You are on page 1of 10

‫‪https://doi.org/10.5339/ajsr.2022.

3‬‬
‫‪10‬‬ ‫من‬ ‫المجلة العربية للبحث العلمي‪1 ،2022 ،‬‬

‫ورقة بحثية‬

‫داء السكري يكشف التفوق الطبي للحضارة اإلسالمية على‬


‫الحضارات اإلنسانية القديمة‪ :‬دراسة تاريخية ألربعة آالف سنة‬
‫‪1‬‬
‫خالد علي الربيعان‬
‫‪ 1‬مركز األبحاث والمكتب العلمي‪ ،‬مدينة سلطان بن عبد العزيز للخدمات اإلنسانية‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملكة العربية السعودية‬
‫* ‪Email: kalrubeaan@sbahc.org.sa‬‬

‫الملخص‬
‫إن المعرفة التراكمية لإلنسان‪ ،‬من خالل الحضارات القديمة‪ ،‬أوصلت البشرية إلى ما هي عليه اليوم من تفوق علمي‪ .‬وبما أن الحضارات لها مراحل كاإلنسان‪ :‬بداوة‪،‬‬
‫ثم ازدهار‪ ،‬فتدهور‪ ،‬فإن تفوق بعضها يعكس دورها في التطور اإلنساني‪ ،‬والنضوج العلمي‪ .‬وتق ّدم هذه الدراسة التحليلية مقارن ًة حول دور الحضارات التي عاشت‬
‫منذ أربعة آالف سنة في فهم‪ ،‬وتشخيص‪ ،‬وعالج داء السكري الذي ُعر َِف بعمقه في التاريخ البشري‪ .‬واختيرت ست حضارات هي‪ :‬الفرعونية‪ ،‬والهندية‪ ،‬واليونانية‪،‬‬
‫والرومانية‪ ،‬والصينية‪ ،‬ثم اإلسالمية بهذا التتابع‪ ،‬وفق معايير هذه الدراسة‪ ،‬لرصد ما تركته هذه الحضارات من كتابات‪ ،‬أو مؤلفات أو آثار تدل على معرفتها بهذا‬
‫المرض وطرق تعاملها معه‪.‬‬
‫وكشفت هذه الدراسة معرفة جميع هذه الحضارات بداء السكري‪ ،‬حيث أطلقت عليه أسماء متعددة ومختلفة‪ ،‬إال أنها اتفقت جمي ًعا على وصف أعراض المرض‪،‬‬
‫المتمثلة بالعطش الشديد‪ ،‬وكثرة التبول‪ ،‬وفقدان الوزن‪ .‬في حين الحظ بعضها وجود مادة السكر في البول‪ ،‬إما من خالل تج ّمع النمل أو الذباب‪ ،‬أو من خالل‬
‫طعمه الحلو‪ ،‬فكانت طريقة التشخيص التي استخدمها األطباء حينها‪ .‬وكان لهذه الحضارات‪ ،‬كالحضارة اإلسالمية‪ ،‬تمي ٌز في ربط هذا الداء بمضاعفاته ومحاولة تفسير‬
‫أسبابه‪ .‬وقد كان هناك تفاوت كبير بين الحضارات في طرق العالج‪ ،‬وإن اتفق معظمها على الحد من الطعام‪ ،‬وزيادة النشاط البدني‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬تفوقت‬
‫الحضارة اإلسالمية تفوقًا واض ًحا في عدة مجاالت‪ ،‬أولً تنظيم مهنة الطب‪ ،‬وربطها بالقيم واألخالق‪ ،‬ونشر المستشفيات لعالج المرضى؛ وثان ًيا إعداد األطباء والعلماء‬
‫الذين درسوا هذا المرض ووضعوا له طرق التشخيص والعالج؛ ثالثًا إعداد المؤلفات التي وصفت المرض وق ّننت عالجه‪.‬‬
‫تفوق الحضارة اإلسالمية على الحضارات األخرى في تعاملها مع اإلنسان‪ ،‬وما يحتاجه‬ ‫وإضافة إلى ما سبق‪ ،‬ت ُبرز دراسة تاريخ داء السكري في الحضارات القديمة َ‬
‫للمحافظة على الصحة‪ ،‬ودور المجتمع المتمثل بالعلماء واألفراد في تقديم النموذج المتميز في خدمة البشرية‪ ،‬والرقي العلمي المنضبط بالقيم واألخالق التي‬
‫تحكم مهنة الطب‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬حضارات‪ ،‬التاريخ القديم‪ ،‬إسالمية‪ ،‬داء السكري‪ ،‬آثار‪.‬‬

‫‪Title‬‬
‫‪Diabetes Mellitus in six ancient civilizations across 4000 years of history: medical pioneering of Islamic civilization‬‬
‫*‪Khalid Al-Rubeaan1‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Research & Scientific Center, Sultan Bin Abdulaziz Humanitarian City, Riyadh, Kingdom of Saudi Arabia‬‬

‫‪Abstract‬‬
‫‪The human cumulative knowledge, through ancient civilizations, has brought humanity to its scientific superiority today. Since civilizations‬‬
‫‪simulate human life: beginning, prosperity, degradation, therefore, the superiority of some civilizations reflects their role in human development‬‬

‫‪Received 30 May 2022; accepted 12 June 2022; published 30 June 2022.‬‬


‫‪© 2022 The Author(s), licensee HBKU Press. This is an Open Access article distributed under the terms of the Creative Comments Attribution License CC BY‬‬
‫‪4.0 (https://creativecommons.org/licenses/by/4.0/), which permits unrestricted use, distribution and reproduction in any medium, provided the original work is‬‬
‫‪properly cited.‬‬
‫‪Cite this as: Al-Rubeaan KA. Diabetes Mellitus in six ancient civilizations across 4000 years of history: medical pioneering of Islamic civilization. Arabian‬‬
‫‪Journal of Scientific Research 2022:1.3. https://doi.org/10.5339/ajsr.2022.3‬‬
‫‪and scientific maturity. This analytical study compares the role of different civilizations that have lived for 4,000 years in understanding, diagnosing‬‬
‫‪and treating diabetes mellitus, which has been known to be deeply embedded in human history. In accordance to the inclusion criteria of this study,‬‬
‫‪six civilizations were selected in the following chronological order: Ancient Egyptian, Indus, Greek, Roman, Chinese, and Islamic civilizations.‬‬
‫‪This study derived what those civilizations have left in the form of documents, written materials or monument indicating their way in understanding‬‬
‫‪and controlling this disease.‬‬
‫‪This study explores the fact that all the studied civilizations had been familiar with this disease, although they had given it different names, despite‬‬
‫‪the fact that they all shared the same symptoms in the form of severe thirst, frequent urination and weight loss. Some had discovered the presence‬‬
‫‪of sugar in the patients’ urine, either through the ants or flies attraction to the urine, or through the urine sweet tasting, which was their way to‬‬
‫‪discover this disease at that time. Some civilizations, like the Islamic one has linked the disease to its complications and have tried to explain its‬‬
‫‪aetiology. At the same time there was big difference between these civilizations when it comes to their way to treatment diabetes, although most‬‬
‫‪of them agreed on food restriction and increased physical activity.‬‬
‫‪The superiority of the Islamic civilization was noted through firstly, organizing medical profession and implementing medicolegal laws that would‬‬
‫‪control medical ethics, as well as establishing heath institutes to treat patients (hospitals). Secondly, it graduated physicians and scientists who had‬‬
‫‪studied this disease and set the diagnostic criteria and treatment for it. Thirdly, the Islamic scholars wrote reference books that describe the disease‬‬
‫‪and provide the guidelines for its therapy.‬‬

‫‪Keywords: Civilizations, ancient history, Islamic, Diabetes Mellitus, monuments.‬‬

‫وتختفي عند انهيارها‪ .‬وتعكس معتقدات هذه الحضارات وثقافاتها تسمي َة‬ ‫‪ -1‬المقدمة‬
‫المرض وتحديد أسبابه وطرق عالجه‪ .‬وقد يكون لمعظم الحضارات القديمة‬
‫ازدها ٌر مادي وثقافي‪ ،‬إال أن القليل منها ترافق فيها هذا االزدهار المادي‬ ‫تُعرف الحضارة البشرية بأنها مجموعة من العقائد والمبادئ ال ُم َنظِّمة للمجتمع‪،‬‬
‫بسم ّو عقدي كما هي الحالة في الحضارة اإلسالمية‪ ،‬التي رفعت من قيمة‬ ‫وت ُمثّل ناتج النشاط البشري في مختلف المجاالت كالعلوم‪ ،‬واآلداب‪ ،‬والفنون‪،‬‬
‫اإلنسان بالمحافظة على ضروراته الخمس وهي النفس‪ ،‬والعقل‪ ،‬والدين‪،‬‬ ‫وما ينجم عن هذه األنشطة من صياغة أساليب الحياة المختلفة‪ ،‬واألنماط‬
‫والعرض‪ ،‬والمال‪.‬‬ ‫السلوك ّية‪ ،‬والمناهج الفكريّة‪ 1.‬وقد تط ّور مصطلح الحضارة مع تعاقب العصور‬
‫وبالنظر إلى توزيع الحضارات القديمة كما في خريطة العالم القديم التي‬ ‫وتع ّددت تعريفاته‪ ،‬فرأى ابن خلدون أن الحضارة هي التف ّنن في الترف بما‬
‫رسمها الجغرافي العربي محمد اإلدريسي عام ‪1154‬م (انظر الشكل رقم ‪،)1‬‬ ‫وكل ما يخص المنزل واألمور التابعة له‪.‬‬ ‫يشمل المالبس‪ ،‬والمباني‪ ،‬والمطابخ‪ّ ،‬‬
‫يتضح أن الحضارة الفرعونية قد اقتصرت على وادي النيل في الغالب وسادت‬ ‫ولقد عرفنا من التاريخ أن لكل حضارة مراحل ال بد من أن تم ّر بها‪ ،‬فيقول‬
‫‪ 2768‬سنة‪ ،‬في حين قبعت الحضارة الهندية التي زامنتها ‪ 4000‬سنة في‬ ‫ابن خلدون في المقدمة‪« :‬إن الدولة والتي تنعكس على الحضارة‪ ،‬لها أعمار‬
‫بالد السند‪ ،‬أما الحضارتان اليونانية والرومانية فانتشرتا في القارة األوروبية‬ ‫طبيعية كما لألشخاص‪ ،‬بداوة‪ ،‬ثم ازدهار‪ ،‬فتدهور‪ ،‬وهذا ينطبق على الحضارات‬
‫وظهرتا معا خالل ‪ 2653‬سنة‪ ،‬واستقرت الحضارة الصينية على طول خط قرى‬ ‫القديمة عبر العصور»‪ .‬فتبدأ الحضارة عندما يتبنى مجتم ٌع ما عقيد ًة ينطلق‬
‫النهر األصفر ونهر يانغتسي لتبقى ‪ 1865‬سنة‪ ،‬وأخي ًرا الحضارة اإلسالمية التي‬ ‫منها ومناهج يلتزم بها‪ ،‬تصوغ أساليب الحياة‪ ،‬وأنماط السلوك‪ ،‬فينعكس ذلك‬
‫عاشت ‪ 1300‬سنة فقد امت ّدت جغراف ًيا عبر ثالث قارات هي آسيا‪ ،‬وأفريقيا‪،‬‬ ‫على صحة المجتمع وأنماط األمراض فيها خالل فترة ازدهارها‪ ،‬وكلّما طالت‬
‫وأوروبا‪ ،‬ولذلك فإنها الحضارة الوحيدة التي توسطت العالم القديم وامتدت‬ ‫هذه الفترة تمكّن اإلنسان من التعرف عليها وتوثيقها في تراثه وآثاره‪.‬‬
‫على مساحة شاسعة من أقصى شرق العالم القديم إلى أقصى غربه‪ ،‬من دون‬ ‫يصاحب داء السكري رفاهية العيش ووفرة الطعام‪ ،‬فنجد دالئله موث ّقةً‬
‫‪2‬‬
‫أي انحسار‪.‬‬
‫ّ‬ ‫في المخطوطات واآلثار التي تركتها الحضارات القديمة عند ازدهارها‪،‬‬

‫شكل ‪ :1‬خريطة العالم القديم كما رسمها الجغرافي العربي محمد اإلدريسي عام ‪1154‬م‪ ،‬وتوزيع الحضارات القديمة بحسب تواريخ سيادتها وتوثيق تاريخ داء السكري‪.‬‬

‫صفحة ‪ 2‬من ‪10‬‬


‫‪Vol. 2022(1), Art. 3‬‬ ‫الربيعان‪ ،‬المجلة العربية للبحث العلمي‬
‫إمكانية ذكر داء السكري في تلك الحضارات حسب ما يلي‪ :‬أولً ‪ ،‬أن تبقى‬ ‫ويعتبر السكري من األمراض الغارقة في القدم‪ ،‬حيث كشفت عنه‬
‫الحضارة فترة زمنية تزيد على ألف سنة لضمان فترة كافية من االزدهار لظهور‬ ‫بعض الحضارات القديمة وأطلقت عليه العديد من المسميات كما تُظهره‬
‫داء السكري فيها‪ .‬ثان ًيا‪ ،‬أن تمتلك الحضارة من اآلثار ما يكفي لمعرفة ما وصلت‬ ‫هذه الدراسة‪ .‬ويكشف المسح التاريخي لفترة أربعة آالف سنة‪ ،‬والذي يشمل‬
‫إليه هذه الحضارة من علوم طبية‪ .‬ثالثًا‪ ،‬أن تكون الحضارة مستقرة جغراف ًيا‬ ‫العديد من الحضارات والممالك‪ ،‬الدور الذي ق ّدمته كل حضارة للبشرية في‬
‫ومعروفة االمتداد المكاني‪ .‬راب ًعا‪ ،‬أن يثبت من خالل الدراسات التاريخية‬ ‫فهم األمراض وعالجها‪ ،‬والذي يمكن رصده من خالل اآلثار العينية أو العلمية‬
‫واآلثار المكتشفة ذكر داء السكري بوصف أعراضه‪ ،‬أو طرق تشخيصه‪ ،‬أو‬ ‫التي أ َّرثتها كل حضارة‪ ،‬ومدى قربها مما نعرفه عن األمراض في وقتنا الحاضر‪،‬‬
‫خامسا‪ ،‬توثيق وجود طبيب أو أطباء ارتبط‬ ‫ً‬ ‫مضاعفاته‪ ،‬أو أساليب العالج‪.‬‬ ‫وخاصة السكري الذي يع ّد من األمراض المزمنة التي يعاني المريض منها لفترة‬
‫تاريخهم بهذا الداء من خالل دراسة تراث هذه الحضارات الطبي‪.‬‬ ‫طويلة قبل أن تقضي عليه‪ ،‬مما يمكن األطباء من رصده ودراسته ووصف‬
‫استثنى تطبيق المعايير السابقة العديد من الحضارات والممالك‬ ‫انطباعاتهم عنه‪ .‬وال شك في أن تراكم المعرفة خالل السنوات كان األساس‬
‫التي عاشت خالل الفترة المختارة‪ ،‬وانطبقت على ست حضارات فقط هي‪:‬‬ ‫لفهم العديد من األمراض‪ ،‬ومنها السكري‪.‬‬
‫الفرعونية‪ ،‬والهندية‪ ،‬واليونانية‪ ،‬والرومانية‪ ،‬والصينية‪ ،‬واإلسالمية بفرعيها‬ ‫تسعى هذه الورقة البحثية‪ ،‬من خالل دراسة المؤلفات القديمة والبحوث‬
‫الشرقي والغربي‪.‬‬ ‫التاريخية واآلثار الموث ّقة عن داء السكري‪ ،‬لرصد مراحل فهم هذا المرض‪ ،‬ودور‬
‫كل حضارة في كشف أسبابه وأعراضه وتشخيصه‪ ،‬ومن ثم عالجه‪ .‬وتحرص‬
‫وبعد تحديد هذه الحضارات للدراسة‪ ،‬جرى مسح شامل للبحوث العلمية‬
‫هذه الدراسة على الوقوف على نحو محايد تجاه كل حضارات العالم القديم‪،‬‬
‫المحكمة والمنشورة في مجالت النشر العلمي المحكم‪ ،‬وكتب المخطوطات‬
‫ومن ثم تحديد الحضارة ذات الدور األبرز في تشخيص داء السكري وعالجه‪.‬‬
‫الطبية القديمة‪ ،‬إضافة إلى كتب التاريخ الطبي القديم‪ ،‬باللغة اإلنجليزية‪ ،‬أو‬
‫العربية‪ ،‬أو التركية‪ ،‬أو الفارسية‪ .‬ولكون داء السكري في هذه الحضارات قد‬
‫حمل العديد من األسماء‪ ،‬فقد تم التعرف على هذا الداء في التراث القديم‬ ‫‪ -2‬طريقة الدراسة والرصد‬
‫على أساس أعراضه‪ ،‬أو المسمى الذي أطلق عليه‪ ،‬أو طرق التشخيص التي‬ ‫تعتبر هذه الدراسة مراجعة تحليلية لرصد دور الحضارات القديمة في توثيق‬
‫استخدمتها تلك الحضارات‪ .‬وبعد تحديد المادة العلمية‪ ،‬يتم توثيق المصدر‬ ‫داء السكري خالل فترة تمتد ألربعة آالف سنة؛ من ألفي سنة قبل الميالد إلى‬
‫وصياغة المادة العلمية منها صياغة دقيقة‪ .‬أما بالنسبة إلى األطباء‪ ،‬فقد تم‬ ‫ألفي سنة بعده‪ ،‬باستثناء القرن الماضي حيث اختفت الحضارات القديمة‬
‫السير ككتاب عيون األنباء في طبقات‬ ‫رصد ِسيرهم من خالل المراجع وكتب ِ‬ ‫بسقوط الحضارة اإلسالمية وانهيار الدولة العثمانية‪ .‬وحيث إن هناك العديد‬
‫األطباء البن أبي أصيبعة‪ ،‬و ُع ّربت األسماء األعجمية حسب المتعارف عليه في‬ ‫من اإلمبراطوريات أو الممالك التي قامت ثم زالت خالل هذه الفترة‪ ،‬فقد‬
‫المراجع العلمية العربية (انظر الشكل رقم ‪.)2‬‬ ‫ُوضعت معايير لتحديد الحضارات التي اشتملت عليها هذه الدراسة لضمان‬

‫شكل ‪ :2‬أهم األطباء في الحضارات القديمة الذين وث ّقوا داء السكري والفترات التي عاشوا بها خالل ‪ 4000‬سنة‪.‬‬

‫‪ -3‬داء السكري في الحضارات القديمة‬ ‫وقد انعكس شُ ح ما كتبته هذه الحضارات من علوم طبية على قلة ما هو‬
‫موجود فيها عن مرض السكري‪ ،‬إال أن هذا المرض تميز بأعراض واضحة‪ ،‬وقليلة‬
‫إن رصد ما وثقته الحضارات القديمة المختارة عن داء السكري باستخدام‬ ‫الحدوث في األمراض األخرى‪ ،‬إضافة الى وجود مادة السكر في البول التي‬
‫معايير البحث وترتيبها بحسب تسلسلها الزمني‪ ،‬يظهر عدم ترابط أو تزاوج‬ ‫سهلت التعرف عليه من خالل طعمه الحلو‪ ،‬أو تجمع ال ّنمل أو الذباب حوله‪.‬‬

‫صفحة ‪ 3‬من ‪10‬‬


‫‪Vol. 2022(1), Art. 3‬‬ ‫الربيعان‪ ،‬المجلة العربية للبحث العلمي‬
‫الحضارة مستويات من الرقي توازي الحضارة الفرعونية التي زامنتها تاريخيًا‪،‬‬ ‫المعارف فيما بينها نتيجة تباعدها الجغرافي‪ ،‬عدا ما كان من الحضارة اإلسالمية‬
‫إال أنها كانت محدودة اآلثار مقارن ًة بالحضارة الفرعونية‪ 7.‬وتس ّمى هذه‬ ‫التي قامت بترجمة العلوم الطبية من الحضارات اليونانية والرومانية والهندية‬
‫الحضارة بثقافة ه ّرابا‪ ،‬نسبة إلى مدينة ه ّرابا الواقعة في وادي السند‪ ،‬وتس ّمى‬ ‫فضل عن أنها امتدت جغراف ًيا لتشمل مناطق الحضارات األخرى ما‬ ‫القديمة‪ً ،‬‬
‫في العموم حضارة وادي السند أو الحضارة السندية‪ .‬وقد ربط الهنود القدماء‬ ‫جعلها تكتسب معارفها‪.‬‬
‫أمراض الجسم بغضب اإلله‪ ،‬وتطور الطب من العصر السحري الديني إلى طب‬
‫األيورفيدا الممنهج الملتزم بالمعايير األخالقية الصارمة‪ ،‬ما أنتج أطبا ًء ماهرين‬ ‫‪ 1-3‬الحضارة الفرعونية القديمة‬
‫‪8‬‬
‫في الطب والجراحة‪.‬‬
‫‏كانت بداية معرفة البشرية بداء السكري من خالل البرديات الفرعونية‬
‫وقد عرف الهنود القدماء داء السكري عبر واحد من ثالثة نصوص أسست‬
‫وخصوصا بردية إيبرس (‪ )Ebers Papyrus‬التي كتبها‪ ،‬عام ‪1552‬‬ ‫ً‬ ‫القديمة‪،‬‬
‫للطب الهندي القديم المسمى باأليورفيدا خالل القرنين الخامس والسادس‬ ‫قبل الميالد‪ ،‬الطبيب المصري «حسي رع» من األسرة الثالثة‪ .‬‏ولقد ملئت‬
‫قبل الميالد‪ .‬وقد أطلق أب الطب الهندي القديم سوشروتا (‪ )Sushruta‬في‬ ‫هذه البردية بالتعاويذ والتطبيقات التي تهدف إلى إبعاد الشياطين المسببة‬
‫عام ‪ 800‬قبل الميالد في مؤلفه «سوشروتا سامهيتا» (‪،)Sushruta Samhita‬‬ ‫لألمراض‪ ،‬وتض ّمنت على ‪ 877‬وصفة طبية مختلفة للعديد من األمراض‪ ،‬وفصول‬
‫على السكري اسم (‪)Medhumeha‬؛ أي البول العسلي‪ ،‬وحدد المرض بنوعين‬ ‫في وسائل منع الحمل التي تميزت بها الحضارة الفرعونية‪ ،‬بل حتى تشخيص‬
‫هما النوع األول والنوع الثاني من داء السكري على أنهما حالتان منفصلتان‬ ‫الحمل واألمراض النسائية األخرى‪.‬‏واشتملت هذه البردية على وصف ألمراض‬
‫ألول مرة في التاريخ‪ ،‬واعتبر النوع األول مرتبطًا بالشباب‪ ،‬والنوع الثاني‬ ‫األمعاء والطفيليات‪ ،‬ومشاكل العين‪ ،‬والجلد‪ ،‬وطب األسنان‪ ،‬إضافة إلى العالج‬
‫بالسمنة‪ .‬وكان الطبيب تشاراكا أحد المساهمين الرئيسيين في األيورفيدا‪ ،‬وهو‬ ‫الجراحي للخراجات‪ ،‬واألورام‪ ،‬وتثبيت العظام‪ ،‬والحروق‪ .‬وتعتبر هذه البردية‬
‫محرر األطروحة الطبية بعنوان «شاراكا سامهيتا» (‪ ،)Charaka Samhita‬أحد‬ ‫‪3‬‬
‫أكبر موسوعة طبية للحضارة الفرعونية‪.‬‬
‫النصوص التأسيسية للطب الهندي القديم‪.‬‬ ‫أطلق المصريون القدماء على داء السكري مسمى «عطش النساء»‪ ،‬كما‬
‫الحظ األطباء الهنود القدماء أن داء السكري يصيب‪ ،‬في المقام األول‪،‬‬ ‫ورد في بردية إيبرس‪ ،‬وهو الوصف األول لهذا الداء في التاريخ‪ .‬إال أن هذه‬
‫الطبقات الغنية‪ ،‬وهو مرتبط باإلفراط في استهالك الغذاء مثل األرز والحبوب‬ ‫البردية التي ربطت هذا الداء باإلفراط في شرب السوائل وظاهرة كثرة التبول‬
‫والحلويات‪ 4.‬وقد وصفت هذه النصوص أعراض داء السكري بالعطش‪ ،‬ورائحة‬ ‫لم تصف طرقًا لتشخيصه‪ ،‬أو عالجه‪ .‬وكانت هذه البردية ممزقة في المنطقة‬
‫الفم الكريهة‪ ،‬والضعف العام‪ ،‬كما الحظ األطباء الهنود انجذاب النمل والذباب‬ ‫التي تكلمت فيها عن هذا الداء‪ ،‬وبذلك خفي علينا ما كان يعرفه الفراعنة عن‬
‫‪9‬‬
‫إلى بول المرضى المصابين بداء السكري‪ ،‬فكانت طريقتهم في تشخيصه‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫هذا الداء من حيث التشخيص والعالج‪.‬‬
‫أما من حيث طرق العالج‪ ،‬فقد أوصى األطباء الهنود القدماء بالنشاط البدني‬ ‫ولكون المصريين القدماء قد برعوا في علم التحنيط‪ ،‬فقد ُحملت منذ‬
‫‪10‬‬
‫وتقليل الغذاء للمساعدة في عالجه‪.‬‬ ‫آالف السنين إلينا أجسادهم في توابيت‪ ،‬فكانت ذات قيمة علمية كبيرة‪،‬‬
‫دفعت علماء اآلثار واألطباء إلى دراسة ما يقع في أيديهم من مومياوات‬
‫‪ 3-3‬الحضارة اليونانية‪ /‬اإلغريقية‬ ‫فرعونية‪ ،‬فكشفوا عن وجود العديد من الظواهر ال َمرضية‪ .‬وكان لكشف إصابة‬
‫شاركت الحضارة اإلغريقية في كشف داء السكري من خالل الموسوعي‬ ‫بعض هذه المومياوات بداء السكري من خالل فحص تسكّر بروتينات الشعر‬
‫اليوناني أولوس كورنيليوس سيلسوس (‪ )Aulus Cornelius Celsus‬خالل‬ ‫توثيق دقيق إلصابة بعض الفراعنة بالسكري‪ .‬‏ويص ّدق ذلك ما وجده العلماء‬
‫ٌ‬
‫الفترة الواقعة في ‪ 1000‬سنة قبل الميالد بعمله الطبي المميز الموجود في‬ ‫عند فحص مومياء حتشبسوت‪ ،‬التي عاشت خالل الفترة ‪ 1458-1508‬قبل‬
‫المجلدات العديدة من موسوعته‪ ،‬وهي أطروحته الشهيرة في الطب (‪De‬‬ ‫الميالد‪ ،‬وهي خامس فرعون في األسرة الثامنة عشرة لمصر القديمة‪ ،‬حيث‬
‫‪ ،)Medicina‬والمقسمة إلى ثمانية كتب شملت تاريخ الطب اليوناني‪ ،‬حيث‬ ‫تشير األدلة الطبية إلى أنها كانت تعاني من السمنة‪ ،‬والسكري‪ ،‬وتوفيت بسبب‬
‫تضم إشارات إلى ثمانين مؤلفًا طب ًّيا‪ ،‬احتوت على علم األمراض‪ ،‬كان أحدها داء‬ ‫سرطان العظام الذي انتشر في جميع أنحاء جسدها وهي في الخمسينيات من‬
‫السكري‪ .‬كما شملت هذه األطروحة على علم التشريح‪ ،‬واألدوية‪ ،‬والجراحة‬ ‫عمرها‪ 5.‬كما أن فحص مومياء أخناتون الثامن عشر كشف إصابته بورم الغدة‬
‫وخصوصا جراحة العظام‪ .‬وكان هذا الطبيب أول من ق ّدم وصفًا سريريًا لمريض‬
‫‪3‬‬
‫النخامية الحميد المسبب لمرض العملقة الذي يصاحبه داء السكري الثنائي‪.‬‬
‫ً‬
‫مصاب بالسكري‪ ،‬ووصف أعراض المرض بكثرة التبول‪ ،‬وقلة اإلحساس باأللم‪،‬‬ ‫أما عن توثيق مضاعفات السكري في الحضارة الفرعونية القديمة‪،‬‬
‫والضعف العام‪ ،‬وقال إن ناتج السوائل الخارجة (أي البول) أكبر من كمية‬ ‫فقد أظهرت بقايا الهيكل العظمي لرجل من الموقع األثري المصري في دير‬
‫ما يتناوله من السوائل‪ .‬وقد وصف العالج بنظام غذائي يحتوي على الحد‬ ‫البرشاء الذي يعود إلى المملكة الوسطى في الفترة ‪ 1650-2055‬قبل الميالد‪،‬‬
‫األدنى من الطعام وتغيير نمط الحياة‪ 11.‬وقد يكون أبقراط (‪)Hippocrates‬‬ ‫وجو َد اعتالل المفاصل العصبية المعروف باسم «مفصل شاركوت» (‪Charcot‬‬
‫الذي عاش خالل الفترة ‪ 370-460‬قبل الميالد‪ ،‬اقتبس منه استخدام تعديالت‬ ‫‪ )Joint‬الذي غال ًبا ما يكون إحدى ظواهر مضاعفات داء السكري المتمثل‬
‫باعتالل األعصاب والشرايين‪ .‬كما وثقت إحدى الجداريات وفاة رجل مصري‬
‫نمط الحياة‪ ،‬كالنظام الغذائي وممارسة النشاط البدني لعالج أمراض مثل داء‬
‫قديم ير ّجح أنه في العشرينيات من عمره‏منذ حوالي ‪ 2900‬سنة بمرض نادر‬
‫السكري‪ ،‬وهو ما يسمى اليوم بتغيير نمط الحياة‪ .‬وكثي ًرا ما يقتبس عن أبقراط‬ ‫‪6‬‬
‫وعلى نحو مفاجئ‪ ،‬قد يكون النوع األول من السكري هو المسبب لذلك‪.‬‬
‫قوله «ليكن الطعام دواءك والدواء طعامك» وكذلك قوله «المشي هو أفضل‬
‫‪12‬‬
‫دواء للرجل»‪.‬‬
‫‪ 2-3‬الحضارة الهندية‬
‫في حين يُعتقد بأن الطبيب ديميتريوس أفاميا (‪Demetrius of‬‬
‫‪ )Apamea‬والذي عاش في أفاميا الشام على بعد ‪ 60‬كيلومت ًرا عن مدينة‬ ‫ُ‬
‫الكشوف األثرية‬ ‫عاشت الحضارة الهند القديمة ‪ 3700‬سنة‪ ،‬كما دلت على ذلك‬
‫حماة‪ ،‬وكانت مستعمرة يونانية آنذاك‪ ،‬أول من وصف هذا الداء‪ ،‬وذلك في‬ ‫في مدينتي موهونجودارو وها ّربا األثريتين في وادي السند‪ ،‬الواقعتين فيما‬
‫الفترة الواقعة في ‪ 200‬سنة قبل الميالد‪ ،‬حيث الحظ تدفق البول المفرط‬ ‫يعرف بباكستان في الوقت الحاضر‪ .‬وكشفت الدراسة التاريخية امتالك هذه‬

‫صفحة ‪ 4‬من ‪10‬‬


‫‪Vol. 2022(1), Art. 3‬‬ ‫الربيعان‪ ،‬المجلة العربية للبحث العلمي‬
‫‪ 5-3‬الحضارة الصينية‬ ‫لدى هؤالء األفراد‪ .‬ويُعتقد أنه أول من أطلق كلمة «دايابيتس» (‪،)Diabetes‬‬
‫وهو مصطلح يوناني مستنبط من الكلمة اليونانية (‪« )διαβαiνω‬ديابينو»‬
‫أطلقت الحضارة الصينية مسمى «البول الحلو» على داء السكري (تانج نيو‬
‫التي تعبّر عن مرور السوائل عبر الكلية‪ ،‬تعبي ًرا عن كثرة البول وتدفقه‪ 13.‬ومن‬
‫بونج) (‪ ،)糖尿病‬وتُرجم هذا المسمى أيضً ا إلى اللغتين الكورية واليابانية‪.‬‬
‫الجدير بالذكر أن كتابات ديميتريوس قد ضاعت لألسف الشديد‪ ،‬ولعله كتب‬
‫وخصوصا لدى الطبقة‬
‫ً‬ ‫وربط الصينيون القدماء اإلفراط في النظام الغذائي‪،‬‬
‫فيها طريقة التشخيص أو العالج‪.‬‬
‫العليا من المجتمع‪ ،‬باإلصابة بداء السكري‪ ،‬وهذه المالحظة تماثل ما س ّجله‬
‫أما روفوس من أفسس (‪ )Rufus of Ephesus‬فكان طبي ًبا مشهو ًرا‬
‫أطباء الهند القديمة‪ .‬ووصف كتاب «األسئلة البسيطة» مريض السكري على‬
‫وصف أعراض داء السكري مثل العطش المستمر‪ ،‬والتبول الفوري بعد الشرب‪،‬‬
‫النحو التالي‪« :‬عندما يأكل الشخص الكثير من األطعمة الدهنية والحلوة‪ ،‬يُنتج‬
‫الجسم الحرارة الجافة‪ ،‬أي من دون تع ّرق‪ ،‬مما يتسبب في تخزينها في الجسم‪،‬‬ ‫وهو ما دعاه الى إطالق مسمى «اإلسهال البولي» عليه‪ .‬وقد وصف العالج‬
‫وعندما يتشبع الجسم بها تؤدي إلى اإلصابة بداء السكري»‪ ،‬وهذه محاوالت‬ ‫بالتقيؤ بعد شرب الماء البارد وخلط عدة مواد‪ ،‬مثل «السيزون» و«بتيساني»‬
‫لتفسير أسباب اإلصابة وإن كانت ال تع ّبر عن الحقيقة‪18.‬‬ ‫والخضروات المطبوخة‪ ،‬ونصح أيضً ا بالحمامات وتبريد الرأس أثناء تسخين‬
‫ويعتبر الطبيب تشانغ تشونغ (‪( )Zhang Zhongjing‬ت‪219 .‬م) من‬
‫‪14‬‬
‫الجسم‪.‬‬
‫أشهر األطباء في الحضارة الصينية القديمة‪ ،‬ويعرف باسم «أبقراط الصينيين»‪،‬‬
‫وألف كتاب «الطب القديم لإلمبراطورية الصفراء» في عهد أسرة هان‪،‬‬ ‫‪ 4-3‬الحضارة الرومانية‬
‫ووصف داء السكري باإلفراط في الشرب واألكل‪ .‬في حين أضاف الطبيب‬ ‫كان الطبيب جالينوس (‪ )Galen‬الذي عاش خالل الفترة ‪200-129‬م طبي ًبا‬
‫سوين‪ ،‬وهو أحد األطباء الصينيين القدماء‪ ،‬أن السكري يتميز بكثرة التبول‬ ‫وجرا ًحا وفيلسوفًا بارزًا‪ ،‬شغل منصب الطبيب الشخصي للعديد من األباطرة‪.‬‬
‫ووجود السكر في البول الذي يصاحبه فقد الوزن الواضح‪ .‬وذكرت وثيقته‬ ‫وكان اهتمامه األساسي هو علم التشريح البشري‪ ،‬ومن بين مساهماته الرئيسية‬
‫«الصيغ الف ّعالة من العصور القديمة حتى الوقت الحاضر»‪ ،‬خالل عهد أسرة‬ ‫في الطب عمله في الدورة الدموية‪ 10.‬وقام بترجمة النصوص الطبية اليونانية‬
‫سوي (‪ )Sui‬في الفترة ‪618-589‬م‪ ،‬أن مرضى السكري يعانون من العطش‬ ‫إلى الالتينية ونقل آراء طبية يونانية إلى روما‪ ،‬حيث ذكر أن داء السكري‬
‫المتكرر الذي يؤدي إلى اإلفراط في الشرب والتبول المفرط بالبول الحلو‬ ‫إحساس مميز‪ ،‬يحدث على نحو قليل بين الرجال‪ ،‬وأنه هو ذوبان اللحم‬
‫والخالي من الدهون‪.‬‬ ‫واألطراف في البول‪ ،‬وعدم توقّف المرضى عن إنتاج الماء والتدفق المستمر‬
‫ويعتقد الصينيون القدماء أن داء السكري ينتج من التراكم المفرط‬ ‫للبول‪ ،‬كما لو كان قناة مفتوحة‪ .‬وأرجع سبب المرض إلى عطل في وظائف‬
‫للجفاف أو الحرارة داخل الجسم‪ .‬وتأتي شرور الجفاف والحرارة من مصادر‬ ‫الكلى‪ ،‬وأكد أن حياة المريض قصيرة ومصحوبة باآلالم والعطش المفرط‪ ،‬فال‬
‫بيئية خارجية مثل اتباع نظام غذائي غير صحي‪ ،‬حيث تتحول داخليًّا إلى‬
‫يرتوي من الماء‪ ،‬حيث ال تتناسب كمية البول الكبيرة مع الماء المشروب‪ .‬ولو‬
‫عوامل مسببة لألمراض مثل ضرر الكلى‪ ،‬فتؤدي عوامل الجفاف والحرارة إلى‬
‫امتنع عن الشرب لفترة فسيصاب الجسد بالجفاف الشديد‪ ،‬ويصاحبها الغثيان‬
‫‪19‬‬
‫تفاعل أعضاء معينة في الجسم على نحو سلبي‪ ،‬كالرئة والمعدة والكلى‪.‬‬
‫والقلق والعطش الشديد‪ ،‬حيث يؤدي إلى الوفاة‪ 15.‬ويقترح جالينوس العالج‬
‫وقد الحظ الطبيب لي هسوان (‪ )Li Hsuan‬في القرن السابع الميالدي‬
‫بدواء هو خليط مقدس مكون من العديد من المواد هي المستكة‪ ،‬والتمر‪،‬‬
‫أن مرضى السكري مع ّرضون للدمامل والتهابات الرئة‪ ،‬ووصف تج ّنب الجنس‬ ‫‪16‬‬
‫والسفرجل الخام وزيت الورد‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫والنبيذ عال ًجا لداء السكري‪.‬‬
‫قام اإلسكندر تراليس (‪605-525‬م)‪ ،‬وهو أحد أشهر األطباء وعلماء‬
‫‪ 6-3‬الحضارة اإلسالمية‬ ‫الصيدلة في العصر البيزنطي بكتابة موسوعة طبية في اثني عشر مجل ًدا‪،‬‬
‫تشمل العديد من الموضوعات تراوح بين الطب الباطني والجراحة وطب‬
‫قامت الحضارة اإلسالمية على مبادئ دين اإلسالم‪ ،‬وهي حضارة إنسان ّية تشمل‬ ‫العيون وطب األنف واألذن والحنجرة وأمراض النساء والصيدلة‪ .‬وخصص‬
‫مختلف جوانب الحياة‪ ،‬كما أنها حضارة ربان ّية تدعو إلى العلم‪ .‬ورفعت من‬ ‫مفصلة لداء السكري‪ ،‬ذكر فيها تسمية المرض‪ ،‬والتعريف به‪ ،‬ومسبباته‪،‬‬ ‫فقرة ّ‬
‫شأن اإلنسان‪ ،‬واعتنت بسلوك الفرد االجتماعي والصحي‪ ،‬وتفاعلت مع ثقافة‬ ‫والمظاهر السريرية وعالجه‪ ،‬وهي اقتباسات من الطب اليوناني وما كشفه‬
‫الشعوب التي دخلت في دين اإلسالم‪ ،‬واختلطت بها فأث ّرت في الحضارات‬ ‫‪17‬‬
‫جالنيوس عن المرض‪.‬‬
‫التي امتد إليها اإلسالم أثناء فترة انتشاره وتأث ّرت بها؛‪ 21‬ما أدى ذلك إلى إخراج‬ ‫في حين درس الطبيب أراتيوس (‪ ،)Aretaeus‬الذي عاش في القرن‬
‫نظريات ناجحة في العلوم اإلنسانية‪ ،‬فسيطرت الحضارة اإلسالمية على مجال‬ ‫الثاني الميالدي‪ ،‬الطب في اإلسكندرية‪ ،‬ومارسه في روما‪ .‬وركّز في الفصل‬
‫العلوم منذ القرن السابع الميالدي حتى انهيار آخر خالفة إسالمية وهي الخالفة‬ ‫الثاني من الكتاب الثاني من عمله بعنوان أسباب وأعراض األمراض الحادة‬
‫العثمانية في بداية القرن العشرين‪ .‬والناظر إلى تاريخ البشرية المسجل خالل‬ ‫والمزمنة‪ ،‬على داء السكري مستخد ًما االسم اليوناني (‪ )Diabetes‬من أسالفه‪.‬‬
‫‪ 4000‬سنة يكتشف أنه ال توجد حضارة ق ّدمت للبشرية مثل ما ق ّدمته الحضارة‬ ‫اقتباسا من جالينوس‪ ،‬كما يلي‪:‬‬ ‫وس ّجل وصفًا دقيقًا لحالة المريض‪ ،‬وقد يكون‬
‫ً‬
‫اإلسالمية‪ ،‬بل إن الخالفات والممالك اإلسالمية المتعددة تنافست في شتى‬ ‫«يعتبر مرض السكري من اآلالم المروعة‪ ،‬وال يتكرر كثي ًرا بين الرجال‪ ،‬حيث‬
‫الجوانب العلمية‪ ،‬ومنها المجال الطبي‪.‬‬
‫يتحلل لحم األطراف في البول‪ ،‬وال يتوقف المرضى أب ًدا عن إخراج البول‬
‫‪ 1-6-3‬الحضارة اإلسالمية في المشرق‬ ‫بتدفق مستمر‪ ،‬كانفتاح القنوات‪ .‬وتعتبر الحياة قصيرة وغير سعيدة ومؤلمة‪،‬‬
‫بدأت الحضارة اإلسالمية في المشرق منذ بعثة النبي محمد – صلى الله عليه‬ ‫يصاحبها عطش ال يطفأ‪ ،‬وشرب مفرط وغير متناسب مع كمية البول الكبيرة‪،‬‬
‫وسلم – ثم الخالفة الراشدة‪ ،‬لتتابع الخالفات من الخالفة األموية إلى العثمانية‬ ‫تجف أفواههم وأجسادهم وأحشاؤهم‪.‬‬ ‫فإن امتنع المرضى عن الشرب لفترة ّ‬
‫خالل ما يزيد على ‪ 1300‬سنة‪ .‬وكان لعلماء هذه الفترة في المجال الطبي‬ ‫ويتأثر المرضى بالغثيان والقلق والعطش الشديد‪ ،‬وفي غضون فترة قصيرة‬
‫السبق‪ ،‬سواء في فن الترجمة من الحضارات السابقة أو التأليف‪ ،‬أو حتى اتباع‬ ‫‪13‬‬
‫يموتون»‪.‬‬

‫صفحة ‪ 5‬من ‪10‬‬


‫‪Vol. 2022(1), Art. 3‬‬ ‫الربيعان‪ ،‬المجلة العربية للبحث العلمي‬
‫السكري على أنه مرض يصيب الكلى والمسالك البولية‪ ،‬وق ّدم وصفًا لعالجه‬ ‫المنهج العلمي التجريبي السليم‪ ،‬وكذلك السبق إلى العديد من االكتشافات‬
‫احتوى على اثنتين وعشرين وصفة طبية يمكن استخدامها للعالج‪ ،‬وكانت‬ ‫واالختراعات التي ال يزال العالم ينعم بثمارها وفوائدها حتى وصلنا إلى الطب‬
‫اجتهادات بما تيسر من إمكانيات ذلك الوقت‪ ،‬وما قد يخفف من معاناة‬ ‫الحديث‪.‬‬
‫المرضى‪ ،‬اشتملت على تقليل الغذاء‪ ،‬وبعض األطعمة‪ ،‬والحجامة‪ ،‬والحمامات‬ ‫ولقد أقامت هذه الحضارة المستشفيات لعالج المرضى‪ ،‬منها ما كان‬
‫الباردة تارة‪ ،‬والساخنة تارة أخرى‪ .‬وخلص إلى أن داء السكري «مرض خبيث»‬ ‫متنقل‪ ،‬فكان أول مستوصف في اإلسالم‬‫ً‬ ‫ثابتًا في المكان الذي أقيم عليه أو‬
‫يمكن أن يؤدي إلى حمى شديدة‪ ،‬وعدم انتظام الشهية‪ ،‬وفقدان الوظيفة‬ ‫هو الذي أمر الرسول– صلى الله عليه وسلم – بإنشائه أثناء معركة الخندق‬
‫الجنسية‪ ،‬والغرغرينا‪ ،‬والهزال‪ ،‬وهذه قفزة كبيرة في فهم السكري بعد أن‬ ‫سنة ‪626‬م على هيئة خيمة‪ ،‬ثم تطورت المستشفيات في العهد العباسي‬
‫أكدت البحوث العلمية بعد ألف سنة صدق ما خلص إليه‪.‬‬ ‫تطو ًرا كبي ًرا‪ ،‬وتزايد عددها في حواضر العالم اإلسالمي‪ ،‬وظهرت معاهد لتعليم‬
‫الطب أُلحق بها الصيدليات‪ .‬ولقد كان لمرضى داء السكري ح ٌّظ وافر من هذه‬
‫● عبد اللطيف بن يوسف البغدادي‬ ‫الخدمات‪ .‬وهنا أختار عينة ممن برزوا في مجال داء السكري‪.‬‬
‫ولد في عام ‪1161‬م‪ ،‬وهو من فالسفة اإلسالم‪ ،‬برع في علم النفس والطب‬
‫الطب في عصره من أمثال‬ ‫وتيسر له في دمشق لقاء أئمة ِّ‬ ‫والتاريخ واألدب‪َّ .‬‬ ‫● محمد بن يحيى بن زكريا الرازي‬
‫ابن النقاش وابن المطران‪،‬‏‏وفي القاهرة القاضي أبي المنصور عبد الله الشيخ‬ ‫عاش خالل الفترة ‪923-864‬م‪ ،‬ووصفه كتاب شمس العرب تسطع على الغرب‬
‫السديد‪ ،‬العالِم بصناعة ِّ‬
‫الطب والخبير بأصولها وفروعها‪.‬‬ ‫بأنه أعظم أطباء اإلنسانية على اإلطالق‪ ،‬وذكر أنه لم يكن ذلك الطبيب العظيم‬
‫وقد ألف رسالة عن داء السكري وصف فيها أعراضه السريرية‪ ،‬وتط ّرق‬ ‫‪13‬‬
‫فحسب‪ ،‬بل كان أيضً ا أحد األوائل الذين جعلوا من الكيمياء عل ًما صحي ًحا‪.‬‬
‫إلى بحث أسبابه‪ ،‬ومضاعفاته‪ ،‬وهو إنجاز كبير بالنظر إلى الحقبة الزمنية‬ ‫وقد ألّف الرازي كتاب الحاوي في الطب‪ ،‬الذي كان يض ُّم كل المعارف الطبية‬
‫التي عاشها‪ .‬وقد ساعدت هذه الرسالة في فتح الباب على مصراعيه لعالج‬ ‫منذ أيام اإلغريق حتى عام ‪925‬م‪ ،‬وظل المرجع الطبي الرئيسي في أوروبا‬
‫قسمها إلى ثالثة أجزاء‪،‬‬
‫السكري‪ ،‬وظلت ذات قيمة كبيرة فتر ًة من الزمن‪ .‬وقد ّ‬ ‫لمدة ‪ 400‬عام بعد ذلك التاريخ‪ ،‬بل بقي إلى اليوم من المراجع المهمة لتاريخ‬
‫األول يحتوي على أعراض المرض من إدرار البول والعطش الشديد يصاحبها‬ ‫الطب‪.‬‬
‫ضعف الجسم والهزال الشديد نتيجة لمرض الكلى المصاحب لداء السكري‪ .‬أما‬ ‫كتب الرازي عن داء السكري وأطلق عليه اسم «الدوارة أو الدوالب» وهو‬
‫الجزء الثاني فسرد فيه آراء المتقدمين عن داء السكري‪ ،‬وعلل أسباب المرض‬ ‫ما يعرف بالناعورة‪ ،‬وهذا االسم أقرب بكثير من االسم اإلغريقي «ديابيتس»‬
‫بتأثير بعض المواد التي تُف َرز من الكبد والتي ال تحتملها الكلى‪ ،‬على حد‬ ‫لكونه يصف الظاهرة المرضية بدقة‪ ،‬حيث يشرب المريض من جهة ليخرج‬
‫قوله‪ ،‬فتسبب إدرار البول بكثرة‪ ،‬كما جعل فقد رطوبة الجسم مسب ًبا للمرض‪.‬‬ ‫الماء من جهة أخرى‪ .‬وشخّص أعراضه بكثرة التبول‪ ،‬وكثرة شرب الماء‪ ،‬وضعف‬
‫أما الجزء الثالث فيتحدث فيه عن عالج داء السكري‪ ،‬بتنظيم الغذاء وزيادة‬ ‫البنية الجسدية‪ .‬وكان على األرجح أول من تك ّهن بالعالقة بين مرض السكري‬
‫األلياف فيه‪ ،‬حيث أوصى بالخيار والفواكه والمواد القابضة التي تقلل من إدرار‬ ‫واعتالل العين‪ .‬وقد ابتكر طرقًا ذكية للتشخيص‪ ،‬حيث قام بتشخيص داء‬
‫البول‪ ،‬كما أوصى بالتمارين الرياضية‪ .‬وقام بتركيب خلطات لعالج السكري من‬ ‫السكري عن طريق مطالبة المريض المشتبه بإصابته بالسكري بالتبول على‬
‫الطباشير والبرباريس والورد وبذور القطن ت ُعجن بماء الخيار أو بماء سويق‬ ‫الرمال‪ ،‬فإذا تجمع النمل على بوله بعد فترة‪ ،‬فإن المريض مصاب بالسكري‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫الشعير‪ .‬كما أبرز أهمية الراحة النفسية واالسترخاء في العالج‪.‬‬ ‫أما عن العالج‪ ،‬فنصح الرازي باستخدام بعض العقاقير الخاصة‪ ،‬وتنظيم‬
‫الغذاء‪ ،‬واستخدام بعض النباتات الطبية المتعلقة بالحمية الغذائية وممارسة‬
‫● عالء الدين أبو الحسن علي بن أبي الحزم القرشي الدمشقي‬ ‫الرياضة‪ ،‬كما نصح بالتدين واإليمان بالله‪ ،‬للقضاء على القلق والضغط النفسي‬
‫وهو المعروف بابن النفيس‪ ،‬ولد في عام ‪1215‬م‪ .‬درس الطب في البيمارستان‬ ‫المصاحب لداء السكري للحصول على االسترخاء والراحة النفسية‪ ،‬ولعله بذلك‬
‫النوري الكبير في دمشق‪ ،‬وكان طبي ًبا بار ًعا وك ّح ًال متمي ًزا‪ ،‬وله شهرة ال مثيل لها‬ ‫كان أول من عرف االرتباط بين السكري والحالة النفسية التي كشفتها البحوث‬
‫في الطب‪ ،‬ولقد قيل عنه «وأما في الطب فلم يكن على وجه األرض مثله في‬ ‫‪22‬‬
‫الطبية في القرن العشرين‪.‬‬
‫ومدرسا‬
‫ً‬ ‫زمانه‪ ،‬أو جاء بعد ابن سينا مثله»‪ .‬رحل إلى القاهرة‪ ،‬وعمل فيها طبيبًا‬
‫إلى أن تولى رئاسة األطباء في البيمارستان‪ .‬وعرف عنه بأنه عالم موسوعي‬ ‫● الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا‬
‫واسع االطالع‪ ،‬غزير المعرفة‪ ،‬خصب اإلنتاج‪ ،‬فهو فيلسوف ولغوي وفقيه‪.‬‬ ‫وهو المعروف بابن سينا‪ ،‬ولد سنة ‪980‬م‪ .‬عالم وطبيب مسلم‪ ،‬اشتُهر بالطب‪،‬‬
‫خاصا‪ ،‬فبنى نظرياته على المشاهدات والتجارب والخبرات‬ ‫وقد اتبع منه ًجا ً‬ ‫و ُعرف باسم الشيخ الرئيس‪ ،‬وأطلق عليه الغربيون «أمير األطباء»‪ ،‬وألف مئتي‬
‫العلمية‪ ،‬وكان الكتشافاته الطبية المهمة دو ٌر في تطور الطب في عصره وما‬ ‫كتاب في موضوعات مختلفة‪ ،‬يركّز العديد منها على الفلسفة والطب‪ ،‬وأشهر‬
‫تاله من عصور‪ ،‬وكان من أهمها اكتشافه للدورة الدموية الرئوية‪ .‬إال أنه فُقد‬ ‫أعماله في هذا الصدد كتاب القانون في الطب‪ .‬وقد ذكر داء السكري في‬
‫العديد من مؤلفات ابن ال ّنفيس بعد احتالل المغول لبغداد وتدمير مكتباتها‪.‬‬ ‫كتابه القانون‪ ،‬بعد أن أعاد االسم اليوناني إليه‪ ،‬حيث قال «ديانيطس هو أن‬
‫ألف كتابه الموجز في الطّب كمختصر لكتاب القانون في الطّب البن‬ ‫يخرج الماء كما يشرب في زمان قصير‪ ،‬ونسبة هذا المرض إلى المشروب‬
‫سينا‪ ،‬وكان القسم األول عن القواعد العلم ّية والنظريّة للطّب‪ ،‬أما القسم الثاني‬ ‫وإلى أعضائه نسبة زلق المعدة واألمعاء إلى المطعومات‪ ،‬وله أسماء باليونانية‬
‫فعن األدوية واألغذية‪ ،‬والقسم الثالث كتب فيه عن األمراض المتعلّقة بأعضاء‬ ‫غير ديانيطس‪ ،‬فإنه قد يقال أيضً ا (دياسقومس) و(قراميس) ويسمى بالعربية‬
‫الجسم وأسبابها وعالماتها‪ ،‬وطرق عالجها‪ .‬أما القسم ال ّرابع فيذكر فيه األمراض‬ ‫(الدوارة‪ ،‬والدوالب‪ ،‬وزلق الكلية وزلق المزاج والمعبر)‪ ،‬وصاحبه يعطش‬
‫التي ال تتعلّق بعضو معين‪ .‬ولم يزد ابن النفيس في كتابه سوى القليل إلى‬ ‫‪23‬‬
‫فيشرب وال يُروى‪ ،‬بل يبول كل ما يشرب غير قادر على الحبس البتة»‪.‬‬
‫ما توصل اليه ابن سينا حول داء السكري‪ .‬وبرع في علوم األغذية فألّف كتابه‬ ‫إن هذا االقتباس من كتابه يوضّ ح مدى سعة علمه واطالعه على ما‬
‫فصل في الغذاء الصحي‪ ،‬ويُشهد له أنه أول من‬ ‫المختار في األغذية‪ ،‬حيث ّ‬ ‫كُتب حول هذا الداء من الحضارات األخرى‪ ،‬بل إن وصفه للحالة كان أكثر‬
‫‪25‬‬
‫تح ّدث عن ضرورة االعتدال في تناول الملح‪.‬‬ ‫دقة وأبلغ وصفًا ممن سبقه من أطباء عصره أو العصور القديمة‪ .‬وذكر داء‬

‫صفحة ‪ 6‬من ‪10‬‬


‫‪Vol. 2022(1), Art. 3‬‬ ‫الربيعان‪ ،‬المجلة العربية للبحث العلمي‬
‫الحبوب‪ ،‬حتى صار لهم عادة [‪ ]...‬أما أهويتهم فقليلة العفن‪ ،‬لقلة الرطوبات‬ ‫‪ 2-6-3‬الحضارة اإلسالمية في المغرب‬
‫والعفونات [‪ ]...‬ثم إن الرياضة موجودة فيهم من كثيرة الحركة في ركض‬ ‫بدأت الحضارة اإلسالمية في المغرب اإلسالمي بعد فتح األندلس ووصول‬
‫الخيل أو الصيد أو طلب الحاجات أو مهنة أنفسهم في حاجاتهم [‪ ]...‬فتكون‬ ‫اإلسالم إليها وإلى الشمال والشمال الغربي إلفريقية‪ ،‬فقامت الدول والممالك‬
‫أمزجتهم أصلح وأبعد عن األمراض‪ ،‬فتقل حاجتهم إلى الطب‪ .‬ووقوع هذه‬ ‫المختلفة خالل ‪ 781‬سنة إلى أن سقطت األندلس وانحسرت الحضارة اإلسالمية‪.‬‬
‫األمراض في أهل الحضر واألمصار أكثر‪ ،‬لخصب عيشهم‪ ،‬وكثرة مآكلهم‪ ،‬وقلة‬ ‫وقد تميزت مهنة الطب في حضارة المغرب اإلسالمي باألخذ بنظام التخصص‬
‫اقتصارهم على نوع واحد من األغذية‪ ،‬وعدم توقيتهم لتناولها‪ ،‬وأما أهل البدو‬ ‫في الطب وعدم السماح بممارسته إال بعد اجتياز امتحان في كتب متخصصة‬
‫فمأكولهم قليل في الغالب والجوع غلب عليهم لقلة الحبوب‪ ،‬حتى صار لهم‬ ‫تفتح آفاق هؤالء الطلبة على الثقافة الطبية النظرية والعملية‪ .‬واهتم العلماء‬
‫يفصل أحد من قبل في دور علم االجتماع في الحالة الصحية‬ ‫عادة»‪ .‬ولم ّ‬ ‫أساسا لكل‬
‫واألطباء المسلمون في هذه المنطقة بعلم التشريح‪ ،‬وصار ً‬
‫للشعوب‪ ،‬وإبراز دور الحضارة في اإلصابة باألمراض وعلى رأسها السكري كما‬ ‫فروع الطب لفهم وظائف األعضاء‪ .‬كما برعوا في إجراء العمليات الجراحية‬
‫وصف ذلك ابن خلدون‪.‬‬ ‫واستخدام أمعاء القطط والحيوانات األخرى في خيط الجروح‪ .‬واهتم أطباء‬
‫مستقل له قواعده وفروعه ومناهجه العلمية‬ ‫ً‬ ‫األندلس بالصيدلة بوصفها عل ًما‬
‫● موسى بن ميمون القرطبي‬ ‫القائمة على المشاهدة والتجربة من خالل علم «األقرباذين»‪ ،‬وإخضاع مهنة‬
‫هو الفيلسوف والطبيب اليهودي األندلسي موسى بن ميمون (ت‪1204 .‬م)‪.‬‬ ‫الصيدلة لنظام الحسبة لتفادى غش األدوية واالتّجار فيها‪.‬‬
‫كتب عشرة أعمال طبية باللغة العربية‪ ،‬وصف فيها حاالت الربو‪ ،‬ومرض السكري‬ ‫ولقد حظي داء السكري بنصيب وافر من التوثيق والرصد خالل هذه‬
‫وما ينتج منه‪ ،‬وله كتابات حول التهاب الكبد وااللتهاب الرئوي‪ .‬كانت األندلس‬ ‫الفترة المزدهرة من الحضارة اإلسالمية‪ ،‬كما ُعرف آنذاك العديد من األمراض‬
‫موطن موسى بن ميمون‪ ،‬وكان أحد أعظم األطباء في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬إال أنه‬ ‫كالجدري ودودة اإلنكلستوما وسرطان المعدة وغيرها كثير‪ .‬وبرز في مجال‬
‫في آخر عمره انتقل إلى مصر وذُكر أنه صادف ‪ 20‬مريضً ا بالسكري خالل عقد‬ ‫السكري العديد من األطباء كان من أهمهم ما يلي‪.‬‬
‫من الزمان فيها‪ ،‬وهو عدد كبير على نحو مثير للقلق بالنسبة إليه‪ ،‬ما دفعه إلى‬
‫التكهن بأنه قد يكون داء السكري أكثر انتشا ًرا في البلدان األكثر دفئًا أو أن‬ ‫● عبد الملك بن زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان‬
‫«مياه النيل بسبب حالوتها‪ ،‬لعبت دو ًرا في ذلك»‪ 27.‬ونصح باالعتدال في األكل‬ ‫يكنى «أبو مروان»‪ ،‬وهو طبيب نطاسي مسلم معروف في األندلس‪ ،‬من أهل‬
‫واتباع أسلوب الحياة الصحي‪ ،‬واالعتناء بدفء الجسد الطبيعي قبل أي شيء‬ ‫إشبيلية‪ .‬ويعود نسبه إلى أسر ٍة من علماء المسلمين نشأت في األندلس وعائلة‬
‫آخر‪ ،‬وأكثر ما يمكنه تأمين هذا الدفء هو التمارين البدنية المناسبة لكل من‬ ‫عريقة في الطب‪ ،‬فقد كان والده أبو العالء طبيبًا ماه ًرا في التشخيص والعالج‪،‬‬
‫الجسد والروح‪ .‬ووصف للمس ّنين المشي يوم ًيا‪ ،‬إضافة إلى حديثه عن ضرورة‬ ‫وكان جده طبي ًبا أيضً ا‪ .‬وكان لمؤلفاته أث ٌر كبير في تطور الطب في أوروبا بعد‬
‫التدليك الدائم كوسيلة لتحفيز حرارة الجسد ومن ثم الوقاية من األمراض‪.‬‬ ‫أن تُرجمت مؤلفاته إلى الالتينية‪ ،‬ككتاب التيسير في المداواة والتدبير‪ ،‬وقد‬
‫‪ 3-6-3‬الخالفة العثمانية‬ ‫برع في وصف التهاب الغشاء المحيط بالقلب‪ ،‬وأساليب استخراج الحصوة‬
‫أولت الدولة العثمانية الجانب الصحي للمجتمع باهتمام خاص منذ عام‬ ‫الكُلوية‪ ،‬وذكر خبرته في تشخيص وعالج مرضى السكري‪.‬‬
‫‪1838‬م‪ ،‬وقد برز ذلك من خالل تطبيق نظام الحجر الصحي‪ ،‬ثم نشرت الدولة‬ ‫كان ابن زهر صديقًا ومعاص ًرا للطبيب العربي ابن رشد الذي ش ّجعه على‬
‫العثمانية أول نظام يتعلق بالصحة العامة وإدارتها في العاصمة إسطنبول وفي‬ ‫كتاب التيسير في المداواة والتدبير الذي يصف األدوية واألنظمة الغذائية‬
‫بقية الواليات العثمانية على حد سواء‪ ،‬وهو نظام اإلدارة العمومية الطبية الذي‬ ‫واألوصاف السريرية لألمراض‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫نص على توجه الدولة العثمانية واهتمامها بمجمل األوضاع الصحية‪.‬‬ ‫رحل إلى الشرق وطبّب في القيروان ومصر‪ ،‬ثم عاد إلى مدينة دانية في‬
‫تعتبر متالزمة التمثيل الغذائي (‪ )Metabolic Syndrome‬من األمراض‬ ‫األندلس‪ ،‬واشتهر بممارسة صناعة الطب وطار ذكره منها إلى أقطار األندلس‬
‫األيضية المسببة للسمنة والسكري والناجمة عن النظام الغذائي الغني‬ ‫بأسرها‪.‬‏ وكان له باع في علوم التغذية من خالل كتابه األغذية وهو كتاب‬
‫بالسكريات والدهون والخمول‪ .‬ولقد وث ّق األرشيف الصحي العثماني إصابة‬ ‫يحتوي على معلومات وافرة وغنية عن األعشاب والنباتات الطبية واللحوم‬
‫العديد من السالطين العثمانيين وأفراد عديدون من رعاياها بهذه المتالزمة‬ ‫واألسماك والحليب والعسل وعالج لبعض األمراض المعروفة قدي ًما كان أحدها‬
‫منذ عام ‪1258‬م حتى سقوط الخالفة العثمانية عام ‪1922‬م‪ .‬كما وثق األرشيف‬ ‫السكري النتشاره الكبير‪ .‬ويقال إن ابن زهر كان مغر ًما بتناول التين والعسل‬
‫العثماني الطبي ارتباط المتالزمة بالسكري وأمراض القلب الوعائية وارتفاع‬ ‫والحلويات التي اشتُهرت فيها األندلس‪ .‬وقد أصيب بالسكري ومات بسبب‬
‫ضغط الدم والنقرس‪ ،‬ووصف األطباء تعديل أسلوب الحياة في منع اإلصابة‬ ‫تقرح الجلد نتيجة الغرغرينا‪ .‬ولعل وال َده أبا العالء‪ ،‬وهو طبيب مشهور‬
‫‪29‬‬
‫بمتالزمة التمثيل الغذائي وكذلك زيادة النشاط البدني‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬قد مات بالمرض نفسه‪ ،‬ما يؤكد ذلك انتشار داء السكري خالل الفترة‬
‫‪26‬‬
‫األندلسية‪.‬‬
‫‪ -4‬المناقشة‬
‫● عبد الرحمن بن محمد بن خلدون اإلشبيلي‬
‫تميز داء السكري بأنه ُوجد منذ وجود اإلنسان عبر العصور‪ ،‬فوضع بصمته‬ ‫المعروف بابن َخلْ ُدون‪ ،‬عاش في الفترة ‪1406-1332‬م‪ ،‬ولد في تونس‪ ،‬وتخ ّرج‬
‫وخصوصا عند ازدهارها؛ لذلك فإنه من الممكن من‬ ‫ً‬ ‫في جميع الحضارات‪،‬‬ ‫في جامعة الزيتونة‪ ،‬ومن أشهر كتبه ِكتاب ال ِعبر وديوان ال ُمبتدأ والخَبر في‬
‫خالل رصده عكس الحالة الصحية لألمم القديمة‪ ،‬والحالة الثقافية والعلمية‬ ‫عاص َرهُم من َذوي ُ‬
‫السلطان األكبر‬ ‫َمعرِفة أيام ال َعرب وال َعجم وال َبربر َو َمن َ‬
‫التي تمتعت بها‪ .‬كما أنه وسيلة قياس للمستوى الطبي الذي وصلت إليه من‬ ‫ال َمعروف بـ «تاريخ ابن خلدون»‪ .‬وترك تراث ًا ما زال تأثيره ممت ًدا حتى اليوم‪.‬‬
‫بغض النظر عن مكانتها‬
‫خالل األطباء والعلماء الذين برزوا في تلك الحضارات‪ّ ،‬‬ ‫مؤسس علم االجتماع الحديث‪ ،‬ومن علماء التاريخ‬ ‫َ‬ ‫ويعتبر اب ُن خَلدون‬
‫المادية والثقافية والدينية‪.‬‬ ‫واالقتصاد‪ .‬وقد كتب في طب الحضر وطب البادية‪ ،‬حيث ذكر في المقدمة‬
‫إن هذه الدراسة‪ ،‬وبالمعايير التي اختارت بها الحضارات‪ ،‬خالل أربعة‬ ‫ما يلي‪« :‬وأما أهل البدو فمأكولهم قليل في الغالب والجوع غلب عليهم لقلة‬

‫صفحة ‪ 7‬من ‪10‬‬


‫‪Vol. 2022(1), Art. 3‬‬ ‫الربيعان‪ ،‬المجلة العربية للبحث العلمي‬
‫ليس بعدد األطباء الذي فاق جميع الحضارات السابقة لها فقط‪ ،‬بل وحتى‬ ‫آالف سنة‪ ،‬تجعل من الممكن مقارنة الحضارات بصورة دقيقة ومحايدة‪ .‬وال‬
‫المستوى العلمي‪ ،‬ويكفي أن نعلم أن مؤلفات أطباء الحضارة اإلسالمية فاقت‬ ‫بد من التأكيد هنا أن المعرفة اإلنسانية تراكمية‪ ،‬فتستفيد كل حضارة من‬
‫كل الحضارات‪ ،‬كما هو واضح فيما تركته الحضارة اإلسالمية عن السكري‪ ،‬كما‬ ‫الحضارات التي سبقتها‪ ،‬ولذلك فإن مقارنة الحضارات بما تمتلكه من علم‬
‫أنها ال تزال مرج ًعا علم ًيا في مجالها حتى يومنا هذا‪ ،‬وخير مثال على ذلك ابن‬ ‫وممارسات في شأن محدد كداء السكري‪ ،‬يخفف من أثر التراكم الحضاري‬
‫سينا وابن خلدون‪.‬‬ ‫ويعطي انطبا ًعا أدق في إجراء المقارنات بين هذه الحضارات (انظر الجدول‬
‫وبنظرة سريعة على ما حملته هذه الدراسة حول تاريخ السكري‪ ،‬فإن‬ ‫رقم ‪.)1‬‬
‫العلماء واألطباء الذين عاشوا في العصر اإلسالمي ق ّدموا لنا األساس الذي‬ ‫وأوضحت هذه الدراسة تفوق الحضارة اإلسالمية على باقي الحضارات‬
‫بنى فيه العلماء واألطباء المعاصرون اكتشافاتهم وطرق التعامل مع المرض‬ ‫التي سبقتها‪ ،‬أو زامنتها؛ إذ قدمت للبشرية في ‪ 1300‬سنة ما عجزت أن‬
‫والمريض‪ ،‬ليس من الناحية اإلكلينيكية واألخالقية فحسب‪ ،‬بل كذلك من‬ ‫فضل عن أنها مزجت مهنة الطب‬ ‫تق ّدمه باقي الحضارات خالل ‪ 2700‬سنة‪ً ،‬‬
‫الناحية التجريبية والبحثية‪.‬‬ ‫باألخالق‪ ،‬والقيم‪ ،‬ووضعت معايير ألخالق األطباء‪ ،‬ومهنة الصيدلة ولم تتركها‬
‫ويبقى أن نذكر أن هذه الدراسة لم تشمل العديد من الحضارات التي‬ ‫للمشعوذين‪ ،‬أو طمع األطباء‪ ،‬كما هي الحال في الحضارات األخرى‪ .‬وأيضً ا‬
‫لم تنطبق عليها معايير الدراسة‪ ،‬وأن تعدد األسماء التي أطلقت على داء‬ ‫ق ّننت الحضارة اإلسالمية مهنة الطب‪ ،‬وقصرتها على من درسه في المؤسسات‬
‫السكري‪ ،‬واالعتماد على أعراض المرض في هذا البحث التاريخي‪ ،‬قد يحدان‬ ‫والجامعات والمارستانات التي أنشأتها‪ ،‬وإن كانت بعض الحضارات األخرى‬
‫من الوصول إلى مواد تراثية ذات قيمة علمية‪ .‬إال أن ما يميز هذه الدراسة‬ ‫كالرومانية قد فعلت بصورة محدودة شيئًا من هذا‪.‬‬
‫محدودية البحث في مرض واحد‪ ،‬ومن خالل حضارات محددة حملت تراث ًا‬ ‫إن الناتج العلمي ألي حضارة سابقة‪ ،‬يقاس بما تركته بعدها‪ .‬ومن يرصد‬
‫كافيًا للبحث‪.‬‬ ‫المؤلفات واآلثار الطبية التي تركتها الحضارة اإلسالمية ال يشك في تفوقها‪،‬‬

‫جدول ‪ :1‬مساهامت الحضارات الست محل الدراسة يف التعرف عىل داء السكري وأسبابه وأنواعه ومضاعفاته وطرق تشخيصه وعالجه‪.‬‬
‫الحضارة الهندية‬
‫الحضارة اإلسالمية‬ ‫(حضارة هارابا‪/‬‬ ‫الحضارة الفرعونية‬
‫(‪1922–662‬م)‬ ‫هارابان)‬ ‫(‪ 332-3100‬ق‪ .‬م‪).‬‬
‫الحضارة اليونانية الحضارة الرومانية الحضارة الصينية‬ ‫‪1000‬م)‬ ‫(‪ 3000‬ق‪ .‬م‪–.‬‬
‫(‪ 221‬ق‪ .‬م‪.‬‬ ‫(‪ 625‬ق‪ .‬م‪–.‬‬ ‫(‪223-1200‬‬ ‫المنطقة المنطقة‬ ‫الدولة‬ ‫الدولة‬ ‫الدولة‬ ‫اسم الحضارة‬
‫‪1644-‬م)‬ ‫‪1453‬م)‬ ‫ق‪ .‬م‪).‬‬ ‫الشمال ّية الجنوب ّية‬ ‫الحديثة‬ ‫الوسطى‬ ‫القديمة‬
‫الغربية‬ ‫الشرقية‬
‫(‪ 500( 3000‬ق‪.‬‬ ‫(‪-1540‬‬ ‫(‪-2000‬‬ ‫(‪-2580‬‬
‫‪ 1492 -711‬م‬ ‫‪ 1922-622‬م‬
‫م‪–.‬‬ ‫‪500-‬‬ ‫‪1080‬‬ ‫‪1630‬‬ ‫‪2130‬‬
‫‪1000‬م)‬ ‫ق‪ .‬م‪).‬‬ ‫ق‪ .‬م‪).‬‬ ‫ق‪ .‬م‪).‬‬ ‫ق‪ .‬م‪).‬‬
‫‪1500‬‬
‫‪ 781‬سنة‬ ‫‪ 1300‬سنة‬ ‫‪ 1865‬سنة‬ ‫‪ 2078‬سنة‬ ‫‪ 977‬سنة‬ ‫‪ 2500‬سنة‬ ‫‪ 370‬سنة ‪ 460‬سنة‬ ‫‪ 450‬سنة‬ ‫الفترة الزمنية‬
‫سنة‬
‫األندلس ودول‬ ‫المنطقة الواقعة جزيرة العرب‬ ‫بدأت من روما‬ ‫اليونان وجزر‬ ‫الشمال الشرقي ألفريقيا على ثالث وادي السند حص ًرا‪،‬‬ ‫الموقع‬
‫شمال وشمال‬ ‫في شرق آسيا والشام والعراق‬ ‫لتشمل معظم‬ ‫وتس ّمى بـ (ثقافة ه ّرابا) بحر إيجة‪،‬‬ ‫مراحل هي‪:‬‬ ‫الجغرافي‬
‫غرب أفريقيا‬ ‫ومصر وآسيا‬ ‫وعلى طول‬ ‫قارة أوروبا‪ ،‬آسيا‬ ‫نسبة الى مدينة (ه ّرابا) جنوب شرق‬ ‫الدولة القديمة‪ :‬األسر ‪( 6-3‬حوالي‬ ‫والمسميات‬
‫(الجزائر وتونس‬ ‫خط قرى النهر الوسطى ودول‬ ‫ّ‬ ‫الصغرى‪ ،‬شمال‬ ‫الواقعة في وادي السند‪ ،‬البحر األبيض‬ ‫‪ 2180-2690‬ق‪ .‬م‪).‬‬ ‫التاريخية‬
‫والمغرب) ووسط‬ ‫وسط وجنوب‬ ‫األصفر ونهر‬ ‫المتوسط وجزره‪ ،‬أفريقيا‪ ،‬دول‬ ‫بباكستان الحالية؛‬ ‫الدولة الوسطى‪ :‬األسر ‪14-11‬‬
‫وغرب أفريقيا‬ ‫يانغتسي‪ ،‬وهو شرق آسيا‬ ‫البلقان‪ ،‬أجزاء‬ ‫ً‬
‫وصول إلى‬ ‫وتس ّمى عمو ًما بحضارة‬ ‫(حوالي ‪ 1710-2060‬ق‪ .‬م‪).‬‬
‫(موريتانيا ومالي‬ ‫(باكستان‪،‬‬ ‫مهد الحضارة‬ ‫من بالد ما بين‬ ‫الدولة الحديثة‪ :‬األسر ‪( 20-18‬حوالي وادي السند أو الحضارة مصر وسوريا‬
‫وتشاد)‬ ‫أفغانستان‪،‬‬ ‫الصينية‬ ‫النهرين‬ ‫وفلسطين‬ ‫‪ 1085-1580‬ق‪ .‬م‪ ،).‬ومدت سيادتها السندية‬
‫بنغالديش‪،‬‬ ‫واألردن‬ ‫على شمال سوريا وبالد النهرين‬
‫إندونيسيا‪ ،‬ماليزيا)‬
‫كان أول ممرضة في العالم اإلسالمي‬ ‫صنف األطباء‬ ‫استفادوا من‬ ‫تُقدّ م الرعاية‬ ‫كان معظم المعالجين كهنة يعتقدون ربط الهنود القدماء‬
‫زمن النبي صلى الله عليه وسلم عام‬ ‫الحضارة المصرية إلى خمسة‪:‬‬ ‫أن األرواح تسد قنوات الجسم‪ ،‬وأن أمراض الجسم بالغضب العقلية‬
‫‪624‬م‪ ،‬وتم بناء أول مستشفى في‬ ‫واليونانية‪ ،‬فشيدوا األطباء‬ ‫والجسدية‬ ‫هذا يؤثر في طريقة عمل األعضاء‪ .‬اإللهي‪ .‬وتطور الطب‬
‫القاهرة عام ‪872‬م‪ ،‬ثم في بغداد الذي‬ ‫الرئيسيون‪،‬‬ ‫مستشفيات‬ ‫بالتوازي‪ ،‬وقد‬ ‫وقد بحثوا عن طرق لعالج األمراض من العصر السحري‬
‫احتوى على ‪ 24‬طبي ًبا‪ .‬وفي عام ‪1000‬م‬ ‫وأطباء من‬ ‫لعالج العبيد‬ ‫وضع أبقراط‬ ‫الديني الى طب‬ ‫فاستخدموا مزي ًجا من الطقوس‬
‫كان هنالك ما ال يقل عن ‪ 30‬مستشفى‬ ‫أجل الغذاء‪،‬‬ ‫والجنود‪ .‬وأعد‬ ‫حجر األساس‬ ‫األيورفيدا المنهجي‬ ‫العبادية والصلوات‪ ،‬إضافة إلى‬
‫النظام الصحي‬
‫في جميع أنحاء العالم اإلسالمي‪،‬‬ ‫وأطباء األمراض‬ ‫للطب وتصنيف األطباء قائمة‬ ‫العالجات الطبيعية‪ .‬إال أنه مع مرور الملتزم بالمعايير‬
‫فتأسست مهنة الطب وممارستها كحرفة‬ ‫األمراض ومعايير األدوية والنظام البسيطة‪،‬‬ ‫الوقت ظهرت مهنة الطب المصري األخالقية الصارمة‪،‬‬
‫وعلم وتنظيم‪ ،‬وامتد العمل بها والتدرب‬ ‫الغذائي‪ ،‬وإدارة وأطباء القرحة‬ ‫تشخيصها‬ ‫القديم من خالل الممارسات الفردية‪ ،‬وأنتج أطباء ماهرين‬
‫على أصولها وفروعها حتى نهاية الدولة‬ ‫أو الجراحون‪،‬‬ ‫المستشفيات‬ ‫والوقاية منها‬ ‫ولعل من أهمها مهارتهم في التحنيط في الطب والجراحة‬
‫العثمانية‬ ‫واألطباء‬
‫البيطريون‬

‫صفحة ‪ 8‬من ‪10‬‬


‫‪Vol. 2022(1), Art. 3‬‬ ‫الربيعان‪ ،‬المجلة العربية للبحث العلمي‬
‫عبد الملك بن زهر‬ ‫محمد بن يحيى‬ ‫تشانغ تشونغ‬ ‫أولوس سيلسوس جالنيوس‬ ‫ساسروتا‪( :‬ساسروتا‬ ‫حسي رع من األسرة الفرعونية‬
‫عبد الرحمن بن‬ ‫الرازي‬ ‫تشينغ‬ ‫أراتيوس‬ ‫ديميتريوس‬ ‫سامهيتا)‬ ‫الثالثة‪ :‬كاتب بردية إيبرس (‪Ebers‬‬
‫خلدون‬ ‫الحسين بن عبد‬ ‫لي هسوان‬ ‫شاراكا‪( :‬ساراكا سامهيتا) روفوس من‬ ‫‪)Papyrus‬‬
‫موسى بن ميمون‬ ‫الله بن سينا‬ ‫أفسس‬
‫أسماء األطباء‬
‫القرطبي‬ ‫عبد اللطيف‬
‫البغدادي‬
‫عالء الدين أبو‬
‫الحسن القرشي‬
‫ديانيطس‪ ،‬دياسقومس‪ ،‬قراميس‬ ‫البول الحلو‬ ‫دايابيتس‬ ‫دايابيتس‬ ‫البول العسلي‬ ‫عطش النساء‬
‫الدوارة أو الدوالب‬ ‫(‪)diabetes‬‬ ‫(‪)diabetes‬‬ ‫مسمى المرض‬
‫اإلسهال البولي‬ ‫اإلسهال البولي‬
‫تنتج األطعمة زيادة األكل والشرب وقلة الحركة وتغير‬ ‫عطل في وظائف‬ ‫غير معروف‬ ‫الغضب اإللهي‪،‬‬ ‫األرواح الشريرة في عهد الدولة‬
‫الدهنية والحلوة نمط الحياة‬ ‫الكلى‬ ‫واإلفراط في استهالك‬ ‫القديمة‪ ،‬واإلفراط في الشرب في‬
‫الحرارة الجافة‬ ‫األرز والحبوب‬ ‫عهد الدولة الوسطى والحديثة‬ ‫أسباب اإلصابة‬
‫فتضر الرئة‬ ‫والحلويات‬
‫والمعدة والكلى‬
‫تعاملت مع جميع أنواع داء السكري‬ ‫لم يحدد‬ ‫نوعان‪ ،‬أحدهما يصيب من خالل وصف ال يوجد أي‬ ‫اعتبرت هذه الحضارة السكري‬
‫على أنها نوع واحد إلى أن ظهرت‬ ‫الصينيون‬ ‫الكبار وأصحاب األوزان األطباء اليونانيين تصنيف لداء‬ ‫نو ًعا واحدً ا مرتبطًا باألعراض فقط‪.‬‬
‫متالزمة التمثيل الغذائي خالل الخالفة‬ ‫القدماء أنوا ًعا‬ ‫وكشفت دراسات المومياء الفرعونية الكبيرة‪ ،‬واآلخر يصيب القدماء لحاالت السكري‪ ،‬بل‬
‫العثمانية‪.‬‬ ‫للسكري بل‬ ‫إصابة حتشبسوت بالنوع الثاني من صغار السن نسب ًيا من السكري يتضح نظروا إليه على‬ ‫أنواع اإلصابة‬
‫جعلوا األعراض‬ ‫أنه صنف واحد‬ ‫أصحاب األجسام والبنية أنه ال يوجد‬ ‫السكري‪ ،‬في حين أصيب أخناتون‬
‫تصنيفًا للمرض‪.‬‬ ‫لمختلف األعمار‬ ‫تصنيف لهذا‬ ‫الضعيفة‬ ‫الثامن عشر بالسكري الثنائي‬
‫الداء‬ ‫المصاحب لمرض العملقة‬
‫الضعف الجنسي‪ ،‬والقلق النفسي‪،‬‬ ‫اإلصابة‬ ‫ال يوجد‬ ‫قلة اإلحساس‬ ‫ال يوجد‬ ‫من خالل فحص المومياوات‪:‬‬
‫وغرغرينا في القدم‪ ،‬وأمراض القلب‬ ‫بالدمامل‬ ‫باأللم والضعف‬ ‫اعتالالت الشرايين ومفصل شاركوت‬ ‫مضاعفات الداء‬
‫الوعائية‬ ‫والتهابات الرئة‬ ‫العام‬
‫ال توجد‬ ‫تجمع النمل على‬ ‫ال توجد‬ ‫ال توجد‬ ‫ال توجد‬ ‫تجمع النمل والذباب‬
‫ّ‬ ‫ال توجد‬ ‫طريقة‬
‫البول‬ ‫على البول‬ ‫التشخيص‬
‫الحجامة واألعشاب والحمية الغذائية‬ ‫تجنب الجنس‬ ‫النظام الغذائي خليط مقدس‬ ‫النشاط البدني وتنظيم‬ ‫غير معروف‬
‫والنشاط البدني‪ ،‬إضافة إلى الحمامات‬ ‫والنبيذ‬ ‫وممارسة النشاط مكون من‬ ‫الغذاء‬
‫الساخنة والباردة‬ ‫البدني وأخالط العديد من‬
‫طريقة العالج‬
‫غذائية‪ ،‬والحمام المواد الغذائية‬
‫والبهارات‬ ‫البارد‬
‫واألمالح‬

‫المراجع‬
‫–‪tes mellitus? Practical Diabetes International. 2010;27(8):358‬‬ ‫‪ .1‬التويجرى‪ ،‬عبد العزيز بن عثمان‪ .‬الحضارة اإلسالمية وآفاق المستقبل‪ ،‬الطبعة‬
‫‪363.‬‬ ‫الثانية‪ .‬الرباط‪ :‬المنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة‪.2015 ،‬‬
‫حسين‪ ،‬عبد الله‪ .‬المسألة الهندية‪ .‬القاهرة‪ :‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪،‬‬ ‫‪.7‬‬ ‫‪ .2‬على‪ ،‬محمد نور موسى و البر‪ ،‬محمد موسى محمد أحمد‪ .‬قراءة في الحضارة‬
‫‪.2012‬‬ ‫اإلسالمية‪ :‬دراسة في معانيها وآثارها المعنوية والمادية‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪8.‬‬ ‫‪Saini A. Physicians of ancient India. Journal of Family Medicine‬‬ ‫المنهل‪.2017 ،‬‬
‫‪and Primary Care. 2016;5:254–258.‬‬ ‫‪3.‬‬ ‫‪Medvei VC. The history of clinical endocrinology: A‬‬
‫‪9. Cumston CG. An introduction to the history of medicine: From‬‬ ‫‪comprehensive account of endocrinology from earliest times to‬‬
‫‪the time of the pharaohs to the end of the XVIIIth century. 1st ed.‬‬ ‫;‪the present day. New York: The Parthenon Publishing Group‬‬
‫‪London: Dawsons of Pall Mall; 1926.‬‬ ‫‪1993.‬‬
‫‪10. Bhattacharya S. Sushrutha – Our proud heritage. Indian Journal‬‬ ‫‪4.‬‬ ‫‪Karamanou M, Protogerou A, Tsoucalas G, Androutsos G,‬‬
‫‪of Plastic Surgery. 2009;42(2):223–225.‬‬ ‫‪Poulakou-Rebelakou E. Milestones in the history of diabetes‬‬
‫‪11. Spencer WG. Celsus: De Medicina, English translation. London:‬‬ ‫‪mellitus: The main contributors. World Journal of Diabetes.‬‬
‫‪Heinemann; 1938.‬‬ ‫‪2016;7(1):1–7.‬‬
‫‪12 Jones WHS. Hippocrates collected works I. Cambridge: Harvard‬‬ ‫‪5.‬‬ ‫‪Wilford JN. Tooth may have solved mummy mystery. New York‬‬
‫‪University Press; 1868.‬‬ ‫‪Times. June 27, 2007.‬‬
‫‪13. Mavroudis AD. Diabetes mellitus in ancient Greek medical‬‬ ‫‪6.‬‬ ‫‪Dupras TL, Williams LJ, Willems H, Peeters C. Pathological‬‬
‫‪writings Aretaeus of Cappadocia, “On the causes and symptoms‬‬ ‫‪skeletal remains from ancient Egypt: The earliest case of diabe-‬‬

‫صفحة ‪ 9‬من ‪10‬‬


‫‪Vol. 2022(1), Art. 3‬‬ ‫الربيعان‪ ،‬المجلة العربية للبحث العلمي‬
20. Zajac J, Shrestha A, Patel P, Poretsky L. The main events in the of acute and chronic diseases 2.2”. Hellenic Diabetological
history of diabetes mellitus. In: Poretsky L, editor. Principles of Chronicles. 2018;31(2):63–65.
diabetes mellitus. New York: Springer Science; 2010. pp. 3–16. 14. Christopoulou-Aletra H, Papavramidou N. ‘Diabetes’ as
2012 ،‫ دار صادر‬:‫ بيروت‬.‫ شمس العرب تسطع على الغرب‬.‫ زيغريد‬،‫ هونكه‬.21 described by Byzantine writers from the fourth to the ninth
22. Hajar R. Al-Razi: Physician for all seasons. Heart Views. century AD: The Graeco-Roman influence. Diabetologia.
2005;6(1):39–43. 2008;51:892–896.
.‫م‬1020 ،‫ القانون في الطب‬.‫ الحسين بن عبد الله‬،‫ ابن سينا‬.23 15. Adams F. The extant works of Aretaeus, the Cappadocian.
‫ أكاديميا‬:‫ بيروت‬.‫ تاريخ التراث الطبي العربي اإلسالمي‬،‫ عبد الكريم‬،‫ شحادة‬.24 Primary source edition (Greek edition). London: Sydenham
Society; 1923.
2005 ،‫انترناشونال‬
16. Lakhtakia R. The history of diabetes mellitus. Sultan Qaboos
https://drive.google.com/file/d/1LOfWFuODKlAHzfOf2qvlGWF_
University Medical Journal. 2013;13(3):368–370.
tFXIEmdM/view
17. Adams F. The seven books of Paulus Aegineta. Vol. 1. London:
25. West JB. Ibn al-Nafis, the pulmonary circulation, and the Islamic
Sydenham Society; 1844.
golden age. Journal of Applied Physiology. 2008;105(6):1877–
18. Ni M. The yellow emperor’s classic of medicine: A new
1880.
translation of the Neijing Suwen with commentary. Boston:
26. Azar H. The sage of Seville: Ibn Zuhr, his time, and his medical
Shambhala Publications; 1995.
legacy. Cairo: American University of Cairo Press; 2008. 19. Ujii, Ryōsaku, Zhongjing Zhang, and Sadahiro Suzuki.
27. Rosner F. The medical legacy of Moses Maimonides. Jersey Kinki yōryaku kokujikai. Kōfu [Edo: Suhara Mohē ... [and 6
City, NJ: KTAV Publishing House; 1998. others], 1780. Print. https://catalog.nlm.nih.gov/discovery/
‫ مجلة‬.‫ النظام الصحي واإلغاثي في الدولة العثمانية‬.‫ قيس أحمد‬،‫ حميدى‬.28 fulldisplay?docid=alma9911799153406676&context=L
.2021 ‫ أبريل‬.1‫ ج‬50 ‫ العدد‬،‫الجامعة العراقية‬ &vid=01NLM_INST:01NLM_INST&lang=en&search_scope=
29. Son N, Son O. Eating habits of Ottoman sultans and its relation MyInstitution&adaptor=Local%20Search%20Engine&tab=
with the metabolic syndrome. International Ayurvedic Medical LibraryCatalog&query=any,contains,9911799153406676&sort-
Journal. 2015;3(4):986–994. by=date_d&facet=frbrgroupid,include,9042990017592538045&off

10 ‫ من‬10 ‫صفحة‬
Vol. 2022(1), Art. 3 ‫ المجلة العربية للبحث العلمي‬،‫الربيعان‬

You might also like