Professional Documents
Culture Documents
كلمة "البيداغوجيا" مصطلح يوناني يتكون من كلمتين؛ سابقة ( ،)Paidos, pédaوتعني الطفل ،والحقة ( ،)agogie-وتعني فعل التوجيه والقيادة والتنمية
والتربية .وبذلك ف"البيداغوجيا" لغويا :تربية األطفال أو فن تربيتهم ،والبيداغوجي في الفلسفة اليونانية هو العبد الذي يسوق الطفل نحو حلقات الدرس،
ويعمل على مساعدته حتى يصير راشدا ،ويحقق ماهيته ،بوصفه كائنا عاقال .وتخدم عند الفالسفة القدامى أمثال أرسطو وأفالطون األهداف األخالقية
والسياسية في املجتمع ،وقد ترتب عن هذا الفهم أن ركزت الطرق البيداغوجية املطبقة في املناهج الدراسية على مبدأ الحفظ وتخزين املعلومات والتقليد
وتمث ل القيم االجتماعي ة وتق ديس املعلم ،العتب اره مص در املعرف ة والنم وذج املث ال والق دوة ال تي ينبغي إجالله ا دون أدنى رفض أو اع تراض .أم ا في التوج ه
الحديث ،فالبيداغوجيا" :منهجية التطبيقات التربوية أو هي تلك املمارسات التي يقوم بها املدرس في الحقل التربوي واملتمثلة في الوضعية التدريسية التي تترجم
أساسا في العالقة الديناميكية بين املدرس واملتعلم".
ونخلص من هذا إلى أن البيداغوجيا فرع من فروع علوم التربية يأخذ شكل نشاط فكري يهتم باملمارسة التربوية والتفكير مليا في الطرائق املثلى والظروف
املالئمة والشروط الضرورية التي يتحقق فيها التعلم الجيد ،متجاوزا بذلك كل العقبات التي تعترض العملية التعليمية التعلمية.
مفهوم الديدكتيك وتطوره وموضوعه ومجاالته )2
أ-مفهوم الديدكتيك وتطوره
كلمة ديدكتيك ( )Didactiqueمشتقة في اللغات األوربية من (( )Didaktikosالديدكتيك) ،وتعني "فلنتعلم" ،أي "ليعلم بعضنا بعضا" ،وهي مشتقة أصال من
الكلم ة اإلغريقية )didaskein( ومعناه ا التعليم .واس تعملها كومين وس أو كامينس كي( )Kamenskyأو ( )Comeniusال ذي يع د األب ال روحي للبي داغوجيا ،من ذ
سنة 1657 في كتابه “الديدكتيك الكبرى ( ، )Didáctica Magmaبمعنى الفن العام للتعليم في مختلف املواد التعليمية ،وهي ليست فنا للتعليم فقط بل للتربية
أيضا ،وتدل على تبليغ وايصال املعارف لجميع الناس فه إذن .اصطالح قديم– جديد؛ قديم استخدم في األدبيات التربوية منذ بداية القرن ،17 وجديد بالنظر
إلى الدالالت التي ما انفك يكتسبها حتى وقتنا الراهن .ومن خالل التعاريف التي وضعت له في البداية ،كان معناه فن التدريس أو التعليم .ومنذ ذلك الوقت
أصبح مصطلح مرتبطا بالتعليم ،دون تحديد دقيق لوظيفته( أحمد أوزي.)2006
التاريخ النظري ملصطلح ” ديداكتيك“ قصير جدا بالرغم من أن استعماله قديم ،فقد استعمل للداللة على ” الع/رض املنظم لفك/رة أو
مذهب فلسفي أو موقف أدبي ” أصل الكلمة ” ديداكتيكوس“ ( ) DIDAKTICOS؛
وتدل على كل ما يرتبط بالتعليم /التدريس .
استعملت كلمة ” ديداسكاين ( ) DIDASKEINللتعبير عن كل عمليات التعليم والتعلم ؛ وفي الثقافة االغريقية القديمة ” ديداكتيكوس ”
تعني ” كل خطاب يعرض أفكارا أو مبادئ بشكل شعري جذاب ” .
إلى أواسط القرن ،19 حيث وضع املربي األملاني هيربارت ()F Herbert -1841أسسه النظرية التي تخص األنشطة املتعلقة بالتعليم فقط ،أي كل ما يقوم به
املعلم من نش اط .ف اهتم الهربرتي ون بص ورة أساس ية باألس اليب الض رورية لتزوي د املتعلمين باملع ارف ،واعت بروا الوظيف ة األساس ية للدي داكتيك ،هي تحلي ل
نشاطات املعلم في املدرسة .وفي بداية القرن ،20 ظهرت مدرسة التربية الحديثة مع جون ديوي( )Dewey J.1959وغيره ،حيث تم التأكيد على أهمية النشاط
الحي والفعال للمتعلم في العملية التعليمية ،فاعتبر الديدكتيك ،نظرية للتعلم ال للتعليم.
إن علم الت دريس أو الدي دكتيك يس عى إلى إنش اء مع ايير تطبيقي ة فعال ة من أج ل عقلن ة وتنظيم نش اط ك ل من املدرس والتلمي ذ .على أن ه ذه ومن ثم ة ف ّ
العقلنة (التنظيم املحكم واملنطقي) تقتضي بدورها تنظيم ذلك النشاط عبر ثالث مراحل أساسية:
البرمجة والتحضير (التخطيط).
إنجاز وتطبيق ما تمت برمجته استنادا إلى تقنيات ووسائل تربوية وديدكتيكية متنوعة ومختلفة (التدبير).
املراقبة أو التقويم.
وتجدر اإلشارة إلى أننا نجد في اللغة العربية مصطلحات عديدة مقابلة للمصطلح األجنبي الواحد ،ولعل ذلك يرجع إلى تعدد مناهل الترجمة ،من ذلك:
تع دد املص طلحات املس تقاة من اإلنجليزي ة أم من الفرنس ية ،ومنه ا مص طلح( didactique الدي دكتيك) ال ذي تقابل ه في اللغ ة العربي ة ع دة ألف اظ :تعليمي ة،
تعليميات ،علم التدريس ،علم التعليم ،التدريسية ،الديدكتيك… وتتفاوت هذه املصطلحات في االستعمال ،ففي الوقت الذي اختار بعض الباحثين استعمال
دي داكتيك تجنب ا ألي لبس في مفه وم املص طلح ،يس تعمل ب احثون آخ رون علم الت دريس ،وعلم التعليم ،ويفض ل آخ رون مص طلح تعليمي ة أو تعليمي ات أو
تدريسية .وس اد أيضا استعمال مص طلح آخ ر في كلية عل وم التربية بالرب اط وبعض مؤسسات التكوين األط ر التربوي ة كاملدارس العليا لألس اتذة ه و “التربية
الخاص ة” ،في حين اس تعملت مراك ز تك وين املعلمين كلم ة “منهجي ة” للدالل ة على ه ذا التخص ص .وك انت تتض من البحث في املس ائل ال تي يطرحه ا تعليم
مختل ف املواد الدراس ية املق ررة ،ومن هن ا التس مية تربي ة خاص ة أي خاص ة بتعليم املواد الدراس ية ،مث ل التربي ة الخاص ة بالرياض يات أو التربي ة ا
لخاصة بالفلسفة ،في مقابل التربية العامة أو البيداغوجيا والتي تهتم بمختلف القضايا التربوية في القسم بل وفي النظام التربوي برمته ،مهما كانت املادة امللقنة.
الديدكتيك في مفهومه العام ،إذن ،مجموعة الدراسات العلمية والتربوية التي تؤطر عالقة املدرس باملادة املدروسة .ويشمل مجموعة من طرائق التدريس
العلمية التي من خاللها يتمكن املدرس من إيصال املعرفة بسالسة الى املتعلم (عن طريق ما يسمى بـ النقل الديدكتيكي).
موضوع الديدكتيك ب-
في البداية البد من التذكير ببعض األدبيات التربوية والفرنسية التي ما تزات ال تفرق بين الديدكتيك والبيداغوجيا ،ودأبت على تحديد موضوع الديدكتيك
فيما يعرف باملثلث الديدكتيكي ،الذي كان متجاوزا من طرف تعريفات أكثر اتساعا وشموال كما نجد عند كوب ( )Koopسنة1967 م.
إن املثلث الدي دكتيكي حس ب هوس يي )Jean Houssaye( يع ني أن ه من غ ير املمكن أن نتص ور العملي ة التعليمي ة-التعلمي ة خ ارج املثلث الدي دكتيكي أو
البي داغوجي )triangle didactique et / ou pédagogique ( إن ه مثلث متس اوي األض الع ،أقطاب ه الثالث ة هي :األس تاذ والتلمي ذ واملادة الدراس ية أي املعرف ة.
والعالق ة بين كل ط رف وآخ ر عالق ة تواصل وح وار .فالعالق ة بين األستاذ والتلميذ عالق ة بيداغوجي ة ،ألن املدرس ال ذي ال يمتل ك أدنى قسط من الكفاي ات
الثقافية واالستراتيجية والتواصلية ال يستطيع أن يجعل تالميذه ينخرطون في الدرس .ونفس الشيء بالنسبة للتالميذ .كما تحدث فليب ميريو)PH. Meirieu(
عن املثلث البيداغوجي ،وألح على ضرورة تجنب الوقوع في بعض االنزياحات واالنزالقات التي يتعرض لها املدرس خالل عمليتي التخطيط واإلنجاز كأن يركز،
في ه ذا املثلث ،على املادة الدراس ية فيس قط في االنزي اح املق رراتي ( ،)Dérive programmatiqueأو يرك ز على ذات ه كم درس وناق ل للمعرف ة و ه ذا م ا يس مى
باالنزياح الديميورجي( ، )dérive démiurgiqueأو يركز على التلميذ ويهمل الطرفين اآلخرين ،وهو ما يسمى باالنزياح السيكولوجي. )dérive psychologique(
ويتحدث ،في سياق آخر ،عن الديدكتيك العامة أو علم التدريس ،ويعتبر علما مستقال من علوم التربية ،كما هو شائع في األدبيات التربوية اإلسبانوفونية
واألنجلوساكس ونية؛ حيث ي ذكر ك وب )koop( س نة ،1967 في محاولت ه لحص ر موض وع علم الت دريس ،إلى أن ه تف رع حس ب معظم الب احثين املتخصص ين ،إلى
اتجاهين رئيسين:
-1علم التدريس كنظرية ملحتويات التدريس.
-2علم التدريس كنظرية لطرق التدريس.
وبناء على هذا الطرح سيكون علم التدريس هو ”علم محتويات التدريس وطرقه” .وبالفعل فإن عددا من التعاريف التي وضعت لهذا العلم ترتكز على
جانب واحد من هذين الجانبين .وهذا بالضبط ما انتقده كوب )koop( حين نبه إلى خطأ اختزال علم التدريس في جانب واحد فقط ،أي حصره في محتويات
الت دريس أو في طرق ه .ويعتق د أن ه يمكن إدم اج املج الين في نظ رة ش مولية ،بحيث يتض من الج وانب األربعة :محت وى التعليم ،واملتعلم أثن اء س يرورة التعليم،
واملساعدة التي يؤديها املدرس لتسهيل التعلم والتحصيل ،واملدرسة كمجال حيوي.
فروع الديدكتيك ومجاالته ت-
يتم التمييز في مفهوم الديدكتيك ،حسب لوجندر )Legendre (R.)( في "القاموس املعاصر للتربية" ،بين ثالثة مستويات:
*الديدكتيك العامة:
-تسعى إلى تطبيق مبادئها وخالصة نتائجها على مجموع املواد التعليمية ،وتنقسم إلى قسمين :القسم األول يهتم بالوضعية التعليمية ،حيث تقدم املعطيات
القاعدية التي تعتبر أساسية لتخطيط كل موضوع ملجموع التالميذ ،ويهتم القسم الثاني بالديدكتيك التي تدرس القوانين العامة للتدريس ،بغض النظر عن
محتوى مختلف مواد التدريس.
-يقصد بعلم التدريس العام مجموع املعارف التعليمية القابلة للتطبيق في مختلف املواقف ولفائدة جميع التالميذ بحيث يشترك فيه كل املدرسين ،رغم
اختالف تخصصاتهم ،فهو يعالج طرائق التدريس بصفة عامة وليس محصورا في متطلبات مادة بعينها .ويقوم الديدكتيك العام على ثالث مجزوءات :التخطيط،
والتدبير ،والتقويم.
*الديدكتيك الخاصة:
-الدي دكتيك الخاص ة بك ل م ادة على ح دة ،وذل ك حس ب التخص ص ،واالطالع على الدي دكتيك الخ اص يك ون على حس ب احتياج ات ك ل م درس وطبيع ة
تخصصه ومادته املدروسة.
-يقصد بعلم التدريس الخاص “االهتمام بالنشاط التعليمي داخل القسم في ارتباطه باملواد الدراسية ،واالهتمام بالقضايا التربوية في عالقتها بهذه املادة أو
بتلك .فنقول علم التدريس الخاص بالرياضيات وعلم التدريس الخاص بالتاريخ…” والذي يسمى في االدبيات التربوية الفرنسية بديداكتيك املادة الدراسية (
، )didactique de la disciplineويهدف إدراج املادة الدراسية ضمن اهتمامات الديدكتيك إلى ما يلي:
أوال :إبراز املنظور الديدكتيكي الجديد للمادة الدراسية .وهو منظور ال يقف عند حدود التصنيف السطحي للمادة ،وإنما ينتقل إلى مستويات أكثر عمقا
وأهمية.
ثانيـا :تغيير النظرة التي تعتبر أن املادة الدراسية معرفة مسبقة ونهائية ،وال مجال لتغييرها أو استبدالها ،رغم شعورنا بقصورها ومحدوديتها أمام الزحف
الهائل للمعارف املتجددة في عصرنا .ويعتبر الشخص املختص عادة ،في مادة من املواد ،هو املؤهل لتصنيفها وإدخال التعديالت الضرورية عليها .أي أن انتقاء
وت رتيب م ا ينبغي تعلم ه من ط رف التلمي ذ من مع ارف لغوي ة إنم ا ه و من ش أن املختص في اللغ ة ،وم ا ينبغي تعلم ه في الرياض يات ه و من ش أن املختص فيه ا،
وهكذا.
إن دراسة املادة التعليمية ،التي هي موضوع الديدكتيك الخاصة .إنما تتم انطالقا من بعدين:
* بعد ابستمولوجي يتعلق باملادة في حد ذاتها ،من حيث طبيعتها وبنيتها ،ومنطقها ومناهج دراستها.
* بعد تربوي مرتبط بتعليم هذه املادة وبمشاكل تعلمها.
ل ذا تعت بر األس ئلة ال تي ت دور ح ول طبيع ة املعرف ة وح ول نش اط الف رد املتعلم في م ادة معين ة أو في مجموع ة من املواد ،ح ول العملي ات االس تنباطية
واالستقرائية عند تيهئ معرفة معينة مهمة بالنسبة للديداكتيكي .ألن من واجبه أن يعيد التفكير في عمله ،وأن يقوم بجرد للمكونات الحقيقية أو املمكنة التي
هيأت لتكون مادته ،وذلك لفهم معناها في الوقت الذي يشرع فيه في التأمل املنهجي حول عملية تبليغ هذه املادة.
وال يمكن على هذا األساس وفي إطار ديداكتيك املواد الدراسية أو ما كان يسمى خطأ التربية الخاصة باملواد ،تصور أي عمل ديداكتيكي دون أن يكون هذا
العمل مرتبطا بمادة تعليمية معينة .وهذا ال يتعارض مع القول بالديدكتيك العامة التي نسعى إلى جعلها مجاال معرفيا مستقال يهتم بدراسة العناصر املشتركة
بين املواد الدراس ية ،من حيث تعلمه ا وتعليمه ا ،وم ا يرتبط ب ذلك من مج االت وقض ايا .لذا دعون ا و من ذ اواخ ر الس بعينات إلى القي ام ببح وث في الدي دكتيك
النظرية حول مواضيع مشتركة بين تدريس املواد الدراسية ،تؤسس ما نسميه بعلم التدريس (محمد الدريج(.2004 ،
هذا وال ينعدم إلى اآلن ،من يرفض هذا التمييز بين الديدكتيك العامة والديدكتيك الخاصة ،بدعوى أن علم التدريس العام يمكن أن ينحل في نهاية املطاف
ويتالشى في علم التدريس الخاص .ولنا كمثال على هذا الرفض” قاموس املفاهيم االساسية للديدكتيكات” الذي أشرف على انجازه ايف روتير( )Yves Reuter(
)2008والذي يرفض الحديث عن الديدكتيك العامة ويتحدث عن الديدكتيكات الخاصة والتي ترتبط بمختلف العلوم ومختلف املواد الدراسية السائدة في
األنظمة التعليمية.
لكننا نعتقد في ضرورة الفصل بينهما على النحو التالي :إن علم التدريس العام يعالج القضايا املشتركة واإلشكاليات العامة ،أي يدرس العملية التعليمية في
مجمله ا وبغض النظ ر عن املادة الدراس ية املق ررة .ويح اول وض ع ا لفرض يات واس تخالص الق وانين وص ياغة النم اذج ال تي يمكن أن تفي د املدرس مهم ا ك ان
تخصصه ومهما كانت ا ملادة التي يدرسها .على أن هذا التمييز ينبغي أال يحجب عنا ما بين علم التدريس وبقية علوم التربية من روابط .إنه يبقى ،ومهما كان من
أمر استقالله ،فرعا من فروع التربية وعلما من علومها .فال يمكن أن ننظر إليه بالتالي بمعزل عن هذا السياق .كما ال يمكن أن نجرده من دوره التربوي.