You are on page 1of 9

‫مجلة علوم الرتبية‬ ‫‪118‬‬

‫ديداكتيك اجلغرافيا‪:‬‬
‫من ديداكتيك املادة �إىل ديداكتيك وظيفية‬

‫د‪ .‬موالي املصطفى الربجاوي‬

‫تظل ديداكتيك الجغرافيا من املفاهيم التي تطور نفسها تبعا للتطور املعريف من جهة‬
‫والخالف بني الديداكتيكيني من جهة ثانية‪ .‬إذ « تعكس تحوالت وتضارب الرؤى بني املدارس‬
‫الجغرافية الجامعية؛ من خالل تفضيل الديداكتيكيون لهذا املدخل أو ذاك‪ .‬لكن يف املجمل‬
‫‪:‬‬
‫يرتبطون بأهداف موحدة‪ ،‬كاشتغالهم عىل مواضيع منهجية‬
‫�أوال‪ :‬يف ماهية الديداكتيك‪:‬‬
‫قبل الحديث عن مفهوم ديداكتيك الجغرافيا‪ ،‬يكون ِمن األفضل التط ُّرق إىل مصطلح‬
‫الديداكتيك‪:‬‬
‫�أ‪ -‬املعنى اللغوي‪:‬‬

‫الديداكتيكا لفظ قديم‪ ،‬أصله من الكلمة اليونانية ‪ ،DIDAKTIKOS‬وتعني كل ما‬


‫ختص بالتدريس أو التعليم‪ ،‬ومنها فعل ‪ ،DIDASKEIN‬و َيعني ع َّلم ود َّرس ول َّقن‪ ،‬و ِمن‬ ‫َي ُّ‬
‫هذه املادة اللغوية اشت َّقت الالتينية لفظ ‪ DOCEO‬و ‪ ،DISCIPULUS‬ومعناهام‬
‫أيضا لفظ ‪ ،DOCILE‬ويطلق عىل الشخص القابل‬ ‫التخصص ‪ ،DISCIPLINE‬و ِمن هذه املادة ً‬ ‫ُّ‬
‫‪:‬‬
‫للتع ُّلم والقادر عليه‬
‫‪119‬‬ ‫مجلة علوم الرتبية‬

‫ب‪ -‬املعنى اال�صطالحي‪:‬‬


‫يعدُّ الديداكتيك اسرتاتيجية تعليمية‪ ،‬مبعنى أنه خطة ترمي إىل تحقيق أهداف تعليمية‪،‬‬
‫وتواجه هذه اإلسرتاتيجية مشكالت املتعلم؛ وذلك عن طريق التفكري يف هذا األخري؛ لهدف‬
‫تسهيل عملية تع ُّلمه‪ ،‬اليشء الذي ال يمُ كن أن يتم إال باستحضار حاجيات التلميذ‪ ،‬وتحديد‬
‫الطريقة املناسبة لتع ُّلمه‪ ،‬وتحضري األدوات الرضورية واملساعدة عىل ذلك‪.‬‬
‫يقول «فولكيي» (‪ )foulquié‬إن الديداكتيك هي كل ما يعنى بالتدريس‪ .‬فهي فن أو تقنية‬
‫التدريس‪ ،‬ويعني ذلك أنها تهتم أيضا بطرق التدريس‪ .‬وانطالقا من التعريف ميكن التمييز بني‬
‫الديداكتيك العامة الديداكتيك الخاصة‪:‬‬
‫‪ -‬الديداكتيك العامة (‪ :)Didactique générale‬تهتم بكل ما يجمع بني مختلف‬
‫مواد التدريس أو التكوين وذلك عىل مستوى الطرق‪ .‬فالطريقة اإللقائية التقليدية والطريقة‬
‫الحوارية والتعليم املشرتك واألشغال التطبيقية أو املوجهة الفردية منها والجامعية‪ ...‬وكذلك‬
‫األمر بالنسبة ملختلف التدريس كالكتاب املدريس ودليل األستاذ ودليل التلميذ والوسائل‬
‫السمعية البرصية واملعلوماتية (‪ )informatiques‬وباقي وسائل اإليضاح واملساعدة عىل‬
‫التعلم‪ ،‬التي تشرتك جل املواد يف تداولها واستغاللها فعندما نتحدث مثال عن التعليم املربمج‬
‫(‪ )l’enseignement programmé‬أو التعليم املعتمد عىل الحاسوب (‪l’enseignement‬‬
‫مجلة علوم الرتبية‬ ‫‪120‬‬

‫‪ )assisté par ordinateur‬وفوائدهام الرتبوية بصفة عامة فإننا نعمل داخل املجال املعروف‬
‫بالديداكتيكا العامة‪.‬‬
‫كام تعني الديداكتيك العامة الدراسة العلمية‪ ،‬لكن ليس عىل مستوى األهداف بل عىل‬
‫مستوى األغراض‪ .‬فالديداكتيك العامة تحاول أن تجيب يف دراستها عىل األسئلة التالية‪:‬‬
‫ملاذا تدريس هذه املادة وما هو وضعها بني املواد األخرى؟‬ ‫‪-‬‬
‫ماهو مضمونها؟‬ ‫‪-‬‬
‫ملن هي موجهة؟ (خاصة املتعلمني)‬ ‫‪-‬‬
‫كيف ميكن تدريسها؟ (الطرائق والتقنيات)‬ ‫‪-‬‬
‫ما هي النتائج املحصل عليها؟ (التقويم)‬ ‫‪-‬‬
‫والرسم التايل يلخص مضمون الديداكتيك العامة‪:‬‬

‫ملن؟ ?‪A quoi‬‬

‫كيف ؟ ? ‪comment‬‬ ‫كيف ؟ ? ‪comment‬‬


‫الطرائق و التقنيات‬ ‫الطرائق و التقنيات‬

‫النتائج التقويم‬
‫‪121‬‬ ‫مجلة علوم الرتبية‬
‫‪ -‬الديداكتيك الخاصة (‪ :)Didactique spécifique‬فينحرص مجالها داخل كل مادة‬
‫من مواد التدريس أو التكوين‪ .‬ففي مجال االجتامعيات مثال؛ تهتم بتدريس وتعلم التاريخ‬
‫والجغرافيا والرتبية عىل املواطنة‪ .‬يف الجغرافيا تهتم الديداكتيكا الخاصة بتقنيات رسم وتحليل‬
‫الخرائط وتفسري توزيع املعطيات االقتصادية يف املجال الجغرايف وتأويلها‪ ،‬كام أنها تهتم بتحليل‬
‫النصوص الجغرافية ومعالجة الصور والجداول اإلحصائية‪...‬أما التاريخ؛ وإن كان يشرتك مع‬
‫الجغرافيا يف توظيف الخريطة إال أن معالجتها يتم زمنيا عىل ضوء األحداث التاريخية مع‬
‫معالجة الوثائق التاريخية مبختلف أنواعها للتعريف بالحدث التاريخي وتفسريه‪ ..‬يف حني أن‬
‫الرتبية عىل املواطنة تركز عىل إكساب املتعلم مجموعة من املفاهيم املرتبطة بقيم املواطنة‬
‫وكيفية متثلها سلوكا ومامرسة يف إطار ما يسمى بدورة التعلم‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ديداكتيك اجلغرافيا‪ ..‬وتنوع الر�ؤى والت�صورات‪:‬‬
‫ونظ ًرا لتنوع تعاريف الديداكتيك‪ ،‬و نظ ًرا أيضا لحداثة املفهوم‪ ،‬فقد أدى ذلك إىل تبا ُين‬
‫أهم التعريفات يف هذا املضامر‪:‬‬
‫التعاريف املرتبطة بديداكتيك الجغرافيا؛ و ِمن ِّ‬
‫تعريف «بونوا روبري» (‪)Benoît Robert‬يقول‪« :‬رمبا ليس ِمن السهل حال ًّيا تحقيق إجامع‬
‫تعريف لديداكتيك الجغرافيا‪ ،‬وليس ذلك رضور ًّيا إطال ًقا؛ ألنه يف نظرنا ما زلنا يف بداية‬
‫ٍ‬ ‫حول‬
‫تفكري أبستمولوجي يخص ك ًّال ِمن الديداكتيك العامة والديداكتيكات الخاصة ؛ مام يعني وجود‬
‫‪-‬ضمنًا‬‫مساحة لوجهات نظر مختلفة و مهتمة باملشاكل املرتبطة بنرش املعرفة الجغرافية‪ ،‬تطرح ِ‬
‫كل ديداكتيك (خاصة)‪ ‬يمُ كن أن‬ ‫رصيحا) كل إشكالية ديداكتيك الجغرافية‪ ،‬بالنسبة للبعض ُّ‬‫أو َت ً‬
‫اآلخر (اﻷنغلو – ساكسون) تصبح ديداكتيك‬ ‫ُتعرف كبيداغوجية مادة تدريس‪ ،‬وبالنسبة للبعض َ‬
‫همهم‬‫الجغرافية مراد ًفا لط ُرق تدريس الجغرافية ـ (‪)GeographyTeachingMethods‬؛ وما ُي ُّ‬
‫الجانب العميل للفعل التعليمي»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أك َرث هو‬
‫و بالنسبة لط ُرق أو تقنيات التدريس ( ‪ ) TeachingMethods‬تشكل مجاالً‪ ،‬ومجاالً مهماًّ‬
‫ِمن ديداكتيك الجغرافيا»‪.1‬‬
‫تعريف «ديبالنك»(‪ )Desplanques P‬يقصد بها طريقة ومنهجية التحليل باالنتقال ِمن‬
‫املعرفة الجامعية وا ُملجتمع َّية إىل املعرفة املدرسية(النقل الديداكتييك)‪ ،‬وهذه الطريقة ترتبط‬

‫‪1 - Benoît Robert: Pour une nouvelle conception de la didactique de la géographie, Cahiers‬‬
‫‪de géographie du Québec, vol. 14, n° 31, 1970, p. 95-99.‬‬
‫مجلة علوم الرتبية‬ ‫‪122‬‬

‫‪ -‬بنفس املنطق ‪ -‬بالعنارص الناتجة عن التجارب البيداغوجية واملفاهيم والط ُرق واملعارف‬
‫املؤسسة للجغرافيا‪.‬‬
‫ِّ‬
‫تهتم يف تط ُّورها بواقع الفصل‬
‫فالديداكتيك‪ :‬سريورة ‪ /‬سلسلة ِمن العمليات الفكرية التي ُّ‬
‫الدرايس وا ُملتعلمني‪ ،‬وذلك يف ضوء املعرفة الجغرافية األكرث متان ًة وصالب ًة‪ ،‬والعمل الديداكتييك‬
‫يتط َّلب باستمرار عدم إغفال مجالَني يف التحليل‪ ،‬هام‪:‬‬
‫التفكري يف املعرفة الجغرافية؛ من حيث التساؤل حول رشعيتها ال ِعلمية‪ ،‬وحول ميدان‬
‫تطبيقها‪ ،‬أو حول إعادة بناء املعرفة الجغرافية ِمن أجل التالميذ(النقل الديداكتييك)‪ ،‬ويهدف‬
‫ذلك إىل‪:‬‬
‫•تحديد العنارص األساسية التي تكون أساس املعرفة الجغرافية‪.‬‬
‫•تحديد املعارف واملفاهيم التي يجب تدريسها‪ ،‬وذلك حسب قدرة التالميذ عىل تعلمها‬
‫واكتسابها‪.‬‬
‫•تحديد وتقييم العوائق ال ِفكرية التي يجب ِّ‬
‫تخطيها أثناء اكتساب املعرفة الجغرافية ِمن‬
‫طرف التالميذ‪.‬‬
‫•التح ُّقق ِمن الط ُرق املتَّبعة يف التقويم‪.‬‬
‫• ربط العالقات مع باقي املواد الدراسية يف مستوى معينَّ ‪.‬‬
‫ويف هذا االتجاه‪َ ،‬ينبغي توخي الحذر بخصوص الخلط الذي يقع بني البيداغوجيا والديداكتيك؛‬
‫فالبيداغوجيا مت ِّثل مجموعة ِمن املامرسات واألنشطة والتقنيات املرتبطة بالعملية التعليمية ‪-‬‬
‫بتعدد مجاالت املعرفة‪..2‬‬
‫التعلمية داخل الفصل الدرايس‪ ،‬يف حني الديداكتيك تتع َّدد ُّ‬
‫ُّ‬
‫تعريف «إيف أندري»(‪:)Yves Andrés‬ديداكتيك الجغرافيا جملة ِمن التقنيات التي‬
‫حتل ا ُملد ِّرس قطب الرحى يف هذه العملية؛‬
‫ُتيسرِّ تنظيم وتسهيل عملية تدريس الجغرافيا‪ ،‬و َي ُّ‬
‫فهو الضامن لنجاحها‪ ،‬وبهذا يعدُّ ُركنًا ركينًا يف سريورة العمل الديداكتييك‪ ،‬و ُيضيف «أندري»‬
‫أن نجاح ديداكتيك الجغرافيا ره ٌني باهتاممها بالجوانب األساسية للامدة التعليمية‪ ،‬الجانب‬

‫‪2 -Desplanques PM: la didactique de la géographie , Armand colin, Paris- l’information‬‬


‫‪géographique 1991/ N2 ?, p 45-48.‬‬
‫‪123‬‬ ‫مجلة علوم الرتبية‬
‫املتع ِّلق باألبحاث الجامعية النظرية أو التطبيقية‪ ،‬والجانب املتع ِّلق با ُملد ِّرسني‪ ،‬وكذا بالجانب‬
‫املتع ِّلق بالتالميذ‪.3‬‬
‫تعريف «لورانس كورين» (‪ :)Laurence Cornu‬ترى أن ديداكتيك الجغرافيا َتع ِكس‬
‫تحوالت واختالفات املدارس الجغرافيا الجامعية؛ إذ ُتر ِّكز عىل الجانب املنهجي‪4.‬‬
‫ستشف أنديداكتيك الجغرافيا ‪ ،‬بالرغم من هذا التنوع‬‫ُّ‬ ‫ِمن خالل التعاريف السابقة‪َ ،‬ن‬
‫الحدَي؛ فهي عبارة عن مجموعة من الطرائق املتنوعة واألساليب النشيطة والتقنيات املوظفة‬
‫يف سريورة العملية التعليمية‪ -‬التعلمية لتدريس الجغرافيا باستحضار الجوانب املنهجية‪:‬‬
‫الوصف والتحليل والتفسري والرتكيب من جهة‪ ،‬والجوانب البيداغوجية الخاصة بخصائص‬
‫املتعلم واملدرس و املفاهيم واملعارف الجغرافية من جهة ثانية واألدوات والتقنيات التي‬
‫توظفها الجغرافية املدرسية (الخرائط‪ ،‬والنصوص الجغرافية ‪ ،‬والصور والجداول واملبيانات‪.)...‬‬
‫ثالثا‪ :‬ديداكتيك اجلغرافيا نحو ديداكتيك وظيفية‪:‬‬
‫إذا قلنا بأن ديداكتيك الجغرافيا ر َّكزت عىل النقل الديداكتييك للمعارف الجامعية‪ ،‬ونقلها‬
‫إىل املعارف الجغرافية املدرسية ِمن خالل سريورة تعليمية ‪ -‬تع ُّلمية‪ ،‬يشارك فيها األقطاب‬
‫الثالثة‪ :‬القطب األبستمولوجي(املعرفة الجغرافية)‪ ،‬والقطب الديداكتييك (املد ِّرس)‪ ،‬والقطب‬
‫السيكولوجي (املتع ِّلم)‪.‬فإنها ال تظهر فعاليتها إال بربط املتعلم مبحيطه اليومي والواقعي يف‬
‫إطار ما يسمى بالديداكتيك الوظيفية (‪.)La didactique fonctionnelle‬‬
‫يف هذا السياق؛ ال ميكن للجغرافية املدرسية أن تظهر نفعيتها وأهميتها وفائدتها إال من‬
‫خالل ربط املتعلم بحياته اليومية‪ ،‬وربطه أيضابحاجاته وربط بالتحوالت والتطورات العلمية‬
‫والتكنولوجية‪:‬‬
‫‪ -‬ربط تدريس الجغرافيا باملجتمع‪ :‬لقد انتبهت سوسيولوجية الرتبية إىل الوظيفية منذ‬
‫عهد بعيد‪ ،‬من الدعوة إىل تحفيز املتعلم عىل البحث واكتشاف الحقائق بنفسه‪ ،‬بالرتكيز عىل‬

‫‪3- Yves André, Didactique de la géographie in encyclopédie de la géographie sous la direction‬‬


‫‪de A.Bailly et autres , édition economica.‬‬
‫‪4- Laurence Cornu , Alain Vernous(1992):la Didactique en questions , centre Nationale de‬‬
‫‪documentation pédagogique, Hachette édition , p 94.‬‬
‫مجلة علوم الرتبية‬ ‫‪124‬‬

‫ربط املدرسة بالحياة والجمع بني الجوانب النظرية والتطبيقية‪ ،5‬وتقويم املعرفة الجغرافية‬
‫يف الحياة العملية (األنشطة التطبيقية)‪ .‬وهذا ما أكد عليه امليثاق الوطني للرتبية والتكوين يف‬
‫إرصاره عىل جعل املدرسة املغربية الجديدة « مفتوحة عىل محيطها بفضل نهج تربوي قوامه‬
‫استحضار املجتمع يف قلب املدرسة‪ ،‬والخروج منها إليه بكل ما يعود بالنفع عىل الوطن‪ ،‬مام‬
‫يتطلب نسج عالقات جديدة بني املدرسة وفضائها البيئي واملجتمعي والثقايف واالقتصادي»‪.6‬‬
‫يف سياق هذا التوجه؛ أكد منهاج التاريخ والجغرافيا والرتبية عىل املواطنة عىل جعل» تلك‬
‫املواد –مبا فيها الجغرافيا‪ -‬تلعب دورا حاسام يف التكوين الفكري واملدين للمتعلمني بجعلهم‬
‫يطورون من خالل هيكلة متثلهم للزمن واملجال وإدراكهم للحقوق واملؤسسات‪ ،‬ذكاء اجتامعيا‬
‫يساعدهم يف حياتهم اليومية‪ ،‬الشخصية‪ ،‬واملهنية‪ ،‬واالجتامعية»‪.‬‬
‫من هنا يظهر؛ أن توجهات كل من امليثاق الوطني للرتبية والتكوين ومنهاج الجغرافيا‪ ،‬جاء‬
‫بتوصيات وتوجيهات‪ ،‬ميكنها أن تنقل املامرسة الديداكتيكية من الطابع التلقيني الروتني إىل‬
‫مستوى الوظيفية‪ ،‬لكن يبقى تضافر الجهود‪ ،‬إن عىل مستوى دعم الدولة‪ ،‬أو عىل مستوى‬
‫تكوين املدرسني‪ ،‬أو عىل مستوى املتعلم أو عىل مستوى دعم الرشكاء االجتامعيني‪.‬‬
‫وإذا كان منهاج الجغرافيا يؤكد عىل رضورة االحتكاك املبارش بالظواهر املجالية‪ ،‬والتفاعل‬
‫معها تفاعال مبارشا لتحقيق التعلم الفاعل واملنتج أو ما يسمى بالتعلم الوظيفي (‪apprentissage‬‬
‫‪ .)fonctionnelle‬فالبيئة املحلية تعد املعمل التعليمي‪-‬التعلمي الحقيقي؛ الذي ينبغي أن‬
‫ينفتح عليه تدريس الجغرافيا؛ لتيسري خربات مبارشة واكسابهم معلومات وتعلامت يكون من‬
‫الصعب إدراكها من خالل الكتاب املدريس‪ ،‬واملامرسة الديداكتيكية الصفية‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أنه البد من إتاحة الفرص للتعرف عىل مشكالت البيئة التي يعيش فيها‬
‫املتعلم‪ ،‬وعندما يخرج املتعلمني‪ ،‬يف إطار خرجة دراسية‪ ،‬لالتصال بالبيئة املحلية ودراستها‬
‫والتعلم عن طريقها واملشاركة يف أنشطتها – ينبغي أن يكون ذلك كله يف إطار ما يهدف إليه‬
‫املنهاج‪ -‬يكسب التعلامت بعدا وظيفيا ومعنى (‪ .)sens‬لكن لألسف‪ ،‬األطر املرجعية للامدة‬
‫الدراسية وأشكال التقويم املتبعة وإكراهات االكتظاظ الدرايس وغياب اللوجستيك املدريس‪،‬‬

‫‪ -5‬الحيداوي لحسن (‪ :)2004-2005‬املقاربة الوظيفية يف ديداكتيك الجغرافيا (مرحلة التعليم الثانوي‬


‫اإلعدادي منوذجا)‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه يف منهجية تدريس الجغرافيا‪ ،‬كلية علوم الرتبية – الرباط‪-‬‬
‫املغرب‪ ،‬ص ص‪.106-107:‬‬
‫‪ -6‬اللجنة الخاصة بالرتبية والتكوين (أكتوبر ‪ :)1999‬امليثاق الوطني للرتبية والتكوين‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪125‬‬ ‫مجلة علوم الرتبية‬
‫يجعل من الصعب تطبيقها يف املنهاج الدرايس‪ .‬وإن متت بعض املبادرات فهي اجتهادات‬
‫شخصية ومغامرة يف بعض األحيان!‬
‫‪ -‬ربط تدريس الجغرافيا بحاجات املتعلم‪ :‬أثبتت بحوث عديدة أن ال سلوك دون حاجة‬
‫تكمن خلفه تحدد له األهداف التي يرمي إليه املتعلم‪ ،‬أي أنه حينام يشعر بعدم االنتامء فإنه‬
‫ينشط ويبحث عن اإلطار الذي ميكن أن يشبع فيه تلك الحاجة‪.7‬‬
‫ويؤكد «بياجي» يف نظريته السيكولوجية القامئة عىل مفهوم التكيف وانعدام التكيف مع‬
‫املحيط ما ييل‪ »:‬إن كل سلوك يصدر عن الكائن الحي‪ ،‬يستجيب لحاجة‪ .‬فالطفل‪ ،‬شأنه يف ذلك‬
‫شأن الكهل‪ ،‬ال يقوم بأي عمل إال إذا حركته حاجة نابعة عن ذاته‪ .‬والحاجة دامئا هي املؤرش‬
‫الخارجي النعدام التكيف‪ :‬فنحن نتكلم عن حاجة عندما يتغري يشء ما فينا يجعلنا نكيف‬
‫سلوكنا يف ضوء هذا التغري‪...‬وميكن أن نقول بصفة عامة؛ إن كل سلوك جديد ال يعدو أن يكون‬
‫نشاطا يهدف إىل إعادة تكيف الفرد مع محيطه بل وإىل االرتقاء بهذا التكيف إىل مستوى‬
‫أحسن من التكيف السابق»‪.8‬‬
‫ويف ضوء الرهانات الرتبوية والديداكتيكية للجغرافية املدرسية وفق ما جاء يف امليثاق واملنهاج‪،‬‬
‫جاء التأكيد عىل ثالث وظائف أساسية‪ :‬التعليم والتنشئة والتأهيل‪ ،‬وهذه الوظيفة األخرية‪ ،‬ال‬
‫ميكن بلوغها وتحقيق أهدافها دون تدريس وظيفي يستحرض حاجة واهتامم املتعلم‪ « .‬وليك‬
‫نحث أي فرد عىل القيام بعمل‪ ،‬يجب أن نهيئ له رشوطا كفيلة بأن تثري لديه حاجة تستجيب‬
‫لها وظيفة العمل املرغوب إنجازه»‪.9‬‬
‫إن ما يقدم للمتعلمني من معلومات ومعارف ومهارات جغرافية بطريقة جافة ال تثري فيه‬
‫االهتامم والحامس‪ ،‬دون استحضار ميوالتهم‪ ،‬فيقبلونها عىل عالتها الجتياز االمتحانات‪ ،‬رسعان‬
‫ما تتالىش‪ ،‬ألنها ال تجذب انتباههم وال تثري تفكريهم‪ .‬فامليل يؤدي إىل اكتساب مهارات جغرافية‬
‫بالغة األهمية يف حياة املتعلم‪.‬‬

‫‪ -7‬أحمد حسني اللقاين وبرنس أحمد رضوان (‪ :)1986‬تدريس املواد االجتامعية‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬الطبعة الرابعة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪ -8‬شبشوب أحمد‪،1997،‬مدخل إىل الديداكتيك‪ :‬الديداكتيك العامة‪ ،‬منشورات رمسيس‪ ،‬الرباط‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫‪9- MINDER , Michel : 1983, didactique fonctionnelle : objectifs, stratégies, évaluation,‬‬
‫‪3éme édition, p120‬‬
‫مجلة علوم الرتبية‬ ‫‪126‬‬

‫هنا‪ ،‬ينبغي يف مراجعة منهاج الجغرافيا الجديد‪ ،‬استحضار حاجات واهتاممات وميول‬
‫املتعلمني‪ ،‬وميكن بهذه املناسبة‪ ،‬توظيف تقرير تقييم مكتسبات املتعلمني يف مادة االجتامعيات‬
‫الذي أنجزه املجلس األعىل للرتبية والتكوين خالل املوسم الدرايس ‪.2015-2016‬‬
‫‪ -‬ربط تدريس الجغرافيا بالتطورات العلمية والتكنولوجية‪ :‬ميثل إعداد وتكوين مدرس‬
‫الجغرافيا وتدريبه عىل توظيف تكنولوجيا املعلومات؛ كأحد الوسائل األساسية الراهنة التي‬
‫تساهم يف إثراء التعلم الجغرايف لدى املتعلم‪ ،‬بل ترغبه يف املادة الدراسية‪ ،‬بحكم أنها مواكبة‬
‫لكل املستجدات واملستحدثات‪.‬‬
‫لهذا ينبغي توظيفها يف املواقف التعليمية الجغرافية والتعامل معها بشكل إيجايب‪ ،‬وأساليب‬
‫تفعيل دور الوسائل التعليمية (الكومبيوتر‪ ،‬واالنرتنت‪ ،‬واملواد السمعية البرصية والربامج‬
‫االلكرتونية مثل ‪ ،Map info‬و‪ )...Google Earth‬يف تلك املواقف وإثرائها بالوسائل الرتبوية‬
‫والديداكتيكية الالزمة ‪.‬‬
‫عموما؛ «فاملتعلمني يفشلون وال يرغبون يف التعلم ألن املعارف (الجغرافية) التي نقرتحها‬
‫عليهم تكون بعيدة كل البعد عن تجربتهم اليومية للحياة»‪ ،10‬بل يغلب عليها يف بعض‬
‫األحيان طابع التجريد والتقيد وكرثة املعلومات املتداخلة وغري مبنية بطريقة علمية‪.‬‬
‫نخلص أنه ؛ إذا كان ديداكتيك مادة الجغرافيا‪ ،‬قد اهتمت بإكساب املتعلم املعارف‬
‫الجغرافية وبعض املهارات العقلية والحس حركية‪ ،‬فإن الديداكتيك الوظيفية للجغرافية‪ ،‬تهتم‬
‫بإعداد املتعلم لالنخراط يف الحياة اليومية والعملية‪ ،‬واملشاركة بل املساهمة فيها بفعالية‪ .‬أي‬
‫أن تكون املعارف واملهارات الجغرافية ذات وظيفة يف حياة املتعلم‪ ،‬بحيث يشعر بأهميتها‬
‫فيقبل عىل تعلمها وإتقانها‪ .‬وأن يتعلم يف املجال البيئي القريب منه بني الفينة واألخرى‪ ،‬دون‬
‫الرتكيز بشكل كيل عىل الفصول الدراسية والتقوقع فيها‪ ،‬وأن يكون منهاج الجغرافيا مناسبا‬
‫ملستوى إدراك املتعلم الفكري واالجتامعي والنفيس والتقني‪.‬‬

‫‪10- JérardCLERGUE , 1997, l’apprentissage de la complexité, Editions HERMES, Paris,‬‬


‫‪p21.‬‬

You might also like