Professional Documents
Culture Documents
Kirill Dmitriev, Julia Hauser, and Bilal Orfali (eds), Insatiable Appetite: Food as
Cultural Signifier in the Middle East and Beyond, ix + 362 pp. Islamic History and
Civilization. Leiden; Boston: Brill, 2019. €49.00. Paperback. ISBN 978-90-04-41302-3.
ع ُقد مؤتمر ٌ في مدينة بيروت في شهر أي ّار عام 2016برعاية الأكاديمي ّة العربي ّة الألماني ّة للعلماء
الشباب في العلوم والإنساني ّات ( )AGYAوبالتعاون مع الجامعة الأميركي ّة ومعهد الشرق في
وبالأخص البلاد
ّ بيروت .تمحور المؤتمر حول موضوع الطعام في منطقة البحر الأبيض المتوسّ ط،
العربي ّة الإسلامي ّة ،ونوقشت فيه أبحاث عديدة تدور حول المعنى الحضاريّ والثقافيّ للطعام
ضمن نطاق زمنيّ واسع وتخصّ صات مختلفة .والكتاب موضوع عرضنا هو ثمرة هذا المؤتمر ،نشرته
مؤسّ سة بر يل الأكاديمي ّة عام .2019
دراسات كهذه عن الطعام –
ٍ ل العرض بترحيبي بنشر
وبمناسبة صدور الكتاب ،أودّ أن أسته ّ
بأيّ لغة كانت – بوصفه مؤشّر ًا حضار ًي ّا دا ًلّا على احتضان ثقافات الشرق الأوسط المتعدّدة
ك لموارد تساعد
للأطعمة لارتباطها الوثيق بأركان مجتمعاتها منذ نشوئها .فالطعام ليس مجر ّد استهلا ٍ
نفسي ّا وحضار ًي ّا يضجّ بالدلالات الظاهرة
ً على البقاء ،بل كان وما زال لقرون طو يلة مخزون ًا
والعميقة .فمن الدلالات الظاهرة للطعام في نشاطاتنا اليومي ّة تواصلنا على الموائد في البيوت
والمطاعم ،أو تبادلنا لوصفات إعداد الأطباق ،أو مديحنا لهذه أو تلك من التوابل ،والأعمق من
ذلك شعورنا بالانتماء لعوائلنا أو لمدننا وأوطاننا بمجر ّد ذكر صيام شهر رمضان مثل ًا ،أو دفاعنا عن
أصالة القهوة العربي ّة ،أو توكيدنا لعربي ّة الفلافل والحم ّص ،أو ما شابه ذلك .نعم ،نحن نتناول
الأطعمة لنعيش� ،لكنّ ما يدخل في توفيرها من موارد وخبرات وذكر يات وقصص هو جزء
من توار يخنا الفردي ّة والجمعي ّة ،وعنصر ٌ أصيل من عناصر هو ي ّاتنا وانتماءاتنا العديدة ،ديني ّة ًكانت
أو وطني ّة أو قومي ّة.
أدرك سكّان منطقة الشرق الأوسط هذه الحقيقة وحرصوا على تعميقها منذ القدم .هكذا
وصفات
ٍ حرص البابليّين في العراق القديم على التواصل حين دوّنوا في ألواحهم الطيني ّة
َ نفهم مثل ًا
لإعداد مجموعات من المروقات والمخبوزات المحشو ّة بالطيور وغيرها ،أو عادات العرب في القرون
الوسطى ومؤل ّفاتهم التي لا تُحصى ولا تُع َ ّد في كتب الطباخة وآدابها .لقد ترك هؤلاء جميع ًا لأبناء
جلدتهم ولغيرهم إرث ًا حضار ًي ّا ثمينًا ما زال إلى الآن يعني ا�لكثير لنا ،وبعد ما يزيد على آلاف
السنين من تاريخ كتابته ،ويثير فينا الفضول لمعرفة المزيد عنه .اختار منظّمو المؤتمر في محاولة موف ّقة
لإشباع بعض تلك الرغبات التي “لا تفنى” )” (“Insatiableست ّة َ محاور تقوم عليها بنية الكتاب،
وتدور حول مسائل حيو ي ّة ممتعة ومفيدة موزّعة على خمسة عشر فصل ًا:
.1يناقش المحور الأوّل موضوع الطعام بصفته فعالي ّة ً اجتماعي ّة ،والدور َ الذي يؤدّيه في
تمايز الهو ي ّات الثقافي ّة .يأخذنا الباحث طارق أبو حسين في أحد فصول الكتاب إلى دمشق
بالأخص ما يؤه ّل العالِم المثقّف أن يكون عضو ًا في زمرة ٍ
ّ في أوائل الحكم العثمانيّ ،ويناقش
فكر ي ّة ،وكيف يمي ّز نفسه عن النخب المدني ّة غير المتعلّمة وغيرها عن طر يق عادات تناول الطعام
وآداب المائدة .ومع قلّة المصادر المتاحة لنا اليوم للتعامل مع هذه القضايا في ذلك الزمان ،نجح
الفصل ح ً ّقا في متابعتها واستكشافها؛ إذ يفيد من َ
مؤل ّفَي المؤرّخ شمس الدين ابن طولون (ت
فص الخواتم عن الولائم والأعياد ،ومؤل ّفات
)1546/953مفاكهة الخل ّان في حوادث الزمان و ّ
أبي البركات الغز ّيّ في آداب الطعام في المجتمعات الراقية .ع ُرضت هذه القضايا بطر يقة مسلّية
وساخرة في بعض الأحيان.
يأخذنا فصل آخر �لكريستيان ساسمانسهاوزن ( )Christian Sassmannshausenإلى فترة
التغيير الاجتماعيّ والثقافيّ الذي طرأ على المجتمعات العربي ّة الحضر ي ّة في نهاية الحكم العثمانيّ.
فئات اجتماعي ّة معي ّنة عن البقي ّة بتكريس غرف خاصّة لتناول الطعام
ٌ وذلك حين تمي ّزت
مجهّزة بالأثاث الغربيّ الحديث كأسلوب حياة تم ّ الترويج له في مجل ّات ثقافي ّة-اجتماعي ّة مثل
ً
وهامشي ّا ً
شكلي ّا ن تلك التغييرات كان تأثيرها
“المقتطف ”.و�لكن يبدو من استنتاجات الباحثة أ ّ
ن الطعام العربيّ التقليديّ بقي على حاله إلى ح ّد كبير.
على الأغلب في حين أ ّ
خص الطعام في الإسلام منذ
.2يدور المحور الثاني حول المستحب ّات والمكروهات في ما ي ّ
القدم وحت ّى العصر الحاضر .تقدّم لنا الباحثة ياسمين أمين دراسة ً مفصّ لة عن البصل والثوم،
تجول فيها في أنحاء العالم الإسلاميّ وآدابه مقدّمة ً الحكايات والأمثال والأشعار التي يُذكر فيها
الثوم والبصل في رحلة مسلّية ح ً ّقا .السؤال الذي يطرحه الفصل هو :ما الذي يمكن أن ت�خبرنا
به هاتان المادّتان الغذائي ّتان البسيطتان – اللتان يعود تاريخ وجودهما إلى آلاف السنين – عن
المجتمعات الإسلامي ّة؟ وللحصول على إجابة ،يبحث الفصل في المواقف المتناقضة والمناقشات التي
الطب والصيدلة وآداب
ّ ضم ّتها النصوص العربي ّة القديمةكالحديث النبويّ والأدب الشعبيّ وكتب
الطعام (أي الإيتيكيت) .فرغم إشادة أطب ّاء العصر – أمثال الرازيّ (ت نحو – )925/313
بفوائدهما الصحّ ي ّة ،واعتماد الطب ّاخين عليهما لإضفاء نكهات محب ّبة لأطعمتهم ،تعر ّض البصل
والثوم للإدانة غالبًا في السياقات الاجتماعي ّة ،والجاني بالطبع ليس سوى رائحتهما النفّاذة .كُر ِه
ن شكلي البصل
لآكلي البصل النيء أو الثوم ،على سبيل المثال ،أن يدخلوا المساجد .و يُقال أيضًا إ ّ
سامراء (العراق).
ّ والثوم أث ّرا في العمارة الإسلامي ّة في سمرقند (إيران) وفي
المركز :مجلّة الدراسات العربيّة 256–227 (2022) 1 Downloaded from Brill.com03/03/2023 02:21:29PM
via free access
245 مراجعات ا�لكتب
تأخذنا كارين مخيبر إلى ما هو أبعد من الحكم الشرعيّ ،إلى أوضاع أسواق سور يا القروسطي ّة
وواجبات المحتسب كما جاءت في كتي ّب الشيزريّ (ت نحو ،)1094/590والتي لا تأخذ على
عاتقها تطبيق الشر يعة الإسلامي ّة فحسب و�لكن أيضًا إضفاء الشرعي ّة القانوني ّة والأخلاقي ّة على
ً
أخلاقي ّا في طبيعته، المسائل العملي ّة اليومي ّة .ومن ذلك إنتاج الغذاء الذي لم يكن قانون ًي ّا أو
وإعطاء نصائح حول استخدام أفضل دقيق في ال�خبز أو تعزيز نكهته وشكله عن طر يق نثر
ن أ ًي ّا من هاتين المسألتين لم يكن موضع خلاف في الشر يعة
البذور والتوابل عليه .من الواضح أ ّ
الإسلامي ّة ،و�لكنّهما تدلّان على اهتما ٍم بالصالح العامّ في الأمور المتعل ّقة بالنظافة والصح ّة.
في المقابل ،ينقلنا فصل الباحث شهيد طيوب ( )Shaheed Tayobإلى الوقت الحاضر،
خص منح إجازات الحلال في الإسلام .ويثير البحث قضي ّة ً مهمّة
وتحديد ًا إلى مسألة ٍ حيو ي ّة ت ّ
تتعل ّق بالسوق الإسلامي ّة المتخصّ صة وبالحاجة المتزايدة للحصول على تلك الإجازات من قبل
المنتجين للأغذية تلبية ً لطلبات السوق ،وهو مم ّا يعطي مثل ًا المسته�لكين في الولايات المت ّحدة خيار َ
شراء لحم الضأن الحلال المنتج في أستراليا ،ويمنح الحجّاج المسلمين في مك ّة إمكاني ّة تناول الدجاج
البراز يليّ الحلال في مطاعم الوجبات السر يعة .يؤكّد البحث أيضًا على الحاجة إلى توحيد معايير
الحلال من أجل تسهيل التجارة العالمي ّة ،و يقدّم مثال ًا مفصّ لًا عن الفتاوي العديدة التي صدرت
بخصوص مادّة الجلاتين.
.3نتعر ّف في المحور الثالث على القضايا المتعل ّقة بالطعام والجندر والجسد في أواخر القرن
التاسع عشر وبداية القرن العشرين .تتكلّم الباحثة آني جول ( )Anny Gaulعن خصائص المرأة
الجديدة في مصر في النصف الأوّل من القرن العشرين ،أو ما كان يُعرف بمصر “الأفندي ّة”،
وتتمث ّل نظر ًي ّا بالمرأة العصر ي ّة التي تمتلئ حيو ي ّة ً ونشاطًا ولا تؤمن بالخرافات ،وهي إلى ذلك زوجة ٌ
وأمّ ٌ بارعة تتقن واجباتها المنزلي ّة وتخلق بيئة ً شاعري ّة مثالي ّة لزوجها وأولادها .اختارت آني جول
الحياة الأسر ي ّة الحديثة في مصر في النصف الأوّل من القرن العشرين مثال ًا ،وقارنت الكتابات
التعليمي ّة التي أملت هذه النزعات بالأعمال الأدبي ّة التي صو ّرت الحياة العصر ي ّة الجديدة ،وذلك
ن المصادر
عن طر يق دراستها لدور الطعام والمطبخ في توفير السعادة المنزلي ّة .وتجادل الباحثة بأ ّ
تكشف عن قراءتين مختلفتين – وغالبًا ما تكونان متناقضتين – للتعبير عن العلاقة بين الطعام
والسعادة .جاءت الدراسة مفصّ لة ً ج ً ّدا وزاخرة بالمصادر والأمثلة المقتبسة من الروايات المصر ي ّة
التي تمث ّل الحياة العائلي ّة بواقعي ّةكروايات نجيب محفوظ (ت .)2006قد يجد القارئ هذا الفصل
مطوّل ًا ومع ّقدًا بعض الشيء في معالجته للموضوع ،و�لكن ّه بحث رائد في دراسة حياة المرأة
المصر ي ّة الحديثة وتفاعلها مع المجتمع عن طر يق موضوعة السعادة المنزلي ّة.
أمّا بحث كريستيان يونغه ( )Christian Jungeفيدور حول تجارب الفار ياق ،وهو الشخصي ّة
الرئيسة في الساق على الساق لكاتبه أحمد فارس الشدياق (ت )1887الصحفيّ اللبنانيّ وأحد
أه ّم الإصلاحيّين العرب والرحّالة اللامعين الذين سافروا إلى أوروبا .يرك ّز الفصل على تجارب
الفار ياق في تعامله مع العالم الخارجيّ بواسطة بارومتر أحاسيسه الجسدي ّة .الفصل ممتع ح ً ّقا
بقصصه الفار ياقي ّة العديدة التي تت ّسم بردود فعله القو ي ّة لما يحيط به من العالم الخارجيّ ،والتي
تتراوح بين السعادة المفرطة حين يشارك عروسته المآكل اللذيذة في رحلتهما النهر ي ّة في النيل
ق العدس وال�خبز اليابس الذي كاد
وآلام الجوع حين يشارك الرهبان العرب في جبل لبنان طب َ
أن يكل ّفه أسنانه .يُع َ ُ ّد الفم – في نظر يونغه – منطقة َ ات ّصال شفاهي ّة حيث يتم ّ تذوّق الثقافات
والمجتمعات المختلفة ،كأن يأخذ المرء جزءًا معي ّنًا من العالم في فمه و يفاوضه باللسان والأسنان
وحاسّ ة الذوق.
.4يعالج المحور الرابع قضايا المسكرات كالخمر والحشيشة في المصادر الأدبي ّة .يتناول كير يل
دمتر يف ( )Kirill Dmitrievالرمزي ّة َ في ذكر الخمر في أشعار أبي صخر الهذليّ (ت نحو )649/28
في العصر الأمويّ ،وتمث ّل أعماله المرحلة الانتقالي ّة للشعر العربيّ الذي كان يتمي ّز بالقيم المتجذّرة في
المجتمع العربيّ قبل الإسلام ثم ّ تبن ّى مفاهيم اجتماعي ّة جديدة مع ظهور الإسلام .يقدّم الفصل
تحليل ًا موجز ًا للاستعمالات الرمزي ّة للخمر ودلالاتها التي تحتوي على ذخيرة ٍ غني ّة من الصور
الشعر ي ّة الخمر ي ّة ،كأن يشب ّه الشاعر مثل ًا رضابَ الحبيبة بالخمر .وترد في الفصل لمحب ّي الشعر مادّة ٌ
صة بدراسة شعر الهذليّ.
غني ّة خا ّ
ومن الخمر ننتقل إلى “الحشيش والطعام” لدانيلو مارينو ( .)Danilo Marinoكان نبات
الق ُن ّب معروفًا منذ العصور القديمة في الشرق الأدنى؛ إذ ذُكرت فوائده الطب ّي ّة في سجل ّات
الأعشاب وجاءت باللغة الأكادي ّة القديمة لبلاد ما بين النهرين .و بحلول العصور الوسطى،
ع ُرفت هذه العشبة بأنّها مادّة ٌ تسب ّب الإدمان وتستحقّ الضرائب إلى جانب النبيذ والمزر (البيرة)
والدعارة ،وتدخل كل ّها ضمن فئة المنكرات كما ذكر المقريزيّ (ت )1442/845عن المماليك في
القرن الثالث عشر في القاهرة .أمّا عن بدايات استهلاك الحشيش في منطقة الشرق الأوسط
ن الصوفيّين كانوا أوّل من استعمله بديلًا للخمر المحر ّمة،
فت ُجمع المصادر المتوف ّرة كل ّها على أ ّ
وأطلقوا عليه لفظَيْ “حشيش” و”معجون ”.ويستعرض الفصل كذلك النقاشات التي دارت في
ذلك الوقت حول طبيعته المشكوك فيها وشرعي ّته .المصدر الرئيس الذي استخدمه الباحث هو
كتاب راحة الأرواح في الحشيش والراح من تأليف تقيّ الدين البدريّ (ت )1489/894في
ن الحشيش لم يكن يُد َ ّ
خن بل كان يؤكل حبوب ًا القرن الخامس للهجرة .ونعلم من كتاب البدريّ أ ّ
المركز :مجلّة الدراسات العربيّة 256–227 (2022) 1 Downloaded from Brill.com03/03/2023 02:21:29PM
via free access
247 مراجعات ا�لكتب
ومحض ّرات محل ّاة .وتُنسب أيضًا إلى البدريّ بداية جمع قصائد الحشيش وقصصه؛ إذ نجد في كتابه
بدايات وصف صورة الحشّاش التقليدي ّة التي تبن ّاها فيما بعد الأدب الفكاهيّ .وفي جميع القصص
التي يسردها البدريّ تقريبًا ،يُذكر الطعام ،وخاصّة ً الحلو يات ،كأحلام أَ كَلة الحشيش المصوِّرة
مصنوع بكامله من الحلو يات ،و يقارن دانيلو مارينو هذه الصورة بأرض كوكايين في ٍ لعال ٍم زاه ٍ
العالم الغربيّ القروسطيّ ،وببيت الحلوى في قصّ ة “هانسيل وجريتيل” الألماني ّة.
ينقلنا فصل إير يك درستيلير ( )Eric Durstelerإلى جنوب إسبانيا حيث ناقش بمهارة
وبتوثيق مفصّ ل فترة شائكة لوجود المسلمين ،الذين ُأطلق عليهم اسم “الموريسكيّين” وسُمح لهم
بالبقاء في تلك المنطقة بشرط تغيير ديانتهم إلى المسيحي ّة ،وذلك بعد طردِ أبناء جلدتهم منها من
قبل الجيوش الإسباني ّة .يناقش الفصل عن طر يق النظر في استهلاك النبيذ ولحم ال�خنزير في
هذه الفترة قضي ّة َ الأكل والشرب بصفتها وسيلة ً للتحقّق من هو ي ّة الموريسكيّين الديني ّة وصح ّة
ن لحم ال�خنزير – وهو جزء ٌ مه ّم ٌ من الطهي
ولائهم .ويت ّضح من التقارير والوثائق في ذلك الوقت أ ّ
ي الممارس – كان أبلغ من شرب الخمر في إثبات مسيحي ّة المورسكيّين ،سواء ٌ كانت
المسيح ّ
ن تجن ّب أكل لحم ال�خنزير يمث ّل هو ي ّة قو ي ّة فع ّالة عند المسلمين ومن
صادقة أم زائفة .وذلك أ ّ
ن المورسكيّين أقبلوا على شرب الخمر على أنّها
ل على أ ّ
الصعب تغييرها .أمّا شرب الخمر فالتقارير تد ّ
أهون الشرّينِ ،إلى أن لاحظت السلطات المسيحي ّة هذه الظاهرة وع َ ّدتْها مشكلة ً اجتماعي ّة من
الضروريّ السيطرة عليها.
.5ننتقل في المحور الخامس من الإباحة إلى الامتناع متمث ّلًا بالنزعات النباتي ّة ،و يعر ّفنا
فيه الباحث بدرو ريبيرو مارتنز ( )Pedro Ribeiro Martinsبالفيلسوف السوريّ الأصل
فرفوريس الصوريّ الذي عاش في القرن الثالث بعد الميلاد وكان أحد المؤسّ سين للأفلاطوني ّة
المحدثة .دعا فرفوريس إلى النباتي ّة بواسطة تحليلاته للحضارات المعاصرة له في كتابه الامتناع عن
أكل الحيوانات ( .)De abstinentia ab esu animaliumوتلي هذه المقالة َ مقالة ٌ للباحث
كيفن بلانكينشيب ( )Kevin Blankinshipعن الحوار الذي دار بين أحد أه ّم الشعراء
العرب الكلاسيكيّين أبي العلاء المعر ّيّ (ت )1058/449الذي عاش في سور يا في القرن الحادي
ن بحثه القي ّم الذي
عشر والشاعر والفيلسوف المؤي ّد في الدين الشيرازيّ (ت .)1078/470وإ ّ
يدور حول امتناع المعر ّيّ التامّ عن المنتجات الحيواني ّة لأسباب أخلاقي ّة يس ّد ثغرة ً في دراسة تاريخ
تلك النزعات النباتي ّة في الحضارة الإسلامي ّة.
وتتناول الباحثة جوليا هاوزر ( )Julia Hauserتاريخ النزعة النباتي ّة في القرن التاسع عشر في
أوروبا ،والتي تسمّيها “النباتي ّة المنظّمة ”،وتربطها بنظرة الأوروبي ّين الرومانتيكي ّة للشرق الأوسط
م ّدة َ الحكم العثمانيّ والتي أدّت دور ًا في تشكيل المناقشات في ألمانيا حول فضائل النباتي ّة .لقد
ن قلّة أكل اللحم في تلك المنطقة تعود إلى اهتمام السكّان بالصح ّة العامّة،
افترضت تلك النظرة أ ّ
ن قلّة أكل اللحم أو حت ّى عدمه
ومحاولتهم لإصلاح المجتمع وتفضيل العيش الاقتصاديّ ،وفاتَه ُم أ ّ
في الشرق الأوسط وفي أوروبا حينها كان سببه الرئيس هو الشدّة الاقتصادي ّة التي دعت ا�لكثير
من الناس إلى التقشّف.
.6الطعام في زمن القحط هو آخر مطافنا .يستعرض فصل الباحثة تيلور براند (Tylor
“ )Brandالبعض يأكل ليتذك ّر والبعض يأكل لينسى” بطر يقة مؤث ّرة المجاعات التي حل ّت في
ن الحرب العالمي ّة الأولى في محاولة لفهم المعاني الاجتماعي ّة والشخصي ّة التي اكتسبها
سور يا زم َ
الطعام واستهلاكه والحرمان منه في أثناء المجاعة لمن عاشها.
وأخير ًا ،وعلى ذكر المجاعات ،تنظر الباحثة لولا فيلهلم ( )Lola Wilhelmإلى برامج المساعدات
الغذائي ّة الدولي ّة في الشرق الأوسط بدءًا من تاريخ ما بين الحربين إلى الست ّينات من القرن
العشرين ،لا من وجهة نظر مانحيها و�لكن الجهات المتلقّية لها .وتتأمّل لولا فيلهلم أن تساهم
ي أعمق لإرث المساعدات الغذائي ّة وآثارها في العادات الغذائي ّة
دراسات كهذه “في فه ٍم تار يخ ّ
وثقافة الطهي والنسيجينِ الاجتماعيّ والاقتصاديّ للمجتمعات التي تأث ّرت بها”.
ج للاهتمام المتزايد الذي حظيت به دراسات الطعام في العقود الأخيرة
هذا الكتاب هو نتا ٌ
في مضمار العلوم الإنساني ّة والاجتماعي ّة .فللطعام دور كبير في عملي ّات التواصل الحضاريّ
ويدخل في صلب الثقافة المادّي ّة والتي من المفرح ح ّق ًا أن تسترجع مكانتها متمثّلة ً في دراسات
الطعام الجديدة.
و يُع َ ُ ّد توفير مصادر ثقافي ّة رصينة بلغات متعدّدة ركناً آخر في عملي ّات التواصل هذه .وبفضل
الترجمة أو الكتابة باللغة الإنكليز ي ّة ،كما هي الحال في كتابنا هذا ،تجد نصوص وكتابات في لغة ٍ ما
لغات وحضارات أخرى .لهذا أشعر بصفتي كاتبة ً ومترجمة ً لنصوص الطعام
ٍ حياة ً جديدة في
ودراسات في الطعام وكتب الطبخ ،ولا ب ّد
ٍ العربي ّة بالامتنان لمن ترجم و يترجم الآن كتبًا
من تواصل الجهود في هذا المضمار لتعميق فهمنا للثقافات الأخرى .لذلك أرحّب بهذا الكتاب
ي رائد في موضوعاته وسياقاته.
ي وعولم ّ
الجديد في الطعام لأن ّه جهد عالم ّ
وأذكر هنا كتاب ًا آخر رائد ًا من باب المقارنة ،صدر عام 1994وتناول دراسة الطعام في الشرق
حوث قُدّمت في مؤتم ٍر ع ُقد في مدرسة الدراسات
الأوسط باللغة الإنكليز ي ّة أيضًا ،وكان حصيلة ب ٍ
الشرقي ّة الإفر يقي ّة في لندن بعنوان “مذاق الزعتر” لمحر ّر يه سامي زبيدة وريتشارد تابر .وهو،
ككتابنا هذا ،ممتاز في تنفيذه ومناقشاته لشت ّى الأمور المتعل ّقة بالطعام ،و يغطّي بفصوله السبعة
المركز :مجلّة الدراسات العربيّة 256–227 (2022) 1 Downloaded from Brill.com03/03/2023 02:21:29PM
via free access
249 مراجعات ا�لكتب
عشر مناطق الشرق الأوسط ،وما زال مرجع ًا مه ًمّا للدارسين ومتعة ً للقارئ العامّ .أمّا كتابنا قيد
وبالأخص البلاد العربي ّة
ّ المراجعة ،فيقتصر بصورة رئيسة على منطقة البحر الأبيض المتوسّ ط
ن مأخذي الوحيد
الإسلامي ّة ،كما يوضح الدكتور الأرفه لي في مقدّمته .وأودّ القول بالمناسبة ،إ ّ
على هذا الكتاب هو عنوانه ،فالعنوان الذي اختير له يَع ِد بتغطية شاملة للشرق الأوسط وهذا
ما لا نجده بين دف ّتي الكتاب ،فقد غابت تركيا وإيران ودول الخليج والجزيرة العربي ّة والعراق
وغيرها ،ولم ت ُ َمث ّل منطقة الشمال الإفر يقيّ التي هي جزء ٌ حيويّ من حوض البحر الأبيض� .لكنّ
ل من الأحوال أهم ّي ّت َه ورصانة َ محتواه وكونه مصدر ًا رائد ًا في
هذا بالتأكيد لا ينتقص بأيّ حا ٍ
ميدانه ،وعسى أن تشحذ كتب رائدة كهذه شهي ّة َ الباحثين والناشرين للاتّ جاه إلى هذا النوع من
استقصاء البحوث ونشرها ،و يا حب ّذا باللغة العربي ّة التي سيكون لها بدون شكّ جمهور ٌ قارئ واسع
في البلدان الناطقة بها.
Nawal Nasrallah
Independent researcher, Iraq
nnasrallah@iraqicookbook.com