You are on page 1of 389

‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية‬

‫الجزء الخامس‬

‫(‪ 5‬ـ ‪)9‬‬

‫التأثير الثقافي المتبادل للهجرة اليمنية‬


‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية (تسعة أجزاء)‬

‫الطبعة األولى ‪2022‬م‬

‫رقم اإليداع بدار الكتب ‪2022/72‬‬

‫الناشر‪ :‬مؤسسة الخير للتنمية االجتماعية‬

‫___________________________‬

‫مؤسسة الخير للتنمية االجتماعية‬

‫ص‪.‬ب (‪ )18226‬صنعاء – اليمن‬

‫هاتف‪01-442432 :‬‬

‫بريد الكتروني ‪info@muhajirun-ye.org‬‬

‫رابط الموقع ‪www.muhajirun-ye.org‬‬

‫____________________________‬

‫يمنععع عبععع هععتا الكتععاب أو جععزء منععط بكععل عععر الطبععع والت ععوير ال ب ع‬
‫خطي من المؤسسة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫راعي المشروع – رئيس مؤسسة الخير للتنمية االجتماعية‬


‫األستاذ ‪ /‬علوان سعيد محمد الشيباني‬
‫أسماء فريق دراسة اآل ثار المتبادلة للهجرة اليمنية (ترتيب أبجدي)‪:‬‬
‫‪ -2‬د‪ .‬أحمد قائد ال ائدي‬ ‫‪ -1‬أ‪ .‬أحمد صالح الجبلي‬
‫‪ -4‬د‪ .‬أحمد محمد عبد الاله السقاف‬ ‫‪ -3‬أ‪ .‬أحمد عبده سيف‬
‫‪ -6‬د‪ .‬أمين محمد سعيد نوي ر‬ ‫‪ -5‬أ‪ .‬العزي محمد حمود ال لوي‬
‫‪ -8‬أ‪ .‬جمال عبد الرحمن الحضرمي‬ ‫‪ -7‬د‪ .‬جمال حزام محمد النظاري‬
‫‪ -10‬د‪ .‬حمود صالح العودي‬ ‫‪ -9‬أ‪ .‬حسن عبد الوارث محمد البناء‬
‫‪ -12‬د‪ .‬صاد عمر مكنو‬ ‫‪ -11‬د‪ .‬شائف شرف عثما الحكيمي‬
‫‪ -14‬أ‪ .‬عبد الباري محمد عاهر‬ ‫‪ -13‬د‪ .‬صالح أبوبكر بن الشيخ أبوبكر‬
‫‪ -16‬د‪ .‬عمرو معد يكرب الهمداني‬ ‫‪ -15‬عبد هللا محمد عبد هللا بن ثعلب‬
‫‪ -18‬أ‪ .‬محمد عبد الوهاب الشيباني‬ ‫‪ -17‬أ‪ .‬قادري أحمد حيدر األديمي‬

‫باحثون مشاركون بأوراق بحثية‬


‫‪ .2‬أ‪ .‬فؤاد علي الشرجبي‬ ‫‪ .1‬أ‪ .‬أكرم محمد علي الم نعي‬
‫‪ .4‬د‪ .‬محمد عبدالرحمن سجوه‬ ‫‪ . 3‬أ‪ .‬محمد سلطا اليوسفي‬
‫‪ .5‬د‪ .‬يحيى محمد أحمد غالب‬
‫المساعدون التنفيذيون‬
‫‪ .2‬عزام أحمد غيال الشيباني‬ ‫‪ . 1‬رحاب عبده علي ال غير‬
‫‪ .3‬لينا عبدالقادر العبسي – سكرتارية مركز الدراسات‬
‫تصحيح لغوي‬
‫‪ .2‬د‪ .‬محمد حسين خاقو‬ ‫‪ .1‬د‪ .‬عبدهللا علي الكوري‬
‫‪ .3‬د‪ .‬عبده محمد صالح الحكيمي‬

‫تصميم الغالف‬
‫خالص عبدهللا عط علي‬

‫‪3‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪4‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫محتوى الجزء الخامس‬

‫‪ .1‬التأثير المتبادل للمهاجرين والمغتربين على التعليم‬


‫أ‪ .‬أحمد عبده سيف العريقي‪7 ..................................................‬‬
‫‪ .2‬سماعيلية اليمن في المهجر‪ :‬األسباب واآلثار‬
‫د‪ .‬عمرو بن معد يكرب حسين الهمداني‪223 ....................................‬‬
‫‪ .3‬ال حافة اليمنية في المهجر‪ :‬التأثير والتأثر‬
‫أ‪ .‬عبدالباري عاهر‪327 ...........................................................‬‬

‫‪5‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪6‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫التأثير المتبادل للمهاجرين والمغتربين على التعليم‬

‫(*)‬
‫أ‪ .‬أحمد عبده سيف العريقي‬

‫(*) باحث في القضايا التربوية والتعليمية‪.‬‬


‫‪7‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪8‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫لوال اشتداد المعاناة والبؤس لما تولدت الرغبة باالغتراب والهجرة لدى‬
‫ماليين اليمنيين‪ ،‬ولوال الهجرة واالغتراب لما تحولت مخاعر وأشكال المعاناة‬
‫لى فرص‪ ،‬ولوال الفرص التي أتيحت بسبب الغربة لما تحسنت ظروف‬
‫المهاجرين والمغتربين‪ ،‬وتميز بينهم الكثير من النابهين التين أدركوا تلك‬
‫الفرص وسعوا‪ ،‬بكل ضميرهم الوعني النقي‪ ،‬لى استغاللها تعزيزا ً لثقافة‬
‫المقاومة‪.‬‬
‫ولوال أولئك الرواد لما تمكنت المعارضة اليمنية في الداخل من البقاء‬
‫وال مود‪ ،‬ومن توحيد ال ف‪ ،‬و نتاج أدوات نضالهم ممثلة "بحزب األحرار"‪،‬‬
‫"فالجمعية اليمنية"‪" ،‬فاالتحاد اليمني"‪ ،‬وصوالً لى لحظة استعادة اإلرادة‬
‫وتفجير الثورة في صنعاء‪ ،‬ثم في عد ‪ .‬ولوال نجاح الثورة لما أمكن تغيير‬
‫النظام‪ ،‬ولوال تغيير النظام لما تطور التعليم (على تشوهط الحالي)‪ ،‬ولوال تطور‬
‫لم يكن محكوما ً بالفلسفة الوعنية المنشودة‪ -‬لما أمكن عادة تشكيل‬ ‫التعليم‪ -‬و‬
‫تعثرها اليوم يعد دليالً على ما نالها‬ ‫ثلمت‪ ،‬بل‬ ‫ثقافة المجتمع كما نرى‪ ،‬و‬
‫تعثرت قدرة الجماعات واألفراد ولم تنجح في التغيير اإليجابي‬ ‫من تغيير‪ ،‬و‬
‫بالقدر التي يمك ن الثقافة من االستقرار والتمكين‪ ،‬عبر خلق وتوسيع حاضنتها‬
‫يفهم تأثير المهاجرين‬ ‫المجتمعية‪ .‬بهته ال ورة وهتا المستوى يجب أ‬
‫والمغتربين على مواعن الهجرة واالغتراب وعلى الداخل الوعني‪ ،‬وكيف ال‬
‫لك‪ ،‬وهم من اصطلى بمحنة عدم التأهيل الكافي‪ ،‬وانعدام الرعاية‪،‬‬ ‫يكو‬
‫وأدركوا أنط ال سبيل لى الخالص ال بالتعليم‪ .‬ولتلك كا التعليم وسيبقى يمثل‬
‫نط‬ ‫المدخل األمثل للتغيير‪ ،‬خاصة أ للتعليم عالقة وثقى بثقافة المجتمع؛‬
‫أي حديث عن‬ ‫يجعلها مجاالً حيويا ً لعملياتط وأنشطتط المختلفة‪ ،‬وبالتالي ف‬

‫‪9‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الحديث‬ ‫التعليم‪ ،‬ال يمكن تجاوز الحديث فيط عن أثره في الثقافة‪ .‬وبالمقابل‪ ،‬ف‬
‫عن تفاعل األفراد أو الجماعات مع المجتمع المحيط‪ ،‬والسعي للتأثير فيط البد أ‬
‫يكو انعكاسا ً ألثر التعليم في الجماعات واألفراد‪.‬‬
‫وتهدف هته الدراسة لى التعرف على حجم تأثير المغتربين والمهاجرين‬
‫على التعليم‪ ،‬وانعكاس لك على مختلف مجاالت حياة المجتمع‪ ،‬عبر استطالع‬
‫ألحوال الوعن بداية القر العشرين وواقع التعليم في شمالط وجنوبط‪ ،‬وجدواه‬
‫وعالقتط باحتياجات المجتمع‪ ،‬مع بيا مالمح العالقة بين التعليم وثقافة المجتمع‪.‬‬
‫وفي المحور الثاني‪ ،‬من خالل استعراض بعض أسباب الهجرة‪ ،‬تستهدف‬
‫الدراسة اإلجابة عن سؤال‪ :‬هل مثلت شكالً من أشكال المقاومة‪ ،‬مع االقتراب‬
‫من بعض اهتمامات المغتربين والمهاجرين‪ ،‬ومعاناتهم‪ ،‬ونزوعهم للتوحد‪،‬‬
‫و عطاء شارات لى تفاعلهم اإليجابي مع بيئات الهجرة واالغتراب‪ ،‬وتأثيرهم‬
‫عليها وعلى وعنهم األساس‪ ،‬وخاصة عبر سهاماتهم التعليمية‪ .‬وأما المحور‬
‫الثالث فيستهدف الوقوف على مستوى انعكاس سهاماتهم وتأثيرها على ثقافة‬
‫المجتمع‪ ،‬مع استجالء بعض األسباب التي قللت من مستويات تأثيرهم المتبادل‬
‫على مواعن الهجرة واالغتراب وعلى الداخل الوعني‪ .‬مختتمين الدراسة‬
‫ببعض المقترحات الهادفة لزيادة تأثيرهم في الحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫كما نط م ن المهم اإلشارة هنا لى أنط واجهتني صعوبات عديدة‪ ،‬تتعلق بتوفر‬
‫المراجع الالزمة‪ ،‬وم ادر المعلومات والبيانات‪ ،‬وأحيانا ً كثيرة‪ ،‬ق ور فيما‬
‫توفر منها على نحو لم يبق أمامي من سبيل سوى يرادها كما وجدتها‪ ،‬آمالً أ‬
‫تتواصل جهود البحث‪ ،‬وأ تتمكن من تحقيق ما لم أتمكن من تحقيقط‪ ،‬وراجيا ً‬
‫أ تحظى هته الظاهرة بما تستحقط من اهتمام‪ ،‬بما يمكن من تفعيل األداء‬
‫وحسن استثمار النتائج‪ .‬ويبقى علي لفت االنتباه لى أنط زاء ال عوبات التي‬

‫‪10‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫عرضت بعضا ً منها فيما تقدم‪ ،‬فقد سلكت منهج البحث التاريخي دو تقيد‬
‫صارم بأدواتط لبناء هيكل الدراسة ‪ ،‬مع االستعانة ببيانات ح ائية قدر ما‬
‫تيسر‪ ،‬مع استخدام ما أمكن من ممكنات التحليل غير المخل بما وقع بين يدي‬
‫على عريق نجاز الدراسة‪ ،‬آمالً تقدير لك‪.‬‬
‫ويبقى من المهم التأكيد على أ هته الدراسة تكتسب أهميتها من وجوه عدة‪،‬‬
‫لعل من أهمها‪ ،‬أنها تسعى إلن اف المهاجر والمغترب اليمني نتيجة ما قدم من‬
‫تضحيات جسام‪ ،‬حتى غدا القول صحيحا ً بأنط لوال تلك التضحيات التي هيأتها‬
‫األقدار لما عرف الوعن كل هته التحوالت العظيمة المؤسسة ليمن المستقبل‪.‬‬
‫واإلن اف هنا نعده متأخرا ً وبجهد أهلي كا الواجب يقتضي من الدولة والنظام‬
‫السياسي أ يبادرا ليط تقديرا ً وعرفانا ً لجهود وتضحيات جنود مجهولين تفوقوا‬
‫على ممكنات تأهيل متواضع ح لوا عليط‪ ،‬وتجاوزوا كل العوائق التي كانت‬
‫تحول دو تواصلهم مع بعضهم البعض‪ ،‬ومع عالئع المعارضة في اليمن‪،‬‬
‫لي نعوا فجرنا السبتمبري في العام ‪62‬م‪ ،‬وليؤسسوا مداميك التحوالت التي‬
‫شهدتها الساحة الوعنية‪ .‬وقد آ أوا خروجهم من ظل التاريخ ليغدوا معالم‬
‫على عريق جهاد اإلنسا اليمني ونبراسا ً تقتدي بط األجيال المتعاقبة‪ ،‬ولينالوا‬
‫حقهم من التبجيل والترح م على األقل‪ ،‬وليحتلوا المكانة المناسبة في التاكرة‬
‫الجمعية للمجتمع‪ .‬كما أنها تكتسب أهمية عظمى كونها مع غيرها من الدراسات‬
‫المنتجة في هتا المشروع‪ ،‬التي كرس لط األخ علوا الشيباني جهده المبارك‬
‫وتمويلط الكريم إلظهاره لى النور‪ ،‬تشكل دراسات مؤسسة تيسر للباحثين في‬
‫ة‪ ،‬تمكن المجتمع من تقدير‬ ‫الحاضر والمستقبل فرصا ً إلنتاج بحوث متخ‬
‫هته الظاهرة‪ ،‬وتوجط اهتمام النظام السياسي للعناية بها‪ ،‬استثماراً لها وسعيا ً‬
‫إلعادة بناء التاكرة المجتمعية كحق مكتسب لألجيال القادمة‪ .‬ثم نها تؤسس‬

‫‪11‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫للكشف عن دور المهاجر والمغترب اللتين وهبا من أعمارهما وجهدهما ما‬


‫استطاعاه‪ ،‬كجهد يجابي أسهما بط في نهضة شعوب وأمم عربية‪ ،‬و سالمية‬
‫وأوروبية عديدة‪ ،‬وتؤكد بأ اإلنسا اليمني لم يكن عالة وغير ي قيمة‪ ،‬كما‬
‫أنها تكشف عن ضخامة البتل لتحقيق نهضة تعليمية ما كا لنا أ نحققها بهتا‬
‫القدر لوال سهاماتهم الباكرة والمتواصلة في مختلف المراحل والعهود التي‬
‫مرت في حياة اليمنيين‪ ،‬وعكست آثارها ب وضوح على ثقافة المجتمع‪ .‬كما أنها‬
‫تكتسب أهمية خاصة من حيث توجيط اهتمام المخت ين لى االقتراب‬
‫والمغتربو‬ ‫الموضوعي من التجارب التعليمية التي أسسها المهاجرو‬
‫كل منها‪ ،‬قياسا ً على مستوى اهتمامهم‬
‫اليمنيو لبيا مالمح التجارب وجدوى ٍّ‬
‫ووعيهم بأهميتها لتأهيل أبنائهم ‪ ،‬وللنظر في جدوى استمرار القائم منها والحاجة‬
‫لتجويد ما تقدمط من فرص التأهيل‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مدخل تمهيدي‪ :‬لمحات عن أحوال الوطن السياسية في النصف األول من‬


‫القرن العشرين‬
‫في بدايات القر العشرين كا الوعن والمجتمع تتنازعط قوى محلية‪ ،‬وقوى‬
‫أجنبية ممثلة باالحتالل العثماني‪ ،‬واالحتالل البريطاني‪ .‬أما المحلية فقد تمثلت‬
‫بحكم دويالت متنازعة متنافرة تمثلت باألدارسة‪ ،‬ومشيخات وسلطنات في‬
‫جنوب وشر الوعن‪ ،‬أما في بعض مناعق الهضبة الشمالية‪ -‬في األهنوم وقفلة‬
‫عتر وغيرها‪ -‬فقد كانت المقاومة لحكم األتراك بقيادة اإلمام المن ور محمد بن‬
‫يحيى تشتد‪ ،‬وخاصة بعد تولي اإلمام يحيى بن محمد اإلمامة بعد أبيط التي توفي‬
‫عام ‪ 1904‬م‪ ،‬والتي نجح في استمالة أبناء األسر المنافسة وبعض شيوخ القبائل‬
‫والمدنيين لى صفط‪ ،‬وبتلط لهم الوعود بالمشاركة في الحكم واإلصالح‪،‬‬
‫وترسيخ الحكم المحلي بعد التخلص من األتراك‪ ،‬وركز على مواصلة الحرب‬
‫إلخراج األتراك من اليمن‪ ،‬وشددت قواتط ح ارها على صنعاء حتى أجبر‬
‫تركيا على عقد اتفاقية "دعا " عام ‪1911‬م‪ .‬وقد ساعده على لك األوضاع‬
‫يحيط بالدولة العثمانية من أخطار نتيجة القالقل‬ ‫الدولية السائدة‪ ،‬وما كا‬
‫وحركات االستقالل في بعض البلدا الخاضعة لحكمها‪.‬‬
‫و كانت األعماع السياسية للتوسع بين الدول األوروبية قد بلغت التروة‪،‬‬
‫وشرعت تقيم التكتالت واألحالف استعدادا ً لخوض ال راع التي تفجر بقيام‬
‫الحرب العالمية األولى‪ .‬ولم تكن تركيا بعيدة عن لك‪ ،‬فتحالفت مع ألمانيا ضد‬
‫كل منها‬
‫أعدائها (بريطانيا ‪ -‬فرنسا ‪ -‬يطاليا)‪ ،‬خاصة أنط قد ظهرت أعماع ٍّ‬
‫باقتسام تركة "الرجل المريض"‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬كانت بريطانيا تفرض سيطرتها على مناعق واسعة في جنوب‬
‫اليمن باحتالل عد ‪ ،‬وربط السلطنات والمشيخات باتفاقات الحماية التي‬

‫‪13‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫بموجبها تمنح بريطانيا للمشايخ والسالعين مرتبات شهرية مقابل "الوالء‬


‫والمشورة"‪ ،‬و لك بحسب تقدير بريطانيا التي كا جل همها تعزيز سيطرتها‬
‫كميناء للتزود بالوقود والغتاء والماء‪ ،‬وألهميتط‬ ‫على مستعمرة عد‬
‫االستراتيجية نتيجة وقوعط على خط المالحة الدولية وعلى الطريق الرابط بين‬
‫مستعمراتها في الشر وم ر‪ ،‬ولتلك سعت السترضاء اإلمام يحيى بعد انتهاء‬
‫الحرب العالمية األولى بأ أبدت رغبتها لإلمام بالتخلي عن المحميات‪ ،‬لكنط‬
‫رفض لك ألنط كا يطمح لى أ تسلمط بريطانيا ميناء عد (لما سيدره عليط‬
‫من أموال)‪ .‬أما نظرتط لى المحميات فقد كانت محكومة بفلسفتط القائمة على‬
‫التخلي وعدم االهتمام بأي منطقة‪ ،‬أو محمية‪ ،‬أو لواء ال يتوقع منها تحقيق‬
‫عوائد مالية مناسبة‪ ،‬فالقاعدة عنده محكومة بحد المنفعة‪ ،‬والمنفعة المالية منها‬
‫غابت أو لم تكن بالمستوى المطلوب‪ ،‬ت بح المنطقة‬ ‫على وجط التحديد‪ ،‬ف‬
‫بمن فيها غير مرغوب بها(‪.)1‬‬
‫ومنت ‪1918‬م‪ ،‬عالب اإلمام يحيى بريطانيا بتسليم المحميات‪ ،‬مشعرا ً ياهم‬
‫أنط غير معترف باتفاقية الحدود التي عقدوها مع األتراك‪ .‬وقد كانت الحكومة‬
‫لك لوال تعنت المسؤولين‬ ‫البريطانية‪ ،‬وكثير من خبرائها السياسيين يؤيدو‬
‫البريطانيين في عد ‪ .‬ولما لم تجد مطالبة اإلمام يحيى بالمحميات تجاوبا ً‪ ،‬أخت‬
‫يرسل قواتط ابتدا ًء من ‪1920‬م الحتالل الضالع والعوا ل‪ ،‬وأجزاء من لحج‬
‫ويافع وبيحا وغيرها‪ ،‬فما كا من اإلنجليز ال تسليم الحديدة لى اإلدريسي في‬
‫الحديدة لم‬ ‫‪ 31‬يناير ‪1921‬م نكاية باإلمام يحيى‪ .‬ويقول الكولونيل جيكب‪" :‬‬

‫(‪ )1‬ورد في كتاب "لمحات من تاريخ حركة األحرار اليمنيين" ما يشير لى مثل لك حيث‬
‫يورد القول‪" :‬وبالنسبة لمارب فقد روى لي أحد األصدقاء عن األستا زيد عنا قولط‪:‬‬
‫نط سمع اإلمام يحيى شخ يا ً يقول ما معناه‪ :‬ما معنا فائدة من مارب هته تخسرنا كل‬
‫سنة ‪ 5000‬لاير معاشات ونحن ما فيش معنا منها مدخول‪ ،‬ما عاد نشتيهاش"‪ ،‬ينظر‪:‬‬
‫عبده‪ ،‬علي محمد‪ ،‬لمحات من تاريخ حركة األحرار اليمنيين‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.29‬‬
‫‪14‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫اإلدريسي لم يغنمها من األتراك‬ ‫تكن ملكا ً خال ا ً لنا حتى ن منحها للغير‪ ،‬كما‬
‫أثناء الحرب‪ ،‬وكا أول واجب علينا بعد عقد الهدنة مع األتراك أ نبعد‬
‫الحديدة هي‬ ‫اإلدريسي عن منطقة أصبحت باالكتساب لإلمام وحده؛‬
‫الميناء الطبيعي ل نعاء"‪ .‬وقد استمر يحكم هته المناعق سبع سنوات‪ ،‬ونتيجة‬
‫ظلمط وخرافاتط التجأ كثير من كبارها لى محميات أخرى‪ ،‬وأختوا يستنجدو‬
‫باإلنجليز‪ ،‬فقامت عائراتهم في ‪1928‬م بق ف قواتط في الضالع والعوا ل‪،‬‬
‫وق فت بعض مد الشمال‪ ،‬مثل تعز‪ ،‬وقعطبة‪ ،‬و مار‪ ،‬والنادرة‪ ،‬فانسحبت‬
‫القوات اإلمامية من المناعق التي كانت قد استعادتها"(‪.)2‬‬
‫وبالنظر لى لك‪ ،‬نجد أيضا ً أ اإلمام يحيى لم يكن جادا ً في مطالبتط‬
‫لبريطانيا بتسليم المحميات ال ا كانت عد ضمنها‪ ،‬ولما يئس من رفض‬
‫بريطانيا تسليمط عد هاجم بعض المحميات كما ورد سابقا ً‪ ،‬واستمر يحكم ما‬
‫استعاده منها سبع سنوات‪ ،‬لكنط لم يكن قادرا ً على تقديم بديل جا ب للمواعنين‪،‬‬
‫بل اشتد بممارسة الظلم‪ .‬ونالحظ صمت بريطانيا على ما أقدم عليط‪ ،‬ولم تحم‬
‫مناعق نفو ها‪ ،‬وفي لك دليل على رغبتها في التنازل عن المحميات مقابل‬
‫قبولط (ببريطانية لحج وعد )‪ ،‬ولما اشتدت مظالمط وأراد مناكفة اإلنجليز‪،‬‬
‫ونتيجة الستنجاد المواعنين في المناعق التي خضعت لحكم اإلمام‪ ،‬انسحبت‬
‫قواتط‪ ،‬ولم ت مد بعد الغارات األولى للطائرات البريطانية في ‪1928‬م‪ ،‬بل نط‬
‫قبل بتوقيع معاهدة معهم في فبراير ‪1934‬م‪ -‬بعد أ بقيت العالقة في حالة‬
‫سكو ‪ -‬تنازل فيها عن مطالباًتط‪ ،‬وأقر بنفو بريطانيا على عد والمحميات‬
‫جميعها‪.‬‬

‫(‪ )2‬المرجع نفسط‪ ،‬ص ‪.106 ،105‬‬


‫‪15‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫االحتجاج بمعارضة المسؤولين البريطانيين في عد عن تسليم‬ ‫كما أ‬


‫بريطانيا المحميات لإلمام‪ ،‬في رأيي لم يكن ال من قبل ممارسة التكتيكات‬
‫السياسية مع اإلمام يحيى‪ ،‬كما كانت استعادتط لبعض المناعق أيضا ً‪ ،‬وخروجط‬
‫منها بعد سبع سنوات أقرب ما يكو للتكتيك وليس تحريرا ً لألرض‪ ،‬كما أنط لم‬
‫يقاوم‪ .‬ثم لما ا رفض استالم المناعق التي كا سعيد باشا واألتراك قد حرروها‬
‫عندما علب منط سعيد باشا لك‪ ،‬وفضل عدم‬ ‫ووصلوا لى الشيخ عثما‬
‫المشاركة في الحرب واختار الحياد؟‬
‫كما أني أميل لى وجود سبب آخر يتمثل بخشيتط من عدم قدرتط على بسط‬
‫نفو ه وتأكيد سيطرتط على مساحة أرض واسعة‪ ،‬ال يدين أهلها لط متهبياً‪،‬‬
‫وتزداد نفقاتط عليها أيضا ً (في ظل عالقاتط ال راعية في لك الوقت مع‬
‫اإلنجليز واإلدريسي‪ ،‬وما يستتبعط لك من تشتيت لقواتط)‪ ،‬وهو التي سعى‬
‫للتنكر لكل الوعود التي قدمها أثناء المواجهة مع األتراك‪ ،‬وسعى للتخلص من‬
‫أمر اء الحرب التين ساعدوه على بسط النفو على المناعق التي كانت تخضع‬
‫لحكم األتراك‪ ،‬وراح يمارس سياسة "فر تسد"‪" .‬وهكتا نجحت اإلمامة في‬
‫ت نيف الشعب لى فريقين مختلفين‪ ،‬كل منهما مطية لى هدف من أهدافها‪.‬‬
‫و ا كا القسم اليمني األسفل يقاسي الكثير من السلب والنهب والقهر‪ ،‬فالقسم‬
‫األعلى يتجرع السموم الروحية التي ترغم أبناءه على الطاعة العمياء لإلمام‬
‫دو مناقشة وال حساب‪ ،‬ودو أ ينتظر جزاء"(‪.)3‬‬
‫وسعى اإلمام يحيى لى تعزيز وتدعيم مركزه الروحي بين القبائل باعتباره‬
‫من (آل البيت)‪ ،‬ويملك حقا ً لهيا ً بالحكم والزعامة الروحية والسياسية‪ ،‬وأ على‬
‫المجتمع‪ -‬وقد توزع بين شوافع وزيود‪ -‬الخضوع والتسليم ب رادتط‪ .‬ويقول‬

‫(‪ )3‬الزبيري‪ ،‬محمد‪ ،‬اإلمامة وخطرها على وحدة اليمن‪ ،‬ص‪.8‬‬


‫‪16‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الزبيري‪" :‬والمهمة األخرى ألي مام هي تدعيم مركزه الروحي بين القبائل‬
‫تحت ستار التشيع آلل البيت‪ ،‬حتى يرسخ في عقلية الشعب بالقسم األعلى أ‬
‫اإلمام ظل هللا ونائبط حقاً‪ ،‬وأ منزلتط كمنزلة رسول هللا‪ ،‬وتقتر هته التعاليم‬
‫الروحية في القسم األعلى بالحمالت الطائفية ضد من يسمونهم كفار تأويل‪،‬‬
‫التين ال يدينو بالمتهب اإلمامي‪ ،‬وهم أكثرية‪ ،‬القائمة على البطش والسلب‬
‫التي ال بد لكل مام من تجريدها ضد المزارعين اآلمنين من أبناء الشعب في‬
‫اليمن األسفل وتهامة"(‪.)4‬‬
‫لم تعرف اليمن االستقرار‪ ،‬خالل العقود األولى من القر العشرين‪ ،‬فعلى‬
‫الرغم من أ اإلمام يحيى وقف على الحياد فيما يتعلق بال راع بين تركيا‬
‫حربط مع اإلدريسي لم تتوقف‪ ،‬ونتيجة لمطالبتط لبريطانيا‬ ‫وبريطانيا‪ ،‬ف‬
‫بتسليمط عد ‪ ،‬ورفض بريطانيا لتلك و بدائها االستعداد لتسليمط المحميات مقابل‬
‫اعترافط ببريطانية لحج وعد ‪ ،‬ورفضط لتلك‪ ،‬أرسل قواتط الحتالل الضالع‪،‬‬
‫والعوا ل‪ ،‬وبيحا ‪ ،‬وأجزاء من لحج ويافع‪ ،‬األمر التي دفع بريطانيا لى تسليم‬
‫مدعوما ً من قبلها‪ ،‬لقبولط دخول الحرب مع‬ ‫الحديدة لإلدريسي التي كا‬
‫بريطانيا ضد تركيا‪.‬‬
‫وفي المقابل كانت قوات اإلمام تحرز انت ارات متتالية على قوات‬
‫اإلدريسي بعد أ تخلت عنط بريطانيا‪ ،‬واستعاد اإلمام السيطرة على الحديدة‪،‬‬
‫وزحفت قواتط حتى حاصرت جيزا وصبيا في العام ‪1925‬م‪ ،‬لوال توقيع‬
‫اإلدريسي اتفاقية حماية مع عبد العزيز بن سعود عام ‪1926‬م‪ .‬ونتيجة الشتداد‬
‫الضغوع على اإلمام من الشمال ومن الجنوب اضطر لى توقيع معاهدة في‬
‫فبراير ‪ 1934‬م‪ ،‬اعترف فيها بسلطة بريطانيا على عد والمحميات األخرى‪،‬‬

‫(‪ )4‬الزبيري‪ ،‬المرجع نفسط‪ ،‬ص‪.9‬‬


‫‪17‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫كما اضطر لى توقيع معاهدة الطائف المعروفة مع ابن سعود في مايو عام‬
‫‪1934‬م‪( .‬هتا عدا قمعط لالنتفاضات الوعنية‪ ،‬ومنها حركة الخزفار في‬
‫المقاعرة مثالً‪ ،‬والزرانيق في تهامة)‪ ،‬وقد عكست هته العالقات ال راعية‬
‫نفسها على حياة المجتمع اليمني بزيادة الحرما والقهر والبؤس‪ ،‬واالشتداد في‬
‫جمع الضرائب‪ ،‬واإل الل‪.‬‬
‫كما فرض اإلمام يحيى العزلة الداخلية على المجتمع‪ ،‬ولم يهتم ببناء البنية‬
‫التحتية الالزمة‪ ،‬وصنف المجتمع لى آل البيت‪ ،‬األشياع من الزيود ولو‬
‫باإلكراه‪ ،‬وشوافع المجتمع المتهمين بكونهم كفار تأويل‪ ،‬كما فرض العزلة في‬
‫الداخل ومع الخارج‪ ،‬ولم يستجب لبناء بعض مؤسسات الدولة ال ب عوبة‬
‫وللضرورات الق وى‪ ،‬كالدفاع‪ ،‬والخارجية بحدود‪ ،‬والتربية شكالً‪ ،‬كما ألغى‬
‫التجربة التي تأسست أيام الحكم التركي في النظام اإلداري والمجالس المحلية‪،‬‬
‫م غر‪.‬‬ ‫ومجالس اإلدارة‪ ،‬والمجلس العمومي للوالية‪ ،‬وكا بمثابة برلما‬
‫ودجن التعليم بما يخدم متهبيتط وتكريسط كحاكم مطلق يدعي حقا ً لهيا ً ونسبا ً‬
‫لى آل البيت‪ ،‬واصطفا ًء ال ينازع فيط‪ ،‬وقاوم تحديثط ومنع انتشاره‪ ،‬وأغلق‬
‫المدارس األهلية التي حاولت التحديث‪ ،‬حتى مع ادعائط " لزامية التعليم"‪.‬‬
‫الل المجتمع ب كاء التباين المتهبي‪ ،‬وفرض الضرائب‬ ‫كما اشتد في‬
‫المتعددة من الخطاع لى التنافيت‪ ،‬والتخمين‪ ،‬والكشف‪ ،‬واحتكر وظائف السلطة‬
‫التنفيتية وجعلها في أسرتط وتحت يده وب شرافط المباشر‪ ،‬وقضى على‬
‫المعارضين لط بشدة‪ ،‬مستخدما ً كل سالح متاح‪ ،‬بما في لك الدجل والكتب‪،‬‬
‫حتى أنط اتهم المعارضة السرية في صنعاء باخت ار القرآ ‪ ،‬كما اتهم أبناء‬
‫المقاعرة بـ"اإلباحية"‪ ،‬والتهتك‪ ،‬والهجرة لى عد ‪ ،‬وارتداء العائدين منهم‬

‫‪18‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مالبس المقيمين فيها‪ ،‬و جادتهم الحديث باللغة اإلنجليزية‪ ،‬وهته األشياء كلها‬
‫منافية للدين وتوجب محاربتهم‪.5‬‬
‫وكل ما سبق جعل الحياة ال تطا ‪ ،‬وأضحى الخروج والهجرة مال ا ً‬
‫الستعادة اآلدمية‪ ،‬وسببا ً وفرصة للخالص‪.‬‬
‫أما جنوب اليمن فلم يختلف الوضع فيط عن الشمال‪ ،‬فقد أهملت بريطانيا‬
‫والمحميات‪ ،‬وفرضت العزلة بين المناعق‪،‬‬ ‫احتياجات المجتمع في عد‬
‫وساعدها على لك اعتراف اإلمام يحيى بسلطتها في فبراير‪1934‬م على جنوب‬
‫الوعن‪ ،‬كما تجمعت عوامل عديدة ساعدتها على فرض العزلة بين أبناء جنوب‬
‫الوعن (تشتت سكاني‪ ،‬مع قلة عدد السكا أصالً‪ ،‬قياسا ً على اتساع مساحة‬
‫األرض‪ ،‬وصعوبة المواصالت‪ ،‬وتشجيع قيام المشيخات والسلطنات‪ ،‬وتفشي‬
‫الجهل‪ ،‬و عبيعة األنشطة السكانية وتخلفها‪ ،‬وقبل تلك العوامل ومعها تأثر‬
‫المجتمع بالممارسات السيئة للسلطات القائمة‪ ،‬وبحالة ال راع التي عرفتها‬
‫اليمن‪ ،‬سواء بين اإلمامة واألتراك‪ ،‬أو بين زعماء القبائل والمشيخات على‬
‫اقتسام الجغرافيا والنفو ‪ ،‬وموقف اإلمام يحيى السلبي المبني على تقديره‬
‫للم لحة والعوائد المتوقعة من ريع األرض واإلنسا ‪ ،‬وتأثير معاهدات الحماية‬
‫مع بريطانيا)‪.‬‬
‫كما سعت لى ربط مستعمرة عد بمستعمرتها في الهند‪ ،‬واستقدمت هنودا ً‬
‫إلدارة ما يهم من مؤسسات المستعمرة في عد ‪ ،‬وعملت على ربط السلطنات‬
‫والمشيخات باتفاقيات الحماية بمنح السالعين والمشايخ المرتبات مقابل‬
‫اعترافهم بسيادتها عليهم وعدم الت رف ال وفق مشورتها‪ ،‬كما عززت‬

‫(‪ )5‬عبده‪ ،‬علي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.69‬‬


‫‪19‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫سيطرتها بالمفوضين اإلنجليز (المستشارين لدى حكام المحميات) كنواب‬


‫للمندوب السامي في عد ‪.‬‬
‫و حاولت حداث تغيير ديمغرافي في عد باستجالب الجاليات األجنبية ‪-‬‬
‫نجليز‪ -‬هنود – صومال – وغير لك ‪ ،‬وشجعت وكرست التفرقة بين أبناء عد‬
‫وأبناء السلطنات والمشيخات بمظاهر شتى‪ ،‬ومنها شهادة الميالد "المخلقة"‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫كما شجعت ودعمت التبشير‪ ،‬وصرفت بسخاء على المدارس األجنبية‬
‫ة للتعليم في المستعمرة (أكثر‬ ‫والتبشيرية‪ ،‬حتى أ أغلبية الموازنة المخ‬
‫من ‪ )%85‬كانت تخ ص لتلك المدارس‪ .‬كما حاصرت انتشار التعليم‬
‫الحكومي وقننتط‪ ،‬وقاومت محاوالت التحديث‪ ،‬ورفضت تطوير التعليم ولم‬
‫تسمح ال بما يحقق م الحها بتخريج موظفين‪ ،‬ولم تهتم بنشر التعليم الحديث‬
‫في مختلف المناعق الخاضعة لها‪ .‬وأبقت التبعية اإلدارية للمستعمرة‬
‫لمستعمرتها في الهند‪ ،‬مما تسبب بجمود الحياة وتخلفها‪ ،‬حتى ثالثينيات القر‬
‫جراءات ربطها بوزارة المستعمرات لضما‬ ‫العشرين حين بدأت باتخا‬
‫تكريس سيادتها على المستعمرة وملحقاتها‪ .‬كما حاولت تعزيز سيطرتها عبر‬
‫تأهيل أبناء السالعين وأسرهم والمشايخ في مدرسة خاصة تمكنها من أ تبني‬
‫أجياالً جديدة من الحكام أشرفت على تنشئتهم سياسيا ً كما تريد‪ ،‬وليكونوا أكثر‬
‫تقبالً لسياساتها‪ ،‬وي بحوا مخالب تستخدمهم كيفما تشاء‪ ،‬وضد من تشاء‪ ،‬ومتى‬
‫تشاء‪.‬‬
‫ثم نها عمدت لى تغيير هوية المجتمع باصطناع هوية "الجنوب العربي"‬
‫وتنمية ثقافة مجتمعية تقوم على قاعدة فك االرتباع عن الهوية اليمنية‪ ،‬مع تبني‬
‫نظام ديمقراعي زائف ال يلبي عموحات المواعنين‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫في اليمن‪ ،‬أو في بريطانيا‪،‬‬ ‫ولم تستجب لدعوات التأهيل العلمي العالي ‪-‬‬
‫أو دول أخرى ‪ -‬ولم توفر المنح الالزمة للراغبين بالدراسة الجامعية والعليا‪،‬‬
‫متعللة بممارسات ومبررات كثيرة للتحايل على هتا الحق كونط حقا ً من حقو‬
‫المواعنة‪ ،‬ولم تهتم ببناء البنى التحتية الالزمة ضمن مكونات ما أسمتط "اتحاد‬
‫الجنوب العربي"‪.‬‬
‫وشهد الجنوب نشوب صراعات بينية بين السلطنات والمشيخات‪ ،‬وتنازع‬
‫على الحدود‪ ،‬ومن أهم تلك ال راعات والتنازع ما كا ناشبا ً بين السلطنة‬
‫الكثيرية والسلطنة القعيطية التي استمر لعقود‪ ،‬وما ترتب على لك من ثارات‬
‫وشروخ في الثقافة المجتمعية بما انعكس سلبا ً على حياة المواعنين‪ ،‬وصراع‬
‫آخر بين دولة آل عبدات في (الغرفة) وبين السلطنتين‪ ،‬ومعهما بريطانيا وأسر‬
‫ومشايخ (العلويين)‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المبحث األول‬
‫مالمح الواقع التعليمي في اليمن في القرن العشرين‬
‫أوالا‪ :‬األوضاع التعليمية في الشمال‬
‫بات من المعلوم تاريخيا ً أ التعليم في اليمن تأثر بموقف الدويالت التي‬
‫حكمت‪ ،‬فأثناء الحكم األيوبي (‪1174-1228‬م) أدخل األيوبيو نظام المدارس‬
‫ة للتعليم‪ -‬حيث تم‬ ‫في اليمن‪ ،‬وكانوا هم من أدخل هتا النظام‪ -‬كأبنية مخ‬
‫نشاء (‪ )13‬مدرسة‪ ،‬وقد تسمت بأسماء من بنوا تلك المدارس‪ ،‬كما تركز وجود‬
‫كل من تعز‪ ،‬وزبيد‪ ،‬و ب‪ ،‬وواحدة في أبين‪ ،‬وهي المناعق‬ ‫تلك المدارس في ٍّ‬
‫التي تركز فيها نفو األيوبيين بوضوح والقوا فيها قبوالً يرجع لكو الدولة‬
‫ت لكل‬ ‫األيوبية دولة سنية شجعت انتشار المتهبين الشافعي والحنفي‪ ،‬وخ‬
‫متهب مدارس تهتم بتدريس المتهب(‪.)6‬‬
‫وفي عهد الدولة الرسولية (‪1452 -1228‬م) حوالي ‪ 225‬سنة‪ ،‬برز اهتمام‬
‫الرسوليين بالتعليم‪ ،‬حيث حظي باهتمام كبير نتج عنط انتشار المدارس في‬
‫مناعق تعز‪ ،‬والجند‪ ،‬وجبلة‪ ،‬وزبيد‪ ،‬وعد ‪ ،‬وحتى مكة‪ ،‬ويؤثر عنهم أ عدد ما‬
‫بني من مدارس في عهدهم تجاوز المائة مدرسة‪ ،‬حتى عمد عهد الدولة‬
‫الرسولية بالع ر التهبي للمعرفة (بحسب مفهوم ع رها)‪ .‬وقد تنافس‬
‫سالعينها وأمراؤها‪ ،‬وحتى األميرات في بناء المدارس ورعايتها‪ ،‬واإلنفا‬
‫عليها‪ ،‬وتزويدها بما يدخرونط من كتب ومخطوعات‪ .‬كما حفظت لنا األقدار‬
‫محتفظة بعناصرها‬ ‫بعضا ً من تلك المدارس التي مازالت قائمة حتى اآل‬
‫المعمارية األصلية(‪.)7‬‬

‫(‪ )6‬البكري عبدالحميد‪ ،‬التعليم في اليمن ‪1962-1918‬م‪ ،‬ص ‪.4 ،3‬‬


‫(‪ )7‬المرجع نفسط‪ ،‬ص ‪.6 ،5‬‬
‫‪22‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أما عن التعليم في عهد الدولة الطاهرية التي جاءت على أنقاض الدولة‬
‫الرسولية وامتدادا ً لها‪ ،‬فقد تعهد ملوكها التعليم بالرعاية وبالبناء وفق عراز‬
‫تجل لتلك الطراز‬
‫ٍّ‬ ‫معماري مميز‪ ،‬وتعد المدرسة العامرية برداع أروع‬
‫المعماري‪ ،‬حيث بنيت على ثالثة أدوار‪ ،‬خ ص الدور األرضي لسكن‬
‫الطالب‪ ،‬وقد تكو من عشرين غرفة‪ ،‬وشمل الدور الثاني م لى و يوانات‪،‬‬
‫وأما الثالث فاحتوى على مسجد تعلوه قبة كبيرة‪ ،‬ومن حولها ست قباب متناسقة‬
‫ت للدراسة(‪.)8‬‬ ‫خ‬
‫ومن المهم اإلشارة هنا لى أ عهود الدولة األيوبية‪ ،‬والرسولية‪ ،‬والطاهرية‬
‫كا م بوغا ً بطبيعة الع ور تلك من حيث‬ ‫قد تميزت بانتشار التعليم‪ ،‬و‬
‫اهتمامط بترسيخ المتهب الشافعي والحنفي‪ ،‬بجانب اهتمامط بما كا يعد تعليما ً‬
‫ا ً كعلوم الفقط‪ ،‬والنحو‪.‬‬ ‫عاليا ً متخ‬
‫لك عبيعيا ً بحكم عبائع تلك الع ور؛ كو المناعق التي خضعت‬ ‫وقد كا‬
‫لهم كانت مناعق يتمتهب أهلها بالمتهب الشافعي والحنفي‪ ،‬و لك في مواجهة‬
‫سيطرة األ ئمة الزيدية على المناعق الشمالية واهتمامهم بنشر الزيدية‪ .‬وقد‬
‫تجلت جهودهم التعليمية في بناء بعض المدارس‪ ،‬وكا من أهمها المدرسة‬
‫لم‬ ‫الشمسية في مار‪ ،‬ومدرسة في صنعاء‪ ،‬وأخرى في كوكبا وغيرها‪ ،‬و‬
‫تكن قد أختت عابع المدارس التي عرفت على عهود الرسوليين والطاهريين؛‬
‫كونها كانت عبارة عن جوامع تنتشر حولها المنازل واألربطة لسكن الطالب‬
‫ومشايخ العلم‪.‬‬

‫(‪ )8‬المرجع نفسط‪ ،‬ص ‪.10 ،8‬‬


‫‪23‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -1‬األوضاع التعليمية أثناء الوجود العثماني‬


‫استمر العثمانيو في حكم اليمن بعد عودتهم األخيرة ليها في العام ‪1849‬م‪،‬‬
‫مدة سبعين عاماً‪ ،‬وكا المأمول منهم أ يكونوا قد قيموا تجاربهم السابقة‬
‫واستفادوا من األخطاء‪ ،‬وسعوا لى انتهاج سياسات يستهدفو منها استمالة‬
‫المجتمع وتحقيق القبول والرضا؛ كونهم ممثلين لدولة الخالفة اإلسالمية (كما‬
‫يدعو )‪ ،‬وقد بتلوا بعض الجهود على هتا ال عيد بتبني نمو ج للحكم يأخت من‬
‫الديمقراعية قشورها‪ ،‬واستهدفوا ربط الوالية بخط سكة حديد الحجاز (بدأ ولم‬
‫يكتمل)‪ ،‬وعلى صعيد التعليم كرسوا تجربة سنعرض ألبرز معالمها بشكل‬
‫مركز‪.‬‬
‫وعلى الرغم من امتداد الوجود العثماني في تلك الفترة‪ ،‬حوالي (‪ 75‬سنة)‪،‬‬
‫جل ما عرف عن جهودهم التعليمية تمثلت ببناء ست مدارس‪ ،‬اثنتا منها‬ ‫ف‬
‫بزبيد (ولم يعرف تاريخ نشائهما‪ ،‬وما ا كا قد تم نشاؤهما كأبنية جديدة‪ ،‬أم‬
‫باالعتماد على ما تركط الرسوليو والطاهريو من مبا ٍّ تمت عادة تسميتها‬
‫بأسماء والة عثمانيين)‪ ،‬كما تتكر الم ادر أنهم بنوا أربع مدارس في‬
‫صنعاء(‪.)9‬‬
‫ت لتعليم المتهب الحنفي‪ ،‬ف‬ ‫ولئن كانت المدرسة العادلية حداها قد خ‬
‫المدارس الثالث األخرى لم يعرف ما كرس فيها من سياسة تعليمية‪ -‬ات عابع‬
‫سني أم زيدي‪ -‬خاصة أ سكا صنعاء كانوا من أتباع الزيدية‪ .‬فهل سمح‬
‫األتراك بالتعاليم الزيدية فيها؟ وهل كانوا يؤمنو بحرية التعلم أصالً؟‬
‫كما لم يعرف ما آلت ليط أوضاع المدارس التي خلفها سالعين وملوك‬
‫الرسوليين والطاهريين‪.‬‬

‫(‪ )9‬البكري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.12 ،11‬‬


‫‪24‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وأما عن التعليم‪ ،‬فعلى الرغم من "ما أسسط العثمانيو من مؤسسات تعليمية‬


‫في هته المرحلة ف نها لم تحظ بما حظيت بط األقطار العربية األخرى‪ ،‬الخاضعة‬
‫للسيطرة العثمانية‪ ،‬مثل العرا ‪ ،‬وم ر")‪(10‬؛ ويرجع لك ألسباب كثيرة منها؛‬
‫"بعد اليمن عن مركز الدولة‪ ،‬ومنها ال راع بين العثمانيين وبين األئمة الزيدية‬
‫وكراهية اليمنيين لهم‪ ،‬وخاصة في المناعق الشمالية"‪.‬‬
‫والمبررات التي أ وردها الباحث أعاله لم تكن مقنعة لي خاصة‪ ،‬مع العلم‪-‬‬
‫(وبحسب د‪ .‬سيد م طفى سالم)‪ -‬أ الوالة العثمانيين كانوا حري ين على‬
‫االشتداد بجمع الضرائب لتقديمها رشاوى للباب العالي لنقلهم والة على م ر‬
‫والشام‪ ،‬وبالتالي لم يكونوا مهتمين بالتعليم؛ ألنط سيتسبب أيضا ً بزيادة اإلنفا ‪،‬‬
‫المساحة الجغرافية التي سيطر األتراك عليها في اليمن كانت أكبر من‬ ‫كما‬
‫صنعاء وزبيد‪ ،‬فلما ا لم ينتشر التعليم في تلك المناعق أيضاً؟ كما أ هناك دليالً‬
‫مضافا ً يتمثل في أ األتراك لم يكن يعنيهم التعليم‪ ،‬ولم يكونوا معنيين ال‬
‫بمجانيتط وال ب لزاميتط أيضا ً‪ ،‬بدليل أ البكري اتط قد حرص على تقسيم التعليم‬
‫في هته الفترة لى ثالثة أنواع‪ ،‬فيما أسماه التعليم العام‪ ،‬والمهني‪ ،‬والعسكري‪.‬‬
‫ومن المالحظ أ الوالة بدؤوا توجيط بعض االهتمام بالتعليم منت عهد حسين‬
‫حلمي باشا‪( ،‬بل يكاد يكو هو الوحيد من بينهم من اهتم بالتعليم)‪ ،‬أي بعد‬
‫مرور ‪ 46‬عاما ً على وجودهم الثاني في اليمن‪ ،‬بتأسيس دارة للمعارف في العام‬
‫‪1895‬م‪ ،‬وجعل مهمتها اإلشراف على المدارس والمكاتب‪ ،‬و عداد المناهج‬
‫وتوزيع المعلمين‪ ،‬وجعل التعليم جباريا ً‪( ،‬مع تحفظي على لزامية التعليم)‪.‬‬

‫)‪ (10‬البكري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬


‫‪25‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وعن التعليم العام يقول عبد الحميد البكري‪ ،‬مستندا ً لى رسالة ماجستير‪-‬‬
‫كل من‬
‫عبده ناشر‪ :-‬نهم أنشأوا مدرسة ابتدائية في ٍّ‬ ‫غير منشورة‪ ،‬لعدنا‬
‫صنعاء‪ ،‬وتعز‪ ،‬و ب‪ ،‬والحديدة‪ ،‬و مار‪ ،‬يعني خمس مدارس فقط‪.‬‬
‫ضافة لى تأسيس مدرسة ابتدائية واحدة للبنات سميت بالمدرسة ال الحية‬
‫مقرها في الدور األسفل لمبنى وزارة التربية القديم في‬ ‫للبنات‪ ،‬وكا‬
‫التحرير(‪ .)11‬ولم أجد ما يؤكد لك في م ادر أخرى‪ ،‬بعكس مدرسة األيتام‬
‫التي وجدت كرا ً لها لدى باعباد والبردوني وآخرين‪.‬‬
‫جميع المدارس المتكورة سابقا ً‪ ،‬ومضافا ً ليها مدرسة‬ ‫ومن الالفت أ‬
‫عدادية واحدة في صنعاء كانت تسمى "شكرية"‪ ،‬ومقرها في مبنى وزارة‬
‫التربية القديم بالتحرير‪ ،‬وكا عدد عالبها في العام ‪1896‬م (‪ )97‬عالبا ً‪ ،‬وممن‬
‫تعلموا فيها العزي صالح السنيدار التي‪ -‬بحسبط‪ -‬منعط أهلط من مواصلة التعليم‬
‫فيها‪ ،‬وألحقوه بالجامع الكبير إلكمال تعليمط‪ ،‬ومنهم محمد المحلوي التي عاقبط‬
‫أهلط ألنط يتعلم في هته المدرسة وأخرجوه منها(‪.)12‬‬
‫وأود هنا أ أسجل مالحظاتي على ما سبق‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -‬المدرسة اإلعدادية كيف كانت في ات المدرسة االبتدائية للبنات؟ (بديوا‬
‫وزارة التربية القديم)‪.‬‬
‫‪ -‬جميع المدارس السابقة‪ ،‬مع مدرسة ال نائع ب نعاء‪ ،‬والحديدة‪ ،‬ودار‬
‫المعلمين والمدرسة اإلدارية في بيت الضمين ب نعاء قام ببنائها وافتتاحها‬
‫الوالي حسين حلمي باشا‪.‬‬

‫(‪ )11‬البكري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.6‬‬


‫(‪ )12‬البكري‪ ،‬المرجع نفسط‪ ،‬ص‪.17 ،16‬‬
‫‪26‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -‬كر العديد ممن كتبوا عن هته الفترة اسم المدرسة "الرشدية"‪ ،‬ومنهم عبدهللا‬
‫البردوني‪ ،‬وأ هته المدرسة وجدت لتعليم أبناء العثمانيين وأبناء التوات‪..‬‬
‫كما أ نط لم يشر لى وجود مدارس أخرى‪ ،‬أو أعلى منها‪ .‬وهو شاهد قريب‬
‫على هته الفترة‪.‬‬
‫‪ -‬جزم عبد الحميد وغيره‪ ،‬ومنهم أمين الريحاني‪ ،‬وعلي باعباد‪ ،‬وحتى‬
‫البردوني‪ ،‬بأ التعليم كا مجانيا ً و لزاميا ً‪ ،‬وأكد بعضهم على معاقبة أهالي‬
‫من حيل بينهم وبين الدراسة‪ ،‬ولست أرى مما سبق حرص السلطات حينها‬
‫على تطبيق مبدئي مجانية و لزامية التعليم‪.‬‬
‫(‪)13‬‬
‫أ العثمانيين‬ ‫عبد الحميد البكري يتكر‬ ‫أما عن التعليم العسكري‪ ،‬ف‬
‫حرصوا على تدريب وتخريج ضباع يمنيين لتدريب الجيش اليمني ولدحض‬
‫الدعاية القائلة ب همالهم لتلك‪ ،‬فأنشأوا المكتب الحربي في صنعاء في حارة‬
‫بالكلية الحربية‬ ‫بمستوى اإلعدادية‪ ،‬ويعد عالبط لاللتحا‬ ‫خضير‪ ،‬وكا‬
‫باألستانة‪ ،‬ومدة الدراسة أربع سنوات‪ ،‬ويحتوي على أربعة صفوف‪ ،‬ويدرس‬
‫فيط قواعد الدين واللغات العربية‪ ،‬والتركية‪ ،‬والفارسية‪ ،‬والرسم والخط‬
‫واإلمالء‪ ،‬والجغرافيا‪ ،‬فضالً عن العلوم العسكرية األخرى‪ .‬وعند دخول اإلمام‬
‫يحيى صنعاء أغلقت المدرسة‪ ،‬ثم فتحت بعد سنتين بنفس الكادر العثماني‪،‬‬
‫ونفس العلوم‪ ،‬وعرب اإلمام بعض العلوم العسكرية التي كا يتلقاها الطالب‬
‫باللغة التركية‪.‬‬
‫تعليم الجوامع كا‬ ‫وقد ك ر عبد هللا البردوني في حديثط عن دار العلوم "‬
‫خاضعا ً لما تتعرض لط السياسات من استقرار وقالقل‪ ،‬فكانت تنجم فترات‬
‫خوف تقطع السبل بين الطالب ومواضع العلم‪ ،‬بل كانت تتعرض مدائن التعليم‬

‫(‪ )13‬البكري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.20‬‬


‫‪27‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫لالجتياح القبلي أحياناً‪ ،‬وباألخص صنعاء‪ ،‬فيضطرب التعليم‪ ،‬ويتراوح بين‬


‫االت ال واالنقطاع‪ ،‬سواء جوامع الشمال في صعدة‪ ،‬وشهارة‪ ،‬وحوث‪،‬‬
‫وكوكبا ‪ ،‬أو جوامع تهامة‪ ،‬أو جامع جبلة و ب‪ ،‬وفي ظل الحملتين التركيتين‬
‫كانت هته الجوامع‪ -‬بانقطاع التعليم وات الط‪ -‬أح ن المالجئ لتعليم العلوم‬
‫العربية عامة والمؤلفات اليمنية خاصة‪ ،‬فتعددت عواصم التعليم في شمال‬
‫الشمال لبعدها عن القبضة التركية"(‪.)14‬‬
‫وهتا يعني أ التجربة التعليمية التركية لم تبلغ كل المساحات الواسعة من‬
‫أرض (الوالية)‪ ،‬ولم يكن للعثمانيين أي تأثير على التعليم في هته المناعق‪ ،‬كما‬
‫لم أقل المتهبية‪.‬‬ ‫كا التعليم م طبغا ً بال بغة الدينية‬
‫ولما وجد األتراك هتا التعليم اليمني يعزز الوعنية‪ ،‬أراد والة الحملة الثانية‬
‫بناء مدارس ب نعاء يغلب عليها النظام التركي‪ ،‬فافتتح حسن تحسين حلمي‬
‫المدرسة "الرشدية" لتخرج الموظفين‪ ،‬وإلعداد الراغبين في الترقي لى دار‬
‫ة ألبناء التوات من األتراك‬ ‫المعلمين‪ ،‬وكانت المدرسة "الرشدية" مخ‬
‫يتختها بديالً عن حلقات‬ ‫واليمنيين‪ ،‬أما دار المعلمين فقد أراد الوالي أ‬
‫الجوامع‪ ،‬فكانت تدرس فيها مقادير من الفقط السني‪ ،‬لى جانب النظام التركي‪.‬‬
‫وعندما دخل اإلمام يحيى صنعاء عام ‪1919‬م كا من أول أعمالط هدم "دار‬
‫المعلمين" التركية ك يتا بمحو لك العهد وتشييد عهد االستقالل(‪.)15‬‬
‫ونستخلص مما سبق أ سيطرة األتراك ونفو هم التي بسطوه لم يتجاوز‬
‫حدود بعض المد ‪ ،‬ومنها صنعاء‪ ،‬وأبها‪ ،‬والحديدة‪ ،‬وتعز‪.‬‬

‫(‪ )14‬البردوني‪ ،‬عبدهللا‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬مجلة اإلكليل‪ ،‬العددا الثاني والثالث ‪ ،1983‬ص‪.296‬‬
‫(‪ )15‬البردوني‪ ،‬المرجع نفسط‪ ،‬ص‪.296‬‬
‫‪28‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫في صنعاء ومدينة أبها‪ ،‬عاصمة عسير آنتاك‪ ،‬خمس مدارس‬ ‫فقد كا‬
‫لل ناعة ولتعليم األيتام والبنات‪ ،‬ومدرسة عسكرية للتعليم العسكري اإلعدادي‬
‫التي يوصل الطالب لى الكلية الحربية بجامعة األستانة‪ ،‬في سطنبول‪ ،‬كما أقام‬
‫العثمانيو مدرسة لل ناعات في الحديدة(‪.)16‬‬
‫وتتضارب اآلراء حول بداية التعليم النظامي في تعز بين قائل بأنط نشأ في‬
‫عام ‪ 1925‬م‪ ،‬وهو العام التي بدأ فيط اإلمام يحيى بحركة تعليمية وثقافية‬
‫محدودة‪ ،‬في حين يتكر آخرو أنط نشأ عام ‪1931‬م‪ ،‬بينما تؤكد مجموعة ثالثة‬
‫أ عام ‪1935‬م هو بداية التعليم النظامي منت اتختها أحمد حميد الدين مقرا ً لط‪،‬‬
‫وهو الرأي الراجح(‪.)17‬‬
‫ومما سبق‪ ،‬نرى أ المدارس التي وجدت في عهد األتراك‪ ،‬على تنوعها‪،‬‬
‫ومضافا ً لى لك "دار المعلمين"‪ ،‬لم يتجاوز عددها سبع مدارس في صنعاء‪،‬‬
‫وأبها‪ ،‬والحديدة‪ ،‬وأ تعز لم ي لها اهتمام الوالة األتراك‪ ،‬بدليل أ د‪ .‬علي هود‬
‫باعباد في كتابط "التعليم في الجمهورية اليمنية" لم يتكر مثل لك‪ ،‬وقد كا‬
‫حري ا ً على براز الدور التركي في اليمن‪ ،‬حتى أنط قال ما يلي(‪" :)18‬شهد‬
‫اليمن في ظل هته الفترة انتشار المستشفيات ال حية في البالد‪ ،‬ووجود عدد من‬
‫األعباء وال يدليات‪ ،‬كما أ المدارس انتشرت على اختالف أنواعها في جميع‬
‫أنحاء اليمن‪ ،‬وكا التعليم مجانا ً على نفقة الدولة"‪ .‬ويقول في فقرة ثانية من‬
‫ال فحة اتها‪" :‬وكا التعليم لزامياً"‪ ،‬ويقول‪" :‬ففي عهد والية حسين حلمي‬
‫باشا ‪ 1895‬م أسست دارة المعارف والمكاتب (مدارس ابتدائية)‪ ،‬ودار المعلمين‬
‫التي قام التعليم في عهد ا إلمام يحيى علي خريجيها‪ ،‬ومكتب ال نائع (مدرسة‬

‫(‪ )16‬باعباد‪ ،‬علي‪ ،‬نظام التعليم في الجمهورية اليمنية‪ ،‬ص‪.49‬‬


‫(‪ )17‬الشرعبي‪ ،‬سيف‪ ،‬التعليم بمحافظة تعز ماضيط وحاضره‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫(‪ )18‬باعباد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫‪29‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫صناعية)‪ ،‬واإلعدادية‪ ،‬وكا هتا الوالي يقرب أهل العلم والفضل‪ ،‬وأجبر الناس‬
‫على التعليم‪ ،‬حيث ألزم األهالي ب دخال أوالدهم بالمدارس التي افتتح عددا ً كبيرا ً‬
‫منها"(‪.)19‬‬
‫ويضيف أما عن تنظيم هته المدارس ومناهجها‪ ،‬فقد وصفها أمين الريحاني‬
‫بأنها " مدارس منظمة تدرس فيها الجغرافيا والحساب بجانب العلوم اإلسالمية‪،‬‬
‫وكانت الكتب وغيرها من لوازم الدراسة توزع مجانا ً على الطالب"(‪.)20‬‬
‫بديالً عن‬ ‫وأعود لى الحديث عن "دار العلوم"‪ ،‬فقد أرادها العثمانيو‬
‫خريجي الجوامع في شمال الشمال‪ ،‬المتأثرين بغير الفقط السني‪ ،‬وأرادوا لهم أ‬
‫يكونوا معلمين‪ ،‬وهته مسألة ليست بعيدة عن صراع المتاهب‪ ،‬بدليل أ اإلمام‬
‫يحيى بعد دخولط صنعاء‪ ،‬كا من أول أعمالط هدم دار المعلمين‪ ،‬وكا ب مكانط‬
‫عادة استغاللها كمدرسة حتى في عار نظرتط للتعليم‪ ،‬بحسب البردوني أيضا ً‪.‬‬
‫وبالعودة لى كل ما سبق‪ ،‬والمقارنة بين عدد المؤسسات التعليمية التي‬
‫التعليم كا مجانيا ً و لزامياً‪ ،‬ف ننا ال نجد ما‬ ‫أوجدها األتراك‪ ،‬وبين القول‬
‫يؤكد صدقية االدعاء بمجانية و لزامية التعليم‪ ،‬و لك من عدة أوجط منها‪:‬‬
‫‪ -1‬من الناحية النظرية‪ ،‬لم نجد م ادر تؤكد من خالل البيانات والمعلومات‬
‫الموثوقة ما يشير لى اهتمامهم بنشر التعليم وبناء مؤسساتط في كل المناعق‪،‬‬
‫كما هب لى لك علي هود باعباد‪.‬‬
‫‪ -2‬أ التواجد اإلداري التركي كا مح ورا ً في عدد من المد ‪ ،‬ولم نجد‬
‫جهودا ً تربوية كافية قد بتلت حتى على مستوى المد التي تواجدوا فيها‪ ،‬ف‬
‫كانت صنعاء‪ ،‬وأبها‪ ،‬والحديدة قد حظيت ببعضها فتعز لم تنلها تلك الجهود‪.‬‬

‫(‪ )19‬الواسعي‪ ،‬عبد الواسع‪ ،‬تاريخ اليمن‪ ،‬ص‪.293 ،292‬‬


‫(‪ )20‬باعباد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 49‬ـ ‪.50‬‬
‫‪30‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -3‬أ فهمي وفهم عامة الناس لـ"المجانية" أنها خدمات تقدم بدو مقابل‪ ،‬ولكافة‬
‫المواعنين دو تمييز‪ ،‬كما أفترض فيها أنها جيدة المستوى وصالحة‪ ،‬و ا‬
‫أضفنا لى لك " لزاميتها" ف نها ت بح خدمة ديمقراعية ات أثر قانوني‬
‫ترتب على الجميع ضرورة االلتزام ببتل االستعداد لتنسيب األبناء والبنات‬
‫لمؤسسات التعليم بمجرد بلوغهم سن التنسيب‪ -‬ست سنوات‪ ،‬أو سبع ‪ -‬كما‬
‫ترتب على من يتخلف عن لك‪ ،‬أو يتحايل عليط عقوبات يقررها القانو ‪،‬‬
‫وي تساوى في لك كل المواعنين بمختلف متاهبهم‪ ،‬ومستوياتهم االجتماعية‪،‬‬
‫السلطة التي ال‬ ‫وتبايناتهم العلمية والثقافية‪ ،‬ومواعن استقرارهم‪ ،‬وبالتالي ف‬
‫توفر تلك الخدمة تساءل وتحاسب أيضاً‪ ،‬وال يحق لها أ تحاسب األفراد‬
‫على تق يرهم‪.‬‬
‫وسلطة "كالسلطة العثمانية" بهشاشة وجودها وانح ار نفو ها‪ ،‬وبما اتبعتط‬
‫من سياسات‪ ،‬لم تسع لنشر العلم وتعميم التعليم‪ ،‬وبناء مؤسساتط‪ ،‬وتوفير‬
‫متطلباتط‪ ،‬وبالتالي لم يعد ممكنا ً لها أو لمن يدافع عنها القول نها كانت مهتمة‬
‫بالتعليم‪ ،‬حتى ( نها أجبرت األهالي على تنسيب أبنائهم لمؤسسات التعليم‬
‫والتأهيل الم ختلفة)‪ .‬ثم كيف يمكن ت ديق لزامية ومجانية التعليم‪ ،‬في الوقت‬
‫ة ألبناء التوات من األتراك‬ ‫التي وجدنا فيط المدرسة "الرشدية" مخ‬
‫واليمنيين(‪.)21‬‬
‫يكو‬ ‫أي تعليم مجاني و لزامي يفترض بط أ‬ ‫ومن البديهي القول‬
‫مستجيبا ً الحتياجات المجتمع‪ ،‬ومراعيا ً على األقل لثقافتط وساعيا ً للتفاعل معها‪،‬‬
‫حري ا ً على ترقيتها وتنقيتها وعلى انتقالها عبر األجيال المتعاقبة‪ ،‬وأ يكو‬
‫منفتحا ً على العلوم الحديثة وساعيا ً لمواكبة ثوراتط‪ ،‬يدمج منها في مناهجط ما‬

‫(‪ )21‬البردوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.296‬‬


‫‪31‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫يتناسب مع احتياجات المجتمع وتطلعاتط‪ ،‬وبالتالي فلم نجد ما يشير لى لك كلط‪.‬‬


‫أق ى ما وصلنا عنط قول أمين الريحاني "بأنها كانت مدارس منظمة‬ ‫و‬
‫تدرس فيها الجغرافيا والحساب بجانب العلوم اإلسالمية‪ ،‬وكانت الكتب وغيرها‬
‫من لوازم الدراسة توزع مجانا ً على الطالب"(‪.)22‬‬
‫يعلم بأننا ال نحاكم التجربة بمقاييس اليوم‪ ،‬بل بمقاييس‬ ‫ومن المهم أ‬
‫ع رها‪ ،‬ومن خالل ما كره الريحاني حيث نستكنط بأنها في أحسن الحاالت‬
‫كانت مدارس ابتدائية (أولية)‪ ،‬وعددها محدود‪ ،‬ولم يتكر الريحاني مختلف‬
‫العلوم األخرى التي يجب أ تدرس‪ ،‬ومنها على سبيل المثال (التاريخ‪ ،‬والعلوم‬
‫الطبيعية‪ ،‬واللغات‪ ،‬والتربية الوعنية)‪ ،‬وجميعها كا شائعا ً تعليمها حتى في‬
‫بعض الواليات العثمانية حينها‪.‬‬
‫لك‬ ‫العثمانيين‪ ،‬وقد اعتمدوا " دارة المعارف" في العام ‪1895‬م‪ ،‬ف‬ ‫ثم‬
‫يؤكد على عدم اهتمامهم بالتعليم قبل هتا التاريخ‪ ،‬وبالتالي فالتجربة التركية‬
‫كانت محدودة وغير ملبية الحتياجات المجتمع‪ ،‬ولم تخدم ثقافتط‪ ،‬وكانت أقل‬
‫مستوى من أي ادعاء بأنها خدمت المجتمع بما قدمتط من شمول ومجانية‬
‫و لزامية‪.‬‬
‫‪ -2‬التعليم في عهد المملكة المتوكلية اليمنية‬
‫عرفت اليمن في عهد المملكة المتوكلية تعليما ً دينيا ً مكرسا ً‪ ،‬تمتد جتوره عبر‬
‫قرو من الزمن‪ ،‬ولم يخل من تباين متهبي حكمتط السيطرة السياسية ألعراف‬
‫ال راع‪ ،‬بمقدار قدرة كل عرف على بسط نفو ه على مختلف المناعق التي‬
‫عرف أهلها بالتباين المتهبي‪ ،‬وبالتالي فقد غلبت على التعليم الديني في هته‬
‫الفترة نكهة التشيع آلل البيت‪ ،‬وعبعتط بطابع الوالء لألئمة الحكام‪ ،‬ومحاولة‬

‫(‪ )22‬المرجع نفسط‪ ،‬ص ‪.296‬‬


‫‪32‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫تقديمهم بقداسة االنتماء لرسول هللا (ص)‪ ،‬وبأنهم خلفاء هللا في األرض‪ ،‬وال‬
‫تجوز مخالفتهم أو التمرد عليهم‪.‬‬
‫وكا التعليم في العهد اإلمامي يخدم فكرة واحدة‪ ،‬هي فكرة اإلمامة‪ ،‬وتثبيتها‬
‫وتعميق جتورها في أ ها الناس‪ ،‬واعتبار اإلمامة أصالً من أصول الدين‬
‫اإلسالمي ودعامة من دعائمط‪ ،‬بحيث ي بح اإلمام هو الدولة‪ ،‬والدولة هي‬
‫اإلمام‪ .‬وكا العهد األمامي ينظر لى التعليم نظرة مريبة؛ ألنط كا يؤمن بأ‬
‫الشعب الجاهل أسهل قيادة ً من الشعب المتعلم‪ ،‬ولتلك فرض سياسة التجهيل(‪.)23‬‬
‫كما عرفت اليمن أنظمة تعليمية أخرى‪ ،‬منها ما يمكن نسبتط للتعليم األولي‬
‫(المعالمة – الكتاب) التي ال يتعدى حدود تعليم قراءة وحفظ القرآ الكريم‪،‬‬
‫وشروع الوضوء وأحكام ال الة‪ ،‬وبعض قواعد الخط‪ ،‬ومبادئ الحساب‪ ،‬ولم‬
‫يكن ليتجاوز في مجملط ما يعرف اآل بالمستوى العام األولي لبرامج محو‬
‫األمية‪ ،‬وكا هتا هو الطابع األعم‪ .‬ومنها أيضا ً ما يمكن نسبتط جوازا ً للتعليم‬
‫الحديث من حيث مسميات مؤسساتط التي كا عابعها العام مدارس ابتدائية غير‬
‫مكتملة؛ لكونها في مستواها العام ال تتعدى ال ف الرابع االبتدائي‪ ،‬مع وجود‬
‫استثناءات‪ ،‬منها المدرسة األحمدية بتعز (ولها حديث خاص)‪ ،‬وبعض المدارس‬
‫المتوسطة األخرى‪.‬‬

‫(‪ )23‬عاهر‪ ،‬علوي‪ ،‬واقع التعليم في اليمن قبل الثورة‪ ،‬ص‪.6‬‬


‫‪33‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫(‪)24‬‬
‫جدول (‪ )1‬يوضح تاريخ "المدارس العلمية" وأماكنها وتاريخ نشائها ‪1962 – 1918‬م‪.‬‬
‫مالحظات‬ ‫اول مدير لها‬ ‫تاريخ إنشائها‬ ‫مكانها‬ ‫م‬
‫سنوات الدراسة ‪ 13‬سنة‬ ‫لطف بن غالب العمري‬ ‫‪1344‬هـ‪1925/‬م‬ ‫صنعاء‬ ‫‪1‬‬
‫سنوات الدراسة ‪ 7‬سنوات‬ ‫أحمد بن علي المجاهد‬ ‫‪1349‬هـ‪1931/‬م‬ ‫تعز‬ ‫‪2‬‬
‫سنوات الدراسة ‪ 7‬سنوات‬ ‫حسن بن أحمد الجنداري‬ ‫‪1349‬هـ‪1931/‬م‬ ‫ثال‬ ‫‪3‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫حسن بن أحمد الجنداري‬ ‫‪1352‬هـ‪1933 /‬م‬ ‫حجة‬ ‫‪4‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫أحمد عبدالواسع الواسعي‬ ‫‪1353‬هـ ‪1934 /‬م‬ ‫صعدة‬ ‫‪5‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫أحمد عبدالواسع الواسعي‬ ‫‪1354‬هـ‪1935 /‬م‬ ‫حوث‬ ‫‪6‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫أحمد عبدالواسع الواسعي‬ ‫‪1356‬هـ‪1937/‬م‬ ‫زبيد‬ ‫‪7‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫مطهر شرف الدين حنش‬ ‫‪1357‬هـ‪1938/‬م‬ ‫حراز‬ ‫‪8‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫مطهر شرف الدين حنش‬ ‫‪1357‬هـ‪1938/‬م‬ ‫بيت الفقيط‬ ‫‪9‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫مطهر شرف الدين حنش‬ ‫‪1357‬هـ‪1938/‬م‬ ‫الزيدية‬ ‫‪10‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫أحمد العرجلي‬ ‫‪1359‬هـ‪1940/‬م‬ ‫حبور‬ ‫‪11‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫محمد بن يحيى يايط‬ ‫‪1361‬هـ‪1942/‬م‬ ‫المحابشة‬ ‫‪12‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫محمد بن يحيى يايط‬ ‫‪1366‬هـ‪1947/‬م‬ ‫مار‬ ‫‪13‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫مطهر شرف الدين حنش‬ ‫‪1366‬هـ‪1947/‬م‬ ‫خمر‬ ‫‪14‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫السيد حسين بن عبدهللا‬ ‫‪1366‬هـ‪1947/‬م‬ ‫السودة‬ ‫‪15‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫السيد حسين بن عبدهللا‬ ‫‪1367‬هـ‪1948/‬م‬ ‫صعفا‬ ‫‪16‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫السيد حسين بن عبدهللا‬ ‫‪1368‬هـ‪1949/‬م‬ ‫يريم‬ ‫‪17‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫علي بن حسن الشرفي‬ ‫‪1370‬هـ‪1951/‬م‬ ‫شهارة‬ ‫‪18‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫علي بن حسن الشرفي‬ ‫‪1376‬هـ‪1957/‬م‬ ‫علما‬ ‫‪19‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫علي بن حسن الشرفي‬ ‫‪1376‬ه‪1957/‬م‬ ‫وادعة‬ ‫‪20‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫علي بن حسن الشرفي‬ ‫‪1376‬هـ‪1957/‬م‬ ‫الطويلة‬ ‫‪21‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫علي بن حسن الشرفي‬ ‫‪1376‬هـ‪1957/‬م‬ ‫ريمة‬ ‫‪22‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫علي بن حسن الشرفي‬ ‫‪1376‬هـ‪1957/‬م‬ ‫جبلة‬ ‫‪23‬‬
‫أسسها ولي العهد أحمد‬ ‫علي بن حسن الشرفي‬ ‫‪1376‬هـ‪1957/‬م‬ ‫ب‬ ‫‪24‬‬
‫ومن الجدول السابق دعونا نرصد ونثبت ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬لم أجد م درا ً آخر يؤكد ما ورد في الجدول السابق‪.‬‬
‫‪ .2‬الحظت من خالل تتبعي لما دونط الباحث في بحثط ميالً للتأكيد على علمية‬
‫المؤسسات التعليمية التي تحدث عنها‪ ،‬سواء على مستوى (المكاتب –‬
‫الهجر – الروابط – الجوامع – المدارس العلمية)‪ ،‬وأنها كانت التأسيس‬
‫للتعليم الحديث‪.‬‬
‫باإلضافة لى ما سبق‪ ،‬عرفت اليمن ما يمكن اعتباره بواكير للتعليم الفني‪،‬‬
‫المتمثل بمدرسة ال ناعة في صنعاء‪ ،‬ومدرسة صحية‪ ،‬ومدرسة زراعية‪،‬‬

‫(‪ )24‬البكري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.65 ،64‬‬


‫‪34‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ضافة لى المدرسة الحربية‪ ،‬ومدرسة الشرعة‪ ،‬وكتلك مدرسة لتأهيل المعلمين‬


‫التي كا فيها الشهيد زيد‬ ‫افتتحت في العام ‪ 1937‬م بعد عودة بعثة العرا‬
‫الموشكي‪ ،‬كما عرفت نشوء "المدرسة العلمية" أو دار العلوم في صنعاء التي‬
‫افتتحت في العام ‪1925‬م‪ ،‬على أنقاض "مدرسة المعلمين" التي بناها األتراك‬
‫لهته‬ ‫وهدمها اإلمام يحيى في األيام األولى لدخولط صنعاء ‪1919‬م‪ ،‬وكا‬
‫المدرسة نظام تعليمي خاص (ب بغة دينية)‪ ،‬ونظام الدراسة فيها كا يمتد لى‬
‫‪ 12‬سنة‪ ،‬مقسمة لى ف ول وشعب‪ ،‬مع وجود سنة تمهيدية يتم فيها قبول‬
‫الطالب القادمين من المدارس االبتدائية‪ ،‬ويتم فيها قياس تأهيلهم السابق‪،‬‬
‫واستعداداتهم وخبراتهم‪ ،‬ومن ثم يتم تنسيبهم للمستويات المتوافقة مع تأهيلهم‬
‫وخبراتهم السابقة‪ ،‬وكا أولوية القبول فيها للقادمين من جوامع الشمال (صعدة‪،‬‬
‫وحوث‪ ،‬والمدرسة الشمسية وغيرها)‪ ،‬وكانت متميزة بشمول منتسبيها للرعاية‬
‫من قبل السلطة بما تمنحط لهم من (سكن‪ ،‬وتغتية‪ ،‬وكساء)‪ ،‬كما كانت متميزة‬
‫بضما ح ول خريجيها للوظائف وخاصة في مجال القضاء‪ .‬كما تم استحداث‬
‫مدارس علمية مشابهة عديدة‪.‬‬
‫وكا يتم فيها تغليب تدريس كتب ألنها من تأليف بعض آل البيت‪ ،‬ومنها‬
‫كتاب "الغاية" تأليف الحسين بن القاسم‪ ،‬وقد حل محل كتاب "المنهاج"‪ ،‬ولم‬
‫يكن كتاب الغاية في مستوى المنهاج لكنط التع ب‪ ،‬وكتلك في علم الكالم‬
‫أصول الدين‪ ،‬فكانت تبدأ بباب معرفة هللا‪ ،‬ثم النظرات الكونية‪ ،‬وما هو فيها‬
‫لهي وما هو كوني‪ ،‬وكانت تتكو من عشر مسائل‪ ،‬أولها معرفة هللا‪ ،‬وآخرها‬
‫مسألة اإلمامة‪ ،‬وهي المسألة العاشرة في كل كتاب من كتب أصول الدين‬
‫المقررة في دار العلوم(‪.)25‬‬

‫(‪ )25‬البردوني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪296‬‬


‫‪35‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫كما وجدت بواكير التعليم األهلي الحديث بنما ج متعددة‪ ،‬لعل أشهرها‬
‫"مدرسة بحا " و"مركز الفالح" بحيفا ‪ ،‬حيث كا لهما الفضل في دخال‬
‫وتدريس بعض العلوم الحديثة‪ ،‬وممارسة األنشطة الرياضية والموسيقية‬
‫واألناشيد‪ ،‬وقد نهضتا بدعم وتمويل األهالي من القاعنين في عد والمغتربين‬
‫أيضاً‪.‬‬
‫وكا من أشهر معلمي مركز الفالح الشهيد عبدهللا عبد اإللط األغبري‪،‬‬
‫وأخوه المرحوم عبد القادر عبد اإللط‪ .‬وقد تميز مركز الفالح بتعميم لزامية‬
‫التعليم ألبناء المنطقة (بقرار أهلي) بارتداء الزي الخاص‪ ،‬كما زود الحاج ثابت‬
‫صبيح العريقي (المغترب في سيال ‪ ،‬تاجر الشاي المعروف) المدرسة بالمقاعد‬
‫والماسات الخشبية‪ ،‬وبعض وسائل التعليم‪ .‬كما كا من أشهر معلمي "مدرسة‬
‫بحا " الفقيدا أحمد محمد نعما ‪ ،‬و محمد أحمد حيدرة الحكيمي اللتا يعود‬
‫لهما فضل تطوير التعليم فيها‪ ،‬ولما أثاراه من حماس في نفوس المستهدفين‬
‫وأولياء األمور‪ ،‬واستقطاب تعاعف القاضي الحاللي (قاضي الحجرية) التي‬
‫دافع عن المدرسة ورد كيد علي الوزير‪ ،‬أمير تعز‪ ،‬التي كا يعارض ما تقدمط‬
‫المدرسة للطالب ويَعده خروجا ً عن الملة وتمردا ً على آل البيت‪ ،‬عدة مرات(‪.)26‬‬
‫بعض الطالب المتميزين في هاتين المدرستين قد‬ ‫ويبقى من المهم القول‬
‫ر شحوا للدراسة في الخارج‪ ،‬كما حدث مع مرشحي "مركز الفالح" بحيفا ‪،‬‬
‫لم يتم لهم لك ألسباب خاصة‪ ،‬وكما‬ ‫وعلى حساب األهالي والمغتربين‪ ،‬و‬
‫حدث لمرشحي مدرسة بحا ‪-‬محمد عبد الولي‪ ،‬وسالم عبد هللا الرازحي‪-‬‬
‫اللتين سافرا ضمن أفراد البعثة التي أرسلها اإلمام يحيى لى العرا (‪ .)27‬ولما‬

‫(‪ )26‬عبده‪ ،‬علي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.120‬‬


‫(‪ )27‬المرجع نفسط‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪36‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫كا اعتراض على الوزير وغيره على ما يدرس مستمراً‪ ،‬فقد تعرضتا لإلغال‬
‫ثم الفتح بعد حين‪.‬‬
‫التعليم األهلي كا موجودا ً قبل‬ ‫ونختم الحديث عن التعليم األهلي بالقول‪:‬‬
‫الثورة في كثير من المساجد والجوامع والكتاتيب‪ ،‬وكا ال يختلف من حيث‬
‫المستوى عن التعليم الرسمي‪ ،‬ولم تكن في اليمن أقليات عرقية‪ ،‬بل وجدت أقلية‬
‫دينية من اليهود‪ ،‬وكا لهم مطلق الحرية في التملك‪ ،‬والتجارة‪ ،‬والعبادة‪ ،‬وتعليم‬
‫أبنائهم الديانة اليهودية واللغة العبرية في مدارسهم الخاصة‪ ،‬التي بلغت في‬
‫صنعاء وحدها خمس عشرة مدرسة(‪" ،)28‬مع أ عددهم كا يقدر بخمسين ألفا ً‬
‫حتى ‪1950‬م‪ ،‬ثم هاجروا جميعا ً لى فلسطين المحتلة"(‪ .)29‬وفي مدينة صنعاء‬
‫وحدها‪ ،‬بلغ عددهم ‪ 20‬ألفا ً تقريبا ً‪ ،‬وكانت جميع مدارسهم بمستوى المعالمة أو‬
‫اخت ت بتعليم أعفال اليهود اللغة العبرية وال تعلمهم العربية‬ ‫شبيهة لها‪ ،‬و‬
‫‪،‬كما يتعلمو بها القراءة والكتابة ومبادئ الحساب‪ ،‬وبعض التعاليم الدينية‬
‫يطلق على‬ ‫اليهودية‪ ،‬والتعليم فيها يستمر من ال باح حتى الظهر‪ ،‬وكا‬
‫معلميها "األحبار"‪ .‬وبعض من تلك المدراس كانت تختص بتعليم أبناء اليهود‬
‫دروسا ً تعدهم للحياة العملية ( عدادا ً مهنيا ً)‪ ،‬ويعد لك أمرا ً عبيعيا ً؛ كو اليهود‬
‫كانوا شبط محتكرين لمعظم المهن اليدوية‪ ،‬كالنجارة‪ ،‬والحدادة‪ ،‬والخياعة‪،‬‬
‫وصياغة التهب والفضة‪ ،‬كما أ مناهجهم لم تكن خاضعة للرقابة الحكومية(‪.)30‬‬

‫(‪ )28‬العظم‪ ،‬نزيط‪ ،‬رحلة في العربية السعيدة‪ ،‬ص‪.142‬‬


‫(‪ )29‬العزازي‪ ،‬محمد‪ ،‬كروزه‪ ،‬هانز‪ ،‬الجمهورية العربية اليمنية‪ ،‬دراسة تمهيدية‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫(‪ )30‬البكري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫‪37‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫جدول (‪ ) 2‬يبين عدد المدارس والطالب المسجلين خالل حكم اإلمام أحمد ‪– 1948‬‬
‫(‪)31‬‬
‫‪1962‬م‬
‫الطالب‬ ‫عدد‬ ‫العام‬
‫مالحظات‬ ‫م‬
‫المسجلون‬ ‫المدارس‬ ‫الدراسي‬
‫‪1761‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪1948‬م‬ ‫‪1‬‬
‫أغلب الظن أ هتا الرقم خطأ وقد يكو ال حيح ‪ 2904‬و لك‬
‫‪904‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪1956‬م‬ ‫‪2‬‬
‫أل الرقم الموضح في الجدول ال يتناسب مع المدارس‪.‬‬
‫‪1683‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪1962‬م‬ ‫‪3‬‬

‫مراحل التعليم العام‪:‬‬


‫‪ -1‬التعليم األولي‪ :‬مدتط من ثالث لى أربع سنوات‪ -‬يقوم على كاهل معلم واحد‪-‬‬
‫ال يمنح من أنهى دراستط فيط وثيقة تخرج أو نجاح‪ ،‬ويتساوى في هتا النمط‬
‫من تعلم في معالمة‪ -‬كتاب‪ -‬أهلية أو مدرسة حكومية‪.‬‬
‫‪ -2‬التعليم االبتدائي‪ :‬نوعا ‪ ،‬مدتط في مدارس أكثر األرياف‪( -‬على قلتها)‪ -‬أربع‬
‫سنوات‪ ،‬وفي مدارس المد ست سنوات‪ ،‬مثل مدينتي صنعاء‪ ،‬وتعز‪ ،‬ولم‬
‫تكن ت تبع فيط سياسة تعليمية واحدة‪ ،‬وال توجد برامج معينة‪ ،‬وال نظم‬
‫معرفية(‪ ، )32‬يعتمد فيط على عريقة اإلمالء على التالميت‪ ،‬وال كتب معتمدة‪،‬‬
‫والتعليم يعتمد على التجارب الشخ ية للمعلمين بدرجة أساسية‪ ،‬وال يراعي‬
‫أصول التدريس الفنية‪ ،‬واإللقاء هي الطريقة السائدة المكرسة‪ .‬وكانت تنتهي‬
‫شعار أو ت ديق ب نهائها‪ ،‬ومن قدر لط مواصلة دراستط‬ ‫الدراسة فيط بدو‬
‫في المرحلة المتوسطة ال يقبل فيها ال بعد اختبارات محددة‪.‬‬
‫‪ -3‬التعليم اإلعدادي المتوسط‪ :‬تراوحت مدتط بين أربع سنوات وثالث سنوات‪،‬‬
‫ويمكن أ يقبل فيط من لم ينط االبتدائية‪ ،‬بل حتى من أنهى تعليمط األولي‪،‬‬
‫ويتم القبول بعد نجاحط في امتحا خاص‪ ،‬كما كا يعتمد على "أمر شريف"‬

‫(‪ )31‬البكري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.70‬‬


‫(‪ )32‬عاهر‪ ،‬علوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪38‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫بالقبول من اإلمام أو نائبط‪ ،‬والمنهاج غير موحد‪ ،‬وقد يكتفي ببعض‬


‫التعليمات واإلرشادات للمدرسين باختيار بعض الكتب التي ال تت ادم مع‬
‫تكريس اإلمامة كأصل من أصول الدين‪ ..‬لخ‪ .‬ثم نط ال يمنح من أنهى مدتط‬
‫فيط وثيقة تخرج‪ ،‬بل يعتمد أحيانا ً على ما رصد في الكشوفات من نتائج‬
‫االختبارات التي خاضها الطالب‪.‬‬
‫‪ -4‬التعليم الثانوي‪" :‬مدتط خمس سنوات تقسم لى مرحلتين‪ :‬المرحلة األولى‬
‫سنة واحدة تحضيرية يدخلها من ينتهي من التعليم المتوسط‪ ،‬وهي متطلبة‬
‫بطبيعة الدراسة التي ال تتقيد بمنهاج‪ ،‬والثانية تستمر أربع سنوات‪ ،‬ي ل‬
‫فيها الطالب لى مستوى يعادل الثانوية العامة في بعض األقطار العربية في‬
‫لك بكثير في المواد األخرى"‪ .‬وهناك نما ج أخرى‬ ‫اللغة العربية ودو‬
‫(‪)33‬‬
‫منها "المدرسة األحمدية" سنعرض لها الحقا ً‪.‬‬
‫البعثات التعليمية‪:‬‬
‫كا اإلمام أحمد يتخوف كثيرا ً من رسال البعثات التعليمية لى الخارج‬
‫لخشيتط من تأثرهم بمظاهر التطور وباألفكار‪ ،‬وما يكرس منها في السياسات‬
‫التي كا يرى فيها مخالفة للمألوف من التقاليد والعادات‪ ،‬وتنافيا ً مع قيم الدين‪،‬‬
‫يفهمط‪ ،‬وخاصة بما يكرسط هو من كراه المجتمع على االقتناع‬ ‫كما كا‬
‫باصطفائط ومن يليط‪ .‬لتلك لم يتم رسال بعثات تعليمية عامة ال عام ‪1947‬م‪،‬‬
‫حيث تشكلت أول بعثة من أربعين عالباً‪ ،‬أرسلت لى لبنا للدراسة في كلية‬
‫المقاصد اإلسالمية في صيدا‪ ،‬والقسم اآلخر التحق بكلية التربية والتعليم بمدينة‬
‫عرابلس‪ ،‬وهاتا الكليتا عبارة عن مدارس ابتدائية و عدادية‪ ،‬ولم تستمر هته‬
‫البعثة في لبنا ‪ ،‬وتم نقلها لى م ر بعد أ ساءت عالقة اإلمام أحمد ورئيس‬

‫(‪ )33‬عاهر‪ ،‬علوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.7‬‬


‫‪39‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الوزراء اللبناني رياض ال لح‪ ،‬وفي م ر تم توزيعهم على المدارس االبتدائية‬


‫واإلعدادية والثانوية‪ .‬وفي شهر يونيو ‪1947‬م أرسلت بعثة تعليمية ثانية لى‬
‫م ر تكونت من خمسة عالب‪ ،‬وثالثة في يناير عام ‪ 1954‬أرسلت بعثة من‬
‫‪ 31‬عالبا ً لى م ر‪ ،‬التحقوا بالمدارس االبتدائية واإلعدادية‪ ،‬وفي أكتوبر من‬
‫العام نفسط لحقتها بعثة أخرى لى م ر‪ ،‬وعددهم ‪ 15‬عالبا ً من أبناء السادة‬
‫واألسر المقربة السلطة اإلمامية‪ ،‬وهناك بعثة أخرى أرسلت لى سوريا عام‬
‫‪1957‬م‪ ،‬من عشرين عالبا ً(‪.)34‬‬
‫كما قام محمد بن يحيى حميد الدين ب قناع أبيط ب رسال بعثة لدراسة الطيرا‬
‫في يطاليا‪ ،‬وقد أرسل بضعة عشر عالبا ً لدراسة الطيرا والميكانيك‪ ،‬ولكنهم لم‬
‫يكملوا دراستهم لتدهور العالقة مع روما"(‪.)35‬‬
‫كما تم توقيع العديد من اتفاقيات ال داقة بعدئت مع بريطانيا‪ ،‬وروسيا‪ ،‬و يطاليا‪،‬‬
‫وال ين‪ ،‬وكانت تقدم منحا ً لكن اإلمام حرم أبناء المواعنين منها‪.‬‬
‫كما أرسل اإلمام يحيى بعض الشباب لى م ر لدراسة الطيرا (‪ .)36‬وفي‬
‫أواخر ‪ 1936‬أرسلت بعثة عسكرية مكونة من عشرة عالب لى العرا‬
‫للدراسة العسكرية هناك‪ ،‬وقد شكلت في ما بعد نواة الجيش اليمني‪.‬‬
‫بعثة علمية للدراسة بدار المعلمين ببغداد‪ ،‬وكانت‬ ‫وأرسلت لى العرا‬
‫العرا تقوم بتمويل تكاليف المبتعثين‪ ،‬وكا منهم الشهيد زيد الموشكي‪ ،‬كما‬
‫استقدمت بعثة عسكرية في عام ‪1940‬م لتنظيم وتدريب الجيش اليمني برئاسة‬
‫العقيد الركن سماعيل صفوت‪.‬‬

‫(‪ )34‬البكري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.206-204‬‬


‫(‪ )35‬باعباد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫(‪ )36‬باعباد‪ ،‬المرجع نفسط‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫‪40‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وقد بلغ عدد المبعوثين للدراسة خارج اليمن حوالي خمسمائة عالب‪،‬‬
‫يدرسو في المراحل المتوسطة‪ ،‬والثانوية‪ ،‬والجامعية في م ر‪ ،‬وغيرها من‬
‫الدول العربية واألجنبية‪ ،‬وأغلبية هؤالء الطالب لم يكونوا مبعوثين على حساب‬
‫الدولة بل كانوا يدرسو على حسابهم الخاص‪ ،‬أو على حساب الدولة التي‬
‫يدرسو بها(‪.)37‬‬
‫جدول (‪ )3‬يوضح عدد الطالب المبتعثين والدول المانحة‪ ،‬عام ‪1961 – 1960‬م‪.‬‬
‫عدد الطلبة‬ ‫الدولة المانحة‬ ‫م‬
‫‪318‬‬ ‫الجمهورية العربية المتحدة‬ ‫‪1‬‬
‫‪10‬‬ ‫العرا‬ ‫‪2‬‬
‫‪20‬‬ ‫الكويت‬ ‫‪3‬‬
‫‪90‬‬ ‫االتحاد السوفيتي‬ ‫‪4‬‬
‫‪76‬‬ ‫ال ين الشعبية‬ ‫‪5‬‬
‫‪50‬‬ ‫ألمانيا الشرقية‬ ‫‪6‬‬
‫‪45‬‬ ‫تشيكوسلوفاكيا‬ ‫‪7‬‬
‫‪6‬‬ ‫هنغاريا‬ ‫‪8‬‬
‫‪10‬‬ ‫رومانيا‬ ‫‪9‬‬
‫‪4‬‬ ‫ألبانيا‬ ‫‪10‬‬
‫‪20‬‬ ‫يوغسالفيا‬ ‫‪11‬‬
‫‪25‬‬ ‫يطاليا‬ ‫‪12‬‬
‫‪15‬‬ ‫أمريكا‬ ‫‪13‬‬
‫‪6‬‬ ‫فرنسا‬ ‫‪14‬‬
‫‪695‬‬ ‫اإلجمالي‬ ‫‪15‬‬

‫ومن المهم هنا‪ ،‬وقد افترضنا صد الرقم السابق "خمسمائة عالب" مبتعثين‬
‫للدراسة في الخارج‪ ،‬أ ندرك أ النظام اإلمامي لم يكن يبتعث للدراسة في‬
‫الخارج ال أبناء األسرة‪ ،‬وبعض أبناء المقربين‪ ،‬كما لم يكن يبتعث منهم‬
‫للدراسة في المراحل المتوسطة والثانوية‪ ،‬بدليل أ اإلمام أحمد ألحق ابنط البدر‬
‫بالمدرسة األحمدية في تعز‪ ،‬وكا أبناء العامة ال يمكنو من نهاء الدراسة‬
‫الغالبية المق ودة من الطالب هم من هبوا للدراسة على‬ ‫الثانوية‪ .‬وبالتالي ف‬

‫(‪ )37‬العزعزي‪ ،‬عبدهللا‪ ،‬اليمن من اإلمامة لى الجمهورية‪ ،‬ص ‪.102‬‬


‫‪41‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫حساب آبائهم وأغلبهم مغتربو ‪ ،‬أو ممن ساعدت الجمعيات في عد على‬


‫ابتعاثهم للدراسة في الخارج‪ ،‬ولتلك حديث قادم‪.‬‬
‫المدرسة األحمدية بتعز‪ :‬تعد هته المدرسة مثاالً لما ساد من تعليم في حقبة‬
‫المملكة المتوكلية اليمنية‪.‬‬
‫وواقع الحال يؤكد أ الحكم التركي لم تشمل خدماتط التعليمية تعز؛ أل‬
‫التعليم النظامي لم تعرفط تعز ال بعد ‪1935‬م‪ ،‬منت نزل ليها ولي العهد أحمد‬
‫حميد الدين واتختها مقرا ً لط‪ ،‬ثم عاصمة لط بعدئت‪ ،‬واشترى "دار التهب"‬
‫وحولط لى مدرسة ابتدائية أولية‪ ،‬ثم "شرع ب نشاء المدرسة األحمدية‪ ،‬الدور‬
‫األول في بادئ األمر كمدرسة ابتدائية‪ ،‬وأدخل ابنط محمد البدر للدراسة فيها‪،‬‬
‫وجمع لها قضاة من صنعاء ومن جبلة للتعليم بطريقة العلماء"(‪.)38‬‬
‫ويشير الشرعبي لى أ " اإلقبال كا ضعيفا ً على الرغم من لزامية التعليم‬
‫آنتاك‪ ،‬خاصة بعد نشاء وزارة المعارف عام ‪1938‬م‪ ،‬لكن الجهل والفقر اللتين‬
‫كانا سائدين جعال الناس يفضلو أ يبقى أبناؤهم يرعو األغنام‪ ،‬لفقرهم وعدم‬
‫قدرتهم على تحمل أعباء تعليم أبنائهم‪ ،‬فكا الواحد منهم يتهب للمراجعة وعلب‬
‫اإلعفاء للولد من دخول المدرسة عندما كا يستدعى للدراسة بما يشبط علب‬
‫اإلعفاء من التجنيد اإلجباري‪ ،‬فما كا من ولي العهد ال أ أوجد حوافز مالية‬
‫وعينية لمن يلتحقو بالمدرسة‪ ،‬فجمع لتلك عائدات األوقاف بعد سحب الوقفيات‬
‫من التين كانوا يشرفو عليها‪ ،‬وجعلها بنظر دائرة األوقاف لتنفق عائداتها على‬
‫المساجد والمدرسة األحمدية"(‪.)39‬‬

‫(‪ )38‬الشرعبي‪ ،‬سيف‪ ،‬المرجع نفسط‪ ،‬ص‪.17‬‬


‫(‪ )39‬المرجع نفسط‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪42‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫على‬ ‫مفهومي المجانية واإللزامية يؤكدا‬ ‫وأعود للتأكيد مجددا ً على أ‬


‫وجود مسؤولية متبادلة بين السلطة والمواعن‪ ،‬وأ أعباءها األساسية وتكاليفها‬
‫تتحملها السلطة‪ ،‬بما فيها التغتية والمواصالت أيضا ً‪ ،‬وحتى المساعدة‬
‫االقت ادية لألسر المعوزة‪ -‬ا تبسطنا بالفهم‪ -‬وبعدها تتحمل األسرة التبعات‬
‫القانونية عند تخلفها عن االلتزام‪ ،‬لكن أ يتهب المواعن للمراجعة إلعفاء ابنط‬
‫من الدراسة فيعفى‪ ،‬وأ تستثنى البنات أيضاً‪ ،‬ويحرم من التحق منهم من نهاء‬
‫دراستط الثانوية‪ ،‬فهتا ليس من اإللزامية في شيء‪.‬‬
‫وقد شمل سحب الوقفيات بعد لك وقفيات زبيد‪ ،‬وما نتج عن لك من همال‬
‫للعديد من المدارس والمعاهد الدينية في عار توجط مق ود‬ ‫ٍّ‬
‫وترد‪ ،‬و غال‬
‫لتعميم تجربة تعليمية دينية بتاتها‪.‬‬
‫ويقول الشرعبي‪" :‬وبسبب تلك الحوافز زاد اإلقبال على المدرسة األحمدية‪،‬‬
‫فأقبل الناس من صبر وشرعب‪ ،‬ومن لواء ب من النادرة وبعدا و ريا ‪ ،‬مما‬
‫دفع اإلمام وولي عهده لى لغاء مدارس زبيد‪ ،‬واستغل أوقافها وأعادها لى تعز‬
‫تشجيعا ً للمدرسة األحمدية"(‪.)40‬‬
‫وبحسبط أيضا ً بنى اإلمام أحمد الدور الثاني للمدرسة وجعلط مرحلة متوسطة‬
‫وأول ثانوي في بادئ األمر‪ ،‬واستدعى لتلك أربعة أزهريين لتنظيم التعليم فيها‪،‬‬
‫وبدأ دخول المنهج الم ري لى المدرسة‪ ،‬وجهز مرفقا ً لمزاولة األلعاب‬
‫الرياضية واألنشطة‪ ،‬وهي المساحة التي بنيت فيها مدرسة الثورة الثانوية بعدئ ٍّت‬
‫ثم تحولت لى معهد ديني ومكتب تربية وتعليم‪.‬‬
‫كما اشتملت المدرسة على قسم داخلي لطلبة ليليين بلغ عددهم في العام‬
‫‪1955‬م حوالي ‪ 400‬عالب‪ ،‬وبلغ عدد الطلبة النهاريين أربعة أضعاف القسم‬

‫(‪ )40‬الشرعبي‪ ،‬سيف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.18‬‬


‫‪43‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الداخلي‪ ،‬أي لى ما يقرب من ألفي عالب في مختلف المراحل‪( .‬وهته أرقام‬


‫نتحفظ عليها)؛ ألنني ممن حظي بالدراسة فيها بعد الثورة‪ ،‬وحجم مبناها ال‬
‫يسمح باستيعاب هتا العدد ولو قسم على فترتين‪ .‬ثم نط بحسب وثيقة جامعة‬
‫الدول العربية‪ ،‬وفيها جدول يوضح أعداد المدارس ومستواها وعالبها عام ‪57‬م‬
‫في اليمن‪ ،‬وفيط ورد بأ عدد المدارس الرسمية ‪ 57‬مدرسة‪ ،‬وعدد الطالب في‬
‫المراحل الثالث ‪ 13843‬عالبا ً)‪ .(41‬و ا أوجدنا متوسط استيعاب المدرسة‬
‫الواحدة سيكو ‪ 242‬عالبا ً‪ ،‬فكيف لنا أ نقتنع بأ عدد عالبها ي ل لى ‪2000‬‬
‫عالب‪ ،‬أي حوالي سبع العدد الكلي للطالب‪.‬‬
‫وعن نظام القبول في القسم الداخلي فكا يتم بموجب حكم بالفقر مقدم لى‬
‫دائرة األوقاف‪ ،‬وت ديق اإلمام على أمر القبول‪ ،‬وأضيف في آخر دولة األئمة‬
‫شرع آخر يتمثل بوجود مكا شاغر‪ ،‬وكا القبول في المدرسة األحمدية ال يتم‬
‫ال بموجب التعليمات الشريفة‪ ،‬وم ادقة اإلمام شخ يا ً على علب االلتحا من‬
‫جملة الطلبة الليليين أو النهاريين‪ ،‬وبحسبط فقد عمد اإلمام لى لغاء تدريس مادة‬
‫اإلنجليزي بعد انسحاب اليمن من االتحاد الثالثي ‪1958‬م (وهو اتحاد كا يجمع‬
‫بين م ر وسوريا واليمن)‪ ،‬كما كا النظام ال يسمح بدراسة أبناء العامة لى‬
‫المتوسطة اإلعدادية‪ ،‬وفي أق ى األحوال حتى ال ف األول الثانوي‪ ،‬ثم يقوم‬
‫بتوزيعهم في الم الح الحكومية‪ ،‬ومنها المستشفى والمطبعة‪ ،‬كما كانت مدة‬
‫الدراسة المسموح بها تنقسم لى قسمين‪ ،‬أولهما خاصة بأبناء األسرة الحاكمة‬
‫وأبناء المقربين‪ ،‬وهي مفتوحة حتى نهاء المرحلة الثانوية‪ ،‬ومن ثم االبتعاث‬

‫(‪ )41‬انظر‪ :‬وثيقة جامعة الدول العربية‪ ،‬حلقة عداد المعلم العربي في بيروت‪ ،‬أغسطس‬
‫‪1957‬م‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫لى الخارج للدراسة الجامعية‪ ،‬والقسم الثاني لبقية الطالب التين ال يسمح لهم‬
‫ب كمال الدراسة في المرحلة الثانوية(‪.)42‬‬
‫وفي عام ‪ 1960‬ميالدية‪ ،‬بلغ عدد المدارس والكتاتيب ‪ 110‬مدرسةَ و َكتاب‪،‬‬
‫منها خمس مدارس في تعز وضواحيها بجانب المدرسة األحمدية‪ ،‬وفي صبر‬
‫ثالثة مكاتب وأربع معالمات‪ ،‬وفي شرعب َكتا َبا ‪ ،‬وفي الحجرية مدرسة في‬
‫التربة ومركز الفالح بحيفا ‪ ،‬وفي األعبوس واألكاحلة مكتب ومدرسة‬
‫ومعالمة‪ ،‬وفي جبل حبشي ثالث معالمات ومدرسة‪ ،‬وفي السواحل في المخاء‬
‫وغرافي‪ ،‬وظريفة‪ ،‬ووازعية أربع معالمات(‪.)43‬‬
‫لك في جدول (‪:)4‬‬ ‫وقد عمدت لى عادة تبيا‬
‫الجدول (‪ )4‬المباني الحكومية الخاصة بالتعليم‬
‫مدارس مكاتب معالمات‬ ‫المنطقة‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪6‬‬ ‫المدينة وضواحيها‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫صبر‬
‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫شرعب‬
‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الحجرية وحيفا‬
‫‪ 1‬اكاحلط‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫األعبوس واألكاحلة‬
‫‪3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬ ‫جبل حبشي‬
‫‪4‬‬ ‫‪-‬‬ ‫مخا‪/‬غرافي‪/‬ظريفة‪/‬وازعية ‪-‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪9‬‬ ‫المجموع‬
‫‪28‬‬ ‫الكلي في تعز‬

‫ومن الجدول السابق نجد عدم انتشار للمدارس االبتدائية والحكومية في‬
‫ال فة الغالبة للمباني الحكومية الخاصة‬ ‫مناعق كثيرة من المحافظة‪ ،‬وأ‬
‫بالتعليم كانت معالمات ومكاتب‪ ،‬حيث بلغ عددها ‪ 19‬مبنى‪ ،‬كما نجد أنط في‬
‫حالة واقعية الرقم المتكور آنفا ً أ عدد المدارس في المحافظة بلغ في العام‬

‫(‪ )42‬وثيقة جامعة الدول العربية‪ ،‬حلقة عداد المعلم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫(‪ )43‬المرجع نفسط‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫‪45‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫بقية مؤسسات التعليم التي كانت قائمة‬ ‫لك يعني أ‬ ‫‪1960‬م (‪ )110‬ف‬
‫وعددها ‪ 82‬مبنى كانت معالمات أولية أهلية؛ ألنط عالما لم يكن للتعليم أهداف‬
‫محددة يستهدفها‪ ،‬وال مناهج موحدة يعممها على المدارس الرسمية‪ ،‬وال يهتم‬
‫بتنمية قدرات المعلمين‪ ،‬وال كتب توزع في أغلب المؤسسات‪ ،‬وليست موحدة‬
‫أساليب الت قويم‪ ،‬وال تربطط عالقة بالمدارس والمعالمات األهلية ال بما يتعلق‬
‫بتمجيد اإلمامة وعدم استهدافها بأي صورة من ال ور‪ ،‬ولو كانت بتعليم بعض‬
‫العلوم‪ ،‬كالتاريخ‪ ،‬والتربية الوعنية‪ ،‬وما عدا لك فحرصا ً على جمع الضرائب‬
‫من القائمين عليها فقط‪ .‬فأنى لط أو لمريديط االدعاء بمجانية و لزامية التعليم‪ .‬ثم‬
‫اإللزامية والمجانية تعني التزام السلطة بتقديم خدماتها التعليمية للمستهدفين‬
‫في مختلف أنحاء البالد‪ ،‬وليس المحافظة‪ .‬وقد رأينا من الجدول السابق وما‬
‫غالبيتهم كانوا‬ ‫تلك الخدمة لم تشمل أغلب المستهدفين‪ ،‬بدليل أ‬ ‫سبقط أ‬
‫منتسبين في معالمات خاصة (‪ 82‬منشأة) على مستوى مدينة تعز‪.‬‬
‫و ا كا التعليم السائد‪ ،‬كما رأينا بعض صوره‪ ،‬ال يهتم بترقية وتنقية ثقافة‬
‫المجتمع‪ ،‬وال يسعى لالستجابة الحتياجاتط‪ ،‬وغير معني بتبني فتح المدارس‬
‫الرسمية الحديثة‪ ،‬فكيف لط أ يقنع المتابع والمهتم بأنط كا حري ا ً على تطوير‬
‫التعليم؟ فما بالنا بمجانية التعليم و لزاميتط‪.‬‬
‫و كر علوي عبد هللا عاهر أ السلطة كانت تغلق بعض المدارس‪ ،‬ومنها‬
‫مثالً‪:‬‬
‫‪ -1‬مدرسة تعز الثانوية ‪ 1948‬و لك خشية الوعي التي انتشر بين صفوف‬
‫الطلبة‪.‬‬
‫‪ -2‬أغلقت مدرسة ب بسبب ثورة عالبها على األوضاع الفاسدة‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -3‬أغلقت المدرسة المتوسطة بحجة بسبب عال عالبها تأييدهم لثورة ‪23‬‬
‫يوليو في م ر‪.‬‬
‫‪ -4‬أغلقت المدرسة الحربية الشتراك عالبها في ثوره ‪1948‬م‪.‬‬
‫جدول (‪ )5‬بأنواع المدارس وأعدادها وأعداد الطالب والمدرسين‬
‫نسبة المعلمين‬ ‫عدد‬ ‫سنوات‬
‫مالحظات‬ ‫المدرسون‬ ‫عددها‬ ‫أنواع المدارس‬
‫إلى الطالب‬ ‫الطالب‬ ‫الدراسة‬
‫ابتدائية رسمية‬
‫‪44:1‬‬ ‫‪301‬‬ ‫‪13301‬‬ ‫ست سنوات‬ ‫‪50‬‬
‫بالمد‬
‫‪55:1‬‬ ‫‪663‬‬ ‫‪36350‬‬ ‫أربع سنوات‬ ‫‪663‬‬ ‫أولية رسمية للقرى‬
‫‪37:1‬‬ ‫‪1438‬‬ ‫‪53117‬‬ ‫كتاتيب‬ ‫‪1438‬‬ ‫أولية أهلية‬
‫‪7:1‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪321‬‬ ‫أربع سنوات‬ ‫‪4‬‬ ‫متوسطة حكومية‬
‫‪5:1‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪221‬‬ ‫ثالث سنوات‬ ‫‪3‬‬ ‫ثانوية حكومية‬
‫‪5:1‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪75‬‬ ‫أربع سنوات‬ ‫‪1‬‬ ‫تحضيرية‬
‫‪3:1‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪50‬‬ ‫سنتا‬ ‫‪1‬‬ ‫عداد معلمين‬
‫‪8:1‬‬ ‫‪108‬‬ ‫‪814‬‬ ‫بين ‪ 13:6‬سنة‬ ‫‪15‬‬ ‫علمية دينية‬
‫ـــــــــ‬ ‫ــــــــ‬ ‫‪38‬‬ ‫ــــــــــــ‬ ‫‪1‬‬ ‫زراعية‬
‫‪10:1‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪100‬‬ ‫ـــــــــــ‬ ‫‪1‬‬ ‫صحية‬
‫___‬ ‫___‬ ‫‪200‬‬ ‫_____‬ ‫‪1‬‬ ‫صناعية‬

‫وي ف علوي عبد هللا عاهر التعليم في الكتاتيب أو المعالمات بقولط "كا‬
‫التعليم في الكتاتيب يقت ر على تهجي آي التكر الحكيم‪ ،‬وتعليم الخط على‬
‫نما ج رديئة يكتبها صاحب ال َكتاب‪ ،‬وكا ال يتعاعى تعليم األعفال في ال َكتاب‬
‫ال من سدت في وجهط أبواب الرز ‪ ،‬ويئس من وجود سبب لكسب القوت‪.‬‬
‫وال َكت اب غرفة ضيقة قترة ال تقام أبنيتها عادة في األماكن المناسبة‪ ،‬بل تقام في‬
‫وسط المدينة أو القرية بين شغب الناس وصياح الحيوانات وضجيج الحركة‬
‫وغيرها"(‪.)44‬‬

‫(‪ )44‬عاهر‪ ،‬علوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.12‬‬


‫‪47‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫كما أ من المهم‪ ،‬قبل أ ننهي الحديث حول هتا الموضوع‪ ،‬أ نستعرض‬
‫وثيقة جامعة الدول العربية‪ ،‬وهي عبارة عن جدول يوضح أعداد المدارس‬
‫ومستواها وعالبها عام ‪1957‬م في اليمن(‪.)45‬‬
‫ولنا مالحظات كثيرة على الجدول ومحتوياتط لعل أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬ال توجد عالقة منطقية بين المدارس االبتدائية الرسمية والمتوسطة‬
‫الحكومية‪ ،‬ال من حيث عدد المدارس وال من حيث عدد الطالب (‪،4:50‬‬
‫‪.)321 :301 ،13‬‬
‫وبالتالي ف ما أ يكو عدد المتسربين كبيرا ً جدا ً من المرحلة االبتدائية‪ ،‬وهتا‬
‫يعطي شارة سلبية على مجانية و لزامية التعليم‪ ،‬و ما أ األرقام المقدمة‬
‫غير دقيقة وتبريرية‪.‬‬
‫أعداد الكتاتيب األهلية تفو كثيرا ً أعداد جميع المدارس الرسمية‪ ،‬بما في‬ ‫‪-2‬‬
‫لك األولية الرسمية التي ال شيء يميزها عن الكتاتيب األهلية ال ما يح ل‬
‫عليط معلمها من رعاية رسمية‪ ،‬و لك يدحض االدعاء بمجانية التعليم‬
‫و لزاميتط أيضاً‪.‬‬
‫‪ -3‬التحضيرية‪ -‬الجدول لم يبين أي عالقة منطقية بين عددها واحدة‪ ،‬ومدة‬
‫الدراسة فيها أربع سنوات‪ ،‬ولم نالحظ من خالل ما وصلنا أو استعرضناه‬
‫مدتها سنة واحدة في كل التجارب واألنظمة‬ ‫حول التحضيرية ال أ‬
‫التعليمية التي سادت‪.‬‬
‫‪ -4‬عداد المعلمين‪ ،‬عددها مدرسة واحدة‪ ،‬وفيما وصلنا ما يفيد بوجود مدرستين‬
‫في (صنعاء وتعز)‪ ،‬وقيل ثالثة في الحديدة‪ ،‬فأيهما أصح؟ كما أ المعلوم‬

‫(‪ )45‬وثيقة جامعة الدول العربية‪ ،‬اإلدارة الثقافية‪ ،‬حلقة عداد المعلم العربي في بيروت‪،‬‬
‫أغسطس ‪1957‬م‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪48‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫لدينا أ عالبها لم يكونوا يتلقو دروسا ً في أصول التربية وعر التدريس‪،‬‬


‫وعلم النفس وفي غيرها‪ ،‬ولم يوضح الجدول مستواهم قبل االلتحا‬
‫ومستوى التأهيل‪.‬‬
‫الجدول محدد‬ ‫‪ -5‬الثانوية الحكومية عددها ثالث مدارس‪ ،‬والرغم من أ‬
‫تاريخط بعام ‪1957‬م‪ ،‬أي قبل الثورة بخمس سنوات‪ ،‬ف نط مع لك يوحي‬
‫لم يمكنوا من نهاء دراستهم الثانوية‪ ،‬كما يتسق‬ ‫بتنامي عدد الطالب و‬
‫لك مع منع أبناء العامة من نهائها‪ ،‬بدليل أ أول دفعة تخرجت من الثانوية‬
‫العامة بعد الثورة وسافرت للدراسة كانت في العام ‪1966 /1965‬م‪.‬‬
‫وقد كر الكاتب ال حفي أ‪ .‬محمد المساح (أحد خريجي الدفعة األولى بعد‬
‫قيام الثورة)(‪" :)46‬كنا أول دفعة ثانوية في شمال اليمن‪ ،‬وقد امتحنا شهادة‬
‫الثانوية في مدرسة عبد الناصر في صنعاء‪ ،‬كما كانت أول بعثة لى م ر بعد‬
‫الثورة‪ .‬وصلنا القاهرة في عام ‪1966‬م"‪.‬‬
‫‪ -6‬ما ورد من بيانات تختص بالمدارس الزراعية وال ناعية ال تحتاج لى‬
‫كيف يكو لدينا مدارس وعالب وال يوجد مدرسو يؤهلونهم؟‬ ‫تعليق؛‬
‫‪ -7‬لمزيد من يضاح ال ورة حول ما ورد في الجدول السابق نستدل بما ورد‬
‫في كتاب التعليم في اليمن‪ ،‬وفيط جدول (‪ )6‬يوضح مؤهالت المعلمين قبل عام‬
‫‪1962‬م(‪.)47‬‬

‫(‪ )46‬المساح‪ ،‬محمد‪ ،‬مقابلة صحفية‪ ،‬ملحق الثورة الثقافي‪ ،‬العدد ‪2020/4/13 ،20234‬م‪،‬‬
‫ص‪.11 ،10‬‬
‫(‪ )47‬باعباد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫‪49‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫جدول (‪ )6‬مؤهالت المعلمين قبل عام ‪1962‬م‬


‫النسبة‬ ‫المؤهل‬ ‫رقم‬
‫‪%8‬‬ ‫ابتدائي‬ ‫‪1‬‬
‫‪%0.5‬‬ ‫عدادي‬ ‫‪2‬‬
‫‪%4.7‬‬ ‫ثانوي‬ ‫‪3‬‬
‫‪%12.5‬‬ ‫دور المعلمين‬ ‫‪4‬‬
‫‪%6.1‬‬ ‫علمية – دينية‬ ‫‪5‬‬
‫‪% - .2‬‬ ‫معاهد مختلفة‬ ‫‪6‬‬
‫ال يوجد‬ ‫جامعيو‬ ‫‪7‬‬
‫‪%65.3‬‬ ‫بدو مؤهل‬ ‫‪8‬‬

‫والجدول مأخو نقالً عن بعض دفاتر وزارة التربية والتعليم الخاصة بالوظائف‬
‫قبل ثورة ‪ 26‬سبتمبر ‪1962‬م‪ ،‬وهو ال يحتاج لى تعليق سوى اإلشارة لى أ‬
‫من بين المدرسين الرسميين كا منهم ‪ %65‬بدو مؤهالت‪ ،‬و‪ %8‬لديهم‬
‫عدد المدرسين غير الرسميين العاملين في‬ ‫شهادة ابتدائية‪ .‬وهتا يعني أ‬
‫المعالمات األهلية أكثر من عدد المدرسين الرسميين‪.‬‬
‫‪ -1‬عند المقارنة بما ورد في الجدول (‪ )5‬بين جمالي عدد المدارس اإلبتدائية‬
‫واإلعدادية والثانوية (‪ 57‬مدرسة) وبين أعداد الطالب في المراحل الثالث‬
‫متوسط استيعاب المدرسة ي ل لى (‪ )242‬عالباً‪،‬‬ ‫(‪ )13843‬نجد أ‬
‫فكيف لنا أ نقتنع بأ عدد عالب المدرسة األحمدية وحدها وصل في ات‬
‫الفترة تقريبا ً لى ‪ 2000‬عالب(‪.)48‬‬
‫االهتمام بالتعليم واالن راف لط لم يكن يومها‬ ‫يقول علي محمد عبده‪" :‬‬
‫يعد رمزا ً ومقياسا ً لليقظة الوعنية والحس الوعني؛ أل المناهج التي كانت‬
‫تدرس ال ترتبط من قريب أو بعيد بشؤو الحياة وتطوراتها‪ ،‬خاصة بعد لغاء‬
‫المناهج الحديثة من جغرافيا وعلوم‪ ،‬وكا األتراك قد أدخلوها على مناهج‬

‫(‪ )48‬صالح‪ ،‬سيف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬


‫‪50‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫التعليم‪ ،‬وغدا التعليم بمثابة جسر للوظائف الحكومية‪ ،‬ومنهج الدراسة مقت را ً‬
‫على تعليم الخط والحساب وحب آل البيت ألجل الوصول لى الوظيفة‪ ،‬وهي‬
‫وظائف تسلطية هدفها الل المواعنين‪ ،‬وجباية الضرائب منهم"(‪.)49‬‬
‫ويقول د‪ .‬علي هود باعباد‪" :‬لقد تأثرت نواحي الحياة الداخلية المختلفة‬
‫بعوامل تكوين شخ ية اإلمام المنعزلة الخائفة من كل جديد وحديث‪ ،‬فقد ظل‬
‫التعليم متخلفا ً‪ ،‬واقت ر في أغلبط على العلوم اإلسالمية واللغوية في المساجد‬
‫والمدارس ال غيرة وغيرها من المدارس العلمية"(‪.)50‬‬
‫وكل ما تقدم يدل بما ال يدع مجاالً للشك أ التعليم لم يكن لط عالقة يجابية‬
‫بثقافة المجتمع‪ ،‬وخاصة بما كرسط من انحياز للتشيع‪ ،‬كما لم يكن لط عالقة‬
‫مأزوما ً غير متقبل لالنفتاح على العلوم‬ ‫يجابية باحتياجات المجتمع‪ ،‬وكا‬
‫الحديثة‪ ،‬حتى أ مادة اللغة اإلنجليزية ألغيت بقرار من اإلمام بعد خروج اليمن‬
‫من االتحاد الثالثي ‪1958‬م‪ ،‬و لك بعد اعتمادها بفترة بسيطة‪.‬‬
‫قال بومدين في ختام زيارتط لليمن في مطلع ‪ 1963‬ميالدية بعد زيارتط‬
‫ل نعاء والحديدة وتعز‪ " :‬ا كا االستقالل ي نع هكتا في الشعوب فعلينا نحن‬
‫التين حاربوا االستعمار أ ن نع لط تمثا ً‬
‫ال"‪.‬‬
‫‪ -3‬التعليم بعد ثورة ‪ 26‬سبتمبر ‪1989 – 1962‬م‬
‫ورثت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر تركة ثقيلة خلفها النظام اإلمامي‪،‬‬
‫ال سيما في مجال التعليم‪ ،‬فال نظم تعليمية‪ ،‬وال مناهج دراسية‪ ،‬وال قوى بشرية‬
‫مؤهلة ومتعلمة‪ ،‬وال بنى تحتية مالئمة‪ ،‬لتلك جعلت قيادتها االهتمام بالتعليم من‬
‫أهم اهدافها كحق لكل مواعن‪ ،‬فأقدمت فور قيامها مباشرة على نشاء الوزارات‬

‫(‪ )49‬عبده‪ ،‬علي محمد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.110‬‬


‫(‪ )50‬باعباد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.76‬‬
‫‪51‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫والمؤسسات المختلفة‪ ،‬ومنها وزارة التربية والتعليم‪ ،‬ووضع اللوائح والقرارات‬


‫والقوانين والتشريعات المنظمة للعمل التربوي والتعليمي‪ ،‬والتوجط نحو التوسع‬
‫في التعليم وبناء المدارس لمراحل التعليم المختلفة(‪.)51‬‬
‫فقد شهد التعليم تطورا ً كميا ً ملحوظا ً في عدد المدارس والطالب والمعلمين‪،‬‬
‫حيث بلغ عدد المدارس االبتدائية في العام الدراسي ‪1966 – 1962‬م (‪)969‬‬
‫مدرسة معظمها كتاتيب‪ ،‬لت ل في العام ‪1990/89‬م‪ ،‬لى (‪ )7191‬مدرسة‪،‬‬
‫قابلها زيادة في عدد الطالب والمعلمين من (‪ 69139‬عالباً‪ ،‬و‪ 1238‬معلما ً) لى‬
‫(‪ 1251272‬عالباً‪ ،‬و‪ 24880‬معلما ً) خالل الفترة نفسها‪.‬‬
‫أما المرحلة اإلعدادية‪ ،‬فقد ارتفع عدد المدارس من ‪ 3‬مدارس عام ‪1963‬م‬
‫لى ‪ 1547‬مدرسة عام ‪1990‬م‪ ،‬بينما زاد عدد الطالب من ‪ 730‬عالبا ً لى‬
‫‪ 218511‬عالباً‪ ،‬أما المعلمو فزاد عددهم من ‪ 45‬معلما ً عام ‪63‬م‪ ،‬لي ل لى‬
‫‪ 8172‬معلما ً في عام ‪1990/89‬م‪.‬‬
‫الثورة بدأت اهتمامها بالتعليم الثانوي‪ ،‬حيث افتتحت عام‬ ‫كما أ‬
‫‪1964/1963‬م ثالث مدارس ثانوية في صنعاء‪ ،‬وتعز‪ ،‬والحديدة‪ ،‬وبلغ عدد‬
‫المسجلين فيها ‪ 84‬عالبا ً من الطلبة الناجحين في اإلعدادية‪ ،‬كما تم بناء ثالث‬
‫كل من صنعاء‪،‬‬
‫مدارس ثانوية حديثة بنتها الجمهورية العربية المتحدة في ٍّ‬
‫وتعز‪ ،‬والحديدة‪ ،‬وتم افتتاحها في العام ‪1965/1964‬م‪ ،‬وعقدت ألول مرة‬
‫امتحانات للشهادة الثانوية العامة باختبار موحد مع أقرانهم في م ر‪ ،‬ثم‬
‫صححت هناك ومنحوا شهادات التخرج(‪ .)52‬وبنى االتحاد السوفيتي ثالث‬
‫كل من صنعاء‪ ،‬وتعز‪ ،‬والحديدة‪ ،‬افتتحت جميعها في العام‬
‫مدارس نمطية في ٍّ‬

‫(‪ )51‬للتفاصيل ينظر‪ :‬األغبري‪ ،‬بدر سعيد علي‪ ،‬نظام التعليم وتاريخط في الجمهورية‬
‫اليمنية‪ ،‬ص ‪ 59‬وما يليها‪.‬‬
‫(‪ )52‬الحاج‪ ،‬أحمد علي‪ ،‬التعليم اليمني جتور تشكلط واتجاهات تطوره‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫‪52‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪1965‬م(‪ ،)53‬وقد غادرت أول بعثة من خريجي الثانوية العامة لى م ر‪ ،‬وكا‬


‫منهم الشهيد عيسى محمد سيف‪ ،‬وعلي بن علي محمد‪ ،‬وال حفي محمد‬
‫المساح‪ ،‬وعبدالعزيز محمد أحمد العبسي(‪.)54‬‬
‫ومع نهاية العام الدراسي ‪1990/1989‬م وصل عدد المدارس الثانوية ‪568‬‬
‫مدرسة‪ ،‬وارتفع عدد الطالب لى ‪ 82481‬عالباً‪ ،‬وزاد عدد المعلمين من خمسة‬
‫عام ‪1963‬م‪ ،‬لى ‪ 3349‬معلما ً عام ‪1990‬م‪.‬‬
‫كما أولت الثورة اهتمامها بالتعليم الفني والمهني‪ ،‬فقامت ب نشاء المدارس‬
‫ال ناعية ‪ -‬الزراعية ‪ -‬ومراكز التدريب المهني‪ ،‬وبلغ عددها خالل العام‬
‫‪1990/1989‬م (‪ )4 -2-3‬على التوالي‪.‬‬
‫وشهدت الجمهورية العربية اليمنية نشاء جامعة صنعاء في مطلع‬
‫السبعيني ات‪ ،‬وبدأ التعليم الجامعي يمارس نشاعط العلمي في العام الدراسي‬
‫‪ 1971 – 1970‬م بكليتين هما التربية والشريعة والقانو ‪ .‬وح ل تطور‬
‫ملحوظ في التعليم العالي حيث ارتفع عدد الملتحقين بالتعليم الجامعي من (‪)64‬‬
‫عالبا ً عام ‪1971/1970‬م لي ل في العام ‪ 1990/1989‬لى (‪ )31299‬عالبا ً‬
‫وعالبة‪ ،‬وبلغ عدد الكليات ‪ 8‬كليات‪ ،‬و جمالي الطلبة فيها (‪ )31299‬عالبا ً‬
‫وعالبة‪.‬‬
‫أما مراحل التعليم بعد الثورة بشكل عام فقد صنفت كما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬تعليم ابتدائي‪ ،‬ومدتط ست سنوات (اقتفاء للتجربة الم رية)‪ ،‬وقد حددت سن‬
‫القبول مع المراعاة للظروف المحلية‪ ،‬وقد جعل مجانا ً‪.‬‬

‫(‪ )53‬المرجع نفسط‪ ،‬ص‪.71‬‬


‫(‪ )54‬المساح‪ ،‬محمد مقابلة صحفية‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ب‪ .‬تعليم إعدادي‪ ،‬وقد أرجع بدايتط الحقيقية لى بداية الثورة كتعليم مخطط‪،‬‬
‫وكا يشترع للقبول فيط النجاح باالبتدائية بنسبة ال تقل عن ‪ ،%50‬وزاد‬
‫االهتمام والعناية فيط بالقرآ الكريم والدين واللغة العربية‪ ،‬كما ألغي امتحا‬
‫القبول لاللتحا بالسنة األولى عدادي‪ ،‬كما جعل التعليم في هته المرحلة‬
‫مجانا ً للجميع‪.‬‬
‫ج‪ .‬تعليم ثانوي‪ ،‬مخطط كانت بدايتط في العام ‪64/63‬م‪ ،‬بفتح ف ل أول ثانوي‪،‬‬
‫واشترع للقبول فيط أال يزيد عمر الملتحق عن (‪ 18‬سنة)‪ ،‬مع استثناء‬
‫المكفوفين التين أتموا المرحلة اإل عدادية‪ .‬وروعي فيط فتح قسمين (علمي‬
‫وأدبي) للقبول بهما بحسب الميول واالستعداد‪ ،‬مع االستناد لى المجموع(‪.)55‬‬
‫كما أصدرت وزارة التربية في م ر قرارا ً نص على أ الحاصل على‬
‫شهادة من اليمن يتم معادلتها بنفس مستوى الشهادة الم رية كـ(نظير)‪.‬‬
‫د‪ .‬معاهد المعلمين ‪ ،‬وضعت الوزارة خطة لفتح ثالثة معاهد للمعلمين في‬
‫صنعاء‪ ،‬وتعز‪ ،‬والحديدة(‪ . )56‬كما قررت لكل عالب ملتحق بها عاشة شهرية‬
‫مقدارها (‪ 15‬رياالً شهريا ً)‪.‬‬
‫هـ‪ .‬التعليم الديني‪ :‬سعت وزارة التربية في عهد الثورة لى أ تعيد للعقيدة‬
‫سماحتها وقدسيتها‪ ،‬وأ تولي التعليم الديني جل اهتمامها‪ ،‬فأنشأت عددا ً من‬
‫المعاهد التي أختت من األزهر الشريف برامجها‪ ،‬وأوكلت اإلشراف عليها‬
‫للبعثة األزهرية‪.‬‬
‫و‪ .‬التعليم الفني والمهني‪ :‬اهتمت وزارة التربية والتعليم بهتا النوع من التعليم‬
‫لعدة أسباب؛ لعل أهمها الحفاظ على الحرف التقليدية اليمنية وال ناعات‬

‫(‪ )55‬وزارة اإلعالم والثقافة‪ ،‬التكرى ‪ 14‬لثورة ‪ 26‬سبتمبر‪ ،‬ص‪.99-97‬‬


‫(‪ )56‬المرجع نفسط‪ ،‬ص‪.99‬‬
‫‪54‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫اليدوية التي سادت منت قرو ‪ ،‬كما كا من أسبابها المهمة تقديم معالجات‬
‫لظاهرة التسرب المدرسي الناتج عن دواعي الحاجة االقت ادية‪،‬‬
‫وكا منها أيضا ً دراك النظام لحاجة‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬وحتى الثقافية أيضاً‪.‬‬
‫البالد والتنمية للفنيين واأليادي العاملة المدربة سعيا ً لتحقيق التنمية‪ ،‬وتمكن‬
‫النظام من تحقيق االستغالل االقت ادي‪ .‬ولتلك قامت الثورة ب يفاد أعداد‬
‫كبيرة لى كثير من الدول الشقيقة وال ديقة للتعلم في مختلف الميادين‪،‬‬
‫وخاصة في أقسام الكهرباء‪ ،‬والميكانيكا‪ ،‬والورش‪ ،‬وال ناعة‪ ،‬والزراعة‪،‬‬
‫والتخطيط‪ ،‬والبريد‪ ،‬وهندسة البناء‪ ،‬بمدد زمنية تتراوح بين ‪ 6-3‬سنوات‪،‬‬
‫وباشتراع القبول لحملة االبتدائية العامة(‪.)57‬‬
‫ز‪ .‬مراكز محو األمية والمراكز النسوية‪ :‬كانت وسيلة الثورة الستدراك محو‬
‫أمية من حرموا من التعليم من الراشدين افتتاح العديد من المراكز لمحو‬
‫األمية في المد الرئيسة وزودت المراكز النسوية ببرامج (رعاية الطفل‪،‬‬
‫والتدبير المنزلي‪ ،‬وشغل اإلبرة وغيرها)‪ ،‬كما استجلبت الخبرات والمعلمات‬
‫من الجمهورية العربية المتحدة‪ ،‬وأوكلت لهن اإلشراف على التدريب(‪.)58‬‬
‫ح‪ .‬مجالس اآلباء‪ :‬كما اهتمت الثورة أيضا ً بالتأسيس لتجربة مجالس اآلباء‪،‬‬
‫ولتلك شجعت الوزارة قيامها لتدل على تطور التعليم‪ ،‬ولتوثيق ال لة بين‬
‫المدرسة واألسرة‪ ،‬وحتى يشارك اآلباء في التعاو والتربية‪ ...‬لخ‪.‬‬

‫(‪ )57‬الكتاب السنوي للجمهورية العربية اليمنية‪ ،‬وزارة اإلعالم واإلرشاد‪1963 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪.102-101‬‬
‫(‪ )58‬الكتاب السنوي للجمهورية العربية اليمنية‪ ،963‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪55‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ثانيا ا‪ :‬األوضاع التعليمة في الجنوب‬


‫‪ -1‬في عهد االستعمار البريطاني‪:‬‬
‫التعليم في عدن‪:‬‬
‫أ‪ -‬التعليم الحكومي‪:‬‬
‫خالل الفترة من ‪1839‬م وحتى ‪1882‬م وجدت في عد ثالث مدارس‬
‫حكومية‪ ،‬األولى في المعال عام ‪1879‬م‪ ،‬والثانية في التواهي عام ‪1880‬م‪،‬‬
‫والثالثة في الشيخ عثما عام ‪1882‬م‪ ،‬كما فتحت مدرسة في عام ‪1856‬م ثم‬
‫أغلقت‪ ،‬ثم أعيد فتحها بعد لك‪ ،‬وبجانب لك وجدت مدرسة "اإلقامة" لتخدم‬
‫أبناء جنود الوحدة الهندية مع وجود ستة عالب عدنيين‪.‬‬
‫وقد بلغ عدد الطالب في العام ‪1880‬م‪ ،)1768( ،‬منهم (‪ )256‬في المدارس‬
‫الحكومية العربية‪ ،‬و(‪ )88‬عالبا ً في المدارس اإلنجليزية‪ ،‬وكا عدد السكا‬
‫يتراوح بين ‪ 40‬و‪ 50‬ألف نسمة(‪ .)59‬وبالمقارنة مع اليهود في صنعاء من حيث‬
‫العدد نفسط خمسو ألفاً‪ ،‬لكنهم امتلكوا (‪ )15‬مدرسة(‪.)60‬‬
‫وقد توقف فتح مدارس جديدة لمدة تقارب ستين عاما ً حتى قرب نهاية عقد‬
‫الثالثينيات من القر العشرين‪ ،‬ما عدا‪:‬‬
‫‪ ‬مدرسة اإلقامة ابتدائي – ثانوي التي فتحت في العام ‪1918‬م‪ ،‬مبنى حديث‪.‬‬
‫‪ ‬مدرسة صناعية افتتحت في العام ‪ 1920‬ثم أغلقت في العام ‪1930‬م‪.‬‬
‫‪ ‬معهد تجاري بعد أ منح الحاج (ياسين راجما )‪ ،‬هندي مسلم‪ ،‬ترخي ا ً‬
‫وفتحط في العام ‪1927‬م‪.‬‬

‫(‪ )59‬األرضي‪ ،‬علي صالح‪ ،‬تاريخ التعليم في عد ‪1967 -1839‬م‪ ،‬ص‪.127‬‬


‫(‪ )60‬باعباد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪56‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ة ألبناء السالعين والمشايخ‪ ،‬وهي‬ ‫‪ ‬مدرسة جبل حديد‪ ،‬وكانت مخ‬


‫ابتدائية فتحت ‪1936‬م وكا فيها قسم داخلي لهم‪.‬‬
‫وقد بلغ جمالي عدد الطالب في العام ‪ 1937‬في المدارس الحكومية ‪703‬‬
‫عالب منهم (‪ 528‬كوراً‪ ،‬و‪ 175‬ناثا ً)(‪)61‬؛ أي بعد مائة عام من االحتالل‪،‬‬
‫(وفي لك مؤشر على مدى الجور والحرما )‪.‬‬
‫و حتى قبيل نهاية عقد الثالثينيات لم تبلغ سنوات الدراسة في الثانوية الوحيدة‬
‫صف ‪ -‬كامبردج العالي سينير كامبردج ‪ -‬التي يؤهل لى الشهادة الثانوية ما‬
‫عدا في حاالت نادرة ومتقطعة‪ .‬أما التحا البنات بالتعليم الثانوي فلم يكن متاحا ً‬
‫ال باللغة اإلنجليزية في مدارس الكونفنت التابعة للبعثة الكاثوليكية‬
‫التبشيرية(‪.)62‬‬
‫ثم حدث تحسن نسبي منت عام ‪1937‬م‪ ،‬أي بعد فك ارتباع مستعمرة عد‬
‫والمحميات بمستعمرة الهند‪ ،‬و عادة ربطها بوزارة المستعمرات البريطانية‪،‬‬
‫حيث تم افتتاح كلية عد عام ‪1952‬م‪ ،‬وفي ‪ 1956‬افتتحت كلية خور مكسر‬
‫للبنات‪ ،‬وافتتح معهد فني لتخريج كوادر للم فاة عام ‪ ،1952‬ومعهد تدريب‬
‫معلمين بكريتر‪ ،‬ومعهد تدريب معلمات بخور مكسر‪ ،‬وأنشئت كلية االتحاد‬
‫بديالً عن مدرسة جبل حديد عام ‪ 1963‬و‪1964‬م‪.‬‬
‫جاءت بواكير تعليم الفتاة في بداية عقد الثالثينيات عبر جمعية التبشير بفتح‬
‫مدرسة لبنات المسلمين لتعليم الخياعة والتطريز (وتشرب المبادئ‬

‫(‪ )61‬األرضي‪ ،‬على صالح‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.133 ،129‬‬


‫(‪ )62‬مبارك‪ ،‬كرامة‪ ،‬التربية والتعليم في الشطر الجنوبي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.69‬‬
‫‪57‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المسيحية)(‪ . )63‬حيث فتحت أول مدرسة أولية للبنات في كريتر في عقد‬


‫الثالثينيات(‪.)64‬‬
‫ت قوات االحتالل ‪ %5‬من ميزانية مستعمرة عد للتعليم‪ ،‬وكا‬ ‫وخ‬
‫أغلبها ي رف على المدارس التبشيرية ومدارس الجاليات‪ ،‬ومنها الجالية‬
‫الهندية والباكستانية‪ ،‬واليهودية‪ ،‬وال ومالية‪ ،‬ولم تحظ المدارس الحكومية‬
‫العربية ال بأقل القليل منها‪ ،‬كما كا المنهاج في المدارس الحكومية موحدا ً‬
‫يركز على تاريخ اإلمبراعورية البريطانية وآدابها وفتوحاتها‪ ،‬وكانت تخلو من‬
‫كل ما لط صلة بالعرب‪ ،‬ولغة التدريس في االبتدائية والمتوسطة هي اللغة‬
‫العربية‪ ،‬وفي الثانوية اللغة اإلنجليزية‪.‬‬
‫جدول (‪ )7‬يوضح ح ائيات التعليم الحكومي في والية عد (‪66-1967‬م)(‪.)65‬‬

‫عدد المعلمين‬ ‫عدد التالميذ‬ ‫عدد المدارس‬


‫المرحلة الدراسية‬
‫مجموع‬ ‫ناث‬ ‫كور‬ ‫مجموع‬ ‫ناث‬ ‫كور‬ ‫مجموع‬ ‫ناث‬ ‫كور‬
‫‪489‬‬ ‫‪210‬‬ ‫‪279‬‬ ‫‪13526‬‬ ‫‪5803‬‬ ‫‪7723‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪13‬‬ ‫االبتدائية‬
‫‪218‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪126‬‬ ‫‪5926‬‬ ‫‪2044‬‬ ‫‪3882‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪5‬‬ ‫المتوسطة‬
‫‪165‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪106‬‬ ‫‪3097‬‬ ‫‪1145‬‬ ‫‪1952‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪4‬‬ ‫الثانوية العامة والفنية‬
‫‪25‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪173‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫معاهد معلمين‬

‫‪897‬‬ ‫‪375‬‬ ‫‪522‬‬ ‫‪22722‬‬ ‫‪9097‬‬ ‫‪13625‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪23‬‬ ‫اإلجمالي‬

‫وتبقى اإلشارة الزمة لى وجوب أخت البيانات السابقة ببعض الحتر؛ نظرا ً‬
‫لعدم بيا ما ا كا عدد المدارس وكتلك الطالب‪ ،‬خاصا ً بوالية عد ‪ ،‬أم أ‬

‫(‪ )63‬األرضي‪ ،‬علي صالح‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.133‬‬


‫(‪ )64‬مبارك‪ ،‬كرامة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫(‪ )65‬مبارك‪ ،‬كرامة‪ ،‬المرجع نفسط‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪58‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المدارس التي فتحت في عد ألبناء المحميات الغربية قد دخلت ضمن القوام‬


‫وأيضا ً عالبها(‪.)66‬‬
‫ب‪ -‬التعليم األهلي‪:‬‬
‫تسد"‪ ،‬ومنع أبناء المحميات وأبناء‬ ‫نتيجة ممارسة االحتالل لسياسة "فر‬
‫الشمال من دخول المدارس الحكومية‪ ،‬وق ر لك على أبناء عد ؛ فتح األهالي‬
‫وأبناء الوعن مدارس أهلية للمراحل الثالث‪ ،‬وقد اعتمدوا مناهج عربية من‬
‫م ر والعرا وسوريا‪ ،‬وقسمت المراحل لى‪ :‬ابتدائية ست سنوات‪ ،‬ومتوسطة‬
‫ثالث سنوات‪ ،‬وثانوية ثالث سنوات‪ .‬وكا التمويل من جمعيات خيرية‪ ،‬ومن‬
‫تبرعات المواعنين والمغتربين‪ ،‬ومساعدات من بعض الدول العربية‪ ،‬ومن‬
‫رسوم الدراسة التي يدفعها المقتدرو من الطالب‪ ،‬ويعفى منها اآلخرو ‪.‬‬
‫وتم افتتاح المدارس الحديثة اآلتية‪:‬‬
‫مدرسة بازرعة اإلسالمية ‪ :‬أسسها محمد بازرعة عام ‪1907‬م‪ ،‬ثم عورت‬ ‫‪‬‬

‫في العام ‪1912‬م‪.‬‬


‫المعهد التجاري‪ :‬أسسط‪ -‬ياسين راجما ‪ -‬هندي مسلم عام ‪1927‬م‪ ،‬وعلى‬ ‫‪‬‬

‫الرغم من أ معظم علبتط هنود فأنط كا متاحا ً للجميع‪ ،‬وفتح فرعا ً في‬
‫التواهي عام ‪1931‬م‪( .‬وقد درس سكرتارية – عباعة – االختزال ‪ -‬مسك‬
‫الدفاتر ‪ -‬المراسالت ‪ -‬أعمال البنوك)‪.‬‬
‫في‬ ‫مدرسة أحمد محمد العبادي – نادي اإلصالح في الشيخ عثما‬ ‫‪‬‬

‫الثالثينيات‪.‬‬

‫(‪ )66‬كما تلزم اإلشارة لى أ م در اإلح ائيات وزارة المعارف يناير ‪ -1967‬بحسب‬
‫كرامط مبارك ‪ 335‬وأنها يلت اإلح ائيات بمالحظات تفيد بدراسة بعض عالب‬
‫الواليات الريفية في مركز تدريب معلمات ‪ -‬نظام سنتين ‪ -‬في والية عد ‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مدرسة الفالح اإلسالمية الهاشمية ‪ -‬أسسها حسين الدباغ‪ ،‬التي أسس قبلها‬ ‫‪‬‬

‫مدرسة مماثلة في المكال بعد عودتط من الحجاز‪.‬‬


‫مدرسة النجاح بعد ‪ -‬أسسها عدنا يحيى‪ ،‬وعورها عام ‪1944‬م‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مدرسة النهضة العربية ‪ -‬في الشيخ عثما ‪ ،‬أسسها ومولها الحاج عبده‬ ‫‪‬‬

‫حسين األهدل‪ ،‬ولم نهتد لى سنة تأسيسها‪.‬‬


‫المدرسة األهلية في التواهي ‪1949 -‬م‪ ،‬أصبحت ابتدائية وثانوية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مدرسة األخوة‪ ،‬التواهي ‪1949 -‬م أسسها بعض أهل خير‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫معهد الجنوب التجاري ‪1952 -‬م أسسط محمد سعيد الح يني‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مدرسة اإلنقا اإلسالمية ‪1953 -‬م أسسها محمد عبد الهادي العجيل‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المعهد العلمي اإلسالمي ‪1957 -‬م أسسط محمد سالم البيحاني‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫كلية بلقيس ‪1961 -‬م ‪ -‬أسسها أحمد محمد نعما وآخرو ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫معهد الضياء اإلسالمي ‪1962 -‬م أسسط محمد عبد الرب جابر‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وقد بلغ عدد المدارس والمعاهد حسب أعاله ثالث عشرة مدرسة ومعهداً‪،‬‬
‫لم تكن جميعها‪ ،‬باستثناء (معهد راجما )‪-‬‬ ‫ومن الجدير بالتكر أ أغلبها‪،‬‬
‫ساهم في بنائها مواعنو كا ألغلبهم صلة باالغتراب والهجرة‪ ،‬ومنهم أيضا ً‬
‫من كا في حالة اغتراب وهجرة‪.‬‬
‫(ولألسف لم نجد أي معلومات أو بيانات تف يلية حول المدارس األهلية‪،‬‬
‫لكل منها‪ ،‬وأعداد الطالب‪ ،‬وأعضاء هيئات التدريس‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫كالطاقة االستيعابية‬
‫كل منها‪ ...‬لخ)‪.‬‬
‫والمناهج المكرسة في ٍّ‬
‫وال بد من اإلشارة هنا لى أ تلك التجارب لم تكن بعيدة عما كا يعتمل في‬
‫المنطقة العربية‪ ،‬بتياراتها السياسية‪ ،‬ومعاناة من استعمار جاثم‪ ،‬وصراع بين‬

‫‪60‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫تيار حياء الخالفة والنزوع للخالص‪ ،‬وظهور الفكر القومي‪ ،‬وظهور وتطور‬
‫الحركة النقابية‪.‬‬
‫ج‪ -‬تعليم الجاليات واإلرساليات األجنبية‪:‬‬
‫حرصت السلطات اإلنجليزية على عادة تشكيل البنية االجتماعية لوالية‬
‫عد و عادة تشكيل ثقافتها‪ ،‬وكانت حدى وسائلها المعتمدة تسهيل وتشجيع‬
‫الهجرة من دول الكمنولث لى عد ‪ ،‬وقد تشكلت نتيجة لك جاليات عديدة لعل‬
‫أهمها الجالية الهندية‪ ،‬والباكستانية‪ ،‬وال ومالية‪ ،‬واليهودية‪ ،‬ومن الفاتيكا ‪ .‬كما‬
‫ت لها أغلبية موازنة المستعمرة‬ ‫دعمت مدارس تلك الجاليات وخ‬
‫ة للتعليم‪.‬‬ ‫المخ‬
‫وكانت مناهج تلك المدارس حرة‪ ،‬ولغة التعليم اإلنجليزية وتمويلها من‬
‫الحكومات‪ ،‬والكنائس‪ ،‬ومن الفاتيكا ‪ ،‬ومن مساعدات الحكومة البريطانية‪،‬‬
‫ومن الرسوم الباهظة والتبرعات من أبناء الجاليات في عد (‪ ،)67‬وقد ألغيت هته‬
‫المدارس في العام ‪1972‬م وضمت لى المدارس الحكومية ووحد التعليم‪.‬‬
‫ومن أهم تلك المدارس ما يلي‪:‬‬
‫مدرسة للبنين في كريتر‬ ‫‪‬‬

‫وتتبع هته المدارس الفاتيكا ‪.‬‬ ‫مدرسة للبنات في كريتر‬ ‫‪‬‬

‫مدرسة للبنين في التواهي‬ ‫‪‬‬

‫مدرسة للبنات في التواهي‬ ‫‪‬‬

‫مدرستا اإلرساليات الكاثوليكية أسسهما الفاتيكا ‪1854‬م‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مدرسة اإلرسالية البروتستانتية االسكتالندية ‪1886‬م‪ ،‬ثم أغلقت عام ‪1943‬م‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مدرسة اإلرسالية الدانماركية ‪1910‬م‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )67‬باعباد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.102‬‬


‫‪61‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المدرسة الجزراتية (ألبناء الجالية الهندية غير المسلمة ‪1919 -‬م‪ -‬بنين‬ ‫‪‬‬

‫وبنات)‪.‬‬
‫مدرسة قهوجي دنشاو (جلب لها الكتب والوسائل والمعلمين من الهند)‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مدرستا الجالية الهندية المسلمة (انجمن سالم ‪ -‬باهي الجي اإلسالمية)‪ ،‬علم‬ ‫‪‬‬

‫فيهما اللغة العربية لتعليم القرآ ‪.‬‬


‫‪ ‬مدرستا الجالية اليهودية (واحدة بنين وواحدة بنات)‪.‬‬
‫مدرسة األخوة ألبناء الجالية ال ومالية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وقد بلغ عدد المدارس حسب أعاله خمس عشرة مدرسة‪ ،‬منها اثنتا عشرة‬
‫مدرسة ال صلة ألي منها ال بالعروبة وال باإلسالم‪ .‬وفي لك مؤشر على‬
‫خطورة ما كا قائما ً‪ ،‬وما كا يراد بالمجتمع وثقافتط‪ ،‬كما يعطي لك شارة لى‬
‫حرص المستعمر على ممارسة سياسة التن ير‪ ،‬وفي ا لمقابل عظم المسؤولية‬
‫التي كانت تقتضيها ظروف المواجهة التي كانت نتيجتها في م لحة المجتمع‬
‫وثقافتط‪ ،‬على الرغم من عدم تكافؤ القوة واإلمكانيات‪ ،‬من كل الممارسات‬
‫االستعمارية التي لم تكتف بما تقدم‪ ،‬بل مارست سياسة العزل والتمييز بين أبناء‬
‫عد وأبناء المناعق األخرى‪ ،‬بما فيها أبناء المحميات عوال عقود عويلة من‬
‫الزمن‪ ،‬وما كانت تشيعط عن عدنية عد (عد للعدنيين) وغيرها كثير‪.‬‬
‫من المالحظ‪ -‬بناء على ما سبق‪ -‬أ االهتمام بالتعليم جاء بعد همال عويل‬
‫من قبل السلطات البريطانية‪ ،‬حيث بدأ نسبيا ً بالتحسن البطيء في عد وبقية‬
‫المحميات في وقت واحد‪ ،‬واتخت من أواخر عقد ثالثينيات القر العشرين بداية‬
‫لط‪ ،‬وهي الفترة التي أعيد فيها ربط عد والمحميات بوزارة المستعمرات‬
‫البر يطانية‪ .‬وهي ات الفترة التي بدأ فيها التعليم الحديث في تعز ب ورتط التي‬
‫عرضناها من قبل‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫التعليم في المحميات الغربية‪:‬‬


‫بلغ عدد الواليات ست عشرة والية تم ضمها ضمن "االتحاد الفيدرالي"‬
‫التي تأسس عام ‪ 1959‬م‪ ،‬ثم انضمت لى االتحاد المستعمرة عد في العام‬
‫‪1963‬م‪ .‬وقد كانت كل سلطنة ومشيخة تعد نفسها دولة وحكومة حتى قيام‬
‫االتحاد‪ ،‬كما بدأ التعليم متأخرا ً في العام ‪1937‬م‪ ،‬بعد قرابة مائة عام من‬
‫االحتالل‪ ،‬وكانت بداياتط ب نشاء مدارس ألبناء المحميات الغربية في عد ‪ ،‬ثم‬
‫في مرحلة متأخرة تم افتتاح بعضها في مراكز وأرياف المحميات‪.‬‬
‫ومن مدارس أبناء المحميات الغربية في عد ‪ ،‬مدرسة أبناء الرؤساء‪،‬‬
‫ة ألبناء‬ ‫افتتحت في ‪ 1936‬م كمدرسة ابتدائية في جبل حديد‪ ،‬وكانت مخ‬
‫السالعين والمشايخ‪ ،‬وقد ضمت قسما ً داخلياً‪ ،‬كما تخرج منها عدد ‪ 150‬عالباً‪،‬‬
‫ولم تتح للكثير منهم التعليم المتوسط والثانوي‪ .‬وقد استهدف االستعمار منها‬
‫بقاء حالة ترابط وتواصل بينهم وبين عد حتى ال تكو معزولة‪ ،‬كما استهدف‬
‫في األساس تخريج أجيال من أبناء المشايخ والسالعين ممن تم تأهيلهم تحت‬
‫شراف اإلدارة البريطانية ووفقا ً لإلرادة االستعمارية ليكونوا حكام المستقبل كما‬
‫تريدهم بريطانيا‪ ،‬ودونما تأهيل عا ٍّل ليسهل قيادهم والتأثير عليهم‪.‬‬
‫وفي العام ‪1952‬م‪ ،‬تم افتتاح "كلية عد "‪ ،‬وقد خ ص ألبناء المحميات‬
‫الغربية فيها قسم داخلي‪ ،‬كما خ ص لهم ‪ %20‬من المقاعد‪ ،‬لكن أبناء األرياف‬
‫لم يستفيدوا من لك لعدم تأهيلهم في المرحلة المتوسطة‪.‬‬
‫وفي العام ‪1962‬م تم افتتاح "ثانوية االتحاد" في مدينة االتحاد ‪ -‬الشعب‬
‫حاليا ً ‪ -‬عد ‪ .‬وتم استجالب مدرسين لها من السودا ‪ ،‬أما مناهجها فقد كانت‬
‫نفس المناهج السائدة في المدارس الحكومية بعد ‪ ،‬ولها نفس السلم التعليمي ‪-‬‬

‫‪63‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ابتدائية ‪ -‬متوسطة – ثانوية‪ ،‬وكانت لغة التدريس في االبتدائية والمتوسطة‬


‫العربية وفي الثانوية اإلنجليزية‪.‬‬
‫كما افتتحت دار لتدريب المعلمين ألبناء المحميات الغربية في مدينة الشعب‬
‫عام ‪1962‬م‪.‬‬
‫ت ألبناء المحميات الغربية خارج عد فكانت‬ ‫أما المدارس التي خ‬
‫فرص لحج فيها أكبر؛ نظرا ً لتميزها الناتج عن قربها من عد ؛ ولكونها ممرا ً‬
‫لبعض المشيخات والسلطنات‪ ،‬ولتلك فتحت بها مدرسة ابتدائية وأخرى عدادية‬
‫"المحسنية" التي تأثرت بالمناهج والنظام الم ري‪ ،‬كما تمكنت من رسال‬
‫بعض من عالبها من أبناء المشايخ والسالعين األغنياء لى م ر إلكمال‬
‫الدراسة الثانوية‪ ،‬ثم الجامعية‪.‬‬
‫وفي عام ‪1965‬م‪ ،‬افتتحت ثانوية الحوعة‪ ،‬وكا بها قسم داخلي للمنقولين‬
‫من األرياف‪ ،‬أي بعد ‪126‬عاما ً من االحتالل‪ ،‬كما افتتحت ثانوية زنجبار عام‬
‫‪1966‬م‪ ،‬بنين‪ .‬وكا يتم رسال بعض فتيات الواليات لى كلية البنات بخور‬
‫مكسر‪.‬‬
‫جدول (‪ ) 8‬يوضح ح ائيات للتعليم الحكومي في الواليات الريفية للعام‪1967 /66‬م(‪.)68‬‬

‫عدد المعلمين‬ ‫عدد التالميذ‬ ‫عدد المدارس‬ ‫المرحلة‬


‫المنطقة‬
‫الدراسية‬
‫مجموع‬ ‫ناث‬ ‫كور‬ ‫مجموع‬ ‫ناث‬ ‫كور‬ ‫مجموع‬ ‫ناث‬ ‫كور‬
‫‪873‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪785‬‬ ‫‪23019‬‬ ‫‪2112‬‬ ‫‪20907‬‬ ‫‪197‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪180‬‬ ‫االبتدائية‬
‫‪129‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪112‬‬ ‫‪3022‬‬ ‫‪386‬‬ ‫‪2636‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪19‬‬ ‫المتوسطة‬
‫‪25‬‬ ‫__‬ ‫‪25‬‬ ‫‪430‬‬ ‫__‬ ‫‪430‬‬ ‫‪3‬‬ ‫__‬ ‫‪3‬‬ ‫الثانوية‬
‫الواليات‬
‫تدريب‬ ‫الريفية‬
‫‪7‬‬ ‫__‬ ‫‪7‬‬ ‫‪82‬‬ ‫__‬ ‫‪82‬‬ ‫‪1‬‬ ‫__‬ ‫‪1‬‬
‫معلمين‬

‫‪1034‬‬ ‫‪105‬‬ ‫‪929‬‬ ‫‪26553‬‬ ‫‪2498‬‬ ‫‪24055‬‬ ‫‪226‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪203‬‬ ‫اإلجمالي‬

‫الم در‪ :‬ح ائيات وزارة المعارف في اتحاد الجنوب العربي‪ ،‬يناير ‪1967‬م‪.‬‬

‫(‪ )68‬مبارك‪ ،‬كرامط مبارك‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.335‬‬


‫‪64‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ويقتضي األمر أ أشير هنا لى ضرورة أخت اإلح اءات بالحيطة؛ و لك‬
‫ألنط مع مراعاتنا لحالة التشتت السكاني‪ ،‬و همال المحتل للتعليم بشكل عام‪ ،‬وفي‬
‫الجدول قد شمل أعدادا ً للمدارس‬ ‫الواليات الريفية على وجط الخ وص‪ ،‬ف‬
‫كبيرة‪ ،‬خاصة وأننا نعلم أ التعليم بدأ متأخرا ً في هته الواليات‪ ،‬وما كا لط أ‬
‫يحقق هته الطفرة بهتا الزمن الق ير‪ ،‬كما أنط دخل على مرحلتين‪ ،‬أوالهما‪-‬‬
‫كما رأينا سابقا ً‪ -‬في عد ‪ ،‬ثم األرياف‪ .‬وعلى هتا األساس سنجري بعض‬
‫القياسات ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬عدد المدارس االبتدائية بلغ ‪ 197‬مدرسة‪ ،‬وفي عد ‪ 21‬مدرسة فقط‪ ،‬فهل‬
‫كانت جميعها مدارس حديثة أم أ أغلبها مدارس أولية؟‬
‫‪ -2‬بلغ عدد المدرسين في الواليات في المرحلة االبتدائية ‪ 873‬مدرسا ً‬
‫ومدرسة‪ ،‬وفي عد ‪ ، 489‬بما يشكل أكثر من ن ف عددهم في األرياف‪،‬‬
‫ويخدمو حوالي عشر مدارس األرياف‪.‬‬
‫‪ -3‬في المتوسطة في عد ثما مدارس‪ ،‬و‪ 218‬مدرسا ً ومدرسة‪ ،‬وفي األرياف‬
‫‪ 25‬مدرسة‪ ،‬و‪ 129‬مدرسا ً ومدرسة‪ ،‬العالقات غير منطقية‪ ،‬وكتلك األمر‬
‫في المرحلة الثانوية ومراكز تدريب المعلمين‪.‬‬
‫فهل كا من أهداف وزارة المعارف تضخيم األعداد رغبة في استجالب‬
‫المزيد من الدعم البريطاني للتعليم العربي‪ ،‬أم أنط جاء تبريرا ً للتعبير عن‬
‫ازدهار زائف غير موجود‪ ،‬أم أ أعداد المدارس والطالب قد شمل من درسوا‬
‫في المدارس األولية وفي الكتاتيب أيضاً؟‬
‫التعليم في المحميات الشرقية‪:‬‬
‫تشكلت المحميات الشرقية من سلطنات الكثيري‪ ،‬والقعيطي‪ ،‬والواحدي‪،‬‬
‫و المهرة‪ ،‬ولم تكد سلطنة المهرة تعرف التعليم‪ ،‬أما الواحدي فقد وجد بها ثالث‬

‫‪65‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مدارس حكومية‪ ،‬وبعض المدارس األهلية‪ ،‬ولتلك فقد كانت الحالة التعليمية في‬
‫سلطنتي الكثيري والقعيطي أكبر حجما ً وأكثر تنوعا ً ووضوحاً‪ ،‬وقد ساهم في‬
‫لك العديد من العوامل لعل أهمها الكثرة النسبية للسكا ‪ ،‬والتنافس بين العلويين‬
‫واإلرشاديين‪ ،‬ومتطلبات السياسة البريطانية القائمة على التفرقة بين الكثيريين‬
‫والقعيطيين‪ ،‬وما يتطلبط لك من كاء مسيطر عليط‪ .‬ولتلك سنتناول ب يجاز‬
‫كل منها بحسب اآلتي‪:‬‬
‫الحالة التعليمية في ٍّ‬
‫أوالا‪ :‬التعليم في السلطنة الكثيرية‬
‫احتلت جزءا ً من حضرموت الداخل بمساحة أقل من السلطنة القعيطية‪ ،‬وقد‬
‫عرفت التعليم الحكومي واألهلي‪ ،‬وقد تجلى التعليم الحكومي برغم دخولط‬
‫المتأخر في العام ‪1948‬م‪ ،‬منت افتتحت دارة المعارف‪ ،‬وعين ناظر لإلشراف‬
‫علي التعليم‪ ،‬والجدول (‪ )69()9‬يبين ح ا ًء عاما ً للتعليم الحكومي في السلطنة‬
‫الكثيرية عام ‪ 65‬و‪ 66‬و‪1967‬م‪.‬‬

‫عدد المدرسين‬ ‫عدد التالميذ‬ ‫عدد المدارس‬


‫المرحلة‬
‫المنطقة‬
‫الدراسية‬
‫المجموع‬ ‫ناث‬ ‫كور‬ ‫مجموع‬ ‫ناث‬ ‫كور‬ ‫المجموع‬ ‫ناث‬ ‫كور‬

‫‪46‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪1500‬‬ ‫‪289‬‬ ‫‪1211‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪5‬‬ ‫االبتدائية‬
‫السلطنة‬
‫‪21‬‬ ‫__‬ ‫‪21‬‬ ‫‪439‬‬ ‫__‬ ‫‪439‬‬ ‫‪3‬‬ ‫_‬ ‫‪3‬‬ ‫المتوسطة‬ ‫الكثيرية‬
‫‪66 –65‬م‬
‫‪3‬‬ ‫__‬ ‫‪3‬‬ ‫‪40‬‬ ‫__‬ ‫‪40‬‬ ‫‪1‬‬ ‫_‬ ‫‪1‬‬ ‫الثانوية‬
‫‪67 –66‬م‬
‫‪70‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪1979‬‬ ‫‪289‬‬ ‫‪1690‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪9‬‬ ‫اإلجمالي‬
‫نالحظ من الجدول السابق‪:‬‬
‫‪ -1‬قلة عدد المدارس الحكومية‪ ،‬حيث بلغت في مجملها عشر مدارس على‬
‫مستوى السلطنة حتى عام االستقالل‪ ،‬كما أ عدد التالميت لم يبلغوا األلفين‪،‬‬
‫و جمالي عدد المدرسين وصل لى ‪ 70‬مدرسا ً ومدرسة‪.‬‬

‫(‪ )69‬مبارك كرامط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.336‬‬


‫‪66‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -2‬في المدرسة الثانوية وجدنا (‪ 40‬تلميتا ً فقط وثالثة مدرسين)‪ ،‬و لك يعني‬
‫حوت ف الً واحدا ً (أول ثانوي) فكيف لثالثة‬ ‫أنها لم تكن مكتملة‪ ،‬وأنها‬
‫معلمين أ يقوموا بتعليمهم؟‬
‫خريجو‬ ‫وقد افتتحت المدرسة الثانوية في العام ‪1965‬م‪ ،‬وقبلها كا‬
‫المتوسطة يرسلو لى ثانوية المكال‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالتع ليم األهلي‪ ،‬لألسف ال تتوافر عنط معلومات كافية‪ ،‬وقد كا‬
‫وجوده أسبق من التعليم الحكومي‪ ،‬ولم يكن لك ب ورة الكتاتيب فقط‪ ،‬و نما‬
‫ب ورة المدارس الحديثة أيضا ً التي انتشرت بعدد أكبر من المدارس الحكومية‬
‫تراجعت بعد لك عندما أختت المدارس الحكومية تزداد)(‪.)70‬‬ ‫(و‬
‫لى ثانوية المكال حتى افتتحت‬ ‫وكا خريجو المدارس المتوسطة يرسلو‬
‫ثانوية سيئو عام ‪1965‬م‪ ،‬أما مناهج المدارس ومدرسوها فقد استجلبوا من‬
‫السودا ‪ ،‬وهته المناهج بالمناسبة سادت المدارس األهلية في السلطنتين الكثيرية‬
‫والقعيطية‪.‬‬
‫لم يكن جميعها‪ -‬قد وجدت ب سهامات‬ ‫كما أ أغلب المدارس األهلية‪-‬‬
‫ودعم وتمويل المهاجرين والمغتربين من آل الكاف والسقاف‪ ،‬وممن ينتمو لى‬
‫العلويين‪ ،‬عدا مدرسة الغرفة التي مولها "اإلرشاديو "‪ ،‬كما دعمت بعض‬
‫الدول العربية التعليم في السلطنة الكثيرية‪ ،‬ومنها السعودية والسودا ‪.‬‬
‫وبلغ عدد الطالب والطالبات في العام ‪ 1965‬و‪1966‬م (‪ )3818‬عالبا ً‬
‫وعالبة‪ ،‬وهو عدد أكبر من عدد عالب المدارس الحكومية التي وصل في ات‬
‫الفترة لى (‪ )1979‬عالبا ً وعالبة‪ ،‬حيث تبلغ الزيادة ما يقرب من الضعف‪.‬‬

‫(‪ )70‬باعباد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.107‬‬


‫‪67‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وقد تجلت في هته السلطنة‪ ،‬وعلى مستوى التعليم واإلعالم‪ ،‬وحتى محاولة‬
‫عادة كتابة التاريخ‪ ،‬حالة صراعية جاءت انعكاسا ً للحالة ال راعية التي قامت‬
‫بين (العلويين واإلرشاديين) في ندونيسيا وسنغافورة بالتات‪ ،‬ثم عكست نفسها‬
‫كانت لها جوانبها السلبية المتمثلة‬ ‫على مستوى الداخل الحضرمي‪ ،‬التي و‬
‫بتشتت الجهود وبعثرة الطاقات‪ ،‬وقللت من اآلثار اإليجابية التي كا يمكن‬
‫حدوثها على مستوى التعليم والثقافة في مجتمعات الهجرة واالغتراب‪ ،‬أو في‬
‫الداخل‪ ،‬فقد كا لها مع لك آثار يجابية عديدة عكست نفسها ب ور التنافس في‬
‫نشر التعليم‪ ،‬وت حيح العالقات االجتماعية‪ ،‬ومحاولة حداث تغيرات ثقافية‪،‬‬
‫و لغاء بعض مظاهر االستبداد‪ ،‬كالدعوة لتحرير العبيد التي أعلقها‬
‫"اإلرشاديو " ‪ ،‬وكالمساواة و لغاء الفرو بين المواعنين‪ ،‬و نكار تميز العلويين‬
‫عما عداهم‪ ،‬وغيرها من السياسات واإلجراءات التي عكسها "اإلرشاديو "‬
‫على مجتمع دولة مدنية (الغرفة) التي استمرت ألكثر من ‪ 20‬عاماً‪ ،‬ولم تنتط ال‬
‫بالحرب التي شنتها كل من بريطانيا والسلطنتين الكثيرية والقعيطية وبدعم‬
‫العلويين‪ ،‬وانتهت بنفي رئاسة الدولة‪ ،‬و عدام قائد جيش دولة الغرفة‪.‬‬
‫ومن أهم المدارس األهلية ما يلي‪:‬‬
‫‪" -1‬مدرسة الحق" في تريم‪ ،‬التي تأسست في العام ‪1917‬م بواسطة "جمعية‬
‫الحق" بتريم‪ ،‬وكانت تهدف لى تطوير التعليم الديني السلفي‪ ،‬وتحديثط‪،‬‬
‫وشكلت مستوياتها العليا مرحلة توازي مرحلة (الرباع) التي كا يعد بمثابة‬
‫كلية‪ ،‬أو مدرسة داخلية‪ ،‬يدرس فيها الطالب صباحا ً ومساء‪ ،‬ويتناول ععامط‬
‫وشرابط على حساب الرباع‪ .‬ويعد رباع العالمة علي بن محمد الحبشي‬
‫بسيئو أقدمها‪ ،‬كما كا يسمى رباع تريم بـ"أزهر حضرموت"‪ .‬وبهته‬
‫المدرسة عرفت تريم أول محاولة لتنظيم المدرسة على أساس جديد يقوم‬

‫‪68‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫على توزيع التالميت في صفوف متعددة‪ ،‬وقد استمرت هته المدرسة قرابة‬
‫عقدين من الزمن‪.‬‬
‫‪" -2‬مدرسة األخوة" بتريم‪ ،‬التي أنشأتها "جمعية األخوة والمعاونة" عام‬
‫‪1932‬م على أنقاض "مدرسة الحق"‪ ،‬ثم بعد مرور خمس سنوات على‬
‫نشائها أنشأت الجمعية "مدرسة األخوة" للبنات التي ازدهرت خالل عقدي‬
‫األربعينيات والخمسينيات‪ ،‬ولم تكونا بعيدتين عن التنافس مع اإلرشاديين‬
‫وجهودهم‪ .‬وقد كا الممول لمدارس (الحق واألخوة) أسرة آل الكاف التي‬
‫اشتهرت بثرائها الكبير في المهجر‪.‬‬
‫‪" -3‬مدرسة الكاف" بتريم‪ ،‬أنشأتها أسرة آل الكاف في ثالثينيات القر‬
‫العشرين‪ ،‬ثم أغلقت وأعيد فتحها تحت اسم "مدرسة الكاف الخيرية‬
‫الحديثة"‪.‬‬
‫‪" -4‬مدارس النهضة العلمية" بسيئو ‪ ،‬افتتحت في العام ‪1920‬م‪ ،‬بعد أ‬
‫جمعت لها التبرعات من ندونيسيا وسغافورة‪ ،‬وقد استمرت حتى العام‬
‫‪1955‬م‪ ،‬ألكثر من ‪ 35‬سنة‪.‬‬
‫‪ -5‬مدارس دوعن‪ ،‬وهي أربع مدارس قام بتمويلها بعض األثرياء من الدولة‬
‫القعيطية‪.‬‬
‫‪ -6‬مدرسة الغرفة التي أسسها في مدينة الغرفة عبد هللا عرموم‪ ،‬وأوقف لها‬
‫منزلين في عد ‪.‬‬
‫‪" -7‬مدرسة النهضة" االبتدائية للبنات أنشئت في العام ‪1942‬م بدعم آل السقاف‬
‫من هيئة نظار مدارس النهضة العلمية‪ ،‬وتم افتتاح مبنى جديد لها في العام‬
‫‪1960‬م‪ ،‬على حساب سالم باحبيش(‪.)71‬‬

‫(‪ )71‬مبارك‪ ،‬كرامة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.134 -132‬‬


‫‪69‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ثانياا‪ :‬التعليم في السلطنة القعيطية‬


‫مثلث السلطنة القعيطية الجزء الساحلي من حضرموت‪ ،‬وجزءا ً كبيرا ً من‬
‫الداخل الحضرمي‪ ،‬وكا التعليم فيها أوسع انتشاراً‪ ،‬كما سبق التعليم الرسمي‬
‫في وجوده التعليم في السلطنة الكثيرية‪ ،‬حيث بدأ تنظيم التعليم في العام ‪1940‬م‬
‫ب نشاء دارة المعارف‪.‬‬
‫وبعد عشر سنوات من نشاء دارة المعارف كا عدد المدارس قد بلغ حوالي‬
‫‪ 29‬مدرسة ابتدائية ومتوسطة وثانوية‪.‬‬
‫وتميزت السلطنة في تعليمها بميزة تجلت في أ بعض مدارسها كانت‬
‫خاصة‪ ،‬أنشئت ومولت من سالعين األسرة الحاكمة ومن المقربين من األثرياء‪،‬‬
‫ال أ هته المدارس تحولت بعدئت لى مدارس رسمية حكومية‪ ،‬ومنها "مدرسة‬
‫ة‬ ‫مكارم األخال "‪ ،‬و"المدرسة الخيرية السلطانية"‪ ،‬التي كانت مخ‬
‫لألقارب وأبناء الحاشية‪ ،‬وكتلك "مدرسة الحق السلفية"‪ ،‬و"مدرسة الغيل"‬
‫‪1937‬م و"مدرسة الهدى" بالقطن‪.‬‬
‫وأنشئ فيها معهد للمعلمين في العام ‪1949‬م‪ ،‬أي في العام التالي لبدء التعليم‬
‫الحكومي في السلطنة الكثيرية‪ ،‬كما عرفت السلطنة أول معهد للمعلمات في‬
‫‪1966 ،65‬م‪ ،‬ثم افتتحت فيها كلية للمعلمين عام ‪ 66‬و‪67‬م‪ ،‬وكانت تقبل‬
‫خريجي الثانوية ألعامة‪ ،‬ويتم تأهيلهم فيها لمدة سنتين‪ ،‬وهي ما تقابل اليوم‬
‫المعاهد العليا لتدريب المعلمين التي تمنح خريجيها (دبلوما ً متوسطا ً)‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫جدول (‪ )10‬يبين ح اء عام للتعليم في السلطنة القعيطية عام ‪ 66‬و‪67‬م(‪.)72‬‬


‫عدد المعلمين‬ ‫عدد التالميذ‬ ‫عدد المدارس‬ ‫المرحلة‬
‫المنطقة‬
‫كور ناث مجموع‬ ‫مجموع‬ ‫ناث‬ ‫كور‬ ‫كور ناث مجموع‬ ‫الدراسية‬
‫‪339‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪283‬‬ ‫‪12926‬‬ ‫‪2225‬‬ ‫‪10701‬‬ ‫‪109‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪96‬‬ ‫االبتدائية‬
‫‪143‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪128‬‬ ‫‪3147‬‬ ‫‪258‬‬ ‫‪2889‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪17‬‬ ‫المتوسطة‬
‫‪18‬‬ ‫__‬ ‫‪18‬‬ ‫‪276‬‬ ‫__‬ ‫‪276‬‬ ‫‪2‬‬ ‫__‬ ‫‪2‬‬ ‫الثانوية‬ ‫السلطنة‬
‫‪7‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪93‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫معاهد معلمين‬ ‫القعيطية‬
‫‪5‬‬ ‫__‬ ‫‪5‬‬ ‫‪15‬‬ ‫__‬ ‫‪15‬‬ ‫‪1‬‬ ‫__‬ ‫‪1‬‬ ‫كلية معلمين‬
‫‪512‬‬ ‫‪74‬‬ ‫‪438‬‬ ‫‪16457‬‬ ‫‪2509‬‬ ‫‪13948‬‬ ‫‪134‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪117‬‬ ‫اإلجمالي‬
‫نالحظ من الجدول السابق ما يلي‪:‬‬
‫عدد مدارس التكور ابتدائية (‪ 96‬مدرسة‪ ،‬بينما عدد المدرسين (‪،)283‬‬ ‫‪‬‬

‫أي بمعدل ثالثة مدرسين للمدرسة الواحدة)‪.‬‬


‫عدد المدارس االبتدائية ناث ‪ ،13‬وعدد المدرسات ‪ ،56‬أي بمعدل أربع‬ ‫‪‬‬

‫مدرسات وثلث لكل مدرسة‪.‬‬


‫عدد المدارس المتوسطة ناث ‪ ،3‬وعدد المدرسات ‪ ،15‬أي بمعدل خمس‬ ‫‪‬‬

‫مدرسات لكل مدرسة‪.‬‬


‫عدد ثانويات البنين ‪ ،2‬وعدد المعلمين ‪ ،18‬أي بمعدل ‪ 9‬معلمين لكل‬ ‫‪‬‬

‫مدرسة‪.‬‬
‫معاهد المعلمين كور ‪ ،1‬وعدد المعلمين ‪ ،4‬وعدد معاهد المعلمات ‪،1‬‬ ‫‪‬‬

‫وعدد المعلمات ‪.3‬‬


‫هناك كلية معلمين وعدد معلميها ‪ 5‬فقط‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ومن المالحظات السابقة نستنتج وجود اختالالت في العالقات الموضوعية‬


‫بين مكونات المربعات‪ ،‬وال أجد تفسيرا ً علميا ً لتلك‪.‬‬

‫(‪ )72‬مبارك‪ ،‬كرامة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.336‬‬


‫‪71‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وفي الوقت التي أورد فيط الشقاع أعداد التالميت في المدارس الخاصة‪ ،‬لم‬
‫يورد لنا أعداد المدارس وال المعلمين‪ ،‬وبالتالي فقد حال لك دو الحديث عن‬
‫المدارس الخاصة بشكل أنسب وأكثر شمولية أيضاً‪.‬‬
‫وتبقى بعض اإلشارات ال بد منها مثل‪:‬‬
‫‪ -1‬ورد في تقرير لمدير معارف عد العام ‪ 46‬و‪47‬م أرقام ح ائية بعدد‬
‫السكا في عد والمحميات‪ ،‬وأرقام تقريبية ألعداد التالميت في المؤسسات‬
‫المختلفة‪ ،‬نوردها في الجدول اآلتي لنتبين الفوار التعليمية بين‪:‬‬
‫المستعمرة عد والمحميات بشكل عام‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫السكا والملتحقين بالتعليم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المتعلمين أنفسهم كورا ً و ناثاً‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ومن هتا الجدول سنتبين ضآلة حجم الملتحقين بالتعليم قياسا ً على عدد‬
‫السكا في عد والمحميات بشكل عام‪ ،‬ونسبة حظ البنات من التعليم قياسا ً على‬
‫مجموع المتعلمين‪ ،‬وهو ما يؤكد على حالة الحرما من التأهيل لغالبية من‬
‫مروا بسني التنسيب ولم يمكنوا من لك‪ ،‬ضافة لى تدني مستوى التعليم بشكل‬
‫عام‪.‬‬
‫حظ السكا من التعليم في العام ‪1947 /46‬م(‪.)73‬‬
‫جدول (‪ )11‬حجم الملتحقين بالتعليم قياسا ً على عدد السكا في عد والمحميات بشكل عام‬
‫النسبة المئوية‬ ‫النسبة المئوية‬ ‫التالميذ‬
‫من مجموع‬ ‫للتالميذ من‬ ‫السكان‬ ‫المنطقة‬
‫المجموع‬ ‫ناث‬ ‫كور‬
‫التالميذ‪%‬‬ ‫مجموع السكان‪%‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5545‬‬ ‫‪1165‬‬ ‫‪4380‬‬ ‫‪80516‬‬ ‫المستعمرة‬
‫‪4.5‬‬ ‫‪0.72‬‬ ‫‪4410‬‬ ‫‪201‬‬ ‫‪4209‬‬ ‫‪600000‬‬ ‫المحمية الشرقية‬
‫الشطر الجنوبي‬
‫‪13.7‬‬ ‫‪1.5‬‬ ‫‪9955‬‬ ‫‪1366‬‬ ‫‪8589‬‬ ‫‪680516‬‬
‫في اليمن‬

‫(‪ )73‬مبارك‪ ،‬كرامة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.191 ،190‬‬


‫‪72‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -2‬أما ما يتعلق بالمنح الدراسية فلم نجد ح اءات دقيقة‪ ،‬ومع لك نستطيع‬
‫رسال الطالب من خريجي الثانوية العامة سواء عبر المنح الحكومية‬ ‫القول‬
‫أو الخاصة‪ ،‬لم يكن ممكنا ً قبل عقدي األربعينيات والخمسينيات نظرا ً لتخلف‬
‫التعليم قبل لك‪.‬‬
‫وعليط يمكننا أ نميز أيضا ً أ المنح الحكومية كانت وجهتها لى بريطانيا‬
‫والهند والسودا ‪ ،‬مع مراعاة أ بعض الدارسين في هته البلدا كانوا يتعلمو‬
‫على حساب أهاليهم أو الجمعيات(‪.)74‬‬
‫أما وجهة المنح الخاصة ومنح الجمعيات فقد كانت لى م ر وسوريا‬
‫والعرا ‪ ،‬ما ب مكانات األفراد أو الجمعيات‪ ،‬أو بما تقدمط تلك الدول من‬
‫(‪)75‬‬
‫ما يفيد أ المنح‬ ‫مساعدات على هتا ال عيد‪ .‬وقد أورد كرامة مبارك‬
‫الحكومية في العام ‪1960‬م كانت على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬خمس منح من المجلس البلدي العدني‪ ،‬وثالث منح من أمانة ميناء عد ‪،‬‬
‫وثالث منح من شركة شل للبترول بمجموع (‪ )11‬منحة‪( .‬ولم يبين ما ا‬
‫كا هتا العدد يخص العام ‪1960‬م‪ ،‬أم اشتمل على سنوات سابقة)‪.‬‬
‫‪ -‬وجد في ات العام عدد (‪ )41‬دارسا ً يدرسو دراسات جامعية وعليا على‬
‫حسابهم الخاص‪.‬‬
‫‪ -‬وعلى مستوى المحميات يتكر الكاتب أنط في العام ‪1955‬م بلغ عدد الطلبة‬
‫التين أرسلتهم دارة معارف السلطنة العبدلية (‪ )18‬عالبا ً لدراسة الطب‬
‫والهندسة والزراعة والحقو في م ر والعرا ‪.‬‬

‫(‪ )74‬مبارك‪ ،‬كرامة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.237‬‬


‫(‪ )75‬مبارك‪ ،‬كرامة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪73‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -‬وفي عام ‪ 1954‬م بلغ عدد الطلبة التين أرسلتهم دارة معارف السلطنة‬
‫القعيطية (‪ )26‬عالبا ً لى السودا ‪ ،‬وم ر‪ ،‬والعرا ‪ ،‬وسوريا‪ ،‬والكويت‪،‬‬
‫منهم حوالي ثمانية يدرسو في الثانويات‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك أعداد من أبناء المحميات الغربية والشرقية يدرسو في عدد من‬
‫ثانويات وجامعات البالد العربية‪ ،‬ما على حسابهم الخاص‪ ،‬أو على حساب‬
‫حكومات سوريا‪ ،‬والعرا ‪ ،‬وم ر‪ ،‬والكويت عبر منح تقدمها لهم الهيئات‬
‫الوعنية‪ ،‬ومنها "رابطة أبناء الجنوب العربي"‪ ،‬ومنظمات محلية‬
‫من تلك الجمعيات "نادي اإلصالح" بعد ‪،‬‬ ‫أخرى(‪ .)76‬مع العلم أ‬
‫و"الجمعية الخيرية اإلسالمية"‪ ،‬و"حركة القوميين العرب"‪ ،‬و"نادي‬
‫األغابرة"‪.‬‬
‫وأود هنا أ أؤكد أ الحالة التفاعلية على مستوى التعليم عكست نفسها على‬
‫مستوى االبتعاث للدراسة في الخارج‪ ،‬ولم تكن بمنأى عن مقاومة السياسة‬
‫يعتمل بط أيضا ً‪ ،‬وأنها‬ ‫االستعمارية‪ ،‬وال عن تأثير الواقع العربي وما كا‬
‫عكست ثمارها بما حملط العائدو منهم من أفكار تنويرية‪ ،‬وثورية‪ ،‬أسهمت في‬
‫تغيير الواقع بعدئ ٍّت‪.‬‬
‫بعض المالحظات المهمة على واقع التعليم في جنوب اليمن‪:‬‬
‫تبرز أهمية هته المالحظات من المقارنة بين المناهج الدراسية التي عممت‬
‫في المدارس الحكومية‪ ،‬وخاصة في عد ‪ ،‬والمناهج التي سادت في مدارس‬
‫الجاليات واإلرساليات‪ ،‬والمناهج التي تكرست في التعليم األهلي‪ ،‬وقد تجلى‬
‫أهمها بما يلي‪:‬‬

‫(‪ )76‬مبارك‪ ،‬كرامة‪ ،‬المرجع السابق‪.238 ،‬‬


‫‪74‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -1‬على الرغم من اإلهمال المتعمد للتعليم الرسمي‪ ،‬فقد كانت التجارب التي‬
‫كرسها االستعمار في عار التعليم الحكومي‪ ،‬أو عبر مناهج مدارس الجاليات‬
‫واإلرساليات تهدف لى "التغريب" من جهة‪ ،‬ومسخ الهوية الوعنية‪ ،‬والنيل‬
‫من الوحدة المجتمعية‪ ،‬ومع لك فقد كانت محدودة األثر‪ ،‬خاصة أنط قد قلل‬
‫من آثارها عدم انتشار تلك التجارب في األرياف‪ ،‬وتمسك المجتمع بهويتط‬
‫وثقافتط‪ ،‬ومقاومتط التي مثلت المدارس األهلية وانتشارها حدى تجلياتها‪ ،‬بما‬
‫كرستط من مناهج حافظت على عقيدة المجتمع وثقافتط الوعنية والعربية‪،‬‬
‫عابعها العام‬ ‫كا‬ ‫وساعده على لك استعانتط بمناهج عربية‪ ،‬حتى و‬
‫تقليدياً‪ ،‬لكنها لم تخل من التجديد والتثوير أيضاً‪.‬‬
‫‪ -2‬ال بد من اإلقرار ب عوبة الف ل فيما يتعلق بالجهود التربوية التي بتلت‪،‬‬
‫من حيث عادة تنسيبها لجهود المهاجرين والمغتربين‪ ،‬أو للمقتدرين من‬
‫الواقع االقت ادي في تلك‬ ‫أصحاب رؤوس المال الوعنيين‪ ،‬خاصة أ‬
‫المرحلة كا متخلفاً‪ ،‬والنشاع التجاري بما يمثلط من صور استثمارية قاد‬
‫أهمط ناشطو كانوا في األصل مغتربين أو وكالء لمهاجرين ومغتربين‪.‬‬
‫‪ -3‬على الرغم من عدم التكافؤ بين مكانات االستعمار البريطاني وقدراتط‬
‫واإلرساليات‬ ‫ونفو ه‪ ،‬ومعط م ادر الدعم الخارجي المتمثلة بالفاتيكا‬
‫األخرى‪ ،‬والجاليات األجنبية‪ ،‬من جهة‪ ،‬وبين اإلمكانيات الوعنية التي لم تكن‬
‫موحدة وال منسقة أيضا ً‪ ،‬وكرست ضمن الجهود التربوية الخاصة‪ ،‬فقد كانت‬
‫الجهود الوعنية ات آثار عظيمة حملت في عياتها بتور ثقافة مقاومة تمكنت‬
‫من امتالك حاضن مجتمعي ساعد على انت ار الثورة‪ ،‬وتحقيق الجالء‪،‬‬
‫ويمننة التعليم بعدئت‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫لى أهمية التعليم باعتباره بوابة التغيير وعنياً‪،‬‬ ‫‪ -4‬تنبط المهاجرو والمغتربو‬
‫وبأنط ح نهم ومال هم لحماية عقيدتهم وثقافتهم حتى في مواعن هجرتهم‬
‫واغترابهم‪ ،‬بل نهم سعوا للتأثير في ثقافة مجتمعات الهجرة واالغتراب عبر‬
‫تلك التجارب التربوية أيضاً‪.‬‬
‫‪ -5‬على الرغم من تعدد التجارب التربوية األهلية في المستعمرة عد‬
‫والمحميات‪ ،‬واستعانتها بمناهج متباينة سودانية‪ ،‬وم رية‪ ،‬وعراقية‪،‬‬
‫وأردنية‪ ،‬فقد مثلت تجربة "كلية بلقيس" أنضج التجارب‪ ،‬ولم يكن لك‬
‫الشتمالها كمؤسسة على مختلف المراحل التعليمية فقط‪ ،‬و نما أيضا ً للفكر‬
‫التربوي التي كا يستهدف تطوير التعليم وتوحيده على مستوى المدارس‬
‫األهلية‪ ،‬والمبني على خلفية الهوية اليمنية الواحدة‪ ،‬وقد عبر عن لك‬
‫بوضوح األستا أحمد محمد نعما في أكثر من مناسبة‪ .‬كما تجلى لك‬
‫بتشكيل هيئة كا منوعا ً بها السعي لتوحيد المناهج في المدارس الخاصة‪،‬‬
‫وحتى مدارس المهجر‪.‬‬
‫‪ -2‬األوضاع التعليمية بعد االستقالل ‪1989 – 1967‬م‬
‫بعد جالء االستعمار البريطاني في ‪ 30‬نوفمبر ‪1967‬م‪ ،‬وجد النظام الوليد‬
‫أمام استحقاقات كثيرة‪ ،‬وكا من أكثرها لحاحا ً ما يتعلق منها بالتعليم والثقافة‬
‫القائمة والمرجوة‪.‬‬
‫وسعت أول وزارة للتعليم لالنضمام لى ميثا الوحدة العربية الثقافية‪ ،‬مع‬
‫السعي التخا الترتيبات لتنفيت بنود الميثا ‪ ،‬مع مراعاة الواقع التعليمي‬
‫ومتطلباتط(‪ .)77‬كما بادرت الوزارة لى زيارة دول عربية منها‪ ،‬السودا وم ر‬
‫بغرض االستفادة من تجاربها‪ ،‬وعملت على عادة النظر في النظام التعليمي‬

‫(‪ )77‬محمد‪ ،‬أحمد علي‪ ،‬التعليم اليمني جتور تشكلط واتجاهات تطوره‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪76‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫العام التي قسمت مراحلط لى (‪ )6-3-3‬اتساقا ً مع النظام العربي الموحد‪ ،‬كما‬


‫اتختت ترتيبات عديدة هدفت لى يمننة التعليم‪ ،‬وبدأت باإلشراف ثم السيطرة‬
‫على المدارس الخاصة ومدارس الجاليات األجنبية(‪.)78‬‬
‫فضالً عن لك‪ ،‬اتخت النظام عددا من القرارات واإلجراءات الهادفة لى‬
‫تنظيم التعليم وتغيير أوضاعط‪ ،‬وسبل تنظيم وظائفط‪ ،‬وقد تحددت األسس العامة‬
‫للسياسة التعليمية‪ ،‬في مجانية التعليم في جميع مراحلط‪ ،‬والتوسع في التعليم‬
‫النظامي‪ ،‬وفي برامج محو األمية وتعليم الكبار‪ ،‬وتطوير التعليم الفني والمهني‪،‬‬
‫ي‪.‬‬ ‫وبناء التعليم العالي والتخ‬
‫وافتتحت الوزارة العديد من المدارس‪ ،‬وسعت لى توحيد المناهج‪ ،‬وأختت‬
‫تنظم دورات تدريبية للمعلمين وأخرى للتدريب المهني‪ ،‬مع وضع خطة شاملة‬
‫للقضاء على األمية بدءا ً بالعاملين في مؤسسات السلطة‪ .‬كما افتتحت كلية‬
‫للتربية العليا (سنتا بعد الثانوية) في العام ‪ 1970‬لتشكل نواة لجامعة عد (‪.)79‬‬
‫ونأيا ً عن اإلغرا في التفاصيل‪ ،‬فقد حدثت تعديالت وتغييرات كثيرة في‬
‫بنية التعليم‪ ،‬كأنظمة‪ ،‬ومناهج‪ ،‬وسياسات عداد وتدريب للمستهدفين وللقائمين‬
‫عليط‪ ،‬أوردها بالتف يل الدكتور بدر األغبري في كتابط "نظام التعليم وتطوره‬
‫في الجمهورية اليمنية"‪.‬‬
‫مفاضلة بين تجربتي الشمال والجنوب‪:‬‬
‫في البدء ال بد من التأكيد على أ المؤسسة التعليمية‪ ،‬والمدرسة على وجط‬
‫الخ وص‪ ،‬كانت ومازالت أداة بيد السلطة الحاكمة توجهها لتحقيق أهدافها‬
‫وم الحها‪ ،‬وتكرس فيها التوجيط السياسي‪ ،‬في الوقت التي تعد فيط المدرسة‬

‫(‪ )78‬محمد‪ ،‬أحمد علي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.89‬‬


‫(‪ )79‬محمد‪ ،‬أحمد علي‪ ،‬المرجع نفسط‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪77‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أداة للتغيير االجتماعي والثقافي‪ ،‬و لك ما يقتضي اعتبارها مؤسسة دولة ال‬
‫سلطة‪ ،‬تكرس التربية السياسية المتزنة‪ ،‬وتنشئ المستهدفين على قيم واتجاهات‬
‫ومبادئ المواعنة ال الحة‪( .‬وهتا الفهم أتمنى أ يبقى حاضرا ً ومنسحبا ً على ما‬
‫سبق وما سيأتي‪ ،‬ونحن نتعاعى مع التجارب التعليمية المختلفة‪ ،‬نقارب بها مدى‬
‫نجاعة كل تجربة على حدة‪ ،‬ومدى قربها أو ابتعادها عن األداء المأمول)‪.‬‬
‫وأود أ أبين هنا بعض الفرو بين تجربتي الشمال والجنوب في صورة‬
‫نقاع مركزة بحسب اآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬على ا لرغم من الظروف التي رافقت االحتالل وما نتج عنها من ربط عد‬
‫والمحميات بمستعمرة الهند‪ ،‬وفرض هيمنتها على عد بالقاعدة البريطانية‬
‫وعلى المحميات باتفاقيات الحماية‪ ،‬وتخلي بريطانيا عن أداء ما يتوجب‬
‫عليها تجاه عد والمحميات في مختلف مجاالت الحياة‪ ،‬وخاصة في البنية‬
‫التحتية ومنها التعليم‪ ،‬فقد كانت الحالة التعليمية أفضل من الحالة في الشمال‬
‫في ظل الحكم اإلمامي الكهنوتي المستبد‪ ،‬وكانت أكثر تماسكاً‪.‬‬
‫‪ -2‬تباين مرجعيات الحالة التعليمية في جنوب الوعن أوجد حالة تنافسية على‬
‫مستوى أنواع التعليم‪ ،‬وكا مبعث لك في الغالب ما التنازع مع المستعمر‬
‫المكرس ألهداف عادة تشكيل الثقافة‪ ،‬وتشكيل البنية االجتماعية لسكا‬
‫عد ‪ ،‬ورفض المجتمع لتلك دفاعا ً عن الثقافة والهوية الوعنية‪ ،‬أو التنافس‬
‫بين التجارب الوعنية اتها‪ ،‬من حيث حرص البعض على تسيد الهوية‬
‫الدينية بنزوعها التمييزي أو ال وفي مع الرغبة في التحديث‪ ،‬أو لرغبة‬
‫البعض اآل خر بالتحرر والفكاك من أسر ثقافة دينية تمييزية مع الحرص‬
‫على حالل بديل ثقافي يؤمن بالتحديث‪ ،‬أو تبني بعض ثالث ألفكار تحديثية‬
‫ات نزوع وعني وقومي يؤكد على الهوية الوعنية‪ ،‬وعلى عروبة المجتمع‪،‬‬

‫‪78‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ومستنجدا ً بأمتط رغبة بالخالص من واقع االحتالل والتخلف والتجزئة‬


‫والتبعية‪.‬‬
‫لم تق دها أعرافها‬ ‫‪ -3‬أوجدت الحالة التنافسية تلك بيئة تعليمية تفاعلية‪ ،‬و‬
‫المتسببة بتلك‪ ،‬و لم تستثمر على الوجط المطلوب‪ ،‬وقد ساهم في وجودها‪:‬‬
‫ق د‪ -‬بممارستط القائمة على التفرقة‬ ‫أ‪ -‬االستعمار البريطاني‪ -‬بدو‬
‫والتمييز‪ ،‬ورغبتط و صراره على عادة تشكيل البنية االجتماعية‬
‫للمستعمرة عد ‪ ،‬التي لم تقف عند رغبتط بتوعين الجاليات األجنبية‬
‫ودعمها ماليا ً وتعليمياً‪ ،‬و نما أيضا ً بفرض عالقة تمييزية بين سكا عد‬
‫وما عداها‪.‬‬
‫ب‪ -‬حاجة الوعنيين ورغبتهم في مقاومة السياسات االستعمارية القائمة على‬
‫من جهة‪ ،‬و صرارهم على السعي لتلبية‬ ‫التفرقة والتمييز والحرما‬
‫االحتياجات التعليمية المناسبة لطموحهم الوعني أيضاً‪ ،‬وقد كا فيهم‬
‫تجار كانت لهم تجارب اغترابية سابقة‪ ،‬وكا بينهم مغتربو ومهاجرو‬
‫أيضاً‪.‬‬
‫ج‪ -‬دور المهاجرين والمغتربين و سهامهم في مقاومة السياسات االستعمارية‬
‫من جهة‪ ،‬ورغبتهم في عادة تشكيل الثقافة المجتمعية في عد‬
‫والمحميات‪ ،‬ومنها أيضا ً في حضرموت التي كانت محل تنازع وخالف‬
‫بين العلويين واإلرشاديين‪ ،‬وهو األمر التي أسهم في تنوع التجارب‬
‫التعليمية من جهة‪ ،‬كما أسهم في عادة تشكيل اهتمامات الرأي العام هناك‬
‫عبر ال حافة‪ ،‬وأسهم في ثراء الحياة الثقافية بحركة التأليف وعباعة‬
‫الكتب‪ ،‬وامتد لى محاوالت عادة كتابة التاريخ أيضاً‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وجميع ما تقدم ولد حالة تفاعلية كا قاسمها المشترك التنافس على أكثر من‬
‫مستوى وصعيد‪.‬‬
‫كما أوجدت تلك الحالة التفاعلية بتور ثقافة المقاومة السلمية في أحايين‬
‫كانت بدرجة أقل‪ ،‬كما حدث عند اشتراك العلويين‬ ‫كثيرة‪ ،‬والعنفية أيضا ً‪ ،‬و‬
‫مع السالعين واالستعمار البريطاني في القضاء على دولة آل عبدات اإلرشادية‬
‫في مدينة الغرفة بحضرموت‪ ،‬وهي تجربة تستحق المزيد من الدرس كتجربة‬
‫وعنية رفعت شعارات تقدمية بمقاييس ع رها‪ ،‬بغض النظر عن مناعقيتها‪ ،‬أو‬
‫محتدا ً بين‬ ‫في عار المكايدات والتنازع التي كا‬ ‫ما اتهمها بط العلويو‬
‫"العلويين" و"اإلرشاديين"‪ ،‬أو كما حدث منت تفجير ثورة ‪ 14‬أكتوبر ‪1963‬م‬
‫حتى تحقق الجالء في ‪ 30‬نوفمبر ‪1967‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬على الرغم من تعدد التجارب في عار الحالة التعليمية هته‪ ،‬فقد كا ما‬
‫يميزها عن الحالة في شمال الوعن أ أغلب التجارب امتلكت قدرا ً جيدا ً من‬
‫التنظيم‪ ،‬وحرصت على توحيد المناهج‪ ،‬وهو األمر التي سهل تحديد أهداف‬
‫تربوية وتعليمية‪ ،‬وبتلت جهود لتحقيقها‪ ،‬بغض النظر عما ا كانت تلك‬
‫األهداف قد تمت متابعتها وقياس آثارها من عدمط‪ ،‬لكنها كانت موجودة‪ ،‬مع‬
‫األخت بعين االعتبار أنط كانت ألصحاب كل تجربة أسبابهم ورؤيتهم‬
‫الخاصة‪ .‬وهناك تمايز آخر بين التجارب المختلفة التي وجدت في عد‬
‫وبعض تجارب حضرموت‪ ،‬وبين تجربتي "العلويين واإلرشاديين"؛ أل‬
‫تجربتيهما نشأتا في المهجر‪ ،‬ثم امتدتا لى الوعن وفي حضرموت بالتات‪،‬‬
‫ولم يكن مجالها التعليم فقط بل امتد لى الدين واإلعالم والسياسة‪.‬‬
‫‪ -5‬تميزت الحالة التعليمية في جنوب الوعن باالهتمام بتعليم الفتاة في مدارس‬
‫جاء هتا االهتمام متأخرا ً ‪ -‬حيث بدأ في ثالثينيات‬ ‫رسمية وخاصة ‪ -‬حتى‬

‫‪80‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫القر الماضي‪ ،‬لكنط استمر‪ ،‬وبلغ مستوى التأهيل حد تخريجها من كلية‬


‫البنات‪ ،‬وهو مستوى يعادل مستوى الثانوية العامة‪ ،‬وكتلك التأهيل في‬
‫مؤسسة تأهيل المعلمات‪ .‬وقد جاء نتيجة إلصرار المجتمع على تأهيل الفتاة‪،‬‬
‫وتبني العديد من المؤسسات األهلية المطالبة بتلك‪ ،‬بل وبتحسين مستوى‬
‫التأهيل أيضاً‪ ،‬وهو أمر لم تحظ بط الفتاة في شمال الوعن آنتاك‪.‬‬
‫‪ -6‬حملت التجارب التعليمية في جنوب الوعن مالمح اآلثار اإليجابية‬
‫إلسهامات المهاجرين والمغتربين على مختلف ال عد‪ ،‬وفي ال دارة منها‬
‫التعليم‪ ،‬والعمل الوعني‪ ،‬فتبدت سهاماتهم التعليمية بوضوح في العديد من‬
‫التجارب‪ ،‬في الوقت التي لم يتسن لهم التأثير على الحالة التعليمية في شمال‬
‫الوعن نتيجة تشدد النظام الحاكم في تضييقط على حق المجتمع في التعليم‬
‫تجاوزت حدود‬ ‫والتعلم‪ ،‬ووأده لكل محاولة تبتل على هتا ال عيد‬
‫الكتاتيب (المعالمات) التي لم يبخل المهاجرو والمغتربو بتبني ورعاية‬
‫النظام لمركز الفالح بحيفا ‪ ،‬ومدرسة‬ ‫غال‬ ‫هته التجربة أيضاً‪ ،‬وكا‬
‫بحا ‪ ،‬والنوادي والجمعيات الثقافية خير دليل على لك التضييق‪.‬‬
‫‪ -3‬األوضاع التعليمية بعد الوحدة (‪2000 – 1990‬م)‬
‫‪ .1‬في مرحلة التعليم العام وعلى مستوى التدفقات الطالبية نرصد ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ .‬في المرحلة األساسية من المنتسبين لل ف األول ممن بلغت أعمارهم ‪6‬‬
‫عددهم في العام ‪91/90‬م قد وصل لى‬ ‫بينما كا‬ ‫سنوات‪،‬‬
‫(‪ )356.642‬عالبا ً وعالبة‪ ،‬ارتفع حتى بلغ في العام الدراسي‬
‫‪2000/99‬م (‪ )545.334‬عالبا ً وعالبة‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وكا عدد المقيدين في مرحلة التعليم األساسي للفئة العمرية (‪ 15/4‬سنة)‬


‫في العام ‪91 /90‬م (‪ )2.199.446‬عالبا ً وعالبةـ ال أ عددهم في العام‬
‫‪2000 /99‬م ارتفع لى (‪ )3.206.866‬عالبا ً وعالبة‪.‬‬
‫كما ظهر تحسن أيضا ً في زيادة عدد اإلناث الملتحقات بالتعليم األساسي‪،‬‬
‫حيث بلغ عددهن في العام الدراسي ‪2000/99‬م (‪)1.107.959‬‬
‫عالبة(‪.)80‬‬
‫ب‪ .‬بحسب ح ائيات الجهاز المركزي لإلح اء‪ ،‬فقد بلغ عدد الطالب في‬
‫المرحلة الثانوية في العام ‪2000‬م (‪ )374.483‬عالبا ً وعالبة‪ ،‬في حين‬
‫(‪.)81‬‬
‫كا في العام ‪1996‬م (‪ )254.255‬عالبا ً وعالبة‬
‫‪ -2‬التعليم الفني والمهني‪:‬‬
‫يعد التعليم الفني والتدريب المهني أحد أهم أنظمة التعليم؛ كونط النسق التي‬
‫يعني تأهيل المنتسبين بالمعارف والمهارات المطلوبة بحسب مقتضيات التنمية‬
‫ومتطلبات سو العمل‪.‬‬
‫كما أ هتا النوع من التعليم توليط جميع الدول اهتماما ً خاصا ً‪ ،‬ال سيما في‬
‫البلدا التي بدأت تخطو خطواتها األولى على عريق التنمية والتحديث‪ ،‬ومنها‬
‫اليمن‪.‬‬
‫وتستهدف الدول واألنظمة من خالل التعليم تحقيق العديد من األهداف‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أي مجتمع ال يستغني عن ضرورة تأهيل بعض أبنائط تأهيالً عاليا ً‬ ‫أ‪.‬‬
‫حاجتط أشد إلعداد‬ ‫ا ً عبر التعليم الجامعي المتعدد المستويات‪ ،‬ف‬ ‫ومتخ‬
‫مما يتوجب الحرص‬ ‫ات‪ ،‬بل‬ ‫كوادر فنية مساعدة في مختلف التخ‬

‫(‪ )80‬األغبري‪ ،‬بدر‪ ،‬نظام التعليم وتاريخط‪ ،‬ص‪.138‬‬


‫(‪ )81‬األغبري‪ ،‬بدر‪ ،‬نظام التعليم وتاريخط‪ ،‬ص‪.138‬‬
‫‪82‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫هناك تناسب بين عدد خريجي الجامعات من األعباء‬ ‫يكو‬ ‫عليط أ‬


‫والمهندسين وبين الفنيين المؤهلين لشغل الوظائف المساعدة‪ ،‬و لك وفقا ً‬
‫لخطط وبرامج التنمية‪ ،‬حتى أ بعض الدول تحدد نسبة (‪.)10-1‬‬
‫ب‪ .‬تتباين مستويات اهتمام الدول واألنظمة بهتا النوع من التعليم بحسب‬
‫تبايناتها‪ ،‬من حيث كو التعليم محكوما ً بمرجعية ضابطة من عدمط‪ ،‬كما‬
‫كل منها بين مجتمع وآخر‪،‬‬
‫تفرض التباينات نوع األنشطة السائدة وأولوية ٍّ‬
‫فالمجتمع ال ناعي تتباين أولوياتط عن أولويات المجتمع الزراعي‪.‬‬
‫ج‪ .‬تستهدف األنظمة التي اتختت التنمية سبيالً جادا ً للتقدم ولتحسين مستوى‬
‫المعيشة‪ ،‬ولكي تقلل من نسبة الفاقد من المتسربين تحت ضغوع مختلفة‬
‫(اجتماعية‪ ،‬واقت ادية‪ ،‬وثقافية) تسعى للتأهيل الفني والمهني لمن تحول‬
‫ظروفهم دو مواصلة التعليم‪ ،‬بل نها تسعى لى رفع عدد المنتسبين في هتا‬
‫النوع من التعليم من خالل تنوير المجتمع بأهميتط‪ ،‬وتقديم حوافز مختلفة لمن‬
‫يلتحقو بهتا النظام التعليمي‪ ،‬كما أ بعضها يلجأ لتحديد نسب نجاح معينة‬
‫في شهادة التعليم األساسي لمن يحق لهم مواصلة التعليم الثانوي‪.‬‬
‫د‪ .‬في ظل دولة الوحدة‪ ،‬يقول الدكتور بدر األغبري‪" :‬حظي هتا النوع من‬
‫التعليم باهتمام الدولة‪ ،‬وتم تشييد عدد من البنى األساسية التي تمكنط من أ‬
‫يحتل مكانط المناسب بين أنواع التعليم التي يتم تقديمط‪ ،‬ال أنط على الرغم‬
‫من النجاحات التي تحققت‪ ،‬لم يحقق الطموح المطلوب‪ ..‬ثم يقر بأ التدفقات‬
‫بهتا التعليم ضئيلة مقارنة بالملتحقين بالتعليم الثانوي‪،‬‬ ‫الطالبية لاللتحا‬
‫حيث بلغ عدد الملتحقين (‪ )7099‬عالبا ً وعالبة‪ ،‬في حين وصل عدد الطالب‬
‫في التعليم الثانوي العام (‪ )374.483‬في العام ‪2000‬م"(‪ .)82‬ولعل ما كره‬

‫(‪ )82‬األغبري‪ ،‬بدر‪ ،‬نظام التعليم وتاريخط‪ ،...‬ص (‪.)139‬‬


‫‪83‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الدكتور بدر يقدم دليالً على مستوى تدني االهتمام بهتا النوع‪ ،‬في الوقت‬
‫التي تتزايد فيط حاجة سو العمل لخريجي هتا النظام التعليمي(‪.)83‬‬
‫‪ -3‬محو األمية وتعليم الكبار‪:‬‬
‫نظرة أي نظام سياسي وموقفط من ظاهرة محو األمية وتعليم الكبار‪ ،‬بما‬
‫يستتبعط من سياسات وخطط وبرامج لمواجهتها‪ ،‬تعد مقياسا ً موضوعيا ً على‬
‫مدى احترام النظام لحقو اإلنسا ؛ فمقدار جديتط لمواجهة الظاهرة أو عدم‬
‫جديتط يكو الحكم بمدى تأهلط ديموقراعيا ً وسعيط لردم هوة التخلف‪ ،‬وحرصط‬
‫على انتشال أبناء المجتمع من واقع األمية لى مرحلة األنسنة‪ .‬وظاهرة األمية‬
‫تنام مطرد‪ ،‬على الرغم من مرور ما يقارب أربعة عقود من‬
‫في مجتمعنا في ٍّ‬
‫الزمن منت قيام ثورة سبتمبر ‪1962‬م وحتى نهاية تسعينات القر العشرين‪.‬‬
‫وعلى الرغم أيضا ً من القوانين والقرارات والسياسات واالستراتيجيات التي‬
‫صدرت من كال النظامين قبل الوحدة‪" ،‬حيث أظهرت نتائج مسح الفقر لعام‬
‫‪1999‬م أ العدد المطلق لألميين قد ارتفع لى نحو (‪ )5.1‬مليو أمي وأمية‪،‬‬
‫أي بزيادة حوالي (‪ )500.000‬عن العام ‪1994‬م‪ ،‬رغم انخفاض معدل األمية‬
‫لى ‪ %55.7‬من السكا ‪ ،‬مع استمرار التمييز ضد اإلناث والريف‪ .‬ويعود‬
‫استفحال ظاهرة األمية لى العديد من العوامل التي تعد بحد اتها تحديات‬
‫اإلناث بالتعليم‬ ‫تنموية‪ ،‬مثل النمو السكاني المرتفع‪ ،‬وتدني نسبة التحا‬
‫األساسي‪ ،‬وارتفاع نسب التسرب وغيرها)(‪.)84‬‬

‫(‪ )83‬لمزيد من االستفادة حول هتا الموضوع أنظر‪ :‬سيف‪ ،‬أحمد عبده‪ ،‬واقع التعليم في‬
‫اليمن‪ ،...‬ص ص ‪.50-40‬‬
‫(‪ )84‬األغبري‪ ،‬بدر‪ ،‬نظام التعليم وتاريخط‪ ،...‬ص (‪.)143‬‬
‫‪84‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ومن المعلوم‪ ،‬بحسب تقارير منظمة ال حة العالمية‪ ،‬أ اليمن تعاني من‬
‫ارتفاع نسبة اإلنجاب لى ‪ ،%3.8‬وهي من أعلى المعدالت العالمية‪ ،‬وترتفع‬
‫نسبة معدل الخ وبة لدى اإلناث لى حوالي (‪ )6‬نسمة(‪.)85‬‬
‫وأمام هتا التحدي أقرت الحكومة في عام ‪1998‬م قانو محو األمية وتعليم‬
‫الكبار‪ ،‬واالستراتيجية الوعنية لمحو األمية وتعليم الكبار(‪.)86‬‬
‫وكما نرى اليوم ‪،‬فال القانو نفع وال االستراتيجية أجدت‪.‬‬
‫‪ -4‬المعاهد العلمية‪:‬‬
‫مواز للنظام التعليمي التابع‬
‫ٍّ‬ ‫أما "المعاهد العلمية"‪ ،‬التي هي نظام تعليم‬
‫أعداد الطالب الملتحقين في مراحلط المختلفة‬ ‫لوزارة التربية والتعليم‪ ،‬ف‬
‫بحسب ح ائيات عام ‪2000‬م قد بلغت (‪ )437.681‬عالبا ً وعالبة)(‪.)87‬‬
‫‪ -5‬التعليم األهلي والخاص‪:‬‬
‫هو تعليم متعدد األغراض‪ ،‬فمنط ما يحاكي نظام التعليم العام الحكومي‬
‫منهجا ً‪ ،‬ومنط ما يزاوج بين تجارب أخرى وبين التزامط بتعليم بعض المواد‬
‫المقررة في التعليم الحكومي‪ ،‬وخاصة القرآ ‪ ،‬والتربية اإلسالمية‪ ،‬واللغة‬
‫العربية مثالً‪ .‬ومنط ما يعتمد اللغة العربية‪ ،‬أو اإلنجليزية‪ ،‬أو الجمع بينهما‪ ،‬ومنط‬
‫أيضا ً التعليم في مرحلة الحضانة ورياض األعفال‪ ،‬ومنط ما يقدم فرص التعليم‬
‫التأهيلي والتربية الخاصة ألصحاب االحتياجات الخاصة‪ ،‬ومنط معاهد متعددة‬
‫األغراض في مجاالت مختلفة‪.‬‬
‫ويعرض د‪ .‬بدر األغبري ح ائية بأعداد الطالب والمدارس والمؤسسات‬
‫األهلية والخاصة لعام ‪2000/99‬م‪ ،‬أوردها ملخ ة فيما يلي‪:‬‬

‫(‪ )85‬دراسة مقدمة للجنة الوعنية للمرأة‪ ،‬غير منشورة‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫(‪ )86‬ألغبري‪ ،‬بدر‪ ،‬نظام التعليم وتاريخط‪ ،...‬ص (‪.)143‬‬
‫(‪ )87‬األغبري‪ ،‬بدر‪ ،‬نظام التعليم وتاريخط‪ ،...‬ص (‪.)142‬‬
‫‪85‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أ‪ .‬بلغ عدد المدارس الخاصة (‪ )159‬مدرسة‪ ،‬منها في أمانة العاصمة (‪)100‬‬
‫مدرسة‪.‬‬
‫ب‪ .‬بلغ عدد عالب المرحلة األساسية من التكور (‪ )26.522‬عالباً‪.‬‬
‫ج‪ .‬بلغ عدد الطالبات في المرحلة األساسية تعليم خاص (‪ )15.075‬عالبة‪،‬‬
‫بمجموع كلي (‪ )41.597‬عالبا ً وعالبة‪.‬‬
‫د‪ .‬بلغ عدد عالب المرحلة الثانوية (تعليم أهلي وخاص) (‪/ 1539 ، / 3802‬‬
‫)‪ ،‬بمجموع كلي (‪ )5.341‬عالبا ً وعالبة‪.‬‬
‫ه‪ .‬بلغ عدد المعلمين واإلداريين (‪ ،)4596‬منهم (‪ )455‬غير يمنيين(‪ ،)88‬وما‬
‫تجدر مالحظتط مما ورد سابقاً‪:‬‬
‫‪ ‬أ ثلثي المدارس الخاصة تجتمع في أمانة العاصمة؛ ولعل لك يعزى‬
‫لى أنها عاصمة‪ ،‬ويتجمع بها أكبر عدد من سكا المد ‪.‬‬
‫‪ ‬يالحظ تفشي انتشار مدارس التعليم األهلي والخاص‪ ،‬وخاصة في عقد‬
‫التسعينيات وما تاله‪ ،‬ولعل لك يعطي مؤشرا ً لى اختالل تطبيق نظرية‬
‫التعليم من الكلي لى الجزئي‪( ،‬أشرنا ليط سابقاً)‪ ،‬كما يشير لى أ النظام‬
‫والسلطة لم يهتما بتوفير المباني والمؤسسات الخاصة بالتعليم ما قبل‬
‫المرحلة األساسية‪ ،‬نفا ا ً لما أوجبط قانو التعليم من مجانيتط في بلد‬
‫أضحى نظامط السياسي ديموقراعيا ً يفترض بط أ يتيح فرصا ً متكافئة‬
‫أمام الجميع‪ ،‬مما يترتب على لك نفا السلطة لمبدأ لزامية التعليم‪.‬‬
‫‪ ‬تزايد عدد المدارس الخاصة‪ ،‬ال سيما في صنعاء العاصمة‪ ،‬يعطي‬
‫مؤشرا ً لى خلل آخر يتمثل في المتوسط العالي للكثافة على مستوى‬
‫الف ل وال ف الدراسي‪.‬‬

‫(‪ )88‬األغبري‪ ،‬بدر‪ ،‬نظام التعليم وتاريخط‪ ،...‬ص (‪.)148‬‬


‫‪86‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ ‬كما يعزى لك لى أ من ينسبو أبناءهم في هته المدارس هم من‬


‫األثرياء وأصحاب الدخل غير المنظور من مسؤولي النظام والسلطة‪،‬‬
‫وبعض أبناء الطبقة الوسطى ممن يعمل آباؤهم وأحيانا ً أمهاتهم‪ ،‬أما بقية‬
‫أبناء المجتمع فال تتاح أمامهم مثل هته الفرص (على اعتاللها)‪.‬‬
‫‪ ‬مما يؤسف لط أ هتا النظام من التعليم ال يخضع لإلشراف الموجط من‬
‫الوزارة ألسباب كثيرة‪ ،‬لعل من أهمها أ نسبة كبيرة من هته المدارس‬
‫تعود ملكيتها لبعض موظفي وزارة التربية والتعليم(‪.)89‬‬
‫‪ ‬هتا النظام يستهدف تحقيق المكاسب الخاصة واألرباح أكثر من اهتمامط‬
‫بتقديم خدمات متميزة‪.‬‬
‫‪ ‬تثبت التقارير الفنية سوء مباني المدارس الخاصة‪ ،‬وعدم مالءمتها في‬
‫األغلب األعم لكي تكو بيئة تعليمية صالحة‪.‬‬
‫‪ ‬تتمتع المدارس الخاصة ب مكانية توفير المناهج الدراسية (علما ً أ ما‬
‫يقارب ‪ %90‬منها تدرس المناهج الحكومية المعتمدة)‪ ،‬و لك ناتج عن‬
‫عالقات المالك أو مدرائها بالمسؤولين في ديوا الوزارة‪ ،‬وقدرتهم على‬
‫الح ول على ما يطلبونط بطرقهم الخاصة‪ ،‬كما أ هته المدارس تأخت‬
‫الن يب األكبر من التجهيزات التي توفرها الوزارة‪ ،‬ومنها أجهزة‬
‫الحاسوب مثالً(‪.)90‬‬

‫(‪ )89‬سيف‪ ،‬أحمد عبده‪ ،‬واقع التعليم في اليمن ب ين تأثير العولمة ودواعي اإلصالح‪،‬‬
‫ص ‪.34‬‬
‫(‪ )90‬سيف‪ ،‬أحمد عبده‪ ،‬واقع التعليم في اليمن بين تأثير العولمة ودواعي اإلصالح‪،‬‬
‫ص ‪.36-34‬‬
‫‪87‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -6‬التعليم الجامعي‪:‬‬
‫الحديث عن التعليم العالي عويل وشائك أيضا ً؛ ألنط يستحق دراسات مستقلة‪،‬‬
‫ويقتضي التعرف على األنظمة التعليمية المتعددة والسائدة‪ ،‬وعبيعة ومستويات‬
‫مخرجاتها‪ ،‬ومدى تأهلها لاللتحا بالدراسات الجامعية المختلفة‪ ،‬وأسباب لك‬
‫والظروف المحيطة‪ ،‬والعوامل المؤثرة فيها‪ ،‬وهتا ما ال تتيحط عبيعة وأهداف‬
‫للمهاجرين والمغتربين تأثيرهم على التعليم‬ ‫هته الدراسة‪ ،‬ولكن من حيث‬
‫وعلى تنوير المجتمع‪ ،‬ومن حيث تأثيرهم غير المباشر على الثقافة المجتمعية‬
‫غير السائدة يمكن عطاء بعض اإلشارات الموجزة‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ 6/1‬هو تعليم حديث قياسا ً لى السقف الزمني للدراسة‪ ،‬حيث كانت بدايتط في‬
‫كل من صنعاء وعد ‪.‬‬
‫العام ‪1970‬م في ٍّ‬
‫ات التي أتيحت لمخرجات المرحلة‬ ‫‪ 6/2‬مما يؤسف لط أ أنواع التخ‬
‫الثانوية لم تكن كافية الستيعاب تلك المخرجات لعدة أسباب؛ منها تدني‬
‫مستوى نسبة عالية من المخرجات (ألسباب عديدة ال مجال للتف يل فيها‬
‫هنا)‪ ،‬وان راف نسبة منهم عن التعليم الجامعي ألسباب بعضها اقت ادية‪،‬‬
‫وأخرى اجتماعية وثقافية‪ ،‬خاصة لدى الطالبات‪ ،‬ومنها أيضا ً محدودية‬
‫ات المطلوبة‬ ‫الطاقة االستيعابية في الكليات المتاحة‪ ،‬ومنها غياب التخ‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫ات النظرية على الدراسات التطبيقية‪ ،‬وفي‬ ‫‪ 6/3‬غلبت الدراسات والتخ‬
‫الجدول اآلتي نسب مقارنة في العام الجامعي ‪1992/91‬م بين جامعتي‬
‫صنعاء وعد (‪.)91‬‬

‫(‪ )91‬الحاج‪ ،‬أحمد علي‪ ،‬التعليم في اليمن‪ ...‬ص ‪.113‬‬


‫‪88‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫جدول (‪ )12‬نسب مقارنة في العام الجامعي ‪1992/91‬م بين جامعتي صنعاء وعد‬
‫الجامعة النظرية التطبيقية‬
‫صنعاء ‪%26.3 %37.7‬‬
‫‪%44.9 %55.1‬‬ ‫عد‬
‫اإلجمالي ‪%28.2 %71.8‬‬

‫نالحظ من الجدول السابق أ جامعة عد تميزت عن جامعة صنعاء من حيث‬


‫الطاقة االستيعابية؛ ويرجع لك لى فوار الكثافات السكانية للمحافظات التي‬
‫تخدمها الجامعة‪.‬‬
‫كما نالحظ غلبة الدراسات النظرية التي شكلت نسبة ‪ ،%71.8‬بما يقارب‬
‫ثالثة أضعاف عدد الدارسين في الدراسات التطبيقية‪.‬‬
‫‪ -‬هناك نسبة فاقد‪ ،‬ا ما اعتبرنا نسب الدراسات النظرية والتطبيقية تساوي‬
‫نسبة الفاقد في جامعة صنعاء بلغت ‪ ،%36‬بينما كانت في‬ ‫‪ %100‬ف‬
‫جامعة عد تساوي صفر‪.‬‬
‫الجدول لم يوضح نسب المقبولين والدارسين قياسا ً لى المخرجات الكلية‬ ‫‪-‬‬
‫لحملة الثانوية العامة‪.‬‬
‫فرص العمل المناسبة‬ ‫أغلب خريجي الدراسات النظرية ال يالقو‬ ‫‪-‬‬
‫اتهم‪ ،‬وبالتالي يتحولو لى بطالة مقنعة‪.‬‬ ‫لتخ‬
‫‪ 6/4‬بلغ عدد الملتحقين بالجامعات اليمنية في العام ‪2000‬م (‪)184.000‬‬
‫عدد الخريجين في ات العام (‪ )17.836‬عالبا ً‪،‬‬ ‫عالب وعالبة‪ ،‬وكا‬
‫ات النظرية‬ ‫بنسبة ‪ %87.8‬في التخ‬ ‫و(‪ )6600‬عالبة‪ ،‬يتوزعو‬
‫واألدبية‪ ،‬وقد أدى لك لى تزايد أعداد العاعلين عن العمل من الجامعيين‪،‬‬
‫مما يعكس هدرا ً كبيرا ً في رأس المال البشري وعاقاتط المنتجة(‪.)92‬‬

‫(‪ )92‬سيف‪ ،‬أحمد عبده‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬


‫‪89‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ 6/5‬ال تتوافر اإل مكانات الالزمة للبحث العلمي التي يعاني من غياب‬
‫استراتيجية وعنبة للبحوث‪ ،‬وغياب الخطط الخاصة بتلك‪ ،‬كما نعلم جميعا ً‬
‫ة(‪.)93‬‬ ‫قلة مراكز البحوث المتخ‬
‫الجامعات اليمنية لم تتمكن حتى العام ‪2000‬م من تجهيز وافتتاح كليات‬ ‫‪6/6‬‬
‫تختص بتقديم علوم ات عالقة بثورات وتكنولوجيا المعلومات وتقنية‬
‫االت االت(‪.)94‬‬
‫‪ 6/7‬ال منطق وال مبرر لتحديد ترتيب جامعة صنعاء (أ م الجامعات اليمنية) بين‬
‫ا علمنا‪ ،‬وبحسب المرحوم أ‪.‬د‪ .‬أحمد‬ ‫بقية الجامعات العالمية‪ ،‬خاصة‬
‫مستجير (شاعر‪ /‬لغوي‪ /‬م مم بحور الشعر رقميا ً‪ /‬مهندس زراعي أنتج‬
‫القمح بريط بمياه البحر) حول ترتيب جامعة القاهرة (أم الجامعات‬
‫ترتيبها بين الجامعات العالمية في مركز بعد (‪4700‬‬ ‫الم رية)‪ ،‬أ‬
‫األولى)(‪.)95‬‬
‫‪ 6/8‬أضحى لدينا سبع جامعات حكومية بعد أ بدأ التعليم الجامعي في ك ٍّل من‬
‫صنعاء وعد بتأسيس جامعتين في العام ‪1970‬م‪ ،‬ثم تأسست جامعة تعز‬
‫في العام ‪74‬م‪ ،‬ثم جامعة الحديدة‪ ،‬وجامعة ب في العام ‪95‬م‪ ،‬ثم تم افتتاح‬
‫كل من حضرموت و مار في العام ‪96‬م‪ ،‬كما أنط معلوم‬
‫جامعتين في ٍّ‬
‫ات التي تتيحط تلك الجامعات‪.‬‬ ‫للجميع تباين عدد التخ‬
‫‪ 6/9‬أما الجامعات األهلية فقد أورد د‪ .‬أحمد الحاج(‪ ،)96‬بجدول ملخ ط أ‬
‫جامعة العلوم والتكنولوجيا افتتحت في العام ‪92‬م‪ ،‬وجامعة اإليما ‪94‬م‪،‬‬

‫سيف‪ ،‬أحمد عبده‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫(‪)93‬‬


‫سيف‪ ،‬أحمد عبده‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.52-51‬‬ ‫(‪)94‬‬
‫سيف‪ ،‬أحمد عبده‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.52‬‬ ‫(‪)95‬‬
‫الحاج‪ ،‬أحمد علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ...‬ص ‪.145‬‬ ‫(‪)96‬‬
‫‪90‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وجامعة سبأ ‪94‬م‪ ،‬والجامعة اليمنية ‪95‬م‪ ،‬وجامعة أروى ‪96‬م‪ ،‬وجامعة‬
‫العلوم التطبيقية ‪97‬م‪ ،‬وجميعها كا المقر (صنعاء)‪ ،‬ضافة لى جامعة‬
‫األحقاف بسيئو في العام ‪1997‬م‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المبحث الثاني‬
‫ظاهرة الهجرة واالغتراب وتأثيرها المتبادل على التعليم‬
‫أود التأكيد أوالً على وجود عالقة تفاعلية بين التعليم وثقافة المجتمع‪ ،‬وقد‬
‫أكدت عليها في أكثر من موضع في هته الدراسة‪ ،‬و لك أل التعليم يجعل من‬
‫ثقافة المجتمع مجاالً حيويا ً لعملياتط وأنشطتط المختلفة‪ ،‬وبالتعليم يتمكن المجتمع‬
‫من تنقية ثقافتط مما يعلق بها من شوائب وسوء تفسير‪ ،‬والتعليم وسيلة المجتمع‬
‫لنقل ثقافتط عبر األجيال‪ ،‬كما أنط يكسب ثقافة المجتمع القدرة على التجدد‬
‫ويكسبها القدرة على التعامل مع الثقافات الوافدة ب يجابية‪ ،‬تأثرا ً وتأثيرا ً‪ .‬وبنا ًء‬
‫على لك‪ ،‬فمن المستحيل الحديث عن تأثير المهاجرين والمغتربين على التعليم‪،‬‬
‫أو الحديث عن التعليم بشكل تجريدي بعيدا ً عن عالقتط وتأثيره على ثقافة‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫ولتلك كا ال بد لي من التتكير بتلك حتى ال يسيء أحد فهم مرامي الحديث‬
‫تحت عناوين هتا المحور‪.‬‬
‫الحركة الوعنية في الداخل اليمني مدينة بالفضل‬ ‫وبنا ًء عليط‪ ،‬ف‬
‫للمهاجرين والمغتربين اليمنيين بالكثير‪ ،‬لك أنها عندما احتاجت للدعم ولإلنفا‬
‫على قياداتها وحركتهم ونضالهم‪ ،‬لم تجد أكرم وال أفضل من دعم المغتربين‬
‫والمهاجرين‪ .‬وعندما احتاجت ألداة عالمية تعكس حال المجتمع وما يعانيط‪،‬‬
‫هم المبادرو ‪ ،‬ليس بما احتاجتط من أدوات‬ ‫والمغتربو‬ ‫المهاجرو‬ ‫كا‬
‫الطباعة‪ ،‬بل بتبني صدار صحف تعبر عن معاناة المجتمع وحركتط الوعنية‪.‬‬
‫وقد تمثل لك‪ -‬على سبيل المثال ال الح ر‪ -‬ب حيفة "السالم" التي كانت‬
‫ت در في بريطانيا‪ ،‬وغيرها‪ .‬وعندما اعتقلت قيادات الحركة الوعنية با‬

‫‪92‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أحداث ‪1948‬م‪ ،‬كا المهاجرو مبادرين لرأب ال دع‪ ،‬بل عاد بعضهم‪ ،‬وفي‬
‫مقدمتهم الشهيد عبدهللا الحكيمي‪ ،‬ليقودوا دفة المعارضة‪.‬‬
‫وحتى عندما قامت الثورة‪ ،‬وجد قادتها رموزا ً اغترابية تحاول سنادهم‬
‫مادياً‪ ،‬ممثلة بالحكيم أحمد عبده ناشر‪ .‬ولم تقف سهاماتهم عند هتا الحد‪ ،‬بل‬
‫تتابعت وأختت تتفاعل بمقدار تفاعل القيادة السياسية مع قضايا واحتياجات‬
‫المجتمع‪ ،‬وبمقدار استيعابها لهموم المهاجرين والمغتربين وتفهم معاناتهم‪.‬‬
‫والسؤال هنا لم يعد‪ :‬هل مثلت الهجرة واالغتراب شكالً من أشكال المقاومة؟‬
‫بل‪ :‬هل مثلت الحركة الوعنية عموحات وآمال المهاجرين والمغتربين‪ ،‬وارتقت‬
‫بأدائها لى مستوى تضحياتهم‪ ،‬أم نها بأدائها‪ ،‬وبما تمثلتط من ثقافة المقاومة‬
‫عكست حالة خيبة و حباعا ً لدى المهاجرين والمغتربين؟ يقول محمد صالح‬
‫الدين ال ايدي(‪" :)97‬وكانت لنا ات االت ببعض المهاجرين في فرنسا وغيرها‬
‫من دول أوروبا‪ ،‬وكنا قد بدأنا قبل الثورة المباركة‪ 26 ،‬سبتمبر‪ ،‬بجمع‬
‫التبرعات لدعم حركة "األحرار اليمنيين"‪ ،‬وكنا نرسلها لى مقرهم في الشيخ‬
‫عثما ‪ ،‬ثم بعد لك كنا نرسلها لى "االتحاد اليمني" ‪ ،‬التي أصبح مقره في‬
‫القاهرة‪ .‬و هبت عدة مرات مع بعض اإلخوة لتسليمها ألحمد محمد نعما في‬
‫حي العجوزة بالقاهرة‪ .‬ولما قامت الثورة في الجنوب‪ ،‬كنا نجمع التبرعات‪ ،‬بل‬
‫أصبحنا ندفع اشتراكات شهرية لى جانب التبرعات المفتوحة ونرسلها لى‬
‫زعماء الثورة‪ .‬ولما من هللا باالستقالل أصبنا بخيبة أمل كبيرة؛ فقد كنا ننتظر‬
‫تعلن وحدة بالدنا عند نيل الجنوب استقاللط‪ ،‬ولكن لعن هللا السياسات‬ ‫أ‬
‫والحسابات الضيقة‪ .‬لقد زالت اإلمامة ورحل االستعمار‪ ،‬وبدالً من أ تتحقق‬
‫الوحدة‪ ،‬وت بح لنا دولة يمنية واحدة قوية وعزيزة‪ ،‬نشأت دولتا وعلما ‪،‬‬

‫(‪ )97‬ال ايدي‪ ،‬محمد صالح الدين‪ ،‬كتاب ندوة المغتربين‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪93‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أسلحتهما ضد بعضهما البعض‪ .‬و هب تعبنا‬ ‫يوجها‬ ‫ووعنا ‪ ،‬وجيشا‬


‫وتبرعاتنا واشتراكاتنا وأحالمنا الكبيرة هبا ًء منثوراً‪ ،‬على متبح السياسة‬
‫والمطامع الزائلة"‪.‬‬
‫ثم ما ا كا رد المرحوم أحمد عبده ناشر على من عيره بتضحياتط بأنها‬
‫هبت سدى‪ ،‬قال‪ :‬يكفيني أ أرى التالميت وهم اهبو لمدارسهم‪ .‬وهو رد‬
‫هناك سؤاالً آخر على‬ ‫يحمل في عياتط عدم رضا بما حدث ويحدث‪ ،‬بل‬
‫الحركة الوعنية أ تجيب عنط‪ :‬هل تمكنت الحركة الوعنية من عادة تشكيل‬
‫ثقافة المقاومة‪ ،‬وثقافة المواعنة كما أرادها المهاجرو والمغتربو ‪ ،‬ومن منهما‬
‫رعونة أداء ف ائل‬ ‫كا أنفع للمجتمع في حركة تطوره نحو األفضل؟‬
‫الحركة الوعنية‪ ،‬وسوء تقييمها لواقعها االجتماعي‪ ،‬واالقت ادي‪ ،‬والثقافي‪،‬‬
‫والسياس ي‪ ،‬و ساءتها لقيم المواعنة المتساوية في ظل حكم رشيد‪ ،‬قد أصاب‬
‫المهاجرين والمغتربين بثلمة ي عب جبرها‪ ،‬لك أل المهاجرين والمغتربين‬
‫كانوا ينظرو لرموز وتيارات العمل الوعني بأنهم هم األفهم واألوعى واألكثر‬
‫قدرة على قيادة سفينة الوعن‪ ،‬ولما ثبت العكس تولدت لديهم الخيبة وشعور‬
‫لك أحد أسباب تدني مستوى تأثير المهاجرين والمغتربين‪،‬‬ ‫بالختال ‪ ،‬وكا‬
‫سواء على مواعن الهجرة واالغتراب أو في الوعن‪.‬‬
‫مسؤولية الحركة الوعنية ال تقف عند مسؤولية تدني مستوى األداء‬
‫الوعني‪ ،‬ورعونة الفعل‪ ،‬والعجز عن تحديد معيقات النمو والتطور في المجتمع‬
‫ومواجهتط بما يستحق‪ ،‬بل تمتد لى همال ظاهرة الهجرة واالغتراب‪ ،‬وما كانت‬
‫تتطلبط من رعاية وتوجيط وتوثيق أيضاً‪ ،‬مع النأي بها عن التسييس‪ ،‬ورعايتها‬
‫كتجربة نقابية تسعى لتنمية ثقافة مطلبية تحتاجها‪ ،‬ويحتاجها المجتمع أيضاً‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫انشغال ف ائل العمل الوعني بمكايدة بعضها‪ ،‬وعدم اهتمامها بواجبها‬


‫الوعني الحقيقي قد انعكس تمزقا ً وان رافا ً عن الهم العام لدى المهاجرين‬
‫والمغتربين‪ ،‬وصل حد قطع أواصر العالقة مع الوعن األصل والمجتمع‬
‫األساس لدى الكثيرين‪.‬‬
‫صرار األحزاب على جعل الوالء للحزب مقدما ً على الوالء للوعن‪،‬‬
‫وقبول أعضاء الحزب بخطف رادتهم و عادة تجييرها لى هيئات و لى‬
‫مستويات‪ ،‬و لى شخص األمين العام‪ ،‬قد أضر بحقوقهم‪ ،‬وشكل خطرا ً على‬
‫الوحدة الوعنية‪ ،‬وأضر بال الح العام‪ ،‬وأعا التنمية‪ ،‬وحول األحزاب لى‬
‫أشكال قبلية تجمعهم ثقا فة خاصة وم الح متخيلة‪ ،‬لم تتمكن معها من حداث‬
‫التغيرات الثقافية المساعدة على انتقال المجتمع لى مجتمع المواعنة المتساوية‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬ولإلن اف‪ ،‬هل كا ب مكا القوى الوعنية أ تنتج غير ما‬
‫أنتجتط‪ ،‬وقد كانت نتاجا ً لع ر خيمت عليط أجواء نتائج الحرب العالمية الثانية‪،‬‬
‫كانقسام العالم لى معسكرين مت ارعين وبينهما الكتلة األكبر التي لم تمتلك‬
‫أسباب القوة المادية‪ ،‬ولم يعد بمقدورها لكي تفرض وجودها سوى استخدام ما‬
‫تمتلكط من قوى ناعمة‪ ،‬كانت تمكنها من تكوين كتلة صلبة لوال وهن وتبعية‬
‫لى حدى الكتلتين المت ارعتين‪ ،‬وخضوعهم لإلمالءات‬ ‫بعض من ينتمو‬
‫التي كانت تت ادم مع م الح شعوبهم‪ ،‬ولم تجرؤ على دفع ثمن حرية القرار‪.‬‬
‫لقاح ع رهم المتميز باإلق اء‪ ،‬والمدعي المتالك‬ ‫كما كانوا يحملو‬
‫الحقيقة واحتكار تمثيلها‪ ،‬وتطبع كل ف يل بما ادعاه من تميز وامتالك للحقيقة‪،‬‬
‫وحاول فرض وجوده وتطبيع بيئتط ومجتمعط بطابعط الم طنع التي لم يكن‬
‫قائما ً على احترام حق اآلخرين باالختالف على األقل‪ ،‬متختا ً من أسباب القوة‬
‫وسيلة لتلك‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫لكل منهم شرف المحاولة‪ ،‬وهو شرف يغدو مستحقا ً‬


‫ومع لك‪ ،‬بقي ٍّ‬
‫أحدثت هته القوى ما يتوجب عليها من مراجعات وكرستها كدروس مستفادة‪،‬‬
‫المناسب التي تؤكد فيط انحيازها‬ ‫وعملت على عادة تخندقها في المكا‬
‫لخيارات األمة والمجتمع‪ ،‬واستعدت أل تمارس دورها كرقم يضاف لى قوة‬
‫األمة والمجتمع‪ ،‬ال رقم يخ م من أسباب قوتهما المطلوبة للمواجهة في معركة‬
‫استعادة اإلرادة والوعي‪ ،‬وامتالك الحرية‪ ،‬ودفع عجلة البناء والتطور باتجاه‬
‫عادة رسم الحياة كما يريد المجتمع واألمة‪ ،‬وت حيحا ً لما اعوج في مسارهما‬
‫أيضاً‪ ،‬وساهم بتشويط صورة األمة بمعتقداتها وثقافتها‪ ،‬وأساء لعالقتها مع‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫أوالا‪ :‬لمحات من تأثير المهاجرين والمغتربين في بلدان المهجر‪:‬‬
‫أ‪ .‬إفريقيا‪:‬‬
‫‪ -1‬مصر‪:‬‬
‫العشرين بالمفاعالت األدبية‬ ‫تبدى األثر الثقافي بوضوح في القر‬
‫والتاريخية والفكرية التي قادها األديب والمؤرخ والروائي والكاتب علي أحمد‬
‫باكثير‪ ،‬بما شكلط حضوره الثقافي وآراؤه من حراك وسط المنتديات الثقافية‬
‫واألدبية‪ ،‬وعبر ما سطره قلمط في ال حافة وبين دفات الكتب‪.‬‬
‫حيث كا لط العديد من المؤلفات المسرحية الملحمية‪ ،‬الشعرية والنثرية‪،‬‬
‫أشهرها "ملحمة عمر بن الخطاب"‪ ،‬ومن الروايات اإلسالمية أشهرها "وا‬
‫سالماه" و"الثائر األحمر"‪ ،‬كما ترجم مسرحية "روميو وجولييت"‪ ،‬وح ل‬
‫على جائزة الدولة التقديرية األولى مناصفة مع نجيب محفوظ‪.‬‬
‫يجيد العربية‪ ،‬واإلنجليزية‪ ،‬والفرنسية‪ ،‬والمالوية‪ ،‬وح ل على‬ ‫وكا‬
‫الجنسية الم رية‪ ،‬واختير عضوا ً في لجنة الشعر والق ة بالمجلس األعلى‬

‫‪96‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫لرعاة الفنو واآلداب‪ ،‬وألف أكثر من ستين ق ة ورواية‪ .‬ومن أشهر أعمالط‬
‫مسرحية "مسمار جحا" التي تنبأ فيها باحتالل فلسطين‪ ،‬وكا الموسم المسرحي‬
‫في م ر يفتتح سنويا ً بها‪ ،‬وأضحت تدلل على عمق تأثيره‪ ،‬وكتلك الحال في‬
‫العديد من أعمالط خاصة رواية "وا سالماه" التي كانت مقررة على عالب‬
‫الثالث الثانوي لفترة عويلة في م ر‪ ،‬واليمن‪ ،‬والجزائر على األقل‪ ،‬وأسهمت‬
‫ب تشكيل الوعي والوجدا ألجيال عديدة‪ .‬كما كانت لط آراء في ال راع "العلوي‬
‫كا‬ ‫اإلرشادي"‪ ،‬حيث كا من رواد "اإلرشاديين"‪ ،‬وانتقد العلويين كثيراً‪ ،‬و‬
‫يعيب على غالة اإلرشاديين آراءهم وأعمالهم المشوبة بالتع ب‪ ،‬وكتب الشعر‪،‬‬
‫ولط منط ديوا "أزهار الربا في أشعار ال با" وغيره‪ ،‬ولط أعمال أخرى منها‬
‫"القوة الثالثة‪ "،‬و"يا ليل يا عين"‪ ،‬و"الفرعو الموعود"‪.‬‬
‫كتلك الحال بما سطرتط أبكار السقاف‪ ،‬الكاتبة المبدعة التي عاصرت الكثير‬
‫من الكتاب والمفكرين‪ ،‬واحتلت بينهم مكانة سامقة‪ ،‬وقد كا فيهم عباس محمود‬
‫العقاد التي قال عنها نها "امرأة بعشرة رجال"‪ ،‬وكا كثير الثناء على ما‬
‫فيهم صالح جودت‪ ،‬ونجيب محفوظ‪ ،‬ومحفوظ األن اري‪،‬‬ ‫تكتبط‪ ،‬كما كا‬
‫وعالم اآلثار محرم كمال باشا‪ ،‬ومحمود أبو العينين وكيل األزهر‪ ،‬وأحمد‬
‫ال اوي محمد‪ .‬وقد قال عنها الباحث مهدي م طفى‪" :‬لم يشأ القر العشرو‬
‫أ ينتهي حتى يدهشنا بالمخبوء في أحشائط‪ ،‬وكأننا على موعد مع المفاجأة‪،‬‬
‫يتم تقديم روح الحياة‪ ،‬أبكار السقاف‪ ،‬حدى الكاتبات التي تم غيابها زمنا ً عويالً‬
‫وهي تستحق أ تكو في المقدمة وعلى رأس كوكبة من المفكرين"‪ .‬وقد‬
‫أجادت أبكار اللغة العربية‪ ،‬واإلنجليزية‪ ،‬والفرنسية‪ ،‬وكا لها مؤلفات عدة لعل‬
‫أهمها‪" ،‬الحالج أو صوت الضمير" التي كا لها فيط آراء جريئة تنكر التهم‬
‫التي لحقت بط‪ ،‬كما كا آلرائها التي ضمنتها في كتابها المهم "الدين في شبط‬

‫‪97‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الجزيرة العربية‪ ،‬نحو آفا أوسع" أثر صادم على ما رسخ في وعي الناس‬
‫وتناقلتط سرديات التاريخ‪ ،‬األمر التي دفع بمن يدعو الغيرة على الدين لى‬
‫كيل االتهامات الزائفة لها و صدار األحكام غير الموضوعية على ما كتبت‪.‬‬
‫لكنها‪ -‬وقد أنهى الموت رحلة عمرها اإليجابية‪ -‬كانت قد تركت لنا ولإلنسانية‬
‫أفكارا ً تستحق الحياة التي ال تعرف الموت أو تعترف بأثره‪.‬‬
‫ك ما ال ننسى دور المدرسة اليمنية الحديثة التي افتتحت في م ر في‬
‫السنوات األخيرة‪ ،‬ودورها التي يعد امتدادا ً للمدرسة في صنعاء‪ ،‬وهي من‬
‫المدارس المميزة بمقاييس التعليم لدينا (على تشوهط)‪ ،‬وقد بات لها فرعا في‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -2‬السودان‪:‬‬
‫استوعب السودا عشرات اآلالف من المهاجرين والمغتربين اليمنيين التين‬
‫أسهموا في بناء العديد من مشاريع البنية التحتية‪ ،‬ومن أهمها مشروع بناء "سد‬
‫سنار" التي بلغ قوام العمالة اليمنية فيط (‪ )55%‬من مجموع العمال(‪ ،)98‬وفي‬
‫بناء ميناء بورتسودا ‪ ،‬وخط سكة حديد (بورتسودا – كسال – سنار)‪ ،‬وغيرها‬
‫من المشاريع األخرى‪.‬‬
‫وقد تمكن المهاجرو والمغتربو من تحقيق االندماج االجتماعي بسهولة‬
‫ويسر‪ ،‬ساعدهم على لك عيبة المجتمع السوداني التي وجد فيهم حرصهم على‬
‫التمسك بالقيم‪ ،‬ونبت الر ائل‪ ،‬وعدم تقبلهم لمن يمارسها ولو كانوا يمنيين‪ ،‬كما‬
‫وجد فيهم النجدة‪ ،‬وعيب المعشر‪ ،‬ورفض الضيم‪.‬‬
‫و ا كا بعضهم قد شارك في الحرب العالمية الثانية في مواجهة (رومل)‬
‫كثيرا ً ممن عاد منهم‪،‬‬ ‫في العلمين بم ر‪ ،‬وفي عرابلس الغرب في ليبيا‪ ،‬ف‬

‫فريقيا‪ ،‬ص ‪.55‬‬ ‫(‪ )98‬ال لوي ‪ ،‬العزي‪ ،‬الهجرات اليمنية عبر التاريخ لى منطقة شر‬
‫‪98‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مع من انضم ليهم من أبناء المغتربين‪ ،‬شاركوا مع خوتهم السودانيين في‬


‫التمرد والثورة على اإلنجليز‪.‬‬
‫وكما انخرع المهاجرو والمغتربو في العمل السياسي وبرز منهم العديد‬
‫من القيادات السياسية في الحركة المهدية وغيرها‪ ،‬انخرعوا كتلك في الحياة‬
‫االجتماعية السودانية‪ ،‬حتى أنهم كانوا يمنحو وثائق سودانية يسافرو بها‬
‫ويعودو حتى العام ‪1950‬م‪ .‬وقد برز بينهم العديد من القيادات التي شاركت‬
‫في النضال ضمن المعارضة اليمنية وداعمين لها‪ ،‬ومنهم يحيى حسين الشرفي‪،‬‬
‫المرجع األول للمغتربين في السودا ‪ ،‬والعديد من األعيا والمشايخ اآلخرين‪.‬‬
‫ولعب المهاجرو والمغتربو دورا ً مهما ً في مسيرة النضال الوعني‪ ،‬حيث‬
‫لم يقت ر دورهم على تأسيس فرع لالتحاد اليمني‪ ،‬بل امتد لمواجهة أن ار‬
‫اإلمامة في السودا ‪ ،‬واحتواء ما كانوا يثيرونط من مشاكل ودسائس‪ ،‬كما أنهم‬
‫جمعوا التبرعات واالشتراكات‪ ،‬سواء التي كانت تتهب لتمويل أنشطة االتحاد‬
‫اليمني في م ر وعد ‪ ،‬أو التي كانت تخ ص لإلنفا على الطلبة اليمنيين‬
‫الدارسين بم ر‪ ،‬أو لطبع الكتب والمنشورات‪.‬‬
‫وعندما نجح اإلمام في قناع السلطات السودانية ب بعاد رموز األحرار (يحيى‬
‫حسين الشرفي‪ ،‬وأحمد الخامري‪ ،‬وقائد ناصر العماري‪ ،‬وعبدهللا غيال ‪ ،‬وسعد‬
‫سعيد المعمري) ت دى األحرار لهته الجريمة‪ ،‬وتمكنوا من تحريك الشارع‬
‫السوداني بالخروج للتظاهر حتى تم فشالها‪.‬‬
‫وساهم المهاجرو والمغتربو في احتضا الفارين من الحرب (من أبناء‬
‫الجالية اليمنية) التي دارت بين أثيوبيا و ريتريا‪ ،‬وخففوا من معاناتهم‪ ،‬كما‬
‫ساهموا في ترحيلهم وعائالتهم لى اليمن‪.‬‬
‫وقد لعبوا دورا ً مميزا ً في دعم الثورة اليمنية‪ ،‬ورفدوها بالمال وبالشباب‬

‫‪99‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫العائد التي أسهم في معارك الدفاع عن الثورة‪ ،‬كما أسهموا بمختلف أشكال‬
‫وصور العمل الوعني‪.‬‬
‫مما‬ ‫وعلى الرغم من األدوار البهية التي عرضت بعضها فيما سبق‪ ،‬ف‬
‫يؤسف لط أننا لم نجد توثيقا ً وال أثرا ً للعمل التربوي اليمني في السودا ‪ ،‬كما‬
‫أنني على يقين من أ أمرا ً كهتا لم يكن ليغيب عن اهتماماتهم‪ .‬ويبقى التفسير‬
‫األقرب للمنطق أنهم وقد عاشوا حالة اندماج اجتماعي مميز مع المجتمع‬
‫السوداني وتزاوجوا وتناسلوا‪ ،‬فقد أوكلوا مهام تربية وتأهيل األبناء للمؤسسات‬
‫الوعنية السودانية التي تعاملت معهم بوصفهم مواعنين سودانيين‪( .‬مع تأكيدي‬
‫على أهمية متابعة البحث في هتا الجانب)‪.‬‬
‫‪ -3‬أثيوبيا‪:‬‬
‫مثلت الحبشة وجهة لالغتراب والهجرة منت القدم‪ ،‬ومازالت اآلثار السبئية‬
‫هناك خير شاهد على لك‪ ،‬كما أ هرر تشهد بهويتها اإلسالمية الغالبة‪ ،‬ولغتها‬
‫األمهرية‪ ،‬وأسماء أشهر حكامها على تأثير المهاجرين والمغتربين اليمنيين‪،‬‬
‫وبالتالي فقد كا عبيعيا ً‪ -‬بنا ًء على الظروف التي عاشها اليمنيو أواخر القر‬
‫تتجط أفواج من المهاجرين والمغتربين‬ ‫العشرين‪ -‬أ‬ ‫الـ(‪ )19‬وبداية القر‬
‫باتجاه الحبشة‪ ،‬ما كمحطة وسطى لالنتقال باتجاه الشمال‪ ،‬و ما كوجهة للعمل‬
‫واالستقرار(‪ . )99‬على أ هناك قوافل أخرى من المغتربين دخلت لى أثيوبيا عن‬
‫عريق الجنوب‪ ،‬ومعظمهم من عمل في مد خط السكة الحديد التي أقيم بين‬
‫جيبوتي وأديس أبابا‪ ،‬بموجب االتفاقية التي وقعتها فرنسا مع اإلمبراعور منليك‬
‫عام ‪1897‬م‪ ،‬وقد استغر بناء الخط الحديدي عشرين عاما ً بالتمام والكمال‪،‬‬
‫حيث كا هتا الخط قد بني على أكتاف المغتربين اليمنيين‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فقد كانت‬

‫(‪ )99‬ال لوي‪ ،‬العزي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.110‬‬


‫‪100‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫البيئة اليمنية الطاردة محفزا ً لالستقرار واالندماج االجتماعي‪ ،‬كما كا المناضل‬


‫الكبير المرحوم أحمد عبده ناشر أحد من وصلوا ليها عبر الجنوب من‬
‫ال ومال‪ ،‬وغيره كثير أيضاً‪.‬‬
‫وتميزت الجالية اليمنية التي تم تأسيسها عام ‪1940‬م بأنها كانت موحدة لكل‬
‫اليمنيين‪ ،‬ولتلك يسجل لها بأنها كانت أول محاولة جمعية فرضت نفسها كشكل‬
‫موحد يمثل كل المهاجرين والمغتربين من بين مواعن الهجرة واالغتراب‬
‫المختلفة‪ ،‬على الرغم من أنها جاءت تالية لوجود العديد من الجمعيات التي كا‬
‫لها صبغة مناعقية في التكوين‪ ،‬كجمعية االتحاد والترقي العريقية‪ ،‬وغيرها في‬
‫الحبشة‪ ،‬أو في غيرها من مواعن الهجرة واالغتراب األخرى‪ ،‬بما في لك‬
‫شر آسيا التي عرف مهاجرونا في ندونيسيا جمعيات مختلفة سابقة‪ ،‬لكنها في‬
‫أساس وجودها لم تكن قائمة وال ساعية لتوحيد الجميع‪ ،‬ولتلك حديث في موضع‬
‫آخر‪.‬‬
‫ابة جهود أبناء الجمعيات المختلفة في عارها‬ ‫وقد تمكنت الجالية من‬
‫الواسع التي بفضلط تمكنت قيادات الجالية من توجيط الجهود لدعم المعارضة‬
‫اليمنية من خالل مختلف ال يغ التنظيمية التي عرفتها‪ ،‬حزب األحرار‪،‬‬
‫الجمعية اليمنية الكبرى‪ ،‬االتحاد اليمني‪ ،‬ورفدها بالمال واإلمكانيات المختلفة‪،‬‬
‫ومن ثم دعم ثورة ‪ 26‬سبتمبر ‪1962‬م‪ ،‬و‪ 14‬أكتوبر ‪1963‬م‪ ،‬ولعل استقبال‬
‫المرحوم المشير السالل للمرحوم أحمد عبده ناشر والوفد المرافق لط يتكرنا‬
‫بعظمة دور الجالية هناك‪.‬‬
‫كما لعبت الجالية دورا ً محوريا ً في التعريف بالمتقدمين من المهاجرين‬
‫والمغتربين وأبنائهم للح ول على وثائق وجوازات السفر الالزمة للعودة لى‬

‫‪101‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الوعن‪ ،‬وساعدت المحتاجين منهم‪ ،‬كما ساعدت في حل الكثير من المشاكل‬


‫والقضايا التجارية وغيرها‪.‬‬
‫ولعل من أبرز األدلة على تقدم وعي قيادة الجالية (المؤسسة) أنها تنبهت‬
‫باكرا ً ألهمية ردم الفجوة الناتجة عن الغربة الثقافية التي كا يعاني منها أبناء‬
‫وأحفاد المهاجرين‪ ،‬ولتلك سعت لتأسيس مدرسة الجالية اليمنية في أديس أبابا‬
‫عام ‪1942‬م‪ ،‬أي بعد تأسيس الجالية بعامين فقط‪.‬‬
‫تميز مدرسة الجالية اليمنية ال يعود لقدمها فقط‪ ،‬و نما ألنها مازالت‬
‫مستمرة حتى اليوم‪ ،‬وقد قارب عمرها الثمانية عقود (أكثر من ثمانية وسبعين‬
‫عاماً)‪ ،‬كما تميزت المدرسة بأ قيادة الجالية حددت لها أهدافا ً تربوية مهمة‪،‬‬
‫كانت تشكل‪ -‬ب ورة ما‪( -‬محاكاة لفلسفة تربوية م غرة) مثلت‪ -‬بحكم وحجم‬
‫مستوى وعي قادتها في لك الحين‪ -‬نقلة نوعية قياسا ً على ع رهم ومستويات‬
‫تأهيلهم‪ ،‬وألهميتها نوجزها في ما يلي(‪.)100‬‬
‫‪ -1‬تعليم مبادئ الدين اإلسالمي الحنيف‪ ،‬واللغة العربية‪ ،‬ضافة لى المواد‬
‫التعليمية األساسية المستهدفة ربط النشء الجديد من أبناء المغتربين بالوعن‬
‫من خالل عوامل تربوية وتعليمية حديثة وفاعلة‪ ،‬وتعزز انتماءهم للوعن‬
‫اليمني وتشدهم لى حضارة اآلباء واألجداد التاريخية‪ ،‬وتعمق في نفوسهم‬
‫الثقافة العربية اإلسالمية‪ ،‬والتقاليد والقيم اليمنية األصيلة وحب الوعن‪.‬‬
‫‪ -2‬تأهيل التالميت في حالة انتهائهم من دراسة مرحلة تعليمية أو ف ل دراسي‬
‫معين داخل المدرسة‪ ،‬وانتقالهم لى الوعن لمواصلة دراستهم بمستوى مماثل‬
‫ومشابط لمستوى التعليم داخل الوعن‪.‬‬

‫(‪ )100‬ال لوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.127 ،126‬‬


‫‪102‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -3‬خلق جو مناسب للطالب القادمين من الوعن لى الحبشة‪ ،‬وتمكينهم من‬


‫بالمدرسة‪ .‬ومن خالل النشاعات المدرسية المكثفة‪ ،‬والمبرمجة‪،‬‬ ‫االلتحا‬
‫والمستقاة من روح المنهج الدراسي يتوجب على المدرسة أ تركز على‬
‫تأدية رسالتها النبيلة وواجبها المقدس لى أق ى حدود الفائدة والعطاء‬
‫الممكنين‪ ،‬لتأهيل التلميت المتخرج منها‪ ،‬واالعمئنا على مستقبلط‪ ،‬حتى ا لم‬
‫يحالفط الحظ في مواصلة دراستط العليا يكو قد استطاع اإللمام نسبيا ً بلغتط‪،‬‬
‫وأمور دينط‪ ،‬وتاريخ وثقافة شعبط ووعنط(‪.)101‬‬
‫"هته األهداف المتعلقة بمدرسة الجالية اليمنية كا قد حددها ورسمها لها‬
‫اآلباء األوائل من المغتربين المستنيرين التين أسهموا في نشاء المدرسة‪،‬‬
‫وكانت قد وردت على لسا األستا عبد المجيد عبد العزيز السقاف‪ ،‬مدير‬
‫المدرسة األسبق‪ ،‬ضمن حوار صحفي أجراه معط مؤلف الكتاب"‪.‬‬
‫وقد كا من أهم خريجيها محمد أحمد عبد الولي‪ ،‬وعبد العزيز ياسين السقاف‪،‬‬
‫وياسين المسعودي‪ ،‬ورجل األعمال أحمد مسعد الغراسي‪.‬‬
‫ومدرسة الجالية اليمنية لم تعد فقط في مبناها القديم بمنطقة (المركاتو)‬
‫ح لت على قطعة أرض جديدة وواسعة تقدر‬ ‫المعروفة‪ ،‬بل نها بعد أ‬
‫بـ ‪ 22000‬متر مربع‪ ،‬تمكنت الجالية‪ ،‬وبالتواصل مع مجموعة الخير (مجموعة‬
‫هائل سعيد أنعم) من بناء مدرسة حديثة وواسعة مكونة من ثالثة أدوار قريبة‬
‫من نمط البناء المعروف التي اتبعتط المجموعة في نشاءاتها التعليمية العديدة‬
‫في اليمن‪ ،‬وهي أكثر قربا ً من مدرسة المرحوم الحاج هائل سعيد بأمانة‬
‫العاصمة‪ ،‬ال أنها أكثر تنسيقاً‪ ،‬ومضاف ليها مبا ٍّ دارية ملحقة‪ ،‬وقد تم‬
‫افتتاحها في العام ‪2017 / 2016‬م وغدت مدرسة نمو جية تستحق بتجربتها‬

‫(‪ )101‬ال لوي‪ ،‬المرجع نفسط‪ ،‬ص ‪.159‬‬


‫‪103‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الطويلة المزيد من الدراسة والبحث‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق بتوثيق أعداد الطالب‬
‫الدارسين والمتخرجين منها‪ ،‬والمناهج التي كرستها‪ ،‬وتتبع من تميز ونبغ منهم‪،‬‬
‫والبحث في مكونات المناهج‪ ،‬وجدواها وأساليب التقويم وغير لك‪.‬‬
‫والحديث عن سهاماتهم في العمل الوعني ي عب يجازه في حيز كهتا ال‬
‫من قبيل عطاء شارات فقط لعل من أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬دعمهم المتواصل بالمال واإلمكانات والمشورة للمعارضة اليمنية بمسمياتها‬
‫المختلفة‪ ،‬وهو دور غير منكور أيضاً‪.‬‬
‫‪ -2‬ت درهم لحملة شراء مطبعة ل حيفة "صوت اليمن" مع زمالئهم في‬
‫ريتريا‪ ،‬وجيبوتي‪ ،‬والسودا ‪ ،‬وتركيبها عن عريق المجاهد أحمد عبده ناشر‬
‫التي أرسل عبد هللا عاهر لتركيبها‪ ،‬ولتلك (ق ة تروى) وتستحق التوثيق‪.‬‬
‫‪ -3‬تعاظم دعمهم للـ"جمعية اليمنية الكبرى"‪ ،‬و قناعهم لسيف الحق األمير‬
‫براهيم باالنضمام للجمعية بجهود المناضلين شائف محمد سعيد‪ ،‬وعبدالقوي‬
‫مدهش الخرباش‪ ،‬وأحمد عبده ناشر التي هيأ لألمير أيضا ً فرصة اللقاء‬
‫باالمبراعور التي أدهشط بمعلوماتط الوافرة عن اليمن وظروفها وحاجتها‬
‫لك بفضل أحمد عبده ناشر التي‬ ‫للتغيير‪ ،‬وأبدى لط استعداده لدعمط‪ .‬وكا‬
‫بات مقربا ً من االمبراعور‪ ،‬بل وأضحى مستشارا ً لط‪.‬‬
‫‪ -4‬أسسوا صندوقا ً لتلقي التبرعات من المهاجرين‪ ،‬ودعموا بط الحركة الوعنية‪،‬‬
‫وقدموا منط المساعدات للمحتاجين‪ ،‬وأسهموا من خاللط في بناء العديد من‬
‫المؤسسات التعليمية في اليمن‪ ،‬سواء قبل الثورة أو بعدها‪ ،‬مما ي عب تناولط‬
‫وح ره هنا‪ .‬كما عبعوا منط المنشورات التي كا يتم توزيعها للمهاجرين‬
‫والمغتربين‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -5‬تمكنوا من بناء عالقات قوية مع البالع االمبراعوري‪ ،‬حتى غدا أحمد عبده‬
‫ناشر العريقي‪ ،‬ومطهر سعيد صالح العريقي مستشارين مقربين يستأنس‬
‫بآرائهما االمبراعور في كل مالط صلة باليمن‪ .‬كما كانت لقيادات الجالية‬
‫عالقات واسعة مع الطبقة السياسية وأعضاء البرلما ‪ .‬وقد أثمر لك‪ -‬على‬
‫سبيل المثال‪ -‬عندما علب اإلمام عام ‪1948‬م من االمبراعور تسليم بعض‬
‫األحرار اليمنيين‪ ،‬وفي مقدمتهم كل من (أحمد عبده ناشر العريقي‪ ،‬ومطهر‬
‫سعيد صالح العريقي‪ ،‬وعبدالقوي الخرباش‪ ،‬وعبدهللا عبدالغني الشوافي‪،‬‬
‫وعبداللطيف عارش الشوافي‪ ،‬ومحمد علي الهريش العريقي‪ ،‬وأحمد‬
‫عبدالولي العبسي‪ ،‬ومحمد مهيوب‪ ،‬وعباس الزبيري‪ ،‬وسيف أحمد التبحاني‪،‬‬
‫وشائف محمد سعيد) وغيرهم‪ ،‬فرفض االمبراعور الطلب بعد عرضط أيضا ً‬
‫لك‪.‬‬ ‫على البرلما ورفض البرلما‬
‫ولم يقف تأثيرهم عند لك المستوى‪ ،‬بل عكس نفسط من خالل سهاماتهم في‬
‫بناء البنية التحتية للحبشة‪ ،‬سواء بخطوع السكة الحديد‪ ،‬أو بالموانئ في ريتريا‬
‫الحالية‪ ،‬وفي تنشيط الحركة التجارية وغيرها كثير‪.‬‬
‫‪ -4‬إريتريا‪:‬‬
‫تميز الوجود اليمني في ريتريا بتكوين تنظيم اجتماعي تجاوز السقف‬
‫الوعني لى المستوى القومي العربي للعرب المقيمين في ريتريا (وقد كانت‬
‫جزءا ً من دولة الحبشة بالضم واإللحا )‪ ،‬و لك حتى قبل تأسيس الجامعة‬
‫العربية(‪ ، )102‬وكا من أشهر من رأس هتا التنظيم من اليمنيين‪ ،‬الشيخ سعيد‬
‫باعقيل‪ ،‬ومحمد أبوبكر باخشب‪ ،‬وأحمد عبيد باحبيشي‪ ،‬ومحمد علي العبسي‪،‬‬
‫ومن ور عبدالعزيز الحميري‪.‬‬

‫(‪ )102‬ال لوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.176‬‬


‫‪105‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫هناك بسيطرتهم على التجارة والثقافة‪،‬‬ ‫اليمنيو‬ ‫كما تميز المغتربو‬


‫وساعدهم على لك دعم بعض المواعنين من قبيلة العفر (أنكاال) ومشاركتهم‬
‫لهم‪ ،‬وقد كانوا مقربين من اإليطاليين دو غيرهم من قبيلة العفر‪( .‬وقد أكد لي‬
‫المعلومات السابقة وغيرها أيضا ً العم المرحوم شائف محمد سعيد صالح‪ ،‬التي‬
‫كا مقربا ً من الحكيم أحمد عبده ناشر‪ ،‬ويعده ولده ومندوبط في ريتريا الحالية‪،‬‬
‫وقد عزز هته العالقة عالقة عمط مطهر سعيد صالح بأحمد عبده ناشر‪ ،‬ثم نهم‬
‫جميعا ً أبناء قرية واحدة‪ ،‬وزاد من األلفة بينهما تقارب القناعات ووحدة المعاناة‬
‫أيضاً‪ ،‬كما جمع في نشاعط بين دوره من خالل الجالية‪ ،‬والشكل التي نشأ في‬
‫أسمرا وع ب)‪.‬‬
‫ولم يقت ر التأثير الثقافي على ع ب‪ ،‬بل تجاوزه لى مناعق كثيرة‪ ،‬ومنها‬
‫أسمرا ‪ ،‬ويعود الفضل بتلك لى تواتر العديد من األسباب التي امتدت عبر قرو‬
‫من نشر العقيدة‬ ‫من التواصل واالحتكاك والتعايش‪ ،‬تمكن فيها اليمنيو‬
‫اإلسالمية‪ ،‬بما يقتضي لك من تالزمها مع اللغة العربية كوعاء لنشر تلك‬
‫سيطرتهم على التجارة ساعدت على زيادة لك التأثير‪ .‬كما أ‬ ‫التعاليم‪ ،‬ثم‬
‫التأثير الثقافي قد حدث بما أسهمت بط الجالية‪ ،‬والمعهد اإلسالمي التي أنشأوه‬
‫بمبادرة من أح مد عبيد باحبيشي و خوانط‪ ،‬واستجلبوا لط مدرسين غالبيتهم من‬
‫األزهر‪ .‬وقد أضفى هتا األمر تميزا ً ألنط كا أول معهد يستخدم معلمين من‬
‫وي المؤهالت العليا‪ ،‬األمر التي ساعد على نشر تعاليم الدين‪ ،‬وأسهم في تعليم‬
‫اللغة العربية‪ .‬كما انعكس لك على مستوى الخريجين‪ ،‬ومكن بعضهم من‬
‫الح ول على منح دراسية لى األزهر وغيره(‪ .)103‬والحق أ هته المؤسسة‬
‫التعليمية اليمنية العريقة التي ظلت تؤدي رسالتها اإلنسانية النبيلة ألكثر من‬

‫(‪ )103‬ال لوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.192‬‬


‫‪106‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ن ف قر من الزما ‪ ،‬كما أسهمت بدور بارز في نشر تعاليم الدين اإلسالمي‬


‫الحنيف‪ ،‬وتعليم اللغة العربية ألبناء المغتربين وأبناء الشعب اإلريتري المسلم‪،‬‬
‫جديرة بأ يطلق عليها المدرسة العربية األولى في قارة فريقيا‪.‬‬
‫كما أنشأت الجالية مدرسة في أسمرا‪ ،‬وقد شملت المراحل الثالث بعد‬
‫ح ول الجالية على دعم بعض الدول العربية‪ ،‬ومنها م ر‪ ،‬واليمن‪،‬‬
‫والسعودية‪ ،‬وليبيا‪ .‬وقد تم بناؤها ومن ثم افتتاحها في العام ‪1942‬م‪ ،‬أي في نفس‬
‫العام التي فتحت فيط مدرسة الجالية بأديس أبابا‪ ،‬وقد أوقفوا لها بعض‬
‫العقارات‪ ،‬و لك ما ساعدها على االستمرار عيلة ‪ 34‬سنة حتى أممت(‪ .)104‬وقد‬
‫كا لم ر عبد الناصر فضل السبق بتقديم الدعم لهته المدرسة‪ ،‬حيث اعتمدت‬
‫لها ميزانية سنوية قدرها (‪ 3000‬جنيط‪ ،‬باإلضافة لى مرتب ألربعة مدرسين‪،‬‬
‫لك مبلغا ً يعتد بط)‪.‬‬ ‫وقد كا‬
‫وقد بلغ عدد عالبها قبل غالقها بعد استقالل ريتريا في العام ‪ 85 / 84‬م‬
‫(‪ 820‬عالبا ً وعالبة)‪ ،‬وهو عدد يؤكد على تميز هته المدرسة‪ ،‬حيث كانت تعمل‬
‫فترتين‪ ،‬صباحية ومسائية‪ ،‬وقد تكو مبناها من جناحين ضما ‪ 21‬ف الً دراسيا ً‬
‫بثالثة أدوار‪ ،‬ضافة لى مسجد‪ ،‬ومعمل‪ ،‬ومكتبة ثقافية‪ ،‬ومكتبة للكتب‬
‫الدراسية‪ ،‬وقاعة محاضرات‪ ،‬ونا ٍّد ثقافي‪ ،‬ومرفقات أخرى‪.‬‬
‫مما يؤكد على تميزها أنها كانت تدرس بثالث لغات (العربية‬ ‫كما أ‬
‫واإلنجليزية واألثيوبية التي حلت محلها بعدئ ٍّت التجرينية)‪ ،‬ومن ال فوف‬
‫األولى‪ ،‬حتى أ خريج المدرسة االبتدائية كا يجيد اللغات الثالث قراءة وكتابة‬
‫ونطقا ً(‪.)105‬‬

‫(‪ )104‬ال لوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 181‬وما بعدها‪.‬‬


‫(‪ )105‬ال لوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 210‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وقد حد من تأثيرهم تضررهم من الحرب األثيوبية اإلريترية‪ ،‬حيث قتل‬


‫الكثيرو ‪ ،‬ثم نتيجة لنزوح الكثير منهم لى السودا ‪ ،‬ضافة لى تأثير التأميم‬
‫والم ادرة التي تعرضوا لها با حكم منجستو هيال مريام‪ ،‬وكتلك ضعف‬
‫حضور دور الدولة اليمنية‪.‬‬
‫‪ -5‬جيبوتي‪:‬‬
‫قال المرحوم محمد عبد الواسع حميد‪ ،‬وقد كا أحد مغتربينا هناك (عالبا ً ‪/‬‬
‫المهاجرين اليمنيين دائما ً ما يتركو تأثيرهم‬ ‫موظفا ً ‪ /‬سفيرا ً فيما بعد)‪" ،‬‬
‫ليها‪ ،‬بعكس الجاليات األخرى‪ ،‬وقد أحدثوا‬ ‫وب ماتهم في البلدا التي يتهبو‬
‫نفس هتا التأثير في جمهورية جيبوتي‪ ،‬صحيح أ اللغة العربية بدأت تظهر‬
‫مؤخرا ً بشكل واسع‪ ،‬ال أ اليمنيين كا لهم فضل تعليم هته اللغة ونشرها في‬
‫أوساع أبناء الشعب الجيبوتي منت وقت مبكر"(‪.)106‬‬
‫وقد ت در براهيم العطار‪ ،‬ومحمد عبد الواسع حميد‪ ،‬وأحمد شعال ‪ ،‬وعلي‬
‫عاهر‪ ،‬حملة الدعم لحركة األحرار اليمنيين‪ ،‬ممثلين بـ"حزب األحرار"‪ ،‬أو بما‬
‫تاله من أشكال‪ ،‬حتى بلغ ضيق اإلمام بهم حد شكواهم لى السلطات الفرنسية‬
‫التي لم تتوا َ عن تهديدهم بالترحيل وتسليمهم لسلطات اإلمام‪ .‬وقد كانت هته‬
‫الجهود ما فردية أو تنسيقية وسط مجاميع صغيرة؛ ألنهم لم يتمكنوا من تشكيل‬
‫تجمع نقابي يوحد جهود الجميع‪ ،‬ومع لك كا تأثيرهم واضحاً‪.‬‬
‫أما عن دور الجالية‪ ،‬فباإلضافة لى بدايات التجمع التي تأخر حتى منت ف‬
‫عقد الخمسينيات‪ ،‬فقد كا أداؤها ضعيفا ً نتيجة تدخل السلطات الفرنسية في‬
‫أدائها وتهديد قياداتها‪ ،‬األمر التي أدى لى حجامها عن التواصل مع المعارضة‬
‫اليمنية‪ ،‬ضافة لى أسباب أخرى منها تشتت المغتربين‪ ،‬والخالفات التي كانت‬

‫(‪ )106‬ال لوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.214‬‬


‫‪108‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫سببا ً في ضعف أداء الجالية بلجوئهم لى المحاكم والسلطات الفرنسية وغيرها‪،‬‬


‫رغم أ المغتربين والمهاجرين اليمنيين يمثلو (ثمن) سكا جيبوتي البالغ‬
‫عددهم ‪ 400‬ألف نسمة تقريباً‪.‬‬
‫و ا كا نشاعهم الثقافي قد تبدت آثاره من خالل انتشار اللغة العربية‪،‬‬
‫وتأثيرهم في العادات والتقاليد الجيبوتية‪ ،‬لما للدين اإلسالمي من صلة وعالقة‬
‫عضوية باللغة العربية‪ ،‬فقد كا من الطبيعي أيضا ً أ يكو لهم نشاع تعليمي‬
‫في وسط الجالية اليمنية والمجتمع الجيبوتي‪ ،‬ولتلك تأسست "مدرسة النجاح"‬
‫عام ‪ 1928‬م على نفقة المرحوم (علي كبيش) وآخرين‪ ،‬واستجلبت مدرسيها من‬
‫حضرموت‪ ،‬كما درس بها المرحوم عبدالقادر عبداإللط األغبري وغيره‪ ،‬وقد‬
‫عملت بفترتين صباحية ومسائية‪ ،‬وكا قوام ف ولها ستة ف ول‪ ،‬ضافة لى‬
‫الفرنسيين حاربوا قيامها بتدريس اللغة‬ ‫المرافق‪ ،‬ومع أنها مدرسة تقليدية ف‬
‫ب ورة غير مباشرة‪ ،‬تمثلت بالتوسع في فتح المدارس المعتمدة‬ ‫العربية‪ ،‬و‬
‫اللغة الفرنسية‪ ،‬كما كانوا يرفضو قبول األعفال الراغبين بدخول المدارس‬
‫الفرنسية ممن بلغوا سن العاشرة باشتراعهم قبول األعفال بدخول المدارس‬
‫الفرنسية ممن هم في سن السابعة‪.‬‬
‫كما سعت الجالية‪ ،‬وفي مقدمتهم عاهر سعيد سيف‪ ،‬وعبدالرحمن أحمد عط‬
‫(أكبر المتبرعين)‪ ،‬لى بناء مدرسة الجالية اليمنية عام ‪1991‬م‪ ،‬وهي مدرسة‬
‫حديثة تعمل على ثالث فترات (بنات ‪ /‬أوالد ‪ /‬محو أمية)‪ .‬ومعظم المعلومات‬
‫هنا مقتبسة من كتاب (الهجرات اليمنية)(‪ ،)107‬وقد تمتعت المدرسة بدعم‬
‫الحكومة اليمنية التي اعتمدت لها ميزانية كبيرة كانت في السابق (‪ 120‬ألف‬
‫دوالر‪ ،‬ثم تقل ت لى ‪ 50‬ألف دوالر في السنة عام ‪2000 / 99‬م)‪ .‬كما تعتمد‬

‫(‪ )107‬ال لوي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.215‬‬


‫‪109‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الحكومة اليمنية شهادات السنوات النهائية ‪ -‬األساسية‪ ،‬والثانوية‪ ،‬وتشرف على‬


‫أداء االمتحانات فيها‪ ،‬كما تقدم الحكومة المناهج التعليمية للمدرسة ولعشرات‬
‫المدارس الجيبوتية‪.‬‬
‫وقد بلغ عدد الطالب في العام (‪2000 / 99‬م) (‪ 850‬عالبا ً وعالبة)‪ ،‬كما‬
‫تقدم الحكومة اليمنية منحا ً لخريجيها ولبعض الطلبة الجيبوتيين‪.‬‬
‫وفي الوقت التي يمكننا فيط تسجيل االمتنا للحكومة اليمنية ل نيعها هتا‬
‫اللوم يبقى حاضرا ً بسبب تكريسها لمناهج موسومة‬ ‫التي هو من واجباتها‪ ،‬ف‬
‫بالضعف‪ ،‬وبتكريس التوجط السياسي‪ ،‬وباختالالت كثيرة ال يمكن ح رها هنا‪،‬‬
‫كنت قد أوردت بعض معايير التعليم المجود عند حديثي عن التعليم‬ ‫و‬
‫والثقافة‪.‬‬
‫ولعل ما دفعني لقول لك هو أ التأثير الثقافي على المتلقين في جيبوتي كا‬
‫سيكو أفضل وأبلغ لو امتلكنا تعليما ً محكوما ً كما سبق اإليضاح‪.‬‬
‫‪ -‬ورد في تقرير عن المدرسة اليمنية في جيبوتي‪ ،‬ما يلي(‪:)108‬‬
‫عدد اليمنيين في جيبوتي ي ل لى ‪ 70000‬نسمة‪ ،‬وكثير منهم‬ ‫‪-1‬‬
‫متجنسو ‪.‬‬
‫‪ -2‬عدد العاملين في المدرسة (‪ 51‬موظفاً) بين داريين‪ ،‬ومعلمين‪ ،‬وعمال‪.‬‬
‫وي ل عدد الطالب لى (‪ 676‬عالبا ً وعالبة)‪ ،‬وأنط تخرج من المدرسة‬
‫(‪ )21‬دفعة‪ ،‬وعددهم (‪ )752‬عالبا ً وعالبة‪.‬‬
‫‪ -3‬تشرف وزارة التربية والتعليم اليمنية على االمتحانات األساسية والثانوية‬
‫العامة‪.‬‬

‫(‪ )108‬م دره األخ العزي ال لوي (عضو لجنة مكلفة من وزار ة المغتربين لبحث‬
‫موضوع المدرسة هناك) تاريخط ‪2013‬م‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -4‬تعاني المدرسة من ضعف ميزانية التشغيل‪ ،‬ومن تأخر وصول الكتاب‬


‫المدرسي‪ ،‬ومن عدم تلبية احتياجاتها في مجال التدريب والتأهيل للكادر‬
‫التربوي للمدرسة‪.‬‬
‫‪ -5‬أكد على حاجتها للتوسع‪ ،‬وتحسين أوضاع المعلمين‪ ،‬وبناء معمل للعلوم‪،‬‬
‫ودعم المدرسة بأجهزة كمبيوتر ال تقل عن (‪ )30‬جهازاً‪ ،‬وشراء باصات‬
‫للمواصالت‪ ،‬وحاجتها للوسائل‪ ،‬ولمكتبة ثقافية وعلبات أخرى عديدة‪.‬‬
‫‪ -6‬اقترح التقرير فتح كلية مجتمع لتأهيل الخريجين غير المقتدرين على‬
‫مواصلة الدراسة الجامعية بالخارج‪.‬‬
‫(ال ندري ما استجد من معالجات للمشاكل التي وردت في التقرير السابق)‪.‬‬
‫‪ -6‬الصومال‪:‬‬
‫تأسست الجالية العربية اليمنية في العام ‪1942‬م تحت مسمى "اتحاد التجار‬
‫العرب وال ومال"‪ ،‬ثم تحولت التسمية لى "نادي الشباب اليمني"‪ .‬ويقول عبد‬
‫الحميد سالم الشيباني أ الجالية تأسست في العام ‪1943‬م‪ ،‬وقد شغل هو أمينها‬
‫العام حتى العام ‪1945‬م‪ ،‬كما تم نشاء "نادي الشباب اليمني" في نفس العام‪.‬‬
‫وقد أنشأ نادي الشباب اليمني "مدرسة الفالح" التي استمرت تؤدي دورها‬
‫لعدة سنوات‪ ،‬ثم توقفت نتيجة نشوب الخالفات بين أعضاء النادي التي وصلت‬
‫لى حد تجميد النشاع‪ ،‬لكن جهود بعض الخيرين من أبناء الجالية قادت بدعمهم‬
‫السخي لى عودة المدرسة‪ ،‬حتى أنها استمرت لى قرب نهاية عقد الستينيات‬
‫عندما توقف نشاعها وتبرعت الجالية بها لى الحكومة ال ومالية‪ .‬ولعل من‬
‫أهم أسباب انتهاء دورها كمدرسة تتبع الجالية قرار الحكومة ال ومالية "بحق‬
‫اختيار المهاجر اليمني للجنسية ال ومالية‪ ،‬األمر التي دفع الغالبية لى‬

‫‪111‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫التجنس‪ ،‬وخاصة من األبناء المولدين"‪ ،‬كما يرجع لك لى الخالفات المستمرة‬


‫بين أوساع الجالية‪.‬‬
‫‪ -7‬كينيا‪:‬‬
‫في صورة تقرير داخلي مجتزأ (بخط اليد) قدم من رئيس وفد من وزارة‬
‫المغتربين زار كينيا بمهمة تفقدية‪ ،‬ومجهول التاريخ‪ ،‬يفيد بما يلي(‪:)109‬‬
‫‪ -1‬نشاع الجالية اليمنية هناك ‪ -‬بحسب التقرير‪ -‬يتداخل مع نشاع السفارة‪،‬‬
‫المهام التي تؤديها الجاليات عادة يمكن‬ ‫ويقول تحت رقم البند (‪" )10‬‬
‫دراجها ضمن اخت اصات السفارات اليمنية حتى ال تكو هناك ازدواجية‬
‫في العمل بين عمل السفارة وعمل الجالية من ناحية‪ ،‬وليتم ف ل‬
‫االخت اصات والتضارب في المهام بين وزارة الخارجية ووزارة شؤو‬
‫المغتربين"‪.‬‬
‫(وهته اإلشارة تؤكد على صحة ما هبت ليط من ضرورة عادة ت حيح‬
‫العالقة بين عمل ونشاع الجاليات والجهات الرسمية‪ ،‬بما يعيد لكيانات‬
‫المهاجرين والمغتربين صفة العمل النقابي المطلوب‪ ،‬و لك ما اقترحتط في‬
‫بعض التوصيات الخاصة بتحسين األداء‪ ،‬خاصة أ هته المالحظة التي‬
‫أبداها كاتب التقرير يمكن مالحظتها في أداء الجاليات بشكل عام)‪.‬‬
‫‪ -2‬يتحدث كاتب التقرير عن دهشتط لما رآه في هتا البلد من انتشار وكثافة‬
‫المساجد التي أقيمت على أحدث مواصفات التراث اإلسالمي‪ ،‬وتتسع‬
‫آلالف الم لين‪ ،‬واألعداد العالية لمرتاديها أوقات ال الة‪ ،‬وخاصة في‬
‫الساحل الكيني والطريق الرابط بين ممباسا والعاصمة نيروبي‪ ،‬عبر عريق‬
‫يمتد عولط لى حوالي (‪ 600‬كيلو متر) أو يزيد‪ ،‬وملحق بهته المساجد غالبا ً‬

‫(‪ )109‬ال لوي‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬


‫‪112‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مدارس دينية‪ ،‬ضافة لى (رياض أعفال أحياناً‪ ،‬وبعض المدارس الكبيرة‬


‫التي أقامها المغتربو اليمنيو ويتحملو تكاليف دارتها وتشغيلها)‪.‬‬
‫‪ -3‬أورد التقرير بيانات ومعلومات بأسماء المدارس ومواقعها الجغرافية‬
‫وعدد الف ول والمدرسين والطالب وأسماء الممولين لها‪ ،‬نوجزها في‬
‫الجدول اآلتي‪:‬‬
‫جدول (‪ )13‬مدارس يرعاها ويمولها مهاجرو ومغتربو يمنيو في كينيا‬
‫عدد‬ ‫عدد‬ ‫عدد‬
‫مالحظات‬ ‫الممول والراعي‬ ‫الموقع‬ ‫اسم المدرسة‬ ‫الرقم‬
‫الفصول المدرسين الطالب‬
‫ملحقة‬ ‫الشيخ صالح محسن‬
‫‪120‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪4‬‬ ‫مدرسة شيبو اإلسالمية ممباسا‬ ‫‪-1‬‬
‫بجامع‬ ‫بن شقو‬
‫ملحق بها‬
‫تبرعات المغتربين‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪17‬‬ ‫ممباسا‬ ‫المدرسة المنورة‬ ‫‪-2‬‬
‫روضة‬
‫ملحق بها‬
‫محمد صالح باوزير‬ ‫‪880‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪23‬‬ ‫ممباسا‬ ‫مدرسة قباء‬ ‫‪-3‬‬
‫روضة‬
‫محمد صالح باوزير‬ ‫‪300‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪16‬‬ ‫ممباسا‬ ‫المعهد األزهري‬ ‫‪-4‬‬
‫تبرعات المسلمين في‬ ‫مدرسة ليواتوني‬
‫‪99‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ممباسا‬ ‫‪-5‬‬
‫الداخل والخارج‬ ‫اإلسالمية‬
‫الشيخ عاهر سعيد‬ ‫مدرسة الشيخ نورين‬
‫‪137‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬ ‫ممباسا‬ ‫‪-6‬‬
‫الحاتمي اليمني‬ ‫اإلسالمية‬
‫؟‬ ‫‪250‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪10‬‬ ‫ماليندي‬ ‫مدرسة مكارم األخال‬ ‫‪-7‬‬
‫حسين عبدالرحمن‬
‫‪120‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ماليندي‬ ‫مدرسة التهتيب‬ ‫‪-8‬‬
‫البيض‬
‫عشر مدارس ملحقة‬
‫حسين عبدالرحمن‬
‫؟‬ ‫؟‬ ‫؟‬ ‫ماليندي‬ ‫بمدرسة التهتيب في‬ ‫‪-9‬‬
‫البيض‬
‫النواحي‬
‫تبرعات المغتربين‬ ‫‪202‬‬ ‫ـــ‬ ‫ـــ‬ ‫ممباسا‬ ‫روضة المدرسة المنورة‬ ‫‪-10‬‬
‫محمد صالح باوزير‬ ‫‪240‬‬ ‫ـــ‬ ‫‪6‬‬ ‫ممباسا‬ ‫روضة مدرسة قباء‬ ‫‪-11‬‬
‫تبرعات المسلمين‬ ‫‪129‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ممباسا‬ ‫روضة مدرسة ليواتوني‬ ‫‪-12‬‬
‫الشيخ عاهر سعيد‬ ‫روضة مدرسة الشيخ‬
‫‪42‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ممباسا‬ ‫‪-13‬‬
‫الحاتمي‬ ‫نورين‬
‫ونالحظ من الجدول السابق ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تعدد وتنوع المؤسسات التعليمية التي يرعاها مهاجرونا ومغتربونا في كينيا‬
‫بين مراحل التعليم المختلفة في نطا التعليم العام والتعليم الديني‪.‬‬
‫‪ -2‬تركز النشاع التربوي والتعليمي في ممباسا‪ ،‬وماليندي‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -3‬قلة عدد المدرسين قياسا ً لى عدد الف ول الدراسية والطالب‪ ،‬وهتا يحتاج‬
‫معالجة مبنية على معلومات دقيقة حول عبيعة عمل كل مدرسة‪ ،‬وما تكرسط‬
‫من المناهج‪ ،‬وغير لك من المعلومات المطلوبة‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم وضوح نوع المناهج المكرسة في تلك المدارس من حيث (هل هي‬
‫وعنية كينية‪ ،‬أم يستعا بمناهج أجنبية‪ ،‬أم أ بينها مدارس تعتمد المناهج‬
‫اليمنية)‪.‬‬
‫‪ -5‬على الرغم من عدم وضوح نوع المناهج السائدة والمكرسة في تلك‬
‫التجارب التعليمية ال شك أنها جيدة ومقبولة‪ ،‬قياسا ً على‬ ‫المدارس ف‬
‫المعهود من المكرس في مدارسنا في الداخل اليمني‪ ،‬ولعل مما يدعوني لقول‬
‫لك ما هو مالحظ في الجدول من انتشار لمدارس رياض األعفال‪ ،‬وهي‬
‫حالة نفتقدها في مدارسنا في الداخل اليمني‪ ،‬وكتلك تميز ما يعتمد من‬
‫تدريس اللغات األجنبية وغيرها‪ ،‬كما يشير جدول سابق بكشف تف يلي عن‬
‫مدارس الجاليات اليمنية بأ "مدرسة الشيخ صالح بن شقو " يبلغ عدد‬
‫عالبها (‪ 200‬لى ‪ 250‬عالبا ً وعالبة) وليس (‪ )120‬بحسب ما ورد في‬
‫الجدول أعاله‪ ،‬وأنها مدرسة أساسية من (‪ )9:1‬وتقدم ثالث مواد باللغة‬
‫العربية‪.‬‬
‫كما يشير الجدول السابق كره لى أ "مدرسة الفالح اإلسالمية"‪ ،‬وهي‬
‫مدرسة لم يشر ليها التقرير الداخلي لوفد وزارة المغتربين بكونها مدرسة‬
‫أساسية من (‪ ،)9:1‬أ عدد عالبها (بين ‪ 250‬لى ‪ 300‬عالب وعالبة)‪ ،‬وتقدم‬
‫معارفها وفق المنهج الكيني‪ ،‬مع تقديم ثالث مواد باللغة العربية‪.‬‬
‫وكتلك الحال بالنسبة لـ"مدرسة الهالل اإلسالمية األساسية" (‪ )9:1‬التي‬
‫يبلغ عدد عالبها (بين ‪ 150‬لى ‪ 200‬عالب وعالبة)‪ ،‬وتعتمد المنهج الكيني‪ ،‬مع‬

‫‪114‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫تقديم ثالث مواد باللغة العربية‪ .‬ولربما أ المدرستين األخ َر َيين لم ي ل وفد‬
‫وزارة المغتربين ليهما‪ ،‬ولتلك لم يضمناها في التقرير المتكور‪ ،‬كما يالحظ‬
‫التضارب بين أعداد الطالب بين التقرير المتكور وبين الجدول المشار ليط‬
‫بأعاله‪.‬‬
‫وتبقى حاجتنا قائمة للح ول على معلومات وبيانات أكثر حول تجارب هته‬
‫كل منها (عام‪ /‬ديني)‪ ،‬والمناهج السائدة‪،‬‬
‫المدارس‪ ،‬وروادها‪ ،‬ونوع التعليم في ٍّ‬
‫وغير لك من المعلومات الالزمة لتأسيس بنك معلومات يساعد على معرفة‬
‫كل منها‪ ،‬وتمكن من‬
‫نوع التدخالت المطلوبة التي تساعد من رفع مستوى أداء ٍّ‬
‫تطويرها واستمرارها‪.‬‬
‫كما يشير التقرير لى أ من أهم المساجد المنتشرة التي يرعاها المغتربو‬
‫اليمنيو في كينيا المساجد اآلتية‪:‬‬
‫‪ .1‬مسجد النور‪ ،‬ممباسا‪ ،‬وقد أسسط ويرعاه الشيخ صالح سعيد بن شرما ‪.‬‬
‫‪ .2‬مسجد قباء‪ ،‬ممباسا‪ ،‬وقد أسسط ويرعاه الشيخ محمد صالح باوزير‪.‬‬
‫‪ .3‬مسجد شيبو‪ ،‬ممباسا ‪ ،‬وقد أسسط ويرعاه الشيخ صالح محسن بن شقو ‪.‬‬
‫‪ .4‬مسجد النورين‪ ،‬ممباسا‪ ،‬وقد أسسط ويرعاه الشيخ عاهر بن سعيد الحاتمي‪.‬‬
‫‪ .5‬مسجد الفالح ممباسا‪ ،‬وقد أسسط ويرعاه الشيخ صالح محسن بن شقو ‪.‬‬
‫‪ .6‬مسجد ليواتوني ممباسا‪ ،‬وقد أسسط ويرعاه المغتربو بالتبرعات‪.‬‬
‫‪ .7‬خمسة مساجد في (ماليندي) أسسها المغتربو هناك‪.‬‬
‫ضافة لى مساجد أخرى كثيرة لم يتعرف عليها كاتب التقرير المتكور‪.‬‬
‫ومما تجدر اإلشارة ليط‪ ،‬أ تلك المدارس والمساجد ال شك أنها تلعب دورا ً‬
‫تأثيريا ً واسعا ً داخل المجتمع الكيني‪ ،‬وتؤثر في ثقافتط أيضاً‪ ،‬ولعل مما يؤكد‬
‫على لك التقارب اال جتماعي بين المهاجرين والمغتربين‪ ،‬وبين أبناء المجتمع‬

‫‪115‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الكيني و سهامات المهاجرين والمغتربين الخيرية التي تعم أبناء المجتمع بشكل‬
‫عام‪ ،‬وبعضها الخاصة بالمسلمين اليمنيين والكينيين أيضاً‪ .‬والحاجة لجمع‬
‫معلومات أكثر تبدو ملحة للمساعدة في رفع مستوى تأثيرها‪ ،‬وتنقية رسالتها‬
‫الوعظية واإلرشادية‪ ،‬خاصة أ بعضها لها مدارس ملحقة‪.‬‬
‫ويسهم المغتربو ‪ ،‬وخاصة رموزهم‪ ،‬بأعمال خيرية كثيرة بشكل فردي أو‬
‫بالتنسيق مع "الجمعية الخيرية العربية"‪ ،‬منها ما يكرس في الداخل الكيني‪،‬‬
‫ومنها ما يمتد لى الداخل اليمني‪ ،‬ولعل من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬بناء مستشفى في مدينة ماليندي يتحمل أغلب نفقات تشغيلط المغتربو ‪،‬‬
‫ضافة لى تقديم المساعدات للمرضى في المستشفيات‪ ،‬ضافة لى تمويل‬
‫الشيخ صالح بن شقو لعيادة الن ر في ممباسا‪.‬‬
‫‪ .2‬أوقف المغتربو عدة منازل تنفق يجاراتها المقدرة (‪ 50‬ألف شلن كيني)‬
‫ل الح مقابر المسلمين‪ ،‬كما أنشأوا مقبرة وبداخلها مسجد لل الة ومزودة‬
‫بسيارة لنقل الموتى‪ ،‬وموظفين‪ ،‬وعمال لخدمة المسجد والمقبرة للقيام‬
‫بترتيبات الجنائز والدفن دو تحميل أقارب المتوفين أي أعباء مالية ناتجة‬
‫عن لك‪.‬‬
‫‪ .3‬تقديم المعونات والمساعدات للمحتاجين من المغتربين والمتضررين من‬
‫الحروب والسيول‪ ،‬وحل مشاكل من يرغبو بالعودة لى اليمن من‬
‫المعسرين‪.‬‬
‫‪ .4‬حفر اآلبار العديدة في منطقة ماليندي بحسب علبات األهالي وعلى حساب‬
‫المغتربين‪.‬‬
‫‪ .5‬تحمل تكاليف تشغيل وصيانة المدارس والمساجد ومرتبات العاملين فيها‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ .6‬بناء العديد من المشاريع في منطقة المهرة اليمنية على حساب الشيخ صالح‬
‫بن شقو ‪.‬‬
‫‪ .7‬يقاف الشيخ عاهر بن سعيد الحاتمي ــ أحد كبار التجار ــ العديد من‬
‫المباني ل الح مسجد الشيخ نورين‪ ،‬التي أسسط في ممباسا‪ ،‬ويتكو من‬
‫عابقين ومكتبة واسعة وملحق بط مستوصف ومدرسة‪ ،‬ويتسع لعدد ثالثة‬
‫آالف م ٍّل ( كورا ً و ناثاً)‪.‬‬
‫يالحظ مما تقدم تدني اهتمام سلطات الدولة اليمنية بأحوال المغتربين هناك‬
‫وحقهم في الرعاية والعو ومساعدتهم على تعظيم تأثيرهم‪ ،‬و لك مما حد من‬
‫تأثير المهاجرين والمغتربين‪.‬‬
‫‪ -8‬تنزانيا‪:‬‬
‫(‪)110‬‬
‫تتحدث عن التجارب التعليمية في تنزانيا‪،‬‬ ‫من ورقة مكتوبة بخط اليد‬
‫نستشف منها ما يلي‪:‬‬
‫البدايات التعليمية اليمنية خاصة والعربية عامة في تنزانيا كانت ب ورة‬ ‫‪-1‬‬
‫(علمات) (معالمات) بدأت بجهود يمنية‪ ،‬عمانية‪ ،‬ركزت على تعليم القرآ‬
‫الكريم وتالوتط‪ ،‬وعلى اللغة العربية‪ ،‬والفقط الشافعي‪ ،‬وكا من أهمها‪:‬‬
‫أ‪ -‬علمة عبد القادر عبد الرحمن الجنيد‪.‬‬
‫ب‪ -‬علمة محمد سعيد عامر الشبيبي‪.‬‬
‫ت‪ -‬علمة عمر محمد بافضل‪.‬‬
‫ث‪ -‬علمة المعلم عبدهللا باحميد‪.‬‬
‫ج‪ -‬علمة المعلم سعيد بن عرش‪ ،‬وكا يعلم فيها أيضا ً كتاب البرزنجي للمولد‪.‬‬
‫ح‪ -‬علمة المعلم سالم حميدا ‪ ،‬وكا يعلم فيها أيضا ً كتاب البرزنجي للمولد‪.‬‬

‫(‪ )110‬ال لوي‪ ،‬العزي‪ ،‬وثيقة غير منشورة‪.‬‬


‫‪117‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ - 2‬افتتحت العديد من المدارس في تنزانيا بعدئ ٍّت ومن أهمها‪:‬‬


‫أ‪ -‬مدرسة شنجا‪ :‬وقد افتتحت قبل أكثر من (‪ 70‬عاماً) على مساحة مائة متر‬
‫مربع‪ ،‬وقد أسسها أحمد يسلم العاكف‪ ،‬وعلى الرغم من أنها أغلقت لعدة‬
‫أعوام ف نها عادت للنشاع بعد أ أعيد فتحها في العام ‪1961‬م‪ ،‬وما زالت‬
‫مستمرة حتى اآل ‪ ،‬وهي مدرسة أولية تهتم بتعليم القرآ الكريم وعلومط‪،‬‬
‫واللغة العربية‪.‬‬
‫ب‪ -‬مدرسة اإلرشاد‪ :‬وبها روضة أعفال ملحقة‪ ،‬وتعود ملكيتها ألسرة األستا ة‬
‫خديجة علوي (يمنية) الحاصلة على ليسانس في العلوم اإلسالمية من‬
‫اإلمارات‪ ،‬ويعمل بالمدرسة مدرسو حاصلو على مؤهالت تربوية‪ ،‬وتهتم‬
‫المدرسة كثيرا ً بتعليم اللغة العربية‪ ،‬والتربية اإلسالمية‪ ،‬والتربية الوعنية‬
‫اليمنية‪ ،‬ويبلغ عدد عالبها بين ‪ 200‬لى ‪ 300‬عالب وعالبة‪.‬‬
‫ج‪ -‬مدرسة الجالية اليمنية القديمة‪ :‬وقد تأسست في العام ‪1977‬م بفناء مبنى‬
‫السفارة اليمنية‪ ،‬ثم توسعت‪ ،‬كما تم استئجار مبنى ملحق بها‪ ،‬وهي تقدم‬
‫المنهج التنزاني لى جانب كتابي التربية اإلسالمية واللغة العربية من المنهج‬
‫اليمني‪ ،‬وهي مدرسة أساسية غير مكتملة‪.‬‬
‫د‪ -‬مدرسة الجالية اليمنية النمو جية‪ :‬وقد وضع حجر أساسها الدكتور أحمد‬
‫البشاري في العام ‪2000‬م‪ ،‬وتولى بناءها الشيخ منيف عبد هللا بن كليب على‬
‫نفقتط الخاصة‪ ،‬على مساحة تقدر بأربعة هكتارات‪ ،‬وقد بلغت تكاليف بنائها‬
‫حوالي (سبعمائة ألف دوالر)‪ ،‬وقد أقيمت بجوار "المركز اإلسالمي‬
‫الم ري" ‪ ،‬وافتتحت منت ف العقد األول من القر الحالي‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬أسست مدارس أخرى‪ ،‬منها مدرسة أبناء الجالية لتعليم اللغة العربية بدار‬
‫السالم في العام ‪2016‬م‪ ،‬و"مركز الحكمة التعليمي" (ديني تقليدي)‪،‬‬

‫‪118‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫و"مدرسة باكثير" في جزيرة زنجبار‪ ،‬وهي مدرسة أولية تهتم بتعليم التربية‬
‫اإلسالمية واللغة العربية‪.‬‬
‫‪ -‬أسس المغتربو في تنزانيا الجمعية العربية بمدينة السالم‪ ،‬وقد منحت حق‬
‫فريقيا‬ ‫ساحل شر‬ ‫العضوية لكل عربي‪ ،‬وامتد نشاعها لى معظم مد‬
‫زنجبار‪ ،‬وكينيا‪ ،‬وأوغندا‪ ،‬وغيرها‪ .‬وقد أنشأت المدارس‪ ،‬وجلبت ال حف‬
‫العربية والكتب‪ ،‬وسعت لتوعيد العالقات بين الجاليات العربية‪ ،‬مما عكس آثاره‬
‫اإليجابية على الثقافة التنزانية‪.‬‬
‫‪ -9‬جزر القمر وأوغندا‪:‬‬
‫تأثير‬ ‫لم تتوا فر لنا معلومات أو بيانات عنهما‪ ،‬ومع لك يمكنني القول‬
‫المهاجرين والمغتربين اليمنيين في جزر القمر كا عظيماً‪ ،‬وقد بلغ حد تمكن‬
‫هتا التأثير قد عكس‬ ‫اليمنيين من حكم جزر القمر كما عرضت لتلك سابقاً‪ .‬ثم‬
‫كانت جزر‬ ‫نفسط على أساليب التنشئة االجتماعية‪ ،‬وأساليب التربية أيضاً‪ ،‬و‬
‫القمر تعاني من تدني مستوى التعليم فيها بشكل عام رغم تأثره بالتجربة‬
‫الفرنسية حينا ً من الدهر‪ ،‬كما أ نشاع الجمعية العربية بدار السالم قد وصل‬
‫ليها أيضاً‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بأوغندا فنكاد ال نعرف عنها شيئا ً عدا ما ورد في كشف‬
‫مدارس الجاليات اليمنية – سابق ‪ -‬التي كر وجود مدرسة الجالية اليمنية في‬
‫كمباال‪ ،‬وهي مدرسة أساسية من (‪ ،)1:9‬ويبلغ عدد عالبها بين (‪300 -200‬‬
‫عالب وعالبة)‪ ،‬وتعتمد المنهج األوغندي‪ ،‬مع تقديم ثالث مواد باللغة العربية‬
‫في قسمها العربي‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ب‪ :‬آسيا‪:‬‬
‫‪ -1‬الهند والصين وسنغافورة‪:‬‬
‫عز الح ول على مراجع يمكن االعتماد عليها للحديث عن تجارب‬
‫المهاجرين والمغتربين اليمنيين في الهند‪ ،‬السيما في مجال التعليم والثقافة‪،‬‬
‫وبالتالي فال مناص من اإلشارة لى ما وجدتط في صورة كشف مدارس‬
‫الجاليات اليمنية – سابق‪ -‬وفيط شارة لى وجود مدرسة الجالية اليمنية في حيدر‬
‫آباد‪ ،‬وهي مدرسة أساسية (‪ ،)1:9‬والمرجح أنها تعمل بنظامين (هندي ‪/‬‬
‫عربي)‪ ،‬وفي القسم العربي تدرس مواد باللغة العربية‪ ،‬والكشف لم يبين هل‬
‫المنهج بالكامل يمني أم مواد فقط في هتا القسم‪ ،‬وأ عدد الطالب والطالبات‬
‫يتراوح بين (‪ )400 -300‬عالب وعالبة‪.‬‬
‫أما تأثير المغتربين والمهاجرين اليمنيين في ال ين فتشير صورة الكشف‬
‫المتكور سابقا ً لى وجود مدرسة في (جوانزو) تتبع الجالية اليمنية‪ ،‬وهي‬
‫مدرسة مكتملة للمرحلتين األساسية والثانوية‪ ،‬وتدرس المنهج اليمني بالكامل‪،‬‬
‫ويتراوح عدد عالبها بين ‪ 400 - 300‬عالب وعالبة‪ .‬والمدرسة الثانية تتبع‬
‫الجالية اليمنية أيضا ً في (ايوا)‪ ،‬وهي مكتملة (أساسية وثانوية)‪ ،‬وتعتمد المنهج‬
‫اليمني‪ ،‬ويبلغ عدد منتسبيها بين ‪ 600 -500‬عالب وعالبة‪.‬‬
‫(و مما يؤسف لط أ مهاجرينا ومغتربينا يحرمو أبناءهم من االستفادة من‬
‫التجارب التعليمية المتقدمة في مجتمعات كالهند‪ ،‬وال ين‪ ،‬وسنغافورة‪،‬‬
‫وماليزيا‪ ،‬وغيرها‪ ،‬بدعوى الحفاظ على الثقافة والهوية‪ ،‬وهي دعوى ال وجاهة‬
‫األمر يمكن تحقيقط نسبيا ً عبر تقديم مواد التربية اإلسالمية‪ ،‬واللغة‬ ‫لها؛‬
‫العربية والتربية الوعنية والتاريخ باللغة العربية‪ ،‬وتقديم باقي المناهج المقررة‬

‫‪120‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المكرسة في مجتمعات اإلقامة‪ ،‬أو باالستفادة من مناهج معولمة‪ ،‬كما تفعل لك‬
‫بعض المدارس في ماليزيا مثالً)‪.‬‬
‫كما أود اإلشارة بشكل عام هنا لى الحاجة الماسة لتقييم تجارب هته‬
‫المدارس‪ ،‬وكل المدارس المنتشرة في مختلف دول العالم‪ ،‬على أ يتم لك وفق‬
‫معايير علمية تمكن من قياس أثر هته التجارب‪ ،‬والعمل على تطويرها‪،‬‬
‫وجدوى استمرارها ومتطلبات لك‪ ..‬لخ‪ .‬ولتلك حديث آخر ال يسمح المجال بط‬
‫هنا‪.‬‬
‫(‪)111‬‬
‫بلغ عدد المسلمين (‪ 595604‬نسمة)‪ ،‬ويشكلو (‪،14‬‬ ‫وفي سنغافورة‬
‫بها منهم عرب‪ ،‬وخاصة من‬ ‫‪ )%7‬من عدد السكا ‪ ،‬ونسبة ال يستها‬
‫اليمن(‪ ، )112‬ويؤكد البحث على أ الدولة السنغافورية تشرف على البنية التحتية‬
‫الدينية األساسية للمسلمين‪ .‬ويتكر البحث أ أشهر المدارس اإلسالمية (ست)‪،‬‬
‫منها "مدرسة الجنيد اإلسالمية"‪ .‬ومن المعلومات المنشورة عن التعليم في‬
‫سنغافورة منها ما يؤكد على وجود أكثر من (‪ 83‬مسجداً)‪ ،‬و(‪ 36‬مدرسة‬
‫سالمية)‪ ،‬وأ أشهرها "مدرسة واتنجونج"‪ ،‬ويبلغ عدد عالبها ‪ 768‬تلميتاً‪،‬‬
‫و"مدرسة الجنيد اإلسالمية"‪ ،‬ويبلغ عدد عالبها ‪ 697‬تلميتاً)‪ ،‬و"مدرسة‬
‫السقاف العربية" وعدد عالبها ‪ 545‬تلميتاً‪ ،‬و"مدرسة المعارف اإلسالمية"‬
‫وعدد عالبها ‪ 245‬تلميتا ً(‪.)113‬‬
‫وبالعودة لى البحث المشار ليط سابقا ً ف نط يؤكد‪( -‬وهو أحد عالب مدرسة‬
‫الجنيد)‪ -‬على أ المدرسة من أهم مراكز الدعوة اإلسالمية؛ ألنها تعد الدعاة‬
‫وأئمة المساجد‪ ،‬ومدرسي الدين اإلسالمي‪ ،‬وأنها من أكبر المدارس الست‪،‬‬

‫(‪ )111‬الجهاز المركزي لإلح اء‪ ،‬ح اء عام ‪2010‬م‪،‬‬


‫(‪ )112‬زركشي‪ ،‬عزمي‪ ،‬بحث حول مدرسة الجنيد بسنغافورة‪.‬‬
‫(‪ )113‬الجفري‪ ،‬سيد‪ ،‬مقابلة‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ويبلغ عدد عالبها ‪ 1300‬عالب موزعين على المراحل االبتدائية والثانوية‬


‫والعالية‪( .‬ونالحظ هنا تناقضا ً كبيرا ً في عدد الطالب مع ما ورد في مقابلة‬
‫الجفري)‪ ،‬وأ المدرسة تستقدم مدرسيها من األزهر الشريف‪ ،‬وغيره‪ .‬وأ هته‬
‫المدرسة افتتحت في العام ‪ 1927‬م على يد السيد عبد الرحمن بن جنيد بن عمر‬
‫بن علي الجنيد (يمني)‪ ،‬وتم تحديثها بتكلفة قدرت بمبلغ (‪ 15‬مليو دوالر‬
‫سنغافوري)‪ ،‬وشهدت الستينيات دخال مناهج اللغة اإلنجليزية‪ ،‬والرياضيات‪،‬‬
‫لغة المدرسة الرسمية‬ ‫والعلوم‪ ،‬والجغرافيا والتاريخ‪ ،‬واللغة الماالوية‪ ،‬وأ‬
‫العربية‪ ،‬ومناهجها تقدم على ثالثة أقسام‪ .‬أ‪ -‬مواد سالمية‪ ،‬وتتكو من عدة‬
‫مواد‪ .‬ب‪ -‬مواد لغوية عربية وتشمل عدة مواد‪ .‬ج‪ -‬علوم وتشمل عدة مواد‪.‬‬
‫وأ المدرسة تحظى باالعتراف وبمعادلة شهاداتها من عدة جامعات‪ ،‬ومنها‬
‫األزهر‪ ،‬والجامعة اإلسالمية العالمية بماليزيا‪ ،‬وجامعات سعودية‪ ،‬وجامعة‬
‫اليرموك باألرد ‪ ،‬و جامعات تركية وقطرية‪ .‬وتضم المدرسة مكتبة‪ ،‬ومختبر‬
‫حاسوب‪ ،‬ومختبرات علوم‪ ،‬وقاعة محاضرات‪ ،‬وقاعات أخرى‪ ،‬وف والً‬
‫دراسية‪ ،‬قاعة مؤتمرات‪ ،‬م لى‪ ،‬مالعب‪ ،‬ومرافق أخرى‪ .‬كما اختتم البحث‬
‫بالعديد من التوصيات‪ ،‬منها حاجة المدرسة لى تطوير المناهج الدراسية في‬
‫العلوم اإلسالمية‪ ،‬والعلوم الكونية‪ ،‬وأهمية االستفادة من خبرات المؤسسات‬
‫التعليمية األخرى‪ ،‬والتركيز على تعليم اللغة العربية وتحديث تقنيات تعليمها‪،‬‬
‫وغيرها من التوصيات‪.‬‬
‫هناك حالة ف ام بين مناهج المدرسة وربما بقية‬ ‫وسأختم هنا بالقول‬
‫المدارس اإلسالمية أيضاً‪ ،‬والمناهج المعتمدة في المدارس الرسمية‪ ،‬وهي كما‬
‫نعلم متطورة كثيرا ً‪ ،‬وتعد من أرقى المناهج عالمياً‪ ،‬وبالتالي جاءت التوصيات‬

‫‪122‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫السابقة تؤكد على لك‪ .‬كما جاءت لتؤكد على حاجة مدارس المهاجرين هناك‬
‫لالستفادة من التجربة التعليمية السنغافورية‪.‬‬
‫‪ -2‬ماليزيا‪:‬‬
‫في ماليزيا تنتشر العديد من المدارس التي ترعاها مؤسسات تتبع الجالية‬
‫اليمنية‪ ،‬وتنتشر في العاصمة الماليزية وفي العديد من المد التي تقيم فيها أعداد‬
‫كبيرة من أبناء الجالية‪ ،‬وهي مدارس تتباين في لغة التدريس‪ ،‬وفي المناهج‬
‫كا مما يجمع بينها حداثة اإلنشاء‪ ،‬وفرص الح ول‬ ‫المعتمدة بكل منها‪ ،‬و‬
‫على منح مجانية لغير المقتدرين من أبناء المغتربين والمهاجرين‪ ،‬كما تتفاوت‬
‫وتتباين بين كو بعضها مؤسسات غير ربحية وتسعى لتقديم خدمات عالية‬
‫الجودة وفق معاي ير علمية دولية‪ ،‬وبين أخرى تتق د االستثمار‪ ،‬وليس من‬
‫أولوياتها اقتفاء المعايير العلمية للتعليم المجود‪ ،‬ولعل من أهم تلك المدارس ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪" -1‬المدرسة العربية العالمية الحديثة" )‪ :)I.m.a.s‬وهي مدرسة دولية‪ ،‬وتعد‬
‫من أكبر المدارس اليمنية في ماليزيا‪ ،‬وتقدم خدماتها في العاصمة الماليزية‬
‫(بيترا جايا)‪ ،‬وتعتمد اللغة اإلنجليزية واللغة العربية في التدريس‪ ،‬حيث‬
‫يدرس الطالب فيها منهج (‪ )i. g.c.s.e.‬البريطاني‪ ،‬كما يدرس الطالب‬
‫مادتي التربية اإلسالمية واللغة العربية وفق المنهج اليمني‪ ،‬وتتميز بكونها‬
‫مؤسسة غير ربحية منت تأسيسها في العام ‪2007‬م بجهود ورعاية مؤسسة‬
‫النور الخيرية التي يقودها رجل الخير فؤاد هايل سعيد أنعم‪ ،‬كما أ‬
‫"مؤسسة الخير" التي يرعاها علوا سعيد محمد الشيباني ستتكفل بتقديم‬
‫(‪ 30‬منحة) للطالب اليمنيين‪ ،‬بمبلغ يقدر بسبعين ألف دوالر تقرر اعتماده‬

‫‪123‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫من سبتمبر ‪2020‬م‪ ،‬ويشترع للح ول على المنحة نسبة نجاح (‪ ،)b‬وكتا‬
‫الحال الستمرارها في السنوات التالية‪.‬‬
‫والمدرسة تتمتع بترخيص وزارة التعليم الماليزية‪ ،‬وتقدم لطالبها شهادة‬
‫"كامبردج العامة" البريطانية للتعليم الثانوي‪ ،‬كما أنها معتمدة كمركز‬
‫امتحاني لهته الشهادة‪ ،‬و ضافة لى لك تقدم المدرسة فرص امتحانات‬
‫الثانوية العامة اليمنية ( نجليزي)‪.‬‬
‫ولئن كانت في سنة االفتتاح قد بدأت عملها بعدد (‪ 220‬عالبا ً وعالبة)‪ ،‬ف نها‬
‫في العام الحالي باتت تستوعب عدد (‪ 1792‬عالبا ً وعالبة)‪ ،‬من أكثر من‬
‫خمسين جنسية‪ ،‬ويعمل بها حوالي (‪ 134‬معلما ً ومعلمة) من أكثر من‬
‫ات األكاديمية‬ ‫عشرين دولة‪ ،‬من وي الكفاءة والقدرة العالية‪ ،‬والتخ‬
‫والتربوية‪ .‬وهي تقدم خدماتها سعيا ً لتحقيق أهداف‪ ،‬منها االهتمام برعاية‬
‫العقول اإلبداعية‪ ،‬وتعزيز القيم األخالقية‪ ،‬ومنها االلتزام بتحقيق النمو‬
‫والتطوير الروحي‪ ،‬والفكري‪ ،‬والعاعفي‪ ،‬والجسدي‪ ،‬و عدادهم كرواد‬
‫للتغيير‪( .‬وهته األهداف تؤكد على أ تعليمها مجود أيضا ً‪ ،‬ويمكن اعتبارها‬
‫المدرسة النمو جية األولى على مستوى مدارس مهاجرينا ومغتربينا؛ كونها‬
‫تعتمد منهجا ً نجليزيا ً محكوما ً بفلسفة تربوية تعليمية متطورة‪ ،‬مع حرصها‬
‫على تحقيق تنشئة يمانية نرجوها رشيدة‪ ،‬وتراعي تحقيق أهداف نبيلة‬
‫تجسدها عبر ممارسات وأنشطة مخططة‪ ،‬كما أنها ال تعاني من عدم تواز‬
‫الكادر مع الكثافة الطالبية‪ ،‬أو من تدني مستوياتهم؛ أل استخدامهم يأتي‬
‫عبر تنافس محكوم بمعايير وضوابط وشروع لشغل الوظيفة‪ ،‬كما أنها ليست‬
‫مغلقة على اليمنيين وحدهم‪ ،‬مما يتيح للتالميت فرص التعرف على تجارب‬

‫‪124‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وعادات وتقاليد مختلفة تمكنهم من تحقيق تنشئة متوازنة عبر تدخالت‬


‫شرافية رشيدة)‪.‬‬
‫ويبلغ عدد الطالب اليمنيين في العام ‪2020‬م (‪ )688‬عالباً‪ ،‬وعدد األجانب‬
‫(‪ )1104‬عالب وعالباًت‪.‬‬
‫‪" -2‬المدرسة اليمنية – سيالنجور"‪ :‬تأسست في العام ‪2006‬م على يد عالب‬
‫الدراسات العليا اليمنيين لتعليم أبنائهم وليحافظوا على هويتهم‪ ،‬وعاداتهم‬
‫وتقاليدهم‪ ،‬وتدار المدرسة بهيئة شرافية يتم انتخابها وفق الئحة تنظم لك‪،‬‬
‫وبلغ عدد عالبها في العام ‪19/18‬م (‪ 284‬عالبا ً وعالبة) وفي العام ‪2020‬م‬
‫(‪ 350‬عالبا ً وعالبة)‪ ،‬وتقدم لطالبها المنهج اليمني‪ ،‬ويبلغ عدد قاعات‬
‫الدراسة فيها (‪ )16‬قاعة دراسية موزعة على التمهيدي‪ ،‬واألساسي‪،‬‬
‫والثانوي‪ ،‬وجميع عالبها يمنيو ‪.‬‬
‫وتعتمد في ميزانية التشغيل على الرسوم الرمزية من الطالب‪ ،‬وعلى‬
‫سعيد محمد‬ ‫التبرعات‪ ،‬ورعاية السفارة اليمنية‪ .‬وقد تكفل األخ علوا‬
‫الشيباني عبر "مؤسسة الخير" التابعة لط بتقديم (‪ 50‬منحة)‪ ،‬كما تكفل‬
‫ب نشاء معمل للعلوم في المدرسة‪ ،‬مع القيام ببعض اإلصالحات األخرى‪.‬‬
‫‪" -3‬المدرسة العربية النمو جية – بيتانج"‪ :‬وتعتمد المنهج اليمني في التدريس‪،‬‬
‫وتتبع نظام وزارة التربية والتعليم اليمنية‪ ،‬كما أ شهاداتها تعتمدها السفارة‬
‫اليمنية بعد الت ديق عليها من المجلس التعليمي‪ ،‬وهي مدرسة تعاونية غير‬
‫ربحية تدار بمجلس اآلباء فيها‪.‬‬
‫‪" -4‬المدرسة العربية (باهنج)"‪ :‬وهي مدرسة تعاونية افتتحت في العام‬
‫‪2019/2018‬م من قبل "المجلس التعليمي للمدارس اليمنية"‪ ،‬وهي مؤسسة‬
‫غير ربحية‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وهناك العديد من المدارس الخاصة‪ ،‬منها "مدرسة الجيل العربي الحديث‬


‫الدولية"‪ ،‬و"المدرسة العربية اليمنية ببيتراك"‪ ،‬و" مدرسة كدح العربية"‪،‬‬
‫و"المدرسة العربية بجوهور"‪ ،‬وهي تعتمد المنهج اليمني ولغتها العربية‪،‬‬
‫و"مدرسة النخبة العربية بكاجانج"‪.‬‬
‫ومن المؤسف لط أ المدارس السابق كرها‪ ،‬من الفقرة ‪ 2‬وما تالها‪ ،‬تحرم‬
‫منتسبيها من االستفادة من المناهج المطورة في ماليزيا أو غيرها من المحكومة‬
‫بنظم تعليمية لها مرجعياتها الفلسفية الضابطة‪.‬‬
‫‪ -3‬إندونيسيا‪:‬‬
‫وألننا زاء تجربة مثالية؛ لك ألنها توافرت لها العديد من الميزات التي لم‬
‫تحظ بها بقية التجارب المهجرية واالغترابية‪ ،‬ومنها ما نالتط من االهتمام‬
‫بمقاصد متباينة تجلت بالتوثيق والتدوين عبر م ادر متعددة‪،‬‬ ‫والمتابعة‪ ،‬و‬
‫منها الوعنية المحلية‪ ،‬ومنها المهجرية‪ ،‬ومنها الوعنية اإلندونيسية‪ ،‬ومنها‬
‫التوثيق والتدوين بالكيد االستعماري الهولندي‪ ،‬واإلنجليزي‪ ،‬والدانماركي‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫كما أنها كتجربة تكرست وسط ثقل مهجري كبير قياسا ً على غيره من‬
‫مواعن الهجرة واالغتراب األخرى‪ ،‬حيث قدرت وزارة المغتربين منت أكثر من‬
‫عشرين عاما ً ثقل مهاجرينا فيها بنحو خمسة ماليين نسمة‪ ،‬وهو رقم لم تعرفط‬
‫بقية مواعن الهجرة األخرى حتى اآل ‪ ،‬كما أنها تجربة تبدت مالمحها في‬
‫مختلف مجاالت الحياة المختلفة‪ ،‬سواء على مستوى ندونيسيا‪ ،‬أو اليمن‪،‬‬
‫اقت ادياً‪ ،‬وسياسياً‪ ،‬ودينياً‪ ،‬وتعليمياً‪ ،‬وثقافيا ً بشكل عام‪.‬‬
‫كما أ هتا التأثير لم يأت نتيجة موجات هجرة في القر العشرين فقط‪ ،‬بل‬
‫نتيجة تواصل وتفاعل وتأثير متبادل امتد عبر قرو عديدة سابقة‪ ،‬وفيها تأكدت‬

‫‪126‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫تأثيرات موجات الهجرة عبر األنشطة الدعوية واالقت ادية‪ ،‬وتأسيس الممالك‬
‫العديدة‪ ،‬ونشر التعليم الديني‪ ،‬وساعد على زيادة التأثير احتفاء المواعنين بكل‬
‫من لهم صلة بالعروبة واإلسالم بتزايد عردي بقدر تزايد أعداد المعتنقين للدين‬
‫اإلسالمي اتط‪ ،‬ورغبتهم بالتقرب لى من تربطهم صلة قربى بالنبي محمد‬
‫(صلى هللا عليط وسلم) ‪ ،‬وهو ما مكن العلويين من احتالل مكانة مرموقة في‬
‫المجتمع‪ ،‬وحظوا بفرص مثالية مكنتهم من جمع الثروات وتقديمهم كقادة في‬
‫مراحل مختلفة‪.‬‬
‫كا‬ ‫والحديث عن كل ما تقدم يطول بقدر ال يسمح المجال بتلك‪ ،‬و‬
‫يحرض على خضاع هته التجربة لى مزيد من الدراسات والبحوث‬
‫االستق ائية في مختلف مجاالت الحياة‪ ،‬ومنها للتوثيق‪ ،‬واستق اء أثر‬
‫التجارب في مجاالت اإلعالم‪ ،‬والتأليف‪ ،‬والمسرح‪ ،‬والسينما‪ ،‬والتعليم على‬
‫وجط الخ وص‪ ،‬كو مختلف المراجع التي بين أيدينا لم تعط التعليم ما يستحقط‬
‫من االهتمام من حيث عدد المؤسسات‪ ،‬وأنواعها‪ ،‬وما اعتمدتط من مناهج‪،‬‬
‫وأساليب‪ ،‬وكوادر‪ ،‬وما كا لها من عالقات‪ ،‬وما نشطت في سبيل تحقيقط من‬
‫األهداف‪ ..‬لخ‪.‬‬
‫أشير لى بعض مالمح التجربة في المدى الزمني‬ ‫وبعد ما تقدم علي أ‬
‫المق ود وفقا ً لما يأتي‪:‬‬
‫أوالا‪ :‬السعي لتوحيد الجهود بتشكيل الجمعيات‪ ،‬وقد تميزت بتنوعها‪ ،‬وتباين‬
‫مقاصدها وما أحدثتط مناشطها‪ ،‬وما عكستط من آثار‪ ،‬ولقد شكلت تلك التجارب‬
‫سبقا ً محسوبا ً لمهاجرينا في ندونيسيا‪ ،‬ولئن مثلت "الرابطة العلوية" التي‬
‫تشكلت في العام ‪ 1903‬م أقدم تلك التجارب ف نها ولدت دوافع إلقامة غيرها‪ ،‬ما‬
‫على خلفية تباينات األفكار والقيم والم الح واألهداف‪ ،‬و ما لحشد المزيد من‬

‫‪127‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المريدين ن رة آلل البيت‪ ،‬أو لتقرب تفرضط الم الح‪ ،‬وخاصة منت اشتداد‬
‫الخالف بين "العلويين" و"اإلرشاديين"‪.‬‬
‫ولقد كا من أهم تلك الجمعيات ما يلي‪:‬‬
‫‪" -1‬الرابطة العلوية" التي تأسست عام ‪1903‬م على أيدي بعض كبار‬
‫العلويين‪ ،‬وكا لها فروع في مد عدة‪ ،‬وعملت على جمع التبرعات من‬
‫التجار و عادة نفاقها في مشاريع خيرية‪ ،‬منها بناء المساجد‪ ،‬وفتح معاهد‬
‫دينية‪ ،‬و نشاء بعض المدارس األولية‪.‬‬
‫‪" -2‬الجمعية اإلسالمية"‪ ،‬وكا لها نفس توجط سابقتها‪.‬‬
‫‪" -3‬جمعية خير"‪ ،‬تأسست في (بتاوي)‪ ،‬وعملت على نشاء مدرسة في المدينة‬
‫اتها‪ ،‬واعتمدت لتسيير عمل المدرسة على جمع التبرعات‪ ،‬ومن رسائل‬
‫موجهة من المدرسة لى المقتدرين و قناعهم بالتبرع‪ ،‬كما كانت المدرسة‬
‫تدعو الناس لحضور احتفاالتها السنوية التي تقدم خاللها بعض األنشطة‬
‫وتطلعهم على نتائج امتحانات الطالب‪.‬‬
‫‪" -4‬االتحاد اإلسالمي في جاوا" ‪ ،‬كا هدفط األساسي تحشيد الجهود لمواجهة‬
‫يقودها (سنوك) األستا الجامعي‪ ،‬وسعى‬ ‫المكائد الهولندية التي كا‬
‫بالتنسيق مع دارتط االستعمارية إلغال باب الهجرة على اليمنيين‪ ،‬وأنتج‬
‫جراءات تضيق الخنا على العرب واليمنيين‪ ،‬حتى نط حال دو حرية‬
‫التنقل بين المد ‪ ،‬وعلى مستوى المدينة الواحدة ( ال برخ ة سابقة)‪،‬‬
‫وادعى اإلسالم وحج لى مكة لمراقبة وجهاء الحجاج‪ ،‬وراح يكيد للتفريق‬
‫بين المسلم اإلندونيسي والعربي واليمني ليقنع اإلندونيسيين بأ اليمنيين‬
‫والعرب أجانب‪ ،‬وأنهم يكيدو لهم ولعاداتهم وتقاليدهم‪ ،‬وكا مما ساعده‬
‫على لك ادعاؤه اإلسالم وزواجط من مسلمة‪ ،‬وان راف بعض المهاجرين‬

‫‪128‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫لى تحقيق مكاسب‪ ،‬حتى لو كانت (عبر الربا)‪ ،‬و لك مما اقتضى نشاء‬
‫هتا االتحاد لمواجهة تلك المكائد‪ ،‬ولتفنيد االدعاءات‪ ،‬ولحماية م الح‬
‫المهاجرين والمغتربين‪.‬‬
‫‪" -5‬جمعية اإلصالح واإلرشاد"‪ ،‬تأسست في العام ‪1914‬م لمواجهة التشدد‬
‫العلوي‪ ،‬وهيمنتهم على "الرابطة العلوية"‪ ،‬وتدخلهم في الشؤو الخاصة‬
‫للمهاجرين والمغتربين‪ ،‬ولرفض اإلرشاديين لمظاهر التمييز التي كا‬
‫يعكسها العلويو باأللقاب "سيد‪ /‬حبيب" لتمييز أنفسهم عما عداهم‪ ،‬وتقبيل‬
‫أياديهم‪ ،‬ورفضهم تزويج بناتهم لغير العلويين‪ .‬وقد سعت الجمعية لى‬
‫توعية الناس‪ ،‬وقادت حمالت ضد العلويين استندت فيها على مراكز فتاء‬
‫م ن األزهر وغيره لمنافحة ادعاءات العلويين‪ ،‬وحرضوا الناس على رفض‬
‫العمل بتعليماتهم‪ ،‬ونشطوا في جمع التبرعات‪ ،‬وتبني المشاريع الخيرية‪،‬‬
‫وفتح المدارس‪ ،‬األمر التي دفع العلويين لى اتهامهم بالكفر والزندقة‪،‬‬
‫بغرض تنفير الناس منهم‪ ،‬لكن الجمعية صمدت وفندت تلك االدعاءات‪،‬‬
‫وكرست في مدارسها قيم اإلخاء والمساواة‪ ،‬كما وأصدر مؤسسوها صحفا ً‬
‫الخالف‬ ‫تعبر عن توجهاتهم وللرد على الحمالت ال حفية للعلويين‪ .‬بل‬
‫وصل حد االشتباكات المتفرقة أحياناً‪ ،‬وانعكس لك على الداخل اليمني‪،‬‬
‫وخاصة منت أ أقدم "اإلرشاديو " على تأسيس دويلة في مدينة الغرفة‬
‫‪ 1924‬م ومنعوا فيها حمل السالح‪ ،‬وأكدوا على قيم المساواة‪ ،‬وشجعوا عدم‬
‫التفرقة بين الناس على أساس عرقي‪ ،‬وحرروا العبيد‪ ،‬وغير لك‪ ،‬مما دفع‬
‫بالعلويين لى التحالف مع االستعمار البريطاني‪ ،‬ومع السلطنتين القعيطية‬
‫والكثيرية إلعال الحرب على هته الدويلة‪ ،‬حتى تم القضاء عليها في العام‬

‫‪129‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪1945‬م‪( .‬والرأي لدي أ هته التجربة تستحق مزيدا ً من الدراسة‪ ،‬وال‬


‫أق د هنا دولة المدينة‪ ،‬بل التجربة "اإلرشادية" برمتها)‪.‬‬
‫‪" -6‬الجمعية المحمدية – جاكرتا"‪ :‬تأسست في عام ‪1912‬م‪ ،‬أسسها أحمد‬
‫دحال بعد قدومط من مكة مدعوما ً من محمد بن سعود‪ ،‬وقد سعت لنشر‬
‫عادت‬ ‫الفكر الوهابي‪ ،‬وحرمت زيارة القبور‪ ،‬والتدخين‪ ،‬والقهوة‪ ،‬و‬
‫وأجازتها‪ .‬وقد لجأت الستخدام العنف‪ ،‬وتسببت ب شعال فتنة في جاكرتا نفي‬
‫لى مكة‪ ،‬ثم عاد مرة أخرى‪ .‬ومن محاسنها أنها ت دت‬ ‫على ثرها دخال‬
‫ألنشطة البعثات التبشيرية‪ ،‬وأنشأت العديد من المدارس ودور األيتام‪،‬‬
‫والمستشفيات والعيادات‪ ،‬محاكاة ً ألنشطة مسيحية‪.‬‬
‫كما عكست تلك الخالفات التي تبدت في تعدد الجمعيات رادتهم للترويج‬
‫الهتماماتهم‪ ،‬وإلعادة توجيط اهتمامات األوساع االجتماعية التي ينشطو فيها‪،‬‬
‫و لك ما اقتضى رسم سياسات ألنشطة ثقافية كرست في المدارس التي رعوها‪،‬‬
‫وتنافسوا في استجالب المدرسين من اليمن وم ر وغيرهما‪ ،‬كما تنافسوا في‬
‫رسال البعثات التعليمية المختلفة‪.‬‬
‫لى جلب المطابع العربية‪ ،‬وشجعوا تأليف الكتب‪،‬‬ ‫ثانياا‪ :‬عمد المهاجرو‬
‫وتنافسوا في صدار ال حف األسبوعية والشهرية حتى تجاوز عددها العشرين‬
‫صحيفة‪ ،‬كا منها على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪" -1‬مجلة الرابطة"‪ :‬شهرية‪ -‬تبنت دعاوى العلويين‪ ،‬ودافعت عن آرائهم‬
‫وفتاواهم‪ ،‬ولم تستخدم التاريخ الميالدي‪ ،‬وعارضت مفتي م ر‪ ،‬وكرست‬
‫نفسها في صراع العلويين مع اإلرشاديين‪.‬‬
‫‪" -2‬حضرموت"‪ :‬أسبوعية‪ ،‬نشطت في سورابايا‪ ،‬اجتماعية‪ ،‬لم تهتم بالسياسة‪،‬‬
‫ركزت على أخبار حضرموت وقضاياها المختلفة‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪" -3‬اإلرشاد"‪ - :‬جاوا‪ ،‬أسبوعية – ات اهتمامات أدبية واجتماعية‪ ،‬تبنت آراء‬


‫وقناعات اإلرشاديين‪.‬‬
‫‪" -4‬المرشد"‪ – :‬سورابايا – بدأت في العام ‪1938‬م – أدبية – اجتماعية –‬
‫ن ف شهرية‪ ،‬توالها شباب‪ ،‬اهتمت بمعالجة قضايا المغتربين‪،‬‬
‫ومشكالتهم‪ ،‬واهتمت بشؤو الوعن وقضاياه‪ ،‬كما كانت تطبع بلغتين‪،‬‬
‫وتقتبس بعض مواضيعها من ال حف العربية‪ ،‬كما اهتمت بجهاد المسلمين‬
‫ضد المحتلين‪ ،‬ومواقف المسلمين من ال راع الدولي‪.‬‬
‫‪" -5‬اإلصالح"‪ – :‬سورابايا ‪1957‬م‪ ،‬شهرية‪ ،‬تطبع بلغتين‪ ،‬اهتمت بشؤو‬
‫المهاجرين ومشكالتهم‪ ،‬ومعاناة الناس‪ ،‬كما اهتمت بالشعر واألدب‪ ،‬وكا‬
‫لها مراسلو يزودونها باألخبار والمقاالت والمواضيع المختلفة‪.‬‬
‫‪ -6‬ظهرت العديد من ال حف في سنغافورة‪ ،‬وكانت أكثر استقاللية وتخففا ً‬
‫زاء ال راع العلوي اإلرشادي‪.‬‬
‫‪ -7‬بعد توقف صحيفة العرب األسبوعية ‪1931‬م ظهرت صحيفة "السالم" في‬
‫ثرها‪ ،‬واهتمت بمشكالت المغتربين وأنشطتهم‪ ،‬وقد سعت لى احتواء‬
‫الخالف وال راع العلوي اإلرشادي‪ ،‬ودعت لى نشر السالم والمودة‬
‫والمحبة بينهم‪.‬‬
‫‪ -8‬كما صدرت العديد من ال حف األخرى‪.‬‬
‫ويبقى من المهم اإلشارة لى أ كثيرا ً من تلك ال حف كا يعيبها عدم‬
‫اهتمامها بالكيد االستعماري التي كرس للف ل بين المسلمين اإلندونيسيين‬
‫والعرب واليمنيين‪ ،‬وللنيل منهم واإلساءة ليهم‪ ،‬وتأثيره على كاء ال راع‬
‫العلوي اإلرشادي‪ .‬كما عابها عدم اهتمامها ب عادة توجيط اهتمامات الرأي‬
‫العام نحو قضايا الوحدة‪ ،‬ومواجهة االستعمار‪ ،‬والسعي لترشيد الخالف‪،‬‬

‫‪131‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ومحاولة وضع حد لط‪ ،‬تجنبا ً للنتائج السلبية التي كانت تطال آثارها الجميع‪،‬‬
‫كما أ كثيرا ً منها لم تكن تمتلك مقومات االستمرار والبقاء‪ ،‬فكا متوسط‬
‫العمر الزمني ق يرا ً نسبياً‪.‬‬
‫ثالثاا‪ :‬الخالف العلوي اإلرشادي وانعكاساتط على حياة المهاجرين وتأثيرهم‪ .‬مع‬
‫بدايات القر العشرين كا المهاجرو الحضارمة هم أصحاب النفو الديني‬
‫واالقت ادي‪ ،‬لوال أنهم توزعوا على مجموعتين هما‪:‬‬
‫أ‪ -‬مجموعة السادة العلويين التين تمتعوا بامتيازات واسعة‪ ،‬ومنها الزعامة‬
‫الروحية على الجالية الحضرمية وعلى جميع المسلمين في الجزر‪،‬‬
‫واستأثروا باأللقاب الزمنية والدينية‪ ،‬واحتالل ال دارة في المجالس‬
‫والمساجد‪ ،‬وكا منهم كبار األثرياء مثل‪ :‬آل الكاف‪ ،‬وآل السقاف‪ ،‬وآل‬
‫العطاس‪.‬‬
‫ب‪ -‬مجموعة غير علوية‪ ،‬ومنهم‪ :‬آل العمودي‪ ،‬وآل بلحمر‪ ،‬وآل باصهي‪ ،‬وآل‬
‫باسودا ‪ ،‬وآل باجنيد‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫كما كا عبيعيا ً أ تتأثر الجالية بالحركة الفكرية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والثقافية‪،‬‬
‫في بلدا االغتراب‪ ،‬أو تلك التي قادتها الحركة القومية واإلسالمية التي‬
‫أختت بالنمو في م ر وسوريا‪ ،‬وتجلت عبر ال حف والمجالت المختلفة‪.‬‬
‫لى جناحين‪" :‬علوي‪ ،‬و رشادي"‬ ‫وفي العام ‪1905‬م انقسم المهاجرو‬
‫بسبب زواج هندي من علوية‪ ،‬واستفتاء أحدهم ل احب المنار (محمد علي‬
‫رضا) حول صحة الزواج‪ ،‬وقد أجازه‪ ،‬فرد عليط الشيخ عمر بن سالم السقاف‬
‫بتحريم تزويج العلوية من غير العلوي "ولو رضيت ورضي وليها"‪.‬‬
‫وعلى ثر لك تأسست "جمعية اإلصالح واإلرشاد العربية" ‪1914‬م‪ ،‬كما‬
‫لى علماء من خارج الجالية‪ ،‬ومنهم األزهر‪ ،‬ومحمد رشيد‬ ‫لجأ اإلرشاديو‬

‫‪132‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫رضا‪ ،‬وأحمد السوركني التي أصبح المرجعية المحلية للحضارمة اإلرشاديين‬


‫في الشؤ و المتعلقة بتفسير وفهم اإلسالم‪ ،‬لينافسوا العلويين التين كانوا هم‬
‫األق ى‪ ،‬وكانت‬ ‫المرجع الديني للحضارمة في حضرموت وفي الشر‬
‫في المعتقدات‬ ‫يشككو‬ ‫تأويالتهم لإلسالم هي السائدة‪ .‬فأخت اإلرشاديو‬
‫األساسية لتعاليم السادة‪ ،‬ومن ثم اعتبروا "التعليم المفتاح لتغيير الوضع القائم"‪،‬‬
‫ثم نهم في القانو األساسي للجمعية أوردوا ن ا ً في ف لط الخامس يقول "ال‬
‫يجوز ألحد من آل باعلوي أ يكو عضوا ً من أعضاء الرئاسة أو وكيالً لها"‪،‬‬
‫لك ردا ً على غال العلويين لرابطتهم عليهم‪ .‬وراحوا يؤكدو في‬ ‫وربما كا‬
‫اعتبار للنسب‪،‬‬ ‫أنشطتهم وأدبياتهم على المساواة بين الناس جميعا ً بدو‬
‫واستخدموا لقب "سيد" لمخاعبة أي نسا ‪ ،‬وكرسوا الزواج المختلط بين‬
‫الجميع ‪ ،‬وعلموا هته األفكار وغيرها في مدارسهم‪ ،‬كما سعوا لى تأسيس دولة‬
‫في مدينة الغرفة‪ ،‬وما جاورها في حضرموت‪.‬‬
‫وقد نشط العلويو للمنافسة‪ ،‬وأسسوا مدارس كثيرة وعدة جمعيات‪ ،‬كا‬
‫أكبرها "الرابطة العلوية" التي اعتبروها مغلقة عليهم فقط‪.‬‬
‫كما توسع ال راع ليكتسب أبعادا ً سياسية‪ ،‬واقت ادية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وثقافية‪،‬‬
‫وآراء ووجهات نظر لإلصالح داخل الوعن‪ ،‬كما حدثت أعمال عنف بين‬
‫الطرفين‪ ،‬قتل جراءها عدة أشخاص‪ ،‬وتبادلوا االتهامات‪ ،‬حيث اعتبر العلويو‬
‫اإلرشاديين (تبشيريين‪ ،‬وبالشفة تمولهم موسكو)‪ ،‬وفي المقابل اتهمهم‬
‫اإلرشاديو باالرتباع ببريطانيا وخدمة م الحها في حضرموت‪ ،‬ثم لكو‬
‫السلطنتات الكثيرية والقعيطية مرتبطتين بهم أيضاً‪.‬‬
‫هتا الخالف قد شكل تهديدا ً يلحق الضرر بالجالية‪ ،‬فقد ارتفعت‬ ‫وأل‬
‫أصوات‪ ،‬وجرت محاوالت للم الحة‪ ،‬قاد أهمها سماعيل بن عبد هللا العطاس‬

‫‪133‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫(علوي)‪ ،‬ثم محمد رشيد رضا‪ ،‬ثم شيخ األزهر اللتا وجها نداءات واقتراحات‬
‫لتسوية الخالف‪ ،‬كما تدخل الملك عبد العزيز آل سعود للتوفيق بينهم‪ ،‬ال‬
‫الخالفات استمرت‪.‬‬
‫و ا كا هتا ال راع قد نتجت عنط آثار يجابية تمثلت بالتنافس في صدار‬
‫ال حف‪ ،‬وفتح المدارس الحديثة‪ ،‬حتى أ اإلرشاديين أسسوا ثالث مدارس‬
‫للبنات‪ ،‬وأرسلوا البعثات التعليمية لى م ر وغيرها‪ ،‬وتبلورت رؤية لإلصالح‬
‫والتحديث داخل الوعن التي عبر عنها في "مؤتمر اإلصالح الحضرمي" األول‬
‫في مدينة الشحر‪ ،‬وفي المؤتمر الثاني التي عقد في سنغافورة في بريل‬
‫‪1928‬م‪.‬‬
‫فقد كا لهتا ال راع أيضا ً آثار سلبية تمثلت في تشظي رادة وجهود أبناء‬
‫الجالية‪ ،‬و همالهم االهتمام بما يكاد لهم‪ ،‬وعدم مباالتهم بتوجهات أجيال المولدين‬
‫من أحفادهم الغاضبين من لك التشظي وال راع‪ ،‬وعدم االهتمام بتطلعاتهم‪،‬‬
‫ورغبتهم باالندماج‪ ،‬والتي كانت العديد من المعيقات تحول دو تمكينهم‪ ،‬ولم‬
‫تقت ر على كيد المستعمر‪ ،‬و جراءاتط التمييزية‪ ،‬وتشجيعط لثقافة ندونيسية ال‬
‫تقبل بالوجود العربي عامة واليمني خاصة‪ ،‬و نما امتدت لى التزمت بفرض‬
‫عادات وتقاليد األجداد التي ال تيسر لهم فرص االندماج‪ ،‬وأيضا ً رفض‬
‫الوعنيين المتأثرين بالثقافة االستعمارية لهم بمشاركتهم في مقاومة االستعمار‪،‬‬
‫أو مزاملتهم على مقاعد الدراسة‪ ،‬وغير لك‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة لى أ اليد القترة لالستعمار الهولندي لم تكن بعيدة عن هتا‬
‫ال راع‪ ،‬بل عملت على تغتيتط‪ ،‬وقد كانت لتلك تجليات‪ ،‬منها الدور التي كا‬
‫يلعبط (د‪ .‬سنوك) وهو أكاديمي كبير‪ ،‬وقد تورع بعدائط المستتر للعرب بعامة‬
‫وللحضارم بخاصة‪ ،‬وراح يكيد لهم لكونط مستشاراً للقيادة الهولندية في‬

‫‪134‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ندونيسيا‪ .‬يقول حامد قادري في كتابط "كفاح أبناء العرب ضد االستعمار‬


‫سنوك كا متورعا ً في السياسة‬ ‫الهولندي"‪ ،‬ص‪ ،14‬نقالً عن سارتونو‪" :‬‬
‫االستعمارية‪ ،‬و نط كا يقو م بمهام سياسية‪ ،‬وحول دوره السياسي شرح ب سهاب‬
‫رحلة سنوك لى مكة‪ ،‬واعتناقط اإلسالم‪ ،‬وزواجط من سيدة مسلمة‪ ،‬ومن‬
‫سجالت اإلرشيف وجدت معلومات تتكر أنط خالل وجوده في األراضي‬
‫المقدسة كا على سنوك مراقبة تحركات الحجاج البارزين القادمين من الهند‬
‫الهولندية"‪ ،‬وفي ص‪ 15‬يقول‪" :‬وحول االنتقادات التي وجهتها جامعة ليد التي‬
‫حدة تلك االنتقادات جعلت الناس يعتقدو‬ ‫كا يتبعها سنوك‪ ،‬قال سارتونو‪،‬‬
‫أ هناك حركة تحطيم لألصنام أقوى من حركة ‪1566‬م؛ ألنها هته المرة تحطم‬
‫شخ يات مرموقة"‪.‬‬
‫رابعاا‪ :‬عن االندماج والمشاركة في حرب االستقالل‪ .‬كانت اتجاهات الرأي العام‬
‫وسط المهاجرين أواخر العشرينيات قد تحولت بعيدا ً عن المناكفات وال راع‬
‫الدائر بين العلويين واإلرشاديين‪ ،‬واشتد ميلهم لالندماج والتوبا وسط المحيط‬
‫اإلندونيسي‪ ،‬وأل يلعبوا أدوارهم المطلوبة إلزالة أسباب الجفاء التي يبديها‬
‫قطاع واسع تجاه العرب‪ ،‬والحضارمة في مقدمتهم‪ ،‬وللمشاركة في مقاومة‬
‫االستعمار مع اإلقدام على لك بمبادرات منظمة‪ ،‬ولتلك سعوا لعمل اآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬في العام ‪ 1930‬م أنشئ أول تجمع ألحفاد المهاجرين وأبنائهم عرف‬
‫بـ"رابطة عرب ندونيسيا" و لك كرد فعل رافض لل راع المفتعل‪،‬‬
‫ورفضا ً للتمييز التي كانت تمارسط السلطات الهولندية ضد العرب‪ ،‬وقد‬
‫كا متبني هته الفكرة ومؤسس التجمع (عبد الرحمن العمودي)‪ ،‬ولكن هته‬
‫الفكرة لم تستطع قناع الجيل الجديد‪ ،‬والتعبير عن أفكاره وتطلعاتط ألسباب‬

‫‪135‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫عديدة‪ ،‬لعل أهمها أ قيادة التجمع لم تستطع التخلص من تأثير كبار من‬
‫دعموا الفكرة‪ ،‬وبما كانوا مبتلين بط من صراع علوي رشادي‪.‬‬
‫‪ -2‬في العام ‪1934‬م تأسس تجمع "اتحاد عرب ندونيسيا" على قاعدة‬
‫االعتراف ب ندونيسيا (وعنا ً ألبناء العرب) وليس حضرموت أو م ر أو‬
‫سوريا‪ ،‬وأ عليهم واجبات ولهم حقو كباقي أبناء المجتمع(‪" .)114‬وربط‬
‫االتحاد نفسط بالحركات الوعنية اإلندونيسية‪ ،‬وأصبح عضوا ً في المجلس‬
‫اإلسالمي اإلندونيسي‪ ،‬وبقيام االتحاد خرج الكثير من العرب من‬
‫المجموعتين المت ارعتين‪ ،‬وانضموا لى االتحاد‪ ،‬وأسس االتحاد فروعا ً‬
‫في كل المد ‪ ،‬وأصدر مجلة باسمط أسماها (التيار الحديث)‪ ،‬ثم في العام‬
‫‪ 1940‬م تحول لى حزب‪ ،‬وعالب باستقالل ندونيسيا‪ ،‬وقد تعرض لإللغاء‬
‫عندما ألغت اليابا بعد احتاللها ندونيسيا األحزاب"‪ .‬ورغم أ الحكومة‬
‫قيادة الحزب‬ ‫بعد الحرب العالمية الثانية عالبت األحزاب بالعودة للعمل‪ ،‬ف‬
‫فضلت بقاء الحزب ملغياً‪ ،‬خاصة أنها قد رأت األحزاب األخرى فتحت‬
‫أبوابها للجميع‪ ،‬فشجعت أعضاء الحزب على االنخراع فيها كل بحسب‬
‫قناعاتط وميولط‪.‬‬
‫(سلمية‪ /‬آختة بأسباب‬ ‫‪ -3‬تعددت أشكال المقاومة التي مارسها المهاجرو‬
‫القوة)‪ ،‬وكا من أشكال المقاومة السلمية رفضهم مع الوعنيين اإلندونيسيين‬
‫ة للهولنديين‪ ،‬أو‬ ‫أبنائهم بالمدارس الهولندية‪ ،‬سواء المخ‬ ‫التحا‬
‫األنظمة المكرسة فيها تتسم بطابع مسيحي بروتستانتي‬ ‫للوعنيين؛ أل‬
‫متع ب‪ ،‬وفضلوا تعليم أبنائهم في مدارس خاصة‪ ،‬كما أ من كا يدخل‬
‫في تلك المدارس الهولندية ال يسلم من الممارسات العن رية التي وصلت‬

‫(‪ )114‬القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬كفاح أبناء العرب ضد االستعمار الهولندي‪ ،‬ص‪.17‬‬


‫‪136‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫حد يتاء من يرتدي الطربوش األحمر ل لتط بالجامعة اإلسالمية والدولة‬


‫العثمانية‪ .‬وقد تأ ى‪ -‬على سبيل المثال‪ -‬حامد القادري التي كانت ألسرتط‬
‫دار سينما‪ ،‬وكانت لها عالقات مع بعض الهولنديين‪ ،‬ولكنها كانت تجاهر‬
‫أيضا ً بتأييدها لحركات المقاومة‪ ،‬بل سخرت دار السينما الجتماعات‬
‫الوعنيين‪ .‬يقول آدم مالك في ص‪ 7‬من كتاب حامد القادري – سابق –‬
‫"وتجدر اإلشارة لى أ معظم المقاومة ضد االستعمار كانت تحت قيادة‬
‫المسلمين التين شكلوا خطرا ً على سالمة الحكومة االستعمارية التي‬
‫مارست سياسة فر تسد‪ ،‬ولكن تاريخ النضال اإلندونيسي جاء باإلثباتات‪،‬‬
‫والرد القا عع‪ ،‬وأثبت أ حركة أبناء العرب قد وجدت نفسها مع الحركات‬
‫التحررية اإلندونيسية‪ ،‬وفي مجال الدعوة اإلسالمية كا العرب هم الرواد‬
‫في شؤ و التربية والتعليم‪ ،‬وتسيير دفة المدارس اإلسالمية وهتا ما أزعج‬
‫االستعمار"‪.‬‬
‫فترة الكفاح‪،‬‬ ‫‪ -4‬اشتهر العديد من مهاجرينا كقادة وعنيين ندونيسيين با‬
‫وحتى بعد االستقالل‪ ،‬وكا منهم قادة في الحزب من أمثال (حامد القادري‪،‬‬
‫وعبدالرحمن باسويدا ‪ ،‬وحسين بافقيط)‪ ،‬حيث كانوا من أشهر قادة الكفاح‬
‫من أجل االستقالل جنبا ً لى جنب مع خوانهم الوعنيين‪ ،‬ولم تعرف عنهم‬
‫أصولهم العرقية‪ ،‬خاصة أ مبدأ الحزب األساسي كا اعتبار ندونيسيا‬
‫وعنا ً لهم‪ ،‬ثم ألنهم تأثروا بأفكار جمال الدين األفغاني‪ ،‬وسعوا لنشر األفكار‬
‫اإلسالمية الحديثة‪ ،‬وخاصة حسين بافقيط التي كا يرأس تحرير صحيفة‬
‫"التيار الحديث"‪.‬‬
‫وقد ساعدهم أيضا ً على تحقيق القبول لدى اإلندونيسيين مقاومة الحزب‬
‫وقضاؤه على (الربا) في األوساع العربية‪ ،‬وكا من أقوى تجليات تلك‬

‫‪137‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المقاومة نتاجهم "مسرحية فاعمة" التي ألفها حسين بافقيط‪ ،‬وعرضت في‬
‫سورابايا‪ ،‬وفي جاكرتا‪ ،‬وفي سمارانغ وغيرها‪ ،‬وانتقدت المعامالت الربوية‬
‫عند العرب‪ ،‬ووصفتها بـ"الملعونة"‪.‬‬
‫وقد القت استحسانا ً كبيرا ً في ال حافة اإلندونيسية‪ ،‬حتى أ رئيس‬
‫تحرير صحيفة "نور الشر " (هارا هاب) قال عنها‪" :‬نقدم تقديرنا وتهانينا‬
‫لمؤلف ومنفتي المسرحية‪ ،‬ونحن واثقو من أ كل من شاهدها سيكو مع‬
‫رأينا في أنها انتقدت مجتمعها‪ ،‬وسيتعاعف معها الناس‪ ،‬وستحقق الهدف‬
‫المنشود‪ ،‬وستلقى أفكارها التأييد اإلندونيسي الكامل ‪ .)115(".%100‬كما أيد‬
‫هتا الرأي قائد ندونيسي وعني (راتوالنفي) بقولط‪" :‬كل هتا قد يبدو غريباً‪،‬‬
‫ولكنط مع لك مفهوم لنا لما ا استطاعت حركة عربية وبسرعة االنضمام‬
‫لك ليس لكو‬ ‫لى الحركات الوعنية اإلندونيسية؛ ألنني واثق من أ‬
‫العرب مسلمين فحسب‪ ،‬بل فقد أثبت التاريخ ما للعرب من دور في الكفاح‬
‫ضد الهولنديين منت أمد بعيد وحتى في عهد ما قبل االستقالل"(‪.)116‬‬
‫‪ -5‬كا المجتمع اإلندونيسي يراقب أداء الحزب ويتابعط باهتمام(‪" ،)117‬وفي‬
‫عام ‪ 1940/1939‬م ساند الحزب بكل قوة الحركة المطالبة ببرلما‬
‫إلندونيسيا من خالل اتحاد األحزاب السياسية اإلندونيسية"‪ .‬وحتى نتبين‬
‫حجم تأثير الحزب يكفي أ نعرف أ حجم عضويتط في جاكرتا وحدها بلغ‬
‫لك رقما ً كبيرا ً في حينط‪ ،‬ثم نط عندما‬ ‫حينها (‪ 12000‬عضو)‪ .‬وقد كا‬
‫حل الح زب نفسط قال عنط (كي حجر ديوانتارا‪ ،‬وهو مناضل ندونيسي)‬
‫"من الخطأ ضمهم مع تلك التجمعات التي تعرف باألقليات‪ ،‬فهم لم يعزلوا‬

‫(‪ )115‬القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.21‬‬


‫(‪ )116‬القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫(‪ )117‬القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪138‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الحزب كا‬ ‫أنفسهم عن عامة القوم‪ ،‬بل ابوا في مجتمعنا الوعني"‪ .‬ثم‬
‫قد حقق انتشارا ً مؤثرا ً في كل أرجاء ندونيسيا تقريباً‪ ،‬ومع لك حل نفسط‪.‬‬
‫‪ -6‬شارك العديد من قادة المهاجرين في مفاوضات المائدة المستديرة عام‬
‫‪ 1949‬م‪ ،‬الساعية لالستقالل‪ ،‬وكا حامد القادري ضمن وفد الجمهورية‪،‬‬
‫برئاسة محمد حتى‪ ،‬نائب رئيس الجمهورية‪ ،‬كما شارك (حامد القادري‬
‫محسوبا ً على‬ ‫بونتياناك)‪ ،‬وهو عربي يمني لكنط كا‬ ‫الثاني سلطا‬
‫الوعني ين اإلندونيسيين‪ ،‬وقد مثل كل ندونيسيا عدا األقاليم التابعة للحكم‬
‫اتفاقية المائدة‬ ‫الجمهوري‪ ،‬كما وقع مع محمد حتى على كل أورا‬
‫المستديرة من جهة ندونيسيا‪ .‬وقد مثل لك تأكيدا ً على أهمية دور أبناء‬
‫العرب وتأثيرهم(‪ .)118‬كما لعبوا دورا ً محوريا ً من خالل الهيئة التأسيسية‬
‫للجالية العربية التي ترأسها الشيخ محضار بن شيخ أبوبكر‪ ،‬وقد سعت لى‬
‫جلب التأييد العربي‪ ،‬وأفشلت محاوالت هولندا إلرسال ممثلين عرب لألقلية‬
‫العربية لى مؤتمر المائدة المستديرة‪ ،‬وكا كل من حامد القادري‪ ،‬ويحيى‬
‫العيدروس‪ ،‬وعبد القادر السقاف‪ ،‬ممول الحزب ومشجع تحديث التعليم‪،‬‬
‫أعضاء في الوفد التي زار الدول العربية ونال االعتراف بالجمهورية‬
‫اإلندونيسية(‪.)119‬‬
‫‪ -7‬نتج عن اعتراف اإلندونيسيين بنضال مهاجرينا أ تم تعيين العديد منهم في‬
‫البرلما وفي الحكومة‪ ،‬وكا منهم حامد القادري التي عين عضوا ً في‬
‫البرلما ‪ ،‬وعبدالرحمن باسويدا نائبا ً لوزير اإلعالم‪ ،‬ثم عضوا ً في الوفد‬
‫التي سافر لى م ر للح ول على االعتراف‪ .‬ومع لك استمر نضالهم‬

‫(‪ )118‬القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.135‬‬


‫(‪ )119‬القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.136‬‬
‫‪139‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ضد القوانين التي كانت تحد من اكتسابهم للجنسية‪ ،‬ومن ثم حقهم في‬
‫الترشح واالنتخاب حتى تمكنوا من تجاوز لك بتعديل التشريعات‪،‬‬
‫المواعنة(‪" .)120‬وفي مارس‬ ‫بكامل حقو‬ ‫وأضحوا مواعنين يتمتعو‬
‫‪ 1956‬م وبعد االنتخابات كتبت هيئة مؤتمر الشعب اإلندونيسي من أصل‬
‫عربي رسالة لى رئيس الوزراء‪ ،‬وقعها رئيس وسكرتير الهيئة السيدا‬
‫حامد القادري وحسين بافقيط‪ .‬آملين من الحكومة‪ ،‬بعد أ شاهدت نتائج‬
‫االنتخابات العامة‪ ،‬أ العامة لم تنظر لهم‪ ،‬ولم تعاملهم كطبقة منف لة‪ ،‬وأ‬
‫عليها أ تحل مشكلتهم حاالً و لك ب دراجهم رسميا ً مع األغلبية‪ ،‬ب لغاء كل‬
‫القوانين والمعامالت التي مازالت تفر بينهم‪ ،‬وبما يتفق مع رادة الحكومة‬
‫التي ترغب في نهاء مسأ لة األقليات في البنية اإلندونيسية وخلق مجتمع‬
‫متجانس"‪ .‬كما كا مما ساعد على تحقيق االندماج وتتويب الفوار بجانب‬
‫ما سبق‪ ،‬قبال المهاجرين على رسال أبنائهم لى المدارس الحكومية‪،‬‬
‫وكتلك العمل في الوظائف العامة‪ ،‬واالختالع االجتماعي‪ ،‬والتزاوج‪،‬‬
‫والتخلي عن التفكير التقليدي الديني‪ ،‬والتكيف مع العادات والتقاليد‬
‫اإلندونيسية غير المتعارضة مع الدين‪ ،‬وكل لك أسهم بتحقيق االندماج‬
‫وواجبات المواعنة(‪" .)121‬ومنت االستقالل حتى العام‬ ‫واكتساب حقو‬
‫‪ 1980‬م كا هناك أربعة من العرب اعتبروا من رواد االستقالل‪ ،‬وأصبح‬
‫خمسة من العرب سفراء في الخارج‪ .‬وفي العهد الجديد منت ‪1966‬م تقلد‬
‫عدد كبير من العرب مناصب مهمة في الحكومة‪ ،‬ا ما قورنوا بعددهم‬
‫الكلي التي كا قليالً"‪.‬‬

‫(‪ )120‬القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.143‬‬


‫(‪ )121‬القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.148‬‬
‫‪140‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -8‬لدينا من رواد تحديث التعليم في ندونيسيا كل من‪:‬‬


‫‪ -‬عوض شحبل‪ ،‬رئيس العرب في سورا كرتا‪ ،‬وهو مثالي ومؤسس المدرسة‬
‫العربية الهولندية عام ‪1940/30‬م‪ ،‬وداعٍّ لى تحديث التعليم‪.‬‬
‫‪ -‬عبدهللا بن علوي العطاس من قادة حركة الجامعة اإلسالمية‪ ،‬وأرسل أربعة‬
‫من أوالده للدراسة في تركيا‪ ،‬توفي في ‪1928‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عليم القادري‪ ،‬رئيس العرب في سوردا – جاوا الشرقية‪ ،‬عضو لجنة‬
‫تأسيس مدرسة سالمية للمعلمين‪ ،‬وعضو في "االتحاد اإلسالمي" في‬
‫المؤتمر التي عقد في سورابايا ‪1912‬م‪ ،‬ومن أهم الداعين لى تحديث‬
‫التعليم(‪.)122‬‬
‫‪ -‬حسين بافقيط‪ ،‬رئيس تحرير صحيفة "التيار الحديث"‪ ،‬ومجدد اإلسالم(‪.)123‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن باسويدا ‪ ،‬مؤسس "حزب عرب ندونيسيا"‪ ،‬ورائد من رواد‬
‫االستقالل(‪.)124‬‬
‫‪ -‬عبد القادر السقاف‪ ،‬أحد قادة "حزب عرب ندونيسيا"‪ ،‬مشجع تحديث‬
‫التعليم‪ ،‬وممول الحزب(‪.)125‬‬
‫‪ -‬عبدهللا باحشوا ‪ ،‬مشجع تحديث التعليم‪ ،‬مؤسس "المدرسة العربية‬
‫الهولندية" في جاكرتا عام ‪1950‬م(‪.)126‬‬
‫‪ -‬أبوبكر شهاب‪ ،‬مشجع تحديث التعليم في سورابايا(‪.)127‬‬

‫القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.114‬‬ ‫(‪)122‬‬


‫القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.122‬‬ ‫(‪)123‬‬
‫القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.132‬‬ ‫(‪)124‬‬
‫القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.137‬‬ ‫(‪)125‬‬
‫القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.140‬‬ ‫(‪)126‬‬
‫القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.142‬‬ ‫(‪)127‬‬
‫‪141‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫كما ألف العديد من المهاجرين الكتب التاريخية عن دور المهاجرين في بلد‬


‫المهجر‪ ،‬ومنهم حامد القادري‪ ،‬فريد العطاس‪ ،‬وعمر فارو باجنيد‪ ،‬والشيخ‬
‫عمر بن عبد الخطيب‪ ،‬وغيرهم(‪.)128‬‬
‫‪ -4‬تركيا‪:‬‬
‫كانت فيها حاضرة الدولة العثمانية (دولة الخالفة اإلسالمية كما يسميها‬
‫البعض)‪ ،‬لكنها لم تكن قبلة للمهاجرين والمغتربين اليمنيين‪ .‬ومع لك‪ ،‬ونتيجة‬
‫الرتباع اليمن بعالقة تبعية بهته الدولة‪ ،‬ونشوء عالقات دارية‪ ،‬وبعض عالقات‬
‫اجتماعية‪ ،‬ولغيرها من األسباب‪ ،‬فقد هاجر ليها المئات من اليمنيين‪ ،‬وكا من‬
‫بينهم العالم المجتهد (علي علوي السقاف) صاحب الحاشية على كتاب "فتح‬
‫المعين في فقط أحكام الدين" التي يعد من أهم متو الفقط في مدارس اليمن(‪،)129‬‬
‫وكا معط زوجتط آمنة بنت محمد بن حسين بن عبدهللا الحبشي‪ ،‬التي تمتعت‬
‫بعقل مستنير‪ ،‬وعلم غزير اكتسبتط في مسقط رأسها سيئو ‪ ،‬وعرفت بسعة‬
‫اعالعها وشغفها بالقراءة وحلقات العلم‪.‬‬
‫و ا كا زوجها وولدها قد جمعا بين العمل والتعليم‪ ،‬ف نها تفرغت لتعليم‬
‫وتوجيط فتيات تركيا‪ ،‬وفق تعليم ديني يالئم معتقداتها‪ ،‬وقد تمكنت من التأثير‬
‫على آالف من الفتيات التركيات‪ ،‬وقد استمرت تزاول عملها حتى توفاها األجل‬
‫قبل نهاية الحرب العالمية األولى‪ ،‬حيث دفنت في سطنبول‪ ،‬بعد أ عادت من‬
‫رحلتها لى اليمن برفقة زوجها‪ ،‬التي توفاه هللا في مدينة الحوعة‪ ،‬حاضرة‬
‫السلطنة العبدلية‪.‬‬

‫(‪( )128‬أ‪ .‬د‪ .‬صالح باصرة – ندوة المغتربين – سابق)‪.‬‬


‫(‪ )129‬د‪ .‬عبدالولي الشميري – سابق – صـــــــ ‪.6‬‬
‫‪142‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ج‪ .‬أوروبا – بريطانيا أنموذجا ا‪:‬‬


‫مثلت هجرة واغتراب اليمنيين لى بريطانيا عالئع الهجرة العربية في‬
‫التاريخ المعاصر‪ ،‬حيث كانوا أول المهاجرين ليها‪ .130‬وفي الحربين العالميتين‬
‫األولى والثانية برزت بعض مالمح تأثيرهم بما لعبوه من أدوار لوجستية ضمن‬
‫البحرية الملكية البريطانية‪ ،‬حيث قتل منهم في الحرب العالمية األولى الكثير‪،‬‬
‫وفي الحرب الثانية قرابة ثالثة آالف‪ ،‬واكتسبوا الجنسية البريطانية‪ ،‬وخلدت‬
‫تضحياتهم بن ب تتكاري في (ساوث شيلد)‪.‬‬
‫وتمكنوا من تنظيم أنفسهم باتحاد العمال العرب ( ي الهوية الناصرية بحسب‬
‫وثائقي الجزيرة)‪ ،‬ثم باتحاد العمال اليمني عام ‪1957‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أسسوا ناديا ً رياضيا ً في برمنجهام‪ ،‬كما برز من الرياضيين اليمنيين هناك‬
‫المالكم نسيم حميد‪.‬‬
‫‪ -‬أسسوا اعة محلية في شيفلد تبث برامجها باللغة العربية‪ ،‬وتهتم ببث برامج‬
‫موجهة للمرأة وقضاياها‪ ،‬و براز دور اليمنيين في بناء بريطانيا‪.‬‬
‫‪ -‬أسسوا "جمعية هلين تراست الخيرية"‪ ،‬وهي تقدم خدماتها لمن يعانو من‬
‫أمراض مزمنة ودائمة وترعاهم‪ ،‬كمرضى السرعا ‪ ،‬كما يقدمو مساعدات‬
‫فورام‪،‬‬ ‫خيرية عبر منظمات‪ ،‬منها "تي‪ ،‬أي‪ ،‬تش"‪ ،‬و"هيومانتريا‬
‫ومرسيكول"‪.‬‬
‫‪ -‬أسسوا جمعيات للجالية اليمنية في مد عدة‪ ،‬منها ســــاند ويل‪ ،‬وبرمنجهام‪،‬‬
‫وليفربول وغيرها‪( .‬وثائقي الجزيرة)‪.‬‬

‫(‪( )130‬بحسب وثائقي الجزيرة)‪.‬‬


‫‪143‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مالمح من تأثير الشهـيد عبدهللا علي الحكيــمي ‪1954 - 1900‬م‬


‫على الرغم من أنط لم تتح لط ظروفط الخاصة وظروف الوعن فرص تلقي‬
‫العلوم الحديثة‪ ،‬وفرص التأهيل العالي‪ ،‬وبرغم محدودية ما تلقاه من علوم دينية‪،‬‬
‫ف نط تمكن بفضل كائط وألمعيتط من أ يعي بؤس الواقع ومظالم الحاكمين‪ ،‬ولم‬
‫يسمح لليأس بأ يتسرب لى وجدانط‪ ،‬بل اتخت من المقاومة مركبا ً‪ .‬وسأكتفي هنا‬
‫من نتائجها‬ ‫ببعض شارات تبرز عظم تأثيره المتعدد الجوانب‪ ،‬التي كا‬
‫استمرار التآمر عليط حتى استشهاده‪ ،‬كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬بحكم تنشئتط االجتماعية وما تلقاه من تعليم أولي ي صبغة دينية نشأ متمردا ً‬
‫على واقع البؤس ومن تسببوا فيط‪ ،‬وعلى الرغم من التحاقط بـ"الجيش‬
‫العربي في عد " تحت القيادة البريطانية وترقيتط (ضابطاً) وهو ما كا‬
‫يتيح لط فرص العيش األفضل‪ ،‬فقد ظل معارضا ً ألنظمة الحكم‪ ،‬وللوجود‬
‫البريطاني‪ .‬ولتلك ترك الجيش‪ ،‬والتحق بالعمل بحارا ً على سفينة فرنسية‪،‬‬
‫واستقر لفترة في الجزائر‪ ،‬متتلمتا ً على يد الشيخ أحمد بن م طفى العلوي‪،‬‬
‫متشربا ً للعلوم الدينية ال وفية‪ ،‬ومقتفيا ً اآلراء االجتهادية للشيخ جمال الدين‬
‫األفغاني‪.‬‬
‫‪ -2‬تنقل في العديد من الدول األوروبية‪ ،‬منها فرنسا‪ ،‬وبلجيكا‪ ،‬وهولندا‪ ،‬وأسس‬
‫ناشطا ً وسط الجاليات العربية‬ ‫كل منها "الجمعية اإلسالمية"‪ ،‬وكا‬
‫في ٍّ‬
‫واإلسالمية‪ ،‬داعيا ً لالتحاد‪ ،‬ومعبرا ً عن مأساة شعبط‪ ،‬وساعيا ً لحل مشاكلهم‪،‬‬
‫وتعزيز هويتهم الثقافية اإلسالمية‪.‬‬
‫ثم انتقل لى بريطانيا وصنع فيها ك نيعط في سابقاتها من دول أوروبا‪ .‬بل‬
‫نط أسس فيها مدرسة‪ ،‬وبنى مسجداً‪ ،‬وخ ص مقبرة لموتى المسلمين‪ ،‬وافتتح‬
‫العديد من الفروع لـ"الجمعية اإلسالمية" في بريطانيا‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫كا تأثيره واضحاً‪ ،‬حتى أنط عندما افتتح مسجد "نور اإلسالم" افتتحط‬
‫بحضور كبير شمل سفراء الدول العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫وفي مرحلة الحقة بعد عودتط من اليمن عام ‪1946‬م افتتح مطبعة‪ ،‬وأصدر‬
‫جريدة "السالم" عقب فشل ثورة الدستوريين عام ‪1948‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬نتيجة نشاعط المتزايد تعرض لمحاولة اغتيال بتدبير اإلمام وتواعؤ‬
‫بريطانيا‪ ،‬وقتل فيها سكرتيره (حسن شير)‪ ،‬ولم يفت لك في عضده بل‬
‫لك مبعث ضيق‬ ‫استمر بدعوتط للحوار المسيحي اإلسالمي‪ ،‬وكا‬
‫لبريطانيا‪ ،‬وأصدر كتابين يحمال أفكاره ورؤاه على هتا ال عيد‪ ،‬هما "دين‬
‫هللا واحد‪ ،‬واألسئلة واألجوبة بين المسيحية واإلسالم"(‪.)131‬‬
‫‪ -4‬لم يح ر اهتماماتط بنشر الدعوة والنشاع في "الجمعية اإلسالمية" وغيرها‬
‫من المناشط في بريطانيا وأوروبا‪ ،‬بل كا همط األساس معاناة شعبط وأمتط‪،‬‬
‫وظل داعيا ً ومحرضا ً‪ ،‬سواء أثناء هجرتط واغترابط أو أثناء عودتط ووجوده‬
‫في اليمن‪ ،‬وحتى تأسيس "حزب األحرار" في عد ‪ ،‬كما أصدر كتابا ً بعنوا‬
‫"دعوة األحرار"‪ ،‬وبعدما فشلت ثورة ‪1948‬م واصل دفاعط عن اليمن‬
‫وقضية شعبط وعن األحرار‪ ،‬وأصدر صحيفة "السالم"‪ ،‬وأرسل عالبا ً‬
‫للدراسة في األزهر‪ ،‬ثم لبى نداء الوعن واستغاثة المعارضة‪ ،‬وعاد لى‬
‫اليمن بعد قيام ثورة يوليو ‪1952‬م في م ر‪ .‬وعلى الرغم من التآمر عليط‬
‫مجددا ً من اإلمام واإلنجليز‪ ،‬ومحاكمتط الجائرة وسجنط‪ ،‬فقد خرج من السجن‬
‫وترأس "االتحاد اليمني" حتى اغتيل بالسم بعد أ أعجز بريطانيا واإلمامة‬
‫عن مواجهة عناده وكفاحط الرافض لسياستهما‪ ،‬و لك في ‪1954/8/4‬م‪.‬‬

‫(‪ )131‬الشميري‪ ،‬عبدالولي‪ ،‬من أعالم االغتراب اليمني‪ ،‬ص‪.12‬‬


‫‪145‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ومما تجدر مالحظتط هنا أنط رغم عدم توافر بيانات كافية عن المدارس‬
‫اليمنية وما تعكسط من تأثير في البيئة البريطانية‪ ،‬وعدم فرز المدارس المتميزة‬
‫الت نيف الحكومي البريطاني يعطي شهادات‬ ‫الثما المشار ليها بعاليط‪ ،‬ف‬
‫موضوعية على جودة الخدمات التعليمية المقدمة عبر تلك المدارس‪ ،‬بغض‬
‫النظر عما ا كا جميعها يمنية الهوى والهوية‪ ،‬أو بعضها على األقل‪ ،‬وهي‬
‫شهادات معطاة بمقاييس جودة التعليم البريطاني التي يعد التعليم "استثمارا ً ال‬
‫كا مبنيا ً على جهود‬ ‫خدمة"‪ .‬ولئن كا لنا أ نفخر‪ ،‬فهو فخر مستحق‪ ،‬و‬
‫فردية ومؤقتة‪ ،‬أو جاء اقتفاء لنمط تربوي غير وعني لكنط محكوم بفلسفة‬
‫تربوية‪ ،‬تنافس مهاجرونا مع غيرهم‪ ،‬وأكدوا قدرتهم على التفو والتأثير‪.‬‬
‫لم تكن مرتبطة فقط بما أردناه من‬ ‫ومالحظة أخيرة جديرة باالهتمام‪ ،‬و‬
‫قياس األثر على مستوى بريطانيا‪ ،‬بل تكاد تشمل حركة الهجرة واالغتراب‬
‫اليمني لى مختلف الجهات‪ ،‬وتتمثل ب بغ وتأعير ما أنشأوا من مؤسسات‬
‫وكيانات (بال بغة العربية)‪ ،‬وهو أمر يعكس تأثرهم بالحراك السياسي والثقافي‬
‫التي ساد في المنطقة العربية انت ارا ً للفكرة القومية بمواجهة الفكر األخرى‬
‫التي كانت ت عتمل داخل المنطقة بما تفرضط من صراعات ثانوية ظلت تحكم‬
‫العالقات بين الفرقاء‪ ،‬و لك ما سنلمسط أيضا ً عند الحديث عن األثر في مناعق‬
‫أخرى مختلفة‪.‬‬
‫(‪)132‬‬
‫ما‬ ‫ورد في صورة جدول عن مدارس الجاليات اليمنية في بلدا المهج‬
‫يفيد بوجود تسع مدارس‪ ،‬بينها "مدرسة معا الخيرية" في برمنجهام التي‬
‫يدرس فيها المراحل األساسية والثانوية‪ ،‬وتعتمد المنهج اليمني كامالً‪ ،‬ويبلغ عدد‬
‫عالبها بين (‪ 400‬لى ‪ 500‬عالب وعالبة)‪ .‬و ني لعلى ثقة أ هته المدرسة‬

‫(‪ )132‬ال لوي‪ ،‬وثيقة غير منشورة‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬


‫‪146‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وغيرها التي تتخت المنهج اليمني عريقا ً للتربية ال يمكن ألي ٍّ منها أ تنافس‬
‫مثيالتها المعتمدة المنهج البريطاني‪ .‬وال أقول لك انتقاصا ً بل اعترافا ً بق ور‬
‫مؤلم ألننا نقدم خدمة‪ ،‬والبريطانيو يقدمو استثماراً؛ أل تعليمهم محكوم‬
‫لتحقيق تلك المقاصد والغايات‪،‬‬ ‫مقاصدها‪ ،‬ويسعو‬ ‫بفلسفة تربوية يعلمو‬
‫والتعديل عندهم وارد في وسائل ووسائط التربية‪ ،‬ونحن ال نمتلك لك‪ ،‬بل لم‬
‫نتفق بعد على أهمية نتاج الفلسفة الوعنية المنشودة‪ ،‬ولم نوفر اإلمكانات‬
‫الالزمة لها‪ ،‬ولم نهيئ المؤسسات المنوعة بتحقيق غاياتها ومقاصدها‪ .‬أما بقية‬
‫المدارس فتتوزع على النحو اآلتي‪( ،‬مع مالحظة أنها جميعا ً تقدم ثالث مواد‬
‫باللغة العربية‪ ،‬وبقية المواد بالمنهج البريطاني)‪:‬‬
‫‪" -‬مدرسة األن ار" في برمنجهام (أساسية)‪ :‬ويبلغ عدد عالبها بين‬
‫(‪ 200 - 150‬عالب وعالبة)‪.‬‬
‫‪ " -‬مدرسة الجالية اليمنية" – ليفربول – أساسية‪ :‬ويبلغ عدد عالبها بين‬
‫(‪ 200 - 150‬عالب وعالبة)‪.‬‬
‫‪" -‬مدرسة الجالية اليمنية" – شيفلد ‪ -‬أساسية‪ :‬ويبلغ عدد عالبها بين‬
‫(‪ 400 - 300‬عالب وعالبة)‪.‬‬
‫‪" -‬مدرسة الجالية اليمنية" – كارديف‪ -‬أساسية‪ :‬ويبلغ عدد عالبها بين‬
‫(‪ 400 – 350‬عالب وعالبة)‪.‬‬
‫صورة الكشف غير‬ ‫‪ -‬أربع مدارس أخرى لم أتبين مواقعها بدقة؛ (أل‬
‫كانت جميعها مدارس أساسية (‪ ،)1:9‬ويبلغ عدد الطالب بين‬ ‫واضحة) و‬
‫(‪ 1200 - 1000‬عالب وعالبة)‪.‬‬
‫‪ -‬ثالث مدارس في لند وليفربول (الفارابي)‪ ،‬وفي ساوث شيلد – مدارس‬
‫أساسية – عدد الطالب في المدارس الثالث (‪ 1050 - 800‬عالبا ً وعالبة)‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -‬كما اشتمل الجدول على بيانات تفيد بوجود أربع مدارس في الواليات المتحدة‬
‫في ديترويت‪ ،‬ونيويورك‪ ،‬ونيوكاسل‪ ،‬وجميعها أساسية (‪ ،)1:6‬وتعتمد المنهج‬
‫األمريكي‪ ،‬مع تقديم ثالث مواد باللغة العربية‪ ،‬ويبلغ عدد الطالب في‬
‫المدارس األربع (‪ 1300 - 1100‬عالب وعالبة)‪ .‬وليس لدي شك في أ‬
‫تجارب هته المدارس يجابية‪ ،‬وتستحق الدراسة والتوثيق والمتابعة والدعم‬
‫والتوجيط؛ ألنط تعليم محكوم‪ ،‬شأنط شأ التعليم في الدول المتقدمة‪ ،‬وينتمي‬
‫لمجتمع يوفر بيئة حاضنة للمعرفة و نتاجها أيضاً‪.‬‬
‫الجدول المتكور التي تفضل بط األستا العزي لم يبين‬ ‫‪( -‬و تجدر اإلشارة لى‬
‫م در المعلومات السابقة رغم أهميتها وحاجتها للتوثيق‪ ،‬وحاجة المدارس‬
‫كل منها‪ ،‬تسهيالً لتقييم تلك‬
‫للمتابعة واالستطالع‪ ،‬وجمع بيانات أكثر عن ٍّ‬
‫كل منها)‪.‬‬
‫التجارب وبيا آثار ٍّ‬
‫ثانيا ا‪ :‬تأهيل المهاجرين‪:‬‬
‫لم أجد على مستوى مواعن الهجرة واالغتراب بشكل عام أي بيانات أو‬
‫معلومات حول هتا األمر تبين وجود فرص للمتخرجين من التعليم الثانوي‬
‫العام‪ ،‬تمكنهم من االلتحا بالجامعات والمعاهد العليا عبر منح تقدمها اليمن‪،‬‬
‫سواء أكانت من منح التبادل الثقافي مع الدول األخرى‪ ،‬أم منح ومقاعد لى‬
‫الجامعات اليمنية في الداخل‪ ،‬باستثناء ما كره تقرير وفد زار مدرسة الجالية‬
‫بجيبوتي‪( ،‬أشرت لط في موضع سابق)‪.‬‬
‫ويبقى التفسير األقرب لهتا األمر أ التدخل الرسمي للدولة اليمنية‪( ،‬بما أنط‬
‫غير موثق)‪ ،‬غير موجود ال في حاالت نادرة سأبينها تالياً‪ ،‬وأ الحالة العامة‬
‫لمواجهة هتا االحتياج تعتمد بشكل أساسي على دعم المغتربين والمهاجرين‪،‬‬
‫سواء بشكل شخ ي‪ ،‬أو عبر جمعيات وعالقات أخرى‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -‬في كتاب "من الثورة لى الوحدة"(‪ ،)133‬وجدت جدوالً يبين المنح والمقاعد‬
‫ة ألبناء المغتربين للعام ‪2002/2001‬م‪ ،‬ولم يبين هل هي‬ ‫الجامعية المخ‬
‫معتمدة كمنح رسمية من اليمن‪ ،‬أم غير رسمية من الدول التي قدمتها‪ ،‬كما لم‬
‫يبين ما ا كانت هناك منح سابقة أو الحقة‪ ،‬أو مقاعد جامعية‪ ..‬لخ‪ .‬أوجزها في‬
‫اآلتي‪:‬‬
‫‪ – 1‬منح‬
‫أ – المملكة العربية السعودية ‪ 40‬منحة‪.‬‬
‫ب – المغرب‪ 10‬منح‪.‬‬
‫ج – تونس‪ 10‬منح‪.‬‬
‫د – الجزائر منحة واحدة‪.‬‬
‫‪ - 2‬مقاعد جامعية‪:‬‬
‫ألمانيا‪ 100‬مقعد‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫ب‪ -‬األرد ‪ 40‬مقعداً‪.‬‬
‫ج ‪ -‬اإلمارات‪ 20‬مقعدا ً‪.‬‬
‫د ‪ -‬قطر‪ 10‬مقاعد (بنظر السفارة)‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬أثيوبيا ‪ 8‬مقاعد (بنظر السفارة)‪.‬‬
‫‪ -3‬داخلياً‪ :‬جامعة الملكة أروى – صنعاء – ‪ 10‬مقاعد‪( .‬بنظر وزارة‬
‫المغتربين)‪.‬‬
‫(‪)134‬‬
‫وجود عوائق حالت دو استفادة أبناء المغتربين في‬ ‫كما برر الكاتب‬
‫الخارج من المنح الجامعية الخارجية السنوية؛ بسبب اشتراع النسبة المئوية في‬

‫(‪ )133‬عبدالرشيد‪ ،‬براهيم‪ ،‬كتاب من الثورة لى الوحدة‪ ،‬ص‪.66‬‬


‫(‪ )134‬عبدالرشيد‪ ،‬براهيم‪ ،‬المرجع نفسط‪ ،‬ص ‪.65 ،64‬‬
‫‪149‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫شهادة الثانوية العامة‪ ،‬وعدم مراعاة اختالف النظم التعليمية من بلد لى آخر‪.‬‬
‫(وهو عتر ال أراه منطقيا ً ومبرراً)‪.‬‬
‫بالجامعات في اليمن‪ ،‬فقد كر الكاتب العديد من‬ ‫وفيما يتعلق بااللتحا‬
‫األسباب‪ ،‬لعل من أهمها‪ :‬فقدا الوثائق السابقة‪ ،‬وخاصة في حاالت العودة‬
‫القسرية‪ ،‬واشتراع استيفاء خدمة الدفاع الوعني‪ ،‬واشتراع استيفاء النسبة‬
‫بأي كلية‪ ،‬وصعوبة رسال الفتيات من بنات‬ ‫المئوية المطلوبة لاللتحا‬
‫المغتربين لمواصلة التعليم داخل الوعن‪ ،‬واشتراع تسديد رسوم بمبالغ كبيرة‬
‫بالعملة األجنبية‪ ،‬وعدم قدرة الكثير من أولياء األمور من المغتربين على تحمل‬
‫أعباء نفقات اإلقامة والرسوم ألبنائهم في الجامعات الحكومية أو الخاصة داخل‬
‫الوعن‪.‬‬
‫مما سبق‪ ،‬نستدل على همال السلطة ووزارة شؤو المغتربين في رعاية‬
‫أبناء المغتربين فيما يت ل بهتا األمر‪ ،‬رغم أنط هم قديم‪ ،‬حتى أ المؤتمر‬
‫الثاني للمغتربين – صنعاء ‪1982‬م‪ ،‬كا قد أوصى في توصيتط التاسعة بالقول‪:‬‬
‫"منح األولوية في المنح الجامعية المقدمة من البلدا الشقيقة وال ديقة ألبناء‬
‫المغتربين‪ ،‬وفي البند العاشر‪" :‬تكثيف وتطوير نشاء معاهد التدريب المهني‬
‫لرفع مستوى العمالة اليمنية"‪ ،‬ولم يتحقق من لك‬
‫شيء(‪.)135‬‬
‫في الوقت التي كا يمكن فيط تخ يص نسبة معينة من جمالي المنح‬
‫الخارجية‪ ،‬ونسبة أخرى من المنح الداخلية‪ ،‬ألبناء المغتربين وفق قواعد‬
‫وشروع خاصة تستثني الشروع التي يخضع لها المتنافسو من علبة الداخل‪،‬‬
‫أو بعضها على األقل‪.‬‬

‫(‪ )135‬عبدالرشيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.143‬‬


‫‪150‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ثالثا ا‪ :‬إسهامات المهاجرين التعليمية ودورهم في تنوير المجتمع‬


‫في الجانب التعليمي قبل ثورة ‪ 26‬سبتمبر و‪ 14‬أكتوبر‬ ‫أ‪.‬‬
‫والمغتربو ‪ ،‬سواء على مجتمعاتهم المحلية‪ ،‬أو‬ ‫لم يبخل المهاجرو‬
‫مجتمعهم الوعني‪ ،‬بمد يد العو للخالص من الواقع المؤلم التي أكره المجتمع‬
‫على أ يتعايش معط؛ و لك لعدة أسباب لعل من أهمها أنهم عانوا من تدني‬
‫مستويات تأهيلهم قبل الهجرة واالغتراب‪ ،‬وقد انعكست معاناتهم تلك في صور‬
‫عدة‪ ،‬منها محدودية الفرص التي تتاح أمامهم للعمل والكسب بما يرتبط بها من‬
‫تدني مستوى ناتج مقايضة جهدهم وعملهم‪ ،‬ثم من صعوبة تكيفهم في أوساع‬
‫اجتماعية محكومة بثقافات ولغات لم يعدوا لها‪ ،‬ولم يألفوها وينشؤوا عليها‪ ،‬ولم‬
‫يؤهلوا لها بما يعكسط حرمانهم من استغالل فرص للتكسب نتيجة لك‪ ،‬ونتيجة‬
‫قوانين وشروع سائدة للتنافس عليها‪ .‬وقد رأينا فيما سبق عرضط بعض صور‬
‫من لك في ندونيسيا وما جاورها‪ ،‬وفي بريطانيا التي على الرغم من اكتسابهم‬
‫لجنسيتها‪ ،‬وتضحياتهم في الحرب العالمية األولى‪ ،‬فقد رأينا كيف أ المجتمع‬
‫والسلطات واجهوا احتجاجاتهم في عامي ‪1930 /1919‬م بمستويات من القوة‬
‫والعنف وصلت حد سجن المئات منهم‪ ،‬وترحيل مئات آخرين لى عد ‪.‬‬
‫من اهتماماتهم تلك أيضا ً أ الكثير منهم تركوا في الداخل الوعني‬ ‫ثم‬
‫شكلوا أسبابا ً للغربة والهجرة‪ ،‬من حيث‬ ‫أبناءهم و خوانهم وأقاربهم التين‪ ،‬و‬
‫رغبتهم بتحسين معيشتهم وتأهيلهم‪ ،‬فقد شكل حرصهم هتا دافعا ً ضافيا ً للت بر‬
‫على ما يقاسونط في غربتهم‪ ،‬وأمالً بالخالص‪ ،‬حتى تحول لك لدى كثيرين‬
‫منهم لى واجب جهادي يتجاوز حدود واجبهم تجاه أبنائهم وأقاربهم‪ ،‬وأضحى‬
‫واجبا ً وعنياً‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫كما كانت ترجع اهتماماتهم تلك لى تأثرهم بما المسوه من تطور في‬
‫مهاجرهم ومواعن اغترابهم‪ ،‬و دراكهم ألهمية التعليم ودوره في حداث التغيير‬
‫في مجرى حياة المجتمع‪ ،‬والتغيرات لدى األفراد والجماعات‪ ،‬وبالتالي يمانهم‬
‫بأ مستقبل أبنائهم ومجتمعهم مرهو بأختهم بأسباب النهوض‪ ،‬والتعليم وسيلتط‬
‫ومدخلط؛ ولتلك أختت مبادراتهم تترى وتتعدد‪ ،‬وكا منها‪:‬‬
‫‪ -1‬على مستوى بناء مؤسسات التعليم‪ ،‬وجدنا نما ج لتلك في حضرموت وفي‬
‫كا في حدود ضيقة‪ ،‬كما وجدنا لك‬ ‫عد ‪ ،‬أختا ً بنسق التعليم الحديث‪ ،‬و‬
‫في بناء المئات من مدارس التعليم األولي التي تناثرت في الريف اليمني‬
‫وجد‬ ‫بشمالط وجنوبط‪ .‬ويبقى علينا ونحن نقترب من هته التجربة‪( ،‬التي و‬
‫بعضنا عليها مآخت معينة)‪ ،‬أ نراعي اعتبارات عدة عوامل‪ ،‬من أهمها‪:‬‬
‫‪ 1-1‬تدني مستوى تأهيل مهاجرينا ومغتربينا‪ ،‬وانعكاس لك على تمسك‬
‫بعضهم بعقائدهم‪ ،‬وثقافتهم‪ ،‬ورغبتهم بتنشئة األبناء تنشئة تقليدية ترتكز‬
‫أوالً على التعليم األولي بدرجة أساسية‪ .‬وقد رأينا نما ج منها انتشرت‬
‫في بريطانيا و ندونيسيا‪.‬‬
‫‪ 1-2‬يمانهم بتأهيل األبناء في مؤسسات تعليمية حديثة كا يحول دونط‬
‫العديد من المعوقات التي لم يكن ب مكانهم تجاوزها‪ ،‬وفي مقدمتها تحكم‬
‫السلطات الحاكمة في الشمال والجنوب برسم السياسات التعليمية‬
‫الضامنة لتدجين التعليم المؤمن لم الحهم وبقائهم‪ ،‬وقد رأينا بما أتاحوه‬
‫كيف أنهم لم يهتموا بتوافقط مع م الح المجتمع واحتياجاتط‪ ،‬وبالتالي‬
‫كراه تلك السلطات واألنظمة لم يكن بمقدورهم ممارستط وفرضط‪.‬‬ ‫ف‬
‫كما رأينا مما سبق عرضط أ المهاجرين والمغتربين في الوقت التي‬

‫‪152‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫تمكنوا فيط من بناء مدارس حديثة في عد وحضرموت‪ ،‬لم يكن متاحا ً‬


‫لهم مثل لك في شمال الوعن‪.‬‬
‫‪ 1-3‬نظرتهم ألهمية التعليم ودوره في التغيير‪ ،‬وتوجيط اهتماماتهم نحوه‪،‬‬
‫ظلت أسيرة لقدرتهم على التوافق في األهداف (بمواعن الهجرة‬
‫واالغتراب)‪ ،‬أما أ يأخت هتا األمر بعدا ً أكبر من لك فقد كا فو‬
‫مستوى عاقاتهم ووعيهم‪ ،‬ولتلك رأينا كيف ح ر المقتدرو من أبناء‬
‫حضرموت اهتماماتهم تلك على مستوى حضرموت‪ ،‬ولم يمدوها لى‬
‫خارج لك النطا الجغرافي‪.‬‬
‫‪ 1-4‬كما رأينا اآلالف من المهاجرين والمغتربين ي رو على استمرار‬
‫تأهيل أبنائهم حتى لو استدعى األمر انتزاع أعفالهم من عالمهم األسري‬
‫كانت وعنية ب رسالهم لى عد‬ ‫المستقر‪ ،‬والدفع بهم لغربة‪( -‬حتى و‬
‫لتلقي العلم)‪ -‬لم يؤهلوا لها‪ ،‬وكانت فو عاقة احتمالهم وتقبلهم‪ ،‬لكنها‬
‫الضرورة المحكومة بالحاجة‪ ،‬وقد بنيت هته القناعة أيضا ً على قاعدة‬
‫أولوية تأهيلهم بمعالمة الريف‪ .‬ولقد كانت هته التجربة – على الرغم‬
‫من جوانبها اإلنسانية المؤلمة – مثمرة و يجابية‪ ،‬وأسهمت في تأهيل‬
‫اآلالف (في تلك الفترة وما تالها) بمستويات مختلفة مجدية ونافعة‪،‬‬
‫مكنت الكثير منهم من مواصلة تأهيلهم‪ ،‬سواء قبل ثورة سبتمبر‬
‫وأكتوبر أو بعد لك‪ ،‬ومكنت الكثير منهم من لعب أدوار وعنية مؤثرة‪.‬‬
‫‪ 1-5‬كا عليهم المواءمة بين اهتماماتهم الكثيرة – خاصة وعامة –‪ ،‬ولئن‬
‫شكل التعليم أحد مظاهرها فقد كا الهم الوعني العام المتمثل في دعم‬
‫و سناد المعارضة مظهرها األبرز واألحق بالرعاية‪ ،‬وبالتالي فقد كانت‬
‫سهاماتهم على هتا ال عيد أوضح وأدعى للتضحية‪ ،‬مع مالحظة أ‬

‫‪153‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫هتا الهم العام لم يكن محل اهتمام عشرات اآلالف منهم في مختلف‬
‫آسيا وبعض دول‬ ‫مواعن الهجرة واالغتراب‪ ،‬وخاصة في شر‬
‫الجوار‪ .‬ومع لك أثمر في محاوالت التغيير التي تمت‪ ،‬والتي كا من‬
‫أهمها حركة ‪48‬م‪ ،‬وثورة ‪62‬م‪ ،‬وثورة أكتوبر‪63‬م‪ ،‬وما أعقب لك من‬
‫تحديث للتعليم‪.‬‬
‫‪ -2‬في سبيل تعليم وتأهيل األبناء عانى اآلالف منهم نتيجة انتزاعهم من‬
‫وسطهم األسري في سن الطفولة‪ ،‬وهي سن كانوا أحوج ما يكونو فيها‬
‫لرعاية وتوجيط اآلباء واألمهات واألسر‪ ،‬وهي سن لم يتمكن فيها أي منهم‬
‫من امتالك سياجط القيمي المناسب‪ ،‬وال القدرات العقلية والنفسية التي تمكنط‬
‫من تقبل االفترا عن وسطط األسري‪ ،‬وتؤكد استعداده للتكيف مع أوساع‬
‫بمستويات متفاوتة)‪،‬‬ ‫اجتماعية جديدة مدخلها االعتماد على النفس (و‬
‫يفرض ألفتها النوعية أو غربتها الوسط األسري الجديد التي قدر عليط‬
‫االندماج فيط‪ .‬وهو وسط موصول ببيئة اجتماعية جديدة مليئة بعادات وتقاليد‬
‫وأنماع سلوك وقيم لم يألف أغلبها من قبل‪ ،‬من تلك التي تميز المجتمع‬
‫الحضري عن الريفي‪ .‬كما عانى اآلباء واألمهات من لوعات الفرا‬
‫المسكونة بالخشية على بنيهم مما قد يواجهونط من م اعب‪ ،‬ومتاعب‪،‬‬
‫وحرما عاعفي نتيجة (الفرقة) التي تأتي بدو مقدمات‪ ،‬عدا اتخا مماثلة‬
‫األقرا حجة ودافعاً‪ .‬لكن حرصهم على تأهيل أبنائهم كا كافيا ً لتهو دونط‬
‫التضحيات‪ ،‬وتسقط معط كل الموانع‪.‬‬
‫ولقد ساعد األبناء على التكيف واالندماج شعورهم بألفة من تعايشوا‬
‫وأقارب وأقرانا ً – في وسط اجتماعي تسوده ثقافة مجتمعية‬
‫َ‬ ‫معهم – أسرا ً‬
‫تقليدية في أغلبها األعم‪ ،‬ولم يجدوا صعوبة في تقبلها وتمثلها‪ ،‬كما أ الدافع‬

‫‪154‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫التاتي للتعلم كا الحادي لتحقيق الرضا األسري من جهة‪ ،‬وتأكيد قدرتط‬


‫لك مما‬ ‫على منافسة األقرا وتحقيق الرضا النفسي عن التات‪ ،‬وكا‬
‫يخفف من لوعات الفرقة وتدفق موجات الحنين لألسرة ومراتع ال با‪،‬‬
‫والرغبة في التواصل مع من خلفوهم من اإلخوة واألقرا ‪ ،‬مع الفوز‬
‫بفرص استعراض ما اكتسبوه من معارف وأنماع سلوك وتقاليد يؤكدو بها‬
‫تميزهم‪.‬‬
‫ولقد استمرت تلك المعاناة‪ ،‬وشملت أجياالً متعاقبة‪ ،‬امتد سقفها الزمني‬
‫حتى بعد قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر‪.‬‬
‫ولئن كانت الوجهة قبل ثورة سبتمبر عد في األغلب األعم‪ ،‬لما تتيحط‬
‫من فرص التعليم الحديث‪ ،‬فقد تعددت المد التي شكلت مقاصد للفوز‬
‫بفرص التأهيل‪ ،‬ومنها تعز‪ ،‬وصنعاء‪ ،‬والحديدة‪ ،‬ومد أخرى عديدة في‬
‫شمال الوعن وجنوبط‪ ،‬و لك بحسب توفر فرص التأهيل فيها‪ ،‬وممكنات‬
‫المعيشة لهم وألسرهم ومعيليهم‪ ،‬و لك قبل انتشار المدارس الحديثة في‬
‫مختلف المناعق واألرياف‪ ،‬وبمستوياتها وأنواعها المتعددة الملبية للحاجة‪،‬‬
‫والمتناسبة مع القدرة‪.‬‬
‫موضع‬ ‫‪ -3‬فيما يتعلق بالتأهيل العالي و رسال البعثات وتمويلها‪ ،‬فلقد كا‬
‫اهتمام البعض‪ ،‬كما قدمت لتلك سابقا ً‪ ،‬سواء على مستوى مواعن الهجرة‬
‫واالغتراب‪ ،‬أو على مستوى الداخل اليمني‪ ،‬حيث كا أمرا ً مفروغا ً منط‪.‬‬
‫ولقد تباينت اهتماماتهم في هتا الشأ ‪ ،‬فمنهم من ح ره بتأهيل أبنائط‬
‫وأقربائط‪ ،‬ومنهم من رفع سقف اهتمامط‪ ،‬ووسع دائرة عموحط‪ ،‬وساعد على‬
‫ابتعاث بعض ممن لم تمكنهم مكانات أهلهم‪ ،‬سواء ب مكاناتط التاتية‪ ،‬أو بما‬
‫أتاحتط عالقاتط‪ ،‬أو بجهد جمعي عبر جمعيات ونوا ٍّد ناشطة ملكت عالقات‬

‫‪155‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مع أنظمة سياسية‪ ،‬ومؤسسات تأهيل‪ ،‬فتمكنوا من ابتعاث من استطاعوا‬


‫تمكينهم من الدراسة الجامعية والعليا‪.‬‬
‫بدأ متأخرا ً ألسباب‬ ‫ولعل من المفيد هنا التتكير بأ هتا النشاع‪ ،‬و‬
‫بينتها سابقا ً‪ ،‬ومنها عدم انتشار التعليم الثانوي الحديث ال منت أربعينيات‬
‫القر العشرين وما تاله‪ ،‬فقد عرضت أيضا ً بعض بيانات أكدت على‬
‫استفادة المئات من الطالب من فرص الدراسات الجامعية‪ ،‬سواء على‬
‫مستوى الشمال أو الجنوب‪ ،‬وبينت أ أغلب المستفيدين تمكنوا من مواصلة‬
‫تأهيلهم على حساب أهاليهم‪ ،‬أو بمساعدة بعض المانحين في العرا ‪،‬‬
‫وسوريا‪ ،‬وم ر عبر بعثات تمت من بريطانيا لى األزهر‪ ،‬ومن السودا ‪،‬‬
‫وأثيوبيا‪ ،‬وأسمرا ‪ ،‬و ندونيسيا لى دول عربية مختلفة‪ .‬وأشرت لى بعثات‬
‫تمت من لحج وسلطنات شر اليمن لى دول مختلفة‪ ،‬عدا من تم ابتعاثهم‬
‫على حساب سلطات صنعاء وعد (وكانوا أقلية على كل حال)‪.‬‬
‫ولقد كا من ثمرات تلك الجهود ما جسدتط نجاحات المئات منهم بعد‬
‫عودتهم لى أرض الوعن ب سهاماتهم النوعية التي تركت آثارها في مختلف‬
‫مجاالت حياة المجتمع عبر أدوارهم الرسمية‪ ،‬ومبادراتهم التاتية المجتمعية‬
‫المختلفة التي أسهمت في تغيير الثقافة‪ ،‬و عادة تشكيل اهتمامات الرأي‬
‫العام‪.‬‬
‫كر الجميع ألسباب عدة‪ ،‬ال أني سأعمد‬ ‫ولئن كا من ال عوبة بمكا‬
‫لى كر بعضهم ممن بلغوا من الشهرة حدا ً ال يمكن نكاره‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫أحمد محمد نعما ‪ ،‬محمد سالم البيحاني‪ ،‬محمد محمود الزبيري‪ ،‬محمد‬
‫عبده غانم‪ ،‬محمد علي لقما – د‪ .‬محمد سعيد العطار – أحمد عبده سعيد‬
‫صالح – عبد الغني علي أحمد ناجي – د‪ .‬عبد العزيز السقاف – د‪ .‬محمد‬

‫‪156‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أنعم غالب – أ‪ .‬محمد أحمد عبد الولي – د‪ .‬أمين أحمد عبده ناشر – عبد‬
‫الغني عبد القادر الشيباني – د‪ .‬أحمد قائد ال ائدي – د‪ .‬عبد الملك محمد‬
‫عبد هللا – م‪ .‬أحمد عبدالعزيز سماره – أ‪ .‬عبدالجبار هايل سعيد – أ‪.‬‬
‫عبدالرحمن هايل سعيد – أ‪ .‬محمد عبده سعيد أنعم – م‪ .‬عبدالرحمن سعيد‬
‫أحمد ناجي – د‪ .‬محمد قائد األغبري – أ‪ .‬علوا سعيد محمد الشيباني ‪ -‬أ‪.‬‬
‫ناجي – أ‪ .‬عيسى محمد سيف – د‪.‬‬ ‫عطاء – أ‪ .‬سلطا‬ ‫عبده نعما‬
‫عبدالحافظ نعما الحكيمي – أ‪ .‬محمد أحمد نعما – أ‪ .‬عمر الوصابي‪ .‬أ‪.‬‬
‫عبد العزيز عبدالغني صالح‪ .‬وغيرهم كثير مما ال يتسع المجال لتكرهم في‬
‫هتا الحيز المتاح‪.‬‬
‫لم يكونوا أكثر‪ -‬ممن استفادوا من المنح المقدمة‬ ‫كما أ هناك المئات‪-‬‬
‫عبر حكومتي الثورة في صنعاء وعد ‪ ،‬وجاءت استفادتهم استكماالً لما بدأه‬
‫أهاليهم من المهاجرين والمغتربين‪ ،‬أو ممن عادوا بعد اغترابهم لى أرض‬
‫الوعن للمشاركة في الحياة العامة‪ ،‬وعمدوا لى االستمرار في تأهيل أبنائهم بما‬
‫مكنهم من ا الستفادة من المنح المقدمة عبر صنعاء وعد ‪ ،‬وعادوا بعد تخرجهم‬
‫للمشاركة في الحياة العامة‪ ،‬ولم تخل ممارساتهم‪ ،‬وانشغاالتهم من تأثير‪ ،‬حتى‬
‫غدا العديد منهم قادة وعناوين نجاح لمن تأثروا بأدائهم وصنيعهم‪ ،‬سواء منهم‬
‫من قضى نحبط أو ممن ينتظر‪.‬‬
‫هناك المئات من الكوادر التي أتمت تأهيل نفسها بجهود أهلها‬ ‫كما أ‬
‫ودعمهم بمستويات متفاوتة في مختلف بلدا االغتراب والهجرة‪ ،‬وعندما قامت‬
‫ثورة سبتمبر ‪62‬م عاد الكثير منهم تلبية لنداء الواجب‪ ،‬وسعيا ً لإلسهام بالممكن‬
‫من الجهد في عار ما أعدوا أنفسهم من أجلط‪ ،‬مسهمين بالدفاع عن الثورة‪ ،‬وفي‬

‫‪157‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫تحديث أجهزة اإلدارة بما كا متاحاً‪ ،‬ولم تخل جهودهم من آثار على صعيد‬
‫مهن احترفوها‪ ،‬أو على صعيد التأثير في ثقافة المجتمع‪.‬‬
‫كما أسهم المهاجرو والمغتربو في بناء المدارس‪ ،‬و نشاء الدويالت في‬
‫اليمني حضرموت‪ ،‬فقد أقاموا الجمعيات المختلفة‪ ،‬وأسسوا األندية‪،‬‬ ‫الشر‬
‫‪1938‬م‪ ،‬و"نادي اإلصالح" في القطن‪،‬‬ ‫ومنها "نادي الشباب" في سيئو‬
‫و"نادي اإلصالح" في المكال ‪1940‬م‪ ،‬وتأسست نوا ٍّد للتالميت‪ ،‬ومنها "نادي‬
‫الشبيبة المتحدة" التابع لـ"جمعية األخوة والمعاونة" ‪1932‬م‪ ،‬و"جمعية اتحاد‬
‫التالميت األدبية" عام ‪1940‬م‪.‬‬
‫كما أ أدوارهم في نشاء السلطنتين القعيطية والكثيرية‪ ،‬ودولة مدينة الغرفة‬
‫وتنمية المنطقة‪ ،‬سواء بالتعليم أو بمختلف المشاريع األخرى ات االرتباع‬
‫بها‪ ،‬وتستحق توجيط الجهود لمزيد من البحث‬ ‫بالبنية التحتية‪ ،‬ال يستها‬
‫والدراسة والتوثيق والتقييم‪ ،‬وكتلك لدراسة اآلثار السلبية التي نجمت عن‬
‫الهجرة واالغتراب‪ ،‬سواء على صعيد تفشي الثقافة االستهالكية المبنية على‬
‫تحويالت المهاجرين والمغتربين‪ ،‬وصرفت قوى العمل عن ممارسة أنشطتهم‬
‫اعتمادا ً على تحويالت أهاليهم‪ ،‬أو على صعيد همال األرض وما يرتبط بها من‬
‫أنشطة م احبة‪ ،‬أو على صعيد تأثير عدم التأهيل للشباب وغير لك‪.‬‬
‫ب‪ -‬دور المهاجرين بعد ثورتي سبتمبر‪1962‬م وأكتوبر‪1963‬م‬
‫لقيام ثورة ‪ 26‬سبتمبر‪62‬م أثر يجابي كبير لدى المغتربين‬ ‫كا‬
‫والمهاجرين‪ ،‬حيث ضاعف من حماسهم‪ ،‬و صرارهم على دعمها والدفاع عنها‬
‫للحيلولة دو انتكاستها؛ أل بعضا ً منهم كانوا من قيادات المعارضة ومحسوبين‬
‫عليها‪ .‬كما عرفنا أ انتكاسة حركة ‪1948‬م لم تفت في عضدهم بقدر ما شكلت‬
‫تحديا ً إلرادتهم‪ ،‬وضاعفت من يمانهم بأهمية التغيير‪ ،‬ومن شعورهم بالمسؤولية‬

‫‪158‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الوعنية‪ ،‬ثم نهم مارسوا دورهم بدعم المعارضة‪ ،‬ورفدوها بما احتاجتط من‬
‫مال‪ ،‬وجهود‪ ،‬ورجال‪ ،‬ومطالب حتى قامت الثورة‪.‬‬
‫وبالتالي فقد سعوا وبادروا بالتفاعل مع قيادة الثورة‪ ،‬ووصلت وفود منهم‬
‫للتعبير عن التأييد‪ ،‬وبتلوا ما أمكنهم من دعمها مادياً‪ ،‬وتحريضا ً لمن استطاع‬
‫من الشباب العودة واالنخراع في مؤسسات الجيش والحرس الوعني والشرعة‪،‬‬
‫وفي السلك اإلداري للدولة‪.‬‬
‫كما ساهموا بفتح مقرات لبعض سفارات الثورة في عدة دول‪ ،‬منها أثيوبيا‪،‬‬
‫وكينيا‪ ،‬وتنزانيا بما قدموه من دعم مادي‪ ،‬وتبرعوا بط من مبا ٍّ (‪.)136‬‬
‫لتعيين محمد سعد القباعي‪ -‬السفير السابق‪ -‬وزيرا ً للدولة لشؤو‬ ‫وكا‬
‫المهاجرين في أول وزارة للثورة وقع يجابي أشعر الكثيرين منهم باهتمام‬
‫الثورة بهم‪ ،‬وبأنها تدعوهم للمبادرة بأداء ما أمكنهم من أدوار‪ ،‬انت ارا ً لحقهم‬
‫وحق مجتمعهم بالحياة األفضل(‪.)137‬‬
‫تفجر ثورة ‪ 14‬أكتوبر‪63‬م‪ ،‬وقد مثلت ردا ً لكرامة المجتمع‪ ،‬وانتزاعا ً‬ ‫ثم‬
‫لحق منتهك‪ ،‬واستعادة إلرادة مختطفة‪ ،‬زاد من يقينهم ب مكانية تحقيق أحالمهم‬
‫في الحرية‪ ،‬والوحدة‪ ،‬والقضاء على أسباب التخلف والبؤس والمعاناة‪ ،‬وكل لك‬
‫استدعى منهم استنفارا ً للجهود‪ ،‬وسخاء في البتل والعطاء‪ ،‬وتمكينا ً لالستمرار‪،‬‬
‫وتوسيعا ً للمواجهة حتى يتحقق االنت ار بجالء االستعمار‪ ،‬ويتحقق حلم‬
‫الخالص ب عادة توحيد اليمن‪ ،‬واالنت ار لمعاناة المجتمع‪.‬‬
‫كما ولدت الثورة بقيامها حافزا ً لدى الكثير منهم للعودة لى الوعن‪،‬‬
‫والمساهمة في تغيير صور الحياة السائدة من خالل اإلسهام بالتنمية‪ ،‬سواء عبر‬

‫(‪ )136‬عبدالرشيد‪ ،‬براهيم‪ ،‬من الثورة لى الوحدة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.139 ،138‬‬
‫(‪ )137‬العلفي‪ ،‬علي‪ ،‬أبرز األحداث اليمنية‪ ،‬ص‪.92‬‬
‫‪159‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫تأسيس المؤسسات المختلطة أو الخاصة‪ ،‬مع المساهمة في قامة المشاريع‬


‫المختلفة وفي مقدمتها المدارس‪ ،‬وكا دورهم واضحا ً في النهضة العمرانية‬
‫التي أختت في االنتشار في العديد من المد الرئيسة والثانوية‪ ،‬وحتى األرياف‪،‬‬
‫بما اقتضاه لك من لزوم وجود الطر والكهرباء‪ ،‬والمياه وغيرها‪.‬‬
‫كما عرف الكثير منهم بمبادراتهم‪ ،‬وأدوارهم في النضال الوعني‪ ،‬وسيخلد‬
‫التاريخ أثرهم‪.‬‬
‫كما أ تأثيرهم على الداخل الوعني تجسد ب ور مباشرة‪ ،‬وغير مباشرة‪،‬‬
‫بدعمهم المتواصل للمعارضة الوعنية قبل الثورة‪ ،‬وشراكتهم في قيادتها‪،‬‬
‫وتمثيلها في مواعن اغترابهم وهجرتهم‪ ،‬وبالدفاع عنها ونشر أفكارها حتى قيام‬
‫الثورة التي كا حضورهم في صفوفها المتقدمة يمثل دعما ً ال حدود لط لقيادة‬
‫الثورة وشبابها‪.‬‬
‫ثم امتد لك التأثير بتغيير األنظمة شماالً وجنوباً‪ ،‬وأسهم بتحديث التعليم‪،‬‬
‫باالستعانة بتجارب أخرى غير وعنية‪ ،‬كما‬ ‫ومحاوالت تثوير المناهج‪( ،‬و‬
‫أشرت لى لك سابقاً)‪.‬‬
‫وكانت مبادراتهم لى بناء المدارس‪ ،‬واإلسهام في بناء مدارس أخرى تعكس‬
‫واقع تفاعلهم مع ما يعتمل في مجتمعهم من حراك‪ ،‬كما كا بتلهم في سبيل‬
‫تعليم أبنائهم‪ ،‬ومد يد العو ألبناء المعسرين لتمكينهم من التعليم واضح األثر‬
‫في تجسيد قيم التعاضد والتراحم‪.‬‬
‫ولقد كا معلوما ً أنط لم يكن بمقدورهم ال الحلم‪ ،‬خاصة بعد أ تحول موقفهم‬
‫من دعم للمعارضة في السابق لى سناد األنظمة‪ ،‬ثم لتقديرهم لما كا يعتمل‬
‫على أرض الواقع‪ ،‬وهم يشاهدو ان راف قيادة الثورة لى تلبية احتياجات‬
‫تثبيت النظام الجمهوري‪ ،‬وما اقتضاه لك من معارك ومواجهات‪ ،‬و فشال‬

‫‪160‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مؤامرات‪ ،‬ومحاوالت رأب ت دعات وسط ال ف الجمهوري‪ ،‬ومتطلبات دعم‬


‫الثورة في جنوب الوعن‪ ،‬وق ور اإلمكانيات‪ ،‬وحداثة تجربة الثورة برمتها‪.‬‬
‫كل لك وغيره لم يجعلهم قانعين بما كا يكرس على أرض الواقع من أنظمة‬
‫تعليمية (بتجربة عربية م رية)‪ ،‬وما يرتبط بها من أنشطة وعمليات تربوية‪،‬‬
‫(وقد كانت تجربة متقدمة قياسا ً على ما سبقها وما تالها أيضاً)‪ ،‬بل ويجعلهم‬
‫متقبلين حتى لما نال المغتربين والمهاجرين من مستوى تواصل ورعاية لم تكن‬
‫بالمستوى المطلوب‪.‬‬
‫ال أ ما لمسوه من صراع واختالف بين نظامي الشطرين بعدئت‪ ،‬وما نتج‬
‫عنط من عدم تحقيق الوحدة بعد جالء االستعمار‪ ،‬قد تسبب بفتور العالقة بينهم‬
‫وبين سلطتي الشطرين‪.‬‬
‫كما أختت حاالت عدم الرضا تطفو على سطح العالقة كتعبير عن عدم‬
‫على صعيد العالقة بينهما‪ ،‬أو‬ ‫الرضا بممارسات نظامي الشطرين‪ ،‬سواء‬
‫كل منهما‪ ،‬وعالقتهما بالمجتمع‪ ،‬والتنمية‪،‬‬
‫على كيفية بناء السلطات في ٍّ‬
‫لك لما تسببا بط من تعميق‬ ‫كل منهما‪ ،‬وفو‬
‫ومقتضيات تأمين النظام لدى ٍّ‬
‫االنقسامات بين المغتربين والمهاجرين‪ ،‬وتوزع والءاتهم بما هو أبعد من‬
‫رغبات النظامين‪.‬‬
‫تلك العالقة ال راعية‪( -‬بغض النظر عن مبرراتها لدى كل عرف‪،‬‬
‫ومدى حجيتها قياسا ً على م الح المجتمع العليا)‪ -‬تركت آثارها السلبية لدى‬
‫المجتمع بشكل عام‪ ،‬ولدى المغتربين والمهاجرين بخاصة؛ و لك بانعكاسها‬
‫على مستوى اآلمال والطموحات‪ ،‬وتزعزع الثقة بمكونات المجتمع السياسي‪،‬‬
‫يتزايد عند مرور الوعن والمجتمع بحاالت ابتالء‪،‬‬ ‫كا‬ ‫وشعور بالختال‬
‫وانكشاف يكاد يع ف بما تبقى لديط من عوامل البقاء‪ ،‬ويوصد نوافت األمل‬

‫‪161‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫بالمستقبل‪ ،‬ومنها (ح ار السبعين يوما ً للعاصمة صنعاء عام ‪1968‬م‪ ،‬وجولة‬


‫االقتتال بين النظامين في ‪1972‬م)‪.‬‬
‫كما كانت تشعرهم بعجز مضاعف يمنع توحيد رادتهم‪ ،‬وأهدافهم‪ ،‬وقدرتهم‬
‫على مواجهة مشكالتهم المختلفة‪ ،‬أو حماية م الحهم نتيجة ما أنتجط النظاما‬
‫من فرقة واختالف في مواعن غربتهم وهجرتهم‪ ،‬ومع لك ظلت أعينهم‬
‫كانوا غير‬ ‫مفتوحة على كل ما يعتمل في وعنهم‪ ،‬متأثرين بما يحدث حتى و‬
‫قادرين على التأثير فيط‪.‬‬
‫المهاجرون وتجربة حركة ‪ 13‬يونيو ‪1974‬م‬
‫من المفيد في البدء التأكيد بأ اتخا ي العالقة بين المغتربين والمهاجرين من‬
‫جهة‪ ،‬وبين الحركة وتجربتها من جهة ثانية‪ ،‬جاء على خلفية القناعة بأنها كانت‬
‫تجربة توفرت لها الشروع الموضوعية‪ ،‬وعبرت عن عالقة تفاعلية وأثيرة‬
‫تحققت فيها المشاركة المجتمعية األوسع في ظل مناخات غير ق ائية‪ ،‬وشملت‬
‫نطاقا ً جغرافيا ً لم يكن أ غلب أبنائط مؤهلين وقابلين للتحول لى مجتمع المواعنة‪،‬‬
‫ربما بعكس أقرانهم في المحافظات الجنوبية والشرقية التين كانوا قد قطعوا‬
‫شوعا ً على عريق عادة التشكل‪ ،‬كما أنها كتجربة تكرست وسط الكتلة‬
‫االجتماعية األكبر في المجتمع اليمني؛ وألنها رغم عمرها الق ير تمكنت من‬
‫تحقيق نتائج يجابية بكل المقاييس‪.‬‬
‫ثم نها عكست اعتزازا ً باالنتماء‪ ،‬وبالدور التي مكن المغتربين من تحسين‬
‫العالقات االجتماعية‪ ،‬وعالقات اإلنتاج في كثير من مواعن االغتراب والهجرة‬
‫باحترام التات‪ ،‬واإلن اف في األجور‪ ،‬وفي حفظ الحقو ‪.‬‬
‫ولقد وددت قبل الخوض في الحديث عن تلك العالقة أ أشير لى أ ثورة‬
‫‪ 26‬سبتمبر ‪62‬م كانت قد رفعت أهدافا ً ستة‪ ،‬وكا الهدف الرابع منها قد نص‬

‫‪162‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫على " نشاء مجتمع ديمقراعي تعاوني يستمد أنظمتط من روح اإلسالم‬
‫الحنيف"‪.‬‬
‫وقد كانت قامة مجتمع ديمقراعي تعني عادة تأهيل المجتمع اليمني وفق‬
‫لك كا‬ ‫شروع و معايير عديدة لم تكن متاحة‪ ،‬وال بالمقدور تحقيقها بيسر؛ أل‬
‫يقتضي‪( -‬بحسب فهمي وفهم الكثيرين)‪ -‬القضاء على األمية بمختلف صورها‪،‬‬
‫وضما حق كل فرد في التأهيل والتدريب بما يتناسب مع استعداده وقدراتط‪،‬‬
‫مجز يحفظ كرامتط‪ ،‬وضما حقط في االستشفاء والحماية‬
‫ٍّ‬ ‫وحقط في العمل بأجر‬
‫ضد العجز‪ ،‬وحقط في السكن اآلمن‪ ،‬وحقط في المشاركة في الحياة العامة دو‬
‫ضغوع أو استغالل أو ق اء في مجتمع ونظام يضمن تكافؤ الفرص‪ ،‬والعدل‬
‫والمساواة‪ ،‬وكفالة حرية التعبير والرأي‪ ،‬وحق الترشح واالنتخاب‪ ..‬لخ‪.‬‬
‫لك يحتاج لى تشريعات محترمة مجتمعياً‪ ،‬وخطط تنمية شاملة‬ ‫وكا‬
‫متوازنة مبنية على مكانات وقدرات وعنية متاحة وممكنة‪ ،‬و دارة حديثة‬
‫ونزيهة تمن ع االستقواء خارج القانو أو بتجاوزه‪ ،‬وتجعل من المساهمة في‬
‫اإلنتاج مدخالً لالندماج االجتماعي واحتالل المكانة المناسبة فيط‪ ،‬وتيسر عادة‬
‫بناء التركيبة االجتماعية وفقا ً لتلك بما يتالزم معط من تعدد وتنوع الثقافات‬
‫المطلبية القادرة على تمكين الثقافة المجتمعية من توسيع قاعدة الحاضن‬
‫المجتمعي المطلوب لتوعين المعرفة‪ ،‬و نتاجها من جهة‪ ،‬وعلى تسييج النظام‬
‫السياسي بالحماية الالزمة الستمراره واستقراره‪.‬‬
‫كل لك وغيره كا يعني أ هتا الهدف ليس سهل المنال‪ ،‬حتى لو‬ ‫و‬
‫أضيف لى ديمقراعيتط سمة التعاو ليكو أحد مداخل ممكنات تحقيقط؛ أل‬
‫التعاو تقليد راسخ في المجتمع‪ ،‬ويشكل ظاهرة من ظواهر الحياة فيط‪ ،‬وقد جاء‬
‫تضمينط ك حياء لخاصية فيط‪ ،‬واستدعاء لموروث‪ ،‬وتعبير عن رادة التغيير في‬

‫‪163‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المجتمع كنهج حياتي يساعده على ردم التخلف‪ ،‬وبناء مداميك مستقبل يكو فيط‬
‫التعاو خيار حياة أيضاً‪ ،‬وحالً يخفف من شحة اإلمكانيات للبدء ببناء اقت اد‬
‫من نقطة ال فر‪ ،‬و حالالً لثقافة جديدة على أنقاض ثقافة التمييز واإلق اء‬
‫الجميع فيها منتق ي‬ ‫وعدم المساواة التي كانت مكرسة قبل الثورة‪ ،‬وكا‬
‫الحقو ‪ ،‬ومستلبي اإلرادة‪ ،‬و تباينت ال ور واختلفت المبررات والدرجات‪.‬‬
‫على أ يبقى معلوما ً أ ال أعمم هتا الفهم‪ ،‬ولكن بالمقابل علينا أ ندرك أ‬
‫بعض المغتربين والمهاجرين على األقل بحكم وعيهم‪ ،‬أو بتجارب حياتهم كا‬
‫لديهم فهم معين لقيم الحياة في مجتمعات عرفت أشكاالً متباينة من الحياة‬
‫الديمقراعية‪ ،‬وبالتالي لم تكن الديمقراعية‪ -‬كمفهوم‪ -‬غريبة عليهم على األقل‪.‬‬
‫قيادة‬ ‫وحتى ال يبدو الحديث خارج السيا ‪ ،‬فقد أردتط موصوالً بالقول‬
‫الثورة لم تستطع قيادة المجتمع لتحقيق التحول باتجاه نشاء مجتمع ديمقراعي‬
‫مؤتمر حرض جاء‬ ‫تعاوني عادل ألسباب مختلفة‪ ،‬سبق لي بيا بعضها‪ .‬ثم‬
‫بقرارات معروفة تنتقص من أحالم المواعنين وحقهم في الثورة وتغيير‬
‫األوضاع‪ ،‬وبالتالي كانت الحاجة تستدعي احتواء اآلثار السلبية لتلك القرارات‪،‬‬
‫و لك ما أشارت لى بعضها القوات المسلحة ببرنامج اإلصالح التي قدمتط‬
‫عام ‪71‬م‪.‬‬
‫ولما كانت عجلة التنمية االقت ادية واالجتماعية قد تعطلت‪ ،‬برزت لى‬
‫أرض الواقع مبادرات تعاونية قادت نحو تأسيس التجربة التعاونية‪.‬‬
‫وقد تميزت التجربة التعاونية بأنها جاءت شعبية الدعوة والتكوين‪،‬‬
‫وبمبادرات نابعة من وسط مجتمع قرر أ يحمل تبعاتها بروح جمعية ال تأبط‬
‫بموقف النظام‪ ،‬وربما رغبت ب حراجط ليتخت موقفا ً بما يستتبعط من قرارات‬
‫و جراءات ستكو سلطاتط مجبرة على أ تتفاعل مع التجربة وترعاها‪ ،‬أو‬

‫‪164‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫تحتويها هروبا ً لألمام‪ ،‬خاصة أ برنامج القوات المسلحة المتكور سابقا ً قد‬
‫أشار لى اإلصالح‪ ،‬وأ عليها مراعاة لك‪.‬‬
‫كما أ الشعبية هنا كانت تعني ديمقراعية العالقات‪ ،‬والفعل وسط أعضاء‬
‫كل هيئة تطوير‪ ،‬وخاصة من حيث حاجتها للتنظيم ولالستجابة لحاجات‬
‫المجتمع‪ ،‬والشراكة بتأمينها وتحقيقها ب رادة تحتكم لقدر من البرمجة والتخطيط‬
‫المبني على الحاجة‪ ،‬والمرتكز على اإلمكانات المتاحة‪ ،‬والمعبر عن اإلرادة‬
‫الجمعية للمجتمع (بمستواه المحلي أو الوعني)‪.‬‬
‫تلك التجربة التي أختت تتشكل منت العام ‪1973‬م‪ ،‬ما لبثت أ تبلورت‬
‫بعقد مؤتمرها التأسيسي التي كلف براهيم الحمدي برئاسة االتحاد العام لها‬
‫تحت مسمى "االتحاد العام لهيئات التطوير" ‪ ،‬ال بحكم موقعط في السلطة كنائب‬
‫رئيس وزراء‪ ،‬بقدر ما كا لدوره في الدعوة والتحضير لعقد المؤتمر التأسيسي‬
‫بمشاركة ممثلين عن التعاونيات القائمة آنتاك‪ ،‬وباعتباره رئيسا ً لتعاو المنطقة‬
‫الشمالية الغربية‪.‬‬
‫تلك التجربة بوالدتها الشعبية مثلت ردا ً على من أراد لط البقاء معاقا ً وعاجزا ً‬
‫عن استرداد حقط في عادة ترتيب حياتط‪ ،‬وعالقتط بالسلطة بما يؤكد امتالكط‬
‫لها‪ ،‬وسيادتط عليها وعلى من يتولو المسؤوليات في سلطاتها‪ ،‬بمواجهة سلمية‪،‬‬
‫لكنها تفرض على من يحكم التعامل معها سلبا ً أو يجاباً‪ ،‬كما ستجبره على‬
‫المبادرة بتقديم الخدمات‪ ،‬وتبني نجاز مشاريع‪ ،‬وتحقيق بعض الم الح‬
‫للمجتمع‪ .‬فالمدرسة التي سيبنيها التعاو مثالً ستحتاج لى المدرس والكتاب‬
‫والتجهيزات المختلفة‪ ،‬وتحت ضغط المواعنين ستضطر السلطة لى تشغيلها‬
‫شاءت أم أبت‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ومن المؤكد أ برنامج اإلصالح المتكور‪ ،‬وميالد الحركة التعاونية استقطبا‬


‫قدرا ً من اهت مام الرأي العام والمراقبين ألحوال اليمن وغيرهم‪ ،‬وبينهم‬
‫المغتربو والمهاجرو ‪ ،‬وبدأت االهتمامات تلك تشمل شخوص القائمين عليها‬
‫أيضا ً‪ ،‬ومنهم العقيد براهيم الحمدي ‪ -‬التي تحولت رتبتط العسكرية بعد قيام‬
‫الحركة لى "مقدم" ثر قرارات الت حيح‪ -‬ولربما شكلت تلك أساسا ً لبداية‬
‫عالقة تولدت بقيام الحركة في ‪74‬م بعدئت‪ ،‬كما قد ال تكو تلك العالقة مرتبطة‬
‫بلحظة ميالد الحركة‪.‬‬
‫من المهم األخت بعين االعتبار ما تركط‬ ‫ولئن كانت اآلراء متعددة حولها ف‬
‫برنامج اإلصالح المقدم من القوات المسلحة من انطباعات‪ ،‬وكتلك تشكل هيئات‬
‫التطوير وم وقع براهيم الحمدي في قيادتها‪ ،‬ثم موقعط في قيادة الحركة وما‬
‫أصدرتط من قرارات ت حيح منت أيامها األولى‪ ،‬وما أعقب قيام الحركة من‬
‫انتشار لهيئات التطوير‪ ،‬وتحولها لى هيئات تعاو أهلي‪ ،‬وانبثا االتحاد العام‬
‫لهيئات التعاو األهلي عنها‪ .‬كما كا للحقبة النفطية وتأثير عوائدها أثر في‬
‫تنامي تلك العالقة بما حققتط التحويالت من رفد احتياعيات العمالت ال عبة‬
‫المدفوعات‪ ،‬وبما عكستط من اهتمام بأحوال‬ ‫وتأثيرها اإليجابي على ميزا‬
‫كل لك‪ ،‬وغيره مما لم يتكر‪ ،‬أسهم بدرجات‬ ‫المغتربين والمهاجرين‪ ،‬ف‬
‫مما زادها متانة جدية الحركة في اتخا‬ ‫متفاوتة في بناء تلك العالقة‪ ،‬بل‬
‫الت حيح المالي واإلداري نهجا ً لمكافحة الفساد وتجفيفا ً لمنابعط من جهة‪،‬‬
‫وسبيالً ومعبرا ً لتحديث اإلدارة و رساء مبدأ الثواب والعقاب‪ .‬وقد تميزت هته‬
‫التجربة باختيار أعضائها وفقا ً لمعايير وعنية خال ة بعيدا ً عن اإلق اء أيا ً‬
‫كانت مبرراتط‪ ،‬أو الجهات الداعية لط‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وكا منها أيضا ً السعي الدؤوب لقيادة الحركة‪ ،‬وحرصها على استكمال بناء‬
‫الدولة الحديثة بما تقتضيط من تحديث المؤسسات القائمة‪ ،‬أو استحداث ما لم يكن‬
‫موجودا ً منها على صعيد السلطات الثالث‪ ،‬تنفيتية‪ ،‬وتشريعية‪ ،‬وقضائية‪ ،‬وقد‬
‫أنجزت الحركة منها الكثير خالل عمرها الق ير‪ ،‬أو ب نجاز التشريعات‬
‫الالزمة الستكمال البنية التشريعية المطلوبة‪ ،‬أو من خالل اإلجراءات‬
‫والسياسات التي أختت الحركة تنفتها‪ ،‬ومنها ما يرتبط باالهتمام بالريف‬
‫كفرض الخدمة الريفية على األعباء‪ ،‬ومنها أيضا ً منع استخدام سيارات الدولة‪،‬‬
‫مدنية وعسكرية‪ ،‬خارج الدوام الرسمي‪ ،‬ومنع حمل السالح‪ ،‬ومنع دخول‬
‫العسكريين عند التقاضي لى المحاكم بالميري أو بالسالح‪ ،‬وغيرها كثير مما‬
‫كا لط انعكاسات على صعيد استتباب األمن وتحقيق العدل والمساواة تحت‬
‫سقف حق المجتمع بامتالك السلطات المختلفة‪ ،‬واستخدام من يرى‪ ،‬فسادت‬
‫شعارات مثل‪ :‬نحن خدام لكم ولسنا حكاما ً عليكم‪.‬‬
‫منها أيضا ً حالة اقتراب قيادة الحركة من مختلف القوى ودفعها‬ ‫وكا‬
‫للمشاركة في العمل الوعني وفق مقتضيات التنمية التي ما كانت محل خالف‪،‬‬
‫وعلى قاعدة الحرص على الم الح الوعنية العليا البعيدة عن المناكفات‪،‬‬
‫ومحاوالت التجيير أو االستئثار‪ .‬وبالمقابل حرص القيادة السياسية على القبول‬
‫بنتائج الممارسات الديمقراعية‪ ،‬سواء من خالل أعمال "لجا الت حيح"‪ ،‬أو‬
‫انتخابات "هيئات التعاو " ‪ .‬واألدلة على لك عديدة‪ ،‬ومنها في ‪76/8/4‬م في‬
‫الجلسة الختامية لمجالس التنسيق واالتحاد العام(‪" :)|138‬يجب أ تعرفوا أ‬
‫االنتخابات كا ن ف أو ثلث األعضاء التين انتخبوا من الهيئات مشطب‬
‫عليهم‪ ،‬وأنا شفت هتا كلط وقلت هل هؤالء علعوا بانتخاب الناس‪ ،‬قيل لي نعم‪،‬‬

‫(‪ )138‬خطب وت ريحات القائد‪ ،‬ص ‪.158‬‬


‫‪167‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫قلنا خالص األرض هي للجميع"‪ .‬وفي هتا كما نرى صرار على التمسك‬
‫بخيار الديمقراعية واحترام نتائج االنتخابات فيها‪.‬‬
‫كما كا لسياسة التقارب مع قيادة الشطر الجنوبي من الوعن‪ ،‬والسعي‬
‫للتهدئة‪ ،‬والخوض الجاد في المحادثات‪ ،‬وما كا يتسرب من نتائجها أثر قوي‬
‫يعزز من أسباب التقارب بين المغتربين والمهاجرين وقيادة الحركة‪ ،‬وكا منها‬
‫أيضا ً اآلثار اإليجابية الناتجة عن السياسة الخارجية التي اعتمدتها الحركة‪ ،‬وما‬
‫أنتجتط من انعكاسات يجابية على صعيد عالقات المغتربين والمهاجرين مع‬
‫مواعن غربتهم وهجرتهم‪.‬‬
‫كل تلك األسباب والعوامل‪ ،‬وغيرها مما لم تتكر‪ ،‬أقنعت المغتربين‬
‫والمهاجرين بأنهم زاء نظام مختلف‪ ،‬حريص على مالمسة احتياجاتهم‪،‬‬
‫وآ مالهم‪ ،‬ويسعى الستيعابها ضمن برامجط وخططط وسياساتط‪ ،‬وال يتوانى عن‬
‫الدفاع على م الحهم وصيانتها ما استطاع لى لك سبيالً‪ .‬وقد لمسوا أثر لك‬
‫لك بات يفرض عليهم تقاربا ً‬ ‫في العديد من مواعن االغتراب والهجرة‪ ،‬وأ‬
‫أكبر مع قيادة الحركة‪ ،‬وتفهما ً أوسع‪ ،‬وتبنيا ً إلنجازاتها‪ ،‬واهتماما ً جديا ً بالتفاعل‬
‫مع أنشطتها‪ ،‬و جراءاتها‪ ،‬ومواقفها‪.‬‬
‫وبنا ًء على ما تقدم‪ ،‬ومع التسليم بأ العالقة والتأثيرات الناتجة عنها شملت‬
‫مختلف مجاالت حياة المجتمع والمغتربين أيضاً‪ ،‬ال أنني سأحاول‪ -‬ببيا‬
‫مقتضب‪ -‬الحديث عن التأثير المتبادل من خالل تجربتين فقط بما لهما من‬
‫صالت وتأثير على التعليم وهما‪:‬‬
‫أوالا‪ :‬تفعيل وتنظيم العالقة بين المغتربين والمهاجرين وسلطات نظام الحركة‪:‬‬
‫اعتمدت ثورة سبتمبر ‪62‬م في تشكيلها الوزاري األول وزارة لشؤو‬
‫الهجرة والمغتربين‪ ،‬وأل النظا م الوليد كا يحتاج لى تثبيت وحماية‪ ،‬فقد أثر‬

‫‪168‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫لك على أداء الوزارة حتى اقت ر على زيارات لمواعن الهجرة واالغتراب‬
‫بهدف شرح األوضاع‪ ،‬وعرض الحال‪ ،‬واستجالب الدعم‪ .‬ولعلني‪ -‬بما سبق‬
‫عرضط‪ -‬قد أوضحت بعض جوانب صورة العالقة التي ربطت المغتربين‬
‫والمهاجرين بالثورة في صنعاء وعد حتى سادها الفتور‪.‬‬
‫والمهاجرو يلمسو‬ ‫ولكن مع قيام حركة ‪13‬يونيو‪74‬م‪ ،‬بدأ المغتربو‬
‫خطابا ً جديدا ً يكاد ال يغفل عن كرهم ومخاعبتهم‪ ،‬واإلشادة بدورهم في مختلف‬
‫المناسبات الوعنية‪ ،‬والزيارات الخارجية‪ ،‬والمقابالت ال حفية وغيرها‪ .‬ومنها‬
‫على سبيل المثال‪ ،‬في خطاب قائد الحركة في التكرى الثالثة عشرة‪ ،‬عشية‬
‫‪ 75/9/25‬م في معرض حديثط عن العمال وضرورة تحسين أوضاعهم‪ ،‬بقولط‪:‬‬
‫"ال بد من أ نضمن لهم أجورا ً مجزية‪ ،‬ورعاية صحية‪ ،‬وخدمات تعليمية‬
‫واجتما عية‪ ،‬وبنفس االهتمام بقطاع العمال في داخل بالدنا نولي عمالنا‬
‫المغتربين المنتشرين في مختلف بلدا العالم‪ ،‬والتين على سواعدهم وبعر‬
‫شرفاء‪ ،‬وتعيش أسرهم وعوائلهم في هتا الوعن كريمة‪،‬‬ ‫جباههم يعيشو‬
‫ويشكلو م درا ً رئيسيا ً لميزا المدفوعات التجاري‪ ،‬وموردا ً اقت اديا ً غير‬
‫منظور‪ ،‬نهم يستحقو الرعاية‪ ،‬وعلينا أ نكرمهم‪ ،‬ونتلل لهم ال عوبات التي‬
‫هتا التزاما ً من‬ ‫تعترضهم في مهاجرهم ومناعق غربتهم"‪ .‬وبقدر ما كا‬
‫السلطة‪ ،‬فقد مثل خطابا ً جديدا ً غير مسبو لدى المغتربين والمهاجرين‪.‬‬
‫ولقد حرصت قيادة الحركة على ترميم وتقوية الثقة معهم‪ ،‬سواء بممارساتها‬
‫العملية واإلنجازات المتكاثرة على األرض‪ ،‬أو بتبني خطاب يبرز فيط‬
‫اهتماماتها بهم ويشعرهم بأنها معهم‪ ،‬وهو خطاب ارتكز على تفهم أسباب‬
‫ب يغة اعتراف بحجية‬ ‫غربتهم ب يغ تحمل في مضامينها االعتتار‪ ،‬و‬
‫وصحة تلك األسباب‪ ،‬ويحرص أيضا ً على وضعهم في صورة المعارك التي‬

‫‪169‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫تخوضها ضد التخلف‪ ،‬ودعوتهم للمشاركة‪ ،‬مع التأكيد على صرارها بتبديد كل‬
‫المخاوف‪ ،‬وعلى دعم وحماية االستثمار‪ ،‬وعلى الدفاع عن م الحهم في‬
‫مواعن الغربة والهجرة أو في الداخل اليمني‪.‬‬
‫كما نوعت الحركة أساليب تواصلها معهم‪ ،‬وصوالً لى عقد المؤتمر األول‬
‫لهم في صنعاء بتاريخ ‪76/3/7‬م‪ ،‬وفيط ألقى الرئيس براهيم الحمدي خطابا ً‬
‫تاريخيا ً تطر فيط لى كثير من القضايا واالهتمامات المرتبطة بهم‪ ،‬معترفا ً‬
‫"استفادة اليمن من أبنائها‬ ‫بأفضالهم على الوعن والمجتمع‪ ،‬وأكد على أ‬
‫المهاجرين والمغتربين ال تتمثل فيما يوفرونط من المال‪ ،‬ولكنها لى جانب لك‬
‫تتمثل فيما يكتسبونط من الخبرات‪ ،‬ومن توثيق العالقات والروابط مع الشعوب‬
‫التي يقيمو بينها"‪ .‬كما ركز على أ فكرة المؤتمر جاءت على خلفية التفكير‬
‫بالبحث عن أفضل السبل التي تستطيع من خاللها الدولة تقديم خدماتها لهم‪،‬‬
‫مؤتمركم هتا سيبحث‬ ‫وركز على التعليم ودورهم فيط‪ ،‬وقال‪" :‬أيها اإلخوة‪،‬‬
‫قضاياكم كاملة‪ ،‬غير أ أمرا ً واحدا ً أحب أ يتركز البحث حولط أكثر‪ ،‬لك هو‬
‫كيف يجب أ ننظم الهجرة‪ ،‬وكيف ينبغي أ يكو مستوى المهاجر؟"‪.‬‬
‫ولعلط من المفيد هنا التنبط لى نظرة قائد الحركة لظاهرة الهجرة واالغتراب‬
‫لكونها نظرة استراتيجية بعيدة المدى تتجاوز االستثمار السياسي للحدث لتقف‬
‫على عتبات المشكلة الظاهرة‪ ،‬باحثة عن سبل تمكين المغترب والمهاجر (عبر‬
‫التأهيل) بما سيعكسط لك من توسيع فرص العمل‪ ،‬وتحسين الدخل‪ ،‬واستثمار‬
‫عوائد الغربة‪ ،‬سواء أكا على مستوى التحويالت والمدخرات‪ ،‬أم على صعيد‬
‫استثمار الخبرات المكتسبة‪ ،‬و ضافة لى لك أنط كا أول من تعاعى مع هته‬
‫الظاهرة بهتا المستوى‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ولبيا اآلثار المتبادلة باخت ار‪ ،‬متجنبا ً اإلعالة‪ ،‬سأكتفي ب يراد التوصيات‬
‫التي خرج بها المؤتمرو ‪ ،‬وهي كما يلي(‪:)139‬‬
‫‪ -‬نشاء جهاز حكومي فاعل يعنى برعاية شؤو المغتربين‪( .‬وقد تحقق لك‬
‫ب دارة عامة في وزارة الخارجية‪ ،‬وبقيام "االتحاد العام للمغتربين" كشكل‬
‫نقابي يعبر عنهم)‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيم الهجرة و نشاء معاهد فنية لتدريب الراغبين في الهجرة‪( .‬لم تستمر‬
‫التجربة)‪.‬‬
‫المغتربين فيها‪.‬‬ ‫االغتراب لحماية حقو‬ ‫‪ -‬توقيع اتفاقيات ثنائية مع بلدا‬
‫(أنجزت قيادة الحركة تفاهمات مع بعض الدول)‪.‬‬
‫‪ -‬دراسة ومتابعة حقو المغتربين في الخارج والدفاع عنها‪( .‬لم يتبين أثرها‬
‫بعد االنقالب)‪.‬‬
‫‪ -‬سرعة منح جوازات سفر للمغتربين التين ال يحملونها لمنع تعرضهم للسجن‬
‫والمضايقات‪ ،‬وعدم الح ول على العمل‪( .‬باشرت الحركة تنفيتها واستفاد‬
‫الكثيرو من لك)‪.‬‬
‫‪ -‬تشجيع عودة الكفاءات اليمنية المغتربة لى الوعن‪( .‬لم أجد بيانات حول هتا‬
‫األمر)‪.‬‬
‫‪ -‬نشاء مدارس لتعليم أبناء المغتربين مبادئ دينهم ولغتهم في البلدا التي ال‬
‫توجد بها مدارس عربية‪.‬‬
‫‪ -‬التفاوض مع الحكومات التي تتخت جراءات التأميم لممتلكات المغتربين‬
‫للوصول لى حلول مناسبة بشأنها‪( .‬حدث مع البعض)‪.‬‬

‫(‪ )139‬عبد الرشيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.140 ،139‬‬


‫‪171‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -‬تكثيف النشاع اإلعالمي‪ ،‬وتزويد المغتربين بال حف والمجالت وتقوية‬


‫البث اإل اعي‪.‬‬
‫‪ -‬نشاء دارة للمغتربين في البنك اليمني لإلنشاء والتعمير لتسهيل رسال‬
‫تحويالتهم لى الوعن‪( .‬نفتت التوصية)‪.‬‬
‫ولقد كا جهد حركة يونيو على هتا ال عيد ملموسا ً ومتنوعاً‪ ،‬ومنط ما شمل‬
‫أيضا ً تسهيل عودة أبناء وأحفاد المهاجرين والمغتربين‪ ،‬سواء من بلدا شر‬
‫أفريقيا‪ ،‬أو من بلدا شر آسيا‪ ،‬وبناء أحياء سكنية لهم‪ ،‬وتيسير ممكنات تحقيق‬
‫االندماج االجتماعي لهم‪ ،‬وغير لك مما ارتبط بقضاياهم‪ ،‬سواء قبل عقد‬
‫مؤتمرهم األول‪ ،‬أو في الفترة التي تلتط‪.‬‬
‫كما كا من أبرز صور التأثير ما عكستط تحويالت ومدخرات المغتربين‬
‫والمهاجرين‪ ،‬سواء على مستوى التأثير اإليجابي لميزا المدفوعات التجارية‪،‬‬
‫أو بما لمسط المجتمع على صعيد مختلف أنواع األنشطة الممارسة فيط‪ ،‬وفي‬
‫مقدمتها التجربة التعاونية وما أنجزتط من مشاريع وخدمات مختلفة‪.‬‬
‫وفي المقابل أيضا ً كا تأثير اهتمام الحركة بالمغتربين والمهاجرين‪ ،‬سواء‬
‫ب ور مباشرة تمثلت ب عادة ترتيب وتنشيط العالقة معهم‪ ،‬أو بما عكستط‬
‫سياستها الخارجية بما أسهم ب زالة عوائق‪ ،‬وحل مشكالت‪ ،‬وأتاح المزيد من‬
‫فرص العمل‪ ،‬واألهم من كل لك أ هتا االهتمام حرض المغتربين والهاجرين‬
‫على االعتزاز باالنتماء والنفس والدور‪ ،‬كما حفزهم على اإلسهام في التنمية‪،‬‬
‫وعزز تفاؤلهم بالمستقبل‪.‬‬
‫ثانياا‪ :‬التجربة التعاونية وتأثيرها على المغتربين والمهاجرين وتأثيرهم فيها‪:‬‬
‫في فترة سابقة‪ ،‬كنت قد أشرت لى أ التجربة التعاونية في اليمن تشكلت‬
‫ب رادة شعبية‪ ،‬وجسدت صورة من صور العمل الديمقراعي‪ ،‬كفعل وعالقات‪،‬‬

‫‪172‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وأنها جاءت كرد فعل عبر بها المجتمع عن رفضط لغياب النظام السياسي‬
‫وتغافلط عن واجبط في التنمية‪ ،‬وعبر بها عن صراره على ردم هوة التخلف‪،‬‬
‫ورغبتط بتحسين واقعط المعيشي‪،‬‬
‫وأنها كتجربة أختت بالتشكل تنظيميا ً منت العام ‪1973‬م بتأسيس "االتحاد‬
‫العام لهيئات التطوير"‪ ،‬وهو الشكل التي تغير مسماه بعد لك في المؤتمر‬
‫الثاني لى "االتحاد العام لهيئات التعاو األهلي"‪ .‬وكما تولى الشهيد براهيم‬
‫الحمدي رئاسة االتحاد بعد المؤتمر األول‪ ،‬بقي كتلك بعد المؤتمر الثاني التي‬
‫سجل فيط موقفا ً ديمقراعيا ً ووعنيا ً برفضط محاوالت جهات أمنية احتواء‬
‫التجربة‪ ،‬وتمسك ب بقائها شعبية‪ ،‬مؤكدا ً حق مشاركة قياداتها التي جاءت عبر‬
‫انتخابات حرة‪ ،‬بل وزاد على لك بتقديم استقالتط من رئاسة االتحاد حفاظا ً على‬
‫شعبية التجربة‪ ،‬واحتراما ً إلرادة المجتمع‪ ،‬لوال رفض المؤتمرين لها‪.‬‬
‫ولقد استمالت التجربة موافقة السلطة‪ ،‬وأعقب لك رعايتها لها‪ ،‬وتمكنت من‬
‫الح ول على الدعم المت اعد المتمثل بالتنازالت المتعاقبة عن نسب من‬
‫الواجبات المفروضة على المواعنين ب حالة ح ص منها للتعاونيات‪ ،‬وقد بدأت‬
‫بربعها‪ ،‬ثم بن فها بعد قيام الحركة‪ ،‬ثم بربع ثالث بعد اغتيال الشهيد براهيم‬
‫الحمدي‪ .‬ضافة لى تنازلها عن ‪ %25‬من الضرائب البلدية‪.‬‬
‫كما تمكنت التجربة من استقطاب اهتمامات منظمات عربية وأجنبية‪،‬‬
‫وتمكنت من الح ول على معونات غتائية‪ ،‬وتمويل لبعض المشاريع‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ولئن كانت التجربة قد أسست اتحادها في العام ‪73‬م بعدد (‪ )27‬هيئة‪ ،‬ف نها‬
‫أختت تنمو بمنحى ت اعدي‪ ،‬حيث بلغ عددها تواليا ً خالل األعوام ‪،75 ،74‬‬
‫‪78 ،76‬م (‪ 135 ،146 ،111 ،62‬هيئة)(‪.)140‬‬
‫وكا من حسن ت اريف أقدار المجتمع تقارب ميالد التجربة التعاونية مع‬
‫ميالد حركة يونيو ‪ 74‬م‪ ،‬وبقاء أمر قيادة التجربة التعاونية‪ ،‬ورعايتها‪ ،‬والدفاع‬
‫عنها مرتبطا ً بحركة يونيو بقيادة الشهيد براهيم الحمدي‪ ،‬حتى غدا كر حداهما‬
‫براهيم الحمدي كا خير‬ ‫ناق ا ً ال يكتمل ال بالحديث عن األخرى‪ .‬والقول‬
‫من رعاها ليس فيط أدنى مبالغة‪ ،‬فالواقع حينها كا يؤكد لك‪ ،‬وفي المؤتمر‬
‫هته‬ ‫الثالث للتعاونيات في تعز بتاريخ ‪75/11/23‬م قال‪" :‬أيها اإلخوة‪،‬‬
‫التجربة الفريدة التي خضناها ونخوضها في سبيل بناء وتطوير بالدنا ليست في‬
‫الواقع ال ترجمة لما يختلج في ضمير شعبنا العريق من نوازع الخير‪ ،‬وكرد‬
‫فعل تجاه عوامل فرضت عليط بعد أ قامت ثورتط الظافرة"‪ .‬وقال‪" :‬و ا كانت‬
‫الشعوب غيرنا تلهث برغم مكانياتها الوفيرة وراء الدولة في المشاريع العامة‪،‬‬
‫الدولة في بالدنا هي التي تحاول أ تساير الشعب‪ ،‬أو تلحقط في مشاريع‬ ‫ف‬
‫البناء والتعليم وال حة والمواصالت"‪ .‬ص ‪ 95‬من كتاب الخطب‪ .‬وقال‪:‬‬
‫"وهته في نظرنا ميزة خاصة بنا تتمثل بأ الشعب اليمني هو التي يقود الثورة‬
‫الحقيقية‪ ،‬وأ المسؤولين فيط ليسوا سوى تعبير عنط ومنفتين إلرادتط"‪ .‬وفي هتا‬
‫المؤتمر عبر عن تمسكط بالديمقراعية التي أوصلت ممثلي الهيئات لى المؤتمر‬
‫الثالث‪ ،‬وأ كد على حقهم في المشاركة‪ ،‬وكف أيدي األجهزة عنهم‪ ،‬بل عالب‬
‫أعضاء المؤتمر بعدم التقيد ببحث مشاكل التعاونيات فقط‪ ،‬و نما كتلك بحث‬

‫(‪ )140‬ظافر‪ ،‬محمد سعيد‪ ،‬حركة ‪ 13‬يونيو الت حيحية‪ ،‬ص ‪136‬؛ كتب اإلح اء السنوي‬
‫لألعوام ‪80/79 ،77/76‬م‪.‬‬
‫‪174‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مشاكل الوعن والمجتمع‪ ،‬واقتراح الحلول‪ ،‬وقال‪" :‬ولن تجدوا لدينا ال آ انا ً‬
‫صاغية‪ ،‬وصدورا ً مفتوحة"‪.‬‬
‫ولقد أكدت التجربة التعاونية نجاحها ب سهامها اإليجابي في البرنامج اإلنمائي‬
‫الثالثي‪ ،‬بل دخلت كمكو أساسي للتنمية في عار الخطة الخمسية األولى(‪.)141‬‬
‫وقد كا من ضمن سكرتارية اإلعداد للمؤتمر التأسيسي لـ"المؤتمر الشعبي‬
‫العام"‪" ،‬وكا الرئيس الحمدي يفخر ويعتز كثيرا ً بهته التجربة‪ ،‬ويطمح لى‬
‫المزيد من تطويرها‪ ،‬حيث نط عندما كلفت لجنة اإلعداد للمؤتمر الشعبي العام‬
‫في مارس ‪ 77‬م ب عداد بعض الدراسات التي ستقدم للمؤتمر العام‪ ،‬ومن ضمنها‬
‫دراسة حول التجربة التعاونية‪ ،‬علب من اللجنة ضرورة أ تتضمن الدراسة‬
‫اقتراحات محددة لعمل نقلة نوعية في العمل التعاوني يضيف لى مهام‬
‫التعاونيات الجانب اإلنتاجي في المجال الزراعي‪ ،‬وال ناعي‪ ،‬واالستهالكي"‪.‬‬
‫(وهتا دليل على رعايتط لها وجديتط في الدفاع عنها)‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أ هته التجربة المائزة لم تنل ما تستحقط من الدراسات‪،‬‬
‫وأعمال التوثيق المناسبة‪ ،‬وهو أمر ينسحب أيضا ً وب ورة أقسى على ظاهرة‬
‫االغتراب والهجرة‪ ،‬األمر التي صعب من أمر الح ول على بيانات‬
‫ومعلومات عن حجم دور وتأثير المغتربين والمهاجرين على هته التجربة على‬
‫وجط الخ وص‪ ،‬ف نني مع لك‪ ،‬استندت لى حقائق مجتمعية ماثلة‪ ،‬ومنها‬
‫شيوع انتشار هيئات التعاو األهلي وب ورة أساسية في األرياف‪ ،‬وحقيقة‬
‫أخرى متمثلة في أ ما يقارب من ثالثة أرباع المجتمع من السكا ريفيو ‪،‬‬
‫غالبية المغتربين والمهاجرين ريفيو أيضا ً ألنهم أبناء أسر تقطن‬ ‫وبالتالي ف‬
‫األرياف‪.‬‬

‫(‪ )141‬ظافر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.137‬‬


‫‪175‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫حجم دورهم وتأثيره‪( -‬سواء أكانوا ممن ال تزال أسرهم‬ ‫وبنا ًء عليط ف‬
‫تقطن في الريف أم انتقلت لى المد )‪ -‬كبير ومؤثر‪ ،‬ويمكن استشرافط من خالل‬
‫األعمال التي أنجزتها هيئات التعاو األهلي مما تم توثيقط‪ ،‬على قلتط وق وره‬
‫أيضاً‪ ،‬مع عدم غفال تأثيرهم في المجاالت األخرى‪ ،‬سواء مما كر‪ ،‬أو مما‬
‫كره‪ ،‬و لك وفقا ً لما يلي‪:‬‬ ‫حال ق وري دو‬
‫‪ -1‬يقول العودي(‪ ،)142‬في معرض حديثط عن خواص ومميزات عمل وتطور‬
‫ما يقرب من ‪ %50‬من عدد‬ ‫"هيئات التعاو األهلي"‪ ،‬بند (‪ ،)1‬فقرة (أ)‪" :‬‬
‫الهيئات في مختلف المحافظات لم يتأت لها دراج منجزاتها ضمن اإلح اءات‬
‫آنتاك‪ ،‬ال ألنط ال يوجد لديها أي نجازات أو مشاريع‪ ،‬و نما هو عدم الوعي‬
‫اإلح ائي الكافي"‪ .‬ولنا فيما كره أ‪ .‬د‪ .‬حمود العودي‪( ،‬وقد كانت لط تجربتط‬
‫الخاصة في عار التجربة التعاونية)‪ ،‬ما يدلل على صحة ما هبت ليط سابقا ً‬
‫من أ هته التجربة لم تنل حتى اآل ما تستحقط من أعمال التوثيق والدراسات‬
‫والبحوث‪ .‬وهتا خلل ا استمر ال يسيء لقيمة التجربة فقط‪ ،‬بل تنسحب آثاره‬
‫السلبية على التاكرة المجتمعية‪ ،‬وحق األجيال القادمة في اإللمام بتفاصيل‬
‫التجربة و مكانية االستفادة منها بعد تقييمها‪ ،‬كما يضر بحق المجتمع في عادة‬
‫كتابة تاريخ التجربة‪ ،‬وتاريخ المرحلة أيضاً‪.‬‬
‫(‪)143‬‬
‫تضمن خالصات بمنجزات هيئات التعاو األهلي في‬ ‫‪ -2‬جدول (‪)14‬‬
‫المجاالت المختلفة خالل المرحلة األولى ‪75/73‬م‪ .‬نقتبس منط اآلتي‪ ،‬مع‬
‫مراعاة مالحظتط السابقة‪ ،‬وهي مالحظة تسري على بيانات الجداول التي سيتم‬
‫يرادها تباعاً‪.‬‬

‫(‪ )142‬العودي‪ ،‬حمود‪ ،‬ماضي ومستقبل العمل التعاوني في اليمن‪ ،‬ص‪.24‬‬


‫(‪ )143‬العودي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪176‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫جدول (‪ ) 14‬خالصات بمنجزات هيئات التعاو األهلي في المجاالت المختلفة خالل المرحلة‬
‫األولى ‪75/73‬م‪.‬‬

‫إجمالي‬ ‫هيئات لم‬ ‫هيئات‬


‫مساهمات مساهمة‬ ‫مساهمة‬
‫التكاليف‬ ‫بيان المشروع‬ ‫ترسل‬ ‫أرسلت‬
‫المواطنين الدولة‬ ‫التعاون‬
‫بالريال‬ ‫بياناتها‬ ‫بياناتها‬

‫‪ 92864363 35387967 128253332‬ـــ ـــ ـــ‬ ‫عر ‪ 5106‬كم شق‬ ‫‪62‬‬ ‫‪80‬‬
‫‪431190 18330964 15497568 34295722‬‬ ‫‪ 580‬مدرسة‬ ‫‪71‬‬ ‫‪74‬‬
‫‪18000 3355547 7118765 10492312‬‬ ‫‪ 852‬مياه شرب‬ ‫‪82‬‬ ‫‪63‬‬
‫‪ 39‬مركزاً مستوصفات ‪8‬‬
‫ـــ ـــ ـــ‬ ‫‪464000‬‬ ‫‪1018200‬‬ ‫‪1482200‬‬ ‫‪119‬‬ ‫‪27‬‬
‫مرافق‬
‫‪103055 1280558 4833153‬‬ ‫‪6216766‬‬ ‫‪ 154‬خدمات مختلفة‬ ‫‪186‬‬ ‫‪21‬‬
‫‪ -3‬ورد في جدول (‪ )144()15‬خالصة منجزات هيئات التعاو خالل المرحلة‬
‫الثانية ‪78 / 76‬م ما يلي‪:‬‬
‫جدول (‪ ) 15‬خالصة منجزات هيئات التعاو خالل المرحلة الثانية ‪78 / 76‬م‬
‫هيئات لم‬ ‫هيئات‬
‫مساهمة‬ ‫مساهمات‬ ‫مساهمة‬ ‫التكاليف‬ ‫بيان‬
‫ترسل‬ ‫أرسلت‬
‫الدولة‬ ‫المواطنين‬ ‫التعاون‬ ‫بالريال‬ ‫المشروع‬
‫بياناتها‬ ‫بياناتها‬
‫عر ‪5664‬‬
‫‪11448000‬‬ ‫‪109541935‬‬ ‫‪34284364‬‬ ‫‪154294281‬‬ ‫‪75‬‬ ‫‪83‬‬
‫كم شق‬
‫‪549890‬‬ ‫‪20791847‬‬ ‫‪16827778‬‬ ‫‪38169515‬‬ ‫‪ 560‬مدرسة‬ ‫‪72‬‬ ‫‪82‬‬
‫‪ 849‬مياه‬
‫‪45000‬‬ ‫‪4703351‬‬ ‫‪8284222‬‬ ‫‪13032573‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪73‬‬
‫شرب نقية‬
‫‪ 48‬مشروعا ً‬
‫‪79805‬‬ ‫‪413700‬‬ ‫‪1292744‬‬ ‫‪1786294‬‬ ‫صحيا ً‬ ‫‪125‬‬ ‫‪30‬‬
‫‪1507113‬‬ ‫‪6500‬‬ ‫‪4533229‬‬ ‫‪6276842‬‬ ‫‪ 73‬متنوعة‬ ‫‪132‬‬ ‫‪22‬‬
‫‪ -4‬فيما سبق عرضط نجازات الهيئات خالل فترة تجربة ‪ 13‬يونيو‪ ،‬و ا ما‬
‫أضفنا ليها نجازات هيئات التعاو للفترة حتى ‪81‬م‪ ،‬باعتبارها امتدادا ً لتات‬

‫(‪ )144‬العودي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬


‫‪177‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫التجربة‪ ،‬ومضافا ً ليها سهامات المواعنين وقد كانت مميزة‪ ،‬ف ننا بحسب ما‬
‫بيانا ً‬ ‫(‪)145‬‬
‫ورد في كتاب د‪ .‬حمود العودي ــ سابق ــ نالحظ في جدول (‪)16‬‬
‫ب نجازات الهيئات في مجال الطرقات (وهي م نفة بحسب المحافظات) للفترة‬
‫من يوليو ‪ 78‬لى ديسمبر ‪81‬م‪.‬‬
‫لكني سأورد حجم اإلنجاز جماالً كما يلي‪:‬‬
‫جدول (‪ ) 16‬خالصة منجزات هيئات التعاو في مجال الطرقات للفترة من يوليو ‪ 78‬لى‬
‫ديسمبر ‪81‬م‬
‫هيئات لم‬ ‫هيئات‬
‫مساهمة‬ ‫مساهمة‬ ‫مساهمة‬ ‫التكلفة‬ ‫بيان‬
‫ترسل‬ ‫أرسلت‬
‫الدولة‬ ‫المواطنين‬ ‫التعاون‬ ‫بالريال‬ ‫المشروع‬
‫بياناتها‬ ‫بياناتها‬
‫‪11299‬كم‬
‫‪4245918‬‬ ‫‪233683602‬‬ ‫‪136313382‬‬ ‫‪374242902‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪124‬‬
‫عر‬

‫‪ -5‬ورد في جدول (‪ )146()17‬خالصة بمنجزات هيئات التعاو في مجال التعليم‬


‫للفترة يوليو ‪78‬م وحتى ديسمبر ‪ 81‬م ما يلي‪:‬‬
‫جدول (‪ ) 17‬خالصة منجزات هيئات التعاو في مجال التعليم للفترة يوليو ‪78‬م وحتى‬
‫ديسمبر ‪ 81‬م‬
‫هيئات لم‬ ‫هيئات‬
‫مساهمة‬ ‫مساهمة‬ ‫مساهمة‬ ‫التكلفة‬
‫بيان المشروع‬ ‫ترسل‬ ‫أرسلت‬
‫الدولة‬ ‫المواطنين‬ ‫التعاون‬ ‫بالريال‬
‫بياناتها‬ ‫بياناتها‬
‫‪ 803‬مدرسة‬
‫‪35987766‬‬ ‫‪70577161‬‬ ‫‪73537702‬‬ ‫‪180102629‬‬ ‫فيها ‪ 479‬مرفقا ً‬ ‫‪66‬‬ ‫‪118‬‬

‫‪ -6‬ورد في جدول (‪ )147()18‬خالصة بمنجزات هيئات التعاو في مجاالت‬


‫ال حة والمياه خالل الفترة يوليو ‪ 78‬م وحتى ديسمبر ‪81‬م ما يلي‪:‬‬
‫جدول (‪ ) 18‬خالصة منجزات هيئات التعاو في مجاالت ال حة والمياه خالل الفترة يوليو‬
‫‪ 78‬م وحتى ديسمبر ‪81‬م‬

‫(‪ )145‬العودي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬


‫(‪ )146‬العودي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫(‪ )147‬العودي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.29 ،28‬‬
‫‪178‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫هيئات لم‬ ‫هيئات‬


‫مساهمة‬ ‫مساهمة‬ ‫مساهمة‬ ‫التكلفة‬
‫نوع المشروع‬ ‫ترسل‬ ‫أرسلت‬
‫الدولة‬ ‫المواطنين‬ ‫التعاون‬ ‫بالريال‬
‫بياناتها‬ ‫بياناتها‬
‫‪ 967‬م‪ .‬مياه‬
‫‪13107338‬‬ ‫‪76511946‬‬ ‫‪37255641‬‬ ‫‪126874925‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪112‬‬
‫وصحة‬
‫‪ – 7‬ورد في جدول (‪ )148()19‬خالصة بالمشاريع المنجزة في مجال صيانة‬
‫وتشغيل الطر للفترة من يوليو ‪ 78‬م حتى ديسمبر ‪81‬م ما يلي‪:‬‬
‫جدول (‪ ) 19‬خالصة منجزات هيئات التعاو في مجال صيانة وتشغيل الطر للفترة من‬
‫يوليو ‪ 78‬م حتى ديسمبر ‪81‬م‬
‫هيئات لم‬ ‫هيئات‬
‫مساهمة‬ ‫مساهمة‬ ‫مساهمة‬ ‫التكلفة‬ ‫نوع‬
‫ترسل‬ ‫أرسلت‬
‫الدولة‬ ‫المواطنين‬ ‫التعاون‬ ‫بالريال‬ ‫المشروع‬
‫بياناتها‬ ‫بياناتها‬
‫ـــــــــــ‬ ‫‪28566102‬‬ ‫‪14397373‬‬ ‫‪41520000‬‬ ‫‪ 6000‬كم‬ ‫‪127‬‬ ‫‪77‬‬
‫‪ -8‬بالعودة لى الجدول رقم (‪ )14‬نجد أ ‪:‬‬
‫أ – في مجال الطرقات بلغت سهامات المواعنين ثالثة أرباع التكلفة تقريبا ً‪،‬‬
‫جمالي التكلفة البالغة‬ ‫وتحملت التعاونيات الربع الباقي من‬
‫‪ 128253332‬رياالً‪.‬‬
‫ب – في مجال التعليم بلغت سهامات المواعنين ‪ ،%53.4‬وبلغت سهامات‬
‫التعاونيات ‪ ،%45.2‬ولم تتحمل الدولة سوى ‪ %1.4‬من التكلفة‬
‫اإلجمالية‪.‬‬
‫ج – في مجال المياه لم تتحمل الدولة سوى ‪ ،%. 2‬أي أقل من واحد في المائة‪،‬‬
‫في حين بلغت سهامات المواعنين ‪ %32‬من التكاليف‪ ،‬وتحملت‬
‫التعاونيات المبلغ الباقي بما نسبتط ‪.%67.8‬‬
‫د – في مجال ال حة كانت مساهمة الدولة صفر‪ ،%‬وتحمل المواعنو‬
‫‪ %31.3‬وتحملت التعاونيات بقية التكاليف بما نسبتط ‪.%68.7‬‬

‫(‪ )148‬العودي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.30‬‬


‫‪179‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ه – في مجال المشاريع المتنوعة تحملت التعاونيات ما نسبتط ‪،%77.7‬‬


‫وكانت نسبة مساهمات المواعنين ‪ ،%20.7‬ولم تبلغ مساهمات الدولة‬
‫سوى ‪.%1.6‬‬
‫‪ – 9‬بالعودة لى الجدول (‪ )15‬نجد أ ‪:‬‬
‫أ – في مجال الطرقات بلغت سهامات المواعنين ‪ ،%75.4‬أي ثالثة أرباع‬
‫التكلفة اإلجمالية‪ ،‬وبلغت سهامات التعاونيات ‪ ،%16.8‬في حين بلغت‬
‫مساهمة الدولة ‪ %7.8‬أو أقل قليالً‪.‬‬
‫ب– في مجال التعليم بلغت سهامات التعاونيات حوالي ‪ ،%44‬وبلغت‬
‫مساهمات المواعنين ‪ ،%54.5‬وكانت ح ة الدولة ‪ %1.5‬من التكاليف‬
‫اإلجمالية‪.‬‬
‫ج– في مجال المياه تحملت التعاونيات ‪ ،%63.6‬وتحمل المواعنو ‪،%36.1‬‬
‫والباقي تحملتط الدولة بنسبة تقارب ‪.%.3‬‬
‫د– في مجال ال حة تحملت التعاونيات ‪ ،%72.4‬وتحمل المواعنو‬
‫‪ ،%23.2‬ومثلت مساهمة الدولة ‪.%4.4‬‬
‫ه– في مجال المشاريع المتنوعة تحملت التعاونيات ما نسبتط ‪،%72.2‬‬
‫فقط ‪ ،%3.8‬والباقي تحملتط الدولة بما نسبتط‬ ‫وتحمل المواعنو‬
‫‪.%24.1‬‬
‫‪ – 10‬بالعودة لى جدول (‪ )16‬الخاص بشق الطرقات نجد أ نسبة مساهمة‬
‫المواعنين بلغت ‪ ،%62.5‬ونسبة مساهمة التعاونيات بلغت ‪ ،%36.5‬ولم تبلغ‬
‫مساهمة الدولة سوى ‪ %1‬فقط‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫نسبة مساهمات‬ ‫‪ – 11‬بالعودة لى جدول (‪ )17‬الخاص بالتعليم نجد أ‬


‫المواعنين بلغت حوالي ‪ ،%39‬ونسبة مساهمات التعاونيات ‪ ،%41‬وتحملت‬
‫السلطة النسبة الباقية ‪ %20‬فقط‪.‬‬
‫‪ – 12‬بالعودة لى الجدول (‪ )18‬الخاص بالمياه وال حة نجد أ مساهمات‬
‫المواعنين بلغت ما نسبتط ‪ ،%60‬في حين تحملت التعاونيات ما نسبتط ‪،%29‬‬
‫وتحملت السلطة فقط ‪.%11‬‬
‫‪ –13‬ونالحظ على ما ورد في الجدول (‪ )19‬الخاص بتشغيل وصيانة الطر‬
‫أ مساهمات المواعنين بلغت ما نسبتط ‪ ،%68‬وغطت التعاونيات النسبة الباقية‬
‫‪ ،%32‬ولم تتحمل السلطة شيئا ً منها‪.‬‬
‫وحتى ال أعيل سأختم الحديث بتسجيل المالحظات العامة اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬هته التجربة التعاونية بقدر ما كانت عظيمة ومميزة فقد ظلمت بقلة االهتمام‬
‫بتوثيق وتدوين‪ ،‬وبحث سهاماتها العظيمة في مختلف مجاالت الحياة‪،‬‬
‫وخاصة في مجال سهامات المواعنين التي ال شك أنها بحاجة لى مزيد من‬
‫البحث والتوثيق؛ لنتبين في عارها حجم سهامات المهاجرين والمغتربين‪،‬‬
‫وتوثيقها ن افا ً لهم‪.‬‬
‫‪ -2‬هته التجربة التعاونية أثبتت قدرة المجتمع على تحقيق نسب عالية في‬
‫التنمية‪ ،‬حتى أنها بكل نجازاتها تقريبا ً قامت على أكتاف المواعنين وهيئات‬
‫التعاو األهلي‪ .‬وأ المجتمع ا ما وجد المناخ مهيأ للمبادرة ال يتوانى عن‬
‫لعب دوره المحوري بقدر تزايد رعاية النظام الحاكم ب عال حرية العمل‬
‫الجماهيري‪ ،‬سواء بعدم التدخل بفرض توجهط السياسي على مكوناتها‪ ،‬أو‬
‫بالتلويح بالع ا األمنية لمن يعارض‪ ،‬أو بمحاربة الفساد وتجفيف منابعط‬
‫ومنعط من التأثير عليها‪ .‬ثم بما يمكنط من تقديم الدعم المناسب‪ ،‬سواء المادي‬

‫‪181‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أو غيره‪ ،‬أو بما يعتمده النظام وسلطاتط من خطط تنمية جادة ومتوازنة‬
‫مطلوبة‪ ،‬أو غير لك‪.‬‬
‫كا المغتربو والمهاجرو قد تأثروا عند بناء عالقتهم بحركة يونيو‬ ‫‪-3‬‬
‫تأثير سياسة التقارب بين نظامي‬ ‫بعوامل كثيرة‪ ،‬سبق لي بيا أهمها‪ ،‬ف‬
‫الشطرين‪ ،‬التي تجسدت بمحادثات جادة كادت تنقل الوعن والمجتمع لى‬
‫مرحلة جديدة تبشر بقرب قيام دولة الوحدة‪ ،‬سواء بما كا قد أنجز‪ ،‬وكا‬
‫منها ما سيتم اإلعال عنط عند زيارة الشهيد براهيم الحمدي لى عد في‬
‫‪/12‬أكتوبر ‪77‬م كتوحيد النشيد الوعني‪ ،‬والعلم‪ ،‬والتمثيل الدبلوماسي‬
‫وغيره‪ ،‬أو بما كا قد أنجز على صعيد توحيد التعليم (مثالً) بتعميم مناهج‬
‫موحدة لمادة التاريخ لما لها من دور في عادة تشكيل وجدا واهتمامات‬
‫األجيال؛ أل من ال يعي تاريخط ويحسن استخالص العبر منط ال يمكنط‬
‫المراهنة على مستقبل وعني مستقل يمكن البناء عليط‪ ،‬كما أنط لن يحسن‬
‫معرفة األصدقاء من األعداء‪ ،‬ولن يستطيع تحسين استثمار مكاناتط القائمة‬
‫والواعدة‪.‬‬
‫‪ -4‬من اإلن اف االعتراف بأ التأثير الحقيقي للمغتربين والمهاجرين ال يتمثل‬
‫بما أسهموا بط في بناء المدارس فقط‪ ،‬بل بما أسهموا بط على مستوى العمل‬
‫التعاوني بشكل عام؛ لما لتلك المشاريع من تأثيرات متبادلة على بعضها‬
‫البعض من جهة‪ ،‬ولما لها من تأثير على مستوى الثقافة الوعنية والثقافات‬
‫المحلية أيضا ً بشكل عام‪ .‬وهتا ا ما تغافلنا عن سهاماتهم األخرى بما‬
‫عكستط من تأثيرات غير مباشرة على حياة المجتمع‪.‬‬
‫سهاماتهم الجليلة تلك في الوقت التي لم يتسن لي بيانها على وجط الدقة‬ ‫‪-5‬‬
‫تركيبة المجتمع القائمة على‬ ‫لعدم توا فر الم ادر التي تعينني على لك‪ ،‬ف‬

‫‪182‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫توزيع السكا بين الريف والحضر تبرز حقيقة أ حوالي ‪ %75‬كانوا من‬
‫قاعني األرياف في هته الفترة‪ ،‬وأ المجتمع شهد ت اعد موجات وأعداد‬
‫المغتربين نظرا ً لترافق لك مع ما عرف بالحقبة النفطية‪ ،‬وما عكستط من‬
‫تأثيرات‪ ،‬وخاصة على مستوى فرص العمل التي أتيحت نتيجة ما عكستط‬
‫السياسة الخارجية للحركة مع دول الجوار‪ ،‬وتحسين مستويات الدخل‪،‬‬
‫وتزايد حجم التحويالت لى الداخل اليمني‪ .‬هتا‪ ،‬في الوقت التي يجب أال‬
‫نظراً‬ ‫نغفل فيط أيضا ً تنامي حركة االغتراب على مستوى أبناء المد‬
‫لمحدودية فرص العمل المتاحة حينها‪ .‬وكل لك يؤكد‪( -‬مع ضافة مردودات‬
‫سهاماتهم كانت‬ ‫و سهامات من سبقهم زمنيا ً كمهاجرين ومغتربين)‪ -‬على أ‬
‫جليلة وكبيرة‪ .‬وسيبقى من حقهم أ تهتم الدولة ومراكز البحث والقوى الحية‬
‫في المجتمع بالعمل على استكشاف لك‪ ،‬وتوثيقط‪ ،‬و عادة دماجط في التاريخ‬
‫المعاصر‪ ،‬وليتم بناء على لك عادة تقييم تجربة الهجرة واالغتراب‪،‬‬
‫و مكانات تفعيلها وتحسين استثمار عوائدها‪.‬‬
‫‪ -6‬ما من شك في أ التجربة التعاونية بطرفي المعادلة المؤثرين فيها‪ ،‬وفي‬
‫نجازاتها (الم واعنو ‪ /‬وهيئات التعاو ) قد أسهما بقدر كبير في عادة‬
‫تشكيل ثقافة المرحلة‪ ،‬وكا لهما فعل مؤثر في محاولة عادة بناء البنية‬
‫االجتماعية وخاصة في األرياف على قاعدة المشاركة في اإلنتاج بما‬
‫استدعى لك من دراك الفرد لم الحط‪ ،‬وحقوقط‪ ،‬وواجباتط‪ ،‬و عادة بناء‬
‫عالقاتط وفقا ً لتلك (بعيدا ً عن تابوهات عالقاتط القديمة)‪ ،‬فقد كا لهما فضل‬
‫كبير في قناع المواعن الريفي بأهمية التعليم‪ ،‬والحرص على تنسيب أبنائط‬
‫للمدرسة‪ ،‬وبأهمية الطريق وما فتحتط أمامط من فرص على صعيد تنمية‬
‫المنطقة بتوفير ما تحتاجط من مياه صالحة للشرب‪ ،‬ومراكز صحية‪،‬‬

‫‪183‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ومشاريع مختلفة‪ ،‬ومنها المدارس أيضاً‪ ،‬واألهم من لك أهمية انفتاحط ليس‬


‫مع ما حولط من مناعق فقط‪ ،‬بل على مستوى مختلف المحافظات؛ لما لتلك‬
‫من فوائد ستعود عليط نتيجة استثماره ألرضط الزراعية‪ ،‬وت دير محاصيلط‬
‫لى مختلف المناعق والمحافظات‪ ،‬مما يؤدي لى تحسين مستوى معيشتط‪،‬‬
‫وحسن استثمار أرضط باستثمارها وفقا ً لمتطلبات واحتياجات المناعق‬
‫والمحافظات األخرى‪ ،‬وما يقتضيط لك من انفتاح على من تربطط بهم‬
‫عالقات العمل في مختلف مراحل العمليات الزراعية‪ .‬وكتلك على الثقافات‬
‫المحلية للمجتمعات التي يسو ويبيع فيها منتجاتط‪ ،‬وعلى مستوى الثقافة‬
‫الوعنية القائمة بما يعكسط كل لك من رفض استمرار العزلة التي فرض‬
‫عليط العيش في ظلها‪ ،‬و دراكط ألهمية تبني ثقافة وعنية تقوم على الهوية‬
‫الوعنية الجامعة‪ ،‬وخاصة مع دراكط لزيف وكتب ما كا يعمم عليط في‬
‫عزلتط من توجيهات "تشيطن" اآلخر الوعني‪.‬‬
‫كما كا لهما تأثير كبير على مستوى دراك الفالح والقبلي لمفهوم الم لحة‬
‫العامة‪ ،‬والحرص على تجسيده في سلوكط وعالقاتط‪ ،‬وموصوالً بأهمية تفاعلط‬
‫مع النظام السياسي الحاكم‪ ،‬وما يفرضط من جراءات‪ .‬وقد رأينا بعض لك من‬
‫خالل المساهمة بعمليات التشجير ورعاية وصيانة ما يغرس منها‪ ،‬كما رأينا‬
‫لك من خالل التزام الريفيين بعدم حمل السالح‪ ،‬على الرغم من أ السلطة‬
‫اتختت جراءات منعط على مستوى العاصمة‪ ،‬ولنقل وبعض المد الرئيسة‪،‬‬
‫لكننا لمسنا تفعيالً لهته اإلجراءات حتى على مستوى األرياف حينها‪ .‬بل‬
‫القبائل في بعض المناعق – أثناء تنفيت التعداد السكاني – كانوا يبدو‬
‫للمشاركين في اإلح اء وللمشرفين استعدادهم لمقايضة النظام (بأسلحتهم‬
‫الثقيلة والمتوسطة بمقابل الحراثات الزراعية وملحقاتها)‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وكل لك وغيره كا يؤكد على تسارع نتاج مكونات ثقافة جديدة كا لتجربة‬
‫التعاونيات بطرفيها المؤثرين فضل كبير في لك‪.‬‬
‫‪ -2‬دور المهاجرين في تنوير المجتمع‪:‬‬
‫التعليم يمثل البوابة المثلى للتغيير‪ ،‬و نط‬ ‫ليس مجافيا ً للحقيقة القول‬
‫كا حتى عقود مضت كانت فيط فوهة المدفع والبندقية تمثل بوابة للتغيير‪ ،‬ف نها‬
‫لم تكن لتتمكن من حداث التغييرات المرتجاة ال بالعلم أيضاً‪ .‬ولئن كا (البيا‬
‫العلم كا وال يزال وسيبقى القوة‬ ‫رقم ‪ )1‬يعكس تجليات القوة وربما العنف‪ ،‬ف‬
‫الناعمة القادرة على حداث التغييرات النوعية الالزمة‪ ،‬والكفيلة بانتقال المجتمع‬
‫على عريق النمو والتقدم والشراكة في توعين المعرفة‬ ‫لى مضمار السبا‬
‫و نتاجها‪ ،‬وتوسيع قاعدة الحاضنة المجتمعية لها‪.‬‬
‫للتعليم عالقة وثقى بثقافة المجتمع‪ ،‬لك أل الفلسفة التي يقوم عليها‬ ‫ثم‬
‫تجعل من ثقافة المجتمع مجاالً حيويا ً لعمليات التعليم وأنشطتط المختلفة‪ ،‬و نط‬
‫بقدر ما يكو منظما ً وهادفا ً ومحكوما ً بفلسفة تربوية وتعليمية (مقرة مجتمعياً)‬
‫ف نط تت حدد قواعد وشروع ومعايير المواعنة ال الحة المستهدفة‪ ،‬والكفيلة‬
‫والتمسك بها‪ ،‬وعدم‬ ‫بتحقيق المواعنة المستنيرة القائمة على دراك الحقو‬
‫التنازل عنها‪ ،‬أو القبول بابتسارها أو انتهاكها‪ ،‬والملمة بالواجبات المرتبطة‬
‫وأهميتها والسعي ألدائها عواعية بدو تق ير‪ ،‬والمؤمنة بأ‬ ‫بتلك الحقو‬
‫المساهمة في اإلنتاج وحدها فقط من تمنح الفرد فرص االندماج االجتماعي‪،‬‬
‫وتحدد مكانتط المستحقة‪ .‬كما أ من مقاصد وغايات الفلسفة ما يستوعب حاجة‬
‫المجتمع لرعاية الناشئة بدءا ً من مرحلة ما قبل التعليم األساسي (رياض‬
‫األعفال)‪ ،‬ب ما يضمن الكشف عن ميولهم ورغباتهم واستعداداتهم وخبراتهم‪،‬‬
‫وينميها ويوفر البيئة الحاضنة لها داخل مؤسسات التعليم وفي المجتمع المحيط‪،‬‬

‫‪185‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وييسر للمتفوقين فرص النبوغ والرعاية الالزمة ليكونوا علماء المستقبل‪ ،‬ثم بما‬
‫يليها من مراحل‪.‬‬
‫كما أ تعليما ً كهتا‪ ،‬يمكنط تنقية الثقافة المجتمعية من الشوائب العالقة بها‪،‬‬
‫وأنط بمقدار تمكن النظام السياسي والمجتمع من بناء العالقة الموضوعية بين‬
‫مؤسسات التأهيل والتدريب ومختلف المؤسسات المجتمعية األخرى‪ ،‬وفي‬
‫مقدمتها األسرة‪ ،‬وتوفير اإلمكانات الالزمة القائمة على جعل التعليم (استثماراً‬
‫ال خ دمة)‪ ،‬تتحقق أهداف ومقاصد وغايات الفلسفة التربوية التعليمية المنشودة‪،‬‬
‫وي بح التعليم الهادف مساعدا ً على انتقال الثقافة وتوارثها عبر األجيال‪ ،‬كما‬
‫يسعى لتلبية احتياجات المجتمع‪ ،‬ويسهم في توعين المعرفة‪ ،‬وتشكيل البيئة‬
‫الحاضنة إلنتاج المعرفة‪ ،‬والراعية للمتفوقين والمبدعين من أبناء المجتمع‪،‬‬
‫النفسي والبيولوجي والوجداني‬ ‫ويسهم بتمكين المتلقين من تحقيق التواز‬
‫لمواجهة تأثيرات الثقافات األخرى التي لم يعد ممكنا ً ألحد تجنب تأثيراتها‬
‫المختلفة‪ ،‬كما يمكن للتعليم بتلك المواصفات من تمكين الثقافة الوعنية من‬
‫االنتقال من عور التلقي السلبي لثقافات اآلخرين لى عور التأثر اإليجابي‬
‫للمستحسن منها‪ ،‬و مكانية التأثير في تلك الثقافات أيضا ً‪ ،‬أو التخفيف من آثارها‪،‬‬
‫التعليم المحكوم يستهدف تنشئة األجيال والمستهدفين تنشئة تراعي‬ ‫كما أ‬
‫الفردية‪ ،‬وتفتح المجال أمام الموهوبين وترعاهم‪ ،‬وتستهدف تحقيق‬ ‫الفرو‬
‫تربية سياسية متزنة ومنفتحة وديمقراعية (بعكس ما ساد في الماضي وحتى‬
‫اآل من توجيط سياسي يخدم م الح المتسلطين على النظام)‪ ،‬بما يكفل توسيع‬
‫قاعدة الحاضنة االجتماعية الداعمة الستقرار النظام السياسي الديمقراعي‬
‫والمدافعة عنط‪ ،‬بتات القدر التي تتمكن فيط الثقافة من تحويل المجتمع لى‬
‫مجتمع المواعنة المتساوية من خالل عادة تشكيل مكونات المجتمع على قاعدة‬

‫‪186‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المساهمة في اإلنتاج كشرع الزم لتحقيق االندماج االجتماعي‪ ،‬ويساعد على‬


‫خلق وتنمية الثقافات المطلبية لمختلف عبقات وشرائح المجتمع‪ .‬وهو أمر الزم‬
‫إلعادة تفكيك الثقافات الع بوية السائدة بما يكفل ت ويب الوالء للوعن‬
‫والمجتمع أوالً‪ ،‬ويعيد تموضع االنتماءات األخرى وما تتطلبط من عالقات‬
‫لتكو تالية لتلك‪ ،‬وليست مقدمة على الوالء واالنتماء للوعن والمجتمع‪.‬‬
‫ما تقدم‪ ،‬على ق وره‪ ،‬يرسم عارا ً عاما ً للتعليم المرتجى‪ ،‬كما ي ح‬
‫اعتباره معيارا ً نقيس عليط جدوى وموضوعية األنظمة التعليمية التي تم وفقا ً لها‬
‫تأهيل أجيال متعاقبة على مدى القر الماضي‪.‬‬
‫علينا أ نستحضره ونحن نقارب ونقيس آثار األنشطة والفعاليات‬ ‫كما‬
‫واإلسهامات التي جاءت عبر جهود وتضحيات المهاجرين والمغتربين وما‬
‫عكستط على مستوى الثقافة المجتمعية‪ ،‬أو ونحن نحاول التعرف على مستوى‬
‫وأنواع التأهيل التي تحقق للمهاجرين والمغتربين‪ ،‬وما كرس عليهم من أساليب‬
‫التنشئة االجتماعية‪ ،‬وهل كا يؤهلهم لك ألداء األدوار التي مارسوها على هتا‬
‫ال عيد‪ ،‬أم كانت معاناتهم‪ ،‬ومضاف ليها تأثرهم بثقافات مجتمعات الهجرة‪،‬‬
‫محفزات ضافية جسدت حجم عطائهم‪ ،‬وجعلتنا ندرك مدى عظمة سهاماتهم‪،‬‬
‫ومقدرتهم في التفو على واتهم‪ ،‬وحاجتهم لتغيير ثقافتهم‪ ،‬وثقافة مجتمعهم في‬
‫الداخل وفي المهجر‪.‬‬
‫ولما لم يكن أمر نتاج تلك الفلسفة بيدهم‪ ،‬أو تحت سقف الوعي العام لهم‪،‬‬
‫ف لى أي مدى أثرت سهاماتهم‪ ،‬سواء على صعيد تحديث التعليم‪ ،‬أو على‬
‫مستوى تأثيرهم في العمل الوعني بشكل عام‪ ،‬وفي التغير الثقافي التي حدث في‬
‫المجتمع‪ ،‬على مستوى الجماعات واألفراد‪ ،‬وهل ي ح مقاربة لك مع التعليم‬
‫المرتجى‪ ،‬قياسا ً على ما كا قائما ً قبل ثورة سبتمبر وأكتوبر وما بعدهما؟‬

‫‪187‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫عن المهاجرين والمغتربين ومستوى تأهيلهم‪:‬‬


‫في الثقافات‪ ،‬والطباع‪،‬‬ ‫ابن بيئتط‪ ،‬ولتلك فهم متباينو‬ ‫اإلنسا‬ ‫يقال‬
‫واألنشطة‪ ،‬وفي نظرتهم للحياة والكو والمعرفة واألخال والمجتمع‪ ،‬وجملة‬
‫تلك التباينات وغيرها تعكس نفسها في صور ومستويات والتزامات أدائهم‬
‫الحياتي بما يشكل ضافات في مجرى الحضارة اإلنسانية‪ ،‬أو ثلمات تمس‬
‫بسالمتها‪ ،‬وتؤكد حاجة أصحابها للمزيد من األنسنة والتطبيع‪.‬‬
‫والمهاجر والمغترب اليمني ما كا لط ال أ يكو ابن بيئتط التي عجت بظلم‬
‫ألخيط اإلنسا ‪ ،‬وهي بيئة ظلت تستع ي على التطور الحضاري‬ ‫اإلنسا‬
‫عوال قرو ‪ ،‬كما حرمت أبناءها من حقهم في التغيير؛ و لك راجع إلرادة‬
‫ومشيئة من تسلطوا عليط‪ ،‬حتى باتت الدعاية السوداء التي ظلت تردد في‬
‫مناعق مختلفة من قارة أوروبا عبر بعض عقود القر العشرين‪ ،‬والقائلة نط‬
‫من أراد أ يتعرف على حقيقة وصور حياة أجداده‪ ،‬فعليط بزيارة اليمن ألنها‬
‫متحف حي يعج بأمثال تلك ال ور‪ ،‬أضحت حقيقة مؤلمة‪.‬‬
‫ولما كنا قد عرضنا في صفحات سابقة بعض مالمح صورة الوعن في‬
‫من المسلم بط أ اإلنسا اليمني بشكل عام‪ ،‬ومن‬ ‫بدايات القر العشرين‪ ،‬ف‬
‫هاجر أو اغترب منهم أيضا ً‪ ،‬قد عانوا من حياة البؤس والفاقة والظلم‬
‫واالضطهاد‪ ،‬وقاسوا الويالت من آثار التمييز الطائفي والمتهبي‪ ،‬ومن ويالت‬
‫الحروب واالضطرابات واختالالت األمن‪ ،‬وكانت معاناتهم أشد نتيجة حرمانهم‬
‫من التعليم الالئق بآدميتهم‪ ،‬والمستجيب لحاجاتهم وآمالهم في الحياة‪ .‬حيث كا‬
‫أق ى ما هو متاح من تعليم (و اك للقادرين عليط عبعاً) ما‪:‬‬
‫أ‪ .‬تعليم أولي يغلب عليط الطابع الديني في حدوده الدنيا‪ ،‬وهو متاح في‬
‫المعالمات‪ ،‬الكتاتيب‪ ،‬ويقوم منهجط على تعليم القرآ ‪ ،‬ونزر يسير من‬

‫‪188‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫قواعد اللغة‪ ،‬ومبادئ الفقط المتمثل بـ"سفينة النجاة"‪ ،‬وعمليات بسيطة في‬
‫الحساب تقوم على قاعدة الجمع والطرح والضرب والقسمة‪ .‬ولكل معالمة‬
‫أستا واحد يعتاش على ما يفرض على األهالي من رسوم ات عابع عيني‬
‫في األغلب األعم‪ ،‬وهو السائد‪.‬‬
‫ب‪ .‬تعليم ديني مكرس في معاهد وأربطة متفرقة وفي مناعق متباعدة كزبيد‬
‫و مار‪ ،‬وصنعاء‪ ،‬وصعدة‪ ،‬وحضرموت‪ ،‬وتعز‪ ،‬وصبيا وغيرها‪ ،‬وهو‬
‫تعليم و صبغة متهبية‪ ،‬تفقد بعضها حقها في اختيار وتحديد ما تقدمط‬
‫لطالبها وفقا ً لمشيئة وسطوة من يحكم‪ ،‬وال يجمع بينها نظام أو سياسة‬
‫تعليمية موحدة‪ ،‬وال أساليب تقويم تحفظ للمتلقي حقط في نيل الشهادات‬
‫المناسبة المؤهلة لاللتحا بالمستويات األعلى‪.‬‬
‫ج‪ .‬عندما نشأت بعض المدارس الحكومية واألهلية‪ ،‬لم يستفد منها ال القلة‪ ،‬كما‬
‫أ ما كانت تمنحط من شها دات ال تؤهل من ينالها لاللتحا بالدراسات‬
‫الجامعية‪ .‬ولم تكن محكومة بفلسفة ضابطة‪ ،‬وقد غلب عليها المحاكاة‬
‫والتقليد‪ ،‬خاصة أنط لم يكن يجمع بينها نظام وال سياسة تعليمية راشدة‪،‬‬
‫ولتلك فقد اتختت بعض المدارس األهلية المناهج العراقية‪ ،‬وأخرى‬
‫األردنية‪ ،‬وثالثة الم رية‪ ،‬ورابعة السورية سبيالً لتأهيل المستهدفين‪ ،‬علما ً‬
‫أ مناهج تلك الدول لم تكن محكومة وال ملبية للطموح الوعني‪ ،‬فكيف‬
‫بحالنا نحن‪ ،‬لكنها على الرغم من لك كانت أرقى مما كا موجودا ً لدينا‪،‬‬
‫كما أ المدارس الحكومية التي كانت تسمى "المملكة المتوكلية اليمنية"‬
‫على قلتها كانت متدنية المستوى عن كثير من المدارس األهلية التي كانت‬
‫موجودة في عد ‪ ،‬وكانت محكومة بضوابط تخريج كتبة وموظفين ال أكثر‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وكتلك الحال بالنسبة للمدارس الحكومية في عد وبعض المحميات (على‬


‫قلتها) كا أفضلها في عد ‪ ،‬ولكن مناهجها كانت متأثرة بما تمليط م الح‬
‫المستعمر‪ ،‬مع محاوالت للتغريب تعتمد على همال كل ما يتعلق بالهوية‬
‫الوعنية والقومية من لغة وتاريخ وتنشئة وعنية‪ ،‬وتكريس لغة وتاريخ‬
‫االمبراعورية البريطانية‪ ،‬وتزيين ممارساتها‪.‬‬
‫وكانت جميعها بما استوعبتط من أعداد التالميت‪ ،‬قياسا ً على من كانوا في سن‬
‫التي عانى منها المجتمع بأجيالط‬ ‫ا لتنسيب‪ ،‬أكبر دليل على حالة الحرما‬
‫بالدراسة‪ ،‬لم‬ ‫المتعاقبة‪ ،‬كما أ من مكنتهم ظروفهم و مكاناتهم من االلتحا‬
‫يكونوا سعيدي الحظ؛ أل ما نالوه كا أقل مما يستحقوه‪ ،‬كما أ تعليما ً مدجنا ً‬
‫كهتا لم يكن قادرا ً على الكشف عن مكانات واستعدادات وميول ورغبات‬
‫المتلقين‪ ،‬والبناء عليها بما يمكنهم من النبوغ واإلبداع‪ ،‬بل تسبب بوأد النبوغ‬
‫واإلبداع‪ ،‬وحرم المجتمع من استثمار نبوغ و بداع أبنائط‪.‬‬
‫د‪ -‬بعد قيام ثورة سبتمبر‪62‬م وأكتوبر‪63‬م نشأت أنظمة وعنية نزعت نحو‬
‫التحديث‪ ،‬ولكنها واجهت عاقات كثيرة ( اتية وموضوعية)‪ ،‬وقدمت سلطتا‬
‫النظامين نما ج متباينة من األنظمة التعليمية التي لم تخل من التأثر بتجارب‬
‫شعوب أخرى (كالنظام التعليمي في م ر شماالً‪ ،‬أو النظام األلماني الشرقي‬
‫جنوباً‪ ،‬كما صبغت مناهج التربية الدينية بال بغة الوهابية التي سادت منت‬
‫عقود)‪.‬‬
‫ولم يتمكن كال النظامين من نتاج تعليم محكوم بفلسفة تربوية تعليمية وعنية‬
‫راشدة (مقرة مجتمعياً)‪.‬‬
‫وقد تأثر مئات اآلالف من المهاجرين والمغتربين بما تعلموه‪ ،‬كما أ‬
‫األغلبية الساحقة منهم لم يتجاوز مستوى تأهيلط التعليم العام بمختلف مستوياتط‪،‬‬

‫‪190‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أغلبيتهم من أبناء‬ ‫ولم يتمكنوا من مواصلة دراساتهم الجامعية‪ ،‬خاصة أ‬


‫األرياف‪ ،‬وهي مناعق ظلت تعاني من غياب التنمية المتوازنة ألسباب كثيرة ال‬
‫مجال لح رها هنا‪ ،‬ولتلك ظلت تعاني من هجرة أبنائها ما لى المد‬
‫المختلفة‪ ،‬أو لى خارج الوعن‪ ،‬كما عانى مهاجرو األرياف من ندرة فرص‬
‫العمل المتناسبة م ع تأهيلهم وعموحهم‪ ،‬األمر التي كا يحول هجرتهم الداخلية‬
‫لى هجرة مؤقتة لم تقنعهم بالبقاء في وعنهم قدر دفعهم للبحث عن فرص‬
‫لهجرة خارجية‪ ،‬وخاصة لى دول الجوار‪ ،‬وبالتات في الفترة التي عرفت‬
‫بالحقبة النفطية‪.‬‬
‫ولنا أ نت ور نوع أو أنواع الثقافة المجتمعية التي سادت في بدايات القر‬
‫العشرين‪ ،‬ومستوى ونوع العالقة التي يحتمل أ تكو قد وجدت بين التعليم‬
‫كرس األئمة واالستعمار التفرقة‪،‬‬ ‫وثقافة المجتمع السائدة‪ ،‬خاصة بعد أ‬
‫وفرضوا العزلة‪ ،‬وعلينا أ ندرك أ حظوظ من هاجروا واغتربوا من التعليم‬
‫لم يتجاوز سقف ما كر في األسطر السابقة‪ .‬وأنهم لم يجدوا أبواب التأهيل‬
‫والتدريب مفتوحة أمامهم في مهاجرهم‪ ،‬وأ ما أتيح أمامهم من فرص العمل‬
‫كانت بمجملها تعتمد على مقايضة جهدهم البدني بالنزر اليسير من المال‪ ،‬سواء‬
‫عملوا في البر أو في البحر‪ ،‬وكانت تدفعهم حاجتهم لالندماج والقبول بأعمال‬
‫خطرة‪ ،‬وخاص ة وقت الحرب‪ ،‬سواء في الحرب العالمية األولى أو الثانية‪ ،‬حيث‬
‫شاركوا في أعمال لوجستية‪ ،‬وأحيانا ً في القتال‪ ،‬وضحى اآلالف منهم بحياتهم‬
‫في حرب ال ناقة لهم فيها وال جمل‪ .‬ويكفي أ نعرف أ بريطانيا تنكرت‬
‫لتضحياتهم في الحرب العالمية األولى‪ ،‬بل نها قامت بترحيل المئات منهم نتيجة‬
‫احتجاجاتهم (على انتقاص حقوقهم‪ ،‬وم ادرة بعضها‪ ،‬ومضايقتهم) في عامي‬
‫‪ 1930 ،1919‬م رغم ح ولهم على الجنسية البريطانية‪ ،‬كما يكفي أ نعرف‬

‫‪191‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أ عدد من قتلوا في الحرب العالمية الثانية من المحسوبين على بريطانيا تجاوز‬


‫ثالثة آالف قتيل‪ ،‬خلدهم اإلنجليز بن ب تتكاري منت ب في مدينة ساوث‬
‫شيلد‪.‬‬
‫كانت رغبة جامعة في األغلب األعم‪ ،‬ف نها وجدت‬ ‫والحاجة لالندماج‪ ،‬و‬
‫ب ور‪ ،‬أولها‪ ،‬وهي المعبرة عن الغالبية العظمى للمهاجرين‪ ،‬كانت تأخت عابع‬
‫القبول بكثير من مالمح الثقافة السائدة (متطلبات تطبيع)‪ ،‬مع السعي للتأثير فيها‬
‫أيضا ً و ضفاء عابع اليمننة أو األسلمة عليها‪ ،‬بينما جاءت ال ورة الثانية محملة‬
‫بمالمح االنطواء واالنكفاء على التات كتعبير رافض لمظاهر الحياة االجتماعية‬
‫في المجتمع المحيط‪ ،‬ومن هؤالء كثير من مهاجرينا في بريطانيا‪ ،‬مثالً‪ ،‬وهو‬
‫األمر التي عكس آثاره السلبية على حقهم في االندماج‪ ،‬وقدرتهم على التأثير‬
‫الماضي وحتى اآل‬ ‫في مجتمعهم المحيط‪ ،‬حتى أنهم منت سبعينيات القر‬
‫مازالوا يعيشو مشاكل اجتماعية‪ ،‬منها حملة عالمية تتهمهم بتزويج بناتهم‬
‫اإلنجليزيات على يمنيين في اليمن وكأنهن سلع للبيع‪ ،‬كما قامت السفارة‬
‫البريطانية باختطاف بعضهن و رجاعهن لى بريطانيا(‪ ،)149‬كما زاد من‬
‫عجزهم أنهم ظلوا لعقود يقاومو تعلم اللغة اإلنجليزية العتقادهم أنها مدخل‬
‫لالرتباع باإلنجليزيات‪.‬‬
‫ممن كانت‬ ‫والمغتربو‬ ‫وبينهما وجدت صورة ثالثة كرسها المهاجرو‬
‫نطا هجرتهم مح ورة في دول الجوار‪ ،‬وقد عكست حالة خاصة من التأثير‬
‫على مجتمعهم الوعني؛ ألنهم كانوا متلقين سلبيين ألنماع من الثقافة االستهالكية‬
‫السائدة وغير المرشدة أصالً‪ ،‬ولم يتمكن عشرات اآلالف منهم من استثمار‬
‫نتائج غربتهم (استثمارا ً حسناً)؛ وألنهم رغم أعدادهم الكبيرة‪ ،‬وهجرتهم لى‬

‫(‪ )149‬بحسب برنامج "مهمة خاصة" من قناة العربية‪.‬‬


‫‪192‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫بيئات ليست غريبة عليهم كثيرا ً لوجود قواسم مشتركة كثيرة مع بيئتهم‬
‫األصلية‪ ،‬لم يتمكنوا من خلق كيانات وأشكال نقابية أو تعاونية تعبر عن آمالهم‬
‫وآالمهم‪ ،‬وتسهم في ترشيد مطالبهم ومطامحهم؛ أل األنظمة في تلك الدول ال‬
‫تسمح بتلك‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬وجدت صورة أخرى تمثلت في قبال المهاجرين والمغتربين‬
‫على الحياة في مجتمعاتهم الجديدة‪ ،‬وسعيهم لتحقيق االندماج االجتماعي حد‬
‫االن هار المتجاوز لحقهم بتشكيل الجمعيات المعبرة عن آالمهم وآمالهم‪،‬‬
‫وتأسيس األحزاب تحت سقف وعن الهجرة والشراكة الفاعلة في مقاومة‬
‫االستعمار‪ ،‬ثم التجنس بجنسية ال َم َهاجر‪ ،‬كما حدث لك في ندونيسيا بشكل‬
‫فريقيا بشكل عام‪،‬‬ ‫خاص وفي سنغافورة‪ ،‬وماليزيا‪ ،‬والهند‪ ،‬ومدغشقر‪ ،‬وشر‬
‫كا بمستويات متفاوتة‪.‬‬ ‫و‬
‫وقد نتج عن االندماج واالن هار انخراعهم في األحزاب السياسية القائمة‪،‬‬
‫وسعيهم لتغيير القوانين التي كانت تحول دو اكتمال مواعنتهم‪ ،‬كما حدث في‬
‫ندونيسيا وسنغافورة مثالً‪ ،‬األمر التي مكن العديد منهم من تولي حقائب‬
‫رئيسة سنغافورة الحالية يمنية الجتور‪،‬‬ ‫وزارية بما فيها السيادية‪ ،‬بل‬
‫وزوجها من أصول حضرمية‪ ،‬وكتلك الحال فيما يتعلق برئيس جزر القمر‪،‬‬
‫هتا األمر يحتاج لى بحث وتدقيق وتوثيق موصول بأسباب‬ ‫كا‬ ‫(و‬
‫التمكين)‪.‬‬
‫كما أنهم تمكنوا من قامة سلطنات عديدة في ندونيسيا‪ ،‬والهند‪ ،‬وجزر‬
‫القمر‪ ،‬وقد حكموا تلك السلطنات وأوالدهم‪ ،‬ومنهم على سبيل المثال السلطا‬

‫‪193‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫محمد القدري العلوي في جزيرة بورنيو‪ ،‬التي قتلط اليابانيو مع ‪ 60‬شخ ا ً‬


‫من عائلتط سنة ‪1944‬م(‪.)150‬‬
‫ومنهم عائلة شهاب سالعين قليم سياك بسومطرة‪ ،‬وآل جمل الليل‬
‫بسيام(‪.)151‬‬
‫ويؤكد بامطرف(‪" )152‬أ جزر القمر يحكمها لى اليوم علوي حضرمي‪ ،‬هو‬
‫السلطا أبوبكر بن عبد الرحمن‪ ،‬المنتمي لى الشيخ أبي بكر بن سالم‪ ،‬مولى‬
‫عينات"‪.‬‬
‫وفي هتا المقام‪ ،‬ال ننسى األثر األدبي والثقافي في المجتمع الم ري خاصة‬
‫والعربي واإلسالمي بشكل عام للمؤرخ واألديب والكاتب علي أحمد باكثير‪ ،‬ولط‬
‫سيرة كاملة بين األعالم‪.‬‬
‫ومن األعالم التين أثروا في مجتمعات الهجرة عبد الرحمن بن يحيى‬
‫المعلمي‪ ،‬التي استقر بط المقام في (سور أبايا) ب ندونيسيا‪ ،‬وعمل مع سليما‬
‫مرعي صاحب المطبعة المشهورة هناك‪ ،‬وقد عمل على مراجعة الكتب‬
‫وت حيحها للطبع لمدة خمس سنوات‪ ،‬ثم عمل بالتجارة‪ ،‬وهو أديب يكره الغلو‬
‫ويعيب المنحى ال وفي المفرع لبعض األسر العلوية‪ ،‬كما يكره الحجاب‬
‫ويحاربط‪ ،‬ويقول‪" :‬اإلسالم في ندونيسيا ممزوج بالفنو ‪ ،‬فالمرأة تمارس‬
‫واحد الرقص والغناء‪،‬‬ ‫التالوة والتكر‪ ،‬وترتدي الحجاب‪ ،‬وتمارس في آ‬
‫فالتو الفني كبير"(‪.)153‬‬

‫بامطرف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.69 ،68‬‬ ‫(‪)150‬‬


‫بامطرف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.69‬‬ ‫(‪)151‬‬
‫بامطرف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫(‪)152‬‬
‫الشميري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.5 ،4‬‬ ‫(‪)153‬‬
‫‪194‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ومنهم آمنة بنت محمد بن حسين الحبشي‪ ،‬ماتت أثناء الحرب العالمية األولى‬
‫في تركيا‪ ،‬وتلقت تعليمها في مسقط رأسها في سيئو ‪ ،‬وعرفت بالقراءة والكتابة‬
‫وحلقات العلم‪ ،‬وعرفت بنبلها وسعة اعالعها‪ ،‬وتزوجت من العالم العارف علي‬
‫علوي السقاف‪ ،‬صاحب كتاب "فتح المعين في فقط أحكام الدين"‪ ،‬وقد عملت في‬
‫مجال التنوير بالعلم واإلرشاد وتوجيط الفتيات‪ ،‬وقد تأثر بها آالف الفتيات‬
‫التركيات(‪ .)154‬ومنهم الشيخ الشهيد عبد هللا علي الحكيمي‪ ،‬رائد الحوار‬
‫اإلسالمي المسيحي‪ ،‬والمعلم ال وفي‪ ،‬ورائد الحركة الوعنية اليمنية‪ ،‬وزعيم‬
‫"االتحاد اليمني" ‪ ،‬ولط سيرة خاصة‪ .‬ومنهم شيخ المجاهدين من كا الزبيري‬
‫والنعما يلقبونط بـ"المجاهد األكبر" أحمد عبده ناشر العريقي‪ ،‬ولط سيرة خاصة‬
‫في موضع آخر‪.‬‬
‫وغيرهم كثيرو ال يتسع المجال لح رهم ممن عرفوا بأدوارهم المميزة‬
‫التي كا لها بالغ التأثير على مجتمعات الهجرة وعلى الداخل اليمني‪ .‬وجميعهم‬
‫سواء من تناولتهم بعض السير و كروا فيما دو من تاريخ الحركة الوعنية‪ ،‬أو‬
‫من ظلوا مجهولين‪ ،‬سواء ب رادتهم التي عبرت عن رغبتهم ب خفاء سهاماتهم ‪-‬‬
‫محتسبين أجرهم وثوابهم عند هللا‪ ،‬أو ألسباب أخرى مرتبطة بثقافة مجتمعية‬
‫ظلت تحكم عالقاتهم وت رفاتهم وسلوكهم‪ ،‬أو من لم تطالهم جهود الباحثين‪ ،‬أو‬
‫من كانوا مغتربين ومهاجرين لكنهم عادوا واستقروا في وعنهم بعد عناء‬
‫االغتراب والهجرة‪ ،‬واستمروا في أداء دورهم التأثيري عبر عطاءاتهم المختلفة‬
‫بالمال‪ ،‬وبالموقف‪ ،‬والفكرة‪ ،‬والنضال‪ ،‬والتضحية‪.‬‬
‫وجلهم عكسوا تأثرهم بثقافات اكتسبوها أو تعايشوا معها في سلوكهم‪،‬‬
‫وعالقاتهم وجهودهم‪ ،‬ونضالهم في مجتمعات الهجرة واالغتراب‪ ،‬وسجل لهم‬

‫(‪ )154‬الشميري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.5 ،4‬‬


‫‪195‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫التاريخ مآثرهم تلك‪ ،‬أو لم ت لنا أخبار عنها بعد‪( .‬وقد آ أوا توجيط الجهود‬
‫للبحث والتق ي والتدوين ن افا ً لهم‪ ،‬و ثراء للتاكرة المجتمعية التي باتت‬
‫بحاجة ماسة لترميمها و ثرائها وتنقيتها من الشوائب التي علقت بها‪،‬‬
‫واضطرتها بفعل عوامل الهدم ومقاصد التجهيل أ تتنكر لكل جميل‪ ،‬وتهمل كل‬
‫تضحية‪ ،‬وتتماهى مع ما يزيف من التاريخ‪ ،‬وتهتم ب براز وتعظيم من تسببوا في‬
‫ابتالء المجتمع بالويالت واإلعاقة وعدم التمكين‪ ،‬وأضروا بوحدتط وثقافتط‪،‬‬
‫ونهبوا مكاناتط وموارده)‪ ،‬وكانت لهم آثار وب مات على ال عيد الوعني‬
‫والقومي‪ ،‬وأل جهودهم وتضحياتهم‪ ،‬كما كا لها آثار تبدت بمستويات مختلفة‬
‫وصور متعددة في مواعن هجرتهم واغترابهم‪ ،‬فقد كا أثرها عظيما ً على‬
‫وعنهم ومجتمعهم وأمتهم‪ ،‬بمستويات وصور باتت تفرض علينا عادة تدوين‬
‫تاريخنا المعاصر كما يستحق المجتمع ال كما أراده المستبدو ‪ ،‬وهو األمر التي‬
‫سيفسح مجاالً مهما ً الستيعاب تلك الجهود والتضحيات‪ ،‬مع براز شخوص من‬
‫لعبوا تلك األدوار‪ ،‬وقدموا تلك التضحيات لي بحوا أيقونات نعتز بها‪ ،‬ونفتخر‬
‫أ تتختها األجيال المتعاقبة قدوة وفنارات تضيء لهم حياتهم‪ ،‬ويستفيدو من‬
‫تجاربهم وأساليب نضالهم‪.‬‬
‫سهاماتهم وتضحياتهم كا لها أبلغ األثر‪ ،‬خاصة ا ما أضيف لها جهود‬
‫و سهامات وتضحيات من كانوا في سابق حياتهم العملية مهاجرين ومغتربين‪،‬‬
‫لكنهم عادوا واستقروا في مناعق مختلفة من وعنهم‪ ،‬وظلت عيونهم مفتوحة‬
‫على عظم معاناة مجتمعهم‪ ،‬ولم تلههم م الحهم الخاصة عن أداء واجباتهم‬
‫الوعنية‪ ،‬فكانوا مبادرين بسخاء أحال العديد منهم فقراء بمقاييس المال والثراء‪،‬‬
‫بقوا أغنياء بتضحياتهم وبرضاهم عما قدموه‪ ،‬وسعداء بما يلمسونط من‬ ‫و‬
‫لم يكونوا‬ ‫تغيير لواقع حياة مجتمعهم وأنظمتط السياسية التي حكمتط‪ ،‬أو حتى‬

‫‪196‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫راضين عنها؛ أل معاييرهم كانت تقوم على قياس ما كا قائما ً قبل ثورة‬
‫سبتمبر وأكتوبر‪ ،‬ال على ما بعدها‪ ،‬وأنهم ضحوا واحتسبوا وناضلوا بما‬
‫عجلة‬ ‫استطاعوه‪ ،‬وأفسحوا المجال لغيرهم ليكملوا المشوار‪ ،‬وإليمانهم بأ‬
‫التغيير قد أختت تدور وتتسارع ولم يعد بمقدور أحد أو قوة يقافها‪ ،‬وأنها‬
‫صالبة اإلرادة ستتكفل بال يانة و صالح العطب‪.‬‬ ‫أصابها العطب ف‬
‫عظم التضحيات المقدمة عكست آثارها مسهمةً في تغييرات ملموسة على‬
‫أرض الواقع‪ ،‬تجلت بما صنعط المجتمع من انتفاضات وحركات وثورات‬
‫وصوالً لى قيام الوحدة‪ ،‬وبما فرضط من جالء على المستعمر وتغيير في أنظمة‬
‫الحكم‪ ،‬وتفاعل مع قضايا أمتط واإلنسانية‪ .‬كما أحدثت تغيرات قيمة على‬
‫مستويات عالقات اإلنتاج‪ ،‬ونظرة الفرد وعالقتط بالسلطة وبمؤسسات الدولة‬
‫والمجتمع‪ ،‬و دراكط للحقو والواجبات وحاجتط لالنتماء‪ ،‬ومتطلبات االندماج‪،‬‬
‫لم تستقر بعد‬ ‫كل لك وغيره أسهم في عادة تشكيل ثقافة المجتمع التي و‬
‫وت بح سائدة كأسلوب حياة بفعل ما يعيشط المجتمع من تقلبات وصراع‪ ،‬ما‬
‫بسبب التآمر عليط‪ ،‬أو بسبب عدم تمكنط من التحول لى مجتمع المواعنة حتى‬
‫اآل ‪ ،‬لكنها تبقى كتغييرات وتغيرات جبارة وأساسية ومهمة‪ ،‬أكدت على قدرة‬
‫والمغتربو ‪ ،‬على صنع التغيير والقابلية للتغير‬ ‫المجتمع‪ ،‬وفيط المهاجرو‬
‫أيضاً‪ ،‬فلوال االغتراب والهجرة لما تحولت أشكال المعاناة ومخاعرها لى‬
‫فرص‪ ،‬ولوال الفرص التي أتيحت بسبب الهجرة واالغتراب لما تحسنت‬
‫ظروف المهاجرين والمغتربين‪ ،‬وتميز بينهم العشرات من الشخ يات النابهة‬
‫التي أدركت وجود تلك الفرص‪ ،‬وسعت بكل ضميرها الوعني والقومي لى‬
‫استغاللها تعزيزا ً لثقافة المقاومة‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ولوال أولئك الرواد‪ ،‬لما تمكنت المعارضة اليمنية في الداخل من اتخا عد‬
‫قاعدة لنضالها ولتوحيد ال ف‪ ،‬و نتاج أدوات نضالها ممثلة بـ"حزب‬
‫األحرار"‪ ،‬فـ"الجمعية اليمنية الكبرى"‪ ،‬فـ"االتحاد اليمني"‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وب سهام‬
‫المهاجرين والمغتربين حتى في قيادة تلك األدوات‪ ،‬وصوالً لى قيام ثورة‬
‫سبتمبر ‪62‬م‪ ،‬وأكتوبر ‪1963‬م‪ ،‬ولوال نجاح الثورة شماالً وجنوبا ً لما أمكن‬
‫تغيير النظام‪.‬‬
‫ولوال تغيير النظام لما تحدث التعليم (على تشوهط الحالي)‪ ،‬ولوال تحديث‬
‫لم يكن محكوما ً بالفلسفة المنشودة وعنيا ً‪ ،‬لما أمكن عادة تشكيل‬ ‫التعليم‪ ،‬و‬
‫ما تعانيط‬ ‫الثقافة المجتمعية كما نرى‪( ،‬بغض النظر عما تعانيط اليوم)‪ ،‬بل‬
‫تعثرت قدرة األفراد‬ ‫اليوم يعد دليالً على مقدار ما نالها من تغير‪ ،‬حتى‬
‫والجماعات ولم تنجح في تحقيق التغير اإليجابي بالقدر التي يمكن الثقافة من‬
‫االستقرار والتمكين عبر خلق وتوسيع حاضنتها المجتمعية القادرة على فرض‬
‫النظام الديمقراعي المطلوب وحمايتط واستمراره‪.‬‬
‫(بهته ال ورة وهتا المستوى يجب أ يفهم تأثير المهاجرين والمغتربين‬
‫على الداخل الوعني)‪.‬‬
‫هنا بالحديث عن المهاجرين والمغتربين و سهاماتهم‬ ‫وألننا معنيو‬
‫وتضحياتهم‪ ،‬فمن اإلن اف أ نقر ونعترف أوالً بعدم مكانية استق ائها‪،‬‬
‫و عادة تظهيرها جميعا ً ألسباب عديدة؛ منها بقاء جزء كبير منها غير معلوم‬
‫حتى اآل ‪ ،‬كما أننا ال نمتلك المراجع المناسبة التي تغطي السقف الزمني التي‬
‫استهدفتط الدراسة‪ ،‬والمعززة بالبيانات واألرقام اإلح ائية الموثقة ليتم التعاعي‬
‫معها بالمستوى المطلوب‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫دواعي الواجب تقتضي اإلشارة لى بعض‬ ‫ولكن برغم ما تقدم‪ ،‬ف‬


‫المحطات األساسية‪ ،‬والمجاالت التي تأثرت بتلك اإلسهامات والتضحيات‬
‫والجهود‪ ،‬ومنها على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪ -1‬مساهمتهم في مجرى الحركة الوعنية با فترة النضال ضد النظام اإلمامي‬
‫الكهنوتي‪ ،‬وضد الوجود االستعماري‪ ،‬والنظام السالعيني الملحق بط (وتأثيرهم‬
‫عليها)‪ ،‬وألنط مجال ستهتم بط أورا أخرى من هته الدراسة‪ ،‬فيكفي هنا اإلشارة‬
‫لى أ األستا أحمد محمد نعما ‪ ،‬والقاضي محمد محمود الزبيري‪ ،‬وقد تزعما‬
‫حركة النضال ضد اإلمامة‪ ،‬وشكال عارات وأدوات سياسية خالل أربعينيات‬
‫وخمسينيات القر العشرين وحتى قيام الثورة‪ ،‬ومنها حزب األحرار والجمعية‬
‫اليمنية الكبرى‪ ،‬واالتحاد اليمني وغيرهما‪ ،‬كانا ا ما اختلفا جعال من المرحوم‬
‫أحمد عبده ناشر مرجعا ً وحكماً‪ .‬كما ال ينكر جهوده وجهود الشهيد عبد هللا علي‬
‫الحكيمي في قناع اآلخرين بتأسيس عمل منظم للمعارضة في عد ‪ ،‬وكا من‬
‫ثمار لك ميالد حزب األحرار‪ ،‬فالجمعية‪ ،‬فاالتحاد‪ .‬ومحافظتهم على بقاء‬
‫المعارضة المنظمة بعد فشل ثورة ‪1948‬م‪ ،‬واعتقال قيادات الجمعية اليمنية‬
‫الكبرى‪ ،‬و لك ب قناع الشهيد الحكيمي بالعودة لى عد وقيادة االتحاد اليمني‬
‫حتى استشهاده‪.‬‬
‫كما تكفي اإلشارة هنا لالستدالل على عمق التأثير بما قالط عبد هللا السالل‬
‫في معرض تعريفط بالمرحوم أحمد عبده ناشر أثناء زيارتط لى صنعاء للتهنئة‬
‫فريقيا‪ ،‬بقول‬ ‫بقيام الثورة‪ ،‬ولبحث علبات قيادة الثورة من المغتربين في شر‬
‫السالل مرحبا ً بالضيف‪" :‬أهالً بك وشكرا ً لكم‪ ،‬فلوال تضحياتكم وجهودكم لما‬
‫قامت الثورة‪ ،‬لقد ضحيتم كثيرا ً وجاء دورنا لرد الجميل"‪ ،‬وعرض عليط‬
‫من ب وزير‪ ،‬بل ورئيس وزراء‪ ،‬لكنط هل برد المرحوم بقولط‪" :‬جئتكم‬

‫‪199‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫فريقيا مهنئا ً‪ ،‬وللسؤال عما تحتاجونط منا‪،‬‬ ‫باسمي وباسم المغتربين في شر‬
‫جزءا ً من واجبنا نحو الوعن‬ ‫ما قدمناه كا‬ ‫ولم آت ساعيا ً لم لحة؛ أل‬
‫والشعب"‪.‬‬
‫(‪)155‬‬
‫يقول‪" :‬كنت في كارديف مع‬ ‫كما تكفي اإلشارة هنا لى ما دونط‬
‫مجموعة منهم علي محمد راجح‪ ،‬وعبدهللا بن عبد هللا‪ ،‬وسيف العديني‪ ،‬وفي‬
‫ليفربول كا هناك هائل مقبل العريقي‪ ،‬ومن الطالب يحيى عبدهللا الديلمي‪،‬‬
‫ومحسن السري‪ ،‬ورجب الحديدي‪ ،‬وأحمد غالب الوجيط الملقب بـ"الخادم"‪،‬‬
‫وكانت لنا ات االت ببعض المهاجرين في فرنسا وغيرها من بلدا أوروبا‪.‬‬
‫وكنا قد بدأنا قبل الثورة المباركة ثورة ‪ 26‬سبتمبر بجمع التبرعات لدعم‬
‫األحرار اليمنيين‪ ،‬وكنا نرسلها لى مقرهم في الشيخ عثما ‪ ،‬ثم كنا نرسلها لى‬
‫االتحاد اليمني التي أصبح مقره الرئيسي في القاهرة‪ ،‬و هبت عدة مرات مع‬
‫بعض اإلخوة لتسليمها ألحمد محمد نعما في حي العجوزة بالقاهرة‪ .‬ولما قامت‬
‫الثورة في الجنوب كنا نجمع التبرعات‪ ،‬بل أصبحنا ندفع اشتراكا ً شهريا ً لى‬
‫جانب التبرعات المفتوحة ونرسلها لى زعماء الثورة‪ ،‬ولما من هللا باالستقالل‬
‫أصبنا بخيبة أمل كبيرة‪ ،‬فقد كنا ننتظر أ تعلن وحدة بالدنا عند نيل الجنوب‬
‫استقاللط‪ ،‬ولكن لعن هللا السياسات والحسابات الضيقة‪ .‬لقد زالت اإلمامة ورحل‬
‫االستعمار‪ ،‬وبدالً من أ تتحقق الوحدة نشأت دولتا وعلما وجيشا يوجها‬
‫أسلحتهما ضد بعضهما البعض‪ ،‬و هب تعبنا وتبرعاتنا واشتراكاتنا وأحالمنا‬
‫الكبيرة هباء منثورا ً على متبح السياسة والمطامع الزائلة"‪.‬‬
‫اإلشارات السابقة‪ ،‬كنما ج‪ ،‬لم يق د بها التتكير بأحداث بعينها‪ ،‬وال‬
‫اإلدانة لألنظمة‪ ،‬أو سعيا ً للتبرير‪ ،‬لكن الق د كا وال يزال الكشف عن نما ج‬

‫(‪ )155‬ال ايدي‪ ،‬أحمد قايد‪ ،‬أورا من متكرات بحري‪ ،‬ص‪.28‬‬


‫‪200‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫يثار وتضحية‪ ،‬و ماعة اللثام عن معاد رجال‪ -‬قد ال يكونو مق ودين بتاتهم‬
‫مع أنهم يستحقو ‪ ،‬بل كتعبير عن رادة اآلالف من المغتربين والمهاجرين‬
‫ممثلين بهم‪ -‬كانوا برغم تدني مستوى حظوظهم من التعليم متميزين بوعيهم لى‬
‫الحد التي وجدناهم متمردين على ثقافات مدجنة نشأوا في ظاللها‪ ،‬وتفوقوا على‬
‫كل نزوع أناني يتحكم بمن عاش بمثل تجاربهم‪ ،‬وبادروا بتقديم سهاماتهم‬
‫وتضحياتهم‪ ،‬مؤكدين انحيازهم لمعاناة شعبهم وأمتهم‪ ،‬حتى أثمرت جهودهم‬
‫وأسهموا ب حداث التغيير على امتداد اليمن‪ ،‬وما فرضط من تغيرات مست‬
‫ثقافات المجتمع ووجدانط‪ .‬كما عكسوا آثارهم تلك من خالل مبادرات عدة بتلت‬
‫لن رة الشعب العربي الفلسطيني ودعم ثوراتط بالمساهمة بالمال والرجال‬
‫عوال عقدي الثالثينيات واألربعينيات من القر الماضي‪ ،‬وحتى ما بعدهما‬
‫وصوالً لى االنخراع في ف ائل منظمة التحرير الفلسطينية والقتال من خاللها‪.‬‬
‫‪ -2‬وكما كانت سهاماتهم الكفاحية متواصلة ومؤثرة في مجرى الحركة‬
‫الوعنية‪ ،‬فقد كا بتلهم سخيا ً في بناء المدارس ودعمها بما تحتاجط من معلمين‬
‫مهاجرهم‬ ‫وموازنات تشغيل ‪ ،‬ولم تكن جهودهم تلك من بة على بلدا‬
‫واغترابهم لتحقيق التنشئة االجتماعية المناسبة ألبنائهم‪ ،‬وسعيا ً لتجنيب أبنائهم‬
‫اآلثار غير المرغوبة من ثقافات مجتمعات وجدوا أنفسهم مضطرين للتعايش‬
‫معها‪ ،‬ورغبة في تحقيق أفضل تأهيل ألبنائهم‪ ،‬بل كانت جهودهم مركزة أيضا ً‬
‫على مساعدة أبناء مجتمعهم في الداخل اليمني‪ ،‬يمانا ً منهم بأهمية التعليم‬
‫كمدخل للتحديث‪ ،‬ولتلك بادروا لى اإلسهام ب نشاء عشرات المدارس األهلية‬
‫في العديد من المناعق ومنها تعز‪ ،‬وعد ‪ ،‬ولحج‪ ،‬وحضرموت‪ .‬وتزويدها بما‬
‫تحتاجط من كتب ومدرسين‪ .‬كما تضاعفت سهاماتهم تلك بعد ثورة سبتمبر‬
‫وأكتوبر لتشمل كل المناعق تقريباً‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وساعدوا في اإلنفا على استجالب المدرسين العرب رغبة منهم بتحديث‬


‫التعليم‪ ،‬وساعدوا في تعليم بعض من لم يمتلكوا اإلمكانات المادية الالزمة‬
‫للتنسيب في تلك المدارس وتغطية نفقاتهم المعيشية الالزمة‪.‬‬
‫ولم يتوانوا عن تعليم أبنائهم ولو اقتضى األمر انتقالهم رغم (صغر سنهم)‬
‫بعيدا ً عن أسرهم‪ ،‬أو استدعى األمر استمرار تأهيلهم في مؤسسات التعليم العليا‬
‫كالجامعات‪ ،‬ولتلك وجدناهم ال يكتفو ب رسال أبنائهم لى مختلف الجامعات‬
‫في ابتعاث بعض ممن أهلتط أقداره للدراسة‬ ‫والبلدا ‪ ،‬بل كانوا يساعدو‬
‫الجامعية ولم يمتلك اإلمكانات المناسبة‪.‬‬
‫وكل تلك الجهود كانت كفيلة بأ تعكس آثارها اإليجابية على التعليم والتعلم‬
‫وعلى ثقافة المجتمع بشكل عام‪ ،‬وكا من مظاهر لك تأثيرها على األنظمة‬
‫السياسية التي ساست المجتمع‪ ،‬وما مثلط كل نظام من قيم واتجاهات وميول‬
‫ورغبات‪ ،‬وأنماع عالقات وسلوك‪ ،‬ومفاهيم‪ ،‬وثقافات مطلبية‪ ،‬وأعاد توجيط‬
‫اهتمامات المجتمع واألفراد‪ ،‬وفرض المؤثرات ات العالقة بتحديد االهتمامات‬
‫وترتيب األوليات وعالقات اإلنتاج‪ ،‬وتحديد ما يستحب مما يجب أ يستقر في‬
‫الوجدا الشخ ي للفرد‪ ،‬وغيرها من المقاصد المتعلقة بالتنشئة االجتماعية‬
‫(سواء المخططة منها عبر مؤسسات التعليم والتدريب‪ ،‬أو غير المخططة منها‬
‫عبر ممكنات التعلم‪ ،‬وما تقدمط مختلف المؤسسات االجتماعية األخرى)‪ ،‬وكل‬
‫ما لط عالقة بتحقيق التوجيط السياسي التي استهدفط كل نظام‪ ،‬بغض النظر هنا‬
‫عن سلبيات ما ساد عوال العقود السابقة نتيجة تكريس التوجيط السياسي بدالً‬
‫عن التربية السياسية المتزنة والديمقراعية والمنفتحة والمرنة التي مازلنا‬
‫ننشدها حتى اليوم‪ ،‬كمدخل لبناء المواعنة ال الحة المستنيرة‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المبحث الثالث‬
‫التحديات التي واجهت المهاجرين والمغتربين‬
‫تأثير المهاجرين والمغتربين على مهاجرهم‪ ،‬وكتلك على الداخل اليمني‪،‬‬
‫كا يمكن أ يكو أعظم مما أنجزوه‪ ،‬لوال أنهم تأثروا بعوامل سلبية كثيرة‬
‫عكست نفسها على مستوى أدائهم ونتائج لك األداء‪ ،‬ومن أهم تلك العوامل‬
‫واألسباب ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تدني مستوى التأهيل والتدريب‪ ،‬وهو أمر لم يرتبط بفترة بعينها عوال القر‬
‫ما قد يقال من اختالفات عرفت عبر األجيال المتعاقبة من‬ ‫العشرين‪ ،‬وأ‬
‫جاز التعبير‪ ،‬فقد كانت اختالفات وتباينات في‬ ‫المهاجرين والمغتربين‪،‬‬
‫األجيال المتأخرة منهم نالت قسطا ً أوفر من‬ ‫الدرجة وليس في النوع‪ ،‬فلو قيل‬
‫التعليم‪ ،‬فتلك ال يغير من حقيقة األمر شيئا ً ال بمقدار تميز من تعلم القراءة‬
‫والكتابة عن األمي التي لم يمكنط حظط و مكاناتط من لك‪ ،‬وبقي االثنا‬
‫محرو َمين من التأهيل العالي المتخ ص التي يمكن صاحبط من المنافسة‬
‫العلمية والعملية والخبراتية لآلخرين‪ ،‬حيث بقي مح ورا ً بين عجزه وما يتاح‬
‫أمامط من فرص العمل المتدنية في أغلب األحوال‪ ،‬والتي تتطلب مقايضة جهده‬
‫البدني بما تيسر من المال على قلتط‪ ،‬وتلك كانت ال فة الغالبة والطاغية بين‬
‫المغتربين‪ ،‬وبالتالي فلم يكن تغيير األنظمة الحاكمة في الداخل قد مكن‬
‫المغتربين والمهاجرين من التغير بالمستوى النوعي المطلوب‪ ،‬باستثناء فترة‬
‫حركة يونيو ‪ 74‬م التي تنبهت لمخاعر لك‪ ،‬حيث أشار قائد الحركة الشهيد‬
‫المؤتمر سيبحث‬ ‫براهيم الحمدي في المؤتمر األول للمغتربين بقولط‪" :‬‬
‫قضاياكم كاملة‪ ،‬غير أ أمرا ً واحدا ً أحب أ يتركز البحث حولط هو كيف يجب‬
‫أ ننظم الهجرة‪ ،‬وكيف ينبغي أ يكو مستوى المهاجر؟"‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -2‬تعدد اهتماماتهم وانشغاالتهم وتأثيرها على خالفاتهم وعلى نتائج هجرتهم‬


‫واغترابهم‪ ،‬والحديث حول هتا األمر يطول‪ ،‬فاالهتمامات تشكلت متأثرة بتباين‬
‫مستويات التأهيل على بساعتط‪ ،‬وتباين الوعي‪ ،‬وارتبطت بالثقافة والقيم التي‬
‫حكمت عالقات وسلوك وعادات األفراد‪ ،‬كما تأثرت االهتمامات بالرغبات‬
‫المتباينة بالبحث عن الفرص والسعي للنجاح‪ ،‬ثم نها قبل لك ومعط وبعده كانت‬
‫متأثرة بأهداف الهجرة واالغتراب لدى كل فرد‪ ،‬وما ترتب عليها من عادة‬
‫كل منهم‪.‬‬
‫ترتيب األولويات لدى ٍّ‬
‫وكما تباينت االهتمامات فقد كانت انشغاالتهم متباينة ومتوزعة بين‬
‫المسؤو ليات الخاصة وااللتزامات في المهجر وفي الوعن‪ ،‬ومن رفة نحو تلبية‬
‫كل منهم لمعنى العمل العام‪،‬‬
‫االحتياجات‪ ،‬واالدخار‪ ،‬والقناعة التي حكمت فهم ٍّ‬
‫سواء على مستوى الجالية والسعي لتوحيدها ومتطلبات لك‪ ،‬أو العزوف عن‬
‫المشاركة‪ ،‬أو أهمية اإلسهام في العمل الوعني العام في المهجر وفي الوعن‪.‬‬
‫وقد أثر تعدد اهتماماتهم وانشغاالتهم‪ ،‬وكما عكست آثارا ً يجابية عرضنا‬
‫بعض صورها في هته الورقة‪ ،‬ف نها قد عكست آثارا ً سلبية عديدة منها على‬
‫سبيل المثال ال الح ر‪:‬‬
‫أ‪ .‬عزوف كثير من المهاجرين والمغتربين عن التفكير في العودة لى الوعن‬
‫أو االهتمام بمحنتط ومشاكلط‪ ،‬وخاصة األجيال المتعاقبة من (المولدين)‪،‬‬
‫وقد رأينا كيف صور لك األديب الراحل محمد عبد الولي في العديد من‬
‫أعمالط األدبية‪ ،‬وفي مقدمتها روايتط (يموتو غرباء)‪ ،‬كما أ الشواهد‬
‫على لك كثيرة‪ ،‬وال أدل عليها أكثر من أ القوام الحالي للجالية اليمنية في‬

‫‪204‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ندونيسيا يبلغ حوالي خمسة ماليين نسمة‪ ،‬كما يشير لى لك جدول‬


‫األعداد التقديرية للمغتربين في الخارج(‪.)156‬‬
‫ب‪ .‬نتج عن استشراء الخالف بين العلويين واإلرشاديين في شر آسيا‪ ،‬تنامي‬
‫التنازع على زعامة المهاجرين والمغتربين‪ .‬وقد توسعت الخالفات التي‬
‫تفجرت بسبب زواج علوية من غير علوي لى انقسام الجالية في‬
‫ندونيسيا‪ ،‬وسنغافورة وماليزيا‪ ،‬وغيرها لى جماعتين (جماعة علوية‪،‬‬
‫وجماعة رشادية)‪ ،‬وراحت كل جماعة تكيد لألخرى‪ ،‬وتطور الخالف لى‬
‫أبعد من سببط الرئيسي‪ ،‬وأضحى لكل جماعة مدارسها وصحفها‬
‫ومرجعيتها‪ ،‬ووصل الخالف حد االعتداءات المتبادلة‪ ،‬كما عكست هته‬
‫الخالفات نفسها على اهتمامات األبناء واألحفاد‪ ،‬ومنهم (المولدو )‪ ،‬بما‬
‫أضعف نزوعهم لالنتماء للبلد األم‪ ،‬وانخراعهم في الحياة العامة‪،‬‬
‫وشراكتهم في مقاومة االستعمار الهولندي‪ ،‬ثم الياباني‪ ،‬وسعيهم الكتساب‬
‫الجنسية اإلندونيسية ونيل كامل حقو المواعنة‪ .‬وما زاد األمر سوءا ً تدني‬
‫لم أقل غياب آليات التواصل معهم‪ ،‬من قبل‬ ‫مستوى التواصل‪،‬‬
‫السلطات‪ ،‬سواء ما قبل الوحدة أو ما بعدها‪ .‬على أ هته المساوئ لم تلغ‬
‫اآلثار اإليجابية للخالف بين العلويين واإلرشاديين بما عكستط من حركة‬
‫تنوير من خالل تبني فتح المدارس والتوسع فيها‪ ،‬و صدار ال حف‬
‫والمجالت‪ ،‬وتأليف الكتب‪ ،‬والمساهمة ب عادة كتابة التاريخ‪.‬‬
‫لك‬ ‫ج‪ .‬اختالف وتباين النظرة للمسألة الوعنية والحاجة للتغيير‪ ،‬وقد كا‬
‫عبيعيا ً نظرا ً لتدني مستويات ما ح لوا عليط من تأهيل‪ ،‬وتباين ثقافات‬
‫اجتمعت‬ ‫بيئات تنشئتهم وتأثرها بممارسات السلطات الحاكمة‪ ،‬التي و‬

‫(‪ )156‬عبد الرشيد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.165 ،164‬‬


‫‪205‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫على همال حقو المواعنين و هدار الكرامة‪ ،‬لكنها تباينت في تبرير تلك‬
‫الممارسات باستغالل الع بيات القبلية والمتهبية‪ .‬ولتلك وجدنا المهاجرين‬
‫والمغتربين من أبناء حضرموت موزعين بين الوالء العلوي واإلرشادي‪،‬‬
‫وبين االنتماء في الداخل للسلطنة القعيطية أو الكثيرية‪ ،‬عدا بعضهم لدولة‬
‫جاز التعبير‪ ،‬محدودا ً‬ ‫آل عبدات‪ ،‬وكا جل همهم في المسألة الوعنية‪،‬‬
‫بحدود م الحهم في تلك السلطنات‪ ،‬مثلما اهتمت بتلك أسرة آل الكاف‬
‫التي جمعت أكبر ثروة حضرمية‪ ،‬وكانت مضرب المثل بين الحضارمة‬
‫في السعة واليسر‪ .‬ومن تلك الثروة الطائلة كا آل الكاف يسهمو بقسم ال‬
‫يستها بط من يراداتهم من المهجر في التعليم والخدمة الطبية‪ ،‬واإلدارة‬
‫الكثيرية العامة‪ ،‬وتعبيد الطرقات في وادي حضرموت ودوعن‬
‫والساحل(‪ .)157‬و لك ما عكس نفسط حتى على صعيد نظرتهم لبريطانيا‬
‫كدولة مستعمرة‪ ،‬ال فيما ندر منهم‪.‬‬
‫في حين وجدنا المسألة الوعنية تأخت مفهوما ً بحجم الوعن لدى مغتربينا‬
‫فريقيا‪ ،‬وسيال ‪ ،‬وأوروبا‪ ،‬مضاف‬ ‫ومهاجرينا في أغلب مناعق شر‬
‫دافعهم للتغيير‬ ‫ليهم رواد حركة المعارضة في الداخل اليمني‪ ،‬وكا‬
‫ورغبتهم فيط تمتد لتشمل الوعن‪ ،‬كما عرضت لتلك في صفحات سابقة‪ ،‬بل‬
‫وتجاوزت اهتماماتهم البعد الوعني لى البعد القومي بتواصل بعض‬
‫قياداتهم مع شكيب أرسال ومع الحسيني في فلسطين‪ ،‬وقيامهم بجمع‬
‫التبرعات ل الح الثورة الفلسطينية‪.‬‬
‫د‪ .‬كما أ من اآلثار السلبية التي تبدت بوضوح تلك الثقافات االستهالكية غير‬
‫الرشيدة التي عبرت عن نفسها بحاالت التواكل واالن راف عن العمل‬

‫(‪ )157‬بامطرف‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.97‬‬


‫‪206‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫واإلنتاج‪ ،‬وما ترتب على لك من همال لألرض الزراعية نتيجة اعتماد‬


‫أهالي المهاجرين والمغتربين في الداخل على تحويالتهم‪ ،‬ومن خالل زيارة‬
‫غير الرشيد لمجرد‬ ‫المهاجرين والمغتربين لألهل في الوعن‪ ،‬واإلنفا‬
‫المباهاة والسعي الكتساب النفو ‪ ،‬ولو كا مؤقتاً‪ ،‬والتطاول في البنيا‬
‫وغيرها‪ ..‬وهو األمر التي تسبب في حدوث مجاعات‪ ،‬منها مجاعة في‬
‫أنحاء وادي حضرموت عام ‪1943‬م نتيجة انقطاع وصول التحويالت من‬
‫ندونيسيا وسنغافورة‪ ،‬وقد كا فيها أغلب المهاجرين الحضارمة‪ ،‬كما بينا‬
‫لك في صفحات سابقة‪ .‬يقول محمد عبد القادر بامطرف (الهجرة اليمنية)‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪" :108‬بعد نزول اليابانيين في الماليو‪ ،‬وسنغافورة‪ ،‬وجاوا عام‬
‫‪1942‬م توقفت‪ :‬أوالً الهجرة من حضرموت لى أية مقاععة من الشر‬
‫األق ى‪ ،‬أما الهجرة لى الهند و فريقيا الشرقية فقد ظلت متقطعة‪ .‬وانقطع‬
‫األق ى‪ ،‬فابتدأ المهجريو يمدو‬ ‫ثانيا ً وارد النقود من أقطار الشر‬
‫أيديهم لى مدخراتهم بحضرموت‪ ،‬ونفدت المدخرات وركبتهم الديو‬
‫فباعوا أموالهم‪ ،‬ثم أثاث منازلهم‪ .‬وفي مطلع عام ‪1941‬م ظهرت بوادر‬
‫المجاعة‪ ،‬ولم ينت ف عام ‪1943‬م ال وقد انتشرت المجاعة في كافة أنحاء‬
‫وادي حضرموت‪ ،‬وبما أ "الم ائب ال تأتي فرادى"‪ ،‬فقد عم الجفاف‬
‫معظم أرجاء اإلقليم الحضرمي‪ ،‬ومرت على الحضارمة خمس سنوات‬
‫مظلمة بين ‪1945 ،41‬م"‪.‬‬
‫‪ -3‬تدني مستوى التنظيم‪ ،‬وليس المق ود هنا ما أنجزه المهاجرو والمغتربو‬
‫من أشكال تنظيمية عوال أكثر من الن ف األول من القر العشرين‪ ،‬فتلك‬
‫محامد ونما ج أكدت موضوعيتها وفعاليتها‪ ،‬قياسا ً على زمانها‪ ،‬بما أسهمت فيط‬
‫من صور الخدمات والرعاية للمهاجرين والمغتربين وأبنائهم في مهاجرهم‪ ،‬بل‬

‫‪207‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المق ود هنا جهود السلطات الوعنية التي كا المعول عليها أ تبني على ما‬
‫أسسط المهاجرو والمغتربو ‪ ،‬ليس فقط من أشكال وهيئات‪ ،‬بل بروحية أداء‬
‫القائمين عليها وأهدافها الوعنية‪ ،‬لكنها راحت تسيس ما وجد‪ ،‬وما أوجدتط من‬
‫أشكال وتبنتط من سياسات و جراءات‪ ،‬وتسببت في تخلف مستوى وأشكال‬
‫الرعاية الحكومية والرسمية برغم كل المسميات التي اتختتها قبل وبعد الوحدة‪،‬‬
‫وأهملت التخطيط لرفع مستوى تأهيلهم‪ ،‬ولم تهتم بتوجيط و عادة تشكيل‬
‫اهتماماتهم وتوجيط وعيهم بما يرفع من مستوى تأثيرهم على مهاجرهم‪،‬‬
‫وتحسين مستوى الرعاية و حفظ الحقو ‪ ،‬وصيانة الممتلكات في الوعن‪ ،‬وتهيئة‬
‫سبل االستثمار واالدخار وضمانتها‪ ،‬ومتابعة حقوقهم في مهاجرهم بتدخلها لدى‬
‫السلطات المعنية ل يانتها‪ ،‬و تاحة الفرص لالنخراع في الحياة العامة في‬
‫مهاجرهم‪ ،‬والسعي للتواصل مع المجنسين منهم و عادة بناء العالقات معهم‪،‬‬
‫وترغيبهم بالعودة للوعن للزيارة واالستثمار‪ ،‬ولالستفادة من نفو هم في‬
‫مواعنهم البديلة لتحسين ظروف وفرص المهاجرين غير المجنسين‪ ،‬وتنمية‬
‫وتطوير العالقات بين مواعنهم البديلة ووعنهم األصلي‪.‬‬
‫‪ -4‬تضييق بعض األنظمة والسلطات عليهم وعلى مناشطهم واهتماماتهم‪،‬‬
‫الخليجي"‪ ،‬وعلى حقهم في االستقرار‪،‬‬ ‫كالسعودية‪ ،‬و"دول مجلس التعاو‬
‫وتعليم أبنائهم‪ ،‬وامتالك المؤسسات التعليمية واالقت ادية المناسبة‪ ،‬وحفظ‬
‫مكتسباتهم وحقوقهم المختلفة (على الرغم من جهودهم الجبارة في بناء وتنمية‬
‫تلك المجتمعات التي كانت نظرة مهاجرينا ومغتربينا لها بأنهم يؤدو واجباتهم‬
‫وكأنها في مجتمعهم اليمن)‪ .‬وتفتح بالمقابل أبوابها للعمالة اآلسيوية‪ ،‬على الرغم‬
‫من المخاعر الديموغرافية والثقافية التي تحيط بتلك المجتمعات والدول في‬
‫مجلس التعاو الخليجي‪ ،‬حيث تبلغ العمالة اآلسيوية المختلفة فيها أكثر من ستة‬

‫‪208‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫عشر مليوناً‪ ،‬وهو ما يفو أضعاف عدد السكا في بعض دول المجلس‪ ،‬وما‬
‫يعكسط لك من تغيرات ثقافية وعادات تفرضها العمالة اآلسيوية وتتطبع بها‬
‫األسر الخليجية‪ ،‬حتى بات الكثير منها تتحدث بلكنات ولغات المستخدمين لديها‪،‬‬
‫و لك يشكل مخاعر كبيرة على عروبة الدول والمجتمعات‪ ،‬وعلى الثقافة‬
‫العربية بشكل خاص‪ ،‬بل يهدد الوجود اتط بما تتشربط من عادات وتقاليد‬
‫وسلوك وقيم واتجاهات تسهم في عادة تشكيل الضمير والوجدا واالهتمامات‬
‫العامة والخاصة‪ ،‬ضافة لى ما يمكن أ تضيفط العولمة من مخاعر التجنيس‬
‫تحت يافطات الديمقراعية وحقو اإلنسا ‪.‬‬
‫موضوعا ً مطوالً عن الهجرة واالستيطا‬ ‫(‪)158‬‬
‫كتب الدكتور حسين غباش‬
‫المجتمعات الخليجية‬ ‫والمستقبل الغامض قال فيط‪" :‬يتأكد يوما ً بعد يوم أ‬
‫ال غيرة قد دخلت‪ ،‬بسبب من تعاظم الوجود األجنبي فيها في أتو مأز‬
‫تاريخي ي عب ت ور مكانية الخروج منط‪ ،‬ولم يعد األمر يهدد الهوية الثقافية‬
‫التي همشت‪ ،‬والثوابت الوعنية التي اهتزت‪ ،‬بل يشكل خطرا ً مستقبليا ً على ما‬
‫تبقى من الوجود الخليجي العربي اتط"‪ .‬وقال‪" :‬بعيدا ً عن المشهد الخارجي‬
‫ال ورة من الداخل تثير القلق بل والريبة‪ ،‬فالشوارع تعج بكل‬ ‫المبهر‪ ،‬ف‬
‫الجنسيات ال بالمواعنين‪ ،‬وبشكل خاص في اإلمارات وقطر‪ .‬واألغلبية هندية‪،‬‬
‫تليها الباكستانية‪ ،‬والبنغالية‪ ،‬واألفغانية‪ ،‬والفلبينية‪ ،‬واإليرانية‪ ،‬ولحقتها ال ينية‪،‬‬
‫تليها الجالية العربية"‪ .‬وقال‪" :‬هناك اليوم ‪ 16‬مليو أجنبي‪ ،‬ومن المرشح أ‬
‫ي ل لى ‪ 30‬مليونا ً عام ‪2025‬م"‪ ،‬وقال‪" :‬تبين اإلح اءات الرسمية ‪،2006‬‬
‫‪2007‬م الخارعة الديمغرافية كاآلتي‪ :‬العمالة األجنبية في الكويت ‪ ،%60‬وفي‬

‫(‪ )158‬الدكتور حسين غباش من دولة اإلمارات العربية المتحدة – على صفحتط في تويتر‪.‬‬
‫‪209‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫البحرين ‪ ،%50‬وفي السعودية ‪ %40‬لى ‪ ،%50‬وفي قطر ‪ ،%85‬وفي‬


‫اإلمارات ‪."%90‬‬
‫ولم يعد لنا ال األمل بأ يستدرك خواننا هتا الخطر الماحق‪ ،‬وأ يراجعوا‬
‫سياساتهم و جراءاتهم تجاه مغتربينا‪ ،‬والمغتربين العرب‪ ،‬بما يكفل الحفاظ على‬
‫عروبة األوعا والثقافة‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم اهتمام الدولة بترشيد الهجرة عبر التأهيل السابق من خالل ربط أنظمة‬
‫وخطط التعليم والتدريب بخطط تنمية شاملة ومتوازنة لتشمل الريف اليمني‪،‬‬
‫وكتلك الحال عدم توجيط االهتمام بالتأهيل والتدريب أثناء وجودهم وعملهم في‬
‫بلدا الهجرة‪ ،‬خاصة في الدول التي استوعبت أعدادا ً كبيرة منهم بما يلبي‬
‫العمل (ولو بالتنسيق مع الحكومات المعنية)‪ ،‬ويحقق‬ ‫احتياجات أسوا‬
‫للمستهدفين القدرة على المنافسة من جهة‪ ،‬والرضا الداخلي أيضاً‪ ،‬ويحسن من‬
‫دخلهم‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال كا يمكن للسلطة بناء أكثر من مؤسسة ومعهد تدريبي‬
‫في السعودية واإلمارات وغيرهما‪ ،‬بالتنسيق مع الحكومات المعنية ومن العوائد‬
‫التي تجنيها السلطة من المغتربين‪ ،‬من خالل تعميد الوثائق وتجديد الجوازات‬
‫وغيرها‪ ،‬وباالستعانة ب مكانات واحتياعات صندو التدريب في الداخل اليمني‪.‬‬
‫‪ -6‬عودة الكثيرين منهم في عقود مختلفة من القر العشرين ألسباب عديدة‬
‫منها‪:‬‬
‫أ‪ .‬قيام ثورة ‪ 26‬سبتمبر وما ولدتط من رغبة بالعودة واالستقرار‪.‬‬
‫ب‪ .‬قيام حركة ‪ 13‬يونيو ‪1974‬م وما هيأتط من فرص ورعاية‪.‬‬
‫ج‪ .‬العودة القسرية نتيجة أزمة الخليج الثانية واحتالل العرا للكويت فعي الععام‬
‫فريقيععا‪ ،‬ومععا‬ ‫‪1990‬م‪ ،‬واألزمععات التععي ع ععفت بععالقر اإلفريقععي وشععر‬

‫‪210‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫اسععععتتبع لععععك مععععن هععععدار للحقععععو والمكتسععععبات‪ ،‬وعععععدم تععععدخل السععععلطة‬


‫بالمستويات المطلوبة للدفاع عن تلك الحقو والمكتسبات واستعادتها‪.‬‬
‫‪ -7‬عدم االهتمام ببناء قاعدة بيانات ومعلومات كافية حول (األعداد‪ ،‬ونوع‬
‫اتهم وأعمارهم‪،‬‬ ‫الهجرة واالغتراب‪ ،‬وت نيفهم بحسب مكاناتهم وتخ‬
‫وبحسب النوع االجتماعي‪ ،‬وأخرى الزمة)‪ ،‬وبناء السياسات والخطط المناسبة‬
‫بما يكفل رفع مستوى التأثير على مهاجرهم وعلى الوعن‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الخاتمة والتوصيات‬
‫أضحت ظاهرة الهجرة واالغتراب تمثل سمة من سمات هتا المجتمع‪ ،‬ولعل‬
‫مما يزيد من أهميتها‪ ،‬يماننا بأ اإلنسا اليمني يجب أ يكو وسيلة التنمية‬
‫وغايتها في آ ‪ ،‬ولتلك يتوجب على المجتمع والنظام السياسي الحاكم أ يحسن‬
‫عداده بما يفرض لك من تغيير النظرة وتقدير أهمية الدور‪ ،‬ليس كخدمات تقدم‬
‫بما تيسر كما هو حاصل اليوم‪ ،‬بل باعتباره استثمارا ً للمستقبل‪ ،‬و لك ما يفرض‬
‫عادة النظر في التأهيل والتدريب بما يتسق مع متطلبات مواجهة التحديات‬
‫التاتية والموضوعية‪.‬‬
‫والمدخل لتلك التعليم المحكوم بفلسفة وعنية تحدد قواعد وشروع‬
‫ومواصفات المواعنة ال الحة‪( ،‬و لك حديث قدمت بعض تفاصيلط أثناء‬
‫الحديث عن انعكاس سهامات المهاجرين والمغتربين وتأثيرها على ثقافة‬
‫المجتمع)‪.‬‬
‫ولئن كا هتا األمر فو احتمال ما نحن ب دده‪ ،‬فسيبقى مطلبا ً وجوديا ً ال بد‬
‫من تحقيقط مستقبالً‪ .‬ويبقى أ أشير هنا لى بعض المقترحات لزيادة التأثير في‬
‫الحاضر والمستقبل‪ ،‬بشكل سريع وب ورة نقاع مركزة ومن أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬عادة ت حيح العالقة بين وزارة شؤو المغتربين ومكاتب الجاليات اليمنية‬
‫في الخارج بما يمكن من تحقيق‪:‬‬
‫(‪ )1/1‬استقاللية العمل داخل مكاتب الجاليات كونط عمالً نقابيا ً ديمقراعيا ً يهتم‬
‫برعاية شؤو المهاجرين والمغتربين‪ ،‬ويعبر عن آالمهم وآمالهم‪ ،‬ويسهم‬
‫في خلق وتنمية الثقافة المطلبية لديهم‪ ،‬ويسعى بالتنسيق مع (األمانة‬
‫العامة التحاد المغتربين بعد نشائها) ومع الوزارة لحل مشاكلهم في‬
‫مواعن االغتراب والهجرة وفي الداخل اليمني‪ ،‬وصيانة حقوقهم‪ ،‬ويرشد‬

‫‪212‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫العالقة بين المهاجرين والمغتربين ووعنهم بما في لك الترويج‬


‫للمشاريع االستثمارية المتاحة والمطلوبة المبنية على دراسات الجدوى‪،‬‬
‫و عادة توجيط اهتماماتهم بما يحقق تعزيز الوحدة الوعنية وتوحيد‬
‫األهداف‪( ،‬و لك بعد عادة بناء الثقة مع المهاجرين والمغتربين)‪.‬‬
‫(‪ )2/1‬تمكين المغتربين والمهاجرين من انتخاب األمانة العامة لتنسق الجهود‬
‫وتساعد على حل المشكالت‪ ،‬وتشرف على تنفيت الخطط‪ ،‬وتساعد في‬
‫توفير الممكن من اإلمكانات المطلوبة‪ ،‬واإلشراف على عقد مؤتمرات‬
‫الجاليات‪ ،‬وما ينتج عنها من انتخابات بحيادية تامة‪ ،‬والسعي مع قيادات‬
‫الجاليات لتيسير تنفيت قرارات وتوصيات وخطط المؤتمرات الخاصة‬
‫والعامة‪.‬‬
‫(‪ )3/1‬تسعى الوزارة مع األمانة العامة (المنتخبة) ومختلف الوزارات ات‬
‫العالقة والم الح المختلفة لتيسير تأمين متطلبات الجاليات فيما يتعلق بـ‪:‬‬
‫أ‪ -‬صيانة حقوقهم ومكتسباتهم‪ ،‬و نشاء مؤسساتهم النقابية والتعليمية‬
‫والخيرية‪.‬‬
‫ب‪ -‬توفير الدعم الالزم لتيسير عمل قيادات الجاليات على المستوى‬
‫الوعني وبلدا الهجرة واالغتراب‪.‬‬
‫ج‪ -‬توفير متطلبات الرعاية الالزمة لهم وألبنائهم‪ ،‬وتيسير خدمات التعليم‬
‫والتدريب الالزمين‪ ،‬وتيسير سبل عودتهم لوعنهم‪.‬‬
‫د‪ -‬تبني األمانة العامة‪ ،‬وب شراف الوزارة‪ ،‬تقديم البرامج المناسبة‬
‫(المرئية و المسموعة) التي تخدم قضايا المهاجرين والمغتربين‪،‬‬
‫وتعزز وتوثق عرى عالقتهم ببعضهم وبالوعن‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ه ‪ -‬تمكين األمانة العامة من صدار المطبوعات اإلعالمية المناسبة التي‬


‫تعالج قضايا الهجرة واالغتراب في مختلف المهاجر‪ ،‬وتعزز وتنمي‬
‫(ثقافة مواعنية مطلبية مستهدفة) و لك ب شراك ومساهمة قيادات‬
‫الجاليات والمهاجرين والمغتربين بشكل عام‪.‬‬
‫و‪ -‬تساعد الوزارة األمانة في اإلعداد والتنسيق لعقد المؤتمرات الوعنية‬
‫العامة للمهاجرين والمغتربين‪ ،‬وتحرص على المشاركة (دونما تدخل‬
‫أو وصاية) وفق آلية توضع لتلك‪.‬‬
‫ز‪ -‬ته تم الوزارة بمتابعة أداء األمانة العامة‪ ،‬ومدى التزامها بتنفيت قرارات‬
‫وتوصيات المؤتمرات‪ ،‬والخطط والبرامج المقرة‪.‬‬
‫‪ -2‬تتبنى الوزارة فتح وتمويل مركز للدراسات والبحوث يهتم بدراسات‪:‬‬
‫(‪ )1/2‬ظاهرة الهجرة واالغتراب‪ ،‬وما يتعلق بها تاريخياً‪ ،‬وما يترتب عليها من‬
‫نتائج‪ ،‬واستكمال التوثيق التاريخي المناسب لها‪ ،‬باالستعانة بتوي‬
‫االخت اص واالهتمام‪ ،‬وبحكومات الدول التي كانت‪ ،‬أو مازالت تمثل‬
‫مواعن هجرة واغتراب لمواعنينا‪.‬‬
‫(‪ )2/2‬جراء الدراسات والبحوث الميدانية المناسبة الممكنة من امتالك (بنك‬
‫معلومات وبيانات) للظاهرة وتعقيداتها‪ ،‬وعن المشاكل ومقترحات‬
‫الحلول‪ ،‬ومتطلبات رفع مستوى المشاركة والتأثير‪ ،‬و تاحتها أمام‬
‫المخت ين للمساعدة على اتخا القرارات المناسبة‪ ،‬أو تقديم للمشورة‪ ،‬أو‬
‫ة‪.‬‬ ‫تسهيل إلجراء المزيد من البحوث والدراسات المتخ‬
‫‪ -3‬تتبنى الوزارة مع األمانة العامة للمغتربين‪ ،‬وبالتنسيق مع الجهات‬
‫المخت ة و ات العالقة‪ ،‬ومنها وزارة التعليم الفني والتدريب المهني في‬
‫مراكز مديريات المحافظات ات الكثافة السكانية من جهة‪ ،‬وكتلك (المقيدة)‬

‫‪214‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫بثقافة مجتمعية تميل نحو العزوف عن التأهيل الجامعي ألسباب اجتماعية‪،‬‬


‫اقت ادية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬فتح مراكز تدريب وتأهيل وفق برامج تراعي متطلبات‬
‫سو العمل وخطط التنمية في الوعن والجوار‪.‬‬
‫‪ -4‬تتبنى الوزارة‪ ،‬وبالتنسيق مع مختلف الجهات ات العالقة‪ ،‬السعي لبناء‬
‫معاهد تعليم فني وتدريب مهني في بلدا االغتراب والمهاجر المستوعبة‬
‫ألعداد كبيرة منهم‪ ،‬وبالتنسيق مع حكومات الدول المعنية‪ ،‬إلعادة تأهيل‬
‫وتدريب المستهدفين وفق خطط وبرامج تراعي‪:‬‬
‫(‪ )1/4‬خطط وبرامج التنمية المستهدفة في تلك البلدا ومتطلبات سو‬
‫العمل‪.‬‬
‫(‪ ) 2/4‬ظروف عمل المستهدفين بتمكينهم من االلتحا بالبرامج في األوقات‬
‫المناسبة (الليلية مثالً)‪.‬‬
‫(‪ )3/4‬تبني برامج تأهيل وتدريب بالشراكة مع الدول المعنية‪ ،‬تكو مواكبة‬
‫لمتطلبات سو العمل‪ ،‬ومتميزة بكفاءتها وكفايتها لتحقيق القدرة على‬
‫العمل‪ ،‬كما تحقق الرضا‬ ‫المنافسة‪ ،‬وتوفير متطلبات سو‬
‫للمستهدفين‪.‬‬
‫(‪ )4/4‬تقديم خدمات مؤسسات التدريب والتأهيل برسوم رمزية تتناسب‬
‫و مكانات المستهدفين‪.‬‬
‫(‪ )5/4‬تقديم ما أمكن من تلك البرامج عبر برامج التأهيل عن بعد‪ ،‬أو التعليم‬
‫التفاعلي كلما أمكن لك‪.‬‬
‫(‪ )6/4‬منح المستهدفين شهادات معمدة وفقا ً ألساليب التقويم المقرة‪.‬‬
‫‪ -5‬تسعى الدولة لتبني خطط تنمية وعنية متوازنة تحد من استشراء ظاهرتي‬
‫الهجرة الداخلية والخارجية‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -6‬ال بد من عمل مسح استطالعي للمدارس (السابقة والقائمة حالياً) في‬


‫مختلف بلدا الهجرة واالغتراب بق د التوثيق من جهة‪ ،‬ولالستفادة من‬
‫المعلومات مستقبالً للوقوف على ممكنات استمرار مؤسسة ما‪ ،‬وجدوى لك‬
‫من عدمط‪ ،‬ونوع االحتياج‪ ،‬وممكنات التطوير ومتطلباتط‪ ،‬وقياس أثر‬
‫المنهج المعتمد واللغة المكرسة للتعليم‪ ،‬وغير لك‪.‬‬
‫‪ -7‬زالة حالة التداخل في اخت اصات الوزارة والجاليات ووزارة الخارجية‬
‫مما يرتبط بأنشطة الجاليات‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ .1‬األ غبري‪ ،‬بدر سعيد علي‪ ،‬نظام التعليم وتاريخط في الجمهورية اليمنية‪،‬‬
‫شركة النور للطباعة والمنتجات الورقية‪ ،‬صنعاء‪ ،‬ع‪2002/2001 ،1‬م ‪.‬‬
‫‪ .2‬األرضي‪ ،‬علي صالح محمد‪ ،‬تاريخ التعليم في عد ‪1967 -1839 ،‬م‪،‬‬
‫دار الثقافة العربية للنشر والترجمة والتوثيق‪ ،‬الشارقة‪ ،‬جامعة عد ‪ ،‬عد ‪،‬‬
‫ع‪2001 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬البردوني‪ ،‬عبدهللا‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬مجلة اإلكليل‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬صنعاء‪،‬‬
‫العددا الثاني والثالث‪ ،‬السنة الثانية‪1983 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬البكري‪ ،‬عبدالحميد‪ ،‬التعليم في اليمن (‪1918-1962‬م) دراسة تاريخية‪،‬‬
‫رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة لى مجلس كلية التربية ابن رشد‪،‬‬
‫جامعة بغداد‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬الجهاز المركزي للتخطيط‪ ،‬التطور االقت ادي واالجتماعي في ج‪ .‬ع‪ .‬ي‪.‬‬
‫نوفمبر ‪.1967‬‬
‫‪ .6‬الجهاز المركزي للتخطيط‪ ،‬كتاب اإلح اء لعام ‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬الزبيري‪ ،‬محمد محمود‪ ،‬اإلمامة وخطرها على وحدة اليمن‪ ،‬وزارة الثقافة‪،‬‬
‫اليمن‪ ،‬ع‪2004 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .8‬الشرعبي‪ ،‬سيف محمد صالح‪ ،‬التعليم بمحافظة تعز ماضيط وحاضره‪ ،‬نقابة‬
‫المعلمين اليمنيين فرع تعز‪ ،‬ع‪1996 ،2‬م‪.‬‬
‫‪ .9‬الشميري‪ ،‬عبدالولي‪ ،‬من أعالم االغتراب اليمني‪ ،‬وزارة شؤو‬
‫المغتربين‪ ،‬صنعاء‪ ،‬ع‪2002 ،1‬م‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ .10‬ال ايدي‪ ،‬أحمد قايد‪ ،‬أورا من متكرات بحري‪ ،‬ورقة مقدمة لندوة‬
‫"المغتربو الرافد األساسي للتنمية المستدامة"‪ ،‬كتاب الثوابت‪ ،‬اآلفا‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬صنعاء‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .11‬ال ايدي‪ ،‬محمد صالح الدين‪ ،‬ورقة مقدمة لندوة "المغتربو الرافد‬
‫األساسي للتنمية المستدامة"‪ ،‬كتاب الثوابت‪ ،‬اآلفا للطباعة والنشر‪،‬‬
‫صنعاء‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫فريقيا‪ ،‬وزارة‬ ‫‪ .12‬ال لوي‪ ،‬العزي‪ ،‬الهجرات اليمنية عبر التاريخ لى شر‬
‫الثقافة صنعاء‪ ،‬ع ‪2004 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬العزازي‪ ،‬محمد‪ ،‬وكروزه‪ ،‬هانز‪ ،‬الجمهورية العربية اليمنية دراسة‬
‫تمهيدية في التنمية اإلدارية‪ ،‬د‪ .‬م‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ .14‬العزعزي‪ ،‬عبدهللا فارع عبده‪ ،‬اليمن من اإلمامة لى الجمهورية‪ ،‬المنتدى‬
‫الجامعي للنشر والتوزيع‪ ،‬صنعاء‪ ،‬ع‪2001 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .15‬العظم‪ ،‬نزيط مؤيد‪ ،‬رحلة في العربية السعيدة‪ ،‬دار التنوير للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ع‪.1986 ،2‬‬
‫‪ .16‬العلفي‪ ،‬علي محمد‪ ،‬أبرز األحداث اليمنية‪ ،‬في ربع قر (سبتمبر ‪-1962‬‬
‫سبتمبر ‪ 1987‬م)‪ ،‬مطبعة الكاتب العربي‪ ،‬دمشق‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .17‬العودي‪ ،‬حمود‪ ،‬ماضي ومستقبل العمل التعاوني في اليمن رؤية لدور‬
‫العمل التعاوني في ظل اليمن االتحادي‪ ،‬مطبوعات مركز دال للدراسات‪،‬‬
‫صنعاء‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .18‬القادري‪ ،‬حامد‪ ،‬كفاح أبناء العرب ضد االستعمار الهولندي في ندونيسيا‪،‬‬
‫ترجمة‪ ،‬زكي باسليما ‪ ،‬دار جامعة عد ‪ ،‬ع‪1998 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .19‬الكتاب السنوي لتكرى ‪ 14‬لثورة ‪ 26‬سبتمبر‪ ،‬دار الهناء للطباعة‪ ،‬د‪ .‬م‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ .20‬الكتاب السنوي للجمهورية العربية اليمنية (‪1383‬هـ‪1963-‬م)‪ ،‬شعبة‬


‫اإلعالم واإلرشاد‪ ،‬مجلس رئاسة الجمهورية‪.‬‬
‫‪ .21‬الكتاب السنوي للجمهورية العربية اليمنية‪ ،‬وزارة اإلعالم‪ ،‬صنعاء‪،‬‬
‫‪1967‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬المساح‪ ،‬محمد‪ ،‬مقابلة صحفية‪ ،‬ملحق صحيفة الثورة الثقافي‪ ،‬العدد‬
‫‪2020/4/13 ،20234‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬الواسعي‪ ،‬عبد الواسع‪ ،‬تاريخ اليمن المسمى فرجة الهموم والحز في‬
‫حوادث وتاريخ اليمن‪ ،‬الدار اليمنية للنشر والتوزيع‪ ،‬صنعاء‪ ،‬ع‪،4‬‬
‫‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ .24‬باصرة‪ ،‬صالح علي‪ ،‬الهجرة الحضرمية لى جنوب شر آسيا (البداية ‪-‬‬
‫التأثير والتأثر‪ -‬النهاية)‪ ،‬ورقة مقدمة لندوة "المغتربو الرافد األساسي‬
‫للتنمية المستدامة"‪ ،‬كتاب الثوابت‪ ،‬اآلفا للطباعة والنشر‪ ،‬صنعاء‪،‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ .25‬باعباد‪ ،‬علي هود‪ ،‬التعليم في الجمهورية اليمنية‪ ،‬مكتبة اإلرشاد‪ ،‬صنعاء‪،‬‬
‫الطبعة السابعة‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .26‬بامطرف‪ ،‬محمد عبد القادر‪ ،‬الهجرة اليمنية‪ ،‬وزارة المغتربين‪ ،‬صنعاء‪،‬‬
‫ع‪ ،1‬يناير‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ .27‬بحسب مقابلة مع األستا سيد عبد هللا الجفري‪ ،‬عضو المجلس اإلسالمي‬
‫السنغافوري‪.‬‬
‫‪ .28‬برنامج "مهمة خاصة" من قناة العربية‪.‬‬
‫‪ .29‬حسب وثائقي الجزيرة‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ .30‬خطب وت ريحات الرئيس القائد براهيم الحمدي‪ ،‬وزارة اإلعالم‬


‫والثقافة‪ ،‬صنعاء‪ ،‬ع‪ ،1‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ .31‬دراسة مقدمة للجنة الوعنية للمرأة غير منشورة‪،‬‬
‫‪ .32‬زركشي‪ ،‬عزمي‪ ،‬دور مدرسة الجنيد اإلسالمية في تعليم األقليات المسلمة‬
‫بسنغافورة‪ ،‬بحث منشور في االنترنت‪.‬‬
‫‪ .33‬سليما ‪ ،‬كرامة مبارك‪ ،‬التربية والتعليم في الشطر الجنوبي من اليمن‪،‬‬
‫ج‪1930-1970( ،1‬م)‪ ،‬مركز الدراسات والبحوث اليمني‪ ،‬صنعاء‪ ،‬ع‪،1‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ .34‬سيف‪ ،‬أحمد عبده‪ ،‬واقع التعليم في اليمن بين تأثير العولمة ودواعي‬
‫اإلصالح‪ ،‬د‪ .‬م‪ ،‬د‪ .‬ت‪.‬‬
‫‪ .35‬عاهر‪ ،‬علوي عبد هللا‪ ،‬واقع التعليم في اليمن قبل الثورة‪ ،‬مجلة اإلكليل‪،‬‬
‫وزارة الثقافة‪ ،‬صنعاء‪ ،‬العدد األول‪ ،‬السنة الخامسة‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .36‬غباش‪ ،‬حسين من دولة اإلمارات العربية المتحدة – على صفحتط في‬
‫تويتر‪.‬‬
‫‪ .37‬ظافر‪ ،‬محمد سعيد‪ ،‬حركة ‪ 13‬يونيو الت حيحية ودور براهيم الحمدي‬
‫في تأسيس وبناء الدولة اليمنية الحديثة‪ ،‬د‪ .‬م‪ ،‬صنعاء‪2020 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .38‬عبدالرشيد‪ ،‬براهيم‪ ،‬كتاب من الثورة لى الوحدة‪ ،‬وزارة شؤو‬
‫المغتربين‪ ،‬صنعاء‪ ،‬سبتمبر ‪2002‬م‪.‬‬
‫‪ .39‬عبده‪ ،‬علي محمد‪ ،‬لمحات من تاريخ حركة األحرار اليمنيين‪ ،‬ج‪ ،1‬منتدى‬
‫النعما الثقافي للشباب‪ ،‬المعهد الفرنسي لآلثار والعلوم االجتماعية‪،‬‬
‫صنعاء‪ ،‬ع‪.2003 ،1‬‬
‫‪ .40‬كتب اإلح اء السنوي لألعوام ‪80/79 ،77/76‬م‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ .41‬محمد‪ ،‬أحمد علي الحاج‪ ،‬التعليم اليمني جتور تشكلط واتجاهات تطوره‪،‬‬
‫دار الفكر المعاصر‪ ،‬صنعاء‪ ،‬ع‪1999 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ .42‬وثيقة جامعة الدول العربية اإلدارة الثقافية‪ ،‬حلقة عداد المعلم العربي في‬
‫بيروت‪ ،‬أغسطس ‪1957‬م‪.‬‬
‫‪ .43‬وزارة اإلعالم والثقافة‪ ،‬الكتاب السنوي‪.1980‬‬
‫‪ .44‬وزارة المغتربين اليمنيين‪ ،‬تقرير غير منشور‪( ،‬من وثائق العزي‬
‫ال لوي)‪.‬‬
‫‪ .45‬وزارة المغتربين‪ ،‬تقرير غير منشور‪ ،‬مسلم من العزي ال لوي عضو‬
‫لجنة مكلفة من وزار ة المغتربين لبحث موضوع المدرسة هناك‪ ،‬تاريخط‬
‫‪2013‬م‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪222‬‬
‫إسماعيلية اليمن في المهجر‪ :‬األسباب واآلثار‬

‫(*)‬
‫الدكتور‪ /‬عمرو بن معد يكرب حسين الهمداني‬

‫‪2020‬م‬

‫* رئيس المجلس العلمي للدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث‬


‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪224‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬والحمد هلل والصالة والسالم على سيدنا محمد وآله‬
‫الطيبين الطاهرين وصحبهم أجمعين‪ .....‬أما بعد‪:‬‬
‫اإلسماعيليون(‪ )1‬في اليمن وفي مختلف بلدان المهجر مكون مهم وكبير في بنية‬
‫المجتمعات الكائنة بها‪ ،‬من النواحي االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬وهم‬
‫جزء أصيل من موروث اليمن الثقافي وعمقه التاريخي‪ ،‬وحتى عالقاته‬
‫الخارجية‪ ،‬ويعانون في الوقت نفسه من فرز طائفي واضطهاد فكري منذ سقوط‬
‫دولتهم الثانية الصليحية على أيدي األيوبيين‪ .‬وعلى مدى تسعة قرون وهم‬
‫يعانون العزلة والترهيب يصل حد التكفير وإخراجهم من ملة اإلسالم‪ ،‬بل بلغ‬
‫االضطهاد حدود اإلبادة الجماعية في بعض مراحل التاريخ‪.‬‬
‫على مدى التاريخ اإلسالمي‪ ،‬لم نر تشويها وتحامال وتحيزا ضد فكر ما مثل ما‬
‫رأينا وشهدنا ضد الفكر اإلسماعيلي الفاطمي‪ ،‬ال من حيث التاريخ وال العقيدة‬
‫وال اإلنجازات العلمية والفكرية‪.‬‬

‫(‪ )1‬اإلسماعيلية‪ :‬يسمون بذلك نسبة إلى إمامهم إسماعيل االبن األكبر لإلمام جعفر الصادق‪،‬‬
‫ويسمي الفاطميون أنفسهم باسم "أهل الدعوة" أو "المسلمين المؤمنين" ودعوتهم‬
‫بـ"دعوة الحق" و"الدعوة الهادية"‪ .‬وهم ال يعترفون باألسماء واأللقاب التي نسبت إليهم‬
‫مثل الفاطمية واإلسماعيلية والباطنية والسبعية وغيرها‪ ،‬وال توجد هذه األلقاب في‬
‫كتبهم‪ .‬وقد نسب إلى نفسه الشيخ أبو حاتم الرازي‪ -‬وهو من كبار علماء الدعوة‪ -‬في‬
‫كتاب الزينة‪ ،‬كلمة أهل السنة والجماعة‪ .‬وقال المؤيد في الدين‪ ،‬باب أبواب اإلمام‬
‫المستنصر (د المؤيد ‪:)88‬‬
‫يـــــــا سائال تسألني عنــي‪ ..‬اعلم بأني رجل سني‬
‫أحب أصحاب نبي الهــدى‪ ..‬ديني على حبهم مبني‬
‫وقد أطلقت كلمة "اإلسماعيلية" على أهل الدعوة عامة في هذا البحث لنسبتهم إلى‬
‫اإلمام إسماعيل بن جعفر الصادق‪ ،‬كما تطلق كلمة الزيدية على أتباع اإلمام زيد بن‬
‫علي‪ ،‬رحمة هللا عليه‪.‬‬
‫‪225‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أدى الدور السلبي الذي اتخذه األئمة الزيديون ضد اإلسماعيليين إلى تحويل‬
‫أتباع المذهب إلى مجرد مواطنين من الدرجة الدنيا‪ ،‬وإباحة دمائهم وأموالهم‬
‫وأعراضهم في أرجاء السعيدة‪.‬‬
‫وهو ذاته الدور الذي لعبه الفكر الوهابي في نظام آل سعود‪ ،‬الذي أدى أيضا‬
‫إلى تحويل اإلسماعيليين في نجران الحدودية‪ -‬المحتلة‪ -‬إلى مواطنين سعوديين‬
‫من الدرجة الثانية‪ ،‬وتعرضهم الدائم لالنتهاكات اإلنسانية‪.‬‬
‫تتمثل أهداف الدراسة في الوقوف على األسباب والتأثيرات المختلفة للهجرات‬
‫اإلسماعيلية إلى بلدان المهجر‪ ،‬من النواحي السياسية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والثقافية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬التي لعبت الطائفة اإلسماعيلية دورا كبيرا فيها‪.‬‬
‫وتكمن أهمية الدراسة في كون الوقوف على قضية مهمة كالهجرات اليمانية‪،‬‬
‫أسبابها وتأثيرها‪ ،‬تأتي ضمن أولويات التوثيق التاريخي لليمن وكشف الغموض‬
‫عن حقائق تلك الهجرات واآلثار التي كانت نتاجا لهذه الظاهرة االجتماعية‪.‬‬
‫كما نرى اآلثار العظيمة التي خلفتها الطائفة اإلسماعيلية من خالل أنشطتهم‬
‫في محيطهم الجغرافي‪ ،‬من خالل نشرهم للعلوم الحداثية والثقافة اإلسالمية‬
‫الموضوعية فيها‪ ،‬ومن ذلك بالد الهند والسند‪ ،‬وعدد من دول إفريقيا كمصر‬
‫وكينيا وغيرهما‪ ،‬وامتدت تلك اآلثار إلى بلدان مختلفة في أوروبا وأمريكا‪،‬‬
‫كبريطانيا‪ ،‬وفرنسا‪ ،‬والواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬
‫وفي إطار ذلك حرصنا في إعداد الدراسة على اتباع الترتيب الزمني‬
‫للوقوف على المراحل المختلفة للهجرات اليمانية اإلسماعيلية‪ ،‬واالعتماد على‬
‫المنهج التاريخي في القسم التمهيدي‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وسل طت الدراسة الضوء على الطائفة اإلسماعيلية اليمانية خالل فترتين‬


‫زمنيتين‪ ،‬األولى تاريخية منذ نشأة الدولة الفاطمية األولى وحتى االنهيار‪،‬‬
‫والفترة الثانية منذ العام ‪ 1100‬وحتى ‪1440‬هـ‪.‬‬
‫ومن الناحية الجغرافية ركزت الدراسة على مناطق انتشار أتباع الطائفة‬
‫اإلسماعيلية ومناطق هجراتهم في اليمن‪ ،‬والهند‪ ،‬وباكستان‪ ،‬وبريطانيا‪،‬‬
‫وأمريكا‪ ،‬وكينيا‪ ،‬ومصر‪ ،‬والمغرب‪.‬‬
‫وقام الباحث بتقسيم الدراسة إلى قسمين‪ ،‬تطرقت الدراسة في قسمها األول‬
‫سمها‬
‫إلى الخلفية التاريخية لنشأة اإلسماعيلية ومراحل تطورها وانكماشها وتق ُّ‬
‫وتشرذمها‪ ،‬وصوال إلى تمركز اإلسماعيلية في نجران‪ ،‬وفي الهند وباكستان‬
‫وكينيا (نيروبي)‪ ،‬وعدد من البلدان األخرى‪ ،‬ومراحل بناء الدولة‪ ،‬واحتوى‬
‫القسم األول على الموضوعات التالية‪ :‬حركة الشيعة في اليمن قبل ظهور‬
‫منصور اليمن‪ ،‬وسفارة اإلمام علي إلى اليمن‪ ،‬والدولة الفاطمية األولى في عهد‬
‫منصور اليمن‪ ،‬والدولة الصليحية النشأة وسقوط الدولة‪ ،‬وإسماعيلية نجران‬
‫وبناء الدولة‪ ،‬وإسماعيلية الهند والسند‪.‬‬
‫وفي القسم الثاني من الدراسة‪ ،‬تم التطرق إلى هجرات اإلسماعيلية من حيث‬
‫األسباب المؤدية إلى تلك الهجرات‪ ،‬وأخيرا تم الوقوف على اآلثار المترتبة‬
‫على تلك الهجرات والتأثيرات التي كانت للطائفة اإلسماعيلية في المحيط‬
‫االجتماعي لبلدان المهجر‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أوالً‪ :‬التعريف باإلسماعيلية (الفاطمية) في اليمن والجزيرة العربية (خلفية‬


‫تاريخية)‬
‫حركة الشيعة في اليمن قبل ظهور منصور اليمن‪:‬‬
‫يعد ما حدث في أيام الخليفة عثمان من أهم األحداث التي فرقت بين‬
‫المسلمين‪ ،‬وقسمتهم إلى معسكرات‪ .‬وكان من الطبيعي‪ -‬بعد أن آثر اليمنيون‬
‫اإلسالم على أنفسهم ووطنهم‪ ،‬وتناسوا معه العصبية الجاهلية‪ -‬أن يشتركوا في‬
‫تلك األحداث‪ ،‬وأن تجترفهم التيارات المتضادة‪ ،‬وتنحرف بهم أعاصير‬
‫السياسة‪ ،‬فذهب من ذهب منهم مع اإلمام علي وهم الكثير‪ ،‬وانضم منهم فريق‬
‫آخر إلى معاوية‪ ،‬وتعصب كل فريق لصاحبه‪.‬‬
‫سفارة اإلمام علي إلى اليمن‪:‬‬
‫ومنننن هننننا ننننرى أن علينننا كنننان لنننه مريننندون ومحبنننون منننن الصنننحابة فننني‬
‫عهننند الرسنننول‪ -‬ﷺ‪ ،-‬ولنننم يقتصنننر وجنننود هنننؤالء علنننى المديننننة وحننندها‪ ،‬بنننل‬
‫أخننننذ عننننددهم يننننزداد كلمننننا اتسننننعت رقعننننة اإلسننننالم‪ ،‬وزاد عنننندد المسننننلمين‬
‫وبخاصننننة فنننني بننننالد الننننيمن ألنهننننا حظيننننت ب رسننننال علنننني إليهننننا فنننني عهنننند‬
‫الرسننننول‪ .‬وزار أميننننر المننننؤمنين الننننيمن ثننننالث مننننرات‪ ،‬وفنننني المننننرة األخيننننرة‬
‫وصنننل إلنننى عننندن أبنننين‪ ،)2(.‬وذكنننر ابنننن هشنننام(‪ )3‬أننننه‪-‬ﷺ‪ -‬قننند بعنننث سننننة تسنننع‬
‫(عنننام الوفنننود) بعلننني بنننن أبننني طالنننب‪ -‬رضننني هللا عننننه‪ -‬إلنننى أهنننل نجنننران‪،‬‬
‫ليجمنننننع صننننندقتهم‪ ،‬ويقننننندم علنننننيهم بجزينننننة‪ ،‬وقنننننال ابنننننن كثينننننر منننننا معنننننناه أن‬
‫النبننني‪ -‬ﷺ‪ -‬أرسنننل علينننا إلنننى الننننيمن قبنننل حجنننة النننوداع‪ ،‬أي نهاينننة سنننننة ‪10‬‬
‫هننـ‪ ،‬فقنندم علننى صنننعاء‪ ،‬وصننلى برجالهننا‪ ،‬وجمننع قبائننل همنندان‪ ،‬وقننرأ علننيهم‬

‫(‪ )2‬الصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن صـ‪13‬‬


‫(‪ )3‬ابن هشام‪ ،‬أبو محمد عبد الملك الحميري المعافري‪ ،‬سيرة رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم في ثالثة أجزاء صـ‪965‬‬
‫‪228‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫كتنننناب النبنننني ‪-‬ﷺ‪ ،-‬فأسننننلمت همنننندان جميعننننا فنننني يننننوم واحنننند‪ ،‬ولمننننا وصننننل‬
‫الخبننننر إلننننى النبنننني‪-‬ﷺ‪ -‬خننننر سنننناجدا‪ ،‬ثننننم رفننننع رأسننننه فقننننال‪" :‬السننننالم علننننى‬
‫همننندان‪ ،‬السنننالم علنننى همننندان"‪ .‬وذكنننر الهمنننداني فننني "الصنننليحون" أن علينننا‬
‫دخنننل عننندن أبنننين‪ ،‬وخطنننب علنننى منبرهنننا خطبنننة بليغنننة‪ ،‬وذلنننك قبنننل رجوعنننه‬
‫إلى المدينة‪.‬‬
‫وينننرى الهمنننداني أن هنننذه االتصننناالت الشخصنننية بننناليمن قننند تركنننت أثنننرا‬
‫فننني نفنننوس النننناس هنننناه‪ ،‬ذلنننك األثنننر هنننو حنننب علننني وآل بينننت النبننني‪ ،‬وبقننني‬
‫هننننذا الحننننب يننننزداد مننننا بقيننننت األيننننام‪ ،‬حتننننى أن اإلمننننام الفنننناطمي المسننننتور‬
‫الحسننين بننن أحمنند(‪ )4‬حننين أرسننل أبننا القاسننم الحسننن بننن فننر بننن حوشننب بننن‬
‫(‪)6‬‬
‫ألن بهنننا‬ ‫زادان الكنننوفي(‪ )5‬داعينننا إلنننى النننيمن أمنننره أن يننننزل عننندن العنننة‬
‫بعضننا ممننن ينندين بدعوتننه وألن هللا عننز وجننل قسننم لليمانيننة أال يننتم أمننر فنني‬
‫هنننذه الشنننريعة إال بنصنننرهم‪ ،‬فوصنننل إليهنننا حينننث وجننند كثينننرين ممنننن يننندينون‬
‫بالوالء لعلي وآل بيته‪.‬‬

‫(‪ )4‬أبو المهدي عبدهللا بن الحسين‪ ،‬ويدعى الحسين المقتدى أحيانا (إدريس‪ ،‬عماد الدين‪:‬‬
‫زهر المعاني صـ‪ )63‬وهو الحسين بن أحمد بن عبدهللا بن محمد بن إسماعيل بن جعفر‬
‫الصادق‪ .‬وقد اختلفت المصادر اختالفا شديدا في أسماء أجداد المهدي عبدهللا‪ .‬وذلك‬
‫يرجع إلى الستار الذي فرضه األئمة المستورون على أنفسهم وإلى اختيارهم أسماء‬
‫غير أسمائهم الحقيقية كما رواه الشيخ جعفر بن منصور اليمن في كتابه المسمى‬
‫بالفرائض وحدود الدين (انظر‪On the Genealogy of the Fatimid Caliphs. :‬‬
‫‪، School for Oriental Studies،Cairo: American University of Cairo‬‬
‫‪).1958‬‬
‫(‪ )5‬كذا ورد اسمه في افتتاح (‪ )3-4‬وفي الحور صـ‪ 197‬جاء‪ :‬أبو القاسم أبو الحسن بن‬
‫فر بن حوشب بن زادان الكوفي واشتهر باسم منصور اليمن بعد أن فتح هو وعلي بن‬
‫الفضل الجيشاني اليمن‪.‬‬
‫(‪ )6‬عدن أبين مشهورة‪ ،‬لكن وجب التمييز بينها وبين عدن العة‪ :‬وهي قرية بجنب مدينة‬
‫العة من أعمال صنعاء (معجم البلدان ‪.)89 /4‬‬
‫‪229‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الدولة الفاطمية األولى في عهد منصور اليمن (‪268-303‬هـ)‪:‬‬


‫لقنننند اسننننتفاد الننننداعيان اإلسننننماعيليان (ابننننن حوشننننب‪ ،‬وابننننن الفضننننل) مننننن‬
‫الحالننننة السياسننننية والدينيننننة فنننني الننننيمن عننننند ظهورهمننننا وقنننندراتهما الذاتيننننة‪،‬‬
‫واسننننتغال اإلمكانينننننات التنننني تنننننوافرت لهمننننا‪ ،‬وسنننننرعان مننننا أصنننننبحا ضنننننمن‬
‫حلقننننات الصننننراع فنننني الننننيمن كطننننرف فاعننننل بننننالغ التننننأثير شننننديد الخطننننورة‬
‫وقفنننت أمامنننه بقينننة األطنننراف مضنننطربة فزعنننة منننذعورة وعننناجزة عنننن الحننند‬
‫مننن اننندفاع تيننناره الجننارف النننذي اكتسننح جبنننال الننيمن وسنننهولها‪ ،‬وبسننط نفنننوذ‬
‫النننندعوة اإلسننننماعيلية علننننى معظننننم هضننننبة الننننيمن وجبننننال السننننراة‪ ،‬وكننننادت‬
‫سنننلطتهما تغطننني كامنننل التنننراب اليمنننني لنننوال الظنننروف التننني أحاطنننت بالننندعوة‬
‫عمومننننننا والمتمثلننننننة بظهننننننور عبينننننندهللا المهنننننندي فنننننني المغننننننرب األقصننننننى‪،‬‬
‫وانفصنننال علننني بنننن الفضنننل عنننن التكنننوين الننندعوي‪ ،‬واسنننتقالله بالسنننلطة فيمنننا‬
‫تحنننت يدينننه منننن األرض وإعالننننه ثورتنننه السياسنننية‪ ،‬وانتهنننا أسنننلوب الحكنننم‬
‫الفنننردي فننني إدارة مملكتنننه‪ .‬وهنننذا الوضنننع انعكنننس سنننلبا علنننى جهننناز الننندعوة‬
‫فنني الننيمن إذ أدى فيمننا بعنند إلننى اخننتالف الننداعيين فنني الننيمن‪ ،‬وتفنناقم األمننر‬
‫باحتنننندام الخنننننالف وتحولنننننه إلنننننى صنننننراع دمنننننوي بينهمنننننا‪ ،‬وكنننننان ألطنننننراف‬
‫الصراع األخرى في اليمن أدوار مشهودة في تأجيجه وإذكاء أواره‪.‬‬
‫لم يؤد اختالف ابن حوشب وابن الفضل إلى إضعاف مركز الدعوة في اليمن‬
‫وحسب‪ ،‬بل أتاح لخصومها‪-‬اليعفريين واإلمام الرسي‪ -‬فرصة النيل من‬
‫مصداقيتها‪ ،‬والطعن في صحة عقيدتها‪ ،‬والتشكيك في إيمان أصحابها إلى حد‬
‫الجهر بتكفيرهم‪ ،‬والدعوة إلى جهادهم وتطهير البالد من رجسهم‪ ،‬وتم لهم‬
‫تدمير المذيخرة‪ ،‬والتنكيل بأصحاب علي بن الفضل‪ ،‬وسبي نسائه وقتل أوالده‪،‬‬
‫ثم اإلجهاز على كيان ابن حوشب في مسور‪ ،‬لتدخل الدعوة اإلسماعيلية بعدها‬

‫‪230‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫في اليمن مرحلة االنكفاء على الذات "الستر"(‪ ،)7‬وممارسة النشاط الدعوي‬
‫بصورة محدودة جدا وبشكل سري تام حتى سنة ‪439‬هـ(‪.)8‬‬
‫الدولة الصليحية (‪525 -439‬هـ)‪:‬‬
‫قامت دولة (الصليحيين) على يد مؤسسها علي بن محمد الصليحي‪ ،‬وذلك‬
‫في عام (‪439‬هـ)‪ .‬وقد نشأ الصليحي في بلدة (األخرو ) من بالد الحيمة‪،‬‬
‫إحدى نواحي لواء صنعاء‪ ،‬وكان والده القاضي (محمد الصليحي) يقيم في‬
‫حصن (يناع) من بالد الحيمة‪ ،‬وكان سني المذهب نافذ الكلمة في قومه(‪.)9‬‬
‫وقد اعتنق الصليحي مذهب اإلسماعيلية على يد آخر دعاتها في مرحلة االستتار‬
‫الداعي (سليمان بن عبد هللا الزواحي)‪ ،‬وكان الدافع لهذا إلى العناية بتربية‬
‫(علي بن محمد الصليحي) وتعليمه المذهب اإلسماعيلي‪ ،‬ما الح له من مخائل‬
‫النبل فيه‪ ،‬واالستعداد لحمل أعباء الدعوة الفاطمية بعد موته(‪.)10‬‬
‫ولما حضرت الداعي (سليمان الزواحي) الوفاة أوصى بكتبه وبمال وفير‬
‫(‪)11‬‬
‫على‬ ‫لعلي بن محمد الصليحي‪ ،‬بعد أن وافق اإلمام الفاطمي المستنصر باهلل‬
‫ذلك‪ ،‬ساعد (الصليحي) كل ذلك على االضطالع بالمسؤولية‪ ،‬دعوة وحكما‪،‬‬
‫على أكمل وجه‪.‬‬

‫(‪" )7‬دور الستر"‪ :‬مدة من الزمن يكون فيها اإلمام صاحب الزمان متخفيا‪ ،‬ومرت الدعوة بدور‬
‫الستر األول في عصر اإلمام المستور عبدهللا بن محمد‪ ،‬المتوفى عام (‪212‬هـ) وانتهى بقيام‬
‫اإلمام عبدهللا المهدي مؤسس الدولة الفاطمية‪ ،‬المتوفى عام (‪322‬هـ) أما دور الستر الثاني فبدأ‬
‫باستتار اإلمام الطيب المولود سنة (‪524‬هـ) وحتى اآلن‪.‬‬
‫(‪ )8‬للمزيد يمكن االطالع على كتاب الصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن صـ‪.48‬‬
‫(‪ )9‬الصليحيون صـ‪. 62‬‬
‫(‪ )10‬الصليحيون صـ‪. 68‬‬
‫(‪ )11‬المستنصر باهلل (‪ ٤٢٠‬ـ ‪ ٤٨٧‬هـ) هو أبو تميم معد بن الظاهر المعروف بالمستنصر باهلل بن‬
‫علي الظاهر إلعزاز دين هللا‪ ،‬وهو الخليفة الفاطمي الثامن واإلمام الثامن عشر في سلسلة أئمة‬
‫الشيعة اإلسماعيلية‪ ،‬توفي في (‪ 18‬من ذي الحجة سنة ‪487‬هـ) عن عمر يناهز سبعة وستين‬
‫عا ًما‪ ،‬وبعد حكم دام نحو ستين عا ًما‪ ،‬وهي أطول مدة في تاريخ الخالفة اإلسالمية‪( .‬انظر‪:‬‬
‫بحوث في الملل والنحل للسبحاني ‪ 138/8‬أيضا‪ :‬ويكيبيديا‪ ،‬الموسوعة الحرة يمكن الرجوع‬
‫إلى المقريزي اتعاظ الحنفاء بأخبار األئمة الفاطميين الخلفاء‪ ،‬تحقيق الشيال ومحمد حلمي)‪.‬‬
‫‪231‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وقد بدأ علي بن محمد الصليحي أمره دليال للحا على طريق جبال السراة‪،‬‬
‫واستمر على ذلك خمسة عشر عاما(‪ ،)12‬كان خاللها يتعرف على أهل اليمن‪،‬‬
‫ويجتمع بالعلماء منهم ومن غيرهم‪ ،‬وكان يبحث مع من يأنس بهم أمر القيام‬
‫بالدعوة الفاطمية في اليمن‪ ،‬وعن الوسائل الكفيلة بنجاحها‪ .‬وأكسبته رحالت‬
‫الحج تلك خبرة بأحوال الناس‪ ،‬ومكنته من دراسة النفس اليمنية‪ ،‬وأفادته في‬
‫التعامل معها طيلة عهده‪ .‬وبقيام اإلمارة النجاحية والدولة الصليحية قامت في‬
‫اليمن حكومتان متعارضتان سياسيا وعقائديا‪ ،‬اتسمت األولى بالسنية بحكم‬
‫تبعيتها للعباسيين‪ ،‬واتسمت الثانية بالشيعية بحكم تبعيتها للفاطميين‪.‬‬
‫وفي العامين األخيرين من (الخمسة عشر عاما) التي ظل علي بن محمد‬
‫الصليحي فيها دليال للحا بحث مع أعيان اليمن ممن يأنس بهم أمر القيام‬
‫بالدعوة الفاطمية في اليمن‪ ،‬ثم تعاهد مع ستين رجال من همدان في مكة على أن‬
‫يجهروا بالدعوة‪ ،‬ويجاهدوا في سبيلها حتى يظفروا بها أو يموتوا‪ ،‬وكان‬
‫المتحالفون معه في عزة ومنعة من قومهم‪.‬‬
‫وحدد مع خاصته يوم األربعاء الرابع عشر من جمادى اآلخرة من عام‬
‫(‪ )439‬للهجرة موعدا إلعالن الدعوة من أعلى جبل مسار في بالد حراز‪،‬‬
‫وطلب منهم وصولهم في الموعد المذكور‪ ،‬وكانوا من يام نجران وسنحان‬
‫صعدة‪ ،‬وغيرهما‪ .‬وفي نفس اليوم المذكور بعث رسله إلى أتباعه القريبين منه‬
‫في بالد حراز‪ ،‬واجتمع له ذلك اليوم من همدان ثالثمائة رجل‪ ،‬عدا من اجتمع‬
‫لديه من بالد حراز والمناطق القريبة منها‪.‬‬
‫ولما كان عصر اليوم المذكور أرسل علي بن محمد الصليحي أربعين رجال‬
‫من أهل هوازن من بالد حراز إلى قمة جبل مسار للتمركز فيه‪ ،‬ومنع أهل‬

‫(‪ )12‬الصليحيون صـ‪. 65‬‬


‫‪232‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مسار من االستيالء عليه والحيلولة دون طلوعه‪ .‬أما هو وبقية أتباعه ف نهم‬
‫صعدوا جبل مسار بعد صالة العشاء‪ ،‬وفشلت محاولة أهل جبل مسار منعه من‬
‫طلوع الجبل(‪ ،)13‬ومن أعلى جبل مسار أعلن دعوته لإلمام المستنصر باهلل‪.‬‬
‫وتختلف الروايات حول تاريخ مقتله‪ ،‬حيث يؤكد الكثير من المؤرخين أن مقتله‬
‫كان نتيجة خيانة العبيد له أثناء توجهه إلى الحج يوم السبت ‪ 12‬ذي القعدة سنة‬
‫‪473‬هـ‪ ،‬وفي رواية أخرى أنها سنة ‪459‬هـ‪.‬‬
‫تسامح الدولة الصليحية مع أهل السنة‪:‬‬
‫من ضمن السياسات التي اتبعها الصليحي في إدارته لليمن يذكر الهمداني‬
‫في "الصليحيون" أن الصليحي كان يتسامح مع أهل السنة‪ ،‬وصبر على تكفير‬
‫الناس له‪ ،‬ووصفه بالجور‪.‬‬
‫كذلك فعل أسعد بن شهاب لما دخل زبيد سنة ‪456‬هـ واليا عليها من قبل‬
‫الصليحي‪ " ،‬فأحسن السيرة في الرعية‪ ،‬وأذن ألهل السنة ب ظهار مذهبهم"‪،‬‬
‫وغير ذلك من األحداث التي بينها الهمداني في الصليحيون(‪ .)14‬ويؤكد الهمداني‬
‫أن هذه السياسة الدينية للدولة الصليحية ساعدت إلى حد ما على حفظ األمن في‬
‫البالد الخاضعة لها‪ ،‬مع وجود المعارضة القوية لمذهبها الرسمي‪.‬‬
‫الملكة السيدة أروى بنت أحمد الصليحي‪:‬‬
‫هي أروى بنت أحمد بن محمد بن جعفر بن موسى الصليحي‪ ،‬وتلقب‬
‫بـ"السيدة الحرة"‪ ،‬وغلب على اسمها في كتب التاريخ‪ ،‬زوجة المكرم أحمد بن‬
‫علي الصليحي ملك اليمن‪ ،‬من األسرة الصليحية التي حكمت اليمن بعد أن‬
‫وحدت معظم إماراته (‪439-533‬هـ)‪ ،‬ونشرت الدعوة اإلسماعيلية‪.‬‬

‫(‪ )13‬الصليحيون صـ‪. 75‬‬


‫(‪ )14‬انظر الصليحيون والحركة الفاطمية في اليمن صـ‪.111 ،110‬‬
‫‪233‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫فوض المكرم األمور إلى زوجته أروى‪ ،‬فكان أول ما قامت به‪ ،‬بعد أن‬
‫غادرت صنعاء‪ ،‬أن اتخذت مقرها في قصر شيده زوجها في حصن بجبلة‬
‫(اليمن)‪ ،‬ونقل إليه ذخائره‪ ،‬واتخذت جبلة عاصمة لها‪ ،‬وقامت بتدبير المملكة‬
‫خير قيام‪ ،‬وبسطت سلطانها على القبائل اليمنية‪ ،‬فخضع الناس لها‪ ،‬وكانت‬
‫مراسالت المستنصر باهلل الفاطمي تصدر إلى اليمن باسمها‪.‬‬
‫وبعد وفاة زوجها المكرم سنة ‪481‬هـ‪ ،‬اختلف الصليحيون والزواحيون في‬
‫من يتولى الحكم‪ ،‬وكان زوجها قد أوصى أن تسند أمور الدعوة إلى األمير‬
‫المنصور سبأ بن أحمد بن المظفر الصليحي الذي طمح إلى الزوا منها‪ ،‬فلم‬
‫ترض أروى بهذا االختيار‪ ،‬واحتكم سبأ إلى المستنصر باهلل الفاطمي الذي أمر‬
‫أروى أن تقبل بسبأ زوجا‪ ،‬وإن ظل هذا الزوا صوريا‪ .‬وظلت أروى تمسك‬
‫بمقاليد الحكم الفعلية‪ ،‬وترفع إليها الرقاع‪ ،‬ويجتمع عندها الوزراء‪ ،‬ويدعى لها‬
‫على منابر اليمن‪ ،‬فيخطب أوال للخليفة الفاطمي‪ ،‬ثم لسبأ بن أحمد‪ ،‬ثم للسيدة‬
‫الحرة أروى‪ .‬ولم تلبث أن استقلت بأمر الحكم بعد وفاة زوجها الثاني سبأ سنة‬
‫‪492‬هـ‪ ،‬واعتمدت في تدبير أمور الملك على عدد من الثقات‪ ،‬منهم‪ :‬المفضل‬
‫بن أبي البركات‪ ،‬وزريع بن أبي الفضل‪ ،‬وعلي بن إبراهيم بن نجيب الدولة‬
‫وغيرهم‪ ،‬وامتدت أيام حكمها بعد ذلك أربعين سنة‪ ،‬استطاعت في أثنائها أن‬
‫تمارس سيادتها على اإلمارات اليمنية الصغيرة من دون إخضاعها‪.‬‬
‫وقد عملت السيدة أروى إبان حكمها على تشجيع البناء والعمارة‪ ،‬وأولت‬
‫إنشاء المدارس والمستشفيات والمساجد اهتمامها الزائد‪ ،‬ولم يقف نفوذها عند‬
‫حدود اليمن‪ ،‬فقد كلف الخليفة الفاطمي اإلمام المستنصر الملكة السيدة أيضا‬
‫بشؤون الدعوة اإلسماعيلية بشكل رسمي في عمان وغربي الهند‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وقد أشرف الصليحيون بشكل واضح على اختيار الدعاة وإرسالهم إلى‬
‫كوجرات في غربي الهند‪ ،‬وذلك بعد الحصول على الموافقة من مركز الدعوة‬
‫الفاطمية الرئيسي‪ .‬ولعبت السيدة دورا حاسما وخاصا في إعادة تجديد الجهود‬
‫الفاطمية في عهد المستنصر لنشر الدعوة اإلسماعيلية في شبه القارة الهندية‪،‬‬
‫ونتيجة لهذه الجهود الصليحية بدأ الدعاة الذين تم إرسالهم من اليمن بتأسيس‬
‫طائفة إسماعيلية جديدة في كوجرات في حوالي العام ‪ 460‬هـ‪ ،‬وحافظت‬
‫الدعوة في غربي الهند في عهد الملكة السيدة على روابطها المحكمة مع اليمن‪.‬‬
‫وفي النصف الثاني من القرن الخامس الهجري ‪ /‬الحادي عشر الميالدي تحولت‬
‫(‪)15‬‬
‫الطائفة اإلسماعيلية التي تم تأسيسها في كوجرات لتصبح طائفة البهرة‬
‫الطيبية الحالية‪ .‬وعلينا أن نضيف هنا أن امتداد الدعوة اإلسماعيلية في اليمن‬
‫وكوجرات في عهد المستنصر قد تعلق وبشكل مباشر بتطور المصالح التجارية‬
‫الجديدة للدولة الفاطمية‪ ،‬والتي تستلزم االنتفاع من اليمن كمركز آمن على طول‬
‫طريق البحر األحمر التجاري إلى الهند‪.‬‬

‫(‪ )15‬الطيبيون البهرة الداوديون جماعة مسلمة شيعية تنتمي إلى الفرع المستعلي من‬
‫اإلسماعيلية‪ ،‬وتعود بتراثها الديني واألدبي إلى األئمة‪ -‬الخلفاء الفاطميين في شمال‬
‫إفر يقيا ومصر‪ ،‬وهم في معظمهم هنود من أهالي البالد تحولوا إلى اإلسالم في القرن‬
‫الخامس ‪/‬الحادي عشر على أيدي دعاة أرسلهم بداية اإلمام المستنصر‪ ،‬وفي مرحلة‬
‫ما أصبحوا يعرفون بلقب "البهرة" (وفي بعض األوقات بـ"البهري" المستعملة في‬
‫صيغتي الجمع والمفرد)‪ ،‬وفي اللغة الغجراتية تعني هذه الكلمة "الر جل األمين أو‬
‫الجدير بالثقة في التعامل والتفاعل اإلجتماعي" أو ببساطة "التاجر" وتشير‬
‫"الداؤدية" وتكتب عند العامية داودية في البهرة الداودية إلى اعترافهم بوالية الداعي‬
‫سيدنا داؤد بن قطب شاه الذي تولى الدعوة بين ‪ 999‬و‪ 1021‬هجرية‪ ،‬بينما عارضه‬
‫سليمان بن الحسن أول دعاة البهرة السليمانية‪ .‬المجموعة الثالثة هم البهرة العلويون‪،‬‬
‫وتبدو االختالفات العقائدية بين جميع المجموعات في أدنى حد لها‪.‬‬
‫‪235‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫انشقاق الدعوة اإلسماعيلية ‪ -‬االنشقاق المستعلي النزاري‪:‬‬


‫حدث االنشقاق المستعلي النزاري في اإلسماعيلية في عهد السيدة أيضا عام‬
‫‪487‬هـ‪ ،‬وقسم هذا االنشقاق الطائفة اإلسماعيلية الموحدة آنذاه إلى جزأين‬
‫متنافسين‪ ،‬وهما المستعلية التي اعترفت بالمستعلي خليفة للمستنصر باهلل على‬
‫العرش الفاطمي وأيضا إماما لهم‪ ،‬والنزارية التي أيدت حقوق نزار االبن األكبر‬
‫للمستنصر‪ ،‬واعتبرته ولي العهد الشرعي المعين من قبل المستنصر‪.‬‬
‫واعترفت الملكة السيدة الحرة باإلمامة الشرعية للمستعلي بعد المستنصر‪،‬‬
‫وذلك بحكم العالقات المحكمة بين اليمن الصليحية ومصر الفاطمية‪ ،‬وبذلك‬
‫حافظت على روابطها مع القاهرة والمركز الرئيسي للدعوة هناه الذي أصبح‬
‫يخدم كمركز للدعوة المستعلية‪ .‬ونتيجة لقرار السيدة انضمت الطوائف‬
‫اإلسماعيلية في اليمن وكوجرات‪ ،‬مع معظم اإلسماعيليين في مصر وسوريا‪،‬‬
‫إلى مخيم المستعلية بدون أي انشقاق‪ ،‬لكن اإلسماعيليين في جهة إيران –شرق‬
‫العالم االسالمي‪ -‬الذين أقاموا في المناطق الخاضعة للسالجقة‪ ،‬كانوا آنذاه تحت‬
‫قيادة الحسن بن الصباح (‪518‬هـ‪1124/‬م)‪ ،‬وهؤالء أيدوا دعوى نزار‬
‫ورفضوا االعتراف ب مامة الخليفة المستعلي الفاطمي‪.‬‬
‫انهيار اإلمبراطورية الفاطمية‪:‬‬
‫تم اغتيال اإلمام اآلمر وهو الخليفة الفاطمي العاشر واإلمام العشرون‬
‫للمستعلية في ذي القعدة ‪524‬هـ ‪ /‬تشرين األول ‪1130‬م‪ ،‬وبعدها بدأت الخالفة‬
‫الفاطمية طورها األخير من االنهيار واالنحطاط الموسوم بأزمات متعددة تتعلق‬
‫بالسياسة والحرب والدين والساللة الحاكمة‪ ،‬كما أضعف االنقسام الجديد أيضا‬
‫الدعوة المستعلية‪ .‬وولد لآلمر صبي قبل موته ببضعة أشهر‪ ،‬وسمي‬

‫‪236‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫"الطيب"(‪ ،)16‬وتم النص عليه في سجل البشارة الذي بعث به اإلمام اآلمر إلى‬
‫السيدة الحرة مع الشريف محمد بن حيدرة‪ ،‬وهو شخص موثوق‪ ،‬معلنا والدة أبو‬
‫القاسم الطيب في ربيع الثاني ‪ 524‬للهجرة(‪ .)17‬شهد على صحة حقيقة الطيب‬
‫التاريخية ابن ميسر (‪677‬هـ‪1278-‬م)(‪ )18‬ومؤرخون آخرون‪ .‬وعلى أية حال‪،‬‬
‫عين الطيب على الفور وريثا لآلمر‪ ،‬وبوفاة اإلمام اآلمر تولى الحكم ابن عمه‬
‫أبو الميمون عبدالمجيد (‪526‬هـ‪1132-‬م) الذي سمي الحقا "الخليفة"‬
‫و"اإلمام"‪ ،‬وأعطي لقب "الحافظ لدين هللا"‪.‬‬
‫االنشقاق الطيبي الحافظي‪:‬‬
‫سبب إعالن الحافظ لدين هللا خليفة وإماما انقساما كبيرا في الطائفة‬
‫المستعلية‪ ،‬ولقي ادعاؤه اإلمامة الدعم بشكل خاص من تنظيم الدعوة الرسمي‬
‫في القاهرة‪ ،‬واألغلبية من اإلسماعيلية المستعلية في مصر وسورية الذين‬
‫أصبحوا معروفين بـ"الحافظية"‪ .‬وأيدت الملكة السيدة الحرة أروى بنت أحمد‬
‫الصليحي قضية الطيب معترفة به خليفة لآلمر على اإلمامة‪ .‬وفي البداية كان‬
‫يطلق على هؤالء اإلسماعيليين اسم "اآلمرية"‪ ،‬ولكن بعد تأسيس الدعوة‬
‫الطيبية المستقلة في اليمن فيما بعد أصبحت تسميتهم "الطيبية"‪ ،‬وأصبحت‬

‫(‪ )16‬أبو القاسم الطيب بن المنصور يعتبر اإلمام الحادي والعشرين للشيعة اإلسماعيلية‬
‫المستعلية‪ ،‬وهو ابن الخليفة الفاطمي اآلمر بأحكام هللا‪ ،‬وبحسب رواية المقريزي ف نه‬
‫ولد في ربيع األول من عام ‪ 524‬هجري وزينت القاهرة بميالده بأمر من أبيه اآلمر‬
‫بأحكام هللا لمدة ‪ 14‬يوما‪ ،‬وأصبحت السيدة الحرة الملكة أروى بنت أحمد الصليحي‬
‫مستودعا له لكي تكون اليمن مهدا للدعوة لإلمام الطيب حيث دخل األئمة في دور‬
‫الستر الثاني (الكهف الثاني) (ويكيبيديا‪ ،‬الموسوعة الحرة)‪.‬‬
‫(‪ )17‬هذه السجالت محفوظة في المجلد السابع من "عيون األخبار" للداعي إدريس وفي‬
‫مصادر طيبية أخرى‪ ،‬وكذلك موجودة في "عمارة‪ ،‬تاريخ"‪ ،‬نص الصفحات ‪-100‬‬
‫‪ ،102‬الصفحات المترجمة ‪ ،36-135‬انظر كذلك ستيرن "الخالفة" الصفحة‬
‫‪149‬ف‪ ،‬والهمداني‪" ،‬الصليحيون"‪ ،‬الصفحات ‪.322-321- ،84-183‬‬
‫(‪ )18‬ابن ميسر‪" ،‬أخبار مصر"‪ ،‬تأليف فؤاد سيد (القاهرة‪ :‬المعهد الفرنسي لعلوم الهندسة‬
‫المعمارية الشرقية‪ ،)1981 ،‬الصفحات ‪.110-109‬‬
‫‪237‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫السيدة حينها الزعيمة الرسمية للجماعة الطيبية في اليمن‪ ،‬وقطعت روابطها مع‬
‫القاهرة بشكل مشابه لما فعله الحسن بن الصباح في بالد فارس عند وفاة‬
‫المستنصر عام ‪487‬هـ‪1094/‬م‪ .‬وصادق الداعي الذؤيب(‪ )19‬بشكل كامل على‬
‫قرار السيدة‪ .‬وعلى العكس‪ ،‬فالزريعيون من عدن‪ ،‬وبعض الهمدانيين من‬
‫صنعاء الذين انتصروا باستقاللهم عن الصليحيين قد دعموا اإلسماعيلية‬
‫الحافظية باعترافهم بالحافظ والخلفاء الفاطميين الالحقين له أئمة لهم‪.‬‬
‫ارتبطت اإلسماعيلية الحافظية بالنظام الفاطمي‪ ،‬واختفت سريعا بعد انهيار‬
‫األسرة الفاطمية الحاكمة عام ‪567‬هـ‪1171/‬م‪ ،‬والغزو األيوبي القادم من‬
‫جنوب الجزيرة العربية عام ‪569‬هـ‪1173/‬م‪ .‬أما الدعوة الطيبية التي بدأت بها‬
‫السيدة فقد بقيت في اليمن‪ ،‬وبقي مركزها الرئيسي في حراز‪ .‬وبسبب الروابط‬
‫القوية والمحكمة بين اليمن الصليحي وكوجرات كانت الدعوة الطيبية أيضا‬
‫محفوظة في الهند الغربية‪ ،‬وهذا يبرر استمرارية تواجد اإلسماعيلية الطيبية‬
‫هناه‪ ،‬ويعرفون حاليا بـ"البهرة"‪.‬‬
‫فصل الدعوة عن الدولة‪:‬‬
‫لما توفي الخليفة المستعلي سنة ‪495‬هـ‪ ،‬وخلفه ابنه اآلمر‪ ،‬قامت الملكة الحرة‬
‫بالدعوة خير قيام‪ ،‬وساندها في ذلك الداعي يحيى بن لمك‪ ،‬حتى توفي الداعي‬
‫يحيى سنة ‪ 520‬هـ‪ .‬ولما تبين للملكة أن مملكتها أخذت تتزعزع أركانها قررت‬
‫(‪)20‬‬
‫فصال تاما‪ ،‬كما كان الحال في‬ ‫بثاقب فكرها أن تفصل الدعوة عن الدولة‬
‫مصر‪ ،‬حتى تباشر الدعوة نشاطها العلمي والديني مستقلة عن تأييد الدولة‪،‬‬

‫(‪ )19‬الذؤيب بن موسى الوادعي الهمداني‪ :‬الداعي المطلق األول في سلسلة الدعاة الطيبيين في دور‬
‫الستر الثاني الذي أعقب وفاة اإلمام اآلمر بأحكام هللا واستتار ابنه اإلمام الطيب بن اآلمر‪( .‬للمزيد‬
‫انظر ترجمته ضمن مجموع رسائل الذؤيب‪ ،‬تحقيق وتقديم‪ :‬د‪ .‬عمرو بن معد يكرب حسين‬
‫الهمداني‪ ،‬منشورات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪2014 ،‬م)‪.‬‬
‫(‪ )20‬للمزيد عن ذلك انظر الصليحيون صـ‪232‬‬
‫‪238‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ففصلت هيئة الدعوة كلية عن إدارة الحكومة(‪ .)21‬وبعد عام ‪526‬هـ مباشرة‬
‫أعلنت السيدة تولي الذؤيب رتبة "الداعي المطلق"‪ ،‬وهو الداعي الذي يمتلك‬
‫الصالحية المطلقة‪ ،‬هذا يعد أيضا إجراء ذكيا منها لتضمن البقاء لإلسماعيلية‬
‫الطيبية بعد سقوط الدولة الصليحية‪ .‬وساهم الداعي المطلق األول الذؤيب الذي‬
‫(‪)22‬‬
‫في نجاح الدعوة اإلسماعيلية‬ ‫عاضده بداية الداعي الخطاب بن الحسن‬
‫الطيبية‪ ،‬وبعد مقتل الخطاب على يد أبناء أخيه عام ‪ ،533‬وذلك بعد وفاة الملكة‬
‫(‪)23‬‬
‫معاضدا‬ ‫الحرة بعام‪ ،‬عين الذؤيب إبراهيم بن الحسين الحامدي الهمداني‬
‫وخليفة له‪ ،‬وبعد وفاة الذؤيب عام ‪546‬هـ خلفه إبراهيم (‪557‬هـ‪1162/‬م) على‬
‫قيادة الدعوة الطيبية بوصفه "داعيا مطلقا"‪ .‬وهكذا أصبحت الدعوة الطيبية‬
‫مستقلة تماما عن النظام الفاطمي وعن الدولة الصليحية‪ ،‬وهذا يوضح سبب‬
‫بقائها بعد سقوط كلتا الساللتين الحاكمتين‪ ،‬ونجاحها في القرون التي تلتها في‬
‫توسعها الناجح في اليمن والهند الغربية بدون أي دعم سياسي‪.‬‬

‫(‪ )21‬االعتزال عن أمور السياسة والدولة إذا ما أصبحت عائقة أمام الهدف السامي‪ ،‬ألنها‬
‫(أي أمور السياسية والدولة) كانت عند الفاطميين ودعاتهم آلة ألداء المسئولية الكبرى‬
‫التي هي حفظ الدعوة وتربية المؤمنين‪ ،‬وقد اختاروا دائما عدم التدخل في سياسة‬
‫الحكومات‪ ،‬وأوصوا أتباعهم بالوفاء لحكومتهم أينما كانوا في البالد‪( .‬انظر الموسم‬
‫صـ‪ 32‬العددان (‪1999 )43-44‬م)‪.‬‬
‫(‪ )22‬السلطان الخطاب بن الحسن بن أبي الحفاظ الحجوري (‪ 533 - 475‬هـ ‪- 1082 /‬‬
‫‪ 1138‬م)‪ ،‬أحد شعراء القرن السادس الهجري من أهل اليمن‪ ،‬متصوف‪ ،‬فارس‪ ،‬كان‬
‫معاضدا للداعي الذؤيب بن موسى الوادعي‪ ،‬وتوفي في حياته (انظر‪ :‬بوابة الشعراء‪،‬‬
‫السلطان الخطاب أنظر أيضا‪ :‬السلطان الخطاب‪ -‬حياته وشعره‪ ،‬إسماعيل قربان‬
‫حسين‪ ،‬صـ‪ ،72‬أنظر أيضا ترجمته كاملة ضمن مجموع مؤلفات الخطاب‪ ،‬تحقيق‬
‫وتقديم‪ :‬د‪ .‬عمرو معديكرب الهمداني‪ ،‬منشورات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات‬
‫واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪2017 ،‬م)‪.‬‬
‫(‪ )23‬إبراهيم بن الحسين الحامدي الهمداني‪ :‬الداعي المطلق الثاني في سلسلة الدعاة‬
‫الطيبيين في دور الستر الثاني الذي أعقب وفاة اإلمام اآلمر بأحكام هللا واستتار ابنه‬
‫اإلمام الطيب بن اآلمر (للمزيد انظر ترجمته ضمن مجموع مؤلفات الحامدي‪ ،‬تحقيق‬
‫وتقديم‪ :‬د‪ .‬عمرو بن معديكرب حسين الهمداني‪ ،‬منشورات الدار المحمدية الهمدانية‬
‫للدراسات واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪2016 ،‬م)‪.‬‬
‫‪239‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫سقوط الدولة الصليحية‪:‬‬


‫مرضت الملكة أروى طويال‪ ،‬فلما ماتت دفنت في مسجد كانت بنته بذي‬
‫جبلة‪ ،‬وقبرها اليزال حتى اليوم مزارا‪ .‬وقامت عدة محاوالت في العصور‬
‫الوسطى من قبل الزيديين وأعداء اإلسماعيلية اآلخرين في اليمن لتدمير جامع‬
‫ذي جبلة‪ ،‬ولكن حجرة قبر السيدة الحرة التي حفر عليها آيات قرآنية بقيت‬
‫سليمة‪ ،‬ومثل موتها النهاية الفعلية للساللة الصليحية الحاكمة‪ ،‬وعلى إثر وفاتها‬
‫دب الضعف في جسد الدولة الصليحية‪ ،‬وتفككت أوصالها‪ ،‬وصار األمر فيها‬
‫إلى األمراء من آل زريع‪ ،‬وانتهى أمر الصليحيين تماما بعد أن غزا توران شاه‬
‫بن أيوب اليمن سنة ‪569‬هـ‪.‬‬
‫االنشقاق السليماني الداؤدي وانتقال الدعوة إلى الهند‪:‬‬
‫منذ انتهاء الدولة الصليحية استمرت الدعوة الطيبية اإلسماعيلية في مسارها‪،‬‬
‫بقيادة الدعاة من أسرة الحامدي الهمداني‪ ،‬ثم من دعاة بني األنف القرشيين‪،‬‬
‫ابتداء بالداعي علي بن محمد بن الوليد(‪ .)24‬وقد تتابع الدعاة من بني األنف حتى‬
‫عام ‪946‬هـ‪ 1539 /‬م‪ ،‬ولم يتخللهم إال داعيان من أسرة الوادعي‪ ،‬هما الداعي‬
‫علي بن حنظلة الوادعي (ت‪626‬هـ)‪ ،‬وحفيده علي بن الحسين بن علي (ت‬
‫‪686‬هـ)‪ ،‬وكانت سياستهم تسير في خط واحد تقريبا‪ ،‬فقد دأبوا على عدم‬
‫التدخل في شؤون السياسة بقدر اإلمكان‪ .‬ونتيجة الدور الذي لعبه حكم أئمة‬
‫الزيدية ضد اإلسماعيلية‪ ،‬فقد انضوت اإلسماعيلية ضمن القوى المعارضة لحكم‬
‫الزيديين‪ ،‬وكان القرن الثامن الهجري من أكثر الفترات التي شهد فيها الطرفان‬

‫(‪ )24‬علي بن محمد بن الوليد‪ :‬الداعي المطلق الخامس في سلسلة الدعاة الطيبيين في دور‬
‫الستر الثاني الذي أعقب وفاة اإلمام اآلمر بأحكام هللا واستتار ابنه اإلمام الطيب بن‬
‫اآلمر (للمزيد انظر ترجمته في مقدمة ديوانه‪ ،‬تحقيق وتقديم‪ :‬د‪ .‬عمرو بن معديكرب‬
‫حسين الهمداني‪ ،‬منشورات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪-‬‬
‫اليمن‪2015 ،‬م)‪.‬‬
‫‪240‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫اإلسماعيلي والزيدي صراعا مطردا لم يستطع أحد طرفيه أن يكون المنتصر‬


‫المطلق(‪ .)25‬واستمر الوضع على سالف عهده إلى فترة اإلمام الزيدي شرف‬
‫الدين‪ ،‬عندما خاض ولده المطهر ضد اإلسماعيلية أشرس المعاره التي شهدها‬
‫الطرفان‪ ،‬فبدأ حملة تصفية لهم في العام ‪929‬هـ‪1522/‬م في دروم (طيبة) من‬
‫همدان الصغرى القريبة من صنعاء‪ ،‬وأسقط قالعهم وحصونهم الواحد تلو‬
‫اآلخر حتى أجالهم عن بالدهم‪ ،‬وكان آخر تلك الحروب عام ‪944‬هـ‪1537/‬م‬
‫عندما فتح شمس الدين‪ -‬االبن اآلخر لإلمام شرف الدين‪ -‬بالد حراز(‪ .)26‬واعتقد‬
‫اإلسماعيلية أن دخول األتراه إلى اليمن عام ‪1538‬م هو حبل النجاة لهم بعدما‬
‫شردوا من مناطقهم‪ ،‬ولكن لم يدم ذلك حتى لعب األتراه نفس دور األئمة‬
‫الزيديين‪ ،‬حيث قام األتراه بسجن الداعي اإلسماعيلي يوسف الهندي حتى مات‬
‫في سجنه عام ‪973‬هـ‪1565/‬م(‪ .)27‬وكان انتقال الدعوة إلى أحد الهنود عام‬
‫‪ 946‬هـ هو األول من نوعه في تاريخ الدعوة المستعلية الطيبية‪ ،‬وكان آخر‬
‫دعاة بني األنف هو آخر داع يمني يخضع له إسماعيلية الهند الذين عرفوا الحقا‬
‫بـ"البهرة"‪ .‬وبانتقال الدعوة إلى الهند تم نقل الكثير من ذخائر اإلسماعيلية في‬
‫اليمن من كتب وسالح وغيرها‪ .‬ويمكن القول إن ما تم نقله هو بعد حرق أئمة‬
‫الزيدية لكثير من مكتباتهم واستيالئهم على ثرواتهم‪ .‬وجاء نقل الدعوة إلى الهند‬
‫نتيجة الضعف الشديد الذي طرأ على اإلسماعيلية في اليمن‪ ،‬خاصة بعد الهزائم‬
‫التي تكبدوها على يد المطهر بن شرف الدين‪.‬‬
‫وفي العام ‪999‬هـ‪1590/‬م حدث أول انقسام في طائفة اإلسماعيلية‬
‫المستعلية الطيبية عندما توفي ثالث الدعاة الهنود في الهند‪ ،‬وقام سليمان بن‬

‫(‪ )25‬عن ذلك الصراع انظر‪ :‬الحسين‪ ،‬غاية األماني ‪/1‬صـ‪.549-499‬‬


‫(‪ )26‬شرف الدين‪ :‬روح الروح صـ‪.108-107‬‬
‫(‪ )27‬برهان بوري‪ :‬منتزع األخبار صـ‪. 185‬‬
‫‪241‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الحسن‪ -‬حفيد يوسف بن سليمان الهندي القاطن في اليمن‪ -‬بادعاء أحقيته في‬
‫منصب "الداعي الم طلق" بناء على وصية من الداعي السابق‪ ،‬الذي أيده أتباع‬
‫اإلسماعيلية في اليمن‪ ،‬وفي الوقت نفسه قام أتباع الطائفة في الهند بتعيين‬
‫الداعي داؤد بن قطب شاه‪ ،‬وذهب سليمان بن الحسن إلى الهند ليدافع عن حقه‬
‫في منصب الداعي لكن ذلك لم يجد نفعا‪ ،‬ولم يناصره من إسماعيلية الهند سوى‬
‫القليل‪ ،‬ومات ودفن في الهند‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الحين‪ ،‬انقسمت الدعوة إلى قسمين‪ :‬الداؤدية‪ ،‬نسبة إلى الداعي‬
‫داؤد‪ ،‬وأتباعها في الهند ومركزها في بومباي‪ ،‬ومركز فرعي في كراتشي‪،‬‬
‫واليمن وكينيا‪ .‬والسليمانية‪ ،‬نسبة إلى الداعي سليمان‪ ،‬وأتباعها يتمركزون في‬
‫اليمن وإقليم نجران‪ ،‬وفي الهند في حيدر آباد الدكن‪ ،‬وبرودة‪ ،‬وكجرات قرب‬
‫بومباي وفي باكستان(‪.)28‬‬
‫الدعوة السليمانية اإلسماعيلية ونقلها إلى نجران‪:‬‬
‫تجمع أغلب المصادر على أن أول من انتقل إلى نجران من دعاة‬
‫اإلسماعيلية هو الداعي محمد بن إسماعيل المكرمي في العام (‪1108‬هـ‪/‬‬
‫‪1697‬م)‪ ،‬على إثر خالف حول المعتقد مع اإلمام المهدي (أحد أئمة الزيدية)‪.‬‬
‫ومنذ انتقاله‪ ،‬أصبحت نجران مركز ثقل الدعوة ومنطلق قيادتها‪ ،‬وأصبح أهل‬
‫نجران أنصار الدعوة‪ ..‬كما استطاع أن يستقل بحكم نجران عن حكم أئمة‬
‫صعدة‪ ،‬وأصبحت (بدر) المركز الديني المهم لإلسماعيلية‪.‬‬

‫(‪ )28‬األعظمي‪ :‬الحقائق الخفية صـ‪.18 ،17‬‬


‫‪242‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫(‪)29‬‬
‫أينما وجدوا (خار نجران)‪ ،‬من حراز إلى الهند‬ ‫كما أنهم ساسوا المكارمة‬
‫والسند وعراس‪ ..‬إلخ‪ ،‬وقد حكموا نجران لثالثة قرون تقريبا‪ ،‬ساسوا رعيتهم‬
‫بما يحافظ على وحدة القبيلة‪ ،‬حتى إن خر بعض أبنائها عليهم لم يوقعوا بهم‬
‫العقاب ولعل مرجع ذلك يعود إلى أنهم أساسا من أبناء قبائل همدان الصغرى‬
‫ويعرفون قدر وأهمية العرف القبلي‪.‬‬
‫كما اتصفوا بالشجاعة وحسن القيادة في الحروب‪ ،‬كما عززوا سلطتهم‬
‫بالوالء المذهبي‪ ،‬مع اهتمامهم بتربية أبنائهم وأتباعهم بتعاليم مذهبهم(‪.)30‬‬
‫وبانتقال الداعي محمد بن إسماعيل المكرمي (ت ‪1129‬هـ) إلى نجران‬
‫وضع اللبنات األولى لبناء دولة قوية‪ ،‬وقد استمر خلفاؤه بالحفاظ عليها‪،‬‬
‫وأضافوا إلى سلطتهم في نجران كل مناطق أتباعهم في اليمن "التي كانت‬
‫خاضعة لسلطة األئمة الزيديين"‪ ،‬ثم إنهم أصبحوا قوة مرهوبة الجانب في‬
‫الجزيرة العربية بسبب ما قدمته لهم قبيلة (يام) من تعزيز لسلطتهم‪.‬‬
‫كما مارس المكارمة الحماية والضغط على حكام أسرة األشراف في‬
‫المخالف السليماني‪ ،‬وكانت لهم عالقة صراعية مع الدولة السعودية‬
‫األولى(‪ ،)31‬وتأكد لهم فيها زيادة القوة والمهابة‪.‬‬

‫المكارمة‪ :‬أسرة يمنية تولت زعامة بني يام والجماعة اإلسماعيلية الطيبية السليمانية في نجران واليمن‬ ‫(‪)29‬‬
‫منذ القرن الحادي عشر‪ /‬السابع عشر‪ .‬وتتألف األسرة من عشيرة بني مكرم من همدان‪ ،‬الذين سبق أن‬
‫استقروا في القرى الواقعة غربي صنعاء‪ ،‬وفي ما بعد استقر بعض المكارمة في بدر– نجران‬
‫الشمالية‪ ،‬وبقيت بدر مكان إقامة تقليدي للدعاة المكارمة اإلسماعيليين السليمانيين‪ ،‬الذين حافظوا على‬
‫استقاللهم السياسي كحكام ليام حتى ضم المملكة السعودية لنجران عام ‪1934‬م‪( .‬دفتري‪ ،‬معجم‬
‫التاريخ اإلسماعيلي صـ‪.)265‬‬
‫للمزيد انظر‪ :‬نوفل‪ ،‬إسماعيلية اليمن السليمانية "المكارمة"‪.‬‬ ‫(‪)30‬‬
‫حدثت أحداث قوية ومؤامرات بدعوى من الملك سعود الكبير ضد الدعوة الفاطمية في مدينة بدر‬ ‫(‪)31‬‬
‫الجنوب المشهورة بحرب بدر مع جيش الدولة السعودية األولى الذي أرسله سعود الكبير وقوامه‬
‫‪ 100000‬مقاتل تمكن الداعي عبدهللا بن علي ومعه قبائل يام وهمدان من دحره وهزيمته شر هزيمة‬
‫بحيث لم ينج منه إال مثل همل النعم‪ ،‬رغم أنه كان مكونا من أغلب قبائل نجد والجنوب‪ ،‬وتفاصيل هذه‬
‫الحرب ذكرها لطف هللا جحاف في كتابه درر نحور الحور العين‪ ،‬أحداث عام ‪1223‬هـ‪ ،‬كما أوردها‬
‫حمد الجاسر في مجلة العرب عدد الربيعان لعام ‪( .1415‬انظر أيضا أحداث السنة الفاطمية‪،‬‬
‫منشورات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث –اليمن)‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الدعوة اإلسماعيلية في الهند والسند‪:‬‬


‫ارتبطت الهند والسند بعالقات وثيقة مع مركز الدعوة في اليمن‪ ،‬وظهرت‬
‫تلك العالقة بالتعيينات الصادرة من الحضرة الفاطمية في القاهرة‪ ،‬وتعيين‬
‫الدعاة اليمنين دعاة على الهند والسند‪.‬‬
‫وتجلت المرحلة الثانية لعهد "الدعاة المطلقين" الفاطميين في الهند حين تم‬
‫انتقال مركز الدعوة من اليمن إلى الهند مع قيام أول "داع مطلق" في الهند‪،‬‬
‫وهو الداعي المطلق الرابع والعشرون من سلسلة الدعاة الفاطميين‪ ،‬سيدنا‬
‫يوسف بن سليمان الهندي (ت ‪973‬هـ)(‪ .)32‬وقد قام بنص الداعي الثالث‬
‫والعشرين محمد بن الحسين بن إدريس األنف (ت ‪936‬هـ)‪ ،‬وال يزال مركز‬
‫الدعوة حتى الوقت الحاضر في شبه القارة الهندية‪ ،‬وخصوصا البهرة الداؤدية‬
‫والعلوية في عصرنا الحالي هذا ممثلة في شخص الداعي المطلق الفاطمي‪.‬‬
‫وأثناء تاريخ الدعوة في الهند‪ ،‬عرف أبناؤها بـ"البهرة"‪ ،‬وأصبح هذا االسم علما‬
‫عليهم منذ أكثر من أربعة قرون‪( ،‬ومعنى كلمة البهرة باللغة الججراتية تاجر‪،‬‬
‫وهي (أي اللغة الججراتية) إحدى اللغات القومية المنتشرة في مقاطعة كجرات‬
‫(‪)33‬‬
‫اسم قبيلة يمنية‪ ،‬وقد عرف أوائل هذه‬ ‫في غربي الهند)‪ .‬وكذلك "بهرة"‬
‫الجماعة الذين قدموا من اليمن إلى الهند باسم البهرة انتسابا إليها‪ .‬والمرحلة‬
‫الجديدة من تاريخ الدعوة تبدأ من أواسط القرن العاشر للهجرة (عام ‪946‬هـ)‬
‫في الهند بعدما انتقل إليها مركز الدعوة الفاطمية‪ ،‬وال تزال مستمرة حتى الوقت‬
‫الحاضر‪ ،‬وأبرز سمات هذه المرحلة‪:‬‬

‫(‪ )32‬صحيفة الصالة السليمانية صـ‪ 681‬صحيفة الصالة الداوودية ‪/4‬صـ‪.35‬‬


‫(‪ )33‬وهو ما أطلق عليهم بأنها قبيلة يمنية جاءت مع الفتح اإلسالمي إلى تونس‪ ،‬والمقصود‬
‫هنا كناية عن القبيلة اليمنية اإلسماعيلية‪.‬‬
‫‪244‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ ‬حفظ الدعوة‪ ،‬وتربية المؤمنين‪ ،‬وهما الهدفان األساسان للدعوة في كل زمان‬


‫وفي كل مكان مهما اختلفت البيئات والبلدان‪.‬‬
‫‪ ‬عهد الدعوة في الهند‪ ،‬كان أول عهد اتخذ الدعاة الفاطميون فيه مركز الدعوة‬
‫خار البالد اإلسالمية العربية‪ ،‬وبذلك أصبحت مسؤولية الدعاة المطلقين بالهند‬
‫أعظم وأصعب في إقامة الشعائر الدينية‪ ،‬وإثراء اللغة العربية‪ ،‬والمحافظة على‬
‫الثقافة اإلسالمية‪.‬‬
‫كما اهتمت الطائفة اإلسماعيلية في الهند بالتعليم اهتماما بالغا‪ ،‬وأنشأت في‬
‫سبيل ذلك الجامعة السيفية ومركز الدعوة السليمانية‪ ،‬وتم تطوير "الدرس‬
‫السيفي" الذي أقامه الداعي الثالث واألربعون عبد علي سيف الدين مركزا‬
‫للدراسات الفاطمية إلى مستوى المعاهد العلمية العالية‪ ،‬وأصبح بذلك يعرف من‬
‫ذلك الحين باسم "الجامعة السيفية"‪ ،‬وال ننسى الدور الذي قامت به األسرة‬
‫الهمدانية اليمانية في هذا المجال من خالل تأسيس المدرسة المحمدية الهمدانية‬
‫التي أسسها سيدي محمد علي الهمداني (ت ‪1898‬م) ‪ ،‬والتي أتاحت الفرصة‬
‫لطالب العلم بتلقي العلوم اإلسماعيلية‪ ،‬وكان لها دور كبير في نشر التراث‬
‫اإلسماعيلي الفاطمي وحفظه من الضياع والتزوير‪ .‬وحاليا تعد الدار المحمدية‬
‫الهمدانية في اليمن هي المؤسسة العلمية والثقافية الوحيدة في الشرق األوسط‬
‫التي تعنى بالتراث الفاطمي من جميع جوانبه‪ ،‬العلمية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والفلسفية‪،‬‬
‫واألدبية‪ .‬وفي الهند الجامعة السيفية تقوم بهذا الدور‪ ،‬وفي بريطانيا المعهد‬
‫اإلسماعيلي للدراسات بلندن‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬هجرات الطائفة اإلسماعيلية‪ :‬األسباب واآلثار‬
‫من خالل نظرة عامة على حالة أتباع الطائفة اإلسماعيلية في اليمن نجد أن‬
‫هجراتهم كانت ظاهرة ضرورية للبقاء‪ ،‬سواء تلك الهجرات الطوعية المتمثلة‬

‫‪245‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫في التعيينات التي كانت تصدر من حضرة مركز الدعوة في اليمن إلى عمان‬
‫والهند الشرقية‪ ،‬أم بهدف إدارة الدعوة وأتباعها هناه وتنظيم شؤونها‪ ،‬أم من‬
‫خالل عمليات اإلزاحة والتهجير والنفي التي تعرضت لها من األئمة الزيديين‪.‬‬
‫ولذا يجب دراسة ظاهرة الهجرة لهذه الطائفة بشكل أكثر تحديدا ودقة‬
‫لتوضيح طبيعة تلك الهجرات‪ ،‬وأسبابها‪ ،‬واآلثار المترتبة عليها‪.‬‬
‫كانت اليمن مقرا للدعوة ألكثر من ‪ 400‬عام‪ ،‬وهي تواصل اليوم احتضانها‬
‫عددا كبيرا من السكان اإلسماعيليين‪ ،‬ولو أن مسألة العدد هي موضع تجاذب‬
‫كبير ويعود ذلك بشكل خاص إلى االضطهاد الذي مارسه األئمة من حكام‬
‫المملكة الزيدية في شمال اليمن قبل تحولها إلى جمهورية العام ‪1962‬م‪ ،‬فقد‬
‫سعى األئمة الزيديون في صنعاء تقليديا إلى االنتقاص من سمعة الدعوة والدعاة‬
‫المطلقين‪ ،‬طوال التاريخ المضطرب الذي أمضوه معا‪ .‬وأحد األمثلة على ذلك‬
‫ما حدث في العام ‪ 1935‬م‪ ،‬ففي أعقاب توقيع معاهدة الطائف مع الحجاز عام‬
‫‪ 1934‬م حاول اإلمام فرض تحويل جماعي لإلسماعيلية إلى مذهبه‪ ،‬وهم الذين‬
‫سبق أن أجبروا على الدعوة إلى العقيدة الزيدية في مدارسهم‪ .‬وفي سنة‬
‫‪ 1911‬م‪ ،‬سبق للزيديين أن حاصروا قرى اإلسماعيلية في منطقة حراز‪ -‬مكان‬
‫التجمع األكبر لإلسماعيلية في اليمن‪ ،‬حيث عاشوا في عداء دائم تقريبا مع‬
‫جيرانهم الزيديين‪ -‬غير أن اإلسماعيليين المتجمعين قرب ضريح الداعي الثالث‬
‫(‪)34‬‬
‫(ت ‪596‬هـ) في الحطيب‪ ،‬تمكنوا من‬ ‫حاتم بن إبراهيم الحامدي الهمداني‬
‫صد هجوم الزيديين في المعركة التي تلت ذلك‪ ،‬على الرغم من الخسائر الفادحة‬
‫التي تكبدها اإلسماعيليون في هذه المعاره‪ .‬وبعد تحويل مقر قيادة الدعوة إلى‬

‫(‪ )34‬للمزيد انظر الحامدي‪ ،‬تنبيه الغافلين تحقيق‪ :‬د‪ .‬عمرو معديكرب الهمداني‬
‫منشورات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث‪.‬‬
‫‪246‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الهند منتصف القرن العاشر‪ /‬السادس عشر‪ ،‬جرت معاملة اليمن كمقاطعة‬
‫خاصة‪ ،‬فخضعت اإلدارة للسيطرة الكلية للمنصوب (وكيل‪ -‬نائب الداعي)‪ ،‬وهو‬
‫يمني من أهل البالد‪ ،‬تولى اإلشراف على جميع المناصيب (العمال) اليمنيين‬
‫أيضا‪ ،‬في مختلف مراكز اإلسماعيلية في اليمن‪ ،‬وحافظ الدعاة على القيام‬
‫باتصاالت منتظمة مع الجماعة اليمنية‪ -‬هذا بالنسبة لإلسماعيلية الداؤدية‪ -‬بينما‬
‫اإلسماعيلية السليمانية واصلت أنشطتها ونقل مقر الدعوة إلى نجران‪ .‬وتقوم‬
‫سياسة الدعوة على تشجيع اإلسماعيلية اليمنيين على زيارة الهند ونجران (من‬
‫أجل التسجيل والدراسة بشكل خاص)‪ ،‬وحضور تجمعات الجماعة واحتفاالتها‪.‬‬
‫ولقد حقق اإلسماعيليون اليمنيون اندماجا أكبر مع البهرة الهنود‪ ،‬لكنهم‬
‫يواصلون االحتفاظ بعناصر معينة من لباسهم وثقافتهم المميزين‪.‬‬
‫هجرة الطائفة اإلسماعيلية وطبيعتها‪:‬‬
‫لم تقرأ البيئة المجتمعية العربية التاريخ اإلسماعيلي كما يجب أن يقرأ‪،‬‬
‫وربما العتبارات عديدة يدخل في سياقها‪ :‬أوال‪ ،‬سرية هذا التاريخ‪ ،‬مما يؤدي‬
‫إلى تأكيد الحقيقة القائلة‪" :‬من جهل شيئا عاداه"‪ .‬ثانيا‪ ،‬كتابة التاريخ العربي من‬
‫قبل السلطة‪ ،‬وهي (السلطة العربية اإلسالمية) عدوة اإلسماعيلية‪ .‬وبالتالي ف ن‬
‫قراءة تاريخ اإلسماعيلية عبر بوابة التاريخ الشرعي‪ /‬السلطاني‪ ،‬إنما هي قراءة‬
‫أحادية الجانب وسلبية الصورة‪ ،‬وال سيما أن اإلسماعيلية قد جسدت في التاريخ‬
‫العربي اإلسالمي الفصيل األبرز واألهم في تاريخ المعارضة القروسطية‬
‫العربية اإلسالمية‪ .‬ثالثا‪ ،‬تركيز اإلسماعيلية‪ -‬ومنذ بواكيرها األولى‪ -‬على‬
‫المثقف وإهمال الجماهير جعلها في عزلة مجتمعية‪ ،‬أو تشكل دين الخاصة‪ ،‬بل‬
‫حرمانها من طاقات بشرية كان ب مكانها أن تشكل قوة نضالية مقاومة‪ .‬رابعا‪،‬‬
‫ليست اإلسماعيلية وحدها قد دخلها التشويه‪ ،‬وإنما الفصائل العربية اإلسالمية‬

‫‪247‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المعارضة كافة‪ ،‬لكن قد يكون نصيب اإلسماعيلية أكبر من غيرها على‬


‫اعتبارها الفصيل األبرز واألهم على أرض الواقع‪ .‬أمام هذه المعطيات لم تتردد‬
‫السلطوية العربية الحاكمة من باب الحرص على مصالحها واستمراريتها من‬
‫توجيه التهم العديدة لها ‪ ،‬وقد يأتي في مقدمتها تهمة اإللحاد‪ ،‬وهي األخطر‬
‫واألهم على اعتبار البيئة العربية بيئة متدينة‪ ،‬وبالتالي سوف تفعل فعل النار في‬
‫(‪)35‬‬
‫وعانت اإلسماعيلية عبر مراحلها التاريخية‪ -‬سواء خالل مرحلة‬ ‫الهشيم‬
‫سقوط دولتها األولى‪ ،‬أو خالل مرحلة قيام الدولة الصليحية وسقوطها وانتقال‬
‫الدعوة إلى الهند وإقليم نجران‪ -‬من أزمة في المواطنة‪ .‬وال شك أن اليمن‪،‬‬
‫كغيره من بلدان العالم اإلسالمي‪ ،‬بلد متنوع األطياف‪ ،‬وهذه الحقيقة تفرض‬
‫علينا‪ ،‬نحن اليمنيين‪ ،‬أن نفهم حقيقة ما تمر به اليمن‪ ،‬وما تعرضت له من‬
‫مؤامرات‪ ،‬بشكل يتطلب تقبل الرأي اآلخر على أسـس المواطنة والتعايش‬
‫السلمي وقبول اآلخر‪ ،‬وضرورة االتفاق على ما نتفاهم عليه‪ ،‬والحوار على ما‬
‫ال نتفاهم عليه بعيدا عن العنف‪ .‬ومن هنا تتطلب الوطنية أن نحتكم إلى العقل‬
‫(الحكمة) واإليمان‪ ،‬وكما قال المفكر جون ديوي‪" :‬إن عدم العنف هو التحرر‬
‫من الخوف" ذلك أن العنف ليس سوى الوسيلة للصراع ضد سبب الخوف كما‬
‫قال غاندي‪ ،‬وسبب الخوف هو الخوف من اآلخر‪ ،‬وفقدان الثقة بين أبناء البلد‬
‫الواحد‪ ،‬ومن هنا يجب التفكير بالعدالة في كل ناحية من نواحي الحياة لتحقيق‬
‫المصلحة الوطنية العليا‪ .‬وهنا أود أن أؤكد لألطراف الوطنية‪ ،‬أنه ال يمكن‬
‫تحقيق المصالحة الوطنية على أسـس طائفية‪ ،‬أو حزبية‪ ،‬أو إرهابية ترفض‬
‫اآلخر‪ ،‬وتمارس العنف تحت حجج "وطنية"‪ ،‬أو "دينية"‪ .‬فمن غير المعقول أن‬
‫تلتقي ثقافة العنف بثقافة السالم‪ .‬ومن الحمق أن نقول إن ثقافة رفض طرف‬

‫(‪ )35‬انظر اإلسماعيلية بين خصومها وأنصارها صـ‪.127 ،126‬‬


‫‪248‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وطني معين طرفا وطنيا آخر أو إلغائه يهيء األجواء للتسامح والمصالحة‪.‬‬
‫وينبغي أن نفهم أنه ليس من معيار الوطنية حرمان أقلية قومية‪ ،‬أو دينية‪ ،‬أو‬
‫سياسية من حقوقها تحت طائلة المصالحة الوطنية والثقافية‪ ،‬وال يمكن تحقيق‬
‫هذه المصالحة إذا حرمت السلطة الحاكمة القوى الضعيفة والمهمشة من حقوقها‬
‫المشروعة‪ ،‬أو رفضت األغلبية حقوق األقلية باسم "الوطنية"‪.‬‬
‫حالة اإلسماعيلية في اليمن وهجرتهم الداخلية إلى نجران‪:‬‬
‫يتبع البهرة السليمانيون أو المكارمة خطا ًّ من الوراثة يختلف عن خط البهرة‬
‫الداؤدية‪ ،‬اعتبارا من الداعي السابع والعشرين وفي ما بعد‪ ،‬أي بعد والية ثالثة‬
‫دعاة تولوا قيادة الدعوة الطيبية عقب انتقال مقرها إلى الهند عام ‪1539‬م‪/‬‬
‫(‪)36‬‬
‫(ت ‪1005‬هـ) ولده جعفر (ت‬ ‫‪946‬هـ‪ ،‬وقد خلف سليمان بن الحسن‬
‫‪1050‬هـ) الذي عاد إلى اليمن‪ ،‬ومنذ تلك الفترة استقر مقر الدعوة السليمانية‬

‫(‪ )36‬سليمان بن الحسن بن يوسف بن سليمان‪ ،‬الداعي الـ ‪ 27‬من الدعاة المنفردين‪ .‬وسنتحدث بالتفصيل عن أبيه‬
‫وجده وأبنائه وذريته وشجرة نسبه كاملة ضمن موسوعة أعالم المهجر‪ ،‬ونكتفي هنا بنبذة مقتضبة عنه‪:‬‬
‫وهو يعتبر الداعي الرابع من دعاة الهند الذي ابتدـ بجده يوسف بن سليمان والذي به انتهى دور الدعاة من بني‬
‫األنف بعد الداعي محمد بن حسين بن إدريس عماد الدين وأما أولهم فقد كان الداعي علي بن محمد الوليد األنف‬
‫والذي نذكر نسبه كامال لعموم الفائدة حسبما ورد في كتاب منها الدين وكتاب جنان الجنان‪ ،‬فهو‪ :‬علي بن محمد بن‬
‫أحمد بن جعفر بن الحسن بن يحيى بن إبراهيم األنف بن أبي سلمه بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن الوليد بن المغيرة‬
‫بن عمران بن عاصم بن الوليد بن عتبة (أخو هند بنت عتبة) بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن‬
‫كالب‪ ..‬إلخ النسب المتصل مع نسب الرسول ص إلسماع يل بن إبراهيم عليهم السالم‪ .‬حيث نجدهم يلتقون مع بني‬
‫هاشم عند عبد مناف ومن جاء بعده من آباء الرسول الكرام‪.‬‬
‫أما كالمنا عن الداعي سليمان بن الحسن فسنجعله في عدة نقاط على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ - 1‬والدته ونشأته‪:‬‬
‫* ولد الداعي سليمان بن الحسن في يوم االثنين ‪ 27‬شوال عام ‪961‬هـ في اليمن‪ ،‬حيث تربى في كنف والده الداعي‬
‫المؤهل غير المنفرد سيدنا الحسن بن يوسف بن سليمان‪ ،‬ووالدته الحرة زينب بنت موسى بن سليمان‪ .‬ولكن‬
‫الدهر لم يمهل والده كثيرا حيث وافاه األجل في األول من شهر رمضان عام ‪966‬هـ ودفن بالجورة في طيبة‬
‫وعمر سيدنا سليمان آنذاه خمس سنوات‪.‬‬
‫* درس في صغره القرآن‪ ،‬ولما بلغ عمره عشر سنوات درسه جده سيدنا يوسف بن سليمان كتاب "الشهاب في‬
‫الحكم واألمثال واآلداب" وهو من تأليف القاضي الشافعي أبي سالمة القضاعي أحد قضاة الدولة الفاطمية في‬
‫وقت اإلمام المستنصر باهلل عليه السالم‪ ،‬وكان ق د أهداه لإلمام فقبله منه وكافأه عليه‪ .‬وكانت دراسة الداعي‬
‫سليمان لهذا الكتاب في يوم الغدير من سنة ‪971‬هـ‪ .‬واستمر جده في تدريسه حتى انتقاله في ‪ 16‬شهر ذي الحجة‬
‫عام ‪ 973‬هـ‪ ،‬ودفن بطيبة باليمن‪.‬‬
‫‪ - 2‬سفره وارتحاله إلى الهند‪:‬‬
‫* لما بلغ ‪ 14‬سنة ارتحل إلى الهند وبلغ ه وهو في طريقه إليها انتقال الداعي عبدالجليل بن الحسن إلى جوار ربه‬
‫حيث كانت نقلته في ‪ 16‬ربيع اآلخر من سنة ‪974‬هـ‪ ،‬ولم يتسلم أمر الدعوة إال ألربعة شهور فقط بعد الداعي‬
‫يوسف بن سليمان‪.‬‬
‫* وصل العلم له بانتقال أمر الدعوة والقيام بها للداعي داؤد بن عجب فارتحل إلى حضرته في أحمد آباد‪ ،‬وفيها أخذ‬
‫عليه العهد الكريم‪ ،‬وكان ذلك في صباح ليلة القدر من تلك السنة‪ ،‬وكانت تلك هي والدته الدينية‪.‬‬
‫* بعد عامين بعدما بلغ السادسة عشرة جدد عليه أخذ العهد وذلك في عام ‪977‬هـ‪.‬‬
‫* في الثامنة عشرة من عمره فسحه الداعي لصالة الجماعة بمحله شيدبور‪ ،‬وكان ذلك في يوم الغدير ‪ 18‬ذي‬
‫الحجة من عام ‪ 979‬هـ‪ .‬وسيأتي تفصيل حياته ضمن الموسوعة العلمية لعلماء المهجر‪( .‬انظر أحداث السنة‬
‫الفاطمية منشورات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث)‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫في نجران‪ .‬ويطلق السليمانيون العرب على أنفسهم لقب " المكارمة" نسبة إلى‬
‫أسرة داعيتهم‪ ،‬في حين يواصل السليمانيون الهنود استخدام تسمية "البهرة‬
‫السليمانيين"‪ .‬أما عن عدد نفوس السليمانيين فآخر اإلحصاءات توضح ارتفاعا‬
‫ملحوظا في أعدادهم‪ ،‬حيث بلغ عددهم في اليمن ونجران ما يقارب‪،120000‬‬
‫بينما يصلون في الهند إلى عشرات اآلالف‪.‬‬
‫وكان المكارمة مقيمين في "دروم ‪/‬طيبة"(‪ ،)37‬ولكن الدعوة لم تنتقل إليهم‬
‫إال متأخرة‪ ،‬فقد أورد صاحب كتاب "في بالد عسير"(‪ )38‬أسماء أربعة دعاة من‬
‫الهنود قاموا بأمر الدعوة في الهند وطيبة من عام ‪ 974‬إلى ‪ 1088‬هجرية‬
‫وهم‪ :‬داوود بن عجب‪ ،‬الذي حصل بعد وفاته انفصال فرقة الداؤدية عن‬
‫السليمانية‪ ،‬وسليمان بن حسن‪ ،‬وجعفر بن سليمان‪ ،‬وعلي بن سليمان‪ ،‬وحين‬
‫وفاة األخير أوصى باألمر إلى إبراهيم بن محمد بن الفهد بن صالح المكرمي‪،‬‬
‫فقام بالدعوة في بلدة طيبة مدة ‪ 44‬سنة‪ ،‬وحين وفاته عهد بها إلى حفيده محمد‬
‫بن إسماعيل بن إبراهيم فحصل بينه وبين الزيود حرب غلب فيها فهرب إلى‬
‫القنفذة(‪ ، )39‬ومنها دعاه إسماعيليو نجران ليكون بينهم‪ ،‬فحضر إلى بالد نجران‪،‬‬
‫وسكن بلدة بناها وأسماها "الجمعة"‪ ،‬ولكنها اآلن خراب‪.‬‬
‫ومع أن المكارمة غرباء عن نجران‪ ،‬وليس لهم سلطة زمنية (السيما إذا‬
‫أخذنا بعين االعتبار أن اليامية مؤلفة من ثالثة فروع‪ ،‬لكل فرع رئيس زمني‬
‫قوي) ف نهم نجحوا في أعمالهم‪ ،‬وأصبحوا أصحاب الشأن في األمور الدينية‬
‫والزمنية‪ ،‬وامتدت فتوحاتهم إلى األطراف المجاورة‪ ،‬ووصل بعضهم إلى تريم‬
‫(‪ )37‬طيبة (همدان) هي إحدى قرى عزلة ربع همدان بمديرية همدانة التابعة لمحافظة صنعاء بلغ تعداد سكانها‬
‫‪ 558‬نسمة حسب تعداد عام ‪2004‬م (الدليل الشامل‪ -‬محافظة صنعاء‪،www.yemenna>com ،‬‬
‫مديرية همدان الجهاز المركزي لإلحصاء بالجمهورية اليمنية)‪.‬‬
‫(‪ )38‬حمزة‪ ،‬في بالد عسير ط‪1388/ 2‬هـ مكتبة النصر الحديثة‪ ،‬الرياض‪ ،‬صـ‪174‬‬
‫(‪ )39‬محافظة القنفذة هي إحدى أكبر محافظات منطقة مكة المكرمة‪ ،‬تقدر مساحتها بحوالي ‪ 7032‬كم‪ ،‬تطل‬
‫غربا على ساحل البحر األحمر ويعود تاريخ نشأتها إلى عام ‪1311‬م في فترة حكم الخليفة العباسي‬
‫سليمان المستعلي باهلل‪( .‬ويكيبيديا الموسوعة الحرة)‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫حضرموت‪ ،‬وبعضهم إلى أواسط نجد أيام النزاع بين آل سعود وابن دواس وآل‬
‫(‪. )40‬‬
‫‪.‬‬ ‫مغمر‬
‫واحتلت دول األئمة الزيديين المرتبة األولى من بين القوى التي شهدت‬
‫صداما مع اإلسماعيلية في اليمن لتعارض مصالحها السياسية والدينية مع‬
‫مصالحهم‪ .‬وكما ذكرنا‪ ،‬ف ن انتقال الداعي محمد بن إسماعيل المكرمي إلى‬
‫(‪)41‬‬
‫(ت ‪1130‬هـ)‬ ‫نجران كان في عهد اإلمام المهدي صاحب المواهب‬
‫وصاحب األطوار الغريبة‪ ،‬وقد وصفه الشوكاني بأنه أول من أخذ األموال من‬
‫حل ومن غير حل‪ ،‬ولكن أيضا المتوكل من قبله كان قد كفر أهالي اليمن‬
‫األسفل‪ -‬كفر تأويل‪ ،-‬وفرض عليهم األموال الخراجية بدال عن الزكاة‪ .‬وقد ذكر‬
‫(‪)42‬‬
‫أن عالقة اإلمام المتوكل القاسم بن الحسين‬ ‫صاحب كتاب "جالء األخيار"‬

‫(‪ )40‬انظر في بالد عسير صـ‪.174‬‬


‫(‪ )41‬اإلمام المهدي محمد بن أحمد صاحب المواهب (‪1097‬م‪1130-‬هـ) من أئمة آل القاسم‪،‬‬
‫عارضه الكثير من الدعاة لكنه تمكن من هزيمتهم‪ ،‬وفي عهده كانت فتنة المحطوري في بالد‬
‫الشرف‪ ،‬وقد احتط هذا اإلمام ثالث مدن عاصمة لدولته كان آخرها المواهب التي عرف بها‬
‫وكانت فيها وفاته بعد أن أحكم معارضه المتوكل القاسم الحصار عليه فيها الشوكاني البدر‬
‫الطالع‪32-30/2 ،‬‬
‫(‪ )42‬من تأليفات سيدنا محمد بن عبدهللا بن سليمان صاحب التأليفات الرائقة في التاريخ وفي غيره‬
‫من العلوم والذي اقتبسه من جميع كتب السير التي كتبت في هذا المجال سواء طيبية أو قائمية‬
‫وأسماه "جالء أفكار األخيار" ووضعه في ثالث أجزاء‪:‬‬
‫األول‪ :‬يبدأ من سيدنا الذؤيب حتى آخر دعاة بني األنف سيدنا محمد بن حسين بن إدريس عماد الدين‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬في سيرة دعاة الهند الستة ابتداء من سيدنا يوسف بن سليمان حتى سيدنا الفيض علي بن‬
‫سليمان‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬في سيرة الدعاة من المكارمة ابتداء من جده إبراهيم بن محمد بن الفهد حتى سيدنا إسماعيل‬
‫بن هبة‪ ،‬ويكون بذلك هذا الكتاب بجميع أجزائه تكلم عن تاريخ الدعوة من عام ‪1184 - 520‬‬
‫وهي السنة التي انتقل فيها الداعي إسماعيل بن هبة‪.‬‬
‫وتوصلنا الى أن الجزء الثالث من هذا الكتاب موجود في دار المخطوطات باليمن ولكن مزق‬
‫أوله وكتب عليه العنوان (تاريخ المكارمة) وهذا اجتهاد ممن لم يروا عنوانه الصحيح كتبوا‬
‫عليه ذلك‪ ،‬وقد يكون وضعه عليه البعثة المصرية التي زارت اليمن عام ‪1951‬م‪ ،‬وطبعا‬
‫التمزيق الذي أصابه بسبب الزيدية ألنه تحدث عنهم وأبان حقيقتهم وما اقترفوه بحق‬
‫اإلسماعيلية وكذلك ما يدعيه الزيدية في أئمتهم من مناقب مزعومة‪ ،‬ويدعم المؤلف فيها كتب‬
‫التاريخ التي لدى المذاهب األخرى في اليمن‪ ،‬وهو من الكتب المحرزة إلى يومنا هذا بأمر من‬
‫اإلمام يحيى حميد الدين‪.‬‬
‫‪251‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫بالداعي هبة هللا بن إبراهيم المكرمي كانت جيدة‪ ،‬وأنه كان يستشيره في الكثير‬
‫من األمور(‪.)43‬‬
‫غير أن البداية الفعلية لعالقة الصراع بين المكارمة واألئمة‪ ،‬بوصفهما‬
‫قوتين‪ ،‬كانت في عهد المنصور الحسين بن المتوكل‪ ،‬فقبيل تقلده لمنصب‬
‫اإلمامة كان الناصر محمد بن إسحاق قد أعلن إمامته‪ ،‬وصارت دولته هي‬
‫األقوى بتأييد من بعض قبائل حاشد وبكيل‪ ،‬وحصرت قواته المنصور في‬
‫صنعاء‪ ،‬غير أن شخصية المنصور ساعدته على الصمود‪ .‬ثم إن حدثا كان له‬
‫األثر الكبير في ترجيح كفته على معارضه عندما قام الحسن بن إسحاق شقيق‬
‫الناصر محمد بن إسحاق بالمسير إلى طيبة في شعبان ‪1140‬هـ‪ ،‬وأمر من فيها‬
‫من المكارمة ب فراغ دورهم‪ ،‬مما أدى إلى استنجادهم بأقربائهم في نجران(‪.)44‬‬
‫وبالفعل لم يتمكن جيش يام المرسل من الداعي هبة هللا بن إبراهيم المكرمي من‬
‫نجدتهم‪ ،‬حيث وصل الجيش وكان المكارمة قد طردوا من طيبة‪ ،‬ولكن الجيش‬
‫تمكن من السيطرة على بالد الحيمة وحراز‪ ،‬ووصل إلى صنعاء‪ ،‬وتمكن من‬
‫فك الحصار الذي ضربته القبائل الم ناصرة لمحمد بن إسحاق‪ ،‬وسار الجميع إلى‬
‫طيبة‪ ،‬وما لبث الحسن بن إسحاق أن فر بمجرد دنو جيش المكرمي(‪ .)45‬وبعد‬
‫أن نصرت قبائل يام المنصور بن الحسين‪ ،‬وبعد أن استتب له األمر‪ ،‬عزم على‬
‫إخرا المكارمة مما أقطعهم إياه من أراضي حراز والحيمة‪ ،‬وهو ما حدث‬
‫بالفعل من إخراجهم من أكثرها في عام ‪1143‬هـ بعد فترة وجيزة من إقطاعهم‬
‫إياها‪ .‬ونستغرب موقف اإلمام ذاه ألن البالد التي أقطعها لهم هي في األصل‬
‫من المناطق التابعة للدعوة اإلسماعيلية تاريخيا‪ ،‬فهو لم يقدم فضال منه وإنما‬

‫(‪ )43‬انظر‪ :‬جالء األخيار مخ ‪14‬أ‪.‬‬


‫(‪ )44‬جالء األخيار مخ ‪ 99-98‬أ‪.‬‬
‫(‪ )45‬انظر‪ :‬إسماعيلية اليمن المكارمة صـ‪.110‬‬
‫‪252‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أعاد حقا كان مسلوبا منهم(‪ ،)46‬وأدى هذا الفعل إلى تأجيج الصراع‪ ،‬وخرو‬
‫المكارمة من يام إلى نجدة إخوانهم‪ .‬ونستبعد تلك األحداث الملفقة على المكارمة‬
‫من قيامهم بنهب مدينة بيت الفقيه في يام‪ ،‬وترجع تلك المصادر إلى المناوئين‬
‫لإلسماعيلية وال يعتد بها‪ .‬وتذكر المصادر اإلسماعيلية أن الداعي دفع عن أخيه‬
‫كل سوء وفك الحصار‪ ،‬وأن هم لم يرحلوا عن طيبة إال بعد أن جرى بينهم صلح‬
‫وبين اإلمام أعاد بمقتضاه ما قطعهم‪ ،‬ووعدهم ب عادة طيبة وإعادة ما أخذه من‬
‫أموال(‪ ، )47‬وتوالت الصراعات بين الفريقين‪ ،‬وكانت بالنسبة لإلسماعيلية‬
‫مواقف دفاعية وحماية للنفس‪ ،‬بينما كانت ألئمة الزيدية حروب إبادة جماعية‬
‫ضد اإلسماعيلية‪ ،‬واستطاعت اإلسماعيلية خالل مراحل الصراع من الصمود‪،‬‬
‫وفي بعضها كانت لهم غلبة‪ ،‬كما حدث في قتل الناصر عبدهللا بن الحسن على‬
‫أيديهم‪ ،‬الذي وصفه القاضي محمد بن علي العمراني في كتابه "إتحاف النبيه‬
‫بتاريخ القاسم بن محمد وبنيه"‪ ،‬فأشار إلى أنه كان ممن يقوم باستالب مال‬
‫الخلق‪ ،‬وال يجيب إن دعيت لنزاله‪ ،‬وال يبرز إن اشتد المراس‪ ،‬وغير ذلك مما‬
‫يوضح حقيقة ما كان عليه الناصر(‪.)48‬‬
‫وتوضح المصادر أن قتل الناصر لم تقم به اإلسماعيلية لوحدها فقط‪ ،‬وإنما‬
‫(‪)49‬‬
‫وكان أهم أسباب مقتل الناصر هو‬ ‫انضمت إليها بقية همدان من الزيدية‬
‫األذى الذي أصاب اإلسماعيلية وأهل الدعوة على يد الناصر‪ ،‬فقتلوه بمساندة‬
‫الدعوة من يام‪ ،‬وقال العمراني عن مقتل الناصر‪" :‬إن مقتل الناصر يوم عيد‬
‫للمسلمين"(‪.)50‬‬

‫(‪ )46‬انظر‪ :‬البراهين المضيئة مخ ‪8‬أ‪ ،‬ب‪.‬‬


‫(‪ )47‬انظر‪ :‬جالء األخيار مخ ‪135‬أ‪.‬‬
‫(‪ )48‬تنظر‪ :‬إتحاف النبيه مخ‪36/‬أ‪.‬‬
‫(‪ )49‬حوليات يمانية صـ‪.95‬‬
‫(‪ )50‬انظر‪ :‬مائة عام صـ‪ ،287‬هامش‪.‬‬
‫‪253‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وعن عالقة اإلسماعيلية بالدولة السعودية األولى والثانية ال يمكن أن يشتمل‬


‫بحثنا على هذه األحداث‪ ،‬ولكن يجب إفراد بحث كامل يتناول تلك العالقة‬
‫والتحوالت التي ساعدت في بقاء اإلسماعيلية في نجران وبالد يام واستمرارهم‬
‫حتى يومنا هذا‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬ف ن الممارسات التي اتبعها األئمة الزيديون كانت السبب‬
‫الرئيس في تهجير ونفي أعداد كبيرة من اإلسماعيلية إلى الهند الشرقية‪ ،‬حيث‬
‫أدت الممارسات القمعية‪ ،‬وحروب اإلبادة التي وجهت ضدهم إلى قيام قيادات‬
‫اإلسماعيلية بنقل التراث اإلسماعيلي إلى الهند‪ ،‬حيث قام الزيديون بحرق‬
‫وتدمير كل موروثات اإلسماعيلية في اليمن‪ ،‬وسيأتي تفصيل ذلك الحقا‪.‬‬
‫إن تحديد سنة بعينها تاريخيا النتقال المكارمة إلى نجران من المسائل التي‬
‫يصعب البت فيها لتباين المصادر في ذلك كتباينها في تحديد اسم أول شخص‬
‫منهم سكن نجران‪ ،‬فمن قائل إن محمد بن الفهد المكرمي كان أول من استقر‬
‫(‪)51‬‬
‫أما بقية المصادر فتكاد تجمع على أن أول‬ ‫فيها‪ ،‬وكان مقامه في بلدة بدر‬
‫من انتقل إلى نجران هو الداعي محمد بن إسماعيل المكرمي‪ ،‬وكانت فترة‬
‫تزعمه للدعوة ما بين (‪1094-1129‬هـ‪1717-1683 /‬م)‪ ،‬أي أن جل فترته‬
‫(‪)52‬‬
‫(ت ‪1130‬هـ)‪ .‬ومن خالل‬ ‫عاصرت إمامة المهدي صاحب المواهب‬
‫األحداث التي أورد ها المؤرخون اإلماميون عن تاريخ اإلمام المهدي‪ ،‬ال نجد‬
‫ذكرا لخصامه مع اإلسماعيلية أو حربهم‪ ،‬وال نجد إال حدثا واحدا وجه فيه‬
‫المهدي حمالته ضد قبيلة همدان الصغرى التي يقطن المكارمة إحدى مناطقها‪،‬‬
‫لما أعلن الشيخ جابر بن خليل الهمداني العصيان إثر الخالف الذي جرى بينه‬

‫(‪ )51‬انظر‪ :‬إسماعيلية اليمن السليمانية المكارمة‪ ،‬صـ‪ 76‬فليبي مرتفعات الجزيرة العربية ‪2‬‬
‫صـ‪ 683‬الوصال‪ ،‬تاريخ عسير‪.‬‬
‫(‪ )52‬سبق التعريف عنه‪.‬‬
‫‪254‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وبين اإلمام‪ ،‬وانتهى ذلك العصيان بقتل ابن خليل وهزيمة أعوانه‪ .‬والملفت‬
‫للنظر في هذه األحداث هو إجالء اإلمام المهدي لهمدان عبر البحر إلى الهند‬
‫والصين بعد أن تخربت ديارهم‪ ،‬وهي الطريقة ذاتها التي رحل بها محمد بن‬
‫إسماعيل المكرمي‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى ما أوردته المصادر ف ن جميعها تؤكد أن انتقال الداعي محمد‬
‫بن إسماعيل المكرمي إلى نجران كان على إثر خالف طرأ بينه وبين اإلمام‬
‫المهدي صاحب المواهب ألمور أنكرها على طائفته‪ ،‬فقام ب خراجه من طيبة‬
‫ومعه أتباعه من الطائفة‪ ،‬لكن تختلف تلك المصادر في تحديد ذلك التاريخ‪،‬‬
‫ومنها أن ذلك كان في عام ‪1109‬هجرية‪1697-1696 /‬م‪.‬‬
‫وتأتي رواية أخرى إسماعيلية مفادها أنه في العام ‪1111‬هـ جرى خالف‬
‫بين محمد بن إسماعيل المكرمي وبين شريف يدعى مطهر‪ ،‬مقره في صنعاء‪،‬‬
‫أسفر عن ترحيل محمد بن إسماعيل المكرمي من طيبة ومعه بعض من خواصه‬
‫عبر ميناء عدن إلى ميناء مصوع في الحبشة‪ ،‬وعند وصولهم هنالك هبت ريح‬
‫أعادتهم إلى عرض البحر ثم إلى عدن‪ ،‬ليأمر الشريف مطهر مجددا بترحيلهم‪،‬‬
‫وعند رحيلهم هبت ريح للمرة الثانية وقذفت السفينة إلى ميناء القنفذة حيث نزل‬
‫الداعي وصحبه وساروا مشيا دون إخبار ربان السفينة عن وجهتهم التي لم تكن‬
‫سوى نجران(‪ ، )53‬وقد ذكر صاحب كتاب جالء األخيار قصة مشابهة‪ ،‬خال أنه‬
‫ذكر المهدي صاحب المواهب عوضا عن الشريف مطهر‪ ،‬ولم يحدد سنة رحيل‬
‫الداعي محمد بن إسماعيل(‪.)54‬‬
‫وقد استقر الداعي محمد بن إسماعيل المكرمي في بلدة اسمها "الجمعة" هي‬
‫اآلن بلدة خربة‪ ،‬وتكاثر المكارمة الوافدون واستقروا في بلدات عدة بنجران‬
‫(‪ )53‬انظر‪ :‬إسماعيلية اليمن السليمانية‪ ،‬صـ‪.78‬‬
‫(‪ )54‬انظر‪ :‬جالء األخيار (ق ‪ 25‬أ)‪.‬‬
‫‪255‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أشهرها بدر‪ ،‬المركز الديني المهم للطائفة‪ ،‬وتقع في وادي حبونا شمال وادي‬
‫نجران على حدود عسير‪ .‬ومن البلدان األخرى التي سكنوها‪ ،‬خشيوة وسهلة‪،‬‬
‫وعلو المخالف‪ ،‬وقصور شعيب‪ ،‬وبران‪.‬‬
‫وتعاقب الدعاة في نجران‪ ،‬وبخالف ما جرى عليه الطابع السيادي في الخالفة‪،‬‬
‫ف نه منذ تسلم المكارمة للدعوة لم يخلف ولد أباه إال في حالتين‪ ،‬عندما خلف‬
‫إسماعيل بن هبة هللا والده‪ ،‬والحالة األخرى الحسين بن أحمد وولده علي بن‬
‫الحسين‪ ،‬وما عداهما ف ن الدعوة كانت تنتقل أحيانا من األب إلى الحفيد‪ ،‬أو من‬
‫أخ إلى أخيه‪ ،‬أو من داع إلى داع آخر من فرع يبتعد في نسبه عن سابقه إلى‬
‫ثالثة أو أربعة أنسال‪ ،‬وأبعد من ذلك ف نها قد تخر من أسرة المكارمة إلى‬
‫غيرها‪ ،‬كما حدث بتولي الحسن بن إسماعيل شبام(‪ ،)55‬من إسماعيلية حراز‪،‬‬
‫وعلي بن محسن شبام (الداعي الـ‪ )46‬المهاجر إلى نجران الحقا‪ ،‬كما أنها‪ -‬أي‬
‫الدعوة‪ -‬قد تخر إلى أحد الهنود‪ ،‬كما حدث بتولي غالم حسين بن فرحات‬
‫الهندي(‪ ، )56‬وعلى الرغم من أنه لم يكمل السنة حتى توفي‪ ،‬ف ن األمر قد حمل‬
‫داللة كبيرة بشأن ربط إسماعيلية الهند السليمانية باليمن وبث الشعور في‬
‫أوساطهم بأن لهم مكانتهم وذلك بتولي أحدهم منصب الداعي المطلق(‪.)57‬‬

‫(‪ )55‬الحسن بن إسماعيل شبام الداعي الـ(‪ )42‬عند السليمانية‪ ،‬وهو من إسماعيلية حراز تولى‬
‫الدعوة عام ‪1262‬هـ‪ ،‬ووسع من نطاق دولته في حراز إلى ما حولها من مناطق الحيمة وفي‬
‫غيرها من المناطق وذلك بمساندة المكارمة ويام له‪ ،‬وقد سيطر األتراه على دولته واقتادوه‬
‫أسيرا إلى ال حديدة حيث مات فيها بعد أن كانوا أزمعوا على إرساله إلى إسطنبول وذلك عام‬
‫(‪1289‬هـ)‪ ،‬انظر‪ :‬إسماعيلية اليمن المكارمة‪ ،‬صـ‪ /85‬هامش‪5‬‬
‫(‪ )56‬غالم حسين الهندي الداعي الـ(‪ )47‬عند السليمانية قام برحلتين إلى اليمن قبل توليه الدعوة‬
‫األولى عام ‪1303‬هـ واألخرى عام ‪ 1327‬هـ انظر‪Daftary The Ismail's their :‬‬
‫‪History and Doctrines p321‬‬
‫(‪ )57‬أحدث هذا االنتقال عقب حالة طارئة بعد أن شهدت نجران حربا بين دولة اإلمام يحيى حميد‬
‫الدين وبين آل سعود حول السيطرة على نجران وما قام به الجيش اإلمامي من االستيالء‬
‫على نجران ودخول بدر مركز الدعوة (انظر‪ :‬إسماعيلية اليمن المكارمة‪ ،‬صـ‪.)85‬‬
‫‪256‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وبخصوص تسمية دولة المكارمة من عدمها في نجران‪ ،‬فنحن لسنا بصدد‬


‫دراسة ذلك‪ ،‬ولكن المهم أن سلطة المكارمة تمتعت بمقومات تكاد تكون مقومات‬
‫الدولة من التنظيم اإلداري والعسكري‪ ،‬وتشكل جيش‪ ،‬والمكان الجغرافي أيضا‪.‬‬
‫والمهم في األمر أن‪ ،‬إسقاطنا لتلك المقومات يؤكد لنا أن نجران منطقة مستقلة‬
‫ال تخضع لغير المكارمة‪ ،‬كما أن نفوذهم تعدى ذلك إلى مناطق مخالفة في‬
‫حراز وعراس‪ ،‬والعدين‪ ،‬وهمدان الصغرى‪ ،‬ولهم نواب عنهم في تلك المناطق‪.‬‬
‫وبالنسبة للجيش‪ ،‬فقد توفر للمكارمة جيش من رجال يام الذين اشتهروا‬
‫بقوتهم وصالبتهم في الحروب‪ ،‬وعلى الرغم من أن سلطة المكارمة كانت دينية‬
‫في األصل‪ ،‬ف ن الطابع السياسي فيها كان واضحا‪ ،‬وهذا يجعلها مشابهة إلى حد‬
‫ما لسلطة األئمة الزيديين التي اعتمدت أصال على الطابع الديني‪ .‬وقد يكون‬
‫الهدف منها تكوين سلطة سياسية هدفها تكوين دولة لها مقوماتها وفقا للمنظور‬
‫اإلسماعيلي للدولة التي توجب اعتالء الزعيم الديني قمة الهرم السياسي لها‬
‫ممثال باإلمام أو من يقوم مقامه وهم الدعاة‪.‬‬
‫وكذلك فقد صاغ المكارمة العديد من المواثيق مع القوى التي احتكت بهم‬
‫مثل األئمة‪ ،‬وأشراف (أبو عريش)‪ ،‬والدولة السعودية‪ ،‬ومحمد علي باشا‪،‬‬
‫وقادوا جيوش يام في حمالتهم الكثيرة‪ ،‬وقاموا بتوزيع دعاتهم في كل مناطق‬
‫طائفتهم‪ ،‬وهذا ما نالحظه بانتشار المكارمة في جميع مناطق اإلسماعيلية في‬
‫اليمن‪.‬‬
‫أما األموال فكانت تصل إلى خزانة الدعوة من مصادر متعددة من الزكوات‬
‫والخمس وغيرها من أتباع الطائفة‪ ،‬ومن المحاصيل التجارية والزراعية التي‬
‫كانت تديرها الطائفة في اليمن‪ ،‬وأهمها محاصيل زراعة البن‪ ،‬إضافة إلى‬

‫‪257‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫األموال التي كانت تسلم من قبل األئمة‪ ،‬وأشراف أبو عريش‪ ،‬والتي تعد‬
‫مصادر أخرى أيضا‪.‬‬
‫وبهذا ف ن مقومات الدولة كانت آنذاه مقياسا لتسمية قوة ما بها‪ ،‬فقد توفرت‬
‫جميعها في سلطة المكارمة على قبائل يام ونجران‪ ،‬ولهذا نجد كثيرا من‬
‫المؤرخين المعاصرين لبعض األحداث التي دونوها في كتبهم كانوا يطلقون‬
‫على الداعي الذي عاصر فترتهم ألقابا‪ ،‬مثل "حاكم نجران"‪ ،‬أو "سيد نجران"‪،‬‬
‫أو "صاحب نجران"‪ ،‬وهي ألقاب غالبا ما كانت تطلق على من كانوا يحكمون‬
‫دولة مستقلة‪.‬‬
‫ونظرا للمعطيات التي تقدمها لنا المصادر‪ ،‬ف ننا يمكن أن نسمي سلطة المكارمة‬
‫بـ"السلطة السياسية الدينية القبلية" حيث تمكن المكارمة من صهر تلك‬
‫السلطات الثالث إبان حكمهم لقبائل يام الذي استمر قرابة ثالثة قرون‪.‬‬
‫وهنا نورد ما قاله فليبي‪ ،‬عندما تخيل بلدة بدر في أيامها الخوالي‪ ،‬وذلك بعد‬
‫أن وصل إليها ورأى حالها في عصره بقوله‪" :‬ال بد أن تكون بدر في أيام‬
‫أوجها في عصر المكارمة مركزا ذا أهمية عالية وعظيمة حكما بما يشهد عليه‬
‫ما تبقى من قصورها ومبانيها والفلل ذات الحدائق"(‪.)58‬‬
‫ويمكن القول أيضا إن أول هجوم للدولة السعودية تم على نجران حدث عام‬
‫‪ 1210‬هـ بقيادة مباره بن هادي قرملة رئيس قبيلة قحطان‪ ،‬واقتصر هجومه‬
‫على بدو نجران‪ ،‬ويبدو أنه كان مجرد جس لنبض قبائل يام ألنه لم يصل إليهم‬
‫واقتصر على البدو الساكنين في أطراف نجران‪ ،‬وكان أول هجوم وصلت‬
‫قوات السعوديين إلى قرى نجران عام ‪1215‬هـ عندما بعث عبدالعزيز بن‬
‫محمد آل سعود حملة اصطدمت مع الياميين في نهوقة على بعد ثالث مراحل‬

‫(‪ )58‬انظر‪ :‬فليبي مرتفعات الجزيرة العربية‪.679/2 ،‬‬


‫‪258‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫من نجران‪ ،‬حيث دارت رحى الحرب بين الطرفين‪ ،‬واستمرت أياما استطاع‬
‫السعوديون إجبار يام على التراجع إلى قرب بدر‪ ،‬مركز الداعي عبدهللا بن علي‬
‫المكرمي(‪ ،)59‬وبدت هزيمتها وشيكة إال أن القوات التي جاءت لدعمها غيرت‬
‫مسار الحرب حيث تم إلحاق الهزيمة بالسعوديين(‪ .)60‬وتوالت المواجهات بين‬
‫الطرفين في عدة مواقع أهمها هجوم السعوديين على نجران عام ‪1223‬هـ الذي‬
‫انتهى بانتصار اإلسماعيلية وهروب جيوش السعوديين‪ .‬وكانت أهم عوامل‬
‫انتصار المكارمة ويام تتمثل في‪:‬‬
‫‪ ‬تحصن قبائل يام في قالعهم‪ ،‬التي يسمونها بـ"الدروب" المبنية من الطين‬
‫ومن الحجارة‪ ،‬تلك القالع التي أوقفت هجوم السعوديين أكثر من مرة‪ ،‬وقد‬
‫أدره اآلخرون ذلك‪ ،‬وهذا ما دعاهم إلى بناء حصنين للغرض ذاته مما أتاح‬
‫لهم فرصة البقاء لفترات طويلة‪.‬‬
‫‪ ‬شدة مراس أهل نجران الذين عرفوا به في خار بالدهم‪ ،‬وكانوا أشد مراسا‬
‫في بالدهم ألنهم أدرى بطبيعتها وبمسالكها‪ ،‬ثم إنهم يعلمون ما تعقبه الهزيمة‬
‫من إذالل لهم‪ ،‬وهذا ما كان يجعلهم يستبسلون في القتال‪.‬‬
‫‪ ‬الخطط الحربية التي اتبعها المكارمة أثناء المعاره وحسن توجيههم ليام‪،‬‬
‫مما أدى في نهاية األمر إلى النصر‪.‬‬
‫وأدت هزائم السعوديين في نجران إلى إعاقة توسعهم في بالد اليمن‬
‫الجبلية ومن ثم امتداد قواهم في مناطق تهامة(‪.)61‬‬

‫(‪ )59‬الداعي الـ ‪ 37‬من دعاة الفرقة السليمانية (صحيفة الصالة السليمانية‪ ،‬صـ‪.)715‬‬
‫(‪ )60‬انظر‪ :‬درر نحور الحور‪ ،‬صـ‪.754‬‬
‫(‪ )61‬انظر‪ :‬إسماعيلية اليمن السليمانية‪ ،‬ص‪.222‬‬
‫‪259‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وال يمكن إغفال دور العجمان وآل مرة(‪ ،)62‬حيث يرجع المهتمون بأنساب‬
‫القبائل نسب العجمان إلى علي بن هاشم من ولد هبرة بن الغوث بن الغز بن‬
‫مذكر بن يام‪ ،‬وقد غلب على لقب عجيم لوجود عجمة في لسانه(‪ ،)63‬أما آل مرة‬
‫فهم من أبناء جشم بن يام‪ ،‬وكانت مساكنهم مع أبناء عمومتهم في نجران‪ ،‬ثم‬
‫نزحوا إلى نجد في حدود عام ‪1130‬هـ(‪ ،)64‬وأشار صاحب "لمع الشهاب" إلى‬
‫أن العجمان حلوا نجدا منذ مائة سنة‪ ،‬ويمشون في أي موضع شاؤوا منها لقوتهم‬
‫وشجاعتهم(‪ ،)65‬وقال فؤاد حمزة عن آل مرة‪" :‬من أقدم القبائل العربية وأصحها‬
‫نسبا‪ ،‬وأشدها مراسا‪ ،‬وأكثرها همجية‪ ،‬وأبعدها عن الحضارة"(‪.)66‬‬
‫وقد اتسمت عالقة العجمان وآل مرة بالسعوديين بعدم الثبات‪ ،‬فحينا تراهم‬
‫ضمن جيوش السعوديين التي كانت تسير إلى أكثر من مكان في الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬ثم فجأة يناصبون السعوديين العداء‪ .‬وكان للعجمان حروبهم الشديدة مع‬
‫حكام األحساء آل عريعر‪ ،‬وكان الخاسر فيها األخيرون‪ ،‬وأشهرها حرب‬
‫الرضيمة عام ‪1238‬هـ‪ ،‬حيث انتصر العجمان وتمكنوا من بسط يدهم على‬
‫األحساء‪ ،‬وقد سارع رجال يام في مد يد العون إلى إخوانهم العجمان في هذه‬
‫الحرب وقاتلوا إلى جانبهم(‪.)67‬‬
‫شكل اإلسماعيلية السليمانية في اليمن امتدادا لمن سبقهم من أسالفهم من‬
‫السرية‪ ،‬والعمل الدؤوب على‬ ‫اإلسماعيلية في الفكر والسياسة‪ ،‬وفي انتها‬
‫إعادة مجد ما مضى‪ .‬فعقب تولي أسرة المكارمة للدعوة بعد أكثر من مائة عام‬

‫(‪ )62‬آل مرة أو بني مرة قبيلة عربية يقيمون في السعودية وقطر واإلمارات العربية المتحدة‬
‫والكويت والبحرين وحضرموت ومصر ويتمركز تواجدهم في السعودية وقطر‪.‬‬
‫(‪ )63‬انظر‪ :‬إمتاع السامر‪ ،‬صـ‪.491‬‬
‫(‪ )64‬انظر‪ :‬رحلة عبر الجزيرة العربية‪ ،‬صـ‪.210‬‬
‫(‪ )65‬انظر‪ :‬لمع الشهاب صـ‪.126‬‬
‫(‪ )66‬انظر‪ :‬قلب جزيرة العرب صـ‪.202‬‬
‫(‪ )67‬انظر‪ :‬إسماعيلية اليمن السليمانية صـ‪.223‬‬
‫‪260‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫من تولي دعاة هنود لها‪ ،‬أعادت إلسماعيلية اليمن مكانتهم‪ ،‬وقد كان انتقال‬
‫الداعي محمد بن إسماعيل المكرمي إلى نجران حجر األساس األولى لتكوين‬
‫سلطة إسماعيلية قوية‪ .‬فبعد أن استقل بها استمر حلفاؤه على الحفاظ على ذلك‬
‫االستقالل‪ ،‬وزادوا عليه إخرا جميع مناطق أتباعهم في اليمن عن سلطة األئمة‬
‫الزيديين‪.‬‬
‫صار المكارمة قوة تهاب‪ ،‬ليس في اليمن وحسب بل في الجزيرة العربية لما‬
‫تقدمه قبيلة يام من تعزيز لسلطتهم‪ ،‬فكانت أولى القوى التي احتكت بهم‪ -‬وكما‬
‫هي العادة في تاريخ اإلسماعيلية في اليمن‪ -‬الزيدية ممثلة بآل القاسم‪ ،‬وجرت‬
‫بينهم معاهدات وحروب‪ ،‬وصيغت بينهم مواثيق كانت تعطي المكارمة المزيد‬
‫من النفوذ والسيطرة في اليمن‪ .‬ونتيجة لما بلغته سلطة المكارمة من قوة فقد‬
‫مارست الضغط على قوة األشراف آل خيرات في المخالف السليماني‪ ،‬وجرت‬
‫بينهم وبين الدولة السعودية األولى حروب كانت تزيد من قوة المكارمة‪ ،‬وتؤكد‬
‫على أن قدرتهم الحربية ال يستهان بها‪.‬‬
‫ومع ذلك كله فقد أمضى المكارمة في نجران السنوات الطويلة وهم يكافحون‬
‫في سبيل تكوين دولة إسماعيلية‪ ،‬لكنهم وسط تراكم األحداث وتسيير الحمالت‬
‫وإنشاء عالقة مع قوة وأخرى‪ ،‬فقدوا الكثير من الزمن دون أن يحققوا غايتهم‬
‫المنشودة‪ ،‬على الرغم من أن المكارمة لم يتوانوا لحظة في سبيل ذلك‪.‬‬
‫امتداد نفوذ المكارمة إلى مناطق اإلسماعيلية الخاضعة لحكم األئمة الزيديين‪:‬‬
‫وجه المكارمة نشاطهم نحو مناطق اإلسماعيلية األخرى في همدان الصغرى‬
‫وحراز‪ ،‬وعراس‪ ،‬والمزاحن‪ ،‬مستهدفين إخرا تلك المناطق عنن سنلطة األئمنة‬
‫الزيننديين‪ .‬وكمننا رأينننا فنني ثنايننا البحننث‪ ،‬الننزمن الطويننل والصننراع المريننر الننذي‬
‫خاضنوه ضنند األئمننة فنني سنبيل تثبيننت سننيطرتهم عليهننا‪ ،‬وممنا يالحننظ علننى ذلننك‬

‫‪261‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الصراع أن حراز كانت صاحبة النصيب األوفر منن اهتمنام المكارمنة أكثنر منن‬
‫المناطق اإلسماعيلية األخرى‪ ،‬ولعل ذلك يرجع إلى عدة عوامل أهمها‪:‬‬
‫‪ ‬المكانة الرف يعة التي يكنها اإلسماعيلية جميعهم لحراز‪ ،‬فقد شنهدت االنطالقنة‬
‫األولننى ألشننهر دول اإلسننماعيلية فنني الننيمن الدولننة الصننليحية‪ ،‬وكننذلك فنن ن‬
‫التنراث الفكننري مننن مؤلفننات اإلسننماعيلية التنني تمتلننال بهننا حصننونها ال توجنند‬
‫بهذه الكثرة في غيرها(‪.)68‬‬
‫‪ ‬حصانتها التي أعاقت الكثير من محاوالت األئمة استردادها في ما بعد‪.‬‬
‫‪ ‬البعد النسبي عن صنعاء عاصمة الدولة القاسمية مقارنة بمناطق اإلسماعيلية‬
‫في همدان الصغرى‪ ،‬ومحاذاة بالد حراز لتهامنة التني كاننت الطرينق المعتناد‬
‫لمسير أيام إلى حراز‪ ،‬مقارنة ببعد عراس عن تهامة‪.‬‬
‫‪ ‬وأخيرا زراعة البن في حراز الذي يتوفر بكميات كبيرة‪ ،‬خالف بقينة منناطق‬
‫اإلسماعيلية‪ ،‬وما يقدمه ذلك المحصول النقدي من دخل كبير(‪.)69‬‬
‫حالة اإلسماعيلية في الهند وبلدان المهجر‪:‬‬
‫إن ما مارسه األئمة الزيديون من ممارسات اضطهادية ضد أتباع‬
‫اإلسماعيلية تجب معاينته على أساس من السياق السياسي المحلي لليمن‪ ،‬فقد‬
‫مرت اليمن بمرحلة مهمة خالل حكم الدولة الصليحية‪ ،‬وكان للدولة الصليحية‬
‫األثر الكبير في إعمار اليمن وتطوير البنية التحتية بشكل غير معهود‪ ،‬واآلثار‬
‫الباقية أكبر دليل على هذا اإلعمار الذي حاولت الدويالت التي لحقتها غمره‬
‫ونسيانه‪ ..‬ومن أهم تلك المعالم العمرانية بناء الجامع الكبير المقدس‪ ،‬الذي جرى‬
‫استحداث الجانب الشرقي كامال بأمر من السيدة الحرة أروى بنت أحمد‬

‫(‪ )68‬انظر‪ :‬عيون األخبار‪ ،‬السبع السابع‪ ،‬صـ‪ ،11‬مقدمة المحقق‪.‬‬


‫(‪ )69‬انظر‪ :‬إسماعيلية اليمن المكارمة‪ ،‬صـ‪.92‬‬
‫‪262‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الصليحي‪ ،‬كما أننا نجد أن تعبيد الطرق لم تعرفه اليمن بشكله الحديث إال في‬
‫إطار حكمهم من الدولة الصليحية‪ ،‬ومن ذلك مثال طريق نقيل السياني وغيرها‬
‫من الطرق‪ ،‬كما أمرت السيدة الحرة أروى بنت أحمد الصليحي ببناء صهاريج‬
‫في عدن وما يجاورها‪ ،‬وكانت ثمانمائة صهريج‪ ،‬المتبقي منها حاليا ثمانون‬
‫صهريجا فقط‪ ،‬وهذا نموذ عن حالة اإلعمار التي شهدتها اليمن خالل مرحلة‬
‫حكم الدولة الصليحية‪.‬‬
‫هذا أدى إلى شعور األئمة الزيديين بضرورة القضاء على هذا التراث‬
‫العظيم والعمل على تغييبه‪ ،‬وتمت كتابة التاريخ بطريقة مختلفة تتناسب مع‬
‫أهواء الحكام‪.‬‬
‫وفي إطار محاوالت الزيود إخفاء معالم الدولة الصليحية‪ ،‬توجهت سياساتهم‬
‫نح و اإلبادة الجماعية لهذه الجماعة من خالل الحمالت العسكرية المتتالية نحو‬
‫القضاء عليهم‪ ،‬وهذا أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من األسر الناجية في محاولة‬
‫منهم للهروب من هذا الواقع المؤلم‪ ،‬وكانت المناطق التي تم التوجه منها‬
‫محدودة للغاية‪ ،‬ويمكن حصرها في المناطق المحلية اآلتية‪ :‬منطقة عراس‬
‫ونجران‪.‬‬
‫وبالنسبة للهجرة الخارجية‪ ،‬كانت الهند هي موطن قدم للمهاجرين‬
‫اإلسماعيليين اليمنيين‪ ،‬فقد كانت هي المالذ اآلمن لهم‪ ،‬ولذا انتقل إليها العديد من‬
‫األسر‪ ،‬خصوصا تلك اإلسماعيلية الداؤدية‪ ،‬وكانت كجرات هي أول‬
‫المستوطنات للطائفة اإلسماعي لية‪ ،‬وأما معظم أتباع الدعوة اإلسماعيلية‬
‫السليمانية فقد توجهوا نحو منطقة نجران‪ ،‬حيث هدفوا من خالل ذلك النزوح‬
‫النجاة بحياة من تبقى‪ ،‬ومحاولة إنشاء دولة محايدة في تلك المنطقة اآلمنة‪،‬‬
‫مدفوعين على العموم بأمل الحصول على حياة أكثر أمنا وازدهارا‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وخضعت الدعوة اإلسماعيلية لقيادة متصلة من "الدعاة المطلقين" الذين‬


‫أقاموا في اليمن‪ ،‬ثم تحولوا إلى الهند عام ‪ 946‬هجرية‪ ،‬حيث كان للجماعة‬
‫جذور تعود إلى القرن الخامس‪ .‬وعلى الرغم من التاريخ المضطرب إلى حد‬
‫ما‪ ،‬ف ن الجماعة الهندية تمكنت من البقاء واالنتعاش‪ ،‬ثم انتشرت تدريجيا‬
‫لتشتمل على شتات في مختلف أرجاء العالم‪ .‬وما أهدف إليه هنا هو تحليل‬
‫تاريخي‪ ،‬ال أنثروبولوجي أو إثنولوجي‪ ،‬يتناول الكتلة األساسية من اإلسماعيلية‬
‫المستعليين الطيبيين وهم البهرة الداؤدية‪ ،‬والسليمانية‪ ،‬والعلوية‪ .‬وللبهرة‬
‫توصيف فريد بين الملل المسلمة‪ ،‬وسيقوم هذا التحليل التاريخي ب لقاء الضوء‬
‫على الطريقة التي من خاللها حافظ البهرة على تماسكهم وحماستهم كجماعة‬
‫اتصفت بثقافة ذات نزعة طقوسية تقليدية مميزة وفكر تحديثي إيجابي متالئم‪،‬‬
‫وسيوضح كيف أن قادتهم الدعاة كانوا القوة الدافعة في توجيه مصير الجماعة‬
‫وتطور نشأتها في أزمنة متغيرة‪.‬‬
‫كان القرن التاسع عشر بداية لفصل جديد في تاريخ اإلسماعيلية اليمنيين في‬
‫الهند‪ ،‬فقد آذن بحلول فترة من السلم النسبي للدعوة‪ ،‬نجم بصورة أساسية عن‬
‫إقامة السلطة البريطانية في الهند‪ ،‬عقب سنوات طويلة من اضطهاد الحكام‬
‫السنة لهم‪ .‬وبعد سنوات عدة من عدم االستقرار‪ ،‬تم إنشاء مركز جديد في‬
‫سورات اتخذ مقرا لقيادة الدعوة‪ ،‬وكانت سورات مركزا تجاريا في غجرات‬
‫التابعة لسيطرة "شركة الهند الشرقية البريطانية" مباشرة‪ ،‬وقد وفرت الحماية‬
‫من االضطهاد الديني وفرصا مالية متزايدة أيضا‪ ،‬يضاف إلى ذلك الدور الكبير‬
‫الذي ل عبه دعاة الطائفة اإلسماعيلية في الهند من إصالحات ذات األثر الدائم‬
‫وإرساء بنية تحتية صلبة ومتجددة للدعوة‪ ،‬فمنحها ذلك عزما جديدا في جميع‬
‫المجاالت الدينية‪ ،‬واإلدارية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬واألدبية‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫لقد تأثر اإلسماعيليون كمواطنين هنود في الفترة العصرية باألحوال‬


‫ا لسياسية والتوجهات العقائدية المتغيرة‪ ،‬بما في ذلك الوجود البريطاني في‬
‫الهند‪ ،‬واستقاللها وتقسيمها‪ ،‬والحكومات التي قادتها األحزاب السياسية‬
‫المختلفة‪ ،‬والتقدم التقني الثوري للتحديث‪ ،‬والحركات األيديولوجية‪ ،‬كحركة‬
‫تحرير المرأة‪ ،‬وفرص تعليمية أشمل‪ ،‬وحقول عمل وتقنيات جديدة في مجال‬
‫األعمال‪ .‬وكان التحكم باستجابة الجماعة واالنطباع الذي تركته المؤثرات‬
‫الخارجية عليها وتفاعلها معه من اختصاص الدعاة ومناصيبهم‪ .‬وعلى العموم‪،‬‬
‫ف ن االنفتاح على التطورات الخارجية اإليجابية يدل على ثقة بالنفس‪ ،‬وسياسة‬
‫من التسامح والديبلوماسية يمكن مالحظتها في عالقات الدعوة مع اآلخرين‪،‬‬
‫وتوافقها مع قوى اجتماعية وسياسية وأيديولوجية جديدة‪ ،‬وربما معادية‪ ،‬مهدت‬
‫الدرب للتعامل مع تحديات جديدة طرحها العالم العصري بدرجة مهمة من‬
‫النجاح‪.‬‬
‫وتكشف دراسة معمقة لإلسماعيلية أن تفسيرهم الخاص للشريعة اإلسالمية‪،‬‬
‫باعتب ارها تصلح بصورة أساسية لكل العصور‪ ،‬وفلسفتهم القائمة على الفكر‬
‫وأخالقياتهم المتصفة باالنفتاح العقلي‪ ،‬وتقاليدهم في األعمال‪ ،‬وأخيرا بنيتهم‬
‫التنظيمية المتمركزة على الداعي وتماسكهم‪ ،‬قد ساهمت كلها في تسهيل عملية‬
‫تبن فريدة للحداثة وتوافق معها‪ .‬إن أسلوب الحياة والنظرة اللتين توجههما‬
‫األعمال التجارية قد شجعا تفاعال مع ثقافات أخرى وتبني متطلبات التقدم‪،‬‬
‫وكان االعتقاد الضمني بالعقيدة الفاطمية‪ -‬التي تؤمن بأن العقل والدين متوافقان‬
‫بصورة أساسية ويعتمد أحدهما على اآلخر‪ ،‬وتدعو إلى وجوب أخذ "الحكمة"‬
‫من أي مصدر‪ -‬قد مكنهم من اعتناق جميع اإلنجازات العلمية للعلوم‬
‫والتكنولوجيا الحديثة التي ال تتعارض صراحة مع مثاليات اإلسالم‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫واعتبر دور الداعي في مراقبة استجابة الجماعة للحداثة دون الخرو عن‬
‫المثاليات الدينية‪ -‬وهذا اختالف مستقل في درجة التطابق في قطاعات مختلفة‬
‫داخل الجماعة ال مفر منه‪ -‬أمرا حاسما في تعزيز األفعال الرشدية التقليدية‪،‬‬
‫وفي توجيه وتصديق ضم اإلبداعات الحديثة‪ ،‬وفي وضع المقاييس الموثوقة‬
‫للتغير واالستمرارية‪ ،‬وأخيرا‪ ،‬لكن ليس أقلها أهمية‪ ،‬في توفير تركيز فعال‬
‫للوالء الروحي والتماسك الثقافي(‪.)70‬‬
‫ومن أهم األسر اليمنية الناجية التي هاجرت إلى الهند أسرة الهمداني التي‬
‫كان لها نشاط علمي واسع على مستوى الدعوة اإلسماعيلية في الهند‪ ،‬وأسست‬
‫المؤسسة العلمية المشهورة بـ"المدرسة المحمدية الهمدانية"‪ ،‬وسنتطرق لها في‬
‫مبحث منفصل من هذه الدراسة‪.‬‬
‫وبالنسبة للبهرة السليمانية في الهند‪ ،‬ف ن تسيير شؤونهم يعود إلى ممثل‬
‫الداعي المعروف باسم "المنصوب" والمقيم في فادودارا (بارودا سابقا في‬
‫والية غجرات)‪ ،‬ويوجد بهرة سليمانيون يعيشون في حيدر آباد (دكن)‪ ،‬وأحمد‬
‫آباد ومومباي‪ ،‬ولديهم مركز في مومباي يعرف باسم بدري باغ‪.‬‬
‫كما توجد جماعة صغيرة منهم في باكستان‪ ،‬ويبدو أن للجماعة خار منطقة‬
‫نجران ‪ -‬حراز اتصاالت قليلة مع الداعي‪ ،‬وأن التعامالت بين السليمانيين‬
‫الهنود واليمنيين محدودة‪ ،‬فاليمنيون يختلفون كثيرا في أسلوب حياتهم وثقافتهم‬
‫عن الهنود‪ .‬وقامت الجماعة السليمانية الهندية باإلضافة إلى ذلك بالنأي بنفسها‬
‫ثقافيا تدريجيا واالبتعاد عن جذورها الغجراتية‪ ،‬ويتكلم أفرادها اليوم األوردية‬
‫بصورة مشابهة ألكثرية المسلمين الهنود‪ .‬ومن األسر البارزة عند البهرة‬
‫السليمانيين أسرة طيبجي‪ ،‬من القرن التاسع عشر وأوائل العشرين‪ ،‬التي ينتمي‬

‫(‪ )70‬انظر‪ :‬تاريخ اإلسماعيليين االستمرارية والتغيير‪ ،‬صـ‪. 374‬‬


‫‪266‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫إليها محام هندي مسلم‪ ،‬هو بدر الدين طيبجي‪ ،‬والباحث اإلسماعيلي المشهور‬
‫آصف علي فيضي (‪1981 -1899‬م)‪ .‬وكانت أسرة طيبجي تدعو إلى هدفين‬
‫"تقدميين" هما‪ :‬تعليم حديث (وخاصة اللغة اإلنكليزية) لكال الجنسين‪ ،‬والتخلي‬
‫عن ارتداء الحجاب‪ .‬لكن ال يبدو أنهم حققوا اليوم تقدما كبيرا في المجال‬
‫التقني(‪.)71‬‬
‫كما يوجد البهرة العلويون‪ ،‬المشهورون شعبيا بـ"البهرة العلوية"‪ ،‬وهم‬
‫يتبعون خطا مختلفا أيضا عن خط البهرة الداؤديين منذ زمن الداعي التاسع‬
‫والعشرين وفيما بعد ذلك‪ ،‬أي بعد عهد داعيين من فترة االنشقاق عن‬
‫(‪)72‬‬
‫(ت‬ ‫السليمانيين‪ ،‬واكتسبوا تسميتهم إلى الداعي علي شمس الدين بن إبراهيم‬
‫‪1631‬م‪1041 /‬هـ) ‪ -‬وهو من ساللة إدريس عماد الدين‪ ،‬وأول يمني يترأس‬
‫الدعوة الداؤدية ‪ -‬وأطلقوا على أنفسهم لقب "العلويين"‪ ،‬وعلى دعوتهم "الدعوة‬
‫العلوية الهادية"‪ ،‬وبعد عهود ثالثة دعاة‪ ،‬أي في العام ‪1090‬هـ‪ ،‬انتقل مقر‬
‫الدعوة العلوية من أحمد آباد إلى فادودارا التي بقيت مقرا لقيادة الدعوة العلوية‬
‫حتى يومنا هذا‪( ،‬وسنتحدث عن تأثيرهم وتأثرهم الحقا)‪.‬‬
‫وقننند هننناجر بعضنننهم منننن النننيمن‪ ،‬وكنننذلك منننن الهنننند إلنننى الوالينننات المتحننندة‬
‫األمريكية وأوروبا والشنرق األوسنط‪ ،‬وأكثنرهم يعملنون فني التجنارة‪ ،‬ويهيمننون‬
‫على سوق البصريات في فادودارا‪ ،‬ولهم أنشطة في مجاالت كالحقوق‪ ،‬والطب‪،‬‬
‫وعلوم الحاسوب‪ .‬أما عناداتهم‪ ،‬ومعتقنداتهم‪ ،‬وهرمينة (حندود) دعنوتهم فمشنابهة‬

‫(‪ )71‬انظر‪ :‬ثيودور ب‪ .‬رايت "النسب اإلسالمي والحداثة‪ :‬عشيرة طيبجي في بومباي" في امتياز أحمد‪،‬‬
‫األسرة والنسب والزوا بين المسلمين في الهند (نيودلهي ‪ ،)1976‬صـ‪.238 -217‬‬
‫(‪ )72‬انظر‪ :‬اإلسماعيليون تاريخهم وعقائدهم‪ ،‬صـ‪.479‬‬

‫‪267‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫(‪)73‬‬
‫لتلننننننننننك التنننننننننني للبهننننننننننرة الننننننننننداؤديين‪ ،‬بمننننننننننا فنننننننننني ذلننننننننننك الميثنننننننننناق‬
‫(‪)75‬‬
‫أو العهد"(‪ ،)74‬واللغة (لسان الدعوة)‪ ،‬وطراز اللباس‪.‬‬
‫تقاليد اإلسماعيلية في التعليم(‪:)76‬‬
‫يعد التعليم الديني مطلبا أساسيا ال غنى عنه‪ ،‬وبالتالي هما أساسيا للدعاة‪ ،‬فقد‬
‫شكل تاريخيا أولوية ووسيلة لتعزيز المكانة الروحية للداعي‪ ،‬ولديمومة التراث‬
‫األدبي الغني للدعوة وتقوية الروابط الدينية‪ ،‬فأقدمت الدعوة على إنشاء المرافق‬
‫المتنوعة للتعليم الديني‪ ،‬بما في ذلك نظام المدرسة‪ ،‬وتقاليد الوعظ العريقة‬
‫التي استمرت عبر العصور بال انقطاع‪ ،‬أما عن أدب‬ ‫‪77‬‬
‫المعروفة "بالمجالس"‬
‫الدعوة والتعليم فسنناقشه الحقا ونوضح هيكلية الدعوة التنظيمية‪.‬‬
‫كان للبهرة اليمنيين الدور الكبير في ابتداء حملة تطوير أدبية‪ ،‬وكانت‬
‫األساس في ذلك المدرسة "المحمدية الهمدانية" التي أسسها سيدي‪ 78‬محمد علي‬

‫(‪ )73‬العهد‪ :‬نص يقرأه المستجيب وعلى أساسه يعتنق المذهب اإلسماعيلي ويقسم على كتمان سر الدعوة وعدم‬
‫انتشار علومها وطاعة إمام الزمان الذي يطلع فيها على أعماله (منتزع األخبار مج‪ /2‬صـ‪.)22‬‬
‫(‪ )74‬ال تفيد المصادر المبكرة بوجود تاريخ محدد لتجديد العهد‪ ،‬وقد ورد في أماكن مختلفة في منتزع األخبار‬
‫مج‪ 2‬أن تجديد العهد كان يجري في الثامن عشر من ذي الحجة يوم الغدير لما لهذا اليوم من أهمية عند‬
‫الشيعة اإلمامية‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪Ivanow، A cread of the fatimids ( Bomby، 1936 ) 13-17 ; Halm، the isma’ili oath of Allegiance and the‬‬
‫‪“sessions of wisdom” in f. Daftary )ed( mediaeval isma’ili History and thaught،91 -98.‬‬
‫للمزيد انظر الموقع اإللكتروني‬ ‫تاريخ اإلسماعيليين االستمرارية والتغيير‪ ،‬صـ‪443‬‬ ‫(‪)75‬‬
‫(‪( www.alavibohra.org‬‬
‫األيديولوجيا‪ :‬يطلق البهرة على منظمتهم الدينية تسمية "الدعوة الهادية" وعلى أنفسهم "المؤمنون"‪،‬‬ ‫(‪)76‬‬
‫وتشكل المعتقدات التالية المبادئ األساسية أليديولوجيتهم‪ ،‬المبدأ األول هو اإلقرار بوحدانية هللا (الذي‬
‫يعتقد به جميع المسلمين)‪ ،‬فالبهرة يؤمنون بأنه هو الخالق الذي ال يحيط به فكر أو مخيلة‪ ،‬ثم مبدأ أساسي‬
‫آخر هو االعتقاد (الخاص بالشيعة) بوجود مرشد روحي (إمام) في كل عصر مهدي باهلل ومعصوم‬
‫وكامل ويقوم بوظيفة الربط بين هللا والبشرية‪ ،‬ويستقي نوره من هللا ويبثه بين الناس‪ ،‬وأن هذه القيادة منذ‬
‫بدء الخلق وتستمر دون انقطاع حتى يرث هللا األرض والسماء وما بينهما‪ ،‬وهي متسلسلة في خط واحد‬
‫تنتقل من األب إلى االبن حيث يعين كل إمام خليفته قبل وفاته‪ ،‬ومن هذا الخط ظهر النبي محمد ص‬
‫ووصيه علي بن أبي طالب ثم أعقبهما خط من األئمة كانوا من ذرية محمد ص وعلي (والصلة بينهما‬
‫هي أمهم فاطمة ابنة ا لنبي محمد وزوجة الوصي علي)‪( .‬انظر‪ :‬عقائد اإلمامة الفاطمية في الفصل الذي‬
‫كتبه القاضي النعمان في الوالية في كتابه دعائم اإلسالم‪ ،‬تحقيق‪ ،‬آصف فيضي‪ ،‬صـ‪.)120‬‬
‫من أمثلة ذلك المجالس المؤيدية للمؤيد في الدين هبة هللا الشيرازي‪ ،‬والمجالس الحاتمية للداعي حاتم بن‬ ‫(‪)77‬‬
‫إبراهيم الحامدي وغير ذلك كثير‪.‬‬
‫سيدي‪ :‬تعني حرفيا "مليكي" أو "أميري" لكنها هنا لقب دون مستوى "سيدنا" ويمنح لرجال دين أو‬ ‫(‪)78‬‬
‫باحثين بارزين أو أصحاب رتبة في الدعوة‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الهمداني (‪1898 -1844‬م) ‪ ،‬وتابعه في ذلك أبناؤه وأحفاده حتى يومنا‬


‫الحاضر‪ ،‬وتضمن البرنامج الذي افتتحه تعليما مكثفا ومنظما بصورة دقيقة‪،‬‬
‫فوصلت دراسة اللغة العربية مستويات جديدة عالية‪ ،‬وتم تفسير القضايا الفقهية‬
‫للمعامالت (القانونية) ومناقشتها‪ ،‬وصنفت الكتب والرسائل التي تناولت‬
‫مواضيع متنوعة‪ ،‬إلى جانب نظم األشعار بالعربية واللغات الهندية األخرى‬
‫(األوردو والججراتية)‪ ،‬وكانت هذه المؤسسة التعليمية توازي حاليا الدور الذي‬
‫تقوم به الجامعة السيفية التي تأسست في بداياتها بجهود حثيثة من الداعي‬
‫الداوودي عبد علي سيف الدين‪ ،‬والتي كان لها تأثير أيضا في تنظيم شؤون‬
‫الدعوة في مجال التعليم‪.‬‬
‫وفي أعقاب الخالف الذي نشب حول "نظرية انقطاع النص" في زمن‬
‫عبدالقادر نجم الدين‪ ،‬تعرضت معاهد الدرس للتهميش‪ ،‬ومن ضمنها "المدرسة‬
‫المحمدية الهمدانية" التي نعتقد أنه تم التحفظ عليها‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬نرى تقدما مهما تحقق في التربية والتعليم في نطاق الدعوة‪،‬‬
‫(‪)79‬‬
‫أصبح تعليم الدعوة في متناول عامة‬ ‫وب دخال نصوص "لسان الدعوة"‬
‫البهرة‪ ،‬وواصلت مؤسسات نظام المدرسة انتعاشها وتزايدت أعدادها بصورة‬
‫ثابتة خالل القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫وفي القرن العشرين‪ ،‬ومع ازدياد التعليم الديني‪ ،‬بدأت الدعوة رسميا بتشجيع‬
‫(‪)80‬‬
‫ورعاية التعليم الحديث غير الديني‪ ،‬وعندما أصبح طاهر سيف الدين‬
‫(ت ‪1385‬هـ) داعيا‪ ،‬ازداد عدد مؤسسات نظام المدرسة خالل فترة قصيرة‬
‫من ‪ 30‬إلى ‪ ،300‬ثم جرت عملية تدقيق وتوسع لمعاهد الدرس التي أعيدت‬

‫(‪ )79‬لسان الدعوة‪ :‬وتعني حرفيا لغة الدعوة‪ ،‬وهي لهجة غجراتية تكتب بخط عربي فيها‬
‫كثير من الكلمات العربية‪.‬‬
‫(‪ )80‬الداعي الـ (‪ )51‬من دعاة الفرقة الداؤدية‪.‬‬
‫‪269‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫تسميتها بـ "الجامعة السيفية"‪ ،‬وفقا لنمط المعاهد العصرية‪ ،‬وتمت مراجعة‬


‫مخططات مناهجها لتشمل مواضيع علمية غير دينية كمادتي العلوم واللغة‬
‫اإلنجليزية‪ ،‬كما تم "تأسيس دائرة" التعليم لتنظيم مدارس الدعوة‪ ،‬وأنشئت‬
‫المدارس االبتدائية والثانوية للبنين والبنات التي درست مناهج تعليمية حديثة‪،‬‬
‫إلى جانب دراسات دينية كمادة إضافية‪ ،‬على غرار كليات التعليم العالي‪ .‬وطور‬
‫(‪)81‬‬
‫عملية تحديث الجامعة‪ ،‬إضافة إلى طرائق التعليم‬ ‫الداعي محمد برهان الدين‬
‫العالي‪ ،‬وتزويد المكتبة بوسائل أفضل‪ ،‬مع إعادة تنظيم وتحسين القدرات‬
‫والحصول على اعتراف بالجامعة كمعهد ديني للتعليم العالي من قبل بلدان‬
‫مختلفة‪ ،‬منها كراتشي ونيروبي‪ ،‬وكان لها دائرتها المستقلة ذاتيا في بدري‬
‫محل‪ ،‬حيث تلقى اهتمام الداعي الشخصي‪ ،‬وتواصل بناء المدارس الجديدة‪،‬‬
‫وأصبحت الدعوة مسؤولة اليوم عن مئات المدراس(‪ .)82‬وثمة مدارس دينية‬
‫تسمى "مدرسة لألطفال البهرة" في معظم المدن التي تضم سكانا من البهرة‪،‬‬
‫ومن أجل إتاحة الفرصة لألطفال لحضور المدارس العلمانية في أيام األسبوع‪،‬‬
‫ف ن المدارس الدينية تقيم دروسها إما مساء أو في عطل نهاية األسبوع‪ .‬أما‬
‫خار الهند وباكستان‪ ،‬ف ن المدرسة في دبي هي من أفضل المدارس التي‬
‫يؤمها التالميذ‪ ،‬حيث تخصص ساعتين من الحصص يوميا في المدارس‬
‫العلمانية التي يديرها البهرة‪ ،‬وثمة عدد كبير من المعلمين الدينيين المحترفين‬
‫ممن تدربوا في الجامعة‪ ،‬كما يوجد آخرون من المتطوعين الذين تدرب بعضهم‬
‫في معهد الزينية في سيدبور‪ ،‬وهذا المعهد قيد العمل منذ ‪1979‬م‪.‬‬

‫(‪ )81‬الداعي الـ (‪ )52‬من دعاة الفرقة الداؤدية‪.‬‬


‫(‪ )82‬انظر‪ :‬تاريخ اإلسماعيليين االستمرارية والتغيير لجماعة مسلمة‪ ،‬صـ‪.403‬‬
‫‪270‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫هيكلية الدعوة التنظيمية ‪:‬‬


‫اتصفت الدعوة اإلسماعيلية بأنها ذات هيكلية هرمية على وجه الحصر‪،‬‬
‫وكان على رأس هذا الهرم "اإلمام"‪ ،‬أي الخليفة الفاطمي الذي كان‪ ،‬باعتباره‬
‫سليال ووريثا للنبي محمد‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬المستودع الحق للعلم أو‬
‫«الحكمة»‪ ،‬وكان "داعي الدعاة" ينفذ نشاطاته باسم اإلمام ونيابة عنه‪ ،‬وكثيرا‬
‫ما أطلق على األخير في المصادر اإلسماعيلية المعاصرة تسمية «الباب»‪،‬‬
‫باعتبار أنه كان الواسطة الوحيدة التي من خاللها يحصل التابع على الحكمة‪.‬‬
‫وسبق لنا معرفة أن "داعي الدعاة" في القاهرة الفاطمية كان‪ ،‬في معظم‬
‫الحاالت‪ ،‬قاضي القضاة أيضا‪ ،‬بحيث أن كال من الصيغة «الظاهرية» للشريعة‬
‫ومعناها «الباطني» قد أسندا لرعاية شخص واحد بعينه‪ .‬وكان داعي الدعاة‬
‫يقوم بتحضير «مجالس الحكمة» بكتابة نصوص المحاضرات شخصيا‪ ،‬ثم‬
‫يرفعها إلى اإلمام لتفحصها وتصحيحها إذا احتاجت‪ ،‬ثم التصديق عليها بختمها‬
‫بتوقيعه‪ ،‬وكانت نصوص المحاضرات تجمع‪ ،‬وهناه احتمال كبير أن نسخا‬
‫منها كانت ترسل إلى الدعاة في جميع أنحاء العالم اإلسالمي لضمان تعليم موحد‬
‫للمعتقد عند جميع الجماعات اإلسماعيلية طبقا لوجهة نظر اإلمام‪ ،‬ويعود الفضل‬
‫إلى هذا الشرط بالذات أن وصلتنا «مجالس» مختلف األئمة ودعاتهم في شكل‬
‫مخطوطات وبأعداد وفيرة‪.‬‬
‫اإلمبراطورية شكل «الجزائر» (مفردها‬ ‫لقد اتخذ تنظيم الدعوة خار‬
‫جزيرة) في ظل سيطرة داعية من رتبة عالية حمل لقب «الحجة»‪ ،‬وكان عدد‬
‫مثل هذه الجزائر يبلغ دائما اثنتي عشرة جزيرة في الكتابات اإلسماعيلية‪ ،‬ولكن‬
‫مما ال شك فيه أن القصد من هذا الرقم كان رمزيا‪ ،‬فهو يشير إلى «الجميع» أو‬
‫«الكلية»‪ .‬والواقع أن المصادر المعاصرة لتلك الفترة لم توفر الدليل على وجود‬

‫‪271‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫عدد كبير من مثل تلك «الجزائر»‪ .‬ويشير الداعي المشهور حميد الدين‬
‫(‪)83‬‬
‫إلى نفسه في بداية كتابه «راحة العقل»‪ ،‬على أنه «الداعي في‬ ‫الكرماني‬
‫جزيرة العراق»‪ .‬وما دام أن عنوان أحد أعماله هو «مجالس بغداد والبصرة»‪،‬‬
‫فيمكننا االستنتا أن بغداد والبصرة كانتا مركزين رئيسين لنشاطاته‪ ،‬وجزيرة‬
‫ثانية كانت اليمن‪ ،‬وثالثة السند‪ ،‬وهي التي كانت مرتبطة بالقاهرة عن طريق‬
‫عدن في اليمن‪ .‬وكانت تغطي الهضبة اإليرانية ومنطقة ما وراء النهر بكاملها‬
‫شبكة من الجماعات اإلسماعيلية‪ ،‬لكن ال تتوفر لدينا معلومات محددة حول‬
‫تنظيماتها الداخلية‪ ،‬فكانت شيراز في إقليم فارس مركزا لعمليات الداعي البارز‬
‫المؤيد‪ ،‬الذي ربما كان مسؤوال عن كامل الجزء الجنوبي الغربي من إيران‪ ،‬أما‬
‫في الشمال الغربي فكانت الري (إلى الجنوب من طهران حاليا) من أكثر المدن‬
‫أهمية في إقليم الجبال منذ أقدم العصور‪ ،‬ومركزا رئيسا للدعوة منذ بداياتها‬
‫األولى‪ ،‬ومن هنا كان إشرافها على الجماعات في مرتفعات الديلم إلى الجنوب‬
‫من بحر قزوين‪ .‬وال بد أن إقليم خراسان في الشمال الشرقي من إيران كان‬
‫«جزيرة» بنفسه‪ ،‬ولو أنها ظهرت مؤقتا‪ -‬في ظل السجستاني وناصر خسرو‬
‫على سبيل المثال‪ -‬وكأنها كانت مجتمعة في يد ذلك المقيم في الري‪.‬‬
‫وجاء في موقع تال "للحجة" عدد وفير من الدعاة المحليين واإلقليميين الذين‬
‫كان لهم بدورهم عدد من المساعدين عرفوا بالدعاة «المأذونين»‪ .‬أما الرتبة‬

‫(‪ )83‬الكرماني‪ :‬هو أحمد بن حميد الدين‪ ،‬ولد في مدينة كرمان عاصر الخليفة الحاكم بأمر هللا الفاطمي (ت‬
‫‪ 411‬هـ) وكان على رأس الدعوة اإلسماعيلية في كل من إيران والعراق في زمن اإلمام الفاطمي الحاكم‬
‫بأمر هللا‪ ،‬له العديد من الكتب أشهرها "راحة العقل"‪( .‬للمزيد انظر "راحة العقل"‪ ،‬تحقيق محمد كامل‬
‫حسين‪ ،‬ط‪ ، 1‬القاهرة‪ ،‬دار الفكر‪ .‬د‪ .‬ت و"الرياض في حكم الصادين صاحب اإلصالح والنصرة"‬
‫تحقيق‪ :‬تامر عارف‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬المقدمة‪ ،‬و"الداعي اإلسماعيلي"‪ ،‬حيدر محمد عبدهللا‬
‫الكربالئي صـ‪ 103‬وما بعدها)‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الدنيا في الهرمية فقد شغلها الدعاة «المكاسرون»(‪ ،)84‬وهو مصطلح مشتق من‬
‫الفعل «كسر»‪ ،‬وصيغ على وزن «مناظر» وبمعناه‪ ،‬وكانت مهمة "المكاسر"‬
‫الجلوس مع «التلميذ» ومجادلته حتى ينتهي من نقض جميع ما يجادل به‪ .‬وفي‬
‫تعليمات النيسابوري آلداب الدعاة(‪ ،)85‬يقول المؤلف إنه على من يقوم بجذب‬
‫المستجيبين «البدء بكسر مقاومة (التلميذ) وتحطيم آرائه السابقة إن عليه كسر‬
‫اعتقاده وما يعتنق حتى ال يبقى لديه أي جدل معاكس»‪.‬‬
‫أما الداعي الفرد فقد كان مسؤوال عن ناحية بعينها‪ ،‬وكان عليه القيام‬
‫بجوالت تفتيشية منتظمة فيها‪ ،‬وينطبق األمر ذاته على «الحجة» في المستوى‬
‫األعلى لـ«الجزيرة»‪ .‬وال بد أن الحجة كان مسؤوال أيضا عن تدريب وتعيين‬
‫الدعاة العاملين تحت إمرته لكن يبدو أنه كان أمرا متبعا إرسال جمع الدعاة‪ ،‬أو‬
‫الذين من المراتب العالية على األقل‪ ،‬إلى القاهرة‪ ،‬إذا كان ذلك ممكنا‪ ،‬وقضاء‬
‫بعض الوقت هناه لمقابلة داعي الدعاة شخصيا‪ ،‬وربما اإلمام أيضا‪ ،‬وتلقي‬
‫التدريب في مركز الحركة‪ .‬وقد أمضى الدعاة الكرماني‪ ،‬والمؤيد الشيرازي‪،‬‬
‫وناصر خسرو‪ ،‬وحسن الصباح‪ ،‬أمضوا جميعهم عدة سنوات في القاهرة‪.‬‬
‫إن تعليم الدعوة مهمة إلهية‪ ،‬كما قال هللا لرسوله محمد‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪( :-‬ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) [النحل‪ ،]125:‬ولتوضيح‬
‫كلمة هللا تلك وعرضها يلجأ النعمان إلى اقتباس الحكم واألمثال التي هي‪ -‬وكما‬
‫هو متوقع‪ -‬أقوال األئمة‪ ،‬وال سيما أقوال إمام محدد بعينه كان يعد على الدوام‬
‫األكثر علما من بينهم‪ ،‬اإلمام جعفر الصادق‪ .‬وقد جاء عن اإلمام جعفر الصادق‬

‫(‪ )84‬المأذون والمكاسر‪ :‬في هيكلية الدعوة اإلسماعيلية عشر مراتب‪ ،‬ويحتل المأذون العقل‬
‫التاسع أي الرتبة التاسعة ومهمته أخذ العهد والميثاق (منتزع األخبار‪ ،‬مج‪/2‬صـ‪.)21‬‬
‫(‪ )85‬انظر‪ :‬الرسالة الموجزة الكافية في آداب الدعاة ‪Verena Klemm and Paul E.‬‬
‫‪Walker‬‬

‫‪273‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أنه قال‪« :‬اطلبوا العلم وتزينوا منه بالوقار والحلم‪ ،‬وتواضعوا لمن تتعلمون منه‬
‫ولمن تعلمونه‪ ،‬وال تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم»(‪ .)86‬وقال‬
‫أيضا‪« :‬من طلب العلم ليماري به السفهاء‪ ،‬أو يكابر به العلماء ليترأس به في‬
‫الناس فليتبوأ مقعده من النار ألن الرئاسة ال تصلح إال ألهلها»(‪.)87‬‬
‫والمتعلم‪ ،‬طبقا للقاضي النعمان‪ ،‬كثيرا ما يتحره ويندفع بالطموح والرغبة‬
‫في التفوق على اآلخرين‪ ،‬ويكون بدافع التفاخر أمام اآلخرين‪ ،‬والتنافس مع‬
‫األصدقاء والزمالء يقوم بدور مهم في هذا المجال‪ ،‬والهدف الرئيس للرجل‬
‫الطموح يتمثل في الحصول على منزلة عالية‪ ،‬وليس مثل هذا الطموح مؤذيا‬
‫بالضرورة على كل حال‪ ،‬بل هو في واقع األمر‪ ،‬كقوة دفع أولية‪ ،‬وكنبضة‬
‫أولى‪ ،‬مفيد لكن يجب أال يكون ذلك كل شيء إذ ليس قبل أن يتوغل المتعلم في‬
‫بالنجاح حقيقة‪ .‬وينقل‬ ‫روح نشاطاته‪ ،‬وعندئذ يمكن القول إن علمه قد تو‬
‫النعمان عن اإلمام جعفر الصادق أمره ألتباعه‪« :‬كونوا لنا دعاة صادقين»‪،‬‬
‫وهذا يعني أن تصرفوا واسلكوا سبيال بحيث يصبح مثالكم برهانا كافيا على‬
‫تفوق دينكم(‪.)88‬‬
‫اآلثار الثقافية للهجرات اإلسماعيلية وأبرز رموزها‪:‬‬
‫األسرة الهمدانية ونشاطها الثقافي (أنموذجا ً إلسماعيلية اليمن في الهند) ‪:‬‬
‫اشتهرت األسرة الهمدانية بتوارثها لعلوم الدعوة اإلسماعيلية‪ ،‬ونقل معظم‬
‫أدبيات الدعوة من اليمن إلى الهند إبان الحروب التي واجهتها الدعوة‬
‫اإلسماعيلية مع الزيدية‪ ،‬مما دعا الكثير من أبناء الدعوة إلى الهجرة إلى خار‬

‫(‪ )86‬كتاب الهمة‪ /‬ذكر ما ينبغي أن يستعمله الدعاة إلى األئمة‪.‬‬


‫(‪ )87‬المجالس والمسايرات (‪ /79‬كالم في مجلس في تخلف أكثر الناس عن علم الفوائد)‪ ،‬والقول منسوب‬
‫للرسول‪ .‬انظر‪ /191( :‬حديث جرى في مجلس في الرد على بعض المتكلمين)‪ ،‬انظر أيضا‪ :‬دعائم‬
‫اإلسالم ‪ /1‬ذكر من يجب أن يؤخذ عنه العلم ومن يرغب عنه ويرفض قوله الهمة‪ /‬سابق األخبار في‬
‫الفقه‪ /2‬كتاب آداب القضاة‪.‬‬
‫(‪ )88‬انظر‪ :‬الفاطميون وتقاليدهم في التعليم‪ ،‬صـ‪.40‬‬
‫‪274‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫اليمن خوفا على حياتهم‪ ،‬خصوصا أن الفكر الزيدي كان قد أطلق العنان نحو‬
‫إبادة جماعية للطائفة اإلسماعيلية في اليمن من خالل الحمالت العسكرية التي‬
‫وجهها‪ ،‬والتي دعمها ب صدار الفتاوى التكفيرية ضد أبناء الطائفة اإلسماعيلية‪،‬‬
‫وأغلب الظن أنها نفسها تحكم العالقة بين الزيود في اليمن واإلسماعيلية إلى‬
‫يومنا الحاضر‪.‬‬
‫وهذا بدوره أدى إلى قيام األسرة الهمدانية بتبني عملية نقل الموروث‬
‫اإلسماعيلي خوفا من ضياعه وحرقه خالل الحروب التي كانت تستهدف‬
‫الطائفة اإلسماعيلية‪ ،‬وكان المجال الواسع لها هو الهند‪ ،‬وهناه استقرت‬
‫وافتتحت تلك المؤسسة التعليمية "المدرسة المحمدية الهمدانية"‪ ،‬وقدمت‬
‫خدماتها لطالب العلم دون انتظار أي مقابل‪.‬‬
‫وفي أعقاب الخالف الذي نشب حول نظرية انقطاع النص في زمن‬
‫عبدالقادر نجم الدين‪ ،‬تعرضت معاهد الدرس للتهميش‪ ،‬ومن ضمنها "المدرسة‬
‫المحمدية الهمدانية" التي نعتقد أنه تم التحفظ عليها‪.‬‬
‫هجرررة المخطوطررات اإلسرررماعيلية عبررر العرررالم‪ -‬مجموعررة سررريدي محمررد علررري‬
‫الهمداني‪:‬‬
‫نتيجة الحروب التي كانت تستهدف اإلسماعيلية في اليمن‪ ،‬وكان أحد نتائجها‬
‫إحراق المكتبات الخاصة باإلسماعيلية أينما وجدت بهدف طمس هذا التراث‬
‫الفكري اإلسالمي العميق‪ ،‬قامت الجماعة االسماعيلية في اليمن ب جراءات‬
‫عديدة للحفاظ على هذا التراث العلمي‪ ،‬ومن ذلك قيامها بتهريب تلك األعمال‬
‫األدبية من داخل اليمن إلى بالد المهجر‪ ،‬ومن تلك المجموعات مجموعة سيدي‬
‫محمد علي الهمداني التي تعد من أهم المكتبات اإلسماعيلية حتى يومنا الحاضر‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫والمخطوطات المنسوبة للعلم محمد علي الهمداني جمعت عن طريق أكثر‬


‫من سبعة أجيال من قبل عائلة سامية من العلماء المنتسبين إلى البهرة‪ ،‬ولذلك‬
‫ف ن الجزء األكبر للمخطوطات من كتابات اإلسماعيلية الدينية‪ ،‬والعديد من هذه‬
‫المخطوطات وحتى اليوم تعد من األعمال السرية وليس من السهل الوصول‬
‫إليها أو االطالع عليها من قبل أحد من خار اإلسماعيلية‪ ،‬كما أنها ضمت عددا‬
‫جيدا من الكتب اإلسالمية العامة‪ ،‬وكذلك األعمال ذات المحتوى غير الديني‪،‬‬
‫وهذا يوضح لنا المدى الكامل لثقافة تعلم عائلة العلماء الدينيين اليمنيين في‬
‫الهند‪ ،‬وقد كتبت أغلبية المخطوطات باللغة العربية‪ ،‬لكن هناه أيضا عددا‬
‫صغيرا منها مكتوب باللغة الفارسية والجوجراتية‪ ،‬وهي أيضا من اللغات التي‬
‫كان يعلمها بعض البهرة اإلسماعيلية‪.‬‬
‫وأغلب المخطوطات كتبت في اليمن‪ ،‬ولكن كان لألسرة الهمدانية الفضل‬
‫في عمل نسخ متعددة لكتب في مقر إقامتهم في الهند‪ ،‬على الرغم من أن عددا‬
‫منها قديم جدا‪( ،‬ترجع بعض المخطوطات إلى القرن الرابع عشر الميالدي‪،‬‬
‫وقبل ذلك) ‪ ،‬وأغلب المخطوطات تم نسخها في القرن التاسع عشر حتى القرن‬
‫العشرين‪ .‬والغريب في األمر أنه رغم التطور في الطباعة الحديثة ف ن األسرة‬
‫الهمدانية ظلت مرتبطة بالنسخ الخطية‪ ،‬والكتابة اليدوية للمخطوطات‪ ،‬وحافظت‬
‫على هذا الموروث اليمني اإلسالمي األصيل في بالد المهجر ويرجع أهم‬
‫األسباب لذلك إلى سرية هذه األعمال التي كان يوجد خوف لدى أبناء‬
‫اإلسماعيلية من نشرها والترويج لها‪ ،‬وطباعتها بالطرق الحديثة‪ ،‬وقد استفاد‬
‫العديد من أبناء الجالية اليمنية في الهند من هذا الموروث العظيم‪ ،‬وحافظ بشكل‬
‫كبير على الهوية اليمنية ألبناء الجالية اليمنية في الهند‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫كما تميزت مجموعة مخطوطات األسرة الهمدانية بأن عددا منها قام بنسخها‬
‫نساء من األسرة الهمدانية‪ ،‬وكانت من الكتب العالية جدا والسرية أيضا‪ ،‬وهذه‬
‫داللة واضحة على ما كانت تتمتع به المرأة في األسرة الهمدانية اليمنية في الهند‬
‫من اهتمام وتثقيف عاليين‪.‬‬
‫ويعود أصل مجموعة المخطوطات الهمدانية إلى علي بن سعيد اليعبري‬
‫الهمداني (الذي ولد في ‪1132‬هـ‪1718/‬م ومات في ‪1212‬هـ‪1798/‬م)‪ ،‬وهو‬
‫من نقلها عندما تم تهجير أبناء اإلسماعيلية‪ ،‬وكانت وجهته من اليمن إلى‬
‫كجرات في منتصف القرن الثامن عشر‪ ،‬ومن تلك المخطوطات عدد منها قام‬
‫بنسخه بيده الشريفة قبل ذلك أو بعد وصوله إلى الهند‪ .‬ويوضح لنا فهرس‬
‫المجموعة الصادر عن المعهد اإلسماعيلي في لندن(‪ )89‬أن هناه ثالثة أعمال‬
‫أدبية كانت بيد علي بن سعيد‪.‬‬
‫والمجموعننة توسننعت تحننت إدارة أحفنناده‪ ،‬وبشننكل خنناص تحننت إدارة ابننن‬
‫حفينننننده‪ ،‬عنننننالم البهنننننرة البنننننارز والمربننننني محمننننند علننننني الهمنننننداني (‪-1249‬‬
‫‪1315‬هننـ‪1898-1833/‬م)‪ ،‬وحفيننده حسننين (عبدالحسننين) فننيض هللا الهمننداني‬
‫(‪1381-1319‬هننـ‪1962-1901/‬م)‪ ،‬الننذي فننتح أبنننواب المكتبننة العائليننة إلنننى‬
‫الثقافة الدولية‪ ،‬وبشكل خاص إلى المستشنرق العظنيم والطالنب الرائند للدراسنات‬
‫اإلسماعيلية باول كروس‪ ،‬وتبعه ابنه عباس الهمنداني (‪1927-2019‬م)‪ ،‬النذي‬
‫قام بأخذ تلك المجموعة العائلية إلى مقر إقامته في الوالينات المتحندة األمريكينة‪،‬‬
‫ثم قام بالتبرع بها إلى المعهد اإلسماعيلي في لندن (التنابع لإلمنام كنريم آغاخنان)‬
‫بهنندف الحفنناظ عليهننا مننن التلننف والضننياع‪ ،‬وكننان الهنندف األسننمى هننو تمكننين‬
‫البنناحثين فنني مجننال الدراسننات اإلسننماعيلية م نن الحصننول عليهننا بسننهولة تامننة‪،‬‬

‫‪(89) FRANCOIS DE BLOIS،Arabic، Persian and Gujarati MANUSCRIPTS، The Hamdani‬‬


‫‪Collection،I.B.Tauris Publishers،LONDON.NEW YORK.‬‬

‫‪277‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وهو‪ -‬لألسف‪ -‬ما لم يتحقق نتيجة السياسات المتبعنة فني المعهند اإلسنماعيلي فني‬
‫لندن‪ ،‬التي احتكرت المجموعة ومنعتها عن كثير من الباحثين‪.‬‬
‫وهو ما دفع حفيد العالمة حسين الهمداني (الدكتور عمرو معديكرب‬
‫الهمداني) إلى إعادة تجميع المجموعة الهمدانية وغيرها من األعمال األدبية من‬
‫مناطق متعددة في الهند‪ ،‬والسند‪ ،‬والجزيرة العربية‪ ،‬وأوروبا‪ ،‬وكانت مهمة‬
‫شاقة حيث يقيم الدكتور عمرو بن معديكرب الهمداني حاليا في موطنه اليمن‪،‬‬
‫وكان ذلك سببا في صعوبات جمة في تحصيل الكثير من المخطوطات‬
‫واألعمال األدبية لإلسماعلية‪ ،‬وقد تحققت رؤية الهمداني من خالل جمعه لمئات‬
‫المخطوطات اإلسماعيلية من مصادر متنوعة‪ ،‬وقامت مؤسسته العلمية‬
‫"مؤسسة الهمداني الثقافية‪ -‬الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث" بنشر‬
‫العشرات من األعمال األدبية اإلسماعيلية في اليمن والعالم أجمع‪.‬‬
‫إن أ صول مجموعة الهمداني التراثية تعود ألسرة واحدة كانت ضمن جالية‬
‫البهرة في الهند‪ ،‬انتقلت من اليمن‪ ،‬وتعود أصولها إلى علي بن سعيد بن حسين‬
‫بن علي اليعبري الهمداني من قبيلة همدان المشهورة في التاريخ اإلسالمي‪،‬‬
‫وكان مقر إقامتهم في منطقة بيت أنعم – همدان‪ ،‬ثم جرى انتقالهم إلى منطقة‬
‫حراز بسبب الحروب التي كانت موجهة ضد اإلسماعيلية من قبل األئمة‬
‫الزيديين‪ ،‬وحراز هي المعقل الرئيسي والدائم لإلسماعيلية في اليمن على مر‬
‫العصور‪.‬‬
‫وتشير المصادر إلى أنه نتيجة األعمال العدائية للزيديين ضد اإلسماعيلية‬
‫في اليم ن‪ ،‬والخوف من ضياع الموروث اإلسماعيلي‪ ،‬قام الداعي الداؤدي‬
‫التاسع والثالثون إبراهيم وجيه الدين (‪1737-1754‬م) بدعوة علي بن سعيد بن‬
‫حسين بن علي اليعبري الهمداني (‪1132-1212‬هـ‪1798-1718 /‬م) للمجيء‬

‫‪278‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫إلى الهند بمجموعته الكبيرة للمخطوطات اإلسماعيلية ومخطوطات أخرى‪،‬‬


‫وعلي الهمداني عرف بنسبه وثقافته‪ ،‬حيث يعود نسبه إلى عائلة األمير سبأ بن‬
‫يوسف اليعبري‪ ،‬القائد العسكري للداعي الطيبي المطلق الثالث حاتم بن إبراهيم‬
‫الحامدي (‪596‬هـ‪1199 /‬م)‪ ،‬لكنه وعائلته كانت تعيش في ظروف صعبة‪،‬‬
‫وكانت في حاجة المساعدة‪ ،‬لذا هاجر إلى الهند مع زوجته وابنه إبراهيم‪،‬‬
‫واستقر في سورت‪ ،‬وقدم خدماته تحت أربعة دعاة إسماعيليين‪ :‬الداعي التاسع‬
‫والثالثين إبراهيم وجيه الدين‪ ،‬والداعي األربعين هبة هللا المؤيد في الدين‬
‫(‪1193‬هـ‪ 1779 /‬م)‪ ،‬والداعي الحادي واألربعين عبدالطيب زكي الدين‬
‫(‪1200‬هـ‪1785 /‬م)‪ ،‬والداعي الثاني واألربعين يوسف نجم الدين‬
‫(‪1213‬هـ‪1798/‬م)‪.‬‬
‫والمخطوطننننات اليمنيننننة القديمننننة انتشننننرت فنننني مراكننننز الدراسننننة الخاصننننة‬
‫باإلسماعيلية في الهند على يد حفيده فنيض هللا (ت ‪1876‬م)‪ ،‬وابنن حفينده محمند‬
‫علي (‪1249-1315‬هـ‪1898-1833/‬م) الذي بنى مكتبة كبيرة أثناء وقت أربعنة‬
‫دعننننناة إسنننننماعيليين هنننننم‪ :‬النننننداعي السنننننادس واألربعنننننون محمننننند بننننندر الننننندين‬
‫(ت ‪1256‬هنننـ‪ 1840/‬م)‪ ،‬والنننداعي السنننابع واألربعنننون عبننند القنننادر نجنننم الننندين‬
‫(ت ‪1302‬هننـ‪1885/‬م)‪ ،‬والننداعي الثننامن واألربعننون عبنند الحسننين حسننام النندين‬
‫(ت ‪1308‬هننننـ‪1891/‬م)‪ ،‬والننننداعي التاسننننع واألربعننننون محمنننند برهننننان النننندين‬
‫(ت ‪1323‬هـ‪1906 /‬م)‪ ،‬وتحمل العديد منن المخطوطنات الهمدانينة ختمنا خاصنا‬
‫بمحمد علي الهمداني‪.‬‬
‫وبعنند وفنناة سننيدي محمنند علنني وزعننت بنتننه صننفية المخطوطننات بننين إخوتهننا‬
‫الثالثنننة األصنننغر‪ ،‬علننني وطننناهر وفنننيض هللا‪ ،‬جمنننيعهم ابتعننندوا عنننن النننداعي‬

‫‪279‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫اإلسنننننماعيلي آننننننذاه النننننداعي الحنننننادي والخمسنننننين طننننناهر سنننننيف الننننندين (ت‬


‫‪1965‬م‪1385/‬هـ)‪.‬‬
‫ثنم تبرعنت بمنا فني حوزتهننا منن المخطوطنات بعند موتهننا‪ ،‬حينث لنم يكنن لهننا‬
‫عائلننة وماتننت بنندون أطفننال‪ ،‬إلننى صننديق العائلننة النندكتور زاهنند علنني (‪-1888‬‬
‫‪1958‬م)‪ ،‬الذي انتقلت مجموعته من المخطوطات حاليا إلى المعهند اإلسنماعيلي‬
‫في لندن‪ .‬وموقف طاهر الهمداني كنان متناقضنا ظاهرينا‪ ،‬فقند دعنم النداعي لكننه‬
‫على الرغم من هذا‪ ،‬لم يستطع التخلي عن مخطوطاته‪ ،‬ووزع البعض منهنا إلنى‬
‫أخيه األصغر فيض هللا‪ ،‬والبقية إلى ابنه الثاني‪ ،‬محسنن‪ ،‬النذي اشنتره فني نفنس‬
‫الموقف كأبيه‪.‬‬
‫ووجد جزء من مجموعة محسن طريقه إلى مكتبة الداعي‪ ،‬بينما البقية ما‬
‫زالت في امتاله ابنه شبير‪ ،‬الذي يستقر حاليا في داالس في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪.‬‬
‫واالبن األصغر والثاني لفيض هللا (ت ‪1969‬م) حاتم‪ ،‬أعاد تجميع مجموعة‬
‫مخطوطات "الخزانة المحمدية"‪ ،‬وابنه األكبر أيضا حسين‪ ،‬وأتاحها الحقا أمام‬
‫العلماء الغربيين لدراستها‪ .‬وفي ‪1968‬م كان فيض هللا مريضا جدا‪ ،‬فأخذت‬
‫بعض المخطوطات بدون تفويض من مكتبته‪ ،‬وتم بيعها إلى مكتبة جامعة في‬
‫توبينغن‪ ،‬ألمانيا وقبل موته‪ ،‬أعطى حاتم بعض المخطوطات إلى مكتبة جامعة‬
‫في بومباي‪ .‬لكن قبل موت فيض هللا طلب من حفيده عباس (ابن حسين)‪ ،‬الذي‬
‫كان في القاهرة‪ ،‬المجال لزيارته في سورات‪ ،‬حيث أعطاه أغلب ما تبقى من‬
‫مجموعته‪ .‬وأضاف عباس هذه المخطوطات إلى تلك التي كانت في مجموعة‬
‫أبيه حسين في القاهرة‪ .‬وامتلكت بنت حاتم سريا أيضا بعضا من المخطوطات‬
‫اإلسماعيلية التي أرسلت في النهاية إلى ابن عمها عباس‪ .‬وهكذا عاد معظم كنز‬

‫‪280‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫حزانة المحمدية الهمدانية األدبي إلى حيازة عباس بن حسين الهمداني‪ ،‬وأثناء‬
‫دراسة العالمة حسين الهمداني في أوروبا‪ ،‬أعطى بعض النسخ من هذه‬
‫المخطوطات إلى الدكتور باول كروس (‪1904-1944‬م)‪ ،‬ومن خالله إلى‬
‫مكتبات عامة في لندن وباريس‪.‬‬
‫ونتيجة االنقسامات التي حدثت الحقا في الدعوة‪ ،‬وظهور المعارضات مما‬
‫أدى إلى انشقاقات في الجالية اليمنية اإلسماعيلية في الهند بعد موت الداعي‬
‫السادس واألربعين‪ ،‬كان لألسرة الهمدانية دور كبير في هذه األحداث‪.‬‬
‫وقام البروفيسور عباس الهمداني‪ ،‬في أواخر عمره‪ ،‬بتسليم مخطوطات‬
‫األسرة الهم دانية إلى مكتبة "معهد الدراسات اإلسماعيلية لندن"‪ ،‬في محاولة‬
‫لحفظ المجموعة من التفرق والضياع‪ ،‬وأيضا لتره أثر إنساني لسيدي محمد‬
‫علي الهمداني الذي أفنى حياته في تجميع هذه الخزانة التراثية العظيمة‪.‬‬
‫ولألسف كان هذا التصرف‪ ،‬غير القانوني‪ -‬دون الرجوع لبقية أفراد األسرة‬
‫الهمدانية متمثلة في أخيه معديكرب حسين الهمداني‪ ،‬وتناسى أحقية األخير في‬
‫ميراث آبائه وأجداده‪ .‬وتقوم "مؤسسة الهمداني الثقافية" في اليمن بمحاوالت‬
‫عديدة إلعادة هذه المجموعة إلى اليمن‪ ،‬دون الوصول إلى نتائج ملموسة حتى‬
‫اآلن‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬وبسبب ضعف اإلمكانات المتاحة للعائلة الهمدانية‬
‫في اليمن‪ ،‬ف ن الدكتور عمرو‪ ،‬حفيد العالمة حسين الهمداني‪ ،‬قد تمكن‪ -‬خالل‬
‫عقد من الزمن‪ -‬من جمع مجموعة مهمة ومتميزة من المخطوطات اإلسماعيلية‪،‬‬
‫ويعمل على تحقيق العديد من تلك المخطوطات ونشرها للجمهور في مختلف‬
‫بقاع العالم‪.‬‬
‫وكان من المهم بمكان أن تتضمن هذه الدراسة نبذة وجيزة دون إسهاب‬
‫لبعض أعالم العائلة الهمدانية‪ ،‬وسيكون حديثنا عنهم وفق تدر تاريخي‪ ،‬وأهم‬

‫‪281‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المصادر عنهم ذكرت في مخطوطة مهمة توضح سيرة األسرة قام بتأليفها‬
‫الشيخ فيض هللا الهمداني‪.‬‬
‫علي بن سعيد الهمداني‪:‬‬
‫سيدي علي بن سعيد بن حسين بن علي اليعبري الهمداني‪ ،‬مات في سورات‬
‫في شهر رمضان ‪ 1212‬هجرية ‪ 16/‬فبراير‪ /‬شباط ‪1798‬م‪ .‬وتشير المصادر‬
‫إلى أنه عاش حوالي ‪ 80‬سنة تقريبا‪ ،‬ولذا ف ن األرجح أنه من مواليد العام‬
‫‪ 1131‬هـ‪1718/‬م‪.‬‬
‫ولد في منطقة همدان‪ ،‬وتلقى فيها علومه األولية‪ ،‬ثم نزح مع أسرته إلى‬
‫منطقة حراز‪ ،‬ويعود نسبهم إلى األمير المشهور سبأ بن يوسف اليعبري‬
‫الهمداني من القرن السادس ‪/‬الثاني عشر الذي ذاع صيته‪.‬‬
‫ونتيجة عدة عوامل سياسية واجتماعية‪ ،‬أهمها الممارسات التي كان يقوم بها‬
‫األئمة الزيديون ضد أتباع اإلسماعيلية‪ ،‬وتشويه صورتهم أمام المجتمع اليمني‪،‬‬
‫إضافة إلى تلقي الشيخ علي دعوة من الداعي المطلق الداؤدي التاسع والثالثين‬
‫الداعي إبراهيم وجيه الدين (ت‪1168‬هـ‪1754 /‬م) للنزوح والهجرة إلى الهند‪،‬‬
‫على إثر ذلك انتقل سيدي علي بن سعيد‪ ،‬ونقل مجموعته الكبيرة للمخطوطات‬
‫من اليمن إلى الهند‪ .‬وقد عاصر خالل حياته أربعة دعاة متعاقبين‪.‬‬
‫واشتهر الهمداني بعلمه‪ ،‬وتم اعتباره أحد اثنين األكثر علما في الدعوة‪،‬‬
‫واآلخر كان سيدي هبة هللا بن ولي بهائي‪ ،‬مستشار الداعي الثالث واألربعين‬
‫سيدنا عبد علي سيف الدين (ت‪1232‬هـ‪1817/‬م)‪ ،‬وبناء على طلب الداعي قام‬
‫(‪)90‬‬
‫"كتاب سلوان المطاع" الذي يحمل‬ ‫سيدي علي بوضع كتاب في الشعر‬
‫اسمه‪ ،‬إضافة إلى بعض قصائد أبيه وجده‪ .‬وإضافة إلى ذلك اشتهر سيدي علي‬

‫(‪ )90‬انظر‪ :‬منتزع األخبار ‪.236-231/ 2‬‬


‫‪282‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫بكونه خطاطا خبيرا‪ ،‬وتحتوي مجموعة الهمداني على عدد من المخطوطات‬


‫كتبها بيده الشريفة‪ ،‬منها المجلد الثاني من دعائم اإلسالم(‪ )91‬للقاضي النعمان بن‬
‫محمد (ت‪363‬هـ)‪ ،‬تم نسخها في ‪1161‬هـ‪1748/‬م‪.‬‬
‫وكانت أهم األحداث التي عاصرها خالل فترة حياته انضمامه مع المنشق‬
‫هيبتي إلى حركة الشيخ هبة هللا بن إسماعيل بن عبد الرسول‪ ،‬المعروف‬
‫بالمجدوع‪ ،‬الذي جاء من ايجين‪ ،‬والمجدوع أعلن بأنه كان على اتصال مع‬
‫اإلمام الطيبي المستور‪ ،‬والذي عينه "حجة"‪ ،‬أعلى رتبة من الداعي المطلق‬
‫األربعين هبة هللا المؤيد في الدين (ت‪1193‬هـ‪1779 /‬م)‪.‬‬
‫وانضم إليه أبرز شخصين متعلمين في ذلك الوقت‪ ،‬هما سيدي علي‬
‫الهمداني‪ ،‬وسيدي هبة هللا بن ولي بهائي‪ ،‬وتذكر المصادر أنهما أصبحا من‬
‫أتباع المجدوع لفترة من الزمن‪ ،‬ووجه سيدي علي خطابات إلى رجاالت‬
‫الدعوة‪ ،‬منهم أحمد بن إبراهيم بن عبد هللا بن محمد بن سعيد اليعبري الهمداني‬
‫لالنضمام إلى الهبتيين‪ .‬وفي وقت الحق سحب كال الرجلين العالمين المشهورين‬
‫دعمهما للمجدوع‪ ،‬وقام سيدي علي الهمداني بتأليف رسالة في تفنيد ادعاءات‬
‫المجدوع‪.‬‬
‫محمد علي بن فيض هللا الهمداني‪:‬‬
‫سيدي محمد علي بن فيض هللا بن إبراهيم بن علي بن سعيد الهمداني‪ ،‬من‬
‫مواليد ‪ 19‬صفر ‪1249‬هـ‪ 6/‬يوليو‪/‬تموز ‪1833‬م‪ ،‬وتوفي في سورات في ‪9‬‬
‫شعبان ‪1315‬هـ‪ 1/‬يناير‪/‬كانون الثاني ‪1898‬م عن عمر ناهز الـ‪ .65‬وعلى‬
‫الرغم من إصابته بمرض مزمن في عينيه‪ ،‬ف نه كان أحد األشخاص المؤثرين‬
‫في الدعوة خالل فترة حياته‪ ،‬واشتهر بعلمه الذي تلقاه عن والده خالل نشأته‬
‫(‪ )91‬المغربي‪ ،‬دعائم اإلسالم‪ ،‬مجلدان قام بنشرهما الباحث اإلسماعيلي آصف علي أصغر فيضي‬
‫سنة ‪1963‬م‪ ،‬منشورات دار المعارف ‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫‪283‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المبكرة‪ ،‬ثم أصبح تلميذا عند خاله عبد العلي ولي هللا‪ ،‬حتى موت األخير في‬
‫‪1274‬هـ‪1857/‬م‪.‬‬
‫قنننننام سنننننيدي محمننننند علننننني بتعلنننننيم مجموعتنننننه الخاصنننننة للطنننننالب منننننننذ‬
‫‪1270‬هنننـ‪1853/‬م‪ ،‬أثنننناء وبعننند السننننوات األخينننرة لحيننناة مربينننه ومعلمنننه‪ ،‬وقننند‬
‫عاصر الهمداني أربعة دعاة داؤديين هم‪ :‬الداعي السادس واألربعون محمد بندر‬
‫النندين (المتننوفى ‪1256‬هننـ‪1840/‬م)‪ ،‬والسننابع واألربعننون عبنندالقادر نجننم النندين‬
‫(المتننوفى ‪1302‬هننـ‪ 1885/‬م)‪ ،‬والثننامن واألربعننون عبنند الحسننين حسننام الننندين‬
‫(المتوفى ‪1308‬هـ‪ 1891/‬م)‪ ،‬والتاسع واألربعنون محمند برهنان الندين (المتنوفى‬
‫‪1333‬هـ‪1906/‬م)‪.‬‬
‫وأدى موت الداعي محمد بدر الدين في ‪1256‬هـ‪1840/‬م إلى خلق ذعر بين‬
‫الطائفة اإلسماعيلية‪ ،‬األغلبية منهم زعمت أن الداعي مات بدون تعيين وريث‪،‬‬
‫وجرى االعتقاد على أن اإلمام الطيبي المستور يجب أن يظهر‪ ،‬وأقروا بأن‬
‫رئيس الدعوة القادم عبدالقادر نجم الدين يعد فقط كمنظم وليس كداع مطلق‬
‫وكان السبب في قيامهم بمبايعته الحفاظ على وحدة الصف والجماعة‪.‬‬
‫وبدأ نجم الدين منذ تعيينه ب ضعاف دور العلماء من خالل تعييناته ألفراد‬
‫عائلته في المكاتب المختلفة للدعوة‪ ،‬وهذا أدى إلى احتجا من عدد من أتباع‬
‫الدعوة أطلق عليه الحقا (حلف الفضول)‪ ،‬تم إنشاؤه على أسس مذكورة في‬
‫رسائل إخوان الصفاء‪ ،‬وقاد الهمداني تلك الحركة المعارضة‪ ،‬وقام حينها نجم‬
‫الدين بتقديم عروض للهمداني بمنحه مراتب وممتلكات‪ ،‬ومنحه رتبة عالية في‬
‫‪1277‬هـ‪ 1860/‬م‪ ،‬لكن هذا لم يردع األخير من معارضته‪ .‬وبعد موت أبيه في‬
‫‪1293‬هـ‪1876/‬م‪ ،‬سيدي محمد علي تره الهند وسافر إلى مكة المكرمة مع‬
‫أربعة علماء آخرين‪ ،‬ومن مكة سافر إلى تركيا وزار إسطنبول‪ ،‬ثم زار سوريا‪،‬‬

‫‪284‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وفلسطين‪ ،‬والقدس‪ ،‬وأماكن مقدسة أخرى‪ ،‬قبل الوصول إلى مصر‪ ،‬وسافر‬
‫عبر شمال إفريقيا إلى تونس والجزائر والمغرب‪ .‬وهذه الرحالت كان هدفها‬
‫البحث عن اإلمام المستور‪ ،‬الذي كان يعتقد أنه حان الوقت لظهوره‪.‬‬
‫والفترة الزمنية التي قضاها في مكة حوالي ‪ 11‬سنة‪ ،‬حتى‬
‫‪1305‬هـ‪ 1887/‬م‪ ،‬وأثناء هذه الفترة لم يتوقف خاللها من التواصل مع الهند‪،‬‬
‫وتواصلت مراسالته مع أبناء الدعوة اإلسماعيلية‪ ،‬ومع خليفة الداعي آنذاه‬
‫عبدالقادر نجم الدين في ‪1297‬هـ‪1880/‬م‪ ،‬الذي أرسل إليه رسالة يطلب فيها‬
‫تأييده وموافقته على تعيينه خليفة للداعي السادس واألربعين‪.‬‬
‫وعاد محمد علي الهمداني إلى الهند في ‪1305‬هـ‪1887/‬م نتيجة إصرار‬
‫زوجته وأطفاله‪ ،‬وبعد سنة من وصوله أصبح عبدالحسين حسام الدين الداعي‬
‫الثامن واألربعين‪ ،‬وخلفه في ‪1308‬هـ‪1891/‬م محمد برهان الدين‪.‬‬
‫وظل هذان الداعيان على عالقة ودية مع محمد علي‪ ،‬حتى أن حسام الدين‬
‫زو حفيدته فاطمة إلى ابن محمد علي األصغر فيض هللا‪ ،‬وفي عهد محمد‬
‫برهام الدين تسلم شؤون المدرسة السيفية في سورات‪ ،‬وجعله مستشارا في‬
‫تعيينات ممثلي الدعوة في المناطق المختلفة في الهند واليمن‪ .‬وفي هذه المرحلة‬
‫ظهرت معارضة جديدة بقيادة عبدالحسين كبروانجي في منطقة ناجبور والذي‬
‫ادعى أنه على اتصال باإلمام المستور‪ ،‬وفي هذا الصدد قام الهمداني بتأليف‬
‫عدد من الرسائل لمحاججة المدعي‪.‬‬
‫وجاء هذا الموقف الذي تبناه سيدنا محمد علي نتيجة وثيقة مهمة كتبها‬
‫الداعي برهان الدين عام ‪1891‬م اعترف فيها بأنه ليس الداعي المطلق وإنما‬
‫هو فقط منظم لشؤون الدعوة‪ ،‬وأن هذا أيضا ينطبق على الدعاة السابقين حسام‬

‫‪285‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الدين ونجم الدين‪ ،‬ويتضح لنا أن معارضة محمد علي الهمداني كانت داخلية‬
‫هدفها اإلصالح وليس الغرض منها إنشاء جماعة خارجية جديدة‪.‬‬
‫واهتم محمد علي الهمداني خالل فترة حياته‪ ،‬إضافة لما سبق‪ ،‬بالشعر وعلم‬
‫(‪)92‬‬
‫ضمن مجموعة الهمداني الموجودة في‬ ‫الفلك‪ ،‬ويوجد لديه ديوان شعري‬
‫المعهد اإلسماعيلي في لندنن‪ ،‬ولديه مؤلف آخر بعنوان "منسك الحج"‪ ،‬وغيرها‬
‫من المؤلفات‪ ،‬وفي مجموعته يوجد عدد من المخطوطات لبعض العلماء غير‬
‫اإلسماعيليين‪ ،‬جمعها جده ووالده خالل فترة حياتهما‪.‬‬
‫والعديد من المخطوطات عبارة عن نسخ من أدبيات الدعوة اإلسماعيلية‬
‫القديمة التي قام هو وبعض تالميذه بفحصها وإعادة نسخها نسخا متعددة‪،‬‬
‫والمجموعة الهمدانية تحمل ختمه بتاريخ ‪1284‬هـ‪ ،‬وقد انتقلت بعض من‬
‫مخطوطات الهمداني إلى مكتبة جامعتي توبينغن وبومباي‪.‬‬
‫فيض هللا بن محمد علي الهمداني(‪:)93‬‬
‫سيدي فيض هللا بن محمد علي بن فيض هللا بن إبراهيم بن علي بن سعيد‬
‫الهمداني‪ ،‬أصغر أبناء سيدي محمد علي‪ ،‬ولد في سورات في أكتوبر ‪1877‬م‬
‫وتوفي هناه في شوال ‪1388‬هـ‪ /‬يناير ‪1969‬م عن عمر ناهز ‪ 91‬عاما‪،‬‬
‫وكانت عالقاته مع الداعي محمد برهان الدين (ت ‪1323‬هـ‪1906/‬م) ودية جدا‪،‬‬
‫حيث أنه اعتبر أن الداعي هو مجرد منظم للدعوة وليس داعيا مطلقا‪ .‬وخلف‬
‫برهان الدين في الدعوة عبدهللا بدر الدين (ت ‪1333‬هـ‪1915/‬م) الذي استحوذ‬
‫على المخطوطات من مجموعة الهمداني التي كانت في حوزة طاهر األخ‬
‫األكبر لسيدي فيض هللا‪ ،‬الذي وافاه األجل بصورة مفاجئة‪ .‬وقد قرر الداعي أنه‬

‫(‪ )92‬ديوان محمدي لألسف لم تتوفر لدينا نسخة من هذا العمل األدبي الهام‪.‬‬
‫(‪ )93‬عميد المدرسة المحمدية وصاحب المدرسة العالية بسورات‪.‬‬
‫‪286‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ليس مجرد منظم لشؤون الدعوة وإنما هو داع مطلق‪ ،‬وأدى ذلك إلى التقاضي‬
‫في المحاكم‪ ،‬خصوصا في لندن عندما قرر األخير التحكم في شؤون الدعوة‬
‫بشكل مطلق‪ .‬وفي أثناء المقاضاة قدم الشيخ فيض هللا الدالئل على أن الدعوة‬
‫منذ الداعي السادس واألربعين هي ليست مطلقة وإنما يقوم فيها الداعي بتنظيم‬
‫شؤون الدعوة وليست له اختصاصات الداعي المطلق‪.‬‬
‫وعاش سيدي فيض هللا حياة طويلة عانى خاللها من الفقر والحرمان‬
‫والتفاني في خدمة الدعوة في تعليم أبناء الدعوة ألصول الدين اإلسالمي في‬
‫الهند‪ ،‬وأنفق كل ممتلكاته في تحقيق ذلك الهدف السامي‪ -‬نشر الفكر اإلسالمي‪-‬‬
‫وقد كان مديرا للمدرسة المحمدية الهمدانية التي توارثها عن والده‪ ،‬وقد أسس‬
‫أول مدرسة لتعليم اللغة اإلنجليزية في مدينة سورات‪ ،‬وكان‪ -‬رحمه هللا‪ -‬عضوا‬
‫نشطا في "المؤتمر التعليمي للمسلمين" في الهند‪ ،‬واألمين العام "لصندوق‬
‫التنمية واالئتمان"‪ ،‬وهي مؤسسة خيرية‪ ،‬وظل كذلك حتى وفاته‪ ،‬كما كان‬
‫مسؤوال على حفظ وإعادة العديد من المخطوطات الهمدانية‪ -‬مجموعة سيدي‬
‫محمد علي‪ -‬والمعروفة أيضا "بالخزانة المحمدية الهمدانية"‪ ،‬وأتاح العديد من‬
‫هذه المخطوطات النادرة أمام العلماء والباحثين من شتى بقاع العالم الغربيين‪،‬‬
‫وهو ما قام به أيضا ابنه األكبر حسين‪.‬‬
‫ولديه مؤلفات عديدة أشهرها عمالن في التاريخ بعنوان "العقيدة البرهانية‬
‫والسوانية"‪ ،‬تم نشره في سورات عام ‪1966‬م‪ ،‬وكتاب بعنوان "حياة سيدنا‬
‫محمد علي الهمداني في البهرة الججراتية"‪ ،‬جزء منه موجود في مجموعة‬
‫الهمداني في لندن‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫حسين بن فيض هللا الهمداني(‪:)94‬‬


‫العالمة حسين بن فيض هللا الهمداني هو األبن األكبر لسيدي فيض هللا‬
‫الهمداني‪ ،‬ولد في سورات في ‪/4‬محرم‪1319/‬هـ الموافق ‪/33‬إبريل ‪1901/‬م‪،‬‬
‫وألن والدته كانت في محرم كان اسمه الفعلي "عبدالحسين" الذي تم اختصاره‬
‫الحقا إلى حسين‪.‬‬
‫والدته هي فاطمة ديايا‪ ،‬حفيدة الداعي الثامن واألربعين عبدالحسين حسام‬
‫الدين‪ ،‬وهو تزو من زينب الحفيدة الكبرى لسيدي صادق علي الذي اشتهر‬
‫بكونه شاعرا عظيما‪.‬‬
‫وتلقى علومه اإلسالمية األولية باللغة العربية على يد معلمه شيخ عشاق‬
‫علي شهجبوري‪ ،‬وكذلك على يد والده‪ ،‬وكان رائدا في الدراسات الغربية‪،‬‬
‫خصوصا في ما يتعلق بالدراسات التاريخية المتعلقة بالتاريخ الفاطمي‪.‬‬
‫وقد تحصل على علومه العلمية األخرى في مدينة سورات ‪ -‬بومباي الهند‪،‬‬
‫(‪)95‬‬
‫بجامعة بومباي‪ ،‬واجتاز امتحاناتها في‬ ‫حيث اجتاز مرحلة المتريكوليشن‬
‫الموضوعات اآلتية‪" :‬اإلنجليزية‪ ،‬والفارسية‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والجغرافيا‪ ،‬واألوردية‪،‬‬
‫والجوجراتية"‪ ،‬وحصل على شهادتها في بداية عقد العشرينيات من القرن‬
‫الماضي‪.‬‬
‫كما تحصل على إجازة علمية في اآلداب من جامعة بومباي في‬
‫الموضوعات اآلتية‪" :‬اإلنجليزية‪ ،‬والعربية‪ ،‬والمنطق‪ ،‬والتاريخ الهندي‪،‬‬
‫واإلدارة"‪ ،‬وحصل على شهادتها في عام ‪1922‬م‪ ،‬وفي منتصف عقد‬
‫العشرينيات من القرن الماضي (‪1924‬م) حصل العالمة الهمداني على شهادة‬

‫(‪ )94‬انظر‪ :‬الهمداني‪ ،‬العالمة حسين بن فيض هللا الهمداني (حياته‪ -‬نضاله‪ -‬فكره)‪.‬‬
‫(‪ )95‬متريكوليشن (‪ :) Matriculation‬شهادة االجتياز إلى التعليم العالي وتعادل ثانوية‬
‫عامة‪.‬‬
‫‪288‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الليسانس في اآلداب من جامعة بومباي في الموضوعات اآلتية‪" :‬اإلنجليزية‬


‫اإلجبارية‪ ،‬واإلنجليزية االختيارية" واجتازها بدرجة امتياز‪.‬‬
‫وواصل العالمة الهمداني دراساته العليا في جامعة بومباي‪ ،‬حيث حصل‬
‫على درجة الماجستير في اآلداب في الموضوعات اآلتية‪" :‬اللغة العربية‬
‫والفارسية" بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف في نهاية عقد العشرينيات‬
‫(‪.)1927‬‬
‫كما واصل العالمة الهمداني تعليمه العالي في جامعة لندن‪ -‬إنجلترا‪ ،‬حيث‬
‫حصل على شهادة الدكتوراه في اآلداب من جامعة لندن عن أطروحة علمية في‬
‫تاريخ الملل والنحل اإلسالمية في العام ‪1931‬م بعنوان‪:‬‬
‫( ‪The Doctrines and History of the Ismaili Da'wa in Yaman as‬‬
‫‪Based on Da'i Idris Imad'al Din's `Kitab Zahr ul-Ma'ani' and‬‬
‫‪.)1931 ،University of London ،" Ph.D. diss. ،Other Works‬‬
‫وبهذا يعد العالمة الهمداني أول دكتور أكاديمي على مستوى الخليج والجزيرة‬
‫العربية‪.‬‬
‫وإتقانه ألكثر من عشر لغات حية ولغات قديمة‪ ،‬ومن تلك اللغات ما كان‬
‫العالمة الهمداني يتقنها قراءة وتكلما دون كتابة‪ ،‬وهذه اللغات تحديدا هي اللغة‬
‫الفرنسية‪ ،‬واللغة الهولندية‪ ،‬واللغة العبرية‪ ،‬واللغة السبئية الحميرية(‪ ،)96‬ومن‬
‫اللغات التي كان يتقنها العالمة قراءة وكتابة وتكلما اللغة العربية‪ ،‬حيث حصل‬
‫على بكالوريوس في اآلداب بامتياز بالعربية واإلنجليزية من جامعة بومباي‬
‫أيضا‪ .‬واللغة الفارسية‪ ،‬فقد حصل العالمة على الماجستير بالعربية واإليرانية‬
‫من جامعة بومباي‪ ،‬وأجاد العالمة الهمداني اللغة األلمانية‪ ،‬واجتاز منهاجا‬

‫(‪ )96‬اإلرياني ‪ ،‬مقابلة تلفزيونية‪ ،‬برنامج "وتلك األيام"‪ ،‬تلفزيون اليمنية الفضائية‪ ،‬تاريخ‬
‫‪2010/2/14‬م‪.‬‬
‫‪289‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫خاصا باأللمانية في جامعتي هيدلبر وبرلين‪ ،‬وكذلك اللغة اإلنجليزية‪ ،‬حيث‬


‫حصل على درجة الدكتوراه باللغة العربية واإلنجليزية من جامعة لندن‪ ،‬كما‬
‫أتقن العالمة الهمداني اللغة األوردية والججراتية‪.‬‬
‫وكان العالمة مرتبطا بعالقات جيدة‪ ،‬وخاصة مع صديقة الدارس والباحث‬
‫المشهور بول كروس الذي استفاد من خزانة الهمداني المشهورة‪ ،‬كما استفاد من‬
‫هذه الخزانة العديد من الدارسين والباحثين الذين كانت لهم عالقة مباشرة مع‬
‫العالمة حسين الهمداني‪ ،‬منهم آصف فيضي‪ ،‬وزاهد علي‪.‬‬
‫وتولى العالمة الهمداني مهامه في مجال التدريس‪ ،‬إضافة إلى توليه بعض‬
‫المهام اإلدارية الثقافية‪ ،‬وقد تدرجت هذه المراحل زمنيا‪ ،‬حيث حصل العالمة‬
‫على عضوية "الجمعية الملكية اآلسيوية البريطانية" خالل األعوام (‪-1930‬‬
‫‪ 1932‬م)‪ .‬وعلى حد علمي ف ن هذه العضوية يتم منحها إلى من توفرت لديه‬
‫خصائص علمية معينة يمكن تمثيلها بالعبقرية‪ ،‬واستطاع العالمة الهمداني‬
‫الحصول عليها أثناء قيامه بتحضير دراسة الدكتوراه في جامعة لندن‪.‬‬
‫وعقب حصول العالمة على درجة الدكتوراه تم ضمه ضمن هيئة التدريس‬
‫في "جامعة بومباي" (الهند) كأستاذ للغتين العربية والفارسية بكلية سوارت‬
‫خالل الفترة (‪ 1934 -1933‬م)‪ ،‬وفي الفترة نفسها تم توليه مهام إدارية كمدير‬
‫لـ"مدرسة انبمن إسالم العالية" بأحمد آباد في العام ‪1933‬م‪ .‬وكذلك عمل نائبا‬
‫لرئيس "كلية إسماعيل يوسف" ببومباي في عام ‪1932‬م‪ ،‬وتولى مهام رئاسة‬
‫"الجمعية العربية" بكلية منجلداس بسورات خالل الفترة (‪1934 -1933‬م)‪،‬‬
‫ويعد الهمداني أول مؤسس لهذه الجمعية‪ ،‬وتولى منصب السكرتير العام‬
‫لألصدقاء الدوليين بسورات خالل الفترة (‪1933-1934‬م)‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وفي العام ‪ 1934‬م تم تعيينه عضو لجنة االستقصاء التي عينتها حكومة نظام‬
‫حيدر آباد لتقديم التوصيات والمقترحات الخاصة ب صالح مكتبة األصفية بحيندر‬
‫آباد‪.‬‬
‫وحصل العالمة الهمداني على درجة أستاذ مساعد للغة الفارسية بكلية‬
‫الفنستون (بومباي) بداية العام ‪ ،1935‬ومارس مهامه األكاديمية فيها طيلة عام‪،‬‬
‫ولمدة عقد من الزمن كان العالمة الهمداني أستاذا للغة العربية والتاريخ‬
‫اإلسالمي وعميد القسم العربي بدرجة (أ) بكلية إسماعيل يوسف (بومباي) من‬
‫بداية العام ‪ 1937‬م‪ .‬وخاللها تولى منصب السكرتير العام للجمعية العربية‬
‫(بومباي) من الفترة (‪1944 -1941‬م)‪ ،‬وتولى العالمة مهامه كرئيس لقسم‬
‫اآلداب بكلية إسماعيل يوسف (بومباي) خالل الفترة (‪1946 -1945‬م)‪ ،‬وكان‬
‫السكرتير العام للجمعية الثقافية العربية الهندية (بومباي) خالل الفترة (‪-1945‬‬
‫‪1947‬م)‪.‬‬
‫كما كان العالمة هو األستاذ المسؤول عن مكتبة كلية إسماعيل يوسف‬
‫(بومباي) من الفترة (‪ 1945‬إلى ‪1947‬م)‪ .‬وكان أستاذا للخريجين الذين‬
‫تعتمدهم جامعة بومباي لإلشراف على أبحاث الساعين للحصول على شهادة‬
‫الدكتوراه باللغة العربية‪.‬‬
‫وفي الفترة (‪1948 -1947‬م) تقلد العالمة مهامه مديرا مساعدا لألبحاث‬
‫اإلسالمية في حكومة البنجاب الغربية بالهور بالباكستان‪ ،‬وهي المرحلة التي تم‬
‫خاللها انتقال العالمة من بلد المنفى (الهند) إلى بلد المنفى (الباكستان)‪.‬‬
‫وفي نهاية العام ‪ 1948‬م تم تعيينه كأول مستشار ثقافي لسفارة الباكستان‬
‫بالقاهرة بدرجة (أ)‪ ،‬وهذه كانت بداية انتقاله من باكستان إلى بلد المنفى‬
‫(القاهرة) التي استقر فيها حتى وافته المنية ‪ -‬رحمه هللا‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وإضافة إلى المنصب الدبلوماسي الثقافي السابق للعالمة الهمداني فقد‬


‫استطاع تولي عدة مناصب أكاديمية ودبلوماسية‪ ،‬وكانت له أعمال سياسية‬
‫ونشاطات ثورية‪ ،‬فبداية من العام ‪1949‬م بناء على دعوة من طه حسين‪-‬وزير‬
‫المعارف المصري‪ -‬عمل الهمداني أستاذا لفقه اللغات السامية واللغة الفارسية‬
‫في كلية دار العلوم المشهورة والمرتبطة بجامعتي األزهر والقاهرة بدرجة‬
‫أستاذ‪ ،‬حتى توفي في العام ‪1962‬م‪ ،‬وخالل هذه الفترة تم تعيين العالمة‬
‫الهمداني الملحق الثقافي للسفارة اليمنية بالقاهرة من العام ‪ 1949‬إلى ‪1962‬م‪،‬‬
‫وخاللها أيضا تم توليه مهام المستشار الثقافي "لالتحاد اليمني" المنعقد في‬
‫القاهرة ضد حكم أئمة بيت حميد الدين في اليمن من العام ‪ 1948‬إلى ‪1962‬م‪.‬‬
‫وله العديد من المؤلفات‪ ،‬وهي من أهم األعمال العلمية في التاريخ‬
‫الفاطمي(‪ ،)97‬وهو يعد بامتياز رائد الدراسات الفاطمية في العالم العربي‬
‫واإلسالمي‪.‬‬
‫وتوفي الدكتور حسين الهمداني في منتصف سبتمبر ‪1962‬م بأرض منفاه‬
‫بالقاهرة‪ ،‬وتم دفنه في مقبرة أحد أصدقائه‪ ،‬وهو العالم الجليل عبد المتعال‬
‫الصعيدي‪ ،‬وكتبت على ضريحه عبارة مفادها "صديقين في الدنيا‪ ،‬صديقين في‬
‫اآلخرة"(‪.).98‬‬
‫عباس حسين الهمداني(‪:)99‬‬
‫البروفيسور عباس الهمداني كان أستاذا في جامعة ويسكونسن – ميلووكي‬
‫(الواليات المتحدة األمريكية)‪ ،‬ولد في سورات‪ ،‬الهند في عام ‪1926‬م‪ ،‬وحصل‬

‫(‪ )97‬للمزيد عن مؤلفاته راجع كتاب العالمة حسين بن فيض هللا الهمداني حياته‪ -‬فكره‪-‬‬
‫نضاله‪.‬‬
‫(‪ )98‬العالمة حسين بن فيض هللا الهمداني حياته – فكره‪ -‬نضاله‪ ،‬عدة صفحات ‪.‬‬
‫(‪ )99‬نبذة عن حياة البروفيسور عباس الهمداني تم نشرها خالل فعالية أربعينية الفقيد التي‬
‫أقامتها مؤسسة الهمداني الثقافية في اليمن في شهر فبراير ‪2020‬م‪.‬‬
‫‪292‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫على شهادة البكالوريوس (مع مرتبة الشرف)‪ ،‬وشهادة في القانون من جامعة‬


‫بومباي في عامي ‪ 1945‬و‪ 1947‬م على التوالي‪ ،‬وشهادة الدكتوراه من جامعة‬
‫لندن (كلية الدراسات الشرقية واإلفريقية) في عام ‪1950‬م‪ ،‬في الدراسات‬
‫العربية واإلسالمية‪ .‬وقام بتدريس التاريخ اإلسالمي في جامعة كراتشي من‬
‫‪1951‬م إلى ‪1962‬م ودرس في الجامعة األمريكية بالقاهرة من ‪1962‬م إلى‬
‫‪1969‬م‪ ،‬ومنذ ذلك الحين في جامعة ويسكونسن ‪ -‬ميلووكي حتى تقاعده في عام‬
‫‪2001‬م‪.‬‬
‫تركز منشوراته على المجاالت األربعة اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬الفكر الفلسفي اإلسالمي في العصور الوسطى‪ ،‬خاصة فيما يتعلق "ب خوان‬
‫الصفاء" وموسوعتهم‪ ،‬وقد حقق بعضا من أجزاء هذه الموسوعة‪.‬‬
‫‪ ‬الخلفية اإلسالمية لرحالت االستكشاف‪.‬‬
‫‪ ‬الصراع بين الخالفة العباسية والفاطمية‪.‬‬
‫‪ ‬شاره في ندوة جامعة صنعاء سنة ‪1986‬م عن أبي محمد الحسن بن أحمد‬
‫الهمداني‪.100‬‬
‫تشمل زماالت الدكتور عباس الهمداني وجوائزه‪ :‬منحة دراسية من لجنة‬
‫فولبرايت‪ ،‬والمركز األمريكي للبحوث في مصر‪ ،‬وجائزة التميز في التدريس‪،‬‬
‫والخدمة‪ ،‬وترويج السالم من جامعة ويسكونسن ‪ -‬ميلووكي‪ .‬وقد ألقى‬
‫محاضرات في العديد من الجامعات‪ ،‬بما في ذلك الجامعة األمريكية في القاهرة‪،‬‬
‫وجا معة القاهرة‪ ،‬والجامعة العبرية‪ .‬ويجيد الدكتور عباس الهمداني عدة لغات‬
‫كاإلنجليزية‪ ،‬والعربية‪ ،‬والفرنسية‪ ،‬واألوردية‪ ،‬والجوجراتية‪ ،‬وقد تنقل حول‬
‫العالم على نطاق واسع‪ ،‬وتحدث في مؤتمرات في أوروبا‪ ،‬واألمريكتين‪،‬‬

‫(‪ )100‬للمزيد انظر ‪Al-hamdani the outset of the domination of the Hamdan over‬‬
‫‪Yemen‬‬

‫‪293‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫والشرق األوسط‪ ،‬وشمال إفريقيا‪ ،‬وأستراليا‪ ،‬وآسيا‪ .‬وتبرع الدكتور الهمداني‬


‫في العام ‪2006‬م بحوالي ‪ 300‬مخطوطة موروثة عبر سبعة أجيال من أسرته‬
‫"لمعهد الدراسات اإلسماعيلية" بلندن‪ ،‬الذي قام بفهرستها في منشورات "معهد‬
‫الدراسات اإلسماعيلية بالعربية والفارسية والمخطوطات الجوجراتية"‪.‬‬
‫ويصنف الهمداني من أبرز العلماء عالميا في مجال الدراسات اإلسماعيلية‪،‬‬
‫إضافة إلى امتالكه لذخيرة علمية نادرة متمثلة في مجموعة المخطوطات النادرة‬
‫التي آلت إليه من آبائه وأجداده من علماء الدعوة اإلسماعيلية‪.‬‬
‫ومن أهم أعماله ومؤلفاته‪:‬‬
‫· تحقيق كتاب تحفة القلوب وفرجة المكروب‪.‬‬
‫· إخوان الصفاء‪ :‬بين الكندي والفارابي‪.‬‬
‫· حياة المؤيد في الدين هبة هللا بن موسى الشيرازي‪.‬‬
‫· تحقيق الرسالة الـ(‪ )48‬من رسائل "إخوان الصفاء" ‪2019‬م‪.‬‬
‫‪A POSSIBLE FÂTIMID BACKGROUND TO THE BATTLE OF‬‬
‫‪MANZIKERT‬‬
‫‪Fatimid Literature Creation، preservation، transfer، concealment‬‬
‫‪and revival‬‬
‫‪The Muhtasib as Guardian of Public Morality in the Medieval‬‬
‫‪Islamic City‬‬
‫‪The Tayyibi - Fatimid Community of the Yaman at the Time of the‬‬
‫‪Ayyübid Conquest of Southern Arabia‬‬
‫‪Al-hamdani the outset of the domination of the Hamdan over‬‬
‫‪Yemen‬‬
‫‪`"Kitab az-Zinat' of Abu Hatim ar-Razi." In Actes du XXIe Congrès‬‬
‫‪International des Orientalistes. Paris: Imprimerie Nationale، 1949.‬‬

‫‪294‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

Pp. 291-294.
"The Tayyibi - Fatimid Community of the Yaman at the Time of the
Ayyübid Conquest of Southern Arabia ،" Arabian Studies،
Cambridge، Vol. VII (1985)
"Evolution of the Organizational Structure of the Fatimi Da'wa ،
" Arabian Studies III (1976): 85-114. Da'is in Yemen.
"Abu Hayyan al-Tawhidi and the Brethren of Purity ،" I.J.M.E.S. IX
(1978): 345-353. [Revised version of a paper presented under the
same title to the Tenth Annual Meeting of the Middle East Studies
Association at Los Angeles، 11-13 November 1976.]
"An Early Fatimid Source on the Time and Authorship of the
Rasa'il Ihwan al-Safa ،" Arabica XXVI (1979): 62-75.
"A Re-examination of Al-Mahdi's Letter to the Yemenites on the
Genealogy of the Fatimid Caliphs ،" J.R.A.S. (1983/2): 173-207.
"The Arrangement of the Rasa'il Ikhwan al-Safa and the Problem of
Interpolations ،" Journal of Semitic Studies XXIX، no. 1 (Spring
1984). Pp. 97-110.
"Sirat of al-Mu'ayyad fid Din al Shirazi." Ph.D. diss.، S.O.A.S.،
University of London، 1950.
The Beginnings of Ismaili Dawa in Northern India. Cairo، 1956.
"The Discovery of a Lost Literature ،" All Pakistan History
Conference VIII (1958): 61-73.
The Fatimids. Karachi، 1962. 84 pp.
"Some Considerations on the Fatimid Caliphate as a
Mediterranean Power." In Atti Terzo Congresso di Studi Arabi e
Islami'i. Naples: Ravello، 1967. Pp. 385-396.

295
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪"The Fatimid-Abbasid Conflict in India ،" I.C. XLI (1967): 185-‬‬


‫‪191.‬‬
‫‪"The Yamani Ismaili Dai Hatim b. Ibrahim al Hamidi (d. 596‬‬
‫‪A.H./1199 A.D.) and his Book `Tuhfat al Qulub' ،" Proc. 27th‬‬
‫‪Intern. Cong. Or. (1971): 270-272.‬‬
‫‪" Some Aspects of the History of Libya During the Fatimid‬‬
‫‪Period." In Libya in History، ed. Gadalla. Beirut: Imprimerie‬‬
‫‪Catholique، 1970. Pp. 321-348.‬‬
‫‪"The Dai Jalam b. Shayban and the Ismaili State of Multan.‬‬
‫‪Karachi، 1973.‬‬
‫‪"The Dai Hatim ibn Ibrahim al Hamidi and his Book `Tuhfat al‬‬
‫‪Qulub' ،" Oriens XXIII/XXIV (1974): 258-300.‬‬
‫‪"Byzantine-Fatimid Relations before the Battle of Manzikert ،‬‬
‫‪" Byzantine studies I (1974): 169-179.‬‬
‫توفي عباس الهمداني في أواخر ديسمبر العام ‪2019‬م عن عمر ناهز ‪92‬‬
‫عاما في بلد المهجر أمريكا‪-‬مخلفا إرثا علميا كبيرا ومهما‪ ،‬ولألسف لم تسنح‬
‫الفرصة لالستفادة منه في موطنه األصلي اليمن‪ ،‬وتعمل "مؤسسة الهمداني‬
‫الثقافية" حاليا على العمل على نشر تلك األعمال األدبية والثقافية للبروفيسور‬
‫الهمداني في اليمن‪ ،‬وكذلك العمل على ترجمة أعماله إلى اللغة العربية حتى‬
‫يتمكن الباحثون المهتمون بالدراسات الفاطمية من االستفادة منها‪.‬‬
‫اآلثار االجتماعية للهجرات اإلسماعيلية‪:‬‬
‫(‪)101‬‬
‫كان أول داعية إسماعيلي أرسل من اليمن إلى كامبي الهندية هنو عبندهللا‬
‫الذي نجح في تأسنيس الندعوة بنحنو ثابنت‪ .‬وطبقنا لتقاليند اإلسنماعيليين البهنرة أو‬

‫(‪ )101‬ال تتوفر لدينا معلومات واسعة عنه ‪.‬‬


‫‪296‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫رواياتهم(‪ ، )102‬ف ن عبدهللا قد تمكن في نهاية األمر من تحويل سدهراجا جياسنغا‬


‫(‪527-487‬هننـ) ملننك غجننرات الهندوسنني الراجبننوتي الننذي كننان يتخننذ أنهلننوارا‬
‫(باتان الحديثنة) عاصنمة لنه‪ ،‬ووزينر االثننين الشنقيقين بهارمنل وتارمنل‪ ،‬إضنافة‬
‫إلى شريحة مهمة من السكان المحليين‪ ،‬حولهم إلى اإلسنالم علنى مذهبنه‪ ،‬وطبقنا‬
‫لهذه الروايات فقد كان يعقوب بنن بهارمنل هنو منن خلنف عبندهللا وأصنبح رئنيس‬
‫الننندعوة فننني الهنننند‪ ،‬وقننند أرسنننل ابنننن عمنننه فخنننر الننندين بنننن تارمنننل يننندعو إلنننى‬
‫اإلسماعيلية في غرب رجستان حينث القنى حتفنه هنناه‪ .‬ودفنن فخنر الندين النذي‬
‫عند أول شنهيد إسنماعيلي هنندي فني غنناليكوت‪ ،‬وانتقلنت والينة الندعوة فني الهننند‬
‫عقب ذلك إلى بير (أو الشنيخ) حسنن المعنروف باسنم حسنن بينر أحند المنحندرين‬
‫من الداعي عبدهللا‪ ،‬وقتل حسن عموما بينما كان يقوم بأعمنال الندعوة‪ ،‬وال ينزال‬
‫ضريحه في مكان قرب هاريج‪ ،‬وخلف حسن حفيده آدم بن سنليمان النذي شنغلت‬
‫ساللته منصب الوالية ألجيال عديدة(‪.)103‬‬
‫وكانت الجماعة اإلسماعيلية في غجرات قد حافظت علنى روابنط وثيقنة منع‬
‫الننيمن‪ ،‬وأينندت مثننل الصننليحيين حقننوق المسننتعلي واآلمننر ف ني اإلمامننة‪ ،‬ووقننف‬
‫المستعليون الغجرات بصورة مشابهة إلى جانب السيدة أروى بنت أحمد وتنظنيم‬
‫النندعوة القننائم فنني الننيمن فنني تأيينندهم للقضننية الطيبيننة أثننناء النننزاع الحننافظي –‬
‫الطيبي‪ .‬وبعد انهيار الدولة الصليحية خضنع الطيبينون فني الهنند إلشنراف وثينق‬
‫مننن الننداعي المطلننق فنني الننيمن الننذي كننان يختننار الرؤسنناء المتتننالين للجماعننة‬

‫(‪ )102‬بنديات‪ ،‬صفحات كثيرة (‪ )48-100‬وخير خواء‪ ،‬تصنيفات‪ ،‬صـ‪ ،91 ،68‬وفصل‬
‫صـ‪33 -32‬‬
‫(‪ )103‬أفضل معالجة للموضوع قام بها عظيم ناجي‪ ،‬تقليد نزاري‪ ،‬صـ‪ 91 ،65‬ميسرا‪،‬‬
‫الجماعات المسلمة في غجرات صـ‪ 65 -54 ،12-10‬إيفانوف "ساتيانث" في‬
‫كولكناتيا صـ‪ ،19-1‬علي‪ ،‬أصول الخوجا صـ‪ 44-39‬هوليستر‪ ،‬الشيعة صـ‪-339‬‬
‫‪ ،362‬يوسف علي‪ ،‬خوجا‪ ،‬الموسوعة اإلسالمية‪ ،‬م‪ 2‬صـ‪ 962 -960‬إيفانوف‪،‬‬
‫خوجا صـ‪ 257-256‬مادلونغ الموسوعة اإلسالمية ط‪ ،2‬م‪ ،5‬صـ‪.27-25‬‬
‫‪297‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الهنديننة‪ ،‬ويسننتقبل بانتظننام وفننود البهننرة مننن غجننرات فنني ظننل تلننك الظننروف‪.‬‬
‫وتابعننت الجماعننة الطيبيننة فنني غجننرات نموهننا بشننكل ملمننوس‪ ،‬واعتنقننت أعننداد‬
‫كبيرة من الهندوس اإلسماعيلية الطيبية‪ ،‬ال سنيما فني كنامبي‪ ،‬وباتنان‪ ،‬وسندبور‪،‬‬
‫وفي أحمد آباد فيما بعد‪ ،‬المكان الذي تأسس فيه مقر القيادة الهندية (‪.)104‬‬
‫ولننم يتعننرض إسننماعيلية غجننرات وال دعنناتهم الضننطهاد الحكننام الهننندوس‬
‫المحليننين الننذين لننم يشننعروا بننأي خطننر جننراء نشنناطات اإلسننماعيلية‪ .‬وهكننذا فق ند‬
‫نمت الجماعة اإلسماعيلية وتطورت منن دون أي عنائق‪ ،‬حتنى الغنزو اإلسنالمي‬
‫لغجنرات سننة ‪697‬هننـ‪1298 /‬م عنندما تعرضنت نشنناطات الندعوة للتضنييق إلننى‬
‫حد ما على أيدي حكام المنطقة المسلمين النذين اعترفنوا بسنيادة سنالطين دلهني‪،‬‬
‫وتنندهورت حالننة اإلسننماعيليين الهنننود أكثننر مننن ذلننك مننع غننزو ظفرخننان مظفننر‬
‫لغجننننرات سنننننة ‪793‬هننننـ‪1391/‬م‪ .‬وألنننننه كننننان يتننننوجس خيفننننة مننننن نجاحننننات‬
‫اإلسماعيل ية‪ ،‬فقد أصنبح ظفرخنان أول حناكم لغجنرات يقمنع الشنيعة فني مملكتنه‪،‬‬
‫وتتالننت األحننداث علننى اإلسننماعيلية فنني ظننل االنقسننام الننذي حنندث بينننهم حتننى‬
‫تأسيس حكنم المغنول‪ ،‬حينهنا بندأ البهنرة اإلسنماعيلية يتمتعنون بدرجنة معيننة منن‬
‫الحرية الدينية‪ ،‬حيث تخلوا عن "التقية"‪ ،‬وصاروا يصلُّون علنا في مساجدهم‪.‬‬
‫وفي أكثر األحوال‪ ،‬كان يتم إرسال الطلبة الواعدين من الطيبيين الهنود إلنى‬
‫اليمن لزيارة معارفهم‪ ،‬مستفيدين من الروابط الوثيقة القائمة بين البهرة الطيبينين‬
‫ومقر قيادة الدعوة المركزية‪ ،‬وهذا ما جرى لكبار رجاالت الدعوة اإلسماعيلية‪.‬‬
‫وكان يوسنف بنن سنليمان النذي تنولى رئاسنة اإلسنماعيلية بهرينا آخنر اختناره‬
‫الوالي لدراسات متقدمة في النيمن‪ ،‬وقند وصنل يوسنف إلنى النيمن وهنو منا ينزال‬
‫شننابا يافعننا‪ ،‬وأول مننا درس علننى ينندي حسننن بننن نننوح البهروجنني (ت‪939‬هننـ)‪.‬‬

‫(‪ )104‬انظر‪ :‬اإلسماعيليون تاريخهم وعقائدهم‪ ،‬صـ‪.471 -470‬‬


‫‪298‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وسرعان ما لفتت دراسة يوسف انتباه الداعي المطلق الثالنث والعشنرين فرشنحه‬
‫لخالف ته‪ ،‬وهكذا أصبح يوسنف أول هنندي ينرأس الندعوة الطيبينة بصنفته النداعي‬
‫المطلق الرابع والعشرين‪ .‬وعندما توفي النداعي الثالنث والعشنرون سننة ‪946‬هنـ‬
‫كان خلفه يوسف في سدبور‪ ،‬فمن غجرات راح يوسنف يصنرف شنؤون الندعوة‬
‫لبضنع سننوات قبنل اسنتقراره فني النيمن‪ .‬وعنندما تنوفي سننة ‪974‬هنـ تحنول مقنر‬
‫القيادة المركزي للدعوة الطيبية من النيمن إلنى غجنرات علنى يندي خلفنه الهنندي‬
‫عبد الجليل بن حسن‪ ،‬وفي تلك الفترة أقام الداعي المطلنق الطيبني مقنره الخناص‬
‫في أحمد آباد‪ ،‬وعين نائبا له إلدارة شؤون الجماعة ودعوتها في اليمن(‪.)105‬‬
‫وقنند تعننرض اإلسننماعيلية للعدينند مننن االضننطهاد والمالحقننة مننن قبننل حكننام‬
‫حكموا غجرات وغيرها بعد حكم المغنول‪ ،‬ويمكنن اعتبنار فتنرة الحناكم المغنولي‬
‫جالل أكبر هي أفضل مرحلة مرت‪ ،‬وما تالها كانت مراحل زمنينة صنعبة علنى‬
‫جماعة اإلسماعيلية‪ .‬وجرى في ظل الموجات المتكررة لالضنطهاد مننع طقنوس‬
‫اإلسماعيلية البهرة وممارساتهم في الهنند‪ ،‬بمنا فني ذلنك زينارة أضنرحة األوليناء‬
‫المتعددة‪ ،‬واحتفاالت إحياء ذكرى استشهاد الحسين بن علي خنالل شنهر محنرم‪،‬‬
‫يضاف إلى أنه حتى التعبدات الدينية الطيبية‪ ،‬كالصنلوات اليومينة‪ ،‬صنار ينديرها‬
‫الموظفننون السنننة الننذين أصننبحوا مسننؤولين عننن رعايننة مسنناجد الطيبيننين أيضننا‪.‬‬
‫وفرضت على اإلسماعيليين البهرة ضرائب جزائية وأشكال أخرى من المطالب‬
‫المالية الباهظة‪ ،‬وعين‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬معلمون سنة لتعليم اإلسماعيليين البهرة‬
‫عقائد اإلسالم السنني‪ .‬واسنتمرت أعمنال االضنطهاد هنذه التني اسنتوجبت التزامنا‬
‫صارما بـ"التقية" طنوال فتنرة قينادة ابنن عبند الطينب وخليفتنه موسنى كلنيم الندين‬

‫(‪ )105‬انظر‪ :‬اإلسماعيليون تاريخهم وعقائدهم‪ ،‬صـ‪ 474‬صحيفة الصالة السليمانية‬


‫صـ‪.682‬‬
‫‪299‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫(ت ‪1122‬هننـ) الننذي تزامنننت فترتننه مننع السنننوات األخيننرة مننن فتننرة عننالمجيرا‪.‬‬
‫وفي وقت متأخر وصنل إلنى سننة ‪1116‬هنـ‪ ،‬اعتقنل المزيند منن البهنرة البنارزين‬
‫ممن عملوا باسم الدعوة الداؤدية‪ ،‬وأرسلوا منع كتنبهم إلنى اإلمبراطنور المغنولي‬
‫ليننننالوا عقنننابهم(‪ .)106‬وبوفننناة اورنكزينننب سننننة ‪1118‬هنننـ‪ ،‬واالنحطننناط الالحنننق‬
‫لإلمبراطوريننة المغوليننة فنني الهننند‪ ،‬سننمح لجماعننة البهننرة اإلسننماعيلية عمومننا‬
‫بننالتطور بحريننة أكبننر‪ ،‬وأدى اشننتغالهم فنني المجننال التجنناري إلننى جننذب انتبنناه‬
‫أصناف متنوعة منن حكنام الهنند الصنغار النذين كثينرا منا فرضنوا علنيهم دفعنات‬
‫مالية مخالفة لألصول‪.‬‬
‫وكان الداعي السادس واألربعون محمد بدر الدين بنن عبند علني سنيف الندين‬
‫(‪1256 -1252‬هنننـ) آخنننر الننندعاة النننذين كنننانوا ينتمنننون إلنننى الراجبنننوتيين منننن‬
‫غجنرات‪ .‬وتشنير المراجنع إلننى أننه فني أكثننر منن مناسنبة قنند ذكنر أن خليفتنه هننو‬
‫عبدالقادر نجم الدين‪ ،‬غير أنه توفي فجأة سننة ‪1256‬هنـ دون أن يعلنن منا يسنمى‬
‫"النننص الجلنني"‪ ،‬وهنني التسننمية العامننة لننولي العهنند‪ ،‬مننا سننبب جننداال سنناخنا فنني‬
‫(‪)107‬‬
‫ولنم‬ ‫الجماعة فني مسنألة الخالفنة‪ ،‬وهنو جندل اسنتمر حتنى الوقنت الحاضنر‬
‫يقدم علماء الداؤدية في ظل تلك الظروف على الكشف عنن األمنر للجمهنور‪ ،‬إال‬
‫أنهم اتفقوا عموما على وجوب تولي عبندالقادر نجنم الندين إدارة شنؤون الندعوة‪،‬‬
‫وكان عبدالقادر الذي شغل رتبة "المكاسر" في ذلك الوقنت ابننا للنداعي الخنامس‬
‫واألربعنننين طينننب زينننن الننندين بنننن شنننيخ جينننوانجي‪ .‬والجننندير بالنننذكر‪ ،‬أن شنننيخ‬

‫(‪ )106‬وردت رواية هذه الزيارة في "جنة بوري" الشعر المنسوب إلى إمام شاه‪ ،‬ترجم عند‬
‫هودا "بعض نماذ " صـ ‪ .137-122‬انظر‪ :‬اإلسماعيليون تاريخهم وعقائدهم‬
‫صـ‪.481‬‬
‫(‪ )107‬انظر حول ذلك محمد علي‪ ،‬موسم بهار‪ ،‬م‪ 3‬صـ‪ ،767 -693‬إسماعيلجي‪ ،‬أخبار‪،‬‬
‫صـ‪ 362‬زاهد علي‪ ،‬صـ‪ ،297 -295‬انجنيز‪ ،‬البهرة صـ‪ 135‬وما بعدها‪ ،‬بونواال‬
‫صـ ‪ 228 -224 ،221 ،219 ،14‬انظر أيضا‪ :‬اإلسماعيليون تاريخهم وعقائدهم‬
‫صـ‪.484‬‬
‫‪300‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫جيننوانجي هننو جنند أكثننر أسننر النندعاة الننداؤدين حداثننة‪ ،‬وهنني التنني بنندأت سنننة‬
‫‪1232‬هـ وحتنى وقتننا هنذا‪ .‬والمهنم فني األمنر‪ ،‬أن الداؤدينة اعترفنوا بعبند القنادر‬
‫رئيسا جديدا لهم‪ ،‬بينما واصلت دوائنر متعلمنة جندالها فني أمنر واليتنه وتشنكيكها‬
‫في شرعيته‪.‬‬
‫بننل إن بعننض العلمنناء الننذين قلقننوا كثيننرا مننن مسننألة انقطنناع النننص والتعاقننب‬
‫المنتظم للدعاة‪ ،‬بدأوا يتوقعون الظهور الوشيك لإلمام الطيبي‪ ،‬وكانت النتيجة أن‬
‫غادر خمسة علماء من الداؤديين البنارزين‪ ،‬بمنن فنيهم محمند علني بنن فنيض هللا‬
‫الهمداني (ت ‪1315‬هـ‪1898 /‬م)‪ ،‬الهند إلى شبه الجزيرة العربية سنة ‪1293‬هـ‪/‬‬
‫‪1876‬م بحثننا عننن اإلمننام‪ ،‬وزارت المجموعننة العدينند مننن المواضننع فنني الحجنناز‬
‫وغيرهنننا‪ ،‬ودخلنننوا فننني مصننناعب منننع السنننلطات العثمانينننة التننني ظننننت البهنننرة‬
‫اإلسماعيليين جواسيس‪ .‬وفي عام ‪1295‬هـ‪1878/‬م أقام علمناء الندين النداؤديون‬
‫القينناديون‪ ،‬برئاسننة إبننراهيم بهننائي صننفي النندين‪ ،‬مجلسننا استشنناريا فنني سننورات‬
‫عرف باسم "حلف الفضائل" منن أجنل هداينة الجماعنة فني المسنائل الدينينة طبقنا‬
‫للشريع ة‪ ،‬ال سيما أن التثقيف الديني كنان قند توقنف فني غضنون ذلنك فني مركنز‬
‫"دار سننيفي"‪ .‬وتبننين أن المجلننس لننم يولنند إال ليعننيش فتننرة قصننيرة‪ ،‬وأن مختلننف‬
‫دوائر الداؤديين بقيت مضطربة جنراء الجندل النذي أحناط بتنولي عبندالقادر نجنم‬
‫الدين لمنصب الداعي‪.‬‬
‫وهنا يتضح لنا التأثير االجتماعي الذي كان لألسنر اليمنينة دور مهنم فني بنينة‬
‫المجتمننع اإلسننماعيلي فنني الهننند‪ ،‬فقنند كانننت أكثننر األسننر معارضننة‪ ،‬وكانننت لهننا‬
‫مواقف راديكالية بخنالف العامنة منن أتبناع الطائفنة اإلسنماعيلية‪ .‬كمنا يتضنح لننا‬
‫مدى المعاناة التي مرت بها تلك األسر اليمانية في بالد المهجر‪ ،‬الهند‪ ،‬سواء من‬

‫‪301‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الحك ام المحليين للمناطق الهندية التني اسنتوطنوها‪ ،‬أو منن خنالل الخالفنات التني‬
‫مرت بها الدعوة اإلسماعيلية وكان لها تأثير مباشر عليهم‪.‬‬
‫ويتضننح لنننا منندى التننزام اليمنيننين بالحفنناظ علننى هننويتهم اليمنيننة مننن خننالل‬
‫عاداتهم ولباسهم وتقاليدهم المختلفة‪.‬‬
‫وفنننني وقننننت الننننداعي الحننننادي والخمسننننين طنننناهر سننننيف النننندين (‪-1333‬‬
‫‪1385‬هنننـ‪ 1965-1915/‬م) النننذي تنننرأس الجماعنننة لمننندة خمسنننين سننننة‪ ،‬راحنننت‬
‫المعارضة‪ ،‬التي أكدت في بداية أمرها التعليم العلماني‪ ،‬تدعو بمرور الوقت إلنى‬
‫التغيير االجتماعي والحقوق الفردية‪ ،‬وديمقراطية المؤسسنات المحلينة التني تتبنع‬
‫النندعوة‪ ،‬والمسننؤولية الماليننة للمبننالغ التنني تجبننى مننن الننداؤديين‪ .‬وجننرى إبنننان‬
‫الخمسننينيات والسننتينيات مننن القننرن العشننرين تكننوين المزينند مننن المجموعننات‬
‫اإلصننالحية التنني سننرعان مننا انضننمت إلننى المعارضننة القديمننة فنني الجماعننة‪،‬‬
‫مؤسسننة جبهننة متحنندة باسننم "برغنناتي مننندال" (أي المجموعننة التقدميننة)‪ ،‬لكننن‬
‫األكثرية الساحقة منن النداؤديين البهنرة‪ ،‬وهنم التقلينديون فني أسناليبهم ونظنرتهم‪،‬‬
‫واصلت كونها مؤيدة متحمسة لداعيها‪.‬‬
‫ولنم يكنن ذا أهمينة االسننتخدام الفعنال لعقوبنة الفصننل عنن الجماعنة‪،‬ن واألمننر‬
‫بالمقاطعننة االجتماعيننة مننن بننين إجننراءات تأديبيننة أخننرى مارسننها الننداعي فنني‬
‫إضعاف الجهود اإلصنالحية الداؤدينة‪ .‬وفني وقنت مبكنر منن فتنرة واليتنه‪ ،‬حنول‬
‫سيدنا طاهر سيف الدين مقر إقامتنه الندائم ومقنرات قينادات الندعوة الداؤدينة إلنى‬
‫بومبنناي‪ ،‬حيننث سننبق لجماعننة مهمننة مننن البهننرة اإلس نماعيليين أن أقامننت هننناه‪،‬‬
‫يضاف إلى ذلك أن بومباي أصبحت مركزا رئيسا للتجارة في الهند حيث تفوقت‬
‫على مراكز البهرة السابقة في غجرات‪ ،‬وبعد تقسيم الهند‪ ،‬أصبحت كراتشي فني‬
‫باكسننتان بجاليتهننا المهمننة األخننرى مننن البهننرة ثنناني أكبننر مركننز مهننم للجماعننة‬

‫‪302‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫اإلسماعيلية فني جننوب آسنيا‪ ،‬وأتناح النداعي الحنادي والخمسنون المجنال ألفنراد‬
‫جماعته للقائه بانتظام‪ ،‬وأعاد بناء العديند منن المقامنات الدينينة للبهنرة فني الهنند‪،‬‬
‫إضنافة إلنى بنائننه مسنجد سننيفي فني بومبناي‪ ،‬وهننو األكبنر بننين مسناجد الننداؤديين‬
‫الذين لديهم العديد من المساجد األخرى في آسيا وفي أمكنة أخرى‪.‬‬
‫وخلف طاهر سيف الدين سنة ‪1965‬م ولده األكبر سيدنا محمند برهنان الندين‬
‫الننداعي المطلننق الثنناني والخمسننين للبهننرة الننداؤديين‪ ،‬وقنند تمسننك الننداعي محمنند‬
‫برهان الدين بسياسات والده بصورة أساسية‪ ،‬حيث كرس اهتمامنا خاصنا ألمنور‬
‫اإلنعاش االجتماعي والتعليم للنداؤديين‪ ،‬إضنافة إلنى اإلسنهام المتزايند للمنرأة فني‬
‫شنؤون جماعنة البهنرة‪ ،‬والبهنرة هنم فني الوقنت الحنالي منن بنين أكثنر الجماعنات‬
‫تحصيال في التعليم في جنوب آسيا‪ .‬وفي عنام ‪1983‬م أنشنأ النداعي فرعنا جديندا‬
‫للجامعة السيفية في كراتشي‪ ،‬وكان قد حصل في سبعينيات القرن الماضني علنى‬
‫عننروض واسننعة مننن الحكومننة المص نرية لتننرميم األوابنند مننن الحقبننة الفاطميننة‪،‬‬
‫ورمم البهنرة النداؤديون عقنب ذلنك عنددا منن هنذه األوابند‪ ،‬ومنهنا مسنجد الحناكم‬
‫واآلمر‪ ،‬وعمل الداعي محمد برهان الدين على بنناء العديند منن المسناجد للبهنرة‬
‫الداؤديين في جنوب آسيا‪ ،‬وفي عدة بلدان في الغرب(‪.)108‬‬
‫وال توجند لنندينا إحصنناءات دقيقننة عننن أعننداد البهننرة اإلسننماعيليين فنني الهننند‪،‬‬
‫ولكننن بننناء علننى إحصنناءات قامننت بهننا الحكومننة الهنديننة فنني ثالثينيننات القننرن‬
‫الماضي‪ ،‬ف ن المتوقع أن يكون عدد البهرة قد تجناوز الملينون شنخص فني بداينة‬
‫القرن الحالي‪ ،‬أربعة أخماسهم يقطنون في الهنند‪ ،‬وأكثنر منن نصنف عندد البهنرة‬
‫الننداؤ ديين يعيشننون فنني غجننرات‪ ،‬بينمننا يتموضننع البنناقون بصننورة أساسننية فنني‬
‫بومباي ووسط الهند‪ .‬وتتألف المراكز الحضرية الرئيسة للداؤديين فني الهنند منن‬

‫(‪ )108‬انظر‪ :‬اإلسماعيليون تاريخهم وعقائدهم صـ‪.488‬‬


‫‪303‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫بومباي‪ ،‬ودوهد وأوديبنور‪ ،‬وأوجنين‪ ،‬وسنورات‪ ،‬وأحمند آبناد‪ ،‬وسندبور‪ ،‬إضنافة‬


‫إلى بلدات أخرى في غجرات‪ ،‬ومذيا برادش‪ ،‬ومهرشترا‪ .‬أما خار الهند فالعدد‬
‫األكبنننر للنننداؤديين موجنننود فننني باكسنننتان‪ ،‬ومعظمهنننم فننني كراتشننني‪ ،‬كمنننا أنهنننم‬
‫يتواجدون في سريالنكا أيضا وفي مختلف أنحاء الشنرق األقصنى‪ .‬وأكبنر تجمنع‬
‫للبهننرة خننار الهننند بعنند باكسننتان يتموضننع فنني إفريقيننا الشننرقية‪ ،‬حيننث يعننيش‬
‫اآلالف مننهم فني تنزانيننا‪ ،‬وكينينا‪ ،‬وأوغننندا‪ .‬وقند وجند اإلسننماعيليون فني إفريقيننا‬
‫الشرقية أنفسهم مضطرين إلى الهجرة إلى الغرب بنحو متزايند بسنبب السياسنات‬
‫القمعية لبعض الحكومات المحلية ضد اآلسيويين‪ .‬وبالفعنل فن ن جماعنات داؤدينة‬
‫قد أسست نفسها في أوروبا وأمريكا منذ سبعينيات القرن الماضي‪.‬‬
‫البهرة العلوية في الهند‪ ..‬تأثيرهم وتأثرهم‪:‬‬
‫أشرنا سابقا إلى الهجرة العلوية ونسبتهم إلى الداعي علي شنمس الندين‪ ،‬وهنو‬
‫حفيد الداعي اليمني إدريس عماد الدين‪ ،‬وقد مرت الدعوة بظروف مشابهة لتلنك‬
‫التي مرت على البهرة في الهند ال تختلنف عنهنا فني شنيء‪ ،‬وكنان للطائفنة أدوار‬
‫عدينندة فنني المجنناالت الثقافيننة واالجتماعيننة مننن حيننث إنشنناء المنندارس الدينيننة‬
‫العلمانينننة‪ ،‬وتشنننهد الجماعنننة العلوينننة تطنننورا ملحوظنننا فننني بنيتهنننا االجتماعينننة‬
‫والسياسننية‪ ،‬خصوصننا مننن خننالل النشنناطات التنني ينندعمها الننداعي الحننالي سننيدنا‬
‫حاتم زكي الدين (الداعي الخامس واألربعين من دعاة الفرقة العلوية) (‪.)109‬‬
‫وقد عانت البهرة العلوية من ممارسنات وحشنية ضندها منن قبنل معارضنيها‪،‬‬
‫ولم تجد سوى اللجوء إلى المحاكم الهندية‪ ،‬ومن أهم تلنك األحنداث‪ ،‬أحنداث عنام‬
‫‪ 1622‬م‪ ،‬وبعد إصدار األحكام لصالحها‪ ،‬بدأت الجماعة تشنعر باسنتقرار نسنبي‪،‬‬
‫حيننث تكننررت تلننك األعمننال والمضننايقات مننن قبننل معارضننيها‪ ،‬وهننو مننا دعننا‬

‫(‪ )109‬للمزيد انظر الموقع اإللكتروني الخاص بالبهرة العلوية (‪.)www.alavibohra.org‬‬


‫‪304‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المكاسنننر حسنننن بننندر الننندين إلنننى السنننفر إلنننى الهنننور‪ ،‬ثنننم إلنننى كشنننمير لمقابلنننة‬
‫االمبراطور شاه جهان في ‪ 1637‬م‪ ،‬والذي عقبه أحداث جمة عملت فني مجملهنا‬
‫على اسنتقرار الجماعنة العلوينة والحند منن المضنايقات وأعمنال العننف الموجهنة‬
‫ضدها من معارضيها‪.‬‬
‫ويمكن القول إن دعاة البهرة العلوية هم امتداد ألجدادهم منن الندعاة اليمنانيين‬
‫وحتى يومنا هذا والذين كان لهم األثنر الكبينر فني ترسنيخ مبنادئ الندعوة ونشنر‬
‫اإلسننالم بننين أوسنناط الهننندوس‪ .‬وتضننم البهننرة العلويننة اآلالف مننن األتبنناع‪ ،‬وال‬
‫توجد لدينا حصيلة دقيقة بشأن أعدادهم‪.‬‬
‫وحاليا تحظى الجماعنة بحالنة منن االسنتقرار فني منناطق تواجندها فني الهنند‪،‬‬
‫وخار الهند أيضا في دبي‪ ،‬والكويت‪ ،‬وباكستان‪ ،‬وغيرها من البلدان‪.‬‬
‫ونرى المعالم اإلسالمية التي ساهمت البهنرة العلوينة ب نشنائها ممثلنة فني مقنر‬
‫الدعوة الرسمي‪ ،‬وإنشاء العديد من المسناجد الخاصنة فني منطقنة فنادودارا حينث‬
‫تسنتقر الجماعنة العلوينة‪ ،‬ولنديهم مسناجد أخنرى فني منناطق انتشنارهم المختلفننة‪،‬‬
‫ويتم تعينين نائنب يندير شنؤون الجالينات المتواجندة فني مختلنف المنناطق والندول‬
‫التي تنتشر فيها الجماعة العلوية‪.‬‬
‫وشهدت البهرة العلوية تطورا ملحوظا فني مجناالت التعلنيم فني عهند النداعي‬
‫الثاني واألربعين علي بدر الدين (ت‪1958‬م)‪ ،‬حيث أدت جهوده إلى تنظيم أكثر‬
‫لشننؤون البهننرة العلويننة والجاليننات المختلفننة‪ ،‬وأيضننا كننان لجهننود الننداعي الثالننث‬
‫واألربعننين سننيدنا يوسننف نننور النندين آثننار كبيننرة فنني إنشنناء أهننم مسنناجد البهننرة‬
‫العلوينة‪ ،‬واشننتهرت البهننرة العلويننة فنني المجنال التجنناري بتجننارة البصننريات فنني‬
‫عهده‪ ،‬ويقوم الداعي الحالي الخامس واألربعون سنيدنا حناتم زكني الندين بجهنود‬
‫كبيرة وحثيثة من أجل تطوير البنية التحتية للطائفة في مناطق تواجندها‪ ،‬والعمنل‬

‫‪305‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫على تنظيم أكثر لشؤون الجماعة العلوية‪ ،‬كمنا قنام بمسناعدة العديند منن البناحثين‬
‫الغننربيين والشننرقيين المهت مننين بالدراسننات اإلسننماعيلية مننن خننالل إتاحننة بعننض‬
‫كتب خزانتنه المشنهورة والكبينرة التني تحتنوي علنى العديند منن األعمنال األدبينة‬
‫لإلسننماعيلية‪ ،‬والتنني سنناعدت البنناحثين فنني تحقيننق التننراث اإلسننماعيلي بصننورة‬
‫أكثر دقة وفعالية‪.‬‬
‫وال ننسى أيضا الجهود التي تبذلها الجماعة العلوية في المشاريع االجتماعينة‬
‫والتنموية‪ ،‬وما يقدمه الداعي الحالي من جهود كبيرة في هنذا المجنال تهندف إلنى‬
‫مساعدة الفئات الفقيرة في شتى بقاع العالم‪ ،‬ومنها اليمن‪.‬‬
‫النشاطات االقتصادية لإلسماعيلية في بلدان المهجر‪:‬‬
‫اعتمنندت معيشننة األكثريننة العظمننى لجماعننة البهننرة فنني الهننند تاريخيننا‪ -‬كمننا‬
‫يوحي االشتقاق اللغوي األكثر قبنوال السنمهم‪ -‬علنى بعنض أشنكال التجنارة‪ ،‬وقند‬
‫لقيت التجارة واألعمال بصورة تقليدية وعقائدية تشجيعا فعاال تفضيال لهما علنى‬
‫بقية أشكال العمالة والوظنائف‪ ،‬وكنان ثمنة رجنال أعمنال بهنرة نناجحون يعملنون‬
‫في الهند منذ بداية تأسيس الجماعة هناه‪ .‬وقد وصنفهم ناشنر صنحيفة "بومبناي"‬
‫في أواخر القرن التاسع عشنر بنـ"البهرة التجنار"‪ -‬تجنار كبنار علنى نطناق واسنع‬
‫يتنناجرون مننع شننبه الجزيننرة العربيننة‪ ،‬والصننين‪ ،‬وسننيام (اسننم تايلننندا الحننالي)‪،‬‬
‫وزنجبار – وغالبية التجار المحليين أو أصحاب الدكاكين الصغار‪ -‬وأشنار إلنيهم‬
‫باعتبارهم "الطبقة األكثر ثراء ونجاحا بين مسلمي غجرات"‪.‬‬
‫وشهدت الفترة من القنرن التاسنع عشنر إلنى القنرن الحنادي والعشنرين توسنعا‬
‫كبيرا في مغامرات البهرة التجارية في بلدان خار الهند‪ ،‬حيث راحت جماعات‬
‫مهاجرة ومزدهرة تتشكل في نصفي العالم الشرقي والغربني‪ ،‬ففني القنرن التاسنع‬
‫عشر‪ ،‬بدأ البهرة مغامراتهم في منناطق أخنرى تابعنة لإلمبراطورينة البريطانينة‪،‬‬

‫‪306‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫كالمالننديف وسننيالن (سننيرالنكا اليننوم)‪ ،‬وشننرق إفريقيننا‪ ،‬مسننتفيدين مننن مننوارد‬


‫"شركة الهند الشرقية البريطانية"‪ ،‬وبتشجيع من دعناتهم ومسناعدتهم المالينة فني‬
‫أحيان أخنرى‪ ،‬وشنكلت موجنة منرض الطناعون القاسنية فني العنام ‪1813‬م دافعنا‬
‫للبهنننرة النننذين تنننأثروا بهنننا للسنننعي وراء رزقهنننم فننني أمننناكن أخنننرى‪ ،‬وتوسنننعت‬
‫أنشطتهم التجارية وشراكاتهم أيضا مع الهنود اآلخنرين فني اسنتثمارات مختلفنة‪،‬‬
‫وتولوا تشنغيل عملينات زراعنة أشنجار المطناط والشناي‪ ،‬ولعبنوا دورا مهمنا فني‬
‫تجارة التوابنل‪ .‬فكاننت "شنركة هوننغ كوننع‪ -‬كولنون للنقنل البحنري" منن تأسنيس‬
‫أحنند البهننرة‪ ،‬عبنندالعلي إبننراهيم‪ ،‬الننذي ال يننزال أحفنناده رجننال أعمننال روادا فنني‬
‫هونغ كونغ‪ ،‬وكان البهرة إبان العقنود األخينرة منن ذلنك القنرن يهناجرون بأعنداد‬
‫كبيننرة غيننر مسننبوقة إلننى بومبنناي‪ ،‬ويشنناركون فنني النمننو المننالي لهننذه الحضننارة‬
‫ال مزدهرة والمساهمة فيه‪ ،‬على الرغم من احتفاظهم بعاداتهم االجتماعية‪ -‬الدينية‬
‫المحافظة ضمن بيئتها العالمينة‪ .‬وأقندم العديند منن رجنال األعمنال البهنرة النرواد‬
‫على بناء مساجد‪ ،‬وجماعة‪ -‬خانة (قاعة الجماعة) كثيرة‪ ،‬بعضها كان فني أمكننة‬
‫لم يسبق لها وجود فيهنا‪ ،‬فأصنبح هنناه مسنجد لكنل جماعنة منن جماعنات البهنرة‬
‫تقريبا‪ ،‬وأيضا البيوت الفارهة(‪.)110‬‬
‫وشنهد القننرن العشننرون نمننو االزدهننار التجناري للبهننرة الننذين كننانوا مننن بننين‬
‫أسبق من سبق من مغامري األعمال البهرة اليمنيين ممن استغلوا توسع األسواق‬
‫وفرص التجارة المتزايدة لتلك الحقبة‪ ،‬فكانت الفرص المالينة واحندة منن الندوافع‬
‫األساسية‪ ،‬إلى جانب التعليم‪ ،‬في التضخم السنكاني للبهنرة فني الغنرب‪ ،‬وال سنيما‬
‫في المملكة المتحدة‪ ،‬وكندا‪ ،‬والواليات المتحدة‪ .‬في حين احتل الدافع االقتصنادي‬

‫(‪ )110‬انظر على سبيل المثال الوصف الذي كتبه السير جون مالكوم لم العام ‪1823‬م لبيوت‬
‫البهرة "العصرية" في سورات مع "التحسينات األوروبية" في نشرة رئاسة بومباي‪،‬‬
‫كمبل‪ ،‬م‪ ،9.‬قسم ‪ :2‬المسلمون والبارسيون [أو الزرادشتيون]‪ ،‬صـ‪ ،29‬حاشية ‪.1‬‬
‫‪307‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المرتبنة األسنمى التني دفعننت برجنال البهنرة إلنى الهجننرة إلنى دول اإلمنارات فنني‬
‫منطقننة الخلننيج‪ ،‬وصننارت حينناة أسننر هننؤالء المقيمننة فنني الهننند تعكننس تقنندما فنني‬
‫رخائهم وازدهارهم(‪.)111‬‬
‫المؤثرات السياسية إلسماعيلية اليمن في بلدان المهجر‪:‬‬
‫اتصنفت الفتنرة الحديثنة منن تناريخ الندعوة الطيبينة‪ ،‬علنى وجنه العمنوم‪ ،‬بأنهنا‬
‫فتننرة ازدهننار وهنندوء نسننبي‪ ،‬وخاصننة عننند مقارنتهننا بالحقبننة التنني سننبقتها‪ ،‬وقنند‬
‫حظي الداعي في الهند باحترام تناريخي منن قبنل الهنندوس والسنيخ‪ ،‬وكنذلك منن‬
‫قبل المسلمين‪ ،‬باعتباره شخصية روحية المعة‪ .‬واشتهر البهنرة بمواقنف تمينزت‬
‫بنزعتهننا نحننو االنسننجام‪ ،‬وحسننن النيننة‪ ،‬وعنندم المواجهننة مننع الننناس مننن أتبنناع‬
‫المعتقدات األخرى‪ .‬ومع ذلك فكثيرا ما عانوا منن االضنطهاد واألعمنال العدائينة‬
‫لكونهم جماعة شيعية أقلية‪ ،‬والتزامهم بممارسات دينية علنية ممينزة‪ ،‬كاالحتفنال‬
‫بالعينند بننناء علننى تحدينند فلكنني لننه (ولننيس بننناء علننى رؤيننة القمننر)(‪ ،)112‬وإقامننة‬
‫صلوات أينام الجمنع بصنورة منفصنلة‪ ،‬وممارسنة احتفالينة "المنأتم"‪ ،‬أثنار عنداوة‬
‫طوائف المسلمين السنة‪ ،‬بينما أدى ذبحهم للحيوانات للحصول علنى لحومهنا فني‬
‫بعض األحيان إلى إثارة غضب الهندوس النباتيين (وهذه عوامل كانت مهمة في‬
‫السننياق العننريض لالضننطرابات بننين المسننلمين والهننندوس فنني الننبالد)‪ .‬ثننم إن‬
‫التماسننك الملحننوظ والرفنناه االجتمنناعي المننؤثر لنندى جماعننة البهننرة‪ ،‬إضننافة إلننى‬
‫االحتفاالت‪ ،‬وأسلوب حياتهم األفضل‪ ،‬وتقدمهم فني ميندان التعلنيم الحقنا‪ ،‬شنكلت‬

‫(‪ )111‬في مسح حديث العهد ألسر البهرة الهنود بالنك‪ ،‬المال‪ ،‬صـ‪ ،203‬توصل المؤلف إلى‬
‫أن ثالثة أرباع المشاركين في المسح كانوا من أصحاب األعمال وأن نسبة صغيرة‬
‫مقبولة كانوا من أصحاب الياقات البيضاء [موظفين] وعدد أقل كانوا معلمين أو‬
‫تجارا يديرون تجارتهم بأيديهم‪ ،‬بينما ذكرت نسبة ‪ %4.2‬أنها تعمل في الصناعة‪.‬‬
‫(انظر أيضا‪ :‬تاريخ اإلسماعيليين‪ ..‬االستمرارية والتغيير صـ‪.)401‬‬
‫(‪ )112‬للمزيد يمكن الرجوع إلى كتاب رؤية الهالل بين التأويل والظاهر‪ ،‬تأليف‪ :‬د‪ .‬عمرو‬
‫معديكرب الهمداني منشورات مؤسسة الهمداني الثقافية ‪2019‬م‪.‬‬
‫‪308‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫عوامل أثنارت غينرة وحسند بعنض المجموعنات األكثنر فقنرا واألقنل تنظيمنا منن‬
‫بين إخوتهم في الدين‪ .‬فأحد العوامل المهمة في التوتر بين الطوائنف كنان النوفرة‬
‫الماديننة التنني تمتننع بهننا البهننرة‪ ،‬والتنني أثننارت‪ ،‬وفقننا للروايننات التاريخيننة‪ ،‬جشننع‬
‫الحكام المسلمين والهندوس من فترة ما قبل االستقالل‪ ،‬وأدت منذ ذلك الحين إلى‬
‫استهداف الممتلكات التجارية كلما وقع عنف طائفي‪.‬‬
‫وكانت السلطات السياسية تقوم عبر العصور بحماية البهرة واضطهادهم فني‬
‫آن‪ ،‬ولنننذلك فقننند كاننننت السياسنننات السياسنننية للننندعاة الهننننود تسنننتقي منننن فهمهنننم‬
‫ونظنننرتهم التقليدينننة ألنفسنننهم علنننى أنهنننم "قنننوم غرينننب" وتعنننني حرفينننا" النننناس‬
‫الفقننراء"‪ ،‬أو الننناس الضننعفاء سياسننيا وغيننر القننادرين علننى النندفاع عننن أنفسننهم‪،‬‬
‫وبكلمات ميسرة "الجماعة المضطهدة والمنهكة"‪.‬‬
‫ومن المفارقة أن البهرة عانوا من تحامل الحكنام المسنلمين‪ ،‬بينمنا تمتعنوا فني‬
‫المقارننننة بحرينننة منننن القينننود الدينينننة واالضنننطهاد فننني ظنننل الحكنننام الهنننندوس‪،‬‬
‫واسننتمرت هننذه التجربننة فنني هننند مننا بعنند االسننتقالل‪ ،‬وبنندأ البهننرة منننذ القننرن‬
‫العشرين بشكل خاص بدمج أنفسنهم‪ ،‬ولنو بدرجنة محندودة‪ ،‬فني األمنة اإلسنالمية‬
‫الهندية ثم العالمية‪ .‬وفي انتخابات ‪1935‬م الوطنية أيد البهرة فني بومبناي‪ -‬حينث‬
‫كنان المسنلمون يهيمننون علنى الكتلنة االنتخابيننة‪ -‬محمند علني جنناح منن العصننبة‬
‫المسلمة‪ ،‬وشكلت مناسبات االستقبال التي أقامها الداعي للقادة المسلمين الندوليين‬
‫الزائننرين‪ ،‬والنندعوة إلننى تننرميم األقصننى ومننؤتمر فلسننطين‪ ،‬تأكينند توجننه جماعننة‬
‫البهننرة باتجنناه رابطننة عمننوم المسننلمين والتعنناطف معهننم‪ .‬وق نام الننداعي الننداؤدي‬
‫طاهر سيف الدين بتقديم الكسوة أو األستار الحمراء التي تعلق داخنل الكعبنة فني‬
‫العامين ‪ 1931‬و‪ 1937‬م‪ ،‬وتبرع بقوالنب أضنرحة مصننوعة بصنورة دقيقنة منن‬
‫الفضننة والننذهب ألضننرحة اإلمننام علنني (‪1942‬م)‪ ،‬واإلمننام الحسننين (‪1937‬م)‪،‬‬

‫‪309‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ورأس الحسين في القاهرة (الذي دشن العام ‪1966‬م)‪ ،‬وشاره الداعي أيضا فني‬
‫منؤتمرات دوليننة ذات صنلة بالنندين‪ .‬لقند وضننع النداعي طنناهر سنيف النندين مكانننا‬
‫لجماعننة البهننرة علننى الخارطننة الوطنيننة للهننند‪ ،‬وبتوجيننه منننه بنندأ البهننرة بتحقيننق‬
‫اعتننراف وطننني كمكننون إيجننابي مننن مكونننات مجتمننع الننبالد‪ ،‬وكثيننرا مننا جننرى‬
‫ومنندح وإشننادة لجننذورهم الدينيننة القويننة‪ ،‬ومبننادئ سننلوكهم‪ ،‬وفطنننتهم فنني مينندان‬
‫األعمال‪ ،‬وانضباطهم ونظرتهم المتسامحة‪ ،‬من قبل الشخصيات العامة البنارزة‪،‬‬
‫وارتفع البهرة ليحتلوا مناصب مدنية بارزة‪ ،‬كمنصب "شنريف بومبناي"‪ ،‬وكبينر‬
‫قضاة المحكمة الهندية العالينة‪ ،‬بنل وحتنى المحكمنة العلينا‪ .‬ومننذ منتصنف القنرن‬
‫العشننرين راحننت أعننداد كبيننرة مننن البهننرة تسننتقر فنني الشننرق األوسننط والغننرب‪،‬‬
‫واكتسنبت النندعوة هويننة دوليننة عامننة ال سننميا خننالل زيننارات النندعاة إلننى مراكننز‬
‫الجماعة الجديدة‪ ،‬حيث حققوا اعترافا رسنميا بهنم فني الخنار كرؤسناء لجماعنة‬
‫دينية معروفة‪ ،‬فاستقبلوا كضيوف حكومات‪ ،‬ومنحنوا تكريمنا وتشنريفا مندنيا فني‬
‫بلدان عدة(‪.)113‬‬

‫(‪ )113‬انظر‪ :‬تاريخ اإلسماعيليين االستمرارية والتغيير لجماعة مسلمة‪ ،‬صـ‪.388‬‬


‫‪310‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫النتائج والخاتمة‬
‫توصل الباحث من خالل بحثه إلى عندة نتنائج ذات صنلة بالمحناور األساسنية‬
‫للدراسة العامة لآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية‪ ،‬والمتمثلة في اآلتي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬األسباب‪:‬‬
‫‪ )1‬تنوعنننت األسنننباب بنننين طننناردة وجاذبنننة‪ ،‬وكنننان النصنننيب األكبنننر لهجنننرة‬
‫اإلسننماعيلية هنني األسننباب الطنناردة المتمثلننة فنني الهجننرات غيننر الطوعيننة‬
‫(التهجير القسري)‪.‬‬
‫‪ )2‬موقننف أئمننة الزيديننة مننن اإلسننماعيلية واالضننطهاد الننذي مارسننوه ضنندهم‬
‫كنان مننن أهننم األسنباب السياسننية التنني نننتج عنهنا تهجيننر كبيننر إلسننماعيلية‬
‫اليمن‪.‬‬
‫‪ )3‬الحروب الموجهة ضند اإلسنماعيلية منن قبنل الزيدينة كاننت أحند األسنباب‬
‫السياسية أيضا المسببة في تهجير اإلسماعيلية للبحث عن األمان‪.‬‬
‫‪ )4‬االتهامات الدينية والعقائدية واألخالقية ضد اإلسماعيلية لعبت دورا مهمنا‬
‫فنني هجننرة اإلسننماعيلية كسننبب رئيسنني أيضننا‪ ،‬حيننث تننم إطننالق األحكننام‬
‫والفتنناوى الدينيننة ضنندهم‪ ،‬وإخ نراجهم مننن دائننرة اإلسننالم‪ ،‬وإباحننة دمننائهم‬
‫وأعراضهم وفقا لذلك‪.‬‬
‫‪ )5‬استهداف التراث العلمي لإلسماعيلية من خالل حرق مكتباتهم وتندميرها‪،‬‬
‫أدى ذلننك إلننى مخنناوف كبيننرة عننند اإلسننماعيلية مننن فقنندان هننذا التننراث‬
‫الفكننري العظننيم‪ ،‬ممننا أدى بهننم إلننى نقننل مننا تبقننى مننن تلننك المكتبننات إلننى‬
‫خار اليم ن (بالد المهجر)‪ ،‬وأطلقنا عليه "هجرة المخطوطات"‪.‬‬
‫‪ )6‬ولألسننباب السننالفة الننذكر أيضننا‪ ،‬تننم نقننل مركننز النندعوة اإلسننماعيلية إلننى‬
‫خار اليمن‪ ،‬سواء في الهند أو نجران‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ثانياً‪ :‬أوضاع المهاجرين في بلدان المهجر (اآلثار المتبادلة)‪:‬‬


‫‪ )1‬االنغالق الذي اعتمدته اإلسماعيلية وسيلة للحفاظ على كينونتها فني بلندان‬
‫المهجر‪.‬‬
‫‪ )2‬التركيز على بناء القدرات الذاتية ألبناء اإلسماعيلية في مختلف المجاالت‬
‫للوصول إلى االكتفاء الذاتي‪.‬‬
‫‪ )3‬التكاتف والتعاون المشتره بنين أبنناء الطائفنة أدى إلنى خلنق فنرص عمنل‬
‫أمام جميع أبناء الطائفة اإلسماعيلية دون استثناء‪.‬‬
‫‪ )4‬عنندم االنخننراط ف ني األعمننال السياسننية (ألسننباب عقائديننة)‪ ،‬أدى ذلننك إلننى‬
‫المحافظة على بقاء الجماعة اإلسماعيلية في استقرار وأمان‪.‬‬
‫‪ )5‬االنفتاح على المجاالت االقتصادية في بلندان المهجنر‪ ،‬وبنناء سنمعة طيبنة‬
‫(نتيجة االرتباط العقائدي والديني) خلق نوعا من االئتمان والثقة نحو هذه‬
‫الجماعة اليمنية‪.‬‬
‫‪ )6‬تشجيع اإلسماعيلية اليمنيين على زيارة الهند ونجران (منن أجنل التسنجيل‬
‫فنني الدراسننة بشننكل خننناص)‪ ،‬وحضننور التجمعننات واالحتفنناالت الدينينننة‬
‫الخاصة بالجماعة‪.‬‬
‫‪ )7‬السنمعة الجينندة التنني حظيننت بهننا الجماعنة اإلسننماعيلية فنني بلنندان المهجننر‬
‫ساعدتها على توسيع عالقاتها مع محيطها الخارجي في بلدان المهجر‪.‬‬
‫‪ )8‬التنظننيم المؤسسنني‪ ،‬خصوصننا لجماعننة البهننرة‪ ،‬سنناعد علننى تننوفير حينناة‬
‫أفضل لجميع أبناء اإلسماعيلية‪.‬‬
‫‪ )9‬الصراعات التي تعرضت لهنا الجماعنة فني بلندان المهجنر كاننت محندودة‬
‫ولم تهدف إلى محاولة إبادة الجماعة‪ -‬كما حدث فني النيمن‪ -‬وكنان الهندف‬
‫منها الضغط السياسي عليها فقط‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ )10‬على المستوى الثقافي‪ ،‬نجد تأثير الجماعة اإلسنماعيلية فني بلندان المهجنر‬
‫مهما ومحوريا حينث سناهمت اإلسنماعيلية فني نشنر اإلسنالم فني منناطق‬
‫تواجدها والعمل على إرساء التراث اإلسالمي فيها‪.‬‬
‫‪ )11‬كان لهجرة العقول اإلسماعيلية اليمنية تأثير كبير فني بلندان المهجنر‪ ،‬وقند‬
‫برزت تلك الشخصيات في عدة محافنل دولينة وإقليمينة‪ ،‬واعتبنارهم روادا‬
‫لحركة التنوير في العالم‪.‬‬
‫‪ )12‬كان لنقل المخطوطات اإلسنماعيلية األثنر البنالغ فني اسنتفادة دول المهجنر‬
‫ومؤسسنناتها العلميننة مننن الكثيننر مننن تلننك المخطوطننات المهمننة والنننادرة‪،‬‬
‫حيث قام المفكرون من أبناء اإلسنماعيلية اليمنينين ب هنداء مجموعنات منن‬
‫تلننك المخطوطننات إلننى المؤسسنننات العمليننة المختلفننة‪ ،‬وإمننداد المفكنننرين‬
‫والمستشرقين بتلك الكنوز الفكرية المهمة‪.‬‬
‫‪ )13‬يتضننح لنننا التننأثير المتبننادل لهجننرات اإلسننماعيلية اليمنيننة مننن خننالل نقننل‬
‫العديد من العنادات والتقاليند منن الهنند إلنى النيمن‪ ،‬كاللبناس‪ ،‬والممارسنات‬
‫الدينينننة التننني تعننند حالينننا مظهنننرا أساسنننيا ألبنننناء الطائفنننة اإلسنننماعيلية‪،‬‬
‫خصوصا البهرة منهم‪.‬‬
‫‪ )14‬كما أن التنأثير المتبنادل يتضنح جلينا منن خنالل األنشنطة االقتصنادية التني‬
‫يمارسها اإلسنماعيلية فني النيمن منن خنالل خلنق فنرص عمنل‪ ،‬واالعتمناد‬
‫على األنشطة االقتصادية الصغيرة في مختلف المجاالت‪.‬‬
‫‪ )15‬أخيرا‪ ،‬يتضح لنا تأثر أبناء اإلسماعيلية بمواطن المهجر من خالل تخليهم‬
‫عن عادة مهمة في اليمن‪ ،‬وهي عادة مضغ القات وزراعته‪ ،‬حيث يشنتهر‬
‫أبننناء اإلسننماعيلية كافننة فنني النننيمن بعنندم تننناولهم شننجرة القننات اللعيننننة‪،‬‬
‫واهتمامهم الكبير بزراعة شجرة البن األصيلة‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ثالثاً‪ :‬الخاتمة‪:‬‬
‫مننن خننالل الدراسننة يتضننح لنننا النندور الحيننوي المهننم لإلسننماعيلية اليمنينة فنني‬
‫بلدان المهجر‪ ،‬والتأثير الكبير لهم في مناطق هجنراتهم المتعنددة منن ننواح عندة‪،‬‬
‫سياسننية‪ ،‬واجتماعيننة‪ ،‬وثقافيننة‪ ،‬واقتصننادية‪ ،‬وأيضننا المننؤثرات الخارجيننة التنني‬
‫سنناهمت فنني صننياغة تلننك المتغيننرات‪ ،‬والمتمثلننة فنني االضننطهاد والممارسننات‬
‫التعسننفية التنني عانننت منهننا الجماعننات اليمنيننة‪ ،‬أو مننن خننالل حنناالت االسننتقرار‬
‫النسبي التي تمتعت بها الجماعة اإلسماعيلية في فترات مختلفنة‪ ،‬وهنذا سناهم فني‬
‫ازدهار مشاركتها السياسية‪ ،‬وتطورها المعرفني والعلمني‪ ،‬وأيضنا االنطنالق فني‬
‫عالم التجارة واالقتصاد العالميين‪.‬‬
‫وقند كنان للممارسننات الالإنسنانية لألئمنة الزيننديين ضند الجماعنة اإلسننماعيلية‬
‫نتائج منهنا التهجينر‪ ،‬واإلبنادة الجماعينة‪ ،‬وحنرق مكتبنات ومسناجد اإلسنماعيليين‬
‫في شتى بقاع السعيدة‪ ،‬واستمر هذا الوضع لعقود وأزمنة طويلة دون توقنف منن‬
‫الزيديين حتى يومنا هذا‪ ،‬ومن األمثلة المؤكدة في استمرار تلك الممارسنات مننع‬
‫الكتننب الخاصننة بالطائفننة اإلسننماعيلية عننن البنناحثين والمهتمننين‪ ،‬والموجننودة فنني‬
‫مكتبة دار المخطوطات اليمني‪ ،‬ومكتبة الجامع الكبينر المقندس(‪ ،)114‬إضنافة إلنى‬
‫تلننك الممارسننات التعسننفية ضنند أتبنناع المننذهب اإلسننماعيلي نتيجننة اخننتالفهم فنني‬
‫مواقيت التعبدات كالصوم واإلفطار النذي يعتمند فينه اإلسنماعيلية علنى محنددات‬
‫وعلى أساليب حداثية‪ ،‬وأهمها االعتمناد علنى الحسناب فني صنوم شنهر رمضنان‬

‫(‪ )114‬قامت مؤسسة الهمداني الثقافية بمحاوالت عديدة للحصول على نسخ (صورة رقمية)‬
‫من الكتب اإلسماعيلية في دار المخطوطات للعمل عليها وتحقيقها تحقيقا علميا‬
‫رصينا‪ ،‬ولألسف باءت جميع جهودها بالفشل‪ ،‬حيث صرح المسؤولون بأن هذه‬
‫الكتب ممنوعة ومحرزة بأمر من إمام اليمن يحيى حميد الدين‪ ،‬وهذه األوامر ماضية‬
‫حتى يومنا هذا!! ‪.‬‬
‫‪314‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫والخرو مننه‪ ،‬وهنذا أدى إلنى إصندار األحكنام ضندهم‪ ،‬ومهاجمنة دور عبنادتهم‬
‫من قبل الزيديين(‪.)115‬‬
‫وفنني الختننام نننرى أن اإلسننماعيلية لننو أتيحننت لهننم الفرصننة واالنفتنناح‪ ،‬لكننان‬
‫تأثيرهم عظيمنا علنى مسنتوى النداخل اليمنني‪ ،‬وسنيكون لهنم اإلنجناز العظنيم فني‬
‫إحداث قفزة نوعية للمجتمع اليمني في مجناالت العلنم واالقتصناد واإلدارة‪ ،‬وهنو‬
‫ما لمسناه من خالل بحثنا الحالي وتأثيرهم في مناطق تواجدهم حاليا‪ .‬كما تتضنح‬
‫لنننا أهميننة البعنند السياسنني وانتهننا الطائفننة اإلسننماعيلية االبتعنناد عنننه بصننورة‬
‫مطلقننة‪ ،‬وعنندم االكتننراث بنتائجننه‪ ،‬فجنن ُّل اهتمننامهم هننو المجتمننع والعمننل علننى‬
‫تطويره وبنائه البنية اإلنسانية القائمة على التنظيم والتعاون بين األفراد‪ ،‬برسنالة‬
‫مفادها أن التسامح الديني هو األساس فني بنناء المجتمعنات‪ .‬ونأمنل منن البناحثين‬
‫في المستقبل القريب أن يتم االهتمام بدراسات خاصة ومتخصصنة لدراسنة حالنة‬
‫الجماعة اإلسماعيلية لالستفادة من تلك التجارب علنى واقعننا الحنالي فني النيمن‪،‬‬
‫والعمل على تطوير المجتمع اليمني والخرو به إلى آفاق واسعة وتطنور أكثنر‪.‬‬
‫كما تجدر اإلشارة إلنى أهمينة التوسنع فني ضنم سنير أعنالم إسنماعيلية النيمن فني‬
‫المهجننر ضننمن الموسننوعة المرتقبننة ألهميننة األدوار التنني تتصنندرها إسننماعيلية‬
‫اليمن في كافة المجاالت‪.‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد وآله الطيبنين‬
‫الطاهرين‪.‬‬

‫(‪ )115‬من ذلك ما حدث في عيد الفطر لعام ‪ 1440‬هجرية‪ ،‬حيث قامت كتيبة بمهاجمة‬
‫مسجد البهرة في منطقة نقم‪ ،‬وتم سجن أكثر من ‪ 27‬شخصا من اإلسماعيلية على‬
‫خلفية احتفالهم بعيد الفطر قبل إعالن حكومة صنعاء بذلك بيوم واحد‪.‬‬
‫‪315‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المصادر والمراجع‬
‫القرآن الكريم‬
‫المصادر والمراجع الفاطمية‬
‫(‪ )1‬األنف‪ ،‬إدريس عماد الدين بن الحسن [ت‪872‬هـ]‪:‬‬
‫‪ -‬عيون األخبار وفننون اآلثنار‪ ،‬تحقينق‪ :‬د‪ .‬أيمنن فنؤاد سنيد‪[ ،‬السنبع السنابع]‪،‬‬
‫إصدارات معهد الدراسات اإلسماعيلية‪-‬لندن‪.‬‬
‫‪ -‬برهنننانبوري‪ ،‬سنننليمان جننني‪ ،‬منتنننزع األخبنننار فننني أخبنننار الننندعاة األخينننار‪،‬‬
‫مخطننننوط بخزانننننة النننندار المحمديننننة الهمدانيننننة‪ ،]1-2[ ،‬نشننننرتها مؤسسننننة‬
‫الهمنننداني الثقافينننة ضنننمن سلسنننلة اإلصننندارات الكمبيوترينننة للمخطوطنننات‬
‫الفاطمية‪ ،‬اإلصدارين (‪.)42 ،41‬‬
‫(‪ )2‬الحامدي‪ ،‬إبراهيم بن الحسين [ت‪557‬هـ]‪:‬‬
‫‪ -‬كتنناب االبتننداء واالنتهنناء‪ ،‬تحقيننق‪ :‬د‪ .‬عمننرو معننديكرب الهمننداني (ضننمن‬
‫مجمنننوع مؤلفنننات إبنننراهيم بنننن الحسنننين الحامننندي[‪ ،)]1‬إصننندارات الننندار‬
‫المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪.‬‬
‫‪ -‬الرسالة الشريفة في المعاني الطاهرة الطريفة‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عمرو معنديكرب‬
‫الهمننداني (ضنننمن مجمنننوع مؤلفنننات إبننراهيم بنننن الحسنننين الحامننندي[‪،) ]1‬‬
‫إصدارات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحامدي‪ ،‬حاتم بن إبراهيم [ت‪ 596‬هـ]‪:‬‬
‫‪ -‬المجننالس الحاتميننة الصننغيرة (مجننالس االمتحننان)‪ ،‬تحقيننق‪ :‬د‪ .‬عمننرو بننن‬
‫معننننديكرب الهمننننداني‪ ،‬منشننننورات النننندار المحمديننننة الهمدانيننننة للدراسننننات‬
‫واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪ ،‬تحت الطبع‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -‬تنبيه الغافلين‪ ،‬تحقينق‪ :‬د‪ .‬عمنرو بنن معنديكرب الهمنداني‪ ،‬منشنورات الندار‬
‫المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪ ،‬ط‪2012 ،1‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬الحجوري‪ ،‬الخطاب بن الحسن [ت ‪533‬هـ]‪:‬‬
‫‪ -‬ديننوان الخطنناب‪ ،‬نشننره‪ :‬إسننماعيل قربننان حسننين‪ ،‬ضننمن كتنناب السننلطان‬
‫الخطاب حياته وشعره‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ -‬رسنننالة فننني بينننان إعجننناز القنننرآن‪ ،‬تحقينننق وتقنننديم‪ :‬د‪ .‬عمنننرو معنننديكرب‬
‫الهمداني‪( ،‬ضمن مجموع مؤلفات الخطاب[‪ ،)]1‬إصدارات الدار المحمدية‬
‫الهمدانية للدراسات واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪ ،‬ط‪.2017 ،1‬‬
‫‪ -‬رسنننالة الننننفس‪ ،‬تحقينننق وتقنننديم‪ :‬د‪ .‬عمنننرو معنننديكرب الهمنننداني‪( ،‬ضنننمن‬
‫مجمننننوع مؤلفننننات الخطنننناب[‪ ،)]1‬إصنننندارات النننندار المحمديننننة الهمدانيننننة‬
‫للدراسات واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪ ،‬ط‪.2017 ،1‬‬
‫‪ -‬رسالة غاية المواليد‪ ،‬تحقيق وتقديم‪ :‬د‪ .‬عمرو معنديكرب الهمنداني‪( ،‬ضنمن‬
‫مجمننننوع مؤلفننننات الخطنننناب[‪ ،)]1‬إصنننندارات النننندار المحمديننننة الهمدانيننننة‬
‫للدراسات واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪ ،‬ط‪.2017 ،1‬‬
‫‪ -‬منيننرة البصنننائر‪ ،‬تحقيننق وتقنننديم‪ :‬د‪ .‬عمننرو معنننديكرب الهمننداني‪( ،‬ضنننمن‬
‫مجمننننوع مؤلفننننات الخطنننناب[‪ ،)]1‬إصنننندارات النننندار المحمديننننة الهمدانيننننة‬
‫للدراسات واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪ ،‬ط‪.2017 ،1‬‬
‫‪ -‬رسالة النعي م‪ ،‬تحقيق وتقديم‪ :‬د‪.‬عمرو معديكرب الهمداني‪( ،‬ضنمن مجمنوع‬
‫مؤلفنننات الخطننناب[‪ ،)]1‬إصننندارات الننندار المحمدينننة الهمدانينننة للدراسنننات‬
‫واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪ ،‬ط‪.2017 ،1‬‬

‫‪317‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫(‪ )5‬دفتري‪ ،‬فرهاد‪:‬‬


‫‪ -‬اإلسماعيليون تاريخهم وعقائدهم ترجمة‪ :‬سيف الدين القصير دار الساقي‬
‫باالشتراه مع معهد الدراسات اإلسماعيلية ط‪2012/1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬تننناريخ اإلسنننماعيليين الحنننديث ‪ -‬االسنننتمرارية والتغيينننر لجماعنننة مسنننلمة‬
‫ترجمنة‪ :‬سنيف النندين القصنير دار السنناقي باالشنتراه مننع معهند الدراسننات‬
‫اإلسماعيلية بيروت – لبنان ط‪2013 1‬م‪.‬‬
‫الرازي‪ ،‬أحمد بن حمدان الليثي الورستاني (أبو حاتم) [ت‪323‬هـ]‪:‬‬
‫‪ -‬الزينة في الكلمات العربينة اإلسنالمية‪ ،‬عارضنه وعلنق علينه‪ :‬حسنين فنيض‬
‫هللا الهمننننداني‪ ،]1-2[ ،‬إصنننندارات النننندار المحمديننننة الهمدانيننننة للدراسننننات‬
‫واألبحاث‪ ،‬ط‪2020 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ -‬سننليمان‪ ،‬محمنند بننن عبنندهللا جننالء أفكننار األخيننار مخطننوط بخزانننة النندار‬
‫المحمدية الهمدانية‪.‬‬
‫(‪ )6‬الشيرازي‪ ،‬هبة هللا بن موسى بن عمران "المؤيد في الدين"‬
‫[ت‪470‬هـ]‪:‬‬
‫‪ -‬ديوان المؤيد فني الندين داعني الندعاة‪ ،‬تقنديم وتحقينق‪ :‬محمند كامنل حسنين‪،‬‬
‫دار الكاتب المصري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1949 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬المجنننالس المؤيدينننة "المائنننة األولنننى"‪ ،‬مخطنننوط بخزاننننة الننندار المحمدينننة‬
‫الهمدانيننة‪ ،‬نشننرتها مؤسسننة الهمننداني الثقافيننة ضننمن سلسننلة اإلصنندارات‬
‫الكمبيوترية للمخطوطات الفاطمية‪ ،‬اإلصدار (‪.)51‬‬
‫‪ -‬المجنننالس المؤيدينننة "المائنننة الثانينننة"‪ ،‬مخطنننوط بخزاننننة الننندار المحمدينننة‬
‫الهمدانيننة‪ ،‬نشننرتها مؤسسننة الهمننداني الثقافيننة ضننمن سلسننلة اإلصنندارات‬
‫الكمبيوترية للمخطوطات الفاطمية‪ ،‬اإلصدار (‪.)52‬‬

‫‪318‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -‬المجنننالس المؤيدينننة "المائنننة الثالثنننة"‪ ،‬مخطنننوط بخزاننننة الننندار المحمدينننة‬


‫الهمدانيننة‪ ،‬نشننرتها مؤسسننة الهمننداني الثقافيننة ضننمن سلسننلة اإلصنندارات‬
‫الكمبيوترية للمخطوطات الفاطمية‪ ،‬اإلصدار (‪.)53‬‬
‫‪ -‬المجنننالس المؤيدينننة "المائنننة الرابعنننة"‪ ،‬مخطنننوط بخزاننننة الننندار المحمدينننة‬
‫الهمدانيننة‪ ،‬نشننرتها مؤسسننة الهمننداني الثقافيننة ضننمن سلسننلة اإلصنندارات‬
‫الكمبيوترية للمخطوطات الفاطمية‪ ،‬اإلصدار (‪.)54‬‬
‫‪ -‬المجننالس المؤيدينننة "المائننة الخامسنننة"‪ ،‬مخطننوط بخزاننننة النندار المحمدينننة‬
‫الهمدانيننة‪ ،‬نشننرتها مؤسسننة الهمننداني الثقافيننة ضننمن سلسننلة اإلصنندارات‬
‫الكمبيوترية للمخطوطات الفاطمية‪ ،‬اإلصدار (‪.)55‬‬
‫‪ -‬المجننالس المؤيدينننة "المائنننة السادسنننة"‪ ،‬مخطنننوط بخزاننننة الننندار المحمدينننة‬
‫الهمدانيننة‪ ،‬نشننرتها مؤسسننة الهمننداني الثقافيننة ضننمن سلسننلة اإلصنندارات‬
‫الكمبيوترية للمخطوطات الفاطمية‪ ،‬اإلصدار (‪.)56‬‬
‫‪ -‬صنننحيفة الصنننالة والعبنننادات (الداؤدينننة) [‪ ،]1-4‬مخطنننوط بخزاننننة الننندار‬
‫المحمدية الهمدانية‪.‬‬
‫‪ -‬صنننحيفة الصنننالة (السنننليمانية) [‪ ،]1-3‬مخطنننوط بخزاننننة الننندار المحمدينننة‬
‫الهمدانية‪ ،‬نشرتها مؤسسة الهمداني الثقافية ضمن مشروع تورينث صنحيفة‬
‫الصالة‪.‬‬
‫(‪ )7‬آل عُمي‪ ،‬عبدهللا حمد؛ أحداث السنة الفاطمية؛ منشورات الدار المحمدية‬
‫الهمدانية للدراسات واألبحاث‪( ،‬تحت الطبع)؛ صنعاء‪ -‬اليمن‪.‬‬
‫(‪ )8‬الكرماني‪ ،‬أحمد حميد الدين [ت‪411‬هـ]‪:‬‬
‫‪ -‬راحننة العقنننل‪ ،‬تحقيننق وتقنننديم‪ :‬د‪ .‬مصنننطفى غالننب‪ ،‬دار األنننندلس للطباعنننة‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1983 ،2‬م‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -‬كتاب الرياض مخطوط بخزانة الدار المحمدية الهمدانية‪ ،‬نشنرتها مؤسسنة‬


‫الهمنننداني الثقافينننة ضنننمن سلسنننلة اإلصننندارات الكمبيوترينننة للمخطوطنننات‬
‫الفاطمية اإلصدار (‪.)175‬‬
‫(‪ )9‬الهمداني‪ ،‬حسين بن فيض هللا [ت‪1962‬م]‪:‬‬
‫‪ -‬الصنننليحيون والحركنننة الفاطمينننة فننني النننيمن (منننن سننننة ‪268‬هنننـ إلنننى سننننة‬
‫‪626‬هنننـ)‪ ،‬إصننندارات الننندار المحمدينننة الهمدانينننة للدراسنننات واألبحننناث–‬
‫صنعاء‪ -‬اليمن‪ ،‬ط‪2009 ،5‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ب حنننث تننناريخي فننني رسنننائل إخنننوان الصنننفاء وعقائننند اإلسنننماعيلية فيهنننا‪،‬‬
‫إصدارات الدار المحمدينة الهمدانينة للدراسنات واألبحناث‪ ،‬صننعاء‪ -‬النيمن‪،‬‬
‫ط‪2010 ،2‬م‪.‬‬
‫‪- On the Genealogy of the Fatimid Caliphs. Cairo: American‬‬
‫‪University of Cairo، School for Oriental Studies، 1958.‬‬
‫(‪ )10‬الهمداني‪ ،‬الذؤيب بن موسى الوادعي [ت ‪546‬هـ]‪:‬‬
‫‪ -‬رسننالة الننننفس‪ ،‬تحقيننق وتقنننديم‪ :‬د‪ .‬عمننرو معنننديكرب الهمننداني وآخنننرون‪،‬‬
‫ضنننمن مجمنننوع رسنننائل النننذؤيب بنننن موسنننى النننوادعي‪ ،‬إصننندارات الننندار‬
‫المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪ ،‬ط‪.2014 ،1‬‬
‫‪ -‬رسننالة النندر ‪ ،‬تحقيننق وتقننديم‪ :‬د‪ .‬عمننرو معننديكرب الهمننداني وآخننرون‪،‬‬
‫ضنننمن مجمنننوع رسنننائل النننذؤيب بنننن موسنننى النننوادعي‪ ،‬إصننندارات الننندار‬
‫المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪ ،‬ط‪.2014 ،1‬‬
‫(‪ )11‬الهمداني‪ ،‬عمرو معديكرب‪:‬‬
‫‪ -‬العالمنننة حسنننين بنننن فنننيض هللا الهمنننداني (‪1962 -1901‬م) حياتنننه وفكنننره‬
‫ونضاله‪ ،‬إصدارات الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪ ،‬ط‪2014 ،1‬م‪.‬‬

‫‪320‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -‬اإلسننماعيليون فنني الننيمن والجزيننرة العربيننة وأزمننة المواطنننة منشننورات‬


‫الننندار المحمدينننة الهمدانينننة للدراسنننات واألبحننناث صننننعاء‪ -‬النننيمن ط‪1‬‬
‫‪2017‬م‪.‬‬
‫‪ -‬نبننذة عننن حينناة البروفيسننور عبنناس الهمننداني منشننورات النندار المحمديننة‬
‫الهمدانية للدراسات واألبحاث‪ ،‬صنعاء‪-‬اليمن‪.‬‬
‫(‪ )12‬المغربي‪ ،‬القاضي النعمان بن محمد [ت‪363‬هـ]‪:‬‬
‫‪ -‬األخبار فني الفقنه‪ ،‬تحقينق‪ :‬د‪ .‬عمنرو معنديكرب الهمنداني‪ ،]1[ ،‬إصندارات‬
‫النندار المحمديننة الهمدانيننة للدراسننات واألبحنناث‪( ،‬تحننت الطبننع) صنننعاء‪-‬‬
‫اليمن‪.‬‬
‫‪ -‬افتتاح الدعوة‪ ،‬مخطوط بخزانة الندار المحمدينة الهمدانينة‪ ،‬نشنرتها مؤسسنة‬
‫الهمنننداني الثقافينننة ضنننمن سلسنننلة اإلصننندارات الكمبيوترينننة للمخطوطنننات‬
‫الفاطمية‪ ،‬اإلصدار (‪.)70‬‬
‫‪ -‬تأويل الدعائم‪ ،‬مخطوط بخزانة الندار المحمدينة الهمدانينة‪ ،‬نشنرتها مؤسسنة‬
‫الهمنننداني الثقافينننة ضنننمن سلسنننلة اإلصننندارات الكمبيوترينننة للمخطوطنننات‬
‫الفاطمية‪ ،‬اإلصدار (‪.)37‬‬
‫‪ -‬دعنننائم اإلسنننالم‪ ،‬تحقينننق‪ :‬آصنننف أصنننغر فيضننني‪ ،]1-2[ ،‬دار المعنننارف‪،‬‬
‫القاهرة‪.1964-1963 ،‬‬
‫‪ -‬الهمننة فنني آداب اتبنناع األئمننة‪ ،‬مخطننوط بخزانننة النندار المحمديننة الهمدانيننة‪،‬‬
‫نشننرتها مؤسسننة الهمننداني الثقافيننة ضننمن سلسننلة اإلصنندارات الكمبيوتريننة‬
‫للمخطوطات الفاطمية‪ ،‬اإلصدار (‪.)72‬‬

‫‪321‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -‬المجالس والمسايرات‪ ،‬مخطوط بخزاننة الندار المحمدينة الهمدانينة‪ ،‬نشنرتها‬


‫مؤسسنننننة الهمنننننداني الثقافينننننة ضنننننمن سلسنننننلة اإلصننننندارات الكمبيوترينننننة‬
‫للمخطوطات الفاطمية‪ ،‬اإلصدار (‪.)34‬‬
‫(‪ )13‬منصور اليمن‪ ،‬جعفر [ت ‪380‬هـ]‪:‬‬
‫‪ -‬فرائض وحدود الدين‪ ،‬مخطوط بخزانة الدار المحمدية الهمدانية‪.‬‬
‫الوليد‪ ،‬علي بن محمد [ت ‪ 612‬هـ]‪:‬‬
‫‪ -‬ديوان علي بن محمد بن الوليد‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عمرو معديكرب الهمداني‪،‬‬
‫إصدارات الدار المحمدية الهمدانية للدراسات واألبحاث‪( ،‬تحت الطبع)‬
‫صنعاء‪ -‬اليمن‪.‬‬
‫‪- ABBAS AL-HAMDANI. Al-hamdani the outset of the domination‬‬
‫‪of the Hamdan over Yemen‬‬
‫‪ -‬فعاليننات مننؤتمر الحننق فنني المواطنننة المتسنناوية (اإلسننماعيليون فنني الننيمن‬
‫أنموذجا) المنعقد بتاريخ ‪ / 8 -7‬إبريل‪2012 /‬م‪ ،‬إصدارات الدار المحمدينة‬
‫الهمدانية للدراسات واألبحاث– صنعاء‪ -‬اليمن‪ ،‬ط‪2012 ،1‬م‪.‬‬
‫‪- FRANCOIS‬‬ ‫‪DE‬‬ ‫‪BLOIS ،Arabic،‬‬ ‫‪Persian‬‬ ‫‪and‬‬ ‫‪Gujarati‬‬
‫‪MANUSCRIPTS، The Hamdani Collection ،I.B.Tauris Publishers ،‬‬
‫‪LONDON.NEW YORK.‬‬
‫‪ -‬موقع إلكتروني‪http://dmhsr.blogspot.com/ :‬‬

‫‪ -‬موقع إلكتروني‪www.alavibohra.com/ :‬‬

‫(‪ )14‬ويكيبيديا‪ ،‬الموسوعة الحرة‪:‬‬


‫‪ -‬الطيب بن اآلمر‪ ،‬موقع إلكتروني‪.‬‬
‫‪ -‬المستنصر باهلل‪ ،‬موقع إلكتروني‪.‬‬
‫‪ -‬محافظة القنفذة‪ ،‬موقع إلكتروني‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المصادر والمراجع العامة‬


‫‪ -‬األعظمي‪ ،‬محمد حسن (ضمن كتاب الحقنائق الخفينة عنن الشنيعة الفاطمينة)‪،‬‬
‫طبع الهيئة العامة للتأليف والنشر‪1970 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬اإلرياني‪ ،‬مطهر علي‪ ،‬مقابلة تلفزيونية‪ ،‬برنامج وتلك األيام‪ ،‬تلفزيون اليمنينة‬
‫الفضائية‪ ،‬تاريخ ‪2010/2/14‬م‪.‬‬
‫‪ -‬األلوسي‪ ،‬أبي المعالي محمود شكري غاية األماني فني النرد علنى النبهناني‬
‫نشره عبدالعزيز ومحمد العبدهللا الجميع مكتبة نور اإللكترونية‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬األهننننومي‪ ،‬حسنننن بنننن حسنننين الروسننني البنننراهين المضنننيئة فننني السنننيرة‬
‫المنصورية مؤسسة اإلمام زيد بن علي اليمن‪.‬‬
‫‪ -‬ابن ميسر‪ ،‬محمد بن علي بن يوسف بن جلب (ت‪ )677‬تاريخ مصر طبعة‬
‫هنري ماسيه القاهرة‪1919 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬التميمي‪ ،‬ضياء خضر جاسم بنو الوليند وأثنرهم بالندعوة الطيبينة فني النيمن‬
‫رسالة ماجستير جامعة بغداد ‪2017‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الجاسر‪ ،‬أحمد مجلة العرب عدد الربيعان لعام ‪1415‬م‪.‬‬
‫‪ -‬جحاف‪ ،‬لطف هللا بن أحمد درر نحور الحور العين بسنيرة اإلمنام المنصنور‬
‫علنني وأعننالم دولتننه الميننامين تحقيننق‪ :‬إبننراهيم بننن أحمنند المقحفنني مكتبننة‬
‫اإلرشاد اليمن‪.‬‬
‫‪ -‬الجهاز المركزي لإلحصاء‪ ،‬كتاب اإلحصاء السكاني للجمهورية اليمنية لعنام‬
‫‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الجهنناز المركننزي لإلحصنناء بالجمهوريننة اليمنيننة النندليل الشننامل‪ -‬محافظننة‬
‫صنعاء‪ ،www.yemenna.com ،‬مديرية همدان‪ .‬الحميري‪ ،‬أبنو سنعيد بنن‬
‫سعيد (ت‪ – )573‬نشوان الحور العين القاهرة ‪1948‬م‬

‫‪323‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -‬الحبشنني‪ ،‬عبنندهللا محمنند حوليننات يمانيننة‪ ..‬الننيمن فنني القننرن التاسننع عشننر‬
‫الميالدي دار الحكمة اليمانية صنعاء‪ -‬اليمن ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ -‬حمزة‪ ،‬فؤاد قلب جزيرة العرب مكتبة النصر الحديثة الرياض ‪1933‬م‬
‫‪ -‬حمزة‪ ،‬فؤاد في بالد عسير مكتبة النصر الحديثة الرياض ط‪1968 2‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الدوسري‪ ،‬شعيب بن عبدالحميد بن سالم إمتاع السامر بتكملة متعنة النناظر‬
‫مطبعة الحلبي‪ -‬القاهرة ‪1365‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬الريكننني‪ ،‬حسنننن بنننن جمنننال بنننن أحمننند لمنننع الشنننهاب فننني سنننيرة محمننند بنننن‬
‫عبدالوهاب دار الملك عبدالعزيز الرياض‪ -‬السعودية‪.‬‬
‫‪ -‬زينن العابندين‪ ،‬إبنراهيم بنن علني تنناريخ عسنير رؤينة تاريخينة خنالل خمسننة‬
‫قنننرون تحقينننق وتعلينننق‪ :‬محمننند مسنننلط بنننن عيسنننى الوصنننال البشنننري دار‬
‫اإليمان الرباط ط‪1992 5‬م‪.‬‬
‫‪ -‬سادلير‪ . ،‬فورستر رحلنة عبنر الجزينرة العربينة‪ ،‬منن القطينف فني الخلنيج‬
‫"العربي" إلى ينبع على البحر األحمر خالل عنام ‪ 1819‬بومبناي طبنع فني‬
‫مطبعة الثقافة االجتماعية في بايكوال ‪1866‬م‪.‬‬
‫‪ -‬السننبحاني‪ ،‬جعفننر‪ ،‬بحننوث فنني الملننل والنحننل‪ ،‬مؤسسننة النشننر اإلسننالمي‪ ،‬قننم‬
‫المشرفة‪ ،‬ط‪ 1417 ،6‬هـ‪.‬‬
‫‪ -‬شننرف النندين‪ ،‬عيسننى بننن لطننف هللا روح الننروح فنني مننا حنندث بعنند المائننة‬
‫التاسعة من الفتن والفتوح تحقيق‪ :‬إبراهيم بن أحمد المقحفي بدون ت‪.‬‬
‫‪ -‬الشوكاني‪ ،‬محمد ب ن علي البدر الطالع بمحاسنن منن بعند القنرن السنابع دار‬
‫الكتاب اإلسالمي القاهرة‪.‬‬
‫‪ -‬العمننري‪ ،‬حسننين عبنندهللا مائننة عننام مننن تنناريخ الننيمن الحننديث دار الفكننر‬
‫المعاصر اليمن‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -‬العمراننني‪ ،‬محمنند بننن علنني إتحنناف النبيننه بتنناريخ القاسننم وبنيننه مخطننوط‬
‫بخزانة الدار المحمدية الهمدانية‪.‬‬
‫‪ -‬فليبنني‪ ،‬هنناري سنننانت جننون (الشننيخ عبننندهللا) مرتفعننات الجزيننرة العربينننة‬
‫ترجمه وعلق عليه د‪ .‬غبتان بن علي الجريس مكتبة الحسكة‪.‬‬
‫‪ -‬الكربالئننني‪ ،‬حيننندر محمننند عبننندهللا النننداعي اإلسنننماعيلي المؤيننند فننني الننندين‬
‫الشننيرازي ودوره السياسنني والفكننري والعقائنندي فنني الدولننة الفاطميننة (‪-390‬‬
‫‪470‬هننننـ‪1077-999 /‬م) جامعننننة بغننننداد كليننننة اآلداب رسننننالة دكتننننوراه‬
‫‪2011‬م‪.‬‬
‫‪ -‬المعافري‪ ،‬أبي محمد عبدالملك بن هشام الحميري (ت‪ )213‬السنيرة النبوينة‬
‫فنني ثالثننة أجننزاء تحقيننق‪ :‬ولينند بننن محمنند بننن سننالمه وخالنند بننن محمنند بننن‬
‫عثمان مكتبة الصفا‪.‬‬
‫‪ -‬المقحفني‪ ،‬إبنراهيم أحمنند‪ ،‬معجنم البلندان والقبائننل اليمنينة‪ ،]1-2[ ،‬دار الكلمننة‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬صنعاء‪ -‬الجمهورية اليمنية‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬المقريزي‪ ،‬تقي الدين أحمد بن علي [ت‪845‬هـ]‪ ،‬اتعاظ الحنفاء بأخبار األئمة‬
‫الفاطميين الخلفاء [‪ ،]1-3‬تحقيق‪ :‬جمنال الندين الشنيال‪ ،‬ومحمند حلمني محمند‬
‫أحمد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪1973-1967 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬معجم قاموس المعاني موقع إلكتروني تأسس عام ‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الموسننم مجلننة فصننلية مصننورة تعنننى بننالتراث واآلثننار تصنندر فنني هولننندا‬
‫العددان ‪1999 44 43‬م‪.‬‬
‫‪ -‬نننوح‪ ،‬علنني اإلسننماعيلية بننين خصننومها وأنصننارها دار التوحينندي للنشننر‬
‫سوريا ط‪2000 1‬م‬

‫‪325‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -‬نوفنننل‪ ،‬حمنننود زايننند‪ ،‬إسنننماعيلية النننيمن السنننليمانية "المكارمنننة"‪ ،‬دار النشنننر‬


‫للجامعات‪ ،‬صنعاء‪ -‬اليمن‪ ،‬ط‪2011 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -‬هننالم‪ ،‬هنناينز الفنناطميون وتقالينندهم فنني التعلننيم دار المنندى للطباعننة والنشننر‬
‫والتوزيع ‪1999‬م‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫الصحافة اليمنية في المهجر‪ :‬التأثير والتأثر‬

‫(* )‬
‫أ‪ /‬عبد الباري طاهر‬

‫(*) كاتب وباحث ونقيب أسبق للصحفيين اليمنيين‪.‬‬


‫‪327‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪328‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مدخل إلى الصحافة الحضرمية المهاجرة‪:‬‬


‫ارتبطت الصحافة اليمنية في المهاجر بوجود يمنيين وعرب كثيرين في‬
‫هذه المهاجر‪ ،‬وخاصة في بريطانيا‪ ،‬وجنوب شرق آسيا‪ ،‬ابتدا ًء من العام‬
‫‪.1905‬‬
‫و تعود نشأة الصحافة المهاجرة إلى مطلع القرن الماضي في جنوب شرق‬
‫آسيا‪ ،‬وهي الصحافة الحضرمية‪ ،‬وفي بريطانيا‪ -‬كارديف صحيفة "السالم"‬
‫التي أصدرها الشيخ المجاهد عبد هللا الحكيمي ‪.1948‬‬
‫عب َّر صدور الصحافة المهجرية عن واقع في اليمن‪ ،‬وخاصة في‬
‫حضرموت‪ ،‬فقد نزح الحضارمة بالمئات وعشرات اآلالف إلى شرق إفريقيا‬
‫وجنوب شرق آسيا والهند‪ ،‬واشتغلوا بالتجارة ونشر اإلسالم‪ ،‬واندمجوا في تلكم‬
‫المجتمعات‪ ،‬ولعبوا دورا ً مشهودا ً في التمدن والتحضر‪ ،‬وبناء الكيانات‪،‬‬
‫وتأسيس الصحف واألحزاب والهيئات القومية‪ ،‬ومقاومة االستعمار؛ فكان‬
‫التأثير والتأثر بالغاً‪.‬‬
‫و في المبحث المتواضع أقوم بتتبع هذه الصحافة ورصدها‪ ،‬ودراسة ما كتب‬
‫عنها‪ ،‬وما يتوافر عنها من دراسة وتقييم ومراجع ونماذج إن وجدت‪ ،‬ومناخ‬
‫الصدور‪ ،‬وأماكن الصدور‪ ،‬ورؤساء وهيئات التحرير‪ ،‬مع نبذة تعريفية‬
‫محدودة‪ ،‬وآتي على تتبع االتجاهات الفكرية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬واالجتماعية‪،‬‬
‫وعالقاتها بالمكان والزمان‪ ،‬واالرتباط بقضايا العصر المختلفة‪ ،‬وببلد ومنشأ‬
‫المهجر‪.‬‬
‫واستخدمت منهج الوصف والتحليل في دراسة الصحف‪ ،‬والقضايا التي‬
‫تتناولها‪ ،‬وأوضاع المهاجرين‪ ،‬ثم أوضاع مهاجرهم وبلدانهم‪.‬‬

‫‪329‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الصحافة الحضرمية المهاجرة في جنوب شرق آسيا‪ :‬النشأة والتطور‪:‬‬


‫تعود نشأة الصحافة الحضرمية في جنوب شرق آسيا‪ :‬إندونيسيا‪ ،‬وماليزيا‪،‬‬
‫وسنغافورة‪ ،‬إلى مطلع القرن الماضي‪ ،‬وتحديدا ً في العام ‪.1905‬‬
‫ومطلع القرن الماضي كان بداية الثورات الكبرى‪ :‬روسيا ‪ ،1918‬وتركيا‬
‫‪ ،1911‬وإيران ‪ ،1906‬ومصر‪ -‬ثورة عرابي‪ ،‬وكان أثر ذلك بالغا ً على ما‬
‫يسميه لينين "استيقاظ آسيا"‪ .‬كان التأثير كبيرا ً على االستقالل‪ ،‬وحركات‬
‫التحرر الوطني‪ ،‬وخاصة استقالل الصين والهند‪ ،‬بل على القارة كلها‪.‬‬
‫ويؤرخ الباحث د‪ .‬عبدهللا الزين بداية ظهور العديد من المطبوعات الصحفية‬
‫باللغة العربية ابتداء من ‪ ،1905‬رابطا ً ذلك بالتنافس بين مختلف الجمعيات‬
‫المختلفة(‪ ،)1‬ويبدو أن صدمة الحداثة‪ ،‬واالنفتاح على العصر وتياراته الزاخرة‬
‫في العالم هي األساس لنشأة هذه الصحافة التي وصلت إلى األربعين‪،‬‬
‫وازدهارها وتطورها‪.‬‬
‫وال شك أن لنشأة الجمعيات واألحزاب السياسية‪ ،‬والمنافسة أيضا ً بين‬
‫"اإلرشاديين" و"الرابطة العلوية" أثرا ً في تنوع وتعدد هذه الصحافة‪ ،‬لكن األثر‬
‫األعمق والكبير لقضايا العصر الكبرى‪ ،‬وفي مقدمتها الثورات‪ ،‬وحركات‬
‫التحرر الوطني السمتان األبرز في مطلع القرن العشرين‪.‬‬
‫و في الدراسة ارتأيت أنه من األفضل دراسة القضايا واألفكار التي ركزت‬
‫عليها الصحافة الحضرمية المهجرية بدالً من ترسم أسماء الصحف‪ ،‬وعناوينها‪،‬‬
‫وتاريخ صدورها‪ ،‬وهيئات تحريرها‪ ،‬وإعطاء األولوية للقضايا التي تتناولها‬
‫هذه الصحف‪ ،‬مع عدم إغفال التعريف بالصحيفة‪ ،‬ومكان وزمان الصدور‪،‬‬

‫(‪ )1‬النشاط الثقافي والصحفي لليمنيين في المهجر‪ :‬إندونيسيا‪ ،‬ماليزيا‪ ،‬سننغافورة‪-1900 ،‬‬
‫‪ ،1950‬د‪ .‬عبد هللا يحيى الزين‪ ،‬دار الفكر‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪330‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫والمحررين إذا لزم األمر‪ ،‬خالفا ً لألسلوب الذي اتبعه عديد من الدارسين‪،‬‬
‫ومنهم الدكتور عبد هللا الزين‪ ،‬و"الموسوعة الصحفية"‪ .‬فالمزج بين الصحف‬
‫والموضوعات ضروري لغياب الصحف التي يمكن قراءتها‪ ،‬باستثناء أعداد‬
‫قليلة ال تعطي الصورة الحقيقية للقضايا المتناولة‪ ،‬وتكون صحيفة "السالم" هي‬
‫االستثناء الوحيد لتوفر أعدادها‪.‬‬
‫ويمكن وصف دور الصحافة المهجرية في جنوب شرق آسيا بالرائدة‪ ،‬ليس‬
‫بالقياس إلى الداخل اليمني‪ ،‬وإنما أيضا ً بالنسبة لمناطق الصدور المهجرية‪ ،‬ففي‬
‫بلدان إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة‪ ،‬لم تكن الصحف األهلية أو الرسمية قد‬
‫صدرت‪ ،‬أما في الداخل اليمني‪ ،‬سواء في حضرموت بلد المنشأ‪ ،‬أو اليمن‬
‫بصورة عامة‪ ،‬فلم تعرف صدور الصحف؛ ففي اليمن "الشمال" لم تُعرف‬
‫الصحافة باستثناء "صنعاء" التي أصدرها األتراك عام ‪1878‬م كصحيفة‬
‫رسمية للوالية العثمانية أسوة بالواليات األخرى التابعة لإلمبراطورية‬
‫العثمانية(‪ ،)2‬وهناك صحيفة "يمن" باللغة التركية صدرت في الحديدة قبيل‬
‫"صنعاء" عام ‪1872‬م‪ .‬وقد عرفت حضرموت الداخل صدور العديد من‬
‫الصحف األهلية ُمنذ ُ مطلع القرن الماضي‪.‬‬
‫ونشأت الصحافة اليمنية في المهجر وتطورت‪ ،‬وأدت دورها المميز وفق‬
‫إمكاناتها وقدراتها‪ ،‬ولعبت دورا ً كبيرا ً ال يستهان به في تكوين رأي عام وفق‬
‫منهجية كل صحيفة(‪.)3‬‬
‫ويقيناً‪ ،‬فإن انغالق الداخل‪ ،‬والتخلف المريع ليس وراء صدور صحافة‬
‫المهجر‪ ،‬وإنما هو باألساس وراء الهجرة ذاتها‪ ،‬وبالنسبة إلصدار صحيفة‬

‫(‪ )2‬الصحافة اليمنية‪ :‬نشأتها وتطورهنا‪ ،‬د‪ .‬محمند عبند الملنك المتوكنل‪ ،‬مطنابع الطنوبجي‬
‫التجارية‪1983 ،‬م‪ ،‬انظر‪ :‬ص ‪.17‬‬
‫(‪ )3‬النشاط الثقافي والصحفي لليمنيين في المهجر (مصدر سبق ذكره)‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪331‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫"السالم" التي أصدرها الشيخ عبدهللا علي الحكيمي في كارديف ببريطانيا بعد‬
‫انكسار حركة ‪1948‬م في صنعاء‪ ،‬فكان ردا ً على هزيمة االنقالب‪ ،‬والتصدي‬
‫لالعتقاالت الكيفية‪ ،‬واإلعدامات التعسفية والجائرة "لألحرار اليمنيين"‪،‬‬
‫وللمعارضة السياسية عامة‪.‬‬
‫و تركز الدراسة على صحافة المهجر في جنوب شرق آسيا باألساس‪ ،‬وتمر‬
‫سريعا ً على الهند‪ ،‬حيث ال يتجاوز اإلصدار الصحفي فيها بضع صحف‪ ،‬وفي‬
‫كارديف "السالم"‪ ،‬وفي مصر "صوت اليمن" في إصدارها الثاني في القاهرة‬
‫في العام ‪1955‬م‪ ،‬ولن أشير إلى "الصداقة" التي أصدرها عبد الغني الرافعي‬
‫في مصر؛ ألنها ليست إصدارا ً يمنياً‪ ،‬وإن كانت قد تعاطفت مع القضايا اليمنية‪،‬‬
‫شأن "الشورى" التي أصدرها محمد علي الطاهر‪ ،‬وعمل فيها محررا ً األستاذ‬
‫أحمد محمد نعمان؛ ألنها ليست يمنية‪ ،‬كما هو الحال أيضا ً لمجلة "الفتح" التي‬
‫أصدرها محب الدين الخطيب‪ .‬والحقيقة أن "الشورى"‪ ،‬و"الفتح" لم يُدرسا لعدم‬
‫صحة النسبة إلى اليمن‪ ،‬بخالف "الصداقة" التي كان الشهيد محمد صالح‬
‫المسمري‪ ،‬ويحيى أحمد زبارة محررين فيها‪.‬‬
‫وقد شهدت القاهرة صدور مجلة "اليمن الجديد" التي أصدرها السفير عبد‬
‫الرحيم عبد هللا بعد ثورة الـ ‪ 26‬من سبتمبر ‪ ،62‬ومجلة الطالب اليمنيين في‬
‫القاهرة "يمن" في ثمانينيات القرن الماضي‪ ،‬ومجلة فصلية في لندن بعنوان‬
‫"الرواد"‪.‬‬
‫النشأة والخلفية‪:‬‬
‫كانت القارة تستيقظ للتحرر ونيل االستقالل؛ فتركيا الخالفة اإلسالمية‪-‬‬
‫الرجل المريض‪ -‬في غرفة اإلنعاش‪ ،‬وروسيا تشهد مراحل انهيار‬
‫اإلمبراطورية القيصرية‪ ،‬ويتوثب الحزب الشيوعي لالستيالء على السلطة عبر‬

‫‪332‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المظاهرات واالحتجاجات‪ ،‬وصوالً إلى االنتفاضة المسلحة في أكتوبر ‪1918‬م‪.‬‬


‫وفي تركيا كانت قضية المشروطة تتبوأ صدارة المطالب على كثرتها‪ ،‬وكان‬
‫الخالص من النظام اإلقطاعي القروسطي هدفا ً مشتركا ً للشعوب الواقعة تحت‬
‫النير اإلقطاعي العثماني؛ فكانت ثورة أتاتورك تدق أبواب القسطنطينية‪ ،‬وكانت‬
‫إيران تشهد مظاهرات واحتجاجات المشروطة ‪1905‬م‪ ،‬وقد طوحت بمجلس‬
‫نواب بالد فارس في عهد الساللة القاجارية‪ ،‬وكانت الصين تواجه "حرب‬
‫األفيون" المفروضة عليها ُمنذ ُ منتصف القرن التاسع عشر من قبل المستعمرين‬
‫الفرنسي والبريطاني‪ .‬وكانت الهند‪ ،‬وإندونيسيا‪ ،‬وماليزيا‪ ،‬وسنغافورة ترزح‬
‫تحت نير االستعمار البريطاني والهولندي‪ .‬وكانت الثورات اإليرانية ‪،1906‬‬
‫والتركية ‪ ،1911‬والروسية ‪ 1905‬تدق األبواب؛ وهي خلفية وتاريخ نشأة‬
‫الصحافة الحضرمية في المهجر‪.‬‬
‫و لألمة العربية حضور في الصحافة الحضرمية المهاجرة؛ فقد كانت األمة‬
‫مجزأة‪ ،‬وترزح تحت النير التركي‪ ،‬وكان المطلب األساس الخالص من الوجود‬
‫التركي‪ ،‬وحق تقرير المصير‪ ،‬في حين كانت دول الحلفاء تَعُد تركيا "الرجل‬
‫المريض"‪ ،‬وترى مناطق وجوده غنيمة استعمارية؛ لذا تحالف الحلفاء تكتيكيا ً‬
‫مع الحركات المناوئة لألتراك؛ لتحقيق أهدافها االستعمارية‪ ،‬في حين كان هم‬
‫األمراء العرب تكوين إماراتهم‪ ،‬مستعينين بالمستعمرين البريطانيين‬
‫والفرنسيين‪.‬‬
‫وكانت دعوات االستقالل‪ ،‬ودعوات التجديد واإلحياء الديني والفكري‪،‬‬
‫والخالفات بين مختلف االتجاهات والتيارات حاضرة بقوة في صحافة المهاجر‬
‫الحضرمية‪ ،‬وقبل ذلك وبعده‪ ،‬فإن حضرموت الوطن هو الحاضر األكبر‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وحقا ً ال تغيب عن الصحافة قضايا األمة العربية؛ قضايا اإلسالم والمسلمين‪،‬‬


‫وقضايا عصرهم‪ ،‬وخاصة مشاكل مهاجرهم سلبا ً وإيجاباً‪ ،‬ومشاكل الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬والكيانين الناشئين في اليمن ونجد والحجاز خصوصاً‪.‬‬
‫ينقسم المبحث إلى قسمين األول‪ :‬صحيفة "السالم" ‪ -‬صحيفة المهاجر اليمني‬
‫التأثير والتأثر كأنموذج‪ ،‬وهو المقدم للفريق‪ ،‬والثاني‪ :‬الصحافة الحضرمية‬
‫المهاجرة؛ وهو الجزء الثاني المؤجل والمشتغل عليه‪.‬‬
‫المطالب الديمقراطية وافتتاحية السالم‪:‬‬
‫تمثل المطالب الديمقراطية جوهر خطاب صحيفة "السالم"‪ ،‬وتعد "السالم"‬
‫أول صحيفة عربية تصدر في بريطانيا بعد "المستمع العربي" التي أصدرتها‬
‫"هيئة اإلذاعة البريطانية" (الـ بي بي سي) في لندن عام ‪1940‬؛ فقد صدرت‬
‫"السالم" في ‪ 6‬ديسمبر ‪1948‬؛ أي بعد ثمانية أشهر من فشل ثورة ‪48‬‬
‫الدستورية‪ ،‬وأقل من سبعة أشهر على نكبة ‪ ،48‬وبعد ثالثة أعوام من نهايات‬
‫الحرب الكونية في اليمن‪ ،‬وقبل أربعة أيام من صدور اإلعالن العالمي لحقوق‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫وكان الشهيد المجاهد الكبير عبد هللا علي الحكيمي‪ -‬رئيس تحرير "السالم"‪-‬‬
‫من كبار الدعاة اإلسالميين والمفكرين المنورين؛ فقد تبنى دعوة السالم‪ ،‬وحوار‬
‫األديان‪ ،‬ورفض العنف والعصبيات الدينية والطوائفية والعرقية والشوفينية؛ فقد‬
‫دعا إلى اإلصالح والتجديد ورفض المذهبية والساللية‪ ،‬وطالب بإصالحات‬
‫تؤدي لنظام ديمقراطي برلماني‪ ،‬وبناء دولة حديثة وديمقراطية‪ ،‬كما دفع‪ -‬و ُمنذ ُ‬
‫الثالثينيات‪ -‬إلى تحديث التعليم‪ ،‬وساعد الطالب في االلتحاق بالجامعات‬
‫وبخاصة األزهر‪.‬‬

‫‪334‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫كان الحكيمي متعدد المواهب والقدرات‪ ،‬فقد عمل مترجما ً وموجها في‬
‫"جيش الجنوب العربي"‪ ،‬وكان ضابطا ً في الكتيبة البريطانية "الفرقة اليمنية‬
‫األولى"‪ ،‬وأسهم بنصيب كبير في بناء "حزب األحرار"‪ ،‬وصحيفة "صوت‬
‫اليمن"‪ ،‬ووضع ثروته تحت تصرف "األحرار"‪ ،‬ورفض أن يتولى رئاسة‬
‫حزب األحرار؛ ألنه نذر نفسه لدعوة عالمية إسالمية؛ فقد عمل بحاراً‪ ،‬وارتبط‬
‫بالطريقة الشاذلية الصوفية‪ ،‬وأصبح رئيسا ً لها في أوروبا‪.‬‬
‫أصدر الحكيمي صحيفة "السالم" في كارديف‪ ،‬وقد اهتمت الصحيفة‪ ،‬و ُمنذ ُ‬
‫األعداد األولى‪ ،‬بالدعوة للحرية والحوار والدفاع عن ضحايا ‪،1948‬‬
‫وفلسطين‪ ،‬والجامعة اليمنية‪ ،‬واستقالل البالد العربية‪ ،‬ومد كفاحه إلى‬
‫الصومال‪ ،‬والباكستان‪ ،‬والمهاجر اليمنية‪ ،‬كما تبنى دعوة حوار األديان‪ ،‬والدفاع‬
‫عن الصوفية‪ ،‬والتحذير من الخطر اإلسرائيلي القادم‪ ،‬ونقد تشتت وفساد الحياة‬
‫السياسية العربية واإلسالمية‪ ،‬واهتم أيما اهتمام بالتعليم‪ ،‬سواء في اليمن والبالد‬
‫العربية أو المهاجر العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫كان الشيخ الحكيمي داعية الديمقراطية والحرية في اليمن بشطريها‪ ،‬وفي‬
‫الوطن العربي من خالل صحيفة السالم المنبر الديمقراطي الذي دعا إلى‬
‫الحداثة واإلصالح الديني‪ ،‬والتجديد السياسي‪ ،‬واالحتكام إلى صناديق االقتراع‪،‬‬
‫وهي المطالب المطروحة على المواطن العربي حتى اليوم‪.‬‬
‫و الكتابة عن هذا الواحد المتعدد سباحة في بحر شديد الغزارة واالمتداد‬
‫والعمق‪ ،‬وسوف أقتصر في هذه التناولة على المطالب الديمقراطية واإلصالح‬
‫من خالل نماذج من افتتاحيات صحيفة "السالم"‪ ،‬واالسم نفسه ‪ -‬السالم ‪ -‬يحمل‬
‫داللة جد مهمة‪ ،‬خصوصا ً لدى داعية إسالمي وصوفي يدرك عمق وقداسة‬
‫السالم الذي هو اسم من أسماء هللا الحسنى‪ ،‬كما أنه المعنى الحقيقي والعميق‬

‫‪335‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫لإلسالم دين الرحمة والسالم‪ ،‬وقد اختار االسم في مواجهة نقيضه مع طبيعة‬
‫ممارسات النظام اإلمامي الذي نكل باألحرار‪ ،‬وقتل الخارجين على أبيه‪.‬‬
‫لقد كان الحكيمي المتعدد المواهب والمتنوع القدرات والطاقات من أوائل‬
‫كتاب "صوت اليمن" التي ساهم‪ ،‬إلى جانب الزبيري والنعمان‪ ،‬في إصدارها‬
‫في عدن عام ‪1946‬م‪ ،‬وكان يكتب فيها باسمه الصريح‪ ،‬عكس العديد من‬
‫زمالئه األحرار‪.‬‬
‫وقد كرس الحكيمي افتتاحية "السالم"‪ ،‬ومقاالته جلها للحديث عن األوضاع‬
‫اليمنية‪ ،‬والتخلف المريع في المتوكلية‪ ،‬والقمع الشديد لألحرار‪ ،‬كما أنها أيضا ً‬
‫قد وظفت في مناقشة هزيمة العرب النكراء في ‪ ،48‬وشدد النكير على الجامعة‬
‫العربية ب عد أن أحسن الظن بها في البداية‪ ،‬وكرس أجزاء مهمة لألوضاع‬
‫العربية والبلدان اإلسالمية‪ .‬ولكن النصيب األوفر من هذه االفتتاحيات والخطاب‬
‫الناري كان مكرسا ً للدفاع عن شهداء ومعتقلي انقالب ‪ - 48‬الثورة الدستورية‬
‫في صنعاء‪.‬‬
‫ويعنون افتتاحية العدد األول (براعة استهالل السالم) باسم هللا السالم‬
‫نستهل صحيفتنا السالم‪ ،‬ونفتتحها مستعيذين بحولك وقوتك وقدرتك على أن‬
‫تجعلنا من أهل السالم‪ ،‬ودعاة السالم‪ ،‬ومحبي السالم‪.‬‬
‫ويتوجه بالعدد األول إلى إخوانه العرب والمسلمين‪ ،‬ويعد فيها بنجدتهم‪،‬‬
‫وخدمة الحق والعدالة والفضيلة واإلنسانية‪.‬‬
‫وفي العدد المنوه به يتحدث الشيخ عن رسالة السالم فيحددها بـ‪:‬‬
‫‪ -1‬الدعوة للرجوع إلى مبادئ اإلسالم القويمة التي جعلت العرب أمة واحدةو‬
‫حضارة ومنار اإلنسانية‪ ،‬وملجأ نلوذ به من الطغيان‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -2‬الدعوة إلى اإلصالح االجتماعي في كل مناحيه‪ ،‬ويؤكد على التقارب بين‬


‫الطبقات‪ ،‬وإزالة الفوارق العائقة أمام التعاطف والتعاون‪.‬‬
‫‪ -3‬الدعوة إلى نشر الثقافة حتى ال ينالها غني لغناه‪ ،‬ويحرمها فقير لفقره‪،‬‬
‫ويدعو إلى الثقافة العامة بأوسع معاني الكلمة‪ ،‬ويَعُد الثقافة وسيلة وسالحا ً‬
‫لنيل السيادة والتفوق والسعادة‪.‬‬
‫‪ -4‬الدعوة إلى دعم الجامعة العربية‪ ،‬وتعميق التواصل بها لشعوب األمة‪.‬‬
‫ويرى أن خلق كتلة عربية في مواجهة الكتلتين‪ :‬الشرقية‪ ،‬والغربية إحدى‬
‫الضمانات‪.‬‬
‫‪ -5‬أن تقوم سياساتنا الداخلية على أسس من الديمقراطية الصحيحة‪ ،‬وأن تكون‬
‫سياساتنا سياسة مبادئ ال مصالح‪ ،‬للفقير فيها مثل الغني من حقوق ومنافع‪،‬‬
‫وعلى الغني فيها مثل ما على الفقير من واجبات والتزامات‪.‬‬
‫‪ -6‬الدعوة إلى عرض أدبنا العربي في وضعه الصحيح‪ .‬لقد كان أدبنا العربي‬
‫في عصوره األولى تشع منه نسائم الحرية والشهامة والمروءة والفن‬
‫األصيل‪ ،‬ويدعو إلى أدب عصري‪ ،‬ونتاج يرقى إلى الحرية ويدعو إلى‬
‫القوة(‪.)4‬‬
‫والحقيقة أن افتتاحية "السالم" ورسالتها صالحة اليوم كافتتاحية ألي مجلة‬
‫راقية من مجالتنا الحديثة جدا ً‪ ،‬أو صحفنا السيارة أيا ً يكن توجهها أو لون‬
‫تفكيرها؛ فرسالة السالم التزال مطلبا ً بعيد المنال ودونه خرط القتاد من وجهة‬
‫نظر حكامنا‪ ،‬ووعدا ً قابالً للتحقق واإلنجاز من وجهة نظر المدافعين عن الحرية‬
‫والعدل‪.‬‬

‫(‪ )4‬صحيفة السالم‪ ،‬عدد (‪ 6 ،)1‬ديسمبر‪ ،1948 ،‬ص‪.3‬‬


‫‪337‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ويقيناً‪ ،‬فإن الرسالة قد حددت وبوضوح رسالة "السالم" وصاحبها المجاهد‬


‫عبد هللا علي الحكيمي؛ فالدعوة إلى مبادئ الدين الحنيف بدالالته الحضارية‬
‫والقومية وعمقه اإلنساني‪ ،‬ومناهضته لالستبداد والطغيان مطلب إنساني عام‪،‬‬
‫كما أن نشر الثقافة وتسويد ها هو اآلخر غاية إنسانية نبيلة‪ ،‬وهدف عظيم‪ ،‬وقوة‬
‫إبداعية ال تقهر‪ ،‬واألمم والشعوب التي أشاعت الثقافة هي اآلن التي تتسيد‬
‫العصر‪ ،‬ومنها األوروبيون‪ ،‬واألمريكان‪ ،‬واليابان‪ ،‬والصين‪ ،‬وبعضها أمم‬
‫وشعوب بدأت نهضتها قبل الحربين الكونيتين‪ ،‬وحتى متأخرة عنها كالصين‬
‫واليابا ن‪ ،‬والعديد من الدول اآلسيوية ومنها ماليزيا‪ ،‬ولقد أصبحت المعرفة‪ -‬كما‬
‫قال بيكون‪ -‬قوة‪ ،‬وتحولت إلى قوة منتجة للخيرات المادية‪ ،‬وأساسا ً جديدا ً للثروة‬
‫والتسيد؛ فازدهار االقتصاد‪ ،‬وغزو الفضاء‪ ،‬وامتالك ناصية التحوالت الكبرى‬
‫في العصر رهن بالدراسات واألبحاث واالكتشافات العلمية‪ ،‬وحتى الثورة‬
‫الثالثة – ثورة االتصاالت‪ -‬مرتبطة بالمعرفة والعلم‪ ،‬أو باألحرى ثمرة من‬
‫ثمارها‪.‬‬
‫ودعوته لقيام كتلة عربية‪ ،‬وإن ضاعت في حمى خالفات داحس والغبراء‬
‫العربية‪ ،‬إال أنها التزال أفقا ً مستقبليا ً واعداً‪ ،‬وهي مطلب من أهم مطالب‬
‫الشعوب العربية المغلوبة على أمرها‪.‬‬
‫ويكشف البند الرابع عن عبقرية الحكيمي في بناء السياسة الداخلية على‬
‫أسس ديمقراطية صحيحة‪ ،‬وكان الحكيمي‪ -‬بفضل معرفته بالتجربة الليبرالية‬
‫األوروبية‪ -‬يدرك مدى حيوية وأهمية الديمقراطية‪ .‬والواقع أن جل مآسينا من‬
‫إدارة الظهر للديمقراطية‪ ،‬وتغييب الحرية‪ ،‬واالحتكام لتأبيد شرعية الثورات‬
‫المقيت‪ ،‬أو إلى غلبة غاشمة ال تبقي وال تذر؛ فما دعا إليه الحكيمي في العدد‬

‫‪338‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫األول من "السالم" عام ‪ 48‬كان مطلبا ً رئيسا ً لألحرار‪ ،‬وال يزال مطلبا ً رئيسا ً‬
‫للحركة السياسية في الوطن العربي من الماء إلى الماء‪ ،‬وخصوصا ً في اليمن‪.‬‬
‫ولنتتبع "السالم" في رحلتها الصحفية الزاهية‪ ،‬ومدى االلتزام بالرسالة‬
‫العظيمة التي قطعها الحكيمي على نفسه ُمنذ ُ العدد األول‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫(رحلة إلى الماضي) يتحدث الحكيمي عن‬ ‫ففي افتتاحية العدد الرابع‬
‫انغماس المسلمين في الترف والسرف‪ ،‬وضياع دولتهم بعد أن وصل إليها أناس‬
‫عديمو الحنكة والخبرة‪ ،‬وأصحبت قائمة على القهر والغلبة‪ ،‬يحكمون بال‬
‫شورى وال دستور وال نظام يستحق أن يطلق عليه اسم نظام‪ ،‬اللهم إال السلب‬
‫والنهب والظلم واستبداد كل حاكم برأيه؛ ففقد العدل‪ ،‬وحل محله الفساد‪ .‬ويشير‬
‫إلى السجون‪ ،‬وتسيد الجهل‪ ،‬وغياب التعليم؛ ألنه ال يمكن لحاكم جاهل أن يسمح‬
‫بتعلم شعبه؛ وهل يمكن أن يكون المملوك أفضل من سيده؟!‬
‫ويدعو للعودة لمبادئ الدين الصحيح‪ ،‬وإلى التجمع والتكتل‪ ،‬وإلى الشمم‬
‫واإلبا ء والتضحية ووحدة القيادة‪ ،‬وإلى الشورى والدستور‪ ،‬ثم يستدرك‬
‫الحكيمي‪" :‬ال تظن أني أحارب الجديد‪ -‬احتراسا ً من دعوته للعودة للماضي‪ ،-‬أو‬
‫أنني جامد وأحب الجامدين‪ ..‬أنا لست ذلك أبداً‪ ،‬ولست أدعو إلى الماضي‬
‫المعقد؛ إنني أدعو إلى الماضي الذي جدد لنا المجد والفخر والعظمة؛ ذلك‬
‫الماضي المطلق عن جميع الحواجز والقيود التي نرسف بها‪ ،‬ثم إنني أحارب‬
‫العجزة والعاجزين‪ ،‬وأنا من الجديد وإلى الجديد"‪ .‬يضيف‪" :‬ولكن بشرط أن‬
‫نأخذ سالح الماضي؛ فهو أنفذ وأمضى"(‪.)6‬‬

‫(‪ )5‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)4‬ص‪.1‬‬


‫(‪ )6‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)4‬ص‪.1‬‬
‫‪339‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫واضح أن األستاذ والمفكر ال يقف عند تخوم النصوص‪ ،‬وإنما يأخذ الروح‬
‫والعظة واالعتبار والفهم العميق للحدث بأبعاده ودالالته المختلفة‪ ،‬ويستعيد‬
‫وهجه وعمقه وأثره؛ فالحكيمي هنا ال يناقش قضية عودة الماضي بمعنى‬
‫القراءة الحرفية أو التم سك األعمى‪ ،‬وإنما يعني استلهام عظمة هذا الماضي‪،‬‬
‫واإلفادة من تجربته الفذة وشديدة التنوع والغني‪.‬‬
‫ويكرس افتتاحية (العدد الخامس) لذكرى مولد الرسول الكريم‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ -‬بعنوان (محمد سيد العالمين)‪ ،‬واإلضافة نفسها تحمل الداللة‪،‬‬
‫واالفتتاحية التي تغطي صفحة كاملة وبقية من صفحة (‪ )4‬مكرسة كلها لمعنى‬
‫العدل في حياة النبي الكريم‪ ،‬فهو يذكر قصة خروج النبي‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫في مرض موته‪ ،‬ووقوفه على المنبر مناديا ً أصحابه‪ :‬من كنت جلدت له ظهراً‪،‬‬
‫فهذا ظهري‪ ،‬ومن كنت شتمت له عرضاً‪ ،‬فهذا عرضي‪ ،‬ومن أخذت له ماالً‪،‬‬
‫فهذا مالي فليأخذ منه‪ ،‬وال يخشى الشحناء‪ ،‬فليس من شأني‪ .‬ويعلق‪ :‬كان‬
‫الغرض المراد والحكمة المقصودة في ذلك أن يرسم ألصحابه وأتباعه خطة‬
‫نظام ودستورا ً عاما ً؛ فيزودهم به في آخر حياته‪ ،‬ويكون لهم بمثابة الختم على‬
‫آخر الكتاب‪ ،‬أو اللبنة في آخر صف‪ ،‬ويأتي على ذكر العدل في اآليات القرآنية‪،‬‬
‫ومكانة العدل في حياة الناس‪ ،‬ليخلص إلى القول‪ :‬إذن‪ ،‬من الذي يسير على هذه‬
‫العدالة‪ ،‬ومن ذا الذي يعمل بهذا النظام‪ ،‬ومن ذا الذي يخضع لهذا الدستور الذي‬
‫خضع له سيد العادلين؟(‪.)7‬‬

‫(‪ )7‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)5‬ص‪.4‬‬


‫‪340‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أما افتتاحية (العدد السادس) فمكرسة لذكرى المولد النبوي‪ ،‬ولعل ما يلفت‬
‫النظر أنه يؤرخ لـ ‪ 12‬من ربيع األول بالعشرين من أغسطس ‪570‬م وهو تتبع‬
‫دقيق(‪.)8‬‬
‫في (العدد الثامن) تتناول االفتتاحية (أبوبكر والعدالة)‪ ،‬ويأتي على ذكر‬
‫خطبة أبي بكر ومقولته‪ :‬أطيعوني ما أطعت هللا فيكم‪ .‬ودعوته للناس لتقويمه(‪.)9‬‬
‫وإشكالية االحتفاء بالعدل والمساواة إشكالية كل زعماء النهضة اإلسالميين‪،‬‬
‫كاألفغاني‪ ،‬ومحمد عبده‪ ،‬ورضا‪ ،‬وابن باديس‪ ،‬وابن عاشور‪ ،‬والفاسي‬
‫وغيرهم‪ ،‬ولعل اهتمام الكواكبي باالستبداد وخير الدين التونسي باإلصالح‬
‫الشامل قد فتح عيونهم أيضا ً على القيمة العظيمة للحرية؛ فالحرية موجودة أيضا ً‬
‫في كتابات صاحب (السالم)‪ ،‬ولكن يظل االحتفاء بالعدل له األولوية في الدعوة‬
‫والتفكير‪.‬‬
‫ويمتاز الحكيمي أنه قد عاش التجربة الليبرالية األوروبية‪ ،‬ومكنته معرفته‬
‫باإلنجليزية والفرنسية‪ ،‬وانغماسه في العمل الدعوي والصحفي‪ ،‬والكفاح العملي‬
‫من االحتفاء بالحرية والديمقراطية‪.‬‬
‫وفي هذا السياق يعنون افتتاحية العدد التاسع "اإلمام العادل"(‪ ،)10‬ويض ّمن‬
‫المقالة بطلب عمر بن عبد العزيز للحسن البصري أن يصف له اإلمام العادل‪،‬‬
‫مما يعزز اإلشكالية المشتركة بين اإلصالحيين اإلسالميين في عصر النهضة‪.‬‬
‫ولعل من عرف طبيعة الحكم المتوكلي يجد العذر لصاحب "السالم"‪.‬‬
‫ويكرس افتتاحية العدد (الرابع عشر) عن "الباكستان والجامعة اإلسالمية"‪،‬‬
‫مشيدا ً ومبتهجا ً بقيام هذه الدولة اإلسالمية بعد أشهر من قيامها‪ ،‬كما يشيد‬

‫(‪ )8‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)5‬ص‪. 1‬‬


‫(‪ )9‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)8‬ص‪. 1‬‬
‫(‪ )10‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)9‬ص‪. 1‬‬
‫‪341‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫بزعيمها محمد علي جناح‪ ،‬مثنيا ً على الشيخين األفغاني ومحمد عبده ونضالهما‬
‫وجدهما في نصرة المبادئ والحق(‪.)11‬‬
‫وأما األعداد‪ ،)17( :‬و(‪ ،)18‬و(‪ ،)20‬فيتناول فيها الفاروق في عدالته‪،‬‬
‫ويأتي على ذكر محاسن الخليفة الثاني ومواقفه العادلة‪ ،‬مسقطا ً ذلك على أحوال‬
‫المسلمين في منتصف القرن الماضي‪ ،‬واألهم التأكيد على طواعية البيعة‪ ،‬وعدم‬
‫إرغام الناس عليها(‪.)12‬‬
‫وفي العدد (‪ )28‬يتحدث عن الشباب الذين تتمناهم األمة في حالة نهضتها‪.‬‬
‫واالفتتاحية هنا حماسية وتعبوية تحمس الشباب على الفضيلة والصبر وتحمل‬
‫المكاره في سبيل نهضة األمة ورقيها‪ ،‬ويقدم العظة والعبر والدروس بالزعماء‬
‫والعظماء الذين وهبوا حياتهم دفاعا ً عن أوطانهم(‪.)13‬‬
‫ونقرأ في العدد (‪ )29‬من عظات التاريخ‪ ،‬فيأتي فيها على وصية علي بن‬
‫أبي طالب لولديه الحسن والحسين عندما ضربه عبد الرحمن بن ملجم فشج‬
‫رأسه‪ :‬النفس بالنفس‪ .‬إن هلكت؛ فاقتلوه كما قتلني‪ ،‬وإن بقيت‪ ،‬رأيت فيه رأيي‪.‬‬
‫يا بني عبد المطلب ال ألفينكم تخوضون في دماء المسلمين تقولون‪ :‬قد قتل أمير‬
‫المؤمنين‪ .‬أال ال يقتلن إال قاتلي‪ .‬انظر يا حسن‪ ،‬إن أنا مت من ضربتي هذه؛‬
‫فاضربه ضربة بضربة‪ ،‬وال تمثل بالرجل؛ فإني سمعت رسول هللا‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ -‬يقول‪ :‬إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور(‪.)14‬‬
‫واضح أن الشيخ يتحدث بصورة غير مباشرة عن مقتل اإلمام يحيى‪ ،‬والكالم‬
‫– الوصية – موجهة لإلمام الجديد أحمد وإخوانه من األمراء‪ .‬صحيح أنه في‬

‫(‪ )11‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)14‬ص‪. 1‬‬


‫(‪ )12‬المصدر السابق‪ ،‬األعداد (‪ ،)17‬و(‪ ،)18‬و(‪ ،)19‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )13‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)28‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )14‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)29‬ص‪.1‬‬
‫‪342‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫هذا الموضوع لم يشر مباشرة لذلك‪ ،‬ولكن الرسالة واضحة وجلية؛ فهو يتخوف‬
‫على رفاقه األحرار من سيف الجالد‪ ،‬ويحذر ويعظ دون أن يشير إلى األسماء‪.‬‬
‫وفي حين يؤكد على القانون السماوي (النفس بالنفس) بدون عصبية وال تمييز‬
‫وال ألقاب‪ ،‬يعمد إلى مقارنة غامزة بين نور الشمس وسواها‪.‬‬
‫وقد عاد الحكيمي للكتابة أكثر من مرة عن عظات التاريخ؛ ألنه على صلة‬
‫مباشرة بمقتل اإلمام‪ ،‬والمقارنة بين مقتل سيدنا علي واإلمام يحيى‪ ،‬وما أعقب‬
‫كالً منهما دفاعا ً عن شهداء ومعتقلي ‪ .48‬ويبدو أن الحكيمي رأى أن الموضوع‬
‫بحاجة الستكمال؛ فأعاد في العدد (‪ )32‬االفتتاحية بنفس العنوان "عظات‬
‫ثالً سامية‪ ،‬مشيرا ً إلى أن‬
‫التاريخ"؛ فذكر مقتل علي وابنيه بعد أن خلقوا ُم ُ‬
‫التاريخ قد يعيد نفسه‪ ،‬ولكن ليس من كل الوجوه‪ ،‬فسفاح بني العباس ال يمكن‬
‫مقارنته بسفاح القرن العشرين؛ ألن ذلك ينقض كل ما ابتكر من بعد‪ .‬يضيف‪:‬‬
‫ترى‪ -‬واألسى يمأل جوانحك‪ ،‬ودم الغيرة يغلي في عروقك إن كنت إنسانا ً‪-‬‬
‫رؤوسا ً تتطاير ذات اليمين وذات الشمال‪ ،‬وأرواحا ً بريئة تزهق‪ ،‬وال نتيجة‬
‫محاكمة عادلة يخرج بعدها المحكوم عليه إلى حبل المشنقة أو إلى المقصلة وهو‬
‫مقتنع بخطئه ال يساوره الشك في عدالة الحكم‪ ،‬ولكن هوى نفس واحدة ودماغ‬
‫واحد‪ ،‬هي نفس ودماغ دكتاتوري‪ .‬إن مصلحته الشخصية لن تتم إال إذا أزيلت‬
‫من طريقه كل العراقيل التي يعتقدها المانع الوحيد من مواصلة سيره في سبيل‬
‫القضاء على شعب مسلوب اإلرادة‪ ،‬وامتصاص دماء أمة ال حول لها وال قوة؛‬
‫إذ يريد أن تنتفخ أوداجه‪ ،‬وتعلو كرشه‪ ،‬ويلمع تاج الدكتاتورية على رأسه‪،‬‬
‫وتنحني لتقبيل أقدامه اآلالف من عباد هللا؛ كل ذلك على حساب تلك الماليين‬

‫‪343‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫التي ضللتها الدعايات السخيفة‪ ،‬أو المعتقدات البالية‪ ...‬إلخ(‪ .)15‬والكالم واضح‬
‫الداللة‪ ،‬ثم يأتي على أوصاف سجون اإلمامة دون أن يسمي‪.‬‬
‫و ُمنذ ُ العدد الـ (‪ )37‬تتجه الصحيفة اتجاها نقديا ً حازما ً وصارماً‪ ،‬ولعل بداية‬
‫"صوت اليمن" الناطقة بلسان "الجمعية اليمنية الكبرى" قد سحبت نفسها على‬
‫"السالم" نفسها؛ فقد حل التصريح والنقد الالذع محل التلميح‪ ،‬والمواجهة مكان‬
‫الرجاء وااللتماس والمناشدة‪ ،‬وقد بدأ التحول التدريجي ُمنذ ُ العدد (‪ )35‬بعد أن‬
‫نشر يحيى أحمد زبارة في العدد (‪ )34‬يشيد بالحكومة الجديدة لإلمام أحمد‪،‬‬
‫ويدعو إلى انتظار الخير العميم‪ ،‬والتريث واالنتظار في االنتقاد‪ .‬ففي العدد‬
‫(‪ )37‬يعنون الحكيمي افتتاحيته "لكل سؤال جواب"‪ ،‬ويتوجه بالسؤال مباشرة‬
‫لإلمام أحمد‪ ،‬وتكون االفتتاحية بمثابة الرد على مقالة السيد زبارة‪ ،‬وربما ردا ً‬
‫أبعد من ذلك بكثير؛ فهو يرد على كل التصريحات‪ ،‬وما ينشر ويذاع‪ ،‬وسأل‬
‫اإلمام‪ :‬لماذا يقتصر تشكيل الوزارة على سيوف اإلسالم‪ -‬لقب إخوان اإلمام‪-‬؟!‬
‫ولماذا ال تشترك فيها الكفاءة من رجال الشعب؟ مشيراً إلى أن الشعب اليمني‬
‫ليس سيوف اإلسالم‪ .‬ويسأل‪ :‬لماذا ال يتم الضرب على يد معاول الهدم؟ ملمحا ً‬
‫إلى خالفات اإلمام مع إخوته‪ ،‬وأن الشعب خارج اللعبة كلها‪ ،‬ويصف حال‬
‫الشعب المشرد في أصقاع األرض‪ ،‬ويمضي في تساؤالته النارية عن الجهل‬
‫والفقر والمرض والظلم المنكل بالبالد والعباد‪ :‬أين المصانع؟ أين المزارع؟ أين‬
‫المعارف؟ أين البنوك التجارية األهلية الحرة؟ أين سفراؤكم؟ أين قنصليتكم؟‬
‫ويأتي بأسلوب الصحفي السهل الممتنع على ذكر محنة المغتربين اليمنيين‬
‫في أرصفة شوارع المدن الكبرى مهانون ومحتقرون‪ ،‬جوازاتهم مزيفة‪،‬‬
‫وأسماؤهم مستعارة‪ ،‬مؤكدا ً أن الحكومة قائمة على أشالء هؤالء الفقراء‪ ،‬وينتقد‬

‫(‪ )15‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)32‬ص‪.1‬‬


‫‪344‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أخذ الضرائب واإلتاوات والجزية على المغتربين‪ ،‬وينقد تزييف المنافقين الذين‬
‫يصورون لإلمام غير الحقيقة‪ ،‬ويأتي‪ ،‬وربما ألول مرة‪ ،‬في االفتتاحية تصريحا ً‬
‫ال تلميحا ً على ذكر المعتقلين‪ ،‬ومن أعدمهم الطغيان‪ ،‬واصفا ً إياهم بأنهم شهداء‬
‫عند ربهم يرزقون‪ ،‬وأنهم بريئون‪.‬‬
‫والواقع أن نقد الصحيفة الذع وقوي وحكيم في الوقت نفسه؛ فهو يشير إلى‬
‫أن الشعب اليمني يعيش فوق بركان‪ ،‬ويدعو إلى حرية القول والرأي المطالب‬
‫به اليوم وغدا ً وبعد غد(‪.)16‬‬
‫أين الصحافة الحرة؟ أين المدرسون؟ أين الخطباء والوعاظ األحرار؟‬
‫ناصحا ً اإلمام أن يقتدي بالحكومات العربية واإلسالمية‪ .‬ويضيف‪ :‬وال نكلفكم أن‬
‫تكونوا كأمريكا أو بريطانيا وغيرهما‪ .‬مختتماً‪ :‬إننا ال نطلب من جاللتكم إال‬
‫العدل واإلصالح‪ ،‬ولكم منا السمع والطاعة‪ ،‬وهللا بيننا وبينكم‪ .‬مذيالً االفتتاحية‬
‫باسم اليمن(‪ ،)17‬عكس ما يعمله في الكثير من التوقيع بأسماء مستعارة أو غير‬
‫مذيلة‪.‬‬
‫وهذه االفتتاحية‪ ،‬كما أسلفت‪ ،‬تمثل تحوالً في خط الجريدة وخطاب الحكيمي‪،‬‬
‫وتأتي بعد مضي أكثر من عام على فشل ثورة ‪48‬؛ ولعل األمر مرتبط‬
‫بالمحاكمات واإلع دامات وتزايد البطش والتشدد في الدولة المتوكلية‪.‬‬
‫والواقع أن مطالب "السالم" كمطالب األحرار ال يزال جانب كبير مها‬
‫مطروحا ً على جدول كفاح الحركة الديمقراطية اليمنية‪ ،‬والمالحظ أيضا ً في‬
‫سياق التحول النوعي في خطاب (السالم) بداية نشر مبادئ حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫والتعليق عليها في العدد (‪.)18()38‬‬

‫(‪ )16‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)37‬ص‪.1‬‬


‫(‪ )17‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)37‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )18‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)38‬ص‪.1‬‬
‫‪345‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وفي العدد (‪ )39‬عنون مقاله االفتتاحي بـ"رفقا ً بشبابكم يا علماء الدين"‪،‬‬


‫والمقال دعوة للتحرر العقلي والديني‪ ،‬ونقد حاد للخرافات والجمود والتكفير‬
‫والتنفير‪ ،‬ودعوة لتجديد الشباب وانفتاحهم على علوم العصر والحياة‬
‫والتطور(‪.)19‬‬
‫وافتتاحية العدد (‪ )41‬تحية للعيد‪ ،‬وهي أقرب لإلنشاء األدبي والروحي منها‬
‫للمقالة السياسية‪ ،‬ولكنه كعادته ال ينسى الظلم‪ ،‬وأعواد المشانق‪ ،‬واإلعدامات‬
‫بدون إدانة أو محاكمات‪ ،‬في إشارة جلية للحال اليمني(‪.)20‬‬
‫أما افتتاحية العدد (‪ )45‬فعن مصر والجامعة العربية‪ .‬وهذه هي المرة األولى‬
‫التي يكرس فيها الحكيمي االفتتاحية عن مصر والجامعة العربية‪ ،‬واالفتتاحية‬
‫تجمع بين الخبر والتعليق عليه‪ ،‬وتحليل الوضع العام في المنطقة العربية‪ ،‬فقد‬
‫اقترحت مصر عقد معاهدة األمن بين دول الجامعة العربية‪ ،‬وجرت مناقشات‬
‫لالقتراح في مصر والصحافة المصرية‪ ،‬ولبنان‪ ،‬والسعودية‪ ،‬وبعض البالد‬
‫العربية؛ ساخرا ً من اليمن التي أيدت االقتراح‪ ،‬ووافقت عليه مقدماً‪ ،‬هكذا يقول‬
‫مراسل التايمز‪ .‬والالفت أن المقترح المصري قد وضع كمعارضة لمقترح‬
‫مواز هو سوريا الكبرى والهالل الخصيب‪ ،‬ويشير صاحب "السالم" إلى أن‬
‫التوحيد األمني ضروري لحماية البلدان العربية‪ ،‬ويرى االنقسامات سواء داخل‬
‫مصر حول المقترح أو الدول األخرى‪ ،‬وتعلق "السالم" على االهتمام‬
‫البريطاني مشككة في النوايا األوربية الهادفة إلى تمزيق شمل العرب‪،‬‬
‫والحرص على فصل مصر عن الجسد العربي؛ ليتمكن الصهاينة من مواجهة‬
‫الدول العربية المفككة بعد فصل الزعيمة مصر عنها(‪.)21‬‬

‫(‪ )19‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)39‬ص‪.1‬‬


‫(‪ )20‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)41‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )21‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)45‬ص‪.1‬‬
‫‪346‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ويضيف صاحب "السالم" ‪ -‬ال فض فوه –‪ :‬فليحذر المصريون الطابور‬


‫الخامس في بالدهم؛ فما أحوج البالد العربية إلى االتعاظ واالعتبار بحركات‬
‫االتحاد االقتصادي والسياسي والعسكري والمالي الذي تقوم بها دول أوروبا‬
‫الغربية‪ ،‬أو دول شمال األطلنطي ودول أوروبا الشرقية‪ ،‬وما أحوجنا إلى وحدة‬
‫قوية‪ ،‬وتعاون وثيق بين دول المصالح والمنافع المشتركة‪.‬‬
‫وعبقرية صاحب (السالم) آتية من إدراكه لطبيعة الصراع الدولي‪ ،‬والخطر‬
‫الصهيوني‪ ،‬والطابور الخامس الداخلي‪ ،‬ومعرفته باتجاهات رياح العصر‪،‬‬
‫وأهمية االقتصاد و المصالح المشتركة‪ ،‬وقد أكدت األيام صدق رؤية الحكيمي‬
‫وعمق تفكيره(‪.)22‬‬
‫أما افتتاحية العدد (‪ )48‬فمكرسة لالحتفاء بمرور عام على إصدار الجريدة‪،‬‬
‫والعنوان "السالم تدخل عامها الثاني"‪ ،‬فيؤكد على رسالة السالم المجاهدة في‬
‫إعالء كلمة الحق‪ ،‬ونصرة المظلومين‪ ،‬مشيرا ً إلى أن السالم لن تكون لإلعارة‬
‫أو اإليجار‪ ،‬وي ؤكد أنها لن تنهزم أو تتأثر بدعاية الهزيمة أو الرعاديد الرجعيين‪،‬‬
‫وتخلص (السالم) إلى أن دعوتها للسالم واألمان‪ ،‬وأنها ال تعلن حربا ً على أحد‪،‬‬
‫وليست عدوة ألحد‪ ،‬وليس لها عدو إال الباطل وحده‪ ،‬وليس لها خصم إال الظلم‪،‬‬
‫وأ نها تملك صرخة الحق‪ ،‬وصوت المظلومين‪ ،‬وهو أقوى من قوة السالح‪،‬‬
‫وأمضى من أحدث المعدات إلى قلوب المستبدين(‪.)23‬‬
‫ويكرس افتتاحية العدد (‪ )49‬برسالة موجهة لألمة البريطانية حكومة وشعباً‪،‬‬
‫فيشكر البريطانيين باسم الجالية اإلسالمية على الحفاوة والعطف‪ ،‬وسماحهم‬
‫بإصدار "السالم" الحرة المستقلة‪ ،‬مشيرا ً إلى أن هذه الجالية قد غادرت‬

‫(‪ )22‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)45‬ص‪.1‬‬


‫(‪ )23‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)48‬ص‪.1‬‬
‫‪347‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫األوطان راغمةً بسبب الظلم والقهر‪ ،‬وأنها لو كانت في مواطنها لما تأتى لها أن‬
‫تصدر صحيفة أسبوعية‪ ،‬أو شهرية‪ ،‬أو سنوية‪ ،‬أو حتى في العمر مرة‪ ،‬وال شك‬
‫أن المعني أكثر من غيره هو اليمن(‪.)24‬‬
‫ويكاد العدد (الخمسون) أن يكون أنموذجا ً فريداً؛ فهو رسالة مفتوحة لإلمام‪،‬‬
‫ولكن ميزتها أنها تكشف اتصاالت الحكيمي ومطالبته لإلمام‪ ،‬وطرح قضايا‬
‫األحرار والشعب اليمني؛ وهو ما يفسر التلميح‪ ،‬وعدم النقد الصريح والمباشر‬
‫في األعداد األولى‪ ،‬وجلي أيضا ً أن صاحب "السالم" كان داعية سالم حقيقيا ً‪،‬‬
‫وذا رؤية ديمقراطية نفتقر إلى مثل صدقيتها في حياتنا العامة اليوم؛ ففي‬
‫االفتتاحية يذ ّكر اإلمام بعدة مذكرات رفعها قبل إصدار "السالم"‪ ،‬وحدد‬
‫المطالب في‪ :‬إطالق سراح المسجونين‪ ،‬وتخفيف الضرائب التي شردت‬
‫اليمنيين في كل قُطر‪ ،‬واإلعفاء للرعية من البقايا‪ ،‬وهي زكاة تقديرية تفرض‬
‫على الرعية في سنوات الجدب‪ ،‬وتظل سيفا ً مصلتا ً على رؤوسهم كل عام‪،‬‬
‫ورفع الخطاط والتنافيذ‪ ،‬وتتجلى في إرسال الجنود إلى قرى الفالحين‬
‫واستباحتها واإلقامة فيها‪ ،‬وإجراء إصالحات في األوضاع االقتصادية والحياة‬
‫المع يشية‪ ،‬وتعميم التعليم الحديث‪ ،‬وإرسال البعثات إلى الخارج‪ ،‬وتحسين حياة‬
‫الجيش وتحديثه‪ ،‬وإطالق الحريات العامة‪ ،‬وتنظيم اإلدارة والجمارك‪ ،‬وإقامة‬
‫برلمان شعبي ال يدخله األمراء‪ ،‬وال يشتغلون بالتجارة‪ ،‬وطالب بحكومة‬
‫دستورية وملكية دستورية ديمقراطية‪ .‬والكثير من هذه المطالب ال تخرج عن‬
‫مطالب األحرار‪ ،‬لكنها في "السالم" تتخذ صيغة أكثر وضوحا ً وارتباطا ً‬

‫(‪ )24‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)49‬ص‪.1‬‬


‫‪348‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫باالتجاهات الليبرالية حينها‪ ،‬والكثير منها اليزال مطلبا ً ملحا ً في حياتنا‬


‫السياسية(‪.)25‬‬
‫ويشنع على اإلمامة احتكامها للعنف‪ ،‬ودفع أنصارها الستخدام السالح الذي‬
‫يصفه بالصدئ والمفل ول بعد عجزهم عن استخدام السالح النظيف‪ ،‬ودرء‬
‫الحجة بالحجة(‪.)26‬‬
‫وفي العدد (الثاني والخمسين) يتحدث عن عيد الميالد‪ ،‬فيثني على مظاهر‬
‫الزينة واالحتفال في بريطانيا الخارجة من ركام الحرب الكونية الثانية‪ ،‬ثم ينتقد‬
‫الجنوح الغربي لصناعة القنبلة النووية من اتباع رسول السالم‪ ،‬كما ينتقد بشدة‬
‫تسليم أرض المسيح ألعدائه الذين صلبوه كإيمان أتباعه‪ ،‬ويختتم المقال بالدعوة‬
‫للمقارنة بين عيد الميالد في بريطانيا‪ ،‬ومولد الرسول محمد‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ -‬في اليمن‪ ،‬وإلى مقارنة بين خطاب جورج السادس‪ ،‬وخطاب اإلمام في‬
‫المناسبتين‪ ،‬وما عسى اإلمام أحمد أن يقول! (‪.)27‬‬
‫وفي العدد (الثالث والخمسين) يتحدث الحكيمي عن المولد النبوي‪ ،‬وينتقد‬
‫االنحرافات لدى أتباع الديانتين المسيحية واإلسالمية؛ فيعيب على المسيحيين‬
‫الميل للقوة‪ ،‬واستعباد العالم وغزوه؛ مفندا ً ذلك بمقوالت المسيح ودعواته‬
‫للتسامح والصفح والرحمة‪ ،‬كما ينتقد المسلمين في جنوح حكامهم نحو الطغيان‬
‫واالستبداد‪ ،‬وتغييب جوهر اإلسالم في العدالة والمساواة والحقوق‪ ،‬وهي رؤية‬
‫بالغة النفاذ والحكمة(‪.)28‬‬

‫المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)50‬ص‪.1‬‬ ‫(‪)25‬‬


‫المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)50‬ص‪.1‬‬ ‫(‪)26‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)52‬ص‪.1‬‬ ‫(‪)27‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)53‬ص‪.1‬‬ ‫(‪)28‬‬
‫‪349‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ويوجه رسالة إلى الشهداء في العدد (‪ ،)58‬مكتوبة بدم القلب‪ ،‬ونزف‬


‫الوجدان‪" :‬يا شهداء الحرية والعدالة المقتولين ظلما ً وعدوانا ً‪ ،‬تتقدم إليكم أمتكم‬
‫اليمنية صغيرها وكبيرها الصامدة من أعماق القلب‪ .‬ويسمي يوم ‪ 3‬جمادى‬
‫األولى اليوم المشئوم األسود‪ ،‬في حين يطلق عليه الحكام يوم النصر؛ يوم‬
‫أعلنت فيه الحرب على سلطان الشعب؛ يوم الدكتاتورية واالستبداد‪ ،‬والقضاء‬
‫على العدالة والحرية والقانون؛ يوم أعلن سفك الدماء وإزهاق األرواح‪ ،‬مختتما ً‬
‫كلمته اآلسية بأن اليوم إياه يستوحي عواطفنا‪ ،‬ويستفز ضمائرنا‪ ،‬وال بد لنا أن‬
‫نتخذه يوم تاريخ لنا أو علينا‪ ،‬وما الكرة األولى إال المران للكفاح‪ ،‬والحرب‬
‫سجال؛ فليخلد التاريخ (‪.)29‬‬
‫وفي الصفحة الثانية من العدد (‪ )59‬يكتب مقالة ضافية عن إطالق األستاذ‬
‫أحمد محمد نعمان‪ ،‬ويستدرك في افتتاحية العدد (‪ )60‬ليكتب تحت عنوان‬
‫"االنغالق شيء واإلصالح شيء آخر"‪ ،‬األستاذ يطلق والشعب يفرح(‪.)30‬‬
‫أما العدد (‪ )61‬فخطاب مفتوح إلى أمين الجامعة العربية وزعمائها‪ ،‬يشخص‬
‫فيه الحكيمي حالة األمة بعد احتالل فلسطين‪ ،‬واالنقسامات الحادة بين هذه‬
‫الحكومات‪ ،‬ثم يطرح قضية اليمن‪ ،‬مشيرا ً إلى خالفات األسرة المالكة وأمرائها‬
‫فيما بينهم‪ ،‬وخالفاتهم مع الشعب‪ .‬والرسالة تؤكد وعي صاحب "السالم"‬
‫باألوضاع في الوطن‪ ،‬وحقيقة النظام اإلمامي الهش والمتداعي في المتوكلية‬
‫اليمنية(‪.)31‬‬
‫كما يوجه رسالة إلى الرئيس ترومان‪( -‬رئيس الواليات المتحدة األمريكية)‪،‬‬
‫وينشرها في العددين‪ ،)62( :‬و(‪ )63‬باإلنجليزية والعربية‪ .‬والرسالة احتجاج‬

‫(‪ )29‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)58‬ص‪.1‬‬


‫(‪ )30‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ )60‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )31‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)61‬ص‪.1‬‬
‫‪350‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وعتاب على اعتراف أمريكا بالمتوكلية اليمنية‪ ،‬ويصم المتوكلية باإلقطاعية‬


‫والدكتاتورية‪ ،‬وأنها دول ة قامت على اغتصاب السلطة‪ ،‬وسفك الدماء‪ ،‬وهدر‬
‫الحقوق‪ ،‬ويذكره بأن بالده تحتضن المنظمة الدولية المعنية بالعدالة‪ ،‬كما أنها‬
‫دولة ديمقراطية‪ ،‬ويشير إلى خالفات األمراء وتناحرهم‪ ،‬وإلى رفض الشعب‬
‫لهم‪ ،‬وعدم قبوله بأي اتفاقيات أو عقود يوقعونها؛ ألنهم يفتقرون للصفة التمثيلية‬
‫للشعب‪ ،‬ويحذر من وقوع اليمن في أحضان الشيوعية؛ فالحكيمي يتكلم بخبرة‬
‫أجواء ما بعد الحرب الكونية الثانية‪ ،‬وينطلق من معرفته بالدول وتوجهاتها‬
‫الفكرية والسياسية(‪.)32‬‬
‫وتكون افتتاحية العدد (‪ )65‬أشبه بالصواعق والقذائف البعيدة المدى؛ وهي‬
‫تدلل على تصاعد النقمة والغضب الجماهيري ضد الطغيان‪ ،‬ولهذا الخطاب‬
‫الناري عمق فلسفي وبعد ديني‪ ،‬ويبدأ الخطاب كدأبه‪( :‬يا صاحب الجاللة‪ ،‬إن‬
‫العقل البشري من أجل ما بدأته القدرة الربانية‪ ،‬وكونته العناية اإللهية‪ ،‬بما حبته‬
‫من االستعداد الذي ال حد له‪ ،‬والمواهب التي ال نهاية لها‪ .‬إن أعظم جرم يرتكبه‬
‫اإلنسان في هذه الحياة هو الضغط على العقول‪ ،‬ومحمد عليه الصالة والسالم‬
‫إنما جاء محررا ً للعقل من االضطهاد واألوهام وعبادة األصنام؛ فال يغوث‬
‫ويعوق‪ ،‬وال ظالم وال مستبد‪ ،‬وأمركم شورى بينكم(‪.)33‬‬
‫لقد سولت لك نفسك فأطلقت لها العنان‪ ،‬وأعطيتها من السلطة ما لم يعطها‬
‫أحد‪ ،‬ولو من الذين يدعون األلوهية‪ .‬يشير إلى اآلية (ما علمت لكم من إله‬
‫غيري)‪ .‬اآلية‪.‬‬

‫(‪ )32‬المصدر السابق‪ ،‬العددين (‪ ،)62‬و(‪ ،)63‬ص‪.1‬‬


‫(‪ )33‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)65‬ص‪.1‬‬
‫‪351‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ثم يسرد قسوة معاملته لليمنيين‪ ،‬وبطشه بالمزارعين‪ ،‬وتعذيب المغتربين‬


‫كتعبير الحكيمي‪ ،‬والرسالة قطعة فنية راقية‪ ،‬وخطاب سياسي من نوع رفيع‪،‬‬
‫ولغة خطاب غير مسبوق في أدبنا الصحفي والسياسي(‪.)34‬‬
‫أما افتتاحية العدد (‪ )66‬فكانت مكرسة لعودة سيف اإلسالم عبد هللا من‬
‫فرنسا بعد غياب دام سنتين‪ ،‬قضاها منتقالً بين مصر وأمريكا وإنجلترا وفرنسا‬
‫في رحلته الثانية‪ ،‬أما األولى فلمدة عام صرف خاللها ستين ألف جنيه‪ ،‬وأما‬
‫الثانية فقد صرف فيها خمسة ماليين من الرياالت "ماريا تريزا" خالل ستة‬
‫أشهر‪ ،‬وقد أخذ مالية لواء الحديدة‪ ،‬ويشير إلى أن المبلغ يساوي مالية اليمن‬
‫لعامين‪ ،‬ويحدد ما صرفه خالل هذه الرحلة بعشرة ماليين وثمانية عشر ألف‬
‫لاير‪ .‬ويشير إلى أن عبد هللا‪ ،‬وحسب بعض اإلشارات‪ ،‬كان يتقاضى مبالغ من‬
‫الفرنسيين الستعادة عرش سوريا‪ ،‬وإن كان الحكيمي يستبعد ذلك‪ ،‬فالضحية‬
‫األكيدة عائدات اليمن‪ .‬ويشير‪ :‬ماذا لو صرفت هذه األموال على المستشفيات أو‬
‫المدارس والبعثات الطالبية للخارج؟ مؤكدا ً أن ما يأخذه أخوه في الداخل أكبر‬
‫بكثير(‪.)35‬‬
‫وتحت عنوان "إذا أراد الشعب أن ينتصر فعلى القدر أن يمتثل" في العدد الـ‬
‫(‪ )67‬يتحدث عن الحرية كحق طبيعي ولحياة األجيال التي تلينا‪ ،‬ويتحدث‬
‫عن (‪ -)...‬وفي العدد سقط كالم‪ -‬عن أنواع من السقام لحقت بالجسد‬
‫االجتماعي؛ فاستعصى الدواء على قوم لم يغيروا ما بأنفسهم‪ ،‬ويدعو في‬
‫المعالجة إلى عمل منظم وجريء‪ ،‬ويشدد على المشاركة الفعالة من األطراف‬
‫التي يعنيها األمر‪ ،‬ويرى أن الحرية ثمرة كفاح الناس بعمل منظم وجماعي(‪.)36‬‬

‫(‪ )34‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)65‬ص‪.1‬‬


‫(‪ )35‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)66‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )36‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)67‬ص‪.1‬‬
‫‪352‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ولعل من أهم افتتاحيات "السالم" ومقاالتها وتحليالتها االهتمام الكبير‬


‫بحقوق اإلنسان‪ ،‬وهو ما تفتقر إليه صحافتنا اليوم؛ ففي العدد (‪ )78‬يعنون‬
‫الحكيمي بالمانشيت العريض " مذكرة إلى جاللة اإلمام أحمد بحقوق اإلنسان‬
‫الطبيعية" ‪ ،‬ويكرس االفتتاحية لهذه الغاية؛ فيعلن باسم األمة كلها االبتهاج‬
‫بصدور اإلعالن العالمي‪ ،‬ومشاركة في قبوله‪ ،‬علما ً بأن اليمن إحدى الدول‬
‫العربية المستقلة التي شاركت في الصياغة‪ ،‬واألهم أن الشيخ يتقدم بهذه الوثيقة‬
‫الخطيرة لإلمام ثم يطلب إليه القيام ببعض الخطوات‪ ،‬وأهمها إجراء انتخابات‬
‫شعبية‪ ،‬وقيام حكومة شعبية منتخبة‪ .‬ويبدو أن الوطن العربي كله ما يزال ينتظر‬
‫تنفيذ دعوة "السالم"(‪.)37‬‬
‫والسالم شديدة االحتفاء بمولد الرسول‪ ،‬وافتتاحياتها بهذه المناسبة غالبا ً ما‬
‫تؤكد وتشدد على الدالالت والمعاني العظيمة للحرية والعدل والقيم العظيمة‪.‬‬
‫وتتواصل رسائل الشيخ الجليل لإلمام عبر افتتاحيات السالم؛ فيبعث إليه‬
‫برسالة في العدد (‪ ،)83‬حاشدا ً اآليات واألحاديث التي تحض على النصيحة‪،‬‬
‫والتح ذير من عواقب الظلم‪ ،‬وخيانة األمانة‪ ،‬وعذاب اإلمام الجائر‪ ،‬ويأبى الشيخ‬
‫إال أن يحاصر الطغيان بقوانين األرض والسماء(‪.)38‬‬
‫ويضمن العدد (‪ )85‬خطابين مفتوحين‪ ،‬أحدهما‪ :‬لإلمام‪ ،‬والثاني‪ :‬ألمين الجامعة‬
‫العربية‪ ،‬وفي كال الخطابين يقوم الحكيمي بعرض أحوال اليمنيين والمظالم التي‬
‫يتعرضون لها‪ ،‬ويبدو أن قلم الشيخ‪ ،‬و ُمنذ ُ نكبة ‪ 48‬القومية والوطنية‪ ،‬قد أصبح‬
‫المعبر األمين عن شكاتها وحالها‪ ،‬كما أصبح السوط في ظهر الطغاة والحكام‬
‫الرجعيين‪ ،‬على حد تعبيره(‪.)39‬‬

‫(‪ )37‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)78‬ص‪.1‬‬


‫(‪ )38‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)83‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )39‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)85‬ص‪1‬‬
‫‪353‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ويتوجه في العدد (‪ )86‬بخطاب ناري وجديد لإلمام(‪ .)40‬أما العدد (‪ )88‬فيكرس‬


‫االفتتاحية ومقالة بجوارها‪ .‬والمقالة تعليقا ً على صورة لإلمام وبيده السيف في‬
‫مواجهة الشيخ الذي يحمل المصحف‪ ،‬إضافة إلى كتاب في الحديث بعنوان "هذا‬
‫كتاب هللا‪ ،‬وهذا حديث رسوله يا جاللة اإلمام أحمد"‪ ،‬أما المقالة "اإلمام أحمد‬
‫يحتمي ببريطانيا من "السالم" و"الفضول" وليس من القنبلة النووية"(‪.)41‬‬
‫أما افتتاحية العدد (‪ )89‬فهي رسالة من عبد هللا علي الحكيمي بالنيابة إلى اإلمام‬
‫أحمد ملك اليمن‪ .‬يشير إلى أن الرسائل المرسلة لإلمام هي أيضا ً موجهة للناس‪،‬‬
‫ويعرفها الجميع‪ ،‬ولكنه‪ ،‬وهذا هو الجديد‪ ،‬يشير إلى مذكرات إضافية له ال‬
‫يعرفها إال هللا‪ ،‬وأنتم‪ ،‬فيا ترى أين هذه المذكرات‪ ،‬والشيخ الحكيمي ال يقول‬
‫الكالم جزافا ً(‪.)42‬‬
‫ويكرس افتتاحية العدد (‪ )92‬عن الجامعة العربية‪ :‬ماذا فعلت لليمن؟ ومن‬
‫المسؤ ول عن نكبة اليمن؟ وفيها نقد شديد المرارة والغضب من موقف الجامعة‬
‫التي علق عليها الشيخ آماالً عراضا ً في البدء(‪.)43‬‬
‫وعن اإلسالم دين وعقيدة وعمل‪ ،‬يكتب الشيخ عن العالقة الحميمة بين‬
‫العقيدة والعمل في اإلسالم ليكشف أن سر انتصار اإلسالم عائد إلى ربطه بين‬
‫العمل والعقيدة‪ ،‬كما يكتب عن الحكومة اإلسالمية‪ ،‬مركزا ً على القيم القائمة‬
‫على اإلنصاف والشورى والعدل والمساواة بين جميع البشر(‪.)44‬‬

‫المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)86‬ص‪1‬‬ ‫(‪)40‬‬


‫المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)88‬ص‪.1‬‬ ‫(‪)41‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)89‬ص‪.1‬‬ ‫(‪)42‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)92‬ص‪.1‬‬ ‫(‪)43‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)99‬ص‪.1‬‬ ‫(‪)44‬‬
‫‪354‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫صحيفة السالم والوضع العربي‪ :‬مصر أنموذجا‪:‬‬


‫كانت الحربان الكونيتا ن‪ :‬األولى والثانية‪ ،‬بداية البدايات في مختلف مناحي‬
‫الحياة‪ ،‬وخاصة في المشرق العربي؛ فالدولة القُطرية نفسها معطى من معطيات‬
‫الحربين الكونيتين‪ .‬وإذا كانت الصحافة في مصر تعود إلى مطلع القرن الثامن‬
‫عشر؛ فإن اليمن قد شهدت ‪ -‬على استحياء – والدة هذه الصحافة في نهاياته‪.‬‬
‫«اليمن» ‪1872‬م‪ ،‬و«صنعاء» ‪1877‬م‪ ،‬وهما منشوران دوريان يهتمان‬
‫بالدرجة األولى بأخبار الوجود التركي‪ .‬والالفت أن «الكتيبة األولى» التي‬
‫صدرت في ‪ 1939‬م تضم كوكبة من طالب األزهر الشريف من الشمال‬
‫والجنوب‪ ،‬وقد ولدت في القاهرة‪ ،‬وصدرت فيها أيضا ً «اليمن الخضراء» في‬
‫العام نفسه‪ ،‬وقد نشأ تعاطف في صحافة اإلخوان المسلمين مع حركة األحرار‬
‫"حزب األحرار" الذي تأسس في عدن عام ‪ ،1944‬ثم "الجمعية اليمنية‬
‫الكبرى" عام ‪ ،1946‬التي أصدرت‪ ،‬أو صدر باسمها «صوت اليمن»‪ ،‬وكانت‬
‫هناك في مصر صحف مستقلة تتعاطف مع اليمن كـ«الصداقة»‪ ،‬و«اليقظة‬
‫العربية» ‪ 1939‬م‪ ،‬وهما الصحيفتان اللتان أصدرهما عبد الغني الرافعي‪ ،‬وقبل‬
‫ذلك «الشباب»‪ ،‬وصحيفة «الشورى»‪ ،‬و«العلم» اللتان أصدرهما الفلسطيني‬
‫محمد علي الطاهر في نفس الفترة‪.‬‬
‫وكانت األربعينيات والخمسينيات ربيع الصحافة العدنية؛ فقد اعتمد‬
‫البريطانيون قانون اإلخطار إلصدار الصحف‪ ،‬وتشكيل األحزاب؛ فصدرت‬
‫عشرات الصحف‪ ،‬وتكونت عدة أحزاب‪.‬‬
‫صحيفة "السالم"‪ ..‬وصف عام‪:‬‬
‫صدر العدد األول من «السالم» في ‪ 6‬ديسمبر ‪ 1948‬في كارديف‬
‫ببريطانيا‪ ،‬أي قبل بضعة أيام من صدور اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬وقد‬

‫‪355‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫احتفت الصحيفة أيما احتفاء بهذا اإلعالن‪ ،‬ونشرته معلقة عليه‪ ،‬وعمل الحكيمي‬
‫على إسقاط مواده على واقع المتوكلية اليمنية التي تصادر الحق في الحياة‪،‬‬
‫واعت ُبرت السالم من أوائل الصحف العربية التي تصدر في أوروبا‪ -‬إن لم تكن‬
‫األولى‪ -‬حسب الدكتور الفرد هوليدي‪.‬‬
‫وصدرت الصحيفة في ست صفحات قطع (‪ 29 ×46‬سم)‪ ،‬ثم تطورت في‬
‫األعداد األخيرة إلى ‪ 8‬صفحات‪.‬‬
‫وتحتل المقالة الصحفية فيها مواضع الصدارة‪ ،‬ويبدو أن بُعد الصحيفة عن‬
‫البالد العربية بعامة واليمن بخاصة قد فرض هذه األسلوب‪ .‬والمتتبع ألعداد‬
‫الصحيفة المهاجرة يلمس االهتمام الكبير بالقضايا العربية الكبيرة‪ ،‬وخاصة نكبة‬
‫فلسطين‪ ،‬والجامعة العربية‪ ،‬وأوضاع البالد العربية‪ ،‬وخاصة اليمن ومصر‪.‬‬
‫وفي العدد األول من الصحيفة تحت عنوان «حياتنا الثقافية» يرى الكاتب‬
‫طاهر خميري عدم التناسب أو عدم التوازن‪ ،‬فهو يرى أن هناك العديد من‬
‫األطباء والمحامين والرياضيين والمهندسين والمتخصصين في مختلف فروع‬
‫المعرفة الطبيعية قد بلغ بعضهم من الشهرة والتفوق ما خولهم حق االنتساب‬
‫إلى الجمعيات العلمية في أوروبا وأمريكا(‪ .)45‬ولكن إذا نظرنا إلى علم الالهوت‬
‫والفلسفة واألدب‪ ،‬نجد أن األمر يختلف عن ذلك كثيراً؛ فهو يرى أن في العالم‬
‫العربي العشرات من المعاهد الدينية‪ ،‬كاألزهر في مصر‪ ،‬والزيتونة والقيروان‬
‫بالمغرب‪ ،‬يعد أساتذتها باآلالف‪ ،‬ولكنهم كلهم لم يُخرجوا ُمنذ ُ عهد الشيخ محمد‬
‫عبده سوى كتابين أو ثالثة يمكن أن تعد ذات قيمة في موضوعها‪ ،‬ويضيف‬
‫الحكيمي‪ :‬ال أظن أن السبب جمود وركود في التفكير؛ فقد حضرت حلقات‬

‫(‪ )45‬صحيفة السالم‪ ،‬عدد (‪ 5 ،)1‬صفر ‪1368‬هـ‪ 6/‬ديسمبر‪1948‬م‪ ،‬ص‪.4‬‬


‫‪356‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الدروس في المعاهد المذكورة‪ ،‬ورأيت رجاالً يعدون من كبار الالهوتيين حسب‬


‫مقاييس العصر‪ ،‬ولكنهم فيما يظهر قد نسوا عادة الكتابة والتأليف‪.‬‬
‫ويعيب على الفالسفة العرب الوقوف عند تخوم الترجمة‪ ،‬وعدم االجتهاد‬
‫والتجديد‪ ،‬ويشدد النكير على األدباء العرب‪ ،‬ويقارن بين اإلنتاج األدبي العربي‬
‫واألوروبي‪ ،‬فيحيل إلى الفارق الكبير بين األدب األوروبي في تطوره وتجدده‬
‫وازدهاره‪ ،‬وتضاؤل اإلنتاج العربي؛ رافضا ً الفكرة القائلة باالنقسام بين‬
‫الفصحى والعامية‪ ،‬ويرى أن هذا التعليل‪ -‬على براعته‪ -‬غير صحيح وغير‬
‫مقنع؛ ألن تلك العوامل لم تؤثر في إنتاج الغزالي‪ ،‬وابن خلدون‪ ،‬والجاحظ‪،‬‬
‫والمعري‪.‬‬
‫ويربط حالة التخلف بالفصل بين الحياة العملية‪ ،‬واالتكال على الوحي‬
‫واإللهام والعبقرية والنبوغ في الجانب الذي نعتبره غير عملي‪ ،‬مع أنه يمثل‬
‫أخص مميزاتنا‪.‬‬
‫ويشترط الوصول إلى ما وصل إليه الغرب بالربط بين حياتنا العملية‪،‬‬
‫والالهوت والفلسفة واألدب‪ ،‬معتبرا ً الفصل المطلق بين الحياة العملية والفكرية‬
‫قلة دين‪ ،‬وقلة عقل‪ ،‬وقلة أدب (هكذا)(‪.)46‬‬
‫ويحدد في (العدد األول) رسالة «السالم»‪:‬‬
‫‪ -1‬الدعوة للرجوع إلى مبادئ اإلسالم القومية؛ إلى المبادئ التي صهرت‬
‫العرب وصفتهم‪ ،‬وخلقت منهم أمة واحدة وحضارة وتاريخاً‪ ،‬ثم سمت‬
‫فجعلت منهم منارا ً لإلنسانية في عصورها المظلمة‪ ،‬وملجأ ً يلوذون به من‬
‫الطغيان‪.‬‬

‫(‪ )46‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬ص‪.4‬‬


‫‪357‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫‪ -2‬الدعوة إلى اإلصالح االجتماعي في كل مناحيه؛ إلى اإلصالح الذي‬


‫يعمل على التقارب بين الطبقات(‪ ،)47‬وإن شئت فقل‪ :‬إزالة الفوارق بين‬
‫الطبقات‪ .‬ولعل هذا المبدأ قاسم أعظم بين الثورتين‪ :‬المصرية‪ ،‬واليمنية؛‬
‫فقد ورد هذا في أهدافهما الستة المتقاربة حد التناغم‪ ،‬بل أزعم أن هذا‬
‫المبدأ قد ورد عند البنا في رسائله‪ ،‬وتجلى بصورة أوضح عند سيد قطب‬
‫في «العدالة االجتماعية»‪ ،‬ويبدو أنه في األربعينيات والخمسينيات كان‬
‫مطلبا‪ :‬االستقالل والعدل‪ ،‬يتقدمان المطالب األخرى كلها‪ ،‬وألولوية‬
‫العدل في الفكر اإلسالمي أهمية كبيرة‪.‬‬
‫ويبدو أن التسمية «السالم» لها رافد إسالمي صوفي يؤمن بالحوار والهداية‬
‫بالتي هي أحسن‪ ،‬ورافد أهم هو إدراك مآسي الحربين الكونيتين‪ ،‬وآثارهما‬
‫التدميرية الكونية‪ ،‬وبخاصة لعربي يعيش في أوروبا‪ ،‬ويدرك مآسي أمته‬
‫العربية التي تقاسمها األوروبيون بالسنتيمتر‪ ،‬كما يعيش هم انكسار الثورة‬
‫الدستورية في صنعاء التي وأدها اإلمام أحمد‪ ،‬مؤزرا ً من مختلف األنظمة‬
‫العربية‪.‬‬
‫ويقدم الشيخ الحكيمي تحليالً ضافيا ً لنتائج الحربين الكونيتين‪ :‬األولى‪،‬‬
‫والثانية‪ ،‬وانقسام العالم إلى معسكرين‪ ،‬وينظر بثقة وتفاؤل كبيرين لـ ‪ 22‬من‬
‫مارس ‪ 45‬حين اجتمعت بقصر الزعفران بالقاهرة سبع دول عربية لتوقيع‬
‫ميثاق الجامعة العربية‪ ،‬ويصور الجامعة كوليد يحبو(‪.)48‬‬
‫ويحلل عميقا ً أسباب وعوامل سقوط فلسطين؛ معتبرا ً أن الحرب جولة‬
‫خسرها العرب‪ ،‬مذكرا ً بعظات التاريخ ودروسه حين استطاع القائد محمود‬

‫(‪ )47‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬ص‪.3‬‬


‫(‪ )48‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬ص‪.2‬‬
‫‪358‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫زنكي توحيد القطرين‪ :‬العراق‪ ،‬وسوريا‪ ،‬ثم تاله صالح الدين األيوبي‪ ،‬ليضم‬
‫القطرين بمصر؛ فيتوحد العرب‪ ،‬وتكون نهاية الحرب الصليبية‪.‬‬
‫ويدرس سعيد النجار في العدد (الثالث) المستقبل االقتصادي لجامعة الدول‬
‫العربية؛ فيرى أن غالبيتها زراعية‪ ،‬ويلحظ انخفاض مستوى المعيشة‪ ،‬كما أنها‬
‫متخلفة اجتماعيا ً وثقافياً‪ ،‬ويرى أن تطورها متقارب يؤدي بها إلى نهايات‬
‫متقاربة‪.‬‬
‫وتكون النبوءة العبقرية بتوقع قيام ثورة يوليو ‪52‬؛ فهو يقول بالحرف‪" :‬أما‬
‫مصر التي تتزعم دول العرب‪ ،‬والتي تحتضن الجامعة العربية‪ ،‬فغنية‬
‫بمواردها‪ ،‬ولكنها ال تُستغل على الوجه ال ُمرضي‪ ،‬وقد ظلت ترزح تحت عبء‬
‫االحتالل البريطاني ونيره قرابة سبعين عاماً‪ ،‬كانت فيها كالبقرة الحلوب تدر‬
‫اللبن‪ ،‬ولكنه يشربها غير أبنائها‪ ،‬وتنتج‪ ،‬ولكن لكي ينتفع قوم دخالء‪ ،‬واليوم‪،‬‬
‫وقد بلغ الوعي القومي منتهاه‪ ،‬تجتاز مصر مرحلة انتقال خطيرة نرجو أال‬
‫يطول أمدها؛ حتى تقوم بدورها في خدمة العروبة خاصة والشرق عامة"(‪.)49‬‬
‫والكالم المنصوص يعود إلى ‪ 23‬ديسمبر ‪ ،48‬ويشيد بموقف دول الجامعة‬
‫من استقالل سوريا ولبنان‪ ،‬ولكنه يرى أن الحق ضائع ما لم تسنده قوة‪ ،‬وهو ما‬
‫نعاني منه حتى اليوم‪ ،‬وتتابع الصحيفة نقدها الالذع للموقف العربي المتخاذل‪،‬‬
‫وينتقد الدعوة للحرب‪ ،‬وإسكات القلم‪ :‬تكلم يا سيف‪ ،‬اسكت يا قلم‪ .‬وقد سكت‬
‫القلم‪ ،‬وتكلم السيف؛ فماذا قال السيف؟ دولة اليهود قائمة‪ ،‬والهجرة مستمرة‪،‬‬
‫وأراضي العرب محتلة‪ ،‬ومصر تحارب وحدها‪ ..‬اللهم وفق العرب‪ ،‬وأرشدهم‬
‫واجمع كلمتهم(‪.)50‬‬

‫(‪ )49‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)1‬ص‪.2‬‬


‫(‪ )50‬المصدر السابق‪ ،‬العدد )‪ ،(5‬ص‪.2‬‬
‫‪359‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وفي قراءة ألهداف السياسة العربية يدرس الكاتب الفلسطيني منير شماء‬
‫حالة العرب المزرية‪ ،‬وخيبة أملهم في الحرب إلى جانب الحلفاء‪ ،‬وخروجهم‬
‫من الحرب بكارثة قومية‪ :‬احتالل فلسطين‪ ،‬وضياع االستقالل‪.‬‬
‫وتدين «السالم» حادثة اغتيال النقراشي باشا على يد شاب من "اإلخوان‬
‫المسلمين" ‪ ،‬وتعرب عن األسف لوصول الحزبية في البالد العربية حد سفك‬
‫الدماء(‪.)51‬‬
‫ويح ّمل الحكام العرب‪ ،‬بتخاذلهم وخالفاتهم وشكوكهم في بعضهم‪ ،‬مسؤولية‬
‫نكبة فلسطين(‪.)52‬‬
‫وتواصل الصحيفة نقدها للمسؤولين عن نكبة فلسطين‪ ،‬وتغمز من قناة‬
‫الجامعة التي بدأ الخالف يدب بين أطرافها المختلفة‪ ،‬ثم يقول‪ :‬إن الجامعة‬
‫تكونت بوحي هبط من خارج البالد العربية‪ ،‬وأن خالفات أعضائها قد تتسبب‬
‫في استقالة حكومة الوفد(‪.)53‬‬
‫ويتساءل بحرقة‪ :‬بعد أربع سنوات من تأسيس الجامعة العربية‪ ،‬ماذا صنعت‬
‫بشأن فلسطين وليبيا واليمن التي تناشدها وتناديها الغوث والنجدة؟‬
‫لقد صرخت األمة اليمانية إلى الجامعة‪ ،‬وأنذرتها سوء العاقبة‪ ،‬ولكن الجامعة‬
‫لم تعر القضية اليمانية اهتمامها(‪.)54‬‬
‫وينتقد وضع الالجئين في البلدان العربية كلها(‪ .)55‬وتنقل الصحيفة عن «آخر‬
‫ساعة» مقاالً بعنوان «الرد الخالص»؛ فقد أشارت المجلة إلى أن مندوب اليمن‬
‫في المؤتمر اآلسيوي المنعقد في دلهي يناير ‪ 49‬انتقد الطريقة التي عولجت بها‬

‫(‪ )51‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)5‬ص‪.2‬‬


‫(‪ )52‬صحيفة السالم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)11‬ص‪..1‬‬
‫(‪ )53‬صحيفة السالم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)18‬ص‪2‬‬
‫(‪ )54‬صحيفة السالم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)19‬ص‪.2‬‬
‫(‪ )55‬صحيفة السالم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)20‬ص‪.5‬‬
‫‪360‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫قضية فلسطين العربية‪ ،‬فطلب إسماعيل كامل بك‪ -‬سفير مصر‪ -‬الكالم‪ ،‬وسأل‬
‫مندوب اليمن عن عدد الجنود اليمنيين الذين بعثت بهم حكومة اليمن إلى ميادين‬
‫القتال‪ ،‬خصوصا ً أن اليمن قد قطعت عهدا ً على نفسها في السير جنبا ً إلى جنب‬
‫مع البالد العربية‪ .‬ويعقب المحرر منتقدا ً السفير المصري‪ ،‬ومعترفا ً بواقع اليمن‬
‫حينها‪ ،‬وملقيا ً التبعة على سياسة الحكومة المصرية التي كانت من أهم العوامل‬
‫التي تضافرت على تحطيم مستقبل اليمن(‪ .)56‬واضح أن المحرر يشير إلى‬
‫الموقف من حركة ‪.48‬‬
‫وتحت عنوان «غضبة شباب ألمتهم» تنقل السالم عن جريدة «العلم‬
‫العربي» مقالة نارية‪" :‬قد علمتم أن كالم ملوككم‪ ،.....‬وقد علمتم قبيل الهجمة‬
‫األولى أنه لوال صولتكم‪ ،‬وإضراب شبابكم المثقف عن الطعام في بغداد‬
‫وبيروت ودمشق والقاهرة؛ احتجاجا ً على ذل سياساتكم‪ ،‬وإحجامها لما كان ذلك‬
‫الزحف الرائع‪ ،‬والذي‪ -‬وأسفاه! واذاله! ‪-‬عاد بالهدنة شجا ً ناشبا ً في حلق‬
‫العروبة‪ ،‬ال ينقذها منه إال ثورتكم الكبرى الوشيكة‪ ،‬إن شاء هللا‪ .‬إني ألحس‬
‫الدمدمة في جوف بركانها الهادئ إلى حين"(‪ .)57‬وهو تنبؤ آخر بالثورة‪.‬‬
‫وتترصد الصحيفة‪ ،‬وبتحليل عميق‪ ،‬الموقف األمريكي‪ ،‬واإلمدادات الفرنسية‬
‫بالسالح(‪.)58‬‬
‫وتحت عنوان «السالم تنشر ما ال تنشره المصري» كتب حسين المقبلي‪،‬‬
‫وهو معارض يمني ينتمي إلى "األحرار"‪ ،‬وطالب أزهري‪ ،‬متناوالً بعض‬
‫قرارات اللجنة الثقافية بمجلس الجامعة التي اتخذت قرارات منها‪ :‬تعليم الكبار‪،‬‬
‫والعميان‪ ،‬وموافقة األعضاء وباإلجماع‪.‬‬

‫(‪ )56‬صحيفة السالم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)21‬ص‪.2‬‬


‫(‪ )57‬صحيفة السالم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)29‬ص‪.3‬‬
‫(‪ )58‬صحيفة السالم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)30‬ص‪.3‬‬
‫‪361‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫يقول المقبلي‪" :‬إن هذه الخطوة مباركة وعمل مشكور لو لم يبق أمام اللجنة‬
‫الثقافية إال الكبار والعميان‪ ،‬أو لو كان تعليم الكبار والعميان فرعا ً من فروع‬
‫التعليم الذي نشرته أو تنشره اللجنة الثقافية في العالم العربي‪ ،‬والذي تعاونت أو‬
‫تتعاون فيه الدول العربية والشعوب مع اللجنة‪ ،‬أما ونسبة التعليم ال يكاد يكون‬
‫في األلف واحد من المبصرين الصغار في بعض دول الجامعة العربية‪ .‬يعلم‬
‫هذا جميع أعضاء اللجنة الثقافية أو بعض أعضائها‪ ،‬ثم ال نسمع حتى اقتراحا ً‬
‫واحدا ً في كيفية معالجة هذه المشكلة؛ مشكلة التعليم‪".‬‬
‫ويؤكد‪ ،‬ومعه كل الحق‪ ،‬أن بعض الدول ال توجد فيها مدرسة ابتدائية واحدة‬
‫على النظام الحديث تؤهل الطالب أن يلتحق بثانوية مصرية‪ .‬وواضح أنه يشير‬
‫إلى اليمن‪ ،‬كما يذكر أن بعض الدول ال توجد بها ثانوية تؤهل الطالب لاللتحاق‬
‫بجامعة من جامعات بعض الدول العربية‪ ،‬ثم تراهم يوافقون باإلجماع على‬
‫ضرورة تعليم الكبار والعميان‪ ،‬كأنهم قد فرغوا من تعليم الصغار‪ ،‬أو كأن نسبة‬
‫من بقي من الصغار ال يُلتفت إليها‪ ،‬والواقع أن نسبة األمية في الوطن العربي‬
‫الكبير كبيرة حتى اليوم بعد مضي أكثر من نصف قرن‪.‬‬
‫ويسخر المقبلي من قرار االحتفال بذكرى ابن سينا‪ ،‬الذي وإن كان عظيما ً‪،‬‬
‫إال أن األولوية يجب أن تكون احتفاالً بافتتاح جامعة ثالثة في مصر‪ ،‬وجامعة‬
‫في بيروت‪ ،‬وجامعة ثانية في دمشق‪ ،‬وجامعة ثانية في بغداد‪ ،‬وعدة مدارس‬
‫ابتدائية وثانوية في اليمن والسعودية واألردن‪ .‬ويرى أن الناس عندما يسمعون‬
‫مثل هذه القرارات يهزون رؤوسهم استهزاء بهذه الخياالت الخصبة‪" ،‬أما‬
‫عدونا الذي ربض في قلب بالدنا‪ ،‬وراح ينشئ المدارس والمستعمرات‪ ،‬ويجبر‬
‫ال عرب على تعلم لغته العبرية‪ ،‬فما ندري كيف كان سروره بهذه القرارات التي‬
‫ال تسمن وال تغني من جهل"‪ .‬ويضيف‪" :‬إننا نحارب أربعة أعداء‪ :‬الجهل‪،‬‬

‫‪362‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫والفقر‪ ،‬والمرض‪ ،‬والصهيونية"(‪ .)59‬والحقيقة أن األربعة األعداء ال يزالون‬


‫الخطر الحقيقي القائم حتى اليوم‪.‬‬
‫ويالحظ احتفاء بالجامعة العربية‪ ،‬وتتبع أخبارها‪ ،‬والتعليق على نشاطها‪،‬‬
‫واألهم تحول رؤية الصحيفة‪ ،‬واإلدراك العميق ألوضاعها مبكراً‪ ،‬وتكون‬
‫قضية فلسطين واليمن تحديداً‪ ،‬وقضايا البلدان العربية األخرى هي العناوين‬
‫البارزة في أخبار وتعليقات ومواضيع «السالم»؛ ففي العدد (‪ )61‬يوجه رسالة‬
‫في الصفحة األولى إلى أمين جامعة الدول العربية وزعماء الجامعة‪ ،‬داعيا ً إلى‬
‫العمل على تسوية الخالفات العربية التي أسهمت في سقوط فلسطين لقمة سائغة‬
‫في أيدي العصابات الصهيونية‪ ،‬كما يتطرق إلى وضع اليمن مشخصا ً حالة‬
‫اليمن الممزق والمدمر‪ ،‬ويحلل رئيس التحرير حالة اليمن‪ ،‬وانقسام األمراء‬
‫سيوف اإلسالم الذين يتوزعون البالد‪ ،‬ويدعي كل واحد منهم أحقيته باإلمامة‪،‬‬
‫ويتبعها بخطاب مفتوح إلى أقطاب العالم العربي وزعمائه‪ ،‬مذكرا ً فيها بوضع‬
‫فلسطين واليمنيين‪.‬‬
‫والواقع أن الحكيمي كان شديد الربط بين مأساة فلسطين ووضع اليمن‪ ،‬كما‬
‫كان شديد التعويل‪ ،‬خصوصا ً في المراحل األولى‪ ،‬على تدخل الجامعة العربية‬
‫إلنقاذ اليمن(‪.)60‬‬
‫السالم والوضع العربي في مصر‪:‬‬
‫كان المجاهد الكبير رئيس تحرير "السالم" عبد هللا علي الحكيمي مدركا ً‬
‫لمكانة ووزن وتأثير مصر‪ ،‬وحتى االحتفاء بالجامعة العربية نابع من قيادة‬
‫مصر لها‪ ،‬وكان األحرار اليمانيون‪ ،‬كثير منهم من طالب األزهر الشريف‪،‬‬

‫(‪ )59‬صحيفة السالم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)45‬ص‪.6‬‬


‫(‪ )60‬المصدر السابق‪ ،‬العدد (‪ ،)61‬ص‪.1‬‬
‫‪363‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ومن أولئك الذين جمعوا بين التجديد الديني واألدبي‪ ،‬كما عند ابن الوزير‪،‬‬
‫واألمير والشوكاني‪ ،‬والمقبلي‪ ،‬والتجديد في قصيدة الشعر الحميني عند الحكاك‪،‬‬
‫والمزاح وابن فليتة‪ ،‬واآلنسي األب واالبن‪ ،‬وابن شرف الدين‪ ،‬والقمندان‪ ،‬وبين‬
‫قراءة المرصفي‪ ،‬وطه حسين‪ ،‬والعقاد‪ ،‬وجمال الدين األفغاني‪ ،‬ورشيد رضا‪،‬‬
‫وعلي عبد الرازق‪.‬‬
‫لقد كان أنموذج األحرار لإلصالح في اليمن مصر‪ ،‬والعراق‪ ،‬وبالد الشام‪،‬‬
‫وكان تأثير المركز المصري فاعالً ومؤثرا ً ُمنذ ُ تأسيس الحركة الوطنية في‬
‫اليمن؛ فقد كانت مطالب "األحرار"‪ ،‬الحزب الذي تأسس في العام ‪ 1944‬في‬
‫عدن‪ ،‬و"صوت اليمن" ‪ ،1966‬تتمركز حول المطالبة بإصالحات سياسية‬
‫واجتماعية واقتصادية ال تختلف كثيرا ً عن األوضاع في مصر‪ ،‬أو بالد الشام‪،‬‬
‫أو العراق‪ ،‬ولعل العزلة المريعة‪ ،‬واألوضاع المتردية والقروسطية في اليمن قد‬
‫جعلت من مطالب اإلخوان المسلمين أنموذجا ً وقدوة حسنة لدى بعض األحرار‪،‬‬
‫وربما كان الحكيمي‪ ،‬وهو المفكر اإلسالمي والليبرالي‪ ،‬أكثر ابتعادا ً عن التيار‬
‫"اإلخواني"‪ ،‬واألقرب للوفد والحياة السياسية والفكرية في مصر بشكل عام‪،‬‬
‫والالفت أن مطبعة "السالم"‪ ،‬و"صوت اليمن" قد اشت ُريتا من مصر‪.‬‬
‫كتاب السنة‪:‬‬
‫تحت هذا العنوان يتناول الدكتور الخميري‪ ،‬وهو من كتاب "السالم"‪ ،‬كتاب‬
‫السنة‪ ،‬ويتناول فيما يتناوله كتاب "الهالل" ‪ -‬المجلة ‪ -‬يوليه ‪ ،48‬مشيرا ً إلى أن‬
‫الكتاب مهم من حيث الموضوع واألسلوب‪ ،‬كما يقرأ في عدد يناير ‪ 49‬من‬
‫مجلة الكتاب أن اإلنتاج الفكري في مصر الذي كان مطرد الصعود في سنوات‬
‫‪ 45‬و‪ 46‬و‪ 47‬ابتدأ يهبط بعض الهبوط في عام ‪48‬؛ فقد بلغت قيمة اإلنتاج‬

‫‪364‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الفكري ‪ 480‬كتابا ً في عام ‪ ،47‬ولكنها عادت في ‪ 48‬لتكون ‪ 390‬كتاباً‪ ،‬وهو‬


‫أكثر مما أنتجته بقية البالد العربية مجتمعة سنة ‪ ،48‬فإذا الحظنا‪:‬‬
‫‪ -1‬أن ما كتب في المواضيع السياسية في جميع األقطار العربية سنة ‪ 48‬لم‬
‫يبلغ الثالثين كتاباً‪.‬‬
‫‪ -2‬أن أكثرها في مواضيع ثانوية غير جدية مثل‪ :‬كتاب "هتلر العاشق"‬
‫و"هتلر حي"‪.‬‬
‫‪ -3‬وأن القيّم منها يكاد يكون منحصرا ً في دراسات خاصة لبعض نواحي‬
‫القضية العربية‪ ،‬مثل كتاب " الحركات االستقاللية في المغرب العربي"‪،‬‬
‫لعالل الفاسي‪.‬‬
‫وعندما يزور طه حسين لندن في أكتوبر عام ‪ 49‬يحييه رئيس التحرير‬
‫الحكيمي في الصفحة األولى بمقال بعنوان "شخصية الفضل والعلم واألدب‬
‫الدكتور طه حسين في لندن"‪.‬‬
‫"الدكتور طه حسين أعرف من أن يُعرف؛ فهو أشهر من شمس على‬
‫علم؛ ألنه شخصية فذة فضالً وعلما ً وأدباً‪ ،‬وفوق ذلك فهو يعد من المجددين‬
‫لألدب العربي في القرن العشرين‪ ،‬كما أنه أشهر كُتاب العرب في هذا القرن‬
‫الذي تقدمت فيه الحضارة والعلم واألدب"(‪.)61‬‬
‫ويتناول اقتراح مصر بعقد معاهدة لألمن الجماعي بين دول الجامعة‬
‫العربية‪ ،‬وأنه قد أصبح موضع نقاش في مجلس الجامعة‪ ،‬وفي الصحافة‬
‫المصرية‪ ،‬وفي لبنان‪ ،‬والبالد العربية السعودية‪ ،‬أما اليمن فقد أيدت‬
‫االقتراح‪ ،‬ووافقت عليه مقدماً‪ ،‬ويقوس على موافقة اليمن‪.‬‬
‫ويقول مراسل "التايمز"‪ :‬إن المؤيدين لالقتراح من المصريين يؤكدون أن‬

‫(‪ )61‬صحيفة السالم‪ ،‬عدد (‪ ،)44‬ص‪.1‬‬


‫‪365‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫المعاهدة لن تضمن سالمة البلدان العربية من العدوان اإلسرائيلي فحسب‪،‬‬


‫ولكنها أيضا ً ستحافظ على استقالل الدول األعضاء‪ ،‬وهذه طريقة أخرى في‬
‫التعبير عن معارضة مصر لمشروعي سوريا الكبرى‪ ،‬والهالل الخصيب‪،‬‬
‫وأي مشاريع أخرى مماثلة(‪.)62‬‬
‫وتحتل األخبار المصرية مساحة ال بأس بها في "السالم"‪ ،‬فينشر خبر‬
‫استقالة الوزارة المصرية في ‪ 3‬نوفمبر ‪ ،49‬وتكليف سري باشا بتشكيل‬
‫الحكومة(‪.)63‬‬
‫ويكرر متابعا ً قصة بحار مصري اعتقل في تل أبيب‪ ،‬كما ينشر‪ -‬بالبنط‬
‫العريض‪ -‬خبر حصول الطالب سمير طاهر المصري على درجة الدكتوراه‬
‫من جامعة جالسجو في اسكتلندا‪ ،‬مشيرا ً إلى أن مصر تزمع إنشاء مجمع‬
‫للحديد والصلب(‪.)64‬‬
‫وتحتفي "السالم" بأخبار قنال السويس‪ ،‬والصراع المصري البريطاني‪،‬‬
‫فتذكر أن الصحف المصرية كلها تقريبا ً ثارت لزيارة السير شنويل ‪ -‬وزير‬
‫الدفاع البريطاني‪ -‬لمنطقة القنال‪ ،‬وانتقدت بمرارة إشارته إلى أنه ال يعرف‬
‫مطلقا ً عن قرب رحيل الجنود البريطانيين عن مصر‪.‬‬
‫وتنقل تعليق جريدة "المصري" الوفدية أن السير شنويل قد آلم الشعب‬
‫المصري‪ ،‬وأحدث ضررا ً بالغا ً بسمعة وادي النيل‪ ،‬وقد تساءلت عما إذا كان‬
‫السير شنويل يعتقد أن منطقة فايد أرض بريطانية‪ .‬وترى (الزمان) المستقلة‬
‫أن ترديد السير شنويل لهذا الغرض السافل لبقاء الجنود البريطانيين في‬
‫منطقة القنال دليل على بقاء العالقات المصرية البريطانية متوترة‪ ،‬وقد‬

‫(‪ )62‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)45‬ص‪.1‬‬


‫(‪ )63‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)46‬ص‪.5‬‬
‫(‪ )64‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)49‬ص‪.4‬‬
‫‪366‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وصفت الكتلة هذه الز يارة بأنها ضربة برق خاطفة أصابت قلب كل مصري‬
‫في الصميم‪ ،‬واستطردت بأن هذا هو أول وزير بريطاني يتجرأ على تحدي‬
‫المصريين داخل أراضيهم‪ ،‬وأن الخطط التي رسمت لتحسين المساكن في‬
‫منطقة القنال تثبت أن "المستعمرين" مزمعون على استدامة االحتالل‪.‬‬
‫وادعت "األساس" السعودية أ ن سياسة الوفديين تؤيد االحتالل البريطاني‪،‬‬
‫وذكرت أن مصر مصممة على مقاومته‪ ،‬وأنه إذا أصر البريطانيون على‬
‫االحتفاظ بجنودهم في المنطقة؛ فإنهم ال شك سيفقدون كل أمل في الوصول‬
‫إلى اتفاق مع مصر(‪.)65‬‬
‫وتتابع "السالم" وقائع االنقالب في سوريا الذي قاده أديب الشيشيكلي‪،‬‬
‫واإلشادة الصحفية المصرية باالنقالب لمنع فكرة وحدة العراق وسوريا‪،‬‬
‫(واألمر أعمق من ذلك بكثير)‪ ،‬وله عالقة بالصراع البريطاني األمريكي‪.‬‬
‫(الباحث)‪.‬‬
‫وتنقل عن األهرام خبرا ً بعنوان "نظام العرب الجماعي بكسر الجيم‪،‬‬
‫هكذا!"‪ ،‬وأبحاث الذرة في إسرائيل‪ ،‬والخبر يحتوي على معلومات مهمة عن‬
‫بداية النشاط الذري اإلسرائيلي(‪.)66‬‬
‫كما ينقل عن الصحيفة البريطانية "السوث ويلز آيكو" خبرا ً عن‬
‫االنتخابات النيابية المصرية‪ ،‬ومقتل عشرة أشخاص‪ ،‬وعدم تدخل الجيش‬
‫البريطاني المرابط في السويس‪ ،‬وأن أعنف االشتباكات غالبا ً بين الوفديين‬
‫والسعديين‪ ،‬وتذكر الصحيفة أنه ُمنذ ُ االنتخابات السابقة جرى الفتك بشخصين‬
‫هما‪ :‬الدكتور أحمد ماهر‪ ،‬ومحمود فهمي النقراشي زعيم السعديين‪ ،‬وتنقل‬

‫(‪ )65‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)51‬ص‪.3‬‬


‫(‪ )66‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)54‬ص‪.1‬‬
‫‪367‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫عن النحاس باشا أن حزبه لن يتحد مع أي حزب آخر في حال عدم إحراز‬
‫النصر(‪.)67‬‬
‫ويتابع في العدد الالحق أخبار فوز الوفد‪ ،‬مقدما ً أحر التهاني بهذا الفوز‪،‬‬
‫ويواصل في العدد حيث يبعث أحد أهم المحررين في "السالم"‪ ،‬القاضي عبد‬
‫الكريم العنسي‪ ،‬برسالة مفتوحة للزعيم النحاس باشا‪ ،‬معتبرا ً فوزه نصراً‬
‫لمصر واألمة العربية جمعاء‪ ،‬ويشكو للنحاس حالة اليمنيين‪ ،‬وباألخص‬
‫أحوال المعتقلين في باستيل حجة‪ -‬حسب العنسي‪ -‬طالبا ً شفاعة النحاس في‬
‫هؤالء المقد مين للموت بعد أن شفى اإلمام غيظه بسفك دم األبرياء(‪ .)68‬كما‬
‫تنشر الصحيفة خبر وفاة إسماعيل صدقي باشا‪ ،‬وزيارة النحاس لمرسيليا‬
‫بغرض العالج‪ ،‬كما تتناول الصحيفة تحت عنوان "الجالء ووحدة وادي‬
‫النيل"‪ ،‬منتقدة ً الطريقة العربية في التفاوض؛ فهي تقول‪ :‬وكم ذا استمع الناس‬
‫إلى مطالب مصر‪ -‬وما أكثر الطلب‪ ،‬وما أقل العطاء! ‪ -‬وتضيف الصحيفة‪:‬‬
‫وقد اقتضت عوائد العرب أنهم يتركون ساعات الفرص تذهب من أيديهم في‬
‫أوقاتها المناسبة‪ ،‬حتى إذا ما ذهبت الفرص تقدموا باالحتجاجات‪ ،‬وأوفدوا‬
‫وفودهم‪ ،‬فيعودون بخفي حنين(‪( . )69‬والحقيقة أنها رؤية جد عميقة)‪ ،‬وتنبئ‬
‫عن خبرة مدهشة في قراءة كف المستقبل‪( .‬الباحث)‪.‬‬
‫ويسجل الحكيمي زيارته للنادي المصري في لندن‪ ،‬ولقاءه مع صديقه‬
‫العزيز الدكتور عبد العزيز عتيق‪ ،‬وبنقل المحرر عن الحكومة البريطانية‬
‫قولها‪ :‬إنها لن ترسل أسلحة إلى مصر لحاجتها إليها‪ ،‬وتعلق "السالم"‪ :‬إن‬
‫مولود إسرائيل يستطيع أن يصنع أسلحة في تل أبيب‪ ،‬ويمون نفسه دون أن‬

‫(‪ )67‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)54‬ص‪.2‬‬


‫(‪ )68‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)60‬ص‪.8‬‬
‫(‪ )69‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)68‬ص‪.4‬‬
‫‪368‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫يحتاج ألحد‪ ،‬وأما جامعتنا العربية التي شاب قرناها‪ ،‬فإنها ال تقدر على صنع‬
‫أمواس لألظفار(‪.)70‬‬
‫وكالم "السالم" في العام ‪ ،50‬أما اليوم‪ ،‬فإن إسرائيل تمول دوالً عظمى‬
‫مثل‪ :‬الهند‪ ،‬والصين‪ ،‬وتركيا‪ ..‬ترى لو عاش الحكيمي إلى اليوم ماذا تراه‬
‫يقول؟!‬
‫وتنشر "السالم" خبرا ً عن "مصر والهند" يتناول فيه المحرر احتجاجا ً‬
‫قدمته الحكومة المصرية إلى الهند لنيتها االعتراف بإسرائيل‪ ،‬وتشن‬
‫الصحيفة حملة شعواء على الحكم العربي‪ ،‬والزعماء العرب المنقسمين على‬
‫أنفسهم‪ ،‬والمسؤولين الوحيدين عما لحق من عار بالعرب(‪.)71‬‬
‫وفي العدد (‪ )75‬تكرس "السالم" صفحة كاملة عن الجالية العربية في‬
‫شرق إ فريقيا والشعب المصري‪ ،‬وهي مكرسة لالحتفاء باألساتذة المصريين‬
‫ال عاملين في أفريقيا‪ ،‬وقد جرى االحتفال في الخرطوم‪ ،‬والموضوع موشى‬
‫بالصور‪.‬‬
‫وتدين "السالم" بشاعة التعذيب في معتقل "هاكستب"‪ ،‬مشيرة ً إلى كتاب‬
‫الذي نجد له صدى كبيرا ً في‬ ‫(‪)72‬‬
‫أصدره علي محمد الطاهر عن هذا المعتقل‬
‫الكتابات السياسية حينها‪ ،‬وفي أشعار فؤاد حداد‪.‬‬
‫وفي العدد (‪ )78‬نقرأ مقالة نارية لكاتب من كتاب "السالم"‪ ،‬وهو علي‬
‫حمود الجايفي بعنوان (الطبول الفارغة) حمل فيه الكاتب على بعض الجرائد‬
‫المصرية البائرة التي تعلن العداء الصارخ لألحرار اليمنيين‪ ،‬وتستخدم‬
‫البذاءة واأل لفاظ السوقية حسب الكاتب‪ ،‬مما تأباه وتستفز منه القومية العربية‬

‫(‪ )70‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)74‬ص‪.5‬‬


‫(‪ )71‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)74‬ص‪.8‬‬
‫(‪ )72‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)77‬ص‪.9‬‬
‫‪369‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫العريقة‪ ،‬ويسائل بحرقة‪ :‬ال ندري ما هي األسباب والدوافع التي حملت‬


‫سماسرة الصحيفة التجارية المصرية على تصويب هجماتها العنيفة على كل‬
‫مطالب باإلصالح لوطنه‪ ،‬ويعمل بكل جهد إلنقاذ األمة المنكوبة المعذبة من‬
‫هاوية الدمار والموت؟!‪ ...‬إلخ(‪.)73‬‬
‫وفي نفس العدد تنشر "السالم" خبرا ً صغيرا ً عن شحنة من الدبابات‬
‫(سنتشوريون) من بريطانيا إلى مصر كاستثناء للحظر‪ ،‬وأن مصر قد دفعت‬
‫‪ %80‬من قيمتها‪ .‬وخبرا ً آخر عن إهداء يونس بحري نسخة من كتاب‬
‫"معتقل هاكستب" بعد أن عرف أن اليمن كلها معتقل هاكستب‪ ،‬والسالم على‬
‫هاكستب! (‪.)74‬‬
‫و ُمنذ ُ العدد (‪ )79‬تكرس الصحيفة صفحة كاملة بعنوان "العالم العربي في‬
‫أسبوع"‪ ،‬وهو عنوان جديد في "السالم"‪ ،‬ويبدو أنه مستقى من هيئة اإلذاعة‬
‫البريطانية‪ ،‬وهو صفحة كاملة مكرسة ألخبار العالم العربي‪ ،‬ويحتل فيه‬
‫الخبر المصري الصدارة‪ ،‬فينقل خبر تجريب القطار السريع ألول مرة في‬
‫مصر‪ ،‬وأخبار الالجئين الفلسطينيين في مصر‪ ،‬وما ستنفقه مصر والعراق‬
‫على معاهدة (‪ )1930‬العراقية‪ ،‬و‪ 1936‬المصرية‪ ،‬وطبعا ً يقصد المعاهدة مع‬
‫بريطانيا‪ ،‬والمطالبة بموقف عربي من القضايا الدولية‪ ،‬ويختتم الخبر بالتالي‪:‬‬
‫أما اليمن فموقفها واضح من الحالة الدولية الراهنة؛ فالقرد ال يعجز عن تقليد‬
‫حركات اإلنسان(‪ .)75‬ويدون مد خط السكة الحديد بين مصر والسودان الذي‬
‫بدأ اإلعداد له‪.‬‬
‫و يالحظ أن الصحافة المصرية هي من أهم مصادر أخبار "السالم"‪،‬‬

‫(‪ )73‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)78‬ص‪.2‬‬


‫(‪ )74‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)78‬ص‪.5‬‬
‫(‪ )75‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)81‬ص‪.2‬‬
‫‪370‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وتبرز الصحيفة تعاطفا ً مع "جمعية اإلخوان المسلمين"‪ ،‬وتشيد بالزعيم‬


‫مصطفى النحاس‪ ،‬مؤكدة ً على أهداف "اإلخوان المسلمين" في محاربة‬
‫االستعمار واالستعماريين‪ ،‬وتشير الصحيفة إلى أن اإلمام أحمد قد بذل جهودا ً‬
‫ال بأس بها لعرقلة ظهور "اإلخوان المسلمين"‪ .‬والواقع أن صاحب "السالم"‬
‫يؤيد "جمعية اإلخوان المسلمين" شأن بعض األحرار اليمنيين؛ ألنها تقف‬
‫إلى يسار الدولة اليمنية (المتوكلية)‪ ،‬وتشتبك معها في خصومة سياسية‪ ،‬كما‬
‫أنها‪ -‬أي الجمعية‪ -‬تتعاطف مع األحرار‪ ،‬وهناك أعضاء في األحرار ينتمون‬
‫"لإلخوان المسلمين"‪ ،‬أو قريبو ن منهم‪ ،‬ثم إن ليبرالية الحكيمي‪ ،‬وتميزه‬
‫بالحوار بين األديان‪ ،‬وتسامحه الشديد دافع مهم أيضاً‪.‬‬
‫وال تخفي الصحيفة ابتهاجها بإلغاء البرلمان المصري الحظر المفروض‬
‫على "الجمعية" ‪ ،‬ولكن الحكيمي ال ينسى أن يقول لإلخوان‪" :‬وعليهم أن‬
‫(‪)76‬‬
‫فموقفه حينها من اإلخوان‬ ‫‪،‬‬ ‫المصرية‬ ‫يكونوا عقالء"‪ ،‬ثم يشكر الحكومة‬
‫موقف المتعاطف والناقد في آن‪.‬‬
‫وتهتم الصحيفة بحرية الرأي والتعبير‪ ،‬والحريات الصحفية في مختلف‬
‫أقطار الوطن العربي‪ ،‬وفي موضوع رئيسي تتناول "السالم" تحت عنوان‬
‫بارز "القضاء المصري ينصر رجال الفكر"؛ فتقرأ "السالم" كتاب المفكر‬
‫عبد هللا القصيمي "هذه هي األغالل"‪ ،‬معتبرة ً الكتاب مجهودا ً فكريا ً جباراً‬
‫يشخص صاحبه األسباب والعلل النحطاط المسلمين وتأخرهم‪ ،‬ويعيب على‬
‫خصوم القصيمي اللجوء إلى التهم والتشهير واإلساءة الشخصية‪ ،‬ويذكر‬
‫العقوبات القاسية التي لحقت بهذا المفكر من قطع الراتب من السعودية‪،‬‬
‫وفرض القطيعة على موطنه؛ مما اضطره لرفع دعوى ضدهم‪ ،‬وقد ظلت‬

‫(‪ )76‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)88‬ص‪.3‬‬


‫‪371‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫القضية قيد البحث أربعة أعوام‪ ،‬وقد حكم القضاء المصري المجيد بتعويض‬
‫القصيمي ألف جنيه‪ ،‬كما ألزمهم بدفع أتعاب المحاماة(‪.)77‬‬
‫وفي عدد (‪ )90‬تنشر "السالم" بالبنط العريض‪ ،‬وعلى صدر صفحتها‬
‫األولى‪ ،‬اهتمام مشيخة األزهر ووزراء الدول العربية بإرسال المعلمين إلى‬
‫كارديف‪ .‬والحقيقة أن الصحيفة‪ ،‬و ُمنذ ُ أولى أعدادها‪ ،‬ظلت تطالب بإرسال‬
‫معلمين إلى كارديف؛ لتعليم الجالية المسلمة والعربية‪ ،‬واستجاب األزهر‬
‫متأخرا ً لمناشدات الحكيمي الذي كان له مسجد وزاوية ورباط تعليم‬
‫حقيقي(‪.)78‬‬
‫وتواصل "السالم"‪ ،‬أو تعير اهتماما ً كبيرا ً لمفاوضات الجالء بين مصر‬
‫وبريطانيا‪ ،‬ولكنها تتوقع صعوبة فيما يتعلق بوحدة وادي النيل؛ فبريطانيا‬
‫حريصة على فصل السودان عن مصر(‪.)79‬‬
‫وفي العدد (‪ )93‬ترصد زيادة التوتر بين مصر وبريطانيا بعد قيام مصر‬
‫بتفتيش سفينة كانت تمر بالقنال‪ ،‬وتحمل أسلحة لشرق األردن‪ ،‬وال تستبعد أن‬
‫ي رفع األمر لمجلس األمن‪ ،‬ثم تندد وتدين احتجاجات إسرائيل على قيام مصر‬
‫بتفتيش السفن‪ ،‬وتتوسع إدانة "السالم" لتشمل الحكم العربي المتهاون‬
‫والمتخاذل(‪ .)80‬والواقع أن "السالم" قد أفسحت حيزا ً كبيراً للجامعة العربية‪،‬‬
‫وكانت في األعداد األولى متحمسة لها‪ ،‬ولكن دقة مالحظة الحكيمي‪،‬‬
‫وقراءاته العبقرية قد كشفت حقيقة وواقع هذه الجامعة؛ فقد أدرك أن الملوك‬
‫العرب بعيدون عن التوجهات المصرية‪ ،‬وهم ال صلة لهم بقضايا فلسطين‪،‬‬

‫المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)88‬ص‪.5‬‬ ‫(‪)77‬‬


‫المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)90‬ص‪.1‬‬ ‫(‪)78‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)89‬ص‪.4‬‬ ‫(‪)79‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)93‬ص‪.4‬‬ ‫(‪)80‬‬
‫‪372‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫أو قضايا أمتهم وشعوبهم؛ فقد كتبت "السالم" تحت عنوان "الجامعة‬
‫العربية" ‪ ،‬وبعد أن ميز الكاتب بين الجامعة العربية كأنشودة لكل عربي‪،‬‬
‫وكأمنية يعلقون آمالهم وسعادتهم عليها‪ ،‬وبين واقع الحال‪ ،‬يقول‪" :‬أما‬
‫جامعتنا الحالية‪ ،‬فهي جامعة كشفت سوءة العرب‪ ،‬وألبستهم ثوب الخزي‬
‫والعار؛ عار فلسطين الذي ال يمحى إلى األبد"(‪.)81‬‬
‫س يضيف‪" :‬جاء معيار مصر وحقوقها القومية‪ ،‬وجاء االقتراح الرباعي‬
‫للدفاع عن الشرق األوسط‪ ،‬تقدمت الدول األربع المعروفة‪ .‬والمحرر هنا‬
‫يقصد المحاوالت األولى لـ"حلف بغداد"‪ ،‬الذي يعود للعام ‪ ،1951‬حين دعت‬
‫بريطانيا أمريكا وبإشراك تركيا في إنشاء هيئة للدفاع عن الشرق األوسط‬
‫ضد الكتلة الشرقية على أن تساهم فيه مصر والدول العربية‪ ،‬وتكون القاهرة‬
‫مقرا للهيئة‪ ،‬وقد فشل المشروع لدعوة إسرائيل االنضمام إليه(‪.)82‬‬
‫ً‬
‫وتردد "السالم" وصاحبها في تأييد إلغاء معاهدة ‪ ،1936‬واتفاقيتي‬
‫‪ ،1899‬ورفع شعار "وحدة وادي النيل" تحت تاج الفاروق‪ ،‬ويحدد الحكيمي‬
‫مصدر شكه وتردده فيقول‪ :‬قد أكون أحد من خامرهم الشك؛ ال ألن مصر‬
‫ليست على حق‪ ،‬كال؛ فأنا مؤمن بحقوقها العادلة تماما ً‪ ،‬والذي رابني ما قد‬
‫عرفناه من قضية فلسطين‪ ،‬وهو لعمر الحق درس ال ينساه التاريخ‪ ،‬ونحن‬
‫العرب بوجه خاص نرتجل األمور ارتجاالً‪ ،‬ونقول أكثر مما نعمل‪ ،‬ونحب‬
‫أن نحمد بما لم نفعل‪ ،‬وننزل إلى الميدان من غير زاد وال استعداد‪ ،‬وسرعان‬
‫ما نخسر الصفقة؛ فنحمل الفضيحة والعار‪ ،‬ونتأخر عدة مراحل بعد أن كنا‬
‫على األبواب(‪.)83‬‬

‫(‪ )81‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)99‬ص‪.3‬‬


‫(‪ )82‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)99‬ص‪.3‬‬
‫(‪ )83‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)100‬ص‪.3‬‬
‫‪373‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ويعرب الحكيمي عن تخوفه من حزبية الشرق؛ ألنها ليست كحزبية‬


‫الغرب؛ ألنها‪ -‬أي األخيرة‪ -‬تضحي بالحزبية في سبيل المصلحة العامة‪،‬‬
‫وتقدم العقل على العاطفة(‪.)84‬‬
‫ثم يشير إلى الحوادث األخيرة "حريق القاهرة"‪ ،‬وها هي على إثر ذلك‬
‫أقيلت وزارة النحاس‪ ،‬وقام غيرها تحت رئاسة علي ماهر‪ .‬وبعيني زرقاء‬
‫اليمامة يشير بأصابع ضوئية‪" :‬والمستقبل كفيل ببيان هذا الضمير المستتر‪،‬‬
‫والمستقبل آت‪ ،‬وكل آت قريب‪ ،‬وإننا نعيذ أمتنا العربية أن تعمل عمل بني‬
‫إسرائيل الذين حرموا على أنفسهم الصيد؛ فاصطادوا في يوم السبت"(‪.)85‬‬
‫وغادر الحكيمي بريطانيا في سبتمبر ‪ 52‬بعد أن قام بشحن المطبعة وأثاثه‬
‫إلى عدن‪ ،‬وعرج على مصر لبعض الوقت‪ ،‬قابل خاللها اللواء محمد نجيب‪-‬‬
‫رئيس مجلس قيادة الثورة حينها‪ ،‬الذي أثنى على "حركة األحرار"‪ ،‬وشجع‬
‫الحكيمي على االستمرار‪ ،‬ووعده بالتأييد من حكومة مصر‪ ،‬ودست له‬
‫المخابرات االستعمارية مسدسا ً في أدواته؛ ليحاكم ويسجن مع األعمال‬
‫الشاقة‪ ،‬وعندما خرج من السجن عانى من السم الذي دس له في الطعام‪،‬‬
‫ويبدو أن اغتياله بالسم كان ثمرة تعاون االستبداد اإلمامي واالستعمار‬
‫البريطاني في الجنوب‪ ،‬كما يشير الباحث علي محمد عبده في كتابه "لمحات‬
‫من تاريخ الحركة الوطنية"‪.‬‬
‫السالم وحقوق اإلنسان‪:‬‬
‫"السالم" وصاحبها غنيان عن التعريف‪ .‬ما يهمنا هو الدور الذي اضطلع به‬
‫المجاهد اإلسالمي الكبير عبد هللا علي الحكيمي‪ ،‬وصحيفته «السالم» في الدفاع‬

‫(‪ )84‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)100‬ص‪.3‬‬


‫(‪ )85‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)100‬ص‪.3‬‬
‫‪374‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫عن حقوق اإلنسان‪ .‬فـ «حقوق اإلنسان» ‪ -‬كقضية وكمبدأ‪ -‬لم تكن آنذاك‬
‫مطروحة بقوة في الخطاب اإلعالمي والصحفي العربي‪ ،‬كما أنها لم تكن‬
‫متداولة في الحياة الفكرية واألدبية كما هو شائع اآلن‪.‬‬
‫ومعروف أن حقوق اإلنسان مطروحة بصور ومعان شتى في التشريعات‬
‫السماوية‪ ،‬وخاصة في اإلسالم‪ ،‬ولكنها لم تُحدد ولم تضبط وتقنن إال في مبادئ‬
‫األمم المتحدة كمنظمة وكإعالن في وثيقة تاريخية مهمة في تاريخ الدساتير‬
‫الفرنسية‪ ،‬ووافقت عليها الجمعية التأسيسية في ‪ 26‬أغسطس ‪ ،1789‬وهي‬
‫مستمدة من نظريات روسو‪ ،‬وإعالن االستقالل األمريكي‪ ،‬ونصت على حقوق‬
‫الفرد التي ال يجوز التصرف فيها‪ ،‬وهي‪ :‬الحرية‪ ،‬والملكية‪ ،‬واألمن‪ ،‬وأكدت‬
‫المساواة‪ ،‬وسيادة الشعب ‪ -‬مصدر السلطات‪.‬‬
‫وصاحب «السالم»‪ -‬كما يطلق على نفسه ‪ -‬قد أصدر الصحيفة عقب نكبة‬
‫‪ ، 48‬وهزيمة الثورة الدستورية في اليمن‪ ،‬وقيام الكيان اإلسرائيلي في فلسطين‪،‬‬
‫و ُمنذ ُ صدور أول عدد في ‪ 6‬ديسمبر ‪48‬؛ أي بعد (‪ )8‬أشهر تقريبا ً من هزيمة‬
‫حركة ‪ 48‬في اليمن‪ ،‬وبضعة أشهر من نكبة فلسطين‪ ،‬وفقط قبل أربعة أيام من‬
‫صدور اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫كرس الداعية اإلسالمي الصحيفة ُمنذ ُ عددها األول‪ ،‬بل حرفها األول ضد‬
‫اعتقاالت ومجازر ‪ ، 48‬التي طالت خيرة علماء وفقهاء وقضاة وأدباء وشباب‬
‫ومشائخ اليمن ورجالها األحرار‪.‬‬
‫صدرت الصحيفة في ست صفحات (قطع ‪ 29 ×46‬سم)‪ ،‬وتحتل المقالة‬
‫الصحفية فيها موضع الصدارة‪ ،‬وهي مقالة رئيسة مكرسة للدفاع عن المعتقلين‬
‫في سجون حجة الرهيبة‪ ،‬ومنددة باإلعدامات‪ ،‬وباإلرهاب األسود الذي غطى‬
‫المتوكلية اليمنية عقب هزيمة ثورة ‪ 48‬م‪ ،‬كما أنها ‪ -‬أي المقالة ‪ -‬مكرسة للتنديد‬

‫‪375‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫ببطش سيوف اإلسالم بالواليات الممزقة التي استولوا عليها بالقوة‪ .‬فالمقالة‬
‫تتعامل مع األسرة المالكة كعصابة تحكم اليمن بالحديد والنار‪ ،‬وليس لها‬
‫مقومات أو خصائص دول ة‪ ،‬وليست موحدة في نفسها‪ ،‬وال تمتلك إال جهاز القوة‬
‫الباطشة عبر جراد العساكر الحفاة الجياع العراة الذين يجتاحون القرى‬
‫كالطاعون‪.‬‬
‫فالمقالة الصحافية‪ ،‬ورسائل الحكيمي هي الجسم الرائس الذي يغطي معظم‬
‫أعداد الصحيفة التي وصلت إلى (‪ )107‬ابتدا ًء من ‪ 6‬ديسمبر ‪ 48‬م‪ ،‬وانتهاء في‬
‫‪ 25‬مايو ‪1952‬م‪ .‬وإذا كانت المقالة غالبا ً‪ ،‬والرسائل أحيانا ً هي القسم األعظم‬
‫في «السالم» ‪ ،‬فإنها في معظمها مكرسة للدفاع عن المعتقلين‪ ،‬والتنديد‬
‫باإلعدامات الجزافية التي تنفذ بدون أحكام‪ ،‬بل إن برقية من الطاغية تطيح بعدة‬
‫رؤوس في ساعة واحدة‪ ،‬والكالم عن أخطاء التنفيذ‪ ،‬كما حدث بالنسبة للشاب‬
‫الشهيد ابن محمد الوزير‪ ،‬والمناداة على بعض المعتقلين إلعدامهم‪ ،‬ثم إعادتهم‬
‫من ساحات اإلعدام يصل حد األساطير والكوميديا السوداء‪.‬‬
‫والصحيفة غير مبوبة غالباً‪ ،‬ويتوزع فيها الخبر على الصفحات كلها‪،‬‬
‫والخبر كالمقالة‪ ،‬كرسائل القراء تكرس للدفاع عن الحقوق اآلدمية المهدورة في‬
‫اليمن (المملكة آنذاك)‪ ،‬وال تخرج القصائد المنشورة في أعداد السالم عن هذه‬
‫القاعدة‪.‬‬
‫وحقوق اإلنسان في «السالم» تعبير واع وعميق عن ليبرالية وديمقراطية‬
‫صاحبها؛ فقد تشبع المجاهد العربي واإلسالمي بالتجارب األوروبية‬
‫واألمريكية‪ ،‬وخاصة البريطانية التي قرأها وتمثلها وعاش تجربتها وشارك في‬
‫معاركها؛ فقد دعا أكثر من مرة إلى المهرجانات االنتخابية‪ ،‬وكرئيس لتحرير‬

‫‪376‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫«السالم» ‪ ،‬فقد حضر مع تشرشل وكلهن‪ ،‬وتصور معهما‪ ،‬وشاهد معاركهما‬


‫االنتخابية عقب الحرب الكونية الثانية‪.‬‬
‫لقد أفاد الداعية الكبير والصحفي الالمع من إتقانه للغة اإلنجليزية‪ ،‬وبعض‬
‫اللغات األخرى إلى جانب لغته العربية التي أتقن فنونها‪ ،‬ورفدت الثقافة‬
‫الليبرالية وعيه اإلسالمي المنفتح والتجديدي؛ فكان أنموذجا ً لالستنارة وعمق‬
‫المعرفة؛ فزكت فيه النزعة اإلنسانية التي تمازجت بطريقته الصوفية‪.‬‬
‫حقوق اإلنسان في المقالة‪:‬‬
‫ال يقتصر الدفاع عن حقوق اإلنسان في "السالم" على ضحايا ‪ ،48‬وإنما‬
‫يمتد ليشمل اليمن كلها؛ فـ"السالم" قد دافعت عن الفالحين‪ ،‬وأصحاب الدكاكين‪،‬‬
‫كما دافعت عن العلماء والطالب‪ ،‬ودافعت عن المغتربين في مختلف أصقاع‬
‫المعمورة‪ ،‬كما تولت الدفاع عن الجندي البائس والمحروم‪ ،‬وحاولت أن تفتح‬
‫وعيه على ممارسات جالديه‪ ،‬ونبهته إلى حقوقه وإلى مأكله وملبسه وأميته‬
‫وآدميته المهدورة ؛ بل إن السالم من خالل الصورة قد حاولت إيقاظ العكفة‬
‫(الحرس الخاص لإلمام) على أوضاعهم المأساوية‪ ،‬ودأبت على المقارنة بين‬
‫ظروفهم ومعيشتهم‪ ،‬وظروف ومعيشة الجندي في البالد العربية‪ ،‬كما دافعت‬
‫عن بعض األمراء الذين تعرضوا لمكائد بعضهم بعضاً؛ فلم يقتصر دفاع‬
‫صاحب الس الم عن الشعب اليمني‪ ،‬وإنما قرأ بنور هللا المحنة القاسية واألليمة‬
‫الشعب اليمني؛ لتلتهم الطغيان نفسه‪ ،‬فنبه‬
‫َ‬ ‫التي يقود إليها الطغيانُ اإلمامي‬
‫ونصح وحذر‪ ،‬ولكن الطغيان أعمى‪.‬‬
‫شهداء ثورة ‪:48‬‬
‫يحتل الدفاع عن شهداء ‪ 48‬مساحة كبيرة في «السالم»‪ ،‬وتتابع الصحيفة‬
‫أوالً فأول كل ما يتعلق بهم‪ .‬والمثير أن اليمن ‪ -‬على عزلتها‪ ،‬وتخلفها‪ ،‬وانقطاع‬

‫‪377‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وسائل االتصال معها‪ -‬ومع ذلك؛ فإن «السالم» قد أقامت شبكة اتصال شعبية‬
‫واسعة مكنتها من تتبع أدق التفاصيل‪ ،‬وأخطر األسرار‪.‬‬
‫وفي العدد (‪ )66‬يكتب علي حمود الجايفي كشفا ً بأسماء شهداء االنقالب محددا ً‬
‫طريقة اإلعدام‪:‬‬
‫‪ ‬الرئيس جمال جميل بالسيف‪.‬‬
‫‪ ‬عبد هللا بن أحمد الوزير بالسيف‪.‬‬
‫‪ ‬السيد زيد بن علي الموشكي بالسيف‪.‬‬
‫‪ ‬أحمد حسن الحورش بالسيف‪.‬‬
‫‪ ‬محيي الدين العنسي بالسيف‪.‬‬
‫‪ ‬عبد هللا بن محمد الوزير بالسيف‪.‬‬
‫ويأتي على أسماء‪ :‬المسمري‪ ،‬والمطاع‪ ،‬والبراق‪ ،‬وعبد هللا بن محمد بن‬
‫أحمد الوزير‪ ،‬وهو الشاب الذي تولت الصحيفة الدفاع عنه في المحافل الدولية‪،‬‬
‫إلى الحد الذي اعترف اإلمام أحمد أنه قد قتل خطأً‪.‬‬
‫وتواصل الصحيفة كشف أسماء من أُعدموا‪ :‬علي الوزير‪ ،‬ومحمد محسن‬
‫هارون‪ ،‬والشيخ الذيب‪ ،‬والشايف‪ ،‬وأبو راس‪ ،‬ومحمد بن حسن أبو راس‪،‬‬
‫ومحسن هارون‪ ،‬ومحمد سري شايع‪ ،‬وسيف الحق بالسم‪ ،‬والقردعي‬
‫بالرصاص‪ ،‬والحسيني بالسيف‪ ،‬والسعيدي بالسيف‪ ،‬والدعيس بالسم‪ ،‬والعنجبة‪،‬‬
‫ومحمد ريحان‪ ،‬وعلي العتمي بالسيف(‪.)86‬‬
‫وتطلق الصحيفة على "أعياد النصر" اإلمامية "أعياد اإلباحة وإزهاق‬
‫األرواح وهدر الدماء"‪.‬‬

‫(‪ )86‬صننحيفة السننالم‪ ،‬عنندد (‪ ،)66‬مقننال بعنننوان «شننهداء االنقننالب»‪ ،‬بقلننم علنني حمننود‬
‫الجايفي‪ ،‬ص‪5‬‬
‫‪378‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫وتعيب الصحيفة على الجامعة العربية تقاعسها في الدفاع عن القضية‬


‫اليمنية‪ ،‬وتدأب "السالم" على التواصل مع الجامعة العربية منددة ً بإعدام‬
‫األبرياء‪ ،‬ونهب ثرواتهم‪ ،‬وتدمير منازلهم؛ فتنشر في العدد (‪ )57‬مذكرة‪ ،‬من‬
‫حسين بن محمد عثمان الوزير إلى عبد الرحمن عزام‪ ،‬تشرح فيها جرائم أحمد‪،‬‬
‫وما ارتكبه من مجازر بحق األبرياء(‪ ،)87‬وتندد "السالم" باعتقال الشيخ حسين‬
‫بن ناصر األحمر في سجن صالة(‪.)88‬‬
‫وتدافع عن السيف عبد هللا‪ ،‬ملمحةً إلى الدور الذي يمكن أن يقوم به مستقبالً؛‬
‫فتحت عنوان "حبيب اليمنيين" سيف اإلسالم عبد هللا‪ ،‬تنشر الصحيفة التنكيل‬
‫الذي طال حتى أنصار السيف عبد هللا‪ ،‬واعتقالهم والتنكيل بهم من قبل أحمد‪ ،‬ثم‬
‫تشير إلى أن الوعي القومي في اليمن قد أخذ محله‪ ،‬وصارت األمة تنتظر الفرج‬
‫القريب على يد سيف اإلسالم عبد هللا‪ ،‬وتعلق السالم كعادتها على األخبار‬
‫المهمة‪ ،‬ولكل نبأ مستقر‪ ،‬وسوف تعلمون بعد حين؛ بل قريبا ً إن شاء هللا(‪.)89‬‬
‫وتدافع الصحيفة عن "ال ّ‬
‫شعر وبعدان" اللتين تعرضتا لهجوم عسكر اإلمام‬
‫عقب نكبة ‪ 48‬؛ فعبث الجنود فيهما‪ ،‬وسلبوا األموال‪ ،‬ونهبوا كل ما وجدوا‪،‬‬
‫وروعوا النساء واألطفال‪ ،‬وغُل الرجال بالقيود الثقيلة‪ ،‬وسيقوا إلى السجون(‪.)90‬‬
‫وترد الصحيفة على انتقاد أحد قرائها لنقد اإلمام‪" :‬إن السالم لم تتحامل ولم‬
‫تنتقد على إمام شرعي أقامه الشعب‪ ،‬وارتضته األمة‪ ،‬ولم تتحامل على ملك‬
‫يتمتع بشرف الملك وحرماته‪ ،‬وإنما انتقدت موظفا ً ال أقل وال أكثر"(‪.)91‬‬

‫المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)57‬ص‪.2‬‬ ‫(‪)87‬‬


‫المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)57‬ص‪.3‬‬ ‫(‪)88‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬العدد نفسه‪ ،‬ص‪.3‬‬ ‫(‪)89‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬العدد نفسه‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬ ‫(‪)90‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬العدد نفسه‪ ،‬ص‪.6‬‬ ‫(‪)91‬‬
‫‪379‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫" واإلمام أحمد ال يحتفظ لنفسه بمكانة إمام وملك كسائر الملوك‪ ،‬وإنما يقوم‬
‫بإدارة شعب كامل بنفسه ووحده‪ ،‬وحتى البصلة وملح الخبز ال بد له أن يتولى‬
‫صرفها بنفسه‪ ،‬وهذا لعمرك يقوم به خدم المنزل ليس غيرهم‪ ،‬أو قل هو موظف‬
‫بسيط يا سيدي الغيور"(‪.)92‬‬
‫وعندما تُنتقد "السالم" ألنها غرقت في قضية اليمن‪ ،‬ولم تأت حتى بالنزر‬
‫اليسير من أخبار الشعوب العربية اإلسالمية‪ ،‬وسائر شعوب العالم؛ فترد السالم‪:‬‬
‫"إن الشعوب العربية واإلسالمية وسائر شعوب العالم لها جرائد ومجالت‬
‫وإذاعات ودعايات وبعثات تتصل بشعوب العالم تُعَ ّرف بها‪ ،‬أما اليمن‪ ،‬فإن‬
‫السالم جريدة اتخذتها األمة اليمانية الحرة‪ -‬وال أعني المستبدة – منبرا ً لها‪،‬‬
‫وهي اآلن تداوي أمراض ذلك الشعب"‪.‬‬
‫ويكتب الحكيمي إلى الشهداء في الذكرى الثانية لهزيمة الدستور صفح ًة‬
‫كاملة‪ ":‬لقد أديتم واجبكم‪ ،‬وخدمتم أمتكم بنزاهة وصدق وإخالص‪ ،‬وسلمتم‬
‫أرواحكم فدا ًء ألجلها‪ ،‬وإن دَينا ً علينا‪ ،‬وعهدا ً ال ننكثه أبدا ً أننا نكمل ما حال‬
‫دونكم ودونه القدر‪ ،‬وأن أرواحكم التي أُزهقت عدوانا ً وظلما ً بغير حق وبدون‬
‫ذنب أو سبب‪ ،‬ومن غير محاكمة عادلة شرعية معقولة أو قانونية‪ ،‬أو على‬
‫طريقة معقولة‪ ،‬قد امتزجت بدمائنا وأحشائنا‪ ،‬وتخللت كل شعرة منا"‪.‬‬
‫ويدعو إلى جعل يوم ‪ 3‬جمادى األولى يوما ً للدستور الذي يستوحي‬
‫العواطف‪ ،‬ويستفز الضمائر‪ .‬والموضوع قطعة فنية رائعة‪.‬‬
‫وتنشر "السالم" صورا ً لضحايا اإلعدامات‪ ،‬وتعلق عليها تعليقا ً ضافيا ً يؤرق‬
‫ضمير العالم‪ ،‬ويهز أركان الطغيان‪" :‬هذه مناظر ضحاياك يا صاحب الجاللة‬
‫نقدمها أمام أنظار العالم؛ لنشهد هللا ونشهدهم عليك وعلينا يا صاحب الجاللة‪ .‬إن‬

‫(‪ )92‬المصدر السابق‪ ،‬العدد نفسه‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬


‫‪380‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫هذه المناظر المحزنة المؤلمة تعطي لسكان العالم صورة كافية عن األمة التي‬
‫تحتفلون بعيد انتصاركم عليها(‪.)93‬‬
‫وتتحدث "السالم" بمرارة وألم شديد عن هجرة اليمنيين عن أوطانهم‬
‫عشرات السنين‪ ،‬ويرد ذلك لبشاعة المظالم التي تدفعهم إلى ترك أرضهم وأهلهم‬
‫وذويهم‪ ،‬ويذكر الشرائع الطويلة والعريضة‪ ،‬والنزاع والخصام الذي ال ينفصل‪،‬‬
‫والتنافيذ‪ ،‬وأخذ الزكاة فوق ما أمر هللا‪ ،‬وانسداد طرق المعيشة أمامهم‪ ،‬وزكاة‬
‫الباطن (الباطل)(‪.)94‬‬
‫ويدافع الحكيمي في موضوع رئيسي "الشيخ أحمد محمد نعمان" عن النعمان‬
‫والزبيري‪ ،‬مشيدا ً بموهبتهما الكبيرتين اللتين حاول اإلمام احتكارهما واحتكار‬
‫عقليهما اللذين وهبهما هللا لهما‪ ،‬وأنهما‪ -‬النعمان والزبيري‪ -‬لو كانا يحمالن‬
‫ضمائر سافلة دنيئة لعاشا معك سعداء كغيرهم‪ ،‬بل وأكثر منهم؛ فقد كان‬
‫ضميرهما الحر يؤنبهما‪ ،‬وديانتهما تأبى عليهما العيش معك عيشة المكر‬
‫والخداع‪.‬‬
‫ويطالب باإلفراج عن المسجونين‪ ،‬والتسليم بإرادة الشعب‪ ،‬وتشكيل حكومة‬
‫يختارها الشعب من جميع طبقات الشعب‪ ،‬وابتعاد اإلمام عن تولي إدارة الحكم؛‬
‫ألن ذلك من اختصاص العمال اإلداريين‪ ،‬مؤكدا ً أن قضية اليمن قد أصبحت‬
‫أمام بصر العالم‪ ،‬ويدعوه بدل صرف األموال على السفهاء والمنافقين أن‬
‫يصرفها على األمة العارية الجائعة‪ ،‬ويشيد بإطالق سراح النعمان(‪)95‬؛ مطالبا ً‬
‫باإلصالح في موضوع رئيسي بقلم عبد الكريم أحمد العنسي(‪ ،)96‬ويعلق‬

‫المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)58‬ص‪.7‬‬ ‫(‪)93‬‬


‫المصدر السابق‪ ،‬العدد نفسه‪ ،‬ص‪.8‬‬ ‫(‪)94‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬العدد نفسه‪ ،‬ص‪.8‬‬ ‫(‪)95‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)77‬ص‪.9‬‬ ‫(‪)96‬‬
‫‪381‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الحكيمي على الموضوع تأكيدا ً‪ .‬ويكتب األستاذ يحيى بن محمد المطاع‬


‫موضوعا ً مطوالً موزعا ً على عددين عن سجن حجة ‪ -‬الباستيل‪ ،‬كما يسميه‬
‫تحت عنوان "صورة من صور مآسي حجة"‪ ،‬يتحدث عن أبطال الدستور‪،‬‬
‫والمطاع كان أحد ضحايا المجزرة؛ فقد رموا بهم زبانية "الناصر" لحفرة هي‬
‫سجن نافع‪ ،‬ووضعوا في أرجلهم قيودا ً لها أسماء‪" :‬الرعد"‪ ،‬و"المرود"‪،‬‬
‫و"السك"‪ ،‬و"المنخر" وغيرها‪ ،‬وهي قيود كبيرة لها أشكال هندسية مختلفة‪.‬‬
‫ويصف حالة الرعب‪ ،‬والموت محدق بهم من كل ركن في سجن نافع‪،‬‬
‫وكثيرا ً ما وقع الخطأ في إخراج غير مطلوبين لإلعدام إلى ساحة اإلعدام ثم‬
‫يعيدونهم‪ ،‬وممن وقع عليهم الخطأ أحمد العنسي‪ ،‬والشاب العظيم الضابط‬
‫العسكري عبد هللا السالل‪ ،‬فما وجل أحد منهم(‪.)97‬‬
‫ويشير إلى أن مناشدتهم إلجراء محاكمات قد ذهبت سدى‪ .‬ويواصل المطاع‬
‫نشر موضوعه مشيرا ً إلى رسالة للعالمة محمد صالح المسمري موجهة لإلمام‬
‫يطالب فيها بإجراء محاكمة عادلة؛ مذكرا ً أنه عندما قُتل والده يحيى لم يكن في‬
‫اليمن؛ فقد أمضى في القاهرة ثمانية عشر عاماً‪ ،‬وال عالقة له بمقتل والده‪ ،‬ورد‬
‫عليه أحمد‪:‬‬
‫عتاب ‪ ...‬غير طعن القنا وضرب الرقاب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ليس بيني وبين قيس‬
‫ويتوقع الكاتب حتمية سقوط البغي اإلمامي(‪.)98‬‬
‫و"السالم" توسع دفاعها عن الحقوق اآلدمية‪ ،‬فتدافع عن الحرس الملكي‬
‫الخاص في اليمن؛ فقد نشرت الصحيفة صورة لعدد من الحرس بصورهم‬
‫الشاحبة‪ ،‬ومالبسهم الخلقة‪ ،‬ثم تعلق على الصور‪ ..‬والصور نقلتها "السالم" عن‬

‫(‪ )97‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)62‬ص‪.7‬‬


‫(‪ )98‬المصدر السابق‪ ،‬العدد نفسه‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪382‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫بعض الصحف األوروبية‪ ،‬وحرصت "السالم" على نقلها؛ ليشاهدها الجندي‬


‫اليمني كما أشار التعليق‪" :‬أال ترى يا سيدي جندي (يمني) كيف بهذلت بك‬
‫حكومتك‪ ،‬وشوهت سمعتك ومنظرك أمام العالم كله؛ فقد جعلتك مهزلة‬
‫وأضحوكة للعالم‪ .‬انظر إلى وجهك الذي يمثل المأساة مجسدة"(‪.)99‬‬
‫والجريدة سجل حافل بالدفاع عن هذه الحقوق‪ ،‬وصاحبها الحكيمي على‬
‫دراية واطالع بهذه الحقوق‪ ،‬سواء عبر ثقافته اإلسالمية المستنيرة‪ ،‬أو عبر‬
‫صوفيته اإليجابية‪ ،‬أو اطالعه الواسع على الثقافة األوروبية وثقافة العصر‪،‬‬
‫ومبادئ وقيم وحقوق اإلنسان‪ ،‬ففي رسالة له موجهة لهيئة األمم المتحدة يناقش‬
‫صاحب السالم وثيقة األمم المتحدة عن هذه الحقوق‪ ،‬مادة ً مادة‪ ،‬وفقرة فقرة‪،‬‬
‫مدلالً بمدى انتهاك هذه الحقوق في البالد المتوكلية‪.‬‬
‫وتُقدم الرسالة باسم خمسة ماليين من البشر المعذبين والمضطهدين‪ ،‬ويرى‬
‫أن الحكومة التي ال تمثل الشعب عضوا ً في األمم المتحدة؛ وقد التزمت بتنفيذ‬
‫كل قرارات الهيئة‪ ،‬ومن ضمنها وثيقة حقوق اإلنسان الدولية‪ ،‬ولكنها في الواقع‬
‫لم تلتزم بأي مادة منها؛ فالمادة الرابعة تنص على حق اإلنسان في الحرية‪ ،‬وفي‬
‫العيش آمنا ً مطمئناً‪ ،‬بينما ال يوجد في اليمن حرية بالمعنى المطلق من أي نوع؛‬
‫فال حر ية فكر‪ ،‬وال حرية رأي وتعبير‪ ،‬وال حرية اجتماع‪ ،‬وال حرية نشر‪ ،‬بل‬
‫ال توجد وسائل النشر؛ إذ ال صحافة وال إذاعة‪ .‬ويشير إلى اكتظاظ السجون‬
‫بالمعتقلين‪ ،‬ومداهمة الجنود للمنازل‪ ،‬واإلعدامات بالجملة‪ ،‬ويناقش المادة‬
‫السادسة المتعلقة بتحريم التعذيب أو العقوبات غير اإلنسانية والمزرية بالكرامة‪،‬‬
‫مؤكدا ً أن اليمنيين بالمئات يتعرضون للصلب‪ ،‬ويجلدون‪ ،‬وتُطلى جباههم بالقار‪،‬‬
‫ويطاف بهم في الشوارع‪ ،‬ويصلبون لثالثة أو أربعة أيام‪ .‬ويشير إلى الحبس‬

‫(‪ )99‬المصدر السابق‪ ،‬عدد (‪ ،)63‬ص‪.8‬‬


‫‪383‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫والنفي بدون حق‪ ،‬ويدين غياب القضاء العادل‪ ،‬ويندد بتدخل الحكومة في حياة‬
‫الناس وخصوصياتهم‪ ،‬وينتقد غياب المحاكم المستقلة في اليمن؛ فالقضاة مجرد‬
‫أشخاص موالين للحكومة تفرقهم في أنحاء البالد؛ ليحكموا بمقتضى إرادتها‪.‬‬
‫ويشير إلى المادة الخامسة عشرة من الوثيقة التي تعطي للمضطهدين حق‬
‫اللجوء‪ ،‬وأن يستفاد من هذا الملجأ في بالد أخرى‪ ،‬مؤكدا ً أن اليمانيين قد هجروا‬
‫أوطانهم‪ ،‬والتجأوا إلى بلدان متفرقة جراء االضطهاد والجور من قبل‬
‫الدكتاتورية‪ ،‬وأنهم يرفعون شكواهم للجنة حقوق اإلنسان؛ لكي ترسل لجنة‬
‫تحقيق؛ لتتبين صدق ما شكونا منه‪ ..‬ويناقش حرية الفكر واالعتقاد والديانة‪،‬‬
‫وأن اليمنيين محرمون منها‪ ،‬أما حرية الرأي والتعبير؛ فإنه يشدد التأكيد على‬
‫أهميتها‪ ،‬ولكنها منعدمة في اليمن‪ ،‬كما أن وسائلها من صحافة وإذاعة منعدمة‬
‫أيضاً‪ ،‬كما ال تسمح الحكومة اليمنية بحق االجتماع أو تكوين الجمعيات؛ فال‬
‫توجد جمعية واحدة‪ ،‬وال توجد وسائل اتصال‪ ،‬وتصادر صحف العالم التي‬
‫تصل إليها إال للخاصة‪ ،‬أما التعليم فال وجود لمدارس على اإلطالق‪ ،‬اللهم إال‬
‫كتاتيب القراءة والكتابة‪ ،‬وال مستشفيات وال عيادات وال أطباء‪ ،‬وال عالجات‪،‬‬
‫وال طرق معبدة‪ ،‬وال مياه صالحة للشرب‪..‬‬
‫والخالصة‪ ،‬ال يتمتع اليمني بما يتمتع به اإلنسان في القرن العشرين؛ فحكومته‬
‫الدكتاتورية تحرمه منها‪ ..‬ويأتي على ذكر االعتقاالت‪ ،‬والمداهمات‪،‬‬
‫واإلعدامات بالجملة‪ ،‬والتعزير‪ ،‬والتنكيل؛ مطالبا ً لجنة حقوق اإلنسان بتشكيل‬
‫لجنة تتحقق من صدق ما يشكوه اليمنيون‪ .‬وتشير الصحيفة إلى أن اليمن‪ ،‬وهي‬
‫عضو في الجمعية العامة لألمم المتحدة‪ ،‬لم تلتزم بالمادة (‪ ،)56‬المتعلقة بوسائل‬
‫النشر‪ ،‬والويل لمن يتكلم عن شيء اسمه حقوق اإلنسان‪ ،‬بل وتحرق أية‬
‫مطبوعات أو صحف تتحدث عن ذلك وتأتي من خارج البالد‪ ،‬وتنهي الصحيفة‬

‫‪384‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫الموضوع الذي نشر على ثمانية أعمدة بالتأكيد أن حكومة اليمن قد أخلت بميثاق‬
‫األمم نفسه في عدم االلتزام بحقوق اإلنسان والحريات األساسية‪ ،‬مكررا ً‬
‫االستغاثة بهذه الهيئة لنصرة المظلوم ضد الظالم(‪.)100‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫جسدت صحيفة السالم مأساة المغترب اليمني الهارب من جحيم الظلم‬
‫واالضطهاد اإلمامي‪ ،‬ومن تفشي األمراض القاتلة‪ ،‬ومن التجهيل والتجويع‬
‫الواصل حد انتزاع لقمة الخبز الكفاف من أفواه الجياع المصابين بالمالريا‬
‫والجدري‪ ،‬والجذام‪ ،‬والبلهارسيا‪ ،‬وحكام طغام ال يعرفون معنى للرحمة وال‬
‫للكرامة‪ ،‬واألهم صدور "السالم"‪ -‬األنموذج الفذ للصحافة المهجرية‪ ،‬وصوت‬
‫المعارضة السياسية‪ -‬بعد نكبة ‪ ،1948‬وقد تصدرت السالم الصحافة العربية‬
‫والعالمية في االحتفاء باإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الصادر في ‪ 10‬من‬
‫ديسمبر من العام ‪1948‬م؛ أي قبل ‪ 4‬أيام من صدور اإلعالن العالمي لحقوق‬
‫اإلنسان الصادر في ‪ 10‬من ديسمبر ‪ 1948‬في فلسطين‪ ،‬وانكسار انقالب‬
‫‪ 1948‬في اليمن المتوكلية اليمنية‪.‬‬
‫وقد تصدت الصحيفة للدفاع القومي الصادق عن الشعب الفلسطيني‪ ،‬وإدانة‬
‫االستعمار والرجعيات العربية والجامعة العربية بعد إحسان الظن بها‪ ،‬كما‬
‫كرس الحكيمي افتتاحيات الصحيفة لتجريم الحكم القروسطي في اليمن‪ ،‬ودافع‬
‫عن األحرار اليمنيين‪ ،‬مطالبا ً بوقف اإلعدامات‪ ،‬واإلفراج عن المعتقلين‬
‫األحرار‪ ،‬كما دافع وحمى المغتربين اليمنيين المذرورين في بقاع شتى من‬
‫العالم‪ ،‬ودعا إلى تضميد الجراح‪ ،‬ورص الصفوف لمواجهة التحديات الخطرة‬

‫(‪ )100‬يراجنننع العنننددان‪ ،)62( :‬و(‪ ،)63‬ص‪ ،1‬رسنننالة مفتوحنننة إلنننى النننرئيس األمريكننني‬
‫ترومان باللغتين العربية واإلنجليزية‪ .‬والعدد (‪ ،)38‬ص ‪ ،1‬والعدد (‪ ،)78‬ص ‪،1‬‬
‫و ص ‪.8‬‬
‫‪385‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫التي تواجه اليمن واألمة العربية كلها‪ ،‬وكانت اإلعالن الداوي لبروز الحركة‬
‫الوطنية اليمنية‪ ،‬وإيصال صوتها إلى األمة العربية والعالم‪.‬‬
‫وقد حرصت على قراءة أعداد الصحيفة البالغة ‪ 107‬أعداد‪ ،‬وتتبعت مسار‬
‫افتتاحياتها؛ لندرك مدى تطور خطاب الصحيفة‪ ،‬وتوسع اهتماماتها‪ ،‬ونضج‬
‫تفكير رئيس التحرير الحكيمي‪ ،‬وارتقاء الخطاب‪.‬‬
‫المصادر‪:‬‬
‫‪ -1‬صحيفة "السالم"‪ ،‬رئيس التحرير‪ ،‬عبد هللا علي الحكيمي‪ ،‬العدد‪،)1( :‬‬
‫(‪،)21( ،)20( ،)19( ،)18( ،)17( ،)14( ،)11( ،)9( ،)8( ،)5( ،)4‬‬
‫(‪،)49( ،)48( ،)45( ،)41( ،)39( ،)38( ،)37( ،)32( )29( ،)28‬‬
‫(‪،)63( ،)62( ،)61( ،)60( ،)58( ،)54( ،)53( )52( ،)51( ،)50‬‬
‫(‪،)86( ،)85( ،)83( ،)81( ،)77( ،)74( ،)68( ،)67( ،)66( ،)65‬‬
‫(‪.)100( ،)99( ،)93( ،)92( ،)90( ،)89( ،)88‬‬
‫‪ -2‬النشاط الثقافي والصحفي لليمنيين في المهجر‪ :‬إندونيسيا‪ ،‬ماليزيا‪،‬‬
‫سنغافورة‪ ،1950 -1900 ،‬د‪ .‬عبد هللا يحيى الزين‪ ،‬دار الفكر‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬الصحافة اليمنية‪ :‬نشأتها وتطورها‪ ،‬د‪ .‬محمد عبد الملك المتوكل‪ ،‬مطابع‬
‫الطوبجي التجارية‪1983 ،‬م‪.‬‬

‫‪386‬‬
‫اآلثار المتبادلة للهجرة اليمنية – الجزء الخامس‬

‫مجلس أمناء مؤسسة الخير للتنمية االجتماعية‬

‫‪ -‬رئيس المؤسسة‬ ‫‪ -1‬أ‪ /‬علوان سعيد الشيباني‬


‫‪ -‬نائب رئيس المؤسسة‬ ‫‪ -2‬أ‪ /‬عمر محمد عمر يعقوب‬
‫‪ -‬عضو‬ ‫‪ -3‬م‪ /‬جمال عمر محمد يعقوب‬
‫‪ -‬مدير عام المؤسسة‬ ‫‪ -4‬صادق منصور ال ُجماعي‬
‫‪ -‬عضو‬ ‫‪ -5‬أحمد عبدالملك الشيباني‬
‫‪ -‬عضو‬ ‫‪ -6‬محمد سعيد األسودي‬
‫‪ -‬عضو‬ ‫‪ -7‬مها شمسان العزعزي‬
‫‪ -‬عضو‬ ‫‪ -8‬فارس عثمان الهبوب‬
‫‪ -‬عضو‬ ‫‪ -9‬بلقيس علي الشيباني‬
‫‪ -‬عضو‬ ‫‪ -10‬علي أحمد الحضرمي‬

‫‪387‬‬

You might also like