‬

‫كمايلي‪:‬‬

‫(أ) تعريف الجريمة عند إصطالح علماء اإلجتماع‪:‬عُرفت اجلرمية بأهنا "كل فعل يعود بالضرر على‬

‫اجملتمع‪ ،‬ويعاقب عليه اجملتمع"‪.‬وقد مجع هذا التعريف بني كل من البُعد االجتماعي والقانوين للجرمية‪.‬‬

‫(ب) أما في إصطالح الشرعيين فإن للجرمية معنيني‪ :‬المعنى األول‪ :‬معىن عام‪ ،‬ويراد به " إتيان فعل‬

‫ُُمرم معاقب على فعله‪ ،‬أو ترك فعل مأمور به معاقب على تركه‪ ،‬سواء أكان العقاب دنيوياً أم أخروياً" ‪.‬‬

‫المعنى الثاني‪:‬معىن خاص‪ ،‬ويُقصد به ارتكاب معصية رتب عليهاالشارع عقوبة دنيوية حيكم‬

‫هباالقاضي‪ ،‬وينفذهااحلاكم‪ ،‬وهوماعرب عنه بعض الفقهاء يف تعريفهم للجرمية بأهنا‪ُ " :‬مظورات شرعية زجر اهلل‬
‫‪4‬‬
‫(تعاىل – عنها حبد أوتعزيز) قيقاً ملصلحة الفرد واجلماعة‬

‫واحملظورات هي‪ :‬اتيان فعل منهي عنه‪ ،‬أوترك فعل مأمور به‪ ،‬وقد ُوصفت احملظورات بأهنا شرعية إشارة‬
‫‪5‬‬
‫إىل أنه ٌيب يف اجلرمية أن ظرها الشريعة‪.‬‬

‫وعرفت اجلرمية بأهنا‪ :‬خمالفة القانون "وقيل‪" :‬هي الفعل أوالرتك الذي نص القانون على عقوبة مقررة له‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫(‪)3‬تعريف الجريمة في علم النفس‪" :‬تعرف اجلرمية من الناحية النفسية علي اهنا إشباع لغريزة إنسانية‬

‫بطريق شاذ ال يتبعه الرجل العادي يف إرضاء الغريزة ذاهتا وذلك الحوال نفسية شاذة انتابت مرتكب اجلرمية يف‬

‫حلظة ارتكاهبا بالذات"‪.6‬‬

‫(‪)4‬مفهوم الجريمة في االصطالح الفقهي القانوني‪" :‬هي سلوك أو إمتناع ُمظور قانوناً يرتب جزءاً‬

‫علي خمالفته"‪.7‬‬

‫(‪ )5‬مفهوم الجريمة في القانون عرفتها املادة (‪ )3‬من القانون اجلنائي النافذ لسنة‪1991‬م باهنا‬

‫هي‪(:‬كل فعل معاقب عليه ِبوجب احكام هذا القانون أو اي قانون اخر) واملقصود بالقانون االخر القوانني‬

‫املكملة للقانون اجلنائي كقانون املخدرات – االجتار بالبشر‪ ،‬االسلحة والزخرية غسل االموال‪...‬اخل‪ ،‬وتعترب‬

‫اجلرمية ظاهرة اجتماعية الزمت االنسان منذ القدم فال ينفك جمتمع من اجملتمعات من وجود من يقع يف اجلرمية‪،‬‬

‫وطاملا وقعت جرمية البد من وجود العقاب يوقع علي من يقرتفها أو إختاذ تدبري بشأهنا‪.‬‬

‫ان تعريف اجلرمية الوارد يف املادة (‪ )3‬من القانون اجلنائي النافذ لسنة ‪1991‬م يؤكد مبدأ مهم وهو مبدأ‬
‫‪8‬‬
‫الشرعية "ال جرمية وال عقوبة اال بناء علي قانون سابق علي إقرتاف الفعل اجملرم"‬

‫وتعرف اجلرمية كذلك بأهنا‪( :‬هي كل عمل أو أمتناع ضار له مظهر خارجي‪ ،‬ليس إستعماالً حلق وال‬

‫قياماً بواجب‪ ،‬حيرمة القانون ويفرض له عقاباً‪ ،‬ويقوم به إنسان أهل لتحمل املسؤولية اجلنائية )‪.9‬‬

‫‪151‬‬
‫ثانياً‪ :‬مفهوم التملك في اإلصطالح القانوني‪:‬‬

‫التملك اجلنائي يف اإلصطالح القانوين هو أخذ الشئ واإلستيالء عليه على سبيل امللك واإلختصاص‬

‫بصفة دائمة‪ ،‬أو التصرف فيه بصفة مؤقته فرتة من الزمن على نية رده "‪.10‬‬
‫‪11‬‬
‫عرف التملك اجلنائي بأنه‪" :‬متلك مال بغري وجه حق بسؤ قصد على ان يكون املال منقوالً"‬
‫يُ ّ‬
‫التملك الجنائي في الفقه اإل المي‪:‬‬
‫التملك أو امللك‪ ،‬يعرف عند مجهور فقهاء الشريعة اإلسالمية بأنه‪" :‬إختصاص بالشئ مينع الغري منه‬
‫‪12‬‬
‫وميكن صاحبه من التصرف فيه إبتداء"‬
‫أباحت الشريعة اإلسالمية حق متلك األموال سواء كانت هذه األموال عقاراً أو منقوالً طاملا ان إكتساهبا‬
‫قد قق بطريق شرعي ‪ ،13‬وجعلت الشريعة اإلسالمية لألفراد حرية التصرف يف األموال اململوكة هلم والتعامل‬
‫فيها بالبيع أو اهلبة أو الوصية أو غري ذلك من التصرفات املباحة شرعاً‪ .‬ومع ذلك فإن حق التملك ليس حقاً‬
‫مطلقاً وذلك الن اإلسالم قد قيد امللكية بقيود معينة قيقاً للمصلحة العامة حبيث البد ان يأيت متلك املال من‬
‫أبواب الرزق احلالل‪ ،‬كما قيد إستعمال حق امللكية بعدم التعسف يف إستعماله أو األضرار باألخرين بسبب‬
‫هذا اإلستعمال‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬مفهوم "شبكة المعلومات أو اإلتصاالت"‪.‬‬
‫يقصد بالشبكة ترابط من األجهزة احلاسوبية واملنظومات املعلوماتية يسمح بتبادل املعلومات أو التشارك‬
‫‪14‬‬
‫فيها بني مرسل ومستقبل أو جمموعة من املستقبلني وفق إجراءات ُمددة‬
‫وتُعرف عملية اإلتصال بأهنا "نقل الرسائل من شخصني أو اكثر وتفسريها "أو هي عملية يتم فيها‬
‫توصيل فكرة معينة أو نقل معرفة أو نقل مهارة من فرد ألخر‪ ،‬أو جملموعة أو افراد أو بالعكس‪ ،‬وقد حيدث‬

‫‪152‬‬
‫النقل من جمتمع ألخر‪ ،15‬كما ان اإلتصال ال يعين فقط تبادل الكلمات أو األلفاظ فقط بني األشخاص بل‬
‫‪16‬‬
‫يتعدي ذلك ليشمل تبادل الصور والرسومات واألشكال‪.‬‬
‫املادة (‪ )4‬من قانون مكافحة جرائم املعلوماتية تعديل ‪2020‬م عرفت شبكة املعلومات واإلتصاالت‬
‫بانه يقصد هبا‪ ":‬أي ربط بني أكثر من نظام معلومات أو إتصاالت ِبا يف ذلك وسائل التواصل اإلجتماعي"‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم وعناصر جريمة التملك الجنائي عبر شبكة المعلومات واإلتصاالت‬

‫نتناول من خالل هذا املبحث مفهوم وعناصر جرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات واإلتصاالت‬

‫أو أي من وسائل املعلومات أو اإلتصاالت‪.‬‬

‫اوالً‪ :‬مفهوم التملك الجنائي عبر شبكة المعلومات واإلتصاالت‪:‬‬

‫مل ينص املشرع السوداين على تعريف جرمية التملك عرب شبكة املعلومات أو اإلتصاالت‪ ،‬وبإستقراء‬

‫النص الدال على جرمية التملك اجلنائي التقليدية ميكننا تعريف التملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات أو‬

‫اإلتصاالت بأنه هو‪ " :‬ان يعثر اجلاين عن طريق شبكة املعلومات أو اإلتصاالت أو أي من وسائل املعلومات‬

‫أو اإلتصاالت أو التطبيقات على مال مملوك للغري أو يأخذه أو يستعريه أو حيوزه عن طريق اخلطأ‪ ،‬مث ٌيحد‬

‫ذلك املال أو يتصرف فيه بسوء قصد "‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬عناصر جريمة التملك الجنائي عبر شبكة المعلومات‪:‬‬

‫(‪ )1‬العنصر األول‪ :‬ان يوجد مال قد وصل إىل يد اجلاين عن طريق األخذ أو العثور عليه أو بإستعارة‬

‫ذلك املال من آخر أو يدخل يف حيازته خطأ‪.‬‬

‫(‪ )2‬العنصر الثاني‪ :‬ان يتملك الجاني المال محا الجريمة المعلوماتية بغير وجه حق‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫أي ان يقوم اجلاين الذي وصل إليه ذلك املال دون وجه حق وحيوله ملنفعته الشخصية أو ٌيحده على‬

‫صاحبه‪ 17‬دون ان يرده له‪ ،‬وحيت إذا مل يعرفه ٌيب أن يسعي لتعريف هذا املال الضائع قبل التصرف فيه‪.‬‬

‫(‪ )3‬ان يفعل اجلاين ذلك مع سوء القصد‪ ،‬أي يقصد احلصول على كسب غري مشروع لنفسه أو لغريه‪،‬‬

‫أو تسبيب خسارة غري مشروعة لشخص أخر‪ ،‬ويتوفر القصد اجلنائي يف جرمية التملك عرب شبكة املعلومات أو‬

‫اإلتصاالت بأن يعلم اجلاين أن هذا املال ُمل اجلرمية مملوك لغريه‪ ،‬اما إذا كان يعتقد ان املال ملك له‪ ،‬كأن يظن‬

‫ان صاحب املال قد منحه إياه‪ ،‬فأنه ال يتوفر لديه القصد اجلنائي‪ ،‬وكذلك ٌيب لتوفر القصد اجلنائي يف جرمية‬

‫التملك اجلنائي (املعلوماتية ) ان تتجه نية اجلاين وإرادته إيل جحد املال وحجزه عن مالكه‪ ،‬اما اذا كان تصرف‬

‫اجلاين يف املال أو متلكه خطأ أو كان ناسياً أو مكرهاً فال يتوفر القصد اجلنائي وال يكون حينئذ مسؤوالً‬
‫‪18‬‬
‫جنائياً‪.‬‬

‫أمثلة لجريمة التملك الجنائي عبر شبكة المعلومات واإلتصاالت‪:‬‬

‫(‪( ")1‬عمرو) وجد رصيداً يف هاتفه مملوكاً (لزيد ) الذي قام بتحويله بالغلط‪ ،‬وكان عمرو يعتقد حبُسن‬

‫نية ان هذا الرصيد مملوكاً له‪ ،‬يف هذه احلالة مل يرتكب (عمرو ) جرمية إال انه إذا إكتشف هذا اخلطأ مث أبقي‬

‫ذلك املال (الرصيد ) بسوء قصد ت يده ملنفعته اخلاصة‪ ،‬فإنه يعد مرتكباً جرمية التملك اجلنائي املعلوماتية "‪.‬‬

‫(‪ )2‬ان يقوم املجين عليه بإرسال مبلغ نقدي لشخص أخر عرب خدمة (بنكك ) ‪19‬مثالً عن طريق‬
‫ُ‬
‫اخلطأ‪ ،‬فيقوم ذلك الشخص جبحد ذلك املال والتصرف فيه ملنفعته اخلاصة‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫(‪ )3‬كذلك من أمناط جرمية التملك اجلنائي أن يعثر اجلاين على بطاقة مصرفية ‪20‬مملوكة لشخص أخر‪،‬‬

‫ويقوم باإلستيالء عليها على سبيل امللك واإلختصاص‪ ،‬أو اإلنتفاع من اخلدمات اليت تقدمها تلك البطاقة‬

‫بصورة مؤقته‪ ،‬فهذا الشخص يعد مرتكباً جرمية التملك اجلنائي‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المواجهة التشريعية لجريمة التملك الجنائي عبر شبكة المعلومات أواإلتصاالت في‬

‫القانون السودان‬

‫نتطرق من خالل هذا املبحث ملعرفة جهود املشرع السوداين من أجل ُماربة جرمية التملك اجلنائي عرب‬

‫شبكة املعلومات أو اإلتصاالت‪ ،‬ومدي كفاية النصوص اليت اوردها املشرع حملاربة هذه اجلرمية‪.‬‬

‫(‪)1‬جريمة التملك الجنائي وفقاً للقانون الجنائي لسنة ‪1991‬م تعديا ‪2020‬م‬

‫املادة (‪ )1( )180‬يعد مرتكباً جرمية التملك اجلنائي من يأخذ أو يعثر على مال مملوك للغري أو يستعريه‬

‫أو حيوزه عن طريق اخلطأ مث ٌيحد ذلك املال أو يتصرف فيه بسوء قصد‪.‬‬

‫(‪ )2‬من يرتكب جرمية التملك اجلنائي يعاقب بالسجن مدة ال جتاوز ثالث سنوات أو بالغرامة أو‬

‫بالعقوبتني معاً‪.‬‬

‫احملكمة العليا يف سابقة حكومة السودان ‪//‬ضد‪//‬عوض محمد عمر همد ‪ 21‬أن أركان جرمية التملك‬

‫اجلنائي حسب املادة (‪ )180‬من القانون اجلنائي لسنة ‪1991‬م هي أن يكون هنالك مال منقول لشخص‪،‬‬

‫وان ميتلك شخص آخر بدون وجه حق وبسوء قصد ذلك املال وحيوله ملنفعته اخلاصة‪ ،‬فاملالك للمال هو‬

‫الشخص الذي له حق قانوين يف ذلك املال أو لديه حيازة فعلية عليه‪.‬‬


‫‪155‬‬
‫(‪ )2‬محا بة جريمة التملك الجنائي وفقاً لقانون مكافحة جرائم المعلوماتية تعديا ‪2020‬م‬

‫مل ينص هذا القانون على جرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات أو اإلتصاالت‪ ،‬وهو ما يعترب‬

‫قصوراً من املشرع يف هذا األمر‪ ،‬نأمل ان يفطن املشرع هلذا القصور بالنص على جترمي فعل التملك اجلنائي‬

‫(املعلومايت) ضمن نصوص قوانني مكافحة جرائم املعلوماتية النه قانون ذو طابع خاص حملاربة هذا النوع من‬

‫اجلرائم اليت إصبحت ترتكب عرب شبكة املعلومات واإلتصاالت أكثر من إرتكاهبا بالصورة التقليدية‪.‬‬

‫سبق ان إقرتحنا تعريف جلرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات واإلتصاالت وهو‪ ":‬ان يعثر اجلاين‬

‫عن طريق شبكة املعلومات أو اإلتصاالت أو أي من وسائل املعلومات أو اإلتصاالت أو التطبيقات على مال‬

‫مملوك للغري أو يأخذه أو يستعريه أو حيوزه عن طريق اخلطأ مث ٌيحد ذلك املال أو يتصرف فيه بسؤ قصد "‪،‬‬

‫من خالل هذا التعريف جند ان عناصر جرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات واإلتصاالت تتمثل يف‬

‫حصول اجلاين على مال عن طريق األخذ أو اإلستعارة أو العثور عليه أو حيازته خطأ‪ ،‬أي يكون املال ت يد‬

‫اجلاين‪ ،‬ان حيول ذلك املال ملنفعته بدون وجه حق‪ ،‬والبد من توفر سؤ القصد‪ ،‬والعلة من جترمي التملك اجلنائي‬

‫عرب شبكة املعلومات واإلتصاالت أن اجلاين أنشأ لنفسه يداً مالكة على ما ال ميلك‪ ،‬وأثري ذمته بغري وجه حق‬

‫خصماً على ذمة أخري إفتقرت على غري وجه حق ‪.22‬‬

‫خالصة األمر ميكن القول أن أي معلومات أو مبالغ أو أرقام أو شيكات أو معامالت ٌيدها املتلقي يف‬

‫صفحته اإللكرتونية أو هاتفه أو شرحيته مل يقم بالتبليغ عنها يعترب مرتكباً جرمية التملك اجلنائي اإللكرتوين‪ ،‬أي‬

‫ان املتلقي هلذه املبالغ أو األرقام أو األموال تطوله املسؤولية اجلنائية يف حالة جحود ذلك املال وعدم اإلبالغ‬

‫‪156‬‬
‫عنه‪ ،‬وحيت يطوله العقاب وقبله التجرمي ألبد من وجود نص يف قانون مكافحة جرائم املعلوماتية ينص على‬

‫التجرمي وهو األمر الذي يقع على عاتق املشرع‪.‬‬

‫(‪ )3‬أوجه اإلختالر بين جريمتي التملك الجنائي المعلوماتي واإلحتيال المعلوماتي‪:‬‬

‫هنالك مثة خلط لدي الكثريين بني التملك اجلنائي واإلحتيال املعلومايت‪ ،‬ولكن بينهما إختالف واضح‪،‬‬

‫فاإلحتيال قائم على تغيري احلقيقة واخلداع‪ ،‬أما التملك اجلنائي فال يقوم على اخلداع إذ يكفي فيه تغيري النية‬

‫بالنسبة للمال‪ ،‬وبالتايل ال يشرتط ان يتصرف اجلاين يف الشئ‪ ،‬والتملك اجلنائي مما ٌيوز فيه الصلح خبالف‬

‫اإلحتيال ‪.23‬‬

‫كذلك هنالك مثة إشرتاك بني جرمية خيانة األمانة املعلوماتية والتملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات‪،‬‬

‫حيث يشرتكان يف ان القصد اجلنائي يف كال اجلرميتني مرتاخي ‪24‬أي ليس معاصر للركن املادي للجرمية الن‬

‫الشخص الذي أؤمتن على مال ال يكون له حلظة إستالمه قصد اإلستيالء عليه‪ ،‬وإمنا يأيت القصد فيما بعد‪،‬‬

‫فلو أن (خالد) مثالً سلّم (ُممود ) مال معلومايت (كتاب مطبوع يف فالش مثالً ) ليسلمها (يوسف) فإن‬

‫ُممود حلظة إستالم ذلك املال املعلومايت كان يود تسليم تلك األمانة ليوسف‪ ،‬ولكنه عندما إطلع عليه سولت‬

‫له نفسه ملك ذلك املال املعلومايت‪ ،‬أي ان القصد اجلنائي هنا جاء مرتاخياً‪ ،‬أي فيما بعد‪ ،‬وكذلك يف جرمية‬

‫التملك اجلنائي املعلومايت فإن من حيصل على مال مملوك للغري أو حيوزه أو يستعريه فإنه حياول معرفة صاحبه‪،‬‬

‫ولكنه بعد حلة يفكر يف اإلستيالء عليه‪ ،‬أي أن القصد اجلنائي لإلستيالء على املال يأيت فيما بعد‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫ختتل ف جرمية خيانة األمانة املعلوماتية عن جرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلوماتية يف أن املال يف‬

‫جرمية خيانة األمانة ينتقل من املجين عليه إىل اجلاين برضاه الصحيح‪ ،‬أما يف التملك اجلنائي أن املال حيوزه‬
‫ُ‬
‫اجلاين أما خطأ أو يعثر عليه أو يستعريه أو يأخذه خطأ مث ٌيحده‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬با محا بة جريمة التملك الجنائي عبر شبكة المعلومات واالتصاالت‪.‬‬

‫من خالل هذه الدراسة يتضح ان التملك اجلائز يف التشريع اإلسالمي والقانون السوداين هو ماكان عن‬

‫طريق الكسب املباح املشروع والذي يكون عن طريق إحراز األموال املباحة واإلستيالء عليها عن طرق العقود‬

‫الناقلة للملكية من بيع وصدقة وهبة أو عن طريق خالفة اإلنسان لغريه يف امللك وذلك كاملرياث والوصية‪ ،‬أما‬

‫ما يتم بغري مسوغ شرعي وذلك كأكل أموال الناس بالباطل وغريها من التصرفات األخري احملرمة فإن ذلك يعد‬

‫يف الشريعة اإلسالمية والقانون الوضعي جناية تستدعي عقوبة رادعة‪ ،‬وكذلك تستدعي البحث عن أهم السبل‬

‫ملكافحة هذه اجلرمية واليت نورد منها ما يأيت‪:‬‬

‫(‪ )1‬النص على جترمي فعل التملك اجلنائي (املعلومايت) ضمن نصوص قوانني مكافحة جرائم املعلوماتية‬

‫النه قانون ذو طابع خاص حملاربة هذا النوع من اجلرائم اليت إصبحت ترتكب عرب شبكة املعلومات واإلتصاالت‬

‫أكثر من إرتكاهبا بالصورة التقليدية‪.‬‬

‫(‪ٌ )2‬يب على مستخدمي شبكة املعلومات واإلتصاالت ري الدقة عند إرسال املبالغ املالية أو عند‬

‫إستخدام البيانات اخلاصة ببطاقات اإلئتمان‪ ،‬واحلذر من رسائل الربيد اإللكرتوين اليت يرسلها الغرباء وعدم‬

‫‪158‬‬
‫اإلنسياق وراء الكالم املعسول الذي تويه‪ ،‬وٌيب عدم فتحها اال بعد فحص ُمتوياهتا‪ ،‬حيت ال يكونوا ضحية‬

‫لربامج القرصنة واهلكرز‪.‬‬

‫(‪ )3‬جيم سلبيات اإلنرتنت‪ ،‬حيث ان هذه السلبيات ال ميكن القضاء عليها بشكل ُكلي لتنوع‬

‫مصادرها ‪25‬وتعدد أشكاهلا‪ ،‬لكن ميكن تقليل هذه السلبيات وختفيف أثارها لتكون يف حدها األدين‪.‬‬

‫(‪ )4‬بث الوعي بني أفراد اجملتمع بأخطار جرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات واإلتصاالت‪ ،‬الن‬

‫معظم خماطر اجلرائم املعلوماتية ميكن جماهبتها بالوعي السليم والتصرف املدروس‪ ،‬وان غياب الوعي الكايف هو‬

‫السبب الرئيسي ملعظم السلبيات لشبكة األنرتنت‪.‬‬

‫(‪ )5‬إنشاء جهات خمتصة بأمن اإلنرتنت‪ ،‬تكون قوية وقادرة على فرض النظام يف هذه الشبكة‪ ،‬فال‬

‫يكفي جعل اجلهة املسؤولة هي شركة اإلتصاالت املقدمة للخدمة فقط‪.‬‬

‫(‪ )6‬حث ضحايا جرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات واإلتصاالت على التبليغ الفوري عن‬

‫جرائم التملك اجلنائي اليت ترتكب ضدهم للجهات املختصة لتسجيلها وتويل متابعتها‪ ،‬مما يُساعد على كشفها‬

‫يف مهدها قبل إخفاء معاملها‪.‬‬

‫(‪ )7‬تأسيس دوريات إلكرتونية‪ :‬حيث قامت أقسام مكافحة جرائم اإلنرتنت يف الدول املتقدمة بتأسيس‬

‫دوريات إلكرتونية على الشبكة مهمتها متابعة جمرمي األنرتنت أثناء جتوهلم على الشبكة‪ ،‬وهي مثل الدوريات‬

‫الواقعية‪ ،‬لكن بدالً من ان تسري على الطرقات‪ ،‬تقوم بالسري على خطوط الشبكة لتتابع اخلارجني عن القانون‪،‬‬

‫ومن اخلطوات اجليدة يف هذا اجملال ما قامت به وزارة الداخلية املصرية من تسيري دوريات أمنية على الشبكة‬

‫‪159‬‬
‫مهمتها منع اجلرمية اإللكرتونية قبل وقوعها‪ ،‬وكان من مثار هذه الدوريات ضبط العديد ممن حياولون إستخدام‬

‫بطاقات إئتمان مسروقة ‪.26‬‬

‫(‪ )8‬إلزام مقدمي اخلدمات الوسيطة بالتعاون مع اجلهات املختصة بالتحقيق (نيابة جرائم املعلوماتية )‬

‫فيما يتعلق بالبيانات الشخصية اخلاصة بالعمالء املشرتكني لديهم مما يسهل الوصول إىل اجلناة ‪ ،27‬وذلك نسبة‬

‫لبجعد اجلناة عن مسرح اجلرمية‪ ،‬حيث تتم اجلرمية املعلوماتية عن بعد بإستخدام خطوط وشبكات اإلتصال بني‬
‫‪28‬‬
‫اجلاين ومكان اجلرمية‪ ،‬وتُرتكب اجلرمية يف اخلفاء‪ ،‬حيث يتم نقل املعلومات بواسطة النبضات اإللكرتونية‬

‫(‪ )9‬التدريب يف جمال مكافحة اجلرائم املعلوماتية‪ :‬واملقصود بالتدريب هنا إكساب رجال العدالة اجلنائية‬

‫(نيابة‪ ،‬شرطة‪ ،‬قضاء ) خربة فنية يف جمال اجلرمية املعلوماتية‪ ،‬وهذه اخلربة الفنية ال تأيت دون تدريب ختصصي‬

‫يُراعي فيه العناصر الشخصية للمتدرب ‪ ،29‬من حيث توافر الصالحية العلمية والقدرات الذهنية والنفسية لتلقي‬

‫التدريب‪ ،‬فكفاءة رجال العدالة اجلنائية ملواجهة اجلرائم املعلوماتية بصفة عامة وقدرهتم يف التصدي هلا البد وان‬

‫ترتكز على كيفية تطوير العملية التدريبية‪ ،‬وفيما يتعلق ِبنهج التدريب البد ان حيتوي على‪:‬‬

‫(أ)إجراءات التحقيق‪ ،‬والتخطيط له‪.‬‬

‫(ب) جتميع املعلومات و ليلها‪.‬‬

‫(ج) أساليب املواجهة واإلستجواب‪.‬‬

‫(د) مراجعة النظم الفنية للبيانات‪.‬‬

‫(ه) أساليب املعمل اجلنائي‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫هذه أهم سبل مواجهة جرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات واإلتصاالت‪ ،‬نأمل ان يفطن املشرع‬

‫السوداين للقصور الوارد يف قانون جرائم املعلوماتية تعديل ‪2020‬م فيما يتعلق بالنص على جرمية التملك‬

‫اجلنائي (املعلوماتية )‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫تناولت الدراسة املواجهة التشريعية جلرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات واإلتصاالت‪ ،‬حيث‬
‫فصلت الدراسة مفهوم التملك اجلنائي وعناصره‪ ،‬واجلهود التشريعية حملاربته يف القانون السوداين‪ ،‬مع بيان أهم‬
‫سبل ُماربة هذه اجلرمية‪ ،‬خرجت الدراسة بالعديد من النتائج والتوصيات اليت تتمثل يف االيت‪:‬‬

‫اوالً‪ :‬أهم النتائج‬

‫(‪ )1‬ان قانون مكافحة جرائم املعلوماتية تعديل ‪2020‬م جاء خالياً من أي نص جٌيّرم التملك اجلنائي‬

‫عرب شبكة املعلوماتية‪ ،‬مما يعد قصوراً يف ذلك القانون ٌيب سده‪.‬‬

‫(‪ )2‬إن العقوبات الواردة يف القانون اجلنائي لسنة ‪1991‬م تعديل ‪2020‬م اخلاصة جبرمية التملك هي‬

‫عقوبات طفيفة ال تكبح مجاح مرتكيب هذه اجلرمية عندما ترتكب عرب شبكة املعلومات واإلتصاالت‪ ،‬مما‬

‫يستدعي تشديد العقاب وفقاً لقانون مكافحة جرائم املعلوماتية‪.‬‬

‫(‪ )3‬هنالك مثة إختالف بني جرمية التملك اجلنائي املعلوماتية واإلحتيال املعلومايت‪ ،‬فاإلحتيال قائم على‬

‫تغيري احلقيقة واخلداع‪ ،‬أما التملك اجلنائي فال يقوم على اخلداع إذ يكفي فيه تغيري النية بالنسبة للمال‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫(‪ )4‬ختتلف جرمية خيانة األمانة املعلوماتية عن جرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلوماتية يف أن املال يف‬

‫جرمية خيانة األمانة ينتقل من املجين عليه إىل اجلاين برضاه الصحيح‪ ،‬أما يف التملك اجلنائي أن املال حيوزه‬
‫ُ‬
‫اجلاين أما خطأ أو يعثر عليه أو يستعريه أو يأخذه خطأ مث ٌيحده‪.‬‬

‫(‪ )5‬توصلت الدراسة كذلك إىل أنه‪ :‬لتوفر القصد اجلنائي يف جرمية التملك اجلنائي (املعلوماتية ) ان‬

‫تتجه نية اجلاين وإرادته إيل جحد املال وحجزه عن مالكه‪ ،‬اما اذا كان تصرف اجلاين يف املال أو متلكه خطأ أو‬

‫كان ناسياً أو مكرهاً فال يتوفر القصد اجلنائي وال يكون حينئذ مسؤوالً جنائياً‬

‫ثانياً‪ :‬أهم التوصيات‪.‬‬

‫(‪ )1‬نوصي املشرع السوداين بالنص على جرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلوماتية ضمن نصوص‬

‫قانون مكافحة جرائم املعلوماتية‪ ،‬خلطورة هذه اجلرمية وتعديها على أموال الناس دون وجه حق‪.‬‬

‫(‪ )2‬نوصي املشرع بأن تكون عقوبة جرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات أو اإلتصاالت هي‬

‫وسبل تطورها‪ ،‬خالفاً‬


‫السجن مدة ال جتاوز مخس سنوات أو الغرامة أو العقوبتني معاً‪ ،‬نسبة خلطورة هذه اجلرمية ُ‬
‫جلرمية التملك اجلنائي التقليدية‪.‬‬

‫(‪ )3‬نوصي ضحايا جرمية التملك اجلنائي عرب شبكة املعلومات أواإلتصاالت على التبليغ الفوري عن‬

‫جرائم التملك اجلنائي اليت ترتكب ضدهم للجهات املختصة لتسجيلها وتويل متابعتها‪ ،‬مما يُساعد على كشفها‬

‫يف مهدها قبل إخفاء معاملها‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫(‪ )4‬نوصي اجلهات التنفيذية ذات الصلة بضرورة تدريب العاملني يف جمال العدالة اجلنائية (نيابة‪ ،‬شرطة‪،‬‬

‫قضاء ) وإكساهبم اخلربة الفنية الكافية ملواجهة اجلرائم املعلوماتية والقدرة على التصدي هلا‬

‫الهوامش‬

‫‪ 1‬أبواحلسن امحد بن فارس بن زكريا‪ )1968( ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬قيق عبدالسالم ُممد هرون‪ ،‬ط‪ ،2‬دارالفكر العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ص‪25‬‬
‫‪ 2‬أبو الفضل مجال الدين ُممد بن مكرم بن منظور‪1969( ،‬م) لسان العرب‪ ،‬ط ‪ ،1‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ .‬ص‪.141‬‬
‫‪ 3‬سورة املائدة‪ ،‬االية (‪)8‬‬
‫‪ُ 4‬ممد بن أمحد الدسوقي‪1995( ،‬م) حاشية الدسوقي علي الشرح الكبري" بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دارالكتب العلمية‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.122‬‬
‫‪ 5‬إالمام ُممد ابو زهرة‪1984( ،‬م )‪ ،‬اجلرمية والعقوبة يف الفقة االسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر اجلامعي‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.20‬‬
‫‪ 6‬د‪ .‬حسني عبد احلميد امحد رشوان‪2005( ،‬م)‪ ،‬علم االجتماع اجلنائي‪ ،‬املكتب احلديث‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.46‬‬
‫‪ُ 7‬ممود جنيب حسين‪1977( ،‬م )‪ ،‬شرح قانون العقوبات‪ ،‬القسم العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.43‬‬
‫‪ 8‬أ‪.‬د‪.‬امحد علي إبراهيم محو‪2014( ،‬م )القانون اجلنائي السوداين ‪1991‬م معلقاً عليه‪ ،‬ط‪ ،4‬ص‪.243‬‬
‫‪ 9‬د‪ُ .‬ممد ُمي الدين عوض‪ ،‬القانون اجلنائي ( مبادؤة األساسية ونظرياته العامة يف التشريعني املصري والسوداين ) ط‪ ،1‬املطبعة العاملية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪1963 ،‬م‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪ 10‬د‪ُ .‬ممد ُمي الدين عوض‪ ،‬قانون العقوبات السوداين معلقاً عليه‪ ،‬ط‪ ،1‬املكتب العريب احلديث للطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫ص‪.674‬‬
‫‪ 11‬د‪ .‬عبداهلل الفاضل عيسي‪ ،‬شرح القانون اجلنائي لسنة ‪1991‬م‪( ،‬بدون طبعة )‪ ،‬ص‪.356‬‬
‫‪ 12‬فتح القدير‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.74‬‬
‫‪ 13‬د‪ .‬طارق حسن بت عوف‪ ،‬أحكام جرائم األموال‪ ،‬ط ‪ ،1‬فهرست املكتبة الوطنية‪ ،‬اخلرطوم‪ ،‬السودان‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‪103‬م‪.‬‬
‫‪ 14‬د‪ .‬طارق اخلن‪ ،‬اجلرائم املعلوماتية‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات اجلامعة اإلفرتاضية السورية‪ ،‬سوريا‪2018 ،‬م‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ 15‬د‪ُ .‬ممد فتوح ُممد سعدات‪ ،‬مهارات االتصال الفعال‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة االلوكة‪2016 ،‬م‪ ،‬ص‪ 7‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫أميمة ُممود ُممد بشري‪ ،‬أثر تقنية املعلومات علي قواعد اإلجراءات واإلثبات‪ ،‬رسالة دكتوراة‪ ،‬جامعة الزعيم األزهري‪2019 ،‬م‪ ،‬غري‬
‫منشورة‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪ 17‬أ‪.‬د‪ُ .‬ممد الفاتح إمساعيل‪ ،‬القانون اجلنائي (‪ )2‬القسم اخلاص‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات جامعة السودان املفتوحة‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‪.523‬‬
‫‪ 18‬د‪ .‬طارق حسن بن عوف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.109‬‬
‫‪ 19‬هي خدمة يوفرها بنك اخلرطوم لعمالئه‪ ،‬يستطيع من خالهلا العميل إرسال املبالغ املالية الي عميل أخر تتوفر لديه نفس اخلدمة عن طريق‬
‫شبكة املعلومات واإلتصاالت‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫‪20‬‬
‫تعرف املعاجم العربية البطاقات املصرفية باملعين احلريف بإعتباره مصطلح حديث‪ ،‬ولكن معجم لسان العرب عرف مصطلح "البطاقة " بأنه‬
‫مل ّ‬
‫يعين " رقعة صغرية فيها مقدار ما جتعل فيه‪ ،‬ان كان عيناً فوزنه وعدده‪ ،‬وان كان متاعاً فقيمته "‪ ،‬ويف اإلصطالح فقد عرف جانب من الفقه‬
‫البطاقه املصرفية بأهنا " قطعة مستطيلة الشكل‪ ،‬مصنوعة من البالستيك الرخيص الثمن‪ ،‬أو من الورق املقوي‪ ،‬وال يتجاوز طوهلا عن ‪،8-8‬‬
‫‪5‬سنتيمرت يتم تغليفها ِبادة كيميائية وتثبت عليها البيانات واملعلومات واألشكال‪.‬‬
‫‪ 21‬قضية رقم ( م ع‪ /‬ف ج ‪/‬ج ح ‪2018/145/‬م ) احملكمة القومية العليا دائرة واليات البحر األمحر وكسال‪.‬‬
‫‪ 22‬د‪ ،‬بدرية عبداملنعم حسونة‪ ،‬شرح القانون اجلنائي لسنة ‪1991‬م‪ ،‬ط‪2013 ،10‬م‪ ،‬ص‪.331‬‬
‫‪ 23‬د‪ُ .‬ممد ُمي الدين عوض‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.674‬‬
‫‪ 24‬أ‪.‬د‪ .‬يس عمر يوسف‪ ،‬شرح القانون اجلنائي السوداين ‪1991‬م‪ ،‬القسم اخلاص‪2009 ،‬م‪ ،‬ص‪.528‬‬
‫‪ 25‬د‪ .‬علي بن عبداهلل عسريي‪ ،‬األثار األمنية إلستخدام الشباب لألنرتنت‪ ،‬مطبوعات جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬ط ‪ ،1‬الرياض‪،‬‬
‫اململكة العربية السعودية‪2004 ،‬م‪ ،‬ص‪.118‬‬
‫‪ 26‬على بن عبداهلل عسريي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.137‬‬
‫‪ 27‬د‪ .‬حسن إبراهيم‪ ،‬احلماية اجلنائية حلق املؤلف عرب اإلنرتنت‪ ،‬ط ‪( ،1‬بدون‪ :‬ت)‪ ،‬ص‪.133‬‬
‫‪ 28‬د‪ .‬مهند عبداهلل العبيد العازمي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.136‬‬
‫‪ 29‬د‪ .‬هشام ُممد فريد رستم‪ ،‬اجلوانب اإلجرائية للجرائم املعلوماتية (دراسة مقارنة ) ط ‪ ،1‬مكتبة اآلالت احلديثة‪ ،‬اسيوط‪ ،‬مجهورية مصر‬
‫العربية‪1994 ،‬م‪ ،‬ص‪.496‬‬

‫‪164‬‬
‫التحكيم العمالي في المنازعات ذات الطابع الجماعي ‪ -‬دراسة مقارنة ‪-‬‬
‫د‪ /‬شواخ محمد األحمد – جامعة دار العلوم – الرياض‪ ،‬السعودية‬

‫الملخص‪:‬‬

‫إن خطورة املنازعات العمالية ذات الطابع اجلماعي دفعت البعض من قوانني العمل حمل املقارنة إىل‬
‫إفرادها بوسائل ودية لتسويتها تبدأ باملافاوةة اجلماعية وتنتهي بالتكيي ‪ ،‬وغالبا ما ييون التكيي من طبيعة‬
‫إلزامية‪ ،‬مبعىن أن اللجوء إليه‪ ،‬واختيار هيئة التكيي ال حيتاج إىل اتافاق طريف النزاع على ذلك‪ ،‬إذ ييافي أن‬
‫يطلب أحد أطراف النزاع من اجلهة اإلدارية املختصة إحالة النزاع إىل هيئة التكيي ‪.‬‬

‫إال أن ذلك مل مينع من اعتماد البعض اآلخر من التشريعات املبدأ اإلراد يف اللجوء إىل التكيي ‪،‬‬
‫ويعد التكيي يف احلالة األخرية امتدادا للمافاوةة اجلماعية‪ ،‬هلذا جيب على هيئة التكيي أن تأخذ ذلك بعني‬
‫االعتبار عند حس النزاع حبيث ييون من بني أهدافها استمرار العالقة الودية بني العمال وصاحب العمل‪ ،‬أما‬
‫التكيي اإللزامي يف املنازعات اجلماعية فيقرتب من حتيي العرض األخري‪ ،‬وهو ميثابة قضاء إستثنائي وفقا لرأ‬
‫البعض‪ ،‬مع اإلشارة إىل أن التكيي اإللزامي يتمدد إىل منازعات أخرى كاملنازعات الرياةية مثال‪.‬‬

‫ومن اجلدير بالذكر أن نظام العمل السعود مل يافرد وسائل تسوية خاصة باملنازعات اجلماعية‪ ،‬ألنه مل‬
‫عرفها حديثا مبوجب نظام املرافعات الشرعية‪،‬‬
‫يافرق أصال بني املنازعات الافردية واملنازعات اجلماعية‪ .‬وإمنا ّ‬
‫وأخضعها لوسائل تسوية املنازعات الافردية‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬منازعة عمالية‪ ،‬منازعة مجاعية‪ ،‬حتيي إلزامي‪ ،‬حتيي اختيار ‪ ،‬طبيعة التكيي ‪،‬‬
‫إجراءات التكيي ‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪This research deals with a comparative study of the arbitration system in settling‬‬
‫‪labor disputes. Where we explained that labor disputes are divided into individual‬‬
‫‪165‬‬
‫‪disputes and collective disputes, and given the severity of recent disputes, Labor laws‬‬
‫‪concern them with consensual means for settlement, starting with collective bargaining‬‬
‫‪and ending with arbitration, and often arbitration is of an obligatory nature In the sense‬‬
‫‪that resorting to it and choosing the arbitration board does not need the agreement of the‬‬
‫‪parties to the dispute to do so, it suffices that one of them requests the competent‬‬
‫‪administrative authority to refer the dispute to the arbitration body, that this did not‬‬
‫‪prevent the adoption of some other legislation by the optional principle of resorting to‬‬
‫‪the arbitration, However, this did not prevent some legislations from adopting the‬‬
‫‪optional principle of resorting to arbitration, noting that the Saudi regime subjected‬‬
‫‪collective disputes to the means of settling individual disputes‬‬
‫‪Keywords: labor dispute, group dispute, compulsory arbitration, optional arbitration,‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫أمر ال مافر منه؛ لوجود تباين بني مصاحل أصكاب العمل والعمال‪ ،‬فالنزاع جزء‬
‫تعد املنازعات العمالية ٌ‬
‫ال يتجزء من هياكل املؤسسات الرأمسالية‪ ،‬يعزز هذه املنازعات اختالل توازن القوى بني العمال وأصكاب‬
‫يعرف البعض النزاع العمايل؛ بأنه اخلالف الناشئ عن تضارب املصاحل‪ ،‬سواء كان حقيقا أو‬ ‫العمل‪ ،‬هلذا ّ‬
‫متخيال‪.1‬‬
‫إذا كانت القاعدة أن القضاء الذ يعد مظهرا من مظاهر سيادة الدولة ال ميين أن ينهض به سوى‬
‫السلطة العامة عن طريق اهليئات القضائية‪ ،‬إال أن التشريعات قد خولت بعض اهليئات غري القضائية سلطة‬
‫الافصل يف بعض املنازعات‪ ،‬إذا توافرت فيها شروط معينة‪ ،‬ومن هذه املنازعات اليت خول فيها املشرع سلطة‬
‫الافصل هليئات غري قضائية‪ ،‬منازعات العمل اجلماعية‪ ،‬نظرا خلطورهتا؛ ألن طبيعة هذه املنازعات ال تسمح‬
‫باالنتظار مدة طويلة لتسويتها‪ ،‬ألن ةررها قد يتجاوز أطراف العالقة إىل االقتصاد الوطين جبملته‪.2‬‬
‫يعزو البعض نشأة نظام التكيي لتسوية منازعات العمل اجلماعية إىل التطورات االقتصادية‬
‫واالجتماعية اليت نشأت يف أعقاب الثورة الصناعية‪ 3‬الذ يؤرخ هلا منذ منتصف القرن الثامن عشر ( ‪1750‬‬
‫م)‪ ،‬حيث إن الافير الليربايل الذ ساد يف أواخر القرن الثامن عشر دعا إىل إطالق احلريات العامة‪ ،‬ورفض أ‬
‫قيد عليها‪ ،‬ألن ذلك الطريق هو الذ حيقق مصلكة اجملتمع كيل‪ ،‬وذلك من خالل سعي كل فرد إىل حتقيق‬

‫‪166‬‬
‫مصلكته الافردية‪ ،‬هلذا ما إن انتصرت الثورة الافرنسية‪ ،‬حىت سارعت إىل القضاء على اهلياكل التنظيمة لعالقات‬
‫العمل اليت كانت قائمة قبل قيام الثورة الصناعية‪ ،‬وتبلور ذلك يف اجتاهني رئيسني مها القضاء على نظام‬
‫الطوائف املهنية‪ ،‬وإطالق حرية العمل وحترمي أ تيتل من شأنه التأثري على احلرية االقتصادية‪ .4‬فإذا كان النظام‬
‫السابق قد أنعش االقتصاد يف النصف األول من القرن التاسع عشر نتيجة الستثمار رؤوس األموال يف الصناعة‪،‬‬
‫إال أنه قد وةع البذرة األوىل للرأمسالية احلديثة اليت ال بد وأن تيون يف ظل نظام احلرية القانونية واالقتصادية‬
‫وباال على العمال‪ ،‬ونذيرا هل بسوء احلال‪ ،5‬هلذا فإن جتمع أعداد كبرية من العمال يف املراكز الصناعية مع‬
‫شعوره بالظل دفعه إىل ثورات يف عامل العمل متثلت يف شيل عداء سافر ةد اآلالت‪ ،‬حيث اعتقد العمال‬
‫أهنا تسلبه مورد رزقه ‪ ،‬والقيام كذلك باإلةراب وأعمال العنف‪ ،‬وتشييل مجعيات سرية‪ ،‬أمام هذه الظروف‬
‫كان من الواجب على املشرع أن يتدخل إىل جانب العمال توقيا من تصدع اجملتمع ومحاية القتصاده‪ 6،‬هلذا فإن‬
‫املافاوةة حول ظروف العمل مل تعد مافاوةة فردية بل أصبكت مجاعية‪ ،‬كما أن التيتل بني العمال قد انعيس‬
‫على نوعية العالقات املهنية حيث ظهرت عالقات العمل اجلماعية دون أن يعين ذلك القضاء بشيل هنائي‬
‫على تعسف أصكاب العمل‪ ،‬لذلك فإن التشريعات قد اجتهت إىل إجياد آليات لتسوية املنازعات اجلماعية‪،‬‬
‫كالوساطة والتكيي ‪ ،7‬هلذا جاء االعرتاف يف الواليات املتكدة األمرييية بالتكيي كوسيلة حلل املنازعات بني‬
‫العمل واإلدارة يف وقت مبير من عام ‪ 1886‬يف ذلك العام أوصى الرئيس األمرييي كليافالند يف رسالة‬
‫موجهة إىل اليونغرس بوةع نظام وطين للتكيي اإلراد ‪ :‬إذ أنين مقتنع بأنه ميين القيام بشيء ما حتت‬
‫السلطة االحتادية ملنع االةطرابات اليت كثريا ما تنشأ عن املنازعات بني أصكاب العمل والعمال‪ ،‬واليت من‬
‫شأهنا أن هتدد املصاحل التجارية للبالد‪ .‬كانت جهود الرئيس إىل حد ما غري مثمرة على الرغ من أن اليونغرس‬
‫استجاب ووةع تشريعات بلغت ذروهتا بصدور قانون إردمان ‪ ،1898‬إال أنه مل يت الدخول يف عمليات‬
‫حتيي إرادية حىت عام ‪ ،1905‬حيث يعد التكيي املالذ األخري عندما تافشل مجيع الطرق األخرى يف تسوية‬
‫‪8‬‬
‫املنازعات‪.‬‬
‫يالحظ أن جانب من الافقه الافرنسي قد تلقى حبذر شديد التكيي كوسيلة لتسوية املنازعات ألسباب‬
‫ثالثة‪:‬‬

‫‪167‬‬
‫‪ -1‬ال يرحب أطراف النزاع هبذا التدخل االستبداد من قبل طرف ثالث ‪ -2‬قد ترجع عدم فعالية‬
‫نظام التكيي إىل أنه وسيلة اختيارية يستمد احملي سلطته من اتافاق أطراف النزاع ‪ -3‬يف حالة املنازعات‬
‫ذات الطابع االقتصاد ال ييون التكيي سوى امسا فقط‪ ،‬إذا ال يطلب من احملي أن حيدد من هو على حق‬
‫أو من هو على باطل‪ ،‬وهو مدعو الختاذ قرار ينظ العالقات االجتماعية‪ ،‬وترتتب عليه آثار اقتصادية هامة‪،‬‬
‫فاحملي حيي مبوجب العدالة وليس مبوجب القانون‪.9‬‬
‫يربط جانب آخر من الافقه بني قوة النقابة واستجابتها ملصاحل أعضائها وجناح التكيي ؛ هلذا عندما‬
‫تيون النقابات العمالية قوية وراسخة وتستجيب ملصاحل أعضائها فإن التكيي يعمل بنجاح‪ ،‬وبدون النقابات‬
‫واملافاوةة اجلماعية يصبح التكيي بال معىن‪ ،‬هلذا فإن تأسيس وإةافاء الشرعية على النقابات العمالية‬
‫وتشجيع املافاوةة اجلماعية هو املسؤول عن جناح التكيي العمايل والعيس صكيح‪.10‬‬
‫ويبدو أن هناك عالقة واةكة بني املافاوةة اجلماعية والتكيي االختيار ‪ ،‬طاملا أن التكيي إراد ‪،‬‬
‫جيب أن يت االتافاق عليه بني العمل واإلدارة‪ ،‬هلذا فإنه ينمو ويزدهر يف ظل املافاوةة اجلماعية‪ ،‬وينظر إليه‬
‫باعتباره مساند وداع للمافاوةة اجلماعية‪ .‬كذلك إذا كان القبول املتبادل بني أطراف املافاوةة اجلماعية هو‬
‫املعيار املتافق عليه عموما‪ ،‬فييف ميين أن نرفض اتافاق األطراف على عدم اللجوء إىل اإلةراب واإلغالق‬
‫وقبول التكيي يف حالة عدم التوصل إىل اتافاق‪ ،‬وال ميين أن نافسر مثل ذلك االتافاق على أنه عدم رغبة يف‬
‫التوصل إىل اتافاق مافاوةة مجاعية‪ .‬إذن التكيي اإلراد يعد بديال عن اإلةراب وليس بديال عن اتافاق‬
‫املافاوةة اجلماعية‪ ،‬حيث يشري قبول أطراف املنازعة العمالية بالتكيي أن كال الطرفني غري راغب يف حتمل‬
‫خماطر وتياليف توقف العمل‪ ،‬وبالتايل يافضل التكيي على استخدام القوة االقتصادية‪ ،‬كما أن حتيي املظامل‬
‫أو حتيي احلقوق يف القانون األمرييي؛ ينشأ نتيجة االختالف يف تافسري أو تطبيق شروط اتافاق املافاوةة‬
‫اجلماعية‪ ،‬الذ غالبا ما ينطو على مصلكة مجاعية‪ ،‬خاصة عندما يعطي التكيي معىن أو داللة أو مضمونا‬
‫معينا لشروط اتافاق املافاوةة اجلماعية‪ ،‬لذلك فإن مثل هذا التكيي يتجاوز مسألة التطبيق البسيط لشروط‬
‫اتافاقية العمل‪ ،11‬لذا درستنا هلذا املوةوع سوف تيون يف ثالثة مباحث‪:‬‬
‫‪-‬المبحث األول‪ :‬ماهية التكيي ‪-‬المبحث الثاني‪ :‬التنظي القانوين للتكيي العمايل‪-‬المبحث‬
‫الثالث‪ :‬آثار التكيي العمايل‬
‫‪168‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ماهية التحكيم‬
‫ملا كان التكيي بشيل عام؛ مؤسسة لتسوية املنازعات بالرتاةي‪ ،‬هلذا فإن حجر الزاوية فيه هو اتافاق‬
‫األطراف‪ ،‬لذلك ييون اتافاق التكيي صكيكا من الناحية املوةوعية عندما تتوافر‬
‫فيه أركان العقد بشيل عام من رةا وحمل وسبب‪ ،‬وتوافر شروط الرةا من أهلية وسالمة اإلرادة من‬
‫عيوب الرةا‪ .‬وتوافر الشروط اليت ينص عليها قانون التكيي ‪ ،‬كاليتابة مثال‪.‬‬
‫للتكيي يف منازعات العمل اجلماعية صلة وثيقة باملافاوةة اجلماعية كما أشرنا يف املقدمة‪ ،‬رغ أن‬
‫املافاوةة تصنف من الوسائل الودية الرةائية‪ ،‬والتكيي من الوسائل الودية غري الرةائية؛ ألن هيئة التكيي‬
‫تافرض حال للنزاع بغض النظر على موقف أطرافه من هذا احلل‪ ،‬إال أهنا باشرت عملها نتيجة التافاق العمال‬
‫واإلدارة على ذلك‪ ،‬كما أن عملها يتجاوز جمرد التطبيق البسيط لشروط اتافاق املافاوةة اجلماعية‪ .‬هلذا جيب أال‬
‫يعتقد أحد األطراف بأن دفع النزاع إىل التكيي سوف يافضي إىل نتائج أفضل من تلك النتائج اليت ميين‬
‫حتقيقها يف حال بذل جهود صادقة يف مرحلة املافاوةة اجلماعية‪ ،‬فإن مثل ذلك االعتقاد يعد جمرد مغالطة‪.12‬‬
‫دراسة مافهوم التكيي يتطلب تعريف التكيي ‪ ،‬وبيان طبيعته القانونية‪ ،‬وتوةيح صوره من حيث اعتباره‬
‫إجباريا أو إراديا‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف التحكيم‬
‫حمي ‪َّ .‬‬
‫حيموه بينه ‪ :‬أمروه حيي ‪ ،‬ويقال‬ ‫حمي واملافعول َّ‬
‫حي ‪ ،‬حي ّي ‪ ،‬حتييما فهو ِّ‬‫‪ -1‬في اللغة‪َّ :‬‬
‫ْمه بيننا‪ ،‬ح ّيمت فالنا؛ أ أطلقت يده فيما شاء‪ .13‬حتيي قضائي‪ ،‬هيئة‬ ‫ح ّيمنا فالنا بيننا‪ ،‬أ أجزنا حي َ‬
‫حتيي ‪ ،‬هيئة أو جلنة تقوم باحلي يف القضاء وبني األطراف املتنازعة‪ .‬استكيام‪ :‬حتصني‪ :‬أقام اجليش حتييمات‬
‫حيما أو هيئة َّ‬
‫حميمة‪ .14‬ومن معاين التكيي‬ ‫حول جبهة القتال تسوية نزاع بني فريقني على يد فرد قد ييون َّ‬
‫ومشتقاته الدعوة إىل الافصل يف اخلصومة‪ ،‬تقول حاكمته إىل احلاك ؛ أ دعوته إىل حيمه‪ ،‬وحاكمته إىل اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬دعوته إىل حيمه سبكانه وتعاىل‪ ،15‬ومنه قوله تعاىل" يريدون أن يتكاكموا إىل الطاغوت وقد أمروا أن‬
‫‪16‬‬
‫ييافروا به ويريد الشيطان أن يضله ةالال بعيدا"‬

‫‪169‬‬
‫‪ -2‬في االصطالح‪ :‬معىن التكيي يف االصطالح ال رخرج عن معناه اللغو ‪ ،‬فالتكيي ؛ هو نزول‬
‫أطراف النزاع عن االلتجاء إىل قضاء الدولة‪ ،‬والتزامه بطرح النزاع على حم َّي أو أكثر حلس النزاع حبي‬
‫ملزم‪ .17‬فالتكيي أسلوب اتافاقي قانوين حلل النزاع بدال من القضاء سواء أكانت اجلهة اليت ستتوىل إجراءات‬
‫التكيي مبقتضى اتافاق الطرفني منظمة أو مركزا دائما للتكيي أو مل تين كذلك‪ .18‬وعرفته جملة األحيام‬
‫العدلية‪ 19‬على أنه " اختاذ اخلصمني برةامها حاكما يافصل خصومتهما ودعوامها" وعرفه صاحب الدر بأنه "‬
‫تولية اخلصمني حيما حيي بينهما‪ ،‬وركنه لافظه الدال عليه ‪ .20‬كما عرف التكيي بأنه " عملية؛ يتافق‬
‫مبوجبها األطراف على حل منازعاهت بشيل ملزم‪ ،‬من قبل حمي أو أكثر رختاره أطراف النزاع‪ ،‬إما بشيل‬
‫مباشر‪ ،‬أو غري مباشر عن طريق آلية رختارها الطرفان"‪ 21‬كما عرف التكيي " طريقة تعاقدية حلل املنازعات‪،‬‬
‫حيث يتافق أطراف النزاع على أن يعهدا إىل حمي أو هيئة حتيي بتسوية نزاعهما – مع استبعاد احملاك ‪ -‬مع‬
‫‪22‬‬
‫االلتزام بقبول القرار الصادر سواء اعتقدوا بصواب ذلك القرار أو بعدم صوابه‬
‫من الواةح أن أغلب التعريافات تركز على أن التكيي وسيلة اتافاقية‪ .‬إذن؛ التكيي أسلوب إراد‬
‫‪ volontaire‬أو اتافاقي حلل النزاع‪ ،‬لذلك فإن األصل اإلراد أو االتافاقي للتكيي يعد أحد املعايري األساسية‬
‫لتوصيف التكيي ‪ ،‬هلذا اعترب البعض استبعاد موافقة أطراف النزاع على اللجوء إىل التكيي ‪ ،‬أو ما يسمى‬
‫بالتكيي اإللزامي ال يعد حتييما باملعىن الصكيح‪ ،‬بل هو اختصاص قضائي استثنائي‪.23‬‬
‫كما أن حل النزاع يت عن طريق حمي أو هيئة حتيي يت اختيارها من قبل أطراف النزاع‪ ،‬وبقرار ملزم‬
‫وهنائي‪ ،‬حيث تستخدم اإلجراءات القضائية للوصول إىل ذلك القرار‪.24‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الطبيعة القانونية للتحكيم في منازعات العمل الجماعية‬
‫يف حتديد الطبيعة القانونية للتكيي بشيل عام تظهر أربع نظريات رئيسة‪ ،‬النظرية التعاقدية‪ ،‬والقضائية‪،‬‬
‫واملختلطة‪ ،‬واملستقلة‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫أوالً‪ :‬نظرية الطبيعة التعاقدية‬
‫يستند أنصار هذه النظرية يف تيييف التكيي على أنه من طابع تعاقد ‪ ،‬إىل أن أصل أ حتيي‬
‫يعتمد يف وجوده واستمراريته على اتافاق أطراف النزاع على اللجوء إىل التكيي ‪ ،‬هلذا يعد االتافاق على‬
‫‪170‬‬
‫التكيي هو حجر الزاوية يف إجراءات التكيي ‪ ،‬فهو الذ مينح التافويض هليئة التكيي ‪ ،‬وحيدد نطاق‬
‫املوةوعات اليت ختضع للتكيي ‪ ،‬ويف بعض األحيان يضع خارطة للقواعد اإلجرائية واملوةوعية الواجب‬
‫اتباعها‪ ،26‬لذلك ينافي أنصار النظرية التعاقدية أ سيطرة للدولة على التكيي ‪ ،‬ووفقا هلذه النظرية فإن‬
‫احمليمني ليسوا قضاة؛ ألهن ال يقومون بعمله نيابة عن الدولة حىت يف مرحلة تنافيذ قرار التكيي ‪ ،‬فإذا مل يق‬
‫األطراف بتنافيذ قرار احملي طواعية‪ ،‬فإنه ينافذ عندئذ كعقد‪ ،‬أجنزه احمليمون كوكالء عن أطراف النزاع؛ ألن‬
‫اتافاق التكيي هو السبب يف وجود القرار التكييمي‪.‬‬
‫صاغت حميمة النقض الافرنسية‪ 27‬يف قضية ‪Roses‬النظرية التعاقدية على النكو اآليت‪ " :‬تشيل‬
‫قرارات التكيي اليت تعتمد على اتافاق التكيي وحدة واحدة معه‪ ،‬حيث تشرتك معه يف طابعها التعاقد "‬
‫وأكدت احمليمة أن للتكيي نقطة بداية وهناية تعاقدية‪ ،‬وأن قرار التكيي ذو طبيعة تعاقدية أيضا من حيث‬
‫املبدأ"‬
‫هلذا‪ ،‬طاملا أن التكيي من طبيعة تعاقدية فإنه رخضع ألحيام القانون املدين وليس لقانون اإلجراءات‬
‫املدنية‪ ،‬فالتكيي يتألف من سلسلة من األعمال التعاقدية املرتبطة ارتباطا وثيقا ببعضها البعض‪ .‬كذلك يتعني‬
‫على هيئة التكيي عند صياغة القرار أن تضع يف اعتبارها األطراف الذين تعاقدوا على إحالة النزاع للتكيي ‪،‬‬
‫ألن قرار التكيي هو نتيجة هلذا االتافاق‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬نظرية الطبيعة القضائية‪:‬‬
‫تعتمد هذه النظرية على أن العملية التكييمية برمتها تدور حول إقامة العدالة‪ ،28‬وإن نتيجتها النهائية‬
‫تظهر يف قرار التكيي ‪ .‬هلذا فإن احملي يقوم بدور شبه قضائي يشبه إىل حد كبري دور القاةي‪ ،‬فاحملي إذن‬
‫يؤد وظافية قضائية عامة مسكت هبا الدولة عن طريق التنازل أو التسامح‪ ،29‬بالتايل فإن مصدر سلطات‬
‫احملي نابعة من القانون وليس من اتافاق التكيي ‪ .‬فاحمليمون أفراد يسمح هل النظام القانوين بأداء وظيافة من‬
‫اختصاص السلطة القضائية يف الدولة من حيث املبدأ‪ ،‬وهذا يؤكد ما يقول به الافقيه مان ‪ Mann‬من أن ليل‬
‫دولة ذات سيادة أن متنع أو تسمح مبمارسة أ نشاط داخل أراةيها‪ ،‬بالتايل كل إجراءات التكيي ختضع‬
‫‪30‬‬
‫لقانون الدولة اليت جير فيها التكيي ‪ .‬هلذا يعطي أنصار هذه النظرية أمهية كبرية لقانون مقر التكيي ‪Seat .‬‬

‫‪171‬‬
‫‪ Of Arbitration‬كما أن هذه النظرية جتد تأيدا هلا يف عدد من القضايا املتعلقة يف أن حقيقة قرار التكيي‬
‫إذا مل ينافذ طوعا من أطراف النزاع‪ ،‬فال ميين عندئذ تنافيذه ذاتيا‪ ،‬وإمنا ال بد من تدخل من قبل احملاك‬
‫الوطنية‪ .‬وكذلك يف موةوع حصانة احمليمني‪ ،‬أو األحيام املتعلقة باستقالل وحياد احمليمني‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬نظرية الطبيعة المختلطة‪:‬‬
‫ظهرت نظرية ثالثة لتيييف الطبيعة القانونية للتكيي ‪ ،‬ترى أن التكيي جيمع بني عناصر من كل من‬
‫على‬
‫اللجوء إليه‪ .‬لين مع ذلك يبقى للتكيي طبيعة قضائية تنطو على دور شبه قضائي للمكيمني من‬
‫خالل تطبيقه للقواعد اإلجرائية‪ ،31‬وتعود الافيرة األساسية للنظرية املختلطة إىل ‪ Sauser-Hall G.‬اليت‬
‫اعتربت أن اتافاق التكيي مشابه لشرط االختصاص احلصر ‪ ،‬حيث يت استبدال سلطة اختاذ القرار من قبل‬
‫احمليمة بسلطة احمليمني‪ ،‬لذلك فإن شروط صكة اتافاق التكيي تعتمد بشيل خاص على القانون املدين‪،‬‬
‫ولين القانون اإلجرائي هو الذ ينظ عمل احمليمني املتضمن احلي يف النزاع‪ ،‬هلذا وفقا للنظرية املختلطة فإن‬
‫التكيي يعد نظام عدالة خاصة مت إنشاؤه مبوجب العقد أو االتافاق‪ .32‬وانتقد جانب من الافقه‪ 33‬فيرة تشبيه‬
‫اتافاق التكيي باالختصاص احلصر ‪ ،‬حبجة أن شرط التكيي ينشئ والية قضائية خاصة فضال عن استبعاد‬
‫اختصاص احمليمة‪ ،‬كما وجه النقد لافيرة الافصل بني العناصر التعاقدية والعناصر اإلجرائية للتكيي على‬
‫املستوى العملي البكت‪ ،‬ألن عيب هذا الافصل بني اتافاق التكيي وبني اإلجراءات قادر على إنتاج أربعة‬
‫أنظمة قانونية خمتلافة‪ .‬هلذا فإن أنصار النظرية املختلطة خافافوا من التمييز بني اجلوانب التعاقدية واإلجرائية‬
‫للتكيي ‪ ،‬واكتافوا باإلشارة إىل هيمنة اجلانب التعاقد يف بداية عملية التكيي واجلانب اإلجرائي مبجرد‬
‫الشروع بإجراءات التكيي ‪ .‬ومن اآلثار اليت ترتبت على النظرية املختلطة االعرتاف بالصلة القوية بني التكيي‬
‫وقانون املقر الذ جير فيه التكيي ‪ ،‬باإلةافة إىل أن حق احملي يف إصدار قرارات حتييمة ملزمة مستمد من‬
‫تافويض الدولة لسلطاهتا احلصرية يف هذا اجملال‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬التكيي ذو طبيعة هجينة يبدأ كاتافاق بني األطراف ويستمر من خالل إجراءات خاصة‪ ،‬حبيث‬
‫تيون إلرادة الطرفني أمهية كبرية‪ ،‬ومع ذلك ينتهي التكيي بقرار له قوة وتأثري قانوين ملزم‪ ،‬تعرتف به حماك‬

‫‪172‬‬
‫معظ البلدان وتنافذه بشروط معينة‪ .‬وميين مالحظة مثل هذه احلاالت اهلجينة أو املختلطة موجودة حبي‬
‫الواقع‪ ،‬ويتضح ذلك من خالل التعايش بني النهج القضائي التافاقية نيويورك مع النهج االتافاقي الذ يتبعه كل‬
‫من القانون الافرنسي‪ ،‬والقانون يف الواليات املتكدة األمرييية‪.34‬‬
‫رابعاً‪ :‬نظرية الطبيعة المستقلة‪:‬‬
‫أدت خيبة األمل املتزايدة بالنظريات التقليدية لتيييف التكيي من حيث اعتباره من طبيعة تعاقدية أو‬
‫من طبيعة قضائية‪ ،‬أو خمتلطة إىل أن يتجه بعض الافقهاء إىل النظر إىل ما هو أبعد من هييل التكيي ‪ ،‬النظر‬
‫إىل سياقه االجتماعي واالقتصاد املتمثل يف حس النزاع املطروح أمام هيئة التكيي على حنو يضمن استمرار‬
‫التعايش السلمي والعالقات الودية بني أطراف النزاع مستقبال على خالف ما يسعى إليه القاةي من خالل‬
‫تطبيق القانون على النزاع املعروض أمامه بغض النظر عن أثر ذلك على مستقبل العالقة بني األطراف‬
‫املتنازعة‪ .35‬لذلك تطورت نظرية تافرتض أن التكيي ذو طابع مستقل يتطور يف سياق نظام متكرر‪ ،‬باإلةافة‬
‫إىل أن استقاللية التكيي ملكوظة يف كل مرحلة من مراحل عملية التكيي ‪ 36‬فشرط التكيي مستقل‪،‬‬
‫واستقاللية القانون النافذ‪ ،‬واستقاللية حي التكيي ‪ .37‬وذهب جانب آخر من الافقه إىل أن للتكيي وظيافته‬
‫اخلاصة يف القانون احمللي والدويل على السواء‪ ،38‬وهذا الدور اخلاص جيعل من التكيي مؤسسة مستقلة وأجنبية‬
‫عن العقد وكذلك عن القضاء‪ ،‬فصكيح أن نظام التكيي ال ييون إال بناء على اتافاق بني أطراف النزاع‪ ،‬إال‬
‫أن ذلك ال جيعل منه جمرد عقد أو نظاما تعاقديا‪ .39‬كما أن دخول نظام التكيي يف باب القضاء ال يؤد إىل‬
‫فقدان التكيي لذاتيته واستقالله‪ .40‬لذلك فإن التكيي ليس من طبيعة تعاقدية أو قضائية أو خمتلطة‪ ،‬ولين‬
‫من طبيعة مستقلة؛ ألن اخلصائص االتافاقية والقضائية للتكيي مرتابطة إىل درجة يصبح من املستكيل‪ ،‬ومن‬
‫غري الصكيح حماولة الافصل بني اجلزء التعاقد واجلزء اإلجرائي لعدم وجود جزء يتميز بشيل كبري عن اجلزء‬
‫اآلخر‪ ،‬كما أن من شأن هذا الافصل أن يشوه طبيعة التكيي ويعيق تطوره‪ .‬بالتايل فإن االستقالل النسيب‬
‫ملؤسسة التكيي من شأنه أن يؤد إىل تطويرها من خالل منح األطراف أقصى قدر من حرية االختيار‪ ،‬وهلذا‬
‫سوف يليب نظام التكيي توقعات املستخدمني له‪ ،‬لذلك سيزدهر التكيي كمؤسسة مستقلة‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫خامساً‪ :‬طبيعة التحكيم في منازعات العمل الجماعية‪:‬‬
‫يتبادر للذهن ماهي‬ ‫بعد استعراض حتديد الطبيعة القانونية للتكيي بشيل عام‪ ،‬السؤال الذ‬
‫خصائص نظام التكيي العمايل يف جمال املنازعات اجلماعية؟‬
‫يرى البعض‪ 41‬أن التكيي العمايل مزيج من اخلصائص والسمات العامة واخلاصة‪ ،‬واإللزامية واالتافاقية‪،‬‬
‫تعد اجلوانب اخلاصة واالتافاقية أو اإلرادية للتكيي العمايل مصدر القواعد القانونية املطبقة‪ ،‬وسيطرة أطراف‬
‫النزاع على اختيار احمليمني‪ ،‬ودفع أتعاهب ‪ .‬كما أن هذه اخلصائص اخلاصة واإلرادية تدع نظام املافاوةة‬
‫اجلماعية‪ ،‬مبعىن أن ما ينتهي إليه التكيي يف منازعات العمل اجلماعية يعترب امتدادا ملا تنتهي إليه املافاوةة‬
‫اجلماعية‪ ،‬كما أن اجلوانب اخلاصة أو اإلرادية للتكيي العمايل تساعد على ةمان حياد احمليمني وتيسري‬
‫إجراءات عملية التكيي ‪ ،‬فضال عن االنصياع وتنافيذ قرار التكيي ‪ .‬هلذا فإن جناح أو فشل التكيي العمايل‬
‫حتدده طبيعة العالقة بني أطراف النزاع وسلطة النقابة العمالية‪.‬‬
‫ذهب رأ آخر‪ 42‬إىل اعتبار التكيي يف منازعات العمل اجلماعية أصبح من طبيعية إدارية اعتمادا‬
‫على تنظي تشريعات العمل له‪ .‬وتظهر الطبيعية اإلدارية للتكيي ؛ من حيث إن اجلهة اليت حتيل النزاع للتكيي‬
‫ليس أطراف املنازعة وإمنا اجلهة اإلدارية املختصة هي اليت تتوىل ذلك عندما تافشل الوساطة يف حله‪ ،‬ويطلب‬
‫أحد أطراف النزاع من تلك اجلهة اإلدارية املختصة إحالته للتكيي ‪ .‬كما أن الطبيعة اإلدارية للتكيي يف‬
‫املنازعات اجلماعية يتجلى يف أن هيئة التكيي ليست هيئة قضائية صرفة وإمنا تض ممثلني عن العمال‬
‫وأصكاب العمل وممثل عن اجلهة اإلدارية مما جيعل منها جلنة إدارية أكثر منها هيئة قضائية‪ .‬كما أن الطبيعة‬
‫اإلدارية تتجلى من حيث القرار التكييمي فبالرغ من أن هذا القرار قابل للطعن كما لو كان صادرا من‬
‫حميمة االستئناف إال أن احمليمة النقض تنظر فيه ألسباب حمددة مما جيعل نية املشرع تتجه حنو اعتبار قرار‬
‫التكيي من قبيل القرارات اإلدارية‪.‬‬
‫وبرى جانب آخر أن الطبيعة القانونية للتكيي اإللزامي يف منازعات العمل اجلماعية املتبع يف أغلب‬
‫قوانني العمل يف الدول العربية ليس حتييما‪ ،‬وإمنا هو عبارة عن حميمة استثنائية خاصة بالنزاعات العمالية ذات‬
‫‪43‬‬
‫الطابع اجلماعي‪ ،‬حيث ال يعتمد ذلك التكيي على إرادة أطراف النزاع‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫يبدو أن التكيي باملعىن احملدد يف التشريع والافقه والقضاء رختلف كثريا عن التكيي الذ تنظمه قوانني‬
‫العمل لتسوية املنازعات ذات الطابع اجلماعي؛ ألن مصطلح التكيي ينصرف إىل التكيي الذ يتافق عليه‬
‫أطراف النزاع سواء مبوجب اتافاق سابق على نشوء النزاع (شرط التكيي ) أو مبوجب اتافاق الحق على نشأة‬
‫النزاع (مشارطة التكيي ) كما أن عبارة هيئة التكيي تنصرف بدورها إىل اهليئة املشيلة حلس النزاع الذ‬
‫حيال إليها‪ ،‬فالتكيي باملعىن السابق يعد بديال عن القضاء‪ ،44‬واللجوء إليه حيتاج إىل اتافاق أطراف النزاع‪ .‬أما‬
‫التكيي العمايل فليس كذلك فإما أن ييون حتييما إلزاميا وهو الغالب يف قوانني العمل العربية؛ مبعىن أن إحالة‬
‫النزاع إىل هيئة التكيي ال حتتاج إىل اتافاق األطراف‪ ،‬وإمنا ييافي أن يطلب أحد أطراف النزاع ذلك من اجلهة‬
‫اإلدارية املختصة‪ ،‬فالتكيي يف هذه احلالة يعد قضاء استثنائيا أكثر منه حتييما مت إنشاؤه هبدف اإلسراع يف‬
‫تسوية املنازعة اجلماعية ذات اآلثار اخلطرية على العمال وعلى أصكاب العمل وعلى االقتصاد الوطين‪ ،‬أما‬
‫عندما ييون حتييما إراديا؛ حيتاج إىل اتافاق أطراف النزاع على ذلك فييون امتدادا واستيماال ملا بدؤه‬
‫األطراف يف مرحلة املافاوةة اجلماعية‪ ،‬حيث إن أطراف النزاع يتافقون على إحالته هليئة حتيي عندما مل يتمينوا‬
‫من تسويته من خالل املافاوةة اجلماعية‪ ،‬فيما أن حل النزاع من خالل املافاوةة اجلماعية حيتاج إىل اتافاق‬
‫األطراف كذلك التكيي اإلراد حيتاج إىل اتافاقه على ذلك‪ ،‬هلذا فإن التكيي يعد امتدادا للمافاوةة‬
‫اجلماعية بوجود مساعدة من هيئة التكيي للتوصل إىل اتافاق‪ ،‬هلذا فإن دور هيئة التكيي يتجاوز جمرد تافسري‬
‫وتطبيق النصوص القانونية أو االتافاقية‪ ،‬وإمنا استيمال تلك النصوص وخاصة عندما ييون النزاع من طبيعة‬
‫اقتصادية‪ ،‬كذلك جيب على هيئة التكيي أن تأخذ ذلك بعني االعتبار وهي تقرر حال لذلك النزاع حبيث‬
‫تسعى إىل حل حيافظ على عالقة ودية بني أطرافه‪ ،‬ألن استمرار عالقة العمل يتطلب ثقة متبادلة وتعاون بني‬
‫األطراف‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬صور التحكيم في منازعات العمل الجماعية‬
‫تتكدد صور التكيي يف منازعات العمل اجلماعية‪ ،‬حبسب ما إذا كان جلوء أطراف املنازعة اجلماعية‬
‫إليه إجبار أم اختيار ‪ ،‬مع أن األصل يف التكيي أن ييون اختياريا ال إجباريا‪ ،‬ألن إقامة العدالة من وظائف‬
‫‪46‬‬
‫الدولة التقليدية‪ 45‬اليت ال جيوز هلا أن تتخلى عن تلك الوظيافة فتوجب على األفراد اللجوء إىل التكيي‬

‫‪175‬‬
‫ييون التكيي اختياريا؛ إذا كان اللجوء إليه حيتاج إىل اتافاق مسبق بني أطراف النزاع‪ ،‬أو موافقة الحقة‬
‫منهما‪ .‬هلذا ومبافهوم املخالافة ييون التكيي إجباريا عندما يافرةه القانون دون أن ييون إلرادة طريف النزاع دور‬
‫يف استخدامه‪ ،‬أو عندما يتمين أحد أطراف النزاع من إجبار الطرف اآلخر على اللجوء إىل التكيي ‪ .‬يرى‬
‫جانب من الافقه أن اليثري من قوانني العمل قد أخذت بالتكيي اإلجبار باعتباره وسيلة حامسة وبديلة‬
‫للوسائل اليت تتس بالعنف واملعتمدة قانونا؛ كاإلةراب واإلغالق‪ ،‬ورغبة منها يف اختصار الوقت‪ ،‬وتقليل‬
‫النافقات وتبسيط اإلجراءات‪ 47‬وهلذا نصت القوانني على تشييل هيئة التكيي ‪ ،‬وعندئذ تستمد هيئة التكي‬
‫سلطتها من نصوص القانون مباشرة وليس من جلوء األطراف املتنازعة إىل التكيي ‪ .‬ويرى البعض‪ 48‬اآلخر أن‬
‫التكيي اإلجبار يقتصر على الدول اليت مل تقطع شوطا يف التقدم االقتصاد ‪ ،‬وما زالت احلركة النقابية فيها‬
‫يف أطوارها األوىل‪ ،‬وتافرض الدول التكيي اإلجبار إلعادة التوازن بني طريف عالقة العمل كلما اختل لصاحل‬
‫أحدمها‪ ،‬لين من املالحظ أن هناك اجتاها متزايدا حنو شيل جديد من أشيال التكيي اإللزامي‪ ،‬وهو‬
‫التكيي يف جمال الرياةة‪ -‬مما يعارض ما قاله صاحب الرأ السابق من أن التكيي اإللزامي يقتصر على‬
‫الدول النامية‪ -‬حيث ميين رؤية هذا التطور اجلديد بإنشاء آليات حتيي من خالل القانون حلل املنازعات‬
‫الرياةية‪ ،‬على الرغ من أن التكيي ال يستند هنا على اتافاق مسبق بني أطراف النزاع‪ .49‬كما أن استطاعة‬
‫أحد أطراف النزاع إلزام الطرف اآلخر‪ -‬كما هو احلال يف قانون العمل املصر والسور ‪ -‬بالتكيي يعد من‬
‫اآلليات املصممة لتشجيع االتافاق بني األطراف من خالل املافاوةة اجلماعية‪ ،‬أو من خالل الوساطة بدال من‬
‫االتافاق الذ يافرةه احملي ‪.50‬‬
‫يلكظ أن قانون العمل السور وإن مل يافرض على أطراف النزاع اللجوء إىل التكيي ‪ ،‬إال أنه مل يأخذ‬
‫كذلك بالتكيي االختيار أو الطوعي‪ ،‬الذ يعلق إحالة النزاع على اتافاق األطراف املتنازعة‪ ،‬وإمنا أجاز أل‬
‫طرف من أطراف املنازعة اجلماعية عند فشل الوساطة يف الوصول إىل حل للنزاع‪ ،‬سواء أكان فشال كامال أو‬
‫جزيئا أن يطلب من اجلهة اإلدارية املختصة إختاذ اإلجراءات الالزمة حلل النزاع عن طريق التكيي ‪ ،‬مما جيعل‬
‫الطرف اآلخر رخضع له‪ ،‬وحتيل عندئذ اجلهة اإلدارية املختصة الطلب مع تقرير الوسيط إىل هيئة التكيي خالل‬
‫سبعة أيام من تاريخ تسجيل طلب أحد أطراف النزاع‪ 51‬فإحالة النزاع مل تافرض من اجلهة اإلدارية املختصة‪،‬‬
‫كما أن املشرع مل يتطلب إتافاق األطراف على اللجوء إىل التكيي ‪ ،‬مما جعل جانب من الافقه يعترب التكيي‬

‫‪176‬‬
‫يف هذه احلالة مرحلة وسطى بني التكيي االجبار والتكيي الطوعي ويسمى بتكيي العرض النهائي‬
‫‪ ،52Final Offer Arbitration‬أما بالنسبة لقانون العمل املصر ‪ ،‬فقد أعطى كذلك ليل طرف من‬
‫أطراف النزاع يف حال عدم قبول توصيات الوسيط الطلب من اجلهة اإلدارية املختصة إحالة النزاع إىل‬
‫التكيي ‪ ،53‬وتتوىل عندئذ اجلهة اإلدارية املختصة إحالة ملف النزاع إىل هيئة التكيي خالل أسبوع على‬
‫األكثر من تاريخ تقدمي الطلب‪ ،‬إال أن املشرع املصر أورد استثناء على األحيام السابقة عندما أجاز لطريف‬
‫منازعة العمل اجلماعية ‪-‬ما عدا املنشآت االسرتاتيجة واحليوية املنصوص عليها يف املادة ‪ 194‬من قانون‬
‫العمل‪ -‬االتافاق على إحالة النزاع على التكيي اخلاص بدال من هيئة التكيي املنصوص عليها يف قانون‬
‫‪54‬‬
‫العمل‬
‫أما التكيي يف القانون اجلزائر فهو من حيث املبدأ من طبيعة اختيارية؛ مبعىن أن إحالة النزاع إىل‬
‫التكيي حيتاج إىل اتافاق أطراف النزاع على ذلك‪ ،‬وعندئذ رخضع التكيي لقانون اإلجراءات املدنية مع مراعاة‬
‫أحيام القانون رق ‪ 02/90‬لسنة ‪ ،1990‬وهذا ما نصت عليه املادة الثالثة عشر من أنه "يف حالة اتافاق‬
‫الطرفني على عرض خالفهما على التكيي ‪ ،‬تطبق املواد من ‪ 442‬إىل ‪ 454‬من قانون اإلجراءات املدنية‪ ،‬مع‬
‫مراعاة األحيام اخلاصة يف هذا القانون‪ "55‬إال أنه مع ذلك قد أخذ القانون اجلزائر بالتكيي اإلجبار يف‬
‫حالة القيام بتسوية النزاع خالل فرتة اإلشعار السابقة على اإلةراب‪ ،‬أو بعد الشروع فيه‪ ،‬خاصة بالنسبة‬
‫للافئات من العمال الذين يعملون يف القطاعات االسرتاتيجية للدولة‪ ،‬واملمنوعون من ممارسة اإلةراب‪ ،‬وهذا‬
‫بعد ممارسة الوسائل األخرى كالوساطة واملصاحلة‪.56‬‬
‫كذلك احلال يف قانون العمل السعود يعد التكيي يف منازعات العمل اجلماعية من طبيعة اتافاقية؛‬
‫أ اختيارية‪ ،57‬ألن البند " أ " من الافقرة الثالثة من املادة ‪ 41‬من نظام املرافعات الشرعية نص على أن تسر‬
‫على املنازعات العمالية اجلماعية القواعد واإلجراءات املقررة يف املنازعات الافردية‪ ،‬ومن القواعد املقررة لتسوية‬
‫املنازعات الافردية التكيي ‪ ،‬حيث كانت املادة ‪ 225‬من قانون العمل السعود امللغاة‪ 58‬تنص على أنه "جيوز‬
‫لطريف عقد العمل تضمينه نصا يقضي بتسوية اخلالفات بطريقة التكيي ‪ ،‬كما ميين هلما االتافاق على ذلك‬
‫عند نشوء النزاع‪ ،‬ويف مجيع األحوال تطبق أحيام نظام التكيي النافذة يف اململية والئكته التنافيذية"‪ 59‬ونعتقد‬
‫أن جواز االتافاق على التكيي أثناء سريان العقد جيب أن يعترب باطال؛ ألن هذا الشرط ال حيقق مصلكة‬

‫‪177‬‬
‫العامل‪ ،‬كذلك أخذ قانون العمل الافرنسي بالتكيي االختيار مبوجب املادة ‪ L. 2524-2‬حبيث إن إحالة‬
‫النزاع إىل التكيي إما مبوجب اتافاق عمل مجاعي أو مبوجب اتافاق الحق بني أطراف املنازعة اجلماعية‪ ،‬وذلك‬
‫بعد استنافاد إجراءات التوفيق أو الوساطة‪ .60‬أما بالنسبة للمنازعات الافردية فأجاز فيها التكيي إذا كان‬
‫االتافاق عليه قد مت بعد انتهاء عقد العمل‪ ،‬ومنع التكيي إذا كان االتافاق عليه قد مت أثناء سريان عقد العمل‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬التنظيم القانوني للتحكيم‬
‫تسوى منازعات العمل اجلماعية سوف تتافاق ‪ ،‬باإلةافة إىل أن استمرار املنازعات يؤد إىل‬
‫إذا مل ّ‬
‫اخنافاض معنويات‬
‫العمال‪ ،‬هلذا يتيح التكيي لألطراف املتنازعة تسوية نزاعها بطريقة سريعة نسبيا‪ ،‬وغري ميلافة‪ ،61‬ومتنح‬
‫ألطراف النزاع الافرصة للتعبري عن موقافهما‪ .62‬ختتلف إجراءات التكيي حبسب ما إذا كان التكيي ال حيتاج‬
‫إىل اتافاق مسبق بني أطراف النزاع‪ ،‬إذ ييافي طلب أحد األطراف من اجلهة اإلدارية إحالة النزاع للتكيي ‪ ،‬أو‬
‫يافرض رغما عن إرادة األطراف هذا من ناحية ومن ناحية أخرى قد حيتاج اللجوء إىل التكيي اتافاق مسبق‬
‫بني أطرافه‪ ،‬أو كما يسمى التكيي االختيار ‪ ،‬فعندما ييون التكيي إجبار ‪ ،‬أو ييافي طلب أحد األطراف‬
‫عرض النزاع على هيئة التكيي ‪ ،‬ييون القانون قد نص على تشييل هيئة التكيي ‪ ،‬ومن مث تستمد اهليئة‬
‫سلطتها من القانون‪ ،‬بينما يف التكيي االختيار فإن تشييل اهليئة يعود إىل طريف النزاع‪ ،‬وإذا تعذر ذلك تتوىل‬
‫احمليمة تعيينها‪ ،‬لذلك سوف خنصص فرع مستقل ليل منهما‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬في التحكيم اإلجباري ( العام )‬
‫جيب أال ينظر إىل إجراءات التكيي – سواء كان التكيي إجبار أم اختيار ‪ -‬مبثابة مبارزة وخصومة‬
‫بني العمل واإلدارة‪ ،‬وإمنا جيب أن يعد مبثابة الوسيلة اليت متين العمال من إثبات قرارات صاحب العمل اليت‬
‫يعتقدون أهنا ختالف القانون أو االتافاقية اجلماعية‪ .‬هلذا يتعني على املسؤولني عن العمال واإلدارة أن ينظروا إىل‬
‫عملية التكيي على أهنا تبادل لألفيار للوصول إىل حلول تعاونية للمشيالت اليت أثارت النزاع بينه ‪ .‬وهيذا‬
‫ينبغي اعتبار إجراءات التكيي وسيلة لتكقيق التوافق بني املصاحل املتعارةة‪ ،‬وتعظي السلوك التعاوين خالل‬
‫إجراءات التكيي ‪ .‬كما جيب أن يدرك األطراف أن إجراءات التكيي تشيل استمرارا للمافاوةة اجلماعية‬

‫‪178‬‬
‫تطلبت وجود طرف ثالث حمايد ملساعدهتما يف حل القضايا اخلالفية‪ 63.‬وأشرنا سابقا أن التكيي ييون إراد‬
‫عندما حيتاج إىل اتافاق بني أطراف النزاع‪ ،‬لذلك نعترب التكيي إجباريا إذا كان ال حيتاج إىل اتافاق األطراف‬
‫سواء كان مافروةا على األطراف حبي القانون أو يستطيع أحدمها إلزام الطرف اآلخر باللجوء إىل التكيي ‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تشكيل هيئة التحكيم‪:‬‬
‫إذا فشلت الوساطة يف الوصول إىل حل مقبول من الطرفني‪ ،‬سواء كان هذا الافشل بشيل كامل أو‬
‫بشيل جزئي‪ ،‬فعندئذ حيق أل من طريف املنازعة اجلماعية أن يتقدم إىل اجلهة اإلدارية املختصة بطلب الختاذ‬
‫اإلجراءات الالزمة حلل النزاع عن طريق التكيي ‪ ،‬وعندئذ يتعني على اجلهة اإلدارية املختصة إحالة الطلب إىل‬
‫هيئة التكيي خالل سبعة ايام من تاريخ تسجيل الطلب لديها يف القانون السور ‪ ،‬أو خالل أسبوع كما عرب‬
‫عن ذلك قانون العمل املصر من تاريخ تقدمي الطلب‪ ،64‬وتشيل هيئة التكيي يف القانون السور بقرار من‬
‫وزير الشؤون االجتماعية والعمل‪ ،‬وتؤلف من‪:‬‬
‫‪-1‬قاض مبرتبة مستشار يسميه وزير العدل رئيسا‬
‫‪-2‬قاةي صلح يسميه وزير العدل عضوا‬
‫‪-3‬حمي ممثال عن التنظي النقايب يسميه امليتب التنافيذ لالحتاد العام لنقابات العمال عضوا‬
‫‪-4‬حمي عن أصكاب العمل يسميه احتاد غرف الصناعة أو التجارة أو احتاد غرف السياحة أو ممثل‬
‫نقابة مقاويل اإلنشاءات يف احملافظة حسب املقتضى عضوا‬
‫‪-5‬حمي عن وزارة العمل يسميه الوزير‪ ،‬أما يف قانون العمل املصر تشيل هيئة التكيي سندا للمادة‬
‫‪ 182‬من‪:‬‬
‫‪-1‬إحدى دوائر حماك االستئناف اليت حتددها اجلمعية العمومية ليل حميمة استئناف يف بداية كل سنة‬
‫قضائية‪ ،‬بشرط أن يقع يف دائرة اختصاصها املركز الرئيس للمنشأة‪ ،‬وييون رئيس هذه الدائرة هو رئيس هيئة‬
‫‪65‬‬
‫التكيي ‪ ،‬والذ يرجح رأيه عند انقسام أعضاء اهليئة حول القرار املعروض عليها‪.‬‬
‫‪-2‬حمي عن صاحب العمل‬

‫‪179‬‬
‫‪-3‬حمي عن التنظي النقايب ختتاره النقابة املعنية‬
‫‪ -4‬حمي عن الوزارة املختصة رختاره الوزير املختص‬
‫وسندا للمادة األوىل من قانون العمل املصر يقصد بالوزارة املختصة وزارة القوى العاملة‪ ،‬والوزير‬
‫املختص هو وزير القوى العاملة‪ .‬كما اشتطرت الافقرة األخرية من املادة ‪ 182‬عمل مصر على كل من‬
‫صاحب العمل والتنظي النقايب والوزارة املختصة أن رختار حميما احتياطيا حيل حمل احملي األصلي عند غيابه‪،‬‬
‫ومل يرد مثل هذا احلي يف قانون العمل السور ‪ ،‬وهو نقص جيب أن يتالفه املشرع حىت ال يتعطل عمل اهليئة‬
‫أو تتضرر مصاحل أحد أطراف النزاع يف حال غيابه‪ .‬ويشرتط على كل عضو من أعضاء هيئة التكيي من غري‬
‫القضاة أن يؤد اليمني أمام رئيس هيئة التكيي على أداء مهمته بصدق وأمانة أو بالذمة والصدق‪.66‬‬
‫أما خبصوص طبيعة هيئة التكيي ‪ ،‬فمن الواةح أن هيئة التكيي تض أعضاء ليسوا بقضاة‪ ،‬لذلك‬
‫تعد هيئة غري قضائية ذات اختصاص قضائي‪ ،‬وتيون وظيافتها نوعا خاصا من التكيي ليتالئ مع طبيعة‬
‫منازعات العمل اجلماعية‪ ،‬حيث إن التكيي العاد الذ ينص عليه قانون أصول احملاكمات أو املرافعات‬
‫املدنية ال ينسج وطبيعة منازعات العمل اجلماعية‪ ،‬أما خبصوص وظيافة هيئة التكيي ‪ ،‬فتعد وظيافتها ذات‬
‫طبيعة خاصة‪ ،‬ال ختضع لنظام القضاء التقليد ‪ ،‬وإمنا هي قضاء خاص يتناسب مع طبيعتها التنظيمية‪.67‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬إجراءات عرض النزاع على هيئة التحكيم‪:‬‬
‫تتوىل نظر النزاع هيئة التكيي اليت يقع يف دائرة اختصاصها املركز الرئيس للمنشأة‪ ،‬وحتتير هذه اهليئة‬
‫‪68‬‬
‫سلطة النظر يف النزاع منذ إحالته عليها إىل الافصل فيه وصدور حي قابل للتنافيذ‬
‫أوالً‪ :‬تحديد موعد جلسة للنظر في المنازعة‪:‬‬
‫عندما حتيل اجلهة اإلدارية املختصة طلب طريف املنازعة اجلماعية أو طلب أحد أطراف املنازعة مبباشرة‬
‫إجراءات التكيي مع التقرير الذ يقدمه الوسيط إىل هيئة التكيي ‪ ،‬حيدد عندئذ رئيس هيئة التكيي ‪ ،‬خالل‬
‫أسبوع على األكثر من تاريخ وصول طلب التكيي إليه جلسة للنظر يف النزاع‪ 69‬أو خالل مدة ال تزيد على‬
‫مخسة عشر يوما يف القانون املصر ‪ ،70‬ويف القانون السور رخطر رئيس اهليئة أعضائها كتابيا باملوعد احملدد‬
‫للجلسة قبل ثالثة أيام على األقل من موعد انعقادها عن طريق امل ْكضر‪ ،‬أما يف القانون املصر رخطر أعضاء‬
‫‪180‬‬
‫هيئة التكيي وممثل الوزارة املختصة وطرفا النزاع باجللسة احملددة قبل ثالثة أيام على األقل من تاررخها بيتاب‬
‫موصى عليه بعل الوصول‪.71‬‬
‫ثانياً‪ :‬مدة الحكم في النزاع من قبل هيئة التحكيم‬
‫يتعني على هيئة التكيي أن تافصل يف النزاع خالل ثالثة أشهر من تاريخ أول جلسة هلا‪ ،‬وأجاز املشرع‬
‫السور هليئة التكيي ‪ ،‬عند الضرورة مد هذا األجل ملدة ثالثة أشهر أخرى يف حال اتافاق أطراف املنازعة على‬
‫ذلك‪ ،‬أما إذا انقضت املهلة األوىل ومل يتافق أطراف النزاع على متديد املهلة تعني على هيئة التكيي يف هذه‬
‫احلالة الافصل يف النزاع بوةعه الراهن‪ 72‬بينما يف القانون املصر تافصل هيئة التكيي يف النزاع خالل مدة ال‬
‫جتاوز شهر من تاريخ بدء نظره‪ .73‬ونعتقد أن مدة ثالثة أشهر للافصل يف النزاع اجلماعي اليت نص عليها قانون‬
‫العمل السور طويلة نوعا حيث حنن بصدد نزاع مجاعي‪ ،‬هلذا من األفضل لو جعلت مدهتا شهرا ميين متديدها‬
‫شهرا آخر يف حالة اتافاق أطراف النزاع على ذلك‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬نظام الجلسات‪:‬‬
‫استنادا للمادة (‪ )183‬من قانون العمل املصر اليت نصت "‪ ...‬وتطبق ( هيئة التكيي ) فيما مل يرد‬
‫بشأنه نص خاص يف هذا الباب أحيام قانون التكيي يف املواد املدنية والتجارية‪ ،‬ونظرا إىل أن قانون العمل مل‬
‫يورد نصا خاصا بنظام اجللسات أمام هيئة التكيي ‪ ،‬كما أن قانون التكيي املصر مل حيدد ما إذا كانت‬
‫جلسات التكيي علنية أو سرية‪ ،74‬وملا كان األصل يف اجللسات أن تيون علنية‪ ،‬باعتبارها أحد املبادئ‬
‫األساسية للتقاةي أمام احملاك ‪ ،75‬وهيئة التكيي تعد هيئة حيومية ينظ القانون إجراءات عملها‪ ،‬هلذا فإن‬
‫‪76‬‬
‫جلساهتا تيون علينة مامل تقرر اهليئة غري ذلك لظروف خاصة‬
‫الفرع الثالث‪ :‬سلطة هيئة تحكيم النزاع والقواعد التي تلتزم الهيئة بتطبيقها‪:‬‬
‫هليئة التكيي يف سبيل الافصل يف النزاع‪ ،‬استدعاء طريف النزاع‪ 77‬كأول إجراء ميين أن تقوم به‪ ،‬وهلا‬
‫أيضا سلطة االستماع للشهود بعد حتليافه اليمني القانونية‪ ،‬واالستعانة باخلرباء‪ ،‬ومعاينة حمال العمل‪ ،‬واالطالع‬
‫على مجيع املستندات اخلاصة بالنزاع‪ ،‬واختاذ اإلجراءات اليت متينها من الافصل يف النزاع‪ .‬أما خبصوص القواعد‬
‫اليت تطبقها هيئة التكيي حلل النزاع املعروض عليها‪ ،‬فإهنا ختتلف حبسب نوع النزاع املعروض عليها‪ ،78‬فإذا‬
‫‪181‬‬
‫كان النزاع اجلماعي من طبيعة قانونية فتافصل فيه وفقا لقواعد التشريع ‪-‬وهو ما أشارت إليه العبارة األوىل من‬
‫املادة (‪ )187‬من قانون العمل املصر " القوانني املعمول هبا" وبنود االتافاقية اجلماعية‪ ،‬ألن هذا النوع من‬
‫النزاعات ال ميين تسويتها خالفا ألحيام القانون أو اتافاقيات العمل اجلماعية‪ ،‬ألهنا تتعلق بتافسري أو عدم‬
‫تنافيذ األحيام التشريعية أو التعاقدية‪ ،‬فالنزاع يتعلق بقاعدة موجودة سابقا جيب تطبيقها يف حالة معينة‪ ،79‬ألن‬
‫عدم تطبيق القانون يؤد إىل اةطراب وعدم استقرار يف احلياة القانونية‪ 80.‬أما إذا كان النزاع املعروض على‬
‫هيئة التكيي من طبيعة اقتصادية؛ حيث ييون هناك تباين يف املصاحل بني مصلكة عمالية مقابل مصلكة‬
‫صاحب العمل‪ ،‬حيث يتطلع العمال ممثلني بالنقابة إىل حتسني دخله وظروف عمله ‪ ،‬فهذه املنازعات تنشأ‬
‫بسبب العمل على حتديد احلقوق وااللتزامات املستقبلية‪ ،‬وتعد نتيجة لافشل املافاوةة اجلماعية‪ ،‬بالتايل هي‬
‫منازعات مل ينظمها القانون‪ ،81‬فهنا تتمتع هيئة التكيي بسلطات واسعة‪ ،‬فلها يف سبيل تسويته أن تطبق‬
‫القوانني واللوائح النافذة‪ ،‬فإذا مل جتد نصا تشريعيا ميين تطبيقه ميين أن تستند إىل العرف‪ ،‬ومبادئ الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة وفقا للكالة االقتصادية واالجتماعية السائدة يف منطقة‬
‫املنشأة‪ ،82‬مل يوةح املشرع السور القواعد اليت تطبيقها هيئة التكيي لين نعتقد أن ما جاء يف القانون‬
‫املصر يسر يف القانون السور ألن ما أشار إليه القانون املصر هو مصادر القانون اليت نصت عليها املادة‬
‫األوىل من القانون املدين السور ‪ ،83‬مع مالحظة تقدمي مبادئ الشريعة اإلسالمية على العرف يف القانون‬
‫السور ‪ .‬فكل النزاعات ذات الطابع االقتصاد أشبه بعمل معيار أكثر منه عمل قضائي‪ ،‬وعلى خالف‬
‫املنازعات القانونية‪ ،‬ال ينتهي النزاع حبي قضائي‪ ،‬أ حي يعلن احلق لصاحل أحد األطراف‪ ،‬ولين ينشأ‬
‫قاعدة جديدة تنطبق على األطراف‪ ،‬ويعد مبثابة اتافاق مجاعي‪ 84.‬وهذا هو ما دفع البعض إىل القول بأن‬
‫التكيي يعد استمرارا للمافاوةة اجلماعية كما أشرنا سابقا‪.‬‬
‫تصدر هيئة التكيي قرارها أو حيمها مسببا بأغلبية أصوات األعضاء‪ ،‬وملا كان عدد أعضاء هيئة‬
‫ال تكيي يف القانون املصر ستة أعضاء‪ ،‬بالتايل ميين أن تتساوى األصوات‪ ،‬لذلك يف هذه احلالة يرجح‬
‫اجلانب الذ يصوت معه رئيس اهليئة‪ ،‬وليل من طريف النزاع يف القانون السور أن يطعن يف حي هيئة‬
‫التكيي أمام حميمة النقض خالل ثالثني يوما من اليوم التايل لتاريخ تبليغه ما مل يتنازل الطرفان عن هذا‬
‫احلق‪ .85‬ويف القانون املصر يعد حي هيئة التكيي مبثابة حي صادر عن حميمة االستئناف بعد تذييله‬

‫‪182‬‬
‫بالصيغة التنافيذية‪ ،‬وبالتايل ليل من طريف النزاع الطعن به أمام حميمة النقض بالشروط اليت ينص عليه قانون‬
‫املرافعات املدنية‪ .86‬ويتعني على هيئة التكيي إعالن كل من طريف النزاع بصورة من احلي بيتاب مسجل‬
‫موصى عليه مصكوبا بعل الوصول‪ ،‬وذلك خالل ثالثة أيام من تاريخ صدوره‪ ،‬وترسل اهليئة بعد ذلك ملف‬
‫النزاع إىل اجلهة اإلدارية املختصة لقيد منطوق احلي يف سجل خاص‪ ،‬وييون ليل ذ شأن حق احلصول‬
‫‪87‬‬
‫على صورة من هذا احلي ‪.‬‬
‫يطبق على األحيام الصادرة عن هيئة التكيي القواعد اخلاصة بتصكيح األحيام وتافسريها املنصوص‬
‫عليها يف قانون أصول احملاكمات أو املرافعات‪.88‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التحكيم اإلرادي (الخاص)‬
‫أوةكنا سابقا أن التكيي يف قانون العمل الافرنسي وقانون العمل اجلزائر ونظام العمل السعود من‬
‫طبيعة إرادية؛ مبعىن أن إحالة النزاع إىل التكيي حيتاج إىل اتافاق أطراف النزاع على ذلك سواء مت االتافاق على‬
‫ذلك مبوجب اتافاق عمل مجاعي أو اتافاق الحق مشارطة حتيي أو مبوجب اتافاق سابق على نشوء النزاع ما‬
‫يسمى بشرط التكيي ‪ ،‬وعندئذ رخضع التكيي لقانون اإلجراءات املدنية واإلدارية اجلزائر مع مراعاة أحيام‬
‫القانون رق ‪ 02/90‬لسنة ‪ ،1990‬وهذا ما نصت عليه املادة الثالثة عشر من أنه " يف حالة اتافاق الطرفني‬
‫على عرض خالفهما على التكيي ‪ ،‬تطبق املواد من ‪ 442‬إىل ‪ 454‬من قانون اإلجراءات املدنية‪ ،‬مع مراعاة‬
‫األحيام اخلاصة يف هذا القانون‪.‬‬
‫كما أن قانون العمل السعود يعترب التكيي يف منازعات العمل اجلماعية من طبيعة اتافاقية‪ ،‬ألن البند‬
‫" أ " من الافقرة الثالثة من املادة ‪ 41‬من نظام املرافعات الشرعية نصت على أن تسر على املنازعات العمالية‬
‫اجلماعية القواعد واإلجراءات املقررة يف املنازعات الافردية‪ ،‬ومن القواعد املقررة لتسوية املنازعات الافردية‬
‫التكيي ‪ ،‬حيث نصت املادة ‪ 225‬من قانون العمل السعود امللغاة على أن "جيوز لطريف عقد العمل تضمينه‬
‫نصا يقضي بتسوية اخلالفات بطريقة التكيي ‪ ،‬كما ميين هلما االتافاق على ذلك عند نشوء النزاع‪ ،‬ويف مجيع‬
‫األحوال تطبق أحيام نظام التكيي النافذة يف اململية والئكته التنافيذية"‪ 89‬وأوةكنا كذلك أن قانون العمل‬

‫‪183‬‬
‫املصر أجاز لطريف املنازعة اجلماعية يف حال فشل الوساطة االتافاق على التكيي اخلاص‪ ،‬على أن ييون‬
‫االتافاق ميتوبا‪ ،‬وأال ييون النزاع متعلق باملنشآت االسرتاتيجية واحليوية‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬إجراءات التحكيم الخاص‪:‬‬
‫‪ -1‬اتفاق أطراف المنازعة الجماعية على إحالة النزاع إلى التحكيم‪:‬‬
‫يف حال فشل الوساطة كليا أو جزئيا يف حل املنازعة العمالية‪ ،‬فإن لطريف النزاع اللجوء إىل التكيي ‪،‬‬
‫هلذا فإن إحالة النزاع للتكيي يتطلب اتافاق أطراف النزاع على ذلك‪ ،‬قد ييون االتافاق على ذلك مبوجب‬
‫شرط أدرج يف اتافاق العمل اجلماعي يف قانون العمل الافرنسي‪ 90‬مبوجب املادة ‪ L2524-1‬أو يف عقود‬
‫العمل الافردية يف القانون السعود ‪ ،‬ويسمى عندئذ شرط التكيي ‪ ،91‬وإذا مت االتافاق على إحالة النزاع إىل‬
‫التكيي بعد نشوب النزاع يسمى ذلك مبشارطة التكيي ‪ ،92‬ويف احلالة األوىل جيب أن حيدد موةوع النزاع يف‬
‫بيان الدعوى‪ ،‬وجيب أن حيدد اتافاق التكيي الشروط واإلجراءات اليت تتبع يف التكيي اخلاص وعدد احمليمني‬
‫‪93‬‬
‫بشرط أن ييون عدده وترا‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬عندما يتافق أطراف النزاع على اللجوء إىل التكيي ‪ ،‬فإن املادة ‪ 13‬من القانون اجلزائر رق‬
‫‪ 02-90‬حتيل إىل تطبيق أحيام قانون اإلجراءات املدنية واإلدارية‪ ،‬وحييل قانون العمل السعود إىل نظام‬
‫التكيي ‪.‬‬
‫‪ -2‬تشكيل هيئة التحكيم‪:‬‬
‫يعود ألطراف املنازعة العمالية االتافاق على اختيار احمليمني‪ ،‬هلذا فإن تعيني هيئة التكيي رخضع إلرادة‬
‫أطراف املنازعة اجلماعية‪ ،‬واملادة ‪ 1017‬من قانون اإلجراءات املدنية اجلزائر متنح كذلك األطراف احلرية‬
‫الياملة يف اختيار هيئة التكيي ‪ ،‬سواء أثناء إبرام االتافاقية اجلماعية‪ ،‬حيث حتدد قائمة مسبقة بامساء احمليمني‬
‫الذين ميين اللجوء إليه عند وقوع أ نزاع يف العمل‪ ،‬أو يت التعيني كلما تطلب األمر‪ ،‬وهو ما يعرف‬
‫‪94‬‬
‫عني اهليئة يف القانون‬
‫باإلجراء االتافاقي أو التعاقد ‪ .‬يف حال عدم اتافاق األطراف على تعيني هيئة التكيي ت ّ‬
‫اجلزائر من قبل رئيس احمليمة الواقع يف دائرة اختصاصها حمل إبرام العقد أو حمل تنافيذه‪ ،95‬وجيوز لرئيس‬
‫احمليمة أن يقرر بعدم إميانية تعيني احملي أو احمليمني إذا كان شرط التكيي باطال أو غري كاف لتشييل‬
‫‪184‬‬
‫هيئة التكيي ‪ ،‬وال ييون تعيني هيئة التكيي صكيكا إال إذا قبل احملي أو احمليمون باملهمة املوكلة هل ‪ ،‬مع‬
‫عدم جواز عزهل إال باتافاق مجيع األطراف‪ ،‬وال ميين حينئذ رده أو تنكيته عن مهمته اليت بدأوا فيها إال‬
‫إذا طرأ سبب من أسباب الرد‪ .96‬أما يف القانون السعود إذا كانت اهليئة مش ّيلة من حمي واحد تولت‬
‫احمليمة املختصة اختياره‪ ،‬وإذا كانت هيئة التكيي مشيلة من ثالثة حميمني اختار كل طرف حميما عنه‪ ،‬مث‬
‫يتافق احمليمان على اختيار احملي الثالث‪ ،‬فإذا مل يعني أحد الطرفني حميمه خالل مخسة عشر يوما التالية‬
‫لتسلمه طلب بذلك من الطرف اآلخر‪ ،‬أو إذا مل يتافق احمليمان املعينان على اختيار احملي الثالث خالل‬
‫مخسة عشر يوما التالية لتاريخ تعيني آخرمها‪ ،‬تولت احمليمة املختصة اختياره بناء على طلب من يهمه التعجيل‬
‫وذلك خالل مخسة عشر يوما من تاريخ تقدمي الطلب‪ ،‬وييون له أو ملن اختاره احمليمان املعينان رئاسة هيئة‬
‫‪97‬‬
‫التكيي‬
‫‪ -3‬اختصاصات هيئة التحكيم‪:‬‬
‫مل يتضمن قانون العمل اجلزائر أ إشارة إىل صالحيات واختصاصات هيئة التكيي ‪ ،‬لذلك يرى‬
‫جانب من الافقه أن هيئة التكيي تتمتع بصالحيات واسعة يف اعتماد كل الوسائل والسبل اليت تراها ةرورية‪،‬‬
‫واليت متينها من البت يف النزاع املعروض أمامها‪ ،‬بالتايل هلا سلطة احلصول على كافة املعلومات املافيدة‪ ،‬وهلا‬
‫سلطة االستماع ملمثلي العمال وأصكاب العمال أطراف النزاع وكذلك االستماع للشهود‪ ،‬وتعيني اخلرباء وحبث‬
‫وحتليل كافة املعطيات‪.98‬ونصت املادة ‪ L2524-3‬من قانون العمل الافرنسي على أنه عندما يت تقدمي النزاع‬
‫إىل التكيي ‪ ،‬جيب تسلي املستندات اليت مت إنشاؤها يف إجراءات نظر النزاع يف مرحلة التوفيق أو الوساطة إىل‬
‫احملي ‪.99‬‬
‫بصافة عامة‪ ،‬وبغض النظر عن طبيعة النزاع املعروض على هيئة التكيي ‪ ،‬فإن اهليئة تطبق كافة القوانني‬
‫والنظ النافذة‪ ،‬وقياسا على صالحيات الوسيط املقررة يف قانون العمل فإن هليئة التكيي كافة الصالحيات‬
‫الالزمة اليت متينها من احلصول على املعلومات املافيدة يف تسوية النزاع اجلماعي‪ 100.‬ويف قانون العمل الافرنسي‬
‫نصت الافقرة األوىل من املادة ‪ L 2524-4‬ال جيوز للمكي أن ينظر إال يف املسائل اليت وردت يف حمضر‬
‫فشل التوفيق أو االقرتاح املقدم من الوسيط‪ ،‬أو تلك املسائل الناشئة عن األحداث الالحقة هلذه احملاةر نتيجة‬
‫‪101‬‬
‫للنزاع املستمر‪.‬‬
‫‪185‬‬
‫أما قانون العمل السعود فقد أحال عند اتافاق أطراف النزاع العمايل على اللجوء إىل التكيي إىل‬
‫قانون التكيي والئكته التنافيذية‪ ،‬بالتايل تتمتع هيئة التكيي بالصالحيات والسلطات اليت رخوهلا قانون‬
‫التكيي ‪ ،‬وقد خوهلا ذلك القانون مساع أقوال الشهود وطريف النزاع‪ ،‬وندب اخلرباء ومعاينة حمل النزاع وفكص‬
‫املستندات‪ 102‬وخبصوص القواعد اليت تطبقها على النزاع‪ ،‬فاملادة (‪ )38‬من قانون التكيي السعود اشرتطت‬
‫مراعاة أحيام الشريعة اإلسالمية والنظام العام يف اململية‪ ،‬فإذا اتافق أطراف التكيي على قواعد اتافاقية فعندئذ‬
‫تطبق هيئة التكيي هذه القواعد االتافاقية بشرط عدم خمالافتها لقواعد قانون العمل‪ ،‬ويستثىن من ذلك خمالافة‬
‫القواعد اليت حتقق مصاحل العمال‪ .‬فإذا مل يتافق الطرفني على القواعد القانونية اليت تطبق على موةوع النزاع‬
‫طبقت هيئة التكيي القواعد املوةوعية يف النظام الذ ترى أنه أكثر اتصاال مبوةوع النزاع‪ ،‬والقانون االكثر‬
‫اتصاال مبوةوع النزاعات العمالية اجلماعية والافردية هو قانون العمل‪.‬‬
‫أما يف قانون العمل الافرنسي يطبق احملي القانون يف النزاعات املتعلقة بتافسري وتنافيذ القوانني أو اللوائح‬
‫أو االتافاقيات اجلماعية‪ ،‬ويافصل احملي على أساس االنصاف والعدل يف املنازعات األخرى‪ ،‬ال سيما عندما‬
‫يتعلق النزاع باألجور أو ظروف العمل اليت ال تنظمها أحيام القانون أو اللوائح أو االتافاقات اجلماعية‪ ،‬وكذلك‬
‫شأن النزاعات املتعلقة باملافاوةة على مراجعة بنود االتافاقية اجلماعية‪ .103‬هذا التمييز بني املنازعات القانونية‬
‫واملنازعات االقتصادية معروف يف القانون الدويل وانعيس على ميثاق األم املتكدة‪ ،‬وإنه نقطة ارتياز ملبدأ‬
‫‪104‬‬
‫الافصل بني السلطات التشريعية والقضائية‪.‬‬
‫يلكظ يف القوانني السابقة أن احملي يافصل يف النزاع بنافس السلطات املخولة للقاةي‪ ،‬هلذا يعترب عمل‬
‫احملي عمل قضائي أو شبه قضائي‪ ،‬لذلك يعترب التكيي نوع من أنواع القضاء‪ ،‬مادام جوهر عمل احملي‬
‫تطبيق القانون على النزاع املعروض أمامه‪ .‬هلذا نعتقد أن القاةي يعد أكثر كافاءة من احملي ‪ ،‬هلذا فإن مثل هذا‬
‫‪105‬‬
‫النهج سوف يقوض عملية التكيي وحيرم األطراف من استيمال عملية املافاوةة اجلماعية‬
‫بينما يف القانون األمرييي‪ 106‬أن التكيي يف منازعات العمل اجلماعية‪ ،‬ليس بديال عن التقاةي‪ ،‬بل‬
‫هو بديل عن الصراع واإلةراب‪ .‬فالتكيي الذ تنص عليه اتافاقات العمل اجلماعية يعترب جزء ال يتجزء من‬
‫عملية املافاوةة اجلماعية ذاهتا‪ ،‬االتافاقيات اجلماعية ال تشبه العقود املدنية أو التجارية‪ ،‬حيث تافتقر األوىل إىل‬
‫الصياغة الدقيقة‪ ،‬وهي أكثر من عقد‪ ،‬بل هي مدونة حتي عدد ال حيصى من احلاالت‪ ،‬اليت ال يستطيع حىت‬
‫‪186‬‬
‫أصكاب اخليال الواسع حتديدها باليامل‪ ،‬وهي مبثابة قانون لصناعة معينة أو مصنع معني‪ ،‬هلذا فإن االتافاق‬
‫اجلماعي قد يتضمن معايري موةوعية حمددة قابلة للتطبيق بشيل تلقايت‪ ،‬وقد يتضمن معايري غامضة تتطلب‬
‫االجتهاد واحليمة يف تطبيقها‪ ،‬هلذا فإن معاجلة املنازعات اليت تثور نتيجة لالتافاقية اجلماعية من خالل التكيي‬
‫هو يف الواقع عبارة عن وسيلة يعطى هبا احمليمون املعىن واملضمون التافاق املافاوةة اجلماعية‪ ،‬هلذا فإن وظيافة‬
‫احملي ليست شبه قضائية‪ ،‬وإال كان القضاة أكثر كافاءة منه ‪ ،‬ومن شأن هذا النهج – اعتبار وظيافة احملي‬
‫شبه قضائية ‪ -‬أن يقوض عملية التكيي يف املنازعات اجلماعية‪ ،‬من خالل حرمان األطراف من استيمال‬
‫املافاوةة اجلماعية‪ ،‬فالتكيي جيب أن ييون وسيلة لسد الثغرات يف االتافاق اجلماعي‪ ،‬وحتديد طرق تنافيذ‬
‫شروط مصاغة بأسلوب غامض‪ ،‬وأن األطراف اختاورا احمليمون للقيام هبذه املهمة‪.‬‬
‫‪-4‬حكم التحكيم‪:‬‬
‫بداية ال بد من اإلشارة إىل أن من أه املعايري اليت تقاس هبا فعالية أ نظام لتسوية املنازعات؛ هي‬
‫النهائية‪ :‬اليت يقصد هبا بأنه ومبجرد البت يف النزاع يصبح احتمال أعادة النظر به أو استئناف القرار أمرا نادر‬
‫الوقوع‪ ،‬وكذلك تنافيذ قرار التكيي ‪ ،‬فهل توةع قرارات التكيي موةع التنافيذ بعد إجراءات ميسرة ؟ أم‬
‫قرارات ال معىن هلا مبجرد رفض أحد األطراف هلا‪107‬؟‬

‫اشرتطت الافقرة الثانية من املادة الثالثة عشر من القانون اجلزائر رق ‪ 02/90‬أن يصدر قرار التكيي‬
‫النهائي خالل الثالثني يوما التالية لتعيني احمليمني‪ .‬أما يف قانون التكيي السعود جيب أن يصدر احلي‬
‫النهائي عن هيئة التكيي خالل املدة اليت اتافق عليها طرفا التكيي ‪ ،‬وإذا مل يوجد اتافاق يصدر خالل أثنا‬
‫عشر شهرا من بدء إجراءات التكيي ‪ 108‬ونعتقد بأن هذه املدة طويلة ال تتناسب مع ةرورة اإلسراع بتسوية‬
‫منازعات العمل اجلماعية‪ .‬ويلكظ أن املدة اليت حددها املشرع لصدور حي التكيي ‪ ،‬هي قاعدة تنظيمة‪،‬‬
‫هدفها حث هيئة التكيي على سرعة الافصل يف املنازعة اجلماعية‪ ،‬لذلك ال يرتتب على صدور احلي بعد‬
‫إنتهاء امليعاد الذ حدده املشرع بطالنه‪ ،‬باإلةافة إىل أن تقرير بطالن احلي لصدوره بعد فوات امليعاد احملدد‬
‫فإنه سيؤد إىل تأخري وتعطيل مصاحل األطراف احملتيمني‪ ،‬ويافرض على هيئة التكيي ذاهتا أو غريها أعادة‬
‫النظر‪ ،‬وبنافس اإلجراءات اليت بدء هبا وبنافس املواعيد‪ 109.‬وتتخذ هيئة التكيي قرارهتا باألغلبية‪ ،110‬وبعد‬
‫مداولة سرية‪ ،111‬وجيب أن ييون قرارها مسببا شأن أ حي قضائي‪ 112.‬ونصت على ذلك املادة‬
‫‪187‬‬
‫‪ L2524-6‬من قانون العمل الافرنسي ‪ ،Les sentences arbitrales sont motivées.‬وحيوز حي‬
‫التكيي حجية األمر املقضي به‪ ،‬وييون واجب النافاذ‪ ،113‬ويف قانون العمل املصر ييون حي التكيي‬
‫ملزما للطرفني بعد إيداع هيئة التكيي أصل احلي وأصل وثيقة التكيي قل كتاب احمليمة اليت يقع يف دائرة‬
‫اختصاصها املركز الرئيس للمنشأة‪ ،‬وييون احلي قابال للتنافيذ بأمر يصدره قاةي التنافيذ‪ 114‬أما يف القانون‬
‫اجلزائر فإن قرار هيئة التكيي غري قابل للتنافيذ إال بأمر صادر من اجلهة القضائية املختصة موةوعيا وإقليميا‬
‫بالنزاع‪ ،‬حيث حيافظ أصل القرار يف كتابة ةبط احمليمة‪ ،‬ومتنح نسخ تنافيذية لألطراف هبدف إمتام عملية‬
‫التنافيذ‪ 115‬ويف القانون الافرنسي ييون لقرار التكيي نافس اآلثار اليت ترتتب على اتافاقات العمل اجلماعية‪،‬‬
‫ويصبح القرار التكييمي قابال للتنافيذ – مامل ينص على خالف ذلك ‪-‬من اليوم التايل إليداعه لدى السلطة‬
‫اإلدارية املختصة وفقا للشروط احملددة‪.116‬‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫خنلص من دراستنا أن التكيي العمايل يف املنازعات ذات الطابع اجلماعي جيب أال ييون عمال شبه‬
‫قضائي وإال كان القاةي أكثر كافاءة يف تسويته من احملي ‪ ،‬هلذا‪ ،‬جيب اعتبار التكيي العمايل‪ -‬وخاصة‬
‫عندما ييون إراديا؛ ‪-‬ال يلجأ إليه إال بناء على اتافاق بني أطرافه ‪ -‬امتدادا واستيماال للمافاوةة اجلماعية‪،‬‬
‫حبيث تأخذ هيئة التكيي بعني االعتبار عند حس النزاع مصاحل الطرفني وةرورة استمرار التعاون بينهما‪ ،‬وهلذا‬
‫فإن ماتنتهي إليه هيئة التكيي جيب أن ييون ميمال التافاق العمل اجلماعي‪ ،‬كما جيب أال يعتقد أطراف‬
‫النزاع بأهن سوف حيققون يف التكيي ما عجزوا عنه يف املافاوةة اجلماعية‪ ،‬مما قد ييون حافزا هل على اجلدية‬
‫خالل املافاوةة اجلماعية وطرح أفضل احللول للنزاع ذ الطابع اجلماعي مما يقلص اللجوء إليه يف املستقبل‪.‬‬
‫هلذا نوصي‪:‬‬
‫‪-‬بعد تعريف املنظ السعود للنزاع العمايل اجلماعي‪ ،‬ندعو املنظ إىل ختصيص وسائل ودية لتسويتها‬
‫تتس بالرةائية والسرعة واملرونة‪ ،‬ومن هذه الوسائل نظام التكيي ‪.‬‬
‫‪-‬وةع أحيام خاصة للتكيي يف منازعات العمل اجلماعية تراعي خصوصية هذا النوع من املنازعات‪،‬‬
‫وخاصة فيما يتعلق باملدة املمنوحة للمكي أو هليئة التكيي ‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫‪ -‬ندعو إىل تبين حتيي العرض األخري يف املنازعات اجلماعية‪ ،‬الذ أخذ به كل من القانون السور‬
‫واملصر بشيل جزئي‪ ،‬حيث إن ذلك النظام سوف يولّد احلافز القو لدى األطراف بالوصول إىل حل له قبل‬
‫مرحلة التكيي ‪.‬‬
‫الهوامش‬

‫‪11‬‬
‫‪-Roy Poyntz , The enactment of workplace mediation in British Universities: A study of mediator‬‬
‫‪meta-theory and the integration of practice, A thesis submitted in partial fulfilment of the requirements‬‬
‫‪for the degree of Doctor of Philosophy, February 2018,p.18‬‬
‫‪ -2‬خطورة هذه املنازعات دفعت املنظ السعود إىل تعديل املادة ‪ 41‬من نظام املرافعات الشرعية‪ ،‬وذلك بإدخال تعريف لتلك املنازعات‬
‫‪2‬‬
‫متهيدا إلنشاء وسائل لتسويتها‪ ،‬وذلك مبوجب املرسوم املليي رق م‪ 14/‬تاريخ ‪،1440/2 /22‬‬
‫‪-3‬واةح رشيد‪ :‬نظام التكيي يف تسوية منازعات العمل اجلماعية‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬مقدمة جلامعة مولود معمر ‪ ،‬تيز وزو‪ ،2010 ،‬ص‬
‫‪ .14‬يعد التكيي من أقدم وسائل تسوية املنازعات‪ ،‬ألن املنازعات واخلالفات هي جزء من طبيعة النافس البشرية بشيل عام‪ ،‬ويف العالقات‬
‫التجارية بشيل خاص‪ ،‬وال ميين أن ييون هناك جتارة بدون نزاعات‪ .‬واستخدم التكيي حلل املنازعات منذ عام ‪ 2100‬قبل امليالد يف بابل‪.‬‬
‫‪Arbitration is the oldest form of dispute settlement. Disputes and disagreements are part of human‬‬
‫‪psychology in general, in trade and commerce in particular. Roebuck (2000) writes that “…there‬‬
‫‪cannot be trade without disputes” and adds that the continuation of trade would have been unlikely if‬‬
‫‪the historical disputes were resolved only by violence. Arbitration was used as early as 2100 BCE in‬‬
‫‪Babylon,‬‬
‫‪- HOWARD, M. 2018. Impacts of cultural differences on international arbitration based on the‬‬
‫‪example of Iran. Robert Gordon University [online], PhD thesis. Available from:‬‬
‫‪https://openair.rgu.ac.uk, p 23‬‬
‫‪-4‬أمحد حسن الربعي‪ :‬الثورة الصناعية وآثارها االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬دار الافير العريب‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ص‪353-352‬‬
‫‪- 5‬شواخ األمحد‪ :‬قانون العمل‪ ،‬دراسة على ةوء القانون رق ‪ 91‬لسنة ‪ 1959‬وتعديالته‪ ،‬منشورات جامعة حلب‪ ،2006 ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪ -6‬فرانسوا باريث‪ :‬تاريخ العمل‪ ،‬ترمجة لافائز ك نقش‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة واإلرشاد القومي‪ ،‬دمشق‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪ .136‬حممد‬
‫فاروق الباشا‪ :‬التشريعات االجتماعبة‪ ،‬قانون العمل‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،1981 ،‬ص ‪25‬‬
‫‪ -7‬نبيل بو محيد ‪ :‬موقع التكيي ةمن نزاعات الشغل‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬أطروحة لنيل دبلوم الدكتوراه‪ ،‬جامعة حممد األول‪-2014 ،‬‬
‫‪ ،2015‬ص ‪ 106‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪- Morton‬‬‫‪Gitelman, The Evolution of Labor Arbitration, 9 DePaul L. Rev. 181 (1960) Available at:‬‬
‫‪8‬‬

‫‪https://via.library.depaul.edu/law-review/vol9/iss2/5, p.81-82‬‬
‫‪9‬‬
‫‪-Caire, G. (1983). Procédures de règlement pacifique des conflits collectifs en France. Relations‬‬
‫‪industrielles / Industrial Relations, 38 (1), 3–27. https://doi.org/10.7202/029324ar.p.9‬‬

‫‪189‬‬
10
- Julius G. Getman, Labor Arbitration and Dispute Resolution Source: The Yale Law Journal , Apr.,
1979, Vol. 88, No. 5, Dispute Resolution (Apr., 1979), pp. 916-949- 4
11
- George W. Taylor , The Voluntary Arbitration of Labor Disputes, Source: Michigan Law Review,
Vol. 49, No. 6 (Apr., 1951), pp. 787-804
12
-Stephen L. Hayford, Holistic Strategy for Coming to Grips with the Creeping Legalism of Labor
Arbitration, A, 2010 J. Disp. Resol. (2010) Available at:
https://scholarship.law.missouri.edu/jdr/vol2010/iss1/6,p.113
،‫ بريوت‬،‫ دار صادر‬،‫ لسان العرب‬:‫ مجال الدين ابن منظور األنصار الرويافعي اإلفريقي‬،‫ حممد بن ميرم بن علي أبو الافضل‬،‫ابن منظور‬-13

‫ وما بعدها‬141 ‫ ص‬،‫اجمللد الثاين عشر‬


14
- maajim.com/dictionary/ ‫حتيي‬

،‫ اجلزائر‬،‫ أم البواقي‬، ‫ رسالة دكتوراه مقدمة جلامعة العريب بن مهيد‬، ‫ أثر التكيي على خصوصية العقد اإلدار‬:‫ صربيين جبايلي‬-15
14 ‫ ص‬،2017-2016
60 ‫ اآلية‬،‫ سورة النساء‬-16
73 ‫ ص‬،1993 ،‫ دار اليتاب العريب‬،‫ الوسيط يف قانون القضاء املدين‬:‫ فتكي وايل‬-17
19 ‫ ص‬،‫ منشورات جامعة دار العلوم‬،2015 ،‫ الطبعة األول‬،‫ التكيي التجار يف اململية العربية السعودية‬:‫ حسني شكادة احلسني‬-18
‫ من جملة األحيام العدلية‬790 ‫ املادة‬-19
428 ،5 ‫ ج‬،1992 ،‫ بريوت‬،‫ دار الافير‬،2 ‫ ط‬،‫ الدر املختار وحاشية ابن عابدين رد احملتار‬:‫ حممد عالء الدين احلصافيي‬-20
21
- M. Mcllwrath and J. Savage, “International Arbitration and Mediation: A Practical Guide”, (2010),
at para.1-015, Referred to in, Nadia Ramzy Salama, Nature, Extent, and Role of Parties’ Autonomy in
the Making of International Commercial Arbitration Agreements, A thesis submitted to the University
of Manchester for the Degree of Doctor of Philosophy in the Faculty of Humanities 2015. P.76
22
- Methanex Motunui Ltd v. Spellman, [2004] 1 NZLR 95, at p.98, Referred to in, Nadia Ramzy
Salama, Nature, Extent, and Role of Parties’ Autonomy in the Making of International Commercial
Arbitration Agreements, A thesis submitted to the University of Manchester for the Degree of Doctor
of Philosophy in the Faculty of Humanities 2015. P.77
23
-Andrea Marco Steingruber, NOTION, NATURE AND EXTENT OF CONSENT IN
INTERNATIONAL ARBITRATION, Thesis for the degree of Doctor of Philosophy ,QUEEN MARY
UNIVERSITY OF LONDON SCHOOL OF INTERNATIONAL ARBITRATION, , 2009,p p.44-45
24
- Nadia Ramzy Salama, Nature, Extent, and Role of Parties’ Autonomy in the Making of
International Commercial Arbitration Agreements, A thesis submitted to the University of Manchester
for the Degree of Doctor of Philosophy in the Faculty of Humanities 2015. P.77
25
-Andrea Marco Steingruber, Cited above. P.75.- Nadia Ramzy Salama, Cited above.p.65

190
26
-VLADIMIR PAVIĆ“Non-Signatories” and the Long Arm of Arbitral Jurisdiction, p. 213.
Electronic copy available at: http://ssrn.com/abstract=1421201
27
-Cas., 27 July 1937, Roses v. Moller et Cie, I Dalloz 25 (1938) Andrea Marco Steingruber, Cited
above. P.75
28
- VLADIMIR PAVIĆ“Non-Signatories” and the Long Arm of Arbitral Jurisdiction, p.214
29
- Nadia Ramzy Salama, Cited above.p.64
30
-Mann F.A., Lex Facit Arbitrum, in International Arbitration: liber amicorum for Martin Domke,
(1967), La Haye, M. Nijhoff, according to,- Andrea Marco Steingruber, Cited above,p.73
31
- Nadia Ramzy Salama, Cited above.p.65
32
- Sauser-Hall G., L'arbitrage en droit international privé, 44 I AnnIDI 469 (1952) 516- 528, 47 II
AnnIDI 394 (1957) p.471, according to, Andrea Marco Steingruber, Cited above. P.77
33
-Rubelin-Devicchi J., L’Arbitrage: nature juridique; droit interne et droit international privé, (1965),
Paris, LGDJ,p.95. Klein F.-E., Considérations sur l’arbitrage en droit international privé, (1955), Basel,
Helbing & Lichtenhahn, p.267. , according to, Andrea Marco Steingruber, Cited above. P78
34
- Andrea Marco Steingruber, Cited above. P.79
123 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬:‫ واةح رشيد‬.16-25 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬:‫ صربيين جبايلي‬-35
36
-Emmanuelle Gaillard and John Savage (eds) Fouchard Gaillard Goldman on International
Commercial Arbitration (Kluwer 1999),p. 11.
37
-Racine J.-B., Réflexions sur l'autonomie de l'arbitrage commercial international (II. –L'arbitrage,
Deuxième Séance), Revue de l'arbitrage, 2005 - No. 2, pp. 363 et seq, , according to, Andrea Marco
Steingruber, Cited above. P.79
38
- Rubelin-Devicchi J., L’Arbitrage: nature juridique; droit interne et droit international privé, (1965),
Paris, LGDJ,p.311, according to, Andrea Marco Steingruber, Cited above. P.80

197 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬،‫ عالقات العمل اجلماعية‬:‫ مصطافى أبو عمرو‬-39
122 ‫ص‬ ،‫ مرجع سابق‬:‫ واةح رشيد‬- 40
41
- Julius G. Getman, Cited above. P.922
‫ وما بعدها‬45 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬: ‫نبيل بو محيد‬-42
:‫ نقال عن‬18 ‫ ص‬،1987 ،‫ ميتبة سيد وهبة‬،‫ التكيي يف منازعات العمل اجلماعية‬:‫السيد عيد نايل‬-43
Khalid Rshad Khayyat, The Importance of Arbitration in Contemporary Labour Disputes in The
Kingdom of Saudi Arabia. Submitted in fulfilment of the requirements for the degree of Doctor of
Philosophy Victoria University College of Law and Justice January, 2015, p. 145
43 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬:‫ واةح رشيد‬-44
37‫ ص‬،‫ بدون تاريخ‬،‫ دار نصر للطباعة‬2003 ،‫ لسنة‬12 ‫ التكيي يف قانون العمل احلايل رق‬:‫ رأفت دسوقي‬-45
142 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬:‫ واةح رشيد‬-46

191
‫‪47‬‬
‫‪ -47‬واةح رشيد‪ :‬نظام التكيي يف تسوية منازعات العمل اجلماعية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪145‬‬
‫‪ -48‬رأفت دسوقي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪141‬‬
‫‪49‬‬
‫‪- Andrea Marco Steingruber, Cited above.p.71 ,‬‬
‫‪50‬‬
‫‪-raffo velásquez Meléndez: Arbitraje Laboral Potestativo como, Final Offer Arbitration Facultative‬‬
‫‪Labour Arbitration as Final Offer Arbitration, Revista ius et veRitas, N° 50, Julio 2015 / ISSN 1995-‬‬
‫‪2929.p.406‬‬
‫‪ -51‬املادة ‪ 214‬من قانون العمل السور‬
‫‪52‬‬
‫‪-Juan Carlos Girao La Rosa, Estudio Miranda & Amado: ECONOMIC LABOR ARBITRATION AS‬‬
‫‪A CONFLICTS RESOLUTION MECHANISM IN PERU. THĒMIS-Revista de Derecho 71. 2017. pp.‬‬
‫‪57-68. ISSN: 1810-9934,p.60 Arbitraje voluntario Arbitraje potestativo Arbitraje obligatorio‬‬
‫تقوم فيرة حتيي العرض النهائي على أنه يف حال فشل أطراف النزاع يف الوصول إىل اتافاق حيس النزاع يستطيع أحد األطراف بإلزام الطرف‬
‫اآلخر باللجوء إىل التكيي ‪ ،‬ومن مث يقدم كل طرف رؤيته للكل إىل احملي ‪ ،‬ومن مث رختار احملي رؤية أحد األطراف ويافرةها على الطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬هلذا فإن هذا النوع من التكيي رخلق حافز لدى األطراف ببذل جهود صادقة للوصول إىل اتافاق حيس النزاع وإال فإن التكيي‬
‫ينتظره ‪ ،‬لذلك شبه البعض هذا التكيي بالقنبلة املوةوعة على طاولة املافاوةات‪ ،‬حبيث إن القنبلة ستنافجر مبجرد عدم وصول الطرفني إىل‬
‫اتافاق حيس نزاعه ‪ .‬فالتكيي يف القانون املصر والسور يعطي ألحد اإلطراف الطلب من اجلهة اإلدارية املختصة املباشرة بإجراءات‬
‫التكيي ‪ ،‬لينه ال يلزم احملي بتبين رؤية أحد أطراف النزاع‪ .‬وحبذا لو نص على ذلك‪ ،‬ألن ذلك سوف ييون حافزا حلل النزاع من خالل‬
‫املافاوةة أو الوساطة‪.‬‬
‫‪raffo velásquez Meléndez: Cited above p.406‬‬
‫‪ -53‬المادة ‪ 179‬من قانون العمل المصري‬
‫‪ -54‬املادة ‪ 191‬من قانون العمل املصر‬
‫‪ -55‬مواد اإلجراءات املدنية مت استبداهلا باملواد ‪ 1006‬إىل املادة ‪ 1038‬من القانون رق ‪ 09-08‬لسنة ‪2008‬‬
‫‪ -56‬بشري هديف‪ :‬الوجيز يف شرح قانون العمل‪ ،‬عالقات العمل الافردية واجلماعية‪ ،‬دار رحيانة لليتاب‪ ،‬القبة‪ ،‬اجلزائر ط ‪ ،2003 ،3‬ص‬
‫‪217‬‬
‫‪57‬‬
‫‪- Khalid Rshad Khayyat, The Importance of Arbitration in Contemporary Labour Disputes in The‬‬
‫‪Kingdom of Saudi Arabia. Submitted in fulfilment of the requirements for the degree of Doctor of‬‬
‫‪Philosophy Victoria University College of Law and Justice January, 2015, p. 143‬‬
‫‪ -58‬امللغاة مبوجب املرسوم املليي م‪ /‬لسنة ‪ 1435‬املتضمن إصدار نظام املرافعات الشرعية‪ ،‬البند أوال الافقرة الثالثة‬
‫‪ -59‬نظام العمل السعود الصادر باملرسوم املليي م‪ 51 /‬لسنة ‪ 1426‬وتعديالته‬
‫‪60‬‬
‫‪- Lorsque la convention collective de travail ne prévoit pas de procédure contractuelle d'arbitrage, les‬‬
‫‪parties intéressées peuvent décider d'un commun accord de soumettre à l'arbitrage les conflits qui‬‬
‫‪subsisteraient à l'issue d'une procédure de conciliation ou de médiation.‬‬

‫‪192‬‬
‫‪L'arbitre est choisi soit par accord entre les parties, soit selon les modalités établies d'un commun‬‬
‫‪accord entre elles.‬‬

‫‪ -61‬يأخذ البعض على التكيي العمايل يف الواليات املتكدة األمرييية ظاهرة " حمامي عملية التكيي العمايل" " ‪lawyerizing" of the‬‬

‫‪ labor arbitration‬فهذه الظاهرة كانت مسؤولة عن خلق فجوة واسعة تافصل بني بساطة التكيي وتعقيد جلسات االستماع‪ .‬باإلةافة‬
‫إىل الشيوى من ارتافاع تياليف أتعاب احمليمني واحملامني‪ ،‬وقواعد اإلثبات املعقدة بدون داع‪ ،‬والتأخري غري املربر يف جدول جلسات‬
‫االستماع‪ .‬فالتكيي العمايل أصبح أكثر تيلافة‪ ،‬وأكثر استهالكا للوقت ومعقد أكثر من الالزم‪.‬‬
‫‪, Cited above, p.112 -Stephen L. Hayford‬‬
‫‪62‬‬
‫‪- Charles B. Craver, Labor Arbitration as a Continuation of the Collective Bargaining Process, 66‬‬
‫‪Chi.-Kent L. Rev. 571 (1990). Available at:‬‬
‫‪https://scholarship.kentlaw.iit.edu/cklawreview/vol66/iss3/4,p.576‬‬
‫‪63‬‬
‫‪-Charles B. Craver, Cited above, p.624‬‬
‫‪ -64‬املادة ‪ /213‬ج عمل سور ‪ ،‬واملادة ‪ 181‬عمل مصر‬
‫‪ -65‬مصطافى أمحد أبو عمرو‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪320‬‬
‫‪ -66‬املادة ‪/215‬ب عمل سور واملادة ‪ 185‬عمل مصر‬
‫‪ -67‬واةح رشيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪242‬‬
‫‪ -68‬واةح رشيد‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪260‬‬
‫‪ -69‬املادة ‪ /217‬أ من قانون العمل السور‬
‫‪ -70‬املادة ‪ 184‬من قانون العمل املصر‬
‫‪ -71‬املادة ‪ 184‬من قانون العمل املصر‬
‫‪ -72‬املادة ‪ 218‬من قانون العمل السور‬
‫‪-73‬املادة ‪ 186‬من قانون العمل املصر‬
‫‪ -74‬رأفت دسوقي‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪84‬‬
‫‪ - 75‬حممد بن براك الافوزان‪ :‬التنظ القضائي اجلديد يف اململية العربية السعودية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬ميتبة القانون واالقتصاد‪ ،2010 ،‬ص ‪220‬‬
‫‪ -76‬عبد القادر الطورة‪ :‬قواعد التكيي يف منازعات العمل اجلماعية‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،1988 ،‬ص ‪ 338‬نقال عن واةح رشيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪260‬‬
‫‪ -77‬املادة ‪ 184‬من قانون العمل املصر‬
‫‪ -78‬نبيل بو محيد ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 224‬وما بعدها‪ .‬واةح رشيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ 262.‬مصطافى أمحد أبو عمرو‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪294‬‬
‫‪79‬‬
‫‪-Juan Carlos Girao La Rosa, Estudio Miranda & Amado: ECONOMIC LABOR ARBITRATION AS‬‬
‫‪A CONFLICTS RESOLUTION MECHANISM IN PERU. THĒMIS-Revista de Derecho 71. 2017. pp.‬‬
‫‪57-68. ISSN: 1810-9934,p.59‬‬
‫‪ -80‬يف القانون األمرييي هناك تباين يف الرأ بشأن وظيافة احملي فيما يتعلق بتسوية املنازعات الناشئة أو املتعلقة بتافسري أو تطبيق اتافاقية‬
‫مجاعية أو مايسمى حتيي التظل ‪ ،grievance arbitration‬حيث يرى بعض احمليمني أنه جيب األخذ بعني االعتبار طبيعة عالقات العمل‬

‫‪193‬‬
‫أثناء تسوية النزاع‪ ،‬إذ أن طبيعة تلك العالقات تتطلب التعاون بني العمل واإلدارة‪ ،‬لذلك جيب أن ييون حي التكيي مستساغ أو مقبول‬
‫من الطرفني‪ ،‬وبالتايل يساه يف تعزيز املافاوةة املستقبلية‪ ،‬هلذا مييل احمليمون إىل التوسط والتافاوض مع أطراف النزاع‪ .‬بينما تذهب مدرسة‬
‫احمليمني املعارةة‪ ،‬أن التكيي عملية شبه قضائية‪ ،‬لذلك ال يسمح بالتافاوض أو الوساطة‪.‬‬
‫‪- Morton‬‬ ‫‪Gitelman: Cited above p.189‬‬
‫‪ -81‬يافرق القانون األمرييي بني حتيي املصاحل”‪ ،“interest arbitration,‬وحتيي املظامل أو حتيي احلقوق ‪grievance arbitration,‬‬

‫”‪ .or “rights arbitration,‬بالنسبة إىل حتيي املصاحل يستخدم حلل املنازعات الناشئة بسبب خالف حول الشروط احملتمل إدراجها يف‬
‫العقد الذ سوف يربم بني العامل وصاحب العمل‪ ،‬أو اخلالفات الناشئة حول ابرام اتافاقية مافاوةة مجاعية‪ 81.‬أما بالنسبة إىل حتيي املظامل‬
‫فإنه يتناول املنازعات الناشئة عن تافسري أو تطبيق اتافاقية مافاوةة مجاعية‬
‫‪Christen L. Rafuse, Fundamentals of Labor Arbitration, 4 397‬‬
‫‪(2012).http://elibrary.law.psu.edu/arbitrationlawreview‬‬
‫‪ -82‬سالمة عبد التواب عبد احللي ‪ :‬مرجع سابق‪ .565 ،‬املادة ‪ 187‬عمل مصر‬
‫‪ -83‬فإذا مل يوجد نص تشريعي ميين تطبيقه‪ ،‬حي القاةي مبقتضى مبادئ الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فإذا مل توجد‪ ،‬فبمقتضى العرف‪ ،‬وإذا مل‬
‫يوجد‪ ،‬فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة‬
‫‪84‬‬
‫‪- Juan Carlos Girao La Rosa, Estudio Miranda & Amado: Cited above. P.60‬‬
‫‪ -85‬املادة ‪ 221‬من قانون العمل السور‬
‫‪ -86‬الافقرة األخرية من املادة ‪ 178‬من قانون العمل املصر‬
‫‪ -87‬املادة ‪ 188‬من قانون العمل املصر‬
‫‪ -8888‬املادة ‪ 220‬عمل سور ‪ ،‬واملادة ‪ 189‬عمل مصر‬
‫‪ -‬نظام العمل السعود الصادر باملرسوم املليي م‪ 51 /‬لسنة ‪ 1426‬وتعديالته ‪89‬‬
‫‪- 90‬مينع قانون الافرنسي االتافاق على التكيي يف منازعات العمل الافردية أثناء سريان عقد العمل‪ ،‬هلذا ال جيوز التكيي إال يف حالة إذا كان‬
‫االتافاق بعد انتهاء عقد العمل‪ .‬نبيل بو محيد ‪ :‬مرجع سابق ص ‪ .100‬واةح رشيد‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪158‬‬
‫‪ -91‬مثل هذا احلي منتقد؛ ألن االتافاق على التكيي يف عقد العمل يعين ةمنيا تنازل العامل املسبق عن حقوقه‪ ،‬هلذا جيب تطبيق مبدأ‬
‫عدم جواز تنازل العامل عن حقوقه الذ نصت عليه املادة الثامنة من قانون العمل‪ .‬ومن املعروف أن أساس هذا املبدأ هو محاية العامل نظرا‬
‫لغياب سلطة املساومة جتاه صاحب العمل‪ ،‬مبعىن أن العامل مضطر لقبول ما يعرةه أو يافرةه عليه صاحب العمل‪.‬‬
‫‪Alfonso Higa García, Las Cláusulas Arbitrales y la Nueva Ley Procesal del TrabajoRevista , Derecho‬‬
‫‪& Sociedad, N° 46 , Marzo 2016 / ISSN 2079-3634 p. 311 -91‬‬
‫‪ -92‬أمحد عيسى‪ ،‬شواخ األمحد‪ :‬االتافاق على التكيي ‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬جملة القضائية‪ ،‬جملة حميمة تصدر عن وزارة العدل السعودية‪ ،‬العدد‬
‫السابع‪ ،1434 ،‬ص ‪352‬‬

‫‪194‬‬
. ‫ من قانون العمل املصر‬191 ‫ املادة‬-93
‫ واملادة‬L. 2524-1 ‫ واملادة‬172 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬،‫ اآلليات املهنية االتافاقية لتسوية نزاعات العمل اجلماعية‬:‫ أمحية سليمان‬-95
‫ من قانون العمل الافرنسي‬L2524-2
228‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬:‫ واةح رشيد‬.34 ،‫ مرجع سابق‬:‫ عمار زعيب‬-96
276 ‫ ص‬،‫ املرجع السابق‬:‫ واةح رشيد‬-96
‫ ب من قانون التكيي السعود‬/15 ‫ املادة‬-97
‫ وما بعدها‬276 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬:‫ واةح رشيد‬35 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬:‫عمار زعيب‬- 98
99
- Lorsque le conflit est soumis à l'arbitrage, les pièces établies dans le cadre des procédures de
conciliation ou de médiation sont remises à l'arbitre
182 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬،‫ اآلليات املهنية االتافاقية لتسوية نزاعات العمل اجلماعية‬:‫ أمحية سليمان‬-100
101
-L'arbitre ne peut pas statuer sur d'autres objets que ceux qui sont déterminés par le procès-verbal de
non-conciliation ou par la proposition du médiateur ou ceux qui, résultant d'événements postérieurs à
ce procès-verbal, sont la conséquence du conflit en cours.
‫ من نظام التكيي السعود‬36 ‫ واملادة‬28 ‫ املادة‬-103
103
-Article L2524-4 Il statue en droit sur les conflits relatifs à l'interprétation et à l'exécution des lois,
règlements, conventions collectives ou accords en vigueur.

Il statue en équité sur les autres conflits, notamment lorsque le conflit porte sur les salaires ou sur les
conditions de travail qui ne sont pas fixées par les dispositions des lois, règlements, conventions
collectives ou accords en vigueur, et sur les conflits relatifs à la négociation de la révision des clauses
des conventions collectives
104
-Kahn-Freund Otto. Quelques réflexions sur le règlement des conflits collectifs du travail au point
de vue du droit comparé. In: Revue internationale de droit comparé. Vol. 12 N°2, Avril-juin 1960. pp.
323-341
105
- Charles B. Craver,: Cited above. p.575
106
-Charles B. Craver, Labor Arbitration as a Continuation of the Collective Bargaining Process, 66
Chi.-Kent L. Rev. 571 (1990). Available at:
https://scholarship.kentlaw.iit.edu/cklawreview/vol66/iss3/4
107
- Julius G. Getman, Labor Arbitration and Dispute Resolution Source: The Yale Law Journal , Apr.,
1979, Vol. 88, No. 5, Dispute Resolution (Apr., 1979), pp. 916-949

‫ من قانون التكيي السعود‬40 ‫ املادة‬-108


291 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬:‫ واةح رشيد‬-109

195
‫‪-111‬يف القانون األمرييي ال يشرتط القانون العام ‪ At common law‬شيل معني لقرارات التكيي ‪ ،‬لذلك ميين أن ييون القرار ميتوبا‬
‫أو شافهيا‪ ،‬وجيوز لطريف النزاع النص يف اتافاقية تقدمي ( مشارطة التكيي ) ‪ submission agreement‬النزاع للتكيي ‪ ،‬على أن ييون القرار‬
‫ميتوبا‪ ،‬وأن حيددوا شيال معينا يصدر به‪ ،‬وما مل تشرتط اتافاية تقدمي النزاع صراحة أو ةمنا األغلبية لصدور القرار جيب أن يصدر باإلمجاع‪.‬‬
‫أما قوانني التكيي حتدد متطلبات دقيقة يف شيل القرار‪ ،‬حيث يشرتط القانون يف والية نيويورك أن قرار التكيي لييون قابال للتنافيذ جيب أن‬
‫ييون ميتوبا‪ ،‬وجيب اشرتاك هيئة التكيي يف إصداره‪ ،‬والتوقيع عليه‪ ،‬وأن يصدر خالل األجل احملدد يف اتافاقية التقدمي‪ ،‬وجيب إيداعه لدى‬
‫قل كاتب احمليمة ألكساءه الصيغة التنافيذية‪ .‬جيب توافر هذه املتطلبات بعناية فائقة واالمتثال هلا بدقة‪ ،‬وإذا مل تتوافر تلك املتطلبات الشيلية‬
‫فإن قرار التكيي ال يقبل اإلنافاذ مبوجب الطريقة املنصوص عليها يف القانون‪ ،‬مع اإلشارة إىل أن هذه الطريقة تتس بالسرعة وقلة التيلافة‬
‫باملقارنة بإجراءات اإلنافاذ وفقا للقانون العام ‪-110‬‬
‫‪Walter E. Boles Jr., Legal and Economic Significance of Labor Arbitration Awards, 5 Sw L.J. 393‬‬
‫‪(1951) https://scholar.smu.edu/smulr/vol5/iss4/2,p.394‬‬
‫‪ -112‬املادة ‪ 39‬من قانون التكيي السعود‬
‫‪ -113‬عمار زعيب‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪35‬‬
‫‪-114‬املادة ‪ 58‬من نظام التكيي السعود‬
‫‪ -114 115‬املادة ‪ 191‬من قانون العمل املصر‬
‫‪ -116115‬املادتني ‪ 1037 -1036‬من قانون اإلجراءات املدنية‪ ،‬أمحية سليمان‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪184‬‬
‫‪116‬‬
‫‪-L2524-5: Les accords ou sentences arbitrales intervenant en application du présent titre ont les‬‬
‫‪mêmes effets que les conventions et accords collectifs de travail. Ils sont applicables, sauf stipulations‬‬
‫‪contraires, à compter du jour suivant leur dépôt auprès de l'autorité administrative compétente dans les‬‬
‫‪conditions déterminées à l'article L. 2231-6.‬‬

‫‪L2524-6: Elles ne peuvent faire l'objet que du recours pour excès de pouvoir devant la cour supérieure‬‬
‫‪d'arbitrage mentionnée à l'article L. 2524-7.‬‬

‫‪196‬‬

You might also like