Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة الرّابعة عشرة الأخيرة التجنس بجنسية بلد غير مسلم
المحاضرة الرّابعة عشرة الأخيرة التجنس بجنسية بلد غير مسلم
ّ ش
ّ ال الحكم
رعي للتّجنّس بجنسيّة بلد غير إسالمي
ش ّ الحكم ال ّ
كل شي ء؛ م ن النّاس
ّ ن م رب الض
ّ و وه س، اجلن ن م مأخوذ در مص : ةّي الجنس
التّجنّ س والتّجنيس :طلب للجنس .ويقال :هذا جيانس هذا ،أي :يشاكله .وعليه؛
كل طائف ة م ن النّاس يتشاكلون يف أم ٍر م ا ،فه م جن س في ه؛ كجن س العرب،
فإن ّ
ّ
العجم ،وجنس املؤمنني ،وجنس املشركني ،وجنس العلماء ،وغري ذلك. وجنس َ
رعي للتّجنّس بجنسيّة بلد غير إسالمي
ش ّ الحكم ال ّ
وأم ا التّجنّ س فهو :أن يطلب اإلنسان االنتساب إىل جنسيّة دولة ما ،وموافقتَها ّ
على قبوله يف ِعداد رعاياها ،وينشأ عن ذلك التّجنّ س خضوعُ املتجنّ س لقوانني
ال ّدولة الّيت جتنَّس جبنسيّتها ،وقبولُه هلا طوعاً أو كرهاً ،والتز ُام ال ّدفاع عنها يف حال
احلرب.
رعي للتّجنّس بجنسيّة بلد غير إسالمي
ش ّ الحكم ال ّ
كيفيّته:
يتم بدون اختيار ،وذل ك يف ص ورة التّجنّ س اجلماع ي؛ الّذي حيدث أخرى .وق د ّ
عادة ّإما مبوجب معاهدة بني دولتني تتبعها عمليّة جتنّس مجاعيّة لس ّكاهنا من جانب
ضم إىل أرض املنتص ر.
ال ّدول ة الّيت تس تويل عليه ا ،أ و عمليّ ة فت ح تتبعه ا عمليّ ة ّ
وللتّجنّس شروط تشرتطها ال ّدول.
رعي للتّجنّس بجنسيّة بلد غير إسالمي
ّ شّ ال الحكم
آثار التّجنّس :
أهم أثر يرتتّب على التّجنّ س هو كسب صفة الوطني ،والّيت تستوجب التّمتّ َع جبميع احلقوق إن ّّ
أهم هذه لعل م ن ّ
لي ،وااللتز َام بكافّ ة الواجبات الّيت يُلزم هب ا ،و ّ
الوطين األص ّ
ّ الّيت يتمتّ ع هب ا
احلقوق والواجبات ما يلي:
ّأواًل :الحقوق:
احلصول على ّ
حق املواطنة.
التّمتّع باإلقامة ال ّدائمة .Permanent Residence
يكون املتجنّ س مس اويًا يف احلقوق للوطين يف اجلمل ة ،وق د تُس تثىن بع ض األمور ،كالتّق ّدم
لبعض الوظائف.
تكفل ال ّدولة احلماية ال ّدبلوماسيّة للمنتسب إليها ،وتتوىّل القنصليّات رعاية أحواله ّ
الشخصيّة
خارج البلد.
احلريّات األساسيّة.
كحق االنتخاب ،وممارسة ّ التّمتّع باحلقوق ّ
السياسيّة ّ
رعي للتّجنّس بجنسيّة بلد غير إسالمي
ش ّ الحكم ال ّ
ثانيًا :الواجبات:
خضوع املتجنّس لقوانني ال ّدولة ،واالحتكام إليها.
فوق ت أ ن كان ت ال ّدول ة للمس لمني ،كان املشركون حريص ني عل ى تعلُّ م لغته م
والعيش يف بالدهم؛ ليتمتّعوا باألمن والعدل ورغد العيش الّذي كانت بالدهم قفراً
منه.
أن التّجنّ س جبنسيّة ال ّدول الكافرة مسألة حادثة ،وقد اختلف فيها فقهاء
واحلاصل ّ
العصر على أربعة أقوال.
رعي للتّجنّس بجنسيّة بلد غير إسالمي
ش ّ الحكم ال ّ
محم د
الشيخ ّ
األول :قول أكث ر الفقهاء املعاص رين وه و املن ع ،وممّ ن قال ب هّ :
القول ّ
الشي خ
الشري ف ،و ّ
الشي خ عل ي محفوظ عض و هيئ ة كبار العلماء باألزه ر ّ
رشي د رض ا ،و ّ
الشيخ يوسف
شريف محفوظ مفيت لبنان ،و ّ
الشيخ إدريس ال ّ
الزرقاني ،و ّ
محمد عبد الباقي ّ
ّ
محم د س يّد طنطاوي شي خ
الشي خ ّ
الشري ف ،و ّ
ال ّدجوي عض و هيئ ة كبار العلماء باألزه ر ّ
الشيخ عبد الحميد
الرحمن ،و ّ
الشيخ عبد اللّطيف بن عبد ّ
الدكتور البوطي ،و ّ
األزهر ،و ّ
كل أعضاء جمعيّ ة العلماء المس لمين الشي خ البشي ر اإل براهيمي ،و ّ ب ن بادي س ،و ّ
الس عوديّة،
الجزائريّي ن ،واللّجن ة ال ّدائم ة للبحوث العلميّ ة واإلفتاء ف ي المملك ة العربيّ ة ّ
وآخرون.
رعي للتّجنّس بجنسيّة بلد غير إسالمي
ش ّ الحكم ال ّ
واستدلّوا على ذلك بأدلّة كثيرة ،نورد منها ما يلي:
ك ِ ون ال ِ ِ َّخ ِذ الْـمْؤ ِمنُو َن الْ َكافِ ِرين َأولِياء ِم ن ُد ِ
-1قوله تعاىل ( :ال يت ِ
ين َو َم ن َي ْف َع ْل َذل َ
ْـمْؤ من َ
ُ َ ََْ ُ َ
س ِم َن اللَّ ِه يِف َش ْي ٍء إالَّ َأن َتَّت ُقوا ِمْن ُه ْم ُت َقاةً )] ،آل عمران.[ 28 :
َفلَْي َ
كل ن -5وقول ه -ص لَّى اهلل علَي ِه وس لَّم – يف حديث جرير ب ن عب د اهلل« :أن ا بريء ِ
م
ّ ٌ ُ َْ َ َ َ َ
يقيم بني أظْ ُهر املشركني ،قالوا :يا رسول اهلل ،ومِل ؟ قال« :ططظ» .رواه النّسائي. ٍ
مسلم ُ
يب -صلّى اهلل عليه وسلم -كان إذا بعث أمرياً على سريّة أو جيشاً أن النّ ّ
-6وعن بريدة ّ
ين » .رواه ِ
ر أوصاه بأمور؛ فذكرها ،ومنها « مُثَّ ادعهم ِإىَل التَّح ُّو ِل ِمن د ِار ِهم ِإىَل دا ِر الْمه ِ
اج
ْ َ ْ َ َُ َ َ ْ ُُ ْ
الشريفة.
مسلم.وغريها من األحاديث ّ
رعي للتّجنّس بجنسيّة بلد غير إسالمي
ش ّ الحكم ال ّ
الس ابقة يف التّحذي ر م ن مواالة الكافري ن،
الشرعيّ ة ّ
قالوا :لق د اس تفاضت النّص وص ّ
مناقض ألصل
ٌ أن ذلك والرضا عنهم وعن منكراتهم ،وأوضحت ّ ومحبّتهم ومو ّدتهمّ ،
اإلسالم ،وهادم لعقيدة الوالء والبراء والحب والبغض في اهلل ،الّيت ال يصح إسالم ٍ
عبد ّ ّ ٌ
إاّل هبا.
ومل ا كان التّجنُّ س يلزم من ه -ال حمال ة -والءُ املرء لل ّدول ة الّيت حيم ل جنس يّتها
وخضوعُهّ لنظامها وقوانينها ،ويصري املتجنّس واحداً من املواطنني ،له ما هلم وعليه ما عليهم،
تدخله يف شؤون أوالده الشخصيّة واملواريث ،وعدم ُّ وجتري عليه أحكام ِملَّتهم يف األحوال ّ
لـما كان األمر كذلك ،كان طلب الذكور واإلناثّ ، الس ّن القانونيّ ة عندهم ،سواء ّ
إذا بلغوا ِّ
الر ّدة عـن اإلسالم عـيـاذاً باهلل ،وخـروجاً
التّجنّس بجنسيّة ال ّدول الكافرة صور ًة من صور ّ
عن سبيل المؤمنين ،ودخوالً في معيّ ة الكافرين؛ الّذين ح ّذرنا اهلل -تعاىل -منهم ومن
الركون إليه م ،كم ا أشارت النّص وص اتِّباع س بيلهم ،واملقام بني أظهره م ،ومواالهت م ،و ّ
السابقة.
ّ
رعي للتّجنّس بجنسيّة بلد غير إسالمي
ش ّ الحكم ال ّ
وردة ع ن اإلس الم ،وم ن َرفَ ض حك م ّ -7
إن االحتكام إىل قوانني كفريّ ة خمالََفةٌ لشرع اهلل ّ
بالشريعة
مستبدل ّ
ٌ اإلسالم فهو مرت ّد باإلمجاع ،واملتجنّس متحاكِم طوعاً إىل تلك القوانني،
يتضم ن حتلي ل احلرام وحترمي احلالل ،وإنكار م ا ُعلِـم مـن
اإلهليّ ة القوانني الوضعيّ ة ،وهذا ّ
بالضرورة؛ وهو ُك ْفر إمجاعاً.
ال ّدين ّ
فاع عنها إذا قامت بينها وبني غريها ّ -8
إن املشاركة يف جيش ال ّدولة املاحنة للجنسيّة وال ّد َ
حرب ،ول و كان ت حرهب ا ض ّد املس لمني ،م ن أعظ م املواالة للمشركني واملناص ر ِة هل م،
تنص على تكفري من فعل هذا. والنّصوص املذكورة آنفاً ّ
الس وء عل ى النّش ء وال ّذ ّريّ ة؛ م ن احنالل األخالق ،وانطماس
-9للتّجنّ س آثار يف غاي ة ّ
للهويّة ،ونبذ ألحكام ال ّدين وإعراض عنه ،ومواالة للمشركني ومعاداة للمؤمنني ،وال ينازع
اقع املتجنّسني أو أغلبهم إاّل مكابر.
يف كون هذا و َ
رعي للتّجنّس بجنسيّة بلد غير إسالمي
ش ّ الحكم ال ّ
-10إ ّن التّجنّس إقامة وزيادة ،واألدلّة واضحة يف حترمي املقام بدار الكفر ،ال سيّما مع
عدم استطاعة إظهار شعائر ال ّدين ،فيحرم إمجاعاً.
وهذا واقع املتجنّسني؛ إذ ال ميكن للمرء أن يتحاكم إىل شريعة اهلل هو وأهله
يشك يف ذلك من له أدىن اطّالع على أحوال
وأوالده ،أو يريّب أوالده على ال ّدين ،ال ّ
القوم ،قـالوا :وال عـذر هلـؤالء املتجـنّسـني؛ ألهّن م ليسوا مبكـرهني! وجيـب أن يف ّـر املرء
بديـنـه مىت استطاع ،وإن ذهبت دنياه.
رعي للتّجنّس بجنسيّة بلد غير إسالمي
ش ّ الحكم ال ّ
الشي خ يوس ف القول الثّان ي :اجلواز ،وه و قول بع ض الفقهاء املعاص رين ،ومنه مّ :
ِ
احملافظة على ال ّدين شاذلي النّيفر ،بشرط
الشيخ ال ّ
الزحيلي ،و ّ الشيخ وهبة ّ القرضاوي ،و ّ
والتّمس ِ
ك به ،وعدم ال ّذوبان يف اجملتمع الكافر. ّ
المجوزي ن عقليّ ة ،ومرجعه ا إىل قاعدة ( جل ب املص احل ودرء املفاس د ) .فم ن ّ وعام ة أدلّة
ّ
األدلّة الّتي استدلّوا بها ما يلي:
الشريعة اإلسالميّة جاءت لتحافظ على الكلّيّات اخلمس :ال ّديـن ،والنّفـس ،والعـقل، إن ّ ّ -1
الضروريّات فهو مشروع. كل ما كان سبيالً للمحافظة على هذه ّ والنّسل ،واملال ،و ُّ
والتّجنّ س جبنس يّات هذه ال ّدول يوفّ ر لإلنس ان حياة كرمي ة ،وطمأنين ة وأمناً ،ومتتُّعاً حبقوق
يس ر له أبواباً يف التّعبّ د
وحريّات تنعدم غالباً يف ال ّدول اإلسالميّة يف واقعنا املعاصر؛ بل تُ ِّ
ّ
وال ّدعوة ونشر العلم ال نظري هلا يف ال ّدول اإلسالميّة؛ فإذا كان التّجنّ س وسيلة لتحقيق
هذه املصاحل املشروعة فهو إذاً مشروع.
رعي للتّجنّس بجنسيّة بلد غير إسالمي
ش ّ الحكم ال ّ
إن اإلقام ة يف بالد الكف ر يكس ب املتجنّ س ّقوة وص البة يف اجملتم ع ،والتّجنّ س ال
ّ -2
مبجرد االنتساب إىل ال ّدولة.
يزيد على اإلقامة إاّل ّ
األخف جلل ب
ّ الضرر
يتحم ل ّ
-3أنّ ه حي ّق ق مص احل ترب و عل ى املفاس د ،ومعلوم أنّ ه ّ
مصلحة تفويتُها أش ّد.
يضطر املسلم إىل التّجنّ س جبنسيّة تلك ال ّدول حمافظةً على حياته؛ كأن
-4إنّه أحياناً ّ
فاراً من بلده األصلي ،أو مل مُي ـنح جنـسيّة دولـة إسالميّة حتميه ومت ّكنه من العيش
يكون ّ
فيها ،وقد ال يسمح له باملقام إاّل بالتّجنّس ،وكذا لو انعدم مصدر قُوتِه وقوت عياله يف
الضرورات تبي ح
أن ّ الضرر يُزال ،و ّ
أن ّ تنص عل ىّ :
بالد املس لمني ،والقواع د الفقهيّ ة ّ
احملظورات.
رعي للتّجنّس بجنسيّة بلد غير إسالمي
ش ّ الحكم ال ّ
إن يف اخلروج من تلك البالد وترك جنسيّتها إضعافاً لإلسالم واملسلمني هناك؛ كما
ّ -5
وحل النّصارى حملّهم. حدث يف األندلس ِ
وصقلّيّة؛ إذ ُأخرج منها املسلمون َّ
أ -أ ن يترك المس لم بلده بس بب االضطرار واالضطهاد ويلج أ لهذه ال ّدول ة؛ فه و جائ ز
بشرط االضطرار احلقيق ي للّجوء ،وأ ن يتح ّق ق األم ن للمس لم وأهل ه يف بالد الكف ر ،وأ ن
تيس ر ذلك ،وأن ينكر املنكر
الرجوع لبالد اإلسالم مىت ّ
يستطيع إقامة دينه هناك ،وأن ينوي ّ
ولو بقلبه ،مع عدم ال ّذوبان يف جمتمعات الكفر.
ب -أن يترك المسلم بلده قاصداً بالد الكفر ألجل القوت؛ فلو بقي يف بالده هللك هو
وأهله ،فله أن يتجنّس إذا مل يستطع البقاء بغري جنسيّة.
جـ -التّجنّس لمصلحة اإلسالم والمسلمين ونشر ال ّدعوة ،وهو جائز.
حمرم.
لمجرد أغراض دنيويّة بال ضرورة وال مصلحة لإلسالم وأهله ،وهو ّ
د -التّجنّس ّ
رعي للتّجنّس بجنسيّة بلد غير إسالمي
ش ّ الحكم ال ّ
الراجح:
ّ
أن اإلقام ة يف بالد الك ّفار ذات خط ر
أن الواق ع يثب ت ّ
والّذي يظه ر -واهلل أعل مّ -
عظيم على دين املسلم ،وأخالقه وسلوكه وآدابه ،فكم زاغ واحنرف من املسلمني املقيمني
لصحة أدلّته ،وصراحتها .لكن
األول هو أرجح األقوال؛ ّ
يف تلك البلدان ! لذا فالقول ّ
ومطاردا في بالده ،ولم يجد دولة مسلمة يلتجئ إليها ،فتجوز
ً إن كان املسلم مضطه ًدا
الزيغ ،واستطاع أن اإلقامة املؤقتة يف بلد كافر ،إن أمن املقيم على دينه من االحنراف و ّ
يظهر شعائر اإلسالم ،مع عدم اخلضوع ألنظمتهم وأحكامهمِ ،
وعزم الّنيّة على العودة مىت
تيس ر ل ه ذلكّ .أم ا إ ن كان ت ألغراض دنيويّ ة ،فال جتوز؛ مل ا يرتتّ ب عليه ا م ن حماذي ر
ّ
شرعيّة.