You are on page 1of 12

‫الّتغُّير المفهومي وعالقته بعملية التعّلم‬

‫الّتالميذ ي أتون إلى حج رات الدراس ة‪ ،‬وفي ح وزتهم أفك ار و تص ورات بديل ة عن المف اهيم‬
‫العلمي ة والظ واهر الطبيعي ة ال تي تحي ط بهم‪ ،‬وتل ك التص ورات )التمّثالت أو المف اهيم‬
‫الذاتية( تتعارض مع الّتصور العلمي السليم ال ذي يف ترض أن يكتس به الّتالمي ذ‪ ،‬مم ا يجعله ا‬
‫تعيق فهم الّتالميذ لتلك المفاهيم والظواهر بشكل علمي سليم‪ ،‬وت زداد المش كلة تعقي د ًا عن دما‬
‫تص بح تل ك ال ّتص و ا رت البديل ة عميق ة الج ذور‪ ،‬فتش ّك ل عوام ل مقاوم ة للّتعّلم ومعيق ة‬
‫الكتس اب المف اهيم العلمي ة الجدي دة‪ ،‬كم ا أن ت دريس العل وم ق د يعج ز أحيان ا عن تثبيت‬
‫التصورات العلمية السليمة في أذهان الّتالميذ ما لم يتم الّتعرف على تصورات هؤالء الّتالميذ‬
‫قبل بداي ة تعليمهم تعليم ًا مقص ودًا في العل وم‪ .‬وبه ذه الص فة‪ ،‬ف إن التص ورات البديل ة تمثل‬
‫حواجز معرفية تعيق تعّلم الّتلميذ إذا ما تم تجاهلها في المسعى البيداغوجي‪.‬‬

‫وعليه يصبح التعّلم هو تج اوز ه ذه الح واجز المعرفي ة )اإلبس تيمولوجية( لتمكين المتعّلم من‬
‫تغيير هذا النظام من اّلّتص ورات عن طري ق اس تراتيجية واعي ة بحجم الع ائق ال ذي تواجه ه‬
‫خالل إحداث الّتغُّير في البنية المعرفية )المفاهيمية( للتلمي ذ وتط وير ه ذه الّتص و ا رت نح و‬
‫األفضل حتى يتسنى له تطوير نظامه المعرفي تدريجيا لتكون له ص ورة أص ح وأوض ح عن‬
‫العالم المحيط به والمتفاعل معه‪.‬‬

‫فاالفتراض التقليدي الذي أسس له الفيلسوف االنجليزي جون لوك ‪John )1704 – 1632‬‬
‫‪ ( Locke‬بأّن الّتلميذ يأتي إلى حجرة الدراسة‪ ،‬وعقله صفحة بيضاء يتم نقشها وتشكيلها وفق ا‬
‫لما تريده المدرسة أصبح يفق د مكان ه ت دريجيًا‪ ،‬ويح ل محل ه رؤي ة أك ثر واقعي ة‪ ،‬مفاده ا أن‬
‫الّتصورات البديلة للمفاهيم العلمية التي يأتي بها الّتالميذ إلى حجرة الدراسة‪ ،‬ينبغي أن تك ون‬
‫محل تقدير واهتمام‪ ،‬س يما إذا ك ان التلمي ذ يتش بث به ا ألّنه ا تعطي ه تفس يرات تب دو منطقي ة‬
‫بالنسبة له متفقة مع تصوره المعرفي الذي تشّك ل لديه عن الع الم من حول ه‪ ،‬ه ذا على ال رغم‬
‫من تعارض هذه الّتصورات البديلة في الكثير من األحي ان م ع الّتص ور ال ذي يق ّره العلم اء‬
‫لتفسير هذه الظ واهر؛ وت زداد المش كلة تعقي دا حين تص بح تل ك الّتص ورات عميق ة الج ذور‬
‫فتشّك ل عوامل مقاومة للّتعّلم ومعيقة الكتساب المفاهيم العلمية‪.‬‬

‫ويؤكد دافيد أوزبل ) ‪ ( D. Ausubel‬في نفس السياق على أن الّتصورات البديل ة متماس كة‬
‫وثابتة ومتج ّذ رة في البني ة المعرفي ة للمتعّلم بدرج ة ت دعو إلى العجب ومقاوم ة لالنق راض‬
‫والّتالشي وأّنها تقاوم الّتعديل والّتغيير بصورة كبيرة‪ ،‬كما أّنها تحد من قدرة الّتالميذ على حل‬
‫المشكالت المدرسية والحياتية‪ ،‬ه ذا باإلض افة إلى أن طرائ ق الّت دريس التقليدي ة الس ائدة في‬
‫معظم مدارسنا لم تثبت فاعليتها في تعديل هذه الّتصورات أو تصويبها‪.‬‬
‫العدي د من الب احثين والمتخصص ين الّترب ويين الح املين للفك ر الّترب وي البن ائي‬
‫ينظ رون إلى الّتعّلم بوص فه عملي ة للّتغُّي ر المفه ومي‪ ،‬قائم ة أساس ا على دع ائم‬
‫النظرية البنائية التي تؤكد على الّتفاعل بين المعلومات الجديدة )المعرفة الحالية(‪،‬‬
‫والمعرفة السابقة )المكتسبات القبلية( ال تي هي أهم المكون ات األساس ية ال واجب‬
‫توافرها مسبقا لحدوث عملية الّتعّلم‪.‬‬
‫بياجيه ويطلق على الّتغّير المفهومي مسمى نظرية المراحل‬ ‫‪-1‬‬
‫فيجوتسكي ويطلق على الّتغّير المفهومي مسمى عملية بناء الّتناقضات‬ ‫‪-2‬‬
‫المفهومية‬
‫بوسنر وزمالؤه ويطلق هؤالء الباحثون على الّتغُّير المفهومي مسمى‬ ‫‪-3‬‬
‫االستيعاب والمواءمة‬
‫كاري (‪ )Carey ,1985‬يطلق على الّتغُّير المفهومي مسمى إعادة الهيكلة‬ ‫‪-4‬‬
‫المفهومية‬
‫هوسن وثورلي (‪ )Hewson & Thorley ,1989‬ويطلق هذان الباحثان على‬ ‫‪-5‬‬
‫الّتغُّير المفهومي مسمى التبادل المفهومي‬
‫ثاج ارد (‪ )Thagard,1992‬ويطل ق على الّتغُّي ر المفه ومي مس مى نظري ة‬ ‫‪-6‬‬
‫المراحل التسع‬
‫فوسنيادو ويطلق على الّتغُّير المفهومي مسميين‪ ،‬هما‪ :‬اإلثراء‪ ،‬والمراجعة‪( ،‬‬ ‫‪-7‬‬
‫‪)Vosniadou,1994‬‬
‫بيث وهوسون (‪)Beeth & Hewson,1977‬‬ ‫‪-8‬‬
‫التعلم‪:‬‬
‫تعريف الّتغُّير المفهومي‪:‬‬
‫لقد عّر فه بوسنر وآخرون (‪ )Posner , et al ;1982 :212‬بأّنه‪" :‬‬
‫عملية يّتم من خاللها استبدال الفهم العلمي الصحيح الذي يتوافق مع‬
‫المبادئ العلمية بالفهم الخاطئ الموجود لدى الفرد؛ بإتب اع ع دد من‬
‫االس ت ا رتيجي ات وهي‪ :‬الّتكام ل‪ ،‬والّتمي يز‪ ،‬والّتب ديل‪ ،‬والّتجس ير‬
‫المفهومي"‪.‬‬
‫ويرى فاتانسيفر (‪ )Vatansever ,2006 :6‬أّن الّتغّير المفهومي هو عملية تعّلم‬
‫تتيح الفرصة أمام الّتالميذ لتغيير مفاهيمهم‪ ،‬وتصو ا رتهم البديلة عبر الّترسيخ‬
‫واالستفادة من المعرفة واألفكار الجديدة‪ ،‬واحاللها محل مثيالتها القديمة غير‬
‫المناسبة أو غير الصحيحة من المنظور العلمي؛ وبالّتالي يمكن للفرد الوصول إلى‬
‫المستوى المطلوب في تعّلم الّتغ ير المفهومي عبر اكتساب المعلومات الجديدة‪،‬‬
‫واعادة تنظيم ما لديه من معرفة حالية‪ ،‬أو سابقة‪.‬‬

‫نوعا الّتغُّير المفهومي وآليتاه‪:‬‬


‫يقسم الّتغُّير المفهومي الممكن إحداثه لدى الّتالميذ إلى نوعين‪:‬‬
‫األول‪ :‬الّتغُّير المفهومي الّتطوري )الّتدريجي(‪ ،‬ويتضمن إعادة بناء تدريجية للمعرفة من قبل‬
‫المعّلم من خالل آلية الّتمّثل (‪ )Assimilation‬والّتوفيق بين مفاهيم الّتلميذ والمفاهيم العلمية‬
‫الجديدة‪ .‬ويسمى بالّتغُّير ذي المدى الصغير أو الّتمُّثل وهو يتضمن الّتوسع واإلضافة في‬
‫إثراء ودقة المعنى‪.‬‬
‫ويقصد بالّتمّثل تلك العملية العقلية المسؤولة عن استقبال المعلومات من البيئة ووضعها في‬
‫تراكيب معرفية موجودة عند الفرد‪.‬أي تحويل أو تغيير ما يواجهه الفرد من أشكال معرفية أو‬
‫أشياء تناسب أبنيته المعرفية الحاضرة أو تالئمها‪ .‬فهي عملية يقوم فيها الفرد باستجابة سبق‬
‫له القيام بها‪ ،‬وتؤدي هذه العملية إلى عدم االت ا زن المعرفي لديه‪.‬‬
‫وبمعنى آخر فإّن التمُّثل هو عملية تعديل الخبرات والمعلومات الجديدة لتتالءم مع ما يعرفه‬
‫الفرد على نحو مسبق‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الّتغُّير المفهومي الّثوري )الجذري(‪ ،‬فهو تغُّير متعمق لمعرفة تصورات الّتالميذ‪،‬‬
‫ويسمى أيضا بالّتغُّير ذي المدى الواسع أو الّتكيف وهذا الّتكيف يحدث عندما يقوم الفرد‬
‫بتعديل بعض المفاهيم المركزية أو األساسية‪ ،‬وفي حاالت عديدة عندما يوجد صراع بين‬
‫المفاهيم الجديدة والقديمة )السابقة( فإّنه من الضروري إحداث تكّيف رئيسي )كبير(؛‬
‫ويتضمن إعادة بناء المعرفة من خالل آلية المواءمة(‪ )Accommodation‬أو االستبدال‬
‫المفاهيمي‪ ،‬حيث يتعّلم الّتلميذ مفاهيم جديدة مناقضة لمفاهيمه وذلك ضمن شروط‬
‫معينة‪) .‬زيتون‪8117 ،‬‬

‫وبمعنى آخر فالمواءمة هي عملية تغيير أو مراجعة السكيمات (‪ )Schemes‬حسب تعبير‬


‫جان بياجيه (‪ )J. Piaget‬الموجودة لدى الفرد في ضوء الخبرات الجديدة‪ .‬والتمُّثل والمواءمة‬
‫عنصرا عملية التنظيم الذاتي ) ‪ ( Self- Regulation‬وهما عمليتان مكملتان لبعضهما‬
‫البعض ونتيجتهما تصحيح البنيات المعرفية واثرائها وجعلها أكثر قدرة على التعميم وتكوين‬
‫المفاهيم‪ .‬وتعد عمليات التمثل والمواءمة والتنظيم عمليات متسلسلة لتكوين )بناء( المعرفة‪،‬‬
‫فما أن تنتهي العملية الّتعّلمية بالتنظيم حتى تبدأ بالتمُّثل‪ ....‬وهكذا‪ .‬ولتوضيح عمليتي التمُّثل‬
‫والمواءمة يستعان بالمثال اآلتي‪:‬‬
‫شروط حدوث الّتغُّير المفهومي‪:‬‬
‫حدد بوسنر وزمالؤه ) ‪ ( .Posner et al‬الشروط األربعة التي ال بد أن تتحقق لكي‬
‫يحدث الّتغُّير المفهومي وهي‪:‬‬
‫‪ 1-‬أن ال يرضى المتعّلم عن مفاهيمه اآلنية‪ ،‬أي يجب أن يكون هناك حالة من عدم‬
‫الرضا عن الّتصو ا رت الموجودة في منظومة الّتلميذ المفهومية التي لم تستطيع‬
‫تفسير الظاهرة التي يتعامل معها‪.‬‬
‫‪ 2-‬أن يحقق المتعّلم أقل درجة ممكنة من فهم المفهوم الجديد‪ ،‬بمعنى أن يكون‬
‫الّتصور الجديد واضحا )مفهوما ومدركا(‪ ،‬بحيث يستطيع ربطه في شبكة معلوماته‬
‫السابقة‪.‬‬
‫‪ 3-‬يجب أن تظهر معقوليته وفائدة المفهوم الجديد لدى المتعّلم‪ .‬بمعنى يجب أن‬
‫يكون الّتصور الجديد جدي ا ر بالّتصديق )مقبوال(‪ ،‬بحيث يبرز للّتلميذ دوره في‬
‫حل المشكالت التي لم يستطيع المفهوم القديم حلها‪.‬‬
‫‪ -4‬يجب أن يكون الّتصور الجديد خصبا ومثمرا؛ إذ أن الشخص الذي يواجه‬
‫بتصور جديد ال يدمجه دون أن يكون هناك سبب قوي لذلك‪ ،‬والسبب القوي لقبول‬
‫الشخص دمج الّتصور الجديد هو شعوره بخصوبة ذلك الّتصور وث ا رئه؛ وذلك‬
‫عن طريق استبصارات واكتشافات جديدة لم يستطيع الّتصور القديم تقديمها‪.‬‬

‫ولتحقيق ما سبق‪ ،‬البد من توافر أربعة شروط التي حددها بوسنر وزمالئه‪ 097،‬فيما يلي‪: :‬‬
‫وأشار إليها )زيتون‪8117 ،‬‬
‫‪ -1‬ينبغي على الّتالميذ أن يشعروا بعدم الرضا (‪ )dissatisfied‬عن األفكار والمعتقدات‬
‫والمفاهيم الساذجة البديلة التي يحملونها في منظوماتهم المفهومية‪ ،‬أي أّنهم غير‬
‫مقتنعين بالمفاهيم الحالية لديهم ألّنها غير قادرة على ش رح وتفسير وحل المشكالت‬
‫التي تصادفهم في الحياة‪ ،‬مما يحفزهم على اكتساب مفاهيم جديدة علمية سليمة قابلة‬
‫للّتطبيق وفعالة في حل المشاكل الحياتية اليومية‪.‬‬
‫‪ -2‬يجب أن يبدو المفهوم الجديد واضحا ومعقوال (‪ )plausible‬وجديرا بالّتصديق‬
‫واألخذ به لّح د ما‪ ،‬أي )مفهوما ومدركا(‪ ،‬حيث يبرز له دوره في حل المشكالت التي‬
‫لم يستطيع المفهوم القديم )البديل( الحالي تفسيرها أو حلها؛ وبذلك يستطيع ربطه في‬
‫شبكة معارفه السابقة‪.‬‬
‫‪ -3‬يجب أن يكون المفهوم الجديد أكثر جاذبية (‪ )More Attractive‬ويمكن تصديقه‬
‫مبدئيا‪ ،‬حيث يقتنع الّتلميذ بدوره في حل المشكالت التي لم يستطيع المفهوم القديم حلها‪.‬‬
‫‪ -4‬يجب أن يكون المفهوم الجديد قادرا على الّتفسير والّتنبؤ وحل المشكالت‪ ،‬فهو بذلك‬
‫يحمل تصورا جديدا خصبا ومثمرا وثريا يؤهله ألن يحظى بقبول الّتلميذ إلدماجه في‬
‫بنيته المعرفية‪.‬‬
‫توسيع تطبيق المفهوم في مواقف متنوعة؛ لضمان قبول الّتلميذ‬ ‫‪-9‬‬
‫للمفهوم‪:،‬وتبنيه بصورة نهائية‬

You might also like