You are on page 1of 126

‫ّ‬ ‫الجمهورية الجزائرية ّ‬

‫الديمقراطية الشعبية‬
‫‪The People’s Democratic Republic Of Algeria‬‬
‫ّ‬
‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬
‫‪Ministry Of Higher EducationAnd Scientific Research‬‬
‫املركزالجامعي صالحي أحمد‪-‬النعامة‪-‬‬
‫‪Salehi Ahmed University Center –Naama-‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قسم اللغة واألدب العربي‬ ‫معهد اآلداب واللغات‬
‫مذكرة م ّ‬
‫كملة لنيل شهادة املاتر‬
‫بعنوان‪:‬‬

‫مهدي املخزومي‪ :‬جـ ـه ـ ـ ـ ـ ــوده َوآ ُاؤه ّ‬


‫الن ـ ـح ـ ــوي ـ ـ ــة‬ ‫ر‬
‫‪-‬دراسـ ــة َوتـ ـح ـ ـل ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪-‬‬
‫التخصص‪ :‬لسانيات عربية‬ ‫الشعبة‪ :‬دراتات لغوية‬ ‫امليدان‪ :‬لغة وأدب عربي‬

‫إش ـ ـ ـ ـ ــراف‪:‬‬ ‫إع ـ ـ ـ ـ ـ ـداد‪:‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬أحمد محمد دويس‬ ‫نس ـ ـ ـريـ ـ ـ ـن س ـ ـ ـم ـ ـاحـ ـي‬
‫عبد الرحمن بوخـاري‬
‫لجنة املناقشة مكونة من ّ‬
‫السادة‪:‬‬
‫د‪ .‬إيمان جباري (أستاذة محاضرة صنف‪-‬ب‪ ،-‬املركز الجامعي صالحي أحمد) رئ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـسـ ـ ـا‪.‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬أحمد محمد دويس (أستاذ التعليم العالي‪ ،‬املركز الجامعي صالحي أحمد) مش ـرفـا ومقـررا‪.‬‬
‫د‪ .‬عبد الوهاب حجازي (أستاذ محاضر صنف‪-‬ب‪ ،-‬املركز الجامعي صالحي أحمد) من ـاقش ـا‪.‬‬

‫العام الج ـ ـام ـعي‪ 1443 :‬ه ‪1444-‬ه ‪2022 /‬م‪2023-‬م‬


‫إهدإء‪:‬‬
‫إلى تلك الحقيقة الساجية في َوجدي‬

‫أهدي عملي وباكورة جهدي‪.‬‬

‫ّ‬
‫اّلل علي ّ‬
‫وأولها‬ ‫إلى أحد أعظم نعم‬

‫عائلتي‪.‬‬

‫إلى من سأفارقهم وفي ُمهجتي ش يء منهم‬


‫ّ‬
‫أحبتي‪.‬‬

‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫اهتديت وبهم استنير‬ ‫إلى ظلي الظليل بهم‬

‫أساتذتي‪.‬‬
‫أخي ا‪:‬‬

‫إلى روحي التي اختارت منذ األمد‬

‫جسدا وفكرا وطريقا لعيش هذه الحياة‬

‫نس يرن سماحي‬


‫إهدإء‪:‬‬
‫ّ ّ‬
‫ومن نعم اّلل أنه خلق القلم‬
‫ّ ّ‬
‫ثم علم اإلنسان ما لم يعلم‪.‬‬

‫إلى الوطن األم َواملتنفس‬

‫عائلتي‪.‬‬

‫إلى من لم يسعفني القلم لشكرهم‬

‫أساتذتي‪.‬‬

‫إلى من جمعتني بهم ّ‬


‫ممرات الحياة العابرة‬
‫ّ‬
‫خلتي وأصدقائي‪.‬‬

‫إلى إخالص ي وجهدي‬

‫ثمار عملي أهدي‪.‬‬

‫عبد ال ّرحمان بوخاري‬


‫كلمة لا ب ّد منها‪:‬‬
‫َ‬ ‫أكثر َعددا من ُ‬ ‫» ُيوجد ُمعلمون مزيفون َوأساتذة ُمزيفون في َهذا َ‬
‫العالم ُ‬
‫النجوم في الكون املرئي‪ ،‬فال‬
‫ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫عم ُلون بدافع ُ‬
‫انيين الذين َي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫املعلم ّ‬
‫الروحي‬ ‫السلطة َوبين املعلمين الحقيق ّيين‪ ،‬ف‬ ‫األن ّ‬ ‫تخلط بين األشخاص‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫طاعة ُمطلقة‪ ،‬أو إعجابا تاما منك‪ ،‬بل ُي َساع ُدك على أن تق ّدر‬
‫يتوقع َ‬ ‫الصادق ال ّ‬
‫يوجه انتباهك إليه وال‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ُ‬ ‫تحترمها‪ّ .‬إن املُ َع ّلمين َ‬
‫َ َ‬ ‫نفسك َ‬
‫شفافون كالبلور‪َ ،‬يعبر نور هللا من خاللهم «‬ ‫الح ّ‬
‫قيقيين‬ ‫الداخلية و‬ ‫َ‬

‫‪-‬شمس التب يزي‪-‬‬

‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫"األنا" عند َطالبه‪َ ،‬و ُي ّ‬


‫َ‬ ‫ّ ُ ّ‬
‫جر ُده من أقفال الغرور َوالشك في الذات‪ ،‬كذلك‬ ‫ـعلم َ‬
‫الحقيقي َيكسر‬ ‫وألن امل‬
‫َ ّ َ‬ ‫ُ ّ َ‬ ‫والق َول َبة‪ُ ،‬ثم َيصقله من َجديد‪َ ،‬و ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ادي إلى نهج َومنهج‪،‬‬‫جرد طالب ع‬ ‫يحوله من م‬ ‫يحرره من القوالب‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ َ‬
‫إال أن َيكون نقدا نافعا َيذهب به َم َ‬
‫ذه َب إصالح َ‬
‫وتعقل‪ ،‬فما عاد‬ ‫َو َهكذا لن َيتأثر َبنقد اآلخرين لفكره‬
‫َ‬ ‫ّ َ‬
‫مجرد شخص َواحد بل خليطا من االنسجام بما استقاه وأدركه‪.‬‬

‫شكرا لهذا املعلم الحقيقي واألب الروحي الذي أكرمنا ّ‬


‫النصيب بعلمه‬

‫الدكتور الفاضل أحمد محمد دويس‪.‬‬

‫نسرين تماحي –عبد ّ‬


‫الرحمن بوخاري‪.‬‬
‫ّ‬
‫املقدمة‬
‫امل ـق ـ ّدم ـ ـ ــة‬
‫ّ‬
‫الحمد هلل مبدع األكوان‪ ،‬خالق اإلنسان‪ُ ،‬مجمل الكمال والفصاحة في اللسان‪ ،‬واضع األلفاظ‬
‫ّ‬
‫اللغة َوشرفها َبين َبنيها‪ّ ،‬‬
‫وصل هللا على ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سيدنا‬ ‫ومعانيها ومعلمها آلدم أسماء العوج فيها‪ ،‬فأظهر فضل‬
‫ّ‬ ‫محمد أفصح البرية لسانا وأجودهم بيانا َبيد ّأنه من قريش الذين ّ‬
‫خصهم اّلل بمعجزة القرآن تحديا‬
‫وبرهانا‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫فإن للعلم شأنا أورثه هللا لعلمائه َمن صلحت فيهم ّنيته واستنارت بصيرته‪ ،‬فنال علما منشور‬
‫َ‬
‫وكسب بصدقه تجارة رابحة ال تبور‪ ،‬وألفى كنزا ال َينفذ وحصنا َمنيعا وحاميا ُومنقذ‪ ،‬ففي العلم كمال‬
‫ونصت على تحصيله َ‬ ‫الخواطر‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫للعقول واشباع للفضول‪ّ ،‬‬
‫النواظر‪ ،‬ومنه انبثقت‬ ‫وأول ما جادت به‬
‫َ‬
‫الفنون وكان لها في حياة البشرية شأن وشؤون‪.‬‬
‫ونبه فيها عن عظم االمتنان‪ ،‬فلوالها ما ّ‬ ‫اّلل تعالى اإلنسان عن َسائر َ‬
‫الحيوان ّ‬ ‫ّ ّ ّ‬
‫تعدت‬ ‫وباللغة ميز‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫ص ّح من َعاقل أن َن َ‬
‫العقل ك َمائما‪ ،‬ولتعطلت الخواطر َواألفكار عن‬ ‫زع عن‬ ‫فوائد العلم عاملا‪ ،‬وال َ‬
‫القضايا في َموجودها َو َفانيها‪ ،‬ولكان ّ‬
‫الحساس َبمرتبة َ‬
‫الجماد‪ ،‬ولبقيت امل َعاني‬
‫َ‬
‫َمعانيها‪ ،‬واستوت‬
‫َ‬
‫مسجونة والقرائح َمدفونة‪ ،‬واألذهان َمرهونة‪.‬‬
‫العلوم َمنازلها وأنزلها َمراتبها‪َ ،‬وكشف َعن َم َعاني الكالم ّ‬
‫واللسان هو الذي أعطى ُ‬‫ّ‬
‫فدل على‬
‫بالد اسة ّ‬
‫والتعليم وهذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫السرائر وأبرز مكنونات َ‬
‫شأن‬ ‫العلوم بالتقديم َوأوال َها ر‬
‫أحق ُ‬‫الضمائر‪ ،‬وهو ّ‬
‫ّ‬
‫العربي ولغة القرآن التي ُعنيت باالهتمام منذ قديم الزمان‪.‬‬
‫اللسان َ‬

‫اللسان من ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأعالها منزلة وقد ا علم ّ‬


‫َ‬ ‫كما ّأن أعظم علوم َ‬
‫الزلل‪،‬‬ ‫النحو عاصم‬ ‫ر‬ ‫العربية شأنا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫املحدثون َونظر‬ ‫األقدمون‪ّ ،‬‬
‫ودون‬ ‫وحافظ العربية من اللحن والعلل‪ ،‬فقد نادى املنادون وألف‬
‫وخا ت َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫املتاعب أمام صمود َجبابرة العربية َوعلمائها‪ ،‬وفضلهم في حفظها‬ ‫الجهود ر‬‫املنظرون‪ ،‬فبانت ُ‬
‫شك ّأن ّ‬
‫املتتبع لصفحات تاريخ‬ ‫بتقعيد القواعد وتيسيرها وتنظيف ما علق فيها من الشوائب‪ ،‬وال ّ‬

‫صر َحه‪ ،‬ويكفي‬


‫شيدوا لهذا العلم َ‬
‫السلف حين ّ‬ ‫الجبارة التي بذلها ّ‬
‫النحو العربي‪ ،‬ال ينكر الجهود ّ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫شهادة ّأنه َشرط في ُبلوغ ُ‬
‫الفقهاء ُ تبة االجتهاد في علوم ّ‬
‫الدين والشريعة‪.‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ََ‬ ‫وال نبالغ إذا قلنا ّإن ّ‬
‫العربي لم يعرف منذ قرون خلت نقدا كالذي ُو ّجه إليه في عصرنا‬ ‫النحو َ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫واملتخصصين في علومها على اختالف‬ ‫الحديث من قبل مجموعة من علماء اللغة‪َ ،‬والباحثين فيها‬
‫مشا بهم الفكرية وآ ائهم ّ‬
‫النقدية‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬

‫‪2‬‬
‫امل ـق ـ ّدم ـ ـ ــة‬
‫َ‬
‫املحدثين ما جادت به أفكار‬ ‫ومن الجهود املشكورة والنتائج امليسورة التي فاضت بها عقول‬
‫النحو العربي‪ ،‬وهي دراسة جدير‬ ‫الدكتور مهدي املخزومي على مدى سنوات من د استه وتد يسه ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫ودوافع وآراء نحوية وأخرى تيسيرية َونتائجها‪.‬‬
‫َ‬ ‫الوقوف عليها لالطالع على ما جاء به صاحبها من أهداف‬
‫ُ َ‬ ‫وما دفعنا الختيار هذا املوضوع أسباب كثيرة‪ّ ،‬‬
‫استحدث في علم العربية‪،‬‬ ‫أهمها الوقوف على ما‬
‫السر الذي جعل التراث ّ‬ ‫ّ‬
‫النحوي بدءا من الخليل وأصحابه صامدا أمام‬ ‫ّ‬ ‫َورغبة في االطالع على‬
‫النقدية التي اعترضته‪.‬‬‫الد اسات ّ‬
‫ّ‬
‫ر‬

‫والدراسات‪ ،‬أصبحت مصادر ومراجع يستقي منها الباحث‬ ‫الشك فيه ّأن هذه البحوث ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مادته ّ‬
‫ّ‬
‫املاسة إلى تيسيره للطالب واملتعلمين الذين الزالوا َيد ُرسون نحو‬
‫ظل الحاجة ّ‬ ‫النحوية‪ّ ،‬‬
‫خاصة في ّ‬
‫جني وغيرهم‪ .‬فكان جليا أن نقف على نظرية املخزومي وما َجادت به قرائحه‬ ‫الخليل وسيبويه وابن ّ‬
‫ّ‬ ‫مست جوانب كثيرة في ّ‬
‫من أفكار ّ‬
‫النحو وتيسيره‪.‬‬
‫ّ‬
‫التساؤالت ّ‬
‫أهمها‪:‬‬ ‫ونهدف في بحثنا هذا إلى اإلجابة على جملة من‬
‫َ‬ ‫تمثلت جهود املخزومي وآ اؤه ّ‬ ‫َ ّ‬
‫النحوية؟ وكيف كان َموقفه من التراث القديم؟ وعلى أ ّي‬ ‫ر‬ ‫فيم‬
‫َ‬
‫استطاع املخزومي إيجاد‬ ‫أي َ‬
‫مدى‬ ‫نظريته في تيسير ا ّلنحو؟ َوما منهجه في ذلك؟ وإلى ّ‬
‫أساس قامت ّ‬
‫يتبنى تدريس نحو الخليل ومن بعده؟‬ ‫النحو في ّظل الواقع ّ‬
‫التعليمي الذي ّ‬ ‫لحل مشكالت تعليم ّ‬
‫البدائل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫بحث ملوضوعنا املوسوم‪« :‬مهدي املخزومي‪ ،‬آراؤه‬‫ولإلجابة على هذه التساؤالت‪ ،‬اتبعنا خطة ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وجهوده النحوية‪-‬دراتة وتحليل‪ .»-‬وتمثلت بالترتيب كما يلي‪:‬‬
‫تطرقنا فيه إلى نشأة ّ‬
‫النحو العربي وتقعيده وصوال إلى الدعوة لتيسيره‪.‬‬ ‫املدخل‪ّ ،‬‬

‫لكل‬ ‫األول (مهدي املخزومي َوجهوده ّ‬


‫النحوية)‪َ ،‬وذهبنا في تقسيمه إلى مبحثين ّ‬ ‫ووسمنا الفصل ّ‬
‫ٍ‬
‫تحدثنا فيه عن حياة مهدي املخزومي َومسيرته العلمية‪،‬‬ ‫األول ّ‬
‫عناصره التي قام عليها‪ ،‬فاملبحث ّ‬
‫انطالقا من حالته ود استه في الجامعات واملعاهد‪ ،‬وأساتذته ّ‬
‫والدراسات التي تناولها إلى أن وافته‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫املنية تاركا بين أيدينا ثروة علمية َوقفنا عليها في الفصول الالحقة‪ ،‬وتطرقنا في املبحث الثاني من هذا‬
‫النحوية بدءا من آثاره‪ ،‬وبحوثه ومقاالته التي كانت ّ‬
‫محل دراستنا‪،‬‬ ‫الفصل إلى جهود مهدي املخزومي ّ‬
‫النحو واألسس التي قامت عليها نظريته ّ‬
‫النحوية‪.‬‬ ‫ثم عالجنا آ اءه في أصول ّ‬
‫ر‬

‫‪3‬‬
‫امل ـق ـ ّدم ـ ـ ــة‬
‫النحوي) ّ‬ ‫ّ‬
‫(حظ املخزومي من الفكر ّ‬
‫قسمناه إلى ثالثة‬ ‫وقد تناولنا في الفصل الثاني من البحث‬
‫مباحث رأيناها األقرب إلى رأي املخزومي وفكره‪ ،‬فكان املبحث ّ‬
‫األول بعنوان (أثر الفكر الخليلي في‬
‫الد س ّ‬
‫النحوي عند املخزومي) ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأما‬ ‫الدرس النحوي عند املخزومي)‪ ،‬والثاني (أثر املذهب الكوفي في ر‬
‫املبحث الثالث فبعنوان (أثر فكر إبراهيم مصطفى في املخزومي) وهي مصادر نحوية تأثر بها املخزومي‬
‫التيسيري رفقة أستاذه إبراهيم‬‫حددت ّاتجاهه ّ‬ ‫والكوفيين‪ ،‬ومصادر جديدة ّ‬
‫ّ‬ ‫قديما مع الخليل‬
‫مصطفى‪.‬‬

‫النحو العربي‬ ‫التجديد ّ‬


‫والتيسير في ّ‬ ‫مخصصا لـ (مظاهر ّ‬
‫ّ‬ ‫وكان موضوع الفصل الثالث واألخير‬
‫ّ‬
‫تتعلق بآ اء املخزومي في تيسيره ّ‬ ‫عند املخزومي) ُ‬
‫للنحو وهو املبحث‬ ‫ر‬ ‫وعنينا فيه بالبحث في قضايا‬
‫ّ‬
‫الدراسة‪ ،‬واتضح منهج‬‫التجديد في فكر املخزومي‪ ،‬وفي هذا الفصل ّاتسعت ّ‬ ‫األول‪ ،‬وأتبعناه بمعالم ّ‬
‫ّ‬

‫النحو‪ ،‬وضمنا‬ ‫التيسير َوما ّ‬


‫حققه في تعليم ّ‬ ‫املخزومي الذي ّاتبعه في د استه ّ‬
‫النحوية‪َ ،‬وذكرنا فيه نتائج ّ‬
‫ر‬
‫خاتمة بحثنا مجموعة من النتائج التي ّ‬
‫توصلنا إليها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوصف ّ‬ ‫واقتضت طبيعة املوضوع االعتماد على منهجي َ‬
‫والتحليل‪ ،‬ألنا وصفنا الظواهر‬
‫ّ‬
‫النحوية‪ ،‬ثم قابلنا آراء املخزومي بآراء النحاة‪َ ،‬وسعينا إلى تحليلها ما استطعنا إلى ذلك َمقدرة وسبيال‪.‬‬
‫األول آثار املخزومي "في ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫بالذكر منها في املقام ّ‬
‫النحو‬ ‫كما اعتمدنا على جملة من املصادر واملراجع نخص‬
‫ّ‬
‫اللغة َو ّ‬
‫النحو"‪" ،‬الخليل بن أحمد‬ ‫العربي‪ ،‬نقد وتوجيه"‪" ،‬مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة‬
‫الفراهيدي‪ ،‬أعماله ومنهجه"‪ ،‬إضافة لكتاب "الكتاب" لسيبويه‪ ،‬كما اعتمدنا على كثير من املراجع‬
‫النحوية" لرياض‬‫النحو" إلبراهيم مصطفى‪ ،‬وكتاب "مهدي املخزومي وجهوده ّ‬‫نذكر منها كتاب "إحياء ّ‬
‫ّ‬
‫الس ّواد‪ ،‬وكتاب "شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية" ملحمد أحمد دويس‪ ،‬باإلضافة إلى كثير من‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫املجالت‪ ،‬وال ننكر ّأننا جعنا إلى بعض سائل املاجستير واستفدنا ّمما ّ‬
‫قدمه‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫املقاالت املنشورة في‬
‫"الد س ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحوي عند مهدي املخزومي بين‬ ‫أصحابها‪ ،‬كرسالة املاجستير للطالب عمر لحرش بعنوان ر‬
‫ّ‬
‫للطالب عيس ى بوقانون بعنوان "نقد الفكر ّ‬ ‫التقليد ّ‬ ‫ّ‬
‫النحوي ‪-‬عند‬ ‫والتجديد"‪ ،‬سنة ‪2013‬م‪ ،‬ورسالة‬
‫املخزومي‪-‬قراءة في املنهج" سنة ‪1997‬م‪.‬‬

‫هينا ميسورا كما قد يعتقد بعض‬ ‫وقد اعترضتنا عقبات كثيرة‪ ،‬فليس البحث في ّ‬
‫النحو ّ‬
‫ثم إلى‬ ‫الرعيل ّ‬
‫األول من النحاة‪َ ،‬‬ ‫فجدية املوضوع جعلتنا نقف أمام ّ‬
‫النحو منذ نشأته عند ّ‬ ‫الدا سين‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫ر‬
‫النحو ّ‬
‫التيسيري املخزومي‪ ،‬وما دعا إليه أصحابه‪ .‬هذا مع‬ ‫مد ستي البصرة َوالكوفة‪ ،‬وصوال إلى ّ‬
‫ر‬

‫‪4‬‬
‫امل ـق ـ ّدم ـ ـ ــة‬

‫صعوبة اإلملام بكل ما جاء به املخزومي في كتبه‪ ،‬إضافة إلى صعوبة الوصول إلى بعض املصادر‬
‫األساسية‪.‬‬
‫النحوي املخزومي مفتوحة أبوابه أمام الباحثين‪ّ ،‬‬
‫ألن غزارته ال‬ ‫الد س ّ‬ ‫ّ‬
‫وال يزال البحث في ر‬
‫ّ‬
‫تتوقف عند بحثنا أو بحث غيرنا‪ ،‬فال نحسب ّأننا قد أحطنا ّ‬
‫بكل جوانب هذا املوضوع‪ ،‬وال ّندعي‬
‫ّ‬
‫لبحثنا الكمال‪ ،‬ورجاؤنا أن يكون بعدنا من الطلبة من يواصل مسيرة البحث ويكشف عن جوانب‬
‫أخرى فيه‪.‬‬
‫ختاما ّ‬
‫نتوجه إلى أستاذنا الفاضل الدكتور أحمد محمد دويس بجزيل الشكر في متابعته هذا‬
‫ّ‬
‫البحث‪ ،‬بصدر رحب وأناة وتوجيه غير منقطع ونسأل اّلل التوفيق‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫املدخل‪:‬‬
‫نشأة ّ‬
‫النحو العربي‬
‫املــدخل‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫ّإن قيمة املرء ُتؤخذ بما ينطق به لسانه وتثيره َمكنونات ضمائره من أفكار ّ‬
‫يعبر عنها بمختلف‬
‫إال بسالمة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األلفاظ املنسجمة فيما بينها‪ُ ،‬‬
‫النطق وفصاحة‬ ‫فيطلق العنان للبيان وال يتأتى ذلك‬
‫اللغوية قدرا‪ ،‬وأكثرها نفعا‪ ،‬وأعمقها أثرا‪ّ .‬‬‫ّ‬ ‫النحو ّ‬‫فإن ّ‬ ‫ّ‬
‫اللسان‪ .‬ولهذا ّ‬
‫وأهمها شأنا‬ ‫يعد من أسمى العلوم‬
‫اللحن ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللغة العربية ّ‬ ‫ّ‬
‫والتحريف الذي أصابها‬ ‫بمقدساتها من‬ ‫وأرفعها مكانة وأعالها منزلة‪ ،‬فسالمة‬
‫ذات فترة اجع بفضل هللا إلى هذا العلم الذي أصبح تدوينه عمال عبادة وإ ساؤه سعيا في سبيل ّ‬
‫الدين‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫النحو قائال‪:‬‬ ‫صدق ابن َخلف البهراني حين ّ‬
‫تغنى بعلم ّ‬ ‫والعروبة تخليصا َ‬
‫وإفادة‪ ،‬وقد َ‬ ‫ُ‬

‫واملرء ُتكرمه إذا لم َ‬


‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ ُ َ ُ‬
‫يلحن‬ ‫بسط من لسان األلكن ***‬ ‫النحو ي‬
‫ّ‬
‫فأجلها منها مقيم ُ‬
‫األلسن‪1‬‬ ‫ّ‬
‫وإذا طلبت من العلوم أجلها ***‬
‫ّ‬ ‫َفبه ّ‬
‫تتبين لطالب العلم مسالك علوم اللغة‪ ،‬ومقاصدها‪ ،‬ويحمل إزاء ذلك مفاتيحها‪ ،‬ويرتشف‬
‫ّ‬
‫والشعور بجمال القرآن الذي هو ذخيرة ّ‬ ‫من ثما ها ّ‬
‫الدين واملسلمين‪ ،‬فال‬ ‫فالنحو مفتاح اإلحساس‬ ‫ر‬
‫النحو واإلقبال عليه دراية ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫بتعلم ّ‬ ‫يمكن ّ‬
‫وتفحصا وتمحيصا‪.‬‬ ‫تذوق حالوته وطالوته إال‬
‫ّ‬
‫النحو هو أبو العلوم وكتبه من أمهاتها‪ ،‬فإن كان للوالدين حق في رعاية األوالد وإصالحهم‬
‫فألهل ّ‬
‫النحو كل ّ‬
‫الحق في إصالح ما فسد من الكالم برعاية شؤونه‪ ،‬فلواله لضاعت املعاني بين فوض ى‬
‫النحو‪ ،‬والباحث في علوم العربية أن يقف عند بدايات هذا‬ ‫فإن من األولى لطالب ّ‬
‫الكلمات‪ ،‬ولهذا ّ‬

‫وتطوراته عبر مختلف العصور واألزمنة‪ ،‬ليرى من‬ ‫ّ‬ ‫العلم وأسبابه‪ ،‬ونشأته‪ ،‬وتاريخه‪ ،‬وإرهاصاته‪،‬‬
‫َ‬ ‫التقعيد‪ ،‬والحفظ‪ّ ،‬‬
‫والتدوين‪ ،‬ما ُيورثه َر َج َ‬ ‫وتحملهم في سبيل ّ‬
‫احة عقل وس َعة‬ ‫خصال علمائه وصبرهم ّ‬
‫صدر‪ ،‬و رزانة فكر وفطنة إقبال‪ ،‬وحكمة إدبار‪ ،‬وطول بال‪ ،‬وقدرة على االمتثال‪ّ .‬‬
‫وأول ما نبدأ به‬ ‫َ‬
‫النحو ونشأته ّ‬
‫والتقعيد له‪.‬‬ ‫بحثنا نظرات في مفهوم ّ‬

‫ّ‬
‫‪1‬ابن عبد ربه األندلس ي‪ ،‬العقد الفريد‪ ،‬كتاب الياقوتة في العلم واألدب‪ ،‬باب في اإلعراب واللحن‪ ،‬ج‪ ،02‬ص‪.489‬‬

‫‪7‬‬
‫املــدخل‬
‫ّ‬
‫أوال‪-‬في مفهوم النحو‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ذكر في لسان العرب تعريف ّ‬
‫النحو بأنه ((يقال نحوت نحوك أي قصدت قصدك ويجمع على‬
‫ُ‬
‫أنحاء ون ُح ّو ويكون ظرفا كما يكون اسما‪ :‬نحاه‪ ،‬ينحوه وينحاه‪ .‬انتحى لفالن أي عرض له بالكالم‬
‫وقصده‪ ،‬وأنحى عليه ضربا أي أقبل‪ ،‬وأنحى له السالح ضربه بها وطعنه))‪.1‬‬
‫النحو باختالف ُ‬ ‫ّ‬
‫اللغة في مفهوم ّ‬ ‫كما اختلفت ّ‬
‫الرؤى‪ ،‬واملذاهب واألفكار‪،‬‬ ‫التعريفات بين علماء‬
‫ّ ّ‬
‫جني بأنه‪(( :‬انتحاء َسمت كالم العرب في تصريفه وإعرابه وغيره كالتثنية والجمع‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فعرفه ابن‬
‫ّ‬ ‫والتحقير‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫والتكسير‪ ...‬ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة‪ ،‬فينطق بها وإن لم‬
‫يكن منهم‪ ،‬وإن ّ‬
‫شد بعضهم عنها ر ّد إليها))‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫كما ّ‬
‫عرفه الدكتور محمد أحمد دويس بأنه‪(( :‬علم بالقوانين واملقاييس املستنبطة من استقراء‬
‫كالم العرب وأصول مقاصدها في الكالم))‪.3‬‬
‫ّ‬
‫النحو هو ال ّدرس الذي يبحث في قواعد اللسان العربي وما‬
‫بأن ّ‬
‫ومن هذه التعريفات نخلص ّ‬

‫يضبطه من أسس وقوانين‪ ،‬لبيان أحوال الكلم إعرابا وبناء‪.‬‬


‫ّ‬
‫ثانيا‪-‬حول نشأة النحو العربي‪:‬‬
‫قمة فصاحتها وبالغتها وجمال أساليبها ّ‬
‫وتعدد أدواتها‪ ،‬حاملة‬ ‫دخل اإلسالم هذه ّ‬
‫األمة العربية في ّ‬
‫تراثا عربيا حافال منذ العصر الجاهلي‪ ،‬حيث قامت األسواق العربية كسوق عكاظ الذي أخذ منه‬
‫ّ‬
‫اللغة العربية مصطفاة ّ‬
‫ومتفق‬ ‫الشعراء والبلغاء ما استحسنوه من لهجات القبائل املختلفة‪ ،‬فكانت‬
‫النفوس العربية من شعر‪ ،‬ونثر وبيان لألغراض واألحاسيس‬ ‫عما يخالج ّ‬ ‫عليها ُوأخذت وسيلة ّ‬
‫للتعبير ّ‬
‫ّ‬ ‫واملشاعر‪ّ ،‬‬
‫فلما بدأت الفتوحات اإلسالمية واختلط العرب الخلص بغيرهم من الشعوب املجاورة‬
‫كل فج صفوفا متواترة؛ أخذوا العربية على محمل ّ‬
‫الجد‬ ‫والبعيدة وانبرى العجم يدخلون اإلسالم من ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واللحن بدأ ّ‬
‫يشق طريقه بين هذه‬ ‫وحاولوا تعلمها محاكاة للسان العربي الفصيح‪ ،‬إال ّأن الفساد‬
‫ّ‬
‫األلسن إلى أن أصابت عدواه كثيرا من العرب‪ ،‬وبدأ ُيسمع اللحن في أحاديث املتخاطبين من مختلف‬

‫ّ‬
‫‪1‬محمد أحمد دويس‪ ،‬شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية‪ ،‬دار الخلدونية‪ ،‬الجزائر‪2018 ،‬م‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫جني‪ ،‬أبو الفتح عثمان‪ ،‬الخصائص‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1983 ،03‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.34‬‬ ‫‪ 2‬ابن ّ‬
‫ّ‬
‫‪ 3‬شذرات ونظرات في علوم اللغة العربي‪ ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪8‬‬
‫املــدخل‬
‫الفئات واألعمار‪ّ ،‬‬
‫مما لفت انتباه املسؤولين وأولي األمر واألمراء وغيرهم من أهل الحل والعقد‬
‫واالجتهاد‪.‬‬
‫اللغة وجمعها واستنباط أحكامها‪ ،‬وقواعدها ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللحن الباعث ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫النحوية‪،‬‬ ‫األول لتدوين‬ ‫ويعد‬
‫صص‪ّ ،‬‬
‫وتعددت ّ‬ ‫الق َ‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫وق ّ‬
‫الروايات الواصلة إلينا في أسباب وضع‬ ‫صت‬ ‫وتصنيفها وقد تتابعت األحداث‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطيب‪(( :‬واعلم ّأن ّأول ما ّ‬ ‫ّ‬
‫اختل من كالم العرب وأحوج إلى التعلم‪ :‬اإلعراب‪،‬‬ ‫النحو‪ ،‬وفي ذلك قول أبو‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫واملتعربين من عهد النبي صلى اّلل عليه وسلم‪ ،‬فقد روينا ّأن رجال لحن‬
‫ّ‬ ‫ألن اللحن ظهر في كالم املوالي‬
‫((ألن أقرأ فأسقط أحب ّ‬‫َ‬
‫إلي من أن أقرأ‬ ‫بحضرته فقال‪(( :‬أرشدوا أخاكم فقد ظل))‪ .‬وقال أبو بكر‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫((ومر عمر بن الخطاب على قوم ُيسيئون الرمي‪ ،‬فقرعهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنا قوم‬ ‫ّ‬ ‫فألحن))‪ 1 .‬وقال ياقوت‪:‬‬
‫طؤكم في لسانكم ّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ‬
‫أشد علي من خطئكم في رميكم))‪ ،2‬وقال‬ ‫"متعلمين" فأعرض مغضبا وقال‪ :‬وهللا لخ‬
‫ابن عبد به‪(( :‬ودخل على الوليد بن عبد امللك جل من أشراف قريش فقال له الوليد‪ :‬من َ‬
‫خت َن َك؟‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ّ ّ‬
‫قال‪ :‬فالن اليهودي‪ ،‬فقال‪ :‬ما تقول؟ ويحك! قال‪ :‬لعلك إنما تسأل عن ختني يا أمير املؤمنين هو فالن‬
‫اللحن وأصبح من العرب الفصحاء من ّ‬ ‫ّ‬
‫يعدون على األصابع فقط‪.‬‬ ‫بن فالن))‪ .3‬وهكذا انتشر‬
‫وقد افقت نشأة ّ‬
‫النحو عوامل ثالثة ذكرها تمام الحسان وهي‪:4‬‬ ‫ر‬

‫‪ .1‬العامل الديني‪:‬‬

‫وجل بحفظه فقال ﷻ ﴿إِ اَّن حَْنن نح ازلْنحا ِِّ‬


‫الذ ْك حر حوإِ اَّن‬ ‫عز ّ‬ ‫القرآن هو معجزة اإلسالم التي ّ‬
‫تكفل هللا ّ‬
‫ُ‬
‫له َلافِظون﴾‪ 5‬فهو ذخيرة اإلسالم واملسلمين ودستور ّ‬
‫الدين وأساس الشريعة جاء مبرهنا على خالقه‬ ‫ح ُ حح ُ ح‬
‫املنزه متحديا بذلك أهل الفصاحة والبالغة والبيان الذين هم شعراؤها‪ ،‬وبلغاؤها‪،‬‬ ‫بألفاظه وكالمه ّ‬
‫َ‬
‫الحكم في منافساتهم ومناظراتهم الشعرية التي ُعرفت في أسواقهم العربية‪ ،‬ولهذا كان الخوف‬ ‫وذ ُوو ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫على القرآن من فتنة اللحن وفساد اللسان سببا رئيسا في اتخاذ الخطوات واملسارعة للحفاظ عليه‬
‫ّ‬
‫اّلل عنه الذي أفزعته مفاضلة ّ‬
‫قراء األمصار بين القراءات القرآنية‬ ‫بدء من موقف عثمان رض ي‬
‫كل واحد لآلخر‪ :‬قراءتي خير من قراءتك‪ ،‬فأمر ثقات الح ّفاظ من أصحاب رسول هللا بجمع‬ ‫فيقول ّ‬

‫‪ 1‬الطنطاوي‪ ،‬الشيخ محمد‪ ،‬نشأة ّ‬


‫النحو وتاريخ أشهر النحاة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬‫‪2‬املرجع ّ‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.17‬‬ ‫‪3‬املرجع ّ‬
‫‪4‬ينظر‪ :‬األصول‪ ،‬حسان‪ ،‬تمام‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األولى ‪1981‬م‪ ،‬ص‪.28-23-22‬‬
‫‪5‬سورة الحجر‪ ،‬اآلية ‪.09‬‬

‫‪9‬‬
‫املــدخل‬
‫ّ‬
‫الصحف والعظام‪ ،‬واللخاف وسعف النخل‪ ،‬فكان ّأول مصحف‬
‫تفرق منه في ّ‬
‫القرآن‪ ،‬واستكتبوا ما ّ‬
‫ُ‬
‫سمي باسمه ونسب إليه‪.‬‬
‫ّ‬
‫تعداها إلى البوادي فقد روى الجاحظ ّأن ّأول لحن سمع في‬
‫واللحن لم يبق حبيس األمصار بل ّ‬
‫صاي)‪ّ ،‬‬
‫وأول لحن ُسمع في العراق‪ّ :‬‬
‫حي على الفالح‪ ،‬بكسر الياء‪.1‬‬ ‫البادية‪ :‬هذه عصاتي بدل َ‬
‫(ع َ‬

‫ّ‬
‫كما أضحت قراءة القرآن عرضة للحن كونه كان خاليا من الشكل والنقط‪ ،‬فقد شهد يحيى‬
‫ّ‬
‫بني يعمر على الحجاج باللحن في كتاب هللا أثناء الصالة‪ ،‬لهذا عمل أبو األسود الدؤلي على نقط‬
‫املصحف وإعرابه وهي البداية التا يخية التي ال جدال فيها حول بداية نشأة ّ‬
‫النحو العربي‪.‬‬ ‫ر‬

‫‪ .2‬العامل القومي‪:‬‬

‫وتوسع رقعة الحضارة العربية وجد العرب أنفسهم أمام أمم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بعد الفتوحات اإلسالمية‬
‫وشعوب وحضارات قديمة قدم الزمان‪ ،‬لها ثقافاتها ّ‬
‫املتنوعة التي لم يكن لهم فيها صاع وال باع فتلك‬
‫ثقافة الساسانيين‪ ،‬والعراق‪ ،‬والفرس‪ ،‬والروم‪ ،‬واليونان‪ ،‬والهند مع ّ‬
‫تعدد األجناس من قبط‪ ،‬ويهود‪،‬‬
‫وسريان ونبط‪ ،‬فكان على العرب وهم قادة زمانهم حمل راية اإلسالم ومواكبة الحضارة بثقافاتها و‬
‫يكونوا أصحاب سالة تستند إلى ثقافة عربية منفتحة على الشعوب األخرى حتى ّ‬
‫يقدموا لإلسالم‬ ‫ر‬
‫صورته الحقيقية التي دعا إليها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم بعد التحاقه ّ‬
‫بالرفيق األعلى‪ ،‬والسعي‬
‫الجمة والفتح املبين‪ ،‬وكان القرآن‬ ‫الرسالة الربانية التي أغدقتهم ّ‬
‫بالنعم ّ‬ ‫إلنشاء ثقافة قومية تحوي ّ‬
‫النحو‪ ،‬والفقه حتى ّ‬
‫يقرب معاني القرآن ملعتنقي‬ ‫محورا لهذه الثقافة العربية فنشأ ّ‬
‫التفسير بجانب ّ‬
‫واملتعلمين الجدد ّللغة العربية ّ‬
‫والداخلين لثقافتها الجديدة‪ ،‬وللمجاز في القرآن حظ وافر‬
‫ّ‬
‫اإلسالم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ألجله كانت البالغة‪ ،‬لهذا ّ‬
‫فإن العامل القومي أثمر على العرب بمختلف العلوم اللغوية التي كانت‬
‫والزالت أساس ثقافتنا العربية املحضة‪.‬‬

‫‪ .3‬العامل السياس ي‪:‬‬


‫عاش املسلمون عربا‪ ،‬وعجما تحت راية اإلسالم حياة ّ‬
‫عز وإباء‪ ،‬ال يشتكون فاقة‪ ،‬وال يخشون‬
‫هجمة‪ ،‬فقد أطعمهم هللا من جوع‪ ،‬وآمنهم من خوف‪ ،‬فتآلفوا‪ ،‬وتراحموا‪ ،‬وتآخوا وتصاهروا‪ ،‬حتى آل‬
‫األمر إلى بني أمية‪ ،‬الذين ّ‬
‫قربوا العرب‪ ،‬وأبعدوا املوالي‪ ،‬وظهرت العصبية من جديد‪ ،2‬فقد أقاموا ملكا‬
‫ّ‬
‫‪1‬شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪2‬املرجع ّ‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.25‬‬

‫‪10‬‬
‫املــدخل‬
‫عضودا‪ ،‬وجعلوا من السياسة سببا في نشر التفرقة بين املسلمين بأجناسهم‪ ،‬وأعراقهم‪ّ ،‬‬
‫وفضلوا بني‬
‫تسلطوا وجعلوا عتادهم في ذلك لسانهم العربي؛ الذي هو لغة ّ‬ ‫ّ‬
‫الدولة‬ ‫جلدتهم من العرب الذين‬
‫همشوا ولم يقيموا لهم وزنا داخل بالد‬‫والقرآن الذي أوصلهم للمناصب الرفيعة دون املوالي؛ الذين ّ‬
‫ّ‬
‫املسلمين وتحت لواء العرب‪ ،‬فكان هذا دافعا إلقبال املوالي على تعلم علوم العربية؛ وقد وجدوا‬
‫ّ‬
‫ضالتهم املنشودة بعد ما جاء به جال الطبقة األولى من تصنيفات ّأولية في ّ‬
‫النحو كأقسام الكلم‪،‬‬ ‫ر‬
‫والدولة بل واستطاعوا انتزاع اية ّ‬
‫الدين ّ‬
‫تعلم لغة ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحو من‬ ‫ر‬ ‫وحركات اإلعراب‪ ،‬و نحوها‪ ،‬وتمكنوا من‬
‫ّ ّ‬ ‫أيدي العرب‪ ،‬فنشأ ّ‬
‫النحو‪ ،‬وترعرع على أيديهم وال نكاد نرى بعد هذه الطبقة نحاة عربا إال القلة‬
‫فدون التاريخ ّأن املوالي قد‬
‫القليلة كأبي عمرو بن العالء‪ ،‬والخليل بن أحمد‪ ،‬وأبى عثمان املازني‪ّ (( .‬‬

‫أمية فاستعاضوا عن ذلك بحيازة العلوم ومن حاز العلوم حاز امللك))‪.1‬‬ ‫أقصاهم حكم بني ّ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والذي ّبيناه فيما مض ى من أحداث اللحن دفع القوم على االجتهاد في سبيل حفظ اللغة العربية‬
‫ّ‬
‫تمكنوا منه‪ّ ،‬‬ ‫تعلمها لألعاجم؛ فشرعوا ّ‬ ‫ّ‬
‫وتم لهم هذا‬ ‫يتحدثون عن اإلعراب وقواعده حتى‬ ‫وتسهيل‬
‫النحو ّأن موطنه البصرة‪ ،‬بها ترعرع‬ ‫ّ‬
‫التا يخ وما ذكرته في نشأة ّ‬
‫الفن‪ .‬ولع ّل ما أجمعت عليه مصادر ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتفيأ ظالل أشجار كان فيها مجلس العلم والعلماء فاتسع‪ ،‬وتكامل‪ ،‬ونضج ثم تفلسف‪ ،‬وكان بنزعته‬
‫السماعية والقياسية نابعا من رؤوس أينعت بالبصرة‪.‬‬

‫النحو أبو األسود الدؤلي املتوفى سنة(‪67‬ه)‪ ،‬وقيل ّإن علي بن أبي طالب‬
‫تحدث في ّ‬
‫وأول من ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫النحو"‪ ،‬وقيل ّإن ّأول من تكلم‬
‫ثم قال له‪ ":‬أنح هذا ّ‬ ‫ألقى إلى أبي األسود الدؤلي ببعض أبواب ّ‬
‫النحو‪ّ ،‬‬
‫فيه نصر بن عاصم املتوفى سنة( ‪117‬هـ)‪ ،‬وقيل عبد الرحمن بن هرمز املتوفى سنة( ‪117‬ه)‪ ،‬وقيل‬
‫لم يصل إلينا ش يء عن أحد قبل يحيى بن عمر املتوفى سنة( ‪129‬ه)‪ ،‬وابن أبي إسحاق الحضرمي‬
‫وتعددت األقاويل‪ ،‬غير ّأن الراجح وما أجمعوا عليه في ّأن أبا‬
‫املتوفى سنة( ‪117‬ه)‪ ،‬وقيل‪ ...‬وقيل ّ‬
‫ّ‬ ‫األسود الدؤلي‪ ،‬وما ّ‬
‫قدمه من خدمة جلية للغة العربية بنقطه القرآن للداللة على الرفع‪ ،‬والنصب‪،‬‬
‫النحو لعلي بن أبي طالب‪،‬‬ ‫النحو‪ .2‬كما َن َس َب ابن األنباري ّ‬
‫يعد الخطوة األولى إلى ّ‬
‫و الج ّر‪ ،‬والتنوين ّ‬
‫عما معه من ّ‬
‫النحو‬ ‫فالروايات ّكلها تسند للدؤلي وأبو األسود يسنده إلى علي وذكر ّأن أبا األسود سئل ّ‬
‫((لفقت حدوده من علي بن أبي طالب))‪ .3‬وذكر األستاذ محمد أحمد دويس ّأن أبا األسود الدؤلي‬ ‫فقال‪ّ :‬‬

‫ّ‬
‫‪1‬شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪2‬ينظر‪ :‬من تاريخ ّ‬
‫النحو‪ ،‬سعيد األفغاني‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬ص‪.28-27‬‬
‫ّ‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية‪ ،‬ص‪.27‬‬

‫‪11‬‬
‫املــدخل‬
‫ّ‬
‫اللغة‪ ،‬وراويا للحديث والشعر‪ُ ،‬‬
‫فعرف‬ ‫جمع علوم عصره‪ ،‬وإلى جانب حفظه القرآن كان ُملما بقضايا‬
‫برجاحة عقله‪ ،‬وسداد رأيه؛ الذي استعان به الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعلي‪ ،‬ما ّ‬
‫يرجح نسبة‬
‫النحو إليه دون سواه‪ .1‬ويذهب أحمد أمين هذا املذهب إذ يقول‪(( :‬ويظهر لي ّأن نسبة ّ‬
‫النحو إلى‬ ‫وضع ّ‬

‫أبي األسود لها أساس صحيح‪ ،‬ذلك ّأن الرواة يكادون ّيتفقون على ّأن أبا األسود قام بعمل من هذا‬
‫ّ‬
‫النمط وهو أنه ابتكر شكل املصحف))‪.2‬‬

‫والتقعيد له كان للخليل بن أحمد الفراهيدي ذي العقل‬ ‫النحو ّ‬‫ّإن الفضل األكبر في وضع ّ‬
‫املتوقد املبتكر؛ الذي َقل َأن ُوجد له نظير بين علماء ذلك العصر‪ ،‬وهو الذي عمل ّ‬
‫النحو الذي نعرفه‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫إلى اليوم‪ ،‬وليس بغريب على الدؤلي الذي أوتي كذلك العلم الواسع أن ُي َلهم هذا الفن‪ ،‬ويضع تعاليمه‬
‫التي ُيسار عليها وينسج على منوالها‪.3‬‬

‫وتطور شيئا فشيئا عبر العصور باختالف عقليات أفرادها ونظرة‬ ‫ّ‬ ‫النحو العربي‪،‬‬‫لقد نشأ ّ‬
‫خاصة‪ ،‬وما ورثوه عن أسالفهم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫عامة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫اللغوية ّ‬
‫ودونوه لألجيال‬ ‫وللنحو‬ ‫علمائها ورؤيتهم للعلوم‬
‫النحو‪ّ ،‬‬
‫والتقعيد له‪ ،‬بحيث‬ ‫تطور ّ‬‫بعدهم‪ ،‬وقد ذكر التاريخ في صفحات نحسبها من ذهب مراحل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللتان كانتا منبعا ّ‬ ‫النهضة ّ‬
‫بدأت ّ‬
‫للدراسات اللغوية‪،‬‬ ‫النحوية في ّأول أمرها بصرية‪ ،‬ثم انتقلت للكوفة‬
‫فنضج فيهما‪ ،‬واستوى إلى أن ّ‬
‫توسع واكتمل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والنظر في هذه األطوار تجعل موروثنا ّ‬
‫ّ‬
‫النحوي من أهم‪ ،‬وأبرز‪ ،‬وأكثر العلوم في اللغة التي ذاع‬
‫كل عصر علماء أرجح عقال‪ ،‬وأسلم منطقا وفكرا ليواصلوا ما‬ ‫صيتها وطالت أزمنتها‪ ،‬وأخرجت من ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بدأه األقدمون‪ ،‬ونذكر ّأن لهذا املوروث جناحان يحلق بهما في الفضاء اللغوي الفسيح وهما‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ .1‬قواعد ّ‬
‫النحو العربي التي تمثل األحكام الضابطة للصواب اللغوي‪.‬‬
‫يفسر القواعد ّ‬
‫النحوية ويبدو هذا واضحا عند‬ ‫‪ .2‬التنظير ّ‬
‫والتقعيد ويمثل بداية لعمل منهجي ّ‬
‫ّ‬ ‫النحويين في تفسيرهم للمسائل ّ‬‫ّ‬
‫النحوية باالعتماد على العامل والسماع والقياس والعلة‬
‫واألصل والفرع‪ ،‬واإلعراب وغيرها‪.4‬‬

‫ّ‬
‫‪1‬ينظر‪ :‬شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية‪ ،‬ص‪.30‬‬
‫‪ 2‬الطنطاوي‪ ،‬نشأة ّ‬
‫النحو وتاريخ أشهر النحاة‪ ،‬ط‪ ،2‬دار املعارف القاهرة‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪3‬املرجع ّ‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪.29-28‬‬
‫ّ‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية‪ ،‬ص‪.30‬‬

‫‪12‬‬
‫املــدخل‬
‫واستخدم النحاة القواعد لتحديد الصواب في الكالم‪ ،‬وتفصيل األبواب ّ‬
‫النحوية‪ ،‬وهي تعبير‬
‫ّ‬ ‫اللغوية‪ ،‬وجزء ال ّ‬‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫يتجزأ من النسيج اللغوي العام‪،‬‬ ‫عما تبث لدى النحويين عن طريق استقراء املادة‬
‫يوضح ّ‬
‫ويفسر القاعدة باالعتماد على‬ ‫التنظيري الذي ّ‬‫يعد الجانب ّ‬ ‫وأما ّ‬
‫التقعيد فهو غير القاعدة إذ ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫يؤكد لنا الفرق بين القاعدة ّ‬ ‫التعليل‪ ،‬وهو ّ‬
‫والتقعيد‪.1‬‬ ‫محل اجتهاد‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬
‫إال ّأنه عانى كثيرا من ّ‬ ‫النحو ّ‬
‫ونذكر ّأن ّ‬
‫الصعاب‬ ‫وإن كان قد وصل ملراحل نضجه‪ ،‬واكتماله‬
‫و التعقيدات بسبب تأثر علمائه باملنطق والفلسفة‪ ،‬ودخول نظريات أثقلت كاهله‪ّ ،‬‬
‫وغيرت مساره‪،‬‬
‫وهدفه األساس الذي وجد ألجله وهو في غنى عنها كنظرية العامل التي حاربها ودعا إلى إلغائها بعض‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتأخرين‪ ،‬ودعوا إلى إعادة تبسيط ّ‬
‫النحو‪ ،‬وتيسيره في ظل هذه الكمية الضخمة من املؤلفات‪،‬‬
‫صعبت على األجيال الناشئة د اسة هذا العلم‪ ،‬واالستمتاع ّ‬
‫بتلقي علوم‬ ‫واملتون‪ ،‬والشروحات التي ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العربية‪ ،‬وأصبح يد ّرس دراسة جافة دفعت بالكثيرين للنفور من تعلمه‪ ،‬ومن بين العلماء الذين دعوا‬
‫إلى ضرورة النظر في هذا العلم وإعادة إحياء ما جاء به األوائل‪ ،‬نجد ابن مضاء القرطبي‪ ،‬وبعده دعاة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التيسير الذي قاده الدكتور إبراهيم مصطفى‪ ،‬وتلميذه الدكتور مهدي املخزومي الذي شاء اّلل أن‬
‫يكون علم هذا األخير موضوعا لدراستنا هذه على أن يكون جهده ورأيه فيما نرى ركيزة ّ‬
‫هامة‪ ،‬وأساسا‬
‫ّ‬
‫للنحو الذي نرغبه في عصرنا وزماننا هذا‪.‬‬

‫ّ‬
‫للنشر ّ‬ ‫‪1‬ينظر‪ :‬التفكير العلمي في ّ‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األولى‪،2002 .‬‬ ‫النحو العربي‪ ،‬حسن خميس امللخ‪ ،‬دار الشروق‬
‫ص‪.40-39‬‬

‫‪13‬‬
‫الفصل ّ‬
‫األول‪:‬‬
‫ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‪.‬‬

‫‪ ‬مهدي املخزومي ومسيرته العلمية‪.‬‬


‫‪ ‬جهود مهدي املخزومي ّ‬
‫النحوية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫ّ‬
‫اللغات اهتماما بالغا منذ الق َدم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫خاصة بعد الذي شهدته في‬ ‫نالت اللغة العربية كغيرها من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اإلسالمية من تحريف للكلم‪ ،‬ولحن في اللسان‪ ،‬بسبب اختالط العرب الخلص بغيرهم من‬ ‫الحضارة‬
‫العجم‪ ،‬حيث أفنى العلماء على مدى أجيال جهودهم لحفظها‪ ،‬وصيانتها ّ‬
‫بشتى الطرق واألساليب‪،‬‬
‫َ‬ ‫وكان علم ّ‬
‫لكل باحث في العربية وخير َمعل ٍم لها‪ ،‬ملا له من الفضل الكبير في حفظ قواعدها‬
‫النحو دليال ّ‬
‫النحوية ما يصعب علينا ّ‬ ‫املصنفات ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عده وإحصائه‪ ،‬فبرزت‬ ‫وسالمتها‪ ،‬ومن هذا املنطلق ألف العلماء‬
‫قدمه‬‫جهودهم على مدى قرون وما الت محفوظة لحد اآلن‪ ،‬ومن الجهود الجبا ة التي نقف عليها ما ّ‬
‫ر‬ ‫ز‬
‫النحو بمؤلفاته التي الزالت تعتبر مصدرا هاما من مصادر الحداثة في‬ ‫الدكتور مهدي املخزومي لعلم ّ‬
‫ّ‬
‫مؤلفاته و ما ّ‬ ‫النحو ‪ ،‬ولنقف في بادئ األمر على حياته‪ ،‬وثقافته ّ‬ ‫ّ‬
‫قدمه من جهود في‬ ‫النحوية وأهم‬
‫النحو‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪15‬‬
‫املبحث ّ‬
‫األول‬
‫َ‬
‫َمهدي املخزومي‪ ،‬ومسي ته العلمية‪:‬‬
‫ّأوال‪-‬حياة مهدي املخزومي‪.‬‬
‫ثانيا‪-‬أساتذته ومكانته العلمية بين العلماء‪.‬‬
‫ثالثا‪-‬ثقافته ّ‬
‫النحوية ورحالته‪.‬‬
‫رابعا‪-‬وفاته‪.‬‬
‫خامسا‪ّ -‬‬
‫الدراسات التي تناولت نحو املخزومي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫َش َ‬
‫اب الدكتور مهدي املخزومي يب ّ‬
‫وشك كبيران‪ ،‬إلى ما آلت إليه أوضاع علوم اللغة العربية‪،‬‬ ‫ر‬
‫الضارة الواجب قطعها‪ ،‬حتى ال يغرق‬ ‫ّ‬
‫فالنحو الذي وصل إلينا بصورته الحالية مليء باألعشاب ّ‬
‫النحو ّ‬
‫التعليمي‪ ،‬كما يراه املخزومي‪ ،‬كان أولى اهتمامات النحاة في حين‬ ‫ولعل ّ‬
‫الدارس في تشابكها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬

‫شيد صرحه (الخليل بن أحمد الفراهيدي)‪ ،‬الذي‬ ‫النحو العلمي الخالص الذي ّ‬ ‫كل البعد عن ّ‬
‫ابتعدوا ّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫شق النحاة بعده به طرقا وعرة‪ ،‬وأنبتوه في واد غير واديه‪ ،‬فأفسدوا زرعه وذهبوا بنضارته التي هي‬
‫أهدافه املرجوة التي أرادها األوائل من وضعه‪.‬‬
‫بالنحو إلى أصوله ّ‬ ‫ّ‬
‫املتأخرين‪ ،‬إلى ضرو ة العودة ّ‬
‫الطيبة‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ولقد دعا مهدي املخزومي‪ ،‬وهو من‬
‫يدل على رغبته‬‫الدعوة ما ّ‬ ‫األول وقصد بهم الخليل وأصحابه‪ ،‬وفي هذه ّ‬
‫الرعيل ّ‬‫من خالل قراءة تراث ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(فالشعوب ال ّ‬ ‫والتدرج في د استه التراث ّ‬
‫ّ‬
‫تحقق نهضتها إال باالنتظام في تراثها))‪.1‬‬ ‫النحوي (‬ ‫ر‬ ‫في االنتظام‬
‫ّ‬ ‫النحوي‪ ،‬ال نقصد بذلك ّ‬ ‫َ ّ‬
‫نطلع على تراثه ّ‬
‫تصيد األخطاء وال التسليم‬ ‫ونحن نقرأ للمخزومي‪ ،‬و‬
‫ُ‬ ‫املطلق ملا قال به‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫وتصور‬ ‫ّ‬
‫فنحول هذا التراث إلى أداة معرفة‪،‬‬ ‫ولكنا نراها رحلة بحث نثري بها َوعينا‪،‬‬
‫النحو العربي‪ ،‬فقد كان هاجسه الوحيد ّ‬
‫تبني‬ ‫الرجل وكشف فيه عن منهجه في ّ‬ ‫جسده هذا ّ‬ ‫حي ملا ّ‬
‫ّ‬
‫اللغة من جهة‪ ،‬وأن يعيد ّ‬
‫النحو إلى سابق عهده من جهة أخرى‪ ،‬وقبل أن نقف‬ ‫منهج علمي يعالج به‬
‫النحوية‪ّ ،‬‬
‫البد لنا الوقوف ّأوال على حياة هذا ّ‬
‫الرجل وتاريخه وعلمه‪.‬‬ ‫على جهود املخزومي ّ‬

‫‪ -1‬حياة مهدي املخزومي‪:‬‬

‫هو َمهدي بن محمد صالح من أسرة عربية تعرف بآل زاير‪ ،‬ينتهي نسبها إلى بني مخزوم‬
‫القرشية‪ ،2‬ولد سنة ‪1917‬م‪ ،‬في النجف األشرف‪.3‬‬

‫عاش َمهدي املخزومي ((في أسرة كريمة وذاق اليتم صغيرا‪ ،‬فقد توفى والده وهو صغير لم‬
‫ّ‬
‫يتجاوز عمره السنتين‪ ،‬وفقد ّأمه قبل أن ُيتم الخامسة‪ ،‬فتولت أخته التي تكبره باثنتي عشرة سنة‬
‫رعايته‪ ،‬والعناية به وعاش في كنف أخته فما إن أنهى الخامسة حتى ختم القرآن ثم أنهى دراسته‬
‫االبتدائية‪ ،‬واملتوسطة والتحق بعد ذلك في عام ‪ 1933‬باملدارس الدينية املنتشرة آنذاك في مدينة‬
‫ُ‬
‫النجف فدرس النحو‪ ،‬والبالغة على يد أساتذة علماء فأتقن العربية‪ ،‬وكان المعا فيها منذ نشأته؛‬

‫‪1‬محمد عابد الجابري‪ ،‬التراث ومشكل املنهج‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬مج‪ ،23‬ع ‪-01‬‬
‫‪1994 ،02‬م‪ ،‬ص‪.456‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الس ّواد‪ ،‬مهدي املخزومي وجهوده النحوية‪ ،‬دار الراية‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪1430 ،01‬ه‪2009 /‬م‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫ّ‬ ‫‪2‬رياض ّ‬
‫محمد البياتي‪ ،‬ص‪.42‬‬‫النحو العربي‪ :‬نقد وتوجيه)‪ ،‬مهدي املخزومي‪ ،‬سهيلة طه ّ‬ ‫‪3‬املنهج الوصفي في كتاب (في ّ‬

‫‪17‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬

‫طموحا متفتح الفكر على آفاق املستقبل ولم يكن مقيدا بقيود املحافظة التي منعت غيره من التطور‬
‫خرج‬ ‫ّ‬
‫فحصل من العلم ما فاق به أقرانه إلى أن ت ّ‬ ‫الفكري والعلمي))‪ ،1‬وقد دخل معترك الحياة العلمية‪،‬‬
‫اللغة العربية سنة ‪1934‬م‪ ،‬ثم عاد لوطنه "العراق" ّ‬‫ّ‬
‫كمدرس لقواعد اللغة العربية بالثانوي‪.‬‬ ‫من قسم‬
‫اقية فرصة أخرى ليعود إلى القاهرة‪ّ ،‬‬
‫ويتلقى دراسته في جامعتها‪،‬‬ ‫وقد أتاحت له وزارة املعارف العر ّ‬
‫ّ‬
‫واستمر بعد‬ ‫ففزع من تلك ال ّدراسة بإعداد بحثه في للماجستير‪ ،‬ونوقش فيه وأجيز سنة ‪1951‬م‪،‬‬
‫فتم وأجيز سنة ‪1953‬م‪.2‬‬ ‫ذلك ّ‬
‫يعد بحثه في الدكتوراه‪ّ ،‬‬

‫‪ -2‬أتاتذته ومكانته العلمية بين العلماء‪:‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لعل مسيرته البحثية والعملية مكنته من لقاء العديد من العلماء‪ ،‬واألدباء الذين أخذ من‬
‫علمهم وتأثر بهم‪ ،‬ومنهم أستاذه املرحوم (إبراهيم مصطفى) الذي أشرف على موضوع بحثه‬
‫للماجستير‪ ،‬وكان له األثر األكبر في حياة وعلم املخزومي‪ ،‬وكذا أستاذه الدكتور (مصطفى السقا)‬
‫وقد التقى املخزومي بكبار علماء العربية وأدباءها‪ ،‬أمثال الدكتور الكاتب طه حسين‪ ،‬وأحمد أمين‪.‬‬
‫النحو وقضايا ّ‬
‫التيسير جهود جبارة يشار إليها‬ ‫ولقد كانت جهود مهدي املخزومي في علم ّ‬
‫تحدث عنه أساتذته وأعجبوا بما ّ‬
‫حققه من نتائج خالل مسيرته البحثية الطويلة‪ ،‬التي‬ ‫بالبنان‪ ،‬فقد ّ‬
‫ّ‬ ‫أثمرت على ّ‬
‫النحو الحديث بما يواكب تطوراته وظروفه اللغوية‪ ،‬فجاء بما ُيمتع ويفيد أجيال كثيرة‬
‫الدكتور مهدي املخزومي ّ‬
‫تعد من أمتع‬ ‫بعده‪ ،‬يقول أستاذه الدكتور إبراهيم السقا‪(( :‬ومباحث ّ‬
‫علمي‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫وكل تطوير ال يقوم على أساس ّ‬ ‫فإنها قائمة على أساس علمي متين‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الدراسات العلمية‪ّ ،‬‬
‫مادة ّ‬
‫النحو املدرس ي‪،‬‬ ‫مصيره اإلخفاق ّ‬
‫املحقق‪ ،‬وكم شهدنا في جيلنا مشروعات كثيرة‪ ،‬رسمت لتهذيب ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫انفضت ولم تكن لها نتائج مطلقا‪ّ ..‬‬ ‫ّ‬
‫وألفت لها لجان اجتمعت طويال ّ‬
‫العلمي قد‬ ‫وكل مزايا البحث‬ ‫ثم‬
‫للدكتور مهدي املخزومي حين وضع هذا الكتاب‪-‬يقصد كتاب‪ :‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪-‬‬ ‫اجتمعت ّ‬
‫ّ‬ ‫وأعتقد ّأننا إذا قرأنا ّ‬
‫النحو القديم كما قرأه الدكتور مهدي املخزومي فإننا سنكون قادرين على أن‬
‫موفقة لتهذيب ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحو العربي وتنقيحه‪ ،‬وإقراره على القواعد املحكمة‪ ،‬التي ال‬ ‫نضع خطة شاملة‬
‫ّ‬
‫للتغيير))‪ ،3‬وقد وصف الدكتور عبد اّلل‬ ‫النفوس شهوة ّ‬‫يتناولها التغيير والتبديل‪ّ ،‬كلما قامت في ّ‬
‫بأنها أوفى ما جاء به دعاة اإلصالح فقال‪ّ :‬‬
‫((إن محاولة املخزومي هي‬ ‫الجبوري محاولة مهدي املخزومي ّ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتمدن‪ ،‬طارق حميد أمين‪ ،‬العدد ‪2012/09/30 ،3066‬م‪.‬‬ ‫‪1‬ينظر‪ :‬مجلة الحوار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 2‬محاولة تيسير ّ‬
‫النحو عند مهدي املخزومي‪ ،‬مجلة الذاكرة‪ ،‬مخبر التراث اللغوي واألدبي في الجنوب الشرقي الجزائري‪.2017 ،‬‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬املكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1964 ،01‬م‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪ 3‬مهدي املخزومي‪ ،‬في ّ‬

‫‪18‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫صحتها في أبواب ّ‬
‫النحو‬ ‫بأنها اعتمدت على ّ‬
‫التطبيق الختبار ّ‬ ‫أشمل محاوالت إصالح ّ‬
‫النحو وتمتاز عنها ّ‬

‫املختلفة ‪ ،‬بعد أن حاول إرساء منهجه على أسس نظرية))‪ .1‬وقال فيه الدكتور حلمي خليل‪(( :‬كان‬
‫النحوي‪ ،‬لفت أنظار ّ‬
‫الدارسين في العراق‪ ،‬والوطن‬ ‫الد س ّ‬
‫ّ‬
‫املخزومي صوتا عاليا وجهدا جادا في مجال ر‬
‫العربي))‪.2‬‬
‫ّ‬
‫‪ -3‬ثقافته النحوية ورحالته‪:‬‬
‫نشأ مهدي املخزومي في كنف بيئة ّ‬
‫علمية اعتالها من قبله والده الفقيه الشيخ صالح‪ ،‬وخاله‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الشيخ محمد حسين الذي ُعرف عنه أنه كان أصوليا عروضيا وخطاطا بارعا‪ ،‬وشاعرا وفقيها‪ ،‬فأبى‬
‫ّ‬
‫َمهدي املخزومي الذي انتعش من جذور عائلته‪ ،‬إال أن يبلغ بعدهم بلوغ العلماء ومنزلة العارفين‪،‬‬
‫ّ ّ ّ‬ ‫وفسر ّ‬ ‫النحويين‪ ،‬واستأنف طريقهم فعرض ّ‬ ‫فد س علم ّ‬
‫ثم أثر فألف ما رأى فيه‬ ‫ومحص‪ ،‬وتأثر‬ ‫ر‬
‫صالحا ّ‬
‫للنحو ونظرا فيه‪ ،‬رؤية جديدة ملساراته ومناهجه‪.‬‬
‫وكان موضوع بحثه ّ‬
‫األول للماجستير "الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ :‬أعماله ومنهجه"‪ ،‬الذي‬
‫ّ‬
‫أعده تحت إشراف أستاذه املرحوم إبراهيم مصطفى‪ .‬وبعدها بسنوات نال الدكتوراه بعنوان‬
‫"مدرسة الكوفة النحوية‪ ،‬ومناهجها في اللغة والنحو" تحت إشراف أستاذه مصطفى السقا‪ ،‬وفي نفس‬
‫كلية اآلداب‪ ،‬ثم ّ‬
‫عين عميدا سنة‬ ‫السنة رجع إلى جامعة بغداد حيث تولى تدريس النحو العربي في ّ‬
‫‪1958‬م‪.‬‬
‫وفي عام ‪1964‬م سافر إلى اململكة العربية السعودية‪ ،‬وعمل أستاذا في ّ‬
‫كلية اآلداب بجامعة‬
‫الرياض‪ .3‬وفي غربته هذه ُعهدت إليه رئاسة قسم اللغة العربية في كلية آداب جامعة الرياض؛ فتوالها‬
‫وكان نعم املتولي‪ ،‬وقام بها خير قيام‪ ،‬حتى قال عنه وعن صديقه مسؤول كبير‪(( :‬جعلوا الجامعة‬
‫جامعة))‪ .‬وقال آخر‪(( :‬رفعتم رأس األستاذ الجامعي‪ ،‬وأثبتم أن في الوطن العربي أساتذة أساتذة))‪.4‬‬
‫ّ ّ‬
‫ويسر إليه أمر العودة إلى الوطن بعد هذا االغتراب الطويل‪ .‬إال أنه لم يتنازل عن مروءته التي‬
‫ّ‬
‫جبل عليها‪ ،‬طاملا ّأن مدة العقد لم تنته بعد؛ يقول‪(( :‬إني متعاقد مع هذه الجامعة التي استقبلتني في‬

‫النحوي عند العرب‪ ،‬أصوله ومناهجه‪ ،‬الدار العربية للموسوعات‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪،01‬‬ ‫‪1‬علي مزهر الياسري‪ ،‬الفكر ّ‬
‫‪1423‬ه‪2003/‬م‪ ،‬ص‪.413‬‬
‫‪2‬باقر الكرباس ي‪ ،‬وضوح املنهج وحداثة الرؤية‪ ،‬مالحق املدى‪ ،‬العراق‪2011،‬م‪.‬‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬قراءة في تراث مهدي املخزومي‪ ،‬زهير غازي زاهد‪ ،‬مجلة معهد املخطوطات العربية‪ ،‬القاهرة‪1415 ،‬ه‪1994/‬م‪ ،‬مج‪ ،38‬ع‪،2-1‬‬
‫ص‪.314‬‬
‫حوية‪ ،‬ص‪.23 -22‬‬ ‫ّ‬
‫‪ 4‬مهدي املخزومي وجهوده الن ّ‬

‫‪19‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫ُ‬ ‫املحنه‪ ،‬وأكرمت وفادتي‪ ،‬وذبت ّ‬
‫عني األذى في الوقت الذي كانت جامعتي ت َجعج ُع بي ‪ ...‬فليس من‬
‫ّ‬ ‫املروءة‪ ،‬وال من كرم الخلق‪ ،‬أن أنهي تعاقــدي اآلن‪ّ ،‬‬
‫والدراسة ماضية بجد‪ ،‬وقد خطت شوطا‬
‫ّ‬
‫بعيدا))‪ ،1‬ثم عاد إلى العراق سنة ‪1978‬م‪ ،‬مدرسا فرئيسا لقسم اللغة العربية في كلية اآلداب بجامعة‬
‫للتقاعد عام‪1979‬م‪ ،‬وقيل عام ‪1981‬م‪.‬‬ ‫وظل هناك إلى أن أحيل ّ‬
‫بغداد‪ّ 2‬‬
‫النحوي عند الدكتور املخزومي كانت مع انتقاله إلى مصر‬ ‫للد س ّ‬‫ولعل ّأول انطالقة ّ ّ‬
‫ّ‬
‫جادة ر‬
‫تحصله على بعثة دراسية في كلية اآلداب بجامعة القاهرة (فؤاد ّ‬
‫األول) سنة ‪1938‬م‪،‬‬ ‫للدراسة فيها بعد ّ‬‫ّ‬
‫الجيد وإتقانه لعلوم ّ‬
‫النحو والعربية‪ ،‬باإلضافة لكونه حافظا للقرآن الكريم الذي كان‬ ‫نتيجة تحصيله ّ‬
‫ّ‬
‫ظله الظليل وحصنه املتين في استيعاب ّ‬
‫النحو‪ .‬وتتلمذ على يد الدكتور إبراهيم مصطفى‪ ،‬والدكتور‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه) للدكتور مهدي املخزومي‪:‬‬‫مقدمة كتاب (في ّ‬ ‫مصطفى ّ‬
‫السقا الذي قال في ّ‬
‫مؤلف هذا البحث منذ أن كان طالبا في ّ‬ ‫ّ‬ ‫((ع َر ُ‬
‫َ‬
‫كلية اآلداب بجامعة‬ ‫فت الدكتور مهدي املخزومي‬
‫اللغة العربية وقواعدها ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة))‪ ،‬وقال‬ ‫والجد الخالص في دراسة‬ ‫القاهرة‪ ،‬وعرفت فيه امليل الشديد‬
‫ّ‬ ‫حقه‪(( :‬أعتقد ّأننا إذا قرأنا ّ‬
‫في ّ‬
‫النحو القديم كما قرأه الدكتور املخزومي‪ ،‬فإننا سنكون قادرين على‬
‫ّ‬
‫موثقة لتهذيب ّ‬ ‫ّ‬
‫النحو العربي وتنقيحه‪ ،‬وإقراره على القواعد املحكمة‪ ،‬التي ال‬ ‫أن نضع خطة شاملة‬
‫للتغيير((‪ 3.‬وغيرهم من الذين عاصرهم‬ ‫النفوس شهوة ّ‬‫يتناولها التغيير والتبديل‪ّ ،‬كلما قامت في ّ‬
‫املخزومي أمثال األستاذ محمد علي ّ‬
‫النجار‪ ،‬وإبراهيم ّبيومي مدكور‪.‬‬
‫لكل ّ‬
‫الدارسين والباحثين والعلماء‪ ،‬واألخيار‬ ‫األول) آنذاك قبلة ّ‬ ‫لقد كانت جامعة (فؤاد ّ‬
‫تدفق العلوم ّ‬ ‫ّ‬ ‫بمختلف أجناسهم‪ ،‬وثقافاتهم عربا كانوا أو مستشرقين‪ّ ،‬‬
‫وتحققها كعلم‬ ‫مما أسهم في‬
‫النحو‪ ،‬ومنها تابع د استه ّ‬
‫متنقال بين مصر والعراق متأثرا‬ ‫متكامل‪ ،‬ومترامي األطراف لدى املخزومي في ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫في بادئ مسيرته ّ‬
‫البحثية‬ ‫النحوية بثقافة العالمة الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬بحيث كلل مسيرته‬
‫ثم موضوع بحثه ّ‬
‫للدكتوراه‬ ‫برسالة ماجستير (الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ :‬أعماله ومنهجه)‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫اللغة ّ‬‫ّ‬
‫والنحو)‪(( .‬وقد وفق الدكتور مهدي في اختياره موضوع‬ ‫(مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة‬
‫اللذين ّ‬ ‫ّ‬
‫تفجرت منهما‬ ‫البحثين توفيقا كبيرا جدا‪ ،‬إذ أتاحا له الوقوف على املنبعين األصليين‪،‬‬
‫ّ‬
‫اللغوية ّ‬ ‫ّ‬
‫والنحوية‪ ،‬منذ نشأة التأليف فيهما كما وقف على منهجين مختلفين اختالفا كثيرا‪،‬‬ ‫الدراسات‬

‫‪1‬من رسالة للشيخ محمد رضا البغدادي‪ .‬نقله د‪ .‬عبد الجبار املطلبي في كلمته " املخزومي اإلنسان " امللقاة في اتحاد األدباء والكتاب‬
‫العراقيين بمناسبة أربعينية املخزومي‪.‬‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬قراءة في تراث مهدي املخزومي‪ ،‬زهير غازي زاهد‪ ،‬ص‪.314‬‬
‫النحو العربي‪ ،‬نقد وتوجيه (تصدير الكتاب)‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪ 3‬مصطفى السقا‪ ،‬في ّ‬

‫‪20‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬

‫ّأول املنهجين منهج علماء البصرة‪ ،‬ورأسهم الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬ومنهج علماء الكوفة‬
‫ورأسهم علي بن حمزة الكسائي))‪.1‬‬
‫النحو مقبال عليه‪ ،‬حتى استخلص منه نظريته الجديدة في تقديم التراث‬ ‫وال ال باحثا في علم ّ‬
‫ز‬
‫خاصة بعد أن تتلمذ على يد أستاذه الدكتور إبراهيم مصطفى‬ ‫للدارسين الجدد‪ّ ،‬‬ ‫النحوي القديم ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫للنحو نظرة إصالحية‪ ،‬وآراء جديدة أسهمت في تكوين ثقافته ال ّنحوية واللغوية‪ ،‬وقد أثمرت‬‫قدم ّ‬‫الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫النحو التي استوعبت ّ‬‫النحو من خالل تأليفه لكتب ّ‬ ‫مجهوداته في ّ‬
‫الدرس اللغوي منذ بداياته رفقة‬
‫النحوي الكوفي‪ّ ،‬‬
‫محددا‬ ‫الخليل الفراهيدي‪ ،‬والنحاة الذين عاصروه بمختلف مذاهبهم‪ ،‬متأثرا بالفكر ّ‬

‫ثم جامعا ما هو نحوي نظري وما هو تطبيقي‪ ،‬ثم استخلص‬ ‫موقفه من الخالف البصري الكوفي‪ّ ،‬‬
‫النحو العربي ّ‬
‫متصال‬ ‫وقدم خالصته للباحثين‪ ،‬كما واصل سالته في تد يس ّ‬ ‫النحو‪ّ ،‬‬ ‫ويسر في ّ‬
‫منهجه ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫حقه وبلغ منه مبلغه فكان عالم‬‫للنحو ّ‬‫نظريات جديدة‪ ،‬فأوفى ّ‬ ‫ّ‬
‫مستجد فيه من مناهج‪ ،‬و ّ‬ ‫بذلك مع ّ‬
‫كل‬
‫مانه‪ ،‬وأكاديميا ضليعا‪ ،‬وباحثا ّ‬
‫قدم فأمتع تاركا خلفه أساسا ّ‬
‫علميا متينا‪.‬‬ ‫ز‬

‫‪ -4‬وفاته‪:‬‬

‫توفي مهدي املخزومي رحمه هللا يوم الجمعة من شهر رمضان سنة ‪1414‬ه‪(( .‬حيث لزم بيته‬
‫ومكتبته فكان مجلسه األسبوعي يوم الجمعة في بيته عامرا بتالمذته ومريديه وزمالئه إلى أن وفاته في‬
‫يتصدرها املخزومي‪ ،‬وإذا بالقدر املحتوم يسدل‬ ‫ّ‬ ‫ظهر يوم الجمعة ‪1993/3/5‬م‪ ،‬والندوة عامرة‬
‫أستاره على القلب الكبير الذي طالت معاناته‪ ،‬عندما كان في مجلسه يتحدث عن الفراهيدي والقياس‬
‫ّ‬
‫كرسيه ليفارق الحياة‪ .‬هكذا فارق املخزومي هذه الدنيا‬ ‫لديه‪ ،‬إذا به يضع يده على جبهته ثم ارتمى على‬
‫وسموه وصبره))‪ ،2‬ونشر خبر وفاته باألرجاء‪ ،‬وأينما انتشر نشر معه الحزن‬ ‫ّ‬ ‫وهو على هده ّ‬
‫وعفته‬ ‫ز‬
‫فقد إنسان عالم ّأدى ّ‬
‫لألمة في خدمة‬ ‫قد إنسان مجلبة للحزن فكيف ُي ُ‬ ‫واألس ى واألسف ((فإذا كان َف ُ‬
‫ّ‬
‫لغتها الكثي ــر الكثير‪ ،‬وله مع خدمة اللغة خدمات أعم وأخالق أدل))‪.3‬‬

‫النحو العربي‪ ،‬نقد وتوجيه (تصدير الكتاب)‪ ،‬مصطفى السقا‪ ،‬ص‪.05،06‬‬‫‪ 1‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتمدن‪ ،‬طارق حميد أمين‪ ،‬العدد ‪2012/09/30 ،3866‬م‪.‬‬ ‫‪ 2‬ينظر‪ :‬مجلة الحوار‬
‫‪3‬مهدي املخزومي وجهوده ّ‬
‫الن ّ‬
‫حوية‪ ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪21‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ّ -5‬‬
‫الدراتات التي تناولت نحو املخزومي‪:‬‬

‫لم تكن قراءة املخزومي للتراث قراءة مستهلكة‪ ،‬كما هي قراءة كثير ممن َعنوا بهذا العلم على‬
‫النحو العربي‪ ،‬الذين أعادوا ما قاله سابقوهم‪ّ ،‬‬
‫وكرروه في كتبهم ومباحثهم‪.1‬‬ ‫امتداد تا يخ ّ‬
‫ر‬
‫النحوية الحديثة‪ّ ،‬‬ ‫الد اسات ّ‬
‫ّ‬
‫خاصة بعد‬ ‫لقد أحدث الدكتور مهدي املخزومي ثورة في تاريخ ر‬
‫الذي جاء به من نظريات وإصالحات للتعامل مع التراث ّ‬
‫النحوي القديم‪ّ ،‬‬
‫مما دفع بكثير من الباحثين‬
‫ثم طبعت فنسخت في ربوع الوطن‬ ‫خاصة‪ ،‬حيث ّألفت كتب كثيرة ّ‬
‫إلى دراسة نحو املخزومي دراسة ّ‬
‫ّ‬
‫كافة‪ ،‬كما أصبح علمه في ّ‬
‫النحو موضوعا لرسائل املاجستير والدكتوراه في مختلف جامعات‬ ‫العربي‬
‫التجديد في نحو املخزومي ومنهجه‬ ‫ولعل أغلبها ا تكزت في بادئ األمر على نظرية ّ‬
‫العالم العربي‪ّ ،‬‬
‫ر‬
‫املعتمد‪ ،‬وكما هو الحال ّ‬
‫فإن لكل عالم فذ أثر في نفوس تالمذته الذين اقتفوا أثره من بعده ‪ ،‬وأكرموه‬
‫بد اساتهم لعلمه‪ ،‬وكان للمخزومي من هؤالء تلميذه الدكتور هير غازي اهد الذي ّ‬
‫يعد ّأول دارس‬ ‫ز‬ ‫ز‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫ملجهودات املخزومي في كتابه (قراءة في تراث مهدي املخزومي‪ ،‬مجلة معهد املخطوطات العربية‪،‬‬
‫اللغة ّ‬‫ّ‬ ‫القاهرة‪1994،‬م)‪(( .‬هكذا أستطيع أن ّ‬
‫والنحو‪ ،‬فهو لم يكن‬ ‫أحدد تراث املخزومي وجهوده في‬
‫الد اسة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫والدارسين في العالم العربي‪ ،‬وهذا تقويمه‬ ‫كما‪ ،‬إنما كان كثيرا نوعا وأثرا في آفاق ر‬ ‫كثيرا‬
‫وتقييمه أيضا لدى دارسيه))‪ .2‬ومن بعده الدكتور رياض ّ‬
‫السواد في كتابه (مهدي املخزومي وجهوده‬
‫النحوية) الذي طبع في األ دن سنة ‪2009‬م‪ ،‬عرض فيه إحياء ّ‬
‫النحو والتجديد عند املخزومي‪ ،‬وتطرق‬ ‫ّ‬
‫ر‬
‫لرؤية الناقدين حول آرائه في أربعة فصول من الكتاب‪ .‬كما نشر الدكتور نايف شقير دراسة بعنوان‬
‫النحو في كتابه في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه)‪ ،‬مجلة جامعة البعث‪،‬‬ ‫(د اسة محاولة املخزومي تيسير ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫املجلد ‪ ،34‬العدد ‪ ،2012 ،26‬كما ّ‬
‫قدم الباحث الجزائري عمر لحرش رسالة املاجستير في جامعة‬
‫الد س ّ‬
‫النحوي عند مهدي املخزومي بين التقليد‬ ‫ّ‬
‫قاصدي مرباح بورقلة سنة ‪ 2012‬م بعنوان ( ر‬
‫والتجديد)‪ ،‬و نشرت الدكتورة إيمان جباري بإشراف األستاذ الدكتور أحمد جاليلي دراسة صدرت‬
‫ّ‬
‫عن مجلة الذاكرة الصادرة عن مخبر التراث اللغوي واألدبي في الجنوب الشرقي الجزائري سنة ‪2017‬‬
‫النحو عند مهدي املخزومي)‪ ،‬والباحثة الجزائرية سهام نهاري رسالتها في‬‫بعنوان (محاوالت تيسير ّ‬
‫ّ‬
‫املاجستير بعنوان (الحداثة عند مهدي املخزومي) سنة ‪ ،2018‬وقد صدر عن مجلة فصل الخطاب ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العدد‪،01‬في ما س ‪2022‬م د اسة بعنوان ( ّ‬
‫التفكير ّ‬
‫النحوي وتجلياته لدى مهدي املخزومي) للباحث‬ ‫ر‬ ‫ر‬

‫‪ 1‬زهير غازي زاهد‪ ،‬قراءة في تراث مهدي املخزومي‪ ،‬ص‪.315‬‬


‫‪2‬ينظر‪ :‬قراءة في تراث مهدي املخزومي‪ ،‬زهير غازي زاهد‪ ،‬ص‪.316‬‬

‫‪22‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫ّ‬
‫الشحود‪ ،‬تحت إشراف الدكتور وليد ّ‬
‫السراقبي من جامعة حماة بسوريا‪ ،‬وغيرها من البحوث‬ ‫عامر‬
‫الكثيرة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫ّ‬
‫جهود مهدي املخزومي النحوية‬
‫ّأوال‪-‬آثار مهدي املخزومي ّ‬
‫النحوية‪.‬‬
‫ثانيا‪-‬القواعد واألسس التي بنى عليها املخزومي نظريته ّ‬
‫النحوية‪.‬‬
‫ثالثا‪-‬قضايا أصول ّ‬
‫النحو عند املخزومي‪.‬‬
‫الد س ّ‬
‫النحوي املخزومي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫رابعا‪-‬قضايا اإلعراب ونظرية العامل في ر‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّإن ّ‬
‫لكل باحث في علوم اللغة نصيبا من بحثه استطاع من خالله طرح آرائه وأفكاره في الساحة‬
‫ّ‬ ‫العلمية كما فعل الكثير من قبل‪ ،‬والدكتور مهدي املخزومي كغيره من الباحثين‪ّ ،‬‬
‫والدارسين األجالء؛‬
‫وقدموا الجديد فاجتهد في سبيل إعادة تقويم ّ‬
‫النحو العربي وتيسيره للناشئة‪،‬‬ ‫الذين أخلصوا لعلمهم‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫مخلدة في ذاكرة الكتب محفوظة بين ّ‬ ‫ولعل جهوده ّ‬
‫ّ‬
‫السطور ملن أدرك أفكاره‪،‬‬ ‫النحوية كانت وال زالت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ميسرا لتعلم العربية‪ ،‬وحفظ لسانها من ا ّلتعقيد‬
‫وتفكر في هذا العلم الذي جاء ّ‬ ‫واستلهم خواطره‪،‬‬
‫الذي ساورها لسنوات طوال‪ ،‬وبقي عالقا فيها حتى ما عاد للعربي أن ّ‬
‫يفرق بين لسانه السليم ولسانه‬
‫الهجين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قدم املخزومي جهودا في ّ‬
‫ولقد ّ‬
‫النحو اتضحت لنا منذ اطالعنا على حياته العلمية‪ ،‬وثقافته‪،‬‬
‫ودراساته الجامعية التي التقى من خاللها بعلماء وأدباء عاصر زمانهم؛ فأخذ من علمهم‪ ،‬وزاد عليها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫النحو ووافق ّ‬
‫وقدم البدائل في ّ‬
‫وفسر‪ّ ،‬‬‫وعلل‪ّ ،‬‬
‫واستزاد‪ ،‬وأوضح فيه ّ‬
‫التيسير‪ ،‬فألف من الكتب ما‬
‫شهدت على جهوده الكبيرة في علم ّ‬
‫النحو ولهذا نقف أمام هذه املجهودات وأهمها‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -1‬آثاره النحوية‪:‬‬
‫مؤلفاتهم وبحوثهم ود اساتهم التي ّ‬‫ّ‬
‫تعد خالصة وثمرة‬ ‫ر‬ ‫ّإن ّأول ما ينبع من ثقافة العلماء وعلمهم‪،‬‬
‫ونطلع على جديدهم وآ ائهم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ألن العلوم وأفكارها فيض وتدوينها قيد‬ ‫ر‬ ‫جهودهم‪ ،‬فمنها نرتشف علمهم‬
‫ال ّبد منه‪ ،‬حتى ال تزول بزوال األيام ومرورها‪ ،‬وقد ترك الدكتور مهدي املخزومي للعالم العربي آثارا‬
‫اللغة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والنحو العربي نذكر منها‪:‬‬ ‫نفيسة جدا من الكتب العلمية وأدقها في علوم‬

‫‪ .1‬الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬أعماله ومنهجه‪ :‬كان موضوع رسالة املاجستير للمخزومي في‬
‫األول) سنة ‪1951‬م‪ ،‬تحت إشراف الدكتور إبراهيم مصطفى‪ ،‬طبع في‬‫جامعة القاهرة (فؤاد ّ‬

‫بغداد بالعراق ّأول مرة ثم طبع في بيروت بلبنان‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ .2‬مدرتة الكوفة ومنهجها في دراتة اللغة والنحو‪ :‬كان موضوعه في رسالة الدكتوراه التي‬
‫ناقشها سنة ‪1953‬م‪ ،‬بإشراف الدكتور مصطفى ّ‬
‫السقا‪ ،‬طبع ببغداد سنة ‪1955‬م‪ ،‬والقاهرة‬
‫سنة ‪1958‬م‪ ،‬بيروت ‪1986‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .3‬في النحو العربي نقد وتوجيه‪ :‬طبع هذا الكتاب مرتين ببيروت وذلك في املكتبة العصرية‬
‫‪1964‬م‪ ،‬وفي دار الرائد العربي سنة ‪1968‬م‪ ،‬وقد ّ‬
‫قدم فيه الدكتور َمهدي املخزومي نظريته‬
‫النحوي القديم‪ ،‬وآ اؤه التي يتبناها في د استه ّ‬
‫النحوية‪.‬‬ ‫النحو ثم عرض موقفه من التراث ّ‬
‫في ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬

‫‪25‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ .4‬في النحو العربي قواعد وتطبيق‪ :‬طبع الكتاب مرتين بالقاهرة سنة ‪1966‬م‪ ،‬وبيروت سنة‬
‫للد س ّ‬
‫النحوي الذي عرضه في كتابه (في النحو العربي)‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪1986‬م‪ ،‬قدم فيه نموذجا تطبيقيا ر‬
‫‪ .5‬عبقري في البصرة‪ :‬هو عبارة عن مجموعة من اإلضافات والزيادات التي عرضها الدكتور‬
‫ّ‬
‫مهدي املخزومي كتعليقات أراد إلحاقها في رسالته للماجستير السابقة‪ ،‬غير أنه في نهاية األمر‬
‫جمعها في هذا الكتاب‪ ،‬وقد طبع ثالث مرات‪ :‬األولى ببغداد سنة ‪1972‬م‪ ،‬والثانية ببيروت سنة‬
‫‪1986‬م‪ ،‬واألخيرة ببغداد دار الشؤون الثقافية سنة ‪1989‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫النحوي في بغداد‪ :‬هو كتاب تناول فيه الدكتور مهدي املخزومي أهم قضايا ّ‬ ‫‪ّ .6‬‬
‫النحو في‬ ‫الدرس‬
‫بغداد‪ ،‬طبع في بغداد سنة ‪975‬م‪ ،‬وفي بيروت سنة‪1987‬م‪.‬‬
‫كتيب صغير جمع فيها وترجم ألهم أعالم ونحاة ّ‬
‫النحو العربي‪ :‬عبارة عن ّ‬‫ّ‬
‫النحو‬ ‫‪ .7‬أعالم في‬
‫العربي أمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه‪ّ ،‬‬
‫والفراء‪ ،‬وعلي بن حمزة الكسائي‪ ،‬طبع‬
‫ببغداد سنة‪1980‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫النحو وتأ يخه‪ :‬عرض فيه للمنهج النحوي باإلضافة لبعض الظواهر ّ‬
‫النحوية التي‬ ‫ر‬ ‫‪ .8‬قضايا في‬
‫كانت ّ‬
‫محل جدل وخالف منذ القدم‪.‬‬
‫هذا باإلضافة ملجموعة من املقاالت والبحوث التي نشرها املخزومي في املجالت األدبية ّ‬
‫والنقدية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومجلة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كمجلة ّ‬
‫كلية اآلداب بجامعة بغداد‪ ،‬واملعلم الجديد‬ ‫نبوة املتنبي‪ ،‬ومجلة التلوين الجديد‪،‬‬
‫وغيرها‪ ،‬كما ساهم في تحقيق بعض الكتب والدواوين ومن ذلك معجم العين للفراهيدي الذي ّ‬
‫حققه‬
‫ّ‬ ‫رفقة الدكتور إبراهيم ّ‬
‫الس ّ‬
‫امرائي والذي طبع بالعراق سنة ‪1980‬م‪ ،‬وكتاب مدخل إلى نحو اللغات‬
‫السامية املقارن‪-‬سباتينو موسكاتي‪-‬ترجمه بمشاركة الدكتور عبد ّ‬
‫الجبار املطلبي‪ .‬كما ترك آثارا‬
‫مخطوطة وهي‪:1‬‬

‫‪ ‬آراء مطروحة للمناقشة‪.‬‬


‫ّ‬
‫‪ ‬في األصوات اللغوية عند العرب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املجالت ّ‬
‫مما لم يسعفنا الحظ‬ ‫كما نذكر بعض عناوين مقاالته‪ ،‬وأعماله التي أودعها بطون بعض‬
‫ّ‬
‫لالطالع عليها وهي ّ‬
‫كالتالي‪:‬‬
‫‪ ‬األثر ّ‬
‫الفني والخلود‪ ،‬مجلة العرى العدد ‪1945 ،24 .23 .22‬م(العراق)‪.‬‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬قراءة في تراث مهدي املخزومي‪ ،‬ص‪.315‬‬

‫‪26‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬بروق خاطفة‪ ،‬مجلة الحضارة‪ ،‬العدد ‪1945 ،11 .4 .2‬م(العراق)‪.‬‬
‫‪ ‬تحقيق كتاب العين للخليل في (‪ 08‬أجزاء) مع إبراهيم ّ‬
‫الس ّ‬
‫امرائي ‪1980‬م‪.‬‬
‫جمع وتحقيق ديوان الجواهري االشتراك مع علي جواد الطاهر‪ ،‬وإبراهيم ّ‬
‫الس ّ‬
‫امرائي‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حول بعث الشعر الجاهلي‪ ،‬مجلة العرى‪ ،‬العدد الخامس‪1939 ،‬م(العراق)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ّ‬
‫الشاعر املنس ي‪ ،‬مجلة الحضارة العدد ‪1945 ،38‬م (العراق)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ّ‬
‫العربية النموذجية قديما وحديثا‪ ،‬مجلة البيان الكويتية‪ ،‬العدد ‪ 12‬الفكر ‪1976‬م (الكويت)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ّ‬
‫في ضوء قانون الحفاظ على اللغة العربية‪ ،‬مجلة املعلم الجديد‪ ،‬ج ‪1978 ،02‬م‪( ،‬العراق)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫النحو وتاريخه (مخطوطة في ‪ 150‬ص)‪.‬‬ ‫قضايا في ّ‬ ‫‪‬‬
‫كتاب في ّ‬
‫النحو بمثابة انقالب‪ ،‬مجلة البالغ‪ ،‬العدد الخامس‪1973 ،‬م(العراق)‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬كتاب مالحظات (مخطوطة في ‪100‬ص)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬اللغة العربية في مدارسنا‪ ،‬مجلة املعلم الجديد‪ ،‬ج ‪(1945 ،05 ،04‬العراق)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السالم البن الفقيه الهمذاني‪ّ ،‬‬
‫‪ ‬مالحظات في كتاب بغداد مدينة ّ‬
‫املحقق صالح أحمد العلي‪ ،‬مجلة‬
‫جامعة املوصل‪ ،‬العدد ‪1980 ،09‬م‪( ،‬لعراق)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نبوة ّ‬
‫‪ّ ‬‬
‫املتنبي‪ ،‬مجلة العرى‪ ،‬العدد ‪1945 ،21 .20 .19‬م(العراق)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ّ ‬‬
‫النجف الرأي العام‪ ،‬مجلة البيان‪ ،‬األعداد‪1946 ،4 .3 .1 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬نظرة في كتاب‪ :‬زهديات أبي نواس لعلي الزبيدي‪ ،‬مجلة املعلم الجديد‪ ،‬ج‪1959 ،01‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬والدة ابن زيدون‪ ،‬مجلة العرى‪ ،‬العدد ‪1947 ،19‬م(العراق)‪.‬‬

‫تنوع ثقافات العرب‪ ،‬وفنونهم‪ ،‬فشمل األدب والنقد‪،‬‬ ‫واملالحظ ّأن اهتمامات املخزومي‪ّ ،‬‬
‫متنوعة ّ‬
‫ّ‬
‫واللغة ّ‬
‫والنحو ((فلو لم يكن املخزومي نحويا لكان شاعرا‪ ،‬ولو لم يكن شاعرا لكان مقاليا‪ ،‬ولو لم‬
‫الدراسات‪،‬‬‫ألن نظرته العلمية واالستكشافية‪ ،‬وسعت مجموعة من ّ‬ ‫يكن مقاليا‪ ،‬لكان ناقدا))‪ّ .1‬‬
‫ّ‬ ‫فكان املخزومي من أحد الباحثين والعلماء الذين ّ‬
‫تصدروا الساحة اللغوية في العالم العربي‪،‬‬
‫ومرجعا من املراجع املعرفية ّ‬
‫والرهانات الفكرية‪.‬‬

‫‪1‬الطاهر علي جواد‪ ،‬املخزومي في خطوط من تاريخ صداقة(مقال)‪ ،‬جريدة القادسية‪ ،‬العراق‪ ،‬الثالثاء ‪ 15‬أيار‪1993‬م‪ ،‬ص‪.10‬‬

‫‪27‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -2‬القواعد واألتس التي بنى عليها املخزومي نظريته النحوية‪:‬‬
‫الدكتور مهدي املخزومي القواعد واألصول لنظريته ّ‬
‫النحوية وجعلها قائمة على هدفين‬ ‫‪ ‬لقد وضع ّ‬

‫أساسين هما‪:‬‬
‫النحوي من سطوة العامل‪ ،‬وتخليصه من الشوائب الفلسفية‬ ‫الد س ّ‬ ‫ّ‬
‫أ‪ .‬تخليص ر‬
‫للد س ّ‬
‫النحوي بسبب العامل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫واملنطقية التي بقيت عالقة فيه ّ‬
‫وتسربت ر‬
‫النحوي حتى ّيتضح للباحث طريقه في دراسته هذا العلم‪.‬‬‫الد س ّ‬‫ّ‬
‫ب‪ .‬تحديد موضوع ر‬
‫النحوية الذي يعالج موضوعين متكاملين ومترابطين ورفض‬ ‫الد اسة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬لقد حدد املخزومي موضوع ر‬
‫تفريط ّ‬
‫السابقين فيهما هما‪:‬‬
‫التأليف ّ‬
‫والنظم وطبيعة أجزائها‪.‬‬ ‫أ‪ .‬الجملة من حيث ّ‬
‫تؤديها أدوات ّ‬
‫التعبير كالتوكيد وأدواته وغيرها‪ ،‬التي‬ ‫ب‪ .‬ما يطرأ على الجملة من معان ّ‬

‫تنشأ عن مالبسات القول ومقتضاه وسياقه القولي‪.1‬‬


‫صرح الدكتور مهدي املخزومي وقبله الدكتور ابن مضاء‬ ‫‪ّ ‬‬
‫الدعوة إلى إلغاء نظرية العامل‪ :‬لقد ّ‬
‫ّ‬ ‫القرطبي والدكتور إبراهيم مصطفى بإلغاء نظرية العامل التي ّ‬
‫تعد دخيلة على اللغة العربية‬
‫وثقافتها وذكر ذلك في بداية كتابه (قواعد وتطبيق على املنهج العلمي الحديث) حين قال‪(( :‬وقد‬
‫ألغيت فيه فكرة العامل إلغاء تاما‪ ،‬وألغي معها ما استتبعت من اعتبارات عقلية ال صلة لها‬
‫النحوي))‪ .2‬وقوله‪(( :‬وال يب أن فكرة العامل دخيلة على هذا ّ‬
‫الدرس ويجب إلغاؤها‬ ‫بالد س ّ‬
‫ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫وإبطالها))‪.3‬‬
‫ّ‬
‫اللغوي وتخليصه من التفكير الفلسفي الذي ساد ّ‬
‫النحو لقرون‪.‬‬ ‫‪ ‬إعادة إصالح منهج البحث‬
‫النحاة قديما خلطوا األبواب فأدخلوا ّ‬ ‫ّ‬
‫ألنه أى أن ّ‬
‫للنحو ما ليس منه‬ ‫‪ ‬إعادة ترتيب أبواب النحو ر‬
‫وأهملوا ماال ينبغي أن يهملوه‪ .‬ويتم ذلك الترتيب حسب وظائفها املعنوية وعالقتها االسنادية‪،‬‬
‫وإن املنصوبات في العربية موضوعات كثيرة‪،‬‬‫وليس حسب إعرابها وحركاتها ويقول في ذلك‪ّ (( :‬‬
‫بعضها يؤدي وظيفة لغوية‪ ،‬وبعضها ال ّ‬
‫يؤدي مثل هذه الوظيفة كسلب الحروف واألفعال قدرتها‬
‫على العمل والتأثير))‪.4‬‬

‫‪ 1‬في النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.18-17‬‬


‫‪2‬مهدي املخزومي‪ ،‬قواعد وتطبيق على املنهج العلمي الحديث‪ ،‬ط‪ ،02‬بيروت‪ ،‬دار الرائد العربي‪1406 ،‬ه‪1986-‬م‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫ّ‬ ‫‪3‬محمد عبد هللا بن أحمد‪ّ ،‬‬
‫النحو العربي بين القديم والحديث مقارنة وتحليل‪ ،‬دروب ثقافية للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،01‬د‪.‬س‪ ،‬ص‪.187‬‬
‫‪4‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.84‬‬

‫‪28‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫الد س ّ‬
‫النحوي من خالل التأكيد على أهمية الجملة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬تحدد موضوع ر‬
‫مركب إسنادي ّ‬ ‫ّ‬
‫تتكون من مسند ومسند‬ ‫‪ ‬انتقاد التقسيم القديم للجملة‪ ،‬وإعادة تقسيمها فهي‬
‫إليه وهي قسمان‪ :‬فعلية واسمية‪.‬‬
‫‪ ‬تقسيم الكلمة إلى قسمين‪ :‬معربة ومبنية‪.‬‬
‫للد اسة‪ ،‬فهو يرى ّأن د اسة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحو هي دراسة‬ ‫ر‬ ‫‪ ‬اعتماده املنهج الوصفي والدعوة للعمل به كمنهج ر‬
‫وصفية تطبيقية‪.‬‬
‫الضمة علم إسناد والكسرة علم اإلضافة‪ ،‬وبذلك وافق أستاذه إبراهيم مصطفى ّ‬
‫بأنهما‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬جعل‬
‫ّ‬
‫املتكلم ّ‬
‫يدل بها على معنى خالل تأليف الكالم‪.‬‬ ‫ليستا أثرا للعامل بل هما من عمل‬
‫ّ‬ ‫والنحوية‪ّ ،‬‬
‫‪ ‬االهتمام باملستويات الثالث‪ :‬الصرفية‪ ،‬الصوتية‪ّ ،‬‬
‫فالدراسة اللغوية ال غنى لها عن‬
‫هذه املستويات‪.‬‬
‫‪ ‬تحديد أزمنة كثيرة للماض ي والحاضر وإثباتها‪.‬‬
‫‪ ‬بط علم ّ‬
‫النحو بعلم املعنى وجعلهما علما واحدا‪.‬‬ ‫ر‬
‫‪ ‬تقسيم الكالم إلى أربعة أقسام‪ :‬اسم وفعل وأداه وكناية‪.‬‬
‫‪ ‬رفض نائب الفاعل واعتباره فاعال‪ ،‬وأجاز تقديم الفاعل على الفعل‪.‬‬
‫‪ ‬اعتبار الجملة الشرطية جملة واحدة ال جملتان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬يرى بعض املوضوعات التي شذت عن املبادئ التي اتبعتها العربية‪ ،‬ليست بشاذة كاملثنى‪ ،‬جمع‬
‫املذكر السالم واملجموع باأللف والتاء‪.1‬‬
‫‪ ‬وختم ّد استه ّ‬
‫بالتطبيق اإلعرابي‪ ،‬مستفيدا بما خلص إليه في نظريته ّ‬
‫النحوية‪.‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫وضمنها دراساته‬ ‫كما أضاف ّ‬
‫الدكتور مهدي املخزومي مجموعة من املصطلحات الجديدة‬
‫ّ‬
‫النحوية منها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬األداة‪ :‬التي أطلقها على القسم الثالث من أقسام الكالم وهي (ماال ّ‬
‫يدل على معنى إال في أثناء‬
‫الكالم)‪ 2‬ومن أمثلتها (هل) في جملة االستفهام وهي من املصطلحات التي تناولها الكوفيون‪.‬‬
‫ّ ّ‬
‫‪ ‬الفعل الدائم‪ :‬وفي معناه يقول املخزومي (هو فعل في معناه وفي استعماله‪ ،‬إال أنه في أكثر‬
‫استعماالته يدل على استمرار وقوع الحدث ودوامه) وهو مصطلح كوفي أيضا‪.‬‬

‫‪ 1‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.93-90‬‬
‫‪ 2‬في ّ‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬ص‪.38‬‬

‫‪29‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬

‫‪ ‬الم التوكيد‪ :‬هي الم االبتداء التي تدخل على جملة القسم عند البصريين‪ ،‬والم القسم عند‬
‫الكوفيين‪.‬‬
‫‪ ‬الفاعل اإلرادي والفاعل الالإرادي‪ :‬وفي ذلك أورد املثال ُ(كسرت ّ‬
‫الجرة)‪ ،‬فهو يرى ّأن ّ‬
‫الجرة ليست‬
‫ولكنها تمثل الفاعل الالإرادي‪ ،‬وقد رفض استخدام مصطلح نائب‬ ‫الفاعل في ذهن القارئ؛ ّ‬

‫الفاعل‪.‬‬
‫‪ ‬فعل الفاعل الذي ال اختيار له‪ :‬وهو الفعل املبني للمجهول كقولنا ُ‬
‫(ضر َب الولد) وهو عند النحاة‬
‫في القديم (ما لم يسمى فاعله)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كلمة(النفي)‪ ،‬اقتبسوه من ألفاظ املتكلمين‪،‬‬ ‫‪ ‬الجحد‪ :‬ويعني به الكوفيون ما يعني به البصريون‬
‫وكالمهم في الثبوت والثابت‪ّ ،‬‬
‫والنفي واملنفي‪ ،1‬وقد استعمل الخليل كال املصطلحين‪ ،‬فقال في‬
‫((وأما َ‬
‫(الت) ّ‬
‫فإنها ُينفى بها كما ُينفى بـ (ال)‪ ،2))...‬وقال في مصطلح الجحد‪(( :‬ال‪:‬‬ ‫استعماله ّ‬
‫النفي‪ّ :‬‬
‫حرف ينفى به ُويجحد))‪ .3‬ولم يخف املخزومي ميله في استخدام مصطلح الجحد‪ ،‬فقد استعمله‬
‫يؤيد ما نحن بصدد تأكيده من ّأن‬ ‫الفراء وثعلب كثيرا‪ ،‬ولم يستعمال كلمة ّ‬
‫النفي ((وهذا ما ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫اللغوية من البصريين))‪4‬‬ ‫الكوفيين أقرب إلى الطريق‬
‫والصفة‪ :‬هما مصطلحان اختلف فيهما أهل البصرة والكوفة‪ ،‬فقد ذهب الكوفيون إلى‬ ‫ّ‬ ‫‪ّ ‬‬
‫النعت‬
‫النعت‪ ،‬وذهب البصريون إلى مصطلح ّ‬
‫الصفة‪ ،‬وأخذ املخزومي بكال املصطلحين في‬ ‫مصطلح ّ‬
‫د استه ّ‬
‫النحوية‪.‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫اللفظي‪ :‬لقد أراد املخزومي بهذا املصطلح تقديم ّ‬ ‫ّ‬
‫تصور جديد ملفهوم الجملة وتحديدها‪،‬‬ ‫‪ ‬املركب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فقد أى ّ‬
‫بأن الجملة مركب إسنادي‪ ،‬تحتوي بالضرورة على مسند ومسند إليه‪ ،‬وإال فهي مركب‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫لفظي وذكر ّ‬
‫النداء على أنه كذلك‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬أداة التشريك‪ :‬وتسمى أدوات العطف في ال ّنحو‪ ،‬وهذا املصطلح استخدمه من قبله سيبويه في‬
‫ودل به على العطف وحروفه‪ ،‬يقول‪(( :‬وينبغي أن تقول‪ :‬ر ّب رجل وأخاه‪ .‬فليس ذا‬
‫كتابه الكتاب‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫األول))‪ .5‬وقال‪(( :‬واعلم ّأن ما بعد حتى‬
‫التشريك اآلخر فيما دخل فيه ّ‬ ‫من ق َبل ذا‪ّ ،‬‬
‫ولكنها حروف‬

‫ّ‬
‫اللغة ّ‬
‫والنحو‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأوالده‪ ،‬مصر‪،‬‬ ‫‪1‬مهدي املخزومي‪ ،‬مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة‬
‫ط‪1377 ،02‬ه‪1958 /‬م‪ ،‬ص‪.309‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪2‬الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬معجم العين‪ ،‬تح‪ :‬مهدي املخزومي‪ ،‬إبراهيم السامرائي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.157‬‬
‫‪3‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.349‬‬
‫‪4‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.309‬‬
‫السالم هارون‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1408 ،3‬ه‪1988 /‬م‪.187/3 ،‬‬ ‫‪5‬سيبويه‪ ،‬عمرو بن عثمان أبو بشر‪ ،‬الكتاب‪ ،‬تح عبد ّ‬

‫‪30‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫ال يشرك الفعل الذي قبل حتى في موضوعه كشركة الفعل اآلخر ّ‬
‫األول إذا قلت‪ :‬لم أجيء‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫فأقل‪ .1))...‬فسيبويه إذن أطلق مصطلح (التشريك) على (العطف)‪ ،‬وهي تفيد معنى التشريك‬
‫ألنها تشرك ما قبلها وما بعدها في حكم واحد‪ ،‬أي ّأن هناك أدوات تختلف فيما بينها معنى‬
‫حقا‪ّ ،‬‬

‫يصح جعلها من قبيل واحد وال إدراجها في باب واحد‪ .‬والحقيقة ّأن (املخزومي) لم‬
‫ووظيفة‪ ،‬فال ّ‬
‫ّ‬
‫يعمل إال أن أحيى املصطلح من جديد‪ ،‬ذلك ّأن الخليل قد استعمله‪.2‬‬
‫‪ ‬الخفض‪ :‬ويريد به الكوفيون ما يريد به البصريون بكلمة (الجر)‪ ،‬كما شاع عن الكوفيين ّأنهم‬
‫ّ‬
‫ابتكروا هذا املصطلح‪ ،3‬وأغلب الظن ّأن هذا املصطلح مقتبس من أوضاع الخليل‪ ،‬ومصطلحاته‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املنونة وغير ّ‬‫توسعوا فيه‪ ،‬فاستعملوه في الكلمات ّ‬ ‫ّ‬
‫إال ّأنهم ّ‬
‫املنونة‪ ،‬ولم يستعمله الخليل إال في‬
‫ّ ّ‬
‫خلص من ّ‬
‫الساكنين‪ ،‬نحو‪ :‬لم‬ ‫املنون‪ ،‬ونقل البصريون (الجر) في كونه حركة ُيستعان َبها على الت‬
‫ّ‬
‫منونة أو غير ّ‬
‫منونة‪.4‬‬ ‫خاصة باألسماء املعربة‪ ،‬سواء كانت ّ‬
‫الرجل‪ ،‬إلى كونه حركة ّ‬ ‫يذهب ّ‬
‫‪ ‬املستقبل‪ :‬لقد رأى مهدي املخزومي ّأن مصطلح املضارع يعني املشابهة وبالتالي ال عالقة له بالزمن‬
‫عده املخزومي فعال يخرجه‬ ‫بل يصلح للحال‪ ،‬كما ّأن القول بمضا عة الفعل السم الفاعل‪ ،‬الذي ّ‬
‫ر‬
‫يجرد هذا الفعل من صيغته ّ‬
‫الزمنية‪،‬‬ ‫((إن مصطلح املضارع ّ‬ ‫من طائفة األفعال‪ ،‬يقول املخزومي‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫ألنه ليس في اسمه ما يشير إلى زمن‪ّ ،‬أما وظيفة املضارع في الكالم بوصفه صيغة زمنية فأمر لم‬
‫تحرجوا من استعمال مصطلح املضارعة‪ ،‬فكان تقسيمهم منطقيا‪،‬‬ ‫يعن به النحاة))‪ .5‬والكوفيين ّ‬
‫الزمني‪ ،‬فذهبوا إلى ّ‬
‫التعبير عن البناء َ‬
‫(يفعل) بالقول‪:‬‬ ‫التقسيم ّ‬ ‫وعلميا يقوم على أساس ّ‬

‫املستقبل‪.6‬‬
‫الزمان واملكان‪ :‬أطلق املخزومي هذا املصطلح على (املفعول فيه)‪ ،‬كما ذهب البصريون‬ ‫ّ‬
‫املكنى به ّ‬ ‫‪‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(الظرف)‪ّ ،‬أما الكوفيون فاستعملوا مصطلح (املحل)‪ ،‬يقول ابن ّ‬
‫((وكل ما‬ ‫السراج‪:‬‬ ‫إلى تسميته‬
‫َ‬
‫نصب املفعول على‬ ‫كان من أسماء ّ‬
‫الزمان يجوز أن يكون اسما‪ ،‬وأن يكون ظرفا‪ ،‬فلك أن تنصبه‬
‫ضربت زيدا‪ّ ،‬‬‫ُ‬ ‫ُ ّ َ‬
‫يلة‪ ،‬فتنصب نصب ( يد) إذا ُق َ‬ ‫السعة‪ ،‬تقول‪ُ :‬قمت َ‬
‫ويتبين لك‬ ‫لت‪:‬‬ ‫ز‬ ‫اليوم‪ ،‬وقعت الل‬
‫اليوم‪ ،‬فتنصبه نصب املفعول على السعة‪ّ ،‬‬
‫فكنيت عنه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫قمت‬ ‫هذا في الكناية ّإنك إذا َ‬
‫قلت‪ُ :‬‬

‫‪1‬الكتاب‪.23/3 ،‬‬
‫ّ‬
‫‪2‬املخزومي وجهوده النحوية‪ ،‬ص‪.31 0‬‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬نشأة ّ‬
‫النحو العربي‪ ،‬الطنطاوي‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪4‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.311‬‬
‫ّ‬
‫‪5‬مهدي املخزومي‪ ،‬قضايا مطروحة للمناقشة(مقال)‪ ،‬مجلة جامعة املوصل‪ ،‬العراق‪ ،‬العدد ‪1972 ،02‬م‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪6‬ينظر‪ :‬املرجع السابق‪.37 ،‬‬

‫‪31‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫الظرف َ‬
‫قلت‪ُ :‬‬ ‫َُ ُ َ ّ‬ ‫َ‬
‫فقلت‪ُ :‬‬
‫قمت فيه))‪،1‬ذهب املخزومي إلى األخذ بمصطلح‬ ‫قمت ُه‪ ،‬وإذا نصبته نصب‬
‫ّ‬
‫للصواب حيث‬ ‫الظرف أو املفعول فيه مجانب ّ‬ ‫الكوفيين واستروح له‪ ،‬ورأى ّأن استعمال مصطلح‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التسمية ّ‬ ‫يقول‪ (( :‬وقد ّ‬
‫ألنها تسمية عقلية ال مجال ملثلها في البحث اللغوي))‪.2‬‬ ‫تجنبنا مثل هذه‬
‫ّ‬
‫‪ -3‬قضايا أصول النحو عند املخزومي‪:‬‬

‫السباقين لوضع أصول رواية‬ ‫ّ‬ ‫تذكر صفحات التا يخ والتراث‪ّ ،‬‬
‫بأن علماء الحديث كانوا‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫اللغة في روايتها‪ ،‬وسلك ّ‬
‫النحويون منهم مسلك الفقهاء؛ فوضعوا‬ ‫الحديث‪ ،‬ثم حذا حذوهم علماء‬
‫ّ‬ ‫األصول محاكاة ألصولهم‪ ،3‬ويعتبر كتاب (الخصائص) البن ّ‬
‫جني(ت‪392‬ه)‪ ،‬وكتاب(ملع األدلة) البن‬
‫عد أصول ّ‬
‫النحو‬ ‫األنباري(ت‪577‬ه) من الكتب األولى التي ّألفت في هذا العلم‪ ،‬ونذكر ّأن ابن ّ‬
‫جني ّ‬

‫ثالثة هي‪ :‬سماع وإجماع وقياس‪ ،‬وهي عند ابن األنباري‪ :‬نقل وقياس واستصحاب حال‪ ،‬وجعلها‬
‫السيوطي في كتابه (االقتراح)أربعة هي‪ّ :‬‬
‫السماع واإلجماع والقياس واستصحاب الحال‪.4‬‬
‫ّ‬
‫السماع‪:‬‬ ‫‪.3.1‬‬
‫ّ ّ‬
‫القلة إلى ّ‬ ‫هو ((الكالم العربي املنقول ّ‬
‫النقل ّ‬
‫حد الكثرة))‪ ،5‬وهذا الكالم‬ ‫الصحيح الخارج عن حد‬
‫العربي يشمل القرآن الكريم‪ ،‬واألحاديث النبوية الشريفة‪ ،‬وكالم العرب املوثوق بفصاحتهم‪.‬‬

‫ّإن موقف النحاة من االستشهاد بالقرآن الكريم وقراءاته جعل فريقا منهم يلجؤون ألقيسة‬
‫مما دفعهم إلى التأويل مع ماال ّيتفق وأحكامهم‪ ،‬ونسبوا‬ ‫النحو وجعلها عيا ا على الشواهد ّ‬
‫النحوية‪ّ ،‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫الضعف والشذوذ‪ .6‬وذكر ابن املخزومي ّأن البصريين لجأوا إلى ّ‬
‫التأويل عن‬ ‫بعض القراءات إلى ّ‬
‫مواجهتهم قراءة من القراءات ّ‬
‫السبع التي ال سبيل من إنكارها‪ ،‬وتغليط لغيرها كما فعلوا في نظره مع‬
‫قراءة ابن عامر‪ ،‬والحسن‪ ،‬والقعقاع‪ ،‬وقتادة‪ ،‬وغيرهم‪ّ ،‬أما الكوفيون فقد قبلوا هذه القراءات التي‬

‫النحوي البغدادي‪ ،‬األصول في ّ‬


‫النحو‪ ،‬تحقيق‪ ،‬د‪ .‬عبد الحسين الفتلي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫السراج‪ ،‬أبو بكر بن سهل ّ‬
‫‪1‬ابن ّ‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪1417 ،03‬ه‪1996/‬م‪.232/1 ،‬‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬ص ‪.107‬‬ ‫‪2‬في ّ‬
‫النحو في كتاب سيبويه‪ ،‬خديجة الحديثي‪ ،‬مطبوعات جامعة الكويت‪ ،‬ط‪1394 ،01‬ه‪1974/‬م‪ ،‬ص‪.123‬‬ ‫‪3‬ينظر‪ :‬الشاهد وأصول ّ‬
‫النحو‪ ،‬السيوطي‪ ،‬تحقيق محمد سليمان ياقوت‪ ،‬دار املعرفة الجامعية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،01‬‬ ‫‪4‬ينظر‪ :‬االقتراح في علم أصول ّ‬
‫‪1426‬ه‪2006/‬م‪ ،‬ص‪.14‬‬
‫‪5‬أبو البركات ابن األنباري‪ ،‬اإلغراب في جدل اإلعراب‪ ،‬تحقيق سعيد األفغاني‪ ،‬مطبعة الجامعة السورية‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪،01‬‬
‫‪1377‬ه‪1967/‬م‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫علي الض ّباع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج‪ ،01‬ص‪.10‬‬
‫النشر في القراءات العشر‪ ،‬محمد بن محمد الجزري‪ ،‬تحقيق محمد ّ‬ ‫‪6‬ينظر‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫ّ‬
‫واحتجوا بها ّ‬
‫وقعدوا على ما جاء فيها كثيرا من أصولهم وأحكامهم‪ .1‬وليس صحيحا‬ ‫ر ّدها البصريون‪،‬‬
‫والفراء وهما على رأس مدرسة الكوفة في بعض ّ‬
‫القراء كحمزة وابن كثير‪.‬‬ ‫فقد طعن الكسائي ّ‬
‫ّ‬ ‫للنحو اعتمد القرآن الكريم النموذج ّ‬ ‫ونذكر ّأن املخزومي في د استه ّ‬
‫األول ملصادر اللغة‬ ‫ر‬
‫النحوية ما يقارب ثالث مائة شاهد(‪ .)300‬بينما أخذ على النحاة‬ ‫العربية‪ ،‬بحيث أورد في د استه ّ‬
‫ر‬
‫األوائل الذين تركوا االستشهاد بالحديث لسبب روايته باملعنى‪ ،‬واعتبروا أكثر رواته من املوالي‪ّ ،‬‬
‫وعده‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اهماال ألهم مصدر من املصادر اللغوية‪ ،‬باإلضافة إلى ّأن الكثير من رواة الحديث كانوا عربا خلصا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وحماد بن سلمة(ت‪167‬ه)‪ ،‬كما ّأيد منهج‬
‫عبي(ت‪103‬ه)‪ّ ،‬‬ ‫الش ّ‬ ‫يعتد بفصاحتهم كعامر بن شرحبيل‬
‫النحو العربي‪ .‬وفي ّ‬
‫النظر إلى األحاديث كشواهد في درس‬ ‫التوسع في ّ‬
‫ّ‬ ‫ابن مالك وأصحابه حين ذهبوا إلى‬
‫ّ‬
‫املخزومي وكتبه نلتمس منها القلة القليلة‪.‬‬
‫كما تأثر املخزومي بمنهج الكوفيين في االستشهاد بكالم العرب الذين ّ‬
‫توسعوا في الشواهد‬
‫ّ‬
‫توسعا رفضه أهل البصرة‪ ،‬ور ّجح منهجهم في االستشهاد باملثال الواحد‪ ،‬كونه يمثل لهجة‬
‫الشعرية ّ‬
‫بعينها‪ ،‬وقد بلغت الشواهد الشعرية التي اعتمدها املخزومي في دراسته ثمانية وعشرين ومائتي(‪)228‬‬
‫شاهد شعري‪.‬‬
‫كفة الكوفيين على ّ‬
‫كفة أهل البصرة‪ ،‬ويرى ّأن‬ ‫ونخلص في هذا األصل إلى ّأن املخزومي ّجح ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وظيفة النحوي الذي يريد معالجة ّ‬
‫النحو‪ ،‬ليس من شأنه أن يفرض على املتكلمين قاعدة‪ ،‬أو يخطئ‬
‫النحو د اسة وصفية تطبيقية ال ّ‬
‫تتعدى هذا املجال‪.2‬‬ ‫ألن ّ‬
‫لهم أسلوبا‪ّ ،‬‬
‫ر‬

‫اإلجماع‪:‬‬ ‫‪.3.2‬‬

‫قضية نحوية‪ ،‬ولم‬‫بأنه ّاتفاق علماء البصرة والكوفة حول ّ‬


‫ّ ّ‬ ‫هو أصل من أصول ّ‬
‫النحو‪ ،‬ونعرفه‬
‫يصرح به ولم ينفه‪ ،‬غير ّأن ّ‬
‫املتتبع لدراساته‬ ‫النحوي املخزومي‪ ،‬فهو األخير لم ّ‬‫الد س ّ‬
‫ّ‬
‫َنر له ذكرا في ر‬
‫تدل على ذلك‪ ،‬حين ذهب إلى ّأن الواو‪،‬‬ ‫يهتدي إلى ّأنه لم ّ‬
‫يعتد به كما فعل سابقوه‪ ،‬ومن الشواهد التي ّ‬
‫ّ‬ ‫واأللف‪ ،‬والياء حركات ّ‬
‫مطولة من حركات اإلعراب الثالثة‪ ،‬وهو رأي أستاذه الدكتور إبراهيم‬

‫ّ‬
‫اللغة ّ‬
‫والنحو‪ ،‬مهدي املخزومي‪ ،‬ص ‪.341‬‬ ‫‪1‬ينظر‪ :‬مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.19‬‬‫‪2‬ينظر‪ :‬في ّ‬

‫‪33‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫دل على ش يء‪ّ ،‬إنما ّ‬
‫يدل على‬ ‫مصطفى‪ ،‬كما ّأنه رفض العامل وثار عليه ودعا إلى إلغائه‪ ،‬وهذا إذا ّ‬
‫فضه اإلجماع الذي أجمع عليه النحاة من قبل في كثير من القضايا ّ‬
‫النحوية التي خالفهم فيها‪.‬‬ ‫ر‬

‫القياس‪:‬‬ ‫‪.3.3‬‬

‫عرفه ابن األنباري بأ ّنه‪(( :‬حمل غير املنقول على املنقول‪ ،‬إذا كان في معناه))‪ ،1‬ويذهب الدكتور‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫مهدي املخزومي إلى ّأن القياس الذي ّ‬
‫البد من اتباعه هو القياس الذي أخذ به الخليل ابن أحمد‬
‫ّ‬ ‫وعده قياسا مقبوال في ّ‬ ‫والفراء‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫الدرس اللغوي‪ ،‬ومن ذلك قياس جزم الفعل املضارع‬ ‫الفراهيدي‬
‫ول ر ِِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َُ‬
‫ب لَ ْوَاَل أَ رَّ َْْ ِِ ِ ََ‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ت‬‫و‬ ‫م‬‫ل‬
‫ْ‬
‫َ َ َ ُ َْ ُ َُ َ‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫َح‬
‫أ‬ ‫ِ‬
‫ِت‬‫ْ‬
‫َي‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ق‬
‫ْ‬
‫َ ُ ْ َ ََ َ ْ ْ ْ‬‫ز‬‫ر‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ق‬‫ف‬ ‫ْ‬‫ن‬‫َ‬‫أ‬
‫و‬ ‫﴿‬ ‫تعالى‬ ‫قوله‬ ‫في‬ ‫)‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫(أ‬
‫ّ‬ ‫رق وأَ ُكن ِمن ال ر ِِ‬ ‫َج ٍل قَ ِْ ٍ‬
‫يب فَأَ ر‬
‫جر في قول زهير ابن أبي سلمى‪:‬‬ ‫صاِلني﴾ ‪ ،‬على ٍ‬ ‫صد َ َ ْ َ‬ ‫أَ‬
‫‪2‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫بدا لي ّأني ُ‬


‫ابق شيئا إذا كان جائيا‪.3‬‬ ‫َ َ‬
‫وال س ٍ‬ ‫لست ُمدر َك ما َم َض ى‬
‫اللفظين‪ ،‬وقاس ّأولهما على الثاني‪ ،‬وذلك ّأن في ّ‬‫ّ‬
‫كل منهما عطفا‬ ‫حيث الحظ الخليل شبها بين‬
‫الرغم من ّأن اآلية من باب الجزم‪ ،‬والبيت من باب الخفض‪ُ ،‬ويرجع‬ ‫على ما لم يشاركه في إعرابه‪ ،‬على ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫توهم على ما قبله الذي ّ‬ ‫ّ‬
‫بأنه ّ‬ ‫ُ‬
‫يعد جوابا للطلب ألنه يرد‬ ‫املخزومي تعليل الخليل في جزم الفعل (أكن)‬
‫السامرائي ورفض مثل هذا القياس فقال‪:‬‬ ‫في كثير من الحاالت مجزوما‪ ،‬وقد خالفه الدكتور إبراهيم ّ‬
‫أي قرابة فيها فعل مجزوم وأخرى فيها اسم مجرور‪ ،‬والذي يبدو لنا ّأن التماس املشابهة‬
‫((وأنا ال أملح ّ‬
‫ّ‬
‫بين هذه وتلك ليص ّح الحمل والقياس‪ ،‬إن هو إال بسبب من حيرة الخليل في تفسير الجزم في اآلية‪،‬‬
‫وليس من عامل للجزم))‪.4‬‬

‫الدارس الستنباط حكم لغوي أو نحوي‪ ،‬وهو حمل‬ ‫والقياس هو الطريق الطبيعية التي يسلكها ّ‬
‫ّ‬
‫مجهول على معلوم‪ ،‬وحمل مالم ُيسمع على ما ُسمع‪ ،‬وحمل ما يجد من تعبير على ما اختزنته الذاكرة‪،‬‬
‫ته من تعبيرات وأساليب كانت قد عرفت‪ ،‬أو ُسمعت‪ ،‬وهذا القياس هو الطريق‬ ‫ووع ُ‬
‫وحفظته َ‬
‫الد س ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫النحوي املخزومي‪ ،‬قياسه الثنائي‬ ‫مادة اللغة واتساعها‪ ،5‬ومن أمثلة القياس في ر‬ ‫الطبيعية لنمو‬
‫من الكلم على الثالثي‪ ،‬فإذا وردت أسماء مكونة ألفاظها من حرفين نحو‪ :‬يد‪ ،‬أخ‪ ،‬وأريد جمعها زيد‬

‫‪1‬أبو البركات ابن األنباري‪ ،‬اإلغراب في جدل اإلعراب‪ ،‬ص‪.45‬‬


‫‪2‬سورة املنافقون‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬
‫الديوان‪ ،‬تحقيق علي حسن فاعور‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1408 ،01‬ه‪1988/‬م‪ ،‬ص‪.140‬‬ ‫‪3‬زهير بن أبي سلمى‪ّ ،‬‬
‫عمان‪ ،‬ط‪1418 ،01‬ه‪1997 /‬م‪ ،‬ص‪.22‬‬ ‫عمار‪ّ ،‬‬ ‫امرائي‪ّ ،‬‬
‫النحو العربي نقد وبناء‪ ،‬دار ّ‬ ‫‪4‬إبراهيم ّ‬
‫الس ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.20‬‬ ‫‪5‬في ّ‬

‫‪34‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬

‫حرف ثالث‪ ،‬ثم تجمع جمع الثالثي‪ ،‬فيقال في جمع يد‪ ،‬أيدي‪ ،‬وفي جمع أخ‪ ،‬إخوة وإخوان‪ ،‬وذهب إلى‬
‫جواز نيابة بعض حروف الجر(اإلضافة) عن بعض قياسا‪ ،‬كأن ينوب حرف الجر(في) عن‬
‫ّ‬
‫وع النا ْخ ِل﴾‪ 1‬وفي معناها ألصل ّبنكم على جذوع‬
‫ُصلِِّبح نا ُك ْم ِِف ُج ُذ ِ‬
‫الحرف(على)‪ ،‬نحو قوله تعالى‪ ﴿ :‬حوحَل ح‬
‫النخل‪ ،‬وهو قياس ذهب إليه الكوفيون‪ ،‬وخالفهم البصريون الذين رفضوا في هذا املوضع نيابة‬ ‫ّ‬

‫الحروف عن بعضها البعض‪.2‬‬

‫اتتصحاب الحال‪:‬‬ ‫‪.3.4‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النحو وأضعفها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫أدلة ّ‬
‫ويعرف عند جمهور النحاة بأنه ((إبقاء حال اللفظ على ما‬ ‫هو رابع‬
‫النقل عن األصل))‪ ،3‬ولقد ّ‬
‫تتبعنا رأي املخزومي في هذا األصل‪ ،‬فلم‬ ‫ّ‬
‫يستحقه في األصل عند عدم دليل ّ‬
‫يعتد به‪ ،‬حيث أى ّأن ما ّ‬
‫عده النحاة أصال‪ُ ،‬يرجع إليه بالقياس عليه‪ ،‬أو ُيرجع إليه عند عدم‬ ‫نجده ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫اختص‬ ‫يعتد به ّ‬
‫ألن الفعل‬ ‫الدليل كما في اعتبار اإلعراب أصال في األسماء‪ ،‬والبناء أصال في األفعال‪ ،‬ال ّ‬
‫ّ‬
‫بالبناء كونه ال ّ‬
‫يتحمل املعاني اإلعرابية‪ ،‬فال يسند إليه وال يضاف إليه؛ بما في ذلك الفعل املضارع‬
‫عده النحاة معربا‪ ،‬ويرى املخزومي ّأن الفعل املضارع مبني إذا لم ّيتصل بنون التوكيد أو بنون‬
‫الذي ّ‬
‫النسوة؛ وإن تعاقبت على آخره الحركات‪ ،‬إذن ّ‬
‫فتغير آخر الفعل املضارع ليس بسبب املعاني‬
‫اإلعرابية‪ ،‬وال بسبب دخول أدوات ّ‬
‫النصب أو الجزم‪ ،‬حتى يقال عنه معربا نصبا أو جزما كما زعم‬
‫النحاة‪.4‬‬
‫أي نحوي‪ ،‬فهي تت ّ‬ ‫اللغة سليقة طبيعة ال تخضع لضابط يضعه ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫طور‬ ‫لقد رأى املخزومي أن‬
‫ّ‬
‫يستشفه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تطور ّ‬
‫الدارس من نحوهم من‬ ‫أي كائن‪ ،‬فليس فيها ما هو أصل إال ما وضعه النحاة‪ ،‬وما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جنوح عن تفسير الظواهر تفسيرا عقليا‪ ،‬واتباع التأويالت البعيدة التي تخالف الظاهر‪ ،‬وخير مثال‬
‫(أي) املوصولة في استعمالها عن سائر أخواتها املوصوالت فقال‪:‬‬ ‫قول الكسائي حين ُسئل عن شذوذ ّ‬
‫((هكذا ُخل َقت))‪ ،5‬واألخذ بهذا القول هو ما نراه األقرب ملا دعا له النحاة األوائل في د استهم ّ‬
‫للنحو‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫وأهدافه التي نادوا بها لتقريب اللغة من السليقة العربية السليمة‪ ،‬التي فطر عليها اإلنسان العربي‬

‫‪1‬سورة طه‪ ،‬اآلية ‪.71‬‬


‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.179 ،12‬‬ ‫‪2‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫‪ 3‬أبو البركات ابن األنباري‪ ،‬اإلغراب في جدل اإلعراب‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص ‪.134 ،133‬‬ ‫‪4‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫‪5‬ينظر‪ :‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.202‬‬

‫‪35‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬

‫قديما دون األخذ باعتبارات املنطق واملوروث النحوي املختلط بالفلسفة‪ ،‬وعلم الكالم الذي بات في‬
‫نظر كثير من النحاة جزءا ال ّ‬
‫يتجزأ منه‪.‬‬

‫ونخلص في ختام حديثنا عن هذه األصول‪ّ ،‬أن املخزومي ذهب مذهب الكوفيين‪ ،‬وكان أكثر ما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يرجح آراءهم حتى لنشك في أنه كوفي املذهب‪ ،‬فقد رفض من آراء أهل البصرة إبعاد كثير من القبائل‬
‫النحوي ورأى ‪-‬في زعمه‪ّ -‬أنها قيود فرضوها على القياس؛ في حين وافق الكوفيين في‬ ‫من االحتجاج ّ‬

‫ألنها جزء من فطرتهم‬‫اللغة‪ ،‬ال ُيغل ُطون في لغتهم‪ّ ،‬‬


‫ّ‬
‫توسيعهم دائرته‪ ،‬ورأى ّأن العرب وهم أصحاب‬
‫يحتج بأشعار نظمها املحدثون من الشعراء أمثال البحتري‬ ‫وطبيعتهم‪ ،‬كما رأيناه في كثير من املواضع ّ‬
‫الطيب ّ‬
‫املتنبي ومثال ذلك في حديثه عن(يا) النداء ملناداة البعيد فقال‪ (( :‬يا‪ :‬وينادى بها املتوسط‬ ‫وأبي ّ‬
‫ألنها تنتهي بصوت مد يعين املنادي على إيصال ندائه إلى املنادى البعيد عنه حقيقة أو حكما‪...‬‬ ‫البعيد ّ‬
‫ّ‬
‫كقول أبي الط ّيب املتنبي‪:‬‬
‫كل ش يء بعدكم ُ‬
‫عدم‪.1‬‬ ‫وجداننا ّ‬ ‫َيامن ّ‬
‫يعز علينا أن نفارقهم‬
‫ّ‬ ‫ولم يمنع قرب سيف ّ‬
‫الدولة من أبي الط ّيب وقت إنشاده هذا البيت من استعمال (يا) التي ال‬
‫تشمل عادة في نداء القريب))‪ .2‬وهذا ما خالف اجماع النحاة في انهائهم زمن االحتجاج عند القرن‬
‫الثاني للهجرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إال ّأنه ّ‬ ‫وإن كان املخزومي قد احتفى ّ‬
‫عد القياس دخيال على اللغة‪ ،‬وهو في‬ ‫بالسماع وأخذ به‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫نظره نتيجة التأثر بالتأويالت الفلسفية والعلل املنطقية‪ ،‬ولم يقبل إال بقياس الش َبه الذي نقل من‬
‫قبل عن الخليل‪.‬‬
‫يعن باإلجماع َك َما ُعن ّي به النحاة‪ ،‬لهذا نراه ال ّ‬
‫يعتد بإجماعهم على إعراب الفعل املضارع‪،‬‬ ‫ولم َ‬
‫ُ‬ ‫فهو مبني ال ُمعرب‪ّ ،‬‬
‫وعد األسماء الخمسة معربة بحركات َممطولة ال معربة بالواو‪ ،‬واأللف‪ ،‬والياء‬
‫ق ّ‬ ‫كما قال ُ‬
‫الكم ّ‬
‫الصوتي ّأما في الكيف‬ ‫إال في ّ‬ ‫الن َحاة‪ ،‬يقول‪(( :‬ليس بين الحركات وهذه األحرف من فر‬
‫مد طويلة ّ‬
‫وإن الواو‬ ‫مد قصيرة واألخرى أصوات ّ‬ ‫فهي هي‪ ،‬ال فرق بين هذي وتلك‪ ،‬فالحركات أصوات ّ‬
‫ضمة ممطولة‪ ،‬والياء ّ‬ ‫ّ‬
‫ظنوا ّأنها عالمة جر فرعية‪ ،‬ليست‬ ‫إال ّ‬ ‫التي زعموا ّأنها عالمة رفع فرعية‪ ،‬ليست‬

‫‪ 1‬علي بن أحمد الواحدي‪ ،‬شرح ديوان ّ‬


‫املتنبي‪ ،‬منشورات أي‪-‬كتب‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.371 ،366‬‬
‫‪2‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص ‪.302 ،301‬‬

‫‪36‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫ّ‬
‫سوى كسرة ممطولة‪ ،‬وكذلك األلف ليست إال فتحة ممطولة))‪ .1‬وهو رأي أستاذه إبراهيم الذي‬
‫ّ‬
‫سنتطرق إليه فيما يلي من البحث‪.‬‬
‫ّ‬
‫إال ّأن املخزومي لم يذكره أو ّ‬ ‫ّ‬
‫أدلة ّ‬
‫يصرح به‬ ‫النحو عند النحاة‪،‬‬ ‫وإذا كان االستصحاب أضعف‬
‫في كتبه ود اساته ّ‬
‫النحوية‪ ،‬واكتفى بذكر ّ‬
‫السماع ثم القياس‪.‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫‪ -4‬قضايا اإلعراب ونظرية العامل في ّ‬
‫الدرس النحوي املخزومي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )1‬اإلعراب في ّ‬
‫الدرس النحوي املخزومي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللغوية التي َ‬ ‫ّ‬
‫عني بها النحاة قديما وحديثا‪ ،‬فاإلعراب إنما هو‬ ‫يعد اإلعراب من أهم الظواهر‬
‫َ‬ ‫النحو وأحد ركائزه األساسية‪ ،‬فهو دليل على املعاني‪ ،‬وبه ُن ّ‬
‫فرق بين الفاعلية واملفعولية‪،‬‬ ‫بوابة ّ‬

‫واإلضافة‪.‬‬

‫واإلعراب ظاهرة قديمة ق َدم العربية‪ ،‬ولو لم يكن مبنيا على املعاني ما التزمت به العرب في‬
‫ّ‬
‫كالمها‪ ،‬وملا نزل القرآن الكريم معربا‪ ،‬ولقد أجمع النحاة على أ ّن العالمات اإلعرابية دالة على املعاني‪،‬‬
‫ممن خرج عنهم أمثال محمد بن املُستنير ّ‬
‫امللقب ُبقطرب(ت‪206‬ه)‪ ،‬وزعم ّأن العرب لم‬
‫ّ‬
‫إال القليل ّ‬
‫بالسكون‬ ‫السكون‪ ،‬ولو َوصلوه ّ‬
‫ألن االسم في الوقف يلزمه ّ‬ ‫ُتعرب كالمها ّ‬
‫للداللة على املعاني‪ّ ،‬إنما ّ‬

‫التحريك ُم َتابعا‬
‫التحريك في الوصل‪ ،‬جعلوا ّ‬
‫فلما أمكنهم ّ‬
‫والوقف‪ّ ،‬‬‫أيضا‪َ ،‬ل َل َزم ُهم اإلسكان في الوصل َ‬
‫مرة‪ ،‬ورفعه أخرى‪ ،‬ولكان‬ ‫جر الفاعل ّ‬ ‫لإلسكان ليتعدل الكالم‪ ،2‬ولو كان كما يقول قطرب لجاز ّ‬
‫ّ ّ‬ ‫اللسان‪ .‬واإلعراب كما ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتكلم ّ‬
‫جني بأنه ((اإلبانة عن املعاني‬ ‫عرفه ابن‬ ‫مخيرا وهذا فساد ولحن في‬
‫وه‪ ،‬علمت من رفع أحدهما‪،‬‬
‫َ‬
‫وشك َر َسعيدا ُأب ُ‬ ‫سمعت‪َ ،‬أك َر َم َسعيد ُ‬
‫أباه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫باأللفاظ‪ ،‬أال ترى أنك إذا‬
‫املفعول))‪ .3‬فهو إذن الوسيلة التعبيرية التي من خاللها ّ‬‫الفاعل من ُ‬ ‫َ‬
‫تؤدى املعاني‪.‬‬ ‫ونصب اآلخر‬
‫ّ‬
‫وقصروا في‬ ‫حقه من ّ‬
‫الدراسة‬ ‫وقد عرض املخزومي لظاهرة اإلعراب‪ ،‬ورأى ّأنه لم ّيو َف ّ‬

‫للتغييرات الطارئة على أواخر الكلم‪ ،‬بل ربطوه بالعوامل التي كانت أساسا تبنى عليه‬ ‫تفسيرهم ّ‬
‫ّ‬
‫املتعلقة باملعنى داخل الكالم‪ ،‬فلم ّ‬ ‫د اساتهم ّ‬
‫يقدموا‬ ‫النحوية‪ ،‬وبالتالي أهملوا كثيرا من القضايا‬ ‫ر‬

‫‪1‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫الز ّجاجي‪ ،‬تحقيق مازن مبارك‪ ،‬دار ّ‬
‫النفائس‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،03‬‬ ‫الرحمان بن إسحاق ّ‬ ‫‪2‬ينظر‪ :‬اإليضاح في علل ّ‬
‫النحو‪ ،‬عبد ّ‬
‫‪1399‬ه‪1979/‬م‪ ،‬ص‪.70 ،69‬‬
‫‪3‬عثمان أبو الفتح بن جني‪ ،‬الخصائص‪ ،‬تحقيق محمد علي النجار‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1427 ،1‬ه‪2006 /‬م‪ ،‬ص‪.68‬‬

‫‪37‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫التقديم ّ‬
‫تفسيرات حول ّ‬
‫والتأخير‪ ،‬وعالقة املتكلم باملخاطب‪ ،‬وجعلوا من العامل أثرا في اإلعراب وهو‬
‫بالنحو عن ّاتجاهه‪ ،‬وحمله على سلوك نهج ليس من طبيعته‪1.‬‬
‫ما انحرف ّ‬

‫ّ‬
‫كما نقل املخزومي تعريفات ذكرها النحاة لإلعراب بأنه ((اختالف أواخر الكلم باختالف‬
‫ّ‬
‫بأنه ((أثر ظاهر أو ّ‬
‫مقدر يجلبه العامل في آخر املعرب))‪ ،‬ور ّدها إلى‬ ‫العوامل لفظا أو تقديرا))‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫تأثرهم بالفلسفة وعلم الكالم واملنطق‪ ،‬ثم أعاد صياغة معنى سليم لإلعراب بأنه بيان ما للكلمة أو‬
‫الجملة من وظيفة لغوية‪ ،‬أو من قيمة نحوية‪ ،‬ككونها مسندا إليه‪ ،‬أو مضافا إليه‪ ،‬أو فاعال‪ ،‬أو‬
‫تؤديها الكلمات في ثنايا الجمل‪ّ ،‬‬
‫وتؤديها الجمل في ثنايا‬ ‫مفعوال‪ ،‬أو حاال‪ ،‬أو غير ذلك من الوظائف التي ّ‬
‫الكالم أيضا‪ ،2‬وهو امتداد لرأي أستاذه إبراهيم مصطفى في نقده للنحاة الذين جعلوا ّ‬
‫النحو علم‬
‫اإلعراب‪.‬‬
‫للنحو أمران ّأولهما ّأنه خالف إجماع ّ‬
‫النحاة على تعريفهم اإلعراب‬ ‫وفي تعريف املخزومي ّ‬
‫ّ‬ ‫وبالتالي ُي َ‬
‫وهم إجماعهم عليه‪ ،‬والثاني أنه اعتمد في نقده للنحاة على تعريفات من مصادر لنحاة‬
‫ّ‬
‫متأخرين كـ (أسرار العربية) البن األنباري‪ ،‬وكتاب (قطر الندى) هشام األنصاري‪ ،‬وغير ذلك نجد ّأن‬
‫النحاة كانوا على خالف في تعريفهم ّ‬
‫للنحو‪ ،‬فظهرت طائفتان اختلفتا في كونه –اإلعراب– لفظيا أو‬
‫ّ‬ ‫معنويا‪ ،‬فمن ّ‬
‫األول نجد ابن خاروف والشلوبين‪ ،‬وابن مالك‪ ،‬ونسب الثاني لألعلم وجماعة من‬
‫للنحو‪ ،‬كما ّأن زعمه النحاة عنوا بأواخر‬
‫الحد الذي وضعه النحاة القدماء ّ‬
‫املغا بة‪ 3.‬فاملخزومي ترك ّ‬
‫ر‬
‫الكلم دون التراكيب اإلسنادية مردود مطروح في الطريق‪ ،‬وخير شاهد على ذلك قول الرض ّي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫((واملعاني املوجبة لإلعراب إنما تحدث في االسم عند تركيبه مع العوامل‪ ،‬فالتركيب شرط موجب‬
‫اإلعراب))‪.4‬‬
‫ّ‬ ‫والقول ّأن األوائل قصروا ّ‬
‫النحو على الشكل دون املعنى مطروح مردود أيضا‪ ،‬ونستشهد بما‬
‫ذكره ابن هشام األنصاري حين قال‪ّ :‬‬
‫((وأول واجب على املعرب‪ ،‬أن يفهم معنى ما يعربه مفردا أو‬
‫ّ‬
‫حيان‪-‬وقد عرض اجتماعنا‪-‬عالم عطف (ب َحقلد) من قول زهير‪:‬‬
‫مركبا(‪ ،)...‬وسألني أبو ّ‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫‪2‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬همع الهوامع في شرح الجوامع‪ّ ،‬‬
‫السيوطي‪ ،‬تحقيق عبد السالم هارون‪ ،‬وعبد العال سالم مكرم‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط‪1421‬ه‪2001 /‬م‪ ،‬ج‪ ،01‬ص‪.41 ،40‬‬
‫‪ 4‬اإلستراباذي‪ ،‬شرح ّ‬
‫الرض ي لكافية ابن حاجب‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬ط‪2009 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،01‬ص‪.17‬‬

‫‪38‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌّ ٌّ َ ّ َ‬
‫نقي لم يكثر غنيمة ب َنهكة ذي ق َربى‪ ،‬وال بحقلد‪.‬‬ ‫تقي‬
‫ُ‬ ‫ُُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فقلت‪ :‬هو معطوف على ش ٍيء‬ ‫فقلت‪ :‬حتى أعرف ما الحقلد؟ فنظرنا‪ ،‬فإذا هو الس ّيء الخلق‪،‬‬
‫ّ‬
‫متوه ٍم إذ املعنى‪ :‬ليس ُبمكث ٍر غنيمة))‪.1‬‬

‫‪ .1‬معاني عالمات اإلعراب‪:‬‬

‫خالف املخزومي جمهور النحاة في تحديده معاني اإلعراب وكان رأيه فيها كما يلي‪:2‬‬
‫ّ‬
‫الضمة‪:‬‬ ‫‪.1.1‬‬

‫تعبر عن املسند إليه أو ما يتبعه‪ ،‬وهو قول قاله‬ ‫الضمة علما لإلسناد‪ ،‬فهي بذلك ّ‬‫تعد ّ‬‫و ّ‬

‫فالضمة ليست بأثر لعامل لفظي كان أو معنوي كما ذكر النحاة سابقا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫املخزومي إللغاء العامل‪،‬‬
‫ّ‬
‫اللغة العربية‪ ،‬واملرفوعات كما ذكرها ّ‬ ‫ّ‬
‫النحاة قديما كثيرة ومنها‪ :‬املبتدأ‬ ‫إنما هي مظهر من مظاهر‬
‫ّ‬ ‫والخبر والفاعل ونائب الفاعل‪ ،‬واسم كان وخبر ّإن‪ ،‬ومنها ّ‬
‫التوابع التي تتبع واحدا من هؤالء‪ .‬وهو‬
‫قسم املرفوعات إلى نوعين‪ :‬مرفوعات أصلية وأخرى تابعة‪ ،‬فاألصلية‬ ‫تقسيم قال به املخزومي‪ ،‬بحيث ّ‬
‫والنعت وعطف البيان‪.‬‬‫تمثل املسند إليه داخل الجملة كالفاعل واملبتدأ‪ ،‬والتابعة لهما كالخبر ّ‬

‫الكسرة(الخفض)‪:‬‬ ‫‪.1.2‬‬

‫يرى املخزومي ّأن الخفض هو علم اإلضافة‪ ،‬والكسرة ّتدل على ّأن ما لحقته مضاف إليه‪ ،‬أو‬
‫تامة وجد الخفض‪ ،‬ويكون ّإما بأداة‬ ‫تابع له‪ ،‬فحيث ما وجد ارتباط بين كلمتين ال ّ‬
‫يعبران عن فكرة ّ‬
‫(سافرت من الكوفة إلى البصرة)‪ ،‬ف (من) و (إلى) واسطتين إلضافة‬ ‫ُ‬ ‫جر التي تستعمل كواسطة نحو‪:‬‬ ‫ّ‬
‫مما ال يضاف أبدا‪ ،‬ومث َل املخزومي ذلك‬ ‫ُ‬
‫(سافرت) ببنائها وهيئتها ّ‬ ‫ألن‬ ‫ُ‬
‫(سافرت) إلى الكوفة والبصرة‪ّ ،‬‬

‫أعج َبني أن تقرأ‪ 3.‬يقول بن الحاجب‪(( :‬املضاف‬ ‫(أن) في وضع الفعل موضع الفاعل نحو‪َ :‬‬ ‫باستعانة َ‬
‫كل اسم نسب إليه ش يء بواسطة حرف جر لفظا أو تقديرا))‪ .4‬أو بغير أداة نحو‪(َ :‬م َط ُر ّ‬
‫السماء)‬ ‫إليه‪ّ :‬‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫وهذا ما فضه املخزومي وذهب إلى ّأن النحاة ّ‬
‫قدموا تأويالت بعيدة على منطق اللغة‪ ،‬حيث حاولوا‬ ‫ر‬

‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬


‫‪1‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬مغني اللبيب عن كتب األعاريب‪ ،‬تح عبداللطيف الخطيب‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون َواآلداب‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫ط‪1421 ،01‬ه‪2000 /‬م‪ ،‬ج‪06‬ص‪.9‬‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.81-70‬‬‫‪2‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫‪ 3‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.78 ،77‬‬
‫الرض ي لكافية ابن حاجب‪ ،‬ص ‪.273‬‬ ‫‪ 4‬شرح ّ‬

‫‪39‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬

‫كل مخفوض بوجود عامل حرفي سابق له‪ ،‬عمل فيه الخفض‪ ،‬فقولنا‪" :‬هذا كتاب محمد"‪،‬‬ ‫تبرير ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تمحل ثقيل وتقدير مكلف‪ ،‬ذلك ّأن قولنا‪:‬‬
‫الالم‪ ،1‬وهو ّ‬ ‫العامل في (محمد) هو عامل محذوف تقديره‬
‫تباط واقع بن (الكتاب) َو(محمد)‪ ،‬وبين أن‬ ‫ّ‬
‫((هذا كتاب محمد‪ ،‬قد عبرت اإلضافة املباشرة هنا عن ار ٍ‬
‫ّ‬
‫نضيف بالحرف وغيره فرق بين الناحية الشكلية واملعنوية))‪.2‬‬

‫الفتحة‪:‬‬ ‫‪.1.3‬‬
‫والفتحة ليست علما لش يء خاص‪ّ ،‬‬
‫لكنها علم كون الكلمة خارجة عن نطاق االسناد كما في‬
‫الضمة‪ ،‬واإلضافة كما في الكسرة‪ ،‬وتدرج فيها موضوعات كثيرة كقولنا بالحال ّ‬
‫والتمييز واملفاعيل‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫استحبها العرب‪.‬‬ ‫وغيرها‪ ،‬وهي الحركة الخفيفة التي‬
‫ويبدو ّأن املخزومي لم ّ‬
‫يقدم في دراسته لإلعراب وعالماته آراء مقنعة‪ ،‬ولم يجعل قواعده‬
‫مطردة شاملة‪ ،‬وبقيت كثير من املوضوعات واألساليب ّ‬
‫النحوية تخالف القواعد التي جاء بها‪ ،‬فلجأ‬
‫هو األخير إلى التأويل الذي عابه على النحاة قديما‪.‬‬
‫ّ‬
‫الضمة والكسرة‪ ،‬فرفض الفتحة وجعلها حركة‬ ‫وعالمات اإلعراب عند املخزومي ال ّ‬
‫تتعدى‬
‫املثنى والجمع‪ ،‬التي ال ّ‬
‫يعدها عالمات لإلعراب حتى‪،‬‬ ‫خفيفة‪ ،‬وأهمل العالمات الفرعية في إعراب ّ‬
‫ّ‬
‫بالضمة تحذف األلف‪،‬‬ ‫فاملثنى مرفوع دون عالمة إسناد‪ ،‬واأللف فيه هي ّ‬
‫الدالة على التثنية‪ ،‬وبرفعه‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫دالة على اإلسناد‪ ،‬وأثناء ّ‬ ‫ُ‬
‫جره جيء بالياء وهي‬ ‫وبذلك يذهب بذهابها معنى التثنية‪ ،‬فترك بال عالمة‬
‫املثنى في حالة ّ‬
‫املثنى‪ ،‬وبقيت صيغة ّ‬‫دالة على ّ‬ ‫ّ‬
‫النصب كما هي‬ ‫كسرة ممطولة‪ ،‬والفتحة قبل الياء تبقى‬
‫بضمة ممطولة( الواو) التي ّ‬ ‫ّ‬
‫املذكر ّ‬
‫تعد علم اإلسناد وعالمة‬ ‫السالم فمرفوع ّ‬ ‫الجر‪ّ ،‬أما جمع‬
‫في حالة ّ‬
‫النصب كما هو في حال‬ ‫ويجر بكسرة ممطولة( الياء) وهي علم اإلضافة‪ ،‬ويبقى في حال ّ‬ ‫ّ‬ ‫للجمع‪،‬‬
‫اإلضافة‪.‬‬

‫‪1‬ينظر‪ّ :‬‬
‫النحو الوافي‪ ،‬حسن ّ‬
‫عباس‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،07‬د‪.‬ت‪ ،‬ج‪ ،03‬ص‪.16‬‬
‫‪ 2‬في ّ‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬ص ‪.183‬‬

‫‪40‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬

‫‪ )2‬موقف املخزومي من نظرية العامل‪:‬‬


‫ّ‬
‫استمدها النحاة قديما من املنطق‪،‬‬ ‫كان التراث قائما على نظرية العامل ّ‬
‫النحو ّي‪ ،‬وهي نظرية‬
‫ولكل معمول عامل ّ‬
‫البد منه‪ ،‬فال يجتمع عامالن على معمول‬ ‫لكل عامل معمول‪ّ ،‬‬ ‫تنص على ّأن ّ‬
‫وهي ّ‬
‫للدرس‬ ‫ّ‬
‫بسببه(التنازع)‪ ،‬وقد أخذه النحاة على مدى قرون طويلة وأصبح أساسا ّ‬ ‫واحد وهو الذي قيل‬
‫ا ّلنحوي عندهم‪ ،‬ولم َنر نحويا سعى إليقاد ثورة ضد هذه ّ‬
‫النظرية قبل ابن مضاء القرطبي (ت‪592‬ه)‪،‬‬
‫حين أنكر على النحاة أخذهم بالعامل وتأثير األلفاظ في بعضها‪ ،‬فدعا إلى إلغائه ورفض علل ّ‬
‫النحو‬
‫النحو بتيسيره وتجديده‪ ،‬من ّددين‬
‫وأقيسة النحاة‪ ،‬ثم بزغت شمس العصر الحديث‪ ،‬لينادي علماء ّ‬

‫بالنحو عن مساره الجاد الذي رسمه‬ ‫بضرو ة إلغاء نظرية العامل كونها – في نظرهم‪ -‬انحرفت ّ‬
‫ر‬
‫النظرية التي ّ‬ ‫ّ‬
‫إال بتخليصه من هذه ّ‬ ‫ّ‬
‫يخلص ّ‬
‫تعد نتاج تأثر‬ ‫النحو من شوائبه العالقة فيه‬ ‫القدماء‪ ،‬فال‬
‫بعلوم غربية ال تنتمي للبيئة العربية الخالصة املحضة‪ ،‬وكان منهم الدكتور إبراهيم املصطفى الذي‬
‫عد من أوائل ّ‬
‫الداعين إللغائه‪ ،‬وحذا حذوه تلميذه الدكتور مهدي املخزومي‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ّ‬
‫سيؤدي إلى بطالن كثير من التقديرات‬ ‫يرى الدكتور مهدي املخزومي ّأن إبطال نظرية العامل‪،‬‬
‫والتنازع‪ ،‬واإللغاء ّ‬
‫والتعليق‪ ،‬وإلغاؤه‬ ‫والتأويالت التي جاء بها النحاة قديما‪ ،‬كبطالن باب االشتغال ّ‬
‫سيلغي معه القول ّ‬
‫بأن اإلعراب أثر للعوامل‪ ،‬فحركات اإلعراب هي دوال على معان نحوية ال صلة لها‬
‫بالعامل‪.1‬‬

‫شك‪-‬في اعتقاد املخزومي‪ّ ،‬أن نظرية العامل هي نتاج ذهاب النحاة للتأويالت والتفسيرات‬
‫إذ ‪-‬ال ّ‬

‫النحو وتخليصه من‬‫البد من تنقية ّ‬


‫تعد ثقافة غريبة على الثقافة العربية‪ ،‬لذلك كان ّ‬ ‫الفلسفية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫والتجديد ّ‬
‫وأول ما يجب إبطاله نظرية العامل‪ّ ،‬‬
‫الشوائب العالقة فيه‪ّ ،‬‬
‫والتيسير اللذان دعا إليهما‬
‫املخزومي ومن سبقه مبنية على إسقاط العامل ّ‬
‫وصرح بذلك في قوله‪(( :‬فقد حاولت في هذه الفصول‬
‫الفلسفي عليه‪ ،‬وأن أسلب العامل ّ‬
‫ّ‬ ‫الد س ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحوي قدرته على‬ ‫النحوي من سيطرت املنهج‬ ‫أن أخلص ر‬
‫كل ما عقدوا من أبواب أساسها القول بالعامل‪ ،‬كباب ّ‬
‫التنازع‬ ‫العمل ‪ ...‬وإذا بطلت فكرة العامل بطل ّ‬
‫وباب االشتغال‪ ،‬ثم بطل ّ‬
‫كل ما انتهوا إليه من أحكام))‪.2‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪1‬ينظر‪ :‬آ اء مهدي املخزومي في تيسير ّ‬


‫النحو‪ ،‬الشارف لطروش‪ ،‬مجلة مجمع اللغة العربية‪ ،‬دمشق‪ ،‬ص‪1431‬ه‪2010 /‬م‪ ،‬مج‪،85‬‬ ‫ر‬
‫ج‪ ،02‬ص ‪.563‬‬
‫‪ 2‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.16‬‬

‫‪41‬‬
‫ّ‬ ‫الف ـص ــل ّ‬
‫مهدي املخزومي وجهوده النحوية‬ ‫األول‪:‬‬
‫فإن أكثر ما اهت ّم به النحاة هو ّ‬
‫التغيير الذي طرأ على أواخر الكلم‪ ،‬وفي‬ ‫وحسب أي املخزومي ّ‬
‫ر‬
‫ثنايا الجمل‪ ،‬وهذا ّ‬
‫التغيير أكثر ما لفت انتباههم‪ ،‬فأقبلوا عليه تعليال وتفسيرا‪ ،‬وبنوا عليه نظرية‬
‫العامل‪ 1.‬ونقد منهجهم بحيث ذكرنا سابقا ّأن الحركات عند املخزومي ال ترتبط بالعامل‪ ،‬والقول ّ‬
‫بأن‬
‫الضمة ليست أثرا ّ‬
‫ألي عامل سواء‬ ‫وأن ّ‬‫بأي حال على العامل ووجوده‪ّ ،‬‬ ‫تدل ّ‬ ‫ّ‬
‫الضمة علم اإلسناد ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كان هذا العامل لفظيا أو معنويا‪ّ ،‬‬
‫وإنها هي مظهر من مظاهر اللغة العربية في توزيع الوظائف اللغوية‬
‫القيم ّ‬
‫النحوية‪.2‬‬ ‫أو ّ‬

‫ّ‬
‫وكان الخليل بن أحمد الفراهيدي من أوائل من نقل إلينا كالمه عن العامل‪ ،‬ومن املشهور أنه‬
‫ّ‬
‫دون في كتاب تلميذه سيبويه‪ ،‬واملطلع عليه يرى رؤيا العين ّأن‬ ‫لم يترك كتابا في ّ‬
‫النحو‪ّ ،‬‬
‫لكن علمه ّ‬

‫ومد فروعها‪ ،‬وأحكمها إحكاما بحيث أخذت صورتها التي‬ ‫الخليل هو الذي أثبت أصول نظرية العامل ّ‬
‫ّ‬
‫مر العصور‪ ،3‬إال ّأن أحدا لم يستطع إثبات تأثره بعلم الفلسفة والكالم‪ ،‬فقد زعم كثير من‬
‫ثبتت على ّ‬
‫املقفع(‪142‬ه) الذي ترجم ألرسطو‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫املتأخرين ّأن الخليل كان على ّاتصاله بابن ّ‬
‫وبالرغم من ذلك لم‬
‫يستطيعوا إثبات هذا التأثر‪ ،‬فنحونا كان نتاج بيئة عربية خالصة‪.‬‬
‫ّ ّ‬ ‫وعلى ّ‬
‫الرغم من الثورة الشديدة التي كان هدفها إلغاء العامل‪ ،‬إال أننا نراه‪ ،‬أقرب ما يكون إلى‬
‫تفسير الظواهر اإلعرابية‪ ،‬وإن كان النحاة قديما قد تأثروا بش يء من املنطق والفلسفة فهذا ال يعدوا‬
‫فإن العامل جاء ّأول أمره لغرض تعليمي‪ ،‬قال ابن‬ ‫النحو مبنيا على أصول غربية‪ ،‬فضال عن هذا ّ‬ ‫كون ّ‬
‫وإنما قال ّ‬ ‫ّ‬
‫لفظي‪ ،‬وعامل معنو ّي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الن ّ‬
‫حويون‪ :‬عامل‬ ‫مما ال يجوز أن يكون إليه الفعل‪،‬‬ ‫ّ‬
‫((والصوت ّ‬ ‫جني‪:‬‬
‫وبعض ُه‬
‫ُ‬ ‫رت بزيد)‪ ،‬و( َ‬
‫ليت عمرا قائم)‪،‬‬ ‫مسببا عن لفظ يصحبه كـ َ(م َر ُ‬ ‫وك ّأن بعض العمل يأتي ّ‬ ‫ُلي ُر َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬
‫يأتي عاريا من مصاحبة لفظ يتعلق به‪ ،‬كرفع املبتدأ باالبتداء))‪.4‬‬

‫‪1‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫ّ‬
‫اللغة الحديث من أصول ّ‬ ‫‪2‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫النحو‬ ‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬مهدي املخزومي‪ ،‬ص‪ ،15‬نقال عن مطير املالكي‪ ،‬موقف علم‬
‫(رسالة ماجستير)‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬السعودية‪1423،‬ه‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫‪3‬شوقي ضيف‪ ،‬املدارس ّ‬
‫النحوية‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬ط‪ ،07‬القاهرة‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫‪ 4‬الخصائص‪ ،‬ص‪.117‬‬

‫‪42‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حظ مهدي املخزومي من الفكرالنحوي‪.‬‬
‫الد س ّ‬
‫ّ‬
‫النحوي عند املخزومي‪.‬‬ ‫‪ ‬أثر الفكر الخليلي في ر‬
‫الد س ّ‬
‫ّ‬
‫النحوي عند املخزومي‪.‬‬ ‫‪ ‬أثر املذهب الكوفي في ر‬
‫‪ ‬أثر فكر إبراهيم مصطفى على املخزومي‪.‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫ّإن العلم َرحم جامع ألهله‪ ،‬وكذلك الفكر البشري يستمر ويتدفق مادام اإلنسان حيا عبر‬
‫ّ‬ ‫مختلف األ منة والعصور‪ ،‬فهو سلسلة ّ‬
‫متصلة حلقاتها؛ إذا انفكت واحدة منها ظهرت فجوة فكرية‬ ‫ز‬
‫ّ‬
‫التدفق‪ ،‬وضرورة ّ‬ ‫ّ‬ ‫أو سقطت حقبة من الحقب الزمنية‪ّ ،‬‬
‫مهمة‬ ‫ولعل قضية التأثير والتأثر أساس هذا‬
‫ُ‬ ‫خاصة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألن األجيال الخالفة فطرت على تقليد األجيال‬ ‫لديمومة الفكر اإلنساني عامة والعربي‬
‫الشك فيها ّأن‬
‫ّ‬ ‫السالفة؛ فكان التراث العربي املحفوظ إلى اآلن خير دليل على ذلك‪ ،‬والحقيقة التي‬
‫سائر العلوم كما هي اآلن وما بلغته من كمال‪ ،‬هي بقايا من حبل فكري غير منقطع‪ ،‬ونهاية صرح‬
‫معرفي‪ ،‬أنشأه ّ‬
‫األولون ّ‬
‫وظل ينمو شيئا فشيئا مع تواتر األجيال بفعل التأثر والتأثير إلى أن نضج‬
‫واكتمل‪.‬‬
‫يعد ّ‬
‫النحو‪ ،‬نتاج صنيع اختلطت فيه أدمغة ّ‬
‫السلف واملتأثرين من الخلف‪ ،‬ومازال هذا‬ ‫ّ‬

‫التأثير باقيا حتى عصرنا هذا‪ ،‬فالذي وصل إلينا هو مزيج من نحو الخليل وسيبويه والكسائي‪ ،‬وأبو‬
‫النحو قد علقت فيه‬‫النحاة‪ ،‬وال ضير في ّأن هذا ّ‬
‫على الفا س ي وابن جني وتالمذتهم‪ ،‬ومن طبقات ّ‬
‫ر‬
‫الشوائب وكان ال ّبد من إصالحها دون املساس بجوهره األساس‪ .‬هذا الذي دعا إليه ّ‬
‫الدكتور مهدي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحو ونادى رفقة أساتذته إلى تيسيره‪ ،‬إال ّأن مالمح التأثر‬
‫املخزومي فهو وإن جاء محاوال إصالح ّ‬

‫الدراسة على أهم مصادر التأثر عند‬ ‫النحوي ونقف في هذه ّ‬


‫جلية في ّد سه ّ‬
‫ظهرت واضحة ّ‬
‫ر‬
‫املخزومي‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫املبحث ّ‬
‫األول‬
‫ّ‬ ‫أثرالفكرالخليلي في ّ‬
‫الدرس النحوي عند املخزومي‬
‫ّ‬
‫ّأوال‪-‬حول أصل نشأة اللغة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ثانيا‪-‬العالقة بين اللفظ واملعنى‪.‬‬
‫النحوي الشامل‪.‬‬ ‫الد س ّ‬
‫ّ‬
‫ثالثا‪ -‬ر‬
‫ابعا‪-‬املصطلح ّ‬
‫النحوي‪.‬‬ ‫ر‬
‫خامسا‪-‬القياس‪.‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫ّ‬
‫يعد الخليل بن أحمد الفراهيدي األزهري أحد أعظم علماء العرب على ّ‬
‫مر التاريخ‪ ،‬فقد كان‬
‫موسوعة علمية‪ ،‬بفضل ذكائه وفطنته التي كان يضرب بها املثل في زمانه‪ ،‬وإليه ترجع بدايات العلوم‬
‫ّ‬ ‫العربية فكان واضعا لعلم العروض‪ّ ،‬‬
‫ومؤسسا للمعاجم العربية من خالل كتابه (العين)‪ ،‬وباحثا لغويا‬
‫ّ‬
‫مخلدة‪ ،‬وفي علوم ّ‬ ‫ّ‬
‫الصرف الكثير‪ ،‬من خالل ترتيب األصوات‪ ،‬ودراسة‬ ‫قدم في علم األصوات جهودا‬
‫أبنية الكلمات وغيرها‪.‬‬
‫دون سيبويه ما أخذه عن أستاذه الخليل‪ ،‬في كتابه (الكتاب) الذي ّ‬
‫يعد بداية االنطالق‬ ‫ولقد ّ‬
‫ّ‬
‫للدرس ال ّنحوي‪ ،‬فكل ما كتبه سيبويه في كتابه من قواعد وأصول للسماع والقياس‪ ،‬والعلة‬
‫الجاد ّ‬
‫يعد عند الكثير األب الروحي ّ‬
‫للنحو العربي‪.‬‬ ‫والعامل رويت وأخذت عن الخليل‪ ،‬ولهذا ّ‬

‫وقد وقف الدكتور مهدي املخزومي وقفة متأمل لهذه الشخصية العلمية الفذة؛ معجبا بما‬
‫قدمه للتاريخ العلمي العربي‪ ،‬من خالل كتابه (الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ :‬أعماله ومنهجه) الذي‬ ‫ّ‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫ثم ألف كتابه (الخليل بن‬ ‫يعد ّأول عمل أكاديمي في مسيرته البحثية نال من خالله درجة املاجستير‪،‬‬
‫أحمد عبقري من البصرة) الذي ّ‬
‫يدل على مدى احتكاك املخزومي بثقافة الخليل‪ ،‬ورغبته في تناول‬
‫متتبعا ملا أبدعه فكر الخليل ّ‬
‫فحقق له كتابه معجم (العين) رفقة‬ ‫وظل ّ‬‫النحو السليم مباشرة منها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الدكتور إبراهيم ّ‬
‫الس ّ‬
‫امرائي‪.‬‬
‫ّ‬
‫ورأى املخزومي ّأن االطالع على ما جاء به الخليل ليس بسهل‪ ،‬فال بد من تظافر الجهود لجمع‬
‫وإن دراسة‬ ‫((إن اإلملام بأعمال الخليل غاية ليس من اليسير تحقيقها‪ّ ،‬‬
‫مادته وعلمه‪ .‬يقول في ذلك‪ّ :‬‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫تفرقت بين‬ ‫متخصص واحد‪ ،‬يضاف إلى ذلك ّأن كثيرا من آرائه كانت قد ّ‬ ‫ّ‬ ‫أعماله ل َتحتاج إلى أكثر من‬
‫للدارس أن يقف عليها… وال يكفي كتاب سيبويه في‬ ‫تيسر ّ‬
‫بطون الكتب‪ ،‬وذهب بها تقادم العهد‪ ،‬ولم ّ‬
‫ّ‬
‫بكل آرائه‪ ،‬أو اإلحاطة بكل أقواله‪ ،‬فلم يكن الخليل في هذا الكتاب إال نحويا))‪ .1‬كما أور ّد في‬
‫اإلملام ّ‬
‫النحوية التي تظهر مدى تأثر‬ ‫النحوي وفيما يلي نذكر القضايا ّ‬ ‫كتبه آ اء للخليل وعليها بنى د سه ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫املخزومي بالفكر الخليلي‪:‬‬

‫‪1‬املخزومي‪ ،‬مهدي‪ ،‬الخليل بن أحمد الفراهيدي أعماله ومنهجه‪- ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬دار الرائد العربي‪ ،‬ط‪1406 ،2‬ه‪1986/‬م‪ّ ،‬‬
‫مقدمة‬
‫الكتاب‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -1‬حول أصل نشأة اللغة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫نشب منذ األ مان بين الباحثين العرب والغرب على ّ‬
‫حد سواء خالف حول أصل نشأة اللغة‪،‬‬ ‫ز‬
‫ّ ّ‬
‫وقد ساقهم البحث فيها إلى نظريات مختلفة‪ .‬فقد ذهب علماء العربية قديما إلى أن اللغة إلهام إلهي‬
‫آلدم‪ ،‬وقد قال بهذا علماء غربيون وشرقيون‪ ،‬قدماء ومحدثون‪ ،‬ومن العرب الفقهاء أمثال عبد هللا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بن عباس‪ ،‬ومن األصوليين ابن الحاجب كما نادى بهذا الرأي األشاعرة‪ ،‬واملتكلمين‪ ،‬فقد رأوا ّأن اللغة‬
‫(الصاحبي)‪(( :‬اعلم أن لغة العرب‬ ‫ّ‬ ‫توقيف من هللا تعالى فهو صانعها‪ ،‬يقول ابن فارس في كتابه‬
‫اء ُكلا حها ﴾‪ ،1‬كان ابن عباس يقول‪ :‬علمه األسماء كلها‬
‫حْسح ح‬ ‫توقيف‪ ،‬دليل ذلك قوله تعالى ﴿ حو حعلا حم ح‬
‫آد حم ْاَل ْ‬
‫وهي هذه األسماء التي يتعارفها الناس من دابة وأرض‪ ،‬وسهل وجبل‪ ،‬وحمار‪ ،‬وأشباه ذلك من األمم‬
‫وغيرها))‪ ،2‬فظاهر النص ّأن األسماء كلها معلمة من عند هللا‪ ،‬وكذلك األفعال والحروف التي ّ‬
‫تعد من‬
‫ّ‬
‫اللغة‪ ،‬وغير ذلك ّ‬
‫فإن التكلم باألسماء وحدها متعذر‪.3‬‬ ‫األسماء‪ ،‬والتمييز بينها من فعل النحاة ال‬
‫ّ‬
‫وذهب آخرون وأكثرهم املعتزلة إلى القول بنظرية االصطالح واملواضعة‪ ،‬بحيث ّأن اللغة‬
‫ظاهرة اجتماعية نشأت نتيجة حاجة الناس للتعبير ّ‬
‫والتواصل‪ ،4‬ومن هؤالء الفارابي الذي يقول‬
‫مرجحا نظرية االصطالح‪(( :‬فهكذا تحدث أوال حروف تلك األمة وألفاظها الكائنة عن تلك الحروف‪،‬‬
‫ويكون ذلك أوال ممن اتفق منهم‪ ،‬فيتفق أن يستعمل الواحد منهم تصويتا أو لفظة في الداللة على‬
‫ش يء ما عندما يخاطب غيره فيحفظ السامع ذلك‪ ،‬فيستعمل السامع ذلك بعينه عندما يخاطب‬
‫املنش ئ األول لتلك اللفظة‪ ،‬ويكون السامع األول قد احتذى بذلك فيقع به‪ ،‬فيكونان قد اصطلحا‬
‫وتواطآ على تلك اللفظة‪ ،‬فيخاطبان بها غيرهما إلى أن تشيع عند جماعة‪ ،‬ثم كلما حدث في ضمير‬
‫إنسان منهم ش يء احتاج أن يفهمه غيره ممن يجاوره‪ ،‬اخترع تصويتا فدل صاحبه عليه وسمعه منه‬
‫ا‬
‫فيحفظ كل واحد منهما ذلك وجعاله تصويتا داال على ذلك الش يء‪ ،‬وال يزال يحدث التصويتات واحدا‬
‫بعد آخر ممن اتفق من أهل ذلك البلد‪ ،‬إلى أن يحدث من يدبر أمرهم ويضع باإلحداث ما يحتاجون‬
‫إليه من التصويتات لألمور الباقية التي لم يتفق لها عندهم تصويتات دالة عليها‪ ،‬فيكون هو واضع‬

‫‪1‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.31‬‬


‫‪ 2‬أبو الحسين أحمد بن فارس‪ ،‬الصاحبي في فقه اللغة‪ ،‬تحقيق السيد أحمد صقر‪ ،‬مطبعة الحلبي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.05‬‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬عبقرية العربية‪ ،‬لطفي عبد البديع‪ ،‬النادي األدبي الثقافي‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪1986 ،2‬م‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪4‬ينظر‪ّ :‬‬
‫الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث‪ ،‬محمد حسين آل ياسين‪ ،‬مكتبة الحياة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1400 ،01‬ه‪1980 /‬م‪،‬‬
‫ص‪.445‬‬

‫‪47‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬

‫لسان تلك األمة‪ ،‬فال يزال منذ أول ذلك يدبر أمرهم إلى أن توضع األلفاظ لكل ما يحتاجون إليه في‬
‫ضرورية أمرهم))‪.1‬‬
‫ّ ّ‬
‫بأن اللغة نشأت نتيجة محاكاة‬ ‫وذهب فريق منهم أمثال الدكتور إبراهيم أنيس إلى القول‬
‫بتطور اإلنسان وحياته االجتماعية‪ّ ،‬‬
‫وتبدل رغباته‪،‬‬ ‫وتطورت ّ‬ ‫اإلنسان وتقليده ألصوات الطبيعة‪ّ ،‬‬
‫عما يخالج ّ‬
‫النفس‪.2‬‬ ‫وحاجته إلى ّ‬
‫التعبير ّ‬

‫الدكتور مهدي املخزومي ّأن الخليل بن أحمد الفراهيدي من األوائل الذين أدركوا ّأن‬
‫ويرى ّ‬
‫للطبيعة‪ ،‬وينفي نسبتها البن جني(ت‪392‬ه) الذي ذكر هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النظرية في كتابه‬ ‫أصل اللغة محاكاة‬
‫(الخصائص)‪ّ ،‬‬
‫ألن ابن جني قد عرضها على ّأنها رأي قديم دون أن ينسبها إلى قائل بعينه‪ ،‬وجعلها وجها‬
‫صالحا‪ ،‬ومذهبا ّ‬
‫متقبال‪.3‬‬
‫ّ ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫اللغة ّ‬ ‫وإن لم يكن الخليل قد ّ‬
‫تامة كاملة إال أنه ملح لها وبدت ماثلة في‬ ‫قدم نظريته حول نشأة‬
‫النظرية يجده قد أشار إليها‪ ،‬وبالتالي‬‫واملتتبع ألقوال الفراهيدي في نظر املخزومي حول هذه ّ‬
‫ّ‬ ‫ذهنه‪.‬‬
‫الدارس أن ينسب هذا الرأي مطمئنا للخليل‪ ،‬فهو صاحب هذا الرأي بين علماء العربية‪.4‬‬ ‫يستطيع ّ‬

‫ّ‬
‫فقد جاء القرآن الكريم ُمحدثا حركة نقلية لتاريخ اللغة العربية‪ ،‬معتمدا على األدوات الصوتية‬
‫التي كان يألفها الشاعر العربي في بيئته‪ ،‬من إيقاع‪ ،‬ووزن وقافية‪ ،‬كما بدأ الخليل دراسته بما يجب‬
‫ّ‬
‫بحواسه علما يحاكي فطرة اإلنسان العربي وسليقته‪ ،‬فعم َل‬ ‫أن يبدأها فدرس علم األصوات‪ ،‬وأدرك‬
‫ّ‬
‫الحسية ومدلوالتها‬ ‫ثم ّ‬
‫تطورت حتى تباعد ما بين مدلوالتها األولى‬ ‫على مماثلة األصوات املسموعة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫الريح وحنين ّ‬
‫املعنوية‪ ،‬كذوي ّ‬
‫ثم ولدت اللغات‬ ‫الرعد‪ ،‬وخرير املاء‪ ،‬وشحيح الحمار‪ ،‬ونعيق الغراب‪،‬‬
‫بعد ذلك‪ ،5‬فهذه النظرية تبسط أوال من خالل مجهر الزمانية في البحث عن نقطة التولد في أصل‬
‫النشأة‪ ،6‬وينزل الخليل قضية املحاكاة في سياق التماثل الحاصل بين األلفاظ واملعاني على أساس‬
‫(املضهاة) بين أجراس الحروف وأصوات األفعال التي تعبر األجراس عنها‪ ،‬وحينئذ تغدو قضية التماثل‬
‫مظهرا دالليا في ارتباط الدوال باملدلوالت‪ ،‬ولعله ّأول القائلين بهذا الرأي بين علماء العربية‪ ،‬ولم‬
‫ّ‬ ‫‪1‬جالل ّ‬
‫الدين السيوطي‪ ،‬املزهر في علوم اللغة‪ ،‬ج‪ ،01‬ص ‪.18‬‬
‫‪2‬ينظر‪ :‬داللة األلفاظ‪ ،‬إبراهيم أنيس‪ ،‬مكتبة األنجلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دط‪1997،‬م‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫جني‪ ،‬عالم الكتب بيروت‪ ،‬ط‪1427 ،1‬هـ‪2006/‬م‪ ،‬ص‪.76‬‬ ‫النجار‪ ،‬عثمان أبو الفتح ابن ّ‬ ‫‪3‬ينظر‪ :‬الخصائص‪ ،‬تح محمد علي ّ‬
‫‪4‬مهدي املخزومي‪ ،‬الفراهيدي عبقري من البصرة‪ ،‬دار الشؤون الثقافية ّ‬
‫العامة‪ ،‬بغداد‪ ،‬العراق‪ ،‬ط‪1989 ،02‬م‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫جني‪ ،‬ص‪.46/1 .‬‬‫‪5‬ينظر‪ :‬الخصائص‪ ،‬ابن ّ‬
‫ّ‬
‫املسدي‪ ،‬التفكير اللساني في الحضارة العربية‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬ليبيا‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪1981 ،1‬م‪ ،‬ص‪.79‬‬ ‫‪6‬عبد السالم‬

‫‪48‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬

‫يسبقه غيره إليه‪ ،1‬ومن األمثلة التي استشهد بها على وجود العالقة الطبيعية بين اللفظ ومدلوله‬
‫قوله‪(( :‬يقولون ‪ :‬صل اللجام صليال ؛ فلو حكيت ذلك وتثقلها‪ ،‬وقد خففتها من الصلصلة‪ ،‬وهما‬
‫جميعا صوت اللجام ؛ فالتثقيل ّ‬
‫مد‪ ،‬والتضعيف ترجيع))‪2.‬‬

‫اللغة لم يذكر أسباب اختيا ه هذه ّ‬ ‫ّ‬


‫النظرية‪ ،‬واكتفى‬ ‫ر‬ ‫املالحظ ّأن املخزومي في عرضه لنشأة‬
‫ّ ّ‬
‫ثم أنه قطع في نسبة هذه النظرية إلى ما ذكره ابن‬ ‫بنقلها عن الخليل‪ ،‬وال نراه كافيا للقول بهذا الرأي‪،‬‬
‫النظرية للخليل نراه‬‫جني في كتابه‪ ،‬في حين ّأن هذا األخير لم ينسبها لقائل بعينه‪ ،‬لذا فنسبة هذه ّ‬
‫تتبع‪ ،‬بأناة ّ‬
‫وتأمل‪.‬‬ ‫ضربا من الحكم الجا م في موضع ّ‬
‫شك‪ ،‬يحتاج لطول ّ‬ ‫ز‬
‫ّ‬
‫‪ -2‬العالقة بين اللفظ واملعنى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ونتيجة لخالف الباحثين حول أصل اللغة‪ ،‬ظهر خالف آخر يتعلق بطبيعة األلفاظ مع املعاني‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫بأن اللغة متواضع عليها إلى ّأن املناسبة بين اللفظ واملعنى مناسبة‬ ‫والعالقة بينهما‪ ،‬وقد ذهب من قال‬
‫ّ‬
‫اللفظ لهذا املعنى‪ّ ،‬‬ ‫غير طبيعية‪ّ ،‬إنما ّ‬
‫ويعد ابن الحاجب من القائلين بهذا‪،‬‬ ‫تحققت بوضع الواضع هذا‬
‫ّ‬
‫فيقول‪(( :‬ليس بين اللفظ ومدلوله مناسبة طبيعية))‪.3‬‬

‫والذين ذهبوا إلى القول ّإن ظاهرة اجتماعية‪ ،‬ظهرت حكاية لألصوات املسموعات من الطبيعة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والحيوان‪ ،‬واإلنسان رأوا ّأن املناسبة بين اللفظ واملعنى طبيعية‪ ،‬فاللفظ هو مجموعة من األصوات‬
‫التي حوكي بها املسموع من أصوات اآلدميين والحيوانات‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويرى املخزومي ّأن الخليل بن أحمد الفراهيدي كان ّأول الذاهبين إلى وجود العالقة الطبيعية‬
‫ّ‬ ‫جني عن الخليل في هذه ّ‬ ‫واحتج في ذلك بما نقله ابن ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫((صر الجندب‬ ‫النظرية‪:‬‬ ‫بين اللفظ ومعناه ‪،‬‬
‫ومدا‪ّ ،‬‬
‫وتوهموا في صوت‬ ‫توهموا في صوت الجندب استطالة ّ‬ ‫كأنهم ّ‬‫صريرا‪ ،‬وصرصر األخطب صرصرة‪ّ ،‬‬

‫األخطب ترجيعا))‪ ،4‬وقال عن نون التوكيد الخفيفة والثقيلة‪ّ (( :‬إنهما للتوكيد‪ ،‬كما التي تكون فصال‪،‬‬
‫ؤكد‪ ،‬وإذا جئت بالثقيلة فأنت ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫أشد توكيدا))‪ ،5‬ورأى في أقوال أخرى‬ ‫فإذا جئت بالخفيفة فأنت م‬
‫ّ‬ ‫نسبها ابن جني إلى سيبويه ّأن مصدرها الخليل الذي ّ‬
‫مهد لهذه املدرسة السبيل إلى دراسة اللغة على‬

‫‪1‬الخليل بن أحمد الفراهيدي أعماله ومنهجه‪ ،‬ص‪.86‬‬


‫اللغة‪ ،‬املؤسسة ّ‬‫ّ‬
‫العامة للتأليف والترجمة‪- ،‬دار الطباعة القومية‪.49/1 ،‬‬ ‫‪2‬األزهري‪ ،‬تهذيب‬
‫‪3‬عثمان بن عمر ابن الحاجب‪ ،‬منتهى الوصول واألمل في علمي األصول والجدل‪ ،‬مطبعة السعادة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1326 ،01‬ه‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪4‬ينظر‪ :‬الخصائص‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.152‬‬
‫‪5‬سيبويه‪ ،‬الكتاب‪ ،‬ج‪.149/1‬‬

‫‪49‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫ّ‬
‫أساس هذا املبدأ القائم على أساس من حكاية اللغة لألصوات‪ ،‬ووجود املناسبة الطبيعية بين‬
‫األلفاظ ومدلوالتها‪1.‬‬

‫ّ‬
‫غير ّأن املخزومي قد جعل من القول بنظرية محاكاة أصوات الطبيعة في نشأة اللغة مالزما‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للقول بالعالقة الطبيعية بين اللفظ واملعنى‪ ،‬وهو ما تنفيه اللسانيات الحديثة‪ ،‬فقد رفض ديسوسير‬
‫(‪( Ferdinand de saussure‬القول باملناسبة الطبيعية التي تجمع ّ‬
‫الدال واملدلول‪ ،‬واعتبر العالقة‬
‫يدل على املدلول‪ .2‬ونقصد بذلك‬ ‫بينهما عالقة اعتباطية‪ ،‬بحيث ال يوجد في سلسلة أصوات ّ‬
‫الدال ما ّ‬
‫حدد ديسوسير ّ‬ ‫ّ‬
‫معلل‪ ،‬ولقد ّ‬ ‫ّأن العالقة بين الدال واملدلول هي ّ‬
‫تصوره من خالل‬ ‫مجرد اصطالح غير‬
‫ّ‬
‫معين‪ ،‬بحيث ّأن ركيزته املادية هي الصوت))‪،3‬‬
‫اللغوي ((الذي يدل على ش يء أو معنى ّ‬ ‫تحديده للدليل‬
‫فالدليل ّاللغوي ّ‬
‫يعبر عن الصورة الذهنية‪ ،‬وهي املدلول‪ ،‬والصورة الصوتية وهي الدال‪ ،‬وبالتالي َي ُ‬
‫عد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومسماه)‪ ،‬وهذا الوصل يكون بكيفية‬ ‫ديسوسير هذا الدليل همزة وصل بين الصوت (أي اللفظ‬
‫فإن العالقة بين الدال واملدلول عالقة‬‫الدليل االعتباطية‪ ،‬وبالتالي ّ‬
‫اعتباطية‪ ،‬فمن خصائص هذا ّ‬
‫ّ‬
‫معللة منطقيا‪ ،‬يقول‪ (( :‬وهكذا ّ‬
‫فإن معنى لفظ أخت (‪ )sœur‬ليس‬ ‫اعتباطية غير طبيعية‪ ،‬وغير‬
‫بأية عالقة قد نتخيلها موجودة‪ ،‬داخل سلسلة أصوات لفظ األخت ‪ ،S-O-R‬وهي أصوات‬ ‫مرتبطا ّ‬
‫َ‬
‫اتخذت وسيلة كصوت دال))‪، 4‬فلو كانت هناك عالقة بين الدال واملدلول‪ ،‬ملا كانت املسميات‬
‫ألن كلمة (أخت) بالعربية ليست هي بالفرنسية )‪(Sœur‬وليست هي‬ ‫تختلف من لغة ألخرى ّ‬

‫باإلنجليزية)‪.(Sister‬‬
‫ّ‬
‫‪ -3‬الدرس النحوي الشامل(املتكامل)‪:‬‬

‫ذكر املخزومي ّأن ما جاء به الخليل‪ ،‬لم يكن نحوا خالصا محضا‪ ،‬بل كان بمثابة درس لغوي‬
‫ّ‬
‫النحو والصرف وعلوم األصوات‪ ،‬وغيرها من علوم اللغة‪ ،‬ورأى ّأن كتاب سيبويه‬
‫ونحوي شامل يجمع ّ‬
‫للنحو‪ ،‬مسائل لغوية وصرفية‪ ،‬ور ّد هذا العرض لكون ّ‬
‫النحو جاء في بداياته وسط‬ ‫قد عرض باإلضافة ّ‬

‫بيئة عربية بعيدة عن البحث العلمي ال دراية لها بمناهج البحث‪ ،‬ثم جاء دارسون آخرون وتناولوا‬
‫ّ‬
‫اللغوي في املنهج الكالمي فأغراهم منه ّ‬ ‫ّ‬
‫تتبع الفلسفة واملنطق حتى غلوا فيه غلوا ذهب بالدرس‬ ‫الدرس‬

‫‪ 1‬مهدي املخزومي‪ ،‬الفراهيدي عبقري من البصرة‪ ،‬ص‪.55 ،54‬‬


‫‪2 Ferdinand de saussure, cours de linguistique générale, ENAG, Alger, 2edt, 1994, p100.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪3‬خولة طالب اإلبراهيمي‪ ،‬مبادئ في اللسانيات‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪02،2006‬م‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫ّ‬
‫‪4‬فردينان ديسوسير‪ ،‬محاضرات في علم اللسان العام‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد القادر قنيني‪ ،‬ط‪ ،02‬املغرب‪2008،‬م‪ ،‬أفريقيا الشرق للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ص ‪.106‬‬

‫‪50‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬

‫للنحو خالف ما سلكه‬‫النحوي إلى معاناته‪ ،‬وبذلك يرى املخزومي ّأن منهج الخليل بن أحمد في عرضه ّ‬
‫ّ‬
‫مما أصبحت الحاجة ّ‬
‫ماسة إلى تفريق املوضوعات التي تناولها الخليل ّ‬
‫والفراء‪ ،‬حتى‬ ‫الذين من بعده‪ّ ،‬‬
‫الدارس موضع قدمه‪ ،‬ليكون درسه أوضح حدودا ّ‬
‫وأعم فائدة‪ ،‬وإلى أن ينبري ّ‬
‫لكل موضوع‬ ‫يعرف ّ‬
‫كل فريق منهم موضوعه بإحاطة وعمق‪ ،‬لكي يتعاون ّ‬
‫الدارسون جميعا في‬ ‫ّ‬
‫مختصون‪ ،‬يتناول ّ‬ ‫دارسون‬
‫وبالرغم من تناول الخليل ّ‬
‫الدرس‬ ‫للدارسين بحث لغوي ناضج‪ّ .1‬‬ ‫تقديم ما يحصلون عليه‪ ،‬ليتم ّ‬
‫قدم في ّ‬ ‫ّ‬
‫إال ّأنه ّ‬ ‫ّ‬
‫النحو لذاته والصرف لذاته وعلم الصوت لذاته ما يلي‪:‬‬ ‫النحوي مختلطا‬
‫‪ّ -1‬‬
‫الدرس الصوتي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدراسة اللغوية األولى التي يعنى بها اللغويون‪ ،‬وبها َيعرف ال ّدارس كثيرا‬
‫والد اسة الصوتية هي ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللغوية التي ُتد س في كتب ّ‬
‫الصوت اللغوي؛ ُوي َع ّد‬
‫الدرس هو ّ‬ ‫النحو‪ .2‬وموضوع هذا ّ‬
‫ر‬ ‫من الظواهر‬
‫وأول من ّنبه‬ ‫للدراسة الصوتية‪ّ ،‬‬‫الخليل بن أحمد الفراهيدي ّأول عالم من علماء العربية عرض ّ‬
‫ََ َ‬ ‫ّ‬
‫التف َت ولفت إلى الصوت‬ ‫اللغة وفقه بنائها العام‪ّ ،‬‬
‫وأول من‬ ‫األذهان إلى جدوى هذه ّ‬
‫الدراسة لفهم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اللغوي وأهميته في ّ‬
‫الدراسة اللغوية‪ ،‬وإلى دراسة مخارج الحرف‪ ،‬وصفاتها‪ ،‬وتمازج بعضها مع البعض‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫وقد ذهب املخزومي إال أنه لم يكن لعلم األصوات اللغوية عند الغربيين تاريخ بعيد‪ ،‬إال ما‬
‫أخذوه عن اليونان الذين درسوا الظواهر من ناحية السماع فقط‪ ،‬فلم يتناولوا دراسة األصوات من‬
‫ّ‬ ‫حيث مخارجها‪ ،‬وال من حيث صفاتها ّ‬
‫بالصورة التي ّتمت على يد الخليل‪ ،‬فلم يسبقوا الخليل إال بهذه‬
‫وخلفوا ما ّ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫سمي عند املحدثين بعلم‬ ‫استكملوا ما تناوله اليونانيون‪،‬‬ ‫الدراسة ما سبقه الهنود‪ ،‬ملا‬
‫ّ‬
‫الدراسة إال ّأن‬
‫تعددت مصادر هذه ّ‬ ‫األصوات الوصفي‪ ،( Description phonétique) :‬ومهما ّ‬

‫املخزومي جعل الخليل ّأول من عرض لها بين علماء العربية‪ ،‬ورفض أن يكون الخليل قد تأثر بعمل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من سبقه‪ ،‬أو وقف على ما أنجزه اليونان والهنود ّ‬
‫مما يتعلق باألصوات اللغوية‪.3‬‬
‫لقد بدت مالمح الدرس الصوتي في أعمال الخليل واضحة ّ‬
‫جلية من خالل ضبطه ملخارج‬
‫الحروف وصفاتها وإعادة ترتيب األصوات بدأ من حروف الحلق وصوال إلى الحروف الشفوية‪ ،4‬فبعد‬
‫انتهائه من مراقبة الحروف أثناء إخراجها‪ ،‬وتحديد مخارجها‪ ،‬ومالحظة ما لها من صفات أخذ يراقب‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.27-25‬‬
‫‪ 2‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬الفراهيدي عبقري من البصرة‪ ،‬ص‪.42-41‬‬
‫‪4‬ينظر‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.42‬‬

‫‪51‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫ّ‬
‫األصوات حين تتآلف وتتجاور‪ ،‬ومنها من تتنافر فتحدث عثرات في اللسان‪ ،‬كتجاور الهاء والعين في‬
‫ُ ُ‬
‫الهعخع‪ ،‬التي أنكر الخليل تأليفها‪.1‬‬ ‫كلمة واحدة‪ ،‬وليس بينهما فاصل نحو‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وخلص إلى ّأن األصوات تتفاعل فيما بينها‪ ،‬وألجل هذا ترتبت ظواهر لغوية تفطن لها الخليل‬
‫وهي‪ :‬اإلدغام واإلبدال واإلعالل‪ ،‬وقد ذهب مهدي املخزومي إلى ّأن هذه الظواهر ّ‬
‫ترتبت على ما‬
‫للدراسة كما فعل علماء‬‫لألصوات من خصائص وصفات كما يرى ّأن جعل هذه الظواهر موضوعا ّ‬
‫التوهم لم يعمل به الخليل‪ّ ،‬‬
‫ألن موضوع دراستهم هو بنية الكلمة‪ ،‬وما يعرض‬ ‫التصريف هو ضرب من ّ‬ ‫ّ‬
‫التخليط الذي وقع فه علماء ّ‬
‫التصريف إلى ّأنهم لم‬ ‫تغير في وزنها‪ ،‬أو يادة في أصولها‪ ،‬ور ّد هذا ّ‬
‫لها من ّ‬
‫ز‬
‫ويدل على أ ّنهم لم ّ‬
‫يتفهموا ما كان يرمي إليه‬ ‫يقيموا دراستهم على فهم واع لحدودها وموضوعاتها‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫الخليل‪.2‬‬
‫ّ‬
‫تأثر الدكتور مهدي املخزومي بمنهج الخليل‪ ،‬ودعا إلى إعادة دراسة اللغة العربية وفق منهجه‪،‬‬
‫الصوتية‪ ،‬وعرض لهذا الرأي في َ‬‫الدراسة ّ‬ ‫ّ‬
‫اللغوي‪ ،‬هي ّ‬ ‫كون ّ‬
‫كتابيه‬ ‫الدراسة األولى التي يجب أن يعنى بها‬
‫الصوت‪،‬‬‫مهد فيه لدراسة ّ‬ ‫النحو العربي نقد وتوجيه) َو (في ّ‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق) حيث ّ‬ ‫(في ّ‬
‫ّ‬
‫إال في موضعين‪ :‬حين ّ‬
‫عد الهمزة ّأول‬ ‫َومخارج الحروف‪ ،‬فلم يخالف الخليل بن أحمد في هذا ّ‬
‫التمهيد‬
‫الحلقية‪ ،‬وحين ّ‬
‫قدم الهاء على العين في ترتيب أحرف الحلق‪ّ ،‬‬
‫مرجحا ترتيب سيبويه وابن‬ ‫الحروف َ‬
‫ّ‬
‫جني في ذلك‪.3‬‬
‫‪ّ -2‬‬
‫الدرس الصرفي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والد ّ اسة الصرفية هي ّ‬
‫الدراسة اللغوية الثانية التي يعنى بها اللغويون بعد دراسة األصوات‪،‬‬ ‫ر‬
‫تضمنته من اشتقاق ونحت وتركيب‪.‬‬‫وما ّ‬

‫الصوت كانت قد سقطت من‬‫ألن دراسة ّ‬ ‫الصرف د اسة واعية في نظر املخزومي‪ّ ،‬‬
‫ولم ُيدرس ّ‬
‫ر‬
‫شدة ّاتصالها ّ‬
‫بالدرس الصرفي‬ ‫والفراء وتالميذهما‪ ،‬والتفتوا إلى ّ‬ ‫حساب ّ‬
‫الدارسين‪ ،‬وإن بدأها الخليل ّ‬
‫الد استين من ّاتصال وثيق‪ ،‬وأهملوا ّ‬
‫الدرس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصوتي‪،‬‬ ‫والدرس النحوي‪ ،‬لهذا لم يدرك الخلف ما بين ر‬
‫وصرفوا جهودهم إلى دراسة الكلمة وما يعرض لها‪.‬‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬الفراهيدي عبقري من البصرة‪ ،‬ص‪.43‬‬


‫السابق‪ ،‬ص‪.45-44‬‬‫‪2‬ينظر‪ :‬املصدر ّ‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬مهدي املخزومي‪ ،‬دار ّ‬
‫الرائد العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1406 ،02‬ه‪1986 /‬م‪ ،‬ص‪.10 ،03‬‬

‫‪52‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫الدرس ّ‬
‫الصرفي هو الكلمة املفردة التي يبحث في بنيتها ووزنها واشتقاقها‪ ،‬وفي ّ‬
‫تجردها‬ ‫وموضوع ّ‬
‫تتعلق بعلم ّ‬ ‫ّ‬ ‫وزيادتها إلى غير ّ‬
‫الصرف‪.1‬‬ ‫مما يتعلق بالكلمة‪ ،‬وغيرها من القضايا التي‬
‫ّ‬
‫وكان هذا منهج الخليل الذي وافقه فيه املخزومي وسار على خطاه؛ في حين رأى ّأن املتأخرين‬
‫الدرس الصرفي‪،‬‬ ‫النحو كاإلدغام واإلعالل واإلبدال في ّ‬
‫النحاة تناولوا مواضيع لغوية تد س في كتب ّ‬
‫من ّ‬
‫ر‬
‫واع لحدودها وموضوعاتها‪ ،‬يقول حاتم‬ ‫فهم‬ ‫على‬ ‫استهم‬
‫ر‬ ‫د‬ ‫يقيموا‬ ‫لم‬ ‫هم‬ ‫يدل على ّ‬
‫أن‬ ‫واعتبره تخليط ّ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫الضامن وهو من تالميذ املخزومي‪(( :‬موضوع علم ّ‬ ‫ّ‬
‫الصرف هو املفردات العربية من حيث البحث‪،‬‬
‫ُ‬
‫البحث عن أحوالها العارضة لها من ّ‬ ‫عن ّ‬
‫صحة وإعالل‬ ‫كيفية صياغتها إلفادة املعاني‪ ،‬أو من حيث‬
‫ونحوهما))‪.2‬‬

‫يقل بناؤه عن ثالثة أحرف‪ ،‬بينما ذهب املخزومي إلى ّأن مثل‬
‫رأى الخليل ّأن االسم في العربية ال ّ‬
‫َ‬
‫هذه الكلمات ثنائية‪ ،‬فإذا أريد جمعها زيد في آخرها واو أو ياء نحو‪ :‬أيدي‪ ،‬ودماء بإبدال الهمزة من‬
‫الواو‪.3‬‬
‫ّ‬ ‫‪ّ -3‬‬
‫الدرس النحوي‪:‬‬
‫ّ‬
‫اللغوي‪ ،‬فال يمكن للباحث أو ّ‬ ‫وهو الحلقة الثالثة من حلقات ّ‬
‫الدارس في علوم العربية‬ ‫الدرس‬
‫أن يبحث في التراكيب ّ‬
‫النحوية‪ ،‬أو يدرس الكلم ضمن هذه التراكيب دون أن يلج املراحل السابقة‪،‬‬
‫الصوتية‪ ،‬وبعدها ّ‬
‫الدراسة ّ‬
‫الصرفية‪.‬‬ ‫الدراسة ّ‬‫ونقصد بذلك ّ‬

‫الد س ّ‬
‫النحوي بدأ ّأول ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫مرة مع عبد هللا بن أبي إسحاق‬ ‫ذهب الدكتور مهدي املخزومي أن ر‬
‫مد القياس والعلل‪ ،‬ور ّددوا له أقواال هي من‬‫الحضرمي (ت‪117‬ه) الذي َنسب إليه النحاة قديما ّ‬
‫النحو بمعناه الخاص‪ ،‬معتمدين على ُ‬
‫النقول املنسوبة إليهم في كتاب (الكتاب) لسيبويه‪،4‬‬ ‫موضوعات ّ‬
‫كما ّأرخ لطبقة الحضرمي‪ ،‬وعيس ى بن عمر(ت‪149‬ه)‪ ،‬وأبي عمرو بن العالء(ت‪154‬ه)‪ ،‬بعدما ّ‬
‫دون‬
‫النحوية‪ ،‬وإن كان نحوهم ال ينتظم أبواب ّ‬
‫بالد س املسائل ّ‬
‫ّ‬
‫النحو ومسائله‪.‬‬ ‫عنهم ّأنهم تناولوا ر‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.28 ،27‬‬
‫‪2‬حاتم ّ‬
‫الضامن‪ ،‬الصرف‪ ،‬دار الحكمة‪ ،‬املوصل‪ ،‬العراق‪ ،‬ط‪1991 ،01‬م‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪ 3‬في ّ‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪ 4‬الفراهيدي عبقري من البصرة‪ ،‬ص‪.75‬‬

‫‪53‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫النحو ونضج ‪ ،‬فتا يخ ّ‬
‫النحو جملة‬ ‫فإذا جاء عصر الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬اكتمل ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫وتفصيال كان نتاج فكر مبدع خصب من أقوال وآراء وتعليالت وقياسات‪ ،‬وردت كلها في (الكتاب)‬
‫النحو الذي نعرفه مسائل وأصوال‪ّ ،‬‬
‫وألن الخليل إذا قيست أعماله بأعمال من‬ ‫دون فيه سيبويه ّ‬
‫الذي ّ‬

‫النحوي نقلة‪،‬‬‫الد س ّ‬
‫ّ‬
‫سبقه‪ ،‬كان املبدع لهذا العلم‪ ،‬لفرط ذكائه‪ ،‬وثقوب ذهنه‪ ،‬وسعة عقله‪ ،‬فنقل ر‬
‫الدرس مثلها سرعة ورسوخا‪ ،‬فقد درس نحو العربية من حيث يجب أن يدرس‪ ،‬فبدأ‬ ‫لم يشهد تا يخ ّ‬
‫ر‬
‫النحوي الخالص‪ ،‬ثم درس الجملة وأنواعها‪ّ ،‬‬ ‫الد س ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتطرق‬ ‫بالكلمة مؤلفة في الجملة‪ ،‬وهو موضوع ر‬
‫إلى عالقة الكلمات بعضها ببعض في ثنايا الجملة‪ ،‬وبسط املعاني اإلعرابية‪ ،‬والعالمات ّ‬
‫الدالة عليها‪،‬‬
‫مهد لنظرية العامل‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫تؤثر في الكلمات حين تتجاور في الكالم‪ ،‬كما ّ‬
‫وتحدث عن أنواع‬ ‫واملؤثرات التي‬
‫اللفظية‪ ،‬وأنواع املعربات‪ ،‬واستوعب بعض األساليب ّ‬ ‫ّ‬
‫النحوية كاالختصاص والتحذير الذم‬ ‫العوامل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واملدح‪ .1‬واهتدى إلى كثير من مسائل ّ‬
‫النحو إن لم نقل جلها أو كلها‪.‬‬
‫لهذا كان يرى املخزومي ّأن ترتيب املستويات الثالثة كما ّ‬
‫تطرق إليها الخليل‪ ،‬ضرورة للباحثين‬
‫ّ‬ ‫اللغة العربية‪ ،‬وكتاب (الكتاب) كما وضعه سيبويه‪ ،‬حوى هذه ّ‬ ‫ّ‬
‫الدراسة كاملة متكاملة‪ ،‬إال‬ ‫في علوم‬
‫النحوي في بداية الكتاب‪َ ،‬تلت ُه املوضوعات ّ‬
‫الصرفية‪ ،‬وانتهى‬ ‫الد س ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّأنها جاءت غير مرتبة‪ ،‬فقد جاء ر‬
‫مرتبا‪ّ ،‬‬‫ّ ي ّ‬ ‫الصوتي‪ ،‬فلو بدأنا قراءة (الكتاب) من آخره لكان ّ‬ ‫ّ‬
‫بالدرس ّ‬
‫ولعل هذا الترتيب‬ ‫الدرس اللغو‬
‫ّ‬
‫كان من فعل النساخ ال غير‪.2‬‬
‫ّ‬
‫يؤكد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫صحته وإسنادا يق ّويه‪،‬‬ ‫إن القول بترتيب (الكتاب) كان من فعل النساخ يحتاج إلى ٍ‬
‫دليل‬
‫وهذا الذي ال نجده عند املخزومي أثناء طرحه القضية‪ ،‬فالغالب ّأن ترتيب (الكتاب) هو من فعل‬
‫سيبويه ال ّ‬
‫النساخ‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -4‬املصطلح النحوي‪:‬‬
‫الد س ّ‬
‫النحوي‪ ،‬فهو يساعدنا في معرفة كثير‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن تحديد مصطلحات النحو له أهمية كبيرة في ر‬
‫ّ‬
‫الخاصة التي‬ ‫للنحو‪ّ ،‬‬
‫فلكل مصطلح داللته‬ ‫من املفاهيم‪ ،‬التي نصل من خاللها إلى الفهم الصحيح ّ‬
‫النحوي من أكثر القضايا التي َ‬
‫تحدث فيها النحاة‪ ،‬بحيث نلحظ‬ ‫ويعد املصطلح ّ‬
‫تختلف من علم آلخر‪ّ ،‬‬

‫اختالف هذه املصطلحات من مدرسة نحوية إلى أخرى‪.‬‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬الفراهيدي عبقري من البصرة‪ ،‬ص ‪.93 ،92‬‬


‫‪2‬ينظر‪ :‬مهدي املخزومي وجهوده ّ‬
‫النحوية‪ ،‬ص‪.43‬‬

‫‪54‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫ويعد الخليل بن أحمد الفراهيدي ّأول واضع ملصطلحات ّ‬
‫النحو نقلها عنه تلميذه سيبويه‬ ‫ّ‬
‫بالرفع ّ‬
‫والنصب‬ ‫بأمانة في كتابه (الكتاب)‪ ،‬فإليه يرجع الفضل في تسمية عالمات اإلعراب في األسماء ّ‬
‫والخفض‪ ،‬وتسمية عالمات البناء ّ‬
‫بالضم والفتح‪ ،‬والكسر‪ ،‬وهو من أطلق على ّ‬
‫السكون وقفا‪ ،‬وغيرها‬
‫من املصطلحات التي استخدمها املخزومي ووقف عليها‪ ،‬وسعى إلى تصحيح نسبتها إلى الخليل‪ ،‬فأحيا‬
‫منها ما طالت عليه األزمان‪ ،‬وتتابعت بعده املصطلحات فجعلته غابرا ال يؤخذ به‪ ،‬فهو إن كان لم‬
‫ّ ّ‬
‫يفرد بابا للحديث عن هذه املصطلحات في كتبه‪ ،‬إال أنه أشار إليها بين ثنايا دراسته‪.‬‬
‫وفيما يلي نقف على بعض املصطلحات التي ّ‬
‫تحدث عنها املخزومي ونسبها للخليل‪:‬‬
‫ّ‬
‫التشريك‪ :‬سبق وذكرنا هذا املصطلح الذي نسبه املخزومي للخليل‪ ،‬وليس في حديثه ما ّ‬
‫يدل‬ ‫‪.1‬‬
‫على نسبته للخليل‪ ،‬كما ذكر رياض ال ّ‬
‫سواد الذي نسب بعض املصطلحات إلى الخليل‪ ،‬وهي‬
‫ثم زعم ّأن املخزومي قال بها إحياء‬
‫في حقيقة األمر منسوبة ألهل الكوفة كاإلضافة والكناية‪ّ ،‬‬
‫لتراث الخليل‪.1‬‬
‫الخالف‪:‬‬
‫‪ِ .2‬‬
‫يعد هذا املصطلح من أهم مصطلحات ّ‬
‫النحو الكوفي‪ ،‬وهو نوع من أنواع العوامل املعنوية‬ ‫ّ‬

‫التي شاع استخدامها عند نحاة الكوفة‪ ،‬والخالف هو أن يكون في الكالم ما يوهم اشتراك كلمتين‬
‫األول في حركة إعرابه‪ ،‬وهي ّ‬
‫تعد قرينة على هذا االختالف‬ ‫في الحكم‪ ،‬لكن الثاني منهما يختلف عن ّ‬
‫ّ‬
‫في الحكم‪ ،‬وقد أعمله الكوفيون في أربعة مواضع هي‪ :‬املفعول معه‪ ،‬الظرف املنصوب الواقع خبرا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫املضارع املنصوب بعد واو أو فاء ّ‬
‫الس ّ‬
‫ببية في سياق الطلب‪.‬‬
‫والخالف مصطلح لم ُيقل به البصريون‪ ،‬إذ ذهب املخزومي إلى ّأن الكوفيين ّ‬
‫تصيدوه من كالم‬
‫وطبقوه في موضوعاتهم ّ‬
‫النحوية‪ ،‬كما ذهب إلى إمكانية توسيعه‬ ‫الخليل في حديثه عن االستثناء‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫ب(إال)‪ ،‬وخبر(ليس)‪ ،‬و(ما الحجازية)‪ ،‬وال فرق عنده بيم مصطلحي ّ‬
‫الصرف والخالف‬ ‫ليشمل املستثنى‬
‫فمالكهما واحد‪.2‬‬

‫واملالحظ ّأن اختيار املخزومي لهذه املصطلحات نابع من تأثره الكبير بالخليل بن أحمد‬
‫خاصة ّ‬
‫وأن هذه املصطلحات أخذ بها الكوفيون فكانت أقرب إلى طبيعة‬ ‫الفراهيدي‪ ،‬وولعه بعلمه‪ّ ،‬‬

‫النحوية‪ ،‬رياض ّ‬
‫السواد‪ ،‬ص‪.49 ،48‬‬ ‫‪1‬ينظر‪ :‬مهدي املخزومي وجهوده ّ‬
‫ّ‬
‫اللغة ّ‬
‫والنحو‪ ،‬ص‪.298 ،297 ،294‬‬ ‫‪2‬ينظر‪ :‬مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة‬

‫‪55‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫ّ‬
‫اللغة التي د سها الخليل‪ ،‬وبالتالي ّ‬
‫فإن البصريين هم من خرجوا عن األصل وجعلوا ألنفسهم‬ ‫ر‬
‫مصطلحات بنوها نتيجة تصوراتهم الفلسفية وتأثرهم بعلوم العقل واملنطق‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫ّ‬ ‫أثراملذهب الكوفي في ّ‬
‫الدرس النحوي عند املخزومي‬
‫ّأوال‪-‬مد سة الكوفة ّ‬
‫النحوية‪.‬‬ ‫ر‬

‫ثانيا‪-‬أصول الفكر الكوفي عند املخزومي‪.‬‬


‫ثالثا‪-‬مظاهر التأثر ّ‬
‫بالنحو الكوفي‪.‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫النحو العربي العريق‪ ،‬ال يخفى عليه ّأن ّ‬
‫النحو قد نشأ في البصرة‬ ‫املتتبع لصفحات تا يخ ّ‬
‫ّإن ّ‬
‫ر‬
‫النحوية ومدرسة‬‫وترعرع وشاخ فيها‪ ،‬وعرفته الكوفة بعد قرن من الزمن‪ ،‬فكانت مد سة البصرة ّ‬
‫ر‬
‫الكوفة من أقوى وأبرز مدا س ّ‬
‫النحو التي حملها إلينا التراث العربي‪.‬‬ ‫ر‬

‫النحو البصري قد تهيأت له الظروف أن ينضج ويرسم معامله رفقة الخليل‬‫على الرغم من ّأن ّ‬
‫وتلميذه سيبويه ومن جاء بعدهم‪ ،‬في الوقت الذي كانت فيه الكوفة مقرا ّ‬
‫للدراسات القرآنية وتفسيره‬
‫َ‬
‫والتفت علماؤها التفاتة جادة لهذا ّ‬ ‫ّ‬
‫إال ّأنها ما لبثت أن عرفت ّ‬
‫الدرس؛ فشرعوا‬ ‫النحو‬ ‫ورواية الشعر‪،‬‬
‫مع بداية القرن الثاني للهجرة‪ ،‬بإنشاء مدرسة نحوية ألنفسهم‪ ،‬ورسموا لها منهجا جديدا بطابع‬
‫النحو ألعالمه‪ ،‬فورد في كتب‬‫املؤرخون في نسبة هذا ّ‬
‫خاص أملته عليهم ظروف املنطقة‪ .‬وقد اختلف ّ‬
‫وأن مد سة الكوفة ّ‬
‫النحاة ّ‬ ‫ّ‬
‫الطبقات أسماء لبعض الكوفيين أوا ّأنهم كانوا من ّ‬
‫النحوية كانت قد بدأت‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫الهراء‪ّ ،‬‬
‫الرواس ي‪ ،‬ومعاذ ّ‬ ‫بهم أمثال‪ :‬أبو جعفر ّ‬
‫وعدهما محمد الطنطاوي في الطبقة األولى من نحاتها‪.1‬‬
‫النحو الكوفي كان مع علي بن حمزة الكسائي‪ ،‬وتلميذه ّ‬
‫الفراء‪،‬‬ ‫الدكتور شوقي ضيف ّأن بداية ّ‬ ‫ويرى ّ‬

‫ويرجع لهما الفضل في رسم منهجه‪ ،‬ووضع أصوله‪ ،‬حتى استقل بخصائصه عن نحو البصرة‪ .2‬وهذا‬
‫ّ‬
‫الظن ّأن الكسائي وتلميذه ّ‬
‫الفراء هما ّ‬
‫املؤسسان الحقيقيان‬ ‫ما ّأرخ له مهدي املخزومي بقوله‪(( :‬أكبر‬
‫لهذه ّ‬
‫املدرسة))‪.3‬‬
‫خاصة ّ‬
‫وأن‬ ‫ّ‬ ‫والراجح ّأن مدرسة الكوفة لم تنشأ من عدم‪ ،‬بل ّ‬
‫تفرعت عن مدرسة البصرة‬ ‫ّ‬
‫األول لها هو األخفش األوسط(‪215‬ه)‪ّ ،4‬‬
‫ولكن نشأتها الحقيقية كمدرسة ذات أصول وقواعد‬ ‫املوجه ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مستقلة ظهرت مع الكسائي(‪18‬ه) وتلميذه ّ‬
‫الفراء(‪207‬ه)‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .1‬مدرتة الكوفة النحوية‪:‬‬

‫النحوية وقفة دارس دؤوب على كل ما‬ ‫الدكتور مهدي املخزومي أمام هذه املّد سة ّ‬
‫لقد وقف ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫وحلل‪ّ ،‬‬ ‫النحوي‪ّ ،‬‬
‫فركز ّ‬ ‫للد س ّ‬‫ّ‬
‫وفسر‪ ،‬وقارن‪ ،‬ونتاج ذلك كتاباه‬ ‫ومحص‪،‬‬ ‫جاءت به من قواعد وأصول ر‬
‫النحوي في بغداد)‪ ،‬وقد ّ‬
‫(الد س ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األول ّأول‬
‫عد ّ‬ ‫(مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو) و ر‬
‫كلية اآلداب بجامعة القاهرة ليحصل على درجة الدكتوراه سنة ‪1953‬م‪.‬‬ ‫قدمه إلى ّ‬‫بحث جامعي ّ‬

‫الطنطاوي‪ ،‬نشأة ّ‬‫‪ّ 1‬‬


‫النحو وتاريخ أشهر النحاة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1426 ،01‬ه‪2005 /‬م‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫النحوية‪ ،‬شوقي ضيف‪ ،‬ص‪.154‬‬ ‫‪2‬ينظر‪ :‬املدارس ّ‬
‫اللغة ّ‬‫ّ‬
‫والنحو‪ ،‬ص‪.74‬‬ ‫‪ 3‬مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة‬
‫‪4‬ينظر‪ :‬نشأة ّ‬
‫النحو العربي‪ ،‬قنوني منيرة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‪2013 ،‬م‪ ،‬ص‪.19‬‬

‫‪58‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫تجسد في الد س ّ‬
‫النحوي عند‬ ‫النحو بعد الخليل الذي ّ‬ ‫استطاع من خالله الوقوف أمام تا يخ ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫تتبع حركة ّ‬
‫النحو الكوفي‬ ‫وخصها ّ‬
‫بالدراسة‪(( ،‬فكل راغب اآلن في ّ‬ ‫ّ‬ ‫الكسائي ّ‬
‫والفراء متأثرا بمنهج الكوفة‬
‫منذ نشأته في القرن الثاني إلى نهاية القرن الرابع الهجري أو بعدها بقليل‪ ،‬ال يجد مرجعا أوفى ‪،‬وال‬
‫ّ‬
‫اللغة العربية ّ‬ ‫تاريخا أشمل ّ‬
‫أجل خدمة‪،‬‬ ‫وأدق‪ ،‬من هذا البحث الذي خدم به الدكتور مهدي املخزومي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأحقها بالذكر))‪ .1‬وجدير بالذكر ّأن مهدي املخزومي قد أنصف نحو الكوفة إنصافا علميا لم يعهد‬
‫والنصوص‬‫وبين اعتمادها على الرواية ّ‬ ‫النحو من قبل‪ ،‬فعرض لطبيعة ّ‬
‫الدراسة الكوفية‪ّ ،‬‬ ‫في كتب ّ‬
‫القرآنية‪ ،‬والنثر والشعر‪ ،‬أكثر من اعتمادها على األقيسة ّ‬
‫النظرية واملنطقية التي عمل بها نحاة‬
‫البصرة‪ ،‬وهذا ما استحسنه املخزومي‪ ،‬كما درس كثيرا من املسائل النحوية عند نحاة البصرة‬
‫والكوفة ور ّجح آراء الكوفة ّ‬
‫وفضل أغلبها‪.‬‬

‫النحوية تبتدئ بالكسائي‪ ،‬فهو عالم أهل الكوفة وإمامهم‪،‬‬ ‫أى املخزومي ّأن مد سة الكوفة ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫بالرعاية‪ّ ،‬‬‫الفراء من بعده ّ‬ ‫ّ‬
‫تواله ّ‬ ‫الذي نهج ّ‬
‫وعدهما على رأس هذه املدرسة وإليهما‬ ‫بالنحو منهجا جديدا‬
‫ّ‬
‫يعزى تأسيسها وتنظيم منهجها‪ ،‬وبهما يبدأ تاريخها‪ ،‬يقول‪(( :‬أكبر الظن ّأن الكسائي وتلميذه الف ّراء‬
‫ّ‬

‫الدقيق‬ ‫الد اسة))‪ ،2‬ويقول‪(( :‬وال نكاد نعرف في الكوفة نحويا باملعنى ّ‬
‫ّ‬ ‫هما ّ‬
‫املؤسسان الحقيقيان لهذه ر‬
‫متطور قبل الكسائي انتقل من‬ ‫ّ‬ ‫لهذه الكلمة‪ ،‬قبل الكسائي‪...‬كذلك ال نكاد نرى أثرا لنحو كوفي‬
‫العامة))‪ّ 3‬‬
‫‪.‬ويرد على املزاعم التي‬ ‫مجرد خطرات جزئية إلى مجموعة من األصول ّ‬ ‫للتعقيد ومن ّ‬‫البساطة ّ‬

‫التنافس العلمي مع‬ ‫للنحو الكوفي ويرجعها لرغبة هؤالء في ّ‬


‫مؤسسين ّ‬‫الهراء ّ‬‫الرؤاس ي ومعاذ ّ‬
‫جعلت ّ‬
‫ّ‬ ‫البصريين‪ ،‬فرفعوا نسبة ّ‬
‫تتبع منهجهم وكان الكسائي ّأول من عني به ألنه في‬
‫النحو الكوفي إليهما‪ ،4‬ثم ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نظره لم يتأثر بالفلسفة الكالمية تأثرا مباشرا ولم ّيتصل بآراء املتكلمين إال ما أخذه من نحو‬
‫ّ‬
‫وحكموا املنطق في د سهم ّ‬ ‫ّ‬
‫النحوي‪.‬‬ ‫ر‬ ‫البصريين الذين تأثروا بالفلسفة‬

‫النحوية‪ ،‬القول ب ّأنها بقيت قرابة قرن ونصف من‬ ‫ساق املخزومي في تأ يخه ملد سة الكوفة ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الزمن‪ ،‬وانتهى نشاطها ّ‬
‫واألئمة الثالثة الذين ُبدئت‬
‫ّ‬ ‫النحوي واللغوي في أواخر القرن الثالث للهجرة‪،‬‬
‫تأسست هم الكسائي ّ‬ ‫ُ‬
‫وخ َتمت بهم وعلى آرائهم ّ‬
‫والفراء وأحمد بن يحيى ثعلب‪ ،‬ويذكر وجود نحاة إلى‬
‫ّ‬
‫إال ّأنهم ّ‬
‫ممن خلطوا بين املنهجين الكوفي والبصري فنتجت عن آرائهم مدرسة بغداد‬ ‫جانب هؤالء‪،‬‬

‫‪1‬املرجع السابق‪ ،‬مصطفى السقا‪ ،‬تصدير الكتاب‪ ،‬ص‪ ،‬ب‪.‬‬


‫ّ‬
‫اللغة ّ‬
‫والنحو‪ ،‬ص‪.74‬‬ ‫‪2‬مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة‬
‫‪3‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.40-39‬‬
‫‪4‬ينظر‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.79 ،78‬‬

‫‪59‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫ّ‬
‫إال ّأنه أعاد ّ‬ ‫ّ‬
‫النظر في حقيقة وجود هذه املدرسة إلى جانب الكوفة والبصرة حين كتب كتابه‬ ‫النحوية‪.‬‬
‫النحوي في بغداد) ور ّد مزاعم القائلين بوجودها آنذاك‪.‬‬ ‫(الد س ّ‬
‫ّ‬
‫ر‬

‫‪ .2‬أصول الفكرالكوفي عند املخزومي‪:‬‬

‫الكوفيين ّأن الكسائي قد ورث عن‬


‫ّ‬ ‫تناول املخزومي في حديثه حول أصول الفكر ّ‬
‫النحوي عند‬
‫تصوره اختلف عن ّ‬ ‫ّ ي ّ‬
‫إال ّأن ّ‬
‫تصورهم؛ حيث جعل للعامل‬ ‫البصريين قولهم بنظرية العامل النحو ‪،‬‬
‫ض ُ‬
‫ربت ُه) بالفعل الذي بعده‪ ،‬ال بفعل محذوف‬ ‫معمولين في آن واحد‪ ،‬فهو ينصب ( يدا) في قولهم ( يدا َ‬
‫ز‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مفسر‪ ،‬والفعل الظاهر عنده يكون ناصبا(زيدا) وضميره‪ ،‬فتعدى الفعل إلى إثنين مع أنه ال يتعدى‬
‫ّ‬
‫بنفسه عند البصريين إال بمفعول واحد‪.1‬‬
‫صح ُ‬
‫سندها‪ ،‬وعني بشواذ‬ ‫كما رأى ّأن الكسائي ّأول من ّ‬
‫سن ألصحابه األخذ بأخبار اآلحاد إذا ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫لغات العرب الذين وثق بفصاحتهم‪ ،‬كما عني بالقياس كما فعل البصريون إال أنه اكتفى بالشاهد‬
‫واتهموه بإفساد ّ‬
‫النحو فهو لم يلتزم بمصادر سماعهم‪.‬‬ ‫لحنه البصريون ّ‬
‫النادر ليقيس عليه‪ ،‬ولهذا ّ‬

‫واملالحظ ّأن املخزومي أقبل ّ‬


‫يحتج آلراء الكسائي‪ ،‬بمبدأ أفضليته على البصريين‪ ،‬فإذا رأى منه‬
‫خروجا عن منهج البحث وهو الذي حصل في مواضع كثيرة‪ ،‬ر ّد ذلك إلى تأثره بالبصريين‪ ،‬ورأى ّأن‬
‫امتناع الكسائي عن االستشهاد بالحديث واالحتجاج به أثر من آثار املدرسة البصرية‪.2‬‬
‫ّ‬
‫أي البصريين‬‫تأثر بالبصريين‪ ،‬فلم يذكر ّ‬ ‫يدل على ّأن الكسائي‬
‫ولم َنر فيما قاله املخزومي ما ّ‬
‫ّ ُ َ ّ‬ ‫ّ‬
‫تب الطبقات ذكرت ّأن الكسائي جلس إلى الخليل زمنا طويال‪ ،‬فقد ُرو َي ّأن الكسائي‬ ‫أثر فيه‪ ،‬ولعل ك‬
‫خرج إلى البصرة‪ ،‬ولقي الخليل هناك‪ ،‬وجلس في حلقته‪ ،‬فلما رأى غزارة علمه‪ ،‬وعمق مادته‪ ،‬سأله‪:‬‬
‫من أين أخذت علمك هذا؟ فقال الخليل‪ :‬من بوادي الحجاز‪ ،‬ونجد‪ ،‬وتهامة‪ ،‬فخرج الكسائي ورجع‬
‫وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبرا سوى ما حفظ‪ .3‬إضافة إلى قول املخزومي‪(( :‬وأكبر الظن أن‬
‫ّ‬
‫الكسائي‪ ،‬لم يكن نحوه كوفيا خالصا‪ ،‬ولم يستطع التخلص من آثار شيوخه البصريين‪ ،‬فكان يعتمد‬
‫ّ‬
‫على كثير من آرائهم واتجاهاتهم‪ ،‬فكان يوافقهم ويوافق الخليل في مسائل كثيرة خالفه الكوفيون فيها‪،‬‬
‫ومن ذلك مسألة (لن) التي اقتفى أثر الخليل في القول بتركيها من (أن) و(ال)‪ ،‬وذهابه إلى ّأنه ال يجوز‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.114‬‬


‫‪2‬ينظر‪ :‬املصدر ّ‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.117‬‬
‫‪ 3‬املكتبة الشاملة الحديثة‪ ،‬لطيفة عن الكسائي رحمه هللا‪ ،‬ص‪.317‬‬

‫‪60‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬

‫ترخيم ما كان على ثالثة أحرف وهو‪ ،‬مذهب الخليل وسيبويه))‪ ،1‬وهذا جعل املخزومي يتعرض‬
‫للتناقض والتضارب في آرائه‪ ،‬فقد أنكر املخزومي أن يكون الخليل بصريا حين قال‪(( :‬وأن رأينا ّأن‬
‫ّ‬ ‫الخليل بن أحمد لم يكن بصريا‪ ،‬وال كوفيا باملعنى ّ‬
‫الدقيق‪...‬وإنما انبعثت عن أعماله مدرستا الكوفة‬
‫والبصرة))‪ .2‬فكيف تأثر الكسائي بالبصريين مثال في ترك االحتجاج باألحاديث النبوية؟‬
‫ّ‬
‫اللغة‪ّ ،‬‬
‫فبالرغم من أخذهم‬ ‫كما ر ّجح املخزومي منهج أهل الكوفة ورآه أقرب ما يكون إلى طبيعة‬
‫ّ‬
‫بالقياس وا ّلتعليل إال ّأنهم ألغوا منهما الخصائص الفلسفية التي ُعرفت عند البصريين‪.‬‬
‫ّ‬
‫ويلخص املخزومي أصول الفكر ّ‬
‫النحوي الكوفي في هذه املسائل‪:3‬‬

‫السماع بدءا من القرآن الكريم وقراءاته‪،‬‬‫تنوع مصادر ّ‬ ‫بالسماع أو ّ‬


‫النقل كان سببا في ّ‬ ‫ّأوال‪ .‬اعتدادهم ّ‬
‫ّ‬
‫فاتخذوا ّ‬ ‫التي جعلوها أعلى مراتب املصادر‪ّ ،‬‬
‫مما سمعوه أساسا لوضع القواعد‬ ‫ثم كالم العرب‪،‬‬
‫ّ‬
‫النحوية‪ ،‬ولو وجدوا بيتا واحدا يخالف األصول لجعلوه أصال قائما بذاته‪ ،‬غير ّأنهم أبعدوا االحتجاج‬
‫هاما من مصادر ّ‬
‫السماع‪ ،‬وشغلوا عنه بالقراءات القرآنية‪.‬‬ ‫بالحديث النبوي الذي ّ‬
‫يعد مصدرا ّ‬

‫ّ‬ ‫ثانيا‪ .‬اهتمامهم بالقياس وإخضاعه ّ‬


‫للنقل‪ ،‬فكانوا األقرب إلى طبيعة اللغة من البصريين‪.‬‬

‫تحررهم من قيود املنطق والفلسفة التي خضع لها نحاة البصرة الذين كانوا أبعد من طبيعة‬‫ثالثا‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫منهج البحث في اللغة‪.‬‬
‫بالد س ّ‬
‫النحوي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫رابعا‪ .‬رفض التعليالت التي ال صلة لها ر‬
‫ّ‬
‫‪ .3‬مظاهرالتأثربالنحو الكوفي‪:‬‬
‫بالد س ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫النحوي الكوفي‪ ،‬ومنهجه‬ ‫إن االطالع على ثقافة املخزومي النحوية ّتبين مدى تأثره ر‬
‫الذي يعتبر مصد ا مهما من مصاد ه التي بنى عليها د اساته ّ‬
‫النحوية‪ ،‬وفيما يلي نعرض مجموعة من‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫املظاهر التي تبرز هذا التأثر‪:‬‬

‫أتماء األفعال‪:‬‬ ‫‪.3.1‬‬

‫‪1‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.118‬‬


‫‪2‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.357‬‬
‫الدرس ّ‬
‫النحوي في بغداد‪ ،‬مهدي املخزومي‪ ،‬دار ّ‬
‫الرائد العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1407 ،02‬ه‪1987 ،‬م‪ ،‬ص‪.111 ،91‬‬ ‫‪3‬ينظر‪ّ :‬‬

‫‪61‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫الشاذة الجامدة‪ ،‬واسم الفعل هو ما ناب عن الفعل معنى واستعماال نحو‪ّ :‬‬‫ّ‬
‫شتان‬ ‫وهي األفعال‬
‫تؤدي معنى الفعل ّ‬
‫لكنها ال تقبل عالماته‪ ،‬وليست على صيغته‪ ،‬وهي عند‬ ‫وصه وأوه‪ ،1‬وهي ألفاظ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أف‪ ،‬وهي‬‫صه‪ٍ ،‬‬
‫مه‪ٍ ،‬‬
‫البصريين معدودة في األسماء ألن عددا منها يقبل عالمة االسم كالتنوين‪ ،‬نحو‪ٍ :‬‬
‫عند الكوفيين أفعال لداللتها على الحدث ّ‬
‫والزمان‪.2‬‬
‫ّ‬
‫التعد أفعاال ّ‬
‫ألنها وإن ّ‬
‫تضمنت معانيها‬ ‫ويرى املخزومي ّأن أسماء األفعال عند البصريين‬
‫َ‬ ‫واستعملت استعمالها ال َتقبل واحدة من عالمات األفعال‪ ،‬وليست أسماء‪ّ ،‬‬
‫ألنها وإن قبلت بعض‬
‫تدل على الحدث والزمان‪ ،‬وهذا عم نراه غير صحيح‪ّ ،‬‬
‫ألن البصريين‬ ‫التنوين ّ‬‫عالمات األسماء‪ ،‬وهو ّ‬
‫ز‬
‫ّيتخذونها أسماء‪ ،‬يقول سيبويه‪(( :‬واعلم ّأن هذه الحروف التي هي أسماء للفعل‪ ،‬ال تظهر فيها عالمة‬
‫املضمر‪ ،‬وذلك ّأنها أسماء))‪ّ ،3‬أما عند الكوفيين فهي أفعال حقيقية‪ ،‬وذلك لداللتها على الحدث‬
‫بالزمان‪ ،‬وإلجرائها مجرى األفعال في االستعمال‪ ،‬وهو الرأي الصحيح في ّ‬
‫ظن املخزومي‪4.‬‬ ‫مقرونة ّ‬

‫أقسام الفعل واتتعماالته‪:‬‬ ‫‪.3.2‬‬


‫قسم أهل البصرة الفعل من حيث الزمن إلى ثالثة أقسام‪ :‬ماض ومضارع وأمر‪ّ .‬‬
‫وأما عند‬ ‫ّ‬
‫الكوفيين‪ :‬ماض ومضارع وفعل دائم‪ّ ،‬‬
‫وأيد املخزومي تقسيم أهل الكوفة ودعا إلى استعماله وإقراره‬ ‫ٍ‬
‫النحو قائال‪ّ (( :‬إن تقسيم الفعل إلى ماض ومضارع ودائم تقسيم ّ‬
‫يؤيده االستعمال‪،‬‬ ‫في د اسة وتد يس ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫وتؤيده ّ‬
‫ّ‬
‫النصوص اللغوية التي صدر عنها الكوفيون في مقالتهم بالفعل الدائم‪ ،‬فليكن لنا إذن من‬
‫الجرأة ما يحملنا على تثبيت هذا ّ‬
‫التقسيم وإقراره في مقاالتنا وكتبنا‪ ،‬والكتب ّ‬
‫املقررة لتالميذنا في‬
‫مراحل ّ‬
‫التدريس املختلفة))‪.5‬‬
‫الدائم‪ ،‬هو الفعل الذي ّ‬
‫يدل على الديمومة والثبوت إذا استعمل لوحده نحو قولنا‪:‬‬ ‫والفعل ّ‬
‫ولعل هذا ما دفع الكوفيين الستعماله استعمال األسماء الجامدة التي ال زمان ّ‬
‫معين لها‪،‬‬ ‫خالد قائم‪ّ .‬‬
‫عدت جملته من الجمل االسمية ألن املسند واملسند إليه فيها ّيتصفان بالثبوت‬ ‫وألجل هذا ّ‬

‫‪1‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬أوضح املسالك إلى ألفية ابن مالك‪ ،‬ج‪ ،03‬ص ‪.116‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 2‬أبو البركات ابن االنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف بين ّ‬
‫النحويين البصريين والكوفيين‪ ،‬تح محمد محي الدين عبد الحميد‪،‬‬
‫مطبعة السعادة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1380 ،04‬ه‪1961 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،01‬ص ‪.235‬‬
‫‪ 3‬الكتاب‪ ،‬ج‪ ،01‬ص ‪.242‬‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص ‪.202‬‬‫‪4‬في ّ‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.119،116‬‬ ‫‪5‬املصدر ّ‬

‫‪62‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫والدوام‪1.‬ويرى مهدي املخزومي ّأن إسقاط هذه األبنية عند البصريين ليس له ما ّ‬
‫يؤيده ال في دراستهم‪،‬‬
‫ولم يحالفهم ّ‬
‫التوفيق في ذهابهم إلى جريان هذا البناء مجرى األفعال‪ ،‬إذا وقع في سياق االستفهام أو‬
‫النفي‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫فعل) (ل َ‬
‫ّأما فعل األمر فهو معرب مقتطع من املضارع املجزوم‪ ،‬فأصل (ا َ‬
‫تفعل)‪ ،‬حذفت الالم‬
‫ّ‬
‫علل املخزومي ّ‬
‫صحة ذهابه إلى‬ ‫لكثرة االستعمال‪ ،‬فهو إذن معرب مجزوم بالم محذوفة تخفيفا‪ .‬وقد‬
‫فعلية (فاعل)‪ ،‬استعمال هذا البناء استعمال األفعال في إلحاقها بالفاعل واملفعول‪ ،‬والنائب عن‬
‫الزمن واألفعال‪ ،‬كما ذهب إلى ّأن الفعل ّ‬
‫الدائم مبني‪،‬‬ ‫الفاعل‪ ،‬لتضمنها معنى الفعل وداللتها على ّ‬
‫نعته)‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫(عجب ُت من ماهر في َ‬
‫ص َ‬ ‫ّ‬
‫التغير بالجوار‪ ،‬فقولنا َ‬ ‫كغيره من األفعال‪ّ ،‬‬
‫وفسر هذا‬
‫ٍ‬
‫(ع ُ‬ ‫ّ‬
‫الذات ّ‬
‫ألن األصل فيها قولنا َ‬
‫جبت من‬ ‫(ماهر)مجرور باإلضافة بعد (من)‪ ،‬واملجرور الحقيقي هو‬
‫ماهر في صنعته)‪.3‬‬
‫جل ٍ‬ ‫ر ٍ‬

‫وقد ر ّجح املخزومي ذهاب الكوفيين إلى القول بعدم اعتبار فعل األمر قسيما للماض ي‬
‫واملضارع‪ ،‬غير ّأنه خالفهم في إعرابه‪ ،‬وقولهم ّأنه مقتطع من املضارع املجزوم‪ّ ،‬‬
‫ألن فعل األمر عنده‬
‫ّ‬ ‫محدد‪ّ ،‬إنما ّ‬
‫يدل على من ّ‬
‫ليس بفعل‪ ،‬فهو ال ّ‬
‫يدل على طلب الفعل فحسب‪ .‬كما أنه ليس طرفا في‬ ‫ز‬
‫اإلسناد‪ ،‬فهو ال يكون مسندا كغيره من األفعال‪ ،‬وإسناده إلى ألف االثنين‪ ،‬أو واو الجماعة‪ ،‬أو نون‬
‫النسوة‪ ،‬وياء املخاطبة‪ ،‬أو الضمير املستتر‪ ،‬ال يعتبرها املخزومي إسنادا‪ ،‬فهي عنده ّ‬
‫مجرد كنايات أو‬
‫إشارات ّ‬
‫تدل على جنس املخاطب وعدده‪.4‬‬
‫واملالحظ ّأن املخزومي ّ‬
‫تردد في شأن بناء(اف َعل) بعدما أخرجه من جملة األفعال‪ ،‬فقد ّ‬
‫ضمنه‬
‫في أبنية األفعال تحت عنوان (أبنية أخرى) في كتابه (في ّ‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق)‪.5‬‬

‫تقديم الفاعل على فعله‪:‬‬ ‫‪.3.3‬‬


‫من ّ‬
‫املتفق عليه عند جمهور النحاة‪ ،‬وجوب تأخير الفاعل عن فعله‪ ،‬وهو رأي قال به وأوجبه‬
‫التقديم عندهم هو ّ‬
‫التمييز بين الجملتين االسمية والفعلية؛ فاألولى تبدأ‬ ‫البصريون‪ ،‬ومقتض ى هذا ّ‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.125 ،122‬‬
‫‪2‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫السابق‪ ،‬ص‪.139‬‬‫‪3‬ينظر‪ :‬املصدر ّ‬
‫‪4‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص ‪.120 ،118‬‬
‫‪5‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬ص‪.23،24‬‬

‫‪63‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬

‫باسم ويسمى املبتدأ والثانية تبدأ بفعل يأتي بعده الفاعل‪ ،‬بينما ذهب الكوفيون إلى القول بجواز‬
‫قام‪ ،‬بحيث ّأن الجملتين فعليتين و( َزيد) هو الفاعل‬
‫قام زيد‪ ،‬وزيد َ‬
‫تقدم الفاعل عن فعله‪ ،‬نحو‪َ :‬‬ ‫ّ‬

‫فيهما‪.‬‬
‫ذهب املخزومي مذهب الكوفيين في جواز تقديم الفاعل عن فعله‪ ،‬فالجملتان (طلع ُ‬
‫البدر)‬
‫تأخر في األولى ّ‬‫ّ‬ ‫و(البدر َ‬
‫ُ‬
‫وتقدم في الثانية‪،‬‬ ‫طلع) جملتان فعليتان‪ ،‬واملسند إليه الذي هو الفاعل‬
‫الدارسين‬ ‫فتقديم الفاعل ال يغير شيئا في طبيعة الجملة‪ ،‬ويرى ّأن القول بوجوب تأخر الفاعل يدخل ّ‬
‫َ‬ ‫إلى تأويالت وتعقيدات ذهنية هو في غنى عنها‪ ،‬إذ ليس بممتنع أن ّ‬
‫يتقدم الفاعل‪ ،‬فالفعل(ساف َر) في‬
‫ّ‬
‫متحمل لضمير مستتر يعرب فاعال‪ ،‬لكن هذا الرأي ال ينطبق في قولنا‬ ‫افر محمد) غير‬ ‫قولنا َ‬
‫(س َ‬
‫َ‬
‫(سافر ّ‬
‫الرجالن)‬ ‫ألن األصل هو تقديم الفاعل فنقول‬ ‫سافر) ّ‬
‫َ‬ ‫الر ُ‬
‫جال‬ ‫(الرجالن َس َ‬
‫افر)‪ ،‬وقولنا( ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫والضمائر في هكذا جملتين يعرب‬ ‫ُ‬
‫سافروا)‬ ‫و(الر ُ‬
‫جال‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سافرا)‬ ‫الر ُ‬
‫جال)‪ ،‬أو نقول ّ‬
‫(الرجالن‬ ‫َ‬
‫و(سافر ّ‬
‫عرب(الرجالن) ّ‬
‫و(الرجال) مبتدأ مرفوع في جملتين اسميتين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فاعال للفعل فيحين ي‬
‫ّ‬
‫التنازع‪:‬‬ ‫‪.3.4‬‬
‫فاألصل الذي عقد عليه البصريون هذا الباب هو ّ‬
‫تقدم عاملين على املعمول‪ ،‬وفي معناه أن‬
‫ّ‬
‫متصرف واسم يشبهه‪ ،‬ويتأخر عنهما معمول‬ ‫ّ‬
‫متصرفان أو اسمان يشبهانهما‪ ،‬أو فعل‬ ‫ّ‬
‫يتقدم فعالن‬
‫غ حعلحْي ِه قِْط اْرا‬ ‫غير سببي مرفوع‪ ،‬وهو مطلوب ّ‬
‫لكل منهما من حيث املعنى‪ ،1‬نحو قوله تعالى﴿ آتُ ِوِن أُفْ ِر ْ‬
‫﴾سورة الكهف (‪ .)96‬ووجه االستشهاد‪ :‬أتى عامالن‪( :‬آتوني) َو(أفرغ) وتأخر عنهما املعمول (قطرا)؛‬
‫فكالهما يطلبه مفعوال به؛ وقد أعمل الثاني في املفعول الظاهر‪ ،‬وأعمل الفعل األول في ضميره‪ ،‬ومن‬
‫ثم حذف؛ لكونه فضلة‪ ،‬ولو أعمل األول في (قطرا) ألعمل الثاني في ضميره‪ ،‬ولقال‪( :‬أفرغه)‪ .2‬ونحو‬
‫ّ‬ ‫(ج َل َ‬
‫س)‪ ،‬وتأخر عنهما‬ ‫تقدم في هذه الجملة عامالن هما‪(َ :‬د َخ َل) َو َ‬ ‫دخل َو َج َل َ‬
‫س خالد‪ ،‬فقد ّ‬ ‫قولنا‪َ :‬‬
‫املعمول(خالد)‪ ،‬وكان ّ‬
‫كل من العاملين طالبا له‪ ،‬فال يجوز عندهم أن يكون (خالد) معموال للفعلين‬
‫معا‪ ،‬بل ال ّبد أن يكون ألحدهما فقط‪ّ ،‬‬
‫وأما الثاني فيعمل في ضميره فقط‪.‬‬

‫واألصل الذي بنى عليه النحاة هذا الباب باطل من أساسه‪ ،‬فليس الفعل عامال‪ ،‬وليس هو‬
‫ّ‬ ‫الرفع ّ‬ ‫الذي يرفع وينصب‪ّ ،‬‬
‫ألن ّ‬
‫والنصب‪ ،‬وغيرهما عوارض يقتضيها األسلوب‪ ،‬وتقتضيها طبيعة اللغة‪،‬‬

‫‪1‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬أوضح املسالك‪ ،‬ج‪ ،02‬ص‪.167‬‬


‫‪2‬املرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،02‬ص ‪.167‬‬

‫‪64‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫ّ ُ‬
‫بطل هذا الباب وغيره ّ‬ ‫ُ‬
‫بط َل ّ‬
‫كل ما َ‬
‫مما كان مبنيا‬ ‫بني على هذا من أحكام‪ ،‬ثم‬ ‫فإذا لم يكن الفعل عامال‬
‫على مثل هذا األساس‪.‬‬
‫الفراء الذي قال ّ‬
‫بأن الفعل الثاني يطلب أيضا‬ ‫ولقد أبدى مهدي املخزومي إعجابه في رأي ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الفاعلية‪ ،‬نحو‪َ :‬‬
‫ض َر َب َوأك َر َم َزيد َعمرا‪ ،‬فجاز أن نعمل العاملين في املتنازع فيكون االسم الواحد فاعال‬
‫الفراء ّأن الفعلين املتقدمين إذا كان اقتضاؤهما واحدا كان االسم بعدهما لهما‬ ‫فمؤدى رأي ّ‬ ‫للفعلين‪ّ ،‬‬
‫ُ‬
‫اشتريت وأكلت رطبا‪ ،‬وكان‬ ‫الرفع‪ ،‬نحو‪ُ :‬يحس ُن ُويس يء ابناك‪ ،‬أو النصب‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫جميعا‪ ،‬كأن يقتضيا ّ‬
‫رأي ّ‬
‫الفراء بذلك مخالفا ألصول البصريين‪.1‬‬
‫لرد باب التنازع‪ّ ،‬أن النحاة بنوه على ّ‬ ‫ّ‬
‫األدلة التي اعتمدها املخزومي في كتابه ّ‬
‫تصورات‬ ‫ومن‬
‫تصور النحاة أن بين فعلين تنازعا‪ّ ،‬‬
‫تصور عقلي محض‪ ،‬ال ينبني على‬ ‫عقلية محضة حيث قال‪ّ :‬‬
‫((فإن ّ‬
‫ّ‬
‫أساس‪ ،‬وال يستند إلى واقع))‪ ،2‬وذهب في تطبيق كالمه على الشواهد الشعرية التي استشهد بها‬
‫النحاة‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َج ُفو ٍني َولم أجف األخال َء إنني‪ ......‬لغير َجميل من خليلي مهمل‪.3‬‬
‫تصوروا ّأنهما تنازعا املعمول ‪...‬لم يعد بينهما تنازع بعد أن أعمل ّ‬ ‫ّ‬
‫اللذان ّ‬
‫األول‪-‬‬ ‫قال‪(( :‬فالفعالن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حد تعبيرهم‪-‬في ّ‬ ‫على ّ‬
‫الضمير‪ ،‬والثاني في االسم الظاهر‪ ،‬وقد حلت مشكلتهما منذ أن قيل البيت‪ ،‬وقبل‬
‫ّ‬
‫اللغة‪ ،‬وإلى ّأن الفعلين في البيت (عامالن) يقتض ي ّ‬ ‫أن يفطن ّ‬
‫كل منهما‬ ‫الدارسون إلى وجود (عامل) في‬
‫معموال))‪.4‬‬
‫ّ‬ ‫إذا املالحظ ّأن املخزومي أنكر التنازع في ّ‬
‫النحو العربي‪ ،‬ألنه ال يوجد أصال عامالن تنازعا‬
‫األول في ّ‬
‫الضمير والثاني في االسم‬ ‫معموال‪ ،‬بل كل عامل أخذ معموال‪ ،‬كما رأينا في البيت‪ ،‬فعمل ّ‬
‫ّ‬
‫الظاهر‪ ،‬وفي هذا تخريج الذي ذكره املخزومي يادة ال حاجة ّ‬
‫للنحو إليها‪ ،‬فهو يخالف هدفه الذي‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألننا إذا قلنا‪ّ :‬إن الواو في (جفوني) حرف ّ‬ ‫يريد به تسهيل ّ‬
‫يدل على الفاعل‪ ،‬و(األخال َء) هي‬ ‫النحو‪،‬‬
‫(األخالء) فكيف ّ‬
‫نعدها فاعال‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الفاعل‪ ،‬وقعنا في مخالفة صريحة ملا ُروي عليها البيت‪ ،‬أي نصب‬

‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص ‪.164‬‬ ‫‪ 1‬في ّ‬


‫‪2‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.167‬‬
‫‪3‬التخريج‪ :‬البيت بال نسبة في األشباه والنظائر‪ ،‬السيوطي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ ،01‬د‪.‬ت‪ ،‬ج‪.282/3‬‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.168 ،167‬‬ ‫‪4‬في ّ‬

‫‪65‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬

‫والفعل (أجف) يحتاج إلى معمول منصوب‪ ،‬لذا يظهر ّأن املخزومي يلوي النصوص ليثبت رأيه في‬
‫إنكار ّ‬
‫التنازع ال غير‪.‬‬

‫االشتغال‪:‬‬ ‫‪.3.5‬‬
‫االشتغال هو ّ‬
‫كل اسم بعده فعل أو ما يعمل عمله كاسم الفاعل‪ ،‬وهو أن يتقدم اسم واحد‬
‫ويتأخر عنه عامل مشتغل عن العمل في ذلك االسم بالعمل في ضميره مباشرة‪ ،‬أو في سببه‪ ،‬بحيث لو‬
‫ّ‬
‫فرغ من ذلك املعمول وسل ط على االسم املتقدم؛ لعمل فيه النصب لفظا أو محال‪ .‬واملراد بسبب‬
‫االسم املتقدم‪ :‬كل ش يء له صلة وعالقة به؛ من قرابة أو صداقة أو عمل‪ 1.‬وذكر املخزومي في أساس‬
‫باب االشتغال‪ ،‬أن ّ‬
‫يتقدم اسم على فعل صالح ألن ينصبه لفظا أو محال‪ ،‬وشغل الفعل عن عمله فيه‬
‫بعمله في ضميره‪ .‬ويرى ّأن ّ‬
‫النحاة قد ّ‬
‫قسموا االسم الواقع بعده فعل ناصب لضميره خمسة أقسام‪:‬‬
‫يرجح نصبه على رفعه‪ ،‬وما ّ‬
‫يرجح رفعه على نصبه‪ ،‬وما يستوي فيه النصب‬ ‫ما وجب نصبه‪ ،‬وما ّ‬
‫والرفع‪2 .‬‬

‫التقسيم الذي وضعه النحاة تقسيم عقلي في رأي املخزومي‪ ،‬وهو أبعد ما يكون لطبيعة‬ ‫ّإن ّ‬
‫النحاة قد عقدوا لالشتغال بابا ال يجدر أن يكون موضعا للبحث لدى ّ‬ ‫ّ‬
‫اللغة‪ ،‬ويرى ّأن ّ‬
‫الدارسين‬
‫النحاة ّإنما هو مفعول ّ‬
‫مقدم لالهتمام به‪ّ ،‬أما الضمير املشغول به‪،‬‬ ‫يسميه ّ‬
‫فاالسم املشغول عنه كما ّ‬
‫الد س ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحوي عند‬ ‫فليس إال كناية عن املفعول به‪ ،‬وال إعراب له‪ ،‬وبهذا يلغى باب االشتغال من ر‬
‫املخزومي‪ ،‬كما ألغي باب نائب الفاعل‪ّ ،‬‬
‫والتنازع‪ ،‬وأسماء األفعال‪ ،‬وهو املنهج الذي أراد من خالله‬
‫الد س ّ‬
‫النحوي من آثار الفلسفة والعامل الذي علق به لفترة طويلة من الزمن‪.‬‬ ‫ّ‬
‫تخليص ر‬
‫ّ‬
‫قدم الدكتور شوقي ضيف بحثا قال فيه‪(( :‬من األبواب التي ّ‬
‫تعس على الناشئة لكثرة تفريعاتها‪،‬‬
‫ٍ‬
‫باب االشتغال‪ ،‬وما له من أحكام‪ ،‬وبعد أن ذكرها قال‪ :‬وأرى أن يحذف الباب من كتب الناشئة‪،‬‬
‫والرفع ور ّجحان‬ ‫الرفع‪ ،‬وهي جواز ّ‬
‫النصب ّ‬ ‫النصب ووجوب ّ‬ ‫وتعرض أمثلة الوجوه الثالثة بعد وجوب ّ‬

‫دل‬ ‫الرفع في باب الحذف املقترح في مشروع ّ‬


‫التيسير‪ ،‬لبيان ّأن الفعل قد يحذف إذا ّ‬ ‫النصب و ّرجحان ّ‬
‫عليه دليل)) ‪3‬‬

‫‪1‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬أوضح املسالك‪ ،‬ج‪ ،02‬ص ‪.139‬‬


‫‪ 2‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫ّ‬ ‫‪3‬ينظر‪ :‬اإلعراب ّ‬
‫امليسر‪ ،‬محمد علي أبو ّ‬
‫العباس‪ ،‬دار الطالئع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.57‬‬

‫‪66‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫ّ‬
‫وتوصلت إلى ّأن دراسة‬
‫ّ‬ ‫وناقشت اللجنة األصول هذا البحث‪ ،‬وتدارست موضوع باب االشتغال‬
‫ّ‬
‫باب باالشتغال كما درسه النحاة عسير على مدارك املتعلم‪ ،‬وانتهت إلى ّأنه يجوز رفع االسم املشغول‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عنه ونصبه‪ ،‬وال داعي لذكر حاالت الوجوب أو الترجيح‪ .1‬والظاهر ّأن إقرار هذا يؤكد مدى صعوبة‬
‫يرجح أي املخزومي وأصحابه في ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعض األبواب ّ‬
‫الدعوة إلى‬ ‫مما ّ ر‬ ‫املتعلم ّ‬ ‫النحوية على قدرات وفهم‬
‫النحو لتخفيف الحمل على الناشئة‪.‬‬‫التخلص من بعض األبواب في ّ‬ ‫ّ‬

‫‪1‬اإلعراب ّ‬
‫امليسر‪ ،‬ص‪.57‬‬

‫‪67‬‬
‫املبحث الثالث‬

‫أثرفكرإبراهيم مصطفى في املخزومي‬

‫العامة للبحث ّ‬
‫النحوي عند إبراهيم مصطفى‪.‬‬ ‫ّأوال‪-‬األسس ّ‬
‫ّ‬
‫ثانيا‪-‬مظاهر تأثر مهدي املخزومي بنحو إبراهيم مصطفى‪.‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫النحوي من وجوه ّ‬
‫متعددة‪ ،‬بعضها ينادي‬ ‫ظهرت في مطلع هذا القرن‪ ،‬د اسات تناولت ّ‬
‫التفكير ّ‬
‫ر‬
‫النحو‪ ،‬وبعضها ينادي بضرو ة تسهيله للناشئة‪ ،‬وبعضها يقول بتيسيره وتجديده‪ ،‬ولهذا ّ‬
‫جد‬ ‫بإحياء ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫من هم أهل للفكر على رصد املخزون اللغوي‪ ،‬والوقوف على ما يمكن أن يكون قد لحق به من نقص‪،‬‬
‫مما جادت به القرائح‪ ،‬وكان ّأول صوت عال‬ ‫مستجدات الحياة وعصرها‪ّ ،‬‬
‫فمده نبضا جديدا ّ‬ ‫ّ‬ ‫بفعل‬
‫النحوي‪ ،‬وما آل إليه من مآل مخيف‪ّ ،‬‬
‫هدده بالجمود‪ ،‬وكاد أن يورثه‬ ‫الد س ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫داعيا وجوب النظر في ر‬
‫الركود‪ ،‬صوت الدكتور إبراهيم مصطفى‪-‬رحمه هللا‪ -‬الذي ارتبط اسمه في أذهان الباحثين‬ ‫منزلة ّ‬
‫النحو) الذي صدر عام( ‪1937‬م)‪ ،‬وهو ّأول كتاب حديث جاء لنقد‬ ‫النحويين بكتابه الشهير( إحياء ّ‬
‫ّ‬
‫النحو‪ ،‬كان باكورة جهد جهيد وهو يغوص في أعماق ّ‬
‫النحو ومصادره‪ ،‬فقد دعا من خالله‬ ‫نظريات ّ‬
‫إلى إعادة تمهيد الطريق ّ‬
‫للنحو العربي بتيسيره وتبسيط أساليب تدريسه للناشئة في العصر الحديث‪،‬‬
‫ّ‬
‫وتأنيه ثمرة ناضجة نالت إعجاب ّ‬ ‫بعد أن ال م د استه سنوات ّ‬
‫النحويين واألدباء‪،‬‬ ‫عدة‪ ،‬وكان صبره‬ ‫ز ر‬
‫النحو) حين‬ ‫حتى ُل ّقب عند بعضهم بسيبويه الجديد‪ ،‬وقد أحسن طه حسين في ّ‬
‫مقدمة كتاب (إحياء ّ‬
‫قال‪(( :‬أنا معجب بهذا الصبر‪ ،‬ولكن إعجابي بنتائجه عظيم أيضا‪ ،‬وما رأيك في رجل يستطيع أن ّ‬
‫يؤرخ‬
‫النحو‪ ،‬وإطالة ّ‬
‫النظر فيه‪،‬‬ ‫نشأة النثر العربي‪ ،‬يستخلص تا يخه لهذا الفن األدبي العظيم من د س ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫يرد تفكير ّ‬
‫النحويين إلى‬ ‫النحو‪ ،‬فإذا هو ّ‬‫ويصل إلى نتائج باهرة حقا؟ وما أيك في جل يطيل النظر في ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫يرد قصور ّ‬ ‫ّ‬
‫واملتكلمين من املسلمين‪ ،‬وإذا هو ّ‬
‫النحو وتقصيره إلى علته الطبيعية وهي‬ ‫تفكير الفالسفة‬
‫النحو‪ ،‬فقصروا به عن أن يذوق جمال العربية‪ ،‬ويصور ذوقها كما ينبغي أن‬‫النحويين قد فلسفوا ّ‬ ‫ّأن ّ‬
‫ّ‬
‫يصور))‪.1‬‬
‫تصور ّ‬
‫النحو بعيدا عن اشتباكاته التي توارثت في كتب‬ ‫لقد عمل الدكتور إبراهيم مصطفى على ّ‬
‫النحو الكثيرة العامرة بالفلسفة‪ ،‬دون ّ‬
‫النحو الذي أراده الخليل‪ ،‬وسائر األوائل بأغراضه الحقيقية‬ ‫ّ‬

‫ودوافعه السليمة‪ ،‬كما أراد من خالل كتابه إعادة إحياء منهج قائم على أسس وركائز نحوية‬
‫أغير منهج البحث ّ‬
‫النحوي للغة العربية‪،‬‬ ‫صحيحة‪ ،‬ف ّ‬
‫حدد هدفه الذي سعى إليه قائال‪(( :‬أطمع أن ّ‬
‫ّ‬
‫املتعلمين إصر هذا ّ‬
‫النحو‪ ،‬وأبدلهم منه أصوال سهلة يسيرة ّ‬
‫تقربهم من العربية‪ ،‬وتهديهم‬ ‫وأن أرفع عن‬
‫إلى حظ من الفقه بأساليبها))‪.2‬‬

‫‪ 1‬إبراهيم مصطفى‪ ،‬إحياء ّ‬


‫النحو‪ ،‬ص‪ ،‬م‪.‬‬
‫‪2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.13‬‬

‫‪69‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وقد أينا أن نقف على ما ّ‬
‫قدمه من قضايا كان قد تأثر بها تلميذه (املخزومي)‪ ،‬الذي وجد في‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫مظان هذه القضايا‬ ‫النحوية‪ ،‬ونكتفي بذكر‬ ‫محاوالت أستاذه منهال استخلص منه كثيرا من آ ائه ّ‬
‫ر‬
‫والتأثيرات فيما يلي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .1‬األتس ّ‬
‫العامة للبحث النحوي عند إبراهيم مصطفى‪:‬‬
‫النحو كما سمه ّ‬
‫النحاة‪،‬‬ ‫حد ّ‬‫النحو) ّ‬‫لقد تناول الدكتور إبراهيم مصطفى في كتابه (إحياء ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫النحوي قضية العلل ّ‬‫وأورد في وجهات البحث ّ‬
‫النحوية‪ ،‬ثم تطرق إلى أصل اإلعراب‪ ،‬ومعانيه‪ ،‬وفلسفة‬
‫ّ‬
‫العامل ودعا خالل ذلك بإلغاء هذه النظرية‪ ،‬كما أشار إلى علم العالمات واملسائل املتعلقة بالتوابع‬
‫ولعل املحور الرئيس ي الذي تدور حوله أبحاث الكتاب ما قاله ((وجب أن ندرس عالمات‬ ‫والصرف‪ّ .‬‬
‫عما تشير إليه كل عالمة منها‪ ،‬ونعلم ّأن‬ ‫اإلعراب على ّأنها ّ‬
‫دوال على معان‪ ،‬وأن نبحث في ثنايا الكالم ّ‬
‫ٍ‬
‫هذه الحركات تختلف باختالف موضع الكلمة من الجملة وصلتها بما معها من الكلمات‪ ،‬فأحرى أن‬
‫العزاوي محاولة‬‫عد الدكتور نعمة رحيم ّ‬ ‫تكون مشيرة إلى معنى في تأليف الجملة وربط الكلم))‪ 1‬ولقد ّ‬

‫التجديد في هذا العصر‪ ،‬فتأثر بها‬ ‫الدكتور إبراهيم مصطفى ((املحاولة الرائدة التي فتحت باب ّ‬

‫تلميذاه الجواري ومهدي املخزومي‪ ،‬وسارا على هديها فوافقاه على كثير مما ذهب إليه في‬
‫محاولتيهما))‪.2‬‬

‫لقد جرى وصف إحياء النحو باملحاولة الرائدة على الرغم من وجود محاوالت سابقة للتجديد‬
‫والتيسير‪ ،‬ولكن هذه املحاولة ّ‬
‫تعد الرائدة لخروجها من اإلطار التعليمي للنحو إلى املساس شيئا ما‬
‫لتلمس ما ّ‬
‫يؤيد ّ‬
‫الرأي‬ ‫بأصول النحو واإلفادة من االستقراء‪ ،‬وإعادة النظر إلى ما روي عن العرب ّ‬
‫الجديد زيادة على ابتعاده عن الفلسفة والعلل املنطقية‪ .‬وفي هذا الصدد أشاد مهدي املخزومي بعمل‬
‫أستاذه قائال‪(( :‬فتحت هذه املحاولة أفقا جديدا في الدرس النحوي‪ ،‬وكانت محاولة تستنهض الهمم‬
‫لقيام بمحاوالت جدية أخرى))‪.3‬‬
‫العامة للبحث ّ‬
‫النحوي عند الدكتور إبراهيم مصطفى‪ ،‬دونما‬ ‫ونقف اآلن في بيان األسس ّ‬
‫تفصيل‪ ،‬حتى ال نخرج عن املنهج العام للبحث‪:‬‬

‫النحو‪ ،‬ص‪.42‬‬ ‫‪1‬ينظر‪ :‬إحياء ّ‬


‫ّ‬
‫‪2‬منيرة قليل‪ ،‬املحاولة التيسيرية عند إبراهيم مصطفى في ميزان النقد والتقييم‪ ،‬مجلة إشكاالت في اللغة واألدب‪2021،‬م‪ ،‬ص‪.642‬‬
‫‪ 3‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.402‬‬

‫‪70‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫حدد إبراهيم مصطفى مفهوم ّ‬
‫النحو فقال‪(( :‬هو قانون تأليف الكالم وبيان ّ‬
‫لكل ما يجب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫حتى ّتتسق العبارة‪ ،‬ويمكن أن ّ‬
‫تؤدي معناها))‪.1‬‬ ‫أن تكون عليه الكلمة في الجملة مع الجمل‪ّ ،‬‬

‫ضرو ة استبعاد اآلثار الفلسفية التي ال مت ّ‬


‫النحو العربي‪.2‬‬ ‫ز‬ ‫ر‬
‫الدعوة إللغاء نظرية العامل ّ‬
‫النحوية‪.3‬‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫النحوي‪.4‬‬‫الد س ّ‬‫ّ‬
‫‪ -‬أولى اهتمامه الجملة في ر‬
‫التقدير الصناعي‪.5‬‬‫التقدير املفرط املخل باملعنى‪ ،‬وأطلق عليه ّ‬
‫‪ -‬أنكر ّ‬
‫حدد مفهوم الجملة تحت ضوء نظرية اإلسناد‪ ،‬ورأى ّأن املسند إليه هو ّ‬
‫كل مرفوع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬أنكر باب االشتغال‪ّ ،‬‬
‫والتنازع‪.‬‬
‫الضمة علم اإلسناد‪ ،‬ودليل على ّأن الكلمة مرفوعة‪ ،‬والكسرة علم اإلضافة‪ ،‬وإشارة‬
‫‪ -‬رأى ّأن ّ‬
‫إلى ا تباط الكلمة بما قلها‪ّ ،‬أما الفتحة ّ‬
‫التعد عالمة في اإلعراب‪.‬‬ ‫ر‬
‫‪ -‬أى بعدم وجود عالمات فرعية في األسماء الخمسة‪ ،‬وذكر ّأن التنوين علم ّ‬
‫التنكير‪.‬‬ ‫ر‬
‫النحوية على أساس مراعاة املعنى‪ ،‬فجعل املبتدأ والفاعل في باب‬‫‪ -‬أقام تقسيم املوضوعات ّ‬

‫السببي‪ ،‬وعطف‬ ‫النعت ّ‬ ‫النعت والبدل والخبر في باب ّ‬


‫التوابع‪ ،‬وأخرج منه ّ‬ ‫وعد ّ‬
‫املسند إليه‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫النسق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سمى املتعلقات تكملة وبيانا‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬استبدل حروف اإلضافة بحروف ّ‬
‫الجر‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .2‬مظاهرتأثرمهدي املخزومي بنحو إبراهيم مصطفى‪:‬‬
‫ّ‬
‫لعل أثر الدكتور إبراهيم مصطفى في فكر املخزومي يبدو واضحا وجليا في القواعد البديلة‬
‫لنظرية العامل التي ّ‬
‫تعد امتدادا طبيعيا‪ ،‬أو نسخة مطورة من نظرية (األستاذ إبراهيم مصطفى)‪،‬‬
‫وذلك لكونها تقوم على ذات األسس التي قامت عليها نظرية (األستاذ إبراهيم مصطفى) من جانب‪،‬‬
‫ومكملة للقصور الذي اعتراها من جانب آخر‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق بدراسة الفعل املضارع واسم‬
‫الفاعل‪ ،‬ولقد كان املخزومي على صلة فكرية كبيرة مع أستاذه الدكتور إبراهيم مصطفى الذي كان‬

‫‪1‬إبراهيم مصطفى‪ ،‬إحياء ّ‬


‫النحو‪ ،‬ص‪07‬‬
‫‪2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.44 ،22‬‬
‫‪3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫‪4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.01‬‬
‫‪5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.35‬‬

‫‪71‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬

‫يعد تجديدا لل ّنحو؛‬


‫مشرفا على بحثه في املاجستير‪ ،‬وأكثر ما وافق فيه املخزومي أفكار أستاذه وآ ائه ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫بأن ّ‬‫فقد أى مثله ّ‬
‫النحو قد انحرف عن مساره الذي خطه الخليل حين حاول سيبويه وأصحابه‬ ‫ر‬
‫ّ ّ‬ ‫التقعيد ّ‬
‫للنحو العربي‪ ،‬مستخدمين في ذلك مصطلحات ال تمت للغة العربية من ش يء كالعامل‬
‫مهدت للفلسفة الكالمية في ّ‬
‫النحو‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫والعلة وغيرها‪ ،‬التي ّ‬
‫مما أسهم في انهيار الوظيفة‬ ‫واملعمول‬
‫األساسية التي ُعني بها ّ‬
‫النحو العربي‪ ،‬ومن األصول املعتمدة في نحو املخزومي واستقاها من أستاذه‬
‫إبراهيم مصطفى ما يلي ‪:‬‬
‫ّ‬
‫نظرية العامل النحوي‪:‬‬ ‫‪.2.1‬‬
‫النحوي كموقف أستاذه إبراهيم مصطفى‪ ،‬الذي ّ‬
‫تأثر‬ ‫لقد كان موقف املخزومي من العامل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بأن العامل هو (املتكلم) إذ ّأن املتكلم باللسان العربي هو‬
‫هو األخير برأي ابن جني والرض ي في قولهم ّ‬
‫األول في الحركات اإلعرابية‪ .1‬كما انطلق في حديثه عن العامل ّ‬ ‫ّ‬
‫املتحكم ّ‬
‫بالتوجه لنقد جمهور النحاة‬
‫قديما‪ ،‬ومغاالتهم في دراسة العامل فانتهى بقوله‪(( :‬على ّأن أكبر ما يعنينا في نقد ّ‬
‫نظريتهم ّأنهم جعلوا‬
‫اإلعراب حكما لفظيا خالصا يتبع لفظ العامل وأثره‪ ،‬ولم يروا في عالماته إشارة إلى معنى‪ ،‬وال أثر في‬
‫ظل على صورته))‪ .2‬وهو بذلك يرفض رفضا ّ‬
‫تاما أن تكون الحركات في نهاية‬ ‫تصوير املفهوم أو إلقاء ّ‬
‫النحو‪ ،‬ويوافقه في ذلك تلميذه الدكتور مهدي‬ ‫إلغاءه أساسا لتيسير ّ‬
‫الكلمات أثرا للعامل‪ ،‬لذا يعد َ‬
‫املخزومي حيث يقول‪(( :‬والقول ّ‬
‫بأن ّ‬
‫الضمة علم اإلسناد ال يشير بحال إلى العامل‪ ،‬وال يزعم وجوده‬
‫ّ‬ ‫في الواقع ّأن ّ‬
‫الضمة ليست أثرا لعامل لفظي‪ ،‬وال معنوي‪ ،‬وإنما هي مظهر من مظاهر العربية في توزيع‬
‫ّ‬
‫ويصرح بإلغاء هذه النظرية في قوله أيضا‪(( :‬هذا الكتاب في‬ ‫الوظائف ال ّلغوية‪ ،‬أو القيم ّ‬
‫النحوية))‪.3‬‬
‫بالنحو طوال عشرة قرون من شوائب ليست من‬ ‫مما علق ّ‬ ‫أقدمه بين أيدي ّ‬
‫الدارسين مبرئا ّ‬ ‫النحو ّ‬
‫ّ‬

‫تاما‪ ،‬وألغي معها ما استتبعت من‬ ‫طبيعته‪ ،‬وال من منهجه فقد ألغيت فيه نظرية العامل إلغاء ّ‬
‫بالد س ّ‬
‫النحوي))‪.4‬‬ ‫ّ‬
‫اعتبارات عقلية ال صلة لها ر‬
‫ّ‬
‫النحو واملعنى‪:‬‬ ‫‪.2.2‬‬

‫ّ‬ ‫مؤيديه ومعارضيه ودوره في ّ‬ ‫‪1‬ينظر‪ :‬العامل ّ‬


‫النحوي بين ّ‬
‫التحليل اللغوي‪ ،‬خليل أحمد عمارة‪ ،‬دار الفكر للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1987‬م‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫‪ 2‬إحياء ّ‬
‫النحو‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫‪ 3‬في النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫‪4‬مهدي املخزومي‪ ،‬قواعد وتطبيق على املنهج العلمي الحديث‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ ،‬دار الرائد العربي‪1406 ،‬ه‪1986-‬م‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪72‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬
‫جلية في مفهوم ّ‬
‫النحو‬ ‫استطاع مهدي املخزومي الخروج ّ‬
‫بالنحو من دائرة اإلعراب التي نراها ّ‬
‫عند النحاة‪ ،‬وجعله في محيط املعاني‪ ،‬فتخطى ّ‬
‫بالنحو مراحل الجمود عند القاعدة‪ ،‬إلى آفاق املعاني‪،‬‬
‫النحوي القديم كما جاء به الخليل وأصحابه‪ّ ،‬‬
‫وأكد ضرو ة فهم الفكر ّ‬‫ّ‬
‫ألن النحاة املتأخرين فصلوا‬ ‫ر‬
‫بين ّ‬
‫النحو واملعنى‪.1‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يستمد حيويته من املعاني‪ ،‬وقد تجلت عنايته باملعنى في دراسته للجملة‬ ‫والنحو عند املخزومي‬
‫النحوية في العبارة‪ ،‬والبحث عن ماهية الجملة‬ ‫العربية‪ ،‬واهتمامه بها‪ ،‬من خالل استكشافه املعاني ّ‬
‫مؤيدا بذلك دعوة أستاذه إبراهيم مصطفى التي ّ‬
‫تنص بتوسيع‬ ‫واأللفاظ والعالقات التي تربط بينها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫استقل بها علم املعاني‪.‬‬ ‫ومدها لتشمل املوضوعات التي‬‫النحوية‪ّ ،‬‬‫الد اسة ّ‬
‫ّ‬
‫موضوع ر‬

‫ظاهرة اإلعراب‪:‬‬ ‫‪.2.3‬‬

‫ّأما اإلعراب بمفهوم املخزومي فهو ((بيان ما للكلمة في الجملة‪ ،‬وما للجملة في الكالم من وظيفة‬
‫لغوية أو قيمة نحوية‪ ،‬ككونها مسندا إليه‪ ،‬أو مضافا إليه‪ ،‬أو كونها مفعوال أو حاال أو تمييزا))‪ ،2‬وهو‬
‫التعريف نفسه الذي ارتضاه أستاذه إبراهيم مصطفى‪.3‬‬ ‫ّ‬

‫الحركات اإلعرابية‪:‬‬ ‫‪.2.4‬‬


‫يرى املخزومي كما يرى أستاذه إبراهيم مصطفى‪ّ ،‬أن ّ‬
‫الضمة عالمة لإلسناد والكسرة عالمة‬
‫تدل على ّأن الكلمة خارجة عن نطاق‬
‫تعد حركة لإلعراب؛ فهي ّ‬ ‫اإلضافة‪ ،‬و ال عالمة للفتحة فهي ال ّ‬

‫الضمة والكسرة عالمتين للبناء‪ ،‬غير ّأن املخزومي لم يوافق أستاذه في‬ ‫اإلسناد واإلضافة‪ّ ،‬‬
‫وحددا ّ‬

‫ضمة طويلة‪ ،‬والياء كسرة طويلة‪ ،‬واأللف فتحة‬ ‫اإلعراب بالحروف ّ‬


‫وعدها تطويال للحركات‪ ،‬فالواو ّ‬
‫((الضمة علم اإلسناد دالة على ّأن الكلمة مسند إليه أو تابع للمسند إليه‪...‬‬
‫ّ‬ ‫طويلة‪ .‬يقول في ذلك‪:‬‬
‫ّ‬
‫الضمة‪ّ ،‬أما الواو في األسماء الخمسة أو الواو في جمع املذكر‬
‫ّ‬ ‫وليس في العربية من علم لإلسناد غير‬
‫ألن ّ‬‫مطولة‪ّ ،‬‬
‫ضمة ّ‬ ‫ّ‬
‫وإنما هي ّ‬ ‫ّ‬
‫الضمة من الواو‪ ،‬والفتحة من األلف‪،‬‬ ‫السالم فليست بعالمة مستقلة‪،‬‬
‫تحدث عن العالمات اإلعرابية إبراهيم مصطفى قبله فقال عن ّ‬
‫الضمة‪:‬‬ ‫والكسرة من الياء))‪ 4.‬وقد ّ‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬أي في موضوع علم ّ‬


‫النحو‪ ،‬مهدي املخزومي‪( ،‬مقال) بمجلة كلية اآلداب والعلوم‪ ،‬العراق ‪1956‬م‪ ،‬العدد ‪ ،01‬ص‪.09‬‬ ‫ر‬
‫‪ 2‬في ّ‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫النحو‪ ،‬ص‪.49‬‬ ‫‪ 3‬إحياء ّ‬
‫‪ 4‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص ‪.70‬‬

‫‪73‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬

‫وأن موضوعها هو املسند إليه املتحدث عنه))‪ .1‬وذهب إلى ّأن‬


‫الضمة علم اإلسناد ّ‬ ‫األول ّأن ّ‬
‫((األصل ّ‬
‫ّ ّ‬
‫وأنها دالة على ارتباط الكلمة بما يسبقها‪ ،‬بحيث يكون هذا االرتباط بواسطة‬ ‫الكسرة علم اإلضافة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أداة نحو‪ :‬ك ّراس لعلي‪ ،‬وقد يكون من غير أداة نحو‪ :‬ك ّراس َعلي‪ ،‬ثم أنكر على الفتحة أن تكون عالمة‬
‫الضمة والكسرة وحدها عالمات إعراب‪ ،‬فقال‪(( :‬األصل الثالث ّأن الفتحة ال ّ‬
‫تدل‬ ‫ّ‬ ‫إعرابية ورأى ّأن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املستحبة عند العرب‬ ‫كالضمة والكسرة‪ ،‬فليس بعلم إعراب‪ ،‬وإنما هي الحركة الخفيفة‬ ‫على معنى‬
‫التي ّ‬
‫يحبون أن يشكل بها آخر ّ‬
‫كل كلمة في الوصول ودرج الكالم‪ ،‬فهي في العربية‪-‬نظير السكون في لغتنا‬
‫ّ‬
‫العامية))‪.2‬‬
‫تأثر بها ّ‬
‫الدكتور‬ ‫النحوي الذي ّ‬ ‫بتعدد مصادر الفكر ّ‬
‫ونخلص في ختام هذا الفصل إلى اإلقرار ّ‬
‫ّ‬
‫مهدي املخزومي‪ ،‬فقد تأثر بنحو الخليل بن أحمد الفراهيدي وهي حقيقة ثابتة الشك فيها‪ ،‬حيث دعا‬
‫ّ‬ ‫الد س العربي‪ ،‬بداية من ترتيبه مستويات ّ‬ ‫ّ‬
‫التحليل كما رتبها الخليل في‬ ‫إلى إحياء الفكر الخليلي في ر‬
‫النحو)‪ ،‬ورأى ّأن القياس كما استخدمه الخليل أبعد‬ ‫الصرف‪ ،‬د اسة ّ‬
‫ر‬ ‫نظره (دراسة األصوات‪ ،‬دراسة ّ‬
‫ّ‬
‫ما يكون عن القياس الذي استخدمه النحاة بعده‪ ،‬فهم قد تأثروا بالفلسفة واملنطق‪.‬‬
‫النحوي الكوفي واضحا في آ ائه ّ‬
‫النحوية‪ ،‬من خالل مخالفته‬ ‫كما يبدو تأثر املخزومي بالفكر ّ‬
‫ر‬
‫البصريين في كثير من قضايا ّ‬
‫النحو‪ ،‬ومنتصرا للكوفيين فيها‪ ،‬فقد ّأيد احتجاجهم بكالم العرب‪،‬‬
‫واحترامهم القراءات القرآنية‪ ،‬وذهب إلى ّأن البصريين ّ‬
‫ضيقوا رقعة هذا االحتجاج‪ ،‬وأوغلوا في القياس‬
‫النصوص‪ ،‬كما ر ّجح كثيرا من املصطلحات الكوفية‪.‬‬ ‫وامتنعوا عن كثير من ّ‬

‫بالنقد نحاة البصرة‪ ،‬وذهب إلى تحكيمهم املنطق وتأثرهم‬ ‫خص ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضد العامل‪،‬‬‫وفي ثورته ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالنحو عن مساره ّ‬ ‫بالفلسفة التي انحرفت ّ‬
‫الصحيح‪ ،‬فالعامل ما هو إال أثر من آثار هذا التأثر‪ ،‬كما‬
‫ّ‬
‫اللغة في د استهم ّ‬
‫النحوية‪.‬‬ ‫ر‬ ‫يرى ّأن الكوفيين كانوا أقرب إلى طبيعة‬
‫فجل آ ائه ّ‬
‫النحوية هي امتداد آلراء‬ ‫وال ننس ى تأثر املخزومي الكبير بأستاذه إبراهيم مصطفى‪ ّ ،‬ر‬
‫واتهموا النحاة بعدم‬‫وفسروا ظاهرة اإلعراب ومعاني عالماته‪ّ ،‬‬
‫أستاذه‪ ،‬إذ ألغوا نظرية العامل‪ّ ،‬‬
‫النحوية‪ ،‬في حين لم ّ‬
‫يقدم املخزومي بدائل متكاملة لنظريته ونراها مجرد‬ ‫الد اسة ّ‬
‫ّ‬
‫تحديدهم موضوع ر‬
‫نقد أكثر من كونها إصالحا‪.‬‬

‫‪1‬إحياء ّ‬
‫النحو‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫‪2‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬

‫‪74‬‬
‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫حظ مهدي املخزومي من الفكر‬ ‫الف ـص ــل الثاني‪:‬‬

‫عد الذي ذكرناه نقول ّأن الدكتور مهدي املخزومي استوفى بعلمه وفهمه ونحوه مطالب‬ ‫وإنصافا َب َ‬
‫الدقيق‪ ،‬فاستطاع أن يستوعب تا يخ ّ‬
‫النحو العربي وثقافته بعد طول ّ‬
‫تتبع‪ ،‬وأناة‪،‬‬ ‫البحث العلمي ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫بأنه قد أحسن باهتمامه بتا يخ ّ‬
‫النحو العربي منذ‬ ‫ر‬ ‫ويكفي في ذلك ما قاله عنه أستاذه إبراهيم السقا‬
‫نشأته األولى‪ ،‬وبتاريخه في القرن الثاني الهجري‪ ،‬حين جعل الخليل بن أحمد الفراهيدي رأس‬
‫األول‪ ،‬وحين جعل (مد سة الكوفة ّ‬
‫النحوية) في القرن الثالث‬ ‫املدرسة البصرية‪ ،‬موضوعا لبحثه ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫موضوع دراسته وبحثه الثاني الذي صدر عن كاتبه في أناة ودقة‪ ،‬واستقامة فكر وأصالة منهج‪،‬‬
‫ووضوح نتائج‪ ،‬وغزارة مادة‪ ،‬مع صفاء العبارة‪ ،‬وإشراق الديباجة‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‪.‬‬
‫آ اء املخزومي في تيسير ّ‬
‫النحو‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ر‬
‫معالم ّ‬
‫التجديد في فكر املخزومي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ال يخفى علينا أن علم ّ‬
‫النحو ركيزة اللغة العربية وأساس علومها‪ ،‬فهو باكورة ونتاج جهد جهيد‬
‫الدينية من الخطأ ّ‬
‫ّ‬ ‫اللغة العربية ّ‬‫ّ‬
‫والزلل بعدما‬ ‫ومقدساتها‬ ‫لعلمائها الذين كان هدفهم من إنتاجه حفظ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولعل انتشار اإلسالم واتساع رقعته‪ ،‬وبعد الفتوحات‬ ‫أصاب اللحن والتحريف لسانها القويم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األعجمية التي باتت تشكل خطرا على سالمة‬ ‫اإلسالمية املعروفة‪ ،‬اختلط العرب بغيرهم من األلسنة‬
‫ّ‬ ‫حل لهذه املعضلة‪ّ ،‬‬ ‫العربية وفصاحتها‪ ،‬فانبرى العلماء وراموا إليجاد ّ‬
‫فأسسوا القواعد وألفوا الكتب‪،‬‬
‫التصحيف‪ ،‬وتلقينها لغير العرب تلقينا‬ ‫وبالرغم من ّأن الهدف في البداية كان تخليص العربية من ّ‬ ‫ّ‬
‫تفرده كعلم مستقل من علوم‬ ‫خاصة بعد ّ‬ ‫ّ‬ ‫النحوي بدأ في أخذ منحى آخر‬ ‫الد س ّ‬‫ّ ّ ّ‬
‫سليما‪ ،‬إال أن ر‬
‫مما أسهم بشكل كبير في جعله‬ ‫النحوية‪ّ ،‬‬ ‫العربية‪ ،‬ونشوء الخالف بين علمائه وبالتالي بروز املدا س ّ‬ ‫ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫علما يتسم بالتعقيد‪ ،‬وبالتالي أثقل كاهل األجيال واملتعلمين الذين لم يستسيغوا له طعما‪ ،‬فنادى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعقد من ّ‬ ‫بعض العلماء بضرو ة تبسيط ما ّ‬
‫النحو وتسهيله بما يوافق ومتطلبات العصر‪ ،‬ومتعلميه‪،‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫النحو دون ّ‬ ‫واألخذ بعلوم ّ‬
‫مشقة وتكليف؛ فألفوا الكتب التي دعوا من خاللها لضرورة إلغاء التأويالت‬
‫ّ‬
‫املنطقية‪ ،‬والرؤى الفلسفية‪ ،‬كما دعوا إلى إلغاء نظرية العامل والعلة والقياس التي دعا إليها النحاة‬
‫النحو‪ُ ،‬واطلقت على هذه الدعوة مسميات ّ‬
‫عدة‬ ‫سمي بتيسير ّ‬ ‫قديما‪ ،‬و نهج املحدثون منهجا جديدا ّ‬
‫النحو‪ ،‬تبسيط ّ‬
‫النحو‪ .‬وباتت كلها ّ‬
‫تصب في مجال واحد هو‬ ‫النحو‪ ،‬تجديد ّ‬
‫النحو‪ ،‬إحياء ّ‬‫منها‪ :‬إصالح ّ‬
‫التيسير في ّ‬
‫النحو العربي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أي باحث ّأن مفتاح إتقان ّ‬
‫ال يخفى على ّ‬
‫أي علم من العلوم‪ ،‬هو القدرة على التعامل مع اللغة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بفهمها وضبط قواعدها‪ ،‬فكلما كانت هذه اللغة بسيطة وسهلة‪ ،‬كلما انبسط فراش العلم وصار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أقرب ّ‬
‫ألي باحث فيه‪ ،‬بل واستساغ بفكره هذه اللغة ورغب الناس في تعلمها فاإلنسان بطبعه يميل‬
‫النحو لألجيال الناشئة التي عجزت عن‬‫التعقيد‪ ،‬لهذا بات من الضروري تيسير ّ‬ ‫ويفر من ّ‬
‫للبساطة ّ‬
‫ّ‬ ‫املادة ّ‬
‫استيعاب ّ‬
‫النحوية‪ ،‬حتى أنه كان يقال ملن أراد قراءة (الكتاب) لسيبويه‪ :‬هل ركبت البحر؟‬
‫ّ‬
‫ومشقة‪.‬‬ ‫النحوي في كتابه الذي يحتاج لجهد‬ ‫الد س ّ‬
‫ّ‬
‫كناية عن صعوبة ر‬

‫‪77‬‬
‫املبحث ّ‬
‫األول‬
‫ّ‬
‫آراء املخزومي في تيسي النحو‪.‬‬

‫ّأوال‪-‬املنهج الوصفي عند املخزومي‪.‬‬


‫ثانيا‪ّ -‬‬
‫التيسير في ّ‬
‫النحو العربي‪.‬‬
‫ثالثا‪-‬جهود النحاة في تيسير ّ‬
‫النحو قديما وحديثا‪.‬‬
‫ابعا‪ّ -‬‬
‫التيسير ّ‬
‫النحوي عند املخزومي‪.‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كان ّ‬
‫الدرس اللغوي في فترة من الزمن مختلطا يجمع مختلف العلوم اللغوية التي هي اليوم علوم‬
‫ّ‬ ‫النحو‪ ،‬وعلم الصرف‪َ ،‬وعلم البالغة َوالعروض وغيرها‪ ،‬لكون ّ‬ ‫ّ‬
‫مستقلة بذاتها كعلم ّ‬
‫الدرس اللغوي‬
‫ّ‬
‫عد دليال لفهم القرآن الكريم ُوضع من أجله وألجله‪ ،‬إال ّأن علم العربية كعلم مستقل كان له‬
‫آنذاك ّ‬
‫ّ‬
‫الدور الكبير في حفظ القرآن الكريم ولغته العربية من اللحن الذي سار إليها سير الرياح العاتيات‪،‬‬
‫فأفسد عليها لسانها الفصيح‪.‬‬
‫ُ‬
‫الكتب َو ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َوكان ّ‬
‫دونوا في سبيل‬ ‫للنحو أعالم أجالء خاضوا ألجل العربية دروبا وعرة‪ ،‬فألفوا‬
‫َ‬
‫حفظها املخطوطات الكثيرة‪ ،‬فكانوا أهال لذاك العلم‪ ،‬إذ أخذ عنهم علمهم َوفهمهم َوتفسيرهم‬
‫َ َ‬ ‫لكل املشكالت املستعصية‪ ،‬غير ّأن ّ‬‫َوتعليلهم ملا فيه‪ ،‬ومن أفواههم ُت َلتقط الحلول ّ‬
‫كما ذكرنا‬ ‫النحو‬
‫العقول‪ ،‬فانحرف عن هدفه األساس بعد أن المسته‬‫َسابقا قد اشتبك وصار علما عسيرا على ُ‬
‫الفلسفة َوعلوم الكالم واملنطق‪ ،‬ما دفع كثيرين إلى ّ‬
‫الدعوة لتيسيره‪ ،‬وإعادة تحديث منهج البحث‬
‫فيه‪ ،‬وهذا الذي دعا إليه املخزومي والذين قبله ومن عاصروه‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ )1‬امل َنهج الوصفي عند املخزومي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطريق الواضح ّ‬
‫البين‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫عرفه أفالطون قائال‪(( :‬إنه الطريق‬ ‫يعرف املنهج في اللغة على أنه‬
‫املؤدي إلى كشف الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة‪ُ ،‬تهيمن على سير العقل‪،‬‬
‫ّ‬

‫وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة))‪ ،1‬وبالتالي يمكننا القول ّإن املنهج هو املسار الذي‬
‫ّ‬

‫يسلكه الباحث خالل مسيرته البحثية بغرض الوصول إلى الحقائق والنتائج النهائية للبحث‪.‬‬
‫َ‬
‫واضحة َ‬ ‫ّ‬
‫ولعل مهدي املخزومي كغيره من َ‬
‫املعالم خالل دراسته‬ ‫الباحثين‪ ،‬أ َراد أن يسلك طرقا‬
‫الوصفي‪ ،‬الذي‬ ‫التيسيري وفق أسس َو َقواعد املَنهج َ‬ ‫النحوية‪ ،‬فاختار أن َيسير في مشروعه ّ‬
‫للمادة ّ‬
‫ّ‬
‫التا يخي الذي سيطر على ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫يعتبر َم َنهجا ّ‬
‫للدر َ‬
‫الدراسات‬ ‫اسات اللغوية الحديثة؛ على غرار امل َنهج ر‬
‫ّ‬ ‫اللغوية القديمة‪ ،‬وإذا ّ‬‫ّ‬
‫عرفناه كونه منهجا من مناهج علم اللغة الحديثة نقول‪(( :‬منهج ظهر في أوروبا‬

‫ّ‬
‫‪1‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬املعجم الوسيط‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬ط‪2004 ،04‬م‪ ،‬ص‪.957‬‬

‫‪79‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫ّ‬
‫اللغة السنسكريتية‪ ،‬على يد وليم جونز سنة ‪1786‬م))‪ ،1‬وبالتالي ّ‬
‫فإن املنهج الوصفي‬ ‫بعد اكتشاف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويتفحص ظواهرها‪ ،‬بحيث يعنى بدراسة اللغة لذاتها‪.‬‬ ‫هو الذي يصف اللغة‬
‫ّ‬ ‫ويعد العصر الحديث في العالم العربي‪ ،‬عصر سيادة املنهج الوصفي في ّ‬
‫ّ‬
‫الدراسات اللغوية‬
‫الصرفية‪ّ ،‬‬
‫الصوتية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫كافة‪ّ :‬‬
‫النحوية‪ ،‬الداللية‪ ،...‬فالدكتور تمام حسان من‬ ‫العربية في مستوياتها‬
‫الذين أسهموا بشكل واضح في بلورة هذه الحركة‪ ،‬وكذلك الدكتور عبد الرحمن أيوب‪ ،‬والدكتور‬
‫والدكتور حسن ظاظا‪ ،‬والدكتور كمال بشر‪َ ،‬ومن تالمذة هؤالء الذين أرسوا دعائم‬ ‫محمود السعران ّ‬
‫وجه الدكتور محمود فهمي الحجازي ّ‬
‫‪...‬والدكتور مهدي املخزومي من العراق‪ّ ،‬‬
‫كل هؤالء‬ ‫هذا ّ‬
‫الت ّ‬
‫ّ‬
‫وغيرهم كان لهم اآلثار اإليجابية على الحركة اللغوية في القرن العشرين‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -1‬أتس املنهج الوصفي في ّ‬
‫الدرس النحوي عند مهدي املخزومي‪:‬‬
‫قدم مهدي املخزومي ّ‬
‫للنحو العربي جهودا ّ‬
‫جمة‪ ،‬ويبدو ذلك واضحا جليا في مخالفته لكثير‬ ‫ّ‬

‫مما جاء به النحاة قديما‪ ،‬وخاصة بعد اعتماده جملة من األسس املغايرة ألسسهم‪ ،‬باختياره املنهج‬‫ّ‬
‫ّ‬
‫(النحو العربي نقد وتوجيه) إلى ّأن‬
‫تطرق في بداية كتابه ّ‬
‫اللغوية‪ ،‬وقد ّ‬ ‫الوصفي كمنهج لدراسته‬
‫النحو فقال‪(( :‬ليس من وظيفة ّ‬ ‫وأقر به منهجا لد اسة ّ‬
‫املنهج الوصفي؛ ّ‬ ‫ّ َ‬
‫النحوي‬ ‫ر‬ ‫موضوعاته تخص‬
‫خطئ لهم أسلوبا‪ّ ،‬‬‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألن‬ ‫الذي يريد أن يعالج نحوا للغة من اللغات أن يفرض على املتكلمين قاعدة أو ي‬
‫ّ‬ ‫النحو د اسة وصفية تطبيقية ال ّ‬
‫ّ‬
‫تتعدى ذلك بحال))‪ ،3‬ولعلنا نجمل القول في أسس املنهج الوصفي‬ ‫ر‬
‫الد س ّ‬
‫النحوي عند مهدي املخزومي فيما يلي‪:‬‬ ‫ّ‬
‫في ر‬

‫ظل متعلقا‬ ‫دعا املخزومي إلى تحرير ّ‬


‫النحو العربي من قيود الفلسفة واملنطق اليوناني الذي ّ‬ ‫‪.1.1‬‬
‫الدعوة إللغاء نظرية العامل وإلغاء القياس ّ‬
‫النحوي‬ ‫بالنحو العربي لسنوات‪ ،‬من خالل ّ‬ ‫ّ‬
‫الد س ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحوي في نظر‬ ‫كمنهج فلسفي دخيل على الدرس النحوي واللغة العربية‪ ،‬فقد أصبح ر‬
‫ّ‬
‫باللغة العربية‪ّ ،‬‬ ‫املخزومي صوريا‪ ،‬يخضع ّ‬
‫والنحو العربي‬ ‫للتعليل وأدوات بحث ال عالقة لها‬
‫ّ‬ ‫بدأ بعيدا ّ‬
‫كل البعد عن هذه املؤثرات التي الزمته منذ والدة عصر سيبويه وتالميذه‪ ،‬الذين‬

‫النحو العربي ّ‬
‫والدرس الحديث‪ ،‬الدكتور عبده الراجحي‪.23،‬‬ ‫‪ 1‬ينظر‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫‪ 2‬ينظر‪ :‬اللسانيات في الثقافة العربية الحديثة‪ ،‬مصطفى غلفان‪ ،‬املغرب‪ ،‬منشورات املدارس‪.‬‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.19‬‬ ‫‪ 3‬في ّ‬

‫‪80‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫مهد للفلسفة واملنطق أن نفذا إليه‪ ،‬وبالتالي ّ‬
‫تحوله إلى درس لغوي‬ ‫انحرفوا به عن طريقه ّ‬
‫مما ّ‬
‫ّ‬
‫ملفق‪.1‬‬
‫ّإن هذه اآلراء التي طرحها املخزومي في ّ‬
‫الساحة العلمية‪ ،‬هي نتيجة تأثره وأصحابه الذين تبنوا‬
‫الرحمن الحاج صالح‬‫املنهج الوصفي كمنهج لبحثهم بآراء وأفكار املستشرقين‪ ،‬وقد وقف الدكتور عبد ّ‬
‫النحو باملنطق كان مع ّ‬
‫الفراء‬ ‫النحو قد تأثر بمنطق اليونان‪ ،‬وذهب إلى ّأن امتزاج ّ‬
‫مفندا عمهم في كون ّ‬‫ّ‬
‫ز‬
‫وهشام بين معاوية(ت‪209‬ه) واألخفش األوسط(ت‪214‬ه)‪ ،‬واملا ني وممن عاصروه‪ ،‬وغير ذلك ّ‬
‫فإن‬ ‫ز‬
‫النحو منذ نشأته لم يتأثر باملنطق الفي منهجه‪ ،‬وال في مضمونه ّ‬
‫التحليلي‪.2‬‬ ‫ّ‬

‫مادتهم ّ‬
‫النحوية‪ ،‬من خالل توسيع رقعة‬ ‫مراجعة األصول التي استقى منها ّ‬
‫النحاة قديما ّ‬ ‫‪.1.2‬‬
‫النحوي زمانا ومكانا‪ ،‬ويذهب املخزومي إلى ّأن النحاة قد ّ‬
‫ضيقوا لالستشهاد‬ ‫االستشهاد ّ‬
‫النحوي قعته‪ ،‬فحصروه في بعض لهجات القبائل كقيس وتميم‪ ،‬وغيرها‪ ،‬كما ّ‬
‫حددوا عصر‬ ‫ّ‬
‫ر‬
‫االستشهاد في أواخر القرن الثاني للهجرة بالنسبة للحاضرة‪ ،‬وحتى القرن الرابع للهجرة في‬
‫النحو شيئا من النقص‪ .‬كما ذهب املخزومي إلى استحسان منهج‬ ‫البادية‪ ،‬ولهذا طال ّ‬
‫ّ‬
‫الكوفيين ويراه أقرب ما يكون إلى طبيعة اللغة والوصف‪.3‬‬
‫ّإن َما ذكره املخزومي في اعتماد الكوفيين منهج الوصف في د سهم ّ‬
‫النحوي‪ّ ،‬‬
‫ألنهم شاركوا‬ ‫ر‬
‫البصريين في صفحات من التاريخ‪ ،‬قوانين األصول‪ ،‬واالحتجاج‪َ ،‬وذهبوا إلى القياس والتعليل‪،‬‬
‫َ‬
‫والتأويل‪ ،‬وقالوا بالعامل ّ‬
‫النحوي‪ ،‬وطعنوا في كثير من القراءات القرآنية‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫العرب‪ ،‬وقد ُعرف عن‬
‫كالم َ‬ ‫واللغة العربية ّ‬
‫القيمة في دراسة‬ ‫الفصل بين اللهجات العربية‪،‬‬ ‫‪.1.3‬‬
‫العرب قديما ّأنهم كانوا ينتقون ما حسن من ألفاظ العربية‪ ،‬واستعمالها خالل األسواق‬
‫العربية الشهيرة كسوق عكاظ الذي يجمع مختلف القبائل العربية باختالف لهجاتهم‪ ،‬ولقد‬
‫ّ‬
‫أخذ املخزومي على النحاة عدم فصلهم بين لغة الشعر ولغة النثر‪ ،‬ورأى ّأنهم اعتمدوا في‬
‫تصحيحهم للقواعد على الشواهد الشعرية‪ ،‬وأهملوا كثيرا من النصوص النثرية على ّ‬
‫الرغم‬

‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫‪1‬ينظر‪ ،‬في ّ‬


‫ّ‬
‫اللسانيات العربية‪ ،‬عبد ّ‬
‫الرحمن الحاج صالح‪ ،‬ج‪ ،01‬ص ‪.49‬‬ ‫‪2‬ينظر‪ :‬بحوث ودراسات في‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.331‬‬

‫‪81‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫ّ‬
‫من ّأنها ُعدت في عصر االحتجاج‪ ،‬كما أخذ عليهم خلطهم بين املستويات اللغوية فلم يف ّرقوا‬
‫ّ‬
‫بين اللغة الفصحى‪ ،‬ولهجات الخطاب‪.1‬‬
‫ولعل هذا ّ‬
‫الزعم الذي توهمه املستشرقون أثر في كثير من الباحثين املعاصرين العرب‪ ،‬وتابعهم‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الرحمن الحاج‬‫اللغة العربية الفصحى‪ ،‬بجانبها لهجات أخرى‪ ،‬وقد ذكر عبد ّ‬ ‫املخزومي في ّأن هناك‬
‫ظنهم ّأن كلمة‬
‫صالح‪ّ ،‬أن ما أوقع هذا الفريق من املستشرقين والباحثين العرب في هذا الوهم هو ّ‬
‫(لغة) التي أوردها سيبويه وغيره من القدماء في كتبهم كقولهم (لغة تميم) و(لغة هذيل)‪ّ ،‬‬
‫تدل على‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مصطلح (لهجة)‪ ،‬غير ّأن سيبويه يريد بهذا االستعمال اللغوي الخاص عنصرا من اللسان‪ُ ،‬يسمع ّإما‬
‫من جميع العرب أو أكثرهم‪.2‬‬

‫ثم إعادة وصلها‬‫الفصل بين مستويات التحليل في دراسة العربية بعد أن خلط النحاة بينها‪ّ ،‬‬ ‫‪.1.4‬‬
‫النحوية مثمرة ناضجة‪ .‬بحيث ذهب املخزومي إلى ّأن النحاة لم‬ ‫الد اسة ّ‬‫ّ‬
‫حتى تكون نتائج ر‬
‫الصرفية‪ّ ،‬‬
‫(الصوتية‪ّ ،‬‬
‫اللغوية ّ‬ ‫ّ‬ ‫يميزوا بين مستويات ّ‬‫ّ‬
‫النحوية)‪ ،‬فتناولوها مختلطة‬ ‫التحليل‬
‫اللغة بأربعة مستويات هي‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫والد س ّ‬
‫ّ‬
‫الصوتية‪،‬‬ ‫النحوي الحديث يعنى في تحليل‬ ‫متشابكة‪ ،‬ر‬
‫لكل مستوى من هذه املستويات موضوعه الذي ال ّبد من‬ ‫ّ‬
‫الصرفية‪ ،‬التركيبية‪ ،‬الداللية‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫اللغة عن ّ‬ ‫اإلحاطة به‪ ،‬مع اإلبقاء على ترتيب هذه املستويات‪ ،‬وال غنى ّ‬
‫أي‬ ‫للدارس في علوم‬
‫واحد منها دون سابقتها أو الحقتها‪.3‬‬
‫ّإن أي املخزومي‪ ،‬أودي به إلى ساحة ّ‬
‫التناقضات التي جعلته في واجهة نقد ّ‬
‫الدارسين‪ ،‬فقد‬ ‫ر‬
‫ذكر الدكتور حلمي خليل‪ّ ،‬أن املخزومي يرفض من ناحية فكرة ّ‬
‫النحو الشامل الذي جاء به الخليل‬
‫ثم يرى ّأن هذا ّ‬
‫النحو الشامل له أهمية بالغة‪ ،‬حيث هذه املستويات تحتاج أن يستند بعضها‬ ‫والفراء‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الدا سون‪ ،‬وبعدها ّ‬‫ّ‬ ‫إلى بعض‪ّ ،‬‬
‫الدراسة ّ‬
‫الصرفية‪،‬‬ ‫الصوتية هي ّأول ما يجب أن يعنى به ر‬ ‫فالدراسة ّ‬
‫فالنحوية‪ ،‬كما أخذ حلمي خليل اقتصار املخزومي على هذه املستويات مهمال املستوى ّ‬
‫الداللي‪،4‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫والداللي‪ ،‬وجعل علم املعنى لصيقا ّ‬
‫النحوي ّ‬ ‫وبالرغم من ّأن املخزومي جمع بين املستوى ّ‬
‫ّ‬
‫بالنحو‪ ،‬إال‬
‫ّ‬
‫تتعلق باملستوى ّ‬ ‫ّأن هناك معاني ال يتطرق إليها دا س ّ‬
‫الداللي فقط‪.‬‬ ‫النحو‪ ،‬وهي في األخير‬ ‫ر‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.336‬‬


‫ّ‬
‫اللسانيات العربية‪ ،‬عبد ّ‬
‫الرحمن الحاج صالح‪ ،‬ج‪ ،02‬ص ‪.30 ،29‬‬ ‫‪2‬ينظر‪ :‬بحوث ودراسات في‬
‫ّ‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬العربية وعلم اللغة الحديث‪ ،‬محمد داود‪ ،‬دار الغريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪2001 ،‬م‪ ،‬ص ‪.103 ،102‬‬
‫ّ‬
‫‪4‬ينظر‪ :‬العربية وعلم اللغة البنيوي‪ ،‬خليل حلمي‪ ،‬ص‪.71‬‬

‫‪82‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬

‫االستغناء عن مبدأ الصواب والخطأ في دراسة التراث القديم واالهتمام باملعنى في دراسة‬ ‫‪.1.5‬‬
‫عد املخزومي هذا املبدأ قائما على وضع القواعد ّ‬ ‫ّ‬
‫اللغوية‪ ،‬وقد ّ‬
‫النحوية وفق معايير‬ ‫الظواهر‬
‫خاصة لالستعمال في ّ‬
‫النحو العربي‪ ،‬واعتبر‬ ‫ّ‬ ‫ألن املعيارية تهدف إلى فرض نماذج‬‫خاصة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫القواعد التي وضعها نحاة البصرة لالحتجاج بكالم العرب مظهرا من مظاهر املعيارية‪ ،‬كما‬
‫ذهب إلى ّأن املعيارية قائمة على أسس منطقية فهي ال تهتم سوى ّ‬
‫بسن القواعد التي ّ‬
‫تفرق‬
‫ّ ّ‬
‫اللغة ّ‬
‫البد أن تخضع ّأوال للمالحظة‪،‬‬ ‫الصحيح والخاطئ‪ ،‬ثم ذهب إلى أن‬ ‫بين االستعمال ّ‬
‫ّ‬ ‫واالستقراء‪ ،‬فإذا تم ذلك‪ُ ،‬‬
‫انتق َل إلى وصف املادة اللغوية‪.‬‬
‫ّ ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واملتتبع ّ‬
‫املادة اللغوية ُجمعت ّأول مرة‬ ‫للنحو العربي يدرك تماما أنه لم يكن كله معياريا‪ ،‬ألن‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫يؤكد االستعمال الذي ّ‬
‫يعد ركيزة املنهج الوصفي‪ ،‬كما نلحظ بعض مالمح‬ ‫من أعراب البادية‪ ،‬وهذا ما‬
‫النحوي املخزومي‪ ،‬الذي اعتمد مبدأ الخطأ في كثير من موضوعات ّ‬
‫النحو العربي‪،‬‬ ‫الد س ّ‬
‫ّ‬
‫املعيارية في ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وبخاصة ذهابه إلى الترجيح في مسائل الخالف بين مدرستي الكوفة والبصرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫للتطور‪ ،‬بتطور‬ ‫كما ّأن اللغة في نظر مهدي املخزومي عبارة عن ظاهرة اجتماعية خاضعة‬
‫الحياة االجتماعية‪ ،‬وهذا ما دفعه لرفض القياس على القوالب الكالمية الثابتة‪ ،‬وإلغاء التأويالت‬
‫النحاة قديما‪ ،‬كتقدير الفعل أو تقدير الفعل من باب االشتغال‪ .‬ورأى ّأن‬
‫والتقديرات التي دعا إليها ّ‬
‫ّ ّ‬
‫اللغة التي تتطور بشكل دائم ومستمر‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وعد ديمومتها أساس املنهج الوصفي‬ ‫النحو خاضع لتطور‬
‫ّ‬
‫الذي اتبعه املخزومي‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ )2‬التيسي في النحو العربي‪:‬‬
‫وتوسع بعد ا تباطه ّ‬
‫بالنحو العربي وتعليم العربية ّ‬
‫خاصة عند املحدثين‬ ‫ظهر مصطلح التيسير ّ‬
‫ر‬
‫عرفه الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح قائال‪(( :‬هو تكييف‬ ‫وانبرى كل منهم يكتب عنه وفيه‪ ،‬فقد ّ‬
‫التربية الحديثة عن طريق تبسيط ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحو ّ‬
‫الصورة التي تعرض فيها‬ ‫والصرف مع املقاييس التي تقضيها‬
‫النحو‪ ،‬ال في ّ‬
‫النحو ذاته))‪1‬‬ ‫التيسير في كيفية تعليم ّ‬ ‫ّ‬
‫املتعلمين‪ ،‬فعلى هذا ينحصر ّ‬ ‫القواعد على‬
‫املادة ّ‬
‫النحوية وتبسيطها بما يتناسب ومتطلبات العصر‪ .‬وهو عرض‬ ‫ويقصد بذلك مسايرة ّ‬
‫ّ‬
‫املتعلم دون ّ‬ ‫وتقديم للمادة ّ‬
‫النحوية بطرق وأساليب سهلة‪ ،‬وبسيطة ّ‬
‫مشقة وتعقيد‪،‬‬ ‫تقرب إلى ذهن‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪1‬عبد الرحمن الحاج صالح‪ ،‬بحوث ودراسات في علوم اللسان‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬الرغاية‪ ،‬الجزائر‪2007،‬م‪ ،‬ص‪.236‬‬

‫‪83‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫بأنه ((عرض جديد ملوضوعات ّ‬
‫النحو‪ ،‬وترسيخ لها بطرق ّ‬ ‫ي ّ‬ ‫وقد ّ‬
‫حية جذابة‬ ‫عرفه الدكتور محمد صار‬
‫تنصب جهود ّ‬
‫التيسير))‪.1‬‬ ‫ّ‬ ‫فيها إبداع وابتكار‪ ،‬وعلى هذا يجب أن‬
‫ّ‬
‫واملطلع على كتاب الدكتور شوقي ضيف (تيسير ّ‬
‫النحو التعليمي قديما وحديثا مع نهج تجديده)‬
‫يرى ّأن ((التيسير بناه على حذف كل ما فيه من الصعاب وعلى حذف ما تمليه ّ‬
‫نظرية العامل في بناء‬
‫ّ‬ ‫النحو ّ‬‫النحو‪ ،‬ذلك بتخليص ّ‬ ‫ّ‬
‫التعليمي من قواعده وأبوابه الفرعية وزوائده الضارة وتعقيداته‬
‫العسرة))‪ ،2‬وذلك على ضوء ما جاء به ابن مضاء القرطبي من أفكار تجديدية في ّ‬
‫النحو‪.‬‬
‫((وبين ّأن ّ‬
‫التيسير ال يقوم على االختصار؛‬ ‫للتيسير ّ‬‫فض الدكتور مهدي املخزومي هذا املفهوم ّ‬
‫ر‬
‫النحو‪ ،‬ولكن ينبني على‬ ‫النحوية‪ّ ،‬‬
‫والتعليقات والحواش ي التي تمأل بطون كتب ّ‬ ‫وال على حذف الفروع ّ‬
‫الد س ّ‬
‫النحوي وموضوعاته‪ ،‬أصوال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العرض الجديد ملوضوعات النحو بإصالح شامل ملنظومة ر‬
‫وفروعا‪ ،‬ومنها إلغاء نظرية العامل))‪.3‬‬
‫ّ‬
‫وملخص التيسير عند الدكتور أنيس فريحة يتمثل في الدعوة إلى العامية‪ ،‬وإلغاء اإلعراب‪،‬‬
‫ّ‬
‫باإلضافة إلى استبدال الحروف الالتينية بالعربية‪ ،‬يقول‪(( :‬وال نزال إلى يومنا هذا نؤلف كتبا لتيسير‬
‫النحو‪ّ ،‬‬
‫النحو‬ ‫النحو‪ ،‬إحياء ّ‬
‫أظننا قد أفلحنا‪ ،‬وأعتبر عناوين كتب ّ‬‫الناس‪ ،‬وال ّ‬
‫النحو وتقريبه إلى أفهام ّ‬
‫ّ‬
‫ّ ّ‬ ‫التسهيل‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الواضح‪ ،‬الشافي‪ّ ،‬‬
‫تقيد اللغة‬ ‫والتوضيح‪ ،‬وحاشية فالن على كتاب فالن‪ ،‬وغيرها‬ ‫التقريب‪،‬‬
‫ّ‬
‫اللغة التي توقفها عند ّ‬ ‫ّ‬
‫النمو‪ ،‬قد تبقى في بطون الكتب‬ ‫بأحكام مرهقة‪ ،‬يوقف نمو اللغة‪ ،‬وهذه‬
‫ّ‬ ‫واملعاجم‪ ،‬ولكن لغة ّ‬
‫الناس تسير سيرها غير عابئة باألحكام‪ ،‬والشاهد على هذا لغتنا العامية))‪.4‬‬

‫النحوي إذن ليس اختصارا‪ ،‬وال حذفا للشروح والتعليقات‪ ،‬ولكنه عرض جديد‬ ‫ّ‬
‫فالتيسير ّ‬
‫ييسر للناشئين أخذها واستيعابها وتمثلها‪ ،‬ولن يكون ّ‬
‫التيسير وافيا بهذا ما لم‬ ‫النحو ّ‬‫ملوضوعات ّ‬
‫يسبقه إصالح شامل ملنهج هذا ّ‬
‫الدرس وموضوعاته أصوال ومسائل‪.5‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ )3‬جهود النحاة في تيسي النحو العربي قديما وحديثا‪:‬‬

‫ّ‬
‫‪ 1‬بحوث ودراسات في علوم اللسان‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ 2‬شوقي ضيف‪ ،‬تيسير ّ‬
‫النحو التعليمي قديما وحديثا مع نهج تجديده‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫‪ 3‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪4‬أنيس فريحة‪ ،‬نحو عربية ّ‬
‫ميسرة‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪.25 ،24‬‬
‫‪5‬ينظر‪ ،‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.15‬‬

‫‪84‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬

‫ّإن قضية الفكر التيسيري هي قضية قديمة وليست وليدة العصر الحديث كما يعتقد الكثير‬
‫سجلت كتب ّ‬
‫النحو القديمة كثيرا من النقد واملآخذ التي أخذت على النحاة‪،‬‬ ‫الدارسين‪ ،‬فقد ّ‬ ‫من ّ‬
‫النحوي‪ّ ،‬‬‫ضمنوه من فلسفة وتأويالت في تراثهم ّ‬
‫للنحو ودراسته‪ ،‬ومن ذلك ما ّ‬ ‫وغلوهم في التقعيد ّ‬‫ّ‬
‫مما‬
‫بالنحو من ضرر‪ّ .‬‬
‫ومما قيل‬ ‫دفع باملتعلمين آنذاك واملقبلين على د استه إلى الشكوى والتذمر لم لحق ّ‬
‫ر‬
‫((كنا نحضر عند ثالثة مشايخ من ّ‬
‫النحويين فمنهم من ال نفهم‬ ‫فيه ما رواه ابن األنباري عن بعضهم‪ّ :‬‬
‫من كالمه شيئا‪ ،‬ومنهم من نفهم بعض كالمه دون بعض‪ ،‬ومنهم من نفهم جميع كالمه‪ّ ،‬‬
‫فأما من لم‬
‫وأما من نفهم جميع كالمه فأبو سعيد‬ ‫نفهم بعض كالمه دون بعض فأبو على الفارس ي‪ّ ،‬‬
‫تعلمني من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحو ما أقيم به لساني‪،‬‬ ‫السيوطي((أن رجال قال البن خالوية‪ :‬أريد أن‬ ‫السيرافي))‪ .1‬و َر َوى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أتعلم ّ‬
‫النحو‪ ،‬ما تعلمت ما أقيم به لساني))‪ ،2‬فحتى سيبويه‬ ‫فقال له ابن خالوية‪ :‬أنا منذ خمسين سنة‬
‫الزجاجي ّأنه أملى على ّ‬
‫اللحن‪ ،‬وروى عنه ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهو من علماء ّ‬
‫حماد بن سلمة‬ ‫النحو الجهابذة لم يسلم من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬ليس من أصحابي أحد إال لو شئت أخذت عليه‪ ،‬ليس أبا‬
‫الدرداء‪ ،‬فقال سيبويه(ليس أبو الدرداء) فصاح به حماد‪ :‬لحنت يا سيبويه ليس هذا حيث ذهبت‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألطلبن علما ال تلحنني معه‪ ،‬فمض ى ولزم مجلس‬ ‫وإنما هو استثناء‪ ،‬فقال سيبويه‪ :‬ال جرم‪ ،‬وهللا‬
‫األخفش‪ ،‬مع يعقوب الحضرمي والخليل وسائر ّ‬
‫النحوين))‪.3‬‬
‫وكان ّ‬
‫النحو في بداية أمره مع الخليل وتلميذه سيبويه والكسائي‪ ،‬وأبي على الفارس ي‪ ،‬وتلميذه‬
‫ابن جني‪ ،‬نحوا يسيرا ّ‬
‫هينا بحكم الفترة الزمنية الكائنة بين عصر االحتجاج وزمن هؤالء‪ ،‬فكان كتاب‬
‫ّ‬ ‫وأهم مصدر ّ‬‫((الكتاب)) لسيبويه حلقة نافذة‪ ،‬وعلما خالصا ّ‬
‫للنحو العربي حتى عصرنا الحاضر‪ ،‬إال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫متعلمي ّ‬ ‫ّ‬
‫النحو واملطلعين على علم سيبويه بعد ذلك‪ ،‬فقد انحرف‬ ‫أنه لم يسلم من التعقيد لدى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪،‬واتجه علم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحو من وسيلة لتقويم ملكة اللسان إلى غاية‬ ‫وسجيته‬ ‫اللسان الفصيح عن سليقته‬
‫ّ‬
‫املصنفات‬ ‫محفوفة بالعقل والتعقيد‪ ،‬فأخذ النحاة يتسابقون على دراسة الكتاب وشرحه وتوالت‬
‫ّ‬
‫ومطولة وعلى سبيل املثال نذكر كتاب (تنقيح األلباب في شروح غوامض الكتاب) البن‬ ‫مختصرة‬
‫خروف(ت‪،)609‬و كتاب (شرح عيون كتاب سيبويه) ألبي نصر القرطبي‪ ،‬إضافة لظهور املختصرات‬
‫كمقدمة ّ‬
‫النحو لخلف األحمر‪.4‬‬ ‫ّ‬ ‫واملنظومات ّ‬
‫النحوية‪،‬‬

‫‪1‬ابن األنباري‪ ،‬نزهة األلباء في طبقات األدباء‪ ،‬ص‪.234‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ 2‬الدكتور علي أحمد مدكور‪ ،‬تدريس فنون اللغة العربية‪ ،‬دار الشواف للنشروالتوزيع‪1991،‬م‪ ،‬ص‪.324‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.324،325‬‬
‫‪4‬ينظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.326‬‬

‫‪85‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫ّ‬ ‫عدة ظهرت من علماء أ ادوا تيسير ّ‬ ‫دون ُمحاوالت ّ‬ ‫والتاريخ ّ‬
‫النحو فألفوا الكثير من الكتب‪،‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫وأسقطوا منها كثيرا من الظواهر ّ‬
‫النحوية التي ال تتناسب ومقاصد هذا العلم وال تخدم متعلميه‪،‬‬
‫نذكر من بين هؤالء أبو بكر الزبيدي اإلشبيلي ّ‬
‫النحوي في كتابه (الواضح)‪ ،‬و محاولة ابن جني في كتابه‬
‫وبالرغم من ذلك ظ ّل ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(اللمع في العربية)‪ ،‬وكتاب (الجمل) ّ‬
‫النحو مثقال بالتعليالت‬ ‫للزجاجي‪،‬‬
‫والتأويالت‪ ،‬فكانت صيحة ابن مضاء في القرن السادس الهجري (ت‪592.‬ه) دعوة جريئة لتحرير‬
‫(الرد على ّ‬
‫النحاة)‪.1‬‬ ‫كبلته وأثقال التي أقعدته‪ ،‬وهي الثورة التي ّ‬
‫ضمنها في كتابه ّ‬ ‫ّ‬
‫النحو من أغالل التي ّ‬
‫وفي ذلك ندرج أهم الجهود واملحاوالت التي جاء بها علماء التيسير قبل مهدي املخزومي‪:‬‬

‫‪ .1‬ابن مضاء القرطبي(‪386‬ه‪456-‬ه)‪:‬‬


‫يرى املخزومي ّأن محاولة ابن َمضاء القرطبي‪ ،‬جاءت ّ‬
‫لرد نحو املشرق إلى املشرق‪ ،‬أو بعبارة‬
‫ّ‬
‫يخلصه من كثرة الفروع فيه‪ ،‬وكثرة ّ‬ ‫يرد بعض أصول هذا ّ‬ ‫ّأدق يريد أن ّ‬
‫التأويل‪ .2‬حيث‬ ‫النحو‪ ،‬وأن‬
‫ّ‬ ‫قامت هذه ّ‬
‫الدعوة على‪ :‬إلغاء نظرية العامل‪ ،‬إلغاء العلل الثواني والثوالث‪ ،‬إلغاء القياس‪ ،‬فكانت‬
‫دعواه صريحة ال شية فيها‪ .‬ففي دعوته إلى إلغاء نظرية العامل يقول‪(( :‬ومن ذلك ادعاؤهم ّأن النصب‬
‫َ‬ ‫ن ّ‬
‫إال بعامل لفظي أو معنو ّي‪ّ ،‬‬
‫(ضرب‬ ‫وعبروا عن ذلك بعبارات توهم في قولنا‬ ‫والخفض‪ ،‬والجزم ال يكو‬
‫ّ‬
‫ا)إنما أحدثه الفعل َ‬ ‫زيد عمرا)‪ّ ،‬أن ّ‬
‫ض َر َب))‪،3‬كما خالف‬ ‫الرفع الذي في (زيد)‪ ،‬والنصب الذي في (عمر‬
‫وإنما ذكرت لك ثمانية مجار‪ّ ،‬‬‫ّ‬
‫ألفرق بين ما يدخله ضرب من هذه األربعة‪ ،‬ملا‬ ‫سيبويه وأنكر قوله‪(( :‬‬
‫ّ‬
‫يحدثه فيه العامل‪ ،‬وليس ش يء منها – إال وهو يزول عنه‪ -‬وبين ما يبنى عليه الحرف ال يزول عنه لغير‬
‫ّ‬ ‫ش يء أحدث ذلك‪ ،‬فيه من العوامل التي ّ‬
‫لكل عامل منها ضرب من اللفظ في الحرف‪ ،‬وذلك الحرف‬
‫العامل عند سيبويه هو ما يحدث اإلعراب‪َ ،‬وذلك ّبين الفساد على حد ما رآه ابن‬ ‫حرف اإلعراب))‪َ ،4‬ف َ‬
‫ّ‬
‫جني ّأن العامل هو ما يحدثه املتكلم‪ ،‬الذي رآه ابن مضاء قول معتزلة؛‬‫مضاء القرطبي‪ ،‬وقد أى ابن ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬
‫فهم من ينسبون األفعال للمتكلمين‪ ،‬وذهب هو األخير لكونها أصوات من فعل هللا تعالى‪ ،‬كما َيرى ّأن‬
‫اللفظية واملعنوية ال عمل لها؛ فهي أدوات تظهر وتختفي بل ّ‬ ‫ّ‬
‫وتتغير‪ ،‬كما ال تعمل باإلرادة‬ ‫العوامل‬
‫ّ‬
‫والطبع كاإلنسان و الحيوان‪ ،‬وقد أكد ابن مضاء على إلغائه لنظرية العامل من خالل باب االشتغال‬

‫ّ‬
‫‪1‬شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية‪ ،‬ص‪.103‬‬
‫‪2‬ينظر‪ :‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.398‬‬
‫الرد على ّ‬
‫النحاة‪ ،‬ابن مضاء القرطبي‪ ،‬تح شوقي ضيف‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1947 ،01‬م‪1322 ،‬ه‪ ،‬ص‪.76‬‬ ‫‪ّ 3‬‬
‫‪ 4‬الكتاب‪ ،‬ص ‪.13‬‬

‫‪86‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫تفهمها‪ّ ،‬‬
‫ألنها موضع عامل‬ ‫الذي حاول تغيير أحكامه فهو باب(( ّ‬
‫تعسر على من أراد تفهيمها‪ ،‬أو ّ‬
‫ومعمول وال داعي إلى إنكار العامل واملعمول))‪.1‬‬
‫ومن القضايا التي فضها ابن مضاء‪ ،‬وحكم عليها بالفساد واالضطراب (القياس ّ‬
‫النحوي)‪ ،‬قال‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫في ذلك‪(( :‬والعرب ّأمة حكيمة‪ ،‬فكيف ّ‬
‫تشبه شيئا بش يء‪ ،‬وتحكم عليه بحكمه‪ ،‬وعلة حكم األصل‬
‫غير موجود في الفرع‪ ،‬وإذا فعل واحد من ّ‬
‫النحويين ذلك جهل ولم ُيقبل قوله فلم ينسبون إلى العرب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ما يجعل به بعضهم بعضا‪ ،‬وذلك ّأنهم ال يقيسون الش يء‪ ،‬ويحكمون عليه بحكمه‪ ،‬إال إذا كانت علة‬
‫ّ‬
‫حكم األصل موجودة في الفرع))‪ .2‬كما أسقط العلل الثواني والثوالث ألنه رأى ّأن ال فائدة منها‪ ،‬ورفض‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العملية ((وهي ّ‬ ‫ّ‬
‫املتحدث في تعامله باللسان العربي مع غيره‪،‬‬ ‫كل ماال ينتفع به اإلنسان‬ ‫التمارين غير‬
‫فهي قضايا يراها غير مجدية ّ‬
‫وبالتالي ينبغي إسقاطها كإسقاط نظرية العامل))‪.3‬‬
‫النحو القديم والحديث‪ّ ،‬‬
‫واملنبه الذي‬ ‫لقد كانت نظرية ابن مضاء القرطبي بمثابة الفيصل بين ّ‬
‫ّ‬
‫ومتعلميه‪ ،‬غير ّأنها بقيت حبرا على ورق‪ ،‬ووصفها املخزومي ّ‬ ‫أعاد بصيحته روح ّ‬
‫بأنها‬ ‫النحو لدارسيه‬
‫ظل أصحاب التجديد ّ‬
‫والتيسير من‬ ‫وبالرغم من ذلك ّ‬ ‫محاولة عقيمة تحتاج ّ‬
‫لسد بعض الفراغات‪ّ .4‬‬
‫بعده يقفون على مبادئ دعوته القائلة بإلغاء نظرية العامل‪.‬‬

‫قسم املخزومي محاوالت املحدثين بعد ابن مضاء القرطبي إلى قسمين‪ ،‬أو لنقل ُمحاولتين‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فذكر في املحاولة األولى ما جاء به شوقي ضيف‪ ،‬الذي ّ‬
‫يعد أحد ّرواد األدب العربي‪ ،‬وأشهر األدباء‬
‫واللغويين في العصر الحديث‪ّ ،‬‬
‫ولعل تحقيقه لكتاب ّ‬ ‫ّ‬
‫(الرد على النحاة) البن مضاء كان بمثابة دافع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كبير إلشراكه في الفكر التيسيري التجديدي ّ‬
‫التجديدية‬ ‫للنحو‪ ،‬بحيث تشكلت شخصية شوقي ضيف‬
‫مطلع على مدخل الكتاب الذي ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫خصصه لذكر موقفة من التجديد وتأييده لهذا الفكر‪،‬‬ ‫أمام كل‬
‫تجسدت في كتابه (تجديد ا ّلنحو) وقد قال في‬
‫عدة ّ‬ ‫وتبينت نيته ونزعته إلى التيسير بعد اجتهادات ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫أجدد به ّ‬
‫ذلك‪(( :‬وظللت أفكر في وضع كتاب ّ‬
‫النحو‪ ،‬وأقربه لدارسيه ))‪ .5‬وقد تكلم شوقي ضيف في‬
‫النحو من خالل إعادة تنسيق أبواب ّ‬
‫النحو‪ ،‬ودعا‬ ‫كتابه مجموعة من القضايا أهمها‪ :‬أسس تجديد ّ‬
‫إلى إلغاء اإلعراب ّ‬
‫املحلي التقديري‪ ،‬مخالفا بذلك النحاة في بعض األعاريب كإعراب النعت السببي‪،‬‬

‫النحاة‪ ،‬ص‪.118‬‬‫الرد على ّ‬


‫‪ّ 1‬‬
‫‪2‬ينظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.157-156‬‬
‫‪ 3‬عبد املجيد عيساني‪ ،‬النحو العربي بين األصالة ّ‬
‫والتجديد‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫‪4‬ينظر‪ :‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.398‬‬
‫النحو‪ ،‬ص‪.05‬‬ ‫‪5‬شوقي ضيف‪ ،‬تجديد ّ‬

‫‪87‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬

‫خصص قسما تناول فيه قواعد النطق السليم للحروف‬‫وإلغاء العالمات الفرعية في اإلعراب‪ ،‬وقد ّ‬
‫وصفاتها‪ ،‬وأورد األسماء وتصاريفه واستعماالته‪ ،‬كما ّ‬
‫تطرق للمرفوعات واملنصوبات‪ ،‬وكان هدفه من‬
‫الصعيدي‪ ،‬في كتابه ّ‬
‫(النحو‬ ‫هذا العمل تحاش ي التعقيد الذي لحق ّ‬
‫النحو‪ ،‬وذكر محاولة عبد املتعال ّ‬
‫النحو تصنيفا جديدا‪ّ ،‬‬
‫لكنه لم يفعل شيئا‪ ،‬ولم ّ‬
‫يمس‬ ‫الجديد) الذي حاول فيه تصنيف أبواب ّ‬
‫ّ‬ ‫ظنه جديدا ال ّ‬
‫وكل ما ّ‬ ‫ّ‬
‫إال إلى تصعيب‪ّ ،‬‬
‫يتعدى الشكل‪ ،‬وكان‬ ‫املوضوع في ش يء‪ ،‬بل لم ينته من تيسيره‬
‫ّ‬
‫سماعي‪ ،‬وإغفاله تقسيم الكلم إلى معرب‬ ‫من مظاهر تجديده املزعوم‪ :‬تقسيمه الفعل إلى قياس ّي و‬
‫التيسير في جزئيات األبواب عرض للمبتدأ‪ ،‬فجعله مبتدأ مرفوعا‪ ،‬ومبتدأ‬‫ولكنه حين تناول ّ‬
‫ومبني‪ّ ،‬‬
‫إال نوعا واحدا‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫منصوبا‪ ،‬ومبتدأ يرفع وينصب‪ ،‬ولم يكن املبتدأ في ّ‬
‫كأن الغاية من‬ ‫النحو القديم‪،‬‬
‫تجديده‪ ،‬إخراج نحو غاية في اإليجاز‪ ،‬أو ّ‬
‫كأن الغاية منه إبداع في إخراج أوجز املتون‪ ،1‬فقد قال في‬
‫سيسرهم ّأن واحدا منهم ‪ ،‬وصل إلى هذا التجديد في ّ‬
‫النحو‪ ،‬قبل أن‬ ‫ّ‬ ‫كتابه‪ّ (( :‬إن إخواني األزهريين‪،‬‬
‫يصل إليه غيرهم))‪.2‬‬
‫جادة في إصالح ّ‬
‫النحو وتجديده‪،‬‬ ‫وكان من املحاوالت الثانية التي نعتها املخزومي ّأنها محاوالت ّ‬

‫ودراسته في ضوء ما استحدثته املناهج‪ :‬محاولة األستاذ إبراهيم مصطفى التي عرضنا لها سابقا‪،‬‬
‫ومحاولة األستاذ أمين الخولي التي ّ‬
‫قدمها إلى مؤتمر املستشرقين املنعقد في إسطنبول سنة ‪1950‬م‪،‬‬
‫النحو العربي)‪ ،‬الذي اقترح فيه لتجديد ّ‬
‫النحو‪:3‬‬ ‫وموضوعه (االجتهاد في ّ‬

‫ّ‬
‫ألن جمعها لم يستكمل من طرف القدماء‪ ،‬ويرى ّأن‬
‫اللغوية ّ‬ ‫‪ -1‬أن يعاد ّ‬
‫النظر في جمع الثروة‬
‫استكمالها ممكن‪.‬‬
‫‪ -2‬يرى ّأن األجيال توارثوا في الطبيعة العربية ألجيال شؤونا لغوية وأدبية‪ ،‬من لهجات وأوضاع‪،‬‬
‫مما دعت إلى استئناف ّ‬
‫النظر واجتهاد رأي‪.‬‬ ‫وأساليب وكلمات‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخاصة‪ ،‬فتوضع ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدراسة اللغوية على درجة السلم‬ ‫‪ -3‬االستفادة من علم اللغة العام‪ ،‬وفروعه‬
‫النحو على ضوء ّ‬
‫الدراسة‬ ‫النظر في منهج ّ‬‫تم ذلك أعيد ّ‬‫التي تقف فيها الحياة اليوم‪ ،‬فإذا ّ‬
‫التخلي عن ّ‬
‫العام بوجه الخصوص‪ ،‬وذلك يقتض ي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التعليالت‬ ‫الحديثة‪ ،‬وفي ضوء علم اللغة‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.400 ،399‬‬


‫‪2‬عبد املتعال الصعيدي‪ ،‬النحو الجديد‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة (د‪ .‬ت)‪ ،‬ص ‪.267‬‬
‫‪3‬ينظر‪ :‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص ‪.404 ،403‬‬

‫‪88‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫ّ‬
‫اللغوية املنطقية من صيغ إعرابية تلقينيه‪ّ ،‬‬ ‫ّ ّ‬ ‫النحوية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫تردد في غير وعي‬ ‫عما خلفته‬ ‫والتخلي‬
‫كالقول في اإلعراب‪ّ :‬إن النون عوض عن ّ‬
‫التنوين في االسم املفرد‪.‬‬
‫ّ‬
‫اللتان هدفتا إلى إصالح ّ‬ ‫هاتان املحاولتان في نظر املخزومي ّ‬
‫النحو وبنائه من‬ ‫هما املحاولتان‬
‫ّ‬
‫جديد على منهج لغوي أو نحو ّي سليم‪ ،‬فقد اتفق معهم على أصل هام هو استبعاد الفلسفة‬
‫الد اسة ّ‬
‫النحوية‪ ،‬بصلة أو قرابة‪.1‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الكالمية‪ ،‬والتعليالت املنطقية العقلية‪ ،‬وماال يتصل بطبيعة ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ )4‬التيسي النحوي عند مهدي املخزومي‪:‬‬

‫فعني بذلك منذ‬ ‫لقد سعى َمهدي املخزومي إلى استظهار ما طمح فيه إلى تيسير ّ‬
‫النحو العربي‪ُ ،‬‬
‫والتم شمله بأساتذته من الدعاة للفكر التيسيري اإلصالحي‪ ،‬فحاول قراءة التراث‬ ‫أن وطأ الجامعة‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫كل شائبة من شوائب ّ‬ ‫مركزة‪ ،‬وقف فيها على ّ‬‫ّ‬
‫النحو فلم يترك شاردة وال واردة إال‬ ‫القديم قراءة عميقة‬
‫للنحو من سابقتها‪ ،‬وقد استوعب املخزومي َمالمح‬ ‫وقال فيها نقدا؛ ثم ألحقها ببدائل آها أصلح وأنفع ّ‬
‫ر‬
‫التأليف والتدوين بداية من كتابه (مدرسة الكوفة‬ ‫النحوي خطوة بخطوة خالل مسيرته في ّ‬ ‫الد س ّ‬‫ّ‬
‫ر‬
‫والنحو) الذي عرض فيه ألهم املسائل ّ‬ ‫اللغة ّ‬ ‫ّ‬
‫النحوية بين أبرز مدرستين في تاريخ‬ ‫ومنهجها في دراسة‬
‫الخاصة في كل مسألة من تلك املسائل ّ‬
‫مقررا‬ ‫ّ‬ ‫النحو مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة‪ ،‬مدليا بآرائه‬ ‫ّ‬

‫الصواب من كالم‬ ‫حجته بشواهد من كالم العرب والقرآن الكريم وما هو مجانب ّ‬ ‫ّأيهما أحق‪ ،‬مقيما ّ‬

‫جادة منه سنة‬ ‫مصنفا ناقدا بأسلوب متواضع تواضع أهل العلم فيه‪ ،‬وكانت ّأول محاولة ّ‬ ‫العرب‪ّ ،‬‬

‫النحو العربي قواعد وتطبيق)‬ ‫النحو العربي نقد وتوجيه) ثم كتاب (في ّ‬ ‫‪1964‬م‪ ،‬حين ّألف كتابه (في ّ‬

‫للدرس‬‫تخير ّ‬
‫النحو‪ ،‬ثم ّ‬‫جل مصادر ّ‬‫النحوي في بغداد) ليسع فكره بذلك ّ‬ ‫(الد س ّ‬
‫ّ‬
‫سنة ‪1966‬م‪ ،‬وكتابه ر‬
‫النحوي الحديث ما هو أيسر وأصلح له‪ ،‬بما يواكب ظروف العصر ومتطلباته‪ ،‬ولقد وصف الباحثون‬ ‫ّ‬
‫الد س ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحوي‪ ،‬وذلك بما وضعه من‬ ‫املخزومي بأنه صاحب مشروع جعله من كبار املجددين في ر‬
‫(النحو العربي نقد وتوجيه) وفي ّ‬
‫النحو العربي قواعد‬ ‫سيما في كتابيه في ّ‬
‫دراسات في هذا املوضوع‪ ،‬وال ّ‬
‫النحو أخذ ينحرف عن طريقه‬ ‫وتطبيق‪ 2‬ونال عنهما جائزتين كأحسن كتابين‪ .3‬ويرى املخزومي ّأن ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شيئا فشيئا إلى د س ّ‬
‫الدرس اللغوي إال مظهره وشكله))‪ ،4‬كما ّأن‬
‫ملفق غريب‪ ،‬ليس فيه من سمات ّ‬
‫ر‬

‫‪1‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.405‬‬


‫‪2‬عبد املجيد عيساني‪ ،‬النحو العربي بين األصالة والتجديد‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2008 ،1‬م‪ ،‬ص‪.215‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 3‬الشارف لطروش‪ ،‬آ اء مهدي املخزومي في تيسر ّ‬
‫النحو‪ ،‬مجلة مجمع اللغة العربية‪ ،‬دمشق‪2010،‬م‪ ،‬ص‪.561‬‬ ‫ر‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫‪4‬في ّ‬

‫‪89‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫يتسنى لهم عرض قد اتهم في ّ‬
‫التحليل‪ ،‬بينما‬ ‫النحو حتى ّ‬ ‫النحاة اهتموا بطرح مشكالت في ساحة ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أهملوا الهدف األسمى من ظهور ّ‬
‫النحو‪ ،‬ووظيفته في الكالم‪ .‬كما ظل ساخطا على كثرة املؤلفات التي‬
‫ّ‬ ‫وعدها مجرد حشو واجترار َلم يزد في ّ‬
‫النحو إال تعقيدا‬ ‫بالد س الغريب؛ ّ‬‫ّ‬ ‫ُأ ّلفت في ّ‬
‫النحو الذي ّ‬
‫سماه ر‬
‫ّ‬
‫املؤلف في هذا ّ‬
‫الدرس الغريب‪ ،‬موسوعات ومختصرات ومتونا وشروحا‪ ،‬ولكنها‬ ‫فقال‪(( :‬كثرت الكتب‬
‫ّ‬ ‫لم تخطو خطوة في تطوير ّ‬
‫النحو‪ّ ،‬‬
‫ألنها لم تكن إال تكرارا واجترارا‪ ،‬وضج الدارسون في مختلف‬
‫النحو بداية العمل الجاد‬ ‫عد محاولة أستاذه إبراهيم مصطفى في كتابه إحياء ّ‬ ‫العصور))‪ 1.‬كما ّ‬
‫تقدم شيئا جديدا ّ‬
‫ظلت ناقصة ولم ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للنحو ((ولم تفعل شيئا‬ ‫النحوي‪ ،‬غير ّأن هذه املحاوالت‬
‫للتيسير ّ‬
‫ّ‬ ‫تصحح وضعا‪ ،‬ولم ّ‬
‫ّ‬ ‫قوته وحيويته‪ّ ،‬‬ ‫الدرس ّ‬ ‫يعيد إلى هذا ّ‬
‫تجدد منهجا ولم تأت بجديد إال‬ ‫ألنها لم‬
‫اصالحا في املظهر‪ ،‬وأناقة في اإلخراج‪ّ ،‬أما القواعد فهي هي‪ّ ،‬‬
‫وأما املوضوعات فكما ورثناها‪ ،‬حتى‬
‫ّ‬ ‫األمثلة‪ ،‬لم يصبها من ّ‬
‫التجديد إال نصيب ضئيل))‪ .2‬فالتيسير ليس مجرد اختصار وحذف وشروح‬
‫كما كانوا يعتقدون بل هو ((عرض جديد ملوضوعات ّ‬
‫النحو بيسر للناشئين أخذها واستيعابها‬
‫وتمثلها))‪.3‬‬
‫مهدت ّ‬
‫للتيسير ّ‬
‫السليم‪ ،‬مما أدى‬ ‫لقد ُع ّد املشروع ّ‬
‫النحوي عند املخزومي بداية طريق جديد ّ‬
‫النحوي في العصر الحديث‪ ،‬فقد عرض ملوضوعاته‬‫الد س ّ‬ ‫إلى إحداث ثورة حقيقية أسهمت في ّ ّ‬
‫تطور ر‬
‫يمسهم من أهداف ّ‬ ‫املادة ّ‬
‫وتعلم ّ‬‫ّ‬
‫النحو ما‬ ‫النحوية على أن ّ‬ ‫بما يتماش ى َوقدرة الناشئة في استيعاب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫((الد اسة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫النحوية كلها موضوعات لغوية‬ ‫كان يبتغيه النحاة األوائل الذين وضعوه‪ ،‬وهو ما يؤكد أن ر‬
‫تهدف إلى ناحية تطبيقية تفيد منها األجيال‪ ،‬فيما تقرأ وفيما تتكلم وفيما تفيد))‪.4‬‬
‫فالد س ّ‬
‫النحوي عند املخزومي يعالج موضوع الجملة التي اعتبرها موضوعا له؛ ونقطة‬ ‫ّ‬
‫إذن‪ ،‬ر‬
‫املكونة لها‪ ،‬وما ّ‬
‫يمسها من تقديم‬ ‫انطالقة عند البدء به‪ ،‬وذلك من حيث تأليفها ونظامها وأجزائها ّ‬
‫وتأخير‪ ،‬وإضمار‪ ،‬وإظهار‪ .‬وما يعرض لها من معان عند ّاتصالها بأدوات التعبير ّ‬
‫كالتوكيد‪ ،‬والنفي‬ ‫ٍ‬
‫وأدواته‪ ،‬وغيرها من املعاني ّ‬
‫العامة بما يتناسب ومقتض ى الخطاب والقول‪.‬‬

‫‪1‬ي ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪2‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪3‬املصدر السابق ص‪.15‬‬
‫الدرس ّ‬
‫النحوي في بغداد‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫‪ّ 4‬‬

‫‪90‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫ّ‬
‫معالم التجديد في الفكراملخزومي‪.‬‬
‫الد س ّ‬
‫ّ‬
‫النحوي املخزومي‪.‬‬ ‫ّأوال‪-‬الجملة في ر‬
‫الد س ّ‬
‫النحوي املخزومي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ثانيا‪-‬أقسام الكالم في ر‬
‫ظل الواقع ّ‬
‫التعليمي ّ‬
‫للنحو العربي‪.‬‬ ‫ثالثا‪-‬اآل اء ّ‬
‫التيسيرية عند املخزومي في ّ‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫َ‬
‫علماء أخذوا من كنوز‬ ‫النحو العربي‪ ،‬الزالت ُتستخلص من بطون عربية َ‬
‫أنجبت‬ ‫صا ة ّ‬ ‫ّ‬
‫إن ُع َ ر‬
‫ٍ‬
‫النحو؛ ّ‬ ‫َ‬
‫وتكليفا‪ُ ،‬مبحرين في عالم ّ‬ ‫ّ‬
‫متدبرين في صنيع‬ ‫األولين علمهم وميراثهم‪ ،‬تأليفا وتصنيفا وتمحيصا‬
‫النحاة من عسجد نحوي‬ ‫القدماء بما حملته كتب التراث‪ ،‬فعملوا على انتقاء ما جادت به عقول ّ‬
‫مكنون‪ ،‬وواكب صرح الحضا ة العربية وأدمغة أبنائها‪ .‬وكان ّ‬
‫الدكتور مهدي املخزومي من أولئك‬ ‫ر‬
‫صفاءه‪ ،‬وجاهدوا في سبيل ذلك‪َ ،‬فحملوا أنفسهم عليه من د اسة ّ‬
‫للنحو حتى‬ ‫َ‬ ‫الذين أ ادوا ّ‬
‫للنحو‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫قدم في القديم كتبا ُحفظت للتراث واستخلص منه لجديده ما يحفظ مع التراث‪.‬‬
‫ّ‬
‫وفي هذا الشطر من بحثنا‪ ،‬أوردنا من فكر املخزومي والقضايا املتعلقة بالجملة والكالم في‬
‫د سه ّ‬
‫النحوي‪ ،‬وهي كاآلتي‪:‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫‪ )1‬الجملة في ّ‬
‫الدرس النحوي املخزومي‪:‬‬
‫‪ -1‬الجملة‪:‬‬
‫لقد تناول الدكتور مهدي املخزومي الجملة العربية نقدا وتحليال‪ ،‬فدعا في كتابه ّ‬
‫(النحو العربي‬
‫النحوي وتقويمه على ضوء دراسته الجملة‪،‬‬ ‫الد س ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نقد وتوجيه) إلى إعادة النظر في موضوعات ر‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق)‪ .‬وقد ع ّرف مهدي املخزومي الجملة‬ ‫مطبقا ما دعا إليه في كتابه (في ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫املركب الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يبين‬ ‫بقوله‪(( :‬هي الصورة اللفظية الصغرى للكالم املفيد في ّأية لغة من اللغات‪ ،‬وهي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتكلم به ّأن صورة ذهنية كانت قد تألفت أجزاؤها في ذهنه‪ ،‬وهي الوسيلة التي تنقل ما جال في ذهن‬
‫اللغات هي أصغر وحدة ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫نتلفظ بها أثناء‬ ‫السامع))‪ .1‬ويقصد بهذا ّأن الجملة في كل‬‫املتكلم إلى ذهن ّ‬
‫ّ‬
‫اللفظي إلى ّ‬
‫الت ّ‬
‫صور الذهني‬ ‫الكالم على أن تكون فيه إفادة‪ ،‬فهي بالضرورة تؤدي بالسامع من التركيب‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يؤدي للفهم الصحيح للغة‪ ،‬وهي األداة الناقلة للصور الذهنية بين املتكلمين‪ ،‬في حين ّأن‬ ‫في العقل ما ّ‬
‫ّ‬ ‫أصغر وحدة لغوية في ّ‬
‫الدرس اللساني الحديث هو الفونيم وتعتبر الجملة أكبر وحدة لغوية عند هذا‬
‫الدكتور (حلمي خليل) تعريف املخزومي للجملة فقال‪ّ (( :‬أما ّأنها أصغر الوحدات‬ ‫األخير‪ .‬كما انتقد ّ‬

‫الصحيح‪ ،‬أي ّأن‬‫الكالمية الصغرى فهو تعريف لم يقل به املنهج العلمي الحديث‪ ،‬بل العكس هو ّ‬
‫الجملة هي الوحدة الكالمية الكبرى‪ّ ،‬أما الوحدة الكالمية الصغرى فهي الفونيم))‪.2‬‬

‫النحو العربي نقد وتوجيه‪.31،‬‬‫‪ 1‬في ّ‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪2‬خليل حلمي‪ ،‬العربية وعلم اللغة البنيوي‪ ،‬دراسات في الفكر اللغوي العربي الحديث‪ ،‬دار املعرفة الجامعية‪ ،‬مصر‪1995 ،‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.76‬‬

‫‪92‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫عرفها ّ‬
‫بأنها ((في‬ ‫ولقد كان تعريف املخزومي للجملة نابع من تأثره بالدكتور إبراهيم أنيس حين ّ‬
‫أقصر صورها هي أقل قدرا من الكالم يفيد السامع معنى مستقال بنفسه سواء أ تركب هذا القدر‬
‫من كلمة واحدة أو أكثر))‪.1‬‬
‫ويذهب املخزومي بفكره ا ّلنحوي إلى تخصيص الجملة فيذكر (الجملة ّ‬
‫التامة) معتبرا ّإياها‬
‫يصح السكوت عليها‪ ،‬وقوامها الرئيس هو اإلسناد بطرفيه املسند واملسند‬ ‫أبسط الصور الذهنية التي ّ‬
‫ّ‬ ‫النسيم) جملة ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫تامة أساسها إسناد املسند (النسيم) إلى املسند‬ ‫إليه‪ ،‬وساق لنا األمثلة في قوله‪( :‬هب‬
‫إليه ّ‬
‫(هب)‪ ،‬فكان اإلسناد بمثابة العالقة الذهنية الرابطة بينهما‪2.‬‬

‫ّ‬
‫كما يرى املخزومي أنه لم ُي ّر قط في علوم العربية لفظ يدل على اإلسناد‪ ،‬وهذا ليس صحيحا‬
‫ّ‬
‫ألن الجملة العربية ّ‬
‫تضمنت في استعماالتها قديما ما يعبر عنه بفعل الكينونة‪ ،‬وأورد في ذلك ما قالته‬
‫العرب قديما‪:‬‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫إذا ته ُّب ش ْمأ ٌل َب ِليل‬ ‫اج ٌد ن ِبيل‬ ‫َ‬
‫أنت تكون م ِ‬

‫الرافعة لالسم‪ ،‬والناصبة للخبر‪ ،‬وهي فعل الكينونة كما‬ ‫ف )تكون( زائدة‪ّ ،‬‬
‫ألنها لم تعمل عمل (كان) ّ‬
‫ّ‬
‫وجلي ّأن هذا العنصر الثالث‪-‬‬
‫ويعلق الدكتور علي أبو املكارم على هذا الرأي فيقول‪ّ (( :‬‬ ‫زعم املخزومي‪.‬‬
‫اإلسناد‪-‬الذي أضافه املخزومي ال وجود له من ّ‬
‫الناحية الواقعية في بناء الجملة العربية‪ ،‬وإن التمس‬
‫له بعض الجذور التاريخية‪ ،‬األمر الذي يقف بنا عمليا في إطار املأثورات التراثية))‪.3‬‬
‫ّ ّ‬ ‫ولقد استغنى نحاة العربية قديما في ّ‬
‫وحل محله‬ ‫الداللة على اإلسناد عن فعل الكينونة‪،‬‬
‫وسماه أهل الكوفة (عمادا) وكان الهدف من استعماله‬ ‫فسمي عند البصريين (فصال) ّ‬‫ّ‬ ‫الضمير (هو)‬
‫الشاعر‪ ،‬حتى ال يظن ّ‬
‫الدارس ّأنهما نعتان ال مسندان‪4.‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫اجتناب اللبس في الجملة االسمية نحو‪ :‬محمد‬
‫بحيث ّأن كال من املسند (محمد) واملسند إليه(الشاعر)‪ ،‬في هذه الجملة معرفة‪ ،‬وهذه الجملة ّ‬
‫تامة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مستوفية متطلبات اإلسناد‪ ،‬فإذا جيء بهذا الضمير (هو)‪ ،‬زال اللبس‪ ،‬وكان الكالم نصا في اإلسناد‪،‬‬
‫نحو‪ :‬محمد هو الشاعر‪.‬‬

‫ّ‬
‫‪1‬إبراهيم أنيس‪ ،‬من أسرار اللغة‪ ،‬مكتبة األنجلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1981 ،01‬م‪ ،‬ص‪.276‬‬
‫‪ 2‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪3‬علي أبو املكارم‪ّ ،‬‬
‫مقومات الجملة العربية‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2006 ،01‬م‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪ 4‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.32‬‬

‫‪93‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫كما أشار مهدي املخزومي الجملة العربية في أكثر حاالتها ّ‬
‫تضمن ما يشير إلى اإلسناد‪ ،‬وهو‬
‫ّ َ‬ ‫ّ ّ‬
‫تعد علم اإلسناد‪ ،‬وهو رأي جاء به الدكتور إبراهيم‬ ‫الضمة اللصيق باملسند إليه والتي‬ ‫صوت‬
‫وأن موضعها هو‬‫الضمة علم اإلسناد‪ّ ،‬‬
‫األول ّأن ّ‬
‫النحوية حين قال‪(( :‬واألصل ّ‬ ‫نظريته ّ‬
‫مصطفى في ّ‬
‫املسند إليه املتحدث عنه))‪ 1‬ووافقه فيه تلميذه املخزومي‪.‬‬
‫حظها من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الد س ّ‬
‫ّ‬
‫الدراسة عند النحاة‬ ‫النحوي‪ ،‬إال ّأنها لم تنل‬ ‫وبالرغم من أهمية الجملة في ر‬
‫ّ‬
‫كما يذكر املخزومي‪ ،‬فهم لم يعرضوا لها كموضوع خاص وإنما أشاروا إليها في بعض ثنايا مواضيع‬
‫مما أصاب هذه ّ‬
‫الدراسة الجمود وحرمت‬ ‫أخر‪ ،‬كعرضهم الخبر والنعت والحال في الجملة العربية ّ‬
‫مصادر حيويتها‪.‬‬

‫‪ -2‬أقسام الجملة‪:‬‬
‫الدكتور مهدي املخزومي صيده ّ‬
‫النحوي في الجملة العربية حين ّ‬
‫تطرق إلى تقسيماتها‬ ‫لقد أثرى ّ‬
‫ر‬
‫عند ّ‬
‫النحويين قديما‪ ،‬فكانت عندهم على قسمين‪ :‬جملة إسمية‪ ،‬وجملة فعلية‪ ،‬وهو ((تقسيم صحيح‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يقره الواقع اللغوي))‪ ،2‬وقد أضاف ابن هشام األنصاري إلى هذين القسمين قسما ثالثا وسماه الجملة‬
‫ّ‬ ‫الظرفية‪ ،‬وأضاف أبو علي الفارس ي ّ‬
‫والزمخشري قسما رابعا ّ‬
‫سماه الجملة الشرطية‪.‬‬
‫ّ‬
‫يوفقوا في تصنيف الجملتين االسمية والفعلية‪ ،‬وذكر من ر ّ‬
‫أي نحاة‬ ‫رأى املخزومي ّأن النحاة لم‬
‫البصرة وابن هشام الذي استفاض في حديثه حول الجملة العربية حين رأى ّأن الجملة االسمية هي‬
‫تصدرها فعل نحو‪ :‬قام زيد‪،‬‬‫الزيدان‪ ،‬والجملة الفعلية ما ّ‬ ‫ما ّ‬
‫تصدرها اسم كقولنا‪ :‬زيد قائم‪ ،‬وقائم ّ‬
‫ّ‬ ‫التقسيم الذي نعته املخزومي ّ‬ ‫اللص‪ ،‬هذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫بالتقسيم الساذج الذي ال يقوم إال على أساس‬ ‫وضرب‬
‫ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫الط ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫لفظي نحو تحديدنا َ‬
‫البدر) جمل‬ ‫الع‪ ،‬وطالع‬ ‫و(البدر طالع‪ ،‬البدر‬ ‫البدر) جملة فعلية‪،‬‬ ‫(طلع‬
‫اسمية‪.‬‬
‫واملبرد‪ ،‬الذين ّ‬
‫عدوا‬ ‫كما أخذ املخزومي على ابن هشام وغيره من البصريين أمثال سيبويه ّ‬
‫ّ‬ ‫الجملة االسمية أساسا للجمل العربية‪ ،‬وذكر ّأن جملة (قائم َ‬
‫الزيدان) تمثيل غير موفق‪ ،‬واعتبر‬
‫(الزيدان) فاعال ال مبتدأ‪ ،‬وهذا ما ينفي اسمية الجملة‪ ،‬كما أنكر عليهم جعل االسم أصال للفعل‬

‫النحو‪ ،‬ص‪.43‬‬ ‫‪ 1‬إحياء ّ‬


‫‪ 2‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.39‬‬

‫‪94‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ألن الفعل أساس ّ‬
‫التعبير في جميع اللغات‪ ،‬وذهب إلى ّأن الفعل أصل‬ ‫ومصدر أصل للمشتقات‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫واالسم فرع‪ 1،‬وهذا رأي أستاذه إبراهيم مصطفى أيضا‪.‬‬
‫وقد ّ‬
‫قسم مهدي املخزومي الجملة العربية إلى ثالثة أقسام هي‪:‬‬

‫الجملة الفعلية‪:‬‬ ‫‪.2.1‬‬


‫ّ‬
‫وأن الفعل يفيد التج ّدد‬
‫اللغة ّأن االسم يفيد الثبوت والدوام‪ّ ،‬‬ ‫من القواعد املقررة عند أهل‬
‫ُ‬ ‫والحدوث‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬خالد حافظ‪ ،‬أفاد ثبوت الحفظ لخالد‪ ،‬وإذا َ‬
‫قلت‪َ :‬يحفظ خالد‪ ،‬كان معنى ذلك‬
‫ّأن خالدا آخذ في سبيل الحفظ‪ ،‬فحفظه يحصل شيئا فشيئا‪ .2‬وقد أوجز املخزومي في شرح الجملة‬
‫التجدد‪ ،‬أو التي ّيتصف فيها‬
‫بأنها الجملة التي يدل فيها املسند على ّ‬
‫فعرفها ّ‬
‫الفعلية من هذا املنطلق ّ‬
‫متجددا‪ ،‬أي ما يكون فيها املسند فعال‪ ،3‬يقول الجرجاني‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫((إن موضوع‬ ‫املسند إليه باملسند اتصافا‬
‫تجدده‪ ،‬شيئا بعد ش يء‪ّ ،‬‬
‫وأما الفعل‬ ‫االسم على أن يثبت به املعنى للش يء من غير أن يقتض ي ّ‬
‫َ‬ ‫فموضوعه على أن يقتض ي ّ‬
‫تجدد املعنى املثبت به شيئا فشيئا‪ ،‬بل يكون املعنى فيه كقولك‪َ :‬زيد طويل‪،‬‬
‫يتجدد‪ ،‬بل توجبهما وتثبتهما‪ ،‬وتقض ي‬‫وعمر قصير‪ ،‬فكما ال يقصد ههنا إلى ّأن الطول والقصر‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ألكثر من إثباته لزيد‪ّ ،‬‬
‫وأما الفعل فإنه‬ ‫بوجوبهما على اإلطالق‪ ،‬كذلك ال تتعرض في قولك‪ :‬زيد منطلق‪،‬‬
‫يقصد فيه إلى ذلك‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬زيد هو ذا ينطلق‪ ،‬فقد زعمت ّأن االنطالق يقع منه جزءا فجزءا‪،‬‬
‫وجعلته يزاوله‪ّ ،‬‬
‫ويزجيه))‪.4‬‬

‫الجملة االتمية‪:‬‬ ‫‪.2.2‬‬


‫ّ‬ ‫وهي ما يدل فيها املسند على الثبات ّ‬
‫والدوام‪ ،‬وال يكون ذلك إال إذا جاء املسند اسما‪ ،‬نحو قولنا‪:‬‬
‫ّ‬
‫يدالن على ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الدوام والثبوت‪ ،5‬وفي‬ ‫ف(أخوك) و(معدن) اسمان‬ ‫أخوك)‪ ،‬و(الحديد معدن)‪،‬‬ ‫(محمد‬
‫فأما األولى ال اختالف فيها‪ ،‬و ّأما‬
‫ذلك مثالنا السابق‪( :‬طلع البدر)‪ ،‬و(البدر طالع) هي جمل فعلية‪ّ ،‬‬
‫الثانية فهي عند القدماء جملة اسمية‪ ،‬وذهبوا إلى أ ّن الجملة االسمية ما تبدأ باسم‪ ،‬وذهب املخزومي‬
‫إلى فعليتها ّ‬
‫ألن (طالع) فاعل ال مبتدأ‪ ،‬و هذا ّ‬
‫الرأي بعيد عن التأويالت والتعليالت التي عانا منها النحاة‬

‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.41-39‬‬ ‫‪1‬ينظر‪ :‬في ّ‬


‫ّ‬
‫السامرائي‪ ،‬ملخص معاني األبنية في العربية‪ ،‬جامع الكتب اإلسالمية ‪-‬املجلد ‪- 1‬الصفحة ‪.3‬‬ ‫‪2‬‬

‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.41‬‬ ‫‪ 3‬في ّ‬


‫‪ 4‬عبد القاهر الجرجاني‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬مطبعة املنار‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.134 ،133‬‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬ص‪.86‬‬ ‫‪ 5‬في ّ‬

‫‪95‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫َ َ‬
‫قديما؛ حين جعلوا من هكذا جمل جمال اسمية‪ ،‬فطبيعة الجملة االسمية تختلف عن طبيعة الجملة‬
‫الفعلية ال ّبد فيهما من التفريق بين املسند إليه في األولى والثانية ليكون ّ‬
‫األول مبتدأ ويكون الثاني‬
‫فاعال‪ ،‬سواء كان الفعل فيهما مبنيا للمعلوم أو املجهول‪.1‬‬
‫در َط َل َع) جملة اسمية ّ‬
‫يحملنا على الذهاب إلى اعتبار االسم (البدر) مبتدأ‪،‬‬ ‫فالقول ّأن َ‬
‫(الب ُ‬
‫وبالتالي خال الفعل من فاعله‪ ،‬واضطر ّ‬
‫الدارس إلى تقدير الفاعل‪ ،‬بضمير يعود على املبتدأ‪ ،‬لتصبح‬
‫ّ‬
‫علل بن األنباري هذا ّ‬ ‫ّ‬
‫بأن ((الفاعل ينزل منزلة الجزء من الكلمة وهي‬ ‫هذه الجملة مركبة‪ .‬وقد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الفعل))‪ ،2‬وذهب ابن يعيش مثل مقالته وعلل وجوب تأخر الفاعل عن الفعل بقوله‪(( :‬إنما وجب‬
‫تقديم خبر الفاعل‪-‬يعني الفعل‪-‬ألمر وراء كونه خبرا‪ ،‬وهو كونه عامال‪ ،‬ورتبة العامل أن يكون قبل‬
‫ثم ذهب املخزومي إلى ّأن كلمة(البدر) في الجملة‬
‫املعمول‪ ،‬وكونه عامال فيه سبب أوجب تقديمه))‪ّ ،3‬‬
‫ّ‬ ‫السابقة هو فاعل ّ‬
‫مقدم للفعل املتأخر بعده (طلع) فلم يطرأ أي تغيير سوى تقدم املسند إليه الذي‬
‫نسميه في الجملة الفعلية فاعال‪ ،‬فالقول ّأن الجملة (طلع ُ‬
‫البدر) اسمية‪ ،‬فهذا يبعدنا عن التأويالت‬ ‫ّ‬
‫والتقديرات التي ال طائل منها‪.4‬‬
‫ّ‬
‫الجملة الظرفية والجملة الشرطية‪:‬‬ ‫‪.2.3‬‬
‫الدار يد؟) إذا ّ‬
‫قدرنا (زيدا)‬ ‫هي الجملة البادئة بظرف أو مجرور نحو‪( :‬أعندك يد؟) أو (أفي ّ‬
‫ز‬ ‫ز‬
‫ّ‬
‫فاعال بالظرف الجار واملجرور‪ ،‬ال باالستقرار املحذوف‪ ،‬وال مبتدأ مخبرا عنه‪ .5‬وهي عند املخزومي‬
‫التي يكون فيها املسند ظرفا أو مضافا إليه بالجار واملجرور‪ ،‬ويكون املسند إليه نكرة كقولنا‪( :‬عند زي ٍد‬
‫الدار رجل) فهذه الجمل ليست جمال فعلية؛ ّ‬
‫ألنها ال تحتوي فعال‪ ،‬وال‬ ‫نمرة)‪( ،‬أمامك عقبات) َو( في ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اسمية كون املبتدأ لم يبتدئ بها ولم يتأخر لسبب‪ ،‬بل كان أساس هذه الجملة االبتداء بالظرف‬
‫ّ‬
‫وتأخر املسند إليه ّ‬ ‫(أمامك) أو الجار واملجرور (في ّ‬
‫النكرة(عقبات) و (نمرة)‪(،‬رجل)‪ ،‬فأعربه‬ ‫الدار)‪،‬‬
‫بالظرف أو بالجار واملجرور‪ّ ،‬أما إذا كان معرفة نحو‪( :‬في ّ‬ ‫ّ‬
‫الدار زيد) فالجملة هنا هي جملة‬ ‫فاعال‬
‫قدم لالهتمام به‪.6‬‬‫ألن املسند ّ‬
‫اسمية ال ظرفية ّ‬

‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.44-42‬‬ ‫‪1‬ينظر‪ :‬في ّ‬


‫‪2‬ابن األنباري‪ ،‬أسرار العربية‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫ّ‬
‫املفصل‪ ،‬إدارة الطباعة املنيرية‪ ،‬ج‪ ،01‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬ص‪.84‬‬ ‫‪3‬ابن يعيش‪ ،‬شرح‬
‫‪4‬ينظر‪ :‬في النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص ‪.43 ،42‬‬
‫ّ‬
‫‪5‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬مغني اللبيب عن كتب األعاريب‪ ،‬مصر‪1964،‬م‪ ،‬ط‪.40/2 ،1‬‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬ص‪.160 ،86‬‬ ‫‪6‬ينظر‪ :‬في ّ‬

‫‪96‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫ّ‬
‫ويبدو ّأن ما جعله املخزومي قبيل الجملة الظرفية هو من أشكال الجملة االسمية ألنه يصح‬
‫عقبات‪ ،‬ولو كان املسند إليه‬ ‫النواسخ‪ ،‬نحو‪ّ :‬إن عند يد نميرة‪ّ ،‬‬
‫وإن أمامك‬ ‫أن ندخل على املسند ّ‬
‫ٍ‬ ‫زٍ‬
‫فاعال كما رأى املخزومي ملا ّ‬
‫صح دخول هذه النواسخ عليه‪.‬‬
‫ّ‬
‫الشرطية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ويعد ّ‬
‫وعدها قسما مستقال‪،‬‬ ‫الزمخشري‪ّ ،‬أول نحوي ورد عنه مصطلح الجملة‬
‫مخالفا جمهور النحاة الذين ّ‬
‫عدوها جملة فعلية مركبة من جملة الشرط وجملة جواب الشرط‪،‬‬
‫بالتحليل العقلي على جزأين‪ ،‬يقوم ّ‬
‫األول مقام‬ ‫ويرى املخزومي ّأن الشرط هو أسلوب لغوي ينبني ّ‬
‫بتحقق ّ‬‫إال ّ‬ ‫ّ‬ ‫املسبب‪ ،‬وال ّ‬
‫السبب‪ ،‬والثاني مقام ّ‬
‫األول‪ ،‬وعرض لرأي النحاة الذين جعلوا‬ ‫يتحقق الثاني‬
‫الجزم بوصفه إعر ُابا يقوم على جملة الشرط وجوابها‪ ،‬غير ّأن املخزومي أى ّأنه كان ّ‬
‫البد من دراسة‬ ‫ر‬
‫تعبر عن فكرة واحدة‪ ،‬ور ّد القول ّ‬
‫بأنها‬ ‫تامة ّ‬
‫الشرط على كونه جملة واحدة فهي بالنسبة له جملة ّ‬
‫تنقسم لشطرين إلى التحليالت العقلية واملنطقية التي تأثر بها النحاة قديما‪1.‬‬

‫ّ‬
‫ولعل اشتراط اإلسناد في الجملة عند املخزومي‪ ،‬يجعله يتناقض في تفسيره للجملة الشرطية‪،‬‬
‫تتألف من جملتين تربطهما أداة شرط‪ ،‬وكل جملة من الجملتين ّ‬‫ّ‬
‫يتحقق فيها شرط اإلسناد‪ ،‬بينما‬ ‫فهي‬
‫ّ‬
‫املعنى ال يكتمل في الجملة األولى إال باكتمال الجملة الثانية‪ ،‬فهو جعلهما جملة واحدة‪ ،‬وذهب إلى ّأن‬
‫ّ‬
‫املعنى مهم في مفهوم الجملة؛ فاتخذه دليال ومعيارا لقوله‪ ،‬بعدما رأى ّأن الجملة تعتمد على املسند‬
‫واملسند إليه‪ ،‬واإلسناد‪ ،‬ولهذا وطأ مواطن االضطراب في تحديده ملفهوم الجملة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )2‬أقسام الكالم في ّ‬
‫الدرس النحوي املخزومي‪:‬‬

‫يكاد يجمع النحاة على ّأن تقسيم الكالم يكون على ثالثة أقسام‪ :‬اسم‪َ ،‬وفعل‪ ،‬وحرف‪ .‬وجاء‬
‫السراج وغيرهم‪ 2‬وقد أضاف‬ ‫ّ‬
‫والزجاج‪ ،‬وابن ّ‬ ‫والفراء‪ّ ،‬‬
‫واملبرد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ذلك على لسان سيبويه‪ ،‬والكسائي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بعضهم قسما‪ّ ،‬‬
‫وسماه (الخالفة)‪ .3‬واختلفوا في تحديدهم ملفاهيم هذه األقسام‪ ،‬فطبيعة اللغة‬
‫َوسعتها‪َ ،‬و ّ‬
‫تعدد املعنى الواحد والداللة والزمن سبب في هذا الخالف‪ ،‬فهي بطبعها ال تخضع لهذه‬
‫التقسيمات التي وضعها النحاة‪ ،‬ولهذا نجد من املحدثين من يعتمد ّ‬
‫التقسيم ّ‬
‫الرباعي للكالم‪ ،‬كما هو‬ ‫ّ‬

‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص ‪.58 ،56‬‬ ‫‪ 1‬ينظر‪ :‬في ّ‬


‫‪2‬فاضل الساقي‪ ،‬أقسام الكالم العربي‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪1397،‬ه‪1977 /‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪3‬همع الهوامع‪.15/2 ،‬‬

‫‪97‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫السباعي كما فعل تمام حسان‪ّ 2‬‬
‫فعدد‬ ‫التقسيم ّ‬ ‫الحال عند الدكتور فؤاد ُترزي‪ 1‬وهناك من اعتمد ّ‬
‫ّ‬ ‫االسم‪َ ،‬و ّ‬
‫الصفة‪ ،‬والفعل‪ ،‬والضمير‪ ،‬الخالفة‪ ،‬والظرف واألداة‪ ،‬وتابعه في ذلك فاضل الساقي‪ ،3‬ولنا‬
‫أن نناقش هذه األقسام كما ذكرها املخزومي في ضوء ّ‬
‫التقسيم الثالثي الذي اعتمده النحاة قديما‪.‬‬

‫يقول سيبويه‪(( :‬فالكلم اسم وفعل َوحرف ملعنى ليس باسم وال فعل‪ ،‬فاالسم رجل‪َ ،‬وفرس‪،‬‬
‫ّ‬
‫وأما الفعل فأمثلته أخذت من لفظ أحداث األسماء وبنيت ملا مض ى وملا يكون ولم يقع‪ ،‬وما هو كائن‬
‫لم ينقطع))‪.4‬‬

‫ئيسيين هما‪ :‬املعرب واملبني‪َ ،‬واملعرب هو االسم‪ّ ،‬أما‬ ‫بينما ّ‬


‫قسم املخزومي الكلمات إلى قسمين ر ّ‬
‫املبني فهو الفعل واإلشا ة واألداة‪ّ .‬‬
‫ويعدد األلفاظ التي يبنى فيها االسم على حركة واحدة وهي في االسم‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫املختوم بألف‪ ،‬أو املركب الجاري مجرى القوالب الثابتة‪ ،‬كمركبات األعداد‪ ،‬نحو‪ :‬أحد عشر إلى‬
‫ثم يمض ي في معالجة قضايا الكلمة‪ ،‬وينتهي إلى ّأن الكلمة أربعة أقسام هي‪ :‬اسم وفعل‬‫تسعة عشر‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫َوأداة وكناية‪ .‬يقول املخزومي في هذا ّ‬
‫الصدد‪(( :‬فالفعل واالسم واألداة إذن هي األقسام التي اتفق‬
‫الدراسة‪ ،‬وقد عرضنا لألقسام األولى وال بد من الوقوف أمام القسم‬ ‫النحاة عليها منذ نشوء هذه ّ‬

‫الرابع أعني الكنايات))‪.5‬‬

‫‪ -1‬األفعال‪:‬‬
‫لفظ أحداث األسماء‪ّ ،‬‬
‫وقسمه إلى ثالثة أقسام‪ :‬ماض ي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ذكر سيبويه أن الفعل هو ما أخذ من ٍ‬
‫ثم عرض لوظائفه ّ‬
‫الصرفية فقال‪ّ :‬‬
‫((وأما الفعل فأمثلته أخذت من لفظ أحداث‬ ‫َومضارع َوأمر‪ّ ،‬‬
‫َ‬
‫وسمع‬ ‫األسماء‪ ،‬وبنيت ملا مض ى وملا يكون ولم يقع‪ ،‬وما هو كائن لم ينقطع‪ّ ،‬‬
‫فأما بناء ما مض ى فذهب‬
‫اذهب‪ُ ،‬‬ ‫فإنه َ‬
‫قولك آمرا‪َ :‬‬ ‫ّ‬ ‫وحم َد‪ّ ،‬‬ ‫َ‬
‫ومك َث‪َ ،‬‬
‫واقتل‪ ،‬واضرب‪ُ ،‬ومخبرا‪ :‬يقبل‪َ ،‬ويذهب‪،‬‬ ‫وأما بناء ما لم يقع‬
‫دل على معنى‪ ،‬وزمان‬‫السراج ّأن الفعل ما ّ‬
‫ويضرب‪ ،‬وكذلك بناء ما لم ينقطع وهو كائن))‪ .6‬وذكر ابن ّ‬
‫ُ‬
‫الصرفيتين الحدث والزمن‪ ،‬وذهب إلى ّأن الزمن الذي ّ‬
‫يدل عليه الفعل‪ّ ،‬إما أن‬ ‫مستندا إلى وظيفتيه ّ‬

‫ّ‬
‫اللغة ّ‬
‫والنحو‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬ط‪2006 ،01‬م‪ ،‬ص‪.86‬‬ ‫‪1‬فؤاد ُترزي‪ ،‬في أصول‬
‫ّ‬
‫‪ 2‬تمام حسان‪ ،‬اللغة العربية‪ ،‬ص‪.86‬‬
‫‪3‬فاضل الساقي‪ ،‬أقسام الكالم العربي‪ ،‬ص‪.92‬‬
‫‪4‬الكتاب‪.12/1 ،‬‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬ص ‪.60 ،45‬‬ ‫‪5‬في ّ‬
‫‪ 6‬الكتاب‪.13 ،12/1 ،‬‬

‫‪98‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬

‫النحويين‪ّ :‬أن األفعال‬


‫الزجاجي ّأن الفعل على أوضاع ّ‬
‫يكون ماضيا أو حاضرا أو مستقبال‪ ،1‬وذهب ّ‬

‫مؤيدا الكوفيين بذلك‪ ،‬فليس‬ ‫يسمى ّ‬


‫الدائم‪ّ ،2‬‬ ‫ثالثة‪ :‬فعل ماض‪ ،‬وفعل مستقبل‪ ،‬وفعل في الحال ّ‬
‫ٍ‬
‫عده البصريون من‬ ‫الدائم عندهم على صيغة (فاعل) الذي ّ‬
‫عندهم فعل يسمى فعل األمر‪ ،‬والفعل ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أسماء الفاعل‪ ،‬نحو‪ :‬محمد العب‪ ،‬وزيد كاتب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وقد كان لتأثير النحو الكوفي عليه ما يجعله يوافقهم في القول إن الفعل ينقسم إلى ٍ‬
‫ماض‬
‫يؤيده االستعمال‪ّ ،‬‬
‫وتؤيده‬ ‫َومضارع‪ ،‬ودائم‪ .‬يقول‪ّ :‬‬
‫((إن تقسيم الفعل إلى ماض ومضارع ودائم‪ ،‬تقسيم ّ‬
‫ٍ‬
‫الكوفيون في مقاالتهم بالفعل ّ‬
‫الدائم‪ ،‬كما ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يؤيده مذهب البصريين‬ ‫النصوص اللغوية التي صدر عنها‬
‫أنفسهم في إجراء(فاعل)‪ ،‬و(مفعول به) مجرى الفعل ّ‬
‫بكل ما له من خصائص إذا وقعنا في سياق نفي‬
‫أو استفهام‪ ...‬ألفعال إذن ثالثة‪ :‬الفعل املاض ي‪ ،‬والفعل املضارع والفعل ّ‬
‫الدائم‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪:‬‬
‫َ‬
‫بناء(ف َع َل)‪،‬وبناء(يف َع ُل)‪ ،‬وبناء(فاعل) ))‪.3‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫بناء(افعل) الذي يقصد به جمهور البصريين (الفعل األمر)‪ ،‬ويعلل‬ ‫واملالحظ أنه استغنى عن‬
‫ألن الفعل ّ‬ ‫(افعل) ليس بفعل‪ ،‬كما يفهم من هذه الكلمة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫الظن أن بناء َ‬
‫يتميز‬ ‫لرأيه فيقول‪(( :‬أكبر‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بشيئين‪ ،‬أولهما أنه مقترن بالداللة على الزمان‪ ،‬وثانيهما‪ :‬أنه يبنى على املسند إليه‪ ...‬وبناء(افعل) ٍ‬
‫خال‬
‫الزمان بصيغته‪ ،‬وال إسناد فيه))‪.4‬‬ ‫من هاتين امليزتين‪ ،‬فال داللة له على ّ‬

‫ََ‬
‫يرى فاضل الساقي إلى ّأن الكوفيين ومعهم املخزومي‪ ،‬ربما قد مل ُحوا في هذه الصيغة –فاعل‪-‬‬
‫دورا وظيفيا يشبه دور الفعل‪ ،‬وأنكر عليهم ذلك‪ ،‬فهي صيغة تختلف عن الفعل شكال ووظيفة‪،‬‬
‫ّ‬
‫فالفعل معناه الحدث والزمن‪ ،‬وهذه الصيغة معناه املوصوف بالحدث‪ّ ،‬أما على مستوى الشكل فهذه‬
‫ّ‬
‫الصيغة ال تقبل عالمة شكلية واحدة من عالمات الفعل‪.5‬‬

‫‪ -2‬االتم‪:‬‬

‫مما جعلهم في اضطراب وحيرة حول‬ ‫اختلف النحاة في ّ‬


‫حد االسم وعالماته اختالفا كبيرا‪ّ ،‬‬
‫تحديد مفهوم واضح لالسم‪ ،‬فلم يذكر سيبويه ّ‬
‫حدا لالسم واكتفى للتمثيل له‪ ،‬فقال‪(( :‬فالكلم اسم‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬األصول‪.4 ،3/1 ،‬‬


‫‪2‬الزجاجي‪ ،‬الجمل‪ ،‬مطبعة جول كربونل‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬د‪ .‬ط‪1926 ،‬م‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص ‪.119‬‬‫‪ 3‬في ّ‬
‫‪ 4‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪5‬ينظر‪ :‬فاضل الساقي‪ ،‬أقسام الكالم العربي‪ ،‬ص‪.73‬‬

‫‪99‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫وفعل َوحرف ملعنى ليس باسم وال فعل‪ ،‬فاالسم جل‪َ ،‬وفرس))‪ ،1‬وهذا التمثيل ال ّ‬
‫يتعدى كونه تمثيال‬ ‫ر‬
‫شكليا‪.‬‬

‫املبرد ّأن االسم ما كان واقعا على نحو‪ :‬رجل‪ ،‬وفرس‪ ،‬وزيد‪ ،‬وعمرو‪ ،‬وما شابه ذلك‪ ،‬وذكر‬
‫وذكر ّ‬
‫ّ‬ ‫ّأن أشهر عالمة ّ‬
‫يتميز بها االسم عنده‪ ،‬هي دخول حرف الج ّر عليه وإال فهو ليس باسم‪ُ ،‬مراعيا‬
‫دل على معنى مفرد‪ ،‬وذلك‬‫السراج ّأن االسم ما ّ‬ ‫بذلك الجانب الشكلي في ّ‬
‫التقسيم‪ .2‬وذكر ابن ّ‬
‫املعنى يكون شخصا‪ ،‬وغير شخص ي‪ ،‬مراعيا املعنى الوظيفي ّ‬
‫للتقسيم وهو داللة االسم على ّ‬
‫مسمى‬
‫والظروف فقال‪ّ :‬‬‫ّ‬ ‫الزمن‪ ،‬وأدرج في ّ‬
‫مجرد عن ّ‬
‫ّ‬
‫((وأما ما كان غير شخص ي فنحو‪:‬‬ ‫حده املصادر‬
‫ّ‬
‫والظن))‪3.‬‬ ‫الضرب‪ ،‬واألكل‪،‬‬
‫ويرى املخزومي ّأن االسم هو ما ّ‬
‫دل على معنى في نفسه غير مقترن بزمان‪ ،‬ويكون معربا ومبنيا‪،‬‬
‫الضمة‪ ،‬والكسرة‪ ،‬والفتحة‪ ،4‬ومن األسماء املبنية األسماء‬ ‫وعالمات اإلعراب عند املخزومي‪ّ ،‬‬
‫املقصورة نحو قولنا (مصطفى) و(ليلى) ورآه أقرب االختيا ات لتيسير تعليم ّ‬
‫النحو‪ ،‬وهو يمثل املسند‬ ‫ر‬
‫يتميز االسم بالتعريف والتنكير والتأنيث ّ‬
‫والتذكير واإلفراد والجمع‪،‬‬ ‫في الجملة كما سبق وذكرنا‪ ،‬كما ّ‬

‫وغيرها من املعاني اإلعرابية كالفاعلية واملفعولية واإلضافة‪.5‬‬


‫يحدد طوائف الكلمات التي تندرج تحت ّ‬
‫مسمى االسم‪،‬‬ ‫وقد ذكر فاضل الساقي ّأن املخزومي لم ّ‬
‫ّ‬ ‫تحدث بإسهاب عن الفعل وأقسامه‪ ،‬وداللته ّ‬‫فقد ّ‬
‫الزمنية متأثرا باملذهب الكوفي الذي ساقه إلى‬
‫إهمال طائفة من الكلمات‪ ،‬وهي طائفة ّ‬
‫الصفات‪ ،‬وسبب ذلك جعله بناء (فاعل) من طائفة األفعال‬
‫كما ذكرنا‪ّ ،‬‬
‫وعد تسمية هذا البناء فعال دائما لم يكن ناتجا عن تقدير سليم في وضع األسس‬
‫ّ‬
‫الصحيحة لتقسيم الكلم‪.6‬‬

‫‪ -3‬األداة‪:‬‬

‫‪1‬الكتاب‪.12/1 ،‬‬
‫‪2‬فاضل الساقي‪ ،‬أقسام الكالم العربي‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪3‬األصول‪.1/1 ،‬‬
‫ّ‬ ‫مؤيديه ومعارضيه ودوره في ّ‬ ‫‪4‬خليل أحمد عمايرة‪ ،‬العامل ّ‬
‫النحوي بين ّ‬
‫التحليل اللغوي‪ ،‬دار الفكر‪1986 ،‬م‪ ،‬ص ‪.77‬‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬ص‪.20 ،19‬‬ ‫‪5‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫‪6‬أقسام الكالم العربي‪ ،‬ص‪.134‬‬

‫‪100‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬

‫تدل على معنى في غيرها‪ ،‬ذكر سيبويه ّأن‬


‫خالصة أقوال القدامى واملعاصرين‪ّ ،‬إن األداة كلمة ّ‬
‫ّ‬
‫ومثل له نحو‪ّ :‬‬
‫ثم‪ ،‬سوف‪ ،‬واو القسم‪ ،‬الم اإلضافة‬ ‫الحرف ما جاء ملعنى‪ ،‬فهو ليس اسما وال فعال‪،‬‬
‫السراج ّأن الحروف ال يجوز أن يخبر عنها‪ ،‬كما ال جوز أن تكون خبرا‪ ،‬فال يجوز‬
‫ونحوها‪ ،1‬وذكر ابن ّ‬
‫أن نخبر عن الحرف كما نخبر عن االسم‪ ،‬فال نقول‪( :‬إلى منطلق)كما نقل ّ‬
‫(الرجل منطلق)‪ ،‬وال يكون‬
‫(بكر عن)‪ ،‬حيث نفي عن الحرف صفة أثبتت لغيره من األقسام‪ ،‬وقد‬‫خبرا كما نقول (عمرو إلى) وال ُ‬
‫اختلف نحاة البصرة والكوفة في تسمية هذا املصطلح‪ ،‬حيث ذهب البصريون إلى تسميته (حرفا)‪،‬‬
‫ّ‬
‫الكوفيون إلى القول باألداة‪ ،‬فالحرف عندهم ما يطلق على حروف الهجاء واألداة لفظ يطلق‬ ‫وذهب‬
‫على حروف املعاني‪ ،‬نحو‪ :‬على َوفي‪.2‬‬

‫ألن الحرف‬ ‫ّ‬


‫((أدق من البصريين في مصطلحهم هذا ّ‬ ‫ذهب املخزومي مذهب الكوفيين ورآهم‬
‫يطلق عند (البصريين) و(الكوفيين) جميعا‪ ،‬ويراد منه أحد حروف الهجاء))‪ ،3‬واألداة عند املخزومي‬
‫ّ‬
‫يتوصل بها إلى وصل الكالم‪ ،‬وتستخدم إلحداث صلة بين شيئين‪ ،‬ال صلة بينهما‪ .4‬وذهب فاضل‬ ‫هي ما‬
‫الدقة من تسمية البصريين‪ ،‬كما ويرى ّأن األداة ما‬‫الساقي إلى ّأن تسمية الكوفيين كانت أقرب إلى ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تدل على معنى كقولنا َ(هل)‪ ،‬فال ّ‬ ‫التركيب‪ ،‬وال ّ‬ ‫ّ‬
‫تدل على االستفهام إال إذا ألفت مع‬ ‫جاءت مفردة في‬
‫َ َ َ َ َ ُ َ َ‬
‫غيرها نحو‪ :‬هل زارك أخوك أمين؟ ويسميها جمهور نحاة البصرة (الحرف)‪ ،‬وعند أهل الكوفة (األداة)‬
‫حقها من ّ‬ ‫ّ‬
‫توفا ّ‬
‫الدراسة عند النحاة قديما‬ ‫وأيدهم املخزومي فيما ذهبوا إليه‪ 5.‬كما يرى ّأن األداة لم‬ ‫ّ‬
‫وتناولوها بمقدار ما لها من عالقة بالعمل والعامل وخالل الحديث حول تأثيرها في األسماء رفعا‬
‫وخفضا ونصبا‪6.‬‬

‫ّ‬
‫اللغة نذكر منها أدوات ّ‬
‫التوكيد إذ يرى املخزومي ّأن النحاة قديما قد عالجوا‬ ‫واألدوات كثيرة في‬
‫التوكيد والحظوا ما لها من دالالت واستعماالت ووظائف‪ ،‬كما تقصوا مواضيعها‪ ،‬غير ّأنهم‬ ‫أدوات ّ‬
‫ّ‬
‫مقطعا ال عالقة لبعض أجزاءه ببعضها‪ ،‬فبحثوا في ّ‬ ‫بحثوا في ّ‬
‫(إن) حين عرضوا‬ ‫كل أداة على حدة بحثا‬
‫التوكيد حن عرضوا للمضارع وإعرابه وبناءه‪،‬‬ ‫للمبتدأ والخبر ولنواسخ حكمهما‪ ،‬وبحثوا في نون ّ‬

‫‪1‬الكتاب ‪.12/1‬‬
‫‪2‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.242‬‬
‫‪3‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.242‬‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬ص‪.316‬‬ ‫‪4‬في ّ‬
‫‪5‬ينظر‪ :‬في ّ‬
‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪6‬ينظر‪ :‬أقسام الكالم العربي‪ ،‬ص ‪.130‬‬

‫‪101‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫ثم د س املخزومي أدوات ّ‬
‫التوكيد وجمعها‬ ‫وعرضوا ملَن وإن والباء حين عرضوا لـ َ(لي َ‬
‫س) و (ما) وغيرها‪ ّ ،‬ر‬
‫فرأى ّأن أدوات ّ‬
‫التوكيد في العربية على ثالثة‪:‬‬

‫(إن) وتأتي لتوكيد النسبة في الجمل نحو‪ّ :‬إن خالدا شاعر‪.‬‬


‫تختص باالسم‪ :‬وذكر ّ‬
‫ّ‬ ‫أ‪ .‬ما‬
‫تختص ببناء َ(يف َعل) و (أف َعل)‬
‫ّ‬ ‫تختص بالفعل‪ :‬وذكر نو َن ّ‬
‫التوكيد الثقيلة والخفيفة وهي‬ ‫ّ‬ ‫ب‪ .‬ما‬
‫غالبا‪ ،‬وبناء (فاعل) نادرا‪.‬‬
‫َ ّ‬ ‫ّ‬
‫(إال)‪1.‬‬‫ت‪ .‬ما ّيتصل باألسماء واألفعال‪ :‬وذكر أدوات القصر(إنما) َو(ما) و‬

‫‪ -4‬الكناية‪:‬‬

‫وهي رابع قسم من أقسام الكلمة العربية عند املخزومي‪ ،‬يقول في ذلك‪(( :‬الكنايات أو اإلشارات‬
‫خاصة واستعمال خاص وألهميتها في الكالم أعرض‬ ‫كل طائفة منها بطريقة ّ‬ ‫في العربية طوائف ّ‬
‫تتميز ّ‬
‫هنا لتصنيفها وبيان وظائفها بقدر ما تسمح به ظروف هذا العمل‪ ،‬وال ريب ّأن النحاة قد التفتوا إليها‪،‬‬
‫يهمهم من جوانبها ّ‬
‫املتنوعة ووظائفها في‬ ‫ولكنهم لم يمنحوها ما يجب أن تمنح من عناية واهتمام‪ ،‬ولم ّ‬
‫ّ‬
‫إال ما كانوا ّ‬
‫يتوهمون لها من عمل وتأثير فيما بعدها من أسماء وأفعال‪ ،‬والكنايات في العربية‬ ‫الكالم‬
‫تؤدى وظيفة معينة مشتركة))‪ ،2‬والواضح‬ ‫كل مجموعة منها ألفاظ ّ‬ ‫ّ‬
‫تتجمع في مجموعات‪ ،‬ويندرج في ّ‬
‫تتميز كمجموعات عن بعضها‬ ‫من هذا القول كما نراه ّأن املخزومي ّ‬
‫يسمي الكنايات أيضا باإلشارات‪ّ ،‬‬

‫البعض باعتبار االستعمال واألهمية في الكالم العربي‪ ،‬كما يعيب على النحاة ّأنهم ما منحوا لهذه‬
‫الد اسة ّ‬
‫حقها كغيرها من األقسام السابقة‪ .‬كما أدرج املخزومي في هذا القسم الضمائر‪ ،‬واإلشارات‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ر‬
‫واملوصول بالجملة‪ ،‬واملستفهم به‪ ،‬وكلمات الشرط‪ ،‬وكما ذكرنا سابقا ّ‬
‫فإن النحاة قديما لم ّ‬
‫قسموا‬
‫الكالم إلى ثالثة أقسام ولم يأخذوا بالكناية كما فعل املخزومي وبعض النحاة‪.‬‬
‫ومما َس َ‬
‫بق ذ ُ‬
‫كره في تقسيم الكلمة عند الدكتور مهدي املخزومي‪ ،‬يرى األستاذ فاضل الساقي‬ ‫ّ‬
‫ّأن الدكتور مهدي املخزومي لم ّ‬
‫يوضح األسس التي ينبغي مراعاتها في تقسيم الكلمة‪ ،‬فاكتفى بذكر‬
‫بعض عالمات االسم والفعل الشكلية‪ ،‬ولم يعرض لعالمات األداة‪ ،‬كما أى ّأنه لم ّ‬
‫يحدد طوائف‬ ‫ر‬
‫الكلمات التي تندرج تحت مفهوم االسم‪ ،‬بينما استفاض في دراسة الفعل وأقسامه ودالالته‪ ،‬متأثرا‬
‫مما ّأدى إلى إهمال الكثير من الكلمات ذات سمة شكلية ووظيفية ّ‬
‫خاصة باألسماء‬ ‫ّ‬
‫بالنحو الكوفي؛ ّ‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬في النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص ‪.239- 236‬‬


‫النحو العربي قواعد وتطبيق‪ ،‬ص ‪.47-46‬‬‫‪ 2‬في ّ‬

‫‪102‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬

‫واألفعال‪ .‬كما ذكر ّأن تسمية املخزومي للفعل الدائم لم تكن ناتجة عن تقدير سليم في وضع األسس‬
‫الصحيحة لتقسيم الكلمة‪ ،‬ومن املآخذ التي أخذت على املخزومي كذلك ّأنه ّ‬
‫سمى اإلشارات‬ ‫ّ‬
‫واملوصوالت أسماء بعنوان‪ :‬أسماء اإلشارة واألسماء املوصولة وذلك في كتابه (مدرسة الكوفة ومنهجها‬
‫اللغة ّ‬‫ّ‬
‫والنحو)‪ ،‬بينما اعتبرها من الكنايات في كتاب (في النحو العربي قواعد وتطبيق)‪ ،‬كما‬ ‫في دراسة‬
‫اللغة‪ ،‬فلم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يحدد موقع املدح والذم‬ ‫أنه أهمل في تقسيمه للكلمة كثيرا من الكلمات املتداولة في‬
‫سماه النحاة اسم الفاعل وكان وأخواتها‪ ،‬وما كان عليه أن يغفل على (الخالفة) وما‬‫والتعجب‪ ،‬وما ّ‬
‫يندرج تحتها كلمات‪.1‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التيسي ية عند املخزومي في ّ‬
‫ظل الواقع التعليمي للنحو العربي‪:‬‬ ‫‪ )3‬اآلراء‬

‫وتتبعه لقضاياه وموضوعاته إلى هدف رئيس كان‬ ‫النحوي‪ّ ،‬‬ ‫للد س ّ‬
‫ّ‬
‫انتهى املخزومي في معالجته ر‬
‫النظر في د اسة ّ‬
‫النحو التي‬ ‫متفرقة من د استه‪ ،‬واملتمثل في إعادة ّ‬
‫وصرح به في مواضع ّ‬ ‫يرمي إليه‪ّ ،‬‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫وء به ّ‬
‫صارت عبء ثقيال َي ُن ُ‬
‫الدارسون‪ ،‬والسبيل إليها وعرة‪ ،‬يض ُل فيها السالكون‪ .‬وهي دعوة سبقتها‬
‫الد اسة ّ‬
‫النحوية‪ُ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وعقمها‪،‬‬ ‫دعوات كثيرة‪ ،‬نادى بها من قبل الباحثون‪ ،‬بعد إحساسهم بعدم جدوى ر‬
‫الدوافع التي دفعت أصحابها‬ ‫الدعوات إلى إصالح وتجديد علم العربية تختلف تبعا الختالف ّ‬ ‫فكانت ّ‬
‫قدم الفكري الذي يالبس العصر الذي فيه يعيشون‪ .‬ويرى املخزومي ّأن ّ‬
‫النحو امتزج‬ ‫إليها‪ّ ،‬‬
‫والت ّ‬

‫الرابع‪ ،‬الذي طغت فيه الفلسفة‪ ،‬والتزم‬ ‫الدارسون في القرن ّ‬ ‫باملنطق‪ ،‬وهو مالم يستسغه حتى ّ‬
‫الدا سون بحدود منهجها‪ ،‬فما ّ‬
‫حققه النحاة نتيجة هذا االمتزاج ليس من ا ّلنحو في ش يء‪.2‬‬ ‫ّ‬
‫ر‬
‫والنحوي ّ‬ ‫ّ‬
‫اللغوي ّ‬
‫بالدرس‪ ،‬فيرى ّأنهم‬ ‫كما يقف املخزومي أمام ما تناوله الكوفيون في منهجهم‬
‫السليم للوصول إلى أحكام‬ ‫يتقيدوا بش يء‪ ،‬وبنوا د استهم على االستقراء ّ‬
‫والنقل‪ ،‬وهما السبيل ّ‬ ‫لم ّ‬
‫ر‬
‫التجاهل من‬ ‫نحوية صحيحة‪ ،‬تتمثل فيها العربية ظواهرها وطوا ئها تمثيال صادقا‪ ،‬وهي محاولة القت ّ‬
‫ر‬
‫امليسرين ل ّلنحو‪ ،‬وفي ذلك يقول‪(( :‬كان حريا بهذه املحاوالت أن تنظر إلى ّ‬
‫النحو الكوفي نظرتها إلى‬ ‫قبل ّ‬
‫النحو البصري‪ ،‬وأن تفيد من أعمال الكوفيين من تجديد ّ‬
‫النحو أو تيسيره‪ ،‬ولكن لم يكن من بين‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الكوفيين))‪ .3‬ويضيف‪:‬‬ ‫أصحاب املحاوالت قديما وحديثا‪ ،‬من التفت إلى ضرورة االستفادة من أعمال‬
‫النحو البصري وحده‪ ،‬أو‬‫((ستظل هذه املحاوالت تعاني نقصا كبيرا مادامت قصرت جهدها على ّ‬

‫‪1‬ينظر‪ :‬الكالم العربي من حيث الشكل والوظيفة‪ ،‬فاضل الساقي‪ ،‬ص ‪.135-133‬‬
‫‪2‬ينظر‪ :‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.397‬‬
‫‪3‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.408‬‬

‫‪103‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫ّ‬
‫النحو الذي وصل إلينا‪ ،‬وهو نحو يكاد يكون بصريا خالصا‪ ،‬لوال بعض اآلثار الكوفية التي فرضت‬
‫نفسها على هذه الدراسة‪ ،‬وأعانها على البقاء نحاة حاولوا الجمع بين أعمال السلف املختلفة‪ ،‬وانتقاء‬
‫الصالح منها‪ ،‬وما وصل إليهم قليل من كثير لو توافر لديهم ملا عاقهم عن األخذ به عائق من عصبية‬
‫أو غيرها))‪.1‬‬
‫امليسرين آ اء و مقترحات مختلفة حول نظريتهم ّ‬
‫التيسيرية‪ ،‬حيث يذهب‬ ‫قدم بعض ّ‬ ‫ولقد ّ‬
‫ر‬
‫الصواب في معالجة هذا ّ‬
‫النحو‬ ‫السبل إلى ّ‬
‫((لعل أدنى ّ‬
‫ّ‬ ‫عبدالس ّتار الجواري إلى القول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ا ّلدكتور أحمد‬
‫الذي يدرس في صورته األولى دراسة واعية عميقة‪ ،‬ال تغفل عن الغاية‪ ،‬وال تتجاهل أسباب االنحراف‬
‫مجمعة ّ‬
‫ملفقة‪ ،‬ال‬ ‫ثم تعرف ما اختلط بها من أمور بعيدة عن طبيعتها‪ ،‬حتى جعلتها أخالطا ّ‬ ‫عنها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫تحقق غرضها وال تبلغ غايتها‪ ،‬ثم يأتي بعد ذلك إدراك ملا ينبغي أن يبقى‪ ،‬وما ينبغي أن ُيحذف من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لتسد حاجة لغوية‪ ،‬ال لتقتض ي حاجة فكرية‪ ،‬إنما‬ ‫أجزائها وأبوابها‪ ،‬ذلك ّأن منها أجزاء وضعت‬
‫ّ‬
‫متصور))‪ .2‬وهو في هذا يدعو إلى‬ ‫وضعت الستقصاء قاعدة منطقية‪ ،‬أو ّ‬
‫سد ذريعة‪ ،‬أور ّد اعتراض‬
‫إعادة استقراء شامل ّ‬
‫للنحو الذي يد ّرس للناشئة‪.‬‬
‫النظر في بناء القواعد العربية‪ ،‬علينا ّأوال أن ّ‬
‫نحدد‬ ‫ويقول سعيد األفغاني‪(( :‬فإذا أ دنا اليوم ّ‬
‫ر‬
‫حددناه وضعنا أخصر املناهج‪ ،‬وأوضحها وأسرعها في إبالغنا ّإياه))‪ .3‬وهنا‬ ‫هدفنا من القواعد‪ ،‬فإذا ّ‬

‫النحوي تحديد هدفه‬ ‫النحوية‪ ،‬فإذا استطاع ّ‬


‫دعوة صريحة بضرو ة تحديد الهدف من وضع القواعد ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من ّ‬
‫الدراسة‪ ،‬استطاع تقديمها بشكل أبسط وأيسر بما يوافق حاجة العصر ومتطلبات اللغة‪ .‬وال‬
‫النحو وتيسيره‪ ،‬يقول أمين عبد هللا سالم (( ّإن الحفاظ على القواعد امل ّ‬ ‫ّ‬
‫إال بتهذيب ّ‬
‫ستقرة‬ ‫يكون ذلك‬
‫ّ‬ ‫في ّ‬
‫النحو ومفاهيمه املطردة أمر مفروغ منه إن شاء تهذيبا أو تطويرا أو تيسيرا))‪ 4‬وذهب حسن‬
‫ّ‬
‫متأنية‪ ،‬حتى ّ‬ ‫العكيلي إلى ضرو ة العمل على قراءة التراث ّ‬
‫يتسنى لنا استقراء‬ ‫النحوي قراءة نقدية‬ ‫ر‬
‫الصعب منها ومحاولة تيسيره‪ ،‬كما دعا إلى إمكانية فتح باب في املناهج ّ‬
‫الدراسية‬ ‫القواعد لتحديد ّ‬
‫ّ‬
‫الطريق إلى ّ‬ ‫ّ‬ ‫التعريف ّ‬ ‫النحو‪َ ،‬و ّ‬
‫لد اسة الخالف ّ‬
‫التفكير‬ ‫بأهم املسائل بشكل يفتح أمام الطالب‬ ‫ر‬

‫‪1‬مدرسة الكوفة‪ ،‬ص‪.408‬‬


‫عبدالس ّتار الجواري‪ ،‬نحو ّ‬
‫التيسير‪ ،‬دراسة ونقد منهجي‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫ّ‬ ‫‪2‬أحمد‬
‫ّ‬
‫‪3‬سعيد األفغاني‪ ،‬في أصول النحو‪ ،‬ص ‪.238‬‬
‫اّلل سالم‪ ،‬تجديد ّ‬‫ّ‬
‫النحو ونظرة سواء‪ ،‬ص‪.08‬‬ ‫‪4‬أمين عبد‬

‫‪104‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫ّ‬ ‫الصفوف املنتهية‪ّ ،‬‬ ‫النحوي‪ ،‬كما يرى ّأنه من الواجب تدريس ّ‬
‫ّ‬
‫ألن مدارك املتعلمين رّبما‬ ‫الصرف في ّ‬
‫تكون أكثر استعدادا إليه في مراحله األخيرة‪.1‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وفي ضوء هذه الجهود واملقترحات التي بذلها أصحاب ّ‬
‫حضوره‬ ‫سؤال‬
‫ٍ‬ ‫التيسير‪ ،‬نقف أمام‬
‫ضرو ة معرفية‪ ،‬ومنهجية‪ ،‬هل استطاع أصحاب ّ‬
‫التيسير إصالح علم العربية؟ وهل أعادوا ّ‬
‫للنحو‬ ‫ر‬
‫حيويته ونشاطه؟‬
‫التعليمي شيئا جديدا‪ ،‬يقول‪ّ :‬‬
‫((إن‬ ‫للنحو ّ‬
‫تقدم ّ‬‫توصل املخزومي إلى ّأن هذه املحاوالت لم ّ‬
‫ّ‬
‫تقدم جديدا‪ ،‬ولم تفعل شيئا يعيد إلى هذا ّ‬
‫الدرس‬ ‫محاوالت ّ‬
‫التيسير التي ظهرت في الكتب املد سية لم ّ‬
‫ر‬
‫ّ‬ ‫تصحح وضعا‪ ،‬ولم ّ‬ ‫قوته وحيويته‪ّ ،‬‬
‫ألنها لم ّ‬
‫تجدد منهجا‪ ،‬ولم تأت بجديد إال اصالحا في املظهر‪ ،‬وأناقة‬
‫وأما املوضوعات فكما ورثناها‪ ،‬حتى األمثلة‪ ،‬لم يصبها من ّ‬
‫التجديد‬ ‫في اإلخراج‪ّ ،‬أما القواعد فهي هي‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫إال نصيب قليل))‪.2‬‬
‫وفي هذا تقليل من جهود أصحاب ّ‬
‫التيسير‪ ،‬الذين بذلوا الجهد الجهيد في سبيل ّ‬
‫حل مشاكل‬
‫النحو‪ ،‬وفيه من الصدق والواقعية ما تشمله املنظومة التعليمية والواقع ّ‬
‫النحوي الذي نعيشه‪ ،‬فقد‬ ‫ّ‬

‫كانت هذه املحاوالت في النهاية مجرد حبر على ورق وباءت بكثير من الفشل‪.‬‬
‫امليسرين‪ ،‬ومن ضمنهم (املخزومي) ّ‬
‫تؤدي إلى حقيقة جلية في حركة‬ ‫الدارسة آلراء ّ‬‫ّإن القراءة ّ‬
‫ّ‬
‫شخصوا‬ ‫التنظير ّ‬
‫والتدريس‪ّ .3‬‬
‫ألنهم‬ ‫النحو العربي ومناهجه‪ ،‬بين ّ‬ ‫ّ‬
‫التيسير‪ ،‬وهي الخلط بين بناء قواعد ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ مة ّ‬
‫النحو على أساس صعوبة تعلم قواعده‪ ،‬وقد أساؤوا إلى نظريتهم حين ذهبوا إلى فرض ما يتطلبه‬ ‫ز‬
‫النحوية والتراث القديم‪ ،‬يقول الدكتور إبراهيم مصطفى‪(( :‬أطمع أن ّ‬
‫أغير‬ ‫الصناعة ّ‬
‫التعليم على ّ‬ ‫ّ‬
‫املتعلمين إصر هذا ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البحث ّ‬
‫النحو‪ ،‬وأبدلهم منه أصوال سهلة‬ ‫النحوي للغة العربية‪ ،‬وأن أرفع عن‬
‫يدل على ّأن أصحاب ّ‬ ‫ّ‬
‫حظ من الفقه بأساليبها))‪ ،4‬وهذا ّ‬ ‫يسيره ّ‬
‫التيسير‬ ‫تقربهم من العربية‪ ،‬وتهديهم إلى‬
‫ّ‬ ‫النحو من خالل مشاكل ّ‬ ‫أ ادوا إصالح ّ‬
‫التعليم والتعلم‪ ،‬في حين انحرف مسارهم وخلطوا بين صعوبة‬ ‫ر‬
‫النحوية‪ ،‬واعتبروا هذه الصعوبة مؤشرا على عقم الفكر ّ‬
‫النحوي‪.‬‬ ‫تيسير القواعد ّ‬

‫النحوي الحديث‪ ،‬حسن العكيلي‪ ،‬ص ‪.111 ،110‬‬ ‫التيسير ّ‬


‫‪1‬ينظر‪ :‬محاوالت ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬ص‪.15‬‬ ‫‪ 2‬في ّ‬
‫عز ّ‬
‫الدين مجدوب‪ ،‬منشورات كلية اآلداب‪ ،‬سوسة‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪1998 ،01‬م‪،‬‬ ‫‪3‬ينظر‪ :‬املنوال ّ‬
‫النحوي العربي‪ ،‬قراءة لسانية جديدة‪ّ ،‬‬
‫ص‪.15‬‬
‫ّ‬
‫‪4‬إحياء النحو‪ ،‬املقدمة‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫ولعل النحاة قديما كانوا أكثر فطنة في مسألة الفصل بين ّ‬
‫التأليف النظري‪ ،‬والعمل على تدوين‬ ‫ّ‬
‫املختصرات‪ ،‬وهو الواجب الذي كان ّ‬
‫البد على املحدثين العمل عليه‪ ،‬من خالل الفصل بين قضايا‬
‫ّ‬ ‫يعد زرعا صالحا إلنبات صرح ّ‬
‫النحو وفكره الذي ّ‬ ‫ّ‬
‫التد يس وقضايا ّ‬
‫النحو كما ينبغي له أن يكون تعلمه‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫امليسرين ّركزوا على جوانب النقص في ّ‬ ‫وتعليمه‪ّ ،‬‬
‫وألن ّ‬
‫النحو وأهملوا ما دونه‪ ،‬وبالتالي ظلت نظريتهم‬
‫النقص ((فكم من عالم من علمائنا العرب قد تهافتوا فانخرطوا في حزب ّ‬
‫الدعوة إلى البساطة‪،‬‬ ‫تعاني ّ‬

‫والتبسيط‪ ،‬و التيسير واالستسهال فنسوا وظيفة إنتاج املعرفة‪ ،‬وامتطوا مراكب رفع األمية‬
‫العلمية))‪.1‬‬
‫ّ‬
‫النحو‪ ،‬إال ّأن مبادرتهم ومحاولتهم يمكن استثمارها‬
‫امليسرين وإن فشلوا في تيسير ّ‬
‫ولكن ّ‬
‫كإجراءات نفعية في تعليم ّ‬
‫النحو العربي‪.‬‬

‫اتتخالص عام‪:‬‬
‫تعد امتدادا ملحاوالت ّ‬
‫امليسرين قبله‪ ،‬أمثال أستاذه‬ ‫ّإن محاولة مهدي املخزومي التيسيرية‪ّ ،‬‬

‫الدكتور إبراهيم مصطفى‪ ،‬فهي تعاني كغيرها من املحاوالت كثيرا من النقائص التي ّأدت إلى فشل‬
‫تحقيق هذه النظرية في واقع تعليم ّ‬
‫النحو العربي‪.‬‬
‫الرجل‪ ،‬يجب معرفة ّأن املخزومي نهج منهج الباحثين الذي يستند إلى ّ‬
‫الحجة‬ ‫وإنصافا ّ‬
‫منا لهذا ّ‬
‫ّ‬
‫((مترفعا عن ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والدليل‪ّ ،‬‬
‫تعصبات مذاهبه‪ ،‬رافعا‬ ‫وبالرغم من أنه كان مولعا بآراء الكوفيين إال أنه كان‬
‫ّ‬ ‫سراج املنهج العلمي‪ ،‬واالستقراء املوضوعي‪ ،‬وفي تمحيص مشكالت ّ‬
‫النحو ومعضالته مدققا في‬
‫أصوله))‪.2‬‬
‫النحوي املخزومي‪ ،‬يجعلنا نلحظ ّأن دراسته ّ‬ ‫الد س ّ‬‫ّ‬ ‫اطالعنا على ما ّ‬‫ّ ّ‬
‫للمادة‬ ‫تيسر لنا من ر‬ ‫إن‬
‫والدا سين لقواعد ّ‬ ‫ّ‬
‫املتعلمين ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحوية لم تكن ّ‬
‫النحو العربي‪ ،‬بل للباحثين‬ ‫ر‬ ‫موجهة في أغلب الظن إلى‬
‫ّ‬ ‫وامل ّ‬
‫تخصصين في علوم العربية‪ ،‬حتى تتجلى لهم قيمة الفكر التيسيري‪ ،‬الذي يهدف إلى حذف ما علق‬
‫ّ‬
‫بالنحو من شوائب‪.‬‬

‫ّ‬ ‫‪1‬عبد ّ‬
‫السالم املسدي‪ ،‬العربية واإلعراب‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪ ،2003 ،‬ص‪.202‬‬
‫ّ‬
‫‪2‬املخزومي املعلم والباني‪( ،‬مقال)شارك فيه جمع من األساتذة‪ ،‬مطبوعات مكتبة أمير املؤمنين‪ ،‬بغداد‪ ،‬ص ‪.10‬‬

‫‪106‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مظاهرالتجديد والتيسي في النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الف ـص ــل الثالث‪:‬‬
‫ّ‬ ‫كما ّأن املخزومي أعاد قراءة التراث ّ‬
‫النحوي قراءة ثانية‪ ،‬حين درس من علم الخليل ما مكنه‬
‫من تدوين رسالة املاجستير بعنوان (الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ :‬أعماله ومنهجه)‪ّ ،‬‬
‫ثم بلور فكره‬
‫باالنكباب على نحو الكوفيين‪ ،‬فأخذ عنهم ما َقو َيت ّ‬
‫حجته وبان برهانه‪ ،‬ورفض مالم ّ‬
‫يؤيده بفكره‪.‬‬
‫وخالصة القول‪ ،‬إ ّن املخزومي وإن لم يكن قد ّ‬
‫حقق غايته املنشودة من د استه ّ‬
‫للنحو العربي‪،‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫إال ّأن ما يمكن االطمئنان إليه‪ ،‬تجربته الرائدة التي فتحت أمام الباحثين آفاقا جديدة وأبوابا لم‬
‫يكونوا قد انتبهوا إليها في د استهم ّ‬
‫للنحو ومنهجه‪.‬‬ ‫ر‬

‫‪107‬‬
‫الخاتمة‬
‫الخ ــاتـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫عرضت هذه املذكرة بين تضاعيف صفحاتها‪ ،‬دراسة استهدفنا من خاللها نحو املخزومي وآرائه‬
‫التيسيرية‪ ،‬ومنهجه الذي نهجه في دراسته لعلم العربية ما أمكننا ذلك‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫حرك فينا روح التأمل‬
‫ّ ي َ‬
‫فث ُقل الحمل‪ ،‬واستحالت أفكارنا املعرفية ّ‬ ‫ّ‬
‫جراء ذلك الذهاب إلى آفاق‬ ‫واالطالع على التراث النحو ‪،‬‬
‫الرحلة الطويلة من البحث جملة من‬ ‫استقر في أذهاننا بعد هذه ّ‬
‫ّ‬ ‫واسعة حول هذه ّ‬
‫الدراسة‪ .‬وقد‬
‫النتائج التي ّ‬
‫توصلنا إليها ّ‬
‫وأما التفصيل فبين تقاطيعه وأجزائه‪:‬‬
‫النحوية على أساسين‪ :‬نقد التراث ّ‬
‫النحوي العربي‪ ،‬وتقديم مجموعة‬ ‫‪ ‬بنى املخزومي نظريته ّ‬

‫من البدائل في أصوله وموضوعاته‪.‬‬


‫تعد محاولة املخزومي من أشمل املحاوالت التيسيرية في ّ‬
‫النحو‪ ،‬فقد عرض آلراء من سبقوه‬ ‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫وحاول ّ‬
‫سد الفراغات ووضع البدائل‪.‬‬
‫‪ ‬أنكر املخزومي نظرية العامل‪ ،‬وجعل من إنكار هذه القضية أساسا ملشروع ّ‬
‫التيسير‬
‫ّ‬
‫النحوي‪.‬‬
‫‪ ‬عمل املخزومي على نقد أصول النحاة من خالل إنكاره لقواعد السماع التي وضعوها‪،‬‬
‫كرفضهم بعض القراءات القرآنية‪ ،‬ورفضهم االستشهاد باألحاديث النبوية‪ ،‬وتضييقهم‬
‫رقعة االستشهاد بكالم العرب‪.‬‬
‫الد س ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحوي‬ ‫‪ ‬تأثر املخزومي بالخليل بن أحمد الفراهيدي وآرائه اللغوية‪ ،‬ودعا إلى إحياء ر‬
‫ّ‬
‫التكاملي الذي يعنى بدراسة اللغة من حيث مستوياتها‪ :‬الصوتية‪ ،‬الصرفية‪ ،‬والنحوية‪.‬‬
‫‪ ‬سعى املخزومي إلحياء املصطلحات القديمة التي جاء بها أصحاب الطبقة األولى ومنها‬
‫ّ‬
‫التشريك والخالف التي نسبها للخليل‪َ ،‬و ّ‬
‫عدها أقرب لطبيعة القواعد النحوية‪.‬‬ ‫مصطلح‬
‫‪ ‬تأثر املخزومي بآراء الكوفيين ومصطلحاتهم‪ ،‬ووافقهم منهجهم‪ ،‬كما انتصر للكوفيين في‬
‫ّ‬
‫كثير من مسائل الخالف بينهم وبين البصريين‪ ،‬حتى ليمكننا القول إنه كوفي املذهب‪ ،‬فقد‬
‫ذهب معهم إلى القول بالفعل الدائم‪ ،‬واعتبار األسماء أفعاال‪ ،‬وغيرها من اآلراء‪.‬‬
‫النحوية‪ ،‬بل تجديد األساليب‬ ‫النحو تجديد املادة ّ‬ ‫‪ ‬لم يقصد املخزومي ّ‬
‫بالتيسير والتجديد في ّ‬

‫النحو وقدرة املتعلمين‪.‬‬‫النحو مع ما يتناسب وكل باب‪ ،‬حتى يتناسب ّ‬ ‫واملناهج‪ ،‬وإعادة تبويب ّ‬
‫‪ ‬تأثر املخزومي بآ اء وأفكار أستاذه الدكتور إبراهيم مصطفى‪ ،‬وذهب معه إلى الثورة ّ‬
‫ضد‬ ‫ر‬
‫الضمة علما على اإلسناد‪ ،‬والكسرة علما على اإلضافة‪ ،‬والفتحة‬ ‫ّ‬ ‫العامل‪َ ،‬ووافقه في اعتبار‬
‫حركة خفيفة مستحبة عند العرب‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫الخ ــاتـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫للد س ّ‬
‫ّ‬
‫النحوي‪ ،‬وما يطرأ عليها من املعاني‬ ‫‪ ‬ذهب املخزومي إلى جعل الجملة العربية موضوعا ر‬
‫في الكالم‪ ،‬وأخذ على النحاة إهمالهم الجملة‪ ،‬وقصر اإلعراب على أواخر الكلمات‪.‬‬
‫ّ‬
‫قسم املخزومي الكالم في اللغة العربية إلى أربعة أقسام هي‪ :‬االسم َوالفعل‪ ،‬واألداة‪َ ،‬والكناية‪.‬‬
‫‪ّ ‬‬

‫النحو العربي على أساس املعنى‪ ،‬ال العمل اإلعرابي‪ ،‬فلم‬ ‫‪ ‬أعاد املخزومي تبويب موضوعات ّ‬

‫يولي اهتماما بتبويب النحاة وترتيب موضوعاته ورآها قائمة على أساس العامل‪ ،‬فرفض‬
‫ذلك وعمل على تخليصها من سيطرته‪.‬‬
‫‪ ‬يمكننا القول ّأن مصادر املخزومي التي اعتمدها في دراسته شملت الخليل بن احمد‬
‫ّ‬
‫الفراهيدي‪ ،‬ومدرسة الكوفة‪ ،‬وفي العصر الحديث ما تأثر به من أستاذه إبراهيم مصطفى‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫املصادر واملراجع‬
‫املصادر واملراجع‬
‫‪ ‬القرآن الكريم (رواية حفص‪ ،‬عن عاصم)‪.‬‬

‫‪ -1‬الكتب‪:‬‬

‫‪ ‬إبراهيم أنيس‪ ،‬داللة األلفاظ‪ ،‬مكتبة األنجلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دط‪1997،‬م‪.‬‬


‫ّ‬
‫‪ ‬إبراهيم أنيس‪ ،‬من أسرار اللغة‪ ،‬مكتبة األنجلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1981 ،01‬م‪.‬‬

‫عمان‪ ،‬ط‪1418 ،01‬ه‪1997 /‬م‪.‬‬ ‫عمار‪ّ ،‬‬ ‫امرائي‪ّ ،‬‬


‫النحو العربي نقد وبناء‪ ،‬دار ّ‬ ‫‪ ‬إبراهيم ّ‬
‫الس ّ‬
‫اللغة‪ ،‬املؤسسة ّ‬ ‫ّ‬
‫العامة للتأليف والترجمة‪- ،‬دار الطباعة القومية‪ ،‬ط‪.1‬‬ ‫‪ ‬األزهري‪ ،‬تهذيب‬
‫‪ ‬اإلستراباذي‪ ،‬محمد بن حسن‪ ،‬شرح ّ‬
‫الرض ي لكافية ابن حاجب‪ ،‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‬
‫اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬ط‪2009 ،‬م‪ ،‬ج‪.01‬‬
‫‪ ‬األفغاني‪ ،‬سعيد من تا يخ ّ‬
‫النحو‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬س‪.‬‬ ‫ر‬
‫‪ ‬األنباري‪ ،‬كمال ّ‬
‫الدين أبو البركات‪ ،‬اإلغراب في جدل اإلعراب‪ ،‬تحقيق سعيد األفغاني‪ ،‬مطبعة‬
‫الجامعة السورية‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1377 ،01‬ه‪1967/‬م‪.‬‬
‫الدين أبو البركات‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف بين ّ‬
‫النحويين البصريين‬ ‫‪ ‬األنباري‪ ،‬كمال ّ‬
‫والكوفيين‪ ،‬تح محمد محي ّ‬
‫الدين عبد الحميد‪ ،‬مطبعة السعادة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1380 ،04‬ه‪،‬‬
‫‪1961‬م‪ ،‬ج‪.01‬‬
‫‪ ‬أنيس فريحة‪ ،‬نحو عربية ّ‬
‫ميسرة‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ‬باقر الكرباس ي‪ ،‬وضوح املنهج وحداثة الرؤية‪ ،‬مالحق املدى‪ ،‬العراق‪2011،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬الجرجاني‪ ،‬عبد القاهر‪ ،‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬مطبعة املنار‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪ ‬ابن جني‪ ،‬عثمان أبو الفتح‪ ،‬الخصائص‪ ،‬تحقيق محمد علي النجار‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1427‬ه‪2006 /‬م‪.‬‬
‫‪ ‬حاتم ّ‬
‫الضامن‪ ،‬الصرف‪ ،‬دار الحكمة‪ ،‬املوصل‪ ،‬العراق‪ ،‬ط‪1991 ،01‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬الحاج صالح‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬بحوث ودراسات في علوم اللسان‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬الرغاية‪،‬‬
‫الجزائر‪2007،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬ابن الحاجب‪ ،‬عثمان بن عمر‪ ،‬منتهى الوصول واألمل في علمي األصول والجدل‪ ،‬مطبعة‬
‫السعادة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1326 ،01‬ه‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫‪ ‬حسان‪ ،‬تمام‪ ،‬األصول‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األولى ‪1981‬م‪.‬‬
‫للنشر ّ‬‫ّ‬ ‫‪ ‬حسن خميس امللخ‪ ،‬التفكير العلمي في ّ‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬ ‫النحو العربي‪ ،‬دار الشروق‬
‫األردن‪ ،‬الطبعة األولى‪.2002 .‬‬
‫عباس‪ّ ،‬‬
‫النحو الوافي‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،07‬د‪.‬ت‪ ،‬ج‪.03‬‬ ‫‪ ‬حسن ّ‬
‫ّ‬ ‫مؤيديه ومعا ضيه ودوره في ّ‬ ‫‪ ‬خليل أحمد عما ة‪ ،‬العامل ّ‬
‫النحوي بين ّ‬
‫التحليل اللغوي‪ ،‬دار الفكر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪1987 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ ‬الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬معجم العين‪ ،‬تح‪ :‬مهدي املخزومي‪ ،‬إبراهيم ّ‬
‫الس ّ‬
‫امرائي‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫ج‪. 8‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬خليل حلمي‪ ،‬العربية وعلم اللغة البنيوي‪ ،‬دراسات في الفكر اللغوي العربي الحديث‪ ،‬دار املعرفة‬
‫الجامعية‪ ،‬مصر‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬خولة طالب اإلبراهيمي‪ ،‬مبادئ في اللسانيات‪ ،‬دار القصبة للنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪02،2006‬م‪.‬‬
‫الراية‪ّ ،‬‬
‫عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪1430 ،01‬ه‪/‬‬ ‫حوية‪ ،‬دار ّ‬ ‫الس ّواد‪ ،‬مهدي املخزومي وجهوده ّ‬
‫الن ّ‬ ‫‪ ‬رياض ّ‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫‪ ‬ال ّزجاجي‪ ،‬الجمل‪ ،‬مطبعة جول كربونل‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬د‪ .‬ط‪1926 ،‬م‪.‬‬
‫النحو‪ ،‬تحقيق مازن مبا ك‪ ،‬دار ّ‬
‫النفائس‪،‬‬ ‫الرحمان بن إسحاق‪ ،‬اإليضاح في علل ّ‬
‫‪ ‬ال ّز ّجاجي‪ ،‬عبد ّ‬
‫ر‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1399 ،03‬ه‪1979/‬م‪.‬‬
‫الديوان‪ ،‬تحقيق علي حسن فاعور‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،01‬‬ ‫‪ ‬هير بن أبي سلمى‪ّ ،‬‬
‫ز‬
‫‪1408‬ه‪1988/‬م‪.‬‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫سامرائي‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬ملخص معاني األبنية في العربية‪ ،‬جامع الكتب اإلسالمية ‪-‬املجلد ‪.- 1‬‬
‫الرحمن‪ ،‬االقتراح في علم أصول ّ‬
‫النحو‪ ،‬تحقيق محمد سليمان‬ ‫‪ ‬السيوطي‪ ،‬جالل ّ‬
‫الدين عبد ّ‬
‫ياقوت‪ ،‬دار املعرفة الجامعية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1426 ،01‬ه‪2006/‬م‪.‬‬
‫‪ ‬ال ّسيوطي‪ ،‬جالل ّ‬
‫الدين عبد ّ‬
‫الرحمن‪ ،‬همع الهوامع في شرح الجوامع‪ ،‬تحقيق عبد السالم هارون‪،‬‬
‫وعبد العال سالم مكرم‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1421‬ه‪2001 /‬م‪ ،‬ج‪.01‬‬
‫‪ ‬خديجة الحديثي‪ ،‬الشاهد وأصول ّ‬
‫النحو في كتاب سيبويه‪ ،‬مطبوعات جامعة الكويت‪ ،‬ط‪،01‬‬
‫‪1394‬ه‪1974/‬م‪.‬‬
‫‪ ‬شوقي ضيف‪ ،‬املدا س ّ‬
‫النحوية‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬ط‪ ،07‬القاهرة‪( ،‬د‪.‬س)‪.‬‬ ‫ر‬

‫‪113‬‬
‫‪ ‬ال ّ‬
‫صعيدي عبد املتعال‪ ،‬النحو الجديد‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة (د‪ .‬ت)‪.‬‬

‫‪ ‬الطاهر علي جواد‪ ،‬املخزومي في خطوط من تاريخ صداقة(مقال)‪ ،‬جريدة القادسية‪ ،‬العراق‪،‬‬
‫الثالثاء ‪ 15‬أيار‪1993‬م‪.‬‬
‫النحو وتاريخ أشهر النحاة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1426 ،01‬ه‪2005 /‬م‪.‬‬ ‫‪ ‬ال ّطنطاوي‪ ،‬نشأة ّ‬
‫ّ‬ ‫عباس محمد علي‪ ،‬اإلعراب ّ‬ ‫‪ ‬أبو ال ّ‬
‫امليسر‪ ،‬دار الطالئع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬ابن عبد ربه األندلس ي‪ ،‬العقد الفريد‪ ،‬كتاب الياقوتة في العلم واألدب‪ ،‬باب في اإلعراب واللحن‪،‬‬
‫ج‪.02‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬علي أحمد مدكور‪ ،‬تدريس فنون اللغة العربية‪ ،‬دار الشواف للنشروالتوزيع‪1991،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬علي بن أحمد الواحدي‪ ،‬شرح ديوان ّ‬
‫املتنبي‪ ،‬منشورات أي‪-‬كتب‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،‬ج‪.3‬‬
‫‪ ‬علي مزهر الياسري‪ ،‬الفكر ّ‬
‫النحوي عند العرب‪ ،‬أصوله ومناهجه‪ ،‬الدار العربية للموسوعات‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1423 ،01‬ه‪2003/‬م‪.‬‬
‫‪ ‬عمرو بن عثمان أبو بشر‪ ،‬سيبويه‪ ،‬الكتاب‪ ،‬تح عبد ّ‬
‫السالم هارون‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط‪1408 ،3‬ه‪1988 /‬م‪ ،‬ج ‪.3‬‬
‫‪ ‬العيساني عبد املجيد‪ ،‬النحو العربي بين األصالة والتجديد‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2008 ،1‬م‪.‬‬
‫ابن فارس أبو الحسين أحمد‪ ،‬الصاحبي في فقه اللغة‪ ،‬تحقيق السيد أحمد صقر‪ ،‬مطبعة‬ ‫‪‬‬
‫الحلبي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫فاضل ّ‬
‫الساقي‪ ،‬أقسام الكالم العربي‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪1397،‬ه‪1977 /‬م‪ ،‬د‪.‬ط‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ّ‬
‫فردينان ديسوسير‪ ،‬محاضرات في علم اللسان العام‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد القادر قنيني‪ ،‬ط‪،02‬‬ ‫‪‬‬
‫املغرب‪2008،‬م‪ ،‬أفريقيا الشرق للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫ّ‬
‫والنحو‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬ط‪2006 ،01‬م‪.‬‬‫اللغة ّ‬ ‫فؤاد ُترزي‪ ،‬في أصول‬ ‫‪‬‬
‫قنوني منيرة‪ ،‬نشأة ّ‬
‫النحو العربي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د‪.‬ط‪2013 ،‬م‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬لطفي عبد البديع‪ ،‬عبقرية العربية‪ ،‬النادي األدبي الثقافي‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‪1986 ،2‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬محمد أحمد دويس‪ ،‬شذرات ونظرات في علوم اللغة العربية‪ ،‬دار الخلدونية‪ ،‬الجزائر‪2018 ،‬م‪.‬‬
‫علي ّ‬ ‫ّ‬
‫الض ّباع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج‪.01‬‬ ‫النشر في القراءات العشر‪ ،‬تحقيق محمد ّ‬ ‫‪ ‬محمد بن محمد الجزري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬محمد حسين آل ياسين‪ّ ،‬‬
‫الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث‪ ،‬مكتبة الحياة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1400 ،01‬ه‪1980 /‬م‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬محمد داود‪ ،‬العربية وعلم اللغة الحديث‪ ،‬دار الغريب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ ‬محمد عبد هللا بن أحمد‪ّ ،‬‬
‫النحو العربي بين القديم والحديث مقارنة وتحليل‪ ،‬دروب ثقافية‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪( ،01‬د‪.‬س)‪.‬‬
‫‪ ‬امل ّ‬
‫سدي‪ ،‬عبد ّ‬
‫السالم‪ ،‬التفكير اللساني في الحضارة العربية‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬ليبيا‪ ،‬تونس‪،‬‬
‫ط‪1981 ،1‬م‪.‬‬
‫الرد على ّ‬
‫النحاة‪ ،‬تح شوقي ضيف‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪،01‬‬ ‫‪ ‬ابن مضاء القرطبي‪ّ ،‬‬
‫‪1947‬م‪1322 ،‬ه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬أبو املكارم علي‪ّ ،‬‬
‫مقومات الجملة العربية‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2006 ،01‬م‪.‬‬

‫‪ ‬مهدي املخزومي‪ ،‬الخليل بن أحمد الفراهيدي أعماله ومنهجه‪- ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬دار الرائد‬
‫العربي‪ ،‬ط‪1406 ،2‬ه‪1986/‬م‪.‬‬
‫الد س ّ‬
‫النحوي في بغداد‪ ،‬دار ّ‬
‫الرائد العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1407 ،02‬ه‪1987 ،‬م‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬مهدي املخزومي‪ ،‬ر‬
‫‪ ‬مهدي املخزومي‪ ،‬الفراهيدي عبقري من البصرة‪ ،‬دار الشؤون الثقافية ّ‬
‫العامة‪ ،‬بغداد‪ ،‬العراق‪،‬‬
‫ط‪1989 ،02‬م‪.‬‬
‫‪ ‬مهدي املخزومي‪ ،‬في ّ‬
‫النحو العربي نقد وتوجيه‪ ،‬املكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1964 ،01‬م‪.‬‬

‫‪ ‬مهدي املخزومي‪ ،‬قواعد وتطبيق على املنهج العلمي الحديث‪ ،‬ط‪ ،02‬بيروت‪ ،‬دار الرائد العربي‪،‬‬
‫‪1406‬ه‪1986-‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫اللغة ّ‬
‫والنحو‪ ،‬شركة مكتبة ومطبعة‬ ‫‪ ‬مهدي املخزومي‪ ،‬مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة‬
‫مصطفى البابي الحلبي وأوالده‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1377 ،02‬ه‪1958 /‬م‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫‪ ‬ابن هشام األنصاري‪ ،‬مغني اللبيب عن كتب األعاريب‪ ،‬تح عبداللطيف الخطيب‪ ،‬املجلس الوطني‬
‫للثقافة والفنون َواآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪1421 ،01‬ه‪2000 /‬م‪ ،‬ج‪.06‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬املعجم الوسيط‪ ،‬ط‪2004 ،04‬م‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪.‬‬

‫ّ‬
‫‪ -2‬املجالت واملنشورات‪:‬‬
‫‪ ‬زهير غازي زاهد‪ ،‬قراءة في تراث مهدي املخزومي‪ ،‬مجلة معهد املخطوطات العربية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1415‬ه‪1994/‬م‪ ،‬مج‪ ،38‬ع‪.2-1‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬ال ّشا ف لطروش‪ ،‬آ اء مهدي املخزومي في تيسير ّ‬
‫النحو‪ ،‬مجلة مجمع اللغة العربية‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫دمشق‪1431،‬ه‪2010 /‬م‪ ،‬مج‪ ،85‬ج‪.02‬‬

‫‪115‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتمدن‪ ،‬العدد ‪2012/09/30 ،3066‬م‪.‬‬ ‫‪ ‬طارق حميد أمين‪ ،‬مجلة الحوار‬
‫الدين مجدوب‪ ،‬املنوال ّ‬
‫النحوي العربي‪ ،‬قراءة لسانية جديدة‪ ،‬منشورات كلية اآلداب‪،‬‬ ‫عز ّ‬
‫‪ّ ‬‬
‫سوسة‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪1998 ،01‬م‪.‬‬
‫‪ ‬محمد عابد الجابري‪ ،‬التراث ومشكل املنهج‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة‬
‫والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬مج‪ ،23‬ع ‪1994 ،02-01‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬منيرة قليل‪ ،‬املحاولة التيسيرية عند إبراهيم مصطفى في ميزان النقد والتقييم‪ ،‬مجلة‬
‫إشكاالت في اللغة واألدب‪2021،‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬مهدي املخزومي‪ ،‬قضايا مطروحة للمناقشة(مقال)‪ ،‬مجلة جامعة املوصل‪ ،‬العراق‪ ،‬العدد‬
‫‪1972 ،02‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫اللغوي واألدبي في الجنوب الشرقي الجزائري‪ ،‬محاولة تيسير ّ‬
‫النحو عند مهدي‬ ‫‪ ‬مخبر التراث‬
‫ّ‬
‫املخزومي‪ ،‬مجلة الذاكرة‪2017،‬م‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬املخزومي املعلم والباني‪( ،‬مقال)شارك فيه جمع من األساتذة‪ ،‬مطبوعات مكتبة أمير‬
‫املؤمنين‪ ،‬بغداد‪.‬‬
‫‪ ‬من رسالة للشيخ محمد رضا البغدادي‪ .‬نقله د‪ .‬عبد الجبار املطلبي في كلمته " املخزومي‬
‫اإلنسان " امللقاة في اتحاد األدباء والكتاب العراقيين بمناسبة أربعينية املخزومي‪.‬‬
‫‪ -3‬املذكرات‪:‬‬
‫ّ‬
‫اللغة الحديث من أصول ّ‬
‫النحو (رسالة ماجستير)‪ ،‬جامعة أم‬ ‫‪ ‬مطير املالكي‪ ،‬موقف علم‬
‫القرى‪ ،‬السعودية‪1423،‬ه‪.‬‬
‫‪ -4‬املراجع األجنبية‪:‬‬
‫‪ Ferdinand de saussure, cours de linguistique générale, ENAG, Alger, 2edt, 1994,‬‬
‫‪p100.‬‬

‫‪116‬‬
‫فهرس املوضوعات‬
‫فهرس املوضوعات‪:‬‬

‫ّ‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوعات‬

‫اإلهداء‬
‫كلمة ّ‬
‫البد منها‬
‫ّ‬
‫املقدمة‪ .................................................................................................................................‬أ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ه‬

‫‪13-7‬‬ ‫املدخل‪ :‬نشأة ّ‬


‫النحو العربي‬

‫تمهيد‪07 ...................................................................................................................................‬‬
‫في مفهوم ّ‬
‫النحو‪08 ...................................................................................................................‬‬
‫حول نشأة ّ‬
‫النحوالعربي‪13-8 .......................................................................................................‬‬

‫عوامل النشأة‪10-09 ......................................................................................................................‬‬


‫أ‪ .‬العامل ّ‬
‫الديني ‪09 ........................................................................................................‬‬
‫ب‪ .‬العامل القومي‪10 .......................................................................................................‬‬
‫ت‪ .‬العامل السياس ي‪11-10 ....................................................................................................‬‬
‫التقعيد ّ‬
‫النحوي‪13-11 ............................................................................................................‬‬
‫‪42-15‬‬ ‫النحوية‬ ‫األول‪ :‬مهدي املخزومي وجهوده ّ‬ ‫الفصل ّ‬

‫تمهيد‪15 ...................................................................................................................................‬‬
‫املبحث ّ‬
‫األول‪َ :‬مهدي املخزومي ومسيرته العلمية‬

‫َمهدي املخزومي في خطوط من تاريخ‪18-17 ....................................................................‬‬ ‫‪-1‬‬


‫أساتذته ومكانته العلمية بين العلماء‪19-18 ...................................................................‬‬ ‫‪-2‬‬
‫النحوية ورحالته‪21-19 .......................................................................................‬‬ ‫ثقافته ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫وفاته‪21 .....................................................................................................................‬‬ ‫‪-4‬‬
‫الدراسات التي تناولت نحو املخزومي‪23-21 ...................................................................‬‬ ‫ّ‬ ‫‪-5‬‬

‫‪118‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬جهود مهدي املخزومي ّ‬
‫النحوية‬

‫النحوية‪27-25 ................................................................................‬‬ ‫‪ -1‬آثار مهدي املخزومي ّ‬

‫النحوية‪32-27 ..................................‬‬ ‫‪ -2‬القواعد واألسس التي بنى عليها املخزومي نظريته ّ‬


‫النحو عند املخزومي‪37-32 ......................................................................‬‬ ‫‪ -3‬قضايا أصول ّ‬
‫‪ّ .3.1‬‬
‫السماع‪33-32 .................................................................................................................‬‬

‫‪ .3.2‬اإلجماع‪34-33 .................................................................................................................‬‬

‫‪. 3.3‬القياس‪35-34 ..................................................................................................................‬‬

‫‪ . 3.4‬استصحاب الحال‪37-35 ................................................................................................‬‬


‫الد س ّ‬
‫النحوي املخزومي‪42-37 .................................‬‬ ‫ّ‬
‫‪-4‬قضايا اإلعراب ونظرية العامل في ر‬
‫النحوي املخزومي‪40-37 .......................................................................‬‬ ‫الد س ّ‬
‫ّ‬
‫‪ )1‬اإلعراب في ر‬
‫‪ .1‬معاني عالمات اإلعراب‪40-39 .................................................................... :‬‬
‫ّ‬
‫الضمة‪39 ..................................................................................‬‬ ‫‪.1.1‬‬
‫‪ .1.2‬الكسرة‪40-39 ..................................................................................‬‬
‫‪ .1.3‬الفتحة‪40 .................................................................................‬‬
‫‪ )2‬موقف املخزومي من نظرية العامل‪42-40 ...........................................................................‬‬
‫‪67-44‬‬ ‫النحوي‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬حظ املخزومي من الفكر ّ‬

‫تمهيد‪44 ....................................................................................................................................‬‬

‫النحوي عند املخزومي‬ ‫الد س ّ‬ ‫ّ‬ ‫املبحث ّ‬


‫األول‪ :‬أثر الفكر الخليلي في ر‬
‫ّ‬
‫‪ -1‬حول أصل نشأة اللغة‪49-47 .........................................................................................‬‬
‫ّ‬
‫‪ -2‬العالقة بين اللفظ واملعنى‪50-49 ...................................................................................‬‬
‫النحوي الشامل(املتكامل)‪54-50 ......................................................................‬‬ ‫الد س ّ‬
‫ّ‬
‫‪ -3‬ر‬
‫الدرس الصوتي‪52-51 ......................................................................................‬‬ ‫‪ّ .1‬‬
‫الدرس الصرفي‪53-52 ......................................................................................‬‬ ‫‪ّ .2‬‬
‫النحوي ‪54-53 .....................................................................................‬‬ ‫الد س ّ‬‫ّ‬
‫‪ .3‬ر‬
‫‪ -4‬املصطلح ّ‬
‫النحوي‪56-54 ................................................................................................‬‬
‫ّ‬
‫‪ .1‬التشريك‪55 ................................................................................................‬‬

‫‪119‬‬
‫‪ .2‬الخالف‪56 ..................................................................................................‬‬
‫النحوي عند املخزومي‬ ‫الد س ّ‬ ‫ّ‬
‫املبحث الثاني‪ :‬أثر املذهب الكوفي في ر‬

‫النحوية‪60-58 ....................................................................................‬‬ ‫‪ -1‬مد سة الكوفة ّ‬


‫ر‬
‫‪ -2‬أصول الفكر الكوفي عند املخزومي‪61-60 ..................................................................‬‬
‫ّ‬
‫التأثر ّ‬
‫بالنحو الكوفي‪67-61 .............................................................................‬‬ ‫‪ -3‬مظاهر‬
‫‪ .3.1‬أسماء األفعال‪62 ................................................................................‬‬
‫‪ .3.2‬أقسام الفعل واستعماالته‪63-62 ............................................................‬‬
‫‪ .3.3‬تقديم الفاعل على فعله‪64-63 ................................................................‬‬
‫ّ‬
‫التنازع‪66-64 .............................................................................................‬‬ ‫‪.3.4‬‬
‫‪ .3.5‬االشتغال‪67-66 .........................................................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬أثر فكر إبراهيم مصطفى في املخزومي‬

‫النحوي عند إبراهيم مصطفى‪71-70 ...........................................‬‬ ‫العامة للبحث ّ‬ ‫‪ -1‬األسس ّ‬


‫‪ -2‬مظاهر تأثر مهدي املخزومي بنحو إبراهيم مصطفى‪75-71 .............................................‬‬
‫النحوي‪72 .....................................................................................‬‬ ‫‪ .2.1‬نظرية العامل ّ‬
‫‪ّ .2.2‬‬
‫النحو واملعنى ‪73-72 ..................................................................................................‬‬
‫‪ . 2.3‬ظاهرة اإلعراب‪73 ................................................................................................‬‬
‫‪ .2.4‬الحركات اإلعرابية‪75-73 ...........................................................................................‬‬

‫‪108-77‬‬ ‫التجديد ّ‬
‫والتيسير في ّ‬
‫النحو العربي عند املخزومي‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬مظاهر ّ‬

‫تمهيد‪77 .............................................................................................................................‬‬
‫األول‪ :‬آ اء املخزومي في تيسير ّ‬
‫النحو‪.‬‬ ‫املبحث ّ ر‬

‫‪ )1‬املنهج الوصفي عند املخزومي‪80-79 ................................................................................‬‬


‫‪ -1‬أسس املنهج الوصفي عند املخزومي‪83-80 .....................................................................‬‬
‫التيسير في ّ‬
‫النحو العربي‪84-83 .........................................................................................‬‬ ‫‪ّ )2‬‬
‫النحو العربي قديما وحديثا‪89-85 ...............................................‬‬ ‫النحاة في تيسير ّ‬
‫‪ )3‬جهود ّ‬
‫النحوي عند املخزومي‪90-89 ..............................................................................‬‬ ‫‪ّ )4‬‬
‫التيسير ّ‬
‫التجديد في الفكر املخزومي‪.‬‬ ‫املبحث الثاني‪ :‬معالم ّ‬

‫‪120‬‬
‫النحوي املخزومي‪97-92 .....................................................................‬‬ ‫الد س ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ )1‬الجملة في ر‬
‫‪ -1‬الجملة‪94-92 ......................................................................................................‬‬
‫‪ -2‬أقسام الجملة‪97-94 ..........................................................................................‬‬
‫‪ .2.1‬الجملة الفعلية‪95 ................................................................................‬‬
‫‪ .2.2‬الجملة االسمية‪96-95 ................................................................................‬‬
‫‪ .2.3‬الجملة الظرفية‪97-96 ...............................................................................‬‬
‫الد س ّ‬
‫النحوي املخزومي‪103-97 .......................................................‬‬ ‫ّ‬
‫‪ )2‬أقسام الكالم في ر‬

‫‪ -1‬األفعال‪99-98 ....................................................................................................‬‬
‫‪ -2‬االسم‪100-99 ......................................................................................................‬‬
‫‪ -3‬األداة‪102-100 .......................................................................................................‬‬
‫‪ -4‬الكناية‪103-102 ....................................................................................................‬‬
‫للنحو العربي‪107 -103 ..............‬‬ ‫التعليمي ّ‬ ‫ظل الواقع ّ‬ ‫التيسيرية عند املخزومي في ّ‬ ‫‪ )3‬اآل اء ّ‬
‫ر‬
‫استخالص عام‪107-106 .................................................................................................‬‬

‫الخاتمة‪110-109 .......................................................................................................................‬‬

‫فهرس املصادر واملراجع‪116-112 .............................................................................................‬‬

‫فهرس املوضوعات ‪121-118 ................................................................................................‬‬

‫‪121‬‬

You might also like