You are on page 1of 137

‫جامعة النجاح الوطنية‬

‫كلية الدراسات العليا‬

‫الُقربان في الشعر الجاهلي‬

‫إعداد‬
‫أحمد محمود جمعة أبو الهيجا‬

‫إشراف‬
‫أ‪.‬د‪ .‬إحسان الديك‬

‫قدمت هذه األطروحة استكماال لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في اللغة العربية‬
‫وآدابها في كلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطين‪.‬‬
‫‪2018‬‬
‫الُقربان في الشعر الجاهلي‬

‫إعداد‬
‫أحمد محمود جمعة أبو الهيجا‬

‫ُنوقشت هذه األطروحة بتاريخ ‪2018/1/22‬م‪ ،‬وأُجيزت‪.‬‬

‫التوقيع‬ ‫أعضاء لجنة المناقشة‬

‫‪...................................‬‬ ‫‪ ‬أ‪.‬د‪ .‬إحسان الديك ‪ /‬مشرفاً رئيساً‬

‫‪...................................‬‬ ‫‪ ‬د‪ .‬محمود نعامنه ‪ /‬ممتحناً خارجياً‬

‫‪...................................‬‬ ‫‪ ‬د‪ .‬عبد الخالق عيسى ‪ /‬ممتحناً داخلي ًا‬


‫ب‬
‫اإلهداء‬
‫إلى كل من وقفوا بجانبي‬

‫إلى أبي‬
‫ذلك النبع الصافي‬
‫إلى أمي‬

‫تلك الشجرة التي ال تذبل‬


‫إلى أخوتي وأصدقائي‬
‫الذين آوي إليهم في كل حين‬
‫أهدي ثمرة هذا الجهد المتواضع‬

‫ج‬
‫الشكر والتقدير‬
‫بعد حمد هللا والثناء عليه‪،‬‬
‫أتقدم بالشكر الجزيل من مشرفي على الرسالة األستاذ الدكتور إحسان الديك‪ ،‬الذي أحاطني‬
‫برعايته العلمية واإلرشادية في مراحل رسالتي جميعها‪.‬‬
‫كما أتقدم بعظيم الشكر من عضوي لجنة المناقشة؛ تقدي ار مني واعترافا بفضلهم في تقويم ما‬
‫اعوج من رسالتي‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأتق ّدم بالشكر من الصديق أحمد الخولي الذي وقف إلى جانبي دوما‪.‬‬
‫وأتقدم بالشكر الجزيل إلى كل من أسهم أو ساعد في إنجاز هذه الرسالة‪.‬‬

‫د‬
‫اإلقرار‬
‫أنا الموقع أدناه مقدم الرسالة التي تحمل عنوان‪:‬‬

‫الُقربان في الشعر الجاهلي‬

‫أقر بأن ما اشتملت عليه هذه الرسالة‪ ،‬إنما هي نتاج جهدي الخاص‪ ،‬باستثناء ما تمت‬
‫اإلشارة إليه حيثما ورد‪ ،‬وأن هذه الرسالة ككل‪ ،‬أو أي جزء منها لم يقدم من قبل لنيل اي درجة علمية‬

‫أو بحث علمي أو بحثي لدى أي مؤسسة تعليمية أو بحثية أخرى‪.‬‬

‫‪Declaration‬‬
‫‪The work provided in this thesis unless otherwise referenced, is the‬‬
‫‪researcher’s own work, and has not been submitted elsewhere for any other‬‬
‫‪degree or qualification.‬‬

‫‪Student’s Name:‬‬ ‫اسم الطالب‪ :‬أحمد محمود جمعة أبو الهيجا‬

‫‪Signature:‬‬ ‫التوقيع‪:‬‬

‫‪Date:‬‬ ‫التاريخ‪2018/1/22 :‬‬

‫ه‬
‫فهرس المحتويات‬
‫اإلهداء ‪ ......................................................................................‬ج‬

‫الشكر والتقدير ‪ ...............................................................................‬د‬

‫اإلقرار ‪ ......................................................................................‬ه‬

‫فهرس المحتويات‪ .............................................................................‬و‬

‫الملخص‪ .....................................................................................‬ح‬

‫المقدمة ‪1 ...................................................................................‬‬

‫الفصل األول‪3 .................................................................................‬‬

‫القربان في الموروث القديم‪3 ....................................................................‬‬

‫تمهيد ‪4 .....................................................................................‬‬

‫المبحث األول‪7 .............................................................................‬‬

‫القربان في موروث األمم القديمة ‪7 ...........................................................‬‬

‫المبحث الثاني ‪23 ..........................................................................‬‬

‫القربان في الموروث الجاهلي ‪23 ............................................................‬‬

‫الفصل الثاني ‪52 ..............................................................................‬‬

‫أنواع القرابين في الشعر الجاهلي ‪52 ............................................................‬‬

‫المبحث األول‪57 ...........................................................................‬‬

‫القرابين البشرية‪57 ..........................................................................‬‬

‫المبحث الثاني ‪64 ..........................................................................‬‬

‫القرابين الحيوانية ‪64 ........................................................................‬‬

‫المبحث الثالث ‪80 ..........................................................................‬‬

‫القرابين النباتية ‪80 ..........................................................................‬‬

‫و‬
‫المبحث الرابع‪86 ...........................................................................‬‬

‫قرابين أخر‪86 ..............................................................................‬‬

‫الدمى‪86 ...................................................................... :‬‬


‫التماثيل أو ّ‬
‫الفصل الثالث ‪93 ..............................................................................‬‬

‫مواضع ورود القربان في الشعر الجاهلي ‪93 ....................................................‬‬

‫الخاتمة ‪113 ...............................................................................‬‬

‫المصادر والمراجع‪115 ........................................................................‬‬

‫‪B...................................................................................Abstract‬‬

‫ز‬
‫الُقربان في الشعر الجاهلي‬
‫إعداد‬
‫أحمد محمود جمعة أبو الهيجا‬

‫إشراف‬
‫أ‪.‬د‪ .‬إحسان الديك‬

‫الملخص‬

‫يدور هذا البحث حول "الُقربان في الشعر الجاهلي"‪ ،‬وقد جاء في مقدمة‪ ،‬وثالثة فصول‪ ،‬وخاتمة‪،‬‬
‫عرضت في المقدمة إلى أسباب اختيار هذا االعنوان‪ ،‬والى أهم المصادر والمراجع التي سيتركز‬

‫عليها‪ ،‬وجعلت الفصل األول في تمهيد ومبحثين‪ ،‬تحدثت في التمهيد عن مفهوم القربان في اللغة‬
‫ظموا هذا‬
‫العربية‪ ،‬وتحدثت في المبحث األول عن القربان في الموروث اإلنساني‪ ،‬فوجدتهم قد ع ّ‬
‫الدرع الحامي من غضب اآللهة‪ ،‬ويعطي مقدم القرابين مكانة‬
‫ويعد ّ‬
‫يقرب العبد من ربه‪ّ ،‬‬
‫العمل؛ ألنه ّ‬
‫اجتماعية مميزة بين الناس‪.‬‬
‫ولم أجد نظرة الجاهليين في المبحث الثاني "القربان في الموروث الجاهلي" تختلف كثي ار عن نظرة‬
‫األمم األخرى له‪ ،‬حيث تكاد تتطابق نظرتهم إليه مع نظرة تلك األمم‪ ،‬وخلصت إلى أن البشر بعامة‬
‫سيحل عليهم غضب اآللهة وسخطها‪ ،‬فكان القربان‬
‫ّ‬ ‫عليهم واجبات تجاه آلهتهم‪ ،‬وعليهم تأديتها‪ ،‬وا ّّل‬

‫هو ذلك الشيء المحبب لإللهة‪ ،‬وهو سبيل األمن والسالم‪.‬‬


‫أما الفصل الثاني‪ ،‬فقد تناولت فيه أنواع القرابين في الشعر الجاهلي حيث شهدت عملية تطور‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫يقدمون فيها بناتهم للوأد ‪ّ ،‬‬
‫ثم القرابين‬ ‫ملحوظة‪ ،‬فتدرجت من القرابين البشرية التي كان الجاهليون ّ‬
‫انية‪ ،‬وبعدها القرابين النباتية‪ ،‬وجاء هذا بعد أن قطع الفكر الديني الجاهلي مسيرة طويلة من‬
‫الحيو ّ‬
‫التطور والنضج ‪.‬‬
‫وبينت عالقة الُقربان بهذه‬
‫وفي الفصل الثالث‪ ،‬تناولت مواضع ورود الُقربان في الشعر الجاهلي‪ّ ،‬‬
‫المقدس‪ ،‬والقربان والخمر‪ ،‬والقربان وحلف‬
‫الدم‪ ،‬والقربان والبغاء ّ‬
‫فتحدثت عن القربان وسفح ّ‬
‫المواضع‪ّ ،‬‬

‫ح‬
‫النذور‪ ،‬والقربان والهدايا‪ ،‬والقربان والتّرجيب‪ ،‬والقربان والحج‪ ،‬والقربان وخدمة الصنم‬
‫األيمان‪ ،‬القربان و ّ‬
‫والضيافة‪.‬‬
‫وفي الخاتمة أجملت ما توصلت إليه في دراستي من نتائج‪ ،‬وأتبعتها بثبت المصادر والمراجع‪.‬‬

‫ط‬
‫المقدمة‬

‫كل األشياء تموت بانقضاء زمنها‪ ،‬ولها صالحية تصبح بعدها بال جدوى‪ّ ،‬إّل ثقافة األمم وآدابها‪،‬‬
‫فهي ّل تفنى وّل تنتهي‪ ،‬إذ األجيال تختزنها في الالوعي‪ ،‬كيف ّل وهي نتاج أجيال وأجيال‪ ،‬وخالصة‬
‫تاريخ وأمة‪ ،‬صاغها الشعراء في شعرهم قصائد حية بمعانيها وصورها‪ ،‬وأسكنوا فيها مشاعرهم‬
‫وأحاسيسهم وأمنياتهم‪.‬‬
‫وألن الشعر الجاهلي المثال الذي احتذاه الشعراء الالحقون في قصائدهم‪ ،‬وألنه التراث الخالد ألمة‬

‫عظيمة كان وما يزال مدعاة فخرها؛ كانت الرغبة حقيقية في أن يكون القربان في الشعر الجاهلي هو‬
‫موضوع هذه الدراسة؛ لقداسته عند القدماء‪ ،‬وحضوره إلى يومنا هذا‪ ،‬فرأيت أنه حر ّي بالدراسة؛‬
‫لتوضيح هذا الدور الذي لعبه في حياة األمم بعامة‪ ،‬وحياة العرب بخاصة‪.‬‬

‫المتدين‬
‫ّ‬ ‫يعد جزءا مهما من عبادة األمم القديمة‪ ،‬والعالمة الفارقة عندهم للدين‪ ،‬فالرجل‬
‫والُقربان ّ‬
‫الروحي من الحياة بل الجانب‬
‫ولما كان اإلنسان القديم ّل يدرك الجانب ّ‬
‫للقربين‪ّ ،‬‬
‫عندهم أكثرهم تقديما ا‬

‫المادي منها أصبحت القرابين أبرز العبادات وأهمها في حياتهم‪ ،‬فهي أهم من الصلوات مثال‪.‬‬
‫ّ‬
‫يستحق الدراسة والبحث‪ ،‬فعكفت على ذلك المخزون‬
‫ّ‬ ‫ألن الُقربان هكذا‪ ،‬فقد وجدته موضوعا‬
‫و ّ‬
‫الشعري الجاهلي‪ ،‬أنهل منه‪ ،‬وأستقي منه ما يتصل بدراستي‪.‬‬
‫أستعد لهذا البحث تساؤّلت عديدة؛ منها‪ :‬ما األسباب التي تدفع اإلنسان‬
‫ّ‬ ‫وكان في ذهني وأنا‬

‫عز وأغلى ما يملك قربانا لآللهة؟ وكيف كانت نظرة القدامى إلى القرابين؟ والى أي مدى‬
‫إلى تقديم أ ّ‬
‫تنسجم هذه النظرة مع عقائد األمم القديمة؟ وما مراحل تطور هذه القرابين؟ لماذا اقتصرت القرابين‬
‫على أنواع محددة من الحيوانات كالكبش والبقرة والناقة؟ وما أثر هذه القرابين في شعر الشع ارء‬

‫الجاهليين؟ وما مواضع ورود الُقربان في الشعر الجاهلي؟‬


‫عرف إلى نظرة الشعوب القديمة للقرابين‪ ،‬والمقاربة‬
‫ولإلجابة عن هذه التساؤّلت كان ّلبد من التّ ّ‬
‫بينها ونظرة الجاهليين‪ ،‬وّل يكون ذلك ّإّل بالعودة إلى المصادر والمراجع التي تحتوي في طياتها تلكم‬

‫أهم هذه المصادر والمراجع‪:‬‬


‫النظرة‪ ،‬وكان ّ‬

‫‪1‬‬
‫محمد جواد علي‪ ،‬وبلوغ األرب في معرفة أحوال‬
‫المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم للدكتور ّ‬
‫ّ‬
‫العرب لآللوسي‪ ،‬والقربان في الجاهلية واإلسالم لوحيد السعفي‪ ،‬إضافة إلى المجاميع الشعرية‪ ،‬والكتب‬
‫التفسيرية التي كان أهمها‪ :‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل في وجوه التأويل‬
‫للزمخشري‪ ،‬ومفاتيح الغيب للرازي‪ ،‬والجامع ألحكام القرآن للقرطبي‪ ،‬إضافة إلى المعاجم العربية‪.‬‬
‫وقد اعتمدت في دراستي المنهج األسطوري أساسا‪ ،‬واتكأت على المناهج األخرى حيث جاءت‬
‫الدراسة وصفية تحليلية تاريخية‪ ،‬وأفدت من األساطير والمعتقدات والنقوش القديمة‪.‬‬
‫ّ‬
‫مقدمة وثالثة فصول وخاتمة؛ وقفت في التمهيد على مفهوم القربان في اللغة‬
‫وقد جاء البحث في ّ‬
‫العربية‪ ،‬وتناولت في المبحث األول‪ :‬القربان في موروث األمم القديمة‪ ،‬وفي المبحث الثاني‪ :‬تناولت‬
‫الُقربان في الموروث الجاهلي‪ ،‬وبينت مدى تأثره بمعتقدات األمم القديمة وطقوسهم‪.‬‬

‫الجاهلية‪ ،‬إذ تطورت من القرابين‬ ‫وقد تناولت في الفصل الثاني مراحل تطور القرابين في ِ‬
‫الحْقبة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مادية أخرى حصرناها‬
‫البشرية إلى القرابين الحيوانية‪ ،‬وصوّل إلى القرابين النباتية‪ ،‬إضافة إلى قرابين ّ‬
‫في مبحث خاص بها‪.‬‬
‫وقد خصصت الفصل الثالث للحديث عن مواضع ورود القربان في الشعر الجاهلي‪ ،‬وبيان عالقة‬
‫الدم‪ ،‬والبغاء المقدس‪ ،‬والخمر‪ ،‬وحلف األيمان‪ ،‬والنذور‪ ،‬والهدايا‪،‬‬
‫القربان بهذه المواضع‪ ،‬كسفح ّ‬
‫والترجيب‪ ،‬والحج‪ ،‬وخدمة الصنم والضيافة‪.‬‬

‫وفي الخاتمة سجلت خالصة الدراسة وأهم النتائج التي توصلت إليها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الفصل األول‬
‫القربان في الموروث القديم‬

‫المبحث األول‪ :‬القربان في موروث األمم القديمة‬


‫المبحث الثاني‪ :‬القربان في الموروث العربي القديم‬

‫‪3‬‬
‫تمهيد‬
‫ويتميز الذي ينفعه من الذي‬
‫ّ‬ ‫ُوجد اإلنسان القديم في أرض يجهلها‪ ،‬وأخذ يتلمس ما حوله‪،‬‬
‫يضره‪ ،‬فوجد الشمس توفر له الدفء‪ ،‬فعبدها‪ ،)1‬ولكن سرعان ما عبد غيرها لغيابها‪ ،‬فعبد القمر‪)2‬؛‬
‫لنوره ليال‪ ،‬ولتعدد أشكاله‪ ،‬ولتجدده المستمر‪ ،‬وعبد الكواكب والنجوم واألجرام السماوية‪ ،‬وعبد النباتات‬
‫واألشجار‪ ،‬وعبد الحيوان واإلنسان‪.‬‬
‫ثم أخد يربط بين الزّلزل والبراكين والفيضانات وغيرها‪ ،‬وغضب اآللهة‪ ،‬ومدى تأثيرها فيه‪،‬‬
‫ّ‬
‫يحل به من مصائب وكوارث‪ ،‬مسلط ومقصود‪ ،‬وليس‬ ‫أن كل ما ّ‬ ‫فوجد أنه صغير أمامها‪ ،‬واعتقد ّ‬
‫محض صدفة‪ ،‬ولذلك سعى جاهدا إلى إرضاء هذه القوى الطبيعية العاتية‪ ،‬فعبدها وأصبحت آلهة‬
‫قرب منها ما استطاع سبيال‪.‬‬
‫يقدم لها قرابين‪ ،‬ليت ّ‬
‫له‪ّ ،‬‬
‫عد القربان ‪-‬منذ القدم‪ -‬أساس الحياة‪ ،‬فهو هدية العبد لإلله المعبود‪ُ ،‬يبعده عن األذى‬
‫ولذلك ّ‬
‫الموعود‪ ،‬وبه تبدأ حياة المولود‪ ،‬وهو الذي يحفظها‪ ،‬وقد رأى اإلنسان القديم أن في القربان الحياة‪،‬‬
‫مفر منه‪ ،‬وكان يركز في تقديم القرابين على سفك الدم‪ّ ،‬لعتقاده أن اآللهة‬
‫وهو عنصر عزيز ّل ّ‬
‫الدم‪.3‬‬
‫تشرب من دم الضحية‪ ،‬وأنها ّل تهدأ وّل تستجيب لطلب اإلنسان إّل بشرب هذا ّ‬
‫أحب الوجبات لآللهة على‬
‫أن الضحية ضحية دم ّل ضحية لحم‪ ،‬وأن الدم ّ‬ ‫ومن هنا نستدل ّ‬
‫ولما كان اإلنسان مؤمنا بأن هذه اآللهة لها دور رئيس في الحفاظ على نظام الكون السائد‪،4‬‬
‫اإلطالق‪ّ ،‬‬
‫جاد بما يملك‪ ،‬ولم يبخل عليها‪.‬‬
‫تخيالتهم القائمة عن وحشية اآللهة‪ ،‬والهمجية الدينية‪ ،‬المتأتية من الخوف‬
‫وهذه الفكرة ناتجة عن ّ‬
‫سيد‪ ،‬له من عباده واجبات وهدايا‪ ،‬بتقديمها يحصلون على ال ّرضا والخير والبركة‬ ‫‪5‬‬
‫منها ‪ ،‬وأن اإلله ّ‬
‫والسالم‪ ،‬ومن غير سفك الدم ّل أمن وّل استقرار‪.6‬‬

‫‪ )1‬نجد األمر نفسه عند العرب‪ ،‬فيقول اهلل تعالى‪{ :‬وجَدْتُها وقومَها يسْجُدون للشمسِ من دون اللِ} سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪.24‬‬

‫‪ )2‬ويقول أيضا‪{ :‬ال تَسْجُدوا للشمسِ وال لِلْقَمَرِ‪ ،‬واسجدوا لِلّه الذي خَلَقَهُن}‪ ،‬سورة ُفصَل ْت‪ ،‬اآلية ‪.37‬‬
‫‪ )3‬الباش‪ ،‬حسن السهلي‪ :‬المعتقدات الشعبية‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬دار الجليل‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.256‬‬
‫‪ )4‬ألبديل‪ ،‬م‪.‬ف‪ :‬سحر األساطير (دراسة في األسطورة والتاريخ والحياة)‪ ،‬ترجمة حسان ميخائيل إسحق‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬دار عالء‬
‫الدين‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪.162‬‬
‫‪ )5‬الخطيب‪ ،‬محمد‪ :‬الدين واألسطورة عند العرب في الجاهلية‪ ،‬دمشق‪ :‬دار عالء الدين‪2004،‬م‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫‪ )6‬كنتينو‪ ،‬جورج‪ :‬الحضارة الفينيقية‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪.‬عبد الهادي شعيرة‪ ،‬مراجعة د‪ .‬طه حسين‪( ،‬د‪،‬ط)‪ ،‬مصر‪ :‬الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب‪ ،1997 ،‬ص‪.159‬‬
‫‪4‬‬
‫القربان لغة‪:‬‬
‫وتقرب إلى هللا بشيء‪ ،‬أي طلب به الُقربة‬
‫قربت هلل قربانا‪ّ ،‬‬
‫قرب إلى هللا‪ ،‬تقول‪ّ :‬‬
‫بالضم‪ :‬ما ّ‬
‫الُقربان ّ‬
‫عنده تعالى‪ ،‬وَفِي التَّ ْنزِيلِ الْ َعزِيزِ‪ { :‬وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا }‪ .1‬وكان قربان األمم‬

‫السالفة ذبح البقر‪ ،‬والغنم‪ ،‬واإلبل‪.‬‬


‫الدنو إلى‬
‫وقد دلت كلمة قربان في اللغة العربية على معان متعددة‪ ،‬وان التقت في معظمها على ّ‬
‫‪2‬‬
‫يتقرب به العبد إلى اإلله المعبود من ذبيحة‪ ،‬سواء كانت‬
‫الشيء ‪ ،‬والتقارب بين اثنين‪ ،‬فالقربان هو ما ّ‬
‫المقدس‬
‫بشرية أو حيوانية أو نباتية أو غيرها‪ ،‬فقربان األمم القديمة ذبح اإلبل‪ ،‬والبقر‪ ،‬والغنم‪ ،‬والقربان ّ‬
‫القداس من الخمر والخبز‪ ،‬وقربان الملك أي جليس الملك‬
‫عند المسيحيين هو ما يقدسه الكاهن في ّ‬
‫‪3‬‬
‫السادة‪ ،‬لهم مكانة ومنزلة في أهلهم‪ ،‬يقربهم الملك من عرشه ومجلسه‪،‬‬
‫وخاصته ‪ ،‬فلكل ملك طبقة من ّ‬
‫ودنوهم من سريره؛ لنفاستهم وجاللتهم‪.)4‬‬
‫وقد سميت هذه الطبقة ب (قرابين الملك)‪ ،‬لقربهم ّ‬
‫وفي ذات المعنى من الدنوّ والتقارب‪ ،‬يقال أقربت الحامل‪ :‬أي دنا موعد والدتها‪ ،‬وقارب‬
‫اإلناء‪ :‬أي دنا موعد امتالئه‪ ،‬وقاربه الرأي‪ :‬داناه في الرأي‪ ،‬واقترب القوم‪ :‬دنا بعضهم من بعض‪،‬‬
‫وتقاربا‪ :‬أي دنا كل منهما من اآلخر‪ ،‬وتقرّب إليه‪ :‬أي حاول الدنوّ منه وتوسّل إليه‪ ،‬واسْتقربه‪ :‬عدّه‬
‫قريبا‪ ،‬أو طلب أن يكون قريبًا‪ ،‬والتقرّبات‪ :‬مثل‪ :‬ظهرت تقربات الماء‪ :‬تباشيره‪ ،‬وهي حصى صغار‪،‬‬
‫إذا رآها مستنبط الماء استدلّ بها على قربه‪ ،‬والقارب‪ :‬أي الزّورق؛ لقرْب الخشب من بعضه‪،‬‬
‫المكوّن له‪ ،‬والقراب‪ :‬القريب من‪ ،‬فيقال‪ :‬ما هو بماء وال قراب ماء‪ :‬ال قريب من ماء‪ ،‬والقرابة‪ :‬أي‬
‫الدنوّ في النسب‪ ،‬فتقول‪ :‬فالن قرابتي‪ :‬ذو قرابة مني‪ ،‬والقربة‪ :‬ظرف من جلد‪ ،‬تستخدم لحفظ الماء‬
‫أو اللبن ونحوهما‪ ،‬والمقربة‪ :‬الفرس أو الناقة ونحوهما؛ إذ هي قريبة من اإلنسان‪ ،‬معدّة للركوب‪.5‬‬
‫واذا عدنا إلى القرآن الكريم نجدها تدل على معان مختلفة‪ ،‬فقد تدل على معنى القرب المكاني‪،‬‬
‫مثل قوله تعالى‪ { :‬إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا }‪ ،6‬وهنا ينفي القرآن‬

‫الكريم التقارب بين اثنين‪ ،‬المشركين والمسجد الحرام‪ ،‬وهناك قرب زماني‪ ،‬مثل قوله تعالى‪ { :‬وَإِنْ‬

‫‪ )1‬سورة المائدة‪ ،‬آية ‪.27‬‬


‫‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار صادر‪ ،‬مادة (قرب)‪.‬‬
‫‪ )3‬تاج العروس‪ ،‬مادة ( قرب)‪.‬‬
‫‪ )4‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬بيروت‪ :‬دار العلم للماليين‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ج‪.295/9‬‬
‫‪ )5‬مرتضى الزبيدي‪ :‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬مادة (قرب)‪.‬‬
‫‪ )6‬سورة التوبة‪ ،‬آية ‪.28‬‬
‫‪5‬‬
‫أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ }‪ ،1‬والقرب هنا بين المشركين وموعد عذابهم‪ ،‬ويكون القرب أيضا في‬

‫النسب‪ ،‬لقوله تعالى‪ { :‬لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ }‪،2‬‬

‫ظ َوة‪ ،‬إذ يقول هللا‪{ :‬‬


‫الح ْ‬
‫بقرب ُ‬
‫والقرب هنا بين الرجل وورثته‪ ،‬ومثلها فالن قريبي‪ ،‬وهناك ما يسمى ْ‬
‫فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِنيَ (‪ )88‬فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيم }‪ ،3‬وهو عندما يكون إنسان قريبا من إنسان آخر‪،‬‬

‫ويحتل عنده مكانة مرموقة‪ ،‬بإمكانه أن يتصل به متى شاء‪ ،‬ويبوح له بكل شيء‪ .‬وقد تستخدم في‬
‫التشديد في النهي عن األمر‪ ،‬فيقال‪ّ :‬ل تقربه‪ ،‬وفي قوله تعالى‪ { :‬وَال تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ } ‪ ،)4‬وّل‬

‫تقرب زوجتك‪ ،‬أي ّل تجامعها‪ ،‬لقوله تعالى‪ { :‬وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}‪.)5‬‬

‫يقدمه اإلنسان من األشياء أو األبناء‬


‫ديني‪ ،‬وهو كل ما ّ‬ ‫أما القربان اصطالحا ‪ :)6‬فهو اصطالح‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫قرب من خالله إلى اإلله المعبود‪ ،‬وتعظيما‬
‫يقدمها العبد لرّبه‪ ،‬بقصد الت ّ‬
‫هدية‪ّ ،‬‬
‫أو الحيوان أو النبات ّ‬
‫له‪ ،‬لنيل رضاه‪ ،‬وتجنبا ألذاه‪ ،‬أو تعبي ار عن الشكر واّلعتراف بفضل اإلله عليه‪.‬‬

‫والقربان من أهم الشعائر الدينية التي يستخدمها اإلنسان‪ ،‬لتجنب أذى الطبيعة‪ ،‬فهو مؤمن بأن‬
‫الزالزل والبراكين والرياح العاتية مقصودة‪ ،‬وليست بمحض الصدفة‪ ،‬فبدأ بعبادة كل ما هو ضار‬
‫أو نافع من القوى الطبيعية كالشمس والقمر‪ ،‬وبقية األجرام السماوية‪ ،7‬وأصبحت آلهة له‪ ،‬يقدم لها‬
‫القرابين‪ ،‬ليتقرب منها ما استطاع سبيال‪.‬‬

‫‪ )1‬سورة األنبياء‪ ،‬آية ‪.109‬‬


‫‪ )2‬سورة النساء‪ ،‬آية ‪.7‬‬
‫‪ )3‬سورة الواقعة‪.89 ،‬‬
‫‪ )4‬سورة األعراف‪ ،‬آية ‪.19‬‬
‫‪ )5‬سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.222‬‬
‫‪ )6‬الهاشمي‪ ،‬طه‪ :‬تاريخ األديان وفلسفتها‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬منشورات دار مكتبة الحياة‪1963 ،‬م‪ ،‬ص‪.220‬‬
‫‪ )7‬القمني‪ ،‬سيد محمد‪ :‬األسطورة والتراث‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ ،‬سينا للنشر‪1993 ،‬م‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫‪6‬‬
‫المبحث األول‬

‫القربان في موروث األمم القديمة‬

‫الحضارة اإلنسانية ضاربة في القدم‪ ،‬والقربان يالزم الجانب الديني منها‪ ،‬بل تأخذ الحضارة‬
‫ميزتها عن غيرها بالقربان والدين‪ ،‬والمتتبع للحضارات يشير إلى أولوية الحضارة النيوليتيّة‪ ،1‬وفيها‬
‫انتقل اإلنسان تدريجيا من مرحلة صيد الحيوانات إلى تدجينها‪ ،2‬ومارس العبادة والكهانة‪ ،3‬وبنى‬
‫المعابد على أساس المعتقد الزّراعي‪ ،‬وأخذ يقدّم القرابين لإللهة الواحدة (األرض‪ /‬عشتار)‪ ،‬وهي‬
‫األم الكبرى واألنوثة الكبرى‪ ،‬المعبودة روحيا مهما اختلفت أسماؤها‪.4‬‬
‫والحديث عن القُربان هو الحديث عن عشتار‪ ،‬والحديث عن عشتار هو الحديث عن القربان‪،‬‬
‫فطقوس تقديم القرابين كلّها مورست حول عشتار‪ ،‬ومن أجل عشتار التي بنت بروحها الهيكلية‬
‫األولى للحضارة اإلنسانية األولى‪ ،‬وهذا ما أكّده األستاذ فراس السّواح‪ ،‬في قوله‪" :5‬البحث عنها‬
‫بحث عن األسطورة األولى والديانة المركزية األولى"‪.‬‬
‫وتنتقل عشتار في قلوب النّيولتيّين إلى جزيرة كريت‪ ،‬وتظلّ اإللهة األولى المعبودة‪ ،‬ولها‬
‫تقدّم العذارى طقوس الجنس قبل أن تقدَم لألزواج " طقوس البغاء المقدّس في بابل"‪ ،6‬وتحت كنفها‬
‫ورعايتها تقدّم القرابين جميعها‪.7‬‬

‫‪ )1‬الحضارة النيوليتية‪ :‬الحضارة الزراعية (‪4500‬ق‪.‬م – ‪ 8500‬ق‪.‬م)‪ ،‬وقد تحول اإلنسان من القبوع في الكهوف إلى الزراعة‪،‬‬
‫وأحدث ما يسمى بالثورة الزراعية‪.‬‬
‫‪ )2‬السواح‪ ،‬فراس‪ :‬لغز عشتار األلوهية المؤنثة وأصل الدين واألسطورة‪ ،‬قبرس‪ :‬سومر للدراسات والنشر والتوزيع‪1985 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.17‬‬
‫‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ )4‬عشتار هي (نمو) أو (إنانا) عند السومريين‪ ،‬و(إستير) العبرّية في أسفار العهد القديم‪ ،‬و(إيزيس) عند المصريين‪ ،‬و(عناة)‬
‫و(العزى) عند العرب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عند الكنعانيين‪ ،‬و(ديمتر) عند اإلغريق‪( ،‬ميليتا) عند األشوريين‪ ،‬و(الالت)‬
‫ينظر‪ :‬السواح‪ ،‬فراس‪ :‬لغز عشتار‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪ )6‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫‪ )7‬باقر‪ ،‬طه‪ :‬مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة (الوجيز في تأريخ حضارة وادي الرافدين)‪ ،‬ط‪ ،2‬العراق‪ :‬دار الشؤون الثقافية‬
‫العامة‪1986 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.68‬‬
‫‪7‬‬
‫والحضارة السومرية عريقة جدا؛ فقد وُجد في مواقع ديالي األثرية أختام أسطوانية‪ ،‬رسمت‬
‫عليها أشكال الزواج اإللهي المقدّس‪ ،‬وطقوس الوالئم‪ .1‬وقد بالغ السومريون في تقديم القرابين‬
‫آللهتهم العتقادهم أن اإلنسان خلق خدمة لآللهة‪ ،‬وقد خلقته من طين على يديها‪ ،‬وأسبغت عليه‬
‫شكلها وصورتها‪ ،‬ويظهر ذلك بجالء في خطاب موجّه من اإلله (إنكي) إلى اإللهة (نمو) حول خلق‬
‫اإلنسان‪:‬‬
‫" يا أمي‪ ،‬إنّ الكائن الذي قد نطقت باسمه قد ُوجد‬
‫فاسبغي عليه صورة اآللهة‬
‫امزجي قلب الطين الكائن فوق اللجة‬
‫وسيقوم المص ّممون ال ّ‬
‫طيبون النبالء بتكثيف الطين‬
‫أنت‪ ،‬اجعلي األعضاء تبرز للوجود‬
‫وستقوم (ننماخ) بالعمل بعدك‬
‫اإلالهات‪ ....‬سيقفن إلى جانبك عندما تقومين بالصياغة‬
‫يا أمي‪ ،‬عيني سمته‬
‫(وننماخ) ستسبغ عليه شكل اآللهة‬
‫إنه إنسان‪")2‬‬
‫لم يكن بمقدور اإلنسان أن يبخل على آلهته بالعطايا والقرابين‪ ،‬سيّما أن أحدا لم يكن يشك في أن‬
‫اآللهة تحافظ على نظام الكون السائد‪.‬‬
‫كما اعتقد أنّ هذه القرابين المقدّمة أعداء اإلله‪ ،‬تقتل إلرضائه‪ ،3‬ولهذا نحروا األسرى‬
‫الذين تمكنوا منهم في المعارك والحروب‪ ،‬وكذلك نحروا األسيرات‪.‬‬
‫ففكرة القرابين فكرة طبيعية‪ ،‬واإلله سيّد‪ ،‬له من عبيده العطايا والهدايا‪ ،‬يحاولون بها نيل رضاه‪،‬‬
‫وتجنب غضبه الذي يجرّ الويالت والنكبات‪.4‬‬

‫‪ )1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.259‬‬


‫الحوراني‪ ،‬يوسف‪ :‬البنية الذهنية الحضارية في الشرق المتوسطي اآلسيوي القديم‪ ،‬بيروت‪ :‬دار النهار للنشر‪1978 ،‬م‪،‬‬ ‫‪)2‬‬

‫ص‪.134‬‬
‫‪ (3‬الماجدي‪ ،‬خزعل‪ :‬الدين المصري‪ ،‬ط‪ ،1‬األردن‪ :‬الشروق للدعاية واإلعالن والتسويق‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪.233‬‬
‫كونتو‪ ،‬ج‪ :‬الحضارة الفينيقة‪ ،‬ترجمة د‪ .‬عبد الهاي شعيرة‪ ،‬مراجعة د‪ .‬طه حسين‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‬ ‫‪)4‬‬

‫‪1997‬م‪ ،‬ص‪.159‬‬
‫‪8‬‬
‫ولهذا تقرّب اإلنسان القديم من آلهته بأفضل شيء يملكه في الحياة‪ ،‬وهو دم ابنه البكر‪ 1‬الذي‬
‫يعدّه قربانا بشريا‪ ،‬ومع والدة الحضارة اإلنسانية‪ ،‬وتطور المجتمعات‪ ،‬وتطور العقل البشري أصبح‬
‫اإلنسان يقدّم الحيوانات قربانا لآللهة؛ فداءً لالبن األول‪ ،‬لكن بقي شرط اآللهة على حاله‪ ،‬وهو سيل‬
‫دم القربان بكمية كبيرة على مذبح اآللهة‪ ،‬ثم تطورت المجتمعات خطوة‪ ،‬وأخذت تقدّم القرابين‬
‫النباتية؛ العتقادها أن اآللهة تأكل من القربان‪ ،‬بل تعدّى األمر إلى مشاركة العبد ربّه مشاركة حقيقية‬
‫في األكل والشرب‪ ،‬ولذلك بدأ ببسط الطعام وحرقه فوق مذابح معابد اآللهة‪ ،‬وهذا ما وُجد على أختام‬
‫إسطوانية اكتشفت في سوريا‪ ،‬تصوّر العبد مع ربه‪ ،‬يشربان سويا من وعاء واحد‪ ،‬بوساطة بوصتين‬
‫طويلتين‪ ،‬كما وُجدت نقشات تمثّل القربان بديال عن الشخص المقدّم عنه‪.2‬‬

‫وإذا عدنا إلى الحضارة السومرية نجد أنّ أيديهم امتدت لسفك دم أبنائهم‪ ،‬لتتناثر دماؤهم في‬
‫معابد اآللهة‪ ،‬والءً وتفانيا لها‪ ،‬فقد قدّم السومريون أطفالهم قرابين؛ استرضاء للقوى اإللهية‪ ،‬وقد‬
‫عُثر على بقايا هياكل ألطفال دفنوا في أوان فخارية‪.3‬‬
‫واعتقد السومريون أن نهاية حياة أطفالهم بداية لحياة أخرى‪ ،‬ولذلك وجهوا رؤوس أطفالهم‬
‫نحو الشمال‪ 4‬في اإلناء الفخاري الذي هو رمز األم الكبرى‪ ،‬فشكل الجرة الفخارية يشبه إلى حد ما‬
‫شكل رحم األم‪ ،‬فكأن أطفالهم يعودون إلى رحم أمهم األولى األرض‪ ،‬وقد وُجدت هذه الجرار‪ ،‬في‬
‫معبد منحوت في الصخر في بلدة تعنك قضاء مدينة جنين في فلسطين‪.5‬‬
‫واعتقد البابليون أنّ للقرابين دورا في إطالة العمر‪ ،‬فأخذ البابليّ يجود بما يملك على آلهته‪،‬‬
‫وعادة ما كان قربانه مكوّنا من طعام‪ ،‬مثل الخبز والماء‪ ،‬والخمر‪ ،‬ونبيذ السمسم‪ ،‬ومزيج من العسل‬
‫والزّبد ثم الملح‪ ،‬وعندما يذبح القربان يتقبل اإلله نصيبه منه (القديد‪ ،‬والكليتان‪ ،‬والفخذ األيمن)‪ ،‬وفي‬
‫معظم األحيان يأخذون الجدي والحمل قرابين؛ لتمثيلهم الجيّد لحقيقة المقرِب‪:6‬‬

‫‪ )1‬معظم األديان السماوية تحث على التبرع ببواكير األشياء‪ ،‬حتى في ديننا الحنيف‪.‬‬
‫‪ )2‬كونتو‪ ،‬ج‪ :‬الحضارة الفينيقة‪ ،‬ترجمة د‪ .‬عبد الهاي شعيرة‪ ،‬مراجعة د‪ .‬طه حسين‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬مصر‪ :‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب ‪1997‬م‪ ،‬ص‪.164‬‬
‫‪ )3‬الشيخ‪ ،‬حسين‪ :‬اليونان‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬اّلسكندرية‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.199‬‬
‫‪ )4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.199‬‬
‫‪ )5‬فريزر‪ ،‬جيمس‪ :‬الفلكلور في العهد القديم‪ ،‬ترجمة نبيلة إبراهيم‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪1972 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.252‬‬
‫‪ )6‬ديال بورت‪ ،‬ل‪ :‬بالد ما بين النهرين (الحضارات البابلية واألشورية)‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫‪9‬‬
‫" الحمل فداء للبشر‬
‫لقد قدّم حمال بدال من حياته‬
‫لقد قدّم رأس الحمل بدال من رأس اإلنسان‬

‫لقد قدّم عنق الحمل بدال من عنق اإلنسان‬


‫لقد قدّم صدر الحمل بدال من صدر اإلنسان"‬
‫وفي مصر القديمة نجد المصريين أغرقوا أنفسهم بتقديم القرابين البشرية آللهة النبات‪1‬؛‬

‫خصوبةً لألرض ووفرة للمحصول‪ ،‬كما كانت تقدّم لنبات الذرة‪ ،2‬والشيء نفسه نجده في المكسيك‬
‫حتى العهد القريب‪ ،‬كانوا يقيمون احتفاالت سنوية في شهر أيلول‪ ،‬ويقدمون القربان البشري إلله‬
‫الذرة‪ ،‬ففي هذا العيد‪ ،‬يختارون طفلة صغيرة‪ ،‬تكون غاية في الجمال‪ ،‬يلبسونها زي إله الذرة‪،‬‬

‫ويضعون على شعرها حزمة من الريش الملون‪ ،‬ويحيطون عنقها‪ ،‬بعقد أكواز الذرة والبارود ومن‬
‫كل األنواع‪ ،‬زينة لها‪ ،‬ثم يحملونها في موكب حافل إلى المعبد‪.‬‬
‫هناك تنزل الفتاة الجميلة‪ ،‬فيأتي إليها أشراف القوم‪ ،‬والنبالء في صف واحد‪ ،‬وقد حمل كل واحد‬
‫وعاء فيه دم أخذه من جسده‪ ،‬فيسكبون ما في الوعاء تحت قدميها‪ ،‬فيبدأ كبير الكهنة باألدعية‬
‫والصلوات‪ ،‬وجميع الحضور يردد خلفه‪ ،‬وهم يندبون ويبكون وينوحون‪ ،‬ثم يبسطون جسد الفتاة‬
‫على كومة من حبات الذرة والبذور األخرى‪ ،‬فيتقدّم كبير الكهنة ويقطع رأسها‪ ،‬ومن ثم يقوم برش‬
‫دمها على تمثال إله الذرة‪ ،‬وبعد ذلك يتم استئصال جلد الفتاة عن جسمها‪ ،‬ويأخذه أحد الكهنة‪ ،‬محاوال‬

‫‪ )1‬كان اإلنسان القديم ينظر إلى الكون وما يضم من ظواهر ومواد ذوات كذواتنا‪ ،‬ولكل ذات وجودها الخاص بها‪ ،‬حياة وارادة‪،‬‬
‫نجد هذا واضحا في الخطاب الموجه للملح‪:‬‬
‫أيها الملك الطاهر المنبت‬
‫يامن جعلك اإلله (إنليل) طعاما لآللهة‬
‫فما من فائدة في الكون إال وأنت حاضرها‬
‫وال ينبعث بخور اإلله أو ملك إال وأنت عنصر من عناصر من عناصره‬
‫حل عني قيود السحر وأغالله‬
‫تلك القيود واألغالل التي أقعدتني عن العمل وجلبت لي األرض‬
‫أمط عني السحر كي ألح بذكرك‬
‫كما ألح بذكر خالقي وأسبح لك‬
‫انظر‪ :‬عكاشة‪ ،‬ثروت‪ :‬تاريخ الفن العراقي سومر وبابل وأشور‪ ،‬بيروت‪ :‬مطبعة فينيقيا‪ ،‬ص‪.65 -55‬‬
‫‪ )2‬وافي‪ ،‬علي عبد الواحد‪ :‬غرائب النظم والتقاليد والعادات‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪10‬‬
‫إدخال نفسه فيه قدر المستطاع‪ ،‬ثم يلبس مالبس الفتاة‪ ،‬ويلبس زينتها الكاملة‪ ،‬ويخرج من المعبد‬
‫وسط أنغام الطبول والناس من حوله يتبعونه‪.1‬‬
‫هذا الطقس يعدّ تمثيال لموت وبعث إلهة الذرة‪ ،‬فهي تموت من خالل الفتاة‪ ،‬وتبعث من خالل‬
‫الكاهن‪ ،‬متأملين عودة حبيبات الذرة مرّة أخرى‪.2‬‬
‫وكان المصريون القدماء يؤمنون بخيرية القربان البشري‪ ،‬فمن تقديمه لإلله يحصلون على‬
‫الخير والنماء والخصب‪ ،‬ولذلك كانوا يقدّمون للنيل الذي يعدّ من أكبر آلهتهم‪ ،‬أجمل بناتهم‪ ،‬وأشرفهن‬
‫نسال؛ ليرضى عنهم‪ ،‬ويفيض‪ ،‬فيعمّ الخير والنماء في البالد‪ .3‬كما عرف في مصر القديمة أيضا‪،‬‬
‫البغاء المقدس‪ ،‬بوصفه نوعا من أنواع القرابين المقدّمة لآللهة‪.‬‬
‫وفي الديانة الكنعانية عمدوا إلى القرابين البشرية في التقرّب إلى اآللهة‪ ،‬حتى كان التقرّب‬
‫ببواكير أبنائهم عرفا جاريا لديهم‪ ،‬فقد عثر في موقع (جازر) على هياكل أطفال وعظام في حالة‬
‫بالء‪ ،‬مدفونة تحت أسس المنازل‪ ،4‬إضافة إلى هيكل لفتاة‪ ،‬إلى جانب العديد من الهياكل في غرفة‬
‫اسطوانية منحوتة في الصخر‪ ،‬قدموا ضحايا لآللهة‪ ،5‬وهم بذلك نهجوا نهج السومريين‪ ،‬إذْ عثر على‬
‫هياكل بشرية في "أور" في منطقة المقابر الجنوبية من اإلله (إنانا) السومرية‪ ،‬يتراوح عددها زهاء‬
‫األربع والسبعين شخصا‪ ،‬قدّموا في طقوس مقدسة‪.6‬‬
‫وعرف الهنود القرابين البشرية‪ ،‬فكانوا يقدمون رجال في موعد البذار؛ ليسيل دمه على‬
‫األرض ويخصبها‪ ،‬وفيما بعد خفتت الصورة بعض الشيء‪ ،‬فاكتفوا بذبح الحيوان قربانا‪ ،‬حتى إذا‬
‫جاء وقت الحصاد فسّروه بأنه بعث للرجل الذي مات ضحية ‪.7‬‬

‫‪ )1‬السواح‪ ،‬فراس‪ :‬لغز عشتار‪ ،‬ص‪.230‬‬


‫حد كبير األغنية الشعبية (بكرة العيد وبنعيد) في يومنا هذا‪.‬‬
‫) هذا الطقس يشبه إلى ّ‬
‫‪2‬‬

‫انظر‪ :‬الديك‪ :‬إحسان‪ :‬النماذج البدئية في األغنية الشعبية الفلسطينية‪ ،‬أغنية (بكرة العيد وبنعيد) نموذجا‪ ،‬مجلة جامعة النجاح‬
‫لألبحاث‪ /‬العلوم اإلنسانية‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطين‪ ،‬م‪ ،24‬ع‪ ،7‬تموز‪2010،‬م‪.‬‬
‫‪ )3‬وافي‪ ،‬علي عبد الواحد‪ :‬غرائب النظم والتقاليد والعادات‪ ،‬مصر‪ :‬مكتبة نهضة مصر بالفجلة‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪ )4‬مهران‪ ،‬محمد بيومي‪ :‬الحضارة العربية القديمة‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪2008 ،‬م‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪ )5‬الديك‪ ،‬إحسان‪ :‬النماذج البدئية في األغنية الشعبية الفلسطينية‪ ،‬مجلة جامعة النجاح الوطنية لألبحاث‪2010 ،‬م‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫‪ )6‬الماجدي‪ ،‬خزعل‪ :‬متون سومر‪ ،‬التاريخ‪ ،‬الميثولوجيا‪ ،‬الالهوت‪ ،‬الطقوس‪ ،‬ط‪ ،1‬عمان‪ :‬األهلية للنشر والتوزيع‪1998 ،‬م‬
‫ص‪.320‬‬
‫‪ )7‬ديو رانت‪ ،‬ول‪ :‬قصة الحضارة‪( ،‬د‪،‬ط)‪ ،‬مجلد ‪( ،1‬د‪،‬ت)‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫‪11‬‬
‫أما قبائل الهنود الحمر فكان بعضها يقدّم امرأة ذبيحة إللهة النبات‪ ،‬وكانوا يقطعون جثة المرأة‬
‫إلى قطع‪ ،‬ثم يحملونها ليلطخوا بدمها أدوات العمل الزراعي‪ ،‬ثم يلقون أجزاء جسمها في أنحاء الحقل‬
‫المبذور؛ بغية جمع محصول وفير‪.1‬‬

‫وكانت قبائل هنود البيرو تقيم كل أربع سنوات طقسا يدعى (القربان العظيم)‪ ،‬يذبحون فيه‬
‫أطفاال في سن العاشرة‪ ،‬يحضرون من شتّى أنحاء اإلمبراطورية إلى معبد العاصمة حيث يُؤدى‬
‫الطقس‪.2‬‬

‫وفي الهند أيضا تضحي األم بابنها حسب طقوس معينة شفاء للقمر‪ ،‬وباستحمام المرأة فوق‬
‫جسم ابنها‪ ،‬تحصل على اتحادها بروح طفلها‪ ،‬أو بالماء الذي غسلت فيه الضحبة‪ .3‬كما كانوا‬
‫يكرّسون ‪-‬الهنود‪ -‬فتياتهم لخدمة اآللهة‪ ،‬وعادة ما تكون الفتاة المراد تكريسها بين السادسة والثامنة‬

‫من العمر‪ ،‬وعريسها هو اإلله الذي يرأس الهيكل‪ ،‬ويقوم كاهن المعبد مقام اإلله العريس‪.4‬‬
‫وفي اليونان ساروا على سنة تقديم القرابين لآللهة‪ ،‬فكان آللهتهم نصيب كبير من القرابين‬
‫البشرية‪ ،‬وبخاصة اإلله (زوس)؛ إذ كانوا يقدّمونها في القحط والمجاعة‪ ،‬والكوارث‪ ،‬والحروب‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬وكانت القرابين البشرية تُنتقى من أفراد األسرات األرستقراطية؛ أمال في نيل الرحمة‬
‫والمنّة‪.5‬‬
‫وكانت لهم طقوس خاصة بهم‪ ،‬تقدّم فيها القرابين لآللهة‪ ،‬فيسكب دمها على أرض المعابد‬

‫الموجودة داخل القصور‪ ،‬حيث تظهر فيها عالمات مقدسة‪ ،‬مثل‪ :‬الصليب‪ ،‬وأواني النور‪ ،‬والحليّ‪.6‬‬

‫‪ )1‬البديل‪ ،‬م‪.‬ف‪ :‬سحر األساطير (دراسة في األسطورة والتاريخ والحياة)‪ ،‬ترجمة حسان ميخائيل إسحق‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬دار عالء‬
‫الدين‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.161‬‬
‫‪ )3‬فريزر‪ ،‬جيمس‪ :‬أدونيس أو تموز‪ ،‬ترجمة جب ار إبراهيم جبرا‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪1982 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.80‬‬
‫‪ )4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫‪ )5‬وافي‪ ،‬علي عبد الواحد‪ :‬غرائب النظم والتقاليد والعادات‪ ،‬مصر‪ :‬مكتبة نهضة مصر بالفجلة‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫‪ )6‬الماجدي‪ ،‬خزعل‪ :‬المعتقدات اإلغريقية‪ ،‬ط‪ ،1‬عمان‪ :‬األهلية للنشر والتوزيع‪1998 ،‬م‪ ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪12‬‬
‫وقد قدّم ملك مؤاب (ميشا) البكر من أبنائه‪ ،‬فحرقه على مذبح اآللهة‪ ،‬طلبا للرضا من ربّه‪،‬‬
‫وليفك الحصار المفروض على مدينته‪ ،‬كما قدّم سبعة آالف من بني إسرائيل قرابين بشرية‪ ،‬شكرا‬
‫للرب‪ ،‬واعترافا بنعمته التي أسبغها عليه بأن استجاب له‪ ،‬وقبل دماء ابنه‪.1‬‬

‫وعند الرّومان‪ ،‬ظلّت عادة تقديم القرابين البشرية سائدة‪ ،‬على الرغم من محاربة الدولة‬
‫الرومانية لها‪ ،‬فقد أصدر مجلس الشيوخ الروماني سنة سبعة وتسعين قبل الميالد قرارا يحرّم تقديم‬
‫القرابين البشرية‪ ،‬ولكنّ هذا القرار لم ينهِ معتقداتهم وقناعاتهم الدينية‪ ،‬وليس أدلّ على ذلك من تجديد‬

‫مجلس الشيوخ لقرار التحريم‪ ،‬وزيادة عقوبة من يقدم هذا النوع من القرابين‪.2‬‬
‫وإذا نظرنا إلى بعض العادات والعبادات التي مارستها الشعوب في العصور القريبة‪ ،‬نجدها‬
‫نظائر آلثار بدائية تضمّنها العهد القديم مثل التضحية باالبن األول‪ ،‬وعادة تقديم ذبيحة الخطيئة‪،‬‬

‫وهي عادة عبرانية قديمة‪ ،‬تقدم الذبيحة قربانا لآللهة؛ بغية التطهير من الخطايا واآلثام التي تقترف‬
‫دون إرادة وقصد‪ ،3‬وتُصنف هذه الذبيحة إلى ثالثة أصناف أوالها‪ :‬ذبيحة الخطيئة عن رئيس الكهنة‪،‬‬
‫وهذه تقدم ثورا سليما‪ ،‬يقربه الكاهن من باب خيمة االجتماع‪ ،‬ويضع يده على رأس الثور‪ ،‬ويعترف‬
‫بخطاياه‪ .‬وثانيها‪ :‬ذبيحة الخطيئة عن الشعب‪ ،‬ويؤتى بالثور المضحى به إلى باب الخيمة‪ ،‬لكن ال‬
‫يشترط أن يضع كل الشعب أيديهم على رأس الثور أو القربان‪ ،‬وإنما يكتفي بوضع شيوخ الجماعة‬
‫وكبارهم أيديهم على رأسه‪ ،‬ويعترفون بذنوب الشعب وخطاياه‪ ،‬ثم يذبح الثور (القربان) عن خطايا‬
‫الجماعة اإلسرائيلية كلها‪ .‬وثالثها‪ :‬ذبيحة الخطيئة الفردية‪ ،‬وهذا النوع من القرابين يقدمه إذا أخطأ‬
‫شخص من عامة الشعب‪ ،‬فيكون عليه أن يذبح شاة ذبحا طقسيا كذبيحة الخطيئة عن الشعب‪.‬‬
‫ونجد عند العبرانيين آلهة تقبل بالقرابين الحيوانية‪ ،‬وترضى بها‪ ،‬فتغفر خطايا العباد‪ ،‬وآلهة‬
‫حقودة ال ترضى إال بالقربان البشري‪ ،‬وال يزول غضبها بالقربان الحيواني‪ ،‬كاإلله (يهوه) الذي ال‬
‫يكتفي بعقاب المخطئ وحده‪ ،‬وإنما يتابع انتقامه من ذرية المخطئ‪ ،‬ويذيقهم أشد أنواع العذاب‪،‬‬
‫ويسخط عليهم‪ ،‬وسخطه هذا ال يهدأ إال بالقرابين البشرية التي تحرق على مذابح اآللهة‪ ،‬فيسعد‬

‫‪ )1‬السواح‪ ،‬فراس‪ :‬لغز عشتار‪ ،‬ص‪.78‬‬


‫‪ )2‬وافي‪ ،‬علي عبد الواحد‪ :‬غرائب النظم والتقاليد والعادات‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫‪ )3‬الخوري‪ ،‬بولس الفغاري‪ :‬المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم‪ ،‬بيروت‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.554‬‬
‫‪13‬‬
‫ن هناك مذابح ال تخمد نارها‪ ،‬إذْ يذكر اإلصحاح السادس من‬
‫لرائحتها‪ ،‬ويرضى عن عباده‪ .1‬كما أ ّ‬
‫سفر الالويين أن رب إسرائيل فرض على اليهود أن يقدموا قرابين يومية في الصباح والمساء‪.2‬‬
‫وكانت عادة تقديم الملوك قرابين شائعة عند بني إسرائيل‪ ،‬فنجد في الكتاب المقدس‪ ،‬أنّ‬

‫النبي داود (الملك) ذبح أوالد (الملك شاؤول) السّبعة‪ ،‬على الصّلبان لإلله (يهوه)‪ ،‬ليستجيب اإلله‬
‫‪.3‬‬
‫لهم‪ ،‬ويرفع عنهم القحط والجفاف‪ ،‬وينزل المطر‪ ،‬وقد استجاب اإلله له‪ ،‬وتحققت غايته‬
‫وهناك عادة دينية سنوية قديمة‪ ،‬لدى معظم شعوب األرض‪ ،‬تقام زمن االعتدال الربيعي‪،‬‬

‫يقدم فيها لآللهة قربانا بشريا‪ ،‬هو رمز إلله اإلنبات‪ ،‬فكانوا يضحون بصلب الملك‪ ،‬وبعد قتله‪ ،‬يأكلون‬
‫جزءا من لحمه‪ ،‬وينثرون بعضا من دمه‪ ،‬تبركا به؛ ليكسبوا بعض قدسيته‪ ،‬ثم ينثرون بقايا لحمه‬
‫وعظمه في مناطق مختلفة من األرض المهيأة للزرع؛ لتخصبها‪..4‬‬

‫وقد ربط األقدمون بين نمو الزرع ودورة القمر من جهة‪ ،‬ودورة الشمس من جهة أخرى‪،‬‬
‫وجعلوا من األيام البارزة في دورتيهما‪ ،‬أيام قرابين‪ ،‬يقدّمونها إلى آلهتهم التي تخرج الزرع وتدرّ‬
‫والضّرع‪ ،‬كما جعلوا أيام التقاء الدورتين في السماء عالمة بداية دورة الملك الجديد في األرض‪،‬‬
‫الذي كان في اعتقادهم جزءا من القوى الكونية‪.5‬‬
‫ومن اآلثار البابلية الشّاهدة على قتل الملوك ما يجري في عيد (السّقاية)‪ ،‬ففي هذا اليوم المليء‬
‫بالفرح‪ ،‬وعجائب العادات‪ ،‬يقتل الملك في اليوم الخامس وهو اليوم األخير من هذا العيد‪ ،‬امتثاال‬
‫لطقس القربان المقدّس‪ ،‬لكن مع تقدم الزمن‪ ،‬قام البابليون بخدعة متطورة‪ ،‬وهي استبدال السادة‬
‫بالعبيد‪ ،‬ويلعب العبيد دور السادة‪ ،‬ويقوم السادة بخدمة العبيد‪ ،‬وكانوا في اليوم األول يأتون بأحد‬
‫السجناء المحكومين باإلعدام‪ ،‬فيلبسوه مالبس الملك‪ ،‬ويجلسوه على العرش‪ ،‬ويسمح له باتخاذ‬
‫القرارات‪ ،‬وإصدار األوامر‪ ،‬ويفعل ما يريد‪ ،‬فيأكل ما يشاء ويشرب الذي يريد‪ ،‬حتى إنه ينام على‬
‫سرير الملك‪ ،‬ويحق له أن ينام مع نسائه‪ ،‬ولبس ثيابه؛ ذلك إلسباغ الشخصية الملكية عليه‪ ،‬ليكون‬

‫السواح‪ ،‬فراس‪ :‬مغامرة العقل األولى‪ ،‬ص‪.138‬‬


‫) ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ )2‬الالويين ‪.12- 9 :12‬‬


‫‪ )3‬الكتاب المقدس‪ :‬سفر صموئيل الثاني‪ ،‬اإلصحاح ‪.21‬‬
‫‪ )4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.91 -90‬‬
‫‪ )5‬عياد‪ ،‬شكري‪ :‬البطل في األدب واألسطورة‪ ،‬ص‪.117‬‬
‫‪14‬‬
‫بديال حقيقيا عنه‪ ،‬ويظل حال العبد الملك كذلك إلى اليوم الخامس‪ ،‬آخر أيام العيد‪ ،‬عند ذلك تنزع‬
‫عنه الثياب الملكية‪ ،‬ويقتل‪. 1‬‬
‫وقد استمرت عادة قتل الملوك إلى عصر قريب لدى قبائل (الشّايلوك)‪ 2‬في إفريقيا‪ ،‬فكانوا‬

‫يقتلون ملكهم بعد سبع سنوات من حكمه‪ ،‬كفترة مقررة‪ ،‬أمّا إن أجدبت أرضهم‪ ،‬وأصاب بالدهم‬
‫القحط‪ ،‬قتلوه قبل فترته المقررة‪ ،‬وهو في حياته القصيرة هذه ‪-‬السبع سنوات‪ -‬يخضع لنظام صارم‪،‬‬
‫كان قد فرضه عليه الكهنة المحيطون به‪ ،‬فال يمكن ألحد رؤيته سوى النبالء‪ ،‬إذ تعدّ شخصية الملك‬

‫شخصية مقدسة‪ ،‬فال يسمح ألي شخص بالدخول عليه‪ ،‬وإذا أراد الملك الخروج في جولة‪ ،‬أفرغت‬
‫الطرق أمامه‪ ،‬وهرع الناس إلى بيوتهم‪ ،‬وأحاط به األمراء‪ ،‬وكبار القادة في موكب رسمي مهيب‪.3‬‬
‫وعندما يحلّ موعد القتل‪ ،‬كان كبير الكهنة يدعو جميع النبالء إلى احتفال سري‪ ،‬ليحددوا موعد‬

‫قتل الملك‪ ،‬وذلك بتجهيز كوخ يوضع فيه الملك على فخذ عذراء‪ ،‬ثم يغلق عليهما الكوخ‪ ،‬ويتركا بال‬
‫طعام وال شراب‪ ،‬حتى يموتا اختناقا وجوعا‪ .4‬ويتم هذا االحتفال في إحدى الليالي المظلمة الواقعة‬
‫بين غياب القمر القديم‪ ،‬وظهور القمر الجديد‪ ،‬وقبل أن تزرع البذور في الحقول‪ ،‬في أثناء فترة‬
‫‪5‬‬
‫الجفاف السابقة لنزول األمطار‪ ،‬وبعد مرور عام كامل على هذا االحتفال يعيّن الملك الشاب الجديد‬
‫ولهذا أصبح قتل الشعوب ملوكهم سنة‪ ،‬حتّى تمسح خطاياهم‪ ،‬وتغفر ذنوبهم‪ ،‬ولينالوا رضا‬
‫اإلله‪ ،‬وبالتالي الخصب والنماء‪ ،‬والمحصول الوفير‪ ،‬ويرى وحيد السعفي أنّ هذا ما فعله بعض‬
‫المسيحيين واليهود باالتفاق مع رؤساء كهنة اليهود بسيدنا عيسى عليه السالم‪ ،‬إذْ جعلوه إلها‪ ،‬أو ابن‬
‫إله‪ ،‬وصلبوه وقتلوه‪ ،‬وقدموه قربانا بشريا لإلله‪ ،‬فهو صلة العباد بإلههم‪ ،‬وهو يموت من أجل شعبه‪،‬‬
‫يكفر عنهم خطاياهم‪ ،‬فهو سبيل الخالص‪ ،‬وقد أطلقوا عليه اسم المسيح؛ ألنه سيمسح عنهم ذنوبهم‪،‬‬

‫‪ )1‬السواح‪ ،‬فراس‪ :‬لغز عشتار‪ ،‬ص‪.319 -314‬‬


‫‪ )2‬الشايلوك‪ :‬هي القبائل التي تسكن ضفاف النيل األزرق في إفريقيا‪.‬‬
‫السواح‪ ،‬فراس‪ :‬لغز عشتار‪ ،‬ص‪.351‬‬ ‫) ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪ )4‬عياد‪ ،‬شكري‪ :‬البطل في األدب واألساطير‪ ،‬ط‪ ،2‬دار المعرفة‪1971 ،‬م‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪ )5‬السواح‪ ،‬فراس‪ :‬لغز عشتار‪ ،‬ص‪.315‬‬
‫‪15‬‬
‫فقدموه قربانا في يوم عيد الفصح‪ ،‬هذا اليوم الذي ال يستقيم إال بالذبائح والقرابين‪ ،‬قدموه لينوب عنهم‬
‫جميعا‪ ،1‬وهم بذلك يشبهون اليونانيين في قرابين فدائهم‪.‬‬
‫ولمّا كان الملك إله ال يفنى‪-‬ينتقل من حياة إلى حياة جديدة‪ -‬أخذ الشعب يدفن معه كل أتباعه‬

‫المقربين وحاشيته‪ ،‬كزوجاته‪ ،‬وجيشه‪ ،‬وخدمه‪ ،‬والموسيقيين وغيرهم‪ ،‬إضافة إلى ما يحتاجه من‬
‫أدوات‪ ،‬وحيوانات كغذاء‪ ،‬يتغذى عليه هو وحاشيته‪ ،‬ولذلك أكثر اإلنسان القديم من ذبح الحيوانات‬
‫على القبور‪ ،‬وهي ما تسمى بالقرابين الحيوانية‪ ،‬فحسب اعتقاده أنها ستنتقل معهم إلى العالم اآلخر‪،‬‬

‫حيث يواصلون حياتهم‪ ،‬ليكونوا في العالم األسفل كما كانوا على األرض‪ ،‬ونستمد هذه الفكرة من‬
‫النص اآلتي‪:‬‬
‫"وحمل نمتار الذي ال أيدي له وال‬

‫أرجل وال يشرب وال يأكل كلكامش إلى‬


‫العالم األسفل‪ ،‬ودخل به وعائلته نحو‬
‫بوابة العالم أسفل‪ ،‬زوجه المحبوبة وابنه‬
‫الحبيب ومحظيته وموسيقاره‪ ،‬ونديمه‬
‫وحاجبه واتباع قصره وحارسه الحبيب‬
‫فرح اآللهة بمجيء كلكامش‬
‫وصار ملكا من ملوك العالم األسفل‬
‫يمضي مع ملوك وآلهة العالم األسفل‪.")2‬‬
‫وهذا ما يفسر لنا في يومنا هذا وجود المال والكنوز‪ ،‬والذهب والفضة‪ ،‬واألواني والنواويس‬
‫الحجرية‪ ،3‬والقوارب الصغيرة المملوءة باألواني الفخارية المملوءة بالقرابين‪ ،‬في الجبال والكهوف‬
‫التي كانت قبورا للقدماء؛ العتقادهم أن الميت إذا نهض من موته في العالم األسفل استفاد منها‪.4‬‬

‫‪ )1‬ينظر‪ :‬السعفي‪ ،‬وحيد‪ :‬القربان في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬ص‪.127‬‬


‫‪ )2‬الماجدي‪ ،‬خزعل‪ :‬متون سومر‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬منشورات األهلية لعام ‪1998‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.203‬‬
‫‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.326‬‬
‫‪ )4‬سليمان‪ ،‬مظهر‪ :‬قصة الديانات‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬مكتبة مدبولي‪1998 ،‬م‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪16‬‬
‫وهناك نوع آخر من القرابين المقدمة لآللهة‪ ،‬وقد ظهر عند كثير من الشعوب القديمة الذين‬
‫يدينون بالديانة الزراعية ‪ -‬كما أشرنا إلى ذلك– هو قربان البغاء المقدّس‪ ،‬وهو ممارسة جنسية‬
‫حقيقية كاملة‪ ،‬تقدّم المرأة خاللها أعزّ وأنفس ما تملك‪ ،‬كيف ال؟ وهو واجب ديني مطلوب من النساء‬

‫كافة‪ ،‬تُكرس لمصدر الطاقة الكونية اإلنجابية‪ ،‬وقد وصف فراس السواح هذه العملية باألنهار التي‬
‫تصدر من المحيط وإلى المحيط تعود‪ .1‬وكانت هذه القرابين تقدّم تكريما لآللهة‪ ،‬لعلو مكانتها‪،‬‬
‫ومركزها المتسامي في العديد من مناطق العالم التي انتشرت فيها عبادة األم الكبرى‪.‬‬

‫والمتتبع لتاريخ الحضارات القديمة‪ ،‬يجد أن السومريين والبابليين واألشوريين وغيرهم‪،‬‬


‫قدّموا البغايا في حرم المعابد؛ إقامةً للطقوس الدينية في عبادة اآللهة‪ ،‬التي تهدف إلى اتحاد اإلله‬
‫باإللهة‪ ،‬ويشترط عند بعض الشعوب كبابل مثال‪ ،‬أن تكون المرشحات للقيام بهذا الطقس فتيات‬

‫عازبات‪ ،‬يذهبن إلى المعابد لتقديم بكارتهن لعشتار‪ ،‬ربّة الحبّ والجنس‪ ،‬وهي بدورها تتقبل بكارى‬
‫عابداتها من العذارى‪.2‬‬
‫ويلتزم بهذا الطقس النساء كافة‪ ،‬الثريات قبل الفقيرات‪ ،‬والجميالت قبل القبيحات‪ ،‬فهذا قربان‬
‫اإللهة عشتار‪ ،‬وعلى المرأة أن تؤدي قربانها مرة واحدة في حياتها‪ ،‬بغض النظر عن الشريحة التي‬
‫تنتمي إليها في المجتمع كما ذكرت‪ ،‬لكن قد نجد بعض النساء المنعّمات الغنيات اللواتي يترفعن عن‬
‫االختالط بسائر النساء لكبريائهن الناتج عن ثرائهن‪ ،‬هؤالء يأتين في عربات مغلقة‪ ،‬ويجلسن في‬
‫المعبد‪ ،‬ومن حولهن عدد كبير من الخدم والحاشية‪ ،3‬ينتظرن رجال ما؛ ليساعدهن في إتمام طقس‬
‫عبادة اإللهة عشتار(األم الحنون‪ ،‬ربة الحبّ والجنس)‪ ،‬وإذا دخلت المرأة في المعبد‪ ،‬وأخذت مجلسها‪،‬‬
‫ال يسمح لها بالعودة إلى البيت‪ ،‬حتّى يأتي أحد الرجال‪ ،‬ويسمي باسم اإلله عشتار‪ ،4‬ويلقي عليها‬
‫قطعة من الفضة في حضنها‪ ،‬ثم يأخذها إلى الخارج‪ ،‬وبحسب قانون المعبد الذي وضعه الكهنة‪ ،‬ال‬
‫يحق للمرأة أن تعترض أو ترفض‪ ،‬وإنما عليها أن تذهب مع أول رجل يلقي عليها قطعة الفضة؛‬

‫‪ )1‬السواح‪ ،‬فراس‪ :‬لغز عشتار‪ ،‬ص‪.181‬‬


‫‪ )2‬إبراهيم‪ ،‬نجيب ميخائيل‪ :‬مصر والشرق األدنى القديم‪ ،‬ج ‪ ،3‬ط‪ ،3‬مصر‪ :‬دار المعارف‪1966،‬م‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫‪ )3‬نعمة‪ ،‬حسن‪ :‬موسوعة ميثولوجيا وأساطير الشعوب القديمة ومعجم أهم المعبودات القديمة‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر اللبناني‪،‬‬
‫‪1994‬م‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪ )4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫‪17‬‬
‫لتمارس معه الجنس المقدس خارج جدران المعبد‪ ،1‬ولتفقد أو تتبرع ببكارتها لإللهة عشتار‪ ،‬فترضى‬
‫عنها‪ ،‬وترعاها من شرور الطبيعة‪ ،‬وال تعود إلى بيتها‪ ،‬إال بعد أن تؤدي طقس البغاء المقدس‪ ،‬ومن‬
‫ثمّ يحقّ لها أن تختار الزوج الذي تريد الزواج منه‪ ،‬فهي قدّمت قربانها لعشتار ربّة العشق والجنس‬

‫واللهو‪.2‬‬
‫وتظل بعض النساء اللواتي لم يحالفهن الحظ بتقديم قرابينهن‪ ،‬جالسات في المعبد ينتظرن‬
‫من يعطيهن القطعة الفضية‪ ،‬حتى لو طال بهن الزمان‪ ،‬فقد تصل مدة انتظارهن في المعبد ثالث أو‬

‫أربع سنوات‪ ،3‬وعليهن أن يضعن إكاليل على رؤسهن؛ رمزا للعذرية‪ ،‬ولعل عادة وضع الفتيات‬
‫اإلكليل على رؤوسهن في ليلة زفافهن‪ 4‬هي امتداد لطقوس عبادة عشتار (األم الكبرى) في‬
‫الحضارات القديمة‪ ،‬فهي عادات متأصلة متوارثة‪ ،‬موجودة في الالوعي اإلنساني‪.‬‬

‫ولعلّ سبب نشوء هذا الطقس‪ ،‬هو اعتقاد اإلنسان أن عشتار األم المخصبة الشبقة الولود‬
‫المنجبة مانحة الحياة هي رمز الجنس الحر‪ ،‬ال الجنس الزوجي المقيد‪ ،‬وبذلك يكون الزواج انتهاكا‬
‫لقانون عشتار سيّدة الجنس الحر‪ ،‬فكان البدّ من التسوية بين النظامين واسترضاء اإللهة بإعطاء‬
‫الحرية الجنسيّة للفتيات قبل الزواج وفرض اإلخالص الزوجي بعده ‪.5‬‬
‫ونجد بعض الباحثين خالفوا هذا الرأي‪ ،‬ورأوا أن هذا القربان وُجد لمساعدة األم الكبرى‬
‫على زيادة قوة الخصوبة الكونية اإلنجابية‪ ،‬ولمشاركة عشتار في التهتّك الذي يرجى أن ينتقل إلى‬
‫األرض انتقاال قويا ال تقدر على مقاومته‪ ،‬ويضمن تكاثر اإلنسان والحيوان والنبات باستمرار‪ ،6‬فهي‬
‫األم الكبرى‪ ،‬هي الرحم التي تضم بداخلها اإلنسان في حياته ومماته‪ ،‬ولهذا اتخذت عند اإلنسان‬
‫مكانة عليا‪ ،‬فهي الربة الكونية التي بفضلها أوجدت اإلنسان والحيوان والنبات‪.‬‬

‫‪ )1‬حتي‪ ،‬فيليب‪ :‬تاريخ سورية ولبنان وفلسطين‪ ،‬ترجمة جورج حداد وعبدالكريم رافق‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الثقافة‪1982 ،‬م‪ ،‬ص‪.132‬‬
‫‪ )2‬تقول عشتار واصفة نفسها‪" :‬أنا العاهرة الحنون‪ ،‬وأنا من يدفع الرجل إلى المرأة‪ ،‬ويدفع المرأة إلى الرجل"‪ .‬ينظر لغز عشتار‪،‬‬
‫ص‪.181‬‬
‫‪ )3‬نعمة‪ ،‬حسن‪ :‬موسوعة ميثولوجيا وأساطير الشعوب القديمة‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫‪ )4‬مجموعة كبار الباحثين‪ :‬موسوعة علم األديان‪ ،‬ص‪.128‬‬
‫‪ )5‬السواح‪ ،‬فراس‪ :‬لغز عشتار‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫‪ )6‬إبراهيم‪ ،‬نجيب ميخائيل‪ :‬مصر والشرق األدنى القديم‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.77‬‬
‫‪18‬‬
‫ونستدل على صدق قولنا‪ ،‬ما جاء على لسان أحد أنبياء الهنود‪ ،‬الذين يعدّون نكش األرض‬
‫خطيئة‪:‬‬
‫إنها خطيئة أن نجرح ونمزق أمنا المشتركة األرض بأعمال زراعية‬

‫تريدون مني أن أركش األرض؟‬


‫‪1‬‬
‫وهل أطعن أحشاء أمي بالخنجر؟‬
‫وللبغاء المقدس أنواع‪ ،‬فقد تكون ممارسات جنسية فردية‪ ،‬أو ممارسات جنسية جماعية‪،‬‬

‫وكانت األولى تقام عند موسم بذار الحبوب في األرض‪ ،‬حتى تخصب األرض‪ ،‬ويعمّ النماء‪ ،‬وتقوى‬
‫الطاقة الكونية اإلنمائية‪ ،‬مما يعود على اإلنسان والحيوان والنبات بالغذاء‪ ،‬وقد قدمت مثل هذه‬
‫القرابين قبائل (البانجادا) في إفريقيا الوسطى‪ ،‬حيث يقوم الزوجان اللذان أنجبا طفلين توأم بممارسة‬

‫الجنس في حقلهم وحقل أقاربهم وأصدقائهم؛ قربانا لإللهة عشتار ربّة الجنس والخصب والنماء‪،‬‬
‫فتفيض أراضيهم بطاقاتهم اإلخصابية ‪.2‬‬
‫ونجد أيضا مثل هذه القرابين في بعض مناطق جزيرة (جاوا)‪ ،‬إذ يذهب الرجل وزوجته إلى‬
‫حقل األرز عند ابتداء نضج حباته‪ ،‬فيقدمان قرابين البغاء المقدس آللهتهم‪ ،‬وذلك بممارسة الجنس‬
‫في العراء‪ ،‬لإلسراع في نمو األرز ‪.3‬‬
‫وفي أوكرانيا كان الناس يحضرون األزواج الجدد‪ ،‬ويأخذونهم إلى األراضي الزراعية‬
‫المحروثة؛ ليتدحرجوا عليها‪ ،‬ويشحنون الحقل بطاقاتهم الجنسية اإلنجابية ‪ ،4‬التي ما زالت في‬
‫أوجها‪ ،‬وكل هذه العادات كانت تمثّل قرابين البغاء المقدس المقدّم لإللهة عشتار‪ ،‬التي بدورها تقوي‬
‫وتزيد الطاقة الكونية اإلنجابية‪.‬‬

‫‪ )1‬نعمة‪ ،‬حسن‪ :‬موسوعة ميثولوجيا وأساطير الشعوب القديمة‪ ،‬ص‪.36‬‬


‫‪ )2‬السواح‪ ،‬فراس‪ :‬لغز عشتار ‪ ،‬ص‪.187‬‬
‫‪ )3‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ )4‬نعمة‪ ،‬حسن‪ :‬موسوعة ميثولوجيا وأساطير الشعوب القديمة‪ ،‬ص ‪.187‬‬
‫‪19‬‬
‫وأمّا الثانية ‪ -‬الجنس الجماعي‪ -‬فيقوم على أساس أن األنثى ال تعرف رجال واحدا ‪)1‬؛ ألن‬
‫ذلك بحسب اعتقادهم أفضل قربان يمكن تقديمه إللهة األم الكبرى ربة الجنس والعشق واللهو والحياة‪،‬‬
‫فقد كانت كل النساء للرجال‪ ،‬وكل الرجال للنساء‪ ،)2‬وهذا كان منتشرا في كثير من بقاع غرب آسيا‪.‬‬

‫ويرى (جيمس فريزر) أن الجنس الجماعي الذي مارسته النساء سابقا‪ ،‬لم يكن مجرد‬
‫انغماس في الفسق الشهواني‪ ،‬وإنما كان واجبا دينيا خطيرا‪ ،‬يقام به خدمة لإللهة األم العظمى‪ ،‬وقد‬
‫عدّل محمد سيد قمني في هذه العبارة‪ ،‬إذ رأى أنه كان واجبا دينيا خطيرا‪ ،‬لكن هذه القرابين تقدم‬

‫ليس خدمة لإللهة‪ ،‬وإنما تقربا لإللهة األم العظمى ‪.)3‬‬


‫ولم يقتصر هذا النوع من القرابين على نوع معين من النساء‪ ،‬بل شمل النساء جميعهن‬
‫بصرف النظر عن الغنى والفقر‪ ،‬ففي أرمينيا مثال‪ ،‬كانت أشرف العائالت تسخّر بناتها لخدمة اإللهة‪،‬‬

‫إضافة إلى تكريسهن بغايا لمدة طويلة في المعابد قبل أن يتزوجن‪ ،‬بغية تحريض القوى اإلخصابية‬
‫في األرض األم‪ ،‬استنادا إلى مبدأ السحر التشاكلي‪ ،‬حيث الشبيه ينتج الشبيه‪.‬‬
‫ومع مرور الوقت‪ ،‬وتقدّم الزمن‪ ،‬وتأكيد سيادة الذكور التي تتميز بالغيرة‪ ،‬حدث تطور‬
‫في هذا النوع من القرابين‪ ،‬حيث أعفيت عامة النساء من تقديم بكارتهن‪ ،‬وصار البغاء المقدس في‬
‫المعابد‪ ،‬مقتصرا على طبقة خاصة من النساء ليقمن بهذا الطقس القرباني‪ ،‬فأصبحن ضحية وفداء‬
‫لبقية النساء‪ ،‬وقد أطلق عليهن اسم (عشتاريات) نسبة إلى عشتار‪.‬‬
‫وقد حصل هؤالء العشتاريات على مكانة خاصة وعالية في المجتمع‪ ،‬وكان هذا العمل يعدّ‬
‫شرفا عظيما ‪ ،‬فقد أصبحن كاهنات المعابد‪ ،‬وال تحصل أي فتاة على هذه المكانة إال إذا كانت من‬
‫بنات العائالت المالكة والنبالء ‪ ،)4‬وكانت الواحدة منهن تمثّل دور اإللهة عشتار‪ ،‬فتضاجع الملك‬
‫الذي يمثل دور اإلله األكبر‪ ،‬على سرير اإلله‪ ،‬فتحقق الخصوبة ويعمّ الرخاء ‪ ،)5‬وذلك في عيد رأس‬

‫‪ )1‬القمني‪ ،‬سيد محمود‪ :‬األسطورة والتراث‪ ،‬ط‪ ،2‬مصر‪ :‬سينا للنشر والتوزيع‪1993 ،‬م‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.94‬‬
‫‪)3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.94‬‬
‫‪ )4‬عبد الواحد‪ ،‬فاضل‪ :‬عشتار ومأساة تموز‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بغداد‪ :‬و ازرة اإلعالم العراقية‪ ،1973 ،‬ص‪.158‬‬
‫‪ )5‬كريمر‪ ،‬صموئيل‪ :‬السومريون تاريخهم وحضارتهم وخصائصهم‪ ،‬ترجمة‪ :‬فيصل الوائلي‪ ،‬الكويت‪ :‬وكالة المطبوعات‪( ،‬د‪،‬ت)‪،‬‬
‫ص ‪.187‬‬
‫‪20‬‬
‫السنة الجديدة (االعتدال الربيعي)‪ ،‬وقت عودة عشتار أو زوجها من عالم الموتى السفلي إلخصاب‬
‫األرض‪.‬‬
‫أما عامة النساء‪ ،‬فكان البد أن يقدّمن لعشتار قربانا بديال عن الجنس في المعابد مع رجل‬

‫غريب‪ ،‬فال بدّ من تضحية‪ ،‬لذلك وُجب على المرأة التي ال ترغب في تقديم جسمها لإللهة‪ ،‬أن تكتفي‬
‫بقص شعرها بدال من جسمها ‪.)1‬‬
‫وكان للقرابين دور مهم في عمل السحرة‪ ،‬فسخروها في طقوسهم السحرية‪ ،‬خاصة في‬

‫اجتماعاتهم مع عمدتهم‪ ،‬إذ يعمدون إلى ذبح القرابين الحيوانية‪ ،‬وينثرون دمها في الهواء‪ ،‬وكانوا‬
‫يلطخون أجسادهم بدمائها‪ ،‬أسوة بما يقوم به عمدتهم‪ ،‬حيث يذبح طفل صغير‪ ،‬ويرش دمه عليهم‪،‬‬
‫بغية تعميدهم‪ ،‬كما كانت الساحرات يكتبن العهد مع الشياطين بدم الحيض‪ ،‬ويكتبه السحرة من الرجال‬

‫بدم القرابين‪.)2‬‬
‫ومن الطقوس السحرية طقوس الشفاء من المرض‪ ،‬يمارسها الساحر لشفاء المريض من‬
‫الشيطانة (المشتو)‪ ،‬وتبدأ بتطهير المكان أوال‪ ،‬بذبح ذبيحة على األرض‪ ،‬ثمّ يأخذ شيئا من الطين ‪-‬‬
‫المخلوط بالدم ‪ -‬يصنع منه دمية تمثل الشيطانة (المشتو)‪ ،‬ثم توضع على رأس الرجل المريض‪.)3‬‬
‫ومن الطقوس السحرية أيضا طقوس االستمطار‪ ،‬حيث يذبح الساحر الخنازير واألبقار‬
‫بوصفها قرابين حيوانية‪ ،‬ذلك بعد أن يتجه الناس إلى بيت الكجور‪ ، )4‬يقدّمون إليه خنزيرا ضخما‪،‬‬
‫ليذبحه‪ ،‬ويصفي دمه في وعاء‪ ،‬ثم يلمسه بإصبعه‪ ،‬ويمسح به عينيه ورقبته‪ ،‬ومناطق أخرى من‬
‫جسمه‪ ،‬ثم يأخذ اإلناء خارج الكوخ‪ ،‬وينثر الدم في الهواء تجاه السماء‪ ،‬مناشدا اإلله أن يسقط عليهم‬
‫المطر‪.)5‬‬

‫‪ )1‬فريزر‪ ،‬جيمس‪ :‬أدونيس أو تموز‪ ،‬ص‪.70‬‬


‫‪ )2‬كريم‪ ،‬سيد‪ :‬السحر والسحرة عند قدماء المصريين‪ ،‬مجلة الهالل‪ ،‬ع‪ ،1‬يناير‪ ،1975 ،‬ص‪.62‬‬
‫‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.203‬‬
‫‪ )4‬الكجور‪ :‬أي صانع األمطار‪.‬‬
‫‪ )5‬إسماعيل‪ ،‬فاروق‪ :‬الوثنية مفاهيم وممارسات‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪ ،1985 ،‬ص‪.124‬‬
‫‪21‬‬
‫ومن الطقوس السحريّة كذلك‪ ،‬طقس طرد األرواح الشريرة‪ ،‬ويطلق على السحرة في هذا‬
‫الطقس اسم العزّامون‪ ،)1‬حيث يقوم هؤالء بتالوة التعويذات وترديدها في المعبد‪ ،‬أو في البيت‬
‫المسكون باألرواح الشريرة لطردها‪ ،‬وذلك بعد تطهير البيت‪ ،‬وذبح القرابين على عتبة البيت‪ ،‬كما‬

‫لجأوا إلى صناعة الدمى من الشمع الشبيه بالمريض‪ ،‬ويتم دفنها في مقبرة مع دمية أخرى‪ ،‬تمثل‬
‫الروح الشريرة‪ ،‬ويحتال على الروح الشريرة بتمويت المريض فتموت معه ‪.)2‬‬
‫ونالحظ من خالل ما عرضناه سابقا‪ ،‬أن الساحر يعتمد في عمله السحري على القرابين‬

‫عامة‪ ،‬وعلى دم القرابين خاصة؛ ذلك العتقاده بأن التمائم ال تكتسب قوّتها أو قدسيتها العالية إال من‬
‫خالل مالمستها لدماء األضحيات‪ ،‬البشريّة أو الحيوانية‪ ،‬فهي ال تنحر إال لنقل القوّة المقدسة من‬
‫دمائها إلى مادة التميمة ‪.)3‬‬

‫ونجد ما يؤكد هذا في بعض القبائل‪ ،‬إذ تذهب الفتاة إلى الساحر‪ ،‬كي تستمر حياتها مع‬
‫زوجها‪ ،‬وأال يفكر بغيرها‪ ،‬فيطلب منها الساحر أن توخز إصبعها الصغير ليدها اليسرى بإبرة‪،‬‬
‫وتمسح دمها شعر فتاها‪ ،‬وبذلك يتحقق ما تريد‪ ،‬أما المرأة الغجرية في جنوبي المجر ورومانيا‪،‬‬
‫فتوخز يدها اليسرى؛ لتحدث جرحا بين السبابة واإلبهام‪ ،‬ثم تصفي الدماء في وعاء صغير‪ ،‬ثم تدفن‬
‫هذا الوعاء أسفل الشجرة مدة تسعة أيام‪ ،‬ثم تمزجه بلبن حمار‪ ،‬ثم تشرب الخليط قبل النوم‪ ،‬وتتلو‬
‫رقية سحرية تدور حول أرواح ثالث‪ ،‬األولى تبحث عن الدم‪ ،‬والثانية تجده‪ ،‬والثالثة تشكله أو‬
‫تصوغه في صورة طفل جميل ‪.)4‬‬

‫العزامون‪ :‬الكهان الذين يعملون على طرد األرواح الشريرة‪.‬‬


‫) ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ )2‬الماجدي‪ ،‬خزعل‪ :‬الدين السومري‪ ،‬ص‪.154‬‬


‫‪ )3‬الماجدي‪ ،‬خزعل‪ :‬بخور اآللهة‪ ،‬ص‪48‬‬
‫‪ )4‬إسماعيل‪ :،‬الوثنية مفاهيم وممارسات‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫‪22‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫القربان في الموروث الجاهلي‬

‫لكل أمة من األمم القديمة عاداتها ومعتقداتها الدينية‪ ،‬الناتجة عن فكرها الداخلي‪ ،‬والمتعلّقة بحالتها‬

‫الذهنية تارة‪ ،‬وببيئتها المحيطة بها تارة أخرى‪ ،‬خاصة أن الجزيرة العربية تتمتع بموقع جغرافيّ‬

‫وحضاريّ ودينيّ مهم في تسلسل الحضارات القديمة وارتباطها ببعضها بعضا حتى يومنا هذا‪.‬‬

‫وقد جُبل الفكر العربي في الجاهلية على الحاجة اإلنسانية والنفسية لألشياء في المعتقد والدين‬

‫والحياة والتجارة‪ ،‬فطبيعة الحياة في الجاهلية جُبلت على التنافس في الدين بين بقعة وأخرى‪ ،‬أو بين‬
‫قبيلة وأخرى‪ ،‬أو بين رجل وآخر‪ ،‬لكنّ أساس نشأة المعتقدات الدينية هو البحث عن الحاجة النفسية‬
‫أوال‪ ،‬والحاجة المادية ثانيا‪.‬‬
‫ونهج العرب كغيرهم نهج األمم االسابقة في البحث على اإلله‪ ،‬فعبدوا األصنام‪ ،)1‬وبها‬
‫استسقوا المطر واستنصروا على األعداء‪ ،‬وفي هذا جاء في كتاب األصنام أن " عمرو بن لحي"‬
‫عندما استشفى في حمّة الشأم في البلقاء‪ ،‬وجدهم يعبدونها‪ ،‬فسألهم عنها‪ ،‬فقالوا‪" :‬نستسقي بها المطر‬
‫ونستنصر بها على العدو"‪ ،‬كما تمسّح العرب باألصنام وقت السفر‪ ،‬لتحفظهم من األذى‪.)2‬‬
‫وأصنام العرب في الجاهلية كثيرة‪ ،‬أشهرها‪ :‬الالّت‪ ،‬والعزّى‪ ،‬ومناة‪ ،‬وقد ذُكرت في القرآن‬
‫الكريم‪ .‬قال تعالى‪ { :‬مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (‪ )18‬أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (‪ )19‬وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ‪،)3 }﴾20‬‬

‫ومنها أيضا‪ :‬ودّ‪ ،‬وسواع‪ ،‬ويغوث‪ ،‬ونسر‪ ،‬وهبل‪ ،‬وإساف ونائلة ‪ ،)4‬ومناف‪ ،‬وذو الخلصة‪ ،‬وذو‬
‫سعَير‪ ،‬وعائم‪،‬‬
‫جرَ‪ ،‬والسّجة‪ ،‬واليعبوب‪ ،‬و ُ‬
‫الكفّين‪ ،‬وذو الشّرى‪ ،‬واألُقيْصر‪ ،‬وسعد‪ ،‬ورُضاء‪ ،‬وبا َ‬
‫ونُهْم‪ ،‬ورِيام‪ ،‬والفلْس‪ ،)5‬وأضاف آخرون‪ :‬ياليل‪ ،‬والطاغوت‪ ،‬والمحرق‪ ،‬ومنهب‪ ،‬والنصب‪ ،‬والهبا‪،‬‬

‫‪ )1‬ابن الكلبي‪ :‬األصنام‪ ،‬ص‪.33‬‬


‫ٍ‬
‫أحجار فنظر إلى أحسنها فاتخذه رباً"‪.‬‬ ‫‪ )2‬يقول ابن الكلبي في كتابه األصنام‪" :‬فكان الرجل‪ ،‬إذا سافر فنزل منزّل‪ ،‬أخذ أربعة‬
‫ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪ )3‬سورة النجم‪ ،‬اآلياتان ‪.20 ،19‬‬
‫‪" )4‬إساف ونائلة "‪ :‬هما محبوبان من اليمن‪ ،‬قدما للكعبة‪ ،‬وضاجع إساف نائلة داخل الكعبة‪ ،‬فمسخا حجرين‪ ،‬وأخرجا خارج‬
‫الكعبة وقدسا وعبدا‪.‬‬
‫‪ )5‬ابن الكلبي‪ :‬األصنام‪ ،‬ص‪.100‬‬
‫‪23‬‬
‫وذات الودع‪ ،‬وآزار‪ ،‬واألسحم‪ ،‬واألشهل‪ ،‬واإلالهة‪ ،‬وأوال‪ ،‬وبس‪ ،‬والشمس‪ ،‬وصدا‪ ،‬وصمودا‪،‬‬
‫والضمار‪ ،‬وضيزن‪ ،‬والكعبات‪ ،‬والمدان‪ ،‬ومرحب‪.)1‬‬
‫وقدّس الجاهليون هذه األصنام‪ ،‬وعدّوها مثاال آللهتهم‪ ،‬وأخذوا يحلفون بها في حياتهم‬

‫اليومية لقدسيتها‪ ،‬فقالوا‪ " :‬ال ورب البيت والحجر"‪ ،)2‬وقالوا‪" :‬ال والالت والعزى"‪ ،‬ال ومناة‪،‬‬
‫وقال عبد العزى بن وديعة المزني فيها ‪:)3‬‬
‫(الكامل)‬

‫ِبِِِّّّ ُمِِِّّّنُ ِِِّّّاةُ ِعِِِّّّ دن ِِِّّّدُ ُمِِِّّّ ُح ِِِّّّ ِ ّل آ ِل ا دلِِِّّّ ُخِِِّّّ دز ُرجِ‬ ‫ِإ ِنِِّّّي ُحِِّّلُِِّّ دف ِِِّّّتُ ُيِِّّ ِمِِّّيِِّّنُ ص ِِِِِِِِِّّّّّّّّّدق ُبِِّّرة‬

‫ولمّا عبد الجاهليون األصنام وقدسوها‪ ،‬قدّموا لها القرابين ‪ ،‬ولم تبتعد نظرتهم إلى هذه‬
‫القرابين عن نظرة األمم األخرى‪ ،‬فكان لزاما على اإلنسان الجاهلي أن يتقرب زلفى إلى آلهته‪ ،‬بشتى‬

‫الوسائل المعبرة عن معاني التقرّب والتودد والتحبّب والتبجيل والتعظيم‪ ،‬خاصة وأنهم يعيشون في‬
‫عصر تنبعث فيه اآللهة واألرواح في كل شيء حولهم‪ ،‬فآمنوا بقوى خفية كثيرة‪ ،‬في بعض الحيوانات‬
‫والنباتات والجمادات كالحجارة‪ ،‬واعتقدوا جازمين أن لها قدرة تفوق قدرة اإلنسان‪ ،‬فقدسوها‬
‫وعبدوها‪ ،‬وحاولوا جاهدين استرضاءها والتقرّب منها‪ ،‬بشتى الطرق والوسائل‪.‬‬
‫والقرابين وسائل تعبدّية عند الجاهليين‪ ،‬حتى تحافظ آلهتهم من خاللها على مالِهم وتجارتهم‪،‬‬
‫وسيادتهم بين الشعوب‪ ،‬فقد كان العرب‪ ،‬وغير العرب كالهنود‪ ،‬والفرس‪ ،‬وبعض اليهود‪ ،‬والصابئة‬

‫يتوافدون إلى الكعبة وما حولها من األصنام‪ ،‬بغية الفوز بحفظ اآللهة ورعايتها؛ ولذلك كانوا يقدّمون‬

‫‪ )1‬عبد الغفار‪ ،‬أحمد أمين‪ :‬الجاهلية قديما وحديثا‪ ،‬الكويت‪ :‬شركة الشعاع‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪ .57‬وينظر‪ :‬محمود‪ ،‬محمود عرفة‪:‬‬
‫العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر‪ :‬عين للدراسات والبحوث اإلنسانية واّلجتماعية‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪.169‬‬
‫وقد ذكرها هللا في كتابه الكريم‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫{قالوا نعبد أصناما فنظل هلا عاكفني}‪ ،‬الشعراء‪ ،‬آية ‪.71‬‬ ‫‪-‬‬

‫{فأتوا على قوم يعكفون على أصنام هلم}‪ ،‬األعراف‪ ،‬آية ‪.138‬‬ ‫‪-‬‬

‫{وتالل ألكيدن أصنامكم}‪ ،‬األنبياء‪ ،‬آية ‪.57‬‬ ‫‪-‬‬

‫{وإذ قال إبراهيم ألبيه آزر أتتخذ أصناما آهلة}‪ ،‬األنعام‪ ،‬آية ‪.74‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ )2‬النجيرمي‪ ،‬إبراهيم بن عبد هللا‪ :‬أيمان العرب في الجاهلية‪ ،‬حققه وعلق على حواشيه‪ :‬محب الدين الخطيب‪ ،‬ط‪ ،2‬مصر‪:‬‬
‫المطبعة السلطية‪1962 ،‬م‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪ )3‬ابن الكلبي‪ :‬األصنام‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪24‬‬
‫الحيوانات قرابين عند الكعبة‪ ،‬ويذبحونها في وادي عرنة‪ ،‬ثم توزّع اللحوم على الناس أو الحجاج‬
‫الوافدين ويأكلونها‪ ،‬وكان يشعر مقدّم القربان بالفخر‪ ،‬ولمعرفته كان يضع قالدة من سيور الجلد أو‬
‫أكناف الشجر في عنقه متباهيا بتقديمه القرابين لألصنام‪.)1‬‬

‫وقدّس الجاهليون "مناة" و "رئام" وبجانبهما حلقوا رؤوسهم؛ احتراما وتقديسا لهما‪ ،‬ولهما‬
‫عينوا السدنة ‪ ،)2‬وتسموا بأسمائها‪ ،‬وقد اختلقت أسماء العرب ما بين شمال الجزيرة العربية وجنوبها‪،‬‬
‫فاتخذت أسماؤهم‪ ،‬المركبة خاصة في الشمال طابعا دينيا‪ ،‬كعبد العزى‪ ،‬وعبد مناة‪ ،‬وعبد ود‪ ،‬ووهب‬

‫الالت ‪ ،)3‬وفي الجنوب اتخذت أسماؤهم كذلك طابعا دينيا‪ ،‬فتسموا بأسماء اآللهة‪ ،‬شكرا لها وتقربا‬
‫إليها‪ ،‬فكان الجاهلي يتوجه بالدعاء إلى اآللهة طلبا لما يحتاج إليه‪ ،‬وتغلبا على ما يواجههه من‬
‫صعوبات الحياة‪ ،‬وكان ينذر إن أجاب اإلله طلبه سمى أحد أوالده باسمه‪.)4‬‬

‫وقد عظّم الجاهليون أماكن الذبح التي تقدم فيه القرابين‪ ،‬ومنها "الغبغب"‪ ،‬وقد ذكره أبو‬
‫خرّاش الهذلي‪ ،‬وهو يهجو رجال تزوج امرأة جميلة تدعى أسماء‪:)5‬‬
‫(الطويل)‬
‫ب ا دلعُزى فُ ُو ُ‬
‫ض ُع ِفي ا دلقُ د‬
‫س ِم‬ ‫ِإلُى ُ‬
‫غ دبغُ ِ‬ ‫ع دينِ ُها ِإ دذ ُي ُ‬
‫سوقُ ُها‬ ‫ُرأُى قُذُعا ِفي ُ‬

‫وهناك عدة أسباب لعبادة العرب األصنام‪ ،‬فمنهم من اعتقد أنها الوساطة بين اإلنسان وعبادة‬
‫‪)6‬‬
‫فقدسوها وعبدوها وجعلوها قبلتهم‪ ،‬وبعضهم اعتقدوا أنها شياطين‪،‬‬ ‫القوى الخارقة األخرى‬

‫والشياطين هي التي تقضي حوائجهم‪ ،‬وآخرون اعتقدوا أن األصنام تمثل صور الموتى‪ ،‬وأنهم‬
‫بعبادتهم لها إنما يعبدون األموات‪ ،‬وقالوا‪" :‬كان ود وسِواع ويغوث ويعوق ونسر قوما صالحين"‪،‬‬
‫وحينما حضرهم الموت طلب أحدهم من القوم صناعتهم مجردين من الروح والفعل‪.)7‬‬

‫‪ )1‬الخربوطلي‪ ،‬علي حسني‪ :‬تاريخ الكعبة‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار الجيل‪1991 ،‬م‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫‪ )2‬السدنة‪ :‬الخدم‪ ،‬ينظر اللسان مادة (سدن)‬
‫‪ )3‬نيلسن‪ ،‬ديتلف‪ :‬التاريخ العربي القديم‪ ،‬ترجمة فؤاد حسنين علي‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،1958 ،‬ص‪.179‬‬
‫‪ )4‬برو‪ ،‬توفيق‪ :‬تاريخ العرب القديم‪ ،‬ط‪ ،2‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،1996 ،‬ص‪.303‬‬
‫‪ )5‬مسعود‪ ،‬ميخائئيل‪ :‬األساطير والمعتقدات العربية قبل اإلسالم‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫‪ )6‬األلوسي‪ ،‬محمود شكري‪ :‬بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب‪ ،‬شرحه وصححه وضبطه‪ :‬محمد بهجت األثري‪ ،‬ط‪ ،2‬مصر‪:‬‬
‫المكتبة األهلية (المطبعة الرحمانية)‪1924 ،‬م‪.197/2 ،‬‬
‫‪ )7‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.212‬‬
‫‪25‬‬
‫وكانت العرب عند تقديم القرابين أو العتائر يحرصون على طهارة األشخاص‪ ،‬فال يجوز‬
‫لنجس االقتراب من األصنام‪ ،‬أو يدور حولها‪ ،‬خوفا من إصابتها بشيء من النجاسة في أثناء ذبح‬
‫القرابين‪ ،‬فتغضب عليهم اآللهة‪ ،‬ولذلك كانوا يبعدون النساء الحائضات عنها‪ ،‬وال يجوز لهن االقتراب‬

‫منها والتمسّح بها‪ ،‬بل عليهن الوقوف في ناحية بعيدة عنها؛ حتى ال تصيبها بشيء من النجاسة‪ ،‬وقد‬
‫ذكرت لفظة العتر في الشعر الجاهلي‪ ،‬فقال خُزاعي بن عبد ُنهْم‪:)1‬‬
‫(الطويل)‬

‫أ ُ دف ُع ُل‬ ‫ُك دنت‬ ‫كالّ ِذي‬ ‫نُسك‪،‬‬ ‫يرة‬


‫ع ِت ُ‬
‫ُ‬ ‫ِع دندُه‬ ‫د‬
‫ألذ ُبح‬ ‫نُهدم‬ ‫ِإلُى‬ ‫ذُ ُهبتُ‬

‫وقال زهير بن أبي سلمى‪:)2‬‬


‫(البسيط)‬
‫ُكم دنصب العتر د ّمى ُرأدسه النّسكُ‬ ‫ُمرقبة‬ ‫ُرأد ُ‬
‫س‬ ‫ُوأ ُ دوفُى‬ ‫ع دن ُها‬
‫ُ‬ ‫فُ ُز ّل‬

‫ولم تكتف العرب بذبح العتائر لألصنام‪ ،‬بل وصل بهم األمر إلى ذبح البشر قرابين بشرية لها‪،‬‬
‫خاصة وأنهم اعتقدوا بأن األصنام مصدر إلهام للنّصر في الحروب‪ ،‬فذبحوا أسرى الحروب تقربا‬
‫للعزى‪ ،‬وفدوها بالراهبات‪ ،‬كما فعل المنذر بن ماء السماء‪ ،‬الذي ضحى بأربعمئة راهبة للعزى‪ ،‬كن‬

‫متنسكات في بعض أديرة العراق‪ .)3‬وكانوا يقدّمون لها السيوف والقالئد‪ ،‬والحليّ‪ ،‬والثياب‪،‬‬
‫والنفائس‪ ،‬ولها عيّنوا السدنة والخدم‪ ،)4‬كما حملوها إلى الحروب حتى تنصرهم على أعدائهم‪.‬‬
‫وليس أدل على معرفة العرب القرابين البشرية من نذر عبد المطلب جدّ النبي (صلى اهلل‬

‫عليه وسلم) عندما قال‪" :‬لئن ولد لي عشرة أبناء‪ ،‬ثم شبّوا وأصبحوا بحيث يمنعونني ألنحرّن أحدهم‬
‫عند الكعبة"‪.)5‬‬

‫‪ )1‬ابن الكلبي‪ :‬األصنام‪ ،‬ص‪.39‬‬


‫‪ )2‬زهير بن أبي سلمى‪ :‬ديوانه‪ ،‬صنعه‪ :‬أبو العباس ثعلب‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪2004 ،‬م‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫‪ )3‬مسعود‪ ،‬ميخائيل‪ :‬األساطير والمعتقدات العربية قبل اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار العلم للماليين‪ ،1994 ،‬ص‪.117‬‬
‫‪ )4‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪.235/2 ،‬‬
‫‪ )5‬محمود‪ ،‬محمود عرفة‪ :‬العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر‪ :‬عين للدراسات والبحوث اإلنسانية واّلجتماعية‪ ،1995 ،‬ص ‪.170‬‬
‫‪26‬‬
‫كانوا يريقون دم القربان على األنصاب ويضعون عليه اللحم‪ ،‬وهي موضوعة في الكعبة‪،‬‬
‫وكانوا يلطخون الصنم الذي يذبح ألجله‪ ،‬بشيء من دم القربان؛ العتقادهم بأن الصنم يحس بدم‬
‫القربان فوقه‪ ،)1‬ومن ثَمّ ينتقل الدم الحار إلى اإلله المعبود‪ ،‬الذي بدوره يكتفي به‪ ،‬ويرضى عنهم‪،‬‬

‫ويزيل غضبه عليهم‪ ،)2‬وبعد االنتهاء من طقس تقديم القربان‪ ،‬يقسّم الكهنة لحوم الضحايا على‬
‫الحاضرين‪ ،‬وقد قال في ذلك عمرو بن عبد الجن‪:)3‬‬
‫(الطويل)‬

‫ع دن ِِّّدُم ِِّّا‬ ‫على قُن ِِّّ ِة العُزى أ ُ ِو الن د‬


‫ش ِِِِِِّّّّّّ ِر ُ‬ ‫أ ُ ُم ِِِّّّا و ِدم ِِِّّّاء م ِِِّّّا ِئ ِِِّّّرات ت ِِِّّّ ُخ ِِِّّّال ِِِّّّه ِِِّّّا‬
‫صِِِِِِّّّّّّمما‬ ‫ُحسِِِِِِّّّّّّاما‪ ،‬إِذا القُى الضِِِِِِّّّّّّ ِريبُةُ ُ‬ ‫‪)4‬‬
‫لِّقُ ِِِّّّ دد ُهِّز مِّ ِنِّّي ع ِِِّّّا ِمِّر يِِّّو ُم لُِّ دع ِّلُ ِّع‬

‫ويصف لنا األعشى حال العبيد المقيمين عند هذه األنصاب ألداء الفرائض الدّينية‪ ،‬فيقول‪:)5‬‬
‫(الكامل)‬
‫س ن ِِِِِّّّّّاق ِِِِِّّّّّت ِِِِِّّّّّي‪ ،‬ول ِِِِِّّّّّم ِِِِِّّّّّا ب ِِِِِّّّّّه ِِِِِّّّّّا‬ ‫وردتد عِِِِّّّّلِِِِّّّّى س ِِِِِِِِِِّّّّّّّّّّعِِِِّّّّ ِد بِِِّّّ ِ‬
‫ِّن قِِِِّّّّيـ‬

‫مس ِِِِِِِِِِِّّّّّّّّّّّك عِِِِِّّّّّلِِِِِّّّّّى أنص ِِِِِِِِِِِّّّّّّّّّّّابِِِِِّّّّّهِِِِِّّّّّا‬ ‫ف ٌِِِِِِِّّّّّّّذا ع ِِِِِِِّّّّّّّب ِِِِِِِّّّّّّّي ِِِِِِِّّّّّّّد ع ِِِِِِِّّّّّّّك ِِِِِِِّّّّّّّف‪،‬‬

‫د‪ ،‬بُ ِِِِِّّّّّ دع ِِِِِّّّّّدُ‪ُ ،‬ح ِِِِِّّّّّ دو ُل ِق ِِِِِّّّّّ ُب ِِِِِّّّّّا ِب ِِِِِّّّّّ ُه ِِِِِّّّّّا‬ ‫ُو ُجِِِّّّ ِمِِِّّّيِِِّّّ ُع ث ُِِِّّّ دعِِِّّّ ُلِِِّّّ ُب ِِِّّّة ُ دبِِِّّّ ِن ُ‬
‫س ِِِِِِِِِّّّّّّّّّ دعِِِّّّـ‬

‫أرى ِبِِِِِِِّّّّّّّ ُهِِِِِِِّّّّّّّا‬


‫س ِِِِِِِِِِِِِّّّّّّّّّّّّّ ُهِِِِِِِّّّّّّّا ُو ُ‬
‫دا ُح ّ‬ ‫ُ عِِِِِِِّّّّّّّمِِِِِِِّّّّّّّـ‬ ‫أنّ‬ ‫وعِِِِِِِّّّّّّّلِِِِِِِّّّّّّّمِِِِِِِّّّّّّّتُ‬

‫ونستشف مدى تعظيم العرب آللهتهم من قول خالد بن الوليد مخاطبا الرسول محمد (صلى‬
‫اهلل عليه وسلم)‪ " :‬يا رسول اهلل‪ ،‬الحمد هلل‪ ،‬الذي أكرمنا بك‪ ،‬وأنقذنا بك من الهلكة‪ ،‬لقد كنت أرى‬
‫أبي يأتي العزى بخير ماله من اإلبل والغنم‪ ،‬فيذبحها للعزى ويقيم عندها ثالثا‪ ،‬ثم ينصرف إلينا‬
‫مسرورا"‪ .)6‬لقد كان لون األصنام يميل إلى الحمرة‪ ،‬وهذا يدلّ على كثرة ذبح القرابين المقدمة لها‪،‬‬
‫كما يدل على أن هناك عددا كبيرا من العرب يؤمن بهذا الطقس ويمارسه‪ ،‬بتقريب أفضل ما يملك‪.‬‬

‫‪ )1‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪.61/4،‬‬


‫‪ )2‬الحوت‪ ،‬سليم‪ :‬في طريق الميثولوجيا عند العرب‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬مطبعة دار الكتاب‪1955 ،‬م‪ ،‬ص‪.151‬‬
‫‪ )3‬ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪.206‬‬
‫يوم َل ْعَلع‪ :‬جبل كانت به وقعة‪.‬‬
‫) َ‬
‫‪4‬‬

‫‪ )5‬األعشى ميمون بن قيس‪ :‬الديوان‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار صادر‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪ )6‬بانجيكي‪ ،‬طاهر‪ :‬قاموس الخرافات واألساطير‪ ،‬ط‪ ،1‬طرابلس‪ :‬جروس برس‪1996 ،‬م‪ ،‬ص‪.163‬‬
‫‪27‬‬
‫ونلمح في العصر الجاهلي بعض اإلشارات التي تؤكد معرفة العرب قربان البغاء المقدس‬
‫وطقوسه‪ ،‬فقد اشتهر عند العرب وبخاصة بالقرب من مكة‪ ،‬شجرة تدعى ذات أنواط‪ ،‬وهي شجرة‬
‫ضخمة خضراء‪ ،‬كانت تأتي إليها قريش ومن سواهم من عرب الجزيرة العربية؛ لعبادتها‪،‬‬

‫واسترضائها عن طريق تقديم القرابين إليها‪ ،‬وكانوا عندما يأتون هذه الشجرة‪ ،‬يعلّقون أسلحتهم‬
‫عليها‪ ،‬ويذبحون عندها‪ ،‬ويعكفون عليها يوما ‪ ،)1‬وتضيف بعض كتب التاريخ ‪ )2‬أن العرب إذا حجّوا‬
‫إليها علقوا أرديتهم عليها‪ ،‬ودخلوا الحرم عراة من غير أردية وال أغطية‪ ،‬تعظيما للبيت؛ ولذلك‬

‫سميت ذات أنواط ‪.)3‬‬


‫إن التعري عند هذه الشجرة‪ ،‬وتعليق العرب مالبسهم عليها‪ ،‬وطوافهم بالبيت عراة‪ ،‬يدل على‬
‫وجود عبادة الخصب والجنس عند العرب‪ ،‬وانتشارها في الجزيرة‪.‬‬

‫ولعادة العري في الطواف جذور قديمة مبنيّة على أسس عقدية‪ ،‬إذْ اعتقدوا أنهم حينما يخلعون‬
‫مالبسهم ويتجردون منها تتجرد معها الذنوب والخطايا واآلثام التي ارتكبوها‪ ،‬وقالوا‪ " :‬ال نطوف‬
‫في الثّياب التي فارقنا فيها الذّنوب‪ ،‬وال نطوف في ثياب عصينا اهلل فيها"‪ ،)4‬وسميّت الثياب المخلوعة‬
‫بثياب اللّقى‪ ،‬وقد قال ورقة بن نوفل فيها‪:)5‬‬
‫(الطويل)‬
‫ل ِّق ِّى بُ ِّ دي ِّنُ أ دي ِِِّّّدي ال ِّ ُط ِِِّّّائ ِّف ِّيِِّّنُ حِِّّريِِّّم‬ ‫ُك ِِّّف ِِّّى ُح ِِّّ ُزن ِِِّّّا ُك ِِّّ ِ ّري ع ِِّّل ِِّّ دي ِِِّّّ ِه ُك ِِِّّّأن ِِِّّّهُ‬

‫وربّما سميّت هذه الثياب باللقى بسبب إلقاء الحجاج لها‪ ،‬فتترك مكانها وال يمسّها أحد حتى‬
‫تبلى‪ ،‬أو ألنها الثياب التي تلقى قبل الطّواف‪ ،‬ويعود الحجاج ويلبسونها مرة أخرى بعد الطواف‪،‬‬

‫‪ )1‬الخطيب‪ ،‬محمد‪ :‬الدين واألسطورة عند العرب‪ ،‬ص‪.82‬‬


‫‪ )2‬الفيومي‪ ،‬محمد إبراهيم‪ :‬تاريخ الفكر الديني الجاهلي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الجليل‪1999 ،‬م‪ ،‬ص‪.436‬‬
‫‪ )3‬الفيومي‪ ،‬محمد إبراهيم‪ :‬تاريخ الفكر الديني الجاهلي‪ ،‬ص‪.436‬‬
‫‪ )4‬األزرقي‪ ،‬محمد بن عبد هللا أحمد‪ :‬أخبار مكة وما جاء فيها من اآلثار‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.117‬‬
‫‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ .177‬وينظر‪ :‬عجينة‪ ،‬محمد‪ :‬موسوعة أساطير العرب عند الجاهلية وداللتها‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الفارابي‪،‬‬
‫‪1994‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.247‬‬
‫‪28‬‬
‫وهذا ما فعله "الحلة"‪ ،‬أمّا "الحُمس"‪ ،)1‬فيطوفون مصفّرين ومشبكين األصابع‪ ،)2‬وقد قال الشاعر‬
‫المثقب العبدي لعمرو بن هند في طواف الحُجُن الصغار‪:)3‬‬
‫(الوافر)‬

‫ِّب‬ ‫ُفِِّّ ُق ِِِّّّ دد ُك ِِِّّّادُتد ُحِِّّوا ِجِِّّبُِِّّهِِّّم ت ُ ِ‬


‫ش ِِِِِِِِّّّّّّّّي ِِّّ ُ‬ ‫ِّف ِبِّنُص ِِِِِِِّّّّّّّ ِبِّ ِهِّم ُحِّ ُجِّن ِص ِِِِِِِّّّّّّّ ُغ ِِِّّّ ُ‬
‫ار‬ ‫ُيِّ ِطِّي ُ‬

‫وقد كانت المرأة كما الرجال تطوف عارية‪ ،‬ونستدل على ذلك من قصة "ضباعة بنت‬

‫عامر بن صعصعة" التي طافت عريانة‪ ،‬إذْ نزعت ثيابها أمام باب البيت‪ ،‬ثم دخلته‪ ،‬وكانت على‬
‫جمال خارق‪ ،‬فوضعت يدها على دُبرها واألخرى على فرجها‪ ،‬وأخذت تقول‪:)4‬‬
‫(الرجز)‬

‫ُف ِِِِّّّّ ُم ِِِِّّّّا ُب ِِِِّّّّدا ِم ِِِِّّّّ دن ِِِِّّّّهُ ف ِِِِّّّّال أ ُ ِح ِِِِّّّّلِِِِّّّّّهُ‬ ‫ا دل ِِِّّّ ُي ِِِّّّ دوم ُي ِِِّّّ دب ِِِّّّدُو ُب ِِِّّّ دعض ِِِِِِِِِّّّّّّّّّه أُو ُك ِِِّّّل ِِِّّّه‬

‫ومن األدلة أيضا التي تؤكد تقديس العرب هذه الشجرة‪ ،‬وبلوغها مرتبة عالية في الجاهلية‪ ،‬ما‬
‫روي عن الحارث بن مالك الليثي‪ ،‬وهو من الذين خرجوا مع الرسول (صلى اهلل عليه وسلم) يوم‬
‫حنين‪ ،‬أنهم رأوا سدرة خضراء عظيمة‪ ،‬فصرخوا‪ :‬يا رسول اهلل اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات‬
‫أنواط! فقال الرسول (صلى اهلل عليه وسلم)‪ :‬اهلل أكبر! والذي نفس محمد بيده‪ ،‬كما قال قوم موسى‬
‫لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ‪.)5‬‬

‫الحمس‪ :‬هم أهل قريش‪ ،‬وكانت أهم سمة لحجهم الطواف بلباسهم‪ ،‬على عكس "الحلة" والتي من أهم سمات حجهم العري‬
‫) ُ‬
‫‪1‬‬

‫عند الطواف‪.‬‬
‫‪ )2‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.274‬‬
‫‪ )3‬المثقب‪ ،‬العبدي‪ :‬الديوان‪ ،‬حققه حسن كامل الصيرفي‪ ،‬جامعة الدول العربية‪ ،1971 ،‬ص‪.261‬‬
‫‪ )4‬األزرقي‪ :‬أخبار مكة وما جاء فيها من اآلثار‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.178‬‬
‫‪ )5‬الترمذي‪ ،‬محمد بن عيسى أبو عيسى‪ :‬سنن الترمذي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر وآخرون‪ ،‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬
‫كتاب الفتن‪ ،‬باب لتركبن سنن من كان قبلكم‪ ،‬رقم الحديث‪ ،2180 :‬ج‪/4‬ص‪.475‬‬
‫‪29‬‬
‫وهذا يؤكد عبادة العرب ذات األنواط‪ ،‬اعتمادا على الترسبات الدينية الجاهلية الباقية في‬
‫عقولهم ونفوسهم‪ ،‬فهم تعودوا على عبادة األشياء المادية الملموسة‪ ،‬التي بعبادتها تقربهم إلى اهلل‬
‫زلفى‪.‬‬

‫كما نجد ثمة عالقة بين طقس البغاء المقدس ووجود صنمي إساف ونائلة بجوار الكعبة في‬
‫مكة‪ ،‬أي أقدس منطقة على األرض‪ ،‬وإساف ونائلة هما محبوبان جاءا من اليمن إلى مكة؛ لتقديم‬
‫قربانهما‪ ،‬والفوز برضا إلهتهما (العزّى)‪ ،‬فدخال فناء الكعبة وقدما قربانهما‪ ،‬وألنهما كانا شخصين‬

‫صالحين‪ ،‬حولتهم االلهة العزى إلى صنمين‪ ،‬ليكونا صورة عنها‪ ،‬وسمّيا باسمهما‪ ،‬وأصبحا ممثلين‬
‫عن إلهة العرب‪.‬‬
‫ومما يؤكد ذلك‪ ،‬وجود قصة إساف ونائلة في الروايات اإلسالمية التي تقول‪ :‬إن عمرو بن لحي‬

‫الخزاعي أحضر (هبل) و(إساف) و(نائلة) من (هيت) على شاطئ الفرات فوق األنبار من نواحي‬
‫بغداد‪ ،‬ومن المعروف أن هذا المكان بالذات مرتع تفشت فيه عبادة الخصب وطقوس الجنس‪ ،‬ويذكر‬
‫"القمني" أن العرب قدّسوا من سموهم بنات اهلل‪ ،‬وكن تمثيال للقوى المولّدة في الطبيعة(‪ ،)1‬كما تذكر‬
‫الروايات اإلسالمية بعض االستفسارات الغريبة من المسلمين‪ ،‬مثل سؤال (أبي بصير) ألبي عبداهلل‬
‫عن مُحرم نظر إلى فرج امرأة في الحج حتى أمنى‪ ،‬فأجاب بأن عليه الفداء بأن يذبح هديا‪ ،‬وما جاء‬
‫أيضا ما قاله عمر بن الخطاب من على المنبر إبان خالفته‪ " :‬متعتان كانتا على عهد رسول اهلل وأنا‬
‫أنهى عنهما وأعاقب عليهما‪ :‬متعة الحج‪ ،‬ومتعة النساء"(‪ ،)2‬لكن إذا راجعنا كتب التاريخ اإلسالمي‪،‬‬
‫نجد أن إسافا فجر بنائلة داخل فناء الكعبة‪ ،‬فغضب عليهما اهلل ومسخهما صنمين‪.‬‬
‫هذه الرواية تتوافق وحاجات النفس اإلسالمية‪ ،‬التي تتعارض مع عقيدة الجاهليين الفاسدة‪،‬‬
‫فتظهرهم فجرة‪ ،‬والحق إنه عمل جنسي مقدس‪ ،‬وأنهما كانا يمثالن عبادة جنسية سادت زمانا في‬
‫الجزيرة العربية‪.‬‬

‫‪ )1‬القمني‪ ،‬سيد محمود‪ :‬األسطورة والتراث‪ ،‬ص‪.127‬‬


‫‪ )2‬ابن حنبل‪ ،‬أحمد بن حنبل أبو عبد هللا الشيباني‪ :‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬القاهرة‪ :‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬حديث رقم‪،1495 :‬‬
‫‪.363/3‬‬
‫‪30‬‬
‫وهناك دليل آخر يثبت معرفة العرب قربان البغاء المقدس‪ ،‬نستشفه من رواية إسالمية‪،‬‬
‫تقول‪ :‬إن آدم وحواء حينما غضب اهلل عليهما‪ ،‬وأمرهما بالهبوط إلى األرض‪ ،‬هبطا متفرقين‪ ،‬وظالّ‬
‫هائمين حتى التقيا على جبل عرفة‪ ،‬وهناك عرف‪ )1‬آدم حواء‪ ،‬وهناك جامعها‪ ،‬ولذك سمي هذا الجبل‬

‫باسم عرفة‪.‬‬
‫ومن هنا جاء تقديس جبل عرفة‪ ،‬وكان الوقوف على جبل عرفة من أهم مناسك الحج‬
‫الجاهلي‪ ،‬وهناك يجتمع آالف الرجال والنساء الجاهليين‪ ،‬يبيتون جمعيا ليال حتى الصباح‪ ،‬يؤدون‬

‫طقوس الجنس المقدّس‪ ،‬طلبا للغيث والخصب‪.)2‬‬


‫ويالحظ السيد القمني أن الجبل الذي التقى فيه آدم وحواء يُدعى جبل عرفة‪ ،‬فلماذا يطلق‬
‫عليه الجميع جبل عرفات؟! وال تعرف جبال يجمع اسمه إال عرفات! هذا يدل على أن الجمع ليس‬

‫للجبل‪ ،‬وإنما الجمع هنا للمجتمعين على الجبل‪ ،‬الذين هم في حالة جماع أو عرفات‪ ،‬امتثاال للفعل‬
‫األول الذي قام به إساف عندما عرف نائلة‪ ،‬أو آدم عندما ضاجع حواء‪.)3‬‬
‫ويتابع القمني "واالسم (ذات أنواط) هو أحد ألقاب الشمس التي عرفناها باالسم (إالت) كإلهة‬
‫أمّ‪ ،‬وفي ذلك ما يدعم عالقتهما بالخصب والجنس في نظر العرب‪ .‬كما كان لمزدلفة كشعيرة حج –‬
‫في األصل‪ -‬إلها يدعى (قزح)‪ ،‬وهو إله برق ورعد ومطر"‪.)4‬‬
‫كما يمكننا أن نستدلّ على ذلك من اسم المكان الذي يوجد فيه جبل عرفات‪ ،‬وهو بكّة ‪-‬حسب‬
‫لهجات العرب‪ -‬فاسم بكّة يقودنا إلى معاني الجماع والتّناسل‪ ،‬فإذا عدنا إلى جذرها‪ ،‬نجد‪ :‬بكّ الرجل‬
‫المرأة أي جهدها في الجماع‪ ،)5‬وما يؤكدّ أن بكّة اشتقت من الجماع‪ ،‬الرأي القائل‪ " :‬إنّ مكة اسم‬
‫المدينة‪ ،‬وبكّة اسم البيت"‪ )6‬الذي جمع إسافا ونائلة‪ .‬كل هذه اإلشارات ترجح انتشار هذه العبادة عند‬
‫العرب‪.‬‬

‫تصر على استخدام لفظ عرف بمعنى جامع‪.‬‬


‫) عرف آدم حواء‪ :‬أي جامعها‪ ،‬والتوراة بشكل خاص ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ )2‬القمني‪ ،‬سيد محمود‪ :‬األسطورة والتراث‪ ،‬ص‪.129‬‬


‫‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.129‬‬
‫‪ )4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.128‬‬
‫‪ )5‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪( ،‬بكك)‪.‬‬
‫‪ )6‬الحموي‪ ،‬ياقوت‪ :‬معجم البلدان‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.210‬‬
‫‪31‬‬
‫الُقربان وبناء المعابد والمذابح‪:‬‬
‫شكلت المعابد عند مختلف الشعوب القديمة دو ار مهما في مجاّلت الحياة الدينية وغيرها‪ ،‬ففيها‬
‫ّ‬
‫يؤدون طقوسهم واليها يحجون‪ ،‬وكانت المعابد عند العرب تبنى تقربا‪ ،‬أو وفاء لنذور أوجبوها على‬
‫أنفسهم‪ ،‬وتخبرنا النقوش العربية القديمة عن بعض األشخاص الذين تقربوا من آلهتهم ببناء معابد‬
‫كاملة‪ ،‬ففي أحد النقوش النبطية يذكر بناء المعابد النبطية‪ ،‬كبيت الالت الذي جعل لها بصلخد‪،‬‬
‫والمعبد والمذبح الذي بناه (مالك) ملك األنباط ما بين (‪75 -40‬م) في صمة البردان إلى الجنوب‬
‫الشرقي من صلخد‪ ،‬كما تكثر الكلمات المترادفة التي تشير إلى بناء المعابد في النقوش النبطية‪،‬‬
‫وهي‪ :‬بيتا‪ ،‬وبيرتا‪ ،‬وربعتا‪ ،‬وأربعنا‪ ،‬ومسجد‪ ،‬وبنينا ‪.)1‬‬
‫لما كانت عادة تقديم القرابين من الطقوس الدينية عند الشعوب‪ ،‬حرص اإلنسان على بناء‬
‫وّ‬
‫المذابح تقربا من آلهتهم‪ ،‬وكان الجاهليون امتدادا لهذه الشعوب القديمة في فكرهم وفي عقيدتهم‪،‬‬
‫المعد للذبح باسم الذبيحة أو هديا‬
‫ّ‬ ‫يسوقون الحيوانات لذبحها قربانا لإلله‪ ،‬وقد عرف الحيوان‬
‫فأخذوا ُ‬
‫أو قربانا أو قالئد ‪ ،)2‬وكانوا يطلقون على المذبح اسما آخر هو المنحر؛ ألنهم ينحرون فيه هبات‬

‫اآللهة وهداياهم ‪ ،)3‬وحينما جاء اإلسالم نهاهم عن الذبح بمكان يذبح فيه لغير هللا تعالى‪.)4‬‬
‫صص الساميون والعرب أيضا أجزاء من معابدهم مذابح للقرابين‪ ،‬وتكون عبارة عن‬
‫وقد خ ّ‬
‫الفخار‪ ،‬وتكون ذات فتحات لخروج الدم وسيالنه‬
‫مصطبة‪ ،‬أو منضدة من الحجر أو الرخام أو من ّ‬
‫‪ ،)5‬تقدم فيها طقوس تقديم القرابين‪.‬‬

‫‪ )1‬المعاني‪ ،‬سلطان عبدهللا‪ :‬التكريس عند العرب في النصوص النقشية العربية القديمة‪ ،‬مجلة المنارة‪ ،‬المجلد‪ ،4‬العدد‪،1‬‬
‫‪1999‬م‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪ )2‬برو‪ ،‬توفيق‪ :‬تاريخ العرب القديم‪ ،‬سوريا‪ :‬دار الفكر‪1982 ،‬م‪ ،‬ص‪.301‬‬
‫‪ )3‬ابن الكلبي‪ :‬األصنام‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪ )4‬روى ثابت بن الضحاك رضي هللا عنه أن رجال نذر أن ينحر إبل ببوانه‪ ،‬فسأل النبي (صلى هللا عليه وسلم)‪ ،‬فقال‪ :‬هل كان‬
‫فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا‪ّ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ فقالوا‪ّ :‬ل‪ .‬فقال رسول هللا (صلى هللا عليه‬
‫وسلم)‪ِ :‬‬
‫أوف بنذرك‪ ،‬فإنه ّل وفاء لنذر في معصية هللا‪ ،‬وّل فيما يملك ابن آدم‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬آل الشيخ‪ :‬فتح المجيد شرح كتاب التوحيد‪ ،‬ص‪.112-111‬‬
‫‪ )5‬الجرو‪ ،‬أسمهان سعيد‪ :‬الديانة عند قدماء اليمنيين‪ ،‬مجلة دراسات يمنية‪1992 ،‬م‪ ،‬العدد ‪ :48‬ص‪.344‬‬
‫‪32‬‬
‫طهارة‪ ،‬التي تكون بسفك ّ‬
‫الدم‪ ،‬وتلطيخ جدران‬ ‫وربما كانت فكرة المذابح الدينية تقوم على أساس ال ّ‬
‫الضحية‪ ،‬فكانت المذابح جزءا من القرابين أيضا‪ ،‬حيث يذكر أن العرب تبني المذابح تقربا‬
‫ّ‬ ‫المذبح بدم‬
‫آللهتها ‪.)1‬‬
‫الكهان يقومون بنضح الدم ورشه على‬
‫ونجد مثل هذا األمر في التقليد التوراتي‪ ،‬حيث كان ّ‬
‫جوانب المذبح ‪ ،)2‬وذلك من خالل الذبائح المعروفة لديهم‪ ،‬كذبائح السالمة والخطيئة وإلثم‪ ،‬وترد لفظة‬
‫مذبح في التوراة‪ ،‬فنق أر في سفر التكوين‪ " :‬ولما بلغا الموضع الذي أشار إليه هللا شيد إبراهيم مذبحا‬

‫هناك‪ ،‬ونضد الحطب‪ ،‬ثم أوثق اسحق ابنه ووضعه على المذبح فوق الحطب‪ ،‬ومد إبراهيم يده‬
‫وتناول السكين ليذبح ابنه‪ ...‬واذ تطلع إبراهيم حوله رأى خلفه كبشا قد علق بفروع أشجار الغابة‪،‬‬
‫فذهب وأحضره وأصعده محرقة عوضاً عن ابنه"‪ ،)3‬وفي معظم األحيان كانت تبنى المذابح في‬

‫األماكن العالية بين األشجار‪ ،‬لتمارس فيها طقوس العبادة وتقديم القرابين واألضحيات والنذور‪.‬‬

‫القربان والمحرقة‪:‬‬

‫يتم فيه‬
‫عرف العرب القدماء المحرقة كغيرهم من الشعوب السامية القديمة‪ ،‬وهي المكان الذي ّ‬
‫حرق القرابين سواء النباتية أو الحيوانية‪ ،‬فهي على نوعين‪ :‬محرقة للذبائح وأخرى للبخور‪ ،‬أما األولى‬
‫ثم على حرق الخطايا التي ارتكبها‬
‫زكية إلى اآللهة لتفرح وتهدأ‪ّ ،‬‬
‫فكانت تقوم على مبدأ إصعاد رائحة ّ‬
‫أما الثانية فكانت تقوم على أساس طرد األرواح‬ ‫الشخص ِ‬
‫المقرب‪ ،‬وعلى الفوز برضا وقبول اآللهة‪ ،‬و ّ‬
‫الشريرة ونشر السكينة وتهيئ األجواء لحضور اآللهة ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬يذكر أحد النقوش التدمرّية العائد إلى سنة ‪63‬م أن خيران بن عجيل بن آية بل من بني معزين قد بنى مذبحا تقربا لإلله سيد‬
‫وقدم مالك الملك النبطي مذبحا آللهته دون أن يحدد اسم‬
‫وقدم آخر مذبحا لإلله (بل)‪ّ ،‬‬
‫السماء‪ ،‬و(لدرحلون) و(رحيم) و(جدا)‪ّ ،‬‬
‫إله معين‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬المعاني‪ ،‬سلطان عبد هللا‪ :‬التكريس عند العرب في النصوص النقشية العربية القديمة‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ )2‬سفر الالوين‪ ،‬اإلصحاح األول‪.‬‬
‫‪ )3‬سفر التكوين‪ ،‬اإلصحاح ‪.22‬‬
‫‪ )4‬سيلفى كوفيل‪ :‬قرابين اآللهة في مصر القديمة‪ ،‬ترجمة‪ :‬سهير لطف هللا‪ ،‬المطبعة‪ :‬بى إتشرو‪ ،2010 ،‬ص‪.12‬‬
‫‪33‬‬
‫والمحرقات كانت الشكل األول للقرابين‪ ،‬مثلما فعل هابيل عندما قدم كبشا من سمان أغنامه‪،‬‬
‫ونوح عليه السالم بعد حادثة الطوفان واستقرار السفينة‪ ،‬حيث تذكر التوراة أن هللا تعالى قد تنسم منها‬
‫رائحة الرضا ‪.)1‬‬
‫للتقرب من اآللهة والحصول على رضوانهم‪ ،‬وكانت لها‬
‫تقدم المباخر للمعابد ّ‬
‫وكانت العرب ّ‬
‫أشكال مختلفة‪ ،‬فمنها أسطواني الشكل‪ ،‬وهو الشكل الغالب على أشكال المباخر‪ ،‬ومنها ذوات الشكل‬
‫الجرسي‪ ،‬والقرني‪ ،‬والدائر ّي‪ ،‬كما كان لكل بيت مبخرة‪ ،‬تُعرف بمبخرة البيت‪ ،‬وكان بعض العرب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يسمي المبخرة بمقطر‪ ،‬خاصة في العربية الجنوبية ‪.)2‬‬

‫القربان واالتحاد مع اإلله‪:‬‬

‫تناولت الكتب القديمة أخبار القدماء ومروياتهم عن الحقبة الجاهلية‪ ،‬وذكرت طقس أكل‬
‫الجاهلي إلهه‪ ،‬وقد توقف النقاد القدماء والمحدثون عن هذا الطقس‪ ،‬وعقبوا عليه بأن الجاهلي يلجأ‬
‫إلى إلهه المصنوع تمرا أو حيسا‪ ،)3‬يتقرب منه بالقرابين‪ ،‬ويتودد إليه بالدعوات والصلوات‪ ،‬حتى‬
‫إذا شعر بالجوع أكله‪ ،‬وفي ذلك يقول الشاعر‪:)4‬‬
‫(مجزوء الكامل)‬
‫اعة‬
‫َزَمن التقحم واْل َم َج َ‬ ‫أَ َكَل ْت َحني َف ُة ربها‬
‫باعه‬
‫ُسوء اْل َعواقب والت َ‬ ‫َل ْم َي ْح َذُروا م ْن َربهم‬

‫ويقول رجل من بني تميم‪:‬‬


‫(الخفيف)‬

‫ُقِِِِِِّّّّّّ ِديِِِِِِّّّّّّم ِبِِِِِِّّّّّّ ُهِِِِِِّّّّّّا ُو ِمِِِِِِّّّّّّن ِإ دعِِِِِِّّّّّّواز‬ ‫أ ُ ُك ِّ ُل ِِِّّّتد ُربّ ِّ ُه ِِِّّّا ُح ِّ ِن ِّي ِّ ُف ِِِّّّةُ ِم ِّ دن ُج ِّوع‬

‫‪ )1‬سفر التكوين‪ ،‬اإلصحاح الثامن‪.18 ،‬‬


‫‪ )2‬المعاني‪ ،‬سلطان عبد هللا‪ :‬التكريس عند العرب القدماء‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ )3‬الحيس‪ :‬هو تمر وأقط وسمن‪ ،‬تخلط وتعجن وتسوى كالثريد‪.‬‬
‫‪ )4‬جواد‪ ،‬علي‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.39‬‬
‫‪34‬‬
‫ورأى معظم الدارسين في ذلك منقصة‪ ،‬ومدعاة للسخرية‪ ،‬ومنهم من رأى في ذلك نهاية‬
‫للوثنية‪ ،‬وبداية لظهور اإلسالم‪ ،‬ويرى بعض النقاد المحدثين ومنهم الدكتور إبراهيم بن محمد الحقيل‪،‬‬
‫أنه نوع من الحرية الدينية والتعددية في األديان‪.)1‬‬

‫والحق أنه نوع من أنواع القرابين النباتية‪ ،‬إذ يصنع من حبات التمر المقدسة إلها يشبه إلهه‪،‬‬
‫فيعبده ويصلي له؛ ألنه يؤمن أن الشبيه ينتج شبيهه‪ ،‬وهو يسعى إلى أن يتماهى مع إلهه (وحدة‬
‫الناسوت بالالّهوت)‪ ،‬وهو بذلك ينقل قوة إلهه إليه‪ ،‬خاصة أن اإلنسان األول‪ ،‬آمن بأن قوة ما تنتقل‬

‫إليه حينما يأكله‪ ،)2‬وهذا ليس عند الجاهليّ فحسب‪ ،‬بل هي عادة سائدة في الثقافات القديمة‪ ،‬ففي‬
‫المكسيك‪ ،‬كان يصنَعُ تمثالُ اإلله من الغاللِ والحبوبِ‪ ،‬ثُمَّ ُيعْجَنُ بدماء صبيان يُقَدّمون قربانًا لهذه‬
‫الغاية‪ ،‬كبديلٍ دينيٍّ عن أ ْكلِ اإلله‪.‬‬

‫وكان العرب عندما يرزقون بطفل‪ ،‬يأخذونه إلى الكاهن لتحنيكه‪ ،)3‬وذلك بمضغ التمر‬
‫في فمه (الكاهن)‪ ،‬ثم وضعه في فم الطفل‪ ،‬ودلكه بحنكه‪ ،‬حتى يتبلّغ الفم كله به‪ ،‬بغية انتقال بعض‬
‫صفات الكاهن إلى الطفل المحنك‪ ،)4‬وهذا يدل على أن اإلنسان الجاهلي آمن بأنه يمكن اكتساب‬
‫بعض صفات المقدسين وقوتهم‪ ،‬عن طريق األكل أو الطعام‪ ،‬وهذا يثبت علم الجاهلي بما يصنع‪ ،‬ال‬
‫كما يتهمه اآلخرون‪.‬‬
‫فهل يعقل أن يكون الجاهلي إلى هذه الدرجة من السذاجة حتى يأكل إلهه؟ أال يوجد عند‬
‫الجاهلي طعام غير ذلك الحيس‪ ،‬الذي عمد فيه إلى صنع إلهه؟ ثمّ إذا كانت الوثنية جارت إلى الزوال‪،‬‬
‫ما جعلهم يأكلون إلههم‪ ،‬لماذا لم يطرحوه أرضا؟ ثم ما العلة ألخذهم التمر مادة لخلق اإلله؟‬
‫الُقربان والموءودة‪:‬‬

‫‪ )1‬الحقيل‪ ،‬إبراهيم بن محمد‪ :‬لبرالية العرب في الجاهلية‪ ،‬مجلة األلوكة الشرعية‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )2‬ديورانت‪ ،‬ول‪ :‬قصة الحضارة‪ ،‬مجلد ‪ ،1‬ص‪.115‬‬
‫‪ )3‬التحنيك‪ :‬مضغ التمر ثم تدليكه بحنك الطفل‪ ،‬أي داخل فمه‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬اللسان‪ ،‬مادة (حنك)‬
‫‪ )4‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.655‬‬
‫‪35‬‬
‫وسميت بالموءودة؛ ألنها تثقل بالتراب‪ ،)1‬وفي لسان العرب وتاج‬
‫ّ‬ ‫الوأد لغة الثَّقل‪،‬‬
‫العروس‪ ،‬وأد الرجل ابنته إذا دفنها في القبر حية وأثقلها بالتراب‪ ،)2‬وهذا ما أكده لنا المفسرون في‬
‫أن‬ ‫‪)4‬‬
‫تفسير لفظة (الموءودة)‪ ،‬فقد ذكر الطبري أنها هي المدفونة حية‪ ،)3‬وفي تفسير القرطبي‬
‫سميت بذلك‪ ،‬لما يطرح عليها من التراب فيؤدها‪ ،‬أي يثقلها حتى تموت‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪:‬‬ ‫الموءودة ّ‬
‫ظهُمَا }‪ )5‬أي ّل يثقله‪.‬‬
‫{وَالَ يَؤُودُهُ حِ ْف ُ‬

‫أما في اّلصطالح فهو قتل الطفل ذك ار كان أو أنثى‪ ،‬سواء أكان بالدفن أو أي وسيلة أخرى‪،‬‬
‫ّ‬
‫كإغراقه أو ذبحه أو إلقائه من شاهق‪.)6‬‬
‫لقي موضوع الوأد اهتماما كبي ار لدى كثير من العلماء والمفسرين والمؤرخين‪،‬‬
‫وبخاصة أن القرآن الكريم تناول هذه الظاهرة بالتصريح تارة‪ ،‬وبالتلميح تارة أخرى‪ ،‬وأوضح تصريح‬
‫لها ما جاء في اآليتين الكريمتين‪ { :‬وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (‪ )8‬بِأَيِّ ذَنْب قُتِلَتْ }‪ )7‬فقد خّلد هللا تعالى هذه‬

‫الظاهرة عن طريق الذكر لها في أكثر من مناسبة القرآن الكريم‪.‬‬


‫بعدها جاء دور المفسرين في تفسير اآليتين السابقتين واآليات المشابهة لها‪ ،‬وكان على رأسهم‬
‫صرح به القرآن‬
‫الطبري‪ ،‬الذي أخد بظاهر النص ولم يتغلغل إلى ما و ارئه‪ ،‬معتمدا في ذلك على ما ّ‬
‫الكريم‪ ،‬حيث قال‪ { :‬وَال تَقْتُلُوا أَوْالدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْالقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ }‪ ،)8‬وقال تعالى‪ { :‬وَال‬

‫تَقْتُلُوا أَوْالدَكُمْ مِنْ إِمْالقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ }‪ ،)9‬ففسر هاتين اآليتين إلى عدم قتل أوّلدكم خشية‬

‫الفقر على أنفسكم بنفقاتهم‪ ،‬إذ هللا هو ارزقكم واياهم‪ ،‬وليس عليكم رزقهم‪ ،‬فتخافوا على أنفسكم من‬

‫‪ )1‬المبرد‪ ،‬أبو العباس محمد بن يزيد األزدي‪ :‬الكامل في اللغة واألدب‪ ،‬بيروت‪ :‬مكتبة المعارف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.85‬‬
‫‪ )2‬ينظر‪ :‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة (وأد)‪ ،‬الزبيدي‪ :‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.246‬‬
‫‪ )3‬الطبري‪ ،‬محمد بن جرير‪ :‬جامع البيان في تأويل القرآن‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪2000 ،‬م‪،‬‬
‫ج‪ ،24‬ص‪.248‬‬
‫‪ )4‬القرطبي‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬الرياض‪ :‬دار عالم الكتب‪2003 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.232‬‬
‫‪ )5‬سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.255‬‬
‫‪ )6‬األلوسي‪ :‬بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.52‬‬
‫‪ )7‬سورة التكوير‪ ،‬آية ‪.9-8‬‬
‫‪ )8‬سورة اإلسراء‪ ،‬آية ‪.31‬‬
‫‪ )9‬سورة األنعام‪ ،‬آية ‪.151‬‬
‫‪36‬‬
‫العجز عن أرزاق أوّلدكم وأقواتهم‪ ،‬كما ّبين الطبري أن اإلمالق‪ :‬مصدر من قول القائل‪ :‬أملقت من‬
‫الزاد‪ ،‬فأنا أملق إمالقا‪ ،‬وذلك إذا فنى زاده وذهب ماله‪ ،‬وأفلس‪.)1‬‬

‫طى الطبري‪ ،‬يصبون ّ‬


‫جل همهم على ظاهر النص‪ ،‬وّل يتجاوزونه إلى‬ ‫وأخذ اآلخرون يخطون ُخ َ‬
‫دراسة أعمق‪ ،‬فنجد تفسي ار ّلبن أبي حاتم يقول فيه‪" :‬أخبرنا موسى بن هارون الطوسى‪ :‬كان أهل‬
‫عدها المفسرون الذين اقتفوا أثر الطبري‬
‫الجاهلية يقتل أحدهم ابنته مخافة الفاقة عليها والسبي" ‪ ،‬كما ّ‬
‫‪)2‬‬

‫األوّلد كلمة عامة تشمل الذكور واإلناث‪ ،‬وقالوا إن الجاهليين كانوا يقتلون أوّلدهم اإلناث منهم‬
‫والذكور خشية الفقر‪ ،‬والقتل هنا بمعنى الوأد‪ ،‬وعدوا الخوف من الفقر والفاقة أحد األسباب وراء وأد‬
‫البنات‪.‬‬
‫لقد ذكر القرآن سببا واحدا للوأد‪ ،‬وهو الخوف من الفقر‪ ،‬ولم يذكر أسبابا أخرى وراء قتل‬

‫ُخر‪ ،‬وأسهبوا‬
‫لكن المفسرين والمؤرخين لم يكتفوا بهذا الدليل‪ ،‬بل ذكروا أسبابا وأدلة أ َ‬
‫اآلباء أبناءهم‪ّ ،‬‬
‫في ذلك‪ ،‬منها الخوف من العار‪ ،‬والسبي‪ ،‬وذكروا مثاّل على فعل قيس ين عاصم ومن اقتدى به من‬
‫صرح به القرآن الكريم في قوله تعالى‪{ :‬وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ‬
‫الجاهليين ‪ ،‬مستندين إلى ما ّ‬
‫‪)3‬‬

‫مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴿‪ ﴾58‬يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُون أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۚ أَلَا سَاءَ مَا‬

‫يَحْكُمُونَ ﴿‪ ، } ﴾59‬وقد ّ‬
‫فسرها المفسرون بأن المبشر بوّلدة األنثى منهم‪ ،‬كان ّ‬
‫يغتم بذلك‪ ،‬فيتوارى‬ ‫‪)4‬‬

‫عن أبصار قومه من الحزن والحياء والعار الذي يلحقه بسبب البنت‪ ،‬ويظل مهموما ومفك ار ومترددا‬

‫بين أن ُيبقي البنت على قيد الحياة على ما في ذلك من هوان‪ ،‬أم يدسها في التراب حية فيئدها‪.)5‬‬

‫‪ )1‬الطبري‪ :‬جامع البيان في تأويل القرآن‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪.217‬‬


‫‪ )2‬ابن أبي حاتم‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد‪ :‬تفسير القرآن العظيم البن أبي حاتم‪ ،‬تحقيق‪ :‬أسعد محمد الطيب‪ ،‬ط‪ ،3‬السعودية‪:‬‬
‫مكتبة نزار مصطفى الباز‪1419 ،‬ه‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.1415‬‬
‫‪ )3‬المبرد‪ :‬الكامل في اللغة واألدب‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ .84‬والقرطبي‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪ .117‬األبشيهي‪ ،‬محمد بن‬
‫أحمد‪ :‬المستطرف في كل فن مستظرف‪ ،‬بغداد‪ :‬المكتبة التجارية الكبرى‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.77‬‬
‫‪ )4‬سورة النحل‪ ،‬اآليتين ‪.59 -58‬‬
‫‪ )5‬الطبري‪ :‬جامع البيان‪ ،‬ج‪ ،14‬ص‪ .124‬القرطبي‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ .117-116‬الثعالبي‪ ،‬عبد الرحمن بن‬
‫محمد بن مخلوف‪ :‬تفسير الثعالبي‪ ،‬الموسوم بجواهر الحسان في تفسير القرآن‪ ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬ج‪،2‬‬
‫ص‪.33‬‬
‫‪37‬‬
‫ومن هذه األسباب أيضا‪ ،‬وجود نقص أو مرض أو قبح في المولودة الموءودة‪ ،‬كأن تكون‬
‫كسحاء أو برشاء أو عرجاء أو زرقاء أو ما شابه ذلك‪ ،‬تشاؤما منهم بها‪ ،‬فهي صفات تَشاءم الجاهليون‬
‫َ‬
‫منها‪ ،‬و أروا فيها مصدر سوء في المستقبل‪ ،‬واستدلوا بذلك فيما روي عن سودة بنت زهرة القرشية‬
‫الكاهنة‪ ،‬ولدت زرقاء‪ ،‬فأرسلها أبوها إلى الحجون‪ )1‬ليئدها هناك‪.)2‬‬
‫الحمية من أسباب الوأد‪ ،‬حيث قال القرطبي في تفسير قوله تعالى‪ { :‬قَدْ خَسِرَ‬
‫ّ‬ ‫كما جعلوا‬

‫الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْم } ‪ّ ،‬‬


‫إن من الجاهليين من كان يقتل ولده سفها بغير حجة منهم في‬ ‫‪)3‬‬

‫قتله‪ ،‬وهم قبيلتا ربيعة ومضر‪ ،‬كانتا تقتالن بناتها حمية‪ ،)4‬ويروي مثاّل على أن أم أر القيس كان‬
‫مئناثا‪ّ ،‬ل يولد له الذكور‪ ،‬وكان شديد الغيرة على نسائه‪ ،‬فإذا ولدت له بنت قتلها‪ ،‬فلما رأى نساؤه‬
‫ذلك‪ ،‬أخفين بناتهن في أحياء العرب‪ ،‬وحينما علم بذلك تتبعهن وقتلهن‪.)5‬‬
‫وبعد ف يمكننا القول إنهم اعتمدوا على التصريح الوارد ذكره في القرآن الكريم‪ ،‬ولم يربطوا بين‬
‫فرجحوا أسباب عملية الوأد إلى الفاقة‬
‫هذا الطقس والطقوس الدينية في الحضارات اإلنسانية السابقة‪ّ ،‬‬
‫والفقر والمرض والخوف من العار‪ ،‬ومن أن تسبى النساء وما شابه ذلك من دوافع‪.‬‬

‫المدون في كتب التفسير‪ ،)6‬وكتب التاريخ‪ ،)7‬ما‬


‫ولكنا نرى على ال ّرْغم من هذا الجهد الدؤوب ّ‬
‫زال الغموض فيها‪ ،‬وهناك العديد من األسئلة الغامضة التي لم تجب عليها‪ ،‬ولذلك سنحاول في هذا‬

‫‪ )1‬الحجون‪ :‬هي مقبرة قريش في الجاهلية‪.‬‬


‫ينظر‪ :‬األزرقي‪ :‬أخبار مكة وما جاء فيها من اآلثار‪ ،‬ص‪.271‬‬
‫‪ )2‬األلوسي‪ :‬بلوغ األرب‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ .44‬جواد علي‪ :‬المفصل في تاريخ العرب‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.89-88‬‬
‫‪ )3‬سورة األنعام‪ ،‬آية ‪.6‬‬
‫‪ )4‬القرطبي‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.85‬‬
‫‪ )5‬ابن القيم الجوزية‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن بكر الزرعي‪ :‬أخبار النساء‪ ،‬شرح وتحقيق‪ :‬د‪ .‬نزار رضا‪ ،‬بيروت‪ :‬منشورات مكتبة‬
‫الحياة‪ ،‬ص‪.109-108‬‬
‫‪ )6‬ينظر‪ :‬الزمخشري‪ ،‬جار هللا أبو القاسم‪ :‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل في وجوه التأويل‪ ،‬تحقيق أبو‬
‫عبد هللا الداني بن منير آل زهوى‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪1970 ،‬م‪ .‬والرازي‪ ،‬محمد بن عمر بن الحسن‪ :‬مفاتيح‬
‫الغيب‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر للطباعة والنشر‪1981 ،‬م‪ .‬والقرطبي‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد األنصاري‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪،‬‬
‫بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )7‬ينظر‪ :‬ابن كثير‪ ،‬عماد الدين أبو الفداء إسماعيل‪ :‬البداية والنهاية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الريان للتراث‪ .1988 ،‬واأللوسي‪ ،‬أبو‬
‫المعالي محمود شكري‪ :‬بلوغ األرب‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ .1970 ،‬وعلي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪،‬‬
‫‪.1971‬‬
‫‪38‬‬
‫البحث اإلجابة عن أسئلة هي‪ :‬ما السبب خلف تعدد األسباب المذكورة لوأد البنات؟ وهل هناك عامل‬
‫آخر خلف عملية الوأد؟ وما العالقة بين عملية الوأد هذه وعملية تقديم القرابين لآللهة؟ وهل كان الوأد‬
‫على صلة بالمعتقدات الدينية؟‬
‫لقد كانت العادة عند الجاهليين إذا ُولد للرجل بنت فأراد أن يستحييها‪ ،‬ألبسها جبة من صوف‬
‫أو شعر ترعى له اإلبل والغنم في البادية‪ ،‬وان أراد قتلها تركها‪ ،‬حتى إذا كانت سداسية‪ ،‬فيقول ألمها‪:‬‬
‫طيبيها وزينيها‪ ،‬حتى أذهب بها إلى أحمائها‪ ،‬وقد حفر لها بئ ار في الصحراء‪ ،‬فيبلغ بها البئر‪ ،‬ويقول‬
‫لها‪ :‬انظري فيها‪ ،‬ثم يدفعها من ورائها ويهيل عليها‪ ،‬حتى تستوي البئر باألرض‪ ،)1‬فإذا سّلمنا أن‬
‫األب يدفن ابنته بسبب الفاقة والفقر‪ ،‬فما الداعي إذن لبلوغ البنت السادسة من العمر أو بلوغ قامتها‬
‫ستة أشبار؟ أليس من باب أولى أن يدفنها وقت وّلدتها؟ ما الداعي لتربيتها؟ وما الهدف من تزينها‬

‫وتطيبها؟‬
‫تدس بناتها‬
‫أن العرب كانت ّ‬ ‫إن قارئ الكتب التار ّ‬
‫يخية والتفسيرية لظاهرة وأد البنات‪ ،‬يفهم ضمنا ّ‬
‫أن العرب تقلل من شأن بناتهم‪ ،‬فتجعلهم في‬
‫في التراب ّل لذنب ارتكبته‪ ،‬وانما كراهية منهم لها‪ ،‬كما ّ‬
‫مستوى أدنى من مستوى الكلب عندهم‪ ،‬ونستدل على هذه النظرة من قول الطبري في كتابه‪ " :‬كان‬
‫الجن‪.)3‬‬
‫يعد صورة للشياطين و ّ‬
‫أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ويغذو كلبه" ‪ ،‬علما أن الكلب عندهم ّ‬
‫‪)2‬‬

‫إن المتتبع المتفحص لكتب التفسير‪ ،‬يرى ما خّلفه لنا المفسرون في الوأد هذا‪ ،‬وسيدرك أن‬
‫ّ‬
‫بعض المفسرين لم يقتنعوا بهذه القراءة‪ ،‬إنما انتهجوا طرق تفسير تقتصر على ظاهر النص فقط‪ ،‬كما‬
‫هي الحال عند الطبري ومن سار على خطاه‪.‬‬
‫والحقيقة أن هذه القراءة التي خلفها الطبري وتابعيه لم تستطع أن تقنع العلماء الالحقين أمثال‬
‫الزمخشري وأبي الفتح الرازي واآللوسي‪ ،‬ولم تلق عندهم صد ار رحبا‪ ،‬فراحوا يتتبعون ويتفحصون‬

‫‪ )1‬الزمخشري‪ :‬الكشاف عن حائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل في وجوه التأويل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ .708‬وينظر‪ :‬الرازي‪ ،‬فخر‬
‫الدين أبو عبد هللا محمد بن عمر‪ :‬مفاتيح الغيب‪ ،‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪1420،‬ه‪ ،‬ج‪ ،31‬ص‪.66‬‬
‫‪ )2‬الطبري‪ ،‬أبو جعفر محمد بن جرير‪ :‬جامع البيان في تفسير القرآن‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪1987 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،30‬ص‪.64‬‬
‫‪ )3‬الدميري‪ ،‬كمال الدين محمد بن موسى‪ :‬حياة الحيوان الكبرى‪ ،‬بيروت‪ :‬دار األلباب‪ ،‬ج‪( ،2‬د‪ .‬ت)‪ ،‬ص‪.259‬‬
‫‪39‬‬
‫ويتدبرون‪ ،‬وجاء الزمخشري بما لم يجئ به األوائل‪ّ ،‬‬
‫وعد عادة وأد البنات نتيجة عالقة األجداد بالرب‪،‬‬
‫بهن"‪.)1‬‬ ‫فقال في تفسيره‪" :‬وكانوا يقولون‪ّ :‬‬
‫إن المالئكة بنات هللا‪ ،‬فألحقوا البنات به‪ ،‬فهو أحق ّ‬
‫من هنا جاءت باكورة التغيير‪ ،‬ومن هنا تتغير نظرتك تجاه عادة الوأد‪ ،‬فلم يكن الوأد نتيجة‬
‫بغض البنات أو خشية من الفقر فال يستطيع األب تقديم لقمة العيش ّلبنته ويموت جوعا‪ ،‬أو خوفا‬
‫التقرب إلى اإلله المعبود‪ ،‬وهذا التقرب‬
‫من لحاق العار به عن طريق بنته المولودة‪ ،‬بل كان بهدف ّ‬
‫يكون عن طريق تقديم القربان‪ ،‬تقديم البنت قربانا بشريا إلى الرب‪.‬‬
‫أن الرجل مفطور على حب أوّلده منذ أن خلق هللا الخلق‪ ،‬إناثا كانوا أم ذكورا‪،‬‬
‫ثم من المعروف ّ‬
‫ّ‬
‫ويبقى يحافظ عليهم ويدافع عنهم بكل ما أوتي من قوة‪ ،‬فكيف يتناسى األب الجاهلي رأفته ورحمته‬
‫وعطفه‪ ،‬ليقتل طفلته في سبيل المحافظة على نفسه من فقر قد يحدث‪.‬‬
‫ثم إن المتفحص للكتب التي أر َخت ِ‬
‫للحْقبة الجاهلية يجد أن وأد البنات لم يقتصر على الفقراء‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫وانما كان الكثير من األغنياء يئدون بناتهم‪ ،‬فنجد المهلهل بن ربيعة يأمر زوجته عندما ولدت له بنتا‬
‫أن تقتلها‪ ،‬فأشارت لخادمة عندها أن تخفيها عندها‪ ،‬ثم بدا له األمر‪ ،‬فأمرها بإحسان تربيتها‪ ،‬فكبرت‬
‫حتى تزوجت ‪ ،)2‬وهذا دليل قاطع على أن وأد البنات لم يكن سببه الفقر‪.‬‬
‫نفرق بين وأد البنات‬
‫لكن علينا أن ّ‬
‫نحن ّل ننكر وجود هذه الظاهرة عند العرب الجاهليين‪ْ ،‬‬
‫وقتل األبناء‪ ،‬فاألخيرة كانت بسبب الفاقة والفقر‪ ،‬وهي موجودة حتّى يومنا هذا‪ ،‬ففي الهند مثال ونحن‬

‫اجتماعية‪ ،‬وفي طليعتها الفقر والحاجة‬


‫ّ‬ ‫اقتصادية و‬
‫ّ‬ ‫في القرن الواحد والعشرين يقتلون بناتهم ألسباب‬
‫الهندي إلى التخلص من ابنته لعجزه عن دفع نفقات "الدوطة" وهي ثمن تجهيزات‬
‫ّ‬ ‫والعار‪ ،‬فيظطر‬
‫أما عملية وأد البنات‬
‫ابنته من أجهزة وأثاث‪ ،‬التي يجب على أهل العروس تقديمها لعريس ابنتهم‪ّ ،‬‬
‫فهي نتيجة لوازع ديني شديد الصلة بالمعتقدات الوثنية عندهم‪ ،‬كما تكون الموءودة راضية غير‬
‫التقرب‬
‫مجبرة‪ ،‬فلم يكن الوأد نتيجة شراسة العرب وتوحشهم‪ ،‬وانما هي سنة شبه الجزيرة العربية؛ بغية ّ‬
‫من آلهتهم‪ ،‬ودليل ذلك قوله تعالى‪ { :‬وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (‪ )8‬بِأَيِّ ذَنْب قُتِلَتْ}‪ ،)3‬نلحظ من هاتين اآليتين‬

‫‪ )1‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.708‬‬


‫‪ )2‬الحوفي‪ ،‬أحمد‪ :‬المرأة في الشعر الجاهلي‪ ،‬ص‪.294‬‬
‫‪ )3‬سورة التكوير‪ ،‬اآليتين ‪.9،8‬‬
‫‪40‬‬
‫أن هللا سبحانه سيحاسب الموءودة‪ ،‬وسيسألها عن ذنب هي رضيت به‪ ،‬أّل وهو الوأد‪ ،‬فالموءودة‬
‫كانت تعلم أنها ستوأد بالتراب‪ ،‬لذلك جعلت في الخطاب طرفا مسؤوّل في عملية الوأد‪ ،‬فكانت تفعل‬
‫ذلك لوازع الدين‪ ،‬وقد ُسئل المفسرون عن سبب سؤال القرآن الموءودة عن ذنبها‪ ،‬وكان أحرى بالسؤال‬
‫أن يوجه إلى وائدها‪ ،‬فأجابوا بأن سؤالها وجوابها تبكيت لقاتلها‪ ،‬أو سئلت بمعنى خاصمت عن نفسها‬
‫لكنهم لم ينفوا أن تكون الموءودة طرفا في السؤال‪ ،‬فقد ورد في الحديث‬
‫وسألت هللا أو قاتلها ‪ّ ،‬‬
‫‪)1‬‬

‫فتم الجمع بينهما واشراكها في تحمل المسؤولية‪ ،‬وبهذا يكون‬


‫النبوي‪ " :‬الوائد والموءودة في النار" ‪ّ ،‬‬
‫‪)2‬‬

‫الوأد طقسا من طقوس العرب الجاهليين‪.‬‬


‫أما تلميح القرآن الكريم لعملية الوأد‪ ،‬فنجد آيات ليست بالقليلة تشير لهذه الظاهرة‪ ،‬منها قوله‬ ‫ّ‬
‫تعالى‪ { :‬وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا } ‪ ،)3‬وفي قوله أيضا‪ { :‬أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا‬

‫وَهُمْ شَاهِدُونَ } ‪ ،‬يمكننا أن ندرك من اآليات السابقة ّ‬


‫أن عقلية اإلنسان الجاهلي جزء من عقلية‬ ‫‪)4‬‬

‫اإلنسان في الحضارات القديمة‪ ،‬إذ مزج بين صورة األنثى وصورة الرب عندهم‪ ،‬فكانوا يعّدون كل‬
‫أنثى بنتا للرب‪ ،‬ومزجوا بين صورة المالئكة وصورة اإلناث‪ ،‬بل عدوا المالئكة إناثا‪ ،‬ويفسر الرازي‬

‫لما كانت مستترة عن العيون‪ ،‬شبهوها بالنساء‪ ،‬أي من ناحية‬


‫سبب اعتقادهم بأن المالئكة إناث‪ ،‬أنها ّ‬
‫اّلستتار‪ ،‬وسموها البنات‪.)5‬‬
‫عدوها بنت هللا‪ ،‬لقوله تعالى‪ { :‬أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِنيَ } ‪ ،)6‬وقال تعالى‬
‫و ّ‬
‫أيضا‪ { :‬أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِنيَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَالئِكَةِ إِناثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا } ‪ ،)7‬ولم يربط‬

‫الطبري بين فكر اإلنسان الجاهلي وفكر ومعتقدات اإلنسان في الحضارات السابقة‪ ،‬إذ فسر اآليتين‬
‫السابقتين على أن الجاهليين جعلوا مالئكة هللا إناثا‪ ،‬جهال منهم بحق هللا‪ ،‬وجرأة منهم على قول الكذب‬

‫‪ )1‬ينظر‪ :‬الرازي‪ :‬مفاتيح الغيب‪ ،‬م‪ ،16‬ج‪ ،31‬ص‪ .64‬وينظر‪ :‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ ،‬ج‪.188 ،4‬‬
‫المكيين‪ ،‬حديث رقم‪ .15358‬أبو داود‪ :‬السنن‪ ،‬كتاب السنة‪ ،‬حديث رقم ‪.4094‬‬
‫) ابن حنبل‪ ،‬المسند‪ :‬كتاب مسند ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ )3‬سورة الزخرف‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬


‫‪ )4‬سورة الصافات‪ ،‬اآلية ‪.150‬‬
‫‪ )5‬الرازي‪ :‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.224‬‬
‫‪ )6‬سورة الزخرف‪ ،‬اآلية ‪.16‬‬
‫‪ )7‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآلية ‪.40‬‬
‫‪41‬‬
‫والباطل ‪ ،)1‬فاقترنت صورتهم بالقدسية وعبدوها‪ ،‬وهذا ما يؤكده هللا في القرآن الكريم‪ ،‬فيقول‪ { :‬وَجَعَلُوا‬

‫الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (‪ )19‬وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا‬

‫عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْم إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } ‪ ،‬وكانت عبادتهم هذه بهدف ّ‬
‫التقرب من هللا زلفى‪،)3‬‬ ‫‪)2‬‬

‫رد هللا سبحانه عليهم في كتابه‪ ،‬فقال‪ { :‬ويَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ‬
‫وقد ّ‬
‫كَانُوا يَعْبُدُونَ (‪ )40‬قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}‪.)4‬‬

‫ولذلك نحت الجاهليون من الصخور أصناما لتكون صورة عن المالئكة التي ّ‬


‫عدوها بنات هللا‪،‬‬

‫فقدسوها وعبدوها؛ لتقربهم إلى هللا العزيز‪ ،‬وتشفع لهم عنده‪ ،‬فيقول هللا سبحانه‪:‬‬
‫شأنها شأن المالئكة‪ّ ،‬‬
‫{ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى } ‪،‬واعتبروها إناثا ّ‬
‫ونصبوها بناتا للرب العظيم‪ ،‬فيقول هللا سبحانه‪:‬‬ ‫‪)5‬‬

‫{ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (‪ )19‬وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (‪ )20‬ألَكُمُ الذَّكَرُ ولَهُ الْأُنْثَى (‪ )21‬تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى }‬

‫فسموا "الالت" اشتقاقا‬


‫ولما كانت األصنام بنات هللا جعلوا أسماءها مشتقة من أسماء هللا سبحانه‪ّ ،‬‬
‫‪ّ ،‬‬
‫‪)6‬‬

‫وسموا " العزى" اشتقاقا من اسم هللا الذي هو العزيز‪ ،)7‬وسموا " مناة"‬
‫من اسم هللا الذي هو هللا‪ّ ،‬‬
‫وكرموها‬
‫المنان‪ ،‬وعظموها فقدموا إليها القرابين واألضاحي والهدايا‪ّ ،‬‬
‫اشتقاقا من اسم هللا الذي هو ّ‬
‫فسموا أبناءهم عبد الالت‪ ،‬وعبد العزى‪ ،‬عبد مناة‪ ،‬وزيد الالت‪ ،‬وزيد العزى‪ ،‬زيد مناة وتيم‬

‫الالت‪...‬الخ‪.)8‬‬

‫‪ )1‬الطبري‪ ،‬أبو جعفر محمد بن جرير‪ :‬جامع البيان في تفسير القرآن‪ ،‬ج‪ ،25‬ص‪.36‬‬
‫‪ )2‬سورة الزخرف‪ ،‬اآليتين ‪.20 ،19‬‬
‫‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن أبي حاتم‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد‪ :‬تفسير القرآن العظيم البن أبي حاتم‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1067‬‬
‫‪ )4‬سورة سبأ‪ ،‬اآليتين ‪.41 -40‬‬
‫‪ )5‬سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪.3‬‬
‫‪ )6‬سورة النجم‪ ،‬اآليات ‪.22-19‬‬
‫‪ )7‬الطبري‪ ،‬أبو جعفر محمد بن جرير‪ :‬جامع البيان في تفسير القرآن‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.9‬‬
‫‪ )8‬ابن الكلبي‪ :‬األصنام‪ ،‬ص‪.19-13‬‬
‫‪42‬‬
‫المؤيد بكالم هللا في كتابه‪ ،‬كيف لنا أن‬
‫المؤصل بفكر الشعوب القديمة‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫العرض‬
‫بعد هذا ْ‬
‫نقول‪ :‬أنثى الجاهلية كانت مكروهة حقيرة؟ ألم تكن ذات منزلة سامية تصل إلى منزلة اآللهة‪ ،‬فقدسوها‬
‫وعبدوها؟ ألم تكن العرب عند مجيء اإلسالم ّل تعرف من اآللهة إّل اإلناث‪)1‬؟‬
‫الموءودة القربان‪ ،‬دالئل ومؤشرات‪:‬‬
‫ثمة روابط مشتركة بين ظاهرة وأد البنات عند الجاهليين وقصص القرابين البشرية التي‬
‫ّ‬
‫مت لآللهة في الحضارات اإلنسانية السابقة‪ ،‬لذلك سنحاول تبيين هذه العالقات المشتركة؛ لنبرهن‬
‫ُقّد ْ‬
‫أن الموءودة هي قربان بشري آللهة العرب‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬الرضا بالوأد‪:‬‬
‫أن هناك ِس َمة‬
‫من خالل دراستنا للقرابين البشرية وتتبعها عند مختلف الشعوب نلحظ َّ‬

‫مشتركة للقرابين البشرية هي رضا القربان بالقتل‪ ،‬فال يصلح ألن يكون قربانا إّل إذا صادف األمر‬
‫منه موافقة وقبوّل في كثير من األحيان‪ ،‬واذا أمعنا النظر بما فعله إسماعيل عليه السالم مع أبيه‬
‫أن إسماعيل عليه السالم ر ٍ‬
‫اض بأن يكون قربان‬ ‫إبراهيم عليه السالم حينما أخبره بأنه قاتله ‪ ،‬نجد ّ‬
‫‪)2‬‬

‫أبيه هلل سبحانه‪ ،‬ولم يرفض ولم يسخط‪ ،‬بل قال له‪ :‬يا أبي احكم وثاقي‪ ،‬واكفف ثيابك حتى ّل تتلطخ‬
‫بالدم فتراه أمي‪ ،‬يا أبي واشحذ السكين جيدا واسرع في ذبحي فإن آّلم الذبح شديدة‪ ،‬لقد أجاب‬
‫إسماعيل عليه السالم أباه جوابا غاية في الطاعة‪ ،‬وهذا يعكس مدى قبوله لألمر ورضاه المطلق‪،‬‬
‫وفي ذلك قال تعالى‪ { :‬قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّا ِبرِينَ}‪.)3‬‬

‫وتتقاطع قصة (إيفيجيني)‪ )4‬ابنة (أغاممنون) ملك اليونان مع قصة إسماعيل عليه السالم‬
‫تحث والدها على تنفيذ األمر فيها حينما أخبرها أن الربة تطلب دمها‪ ،‬وقامت‬
‫بالرضا والقبول‪ ،‬فهي ّ‬
‫تُظهر الحبور وتطلب من الناس الرقص حول المعبد الذي تسير إليه‪ ،‬إكبا ار للربة وتقدي ار لنبل مهمة‬

‫‪ )1‬يصف السعفي حال العرب عند مجيء اإلسالم عليهم‪ ،‬فيقول‪ " :‬حتى لكأنك ّل ترى فيها إلها غير حسان ثالث‪ ،‬يرفلن في‬
‫الحرير ويغمزن بالعيون الحور؛ هذه الالت‪ ،‬وهذه العزى‪ ،‬وهذه مناةُ الثالثة األخرى"‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬السعفي‪ :‬القربان في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫‪ )2‬قال تعالى‪{ :‬فلما بلغ معه السعي قال يبين إني أرى يف املنام أني أذحبك فانظر ماذا ترى}‪ ،‬الصافات‪ ،‬أية ‪.102‬‬
‫‪ )3‬سورة الصافات‪ ،‬آية ‪.102‬‬
‫‪ )4‬إيفيجيني‪ :‬تمثل الفتاة األنموذج لألنثى القربان‪ ،‬فهي عذراء جميلة‪ ،‬ومن بيت نبيل‪ ،‬بلغت الزواج فتقدم لخطبتها البطل "أخيل"‪،‬‬
‫فلطلبتها اآللهة قربانا‪ ،‬فرضيت اليونان باألمر‪ ،‬ورضي أبوها "أغاممنون" ورضيت هي بذلك‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫يدل على مدى السرور الذي تملكها لتأديتها هذا الطقس‪ ،‬كما يدل على مطلق الرضا‬ ‫أبيها ‪ ،‬وهذا ّ‬
‫‪)1‬‬

‫والقبول لتقديمها قربانا بشريا لآللهة‪.‬‬


‫تدل على رضا قربان القصص بالمصير‪،‬‬ ‫وفي العصر الجاهلي نجد مثل هذه القصص التي ّ‬
‫فهذا عبد المطلب بعد أن استجاب له هللا ورزقه عشرة أوّلد‪ ،‬جمع أبناءه وأخبرهم بالنذر الذي كان‬
‫بينه وربه‪ ،‬وأن عليه الوفاء بالنذر‪ ،‬فاستجابوا له رغبة وطاعة منهم ألبيهم‪ ،‬ولم يكونوا مكرهين على‬
‫ذلك‪ ،‬وأمرهم أن يأخذ كل واحد منهم قدحا ثم يكتب فيه اسمه‪ ،‬ويعودون به إليه‪ ،‬فأخذهم ودخل بهم‬
‫على ُهبل في جوف الكعبة‪ ،‬فضرب صاحب القداح‪ ،‬فخرج القدح على عبد هللا‪ ،‬فأخذه أبوه بيده وأخذ‬
‫الشفرة‪ ،‬ثم أقبل به إلى إساف ونائلة ليذبحه‪ ،...)2‬الشاهد من هذه القصة أن عبدهللا كان طائعا‬
‫خاضعا مستسلما‪ ،‬وممتثال ألمر القتل‪ ،‬وهو بذلك لم يخالف قصص القرابين البشرية السابقة‪.‬‬
‫ولما بدأ بعملية‬
‫ونجد أيضا عمر بن الخطاب في أيام الجاهلية‪ ،‬أخذ ابنته ليواريها في التراب‪ّ ،‬‬
‫وأدها أخذت تتبسم له‪ ،‬وتنفض الغبار وبقايا التراب العالق بلحيته‪ ،)3‬من هذه القصة علينا التركيز‬
‫على إشارتين رئيستين‪ ،‬أوّلهما ابتسامة الفتاة ألبيها‪ ،‬وثانيهما إزالة التراب عن لحية أبيها وهو منشغل‬
‫في حفر قبر لها؛ ليدفنها‪ ،‬أّل نستدل من هاتين اإلشارتين أن الموءودة كانت راضية بوأدها؟‬

‫‪ -2‬االحتفاء بالقربان وتزيينه‪:‬‬


‫للقرابين البشرية عند مختلف الشعوب في العالم قوانين وطقوس ومراسيم خاصة‪ ،‬مثل إعداد‬
‫الضحية بالزينة والزخرف‪ ،‬والباسها الحلي‪ ،‬وتجهيزها بجميل المالبس‪ ،‬وكأنها عروس في يوم زفافها‪،‬‬
‫ّ‬
‫والناس حولها في احتفال وسرور ‪.)4‬‬
‫وتْلبس أجمل‬
‫وفي العصر الجاهلي نجد األمر نفسه‪ ،‬فقد كانت البنت المعدة للوأد تزين ُ‬
‫الثياب والحلي‪ ،‬ثم ُيسار بها إلى أقاربها‪ ،‬وكأنها ستزف إلى بيت زوجها‪ ،)5‬كما هو الحال في "ماساليا"‬
‫ّ‬

‫‪ )1‬السعفي‪ ،‬وحيد‪ :‬القربان في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬ص‪.34‬‬


‫‪ )2‬ابن هشام‪ ،‬أبو محمد عبد الملك‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬تحقيق مصطفى السقا‪ ،‬مصر‪ :‬شركة ومطبعة مصطفى البابلي الحلبي‪،‬‬
‫‪1970‬م‪ ،‬ج‪.174 ،1‬‬
‫‪ )3‬السعفي‪ ،‬وحيد‪ :‬القربان في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫‪ )4‬السعفي‪ ،‬وحيد‪ :‬القربان في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬ص‪.27 -26‬‬
‫‪ )5‬كانت العادة عند الجاهليين إذا وُلد للرجل بنت فأراد أن يستحييها‪ ،‬ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له اإلبل والغنم في‬
‫البادية‪ ،‬وإن أراد قتلها تركها‪ ،‬حتى إذا كانت سداسية‪ ،‬فيقول ألمها‪ :‬طببيها وزينيها‪ ،‬حتى أذهب بها إلى أحمائها‪ ،‬وقد حفر لها‬
‫بئرا في الصحراء‪ ،‬فيبلغ بها البئر‪ ،‬ويقول لها‪ :‬انظري فيها‪ ،‬ثم يدفعها من ورائها ويهيل عليها‪ ،‬حتى تستوي البئر باألرض‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫في اليونان إذا كان الذي ُيراد تقديمه قربانا لآللهة‪ ،‬يلبسونه حلية متبركة‪ ،‬ويطعمونه من بيت المال‪،‬‬
‫ثم يزينوه بأغصان مقدسة ويلقونه من أعالي الصخور‪ ،‬ونالحظ أن الزينة واّلحتفال ومظاهر الفرح‬
‫الضحية إلى مثواها األخير؛ ألنها تعبر عن الرضا والخضوع‬
‫ّ‬ ‫والسرور من الضروريات التي تصاحب‬
‫واّلمتثال ألوامر اآللهة‪ ،‬واّلستجابة المطلقة بتقديم القربان‪ ،‬ورضاهم بذلك رضا تاما‪.‬‬
‫وقد أظهرت حفريات أم "تار" في "أبو ظبي" عن طريق المقابر الجماعية والمذابح العظيمة‬
‫التقرب من اآللهة‪.)1‬‬
‫وكثرة المعابد‪ ،‬أنه كانت تقام مراسيم وطقوس واحتفاّلت خاصة حين ّ‬

‫‪ -3‬القربان العذراء في الجاهلية‪:‬‬

‫جنس ُيحسن‬ ‫ّل تكون القرابين البشرية عند الشعوب على اختالفها إّل عذراء‪ ،‬خاصة و ّ‬
‫أن اآللهة ٌ‬
‫اّلختيار وّل يقبل بأنثى وقعت في نظر الشبان أو أرملة كانت أو عانسا‪ ،‬ولذلك كانت الشعوب تهدي‬
‫اآللهة بناتهم اللواتي بلغن للتو‪ ،‬وأصبحن وقتئذ أهال للزواج‪.‬‬
‫وهذا ما كان عند اليونان إذ قدموا "إيفينجي" العذراء ابنة ملكهم "أغاممنون" خير بنات اليونان‪ ،‬وفي‬

‫مصر أطلقوا لقبا على الفتاة التي سيلقونها في النيل بعذراء النيل‪ ،‬فكان المصريون يختارون في ّ‬
‫كل‬
‫ثم تقوم الفتاة بإلقاء نفسها في النيل وسط حضور جموع الناس‬
‫هن جماّل‪ّ ،‬‬
‫سنة أحسن بناتهم وأوفر ّ‬
‫واحتفاّلتهم في يوم خاص من السنة حتّى يفيض النيل ويستمر عطاؤه‪ ،‬وقد ذُكر لمّا فتح عمرو بن‬

‫العاص مصر أتى أهلها إلى عمر حين دخل شهر بؤونة فقالوا له‪ :‬أيها األمير إن لنيلنا هذا سُنّة ال‬
‫يجرى إال بها‪ ،‬فقال لهم وما ذاك؟ قالوا‪ :‬كلما جاءت الثالثة عشر من هذا الشهر عمدنا إلى جارية‬
‫بِ ْكر بين أبويها فأرضينا أبويها وجعلنا الحلي والثياب أفضل ما يكون ثم ألقيناها في النيل‪ ،‬فقال لهم‬
‫عمرو‪ :‬هذا ال يكون في اإلسالم وإن اإلسالم يهدم ما قبله‪ ،‬فأقاموا شهور بؤنة ومسرى النيل ال‬
‫يجري كثيرا وال قليال حتى هموا بالجالء‪ ،‬فلما رأى عمرو بن العاص ذلك كتب إلى أمير المؤمنين‬
‫عمر بن الخطاب ‪-‬رضى اهلل عنه ‪ -‬بذلك‪ ،‬فكتب إليه عمر بن الخطاب أن قد أصبت أن اإلسالم يهدم‬

‫ينظر‪ :‬الزمخشري‪ :‬الكشاف عن حائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل في وجوه التأويل‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ .708‬وينظر‪ :‬الرازي‪،‬‬
‫فخر الدين أبو عبد هللا محمد بن عمر‪ :‬مفاتيح الغيب‪ ،‬ج‪ ،31‬ص‪.66‬‬
‫‪ )1‬بيومي‪ ،‬محمد مهران‪ :‬بررسي تاريخي قصص قرآن‪ ،‬ترجمة‪ :‬سيد محمد راستكو‪ ،‬تهران‪ :‬شركة انتشارات علمي فرهنكي‪،‬‬
‫ص‪.149‬‬
‫‪45‬‬
‫ما قبله وقد بعثت إليك ببطاقة فالقها في النيل إذا أتاك كتابي‪ ،‬فلما قدم الكتاب على عمرو بن العاص‬
‫فتح البطاقة فإذا فيها‪:‬‬
‫من عبد اهلل أمير المؤمنين إلى نيل مصر‪ ،‬أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فال تجر‪ ،‬وإن كان‬

‫الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل اهلل الواحد الجبار أن يجريك‪ ،‬فألقى ابن العاص البطاقة في‬
‫النيل قبل يوم الصليب بشهر‪ ،‬وكان أهل مصر قد تهيأوا للخروج منها والجالء ألنه ال يقوم بمصلحتهم‬
‫إال النيل وأصبحوا يوم الصليب‪ ،‬وقد أجراه اهلل تعالى ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة واستراحوا‬

‫من ضحاياه هذا العام وما بعده من أعوام‪.)1‬‬


‫وبنت العرب في الجاهلية ّل تختلف عن نظيراتها في األمم السابقة‪ ،‬فقد كانت فتاة عذراء‪ ،‬غاية‬
‫في الجمال‪ ،‬يتنافس عليها الشبان‪ ،‬ونستدل على ذلك من قول أحد الصحابة لرسول (صلى هللا عليه‬

‫وسلم)‪" :‬يا رسول هللا‪ ،‬كنت من الذين يقتلون بناتهم‪ُ ،‬‬


‫فولدت لي بنت فتركتها حتى َكُبرت وأدركت‬
‫وصارت من أجمل النساء فخطبوها‪ ،‬فدخلتني الحمية ولم يحتمل قلبي أن أزوجها أو أتركها في البيت‬
‫بغير زوج‪ ،‬فقلت للمرأة‪ :‬إني أريد أن أذهب بها إلى قبيلة كذا وكذا في زيارة أقربائي فابعثيها معي‪،‬‬
‫فسرت بذلك وزينتها بالثياب والحلي‪ ،‬وأخذت علي المواثيق بأّل أخونها‪ ،‬فذهبت بها إلى رأس بئر‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫فنظرت في البئر ففطنت الجارية أني أريد إلقاءها في البئر‪ ،‬فالتزمتني وجعلت تبكي وتقول‪ :‬يا أبت!‬
‫نظرت في البئر فدخلت علي الحمية‪ ،‬ثم ألزمتني وجعلت تقول‪:‬‬
‫ُ‬ ‫أيش تريد أن تفعل بي! فرحمتها‪ ،‬ثم‬
‫ّ‬
‫يا أبت ّل تضيع أمانة أمي‪ ،‬فجعلت مرة أنظر في البئر ومرة أنظر إليها فأرحمها‪ ،‬حتى غلبني‬
‫الشيطان فأخذتها وألقيتها في البئر منكوسة وهي تنادي في البئر‪ :‬يا أبت قتلتني‪ .‬فمكثت هناك حتى‬
‫انقطع صوتها فرجعت‪.)2" .‬‬

‫إننا نجد في الحديث السابق إشارة غاية في األهمية‪ ،‬هي أن العرب الجاهليين لم يبخلوا‬
‫على آلهتهم بالقرابين البشرية‪ ،‬ذلك وقت بلوغ ابنته‪ ،‬وحينما يجيء الخاطب لخطبتها‪ ،‬ودليل ذلك‪ ،‬أن‬

‫‪ )1‬عبد الحكم‪ ،‬عبد الحمن‪ :‬فتوح مصر والمغرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المنعم عامر‪ ،‬مصر‪ :‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‪871،‬م‪،‬‬
‫ص‪.204 -203‬‬
‫‪ )2‬القرطبي‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.98‬‬
‫‪46‬‬
‫زوجة الصحابي أخذت المواثيق على زوجها‪ ،‬وهذه إشارة واضحة إلى أن البنت حينما تبلغ وتمتلك‬
‫مثل هذا الجمال تصبح أكثر عرضة للوأد من غيرها‪.‬‬
‫‪ -4‬فدية القربان‪:‬‬

‫تحل القرابين الحيوانية بديال عن‬


‫في معظم قصص القرابين في مختلف الحضارات والثقافات‪ّ ،‬‬
‫القرابين البشرية‪ ،‬وهو ما يسمى بالفدية‪ ،‬حيث قال هللا سبحانه‪{ :‬وفديناه بذبح عظيم} ‪ ،)1‬واذا عدنا‬

‫إلى أشهر قصص القرابين البشرية عند مختلف الشعوب وقارناها مع الموءودة عند الجاهليين نرى‬

‫العجب‪ ،‬فهناك خصائص وسمات مشتركة لمعظم هذه القصص‪.‬‬

‫نرى في قصة سيدنا إبراهيم عليه السالم مع ابنه إسماعيل كيف ّ‬


‫تدخل هللا عند لحظة الحسم‪،‬‬
‫حل القربان البشري‪.‬‬
‫فحل القربان الحيواني م ّ‬
‫وافتداه بذبح عظيم‪ّ ،‬‬
‫وفي القصة اليونانية نجد األمر نفسه‪ ،‬فبعد أن ّلبت " إيفيجيني" نداء اآللهة‪ ،‬تدخلت اآللهة‬
‫وافتدتها بقربان من جنس حيواني‪.)2‬‬
‫واألمر نفسه نجده في الموءودة عند العرب الجاهليين‪ ،‬إذ كانوا يحيون الموءودات بافتدائهن‬

‫بقربان حيواني هو اإلبل‪ ،‬فقد ُروي عن ّ‬


‫جد الفرزدق‪ ،‬صعصعة بن ناجية المجاشعي أنه أتى إلى‬
‫الرسول (صلى هللا عليه وسلم) فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬عملت أعماال في الجاهلية فهل لي فيها من أجر؟‬

‫فقال‪ :‬وما عملت؟ فأخبره بخبر طويل مفاده أنه حضر والدة امرأة‪ ،‬فإذا بامرأة عجوز تخرج من‬
‫البيت‪ ،‬فقال لها صاحب البيت ماذا وضعت؟ فإن كان سَقْبا‪ )3‬شاركنا في أموالنا‪ ،‬وإن كانت حائال‬
‫وأَدْناها‪ ،‬فقالت العجوز‪ :‬وضعت أنثى‪ .‬فقلت أتبيعها؟ قال‪ :‬وهل تبيع العرب أوالدها؟ فقلت‪ :‬إنما‬
‫أشتري حياتها وال أشتري رقّها فاشتريتها بناقتين عشراوين وجمل‪ ،‬وقد صارت لي سُنّة على أن‬
‫أشتري كل موءودة بناقتين عشراوين وجمل‪ ،‬فعندي إلى هذه الغاية ثمانون ومئتا موءودة قد أنقذتها‪،‬‬

‫‪ )1‬سورة الصافات‪ ،‬اآلية ‪.107‬‬


‫السعفي‪ ،‬وحيد‪ :‬القربان في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫) ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ )3‬السقب‪ :‬الذكر‪ ،‬والحيل‪ :‬األنثى‪.‬‬


‫‪47‬‬
‫فقال له (صلى اهلل عليه وسلم)‪ :‬ال ينفعك ذلك ألنك لم تبتغ وجه اهلل تعالى‪ ،‬وإن تعمل في إسالمك‬
‫عمال صالحا تُثب عليه‪.)1‬‬
‫وكانت العرب تفتخر بمثل هذا الصنيع‪ ،‬فنجد الفرزدق يفتخر بجده صعصعة ابن ناجية‬
‫ائهن من آبائهن‪ ،‬فيقول في ذلك‪:)2‬‬
‫المجاشعي‪ ،‬الذي أحيا الموءودات بشر ّ‬
‫(المتقارب)‬
‫يوأد‬ ‫فلم‬
‫ْ‬ ‫يد‬
‫اْل َوئ َ‬ ‫َوأَ ْحَيا‬ ‫اْل َوائ َدات‬ ‫َمَن َع‬ ‫الذي‬ ‫َومنا‬

‫فقد كانت الموءودات ُيفتدى بهن باإلبل‪ ،‬مثلها مثل كل القرابين البشرية‪.‬‬
‫أن العرب لم تئد بناتها بدافع الفقر‪ ،‬ولو كان ذلك هو‬
‫ومن البيت السابق يمكننا استنتاج ّ‬
‫السبب‪ ،‬كان من باب أولى بيعهن واّلستفادة من ثمنهن‪ ،‬فيتغلب على قسوة الحياة وظروفها كما‬
‫لكن العرب ّل‬ ‫يقولون‪ ،‬إضافة إلى عدم اإلنفاق على بناتهم‪ ،‬بدّل من قتلها الذي ّل ّ‬
‫يدر عليه ماّل‪ّ ،‬‬
‫بناتهن بإعطاء الفدية مقابل القربان المقرر تقريبه إلى اآللهة‪ ،‬شأنها شأن‬
‫ّ‬ ‫تبيع أوّلدها‪ ،‬وانما افتدت‬
‫كل القرابين البشرية‪ ،‬فضحي باإلبل بدّل من التضحية بالبنت‪.‬‬
‫ّ‬
‫وكانت القرابين البشرية في جملة األشياء التي قدمها اإلنسان نذرًا إلى آلهته‪ .‬وكان "عبد‬
‫المطلب" كما يذكر أهل األخبار قد نذر إن توافى له عشرة رهط أن ينحر أحدهم‪ .‬فلما اكتمل العدد‪،‬‬
‫قرر الوفاء بنذره‪ ،‬وذلك بذبح أحدهم‪ .‬وإذ لم يكن قد عين الولد الذي سيذبحه‪ ،‬ذهب كعادة أهل مكة‬
‫إلى هبل يستقسم عنده‪ .‬فلما أصاب النصيب "عبد اهلل"‪ ،‬ذهب إلى "إساف" ونائلة‪ ،‬صنمي قريش‬
‫ْ‬
‫اللذين تنحر عندهما‪ ،‬ليذبحه‪" ،‬فقامت إليه قريش من أنديتها‪ :‬فقالوا‪ :‬ماذا تريد يا عبد المطلب؟ قال‪:‬‬
‫أذبحه‪ .‬فقالت له قريش وبنوه‪ :‬واهلل ال تذبحه أبدًا حتى تعذر فيه‪ ،‬لئن فعلت هذا ال يزال الرجل يأتي‬
‫بابنه حتى يذبحه‪ .‬فما بقاء الناس على هذا؟ "‪ .‬ثم سألوه أن يذهب إلى عرافة كانت بالمدينة لها‬
‫"تابع"؛ لترى رأيها في الموضوع وتفتي فيه‪ ،‬فلما ذهب إليها‪ ،‬وجدها بخيبر‪ ،‬فأشارت عليه أن يعود‬
‫إلى مكة‪ ،‬ثم يضرب بالقداح على ابنه وعلى عشر من اإلبل وهو مقدار الدية عندهم‪ ،‬فإن خرجت‬

‫النويري‪ ،‬شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب‪ :‬نهاية األرب في فنون األدب‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب المصرية‪ ،‬ج‪1931 ،3‬م‪،‬‬
‫) ّ‬
‫‪1‬‬

‫ص‪.127-126‬‬
‫‪ )2‬ابن حبيب‪ ،‬محمد بن حبيب‪ :‬كتاب المحبر‪ ،‬تحقيق إيازة ليختن شتير‪ ،‬بيروت‪ :‬دار اآلفاق الجديدة‪( ،‬ب‪ .‬ت)‪ ،‬ص‪.141‬‬
‫وينظر‪ :‬الزبيدي‪ ،‬محمد مرتضى الحسيني‪ :‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬تحقيق عبد الستار أحمد فراج‪ ،‬الكويت‪ ،‬ج‪،9‬‬
‫‪1971‬م‪ ،‬ص‪ .246‬وينظر‪ :‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.188‬‬
‫‪48‬‬
‫القداح على عبد اهلل ضربوا القداح مرة أخرى‪ ،‬فإن خرجت القداح على عبد اهلل مرة أخرى‪ ،‬أعادوا‬
‫الضرب حتى يقع على اإلبل‪ ،‬فيكون الرب قد رضي عنه‪ ،‬فتنحر اإلبل عندئذ‪ .‬فسمع نصيحتها وفعل‪،‬‬
‫ونحرت اإلبل فدية عن ابنه "عبد اهلل"(‪.)1‬‬
‫والظاهر أن عادة نحر األبناء عند الكعبة قد بقيت حتى بعد دخول العرب في اإلسالم‪ ،‬بدليل‬
‫ما ورد عن نذر امرأة أن تنحر ابنها عند الكعبة في أمر إن فعلته‪ ،‬ففعلت ذلك األمر‪ ،‬فجاءت إلى‬
‫المدينة تستفتي علماءها في األمر‪ .‬فأشار عليها من استفتتهم بوجوب الوفاء بالنذر‪ ،‬ولكنهم ذكروا‬
‫لها أن اهلل قد نهى عن قتل النفس‪ ،‬وذكروا لها قصة عبد المطلب المذكورة‪ ،‬فوجب عليها تقديم‬
‫الفداء‪.)2‬‬
‫‪ -5‬تدخل اآللهة‪:‬‬
‫تدخل اآللهة في إنقاذ الضحايا البشرية‪،‬‬
‫ثمة شيء مشترك في قصص القرابين البشرية‪ ،‬وهو ّ‬
‫وأن هذه الضحايا ستؤدي دو ار مهما في حياة البشر‪ ،‬وسيكون لها مكانتها المرموقة بين أفراد المجتمع‪.‬‬
‫ومروياتهم عن الحقية الجاهلية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ونستدل على ذلك من القصة التي تناثرت في كتب القدماء‬
‫ن‪)3‬‬
‫الحجو‬
‫وهي قصة "سودة بنت زهرة بنت كالب"‪ ،‬فحينما ُولدت‪ ،‬أمر والدها بوأدها فأرسلها إلى َ‬
‫الصبية‪ ،‬وخّلها‬
‫ّ‬ ‫وهم لدفنها‪ ،‬سمع هاتفا يسجع‪ّ :‬ل تئد‬
‫ولما انتهى الحافر من الحفر ّ‬‫لتدفن هناك‪ّ ،‬‬
‫الحافر يلتفت لما حوله‪ ،‬فلم َير شيئا‪ ،‬فعاد لدفنها‪ ،‬فسمع هاتفا يسجع بسجع آخر له‬
‫ُ‬ ‫البرّية‪ ،‬فأخذ‬
‫المعنى نفسه‪ ،‬فعاد إلى والدها يخبره بما سمع‪ ،‬فقال‪ :‬إن لها شأنا‪ ،‬وتركها فكانت كاهنة قريش ‪.)4‬‬

‫‪ )1‬ابن كثير‪ ،‬عماد الدين أبو الفداء إسماعيل‪ :‬البداية والنهاية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.248‬‬
‫‪ )2‬ابن كثير‪ ،‬عماد الدين أبو الفداء إسماعيل‪ :‬البداية والنهاية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪24‬‬
‫يطل‬ ‫الحجون‪ :‬جبل في مكة وهي مقبرة‪ ،‬وبمكة جبل يقال له أبو دّلمة‪ ،‬كانت قريش تئد فيه بناتها‪ ،‬وُذكر ّ‬
‫أن هذا الجبل ّ‬ ‫) َ‬
‫‪3‬‬

‫على الحجون‪ ،‬وقيل كان الحجون هو الذي يقال له أبو دّلمة‪.‬‬


‫وقد ذكره مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي في شعره‪ ،‬فأنشد‪:‬‬
‫سمر َّ‬
‫بمك َة سامــــُر‬ ‫أنيس ولم َي ُ‬
‫ٌ‬ ‫الح ُجون إلى الصفا‬
‫كأن لم يكن بين َ‬
‫اثر‬
‫دود العو ُ‬
‫الج ُ‬
‫روف الليالي و ُ‬
‫ُص ُ‬ ‫حن كنــا أهَلهـــا فــأ ازَلنـــا‬
‫بلـــى نــ ُ‬
‫ينظر‪ :‬جواد‪ ،‬علي‪ :‬المفصل في تاريخ العرب‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ .94‬وينظر‪ :‬منبه‪ ،‬وهب‪ :‬كتاب التيجان في ملوك حمير‪ ،‬دمشق‪ :‬دار‬
‫العرب‪ :‬دار نور حوران للدراسات والنشر والترجمة‪2014 ،‬م‪ ،‬ص‪.213‬‬
‫‪ )4‬األلوسي‪ :‬بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.44-43‬‬
‫‪49‬‬
‫أن هذا طقس تقديم القرابين البشرية‪ ،‬واّل من هو الحافر الذي أوكلت له هذه المهمة؟‬
‫يبدو لنا ّ‬
‫أن الفقر هو السبب وراء الوأد‪ ،‬فما العّلة للذهاب إلى الحجون ولم‬
‫ثم هب ّ‬
‫ولماذا لم يدفن الوالد ابنته؟ ّ‬
‫تدفن في الصحراء؟‬
‫عند سماعنا هذه القصة يخطر في بال السامع أن الحافر الذي أوكلت له المهمة هو الكاهن‬
‫نفسه‪ ،‬المسؤول عن تقديم القرابين وعن القيام بالفروض والعمليات المتعلقة بالدين عند سائر الشعوب‪،‬‬
‫وما يثبت لنا أنه الكاهن‪ ،‬تصرفه عندما سمع الهاتف يسجع ب‪ّ" :‬ل تئد الصبية وخلها البرية"‪ ،‬ففهم‬
‫أن لها شأنا عظيما عند قومها؛ ألن اآللهة لم تشأ أن تكون قربانا‪،‬‬
‫الرسالة‪ ،‬وتراجع عن دفنها‪ ،‬وأيقن ّ‬
‫أن سيكون لها‬
‫فكأن هذه الحالة قد سبقتها حاّلت أخرى‪ ،‬فذهب بها إلى والدها وأخبره بما حدث‪ ،‬و ّ‬
‫ّ‬
‫وعدت آية من آيات هللا‪ ،‬ومعجزة من معجزاته الكثر‪ ،)1‬وهذه‬
‫شأن عظيم‪ ،‬فأحيطت بهالة من المجد‪ّ ،‬‬
‫مقدسة‪.‬‬
‫أن عملية الوأد عملية ّ‬
‫إشارة صريحة إلى ّ‬
‫والالفت لالنتباه أنه عندما تتدخل اآللهة في إحياء القربان وانقاذه من الموت المحتوم‪ ،‬يكون‬

‫فكأن اآللهة اختارته‪ ،‬وأودعت فيه من القدرات‬


‫له مستقبل عظيم‪ ،‬ودور مهم في حياة الناس من بعد‪ّ ،‬‬
‫أتم وجه‪ ،‬وهذا ما كان مع "سودة بنت زهرة بنت كالب" التي أصبحت‬
‫ما أودعت حتى يقوم بدوره على ّ‬
‫كاهنة قريش‪ ،‬وكان لها نصيب من علم الغيب‪ ،‬فهي التي تنبأت بمولد النذير محمد (صلى هللا عليه‬
‫فعرضن عليها‪ ،‬فقالت‬ ‫علي بناتكم‪ُ ،‬‬ ‫"إن فيكم نذيرة أو تلد نذي ار فاعرضوا‬
‫وسلم) إذ قالت لبني زهرة‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫منهن قوّل ظهر بعد حين حتى ُعرضت عليها آمنة بنت وهب فقالت هذه النذيرة أو‬ ‫ّ‬ ‫كل واحدة‬
‫في ّ‬
‫ستلد نذيرا"‪ ،)2‬وهو ما دعا عبد المطلب ّلختيار آمنة من بني زهرة لولده عبد هللا‪ ،)3‬فهو سعى إلى‬
‫ُ‬
‫تزويج خير نساء زهرة إلى خير رجال قريش‪ ،‬فكان ميالد نور اإلسالم‪ ،‬محمد (صلى هللا عليه وسلم)‪.‬‬

‫واألمر نفسه نجده في قصة إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السالم‪ ،‬فبعد أن استعد لذبح‬
‫ابنه تدخل هللا سبحانه‪ ،‬وناداه أن يا إبراهيم‪ ،‬إنا فديناه بذبح عظيم‪ ،‬فاهلل سبحانه أعاد إسماعيل من‬
‫موت محقق‪ ،‬فأسس إسماعيل لجنس بشري جديد‪.‬‬

‫‪ )1‬السعفي‪ ،‬وحيد‪ :‬القربان في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬ص‪.26‬‬


‫‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫‪ )3‬األلوسي‪ :‬بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪50‬‬
‫استعد أبوها والناس‬
‫ّ‬ ‫وفي القصة اليونانية نجد اآللهة تدخلت إلنقاذ حياة "إيفينجي" بعد أن‬
‫نجتها‪.)1‬‬
‫من حولها لقتلها‪ ،‬فأصبحت حارسة معبد الرّبة "أرتميس" التي ّ‬

‫‪ )1‬السعفي‪ ،‬وحيد‪ :‬القربان في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬ص ‪.26‬‬


‫‪51‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫أنواع القرابين في الشعر الجاهلي‬

‫المبحث األول‪ :‬القرابين البشرية‬


‫المبحث الثاني‪ :‬القرابين الحيوانية‬
‫المبحث الثالث‪ :‬القرابين النباتية‬

‫المبحث الرابع‪ :‬قرابين أخر‬

‫‪52‬‬
‫تأسيس (‪:)1‬‬

‫ثمة اتفاق ُيجمع عليه الباحثون‪ ،‬وهو أن اإلنسان منذ نشأته عرف القرابين‪ ،‬وأخلص في تقديمها‬
‫آللهته‪ ،‬فكان ّل يأكل من ثمار محاصيله قبل أن يقدم لها باكورة قطوفها‪ ،‬وّل ينتفع بحيوانه قبل أن‬
‫يتقرب بأبكار نسله من أربابه‪ ،‬وتفانى في إخالصه لها إلى أن امتدت فيه يداه إلى رقاب فلذات‬
‫أكباده‪ ،‬لكن ما لم يتفقوا عليه هو مراحل تطور تقديم القرابين‪ ،‬أو أسبقية تقديم القرابين‪ ،‬فهل القرابين‬
‫النباتية أسبق من القرابين البشرية؟ أم أن األخيرة سبقت القرابين الحيوانية والنباتية؟‬
‫لخص القمني آراء الباحثين التي تدور حول موقفين‪ ،)1‬األول‪ :‬أن القرابين في بداية أمرها‬
‫ّ‬
‫اقتصرت على ثمار المحاصيل‪ ،‬ثم رأى اإلنسان – زيادة في التقرب آللهته‪ -‬أن يذبح لها ماشيته‪،‬‬

‫ولما لم يكن بمقدوره أن يحمل قربانه ليذبحه عند عروش اآللهة‪،‬‬


‫لظنه أن اللحم أعلى من النبات رتبة‪ّ ،‬‬
‫ثم حرقه لتتصاعد مادته دخانا‪ ،‬تشمه اآللهة فتهدأ نفوسها‪ ،‬وزيادة في المغاّلة‪،‬‬
‫فقد عمد إلى ذبحه ّ‬
‫واثباتا لمدى إخالصه آللهته‪ ،‬تحول نحو الدماء البشرية‪ ،‬فأسال بعض دمائه بجروح مقصودة على‬
‫مذابح اآللهة‪ ،‬تقربا وفداء لنفسه وألوّلده وممتلكاته‪ ،‬ثم تحول األمر إلى النذور‪ ،‬فكان يذبح أحد أوّلده‬
‫آللهته إن هي استجابت لطلبه في أمر يطلبه‪ ،‬أو درءا لشر محتمل الحدوث‪.‬‬
‫أما الموقف الثاني فهو نقيض األول تماما‪ ،‬انسجاما مع سنة تطور العقل البشري‪ ،‬فيرى أن‬
‫ّ‬
‫البداية كانت للقرابين البشرية‪ ،‬عندما كان اإلنسان ّل يزال يصارع بدائيته الوحشية‪ ،‬وبالتدرج اّلرتقائي‪،‬‬
‫وتطور الفكر تحول نحو الحيوان يستبدله باإلنسان‪ ،‬ليقدمه آللهته مذبوحا أو محروقا؛ فداء لنفسه أو‬
‫لعائلته أو لقبيلته أو لموطنه‪ ،‬وأحيانا يكتفي بتقديم النبات في حال احتياجه للحيوان‪.‬‬

‫لكننا نرى أن اإلنسان عرف القرابين بأنواعها (البشرية والحيوانية والنباتية) في وقت واحد‪ ،‬وأنها‬
‫كانت مشرعة‪ّ ،‬إننا ّل ننكر تطور العقل البشري‪ ،‬لكن التطور الحاصل‪ ،‬تمثل في تقديم هذا القربان‬
‫دون غيره‪ ،‬فكانت الشعوب تميل إلى تقديم القرابين البشرية عندما كانت فكرتهم عن اإلله أنه إله‬

‫يحب الدم‪ ،‬ثم ابتعدوا عن األخيرة‪ ،‬عندما تطورت فكرتهم عن اإلله‪ ،‬فهو إله محبة وسالم‪ ،‬فذهبوا‬

‫‪ )1‬القمني‪ ،‬سيد محمود‪ :‬األسطورة والتراث‪ ،‬ص‪.75‬‬


‫‪53‬‬
‫يميلون إلى القرابين الحيوانية‪ ،‬ولم يرتقوا إلى مستوى القرابين النباتية إّل بعد أن تخلصوا من الهيمنة‬
‫الفكرية للكهنة عليهم‪.‬‬

‫تأسيس (‪:)2‬‬
‫عرف اإلنسان الجاهلي القرابين‪ ،‬لكن ثمة فرق بينه وبين اإلنسان البدائي‪ ،‬فاألخير يقدم‬
‫الود والصداقة‪ ،‬فكما تقوم‬
‫أما الجاهلي فهو يقدمها على أساس ّ‬
‫القربين آللهته خوفا وفزعا منها‪ّ ،‬‬
‫ا‬
‫التحبب والتقرب وتقديم الهدايا ونفائس األشياء‪ ،‬كذلك تقوم‬
‫الود و ّ‬
‫الصداقة بين الناس على أساس ّ‬
‫الصلة بين اإلنسان الجاهلي وآلهته‪ ،‬ولهذا نراه دائما هو الذي يتقرب إليها بشتى وسائل التحبب‬
‫والتقرب؛ حتى تمن عليه بالبركة‪.‬‬

‫ولما كان الجاهلي يسير في بحر اإلدراك الحسي (المحسوس الملموس)‪ ،‬كان للقرابين والنذور‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫المقام األول في ديانته‪ ،‬فهي محسوسة ملموسة‪ ،‬تراها األعين‪ ،‬وتدركها األبصار‪ ،‬وتُقنع اإلنسان‬
‫أعز األشياء‬
‫الجاهلي بأنه قدم شيئا عظيما وثمينا آللهته‪ ،‬فهو فضلها وآثرها على نفسه‪ ،‬وقدم إليها ّ‬
‫وأغالها‪.)1‬‬
‫وتعد القرابين الجزء المهم في الهدايا التي كانت تقدم لآللهة عند الجاهلين ‪ -‬كما هي الحال‬
‫بتذكر‬
‫السابقة‪ -‬فهي في نظرهم عبادة تقربهم إلى األرباب‪ ،‬ولذلك ّل يعد الرجل متدينا إّل ّ‬
‫عند األمم ّ‬
‫آلهته‪ ،‬ووضعها نصب عينيه‪ ،‬وذلك بتقديم القرابين لها‪. )2‬‬
‫ويكثر تقديم العرب للقرابين في أيام الشدة والعسر‪ ،‬وانتشار األوبئة والمجاعات والقحط‪،‬‬
‫ومواجهة األخطار والحروب‪ ،‬وارتكاب الذنوب والخطايا‪ ،‬فإذا أصيب الجاهلي بمكروه‪ ،‬أو أصيب‬

‫عزيز له بمرض نذر إلى آلهته نذرا‪ ،‬يقدمه حال حقق النذر‪ ،‬وّل يستطيع الناذر التملّص من الوفاء‬
‫أن غضبا من اآللهة سيحل عليه‪ ،‬ولذلك كثُر تقديم الهدايا والنذور والقرابين عندهم‪.‬‬
‫بالنذر؛ ّلعتقاده ّ‬
‫كما كان العرب يعظمون البيت ويقدسون األصنام أشد تقديس‪ ،‬ويرون ّ‬
‫أن تعظيم البيت‬

‫وتقديس األصنام ّل يكون إّل بالذبح‪ ،‬وأن الذبح من تقوى القلوب‪ ،‬وهو الشعار الدال على إخالص‬

‫‪ )1‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.184‬‬


‫‪ )2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.196‬‬
‫‪54‬‬
‫ودموا رأسه‪،‬‬
‫العبد في الدين‪ ،‬وهو عالمة التعظيم ‪ ،‬ولهذا نراهم إذا ذبحوا نضحوا الدم على الصنم‪ّ ،‬‬
‫‪)1‬‬

‫كما ينضحون الدم على ما أقبل من البيت‪ ،‬وشرحوا اللحم وجعلوه على الحجارة‪.)2‬‬
‫ونالحظ أن أكثر ما ذبح العرب على األنصاب عند الكعبة‪ ،‬قربانا لآللهة‪ ،‬هي اإلبل والكبش‬
‫جل تركيزهم كان مقتص ار على ذبح حيوانات ثالثة‪ ،‬هي الماعز‬
‫والبقر والثيران والمعز والغنم‪ ،‬لكن ّ‬
‫والبقر والكبش‪ ،‬وهم بذلك يتوافقون مع الحيوانات المذبوحة‪ ،‬المقدمة لآللهة عند الشعوب القديمة‪،‬‬
‫ولعل هذا يرجع إلى أسباب ثالثة‪:‬‬
‫أولهما أسوة بنبينا الجد‪ ،‬إبراهيم ‪ -‬عليه السالم‪ -‬الذي جاءه األمر اإللهي بذبح ابنه إسماعيل‪،‬‬
‫وهم لألمر‪ ،‬أنزل هللا فداءه‪ ،‬وهو كبش عظيم‪ ،‬وقد قال هللا في كتابه‪{ :‬ودَيْناهُ بِذِبْح‬
‫حتّى إذا استعد ّ‬
‫عَظِيم } ‪ ،)3‬وفي هذا دّللة على ّأنه أحب الذبائح إلى اإلله المعبود‪ ،‬وعن ابن عباس‪" :‬وا ّن رأس‬

‫الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة حتى وحش يعني يبس" فقريش توارثوا قرني الكبش الذي فدى‬
‫به إبراهيم‪ ،‬خلفا عن سلف‪ ،‬وجيال بعد جيل‪ ،‬إلى أن بعث هللا رسوله (صلى هللا عليه وسلم) ‪.)4‬‬
‫وثانيهما كثرة تداول هذه الحيوانات الثالثة بين عامة الناس‪ ،‬وتوفرها‪ ،‬فاهلل ّل يكلف نفسا إّل‬

‫وسعها‪ ،‬وّل يحملها ما ّل طاقة به‪ ،‬فهي ليست كقرابين بعض الديانات القديمة‪ ،‬كالوثنية مثال‪ ،‬التي‬
‫تتطلب أن تكون قرابينها من الدببة واألسود‪ ،‬والحيوانات النادرة الوجود‪ ،‬كما هو الحال عند النرويجيين‬
‫في الماضي‪ ،‬الذين يعمدون إلى اصطياد الدببة‪ ،‬والشرب من دمها بعد ذبحها‪ ،‬ليحل عليهم الخير‬

‫والقوة‪ ،‬ونالحظ حتى عهدنا القريب أن أبناء الشعب (الهوتنتون) في إفريقيا يصطادون األسود‪،‬‬
‫ليذبحوها‪ ،‬ويشربون من دمها‪.)5‬‬
‫وثالثهما أن قدامى المصريين كانوا يعبدون برج الحمل‪ ،‬ويحرمون ذبح الغنم‪ ،‬ويكرهون حتّى‬
‫من يرعاها‪ ،‬فقد جاء في سفر التكوين‪" :‬ألن كل راعي غنم هو رجس عند المصريين"‪ ،)6‬كما كانت‬

‫‪ )1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.196‬‬


‫‪ )2‬الطبري‪ ،‬محمد بن جرير‪ :‬جامع البيان في تفسير القرآن‪ ،‬ط‪ ،1‬ج‪ ،6‬ص‪48‬‬
‫‪ )3‬الصافات‪ ،‬آية (‪.)107‬‬
‫‪ )4‬ابن كثير‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل‪ :‬تفسير القرآن العظيم (ابن كثير)‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬منشورات محمد علي‬
‫بيضون‪ ،‬ج‪1419 ،4‬هـ‪ ،‬ص‪.172-171‬‬
‫‪ )5‬الجوهري‪ ،‬محمد‪ :‬علم الفولكلور (دراسة المعتقدات الشعبية)‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار المعارف‪.571/2 ،1980 ،‬‬
‫‪ )6‬التكوين ‪.34 :46‬‬
‫‪55‬‬
‫بعض الطوائف من الصابئة‪ ،‬تعبد الجن‪ ،‬معتقدين أنه يكون على صورة الماعز‪ ،‬ولذلك كانوا يحرمون‬

‫أكل لحمه‪.‬‬
‫محو هذه اآلثار‬
‫أما البقر‪ ،‬فمعظم األديان الوثنية تحرمها عامة‪ ،‬والهندوس خاصة‪ ،‬ومن أجل ْ‬
‫ّ‬
‫شرع هللا تقريب هذه األنواع الثالثة من الحيوانات‪.‬‬
‫الخاطئة اآلثمة‪ّ ،‬‬
‫وبهذا يصبح العقل الذي ظنوه مطلق العصيان‪ ،‬هو وسيلة للتقرب من هللا‪ ،‬ونيل محبته ورضاه‪،‬‬
‫واستغفار الذنوب والخطايا واآلثام‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫المبحث األول‬

‫القرابين البشرية‬

‫إن مبدأ استرضاء اآللهة بالدم البشري مسألة عامة‪ ،‬مارستها الشعوب القديمة كلها‪ ،‬فقد كانت‬
‫التضحيات البشرية من مظاهر التدين القديم‪ ،‬وذلك أن الضحايا في أقدم أشكالها وعند طائفة كبيرة‬
‫من األمم كانت تقدم من بني اإلنسان‪ ،‬خاصة أن القرابين البشرية في بداية عهدها لم تكن تقربا من‬
‫اآللهة وطلبا لرضاها فحسب‪ ،‬بل كان تمثيال لموت اإلله نفسه‪ ،‬والقربان ما إن يختار لغاية التضحية‪،‬‬

‫وتحل به الروح المقدسة المستعدة للموت‪ ،‬وهو إذ يتعذب ويموت‪ّ ،‬ل يالقي‬
‫ّ‬ ‫حتى يفقد صفته البشرية‪،‬‬
‫مصي ار فرديا بائسا‪ ،‬وانما يشارك الروح اإللهية موتها وعذاباتها‪ ،)1‬ولهذا نجد في الطقوس السومرية‬
‫الدينية‪ ،‬الكهنة يضربون أنفسهم حتى تلطخ دماؤهم المعبد‪ ،‬وبعضهم كان يفتدي ذاته بإخصاء نفسه‬
‫بنفسه‪.)2‬‬

‫وهناك صنم لدى العرب اسمه نسر‪ ،‬عبده العرب وقدسوه‪ ،‬وقرنوه بالعزى كبرى آلهتهم‪ ،‬ف ّ‬
‫قدموا‬
‫يقدمن‬
‫كن ّ‬‫له القرابين البشرية‪ ،‬على غرار عروس النيل عند المصريين‪ ،‬والصبايا المنذورات اللواتي ّ‬
‫في احتفال ديني إلى التنين األسطوري في معابد "دامبوي" إبان موسم البذار‪.)3‬‬
‫وفيه قال عمرو بن الجن في قوله‪:)4‬‬
‫(الطويل)‬
‫العزَّى أَو َّ‬
‫الن ْســـــــــر َعْنــــ َدمــــا‬ ‫َعَلى ُقَّنــــة ُ‬ ‫َمـــــا ود َمـــــاء مـــــائـــــرات ُتـــــ َخـــــ ُالـــــ َهـــــا‬
‫أَ‬
‫بن َمْرَي َمـــــا‬
‫يح َ‬
‫المســـــــــ َ‬
‫ين َ‬‫أَبْيـــــ َل األَبْيَل َ‬ ‫ان في ُكــــل َهْي َكــــل‬
‫س الرْهَبــــ ُ‬
‫ومــــا قــــد َ‬
‫َ‬
‫الكف َصـــــــــم َمـا‬
‫امـا إ َذا َمـا ُهز بـ َ‬
‫ُح َســــــــــ ً‬
‫‪)5‬‬
‫اق مـنـــــا َعـــــامـٌر َيـ ْوَم َلـ ْعـَلـع‬
‫َلـَقـــــ ْد َذ َ‬

‫‪ )1‬السواح‪ ،‬فراس‪ :‬لغز عشتار‪ ،‬ص‪.289 -288‬‬


‫‪ )2‬ديورانت‪ :‬قصة الحضارة‪ ،‬ص‪.315‬‬
‫‪ )3‬أبو يحيى‪ ،‬أحمد إسماعيل‪ :‬الحية في التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ :‬المكتبة العصرية‪1997 ،‬م‪ ،‬ص‪.177‬‬
‫‪ )4‬لسان العرب‪ ،‬مادة (قنن)‪.‬‬
‫‪ )5‬يوم لعلع‪ :‬جبل كانت به وقْعة‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫وتؤكد أخبار الجاهليين ومروياتهم‪ )1‬أن قبيلة "مراد" كانت تتعبد نس ار يأتيها كل عام‪ ،‬فيضربون‬

‫له خباء‪ ،‬ويقرعون بين فتياتهم‪ ،‬فأيتُ ّ‬


‫هن أصابتها القرعة أخرجوها إلى النسر‪ ،‬فأدخلوها الخباء معه‪،‬‬
‫ويؤتى بخمر فيشربه‪ ،‬ثم يخبرهم بما يصنعون في عامهم ويطير‪ ،‬ثم يأتيهم في عام‬
‫فيمزقها ويأكلها‪ُ ،‬‬
‫قابل‪ ،‬فيصنعون به مثل ذلك‪.‬‬
‫ولما أتاهم النسر لعادته‪ ،‬أقرعوا بين فتياتهم‪ ،‬فأصابت القرعة بنتا من ُمراد‪ ،‬وكانت‬
‫ّ‬
‫فيهم أرملة من همدان قد ولدت لرجل منهم جارية جميلة‪ ،‬فاقترح بعض المراديين لبعض بأن يفتدوا‬
‫فتاتهم بابنة الهمدانية‪ ،‬فأجمع رأيهم على ذلك‪ ،‬وعلمت الفتاة ما ُيراد بها‪ ،‬ووافق ذلك قدوم خالها عمير‬
‫بن خالد بن الحصين‪ ،‬فأخبرته أخته بما صنعت ُمراد‪ ،‬وأنشدت قائلة‪:)2‬‬
‫(الطويل)‬
‫وت ْهــدي إلى َن ْســـــــــر كريمــة َحــاشـــــــــــد‬
‫ُ‬ ‫أَ َتـ ْثـنـي ُمـَراد َعـــــ َ‬
‫امـ َهـــــا َعـ ْن َفـ َتـــــاتـ َهـــــا‬

‫فتى حي همـــــدان عمير بن خـــــالـــــد‬ ‫ــعـــُروس وخـــــالـــهـــــا‬


‫ف إلـــيـــــه كـــــالـ َ‬
‫ُتـــ َز ل‬

‫نســـــــــر َبَراقــــد‬
‫ـــل َم ْن ُت ْهــــ َدى َل ْ‬
‫فمــــا ليـ ُ‬ ‫الخ ْوُد التي ُفـــــديـــــت بنـــــا‬
‫َفـــــإن تنم َ‬
‫ب كف َف ًتى حـــــا مي ال ح ق يقـــــة حـــــارد‬ ‫مــع أنــي قـــــد أرجــو مــن هللا َقــ ْتــلـــــه‬

‫فدبّر الهمداني مكيدة تمكّنه من قتل النسر‪ ،‬حيث دخل الخِباء وكمن في ناحِية‪ ،‬وقال ألخته‪:‬‬
‫إذا جاؤوك فادْفَعي ابنتَك إليهم‪ ،‬فأقبلتْ مُراد إلى الهمدانية‪ ،‬فدفعت ابنَتها إليهم‪ ،‬فأقبلوا بالفتاة حتى‬
‫النسْر نحوها‪ ،‬فرماه الهمذانيّ بقوسه‪ ،‬فمات‪ ،‬ثم أخذ أخته وابنتها‬
‫أدخلوها الخِباء‪ ،‬ثم انصرفوا‪ .‬فحجَل َّ‬
‫قاصدين بالدا غير بالدهم‪ ،‬وأنشد مفتخرا ‪:)3‬‬
‫(الطويل)‬
‫ـــــوادي ُحــــــراض َمــــــا تــــــغــــــذ ُمــــــراد‬
‫بـ َ‬ ‫ان م ْن َن ْســـــــــر ه َجف قتلتــــه‬
‫َو َمــــا َكــــ َ‬
‫ع ِِِّّّدُون ِِِّّّا ف ِِِّّّالِِِّّّقِِِّّّلِِِّّّوب بِِِّّّع ِِِّّّاد‬ ‫ف ِِّّ د‬
‫ٌِّن ب ِِِّّّا ُ‬ ‫أر دحِِّّت ُِِّّهِِّّم مِِّّن ِِِّّّه وأطِِّّف ِِِّّّأت ُ‬
‫س ِِِِِِِِّّّّّّّّن ِِِّّّة‬ ‫ُ‬
‫ف ِِِِّّّّت ِِِِّّّّاة أن ِِِِّّّّاس ك ِِِِّّّّال ِِِِّّّّب ِِِِّّّّن ِِِِّّّّي ِِِِّّّّة زادُ‬ ‫ل ِِِّّّه ك ِِِّّّ ّل ع ِِِّّّام من ِنس ِِِِِِِِِّّّّّّّّّاء مخ ِِِّّّاير‬

‫‪ )1‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين‪ :‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬تحقيق‪ :‬فؤاد علي منصور‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫‪1998‬م‪ ،‬ص‪.130‬‬
‫‪ )2‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين‪ :‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.130‬‬
‫‪ )3‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين‪ :‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬ص‪.131‬‬
‫‪58‬‬
‫إل ِّي ِّه ِِِّّّا س ِِِِِِِّّّّّّّوى أك ِِِّّّل ال ِّف ِّت ِِِّّّاة م ِّع ِِِّّّاد‬ ‫ف إل ِِِّّّي ِِِّّّه ك ِِِّّّال ِِِّّّع ِِِّّّروس وم ِِِّّّا ُل ِِِّّّهُ‬
‫ت ُِِِّّّ ُز ّ‬
‫س ِِِِِِِِِّّّّّّّّّه ِِِّّّاد‬
‫أب ِِِّّّوه ِِِّّّا أب ِِِّّّي واألم ُب ِِِّّّ دع ِِِّّّدُ ُ‬ ‫ش ِِِِِِِِِّّّّّّّّّديِِِّّّة‬
‫فلم ِِِّّّا ش ِِِِِِِّّّّّّّ كت ِِِّّّه ُحرة ح ِِِّّّا ِ‬
‫ُم ِّ ُرا ِع ِّيِِّّس حِّ ِّّرات ال ِّ ِنّص ِِِِِِِِِّّّّّّّّّال ِح ِِِّّّداد‬ ‫الكف أسِِِِّّّّهم‬
‫ّ‬ ‫سِِِِّّّّددت له قُ دو ِ‬
‫سِِِِّّّّي وفي‬

‫س ِِِِِِّّّّّّ ُواد‬
‫ودوني عن ُو دج ِِّّه الص ِِِِِِّّّّّّب ِِّّاح ُ‬ ‫فِِّّأرميِِّّه متن تحِِّّت الِِّّد ُجى فِِّّاختللتِِّّه‬

‫وأنشأت الفتاة تقول‪:)1‬‬


‫(المتقارب)‬
‫صِِِِِِِّّّّّّّ ِر يع ِِِّّّا‬
‫بمترك ِِِّّّه النسِِِِِِِّّّّّّّر زهف ِِِّّّا ُ‬ ‫اللُ ُخِِِِّّّّا ِلِِِِّّّّي ُخِِِِّّّّ ديِِِِّّّّر ا دلِِِِّّّّ ُجِِِِّّّّزا‬
‫ُجِِِِّّّّ ُزا ّ‬
‫ُو ُك ِِِّّّان ِبِِِّّّ ِمِِِّّّثِِِّّّ ِلِِِّّّي ُق ِِِّّّ ِديِِِّّّم ِِِّّّا بِِِّّّلِِِّّّوع ِِِّّّا‬ ‫ُز ِفِِِِّّّّ دفِِِِّّّّتُ ِإ ُلِِِِّّّّ ديِِِِّّّّه ز ِفِِِِّّّّاف ا دلِِِِّّّّ ُعِِِِّّّّ ُروس‬

‫س ِِِِِِِّّّّّّّ هد م ُف ِِِّّّأ ُ نف ِِِّّّذ ِم دن ِِِّّّه ال ِِِّّّد ِ‬


‫س ِِِِِِِّّّّّّّ يع ِِِّّّا‬ ‫ِب ُ‬ ‫عِِِِّّّّ دن ُر دقِِِِّّّّ ُبِِِِّّّّة‬
‫فِِِِّّّّ ُيِِِِّّّّ در ِمِِِِّّّّيِِِِّّّّه ُخِِِِّّّّا ِلِِِِّّّّي ُ‬

‫س ِِِِِِّّّّّّ ِر ت ُِِّّ دذرى ُ‬


‫علُ دي ِِّّه ال ِِّّد ُموع ِِّّا‬ ‫علُى الن د‬
‫ُ‬ ‫ض ِِِِِِِِِِّّّّّّّّّّ ُحِِِِّّّّتد ُمِِِِّّّّ ُرادُ لُِِِِّّّّ ُهِِِِّّّّا ُمِِِِّّّّأ دتِِِِّّّّم‬
‫ُوأ د‬
‫ولما ُقتل نسر المراديين عظمت المصيبة عليهم‪ ،‬وكان هذا أول ما أهاج الحرب بين القبيلتين‪،‬‬
‫ّ‬
‫استمرت حتى حجر اإلسالم بينهما‪.‬‬
‫و ّ‬
‫البدوي الجائع الذي‬
‫ّ‬ ‫مروياتهم قصة الحطيئة التي يصف بها حال‬
‫وتذكر أخبار الجاهليين و ّ‬
‫نزل عنده ضيفا‪ ،‬فقال‪:)2‬‬
‫(الطويل)‬
‫ـــــــاكن َر ْســــــــ َما‬
‫بتيهاء َل ْم َي ْعر ْف ب َها سـ ٌ‬ ‫ط ـاوي َثالث َع ـاصـــــــــــب َ‬
‫الب ْطن ُمرم ـل‬ ‫َو َ‬
‫‪)3‬‬

‫اســــته ُنعمى‬
‫يها م ْن َشــــَر َ‬ ‫َيَرى اْلُب ْؤ َ‬
‫سف َ‬ ‫أَخي جفوة فيـــه م َن اإلنس َو ْحشــــــــــــ ًة‬
‫‪)4‬‬

‫‪)5‬‬
‫ثالثـــــة أَ ْشــــــــــَبـــــاح تخـــــاُل هم ُب همـــــا‬ ‫وأفــرد فــي شــــــــــ ْعـــــب عــجــو از إزاءهـــــا‬

‫‪ )1‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين‪ :‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬ص‪.131‬‬


‫‪ )2‬الحطيئة‪ ،‬جرول بن أوس‪ :‬الديوان‪ ،‬برواية وشرح ابن السكيت‪ ،‬دراسة وتبويب‪ :‬مفيد محمد قمحية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪1993 ،‬م‪ ،‬ص‪.178‬‬
‫) الطاوي‪ :‬الجائع‪ ،‬ثالث‪ :‬أي ثالث ليال‪ ،‬عاصب البطن‪ :‬أي ّ‬
‫يشد بطنه بخرقة‪ ،‬كناية عن الجوع‪ُ ،‬مرمل‪ُ :‬محتاج‪ ،‬بتيهاء‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫بصحراء‪.‬‬
‫‪ )4‬جفوة‪ :‬غليظ الطبع‪ ،‬يرى البؤس فيها‪ :‬أي أنه يحب العزلة في الصحراء‪ ،‬فسعادته في وحدته‪.‬‬
‫‪ُ )5‬بهما‪ :‬جمع ُبهمة‪ ،‬والمقصود ولد الماعز‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫‪)1‬‬
‫للبر ُمـــــ ْذ خلقوا َط عمـــــا‬
‫وال َعَرُفوا ُ‬ ‫ُحفـــــاة ع ار ٌة مـــــا اغتـــــذوا خبز َملـــــة‬
‫‪)2‬‬
‫فلمـــا بـــدا ضـــــــــيفـــا تســـــــــور واهتمـــا‬ ‫اعــــ ُه‬
‫رأى شـــــــــبحــــاً وســـــــــط الظالم فر َ‬
‫لكن الحطيئة لم يستطع القيام بواجبه وحقه‬
‫ولما نزل عنده الضيف أراد إكرامه بطبخ اللحم له‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫فأحس عليه ابنه‪ ،‬وأشار عليه أن يقدمه‬
‫ّ‬ ‫من اإلكرام‪ ،‬فدخل في حيرة كبيرة‪ ،‬وصراع نفسي داخلي‪،‬‬
‫فداء‪ ،‬للقيام بواجب الضيف‪ ،‬حيث قال‪:)3‬‬
‫(الطويل)‬
‫طعمـــا‬
‫أيـــا أبـــت اذبحني ويســـــــــْر َلـــه ُ‬ ‫ــــنـــــ ُه لـــــمـــــا رآه بـــــحـــــيـــــرة‬
‫ال ابـ ُ‬
‫َفـــــَقـــــ َ‬
‫‪)4‬‬
‫يظن َلَنـــــا َمـــــاال َفُيوســـــــــ ُعَنـــــا ذمـــــا‬
‫ل‬ ‫طار‬
‫العـــــدم َعـــــل الـــــذي َ‬
‫َوَال َت ْع َتـــــذر بـــــ ُ‬
‫هم لذبحه‪،‬‬
‫أخذ الحطيئة يفكر في اقتراح ابنه‪ ،‬فامتنع عن الفكرة بداية‪ ،‬لكنه سرعان ما ّ‬
‫فيقول‪:)5‬‬
‫(الطويل)‬
‫اه َفَقــــ ْد َهمــــا‬
‫َوان ُه َو َلم يــــ ْذَبح َف َتــــ ُ‬ ‫ـــجــــ َم ُبــــْرَهـــــ ًة‬ ‫َفــــَروى َقــــلــــيـ ً‬
‫ـــال ُثــــم أَحـ َ‬
‫‪)6‬‬

‫الداخلي‪ ،‬وأخذ يدعو ربه‪ ،‬قائال‪:)7‬‬


‫ثم توقف‪ ،‬وعاد إلى صراعه ّ‬
‫ّ‬
‫(الطويل)‬
‫‪)8‬‬
‫اللح َمـــا‬
‫ب َحقـــ َك َال َتحرْمـــه َتـــا الليلـــ َة ْ‬ ‫ف وال ًقرى؟‬
‫اه َضـــــــــْي ٌ‬
‫ال َهَيـــــا َربـــــ ُ‬
‫َوَقـــــ َ‬
‫الفتية‪ ،‬فتوجه نحوها‬
‫الوحشية السمينة ّ‬
‫ّ‬ ‫وما إن دعا رّبه حتّى استجاب له‪ ،‬ورزقه قطيعا من األتن‬
‫ولما أخذت األتن حاجتها من الماء سحب من جعبته‬ ‫حذرا‪ ،‬وفي نفسه ظمأ إلى اصطياد بعضها‪ّ ،‬‬
‫سهامه القاتلة‪ ،‬واصطاد بعضها‪ ،‬وقام بواجب ضيفه من الطعام واإلكرام‪ ،‬فيقول‪:)9‬‬

‫الرماد الحار‪.‬‬
‫) ملة‪ّ :‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ )2‬راعه‪ :‬أخافه‪ ،‬تسور‪ :‬أفرحه‪.‬‬


‫‪ )3‬الحطيئة‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.178‬‬
‫العدم‪ :‬الفقر‪ ،‬طرا‪ :‬أي طرأ‪ ،‬وخففت الهمزة للضرورة الشعرية‪.‬‬
‫) ُ‬
‫‪4‬‬

‫‪ )5‬الحطيئة‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.178‬‬


‫‪ )6‬فروى‪ :‬ففكر‪ ،‬أحجم‪ :‬امتنع‪.‬‬
‫‪ )7‬الحطيئة‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.178‬‬
‫‪ )8‬قرى‪ :‬طعام‪.‬‬
‫‪ )9‬الحطيئة‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.179- 178‬‬
‫‪60‬‬
‫(الطويل)‬
‫‪)1‬‬
‫نظما‬
‫ظ َمت من خْلف مســـــــحلها َ‬
‫َقد اْن َت َ‬ ‫بعـــد َعـــانـــ ٌة‬
‫فبينـــا ُهمـــا عنـــت َعَلى اْل ْ‬
‫أظمـــــا‬
‫َعَلى أنـــــه مْن َهـــــا إَلى َد مهـــــا َ‬ ‫وها‬
‫اشـــــــــا تر ُيد اْل َماء َفاْن َســـــــــاب َن ْح َ‬
‫ع َط ً‬
‫يه ـا من كنــاَنتــه َســـــــــ ْه َم ـا‬
‫َف ـأَْر َســـــــــــ َل ف َ‬ ‫ــــاشـــــــــهـــــا‬
‫َفـــــأَ ْم َهَل َهـــــا حتى تروت عطـ ُ‬
‫طبق ـت َشـــــــــ ْح َم ـا‬
‫اكتنزت َل ْح َم ـا َوَق ـد َ‬
‫ْ‬ ‫َق ـد‬ ‫ذات جحش ســـــــــمينــــ ٌة‬
‫وص ُ‬‫نح ُ‬
‫فخرت ُ‬
‫‪)2‬‬
‫ويــا ُبشـــــــــرُه ْم لم ـا أروا كْلمهــا َي ـدمى‬ ‫ـــــــــرُه إذ جرهـــــا نحو قومـــــه‬
‫فيـــــا بشـ َ‬
‫غنمـــــا‬
‫غنموا َ‬
‫يغرموا ُغرمـــــا َوَقـــــد ُ‬
‫ُ‬ ‫َفَلم‬ ‫ــــــــيفهم‬
‫اما َقد َق ُضـــــــــوا حق ضـ ْ‬
‫َفَب ُاتوا كَر ً‬
‫بشـــــــــرهـــــا أمـــــا‬
‫لضـــــــــيفه ُم واأل لم من ْ‬ ‫اشـــــــــتـــه أَبـــا‬
‫ات أَُبوهم من َب َشــــــــــــ َ‬
‫َوَبـــ َ‬
‫هم لذبح‬
‫تذكرنا بقصة إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السالم‪ ،‬حينما ّ‬
‫إن قصة الحطيئة وابنه ّ‬
‫ّ‬
‫الصلت هذه القصة في ديوانه‪ ،‬فقال‪:)3‬‬
‫أمية بن أبي ّ‬
‫ابنه فتدخل هللا وفداه بذبح عظيم‪ ،‬وقد ذكر ّ‬
‫(الخفيف)‬
‫فدى لك خالي‬
‫ــبر ً‬
‫فــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاصـ ْ‬ ‫طا‬
‫ابني إني نذرتك هلل شحــــــــــــــــــــــــــــــــــــي ً‬
‫ن حـــــيـــــد األســـــــــــــيـــــر ذي األغـــــالل‬ ‫واشـــــــدد الصـــــــفد ال أحيد عن الســـــــكي‬

‫ــــــــذام َجلي ٌة كــــــــــالهالل‬


‫ــــــــــــــــــــم ُهــــــــــــ ٌ‬ ‫تخايل فــــــــــي اللحــــــْــــ‬
‫ُ‬ ‫ـــه ُم ْدي ٌة‬
‫َوَلـــــــ ُ‬
‫فــــــــــــــــكه ربــــــــه بكبــــــــــــــــش جــــــــــــــــالل‬ ‫بـــــيـــــنما يخـــــلـــــع الـــــسرابـــــيل عنـــــه‬

‫وقام أبو طالب عم النبي صلى هللا عليه وسلم بمنع أخيه عبدهللا والد النبي‪( )4‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم) من ذبح محقق‪ ،‬إذ أمسك يد أبيه الذي أراد ذبح ابنه عبدهللا ليقدمه قربانا بشريا لربه؛ ألنّه‬
‫استجاب له ورزقه بعشرة أوّلد ورآهم رجاّل‪ ،‬فعندما هم والده بذبحه‪ ،‬وثب إليه ومسك يد أبيه عن‬
‫أخيه‪ ،‬وقال‪:)5‬‬

‫‪ )1‬عنت‪َ :‬بدت‪ ،‬العانة‪ :‬قطيع األتن‪ ،‬المسحل‪ :‬حمار الوحش‪.‬‬


‫لكْلم‪ :‬الجرح‪.‬‬
‫)اَ‬
‫‪2‬‬

‫الصلت‪ :‬الديوان‪ ،‬جمعه وحققه وشرحه‪ :‬سجيع حميل الجبيلي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار صادر‪1998 ،‬م‪ ،‬ص‪-108‬‬
‫أمية بن أبي ّ‬
‫) ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪.110‬‬
‫‪ )4‬لقد أشار النبي صلى هللا عليه وسلم إلى ذلك بقوله‪ " :‬أنا ابن الذبيحين"‪ ،‬قاصدا أباه عبدهللا وجده إسماعيل عليه السالم‪.‬‬
‫‪ )5‬وينظر‪ :‬منبه‪ ،‬وهب ‪ :‬كتاب التيجان في ملوك حمير‪ ،‬ص‪.213‬‬
‫‪61‬‬
‫(الرجز)‬
‫َمـــــا َذَبـــــ َح َعـــــْبـــــدهللا بـــــالـــــتـــــْلـــــ َعـــــاب‬ ‫َكـــ َّال َورب الـــَبـــْيـــــت ذي األ ْن َصـــــــــــــاب‬

‫ـــــنــــــا َمــــــرة فــــــي ْالــــــخــــــطــــــاب‬


‫أن لـ َ‬ ‫ـح ُذو عـَقـــــاب‬
‫ــــب إن الــريـ َ‬
‫َيـــــا َشــــــــــيـ ُ‬
‫ـــأســــــود اْلــــ َغــــاب‬
‫أخــــوال صـ ْــدق كــَ ُ‬

‫فقام عبد المطلب قائال‪:)1‬‬

‫(الرجز)‬
‫عاه ْد ُت َربي‪ ،‬وأَنا موف َع ْهده‬
‫َ‬
‫أخاف ربي إن تركــــت وعـده‬

‫حمــــده‬
‫وهللا َال يحمد َشـــ ْيء ْ‬
‫فلما سمعت بنو مخزوم هذا من أبي طالب‪ ،‬وكانوا أخواله‪ ،‬قالوا‪ :‬صدق ابن أختنا وأسرعوا‬
‫إلى عبد المطلب‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أبا الحرث إنا ّل نسلم ابن أختنا للذبح فاذبح من شئت من ولدك غيره‪،‬‬

‫واهتدى عن طريق عرافة إلى افتداء ابنه بمئة من اإلبل‪ ،‬فأحضر من اإلبل مئة‪ ،‬وضرب بالقداح‬
‫فكبر الناس وقالوا قد رضي رّبك‪ ،‬فقال‪:)2‬‬
‫عليها وعلى عبدهللا فخرجت على اإلبل‪ّ ،‬‬
‫(الرجز)‬
‫لهم َرب اْلَبـــَلد اْل ُمــــــ َحرم‬
‫الطيب‪ ،‬اْل ُمَبــارك‪ ،‬اْل ُمــ َعظم‬

‫أَْنت الذي أَ َعْن َتني في َز َ‬


‫مزم‬

‫ثم أعاد ضرب القداح‪ ،‬فخرجت على اإلبل‪ ،‬فقال‪:)3‬‬


‫ّ‬
‫(الرجز)‬

‫لهم َق ْد أَ ْع َ‬
‫طْي َتني ُس َؤالـــي‬

‫‪ )1‬اليعقوبي‪ ،‬أحمد بن أبي يعقوب‪ :‬تاريخ اليعقوبي‪ ،‬ص‪.293‬‬


‫‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫‪ )3‬اليعقوبي‪ ،‬أحمد بن أبي يعقوب‪ :‬تاريخ اليعقوبي ‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫‪62‬‬
‫أَ ْك َثــْرت َب ْع َد قلـــة عَيــالـي‬
‫فداه اْلَي ْوم جل َمالي‬
‫اج َعل َ‬
‫َف ْ‬
‫وما زال حتى ضرب بالقداح ثالثة‪ ،‬فخرجت على اإلبل‪ ،‬فنحرها‪ ،‬فخرج مناديه للناس قائال‪ :‬أال‬

‫فخذوا لحمها‪ ،‬وانصرف عنها‪ ،‬ووثب الناس يأخذونها‪ ،‬وفي ذلك قال مرّة بن خلف الفهمي‪:)1‬‬
‫(الطويل)‬
‫ِب ُب دط ُحاء بسِِِِِِِّّّّّّّل ُح يد ُ‬
‫ث ُي دعت ُ ِصِِِِِِِّّّّّّّب ا دلبرك‬ ‫ُك ُما قُس ِِِِِِّّّّّّمت نُهبا ِديات ا دبن ُها ِ‬
‫ش ِِِِِِّّّّّّم‬

‫الد َية‬
‫أن العرب تعّلمت ّ‬
‫الدية فداء لإلنسان هو عبد المطلب‪ ،‬و ّ‬
‫سنة ّ‬‫سن ّ‬
‫أن ّأول من ّ‬
‫ويذكر اليعقوبي ّ‬
‫من اإلبل منه‪.‬‬
‫فداء لألسالف‪،‬‬ ‫ن‬
‫أن العرب كانوا يقدمو أنفسهم قرابين بشرية ً‬
‫ونستشف من األبيات اآلتية ّ‬
‫ّ‬
‫تعرض حميد بن ثور لمثل هذا‪ ،‬فقال‪:)2‬‬
‫وذلك عن طريق نحر الشخص نفسه واللحاق بالميت‪ ،‬وقد ّ‬
‫(الطويل)‬
‫رح ـل‬
‫هي َعَلى ْ‬ ‫َعَلى َغْفَل ـة الن ْســـــــــوان و‬ ‫ـف‬
‫فــلــمـــــا دنـ ْـوا لـْـلـحــي أُســــــــــمـع هـــــاتـ ٌ‬
‫َ َ‬
‫وشـــــــــــــ ُك الرزيئـــــة والثكـــــل‬ ‫َوأَ ْع َج َ‬
‫لهـــــا ْ‬ ‫وســـــــــى ل َتـ ْذَب َح َن ْف َســـــــــهـا‬
‫امـ ْت إَلى ُم َ‬
‫َفَقـ َ‬

‫‪ )1‬المرجع نفسه‪.209 ،‬‬


‫‪ )2‬حميد بن ثور‪ :‬الديوان‪ ،‬إشراف‪ :‬الدكتور محمد يوسف نجم‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار صادر‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪63‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫القرابين الحيوانية‬

‫حاول الجاهليون أن يسلكوا طريق اّلرتقاء البشري فأظهروا مفارقتهم لألمم الوثنية السابقة‬
‫في شعيرة القرابين البشرية‪ ،‬واكتفوا بتقديم القرابين الحيوانية‪ ،‬فهي السبيل الوحيد إلى نجاة اإلنسان من‬
‫توسعا أثقل على الناس ثقال كبيرا‪ ،‬فجعلهم ّل يرون‬
‫لكنهم توسعوا في هذا المجال ّ‬
‫الموت الشنيع‪ّ ،‬‬
‫عمال من أعمالهم إّل ويحتاج إلى قربان‪ ،‬فوّلدة المولود يحتاج إلى قربان‪ ،‬والشفاء من المرض يحتاج‬

‫إلى قربان‪ ،‬ووفاء اآللهة لما يريدون تحتاج إلى قربان‪ ،‬حتى الموت عندهم له قربان‪ ،‬وجاءت هذه‬
‫المرحلة من مراحل تطور مفهوم القربان وموضوعه كنتيجة للتطور الفكري الحاصل في عقيدة‬
‫الجاهليين وشرائعهم الدينية‪.‬‬
‫والجاهليون كغيرهم من األمم السابقة بالغوا في تقديم القرابين الحيوانية لآللهة‪ ،‬بل تفننوا بها‪،‬‬
‫ولم يتركوا سانحة إّل وحاولوا فيها التقرب إلى أربابهم‪ ،‬وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا األمر‪ ،‬فقال‬
‫هللا سبحانه‪ { :‬إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ولَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ‪ )1‬لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ۚ ‪ ،)2 } ...‬أي ما ُذبح‬

‫تقرب العرب‬
‫لغير هللا‪ ،‬وهذا يدل على وجود ظاهرة القرابين عند العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ومن أشكالها ّ‬
‫يسمى بذبيحة الجن؛ تقربا له‪ ،‬وقال الزمخشري‪" :‬‬
‫إلى الكواكب والنجوم بالذبح‪ ،‬أو تقديم أهل مكة ما ّ‬
‫كانوا إذا اشتروا دا ار أو بنوها أو استخرجوا عيناً ذبحوا ذبيحة خوفاً أن تصيبهم الجن‪ ،‬فأضيفت إليهم‬
‫الذبائح لذلك"‪.)3‬‬

‫ويتوجب على الجاهلي عند الذبح أن يسفك دم الحيوان (القربان) على مذبح‪ ،‬أو على نصب‪،‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫وهي بمثابة أروقة المعابد التي كانت تستخدم في المقام األول لجلوس المتعبدين على المصاطب‬
‫وحول موائد القرابين‪ ،‬وقد عرف األنباط مثل هذا النوع من الذبائح‪ ،‬وقد أطلقوا عليه اسم " األقرن"‪.)4‬‬

‫‪ )1‬اإلهالل في اآلية الكريمة ‪ :‬هو رفع الصوت عند الذبح لآللهة المعبودة‪.‬‬
‫‪ )2‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.173‬‬
‫‪ )3‬آل الشيخ‪ ،‬عبد الرحمن‪ :‬فتح المجيد شرح كتاب التوحيد‪ ،‬الرياض‪1983 ،‬م‪ ،‬ص‪.112-111‬‬
‫‪ )4‬عباس‪ ،‬إحسان‪ :‬تاريخ دولة األنباط‪ ،‬ط‪ ،1‬عمان‪ :‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪ ،1987 ،‬ص‪.137‬‬
‫‪64‬‬
‫وقد جاء في تلبيات بعض العرب الجاهليين إلى ما يشير إلى وجوب إراقة الدماء وقت‬
‫وثجنا‪ )1‬وحجنا"‪ ،‬وجاء في تلبية كنانة‪ " :‬يوم‬
‫الحج‪ ،‬فجاء في تلبية قبيلة غسان‪ " :‬لك النداء وعجنا ّ‬
‫التعريف‪ ،‬يوم الدعاء والوقوف‪ ،‬وذي صباح الدماء من ثجها والنزيف(‪ ،)2‬وكانت تلبية جرهم‪ " :‬نحن‬
‫البدن"‪ ،)3‬ونجد والذبح والنحر شعيرة أساسية من شعائر‬
‫بنو قحطان حيث كنا‪ ،‬ننحر عند المشعرين ُ‬
‫تعبر عن الطاعة والخضوع واللجوء إلى هلل‪ ،‬ويقول‬
‫الحج في ديننا الحنيف خاصة وأنها وسيلة تعبيرية ّ‬
‫هللا سبحانه‪{ :‬وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا} ‪.)4‬‬

‫وحد شعيرة الذبح‪ ،‬وأوجب على المسلمين اتباعها‪ ،‬إذ لم تكن واحدة‬
‫وحينما جاء اإلسالم ّ‬
‫لدى القبائل‪ ،‬فلكل قبيلة طريقتها وأسلوبها في الذبح‪ ،‬فهذا يرجع إلى معتقدات وديانات القبيلة‬
‫وأساطيرها‪.‬‬
‫أن الرسول محمد (صلى هللا عليه وسلم) ذبح ذبيحة لألصنام‪ ،‬فأخذ‬
‫وتذكر لنا كتب التاريخ ّ‬
‫منها‪ ،‬وطبخ له‪ ،‬وحمله زيد بن حارثة وذهبا ليأكاله في إحدى الشعاب‪ ،‬فلقيهما زيد بن عمرو بن‬
‫نفيل‪ ،‬وكان من المتألهين في الجاهلية‪ ،‬فدعاه الرسول (صلى هللا عليه وسلم) ليشاركهما الطعام‪،‬‬
‫فسأله عنه‪ ،‬فقال‪ :‬هو من شيء ذبحناه آللهتنا‪ ،‬فقال زيد‪ :‬إني ّل آكل من شيء ذبح لألصنام‪ ،)5‬واني‬
‫ولما جاء‬
‫على دين إبراهيم‪ ،‬فأمر الرسول (صلى هللا عليه وسلم) زيد بن حارثة بإلقاء ما معه ‪ّ ،‬‬
‫‪)6‬‬

‫حث عليه‪ ،‬فقال سبحانه‪{ :‬فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ‪ ،)7‬وقال في موضع آخر‪:‬‬
‫اإلسالم لم يمنع الذبح‪ ،‬بل ّ‬
‫{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِنيَ} ‪ ،)8‬والنسك هو الذبح هلل تعالى في الحج والعمرة‪،‬‬

‫الدم وسيالن دماء الهدي‪.‬‬


‫وصب ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ )1‬الثج‪ :‬هو الذبح‪،‬‬
‫ينظر‪ :‬أبو رحمة‪ ،‬خليل‪ :‬قراءة في تلبيات العرب في العصر الجاهلي‪ ،‬المجلة العربية للعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة الكويت‪1982 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.105‬‬
‫‪ )2‬اليعقوبي‪ ،‬أحمد بن أبي يعقوب‪ :‬تاريخ اليعقوبي‪ ،‬بيروت‪ :‬دار صادر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.255‬‬
‫‪ )3‬قطرب‪ ،‬محمد بن المستنير‪ :‬األزمنة وتلبية الجاهلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬حاتم الضامن‪ ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة الرسالة‪1985 ،‬م‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ )4‬سورة الحج‪ :‬اآلية ‪.36‬‬
‫‪ )5‬البزار‪ ،‬أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق‪ :‬مسند البزار‪ ،‬تحقيق‪ :‬محفوظ الرحمن زين هللا‪ ،‬ط‪ ،1‬المدينة المنورة‪ :‬مكتبة‬
‫العلوم والحكم‪ ،1988 ،‬حديث رقم‪ ،1267 :‬ج‪ ،4‬ص‪.94‬‬
‫‪ )6‬المعري‪ ،‬أبو عالء‪ :‬رسالة الغفران‪ ،‬بيروت‪ :‬دار القلم‪1975 ،‬م‪ ،‬ص‪.266‬‬
‫‪ )7‬سورة الكوثر‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬
‫‪ )8‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.162‬‬
‫‪65‬‬
‫المالية‪ ،‬وألهميتها قرنها هللا سبحانه بالصالة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ابتغاء وجهه‪ ،‬ورغبة بفضله‪ ،‬وهو من أعظم العبادات‬
‫كما رأينا في اآليتين السابقتين‪.‬‬

‫لقد كان القُربان حديث اإلنسان اليومي‪ ،‬فهو معيار صلة العبد بربه‪ ،‬ومدى تقربه منه‪ ،‬بل تكاد‬

‫تكون العالمة الفارقة عندهم للدين‪ ،‬والرجل المتدين عندهم هو من يتذكر آلهته‪ ،‬ويضعها نصب‬
‫عينه‪ ،‬وذلك بتقديم القرابين لها‪ ،‬وكذلك اإلنسان في العصر الجاهلي‪ ،‬جلّ همه رضا آلهته عليه‪ ،‬لذلك‬
‫كان ينذر إذا حدث معي كذا وكذا سأذبح للصنم‪ ،‬فإذا استجاب له ولطلبه‪ ،‬كان من الواجب أن يعظمه‪،‬‬

‫وتعظيم الصنم حسب اعتقاده ال يكون إال بالذبائح‪ ،‬قال المسلمون‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬كان أهل الجاهلية‬
‫يعظمون البيت بالدم‪ ،‬فنحن أحق أن نعظمه‪ ،)1‬وقد حملت القرابين عندهم طابعين‪ ،‬أوّلهما ديني تؤدي‬
‫فيه فريضة ويستجاب فيه ألمر إلهي‪ ،‬وثانيهما يبتغى منه منفعة دنيوية‪.‬‬

‫إن مبدأ حياة اإلنسان الجاهلي مقترنة عنده بالدم‪ ،‬ولهذا تبدأ حياته بذبح الحيوانات بوصفها‬
‫ّ‬
‫قرابين لآللهة وتنتهي باألمر نفسه بالذبائح‪ ،‬كما كانوا يعمدون إلى تلطيخ شيء من دم الذبيحة على‬
‫الشيء المذبوح ألجله ‪ ،)2‬اعتقادا منهم بأن اآللهة تحس بدم القربان ‪ ،)3‬وبالتالي ينتقل دم القربان‬
‫الحار إلى الرب المعبود الذي يكتفي به‪ ،‬ويهدأ غضبه ويرضى عنهم ‪ ،)4‬ولم تقتصر القرابين الحيوانية‬
‫على نوع واحد من الذبائح‪ ،‬بل تعددت أنواعها‪ ،‬وأشكال تقديمها‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫العقيقة‪:‬‬

‫شق وقطع‪ ،‬ومنه جاءت تسمية شعر المولود بالعقيقة؛ ألنه‬


‫وهي في اللغة من (عقق) بمعنى ّ‬
‫شق حلقومها قطعا‬
‫إن كان على رأس المولود شعر قطع‪ ،‬أي حلق‪ ،‬والذبيحة سميت بالعقيقة؛ بسبب ّ‬
‫‪.5‬‬

‫‪ )1‬الطبري‪ ،‬محمد بن جرير‪ :‬جامع البيان في تأويل القرآن‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر‪ ،‬ط‪ ،1‬مؤسسة الرسالة‪2000 ،‬م‪ ،‬ج‪،9‬‬
‫ص‪.508‬‬
‫أن هذا العمل (تلطيخ رأس المولود بدم الذبيحة) يمارسه األهالي حتى يومنا هذا‪ ،‬وليس المقصود من هذا العمل‬
‫) نالحظ ّ‬
‫‪2‬‬

‫الشرك باهلل‪ ،‬إنما ممارسة ّل إرادية لما هو موجود في الالوعي من عقل اإلنسان‪.‬‬
‫‪ )3‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.61‬‬
‫‪ )4‬الحوت‪ ،‬سليم‪ :‬في طريق الميثولوجيا عند العرب‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬مطبعة دار الكتب‪1955 ،‬م‪ ،‬ص‪.151‬‬
‫‪ -5‬تاج العروس‪( ،‬عقق)‪ ،‬ج‪ ،26‬ص‪.171‬‬
‫‪66‬‬
‫أما اصطالحا فهي ذبح شاة عند ميالد المولود‪ ،‬وتلطيخ شيء من دمها برأسه‪ ،‬وتذبح عادة‬
‫ّ‬
‫في اليوم السابع‪ )1‬من ميالد الطفل‪.‬‬
‫والعقيقة كلمة جاهلية وردت في الشعر الجاهلي‪ ،‬وفي ذلك قال عمرو بن معدي يكرب‪:)2‬‬
‫(الطويل)‬
‫ـــدم‬
‫بكفي صـــــــــمصــــــــــــام العقيقــــة ُمخـ َ‬ ‫ــــــــــــددت على مهران لمـــــا لقيتـــــه‬
‫ُ‬ ‫شـ‬

‫ويذكر علماء اللغة تعريفا آخر للعقيقة‪ ،‬فهو شعر كل مولود يخرج على رأسه في بطن‬

‫أمه‪ ،‬وقد سميت الشاة المذبوحة بالعقيقة؛ لذبحها عند االحتفال بحلق هذا الشعر‪ .‬وقد كانوا يعيرون‬
‫من لم تحلق عقيقته‪ ،‬إذ يرون في ذلك منقصة ال تليق بالرجل الكامل‪.)3‬‬
‫ونالحظ أن شعر اإلنسان ّأدى منذ القدم دو ار مهما في حياة الناس‪ ،‬وانعكس هذا الدور على‬
‫طقوسهم وتصرفاتهم وسلوكهم‪ ،‬ووفق المعتقدات فقد كان الشعر مركز الروح والقوة‪ ،‬وكان الشعر‬
‫الطويل صفة رئيسة من الصفات التي يتمتع بها أنصاف اآللهة واألبطال لدى الشعوب القديمة ‪،)4‬‬
‫لذلك كان من صفات أنكيدو‪ ،‬وذلك ما وضحته األسطورة البابلية حول خلق أنكيدو‪ " :‬خَلَقت أنكيدو‬

‫القوي أرومه ننورتا وكست جسده كله بالشعر ورتبت له شعر الرأس كشعر امرأة ّ‬
‫وجدلته فأصبح سنابل‬
‫حنطة"‪.)5‬‬

‫‪ )1‬هناك سؤال قد يخطر في بال أحدنا‪ ،‬لماذا في اليوم السابع يتم الذبح؟‬
‫ربما يدل العدد سبعة على القوة العظمى‪ ،‬وعلى العبور من مرحلة إلى أخرى‪ ،‬كما يدل على التجدد‪ ،‬فنجد عند الساميين‬
‫التنين ذا الرؤوس السبعة‪ ،‬يلدغ هرقل الصوري في أثناء فتوحاته‪ ،‬وكانت حفالت الزواج عند بعض الساميين مدتها سبعة أيام‪،‬‬
‫ويذكر أن أول يوم أشرقت فيه الشمس بعد الطوفان اليوم السابع‪ .‬ينظر‪ :‬السهيلي‪ ،‬محمد توفيق‪:‬‬
‫والمآتم تظل لسبعة أيام‪ُ ،‬‬
‫المعتقدات الشعبية في التراث العربي‪ ،‬دار الجليل‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.209‬‬
‫كما كان العرب ّل يسمون أبناءهم إّل في اليوم السابع من وّلدته‪ ،‬وتذكر كتب السير أن "عبد المطلب" هو الذي سمى‬
‫عق له على عادة العرب‬
‫محمدا‪ ،‬في يوم سابعه‪ ،‬أخذه فدخل به الكعبة‪ ،‬ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها‪ ،‬وفي هذا اليوم ّ‬
‫ً‬ ‫الرسول‬
‫محمدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫سميته‬
‫يشا "قالوا لعبد المطلب ما سميت ابنك هذا؟ قال ّ‬‫في ذلك العهد‪ .‬وتذكر أيضا أن قر ً‬
‫ونسقه مطاع الطرابيشي‪ ،‬ط‪1985 ،2‬م‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫) عمرو بن معدي كرب الزبيدي‪ :‬شعره‪ ،‬جمعه ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ )3‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪243‬‬


‫‪ )4‬الباش‪ ،‬حسن‪ :‬المعتقدات الشعبية في التراث العربي‪ ،‬ص‪.335‬‬
‫عمان‪ :‬األهلية للنشر والتوزيع‪1988 ،‬م‪ ،‬ص‪.196‬‬
‫) الماجدي‪ ،‬خزعل‪ :‬إنجيل بابل‪ ،‬ط‪ّ ،1‬‬
‫‪5‬‬

‫‪67‬‬
‫احتل الشعر تلك المكانة المقدسة عندهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ولما كان الفكر العربي ّل ينفصل عن الفكر القديم‬
‫ّ‬
‫ولعل حلق العقيقة هو نوع‬
‫ّ‬ ‫فكانوا يحلقون عقيقة الطفل ويضعونها أمام الصنم‪ ،‬وهو اإلله المعبود‪،‬‬
‫من الفداء لهذا الطفل‪ ،‬وقد أشار امرؤ القيس إلى ذلك‪ ،‬فقال‪:)1‬‬
‫(المتقارب)‬
‫أحســـــــــــــبـــــا‬
‫ــــتـــــه َ‬
‫َعـــــَلـــــْيـــــه َعـــــقـــــيـــــقـ ُ‬ ‫وهـــــ ًة‬ ‫أََيـــــا هـــــنـ ُ‬
‫ــــد َال َتـــــْنـــــكـــــحـــــي ُبـــــ َ‬
‫ومن عادات ومعتقدات العرب الجاهليين عند ذبح شاة ميالد المولود‪ ،‬تلطيخ شيء من دمها‬
‫برأس المولود‪ ،‬إلكساب الطفل شيئا من قداسة اآللهة‪ ،‬فال يستطيع شيء إيذاءه‪ ،‬أو اّلقتراب منه‪.‬‬
‫ورّبما كانت العقيقة في أصلها فداء لإلنسان أي المولود الجديد‪ ،‬فبدّل من أن يقدم اإلنسان‬
‫ابنه قربانا لرّبه‪ ،‬أخذ يقدم قربانا حيوانيا فداء عن ابنه‪ ،‬كما حصل مع نبينا إبراهيم وابنه إسماعيل‬
‫عليهما السالم‪ ،‬وقد أشرنا سابقا أن الشعوب القديمة كانت تقدم أبناءها قرابين بشرية آللهتها‪ ،‬خاصة‬
‫البكر منها؛ طمعا بالقرب والرضا من آلهتهم‪.‬‬
‫ونالحظ في يومنا هذا من هو معثّر أو تعس في حياته‪ ،‬ولم يذبح له والداه‪ ،‬أول ما ينصحه‬
‫الناس هو ذبح عقيقة عن نفسه‪ ،‬حتى يحيطه هللا بالحماية‪ ،‬فال تمتد له أي يد بسوء‪.‬‬

‫العتيرة‪:‬‬
‫ِ‬
‫الع ْت ُر هو الصنم‪ ،‬وما يعتر له‪ ،‬أي ما يذبح له والعتيرة كلمة جاهلية‪ ،‬ولها عالقة بمعتقداتهم‬
‫الدينية الوثنية‪ ،‬وقد ورد ذكرها في معلقة الحارث بن حّلزة‪ ،‬فيقول‪:)2‬‬
‫(الخفيف)‬

‫ُتر‪ ،‬عن ُح دج ُر ِة ا لر ب يض ‪،)3‬ا ل ّظ ُب ِِِّّّا ُء‬ ‫ع ِِّّنُ ِِّّت ِِِّّّا ب ِِِّّّاط ِِّّال و ُ‬
‫ظ ِِّّ دل ِِّّم ِِِّّّا ك ِِّّم ِِِّّّا ت ُِِّّ دع ِِّّـ‬ ‫ُ‬

‫ام ُرُؤ الَق ْيس بن حجر بن الحارث الكندي‪ :‬الديوان‪ ،‬اعتنى به‪ :‬عبد الرحمن المصطاوي‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪2004 ،‬م‪،‬‬
‫) ْ‬
‫‪1‬‬

‫ص‪.79‬‬
‫‪ )2‬الحارث بن حلّزة اليشكري‪ :‬ديوانه‪ ،‬شرحه‪ :‬الدكتور إميل بديع يعقوب‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربيّ‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪ )3‬الربيض‪ :‬الغنم بر ِ‬
‫عاتها المجتمعة في مر ِ‬
‫بضها‪.‬‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫‪68‬‬
‫فنستدل من عبارة (كما تعتر) على طقوس دينية وثنية قديمة‪ ،‬مارسها الجاهليون في حياتهم‪،‬‬
‫وتدل العتيرة على أنها شاة كانوا يقدّمونها في شهر رجب آللهتهم بعد التسمية باسم ذلك الصنم‪،‬‬
‫وبيان السبب في ذبح هذه العتيرة ‪ ،)1‬ولذلك أطلقوا على تلك األيام التي يمارسون فيها تلك الطقوس‬

‫اسم أيام ترجيب وتعتار‪ ،‬وكانوا يدمّون رؤوس أصنامهم الذين كانوا يقربون له عترا في هذا الشهر‬
‫المحرم بدم العتيرة‪.)2‬‬
‫ويشترط أن تكون من أول ما يُنتج لهم‪ ،‬فباكورة األغنام يجب أن تذبح آللهتهم؛ وذلك على‬

‫سبيل التبرّك‪ ،‬والتماس االزدالف منها‪.‬‬


‫وقد قصد الحارث بن حلّزة في البيت السابق المُعْتقدةَ‪ ،‬وهي التي كانت متمِثّلة في أنّ العرب‬
‫في الجاهلية كانت إِذا طلب أَحدُهم أَمرًا نَ َذرَ لئن ظَفِرَ به ليذبَحَنَّ من غنمه في رجب كذا وكذا‪ ،‬فكأنّها‬

‫النَّذْر في يومنا هذا‪ ،‬فيقول أحدهم‪ :‬إن بلغت إبلي مائةً‪ ،‬عتْرتُ عنها عَتِيرةً‪ ،‬فإذا بلغت مائةً ضَنَّ‬
‫بالغنم فصادَ ظَبْياً وذبَحه‪ ،‬ألنّ نفسُه ضاقت عن ذلك‪ ،‬وضَنّ بغنمه‪ ،‬وهي الرَّبِيض فيأْخذ عددَها ظباءً‬
‫فيذبحها في رجب مكان تلك الغنم فكأَنّ تلك عتائرُه فضرب هذا مثالً يقول‪ :‬أَخَذْتمونا بذنبِ غيرِنا‬
‫كما أُخِذَت الظباءُ مكانَ الغنم ‪.)3‬‬
‫وظلّ الجاهليون يتقرّبون بها آللهتهم في طقوس وثنيّة عجيبة إلى أن جاء اإلسالم‪ ،‬فنهى النبيّ‬
‫عليه السالم عن ذلك في الحديث المعروف‪" :‬ال فرْعَ وال عَتِ ْيرَةَ"‪.)4‬‬
‫ونالحظ أنّ أمر العتيرة خالص للغنم‪ ،‬ومتحول عنها إلى الظباء‪ ،‬فما بال اإلبل وهي‬
‫منشودة للعتر وغير مطلوبة للنحر؟‬
‫نقول إن هذه الطقوس كلّها‪ ،‬لم تكن لوال حبّ الجاهلي إلبله‪ ،‬وتقديسه لها‪ ،‬وحرصه الشديد‬
‫على امتالكها‪ ،‬فهو يسعى جاهدا إلى إكثارها‪ ،‬وأن يبلغ تعداد إبله المئة‪ ،‬فاإلبل غاية‪ ،‬والنذر وسيلة‪،‬‬
‫ولمّا كانت هذه اإلبل هي مركز االهتمام‪ ،‬ومحور العناية لديه‪ ،‬اقتضى األمر أن تكون لها طقوس‬
‫كهنوتية خاصة بها‪ ،‬تقام كل شهر رجب من السّنة‪.‬‬

‫‪ )1‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة (عتر)‪.‬‬


‫‪ )2‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.201‬‬
‫‪ )3‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.536‬‬
‫‪ )4‬السجستاني‪ ،‬أبو داود سليمان‪ :‬سنن أبي داود‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬حديث رقم‪ ،2833 :‬ج‪ ،3‬ص‪.64‬‬
‫‪69‬‬
‫ويذكر أن هناك صنما لعنزة اسمه "سعير"‪ ،)1‬كان الناس يحجون إليه ويطوفون حوله‪،‬‬
‫ويعترون العتائر له‪ ،‬وقد ورد في شعر لجعفر بن خالس الكلبي‪ ،‬عندما كان راكبًا ناقة له‪ ،‬فمرت‬
‫به‪ ،‬فنفرت من رؤية العتائر المصرعة‪ ،‬فأنشأ يقول‪:)2‬‬

‫(الكامل)‬
‫ور ُه ا ِّدبِّ ُن ِِِّّّا ُي ِّ دق ِِِّّّد ُِم‬
‫ُح ِّ دو ُل الس ِِِِِِِّّّّّّّ ُع ِّ ِّديِّ ِر ت ُِّ ُز ُ‬ ‫نُفُ ُرتد قُلُو ِص ِِِِِِّّّّّّي ِم دن ُ‬
‫ع ُتا ِئ ُر ُ‬
‫ص ِِِِِِّّّّّّ ِ ّر عُ تد‬

‫ُم ِِِّّّا ِإ دن يُِِِّّّ ِح ِِِّّّي ِِّّ ُِّر إِلُ ِِِّّّ دي ِِِّّّ ِه ِِِّّّ دم ب ِِِّّّت ِِِّّّك ِِِّّّل ِِِّّّم‬ ‫ع ُي ِِِّّّ دذ ُك ِّ ُر ُم ِّ ده ِّ ِط ِّ ِع ِّيِِّّنُ ُج ِّنُ ِِِّّّا ُبِِِّّّهُ‬
‫ُو ُج ِّ ُم ِّو ُ‬

‫وقال آخر يشير إلى عكوف هذيل على سُواع وعترها عنده‪:)3‬‬
‫(الوافر)‬

‫كُ ُم ِِِّّّا عُ كُ فُ ِِِّّّتد ُه ِِِّّّذُ دي ِِِّّّ ُل عُ ُلى ُ‬


‫سِِِِِِِّّّّّّّ ُواعِ‬ ‫ت ُِِِّّّ ُرا ُه ِِِّّّ دم ُح ِِِّّّ دو ُل ِق ِِِّّّي ِِِّّّ ِل ِِِّّّ ِه ِِِّّّ دم ُ‬
‫ع ِِِّّّ ُك ِِِّّّوف ِِِّّّا‬

‫عِِِِّّّّت ُِِِِّّّّائِِِِِّّّّ ُر ِمِِِِّّّّ دن ذُ ُخِِِِّّّّا ِئِِِِّّّّ ِر ُكِِِِّّّّ ِ ّل ُراعِ‬


‫ُ‬ ‫عِِِّّّى لُ ِِِّّّدُ دي ِِِّّّ ِه‬ ‫ت ُِِِّّّ ُظ ِِِّّّل ُجِِِّّّنُ ِِِّّّابُِِِّّّهُ ُ‬
‫ص ِِِِِِِِِّّّّّّّّّ در ُ‬

‫كما ذكرها خُزاعي بن عبد نُهْم في شعره‪ ،‬فقال‪:)4‬‬


‫(الطويل)‬
‫س ِِِِِِِِِّّّّّّّّّك ُكِِِّّّالِِِّّّذِي ُك دنِِِّّّتُ أ ُ دف ُعِِِّّّ ُل‬
‫يرةُ نُ د‬
‫عتِ ُ‬
‫ُ‬ ‫ذُ ُه ِِِّّّ دب ِِِّّّتُ إِلُ ِِِّّّى نُ ِِِّّّ ده ِِِّّّم ِأل ُ دذ ُب ِِِّّّ ُح ِع ِِِّّّ دن ِِِّّّدُهُ‬

‫الرجبية‪:‬‬
‫وهي في اللغة من (رجب)‪ ،‬ورَجِبَ الرجلُ رَجَباً أي فَزِعَ‪ ،‬ورَجِبَ الرجلَ رَجَباً ورَجَبَه يرجُبُه‬

‫رَجْبًا ورُجُوبًا ورَجَّبه و َترَجَّبَه وَأرْجَبَه كلُّه هابَه وعَظَّمه فهو َمرْجُوب‪.)5‬‬
‫ورَجَب شهر في السنة‪ ،‬سموه بذلك لتعظيمهم إِيَّاه في الجاهلية عن القتالِ فيه‪ ،‬وال َيسْتَحِلُّون‬
‫ضرَ الذي بين جُمادَى وشعبانَ"‪ )6‬قوله بين جُمادَى وشعبانَ تأْكيد‬
‫القتالَ فيه‪ ،‬وفي الحديث‪" :‬رَجَبُ مُ َ‬

‫للبَيانِ وإِيضاح له؛ ألَنهم كانوا يؤَخرونه من شهر إِلى شهر فيَتَحَوَّلُ عن موضعه الذي يَخْتَصُّ به‬

‫‪ )1‬ابن الكلبي‪ ،‬هشام بن محمد السائب‪ ،‬األصنام‪ ،‬ص‪.41‬‬


‫‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ )3‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.259‬‬
‫‪ )4‬ابن الكلبي‪ :‬األصنام‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪ )5‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة (رجب)‪.‬‬
‫‪ )6‬البزار‪ ،‬أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خالد بن عبيد هللا العتكي‪ :‬مسند البزار‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪.298‬‬
‫‪70‬‬
‫فبين لهم أَنه الشهر الذي بين جُمادَى وشعبانَ ال ما كانوا يسمونه على حِساب النَّسِيءِ‪ ،‬وإِنما قيل‬
‫رَجَبُ مُضَرَ إِضافة إِليهم؛ ألَنهم كانوا أَشدّ تعظيمًا له من غيرهم فكأَنهم اخْتَصُّوا به‪ ،‬والجمع َأرْجاب‬
‫شعْبانَ قالوا‪ :‬رَجَبانِ والتَّرْجِيبُ التعظيمُ‪.‬‬
‫تقول هذا رجب فإِذا ضَمُّوا له َ‬

‫حمَدُ رَبّي َفرَقًا وَأرْجَبُهْ أَي أُعَظِّمُه‪ ،‬ورَجِبَ بالكسر أَكثر قال‪:)1‬‬
‫وأَنشد شَمِر‪ :‬أَ ْ‬
‫(البسيط)‬
‫وال ت ُِِِِّّّّ ُهِِِِّّّّيِِِِّّّّ دبِِِِّّّّهِِِِّّّّا وال ت ُِِِِّّّّ در ُجِِِِّّّّ دبِِِِّّّّهِِِِّّّّا‬ ‫سِِِِِِِّّّّّّّ ُت دن ُخ ُب ِِِّّّتد ف ِِّّ د‬
‫ِّان ُخ بد هِِِّّّا‬ ‫ِإذا ال ُع ُ‬
‫جوز ا د‬
‫أمّا في االصطالح فهي كل ما يذبح من ذبائح حيوانية ونسائك؛ بقصد تقرّب العرب من‬
‫آلهتهم‪ ،‬والرجبية تشبه العتيرة إلى حد كبير‪ ،‬لكنّها تختلف في أن األولى أوسع من األخيرة‪ ،‬فهي‬
‫تشمل العتيرة والنقيض غير صحيح‪ ،‬وتَرْجِيبُ العَتِيرةِ أي ذَبحُها في شهر رَجَب‪ ،‬ولعلّ من أجل ذلك‬
‫كانوا يطلقون على العتيرة اسم الرجبيّة‪.‬‬

‫البلية‪:‬‬
‫ذكرنا سابقا أن الجاهليين آمنوا بالحياة األخرى‪ ،‬وببعث األجساد بعد الموت‪ ،‬فاإلنسان ينتقل‬
‫من حياة الدنيا إلى حياة أخرى يجهلها‪ ،‬ونستدل على ذلك من بيت زهير الذي يقول فيه‪:)2‬‬
‫(الطويل)‬
‫‪)3‬‬
‫ب أُو ُي عج ِِِّّّل ُف ُي ن ُق ِم‬
‫الحس ِِِِِِِِِّّّّّّّّّا ِ‬
‫وم ِ‬‫ل ُي ِ‬ ‫ضِِِِِِِّّّّّّّع في كت ِِِّّّاب ُفيُِِِّّّد ُّخر‬ ‫ُي ُ‬
‫ؤخر فيو ُ‬

‫ولذلك حاول الجاهلي مساعدة أخيه الميت‪ ،‬ومن وسائل مساعدتهم‪ ،‬أنهم كانوا يحبسون ناقة‬
‫الميت‪ ،‬بأن يشدوا الناقة إلى قبره‪ ،‬ويعكسوا رأسها إلى ذنبها‪ ،‬ويقوموا بتغطية رأسها بولية‪ ،‬وهي‬
‫البردعة‪ ،‬وتربط برباط وثيق حتى ال تهرب‪ ،‬فإن أفلتت لم ترد عن ماء وال كأل‪ ،‬وإذا بقيت على‬
‫القبر‪ ،‬فإنها تبقى في حفرة فال تعلف وال تسقى حتى تموت عطشا وجوعا‪ ،‬وذلك العتقادهم أن‬

‫‪ )1‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.411‬‬

‫‪ )2‬زهير بن أبي سلمى‪ :‬شرح ديوان زهير بن أبي سلمى‪ ،‬شرح وتحقيق‪ :‬أحمد طلعت‪ ،‬بيروت‪ :‬دار القاموس الحديث‪1968 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.25‬‬
‫ويرقم في كتابه‪ ،‬فيدخر ليوم الحساب‪ ،‬أو يعجل العقاب في الدنيا قبل المصير إلى اآلخرة فينتقم من صاحبه‪.‬‬
‫عقابه‪ُ ،‬‬
‫) أي يؤخر ُ‬
‫‪3‬‬

‫ينظر‪ :‬الزوزني‪ ،‬أبو عبد هللا‪ :‬شرح المعلقات السبع‪ ،‬ص‪.116-115‬‬


‫‪71‬‬
‫صاحبها يركبها في المعاد‪ ،‬ليحشر راكبا عليها‪ ،‬ومن لم يفعل هذا حُشر ماشيا‪ ،‬وفي هذا المعنى قال‬
‫أبو زبيد الطائي في البلية‪:)1‬‬
‫(الخفيف)‬

‫س ِِِِِِِِّّّّّّّّمِِّّوم ُحِِّّر الِِّّ ُخ ِِِّّّدود‬


‫ت ال ُ‬
‫م ِِِّّّا ِنِِّّح ِِِّّّا ِ‬ ‫الواليِِِّّّا‬ ‫ُكِِِّّّالباليِِِّّّا ُرؤو ُ‬
‫س ِِِِِِّّّّّّهِِِّّّا في ُ‬
‫ولما كان الحيوان يشارك اإلنسان همومه‬
‫الجاهلي أن يربط مصير ناقته بمصيره ‪ّ ،‬‬
‫‪)2‬‬
‫وأراد‬
‫ّ‬
‫المهمة للعربي‪ ،‬موت الناقة بموته‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫الدنيوية‪ ،‬كان من األوجب مشاركته الموت‪ ،‬لذا فمن الوصايا‬
‫ما فعله جريبة بن األشيم األسدي عندما حضره الموت‪ ،‬إذ قال ّلبنه‪:)3‬‬
‫(الكامل)‬
‫ـب‬
‫في الحشـــــــــر يصـــــــــرع لليــدين وينكـ ُ‬ ‫ــــر راجـــــال‬
‫ال تـــــتـــــركـــــن أبـــــاك يـــــعـــــثـ ُ‬
‫ـــرب‬
‫ـــخــــطــــيــــئـــــة إنـــــه ُهــــو أقـ ُ‬
‫وتــــق الـ َ‬ ‫احمـــــل أبـــــاك على بعير َصـــــــــــــالح‬
‫وْ‬

‫ولقد انتشرت هذه العادة عند العرب‪ ،‬حتى أصبح اآلباء يوصون أبناءهم عند الموت بهذه‬
‫الوصية‪:)4‬‬

‫(الكامل)‬

‫ص ِِِِِِِِِّّّّّّّّّاة داأل ُ دق ُ‬
‫رب‬ ‫أ ُو ِص ِِِِِِّّّّّّيِِِّّّكُ إنّ أ ُخِِِّّّا ا دلو ُ‬ ‫سِِِِِِِِِّّّّّّّّّ دع ِِِّّّدُ إِ ّم ِِِّّّا أه ِِّّلُ ِِّّ ُك ِِّّنّ فُ ِِِّّّ ٌِنّ ِِّّن ِِّّي‬
‫ُي ِِِّّّا ُ‬

‫ِّن ُوي ِّ دن ِّ ُك ِِِّّّ ُ‬


‫ب‬ ‫ع ِّلُ ِّى ا دل ِّ ُي ِِِّّّدُيِّ ِ‬
‫ت ِّع ِّب ِِِّّّا ي ِّخِِّّر ُ‬ ‫ُال أ ُعِِّّرفِِّّن أ ُ ُب ِِِّّّاكُ يُِِّّحد ُ‬
‫ش ِِِِِِِِّّّّّّّّ ُر ُخِِّّ دلِِّّفُِِّّكِِّّم‬

‫شِِِِِِِّّّّّّّ ِر أ ُ در ُك ب ُه ِِِّّّا ِإذُا ِقي ِِِّّّ ُل ا در ُك ُبوا‬


‫ِفي ا دل ُح د‬ ‫ُو ُلِِّّعِِِّّّّ ُل ِلِِّّي ِمِِّّم ِِِّّّا ُجِِّّمِِّّع ِِِّّّت ُمِِّّ ِطِِّّيِِِّّّّة‬

‫البلية في بيت من معلّقة لبيد‪ ،‬وهو‪:)5‬‬


‫وقد ورد ذكر ّ‬
‫(الكامل)‬

‫‪ )1‬أبو زبيد الطائي‪ :‬الديوان‪ ،‬تحقيق‪ :‬نوري القيسي‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بغداد‪ :‬مطابع المعادن‪1963 ،‬م‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫العلمية‪1992 ،‬م‪ ،‬ص‪.687‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )2‬الشهرستاني‪ ،‬محمد عبد الكريم‪ :‬الملل والنحل‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الكتب‬
‫‪ )3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.688‬‬
‫‪ )4‬األلوسي‪ :‬بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.307‬‬
‫‪ )5‬لبيد بن ربيعة‪ :‬الديوان‪ ،‬تحقيق إحسان عباس‪ ،‬الكويت‪ :‬سلسلة التراث العربي‪1962 ،‬م‪ ،‬ص‪.115‬‬
‫‪72‬‬
‫‪ )2‬أه ِِِّّّدُا ُم ِّه ِِِّّّا‬ ‫ِم ِّثدِِِّّّ ُل ال ِّ ُب ِّ ِل ِّيِِِّّّّ ِة ُق ِِِّّّال ِّ‬ ‫‪)1‬‬
‫ت ِِِّّّأ ِوي إل ِِِّّّى األ دط ِِِّّّن ِِِّّّا ِ‬
‫ب ك ِِِّّّل رذي ِِِّّّة‬

‫ويقال لهذه الناقة‪ :‬البليّة‪ ،‬ألنّ الجاهليين يتركونها معقولة على قبر الميت حتى تبلى‪.)3‬‬
‫ومن ذلك قول عمرو بن زيد المتمني يوصي ابنه عند موته في البلية‪:)4‬‬
‫(الكامل)‬
‫ف ِِّّي ال ِِّّق ِِّّب ِّ ِِّر راح ِِّّلُ ِِِّّّة ِب ِِّّ ُر دح ِِِّّّل ق ِِِّّّات ِّ ِِّر‬ ‫أُبُ ِِِِّّّّنُ ِِِِّّّّي ُز ّ ِو ددن ِِِِّّّّي إذا ف ِِِِّّّّار دق ِِِِّّّّت ِِِِّّّّن ِِِِّّّّي‬

‫ش ِِِِِّّّّّ ِر الحاش ِِِِّّّّ ِِّر‬ ‫س ِِِِِّّّّّت ُ دو ِ‬


‫س ِِِِِّّّّّقينُ معا لح د‬ ‫ُم د‬ ‫ث أرك ِّبُ ِّه ِِِّّّا إذا ق ِّي ِِِّّّ ُل ا دظ ِّع ِّنِِّّوا‬
‫ل ِّل ِّب ِّ دع ِِِّّّ ِ‬

‫ق ب ِِّّي ِِّّن ُم ِِِّّّدُف ِِّّع أو ع ِِِّّّا ِث ِِّّ ِر‬


‫وال ِِّّخ ِِّّل ِِّّ ُ‬ ‫عِِِّّّ ديِِِّّّران ِِِّّّة‬ ‫مِِّّ د‬
‫ِّن ال يِِِّّّوافِِِّّّي ِِِّّّ ِه عِِِّّّلِِِّّّى ُ‬
‫وقال عويمر النبهاني‪:)5‬‬
‫(الكامل)‬
‫ألبـــــيـــــك يـــــوم نشــــــــــــــوره مـــــركـــــوب‬ ‫أبــــنــــي ال تــــنــــس الــــبــــلــــيـــــة إنــــهـــــا‬

‫وأوصى رجل ابنه عند الموت بهذا ‪:)6‬‬


‫(الكامل)‬
‫ــــد ًوا يــخـلـر َع ـَل ـى ْال ـَيـــــ َديــن َوُي ـْن ـ َكـــــ ُب‬
‫عـ ْ‬ ‫َال َتــــ ْتــــُرَكــــن أََبـــــ َ‬
‫اك ُيــــ ْح َشـــــــــــــُر َمــــَّرة‬

‫الميت مباشرة‪ ،‬إيناسا له‬


‫عل الونيسة في يومنا هذا امتداد للبلية‪ ،‬فهي ذبيحة تذبح بعد دفن ّ‬
‫ول ّ‬
‫في قبره‪.‬‬

‫‪ )1‬رذية‪ :‬المرأة المهزولة‪.‬‬


‫‪ )2‬قالص‪ :‬مرتفع‪.‬‬
‫‪ )3‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.133‬‬
‫‪ )4‬األلوسي‪ :‬بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.309‬‬
‫‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.309‬‬
‫‪ )6‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.133‬‬
‫‪73‬‬
‫العقيرة‪:‬‬
‫ضرْبُ قَوَائمِ ال َبعِيرِ أَو الشاةِ بالسَّ ْيفِ‪ ،‬وهو قائم(‪ ،)1‬ويقال‪ :‬جمل عقير بمعنى مقطوع‬
‫العقر لغة َ‬
‫القوائم وكذلك ناقة عقيرة‪ ،‬أي قطعت إحدى قوائمها‪ ،‬وَفِي الحَدِيث‪ :‬الَ َتعْقرَنَّ شَاة‪ ،)2‬ومن عادة‬

‫الجاهليين إسالة دم الذبائح على القبر أو تضريجه بتلك الدماء‪ .‬فيعقر على قبور الموتى‪ ،‬وعند إهالة‬
‫التراب على الميت‪ ،‬وقد يعقر على القبر كل عام وفي أثناء المناسبات إذا كان الميت من السادة‬
‫المشهورين المعروفين بالخصال الحميدة كالشجاعة والكرم‪.‬‬

‫وفي الشعر الجاهلي واألخبار أسماء أناس كانوا من المشاهير في أيامهم‪ ،‬جرت العادة‬
‫بأن تذبح الذبائح عند قبورهم إكرامًا لهم‪ .‬وقد بقيت هذه العادة الجاهلية خالدة حتى اليوم مع إبطال‬
‫اإلسالم لها بحديث‪" :‬ال عقر في اإلسالم "‪ .‬وليس من الضروري أن يكون أصحاب العقائر من ذوي‬

‫قرابة صاحب القبر أو من قبيلته‪ .‬ومن هذه القبور قبر "ربيعة بن مكدم" من "بني فراس بن غنم بن‬
‫مالك بن كنانة"‪ . )3‬وكان الناس يعقرون على قبره‪ .‬ويظهر من شعر لحسان بن ثابت قاله لمّا مرّ‬
‫بقبره‪ ،‬أن قبره كان قبرًا مبنيًّا من حجارة حرة‪ .‬فيقول‪:)4‬‬
‫(الكامل)‬
‫ب‬
‫ِّن وهِِّّو ِ‬ ‫ع ِّ ُل ِّى ُط ِّلِّ ِ‬
‫ِّق ا دل ِّ ُي ِِِّّّدُيِّ ِ‬ ‫ب ِّن ِّي ِِِّّّتد ُ‬ ‫حرة‬ ‫ُن ُفِّ ُرتد ُقِّ ُلو ِص ِِِِِِِّّّّّّّي ِم دن ِح ُج ِِِّّّ ُ‬
‫ارة ّ‬

‫اب ُخِِّّمِِّّر ِمس ِِِِِِِِّّّّّّّّ ُعِِّّر ِلِِّّ ُحِِّّرو ِ‬


‫ب‬ ‫ش ِِِِِِِِّّّّّّّّ ّر ُ‬
‫ُ‬ ‫ال ت ُِِِّّّن ِِِّّّفُِِِّّّري ي ِِِّّّا ن ِِِّّّاقُ ِم ِِِّّّن ِِِّّّهُ ُف ِِِّّّ ٌِن ِِِّّّهُ‬

‫والعادة في العقر‪ ،‬عقر قوائم الدابة‪ ،‬وقد تعقر الدابة ثم تذبح‪ ،‬والغالب أن تكون الدابة جمالً أو‬
‫ناقة‪ ،‬ولكن بعضهم كان يعقر شاة كذلك‪ ،‬وذلك إذا كان أهل الميت من طبقة ضعيفة‪ ،‬يصعب عليها‬

‫‪ )1‬الزبيدي‪ ،‬تاج العروس‪ ،‬مادة (عقر)‪.‬‬


‫الخ ْس َرْو ِجردي الخراساني‪ ،‬أبو بكر‪ :‬معرفة السنن واآلثار‪ ،‬ط‪ ،1‬الباكستان‪:‬‬
‫) البيهقي‪ ،‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ُ‬
‫‪2‬‬

‫جامعة الدراسات اإلسالمية‪1991،‬م‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.243‬‬


‫‪ )3‬األلوسي‪ :‬بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.125‬‬
‫‪ )4‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.174‬‬
‫‪74‬‬
‫عقر جمل أو ناقة‪ .‬وقد ورد النهي عن ذلك في حديث آخر هو‪ّ " :‬ل تعقرن شاة وّل بعي ار إّل ألكله‪،‬‬
‫وّل تغرقن نخال‪ ،‬وّل تحرقنه"‪.)1‬‬

‫وقال جريبة بن األشيم موصيا ابنه بأال يبخل عليه في عقير مطيته بعد موته‪ ،‬وإال دعا عليه بالفقر‬

‫والعُدم‪:)2‬‬
‫(الطويل)‬

‫فو ُز راكِّ ُ‬
‫ِّب‬ ‫س ِِِِِِّّّّّّوى األص ِِِِِِّّّّّّرخين‪ ،‬أو يُ ّ‬ ‫إذا م ِِِّّّت ف ِِِّّّادفِّنِِّّي بِّحِّ ِّّراء‪ ،‬م ِِِّّّا بِّه ِِِّّّا‬

‫ب‬
‫فال ق ِِّّام في م ِِّّال ل ِِّّك ال ِِّّدهر ح ِِّّال ِِّّ ُ‬ ‫ي م ِّط ِّي ِّتِِّّي‬
‫ف ٌِِِّّّن أن ِِِّّّت لِِّّم ت ِّع ِّقِِّّر ع ِّل ِّ ّ‬
‫ويذكر المبرّد في كتابه أن رجال وقف على قبر النّجاشي فقال‪ :‬لوال أنّ القول ال يحيط بما فيك‪،‬‬
‫والوصف يقصر دونك‪ ،‬ألطنبت بل ألسهبت‪ ،‬ثمّ عقر على قبره ناقته‪ ،‬وقال‪:)3‬‬

‫(الطويل)‬
‫صِِِِِِّّّّّّيُاقِلُ ده‬
‫صِِِِِِّّّّّّتدهُ ُ‬ ‫ضِِِِِِّّّّّّب د‬
‫أخلُ ُ‬ ‫بأبيض غ د‬
‫ُ‬ ‫ي نُ ِِِّّّا ُق ِتي‬
‫ُع ُق درتُ ُع ُلى ُق دب ِر ال ّن ُج ِِِّّّاش ِِِِِِّّّّّّ ّ‬
‫ُله ِِِّّّان ِِِّّّتد ُع ُل دي ِِِّّّ ِه ِع دن ِِِّّّدُ ُقبدري ُر ُوا ِحلُِِِّّّ ده‬ ‫ع لُِّى قُِّ ِّدب ِر ُمِّ دن ل دِّو أ ُنِّنِّي م ِِِّّّت قِّ ِّدب لُِِِّّّهُ‬
‫ُِّ‬

‫القرابين الحية‪:‬‬
‫وهناك نوع آخر من القرابين الحيوانية التي يتقرّب بها إلى األصنام‪ ،‬وهذا النوع ليس‬
‫كالذي عهدناه سابقا‪ ،‬حيث الدماء تسفك واللحوم توزع‪ ،‬عند حوض الصنم أو على الصنم نفسه‪ ،‬هذا‬
‫النوع مختلف‪ ،‬إذ يترك القربان الحيواني حرا طليقا حيا دون قيد حينما يتحقق ما يريد العبد من ربه‪،‬‬
‫وذلك تقديرا وشكرا آللهته‪ ،‬وقد تفنن الجاهلي بهذا النوع من القرابين‪ ،‬وأكثر من تخصيص األنعام‬
‫آللهته؛ العتقاده أنها على عالقة بعالمهم المقدس تحظى بالعناية‪ ،‬وتدل على قربها من اآللهة التي‬
‫كانوا يعبدون‪ ،‬فال تمتد إليها يد بذبح أو بسوء‪ ،‬وإنما تترك حرة طليقة‪ ،‬فهي لآللهة‪ ،‬وقدسيتها مستمدة‬
‫من قدسيتهم‪ ،‬ومن هذه الحيوانات‪:‬‬

‫الخ ْس َرْو ِجردي الخراساني‪ ،‬أبو بكر‪ :‬معرفة السنن واآلثار‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.243‬‬
‫) البيهقي‪ ،‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ُ‬
‫‪1‬‬

‫‪ )2‬الحوفي‪ ،‬أحمد محمد‪ :‬الحياة العربية من الشعر الجاهلي‪ ،‬القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪1972 ،‬م‪ ،‬ص‪.493‬‬
‫وينظر‪ :‬األلوسي‪ ،‬محمود شكري‪ :‬بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.309‬‬
‫‪ )3‬المبرد‪ ،‬أبو العباس محمد بن يزيد األزدي‪ :‬الكامل في اللغة واألدب‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.366‬‬
‫‪75‬‬
‫السائبة‪:‬‬
‫وهي في اللغة من (سيب)‪ ،‬وساب الرجل في منطقه‪ ،‬إذا ذهب في كل مذهب‪ ،‬أي أفاض‬
‫روية‪ ،‬وترك لسانه على سجيته‪ ،‬ومال سايب‪ ،‬أي مال متروك‪ّ ،‬ل صاحب له‪.)1‬‬
‫فيه بغير ّ‬
‫أمّا في االصطالح فهي الناقة التي تسيّب‪ ،‬أي يتركها صاحبها‪ ،‬فال ينتفع بظهرها‪ ،‬وال تُمنع‬
‫عن ماء وال كأل‪ ،‬وال تُحلب وال تركب؛ ألنّ ركوبها حرام‪ ،‬وهي أشبه بالوقف في يومنا هذا‪ .‬وقيل‬
‫أول من سيّب السّوائب عمرو بن لُحيّ‪ ،‬وقد نهى اهلل عنها‪ ،‬في قوله‪ " :‬مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِريَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ "‪،2‬‬

‫والسّائبة بنت البحيرة كما سنرى‪.‬‬


‫وقد كان العرب في الجاهلية ينذرون نذو ار‪ ،‬فإن تحققت سيبوا ناقتهم‪ ،‬كأن يقولون إذا مرضوا‪:‬‬

‫إن شفيت فناقتي سائبة فيحرم اّلنتفاع بها‪ ،‬ويخلون سبيلها فال تركب وّل تحمل وّل يشرب لبنها‪ ،‬وربما‬
‫هذا هو نفسه البدل المعروف عند الساميين في بالد ما بين النهرين‪ ،‬والذي يقوم في وجه من وجوهه‬
‫على ترك حيوان ما هائما في الخالء‪ ،‬حامال خطايا وأوزار من أطلقه‪ ،‬فاإلنسان قديما كان يؤمن بهذا‬
‫الشيء‪ ،‬وبإمكانية التخلص من الخطايا واآلثام‪ ،‬وذلك بتحويلها إلى خارجه من تمثال أو حيوان‪.)3‬‬

‫البحيرة‪:‬‬
‫وهي في اللغة من (بحر)‪ ،‬وهو المكان الواسع‪ ،‬الجامع للماء الكثير‪ ،‬فنقول‪ :‬بحرت كذا‪ :‬أي‬

‫وسعته سعة البحر‪ ،‬ونقول عن الرجل المتوسع في علمه بحرا‪ ،‬تشبيها به‪ ،‬ومنه جاءت بحرت البعير‪:‬‬
‫أي شققت أذنه شقا واسعا‪.)4‬‬
‫أمّا اصطالحا فهي من األنعام التي كان ينذرها الجاهلي‪ ،‬وهي الناقة أو الشاة التي ولدت عشرة‬
‫أبطن‪ ،‬فيقوم صاحبها ببحر أذنها‪ ،‬فال ينتفع منها‪ ،‬وال يركب ظهرها راكب‪ ،‬وال يج ّز وبرها جاز‪،‬‬
‫وال يشرب لبنها إال ضيف‪ ،‬أو يتصدق به‪ ،‬إذ تترك آللهتهم‪.‬‬

‫الوصيلة‪:‬‬

‫‪ )1‬الزبيدي‪ :‬تاج العروس‪ ،‬مادة‪( :‬سيب)‪.‬‬


‫) المائدة‪ ،‬آية ‪.103‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ )3‬السواح‪ ،‬فراس‪ :‬لغز عشتار‪ ،‬ص ‪.405‬‬


‫‪ )4‬تاج العروس‪ ،‬مادة (بحر)‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫وهي في اللغة من (وصل)‪ ،‬وتعني األرض الواسعة البعيدة‪ ،‬كأنّها وصلت بأخرى‪ ،‬وليلة‬
‫الوصل أي آخر ليالي الشهر؛ التصالها بالشهر اآلخر‪.)1‬‬
‫أمّا اصطالحا فهي الشاة التي يهبها العرب آللهتهم‪ ،‬والتي تلد اثنين في كل بطن خاصة‪ ،‬تجعل‬

‫لنفسها الذكور‪ ،‬ولآللهة اإلناث‪ ،‬فإذا ولدت الشّاة ومعها ذكر في بطن واحد‪ ،‬قالوا وصلت أخاها‪،‬‬
‫فيسب أخوها معها‪ ،‬فيحرمان على اإلنسان‪ ،‬وال ينتفع بهما‪.‬‬
‫وقد ُذكرت هذه االقرابين (السائبة‪ ،‬والوصيلة) في بيت واحد في الشعر الجاهلي‪ ،‬فقال‬
‫ّ‬
‫الشاعر‪:)2‬‬
‫(الكامل)‬
‫الســــــــــيـــــب‬
‫ـورَهـــــا و ُ‬
‫ظ ـهـ َ‬
‫والــحـــــامــيـــــات ُ‬ ‫ول الوصـــــــــــائــل في َشـــــــــريف حقــة‬
‫َح َ‬

‫الحامي‪:‬‬
‫وهو في اللغة من (حمي)‪ ،‬والحمى الْموضع فِيهِ كأل يحمى من النَّاس أَن يرْعَى وَالشَّيْء المحمي‬
‫وَحمى اهلل مَحَارمه‪.)3‬‬
‫أما اصطالحا فهو فحل اإلبل الذي يخصصه العربي آللهته‪ ،‬إذا أنجبت له عشر إناث متتابعات‪،‬‬
‫خلّي في إبله يضرب فيها‪ ،‬فال‬
‫ليس بينهن ذكر‪ ،‬يحمي ظهره‪ ،‬فال يركب وال يذبح‪ ،‬وال يجزّ وبره‪ ،‬و ُ‬
‫يستفاد منه بغير ذلك‪.4‬‬
‫وقال شاعر في الحامي‪:)5‬‬
‫(الكامل)‬
‫الم َســـــــــــــامع َواْل َحـــــامي‬
‫َوفيهن َر ْعالء َ‬ ‫َفَقـــــ ْأ ُت َلـــــ ُه َعْي َن ْال َف حيـــــل قَيـــــ َافـــــ ًة‬

‫هذه دابة اإلله‪ ،‬ترعى وترتع في أرض اإلله حرة طليقة دون قيد‪ ،‬ال وظيفة لها سوى أن تذكّر‬
‫صاحبها وأهله والناس من حوله‪ ،‬أن العالقة باإلله قائمة‪ ،‬وتظل تلك العالقة باإلله قائمة إلى حياة‬

‫‪ )1‬تاج العروس‪ ،‬مادة (وصل)‪.‬‬


‫‪ )2‬ابن هشام‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.97‬‬
‫‪ )3‬معجم الوسيط‪ ،‬باب (الحاء)‪.‬‬
‫‪ )4‬ابن هشام‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.115‬‬
‫‪ )5‬الزبيدي‪ :‬تاج العروس‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.345‬‬
‫‪77‬‬
‫الدابة النذر‪ ،‬فال تستمر العالقة إال إذا استمرت؛ لذلك ال يسفك دمها‪ ،‬وهي قربان من نوع خاص‪،‬‬
‫أهميته تكمن في بقائه‪ ،‬ال في نحره ‪.)1‬‬
‫نستدل أن هذا األمر استفحل في الجاهليين استفحاّل كبيرا‪ ،‬حتى أصبح‬
‫ّ‬ ‫ومن القرآن الكريم‬
‫عندهم فرضا من فروض معتقداتهم الدينية‪ ،‬ولذلك ثار اإلسالم عليهم‪ ،‬ومنعهم من القيام بمثل هذا‬
‫العمل‪ ،‬فقال هللا سبحانه‪ { :‬مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِريَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَام ۚ ولَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى‬

‫اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُون} ‪.)2‬‬

‫وقد ُذكرت هذه االقرابين في الشعر الجاهلي‪ ،‬فقال الشاعر‪:)3‬‬


‫ّ‬
‫(الكامل)‬
‫الســــــــــيـــــب‬
‫ـورَهـــــا و ُ‬
‫ظ ـهـ َ‬
‫والــحـــــامــيـــــات ُ‬ ‫ول الوصـــــــــــائــل في َشـــــــــريف حقــة‬
‫َح َ‬

‫الفُ درع‪:‬‬
‫أول نتاج اإلبل والغنم وكانوا في الجاهلية يذبحونه آللهتهم تقربا(‪ ،)4‬وذكر ابن فارس في‬
‫حجر في ذلك ‪:)5‬‬
‫مقاييس اللغة الفرع‪ :‬ابن الغنم‪ ،‬وقد قال أوس بن َ‬
‫(المنسرح)‬
‫ُمــــلــــبســـــــــــــا َفــــَر َعـــــا‬ ‫‪)8‬‬
‫ــــــــــــقــــبـــــا‬
‫أقــــوام سـ ْ‬ ‫من الـ‬
‫ــــام َ‬
‫‪)7‬‬
‫العبـ ُ‬
‫َ‬
‫‪)6‬‬
‫الهْيـــــ َد ُب‬
‫ــــه َ‬
‫َو ُشـــــــــبـ َ‬

‫قال شاعر آخر فيه‪:)9‬‬

‫‪ )1‬السعفي‪ ،‬وحيد‪ :‬القربان في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬مؤسسة اّلنتشار العربي‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪.167‬‬
‫‪ )2‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية‪.103 :‬‬
‫‪ )3‬ابن هشام‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.97‬‬
‫‪ )4‬معجم الوسيط‪ ،‬باب الفاء‪.‬‬
‫‪ )5‬أوس بن حجر‪ :‬الديوان‪ ،‬شرحه الدكتور عمر فاروق الطباع‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار األرقم بن أبي األرقم‪1996 ،‬م‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪ )6‬الهيدب‪ :‬الذي عليه ثياب من البرد‪.‬‬
‫‪ )7‬العبام‪ :‬األحمق‪.‬‬
‫‪ )8‬السقب‪ :‬ولد الناقة ساعة وّلدته‪.‬‬
‫‪ )9‬زبيدي‪ ،‬محمد مرتضى الحسيني‪ :‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬مادة (فرع)‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫(البسيط)‬

‫ِّك الفُر ُ‬
‫ع‬ ‫كما تش ِِِِِِّّّّّّح ُط س ِِِِِِّّّّّّ دق ُ‬
‫ب الناسِِِِِِّّّّّّ ِ‬ ‫د‬
‫إذ ال ي ِِّّزا ُل ق ِِّّت ِِّّي ِِِّّّل ت ِِّّح ِِِّّّتُ را ُي ِِّّ ِت ِِّّنِِِّّّا‬

‫يشبه الشاعر حال سيطرتهم على المعركة‪ ،‬من قتال لألعداء والسفك بهم‪ ،‬بحال الفرع الذي ُيساق‬
‫إلى صنم الناسك؛ ليذبحه له‪.‬‬

‫التفقئة أو التعمية‪:‬‬

‫كان الجاهليون إذا بلغت إبلهم ألفا فقؤوا عين الفحل‪ ،‬واذا زادت عن األلف فقؤوا األخرى‪ ،‬أي‬
‫عموه‪ ،‬وذلك إلبعاد األذى عنهم‪ ،‬وعن إبلهم‪ .1‬قال أحدهم‪:2‬‬
‫(الرجز)‬
‫ْت َع ـْي ـ َن ُف ـ َح ـْي ـل ـهـــــا ُم ـ ْع ـتـــــافـــــا‬
‫َف ـ َف ـقـــــأ َ‬ ‫ُع ـطــيـ ُـت ـهـــــا أَْل ـفـــــاً َوَل ـ ْم َت ـْب ـ َخـــــ ْل ب ـهـــــا‬
‫أْ‬
‫وقال شاعر جاهلي آخر يصف طريقة شكر العرب لآللهة‪:3‬‬
‫(الرجز)‬
‫الصـــــــــــحــيــحـــــات َوْف ـقء األَعـ ُـي ـن‬
‫َك ـ لي َ‬ ‫ــــان ُشــــــــــكـُـر الــقــوم عـْنـــــ َد الـمـَنـن‬
‫َفـكـ َ‬
‫وقال آخر‪:4‬‬
‫(الرجز)‬
‫َعــــُيــــ َن الــــبــــ ْعــــران‬
‫تــــفــــقـــــأُ فــــيــــهـــــا أ ْ‬ ‫امـــــتـــــنـــــان‬
‫َو َهـــــْبـــــ ُتـــــهـــــا َوأَْنـــــ َت ذو ْ‬

‫‪ (1‬ينظر‪ :‬القلقشندي‪ :‬صبح األعشى‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.460‬‬


‫‪ )2‬ابن أبي الحديد‪ ،‬هبة هللا‪ :‬شرح نهج البالغة‪ ،‬ج‪ ،19‬ص‪.387‬‬
‫‪ )3‬الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر الكناني‪ :‬البيان والتبين‪ ،‬بيروت‪ :‬دار ومكتبة الهالل‪1423 ،‬هـ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.435‬‬
‫‪ )4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.387‬‬
‫‪79‬‬
‫المبحث الثالث‬

‫القرابين النباتية‬

‫اعتقد اإلنسان في العصور القديمة أن اآللهة هي التي تملك األرض والحقول والمزروعات‪،‬‬
‫وهم حينما يتقربون منها بذلك‪ ،‬فإنما يؤدون واجبا دينيا‪ ،‬يسددون فيه ما عليهم لمالك األرض وخيراتها‪،‬‬
‫ألن اإلله هو السيد والرب‪ ،‬فسموه بعال أو بعل شمين (إله السماوات)‬
‫طبعوا به؛ ّ‬
‫وهذا طبع سامي ت ّ‬
‫‪.)1‬‬
‫وفي بالد ما بين النهرين كان الساميون يتقدمون من آلهتهم يوميا بأصناف األطعمة المختلفة‪،‬‬
‫كالخض اروات والفواكه والطحين والعسل وغيرها ‪ ،)2‬وكانت هذه الوجبات توضع على مصاطب خاصة‬
‫قدموه طمعا في القربى‪ ،‬ولتهدئة‬
‫معدة في المذبح‪ ،‬تشترك فيها اآللهة مع البشر في طعامها‪ ،‬الذي ّ‬
‫وتجنب غضبه ‪.)3‬‬
‫كبد اإلله‪ّ ،‬‬
‫قدم العرب القرابين النباتية آللهتهم وألصنامهم كغيرهم من الشعوب السامية‪ ،‬وقد تمثلت هذه‬
‫وقد ّ‬
‫القرابين النباتية ببواكير المحاصيل والنخيل‪ ،‬فمنهم من كان يقدمها وقفا لآللهة‪ ،‬كاإلله المقه‪ ،‬واإلله‬
‫ذي سماوي ‪.)4‬‬
‫وقد أشير إلى الهبات التي تقدم إلى المعابد واآللهة بكلمة "وهبم" في النصوص القتبانية‪،‬‬

‫بمعنى "وهب" و"هبات"‪ ،‬ووردت كلمات أخرى تؤدي هذا المعنى ً‬


‫أيضا‪ ،‬منها‪" :‬ودم"‪ ،‬و"شفتم"‪ ،‬و"بنتم"‪،‬‬
‫وتقابل هذه ما يقال له‪" :‬منحة" و"المنحة" عند العرب الشماليين‪.)5‬‬
‫ومما يدخل في هذا الباب "بكرت"‪ ،‬أو "الباكورة" أول كل شيء‪ ،‬مثل الثمر وأول مولود بالنسبة‬
‫للحيوان‪ ،‬حيث ُيهدى لآللهة‪ ،‬وقد كان معروًفا عند العبرانيين وعند غيرهم من الساميين؛ وذلك أن‬
‫نذر آللهته‪.)6‬‬
‫يجعل صاحب المال ثمرة أول زرعه أو حيوانه ًا‬

‫‪ )1‬كنتينو‪ ،‬جورج‪ :‬الحضارة الفينيقية‪ ،‬ص‪.162‬‬


‫‪ )2‬بوتيرو‪ ،‬جان‪ :‬الديانة عند البابليين‪ ،‬ترجمة‪ :‬وليد الجادر‪ ،‬بغداد‪ :‬جامعة بغداد‪1970 ،‬م‪ ،‬ص‪.145-144‬‬
‫‪ )3‬هوك‪ ،‬صموئيل‪ :‬ديانة بابل وآشور‪ ،‬ترجمة‪ :‬نهاد خياطة‪ ،‬دمشق‪ :‬العربي للطباعة والنشر‪ ،1987 ،‬ص‪.93‬‬
‫‪ )4‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.221‬‬
‫‪ )5‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.189‬‬
‫‪ )6‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.189‬‬
‫‪80‬‬
‫طوا‬
‫ويذكر أن بعض العرب خاصة أهل المدر والحرث كانوا إذا حرثوا أرضا أو غرسوا غرسا خ ّ‬
‫ُ‬
‫في وسطه خطا يقسمه إلى قسمين‪ ،‬وقالوا ما دون هذا الخط لآللهة‪ ،‬وما ذرأه هلل‪ ،)1‬وذلك تقربا من‬
‫آلهتهم‪ ،‬والحصول على رضاهم‪ ،‬خاصة في أيام الشدة والمحن ‪.)2‬‬
‫وقد أشار القرآن الكريم إلى مثل هذه القرابين النباتية‪ ،‬فقد قال هللا تعالى‪{ :‬وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ‬

‫الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَٰذَا لِشُرَكَائِنَا ۚ فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ ۚ وَمَا كَانَ‬

‫لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } ‪ ،)3‬وقد كانت هذه العادة منتشرة عند العرب األنباط ‪،)4‬‬

‫قدموا لصنمهم عميأنس‪.‬‬


‫ومن بعدهم بنو خالن الذين ّ‬
‫ولم يبخل الجاهليون على أصنامهم‪ ،‬فقدموا لها حتى المأكل والمشرب؛ ّلعتقادهم أنها تسر‬
‫بذلك وتفرح‪ ،‬فقد عقلوا على "ذي الخلصة" ‪ -‬وهو صنم نصبه عمرو بن لحي ‪ -‬القالئد وبيض‬

‫أيضا؛ ليشرب منه‪ ،‬فهم يعتقدون أن في‬


‫النعام‪ ،‬والبرد النفيسة‪ ،‬وقدموا له الحنطة والشعير‪ ،‬بل واللبن ً‬
‫روحا‪ ،‬وأن في مقدوره التلذذ بهذه القرابين النباتية‪ ،‬وكان في روعهم أنه يشرب من ذلك اللبن‪.)5‬‬
‫الصنم ً‬
‫أن مالك بن حارثة األجدار ّي قام‬
‫الصنم باللبن"‪ ،‬ويروى ّ‬
‫وقد سميت هذه العبادة ب "سقي ّ‬
‫ِ‬
‫"اسقه إلهك"‪.)6‬‬ ‫الصنم "ود" امتثاّل لقول أبيه‪:‬‬
‫بسقي ّ‬
‫ويذكر أن من أسباب تسمية صنم الالّ َت‪ ،)7‬بهذا اّلسم‪ ،‬أن عمرو بن لحي كان يحضر الطعام‬
‫ُ‬
‫يبل الطعام بالماء ويخلطه بشيء من السمن‪،‬‬
‫يلت ما أحضره‪ ،‬أي ّ‬
‫ويضعه على صخرة عظيمة ثم ّ‬
‫ثم يطعمه قومه‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ )1‬ابن حبيب‪ :‬المحبر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.331‬‬


‫‪ )2‬ابن سيد الناس‪ ،‬محمد‪ :‬عيون األثر في فنون المغازي والشمائل والسير‪ ،‬تعليق‪ :‬محمد إبراهيم رمضان‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار‬
‫القلم‪1993 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.317‬‬
‫‪ )3‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.146 :‬‬
‫‪ )4‬عباس‪ ،‬إحسان‪ :‬تاريخ دولة األنباط‪ ،‬ص‪.137‬‬
‫‪ )5‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.271‬‬
‫‪ )6‬األلوسي‪ :‬بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.197‬‬
‫‪ )7‬منبه‪ ،‬وهب‪ :‬كتاب التيجان في ملوك حمير‪ ،‬ص‪.214‬‬
‫‪81‬‬
‫دونت عن الجاهليين أنهم كانوا يحجون إلى صنم األقيصر‪ ،‬ويحلقون رؤوسهم‬
‫ومن األخبار التي ّ‬
‫أن قبيلة هوازن كانت تأخذ الدقيق قبل‬ ‫عنده‪ ،‬وكانوا يلقون مع كل شعرة ُقرة من دقيق‪ُ ،‬‬
‫ويذكر ّ‬
‫‪)1‬‬

‫وتوزعه‪ ،‬وفي ذلك قال معاوية بن عبد العزى الجرمي‪:)2‬‬


‫اختالطه مع الشعر والقمل‪ ،‬فتخبزه ّ‬
‫(الطويل)‬

‫س َوى اْلَق ْمل إني م ْن َ‬


‫هوازن ضارع‬ ‫ول أُصـــــــــــــ ْب ب َهـــــا‬
‫اء ْت َيُق ُ‬
‫إ َذا قَّرٌة َجـــــ َ‬
‫قدمها الجاهلي آللهته الخمر‪ ،‬حيث كان يشربها في أعياد‬
‫ومن جملة القرابين النباتية التي ّ‬
‫(الصبوح) في‬
‫اآللهة المقدسة‪ ،‬في وقت الصباح تحديدا؛ ولذلك سميت بالصبوح‪ ،‬وقد ورد ذكر كلمة ّ‬
‫أشعار الجاهليين‪ ،‬فقال عدي بن زيد‪:)3‬‬
‫(الخفيف)‬

‫َقـــــْيـــــنـــــ ٌة فـــــي َيـــــمـــــيـــــنـــــهـــــا إْبـــــريـ ُ‬


‫ــــق‬ ‫امـــــ ْت‬
‫الصــــــــــُبـوح َفـَقـــــ َ‬
‫ُثـم َثـــــ ُاروا إَلـى َّ‬
‫وقال امرؤ القيس‪:)4‬‬
‫(الطويل)‬
‫غير هْر!‬
‫ابي ُ‬‫َوليـ ًــدا َو َهـــ ْل أ ْفنى شـــــــــبـــ‬ ‫ــــد هر َوَفْرَتني‬
‫الصـــــــــُبوح عنـ َ‬
‫ُغـــــادي َّ‬
‫أَ‬
‫َ َ َ‬
‫وقال لبيد بن ربيعة‪:)5‬‬

‫(الكامل)‬
‫ــــامـــــهـــــا‬
‫إبـــــهـ ُ‬
‫‪)8‬‬
‫بـــــ ُمـــــ َوَّتـــــر‪َ )7‬تـــــأتـ ُ‬
‫ــــالـــــ ُه‬ ‫‪)6‬‬
‫رينة‬
‫َو َصـــــــــبوح صــــــــــافَية َو َجذب َك َ‬
‫ويعد هذا الطقس من بقايا طقس ديني قديم تمتد جذوره إلى السومريين‪ ،‬ويقصد من ورائه إرضاء‬
‫َ‬
‫المقدس‪ ،‬كما اعتقدوا أنه ممثل لدم‬
‫اآللهة والتقرب منها‪ ،‬خاصة وأنهم اعتقدوا أن الخمر شراب اآللهة ّ‬

‫‪ )1‬القرة‪ :‬القبضة‪.‬‬
‫‪ )2‬الحموي‪ ،‬ياقوت‪ :‬معجم البلدان‪ ،‬بيروت‪ :‬دار صادر للطباعة والنشر‪1957 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.238‬‬
‫‪ )3‬عدي بن يزيد العبادي‪ :‬الديوان‪ ،‬تحقيق محمد جبار المعيد‪ ،‬بغداد‪ :‬دار الجمهورية للنشر‪1965 ،‬م‪ ،‬ص‪.78‬‬
‫‪ )4‬امرؤ القيس‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫‪ )5‬لبيد بن ربيعة‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.314‬‬
‫‪ )6‬كرينة‪ :‬الجارية التي تعزف العود‪.‬‬
‫لموتر‪ :‬العود‪.‬‬
‫)اُ‬
‫‪7‬‬

‫‪ )8‬االئتيال‪ :‬المعالجة‬
‫‪82‬‬
‫اإلله القتيل‪ ،‬فكانوا يكثرون من شربه في األعياد التي تحيي ذكرى موته‪ّ ،‬‬
‫ويعد من ّل يشرب الخمر‬
‫بهذه الصفة‪ ،‬ليس من المؤمنين‪.)1‬‬
‫يتميز اإلنسان‬
‫المقدسة‪ ،‬كالبطولة والكرم‪ ،‬وبها ّ‬
‫يمدهم بصفات اآللهة ّ‬ ‫واعتقدوا أن شرب الخمر ّ‬
‫عن عامة الناس‪ ،‬وقد رمز طرفة بن العبد بهذه الصفات لنفسه‪ ،‬فقال‪:)2‬‬
‫(الطويل)‬
‫طـريـفـي‪َ )3‬و ُمـ ْتـَلـــــدي‬
‫وبـْيـعـي وانـفـــــاقـي َ‬
‫َ‬ ‫مور ولـــــذ تي‬‫الخ َ‬ ‫ال َت ْشـــــــــَرابي ُ‬
‫َومـــــا ز َ‬
‫‪)4‬‬
‫وأُفـ ْ‬
‫ــرد ُت ْإفـــرَاد الـــبـــعـــيـــر الـــمـــعـــبـــــد‬ ‫ــــام ْت ني العشــــــــــيرُة ُكل هـــــا‬
‫أن َتحـ َ‬ ‫إلى ْ‬
‫إلهية‪ ،‬فهم أبطال مؤلهون؛ وذلك لشربهم الشراب‬
‫تمد ندامى مجالس الشرب بصفات ّ‬ ‫كما ّ‬
‫اإللهي المقدس باعث القداسة والحياة‪ ،‬وقد وصفهم بذلك األعشى فقال‪:)5‬‬
‫(البسيط)‬
‫ـل‬
‫فع عن ذي الحيلــة الحيـ ُ‬
‫ليس يـ ْـد ُ‬
‫ألن َ‬
‫ْ‬ ‫الهنـــد قـ ْــد َعلموا‬
‫في فتيـــة كســـــــــيوف ْ‬
‫ويؤيد هذا المعتقد حسان بن الثبات‪ ،‬إذ ينسب السيادة والشجاعة لشاربي الخمر‪ ،‬وفي ذلك‬
‫ّ‬
‫يقول‪:)6‬‬
‫(الوافر)‬
‫ُســـــــــــــدا مـــــا ُيـــَنـــ ْهـــنـــ ُهـــنـــــا الـــلـــقـــــاء‬
‫وأ ْ‬ ‫ـــتــــُرُكــــنـــــا ُمــــُلــــوكـــــا‬
‫ون ْشــــــــــــربــــهـــــا فــــتـ ْ‬
‫كما وصف حسان بن ثابت الخمرة (الشراب اإللهي) بالترياق‪ ،‬الذي يحمل قوى سحرية تطرد‬
‫األرواح الشريرة‪ ،‬وفي ذلك قال‪:)7‬‬
‫(السريع)‬
‫تـــــْرَيـــــاقـــــ ًة ُتـــــور ُث َفـــــ ْتـــــَر الـــــعـــــظـــــام‬ ‫ــــــــــــان َتـــ َخـــيـــْرُتـــهـــــا‬
‫َ‬ ‫ــمـــر بـ ْــيسـ‬
‫ــن خـ ْ‬
‫مـ ْ‬

‫‪ )1‬البطل‪ ،‬علي‪ :‬الصورة في الشعر العربي حتى أواخر القرن الثاني الهجري‪ ،‬بيروت‪ :‬د‪.‬ن‪1981 ،‬م‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪ )2‬طرفة بن العبد‪ ،‬الديوان‪ ،‬تحقيق كرم البستاني‪ ،‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫المتلد‪ :‬المال القديم الموروث‪.‬‬
‫) الطريف‪ :‬المال الحديث‪ ،‬عكسها ُ‬
‫‪3‬‬

‫‪ )4‬البعير المعبد‪ :‬المذلل المطلي بالقطران‪.‬‬


‫‪ )5‬األعشى‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.284‬‬
‫حسان بن ثابت األنصاري‪ :‬الديوان‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار صادر‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫) ّ‬
‫‪6‬‬

‫حسان بن ثابت األنصاري‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.227‬‬ ‫) ّ‬


‫‪7‬‬

‫‪83‬‬
‫ونجد علقمة الفحل يصفها بالدواء الذي يشفي من الصداع‪ ،‬فيقول‪:)1‬‬
‫(البسيط)‬
‫‪)2‬‬
‫ــــدويـ ُـم‬
‫وال ُيـخـــــالــطــهـــــا فــي الـرأس تـ ْ‬ ‫ذيك صـــــــالُبها‬
‫ــــــداع وال ُي ْؤ َ‬
‫ُت ْشـــــــفي الصـ َ‬

‫المنخل اليشكري رمز السيادة واألمان‪ ،‬واحترام الملوك وتأليههم‪ّ ،‬‬


‫وعد ترك شربها رم از‬ ‫َ‬ ‫عدها‬
‫وقد ّ‬
‫للبداوة والشقاء‪ ،‬وفي ذلك قال‪:‬‬
‫(مجزوء الكامل)‬
‫‪)4‬‬
‫ــــــخـــــــ َوْرَنـــــــق والســـــــــــــــديـــــــر‬
‫َر لب الـ َ‬ ‫فـــــــإذا ْانـــــــ َت َشـــــــــــــــْيـــــــ ُت‪)3‬فـــــــإنـــــــنـــــــي‬
‫َر لب ل‬
‫الشـــــــــــــــ َوْيــــــهــــــة والــــــبــــــعــــــيــــــر‬ ‫واذا َصـــــــــــــــــ َحــــــــ ْو ُت فــــــــإنــــــــنــــــــي‬

‫تعد رم از للقداسة‪ ،‬مثل‬


‫ومما يدلل على صدق قولنا ربط الشعراء بين الخمر واألماكن التي ّ‬
‫ّ‬
‫القنديل‪ ،‬وكنيسة الراهب‪ ،‬وفي ذلك قال عدي بن زيد‪:)5‬‬
‫(الكامل)‬
‫ــل ف ْصـــــــــح في كنيســـــــــــة راهـــب‬
‫قْنـــديـ ُ‬ ‫ــــلء الـ َــيـــــ َدْيـــن كـــــأنـــهـــــا‬
‫بـــزجـــــاجـــــة مـ ْ‬
‫السحر‪ ،‬قبل شروق الشمس أي حينما تظهر نجمة‬ ‫وكانوا يؤدون طقوس السكر في وقت ّ‬
‫ثم ينصرفون‪ ،‬وفي هذا يقول طرفة بن العبد‪:)6‬‬
‫الصباح (عشتار)‪ّ ،‬‬
‫(الطويل)‬
‫ــت عنهـــا ذا غنى فـــا ْغ َن و ْازَدد‬
‫وان كنـ َ‬ ‫َصـــــــــَب ْح ـ َك كـأْســــــــــاً َرويـ ًة‬
‫متى َتـأْتني أ ْ‬
‫َ‬
‫ً‬
‫الضبي‪:)7‬‬
‫ويقول ربيعة بن مقروم ّ‬
‫(الطويل)‬

‫ــك في جوش من الليـــل طربـــاً‬


‫إذا الـــديـ ُ‬ ‫وف ْتيان صــــــــدق قد َصــــــــَب ْح ُت ُســــــــالف ًة‬

‫‪ )1‬علقمة الفحل‪ ،‬الديوان‪ ،‬شرحه‪ :‬األعلم الشنتمري‪ ،‬حققه‪ :‬لطفي الصقال‪ ،‬ط‪ ،14‬حلب‪ :‬دار الكتاب العربي‪1969 ،‬م‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫‪ )2‬تدويم‪ :‬صداع‪.‬‬
‫‪ )3‬النشوة‪ :‬اّلزدهار‪.‬‬
‫‪ )4‬الخورنق والسدير‪ :‬اسمان من أسماء قصور الملوك‪.‬‬
‫‪ )5‬عدي بن زيد‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.194‬‬
‫‪ )6‬طرفة بن العبد‪ ،‬الديوان‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ )7‬األصمعي‪ ،‬عبد الملك بن قريب‪ :‬األصمعيات‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السالم هارون‪ ،‬ط‪ ،5‬القاهرة‪ :‬دار المعارف‪،‬‬
‫‪1979‬م‪ ،‬ص‪.224‬‬
‫‪84‬‬
‫ويقول الحادرة أيضا‪:)1‬‬
‫(الكامل)‬
‫من عــــاتق َكــــ َدم الغزال ُم َشـــــــــ ْع َشـــــــــع‬
‫هم‬
‫علي ب ُســــــــــ ْحَرة َف َصــــــــــ ب ْح ُت ْ‬
‫َّ‬ ‫َب َكُروا‬
‫أن لون الخمرة وكأسها يتخذان نفس لون الزهرة‪ ،‬فيقول‪:)2‬‬
‫ويرى عنترة الزهرة في كوب الخمرة‪ ،‬حتى ّ‬
‫(الكامل)‬
‫الم ْعَلم‬
‫ــــالم ُشــــــــــوف ُ‬
‫الهواجُر بـ َ‬
‫َرَكـــــ َد َ‬ ‫امـــة َب ْعـــ َدمـــا‬
‫ولقـــد َشـــــــــرْبـــ ُت م َن اْل ُمـــ َد َ‬
‫ُفرَنـــــ ْت بـــــأ َْزَهَر في الشـــــــــمـــــال ُم َفـــــدَّم‬ ‫اء ذات أَســــــــــــَّرة‬
‫ــــاجـــــة َصــــــــــــ ْفـــر َ‬
‫بـ ُــزجـ َ‬
‫وجعلوا أفضل أنواع الخمور وأجودها في بابل‪ ،‬حيث عشتار وهيكل الزهرة‪ ،‬فقال عبيد بن األبرص‪:)3‬‬

‫(السريع)‬
‫ــــاء مـــمـــــا َعـــ َّتـــَقـــــت بـــــابـــــ ُل‬
‫َصـــــــــــهـــبـ َ‬ ‫ــــت بــــهـــــا َكـــــأََّنــــنــــي شـــــــــــــار ٌب‬
‫ظــــلـ ُ‬
‫ثم يطوفون‬ ‫صبه على القبور‪ ،‬إذ كانوا يجلسون على قبر ميتهم‪ّ ،‬‬ ‫ومن طقوسهم في أمور الخمر‪ّ ،‬‬
‫بالخمر يشربون حتى إذا جاء دوره سكبوا كأسه على قبره؛ إرضاء لروحه‪ ،‬ومثل هذا ّ‬
‫وصى حاتم‬
‫الطائي زوجته‪ ،‬فقال‪:)4‬‬
‫(الطويل)‬
‫اْل َخ ْمر َريـــا فـــاْنضـــــــــ َحن بهـــا َقْبري‬ ‫م َن‬ ‫أمـــاوي‪ ،‬إمـــا مـــت ْ‬
‫فـــاســـــــــ َعي بُن ْط َفـــة‬
‫ْ‬
‫العَتَل ْج نا َعَلى الخمر‬ ‫ُســــــــــد َوْرد ْ‬‫األ ْ‬ ‫م َن‬ ‫الخمر في رأس شــــــــــارف‬ ‫عي َن ْ‬
‫َفَل ْو أن ْ‬
‫ولنضح القبور بالخمرة بواعث وأسباب‪ ،‬يلخصها لنا الشاعر قيس بن ساعدة في أمرين‪:‬‬
‫األول هو أن تذوقها روح الميت‪ ،‬وأما الثاني فهو أن يرطب ثرى قبره‪ ،‬وفي ذلك قال‪:)5‬‬
‫(الطويل)‬
‫اكـــمـــــا‬
‫اهـــــا ُتـــَرو ثـــر ُ‬
‫وقـــــ َ‬
‫ــــإن لـ ْــم تـــــ ُذ َ‬
‫فـ ْ‬ ‫قبريكمــــا من ُمــــدامــــة‬
‫أصـــــــــــــب على ْ‬
‫ُ‬

‫الحادرة‪ :‬الديوان‪ ،‬تحقيق ناصر الدين األسد‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار صادر‪1982 ،‬م‪ ،‬ص‪.57‬‬ ‫‪)1‬‬
‫عنترة بن شداد‪ :‬شرح ديوان عنترة‪ ،‬تحقيق عبد المنعم رؤوف شلبي‪ ،‬ط‪ 1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1980 ،‬م‪ ،‬ص‪.149‬‬ ‫‪)2‬‬
‫عبيد بن األبرص‪ :‬الديوان‪ ،‬تحقيق حسن نصار‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬مطبعة مصطفى البابي الحلبي‪1957 ،‬م‪ ،‬ص‪.98‬‬ ‫‪)3‬‬
‫حاتم الطائي‪ :‬الديوان‪ ،‬شرح‪ :‬يحيى بن مدرك الطائي‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪1997 ،‬م‪ ،‬ص‪.93‬‬ ‫‪)4‬‬
‫البصري‪ ،‬صدر الدين‪ :‬الحماسة البصرية‪ ،‬تحقيق مختار الدين أحمد‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬عالم الكتب‪1983 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.215‬‬ ‫‪)5‬‬
‫‪85‬‬
‫المبحث الرابع‬

‫قرابين أخر‬

‫دأب العرب على تقديم القرابين آللهتهم‪ ،‬فنجد منهم من يهب كل ما يملك آللهته‪ ،‬مخصصا‬
‫لها دون غيرها‪ ،‬فيصبح كل شيء ملكا لآللهة‪ ،‬فتتبارك ممتلكاتهم‪ ،‬ويفوزون برضاها عليهم‪.‬‬
‫ونجد آخرين خصصوا جزءا من أموالهم آللهتهم‪ ،‬كأن يقدموا تماثيل ألصنامهم‪ ،‬أو بناء أسقف‬
‫وقباب على قبور موتاهم‪ ،‬أو بناء محرقة آللهتهم‪ ،‬أو تقديم أباريق وزبادي في المعابد‪ ،‬وسنأتي على‬

‫هذه القرابين بشيء من التفصيل‪.‬‬

‫التماثيل أو الدمى‪:‬‬

‫مع‬ ‫أن اإلنسان القديم عرف القرابين كلّها‪ ،‬البشرية والحيوانية والنباتية‪ ،‬ولكن‬
‫تحدثنا سابقا ّ‬
‫ّ‬
‫مرور الوقت وتقدمه‪ ،‬وامتداد الزمن‪ ،‬ومع التخلص من الهيمنة الفكرية للكهنة‪ ،‬حدث تطور وتحول‬
‫في تقديم القرابين‪ ،‬حيث أعفي عامة الناس من تقديم هذه الكفارة‪ ،‬وصارت الدمى بديلة عن القربان‪،‬‬
‫سواء أكان بشريا أم حيوانيا‪.‬‬

‫وقد عرف السومريون والساميون في بالد ما بين النهرين هذه الظاهرة‪ ،‬وهي ما ّ‬
‫تسمى بظاهرة‬
‫البدل‪ ،‬فنجد تموز القتيل كان بديال عن صعود إنانا إلهة الخصب والحب والنماء عند السومريين‪،‬‬
‫إلى السماء بعد موتها‪ ،‬شرط أن ترسل تمو از زوجها بديال عنها إلى العالم السفلي‪ ،)1‬ومن جملة البدل‬

‫ذبح شاة تحمل آّلم المريض التي سببتها خطيئة مرتكبه‪.‬‬


‫يقدم‬
‫واإلنسان العربي في العصر الجاهلي‪ ،‬جزء من الحضارة اإلنسانية‪ ،‬فتأثّر بها‪ ،‬ولذلك أخذ ّ‬
‫في بعض األحيان إلى جانب القرابين البشرية والحيوانية والنباتية بديلها‪ ،‬وهي التماثيل التي تكون‬

‫قدم‬
‫قدم تمثاّل بشريا‪ ،‬واذا كان حيوانيا ّ‬
‫المقدم لآللهة‪ ،‬فإذا كان القربان المقدم بشريا ّ‬
‫صوة عن القربان ّ‬
‫ذكر كان أو أنثى‪ ،‬وألن عشتار تجّلت في صورة العزى العربية‪ ،‬التي هي صورة لإللهة‬
‫تمثاّل حيوانيا ا‬

‫‪ )1‬السواح‪ ،‬فراس‪ :‬مغامرة العقل األولى‪ ،‬دمشق‪ :‬اتحاد الكتاب العرب‪1976 ،‬م‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫‪86‬‬
‫شكلها الجاهليون بصورة دمية ممتلئة الجسم‪ ،‬تلبس الحلي‪ ،‬وتأخذ من جدران المعابد‬
‫الزهرة؛ فقد ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫موقعا‪ ،‬بدّل من التضحية ببناتهم‪.‬‬
‫وأكثر الجاهليون من التماثيل التي تنوب عن القرابين البشرية‪ ،‬إذ لم يقم أكثرهم بتقديم أبنائهم‬
‫قرابين آللهتهم‪ ،‬وقد وجد في حرم "المقه" كثير من قرابين التماثيل التي كانت تقدم في أثناء الطقوس‬
‫الدينية‪ ،‬خاصة في مواسم الحج‪.)1‬‬
‫ونستدل على تقديم العرب للدمى والتماثيل – التي اعتلت صدور المعابد‪ -‬من شعر عدي بن‬
‫ّ‬
‫زيد العبادي‪ ،‬حيث يصف الدمية في محراب المعبد‪ ،‬يجليها رجال الدين بماء الذهب‪ ،‬فيقول‪:)2‬‬
‫(الخفيف)‬
‫ذاب‬
‫َيــــ ْوَم ف ْصــــــــــــح بــــمـــــاء َكــــْنــــز ُمـــــ ُ‬ ‫ـــال َن َصـــــــــــــارى‬
‫َد ْميــــة شـــــــــــــا َفهــــا رجـ ٌ‬
‫المقدمة قربانا لآللهة‪ ،‬التي تصنع من المرمر‪ ،‬فيقول‪:)3‬‬
‫الدمية ّ‬
‫ويصف امرؤ القيس صورة ّ‬
‫(الطويل)‬
‫ــــيا‪ُ )5‬م َصـــــو ار‬
‫َك َســـــا ُم ْزب َد الســـــاجوم وشـ ْ‬ ‫ظهر َمْرمر‬
‫كـــأن ُدمى ُســـــــــقف على ْ‬
‫‪)4‬‬

‫ُمـفــقـ ار‬ ‫وشـــــــــــــذ ار‬


‫‪)7‬‬
‫ــــاقـوتـــــا َ‬
‫ُيـ َحـلـيــن يـ ُ‬ ‫وصــــــــــ ْون ونـعـ َـمـــــة‬
‫فــي كـن َ‬
‫‪)6‬‬
‫غـرائــر‬

‫قدم للمعابد والكنائس‪ ،‬ويظهر‬


‫المقدمة لآللهة‪ ،‬فهي مصنوعة من المرمر‪ ،‬تُ ّ‬
‫وهنا تبرز صورة الدمية ّ‬
‫المقدس الذي هو لون دم الُقربان‪ ،‬اللون األحمر‪.‬‬
‫أن لونها كالجمر يزّينه اللون ّ‬
‫لنا ّ‬
‫الدمى عند بشر بن أبي خازم الذي نسب هذه التماثيل لمدينة صنعاء في‬
‫كما تظهر صورة ّ‬
‫اليمن‪ ،‬في قوله‪:)8‬‬

‫‪ )1‬عبد هللا‪ ،‬يوسف‪ :‬أوراق من تاريخ اليمن وآثاره‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪1990 ،‬م‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫‪ )2‬عدي بن زيد العبادي‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.118‬‬
‫‪ )3‬امرؤ القيس بن حجر‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫‪ُ )4‬سقف‪ :‬جبل بديار طيء‪.‬‬
‫‪ )5‬وشيا‪ :‬الثياب المحالة‪.‬‬
‫‪ )6‬غرائر‪ّ :‬ل تجربة لهن‪.‬‬
‫‪ )7‬شذرا‪ :‬قطع ال ّذهب‪.‬‬
‫‪ )8‬بشر بن خازم األسدي‪ :‬الديوان‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪1994 ،‬م‪.118 ،‬‬
‫‪87‬‬
‫(الوافر)‬
‫دمــى صـــــــــــنــعـــــاء ُخ ـط لــهـــــا مــثـــــال‬ ‫ــــحـــــدوج‪ُ )1‬مـــــ َخـــــدرات‬
‫كـــــأن عـــــلـــــى الـ ُ‬
‫مخدرة ناعمة بتماثيل الرّبة عشتار المنحوتة‬
‫يشبه الشاعر منظر محبوبته وهي على الحدوج ّ‬
‫و ّ‬
‫بالدمية المضرجة‬
‫من العاج‪ ،‬المصنوعة بأيدي فنانين من صنعاء‪ ،‬ونجده في بيت آخر يشبهها ّ‬
‫بالزعفران‪:)2‬‬
‫ّ‬
‫(الطويل)‬

‫ُم َضـــــــــــَّر َجـــــ ًة بـــــالـ َّــز ْعـــفـــران ُجـــُيـــ ُ‬


‫وبـــ َهـــــا‬ ‫طنا(‪ُ )3‬م ْس َتْبطنو البيض كالدمى‬
‫عضاري ُ‬
‫مقدسة‪ ،‬فهي قبس من األم الكبرى ُمكثرة النسل والخلق؛‬
‫ولما كانت المرأة في العصر الجاهلي ّ‬
‫ّ‬
‫المكون الفكري الرئيس في نظرتهم للمرأة الجاهلية‪ ،‬شبهوها بالدمية المقدسة‬
‫ّ‬ ‫ألن الخصوبة كانت‬

‫بالدمية‪ ،‬فيقول‪:)4‬‬
‫المقدمة في المعابد‪ ،‬فنجد عبيد بن األبرص يشبه المرأة ّ‬
‫ّ‬
‫(الخفيف)‬
‫مـــــن بـــــنـــــات الـــــوجـــــيـــــه أو َحـــــالب‬ ‫أوحشــــــــــت بعــد ُضـــــــــمر كــالســـــــــعــالي‬

‫ـــــب كــــــالــــــدمــــــى وقــــــبــــــاب‬


‫َوَرعــــــابــــــيـ َ‬ ‫وم ْســـــــــــــــــَرح َو ُحــــــــلــــــــول‬
‫ومــــــــراح ُ‬
‫الصلت‪ ،‬فيقول‪:)5‬‬
‫أمية بن ّ‬
‫وتظهر صورة الدمى في شعر ّ‬
‫(الوافر)‬
‫وم‬
‫ــــــــه ُ‬
‫يهــــا سـ ُ‬ ‫َعَلى ُصـــــــــور الـ ل‬
‫ـــدمى ف َ‬ ‫ــهـــــا‬
‫ــن الشـــــــــــمـــس فـــيـ َ‬
‫ــور ال يـــريـ َ‬
‫وحـ ٌ‬
‫روم‬
‫ـــــم ُقــــــ ُ‬
‫ـــــل َوهـ ُ‬
‫ـــــقــــــائـ ٌ‬
‫َفــــــهــــــن عـ َ‬ ‫األرائـــــك َقـــــاصـــــــــــــَرات‬
‫َنـــــ َواعـــــم فـــــي َ‬
‫المقدمة للمعابد‪ ،‬من حيث‬
‫بالدمى ّ‬
‫ويفخر الشاعر بنساء قومه الجميالت الناعمات‪ ،‬وقد شبههن ّ‬
‫فهن يشاكلنهن‪ ،‬وما تبقى من تماثيل في خرائب القدماء‪.)6‬‬
‫الجمال والبياض‪ّ ،‬‬

‫‪ )1‬الحدوج‪ :‬هو مركب من مراكب الننساء على اإلبل‪.‬‬


‫‪ )2‬بشر بن خازم‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ )3‬عضاريطنا‪ :‬األتباع‪.‬‬
‫‪ )4‬عبيد بن األبرص‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫الصلت‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.121‬‬ ‫أمية بن ّ‬
‫) ّ‬
‫‪5‬‬

‫‪ )6‬الطيب‪ ،‬عبد هللا‪ :‬المرشد في فهم أشعار العرب وصناعتها‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪1970 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.1159‬‬
‫‪88‬‬
‫وقدم الجاهليون الحيوانات قرابين آللهتهم‪ّ ،‬‬
‫وتقربوا بها على شكل تماثيل أيضا‪ ،‬فنجد في بعض‬
‫األلواح قصة طقس تقديم القرابين بشكل رمزي‪ ،‬ففي المعبد الخامس في مدينة الحضر يظهر الكبش‬
‫المقرب من اإلله على لوح من النحت البارز‪ ،‬يمثل مالكا مجسما يقود كبش الفداء في وضع استعداد‬
‫ّ‬
‫للذبح‪.)1‬‬
‫وللحيوانات المقدمة على هيئة التماثيل أنواع كثيرة‪ ،‬لعل أهمها وأكثرها تقديما الغزّلن إضافة إلى‬
‫اإلبل والنوق‪ ،‬فقد عثر على نقش سبئي فيه مجموعة من الجمال البرونزية المقدمة لإلله (ذو سماوي)‪،‬‬
‫كما قدمت التماثيل على شكل ثور أيضا خاصة عند عرب الجنوب‪ ،‬وقد كانت في الغالب تماثيل‬
‫مذهبة‪ ،‬وقدم العرب أيضا قبل اإلسالم لآللهة تماثيل الخيول‪ ،‬التي تشمل الفرس والبغال‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫المقدمة لآللهة ‪ -‬التي توضع في المعابد‪ -‬في شعره‪،‬‬
‫الجاهلي تماثيل الغزّلن ّ‬ ‫ظف الشاعر‬ ‫ويو ّ‬
‫ّ‬
‫الدمى والتماثيل‪،‬‬
‫المقدسة قديما ارتبطت بوجود الغزّلن فيها جنبا إلى جنب مع ّ‬
‫أن األماكن ّ‬ ‫خاصة و ّ‬
‫الدمية والظبية‪ ،‬فيقول‪:)3‬‬ ‫فنرى أ‬
‫امر القيس يربط بين ّ‬
‫(الطويل)‬
‫م َن النشـــــــــوات‪ )4‬والنســـــــــاء الحســـــــــان‬ ‫ــن الـــــدنـــيـــــا فـــــإنـــــك فـــــان‬
‫تـــمـــتـــع مـ َ‬
‫َح ـواصـــــــــــُن ـهـــــا والـ ُـم ـْب ـرقـــــات الــروانــي‬ ‫من البيض كـــاآلرام‪ )5‬واألدم‪ )6‬كـــالـــدمى‬
‫َ‬
‫أن الشاعر يبحث عن الخلود النفسي الذي يهدده الموت‪ ،‬ويجده‬
‫نستشف من البيتين السابقين ّ‬
‫ّ‬
‫في ممارسة طقوس دينية يستهّلها بشرب الخمر وممارسة الجنس المقدس‪ ،‬وتزداد الصورة قداسة حين‬
‫ويشبههن بتماثيل الظباء الشاخصة في فناء المعابد‪ ،‬التي هي صورة عن‬
‫ّ‬ ‫يقارب بين النساء وا ّلدمى‪،‬‬
‫الزهرة إلهة الحب والجنس‪.‬‬
‫األسقف والقباب‪:‬‬

‫‪ )1‬الدروبي‪ ،‬حافظ‪ :‬الطقوس الدينية في المعبد الخامس في الحضر‪ ،‬مجلة سومر‪ ،‬مجلد ‪1970 ،26‬م‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫‪ )2‬المعاني‪ ،‬سلطان عبد هللا‪ :‬التكريس عند الغرب القدماء‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ )3‬امرؤ القيس‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.166‬‬
‫‪ )4‬النشوات‪ :‬السكرات‪.‬‬
‫‪ )5‬اآلرام‪ :‬الظباء الشديدة البياض‪.‬‬
‫‪ )6‬األدم‪ :‬ظباء طوال العنق والقوام‪ ،‬تتميز باختالط اللونين األبيض واألسود‪ ،‬فاألخير على ظهرها‪ ،‬واألبيض على بطنها‪ ،‬كالدمى‬
‫والتماثيل المنحونة‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫كثير ما ضرب العرب األسقف والقباب على قبور موتاهم؛ لتكون قرابين يتقربون بها من آلهتهم‪،‬‬
‫تسر وتحزن‪،‬‬
‫حية‪ ،‬تعي وتسمع‪ّ ،‬‬ ‫ليهنأ موتاهم في العالم اآلخر‪ ،‬خاصة وأن العرب تعتقد أن الروح ّ‬
‫وشهور‪ ،‬وفي هذا يقول قس ابن ساعدة اإليادي‪:)1‬‬
‫ا‬ ‫مما دفعهم إلى زيارة تلك القبور‪ ،‬واإلقامة عليها أياما‬
‫ّ‬
‫(الطويل)‬
‫اكمــــا‬ ‫ط َوال اللَيــــالي أَ ْو ُيج َ‬
‫يـــب َصــــــــــــ َد َ‬ ‫َ‬ ‫كمــــا َل ْســـــــــــــ ُت َبــــار ًحــــا‬ ‫أُق ُ‬
‫يم َعَلى َقْبرْي َ‬
‫ومن هذه األسقف والقباب المؤقتة جاءت األضرحة الثابتة ذوات القباب السامقة العالية‪ ،‬كما‬
‫نشأت المعابد الثابتة من المعابد المتنقلة والخيام المقدسة عند العبرانيين‪ ،‬وعند العرب الجاهليين‪،‬‬
‫وعند غيرهم من الشعوب‪ ،)2‬وقد مورست الصالة في تلك القباب‪ ،‬وفي ذلك قال ورق ُة بن نوفل‪:)3‬‬
‫(الطويل)‬
‫داعيـــا‬
‫ً‬ ‫ــك‬
‫ــاســـــــــمـ َ‬
‫ــاركـــ َت َقـــ ْد أ ْك َثْر ُت بـ ْ‬
‫َتبـ ْ‬ ‫ول إذا َصــــــــــَّلْيـــــ ُت في كـــــل ْبي َعـــــة‬
‫أَ ُق ُ‬
‫وقد أصبحت هذه القبور المسقوفة بمقام بيوت العبادة‪ ،‬فعندها يذبحون‪ ،‬وبها يحلفون‪ ،‬وحولها‬
‫قدس العرب قبور موتاهم حتّى أصبحت م ازرات يفدون‬
‫يطوفون‪ ،‬واليها يلجأون طلبا لألمان‪ ،‬لقد ّ‬
‫عليها‪ ،‬ويقدمون عندها الهدايا واألضاحي والنذور‪ ،‬ومن هذه القبور قبر تميم بن مر‪ ،‬وقبر عامر بن‬
‫الطفيل‪ ،‬وقبر جد قبائل قضاعة‪.)4‬‬

‫األباريق‪:‬‬
‫ومن جملة ما قدم العرب آللهتهم األباريق‪ ،‬وهي لسكب السائل المقدس‪ ،)5‬وقد يكون هذا‬
‫السائل ماء أو نبيذا أو دما‪ ،‬وهو دم القربان المضحى به‪.)6‬‬
‫‪)7‬‬
‫ولألباريق قداسة مستمدة من قداسة الشراب المسكوب فيها‪ ،‬فاإلبريق قرين الظبي‬

‫‪ )1‬البصري‪ ،‬صدر الدين‪ :‬الحماسة البصرية‪ ،‬ص‪.215‬‬


‫‪ )2‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.176‬‬
‫محمد‪ :‬األغاني‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار الكتب المصرية‪1927 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.16‬‬
‫) األصفهاني‪ ،‬علي بن الحسين بن ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪ )4‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.176‬‬


‫‪ )5‬بارو‪ ،‬أندري‪ :‬سومر فنونها وحضارتها‪ ،‬ترجمة وتعليق عيسى سليمان وسليم التكريتي‪ ،‬بغداد‪ :‬و ازرة الثقافة والفنون‪1977 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.118‬‬
‫‪ )6‬هاري‪ ،‬ساكز‪ :‬عظمة بابل‪ ،‬ترجمة عامر سليمان‪ ،‬ط‪ ،2‬الموصل‪ :‬جامعة الموصل‪1979 ،‬م‪ ،‬ص‪.407-406‬‬
‫عد الجاهليون الظبي حيوانا مقدسا؛ فهو رمز الخلود‪ ،‬والخصب‪ ،‬ينظر‪ :‬الديك‪ ،‬إحسان‪ :‬صدى األسطورة واآلخر في الشعر‬
‫) ّ‬
‫‪7‬‬

‫الجاهلي‪ ،‬ط‪ ،1‬فلسطين‪ :‬مجمع القاسمي للغة العربية‪2013 ،‬م‪ ،‬ص‪.89-49‬‬


‫‪90‬‬
‫الرياحين‪ ،‬وقد‬ ‫المقدس‪ ،‬المتصومع فوق الجبال‪ ،‬يتحّلى بلباسه األبيض‪ّ ،‬‬
‫يتطيب بأفضل ّ‬ ‫ّ‬ ‫األبيض‬
‫تمثّل شعر علقمة الفحل هذه القداسة في قوله‪:)1‬‬
‫(البسيط)‬
‫ثوم‬
‫لكتـــــان مْل ُ‬
‫مفـــــد ٌم ب َســـــــــبـــــا ا َ‬
‫‪)4‬‬ ‫‪)3‬‬ ‫‪)2‬‬
‫كـــــأن إ بريقـهـم ظبـي علـى شــــــــــرف‬
‫‪)7‬‬
‫مفعوم‬
‫ُ‬ ‫ُمَقلـــٌد ُق ُضــــــــــــ َب الرْيحـــان‬ ‫ـــرزُه لــــْلضــــــــــــح‪ )6‬راقــــُبـــــه‬
‫ـــض أبـ َ‬
‫‪)5‬‬
‫أبــــيـ ُ‬
‫وقال آخر مشبها كذلك األباريق بالظبي‪:)8‬‬

‫(الطويل)‬
‫ــــام‬
‫َعـــَلـــى الـ َّــرْقـــ َمـــ َتـــْيـــن قـــيـ ُ‬
‫‪)9‬‬
‫ــــاء بـــــأ ْ‬
‫ظـــبـ ٌ‬ ‫ــــمـــــدام َلـــــ َدْيـــــهـــــم‬
‫ــــق الـ ُ‬
‫َن أَبـــــاريـ َ‬
‫كـــــأ َّ‬

‫بالدم المشمول بريح‬


‫الشبيه ّ‬
‫إللهي ّ‬ ‫بالشراب‬
‫وتتجّلى لنا قداسة اإلبريق في شعر األعشى‪ ،‬فهو مترع ّ‬
‫ّ‬
‫الشمال الباردة‪ ،‬فقال‪:)10‬‬
‫ّ‬
‫(الرمل)‬
‫ّ‬
‫‪)14‬‬
‫شـــن‬
‫من ماء ْ‬
‫ْ‬
‫‪)13‬‬
‫بشـــ ُمول‪ُ )12‬صـــفَق ْت‬
‫َ‬
‫‪)11‬‬
‫َفــــتــــرى إبـ َ‬
‫ـــرقــــ ُهــــم ُم ْســــــــــــ َتــــْرعــــفـــــا‬
‫الزبادي‪ ،‬حيث كانت تستخدم لوضع السوائل‬
‫قدموا شيئا شبيها من األباريق‪ ،‬وهي ّ‬‫ونجدهم كذلك ّ‬
‫المقدسة فيها‪ ،‬كما استخدموها كمباخر لحرق البخور‪.‬‬

‫الشنتمري‪ ،‬حققه‪ :‬لطفي الصقال‪ ،‬ط‪ ،1‬حلب‪ :‬دار الكتاب العربي‪1969 ،‬م‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫) علقمة الفحل‪ :‬الديوان‪ ،‬شرح‪ :‬األعلم ّ‬
‫‪1‬‬

‫مشرف‪.‬‬
‫) َشَرف‪ :‬مكان ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ُ )3‬مفدم‪ :‬عليه مصفاة‪.‬‬


‫‪ )4‬السبا‪ :‬الشّفة البيضاء‪.‬‬
‫فضة‪.‬‬
‫أبيض‪ :‬من ّ‬ ‫) ُ‬
‫‪5‬‬

‫‪ )6‬الضح‪ :‬ما طلعت عليه الشمس‪.‬‬


‫طيب الرائحة‪.‬‬
‫) مفعوم‪ّ :‬‬
‫‪7‬‬

‫‪ )8‬الزبيدي‪ :‬تاج العروس‪ ،‬مادة (برق)‪.‬‬


‫‪ )9‬رقمة الوادي‪ :‬مكان يجتمع فيه الماء‪.‬‬
‫‪ )10‬ديوانه‪ ،‬ص‪.357‬‬
‫‪ )11‬المسترعف‪ :‬المترع كما الرَّعاف‪.‬‬
‫‪ )12‬الشمول‪ :‬الخمر الباردة‪.‬‬
‫‪ُ )13‬صفقت‪ُ :‬مزجت‪.‬‬
‫القرب ُة التي يرشح ماؤها‪.‬‬
‫شن‪ْ :‬‬
‫) ْ‬
‫‪14‬‬

‫‪91‬‬
‫الحلي والذ َهب‪:‬‬
‫يقدمون العطايا‬
‫أعز ما يملكون‪ ،‬وعليه أخذوا ّ‬ ‫أدرك الجاهليون أنهم لن ينالوا ّ‬
‫البر حتى ينفقوا ّ‬
‫الفضة والقالئد وغيرها لألصنام‪ ،‬وتذكر األخبار أن في المعابد مواضع‬
‫والهبات كالحلي والذهب و ّ‬
‫الزوار فيها ما يجودون به على المعبد‪ ،‬تكون أمام الصنم في الغالب‪ ،‬وهي بمثابة‬ ‫خاصة يرمي ّ‬
‫السدنة القائمون على المعبد‪ ،‬وأغلب ما ُيرمى فيها الحلي‬‫النذور والهبات‪ ،‬فيأخذها ّ‬
‫الخزائن‪ ،‬تُجمع فيها ّ‬
‫ّ‬
‫والمصوغات المصاغة من الذهب والفضة‪ ،‬واألشياء النفيسة األخرى‪ ،‬كما كانوا يعلقون األلبسة الثمينة‬
‫ؤكد ذلك الشاعر كعب بن مالك‬
‫وي ّ‬
‫المقدسة تقربا منها‪ُ .‬‬
‫ّ‬ ‫السيوف على األصنام‪ ،‬وعلى األشجار‬
‫و ّ‬
‫األنصاري‪ ،‬فيقول‪:)1‬‬
‫(الوافر)‬
‫ونســــــــــلــبــهـــــا الــقــالئـــــد والشــــــــــنـوفـــــا‬ ‫ونـــــنســـــــــــــى الـــــالت والـــــعـــــزى ً‬
‫وودا‬ ‫‪)2‬‬

‫أن هذه العادة سائدة حتى يومنا هذا‪ ،‬إذ نرى أهل الديانات السماوية يتقربون من األولياء‬
‫ونرى ّ‬
‫وم ازراتهم بتعليق قطع من المعادن الثمينة فيها‪.‬‬
‫تقربت من آلهتها بالذهب والحلي‪ ،‬فيذكر أن قريشا‬
‫ويورد ابن الكلبي خب ار يؤكد أن العرب ّ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫أدركت هبل ‪-‬أعظم األصنام عندها‪ ،‬المصنوع من عقيق أحمر‪ ،‬ويتخذ صورة اإلنسان‪ -‬وكانت‬
‫يده مكسورة‪ ،‬فجعلوا له يدا من ذهب‪ ،)3‬تقربا منه وارضاء له‪.‬‬

‫‪ )1‬ابن هشام‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.63‬‬


‫‪ )2‬وقد حارب اإلسالم كل هذه المظاهر‪ ،‬فيذكر ابن كثير أن الالت كانت صخرة بيضاء مربعة الشكل عند أهل الطائف‪ ،‬بجانبها‬
‫مغارة تسمى غبغب‪ ،‬بها توضع الهدايا والهبات والعطايا‪ ،‬وقد أمر الرسول (صلى هللا عليه وسلم) المغيرة أن يدمرها‪ ،‬وقد منح‬
‫دين عروة واألسود ابني مسعود‪ ،‬وفي هدم معبد الالت قال شداد الجشمي‪:‬‬
‫ليسد ْ‬
‫أبا سفيان جميع ما بها من هدايا‪ّ ،‬‬

‫س َيْن َتصُر‬ ‫ُه َو َل ْي َ‬ ‫ف ُيْن َصُر َم ْن‬ ‫َوَك ْي َ‬ ‫ُم ْهل ُك َها‬ ‫َّللا‬ ‫الال َت إ َّن‬‫َّ‬ ‫صُروا‬ ‫َتْن ُ‬ ‫َال‬
‫َّ َ‬
‫َه َدُر‬ ‫َح َجارَها‬‫أْ‬ ‫َل َدى‬ ‫ُتَقات ْل‬ ‫َوَل ْم‬ ‫اش َت َعَل ْت‬‫َف ْ‬ ‫السد‬
‫ب ل‬ ‫ُحرَق ْت‬ ‫َّالتي‬ ‫إ َّن‬
‫َهل َها َب َشُر‬
‫س ب َها م ْن أ ْ‬ ‫َوَل ْي َ‬ ‫َي ْظ َع ْن‬ ‫ب َال َد ُك ُم‬ ‫َيْنز ْل‬ ‫َم َتى‬ ‫ول‬
‫الر ُس َ‬
‫َّ‬ ‫إ َّن‬
‫‪ -1‬ينظر‪ :‬ابن كثير‪ :‬تفسير القرآن العظيم (ابن كثير)‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ .422‬وينظر‪ :‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل‬
‫اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ ،155‬وينظر‪ ::‬ج‪ ،11‬ص‪.234‬‬
‫‪ )3‬ابن الكلبي‪ :‬األصنام‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪92‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫مواضع ورود القربان في الشعر الجاهلي‬

‫المبحث األول‪ :‬القـربــان وســفــح الـــدم‬

‫المبحث الثاني‪ :‬القـربــان والبغاء المقدس‬


‫المبحث الثالث‪ :‬القـربــان والخــــــــمــــر‬
‫المبحث الرابع‪ :‬القـربــان وحلف األيمـان‬

‫المبحث الخامس‪ :‬القـربــان والنـــــــذور‬


‫المبحث السادس‪ :‬القـربــان والـهـدايــــا‬
‫المبحث السابع‪ :‬القـربــان والتــرجــيب‬
‫المبحث الثامن‪ :‬القـــربــــان والــحــــج‬
‫المبحث التاسع‪ :‬القـربـان وخدمة الصنـم‬

‫‪93‬‬
‫يحتل القربان في الشعر الجاهلي مساحات ّل بأس بها‪ ،‬فقد ذكره الشعراء الجاهليون في قصائدهم‪،‬‬
‫ّ‬
‫ليعكس مدى حبهم واخالصهم آللهتهم ‪.)1‬‬
‫والشعراء في ذكرهم له لم يكونوا تسجيليين ومحاكين مقلدين‪ ،‬وانما صدروا عن الحس الجمعي‬
‫الدينية السائدة‪ ،‬ولذا جاءت صورهم مكررة؛ فهي محاكاة للواقع وتمثيال لها‪ ،‬وان كان لكل‬
‫والعقيدة ّ‬
‫منهم خصوصية معينة في الجزيئات الدقيقة‪.‬‬

‫‪ - )1‬ذكر الجاهليون أصنام آلهتم أسماء صريحة‪ ،‬كما هو الحال عند درهم بن زيد األوسي‪ ،‬حينما قال حالفا‪:‬‬
‫سرف‬ ‫بنيه‬ ‫دون‬ ‫الذي‬ ‫وهللا‬ ‫السعيدة‬ ‫العزى‬ ‫ورب‬ ‫إني‬
‫ابن الكلبي‪ ،‬األصنام‪ ،‬ص‪.19‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأقسم بها أبو الطحمان القيني‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫المكفر‬ ‫العزَّى جز َ‬
‫اء‬ ‫وبالالت و ُ‬ ‫وربها‬
‫َ‬ ‫َج َز ْوها‬ ‫سن َّمار‬ ‫اء‬
‫َج َز َ‬
‫محمد بن جرير‪ :‬تاريخ الطبري‪ ،‬تاريخ الرسل والملوك‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار التراث‪1387 ،‬ه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.66‬‬ ‫طبرّي‪،‬‬
‫ال ّ‬
‫الج َع ْيد‪ ،‬عندما حلف ب " الالت"‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وأقسم بها أيضا عمرو بن ُ‬ ‫‪-‬‬
‫َيديُنها‬ ‫وكان‬
‫َ‬ ‫الت‪،‬‬ ‫م ْن‬ ‫أَ‬
‫تبر‬ ‫وتركي َو ْص َل كأس لكالذي‬ ‫ْ‬ ‫فإني‬
‫ابن الكلبي‪ :‬األصنام‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫الشرى" وهو إله لقوم األزد‪ ،‬وهم بنو الحارث بن يشكر بن مبشر‪ ،‬وفيه قال شاعر‪:‬‬
‫وورد ذكر "ذي ّ‬ ‫‪-‬‬
‫وشج العدى منا خميس عرمرم‬ ‫إذن لحللنا حول ما دون ذي الشرى‬
‫ابن الكلبي‪ ،‬األصنام‪ ،‬ص‪.38-37‬‬
‫فلما أسلموا بعث الرسول (صلى هللا عليه‬ ‫وكان لدوس ثم لبني ْ ِ‬
‫الكّف ْين"‪ّ ،‬‬
‫صنم يعبدونه ُيعرف ب "ذي َ‬
‫منهب بن دوس ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫‪-‬‬
‫الد ْوسي فحرقه وهو يقول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫عمرو ّ‬ ‫ُّ‬
‫نفيل بن ْ‬
‫وسلم) ال ْ‬
‫ميالد َكا‬ ‫م ْن‬ ‫أَ ْكَبُر‬ ‫يالدَنا‬
‫م ُ‬ ‫َيا َذا اْل َكَّف ْين َل ْس َت م ْن عَباد َكا‬
‫َوكَانَ لقُضاعَةَ ولخم وَجُذامَ وعاملة وغطَفان صنم في مشارف الشّام يُقال له األقَيْصِر‪ ،‬وله يقول زُهَيْرُ بن أبي‬ ‫‪-‬‬
‫سُ ْلمَى‪:‬‬
‫يم َواْلَق ْم ُل‬
‫َو َما سحقت فيه اْل َمَقاد ُ‬ ‫َحَل ْف ُت بأنصاب األقيصر جاهداً‬
‫وحلف الشنفرى األزدي بأثواب األَُقي ِ‬
‫ص ِر‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫ْ‬
‫ف‬‫َي ْعُن ُ‬ ‫األُ َق ْيصر‬ ‫وأ ْثواب‬ ‫َعَل َّي‬ ‫بن مالك‬‫سع َد َ‬
‫ْ‬ ‫جار‬
‫َ‬ ‫وا َّن ام أًر ْ‬
‫قد‬
‫األزدي‪ :‬الديوان‪( ،‬الطرائف األدبية)‪ ،‬صنعه‪ :‬عبد العزيز الميمي‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة لجنة التأليف والترجمة‬
‫ّ‬ ‫الشنفرى‬
‫ّ‬
‫والنشر‪1937 ،‬م‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫السخط‪ ،‬في شعر المستوغر الذي هدم‬ ‫ِ‬
‫السعد خالف ّ‬‫مودية‪ ،‬ويعني الرضا و ّ‬
‫وُذكر اسم اإلله (رضو) وهو أحد اآللهة الثّ ّ‬ ‫‪-‬‬
‫رضى‪ ،‬وهو اسم معبد لقبيلة ربيعة بن كعب‪ ،‬حيث قال‪:‬‬ ‫بيت ً‬
‫َس َح َما‬
‫أْ‬ ‫ُتَناز ُع‬ ‫َتال‬ ‫َف َتَرْك ُت َها‬ ‫اء َشَّد ًة‬
‫َوَلَق ْد َش َد ْد ُت َعَلى ر َض َ‬
‫ظمين لها‪ ،‬متجهين إليها‪ّ ،‬ل ّيولون لها ظهورهم؛ تقديسا لها‪ ،‬وفي‬
‫الجاهلية اإللهة "مناة" مع ّ‬
‫ّ‬ ‫وقد ذكر بعض شعراء‬ ‫‪-‬‬
‫ذلك قال الكميت بن زيد بني أسد‪:‬‬
‫ُم َت َحرفيَنا‬ ‫ظُ ُهورَها‬ ‫َمَنا َة‬ ‫تُ َولي‬
‫الَ‬ ‫َقَبائ ُل‬ ‫آَلت‬ ‫َوَقد‬
‫علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.408‬‬
‫‪94‬‬
‫وعند تتبعنا مواضع ورود القربان في الشعر الجاهلي‪ ،‬وجدنا أنه لم يحظ بقصيدة شعرية كاملة‪،‬‬
‫الجاهلية‪ ،‬من خالل أبيات متفرقة ّل ترقى ألن تكون‬
‫ّ‬ ‫وكل ما ورد في حنايا موضوعات القصيدة‬
‫قصيدة خاصة بها‪.‬‬
‫وقد تنوعت مواضع ورود القربان في الشعر الجاهلي‪ ،‬وهذه المواضيع مرتبطة بطبيعة‬
‫حياتهم‪.‬‬
‫القربان وسفح الدم‪:‬‬

‫للقرابين طقوس خاصة بها‪ ،‬وهي الذبح وسفح الدم‪ ،‬وهو طقس يدل على اّلستسالم والخضوع‬
‫مقدم‬
‫واّلمتثال ألوامر آلهتهم واإلخالص لها‪ ،‬وبخاصة من خالل (الهريق) على األنصاب‪ ،‬إذ يلجأ ّ‬
‫القربان إلى ذبيحته‪ ،‬فيأخذ من دمها ويسكبه على رأس الصنم‪ ،‬وفي ذلك قال النابغة في الدم‬

‫المسفوح‪:)1‬‬
‫(الكامل)‬
‫‪)2‬‬
‫ريق على ُم ُتون ُصوار‬
‫ق ُه َ‬
‫َعَل ٌ‬ ‫ــــالـهـــــا‬
‫َتـ ْمشــــــــــي بـهــم أ ُْد ٌم‪ ،‬كـــــأن رحـ َ‬
‫وقال النابغة في الدم المسفوح أيضا‪:)3‬‬
‫(البسيط)‬
‫ريق‪ ،‬على األَ ْنصــــــاب م ْن َج َســــــد‬
‫َو َما ُه َ‬ ‫فال َل َع ْمُر الـــــذي َم َّســـــــــ ْحـــــ ُت َك ْعَبتـــــ ُه‬

‫وأنشد ابن األعرابي واصفا الدماء المسفوكة عند األنصاب‪:)4‬‬

‫(الوافر)‬
‫تســــــــــيـــــل على منـــــاكبهـــــا الـــــدمـــــاء‬ ‫وأنصـــــــــاب األقيصـــــــــر حين أضـــــــــحت‬

‫الُقربان والبغاء المقدس‪:‬‬

‫‪ )1‬النابغة الذبياني‪ :‬الديوان‪ ،‬حققه كرم البستاني‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار صادر‪( ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫‪ُ )2‬صوار‪ :‬قطيع من البقر الوحشية‪.‬‬
‫‪ )3‬ديوانه‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫‪ )4‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.104‬‬
‫‪95‬‬
‫المقدس عند العرب‪ ،‬إ ْذ نجدهم يطوفون بالبيت عراة‪ ،‬بعد أن يعلقون‬
‫لقد انتشرت طقوس البغاء ّ‬
‫قدسوا من سموهم بنات هللا‪،‬‬
‫أن العرب ّ‬
‫مالبسهم على شجرة تدعى ذات أنواط‪ ،‬وقد جاء عند الباحثين ّ‬
‫وكن بالدرجة األولى تمثيال للقوى المولدة في الطبيعة‪ ،)1‬وقد ظهرت عند شعراء العصر الجاهلي‬
‫ّ‬
‫المقدس‪ ،‬فقال امرؤ القيس‪:)2‬‬
‫طقوس البغاء ّ‬
‫(الطويل)‬
‫ــوم بـــــدارة جـــلـــجـــــل‬
‫وال ســــــــــــيـــمـــــا يـ ٌ‬
‫‪)3‬‬
‫ــــك منهن‪ ،‬صـــــــــــــالح‬
‫أال رب يوم لـ َ‬
‫الم تحمـــــل‬
‫عجبـــــا من رحلهـــــا ُ‬
‫ً‬ ‫فيـــــا‬ ‫ــرت لـــلـــعـــــذارى مـــطـــيـــتـــي‬
‫ويـــوم عـــقـ ُ‬
‫كهـــــداب الـــــدمقس المفتـــــل‬
‫وشـــــــــحم ُ‬ ‫فــظـــــل الــعـــــذارى يــرتــمــيــن بــلــحــمــهـــــا‬

‫فقـــــالـــــت‪ :‬لـــــك الويالت إنـــــك ُمرجلي‬ ‫ــــت الــخـــــدر‪ ،‬خـــــدر عــنــيــزة‬


‫ويــوم دخــلـ ُ‬
‫وال تــبــعـــــديــنــي مــن َج ـنـــــاك الــمــعــلـــــل‬ ‫فقلــــت لهــــا‪ :‬ســـــــــيري وأرخي زمــــامـــه‬

‫المقدس كالخمر الذي‬


‫يظهر لنا عند غدير الماء " دارة جلجل" مظاهر اّلحتفال بطقس البغاء ّ‬
‫حس الشراهة في إشباع الشهوة‪ ،‬فكأنهم يمارسون شعائر احتفالية دينية‬
‫كان حاضرا‪ ،‬كما يظهر لنا ّ‬
‫بسماتها الطقسية المقدسة ‪ ،‬وكأنهم يقدمون طقوسا في هيكل ّ‬
‫الزهرة‪ ،‬حيث تقدم الفتيات أنفسهن لسيدة‬ ‫‪)4‬‬

‫الحب والجنس والخصب عشتار‪.‬‬


‫المقدس" حاض ار في قصيدة أخرى ألمرئ القيس‪ ،‬حيث يقول‪:)5‬‬
‫ونجد طقس "البغاء ّ‬

‫(الطويل)‬
‫م ْكســـــــــــــال‬ ‫طف َن بجبـــــاء المرافق‬
‫َي ْ‬ ‫َوَلـ ْجـ ُتـــــه‬ ‫وبـ ْـيـــــت عـــــذارى يـ ْـوَم ْ‬
‫دجـن‬
‫‪)7‬‬ ‫‪)6‬‬

‫‪ )1‬القمني‪ ،‬سيد محمود‪ :‬األسطورة والتراث‪ ،‬ص‪.127‬‬


‫‪ )2‬امرؤ القيس‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫‪ )3‬صالح‪ :‬منال‪ ،‬من نال ينول أي حصل عليه‪.‬‬
‫‪ )4‬الحسين‪ ،‬قصي‪ :‬أنثربولوجية الصورة والشعر العربي قبل اإلسالم‪ ،‬قراءة تحليلية لألصول الفنية‪ ،‬ط‪ ،1‬طرابلس‪ ،‬لبنان‪:‬‬
‫األهلية للنشر‪1993 ،‬م‪ ،‬ص‪.173‬‬
‫‪ )5‬امرؤ القيس‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.126‬‬
‫ظل الغيوم المنذرة بالمطر‪.‬‬
‫) الدجن‪ّ :‬‬
‫‪6‬‬

‫شدة السمنة‪.‬‬
‫) بجباء المرافق‪ :‬غائبة المرافق‪ ،‬دّللة على ّ‬
‫‪7‬‬

‫‪96‬‬
‫لطــــاف ال ُخصـــــــــور في تمــــام وا ْكمــــال‬ ‫‪)3‬‬
‫البنـــان‪ )1‬والع ارَنْين‪ )2‬والقنـــا‬
‫ط َ‬ ‫ســـــــــبـــا ُ‬
‫تضـــــــــالل‬
‫َيُقْلن ألهــــل الحْلم ُضــــــــــــ َّل ب ْ‬ ‫عن الهوى ُســـــــــُبـــــل المنى‬
‫اعم ُي ْت ب َ‬
‫نو ُ‬
‫وَل ْســـــــــــــ ُت بــمــقــلــي الــخ ـالل وال قـــــال‬ ‫ــرفت الهوى َعنهن من خشـــية الردى‬
‫صـ ُ‬

‫ويبدو لنا في األبيات السابقة أنه يمارس طقس عبادة اإللهة الكبرى في معابدها‪ ،‬فهو ّ‬
‫يتحدث‬
‫عن النساء المقيمات في بيوت البغاء المقدس‪ ،‬حيث ينتظرن الرجال ليقدمن القرابين لها‪ ،‬وذلك‬
‫النواعم الضخمات‬
‫بالتضحية ببكارتهن داخل جدران المعبد‪ ،‬فهو يدخل المعبد ليجامع النساء ّ‬
‫السمينات‪ ،‬الالتي من فرط سمنتهن قد تورات مرافق أيديهن بين الجلد والشحم‪ ،‬إّل أنه في الوقت نفسه‬
‫يخشى أن يملكن قلبه‪ ،‬فيقرر اّلبتعاد عنهن طلبا للنجاة‪.‬‬
‫وفي معلقة األعشى أبيات تحتوي على لوحة فنية تحت قبة حمراء‪ ،‬نستدل منها على طقس‬

‫البغاء المقدس‪ ،‬فيقول‪:)4‬‬


‫(مجزوء الكامل)‬
‫‪)5‬‬
‫ــــــالق طـــــــبـــــــابـــــــهـــــــا‬
‫نـــــــهـــــــا ْائـــــــتـ ُ‬ ‫اء َزي‬
‫فـــــــــي ُقـــــــــبـــــــــة حـــــــــمـــــــــر َ‬
‫( ‪)6‬‬
‫ــــــت دون ثـــــــيـــــــابـــــــهـــــــا‬
‫ُب فـــــــبـ ل‬ ‫ـــــــام الــــــــرقــــــــي‬
‫ـــــــلــــــــ ُت إ ْذ نـ َ‬
‫ـــــــدخـ ْ‬
‫فـ َ‬
‫‪)9‬‬
‫َك‪)8‬عـــــــبـــــــيـــــــرهـــــــا بـــــــمـــــــالبـــــــهـــــــا‬ ‫ــــحـــــقـــــة‪)7‬الصــــــــــــــفـــــراء صــــــــــــــا‬
‫كـــــالـ ُ‬
‫ي ْأكــــــــ ُمــــــــهــــــــا بســـــــــــــــــرابــــــــهــــــــا‬ ‫شــــــــــــــــهــــــــبــــــــاء رد‬ ‫‪)10‬‬
‫ووديــــــــقــــــــة‬

‫‪ )1‬سباط البنان‪ :‬طوال األصابع‪.‬‬


‫‪ )2‬العرانين‪ :‬األنوف‪.‬‬
‫‪ )3‬القنا‪ :‬القامات‪.‬‬
‫‪ )4‬األعشى‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫‪ )5‬طبابها‪ :‬إضاءتها‪.‬‬
‫‪ )6‬دون ثيابها‪ :‬قريب من ثيابها‪.‬‬
‫‪ )7‬الحقة‪ :‬وعاء الطيب‪.‬‬
‫‪ )8‬صاك‪ :‬لصق‪.‬‬
‫‪ )9‬بمالبها‪ :‬من المالب وهو عطر فارسي‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ )10‬وديقة‪ :‬الصحراء‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫‪)2‬‬
‫ـــس بــــحــــر شـــــــــــــهـــــابــــهـــــا‬
‫شـــــــــــــمـ ٌ‬ ‫ــــــدت‪)1‬عـــــــلـــــــيـــــــهـــــــا يـــــــومـــــــهـــــــا‬
‫ركـ ْ‬
‫فــــــالــــــجــــــمــــــُر مــــــ ْثــــــ ُل ُتــــــرابــــــهــــــا‬
‫ْ‬ ‫ـــــــــدت‬
‫ْ‬ ‫أوقـ‬ ‫مــــــــــا‬ ‫إذا‬ ‫حــــــــــتــــــــــى‬

‫أن هذه األبيات تشير إلى طقس البغاء المقدس‪ ،‬من خالل استخدام تركيب "قبة حم ارء"‪،‬‬
‫ويظهر لنا ّ‬
‫تدل على بيوت عبادة‪ ،‬وفيها كانت تقام‬
‫وكأنه يتحدث عن معبد‪ ،‬فالقباب والسقوف والمظالت كلها ّ‬
‫طقوس عبادة الربة الكبرى وتقديم القرابين لها‪ ،‬حيث يدخل إلى القبة الحمراء التي هي خدر عشتار‪،‬‬
‫المشعة المضيئة بجسدها‪ ،‬القريب من اللون األصفر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وزمان عشتار األحمر‪ ،‬ليعاشر محبوبته "سلمى"‬

‫إذ شبه جسدها بلون وعاء ال ّ‬


‫طيب والرياحين‪ ،‬دّللة على مدى قوة التوهج واإلضاءة واإلشراق والنورانية‪.‬‬
‫هر" التي‬
‫المقدس‪ ،‬فأخذ يرسم صورة محبوبته " ّ‬
‫تتكرر صورة البغاء ّ‬
‫وفي شعر طرفة بن العبد ّ‬
‫اشتاق لها كثي ار وأخذ يذوب في حبها‪ ،‬فقال‪:)3‬‬

‫(الرمل)‬
‫ــــعـــــفـــــور َخـــــدر‬
‫ــــر الـــــلـــــيـــــل بـــــيـ ْ‬
‫آخـ َ‬ ‫ـــــد إلــــــى ْأر ُحــــــلــــــنــــــا‬
‫جــــــازت الــــــبــــــيـ َ‬
‫ونـــــمـــــر‬
‫فـــــي خـــــلـــــيـــــط َبـــــْيـــــ َن ُبـــــْرد َ‬ ‫ارتــــــــنــــــــي َو َصــــــــــــــــ ْحـــــــبـــــــي‬
‫ُثــــــــم ز ْ‬
‫رشـــــــــــــــــا آدم غــــــــر‬
‫َّي َ‬
‫َوبــــــــخــــــــد ْ‬ ‫رف بـــ َعـــْيـــَنـــي َبـــْرغـــز‬
‫س الـــطـــ َ‬
‫َتـــ ْخـــلـــ ُ‬
‫ْ‬
‫َتــــ ْقــــ َتــــري بـــــالــــرمـــــل أفــــنـ َ‬
‫ــــان الــــزهــــر‬ ‫ولــــهـــــا َك ْشــــــــــــ َحـــــا َمــــ َهـــــاة ُمــــ ْطــــفـــــل‬

‫ــــث ُم ْســــــــــبــك ـر‬


‫َح َســــــــــ ُن الــن ـْبـــــت أثــيـ ٌ‬ ‫ـــــمــــــ ْتــــــَنــــــْيــــــن مــــــنــــــهــــــا‬
‫وعــــــلــــــى الـ َ‬
‫الســــــــــ ُمْر‬
‫ــــان َّ‬
‫ال وأفنـ َ‬ ‫ض َّ‬
‫الضـــــــــــــ َ‬ ‫ْتن ُف ُ‬ ‫ــــأبـــــ ُة الـــــمـــــ ْدَرى لـــــهـــــا ذو ُجـــــدة‬
‫جـ َ‬
‫ــــت ُنــــ ُزر‬ ‫ُرَّقـــــد َّ‬
‫الصـــــــــــــيــــف مــــقـــــالــــيـ َ‬ ‫نســـــــــــــوة‬ ‫ال َتــــُلــــمــــنــــي َّإنــــهـــــا مـ ْ‬
‫ـــن ْ‬

‫المقدسة‪ ،‬التي تقوم بطقوسها الليلية‪،‬‬


‫تبرز الرموز الدينية لتتقاطع وتتحد مع صورة المرأة البغي ّ‬
‫طقوس عشتار فتظهر عناصر الخصوبة واألمومة من خالل الصور التي قسمها الشاعر وبثّها بتتابع‬
‫صورة تلو أخرى‪ ،‬فهي المحبوبة التي تذهب ليال إلقامة طقوسها المقدسة لربة الحب واللهو والجنس‬
‫التي تتجلى ليال بكوكب الزهرة‪.‬‬

‫‪ )1‬ركدت‪ :‬سكنت‪.‬‬
‫‪ )2‬بشهابها‪ :‬شعلة من النار‪.‬‬
‫‪ )3‬طرفة بن العبد‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.67-61‬‬
‫‪98‬‬
‫لمقدس‬
‫الدينية‪ ،‬التي تدل على قداسة الطقس ا ّ‬
‫السابقة الكثير من الرموز ّ‬‫وقد ورد في األبيات ّ‬
‫"هر"‪ ،‬إ ْذ شبه عيونها بعيون البقرة الوحشية في شدة السواد والبياض‪ ،‬وهي‬
‫الذي تقوم به محبوبته ّ‬
‫كالمهاة المطفلة‪ ،‬دّللة على خصوبتها‪ ،‬يغطيها اللونان األسود واألبيض‪ ،‬فكأنه يصف عشتار بوجهيها‬
‫غر صافية البياض‪ ،‬تمتلئ‬‫ربة الحب وربة الحرب‪ ،‬وعدم ثباتها على حال وسرعة تقلبها‪ ،‬وهي امرأة ّ‬
‫بالخصوبة لدرجة أنها تفيض بخصوبتها ونمائها على ما حولها من األشجار والنبات‪ ،‬وقد تكللت‬
‫بقرني المهاة‪ ،‬اللذين برمزان لقرني عشتار‪.‬‬

‫أن محبوبة الشاعر لم تكن سوى ُدمية ّ‬


‫مقدسة في معبد‪،‬‬ ‫السابقة جميعها نشعر ّ‬
‫ومن األبيات ّ‬
‫يقدم لنا‬
‫الجاهلي ّ‬
‫ّ‬ ‫يتحّلق حولها السامرون‪ ،‬في احتفال أو عيد وكأنهم يحيون شعيرة ّ‬
‫مقدسة‪ ،‬فالشاعر‬
‫يدنس‬
‫مقدس ّل ّ‬
‫محبوبته كرمز من الرموز األنثوية التي تفيض خصوبة ونماء‪ ،‬فالجنس عندهم واجب ّ‬
‫بالزواج‪.)1‬‬

‫الُقربان والخمر‪:‬‬
‫الجاهلية الخمر وشربوها‪ ،‬ولم يقف األمر إلى ذلك فحسب بل وصفوها شعرا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫لقد عرف عرب‬
‫وجلوها مقدمات ألشعارهم‪ ،‬وافتخروا بها وبشاربها‪ ،‬فهو شراب شائع مستساغ عندهم‪ ،‬له أسماؤه وأوانيه‬
‫بالصبوح‪.)2‬‬
‫سم ْوا شربها َغ ْدوة ّ‬
‫وحاناته وشعره‪ ،‬وأوقات شربه حتى ّ‬
‫"مادة الحياة"‪ ،‬واذا عدنا إلى الحضارات السامية‬
‫وقد اعتبروا الخمر "شراب الحياة" كما هو الخبز ّ‬
‫ترد الروح إلى الجسد‪ ،‬والنور إلى الوجه‪،‬‬
‫السابقة نجد لطقوس شرب الخمر أبعادا رمزية‪ ،‬فهي التي ّ‬
‫عبرت عنه البغي "شمخة" ألنكيدو‪ ،‬فقالت‪:)3‬‬
‫واّلنشراح إلى الصدر‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫الخبز يا أنكيدو فإنه مادة الحياة‬
‫َ‬ ‫كل‬
‫واشرب من الشراب القوي فهذه عادة البالد‬
‫فأكل أنكيدو من الخبز حتى شبع‬
‫وشرب من الشراب القوية سبعة أقداح‬

‫‪ )1‬الحسين‪ ،‬قصي‪ :‬أنثربولوجية الصورة في الشعر العربي قبل اإلسالم‪ ،‬ص‪.186‬‬


‫الغبوق‪.‬‬
‫) الصبوح‪ :‬ما أصبح عندهم من شراب فشربوه‪ ،‬وهو خالف َ‬
‫‪2‬‬

‫ينظر‪ :‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب ‪ ،‬مادة (صبح)‪.‬‬


‫البهبيتي‪ ،‬نجيب محمد‪ :‬الشعر العربي في محيطه التاريخي القديم‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪1987 ،‬م‪،‬‬
‫) ْ‬
‫‪3‬‬

‫ص‪.480‬‬
‫‪99‬‬
‫روحه وانشرح صدره‪ ،‬وطرب لبه‪ ،‬ونور وجهه‬
‫فانطلقت ُ‬
‫وعليه ُوجب على اإلنسان شرب الخمر‪ ،‬وهي رمز من رموز القربان والتضحية‪ ،‬حيث ُيتقرب‬
‫بها إلى اآللهة حتى ترضى‪ ،‬وبعد الذبح يصلى عليها‪ ،‬وفي ذلك قال األعشى‪:)1‬‬
‫(الطويل)‬
‫وزْم َزمـــــا‬
‫إذا ُذب َحـــــ ْت صـــــــــلى عليهـــــا َ‬ ‫ـــدهر َبْي َت َهــــا‬
‫رح الـ َ‬
‫ـــارس مــــا َيْب ُ‬
‫لهــــا حـ ٌ‬

‫وي ِّ‬
‫شبه األعشى الخمرة بدم الذبيح لقداستها‪ ،‬فيقول‪:)2‬‬ ‫ُ‬
‫(الكامل)‬
‫كـــــدم الـــــذبيح ســـــــــلبتهـــــا جريـــــالهـــــا‬ ‫ــــل‬ ‫وســــــــــــبــــيـــــ ٌة مــــمـــــا ُتــــ َعــــتــــ ٌ‬
‫ق بـــــابـ ٌ‬
‫وقال األعشى في المعنى نفسه‪:)3‬‬

‫(مجزوء الكامل)‬
‫وكــــــ ُابــــــ ْل‬
‫ـــــوَلــــــنــــــا ُتــــــْر ٌك َ‬
‫‪)4‬‬
‫ض حـ ْ‬ ‫ُكــــــ ُ‬ ‫ــــر‬
‫ــــر تـ ْ‬
‫ــــد شــــــــــــــرْبـــــ ُت الـــــخـــــمـ َ‬
‫ولـــــقـ ْ‬
‫بــــــابــــــل‬
‫ْ‬ ‫أهــــــل‬
‫ُ‬ ‫ق‬
‫مــــــمــــــا ُيــــــعــــــتــــــ ُ‬
‫‪)5‬‬
‫كـــــــدم الـــــــذبـــــــيـــــــح غـــــــريـــــــبـــــــ ًة‬

‫حسان بن ثابت أيضا‪:)6‬‬


‫وقال ّ‬
‫(الوافر)‬
‫ــــدم الـــــذبـــــيـــــح ُمـــــدام‬
‫ْأو عـــــاتـــــق كـ َ‬ ‫ــــــــحــابــة‬
‫َ‬ ‫طــ ُه بمــاء سـ‬
‫كــالم ْســـــــــــك َت ْخل ُ‬
‫الوَد ِج‪ ،‬فقال‪:)7‬‬
‫بأن َرَم َز إلى الخمرة بدم َ‬
‫وقال أبو ذؤيب الهذلي مشاركا الشعراء السابقين ّ‬
‫(الكامل)‬
‫ــــح‬
‫ــــوَدج الـــــذبـــــيـ ُ‬
‫دم الـ َ‬
‫ــــال لـــــهـــــا ُ‬
‫ُيـــــقـ ُ‬ ‫وفـــــكـــــ ْت‬
‫إذا ُفضـــــــــــــ ْت َخـــــ َواتـــــمـــــهـــــا ُ‬

‫‪ )1‬األعشى‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.333‬‬


‫‪ )2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫‪ )3‬األعشى‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.56‬‬
‫الناس الذين سكنوا حوض نهر "سيجون وجيجون" شمال فارس‪.‬‬
‫) الترك‪ّ :‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ )5‬غريبة‪ :‬منقولة من موطنها‪.‬‬


‫حسان بن ثابت األنصاري‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.214‬‬ ‫) ّ‬
‫‪6‬‬

‫‪ )7‬أبو ذؤيب الهذلي‪ :‬الديوان‪ ،‬حققه الدكتور أنطونيوس بطرس‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار صادر‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫ّ‬
‫‪100‬‬
‫وقد شبهها بدم الغزال زهير بن أبي ُسلمى‪ ،‬فقال‪:)1‬‬
‫(المنسرح)‬
‫ـــــــــــاربهــــا‬
‫ُ‬ ‫ق‪ )4‬شـ‬
‫ـــأق ‪ ،‬منهــــا الر ُاوو َ‬
‫‪)3‬‬
‫أتـ َ‬ ‫الـــــذبــيــح‪ ،‬إذا‬ ‫‪)2‬‬
‫مـ ْثـــــل َدم الشـــــــــــــادن‬

‫يظهر لنا من األبيات السابقة أن تشبيه الشعراء الخمرة بدم الذبيح من المخزون الشعوري‬

‫الجمعي لديهم‪ ،‬وهذا يعني أننا لسنا أمام موقف فني فردي‪ ،‬وانما نحن أمام طقس جمعي‪.‬‬
‫تحل فيهم روحه‬
‫لقد كانت الخمرة شرابا إلهيا مقدسا‪ ،‬فهو دم اإلله الذي صرع‪ ،‬يشربه عبيده ل ّ‬
‫وقواه في احتفاّلت تمثل مصرعه وقيامه من بين األموات‪.)5‬‬
‫ونالحظ أن الخمرة ّل تزال حتى يومنا هذا‪ ،‬تُشرب في ممارسة دينية في بعض األعياد اليهودية‬

‫والمسيحية ممثلة بدم اإلله‪ ،‬ففي األعياد تحيا ذكرى موته‪ ،‬ومن ّل يشربها بهذه الصفة ّل ّ‬
‫يعد من‬
‫المؤمنين‪.)6‬‬
‫القربان وحلف األيمان‪:‬‬

‫وقد كان العرب يحلفون بالقرابين التي يقدمونها آللهتهم‪ ،‬وهذا يدل على مدى تعظيم القرابين‪،‬‬
‫مقدس‪ ،‬وله مكانته الكبيرة في حياة الجاهليين‪ ،‬ومن ذلك حلف أمية بن األسكر‪:)7‬‬
‫فهو أمر ّ‬

‫(الرجز)‬
‫ديـــــن يـــــحـــــلـــــفـــــان بـــــُنـــــ ُهـــــ ْم‬
‫ُســـــــــــــيـــــ ْ‬
‫أَ‬ ‫يــــيــــن فــــي َغــــَنــــ ْم‬
‫ــــت راعــــ ْ‬
‫إذا لــــقــــيـ َ‬
‫القرم!‬
‫ْ‬ ‫ْخــــ ْذ َك بــــاللحم‬
‫فــــامض‪ ،‬وال يــــأ ُ‬
‫ْ‬ ‫تســــــــــم‬
‫ْ‬ ‫الء َل ـحــم ُم ـ ْق ـ‬
‫أشــــــــــ ُ‬
‫َب ـْي ـَن ـ ُه ـمـــــا ْ‬

‫‪ )1‬زهير بن أبي ُسلمى‪ :‬الديوان‪ ،‬صنعه أبو العباس ثعلب‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪2004 ،‬م‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫القوي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )2‬الشادن‪ :‬الغزال‬
‫‪ )3‬أتأق‪ :‬أمأل‪.‬‬
‫‪ )4‬الراووق‪ :‬الكرابيس‪ ،‬وهي عبارة عن مصفاة من ثوب أبيض مصنوع من القطن‪.‬‬
‫‪ )5‬النعيمي‪ ،‬أحمد إسماعيل‪ :‬األسطورة في الشعر العربي قبل اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار سينا للنشر‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‪.235‬‬
‫‪ )6‬عبد الرحمن‪ ،‬نصرت‪ :‬الواقع واألسطورة في شعر أبي ذؤيب الهذلي‪( ،‬د‪ ،‬ط)‪ ،‬عمان‪ :‬دار الفكر‪1976 ،‬م‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪ )7‬ابن الكلبي‪ :‬األصنام‪ ،‬ص‪.40‬‬
‫‪101‬‬
‫"الغ ْب َغب" وهو المكان الذي تنحر فيه القرابين وتقدم آللهتهم‪ ،‬فحلفوا به‪ ،‬فقال‬
‫ظموا َ‬
‫كما ع ّ‬

‫ُنهَ ْيكَةُ الفزاريّ‪:)1‬‬


‫(الكامل)‬
‫ب!‬
‫ت إلى منى ف ِِِّّّالغبغ ِِِّّّ ِ‬
‫والراقص ِِِِِِِِِّّّّّّّّّا ِ‬
‫ّ‬ ‫ِّام‪ !)2‬لو ُقِِّّد ُُرتد عليِِّّكُ رمِِّّاحنِِّّا‬
‫يِِّّا عِّ ِ‬
‫الدم‪ ،‬أي في أثناء تقديم القرابين‪ ،‬وفي ذلك قال طرفة بن‬
‫كما حلفوا في حالة األنصاب المسفوح بينها ّ‬
‫العبد معتذ ار لعمرو بن هند نافيا أن يكون قد هجاه‪:)3‬‬
‫(الكامل)‬
‫بـــيـــنـــهـــن دم‬
‫َّ‬ ‫فـــح‬
‫أنصـــــــــــــاب ُي ْســــــــــــ ُ‬ ‫هجوتـــــ َك‪ ،‬والـْــــــــــــــــــ‬
‫ُ‬ ‫إني وجـــــدك‪ ،‬مـــــا‬

‫المتلممس بها أيضا‪ ،‬فقال‪:)4‬‬


‫ّ‬ ‫وأقسم‬
‫(الكامل)‬
‫والـــــــالت واألنصـــــــــــــــاب ال تـــــــئـــــــل‬ ‫أطـــــردتـــــنـــــي حـــــذر الـــــهـــــجـــــاء وال‬

‫هم عبد المطلب بذبح ابنه عبد هللا إيفاء لنذره إن رزقه‬
‫وحلف أبو طالب بذي األنصاب‪ ،‬وذلك عندما ّ‬
‫هللا عشرة أوّلد ذبح واحدا منهم‪ ،‬فقال‪:)5‬‬
‫(الرجز)‬
‫كال ورب البيت ذي األنصاب‬
‫ما َذْب ُح عبد هللا بالتلعاب‬
‫شيب‪ )6‬إن الريح ذو عقاب‬
‫يل ُ‬
‫وقال طرفة بن العبد أيضا‪:)7‬‬
‫(الطويل)‬
‫أشــــــــــ َهـــــُد‬
‫مــتــى َيـــــ ُك أمـٌـر لـْـلـنــكــيـ َـثـــــة ْ‬ ‫ــــت بـــــالـــقـــربـــى‪ ،‬وجـــــد َك إنـــنـــي‬
‫َوقـــربـ ُ‬

‫‪ )1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.21‬‬


‫‪ )2‬يا عام‪ :‬المقصود بهذا النداء عامر بن الطفيل‪.‬‬
‫‪ )3‬ديوانه‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪ )4‬ابن الكلبي‪ :‬األصنام‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪ )5‬ديوانه‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫مرخم لشيبة وهو اسم لعبد المطلب‪.‬‬
‫شيب‪ :‬منادى ّ‬
‫) يا ُ‬
‫‪6‬‬

‫‪ )7‬ديوانه‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫‪102‬‬
‫وكذلك حلف السموأل بن عاديا بالقربان‪ ،‬فقال‪:)1‬‬
‫(الطويل)‬
‫المتكامل‬
‫العلى ُ‬
‫تســـــــــلموا ُح َّب ُ‬
‫اســـــــــ ْ‬
‫لها ْ‬ ‫مــن الــنـــــار والــقــربـــــان والــمــحــن الــتــي‬

‫كما حلفوا برب الداميات‪ ،‬واألخيرة هي اإلبل التي نحرت تقربا لآللهة‪ ،‬وفي ذلك قال بشر بن أبي‬
‫خازم األسدي‪:)2‬‬
‫(الطويل)‬
‫أجو ُاز الجواء ومــــ ْذَنــــ ُب‬
‫َومــــا َضـــــــــ َّم ْ‬ ‫ـورهـــــا‬
‫حــلـ ْـفـــــ ُت بــرب الـــــدامــيـــــات ُن ـحـ ُ‬

‫القربان والنذور‪:‬‬
‫تعد النذور شكال من أشكال التقرب لآللهة‪ ،‬وهي مقدمة لألرباب بشكل جبري‪ ،‬ويرجع ذلك‬
‫ّ‬
‫ضحيته التي وعد ربه بها إّل‬
‫ّ‬ ‫يقدم الجاهلي‬
‫لعامل اإلخالص والوفاء بها‪ ،‬والنذر وعد مشروط‪ ،‬فال ّ‬
‫المقدس بين الناذر واآللهة‪ ،‬وللعبد أن ينذر ما يشاء‪ ،‬كأن ينذر‬
‫إذا حقق له مبتغاه‪ ،‬وهو بمثابة العقد ّ‬
‫ذبيحة‪ ،‬أو مجموعة من الذبائح‪ ،‬أو قربانا بشريا‪ ،)3‬أو ما في بطون اإلنسان أو الحيوان‪ ،‬أو أرضا‪،‬‬

‫أو زرعا‪ ،‬أو اعتكافا أو مواهب أو أسماء أو ربيضا وهو نذر اّلبن لخدمة بيت الصنم إذا عاش‪.‬‬
‫الربيض في شعر الحارث بن حلّزة اليشكري‪ ،‬فقال‪:)4‬‬
‫وقد ورد ذكر ّ‬
‫(الخفيف)‬
‫ــــاء‬
‫عــــن ُحــــجــــرة الــــربــــيــــض الــــظــــبـ ُ‬ ‫وظــــْلــــمـــــا كــــمـــــا‬
‫بـــــاطــــال ُ‬ ‫‪)5‬‬
‫َعــــَنــــتـــــا‬

‫‪ )1‬ديوانه‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫‪ )2‬ديوانه‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫طقوس جذور أسطورية موغلة في القدم‪ ،‬فقد كانت عادة تقديم القرابين باختالف أنواعها سائدة عند كل الشعوب‬
‫‪ )3‬ولهذه ال ّ‬
‫القديمة‪ ،‬ومن ذلك أن "آشور بانيال" ملك آشور يفخر بأنه حرق بالنار ثالثة آّلف أسير بقرابين جنائزية‪ ،‬حتى يدخل السرور‬
‫على قلب اآللهة العظام‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬ديورانت‪ ،‬ول‪ :‬قصة الحضارة‪ ،‬مجلد ‪ ،2‬ج‪ ،2‬ص‪.56‬‬
‫‪ )4‬ديوانه‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫اضا‪.‬‬
‫) َعنتا‪ :‬اعتر ً‬
‫‪5‬‬

‫‪103‬‬
‫كمية ونوعا‪ ،‬وّل يجوز‬
‫الصدق والوفاء ّ‬
‫السابق أن من شروط صحة النذر ّ‬
‫ونستدل من البيت ّ‬
‫ّ‬
‫التملص من النذر واستبداله بشيء آخر‪ ،‬فمثال ّل يجوز استبدال عتائر األغنام بالظباء‪ ،‬وهذا ما‬
‫قصده الحارث بن حّلزة‪.‬‬
‫أن العرب كانوا‬
‫يؤكد ما ذهب إليه الحارث بن حّلزة‪ ،‬من ّ‬
‫ونجد بيتا آخر لكعب بن زهير ّ‬
‫ينذرون للصنم ناقة أو شاة‪ ،‬فإذا حان وقت الوفاء بالنذر‪ ،‬اصطادوا ظبيا عوضا عن الناقة أو الشاة‪،‬‬
‫وقدموها قربانا لآللهة‪ ،‬فيقول‪:)1‬‬
‫(الوافر)‬
‫وهـــــا‬ ‫َوال ْال َخ ْم ُســــــــــو َن َق َّصــــــــــَر َ‬
‫طـــــالُب َ‬ ‫ــــاء بـــ َحـــي َكـــ ْعـــــب‬
‫َفـــمـــــا ُعـــتـــَر الـــظـــبـ ُ‬
‫وقد كانت الناسكات المتعبدات يجلسن طويال وينتظرن هذا النذر‪ ،‬لدرجة ّ‬
‫أن رؤوسهن امتألت‬
‫شدة حاجتهم للنذر‪ ،‬وفي ذلك قال لبيد بن ربيعة‪:)2‬‬
‫بالغبار؛ وذلك من ّ‬
‫(الرجز)‬
‫بوح ُشعثا ُغْبًار‬
‫س الُن َ‬
‫َت َوج ُ‬
‫ظْر َن النذ ار‬
‫كالناكسات يْنت َ‬
‫ومما يدخل في جملة النذور‪ ،‬نذر عبد المطلب الذي كان ينوي ذبح أحد أوّلده إذا رزقه رّبه‬
‫ّ‬
‫بعشرة أوّلد سالمين ورآهم رجاّل‪ ،‬وفي ذلك قال‪:)3‬‬
‫(الرجز)‬
‫موف عهده‬
‫عاهدت ربي‪ ،‬وأنا ً‬
‫ُ‬
‫أخاف ربي إن تركت وعده‬

‫تمام حبيب بن أوس‪ :‬ديوان الحماسة‪ ،‬شرحه وعلق عليه‪ :‬أحمد حسن بسج‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1998 ،‬م‪،‬‬
‫) أبو ّ‬
‫‪1‬‬

‫ص‪.177‬‬
‫وهذا الكالم كناية عن الوفاء بالنذر وعدم التقصير فيه وذلك أن بعض العرب كان يقول إذا بلغت غنمي كذا من العدد ذبحت‬
‫منها شاة أو شياها وأطعمها المساكين فإذا بلغت غنمه تلك العدة ضن بها وكره أّل يوفي بالنذر فاصطاد ظبيا أو ظباء فذبحها‬
‫عن الغنم والمعنى ليس األمر في هذه الوقعة كمن نذر شيئا ثم وفي بغيره فإن أصحابك لم يذبحوا الظباء بدل الرجال ولم يقصروا‬
‫في إيفاء نذرك بل قتلوا خمسين كما نذرت‬
‫‪ )2‬لبيد بن ربيعة‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫‪ )3‬اليعقوبي‪ :‬تاريخ اليعقوبي‪ ،‬ص‪.208‬‬
‫‪104‬‬
‫وهللا ال يحمد شيء حمده‬
‫القربان والهدايا‪:‬‬

‫التقرب والتودد والتحبب منها‪ ،‬فال‬ ‫عمد الجاهليون إلى تقديم الهدايا و َ‬
‫اله ْدي آللهتهم بهدف ّ‬
‫يقدسون‬ ‫الهدي ومقدمه سوى الموت‪ ،‬كيف ّل؟ وقد كان هذا العمل ّ‬
‫مقدسا لديهم‪ ،‬فهم ّ‬ ‫يحول بين ْ‬
‫ُ‬
‫بشر بن أبي خازم األسدي‪:)1‬‬ ‫المهدى‪ ،‬وكذلك يقدسون ّ‬
‫مقدم الُقربان‪ ،‬وفي ذلك قال ُ‬ ‫القربان ُ‬
‫(الطويل)‬
‫ــــوت فـــــأُقـــــبـــــ ار‬
‫عـــــلـــــي هـــــديـــــا أو أمـ ُ‬ ‫ان‪)3‬؛ إن ألهــــلــــهـــــا‬ ‫وجـ َّ‬
‫ـــنــــْبــــ ُتــــهـــــا قــــر َ‬
‫‪)2‬‬

‫مقدم‬
‫أسر ّ‬
‫للهدي فرض على ُمقدمه‪ ،‬وله حرمة كحرمة الحفاظ على الجار‪ ،‬ويمنع ُ‬
‫الديني ْ‬
‫فالحكم ّ‬
‫المقدمة‪ ،‬وفي ذلك الحكم والحرمة قال زهير بن أبي سلمى‪:)4‬‬
‫الهدي أو العبث في الهدايا ّ‬
‫ْ‬
‫(الوافر)‬
‫‪)5‬‬
‫ــــاء‬
‫ولـ ْــم َأر جـــــار بـــيـــــت ُي ْســــــــــــتـــبـ ُ‬ ‫ــــديـــــا‬
‫أســــــــــروا هـ َ‬
‫فـ َـل ـ ْم َأر مـ ْـعشــــــــــرا‪َ ،‬‬
‫الجاهلية كانت تهدي لخزانة هبل ‪-‬أكثر أصنام قريش تعظيما‪-‬‬
‫ّ‬ ‫أن العرب في‬
‫ويذكر األزرقي ّ‬
‫مائة بعير‪ ،‬وعندما يأتونه (هبل) يضربون القداح ويقولون‪:)6‬‬

‫(الوافر)‬
‫الـــــمـــــيـــــت والـــــعـــــذرة والـــــنـــــكـــــاحـــــا‬ ‫ثــــــالثــــــة يــــــا هــــــبــــــل فصــــــــــــــاحــــــا‬

‫إن لـــــم تـــــقـــــلـــــه فـــــمـــــر الـــــقـــــداحـــــا‬ ‫والبرء في المرضـــــــــى والصـــــــــحــــاحــــا‬

‫إنــا اخـــــــتـلـفـنـا فــــهــب الســـــــــراحـــــــا‬


‫الُقربان والترجيب‪:‬‬

‫‪ )1‬بشر بن أبي خازم األسدي‪ :‬الديوان‪ ،‬ص‪.78‬‬


‫جنب ُتها‪ :‬الخيل‪.‬‬
‫) ْ‬
‫‪2‬‬

‫مقدس‪.‬‬
‫) قران‪ :‬اسم موقع ّ‬
‫‪3‬‬

‫‪ )4‬ديوانه‪ ،‬ص‪.85‬‬
‫ستباء‪ :‬يتخ ُذ زوجة جاره أهال‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ُ )5‬ي‬
‫‪ )6‬األزرقي‪ :‬أخبار مكة وما جاء فيها من اآلثار‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.119‬‬
‫‪105‬‬
‫محرم الصيد فيه‪ ،‬لذلك كثُر‬
‫والترجيب أو الرجبية مأخوذة من اسم شهر رجب‪ ،‬وهو شهر ّ‬
‫فيه الذبائح والعتائر‪ ،‬حيث يتوجب على اإلنسان أن يقدم أعز ما يملك آللهته‪ ،‬وهي كلمة واسعة‪،‬‬
‫تشمل كل ما يذبح ويقدم لآللهة‪ ،‬فمن نذر نذ ار يوفيه في شهر رجب‪ ،‬ومن أراد أن يذبح ذبيحة بصرف‬
‫يؤجل ذبحها إلى شهر رجب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫النظر عن نوعها‪،‬‬
‫فأيام الترجيب والتعتير مليئة بالذبائح التي تسير وفق خطوات دقيقة‪ ،‬إذ تساق الذبائح إلى‬
‫ّ‬
‫ثم يبين صاحب القربان‬
‫المقدم له‪ّ ،‬‬
‫ثم التسمية باسم الصنم ّ‬
‫السيور‪ّ ،‬‬
‫ميزوها بالقالئد و ّ‬
‫األصنام‪ ،‬وقد ّ‬
‫طخ قتة الصنم‪ ،‬أي أعاله بدم القربان‪ ،)1‬وقد ذكر ذلك عمرو بن‬
‫ثم تُذبح ويل ّ‬
‫سبب الذبح وغرضه‪ّ ،‬‬
‫عبد الجن الفارسي الجاهلي‪ ،‬فقال‪:)2‬‬
‫(الطويل)‬
‫العزى أو النســـــــــر عنـــدمـــا‬
‫على ُقنـــة ُ‬ ‫ــــالـــــهـــــا‬
‫أَمـــــا ودمـــــاء مـــــائـــــرات تـــــخـ ُ‬
‫وفي ذلك قال سالمة بن جندل‪:)3‬‬
‫(البسيط)‬
‫ــــــــــــاب َتْرجيـــــب‬
‫ُ‬ ‫كـــــأن أعنـــــا َقهـــــا أنصـ‬ ‫ـــات‪ ،‬أســــــــــــاب لي الــــدمــــاء بهــــا‬
‫والعــــاديـ ُ‬
‫يشبه الشاعر أعناق الخيل بالحجارة (األنصاب) التي تذبح عليها القرابين في شهر رجب‪،‬‬
‫لما عليها من الدماء‪.‬‬

‫الُقربان والحج‪:‬‬
‫يحجون إليه‬
‫ظمون البيت الحرام بمكة‪ ،‬فكانوا ّ‬
‫الجاهلية كانوا يع ّ‬
‫ّ‬ ‫شك أن معظم العرب في‬
‫ّل ّ‬
‫الديانة‬
‫محدد من السنة‪ ،‬وفي أيام معلومات‪ ،‬وقد انتقلت إليهم مناسك الحج ومشاعره من ّ‬
‫‪)4‬‬
‫في شهر ّ‬

‫‪ )1‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في أديان العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار الشعاع‪2004 ،‬م‪ ،‬ص‪.173‬‬
‫‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة (أبل)‪.‬‬
‫‪ )3‬سالمة بن جندل‪ :‬الديوان‪ ،‬صنعه‪ :‬محمد بن الحسن األحول‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العرب‪1994 ،‬م‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ )4‬ويبدو لنا أن الحج سواء كان في زمن سيدنا إبراهيم أو في زمن العصر الجاهلي أو في زماننا اليوم هو نفسه مع اختالفات‬
‫ونستدلل على ذلك من قول هللا سبحانه في القرآن الكريم‪ " :‬وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ‬
‫ّ‬ ‫المقدس‪-‬‬
‫بسيطة جدا ‪-‬خال طقوس الجنس ّ‬
‫رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِر يَأْتِنيَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق"‪ (.‬الحج‪ ،‬اآلية‪ ،)27 :‬فحال الحجاج المسلمين في اآلية السابقة يشبه إلى حد كبير‬
‫‪106‬‬
‫الحنيفة التي دعا إليها إبراهيم عليه السالم‪ ،‬فتمسكوا بمعظم سننها‪ ،‬وراعوا حرمتها‪ ،‬خاصة الوقوف‬
‫على عرفات والمزدلفة ومنى‪ ،‬وذبح القرابين والهدايا والعتائر‪.‬‬
‫التقرب من‬
‫التعبد و ّ‬
‫الحجة بقصد ّ‬
‫ّ‬ ‫وقد كان الحجاج يأتون إلى الكعبة من ِحراء في شهر ذي‬

‫آلهتهم‪ ،‬وكانوا يحضرون معهم الهدايا والقرابين‪ ،‬إ ْذ ّل يستقيم السير إلى مكة إّل إذا وافق ْ‬
‫الهدي‪،‬‬
‫أشد‬ ‫فكان الحجاج يسوقون أمامهم ْ‬
‫هديا‪ُ ،‬بدنا مختارة للنحر؛ حتّى توزع على الفقراء الذين هم في ّ‬
‫الحاجة إليها‪ ،‬وفي ذلك قال عوف بن األحوص‪:)1‬‬
‫(الوافر)‬
‫اء‬
‫َمـــــحـــــارَمـــــ ُه ومـــــا َجـــــ َمـــــ َعـــــ ْت حـــــر ُ‬ ‫ش‬
‫وانــــــي والــــــذي َحــــــجــــــ ْت ُقــــــَرْيــــــ ٌ‬
‫ـــاء‬
‫إذا ُحب َســـــــــــــ ْت ُم َضـــــــــر َج َهــــا الــــدمـ ُ‬ ‫ُمـــيـــــ َة و ْالـــهـــــدايـــــا‬
‫وشــــــــــــ ْهـــر َبـــنـــي أ َ‬
‫َ‬

‫وعلى كل حاج أن يشعر‪ )2‬هديه‪ ،‬وذلك بشق جلد الهدي‪ ،‬أو طعنها في ِ‬
‫أسن َمتها في أحد الجانبين‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫هدي‪ ،)3‬أو َج ِّز سنامها فيسيل منه الدم‬
‫ويعلم أنه ْ‬
‫أو طعنها في سنامها األيمن حتى يظهر الدم ُ‬
‫الهدي وأعناقها‪.)4‬‬
‫فيعرف أنها هدي‪ ،‬وأشعروا بتعليق القالئد على أسنمة ْ‬
‫ُ‬

‫حال الحجيج عند العرب الجاهليين‪ ،‬حيث كانوا يأتون على ُ‬


‫ض ّمر في الميس‪ ،‬من عكاظ‪ ،‬والمجنة‪ ،‬وذي المجاز‪ ،‬وهم في حالة‬
‫إحرام‪ ،‬وجاء عند األزرقي أن العرب كانت تقول‪ " :‬ال تحضروا سوق عكاظ‪ ،‬ومجنة‪ ،‬وذا المجاز إال محرمين بالحج"‪ ،‬وفي ذلك‬
‫العزى السالمي‪:‬‬
‫قال عبيد بن ّ‬
‫(الطويل)‬
‫ف‬ ‫إذا شُـابـكـتد أ دنيــابـُها اللجدـــنُ تُص ِ‬
‫دـــر ُ‬ ‫دس يُ دنفُ دخنُ في الـبُرى‬ ‫على ُ‬
‫ض ّمر في ال ُمي ِ‬

‫ينظر‪ :‬األزرقي‪ :‬أخبار مكة وما جاء فيها من اآلثار‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .67‬وينظر‪:‬الجبوري‪ ،‬يحيى‪ :‬قصائد جاهلية نادرة‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪1988 ،‬م‪ ،‬ص‪.126‬‬ ‫بيروت‪ّ :‬‬
‫‪ )1‬الضبي‪ ،‬محمد بن يعلى بن عامر‪ :‬المفضليات‪ ،‬تحقيق الدكتور قصي الحسين‪ ،‬الطبعة األخيرة‪ ،‬بيروت‪ :‬دار ومكتبة الهالل‪،‬‬
‫‪2004‬م‪ ،‬ص‪.102‬‬
‫القدس‪.‬‬
‫الدين‪ ،‬عالم ُ‬
‫الدنس إلى عالم ّ‬
‫) اإلشعار‪ :‬وهو عالمة مختصة في األنعام للتميز‪ ،‬واشارة عبور من عالم الطبيعة و ّ‬
‫‪2‬‬

‫‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة (شعر)‪.‬‬


‫أن محمدا (صلى هللا عليه وسلم) أشعر بنفسه ُب ْدنة السبعين‪ ،‬وهي موجهة إلى القبلة‪ ،‬فطعنها في الشق‬‫السير ّ‬
‫) تذكر كتب ّ‬
‫‪4‬‬

‫األيمن وجّللها وقّلدها نعال نعال‪.‬‬


‫ينظر‪ :‬الواقدي‪ ،‬محمد بن عمر‪ :‬كتاب المغازي‪ ،‬بيروت‪ :‬عالم الكتب‪1965،‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.573‬‬
‫فتلت‬
‫بيدي‪ُ ،‬‬
‫هدي رسول هللا (صلى هللا عليه وسلم) ّ‬
‫فتلت قالئد ْ‬
‫ويدكر القرطبي أن عائشة – رضي هللا عنها‪ -‬كانت تقول‪ " :‬أنا ُ‬
‫ثم قّلدها بيديه"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قالئدها من ع ْهن كان عندي‪ّ ،‬‬
‫‪107‬‬
‫وكان العرب يقفون على جبل عرفة في التاسع من شهر ذي الحجة‪ ،‬وقد قال أ ْ‬
‫ُحيحة بن‬
‫الجالح في ذلك‪:)1‬‬
‫ّ‬
‫(الطويل)‬
‫وعـــرفـــوا‬ ‫(‪)2‬‬
‫ــــد أهـــلـــوا‬
‫بـــرب حـــجـــيـــج قـ ْ‬ ‫وقــــد َح ْلفــــ ُت والســـــــــ ْتر بيني وبينهــــا‬
‫ْ‬
‫وقال أبو طالب في الوقوف بعرفة‪:)3‬‬
‫(الطويل)‬
‫‪)6‬‬
‫القوابل‬
‫إالل‪ )4‬إلى َم ْف َضــــى‪ )5‬الشــــراج َ‬ ‫لـه‬
‫بـالمشـــــــــ َعر األَ ْقصـــــــــى إذا َع َمـدوا ُ‬
‫ْ‬ ‫َو‬

‫ور الرواحـــل‬ ‫ُيقيمو َن بـ ْ‬


‫ــاأليـــدي ُصـــــــــــُد َ‬ ‫ق الجبـــــال َعشــــــــــيـــــ ًة‬
‫فو َ‬
‫َوَت ْوقـــــاف ه ْم ْ‬
‫حج دون إراقة ّ‬
‫الدماء‪ ،‬ويظهر ذلك جليا في تلبية‬ ‫ويعد هذا اليوم يوم دعاء وذبح ونحر عتائر‪ ،‬فال ّ‬
‫ّ‬
‫بني كنانة‪ ،‬التي كانت‪:)7‬‬
‫لبيك اللهم لبيك‬
‫اليوم يوم التعريف‬
‫يوم الدعاء والوقوف‬
‫الدماء‬
‫ُ‬ ‫وذي صباح‬
‫من شجها والنزيف‬

‫ّلبد من اإلشارة إلى‬


‫الهدي في منى‪ ،‬بعد اإلفاضة إليها‪ ،‬وهنا ّ‬‫وكانوا يذبحون الذبائح أو ْ‬
‫ِ‬
‫أن العرب جميعا كانت تعظم منى التي هي مشتقة من "مناة"‪ ،‬وكانوا يذبحون حولها أو إليها‪ ،‬و ْ‬
‫أن لم‬ ‫ّ‬

‫القرطبي‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪1993 ،‬م‪ ،‬م‪ ،3‬ج‪ ،6‬ص‪.13-12‬‬
‫‪ )1‬الجبوري‪ ،‬يحيى‪ :‬قصائد جاهلية نادرة‪ ،‬ص‪.126‬‬
‫‪ )2‬أهلوا‪ :‬رفعوا أصواتهم بالتلبية عند الحج‪.‬‬
‫‪ )3‬ديوانه‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫‪ )4‬إالل‪ :‬جبل من جبال عرفة‪.‬‬
‫‪ )5‬مفضى‪ :‬منتهى‪.‬‬
‫‪ )6‬القوابل‪ :‬المتقابلة‪.‬‬
‫‪ )7‬قطرب‪ ،‬محمد بن المستنير‪ :‬كتاب األزمنة وتلبية الجاهلية‪ ،‬تص‪.118‬‬
‫‪108‬‬
‫‪)1‬‬
‫أن هذه العتائر والذبائح كانت تذبح إلى‬
‫يكن أحدا أشد إعظاما لها من "األوس والخزرج" ‪ ،‬ويبدو لنا ّ‬
‫الرجل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫سميت بهذا اّلسم؛ ّلرتباطها بالمن ّي الذي هو ماء ّ‬
‫ولعل مناة ّ‬
‫المقدس‪ّ ،‬‬
‫مناة عند طقوس البغاء ّ‬
‫المقدس بإراقة‬ ‫فكانوا يذبحون ويسفكون ّ‬
‫الدماء لزيادة النسل في اإلنسان والطبيعة‪ ،‬ومباركة في البغاء ّ‬
‫سائل الحياة‪.‬‬
‫وفيها قال الشاعر‪:)2‬‬
‫(الطويل)‬
‫ـــوَقـــــ ُه َســــــــــــ ْفــــ ُع الـ َّ‬
‫ــــدم‬ ‫ــــار فـ ْ‬
‫الح قــــتـ ُ‬
‫َو َ‬ ‫َجازت َصــــــ ْوَف ُة‪ )3‬الن ْق َب من منى‬
‫إذا ما أ ْ‬
‫المنصبة على‬
‫ّ‬ ‫وفي الذبح قال زهير بن أبي سلمى واصفا العتائر "شعائر القربان" والدماء‬
‫رؤوس األصنام‪ )4‬بغية استرضاء اآللهة‪:)5‬‬
‫(البسيط)‬
‫أســــــــ ُه الُن ُســــــــ ُك‬
‫َك َمْنصــــــــب اْلعتر دمى َر َ‬ ‫َفـــزل َعـــْنـــهـــــا‪َ ،‬و ْأوَفـــى َ ْأر َ‬
‫س َمـــْرَقـــَبـــــة‬

‫وقال نهيكة الفزاري في سوق ُ‬


‫البدن لل ّذبح‪:)6‬‬

‫(الرجز)‬
‫ّ‬
‫ــــل لـــي مـــ ْن قـــومـــي مـــن أربـــــاب؟‬
‫هـ ْ‬ ‫ق ُبــــ ْدني‪ُ ،‬م ْحقًبــــا أْنصـــــــــــــابي‬
‫َســـــــــو ُ‬
‫أُ‬

‫نستدل على ذلك من خالل خبر ابن الكلبي أن األوس والخزرج "الحلة" لم يختصوا وحدهم بتقديم العتائر إلى مناة وتعظيمهم‬
‫ّ‬ ‫‪)1‬‬
‫ّ‬
‫لها‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬ابن الكلبي‪ :‬األصنام‪ ،‬ص‪.44 -43‬‬
‫ّ‬
‫‪ )2‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في أديان العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ص‪.336‬‬
‫‪َ )3‬ص ْوفة‪ :‬حي من أحياء مضر‪ ،‬كانت ِ‬
‫تخرُج أحد رجالها‪ ،‬ويقول‪ :‬أجيزي صوفة‪ ،‬فإذا جازت‪ ،‬قال‪ :‬أجيزي خندف‪ ،‬فإذا أجازت‬
‫أذن للناس في اإلجازة‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في أديان العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ص‪.336‬‬
‫‪ )4‬ديوانه‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫‪ )5‬زهير بن أبي سلمى‪ :‬الديوان‪144 ،‬ص‪.‬‬
‫‪ )6‬ابن الكلبي‪ ،‬األصنام‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪109‬‬
‫النحر‪ ،‬أو بيوم التشريق‪ ،‬حيث يقوم الحجاج بتشريق لحوم األضاحي‪ ،‬واألخيرة‬
‫ويعرف يوم الذبح بيوم ّ‬
‫ُ‬
‫ثم توزيعها‪ ،‬وفي ذلك قال أبو‬
‫تعني تقطيع اللحوم إلى قطع صغيرة ثم يعرضونها للشمس‪ ،‬ومن ّ‬
‫طالب‪: )1‬‬
‫(الطويل)‬
‫المـَقـَّبـــــل‬
‫ــــاه والرْكن العـعـتـيـق ُ‬
‫ب َمـــــ ْدمـ ُ‬ ‫حورهــــا‬
‫َوبــــالحج أو بــــالنَيــــب َتــــ ْدمى ُن ُ‬
‫وم ْفصــــــــــــل‬ ‫ي‬ ‫ـونـــــ ُه أو تـ ْـع ـط ـف ـوا ُدو َن نـ ْـي ـلـــــه‬
‫صـــــــــوارُم َت ْفر ُكـــ َّل َع ْظم َ‬ ‫َت ـَنـــــالـ َ‬
‫القربان وخدمة الصنم‪:‬‬
‫يسمون من يقومون‬
‫تعد خدمة الصنم من وسائل التقرب إلى اآللهة‪ ،‬وكان عرب الجاهلية ّ‬
‫مقدس‪ ،‬وعبادة لصاحب الخدمة‪ ،‬وهو شرف عظيم للعائلة‪،‬‬
‫بالسدنة‪ ،‬والسدانة طقس ّ‬
‫على خدمته ّ‬
‫ويتعاقب هذا الشرف جيل تلو جيل عن طريق الوراثة‪.‬‬
‫السقاية‪ ،‬إ ْذ يقدمون للحجاج الطعام‬
‫وقد كان من الوظائف التي تلحق بالسدنة الضيافة و ّ‬
‫الحق في اجتباء القرابين واألضاحي والنذور‬
‫ّ‬ ‫الشراب وقت الصباح‪ ،‬وكان للسدنة مقابل هذا العمل‬
‫و ّ‬
‫الهذلي‪:)2‬‬
‫واّلستفادة منها‪ ،‬وفي ذلك قال أبو ُخراش ُ‬
‫(البسيط)‬
‫ولم َيطف‬
‫ولم ُيْلم ْم ْ‬
‫الشـــــــــروب ْ‬
‫ط ُ‬ ‫وســـــــــ َ‬ ‫ـــم َأرُه‬
‫َمـــــا لـــــُدَبــــيـــــ َة ُمــــنـــــ ُذ الــــيــــوم لـ ْ‬
‫من شـــــــــيزى َبني َ‬
‫الهطف‬ ‫من الرواويق ْ‬
‫َ‬ ‫اهـم بـ ُمـ ْتـَر َعـــــة‬
‫لــو كـــــان حـًـيـــــا‪ ،‬لـ َـغـــــ َاد ُ‬
‫السقاية رديفة للسدانة‪ ،‬إ ْذ كانوا يسقون الحجاج الماء‪ ،‬وكان للماء مقصد آخر غير الشرب‬
‫و ّ‬
‫هو الطهارة‪ ،‬كما نقعوا بالماء الزبيب لسقاية الحجاج‪ ،‬كما قدموا لهم اللبن والعسل‪ ،‬وفي ذلك قال‬

‫أبو طالب‪:)3‬‬
‫(مجزوء الكامل)‬

‫‪ )1‬ديوانه‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫‪ )2‬الهذليون‪ :‬الديوان‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬القاهرة‪ :‬الدار القومية للطباعة والنشر‪1965 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.155‬‬
‫‪ )3‬أبو طالب‪ :‬الديوان‪ ،‬شرحه الدكتور محمد التونجي‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الفكر العربي‪1997 ،‬م‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪110‬‬
‫‪)2‬‬
‫ـــــعــــــْنــــــ ُجــــــُد‬
‫ـــــاث الـ ُ‬
‫‪)1‬‬
‫ج بــــــهــــــا ُيــــــمـ ُ‬ ‫ولـــــنـــــا الســــــــــــــقـــــايـــــ ُة لـــــلـــــحـــــجـــــي‬
‫مقدسة‪ ،‬خاصة وأنها مهنة تقربهم من آلهتهم‪ ،‬وبها يحصلون‬
‫ّ‬ ‫السقاية مهنة‬
‫ولقد كانت مهنة ّ‬
‫الرضا‪ ،‬ولذلك كانوا يتفاخرون بمهنتهم‪ ،‬وُذكر أن رسول هللا (صلى هللا عليه وسلم) قال‪" :‬أّل إن‬
‫على ّ‬
‫كل مكرمة كانت في الجاهلية‪ ،‬فقد جعلتها تحت قدمي‪ ،‬إّل السقاية والسدانة"‪ ،)3‬وهذه المكرمات هي‬
‫من مآثر العرب في الجاهلية‪ ،‬مكارمها وتفاخرها التي تؤثر عنها‪ ،‬وهذا ما نجده عند أبي طالب‪ ،‬الذي‬
‫قال‪:)4‬‬
‫(المتقارب)‬
‫ُ‬
‫ـــم‬ ‫ى‬
‫ـــف الـــــ ُذر ُمــــ ْعــــلـ ُ‬
‫ـــجـــــٌد ُمــــنــــيـ ُ‬
‫ومـ ْ‬ ‫الحجيج‬
‫ــــــــيَبـــ ُة ســـــــــــاقي َ‬
‫َنمـــان َي شـ ْ‬
‫‪)7‬‬ ‫‪)6‬‬ ‫‪)5‬‬

‫وقال أيضا أبو طالب مفتخ ار‪:)8‬‬

‫(الطويل)‬
‫ق الكواهـــــل‬
‫وفو َ‬
‫منهم ْ‬
‫ْ‬ ‫ونحن الـــــذَرى‬
‫ُ‬ ‫فيهم‬ ‫ض الســـــــــقــــايــــة‬
‫حو ُ‬
‫ـــان لنــــا ْ‬
‫وكـ َ‬
‫ُ‬
‫السدنة تقربا إلى اآللهة أيضا كسوة الكعبة‪ ،)9‬فكان أول من‬ ‫ومن األعمال التي يقوم بها ّ‬
‫اليمنية‪ ،‬وكانت تُكسى عادة يوم‬ ‫مي ِر ّي‪ ،‬إ ْذ كساها بالحبرة‪ ،‬والوصايل‪ ،‬و ِ‬
‫البرود‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫كساها ّتبع أسعد الح َ‬
‫ثم‬ ‫ِ‬
‫القميص وّل يخاط حتّى انصراف الناس من م َنى‪ّ ،‬‬‫ُ‬ ‫عاشوراء ويوم التروية بالديباج‪ ،‬فيعلق عليها‬
‫يخاط ويترك اإلزار‪ ،‬وفي هذا العمل قال أسعد ِ‬
‫الح ْم َير ّي‪:)10‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫ذاب‪.‬‬
‫) ُيماث‪ُ :‬ي ُ‬
‫‪1‬‬

‫العْن ُجد‪ :‬الزبيب‪.‬‬


‫) ُ‬
‫‪2‬‬

‫‪ )3‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في أديان العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.209‬‬


‫‪ )4‬ديوانه‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪ )5‬نماني‪ :‬رفعني‪.‬‬
‫‪ )6‬شيبة‪ :‬عبد المطلب‪.‬‬
‫‪ُ )7‬م ْعَل ُم‪ :‬واضح‪.‬‬
‫‪ )8‬ديوانه‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫‪ )9‬األزرقي‪ :‬أخبار مكة وما جاء فيها من اآلثار‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.249‬‬
‫‪ )10‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.250‬‬
‫‪111‬‬
‫(الخفيف)‬
‫عضـــــــــــــــدا وبـــــــرودا‬
‫الء َو ُمـــــــ َ‬
‫ه َمـــــــ ً‬
‫ُ‬ ‫ــــت الـــــذي حرم الـــــل‬
‫َوَك َســـــــــ ْونـــــا البيـ َ‬
‫ـــــلــــــنــــــا لــــــبــــــابــــــه ْإقــــــلــــــيــــــدا‬
‫وجــــــعـ ْ‬ ‫عشــــــــــ ار‬
‫هر ْ‬
‫َقمنـــــا بـــــه من الشــــــــــ َ‬
‫وأ ْ‬

‫‪112‬‬
‫الخاتمة‬

‫بعد أن عرضنا موضوع القرابين وتطورها‪ ،‬البد من الوقوف على بعض النتائج واالستنتاجات التي‬
‫خلص إليها البحث‪ ،‬وأهمها‪:‬‬

‫قدمت كل أمم األرض القرابين على اختالفها‪ ،‬وقد تبوأت موقعا ساميا في الديانات كافة‪ ،‬إذ ّل‬
‫‪ّ -1‬‬
‫يخلو طقس من الطقوس الدينية من قربان يدفعه العبد إلى ربه‪ ،‬وكان الهدف منها متنوعا مثل‬
‫الحصول على رحمة اإلله أو شكره على خير ما‪ ،‬أو للتوسل إليه من اجل نيل أمر ما‪ ،‬أو‬
‫حتى للتكفير عن ذنبه وخطاياه‪.‬‬
‫ثم القرابين‬
‫ظا؛ فتدرجت من القرابين البشرية‪ ،‬إلى القرابين الحيوانية ّ‬
‫‪ -2‬شهدت القرابين تطوًار ملحو ً‬
‫النباتية‪.‬‬

‫مقدسا‬
‫ً‬ ‫برهيم ‪ -‬عليه السالم‪ -‬نقطة تحول في تاريخ الشعوب‪ ،‬فأصبح اإلنسان‬
‫‪ -3‬مثّل قربان إ ا‬
‫وّل يجوز التضحية به‪ ،‬واستبدلوا عنه بالقربان الحيواني الذي هو فداء البشر‪.‬‬
‫‪ -4‬لم تكن القرابين تقدم بصورة عفوية بل تحكمها طقوس خاصة‪ ،‬يكون للكاهن فيها الدور‬
‫األساسي‪.‬‬
‫‪ -5‬كان للعصر الجاهلي كغيره من العصور نصيب من القرابين‪ ،‬فقد احتوى الشعر على كثير من‬
‫األشعار المتعلقة بالقرابين وأنواعها‪.‬‬

‫الزهرة وقرابينها‪ ،‬التي هي األم‬


‫‪ -6‬أثبتت الدراسة أن طقس وأد البنات هو طقس من طقوس عبادة ُ‬
‫الكبرى عشتار‪.‬‬

‫‪ -7‬آمن الجاهليون بأن الميت ال تنتهي حياته عند انتهاء أجله من الدنيا‪ ،‬وإنما ينتقل إلى حياة‬
‫أخرى جديدة‪ ،‬ولذلك بنوا للميت ما يخلده‪ ،‬وزودوه بكل ما يحتاجه‪.‬‬

‫‪ -8‬عرف الجاهليون طقس البغاء ّ‬


‫المقدس‪ ،‬الذي هو أحد قرابين الرّبة عشتار‪ ،‬وقد وجدت رموز‬
‫الخصب في أروقة المعابد وفي بنائها الهندسي الخارجي‪.‬‬

‫توزع‪ ،‬نوعا‬
‫قدم الجاهلي عالوة على القرابين الحيوانية المعروفة‪ ،‬حيث الدماء تسفك واللحوم ّ‬
‫‪ّ -9‬‬
‫خاصا من القرابين‪ ،‬فهو ّل يذبحها‪ ،‬وانما يتركها حرة طليقة‪ ،‬إذ ينذر ناقته أو شاته آللهته‪،‬‬
‫ً‬
‫فيصبح تبعا لذلك النذر‪ ،‬وّل ينقضه متبعا بذلك هواه‪ ،‬فيحرم على نفسه وأهل بيته وأقربائه‬

‫‪113‬‬
‫اّلنتفاع من تلك الدابة التي نذر‪ ،‬ركوبا كان أو لحما‪ ،‬فقد كانت تلك الدابة عنده من نصيب‬
‫آلهته‪ ،‬وّل يسمح ألحد اّلقتراب منها أو أن يشرب من لبنها‪ ،‬إّل إذا كان ضيفا نزل على المدينة‬
‫وهو راحل‪.‬‬
‫حل بشاربها‬
‫شر ُب لت ّ‬
‫مقدس‪ُ ،‬ي َ‬
‫المقدمة لإللهة عشتار‪ ،‬فهو شراب ّ‬
‫يعد ُش ْرب الخمر من القرابين ّ‬
‫‪ّ -10‬‬
‫روح اآللهة وقوتها المطلقة‪ ،‬ولتمتزج ذواتهم بذاتها اإللهية‪.‬‬
‫ثمة فرق كبير بين القتل والوأد في العصر الجاهلي‪ ،‬فاألخير مرتبط بمعتقدات دينية خاصة‬
‫‪ّ -11‬‬
‫صرح لنا القرآن الكريم‪.‬‬
‫أما األول "قتل األوّلد" فمرتبط بالفقر والجوع‪ ،‬كما ّ‬
‫بعبادة الجاهليين‪ّ ،‬‬
‫‪ -12‬اعتقد العرب بوجود قوة حيوية في الدم المسكوب من القربان‪ ،‬وان سكبه على شيء ما يكسبه‬
‫القوة؛ ألنه يعطيه جزءا من دم اإلله‪ ،‬وهو جزء مبارك‪ ،‬ولذلك نجدهم يلطخون رؤوس أبنائهم‬

‫بدم القربان‪.‬‬
‫قدم الجاهليون إضافة إلى القرابين البشرية والحيوانية والنباتية قرابين أخرى‪ ،‬مثل بناء المعابد‬
‫‪ّ -13‬‬
‫والمذابح‪ ،‬وتقديم التماثيل عوضا عن القرابين البشرية والحيوانية‪ ،‬وبناء األسقف والقباب‪ ،‬وتقديم‬
‫ِ‬
‫الحلي والذهب‪ ،‬وبناء المحارق ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -14‬عكس الشعر الجاهلي معرفة عرب الجاهلية القرابين بأنواعها البشرية والحيوانية والنباتية‪ ،‬ومدى‬
‫البر حتى يقدم آللهته أعز ما يملك وأثمنه‪.‬‬
‫إدراك الجاهلي بأنه لن ينال ّ‬

‫‪114‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الكتاب المقدس‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫إبراهيم‪ ،‬نجيب ميخائيل‪ :‬مصر والشرق األدنى القديم‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ :‬دار المعارف للطباعة‬ ‫‪-3‬‬
‫والنشر‪1966 ،‬م‪.‬‬

‫األبشيهي‪ ،‬محمد بن أحمد‪ :‬المستطرف في كل فن مستظرف‪ ،‬بغداد‪ :‬المكتبة التجارية‬ ‫‪-4‬‬


‫الكبرى‪( ،‬د‪ ،‬ت)‪.‬‬
‫األزرقي‪ ،‬محمد بن عبد اهلل أحمد‪ :‬أخبار مكة وما جاء فيها من اآلثار‪ ،‬تحقيق رشدي‬ ‫‪-5‬‬
‫الصالح ملحس‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار األندلس‪1996 ،‬م‪.‬‬

‫إسماعيل‪ ،‬فاروق‪ :‬الوثنية مفاهيم وممارسات‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪،‬‬ ‫‪-6‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫األصفهاني‪ ،‬علي بن الحسين بن محمّد‪ :‬األغاني‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار الكتب المصرية‪،‬‬ ‫‪-7‬‬
‫‪1927‬م‪.‬‬

‫األصمعي‪ ،‬عبد الملك بن قريب‪ :‬األصمعيات‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السالم‬ ‫‪-8‬‬
‫هارون‪ ،‬ط‪ ،5‬القاهرة‪ :‬دار المعارف‪1979 ،‬م‪.‬‬

‫األعشى ميمون بن قيس‪ :‬الديوان‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار صادر‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫آل الشيخ‪ ،‬عبد الرحمن‪ :‬فتح المجيد شرح كتاب التوحيد‪ ،‬الرياض‪1983 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-10‬‬

‫‪ -11‬األلوسي‪ ،‬محمود شكري‪ :‬بلوغ األرب في معرفة أحوال العرب‪ ،‬شرحه وصححه وضبطه‪:‬‬
‫محمد بهجت األثري‪ ،‬ط‪ ،2‬مصر‪ :‬المكتبة األهلية (المطبعة الرحمانية)‪1924 ،‬م‪.‬‬

‫ا ْمرُؤُ القَيْس بن حجر بن الحارث الكندي‪ :‬الديوان‪ ،‬اعتنى به‪ :‬عبد الرحمن المصطاوي‪،‬‬ ‫‪-12‬‬
‫ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -13‬أميّة بن أبي الصلت‪ :‬الدّيوان‪ ،‬جمعه وحققه وشرحه‪ :‬سجيع حميل الجبيلي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪:‬‬
‫دار صادر‪1998 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -14‬األندلسي‪ ،‬ابن سعيد‪ :‬نشوة ال ّ‬


‫طرب في تاريخ جاهلية العرب‪ ،‬تحقيق الدكتور نصرت عبد‬
‫الرحمن‪ ،‬ط‪ ،1‬عمّان‪ :‬مكتبة األقصى‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫أوس بن حجر‪ :‬الديوان‪ ،‬شرحه الدكتور عمر فاروق الطباع‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار األرقم‬ ‫‪-15‬‬
‫بن أبي األرقم‪1996 ،‬م‪.‬‬

‫بارو‪ ،‬أندري‪ :‬سومر فنونها وحضارتها‪ ،‬ترجمة وتعليق عيسى سليمان وسليم التكريتي‪،‬‬ ‫‪-16‬‬
‫بغداد‪ :‬وزارة الثقافة والفنون‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -17‬الباش‪ ،‬حسن‪ ،‬السهلي‪ :‬المعتقدات الشعبية‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬دار الجليل‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -18‬باقر‪ ،‬طه‪ :‬مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة (الوجيز في تأريخ حضارة وادي‬
‫الرافدين)‪ ،‬ط‪ ،2‬العراق‪ :‬دار الشؤون الثقافية العامة‪1986 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -19‬بانجيكي‪ ،‬طاهر‪ :‬قاموس الخرافات واألساطير‪ ،‬ط‪ ،1‬طرابلس‪ :‬جروس برس‪1996 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -20‬البديل‪ ،‬م‪.‬ف‪ :‬سحر األساطير (دراسة في األسطورة والتاريخ والحياة)‪ ،‬ترجمة حسان‬
‫ميخائيل إسحق‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ :‬دار عالء الدين‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -21‬برو‪ ،‬توفيق‪ :‬تاريخ العرب القديم‪ ،‬ط‪ ،2‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -22‬البزار‪ ،‬أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق‪ :‬مسند البزار‪ ،‬تحقيق‪ :‬محفوظ الرحمن زين‬
‫هللا‪ ،‬ط‪ ،1‬المدينة المنورة‪ :‬مكتبة العلوم والحكم‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫بشر بن خازم األسدي‪ :‬الديوان‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪1994 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-23‬‬
‫البصري‪ ،‬صدر الدين‪ :‬الحماسة البصرية‪ ،‬تحقيق مختار الدين أحمد‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬عالم‬ ‫‪-24‬‬
‫الكتب‪1983 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -25‬البطل‪ ،‬علي‪ :‬الصورة في الشعر العربي حتى أواخر القرن الثاني الهجري‪ ،‬بيروت‪ :‬د‪.‬ن‪،‬‬
‫‪1981‬م‪.‬‬
‫بوتيرو‪ ،‬جان‪ :‬الديانة عند البابليين‪ ،‬ترجمة‪ :‬وليد الجادر‪ ،‬بغداد‪ :‬جامعة بغداد‪1970 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-26‬‬

‫قرآن‪ ،‬ترجمة‪ :‬سيد محمد راستكو‪ ،‬تهران‪:‬‬ ‫‪ -27‬بيومي‪ ،‬محمد مهران‪ :‬بررسي تاريخي قص‬
‫شركة انتشارات علمي فرهنكي‪( ،‬د‪ ،‬ت)‪.‬‬
‫الترمذي‪ ،‬محمد بن عيسى أبو عيسى‪ :‬سنن الترمذي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر وآخرين‪،‬‬ ‫‪-28‬‬
‫(د‪،‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫تمام حبيب بن أوس‪ :‬ديوان الحماسة‪ ،‬شرحه وعلق عليه‪ :‬أحمد حسن بسج‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫أبو ّ‬ ‫‪-29‬‬
‫بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1998 ،‬م‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫‪ -30‬الثعالبي‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف‪ :‬تفسير الثعالبي‪ ،‬الموسوم بجواهر الحسان‬
‫في تفسير القرآن‪ ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪( ،‬د‪ ،‬ت)‪.‬‬
‫‪ -31‬الجاحظ‪ ،‬عمرو بن بحر الكناني‪ :‬البيان والتبين‪ ،‬بيروت‪ :‬دار ومكتبة الهالل‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -32‬الجبوري‪ ،‬يحيى‪ :‬قصائد جاهلية نادرة‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬مؤسّسة الرسالة‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -33‬الجوهري‪ ،‬محمد‪ :‬علم الفولكلور (دراسة المعتقدات الشعبية)‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫المعارف‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫حاتم الطائي‪ :‬الديوان‪ ،‬شرح‪ :‬يحيى بن مدرك الطائي‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪،‬‬ ‫‪-34‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬

‫‪ -35‬ابن أبي حاتم‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد‪ :‬تفسير القرآن العظيم البن أبي حاتم‪ ،‬تحقيق‪ :‬أسعد‬
‫محمد الطيب‪ ،‬ط‪ ،3‬السعودية‪ :‬مكتبة نزار مصطفى الباز‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -36‬الحادرة‪ :‬الديوان‪ ،‬تحقيق ناصر الدين األسد‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار صادر‪1982 ،‬م‪.‬‬

‫حارث بن حلّزة اليشكري‪ :‬ديوانه‪ ،‬شرحه‪ :‬الدكتور إميل بديع يعقوب‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب‬ ‫‪-37‬‬
‫العربيّ‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -38‬ابن حبيب‪ ،‬محمد بن حبيب‪ :‬كتاب المحبر‪ ،‬تحقيق إيازة ليختن شتير‪ ،‬بيروت‪ :‬دار اآلفاق‬
‫الجديدة‪( ،‬ب‪ .‬ت)‪.‬‬
‫‪ -39‬حتّي‪ ،‬فيليب‪ :‬تاريخ سورية ولبنان وفلسطين‪ ،‬ترجمة جورج حداد وعبدالكريم رافق‪،‬‬
‫بيروت‪ :‬دار الثقافة‪1982 ،‬م‪.‬‬

‫حسّان بن ثابت األنصاري‪ :‬الدّيوان‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار صادر‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬ ‫‪-40‬‬
‫‪ -41‬حسن‪ ،‬حسن إبراهيم‪ :‬تاريخ اإلسالم السياسي والديني والثقافي واالجتماعي‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫بيروت‪ :‬دار الجيل‪1991 ،‬م‪.‬‬

‫حسن‪ ،‬حسين الحاج‪ :‬األسطورة عند العرب في الجاهليّة‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬المؤسسة‬ ‫‪-42‬‬
‫الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫الحسين‪ ،‬قصي‪ :‬أنثربولوجيّة الصورة والشعر العربي قبل اإلسالم‪ ،‬قراءة تحليلية‬ ‫‪-43‬‬
‫لألصول الفنية‪ ،‬ط‪ ،1‬طرابلس‪ ،‬لبنان‪ :‬األهلية للنشر‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -44‬الحصري‪ ،‬إبراهيم بن علي بن تميم‪ :‬زهر اآلداب وثمر األلباب‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الجليل‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫الحطيئة‪ ،‬جرول بن أوس‪ :‬الديوان‪ ،‬برواية وشرح ابن السكيت‪ ،‬دراسة وتبويب‪ :‬مفيد محمد‬ ‫‪-45‬‬
‫قمحية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -46‬الحفنى‪ ،‬عصام‪ :‬المسيح في مفهوم معاصر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الطباعة‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -47‬الحموي‪ ،‬شهاب الدين أبو عبد اهلل ياقوت‪ :‬معجم البلدان‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار صادر‪،‬‬
‫‪1995‬م‪.‬‬

‫ابن حنبل‪ ،‬أحمد بن حنبل أبو عبد اهلل الشيباني‪ :‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل‪ ،‬القاهرة‪:‬‬ ‫‪-48‬‬
‫مؤسسة قرطبة‪ ،‬حديث رقم‪.363/3 ،1495 :‬‬
‫‪ -49‬الحوت‪ ،‬سليم‪ :‬في طريق الميثولوجيا عند العرب‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬مطبعة دار الكتاب‪،‬‬
‫‪1955‬م‪.‬‬

‫‪ -50‬الحوراني‪ ،‬يوسف‪ :‬البنية الذهنية الحضارية في الشرق المتوسطي اآلسيوي القديم‪،‬‬


‫بيروت‪ :‬دار النهار للنشر‪1978 ،‬م‪.‬‬

‫الحوفي‪ ،‬أحمد محمد‪ :‬الحياة العربية من الشعر الجاهلي‪ ،‬القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية العامة‬ ‫‪-51‬‬
‫للكتاب‪1972 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :...................... -52‬المرأة في الشعر الجاهلي‪ ،‬القاهرة‪ :‬نهضة مصر‪1374 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -53‬الخربوطلي‪ ،‬علي حسني‪ :‬تاريخ الكعبة‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار الجيل‪1991 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -54‬الخطيب‪ ،‬محمد‪ :‬الدين واألسطورة عند العرب في الجاهلية‪ ،‬دمشق‪ :‬دار عالء‬
‫الدين‪2004،‬م‪.‬‬

‫‪ -55‬الخوري‪ ،‬بولس الفغاري‪ :‬المحيط الجامع في الكتاب المقدّس والشّرق القديم‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪2003‬م‪.‬‬
‫داود‪ ،‬سليمان السجستاني‪ :‬السنن‪ ،‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬ ‫‪-56‬‬
‫‪ -57‬دغيم‪ ،‬سميح‪ :‬أديان العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الفكر اللبناني‪.1995 ،‬‬
‫‪ -58‬الديك‪ ،‬إحسان‪ :‬صدى األسطورة واآلخر في الشعر الجاهلي‪ ،‬ط‪ ،1‬فلسطين‪ :‬مجمع القاسمي‬
‫للغة العربية‪2013 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -59‬الدميري‪ ،‬كمال الدين محمد بن موسى‪ :‬حياة الحيوان الكبرى‪ ،‬بيروت‪ :‬دار األلباب‪،‬‬
‫(د‪.‬ت)‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫‪ -60‬ديال بورت‪ ،‬ل‪ :‬بالد ما بين النهرين (الحضارات البابلية واألشورية)‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪،‬‬

‫مكتبة اآلداب‪.‬‬
‫‪ -61‬ديورانت ول‪ :‬قصة الحضارة‪ ،‬ترجمة محمد بدران‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ :‬اإلدارة الثقافية بالجامعة‬
‫العربية‪1961 ،‬م‪.‬‬
‫أبو ذؤيب الهذليّ‪ :‬الدّيوان‪ ،‬حققه الدكتور أنطونيوس بطرس‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار صادر‪،‬‬ ‫‪-62‬‬
‫‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -63‬الرازي‪ ،‬محمد بن عمر بن الحسن‪ :‬مفاتيح الغيب‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر للطباعة والنشر‪،‬‬
‫‪1981‬م‪.‬‬
‫‪ -64‬الرفاعي‪ ،‬مصطفى صادق‪ :‬تاريخ آداب العرب‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪1974 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -65‬زايد‪ ،‬عبد الحميد‪ :‬الشرق الخالد‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫زبيد الطائي‪ :‬الديوان‪ ،‬تحقيق‪ :‬نوري القيسي‪ ،‬بغداد‪ :‬مطابع المعادن‪1963 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-66‬‬

‫‪ -67‬الزبيدي‪ ،‬محمد مرتضى الحسيني‪ :‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬تحقيق عبد الستار‬
‫أحمد فراج‪ ،‬الكويت‪1971 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -68‬الزمخشري‪ ،‬جار اهلل أبو القاسم‪ :‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل‬
‫في وجوه التأويل‪ ،‬تحقيق أبو عبد اهلل الداني بن منير آل زهوى‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬دار الكتاب‬
‫العربي‪1970 ،‬م‪.‬‬

‫زهير بن أبي سُلمى‪ :‬الديوان‪ ،‬صنعه أبو العباس ثعلب‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب‬ ‫‪-69‬‬
‫العربي‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -70‬الزوزني‪ ،‬أبو عبد اهلل الحسين بن أحمد بن الحسين‪ :‬شرح المعلقات السبع‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫محي الدين عبد الحميد‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الطالئع‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -71‬زيدان‪ ،‬جرجي‪ :‬تاريخ آداب اللغة العربية‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة الهالل‪1967 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -72‬السجستاني‪ ،‬أبو داود سليمان‪ :‬سنن أبي داود‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -73‬السعفي‪ ،‬وحيد‪ :‬القربان في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬مؤسسة االنتشار العربي‪،‬‬
‫‪2007‬م‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫سالمة بن جندل‪ :‬الديوان‪ ،‬صنعه‪ :‬محمد بن الحسن األحول‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتاب‬ ‫‪-74‬‬
‫العرب‪1994 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -75‬سليم‪ ،‬أحمد أمين‪ :‬دراسات في تاريخ الشرق األدنى القديم‪ ،‬بيروت‪ :‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ -76‬سليمان‪ ،‬مظهر‪ :‬قصة الديانات‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬مكتبة مدبولي‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -77‬السهيلي‪ ،‬محمد توفيق‪ :‬المعتقدات الشعبية في التراث العربي‪ ،‬دار الجليل‪1980 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -78‬السواح‪ ،‬فراس‪ :‬مغامرة العقل األولى (دراسة في األسطورة‪ ،‬سوريا‪ ،‬أرض الرافدين)‪،‬‬
‫ط‪ ،13‬دمشق‪ :‬دار عالء الدين‪2007 ،‬م‪.‬‬

‫‪ :........... -79‬لغز عشتار األلوهية المؤنثة وأصل الدين واألسطورة‪ ،‬قبرس‪ :‬سومر‬
‫للدراسات والنشر والتوزيع‪1985 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -80‬ابن سيد الناس‪ ،‬محمد‪ :‬عيون األثر في فنون المغازي والشمائل والسير‪ ،‬تعليق‪ :‬محمد‬
‫إبراهيم رمضان‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار القلم‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -81‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين‪ :‬المزهر في علوم اللغة وأنواعها‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد جاد المولى‬
‫وآخرين‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة عيسى البابي الحلبي‪1987 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -82‬الشنفرى األزديّ‪ :‬الديوان‪( ،‬الطرائف األدبية)‪ ،‬صنعه‪ :‬عبد العزيز الميميّ‪ ،‬القاهرة‪:‬‬
‫مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر‪1937 ،‬م‪.‬‬
‫العلمية‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -83‬الشهر ستاني‪ ،‬محمد عبد الكريم‪ :‬الملل والنحل‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الكتب‬

‫‪ -84‬الشيخ‪ ،‬حسين‪ :‬اليونان‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬االسكندرية‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬


‫‪ -85‬الضبي‪ ،‬محمد بن يعلى بن عامر‪ :‬المفضليات‪ ،‬تحقيق الدكتور قصي الحسين‪ ،‬الطبعة‬
‫األخيرة‪ ،‬بيروت‪ :‬دار ومكتبة الهالل‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫أبو طالب‪ :‬الديوان‪ ،‬شرحه الدكتور محمد التونجي‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ :‬دار الفكر العربي‪،‬‬ ‫‪-86‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ -87‬الطبري‪ ،‬أبو جعفر محمد بن جرير‪ :‬جامع البيان في تفسير القرآن‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار‬
‫المعرفة‪1987 ،‬م‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫‪ :..................................... -88‬تاريخ الطبري‪ ،‬تاريخ الرسل والملوك‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪:‬‬
‫دار التراث‪1387 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -89‬طرفة بن العبد‪ ،‬الديوان‪ ،‬تحقيق كرم البستاني‪ ،‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للطباعة والنشر‪،‬‬
‫(د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -90‬عباس‪ ،‬إحسان‪ :‬تاريخ دولة األنباط‪ ،‬ط‪ ،1‬عمان‪ :‬دار الشروق للنشر والتوزيع‪1987 ،‬م‪.‬‬

‫عبد الحكم‪ ،‬عبد الحمن‪ :‬فتوح مصر والمغرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المنعم عامر‪ ،‬مصر‪ :‬الهيئة‬ ‫‪-91‬‬
‫العامة لقصور الثقافة‪871،‬م‪.‬‬
‫عبد الرحمن‪ ،‬نصرت‪ :‬الواقع واألسطورة في شعر أبي ذؤيب الهذلي‪( ،‬د‪ ،‬ط)‪ ،‬عمان‪:‬‬ ‫‪-92‬‬
‫دار الفكر‪1976 ،‬م‪.‬‬

‫عبد الغفار‪ ،‬أحمد أمين‪ :‬الجاهلية قديما وحديثا‪ ،‬الكويت‪ :‬شركة الشعاع‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬ ‫‪-93‬‬
‫عبد الواحد‪ ،‬فاضل‪ :‬عشتار ومأساة تموز‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بغداد‪ :‬وزارة اإلعالم العراقية‪1973 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-94‬‬
‫عبد اهلل‪ ،‬يوسف‪ :‬أوراق من تاريخ اليمن وآثاره‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪1990 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-95‬‬
‫عبيد بن األبرص‪ :‬الديوان‪ ،‬تحقيق حسن نصار‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬مطبعة مصطفى البابي‬ ‫‪-96‬‬
‫الحلبي‪1957 ،‬م‪.‬‬
‫عجينة‪ ،‬محمد‪ :‬موسوعة أساطير العرب عند الجاهلية وداللتها‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار‬ ‫‪-97‬‬
‫الفارابي‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫عدي بن زيد العبادي‪ :‬الديوان‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد جبار المعيد‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بغداد‪ :‬شركة دار‬ ‫‪-98‬‬
‫الجمهورّية للنشر والتوزيع‪1965 ،‬م‪.‬‬
‫عزيز‪ ،‬كارم محمود‪ :‬أساطير التوراة الكبرى وتراث الشرق األدنى القديم‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪:‬‬ ‫‪-99‬‬
‫دار الحصاد للنشر والتوزيع والطباعة‪1999 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -100‬عفيفي‪ ،‬عبد اهلل‪ :‬المرأة العربية في جاهليتها وإسالمها‪ ،‬القاهرة‪ :‬مطبعة المعارف‪،‬‬
‫‪1932‬م‪.‬‬

‫‪ -101‬عكاشة‪ ،‬ثروت‪ :‬تاريخ الفن العراقي سومر وبابل وأشور‪ ،‬بيروت‪ :‬مطبعة فينيقيا‪،‬‬
‫(د‪،‬ت)‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫‪ -102‬علقمة الفحل‪ ،‬الديوان‪ ،‬شرحه‪ :‬األعلم الشنتمري‪ ،‬حققه‪ :‬لطفي الصقال‪ ،‬ط‪ ،14‬حلب‪ :‬دار‬
‫الكتاب العربي‪1969 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -103‬علي‪ ،‬إبراهيم محمد‪ :‬اللون في الشعر العربي قبل اإلسالم(قراءة ميثولوجية)‪ ،‬ط‪ ،1‬لبنان‪:‬‬
‫جرس برس‪2001 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -104‬علي‪ ،‬جواد‪ :‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬بيروت‪ :‬دار العلم للماليين‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -105‬عمرو بن كلثوم‪ :‬ديوانه‪( ،‬د‪،‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار صادر‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -106‬عمرو بن معدي كرب الزبيدي‪ :‬شعره‪ ،‬جمعه ونسّقه مطاع الطرابيشي‪ ،‬ط‪1985 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ -107‬عنترة بن شداد‪ :‬شرح ديوان عنترة‪ ،‬تحقيق عبد المنعم رؤوف شلبي‪ ،‬ط‪ 1‬بيروت‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -108‬عياد‪ ،‬شكري‪ :‬البطل في األدب واألساطير‪ ،‬ط‪ ،2‬دار المعرفة‪1971 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -109‬فرانكفورت‪ ،‬هنري‪ :‬ما قبل الفلسفة‪ :‬اإلنسان في مغامرته الفكرية األولى‪ ،‬ترجمة جبرا‬
‫إبراهيم جبرا‪ ،‬بغداد‪ :‬دار مكتبة الحياة‪1961 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -110‬فريحة‪ ،‬أنيس‪ :‬دراسات في التاريخ‪ ،‬بيروت‪ :‬دار النهار‪1980 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -111‬فريزر‪ ،‬جيمس‪ :‬أدونيس أو تموز‪ ،‬ترجمة جبرا إبراهيم جبرا‪ ،‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية‬
‫للدراسات والنشر‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -112‬فريزر‪ ،‬جيمس‪ :‬أدونيس أو تموز‪ ،‬ترجمة جبرا إبراهيم جبرا‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت‪ :‬المؤسسة‬
‫العربية للدراسات والنشر‪1982 ،‬م‪.‬‬

‫‪ :.................. -113‬الفلكلور في العهد القديم‪ ،‬ترجمة نبيلة إبراهيم‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬القاهرة‪ :‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب‪1972 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -114‬الفيومي‪ ،‬محمد إبراهيم‪ :‬تاريخ الفكر الديني الجاهلي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الجليل‪1999 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -115‬القرشي‪ ،‬أبو زيد محمد بن أبي الخطاب‪ :‬جمهرة أشعار العرب‪ ،‬حققه وضبطه وزاد في‬
‫شرحه‪ :‬علي محمد البجادي‪ ،‬مصر‪ :‬نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -116‬القرطبي‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن أحمد‪ :‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -117‬قطرب‪ ،‬محمد بن المستنير‪ :‬األزمنة وتلبية الجاهلية‪ ،‬تحقيق‪ :‬حاتم الضامن‪ ،‬بيروت‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪1985 ،‬م‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫‪ -118‬القمني‪ ،‬سيد محمود‪ :‬األسطورة والتراث‪ ،‬ط‪ ،2‬مصر‪ :‬سينا للنشر والتوزيع‪1993 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -119‬ابن قيم الجوزية‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن بكر الزرعي‪ :‬أخبار النساء‪ ،‬شرح وتحقيق‪ :‬د‪.‬‬
‫نزار رضا‪ ،‬بيروت‪ :‬منشورات مكتبة الحياة‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -120‬ابن كثير‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل‪ :‬تفسير القرآن العظيم (ابن كثير)‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬منشورات محمد علي بيضون‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ :................................ -121‬البداية والنهاية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الريان للتراث‪1988 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -122‬كريمر‪ ،‬صموئيل‪ :‬السومريون تاريخهم وحضارتهم وخصائصهم‪ ،‬ترجمة‪ :‬فيصل‬


‫الوائلي‪ ،‬الكويت‪ :‬وكالة المطبوعات‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -123‬ابن كلبي‪ ،‬هشام بن محمد السائب‪ ،‬األصنام‪ ،‬حققه األستاذ‪ :‬أحمد زكي‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫القومية للطباعة والنشر‪1964 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -124‬كنتينو‪ ،‬جورج‪ :‬الحضارة الفينيقة‪ ،‬ترجمة د‪ .‬عبد الهاي شعيرة‪ ،‬مراجعة د‪ .‬طه حسين‪،‬‬
‫(د‪.‬ط)‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪1997‬م‪.‬‬

‫‪ -125‬البهْبيتي‪ ،‬نجيب محمد‪ :‬الشعر العربي في محيطه التاريخي القديم‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬دار‬
‫الثقافة للنشر والتوزيع‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -126‬لبيد بن ربيعة‪ :‬الديوان‪ ،‬تحقيق إحسان عباس‪ ،‬الكويت‪ :‬سلسلة التراث العربي‪1962 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -127‬ماجدي‪ ،‬خزعل‪ :‬الدين المصري‪ ،‬ط‪ ،1‬األردن‪ :‬الشروق للدعاية واإلعالن والتسويق‪،‬‬
‫‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ :................. -128‬المعتقدات اإلغريقية‪ ،‬ط‪ ،1‬عمان‪ :‬األهلية للنشر والتوزيع‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :................. -129‬إنجيل بابل‪ ،‬ط‪ ،1‬عمّان‪ :‬األهلية للنشر والتوزيع‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :................. -130‬بخور اآللهة‪ ،‬ط‪ ،1‬لبنان‪ :‬األهلية للنشر والتوزيع‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ :................. -131‬متون سومر‪ ،‬التاريخ‪ ،‬الميثولوجيا‪ ،‬الالهوت‪ ،‬الطقوس‪ ،‬ط‪ ،1‬عمان‪:‬‬
‫األهلية للنشر والتوزيع‪1998 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -132‬المبرد‪ ،‬أبو العباس محمد بن يزيد األزدي‪ :‬الكامل في اللغة واألدب‪ ،‬بيروت‪ :‬مكتبة‬
‫المعارف‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -133‬المثقب‪ ،‬العبدي‪ :‬الديوان‪ ،‬حققه حسن كامل الصيرفي‪ ،‬جامعة الدول العربية‪1971 ،‬م‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫‪ -134‬محمود‪ ،‬محمود عرفة‪ :‬العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر‪ :‬عين للدراسات والبحوث اإلنسانية‬
‫واالجتماعية‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -135‬مسعود‪ ،‬ميخائيل‪ :‬األساطير والمعتقدات العربية قبل اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار العلم‬
‫للماليين‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -136‬المعري‪ ،‬أبو عالء‪ :‬رسالة الغفران‪ ،‬بيروت‪ :‬دار القلم‪1975 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -137‬منبه‪ ،‬وهب‪ :‬كتاب التيجان في ملوك حمير‪ ،‬دمشق‪ :‬دار العرب‪ :‬دار نور حوران للدراسات‬
‫والنشر والترجمة‪2014 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -138‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬دار صادر‪.‬‬
‫‪ -139‬مهران‪ ،‬محمد بيومي‪ :‬الحضارة العربية القديمة‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪2008 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -140‬النابغة الذبياني‪ :‬الديوان‪ ،‬حققه كرم البستاني‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بيروت‪ :‬دار صادر‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -141‬النجيرمي‪ ،‬إبراهيم بن عبد اهلل‪ :‬أيمان العرب في الجاهلية‪ ،‬حققه وعلق على حواشيه‪:‬‬
‫محب الدين الخطيب‪ ،‬ط‪ ،2‬مصر‪ :‬المطبعة السلطية‪1962 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -142‬نعمة‪ ،‬حسن‪ :‬موسوعة ميثولوجيا وأساطير الشعوب القديمة ومعجم أهم المعبودات‬
‫القديمة‪ ،‬بيروت‪ :‬دار الفكر اللبناني‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -143‬النعيمي‪ ،‬أحمد إسماعيل‪ :‬األسطورة في الشعر العربي قبل اإلسالم‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫سينا للنشر‪1995 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -144‬النويري‪ ،‬شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب‪ :‬نهاية األرب في فنون األدب‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار‬
‫الكتب المصرية‪1931 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -145‬نيلسن‪ ،‬ديتلف‪ :‬التاريخ العربي القديم‪ ،‬ترجمة فؤاد حسنين علي‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪،‬‬
‫‪1958‬م‪.‬‬
‫‪ -146‬هاري‪ ،‬ساكز‪ :‬عظمة بابل‪ ،‬ترجمة عامر سليمان‪ ،‬ط‪ ،2‬الموصل‪ :‬جامعة الموصل‪،‬‬
‫‪1979‬م‪.‬‬
‫‪ -147‬الهاشمي‪ ،‬طه‪ :‬تاريخ األديان وفلسفتها‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ :‬منشورات دار مكتبة الحياة‪،‬‬
‫‪1963‬م‪.‬‬
‫‪ -148‬الهذليون‪ :‬الديوان‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬القاهرة‪ :‬الدار القومية للطباعة والنشر‪1965 ،‬م‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫‪ -149‬ابن هشام‪ ،‬أبو محمد عبد الملك‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬تحقيق مصطفى السقا‪ ،‬مصر‪ :‬شركة‬
‫ومطبعة مصطفى البابلي الحلبي‪1970 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -150‬هوك‪ ،‬صموئيل‪ :‬ديانة بابل وآشور‪ ،‬ترجمة‪ :‬نهاد خياطة‪ ،‬دمشق‪ :‬العربي للطباعة‬
‫والنشر‪1987 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -151‬وافي‪ ،‬علي عبد الواحد‪ :‬غرائب النظم والتقاليد والعادات‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬مكتبة نهضة مصر‪،‬‬
‫(د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -152‬الواقدي‪ ،‬محمد بن عمر‪ :‬كتاب المغازي‪ ،‬بيروت‪ :‬عالم الكتب‪1965،‬م‪.‬‬
‫‪ -153‬يحيى‪ ،‬أحمد إسماعيل‪ :‬الحية في التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ :‬المكتبة العصرية‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -154‬اليعقوبي‪ ،‬أحمد بن أبي يعقوب‪ :‬تاريخ اليعقوبي‪ ،‬بيروت‪ :‬دار صادر‪1960 ،‬م‪.‬‬

‫الدوريات‪:‬‬
‫‪ -‬الجرو‪ ،‬أسمهان سعيد‪ :‬الديانة عند قدماء اليمنيين‪ ،‬مجلة دراسات يمنية‪ ،‬العدد ‪،48‬‬
‫‪1992‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الحقيل‪ ،‬إبراهيم بن محمد‪ :‬لبرالية العرب في الجاهلية‪ ،‬مجلة األلوكة الشرعية‪2012 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬الدروبي‪ ،‬حافظ‪ :‬الطقوس الدينية في المعبد الخامس في الحضر‪ ،‬مجلة سومر‪ ،‬مجلد‬
‫‪1970 ،26‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الديك‪ :‬إحسان‪ :‬النماذج البدئية في األغنية الشعبية الفلسطينية‪ ،‬أغنية (بكرة العيد‬
‫وبنعيد) نموذجا‪ ،‬مجلة جامعة النجاح لألبحاث‪ /‬العلوم اإلنسانية‪ ،‬نابلس‪ ،‬فلسطين‪ ،‬م‪،24‬‬
‫ع‪ ،7‬تموز‪2010،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬أبو رحمة‪ ،‬خليل‪ :‬قراءة في تلبيات العرب في العصر الجاهلي‪ ،‬المجلة العربية للعلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬جامعة الكويت‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬كريم‪ ،‬سيد‪ :‬السحر والسحرة عند قدماء المصريين‪ ،‬مجلة الهالل‪ ،‬ع‪ ،1‬يناير‪1975 ،‬م‪.‬‬

‫النقشية العربية القديمة‪،‬‬ ‫‪ -‬المعاني‪ ،‬سلطان عبد اهلل‪ :‬التكريس عند العرب في النصو‬
‫مجلة المنارة‪ ،‬المجلد‪ ،4‬العدد‪1999 ،1‬م‪.‬‬

‫‪125‬‬
An-Najah National University
Faculty of Graduate Studies

Oblation in the Pre-Islamic


(Jahili) Poetry

By
Ahmad Mahmoud Joma’ Abu Al-Haija

Supervisor
Prof. Ihsan al-Dik

This Thesis is Submitted in Partial Fulfillment of the Requirements for


the Degree of Master of Arabic Language and Literature, Faculty of
Graduate Studies, An-Najah National University, Nablus, Palestine.
2018
Oblation in the Pre-Islamic (Jahili) Poetry
By
Ahmad Mahmoud Joma’ Abu Al-Haija
Supervisor
Prof. Ihsan al-Dik

Abstract

This study, which is entitled as “Oblation in the Pre-Islamic (Jahili)


Poetry, consists of four sections, namely: an introduction and three chapters.

The introduction presents the reasons behind choosing such topic and the
most important references upon which the study is based. Furthermore, the
first chapter consists of a prelude and two sub-sections. To begin with, the
prelude talks about the meaning of the word “oblation” in Arabic introducing
the first sub-section which talks about the veneration of oblation in the
human heritage. In other words, it is what makes the worshipper closer to his
god, which is the protective armor from the wrath of god. Besides, the
presenter of the oblation gains a high social status among people.
Differences are not found among nations concerning oblation in the
second sub-section, which is entitled as “Oblation in the Jahili Heritage”. In
fact, almost all the nations agree that they have duties towards their gods,
which should be practiced. If they are not practiced, the wrath of the gods
will fall upon them, consequently, oblation is the only favorite thing to the
gods leading to peace and security.
The second chapter talks about the evolution of oblation in the Jahili

era that it developed radically. In other words, it ranged from human sacrifice
presented, which the Jahili people practiced by burying their daughters, to

B
sacrificing animals and plants. The previously mentioned comes after a long
way of evolution and maturity in the Jahili mentality.
The third chapter talks about the lines, in which oblation is mentioned
in the Jahili poetry that it tackles the relationship of oblation with many
topics, namely: bloodshed, sacred prostitution, wine, taking oaths, vows,
gifts, welcoming, pilgrimage, idle service and hospitability.
In the conclusion, the researcher concludes the main results of the
study followed by the alphabetically ordered sources.

You might also like