You are on page 1of 3

‫المي‬ ‫ر إس‬ ‫فك‬

‫أحكام الشرع بين الدولة واألفراد‬

‫في النظ ام اإلس المي إذا قّص ر الح اكم في القي ام بأعم ال الحكم‪ ،‬فه ل يق وم الن اس به ذه األعم ال تالفي ًا‬
‫للتقصير؟ وإذا لم يكن هناك دولة إسالمية تطّبق الشرع فما الذي يباشره الناس من أحكام الشرع وما الذي ال يج وز‬
‫لهم مباش رته؟ وم ا حكم اس تعمال الس الح إلقام ة الخالف ة؟ ومن ه و المس ؤول عن الرعاي ة اإللزامي ة والرعاي ة غ ير‬
‫اس؟‬ ‫ؤون الن‬ ‫ة لش‬ ‫اإللزامي‬

‫راد‬ ‫ة واألف‬ ‫بين الخليف‬


‫األحكام الشرعية منها ما هو منوط باألفراد ومنها ما هو منوط باحلاكم (اخلليفة أو من ينوب عنه) ومنها ما يقوم‬
‫ة (أي احلاكم)‪.‬‬ ‫ه الدول‬ ‫وم ب‬ ‫راد وتق‬ ‫ه األف‬ ‫ب‬
‫فاألمور املتعّلقة بالعقائد والعبادات واألخالق واملطعومات وامللبوسات واملعامالت هي من األمور اليت جيب على‬
‫الف رد املس لم أن يل تزم هبا ويؤّديه ا س واء ك ان يعيش يف دار إس الم أو دار كف ر‪ ،‬وس واء ك انت هن اك دول ة إس المية أو مل‬
‫تكن‪ .‬وخليف ة املس لمني حني ي ؤّدي ه ذه األم ور يف الدول ة اإلس المية ه و يؤّديه ا بص فته الفردّي ة وليس بص فته حاكم ًا‪.‬‬
‫أما األمور املتعلقة بإقامة احلدود‪ ،‬والقضاء بني الناس‪ ،‬والرعاية اإللزامية لشؤوهنم‪ ،‬وإعالن احلرب‪ ،‬وعقد اهلدنة أو‬
‫الصلح أو املعاهدات‪ ،‬كل ذلك هو من أعمال اخلليفة بصفته حاكم ًا وليس بصفته الفرّدية‪ .‬وال جيوز لألفراد أن ميارسوا‬
‫هذه األحكام؛ فإذا قص ّر فيها اخلليفة فإن عليهم أن حياسبوه حىت يقوم بواجبه‪ ،‬وليس هلم أن يقوموا هم بأخذ صالحّياته‬
‫والقي ام بأعمال ه‪ .‬وإذا زالت اخلالف ة فليس لألف راد أن يقوم وا بأعم ال اخلليف ة‪ ،‬ب ل عليهم أن يقيم وا اخلالف ة ويب ايعوا خليف ة‬
‫الحّياته‪.‬‬ ‫ال احلكم وميارس ص‬ ‫وم بأعم‬ ‫يق‬
‫وهناك أمور مثل بناء املسجد‪ ،‬ومحل الدعوة للناس‪ ،‬واألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬واإلصالح بني الناس‪،‬‬
‫والرعاي ة غ ري اإللزامي ة لش ؤوهنم‪ ،‬والقت ال يف وج ه من يعت دي عليهم‪ ،‬ك ل ذل ك يق وم ب ه األف راد وتق وم ب ه الدول ة‪.‬‬

‫دور المّك ي‬ ‫في ال‬


‫وبن اء على ه ذا التص نيف لألحك ام فإن ه ليس مهم ًا عن د املس لم م ىت ن زلت ه ذه األحك ام‪ ،‬فال ي رتتب على مك ان‬
‫نزوهلا أو زمن نزوهلا أية نتيجة‪ .‬ولكننا نالحظ أن األحكام املنوطة باحلاكم فقط‪ ،‬بدأ نزوهلا يف املدينة بعد اهلجرة‪ ،‬أي بعد‬
‫أن ص ار للمس لمني دول ة وح اكم‪ .‬أم ا قب ل ذل ك فك انت أم ور ال دين مقتص رة على م ا يق وم ب ه األف راد‪.‬‬
‫ولذلك فإّننا حينما نقول بأننا اآلن يف وضع يشبه الدور املّك ي نعين أننا ال يوجد لنا اآلن دولة إسالمية‪ ،‬واملسلمون‬
‫يف الدور املّك ي مل تكن هلم دولة إسالمية‪ ،‬واملسلمون يف ذلك الدور مل ميارسوا األعمال املنوطة باحلكام ألنه مل يكن هلم‬
‫حاكم ومل تكن تلك األحكام قد نزلت بعد‪ .‬أما اآلن فإن هذه األحكام نازلة وموجودة ولكن ال يوجد حاكم يطّبقها‬
‫فهي معّطل ة‪ ،‬وتبقى معّطل ة ح ىت ُتق ام الدول ة اإلس المية وُيق ام احلاكم ال ذي يطّبقه ا‪ ،‬ألن ه ال جيوز لألف راد أن يطّبقوه ا‪.‬‬

‫الـوعـي – العـدد السادس ‪ -‬السـنـة األولى ‪ -‬ربيع األول ‪1408‬هـ ‪ -‬تشرين الثاني ‪1987‬م‬
‫‪1‬‬
‫وأّم ا األحك ام ال يت ن زلت يف املدي ة بع د قي ام الدول ة وال يت ليس ت منوط ة باحلاكم‪ ،‬ف إن املس لمني مط الُبون هبا من ذ‬
‫الم‪.‬‬ ‫ر أو دار إس‬ ‫انوا يف دار كف‬ ‫واء ك‬ ‫اعة‪ ،‬س‬ ‫ام الس‬ ‫نزوهلا وإىل قي‬
‫ول ذلك ف إن الض ابط ال ذي نص ّنف األحك ام مبوجب ه ه و كوهنا خاّص ة باحلاكم أو خاّص ة ب األفراد‪ ،‬أو هي من‬
‫األحك ام ال يت يق وم هبا احلاكم ويق وم هبا األف راد بغّض النظ ر عن زمن نزوهلا أو مكان ه‪.‬‬

‫ا‬ ‫بر من نفعه‬ ‫ررها أك‬ ‫ض‬


‫ونأيت إىل سؤال‪ :‬إقامة اجلمعيات اخلريية ومجعيات الوعظ واإلرشاد ومجعيات بناء املساجد‪ ،‬هل هي من أعمال‬
‫األف راد أو من أعم ال احلاكم؟ واجلواب واض ح‪ ،‬وه و أن النص وص املتعلق ة هبذه املس ائل ج اءت حتث األف راد على القي ام‬
‫بذلك‪ .‬من ذلك قوله ‪« :‬من بنى هلل مسجدًا بنى اهلل له بيت ًا في الجنة»‪ ،‬ومنها‪« :‬من نّف س عن مؤمن كربة من كرب‬
‫الدنيا نّف س اهلل عنه كربه من كرب يوم القيامة‪ ،‬واهلل في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» ومنها‪« :‬ما بال‬
‫أقوام ال يتعلمون من جيرانهم‪ ،‬وما بال أقوام ال يعّلمون جيرانهم»‪ .‬وما كان من أعمال الفرد فإنه جيوز أن يتعاون فيه‬
‫جمموعة من األفراد‪ ،‬سواء شكلوا مجعية هلا أمري وهلا صفة الدوام أو كان تعاونًا عابرًا ملرة أو مّر ات‪ .‬وهذه األعمال تقوم هبا‬
‫الدولة (أي احلاكم) كما يقوم هبا األفراد‪ ،‬والفرق أن احلاكم له صالحية اإللزام‪ ،‬بينما األفراد ليس هلم صالحية اإللزام‪.‬‬
‫وهذا األعمال هي رعاية الشؤون‪ ،‬ورعاية الشؤون االختيارية ليست من احلكم‪ ،‬فهي جائزة لألفراد‪ ،‬أما رعاية الشؤون‬
‫اإللزامية فهي حكم وهي خاصة باخلليفة‪ ،‬واخلليفة مل حيصل عليها إال بعد أن بايعه الناس‪ .‬ولكن هذه اجلمعيات كثريًا ما‬
‫يكون ضررها اخلفي أكرب من نفعها الظاهر‪ ،‬ويف هذا احلال فإن عدم وجودها أفضل ألهنا تنفس محاسة املسلمني يف أمور‬
‫ص غرية وتلهيهم عن العم ل إلقام ة الدول ة اإلس المية ال يت تص حح األوض اع وت رعى الش ؤون بش كل ج ذري‪.‬‬
‫ونأيت إىل سؤال آخر‪ :‬العمل املسّلح حملاربة العدو مثل إسرائيل‪ ،‬أو لرد الصائل‪ ،‬أو للعمل إلقامة الدولة اإلسالمية‬
‫ة؟‬ ‫ال الدول‬ ‫راد أو من أعم‬ ‫ال األف‬ ‫و من أعم‬ ‫له‬ ‫ه؟ وه‬ ‫ا حكم‬ ‫م‬
‫اجلواب‪ :‬السالح على أيام رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم كان موجودًا بني أيدي الناس وليس يف أيدي فئة‬
‫معينة فقط‪ .‬وقد وردت نصوص أن املرء مشروع له أن يدافع عن ماله ونفسه وعرضه بالسالح إذا صال عليه صائل‪ .‬سأل‬
‫رجل رسول اهلل ‪« :‬أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال‪ :‬ال تعطه مالك‪ .‬قال‪ :‬أرأيت إن قاتلني؟ قال‪ :‬فقاتله»‬
‫لمني‪.‬‬ ‫ة بني املس‬ ‫ة الفتن‬ ‫ري حال‬ ‫ةغ‬ ‫ذه احلال‬ ‫احلديث‪ ،‬وه‬

‫زمن‬ ‫ال ال‬ ‫اط‬ ‫رض مهم‬ ‫ف‬


‫وأما قتال األعداء مثل إسرائيل فاحلكم الشرعي الواضح عند املسلمني أنه حني يغزو الكّف ار بالد املسلمني فإن‬
‫قتاهلم فرض عني على كل مسلم يف تلك النقطة‪ ،‬وجيب أن يهّب ‪,‬ا فورًا‪ ،‬واملرأة خترج لقتال العدو دون أن حتتاج إىل إذن‬
‫زوجها‪ ،‬وجيب أن يستمّر القتال حىت ُيطرد العدو‪ ،‬وإذا مل يك ِف أه ُل تلك البقعة لرّد الكّف ار انتقل الوجوب إىل من يليهم‬
‫حىت حتصل الكفاية‪ .‬وال جيوز للمسلمني أن يستكينوا مهما طال الزمن‪ .‬واليهود قد اعتدوا على بالد املسلمني‪ ،‬واحتّل وا‬
‫فلسطني وغريها‪ ،‬وّر دوا أهلها؛ واعتداؤهم ما زال مستمرًا‪ ،‬فقتاهلم واجب‪ ،‬وهو واجب على األفراد وعلى احلاكم وليس‬

‫الـوعـي – العـدد السادس ‪ -‬السـنـة األولى ‪ -‬ربيع األول ‪1408‬هـ ‪ -‬تشرين الثاني ‪1987‬م‬
‫‪2‬‬
‫خاص ًا باحلاكم وح ده‪ .‬والقت ال ال ذي ه و خ اّص باحلاكم وال جيوز لألف راد إال ب أمر احلاكم ه و إعالن احلرب أو املب ادرة‬
‫ة‪.‬‬ ‫رب فعل ّي‬ ‫ا وبينهم ح‬ ‫وٍم بينن‬ ‫حبرب ق‬

‫فقهي‬ ‫خالف‬
‫وأما استعمال السالح إلقامة الدولة اإلسالمية فإن املسألة فيها خالف فقهي‪ .‬فالذين جييزون أو يوجبون استعمال‬
‫السالح يستدّلون باألحاديث اليت تأمر بطاعة احلاكم وعدم اخلروج عليه إال يف حالة إظهاره الكفر البواح‪ .‬وهم يقولون‬
‫بأن احلّك ام احلاليني قد أظهروا الكفر البواح وحنن نرى منهم تطبيق الكفر الصراح‪ ،‬فيجب علينا أن ننابذهم بالسيف‪ ،‬أي‬
‫ىت نغرّي عليهم أو نغرّي هم‪.‬‬ ‫الح ح‬ ‫بالس‬
‫وال ذين ال جييزون اس تعمال الس الح يس تدّلون ب أن الرس ول ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم مل يس تعمل الس الح ه و‬
‫وأص حابه يف إقام ة الدول ة اإلس المية‪ ،‬وك ان أم ر اهلل هلم أن يكف وا أي ديهم ويقيم وا الص الة‪ :‬أَلْم َتَر إلى ال ذين قبل لهم‬
‫ُكّف وا أيديكم وأقيموا الصالة‪ .‬وبعد بيعة العقبة عرض عليه أصحابه أن يقاتلوا‪ .‬قالوا‪( :‬لو شئت لنميلّن على أهل مىن‬
‫غدًا بأسيافنا‪ .‬قال‪ :‬مل تؤمر بعد)‪ .‬وبعد اهلجرة‪ ،‬وبعد أن صار للمسلمني دول ة ُأِذ ن هلم بالقتال‪ُ :‬أِذ ن للذين يقاتلون بأنهم‬
‫دير‪.‬‬ ‫وا وأن اهلل على نصرهم لق‬ ‫ُظِلم‬
‫وهؤالء الذين ال جييزون استعمال السالح إلقامة الدولة يفّر قون بني وضعني‪ :‬وضع دار كفر مستقرة على أنظمة‬
‫الكفر من زمن‪ ،‬ووضع دار إسالم تطبق أنظمة اإلسالم‪ ،‬وقام احلاكم فيها يعمل على حتويلها إىل دار كفر بإظهار بعض‬
‫أحكام الكفر فيها‪ .‬يف الوضع الثاين تنطبق األحاديث اليت توجب منابذهتم بالسيف‪ .‬أما يف الوضع األول فإهنا ال تنطبق‪،‬‬
‫ألن الوضع األول حيتاج إىل محل دعوة وتغيري القناعات واملقاييس واملفاهيم عند الناس قبل محل السالح على احلكام‪ ،‬ألن‬
‫املس ألة ليس ت مس ألة ح اكم يري د رّد اجملتم ع إىل أنظم ة الكف ر‪ ،‬ب ل مس ألة جمتم ع تري د نقل ه من الكف ر إىل اإلس الم‪ .‬ول و‬
‫افرتضنا أن املسلمني املوجودين اآلن يف فرنسا أرادوا محل الدعوة اإلسالمية فيها‪ ،‬فهل يفّك ر أحد أن يقيم الدولة اإلسالمية‬
‫ف‪.‬‬ ‫األمر خمتل‬ ‫ة الفتح ف‬ ‫ا يف حال‬ ‫الح؟ أم‬ ‫ق الس‬ ‫اك عن طري‬ ‫هن‬
‫ولذلك فإَّن الرأي األصح واألرجح هو عدم جواز استعمال السالح اآلن إلقامة الدولة اإلسالمية‪ ،‬بل يكون عن‬
‫طريق طلب النصرة من أهل القوة بعد أن حصل التفاعل مع األمة وصارت األمة تتوق وتتطلع إىل قيام اخلالفة اإلسالمية‬
‫زل اهلل‪.‬‬ ‫ذي حيكم مبا أن‬ ‫لمني ال‬ ‫ة املس‬ ‫ة خليف‬ ‫ومبايع‬

‫الـوعـي – العـدد السادس ‪ -‬السـنـة األولى ‪ -‬ربيع األول ‪1408‬هـ ‪ -‬تشرين الثاني ‪1987‬م‬
‫‪3‬‬

You might also like