Professional Documents
Culture Documents
الجزء الخامس
___________________________
هاتف01-442432 :
____________________________
يمنععع عبععع هععتا الكتععاب أو جععزء منععط بكععل عععر الطبععع والت ععوير ال ب ع
خطي من المؤسسة.
2
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
تصميم الغالف
خالص عبدهللا عط علي
3
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
4
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
5
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
6
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
(*)
أ .أحمد عبده سيف العريقي
8
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
مقدمة:
لوال اشتداد المعاناة والبؤس لما تولدت الرغبة باالغتراب والهجرة لدى
ماليين اليمنيين ،ولوال الهجرة واالغتراب لما تحولت مخاعر وأشكال المعاناة
لى فرص ،ولوال الفرص التي أتيحت بسبب الغربة لما تحسنت ظروف
المهاجرين والمغتربين ،وتميز بينهم الكثير من النابهين التين أدركوا تلك
الفرص وسعوا ،بكل ضميرهم الوعني النقي ،لى استغاللها تعزيزا ً لثقافة
المقاومة.
ولوال أولئك الرواد لما تمكنت المعارضة اليمنية في الداخل من البقاء
وال مود ،ومن توحيد ال ف ،و نتاج أدوات نضالهم ممثلة "بحزب األحرار"،
"فالجمعية اليمنية"" ،فاالتحاد اليمني" ،وصوالً لى لحظة استعادة اإلرادة
وتفجير الثورة في صنعاء ،ثم في عد .ولوال نجاح الثورة لما أمكن تغيير
النظام ،ولوال تغيير النظام لما تطور التعليم (على تشوهط الحالي) ،ولوال تطور
لم يكن محكوما ً بالفلسفة الوعنية المنشودة -لما أمكن عادة تشكيل التعليم -و
تعثرها اليوم يعد دليالً على ما نالها ثلمت ،بل ثقافة المجتمع كما نرى ،و
تعثرت قدرة الجماعات واألفراد ولم تنجح في التغيير اإليجابي من تغيير ،و
بالقدر التي يمك ن الثقافة من االستقرار والتمكين ،عبر خلق وتوسيع حاضنتها
يفهم تأثير المهاجرين المجتمعية .بهته ال ورة وهتا المستوى يجب أ
والمغتربين على مواعن الهجرة واالغتراب وعلى الداخل الوعني ،وكيف ال
لك ،وهم من اصطلى بمحنة عدم التأهيل الكافي ،وانعدام الرعاية، يكو
وأدركوا أنط ال سبيل لى الخالص ال بالتعليم .ولتلك كا التعليم وسيبقى يمثل
نط المدخل األمثل للتغيير ،خاصة أ للتعليم عالقة وثقى بثقافة المجتمع؛
أي حديث عن يجعلها مجاالً حيويا ً لعملياتط وأنشطتط المختلفة ،وبالتالي ف
9
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الحديث التعليم ،ال يمكن تجاوز الحديث فيط عن أثره في الثقافة .وبالمقابل ،ف
عن تفاعل األفراد أو الجماعات مع المجتمع المحيط ،والسعي للتأثير فيط البد أ
يكو انعكاسا ً ألثر التعليم في الجماعات واألفراد.
وتهدف هته الدراسة لى التعرف على حجم تأثير المغتربين والمهاجرين
على التعليم ،وانعكاس لك على مختلف مجاالت حياة المجتمع ،عبر استطالع
ألحوال الوعن بداية القر العشرين وواقع التعليم في شمالط وجنوبط ،وجدواه
وعالقتط باحتياجات المجتمع ،مع بيا مالمح العالقة بين التعليم وثقافة المجتمع.
وفي المحور الثاني ،من خالل استعراض بعض أسباب الهجرة ،تستهدف
الدراسة اإلجابة عن سؤال :هل مثلت شكالً من أشكال المقاومة ،مع االقتراب
من بعض اهتمامات المغتربين والمهاجرين ،ومعاناتهم ،ونزوعهم للتوحد،
و عطاء شارات لى تفاعلهم اإليجابي مع بيئات الهجرة واالغتراب ،وتأثيرهم
عليها وعلى وعنهم األساس ،وخاصة عبر سهاماتهم التعليمية .وأما المحور
الثالث فيستهدف الوقوف على مستوى انعكاس سهاماتهم وتأثيرها على ثقافة
المجتمع ،مع استجالء بعض األسباب التي قللت من مستويات تأثيرهم المتبادل
على مواعن الهجرة واالغتراب وعلى الداخل الوعني .مختتمين الدراسة
ببعض المقترحات الهادفة لزيادة تأثيرهم في الحاضر والمستقبل.
كما نط م ن المهم اإلشارة هنا لى أنط واجهتني صعوبات عديدة ،تتعلق بتوفر
المراجع الالزمة ،وم ادر المعلومات والبيانات ،وأحيانا ً كثيرة ،ق ور فيما
توفر منها على نحو لم يبق أمامي من سبيل سوى يرادها كما وجدتها ،آمالً أ
تتواصل جهود البحث ،وأ تتمكن من تحقيق ما لم أتمكن من تحقيقط ،وراجيا ً
أ تحظى هته الظاهرة بما تستحقط من اهتمام ،بما يمكن من تفعيل األداء
وحسن استثمار النتائج .ويبقى علي لفت االنتباه لى أنط زاء ال عوبات التي
10
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
عرضت بعضا ً منها فيما تقدم ،فقد سلكت منهج البحث التاريخي دو تقيد
صارم بأدواتط لبناء هيكل الدراسة ،مع االستعانة ببيانات ح ائية قدر ما
تيسر ،مع استخدام ما أمكن من ممكنات التحليل غير المخل بما وقع بين يدي
على عريق نجاز الدراسة ،آمالً تقدير لك.
ويبقى من المهم التأكيد على أ هته الدراسة تكتسب أهميتها من وجوه عدة،
لعل من أهمها ،أنها تسعى إلن اف المهاجر والمغترب اليمني نتيجة ما قدم من
تضحيات جسام ،حتى غدا القول صحيحا ً بأنط لوال تلك التضحيات التي هيأتها
األقدار لما عرف الوعن كل هته التحوالت العظيمة المؤسسة ليمن المستقبل.
واإلن اف هنا نعده متأخرا ً وبجهد أهلي كا الواجب يقتضي من الدولة والنظام
السياسي أ يبادرا ليط تقديرا ً وعرفانا ً لجهود وتضحيات جنود مجهولين تفوقوا
على ممكنات تأهيل متواضع ح لوا عليط ،وتجاوزوا كل العوائق التي كانت
تحول دو تواصلهم مع بعضهم البعض ،ومع عالئع المعارضة في اليمن،
لي نعوا فجرنا السبتمبري في العام 62م ،وليؤسسوا مداميك التحوالت التي
شهدتها الساحة الوعنية .وقد آ أوا خروجهم من ظل التاريخ ليغدوا معالم
على عريق جهاد اإلنسا اليمني ونبراسا ً تقتدي بط األجيال المتعاقبة ،ولينالوا
حقهم من التبجيل والترح م على األقل ،وليحتلوا المكانة المناسبة في التاكرة
الجمعية للمجتمع .كما أنها تكتسب أهمية عظمى كونها مع غيرها من الدراسات
المنتجة في هتا المشروع ،التي كرس لط األخ علوا الشيباني جهده المبارك
وتمويلط الكريم إلظهاره لى النور ،تشكل دراسات مؤسسة تيسر للباحثين في
ة ،تمكن المجتمع من تقدير الحاضر والمستقبل فرصا ً إلنتاج بحوث متخ
هته الظاهرة ،وتوجط اهتمام النظام السياسي للعناية بها ،استثماراً لها وسعيا ً
إلعادة بناء التاكرة المجتمعية كحق مكتسب لألجيال القادمة .ثم نها تؤسس
11
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
12
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
13
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
( )1ورد في كتاب "لمحات من تاريخ حركة األحرار اليمنيين" ما يشير لى مثل لك حيث
يورد القول" :وبالنسبة لمارب فقد روى لي أحد األصدقاء عن األستا زيد عنا قولط:
نط سمع اإلمام يحيى شخ يا ً يقول ما معناه :ما معنا فائدة من مارب هته تخسرنا كل
سنة 5000لاير معاشات ونحن ما فيش معنا منها مدخول ،ما عاد نشتيهاش" ،ينظر:
عبده ،علي محمد ،لمحات من تاريخ حركة األحرار اليمنيين ،ج ،1ص.29
14
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
اإلدريسي لم يغنمها من األتراك تكن ملكا ً خال ا ً لنا حتى ن منحها للغير ،كما
أثناء الحرب ،وكا أول واجب علينا بعد عقد الهدنة مع األتراك أ نبعد
الحديدة هي اإلدريسي عن منطقة أصبحت باالكتساب لإلمام وحده؛
الميناء الطبيعي ل نعاء" .وقد استمر يحكم هته المناعق سبع سنوات ،ونتيجة
ظلمط وخرافاتط التجأ كثير من كبارها لى محميات أخرى ،وأختوا يستنجدو
باإلنجليز ،فقامت عائراتهم في 1928م بق ف قواتط في الضالع والعوا ل،
وق فت بعض مد الشمال ،مثل تعز ،وقعطبة ،و مار ،والنادرة ،فانسحبت
القوات اإلمامية من المناعق التي كانت قد استعادتها"(.)2
وبالنظر لى لك ،نجد أيضا ً أ اإلمام يحيى لم يكن جادا ً في مطالبتط
لبريطانيا بتسليم المحميات ال ا كانت عد ضمنها ،ولما يئس من رفض
بريطانيا تسليمط عد هاجم بعض المحميات كما ورد سابقا ً ،واستمر يحكم ما
استعاده منها سبع سنوات ،لكنط لم يكن قادرا ً على تقديم بديل جا ب للمواعنين،
بل اشتد بممارسة الظلم .ونالحظ صمت بريطانيا على ما أقدم عليط ،ولم تحم
مناعق نفو ها ،وفي لك دليل على رغبتها في التنازل عن المحميات مقابل
قبولط (ببريطانية لحج وعد ) ،ولما اشتدت مظالمط وأراد مناكفة اإلنجليز،
ونتيجة الستنجاد المواعنين في المناعق التي خضعت لحكم اإلمام ،انسحبت
قواتط ،ولم ت مد بعد الغارات األولى للطائرات البريطانية في 1928م ،بل نط
قبل بتوقيع معاهدة معهم في فبراير 1934م -بعد أ بقيت العالقة في حالة
سكو -تنازل فيها عن مطالباًتط ،وأقر بنفو بريطانيا على عد والمحميات
جميعها.
الزبيري" :والمهمة األخرى ألي مام هي تدعيم مركزه الروحي بين القبائل
تحت ستار التشيع آلل البيت ،حتى يرسخ في عقلية الشعب بالقسم األعلى أ
اإلمام ظل هللا ونائبط حقاً ،وأ منزلتط كمنزلة رسول هللا ،وتقتر هته التعاليم
الروحية في القسم األعلى بالحمالت الطائفية ضد من يسمونهم كفار تأويل،
التين ال يدينو بالمتهب اإلمامي ،وهم أكثرية ،القائمة على البطش والسلب
التي ال بد لكل مام من تجريدها ضد المزارعين اآلمنين من أبناء الشعب في
اليمن األسفل وتهامة"(.)4
لم تعرف اليمن االستقرار ،خالل العقود األولى من القر العشرين ،فعلى
الرغم من أ اإلمام يحيى وقف على الحياد فيما يتعلق بال راع بين تركيا
حربط مع اإلدريسي لم تتوقف ،ونتيجة لمطالبتط لبريطانيا وبريطانيا ،ف
بتسليمط عد ،ورفض بريطانيا لتلك و بدائها االستعداد لتسليمط المحميات مقابل
اعترافط ببريطانية لحج وعد ،ورفضط لتلك ،أرسل قواتط الحتالل الضالع،
والعوا ل ،وبيحا ،وأجزاء من لحج ويافع ،األمر التي دفع بريطانيا لى تسليم
مدعوما ً من قبلها ،لقبولط دخول الحرب مع الحديدة لإلدريسي التي كا
بريطانيا ضد تركيا.
وفي المقابل كانت قوات اإلمام تحرز انت ارات متتالية على قوات
اإلدريسي بعد أ تخلت عنط بريطانيا ،واستعاد اإلمام السيطرة على الحديدة،
وزحفت قواتط حتى حاصرت جيزا وصبيا في العام 1925م ،لوال توقيع
اإلدريسي اتفاقية حماية مع عبد العزيز بن سعود عام 1926م .ونتيجة الشتداد
الضغوع على اإلمام من الشمال ومن الجنوب اضطر لى توقيع معاهدة في
فبراير 1934م ،اعترف فيها بسلطة بريطانيا على عد والمحميات األخرى،
كما اضطر لى توقيع معاهدة الطائف المعروفة مع ابن سعود في مايو عام
1934م( .هتا عدا قمعط لالنتفاضات الوعنية ،ومنها حركة الخزفار في
المقاعرة مثالً ،والزرانيق في تهامة) ،وقد عكست هته العالقات ال راعية
نفسها على حياة المجتمع اليمني بزيادة الحرما والقهر والبؤس ،واالشتداد في
جمع الضرائب ،واإل الل.
كما فرض اإلمام يحيى العزلة الداخلية على المجتمع ،ولم يهتم ببناء البنية
التحتية الالزمة ،وصنف المجتمع لى آل البيت ،األشياع من الزيود ولو
باإلكراه ،وشوافع المجتمع المتهمين بكونهم كفار تأويل ،كما فرض العزلة في
الداخل ومع الخارج ،ولم يستجب لبناء بعض مؤسسات الدولة ال ب عوبة
وللضرورات الق وى ،كالدفاع ،والخارجية بحدود ،والتربية شكالً ،كما ألغى
التجربة التي تأسست أيام الحكم التركي في النظام اإلداري والمجالس المحلية،
م غر. ومجالس اإلدارة ،والمجلس العمومي للوالية ،وكا بمثابة برلما
ودجن التعليم بما يخدم متهبيتط وتكريسط كحاكم مطلق يدعي حقا ً لهيا ً ونسبا ً
لى آل البيت ،واصطفا ًء ال ينازع فيط ،وقاوم تحديثط ومنع انتشاره ،وأغلق
المدارس األهلية التي حاولت التحديث ،حتى مع ادعائط " لزامية التعليم".
الل المجتمع ب كاء التباين المتهبي ،وفرض الضرائب كما اشتد في
المتعددة من الخطاع لى التنافيت ،والتخمين ،والكشف ،واحتكر وظائف السلطة
التنفيتية وجعلها في أسرتط وتحت يده وب شرافط المباشر ،وقضى على
المعارضين لط بشدة ،مستخدما ً كل سالح متاح ،بما في لك الدجل والكتب،
حتى أنط اتهم المعارضة السرية في صنعاء باخت ار القرآ ،كما اتهم أبناء
المقاعرة بـ"اإلباحية" ،والتهتك ،والهجرة لى عد ،وارتداء العائدين منهم
18
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
مالبس المقيمين فيها ،و جادتهم الحديث باللغة اإلنجليزية ،وهته األشياء كلها
منافية للدين وتوجب محاربتهم.5
وكل ما سبق جعل الحياة ال تطا ،وأضحى الخروج والهجرة مال ا ً
الستعادة اآلدمية ،وسببا ً وفرصة للخالص.
أما جنوب اليمن فلم يختلف الوضع فيط عن الشمال ،فقد أهملت بريطانيا
والمحميات ،وفرضت العزلة بين المناعق، احتياجات المجتمع في عد
وساعدها على لك اعتراف اإلمام يحيى بسلطتها في فبراير1934م على جنوب
الوعن ،كما تجمعت عوامل عديدة ساعدتها على فرض العزلة بين أبناء جنوب
الوعن (تشتت سكاني ،مع قلة عدد السكا أصالً ،قياسا ً على اتساع مساحة
األرض ،وصعوبة المواصالت ،وتشجيع قيام المشيخات والسلطنات ،وتفشي
الجهل ،و عبيعة األنشطة السكانية وتخلفها ،وقبل تلك العوامل ومعها تأثر
المجتمع بالممارسات السيئة للسلطات القائمة ،وبحالة ال راع التي عرفتها
اليمن ،سواء بين اإلمامة واألتراك ،أو بين زعماء القبائل والمشيخات على
اقتسام الجغرافيا والنفو ،وموقف اإلمام يحيى السلبي المبني على تقديره
للم لحة والعوائد المتوقعة من ريع األرض واإلنسا ،وتأثير معاهدات الحماية
مع بريطانيا).
كما سعت لى ربط مستعمرة عد بمستعمرتها في الهند ،واستقدمت هنودا ً
إلدارة ما يهم من مؤسسات المستعمرة في عد ،وعملت على ربط السلطنات
والمشيخات باتفاقيات الحماية بمنح السالعين والمشايخ المرتبات مقابل
اعترافهم بسيادتها عليهم وعدم الت رف ال وفق مشورتها ،كما عززت
20
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
في اليمن ،أو في بريطانيا، ولم تستجب لدعوات التأهيل العلمي العالي -
أو دول أخرى -ولم توفر المنح الالزمة للراغبين بالدراسة الجامعية والعليا،
متعللة بممارسات ومبررات كثيرة للتحايل على هتا الحق كونط حقا ً من حقو
المواعنة ،ولم تهتم ببناء البنى التحتية الالزمة ضمن مكونات ما أسمتط "اتحاد
الجنوب العربي".
وشهد الجنوب نشوب صراعات بينية بين السلطنات والمشيخات ،وتنازع
على الحدود ،ومن أهم تلك ال راعات والتنازع ما كا ناشبا ً بين السلطنة
الكثيرية والسلطنة القعيطية التي استمر لعقود ،وما ترتب على لك من ثارات
وشروخ في الثقافة المجتمعية بما انعكس سلبا ً على حياة المواعنين ،وصراع
آخر بين دولة آل عبدات في (الغرفة) وبين السلطنتين ،ومعهما بريطانيا وأسر
ومشايخ (العلويين).
21
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
المبحث األول
مالمح الواقع التعليمي في اليمن في القرن العشرين
أوالا :األوضاع التعليمية في الشمال
بات من المعلوم تاريخيا ً أ التعليم في اليمن تأثر بموقف الدويالت التي
حكمت ،فأثناء الحكم األيوبي (1174-1228م) أدخل األيوبيو نظام المدارس
ة للتعليم -حيث تم في اليمن ،وكانوا هم من أدخل هتا النظام -كأبنية مخ
نشاء ( )13مدرسة ،وقد تسمت بأسماء من بنوا تلك المدارس ،كما تركز وجود
كل من تعز ،وزبيد ،و ب ،وواحدة في أبين ،وهي المناعق تلك المدارس في ٍّ
التي تركز فيها نفو األيوبيين بوضوح والقوا فيها قبوالً يرجع لكو الدولة
ت لكل األيوبية دولة سنية شجعت انتشار المتهبين الشافعي والحنفي ،وخ
متهب مدارس تهتم بتدريس المتهب(.)6
وفي عهد الدولة الرسولية (1452 -1228م) حوالي 225سنة ،برز اهتمام
الرسوليين بالتعليم ،حيث حظي باهتمام كبير نتج عنط انتشار المدارس في
مناعق تعز ،والجند ،وجبلة ،وزبيد ،وعد ،وحتى مكة ،ويؤثر عنهم أ عدد ما
بني من مدارس في عهدهم تجاوز المائة مدرسة ،حتى عمد عهد الدولة
الرسولية بالع ر التهبي للمعرفة (بحسب مفهوم ع رها) .وقد تنافس
سالعينها وأمراؤها ،وحتى األميرات في بناء المدارس ورعايتها ،واإلنفا
عليها ،وتزويدها بما يدخرونط من كتب ومخطوعات .كما حفظت لنا األقدار
محتفظة بعناصرها بعضا ً من تلك المدارس التي مازالت قائمة حتى اآل
المعمارية األصلية(.)7
أما عن التعليم في عهد الدولة الطاهرية التي جاءت على أنقاض الدولة
الرسولية وامتدادا ً لها ،فقد تعهد ملوكها التعليم بالرعاية وبالبناء وفق عراز
تجل لتلك الطراز
ٍّ معماري مميز ،وتعد المدرسة العامرية برداع أروع
المعماري ،حيث بنيت على ثالثة أدوار ،خ ص الدور األرضي لسكن
الطالب ،وقد تكو من عشرين غرفة ،وشمل الدور الثاني م لى و يوانات،
وأما الثالث فاحتوى على مسجد تعلوه قبة كبيرة ،ومن حولها ست قباب متناسقة
ت للدراسة(.)8 خ
ومن المهم اإلشارة هنا لى أ عهود الدولة األيوبية ،والرسولية ،والطاهرية
كا م بوغا ً بطبيعة الع ور تلك من حيث قد تميزت بانتشار التعليم ،و
اهتمامط بترسيخ المتهب الشافعي والحنفي ،بجانب اهتمامط بما كا يعد تعليما ً
ا ً كعلوم الفقط ،والنحو. عاليا ً متخ
لك عبيعيا ً بحكم عبائع تلك الع ور؛ كو المناعق التي خضعت وقد كا
لهم كانت مناعق يتمتهب أهلها بالمتهب الشافعي والحنفي ،و لك في مواجهة
سيطرة األ ئمة الزيدية على المناعق الشمالية واهتمامهم بنشر الزيدية .وقد
تجلت جهودهم التعليمية في بناء بعض المدارس ،وكا من أهمها المدرسة
لم الشمسية في مار ،ومدرسة في صنعاء ،وأخرى في كوكبا وغيرها ،و
تكن قد أختت عابع المدارس التي عرفت على عهود الرسوليين والطاهريين؛
كونها كانت عبارة عن جوامع تنتشر حولها المنازل واألربطة لسكن الطالب
ومشايخ العلم.
وعن التعليم العام يقول عبد الحميد البكري ،مستندا ً لى رسالة ماجستير-
كل من
عبده ناشر :-نهم أنشأوا مدرسة ابتدائية في ٍّ غير منشورة ،لعدنا
صنعاء ،وتعز ،و ب ،والحديدة ،و مار ،يعني خمس مدارس فقط.
ضافة لى تأسيس مدرسة ابتدائية واحدة للبنات سميت بالمدرسة ال الحية
مقرها في الدور األسفل لمبنى وزارة التربية القديم في للبنات ،وكا
التحرير( .)11ولم أجد ما يؤكد لك في م ادر أخرى ،بعكس مدرسة األيتام
التي وجدت كرا ً لها لدى باعباد والبردوني وآخرين.
جميع المدارس المتكورة سابقا ً ،ومضافا ً ليها مدرسة ومن الالفت أ
عدادية واحدة في صنعاء كانت تسمى "شكرية" ،ومقرها في مبنى وزارة
التربية القديم بالتحرير ،وكا عدد عالبها في العام 1896م ( )97عالبا ً ،وممن
تعلموا فيها العزي صالح السنيدار التي -بحسبط -منعط أهلط من مواصلة التعليم
فيها ،وألحقوه بالجامع الكبير إلكمال تعليمط ،ومنهم محمد المحلوي التي عاقبط
أهلط ألنط يتعلم في هته المدرسة وأخرجوه منها(.)12
وأود هنا أ أسجل مالحظاتي على ما سبق ،ومنها:
-المدرسة اإلعدادية كيف كانت في ات المدرسة االبتدائية للبنات؟ (بديوا
وزارة التربية القديم).
-جميع المدارس السابقة ،مع مدرسة ال نائع ب نعاء ،والحديدة ،ودار
المعلمين والمدرسة اإلدارية في بيت الضمين ب نعاء قام ببنائها وافتتاحها
الوالي حسين حلمي باشا.
-كر العديد ممن كتبوا عن هته الفترة اسم المدرسة "الرشدية" ،ومنهم عبدهللا
البردوني ،وأ هته المدرسة وجدت لتعليم أبناء العثمانيين وأبناء التوات..
كما أ نط لم يشر لى وجود مدارس أخرى ،أو أعلى منها .وهو شاهد قريب
على هته الفترة.
-جزم عبد الحميد وغيره ،ومنهم أمين الريحاني ،وعلي باعباد ،وحتى
البردوني ،بأ التعليم كا مجانيا ً و لزاميا ً ،وأكد بعضهم على معاقبة أهالي
من حيل بينهم وبين الدراسة ،ولست أرى مما سبق حرص السلطات حينها
على تطبيق مبدئي مجانية و لزامية التعليم.
()13
أ العثمانيين عبد الحميد البكري يتكر أما عن التعليم العسكري ،ف
حرصوا على تدريب وتخريج ضباع يمنيين لتدريب الجيش اليمني ولدحض
الدعاية القائلة ب همالهم لتلك ،فأنشأوا المكتب الحربي في صنعاء في حارة
بالكلية الحربية بمستوى اإلعدادية ،ويعد عالبط لاللتحا خضير ،وكا
باألستانة ،ومدة الدراسة أربع سنوات ،ويحتوي على أربعة صفوف ،ويدرس
فيط قواعد الدين واللغات العربية ،والتركية ،والفارسية ،والرسم والخط
واإلمالء ،والجغرافيا ،فضالً عن العلوم العسكرية األخرى .وعند دخول اإلمام
يحيى صنعاء أغلقت المدرسة ،ثم فتحت بعد سنتين بنفس الكادر العثماني،
ونفس العلوم ،وعرب اإلمام بعض العلوم العسكرية التي كا يتلقاها الطالب
باللغة التركية.
تعليم الجوامع كا وقد ك ر عبد هللا البردوني في حديثط عن دار العلوم "
خاضعا ً لما تتعرض لط السياسات من استقرار وقالقل ،فكانت تنجم فترات
خوف تقطع السبل بين الطالب ومواضع العلم ،بل كانت تتعرض مدائن التعليم
( )14البردوني ،عبدهللا ،دار العلوم ،مجلة اإلكليل ،العددا الثاني والثالث ،1983ص.296
( )15البردوني ،المرجع نفسط ،ص.296
28
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
في صنعاء ومدينة أبها ،عاصمة عسير آنتاك ،خمس مدارس فقد كا
لل ناعة ولتعليم األيتام والبنات ،ومدرسة عسكرية للتعليم العسكري اإلعدادي
التي يوصل الطالب لى الكلية الحربية بجامعة األستانة ،في سطنبول ،كما أقام
العثمانيو مدرسة لل ناعات في الحديدة(.)16
وتتضارب اآلراء حول بداية التعليم النظامي في تعز بين قائل بأنط نشأ في
عام 1925م ،وهو العام التي بدأ فيط اإلمام يحيى بحركة تعليمية وثقافية
محدودة ،في حين يتكر آخرو أنط نشأ عام 1931م ،بينما تؤكد مجموعة ثالثة
أ عام 1935م هو بداية التعليم النظامي منت اتختها أحمد حميد الدين مقرا ً لط،
وهو الرأي الراجح(.)17
ومما سبق ،نرى أ المدارس التي وجدت في عهد األتراك ،على تنوعها،
ومضافا ً لى لك "دار المعلمين" ،لم يتجاوز عددها سبع مدارس في صنعاء،
وأبها ،والحديدة ،وأ تعز لم ي لها اهتمام الوالة األتراك ،بدليل أ د .علي هود
باعباد في كتابط "التعليم في الجمهورية اليمنية" لم يتكر مثل لك ،وقد كا
حري ا ً على براز الدور التركي في اليمن ،حتى أنط قال ما يلي(" :)18شهد
اليمن في ظل هته الفترة انتشار المستشفيات ال حية في البالد ،ووجود عدد من
األعباء وال يدليات ،كما أ المدارس انتشرت على اختالف أنواعها في جميع
أنحاء اليمن ،وكا التعليم مجانا ً على نفقة الدولة" .ويقول في فقرة ثانية من
ال فحة اتها" :وكا التعليم لزامياً" ،ويقول" :ففي عهد والية حسين حلمي
باشا 1895م أسست دارة المعارف والمكاتب (مدارس ابتدائية) ،ودار المعلمين
التي قام التعليم في عهد ا إلمام يحيى علي خريجيها ،ومكتب ال نائع (مدرسة
صناعية) ،واإلعدادية ،وكا هتا الوالي يقرب أهل العلم والفضل ،وأجبر الناس
على التعليم ،حيث ألزم األهالي ب دخال أوالدهم بالمدارس التي افتتح عددا ً كبيرا ً
منها"(.)19
ويضيف أما عن تنظيم هته المدارس ومناهجها ،فقد وصفها أمين الريحاني
بأنها " مدارس منظمة تدرس فيها الجغرافيا والحساب بجانب العلوم اإلسالمية،
وكانت الكتب وغيرها من لوازم الدراسة توزع مجانا ً على الطالب"(.)20
بديالً عن وأعود لى الحديث عن "دار العلوم" ،فقد أرادها العثمانيو
خريجي الجوامع في شمال الشمال ،المتأثرين بغير الفقط السني ،وأرادوا لهم أ
يكونوا معلمين ،وهته مسألة ليست بعيدة عن صراع المتاهب ،بدليل أ اإلمام
يحيى بعد دخولط صنعاء ،كا من أول أعمالط هدم دار المعلمين ،وكا ب مكانط
عادة استغاللها كمدرسة حتى في عار نظرتط للتعليم ،بحسب البردوني أيضا ً.
وبالعودة لى كل ما سبق ،والمقارنة بين عدد المؤسسات التعليمية التي
التعليم كا مجانيا ً و لزامياً ،ف ننا ال نجد ما أوجدها األتراك ،وبين القول
يؤكد صدقية االدعاء بمجانية و لزامية التعليم ،و لك من عدة أوجط منها:
-1من الناحية النظرية ،لم نجد م ادر تؤكد من خالل البيانات والمعلومات
الموثوقة ما يشير لى اهتمامهم بنشر التعليم وبناء مؤسساتط في كل المناعق،
كما هب لى لك علي هود باعباد.
-2أ التواجد اإلداري التركي كا مح ورا ً في عدد من المد ،ولم نجد
جهودا ً تربوية كافية قد بتلت حتى على مستوى المد التي تواجدوا فيها ،ف
كانت صنعاء ،وأبها ،والحديدة قد حظيت ببعضها فتعز لم تنلها تلك الجهود.
-3أ فهمي وفهم عامة الناس لـ"المجانية" أنها خدمات تقدم بدو مقابل ،ولكافة
المواعنين دو تمييز ،كما أفترض فيها أنها جيدة المستوى وصالحة ،و ا
أضفنا لى لك " لزاميتها" ف نها ت بح خدمة ديمقراعية ات أثر قانوني
ترتب على الجميع ضرورة االلتزام ببتل االستعداد لتنسيب األبناء والبنات
لمؤسسات التعليم بمجرد بلوغهم سن التنسيب -ست سنوات ،أو سبع -كما
ترتب على من يتخلف عن لك ،أو يتحايل عليط عقوبات يقررها القانو ،
وي تساوى في لك كل المواعنين بمختلف متاهبهم ،ومستوياتهم االجتماعية،
السلطة التي ال وتبايناتهم العلمية والثقافية ،ومواعن استقرارهم ،وبالتالي ف
توفر تلك الخدمة تساءل وتحاسب أيضاً ،وال يحق لها أ تحاسب األفراد
على تق يرهم.
وسلطة "كالسلطة العثمانية" بهشاشة وجودها وانح ار نفو ها ،وبما اتبعتط
من سياسات ،لم تسع لنشر العلم وتعميم التعليم ،وبناء مؤسساتط ،وتوفير
متطلباتط ،وبالتالي لم يعد ممكنا ً لها أو لمن يدافع عنها القول نها كانت مهتمة
بالتعليم ،حتى ( نها أجبرت األهالي على تنسيب أبنائهم لمؤسسات التعليم
والتأهيل الم ختلفة) .ثم كيف يمكن ت ديق لزامية ومجانية التعليم ،في الوقت
ة ألبناء التوات من األتراك التي وجدنا فيط المدرسة "الرشدية" مخ
واليمنيين(.)21
يكو أي تعليم مجاني و لزامي يفترض بط أ ومن البديهي القول
مستجيبا ً الحتياجات المجتمع ،ومراعيا ً على األقل لثقافتط وساعيا ً للتفاعل معها،
حري ا ً على ترقيتها وتنقيتها وعلى انتقالها عبر األجيال المتعاقبة ،وأ يكو
منفتحا ً على العلوم الحديثة وساعيا ً لمواكبة ثوراتط ،يدمج منها في مناهجط ما
تقديمهم بقداسة االنتماء لرسول هللا (ص) ،وبأنهم خلفاء هللا في األرض ،وال
تجوز مخالفتهم أو التمرد عليهم.
وكا التعليم في العهد اإلمامي يخدم فكرة واحدة ،هي فكرة اإلمامة ،وتثبيتها
وتعميق جتورها في أ ها الناس ،واعتبار اإلمامة أصالً من أصول الدين
اإلسالمي ودعامة من دعائمط ،بحيث ي بح اإلمام هو الدولة ،والدولة هي
اإلمام .وكا العهد األمامي ينظر لى التعليم نظرة مريبة؛ ألنط كا يؤمن بأ
الشعب الجاهل أسهل قيادة ً من الشعب المتعلم ،ولتلك فرض سياسة التجهيل(.)23
كما عرفت اليمن أنظمة تعليمية أخرى ،منها ما يمكن نسبتط للتعليم األولي
(المعالمة – الكتاب) التي ال يتعدى حدود تعليم قراءة وحفظ القرآ الكريم،
وشروع الوضوء وأحكام ال الة ،وبعض قواعد الخط ،ومبادئ الحساب ،ولم
يكن ليتجاوز في مجملط ما يعرف اآل بالمستوى العام األولي لبرامج محو
األمية ،وكا هتا هو الطابع األعم .ومنها أيضا ً ما يمكن نسبتط جوازا ً للتعليم
الحديث من حيث مسميات مؤسساتط التي كا عابعها العام مدارس ابتدائية غير
مكتملة؛ لكونها في مستواها العام ال تتعدى ال ف الرابع االبتدائي ،مع وجود
استثناءات ،منها المدرسة األحمدية بتعز (ولها حديث خاص) ،وبعض المدارس
المتوسطة األخرى.
()24
جدول ( )1يوضح تاريخ "المدارس العلمية" وأماكنها وتاريخ نشائها 1962 – 1918م.
مالحظات اول مدير لها تاريخ إنشائها مكانها م
سنوات الدراسة 13سنة لطف بن غالب العمري 1344هـ1925/م صنعاء 1
سنوات الدراسة 7سنوات أحمد بن علي المجاهد 1349هـ1931/م تعز 2
سنوات الدراسة 7سنوات حسن بن أحمد الجنداري 1349هـ1931/م ثال 3
أسسها ولي العهد أحمد حسن بن أحمد الجنداري 1352هـ1933 /م حجة 4
أسسها ولي العهد أحمد أحمد عبدالواسع الواسعي 1353هـ 1934 /م صعدة 5
أسسها ولي العهد أحمد أحمد عبدالواسع الواسعي 1354هـ1935 /م حوث 6
أسسها ولي العهد أحمد أحمد عبدالواسع الواسعي 1356هـ1937/م زبيد 7
أسسها ولي العهد أحمد مطهر شرف الدين حنش 1357هـ1938/م حراز 8
أسسها ولي العهد أحمد مطهر شرف الدين حنش 1357هـ1938/م بيت الفقيط 9
أسسها ولي العهد أحمد مطهر شرف الدين حنش 1357هـ1938/م الزيدية 10
أسسها ولي العهد أحمد أحمد العرجلي 1359هـ1940/م حبور 11
أسسها ولي العهد أحمد محمد بن يحيى يايط 1361هـ1942/م المحابشة 12
أسسها ولي العهد أحمد محمد بن يحيى يايط 1366هـ1947/م مار 13
أسسها ولي العهد أحمد مطهر شرف الدين حنش 1366هـ1947/م خمر 14
أسسها ولي العهد أحمد السيد حسين بن عبدهللا 1366هـ1947/م السودة 15
أسسها ولي العهد أحمد السيد حسين بن عبدهللا 1367هـ1948/م صعفا 16
أسسها ولي العهد أحمد السيد حسين بن عبدهللا 1368هـ1949/م يريم 17
أسسها ولي العهد أحمد علي بن حسن الشرفي 1370هـ1951/م شهارة 18
أسسها ولي العهد أحمد علي بن حسن الشرفي 1376هـ1957/م علما 19
أسسها ولي العهد أحمد علي بن حسن الشرفي 1376ه1957/م وادعة 20
أسسها ولي العهد أحمد علي بن حسن الشرفي 1376هـ1957/م الطويلة 21
أسسها ولي العهد أحمد علي بن حسن الشرفي 1376هـ1957/م ريمة 22
أسسها ولي العهد أحمد علي بن حسن الشرفي 1376هـ1957/م جبلة 23
أسسها ولي العهد أحمد علي بن حسن الشرفي 1376هـ1957/م ب 24
ومن الجدول السابق دعونا نرصد ونثبت ما يلي:
.1لم أجد م درا ً آخر يؤكد ما ورد في الجدول السابق.
.2الحظت من خالل تتبعي لما دونط الباحث في بحثط ميالً للتأكيد على علمية
المؤسسات التعليمية التي تحدث عنها ،سواء على مستوى (المكاتب –
الهجر – الروابط – الجوامع – المدارس العلمية) ،وأنها كانت التأسيس
للتعليم الحديث.
باإلضافة لى ما سبق ،عرفت اليمن ما يمكن اعتباره بواكير للتعليم الفني،
المتمثل بمدرسة ال ناعة في صنعاء ،ومدرسة صحية ،ومدرسة زراعية،
كما وجدت بواكير التعليم األهلي الحديث بنما ج متعددة ،لعل أشهرها
"مدرسة بحا " و"مركز الفالح" بحيفا ،حيث كا لهما الفضل في دخال
وتدريس بعض العلوم الحديثة ،وممارسة األنشطة الرياضية والموسيقية
واألناشيد ،وقد نهضتا بدعم وتمويل األهالي من القاعنين في عد والمغتربين
أيضاً.
وكا من أشهر معلمي مركز الفالح الشهيد عبدهللا عبد اإللط األغبري،
وأخوه المرحوم عبد القادر عبد اإللط .وقد تميز مركز الفالح بتعميم لزامية
التعليم ألبناء المنطقة (بقرار أهلي) بارتداء الزي الخاص ،كما زود الحاج ثابت
صبيح العريقي (المغترب في سيال ،تاجر الشاي المعروف) المدرسة بالمقاعد
والماسات الخشبية ،وبعض وسائل التعليم .كما كا من أشهر معلمي "مدرسة
بحا " الفقيدا أحمد محمد نعما ،و محمد أحمد حيدرة الحكيمي اللتا يعود
لهما فضل تطوير التعليم فيها ،ولما أثاراه من حماس في نفوس المستهدفين
وأولياء األمور ،واستقطاب تعاعف القاضي الحاللي (قاضي الحجرية) التي
دافع عن المدرسة ورد كيد علي الوزير ،أمير تعز ،التي كا يعارض ما تقدمط
المدرسة للطالب ويَعده خروجا ً عن الملة وتمردا ً على آل البيت ،عدة مرات(.)26
بعض الطالب المتميزين في هاتين المدرستين قد ويبقى من المهم القول
ر شحوا للدراسة في الخارج ،كما حدث مع مرشحي "مركز الفالح" بحيفا ،
لم يتم لهم لك ألسباب خاصة ،وكما وعلى حساب األهالي والمغتربين ،و
حدث لمرشحي مدرسة بحا -محمد عبد الولي ،وسالم عبد هللا الرازحي-
اللتين سافرا ضمن أفراد البعثة التي أرسلها اإلمام يحيى لى العرا ( .)27ولما
كا اعتراض على الوزير وغيره على ما يدرس مستمراً ،فقد تعرضتا لإلغال
ثم الفتح بعد حين.
التعليم األهلي كا موجودا ً قبل ونختم الحديث عن التعليم األهلي بالقول:
الثورة في كثير من المساجد والجوامع والكتاتيب ،وكا ال يختلف من حيث
المستوى عن التعليم الرسمي ،ولم تكن في اليمن أقليات عرقية ،بل وجدت أقلية
دينية من اليهود ،وكا لهم مطلق الحرية في التملك ،والتجارة ،والعبادة ،وتعليم
أبنائهم الديانة اليهودية واللغة العبرية في مدارسهم الخاصة ،التي بلغت في
صنعاء وحدها خمس عشرة مدرسة(" ،)28مع أ عددهم كا يقدر بخمسين ألفا ً
حتى 1950م ،ثم هاجروا جميعا ً لى فلسطين المحتلة"( .)29وفي مدينة صنعاء
وحدها ،بلغ عددهم 20ألفا ً تقريبا ً ،وكانت جميع مدارسهم بمستوى المعالمة أو
اخت ت بتعليم أعفال اليهود اللغة العبرية وال تعلمهم العربية شبيهة لها ،و
،كما يتعلمو بها القراءة والكتابة ومبادئ الحساب ،وبعض التعاليم الدينية
يطلق على اليهودية ،والتعليم فيها يستمر من ال باح حتى الظهر ،وكا
معلميها "األحبار" .وبعض من تلك المدراس كانت تختص بتعليم أبناء اليهود
دروسا ً تعدهم للحياة العملية ( عدادا ً مهنيا ً) ،ويعد لك أمرا ً عبيعيا ً؛ كو اليهود
كانوا شبط محتكرين لمعظم المهن اليدوية ،كالنجارة ،والحدادة ،والخياعة،
وصياغة التهب والفضة ،كما أ مناهجهم لم تكن خاضعة للرقابة الحكومية(.)30
جدول ( ) 2يبين عدد المدارس والطالب المسجلين خالل حكم اإلمام أحمد – 1948
()31
1962م
الطالب عدد العام
مالحظات م
المسجلون المدارس الدراسي
1761 16 1948م 1
أغلب الظن أ هتا الرقم خطأ وقد يكو ال حيح 2904و لك
904 54 1956م 2
أل الرقم الموضح في الجدول ال يتناسب مع المدارس.
1683 18 1962م 3
وقد بلغ عدد المبعوثين للدراسة خارج اليمن حوالي خمسمائة عالب،
يدرسو في المراحل المتوسطة ،والثانوية ،والجامعية في م ر ،وغيرها من
الدول العربية واألجنبية ،وأغلبية هؤالء الطالب لم يكونوا مبعوثين على حساب
الدولة بل كانوا يدرسو على حسابهم الخاص ،أو على حساب الدولة التي
يدرسو بها(.)37
جدول ( )3يوضح عدد الطالب المبتعثين والدول المانحة ،عام 1961 – 1960م.
عدد الطلبة الدولة المانحة م
318 الجمهورية العربية المتحدة 1
10 العرا 2
20 الكويت 3
90 االتحاد السوفيتي 4
76 ال ين الشعبية 5
50 ألمانيا الشرقية 6
45 تشيكوسلوفاكيا 7
6 هنغاريا 8
10 رومانيا 9
4 ألبانيا 10
20 يوغسالفيا 11
25 يطاليا 12
15 أمريكا 13
6 فرنسا 14
695 اإلجمالي 15
ومن المهم هنا ،وقد افترضنا صد الرقم السابق "خمسمائة عالب" مبتعثين
للدراسة في الخارج ،أ ندرك أ النظام اإلمامي لم يكن يبتعث للدراسة في
الخارج ال أبناء األسرة ،وبعض أبناء المقربين ،كما لم يكن يبتعث منهم
للدراسة في المراحل المتوسطة والثانوية ،بدليل أ اإلمام أحمد ألحق ابنط البدر
بالمدرسة األحمدية في تعز ،وكا أبناء العامة ال يمكنو من نهاء الدراسة
الغالبية المق ودة من الطالب هم من هبوا للدراسة على الثانوية .وبالتالي ف
( )41انظر :وثيقة جامعة الدول العربية ،حلقة عداد المعلم العربي في بيروت ،أغسطس
1957م.
44
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
لى الخارج للدراسة الجامعية ،والقسم الثاني لبقية الطالب التين ال يسمح لهم
ب كمال الدراسة في المرحلة الثانوية(.)42
وفي عام 1960ميالدية ،بلغ عدد المدارس والكتاتيب 110مدرسةَ و َكتاب،
منها خمس مدارس في تعز وضواحيها بجانب المدرسة األحمدية ،وفي صبر
ثالثة مكاتب وأربع معالمات ،وفي شرعب َكتا َبا ،وفي الحجرية مدرسة في
التربة ومركز الفالح بحيفا ،وفي األعبوس واألكاحلة مكتب ومدرسة
ومعالمة ،وفي جبل حبشي ثالث معالمات ومدرسة ،وفي السواحل في المخاء
وغرافي ،وظريفة ،ووازعية أربع معالمات(.)43
لك في جدول (:)4 وقد عمدت لى عادة تبيا
الجدول ( )4المباني الحكومية الخاصة بالتعليم
مدارس مكاتب معالمات المنطقة
- - 6 المدينة وضواحيها
4 3 - صبر
- 2 - شرعب
- 1 1 الحجرية وحيفا
1اكاحلط 1 1 األعبوس واألكاحلة
3 - 1 جبل حبشي
4 - مخا/غرافي/ظريفة/وازعية -
12 7 9 المجموع
28 الكلي في تعز
ومن الجدول السابق نجد عدم انتشار للمدارس االبتدائية والحكومية في
ال فة الغالبة للمباني الحكومية الخاصة مناعق كثيرة من المحافظة ،وأ
بالتعليم كانت معالمات ومكاتب ،حيث بلغ عددها 19مبنى ،كما نجد أنط في
حالة واقعية الرقم المتكور آنفا ً أ عدد المدارس في المحافظة بلغ في العام
( )42وثيقة جامعة الدول العربية ،حلقة عداد المعلم ،المرجع السابق ،ص.19
( )43المرجع نفسط ،ص.24
45
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
بقية مؤسسات التعليم التي كانت قائمة لك يعني أ 1960م ( )110ف
وعددها 82مبنى كانت معالمات أولية أهلية؛ ألنط عالما لم يكن للتعليم أهداف
محددة يستهدفها ،وال مناهج موحدة يعممها على المدارس الرسمية ،وال يهتم
بتنمية قدرات المعلمين ،وال كتب توزع في أغلب المؤسسات ،وليست موحدة
أساليب الت قويم ،وال تربطط عالقة بالمدارس والمعالمات األهلية ال بما يتعلق
بتمجيد اإلمامة وعدم استهدافها بأي صورة من ال ور ،ولو كانت بتعليم بعض
العلوم ،كالتاريخ ،والتربية الوعنية ،وما عدا لك فحرصا ً على جمع الضرائب
من القائمين عليها فقط .فأنى لط أو لمريديط االدعاء بمجانية و لزامية التعليم .ثم
اإللزامية والمجانية تعني التزام السلطة بتقديم خدماتها التعليمية للمستهدفين
في مختلف أنحاء البالد ،وليس المحافظة .وقد رأينا من الجدول السابق وما
غالبيتهم كانوا تلك الخدمة لم تشمل أغلب المستهدفين ،بدليل أ سبقط أ
منتسبين في معالمات خاصة ( 82منشأة) على مستوى مدينة تعز.
و ا كا التعليم السائد ،كما رأينا بعض صوره ،ال يهتم بترقية وتنقية ثقافة
المجتمع ،وال يسعى لالستجابة الحتياجاتط ،وغير معني بتبني فتح المدارس
الرسمية الحديثة ،فكيف لط أ يقنع المتابع والمهتم بأنط كا حري ا ً على تطوير
التعليم؟ فما بالنا بمجانية التعليم و لزاميتط.
و كر علوي عبد هللا عاهر أ السلطة كانت تغلق بعض المدارس ،ومنها
مثالً:
-1مدرسة تعز الثانوية 1948و لك خشية الوعي التي انتشر بين صفوف
الطلبة.
-2أغلقت مدرسة ب بسبب ثورة عالبها على األوضاع الفاسدة.
46
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
-3أغلقت المدرسة المتوسطة بحجة بسبب عال عالبها تأييدهم لثورة 23
يوليو في م ر.
-4أغلقت المدرسة الحربية الشتراك عالبها في ثوره 1948م.
جدول ( )5بأنواع المدارس وأعدادها وأعداد الطالب والمدرسين
نسبة المعلمين عدد سنوات
مالحظات المدرسون عددها أنواع المدارس
إلى الطالب الطالب الدراسة
ابتدائية رسمية
44:1 301 13301 ست سنوات 50
بالمد
55:1 663 36350 أربع سنوات 663 أولية رسمية للقرى
37:1 1438 53117 كتاتيب 1438 أولية أهلية
7:1 43 321 أربع سنوات 4 متوسطة حكومية
5:1 43 221 ثالث سنوات 3 ثانوية حكومية
5:1 16 75 أربع سنوات 1 تحضيرية
3:1 16 50 سنتا 1 عداد معلمين
8:1 108 814 بين 13:6سنة 15 علمية دينية
ـــــــــ ــــــــ 38 ــــــــــــ 1 زراعية
10:1 20 100 ـــــــــــ 1 صحية
___ ___ 200 _____ 1 صناعية
وي ف علوي عبد هللا عاهر التعليم في الكتاتيب أو المعالمات بقولط "كا
التعليم في الكتاتيب يقت ر على تهجي آي التكر الحكيم ،وتعليم الخط على
نما ج رديئة يكتبها صاحب ال َكتاب ،وكا ال يتعاعى تعليم األعفال في ال َكتاب
ال من سدت في وجهط أبواب الرز ،ويئس من وجود سبب لكسب القوت.
وال َكت اب غرفة ضيقة قترة ال تقام أبنيتها عادة في األماكن المناسبة ،بل تقام في
وسط المدينة أو القرية بين شغب الناس وصياح الحيوانات وضجيج الحركة
وغيرها"(.)44
كما أ من المهم ،قبل أ ننهي الحديث حول هتا الموضوع ،أ نستعرض
وثيقة جامعة الدول العربية ،وهي عبارة عن جدول يوضح أعداد المدارس
ومستواها وعالبها عام 1957م في اليمن(.)45
ولنا مالحظات كثيرة على الجدول ومحتوياتط لعل أهمها:
-1ال توجد عالقة منطقية بين المدارس االبتدائية الرسمية والمتوسطة
الحكومية ،ال من حيث عدد المدارس وال من حيث عدد الطالب (،4:50
.)321 :301 ،13
وبالتالي ف ما أ يكو عدد المتسربين كبيرا ً جدا ً من المرحلة االبتدائية ،وهتا
يعطي شارة سلبية على مجانية و لزامية التعليم ،و ما أ األرقام المقدمة
غير دقيقة وتبريرية.
أعداد الكتاتيب األهلية تفو كثيرا ً أعداد جميع المدارس الرسمية ،بما في -2
لك األولية الرسمية التي ال شيء يميزها عن الكتاتيب األهلية ال ما يح ل
عليط معلمها من رعاية رسمية ،و لك يدحض االدعاء بمجانية التعليم
و لزاميتط أيضاً.
-3التحضيرية -الجدول لم يبين أي عالقة منطقية بين عددها واحدة ،ومدة
الدراسة فيها أربع سنوات ،ولم نالحظ من خالل ما وصلنا أو استعرضناه
مدتها سنة واحدة في كل التجارب واألنظمة حول التحضيرية ال أ
التعليمية التي سادت.
-4عداد المعلمين ،عددها مدرسة واحدة ،وفيما وصلنا ما يفيد بوجود مدرستين
في (صنعاء وتعز) ،وقيل ثالثة في الحديدة ،فأيهما أصح؟ كما أ المعلوم
( )45وثيقة جامعة الدول العربية ،اإلدارة الثقافية ،حلقة عداد المعلم العربي في بيروت،
أغسطس 1957م ،ص .125
48
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
( )46المساح ،محمد ،مقابلة صحفية ،ملحق الثورة الثقافي ،العدد 2020/4/13 ،20234م،
ص.11 ،10
( )47باعباد ،المرجع السابق ،ص.73
49
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
والجدول مأخو نقالً عن بعض دفاتر وزارة التربية والتعليم الخاصة بالوظائف
قبل ثورة 26سبتمبر 1962م ،وهو ال يحتاج لى تعليق سوى اإلشارة لى أ
من بين المدرسين الرسميين كا منهم %65بدو مؤهالت ،و %8لديهم
عدد المدرسين غير الرسميين العاملين في شهادة ابتدائية .وهتا يعني أ
المعالمات األهلية أكثر من عدد المدرسين الرسميين.
-1عند المقارنة بما ورد في الجدول ( )5بين جمالي عدد المدارس اإلبتدائية
واإلعدادية والثانوية ( 57مدرسة) وبين أعداد الطالب في المراحل الثالث
متوسط استيعاب المدرسة ي ل لى ( )242عالباً، ( )13843نجد أ
فكيف لنا أ نقتنع بأ عدد عالب المدرسة األحمدية وحدها وصل في ات
الفترة تقريبا ً لى 2000عالب(.)48
االهتمام بالتعليم واالن راف لط لم يكن يومها يقول علي محمد عبده" :
يعد رمزا ً ومقياسا ً لليقظة الوعنية والحس الوعني؛ أل المناهج التي كانت
تدرس ال ترتبط من قريب أو بعيد بشؤو الحياة وتطوراتها ،خاصة بعد لغاء
المناهج الحديثة من جغرافيا وعلوم ،وكا األتراك قد أدخلوها على مناهج
التعليم ،وغدا التعليم بمثابة جسر للوظائف الحكومية ،ومنهج الدراسة مقت را ً
على تعليم الخط والحساب وحب آل البيت ألجل الوصول لى الوظيفة ،وهي
وظائف تسلطية هدفها الل المواعنين ،وجباية الضرائب منهم"(.)49
ويقول د .علي هود باعباد" :لقد تأثرت نواحي الحياة الداخلية المختلفة
بعوامل تكوين شخ ية اإلمام المنعزلة الخائفة من كل جديد وحديث ،فقد ظل
التعليم متخلفا ً ،واقت ر في أغلبط على العلوم اإلسالمية واللغوية في المساجد
والمدارس ال غيرة وغيرها من المدارس العلمية"(.)50
وكل ما تقدم يدل بما ال يدع مجاالً للشك أ التعليم لم يكن لط عالقة يجابية
بثقافة المجتمع ،وخاصة بما كرسط من انحياز للتشيع ،كما لم يكن لط عالقة
مأزوما ً غير متقبل لالنفتاح على العلوم يجابية باحتياجات المجتمع ،وكا
الحديثة ،حتى أ مادة اللغة اإلنجليزية ألغيت بقرار من اإلمام بعد خروج اليمن
من االتحاد الثالثي 1958م ،و لك بعد اعتمادها بفترة بسيطة.
قال بومدين في ختام زيارتط لليمن في مطلع 1963ميالدية بعد زيارتط
ل نعاء والحديدة وتعز " :ا كا االستقالل ي نع هكتا في الشعوب فعلينا نحن
التين حاربوا االستعمار أ ن نع لط تمثا ً
ال".
-3التعليم بعد ثورة 26سبتمبر 1989 – 1962م
ورثت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر تركة ثقيلة خلفها النظام اإلمامي،
ال سيما في مجال التعليم ،فال نظم تعليمية ،وال مناهج دراسية ،وال قوى بشرية
مؤهلة ومتعلمة ،وال بنى تحتية مالئمة ،لتلك جعلت قيادتها االهتمام بالتعليم من
أهم اهدافها كحق لكل مواعن ،فأقدمت فور قيامها مباشرة على نشاء الوزارات
( )51للتفاصيل ينظر :األغبري ،بدر سعيد علي ،نظام التعليم وتاريخط في الجمهورية
اليمنية ،ص 59وما يليها.
( )52الحاج ،أحمد علي ،التعليم اليمني جتور تشكلط واتجاهات تطوره ،ص.71
52
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
ب .تعليم إعدادي ،وقد أرجع بدايتط الحقيقية لى بداية الثورة كتعليم مخطط،
وكا يشترع للقبول فيط النجاح باالبتدائية بنسبة ال تقل عن ،%50وزاد
االهتمام والعناية فيط بالقرآ الكريم والدين واللغة العربية ،كما ألغي امتحا
القبول لاللتحا بالسنة األولى عدادي ،كما جعل التعليم في هته المرحلة
مجانا ً للجميع.
ج .تعليم ثانوي ،مخطط كانت بدايتط في العام 64/63م ،بفتح ف ل أول ثانوي،
واشترع للقبول فيط أال يزيد عمر الملتحق عن ( 18سنة) ،مع استثناء
المكفوفين التين أتموا المرحلة اإل عدادية .وروعي فيط فتح قسمين (علمي
وأدبي) للقبول بهما بحسب الميول واالستعداد ،مع االستناد لى المجموع(.)55
كما أصدرت وزارة التربية في م ر قرارا ً نص على أ الحاصل على
شهادة من اليمن يتم معادلتها بنفس مستوى الشهادة الم رية كـ(نظير).
د .معاهد المعلمين ،وضعت الوزارة خطة لفتح ثالثة معاهد للمعلمين في
صنعاء ،وتعز ،والحديدة( . )56كما قررت لكل عالب ملتحق بها عاشة شهرية
مقدارها ( 15رياالً شهريا ً).
هـ .التعليم الديني :سعت وزارة التربية في عهد الثورة لى أ تعيد للعقيدة
سماحتها وقدسيتها ،وأ تولي التعليم الديني جل اهتمامها ،فأنشأت عددا ً من
المعاهد التي أختت من األزهر الشريف برامجها ،وأوكلت اإلشراف عليها
للبعثة األزهرية.
و .التعليم الفني والمهني :اهتمت وزارة التربية والتعليم بهتا النوع من التعليم
لعدة أسباب؛ لعل أهمها الحفاظ على الحرف التقليدية اليمنية وال ناعات
اليدوية التي سادت منت قرو ،كما كا من أسبابها المهمة تقديم معالجات
لظاهرة التسرب المدرسي الناتج عن دواعي الحاجة االقت ادية،
وكا منها أيضا ً دراك النظام لحاجة واالجتماعية ،وحتى الثقافية أيضاً.
البالد والتنمية للفنيين واأليادي العاملة المدربة سعيا ً لتحقيق التنمية ،وتمكن
النظام من تحقيق االستغالل االقت ادي .ولتلك قامت الثورة ب يفاد أعداد
كبيرة لى كثير من الدول الشقيقة وال ديقة للتعلم في مختلف الميادين،
وخاصة في أقسام الكهرباء ،والميكانيكا ،والورش ،وال ناعة ،والزراعة،
والتخطيط ،والبريد ،وهندسة البناء ،بمدد زمنية تتراوح بين 6-3سنوات،
وباشتراع القبول لحملة االبتدائية العامة(.)57
ز .مراكز محو األمية والمراكز النسوية :كانت وسيلة الثورة الستدراك محو
أمية من حرموا من التعليم من الراشدين افتتاح العديد من المراكز لمحو
األمية في المد الرئيسة وزودت المراكز النسوية ببرامج (رعاية الطفل،
والتدبير المنزلي ،وشغل اإلبرة وغيرها) ،كما استجلبت الخبرات والمعلمات
من الجمهورية العربية المتحدة ،وأوكلت لهن اإلشراف على التدريب(.)58
ح .مجالس اآلباء :كما اهتمت الثورة أيضا ً بالتأسيس لتجربة مجالس اآلباء،
ولتلك شجعت الوزارة قيامها لتدل على تطور التعليم ،ولتوثيق ال لة بين
المدرسة واألسرة ،وحتى يشارك اآلباء في التعاو والتربية ...لخ.
( )57الكتاب السنوي للجمهورية العربية اليمنية ،وزارة اإلعالم واإلرشاد1963 ،م،
ص.102-101
( )58الكتاب السنوي للجمهورية العربية اليمنية ،963المرجع السابق ،ص .102
55
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
897 375 522 22722 9097 13625 37 14 23 اإلجمالي
وتبقى اإلشارة الزمة لى وجوب أخت البيانات السابقة ببعض الحتر؛ نظرا ً
لعدم بيا ما ا كا عدد المدارس وكتلك الطالب ،خاصا ً بوالية عد ،أم أ
الرغم من أ معظم علبتط هنود فأنط كا متاحا ً للجميع ،وفتح فرعا ً في
التواهي عام 1931م( .وقد درس سكرتارية – عباعة – االختزال -مسك
الدفاتر -المراسالت -أعمال البنوك).
في مدرسة أحمد محمد العبادي – نادي اإلصالح في الشيخ عثما
الثالثينيات.
( )66كما تلزم اإلشارة لى أ م در اإلح ائيات وزارة المعارف يناير -1967بحسب
كرامط مبارك 335وأنها يلت اإلح ائيات بمالحظات تفيد بدراسة بعض عالب
الواليات الريفية في مركز تدريب معلمات -نظام سنتين -في والية عد .
59
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
مدرسة الفالح اإلسالمية الهاشمية -أسسها حسين الدباغ ،التي أسس قبلها
مدرسة النهضة العربية -في الشيخ عثما ،أسسها ومولها الحاج عبده
مدرسة األخوة ،التواهي 1949 -م أسسها بعض أهل خير.
معهد الجنوب التجاري 1952 -م أسسط محمد سعيد الح يني.
مدرسة اإلنقا اإلسالمية 1953 -م أسسها محمد عبد الهادي العجيل.
المعهد العلمي اإلسالمي 1957 -م أسسط محمد سالم البيحاني.
كلية بلقيس 1961 -م -أسسها أحمد محمد نعما وآخرو .
معهد الضياء اإلسالمي 1962 -م أسسط محمد عبد الرب جابر.
وقد بلغ عدد المدارس والمعاهد حسب أعاله ثالث عشرة مدرسة ومعهداً،
لم تكن جميعها ،باستثناء (معهد راجما )- ومن الجدير بالتكر أ أغلبها،
ساهم في بنائها مواعنو كا ألغلبهم صلة باالغتراب والهجرة ،ومنهم أيضا ً
من كا في حالة اغتراب وهجرة.
(ولألسف لم نجد أي معلومات أو بيانات تف يلية حول المدارس األهلية،
لكل منها ،وأعداد الطالب ،وأعضاء هيئات التدريس،
ٍّ كالطاقة االستيعابية
كل منها ...لخ).
والمناهج المكرسة في ٍّ
وال بد من اإلشارة هنا لى أ تلك التجارب لم تكن بعيدة عما كا يعتمل في
المنطقة العربية ،بتياراتها السياسية ،ومعاناة من استعمار جاثم ،وصراع بين
60
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
تيار حياء الخالفة والنزوع للخالص ،وظهور الفكر القومي ،وظهور وتطور
الحركة النقابية.
ج -تعليم الجاليات واإلرساليات األجنبية:
حرصت السلطات اإلنجليزية على عادة تشكيل البنية االجتماعية لوالية
عد و عادة تشكيل ثقافتها ،وكانت حدى وسائلها المعتمدة تسهيل وتشجيع
الهجرة من دول الكمنولث لى عد ،وقد تشكلت نتيجة لك جاليات عديدة لعل
أهمها الجالية الهندية ،والباكستانية ،وال ومالية ،واليهودية ،ومن الفاتيكا .كما
ت لها أغلبية موازنة المستعمرة دعمت مدارس تلك الجاليات وخ
ة للتعليم. المخ
وكانت مناهج تلك المدارس حرة ،ولغة التعليم اإلنجليزية وتمويلها من
الحكومات ،والكنائس ،ومن الفاتيكا ،ومن مساعدات الحكومة البريطانية،
ومن الرسوم الباهظة والتبرعات من أبناء الجاليات في عد ( ،)67وقد ألغيت هته
المدارس في العام 1972م وضمت لى المدارس الحكومية ووحد التعليم.
ومن أهم تلك المدارس ما يلي:
مدرسة للبنين في كريتر
مدرسة اإلرسالية البروتستانتية االسكتالندية 1886م ،ثم أغلقت عام 1943م.
المدرسة الجزراتية (ألبناء الجالية الهندية غير المسلمة 1919 -م -بنين
وبنات).
مدرسة قهوجي دنشاو (جلب لها الكتب والوسائل والمعلمين من الهند).
مدرستا الجالية الهندية المسلمة (انجمن سالم -باهي الجي اإلسالمية) ،علم
وقد بلغ عدد المدارس حسب أعاله خمس عشرة مدرسة ،منها اثنتا عشرة
مدرسة ال صلة ألي منها ال بالعروبة وال باإلسالم .وفي لك مؤشر على
خطورة ما كا قائما ً ،وما كا يراد بالمجتمع وثقافتط ،كما يعطي لك شارة لى
حرص المستعمر على ممارسة سياسة التن ير ،وفي ا لمقابل عظم المسؤولية
التي كانت تقتضيها ظروف المواجهة التي كانت نتيجتها في م لحة المجتمع
وثقافتط ،على الرغم من عدم تكافؤ القوة واإلمكانيات ،من كل الممارسات
االستعمارية التي لم تكتف بما تقدم ،بل مارست سياسة العزل والتمييز بين أبناء
عد وأبناء المناعق األخرى ،بما فيها أبناء المحميات عوال عقود عويلة من
الزمن ،وما كانت تشيعط عن عدنية عد (عد للعدنيين) وغيرها كثير.
من المالحظ -بناء على ما سبق -أ االهتمام بالتعليم جاء بعد همال عويل
من قبل السلطات البريطانية ،حيث بدأ نسبيا ً بالتحسن البطيء في عد وبقية
المحميات في وقت واحد ،واتخت من أواخر عقد ثالثينيات القر العشرين بداية
لط ،وهي الفترة التي أعيد فيها ربط عد والمحميات بوزارة المستعمرات
البر يطانية .وهي ات الفترة التي بدأ فيها التعليم الحديث في تعز ب ورتط التي
عرضناها من قبل.
62
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
63
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
1034 105 929 26553 2498 24055 226 23 203 اإلجمالي
الم در :ح ائيات وزارة المعارف في اتحاد الجنوب العربي ،يناير 1967م.
ويقتضي األمر أ أشير هنا لى ضرورة أخت اإلح اءات بالحيطة؛ و لك
ألنط مع مراعاتنا لحالة التشتت السكاني ،و همال المحتل للتعليم بشكل عام ،وفي
الجدول قد شمل أعدادا ً للمدارس الواليات الريفية على وجط الخ وص ،ف
كبيرة ،خاصة وأننا نعلم أ التعليم بدأ متأخرا ً في هته الواليات ،وما كا لط أ
يحقق هته الطفرة بهتا الزمن الق ير ،كما أنط دخل على مرحلتين ،أوالهما-
كما رأينا سابقا ً -في عد ،ثم األرياف .وعلى هتا األساس سنجري بعض
القياسات ومنها:
-1عدد المدارس االبتدائية بلغ 197مدرسة ،وفي عد 21مدرسة فقط ،فهل
كانت جميعها مدارس حديثة أم أ أغلبها مدارس أولية؟
-2بلغ عدد المدرسين في الواليات في المرحلة االبتدائية 873مدرسا ً
ومدرسة ،وفي عد ، 489بما يشكل أكثر من ن ف عددهم في األرياف،
ويخدمو حوالي عشر مدارس األرياف.
-3في المتوسطة في عد ثما مدارس ،و 218مدرسا ً ومدرسة ،وفي األرياف
25مدرسة ،و 129مدرسا ً ومدرسة ،العالقات غير منطقية ،وكتلك األمر
في المرحلة الثانوية ومراكز تدريب المعلمين.
فهل كا من أهداف وزارة المعارف تضخيم األعداد رغبة في استجالب
المزيد من الدعم البريطاني للتعليم العربي ،أم أنط جاء تبريرا ً للتعبير عن
ازدهار زائف غير موجود ،أم أ أعداد المدارس والطالب قد شمل من درسوا
في المدارس األولية وفي الكتاتيب أيضاً؟
التعليم في المحميات الشرقية:
تشكلت المحميات الشرقية من سلطنات الكثيري ،والقعيطي ،والواحدي،
و المهرة ،ولم تكد سلطنة المهرة تعرف التعليم ،أما الواحدي فقد وجد بها ثالث
65
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
مدارس حكومية ،وبعض المدارس األهلية ،ولتلك فقد كانت الحالة التعليمية في
سلطنتي الكثيري والقعيطي أكبر حجما ً وأكثر تنوعا ً ووضوحاً ،وقد ساهم في
لك العديد من العوامل لعل أهمها الكثرة النسبية للسكا ،والتنافس بين العلويين
واإلرشاديين ،ومتطلبات السياسة البريطانية القائمة على التفرقة بين الكثيريين
والقعيطيين ،وما يتطلبط لك من كاء مسيطر عليط .ولتلك سنتناول ب يجاز
كل منها بحسب اآلتي:
الحالة التعليمية في ٍّ
أوالا :التعليم في السلطنة الكثيرية
احتلت جزءا ً من حضرموت الداخل بمساحة أقل من السلطنة القعيطية ،وقد
عرفت التعليم الحكومي واألهلي ،وقد تجلى التعليم الحكومي برغم دخولط
المتأخر في العام 1948م ،منت افتتحت دارة المعارف ،وعين ناظر لإلشراف
علي التعليم ،والجدول ( )69()9يبين ح ا ًء عاما ً للتعليم الحكومي في السلطنة
الكثيرية عام 65و 66و1967م.
46 8 38 1500 289 1211 6 1 5 االبتدائية
السلطنة
21 __ 21 439 __ 439 3 _ 3 المتوسطة الكثيرية
66 –65م
3 __ 3 40 __ 40 1 _ 1 الثانوية
67 –66م
70 8 62 1979 289 1690 10 1 9 اإلجمالي
نالحظ من الجدول السابق:
-1قلة عدد المدارس الحكومية ،حيث بلغت في مجملها عشر مدارس على
مستوى السلطنة حتى عام االستقالل ،كما أ عدد التالميت لم يبلغوا األلفين،
و جمالي عدد المدرسين وصل لى 70مدرسا ً ومدرسة.
-2في المدرسة الثانوية وجدنا ( 40تلميتا ً فقط وثالثة مدرسين) ،و لك يعني
حوت ف الً واحدا ً (أول ثانوي) فكيف لثالثة أنها لم تكن مكتملة ،وأنها
معلمين أ يقوموا بتعليمهم؟
خريجو وقد افتتحت المدرسة الثانوية في العام 1965م ،وقبلها كا
المتوسطة يرسلو لى ثانوية المكال.
وفيما يتعلق بالتع ليم األهلي ،لألسف ال تتوافر عنط معلومات كافية ،وقد كا
وجوده أسبق من التعليم الحكومي ،ولم يكن لك ب ورة الكتاتيب فقط ،و نما
ب ورة المدارس الحديثة أيضا ً التي انتشرت بعدد أكبر من المدارس الحكومية
تراجعت بعد لك عندما أختت المدارس الحكومية تزداد)(.)70 (و
لى ثانوية المكال حتى افتتحت وكا خريجو المدارس المتوسطة يرسلو
ثانوية سيئو عام 1965م ،أما مناهج المدارس ومدرسوها فقد استجلبوا من
السودا ،وهته المناهج بالمناسبة سادت المدارس األهلية في السلطنتين الكثيرية
والقعيطية.
لم يكن جميعها -قد وجدت ب سهامات كما أ أغلب المدارس األهلية-
ودعم وتمويل المهاجرين والمغتربين من آل الكاف والسقاف ،وممن ينتمو لى
العلويين ،عدا مدرسة الغرفة التي مولها "اإلرشاديو " ،كما دعمت بعض
الدول العربية التعليم في السلطنة الكثيرية ،ومنها السعودية والسودا .
وبلغ عدد الطالب والطالبات في العام 1965و1966م ( )3818عالبا ً
وعالبة ،وهو عدد أكبر من عدد عالب المدارس الحكومية التي وصل في ات
الفترة لى ( )1979عالبا ً وعالبة ،حيث تبلغ الزيادة ما يقرب من الضعف.
وقد تجلت في هته السلطنة ،وعلى مستوى التعليم واإلعالم ،وحتى محاولة
عادة كتابة التاريخ ،حالة صراعية جاءت انعكاسا ً للحالة ال راعية التي قامت
بين (العلويين واإلرشاديين) في ندونيسيا وسنغافورة بالتات ،ثم عكست نفسها
كانت لها جوانبها السلبية المتمثلة على مستوى الداخل الحضرمي ،التي و
بتشتت الجهود وبعثرة الطاقات ،وقللت من اآلثار اإليجابية التي كا يمكن
حدوثها على مستوى التعليم والثقافة في مجتمعات الهجرة واالغتراب ،أو في
الداخل ،فقد كا لها مع لك آثار يجابية عديدة عكست نفسها ب ور التنافس في
نشر التعليم ،وت حيح العالقات االجتماعية ،ومحاولة حداث تغيرات ثقافية،
و لغاء بعض مظاهر االستبداد ،كالدعوة لتحرير العبيد التي أعلقها
"اإلرشاديو " ،وكالمساواة و لغاء الفرو بين المواعنين ،و نكار تميز العلويين
عما عداهم ،وغيرها من السياسات واإلجراءات التي عكسها "اإلرشاديو "
على مجتمع دولة مدنية (الغرفة) التي استمرت ألكثر من 20عاماً ،ولم تنتط ال
بالحرب التي شنتها كل من بريطانيا والسلطنتين الكثيرية والقعيطية وبدعم
العلويين ،وانتهت بنفي رئاسة الدولة ،و عدام قائد جيش دولة الغرفة.
ومن أهم المدارس األهلية ما يلي:
" -1مدرسة الحق" في تريم ،التي تأسست في العام 1917م بواسطة "جمعية
الحق" بتريم ،وكانت تهدف لى تطوير التعليم الديني السلفي ،وتحديثط،
وشكلت مستوياتها العليا مرحلة توازي مرحلة (الرباع) التي كا يعد بمثابة
كلية ،أو مدرسة داخلية ،يدرس فيها الطالب صباحا ً ومساء ،ويتناول ععامط
وشرابط على حساب الرباع .ويعد رباع العالمة علي بن محمد الحبشي
بسيئو أقدمها ،كما كا يسمى رباع تريم بـ"أزهر حضرموت" .وبهته
المدرسة عرفت تريم أول محاولة لتنظيم المدرسة على أساس جديد يقوم
68
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
على توزيع التالميت في صفوف متعددة ،وقد استمرت هته المدرسة قرابة
عقدين من الزمن.
" -2مدرسة األخوة" بتريم ،التي أنشأتها "جمعية األخوة والمعاونة" عام
1932م على أنقاض "مدرسة الحق" ،ثم بعد مرور خمس سنوات على
نشائها أنشأت الجمعية "مدرسة األخوة" للبنات التي ازدهرت خالل عقدي
األربعينيات والخمسينيات ،ولم تكونا بعيدتين عن التنافس مع اإلرشاديين
وجهودهم .وقد كا الممول لمدارس (الحق واألخوة) أسرة آل الكاف التي
اشتهرت بثرائها الكبير في المهجر.
" -3مدرسة الكاف" بتريم ،أنشأتها أسرة آل الكاف في ثالثينيات القر
العشرين ،ثم أغلقت وأعيد فتحها تحت اسم "مدرسة الكاف الخيرية
الحديثة".
" -4مدارس النهضة العلمية" بسيئو ،افتتحت في العام 1920م ،بعد أ
جمعت لها التبرعات من ندونيسيا وسغافورة ،وقد استمرت حتى العام
1955م ،ألكثر من 35سنة.
-5مدارس دوعن ،وهي أربع مدارس قام بتمويلها بعض األثرياء من الدولة
القعيطية.
-6مدرسة الغرفة التي أسسها في مدينة الغرفة عبد هللا عرموم ،وأوقف لها
منزلين في عد .
" -7مدرسة النهضة" االبتدائية للبنات أنشئت في العام 1942م بدعم آل السقاف
من هيئة نظار مدارس النهضة العلمية ،وتم افتتاح مبنى جديد لها في العام
1960م ،على حساب سالم باحبيش(.)71
70
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
مدرسة.
معاهد المعلمين كور ،1وعدد المعلمين ،4وعدد معاهد المعلمات ،1
وفي الوقت التي أورد فيط الشقاع أعداد التالميت في المدارس الخاصة ،لم
يورد لنا أعداد المدارس وال المعلمين ،وبالتالي فقد حال لك دو الحديث عن
المدارس الخاصة بشكل أنسب وأكثر شمولية أيضاً.
وتبقى بعض اإلشارات ال بد منها مثل:
-1ورد في تقرير لمدير معارف عد العام 46و47م أرقام ح ائية بعدد
السكا في عد والمحميات ،وأرقام تقريبية ألعداد التالميت في المؤسسات
المختلفة ،نوردها في الجدول اآلتي لنتبين الفوار التعليمية بين:
المستعمرة عد والمحميات بشكل عام.
ومن هتا الجدول سنتبين ضآلة حجم الملتحقين بالتعليم قياسا ً على عدد
السكا في عد والمحميات بشكل عام ،ونسبة حظ البنات من التعليم قياسا ً على
مجموع المتعلمين ،وهو ما يؤكد على حالة الحرما من التأهيل لغالبية من
مروا بسني التنسيب ولم يمكنوا من لك ،ضافة لى تدني مستوى التعليم بشكل
عام.
حظ السكا من التعليم في العام 1947 /46م(.)73
جدول ( )11حجم الملتحقين بالتعليم قياسا ً على عدد السكا في عد والمحميات بشكل عام
النسبة المئوية النسبة المئوية التالميذ
من مجموع للتالميذ من السكان المنطقة
المجموع ناث كور
التالميذ% مجموع السكان%
21 6 5545 1165 4380 80516 المستعمرة
4.5 0.72 4410 201 4209 600000 المحمية الشرقية
الشطر الجنوبي
13.7 1.5 9955 1366 8589 680516
في اليمن
-2أما ما يتعلق بالمنح الدراسية فلم نجد ح اءات دقيقة ،ومع لك نستطيع
رسال الطالب من خريجي الثانوية العامة سواء عبر المنح الحكومية القول
أو الخاصة ،لم يكن ممكنا ً قبل عقدي األربعينيات والخمسينيات نظرا ً لتخلف
التعليم قبل لك.
وعليط يمكننا أ نميز أيضا ً أ المنح الحكومية كانت وجهتها لى بريطانيا
والهند والسودا ،مع مراعاة أ بعض الدارسين في هته البلدا كانوا يتعلمو
على حساب أهاليهم أو الجمعيات(.)74
أما وجهة المنح الخاصة ومنح الجمعيات فقد كانت لى م ر وسوريا
والعرا ،ما ب مكانات األفراد أو الجمعيات ،أو بما تقدمط تلك الدول من
()75
ما يفيد أ المنح مساعدات على هتا ال عيد .وقد أورد كرامة مبارك
الحكومية في العام 1960م كانت على النحو اآلتي:
-خمس منح من المجلس البلدي العدني ،وثالث منح من أمانة ميناء عد ،
وثالث منح من شركة شل للبترول بمجموع ( )11منحة( .ولم يبين ما ا
كا هتا العدد يخص العام 1960م ،أم اشتمل على سنوات سابقة).
-وجد في ات العام عدد ( )41دارسا ً يدرسو دراسات جامعية وعليا على
حسابهم الخاص.
-وعلى مستوى المحميات يتكر الكاتب أنط في العام 1955م بلغ عدد الطلبة
التين أرسلتهم دارة معارف السلطنة العبدلية ( )18عالبا ً لدراسة الطب
والهندسة والزراعة والحقو في م ر والعرا .
-وفي عام 1954م بلغ عدد الطلبة التين أرسلتهم دارة معارف السلطنة
القعيطية ( )26عالبا ً لى السودا ،وم ر ،والعرا ،وسوريا ،والكويت،
منهم حوالي ثمانية يدرسو في الثانويات.
-وهناك أعداد من أبناء المحميات الغربية والشرقية يدرسو في عدد من
ثانويات وجامعات البالد العربية ،ما على حسابهم الخاص ،أو على حساب
حكومات سوريا ،والعرا ،وم ر ،والكويت عبر منح تقدمها لهم الهيئات
الوعنية ،ومنها "رابطة أبناء الجنوب العربي" ،ومنظمات محلية
من تلك الجمعيات "نادي اإلصالح" بعد ، أخرى( .)76مع العلم أ
و"الجمعية الخيرية اإلسالمية" ،و"حركة القوميين العرب" ،و"نادي
األغابرة".
وأود هنا أ أؤكد أ الحالة التفاعلية على مستوى التعليم عكست نفسها على
مستوى االبتعاث للدراسة في الخارج ،ولم تكن بمنأى عن مقاومة السياسة
يعتمل بط أيضا ً ،وأنها االستعمارية ،وال عن تأثير الواقع العربي وما كا
عكست ثمارها بما حملط العائدو منهم من أفكار تنويرية ،وثورية ،أسهمت في
تغيير الواقع بعدئ ٍّت.
بعض المالحظات المهمة على واقع التعليم في جنوب اليمن:
تبرز أهمية هته المالحظات من المقارنة بين المناهج الدراسية التي عممت
في المدارس الحكومية ،وخاصة في عد ،والمناهج التي سادت في مدارس
الجاليات واإلرساليات ،والمناهج التي تكرست في التعليم األهلي ،وقد تجلى
أهمها بما يلي:
-1على الرغم من اإلهمال المتعمد للتعليم الرسمي ،فقد كانت التجارب التي
كرسها االستعمار في عار التعليم الحكومي ،أو عبر مناهج مدارس الجاليات
واإلرساليات تهدف لى "التغريب" من جهة ،ومسخ الهوية الوعنية ،والنيل
من الوحدة المجتمعية ،ومع لك فقد كانت محدودة األثر ،خاصة أنط قد قلل
من آثارها عدم انتشار تلك التجارب في األرياف ،وتمسك المجتمع بهويتط
وثقافتط ،ومقاومتط التي مثلت المدارس األهلية وانتشارها حدى تجلياتها ،بما
كرستط من مناهج حافظت على عقيدة المجتمع وثقافتط الوعنية والعربية،
عابعها العام كا وساعده على لك استعانتط بمناهج عربية ،حتى و
تقليدياً ،لكنها لم تخل من التجديد والتثوير أيضاً.
-2ال بد من اإلقرار ب عوبة الف ل فيما يتعلق بالجهود التربوية التي بتلت،
من حيث عادة تنسيبها لجهود المهاجرين والمغتربين ،أو للمقتدرين من
الواقع االقت ادي في تلك أصحاب رؤوس المال الوعنيين ،خاصة أ
المرحلة كا متخلفاً ،والنشاع التجاري بما يمثلط من صور استثمارية قاد
أهمط ناشطو كانوا في األصل مغتربين أو وكالء لمهاجرين ومغتربين.
-3على الرغم من عدم التكافؤ بين مكانات االستعمار البريطاني وقدراتط
واإلرساليات ونفو ه ،ومعط م ادر الدعم الخارجي المتمثلة بالفاتيكا
األخرى ،والجاليات األجنبية ،من جهة ،وبين اإلمكانيات الوعنية التي لم تكن
موحدة وال منسقة أيضا ً ،وكرست ضمن الجهود التربوية الخاصة ،فقد كانت
الجهود الوعنية ات آثار عظيمة حملت في عياتها بتور ثقافة مقاومة تمكنت
من امتالك حاضن مجتمعي ساعد على انت ار الثورة ،وتحقيق الجالء،
ويمننة التعليم بعدئت.
75
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
لى أهمية التعليم باعتباره بوابة التغيير وعنياً، -4تنبط المهاجرو والمغتربو
وبأنط ح نهم ومال هم لحماية عقيدتهم وثقافتهم حتى في مواعن هجرتهم
واغترابهم ،بل نهم سعوا للتأثير في ثقافة مجتمعات الهجرة واالغتراب عبر
تلك التجارب التربوية أيضاً.
-5على الرغم من تعدد التجارب التربوية األهلية في المستعمرة عد
والمحميات ،واستعانتها بمناهج متباينة سودانية ،وم رية ،وعراقية،
وأردنية ،فقد مثلت تجربة "كلية بلقيس" أنضج التجارب ،ولم يكن لك
الشتمالها كمؤسسة على مختلف المراحل التعليمية فقط ،و نما أيضا ً للفكر
التربوي التي كا يستهدف تطوير التعليم وتوحيده على مستوى المدارس
األهلية ،والمبني على خلفية الهوية اليمنية الواحدة ،وقد عبر عن لك
بوضوح األستا أحمد محمد نعما في أكثر من مناسبة .كما تجلى لك
بتشكيل هيئة كا منوعا ً بها السعي لتوحيد المناهج في المدارس الخاصة،
وحتى مدارس المهجر.
-2األوضاع التعليمية بعد االستقالل 1989 – 1967م
بعد جالء االستعمار البريطاني في 30نوفمبر 1967م ،وجد النظام الوليد
أمام استحقاقات كثيرة ،وكا من أكثرها لحاحا ً ما يتعلق منها بالتعليم والثقافة
القائمة والمرجوة.
وسعت أول وزارة للتعليم لالنضمام لى ميثا الوحدة العربية الثقافية ،مع
السعي التخا الترتيبات لتنفيت بنود الميثا ،مع مراعاة الواقع التعليمي
ومتطلباتط( .)77كما بادرت الوزارة لى زيارة دول عربية منها ،السودا وم ر
بغرض االستفادة من تجاربها ،وعملت على عادة النظر في النظام التعليمي
( )77محمد ،أحمد علي ،التعليم اليمني جتور تشكلط واتجاهات تطوره ،ص.88
76
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
أداة للتغيير االجتماعي والثقافي ،و لك ما يقتضي اعتبارها مؤسسة دولة ال
سلطة ،تكرس التربية السياسية المتزنة ،وتنشئ المستهدفين على قيم واتجاهات
ومبادئ المواعنة ال الحة( .وهتا الفهم أتمنى أ يبقى حاضرا ً ومنسحبا ً على ما
سبق وما سيأتي ،ونحن نتعاعى مع التجارب التعليمية المختلفة ،نقارب بها مدى
نجاعة كل تجربة على حدة ،ومدى قربها أو ابتعادها عن األداء المأمول).
وأود أ أبين هنا بعض الفرو بين تجربتي الشمال والجنوب في صورة
نقاع مركزة بحسب اآلتي:
-1على ا لرغم من الظروف التي رافقت االحتالل وما نتج عنها من ربط عد
والمحميات بمستعمرة الهند ،وفرض هيمنتها على عد بالقاعدة البريطانية
وعلى المحميات باتفاقيات الحماية ،وتخلي بريطانيا عن أداء ما يتوجب
عليها تجاه عد والمحميات في مختلف مجاالت الحياة ،وخاصة في البنية
التحتية ومنها التعليم ،فقد كانت الحالة التعليمية أفضل من الحالة في الشمال
في ظل الحكم اإلمامي الكهنوتي المستبد ،وكانت أكثر تماسكاً.
-2تباين مرجعيات الحالة التعليمية في جنوب الوعن أوجد حالة تنافسية على
مستوى أنواع التعليم ،وكا مبعث لك في الغالب ما التنازع مع المستعمر
المكرس ألهداف عادة تشكيل الثقافة ،وتشكيل البنية االجتماعية لسكا
عد ،ورفض المجتمع لتلك دفاعا ً عن الثقافة والهوية الوعنية ،أو التنافس
بين التجارب الوعنية اتها ،من حيث حرص البعض على تسيد الهوية
الدينية بنزوعها التمييزي أو ال وفي مع الرغبة في التحديث ،أو لرغبة
البعض اآل خر بالتحرر والفكاك من أسر ثقافة دينية تمييزية مع الحرص
على حالل بديل ثقافي يؤمن بالتحديث ،أو تبني بعض ثالث ألفكار تحديثية
ات نزوع وعني وقومي يؤكد على الهوية الوعنية ،وعلى عروبة المجتمع،
78
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
79
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وجميع ما تقدم ولد حالة تفاعلية كا قاسمها المشترك التنافس على أكثر من
مستوى وصعيد.
كما أوجدت تلك الحالة التفاعلية بتور ثقافة المقاومة السلمية في أحايين
كانت بدرجة أقل ،كما حدث عند اشتراك العلويين كثيرة ،والعنفية أيضا ً ،و
مع السالعين واالستعمار البريطاني في القضاء على دولة آل عبدات اإلرشادية
في مدينة الغرفة بحضرموت ،وهي تجربة تستحق المزيد من الدرس كتجربة
وعنية رفعت شعارات تقدمية بمقاييس ع رها ،بغض النظر عن مناعقيتها ،أو
محتدا ً بين في عار المكايدات والتنازع التي كا ما اتهمها بط العلويو
"العلويين" و"اإلرشاديين" ،أو كما حدث منت تفجير ثورة 14أكتوبر 1963م
حتى تحقق الجالء في 30نوفمبر 1967م.
-4على الرغم من تعدد التجارب في عار الحالة التعليمية هته ،فقد كا ما
يميزها عن الحالة في شمال الوعن أ أغلب التجارب امتلكت قدرا ً جيدا ً من
التنظيم ،وحرصت على توحيد المناهج ،وهو األمر التي سهل تحديد أهداف
تربوية وتعليمية ،وبتلت جهود لتحقيقها ،بغض النظر عما ا كانت تلك
األهداف قد تمت متابعتها وقياس آثارها من عدمط ،لكنها كانت موجودة ،مع
األخت بعين االعتبار أنط كانت ألصحاب كل تجربة أسبابهم ورؤيتهم
الخاصة .وهناك تمايز آخر بين التجارب المختلفة التي وجدت في عد
وبعض تجارب حضرموت ،وبين تجربتي "العلويين واإلرشاديين"؛ أل
تجربتيهما نشأتا في المهجر ،ثم امتدتا لى الوعن وفي حضرموت بالتات،
ولم يكن مجالها التعليم فقط بل امتد لى الدين واإلعالم والسياسة.
-5تميزت الحالة التعليمية في جنوب الوعن باالهتمام بتعليم الفتاة في مدارس
جاء هتا االهتمام متأخرا ً -حيث بدأ في ثالثينيات رسمية وخاصة -حتى
80
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
81
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الدكتور بدر يقدم دليالً على مستوى تدني االهتمام بهتا النوع ،في الوقت
التي تتزايد فيط حاجة سو العمل لخريجي هتا النظام التعليمي(.)83
-3محو األمية وتعليم الكبار:
نظرة أي نظام سياسي وموقفط من ظاهرة محو األمية وتعليم الكبار ،بما
يستتبعط من سياسات وخطط وبرامج لمواجهتها ،تعد مقياسا ً موضوعيا ً على
مدى احترام النظام لحقو اإلنسا ؛ فمقدار جديتط لمواجهة الظاهرة أو عدم
جديتط يكو الحكم بمدى تأهلط ديموقراعيا ً وسعيط لردم هوة التخلف ،وحرصط
على انتشال أبناء المجتمع من واقع األمية لى مرحلة األنسنة .وظاهرة األمية
تنام مطرد ،على الرغم من مرور ما يقارب أربعة عقود من
في مجتمعنا في ٍّ
الزمن منت قيام ثورة سبتمبر 1962م وحتى نهاية تسعينات القر العشرين.
وعلى الرغم أيضا ً من القوانين والقرارات والسياسات واالستراتيجيات التي
صدرت من كال النظامين قبل الوحدة" ،حيث أظهرت نتائج مسح الفقر لعام
1999م أ العدد المطلق لألميين قد ارتفع لى نحو ( )5.1مليو أمي وأمية،
أي بزيادة حوالي ( )500.000عن العام 1994م ،رغم انخفاض معدل األمية
لى %55.7من السكا ،مع استمرار التمييز ضد اإلناث والريف .ويعود
استفحال ظاهرة األمية لى العديد من العوامل التي تعد بحد اتها تحديات
اإلناث بالتعليم تنموية ،مثل النمو السكاني المرتفع ،وتدني نسبة التحا
األساسي ،وارتفاع نسب التسرب وغيرها)(.)84
( )83لمزيد من االستفادة حول هتا الموضوع أنظر :سيف ،أحمد عبده ،واقع التعليم في
اليمن ،...ص ص .50-40
( )84األغبري ،بدر ،نظام التعليم وتاريخط ،...ص (.)143
84
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
ومن المعلوم ،بحسب تقارير منظمة ال حة العالمية ،أ اليمن تعاني من
ارتفاع نسبة اإلنجاب لى ،%3.8وهي من أعلى المعدالت العالمية ،وترتفع
نسبة معدل الخ وبة لدى اإلناث لى حوالي ( )6نسمة(.)85
وأمام هتا التحدي أقرت الحكومة في عام 1998م قانو محو األمية وتعليم
الكبار ،واالستراتيجية الوعنية لمحو األمية وتعليم الكبار(.)86
وكما نرى اليوم ،فال القانو نفع وال االستراتيجية أجدت.
-4المعاهد العلمية:
مواز للنظام التعليمي التابع
ٍّ أما "المعاهد العلمية" ،التي هي نظام تعليم
أعداد الطالب الملتحقين في مراحلط المختلفة لوزارة التربية والتعليم ،ف
بحسب ح ائيات عام 2000م قد بلغت ( )437.681عالبا ً وعالبة)(.)87
-5التعليم األهلي والخاص:
هو تعليم متعدد األغراض ،فمنط ما يحاكي نظام التعليم العام الحكومي
منهجا ً ،ومنط ما يزاوج بين تجارب أخرى وبين التزامط بتعليم بعض المواد
المقررة في التعليم الحكومي ،وخاصة القرآ ،والتربية اإلسالمية ،واللغة
العربية مثالً .ومنط ما يعتمد اللغة العربية ،أو اإلنجليزية ،أو الجمع بينهما ،ومنط
أيضا ً التعليم في مرحلة الحضانة ورياض األعفال ،ومنط ما يقدم فرص التعليم
التأهيلي والتربية الخاصة ألصحاب االحتياجات الخاصة ،ومنط معاهد متعددة
األغراض في مجاالت مختلفة.
ويعرض د .بدر األغبري ح ائية بأعداد الطالب والمدارس والمؤسسات
األهلية والخاصة لعام 2000/99م ،أوردها ملخ ة فيما يلي:
( )85دراسة مقدمة للجنة الوعنية للمرأة ،غير منشورة ،ص .17
( )86ألغبري ،بدر ،نظام التعليم وتاريخط ،...ص (.)143
( )87األغبري ،بدر ،نظام التعليم وتاريخط ،...ص (.)142
85
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
أ .بلغ عدد المدارس الخاصة ( )159مدرسة ،منها في أمانة العاصمة ()100
مدرسة.
ب .بلغ عدد عالب المرحلة األساسية من التكور ( )26.522عالباً.
ج .بلغ عدد الطالبات في المرحلة األساسية تعليم خاص ( )15.075عالبة،
بمجموع كلي ( )41.597عالبا ً وعالبة.
د .بلغ عدد عالب المرحلة الثانوية (تعليم أهلي وخاص) (/ 1539 ، / 3802
) ،بمجموع كلي ( )5.341عالبا ً وعالبة.
ه .بلغ عدد المعلمين واإلداريين ( ،)4596منهم ( )455غير يمنيين( ،)88وما
تجدر مالحظتط مما ورد سابقاً:
أ ثلثي المدارس الخاصة تجتمع في أمانة العاصمة؛ ولعل لك يعزى
لى أنها عاصمة ،ويتجمع بها أكبر عدد من سكا المد .
يالحظ تفشي انتشار مدارس التعليم األهلي والخاص ،وخاصة في عقد
التسعينيات وما تاله ،ولعل لك يعطي مؤشرا ً لى اختالل تطبيق نظرية
التعليم من الكلي لى الجزئي( ،أشرنا ليط سابقاً) ،كما يشير لى أ النظام
والسلطة لم يهتما بتوفير المباني والمؤسسات الخاصة بالتعليم ما قبل
المرحلة األساسية ،نفا ا ً لما أوجبط قانو التعليم من مجانيتط في بلد
أضحى نظامط السياسي ديموقراعيا ً يفترض بط أ يتيح فرصا ً متكافئة
أمام الجميع ،مما يترتب على لك نفا السلطة لمبدأ لزامية التعليم.
تزايد عدد المدارس الخاصة ،ال سيما في صنعاء العاصمة ،يعطي
مؤشرا ً لى خلل آخر يتمثل في المتوسط العالي للكثافة على مستوى
الف ل وال ف الدراسي.
( )89سيف ،أحمد عبده ،واقع التعليم في اليمن ب ين تأثير العولمة ودواعي اإلصالح،
ص .34
( )90سيف ،أحمد عبده ،واقع التعليم في اليمن بين تأثير العولمة ودواعي اإلصالح،
ص .36-34
87
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
-6التعليم الجامعي:
الحديث عن التعليم العالي عويل وشائك أيضا ً؛ ألنط يستحق دراسات مستقلة،
ويقتضي التعرف على األنظمة التعليمية المتعددة والسائدة ،وعبيعة ومستويات
مخرجاتها ،ومدى تأهلها لاللتحا بالدراسات الجامعية المختلفة ،وأسباب لك
والظروف المحيطة ،والعوامل المؤثرة فيها ،وهتا ما ال تتيحط عبيعة وأهداف
للمهاجرين والمغتربين تأثيرهم على التعليم هته الدراسة ،ولكن من حيث
وعلى تنوير المجتمع ،ومن حيث تأثيرهم غير المباشر على الثقافة المجتمعية
غير السائدة يمكن عطاء بعض اإلشارات الموجزة ،من أهمها:
6/1هو تعليم حديث قياسا ً لى السقف الزمني للدراسة ،حيث كانت بدايتط في
كل من صنعاء وعد .
العام 1970م في ٍّ
ات التي أتيحت لمخرجات المرحلة 6/2مما يؤسف لط أ أنواع التخ
الثانوية لم تكن كافية الستيعاب تلك المخرجات لعدة أسباب؛ منها تدني
مستوى نسبة عالية من المخرجات (ألسباب عديدة ال مجال للتف يل فيها
هنا) ،وان راف نسبة منهم عن التعليم الجامعي ألسباب بعضها اقت ادية،
وأخرى اجتماعية وثقافية ،خاصة لدى الطالبات ،ومنها أيضا ً محدودية
ات المطلوبة الطاقة االستيعابية في الكليات المتاحة ،ومنها غياب التخ
وغيرها.
ات النظرية على الدراسات التطبيقية ،وفي 6/3غلبت الدراسات والتخ
الجدول اآلتي نسب مقارنة في العام الجامعي 1992/91م بين جامعتي
صنعاء وعد (.)91
جدول ( )12نسب مقارنة في العام الجامعي 1992/91م بين جامعتي صنعاء وعد
الجامعة النظرية التطبيقية
صنعاء %26.3 %37.7
%44.9 %55.1 عد
اإلجمالي %28.2 %71.8
6/5ال تتوافر اإل مكانات الالزمة للبحث العلمي التي يعاني من غياب
استراتيجية وعنبة للبحوث ،وغياب الخطط الخاصة بتلك ،كما نعلم جميعا ً
ة(.)93 قلة مراكز البحوث المتخ
الجامعات اليمنية لم تتمكن حتى العام 2000م من تجهيز وافتتاح كليات 6/6
تختص بتقديم علوم ات عالقة بثورات وتكنولوجيا المعلومات وتقنية
االت االت(.)94
6/7ال منطق وال مبرر لتحديد ترتيب جامعة صنعاء (أ م الجامعات اليمنية) بين
ا علمنا ،وبحسب المرحوم أ.د .أحمد بقية الجامعات العالمية ،خاصة
مستجير (شاعر /لغوي /م مم بحور الشعر رقميا ً /مهندس زراعي أنتج
القمح بريط بمياه البحر) حول ترتيب جامعة القاهرة (أم الجامعات
ترتيبها بين الجامعات العالمية في مركز بعد (4700 الم رية) ،أ
األولى)(.)95
6/8أضحى لدينا سبع جامعات حكومية بعد أ بدأ التعليم الجامعي في ك ٍّل من
صنعاء وعد بتأسيس جامعتين في العام 1970م ،ثم تأسست جامعة تعز
في العام 74م ،ثم جامعة الحديدة ،وجامعة ب في العام 95م ،ثم تم افتتاح
كل من حضرموت و مار في العام 96م ،كما أنط معلوم
جامعتين في ٍّ
ات التي تتيحط تلك الجامعات. للجميع تباين عدد التخ
6/9أما الجامعات األهلية فقد أورد د .أحمد الحاج( ،)96بجدول ملخ ط أ
جامعة العلوم والتكنولوجيا افتتحت في العام 92م ،وجامعة اإليما 94م،
وجامعة سبأ 94م ،والجامعة اليمنية 95م ،وجامعة أروى 96م ،وجامعة
العلوم التطبيقية 97م ،وجميعها كا المقر (صنعاء) ،ضافة لى جامعة
األحقاف بسيئو في العام 1997م.
91
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
المبحث الثاني
ظاهرة الهجرة واالغتراب وتأثيرها المتبادل على التعليم
أود التأكيد أوالً على وجود عالقة تفاعلية بين التعليم وثقافة المجتمع ،وقد
أكدت عليها في أكثر من موضع في هته الدراسة ،و لك أل التعليم يجعل من
ثقافة المجتمع مجاالً حيويا ً لعملياتط وأنشطتط المختلفة ،وبالتعليم يتمكن المجتمع
من تنقية ثقافتط مما يعلق بها من شوائب وسوء تفسير ،والتعليم وسيلة المجتمع
لنقل ثقافتط عبر األجيال ،كما أنط يكسب ثقافة المجتمع القدرة على التجدد
ويكسبها القدرة على التعامل مع الثقافات الوافدة ب يجابية ،تأثرا ً وتأثيرا ً .وبنا ًء
على لك ،فمن المستحيل الحديث عن تأثير المهاجرين والمغتربين على التعليم،
أو الحديث عن التعليم بشكل تجريدي بعيدا ً عن عالقتط وتأثيره على ثقافة
المجتمع.
ولتلك كا ال بد لي من التتكير بتلك حتى ال يسيء أحد فهم مرامي الحديث
تحت عناوين هتا المحور.
الحركة الوعنية في الداخل اليمني مدينة بالفضل وبنا ًء عليط ،ف
للمهاجرين والمغتربين اليمنيين بالكثير ،لك أنها عندما احتاجت للدعم ولإلنفا
على قياداتها وحركتهم ونضالهم ،لم تجد أكرم وال أفضل من دعم المغتربين
والمهاجرين .وعندما احتاجت ألداة عالمية تعكس حال المجتمع وما يعانيط،
هم المبادرو ،ليس بما احتاجتط من أدوات والمغتربو المهاجرو كا
الطباعة ،بل بتبني صدار صحف تعبر عن معاناة المجتمع وحركتط الوعنية.
وقد تمثل لك -على سبيل المثال ال الح ر -ب حيفة "السالم" التي كانت
ت در في بريطانيا ،وغيرها .وعندما اعتقلت قيادات الحركة الوعنية با
92
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
أحداث 1948م ،كا المهاجرو مبادرين لرأب ال دع ،بل عاد بعضهم ،وفي
مقدمتهم الشهيد عبدهللا الحكيمي ،ليقودوا دفة المعارضة.
وحتى عندما قامت الثورة ،وجد قادتها رموزا ً اغترابية تحاول سنادهم
مادياً ،ممثلة بالحكيم أحمد عبده ناشر .ولم تقف سهاماتهم عند هتا الحد ،بل
تتابعت وأختت تتفاعل بمقدار تفاعل القيادة السياسية مع قضايا واحتياجات
المجتمع ،وبمقدار استيعابها لهموم المهاجرين والمغتربين وتفهم معاناتهم.
والسؤال هنا لم يعد :هل مثلت الهجرة واالغتراب شكالً من أشكال المقاومة؟
بل :هل مثلت الحركة الوعنية عموحات وآمال المهاجرين والمغتربين ،وارتقت
بأدائها لى مستوى تضحياتهم ،أم نها بأدائها ،وبما تمثلتط من ثقافة المقاومة
عكست حالة خيبة و حباعا ً لدى المهاجرين والمغتربين؟ يقول محمد صالح
الدين ال ايدي(" :)97وكانت لنا ات االت ببعض المهاجرين في فرنسا وغيرها
من دول أوروبا ،وكنا قد بدأنا قبل الثورة المباركة 26 ،سبتمبر ،بجمع
التبرعات لدعم حركة "األحرار اليمنيين" ،وكنا نرسلها لى مقرهم في الشيخ
عثما ،ثم بعد لك كنا نرسلها لى "االتحاد اليمني" ،التي أصبح مقره في
القاهرة .و هبت عدة مرات مع بعض اإلخوة لتسليمها ألحمد محمد نعما في
حي العجوزة بالقاهرة .ولما قامت الثورة في الجنوب ،كنا نجمع التبرعات ،بل
أصبحنا ندفع اشتراكات شهرية لى جانب التبرعات المفتوحة ونرسلها لى
زعماء الثورة .ولما من هللا باالستقالل أصبنا بخيبة أمل كبيرة؛ فقد كنا ننتظر
تعلن وحدة بالدنا عند نيل الجنوب استقاللط ،ولكن لعن هللا السياسات أ
والحسابات الضيقة .لقد زالت اإلمامة ورحل االستعمار ،وبدالً من أ تتحقق
الوحدة ،وت بح لنا دولة يمنية واحدة قوية وعزيزة ،نشأت دولتا وعلما ،
( )97ال ايدي ،محمد صالح الدين ،كتاب ندوة المغتربين ،ص .28
93
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
94
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
95
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
96
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
لرعاة الفنو واآلداب ،وألف أكثر من ستين ق ة ورواية .ومن أشهر أعمالط
مسرحية "مسمار جحا" التي تنبأ فيها باحتالل فلسطين ،وكا الموسم المسرحي
في م ر يفتتح سنويا ً بها ،وأضحت تدلل على عمق تأثيره ،وكتلك الحال في
العديد من أعمالط خاصة رواية "وا سالماه" التي كانت مقررة على عالب
الثالث الثانوي لفترة عويلة في م ر ،واليمن ،والجزائر على األقل ،وأسهمت
ب تشكيل الوعي والوجدا ألجيال عديدة .كما كانت لط آراء في ال راع "العلوي
كا اإلرشادي" ،حيث كا من رواد "اإلرشاديين" ،وانتقد العلويين كثيراً ،و
يعيب على غالة اإلرشاديين آراءهم وأعمالهم المشوبة بالتع ب ،وكتب الشعر،
ولط منط ديوا "أزهار الربا في أشعار ال با" وغيره ،ولط أعمال أخرى منها
"القوة الثالثة "،و"يا ليل يا عين" ،و"الفرعو الموعود".
كتلك الحال بما سطرتط أبكار السقاف ،الكاتبة المبدعة التي عاصرت الكثير
من الكتاب والمفكرين ،واحتلت بينهم مكانة سامقة ،وقد كا فيهم عباس محمود
العقاد التي قال عنها نها "امرأة بعشرة رجال" ،وكا كثير الثناء على ما
فيهم صالح جودت ،ونجيب محفوظ ،ومحفوظ األن اري، تكتبط ،كما كا
وعالم اآلثار محرم كمال باشا ،ومحمود أبو العينين وكيل األزهر ،وأحمد
ال اوي محمد .وقد قال عنها الباحث مهدي م طفى" :لم يشأ القر العشرو
أ ينتهي حتى يدهشنا بالمخبوء في أحشائط ،وكأننا على موعد مع المفاجأة،
يتم تقديم روح الحياة ،أبكار السقاف ،حدى الكاتبات التي تم غيابها زمنا ً عويالً
وهي تستحق أ تكو في المقدمة وعلى رأس كوكبة من المفكرين" .وقد
أجادت أبكار اللغة العربية ،واإلنجليزية ،والفرنسية ،وكا لها مؤلفات عدة لعل
أهمها" ،الحالج أو صوت الضمير" التي كا لها فيط آراء جريئة تنكر التهم
التي لحقت بط ،كما كا آلرائها التي ضمنتها في كتابها المهم "الدين في شبط
97
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الجزيرة العربية ،نحو آفا أوسع" أثر صادم على ما رسخ في وعي الناس
وتناقلتط سرديات التاريخ ،األمر التي دفع بمن يدعو الغيرة على الدين لى
كيل االتهامات الزائفة لها و صدار األحكام غير الموضوعية على ما كتبت.
لكنها -وقد أنهى الموت رحلة عمرها اإليجابية -كانت قد تركت لنا ولإلنسانية
أفكارا ً تستحق الحياة التي ال تعرف الموت أو تعترف بأثره.
ك ما ال ننسى دور المدرسة اليمنية الحديثة التي افتتحت في م ر في
السنوات األخيرة ،ودورها التي يعد امتدادا ً للمدرسة في صنعاء ،وهي من
المدارس المميزة بمقاييس التعليم لدينا (على تشوهط) ،وقد بات لها فرعا في
القاهرة.
-2السودان:
استوعب السودا عشرات اآلالف من المهاجرين والمغتربين اليمنيين التين
أسهموا في بناء العديد من مشاريع البنية التحتية ،ومن أهمها مشروع بناء "سد
سنار" التي بلغ قوام العمالة اليمنية فيط ( )55%من مجموع العمال( ،)98وفي
بناء ميناء بورتسودا ،وخط سكة حديد (بورتسودا – كسال – سنار) ،وغيرها
من المشاريع األخرى.
وقد تمكن المهاجرو والمغتربو من تحقيق االندماج االجتماعي بسهولة
ويسر ،ساعدهم على لك عيبة المجتمع السوداني التي وجد فيهم حرصهم على
التمسك بالقيم ،ونبت الر ائل ،وعدم تقبلهم لمن يمارسها ولو كانوا يمنيين ،كما
وجد فيهم النجدة ،وعيب المعشر ،ورفض الضيم.
و ا كا بعضهم قد شارك في الحرب العالمية الثانية في مواجهة (رومل)
كثيرا ً ممن عاد منهم، في العلمين بم ر ،وفي عرابلس الغرب في ليبيا ،ف
فريقيا ،ص .55 ( )98ال لوي ،العزي ،الهجرات اليمنية عبر التاريخ لى منطقة شر
98
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
99
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
العائد التي أسهم في معارك الدفاع عن الثورة ،كما أسهموا بمختلف أشكال
وصور العمل الوعني.
مما وعلى الرغم من األدوار البهية التي عرضت بعضها فيما سبق ،ف
يؤسف لط أننا لم نجد توثيقا ً وال أثرا ً للعمل التربوي اليمني في السودا ،كما
أنني على يقين من أ أمرا ً كهتا لم يكن ليغيب عن اهتماماتهم .ويبقى التفسير
األقرب للمنطق أنهم وقد عاشوا حالة اندماج اجتماعي مميز مع المجتمع
السوداني وتزاوجوا وتناسلوا ،فقد أوكلوا مهام تربية وتأهيل األبناء للمؤسسات
الوعنية السودانية التي تعاملت معهم بوصفهم مواعنين سودانيين( .مع تأكيدي
على أهمية متابعة البحث في هتا الجانب).
-3أثيوبيا:
مثلت الحبشة وجهة لالغتراب والهجرة منت القدم ،ومازالت اآلثار السبئية
هناك خير شاهد على لك ،كما أ هرر تشهد بهويتها اإلسالمية الغالبة ،ولغتها
األمهرية ،وأسماء أشهر حكامها على تأثير المهاجرين والمغتربين اليمنيين،
وبالتالي فقد كا عبيعيا ً -بنا ًء على الظروف التي عاشها اليمنيو أواخر القر
تتجط أفواج من المهاجرين والمغتربين العشرين -أ الـ( )19وبداية القر
باتجاه الحبشة ،ما كمحطة وسطى لالنتقال باتجاه الشمال ،و ما كوجهة للعمل
واالستقرار( . )99على أ هناك قوافل أخرى من المغتربين دخلت لى أثيوبيا عن
عريق الجنوب ،ومعظمهم من عمل في مد خط السكة الحديد التي أقيم بين
جيبوتي وأديس أبابا ،بموجب االتفاقية التي وقعتها فرنسا مع اإلمبراعور منليك
عام 1897م ،وقد استغر بناء الخط الحديدي عشرين عاما ً بالتمام والكمال،
حيث كا هتا الخط قد بني على أكتاف المغتربين اليمنيين ،وبالتالي ،فقد كانت
101
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الطويلة المزيد من الدراسة والبحث ،وخاصة فيما يتعلق بتوثيق أعداد الطالب
الدارسين والمتخرجين منها ،والمناهج التي كرستها ،وتتبع من تميز ونبغ منهم،
والبحث في مكونات المناهج ،وجدواها وأساليب التقويم وغير لك.
والحديث عن سهاماتهم في العمل الوعني ي عب يجازه في حيز كهتا ال
من قبيل عطاء شارات فقط لعل من أهمها:
-1دعمهم المتواصل بالمال واإلمكانات والمشورة للمعارضة اليمنية بمسمياتها
المختلفة ،وهو دور غير منكور أيضاً.
-2ت درهم لحملة شراء مطبعة ل حيفة "صوت اليمن" مع زمالئهم في
ريتريا ،وجيبوتي ،والسودا ،وتركيبها عن عريق المجاهد أحمد عبده ناشر
التي أرسل عبد هللا عاهر لتركيبها ،ولتلك (ق ة تروى) وتستحق التوثيق.
-3تعاظم دعمهم للـ"جمعية اليمنية الكبرى" ،و قناعهم لسيف الحق األمير
براهيم باالنضمام للجمعية بجهود المناضلين شائف محمد سعيد ،وعبدالقوي
مدهش الخرباش ،وأحمد عبده ناشر التي هيأ لألمير أيضا ً فرصة اللقاء
باالمبراعور التي أدهشط بمعلوماتط الوافرة عن اليمن وظروفها وحاجتها
لك بفضل أحمد عبده ناشر التي للتغيير ،وأبدى لط استعداده لدعمط .وكا
بات مقربا ً من االمبراعور ،بل وأضحى مستشارا ً لط.
-4أسسوا صندوقا ً لتلقي التبرعات من المهاجرين ،ودعموا بط الحركة الوعنية،
وقدموا منط المساعدات للمحتاجين ،وأسهموا من خاللط في بناء العديد من
المؤسسات التعليمية في اليمن ،سواء قبل الثورة أو بعدها ،مما ي عب تناولط
وح ره هنا .كما عبعوا منط المنشورات التي كا يتم توزيعها للمهاجرين
والمغتربين.
104
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
-5تمكنوا من بناء عالقات قوية مع البالع االمبراعوري ،حتى غدا أحمد عبده
ناشر العريقي ،ومطهر سعيد صالح العريقي مستشارين مقربين يستأنس
بآرائهما االمبراعور في كل مالط صلة باليمن .كما كانت لقيادات الجالية
عالقات واسعة مع الطبقة السياسية وأعضاء البرلما .وقد أثمر لك -على
سبيل المثال -عندما علب اإلمام عام 1948م من االمبراعور تسليم بعض
األحرار اليمنيين ،وفي مقدمتهم كل من (أحمد عبده ناشر العريقي ،ومطهر
سعيد صالح العريقي ،وعبدالقوي الخرباش ،وعبدهللا عبدالغني الشوافي،
وعبداللطيف عارش الشوافي ،ومحمد علي الهريش العريقي ،وأحمد
عبدالولي العبسي ،ومحمد مهيوب ،وعباس الزبيري ،وسيف أحمد التبحاني،
وشائف محمد سعيد) وغيرهم ،فرفض االمبراعور الطلب بعد عرضط أيضا ً
لك. على البرلما ورفض البرلما
ولم يقف تأثيرهم عند لك المستوى ،بل عكس نفسط من خالل سهاماتهم في
بناء البنية التحتية للحبشة ،سواء بخطوع السكة الحديد ،أو بالموانئ في ريتريا
الحالية ،وفي تنشيط الحركة التجارية وغيرها كثير.
-4إريتريا:
تميز الوجود اليمني في ريتريا بتكوين تنظيم اجتماعي تجاوز السقف
الوعني لى المستوى القومي العربي للعرب المقيمين في ريتريا (وقد كانت
جزءا ً من دولة الحبشة بالضم واإللحا ) ،و لك حتى قبل تأسيس الجامعة
العربية( ، )102وكا من أشهر من رأس هتا التنظيم من اليمنيين ،الشيخ سعيد
باعقيل ،ومحمد أبوبكر باخشب ،وأحمد عبيد باحبيشي ،ومحمد علي العبسي،
ومن ور عبدالعزيز الحميري.
( )108م دره األخ العزي ال لوي (عضو لجنة مكلفة من وزار ة المغتربين لبحث
موضوع المدرسة هناك) تاريخط 2013م.
110
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
111
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
113
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
-3قلة عدد المدرسين قياسا ً لى عدد الف ول الدراسية والطالب ،وهتا يحتاج
معالجة مبنية على معلومات دقيقة حول عبيعة عمل كل مدرسة ،وما تكرسط
من المناهج ،وغير لك من المعلومات المطلوبة.
-4عدم وضوح نوع المناهج المكرسة في تلك المدارس من حيث (هل هي
وعنية كينية ،أم يستعا بمناهج أجنبية ،أم أ بينها مدارس تعتمد المناهج
اليمنية).
-5على الرغم من عدم وضوح نوع المناهج السائدة والمكرسة في تلك
التجارب التعليمية ال شك أنها جيدة ومقبولة ،قياسا ً على المدارس ف
المعهود من المكرس في مدارسنا في الداخل اليمني ،ولعل مما يدعوني لقول
لك ما هو مالحظ في الجدول من انتشار لمدارس رياض األعفال ،وهي
حالة نفتقدها في مدارسنا في الداخل اليمني ،وكتلك تميز ما يعتمد من
تدريس اللغات األجنبية وغيرها ،كما يشير جدول سابق بكشف تف يلي عن
مدارس الجاليات اليمنية بأ "مدرسة الشيخ صالح بن شقو " يبلغ عدد
عالبها ( 200لى 250عالبا ً وعالبة) وليس ( )120بحسب ما ورد في
الجدول أعاله ،وأنها مدرسة أساسية من ( )9:1وتقدم ثالث مواد باللغة
العربية.
كما يشير الجدول السابق كره لى أ "مدرسة الفالح اإلسالمية" ،وهي
مدرسة لم يشر ليها التقرير الداخلي لوفد وزارة المغتربين بكونها مدرسة
أساسية من ( ،)9:1أ عدد عالبها (بين 250لى 300عالب وعالبة) ،وتقدم
معارفها وفق المنهج الكيني ،مع تقديم ثالث مواد باللغة العربية.
وكتلك الحال بالنسبة لـ"مدرسة الهالل اإلسالمية األساسية" ( )9:1التي
يبلغ عدد عالبها (بين 150لى 200عالب وعالبة) ،وتعتمد المنهج الكيني ،مع
114
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
تقديم ثالث مواد باللغة العربية .ولربما أ المدرستين األخ َر َيين لم ي ل وفد
وزارة المغتربين ليهما ،ولتلك لم يضمناها في التقرير المتكور ،كما يالحظ
التضارب بين أعداد الطالب بين التقرير المتكور وبين الجدول المشار ليط
بأعاله.
وتبقى حاجتنا قائمة للح ول على معلومات وبيانات أكثر حول تجارب هته
كل منها (عام /ديني) ،والمناهج السائدة،
المدارس ،وروادها ،ونوع التعليم في ٍّ
وغير لك من المعلومات الالزمة لتأسيس بنك معلومات يساعد على معرفة
كل منها ،وتمكن من
نوع التدخالت المطلوبة التي تساعد من رفع مستوى أداء ٍّ
تطويرها واستمرارها.
كما يشير التقرير لى أ من أهم المساجد المنتشرة التي يرعاها المغتربو
اليمنيو في كينيا المساجد اآلتية:
.1مسجد النور ،ممباسا ،وقد أسسط ويرعاه الشيخ صالح سعيد بن شرما .
.2مسجد قباء ،ممباسا ،وقد أسسط ويرعاه الشيخ محمد صالح باوزير.
.3مسجد شيبو ،ممباسا ،وقد أسسط ويرعاه الشيخ صالح محسن بن شقو .
.4مسجد النورين ،ممباسا ،وقد أسسط ويرعاه الشيخ عاهر بن سعيد الحاتمي.
.5مسجد الفالح ممباسا ،وقد أسسط ويرعاه الشيخ صالح محسن بن شقو .
.6مسجد ليواتوني ممباسا ،وقد أسسط ويرعاه المغتربو بالتبرعات.
.7خمسة مساجد في (ماليندي) أسسها المغتربو هناك.
ضافة لى مساجد أخرى كثيرة لم يتعرف عليها كاتب التقرير المتكور.
ومما تجدر اإلشارة ليط ،أ تلك المدارس والمساجد ال شك أنها تلعب دورا ً
تأثيريا ً واسعا ً داخل المجتمع الكيني ،وتؤثر في ثقافتط أيضاً ،ولعل مما يؤكد
على لك التقارب اال جتماعي بين المهاجرين والمغتربين ،وبين أبناء المجتمع
115
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الكيني و سهامات المهاجرين والمغتربين الخيرية التي تعم أبناء المجتمع بشكل
عام ،وبعضها الخاصة بالمسلمين اليمنيين والكينيين أيضاً .والحاجة لجمع
معلومات أكثر تبدو ملحة للمساعدة في رفع مستوى تأثيرها ،وتنقية رسالتها
الوعظية واإلرشادية ،خاصة أ بعضها لها مدارس ملحقة.
ويسهم المغتربو ،وخاصة رموزهم ،بأعمال خيرية كثيرة بشكل فردي أو
بالتنسيق مع "الجمعية الخيرية العربية" ،منها ما يكرس في الداخل الكيني،
ومنها ما يمتد لى الداخل اليمني ،ولعل من أهمها ما يلي:
.1بناء مستشفى في مدينة ماليندي يتحمل أغلب نفقات تشغيلط المغتربو ،
ضافة لى تقديم المساعدات للمرضى في المستشفيات ،ضافة لى تمويل
الشيخ صالح بن شقو لعيادة الن ر في ممباسا.
.2أوقف المغتربو عدة منازل تنفق يجاراتها المقدرة ( 50ألف شلن كيني)
ل الح مقابر المسلمين ،كما أنشأوا مقبرة وبداخلها مسجد لل الة ومزودة
بسيارة لنقل الموتى ،وموظفين ،وعمال لخدمة المسجد والمقبرة للقيام
بترتيبات الجنائز والدفن دو تحميل أقارب المتوفين أي أعباء مالية ناتجة
عن لك.
.3تقديم المعونات والمساعدات للمحتاجين من المغتربين والمتضررين من
الحروب والسيول ،وحل مشاكل من يرغبو بالعودة لى اليمن من
المعسرين.
.4حفر اآلبار العديدة في منطقة ماليندي بحسب علبات األهالي وعلى حساب
المغتربين.
.5تحمل تكاليف تشغيل وصيانة المدارس والمساجد ومرتبات العاملين فيها.
116
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
.6بناء العديد من المشاريع في منطقة المهرة اليمنية على حساب الشيخ صالح
بن شقو .
.7يقاف الشيخ عاهر بن سعيد الحاتمي ــ أحد كبار التجار ــ العديد من
المباني ل الح مسجد الشيخ نورين ،التي أسسط في ممباسا ،ويتكو من
عابقين ومكتبة واسعة وملحق بط مستوصف ومدرسة ،ويتسع لعدد ثالثة
آالف م ٍّل ( كورا ً و ناثاً).
يالحظ مما تقدم تدني اهتمام سلطات الدولة اليمنية بأحوال المغتربين هناك
وحقهم في الرعاية والعو ومساعدتهم على تعظيم تأثيرهم ،و لك مما حد من
تأثير المهاجرين والمغتربين.
-8تنزانيا:
()110
تتحدث عن التجارب التعليمية في تنزانيا، من ورقة مكتوبة بخط اليد
نستشف منها ما يلي:
البدايات التعليمية اليمنية خاصة والعربية عامة في تنزانيا كانت ب ورة -1
(علمات) (معالمات) بدأت بجهود يمنية ،عمانية ،ركزت على تعليم القرآ
الكريم وتالوتط ،وعلى اللغة العربية ،والفقط الشافعي ،وكا من أهمها:
أ -علمة عبد القادر عبد الرحمن الجنيد.
ب -علمة محمد سعيد عامر الشبيبي.
ت -علمة عمر محمد بافضل.
ث -علمة المعلم عبدهللا باحميد.
ج -علمة المعلم سعيد بن عرش ،وكا يعلم فيها أيضا ً كتاب البرزنجي للمولد.
ح -علمة المعلم سالم حميدا ،وكا يعلم فيها أيضا ً كتاب البرزنجي للمولد.
118
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
و"مدرسة باكثير" في جزيرة زنجبار ،وهي مدرسة أولية تهتم بتعليم التربية
اإلسالمية واللغة العربية.
-أسس المغتربو في تنزانيا الجمعية العربية بمدينة السالم ،وقد منحت حق
فريقيا ساحل شر العضوية لكل عربي ،وامتد نشاعها لى معظم مد
زنجبار ،وكينيا ،وأوغندا ،وغيرها .وقد أنشأت المدارس ،وجلبت ال حف
العربية والكتب ،وسعت لتوعيد العالقات بين الجاليات العربية ،مما عكس آثاره
اإليجابية على الثقافة التنزانية.
-9جزر القمر وأوغندا:
تأثير لم تتوا فر لنا معلومات أو بيانات عنهما ،ومع لك يمكنني القول
المهاجرين والمغتربين اليمنيين في جزر القمر كا عظيماً ،وقد بلغ حد تمكن
هتا التأثير قد عكس اليمنيين من حكم جزر القمر كما عرضت لتلك سابقاً .ثم
كانت جزر نفسط على أساليب التنشئة االجتماعية ،وأساليب التربية أيضاً ،و
القمر تعاني من تدني مستوى التعليم فيها بشكل عام رغم تأثره بالتجربة
الفرنسية حينا ً من الدهر ،كما أ نشاع الجمعية العربية بدار السالم قد وصل
ليها أيضاً.
أما فيما يتعلق بأوغندا فنكاد ال نعرف عنها شيئا ً عدا ما ورد في كشف
مدارس الجاليات اليمنية – سابق -التي كر وجود مدرسة الجالية اليمنية في
كمباال ،وهي مدرسة أساسية من ( ،)1:9ويبلغ عدد عالبها بين (300 -200
عالب وعالبة) ،وتعتمد المنهج األوغندي ،مع تقديم ثالث مواد باللغة العربية
في قسمها العربي.
119
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
ب :آسيا:
-1الهند والصين وسنغافورة:
عز الح ول على مراجع يمكن االعتماد عليها للحديث عن تجارب
المهاجرين والمغتربين اليمنيين في الهند ،السيما في مجال التعليم والثقافة،
وبالتالي فال مناص من اإلشارة لى ما وجدتط في صورة كشف مدارس
الجاليات اليمنية – سابق -وفيط شارة لى وجود مدرسة الجالية اليمنية في حيدر
آباد ،وهي مدرسة أساسية ( ،)1:9والمرجح أنها تعمل بنظامين (هندي /
عربي) ،وفي القسم العربي تدرس مواد باللغة العربية ،والكشف لم يبين هل
المنهج بالكامل يمني أم مواد فقط في هتا القسم ،وأ عدد الطالب والطالبات
يتراوح بين ( )400 -300عالب وعالبة.
أما تأثير المغتربين والمهاجرين اليمنيين في ال ين فتشير صورة الكشف
المتكور سابقا ً لى وجود مدرسة في (جوانزو) تتبع الجالية اليمنية ،وهي
مدرسة مكتملة للمرحلتين األساسية والثانوية ،وتدرس المنهج اليمني بالكامل،
ويتراوح عدد عالبها بين 400 - 300عالب وعالبة .والمدرسة الثانية تتبع
الجالية اليمنية أيضا ً في (ايوا) ،وهي مكتملة (أساسية وثانوية) ،وتعتمد المنهج
اليمني ،ويبلغ عدد منتسبيها بين 600 -500عالب وعالبة.
(و مما يؤسف لط أ مهاجرينا ومغتربينا يحرمو أبناءهم من االستفادة من
التجارب التعليمية المتقدمة في مجتمعات كالهند ،وال ين ،وسنغافورة،
وماليزيا ،وغيرها ،بدعوى الحفاظ على الثقافة والهوية ،وهي دعوى ال وجاهة
األمر يمكن تحقيقط نسبيا ً عبر تقديم مواد التربية اإلسالمية ،واللغة لها؛
العربية والتربية الوعنية والتاريخ باللغة العربية ،وتقديم باقي المناهج المقررة
120
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
المكرسة في مجتمعات اإلقامة ،أو باالستفادة من مناهج معولمة ،كما تفعل لك
بعض المدارس في ماليزيا مثالً).
كما أود اإلشارة بشكل عام هنا لى الحاجة الماسة لتقييم تجارب هته
المدارس ،وكل المدارس المنتشرة في مختلف دول العالم ،على أ يتم لك وفق
معايير علمية تمكن من قياس أثر هته التجارب ،والعمل على تطويرها،
وجدوى استمرارها ومتطلبات لك ..لخ .ولتلك حديث آخر ال يسمح المجال بط
هنا.
()111
بلغ عدد المسلمين ( 595604نسمة) ،ويشكلو (،14 وفي سنغافورة
بها منهم عرب ،وخاصة من )%7من عدد السكا ،ونسبة ال يستها
اليمن( ، )112ويؤكد البحث على أ الدولة السنغافورية تشرف على البنية التحتية
الدينية األساسية للمسلمين .ويتكر البحث أ أشهر المدارس اإلسالمية (ست)،
منها "مدرسة الجنيد اإلسالمية" .ومن المعلومات المنشورة عن التعليم في
سنغافورة منها ما يؤكد على وجود أكثر من ( 83مسجداً) ،و( 36مدرسة
سالمية) ،وأ أشهرها "مدرسة واتنجونج" ،ويبلغ عدد عالبها 768تلميتاً،
و"مدرسة الجنيد اإلسالمية" ،ويبلغ عدد عالبها 697تلميتاً) ،و"مدرسة
السقاف العربية" وعدد عالبها 545تلميتاً ،و"مدرسة المعارف اإلسالمية"
وعدد عالبها 245تلميتا ً(.)113
وبالعودة لى البحث المشار ليط سابقا ً ف نط يؤكد( -وهو أحد عالب مدرسة
الجنيد) -على أ المدرسة من أهم مراكز الدعوة اإلسالمية؛ ألنها تعد الدعاة
وأئمة المساجد ،ومدرسي الدين اإلسالمي ،وأنها من أكبر المدارس الست،
122
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
السابقة تؤكد على لك .كما جاءت لتؤكد على حاجة مدارس المهاجرين هناك
لالستفادة من التجربة التعليمية السنغافورية.
-2ماليزيا:
في ماليزيا تنتشر العديد من المدارس التي ترعاها مؤسسات تتبع الجالية
اليمنية ،وتنتشر في العاصمة الماليزية وفي العديد من المد التي تقيم فيها أعداد
كبيرة من أبناء الجالية ،وهي مدارس تتباين في لغة التدريس ،وفي المناهج
كا مما يجمع بينها حداثة اإلنشاء ،وفرص الح ول المعتمدة بكل منها ،و
على منح مجانية لغير المقتدرين من أبناء المغتربين والمهاجرين ،كما تتفاوت
وتتباين بين كو بعضها مؤسسات غير ربحية وتسعى لتقديم خدمات عالية
الجودة وفق معاي ير علمية دولية ،وبين أخرى تتق د االستثمار ،وليس من
أولوياتها اقتفاء المعايير العلمية للتعليم المجود ،ولعل من أهم تلك المدارس ما
يلي:
" -1المدرسة العربية العالمية الحديثة" ) :)I.m.a.sوهي مدرسة دولية ،وتعد
من أكبر المدارس اليمنية في ماليزيا ،وتقدم خدماتها في العاصمة الماليزية
(بيترا جايا) ،وتعتمد اللغة اإلنجليزية واللغة العربية في التدريس ،حيث
يدرس الطالب فيها منهج ( )i. g.c.s.e.البريطاني ،كما يدرس الطالب
مادتي التربية اإلسالمية واللغة العربية وفق المنهج اليمني ،وتتميز بكونها
مؤسسة غير ربحية منت تأسيسها في العام 2007م بجهود ورعاية مؤسسة
النور الخيرية التي يقودها رجل الخير فؤاد هايل سعيد أنعم ،كما أ
"مؤسسة الخير" التي يرعاها علوا سعيد محمد الشيباني ستتكفل بتقديم
( 30منحة) للطالب اليمنيين ،بمبلغ يقدر بسبعين ألف دوالر تقرر اعتماده
123
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
من سبتمبر 2020م ،ويشترع للح ول على المنحة نسبة نجاح ( ،)bوكتا
الحال الستمرارها في السنوات التالية.
والمدرسة تتمتع بترخيص وزارة التعليم الماليزية ،وتقدم لطالبها شهادة
"كامبردج العامة" البريطانية للتعليم الثانوي ،كما أنها معتمدة كمركز
امتحاني لهته الشهادة ،و ضافة لى لك تقدم المدرسة فرص امتحانات
الثانوية العامة اليمنية ( نجليزي).
ولئن كانت في سنة االفتتاح قد بدأت عملها بعدد ( 220عالبا ً وعالبة) ،ف نها
في العام الحالي باتت تستوعب عدد ( 1792عالبا ً وعالبة) ،من أكثر من
خمسين جنسية ،ويعمل بها حوالي ( 134معلما ً ومعلمة) من أكثر من
ات األكاديمية عشرين دولة ،من وي الكفاءة والقدرة العالية ،والتخ
والتربوية .وهي تقدم خدماتها سعيا ً لتحقيق أهداف ،منها االهتمام برعاية
العقول اإلبداعية ،وتعزيز القيم األخالقية ،ومنها االلتزام بتحقيق النمو
والتطوير الروحي ،والفكري ،والعاعفي ،والجسدي ،و عدادهم كرواد
للتغيير( .وهته األهداف تؤكد على أ تعليمها مجود أيضا ً ،ويمكن اعتبارها
المدرسة النمو جية األولى على مستوى مدارس مهاجرينا ومغتربينا؛ كونها
تعتمد منهجا ً نجليزيا ً محكوما ً بفلسفة تربوية تعليمية متطورة ،مع حرصها
على تحقيق تنشئة يمانية نرجوها رشيدة ،وتراعي تحقيق أهداف نبيلة
تجسدها عبر ممارسات وأنشطة مخططة ،كما أنها ال تعاني من عدم تواز
الكادر مع الكثافة الطالبية ،أو من تدني مستوياتهم؛ أل استخدامهم يأتي
عبر تنافس محكوم بمعايير وضوابط وشروع لشغل الوظيفة ،كما أنها ليست
مغلقة على اليمنيين وحدهم ،مما يتيح للتالميت فرص التعرف على تجارب
124
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
125
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
126
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
تأثيرات موجات الهجرة عبر األنشطة الدعوية واالقت ادية ،وتأسيس الممالك
العديدة ،ونشر التعليم الديني ،وساعد على زيادة التأثير احتفاء المواعنين بكل
من لهم صلة بالعروبة واإلسالم بتزايد عردي بقدر تزايد أعداد المعتنقين للدين
اإلسالمي اتط ،ورغبتهم بالتقرب لى من تربطهم صلة قربى بالنبي محمد
(صلى هللا عليط وسلم) ،وهو ما مكن العلويين من احتالل مكانة مرموقة في
المجتمع ،وحظوا بفرص مثالية مكنتهم من جمع الثروات وتقديمهم كقادة في
مراحل مختلفة.
كا والحديث عن كل ما تقدم يطول بقدر ال يسمح المجال بتلك ،و
يحرض على خضاع هته التجربة لى مزيد من الدراسات والبحوث
االستق ائية في مختلف مجاالت الحياة ،ومنها للتوثيق ،واستق اء أثر
التجارب في مجاالت اإلعالم ،والتأليف ،والمسرح ،والسينما ،والتعليم على
وجط الخ وص ،كو مختلف المراجع التي بين أيدينا لم تعط التعليم ما يستحقط
من االهتمام من حيث عدد المؤسسات ،وأنواعها ،وما اعتمدتط من مناهج،
وأساليب ،وكوادر ،وما كا لها من عالقات ،وما نشطت في سبيل تحقيقط من
األهداف ..لخ.
أشير لى بعض مالمح التجربة في المدى الزمني وبعد ما تقدم علي أ
المق ود وفقا ً لما يأتي:
أوالا :السعي لتوحيد الجهود بتشكيل الجمعيات ،وقد تميزت بتنوعها ،وتباين
مقاصدها وما أحدثتط مناشطها ،وما عكستط من آثار ،ولقد شكلت تلك التجارب
سبقا ً محسوبا ً لمهاجرينا في ندونيسيا ،ولئن مثلت "الرابطة العلوية" التي
تشكلت في العام 1903م أقدم تلك التجارب ف نها ولدت دوافع إلقامة غيرها ،ما
على خلفية تباينات األفكار والقيم والم الح واألهداف ،و ما لحشد المزيد من
127
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
المريدين ن رة آلل البيت ،أو لتقرب تفرضط الم الح ،وخاصة منت اشتداد
الخالف بين "العلويين" و"اإلرشاديين".
ولقد كا من أهم تلك الجمعيات ما يلي:
" -1الرابطة العلوية" التي تأسست عام 1903م على أيدي بعض كبار
العلويين ،وكا لها فروع في مد عدة ،وعملت على جمع التبرعات من
التجار و عادة نفاقها في مشاريع خيرية ،منها بناء المساجد ،وفتح معاهد
دينية ،و نشاء بعض المدارس األولية.
" -2الجمعية اإلسالمية" ،وكا لها نفس توجط سابقتها.
" -3جمعية خير" ،تأسست في (بتاوي) ،وعملت على نشاء مدرسة في المدينة
اتها ،واعتمدت لتسيير عمل المدرسة على جمع التبرعات ،ومن رسائل
موجهة من المدرسة لى المقتدرين و قناعهم بالتبرع ،كما كانت المدرسة
تدعو الناس لحضور احتفاالتها السنوية التي تقدم خاللها بعض األنشطة
وتطلعهم على نتائج امتحانات الطالب.
" -4االتحاد اإلسالمي في جاوا" ،كا هدفط األساسي تحشيد الجهود لمواجهة
يقودها (سنوك) األستا الجامعي ،وسعى المكائد الهولندية التي كا
بالتنسيق مع دارتط االستعمارية إلغال باب الهجرة على اليمنيين ،وأنتج
جراءات تضيق الخنا على العرب واليمنيين ،حتى نط حال دو حرية
التنقل بين المد ،وعلى مستوى المدينة الواحدة ( ال برخ ة سابقة)،
وادعى اإلسالم وحج لى مكة لمراقبة وجهاء الحجاج ،وراح يكيد للتفريق
بين المسلم اإلندونيسي والعربي واليمني ليقنع اإلندونيسيين بأ اليمنيين
والعرب أجانب ،وأنهم يكيدو لهم ولعاداتهم وتقاليدهم ،وكا مما ساعده
على لك ادعاؤه اإلسالم وزواجط من مسلمة ،وان راف بعض المهاجرين
128
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
لى تحقيق مكاسب ،حتى لو كانت (عبر الربا) ،و لك مما اقتضى نشاء
هتا االتحاد لمواجهة تلك المكائد ،ولتفنيد االدعاءات ،ولحماية م الح
المهاجرين والمغتربين.
" -5جمعية اإلصالح واإلرشاد" ،تأسست في العام 1914م لمواجهة التشدد
العلوي ،وهيمنتهم على "الرابطة العلوية" ،وتدخلهم في الشؤو الخاصة
للمهاجرين والمغتربين ،ولرفض اإلرشاديين لمظاهر التمييز التي كا
يعكسها العلويو باأللقاب "سيد /حبيب" لتمييز أنفسهم عما عداهم ،وتقبيل
أياديهم ،ورفضهم تزويج بناتهم لغير العلويين .وقد سعت الجمعية لى
توعية الناس ،وقادت حمالت ضد العلويين استندت فيها على مراكز فتاء
م ن األزهر وغيره لمنافحة ادعاءات العلويين ،وحرضوا الناس على رفض
العمل بتعليماتهم ،ونشطوا في جمع التبرعات ،وتبني المشاريع الخيرية،
وفتح المدارس ،األمر التي دفع العلويين لى اتهامهم بالكفر والزندقة،
بغرض تنفير الناس منهم ،لكن الجمعية صمدت وفندت تلك االدعاءات،
وكرست في مدارسها قيم اإلخاء والمساواة ،كما وأصدر مؤسسوها صحفا ً
الخالف تعبر عن توجهاتهم وللرد على الحمالت ال حفية للعلويين .بل
وصل حد االشتباكات المتفرقة أحياناً ،وانعكس لك على الداخل اليمني،
وخاصة منت أ أقدم "اإلرشاديو " على تأسيس دويلة في مدينة الغرفة
1924م ومنعوا فيها حمل السالح ،وأكدوا على قيم المساواة ،وشجعوا عدم
التفرقة بين الناس على أساس عرقي ،وحرروا العبيد ،وغير لك ،مما دفع
بالعلويين لى التحالف مع االستعمار البريطاني ،ومع السلطنتين القعيطية
والكثيرية إلعال الحرب على هته الدويلة ،حتى تم القضاء عليها في العام
129
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
130
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
131
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
ومحاولة وضع حد لط ،تجنبا ً للنتائج السلبية التي كانت تطال آثارها الجميع،
كما أ كثيرا ً منها لم تكن تمتلك مقومات االستمرار والبقاء ،فكا متوسط
العمر الزمني ق يرا ً نسبياً.
ثالثاا :الخالف العلوي اإلرشادي وانعكاساتط على حياة المهاجرين وتأثيرهم .مع
بدايات القر العشرين كا المهاجرو الحضارمة هم أصحاب النفو الديني
واالقت ادي ،لوال أنهم توزعوا على مجموعتين هما:
أ -مجموعة السادة العلويين التين تمتعوا بامتيازات واسعة ،ومنها الزعامة
الروحية على الجالية الحضرمية وعلى جميع المسلمين في الجزر،
واستأثروا باأللقاب الزمنية والدينية ،واحتالل ال دارة في المجالس
والمساجد ،وكا منهم كبار األثرياء مثل :آل الكاف ،وآل السقاف ،وآل
العطاس.
ب -مجموعة غير علوية ،ومنهم :آل العمودي ،وآل بلحمر ،وآل باصهي ،وآل
باسودا ،وآل باجنيد ،وغيرهم.
كما كا عبيعيا ً أ تتأثر الجالية بالحركة الفكرية ،والسياسية ،والثقافية،
في بلدا االغتراب ،أو تلك التي قادتها الحركة القومية واإلسالمية التي
أختت بالنمو في م ر وسوريا ،وتجلت عبر ال حف والمجالت المختلفة.
لى جناحين" :علوي ،و رشادي" وفي العام 1905م انقسم المهاجرو
بسبب زواج هندي من علوية ،واستفتاء أحدهم ل احب المنار (محمد علي
رضا) حول صحة الزواج ،وقد أجازه ،فرد عليط الشيخ عمر بن سالم السقاف
بتحريم تزويج العلوية من غير العلوي "ولو رضيت ورضي وليها".
وعلى ثر لك تأسست "جمعية اإلصالح واإلرشاد العربية" 1914م ،كما
لى علماء من خارج الجالية ،ومنهم األزهر ،ومحمد رشيد لجأ اإلرشاديو
132
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
133
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
(علوي) ،ثم محمد رشيد رضا ،ثم شيخ األزهر اللتا وجها نداءات واقتراحات
لتسوية الخالف ،كما تدخل الملك عبد العزيز آل سعود للتوفيق بينهم ،ال
الخالفات استمرت.
و ا كا هتا ال راع قد نتجت عنط آثار يجابية تمثلت بالتنافس في صدار
ال حف ،وفتح المدارس الحديثة ،حتى أ اإلرشاديين أسسوا ثالث مدارس
للبنات ،وأرسلوا البعثات التعليمية لى م ر وغيرها ،وتبلورت رؤية لإلصالح
والتحديث داخل الوعن التي عبر عنها في "مؤتمر اإلصالح الحضرمي" األول
في مدينة الشحر ،وفي المؤتمر الثاني التي عقد في سنغافورة في بريل
1928م.
فقد كا لهتا ال راع أيضا ً آثار سلبية تمثلت في تشظي رادة وجهود أبناء
الجالية ،و همالهم االهتمام بما يكاد لهم ،وعدم مباالتهم بتوجهات أجيال المولدين
من أحفادهم الغاضبين من لك التشظي وال راع ،وعدم االهتمام بتطلعاتهم،
ورغبتهم باالندماج ،والتي كانت العديد من المعيقات تحول دو تمكينهم ،ولم
تقت ر على كيد المستعمر ،و جراءاتط التمييزية ،وتشجيعط لثقافة ندونيسية ال
تقبل بالوجود العربي عامة واليمني خاصة ،و نما امتدت لى التزمت بفرض
عادات وتقاليد األجداد التي ال تيسر لهم فرص االندماج ،وأيضا ً رفض
الوعنيين المتأثرين بالثقافة االستعمارية لهم بمشاركتهم في مقاومة االستعمار،
أو مزاملتهم على مقاعد الدراسة ،وغير لك.
وتجدر اإلشارة لى أ اليد القترة لالستعمار الهولندي لم تكن بعيدة عن هتا
ال راع ،بل عملت على تغتيتط ،وقد كانت لتلك تجليات ،منها الدور التي كا
يلعبط (د .سنوك) وهو أكاديمي كبير ،وقد تورع بعدائط المستتر للعرب بعامة
وللحضارم بخاصة ،وراح يكيد لهم لكونط مستشاراً للقيادة الهولندية في
134
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
135
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
عديدة ،لعل أهمها أ قيادة التجمع لم تستطع التخلص من تأثير كبار من
دعموا الفكرة ،وبما كانوا مبتلين بط من صراع علوي رشادي.
-2في العام 1934م تأسس تجمع "اتحاد عرب ندونيسيا" على قاعدة
االعتراف ب ندونيسيا (وعنا ً ألبناء العرب) وليس حضرموت أو م ر أو
سوريا ،وأ عليهم واجبات ولهم حقو كباقي أبناء المجتمع(" .)114وربط
االتحاد نفسط بالحركات الوعنية اإلندونيسية ،وأصبح عضوا ً في المجلس
اإلسالمي اإلندونيسي ،وبقيام االتحاد خرج الكثير من العرب من
المجموعتين المت ارعتين ،وانضموا لى االتحاد ،وأسس االتحاد فروعا ً
في كل المد ،وأصدر مجلة باسمط أسماها (التيار الحديث) ،ثم في العام
1940م تحول لى حزب ،وعالب باستقالل ندونيسيا ،وقد تعرض لإللغاء
عندما ألغت اليابا بعد احتاللها ندونيسيا األحزاب" .ورغم أ الحكومة
قيادة الحزب بعد الحرب العالمية الثانية عالبت األحزاب بالعودة للعمل ،ف
فضلت بقاء الحزب ملغياً ،خاصة أنها قد رأت األحزاب األخرى فتحت
أبوابها للجميع ،فشجعت أعضاء الحزب على االنخراع فيها كل بحسب
قناعاتط وميولط.
(سلمية /آختة بأسباب -3تعددت أشكال المقاومة التي مارسها المهاجرو
القوة) ،وكا من أشكال المقاومة السلمية رفضهم مع الوعنيين اإلندونيسيين
ة للهولنديين ،أو أبنائهم بالمدارس الهولندية ،سواء المخ التحا
األنظمة المكرسة فيها تتسم بطابع مسيحي بروتستانتي للوعنيين؛ أل
متع ب ،وفضلوا تعليم أبنائهم في مدارس خاصة ،كما أ من كا يدخل
في تلك المدارس الهولندية ال يسلم من الممارسات العن رية التي وصلت
137
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
المقاومة نتاجهم "مسرحية فاعمة" التي ألفها حسين بافقيط ،وعرضت في
سورابايا ،وفي جاكرتا ،وفي سمارانغ وغيرها ،وانتقدت المعامالت الربوية
عند العرب ،ووصفتها بـ"الملعونة".
وقد القت استحسانا ً كبيرا ً في ال حافة اإلندونيسية ،حتى أ رئيس
تحرير صحيفة "نور الشر " (هارا هاب) قال عنها" :نقدم تقديرنا وتهانينا
لمؤلف ومنفتي المسرحية ،ونحن واثقو من أ كل من شاهدها سيكو مع
رأينا في أنها انتقدت مجتمعها ،وسيتعاعف معها الناس ،وستحقق الهدف
المنشود ،وستلقى أفكارها التأييد اإلندونيسي الكامل .)115(".%100كما أيد
هتا الرأي قائد ندونيسي وعني (راتوالنفي) بقولط" :كل هتا قد يبدو غريباً،
ولكنط مع لك مفهوم لنا لما ا استطاعت حركة عربية وبسرعة االنضمام
لك ليس لكو لى الحركات الوعنية اإلندونيسية؛ ألنني واثق من أ
العرب مسلمين فحسب ،بل فقد أثبت التاريخ ما للعرب من دور في الكفاح
ضد الهولنديين منت أمد بعيد وحتى في عهد ما قبل االستقالل"(.)116
-5كا المجتمع اإلندونيسي يراقب أداء الحزب ويتابعط باهتمام(" ،)117وفي
عام 1940/1939م ساند الحزب بكل قوة الحركة المطالبة ببرلما
إلندونيسيا من خالل اتحاد األحزاب السياسية اإلندونيسية" .وحتى نتبين
حجم تأثير الحزب يكفي أ نعرف أ حجم عضويتط في جاكرتا وحدها بلغ
لك رقما ً كبيرا ً في حينط ،ثم نط عندما حينها ( 12000عضو) .وقد كا
حل الح زب نفسط قال عنط (كي حجر ديوانتارا ،وهو مناضل ندونيسي)
"من الخطأ ضمهم مع تلك التجمعات التي تعرف باألقليات ،فهم لم يعزلوا
الحزب كا أنفسهم عن عامة القوم ،بل ابوا في مجتمعنا الوعني" .ثم
قد حقق انتشارا ً مؤثرا ً في كل أرجاء ندونيسيا تقريباً ،ومع لك حل نفسط.
-6شارك العديد من قادة المهاجرين في مفاوضات المائدة المستديرة عام
1949م ،الساعية لالستقالل ،وكا حامد القادري ضمن وفد الجمهورية،
برئاسة محمد حتى ،نائب رئيس الجمهورية ،كما شارك (حامد القادري
محسوبا ً على بونتياناك) ،وهو عربي يمني لكنط كا الثاني سلطا
الوعني ين اإلندونيسيين ،وقد مثل كل ندونيسيا عدا األقاليم التابعة للحكم
اتفاقية المائدة الجمهوري ،كما وقع مع محمد حتى على كل أورا
المستديرة من جهة ندونيسيا .وقد مثل لك تأكيدا ً على أهمية دور أبناء
العرب وتأثيرهم( .)118كما لعبوا دورا ً محوريا ً من خالل الهيئة التأسيسية
للجالية العربية التي ترأسها الشيخ محضار بن شيخ أبوبكر ،وقد سعت لى
جلب التأييد العربي ،وأفشلت محاوالت هولندا إلرسال ممثلين عرب لألقلية
العربية لى مؤتمر المائدة المستديرة ،وكا كل من حامد القادري ،ويحيى
العيدروس ،وعبد القادر السقاف ،ممول الحزب ومشجع تحديث التعليم،
أعضاء في الوفد التي زار الدول العربية ونال االعتراف بالجمهورية
اإلندونيسية(.)119
-7نتج عن اعتراف اإلندونيسيين بنضال مهاجرينا أ تم تعيين العديد منهم في
البرلما وفي الحكومة ،وكا منهم حامد القادري التي عين عضوا ً في
البرلما ،وعبدالرحمن باسويدا نائبا ً لوزير اإلعالم ،ثم عضوا ً في الوفد
التي سافر لى م ر للح ول على االعتراف .ومع لك استمر نضالهم
ضد القوانين التي كانت تحد من اكتسابهم للجنسية ،ومن ثم حقهم في
الترشح واالنتخاب حتى تمكنوا من تجاوز لك بتعديل التشريعات،
المواعنة(" .)120وفي مارس بكامل حقو وأضحوا مواعنين يتمتعو
1956م وبعد االنتخابات كتبت هيئة مؤتمر الشعب اإلندونيسي من أصل
عربي رسالة لى رئيس الوزراء ،وقعها رئيس وسكرتير الهيئة السيدا
حامد القادري وحسين بافقيط .آملين من الحكومة ،بعد أ شاهدت نتائج
االنتخابات العامة ،أ العامة لم تنظر لهم ،ولم تعاملهم كطبقة منف لة ،وأ
عليها أ تحل مشكلتهم حاالً و لك ب دراجهم رسميا ً مع األغلبية ،ب لغاء كل
القوانين والمعامالت التي مازالت تفر بينهم ،وبما يتفق مع رادة الحكومة
التي ترغب في نهاء مسأ لة األقليات في البنية اإلندونيسية وخلق مجتمع
متجانس" .كما كا مما ساعد على تحقيق االندماج وتتويب الفوار بجانب
ما سبق ،قبال المهاجرين على رسال أبنائهم لى المدارس الحكومية،
وكتلك العمل في الوظائف العامة ،واالختالع االجتماعي ،والتزاوج،
والتخلي عن التفكير التقليدي الديني ،والتكيف مع العادات والتقاليد
اإلندونيسية غير المتعارضة مع الدين ،وكل لك أسهم بتحقيق االندماج
وواجبات المواعنة(" .)121ومنت االستقالل حتى العام واكتساب حقو
1980م كا هناك أربعة من العرب اعتبروا من رواد االستقالل ،وأصبح
خمسة من العرب سفراء في الخارج .وفي العهد الجديد منت 1966م تقلد
عدد كبير من العرب مناصب مهمة في الحكومة ،ا ما قورنوا بعددهم
الكلي التي كا قليالً".
144
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
كا تأثيره واضحاً ،حتى أنط عندما افتتح مسجد "نور اإلسالم" افتتحط
بحضور كبير شمل سفراء الدول العربية واإلسالمية.
وفي مرحلة الحقة بعد عودتط من اليمن عام 1946م افتتح مطبعة ،وأصدر
جريدة "السالم" عقب فشل ثورة الدستوريين عام 1948م.
-3نتيجة نشاعط المتزايد تعرض لمحاولة اغتيال بتدبير اإلمام وتواعؤ
بريطانيا ،وقتل فيها سكرتيره (حسن شير) ،ولم يفت لك في عضده بل
لك مبعث ضيق استمر بدعوتط للحوار المسيحي اإلسالمي ،وكا
لبريطانيا ،وأصدر كتابين يحمال أفكاره ورؤاه على هتا ال عيد ،هما "دين
هللا واحد ،واألسئلة واألجوبة بين المسيحية واإلسالم"(.)131
-4لم يح ر اهتماماتط بنشر الدعوة والنشاع في "الجمعية اإلسالمية" وغيرها
من المناشط في بريطانيا وأوروبا ،بل كا همط األساس معاناة شعبط وأمتط،
وظل داعيا ً ومحرضا ً ،سواء أثناء هجرتط واغترابط أو أثناء عودتط ووجوده
في اليمن ،وحتى تأسيس "حزب األحرار" في عد ،كما أصدر كتابا ً بعنوا
"دعوة األحرار" ،وبعدما فشلت ثورة 1948م واصل دفاعط عن اليمن
وقضية شعبط وعن األحرار ،وأصدر صحيفة "السالم" ،وأرسل عالبا ً
للدراسة في األزهر ،ثم لبى نداء الوعن واستغاثة المعارضة ،وعاد لى
اليمن بعد قيام ثورة يوليو 1952م في م ر .وعلى الرغم من التآمر عليط
مجددا ً من اإلمام واإلنجليز ،ومحاكمتط الجائرة وسجنط ،فقد خرج من السجن
وترأس "االتحاد اليمني" حتى اغتيل بالسم بعد أ أعجز بريطانيا واإلمامة
عن مواجهة عناده وكفاحط الرافض لسياستهما ،و لك في 1954/8/4م.
ومما تجدر مالحظتط هنا أنط رغم عدم توافر بيانات كافية عن المدارس
اليمنية وما تعكسط من تأثير في البيئة البريطانية ،وعدم فرز المدارس المتميزة
الت نيف الحكومي البريطاني يعطي شهادات الثما المشار ليها بعاليط ،ف
موضوعية على جودة الخدمات التعليمية المقدمة عبر تلك المدارس ،بغض
النظر عما ا كا جميعها يمنية الهوى والهوية ،أو بعضها على األقل ،وهي
شهادات معطاة بمقاييس جودة التعليم البريطاني التي يعد التعليم "استثمارا ً ال
كا مبنيا ً على جهود خدمة" .ولئن كا لنا أ نفخر ،فهو فخر مستحق ،و
فردية ومؤقتة ،أو جاء اقتفاء لنمط تربوي غير وعني لكنط محكوم بفلسفة
تربوية ،تنافس مهاجرونا مع غيرهم ،وأكدوا قدرتهم على التفو والتأثير.
لم تكن مرتبطة فقط بما أردناه من ومالحظة أخيرة جديرة باالهتمام ،و
قياس األثر على مستوى بريطانيا ،بل تكاد تشمل حركة الهجرة واالغتراب
اليمني لى مختلف الجهات ،وتتمثل ب بغ وتأعير ما أنشأوا من مؤسسات
وكيانات (بال بغة العربية) ،وهو أمر يعكس تأثرهم بالحراك السياسي والثقافي
التي ساد في المنطقة العربية انت ارا ً للفكرة القومية بمواجهة الفكر األخرى
التي كانت ت عتمل داخل المنطقة بما تفرضط من صراعات ثانوية ظلت تحكم
العالقات بين الفرقاء ،و لك ما سنلمسط أيضا ً عند الحديث عن األثر في مناعق
أخرى مختلفة.
()132
ما ورد في صورة جدول عن مدارس الجاليات اليمنية في بلدا المهج
يفيد بوجود تسع مدارس ،بينها "مدرسة معا الخيرية" في برمنجهام التي
يدرس فيها المراحل األساسية والثانوية ،وتعتمد المنهج اليمني كامالً ،ويبلغ عدد
عالبها بين ( 400لى 500عالب وعالبة) .و ني لعلى ثقة أ هته المدرسة
وغيرها التي تتخت المنهج اليمني عريقا ً للتربية ال يمكن ألي ٍّ منها أ تنافس
مثيالتها المعتمدة المنهج البريطاني .وال أقول لك انتقاصا ً بل اعترافا ً بق ور
مؤلم ألننا نقدم خدمة ،والبريطانيو يقدمو استثماراً؛ أل تعليمهم محكوم
لتحقيق تلك المقاصد والغايات، مقاصدها ،ويسعو بفلسفة تربوية يعلمو
والتعديل عندهم وارد في وسائل ووسائط التربية ،ونحن ال نمتلك لك ،بل لم
نتفق بعد على أهمية نتاج الفلسفة الوعنية المنشودة ،ولم نوفر اإلمكانات
الالزمة لها ،ولم نهيئ المؤسسات المنوعة بتحقيق غاياتها ومقاصدها .أما بقية
المدارس فتتوزع على النحو اآلتي( ،مع مالحظة أنها جميعا ً تقدم ثالث مواد
باللغة العربية ،وبقية المواد بالمنهج البريطاني):
" -مدرسة األن ار" في برمنجهام (أساسية) :ويبلغ عدد عالبها بين
( 200 - 150عالب وعالبة).
" -مدرسة الجالية اليمنية" – ليفربول – أساسية :ويبلغ عدد عالبها بين
( 200 - 150عالب وعالبة).
" -مدرسة الجالية اليمنية" – شيفلد -أساسية :ويبلغ عدد عالبها بين
( 400 - 300عالب وعالبة).
" -مدرسة الجالية اليمنية" – كارديف -أساسية :ويبلغ عدد عالبها بين
( 400 – 350عالب وعالبة).
صورة الكشف غير -أربع مدارس أخرى لم أتبين مواقعها بدقة؛ (أل
كانت جميعها مدارس أساسية ( ،)1:9ويبلغ عدد الطالب بين واضحة) و
( 1200 - 1000عالب وعالبة).
-ثالث مدارس في لند وليفربول (الفارابي) ،وفي ساوث شيلد – مدارس
أساسية – عدد الطالب في المدارس الثالث ( 1050 - 800عالبا ً وعالبة).
147
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
-كما اشتمل الجدول على بيانات تفيد بوجود أربع مدارس في الواليات المتحدة
في ديترويت ،ونيويورك ،ونيوكاسل ،وجميعها أساسية ( ،)1:6وتعتمد المنهج
األمريكي ،مع تقديم ثالث مواد باللغة العربية ،ويبلغ عدد الطالب في
المدارس األربع ( 1300 - 1100عالب وعالبة) .وليس لدي شك في أ
تجارب هته المدارس يجابية ،وتستحق الدراسة والتوثيق والمتابعة والدعم
والتوجيط؛ ألنط تعليم محكوم ،شأنط شأ التعليم في الدول المتقدمة ،وينتمي
لمجتمع يوفر بيئة حاضنة للمعرفة و نتاجها أيضاً.
الجدول المتكور التي تفضل بط األستا العزي لم يبين ( -و تجدر اإلشارة لى
م در المعلومات السابقة رغم أهميتها وحاجتها للتوثيق ،وحاجة المدارس
كل منها ،تسهيالً لتقييم تلك
للمتابعة واالستطالع ،وجمع بيانات أكثر عن ٍّ
كل منها).
التجارب وبيا آثار ٍّ
ثانيا ا :تأهيل المهاجرين:
لم أجد على مستوى مواعن الهجرة واالغتراب بشكل عام أي بيانات أو
معلومات حول هتا األمر تبين وجود فرص للمتخرجين من التعليم الثانوي
العام ،تمكنهم من االلتحا بالجامعات والمعاهد العليا عبر منح تقدمها اليمن،
سواء أكانت من منح التبادل الثقافي مع الدول األخرى ،أم منح ومقاعد لى
الجامعات اليمنية في الداخل ،باستثناء ما كره تقرير وفد زار مدرسة الجالية
بجيبوتي( ،أشرت لط في موضع سابق).
ويبقى التفسير األقرب لهتا األمر أ التدخل الرسمي للدولة اليمنية( ،بما أنط
غير موثق) ،غير موجود ال في حاالت نادرة سأبينها تالياً ،وأ الحالة العامة
لمواجهة هتا االحتياج تعتمد بشكل أساسي على دعم المغتربين والمهاجرين،
سواء بشكل شخ ي ،أو عبر جمعيات وعالقات أخرى.
148
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
-في كتاب "من الثورة لى الوحدة"( ،)133وجدت جدوالً يبين المنح والمقاعد
ة ألبناء المغتربين للعام 2002/2001م ،ولم يبين هل هي الجامعية المخ
معتمدة كمنح رسمية من اليمن ،أم غير رسمية من الدول التي قدمتها ،كما لم
يبين ما ا كانت هناك منح سابقة أو الحقة ،أو مقاعد جامعية ..لخ .أوجزها في
اآلتي:
– 1منح
أ – المملكة العربية السعودية 40منحة.
ب – المغرب 10منح.
ج – تونس 10منح.
د – الجزائر منحة واحدة.
- 2مقاعد جامعية:
ألمانيا 100مقعد. أ-
ب -األرد 40مقعداً.
ج -اإلمارات 20مقعدا ً.
د -قطر 10مقاعد (بنظر السفارة).
هـ -أثيوبيا 8مقاعد (بنظر السفارة).
-3داخلياً :جامعة الملكة أروى – صنعاء – 10مقاعد( .بنظر وزارة
المغتربين).
()134
وجود عوائق حالت دو استفادة أبناء المغتربين في كما برر الكاتب
الخارج من المنح الجامعية الخارجية السنوية؛ بسبب اشتراع النسبة المئوية في
شهادة الثانوية العامة ،وعدم مراعاة اختالف النظم التعليمية من بلد لى آخر.
(وهو عتر ال أراه منطقيا ً ومبرراً).
بالجامعات في اليمن ،فقد كر الكاتب العديد من وفيما يتعلق بااللتحا
األسباب ،لعل من أهمها :فقدا الوثائق السابقة ،وخاصة في حاالت العودة
القسرية ،واشتراع استيفاء خدمة الدفاع الوعني ،واشتراع استيفاء النسبة
بأي كلية ،وصعوبة رسال الفتيات من بنات المئوية المطلوبة لاللتحا
المغتربين لمواصلة التعليم داخل الوعن ،واشتراع تسديد رسوم بمبالغ كبيرة
بالعملة األجنبية ،وعدم قدرة الكثير من أولياء األمور من المغتربين على تحمل
أعباء نفقات اإلقامة والرسوم ألبنائهم في الجامعات الحكومية أو الخاصة داخل
الوعن.
مما سبق ،نستدل على همال السلطة ووزارة شؤو المغتربين في رعاية
أبناء المغتربين فيما يت ل بهتا األمر ،رغم أنط هم قديم ،حتى أ المؤتمر
الثاني للمغتربين – صنعاء 1982م ،كا قد أوصى في توصيتط التاسعة بالقول:
"منح األولوية في المنح الجامعية المقدمة من البلدا الشقيقة وال ديقة ألبناء
المغتربين ،وفي البند العاشر" :تكثيف وتطوير نشاء معاهد التدريب المهني
لرفع مستوى العمالة اليمنية" ،ولم يتحقق من لك
شيء(.)135
في الوقت التي كا يمكن فيط تخ يص نسبة معينة من جمالي المنح
الخارجية ،ونسبة أخرى من المنح الداخلية ،ألبناء المغتربين وفق قواعد
وشروع خاصة تستثني الشروع التي يخضع لها المتنافسو من علبة الداخل،
أو بعضها على األقل.
151
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
كما كانت ترجع اهتماماتهم تلك لى تأثرهم بما المسوه من تطور في
مهاجرهم ومواعن اغترابهم ،و دراكهم ألهمية التعليم ودوره في حداث التغيير
في مجرى حياة المجتمع ،والتغيرات لدى األفراد والجماعات ،وبالتالي يمانهم
بأ مستقبل أبنائهم ومجتمعهم مرهو بأختهم بأسباب النهوض ،والتعليم وسيلتط
ومدخلط؛ ولتلك أختت مبادراتهم تترى وتتعدد ،وكا منها:
-1على مستوى بناء مؤسسات التعليم ،وجدنا نما ج لتلك في حضرموت وفي
كا في حدود ضيقة ،كما وجدنا لك عد ،أختا ً بنسق التعليم الحديث ،و
في بناء المئات من مدارس التعليم األولي التي تناثرت في الريف اليمني
وجد بشمالط وجنوبط .ويبقى علينا ونحن نقترب من هته التجربة( ،التي و
بعضنا عليها مآخت معينة) ،أ نراعي اعتبارات عدة عوامل ،من أهمها:
1-1تدني مستوى تأهيل مهاجرينا ومغتربينا ،وانعكاس لك على تمسك
بعضهم بعقائدهم ،وثقافتهم ،ورغبتهم بتنشئة األبناء تنشئة تقليدية ترتكز
أوالً على التعليم األولي بدرجة أساسية .وقد رأينا نما ج منها انتشرت
في بريطانيا و ندونيسيا.
1-2يمانهم بتأهيل األبناء في مؤسسات تعليمية حديثة كا يحول دونط
العديد من المعوقات التي لم يكن ب مكانهم تجاوزها ،وفي مقدمتها تحكم
السلطات الحاكمة في الشمال والجنوب برسم السياسات التعليمية
الضامنة لتدجين التعليم المؤمن لم الحهم وبقائهم ،وقد رأينا بما أتاحوه
كيف أنهم لم يهتموا بتوافقط مع م الح المجتمع واحتياجاتط ،وبالتالي
كراه تلك السلطات واألنظمة لم يكن بمقدورهم ممارستط وفرضط. ف
كما رأينا مما سبق عرضط أ المهاجرين والمغتربين في الوقت التي
152
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
153
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
هتا الهم العام لم يكن محل اهتمام عشرات اآلالف منهم في مختلف
آسيا وبعض دول مواعن الهجرة واالغتراب ،وخاصة في شر
الجوار .ومع لك أثمر في محاوالت التغيير التي تمت ،والتي كا من
أهمها حركة 48م ،وثورة 62م ،وثورة أكتوبر63م ،وما أعقب لك من
تحديث للتعليم.
-2في سبيل تعليم وتأهيل األبناء عانى اآلالف منهم نتيجة انتزاعهم من
وسطهم األسري في سن الطفولة ،وهي سن كانوا أحوج ما يكونو فيها
لرعاية وتوجيط اآلباء واألمهات واألسر ،وهي سن لم يتمكن فيها أي منهم
من امتالك سياجط القيمي المناسب ،وال القدرات العقلية والنفسية التي تمكنط
من تقبل االفترا عن وسطط األسري ،وتؤكد استعداده للتكيف مع أوساع
بمستويات متفاوتة)، اجتماعية جديدة مدخلها االعتماد على النفس (و
يفرض ألفتها النوعية أو غربتها الوسط األسري الجديد التي قدر عليط
االندماج فيط .وهو وسط موصول ببيئة اجتماعية جديدة مليئة بعادات وتقاليد
وأنماع سلوك وقيم لم يألف أغلبها من قبل ،من تلك التي تميز المجتمع
الحضري عن الريفي .كما عانى اآلباء واألمهات من لوعات الفرا
المسكونة بالخشية على بنيهم مما قد يواجهونط من م اعب ،ومتاعب،
وحرما عاعفي نتيجة (الفرقة) التي تأتي بدو مقدمات ،عدا اتخا مماثلة
األقرا حجة ودافعاً .لكن حرصهم على تأهيل أبنائهم كا كافيا ً لتهو دونط
التضحيات ،وتسقط معط كل الموانع.
ولقد ساعد األبناء على التكيف واالندماج شعورهم بألفة من تعايشوا
وأقارب وأقرانا ً – في وسط اجتماعي تسوده ثقافة مجتمعية
َ معهم – أسرا ً
تقليدية في أغلبها األعم ،ولم يجدوا صعوبة في تقبلها وتمثلها ،كما أ الدافع
154
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
155
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
156
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
أنعم غالب – أ .محمد أحمد عبد الولي – د .أمين أحمد عبده ناشر – عبد
الغني عبد القادر الشيباني – د .أحمد قائد ال ائدي – د .عبد الملك محمد
عبد هللا – م .أحمد عبدالعزيز سماره – أ .عبدالجبار هايل سعيد – أ.
عبدالرحمن هايل سعيد – أ .محمد عبده سعيد أنعم – م .عبدالرحمن سعيد
أحمد ناجي – د .محمد قائد األغبري – أ .علوا سعيد محمد الشيباني -أ.
ناجي – أ .عيسى محمد سيف – د. عطاء – أ .سلطا عبده نعما
عبدالحافظ نعما الحكيمي – أ .محمد أحمد نعما – أ .عمر الوصابي .أ.
عبد العزيز عبدالغني صالح .وغيرهم كثير مما ال يتسع المجال لتكرهم في
هتا الحيز المتاح.
لم يكونوا أكثر -ممن استفادوا من المنح المقدمة كما أ هناك المئات-
عبر حكومتي الثورة في صنعاء وعد ،وجاءت استفادتهم استكماالً لما بدأه
أهاليهم من المهاجرين والمغتربين ،أو ممن عادوا بعد اغترابهم لى أرض
الوعن للمشاركة في الحياة العامة ،وعمدوا لى االستمرار في تأهيل أبنائهم بما
مكنهم من ا الستفادة من المنح المقدمة عبر صنعاء وعد ،وعادوا بعد تخرجهم
للمشاركة في الحياة العامة ،ولم تخل ممارساتهم ،وانشغاالتهم من تأثير ،حتى
غدا العديد منهم قادة وعناوين نجاح لمن تأثروا بأدائهم وصنيعهم ،سواء منهم
من قضى نحبط أو ممن ينتظر.
هناك المئات من الكوادر التي أتمت تأهيل نفسها بجهود أهلها كما أ
ودعمهم بمستويات متفاوتة في مختلف بلدا االغتراب والهجرة ،وعندما قامت
ثورة سبتمبر 62م عاد الكثير منهم تلبية لنداء الواجب ،وسعيا ً لإلسهام بالممكن
من الجهد في عار ما أعدوا أنفسهم من أجلط ،مسهمين بالدفاع عن الثورة ،وفي
157
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
تحديث أجهزة اإلدارة بما كا متاحاً ،ولم تخل جهودهم من آثار على صعيد
مهن احترفوها ،أو على صعيد التأثير في ثقافة المجتمع.
كما أسهم المهاجرو والمغتربو في بناء المدارس ،و نشاء الدويالت في
اليمني حضرموت ،فقد أقاموا الجمعيات المختلفة ،وأسسوا األندية، الشر
1938م ،و"نادي اإلصالح" في القطن، ومنها "نادي الشباب" في سيئو
و"نادي اإلصالح" في المكال 1940م ،وتأسست نوا ٍّد للتالميت ،ومنها "نادي
الشبيبة المتحدة" التابع لـ"جمعية األخوة والمعاونة" 1932م ،و"جمعية اتحاد
التالميت األدبية" عام 1940م.
كما أ أدوارهم في نشاء السلطنتين القعيطية والكثيرية ،ودولة مدينة الغرفة
وتنمية المنطقة ،سواء بالتعليم أو بمختلف المشاريع األخرى ات االرتباع
بها ،وتستحق توجيط الجهود لمزيد من البحث بالبنية التحتية ،ال يستها
والدراسة والتوثيق والتقييم ،وكتلك لدراسة اآلثار السلبية التي نجمت عن
الهجرة واالغتراب ،سواء على صعيد تفشي الثقافة االستهالكية المبنية على
تحويالت المهاجرين والمغتربين ،وصرفت قوى العمل عن ممارسة أنشطتهم
اعتمادا ً على تحويالت أهاليهم ،أو على صعيد همال األرض وما يرتبط بها من
أنشطة م احبة ،أو على صعيد تأثير عدم التأهيل للشباب وغير لك.
ب -دور المهاجرين بعد ثورتي سبتمبر1962م وأكتوبر1963م
لقيام ثورة 26سبتمبر62م أثر يجابي كبير لدى المغتربين كا
والمهاجرين ،حيث ضاعف من حماسهم ،و صرارهم على دعمها والدفاع عنها
للحيلولة دو انتكاستها؛ أل بعضا ً منهم كانوا من قيادات المعارضة ومحسوبين
عليها .كما عرفنا أ انتكاسة حركة 1948م لم تفت في عضدهم بقدر ما شكلت
تحديا ً إلرادتهم ،وضاعفت من يمانهم بأهمية التغيير ،ومن شعورهم بالمسؤولية
158
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الوعنية ،ثم نهم مارسوا دورهم بدعم المعارضة ،ورفدوها بما احتاجتط من
مال ،وجهود ،ورجال ،ومطالب حتى قامت الثورة.
وبالتالي فقد سعوا وبادروا بالتفاعل مع قيادة الثورة ،ووصلت وفود منهم
للتعبير عن التأييد ،وبتلوا ما أمكنهم من دعمها مادياً ،وتحريضا ً لمن استطاع
من الشباب العودة واالنخراع في مؤسسات الجيش والحرس الوعني والشرعة،
وفي السلك اإلداري للدولة.
كما ساهموا بفتح مقرات لبعض سفارات الثورة في عدة دول ،منها أثيوبيا،
وكينيا ،وتنزانيا بما قدموه من دعم مادي ،وتبرعوا بط من مبا ٍّ (.)136
لتعيين محمد سعد القباعي -السفير السابق -وزيرا ً للدولة لشؤو وكا
المهاجرين في أول وزارة للثورة وقع يجابي أشعر الكثيرين منهم باهتمام
الثورة بهم ،وبأنها تدعوهم للمبادرة بأداء ما أمكنهم من أدوار ،انت ارا ً لحقهم
وحق مجتمعهم بالحياة األفضل(.)137
تفجر ثورة 14أكتوبر63م ،وقد مثلت ردا ً لكرامة المجتمع ،وانتزاعا ً ثم
لحق منتهك ،واستعادة إلرادة مختطفة ،زاد من يقينهم ب مكانية تحقيق أحالمهم
في الحرية ،والوحدة ،والقضاء على أسباب التخلف والبؤس والمعاناة ،وكل لك
استدعى منهم استنفارا ً للجهود ،وسخاء في البتل والعطاء ،وتمكينا ً لالستمرار،
وتوسيعا ً للمواجهة حتى يتحقق االنت ار بجالء االستعمار ،ويتحقق حلم
الخالص ب عادة توحيد اليمن ،واالنت ار لمعاناة المجتمع.
كما ولدت الثورة بقيامها حافزا ً لدى الكثير منهم للعودة لى الوعن،
والمساهمة في تغيير صور الحياة السائدة من خالل اإلسهام بالتنمية ،سواء عبر
( )136عبدالرشيد ،براهيم ،من الثورة لى الوحدة ،المرجع السابق ،ص .139 ،138
( )137العلفي ،علي ،أبرز األحداث اليمنية ،ص.92
159
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
160
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
161
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
162
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
على " نشاء مجتمع ديمقراعي تعاوني يستمد أنظمتط من روح اإلسالم
الحنيف".
وقد كانت قامة مجتمع ديمقراعي تعني عادة تأهيل المجتمع اليمني وفق
لك كا شروع و معايير عديدة لم تكن متاحة ،وال بالمقدور تحقيقها بيسر؛ أل
يقتضي( -بحسب فهمي وفهم الكثيرين) -القضاء على األمية بمختلف صورها،
وضما حق كل فرد في التأهيل والتدريب بما يتناسب مع استعداده وقدراتط،
مجز يحفظ كرامتط ،وضما حقط في االستشفاء والحماية
ٍّ وحقط في العمل بأجر
ضد العجز ،وحقط في السكن اآلمن ،وحقط في المشاركة في الحياة العامة دو
ضغوع أو استغالل أو ق اء في مجتمع ونظام يضمن تكافؤ الفرص ،والعدل
والمساواة ،وكفالة حرية التعبير والرأي ،وحق الترشح واالنتخاب ..لخ.
لك يحتاج لى تشريعات محترمة مجتمعياً ،وخطط تنمية شاملة وكا
متوازنة مبنية على مكانات وقدرات وعنية متاحة وممكنة ،و دارة حديثة
ونزيهة تمن ع االستقواء خارج القانو أو بتجاوزه ،وتجعل من المساهمة في
اإلنتاج مدخالً لالندماج االجتماعي واحتالل المكانة المناسبة فيط ،وتيسر عادة
بناء التركيبة االجتماعية وفقا ً لتلك بما يتالزم معط من تعدد وتنوع الثقافات
المطلبية القادرة على تمكين الثقافة المجتمعية من توسيع قاعدة الحاضن
المجتمعي المطلوب لتوعين المعرفة ،و نتاجها من جهة ،وعلى تسييج النظام
السياسي بالحماية الالزمة الستمراره واستقراره.
كل لك وغيره كا يعني أ هتا الهدف ليس سهل المنال ،حتى لو و
أضيف لى ديمقراعيتط سمة التعاو ليكو أحد مداخل ممكنات تحقيقط؛ أل
التعاو تقليد راسخ في المجتمع ،ويشكل ظاهرة من ظواهر الحياة فيط ،وقد جاء
تضمينط ك حياء لخاصية فيط ،واستدعاء لموروث ،وتعبير عن رادة التغيير في
163
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
المجتمع كنهج حياتي يساعده على ردم التخلف ،وبناء مداميك مستقبل يكو فيط
التعاو خيار حياة أيضاً ،وحالً يخفف من شحة اإلمكانيات للبدء ببناء اقت اد
من نقطة ال فر ،و حالالً لثقافة جديدة على أنقاض ثقافة التمييز واإلق اء
الجميع فيها منتق ي وعدم المساواة التي كانت مكرسة قبل الثورة ،وكا
الحقو ،ومستلبي اإلرادة ،و تباينت ال ور واختلفت المبررات والدرجات.
على أ يبقى معلوما ً أ ال أعمم هتا الفهم ،ولكن بالمقابل علينا أ ندرك أ
بعض المغتربين والمهاجرين على األقل بحكم وعيهم ،أو بتجارب حياتهم كا
لديهم فهم معين لقيم الحياة في مجتمعات عرفت أشكاالً متباينة من الحياة
الديمقراعية ،وبالتالي لم تكن الديمقراعية -كمفهوم -غريبة عليهم على األقل.
قيادة وحتى ال يبدو الحديث خارج السيا ،فقد أردتط موصوالً بالقول
الثورة لم تستطع قيادة المجتمع لتحقيق التحول باتجاه نشاء مجتمع ديمقراعي
مؤتمر حرض جاء تعاوني عادل ألسباب مختلفة ،سبق لي بيا بعضها .ثم
بقرارات معروفة تنتقص من أحالم المواعنين وحقهم في الثورة وتغيير
األوضاع ،وبالتالي كانت الحاجة تستدعي احتواء اآلثار السلبية لتلك القرارات،
و لك ما أشارت لى بعضها القوات المسلحة ببرنامج اإلصالح التي قدمتط
عام 71م.
ولما كانت عجلة التنمية االقت ادية واالجتماعية قد تعطلت ،برزت لى
أرض الواقع مبادرات تعاونية قادت نحو تأسيس التجربة التعاونية.
وقد تميزت التجربة التعاونية بأنها جاءت شعبية الدعوة والتكوين،
وبمبادرات نابعة من وسط مجتمع قرر أ يحمل تبعاتها بروح جمعية ال تأبط
بموقف النظام ،وربما رغبت ب حراجط ليتخت موقفا ً بما يستتبعط من قرارات
و جراءات ستكو سلطاتط مجبرة على أ تتفاعل مع التجربة وترعاها ،أو
164
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
تحتويها هروبا ً لألمام ،خاصة أ برنامج القوات المسلحة المتكور سابقا ً قد
أشار لى اإلصالح ،وأ عليها مراعاة لك.
كما أ الشعبية هنا كانت تعني ديمقراعية العالقات ،والفعل وسط أعضاء
كل هيئة تطوير ،وخاصة من حيث حاجتها للتنظيم ولالستجابة لحاجات
المجتمع ،والشراكة بتأمينها وتحقيقها ب رادة تحتكم لقدر من البرمجة والتخطيط
المبني على الحاجة ،والمرتكز على اإلمكانات المتاحة ،والمعبر عن اإلرادة
الجمعية للمجتمع (بمستواه المحلي أو الوعني).
تلك التجربة التي أختت تتشكل منت العام 1973م ،ما لبثت أ تبلورت
بعقد مؤتمرها التأسيسي التي كلف براهيم الحمدي برئاسة االتحاد العام لها
تحت مسمى "االتحاد العام لهيئات التطوير" ،ال بحكم موقعط في السلطة كنائب
رئيس وزراء ،بقدر ما كا لدوره في الدعوة والتحضير لعقد المؤتمر التأسيسي
بمشاركة ممثلين عن التعاونيات القائمة آنتاك ،وباعتباره رئيسا ً لتعاو المنطقة
الشمالية الغربية.
تلك التجربة بوالدتها الشعبية مثلت ردا ً على من أراد لط البقاء معاقا ً وعاجزا ً
عن استرداد حقط في عادة ترتيب حياتط ،وعالقتط بالسلطة بما يؤكد امتالكط
لها ،وسيادتط عليها وعلى من يتولو المسؤوليات في سلطاتها ،بمواجهة سلمية،
لكنها تفرض على من يحكم التعامل معها سلبا ً أو يجاباً ،كما ستجبره على
المبادرة بتقديم الخدمات ،وتبني نجاز مشاريع ،وتحقيق بعض الم الح
للمجتمع .فالمدرسة التي سيبنيها التعاو مثالً ستحتاج لى المدرس والكتاب
والتجهيزات المختلفة ،وتحت ضغط المواعنين ستضطر السلطة لى تشغيلها
شاءت أم أبت.
165
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
166
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وكا منها أيضا ً السعي الدؤوب لقيادة الحركة ،وحرصها على استكمال بناء
الدولة الحديثة بما تقتضيط من تحديث المؤسسات القائمة ،أو استحداث ما لم يكن
موجودا ً منها على صعيد السلطات الثالث ،تنفيتية ،وتشريعية ،وقضائية ،وقد
أنجزت الحركة منها الكثير خالل عمرها الق ير ،أو ب نجاز التشريعات
الالزمة الستكمال البنية التشريعية المطلوبة ،أو من خالل اإلجراءات
والسياسات التي أختت الحركة تنفتها ،ومنها ما يرتبط باالهتمام بالريف
كفرض الخدمة الريفية على األعباء ،ومنها أيضا ً منع استخدام سيارات الدولة،
مدنية وعسكرية ،خارج الدوام الرسمي ،ومنع حمل السالح ،ومنع دخول
العسكريين عند التقاضي لى المحاكم بالميري أو بالسالح ،وغيرها كثير مما
كا لط انعكاسات على صعيد استتباب األمن وتحقيق العدل والمساواة تحت
سقف حق المجتمع بامتالك السلطات المختلفة ،واستخدام من يرى ،فسادت
شعارات مثل :نحن خدام لكم ولسنا حكاما ً عليكم.
منها أيضا ً حالة اقتراب قيادة الحركة من مختلف القوى ودفعها وكا
للمشاركة في العمل الوعني وفق مقتضيات التنمية التي ما كانت محل خالف،
وعلى قاعدة الحرص على الم الح الوعنية العليا البعيدة عن المناكفات،
ومحاوالت التجيير أو االستئثار .وبالمقابل حرص القيادة السياسية على القبول
بنتائج الممارسات الديمقراعية ،سواء من خالل أعمال "لجا الت حيح" ،أو
انتخابات "هيئات التعاو " .واألدلة على لك عديدة ،ومنها في 76/8/4م في
الجلسة الختامية لمجالس التنسيق واالتحاد العام(" :)|138يجب أ تعرفوا أ
االنتخابات كا ن ف أو ثلث األعضاء التين انتخبوا من الهيئات مشطب
عليهم ،وأنا شفت هتا كلط وقلت هل هؤالء علعوا بانتخاب الناس ،قيل لي نعم،
قلنا خالص األرض هي للجميع" .وفي هتا كما نرى صرار على التمسك
بخيار الديمقراعية واحترام نتائج االنتخابات فيها.
كما كا لسياسة التقارب مع قيادة الشطر الجنوبي من الوعن ،والسعي
للتهدئة ،والخوض الجاد في المحادثات ،وما كا يتسرب من نتائجها أثر قوي
يعزز من أسباب التقارب بين المغتربين والمهاجرين وقيادة الحركة ،وكا منها
أيضا ً اآلثار اإليجابية الناتجة عن السياسة الخارجية التي اعتمدتها الحركة ،وما
أنتجتط من انعكاسات يجابية على صعيد عالقات المغتربين والمهاجرين مع
مواعن غربتهم وهجرتهم.
كل تلك األسباب والعوامل ،وغيرها مما لم تتكر ،أقنعت المغتربين
والمهاجرين بأنهم زاء نظام مختلف ،حريص على مالمسة احتياجاتهم،
وآ مالهم ،ويسعى الستيعابها ضمن برامجط وخططط وسياساتط ،وال يتوانى عن
الدفاع على م الحهم وصيانتها ما استطاع لى لك سبيالً .وقد لمسوا أثر لك
لك بات يفرض عليهم تقاربا ً في العديد من مواعن االغتراب والهجرة ،وأ
أكبر مع قيادة الحركة ،وتفهما ً أوسع ،وتبنيا ً إلنجازاتها ،واهتماما ً جديا ً بالتفاعل
مع أنشطتها ،و جراءاتها ،ومواقفها.
وبنا ًء على ما تقدم ،ومع التسليم بأ العالقة والتأثيرات الناتجة عنها شملت
مختلف مجاالت حياة المجتمع والمغتربين أيضاً ،ال أنني سأحاول -ببيا
مقتضب -الحديث عن التأثير المتبادل من خالل تجربتين فقط بما لهما من
صالت وتأثير على التعليم وهما:
أوالا :تفعيل وتنظيم العالقة بين المغتربين والمهاجرين وسلطات نظام الحركة:
اعتمدت ثورة سبتمبر 62م في تشكيلها الوزاري األول وزارة لشؤو
الهجرة والمغتربين ،وأل النظا م الوليد كا يحتاج لى تثبيت وحماية ،فقد أثر
168
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
لك على أداء الوزارة حتى اقت ر على زيارات لمواعن الهجرة واالغتراب
بهدف شرح األوضاع ،وعرض الحال ،واستجالب الدعم .ولعلني -بما سبق
عرضط -قد أوضحت بعض جوانب صورة العالقة التي ربطت المغتربين
والمهاجرين بالثورة في صنعاء وعد حتى سادها الفتور.
والمهاجرو يلمسو ولكن مع قيام حركة 13يونيو74م ،بدأ المغتربو
خطابا ً جديدا ً يكاد ال يغفل عن كرهم ومخاعبتهم ،واإلشادة بدورهم في مختلف
المناسبات الوعنية ،والزيارات الخارجية ،والمقابالت ال حفية وغيرها .ومنها
على سبيل المثال ،في خطاب قائد الحركة في التكرى الثالثة عشرة ،عشية
75/9/25م في معرض حديثط عن العمال وضرورة تحسين أوضاعهم ،بقولط:
"ال بد من أ نضمن لهم أجورا ً مجزية ،ورعاية صحية ،وخدمات تعليمية
واجتما عية ،وبنفس االهتمام بقطاع العمال في داخل بالدنا نولي عمالنا
المغتربين المنتشرين في مختلف بلدا العالم ،والتين على سواعدهم وبعر
شرفاء ،وتعيش أسرهم وعوائلهم في هتا الوعن كريمة، جباههم يعيشو
ويشكلو م درا ً رئيسيا ً لميزا المدفوعات التجاري ،وموردا ً اقت اديا ً غير
منظور ،نهم يستحقو الرعاية ،وعلينا أ نكرمهم ،ونتلل لهم ال عوبات التي
هتا التزاما ً من تعترضهم في مهاجرهم ومناعق غربتهم" .وبقدر ما كا
السلطة ،فقد مثل خطابا ً جديدا ً غير مسبو لدى المغتربين والمهاجرين.
ولقد حرصت قيادة الحركة على ترميم وتقوية الثقة معهم ،سواء بممارساتها
العملية واإلنجازات المتكاثرة على األرض ،أو بتبني خطاب يبرز فيط
اهتماماتها بهم ويشعرهم بأنها معهم ،وهو خطاب ارتكز على تفهم أسباب
ب يغة اعتراف بحجية غربتهم ب يغ تحمل في مضامينها االعتتار ،و
وصحة تلك األسباب ،ويحرص أيضا ً على وضعهم في صورة المعارك التي
169
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
تخوضها ضد التخلف ،ودعوتهم للمشاركة ،مع التأكيد على صرارها بتبديد كل
المخاوف ،وعلى دعم وحماية االستثمار ،وعلى الدفاع عن م الحهم في
مواعن الغربة والهجرة أو في الداخل اليمني.
كما نوعت الحركة أساليب تواصلها معهم ،وصوالً لى عقد المؤتمر األول
لهم في صنعاء بتاريخ 76/3/7م ،وفيط ألقى الرئيس براهيم الحمدي خطابا ً
تاريخيا ً تطر فيط لى كثير من القضايا واالهتمامات المرتبطة بهم ،معترفا ً
"استفادة اليمن من أبنائها بأفضالهم على الوعن والمجتمع ،وأكد على أ
المهاجرين والمغتربين ال تتمثل فيما يوفرونط من المال ،ولكنها لى جانب لك
تتمثل فيما يكتسبونط من الخبرات ،ومن توثيق العالقات والروابط مع الشعوب
التي يقيمو بينها" .كما ركز على أ فكرة المؤتمر جاءت على خلفية التفكير
بالبحث عن أفضل السبل التي تستطيع من خاللها الدولة تقديم خدماتها لهم،
مؤتمركم هتا سيبحث وركز على التعليم ودورهم فيط ،وقال" :أيها اإلخوة،
قضاياكم كاملة ،غير أ أمرا ً واحدا ً أحب أ يتركز البحث حولط أكثر ،لك هو
كيف يجب أ ننظم الهجرة ،وكيف ينبغي أ يكو مستوى المهاجر؟".
ولعلط من المفيد هنا التنبط لى نظرة قائد الحركة لظاهرة الهجرة واالغتراب
لكونها نظرة استراتيجية بعيدة المدى تتجاوز االستثمار السياسي للحدث لتقف
على عتبات المشكلة الظاهرة ،باحثة عن سبل تمكين المغترب والمهاجر (عبر
التأهيل) بما سيعكسط لك من توسيع فرص العمل ،وتحسين الدخل ،واستثمار
عوائد الغربة ،سواء أكا على مستوى التحويالت والمدخرات ،أم على صعيد
استثمار الخبرات المكتسبة ،و ضافة لى لك أنط كا أول من تعاعى مع هته
الظاهرة بهتا المستوى.
170
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
ولبيا اآلثار المتبادلة باخت ار ،متجنبا ً اإلعالة ،سأكتفي ب يراد التوصيات
التي خرج بها المؤتمرو ،وهي كما يلي(:)139
-نشاء جهاز حكومي فاعل يعنى برعاية شؤو المغتربين( .وقد تحقق لك
ب دارة عامة في وزارة الخارجية ،وبقيام "االتحاد العام للمغتربين" كشكل
نقابي يعبر عنهم).
-تنظيم الهجرة و نشاء معاهد فنية لتدريب الراغبين في الهجرة( .لم تستمر
التجربة).
المغتربين فيها. االغتراب لحماية حقو -توقيع اتفاقيات ثنائية مع بلدا
(أنجزت قيادة الحركة تفاهمات مع بعض الدول).
-دراسة ومتابعة حقو المغتربين في الخارج والدفاع عنها( .لم يتبين أثرها
بعد االنقالب).
-سرعة منح جوازات سفر للمغتربين التين ال يحملونها لمنع تعرضهم للسجن
والمضايقات ،وعدم الح ول على العمل( .باشرت الحركة تنفيتها واستفاد
الكثيرو من لك).
-تشجيع عودة الكفاءات اليمنية المغتربة لى الوعن( .لم أجد بيانات حول هتا
األمر).
-نشاء مدارس لتعليم أبناء المغتربين مبادئ دينهم ولغتهم في البلدا التي ال
توجد بها مدارس عربية.
-التفاوض مع الحكومات التي تتخت جراءات التأميم لممتلكات المغتربين
للوصول لى حلول مناسبة بشأنها( .حدث مع البعض).
172
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وأنها جاءت كرد فعل عبر بها المجتمع عن رفضط لغياب النظام السياسي
وتغافلط عن واجبط في التنمية ،وعبر بها عن صراره على ردم هوة التخلف،
ورغبتط بتحسين واقعط المعيشي،
وأنها كتجربة أختت بالتشكل تنظيميا ً منت العام 1973م بتأسيس "االتحاد
العام لهيئات التطوير" ،وهو الشكل التي تغير مسماه بعد لك في المؤتمر
الثاني لى "االتحاد العام لهيئات التعاو األهلي" .وكما تولى الشهيد براهيم
الحمدي رئاسة االتحاد بعد المؤتمر األول ،بقي كتلك بعد المؤتمر الثاني التي
سجل فيط موقفا ً ديمقراعيا ً ووعنيا ً برفضط محاوالت جهات أمنية احتواء
التجربة ،وتمسك ب بقائها شعبية ،مؤكدا ً حق مشاركة قياداتها التي جاءت عبر
انتخابات حرة ،بل وزاد على لك بتقديم استقالتط من رئاسة االتحاد حفاظا ً على
شعبية التجربة ،واحتراما ً إلرادة المجتمع ،لوال رفض المؤتمرين لها.
ولقد استمالت التجربة موافقة السلطة ،وأعقب لك رعايتها لها ،وتمكنت من
الح ول على الدعم المت اعد المتمثل بالتنازالت المتعاقبة عن نسب من
الواجبات المفروضة على المواعنين ب حالة ح ص منها للتعاونيات ،وقد بدأت
بربعها ،ثم بن فها بعد قيام الحركة ،ثم بربع ثالث بعد اغتيال الشهيد براهيم
الحمدي .ضافة لى تنازلها عن %25من الضرائب البلدية.
كما تمكنت التجربة من استقطاب اهتمامات منظمات عربية وأجنبية،
وتمكنت من الح ول على معونات غتائية ،وتمويل لبعض المشاريع.
173
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
ولئن كانت التجربة قد أسست اتحادها في العام 73م بعدد ( )27هيئة ،ف نها
أختت تنمو بمنحى ت اعدي ،حيث بلغ عددها تواليا ً خالل األعوام ،75 ،74
78 ،76م ( 135 ،146 ،111 ،62هيئة)(.)140
وكا من حسن ت اريف أقدار المجتمع تقارب ميالد التجربة التعاونية مع
ميالد حركة يونيو 74م ،وبقاء أمر قيادة التجربة التعاونية ،ورعايتها ،والدفاع
عنها مرتبطا ً بحركة يونيو بقيادة الشهيد براهيم الحمدي ،حتى غدا كر حداهما
براهيم الحمدي كا خير ناق ا ً ال يكتمل ال بالحديث عن األخرى .والقول
من رعاها ليس فيط أدنى مبالغة ،فالواقع حينها كا يؤكد لك ،وفي المؤتمر
هته الثالث للتعاونيات في تعز بتاريخ 75/11/23م قال" :أيها اإلخوة،
التجربة الفريدة التي خضناها ونخوضها في سبيل بناء وتطوير بالدنا ليست في
الواقع ال ترجمة لما يختلج في ضمير شعبنا العريق من نوازع الخير ،وكرد
فعل تجاه عوامل فرضت عليط بعد أ قامت ثورتط الظافرة" .وقال" :و ا كانت
الشعوب غيرنا تلهث برغم مكانياتها الوفيرة وراء الدولة في المشاريع العامة،
الدولة في بالدنا هي التي تحاول أ تساير الشعب ،أو تلحقط في مشاريع ف
البناء والتعليم وال حة والمواصالت" .ص 95من كتاب الخطب .وقال:
"وهته في نظرنا ميزة خاصة بنا تتمثل بأ الشعب اليمني هو التي يقود الثورة
الحقيقية ،وأ المسؤولين فيط ليسوا سوى تعبير عنط ومنفتين إلرادتط" .وفي هتا
المؤتمر عبر عن تمسكط بالديمقراعية التي أوصلت ممثلي الهيئات لى المؤتمر
الثالث ،وأ كد على حقهم في المشاركة ،وكف أيدي األجهزة عنهم ،بل عالب
أعضاء المؤتمر بعدم التقيد ببحث مشاكل التعاونيات فقط ،و نما كتلك بحث
( )140ظافر ،محمد سعيد ،حركة 13يونيو الت حيحية ،ص 136؛ كتب اإلح اء السنوي
لألعوام 80/79 ،77/76م.
174
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
مشاكل الوعن والمجتمع ،واقتراح الحلول ،وقال" :ولن تجدوا لدينا ال آ انا ً
صاغية ،وصدورا ً مفتوحة".
ولقد أكدت التجربة التعاونية نجاحها ب سهامها اإليجابي في البرنامج اإلنمائي
الثالثي ،بل دخلت كمكو أساسي للتنمية في عار الخطة الخمسية األولى(.)141
وقد كا من ضمن سكرتارية اإلعداد للمؤتمر التأسيسي لـ"المؤتمر الشعبي
العام"" ،وكا الرئيس الحمدي يفخر ويعتز كثيرا ً بهته التجربة ،ويطمح لى
المزيد من تطويرها ،حيث نط عندما كلفت لجنة اإلعداد للمؤتمر الشعبي العام
في مارس 77م ب عداد بعض الدراسات التي ستقدم للمؤتمر العام ،ومن ضمنها
دراسة حول التجربة التعاونية ،علب من اللجنة ضرورة أ تتضمن الدراسة
اقتراحات محددة لعمل نقلة نوعية في العمل التعاوني يضيف لى مهام
التعاونيات الجانب اإلنتاجي في المجال الزراعي ،وال ناعي ،واالستهالكي".
(وهتا دليل على رعايتط لها وجديتط في الدفاع عنها).
وعلى الرغم من أ هته التجربة المائزة لم تنل ما تستحقط من الدراسات،
وأعمال التوثيق المناسبة ،وهو أمر ينسحب أيضا ً وب ورة أقسى على ظاهرة
االغتراب والهجرة ،األمر التي صعب من أمر الح ول على بيانات
ومعلومات عن حجم دور وتأثير المغتربين والمهاجرين على هته التجربة على
وجط الخ وص ،ف نني مع لك ،استندت لى حقائق مجتمعية ماثلة ،ومنها
شيوع انتشار هيئات التعاو األهلي وب ورة أساسية في األرياف ،وحقيقة
أخرى متمثلة في أ ما يقارب من ثالثة أرباع المجتمع من السكا ريفيو ،
غالبية المغتربين والمهاجرين ريفيو أيضا ً ألنهم أبناء أسر تقطن وبالتالي ف
األرياف.
حجم دورهم وتأثيره( -سواء أكانوا ممن ال تزال أسرهم وبنا ًء عليط ف
تقطن في الريف أم انتقلت لى المد ) -كبير ومؤثر ،ويمكن استشرافط من خالل
األعمال التي أنجزتها هيئات التعاو األهلي مما تم توثيقط ،على قلتط وق وره
أيضاً ،مع عدم غفال تأثيرهم في المجاالت األخرى ،سواء مما كر ،أو مما
كره ،و لك وفقا ً لما يلي: حال ق وري دو
-1يقول العودي( ،)142في معرض حديثط عن خواص ومميزات عمل وتطور
ما يقرب من %50من عدد "هيئات التعاو األهلي" ،بند ( ،)1فقرة (أ)" :
الهيئات في مختلف المحافظات لم يتأت لها دراج منجزاتها ضمن اإلح اءات
آنتاك ،ال ألنط ال يوجد لديها أي نجازات أو مشاريع ،و نما هو عدم الوعي
اإلح ائي الكافي" .ولنا فيما كره أ .د .حمود العودي( ،وقد كانت لط تجربتط
الخاصة في عار التجربة التعاونية) ،ما يدلل على صحة ما هبت ليط سابقا ً
من أ هته التجربة لم تنل حتى اآل ما تستحقط من أعمال التوثيق والدراسات
والبحوث .وهتا خلل ا استمر ال يسيء لقيمة التجربة فقط ،بل تنسحب آثاره
السلبية على التاكرة المجتمعية ،وحق األجيال القادمة في اإللمام بتفاصيل
التجربة و مكانية االستفادة منها بعد تقييمها ،كما يضر بحق المجتمع في عادة
كتابة تاريخ التجربة ،وتاريخ المرحلة أيضاً.
()143
تضمن خالصات بمنجزات هيئات التعاو األهلي في -2جدول ()14
المجاالت المختلفة خالل المرحلة األولى 75/73م .نقتبس منط اآلتي ،مع
مراعاة مالحظتط السابقة ،وهي مالحظة تسري على بيانات الجداول التي سيتم
يرادها تباعاً.
جدول ( ) 14خالصات بمنجزات هيئات التعاو األهلي في المجاالت المختلفة خالل المرحلة
األولى 75/73م.
92864363 35387967 128253332ـــ ـــ ـــ عر 5106كم شق 62 80
431190 18330964 15497568 34295722 580مدرسة 71 74
18000 3355547 7118765 10492312 852مياه شرب 82 63
39مركزاً مستوصفات 8
ـــ ـــ ـــ 464000 1018200 1482200 119 27
مرافق
103055 1280558 4833153 6216766 154خدمات مختلفة 186 21
-3ورد في جدول ( )144()15خالصة منجزات هيئات التعاو خالل المرحلة
الثانية 78 / 76م ما يلي:
جدول ( ) 15خالصة منجزات هيئات التعاو خالل المرحلة الثانية 78 / 76م
هيئات لم هيئات
مساهمة مساهمات مساهمة التكاليف بيان
ترسل أرسلت
الدولة المواطنين التعاون بالريال المشروع
بياناتها بياناتها
عر 5664
11448000 109541935 34284364 154294281 75 83
كم شق
549890 20791847 16827778 38169515 560مدرسة 72 82
849مياه
45000 4703351 8284222 13032573 82 73
شرب نقية
48مشروعا ً
79805 413700 1292744 1786294 صحيا ً 125 30
1507113 6500 4533229 6276842 73متنوعة 132 22
-4فيما سبق عرضط نجازات الهيئات خالل فترة تجربة 13يونيو ،و ا ما
أضفنا ليها نجازات هيئات التعاو للفترة حتى 81م ،باعتبارها امتدادا ً لتات
التجربة ،ومضافا ً ليها سهامات المواعنين وقد كانت مميزة ،ف ننا بحسب ما
بيانا ً ()145
ورد في كتاب د .حمود العودي ــ سابق ــ نالحظ في جدول ()16
ب نجازات الهيئات في مجال الطرقات (وهي م نفة بحسب المحافظات) للفترة
من يوليو 78لى ديسمبر 81م.
لكني سأورد حجم اإلنجاز جماالً كما يلي:
جدول ( ) 16خالصة منجزات هيئات التعاو في مجال الطرقات للفترة من يوليو 78لى
ديسمبر 81م
هيئات لم هيئات
مساهمة مساهمة مساهمة التكلفة بيان
ترسل أرسلت
الدولة المواطنين التعاون بالريال المشروع
بياناتها بياناتها
11299كم
4245918 233683602 136313382 374242902 60 124
عر
180
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
181
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
أو غيره ،أو بما يعتمده النظام وسلطاتط من خطط تنمية جادة ومتوازنة
مطلوبة ،أو غير لك.
كا المغتربو والمهاجرو قد تأثروا عند بناء عالقتهم بحركة يونيو -3
تأثير سياسة التقارب بين نظامي بعوامل كثيرة ،سبق لي بيا أهمها ،ف
الشطرين ،التي تجسدت بمحادثات جادة كادت تنقل الوعن والمجتمع لى
مرحلة جديدة تبشر بقرب قيام دولة الوحدة ،سواء بما كا قد أنجز ،وكا
منها ما سيتم اإلعال عنط عند زيارة الشهيد براهيم الحمدي لى عد في
/12أكتوبر 77م كتوحيد النشيد الوعني ،والعلم ،والتمثيل الدبلوماسي
وغيره ،أو بما كا قد أنجز على صعيد توحيد التعليم (مثالً) بتعميم مناهج
موحدة لمادة التاريخ لما لها من دور في عادة تشكيل وجدا واهتمامات
األجيال؛ أل من ال يعي تاريخط ويحسن استخالص العبر منط ال يمكنط
المراهنة على مستقبل وعني مستقل يمكن البناء عليط ،كما أنط لن يحسن
معرفة األصدقاء من األعداء ،ولن يستطيع تحسين استثمار مكاناتط القائمة
والواعدة.
-4من اإلن اف االعتراف بأ التأثير الحقيقي للمغتربين والمهاجرين ال يتمثل
بما أسهموا بط في بناء المدارس فقط ،بل بما أسهموا بط على مستوى العمل
التعاوني بشكل عام؛ لما لتلك المشاريع من تأثيرات متبادلة على بعضها
البعض من جهة ،ولما لها من تأثير على مستوى الثقافة الوعنية والثقافات
المحلية أيضا ً بشكل عام .وهتا ا ما تغافلنا عن سهاماتهم األخرى بما
عكستط من تأثيرات غير مباشرة على حياة المجتمع.
سهاماتهم الجليلة تلك في الوقت التي لم يتسن لي بيانها على وجط الدقة -5
تركيبة المجتمع القائمة على لعدم توا فر الم ادر التي تعينني على لك ،ف
182
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
توزيع السكا بين الريف والحضر تبرز حقيقة أ حوالي %75كانوا من
قاعني األرياف في هته الفترة ،وأ المجتمع شهد ت اعد موجات وأعداد
المغتربين نظرا ً لترافق لك مع ما عرف بالحقبة النفطية ،وما عكستط من
تأثيرات ،وخاصة على مستوى فرص العمل التي أتيحت نتيجة ما عكستط
السياسة الخارجية للحركة مع دول الجوار ،وتحسين مستويات الدخل،
وتزايد حجم التحويالت لى الداخل اليمني .هتا ،في الوقت التي يجب أال
نظراً نغفل فيط أيضا ً تنامي حركة االغتراب على مستوى أبناء المد
لمحدودية فرص العمل المتاحة حينها .وكل لك يؤكد( -مع ضافة مردودات
سهاماتهم كانت و سهامات من سبقهم زمنيا ً كمهاجرين ومغتربين) -على أ
جليلة وكبيرة .وسيبقى من حقهم أ تهتم الدولة ومراكز البحث والقوى الحية
في المجتمع بالعمل على استكشاف لك ،وتوثيقط ،و عادة دماجط في التاريخ
المعاصر ،وليتم بناء على لك عادة تقييم تجربة الهجرة واالغتراب،
و مكانات تفعيلها وتحسين استثمار عوائدها.
-6ما من شك في أ التجربة التعاونية بطرفي المعادلة المؤثرين فيها ،وفي
نجازاتها (الم واعنو /وهيئات التعاو ) قد أسهما بقدر كبير في عادة
تشكيل ثقافة المرحلة ،وكا لهما فعل مؤثر في محاولة عادة بناء البنية
االجتماعية وخاصة في األرياف على قاعدة المشاركة في اإلنتاج بما
استدعى لك من دراك الفرد لم الحط ،وحقوقط ،وواجباتط ،و عادة بناء
عالقاتط وفقا ً لتلك (بعيدا ً عن تابوهات عالقاتط القديمة) ،فقد كا لهما فضل
كبير في قناع المواعن الريفي بأهمية التعليم ،والحرص على تنسيب أبنائط
للمدرسة ،وبأهمية الطريق وما فتحتط أمامط من فرص على صعيد تنمية
المنطقة بتوفير ما تحتاجط من مياه صالحة للشرب ،ومراكز صحية،
183
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
184
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وكل لك وغيره كا يؤكد على تسارع نتاج مكونات ثقافة جديدة كا لتجربة
التعاونيات بطرفيها المؤثرين فضل كبير في لك.
-2دور المهاجرين في تنوير المجتمع:
التعليم يمثل البوابة المثلى للتغيير ،و نط ليس مجافيا ً للحقيقة القول
كا حتى عقود مضت كانت فيط فوهة المدفع والبندقية تمثل بوابة للتغيير ،ف نها
لم تكن لتتمكن من حداث التغييرات المرتجاة ال بالعلم أيضاً .ولئن كا (البيا
العلم كا وال يزال وسيبقى القوة رقم )1يعكس تجليات القوة وربما العنف ،ف
الناعمة القادرة على حداث التغييرات النوعية الالزمة ،والكفيلة بانتقال المجتمع
على عريق النمو والتقدم والشراكة في توعين المعرفة لى مضمار السبا
و نتاجها ،وتوسيع قاعدة الحاضنة المجتمعية لها.
للتعليم عالقة وثقى بثقافة المجتمع ،لك أل الفلسفة التي يقوم عليها ثم
تجعل من ثقافة المجتمع مجاالً حيويا ً لعمليات التعليم وأنشطتط المختلفة ،و نط
بقدر ما يكو منظما ً وهادفا ً ومحكوما ً بفلسفة تربوية وتعليمية (مقرة مجتمعياً)
ف نط تت حدد قواعد وشروع ومعايير المواعنة ال الحة المستهدفة ،والكفيلة
والتمسك بها ،وعدم بتحقيق المواعنة المستنيرة القائمة على دراك الحقو
التنازل عنها ،أو القبول بابتسارها أو انتهاكها ،والملمة بالواجبات المرتبطة
وأهميتها والسعي ألدائها عواعية بدو تق ير ،والمؤمنة بأ بتلك الحقو
المساهمة في اإلنتاج وحدها فقط من تمنح الفرد فرص االندماج االجتماعي،
وتحدد مكانتط المستحقة .كما أ من مقاصد وغايات الفلسفة ما يستوعب حاجة
المجتمع لرعاية الناشئة بدءا ً من مرحلة ما قبل التعليم األساسي (رياض
األعفال) ،ب ما يضمن الكشف عن ميولهم ورغباتهم واستعداداتهم وخبراتهم،
وينميها ويوفر البيئة الحاضنة لها داخل مؤسسات التعليم وفي المجتمع المحيط،
185
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وييسر للمتفوقين فرص النبوغ والرعاية الالزمة ليكونوا علماء المستقبل ،ثم بما
يليها من مراحل.
كما أ تعليما ً كهتا ،يمكنط تنقية الثقافة المجتمعية من الشوائب العالقة بها،
وأنط بمقدار تمكن النظام السياسي والمجتمع من بناء العالقة الموضوعية بين
مؤسسات التأهيل والتدريب ومختلف المؤسسات المجتمعية األخرى ،وفي
مقدمتها األسرة ،وتوفير اإلمكانات الالزمة القائمة على جعل التعليم (استثماراً
ال خ دمة) ،تتحقق أهداف ومقاصد وغايات الفلسفة التربوية التعليمية المنشودة،
وي بح التعليم الهادف مساعدا ً على انتقال الثقافة وتوارثها عبر األجيال ،كما
يسعى لتلبية احتياجات المجتمع ،ويسهم في توعين المعرفة ،وتشكيل البيئة
الحاضنة إلنتاج المعرفة ،والراعية للمتفوقين والمبدعين من أبناء المجتمع،
النفسي والبيولوجي والوجداني ويسهم بتمكين المتلقين من تحقيق التواز
لمواجهة تأثيرات الثقافات األخرى التي لم يعد ممكنا ً ألحد تجنب تأثيراتها
المختلفة ،كما يمكن للتعليم بتلك المواصفات من تمكين الثقافة الوعنية من
االنتقال من عور التلقي السلبي لثقافات اآلخرين لى عور التأثر اإليجابي
للمستحسن منها ،و مكانية التأثير في تلك الثقافات أيضا ً ،أو التخفيف من آثارها،
التعليم المحكوم يستهدف تنشئة األجيال والمستهدفين تنشئة تراعي كما أ
الفردية ،وتفتح المجال أمام الموهوبين وترعاهم ،وتستهدف تحقيق الفرو
تربية سياسية متزنة ومنفتحة وديمقراعية (بعكس ما ساد في الماضي وحتى
اآل من توجيط سياسي يخدم م الح المتسلطين على النظام) ،بما يكفل توسيع
قاعدة الحاضنة االجتماعية الداعمة الستقرار النظام السياسي الديمقراعي
والمدافعة عنط ،بتات القدر التي تتمكن فيط الثقافة من تحويل المجتمع لى
مجتمع المواعنة المتساوية من خالل عادة تشكيل مكونات المجتمع على قاعدة
186
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
187
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
188
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
قواعد اللغة ،ومبادئ الفقط المتمثل بـ"سفينة النجاة" ،وعمليات بسيطة في
الحساب تقوم على قاعدة الجمع والطرح والضرب والقسمة .ولكل معالمة
أستا واحد يعتاش على ما يفرض على األهالي من رسوم ات عابع عيني
في األغلب األعم ،وهو السائد.
ب .تعليم ديني مكرس في معاهد وأربطة متفرقة وفي مناعق متباعدة كزبيد
و مار ،وصنعاء ،وصعدة ،وحضرموت ،وتعز ،وصبيا وغيرها ،وهو
تعليم و صبغة متهبية ،تفقد بعضها حقها في اختيار وتحديد ما تقدمط
لطالبها وفقا ً لمشيئة وسطوة من يحكم ،وال يجمع بينها نظام أو سياسة
تعليمية موحدة ،وال أساليب تقويم تحفظ للمتلقي حقط في نيل الشهادات
المناسبة المؤهلة لاللتحا بالمستويات األعلى.
ج .عندما نشأت بعض المدارس الحكومية واألهلية ،لم يستفد منها ال القلة ،كما
أ ما كانت تمنحط من شها دات ال تؤهل من ينالها لاللتحا بالدراسات
الجامعية .ولم تكن محكومة بفلسفة ضابطة ،وقد غلب عليها المحاكاة
والتقليد ،خاصة أنط لم يكن يجمع بينها نظام وال سياسة تعليمية راشدة،
ولتلك فقد اتختت بعض المدارس األهلية المناهج العراقية ،وأخرى
األردنية ،وثالثة الم رية ،ورابعة السورية سبيالً لتأهيل المستهدفين ،علما ً
أ مناهج تلك الدول لم تكن محكومة وال ملبية للطموح الوعني ،فكيف
بحالنا نحن ،لكنها على الرغم من لك كانت أرقى مما كا موجودا ً لدينا،
كما أ المدارس الحكومية التي كانت تسمى "المملكة المتوكلية اليمنية"
على قلتها كانت متدنية المستوى عن كثير من المدارس األهلية التي كانت
موجودة في عد ،وكانت محكومة بضوابط تخريج كتبة وموظفين ال أكثر.
189
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
190
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
191
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
بيئات ليست غريبة عليهم كثيرا ً لوجود قواسم مشتركة كثيرة مع بيئتهم
األصلية ،لم يتمكنوا من خلق كيانات وأشكال نقابية أو تعاونية تعبر عن آمالهم
وآالمهم ،وتسهم في ترشيد مطالبهم ومطامحهم؛ أل األنظمة في تلك الدول ال
تسمح بتلك.
وفي المقابل ،وجدت صورة أخرى تمثلت في قبال المهاجرين والمغتربين
على الحياة في مجتمعاتهم الجديدة ،وسعيهم لتحقيق االندماج االجتماعي حد
االن هار المتجاوز لحقهم بتشكيل الجمعيات المعبرة عن آالمهم وآمالهم،
وتأسيس األحزاب تحت سقف وعن الهجرة والشراكة الفاعلة في مقاومة
االستعمار ،ثم التجنس بجنسية ال َم َهاجر ،كما حدث لك في ندونيسيا بشكل
فريقيا بشكل عام، خاص وفي سنغافورة ،وماليزيا ،والهند ،ومدغشقر ،وشر
كا بمستويات متفاوتة. و
وقد نتج عن االندماج واالن هار انخراعهم في األحزاب السياسية القائمة،
وسعيهم لتغيير القوانين التي كانت تحول دو اكتمال مواعنتهم ،كما حدث في
ندونيسيا وسنغافورة مثالً ،األمر التي مكن العديد منهم من تولي حقائب
رئيسة سنغافورة الحالية يمنية الجتور، وزارية بما فيها السيادية ،بل
وزوجها من أصول حضرمية ،وكتلك الحال فيما يتعلق برئيس جزر القمر،
هتا األمر يحتاج لى بحث وتدقيق وتوثيق موصول بأسباب كا (و
التمكين).
كما أنهم تمكنوا من قامة سلطنات عديدة في ندونيسيا ،والهند ،وجزر
القمر ،وقد حكموا تلك السلطنات وأوالدهم ،ومنهم على سبيل المثال السلطا
193
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
ومنهم آمنة بنت محمد بن حسين الحبشي ،ماتت أثناء الحرب العالمية األولى
في تركيا ،وتلقت تعليمها في مسقط رأسها في سيئو ،وعرفت بالقراءة والكتابة
وحلقات العلم ،وعرفت بنبلها وسعة اعالعها ،وتزوجت من العالم العارف علي
علوي السقاف ،صاحب كتاب "فتح المعين في فقط أحكام الدين" ،وقد عملت في
مجال التنوير بالعلم واإلرشاد وتوجيط الفتيات ،وقد تأثر بها آالف الفتيات
التركيات( .)154ومنهم الشيخ الشهيد عبد هللا علي الحكيمي ،رائد الحوار
اإلسالمي المسيحي ،والمعلم ال وفي ،ورائد الحركة الوعنية اليمنية ،وزعيم
"االتحاد اليمني" ،ولط سيرة خاصة .ومنهم شيخ المجاهدين من كا الزبيري
والنعما يلقبونط بـ"المجاهد األكبر" أحمد عبده ناشر العريقي ،ولط سيرة خاصة
في موضع آخر.
وغيرهم كثيرو ال يتسع المجال لح رهم ممن عرفوا بأدوارهم المميزة
التي كا لها بالغ التأثير على مجتمعات الهجرة وعلى الداخل اليمني .وجميعهم
سواء من تناولتهم بعض السير و كروا فيما دو من تاريخ الحركة الوعنية ،أو
من ظلوا مجهولين ،سواء ب رادتهم التي عبرت عن رغبتهم ب خفاء سهاماتهم -
محتسبين أجرهم وثوابهم عند هللا ،أو ألسباب أخرى مرتبطة بثقافة مجتمعية
ظلت تحكم عالقاتهم وت رفاتهم وسلوكهم ،أو من لم تطالهم جهود الباحثين ،أو
من كانوا مغتربين ومهاجرين لكنهم عادوا واستقروا في وعنهم بعد عناء
االغتراب والهجرة ،واستمروا في أداء دورهم التأثيري عبر عطاءاتهم المختلفة
بالمال ،وبالموقف ،والفكرة ،والنضال ،والتضحية.
وجلهم عكسوا تأثرهم بثقافات اكتسبوها أو تعايشوا معها في سلوكهم،
وعالقاتهم وجهودهم ،ونضالهم في مجتمعات الهجرة واالغتراب ،وسجل لهم
التاريخ مآثرهم تلك ،أو لم ت لنا أخبار عنها بعد( .وقد آ أوا توجيط الجهود
للبحث والتق ي والتدوين ن افا ً لهم ،و ثراء للتاكرة المجتمعية التي باتت
بحاجة ماسة لترميمها و ثرائها وتنقيتها من الشوائب التي علقت بها،
واضطرتها بفعل عوامل الهدم ومقاصد التجهيل أ تتنكر لكل جميل ،وتهمل كل
تضحية ،وتتماهى مع ما يزيف من التاريخ ،وتهتم ب براز وتعظيم من تسببوا في
ابتالء المجتمع بالويالت واإلعاقة وعدم التمكين ،وأضروا بوحدتط وثقافتط،
ونهبوا مكاناتط وموارده) ،وكانت لهم آثار وب مات على ال عيد الوعني
والقومي ،وأل جهودهم وتضحياتهم ،كما كا لها آثار تبدت بمستويات مختلفة
وصور متعددة في مواعن هجرتهم واغترابهم ،فقد كا أثرها عظيما ً على
وعنهم ومجتمعهم وأمتهم ،بمستويات وصور باتت تفرض علينا عادة تدوين
تاريخنا المعاصر كما يستحق المجتمع ال كما أراده المستبدو ،وهو األمر التي
سيفسح مجاالً مهما ً الستيعاب تلك الجهود والتضحيات ،مع براز شخوص من
لعبوا تلك األدوار ،وقدموا تلك التضحيات لي بحوا أيقونات نعتز بها ،ونفتخر
أ تتختها األجيال المتعاقبة قدوة وفنارات تضيء لهم حياتهم ،ويستفيدو من
تجاربهم وأساليب نضالهم.
سهاماتهم وتضحياتهم كا لها أبلغ األثر ،خاصة ا ما أضيف لها جهود
و سهامات وتضحيات من كانوا في سابق حياتهم العملية مهاجرين ومغتربين،
لكنهم عادوا واستقروا في مناعق مختلفة من وعنهم ،وظلت عيونهم مفتوحة
على عظم معاناة مجتمعهم ،ولم تلههم م الحهم الخاصة عن أداء واجباتهم
الوعنية ،فكانوا مبادرين بسخاء أحال العديد منهم فقراء بمقاييس المال والثراء،
بقوا أغنياء بتضحياتهم وبرضاهم عما قدموه ،وسعداء بما يلمسونط من و
لم يكونوا تغيير لواقع حياة مجتمعهم وأنظمتط السياسية التي حكمتط ،أو حتى
196
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
راضين عنها؛ أل معاييرهم كانت تقوم على قياس ما كا قائما ً قبل ثورة
سبتمبر وأكتوبر ،ال على ما بعدها ،وأنهم ضحوا واحتسبوا وناضلوا بما
عجلة استطاعوه ،وأفسحوا المجال لغيرهم ليكملوا المشوار ،وإليمانهم بأ
التغيير قد أختت تدور وتتسارع ولم يعد بمقدور أحد أو قوة يقافها ،وأنها
صالبة اإلرادة ستتكفل بال يانة و صالح العطب. أصابها العطب ف
عظم التضحيات المقدمة عكست آثارها مسهمةً في تغييرات ملموسة على
أرض الواقع ،تجلت بما صنعط المجتمع من انتفاضات وحركات وثورات
وصوالً لى قيام الوحدة ،وبما فرضط من جالء على المستعمر وتغيير في أنظمة
الحكم ،وتفاعل مع قضايا أمتط واإلنسانية .كما أحدثت تغيرات قيمة على
مستويات عالقات اإلنتاج ،ونظرة الفرد وعالقتط بالسلطة وبمؤسسات الدولة
والمجتمع ،و دراكط للحقو والواجبات وحاجتط لالنتماء ،ومتطلبات االندماج،
لم تستقر بعد كل لك وغيره أسهم في عادة تشكيل ثقافة المجتمع التي و
وت بح سائدة كأسلوب حياة بفعل ما يعيشط المجتمع من تقلبات وصراع ،ما
بسبب التآمر عليط ،أو بسبب عدم تمكنط من التحول لى مجتمع المواعنة حتى
اآل ،لكنها تبقى كتغييرات وتغيرات جبارة وأساسية ومهمة ،أكدت على قدرة
والمغتربو ،على صنع التغيير والقابلية للتغير المجتمع ،وفيط المهاجرو
أيضاً ،فلوال االغتراب والهجرة لما تحولت أشكال المعاناة ومخاعرها لى
فرص ،ولوال الفرص التي أتيحت بسبب الهجرة واالغتراب لما تحسنت
ظروف المهاجرين والمغتربين ،وتميز بينهم العشرات من الشخ يات النابهة
التي أدركت وجود تلك الفرص ،وسعت بكل ضميرها الوعني والقومي لى
استغاللها تعزيزا ً لثقافة المقاومة.
197
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
ولوال أولئك الرواد ،لما تمكنت المعارضة اليمنية في الداخل من اتخا عد
قاعدة لنضالها ولتوحيد ال ف ،و نتاج أدوات نضالها ممثلة بـ"حزب
األحرار" ،فـ"الجمعية اليمنية الكبرى" ،فـ"االتحاد اليمني" ،وغيرها ،وب سهام
المهاجرين والمغتربين حتى في قيادة تلك األدوات ،وصوالً لى قيام ثورة
سبتمبر 62م ،وأكتوبر 1963م ،ولوال نجاح الثورة شماالً وجنوبا ً لما أمكن
تغيير النظام.
ولوال تغيير النظام لما تحدث التعليم (على تشوهط الحالي) ،ولوال تحديث
لم يكن محكوما ً بالفلسفة المنشودة وعنيا ً ،لما أمكن عادة تشكيل التعليم ،و
ما تعانيط الثقافة المجتمعية كما نرى( ،بغض النظر عما تعانيط اليوم) ،بل
تعثرت قدرة األفراد اليوم يعد دليالً على مقدار ما نالها من تغير ،حتى
والجماعات ولم تنجح في تحقيق التغير اإليجابي بالقدر التي يمكن الثقافة من
االستقرار والتمكين عبر خلق وتوسيع حاضنتها المجتمعية القادرة على فرض
النظام الديمقراعي المطلوب وحمايتط واستمراره.
(بهته ال ورة وهتا المستوى يجب أ يفهم تأثير المهاجرين والمغتربين
على الداخل الوعني).
هنا بالحديث عن المهاجرين والمغتربين و سهاماتهم وألننا معنيو
وتضحياتهم ،فمن اإلن اف أ نقر ونعترف أوالً بعدم مكانية استق ائها،
و عادة تظهيرها جميعا ً ألسباب عديدة؛ منها بقاء جزء كبير منها غير معلوم
حتى اآل ،كما أننا ال نمتلك المراجع المناسبة التي تغطي السقف الزمني التي
استهدفتط الدراسة ،والمعززة بالبيانات واألرقام اإلح ائية الموثقة ليتم التعاعي
معها بالمستوى المطلوب.
198
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
199
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
فريقيا مهنئا ً ،وللسؤال عما تحتاجونط منا، باسمي وباسم المغتربين في شر
جزءا ً من واجبنا نحو الوعن ما قدمناه كا ولم آت ساعيا ً لم لحة؛ أل
والشعب".
()155
يقول" :كنت في كارديف مع كما تكفي اإلشارة هنا لى ما دونط
مجموعة منهم علي محمد راجح ،وعبدهللا بن عبد هللا ،وسيف العديني ،وفي
ليفربول كا هناك هائل مقبل العريقي ،ومن الطالب يحيى عبدهللا الديلمي،
ومحسن السري ،ورجب الحديدي ،وأحمد غالب الوجيط الملقب بـ"الخادم"،
وكانت لنا ات االت ببعض المهاجرين في فرنسا وغيرها من بلدا أوروبا.
وكنا قد بدأنا قبل الثورة المباركة ثورة 26سبتمبر بجمع التبرعات لدعم
األحرار اليمنيين ،وكنا نرسلها لى مقرهم في الشيخ عثما ،ثم كنا نرسلها لى
االتحاد اليمني التي أصبح مقره الرئيسي في القاهرة ،و هبت عدة مرات مع
بعض اإلخوة لتسليمها ألحمد محمد نعما في حي العجوزة بالقاهرة .ولما قامت
الثورة في الجنوب كنا نجمع التبرعات ،بل أصبحنا ندفع اشتراكا ً شهريا ً لى
جانب التبرعات المفتوحة ونرسلها لى زعماء الثورة ،ولما من هللا باالستقالل
أصبنا بخيبة أمل كبيرة ،فقد كنا ننتظر أ تعلن وحدة بالدنا عند نيل الجنوب
استقاللط ،ولكن لعن هللا السياسات والحسابات الضيقة .لقد زالت اإلمامة ورحل
االستعمار ،وبدالً من أ تتحقق الوحدة نشأت دولتا وعلما وجيشا يوجها
أسلحتهما ضد بعضهما البعض ،و هب تعبنا وتبرعاتنا واشتراكاتنا وأحالمنا
الكبيرة هباء منثورا ً على متبح السياسة والمطامع الزائلة".
اإلشارات السابقة ،كنما ج ،لم يق د بها التتكير بأحداث بعينها ،وال
اإلدانة لألنظمة ،أو سعيا ً للتبرير ،لكن الق د كا وال يزال الكشف عن نما ج
يثار وتضحية ،و ماعة اللثام عن معاد رجال -قد ال يكونو مق ودين بتاتهم
مع أنهم يستحقو ،بل كتعبير عن رادة اآلالف من المغتربين والمهاجرين
ممثلين بهم -كانوا برغم تدني مستوى حظوظهم من التعليم متميزين بوعيهم لى
الحد التي وجدناهم متمردين على ثقافات مدجنة نشأوا في ظاللها ،وتفوقوا على
كل نزوع أناني يتحكم بمن عاش بمثل تجاربهم ،وبادروا بتقديم سهاماتهم
وتضحياتهم ،مؤكدين انحيازهم لمعاناة شعبهم وأمتهم ،حتى أثمرت جهودهم
وأسهموا ب حداث التغيير على امتداد اليمن ،وما فرضط من تغيرات مست
ثقافات المجتمع ووجدانط .كما عكسوا آثارهم تلك من خالل مبادرات عدة بتلت
لن رة الشعب العربي الفلسطيني ودعم ثوراتط بالمساهمة بالمال والرجال
عوال عقدي الثالثينيات واألربعينيات من القر الماضي ،وحتى ما بعدهما
وصوالً لى االنخراع في ف ائل منظمة التحرير الفلسطينية والقتال من خاللها.
-2وكما كانت سهاماتهم الكفاحية متواصلة ومؤثرة في مجرى الحركة
الوعنية ،فقد كا بتلهم سخيا ً في بناء المدارس ودعمها بما تحتاجط من معلمين
مهاجرهم وموازنات تشغيل ،ولم تكن جهودهم تلك من بة على بلدا
واغترابهم لتحقيق التنشئة االجتماعية المناسبة ألبنائهم ،وسعيا ً لتجنيب أبنائهم
اآلثار غير المرغوبة من ثقافات مجتمعات وجدوا أنفسهم مضطرين للتعايش
معها ،ورغبة في تحقيق أفضل تأهيل ألبنائهم ،بل كانت جهودهم مركزة أيضا ً
على مساعدة أبناء مجتمعهم في الداخل اليمني ،يمانا ً منهم بأهمية التعليم
كمدخل للتحديث ،ولتلك بادروا لى اإلسهام ب نشاء عشرات المدارس األهلية
في العديد من المناعق ومنها تعز ،وعد ،ولحج ،وحضرموت .وتزويدها بما
تحتاجط من كتب ومدرسين .كما تضاعفت سهاماتهم تلك بعد ثورة سبتمبر
وأكتوبر لتشمل كل المناعق تقريباً.
201
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
202
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
المبحث الثالث
التحديات التي واجهت المهاجرين والمغتربين
تأثير المهاجرين والمغتربين على مهاجرهم ،وكتلك على الداخل اليمني،
كا يمكن أ يكو أعظم مما أنجزوه ،لوال أنهم تأثروا بعوامل سلبية كثيرة
عكست نفسها على مستوى أدائهم ونتائج لك األداء ،ومن أهم تلك العوامل
واألسباب ما يلي:
-1تدني مستوى التأهيل والتدريب ،وهو أمر لم يرتبط بفترة بعينها عوال القر
ما قد يقال من اختالفات عرفت عبر األجيال المتعاقبة من العشرين ،وأ
جاز التعبير ،فقد كانت اختالفات وتباينات في المهاجرين والمغتربين،
األجيال المتأخرة منهم نالت قسطا ً أوفر من الدرجة وليس في النوع ،فلو قيل
التعليم ،فتلك ال يغير من حقيقة األمر شيئا ً ال بمقدار تميز من تعلم القراءة
والكتابة عن األمي التي لم يمكنط حظط و مكاناتط من لك ،وبقي االثنا
محرو َمين من التأهيل العالي المتخ ص التي يمكن صاحبط من المنافسة
العلمية والعملية والخبراتية لآلخرين ،حيث بقي مح ورا ً بين عجزه وما يتاح
أمامط من فرص العمل المتدنية في أغلب األحوال ،والتي تتطلب مقايضة جهده
البدني بما تيسر من المال على قلتط ،وتلك كانت ال فة الغالبة والطاغية بين
المغتربين ،وبالتالي فلم يكن تغيير األنظمة الحاكمة في الداخل قد مكن
المغتربين والمهاجرين من التغير بالمستوى النوعي المطلوب ،باستثناء فترة
حركة يونيو 74م التي تنبهت لمخاعر لك ،حيث أشار قائد الحركة الشهيد
المؤتمر سيبحث براهيم الحمدي في المؤتمر األول للمغتربين بقولط" :
قضاياكم كاملة ،غير أ أمرا ً واحدا ً أحب أ يتركز البحث حولط هو كيف يجب
أ ننظم الهجرة ،وكيف ينبغي أ يكو مستوى المهاجر؟".
203
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
204
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
على همال حقو المواعنين و هدار الكرامة ،لكنها تباينت في تبرير تلك
الممارسات باستغالل الع بيات القبلية والمتهبية .ولتلك وجدنا المهاجرين
والمغتربين من أبناء حضرموت موزعين بين الوالء العلوي واإلرشادي،
وبين االنتماء في الداخل للسلطنة القعيطية أو الكثيرية ،عدا بعضهم لدولة
جاز التعبير ،محدودا ً آل عبدات ،وكا جل همهم في المسألة الوعنية،
بحدود م الحهم في تلك السلطنات ،مثلما اهتمت بتلك أسرة آل الكاف
التي جمعت أكبر ثروة حضرمية ،وكانت مضرب المثل بين الحضارمة
في السعة واليسر .ومن تلك الثروة الطائلة كا آل الكاف يسهمو بقسم ال
يستها بط من يراداتهم من المهجر في التعليم والخدمة الطبية ،واإلدارة
الكثيرية العامة ،وتعبيد الطرقات في وادي حضرموت ودوعن
والساحل( .)157و لك ما عكس نفسط حتى على صعيد نظرتهم لبريطانيا
كدولة مستعمرة ،ال فيما ندر منهم.
في حين وجدنا المسألة الوعنية تأخت مفهوما ً بحجم الوعن لدى مغتربينا
فريقيا ،وسيال ،وأوروبا ،مضاف ومهاجرينا في أغلب مناعق شر
دافعهم للتغيير ليهم رواد حركة المعارضة في الداخل اليمني ،وكا
ورغبتهم فيط تمتد لتشمل الوعن ،كما عرضت لتلك في صفحات سابقة ،بل
وتجاوزت اهتماماتهم البعد الوعني لى البعد القومي بتواصل بعض
قياداتهم مع شكيب أرسال ومع الحسيني في فلسطين ،وقيامهم بجمع
التبرعات ل الح الثورة الفلسطينية.
د .كما أ من اآلثار السلبية التي تبدت بوضوح تلك الثقافات االستهالكية غير
الرشيدة التي عبرت عن نفسها بحاالت التواكل واالن راف عن العمل
207
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
المق ود هنا جهود السلطات الوعنية التي كا المعول عليها أ تبني على ما
أسسط المهاجرو والمغتربو ،ليس فقط من أشكال وهيئات ،بل بروحية أداء
القائمين عليها وأهدافها الوعنية ،لكنها راحت تسيس ما وجد ،وما أوجدتط من
أشكال وتبنتط من سياسات و جراءات ،وتسببت في تخلف مستوى وأشكال
الرعاية الحكومية والرسمية برغم كل المسميات التي اتختتها قبل وبعد الوحدة،
وأهملت التخطيط لرفع مستوى تأهيلهم ،ولم تهتم بتوجيط و عادة تشكيل
اهتماماتهم وتوجيط وعيهم بما يرفع من مستوى تأثيرهم على مهاجرهم،
وتحسين مستوى الرعاية و حفظ الحقو ،وصيانة الممتلكات في الوعن ،وتهيئة
سبل االستثمار واالدخار وضمانتها ،ومتابعة حقوقهم في مهاجرهم بتدخلها لدى
السلطات المعنية ل يانتها ،و تاحة الفرص لالنخراع في الحياة العامة في
مهاجرهم ،والسعي للتواصل مع المجنسين منهم و عادة بناء العالقات معهم،
وترغيبهم بالعودة للوعن للزيارة واالستثمار ،ولالستفادة من نفو هم في
مواعنهم البديلة لتحسين ظروف وفرص المهاجرين غير المجنسين ،وتنمية
وتطوير العالقات بين مواعنهم البديلة ووعنهم األصلي.
-4تضييق بعض األنظمة والسلطات عليهم وعلى مناشطهم واهتماماتهم،
الخليجي" ،وعلى حقهم في االستقرار، كالسعودية ،و"دول مجلس التعاو
وتعليم أبنائهم ،وامتالك المؤسسات التعليمية واالقت ادية المناسبة ،وحفظ
مكتسباتهم وحقوقهم المختلفة (على الرغم من جهودهم الجبارة في بناء وتنمية
تلك المجتمعات التي كانت نظرة مهاجرينا ومغتربينا لها بأنهم يؤدو واجباتهم
وكأنها في مجتمعهم اليمن) .وتفتح بالمقابل أبوابها للعمالة اآلسيوية ،على الرغم
من المخاعر الديموغرافية والثقافية التي تحيط بتلك المجتمعات والدول في
مجلس التعاو الخليجي ،حيث تبلغ العمالة اآلسيوية المختلفة فيها أكثر من ستة
208
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
عشر مليوناً ،وهو ما يفو أضعاف عدد السكا في بعض دول المجلس ،وما
يعكسط لك من تغيرات ثقافية وعادات تفرضها العمالة اآلسيوية وتتطبع بها
األسر الخليجية ،حتى بات الكثير منها تتحدث بلكنات ولغات المستخدمين لديها،
و لك يشكل مخاعر كبيرة على عروبة الدول والمجتمعات ،وعلى الثقافة
العربية بشكل خاص ،بل يهدد الوجود اتط بما تتشربط من عادات وتقاليد
وسلوك وقيم واتجاهات تسهم في عادة تشكيل الضمير والوجدا واالهتمامات
العامة والخاصة ،ضافة لى ما يمكن أ تضيفط العولمة من مخاعر التجنيس
تحت يافطات الديمقراعية وحقو اإلنسا .
موضوعا ً مطوالً عن الهجرة واالستيطا ()158
كتب الدكتور حسين غباش
المجتمعات الخليجية والمستقبل الغامض قال فيط" :يتأكد يوما ً بعد يوم أ
ال غيرة قد دخلت ،بسبب من تعاظم الوجود األجنبي فيها في أتو مأز
تاريخي ي عب ت ور مكانية الخروج منط ،ولم يعد األمر يهدد الهوية الثقافية
التي همشت ،والثوابت الوعنية التي اهتزت ،بل يشكل خطرا ً مستقبليا ً على ما
تبقى من الوجود الخليجي العربي اتط" .وقال" :بعيدا ً عن المشهد الخارجي
ال ورة من الداخل تثير القلق بل والريبة ،فالشوارع تعج بكل المبهر ،ف
الجنسيات ال بالمواعنين ،وبشكل خاص في اإلمارات وقطر .واألغلبية هندية،
تليها الباكستانية ،والبنغالية ،واألفغانية ،والفلبينية ،واإليرانية ،ولحقتها ال ينية،
تليها الجالية العربية" .وقال" :هناك اليوم 16مليو أجنبي ،ومن المرشح أ
ي ل لى 30مليونا ً عام 2025م" ،وقال" :تبين اإلح اءات الرسمية ،2006
2007م الخارعة الديمغرافية كاآلتي :العمالة األجنبية في الكويت ،%60وفي
( )158الدكتور حسين غباش من دولة اإلمارات العربية المتحدة – على صفحتط في تويتر.
209
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
210
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
211
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الخاتمة والتوصيات
أضحت ظاهرة الهجرة واالغتراب تمثل سمة من سمات هتا المجتمع ،ولعل
مما يزيد من أهميتها ،يماننا بأ اإلنسا اليمني يجب أ يكو وسيلة التنمية
وغايتها في آ ،ولتلك يتوجب على المجتمع والنظام السياسي الحاكم أ يحسن
عداده بما يفرض لك من تغيير النظرة وتقدير أهمية الدور ،ليس كخدمات تقدم
بما تيسر كما هو حاصل اليوم ،بل باعتباره استثمارا ً للمستقبل ،و لك ما يفرض
عادة النظر في التأهيل والتدريب بما يتسق مع متطلبات مواجهة التحديات
التاتية والموضوعية.
والمدخل لتلك التعليم المحكوم بفلسفة وعنية تحدد قواعد وشروع
ومواصفات المواعنة ال الحة( ،و لك حديث قدمت بعض تفاصيلط أثناء
الحديث عن انعكاس سهامات المهاجرين والمغتربين وتأثيرها على ثقافة
المجتمع).
ولئن كا هتا األمر فو احتمال ما نحن ب دده ،فسيبقى مطلبا ً وجوديا ً ال بد
من تحقيقط مستقبالً .ويبقى أ أشير هنا لى بعض المقترحات لزيادة التأثير في
الحاضر والمستقبل ،بشكل سريع وب ورة نقاع مركزة ومن أهمها:
-1عادة ت حيح العالقة بين وزارة شؤو المغتربين ومكاتب الجاليات اليمنية
في الخارج بما يمكن من تحقيق:
( )1/1استقاللية العمل داخل مكاتب الجاليات كونط عمالً نقابيا ً ديمقراعيا ً يهتم
برعاية شؤو المهاجرين والمغتربين ،ويعبر عن آالمهم وآمالهم ،ويسهم
في خلق وتنمية الثقافة المطلبية لديهم ،ويسعى بالتنسيق مع (األمانة
العامة التحاد المغتربين بعد نشائها) ومع الوزارة لحل مشاكلهم في
مواعن االغتراب والهجرة وفي الداخل اليمني ،وصيانة حقوقهم ،ويرشد
212
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
213
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
214
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
215
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
216
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
.1األ غبري ،بدر سعيد علي ،نظام التعليم وتاريخط في الجمهورية اليمنية،
شركة النور للطباعة والمنتجات الورقية ،صنعاء ،ع2002/2001 ،1م .
.2األرضي ،علي صالح محمد ،تاريخ التعليم في عد 1967 -1839 ،م،
دار الثقافة العربية للنشر والترجمة والتوثيق ،الشارقة ،جامعة عد ،عد ،
ع2001 ،1م.
.3البردوني ،عبدهللا ،دار العلوم ،مجلة اإلكليل ،وزارة الثقافة ،صنعاء،
العددا الثاني والثالث ،السنة الثانية1983 ،م.
.4البكري ،عبدالحميد ،التعليم في اليمن (1918-1962م) دراسة تاريخية،
رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة لى مجلس كلية التربية ابن رشد،
جامعة بغداد2000 ،م.
.5الجهاز المركزي للتخطيط ،التطور االقت ادي واالجتماعي في ج .ع .ي.
نوفمبر .1967
.6الجهاز المركزي للتخطيط ،كتاب اإلح اء لعام 2010م.
.7الزبيري ،محمد محمود ،اإلمامة وخطرها على وحدة اليمن ،وزارة الثقافة،
اليمن ،ع2004 ،1م.
.8الشرعبي ،سيف محمد صالح ،التعليم بمحافظة تعز ماضيط وحاضره ،نقابة
المعلمين اليمنيين فرع تعز ،ع1996 ،2م.
.9الشميري ،عبدالولي ،من أعالم االغتراب اليمني ،وزارة شؤو
المغتربين ،صنعاء ،ع2002 ،1م.
217
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
.10ال ايدي ،أحمد قايد ،أورا من متكرات بحري ،ورقة مقدمة لندوة
"المغتربو الرافد األساسي للتنمية المستدامة" ،كتاب الثوابت ،اآلفا
للطباعة والنشر ،صنعاء1999 ،م.
.11ال ايدي ،محمد صالح الدين ،ورقة مقدمة لندوة "المغتربو الرافد
األساسي للتنمية المستدامة" ،كتاب الثوابت ،اآلفا للطباعة والنشر،
صنعاء1999 ،م.
فريقيا ،وزارة .12ال لوي ،العزي ،الهجرات اليمنية عبر التاريخ لى شر
الثقافة صنعاء ،ع 2004 ،1م.
.13العزازي ،محمد ،وكروزه ،هانز ،الجمهورية العربية اليمنية دراسة
تمهيدية في التنمية اإلدارية ،د .م ،بيروت ،د .ت.
.14العزعزي ،عبدهللا فارع عبده ،اليمن من اإلمامة لى الجمهورية ،المنتدى
الجامعي للنشر والتوزيع ،صنعاء ،ع2001 ،1م.
.15العظم ،نزيط مؤيد ،رحلة في العربية السعيدة ،دار التنوير للطباعة
والنشر ،بيروت ،ع.1986 ،2
.16العلفي ،علي محمد ،أبرز األحداث اليمنية ،في ربع قر (سبتمبر -1962
سبتمبر 1987م) ،مطبعة الكاتب العربي ،دمشق ،د.ت.
.17العودي ،حمود ،ماضي ومستقبل العمل التعاوني في اليمن رؤية لدور
العمل التعاوني في ظل اليمن االتحادي ،مطبوعات مركز دال للدراسات،
صنعاء2013 ،م.
.18القادري ،حامد ،كفاح أبناء العرب ضد االستعمار الهولندي في ندونيسيا،
ترجمة ،زكي باسليما ،دار جامعة عد ،ع1998 ،1م.
.19الكتاب السنوي لتكرى 14لثورة 26سبتمبر ،دار الهناء للطباعة ،د .م.
218
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
219
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
220
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
.41محمد ،أحمد علي الحاج ،التعليم اليمني جتور تشكلط واتجاهات تطوره،
دار الفكر المعاصر ،صنعاء ،ع1999 ،1م.
.42وثيقة جامعة الدول العربية اإلدارة الثقافية ،حلقة عداد المعلم العربي في
بيروت ،أغسطس 1957م.
.43وزارة اإلعالم والثقافة ،الكتاب السنوي.1980
.44وزارة المغتربين اليمنيين ،تقرير غير منشور( ،من وثائق العزي
ال لوي).
.45وزارة المغتربين ،تقرير غير منشور ،مسلم من العزي ال لوي عضو
لجنة مكلفة من وزار ة المغتربين لبحث موضوع المدرسة هناك ،تاريخط
2013م.
221
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
222
إسماعيلية اليمن في المهجر :األسباب واآلثار
(*)
الدكتور /عمرو بن معد يكرب حسين الهمداني
2020م
224
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
مقدمة:
بسم هللا الرحمن الرحيم ،والحمد هلل والصالة والسالم على سيدنا محمد وآله
الطيبين الطاهرين وصحبهم أجمعين .....أما بعد:
اإلسماعيليون( )1في اليمن وفي مختلف بلدان المهجر مكون مهم وكبير في بنية
المجتمعات الكائنة بها ،من النواحي االقتصادية واالجتماعية والثقافية ،وهم
جزء أصيل من موروث اليمن الثقافي وعمقه التاريخي ،وحتى عالقاته
الخارجية ،ويعانون في الوقت نفسه من فرز طائفي واضطهاد فكري منذ سقوط
دولتهم الثانية الصليحية على أيدي األيوبيين .وعلى مدى تسعة قرون وهم
يعانون العزلة والترهيب يصل حد التكفير وإخراجهم من ملة اإلسالم ،بل بلغ
االضطهاد حدود اإلبادة الجماعية في بعض مراحل التاريخ.
على مدى التاريخ اإلسالمي ،لم نر تشويها وتحامال وتحيزا ضد فكر ما مثل ما
رأينا وشهدنا ضد الفكر اإلسماعيلي الفاطمي ،ال من حيث التاريخ وال العقيدة
وال اإلنجازات العلمية والفكرية.
( )1اإلسماعيلية :يسمون بذلك نسبة إلى إمامهم إسماعيل االبن األكبر لإلمام جعفر الصادق،
ويسمي الفاطميون أنفسهم باسم "أهل الدعوة" أو "المسلمين المؤمنين" ودعوتهم
بـ"دعوة الحق" و"الدعوة الهادية" .وهم ال يعترفون باألسماء واأللقاب التي نسبت إليهم
مثل الفاطمية واإلسماعيلية والباطنية والسبعية وغيرها ،وال توجد هذه األلقاب في
كتبهم .وقد نسب إلى نفسه الشيخ أبو حاتم الرازي -وهو من كبار علماء الدعوة -في
كتاب الزينة ،كلمة أهل السنة والجماعة .وقال المؤيد في الدين ،باب أبواب اإلمام
المستنصر (د المؤيد :)88
يـــــــا سائال تسألني عنــي ..اعلم بأني رجل سني
أحب أصحاب نبي الهــدى ..ديني على حبهم مبني
وقد أطلقت كلمة "اإلسماعيلية" على أهل الدعوة عامة في هذا البحث لنسبتهم إلى
اإلمام إسماعيل بن جعفر الصادق ،كما تطلق كلمة الزيدية على أتباع اإلمام زيد بن
علي ،رحمة هللا عليه.
225
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
أدى الدور السلبي الذي اتخذه األئمة الزيديون ضد اإلسماعيليين إلى تحويل
أتباع المذهب إلى مجرد مواطنين من الدرجة الدنيا ،وإباحة دمائهم وأموالهم
وأعراضهم في أرجاء السعيدة.
وهو ذاته الدور الذي لعبه الفكر الوهابي في نظام آل سعود ،الذي أدى أيضا
إلى تحويل اإلسماعيليين في نجران الحدودية -المحتلة -إلى مواطنين سعوديين
من الدرجة الثانية ،وتعرضهم الدائم لالنتهاكات اإلنسانية.
تتمثل أهداف الدراسة في الوقوف على األسباب والتأثيرات المختلفة للهجرات
اإلسماعيلية إلى بلدان المهجر ،من النواحي السياسية ،واالجتماعية ،والثقافية
واالقتصادية ،التي لعبت الطائفة اإلسماعيلية دورا كبيرا فيها.
وتكمن أهمية الدراسة في كون الوقوف على قضية مهمة كالهجرات اليمانية،
أسبابها وتأثيرها ،تأتي ضمن أولويات التوثيق التاريخي لليمن وكشف الغموض
عن حقائق تلك الهجرات واآلثار التي كانت نتاجا لهذه الظاهرة االجتماعية.
كما نرى اآلثار العظيمة التي خلفتها الطائفة اإلسماعيلية من خالل أنشطتهم
في محيطهم الجغرافي ،من خالل نشرهم للعلوم الحداثية والثقافة اإلسالمية
الموضوعية فيها ،ومن ذلك بالد الهند والسند ،وعدد من دول إفريقيا كمصر
وكينيا وغيرهما ،وامتدت تلك اآلثار إلى بلدان مختلفة في أوروبا وأمريكا،
كبريطانيا ،وفرنسا ،والواليات المتحدة األمريكية.
وفي إطار ذلك حرصنا في إعداد الدراسة على اتباع الترتيب الزمني
للوقوف على المراحل المختلفة للهجرات اليمانية اإلسماعيلية ،واالعتماد على
المنهج التاريخي في القسم التمهيدي.
226
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
227
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
كتنننناب النبنننني -ﷺ ،-فأسننننلمت همنننندان جميعننننا فنننني يننننوم واحنننند ،ولمننننا وصننننل
الخبننننر إلننننى النبنننني-ﷺ -خننننر سنننناجدا ،ثننننم رفننننع رأسننننه فقننننال" :السننننالم علننننى
همننندان ،السنننالم علنننى همننندان" .وذكنننر الهمنننداني فننني "الصنننليحون" أن علينننا
دخنننل عننندن أبنننين ،وخطنننب علنننى منبرهنننا خطبنننة بليغنننة ،وذلنننك قبنننل رجوعنننه
إلى المدينة.
وينننرى الهمنننداني أن هنننذه االتصننناالت الشخصنننية بننناليمن قننند تركنننت أثنننرا
فننني نفنننوس النننناس هنننناه ،ذلنننك األثنننر هنننو حنننب علننني وآل بينننت النبننني ،وبقننني
هننننذا الحننننب يننننزداد مننننا بقيننننت األيننننام ،حتننننى أن اإلمننننام الفنننناطمي المسننننتور
الحسننين بننن أحمنند( )4حننين أرسننل أبننا القاسننم الحسننن بننن فننر بننن حوشننب بننن
()6
ألن بهنننا زادان الكنننوفي( )5داعينننا إلنننى النننيمن أمنننره أن يننننزل عننندن العنننة
بعضننا ممننن ينندين بدعوتننه وألن هللا عننز وجننل قسننم لليمانيننة أال يننتم أمننر فنني
هنننذه الشنننريعة إال بنصنننرهم ،فوصنننل إليهنننا حينننث وجننند كثينننرين ممنننن يننندينون
بالوالء لعلي وآل بيته.
( )4أبو المهدي عبدهللا بن الحسين ،ويدعى الحسين المقتدى أحيانا (إدريس ،عماد الدين:
زهر المعاني صـ )63وهو الحسين بن أحمد بن عبدهللا بن محمد بن إسماعيل بن جعفر
الصادق .وقد اختلفت المصادر اختالفا شديدا في أسماء أجداد المهدي عبدهللا .وذلك
يرجع إلى الستار الذي فرضه األئمة المستورون على أنفسهم وإلى اختيارهم أسماء
غير أسمائهم الحقيقية كما رواه الشيخ جعفر بن منصور اليمن في كتابه المسمى
بالفرائض وحدود الدين (انظرOn the Genealogy of the Fatimid Caliphs. :
، School for Oriental Studies،Cairo: American University of Cairo
).1958
( )5كذا ورد اسمه في افتتاح ( )3-4وفي الحور صـ 197جاء :أبو القاسم أبو الحسن بن
فر بن حوشب بن زادان الكوفي واشتهر باسم منصور اليمن بعد أن فتح هو وعلي بن
الفضل الجيشاني اليمن.
( )6عدن أبين مشهورة ،لكن وجب التمييز بينها وبين عدن العة :وهي قرية بجنب مدينة
العة من أعمال صنعاء (معجم البلدان .)89 /4
229
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
230
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
في اليمن مرحلة االنكفاء على الذات "الستر"( ،)7وممارسة النشاط الدعوي
بصورة محدودة جدا وبشكل سري تام حتى سنة 439هـ(.)8
الدولة الصليحية (525 -439هـ):
قامت دولة (الصليحيين) على يد مؤسسها علي بن محمد الصليحي ،وذلك
في عام (439هـ) .وقد نشأ الصليحي في بلدة (األخرو ) من بالد الحيمة،
إحدى نواحي لواء صنعاء ،وكان والده القاضي (محمد الصليحي) يقيم في
حصن (يناع) من بالد الحيمة ،وكان سني المذهب نافذ الكلمة في قومه(.)9
وقد اعتنق الصليحي مذهب اإلسماعيلية على يد آخر دعاتها في مرحلة االستتار
الداعي (سليمان بن عبد هللا الزواحي) ،وكان الدافع لهذا إلى العناية بتربية
(علي بن محمد الصليحي) وتعليمه المذهب اإلسماعيلي ،ما الح له من مخائل
النبل فيه ،واالستعداد لحمل أعباء الدعوة الفاطمية بعد موته(.)10
ولما حضرت الداعي (سليمان الزواحي) الوفاة أوصى بكتبه وبمال وفير
()11
على لعلي بن محمد الصليحي ،بعد أن وافق اإلمام الفاطمي المستنصر باهلل
ذلك ،ساعد (الصليحي) كل ذلك على االضطالع بالمسؤولية ،دعوة وحكما،
على أكمل وجه.
(" )7دور الستر" :مدة من الزمن يكون فيها اإلمام صاحب الزمان متخفيا ،ومرت الدعوة بدور
الستر األول في عصر اإلمام المستور عبدهللا بن محمد ،المتوفى عام (212هـ) وانتهى بقيام
اإلمام عبدهللا المهدي مؤسس الدولة الفاطمية ،المتوفى عام (322هـ) أما دور الستر الثاني فبدأ
باستتار اإلمام الطيب المولود سنة (524هـ) وحتى اآلن.
( )8للمزيد يمكن االطالع على كتاب الصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن صـ.48
( )9الصليحيون صـ. 62
( )10الصليحيون صـ. 68
( )11المستنصر باهلل ( ٤٢٠ـ ٤٨٧هـ) هو أبو تميم معد بن الظاهر المعروف بالمستنصر باهلل بن
علي الظاهر إلعزاز دين هللا ،وهو الخليفة الفاطمي الثامن واإلمام الثامن عشر في سلسلة أئمة
الشيعة اإلسماعيلية ،توفي في ( 18من ذي الحجة سنة 487هـ) عن عمر يناهز سبعة وستين
عا ًما ،وبعد حكم دام نحو ستين عا ًما ،وهي أطول مدة في تاريخ الخالفة اإلسالمية( .انظر:
بحوث في الملل والنحل للسبحاني 138/8أيضا :ويكيبيديا ،الموسوعة الحرة يمكن الرجوع
إلى المقريزي اتعاظ الحنفاء بأخبار األئمة الفاطميين الخلفاء ،تحقيق الشيال ومحمد حلمي).
231
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وقد بدأ علي بن محمد الصليحي أمره دليال للحا على طريق جبال السراة،
واستمر على ذلك خمسة عشر عاما( ،)12كان خاللها يتعرف على أهل اليمن،
ويجتمع بالعلماء منهم ومن غيرهم ،وكان يبحث مع من يأنس بهم أمر القيام
بالدعوة الفاطمية في اليمن ،وعن الوسائل الكفيلة بنجاحها .وأكسبته رحالت
الحج تلك خبرة بأحوال الناس ،ومكنته من دراسة النفس اليمنية ،وأفادته في
التعامل معها طيلة عهده .وبقيام اإلمارة النجاحية والدولة الصليحية قامت في
اليمن حكومتان متعارضتان سياسيا وعقائديا ،اتسمت األولى بالسنية بحكم
تبعيتها للعباسيين ،واتسمت الثانية بالشيعية بحكم تبعيتها للفاطميين.
وفي العامين األخيرين من (الخمسة عشر عاما) التي ظل علي بن محمد
الصليحي فيها دليال للحا بحث مع أعيان اليمن ممن يأنس بهم أمر القيام
بالدعوة الفاطمية في اليمن ،ثم تعاهد مع ستين رجال من همدان في مكة على أن
يجهروا بالدعوة ،ويجاهدوا في سبيلها حتى يظفروا بها أو يموتوا ،وكان
المتحالفون معه في عزة ومنعة من قومهم.
وحدد مع خاصته يوم األربعاء الرابع عشر من جمادى اآلخرة من عام
( )439للهجرة موعدا إلعالن الدعوة من أعلى جبل مسار في بالد حراز،
وطلب منهم وصولهم في الموعد المذكور ،وكانوا من يام نجران وسنحان
صعدة ،وغيرهما .وفي نفس اليوم المذكور بعث رسله إلى أتباعه القريبين منه
في بالد حراز ،واجتمع له ذلك اليوم من همدان ثالثمائة رجل ،عدا من اجتمع
لديه من بالد حراز والمناطق القريبة منها.
ولما كان عصر اليوم المذكور أرسل علي بن محمد الصليحي أربعين رجال
من أهل هوازن من بالد حراز إلى قمة جبل مسار للتمركز فيه ،ومنع أهل
مسار من االستيالء عليه والحيلولة دون طلوعه .أما هو وبقية أتباعه ف نهم
صعدوا جبل مسار بعد صالة العشاء ،وفشلت محاولة أهل جبل مسار منعه من
طلوع الجبل( ،)13ومن أعلى جبل مسار أعلن دعوته لإلمام المستنصر باهلل.
وتختلف الروايات حول تاريخ مقتله ،حيث يؤكد الكثير من المؤرخين أن مقتله
كان نتيجة خيانة العبيد له أثناء توجهه إلى الحج يوم السبت 12ذي القعدة سنة
473هـ ،وفي رواية أخرى أنها سنة 459هـ.
تسامح الدولة الصليحية مع أهل السنة:
من ضمن السياسات التي اتبعها الصليحي في إدارته لليمن يذكر الهمداني
في "الصليحيون" أن الصليحي كان يتسامح مع أهل السنة ،وصبر على تكفير
الناس له ،ووصفه بالجور.
كذلك فعل أسعد بن شهاب لما دخل زبيد سنة 456هـ واليا عليها من قبل
الصليحي " ،فأحسن السيرة في الرعية ،وأذن ألهل السنة ب ظهار مذهبهم"،
وغير ذلك من األحداث التي بينها الهمداني في الصليحيون( .)14ويؤكد الهمداني
أن هذه السياسة الدينية للدولة الصليحية ساعدت إلى حد ما على حفظ األمن في
البالد الخاضعة لها ،مع وجود المعارضة القوية لمذهبها الرسمي.
الملكة السيدة أروى بنت أحمد الصليحي:
هي أروى بنت أحمد بن محمد بن جعفر بن موسى الصليحي ،وتلقب
بـ"السيدة الحرة" ،وغلب على اسمها في كتب التاريخ ،زوجة المكرم أحمد بن
علي الصليحي ملك اليمن ،من األسرة الصليحية التي حكمت اليمن بعد أن
وحدت معظم إماراته (439-533هـ) ،ونشرت الدعوة اإلسماعيلية.
فوض المكرم األمور إلى زوجته أروى ،فكان أول ما قامت به ،بعد أن
غادرت صنعاء ،أن اتخذت مقرها في قصر شيده زوجها في حصن بجبلة
(اليمن) ،ونقل إليه ذخائره ،واتخذت جبلة عاصمة لها ،وقامت بتدبير المملكة
خير قيام ،وبسطت سلطانها على القبائل اليمنية ،فخضع الناس لها ،وكانت
مراسالت المستنصر باهلل الفاطمي تصدر إلى اليمن باسمها.
وبعد وفاة زوجها المكرم سنة 481هـ ،اختلف الصليحيون والزواحيون في
من يتولى الحكم ،وكان زوجها قد أوصى أن تسند أمور الدعوة إلى األمير
المنصور سبأ بن أحمد بن المظفر الصليحي الذي طمح إلى الزوا منها ،فلم
ترض أروى بهذا االختيار ،واحتكم سبأ إلى المستنصر باهلل الفاطمي الذي أمر
أروى أن تقبل بسبأ زوجا ،وإن ظل هذا الزوا صوريا .وظلت أروى تمسك
بمقاليد الحكم الفعلية ،وترفع إليها الرقاع ،ويجتمع عندها الوزراء ،ويدعى لها
على منابر اليمن ،فيخطب أوال للخليفة الفاطمي ،ثم لسبأ بن أحمد ،ثم للسيدة
الحرة أروى .ولم تلبث أن استقلت بأمر الحكم بعد وفاة زوجها الثاني سبأ سنة
492هـ ،واعتمدت في تدبير أمور الملك على عدد من الثقات ،منهم :المفضل
بن أبي البركات ،وزريع بن أبي الفضل ،وعلي بن إبراهيم بن نجيب الدولة
وغيرهم ،وامتدت أيام حكمها بعد ذلك أربعين سنة ،استطاعت في أثنائها أن
تمارس سيادتها على اإلمارات اليمنية الصغيرة من دون إخضاعها.
وقد عملت السيدة أروى إبان حكمها على تشجيع البناء والعمارة ،وأولت
إنشاء المدارس والمستشفيات والمساجد اهتمامها الزائد ،ولم يقف نفوذها عند
حدود اليمن ،فقد كلف الخليفة الفاطمي اإلمام المستنصر الملكة السيدة أيضا
بشؤون الدعوة اإلسماعيلية بشكل رسمي في عمان وغربي الهند.
234
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وقد أشرف الصليحيون بشكل واضح على اختيار الدعاة وإرسالهم إلى
كوجرات في غربي الهند ،وذلك بعد الحصول على الموافقة من مركز الدعوة
الفاطمية الرئيسي .ولعبت السيدة دورا حاسما وخاصا في إعادة تجديد الجهود
الفاطمية في عهد المستنصر لنشر الدعوة اإلسماعيلية في شبه القارة الهندية،
ونتيجة لهذه الجهود الصليحية بدأ الدعاة الذين تم إرسالهم من اليمن بتأسيس
طائفة إسماعيلية جديدة في كوجرات في حوالي العام 460هـ ،وحافظت
الدعوة في غربي الهند في عهد الملكة السيدة على روابطها المحكمة مع اليمن.
وفي النصف الثاني من القرن الخامس الهجري /الحادي عشر الميالدي تحولت
()15
الطائفة اإلسماعيلية التي تم تأسيسها في كوجرات لتصبح طائفة البهرة
الطيبية الحالية .وعلينا أن نضيف هنا أن امتداد الدعوة اإلسماعيلية في اليمن
وكوجرات في عهد المستنصر قد تعلق وبشكل مباشر بتطور المصالح التجارية
الجديدة للدولة الفاطمية ،والتي تستلزم االنتفاع من اليمن كمركز آمن على طول
طريق البحر األحمر التجاري إلى الهند.
( )15الطيبيون البهرة الداوديون جماعة مسلمة شيعية تنتمي إلى الفرع المستعلي من
اإلسماعيلية ،وتعود بتراثها الديني واألدبي إلى األئمة -الخلفاء الفاطميين في شمال
إفر يقيا ومصر ،وهم في معظمهم هنود من أهالي البالد تحولوا إلى اإلسالم في القرن
الخامس /الحادي عشر على أيدي دعاة أرسلهم بداية اإلمام المستنصر ،وفي مرحلة
ما أصبحوا يعرفون بلقب "البهرة" (وفي بعض األوقات بـ"البهري" المستعملة في
صيغتي الجمع والمفرد) ،وفي اللغة الغجراتية تعني هذه الكلمة "الر جل األمين أو
الجدير بالثقة في التعامل والتفاعل اإلجتماعي" أو ببساطة "التاجر" وتشير
"الداؤدية" وتكتب عند العامية داودية في البهرة الداودية إلى اعترافهم بوالية الداعي
سيدنا داؤد بن قطب شاه الذي تولى الدعوة بين 999و 1021هجرية ،بينما عارضه
سليمان بن الحسن أول دعاة البهرة السليمانية .المجموعة الثالثة هم البهرة العلويون،
وتبدو االختالفات العقائدية بين جميع المجموعات في أدنى حد لها.
235
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
236
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
"الطيب"( ،)16وتم النص عليه في سجل البشارة الذي بعث به اإلمام اآلمر إلى
السيدة الحرة مع الشريف محمد بن حيدرة ،وهو شخص موثوق ،معلنا والدة أبو
القاسم الطيب في ربيع الثاني 524للهجرة( .)17شهد على صحة حقيقة الطيب
التاريخية ابن ميسر (677هـ1278-م)( )18ومؤرخون آخرون .وعلى أية حال،
عين الطيب على الفور وريثا لآلمر ،وبوفاة اإلمام اآلمر تولى الحكم ابن عمه
أبو الميمون عبدالمجيد (526هـ1132-م) الذي سمي الحقا "الخليفة"
و"اإلمام" ،وأعطي لقب "الحافظ لدين هللا".
االنشقاق الطيبي الحافظي:
سبب إعالن الحافظ لدين هللا خليفة وإماما انقساما كبيرا في الطائفة
المستعلية ،ولقي ادعاؤه اإلمامة الدعم بشكل خاص من تنظيم الدعوة الرسمي
في القاهرة ،واألغلبية من اإلسماعيلية المستعلية في مصر وسورية الذين
أصبحوا معروفين بـ"الحافظية" .وأيدت الملكة السيدة الحرة أروى بنت أحمد
الصليحي قضية الطيب معترفة به خليفة لآلمر على اإلمامة .وفي البداية كان
يطلق على هؤالء اإلسماعيليين اسم "اآلمرية" ،ولكن بعد تأسيس الدعوة
الطيبية المستقلة في اليمن فيما بعد أصبحت تسميتهم "الطيبية" ،وأصبحت
( )16أبو القاسم الطيب بن المنصور يعتبر اإلمام الحادي والعشرين للشيعة اإلسماعيلية
المستعلية ،وهو ابن الخليفة الفاطمي اآلمر بأحكام هللا ،وبحسب رواية المقريزي ف نه
ولد في ربيع األول من عام 524هجري وزينت القاهرة بميالده بأمر من أبيه اآلمر
بأحكام هللا لمدة 14يوما ،وأصبحت السيدة الحرة الملكة أروى بنت أحمد الصليحي
مستودعا له لكي تكون اليمن مهدا للدعوة لإلمام الطيب حيث دخل األئمة في دور
الستر الثاني (الكهف الثاني) (ويكيبيديا ،الموسوعة الحرة).
( )17هذه السجالت محفوظة في المجلد السابع من "عيون األخبار" للداعي إدريس وفي
مصادر طيبية أخرى ،وكذلك موجودة في "عمارة ،تاريخ" ،نص الصفحات -100
،102الصفحات المترجمة ،36-135انظر كذلك ستيرن "الخالفة" الصفحة
149ف ،والهمداني" ،الصليحيون" ،الصفحات .322-321- ،84-183
( )18ابن ميسر" ،أخبار مصر" ،تأليف فؤاد سيد (القاهرة :المعهد الفرنسي لعلوم الهندسة
المعمارية الشرقية ،)1981 ،الصفحات .110-109
237
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
السيدة حينها الزعيمة الرسمية للجماعة الطيبية في اليمن ،وقطعت روابطها مع
القاهرة بشكل مشابه لما فعله الحسن بن الصباح في بالد فارس عند وفاة
المستنصر عام 487هـ1094/م .وصادق الداعي الذؤيب( )19بشكل كامل على
قرار السيدة .وعلى العكس ،فالزريعيون من عدن ،وبعض الهمدانيين من
صنعاء الذين انتصروا باستقاللهم عن الصليحيين قد دعموا اإلسماعيلية
الحافظية باعترافهم بالحافظ والخلفاء الفاطميين الالحقين له أئمة لهم.
ارتبطت اإلسماعيلية الحافظية بالنظام الفاطمي ،واختفت سريعا بعد انهيار
األسرة الفاطمية الحاكمة عام 567هـ1171/م ،والغزو األيوبي القادم من
جنوب الجزيرة العربية عام 569هـ1173/م .أما الدعوة الطيبية التي بدأت بها
السيدة فقد بقيت في اليمن ،وبقي مركزها الرئيسي في حراز .وبسبب الروابط
القوية والمحكمة بين اليمن الصليحي وكوجرات كانت الدعوة الطيبية أيضا
محفوظة في الهند الغربية ،وهذا يبرر استمرارية تواجد اإلسماعيلية الطيبية
هناه ،ويعرفون حاليا بـ"البهرة".
فصل الدعوة عن الدولة:
لما توفي الخليفة المستعلي سنة 495هـ ،وخلفه ابنه اآلمر ،قامت الملكة الحرة
بالدعوة خير قيام ،وساندها في ذلك الداعي يحيى بن لمك ،حتى توفي الداعي
يحيى سنة 520هـ .ولما تبين للملكة أن مملكتها أخذت تتزعزع أركانها قررت
()20
فصال تاما ،كما كان الحال في بثاقب فكرها أن تفصل الدعوة عن الدولة
مصر ،حتى تباشر الدعوة نشاطها العلمي والديني مستقلة عن تأييد الدولة،
( )19الذؤيب بن موسى الوادعي الهمداني :الداعي المطلق األول في سلسلة الدعاة الطيبيين في دور
الستر الثاني الذي أعقب وفاة اإلمام اآلمر بأحكام هللا واستتار ابنه اإلمام الطيب بن اآلمر( .للمزيد
انظر ترجمته ضمن مجموع رسائل الذؤيب ،تحقيق وتقديم :د .عمرو بن معد يكرب حسين
الهمداني ،منشورات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث ،صنعاء -اليمن2014 ،م).
( )20للمزيد عن ذلك انظر الصليحيون صـ232
238
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
ففصلت هيئة الدعوة كلية عن إدارة الحكومة( .)21وبعد عام 526هـ مباشرة
أعلنت السيدة تولي الذؤيب رتبة "الداعي المطلق" ،وهو الداعي الذي يمتلك
الصالحية المطلقة ،هذا يعد أيضا إجراء ذكيا منها لتضمن البقاء لإلسماعيلية
الطيبية بعد سقوط الدولة الصليحية .وساهم الداعي المطلق األول الذؤيب الذي
()22
في نجاح الدعوة اإلسماعيلية عاضده بداية الداعي الخطاب بن الحسن
الطيبية ،وبعد مقتل الخطاب على يد أبناء أخيه عام ،533وذلك بعد وفاة الملكة
()23
معاضدا الحرة بعام ،عين الذؤيب إبراهيم بن الحسين الحامدي الهمداني
وخليفة له ،وبعد وفاة الذؤيب عام 546هـ خلفه إبراهيم (557هـ1162/م) على
قيادة الدعوة الطيبية بوصفه "داعيا مطلقا" .وهكذا أصبحت الدعوة الطيبية
مستقلة تماما عن النظام الفاطمي وعن الدولة الصليحية ،وهذا يوضح سبب
بقائها بعد سقوط كلتا الساللتين الحاكمتين ،ونجاحها في القرون التي تلتها في
توسعها الناجح في اليمن والهند الغربية بدون أي دعم سياسي.
( )21االعتزال عن أمور السياسة والدولة إذا ما أصبحت عائقة أمام الهدف السامي ،ألنها
(أي أمور السياسية والدولة) كانت عند الفاطميين ودعاتهم آلة ألداء المسئولية الكبرى
التي هي حفظ الدعوة وتربية المؤمنين ،وقد اختاروا دائما عدم التدخل في سياسة
الحكومات ،وأوصوا أتباعهم بالوفاء لحكومتهم أينما كانوا في البالد( .انظر الموسم
صـ 32العددان (1999 )43-44م).
( )22السلطان الخطاب بن الحسن بن أبي الحفاظ الحجوري ( 533 - 475هـ - 1082 /
1138م) ،أحد شعراء القرن السادس الهجري من أهل اليمن ،متصوف ،فارس ،كان
معاضدا للداعي الذؤيب بن موسى الوادعي ،وتوفي في حياته (انظر :بوابة الشعراء،
السلطان الخطاب أنظر أيضا :السلطان الخطاب -حياته وشعره ،إسماعيل قربان
حسين ،صـ ،72أنظر أيضا ترجمته كاملة ضمن مجموع مؤلفات الخطاب ،تحقيق
وتقديم :د .عمرو معديكرب الهمداني ،منشورات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات
واألبحاث ،صنعاء -اليمن2017 ،م).
( )23إبراهيم بن الحسين الحامدي الهمداني :الداعي المطلق الثاني في سلسلة الدعاة
الطيبيين في دور الستر الثاني الذي أعقب وفاة اإلمام اآلمر بأحكام هللا واستتار ابنه
اإلمام الطيب بن اآلمر (للمزيد انظر ترجمته ضمن مجموع مؤلفات الحامدي ،تحقيق
وتقديم :د .عمرو بن معديكرب حسين الهمداني ،منشورات الدار المحمدية الهمدانية
للدراسات واألبحاث ،صنعاء -اليمن2016 ،م).
239
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
( )24علي بن محمد بن الوليد :الداعي المطلق الخامس في سلسلة الدعاة الطيبيين في دور
الستر الثاني الذي أعقب وفاة اإلمام اآلمر بأحكام هللا واستتار ابنه اإلمام الطيب بن
اآلمر (للمزيد انظر ترجمته في مقدمة ديوانه ،تحقيق وتقديم :د .عمرو بن معديكرب
حسين الهمداني ،منشورات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث ،صنعاء-
اليمن2015 ،م).
240
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الحسن -حفيد يوسف بن سليمان الهندي القاطن في اليمن -بادعاء أحقيته في
منصب "الداعي الم طلق" بناء على وصية من الداعي السابق ،الذي أيده أتباع
اإلسماعيلية في اليمن ،وفي الوقت نفسه قام أتباع الطائفة في الهند بتعيين
الداعي داؤد بن قطب شاه ،وذهب سليمان بن الحسن إلى الهند ليدافع عن حقه
في منصب الداعي لكن ذلك لم يجد نفعا ،ولم يناصره من إسماعيلية الهند سوى
القليل ،ومات ودفن في الهند.
ومنذ ذلك الحين ،انقسمت الدعوة إلى قسمين :الداؤدية ،نسبة إلى الداعي
داؤد ،وأتباعها في الهند ومركزها في بومباي ،ومركز فرعي في كراتشي،
واليمن وكينيا .والسليمانية ،نسبة إلى الداعي سليمان ،وأتباعها يتمركزون في
اليمن وإقليم نجران ،وفي الهند في حيدر آباد الدكن ،وبرودة ،وكجرات قرب
بومباي وفي باكستان(.)28
الدعوة السليمانية اإلسماعيلية ونقلها إلى نجران:
تجمع أغلب المصادر على أن أول من انتقل إلى نجران من دعاة
اإلسماعيلية هو الداعي محمد بن إسماعيل المكرمي في العام (1108هـ/
1697م) ،على إثر خالف حول المعتقد مع اإلمام المهدي (أحد أئمة الزيدية).
ومنذ انتقاله ،أصبحت نجران مركز ثقل الدعوة ومنطلق قيادتها ،وأصبح أهل
نجران أنصار الدعوة ..كما استطاع أن يستقل بحكم نجران عن حكم أئمة
صعدة ،وأصبحت (بدر) المركز الديني المهم لإلسماعيلية.
()29
أينما وجدوا (خار نجران) ،من حراز إلى الهند كما أنهم ساسوا المكارمة
والسند وعراس ..إلخ ،وقد حكموا نجران لثالثة قرون تقريبا ،ساسوا رعيتهم
بما يحافظ على وحدة القبيلة ،حتى إن خر بعض أبنائها عليهم لم يوقعوا بهم
العقاب ولعل مرجع ذلك يعود إلى أنهم أساسا من أبناء قبائل همدان الصغرى
ويعرفون قدر وأهمية العرف القبلي.
كما اتصفوا بالشجاعة وحسن القيادة في الحروب ،كما عززوا سلطتهم
بالوالء المذهبي ،مع اهتمامهم بتربية أبنائهم وأتباعهم بتعاليم مذهبهم(.)30
وبانتقال الداعي محمد بن إسماعيل المكرمي (ت 1129هـ) إلى نجران
وضع اللبنات األولى لبناء دولة قوية ،وقد استمر خلفاؤه بالحفاظ عليها،
وأضافوا إلى سلطتهم في نجران كل مناطق أتباعهم في اليمن "التي كانت
خاضعة لسلطة األئمة الزيديين" ،ثم إنهم أصبحوا قوة مرهوبة الجانب في
الجزيرة العربية بسبب ما قدمته لهم قبيلة (يام) من تعزيز لسلطتهم.
كما مارس المكارمة الحماية والضغط على حكام أسرة األشراف في
المخالف السليماني ،وكانت لهم عالقة صراعية مع الدولة السعودية
األولى( ،)31وتأكد لهم فيها زيادة القوة والمهابة.
المكارمة :أسرة يمنية تولت زعامة بني يام والجماعة اإلسماعيلية الطيبية السليمانية في نجران واليمن ()29
منذ القرن الحادي عشر /السابع عشر .وتتألف األسرة من عشيرة بني مكرم من همدان ،الذين سبق أن
استقروا في القرى الواقعة غربي صنعاء ،وفي ما بعد استقر بعض المكارمة في بدر– نجران
الشمالية ،وبقيت بدر مكان إقامة تقليدي للدعاة المكارمة اإلسماعيليين السليمانيين ،الذين حافظوا على
استقاللهم السياسي كحكام ليام حتى ضم المملكة السعودية لنجران عام 1934م( .دفتري ،معجم
التاريخ اإلسماعيلي صـ.)265
للمزيد انظر :نوفل ،إسماعيلية اليمن السليمانية "المكارمة". ()30
حدثت أحداث قوية ومؤامرات بدعوى من الملك سعود الكبير ضد الدعوة الفاطمية في مدينة بدر ()31
الجنوب المشهورة بحرب بدر مع جيش الدولة السعودية األولى الذي أرسله سعود الكبير وقوامه
100000مقاتل تمكن الداعي عبدهللا بن علي ومعه قبائل يام وهمدان من دحره وهزيمته شر هزيمة
بحيث لم ينج منه إال مثل همل النعم ،رغم أنه كان مكونا من أغلب قبائل نجد والجنوب ،وتفاصيل هذه
الحرب ذكرها لطف هللا جحاف في كتابه درر نحور الحور العين ،أحداث عام 1223هـ ،كما أوردها
حمد الجاسر في مجلة العرب عدد الربيعان لعام ( .1415انظر أيضا أحداث السنة الفاطمية،
منشورات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث –اليمن).
243
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
245
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
في التعيينات التي كانت تصدر من حضرة مركز الدعوة في اليمن إلى عمان
والهند الشرقية ،أم بهدف إدارة الدعوة وأتباعها هناه وتنظيم شؤونها ،أم من
خالل عمليات اإلزاحة والتهجير والنفي التي تعرضت لها من األئمة الزيديين.
ولذا يجب دراسة ظاهرة الهجرة لهذه الطائفة بشكل أكثر تحديدا ودقة
لتوضيح طبيعة تلك الهجرات ،وأسبابها ،واآلثار المترتبة عليها.
كانت اليمن مقرا للدعوة ألكثر من 400عام ،وهي تواصل اليوم احتضانها
عددا كبيرا من السكان اإلسماعيليين ،ولو أن مسألة العدد هي موضع تجاذب
كبير ويعود ذلك بشكل خاص إلى االضطهاد الذي مارسه األئمة من حكام
المملكة الزيدية في شمال اليمن قبل تحولها إلى جمهورية العام 1962م ،فقد
سعى األئمة الزيديون في صنعاء تقليديا إلى االنتقاص من سمعة الدعوة والدعاة
المطلقين ،طوال التاريخ المضطرب الذي أمضوه معا .وأحد األمثلة على ذلك
ما حدث في العام 1935م ،ففي أعقاب توقيع معاهدة الطائف مع الحجاز عام
1934م حاول اإلمام فرض تحويل جماعي لإلسماعيلية إلى مذهبه ،وهم الذين
سبق أن أجبروا على الدعوة إلى العقيدة الزيدية في مدارسهم .وفي سنة
1911م ،سبق للزيديين أن حاصروا قرى اإلسماعيلية في منطقة حراز -مكان
التجمع األكبر لإلسماعيلية في اليمن ،حيث عاشوا في عداء دائم تقريبا مع
جيرانهم الزيديين -غير أن اإلسماعيليين المتجمعين قرب ضريح الداعي الثالث
()34
(ت 596هـ) في الحطيب ،تمكنوا من حاتم بن إبراهيم الحامدي الهمداني
صد هجوم الزيديين في المعركة التي تلت ذلك ،على الرغم من الخسائر الفادحة
التي تكبدها اإلسماعيليون في هذه المعاره .وبعد تحويل مقر قيادة الدعوة إلى
( )34للمزيد انظر الحامدي ،تنبيه الغافلين تحقيق :د .عمرو معديكرب الهمداني
منشورات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث.
246
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الهند منتصف القرن العاشر /السادس عشر ،جرت معاملة اليمن كمقاطعة
خاصة ،فخضعت اإلدارة للسيطرة الكلية للمنصوب (وكيل -نائب الداعي) ،وهو
يمني من أهل البالد ،تولى اإلشراف على جميع المناصيب (العمال) اليمنيين
أيضا ،في مختلف مراكز اإلسماعيلية في اليمن ،وحافظ الدعاة على القيام
باتصاالت منتظمة مع الجماعة اليمنية -هذا بالنسبة لإلسماعيلية الداؤدية -بينما
اإلسماعيلية السليمانية واصلت أنشطتها ونقل مقر الدعوة إلى نجران .وتقوم
سياسة الدعوة على تشجيع اإلسماعيلية اليمنيين على زيارة الهند ونجران (من
أجل التسجيل والدراسة بشكل خاص) ،وحضور تجمعات الجماعة واحتفاالتها.
ولقد حقق اإلسماعيليون اليمنيون اندماجا أكبر مع البهرة الهنود ،لكنهم
يواصلون االحتفاظ بعناصر معينة من لباسهم وثقافتهم المميزين.
هجرة الطائفة اإلسماعيلية وطبيعتها:
لم تقرأ البيئة المجتمعية العربية التاريخ اإلسماعيلي كما يجب أن يقرأ،
وربما العتبارات عديدة يدخل في سياقها :أوال ،سرية هذا التاريخ ،مما يؤدي
إلى تأكيد الحقيقة القائلة" :من جهل شيئا عاداه" .ثانيا ،كتابة التاريخ العربي من
قبل السلطة ،وهي (السلطة العربية اإلسالمية) عدوة اإلسماعيلية .وبالتالي ف ن
قراءة تاريخ اإلسماعيلية عبر بوابة التاريخ الشرعي /السلطاني ،إنما هي قراءة
أحادية الجانب وسلبية الصورة ،وال سيما أن اإلسماعيلية قد جسدت في التاريخ
العربي اإلسالمي الفصيل األبرز واألهم في تاريخ المعارضة القروسطية
العربية اإلسالمية .ثالثا ،تركيز اإلسماعيلية -ومنذ بواكيرها األولى -على
المثقف وإهمال الجماهير جعلها في عزلة مجتمعية ،أو تشكل دين الخاصة ،بل
حرمانها من طاقات بشرية كان ب مكانها أن تشكل قوة نضالية مقاومة .رابعا،
ليست اإلسماعيلية وحدها قد دخلها التشويه ،وإنما الفصائل العربية اإلسالمية
247
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وطني معين طرفا وطنيا آخر أو إلغائه يهيء األجواء للتسامح والمصالحة.
وينبغي أن نفهم أنه ليس من معيار الوطنية حرمان أقلية قومية ،أو دينية ،أو
سياسية من حقوقها تحت طائلة المصالحة الوطنية والثقافية ،وال يمكن تحقيق
هذه المصالحة إذا حرمت السلطة الحاكمة القوى الضعيفة والمهمشة من حقوقها
المشروعة ،أو رفضت األغلبية حقوق األقلية باسم "الوطنية".
حالة اإلسماعيلية في اليمن وهجرتهم الداخلية إلى نجران:
يتبع البهرة السليمانيون أو المكارمة خطا ًّ من الوراثة يختلف عن خط البهرة
الداؤدية ،اعتبارا من الداعي السابع والعشرين وفي ما بعد ،أي بعد والية ثالثة
دعاة تولوا قيادة الدعوة الطيبية عقب انتقال مقرها إلى الهند عام 1539م/
()36
(ت 1005هـ) ولده جعفر (ت 946هـ ،وقد خلف سليمان بن الحسن
1050هـ) الذي عاد إلى اليمن ،ومنذ تلك الفترة استقر مقر الدعوة السليمانية
( )36سليمان بن الحسن بن يوسف بن سليمان ،الداعي الـ 27من الدعاة المنفردين .وسنتحدث بالتفصيل عن أبيه
وجده وأبنائه وذريته وشجرة نسبه كاملة ضمن موسوعة أعالم المهجر ،ونكتفي هنا بنبذة مقتضبة عنه:
وهو يعتبر الداعي الرابع من دعاة الهند الذي ابتدـ بجده يوسف بن سليمان والذي به انتهى دور الدعاة من بني
األنف بعد الداعي محمد بن حسين بن إدريس عماد الدين وأما أولهم فقد كان الداعي علي بن محمد الوليد األنف
والذي نذكر نسبه كامال لعموم الفائدة حسبما ورد في كتاب منها الدين وكتاب جنان الجنان ،فهو :علي بن محمد بن
أحمد بن جعفر بن الحسن بن يحيى بن إبراهيم األنف بن أبي سلمه بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن الوليد بن المغيرة
بن عمران بن عاصم بن الوليد بن عتبة (أخو هند بنت عتبة) بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن
كالب ..إلخ النسب المتصل مع نسب الرسول ص إلسماع يل بن إبراهيم عليهم السالم .حيث نجدهم يلتقون مع بني
هاشم عند عبد مناف ومن جاء بعده من آباء الرسول الكرام.
أما كالمنا عن الداعي سليمان بن الحسن فسنجعله في عدة نقاط على النحو التالي:
- 1والدته ونشأته:
* ولد الداعي سليمان بن الحسن في يوم االثنين 27شوال عام 961هـ في اليمن ،حيث تربى في كنف والده الداعي
المؤهل غير المنفرد سيدنا الحسن بن يوسف بن سليمان ،ووالدته الحرة زينب بنت موسى بن سليمان .ولكن
الدهر لم يمهل والده كثيرا حيث وافاه األجل في األول من شهر رمضان عام 966هـ ودفن بالجورة في طيبة
وعمر سيدنا سليمان آنذاه خمس سنوات.
* درس في صغره القرآن ،ولما بلغ عمره عشر سنوات درسه جده سيدنا يوسف بن سليمان كتاب "الشهاب في
الحكم واألمثال واآلداب" وهو من تأليف القاضي الشافعي أبي سالمة القضاعي أحد قضاة الدولة الفاطمية في
وقت اإلمام المستنصر باهلل عليه السالم ،وكان ق د أهداه لإلمام فقبله منه وكافأه عليه .وكانت دراسة الداعي
سليمان لهذا الكتاب في يوم الغدير من سنة 971هـ .واستمر جده في تدريسه حتى انتقاله في 16شهر ذي الحجة
عام 973هـ ،ودفن بطيبة باليمن.
- 2سفره وارتحاله إلى الهند:
* لما بلغ 14سنة ارتحل إلى الهند وبلغ ه وهو في طريقه إليها انتقال الداعي عبدالجليل بن الحسن إلى جوار ربه
حيث كانت نقلته في 16ربيع اآلخر من سنة 974هـ ،ولم يتسلم أمر الدعوة إال ألربعة شهور فقط بعد الداعي
يوسف بن سليمان.
* وصل العلم له بانتقال أمر الدعوة والقيام بها للداعي داؤد بن عجب فارتحل إلى حضرته في أحمد آباد ،وفيها أخذ
عليه العهد الكريم ،وكان ذلك في صباح ليلة القدر من تلك السنة ،وكانت تلك هي والدته الدينية.
* بعد عامين بعدما بلغ السادسة عشرة جدد عليه أخذ العهد وذلك في عام 977هـ.
* في الثامنة عشرة من عمره فسحه الداعي لصالة الجماعة بمحله شيدبور ،وكان ذلك في يوم الغدير 18ذي
الحجة من عام 979هـ .وسيأتي تفصيل حياته ضمن الموسوعة العلمية لعلماء المهجر( .انظر أحداث السنة
الفاطمية منشورات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث).
249
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
في نجران .ويطلق السليمانيون العرب على أنفسهم لقب " المكارمة" نسبة إلى
أسرة داعيتهم ،في حين يواصل السليمانيون الهنود استخدام تسمية "البهرة
السليمانيين" .أما عن عدد نفوس السليمانيين فآخر اإلحصاءات توضح ارتفاعا
ملحوظا في أعدادهم ،حيث بلغ عددهم في اليمن ونجران ما يقارب،120000
بينما يصلون في الهند إلى عشرات اآلالف.
وكان المكارمة مقيمين في "دروم /طيبة"( ،)37ولكن الدعوة لم تنتقل إليهم
إال متأخرة ،فقد أورد صاحب كتاب "في بالد عسير"( )38أسماء أربعة دعاة من
الهنود قاموا بأمر الدعوة في الهند وطيبة من عام 974إلى 1088هجرية
وهم :داوود بن عجب ،الذي حصل بعد وفاته انفصال فرقة الداؤدية عن
السليمانية ،وسليمان بن حسن ،وجعفر بن سليمان ،وعلي بن سليمان ،وحين
وفاة األخير أوصى باألمر إلى إبراهيم بن محمد بن الفهد بن صالح المكرمي،
فقام بالدعوة في بلدة طيبة مدة 44سنة ،وحين وفاته عهد بها إلى حفيده محمد
بن إسماعيل بن إبراهيم فحصل بينه وبين الزيود حرب غلب فيها فهرب إلى
القنفذة( ، )39ومنها دعاه إسماعيليو نجران ليكون بينهم ،فحضر إلى بالد نجران،
وسكن بلدة بناها وأسماها "الجمعة" ،ولكنها اآلن خراب.
ومع أن المكارمة غرباء عن نجران ،وليس لهم سلطة زمنية (السيما إذا
أخذنا بعين االعتبار أن اليامية مؤلفة من ثالثة فروع ،لكل فرع رئيس زمني
قوي) ف نهم نجحوا في أعمالهم ،وأصبحوا أصحاب الشأن في األمور الدينية
والزمنية ،وامتدت فتوحاتهم إلى األطراف المجاورة ،ووصل بعضهم إلى تريم
( )37طيبة (همدان) هي إحدى قرى عزلة ربع همدان بمديرية همدانة التابعة لمحافظة صنعاء بلغ تعداد سكانها
558نسمة حسب تعداد عام 2004م (الدليل الشامل -محافظة صنعاء،www.yemenna>com ،
مديرية همدان الجهاز المركزي لإلحصاء بالجمهورية اليمنية).
( )38حمزة ،في بالد عسير ط1388/ 2هـ مكتبة النصر الحديثة ،الرياض ،صـ174
( )39محافظة القنفذة هي إحدى أكبر محافظات منطقة مكة المكرمة ،تقدر مساحتها بحوالي 7032كم ،تطل
غربا على ساحل البحر األحمر ويعود تاريخ نشأتها إلى عام 1311م في فترة حكم الخليفة العباسي
سليمان المستعلي باهلل( .ويكيبيديا الموسوعة الحرة).
250
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
حضرموت ،وبعضهم إلى أواسط نجد أيام النزاع بين آل سعود وابن دواس وآل
(. )40
. مغمر
واحتلت دول األئمة الزيديين المرتبة األولى من بين القوى التي شهدت
صداما مع اإلسماعيلية في اليمن لتعارض مصالحها السياسية والدينية مع
مصالحهم .وكما ذكرنا ،ف ن انتقال الداعي محمد بن إسماعيل المكرمي إلى
()41
(ت 1130هـ) نجران كان في عهد اإلمام المهدي صاحب المواهب
وصاحب األطوار الغريبة ،وقد وصفه الشوكاني بأنه أول من أخذ األموال من
حل ومن غير حل ،ولكن أيضا المتوكل من قبله كان قد كفر أهالي اليمن
األسفل -كفر تأويل ،-وفرض عليهم األموال الخراجية بدال عن الزكاة .وقد ذكر
()42
أن عالقة اإلمام المتوكل القاسم بن الحسين صاحب كتاب "جالء األخيار"
بالداعي هبة هللا بن إبراهيم المكرمي كانت جيدة ،وأنه كان يستشيره في الكثير
من األمور(.)43
غير أن البداية الفعلية لعالقة الصراع بين المكارمة واألئمة ،بوصفهما
قوتين ،كانت في عهد المنصور الحسين بن المتوكل ،فقبيل تقلده لمنصب
اإلمامة كان الناصر محمد بن إسحاق قد أعلن إمامته ،وصارت دولته هي
األقوى بتأييد من بعض قبائل حاشد وبكيل ،وحصرت قواته المنصور في
صنعاء ،غير أن شخصية المنصور ساعدته على الصمود .ثم إن حدثا كان له
األثر الكبير في ترجيح كفته على معارضه عندما قام الحسن بن إسحاق شقيق
الناصر محمد بن إسحاق بالمسير إلى طيبة في شعبان 1140هـ ،وأمر من فيها
من المكارمة ب فراغ دورهم ،مما أدى إلى استنجادهم بأقربائهم في نجران(.)44
وبالفعل لم يتمكن جيش يام المرسل من الداعي هبة هللا بن إبراهيم المكرمي من
نجدتهم ،حيث وصل الجيش وكان المكارمة قد طردوا من طيبة ،ولكن الجيش
تمكن من السيطرة على بالد الحيمة وحراز ،ووصل إلى صنعاء ،وتمكن من
فك الحصار الذي ضربته القبائل الم ناصرة لمحمد بن إسحاق ،وسار الجميع إلى
طيبة ،وما لبث الحسن بن إسحاق أن فر بمجرد دنو جيش المكرمي( .)45وبعد
أن نصرت قبائل يام المنصور بن الحسين ،وبعد أن استتب له األمر ،عزم على
إخرا المكارمة مما أقطعهم إياه من أراضي حراز والحيمة ،وهو ما حدث
بالفعل من إخراجهم من أكثرها في عام 1143هـ بعد فترة وجيزة من إقطاعهم
إياها .ونستغرب موقف اإلمام ذاه ألن البالد التي أقطعها لهم هي في األصل
من المناطق التابعة للدعوة اإلسماعيلية تاريخيا ،فهو لم يقدم فضال منه وإنما
أعاد حقا كان مسلوبا منهم( ،)46وأدى هذا الفعل إلى تأجيج الصراع ،وخرو
المكارمة من يام إلى نجدة إخوانهم .ونستبعد تلك األحداث الملفقة على المكارمة
من قيامهم بنهب مدينة بيت الفقيه في يام ،وترجع تلك المصادر إلى المناوئين
لإلسماعيلية وال يعتد بها .وتذكر المصادر اإلسماعيلية أن الداعي دفع عن أخيه
كل سوء وفك الحصار ،وأن هم لم يرحلوا عن طيبة إال بعد أن جرى بينهم صلح
وبين اإلمام أعاد بمقتضاه ما قطعهم ،ووعدهم ب عادة طيبة وإعادة ما أخذه من
أموال( ، )47وتوالت الصراعات بين الفريقين ،وكانت بالنسبة لإلسماعيلية
مواقف دفاعية وحماية للنفس ،بينما كانت ألئمة الزيدية حروب إبادة جماعية
ضد اإلسماعيلية ،واستطاعت اإلسماعيلية خالل مراحل الصراع من الصمود،
وفي بعضها كانت لهم غلبة ،كما حدث في قتل الناصر عبدهللا بن الحسن على
أيديهم ،الذي وصفه القاضي محمد بن علي العمراني في كتابه "إتحاف النبيه
بتاريخ القاسم بن محمد وبنيه" ،فأشار إلى أنه كان ممن يقوم باستالب مال
الخلق ،وال يجيب إن دعيت لنزاله ،وال يبرز إن اشتد المراس ،وغير ذلك مما
يوضح حقيقة ما كان عليه الناصر(.)48
وتوضح المصادر أن قتل الناصر لم تقم به اإلسماعيلية لوحدها فقط ،وإنما
()49
وكان أهم أسباب مقتل الناصر هو انضمت إليها بقية همدان من الزيدية
األذى الذي أصاب اإلسماعيلية وأهل الدعوة على يد الناصر ،فقتلوه بمساندة
الدعوة من يام ،وقال العمراني عن مقتل الناصر" :إن مقتل الناصر يوم عيد
للمسلمين"(.)50
( )51انظر :إسماعيلية اليمن السليمانية المكارمة ،صـ 76فليبي مرتفعات الجزيرة العربية 2
صـ 683الوصال ،تاريخ عسير.
( )52سبق التعريف عنه.
254
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وبين اإلمام ،وانتهى ذلك العصيان بقتل ابن خليل وهزيمة أعوانه .والملفت
للنظر في هذه األحداث هو إجالء اإلمام المهدي لهمدان عبر البحر إلى الهند
والصين بعد أن تخربت ديارهم ،وهي الطريقة ذاتها التي رحل بها محمد بن
إسماعيل المكرمي.
وبالرجوع إلى ما أوردته المصادر ف ن جميعها تؤكد أن انتقال الداعي محمد
بن إسماعيل المكرمي إلى نجران كان على إثر خالف طرأ بينه وبين اإلمام
المهدي صاحب المواهب ألمور أنكرها على طائفته ،فقام ب خراجه من طيبة
ومعه أتباعه من الطائفة ،لكن تختلف تلك المصادر في تحديد ذلك التاريخ،
ومنها أن ذلك كان في عام 1109هجرية1697-1696 /م.
وتأتي رواية أخرى إسماعيلية مفادها أنه في العام 1111هـ جرى خالف
بين محمد بن إسماعيل المكرمي وبين شريف يدعى مطهر ،مقره في صنعاء،
أسفر عن ترحيل محمد بن إسماعيل المكرمي من طيبة ومعه بعض من خواصه
عبر ميناء عدن إلى ميناء مصوع في الحبشة ،وعند وصولهم هنالك هبت ريح
أعادتهم إلى عرض البحر ثم إلى عدن ،ليأمر الشريف مطهر مجددا بترحيلهم،
وعند رحيلهم هبت ريح للمرة الثانية وقذفت السفينة إلى ميناء القنفذة حيث نزل
الداعي وصحبه وساروا مشيا دون إخبار ربان السفينة عن وجهتهم التي لم تكن
سوى نجران( ، )53وقد ذكر صاحب كتاب جالء األخيار قصة مشابهة ،خال أنه
ذكر المهدي صاحب المواهب عوضا عن الشريف مطهر ،ولم يحدد سنة رحيل
الداعي محمد بن إسماعيل(.)54
وقد استقر الداعي محمد بن إسماعيل المكرمي في بلدة اسمها "الجمعة" هي
اآلن بلدة خربة ،وتكاثر المكارمة الوافدون واستقروا في بلدات عدة بنجران
( )53انظر :إسماعيلية اليمن السليمانية ،صـ.78
( )54انظر :جالء األخيار (ق 25أ).
255
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
أشهرها بدر ،المركز الديني المهم للطائفة ،وتقع في وادي حبونا شمال وادي
نجران على حدود عسير .ومن البلدان األخرى التي سكنوها ،خشيوة وسهلة،
وعلو المخالف ،وقصور شعيب ،وبران.
وتعاقب الدعاة في نجران ،وبخالف ما جرى عليه الطابع السيادي في الخالفة،
ف نه منذ تسلم المكارمة للدعوة لم يخلف ولد أباه إال في حالتين ،عندما خلف
إسماعيل بن هبة هللا والده ،والحالة األخرى الحسين بن أحمد وولده علي بن
الحسين ،وما عداهما ف ن الدعوة كانت تنتقل أحيانا من األب إلى الحفيد ،أو من
أخ إلى أخيه ،أو من داع إلى داع آخر من فرع يبتعد في نسبه عن سابقه إلى
ثالثة أو أربعة أنسال ،وأبعد من ذلك ف نها قد تخر من أسرة المكارمة إلى
غيرها ،كما حدث بتولي الحسن بن إسماعيل شبام( ،)55من إسماعيلية حراز،
وعلي بن محسن شبام (الداعي الـ )46المهاجر إلى نجران الحقا ،كما أنها -أي
الدعوة -قد تخر إلى أحد الهنود ،كما حدث بتولي غالم حسين بن فرحات
الهندي( ، )56وعلى الرغم من أنه لم يكمل السنة حتى توفي ،ف ن األمر قد حمل
داللة كبيرة بشأن ربط إسماعيلية الهند السليمانية باليمن وبث الشعور في
أوساطهم بأن لهم مكانتهم وذلك بتولي أحدهم منصب الداعي المطلق(.)57
( )55الحسن بن إسماعيل شبام الداعي الـ( )42عند السليمانية ،وهو من إسماعيلية حراز تولى
الدعوة عام 1262هـ ،ووسع من نطاق دولته في حراز إلى ما حولها من مناطق الحيمة وفي
غيرها من المناطق وذلك بمساندة المكارمة ويام له ،وقد سيطر األتراه على دولته واقتادوه
أسيرا إلى ال حديدة حيث مات فيها بعد أن كانوا أزمعوا على إرساله إلى إسطنبول وذلك عام
(1289هـ) ،انظر :إسماعيلية اليمن المكارمة ،صـ /85هامش5
( )56غالم حسين الهندي الداعي الـ( )47عند السليمانية قام برحلتين إلى اليمن قبل توليه الدعوة
األولى عام 1303هـ واألخرى عام 1327هـ انظرDaftary The Ismail's their :
History and Doctrines p321
( )57أحدث هذا االنتقال عقب حالة طارئة بعد أن شهدت نجران حربا بين دولة اإلمام يحيى حميد
الدين وبين آل سعود حول السيطرة على نجران وما قام به الجيش اإلمامي من االستيالء
على نجران ودخول بدر مركز الدعوة (انظر :إسماعيلية اليمن المكارمة ،صـ.)85
256
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
257
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
األموال التي كانت تسلم من قبل األئمة ،وأشراف أبو عريش ،والتي تعد
مصادر أخرى أيضا.
وبهذا ف ن مقومات الدولة كانت آنذاه مقياسا لتسمية قوة ما بها ،فقد توفرت
جميعها في سلطة المكارمة على قبائل يام ونجران ،ولهذا نجد كثيرا من
المؤرخين المعاصرين لبعض األحداث التي دونوها في كتبهم كانوا يطلقون
على الداعي الذي عاصر فترتهم ألقابا ،مثل "حاكم نجران" ،أو "سيد نجران"،
أو "صاحب نجران" ،وهي ألقاب غالبا ما كانت تطلق على من كانوا يحكمون
دولة مستقلة.
ونظرا للمعطيات التي تقدمها لنا المصادر ،ف ننا يمكن أن نسمي سلطة المكارمة
بـ"السلطة السياسية الدينية القبلية" حيث تمكن المكارمة من صهر تلك
السلطات الثالث إبان حكمهم لقبائل يام الذي استمر قرابة ثالثة قرون.
وهنا نورد ما قاله فليبي ،عندما تخيل بلدة بدر في أيامها الخوالي ،وذلك بعد
أن وصل إليها ورأى حالها في عصره بقوله" :ال بد أن تكون بدر في أيام
أوجها في عصر المكارمة مركزا ذا أهمية عالية وعظيمة حكما بما يشهد عليه
ما تبقى من قصورها ومبانيها والفلل ذات الحدائق"(.)58
ويمكن القول أيضا إن أول هجوم للدولة السعودية تم على نجران حدث عام
1210هـ بقيادة مباره بن هادي قرملة رئيس قبيلة قحطان ،واقتصر هجومه
على بدو نجران ،ويبدو أنه كان مجرد جس لنبض قبائل يام ألنه لم يصل إليهم
واقتصر على البدو الساكنين في أطراف نجران ،وكان أول هجوم وصلت
قوات السعوديين إلى قرى نجران عام 1215هـ عندما بعث عبدالعزيز بن
محمد آل سعود حملة اصطدمت مع الياميين في نهوقة على بعد ثالث مراحل
من نجران ،حيث دارت رحى الحرب بين الطرفين ،واستمرت أياما استطاع
السعوديون إجبار يام على التراجع إلى قرب بدر ،مركز الداعي عبدهللا بن علي
المكرمي( ،)59وبدت هزيمتها وشيكة إال أن القوات التي جاءت لدعمها غيرت
مسار الحرب حيث تم إلحاق الهزيمة بالسعوديين( .)60وتوالت المواجهات بين
الطرفين في عدة مواقع أهمها هجوم السعوديين على نجران عام 1223هـ الذي
انتهى بانتصار اإلسماعيلية وهروب جيوش السعوديين .وكانت أهم عوامل
انتصار المكارمة ويام تتمثل في:
تحصن قبائل يام في قالعهم ،التي يسمونها بـ"الدروب" المبنية من الطين
ومن الحجارة ،تلك القالع التي أوقفت هجوم السعوديين أكثر من مرة ،وقد
أدره اآلخرون ذلك ،وهذا ما دعاهم إلى بناء حصنين للغرض ذاته مما أتاح
لهم فرصة البقاء لفترات طويلة.
شدة مراس أهل نجران الذين عرفوا به في خار بالدهم ،وكانوا أشد مراسا
في بالدهم ألنهم أدرى بطبيعتها وبمسالكها ،ثم إنهم يعلمون ما تعقبه الهزيمة
من إذالل لهم ،وهذا ما كان يجعلهم يستبسلون في القتال.
الخطط الحربية التي اتبعها المكارمة أثناء المعاره وحسن توجيههم ليام،
مما أدى في نهاية األمر إلى النصر.
وأدت هزائم السعوديين في نجران إلى إعاقة توسعهم في بالد اليمن
الجبلية ومن ثم امتداد قواهم في مناطق تهامة(.)61
( )59الداعي الـ 37من دعاة الفرقة السليمانية (صحيفة الصالة السليمانية ،صـ.)715
( )60انظر :درر نحور الحور ،صـ.754
( )61انظر :إسماعيلية اليمن السليمانية ،ص.222
259
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وال يمكن إغفال دور العجمان وآل مرة( ،)62حيث يرجع المهتمون بأنساب
القبائل نسب العجمان إلى علي بن هاشم من ولد هبرة بن الغوث بن الغز بن
مذكر بن يام ،وقد غلب على لقب عجيم لوجود عجمة في لسانه( ،)63أما آل مرة
فهم من أبناء جشم بن يام ،وكانت مساكنهم مع أبناء عمومتهم في نجران ،ثم
نزحوا إلى نجد في حدود عام 1130هـ( ،)64وأشار صاحب "لمع الشهاب" إلى
أن العجمان حلوا نجدا منذ مائة سنة ،ويمشون في أي موضع شاؤوا منها لقوتهم
وشجاعتهم( ،)65وقال فؤاد حمزة عن آل مرة" :من أقدم القبائل العربية وأصحها
نسبا ،وأشدها مراسا ،وأكثرها همجية ،وأبعدها عن الحضارة"(.)66
وقد اتسمت عالقة العجمان وآل مرة بالسعوديين بعدم الثبات ،فحينا تراهم
ضمن جيوش السعوديين التي كانت تسير إلى أكثر من مكان في الجزيرة
العربية ،ثم فجأة يناصبون السعوديين العداء .وكان للعجمان حروبهم الشديدة مع
حكام األحساء آل عريعر ،وكان الخاسر فيها األخيرون ،وأشهرها حرب
الرضيمة عام 1238هـ ،حيث انتصر العجمان وتمكنوا من بسط يدهم على
األحساء ،وقد سارع رجال يام في مد يد العون إلى إخوانهم العجمان في هذه
الحرب وقاتلوا إلى جانبهم(.)67
شكل اإلسماعيلية السليمانية في اليمن امتدادا لمن سبقهم من أسالفهم من
السرية ،والعمل الدؤوب على اإلسماعيلية في الفكر والسياسة ،وفي انتها
إعادة مجد ما مضى .فعقب تولي أسرة المكارمة للدعوة بعد أكثر من مائة عام
( )62آل مرة أو بني مرة قبيلة عربية يقيمون في السعودية وقطر واإلمارات العربية المتحدة
والكويت والبحرين وحضرموت ومصر ويتمركز تواجدهم في السعودية وقطر.
( )63انظر :إمتاع السامر ،صـ.491
( )64انظر :رحلة عبر الجزيرة العربية ،صـ.210
( )65انظر :لمع الشهاب صـ.126
( )66انظر :قلب جزيرة العرب صـ.202
( )67انظر :إسماعيلية اليمن السليمانية صـ.223
260
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
من تولي دعاة هنود لها ،أعادت إلسماعيلية اليمن مكانتهم ،وقد كان انتقال
الداعي محمد بن إسماعيل المكرمي إلى نجران حجر األساس األولى لتكوين
سلطة إسماعيلية قوية .فبعد أن استقل بها استمر حلفاؤه على الحفاظ على ذلك
االستقالل ،وزادوا عليه إخرا جميع مناطق أتباعهم في اليمن عن سلطة األئمة
الزيديين.
صار المكارمة قوة تهاب ،ليس في اليمن وحسب بل في الجزيرة العربية لما
تقدمه قبيلة يام من تعزيز لسلطتهم ،فكانت أولى القوى التي احتكت بهم -وكما
هي العادة في تاريخ اإلسماعيلية في اليمن -الزيدية ممثلة بآل القاسم ،وجرت
بينهم معاهدات وحروب ،وصيغت بينهم مواثيق كانت تعطي المكارمة المزيد
من النفوذ والسيطرة في اليمن .ونتيجة لما بلغته سلطة المكارمة من قوة فقد
مارست الضغط على قوة األشراف آل خيرات في المخالف السليماني ،وجرت
بينهم وبين الدولة السعودية األولى حروب كانت تزيد من قوة المكارمة ،وتؤكد
على أن قدرتهم الحربية ال يستهان بها.
ومع ذلك كله فقد أمضى المكارمة في نجران السنوات الطويلة وهم يكافحون
في سبيل تكوين دولة إسماعيلية ،لكنهم وسط تراكم األحداث وتسيير الحمالت
وإنشاء عالقة مع قوة وأخرى ،فقدوا الكثير من الزمن دون أن يحققوا غايتهم
المنشودة ،على الرغم من أن المكارمة لم يتوانوا لحظة في سبيل ذلك.
امتداد نفوذ المكارمة إلى مناطق اإلسماعيلية الخاضعة لحكم األئمة الزيديين:
وجه المكارمة نشاطهم نحو مناطق اإلسماعيلية األخرى في همدان الصغرى
وحراز ،وعراس ،والمزاحن ،مستهدفين إخرا تلك المناطق عنن سنلطة األئمنة
الزيننديين .وكمننا رأينننا فنني ثنايننا البحننث ،الننزمن الطويننل والصننراع المريننر الننذي
خاضنوه ضنند األئمننة فنني سنبيل تثبيننت سننيطرتهم عليهننا ،وممنا يالحننظ علننى ذلننك
261
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الصراع أن حراز كانت صاحبة النصيب األوفر منن اهتمنام المكارمنة أكثنر منن
المناطق اإلسماعيلية األخرى ،ولعل ذلك يرجع إلى عدة عوامل أهمها:
المكانة الرف يعة التي يكنها اإلسماعيلية جميعهم لحراز ،فقد شنهدت االنطالقنة
األولننى ألشننهر دول اإلسننماعيلية فنني الننيمن الدولننة الصننليحية ،وكننذلك فنن ن
التنراث الفكننري مننن مؤلفننات اإلسننماعيلية التنني تمتلننال بهننا حصننونها ال توجنند
بهذه الكثرة في غيرها(.)68
حصانتها التي أعاقت الكثير من محاوالت األئمة استردادها في ما بعد.
البعد النسبي عن صنعاء عاصمة الدولة القاسمية مقارنة بمناطق اإلسماعيلية
في همدان الصغرى ،ومحاذاة بالد حراز لتهامنة التني كاننت الطرينق المعتناد
لمسير أيام إلى حراز ،مقارنة ببعد عراس عن تهامة.
وأخيرا زراعة البن في حراز الذي يتوفر بكميات كبيرة ،خالف بقينة منناطق
اإلسماعيلية ،وما يقدمه ذلك المحصول النقدي من دخل كبير(.)69
حالة اإلسماعيلية في الهند وبلدان المهجر:
إن ما مارسه األئمة الزيديون من ممارسات اضطهادية ضد أتباع
اإلسماعيلية تجب معاينته على أساس من السياق السياسي المحلي لليمن ،فقد
مرت اليمن بمرحلة مهمة خالل حكم الدولة الصليحية ،وكان للدولة الصليحية
األثر الكبير في إعمار اليمن وتطوير البنية التحتية بشكل غير معهود ،واآلثار
الباقية أكبر دليل على هذا اإلعمار الذي حاولت الدويالت التي لحقتها غمره
ونسيانه ..ومن أهم تلك المعالم العمرانية بناء الجامع الكبير المقدس ،الذي جرى
استحداث الجانب الشرقي كامال بأمر من السيدة الحرة أروى بنت أحمد
الصليحي ،كما أننا نجد أن تعبيد الطرق لم تعرفه اليمن بشكله الحديث إال في
إطار حكمهم من الدولة الصليحية ،ومن ذلك مثال طريق نقيل السياني وغيرها
من الطرق ،كما أمرت السيدة الحرة أروى بنت أحمد الصليحي ببناء صهاريج
في عدن وما يجاورها ،وكانت ثمانمائة صهريج ،المتبقي منها حاليا ثمانون
صهريجا فقط ،وهذا نموذ عن حالة اإلعمار التي شهدتها اليمن خالل مرحلة
حكم الدولة الصليحية.
هذا أدى إلى شعور األئمة الزيديين بضرورة القضاء على هذا التراث
العظيم والعمل على تغييبه ،وتمت كتابة التاريخ بطريقة مختلفة تتناسب مع
أهواء الحكام.
وفي إطار محاوالت الزيود إخفاء معالم الدولة الصليحية ،توجهت سياساتهم
نح و اإلبادة الجماعية لهذه الجماعة من خالل الحمالت العسكرية المتتالية نحو
القضاء عليهم ،وهذا أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من األسر الناجية في محاولة
منهم للهروب من هذا الواقع المؤلم ،وكانت المناطق التي تم التوجه منها
محدودة للغاية ،ويمكن حصرها في المناطق المحلية اآلتية :منطقة عراس
ونجران.
وبالنسبة للهجرة الخارجية ،كانت الهند هي موطن قدم للمهاجرين
اإلسماعيليين اليمنيين ،فقد كانت هي المالذ اآلمن لهم ،ولذا انتقل إليها العديد من
األسر ،خصوصا تلك اإلسماعيلية الداؤدية ،وكانت كجرات هي أول
المستوطنات للطائفة اإلسماعي لية ،وأما معظم أتباع الدعوة اإلسماعيلية
السليمانية فقد توجهوا نحو منطقة نجران ،حيث هدفوا من خالل ذلك النزوح
النجاة بحياة من تبقى ،ومحاولة إنشاء دولة محايدة في تلك المنطقة اآلمنة،
مدفوعين على العموم بأمل الحصول على حياة أكثر أمنا وازدهارا.
263
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
264
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
265
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
واعتبر دور الداعي في مراقبة استجابة الجماعة للحداثة دون الخرو عن
المثاليات الدينية -وهذا اختالف مستقل في درجة التطابق في قطاعات مختلفة
داخل الجماعة ال مفر منه -أمرا حاسما في تعزيز األفعال الرشدية التقليدية،
وفي توجيه وتصديق ضم اإلبداعات الحديثة ،وفي وضع المقاييس الموثوقة
للتغير واالستمرارية ،وأخيرا ،لكن ليس أقلها أهمية ،في توفير تركيز فعال
للوالء الروحي والتماسك الثقافي(.)70
ومن أهم األسر اليمنية الناجية التي هاجرت إلى الهند أسرة الهمداني التي
كان لها نشاط علمي واسع على مستوى الدعوة اإلسماعيلية في الهند ،وأسست
المؤسسة العلمية المشهورة بـ"المدرسة المحمدية الهمدانية" ،وسنتطرق لها في
مبحث منفصل من هذه الدراسة.
وبالنسبة للبهرة السليمانية في الهند ،ف ن تسيير شؤونهم يعود إلى ممثل
الداعي المعروف باسم "المنصوب" والمقيم في فادودارا (بارودا سابقا في
والية غجرات) ،ويوجد بهرة سليمانيون يعيشون في حيدر آباد (دكن) ،وأحمد
آباد ومومباي ،ولديهم مركز في مومباي يعرف باسم بدري باغ.
كما توجد جماعة صغيرة منهم في باكستان ،ويبدو أن للجماعة خار منطقة
نجران -حراز اتصاالت قليلة مع الداعي ،وأن التعامالت بين السليمانيين
الهنود واليمنيين محدودة ،فاليمنيون يختلفون كثيرا في أسلوب حياتهم وثقافتهم
عن الهنود .وقامت الجماعة السليمانية الهندية باإلضافة إلى ذلك بالنأي بنفسها
ثقافيا تدريجيا واالبتعاد عن جذورها الغجراتية ،ويتكلم أفرادها اليوم األوردية
بصورة مشابهة ألكثرية المسلمين الهنود .ومن األسر البارزة عند البهرة
السليمانيين أسرة طيبجي ،من القرن التاسع عشر وأوائل العشرين ،التي ينتمي
إليها محام هندي مسلم ،هو بدر الدين طيبجي ،والباحث اإلسماعيلي المشهور
آصف علي فيضي (1981 -1899م) .وكانت أسرة طيبجي تدعو إلى هدفين
"تقدميين" هما :تعليم حديث (وخاصة اللغة اإلنكليزية) لكال الجنسين ،والتخلي
عن ارتداء الحجاب .لكن ال يبدو أنهم حققوا اليوم تقدما كبيرا في المجال
التقني(.)71
كما يوجد البهرة العلويون ،المشهورون شعبيا بـ"البهرة العلوية" ،وهم
يتبعون خطا مختلفا أيضا عن خط البهرة الداؤديين منذ زمن الداعي التاسع
والعشرين وفيما بعد ذلك ،أي بعد عهد داعيين من فترة االنشقاق عن
()72
(ت السليمانيين ،واكتسبوا تسميتهم إلى الداعي علي شمس الدين بن إبراهيم
1631م1041 /هـ) -وهو من ساللة إدريس عماد الدين ،وأول يمني يترأس
الدعوة الداؤدية -وأطلقوا على أنفسهم لقب "العلويين" ،وعلى دعوتهم "الدعوة
العلوية الهادية" ،وبعد عهود ثالثة دعاة ،أي في العام 1090هـ ،انتقل مقر
الدعوة العلوية من أحمد آباد إلى فادودارا التي بقيت مقرا لقيادة الدعوة العلوية
حتى يومنا هذا( ،وسنتحدث عن تأثيرهم وتأثرهم الحقا).
وقننند هننناجر بعضنننهم منننن النننيمن ،وكنننذلك منننن الهنننند إلنننى الوالينننات المتحننندة
األمريكية وأوروبا والشنرق األوسنط ،وأكثنرهم يعملنون فني التجنارة ،ويهيمننون
على سوق البصريات في فادودارا ،ولهم أنشطة في مجاالت كالحقوق ،والطب،
وعلوم الحاسوب .أما عناداتهم ،ومعتقنداتهم ،وهرمينة (حندود) دعنوتهم فمشنابهة
( )71انظر :ثيودور ب .رايت "النسب اإلسالمي والحداثة :عشيرة طيبجي في بومباي" في امتياز أحمد،
األسرة والنسب والزوا بين المسلمين في الهند (نيودلهي ،)1976صـ.238 -217
( )72انظر :اإلسماعيليون تاريخهم وعقائدهم ،صـ.479
267
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
()73
لتلننننننننننك التنننننننننني للبهننننننننننرة الننننننننننداؤديين ،بمننننننننننا فنننننننننني ذلننننننننننك الميثنننننننننناق
()75
أو العهد"( ،)74واللغة (لسان الدعوة) ،وطراز اللباس.
تقاليد اإلسماعيلية في التعليم(:)76
يعد التعليم الديني مطلبا أساسيا ال غنى عنه ،وبالتالي هما أساسيا للدعاة ،فقد
شكل تاريخيا أولوية ووسيلة لتعزيز المكانة الروحية للداعي ،ولديمومة التراث
األدبي الغني للدعوة وتقوية الروابط الدينية ،فأقدمت الدعوة على إنشاء المرافق
المتنوعة للتعليم الديني ،بما في ذلك نظام المدرسة ،وتقاليد الوعظ العريقة
التي استمرت عبر العصور بال انقطاع ،أما عن أدب 77
المعروفة "بالمجالس"
الدعوة والتعليم فسنناقشه الحقا ونوضح هيكلية الدعوة التنظيمية.
كان للبهرة اليمنيين الدور الكبير في ابتداء حملة تطوير أدبية ،وكانت
األساس في ذلك المدرسة "المحمدية الهمدانية" التي أسسها سيدي 78محمد علي
( )73العهد :نص يقرأه المستجيب وعلى أساسه يعتنق المذهب اإلسماعيلي ويقسم على كتمان سر الدعوة وعدم
انتشار علومها وطاعة إمام الزمان الذي يطلع فيها على أعماله (منتزع األخبار مج /2صـ.)22
( )74ال تفيد المصادر المبكرة بوجود تاريخ محدد لتجديد العهد ،وقد ورد في أماكن مختلفة في منتزع األخبار
مج 2أن تجديد العهد كان يجري في الثامن عشر من ذي الحجة يوم الغدير لما لهذا اليوم من أهمية عند
الشيعة اإلمامية .انظر:
Ivanow، A cread of the fatimids ( Bomby، 1936 ) 13-17 ; Halm، the isma’ili oath of Allegiance and the
“sessions of wisdom” in f. Daftary )ed( mediaeval isma’ili History and thaught،91 -98.
للمزيد انظر الموقع اإللكتروني تاريخ اإلسماعيليين االستمرارية والتغيير ،صـ443 ()75
(( www.alavibohra.org
األيديولوجيا :يطلق البهرة على منظمتهم الدينية تسمية "الدعوة الهادية" وعلى أنفسهم "المؤمنون"، ()76
وتشكل المعتقدات التالية المبادئ األساسية أليديولوجيتهم ،المبدأ األول هو اإلقرار بوحدانية هللا (الذي
يعتقد به جميع المسلمين) ،فالبهرة يؤمنون بأنه هو الخالق الذي ال يحيط به فكر أو مخيلة ،ثم مبدأ أساسي
آخر هو االعتقاد (الخاص بالشيعة) بوجود مرشد روحي (إمام) في كل عصر مهدي باهلل ومعصوم
وكامل ويقوم بوظيفة الربط بين هللا والبشرية ،ويستقي نوره من هللا ويبثه بين الناس ،وأن هذه القيادة منذ
بدء الخلق وتستمر دون انقطاع حتى يرث هللا األرض والسماء وما بينهما ،وهي متسلسلة في خط واحد
تنتقل من األب إلى االبن حيث يعين كل إمام خليفته قبل وفاته ،ومن هذا الخط ظهر النبي محمد ص
ووصيه علي بن أبي طالب ثم أعقبهما خط من األئمة كانوا من ذرية محمد ص وعلي (والصلة بينهما
هي أمهم فاطمة ابنة ا لنبي محمد وزوجة الوصي علي)( .انظر :عقائد اإلمامة الفاطمية في الفصل الذي
كتبه القاضي النعمان في الوالية في كتابه دعائم اإلسالم ،تحقيق ،آصف فيضي ،صـ.)120
من أمثلة ذلك المجالس المؤيدية للمؤيد في الدين هبة هللا الشيرازي ،والمجالس الحاتمية للداعي حاتم بن ()77
إبراهيم الحامدي وغير ذلك كثير.
سيدي :تعني حرفيا "مليكي" أو "أميري" لكنها هنا لقب دون مستوى "سيدنا" ويمنح لرجال دين أو ()78
باحثين بارزين أو أصحاب رتبة في الدعوة.
268
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
( )79لسان الدعوة :وتعني حرفيا لغة الدعوة ،وهي لهجة غجراتية تكتب بخط عربي فيها
كثير من الكلمات العربية.
( )80الداعي الـ ( )51من دعاة الفرقة الداؤدية.
269
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
271
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
عدد كبير من مثل تلك «الجزائر» .ويشير الداعي المشهور حميد الدين
()83
إلى نفسه في بداية كتابه «راحة العقل» ،على أنه «الداعي في الكرماني
جزيرة العراق» .وما دام أن عنوان أحد أعماله هو «مجالس بغداد والبصرة»،
فيمكننا االستنتا أن بغداد والبصرة كانتا مركزين رئيسين لنشاطاته ،وجزيرة
ثانية كانت اليمن ،وثالثة السند ،وهي التي كانت مرتبطة بالقاهرة عن طريق
عدن في اليمن .وكانت تغطي الهضبة اإليرانية ومنطقة ما وراء النهر بكاملها
شبكة من الجماعات اإلسماعيلية ،لكن ال تتوفر لدينا معلومات محددة حول
تنظيماتها الداخلية ،فكانت شيراز في إقليم فارس مركزا لعمليات الداعي البارز
المؤيد ،الذي ربما كان مسؤوال عن كامل الجزء الجنوبي الغربي من إيران ،أما
في الشمال الغربي فكانت الري (إلى الجنوب من طهران حاليا) من أكثر المدن
أهمية في إقليم الجبال منذ أقدم العصور ،ومركزا رئيسا للدعوة منذ بداياتها
األولى ،ومن هنا كان إشرافها على الجماعات في مرتفعات الديلم إلى الجنوب
من بحر قزوين .وال بد أن إقليم خراسان في الشمال الشرقي من إيران كان
«جزيرة» بنفسه ،ولو أنها ظهرت مؤقتا -في ظل السجستاني وناصر خسرو
على سبيل المثال -وكأنها كانت مجتمعة في يد ذلك المقيم في الري.
وجاء في موقع تال "للحجة" عدد وفير من الدعاة المحليين واإلقليميين الذين
كان لهم بدورهم عدد من المساعدين عرفوا بالدعاة «المأذونين» .أما الرتبة
( )83الكرماني :هو أحمد بن حميد الدين ،ولد في مدينة كرمان عاصر الخليفة الحاكم بأمر هللا الفاطمي (ت
411هـ) وكان على رأس الدعوة اإلسماعيلية في كل من إيران والعراق في زمن اإلمام الفاطمي الحاكم
بأمر هللا ،له العديد من الكتب أشهرها "راحة العقل"( .للمزيد انظر "راحة العقل" ،تحقيق محمد كامل
حسين ،ط ، 1القاهرة ،دار الفكر .د .ت و"الرياض في حكم الصادين صاحب اإلصالح والنصرة"
تحقيق :تامر عارف ،بيروت ،دار الثقافة ،المقدمة ،و"الداعي اإلسماعيلي" ،حيدر محمد عبدهللا
الكربالئي صـ 103وما بعدها).
272
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الدنيا في الهرمية فقد شغلها الدعاة «المكاسرون»( ،)84وهو مصطلح مشتق من
الفعل «كسر» ،وصيغ على وزن «مناظر» وبمعناه ،وكانت مهمة "المكاسر"
الجلوس مع «التلميذ» ومجادلته حتى ينتهي من نقض جميع ما يجادل به .وفي
تعليمات النيسابوري آلداب الدعاة( ،)85يقول المؤلف إنه على من يقوم بجذب
المستجيبين «البدء بكسر مقاومة (التلميذ) وتحطيم آرائه السابقة إن عليه كسر
اعتقاده وما يعتنق حتى ال يبقى لديه أي جدل معاكس».
أما الداعي الفرد فقد كان مسؤوال عن ناحية بعينها ،وكان عليه القيام
بجوالت تفتيشية منتظمة فيها ،وينطبق األمر ذاته على «الحجة» في المستوى
األعلى لـ«الجزيرة» .وال بد أن الحجة كان مسؤوال أيضا عن تدريب وتعيين
الدعاة العاملين تحت إمرته لكن يبدو أنه كان أمرا متبعا إرسال جمع الدعاة ،أو
الذين من المراتب العالية على األقل ،إلى القاهرة ،إذا كان ذلك ممكنا ،وقضاء
بعض الوقت هناه لمقابلة داعي الدعاة شخصيا ،وربما اإلمام أيضا ،وتلقي
التدريب في مركز الحركة .وقد أمضى الدعاة الكرماني ،والمؤيد الشيرازي،
وناصر خسرو ،وحسن الصباح ،أمضوا جميعهم عدة سنوات في القاهرة.
إن تعليم الدعوة مهمة إلهية ،كما قال هللا لرسوله محمد -صلى هللا عليه
وسلم( :-ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) [النحل ،]125:ولتوضيح
كلمة هللا تلك وعرضها يلجأ النعمان إلى اقتباس الحكم واألمثال التي هي -وكما
هو متوقع -أقوال األئمة ،وال سيما أقوال إمام محدد بعينه كان يعد على الدوام
األكثر علما من بينهم ،اإلمام جعفر الصادق .وقد جاء عن اإلمام جعفر الصادق
( )84المأذون والمكاسر :في هيكلية الدعوة اإلسماعيلية عشر مراتب ،ويحتل المأذون العقل
التاسع أي الرتبة التاسعة ومهمته أخذ العهد والميثاق (منتزع األخبار ،مج/2صـ.)21
( )85انظر :الرسالة الموجزة الكافية في آداب الدعاة Verena Klemm and Paul E.
Walker
273
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
أنه قال« :اطلبوا العلم وتزينوا منه بالوقار والحلم ،وتواضعوا لمن تتعلمون منه
ولمن تعلمونه ،وال تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم»( .)86وقال
أيضا« :من طلب العلم ليماري به السفهاء ،أو يكابر به العلماء ليترأس به في
الناس فليتبوأ مقعده من النار ألن الرئاسة ال تصلح إال ألهلها»(.)87
والمتعلم ،طبقا للقاضي النعمان ،كثيرا ما يتحره ويندفع بالطموح والرغبة
في التفوق على اآلخرين ،ويكون بدافع التفاخر أمام اآلخرين ،والتنافس مع
األصدقاء والزمالء يقوم بدور مهم في هذا المجال ،والهدف الرئيس للرجل
الطموح يتمثل في الحصول على منزلة عالية ،وليس مثل هذا الطموح مؤذيا
بالضرورة على كل حال ،بل هو في واقع األمر ،كقوة دفع أولية ،وكنبضة
أولى ،مفيد لكن يجب أال يكون ذلك كل شيء إذ ليس قبل أن يتوغل المتعلم في
بالنجاح حقيقة .وينقل روح نشاطاته ،وعندئذ يمكن القول إن علمه قد تو
النعمان عن اإلمام جعفر الصادق أمره ألتباعه« :كونوا لنا دعاة صادقين»،
وهذا يعني أن تصرفوا واسلكوا سبيال بحيث يصبح مثالكم برهانا كافيا على
تفوق دينكم(.)88
اآلثار الثقافية للهجرات اإلسماعيلية وأبرز رموزها:
األسرة الهمدانية ونشاطها الثقافي (أنموذجا ً إلسماعيلية اليمن في الهند) :
اشتهرت األسرة الهمدانية بتوارثها لعلوم الدعوة اإلسماعيلية ،ونقل معظم
أدبيات الدعوة من اليمن إلى الهند إبان الحروب التي واجهتها الدعوة
اإلسماعيلية مع الزيدية ،مما دعا الكثير من أبناء الدعوة إلى الهجرة إلى خار
اليمن خوفا على حياتهم ،خصوصا أن الفكر الزيدي كان قد أطلق العنان نحو
إبادة جماعية للطائفة اإلسماعيلية في اليمن من خالل الحمالت العسكرية التي
وجهها ،والتي دعمها ب صدار الفتاوى التكفيرية ضد أبناء الطائفة اإلسماعيلية،
وأغلب الظن أنها نفسها تحكم العالقة بين الزيود في اليمن واإلسماعيلية إلى
يومنا الحاضر.
وهذا بدوره أدى إلى قيام األسرة الهمدانية بتبني عملية نقل الموروث
اإلسماعيلي خوفا من ضياعه وحرقه خالل الحروب التي كانت تستهدف
الطائفة اإلسماعيلية ،وكان المجال الواسع لها هو الهند ،وهناه استقرت
وافتتحت تلك المؤسسة التعليمية "المدرسة المحمدية الهمدانية" ،وقدمت
خدماتها لطالب العلم دون انتظار أي مقابل.
وفي أعقاب الخالف الذي نشب حول نظرية انقطاع النص في زمن
عبدالقادر نجم الدين ،تعرضت معاهد الدرس للتهميش ،ومن ضمنها "المدرسة
المحمدية الهمدانية" التي نعتقد أنه تم التحفظ عليها.
هجرررة المخطوطررات اإلسرررماعيلية عبررر العرررالم -مجموعررة سررريدي محمررد علررري
الهمداني:
نتيجة الحروب التي كانت تستهدف اإلسماعيلية في اليمن ،وكان أحد نتائجها
إحراق المكتبات الخاصة باإلسماعيلية أينما وجدت بهدف طمس هذا التراث
الفكري اإلسالمي العميق ،قامت الجماعة االسماعيلية في اليمن ب جراءات
عديدة للحفاظ على هذا التراث العلمي ،ومن ذلك قيامها بتهريب تلك األعمال
األدبية من داخل اليمن إلى بالد المهجر ،ومن تلك المجموعات مجموعة سيدي
محمد علي الهمداني التي تعد من أهم المكتبات اإلسماعيلية حتى يومنا الحاضر.
275
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
276
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
كما تميزت مجموعة مخطوطات األسرة الهمدانية بأن عددا منها قام بنسخها
نساء من األسرة الهمدانية ،وكانت من الكتب العالية جدا والسرية أيضا ،وهذه
داللة واضحة على ما كانت تتمتع به المرأة في األسرة الهمدانية اليمنية في الهند
من اهتمام وتثقيف عاليين.
ويعود أصل مجموعة المخطوطات الهمدانية إلى علي بن سعيد اليعبري
الهمداني (الذي ولد في 1132هـ1718/م ومات في 1212هـ1798/م) ،وهو
من نقلها عندما تم تهجير أبناء اإلسماعيلية ،وكانت وجهته من اليمن إلى
كجرات في منتصف القرن الثامن عشر ،ومن تلك المخطوطات عدد منها قام
بنسخه بيده الشريفة قبل ذلك أو بعد وصوله إلى الهند .ويوضح لنا فهرس
المجموعة الصادر عن المعهد اإلسماعيلي في لندن( )89أن هناه ثالثة أعمال
أدبية كانت بيد علي بن سعيد.
والمجموعننة توسننعت تحننت إدارة أحفنناده ،وبشننكل خنناص تحننت إدارة ابننن
حفينننننده ،عنننننالم البهنننننرة البنننننارز والمربننننني محمننننند علننننني الهمنننننداني (-1249
1315هننـ1898-1833/م) ،وحفيننده حسننين (عبدالحسننين) فننيض هللا الهمننداني
(1381-1319هننـ1962-1901/م) ،الننذي فننتح أبنننواب المكتبننة العائليننة إلنننى
الثقافة الدولية ،وبشكل خاص إلى المستشنرق العظنيم والطالنب الرائند للدراسنات
اإلسماعيلية باول كروس ،وتبعه ابنه عباس الهمنداني (1927-2019م) ،النذي
قام بأخذ تلك المجموعة العائلية إلى مقر إقامته في الوالينات المتحندة األمريكينة،
ثم قام بالتبرع بها إلى المعهد اإلسماعيلي في لندن (التنابع لإلمنام كنريم آغاخنان)
بهنندف الحفنناظ عليهننا مننن التلننف والضننياع ،وكننان الهنندف األسننمى هننو تمكننين
البنناحثين فنني مجننال الدراسننات اإلسننماعيلية م نن الحصننول عليهننا بسننهولة تامننة،
277
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وهو -لألسف -ما لم يتحقق نتيجة السياسات المتبعنة فني المعهند اإلسنماعيلي فني
لندن ،التي احتكرت المجموعة ومنعتها عن كثير من الباحثين.
وهو ما دفع حفيد العالمة حسين الهمداني (الدكتور عمرو معديكرب
الهمداني) إلى إعادة تجميع المجموعة الهمدانية وغيرها من األعمال األدبية من
مناطق متعددة في الهند ،والسند ،والجزيرة العربية ،وأوروبا ،وكانت مهمة
شاقة حيث يقيم الدكتور عمرو بن معديكرب الهمداني حاليا في موطنه اليمن،
وكان ذلك سببا في صعوبات جمة في تحصيل الكثير من المخطوطات
واألعمال األدبية لإلسماعلية ،وقد تحققت رؤية الهمداني من خالل جمعه لمئات
المخطوطات اإلسماعيلية من مصادر متنوعة ،وقامت مؤسسته العلمية
"مؤسسة الهمداني الثقافية -الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث" بنشر
العشرات من األعمال األدبية اإلسماعيلية في اليمن والعالم أجمع.
إن أ صول مجموعة الهمداني التراثية تعود ألسرة واحدة كانت ضمن جالية
البهرة في الهند ،انتقلت من اليمن ،وتعود أصولها إلى علي بن سعيد بن حسين
بن علي اليعبري الهمداني من قبيلة همدان المشهورة في التاريخ اإلسالمي،
وكان مقر إقامتهم في منطقة بيت أنعم – همدان ،ثم جرى انتقالهم إلى منطقة
حراز بسبب الحروب التي كانت موجهة ضد اإلسماعيلية من قبل األئمة
الزيديين ،وحراز هي المعقل الرئيسي والدائم لإلسماعيلية في اليمن على مر
العصور.
وتشير المصادر إلى أنه نتيجة األعمال العدائية للزيديين ضد اإلسماعيلية
في اليم ن ،والخوف من ضياع الموروث اإلسماعيلي ،قام الداعي الداؤدي
التاسع والثالثون إبراهيم وجيه الدين (1737-1754م) بدعوة علي بن سعيد بن
حسين بن علي اليعبري الهمداني (1132-1212هـ1798-1718 /م) للمجيء
278
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
279
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
280
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
حزانة المحمدية الهمدانية األدبي إلى حيازة عباس بن حسين الهمداني ،وأثناء
دراسة العالمة حسين الهمداني في أوروبا ،أعطى بعض النسخ من هذه
المخطوطات إلى الدكتور باول كروس (1904-1944م) ،ومن خالله إلى
مكتبات عامة في لندن وباريس.
ونتيجة االنقسامات التي حدثت الحقا في الدعوة ،وظهور المعارضات مما
أدى إلى انشقاقات في الجالية اليمنية اإلسماعيلية في الهند بعد موت الداعي
السادس واألربعين ،كان لألسرة الهمدانية دور كبير في هذه األحداث.
وقام البروفيسور عباس الهمداني ،في أواخر عمره ،بتسليم مخطوطات
األسرة الهم دانية إلى مكتبة "معهد الدراسات اإلسماعيلية لندن" ،في محاولة
لحفظ المجموعة من التفرق والضياع ،وأيضا لتره أثر إنساني لسيدي محمد
علي الهمداني الذي أفنى حياته في تجميع هذه الخزانة التراثية العظيمة.
ولألسف كان هذا التصرف ،غير القانوني -دون الرجوع لبقية أفراد األسرة
الهمدانية متمثلة في أخيه معديكرب حسين الهمداني ،وتناسى أحقية األخير في
ميراث آبائه وأجداده .وتقوم "مؤسسة الهمداني الثقافية" في اليمن بمحاوالت
عديدة إلعادة هذه المجموعة إلى اليمن ،دون الوصول إلى نتائج ملموسة حتى
اآلن .وعلى الرغم من ذلك ،وبسبب ضعف اإلمكانات المتاحة للعائلة الهمدانية
في اليمن ،ف ن الدكتور عمرو ،حفيد العالمة حسين الهمداني ،قد تمكن -خالل
عقد من الزمن -من جمع مجموعة مهمة ومتميزة من المخطوطات اإلسماعيلية،
ويعمل على تحقيق العديد من تلك المخطوطات ونشرها للجمهور في مختلف
بقاع العالم.
وكان من المهم بمكان أن تتضمن هذه الدراسة نبذة وجيزة دون إسهاب
لبعض أعالم العائلة الهمدانية ،وسيكون حديثنا عنهم وفق تدر تاريخي ،وأهم
281
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
المصادر عنهم ذكرت في مخطوطة مهمة توضح سيرة األسرة قام بتأليفها
الشيخ فيض هللا الهمداني.
علي بن سعيد الهمداني:
سيدي علي بن سعيد بن حسين بن علي اليعبري الهمداني ،مات في سورات
في شهر رمضان 1212هجرية 16/فبراير /شباط 1798م .وتشير المصادر
إلى أنه عاش حوالي 80سنة تقريبا ،ولذا ف ن األرجح أنه من مواليد العام
1131هـ1718/م.
ولد في منطقة همدان ،وتلقى فيها علومه األولية ،ثم نزح مع أسرته إلى
منطقة حراز ،ويعود نسبهم إلى األمير المشهور سبأ بن يوسف اليعبري
الهمداني من القرن السادس /الثاني عشر الذي ذاع صيته.
ونتيجة عدة عوامل سياسية واجتماعية ،أهمها الممارسات التي كان يقوم بها
األئمة الزيديون ضد أتباع اإلسماعيلية ،وتشويه صورتهم أمام المجتمع اليمني،
إضافة إلى تلقي الشيخ علي دعوة من الداعي المطلق الداؤدي التاسع والثالثين
الداعي إبراهيم وجيه الدين (ت1168هـ1754 /م) للنزوح والهجرة إلى الهند،
على إثر ذلك انتقل سيدي علي بن سعيد ،ونقل مجموعته الكبيرة للمخطوطات
من اليمن إلى الهند .وقد عاصر خالل حياته أربعة دعاة متعاقبين.
واشتهر الهمداني بعلمه ،وتم اعتباره أحد اثنين األكثر علما في الدعوة،
واآلخر كان سيدي هبة هللا بن ولي بهائي ،مستشار الداعي الثالث واألربعين
سيدنا عبد علي سيف الدين (ت1232هـ1817/م) ،وبناء على طلب الداعي قام
()90
"كتاب سلوان المطاع" الذي يحمل سيدي علي بوضع كتاب في الشعر
اسمه ،إضافة إلى بعض قصائد أبيه وجده .وإضافة إلى ذلك اشتهر سيدي علي
المبكرة ،ثم أصبح تلميذا عند خاله عبد العلي ولي هللا ،حتى موت األخير في
1274هـ1857/م.
قنننننام سنننننيدي محمننننند علننننني بتعلنننننيم مجموعتنننننه الخاصنننننة للطنننننالب منننننننذ
1270هنننـ1853/م ،أثنننناء وبعننند السننننوات األخينننرة لحيننناة مربينننه ومعلمنننه ،وقننند
عاصر الهمداني أربعة دعاة داؤديين هم :الداعي السادس واألربعون محمد بندر
النندين (المتننوفى 1256هننـ1840/م) ،والسننابع واألربعننون عبنندالقادر نجننم النندين
(المتننوفى 1302هننـ 1885/م) ،والثننامن واألربعننون عبنند الحسننين حسننام الننندين
(المتوفى 1308هـ 1891/م) ،والتاسع واألربعنون محمند برهنان الندين (المتنوفى
1333هـ1906/م).
وأدى موت الداعي محمد بدر الدين في 1256هـ1840/م إلى خلق ذعر بين
الطائفة اإلسماعيلية ،األغلبية منهم زعمت أن الداعي مات بدون تعيين وريث،
وجرى االعتقاد على أن اإلمام الطيبي المستور يجب أن يظهر ،وأقروا بأن
رئيس الدعوة القادم عبدالقادر نجم الدين يعد فقط كمنظم وليس كداع مطلق
وكان السبب في قيامهم بمبايعته الحفاظ على وحدة الصف والجماعة.
وبدأ نجم الدين منذ تعيينه ب ضعاف دور العلماء من خالل تعييناته ألفراد
عائلته في المكاتب المختلفة للدعوة ،وهذا أدى إلى احتجا من عدد من أتباع
الدعوة أطلق عليه الحقا (حلف الفضول) ،تم إنشاؤه على أسس مذكورة في
رسائل إخوان الصفاء ،وقاد الهمداني تلك الحركة المعارضة ،وقام حينها نجم
الدين بتقديم عروض للهمداني بمنحه مراتب وممتلكات ،ومنحه رتبة عالية في
1277هـ 1860/م ،لكن هذا لم يردع األخير من معارضته .وبعد موت أبيه في
1293هـ1876/م ،سيدي محمد علي تره الهند وسافر إلى مكة المكرمة مع
أربعة علماء آخرين ،ومن مكة سافر إلى تركيا وزار إسطنبول ،ثم زار سوريا،
284
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وفلسطين ،والقدس ،وأماكن مقدسة أخرى ،قبل الوصول إلى مصر ،وسافر
عبر شمال إفريقيا إلى تونس والجزائر والمغرب .وهذه الرحالت كان هدفها
البحث عن اإلمام المستور ،الذي كان يعتقد أنه حان الوقت لظهوره.
والفترة الزمنية التي قضاها في مكة حوالي 11سنة ،حتى
1305هـ 1887/م ،وأثناء هذه الفترة لم يتوقف خاللها من التواصل مع الهند،
وتواصلت مراسالته مع أبناء الدعوة اإلسماعيلية ،ومع خليفة الداعي آنذاه
عبدالقادر نجم الدين في 1297هـ1880/م ،الذي أرسل إليه رسالة يطلب فيها
تأييده وموافقته على تعيينه خليفة للداعي السادس واألربعين.
وعاد محمد علي الهمداني إلى الهند في 1305هـ1887/م نتيجة إصرار
زوجته وأطفاله ،وبعد سنة من وصوله أصبح عبدالحسين حسام الدين الداعي
الثامن واألربعين ،وخلفه في 1308هـ1891/م محمد برهان الدين.
وظل هذان الداعيان على عالقة ودية مع محمد علي ،حتى أن حسام الدين
زو حفيدته فاطمة إلى ابن محمد علي األصغر فيض هللا ،وفي عهد محمد
برهام الدين تسلم شؤون المدرسة السيفية في سورات ،وجعله مستشارا في
تعيينات ممثلي الدعوة في المناطق المختلفة في الهند واليمن .وفي هذه المرحلة
ظهرت معارضة جديدة بقيادة عبدالحسين كبروانجي في منطقة ناجبور والذي
ادعى أنه على اتصال باإلمام المستور ،وفي هذا الصدد قام الهمداني بتأليف
عدد من الرسائل لمحاججة المدعي.
وجاء هذا الموقف الذي تبناه سيدنا محمد علي نتيجة وثيقة مهمة كتبها
الداعي برهان الدين عام 1891م اعترف فيها بأنه ليس الداعي المطلق وإنما
هو فقط منظم لشؤون الدعوة ،وأن هذا أيضا ينطبق على الدعاة السابقين حسام
285
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الدين ونجم الدين ،ويتضح لنا أن معارضة محمد علي الهمداني كانت داخلية
هدفها اإلصالح وليس الغرض منها إنشاء جماعة خارجية جديدة.
واهتم محمد علي الهمداني خالل فترة حياته ،إضافة لما سبق ،بالشعر وعلم
()92
ضمن مجموعة الهمداني الموجودة في الفلك ،ويوجد لديه ديوان شعري
المعهد اإلسماعيلي في لندنن ،ولديه مؤلف آخر بعنوان "منسك الحج" ،وغيرها
من المؤلفات ،وفي مجموعته يوجد عدد من المخطوطات لبعض العلماء غير
اإلسماعيليين ،جمعها جده ووالده خالل فترة حياتهما.
والعديد من المخطوطات عبارة عن نسخ من أدبيات الدعوة اإلسماعيلية
القديمة التي قام هو وبعض تالميذه بفحصها وإعادة نسخها نسخا متعددة،
والمجموعة الهمدانية تحمل ختمه بتاريخ 1284هـ ،وقد انتقلت بعض من
مخطوطات الهمداني إلى مكتبة جامعتي توبينغن وبومباي.
فيض هللا بن محمد علي الهمداني(:)93
سيدي فيض هللا بن محمد علي بن فيض هللا بن إبراهيم بن علي بن سعيد
الهمداني ،أصغر أبناء سيدي محمد علي ،ولد في سورات في أكتوبر 1877م
وتوفي هناه في شوال 1388هـ /يناير 1969م عن عمر ناهز 91عاما،
وكانت عالقاته مع الداعي محمد برهان الدين (ت 1323هـ1906/م) ودية جدا،
حيث أنه اعتبر أن الداعي هو مجرد منظم للدعوة وليس داعيا مطلقا .وخلف
برهان الدين في الدعوة عبدهللا بدر الدين (ت 1333هـ1915/م) الذي استحوذ
على المخطوطات من مجموعة الهمداني التي كانت في حوزة طاهر األخ
األكبر لسيدي فيض هللا ،الذي وافاه األجل بصورة مفاجئة .وقد قرر الداعي أنه
( )92ديوان محمدي لألسف لم تتوفر لدينا نسخة من هذا العمل األدبي الهام.
( )93عميد المدرسة المحمدية وصاحب المدرسة العالية بسورات.
286
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
ليس مجرد منظم لشؤون الدعوة وإنما هو داع مطلق ،وأدى ذلك إلى التقاضي
في المحاكم ،خصوصا في لندن عندما قرر األخير التحكم في شؤون الدعوة
بشكل مطلق .وفي أثناء المقاضاة قدم الشيخ فيض هللا الدالئل على أن الدعوة
منذ الداعي السادس واألربعين هي ليست مطلقة وإنما يقوم فيها الداعي بتنظيم
شؤون الدعوة وليست له اختصاصات الداعي المطلق.
وعاش سيدي فيض هللا حياة طويلة عانى خاللها من الفقر والحرمان
والتفاني في خدمة الدعوة في تعليم أبناء الدعوة ألصول الدين اإلسالمي في
الهند ،وأنفق كل ممتلكاته في تحقيق ذلك الهدف السامي -نشر الفكر اإلسالمي-
وقد كان مديرا للمدرسة المحمدية الهمدانية التي توارثها عن والده ،وقد أسس
أول مدرسة لتعليم اللغة اإلنجليزية في مدينة سورات ،وكان -رحمه هللا -عضوا
نشطا في "المؤتمر التعليمي للمسلمين" في الهند ،واألمين العام "لصندوق
التنمية واالئتمان" ،وهي مؤسسة خيرية ،وظل كذلك حتى وفاته ،كما كان
مسؤوال على حفظ وإعادة العديد من المخطوطات الهمدانية -مجموعة سيدي
محمد علي -والمعروفة أيضا "بالخزانة المحمدية الهمدانية" ،وأتاح العديد من
هذه المخطوطات النادرة أمام العلماء والباحثين من شتى بقاع العالم الغربيين،
وهو ما قام به أيضا ابنه األكبر حسين.
ولديه مؤلفات عديدة أشهرها عمالن في التاريخ بعنوان "العقيدة البرهانية
والسوانية" ،تم نشره في سورات عام 1966م ،وكتاب بعنوان "حياة سيدنا
محمد علي الهمداني في البهرة الججراتية" ،جزء منه موجود في مجموعة
الهمداني في لندن.
287
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
( )94انظر :الهمداني ،العالمة حسين بن فيض هللا الهمداني (حياته -نضاله -فكره).
( )95متريكوليشن ( :) Matriculationشهادة االجتياز إلى التعليم العالي وتعادل ثانوية
عامة.
288
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
( )96اإلرياني ،مقابلة تلفزيونية ،برنامج "وتلك األيام" ،تلفزيون اليمنية الفضائية ،تاريخ
2010/2/14م.
289
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
290
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وفي العام 1934م تم تعيينه عضو لجنة االستقصاء التي عينتها حكومة نظام
حيدر آباد لتقديم التوصيات والمقترحات الخاصة ب صالح مكتبة األصفية بحيندر
آباد.
وحصل العالمة الهمداني على درجة أستاذ مساعد للغة الفارسية بكلية
الفنستون (بومباي) بداية العام ،1935ومارس مهامه األكاديمية فيها طيلة عام،
ولمدة عقد من الزمن كان العالمة الهمداني أستاذا للغة العربية والتاريخ
اإلسالمي وعميد القسم العربي بدرجة (أ) بكلية إسماعيل يوسف (بومباي) من
بداية العام 1937م .وخاللها تولى منصب السكرتير العام للجمعية العربية
(بومباي) من الفترة (1944 -1941م) ،وتولى العالمة مهامه كرئيس لقسم
اآلداب بكلية إسماعيل يوسف (بومباي) خالل الفترة (1946 -1945م) ،وكان
السكرتير العام للجمعية الثقافية العربية الهندية (بومباي) خالل الفترة (-1945
1947م).
كما كان العالمة هو األستاذ المسؤول عن مكتبة كلية إسماعيل يوسف
(بومباي) من الفترة ( 1945إلى 1947م) .وكان أستاذا للخريجين الذين
تعتمدهم جامعة بومباي لإلشراف على أبحاث الساعين للحصول على شهادة
الدكتوراه باللغة العربية.
وفي الفترة (1948 -1947م) تقلد العالمة مهامه مديرا مساعدا لألبحاث
اإلسالمية في حكومة البنجاب الغربية بالهور بالباكستان ،وهي المرحلة التي تم
خاللها انتقال العالمة من بلد المنفى (الهند) إلى بلد المنفى (الباكستان).
وفي نهاية العام 1948م تم تعيينه كأول مستشار ثقافي لسفارة الباكستان
بالقاهرة بدرجة (أ) ،وهذه كانت بداية انتقاله من باكستان إلى بلد المنفى
(القاهرة) التي استقر فيها حتى وافته المنية -رحمه هللا.
291
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
( )97للمزيد عن مؤلفاته راجع كتاب العالمة حسين بن فيض هللا الهمداني حياته -فكره-
نضاله.
( )98العالمة حسين بن فيض هللا الهمداني حياته – فكره -نضاله ،عدة صفحات .
( )99نبذة عن حياة البروفيسور عباس الهمداني تم نشرها خالل فعالية أربعينية الفقيد التي
أقامتها مؤسسة الهمداني الثقافية في اليمن في شهر فبراير 2020م.
292
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
( )100للمزيد انظر Al-hamdani the outset of the domination of the Hamdan over
Yemen
293
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
294
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
Pp. 291-294.
"The Tayyibi - Fatimid Community of the Yaman at the Time of the
Ayyübid Conquest of Southern Arabia ،" Arabian Studies،
Cambridge، Vol. VII (1985)
"Evolution of the Organizational Structure of the Fatimi Da'wa ،
" Arabian Studies III (1976): 85-114. Da'is in Yemen.
"Abu Hayyan al-Tawhidi and the Brethren of Purity ،" I.J.M.E.S. IX
(1978): 345-353. [Revised version of a paper presented under the
same title to the Tenth Annual Meeting of the Middle East Studies
Association at Los Angeles، 11-13 November 1976.]
"An Early Fatimid Source on the Time and Authorship of the
Rasa'il Ihwan al-Safa ،" Arabica XXVI (1979): 62-75.
"A Re-examination of Al-Mahdi's Letter to the Yemenites on the
Genealogy of the Fatimid Caliphs ،" J.R.A.S. (1983/2): 173-207.
"The Arrangement of the Rasa'il Ikhwan al-Safa and the Problem of
Interpolations ،" Journal of Semitic Studies XXIX، no. 1 (Spring
1984). Pp. 97-110.
"Sirat of al-Mu'ayyad fid Din al Shirazi." Ph.D. diss.، S.O.A.S.،
University of London، 1950.
The Beginnings of Ismaili Dawa in Northern India. Cairo، 1956.
"The Discovery of a Lost Literature ،" All Pakistan History
Conference VIII (1958): 61-73.
The Fatimids. Karachi، 1962. 84 pp.
"Some Considerations on the Fatimid Caliphate as a
Mediterranean Power." In Atti Terzo Congresso di Studi Arabi e
Islami'i. Naples: Ravello، 1967. Pp. 385-396.
295
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
( )102بنديات ،صفحات كثيرة ( )48-100وخير خواء ،تصنيفات ،صـ ،91 ،68وفصل
صـ33 -32
( )103أفضل معالجة للموضوع قام بها عظيم ناجي ،تقليد نزاري ،صـ 91 ،65ميسرا،
الجماعات المسلمة في غجرات صـ 65 -54 ،12-10إيفانوف "ساتيانث" في
كولكناتيا صـ ،19-1علي ،أصول الخوجا صـ 44-39هوليستر ،الشيعة صـ-339
،362يوسف علي ،خوجا ،الموسوعة اإلسالمية ،م 2صـ 962 -960إيفانوف،
خوجا صـ 257-256مادلونغ الموسوعة اإلسالمية ط ،2م ،5صـ.27-25
297
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الهنديننة ،ويسننتقبل بانتظننام وفننود البهننرة مننن غجننرات فنني ظننل تلننك الظننروف.
وتابعننت الجماعننة الطيبيننة فنني غجننرات نموهننا بشننكل ملمننوس ،واعتنقننت أعننداد
كبيرة من الهندوس اإلسماعيلية الطيبية ،ال سنيما فني كنامبي ،وباتنان ،وسندبور،
وفي أحمد آباد فيما بعد ،المكان الذي تأسس فيه مقر القيادة الهندية (.)104
ولننم يتعننرض إسننماعيلية غجننرات وال دعنناتهم الضننطهاد الحكننام الهننندوس
المحليننين الننذين لننم يشننعروا بننأي خطننر جننراء نشنناطات اإلسننماعيلية .وهكننذا فق ند
نمت الجماعة اإلسماعيلية وتطورت منن دون أي عنائق ،حتنى الغنزو اإلسنالمي
لغجنرات سننة 697هننـ1298 /م عنندما تعرضنت نشنناطات الندعوة للتضنييق إلننى
حد ما على أيدي حكام المنطقة المسلمين النذين اعترفنوا بسنيادة سنالطين دلهني،
وتنندهورت حالننة اإلسننماعيليين الهنننود أكثننر مننن ذلننك مننع غننزو ظفرخننان مظفننر
لغجننننرات سنننننة 793هننننـ1391/م .وألنننننه كننننان يتننننوجس خيفننننة مننننن نجاحننننات
اإلسماعيل ية ،فقد أصنبح ظفرخنان أول حناكم لغجنرات يقمنع الشنيعة فني مملكتنه،
وتتالننت األحننداث علننى اإلسننماعيلية فنني ظننل االنقسننام الننذي حنندث بينننهم حتننى
تأسيس حكنم المغنول ،حينهنا بندأ البهنرة اإلسنماعيلية يتمتعنون بدرجنة معيننة منن
الحرية الدينية ،حيث تخلوا عن "التقية" ،وصاروا يصلُّون علنا في مساجدهم.
وفي أكثر األحوال ،كان يتم إرسال الطلبة الواعدين من الطيبيين الهنود إلنى
اليمن لزيارة معارفهم ،مستفيدين من الروابط الوثيقة القائمة بين البهرة الطيبينين
ومقر قيادة الدعوة المركزية ،وهذا ما جرى لكبار رجاالت الدعوة اإلسماعيلية.
وكان يوسنف بنن سنليمان النذي تنولى رئاسنة اإلسنماعيلية بهرينا آخنر اختناره
الوالي لدراسات متقدمة في النيمن ،وقند وصنل يوسنف إلنى النيمن وهنو منا ينزال
شننابا يافعننا ،وأول مننا درس علننى ينندي حسننن بننن نننوح البهروجنني (ت939هننـ).
وسرعان ما لفتت دراسة يوسف انتباه الداعي المطلق الثالنث والعشنرين فرشنحه
لخالف ته ،وهكذا أصبح يوسنف أول هنندي ينرأس الندعوة الطيبينة بصنفته النداعي
المطلق الرابع والعشرين .وعندما توفي النداعي الثالنث والعشنرون سننة 946هنـ
كان خلفه يوسف في سدبور ،فمن غجرات راح يوسنف يصنرف شنؤون الندعوة
لبضنع سننوات قبنل اسنتقراره فني النيمن .وعنندما تنوفي سننة 974هنـ تحنول مقنر
القيادة المركزي للدعوة الطيبية من النيمن إلنى غجنرات علنى يندي خلفنه الهنندي
عبد الجليل بن حسن ،وفي تلك الفترة أقام الداعي المطلنق الطيبني مقنره الخناص
في أحمد آباد ،وعين نائبا له إلدارة شؤون الجماعة ودعوتها في اليمن(.)105
وقنند تعننرض اإلسننماعيلية للعدينند مننن االضننطهاد والمالحقننة مننن قبننل حكننام
حكموا غجرات وغيرها بعد حكم المغنول ،ويمكنن اعتبنار فتنرة الحناكم المغنولي
جالل أكبر هي أفضل مرحلة مرت ،وما تالها كانت مراحل زمنينة صنعبة علنى
جماعة اإلسماعيلية .وجرى في ظل الموجات المتكررة لالضنطهاد مننع طقنوس
اإلسماعيلية البهرة وممارساتهم في الهنند ،بمنا فني ذلنك زينارة أضنرحة األوليناء
المتعددة ،واحتفاالت إحياء ذكرى استشهاد الحسين بن علي خنالل شنهر محنرم،
يضاف إلى أنه حتى التعبدات الدينية الطيبية ،كالصنلوات اليومينة ،صنار ينديرها
الموظفننون السنننة الننذين أصننبحوا مسننؤولين عننن رعايننة مسنناجد الطيبيننين أيضننا.
وفرضت على اإلسماعيليين البهرة ضرائب جزائية وأشكال أخرى من المطالب
المالية الباهظة ،وعين ،في الوقت نفسه ،معلمون سنة لتعليم اإلسماعيليين البهرة
عقائد اإلسالم السنني .واسنتمرت أعمنال االضنطهاد هنذه التني اسنتوجبت التزامنا
صارما بـ"التقية" طنوال فتنرة قينادة ابنن عبند الطينب وخليفتنه موسنى كلنيم الندين
(ت 1122هننـ) الننذي تزامنننت فترتننه مننع السنننوات األخيننرة مننن فتننرة عننالمجيرا.
وفي وقت متأخر وصنل إلنى سننة 1116هنـ ،اعتقنل المزيند منن البهنرة البنارزين
ممن عملوا باسم الدعوة الداؤدية ،وأرسلوا منع كتنبهم إلنى اإلمبراطنور المغنولي
ليننننالوا عقنننابهم( .)106وبوفننناة اورنكزينننب سننننة 1118هنننـ ،واالنحطننناط الالحنننق
لإلمبراطوريننة المغوليننة فنني الهننند ،سننمح لجماعننة البهننرة اإلسننماعيلية عمومننا
بننالتطور بحريننة أكبننر ،وأدى اشننتغالهم فنني المجننال التجنناري إلننى جننذب انتبنناه
أصناف متنوعة منن حكنام الهنند الصنغار النذين كثينرا منا فرضنوا علنيهم دفعنات
مالية مخالفة لألصول.
وكان الداعي السادس واألربعون محمد بدر الدين بنن عبند علني سنيف الندين
(1256 -1252هنننـ) آخنننر الننندعاة النننذين كنننانوا ينتمنننون إلنننى الراجبنننوتيين منننن
غجنرات .وتشنير المراجنع إلننى أننه فني أكثننر منن مناسنبة قنند ذكنر أن خليفتنه هننو
عبدالقادر نجم الدين ،غير أنه توفي فجأة سننة 1256هنـ دون أن يعلنن منا يسنمى
"النننص الجلنني" ،وهنني التسننمية العامننة لننولي العهنند ،مننا سننبب جننداال سنناخنا فنني
()107
ولنم الجماعة فني مسنألة الخالفنة ،وهنو جندل اسنتمر حتنى الوقنت الحاضنر
يقدم علماء الداؤدية في ظل تلك الظروف على الكشف عنن األمنر للجمهنور ،إال
أنهم اتفقوا عموما على وجوب تولي عبندالقادر نجنم الندين إدارة شنؤون الندعوة،
وكان عبدالقادر الذي شغل رتبة "المكاسر" في ذلك الوقنت ابننا للنداعي الخنامس
واألربعنننين طينننب زينننن الننندين بنننن شنننيخ جينننوانجي .والجننندير بالنننذكر ،أن شنننيخ
( )106وردت رواية هذه الزيارة في "جنة بوري" الشعر المنسوب إلى إمام شاه ،ترجم عند
هودا "بعض نماذ " صـ .137-122انظر :اإلسماعيليون تاريخهم وعقائدهم
صـ.481
( )107انظر حول ذلك محمد علي ،موسم بهار ،م 3صـ ،767 -693إسماعيلجي ،أخبار،
صـ 362زاهد علي ،صـ ،297 -295انجنيز ،البهرة صـ 135وما بعدها ،بونواال
صـ 228 -224 ،221 ،219 ،14انظر أيضا :اإلسماعيليون تاريخهم وعقائدهم
صـ.484
300
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
جيننوانجي هننو جنند أكثننر أسننر النندعاة الننداؤدين حداثننة ،وهنني التنني بنندأت سنننة
1232هـ وحتنى وقتننا هنذا .والمهنم فني األمنر ،أن الداؤدينة اعترفنوا بعبند القنادر
رئيسا جديدا لهم ،بينما واصلت دوائنر متعلمنة جندالها فني أمنر واليتنه وتشنكيكها
في شرعيته.
بننل إن بعننض العلمنناء الننذين قلقننوا كثيننرا مننن مسننألة انقطنناع النننص والتعاقننب
المنتظم للدعاة ،بدأوا يتوقعون الظهور الوشيك لإلمام الطيبي ،وكانت النتيجة أن
غادر خمسة علماء من الداؤديين البنارزين ،بمنن فنيهم محمند علني بنن فنيض هللا
الهمداني (ت 1315هـ1898 /م) ،الهند إلى شبه الجزيرة العربية سنة 1293هـ/
1876م بحثننا عننن اإلمننام ،وزارت المجموعننة العدينند مننن المواضننع فنني الحجنناز
وغيرهنننا ،ودخلنننوا فننني مصننناعب منننع السنننلطات العثمانينننة التننني ظننننت البهنننرة
اإلسماعيليين جواسيس .وفي عام 1295هـ1878/م أقام علمناء الندين النداؤديون
القينناديون ،برئاسننة إبننراهيم بهننائي صننفي النندين ،مجلسننا استشنناريا فنني سننورات
عرف باسم "حلف الفضائل" منن أجنل هداينة الجماعنة فني المسنائل الدينينة طبقنا
للشريع ة ،ال سيما أن التثقيف الديني كنان قند توقنف فني غضنون ذلنك فني مركنز
"دار سننيفي" .وتبننين أن المجلننس لننم يولنند إال ليعننيش فتننرة قصننيرة ،وأن مختلننف
دوائر الداؤديين بقيت مضطربة جنراء الجندل النذي أحناط بتنولي عبندالقادر نجنم
الدين لمنصب الداعي.
وهنا يتضح لنا التأثير االجتماعي الذي كان لألسنر اليمنينة دور مهنم فني بنينة
المجتمننع اإلسننماعيلي فنني الهننند ،فقنند كانننت أكثننر األسننر معارضننة ،وكانننت لهننا
مواقف راديكالية بخنالف العامنة منن أتبناع الطائفنة اإلسنماعيلية .كمنا يتضنح لننا
مدى المعاناة التي مرت بها تلك األسر اليمانية في بالد المهجر ،الهند ،سواء من
301
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الحك ام المحليين للمناطق الهندية التني اسنتوطنوها ،أو منن خنالل الخالفنات التني
مرت بها الدعوة اإلسماعيلية وكان لها تأثير مباشر عليهم.
ويتضننح لنننا منندى التننزام اليمنيننين بالحفنناظ علننى هننويتهم اليمنيننة مننن خننالل
عاداتهم ولباسهم وتقاليدهم المختلفة.
وفنننني وقننننت الننننداعي الحننننادي والخمسننننين طنننناهر سننننيف النننندين (-1333
1385هنننـ 1965-1915/م) النننذي تنننرأس الجماعنننة لمننندة خمسنننين سننننة ،راحنننت
المعارضة ،التي أكدت في بداية أمرها التعليم العلماني ،تدعو بمرور الوقت إلنى
التغيير االجتماعي والحقوق الفردية ،وديمقراطية المؤسسنات المحلينة التني تتبنع
النندعوة ،والمسننؤولية الماليننة للمبننالغ التنني تجبننى مننن الننداؤديين .وجننرى إبنننان
الخمسننينيات والسننتينيات مننن القننرن العشننرين تكننوين المزينند مننن المجموعننات
اإلصننالحية التنني سننرعان مننا انضننمت إلننى المعارضننة القديمننة فنني الجماعننة،
مؤسسننة جبهننة متحنندة باسننم "برغنناتي مننندال" (أي المجموعننة التقدميننة) ،لكننن
األكثرية الساحقة منن النداؤديين البهنرة ،وهنم التقلينديون فني أسناليبهم ونظنرتهم،
واصلت كونها مؤيدة متحمسة لداعيها.
ولنم يكنن ذا أهمينة االسننتخدام الفعنال لعقوبنة الفصننل عنن الجماعنة،ن واألمننر
بالمقاطعننة االجتماعيننة مننن بننين إجننراءات تأديبيننة أخننرى مارسننها الننداعي فنني
إضعاف الجهود اإلصنالحية الداؤدينة .وفني وقنت مبكنر منن فتنرة واليتنه ،حنول
سيدنا طاهر سيف الدين مقر إقامتنه الندائم ومقنرات قينادات الندعوة الداؤدينة إلنى
بومبنناي ،حيننث سننبق لجماعننة مهمننة مننن البهننرة اإلس نماعيليين أن أقامننت هننناه،
يضاف إلى ذلك أن بومباي أصبحت مركزا رئيسا للتجارة في الهند حيث تفوقت
على مراكز البهرة السابقة في غجرات ،وبعد تقسيم الهند ،أصبحت كراتشي فني
باكسننتان بجاليتهننا المهمننة األخننرى مننن البهننرة ثنناني أكبننر مركننز مهننم للجماعننة
302
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
اإلسماعيلية فني جننوب آسنيا ،وأتناح النداعي الحنادي والخمسنون المجنال ألفنراد
جماعته للقائه بانتظام ،وأعاد بناء العديند منن المقامنات الدينينة للبهنرة فني الهنند،
إضنافة إلنى بنائننه مسنجد سننيفي فني بومبناي ،وهننو األكبنر بننين مسناجد الننداؤديين
الذين لديهم العديد من المساجد األخرى في آسيا وفي أمكنة أخرى.
وخلف طاهر سيف الدين سنة 1965م ولده األكبر سيدنا محمند برهنان الندين
الننداعي المطلننق الثنناني والخمسننين للبهننرة الننداؤديين ،وقنند تمسننك الننداعي محمنند
برهان الدين بسياسات والده بصورة أساسية ،حيث كرس اهتمامنا خاصنا ألمنور
اإلنعاش االجتماعي والتعليم للنداؤديين ،إضنافة إلنى اإلسنهام المتزايند للمنرأة فني
شنؤون جماعنة البهنرة ،والبهنرة هنم فني الوقنت الحنالي منن بنين أكثنر الجماعنات
تحصيال في التعليم في جنوب آسيا .وفي عنام 1983م أنشنأ النداعي فرعنا جديندا
للجامعة السيفية في كراتشي ،وكان قد حصل في سبعينيات القرن الماضني علنى
عننروض واسننعة مننن الحكومننة المص نرية لتننرميم األوابنند مننن الحقبننة الفاطميننة،
ورمم البهنرة النداؤديون عقنب ذلنك عنددا منن هنذه األوابند ،ومنهنا مسنجد الحناكم
واآلمر ،وعمل الداعي محمد برهان الدين على بنناء العديند منن المسناجد للبهنرة
الداؤديين في جنوب آسيا ،وفي عدة بلدان في الغرب(.)108
وال توجند لنندينا إحصنناءات دقيقننة عننن أعننداد البهننرة اإلسننماعيليين فنني الهننند،
ولكننن بننناء علننى إحصنناءات قامننت بهننا الحكومننة الهنديننة فنني ثالثينيننات القننرن
الماضي ،ف ن المتوقع أن يكون عدد البهرة قد تجناوز الملينون شنخص فني بداينة
القرن الحالي ،أربعة أخماسهم يقطنون في الهنند ،وأكثنر منن نصنف عندد البهنرة
الننداؤ ديين يعيشننون فنني غجننرات ،بينمننا يتموضننع البنناقون بصننورة أساسننية فنني
بومباي ووسط الهند .وتتألف المراكز الحضرية الرئيسة للداؤديين فني الهنند منن
المكاسنننر حسنننن بننندر الننندين إلنننى السنننفر إلنننى الهنننور ،ثنننم إلنننى كشنننمير لمقابلنننة
االمبراطور شاه جهان في 1637م ،والذي عقبه أحداث جمة عملت فني مجملهنا
على اسنتقرار الجماعنة العلوينة والحند منن المضنايقات وأعمنال العننف الموجهنة
ضدها من معارضيها.
ويمكن القول إن دعاة البهرة العلوية هم امتداد ألجدادهم منن الندعاة اليمنانيين
وحتى يومنا هذا والذين كان لهم األثنر الكبينر فني ترسنيخ مبنادئ الندعوة ونشنر
اإلسننالم بننين أوسنناط الهننندوس .وتضننم البهننرة العلويننة اآلالف مننن األتبنناع ،وال
توجد لدينا حصيلة دقيقة بشأن أعدادهم.
وحاليا تحظى الجماعنة بحالنة منن االسنتقرار فني منناطق تواجندها فني الهنند،
وخار الهند أيضا في دبي ،والكويت ،وباكستان ،وغيرها من البلدان.
ونرى المعالم اإلسالمية التي ساهمت البهنرة العلوينة ب نشنائها ممثلنة فني مقنر
الدعوة الرسمي ،وإنشاء العديد من المسناجد الخاصنة فني منطقنة فنادودارا حينث
تسنتقر الجماعنة العلوينة ،ولنديهم مسناجد أخنرى فني منناطق انتشنارهم المختلفننة،
ويتم تعينين نائنب يندير شنؤون الجالينات المتواجندة فني مختلنف المنناطق والندول
التي تنتشر فيها الجماعة العلوية.
وشهدت البهرة العلوية تطورا ملحوظا فني مجناالت التعلنيم فني عهند النداعي
الثاني واألربعين علي بدر الدين (ت1958م) ،حيث أدت جهوده إلى تنظيم أكثر
لشننؤون البهننرة العلويننة والجاليننات المختلفننة ،وأيضننا كننان لجهننود الننداعي الثالننث
واألربعننين سننيدنا يوسننف نننور النندين آثننار كبيننرة فنني إنشنناء أهننم مسنناجد البهننرة
العلوينة ،واشننتهرت البهننرة العلويننة فنني المجنال التجنناري بتجننارة البصننريات فنني
عهده ،ويقوم الداعي الحالي الخامس واألربعون سنيدنا حناتم زكني الندين بجهنود
كبيرة وحثيثة من أجل تطوير البنية التحتية للطائفة في مناطق تواجندها ،والعمنل
305
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
على تنظيم أكثر لشؤون الجماعة العلوية ،كمنا قنام بمسناعدة العديند منن البناحثين
الغننربيين والشننرقيين المهت مننين بالدراسننات اإلسننماعيلية مننن خننالل إتاحننة بعننض
كتب خزانتنه المشنهورة والكبينرة التني تحتنوي علنى العديند منن األعمنال األدبينة
لإلسننماعيلية ،والتنني سنناعدت البنناحثين فنني تحقيننق التننراث اإلسننماعيلي بصننورة
أكثر دقة وفعالية.
وال ننسى أيضا الجهود التي تبذلها الجماعة العلوية في المشاريع االجتماعينة
والتنموية ،وما يقدمه الداعي الحالي من جهود كبيرة في هنذا المجنال تهندف إلنى
مساعدة الفئات الفقيرة في شتى بقاع العالم ،ومنها اليمن.
النشاطات االقتصادية لإلسماعيلية في بلدان المهجر:
اعتمنندت معيشننة األكثريننة العظمننى لجماعننة البهننرة فنني الهننند تاريخيننا -كمننا
يوحي االشتقاق اللغوي األكثر قبنوال السنمهم -علنى بعنض أشنكال التجنارة ،وقند
لقيت التجارة واألعمال بصورة تقليدية وعقائدية تشجيعا فعاال تفضيال لهما علنى
بقية أشكال العمالة والوظنائف ،وكنان ثمنة رجنال أعمنال بهنرة نناجحون يعملنون
في الهند منذ بداية تأسيس الجماعة هناه .وقد وصنفهم ناشنر صنحيفة "بومبناي"
في أواخر القرن التاسع عشنر بنـ"البهرة التجنار" -تجنار كبنار علنى نطناق واسنع
يتنناجرون مننع شننبه الجزيننرة العربيننة ،والصننين ،وسننيام (اسننم تايلننندا الحننالي)،
وزنجبار – وغالبية التجار المحليين أو أصحاب الدكاكين الصغار -وأشنار إلنيهم
باعتبارهم "الطبقة األكثر ثراء ونجاحا بين مسلمي غجرات".
وشهدت الفترة من القنرن التاسنع عشنر إلنى القنرن الحنادي والعشنرين توسنعا
كبيرا في مغامرات البهرة التجارية في بلدان خار الهند ،حيث راحت جماعات
مهاجرة ومزدهرة تتشكل في نصفي العالم الشرقي والغربني ،ففني القنرن التاسنع
عشر ،بدأ البهرة مغامراتهم في منناطق أخنرى تابعنة لإلمبراطورينة البريطانينة،
306
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
( )110انظر على سبيل المثال الوصف الذي كتبه السير جون مالكوم لم العام 1823م لبيوت
البهرة "العصرية" في سورات مع "التحسينات األوروبية" في نشرة رئاسة بومباي،
كمبل ،م ،9.قسم :2المسلمون والبارسيون [أو الزرادشتيون] ،صـ ،29حاشية .1
307
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
المرتبنة األسنمى التني دفعننت برجنال البهنرة إلنى الهجننرة إلنى دول اإلمنارات فنني
منطقننة الخلننيج ،وصننارت حينناة أسننر هننؤالء المقيمننة فنني الهننند تعكننس تقنندما فنني
رخائهم وازدهارهم(.)111
المؤثرات السياسية إلسماعيلية اليمن في بلدان المهجر:
اتصنفت الفتنرة الحديثنة منن تناريخ الندعوة الطيبينة ،علنى وجنه العمنوم ،بأنهنا
فتننرة ازدهننار وهنندوء نسننبي ،وخاصننة عننند مقارنتهننا بالحقبننة التنني سننبقتها ،وقنند
حظي الداعي في الهند باحترام تناريخي منن قبنل الهنندوس والسنيخ ،وكنذلك منن
قبل المسلمين ،باعتباره شخصية روحية المعة .واشتهر البهنرة بمواقنف تمينزت
بنزعتهننا نحننو االنسننجام ،وحسننن النيننة ،وعنندم المواجهننة مننع الننناس مننن أتبنناع
المعتقدات األخرى .ومع ذلك فكثيرا ما عانوا منن االضنطهاد واألعمنال العدائينة
لكونهم جماعة شيعية أقلية ،والتزامهم بممارسات دينية علنية ممينزة ،كاالحتفنال
بالعينند بننناء علننى تحدينند فلكنني لننه (ولننيس بننناء علننى رؤيننة القمننر)( ،)112وإقامننة
صلوات أينام الجمنع بصنورة منفصنلة ،وممارسنة احتفالينة "المنأتم" ،أثنار عنداوة
طوائف المسلمين السنة ،بينما أدى ذبحهم للحيوانات للحصول علنى لحومهنا فني
بعض األحيان إلى إثارة غضب الهندوس النباتيين (وهذه عوامل كانت مهمة في
السننياق العننريض لالضننطرابات بننين المسننلمين والهننندوس فنني الننبالد) .ثننم إن
التماسننك الملحننوظ والرفنناه االجتمنناعي المننؤثر لنندى جماعننة البهننرة ،إضننافة إلننى
االحتفاالت ،وأسلوب حياتهم األفضل ،وتقدمهم فني ميندان التعلنيم الحقنا ،شنكلت
( )111في مسح حديث العهد ألسر البهرة الهنود بالنك ،المال ،صـ ،203توصل المؤلف إلى
أن ثالثة أرباع المشاركين في المسح كانوا من أصحاب األعمال وأن نسبة صغيرة
مقبولة كانوا من أصحاب الياقات البيضاء [موظفين] وعدد أقل كانوا معلمين أو
تجارا يديرون تجارتهم بأيديهم ،بينما ذكرت نسبة %4.2أنها تعمل في الصناعة.
(انظر أيضا :تاريخ اإلسماعيليين ..االستمرارية والتغيير صـ.)401
( )112للمزيد يمكن الرجوع إلى كتاب رؤية الهالل بين التأويل والظاهر ،تأليف :د .عمرو
معديكرب الهمداني منشورات مؤسسة الهمداني الثقافية 2019م.
308
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
عوامل أثنارت غينرة وحسند بعنض المجموعنات األكثنر فقنرا واألقنل تنظيمنا منن
بين إخوتهم في الدين .فأحد العوامل المهمة في التوتر بين الطوائنف كنان النوفرة
الماديننة التنني تمتننع بهننا البهننرة ،والتنني أثننارت ،وفقننا للروايننات التاريخيننة ،جشننع
الحكام المسلمين والهندوس من فترة ما قبل االستقالل ،وأدت منذ ذلك الحين إلى
استهداف الممتلكات التجارية كلما وقع عنف طائفي.
وكانت السلطات السياسية تقوم عبر العصور بحماية البهرة واضطهادهم فني
آن ،ولنننذلك فقننند كاننننت السياسنننات السياسنننية للننندعاة الهننننود تسنننتقي منننن فهمهنننم
ونظنننرتهم التقليدينننة ألنفسنننهم علنننى أنهنننم "قنننوم غرينننب" وتعنننني حرفينننا" النننناس
الفقننراء" ،أو الننناس الضننعفاء سياسننيا وغيننر القننادرين علننى النندفاع عننن أنفسننهم،
وبكلمات ميسرة "الجماعة المضطهدة والمنهكة".
ومن المفارقة أن البهرة عانوا من تحامل الحكنام المسنلمين ،بينمنا تمتعنوا فني
المقارننننة بحرينننة منننن القينننود الدينينننة واالضنننطهاد فننني ظنننل الحكنننام الهنننندوس،
واسننتمرت هننذه التجربننة فنني هننند مننا بعنند االسننتقالل ،وبنندأ البهننرة منننذ القننرن
العشرين بشكل خاص بدمج أنفسنهم ،ولنو بدرجنة محندودة ،فني األمنة اإلسنالمية
الهندية ثم العالمية .وفي انتخابات 1935م الوطنية أيد البهرة فني بومبناي -حينث
كنان المسنلمون يهيمننون علنى الكتلنة االنتخابيننة -محمند علني جنناح منن العصننبة
المسلمة ،وشكلت مناسبات االستقبال التي أقامها الداعي للقادة المسلمين الندوليين
الزائننرين ،والنندعوة إلننى تننرميم األقصننى ومننؤتمر فلسننطين ،تأكينند توجننه جماعننة
البهننرة باتجنناه رابطننة عمننوم المسننلمين والتعنناطف معهننم .وق نام الننداعي الننداؤدي
طاهر سيف الدين بتقديم الكسوة أو األستار الحمراء التي تعلق داخنل الكعبنة فني
العامين 1931و 1937م ،وتبرع بقوالنب أضنرحة مصننوعة بصنورة دقيقنة منن
الفضننة والننذهب ألضننرحة اإلمننام علنني (1942م) ،واإلمننام الحسننين (1937م)،
309
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
ورأس الحسين في القاهرة (الذي دشن العام 1966م) ،وشاره الداعي أيضا فني
منؤتمرات دوليننة ذات صنلة بالنندين .لقند وضننع النداعي طنناهر سنيف النندين مكانننا
لجماعننة البهننرة علننى الخارطننة الوطنيننة للهننند ،وبتوجيننه منننه بنندأ البهننرة بتحقيننق
اعتننراف وطننني كمكننون إيجننابي مننن مكونننات مجتمننع الننبالد ،وكثيننرا مننا جننرى
ومنندح وإشننادة لجننذورهم الدينيننة القويننة ،ومبننادئ سننلوكهم ،وفطنننتهم فنني مينندان
األعمال ،وانضباطهم ونظرتهم المتسامحة ،من قبل الشخصيات العامة البنارزة،
وارتفع البهرة ليحتلوا مناصب مدنية بارزة ،كمنصب "شنريف بومبناي" ،وكبينر
قضاة المحكمة الهندية العالينة ،بنل وحتنى المحكمنة العلينا .ومننذ منتصنف القنرن
العشننرين راحننت أعننداد كبيننرة مننن البهننرة تسننتقر فنني الشننرق األوسننط والغننرب،
واكتسنبت النندعوة هويننة دوليننة عامننة ال سننميا خننالل زيننارات النندعاة إلننى مراكننز
الجماعة الجديدة ،حيث حققوا اعترافا رسنميا بهنم فني الخنار كرؤسناء لجماعنة
دينية معروفة ،فاستقبلوا كضيوف حكومات ،ومنحنوا تكريمنا وتشنريفا مندنيا فني
بلدان عدة(.)113
النتائج والخاتمة
توصل الباحث من خالل بحثه إلى عندة نتنائج ذات صنلة بالمحناور األساسنية
للدراسة العامة لآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية ،والمتمثلة في اآلتي:
أوالً :األسباب:
)1تنوعنننت األسنننباب بنننين طننناردة وجاذبنننة ،وكنننان النصنننيب األكبنننر لهجنننرة
اإلسننماعيلية هنني األسننباب الطنناردة المتمثلننة فنني الهجننرات غيننر الطوعيننة
(التهجير القسري).
)2موقننف أئمننة الزيديننة مننن اإلسننماعيلية واالضننطهاد الننذي مارسننوه ضنندهم
كنان مننن أهننم األسنباب السياسننية التنني نننتج عنهنا تهجيننر كبيننر إلسننماعيلية
اليمن.
)3الحروب الموجهة ضند اإلسنماعيلية منن قبنل الزيدينة كاننت أحند األسنباب
السياسية أيضا المسببة في تهجير اإلسماعيلية للبحث عن األمان.
)4االتهامات الدينية والعقائدية واألخالقية ضد اإلسماعيلية لعبت دورا مهمنا
فنني هجننرة اإلسننماعيلية كسننبب رئيسنني أيضننا ،حيننث تننم إطننالق األحكننام
والفتنناوى الدينيننة ضنندهم ،وإخ نراجهم مننن دائننرة اإلسننالم ،وإباحننة دمننائهم
وأعراضهم وفقا لذلك.
)5استهداف التراث العلمي لإلسماعيلية من خالل حرق مكتباتهم وتندميرها،
أدى ذلننك إلننى مخنناوف كبيننرة عننند اإلسننماعيلية مننن فقنندان هننذا التننراث
الفكننري العظننيم ،ممننا أدى بهننم إلننى نقننل مننا تبقننى مننن تلننك المكتبننات إلننى
خار اليم ن (بالد المهجر) ،وأطلقنا عليه "هجرة المخطوطات".
)6ولألسننباب السننالفة الننذكر أيضننا ،تننم نقننل مركننز النندعوة اإلسننماعيلية إلننى
خار اليمن ،سواء في الهند أو نجران.
311
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
312
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
)10على المستوى الثقافي ،نجد تأثير الجماعة اإلسنماعيلية فني بلندان المهجنر
مهما ومحوريا حينث سناهمت اإلسنماعيلية فني نشنر اإلسنالم فني منناطق
تواجدها والعمل على إرساء التراث اإلسالمي فيها.
)11كان لهجرة العقول اإلسماعيلية اليمنية تأثير كبير فني بلندان المهجنر ،وقند
برزت تلك الشخصيات في عدة محافنل دولينة وإقليمينة ،واعتبنارهم روادا
لحركة التنوير في العالم.
)12كان لنقل المخطوطات اإلسنماعيلية األثنر البنالغ فني اسنتفادة دول المهجنر
ومؤسسنناتها العلميننة مننن الكثيننر مننن تلننك المخطوطننات المهمننة والنننادرة،
حيث قام المفكرون من أبناء اإلسنماعيلية اليمنينين ب هنداء مجموعنات منن
تلننك المخطوطننات إلننى المؤسسنننات العمليننة المختلفننة ،وإمننداد المفكنننرين
والمستشرقين بتلك الكنوز الفكرية المهمة.
)13يتضننح لنننا التننأثير المتبننادل لهجننرات اإلسننماعيلية اليمنيننة مننن خننالل نقننل
العديد من العنادات والتقاليند منن الهنند إلنى النيمن ،كاللبناس ،والممارسنات
الدينينننة التننني تعننند حالينننا مظهنننرا أساسنننيا ألبنننناء الطائفنننة اإلسنننماعيلية،
خصوصا البهرة منهم.
)14كما أن التنأثير المتبنادل يتضنح جلينا منن خنالل األنشنطة االقتصنادية التني
يمارسها اإلسنماعيلية فني النيمن منن خنالل خلنق فنرص عمنل ،واالعتمناد
على األنشطة االقتصادية الصغيرة في مختلف المجاالت.
)15أخيرا ،يتضح لنا تأثر أبناء اإلسماعيلية بمواطن المهجر من خالل تخليهم
عن عادة مهمة في اليمن ،وهي عادة مضغ القات وزراعته ،حيث يشنتهر
أبننناء اإلسننماعيلية كافننة فنني النننيمن بعنندم تننناولهم شننجرة القننات اللعيننننة،
واهتمامهم الكبير بزراعة شجرة البن األصيلة.
313
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
ثالثاً :الخاتمة:
مننن خننالل الدراسننة يتضننح لنننا النندور الحيننوي المهننم لإلسننماعيلية اليمنينة فنني
بلدان المهجر ،والتأثير الكبير لهم في مناطق هجنراتهم المتعنددة منن ننواح عندة،
سياسننية ،واجتماعيننة ،وثقافيننة ،واقتصننادية ،وأيضننا المننؤثرات الخارجيننة التنني
سنناهمت فنني صننياغة تلننك المتغيننرات ،والمتمثلننة فنني االضننطهاد والممارسننات
التعسننفية التنني عانننت منهننا الجماعننات اليمنيننة ،أو مننن خننالل حنناالت االسننتقرار
النسبي التي تمتعت بها الجماعة اإلسماعيلية في فترات مختلفنة ،وهنذا سناهم فني
ازدهار مشاركتها السياسية ،وتطورها المعرفني والعلمني ،وأيضنا االنطنالق فني
عالم التجارة واالقتصاد العالميين.
وقند كنان للممارسننات الالإنسنانية لألئمنة الزيننديين ضند الجماعنة اإلسننماعيلية
نتائج منهنا التهجينر ،واإلبنادة الجماعينة ،وحنرق مكتبنات ومسناجد اإلسنماعيليين
في شتى بقاع السعيدة ،واستمر هذا الوضع لعقود وأزمنة طويلة دون توقنف منن
الزيديين حتى يومنا هذا ،ومن األمثلة المؤكدة في استمرار تلك الممارسنات مننع
الكتننب الخاصننة بالطائفننة اإلسننماعيلية عننن البنناحثين والمهتمننين ،والموجننودة فنني
مكتبة دار المخطوطات اليمني ،ومكتبة الجامع الكبينر المقندس( ،)114إضنافة إلنى
تلننك الممارسننات التعسننفية ضنند أتبنناع المننذهب اإلسننماعيلي نتيجننة اخننتالفهم فنني
مواقيت التعبدات كالصوم واإلفطار النذي يعتمند فينه اإلسنماعيلية علنى محنددات
وعلى أساليب حداثية ،وأهمها االعتمناد علنى الحسناب فني صنوم شنهر رمضنان
( )114قامت مؤسسة الهمداني الثقافية بمحاوالت عديدة للحصول على نسخ (صورة رقمية)
من الكتب اإلسماعيلية في دار المخطوطات للعمل عليها وتحقيقها تحقيقا علميا
رصينا ،ولألسف باءت جميع جهودها بالفشل ،حيث صرح المسؤولون بأن هذه
الكتب ممنوعة ومحرزة بأمر من إمام اليمن يحيى حميد الدين ،وهذه األوامر ماضية
حتى يومنا هذا!! .
314
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
والخرو مننه ،وهنذا أدى إلنى إصندار األحكنام ضندهم ،ومهاجمنة دور عبنادتهم
من قبل الزيديين(.)115
وفنني الختننام نننرى أن اإلسننماعيلية لننو أتيحننت لهننم الفرصننة واالنفتنناح ،لكننان
تأثيرهم عظيمنا علنى مسنتوى النداخل اليمنني ،وسنيكون لهنم اإلنجناز العظنيم فني
إحداث قفزة نوعية للمجتمع اليمني في مجناالت العلنم واالقتصناد واإلدارة ،وهنو
ما لمسناه من خالل بحثنا الحالي وتأثيرهم في مناطق تواجدهم حاليا .كما تتضنح
لنننا أهميننة البعنند السياسنني وانتهننا الطائفننة اإلسننماعيلية االبتعنناد عنننه بصننورة
مطلقننة ،وعنندم االكتننراث بنتائجننه ،فجنن ُّل اهتمننامهم هننو المجتمننع والعمننل علننى
تطويره وبنائه البنية اإلنسانية القائمة على التنظيم والتعاون بين األفراد ،برسنالة
مفادها أن التسامح الديني هو األساس فني بنناء المجتمعنات .ونأمنل منن البناحثين
في المستقبل القريب أن يتم االهتمام بدراسات خاصة ومتخصصنة لدراسنة حالنة
الجماعة اإلسماعيلية لالستفادة من تلك التجارب علنى واقعننا الحنالي فني النيمن،
والعمل على تطوير المجتمع اليمني والخرو به إلى آفاق واسعة وتطنور أكثنر.
كما تجدر اإلشارة إلنى أهمينة التوسنع فني ضنم سنير أعنالم إسنماعيلية النيمن فني
المهجننر ضننمن الموسننوعة المرتقبننة ألهميننة األدوار التنني تتصنندرها إسننماعيلية
اليمن في كافة المجاالت.
والحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على سيدنا محمد وآله الطيبنين
الطاهرين.
( )115من ذلك ما حدث في عيد الفطر لعام 1440هجرية ،حيث قامت كتيبة بمهاجمة
مسجد البهرة في منطقة نقم ،وتم سجن أكثر من 27شخصا من اإلسماعيلية على
خلفية احتفالهم بعيد الفطر قبل إعالن حكومة صنعاء بذلك بيوم واحد.
315
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
المصادر والمراجع
القرآن الكريم
المصادر والمراجع الفاطمية
( )1األنف ،إدريس عماد الدين بن الحسن [ت872هـ]:
-عيون األخبار وفننون اآلثنار ،تحقينق :د .أيمنن فنؤاد سنيد[ ،السنبع السنابع]،
إصدارات معهد الدراسات اإلسماعيلية-لندن.
-برهنننانبوري ،سنننليمان جننني ،منتنننزع األخبنننار فننني أخبنننار الننندعاة األخينننار،
مخطننننوط بخزانننننة النننندار المحمديننننة الهمدانيننننة ،]1-2[ ،نشننننرتها مؤسسننننة
الهمنننداني الثقافينننة ضنننمن سلسنننلة اإلصننندارات الكمبيوترينننة للمخطوطنننات
الفاطمية ،اإلصدارين (.)42 ،41
( )2الحامدي ،إبراهيم بن الحسين [ت557هـ]:
-كتنناب االبتننداء واالنتهنناء ،تحقيننق :د .عمننرو معننديكرب الهمننداني (ضننمن
مجمنننوع مؤلفنننات إبنننراهيم بنننن الحسنننين الحامننندي[ ،)]1إصننندارات الننندار
المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث ،صنعاء -اليمن.
-الرسالة الشريفة في المعاني الطاهرة الطريفة ،تحقيق :د .عمرو معنديكرب
الهمننداني (ضنننمن مجمنننوع مؤلفنننات إبننراهيم بنننن الحسنننين الحامننندي[،) ]1
إصدارات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث ،صنعاء -اليمن.
( )3الحامدي ،حاتم بن إبراهيم [ت 596هـ]:
-المجننالس الحاتميننة الصننغيرة (مجننالس االمتحننان) ،تحقيننق :د .عمننرو بننن
معننننديكرب الهمننننداني ،منشننننورات النننندار المحمديننننة الهمدانيننننة للدراسننننات
واألبحاث ،صنعاء ،تحت الطبع.
316
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
-تنبيه الغافلين ،تحقينق :د .عمنرو بنن معنديكرب الهمنداني ،منشنورات الندار
المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث ،صنعاء -اليمن ،ط2012 ،1م.
( )4الحجوري ،الخطاب بن الحسن [ت 533هـ]:
-ديننوان الخطنناب ،نشننره :إسننماعيل قربننان حسننين ،ضننمن كتنناب السننلطان
الخطاب حياته وشعره ،دار المعارف ،مصر.
-رسنننالة فننني بينننان إعجننناز القنننرآن ،تحقينننق وتقنننديم :د .عمنننرو معنننديكرب
الهمداني( ،ضمن مجموع مؤلفات الخطاب[ ،)]1إصدارات الدار المحمدية
الهمدانية للدراسات واألبحاث ،صنعاء -اليمن ،ط.2017 ،1
-رسنننالة الننننفس ،تحقينننق وتقنننديم :د .عمنننرو معنننديكرب الهمنننداني( ،ضنننمن
مجمننننوع مؤلفننننات الخطنننناب[ ،)]1إصنننندارات النننندار المحمديننننة الهمدانيننننة
للدراسات واألبحاث ،صنعاء -اليمن ،ط.2017 ،1
-رسالة غاية المواليد ،تحقيق وتقديم :د .عمرو معنديكرب الهمنداني( ،ضنمن
مجمننننوع مؤلفننننات الخطنننناب[ ،)]1إصنننندارات النننندار المحمديننننة الهمدانيننننة
للدراسات واألبحاث ،صنعاء -اليمن ،ط.2017 ،1
-منيننرة البصنننائر ،تحقيننق وتقنننديم :د .عمننرو معنننديكرب الهمننداني( ،ضنننمن
مجمننننوع مؤلفننننات الخطنننناب[ ،)]1إصنننندارات النننندار المحمديننننة الهمدانيننننة
للدراسات واألبحاث ،صنعاء -اليمن ،ط.2017 ،1
-رسالة النعي م ،تحقيق وتقديم :د.عمرو معديكرب الهمداني( ،ضنمن مجمنوع
مؤلفنننات الخطننناب[ ،)]1إصننندارات الننندار المحمدينننة الهمدانينننة للدراسنننات
واألبحاث ،صنعاء -اليمن ،ط.2017 ،1
317
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
318
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
319
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
320
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
321
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
322
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
323
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
-الحبشنني ،عبنندهللا محمنند حوليننات يمانيننة ..الننيمن فنني القننرن التاسننع عشننر
الميالدي دار الحكمة اليمانية صنعاء -اليمن 1991م.
-حمزة ،فؤاد قلب جزيرة العرب مكتبة النصر الحديثة الرياض 1933م
-حمزة ،فؤاد في بالد عسير مكتبة النصر الحديثة الرياض ط1968 2م.
-الدوسري ،شعيب بن عبدالحميد بن سالم إمتاع السامر بتكملة متعنة النناظر
مطبعة الحلبي -القاهرة 1365هـ.
-الريكننني ،حسنننن بنننن جمنننال بنننن أحمننند لمنننع الشنننهاب فننني سنننيرة محمننند بنننن
عبدالوهاب دار الملك عبدالعزيز الرياض -السعودية.
-زينن العابندين ،إبنراهيم بنن علني تنناريخ عسنير رؤينة تاريخينة خنالل خمسننة
قنننرون تحقينننق وتعلينننق :محمننند مسنننلط بنننن عيسنننى الوصنننال البشنننري دار
اإليمان الرباط ط1992 5م.
-سادلير . ،فورستر رحلنة عبنر الجزينرة العربينة ،منن القطينف فني الخلنيج
"العربي" إلى ينبع على البحر األحمر خالل عنام 1819بومبناي طبنع فني
مطبعة الثقافة االجتماعية في بايكوال 1866م.
-السننبحاني ،جعفننر ،بحننوث فنني الملننل والنحننل ،مؤسسننة النشننر اإلسننالمي ،قننم
المشرفة ،ط 1417 ،6هـ.
-شننرف النندين ،عيسننى بننن لطننف هللا روح الننروح فنني مننا حنندث بعنند المائننة
التاسعة من الفتن والفتوح تحقيق :إبراهيم بن أحمد المقحفي بدون ت.
-الشوكاني ،محمد ب ن علي البدر الطالع بمحاسنن منن بعند القنرن السنابع دار
الكتاب اإلسالمي القاهرة.
-العمننري ،حسننين عبنندهللا مائننة عننام مننن تنناريخ الننيمن الحننديث دار الفكننر
المعاصر اليمن.
324
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
-العمراننني ،محمنند بننن علنني إتحنناف النبيننه بتنناريخ القاسننم وبنيننه مخطننوط
بخزانة الدار المحمدية الهمدانية.
-فليبنني ،هنناري سنننانت جننون (الشننيخ عبننندهللا) مرتفعننات الجزيننرة العربينننة
ترجمه وعلق عليه د .غبتان بن علي الجريس مكتبة الحسكة.
-الكربالئننني ،حيننندر محمننند عبننندهللا النننداعي اإلسنننماعيلي المؤيننند فننني الننندين
الشننيرازي ودوره السياسنني والفكننري والعقائنندي فنني الدولننة الفاطميننة (-390
470هننننـ1077-999 /م) جامعننننة بغننننداد كليننننة اآلداب رسننننالة دكتننننوراه
2011م.
-المعافري ،أبي محمد عبدالملك بن هشام الحميري (ت )213السنيرة النبوينة
فنني ثالثننة أجننزاء تحقيننق :ولينند بننن محمنند بننن سننالمه وخالنند بننن محمنند بننن
عثمان مكتبة الصفا.
-المقحفني ،إبنراهيم أحمنند ،معجنم البلندان والقبائننل اليمنينة ،]1-2[ ،دار الكلمننة
للنشر والتوزيع ،صنعاء -الجمهورية اليمنية2002 ،م.
-المقريزي ،تقي الدين أحمد بن علي [ت845هـ] ،اتعاظ الحنفاء بأخبار األئمة
الفاطميين الخلفاء [ ،]1-3تحقيق :جمنال الندين الشنيال ،ومحمند حلمني محمند
أحمد ،القاهرة ،المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية1973-1967 ،م.
-معجم قاموس المعاني موقع إلكتروني تأسس عام 2010م.
-الموسننم مجلننة فصننلية مصننورة تعنننى بننالتراث واآلثننار تصنندر فنني هولننندا
العددان 1999 44 43م.
-نننوح ،علنني اإلسننماعيلية بننين خصننومها وأنصننارها دار التوحينندي للنشننر
سوريا ط2000 1م
325
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
326
الصحافة اليمنية في المهجر :التأثير والتأثر
(* )
أ /عبد الباري طاهر
328
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
329
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
( )1النشاط الثقافي والصحفي لليمنيين في المهجر :إندونيسيا ،ماليزيا ،سننغافورة-1900 ،
،1950د .عبد هللا يحيى الزين ،دار الفكر2003 ،م ،ص.27
330
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
والمحررين إذا لزم األمر ،خالفا ً لألسلوب الذي اتبعه عديد من الدارسين،
ومنهم الدكتور عبد هللا الزين ،و"الموسوعة الصحفية" .فالمزج بين الصحف
والموضوعات ضروري لغياب الصحف التي يمكن قراءتها ،باستثناء أعداد
قليلة ال تعطي الصورة الحقيقية للقضايا المتناولة ،وتكون صحيفة "السالم" هي
االستثناء الوحيد لتوفر أعدادها.
ويمكن وصف دور الصحافة المهجرية في جنوب شرق آسيا بالرائدة ،ليس
بالقياس إلى الداخل اليمني ،وإنما أيضا ً بالنسبة لمناطق الصدور المهجرية ،ففي
بلدان إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة ،لم تكن الصحف األهلية أو الرسمية قد
صدرت ،أما في الداخل اليمني ،سواء في حضرموت بلد المنشأ ،أو اليمن
بصورة عامة ،فلم تعرف صدور الصحف؛ ففي اليمن "الشمال" لم تُعرف
الصحافة باستثناء "صنعاء" التي أصدرها األتراك عام 1878م كصحيفة
رسمية للوالية العثمانية أسوة بالواليات األخرى التابعة لإلمبراطورية
العثمانية( ،)2وهناك صحيفة "يمن" باللغة التركية صدرت في الحديدة قبيل
"صنعاء" عام 1872م .وقد عرفت حضرموت الداخل صدور العديد من
الصحف األهلية ُمنذ ُ مطلع القرن الماضي.
ونشأت الصحافة اليمنية في المهجر وتطورت ،وأدت دورها المميز وفق
إمكاناتها وقدراتها ،ولعبت دورا ً كبيرا ً ال يستهان به في تكوين رأي عام وفق
منهجية كل صحيفة(.)3
ويقيناً ،فإن انغالق الداخل ،والتخلف المريع ليس وراء صدور صحافة
المهجر ،وإنما هو باألساس وراء الهجرة ذاتها ،وبالنسبة إلصدار صحيفة
( )2الصحافة اليمنية :نشأتها وتطورهنا ،د .محمند عبند الملنك المتوكنل ،مطنابع الطنوبجي
التجارية1983 ،م ،انظر :ص .17
( )3النشاط الثقافي والصحفي لليمنيين في المهجر (مصدر سبق ذكره) ،ص .28
331
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
"السالم" التي أصدرها الشيخ عبدهللا علي الحكيمي في كارديف ببريطانيا بعد
انكسار حركة 1948م في صنعاء ،فكان ردا ً على هزيمة االنقالب ،والتصدي
لالعتقاالت الكيفية ،واإلعدامات التعسفية والجائرة "لألحرار اليمنيين"،
وللمعارضة السياسية عامة.
و تركز الدراسة على صحافة المهجر في جنوب شرق آسيا باألساس ،وتمر
سريعا ً على الهند ،حيث ال يتجاوز اإلصدار الصحفي فيها بضع صحف ،وفي
كارديف "السالم" ،وفي مصر "صوت اليمن" في إصدارها الثاني في القاهرة
في العام 1955م ،ولن أشير إلى "الصداقة" التي أصدرها عبد الغني الرافعي
في مصر؛ ألنها ليست إصدارا ً يمنياً ،وإن كانت قد تعاطفت مع القضايا اليمنية،
شأن "الشورى" التي أصدرها محمد علي الطاهر ،وعمل فيها محررا ً األستاذ
أحمد محمد نعمان؛ ألنها ليست يمنية ،كما هو الحال أيضا ً لمجلة "الفتح" التي
أصدرها محب الدين الخطيب .والحقيقة أن "الشورى" ،و"الفتح" لم يُدرسا لعدم
صحة النسبة إلى اليمن ،بخالف "الصداقة" التي كان الشهيد محمد صالح
المسمري ،ويحيى أحمد زبارة محررين فيها.
وقد شهدت القاهرة صدور مجلة "اليمن الجديد" التي أصدرها السفير عبد
الرحيم عبد هللا بعد ثورة الـ 26من سبتمبر ،62ومجلة الطالب اليمنيين في
القاهرة "يمن" في ثمانينيات القرن الماضي ،ومجلة فصلية في لندن بعنوان
"الرواد".
النشأة والخلفية:
كانت القارة تستيقظ للتحرر ونيل االستقالل؛ فتركيا الخالفة اإلسالمية-
الرجل المريض -في غرفة اإلنعاش ،وروسيا تشهد مراحل انهيار
اإلمبراطورية القيصرية ،ويتوثب الحزب الشيوعي لالستيالء على السلطة عبر
332
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
333
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
334
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
كان الحكيمي متعدد المواهب والقدرات ،فقد عمل مترجما ً وموجها في
"جيش الجنوب العربي" ،وكان ضابطا ً في الكتيبة البريطانية "الفرقة اليمنية
األولى" ،وأسهم بنصيب كبير في بناء "حزب األحرار" ،وصحيفة "صوت
اليمن" ،ووضع ثروته تحت تصرف "األحرار" ،ورفض أن يتولى رئاسة
حزب األحرار؛ ألنه نذر نفسه لدعوة عالمية إسالمية؛ فقد عمل بحاراً ،وارتبط
بالطريقة الشاذلية الصوفية ،وأصبح رئيسا ً لها في أوروبا.
أصدر الحكيمي صحيفة "السالم" في كارديف ،وقد اهتمت الصحيفة ،و ُمنذ ُ
األعداد األولى ،بالدعوة للحرية والحوار والدفاع عن ضحايا ،1948
وفلسطين ،والجامعة اليمنية ،واستقالل البالد العربية ،ومد كفاحه إلى
الصومال ،والباكستان ،والمهاجر اليمنية ،كما تبنى دعوة حوار األديان ،والدفاع
عن الصوفية ،والتحذير من الخطر اإلسرائيلي القادم ،ونقد تشتت وفساد الحياة
السياسية العربية واإلسالمية ،واهتم أيما اهتمام بالتعليم ،سواء في اليمن والبالد
العربية أو المهاجر العربية واإلسالمية.
كان الشيخ الحكيمي داعية الديمقراطية والحرية في اليمن بشطريها ،وفي
الوطن العربي من خالل صحيفة السالم المنبر الديمقراطي الذي دعا إلى
الحداثة واإلصالح الديني ،والتجديد السياسي ،واالحتكام إلى صناديق االقتراع،
وهي المطالب المطروحة على المواطن العربي حتى اليوم.
و الكتابة عن هذا الواحد المتعدد سباحة في بحر شديد الغزارة واالمتداد
والعمق ،وسوف أقتصر في هذه التناولة على المطالب الديمقراطية واإلصالح
من خالل نماذج من افتتاحيات صحيفة "السالم" ،واالسم نفسه -السالم -يحمل
داللة جد مهمة ،خصوصا ً لدى داعية إسالمي وصوفي يدرك عمق وقداسة
السالم الذي هو اسم من أسماء هللا الحسنى ،كما أنه المعنى الحقيقي والعميق
335
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
لإلسالم دين الرحمة والسالم ،وقد اختار االسم في مواجهة نقيضه مع طبيعة
ممارسات النظام اإلمامي الذي نكل باألحرار ،وقتل الخارجين على أبيه.
لقد كان الحكيمي المتعدد المواهب والمتنوع القدرات والطاقات من أوائل
كتاب "صوت اليمن" التي ساهم ،إلى جانب الزبيري والنعمان ،في إصدارها
في عدن عام 1946م ،وكان يكتب فيها باسمه الصريح ،عكس العديد من
زمالئه األحرار.
وقد كرس الحكيمي افتتاحية "السالم" ،ومقاالته جلها للحديث عن األوضاع
اليمنية ،والتخلف المريع في المتوكلية ،والقمع الشديد لألحرار ،كما أنها أيضا ً
قد وظفت في مناقشة هزيمة العرب النكراء في ،48وشدد النكير على الجامعة
العربية ب عد أن أحسن الظن بها في البداية ،وكرس أجزاء مهمة لألوضاع
العربية والبلدان اإلسالمية .ولكن النصيب األوفر من هذه االفتتاحيات والخطاب
الناري كان مكرسا ً للدفاع عن شهداء ومعتقلي انقالب - 48الثورة الدستورية
في صنعاء.
ويعنون افتتاحية العدد األول (براعة استهالل السالم) باسم هللا السالم
نستهل صحيفتنا السالم ،ونفتتحها مستعيذين بحولك وقوتك وقدرتك على أن
تجعلنا من أهل السالم ،ودعاة السالم ،ومحبي السالم.
ويتوجه بالعدد األول إلى إخوانه العرب والمسلمين ،ويعد فيها بنجدتهم،
وخدمة الحق والعدالة والفضيلة واإلنسانية.
وفي العدد المنوه به يتحدث الشيخ عن رسالة السالم فيحددها بـ:
-1الدعوة للرجوع إلى مبادئ اإلسالم القويمة التي جعلت العرب أمة واحدةو
حضارة ومنار اإلنسانية ،وملجأ نلوذ به من الطغيان.
336
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
338
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
األول من "السالم" عام 48كان مطلبا ً رئيسا ً لألحرار ،وال يزال مطلبا ً رئيسا ً
للحركة السياسية في الوطن العربي من الماء إلى الماء ،وخصوصا ً في اليمن.
ولنتتبع "السالم" في رحلتها الصحفية الزاهية ،ومدى االلتزام بالرسالة
العظيمة التي قطعها الحكيمي على نفسه ُمنذ ُ العدد األول.
()5
(رحلة إلى الماضي) يتحدث الحكيمي عن ففي افتتاحية العدد الرابع
انغماس المسلمين في الترف والسرف ،وضياع دولتهم بعد أن وصل إليها أناس
عديمو الحنكة والخبرة ،وأصحبت قائمة على القهر والغلبة ،يحكمون بال
شورى وال دستور وال نظام يستحق أن يطلق عليه اسم نظام ،اللهم إال السلب
والنهب والظلم واستبداد كل حاكم برأيه؛ ففقد العدل ،وحل محله الفساد .ويشير
إلى السجون ،وتسيد الجهل ،وغياب التعليم؛ ألنه ال يمكن لحاكم جاهل أن يسمح
بتعلم شعبه؛ وهل يمكن أن يكون المملوك أفضل من سيده؟!
ويدعو للعودة لمبادئ الدين الصحيح ،وإلى التجمع والتكتل ،وإلى الشمم
واإلبا ء والتضحية ووحدة القيادة ،وإلى الشورى والدستور ،ثم يستدرك
الحكيمي" :ال تظن أني أحارب الجديد -احتراسا ً من دعوته للعودة للماضي ،-أو
أنني جامد وأحب الجامدين ..أنا لست ذلك أبداً ،ولست أدعو إلى الماضي
المعقد؛ إنني أدعو إلى الماضي الذي جدد لنا المجد والفخر والعظمة؛ ذلك
الماضي المطلق عن جميع الحواجز والقيود التي نرسف بها ،ثم إنني أحارب
العجزة والعاجزين ،وأنا من الجديد وإلى الجديد" .يضيف" :ولكن بشرط أن
نأخذ سالح الماضي؛ فهو أنفذ وأمضى"(.)6
واضح أن األستاذ والمفكر ال يقف عند تخوم النصوص ،وإنما يأخذ الروح
والعظة واالعتبار والفهم العميق للحدث بأبعاده ودالالته المختلفة ،ويستعيد
وهجه وعمقه وأثره؛ فالحكيمي هنا ال يناقش قضية عودة الماضي بمعنى
القراءة الحرفية أو التم سك األعمى ،وإنما يعني استلهام عظمة هذا الماضي،
واإلفادة من تجربته الفذة وشديدة التنوع والغني.
ويكرس افتتاحية (العدد الخامس) لذكرى مولد الرسول الكريم -صلى هللا
عليه وسلم -بعنوان (محمد سيد العالمين) ،واإلضافة نفسها تحمل الداللة،
واالفتتاحية التي تغطي صفحة كاملة وبقية من صفحة ( )4مكرسة كلها لمعنى
العدل في حياة النبي الكريم ،فهو يذكر قصة خروج النبي -صلى هللا عليه وسلم-
في مرض موته ،ووقوفه على المنبر مناديا ً أصحابه :من كنت جلدت له ظهراً،
فهذا ظهري ،ومن كنت شتمت له عرضاً ،فهذا عرضي ،ومن أخذت له ماالً،
فهذا مالي فليأخذ منه ،وال يخشى الشحناء ،فليس من شأني .ويعلق :كان
الغرض المراد والحكمة المقصودة في ذلك أن يرسم ألصحابه وأتباعه خطة
نظام ودستورا ً عاما ً؛ فيزودهم به في آخر حياته ،ويكون لهم بمثابة الختم على
آخر الكتاب ،أو اللبنة في آخر صف ،ويأتي على ذكر العدل في اآليات القرآنية،
ومكانة العدل في حياة الناس ،ليخلص إلى القول :إذن ،من الذي يسير على هذه
العدالة ،ومن ذا الذي يعمل بهذا النظام ،ومن ذا الذي يخضع لهذا الدستور الذي
خضع له سيد العادلين؟(.)7
أما افتتاحية (العدد السادس) فمكرسة لذكرى المولد النبوي ،ولعل ما يلفت
النظر أنه يؤرخ لـ 12من ربيع األول بالعشرين من أغسطس 570م وهو تتبع
دقيق(.)8
في (العدد الثامن) تتناول االفتتاحية (أبوبكر والعدالة) ،ويأتي على ذكر
خطبة أبي بكر ومقولته :أطيعوني ما أطعت هللا فيكم .ودعوته للناس لتقويمه(.)9
وإشكالية االحتفاء بالعدل والمساواة إشكالية كل زعماء النهضة اإلسالميين،
كاألفغاني ،ومحمد عبده ،ورضا ،وابن باديس ،وابن عاشور ،والفاسي
وغيرهم ،ولعل اهتمام الكواكبي باالستبداد وخير الدين التونسي باإلصالح
الشامل قد فتح عيونهم أيضا ً على القيمة العظيمة للحرية؛ فالحرية موجودة أيضا ً
في كتابات صاحب (السالم) ،ولكن يظل االحتفاء بالعدل له األولوية في الدعوة
والتفكير.
ويمتاز الحكيمي أنه قد عاش التجربة الليبرالية األوروبية ،ومكنته معرفته
باإلنجليزية والفرنسية ،وانغماسه في العمل الدعوي والصحفي ،والكفاح العملي
من االحتفاء بالحرية والديمقراطية.
وفي هذا السياق يعنون افتتاحية العدد التاسع "اإلمام العادل"( ،)10ويض ّمن
المقالة بطلب عمر بن عبد العزيز للحسن البصري أن يصف له اإلمام العادل،
مما يعزز اإلشكالية المشتركة بين اإلصالحيين اإلسالميين في عصر النهضة.
ولعل من عرف طبيعة الحكم المتوكلي يجد العذر لصاحب "السالم".
ويكرس افتتاحية العدد (الرابع عشر) عن "الباكستان والجامعة اإلسالمية"،
مشيدا ً ومبتهجا ً بقيام هذه الدولة اإلسالمية بعد أشهر من قيامها ،كما يشيد
بزعيمها محمد علي جناح ،مثنيا ً على الشيخين األفغاني ومحمد عبده ونضالهما
وجدهما في نصرة المبادئ والحق(.)11
وأما األعداد ،)17( :و( ،)18و( ،)20فيتناول فيها الفاروق في عدالته،
ويأتي على ذكر محاسن الخليفة الثاني ومواقفه العادلة ،مسقطا ً ذلك على أحوال
المسلمين في منتصف القرن الماضي ،واألهم التأكيد على طواعية البيعة ،وعدم
إرغام الناس عليها(.)12
وفي العدد ( )28يتحدث عن الشباب الذين تتمناهم األمة في حالة نهضتها.
واالفتتاحية هنا حماسية وتعبوية تحمس الشباب على الفضيلة والصبر وتحمل
المكاره في سبيل نهضة األمة ورقيها ،ويقدم العظة والعبر والدروس بالزعماء
والعظماء الذين وهبوا حياتهم دفاعا ً عن أوطانهم(.)13
ونقرأ في العدد ( )29من عظات التاريخ ،فيأتي فيها على وصية علي بن
أبي طالب لولديه الحسن والحسين عندما ضربه عبد الرحمن بن ملجم فشج
رأسه :النفس بالنفس .إن هلكت؛ فاقتلوه كما قتلني ،وإن بقيت ،رأيت فيه رأيي.
يا بني عبد المطلب ال ألفينكم تخوضون في دماء المسلمين تقولون :قد قتل أمير
المؤمنين .أال ال يقتلن إال قاتلي .انظر يا حسن ،إن أنا مت من ضربتي هذه؛
فاضربه ضربة بضربة ،وال تمثل بالرجل؛ فإني سمعت رسول هللا -صلى هللا
عليه وسلم -يقول :إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور(.)14
واضح أن الشيخ يتحدث بصورة غير مباشرة عن مقتل اإلمام يحيى ،والكالم
– الوصية – موجهة لإلمام الجديد أحمد وإخوانه من األمراء .صحيح أنه في
هذا الموضوع لم يشر مباشرة لذلك ،ولكن الرسالة واضحة وجلية؛ فهو يتخوف
على رفاقه األحرار من سيف الجالد ،ويحذر ويعظ دون أن يشير إلى األسماء.
وفي حين يؤكد على القانون السماوي (النفس بالنفس) بدون عصبية وال تمييز
وال ألقاب ،يعمد إلى مقارنة غامزة بين نور الشمس وسواها.
وقد عاد الحكيمي للكتابة أكثر من مرة عن عظات التاريخ؛ ألنه على صلة
مباشرة بمقتل اإلمام ،والمقارنة بين مقتل سيدنا علي واإلمام يحيى ،وما أعقب
كالً منهما دفاعا ً عن شهداء ومعتقلي .48ويبدو أن الحكيمي رأى أن الموضوع
بحاجة الستكمال؛ فأعاد في العدد ( )32االفتتاحية بنفس العنوان "عظات
ثالً سامية ،مشيرا ً إلى أن
التاريخ"؛ فذكر مقتل علي وابنيه بعد أن خلقوا ُم ُ
التاريخ قد يعيد نفسه ،ولكن ليس من كل الوجوه ،فسفاح بني العباس ال يمكن
مقارنته بسفاح القرن العشرين؛ ألن ذلك ينقض كل ما ابتكر من بعد .يضيف:
ترى -واألسى يمأل جوانحك ،ودم الغيرة يغلي في عروقك إن كنت إنسانا ً-
رؤوسا ً تتطاير ذات اليمين وذات الشمال ،وأرواحا ً بريئة تزهق ،وال نتيجة
محاكمة عادلة يخرج بعدها المحكوم عليه إلى حبل المشنقة أو إلى المقصلة وهو
مقتنع بخطئه ال يساوره الشك في عدالة الحكم ،ولكن هوى نفس واحدة ودماغ
واحد ،هي نفس ودماغ دكتاتوري .إن مصلحته الشخصية لن تتم إال إذا أزيلت
من طريقه كل العراقيل التي يعتقدها المانع الوحيد من مواصلة سيره في سبيل
القضاء على شعب مسلوب اإلرادة ،وامتصاص دماء أمة ال حول لها وال قوة؛
إذ يريد أن تنتفخ أوداجه ،وتعلو كرشه ،ويلمع تاج الدكتاتورية على رأسه،
وتنحني لتقبيل أقدامه اآلالف من عباد هللا؛ كل ذلك على حساب تلك الماليين
343
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
التي ضللتها الدعايات السخيفة ،أو المعتقدات البالية ...إلخ( .)15والكالم واضح
الداللة ،ثم يأتي على أوصاف سجون اإلمامة دون أن يسمي.
و ُمنذ ُ العدد الـ ( )37تتجه الصحيفة اتجاها نقديا ً حازما ً وصارماً ،ولعل بداية
"صوت اليمن" الناطقة بلسان "الجمعية اليمنية الكبرى" قد سحبت نفسها على
"السالم" نفسها؛ فقد حل التصريح والنقد الالذع محل التلميح ،والمواجهة مكان
الرجاء وااللتماس والمناشدة ،وقد بدأ التحول التدريجي ُمنذ ُ العدد ( )35بعد أن
نشر يحيى أحمد زبارة في العدد ( )34يشيد بالحكومة الجديدة لإلمام أحمد،
ويدعو إلى انتظار الخير العميم ،والتريث واالنتظار في االنتقاد .ففي العدد
( )37يعنون الحكيمي افتتاحيته "لكل سؤال جواب" ،ويتوجه بالسؤال مباشرة
لإلمام أحمد ،وتكون االفتتاحية بمثابة الرد على مقالة السيد زبارة ،وربما ردا ً
أبعد من ذلك بكثير؛ فهو يرد على كل التصريحات ،وما ينشر ويذاع ،وسأل
اإلمام :لماذا يقتصر تشكيل الوزارة على سيوف اإلسالم -لقب إخوان اإلمام-؟!
ولماذا ال تشترك فيها الكفاءة من رجال الشعب؟ مشيراً إلى أن الشعب اليمني
ليس سيوف اإلسالم .ويسأل :لماذا ال يتم الضرب على يد معاول الهدم؟ ملمحا ً
إلى خالفات اإلمام مع إخوته ،وأن الشعب خارج اللعبة كلها ،ويصف حال
الشعب المشرد في أصقاع األرض ،ويمضي في تساؤالته النارية عن الجهل
والفقر والمرض والظلم المنكل بالبالد والعباد :أين المصانع؟ أين المزارع؟ أين
المعارف؟ أين البنوك التجارية األهلية الحرة؟ أين سفراؤكم؟ أين قنصليتكم؟
ويأتي بأسلوب الصحفي السهل الممتنع على ذكر محنة المغتربين اليمنيين
في أرصفة شوارع المدن الكبرى مهانون ومحتقرون ،جوازاتهم مزيفة،
وأسماؤهم مستعارة ،مؤكدا ً أن الحكومة قائمة على أشالء هؤالء الفقراء ،وينتقد
أخذ الضرائب واإلتاوات والجزية على المغتربين ،وينقد تزييف المنافقين الذين
يصورون لإلمام غير الحقيقة ،ويأتي ،وربما ألول مرة ،في االفتتاحية تصريحا ً
ال تلميحا ً على ذكر المعتقلين ،ومن أعدمهم الطغيان ،واصفا ً إياهم بأنهم شهداء
عند ربهم يرزقون ،وأنهم بريئون.
والواقع أن نقد الصحيفة الذع وقوي وحكيم في الوقت نفسه؛ فهو يشير إلى
أن الشعب اليمني يعيش فوق بركان ،ويدعو إلى حرية القول والرأي المطالب
به اليوم وغدا ً وبعد غد(.)16
أين الصحافة الحرة؟ أين المدرسون؟ أين الخطباء والوعاظ األحرار؟
ناصحا ً اإلمام أن يقتدي بالحكومات العربية واإلسالمية .ويضيف :وال نكلفكم أن
تكونوا كأمريكا أو بريطانيا وغيرهما .مختتماً :إننا ال نطلب من جاللتكم إال
العدل واإلصالح ،ولكم منا السمع والطاعة ،وهللا بيننا وبينكم .مذيالً االفتتاحية
باسم اليمن( ،)17عكس ما يعمله في الكثير من التوقيع بأسماء مستعارة أو غير
مذيلة.
وهذه االفتتاحية ،كما أسلفت ،تمثل تحوالً في خط الجريدة وخطاب الحكيمي،
وتأتي بعد مضي أكثر من عام على فشل ثورة 48؛ ولعل األمر مرتبط
بالمحاكمات واإلع دامات وتزايد البطش والتشدد في الدولة المتوكلية.
والواقع أن مطالب "السالم" كمطالب األحرار ال يزال جانب كبير مها
مطروحا ً على جدول كفاح الحركة الديمقراطية اليمنية ،والمالحظ أيضا ً في
سياق التحول النوعي في خطاب (السالم) بداية نشر مبادئ حقوق اإلنسان،
والتعليق عليها في العدد (.)18()38
األوطان راغمةً بسبب الظلم والقهر ،وأنها لو كانت في مواطنها لما تأتى لها أن
تصدر صحيفة أسبوعية ،أو شهرية ،أو سنوية ،أو حتى في العمر مرة ،وال شك
أن المعني أكثر من غيره هو اليمن(.)24
ويكاد العدد (الخمسون) أن يكون أنموذجا ً فريداً؛ فهو رسالة مفتوحة لإلمام،
ولكن ميزتها أنها تكشف اتصاالت الحكيمي ومطالبته لإلمام ،وطرح قضايا
األحرار والشعب اليمني؛ وهو ما يفسر التلميح ،وعدم النقد الصريح والمباشر
في األعداد األولى ،وجلي أيضا ً أن صاحب "السالم" كان داعية سالم حقيقيا ً،
وذا رؤية ديمقراطية نفتقر إلى مثل صدقيتها في حياتنا العامة اليوم؛ ففي
االفتتاحية يذ ّكر اإلمام بعدة مذكرات رفعها قبل إصدار "السالم" ،وحدد
المطالب في :إطالق سراح المسجونين ،وتخفيف الضرائب التي شردت
اليمنيين في كل قُطر ،واإلعفاء للرعية من البقايا ،وهي زكاة تقديرية تفرض
على الرعية في سنوات الجدب ،وتظل سيفا ً مصلتا ً على رؤوسهم كل عام،
ورفع الخطاط والتنافيذ ،وتتجلى في إرسال الجنود إلى قرى الفالحين
واستباحتها واإلقامة فيها ،وإجراء إصالحات في األوضاع االقتصادية والحياة
المع يشية ،وتعميم التعليم الحديث ،وإرسال البعثات إلى الخارج ،وتحسين حياة
الجيش وتحديثه ،وإطالق الحريات العامة ،وتنظيم اإلدارة والجمارك ،وإقامة
برلمان شعبي ال يدخله األمراء ،وال يشتغلون بالتجارة ،وطالب بحكومة
دستورية وملكية دستورية ديمقراطية .والكثير من هذه المطالب ال تخرج عن
مطالب األحرار ،لكنها في "السالم" تتخذ صيغة أكثر وضوحا ً وارتباطا ً
355
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
احتفت الصحيفة أيما احتفاء بهذا اإلعالن ،ونشرته معلقة عليه ،وعمل الحكيمي
على إسقاط مواده على واقع المتوكلية اليمنية التي تصادر الحق في الحياة،
واعت ُبرت السالم من أوائل الصحف العربية التي تصدر في أوروبا -إن لم تكن
األولى -حسب الدكتور الفرد هوليدي.
وصدرت الصحيفة في ست صفحات قطع ( 29 ×46سم) ،ثم تطورت في
األعداد األخيرة إلى 8صفحات.
وتحتل المقالة الصحفية فيها مواضع الصدارة ،ويبدو أن بُعد الصحيفة عن
البالد العربية بعامة واليمن بخاصة قد فرض هذه األسلوب .والمتتبع ألعداد
الصحيفة المهاجرة يلمس االهتمام الكبير بالقضايا العربية الكبيرة ،وخاصة نكبة
فلسطين ،والجامعة العربية ،وأوضاع البالد العربية ،وخاصة اليمن ومصر.
وفي العدد األول من الصحيفة تحت عنوان «حياتنا الثقافية» يرى الكاتب
طاهر خميري عدم التناسب أو عدم التوازن ،فهو يرى أن هناك العديد من
األطباء والمحامين والرياضيين والمهندسين والمتخصصين في مختلف فروع
المعرفة الطبيعية قد بلغ بعضهم من الشهرة والتفوق ما خولهم حق االنتساب
إلى الجمعيات العلمية في أوروبا وأمريكا( .)45ولكن إذا نظرنا إلى علم الالهوت
والفلسفة واألدب ،نجد أن األمر يختلف عن ذلك كثيراً؛ فهو يرى أن في العالم
العربي العشرات من المعاهد الدينية ،كاألزهر في مصر ،والزيتونة والقيروان
بالمغرب ،يعد أساتذتها باآلالف ،ولكنهم كلهم لم يُخرجوا ُمنذ ُ عهد الشيخ محمد
عبده سوى كتابين أو ثالثة يمكن أن تعد ذات قيمة في موضوعها ،ويضيف
الحكيمي :ال أظن أن السبب جمود وركود في التفكير؛ فقد حضرت حلقات
زنكي توحيد القطرين :العراق ،وسوريا ،ثم تاله صالح الدين األيوبي ،ليضم
القطرين بمصر؛ فيتوحد العرب ،وتكون نهاية الحرب الصليبية.
ويدرس سعيد النجار في العدد (الثالث) المستقبل االقتصادي لجامعة الدول
العربية؛ فيرى أن غالبيتها زراعية ،ويلحظ انخفاض مستوى المعيشة ،كما أنها
متخلفة اجتماعيا ً وثقافياً ،ويرى أن تطورها متقارب يؤدي بها إلى نهايات
متقاربة.
وتكون النبوءة العبقرية بتوقع قيام ثورة يوليو 52؛ فهو يقول بالحرف" :أما
مصر التي تتزعم دول العرب ،والتي تحتضن الجامعة العربية ،فغنية
بمواردها ،ولكنها ال تُستغل على الوجه ال ُمرضي ،وقد ظلت ترزح تحت عبء
االحتالل البريطاني ونيره قرابة سبعين عاماً ،كانت فيها كالبقرة الحلوب تدر
اللبن ،ولكنه يشربها غير أبنائها ،وتنتج ،ولكن لكي ينتفع قوم دخالء ،واليوم،
وقد بلغ الوعي القومي منتهاه ،تجتاز مصر مرحلة انتقال خطيرة نرجو أال
يطول أمدها؛ حتى تقوم بدورها في خدمة العروبة خاصة والشرق عامة"(.)49
والكالم المنصوص يعود إلى 23ديسمبر ،48ويشيد بموقف دول الجامعة
من استقالل سوريا ولبنان ،ولكنه يرى أن الحق ضائع ما لم تسنده قوة ،وهو ما
نعاني منه حتى اليوم ،وتتابع الصحيفة نقدها الالذع للموقف العربي المتخاذل،
وينتقد الدعوة للحرب ،وإسكات القلم :تكلم يا سيف ،اسكت يا قلم .وقد سكت
القلم ،وتكلم السيف؛ فماذا قال السيف؟ دولة اليهود قائمة ،والهجرة مستمرة،
وأراضي العرب محتلة ،ومصر تحارب وحدها ..اللهم وفق العرب ،وأرشدهم
واجمع كلمتهم(.)50
وفي قراءة ألهداف السياسة العربية يدرس الكاتب الفلسطيني منير شماء
حالة العرب المزرية ،وخيبة أملهم في الحرب إلى جانب الحلفاء ،وخروجهم
من الحرب بكارثة قومية :احتالل فلسطين ،وضياع االستقالل.
وتدين «السالم» حادثة اغتيال النقراشي باشا على يد شاب من "اإلخوان
المسلمين" ،وتعرب عن األسف لوصول الحزبية في البالد العربية حد سفك
الدماء(.)51
ويح ّمل الحكام العرب ،بتخاذلهم وخالفاتهم وشكوكهم في بعضهم ،مسؤولية
نكبة فلسطين(.)52
وتواصل الصحيفة نقدها للمسؤولين عن نكبة فلسطين ،وتغمز من قناة
الجامعة التي بدأ الخالف يدب بين أطرافها المختلفة ،ثم يقول :إن الجامعة
تكونت بوحي هبط من خارج البالد العربية ،وأن خالفات أعضائها قد تتسبب
في استقالة حكومة الوفد(.)53
ويتساءل بحرقة :بعد أربع سنوات من تأسيس الجامعة العربية ،ماذا صنعت
بشأن فلسطين وليبيا واليمن التي تناشدها وتناديها الغوث والنجدة؟
لقد صرخت األمة اليمانية إلى الجامعة ،وأنذرتها سوء العاقبة ،ولكن الجامعة
لم تعر القضية اليمانية اهتمامها(.)54
وينتقد وضع الالجئين في البلدان العربية كلها( .)55وتنقل الصحيفة عن «آخر
ساعة» مقاالً بعنوان «الرد الخالص»؛ فقد أشارت المجلة إلى أن مندوب اليمن
في المؤتمر اآلسيوي المنعقد في دلهي يناير 49انتقد الطريقة التي عولجت بها
قضية فلسطين العربية ،فطلب إسماعيل كامل بك -سفير مصر -الكالم ،وسأل
مندوب اليمن عن عدد الجنود اليمنيين الذين بعثت بهم حكومة اليمن إلى ميادين
القتال ،خصوصا ً أن اليمن قد قطعت عهدا ً على نفسها في السير جنبا ً إلى جنب
مع البالد العربية .ويعقب المحرر منتقدا ً السفير المصري ،ومعترفا ً بواقع اليمن
حينها ،وملقيا ً التبعة على سياسة الحكومة المصرية التي كانت من أهم العوامل
التي تضافرت على تحطيم مستقبل اليمن( .)56واضح أن المحرر يشير إلى
الموقف من حركة .48
وتحت عنوان «غضبة شباب ألمتهم» تنقل السالم عن جريدة «العلم
العربي» مقالة نارية" :قد علمتم أن كالم ملوككم ،.....وقد علمتم قبيل الهجمة
األولى أنه لوال صولتكم ،وإضراب شبابكم المثقف عن الطعام في بغداد
وبيروت ودمشق والقاهرة؛ احتجاجا ً على ذل سياساتكم ،وإحجامها لما كان ذلك
الزحف الرائع ،والذي -وأسفاه! واذاله! -عاد بالهدنة شجا ً ناشبا ً في حلق
العروبة ،ال ينقذها منه إال ثورتكم الكبرى الوشيكة ،إن شاء هللا .إني ألحس
الدمدمة في جوف بركانها الهادئ إلى حين"( .)57وهو تنبؤ آخر بالثورة.
وتترصد الصحيفة ،وبتحليل عميق ،الموقف األمريكي ،واإلمدادات الفرنسية
بالسالح(.)58
وتحت عنوان «السالم تنشر ما ال تنشره المصري» كتب حسين المقبلي،
وهو معارض يمني ينتمي إلى "األحرار" ،وطالب أزهري ،متناوالً بعض
قرارات اللجنة الثقافية بمجلس الجامعة التي اتخذت قرارات منها :تعليم الكبار،
والعميان ،وموافقة األعضاء وباإلجماع.
يقول المقبلي" :إن هذه الخطوة مباركة وعمل مشكور لو لم يبق أمام اللجنة
الثقافية إال الكبار والعميان ،أو لو كان تعليم الكبار والعميان فرعا ً من فروع
التعليم الذي نشرته أو تنشره اللجنة الثقافية في العالم العربي ،والذي تعاونت أو
تتعاون فيه الدول العربية والشعوب مع اللجنة ،أما ونسبة التعليم ال يكاد يكون
في األلف واحد من المبصرين الصغار في بعض دول الجامعة العربية .يعلم
هذا جميع أعضاء اللجنة الثقافية أو بعض أعضائها ،ثم ال نسمع حتى اقتراحا ً
واحدا ً في كيفية معالجة هذه المشكلة؛ مشكلة التعليم".
ويؤكد ،ومعه كل الحق ،أن بعض الدول ال توجد فيها مدرسة ابتدائية واحدة
على النظام الحديث تؤهل الطالب أن يلتحق بثانوية مصرية .وواضح أنه يشير
إلى اليمن ،كما يذكر أن بعض الدول ال توجد بها ثانوية تؤهل الطالب لاللتحاق
بجامعة من جامعات بعض الدول العربية ،ثم تراهم يوافقون باإلجماع على
ضرورة تعليم الكبار والعميان ،كأنهم قد فرغوا من تعليم الصغار ،أو كأن نسبة
من بقي من الصغار ال يُلتفت إليها ،والواقع أن نسبة األمية في الوطن العربي
الكبير كبيرة حتى اليوم بعد مضي أكثر من نصف قرن.
ويسخر المقبلي من قرار االحتفال بذكرى ابن سينا ،الذي وإن كان عظيما ً،
إال أن األولوية يجب أن تكون احتفاالً بافتتاح جامعة ثالثة في مصر ،وجامعة
في بيروت ،وجامعة ثانية في دمشق ،وجامعة ثانية في بغداد ،وعدة مدارس
ابتدائية وثانوية في اليمن والسعودية واألردن .ويرى أن الناس عندما يسمعون
مثل هذه القرارات يهزون رؤوسهم استهزاء بهذه الخياالت الخصبة" ،أما
عدونا الذي ربض في قلب بالدنا ،وراح ينشئ المدارس والمستعمرات ،ويجبر
ال عرب على تعلم لغته العبرية ،فما ندري كيف كان سروره بهذه القرارات التي
ال تسمن وال تغني من جهل" .ويضيف" :إننا نحارب أربعة أعداء :الجهل،
362
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
ومن أولئك الذين جمعوا بين التجديد الديني واألدبي ،كما عند ابن الوزير،
واألمير والشوكاني ،والمقبلي ،والتجديد في قصيدة الشعر الحميني عند الحكاك،
والمزاح وابن فليتة ،واآلنسي األب واالبن ،وابن شرف الدين ،والقمندان ،وبين
قراءة المرصفي ،وطه حسين ،والعقاد ،وجمال الدين األفغاني ،ورشيد رضا،
وعلي عبد الرازق.
لقد كان أنموذج األحرار لإلصالح في اليمن مصر ،والعراق ،وبالد الشام،
وكان تأثير المركز المصري فاعالً ومؤثرا ً ُمنذ ُ تأسيس الحركة الوطنية في
اليمن؛ فقد كانت مطالب "األحرار" ،الحزب الذي تأسس في العام 1944في
عدن ،و"صوت اليمن" ،1966تتمركز حول المطالبة بإصالحات سياسية
واجتماعية واقتصادية ال تختلف كثيرا ً عن األوضاع في مصر ،أو بالد الشام،
أو العراق ،ولعل العزلة المريعة ،واألوضاع المتردية والقروسطية في اليمن قد
جعلت من مطالب اإلخوان المسلمين أنموذجا ً وقدوة حسنة لدى بعض األحرار،
وربما كان الحكيمي ،وهو المفكر اإلسالمي والليبرالي ،أكثر ابتعادا ً عن التيار
"اإلخواني" ،واألقرب للوفد والحياة السياسية والفكرية في مصر بشكل عام،
والالفت أن مطبعة "السالم" ،و"صوت اليمن" قد اشت ُريتا من مصر.
كتاب السنة:
تحت هذا العنوان يتناول الدكتور الخميري ،وهو من كتاب "السالم" ،كتاب
السنة ،ويتناول فيما يتناوله كتاب "الهالل" -المجلة -يوليه ،48مشيرا ً إلى أن
الكتاب مهم من حيث الموضوع واألسلوب ،كما يقرأ في عدد يناير 49من
مجلة الكتاب أن اإلنتاج الفكري في مصر الذي كان مطرد الصعود في سنوات
45و 46و 47ابتدأ يهبط بعض الهبوط في عام 48؛ فقد بلغت قيمة اإلنتاج
364
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وصفت الكتلة هذه الز يارة بأنها ضربة برق خاطفة أصابت قلب كل مصري
في الصميم ،واستطردت بأن هذا هو أول وزير بريطاني يتجرأ على تحدي
المصريين داخل أراضيهم ،وأن الخطط التي رسمت لتحسين المساكن في
منطقة القنال تثبت أن "المستعمرين" مزمعون على استدامة االحتالل.
وادعت "األساس" السعودية أ ن سياسة الوفديين تؤيد االحتالل البريطاني،
وذكرت أن مصر مصممة على مقاومته ،وأنه إذا أصر البريطانيون على
االحتفاظ بجنودهم في المنطقة؛ فإنهم ال شك سيفقدون كل أمل في الوصول
إلى اتفاق مع مصر(.)65
وتتابع "السالم" وقائع االنقالب في سوريا الذي قاده أديب الشيشيكلي،
واإلشادة الصحفية المصرية باالنقالب لمنع فكرة وحدة العراق وسوريا،
(واألمر أعمق من ذلك بكثير) ،وله عالقة بالصراع البريطاني األمريكي.
(الباحث).
وتنقل عن األهرام خبرا ً بعنوان "نظام العرب الجماعي بكسر الجيم،
هكذا!" ،وأبحاث الذرة في إسرائيل ،والخبر يحتوي على معلومات مهمة عن
بداية النشاط الذري اإلسرائيلي(.)66
كما ينقل عن الصحيفة البريطانية "السوث ويلز آيكو" خبرا ً عن
االنتخابات النيابية المصرية ،ومقتل عشرة أشخاص ،وعدم تدخل الجيش
البريطاني المرابط في السويس ،وأن أعنف االشتباكات غالبا ً بين الوفديين
والسعديين ،وتذكر الصحيفة أنه ُمنذ ُ االنتخابات السابقة جرى الفتك بشخصين
هما :الدكتور أحمد ماهر ،ومحمود فهمي النقراشي زعيم السعديين ،وتنقل
عن النحاس باشا أن حزبه لن يتحد مع أي حزب آخر في حال عدم إحراز
النصر(.)67
ويتابع في العدد الالحق أخبار فوز الوفد ،مقدما ً أحر التهاني بهذا الفوز،
ويواصل في العدد حيث يبعث أحد أهم المحررين في "السالم" ،القاضي عبد
الكريم العنسي ،برسالة مفتوحة للزعيم النحاس باشا ،معتبرا ً فوزه نصراً
لمصر واألمة العربية جمعاء ،ويشكو للنحاس حالة اليمنيين ،وباألخص
أحوال المعتقلين في باستيل حجة -حسب العنسي -طالبا ً شفاعة النحاس في
هؤالء المقد مين للموت بعد أن شفى اإلمام غيظه بسفك دم األبرياء( .)68كما
تنشر الصحيفة خبر وفاة إسماعيل صدقي باشا ،وزيارة النحاس لمرسيليا
بغرض العالج ،كما تتناول الصحيفة تحت عنوان "الجالء ووحدة وادي
النيل" ،منتقدة ً الطريقة العربية في التفاوض؛ فهي تقول :وكم ذا استمع الناس
إلى مطالب مصر -وما أكثر الطلب ،وما أقل العطاء! -وتضيف الصحيفة:
وقد اقتضت عوائد العرب أنهم يتركون ساعات الفرص تذهب من أيديهم في
أوقاتها المناسبة ،حتى إذا ما ذهبت الفرص تقدموا باالحتجاجات ،وأوفدوا
وفودهم ،فيعودون بخفي حنين(( . )69والحقيقة أنها رؤية جد عميقة) ،وتنبئ
عن خبرة مدهشة في قراءة كف المستقبل( .الباحث).
ويسجل الحكيمي زيارته للنادي المصري في لندن ،ولقاءه مع صديقه
العزيز الدكتور عبد العزيز عتيق ،وبنقل المحرر عن الحكومة البريطانية
قولها :إنها لن ترسل أسلحة إلى مصر لحاجتها إليها ،وتعلق "السالم" :إن
مولود إسرائيل يستطيع أن يصنع أسلحة في تل أبيب ،ويمون نفسه دون أن
يحتاج ألحد ،وأما جامعتنا العربية التي شاب قرناها ،فإنها ال تقدر على صنع
أمواس لألظفار(.)70
وكالم "السالم" في العام ،50أما اليوم ،فإن إسرائيل تمول دوالً عظمى
مثل :الهند ،والصين ،وتركيا ..ترى لو عاش الحكيمي إلى اليوم ماذا تراه
يقول؟!
وتنشر "السالم" خبرا ً عن "مصر والهند" يتناول فيه المحرر احتجاجا ً
قدمته الحكومة المصرية إلى الهند لنيتها االعتراف بإسرائيل ،وتشن
الصحيفة حملة شعواء على الحكم العربي ،والزعماء العرب المنقسمين على
أنفسهم ،والمسؤولين الوحيدين عما لحق من عار بالعرب(.)71
وفي العدد ( )75تكرس "السالم" صفحة كاملة عن الجالية العربية في
شرق إ فريقيا والشعب المصري ،وهي مكرسة لالحتفاء باألساتذة المصريين
ال عاملين في أفريقيا ،وقد جرى االحتفال في الخرطوم ،والموضوع موشى
بالصور.
وتدين "السالم" بشاعة التعذيب في معتقل "هاكستب" ،مشيرة ً إلى كتاب
الذي نجد له صدى كبيرا ً في ()72
أصدره علي محمد الطاهر عن هذا المعتقل
الكتابات السياسية حينها ،وفي أشعار فؤاد حداد.
وفي العدد ( )78نقرأ مقالة نارية لكاتب من كتاب "السالم" ،وهو علي
حمود الجايفي بعنوان (الطبول الفارغة) حمل فيه الكاتب على بعض الجرائد
المصرية البائرة التي تعلن العداء الصارخ لألحرار اليمنيين ،وتستخدم
البذاءة واأل لفاظ السوقية حسب الكاتب ،مما تأباه وتستفز منه القومية العربية
القضية قيد البحث أربعة أعوام ،وقد حكم القضاء المصري المجيد بتعويض
القصيمي ألف جنيه ،كما ألزمهم بدفع أتعاب المحاماة(.)77
وفي عدد ( )90تنشر "السالم" بالبنط العريض ،وعلى صدر صفحتها
األولى ،اهتمام مشيخة األزهر ووزراء الدول العربية بإرسال المعلمين إلى
كارديف .والحقيقة أن الصحيفة ،و ُمنذ ُ أولى أعدادها ،ظلت تطالب بإرسال
معلمين إلى كارديف؛ لتعليم الجالية المسلمة والعربية ،واستجاب األزهر
متأخرا ً لمناشدات الحكيمي الذي كان له مسجد وزاوية ورباط تعليم
حقيقي(.)78
وتواصل "السالم" ،أو تعير اهتماما ً كبيرا ً لمفاوضات الجالء بين مصر
وبريطانيا ،ولكنها تتوقع صعوبة فيما يتعلق بوحدة وادي النيل؛ فبريطانيا
حريصة على فصل السودان عن مصر(.)79
وفي العدد ( )93ترصد زيادة التوتر بين مصر وبريطانيا بعد قيام مصر
بتفتيش سفينة كانت تمر بالقنال ،وتحمل أسلحة لشرق األردن ،وال تستبعد أن
ي رفع األمر لمجلس األمن ،ثم تندد وتدين احتجاجات إسرائيل على قيام مصر
بتفتيش السفن ،وتتوسع إدانة "السالم" لتشمل الحكم العربي المتهاون
والمتخاذل( .)80والواقع أن "السالم" قد أفسحت حيزا ً كبيراً للجامعة العربية،
وكانت في األعداد األولى متحمسة لها ،ولكن دقة مالحظة الحكيمي،
وقراءاته العبقرية قد كشفت حقيقة وواقع هذه الجامعة؛ فقد أدرك أن الملوك
العرب بعيدون عن التوجهات المصرية ،وهم ال صلة لهم بقضايا فلسطين،
أو قضايا أمتهم وشعوبهم؛ فقد كتبت "السالم" تحت عنوان "الجامعة
العربية" ،وبعد أن ميز الكاتب بين الجامعة العربية كأنشودة لكل عربي،
وكأمنية يعلقون آمالهم وسعادتهم عليها ،وبين واقع الحال ،يقول" :أما
جامعتنا الحالية ،فهي جامعة كشفت سوءة العرب ،وألبستهم ثوب الخزي
والعار؛ عار فلسطين الذي ال يمحى إلى األبد"(.)81
س يضيف" :جاء معيار مصر وحقوقها القومية ،وجاء االقتراح الرباعي
للدفاع عن الشرق األوسط ،تقدمت الدول األربع المعروفة .والمحرر هنا
يقصد المحاوالت األولى لـ"حلف بغداد" ،الذي يعود للعام ،1951حين دعت
بريطانيا أمريكا وبإشراك تركيا في إنشاء هيئة للدفاع عن الشرق األوسط
ضد الكتلة الشرقية على أن تساهم فيه مصر والدول العربية ،وتكون القاهرة
مقرا للهيئة ،وقد فشل المشروع لدعوة إسرائيل االنضمام إليه(.)82
ً
وتردد "السالم" وصاحبها في تأييد إلغاء معاهدة ،1936واتفاقيتي
،1899ورفع شعار "وحدة وادي النيل" تحت تاج الفاروق ،ويحدد الحكيمي
مصدر شكه وتردده فيقول :قد أكون أحد من خامرهم الشك؛ ال ألن مصر
ليست على حق ،كال؛ فأنا مؤمن بحقوقها العادلة تماما ً ،والذي رابني ما قد
عرفناه من قضية فلسطين ،وهو لعمر الحق درس ال ينساه التاريخ ،ونحن
العرب بوجه خاص نرتجل األمور ارتجاالً ،ونقول أكثر مما نعمل ،ونحب
أن نحمد بما لم نفعل ،وننزل إلى الميدان من غير زاد وال استعداد ،وسرعان
ما نخسر الصفقة؛ فنحمل الفضيحة والعار ،ونتأخر عدة مراحل بعد أن كنا
على األبواب(.)83
عن حقوق اإلنسان .فـ «حقوق اإلنسان» -كقضية وكمبدأ -لم تكن آنذاك
مطروحة بقوة في الخطاب اإلعالمي والصحفي العربي ،كما أنها لم تكن
متداولة في الحياة الفكرية واألدبية كما هو شائع اآلن.
ومعروف أن حقوق اإلنسان مطروحة بصور ومعان شتى في التشريعات
السماوية ،وخاصة في اإلسالم ،ولكنها لم تُحدد ولم تضبط وتقنن إال في مبادئ
األمم المتحدة كمنظمة وكإعالن في وثيقة تاريخية مهمة في تاريخ الدساتير
الفرنسية ،ووافقت عليها الجمعية التأسيسية في 26أغسطس ،1789وهي
مستمدة من نظريات روسو ،وإعالن االستقالل األمريكي ،ونصت على حقوق
الفرد التي ال يجوز التصرف فيها ،وهي :الحرية ،والملكية ،واألمن ،وأكدت
المساواة ،وسيادة الشعب -مصدر السلطات.
وصاحب «السالم» -كما يطلق على نفسه -قد أصدر الصحيفة عقب نكبة
، 48وهزيمة الثورة الدستورية في اليمن ،وقيام الكيان اإلسرائيلي في فلسطين،
و ُمنذ ُ صدور أول عدد في 6ديسمبر 48؛ أي بعد ( )8أشهر تقريبا ً من هزيمة
حركة 48في اليمن ،وبضعة أشهر من نكبة فلسطين ،وفقط قبل أربعة أيام من
صدور اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان.
كرس الداعية اإلسالمي الصحيفة ُمنذ ُ عددها األول ،بل حرفها األول ضد
اعتقاالت ومجازر ، 48التي طالت خيرة علماء وفقهاء وقضاة وأدباء وشباب
ومشائخ اليمن ورجالها األحرار.
صدرت الصحيفة في ست صفحات (قطع 29 ×46سم) ،وتحتل المقالة
الصحفية فيها موضع الصدارة ،وهي مقالة رئيسة مكرسة للدفاع عن المعتقلين
في سجون حجة الرهيبة ،ومنددة باإلعدامات ،وباإلرهاب األسود الذي غطى
المتوكلية اليمنية عقب هزيمة ثورة 48م ،كما أنها -أي المقالة -مكرسة للتنديد
375
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
ببطش سيوف اإلسالم بالواليات الممزقة التي استولوا عليها بالقوة .فالمقالة
تتعامل مع األسرة المالكة كعصابة تحكم اليمن بالحديد والنار ،وليس لها
مقومات أو خصائص دول ة ،وليست موحدة في نفسها ،وال تمتلك إال جهاز القوة
الباطشة عبر جراد العساكر الحفاة الجياع العراة الذين يجتاحون القرى
كالطاعون.
فالمقالة الصحافية ،ورسائل الحكيمي هي الجسم الرائس الذي يغطي معظم
أعداد الصحيفة التي وصلت إلى ( )107ابتدا ًء من 6ديسمبر 48م ،وانتهاء في
25مايو 1952م .وإذا كانت المقالة غالبا ً ،والرسائل أحيانا ً هي القسم األعظم
في «السالم» ،فإنها في معظمها مكرسة للدفاع عن المعتقلين ،والتنديد
باإلعدامات الجزافية التي تنفذ بدون أحكام ،بل إن برقية من الطاغية تطيح بعدة
رؤوس في ساعة واحدة ،والكالم عن أخطاء التنفيذ ،كما حدث بالنسبة للشاب
الشهيد ابن محمد الوزير ،والمناداة على بعض المعتقلين إلعدامهم ،ثم إعادتهم
من ساحات اإلعدام يصل حد األساطير والكوميديا السوداء.
والصحيفة غير مبوبة غالباً ،ويتوزع فيها الخبر على الصفحات كلها،
والخبر كالمقالة ،كرسائل القراء تكرس للدفاع عن الحقوق اآلدمية المهدورة في
اليمن (المملكة آنذاك) ،وال تخرج القصائد المنشورة في أعداد السالم عن هذه
القاعدة.
وحقوق اإلنسان في «السالم» تعبير واع وعميق عن ليبرالية وديمقراطية
صاحبها؛ فقد تشبع المجاهد العربي واإلسالمي بالتجارب األوروبية
واألمريكية ،وخاصة البريطانية التي قرأها وتمثلها وعاش تجربتها وشارك في
معاركها؛ فقد دعا أكثر من مرة إلى المهرجانات االنتخابية ،وكرئيس لتحرير
376
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
377
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
وسائل االتصال معها -ومع ذلك؛ فإن «السالم» قد أقامت شبكة اتصال شعبية
واسعة مكنتها من تتبع أدق التفاصيل ،وأخطر األسرار.
وفي العدد ( )66يكتب علي حمود الجايفي كشفا ً بأسماء شهداء االنقالب محددا ً
طريقة اإلعدام:
الرئيس جمال جميل بالسيف.
عبد هللا بن أحمد الوزير بالسيف.
السيد زيد بن علي الموشكي بالسيف.
أحمد حسن الحورش بالسيف.
محيي الدين العنسي بالسيف.
عبد هللا بن محمد الوزير بالسيف.
ويأتي على أسماء :المسمري ،والمطاع ،والبراق ،وعبد هللا بن محمد بن
أحمد الوزير ،وهو الشاب الذي تولت الصحيفة الدفاع عنه في المحافل الدولية،
إلى الحد الذي اعترف اإلمام أحمد أنه قد قتل خطأً.
وتواصل الصحيفة كشف أسماء من أُعدموا :علي الوزير ،ومحمد محسن
هارون ،والشيخ الذيب ،والشايف ،وأبو راس ،ومحمد بن حسن أبو راس،
ومحسن هارون ،ومحمد سري شايع ،وسيف الحق بالسم ،والقردعي
بالرصاص ،والحسيني بالسيف ،والسعيدي بالسيف ،والدعيس بالسم ،والعنجبة،
ومحمد ريحان ،وعلي العتمي بالسيف(.)86
وتطلق الصحيفة على "أعياد النصر" اإلمامية "أعياد اإلباحة وإزهاق
األرواح وهدر الدماء".
( )86صننحيفة السننالم ،عنندد ( ،)66مقننال بعنننوان «شننهداء االنقننالب» ،بقلننم علنني حمننود
الجايفي ،ص5
378
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
" واإلمام أحمد ال يحتفظ لنفسه بمكانة إمام وملك كسائر الملوك ،وإنما يقوم
بإدارة شعب كامل بنفسه ووحده ،وحتى البصلة وملح الخبز ال بد له أن يتولى
صرفها بنفسه ،وهذا لعمرك يقوم به خدم المنزل ليس غيرهم ،أو قل هو موظف
بسيط يا سيدي الغيور"(.)92
وعندما تُنتقد "السالم" ألنها غرقت في قضية اليمن ،ولم تأت حتى بالنزر
اليسير من أخبار الشعوب العربية اإلسالمية ،وسائر شعوب العالم؛ فترد السالم:
"إن الشعوب العربية واإلسالمية وسائر شعوب العالم لها جرائد ومجالت
وإذاعات ودعايات وبعثات تتصل بشعوب العالم تُعَ ّرف بها ،أما اليمن ،فإن
السالم جريدة اتخذتها األمة اليمانية الحرة -وال أعني المستبدة – منبرا ً لها،
وهي اآلن تداوي أمراض ذلك الشعب".
ويكتب الحكيمي إلى الشهداء في الذكرى الثانية لهزيمة الدستور صفح ًة
كاملة ":لقد أديتم واجبكم ،وخدمتم أمتكم بنزاهة وصدق وإخالص ،وسلمتم
أرواحكم فدا ًء ألجلها ،وإن دَينا ً علينا ،وعهدا ً ال ننكثه أبدا ً أننا نكمل ما حال
دونكم ودونه القدر ،وأن أرواحكم التي أُزهقت عدوانا ً وظلما ً بغير حق وبدون
ذنب أو سبب ،ومن غير محاكمة عادلة شرعية معقولة أو قانونية ،أو على
طريقة معقولة ،قد امتزجت بدمائنا وأحشائنا ،وتخللت كل شعرة منا".
ويدعو إلى جعل يوم 3جمادى األولى يوما ً للدستور الذي يستوحي
العواطف ،ويستفز الضمائر .والموضوع قطعة فنية رائعة.
وتنشر "السالم" صورا ً لضحايا اإلعدامات ،وتعلق عليها تعليقا ً ضافيا ً يؤرق
ضمير العالم ،ويهز أركان الطغيان" :هذه مناظر ضحاياك يا صاحب الجاللة
نقدمها أمام أنظار العالم؛ لنشهد هللا ونشهدهم عليك وعلينا يا صاحب الجاللة .إن
هذه المناظر المحزنة المؤلمة تعطي لسكان العالم صورة كافية عن األمة التي
تحتفلون بعيد انتصاركم عليها(.)93
وتتحدث "السالم" بمرارة وألم شديد عن هجرة اليمنيين عن أوطانهم
عشرات السنين ،ويرد ذلك لبشاعة المظالم التي تدفعهم إلى ترك أرضهم وأهلهم
وذويهم ،ويذكر الشرائع الطويلة والعريضة ،والنزاع والخصام الذي ال ينفصل،
والتنافيذ ،وأخذ الزكاة فوق ما أمر هللا ،وانسداد طرق المعيشة أمامهم ،وزكاة
الباطن (الباطل)(.)94
ويدافع الحكيمي في موضوع رئيسي "الشيخ أحمد محمد نعمان" عن النعمان
والزبيري ،مشيدا ً بموهبتهما الكبيرتين اللتين حاول اإلمام احتكارهما واحتكار
عقليهما اللذين وهبهما هللا لهما ،وأنهما -النعمان والزبيري -لو كانا يحمالن
ضمائر سافلة دنيئة لعاشا معك سعداء كغيرهم ،بل وأكثر منهم؛ فقد كان
ضميرهما الحر يؤنبهما ،وديانتهما تأبى عليهما العيش معك عيشة المكر
والخداع.
ويطالب باإلفراج عن المسجونين ،والتسليم بإرادة الشعب ،وتشكيل حكومة
يختارها الشعب من جميع طبقات الشعب ،وابتعاد اإلمام عن تولي إدارة الحكم؛
ألن ذلك من اختصاص العمال اإلداريين ،مؤكدا ً أن قضية اليمن قد أصبحت
أمام بصر العالم ،ويدعوه بدل صرف األموال على السفهاء والمنافقين أن
يصرفها على األمة العارية الجائعة ،ويشيد بإطالق سراح النعمان()95؛ مطالبا ً
باإلصالح في موضوع رئيسي بقلم عبد الكريم أحمد العنسي( ،)96ويعلق
والنفي بدون حق ،ويدين غياب القضاء العادل ،ويندد بتدخل الحكومة في حياة
الناس وخصوصياتهم ،وينتقد غياب المحاكم المستقلة في اليمن؛ فالقضاة مجرد
أشخاص موالين للحكومة تفرقهم في أنحاء البالد؛ ليحكموا بمقتضى إرادتها.
ويشير إلى المادة الخامسة عشرة من الوثيقة التي تعطي للمضطهدين حق
اللجوء ،وأن يستفاد من هذا الملجأ في بالد أخرى ،مؤكدا ً أن اليمانيين قد هجروا
أوطانهم ،والتجأوا إلى بلدان متفرقة جراء االضطهاد والجور من قبل
الدكتاتورية ،وأنهم يرفعون شكواهم للجنة حقوق اإلنسان؛ لكي ترسل لجنة
تحقيق؛ لتتبين صدق ما شكونا منه ..ويناقش حرية الفكر واالعتقاد والديانة،
وأن اليمنيين محرمون منها ،أما حرية الرأي والتعبير؛ فإنه يشدد التأكيد على
أهميتها ،ولكنها منعدمة في اليمن ،كما أن وسائلها من صحافة وإذاعة منعدمة
أيضاً ،كما ال تسمح الحكومة اليمنية بحق االجتماع أو تكوين الجمعيات؛ فال
توجد جمعية واحدة ،وال توجد وسائل اتصال ،وتصادر صحف العالم التي
تصل إليها إال للخاصة ،أما التعليم فال وجود لمدارس على اإلطالق ،اللهم إال
كتاتيب القراءة والكتابة ،وال مستشفيات وال عيادات وال أطباء ،وال عالجات،
وال طرق معبدة ،وال مياه صالحة للشرب..
والخالصة ،ال يتمتع اليمني بما يتمتع به اإلنسان في القرن العشرين؛ فحكومته
الدكتاتورية تحرمه منها ..ويأتي على ذكر االعتقاالت ،والمداهمات،
واإلعدامات بالجملة ،والتعزير ،والتنكيل؛ مطالبا ً لجنة حقوق اإلنسان بتشكيل
لجنة تتحقق من صدق ما يشكوه اليمنيون .وتشير الصحيفة إلى أن اليمن ،وهي
عضو في الجمعية العامة لألمم المتحدة ،لم تلتزم بالمادة ( ،)56المتعلقة بوسائل
النشر ،والويل لمن يتكلم عن شيء اسمه حقوق اإلنسان ،بل وتحرق أية
مطبوعات أو صحف تتحدث عن ذلك وتأتي من خارج البالد ،وتنهي الصحيفة
384
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
الموضوع الذي نشر على ثمانية أعمدة بالتأكيد أن حكومة اليمن قد أخلت بميثاق
األمم نفسه في عدم االلتزام بحقوق اإلنسان والحريات األساسية ،مكررا ً
االستغاثة بهذه الهيئة لنصرة المظلوم ضد الظالم(.)100
خاتمة:
جسدت صحيفة السالم مأساة المغترب اليمني الهارب من جحيم الظلم
واالضطهاد اإلمامي ،ومن تفشي األمراض القاتلة ،ومن التجهيل والتجويع
الواصل حد انتزاع لقمة الخبز الكفاف من أفواه الجياع المصابين بالمالريا
والجدري ،والجذام ،والبلهارسيا ،وحكام طغام ال يعرفون معنى للرحمة وال
للكرامة ،واألهم صدور "السالم" -األنموذج الفذ للصحافة المهجرية ،وصوت
المعارضة السياسية -بعد نكبة ،1948وقد تصدرت السالم الصحافة العربية
والعالمية في االحتفاء باإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الصادر في 10من
ديسمبر من العام 1948م؛ أي قبل 4أيام من صدور اإلعالن العالمي لحقوق
اإلنسان الصادر في 10من ديسمبر 1948في فلسطين ،وانكسار انقالب
1948في اليمن المتوكلية اليمنية.
وقد تصدت الصحيفة للدفاع القومي الصادق عن الشعب الفلسطيني ،وإدانة
االستعمار والرجعيات العربية والجامعة العربية بعد إحسان الظن بها ،كما
كرس الحكيمي افتتاحيات الصحيفة لتجريم الحكم القروسطي في اليمن ،ودافع
عن األحرار اليمنيين ،مطالبا ً بوقف اإلعدامات ،واإلفراج عن المعتقلين
األحرار ،كما دافع وحمى المغتربين اليمنيين المذرورين في بقاع شتى من
العالم ،ودعا إلى تضميد الجراح ،ورص الصفوف لمواجهة التحديات الخطرة
( )100يراجنننع العنننددان ،)62( :و( ،)63ص ،1رسنننالة مفتوحنننة إلنننى النننرئيس األمريكننني
ترومان باللغتين العربية واإلنجليزية .والعدد ( ،)38ص ،1والعدد ( ،)78ص ،1
و ص .8
385
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
التي تواجه اليمن واألمة العربية كلها ،وكانت اإلعالن الداوي لبروز الحركة
الوطنية اليمنية ،وإيصال صوتها إلى األمة العربية والعالم.
وقد حرصت على قراءة أعداد الصحيفة البالغة 107أعداد ،وتتبعت مسار
افتتاحياتها؛ لندرك مدى تطور خطاب الصحيفة ،وتوسع اهتماماتها ،ونضج
تفكير رئيس التحرير الحكيمي ،وارتقاء الخطاب.
المصادر:
-1صحيفة "السالم" ،رئيس التحرير ،عبد هللا علي الحكيمي ،العدد،)1( :
(،)21( ،)20( ،)19( ،)18( ،)17( ،)14( ،)11( ،)9( ،)8( ،)5( ،)4
(،)49( ،)48( ،)45( ،)41( ،)39( ،)38( ،)37( ،)32( )29( ،)28
(،)63( ،)62( ،)61( ،)60( ،)58( ،)54( ،)53( )52( ،)51( ،)50
(،)86( ،)85( ،)83( ،)81( ،)77( ،)74( ،)68( ،)67( ،)66( ،)65
(.)100( ،)99( ،)93( ،)92( ،)90( ،)89( ،)88
-2النشاط الثقافي والصحفي لليمنيين في المهجر :إندونيسيا ،ماليزيا،
سنغافورة ،1950 -1900 ،د .عبد هللا يحيى الزين ،دار الفكر2003 ،م.
-3الصحافة اليمنية :نشأتها وتطورها ،د .محمد عبد الملك المتوكل ،مطابع
الطوبجي التجارية1983 ،م.
386
اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس
387