Professional Documents
Culture Documents
َقذْف *
التّعريف :
-القذف لغةً :الرّمي مطلقا ،والتّقاذف التّرامي ،ومنه الحديث « :كان عند عائشة رضي 1
ال عنها قينتان تغنّيان بما تقاذفت فيه النصار من الشعار يوم بعاث » أي :تشاتمت ،وفيه
معنى الرّمي ; لنّ الشّتم رمي بما يعيبه ويشينه .
واصطلحا :عرّفه الحنفيّة والحنابلة بأنّه :الرّمي بالزّنا ،وزاد الشّافعيّة " :في معرض
التّعيير" ،وعرّفه المالكيّة بأنّه :رمي مكلّف حرّا مسلما بنفي نسب عن أب أو ج ّد أو بزنا .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -اللّعان :
-اللّعان لغةً :مصدر لعن كقاتل من اللّعن ،وهو الطّرد والبعاد . 2
فاللّفظ الذي يقصد به القذف :إن لم يحتمل غيره فصريح ،وإلّ فإن فهم منه القذف بوضعه
فكناية ،وإلّ فتعريض .
واتّفق الفقهاء على أنّ القذف بصريح الزّنا يوجب الح ّد بشروطه .
وأمّا الكناية :فعند الشّافعيّة والمالكيّة :إذا أنكر القذف صدّق بيمينه ،وعليه التّعزير عند
ي بما إذا خرج اللّفظ مخرج السّبّ وال ّذمّ ،
جمهور فقهاء الشّافعيّة ،لليذاء ،وقيّده الماورد ّ
فإن أبى أن يحلف ،حبس عند المالكيّة ،فإن طال حبسه ولم يحلف عزّر .
ولكنّهم اختلفوا في بعض اللفاظ :
فعند الشّافعيّة إذا قال لرجل :يا فاجر ،يا فاسق ،يا خبيث ،أو لمرأة :يا فاجرة ،يا
فاسقة ،يا خبيثة ،أو أنت تحبّين الخلوة ،أو ل تردّين يد لمس ،فإن أنكر إرادة القذف صدّق
بيمينه ; لنّه أعرف بمراده ،فيحلف أنّه ما أراد القذف ،ثمّ عليه التّعزير .
وعند المالكيّة :إذا قال لخر :يا فاجر ،يا فاسق ،أو يا ابن الفاجرة ،أو يا ابن الفاسقة ،
يؤدّب ،فإذا قال :يا خبيث ،أو يا ابن الخبيثة ،فإنّه يحلف أنّه ما أراد قذفا ،فإن أبى أن
يحلف يحبس ،فإن طال حبسه ولم يحلف عزّر .
وإذا قال :يا فاجر بفلنة ،ففيه قولن :الوّل :حكمه حكم ما إذا قال :يا خبيث ،أو يا ابن
الخبيثة .
الثّاني :أن يضرب ح ّد القذف ،إلّ أن تكون له بيّنة على أمر صنعه من وجوه الفجور ،أو من
أمر يدّعيه ،فيكون فيه مخرج لقوله ،فإن لم يكن له بيّنة ،فعليه الحدّ ،وإذا قال لخر :يا
مخنّث ،فعند المالكيّة عليه الحدّ ،إلّ أن يحلف باللّه ،إنّه لم يرد بذلك قذفا ،فإن حلف عفي
عنه بعد الدب ،ول يضرب حدّ الفرية ،وإنّما تقبل يمينه ،إذا كان المقذوف فيه تأنيث ولين
واسترخاء ،فحينئذ يصدّق ،ويحلف إنّه لم يرد قذفا ،وإنّما أراد تأنيثه ذلك ،وأمّا إذا كان
المقذوف ليس فيه شيء من ذلك ،ضرب الحدّ ،ولم تقبل يمينه ،إذا زعم أنّه لم يرد بذلك
قذفا ،ولو قال لمرأة :يا قحبة ،فعليه الحدّ عند المالكيّة ،وهو الظّاهر عند الشّافعيّة .
وعند الحنفيّة والحنابلة :ل ح ّد إلّ على من صرّح بالقذف ،فلو قال رجل لخر :يا فاسق يا
خبيث ،أو يا فاجر ،أو يا فاجر ابن الفاجر ،أو يا ابن القحبة ،فل ح ّد عليه ; لنّه ما نسبه
ول أمّه إلى صريح الزّنا ،فالفجور قد يكون بالزّنا وغير الزّنا ،والقحبة من يكون منها هذا
الفعل ،فل يكون هذا قذفا بصريح الزّنا ،فلو أوجبنا الحدّ ،فقد أوجبناه بالقياس ،ول مدخل
للقياس في الحدّ ،لكنّه عليه التّعزير ; لنّه ارتكب حراما ،وليس فيه ح ّد مقدّر ; ولنّه ألحق
به نوع شين بما نسبه إليه ،فيجب التّعزير ،لدفع ذلك الشّين عنه .
-ولو قال رجل لخر :زنأت مهموزا ،كان قذفا صريحا عند أبي حنيفة وصاحبيه ، 8
والحنابلة في المذهب ،وهو أحد قولين في مقابل الصحّ للشّافعيّة ; لنّ عامّة النّاس ل
يفهمون من ذلك إلّ القذف ،فكان قذفا ،كما لو قال :زنيت .
والقول الثّاني في مقابل الصحّ للشّافعيّة :أنّه إن كان من أهل اللّغة فكناية ،وإن كان من
ن العامّة ل يفرّقون بين زنيت وزنأت .
العامّة فهو قذف ; ل ّ
والصحّ عند الشّافعيّة :أنّه كناية .
وقال ابن حامد من الحنابلة :إن كان عامّيّا فهو قذف ،وإن كان من أهل العربيّة لم يكن قذفا .
-ولو قال لرجل :يا زانية ،ل يحدّ استحسانا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ،وهو أحد 9
عينك ،أو يدك ،أو رجلك ،فليس بقذف عند الحنفيّة .
وللشّافعيّة فيه قولن :المذهب أنّه كناية ،إن قصد القذف كان قذفا ،وإلّ فل ; لنّ الزّنا ل
ن اللّه كتب على
ي صلى ال عليه وسلم « :إ ّ
يوجد من هذه العضاء حقيقةً ،ولهذا قال النّب ّ
ابن آدم حظّه من الزّنا ،أدرك ذلك ل محالة ،فزنا العين النّظر ،وزنا اللّسان النّطق ،والنّفس
تتمنّى وتشتهي ،والفرج يصدّق ذلك كلّه ويكذّبه » ،ومقابل المذهب :أنّه قذف ،لنّه أضاف
الزّنا إلى عضو منه ،فأشبه ما إذا أضافه إلى الفرج ،فإن قال :زنى بدنك ،ففيه وجهان :
أحدهما :أنّه ليس بقذف من غير نيّة ; لنّ الزّنا بجميع البدن يكون بالمباشرة ،فلم يكن
صريحا في القذف .
والثّاني :أنّه قذف ; لنّه أضافه إلى جميع البدن ،والفرج داخل فيه .
وإن قال لرجل :أنت أزنى من فلن ،فل حدّ عليه عند الحنفيّة مطلقا ; لنّ أفعل يذكر بمعنى
المبالغة في العلم ،فكان معنى كلمه :أنت أعلم بالزّنا من فلن ،أو أنت أقدر على الزّنا من
فلن .
وعند الشّافعيّة :ل يكون قذفا من غير نيّة .
وعند الحنابلة وأبي يوسف من الحنفيّة :يكون قذفا فيحدّ ،وهل يكون قاذفا للثّاني ؟
فيه وجهان :أحدهما :يكون قاذفًا له ،لنّه أضاف الزّنا إليهما ،وجعل أحدهما فيه أبلغ من
الخر ،فإنّ لفظة " :أفعل " للتّفضيل ،فيقتضي اشتراك المذكورين في أصل الفعل ،وتفضيل
أحدهما على الخر فيه ،كقوله " :أجود من حاتم " .
ن لفظة " :أفعل " قد تستعمل للمنفرد بالفعل ،كقول
ص ًة ; ل ّ
والثّاني :يكون قاذفا للمخاطب خا ّ
ي ِإلّ أَن ُيهْدَى } .
ق َأحَقّ أَن يُتّبَعَ َأمّن لّ َيهِ ّد َ
اللّه تعالى { :أَ َفمَن َيهْدِي إِلَى ا ْلحَ ّ
وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن قال لرجل :يا زاني ،فقال آخر :صدقت ،لم يح ّد المصدّق ; لنّه ما
صرّح بنسبته إلى الزّنا ،وتصديقه إيّاه لفظ محتمل ،يجوز أن يكون المراد به في الزّنا وفي
غيره ،وإن كان باعتبار الظّاهر إنّما يفهم منه التّصديق في الزّنا ،ولكنّ هذا الظّاهر ل يكفي
ليجاب الحدّ ،إلّ أن يكون قال :صدقت هو كما قلت ،فحينئذ قد صرّح بكلمه أنّ مراده
التّصديق في نسبته إلى الزّنا ،فيكون قاذفا له .
وقال زفر :في كلتا المسألتين يحدّان جميعا ،وإن قال لرجل :أشهد أنّك زان ،وقال آخر :
وأنا أشهد أيضا ،ل حدّ على الخر ; لنّ قوله أشهد كلم محتمل ،فل يتحقّق به القذف إلّ أن
يقول :أنا أشهد عليه بمثل ما شهدت به ،فحينئذ يكون قاذفا له .
ل بعمل قوم لوط إمّا فاعلً أو مفعولً ،فعليه ح ّد القذف ; لنّه قذفه بوطء
-ومن قذف رج ً 11
ن التّعريض بالقذف ،قذف ،كقوله :ما أنا بزان ،وأمّي ليست بزانية ،
فذهب الحنفيّة :إلى أ ّ
ن المعنى :بل أنت زان .
ولكنّه ل يحدّ ; لنّ الح ّد يسقط للشّبهة ،ويعاقب بالتّعزير ; ل ّ
وذهب مالك :إلى أنّه إذا عرّض بالقذف غي ُر أب ،يجب عليه الحدّ إن فهم القذف بتعريضه
بالقرائن ،كخصام بينهم ،ول فرق في ذلك بين النّظم والنّثر ،أمّا الب إذا عرّض لولده ،فإنّه
ل يحدّ ،لبعده عن التّهمة .
وهو أحد قولين للمام أحمد ; لنّ عمر رضي ال عنه استشار بعض الصّحابة في رجل قال
لخر :ما أنا بزان ول أمّي بزانية .فقالوا :إنّه قد مدح أباه وأمّه ،فقال عمر :قد عرّض
لصاحبه ،فجلده الحدّ .
والتّعريض بالقذف عند الشّافعيّة ،كقوله :يا ابن الحلل ،وأمّا أنا فلست بزان ،وأمّي ليست
ن النّيّة إنّما تؤثّر إذا احتمل اللّفظ المنويّ ،ول
بزانية ،فهذا كلّه ليس بقذف وإن نواه ; ل ّ
دللة هنا في اللّفظ ،ول احتمال ،وما يفهم منه مستنده قرائن الحوال ،هذا هو الصحّ .
وقيل :هو كناية ،أي عن القذف ،لحصول الفهم واليذاء ،فإن أراد النّسبة إلى الزّنا فقذف ،
وإلّ فل .وسواء في ذلك حالة الغضب وغيرها ،وهو أحد قولي المام أحمد .
شروط حدّ القذف :
لح ّد القذف شروط في القاذف ،وشروط في المقذوف :
أ -شروط القاذف :
-اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في القاذف :البلوغ والعقل والختيار ،وسواء أكان ذكرا 13
وشروط الحصان في القذف :البلوغ ،والعقل ،والسلم ،والحرّيّة ،والعفّة عن الزّنا ،فإن
ن ما رمى به الصّغير والمجنون لو تحقّق لم
قذف صغيرا أو مجنونا لم يجب عليه الحدّ ; ل ّ
ل بما دون الوطء ،وإن قذف
يجب به الحدّ ،فلم يجب الحدّ على القاذف ،كما لو قذف عاق ً
ن النّبيّ صلى ال عليه
كافرا لم يجب عليه الحدّ ،لما روى ابن عمر رضي ال عنهما « :أ ّ
وسلم قال :من أشرك باللّه فليس بمحصن » ،وإن قذف مملوكًا لم يجب عليه الحدّ ; لنّ
ق يمنع كمال الحدّ ،فيمنع وجوب الحدّ على قاذفه ،وإن قذف زانيا لم يجب عليه
نقص الرّ ّ
شهَدَاء فَاجْلِدُو ُهمْ َثمَانِينَ
ت ُثمّ َلمْ يَأْتُوا بِ َأرْ َب َعةِ ُ
الحدّ ،لقوله ع ّز وجلّ { :وَالذينَ َي ْرمُونَ ا ْل ُمحْصَنَا ِ
جَلْدَةً } ،فأسقط الح ّد عنه إذا ثبت أنّه زنى ،فدلّ على أنّه إذا قذفه وهو زان لم يجب عليه
الحدّ ،وقال مالك في الصّبيّة الّتي يجامع مثلها :يحدّ قاذفها ،خصوصا إذا كانت مراهقةً ،فإنّ
الحدّ بعلّة إلحاق العار ،ومثلها يلحقها .
). 19 - 15 والتّفصيل في مصطلح ( إحصان ف /
وقوعه في دار الحرب أو دار السلم :
-ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :إلى أنّه يجب الحدّ على القاذف في غير دار السلم ، 15
مع مراعاة الشّروط السّابقة في القاذف ،كما يجب في دار السلم ،لنّه ل فرق بين دار
ن اللّه تعالى يقول { :الزّانِ َيةُ
الحرب ودار السلم فيما أوجب اللّه على خلقه من الحدود ; ل ّ
ن ا ْل ُمحْصَنَاتِ ُثمّ َلمْ
ن يَ ْرمُو َ
وَالزّانِي فَاجْلِدُوا ُكلّ وَاحِدٍ مّ ْن ُهمَا مِئ َة جَلْدَةٍ } ،وقال تعالى { :وَالذي َ
طعُواْ أَيْدِ َي ُهمَا
ق وَالسّارِ َقةُ فَا ْق َ
ن جَلْدَةً } ،وقال { :وَالسّارِ ُ
شهَدَاء فَاجْلِدُو ُهمْ َثمَانِي َ
يَأْتُوا ِبأَرْ َب َعةِ ُ
} ،ولم يستثن من كان في دار السلم ،ول في دار الكفر ،والحرام في دار السلم حرام في
دار الكفر ،فمن أصاب حراما فقد حدّه اللّه على ما كان منه ،ول تضع عنه بلد الكفر شيئا ،
ويقام الحدّ في كلّ موضع ; لنّ أمر اللّه تعالى بإقامته مطلق في كلّ مكان وزمان ،وقال
الحنابلة :ل يقام الحدّ إلّ إذا رجع إلى بلد السلم .
وقال الحنفيّة :ل حدّ على القاذف في غير دار السلم ; لنّه في دار ل حدّ على أهلها ; ولنّه
ارتكب السّبب وهو ليس تحت ولية المام ،وإنّما تثبت للمام ولية الستيفاء إذا ارتكب
السّبب وهو تحت وليته ،وبدون المستوفى ل يجب الحدّ .
ولو دخل الحربيّ دارنا بأمان فقذف مسلما ،لم يحدّ في قول أبي حنيفة الوّل ; لنّ المغلّب في
ق اللّه تعالى ; ولنّه ليس للمام عليه ولية الستيفاء ،حين لم يلتزم شيئا من
هذا الحدّ ح ّ
أحكام المسلمين بدخوله دارنا بأمان .
ويحدّ في قول أبي حنيفة الخر ،وهو قول أبي يوسف ومحمّد رحمهم ال ،فإنّ في هذا الحدّ
ق العبد ،وهو ملتزم حقوق العباد ; ولنّه بقذف المسلم يستخفّ به ،وما أعطي المان
معنى ح ّ
على أن يستخفّ بالمسلمين ،ولهذا يحدّ بقذف المسلم .
). 5 انظر مصطلح ( دار الحرب ف /
ثبوت حدّ القذف :
ثبوته بالشّهادة :
-يثبت القذف بشهادة شاهدين عدلين ،ول تقبل فيه شهادة النّساء مع الرّجال في قول 16
عامّة الفقهاء ،فعن الزّهريّ أنّه قال :جرت السّنة على عهد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
والخليفتين من بعده ،أن ل تقبل شهادة النّساء في الحدود ،ول تقبل فيه الشّهادة على
ن موجبه حدّ يندرئ بالشّبهات ،وهو قول النّخعيّ
الشّهادة ،ول كتاب القاضي إلى القاضي ; ل ّ
والشّعبيّ ،وأبي حنيفة وأحمد .
وقال مالك وأبو ثور ،والشّافعيّ في المذهب :تقبل فيه الشّهادة على الشّهادة ،وفي كلّ حقّ ;
ن ذلك يثبت بشهادة الصل ،فيثبت بالشّهادة على الشّهادة ،كما يقبل فيه كتاب القاضي إلى
لّ
القاضي .
ثبوته بالقرار :
-ويثبت بالقرار كسائر الحقوق ،ويجب الحدّ بإقراره ،ومن أق ّر بالقذف ثمّ رجع لم يقبل 17
ق اللّه تعالى ;
رجوعه ; لنّ للمقذوف فيه حقّا ،فيكذّبه في الرّجوع ،بخلف ما هو خالص ح ّ
لنّه ل مكذّب له فيه ،فيقبل رجوعه .
). 38 ،ومصطلح ( رجوع ف / 60 - 59 انظر مصطلح ( إقرار ف /
حدّ القذف :
ن ا ْل ُمحْصَنَاتِ ُثمّ َل ْم يَأْتُوا
ن يَ ْرمُو َ
-حدّ القذف للحرّ ثمانون جلدةً ،لقوله تعالى { :وَالذي َ 18
ن رجوعهم
الفقهاء ،وكذلك إذا رجع بعضهم ولم يبق منهم ما يثبت الحدّ بشهادته منهم ; ل ّ
شبهة ،والحدود تدرأ بالشّبهات .
). 37 والتّفصيل في مصطلح ( رجوع ف /
التّعزير في القذف :
-ل يقام ح ّد القذف على القاذف إ ّل بشروطه ،فإذا انعدم واحد منها أو اختلّ ،فإنّ الجاني 24
ل يحدّ ،ويعزّر عند طلب المقذوف ; لنّه ارتكب معصيةً ل حدّ فيها .
). 37 والتّفصيل في مصطلح ( :تعزير ف /
ثبوت فسق القاذف وردّ شهادته :
-إذا قذف الرّجل زوجته ،فحقّق قذفه ببيّنة ،أو لعان ،أو قذف أجنب ّيةً أو أجنبيّا ،فحقّق 25
قذفه بالبيّنة ،أو بإقرار المقذوف ،لم يتعلّق بقذفة فسق ،ول حدّ ،ول ر ّد شهادة ،وإن لم
يحقّق قذفه بشيء من ذلك ،تعلّق به وجوب الحدّ عليه ،والحكم بفسقه ،ور ّد شهادته ،لقوله
ن جَلْدَةً وَلَا َتقْبَلُوا
شهَدَاء فَاجْلِدُو ُهمْ َثمَانِي َ
ت ُثمّ َلمْ يَأْتُوا بِ َأرْ َب َعةِ ُ
تعالى { :وَالذينَ َي ْرمُونَ ا ْل ُمحْصَنَا ِ
سقُونَ } .
شهَادَ ًة أَبَدا َوُأوْلَئِكَ ُه ُم الْفَا ِ
َل ُهمْ َ
فإن تاب القاذف لم يسقط عنه الحدّ ،وزال الفسق بل خلف ،وتقبل شهادته عند الجمهور .
وذهب الحنفيّة إلى أنّه :ل تقبل شهادته إذا جلد وإن تاب .
). 21/ والتّفصيل في مصطلح ( توبة ف
تكرار القذف :
-إن قذف رجلً مرّات فلم يح ّد ،وجب عليه حدّ واحد ،سواء قذفه بزنا واحد أو بزنيات ; 26
لنّهما حدّان من جنس واحد لمستحقّ واحد ،فتداخل ،كما لو زنى ثمّ زنى ،وفي قول عند
الشّافعيّة :أنّه يجب عليه حدّان ; لنّه من حقوق الدميّين ،فلم تتداخل ،كالدّيون .
وإن قذفه فحدّ ثمّ أعاد قذفه ،نظر :فإن قذفه بذلك الزّنا الذي حدّ من أجله لم يعد عليه الحدّ ،
ن أبا بكرة لمّا حدّ بقذف المغيرة ،أعاد قذفه ،فلم يروا عليه حدّا ثانيا ،فقد
وعزّر لليذاء ،فإ ّ
ورد عن ظبيان بن عمارة قال :شهد على المغيرة بن شعبة ثلثة نفر أنّه زان فبلغ ذلك عمر
فكبّر عليه وقال :شاط ثلثة أرباع المغيرة بن شعبة ،وجاء زياد فقال :أمّا عندك ؟ فلم
يثبت ،فأمر بهم فجلدوا ،وقال :شهود زور ،فقال أبو بكرة :أليس ترضى إن أتاك رجل
عدل يشهد برجمه ؟ قال :نعم والذي نفسي بيده ،فقال أبو بكرة :وأنا أشهد أنّه زان ،فأراد
أن يعيد عليه الجلد ،فقال عليّ :يا أمير المؤمنين إنّك إن أعدت عليه الجلد أوجبت عليه
الرّجم ،وفي حديث آخر « :فل يعاد في فرية جلد مرّتين » .
فأمّا إن حدّ له ،ثمّ قذفه بزنا ثان ،نظر :فإن قذفه بعد طول الفصل فح ّد ثان ; لنّه ل يسقط
حرمة المقذوف بالنّسبة للقاذف أبدا ،بحيث يمكّن من قذفه بكلّ حال .
وإن قذفه عقيب حدّه ففيه رأيان :
الوّل :يحدّ أيضا ; لنّه قذف لم يظهر كذبه فيه بحدّ ،فيلزم فيه حدّ ،كما لو طال الفصل ;
ولنّ سائر أسباب الحدّ إذا تكرّرت بعد أن حدّ للوّل ،ثبت للثّاني حكمه ،كالزّنا ،والسّرقة ،
وغيرهما من السباب .
الثّاني :ل يح ّد ; لنّه قد حدّ له مرّةً ،فلم يحدّ له بالقذف عقبه ،كما لو قذفه بالزّنا الوّل .
حكم قذف من وطئ بشبهة :
-من قذف من وطئ بشبهة ،فعليه الحدّ إذا لم يسقط بهذا الوطء إحصانه ،فإن سقط بهذا 27
الوطء إحصانه ،لم يحدّ قاذفه ; لنّه قذف غير محصن ،ويعزّر لليذاء .
ن من قذف رجلً استكره امرأةً على الزّنا ،أو قذفها ،فل حدّ على القاذف ;
وعند أبي حنيفة أ ّ
لنّ قذفه للزّاني كان حقّا ،ولنّ المرأة وإن كانت مكرهةً ،لكنّ الزّنا بها يسقط إحصانها مع
رفع الثم عنها .
). 21 - 16 انظر تفصيل ذلك في مصطلح ( إحصان ف ، 7/ومصطلح زنا ف /
حكم من قذف من وطئ المظاهر منها :
ص الحنفيّة والشّافعيّة على المذهب ،على أنّ من وطئ امرأته الّتي ظاهر منها لم يسقط
-ن ّ 28
النبي صلى ال عليه وسلم قضى في الملعنة أن ل ترمى ،ول يرمى ولدها ،ومن رماها أو
رمى ولدها فعليه الحدّ » ; ولنه محصن عفيف .
وإذا قال القاذف :هو من الذي رميت به أمّه فعليه الحدّ ،أما إن قال :ليس هو ابن فلن يعني
الملعن ،وأراد أنه منفيّ عنه شرعا فل حد عليه لنه صادق ،وقال المالكية :من قال لبن
الملعنة :لست لبيك الذي لعن أمك ،فعليه الحدّ .
حكم من قذف من وطئ بنكاح فاسد :
-ل حد على قاذف من وطئ بنكاح فاسد عند الحنفية ; لن العقد الفاسد غير موجب للملك، 31
والوطء في غير الملك في معنى الزّنا فيسقط إحصانه ،فل يحدّ قاذفه .
وهو أحد وجهين عند الشافعية .
والوجه الثاني للشافعية وهو قول الحنابلة :أنه يجب عليه الح ّد ; لنه وطء ل يجب به الحدّ
فلم يسقط الحصان ،فيحدّ قاذفه .
حكم قذف اللقيط :
-ومن قذف اللقيط بعد بلوغه محصنا فعليه الحدّ ; لن قذف المحصن موجب للحدّ . 32
ومن قال له :يا ابن الزّنا ،ففيه قولن عند المالكية :الول :يح ّد لحتمال أن يكون نبذ مع
كونه من نكاح صحيح ،وهو قول ابن رشد وهو الراجح .الثاني :ل يحدّ لن الغالب في
المنبوذ أن يكون ابن زنا ،وهو قول اللخميّ .
وأما لو قال له :يا ابن الزاني ،أو يا ابن الزانية ،فهذا قذف بزنا أبويه ،ل بنفي نسب ،فل
حد على القاذف اتّفاقا ،وعلله ابن رشد بجهل أبويه .
قذف المحدود في الزّنا :
-ومن ثبت زناه ببيّنة أو إقرار فل حد على قاذفه ; لنه صادق سواء قذفه بذلك الزّنا 33
بعينه ،أو بزنا آخر أو مبهما ; لنه رمى غير محصن ; لن المحصن ل يكون زانيا ،ومن ل
يجب عليه الحدّ لعدم إحصان المقذوف يعزر ; لنه آذى من ل يجوز أذاه .
قال الشافعية :والحكم كذلك ولو تاب بعد زناه وصلح حاله ،فلم يعد محصنا أبدا ،ولو لزم
العدالة وصار من أورع خلق ال وأزهدهم ،فل يحدّ قاذفه ،سواء أقذفه بذلك الزّنا أم بزنا
بعده ،أم أطلق ; لن العرض إذا انخرم بالزّنا لم يزل خلله بما يطرأ من العفة ،ول يرد حديث :
« التائب من الذنب كمن ل ذنب له » لن هذا بالنّسبة إلى الخرة .
ونص الحنابلة على أن :من شروط المقذوف أن يكون عفيفا عن الزّنا في ظاهر حاله ،ولو
كان تائبًا منه ; لن التائب من الذنب كمن ل ذنب له ،ثم نصّوا على أن المقذوف إذا أقر بالزّنا
،ولو دون أربع مرات أو حد للزّنا ،فل حد على قاذفه ويعزر .
وحكي عن إبراهيم وابن أبي ليلى :أنه إن قذفه بغير ذلك الزّنا ،أو بالزّنا مبهما فعليه الحدّ ;
لن الرمي موجب للح ّد ،إل أن يكون الرامي صادقا ،وإنما يكون صادقا إذا نسبه إلى ذلك
الزّنا بعينه ،ففيما سوى ذلك فهو كاذب ملحق للشين به .
قذف المرأة الملعنة :
-ومن قذف الملعنة فعليه الحدّ ،وهو قول جمهور الفقهاء ،وهو قول ابن عمر وابن 34
عباس والحسن ،والشعبيّ وطاوس ومجاهد ; لن إحصانها لم يسقط باللّعان ،ول يثبت الزّنا
به ،ولذلك لم يلزمها به حدّ ،وروي عن ابن عباس « :أن النبي صلى ال عليه وسلم قضى
في الملعنة أن ل ترمى ول يرمى ولدها ،ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحدّ » .
واتفق الحنفية مع الجمهور إذا كانت الملعنة بغير ولد ،فأما إن كانت بولد فل حد على
القاذف عند الحنفية لقيام أمارة الزّنا منها ،وهي ولدة ولد ل أب له ،ففاتت العفة نظرا
إليها ،والعفة شرط الحصان .
ونص المالكية والشافعية في المذهب على أن قاذف الملعنة إذا كان أجنبيّا ،أو كان زوجا
وقذفها في غير ما لعنها فيه ،حد مطلقا فإذا كان الملعن نفسه وقذفها فيما لعنها فيه لم
يحد ،وأضاف الشافعية أنه ل يحدّ ولكن يعزر وكذلك لو أطلق القذف .
قذف الميّت :
-أوجب الجمهور حد القذف على من قذف ميّتا محصنا ،ذكرا كان أو أنثى إذا طالب بالحدّ 35
من له الحقّ من الورثة ،وذلك لن وجوب الحدّ باعتبار إحصان المقذوف ،والموت يقرّر
الحصان ول ينفيه .
وقال الحنابلة :ل حد على من قذف ميّتا إل إذا كان الميّت أنثى ،وكان لها ابن محصن فإن له
الحق في المطالبة بالح ّد ; لن قذف أمّه قذف له لنفي نسبه ،ولهذا لم يعتبر إحصان المقذوف
واعتبر إحصان الولد ،ومتى كان المقذوف من غير أمهاته لم يتضمن نفي نسبه فل يحدّ .
قذف الزوج زوجته برجل بعينه :
-من قذف امرأته بالزّنا برجل بعينه فقد قذفهما جميعا ،فإن لعنها سقط الحدّ عنه لهما ، 36
وإن لم يلعن فلكلّ واحد منهما المطالبة بإقامة الحدّ ،وأيّهما طالب حد له ومن لم يطالب فل
يحد له .
ق في
وذهب الشافعية وهو قول للحنابلة إلى أن القذف للزوجة وحدها ،ول يتعلق بغيرها ح ّ
المطالبة ول الحدّ .
حكم من قذف الجنبية ثم تزوجها :
-من قذف أجنبيةً ثم تزوجها فعليه الحدّ ول يلعن ،لنه قذفها في حال كونها أجنبيةً 37
فوجب الحدّ ،ول يملك اللّعان لنه قاذف غير زوجة ،فحكمه حكم من لم يتزوج .
من قذف امرأةً لها أولد ل يعرف لهم أب :
-من قذف امرأ ًة لها أولد ل يعرف لهم أب ،فل حد عليه لقيام أمارة الزّنا ،وهي ولدة 38
ولد ل أب له ففاتت العفة نظرا إليها ،وهي شرط الحصان ويعزر لليذاء .
قذف واحد لجماعة :
-من قذف جماع ًة بكلمة واحدة أو بكلمات فعليه حدّ واحد ،سواء طالبوه دفعةً واحدةً أو 39
طالبوه واحدا بعد واحد .فإن حد للول لم يحد لمن جاء بعده ; لن حضور بعضهم للخصومة
ي والشعبيّ ،
كحضور كلّهم ،فل يح ّد ثانيا إل إذا كان بقذف آخر مستأنف ،وهو قول الثور ّ
والنخعيّ وإبراهيم والزّهريّ وقتادة ،وطاوس وأبي حنيفة ومالك .
ي وأحمد :إذا قذف جماع ًة بكلمات فلك ّل واحد
وعند عطاء والشعبيّ ،وابن أبي ليلى والشافع ّ
حدّ; لنها حقوق لدميّين ،فلم تتداخل كالدّيون .
وأما إذا قذفهم بكلمة واحدة فقال الشافعيّ في القديم :عليه ح ّد واحد ،وهو رواية عن المام
ت ُثمّ َلمْ يَأْتُوا بِ َأرْ َب َعةِ
أحمد ،ورجحها في المغني لقوله تعالى { :وَالذينَ َي ْرمُونَ ا ْل ُمحْصَنَا ِ
شهَدَاء فَاجْلِدُو ُهمْ َثمَانِينَ جَلْدَةً } ،ولم يفرّق بين قذف واحد أو جماعة ; ولن الذين شهدوا
ُ
على المغيرة قذفوا امرأةً ،فلم يحدهم عمر رضي ال عنه إل حدا واحدا ; ولنه قذف واحد فلم
يجب إل حدّ واحد كما لو قذف واحدا ; ولن الحد إنما وجب بإدخال المعرة على المقذوف بقذفه
،وبحدّ واحد يظهر كذب هذا القاذف وتزول المعرة فوجب أن يكتفى به ،بخلف ما إذا قذف
كل واحد قذفا مفردا فإن كذبه في قذف ل يلزم منه كذبه في آخر ،ول تزول المعرة عن أحد
المقذوفين بحدّه للخر .
وقال الحسن وأبو ثور والشافعيّ في الجديد ،وابن المنذر والرّواية الثانية عن أحمد :يجب
لكلّ واحد منهم حدّ ،لنه ألحق العار بقذف كلّ واحد منهم ،فلزمه لكلّ واحد منهم حدّ ،كما لو
انفرد كلّ واحد منهم بالقذف .
واختلف أبو حنيفة ومالك فيما إذا قذف إنسانا فحد له وفي أثناء إقامة الحدّ قذف إنسانا آخر ،
فعند أبي حنيفة ل يقام إل حدّ واحد ولو لم يبق من الضرب إل سوط واحد ،فل يضرب إل ذلك
السوط ،للتداخل ; لنه اجتمع حدان ; ولن كمال الحدّ الول بالسوط الذي بقي .
وعند مالك :إن كرر أثناء الجلد فإن كان ما مضى من الجلد أقله ألغي ما مضى ،وابتدئ العدد
وبذلك يستوفى الثاني .وإن كان ما بقي قليلً فيكمل الول ،ثم يبتدئ للثاني .
وعند الشافعية والحنابلة إذا قذف جماع ًة ل يجوز أن يكونوا كلّهم زناةً عاد ًة لم يجب الح ّد ;
لن الحد إنما يجب لنفي العار ،ول عار على المقذوف لنا نقطع بكذبه ويعزر للكذب .
قذف الرجل نفسه :
-من قذف نفسه بأن قال :أنا ولد زنا ،حد لنه قذف لمّه . 40
ومن قذف النبي صلى ال عليه وسلم كفر وقتل ولو تاب أو كان كافرا فأسلم ،ل إن سبه بغير
القذف ثم أسلم .
قذف زوجة من زوجات النبيّ صلى ال عليه وسلم :
-اتفق الفقهاء على أن من قذف عائشة رضي ال عنها فقد كذب صريح القرآن الذي نزل 42
ك عُصْ َبةٌ
بحقّها ،وهو بذلك كافر بعد أن برأها ال منه في قوله تعالى { :إِنّ الذينَ جَاؤُوا بِالْإِفْ ِ
ن الْإِ ْثمِ وَالذي َتوَلّى كِبْرَهُ
ئ مّ ْنهُم مّا اكْ َتسَبَ مِ َ
حسَبُوهُ شَرا ّلكُم َبلْ ُهوَ خَ ْيرٌ ّل ُكمْ ِل ُكلّ امْ ِر ٍ
مّن ُكمْ لَا َت ْ
ن}.
عظِيمٌ } إلى قوله تعالى َ { :ي ِعظُ ُكمُ الّلهُ أَن َتعُودُوا ِلمِ ْثِلهِ أَبَدا إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِي َ
مِ ْن ُهمْ َل ُه عَذَابٌ َ
ي صلى ال عليه وسلم فقد ذهب الحنفية والحنابلة في الصحيح ،واختاره
أما سائر زوجات النب ّ
ابن تيمية أنهن مثل عائشة في الحكم ،واستدلّوا بقوله تعالى … { :وَالطّيّبَاتُ لِلطّيّبِينَ } ،
وقذفهن طعن بالرسول صلى ال عليه وسلم وعار عليه .
ي صلى ال عليه وسلم سوى
وذهب الشافعية وهو الرّواية الخرى للحنابلة :أن زوجات النب ّ
عائشة كسائر الصحابة ،وسابّهن يجلد ; لنه قاذف .
). 18 بف/
،وس ّ 18 وللتفصيل ر ( :ردة ف /
حكم قذف النبياء :
-يرى الفقهاء أن من قذف نبيّا من النبياء يقتل ،ول تقبل توبته . 43
وهو الوالد وإن عل والولد وإن سفل ،لن العار يلتحق بهما للجزئية ،فيكون القذف متناولً
معنىً لهما ،فلذلك يثبت لهما حقّ المطالبة ،لكن لحوقه لهما بواسطة لحوق المقذوف بالذات
فهو الصل في الخصومة ; لن العار يلحقه مقصودا ،فل يطالب غيره بموجبه إل عند اليأس
عن مطالبته ،وذلك بأن يكون ميّتا ،فلذا لو كان غائبا لم يكن لولده ول لوالده المطالبة لنه
يجوز أن يصدّقه الغائب .
ويثبت للبعد مع وجوب القرب ،وكذا يثبت لولد الولد مع وجود الولد ،ولو عفا بعضهم كان
لغيره أن يطالب به ; لنه للدفع عن نفسه .
وإذا كان المقذوف محصنا جاز لبنه الكافر أن يطالب بالحدّ خلفا لزفر ،إذ يقول :القذف
يتناوله معنىً لرجوع العار إليه وليس طريقه الرث عندنا ،كما إذا كان متناولً له صورةً
ق المطالبة لعدم إحصانه ،
ومعنىً ،بأن يكون هو المقصود بالقذف ولو كان كذلك لم يكن له ح ّ
فكذا إذا كان مقذوفا معنىً فقط .
ولكنا نقول :إنه عيره بقذف محصن ،فيأخذه بالحدّ ،وهذا لن الحصان في الذي ينسب إلى
الزّنا شرط ليقع تعييرا على الكمال ،ثم يرجع هذا التعيير الكامل إلى ولده ،والكفر ل ينافي
أهلية الستحقاق ،بخلف ما إذا تناول القذف نفسه لنه لم يوجد تعيير على الكمال ،لفقد
الحصان في المنسوب إلى الزّنا .
والحاصل أن السبب التعيير الكامل ،وهو بإحصان المقذوف ،فإن كان حيّا كانت المطالبة له ،
أو ميّتا طالب به أصله أو فرعه ،وإن لم يكن محصنا لم يتحقق التعيير الكامل في حقّه .
ق مورّثه المقذوف قبل موته وبعد موته ،وهو
وذهب المالكية إلى أن :للوارث حق القيام بح ّ
ولد وولده وإن سفل ،وأب وأبوه وإن عل ،ثم الخ فابنه .فعمّ فابنه ،وهكذا ولكلّ من
الورثة القيام بحقّ المورّث وإن وجد من هو أقرب منه .كابن البن مع وجود البن ; لن
المعرة تلحق الجميع ول سيما إذا كان المقذوف أنثى خلفا لشهب القائل :يقدم القرب
فالقرب في القيام بحقّ المورّث المقذوف كالقيام بالدم .
وذهب الشافعية إلى أنه :إذا مات من له الحدّ أو التعزير وهو ممن يورث انتقل ذلك إلى
الوارث ،وفيمن يرثه ثلثة أوجه :
الول :أنه يرثه جميع الورثة ،لنه موروث فكان لجميع الورثة ،كالمال ،وهو الصحّ
عندهم.
الثاني :أنه لجميع الورثة إل لمن يرث بالزوجية ; لن الحد يجب لدفع العار ،ول يلحق الزوج
عار بعد الموت لنه ل تبقى زوجية .
الثالث :أنه يرثه العصبات دون غيرهم لنه حقّ ثبت لدفع العار ،فاختص به العصبات كولية
النّكاح ،وإن كان له وارثان فعفا أحدهما ثبت للخر الحدّ لنه جعل للردع ،ول يحصل الردع
إل بما جعله ال عز وجل للردع ،وإن لم يكن له وارث فهو للمسلمين ويستوفيه السّلطان .
وذهب الحنابلة إلى أن من قذفت أمّه وهي ميّتة مسلمةً كانت أو كافرةً ،حرةً أو أمةً حد القاذف
إذا طالب البن وكان حرّا مسلما .
أما إذا قذفت وهي في الحياة فليس لولدها المطالبة لن الحق لها فل يطالب به غيرها ،ول
يقوم غيرها مقامها سواء كانت محجورا عليها أو غير محجور عليها ; لنه حقّ يثبت للتشفّي
فل يقوم غير المستحقّ مقامه كالقصاص ،وتعتبر حصانتها لن الحق لها ،فتعتبر حصانتها
كأن لم يكن لها ولد ،وأما إذا قذفت وهي ميّتة ،فإن لولدها المطالبة لنه قدح في نسبه ;
ولنه بقذف أمّه يَ ْنسِ ُبهُ إلى أنه من زنا ،ول يستحقّ ذلك بطريق الرث ،ولذلك ل تعتبر
الحصانة في أمّه لن القذف له .فأما إن قذفت أمّه بعد موتها وهو مشرك أو عبد فل حد على
القاذف ،سواء كانت المّ حرةً مسلم ًة أو لم تكن ،وإن قذفت جدته فهو كقذف أمّه .
فأما إن قذف أحد أباه أو جده أو أحدا من أقاربه غير أمهاته بعد موته ،لم يجب الحدّ بقذفه ;
لنه إنما يجب بقذف أمّه حقّا له لنفي نسبه لحقا للميّت ،ولهذا لم يعتبر إحصان المقذوفة
واعتبر إحصان الولد ،ومتى كان المقذوف من غير أمهاته لم يتضمن نفي نسبه فلم يجب الحدّ
.
قذف المجهول :
-من قذف مجهولً ل حد عليه لعدم تعيين المعرة ،إذ ل يعرف من أراد والحدّ إنما هو 45
للمعرة ،فإن اختلف رجلن في شيء فقال أحدهما :الكاذب هو ابن زانية ،فل حد عليه لنه
ل يقول :زنى رجل ،لم يقم عليه الحد ; لن
لم يعيّن أحدا بالقذف ،وإذا سمع السّلطان رج ً
ن َأشْيَاء إِن تُبْدَ َل ُكمْ
المستحق مجهول ،ول يطالبه بتعيينه لقول ال عز وجل { :لَ َتسْأَلُواْ عَ ْ
س ْؤ ُكمْ } ،ولن الحد يدرأ بالشّبهة ،ولهذا قال صلى ال عليه وسلم « :يا هزال ،لو سترته
َت ُ
ل يقول :إن فلنا زنى ،لم يحد لنه ليس بقاذف
بثوبك كان خيرا لك » ،وإن قال سمعت رج ً
وإنما هو حاك ،ول يسأله عن القاذف ; لن الحد يدرأ بالشّبهة ،وإن قال لجماعة :أحدكم
زان أو ابن زانية فل حد عليه ،ولو قاموا كلّهم لعدم تعيينه المعرة لواحد منهم إذ ل يعرف من
أراد ،وهذا إذا كثرت الجماعة بأن زادوا على ثلثة ،فإن كانوا ثلث ًة أو اثنين حد إن قاموا أو
قام بعضهم وعفا البعض الباقي ،إل أن يحلف أنه لم يرد القائم وإن لم يحلف حد ،وهذا عند
المالكية ،وقال الحنفية :لو قام بعضهم فقال :لم أرد القائم لم يحد سواء عفا البعض أو لم
يعف ،وسواء حلف أنه لم يرد القائم أو لم يحلف ; لن القذف وقع غير موجب للحدّ ،حيث لم
يعيّن أحدا بالقذف .
قذف المرتدّ والكافر وال ّذ ّميّ والفاسق :
-من قذف مرتدّا ل حد عليه ; لن المرتد غير محصن بأن خرج عن دين السلم ،وإن 46
ارتد المقذوف بعد قذفه فل حد على قاذفه ولو تاب بأن رجع للسلم ،وقال المزنيّ وأبو ثور :
إن ارتد المقذوف بعد قذفه فإن ردته ل تسقط الحد ; لنها أمر طرأ بعد وجوب الح ّد فل يسقط
ما وجب من الحدّ .
ومن قذف كافرا ولو ذمّيّا ل حد عليه عند الجمهور ،ويعزر لليذاء ،لما روى ابن عمر رضي
ال عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم قال « :من أشرك بأل فليس بمحصن » ،وقال
ي وسعيد بن المسيّب وابن أبي ليلى :عليه الحدّ إذا كان لها ولد مسلم ،قال ابن المنذر
الزّهر ّ
:وجلّ العلماء مجمعون وقائلون بالقول الول ،ولم أدرك أحدا ول لقيته يخالف ذلك .
ويحدّ قاذف الفاسق إذا كان فسقه بغير الزّنا ; لكونه عفيفًا عن الزّنا فهو محصن وقذف
شهَدَاء
ت ُثمّ َلمْ يَأْتُوا بِ َأرْ َب َعةِ ُ
المحصن موجب للحدّ ،قال تعالى { :وَالذينَ َي ْرمُونَ ا ْل ُمحْصَنَا ِ
فَاجْلِدُو ُهمْ َثمَانِينَ } الية .
قذف الخصيّ والمجبوب والمريض مرضا مدنفا والرتقاء :
-ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه ل حد على قاذف المجبوب ،وكذلك الرتقاء 47
عند أبي حنيفة لفقدان آلة الزّنا ولنه ل يلحقهما الشين ،فإن الزّنا منهما ل يتحقق ويلحق
الشين القاذف في هذا القذف .
وقال الحنابلة :يجب الحدّ على من قذف خصيّا أو مجبوبا أو مريضا مدنفا أو رتقاء ،لقوله
شهَدَاء فَاجْلِدُو ُهمْ َثمَانِينَ } ،فهم
ت ُثمّ َلمْ يَأْتُوا بِ َأرْ َب َعةِ ُ
تعالى { :وَالذينَ َي ْرمُونَ ا ْل ُمحْصَنَا ِ
داخلون في عموم الية ،ولنه قاذف لمحصن فيلزمه الحدّ كقذف القادر على الوطء ; ولن
إمكان الوطء أمر خفيّ ل يعلمه كثير من الناس ،فل ينتفي العار عند من لم يعلمه بدون الحدّ
فيجب كقذف المريض .
وقال الحسن :ل حد على قاذف الخصيّ ; لن العار منتف عن المقذوف بدون الحدّ للعلم بكذب
القاذف ،والحدّ إنما يجب لنفي العار .
حكم من قذف ولده :
-إذا قذف ولده وإن نزل لم يجب عليه الحدّ سواء كان القاذف ذكرا أو أنثى ،وبهذا قال 48
ي وأحمد وأبو حنيفة وهو المذهب عند المالكية .وفي قول عندهم :
عطاء والحسن والشافع ّ
يجب عليه الحدّ بقذف البن ،وهو قول عمر بن عبد العزيز ،وأبي ثور وابن المنذر لطلق
ق ل فل يمنع من إقامته قرابة الولدة كالزّنا .
آية { فَاجْلِدُو ُهمْ } ،ولنه حدّ هو ح ّ
والجواب على من قال بوجوب الحدّ :أن الطلق أو العموم مخرج منه الولد على سبيل
المعارضة بقوله تعالى { :فَلَ َتقُل ّل ُهمَا أُفّ } والمانع مقدم ،ولهذا ل يقاد والد بولده ،وإهدار
جنايته على نفس الولد توجب إهدارها في عرضه بطريق أولى ،والفرق بين القذف والزّنا أن
ي فيه ،وحدّ القذف حقّ لدميّ ،فل يثبت للبن
حد الزّنا خالص لحقّ ال تعالى ل حق للدم ّ
على أبيه كالقصاص .
قرْء *
التعريف :
-القرء لغةً :بالفتح والضمّ الحيض ،ويطلق أيضا على الطّهر ،وهو من الضداد ،وجمعه 1
قروء وأقرؤ مثل فلس وفلوس وأفلس ،ويجمع على أقراء مثل قفل وأقفال .
وعن أبي عمرو أنه في الصل اسم للوقت .
ويطلق على الطّهر والحيض جميعا ،حيث ل خلف بين أهل اللّغة في أن القرء من السماء
المشتركة يذكر ويراد به الحيض والطّهر على طريق الشتراك ،فيكون حقيقةً لكلّ واحد منهما
.وقد اختلف الفقهاء في المعنى الصطلحيّ للقرء على قولين :
القول الول :وهو قول المالكية والشافعية وأحمد في رواية ،وكثير من الصحابة " رضي ال
عنهم " وفقهاء المدينة قالوا :إن المراد بالقراء في العدة الطهار ،لقول عائشة رضي ال
عنها :القراء الطهار .
القول الثاني :وهو قول الحنفية وأحمد في رواية أخرى والخلفاء الربعة ،وجماعة من
السلف وابن مسعود وطائفة كثيرة من الصحابة والتابعين وأئمة الحديث :أن المراد بالقرء
الحيض ،قال أحمد في رواية النيسابوريّ :كنت أقول إنه الطهار ،وأنا أذهب اليوم إلى أن
القراء الحيض .
الحكام المتعلّقة بالقرء :
عدة ذوات القراء :
-اتفق الفقهاء على أنه يجب على المرأة المطلقة ومن في حكمها ذات القراء أن تعتد 2
أو حيضتين ثم أصبحت يائس ًة ،فتنتقل عدتها من الحيض إلى الشهر ،فتستقبل بالشهر ;
ض مِن
ن مِنَ ا ْل َمحِي ِ
لنها لما أيست قد صارت عدتها بالشهر ،لقوله تعالى { :وَاللّائِي يَ ِئسْ َ
شهُرٍ } ،فالشهر بدل عن الحيض .
ّنسَا ِئ ُكمْ إِنِ ارْتَبْ ُتمْ َفعِدّ ُتهُنّ ثَلَا َثةُ َأ ْ
ب -انتقال العدة من القروء أو الشهر إلى وضع الحمل :
-ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لو ظهر في أثناء العدة بالقروء أو 4
الشهر أو بعدها أن المرأة حامل من الزوج ،فإن العدة تتحول إلى وضع الحمل ،وسقط حكم
ما مضى من القروء أو الشهر ،وتبين أن ما رأته من الدم لم يكن حيضا ; ولن وضع الحمل
أقوى من الدم في الدللة على براءة الرحم من آثار الزوجية التي انقضت ،لقوله تعالى { :
حمْ َلهُنّ } .
ضعْنَ َ
حمَالِ َأجَُلهُنّ أَن يَ َ
ت الْ َأ ْ
َوُأوْلَا ُ
). 38 والتفصيل في مصطلح ( عدة ف
ج -انتقال العدة من الشهر إلى القراء :
-اتفق الفقهاء على أن الصغيرة إذا اعتدت ببعض الشهر ،ثم رأت الدم ،تنتقل عدتها من 5
قرآن *
التعريف :
-القرآن لغةً :في الصل مصدر من قرأ بمعنى الجمع ،يقال :قرأ قرآنا ،قال تعالى { :إِنّ 1
ج ْم َعهُ وَ ُقرْآ َن ُه { }17فَإِذَا َق َرأْنَاهُ فَاتّبِعْ قُرْآ َنهُ { ، } }18قال ابن عباس :إذا جمعناه وأثبتناه
علَيْنَا َ
َ
في صدرك فاعمل به ،وخص بالكتاب المنزل على محمد صلى ال عليه وسلم فصار له كالعلم
.
وفي الصطلح :قال البزدويّ :هو الكتاب المنزل على رسول ال ،المكتوب في المصاحف ،
المنقول عن النبيّ صلى ال عليه وسلم نقلً متواترا ،بل شبهة ،وهو النظم والمعنى جميعا
في قول عامة العلماء .
والقرآن عند الصوليّين يطلق على المجموع وعلى كلّ جزء منه ; لنهم يبحثون من حيث إنه
دليل على الحكم ،وذلك آية آية ل مجموع القرآن .
وقد سمى ال تعالى القرآن بخمسة وخمسين اسما :سماه كتابا ،ومبينا ،وقرآنا ،وكريما ،
وكلما ،ونورا ،وهدىً ،ورحمةً ،وفرقانا ،وشفاءً ،وموعظةً ،وذكرا ،ومباركا ،وعليّا ،
وحكمةً ...إلخ .
اللفاظ ذات الصّلة :
المصحف :
-المصحف -بضمّ الميم وكسرها وفتحها ، -ما جعل جامعا للصّحف المكتوبة ،وجمعه 2
مصاحف .وروى السّيوطيّ أن أبا بكر رضي ال تعالى عنه كان أول من جمع كتاب ال وسماه
المصحف .
والصّلة أن المصحف ما جمع فيه القرآن .
حجّية القرآن :
-القرآن هو الصل الول من أصول الشرع ،وهو حجة من كلّ وجه لتوقّف حجّية غيره 3
من الصول عليه لثبوتها به ،فإن الرسول صلى ال عليه وسلم يخبر عن ال تعالى ،وقول
الرسول صلى ال عليه وسلم إنما صار حجةً بالكتاب بقوله تعالى َ { :ومَا آتَاكُمُ ال ّرسُولُ َفخُذُوهُ
} ،وكذا الجماع والقياس .
وللتفصيل في أدلة حجّية القرآن وأسلوب القرآن في الدللة على الحكام ينظر الملحق
الصوليّ.
خصائص القرآن :
أ -الكتابة في المصاحف :
-القرآن هو ما نقل إلينا بين دفتي المصحف نقلً متواترا ،وقيّد بالمصاحف ; لن الصحابة 4
رضي ال عنهم بالغوا في نقله وتجريده عما سواه ،حتى كرهوا التعاشير والنقط كي ل يختلط
بغيره ،فنعلم أن المكتوب في المصحف المتفق عليه هو القرآن ،وأن ما هو خارج عنه ليس
منه ،إذ يستحيل في العرف والعادة مع توافر الدواعي على حفظ القرآن أن يهمل بعضه ،فل
ينقل ،أو يخلط به ما ليس منه .
ب -التواتر :
-ل خلف أن كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواترا في أصله وأجزائه ،وأما في 5
محلّه ووضعه وترتيبه فعند المحقّقين من علماء أهل السّنة كذلك ،أي يجب أن يكون متواترا .
فقد جاء في مسَلّم الثّبوت وشرحه فواتح الرحموت :ما نقل آحادا فليس بقرآن قطعا ،ولم
يعرف فيه خلف لواحد من أهل المذاهب ،واستدل بأن القرآن مما تتوفر الدواعي على نقله
لتضمّنه التحدّي ; ولنه أصل الحكام باعتبار المعنى والنظم جميعا حتى تعلق بنظمه أحكام
كثيرة; ولنه يتبرك به في كلّ عصر بالقراءة والكتابة ،ولذا علم جهد الصحابة في حفظه
بالتواتر القاطع ،وكلّ ما تتوفر دواعي نقله ينقل متواترا عاد ًة ،فوجوده ملزوم للتواتر عند
الكلّ عاد ًة ،فإذا انتفى اللزم وهو التواتر انتفى الملزوم قطعا ،والمنقول آحادا ليس متواترا ،
فليس قرآنا .
كما جاء فيه :على أن ترتيب آي كلّ سورة توقيفيّ بأمر ال وبأمر الرسول صلى ال عليه
وسلم وعلى هذا انعقد الجماع ،وجاء أيضا :بقي أمر ترتيب السّور فالمحقّقون على أنه من
أمر الرسول صلى ال عليه وسلم وقيل هذا الترتيب باجتهاد من الصحابة ...والحقّ هو الول
.والتفصيل في مصطلح ( :مصحف ) .
ج -العجاز :
-من خصائص القرآن أنه كلم ال المعجز ،المتحدى بإعجازه ،والمراد بالعجاز ارتقاؤه 6
َق ْو ِمهِ}.
قال الزركشيّ :ل خلف أنه ليس في القرآن كلم مركب على غير أساليب العرب ،وأن فيه
أسماء أعلم لمن لسانه غير اللّسان العربيّ ،كإسرائيل ،وجبرائيل ،ونوح ،ولوط ،وإنما
اختلفوا هل في القرآن ألفاظ غير أعلم مفردة من غير كلم العرب ؟
فذهب القاضي إلى أنه ل يوجد ذلك فيه ،وكذلك نقل عن أبي عبيدة .
جمِيّا ّلقَالُوا َلوْلَا فُصّلَتْ آيَا ُتهُ
عَجعَلْنَاهُ قُرْآنا أَ ْ
واحتج هذا الفريق بقول ال تعالى { :وَ َلوْ َ
عرَبِيّ } ،ولو كان فيه لغة العجم لم يكن عربيّا محضا ،وآيات كثيرة في هذا المعنى
جمِيّ وَ َ
عََأأَ ْ
; ولن ال سبحانه تحداهم بالتيان بسورة من مثله ،ول يتحداهم بما ليس من لسانهم ول
يحسنونه .قال المام الشافعيّ :والقرآن يدلّ على أن ليس من كتاب ال شيء إل بلسان
العرب .
وذهب قوم إلى أنه فيه لغة غير العرب ،واحتجّوا بأن " المشكاة " هندية " ،والستبرق "
فارسية .
وقال من نصر هذا :اشتمال القرآن على كلمتين ونحوهما أعجمية ل يخرجه عن كونه عربيّا
وعن إطلق هذا السم عليه ،ول يمهّد للعرب حجةً ،فإن الشّعر الفارسي يسمى فارسيّا وإن
كان فيه آحاد كلمات عربية .
قال ابن قدامة :يمكن الجمع بين القولين بأن تكون هذه الكلمات أصلها بغير العربية ثم عربتها
العرب واستعملتها ،فصارت من لسانها بتعريبها واستعمالها لها ،وإن كان أصلها أعجميّا .
والتفصيل في الملحق الصوليّ .
هـ -كونه محفوظا بحفظ ال تعالى :
-تكفل ال تعالى بحفظ كتابه الكريم ،قال تعالى { :إِنّا َنحْنُ َنزّلْنَا الذّكْ َر َوإِنّا َل ُه َلحَا ِفظُونَ 8
} ،قال القرطبيّ :المراد بالذّكر القرآن والمراد بالحفظ أن يحفظ من أن يزاد فيه أو ينقص منه
،قال قتادة وثابت البنانيّ :حفظه ال من أن تزيد فيه الشياطين باطلً أو تنقص منه حقّا ،
فتولى سبحانه وتعالى حفظه ،فلم يزل محفوظا ،وقال في غيره { :إِنّا أَنزَلْنَا ال ّتوْرَاةَ فِيهَا
ن َأسْ َلمُواْ لِلّذِينَ هَادُواْ وَالرّبّانِيّونَ وَا َلحْبَارُ ِبمَا اسْ ُتحْ ِفظُواْ مِن
هُدًى وَنُو ٌر َيحْ ُكمُ ِبهَا النّبِيّونَ الذي َ
شهَدَاء } ،فوكل حفظه إليهم فبدلوا وغيروا .
ب الّلهِ َوكَانُواْ عَلَ ْي ِه ُ
كِتَا ِ
و -نسخ القرآن :
-اتفق الفقهاء على جواز نسخ القرآن بالقرآن واختلفوا في نسخ القرآن بالسّنة على أقوال 9
الصحابة رضي ال عنهم ووزّعت النّسخ التي كتبوها على العواصم السلمية وسمّيت هذه
الطريقة الرسم العثماني ،وقد اختلف الفقهاء في وجوب التزامها في كتابة القرآن الكريم أو
جواز الخروج عنها .والتفصيل في مصطلح ( مصحف ) .
الحكام الفقهية المتعلّقة بالقرآن :
أولً :قراءة القرآن في الصلة :
-اتفق الفقهاء على أن قراءة القرآن في الصلة ركن ،واختلفوا في تعيين الفاتحة لهذه 13
تعالى ،فإنه إن لم يكن يراه فإن ال تعالى يراه ،وينبغي إذا أراد القراءة أن ينظّف فاه
بالسّواك وغيره .
س المصحف جاز
ويستحبّ أن يقرأ القرآن وهو على طهارة وإن قرأ محدثا حدثا أصغر دون م ّ
بإجماع المسلمين .
والجنب يحرم عليه قراءة القرآن عند عامة العلماء ،من الحنفية والمالكية والشافعية
والحنابلة .وقال ابن عباس :يقرأ الجنب ورده ،وقال سعيد بن المسيّب :يقرأ القرآن .
ويحرم على الحائض والنّفساء قراءة القرآن في الجملة عند جمهور الفقهاء .
وعند المالكية تجوز قراءة القرآن للحائض وإن كانت متلبّسةً بجنابة قبل الحيض ،إل أن
ينقطع عنها دمه حقيقةً أو حكما كمستحاضة ،فإنها ل تقرأ إن كانت متلبّسةً بجنابة .
). 39 ( ر :حيض ف
ويستحبّ أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار ،ولهذا استحب جماعة من العلماء أن تكون
القراءة في المسجد ،لكونه جامعا للنظافة وشرف البقعة ،ومحصّلً لفضيلة أخرى وهي
العتكاف .
وللتفصيل في الماكن التي تكره فيها قراءة القرآن ( ر :قراءة ) .
ويستحبّ للقارئ في غير الصلة أن يستقبل القبلة ،ويجلس متخشّعا بسكينة ووقار مطرقا
رأسه ،ويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلّمه ،فهذا هو
الكمل ،ولو قرأ قائما أو مضطجعا أو في فراشه أو على غير ذلك من الحوال جاز وله أجر ،
ولكن دون الول .
وللتفصيل في الحوال التي تجوز أو تكره فيها قراءة القرآن ( ر :قراءة ) .
وإذا أراد الشّروع في القراءة استعاذ فقال :أعوذ بأل من الشيطان الرجيم ،هكذا قال
الجمهور من العلماء .
وقال بعض السلف :يتعوذ بعد القراءة .
قال الزركشيّ :يستحبّ التعوّذ قبل القراءة فإن قطعها قطع ترك وأراد العود جدد ،وإن قطعها
لعذر عازما على العود كفاه التعوّذ الول ما لم يطل الفصل .
وللتفصيل في مح ّل الستعاذة من القراءة ( ر :استعاذة ف ، 7 /وتلوة ف . ) 6 /
وينبغي أن يحافظ على قراءة بسم ال الرحمن الرحيم أول كلّ سورة سوى سورة " براءة " ،
( ر :تلوة ف . ) 7 /
وللتفصيل في اختلف الفقهاء في كون البسملة آي ًة من الفاتحة ومن كلّ سورة ينظر ( بسملة
). 2 ف/
فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبّر عند القراءة ،فهو المقصود والمطلوب ،
). 10/ وبه تنشرح الصّدور وتستنير القلوب ( ،ر :تلوة ف
ويستحبّ البكاء عند قراءة القرآن ،والتباكي لمن ل يقدر عليه ،والحزن والخشوع ،قال ال
تعالى { :وَ َيخِرّونَ لِلَذْقَانِ يَ ْبكُونَ } ،وقد قرأ ابن مسعود القرآن على النبيّ صلى ال عليه
وسلم وفي حديثه « :فإذا عيناه تذرفان » ،وطريقه في تحصيل البكاء أن يحضر في قلبه
الحزن بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود ،ثم يتأمل تقصيره في
ذلك ،فإن لم يحضره حزن وبكاء كما يحضر الخواص فليبك على فقد ذلك فإنه من أعظم
المصائب .
ن تَرْتِيلً } .
ويسنّ الترتيل في قراءة القرآن ،قال ال تعالى { :وَرَ ّت ِل ا ْلقُرْآ َ
( ر :تلوة ف . ) 9
مما يعتنى به ويتأكد المر به احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها بعض الغافلين القارئين
مجتمعين ،فمن ذلك اجتناب الضحك واللغط والحديث في خلل القراءة إل كلما ضط ّر إليه ،
ومن ذلك العبث باليد وغيرها فإنه يناجي ربه سبحانه وتعالى ،فل يعبث بين يديه .
ومن ذلك النظر إلى ما يلهي ويبدّد الذّهن .
آداب استماع القرآن :
-استماع القرآن والتفهّم لمعانيه من الداب المحثوث عليها ،ويكره التحدّث بحضور 16
القراءة .
قال الشيخ أبو محمد بن عبد السلم :والشتغال عن السماع بالتحدّث بما ل يكون أفضل من
الستماع سوء أدب على الشرع ،وهو يقتضي أنه ل بأس بالتحدّث للمصلحة .
وصرح الحنفية بوجوب الستماع للقراءة مطلقا ،أي في الصلة وخارجها .
وما بعدها ) . 3 وللتفصيل في أحكام استماع القرآن خارج الصلة ( ر :استماع ف /
آداب حامل القرآن :
-آداب حامل القرآن مقرئا كان أو قارئا هي في الجملة آداب المعلّم والمتعلّم التي سبق 17
وأجمعوا على أن من جحد منه حرفا مما أجمع عليه ،أو زاد حرفا لم يقرأ به أحد وهو عالم
بذلك ،فهو كافر .
تفسير القرآن :
-كتاب ال بحره عميق ،وفهمه دقيق ،ل يصل إلى فهمه إل من تبحر في العلوم وعامل 19
ال بتقواه في السّرّ والعلنية ،وأجله عند مواقف الشّبهات ،ولهذا قال العلماء :يحرم تفسير
القرآن بغير علم ،والكلم في معانيه لمن ليس من أهلها ،وأما تفسيره للعلماء فجائز حسن ،
والجماع منعقد عليه ،فمن كان أهلً للتفسير ،جامعا للدوات التي يعرف بها معناه ،غلب
على ظنّه المراد ،فسره إن كان مما يدرك بالجتهاد ،كالمعاني والحكام الخفية والجلية
والعموم والخصوص والعراب وغير ذلك .
وإن كان مما ل يدرك بالجتهاد ،كالمور التي طريقها النقل وتفسير اللفاظ اللّغوية فل يجوز
له الكلم فيه إل بنقل صحيح من جهة المعتمدين من أهله .
وأما من كان ليس من أهله لكونه غير جامع لدواته ،فحرام عليه التفسير ،لكن له أن ينقل
التفسير عن المعتمدين من أهله .
). 10 وللتفصيل ( ر :تفسير ف ، 9 /
ترجمة القرآن :
-اختلف الفقهاء في جواز قراءة القرآن في الصلة بغير العربية ،فذهب الجمهور إلى أنه 20
ل تجوز القراءة بغير العربية سواء أحسن القراءة بالعربية أم لم يحسن .
ويرى أبو حنيفة جواز القراءة بالفارسية وغيرها من اللّغات سواء كان يحسن العربية أو ل ،
ي لقوله
وقال أبو يوسف ومحمد ل تجوز إذا كان يحسن العربية ; لن القرآن اسم لمنظوم عرب ّ
عرَبِيّا } ،والمراد نظمه .
جعَلْنَاهُ قُرْآنا َ
تعالى { :إِنّا َ
وللتفصيل ( ر :ترجمة ف 6/وقراءة ) .
وأما ترجمة القرآن خارج الصلة ،وبيان معناه للعامة ،ومن ليس له فهم يقوى على تحصيل
معناه ،فهو جائز باتّفاق أهل السلم .
وتكون تلك الترجمة عبارةً عن معنى القرآن ،وتفسيرا له بتلك اللّغة .
). 5 ( ر :ترجمة ف - 3 /
سور القرآن :
-انعقد إجماع الئمة على أن عدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورةً ،التي جمعها 21
عثمان رضي ال عنه وكتب بها المصاحف ،وبعث كل مصحف إلى مدينة من مدن السلم ،
ول يعرج إلى ما روي عن أبيّ أن عددها مائة وست عشرة سور ًة ،ول على قول من قال :
مائة وثلث عشرة سورةً بجعل النفال وبراءة سورةً ،وجعل بعضهم سورة الفيل وسورة
قريش سورةً واحدةً ،وبعضهم جعل المعوّذتين سور ًة ،وكلّ ذلك أقوال شاذة ل التفات إليها .
وللتفصيل في ترتيب نزول سور القرآن وآياته وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره وعدد حروفه
وأجزائه وكلماته وآيه ينظر ( مصحف ) .
ختم القرآن :
-كان السلف رضي ال عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه . 22
فمنهم من يختم القرآن في اليوم والليلة مرةً ،وبعضهم مرتين ،وانتهى بعضهم إلى ثلث ،
ومنهم من يختم في الشهر .
قال النوويّ :والختيار أن ذلك يختلف باختلف الشخاص فمن كان يظهر له بدقيق الفكر
لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه ،وكذا من كان مشغولً
بنشر العلم أو غيره من مهمات الدّين ومصالح المسلمين العامة ،فليقتصر على قدر ل يحصل
بسببه إخلل بما هو مرصد له ،وإن لم يكن من هؤلء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير
خروج إلى ح ّد الملل والهذرمة .
وقد كره جماعة من المتقدّمين الختم في كلّ يوم وليلة .
ي صلى ال عليه وسلم عبد ال بن عمرو أن يختم في سبع
ي « :أمر النب ّ
وقال أبو الوليد الباج ّ
ق ابن عمرو ،لما علم من
أو ثلث » ،يحتمل أنه الفضل في الجملة ،أو أنه الفضل في ح ّ
ترتيله في قراءته ،وعلم من ضعفه عن استدامته أكثر مما حد له ،وأما من استطاع أكثر من
ذلك فل تمنع الزّيادة عليه ،وسئل مالك عن الرجل يختم القرآن في كلّ ليلة فقال :ما أحسن
ذلك .إن القرآن إمام كلّ خير .
-ويسنّ الدّعاء عقب ختم القرآن ،لحديث الطبرانيّ وغيره عن العرباض بن سارية 23
بالماء ثم يمسح به المريض أو يسقيه ،فأجازها سعيد بن المسيّب ،قيل :الرجل يؤخذ عن
امرأته أيحلّ عنه وينشر ؟ قال :ل بأس به ،وما ينفع لم ينه عنه .
ي تلميذ البغويّ قال :ل يجوز
وممن صرح بالجواز الحنابلة وبعض الشافعية منهم العماد النّيه ّ
ابتلع رقعة فيها آية من القرآن فلو غسلها وشرب ماءها جاز ،وجزم القاضي حسين
ي بجواز أكل الطعمة التي كتب عليها شيء من القرآن .
والرافع ّ
قال ابن عبد البرّ :النّشرة من جنس الطّبّ فهي غسالة شيء له فضل ،فهي كوضوء رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،وقال صلى ال عليه وسلم « :ل بأس بالرّقى ما لم يكن فيه شرك
» ،و « من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل » .
ومنعها الحسن وإبراهيم النخعيّ .
قراءات *
التعريف :
-القراءات في اللّغة جمع قراءة وهي التّلوة . 1
والقراءات في الصطلح :علم بكيفية أداء كلمات القرآن الكريم واختلفها معزوّا لناقله .
وموضوع علم القراءات :كلمات الكتاب العزيز .
وفائدته :صيانته عن التحريف والتغيير مع ما فيه من فوائد كثيرة تبنى عليها الحكام .
اللفاظ ذات الصّلة :
القرآن :
-القرآن :هو الكلم المنزل على رسول ال محمد صلى ال عليه وسلم المكتوب في 2
ل متواترا .
المصاحف ،المنقول إلينا نق ً
قال الزركشيّ :القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان ،فالقرآن هو الوحي المنزل على محمد
صلى ال عليه وسلم للبيان والعجاز ،والقراءات اختلف ألفاظ الوحي المذكور ،من الحروف
وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما .
أركان القراءة الصحيحة :
-قال ابن الجزريّ :كلّ قراءة وافقت العربية -ولو بوجه -ووافقت أحد المصاحف 3
العثمانية -ولو احتما ًل -وصح سندها ،فهي القراءة الصحيحة التي ل يجوز ردّها ،ول يحلّ
إنكارها ،بل هي من الحرف السبعة التي نزل بها القرآن ،ووجب على الناس قبولها ،سواء
كانت عن الئمة السبعة ،أم عن العشرة ،أم عن غيرهم من الئمة المقبولين ،ومتى اختل
ركن من هذه الركان الثلثة ،أطلق عليها ضعيفةً ،أو شاذةً ،أو باطلةً ،سواء كانت عن
السبعة ،أم عمن هو أكبر منهم ،هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف .
قال أبو شامة :فل ينبغي أن يغتر بكلّ قراءة تعزى إلى أحد السبعة ،ويطلق عليها لفظ
الصّحة ،وأنها أنزلت هكذا ،إل إذا دخلت في ذلك الضابط ،فإن القراءة المنسوبة إلى كلّ قارئ
من السبعة وغيرهم ،منقسمة إلى المجمع عليه ،والشاذّ ،غير أن هؤلء السبعة لشهرتهم
وكثرة الصحيح المجمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن
غيرهم .
الفرق بين القراءات والرّوايات والطّرق :
-الخلف في القراءة إما أن يكون منسوبا إلى المام ،أو إلى الراوي عن المام ،أو إلى 4
قسم يقرأ به اليوم ،وذلك ما اجتمع فيه ثلث خلل وهن :أن ينقل عن الثّقات عن النبيّ صلى
ال عليه وسلم ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن سائغا ،ويكون موافقا لخطّ
المصحف ،فإذا اجتمعت فيه هذه الخلل الثلث قرئ به ،وقطع على مغيبه وصحته وصدقه ;
لنه أخذ عن إجماع من جهة موافقة خطّ المصحف ،وكفر من جحده .
والقسم الثاني :ما صح نقله عن الحاد ،وصح وجهه في العربية ،وخالف لفظه خط
المصحف ،فهذا يقبل ول يقرأ به لعلتين :
إحداهما :أنه لم يؤخذ بإجماع ،إنما أخذ بأخبار الحاد ،ول يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد .
والعلة الثانية :أنه مخالف لما قد أجمع عليه ،فل يقطع على مغيبه وصحته ،وما لم يقطع
على صحته ل يجوز القراءة به ،ول يكفر من جحده ،ولبئس ما صنع إذا جحده .
والقسم الثالث :هو ما نقله غير ثقة ،أو نقله ثقة ول وجه له في العربية ،فهذا ل يقبل وإن
ي كلم أبي محمد مكّيّ .
وافق خط المصحف .وقد نقل ابن الجزريّ والسّيوط ّ
-6وتنقسم القراءات من حيث السند إلى النواع التية :
الول :المتواتر ،وهو ما نقله جمع ل يمكن تواطؤهم على الكذب ،عن مثلهم إلى منتهاه ،
وغالب القراءات كذلك .
الثاني :المشهور ،وهو ما صح سنده ولم يبلغ درجة المتواتر ،ووافق العربية والرسم ،
واشتهر عند القراء فلم يعدّوه من الغلط ،ول من الشّذوذ ،ويقرأ به ،ومثاله ما اختلفت
الطّرق في نقله عن السبعة ،فرواه بعض الرّواة عنهم دون بعض .
الثالث :الحاد ،وهو ما صح سنده ،وخالف الرسم أو العربية ،أو لم يشتهر الشتهار
المذكور ،ول يقرأ به ،وقد عقد الحاكم في مستدركه والتّرمذيّ في جامعه لذلك بابا أخرجا فيه
شيئا كثيرا صحيح السناد .
الرابع :الشاذّ ،وهو ما لم يصح سنده .
الخامس :الموضوع ،كقراءات الخزاعيّ .
قال السّيوطيّ :وظهر لي سادس يشبه من أنواع الحديث المدرج ،وهو ما زيد في القراءات
على وجه التفسير ،كقراءة سعد بن أبي وقاص ( وله أخ أو أخت من أمّ ) ،وقراءة ابن
عباس ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلً من ربّكم في مواسم الحجّ ) .
القراءات المتواترة والشاذة :
-اختلف الفقهاء في المتواتر من القراءات . 7
فذهب الحنفية في الصحيح ،والمالكية على المشهور ،والحنابلة ،إلى أن القراءات المتواترة
هي قراءات قراء السلم المشهورين العشرة .
قال ابن عابدين :القرآن الذي تجوز به الصلة بالتّفاق هو المضبوط في المصاحف الئمة
التي بعث بها عثمان رضي ال عنه إلى المصار ،وهو الذي أجمع عليه الئمة العشرة ،وهذا
هو المتواتر جمل ًة وتفصيلً ،فما فوق السبعة إلى العشرة غير شا ّذ ،وإنما الشاذّ ما وراء
العشرة ،وهو الصحيح .
وقال العدويّ :الشا ّذ عند ابن السّبكيّ ما وراء العشرة ،وعند ابن الحاجب في أصوله ما وراء
السبعة ،وقول ابن السّبكيّ هو الصحيح في الصول ،وقول ابن الحاجب مرجوع فيه .
وذهب الشافعية إلى أن القراءات المتواترة هي سبع فقط ،وهي قراءات أبي عمرو ،ونافع ،
وابن كثير ،وابن عامر ،وعاصم ،وحمزة ،والكسائيّ ،وما وراء السبعة شاذّ .
وذهب بعض الشافعية إلى أن الشاذ ما وراء العشرة ،وصوبه ابن السّبكيّ وغيره .
أشهر القراء ورواتهم :
-القراءات ثلثة أصناف ،قراءات متفق على تواترها ،وقراءات مختلف في تواترها ، 8
قِراءة *
التعريف :
-القراءة في اللّغة :التّلوة ،يقال قرأ الكتاب قراءةً وقُرْآنا :تتبع كلماته نظرا ،نطق بها 1
تلوت الرجل أتلوه تلوّا :تبعته ،وتتالت المور :تل بعضها بعضا .وتأتي بمعنى الترك
والخذلن .
والتّلوة اصطلحا :هي قراءة القرآن متتابعةً .
وفي فروق أبي هلل :الفرق بين القراءة والتّلوة :أن التّلوة ل تكون إل لكلمتين فصاعدا ،
والقراءة تكون للكلمة الواحدة ،يقال قرأ فلن اسمه ،ول يقال تل اسمه ،وذلك أن أصل
التّلوة اتّباع الشيء الشيء ،يقال تله :إذا تبعه ،فتكون التّلوة في الكلمات يتبع بعضها
بعضا ،ول تكون في الكلمة الواحدة إذ ل يصحّ فيها التّلوّ .
وقال صاحب الكلّيات :القراءة أعمّ من التّلوة .
ب -الترتيل :
-الترتيل في اللّغة :التمهّل والبانة .يقال رتل الكلم :أحسن تأليفه وأبانه وتمهل فيه . 3
قراءتها في كلّ ركعة من كلّ صلة ،فرضا أو نفلً ،جهري ًة كانت أو سرّي ًة ،لقول النبيّ صلى
ال عليه وسلم « :ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » ،وفي رواية « :ل تجزئ صلة ل
يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب » .
وذهب الحنفية إلى أن ركن القراءة في الصلة يتحقق بقراءة آية من القرآن لقوله تعالى { :
ن ا ْلقُرْآنِ } .
فَاقْ َرؤُوا مَا تَ َيسّ َر مِ َ
أما قراءة الفاتحة فهي من واجبات الصلة وليست بركن ،والتفصيل في مصطلح ( :صلة ف
). 38 /
ويقصدون بالية هنا الطائفة من القرآن مترجمةً -أي اعتبر لها مبدأ ومقطع -وأقلّها ستة
أحرف ولو تقديرا ،كقوله تعالى َ { :لمْ يَلِدْ } .
وهذا عند أبي حنيفة ،وقال أبو يوسف ومحمد :أدنى ما يجزئ من القراءة في الصلة ثلث
آيات قصار أو آية طويلة .
ما يسنّ من القراءة في الصلة :
-ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يسنّ للمصلّي أن يقرأ شيئا من القرآن بعد 5
الفاتحة .
كما ذهب الحنفية إلى أن قراءة أقصر سورة من القرآن أو ما يقوم مقامها بعد الفاتحة واجب
وليس بسنة ،فإن أتى بها انتفت الكراهة التحريمية ،أما ما يحصل به أصل السّنة من القراءة
). 66/ فقد سبق تفصيله في مصطلح ( :صلة ف
كما سبق تفصيل ما يسنّ للمصلّي أن يقرأه من المفصل في الصلوات الخمس في مصطلح
). 66/ ( صلة ف
لكن الفقهاء اختلفوا في المفصل :
فذهب الحنفية إلى أن طوال المفصل من " الحجرات " إلى " البروج " ،والوساط منها إلى " لم
يكن " ،والقصار منها إلى آخر القرآن .
وعند المالكية طوال المفصل من " الحجرات " إلى " النازعات " ،وأوساطه من " عبس " إلى "
الضّحى " ،وقصاره من " الضّحى " إلى آخر القرآن .
وقال الشافعية :طوال المفصل " كالحجرات واقتربت والرحمن " ،وأوساطه " كالشمس
وضحاها والليل إذا يغشى " ،وقصاره " كالعصر وقل هو ال أحد " .
وذهب الحنابلة إلى أن أول المفصل سورة " ق " ،لحديث أوس بن حذيفة قال « :سألت
أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم كيف يحزّبون القرآن ؟ قالوا :ثلث وخمس ،وسبع ،
وتسع ،وإحدى عشرة ،وثلث عشرة ،وحزب المفصل وحده » .
قالوا :وهذا يقتضي أن أول المفصل السّورة التاسعة والربعون من أول البقرة ل من الفاتحة
.وآخر طواله سورة عم ،وأوساطه منها للضّحى ،وقصاره منها لخر القرآن .
ما يكره من القراءة وما يجوز في الصلة :
-ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز قراءة سورة مخصوصة في الصلة ،بل 6
استحب الشافعية قراءة السجدة والنسان في صبح الجمعة ،وعن أبي إسحاق وابن أبي هريرة
من الشافعية ل تستحبّ المداومة عليهما ليعرف أن ذلك غير واجب .
قال الحنابلة :ل يكره ملزمة سورة يحسن غيرها مع اعتقاده جواز غيرها .
وذهب الحنفية إلى أنه يكره أن يوقّت بشيء من القرآن لشيء من الصلوات كالسجدة والنسان
لفجر الجمعة ،والجمعة والمنافقين للجمعة .
قال الكمال بن الهمام :المداومة مطلقا مكروهة سواء رآه حتما يكره غيره أو ل ،ليهامه
التعيين ،كما يستحبّ أن يقرأ بذلك أحيانا تبرّكا بالمأثور .
وكره مالك القتصار على بعض السّورة في إحدى الرّوايتين عنه .
كما يكره عند الكثر من الحنفية أن يقرأ آخر سورة في كلّ ركعة ،ويجوز أن يقرأ في
الركعتين آخر سورة واحدة .
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه ل يكره قراءة بعض السّورة ،لعموم قوله تعالى { :فَاقْ َرؤُوا
مَا تَ َيسّ َر مِ ْنهُ } ،لما روى ابن عباس رضي ال عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم « :كان
يقرأ في الولى من ركعتي الفجر { :قُولُواْ آمَنّا بِالّل ِه َومَا أُن ِز َل إِلَيْنَا } وفي الثانية قوله تعالى :
سوَاء } » .
{ ُقلْ يَا أَ ْه َل ا ْلكِتَابِ َتعَا َل ْواْ إِلَى كَ َل َمةٍ َ
لكن صرح الشافعية بأن السّورة الكاملة أفضل من قدرها من طويلة ; لن البتداء بها والوقف
على آخرها صحيحان بالقطع بخلفهما في بعض السّورة ،فإنهما يخفيان ،ومحلّه في غير
التراويح ،أما فيها فقراءة بعض الطويلة أفضل ،وعللوه بأن السّنة فيها القيام بجميع
القرآن ،بل صرحوا بأن كل محلّ ورد فيه المر بالبعض فالقتصار عليه أفضل كقراءة آيتي
البقرة وآل عمران في ركعتي الفجر .
وصرح الحنفية بأنه إذا قرأ المصلّي سور ًة واحدةً في ركعتين فالصحّ أنه ل يكره ،لكن ل
ينبغي أن يفعل ،ولو فعل ل بأس به .
وصرحوا أيضا بكراهة النتقال من آية من سورة إلى آية من سورة أخرى ،أو من هذه
السّورة وبينهما آيات .
وصرح الحنابلة بكراهة قراءة كلّ القرآن في فرض واحد لعدم نقله وللطالة ،ول تكره قراءته
كلّه في نفل ; لن عثمان رضي ال تعالى عنه كان يختم القرآن في ركعة ،ول تكره قراءة
القرآن كلّه في الفرائض على ترتيبه .
قال حرب :قلت لحمد :الرجل يقرأ على التأليف في الصلة ،اليوم سورةً وغدا التي تليها ؟
قال :ليس في هذا شيء ،إل أنه روي عن عثمان أنه فعل ذلك في المفصل وحده .
ما يحرم من القراءة في الصلة :
-نص الحنفية على أن المصلّي لو ترك ترتيب السّور ل يلزمه شيء مع كونه واجبا ; لنه 7
الجهرية :كالصّبح والجمعة والوليين من المغرب والعشاء ،ويسرّ في الصلة السّرّية .
وذهب الحنفية إلى وجوب الجهر على المام في الصلة الجهرية والسرار في الصلة غير
الجهرية .
كما يسنّ للمنفرد الجهر في الصّبح والوليين من المغرب والعشاء عند المالكية والشافعية .
ويرى الحنفية والحنابلة على المذهب أن المنفرد يخير فيما يجهر به إن شاء جهر وإن شاء
خافت ،والجهر أفضل عند الحنفية .
وتفصيل ذلك في مصطلح ( جهر ف . ) 7/
واشترط الحنفية والشافعية والحنابلة لعتبار القراءة أن يسمع القارئ نفسه ،فل تكفي حركة
اللّسان من غير إسماع ; لن مجرد حركة اللّسان ل يسمى قراء ًة بل صوت ; لن الكلم اسم
لمسموع مفهوم ،وهذا اختيار الهندوانيّ والفضليّ من الحنفية ورجحه المشايخ .
واختار الكرخيّ عدم اعتبار السماع ; لن القراءة فعل اللّسان وذلك بإقامة الحروف دون
ي الدّين من الحنابلة أيضا .
الصّماخ; لن السماع فعل السامع ل القارئ ،وهو اختيار الشيخ تق ّ
ولم يشترط المالكية أن يسمع نفسه وتكفي عندهم حركة اللّسان ،أما إجراؤها على القلب دون
تحريك اللّسان فل يكفي ،لكن نصّوا على أن إسماع نفسه أولى مراعاةً لمذهب الجمهور .
اللحن في القراءة :
-اتفق الفقهاء على أن اللحن في القراءة إن كان ل يغيّر المعنى فإنه ل يض ّر وتصحّ الصلة 9
معه .
واختلفوا في اللحن الذي يغيّر المعنى .
فذهب الحنفية إلى أن اللحن إن غير المعنى تغييرا فاحشًا بأن قرأ " :وعصى آدمَ ر ّبهُ " ،
بنصب الميم ورفع الربّ وما أشبه ذلك -مما لو تعمد به يكفر -إذا قرأه خطأً فسدت صلته
في قول المتقدّمين .
وقال المتأخّرون محمد بن مقاتل ،وأبو نصر محمد بن سلم ،وأبو بكر بن سعيد البلخيّ ،
والفقيه أبو جعفر الهندوانيّ ،وأبو بكر محمد بن الفضل ،والشيخ المام الزاهد وشمس الئمة
الحلوانيّ :ل تفسد صلته .
وفي الفتاوى الهندية :ما قاله المتقدّمون أحوط ; لنه لو تعمد يكون كفرا ،وما يكون كفرا ل
يكون من القرآن ،وما قاله المتأخّرون أوسع ; لن الناس ل يميّزون بين إعراب وإعراب ،
والفتوى على قول المتأخّرين .
وذهب المالكية في المعتمد عندهم إلى أن اللحن ولو غير المعنى ل يبطل الصلة ،وسواء ذلك
في الفاتحة أو غيرها من السّور .
وذهب الشافعية إلى أن اللحن إذا كان يغيّر المعنى فإنه ل يضرّ في غير الفاتحة إل إذا كان
عامدا عالما قادرا ،وأما في الفاتحة فإن قدر وأمكنه التعلّم لم تصح صلته ،وإل فصلته
صحيحة .ونص الحنابلة على أن اللحن إن كان يحيل المعنى فإن كان له القدرة على إصلحه
لم تصح صلته ،لنه أخرجه عن كونه قرآنا ،وإن عجز عن إصلحه قرأ الفاتحة فقط التي
هي فرض القراءة لحديث « :إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم » ،ول يقرأ ما زاد عن
الفاتحة ،فإن قرأ عامدا بطلت صلته ويكفر إن اعتقد إباحته ،وإن قرأ نسيانا أو جهلً أو خطأً
لم تبطل صلته.
قراءة المأموم خلف المام :
-اختلف الفقهاء في قراءة المأموم خلف المام . 10
فذهب المالكية والحنابلة إلى أنه ل تجب القراءة على المأموم سواء كانت الصلة جهريةً أو
ي صلى ال عليه وسلم « :من كان له إمام فقراءة المام له قراءة » ،قال ابن
سرّي ًة لقول النب ّ
قندس من الحنابلة :الذي يظهر أن قراءة المام إنما تقوم عن قراءة المأموم إذا كانت صلة
المام صحيحةً ،احتزازا عن المام إذا كان محدثا أو نجسا ولو يعلم ذلك وقلنا بصحة صلة
المأموم ،فإنه ل بد من قراءة المأموم لعدم صحة صلة المام ،فتكون قراءته غير معتبرة
بالنّسبة إلى ركن الصلة فل تسقط عن المأموم .
وهذا ظاهر ،لكن لم أجد من أعيان مشايخ المذهب من استثناه .نعم وجدته في بعض كلم
المتأخّرين .
قال البهوتيّ :وظاهر كلم الشياخ والخبار خلفه للمشقة .
ب للمأموم قراءة الفاتحة في السّرّية .
ونص المالكية والحنابلة على أنه يستح ّ
ي من المالكية حيث قال
وعن المام أحمد رواية أنها تجب في صلة السّرّ ،وهو قول ابن العرب ّ
بلزومها للمأموم في السّرّية .
وذهب الحنفية إلى أن المأموم ل يقرأ مطلقا خلف المام حتى في الصلة السّرّية ،ويكره
تحريما أن يقرأ خلف المام ،فإن قرأ صحت صلته في الصحّ .
قالوا :ويستمع المأموم إذا جهر المام وينصت إذا أسر ،لحديث ابن عباس قال « :صلى
ي صلى ال عليه وسلم فقرأ خلفه قوم ،فنزلت { َوإِذَا ُقرِئ ا ْلقُرْآنُ فَاسْ َتمِعُواْ َل ُه َوأَنصِتُواْ }
النب ّ
».
قال أحمد :أجمع الناس على أن هذه الية في الصلة .
قال ابن عابدين نقلً عن البحر :وحاصل الية :أن المطلوب بها أمران :الستماع والسّكوت
فيعمل بكلّ منهما ،والول يخصّ بالجهرية والثاني ل ،فيجري على إطلقه فيجب السّكوت عند
القراءة مطلقا .
وعن زيد بن ثابت قال :ل قراءة مع المام في شيء .
ومنع المؤتمّ من القراءة مأثور عن ثمانين نفرا من كبار الصحابة ; ولن المأموم مخاطب
بالستماع إجماعا فل يجب عليه ما ينافيه ،إذ ل قدرة له على الجمع بينهما ،فصار نظير
الخطبة ،فإنه لما أمر بالستماع ل يجب على كلّ واحد أن يخطب لنفسه بل ل يجوز ،فكذا هذا
.وذهب الشافعية إلى وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلة مطلقا سرّيةً كانت أو
ي صلى ال عليه وسلم « :ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب » ،وقوله
جهريةً ،لقول النب ّ
صلى ال عليه وسلم « :ل تجزئ صلة ل يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب » .
وقد نص الشافعية والحنابلة على كراهة قراءة المأموم حال جهر المام ،واستثنى الشافعية
حال ما إذا كان يخاف فوت بعض الفاتحة .
ونص الشافعية أيضا على أن من علم أن إمامه ل يقرأ السّورة أو إل سورةً قصيرةً ول يتمكن
من إتمام الفاتحة فإنه يقرؤها مع المام ،ويستحبّ للمأموم أن يقرأ في سكتات المام أو إذا
كان ل يسمع المام لبعده أو لصمم .
ب أن يقرأ في سكتات المام الفاتحة على المذهب ،وقال الشيخ تقيّ الدّين
قال الحنابلة :يستح ّ
:مقتضى نصوص المام أحمد وأكثر أصحابه أن القراءة بغير الفاتحة أفضل .
قال في جامع الختيارات :مقتضى هذا إنما يكون غيرها أفضل إذا سمعها وإل فهي أفضل من
غيرها .
القراءة في الرّكوع والسّجود :
-اتفق الفقهاء على كراهة القراءة في الرّكوع والسّجود ،لقول النبيّ صلى ال عليه وسلم: 11
« أل وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا ،فأما الرّكوع فعظّموا فيه الرب عز وجل ،
وأما السّجود فاجتهدوا في الدّعاء ،فقمن أن يستجاب لكم » .
وعن عليّ رضي ال تعالى عنه قال « :نهاني رسول ال صلى ال عليه وسلم عن قراءة
القرآن وأنا راكع أو ساجد » .
ولن الرّكوع والسّجود حالتا ذلّ في الظاهر ،والمطلوب من القارئ التلبّس بحالة الرّفعة
والعظمة ظاهرا تعظيما للقرآن .
قال الزركشيّ من الشافعية :محلّ الكراهة ما إذا قصد بها القراءة ،فإن قصد بها الدّعاء
والثناء فينبغي أن يكون كما لو قنت بآية من القرآن .
قراءة القرآن بغير العربية في الصلة :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه ل تجوز قراءة القرآن بغير العربية في الصلة مطلقًا سواء 12
أن يصلّي بالناس القيام وهو ينظر في المصحف ،قيل له :الفريضة ؟ قال :لم أسمع فيها
ي عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف ،فقال :كان خيارنا يقرءون في
شيئا .وسئل الزّهر ّ
المصاحف .
وفي شرح روض الطالب للشيخ زكريا النصاريّ :قرأ في مصحف ولو قلب أوراقه أحيانا لم
تبطل -أي الصلة -لن ذلك يسير أو غير متوال ل يشعر بالعراض ،والقليل من الفعل
الذي يبطل كثيره إذا تعمده بل حاجة مكروه .
وكره المالكية القراءة من المصحف في صلة الفرض مطلقا سواء كانت القراءة في أوله أو
في أثنائه ،وفرقوا في صلة النفل بين القراءة من المصحف في أثنائها وبين القراءة في أولها
،فكرهوا القراءة من المصحف في أثنائها لكثرة اشتغاله به ،وجوزوا القراءة من غير كراهة
في أولها ; لنه يغتفر فيها ما ل يغتفر في الفرض .
ل كان أو كثيرا إماما أو
وذهب أبو حنيفة إلى فساد الصلة بالقراءة من المصحف مطلقا ،قلي ً
منفردا أمّيّا ل يمكنه القراءة إل منه أو ل ،وذكروا لبي حنيفة في علة الفساد وجهين :
أحدهما :أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الوراق عمل كثير ،والثاني أنه تلقن من
المصحف فصار كما لو تلقن من غيره ،وعلى الثاني ل فرق بين الموضوع والمحمول عنده ،
وعلى الول يفترقان .
واستثني من ذلك ما لو كان حافظا لما قرأه وقرأ بل حمل فإنه ل تفسد صلته ; لن هذه
القراءة مضافة إلى حفظه ل إلى تلقّنه من المصحف ومجرد النظر بل حمل غير مفسد لعدم
وجهي الفساد .
وقيل :ل تفسد ما لم يقرأ آيةً ; لنه مقدار ما تجوز به الصلة عنده .
وذهب الصاحبان -أبو يوسف ومحمد -إلى كراهة القراءة من المصحف إن قصد التشبّه
بأهل الكتاب .
ب -القراءة خارج الصلة :
حكم قراءة القرآن :
ت الّلهِ
-يستحبّ الكثار من قراءة القرآن خارج الصلة ،لقول ال تعالى { :يَتْلُونَ آيَا ِ 15
ي صلى ال عليه وسلم « :ل تقرأ الحائض ول الجنب شيئا من القرآن » .
لقول النب ّ
وذهب المالكية إلى جواز قراءة الحائض والنّفساء للقرآن .
). 39/ والتفصيل في مصطلح ( حيض ف
واتفق فقهاء المذاهب الربعة على أنه يحرم على الجنب قراءة القرآن ،لما روي « أن النبي
صلى ال عليه وسلم كان ل يحجبه عن قراءة القرآن شيء إل أن يكون جنبا » .
). 17/ والتفصيل في مصطلح ( جنابة ف
قراءة القرآن على المحتضر والقبر :
-ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى ندب قراءة سورة يس عند المحتضر ،لقول النبيّ 17
صلى ال عليه وسلم « :اقرءوا يس على موتاكم » ،أي من حضره مقدّمات الموت .
كما ذهبوا إلى استحباب قراءة القرآن على القبر ،لما ُر ِويَ عن أنس مرفوعا « :من دخل
المقابر فقرأ سورة يس خفف ال عنهم وكان له بعدد من دفن فيها حسنات » ،ولما صح عن
ابن عمر أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عنده بفاتحة البقرة وخاتمتها .
وذهب المالكية إلى كراهة قراءة القرآن عند المحتضر وعلى القبر .
والتفصيل في مصطلح ( احتضار ف ، 9/ومصطلح :قبر ) .
قراءة القرآن للميّت وإهداء ثوابها له :
-ذهب الحنفية والحنابلة إلى جواز قراءة القرآن للميّت وإهداء ثوابها له ،قال ابن عابدين 18
نقلً عن البدائع :ول فرق بين أن يكون المجعول له ميّتا أو حيّا ،والظاهر أنه ل فرق بين أن
ينوي به عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه ثم بعد ذلك يجعل ثوابه لغيره .
وقال المام أحمد :الميّت يصل إليه كلّ شيء من الخير ،للنّصوص الواردة فيه ; ولن الناس
يجتمعون في كلّ مصر ويقرءون يهدون لموتاهم من غير نكير فكان إجماعا ،قاله البهوتيّ من
الحنابلة .
وذهب المتقدّمون من المالكية إلى كراهة قراءة القرآن للميّت وعدم وصول ثوابها إليه ،لكن
المتأخّرون على أنه ل بأس بقراءة القرآن والذّكر حمل الثواب للميّت ويحصل له الجر .
س لِلْإِنسَانِ إِلّا
قال الدّسوقيّ :في آخر نوازل ابن رشد في السّؤال عن قوله تعالى َ { :وأَن لّيْ َ
سعَى } ،قال :وإن قرأ الرجل وأهدى ثواب قراءته للميّت جاز ذلك وحصل للميّت أجره .
مَا َ
وقال ابن هلل :الذي أفتى به ابن رشد وذهب إليه غير واحد من أئمتنا الندلسيّين أن الميّت
ينتفع بقراءة القرآن الكريم ويصل إليه نفعه ويحصل له أجره إذا وهب القارئ ثوابه له ،وبه
جرى عمل المسلمين شرقا وغربا ،ووقفوا على ذلك أوقافا ،واستمر عليه المر منذ أزمنة
سالفة .
والمشهور من مذهب الشافعيّ أنه ل يصل ثواب القراءة إلى الميّت .
وذهب بعض الشافعية إلى وصول ثواب القراءة للميّت .
قال سليمان الجمل :ثواب القراءة -للقارئ ،ويحصل مثله أيضا للميّت لكن إن كان
بحضرته ،أو بنيته ،أو يجعل ثوابها له بعد فراغها على المعتمد في ذلك .
وصرحوا بأنه لو سقط ثواب القارئ لمسقط كأن غلب الباعث الدّنيويّ كقراءته بأجرة فإنه ل
يسقط مثله بالنّسبة للميّت .
ونصّوا على أنه لو استؤجر للقراءة للميّت ولم ينوه ول دعا له بعدها ول قرأ له عند قبره لم
يبرأ من واجب الجارة .
قراءة القرآن للستشفاء :
-صرح الفقهاء بجواز الستشفاء بقراءة القرآن على المريض ،قال ابن عابدين :وعلى 19
الجواز عمل الناس اليوم وبه وردت الثار ،فعن عائشة رضي ال تعالى عنها قالت « :كان
رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوّذات ،فلما مرض
مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه ; لنها كانت أعظم بركةً من يدي »
ي صلى ال عليه وسلم « :
.قال النوويّ :يستحبّ أن يقرأ عند المريض بالفاتحة لقول النب ّ
وما أدراك أنها رقية » .
ب ا ْلفَلَقِ } ،و { ُقلْ أَعُو ُذ بِرَبّ
ويستحبّ أن يقرأ عنده ُ { :قلْ ُه َو الّلهُ َأحَدٌ } ،و { ُقلْ أَعُو ُذ بِرَ ّ
س } مع النفث في اليدين ،فقد ثبت ذلك من فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم .
النّا ِ
الجتماع لقراءة القرآن :
-صرح الشافعية والحنابلة بأن الجتماع لقراءة القرآن مستحبّ ،لما روى أبو هريرة 20
تكون القراءة في المسجد لكونه جامعا للنظافة وشرف البقعة ،قاله النوويّ .
وصرح فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة بكراهة قراءة القرآن في المواضع
القذرة ،واستثنى المالكية اليات اليسيرة للتعوّذ ونحوه .
قال الحنفية :تكره القراءة في المسلخ والمغتسل ومواضع النجاسة .
واختلفوا في القراءة في الحمام ،فذهب الشافعية إلى جوازها من غير كراهة ،وقال المالكية
بكراهتها إل اليات اليسيرة للتعوّذ ونحوه .
وقال الحنفية :القراءة في الحمام إن لم يكن فيه أحد مكشوف العورة وكان الحمام طاهرا تجوز
جهرا وخفيةً ،وإن لم يكن كذلك فإن قرأ في نفسه فل بأس به ويكره الجهر .
وكره أبو حنيفة القراءة عند القبور ،وأجازها محمد وبقوله أخدّ مشايخ الحنفية لورود الثار
به ،منها ما روي أن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما استحب أن يقرأ على القبر بعد الدفن أول
سورة البقرة وخاتمتها .
ونص الحنابلة على كراهة القراءة بأسواق ينادى فيها ببيع ،ويحرم رفع صوت القارئ بها ،
لما فيه من المتهان للقرآن .
الحوال التي تجوز فيها قراءة القرآن والتي تكره :
-ذهب الحنفية والشافعية إلى جواز القراءة في الطريق إذا لم يلته عنها صاحبها ،فإن 22
فذهب المالكية والشافعية إلى جواز الستئجار على قراءة القرآن .
ق أجرةً .
قال الشافعية :وإذا قرأ جنبا ولو ناسيا ل يستح ّ
وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه ل يصحّ الستئجار على القراءة .
قال ابن عابدين :والستئجار على التّلوة وإن صار متعارفا ،فالعرف ل يجيزه ; لنه مخالف
للنصّ ،وهو ما استدل به أئمتنا من قوله عليه الصلة والسلم « :اقرءوا القرآن ول تغلوا
فيه ،ول تجفوا عنه ،ول تأكلوا به ،ول تستكبروا به » ،والعرف إذا خالف النص يردّ
بالتّفاق ،والذي أفتى به المتأخّرون جواز الستئجار على تعليم القرآن ل على تلوته خلفا
لمن وهم .لكن صرح الحنابلة بأنه يجوز أخذ الجعالة على تعليم القرآن بل شرط على الصحيح
من المذهب.
ثانيا :قراءة غير القرآن الكريم :
قراءة كتب الحديث :
-سئل ابن حجر الهيتميّ عن الجلوس لسماع الحديث وقراءته هل فيه ثواب أم ل ؟ فقال : 25
إن قصد بسماعه الحفظ وتعلّم الحكام أو الصلة عليه صلى ال عليه وسلم أو اتّصال السند
ففيه ثواب ،وأما قراءة متون الحاديث فقال أبو إسحاق الشّيرازيّ :إن قراءة متونها ل يتعلق
ص لجواز قراءتها وروايتها بالمعنى .قال ابن العماد :وهو ظاهر إذ لو تعلق
بها ثواب خا ّ
يل
بنفس ألفاظها ثواب خاصّ لما جاز تغييرها وروايتها بالمعنى لن ما تعلق به حكم شرع ّ
يجوز تغييره بخلف القرآن فإنه معجز ،وإذا كانت قراءته المجردة ل ثواب فيها لم يكن في
استماعه المجرد عما مر ثواب بالولى ،وأفتى بعضهم بالثواب وهو الوجه عندي ; لن
سماعها ل يخلو من فائدة لو لم يكن إل عود بركته صلى ال عليه وسلم على القارئ
والمستمع ،فل ينافي ذلك قولهم إن سماع الذكار مباح ل سنة .
قراءة الكتب السماوية :
-نص الحنابلة على أنه ل يجوز النظر في كتب أهل الكتاب ; « لن النبي صلى ال عليه 26
قرائن *
انظر :قرينة .
قَرابة *
التعريف :
-القرابة لغةً :هي القرب في الرحم ،قال الرازيّ :القرابة والقربى :القرب في الرحم وهو 1
في الصل مصدر ،تقول :بينهما قرابة وقرب وقربى ومقربة -بفتح الراء وضمّها -وقربة
-بسكون الراء وضمّها -وهو قريبي وذو قرابتي وهم أقربائي وأقاربي .
وفي الصطلح :تطرق الفقهاء إلى تعريف القرابة عند كلمهم على الوصية للقارب أو الهبة
لهم ،ويمكن حصر تعريفاتهم للقرابة في اتّجاهات سبعة :
التّجاه الول :تضييق دائرة القرابة وقصرها على القرابة من جهة الب دون من كان من جهة
المّ ،وهي الرّواية الراجحة عن المام أحمد ،ويقتصر بها على أربعة آباء فقط ،فلو قال :
أوصيت لقرابة فلن دخل فيها أولده وأولد أبيه وأولد جدّه وأولد ج ّد أبيه ،وعن أحمد رواية
أخرى أنه يصرف إلى قرابة أمّه إن كان يصلهم في حياته ،وإن كان ل يصلهم لم يعطوا شيئا
ي أن قرابة المّ ل تدخل في الوصية للقارب في الصحّ .
.وحكى النوو ّ
التّجاه الثاني :توسع دائرة القرابة بعض الشيء فتشمل قرابة المّ وقرابة الب من الرحم
المحرم القرب فالقرب غير الوالدين والمولودين ،وقد نقلها علماء الحنفية عن أبي حنيفة
ي ; لن القرابة المطلقة هي قرابة ذي الرحم المحرم ،ولن السم يتكامل
ورجحها الكاسان ّ
بها ،وأما غيرها من الرحم غير المحرم فناقص ،فكان السم للرحم المحرم ل لغيره .
ول يدخل فيها الباء والجداد والولد والحفاد في رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة .
وقد ذكر الحصكفيّ أن من قال للوالد أنه قريب فهو عاقّ .
وقال الكاسانيّ :الوالد والولد ل يسميان قرابتين عرفا وحقيقةً أيضا ; لن الب أصل والولد
جزؤه ،والقريب من تقرب إلى النسان بغيره ل بنفسه ،وقال تعالى { :ا ْلوَصِ ّيةُ لِ ْلوَالِدَيْنِ
وَالقْرَبِينَ } ،والعطف يقتضي المغايرة في الصل .
التّجاه الثالث :إطلق القرابة على ذوي الرحم المحرم غير الوالدين وولد الصّلب ،ويدخل
فيها الجداد والحفاد ،وقد نقل هذا عن أبي حنيفة في الزّيادات فذكر أن الجداد والحفاد
يدخلن ولم يذكر خلفا .
التّجاه الرابع :إطلق القرابة على كلّ ذي رحم وإن بعد ،سواء كان محرما أو غير محرم ،
ي.
غير الصل والفروع ذكرها الخطيب الشّربين ّ
التّجاه الخامس :إطلق القرابة على كلّ ذي رحم وإن بعد إل الب والمّ والبن والبنت من
أولد الصّلب ورجحها النوويّ في المنهاج ،وهو رأي محمد بن الحسن وقول لبي يوسف .
التّجاه السادس :إطلق القرابة على أيّ قرابة وإن بعدت ويدخل فيها الب والمّ وولد
ل ،وهو
الصّلب ،كما يدخل فيها الجداد والحفاد ورجحها السّبكيّ وقال :هذا أظهر بحثا ونق ً
ي في المّ ،وهو معنى كلم مالك في المدونة .
ص الشافع ّ
ن ّ
التّجاه السابع :إطلق القرابة على أيّ قرابة وإن بعدت من جهة الب أو من جهة ال ّم أو من
الولد ،ويحمل عليها الزوجية والولء والرضاع .
وهذا التّجاه مستنبط من كلم العلماء في أبواب متفرّقة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -النسب :
-النسب في اللّغة واحد النساب ،والنّسبة والنّسبة مثله وانتسب إلى أبيه أي اعتزى . 2
وتنسب أي ادعى أنه نسيبك ،وفي المثل " :القريب من َتقَرّب ل من تَ َنسّب " .
وفلن يناسب فلنا فهو نسيبه أي قريبه .
وشرعا عبر عنه الخطيب الشّربينيّ بأنه القرابة .
وعبر عنه البهوتيّ بأنه الرحم وتابعه التّمرتاشيّ عليه ،فبدل أن يذكر كلّ منهما النسب في
أسباب الميراث ذكر ما ذكر وجمع بينهما الفرضيّ في قوله :أو بقرابة لها انتساب .
وقصره الشيخ زكريا النصاريّ والبجيرميّ على غير ذوي الرحم .
وحصر ابن الجلب النسب في البنوة والبوة والخوة والعمومة وما تناسل منهم .
ومما تقدم لنا في تعريف القرابة هذا نرى أن النسب بينه وبين القرابة عموم وخصوص
مطلق ،يجتمعان في التّصال بين إنسانين بالشتراك في ولدة قريبة أو بعيدة ،وينفرد العمّ
في غير ذلك من أنواع القرابة .
ب -المصاهرة :
-قال الجوهريّ :الصهار أهل بيت المرأة ،عن الخليل .وقال :من العرب من يجعل 3
ويطلق شرعا على :عصوبة سببها نعمة المعتق مباشر ًة أو سرايةً أو شرعا كعتق أصله
وفرعه ،وفيه يقول رسول ال صلى ال عليه وسلم « :الولء بمنزلة النسب » .
وعلى هذا يكون بين الولء وبين القرابة حسب التّجاه السابع عموم وخصوص مطلق أيضا .
هـ -الرضاع :
ص الثدي .
-الرضاع لغةً اسم لم ّ 6
وشرعا اسم لوصول لبن امرأة أو ما حصل من لبنها في جوف طفل بشروط مخصوصة .
وبين الرضاع والقرابة عموم خصوص مطلق ،فقد اتفق العلماء على أن الرضاع يجري
مجرى الولدة .
الحكام المتعلّقة بالقرابة :
أولً :قرابة النبيّ صلى ال عليه وسلم " ذوو القربى " :
المراد بهم :
ي صلى ال عليه وسلم ،وهم آله على مذاهب :
-اختلف العلماء في المراد بقرابة النب ّ 7
المذهب الول :أنهم بنو هاشم فقط ،وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك ،ويعلّل الخرشيّ
لذلك فيقول :لن الصحيح أن آله من اجتمع معه عليه الصلة والسلم في هاشم ،والمطلب لم
يجتمع معه عليه السلم في هاشم ،لن المطلب أخو هاشم ولهما أيضا أخوان :عبد شمس
ونوفل ،ففرع كلّ من عبد شمس ونوفل ليس بآل قطعا ،وفرع هاشم آل قطعا ،وفرع المطلب
المشهور أنه ليس بآل ...والمطلب وهاشم شقيقان وأمّهما من بني مخزوم ،وعبد شمس
ي.
ونوفل شقيقان وأمّهما من بني عد ّ
ي وآل عباس وآل جعفر وآل
ويبيّن العينيّ المراد ببني هاشم فيقول :وبنو هاشم هم آل عل ّ
عقيل وآل الحارث بن عبد المطلب .
يقول الشوكانيّ :ولم يدخل في ذلك آل أبي لهب ،لما قيل من أنه لم يسلم أحد منهم في حياته
صلى ال عليه وسلم .ويردّه ما في جامع الصول أنه أسلم عتبة ومعتّب ابنا أبي لهب عام
الفتح وسر صلى ال عليه وسلم بإسلمهما ودعا لهما ،وشهدا معه حنينا والطائف ولهما
عقب عند أهل النسب ،وهو رواية عن المام أحمد .
المذهب الثاني :أن ذوي القربى هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط وهو المذهب عند الشافعية ،
والحنابلة ،وعليه اقتصر القاضي عياض وقال زرّوق من المالكية :إنه المذهب .
ويؤيّد هذا ما رواه جبير بن مطعم :أنه قال :مشيت أنا وعثمان بن عفان فقال :يا رسول ال
ي صلى ال عليه
،أعطيت بني المطلب وتركتنا ،وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة ،فقال النب ّ
وسلم « :إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد » .
وذكر الشافعيّ هذه الرّواية وغيرها وفي بعضها زيادة « :لعن ال من فرق بين بني هاشم
وبني المطلب » ،ويلحق بهم مواليهم لن مولى القوم منهم .
المذهب الثالث :أن ذوي القربى هم بنو قصيّ وذلك مرويّ عن أصبغ من المالكية ،حكاه عنه
العينيّ .
عشِيرَتَكَ
المذهب الرابع :أن ذوي القربى قريش كلّها ،فقد ورد أنه « لما نزلت َ { :وأَنذِ ْر َ
ن } ،دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال :يا بني
الَْأقْرَبِي َ
كعب بن لؤيّ ،أنقذوا أنفسكم من النار ،يا بني مرة بن كعب ،أنقذوا أنفسكم من النار ،يا
بني عبد شمس ،أنقذوا أنفسكم من النار ،يا بني عبد مناف ،أنقذوا أنفسكم من النار ،يا بني
هاشم ،أنقذوا أنفسكم من النار ،يا بني عبد المطلب ،أنقذوا أنفسكم من النار ،يا فاطمة
أنقذي نفسك من النار ،فإنّي ل أملك لكم من ال شيئا ،غير أن لكم رحما سأبلّها ببللها » .
قال ابن العربيّ بعد أن أورد هذا الحديث :فهذه قراباته التي دعا على العموم والخصوص حين
أمر أن يدعوهم ،لكن ثبت في الصحيح « أن عثمان قال له :يا رسول ال ،أعطيت بني
هاشم وبني المطلب وتركتنا ،وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة ،فقال :إنهم لم يفارقوا في
جاهلية ول إسلم » .
حكم أخذهم من الصدقات والكفارات :
-قرابته صلى ال عليه وسلم ثلثة أنواع هم :بنو هاشم وبنو المطلب وموالي كلّ منهما ، 8
). 10 وقد اختلف في حكم أخذهم على تفصيل ينظر في مصطلح ( آل ف - 6/
حكم أخذ ذوي القربى من الغنيمة والفيء :
-للعلماء في هذا مذاهب : 9
المذهب الول :ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة في أن ذوي القربى وهم هنا بنو هاشم وبنو
ي والفقير والذكر والنثى ولكن الذكر
المطلب يعطون من الفيء والخمس ،يشترك في هذا الغن ّ
يأخذ ضعف النثى كما في الميراث ،وإعطاء بني هاشم وبني المطلب هنا متفق عليه بينهم
وإن اختلفت الرّواية عن المام أحمد في إعطاء بني المطلب من الزكاة .
واستدلّوا بعموم قوله تعالى { :وَلِذِي ا ْلقُرْبَى } .
وهذه تحمل على عمومها فيدخل الغنياء والفقراء فيها ،وليس لها ما يخصّصها ،بل دل على
ي صلى ال عليه وسلم وفعله .
عمومها قول النب ّ
أما قوله فما رواه جبير بن مطعم قال « :لما قسم رسول ال صلى ال عليه وسلم سهم القربى
من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب جئت أنا وعثمان بن عفان فقلت :يا رسول ال ،هؤلء
بنو هاشم ل ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك ال عز جل منهم ،أرأيت إخواننا من بني
المطلب أعطيتهم وتركتنا ،وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة ؟ فقال :إنهم لم يفارقوني في
جاهلية ول إسلم ،وإنما هو بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد قال :ثم شبك بين أصابعه »
.
وأما فعله فقد ورد « أن النبي صلى ال عليه وسلم أعطى الزّبير سهما وأمه سهما وفرسه
سهمين » .
وإنما أعطى أمه من سهم ذوي القربى وقد كانت موسرةً ; ولنه عطية من ال تعالى تستحقّ
بقرابة الب ففضّل فيه الذكر على النثى .
ي وابن المنذر أنه يسوى بين الذكر
وفي رواية عن المام أحمد وهو قول أبي ثور والمزن ّ
والنثى من قرابة النبيّ صلى ال عليه وسلم في إعطائهم من الخمس .
واستدلّوا على ذلك بأنهم أعطوا باسم القرابة ،والذكر والنثى فيها سواء ; ولنه سهم من
خمس الخمس فيستوي فيه الذكر والنثى كسائر سهامه .
المذهب الثاني للحنفية ،وهم يرون أن الفيء ل حق لهم فيه بوصفهم ذوي قربى لنه ل
يخمس وإنما هو خاصّ برسول ال صلى ال عليه وسلم يتصرف فيه كيف يشاء ،وينفق منه
ما يريد وبعده يكون لعامة المسلمين يصرف في مصالحهم ،وأما الخمس في الغنيمة فل
يستحقّون منه شيئا إل إذا كانوا فقراء ،والصحيح الذي كان عليه الحال في حياة رسول ال :
ي.
أنه كان يعطي الفقراء منهم خاصةً كما يقول الكاسان ّ
واستدلّوا على ذلك بما رواه محمد بن الحسن في كتاب السّير أن سيّدنا أبا بكر ،وسيّدنا
عمر ،وسيّدنا عثمان ،وسيّدنا عليّا رضي ال عنهم قسموا الغنائم على ثلثة أسهم :سهم
لليتامى ،وسهم للمساكين ،وسهم لبناء السبيل بمحضر من الصحابة الكرام ولم ينكر عليهم
أحد فيكون إجماعا منهم على ذلك .
مودة آل البيت :
-اتفق الفقهاء على مودة آل البيت ; لن في مودتهم مودة النبيّ صلى ال عليه وسلم وقد 10
ورد في ذلك آثار عن النبيّ صلى ال عليه وسلم وأصحابه منها ما ورد من حديث طويل عن
زيد بن أرقم جاء فيه قوله صلى ال عليه وسلم « :أذكّركم ال في أهل بيتي ،قالها ثلثا » .
ومنها ما ورد عن أبي بكر رضي ال عنه أنه قال :ارقبوا محمدا صلى ال عليه وسلم في أهل
بيته .
ب إلي أن أصل من
وقوله :والذي نفسي بيده لقرابة رسول ال صلى ال عليه وسلم أح ّ
قرابتي.
ثانيا :القرابة النسبية :
أقسامها من حيث المحرمية وغيرها :
-اتفق العلماء على أن القرابة النسبية تنقسم إلى قسمين :محارم وغير محارم . 11
القرابات النسبية -أنه يحرم نكاح واحدة منهن على التأبيد .
واختلفوا بعد ذلك في البنت المخلوقة من ماء زنا الرجل هل يح ّل له أن يتزوجها ،وتفصيل ذلك
ينظر في ( نكاح -ومحرمات وولد زنا ) .
العتق بالقرابة :
). 14/ -في العتق بالقرابة خلف وتفصيل بين الفقهاء ينظر في ( عتق ف 13
عدا الصل إذا قتل فرعه واختلفوا فيه على مذاهب ،وتفصيل ذلك في ( قصاص ) .
من يتحمل الدّية من ذوي القرابة :
-اتفق العلماء على أن من يتحمل الدّية من ذوي القرابة هم العاقلة ،كما اتفقوا على أن 15
). 18/ ،وإرث ف 47/ مصطلح ( اختلف الدارين ف ، 3/واختلف الدّين ف ، 2/وردة ف
ثالثا :القرابة بالمصاهرة :
-اتفق العلماء على أن سبب هذه القرابة هو النّكاح ،ولمعرفة المحرمات من هذه الجهة 18
واختلفوا بعد ذلك في الشّروط المعتبرة لتحقّق الرضاع شرعا ،وتفصيل ذلك في مصطلح
( رضاع ف . ) 7/
خامسا :القرابة بسبب الولء :
-الولء كما قال الجرجانيّ :هو ميراث يستحقّه المرء بسبب عتق شخص في ملكه أو 20
ارتفاق بما لم يثبت عليه ملك أحد من غير إضرار فجاز كالمشي في الطريق ; ولن الهواء
تابع للقرار فلما ملك الرتفاق بالطّرق من غير إضرار ،ملك الرتفاق بالهواء من غير
إضرار ،وهذا عند الحنفية والمالكية والشافعية .
وقال الحنابلة :إن ذلك جائز بإذن المام ،وهذا على ما جاء في شرح منتهى الرادات ،لكن
ابن قدامة ذكر أنه ل يجوز أن يشرع أحد إلى طريق نافذ جناحا سواء كان ذلك يضرّ في العادة
بالمارة أو ل يضرّ ،ثم قال :وقال ابن عقيل :إن لم يكن فيه ضرر جاز بإذن المام .
وإن صالحه المام عن الجناح على شيء لم يصح الصّلح ،لن الهواء تابع للقرار فل يفرد
ق له فل يجوز أن يؤخذ منه عوض على حقّه كالجتياز في الطريق .
بالعقد ; ولن ذلك ح ّ
هذا ما نص عليه الحنفية والشافعية ،ول يختلف الحكم عند المالكية والحنابلة بالنّسبة للطريق
العامّ .
وإن كان الطريق غير نافذ فل يجوز إشراع جناح فيه إل بإذن أهله ،وهذا عند الحنفية
والمالكية والحنابلة ،وإن صالح أهل الدرب على عوض معلوم جاز ; لنه ملك لهم فجاز أخذ
عوضه كالقرار .
وقال الجصاص من الحنفية والقاضي من الحنابلة :ل يجوز العتياض عن ذلك ; لنه بيع
للهواء دون القرار .
وقال الشافعية :الطريق الذي ل ينفذ ل يجوز لغير أهل السّكة إشراع الجناح فيه بل خلف ،
ح الذي قاله الكثرون إل برضاهم سواء تضرروا أم ل .
ول لهم على الص ّ
والثاني وهو قول الشيخ أبي حامد ومن تابعه :يجوز إذا لم يضر بالباقين ،فإن أضر ورضي
أهل السّكة جاز ،ولو صالحوه على شيء لم يصح بل خلف لن الهواء تابع ،فل يفرد
بالمال صلحا كما ل يفرد به بيعا .
-من ذلك :أنه يجوز بيع الهواء الذي فوق القرار كما يقول المالكية والحنابلة ; لن من 4
الصّلح لعدم ملكه الماء ،لن الماء ل يملك بملك الرض .
وإن صالحه على سهم من النهر كثلث ونحوه من ربع أو خمس جاز الصّلح ،وكان ذلك بيعا
للقرار أي للجزء المسمى من القرار وهو الثّلث أو الرّبع أو الخمس ،والماء تابع للقرار ،
فيقسم بينهما على قدر ما لك ّل منهما فيه .
وهذا عند الحنفية والشافعية والحنابلة ،وأجاز المالكية بيع الماء المملوك دون القرار .
ثانيا :القرار بمعنى الثّبوت وعدم النفصال :
بيع ما يتصل بغيره اتّصال قرار :
-التوابع المستقرة المتصلة بالمبيع اتّصال قرار تدخل في البيع ( واتّصال ،القرار :وضع 6
الشيء بحيث ل يفصل من محلّه ) فيدخل الشجر في هذا التعريف ،فإذا بيعت الرض فالشجر
المغروس فيها يدخل في البيع ; لن الشجار متصلة بالرض اتّصال القرار ،أما الشجار
اليابسة فل تدخل في البيع ; لن تلك الشجار على شرف القلع ،فهي في حكم الحطب فليس
اتّصالها بالرض اتّصال قرار .
ل ،كأن يدعي المشتري أن هذا الشيء قد
وإذا اختلف البائع والمشتري في قرار الشياء مث ً
وضع على أن يكون مستقرّا فهو داخل في البيع ،ويدعي البائع أنه لم يوضع على أن يكون
مستقرّا فهو خارج عن المبيع ،فيجري فيه التحالف .
). 39/ وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( شجر ف ، 4/وبيع ف
ثالثا -حقّ القرار وما يثبت به :
ق دوام النتفاع بالعقار المستأجر من الوقف دون أن يطالبه أحد
-ما يثبت للنسان من ح ّ 7
قراض *
انظر :مضاربة .
ِقرَان *
التعريف :
-القران لغةً :جمع شيء إلى شيء يقال قرن الشخص للسائل :إذا جمع له بعيرين في 1
والصّلة بينهما أنهما نوعان من أنواع الحجّ ،غير أن القران يتضمن نسكين ،والفراد نسكا
واحدا .
ب -التمتّع :
-التمتّع :هو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحجّ من الميقات ،ثم يفرغ منها ويتحلل ،ثم 3
أيّها الفضل ،وقد قيل بأفضلية كلّ منها ،وسبق بيان المذاهب في ذلك تفصيلً .
). 5 ( ر :إفراد ف 8 - 7/وتمتّع ف - 4/
أركان القران :
-القران جمع بين نسكي الحجّ والعمرة في عمل واحد ،فأركانه هي أركان الحجّ والعمرة . 6
). 24 - 12/ وما بعدها ،ومصطلح عمرة ف 46/ انظر التفصيل في مصطلح ( حجّ ف
لكن هل يلزم أداء الطواف والسعي لكلّ من الحجّ والعمرة ،أو يتداخلن فل يجب تكرارهما ؟
ذهب الجمهور إلى التداخل ،وأنه يجزئ الطواف والسعي عن الحجّ والعمرة ،ول يجب
تكرارهما ،وبه قال ابن عمر وجابر وعطاء وطاوس ومجاهد وإسحاق بن راهويه وأبو ثور
وابن المنذر .
واستدلّوا بالنقل والقياس :
أما النقل :فحديث عائشة الذي قالت فيه .. « :وأما الذين جمعوا بين الحجّ والعمرة فإنما
طافوا طوافا واحدا » .
وحديثها أيضا لما جمعت بين الحجّ والعمرة فقال لها النبيّ صلى ال عليه وسلم « :يجزئ
عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجّك وعمرتك » .
وعن جابر « أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قرن الحج والعمرة ،فطاف لهما طوافا واحدا
» .وأما القياس :فلنه ناسك يكفيه حلق واحد ورمي واحد ،فكفاه طواف واحد وسعي واحد ،
كالمفرد ; ولنهما عبادتان من جنس واحد ،فإذا اجتمعتا دخلت أفعال الصّغرى في الكبرى ،
كالطهارتين :الوضوء والغسل .
وقال الحنفية -وهو رواية عن أحمد -ويروى عن الشعبيّ ،وجابر بن زيد ،وعبد الرحمن
بن السود ،وبه قال الثوريّ والحسن بن صالح ،قالوا :القارن يطوف طوافين ،ويسعى
سعيين :طواف وسعي لعمرته ،وطواف وسعي لحجته .
حجّ وَا ْل ُعمْرَةَ لِّلهِ } ،وتمامهما أن يأتي بأفعالهما على
واستدلّوا بقوله تعالى َ { :وأَ ِتمّواْ ا ْل َ
الكمال ،ولم يفرق بين القارن وغيره .
وبما ورد عن صُبَيّ بن معبد في قصة حجّه قارنا ،قال « :قال -يعني عمر له : -فصنعت
ماذا؟ قال :مضيت فطفت طوافا لعمرتي ،وسعيت سعيا لعمرتي ،ثم عدت ففعلت مثل ذلك
ج ،حتى قضيت آخر نسكي قال :
لحجّي ،ثم بقيت حراما ما أقمنا ،أصنع كما يصنع الحا ّ
هُديت لسنة نبيّك » .
وعن عليّ رضي ال عنه قال لمن أهل بالحجّ والعمرة :تهلّ بهما جميعا ثم تطوف لهما
طوافين وتسعى لهما سعيين .
وبأن القران ضمّ عبادة إلى عبادة وذلك إنما يتحقق بأدلة عمل ك ّل واحد على الكمال .
شروط القران :
الشرط الول :أن يحرم بالحجّ قبل طواف العمرة :
-وذلك فيما إذا أحرم بالعمرة ثم أحرم بالحجّ فأدخله على العمرة ،فإن إحرامه هذا صحيح ، 7
ويصبح قارنا بشرط أن يكون إحرامه بالحجّ قبل طواف العمرة .
أما إذا أحرم بالحجّ ثم أدخل العمرة على الحجّ ،فإنه ل يصحّ إحرامه بالعمرة عند جمهور
الفقهاء .
وقال الحنفية بصحة هذا الحرام ويصير قارنا -مع كونه مكروها . -
). 28 - 22/ والتفصيل في مصطلح ( إحرام ف
الشرط الثاني :أن يحرم بالحجّ قبل فساد العمرة :
-إذا أحرم بالعمرة ثم أراد أن يدخل الحج عليها ومحرم به فوقها ،فقد اشترط المالكية 8
والشافعية لصحة الرداف أن تكون العمرة صحيحةً ،وزاد الشافعية اشتراط أن يكون إدخال
الحجّ على العمرة في أشهر الحجّ .
). 24/ وقال الحنفية :عدم فساد العمرة شرط لصحة القران ،والتفصيل في مصطلح ( إحرام ف
الشرط الثالث :
-أن يطوف للعمرة الطواف كله أو أكثره في أشهر الحجّ عند الحنفية ،وزاد الشافعية 9
فاشترطوا أن يكون إدخال الحجّ على العمرة في أشهر الحجّ قبل الشّروع في طواف العمرة .
). 27 - 25 والتفصيل في مصطلح ( إحرام ف
الشرط الرابع :
-أن يطوف للعمرة كل الشواط أو أكثرها قبل الوقوف بعرفة . 10
وهذا عند الحنفية ،لقولهم :إن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين .
الشرط الخامس :
-أن يصونهما عن الفساد :فلو أفسدهما بأن جامع قبل الوقوف وقبل أكثر طواف العمرة 11
إل أنه ل يلزمه دم القران ،فجعلوا هذا شرطا للزوم دم القران ،ل للمشروعية .
سجِدِ ا ْلحَرَامِ } ،
ن أَهُْل ُه حَاضِرِي ا ْل َم ْ
وقالوا :إن اسم الشارة في قوله تعالى { :ذَِلكَ ِلمَن ّلمْ َيكُ ْ
ن ا ْلهَ ْديِ } ،والمعنى :ذلك الحكم وهو وجوب الهدي على
يرجع إلى قوله َ { :فمَا اسْتَ ْيسَرَ مِ َ
من تمتع -وهو يشمل القران -إذا لم يكن من حاضري المسجد الحرام ،فإن كان من
حاضري المسجد الحرام ،فل هدي عليه ،وقرانه وتمتّعه صحيحان .
وذهب الحنفية إلى أنه يشترط للقران أن ل يكون القارن من حاضري المسجد الحرام على
الراجح .
وقالوا :المراد ب ( ذلك ) الواردة في الية السابقة :التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ،وهو يشمل
القران والتمتّع لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ،فدلت على أنه ل قران ول تمتّع
له ،ولو كان المراد الهدي لقال :ذلك على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام .
ويدلّ للحنفية ما ورد عن ابن عباس رضي ال عنهما أنه سئل عن متعة الحجّ فقال « :أ َهلّ
المهاجرون والنصار وأزواج النبيّ صلى ال عليه وسلم في حجة الوداع ...إلى أن قال :
فجمعوا نسكين في عام بين الحجّ والعمرة ،فإن ال تعالى أنزله في كتابه ،وسنة نبيّه صلى
ك ِلمَن ّلمْ َيكُنْ أَ ْهُلهُ حَاضِرِي
ال عليه وسلم وأباحه للناس غير أهل مكة ،قال ال { :ذَلِ َ
سجِدِ ا ْلحَرَامِ } » .
ا ْل َم ْ
الشرط السابع :
ج بعد أن أحرم بالقران لم يكن قارنا ،وسقط عنه دم
-عدم فوات الحجّ :فلو فاته الح ّ 13
القران .
كيفية القِران :
-هي أن يحرم بالعمرة والحجّ معا من الميقات أو قبله ،ل بعده . 14
وميقات إحرام القارن هو ميقات إحرام المفرد عند الجمهور ،وقال المالكية :ميقات القارن هو
ص به ،ومن كان غير
ميقات العمرة ،وعلى ذلك فمن كان آفاقيّا فإنه يحرم من الميقات الخا ّ
ذلك فل قران له عند الحنفية ،وله عند الجمهور القران ،ول دم عليه ،فيحرم من موضعه إل
عند المالكية ،فيجب أن يخرج إلى الحلّ فيحرم بالقران .
). 52 و 40/ ( ر :إحرام ف
-وكيفية إحرام القارن ،أنه بعدما يستعدّ للحرام يقول ناويا بقلبه :اللهم إنّي أريد العمرة 15
والحج فيسّرهما لي وتقبلهما منّي ،أو نويت العمرة والحج وأحرمت بهما ل تعالى ،لبيك
اللهم لبيك ،لبيك ل شريك لك لبيك .إن الحمد والنّعمة لك والملك ،ل شريك لك ،ثم يقول :
لبيك بعمرة وحجة .
ويجوز أن يحرم بالحجّ والعمرة متعاقبا ،بأن يكون أحرم بالعمرة ،ثم يحرم بالحجّ إضافةً إلى
). 117/ العمرة ( ر :إحرام ف
فإذا انعقد الحرام قارنا ،فإنه عند المالكية والشافعية والحنابلة يفعل ما يفعل الحاجّ المفرد ،
ويطوف طواف القدوم ،ويسعى بعده إن أراد تقديم السعي ،ثم يقف بعرفة وهكذا إلى آخر
أعمال الحجّ ،ويذبح هديا يوم النحر .
والتفصيل في مصطلح ( هدي ) .
وأما عند الحنفية :فإن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين :طواف وسعي لعمرته ،
وطواف وسعي لحجته ،وكيفية أدائه للقران :إذا انعقد إحرامه قارنا دخل مكة ،وابتدأ فطاف
بالبيت سبعة أشواط ،يرمل في الثلثة الولى منها ،ويضطبع فيها كلّها ،ثم يسعى بعدها بين
الصفا والمروة ،وهذه أفعال العمرة ،ثم يبدأ بأفعال الحجّ ،فيطوف طواف القدوم سبعة أشواط
،ويسعى بعده سعي الحجّ إن أراد تقديم سعي الحجّ عن يوم النحر ( ر :سعي ) وعندئذ يرمل
في الطواف الثاني ويضطبع ; لن الرمل والضطباع سنة في كلّ طواف بعده سعي ،ثم يتابع
أعمال الحجّ كما في الفراد ،ويذبح هديا إلى آخره ...لكن ل يتحلل بما أداه من أفعال العمرة
ول يحلق ،لنه محرم بالحجّ ووقت تحلّله يوم النحر .
تحلّل القارن :
-للقارن تحلّلن :التحلّل الول :ويسمى أيضا الصغر . 16
ويحصل بالحلق عند الحنفية ،وبرمي جمرة العقبة وحده عند المالكية والحنابلة ،وبفعل اثنين
من ثلثة عند الشافعية ،وهي الرمي ،والحلق ،والطواف ،أي طواف الزّيارة المسبوق
بالسعي ،وإل فل يحلّ حتى يسعى بعد طواف الزّيارة .
والمفرد والقارن والمتمتّع في ذلك سواء عندهم جميعا ،حتى الشافعية لن الذبح ل مدخل له
في التحلّل عند الشافعية .
ويحلّ بالتحلّل الول جميع محظورات الحرام إل الجماع .
وأما التحلّل الثاني :ويسمى التحلّل الكبر :
فتحلّ به جميع محظورات الحرام حتى النّساء إجماعا .
ويحصل التحلّل الكبر عند الحنفية والمالكية بطواف الفاضة بشرط الحلق هنا باتّفاق
الطرفين ،وزاد المالكية أن يكون الطواف مسبوقا بالسعي ،وقال الحنفية :ل مدخل للسعي في
التحلّل لنه واجب مستقلّ .
وعند الشافعية والحنابلة :يحصل باستكمال أفعال التحلّل الثّقة التي ذكرناها .
هَ ْديُ القران :
-يجب باتّفاق الفقهاء على القارن هدي يذبحه أيام النحر ،لقوله تعالى َ { :فمَن َتمَتّعَ 17
حجّ َفمَا اسْتَ ْيسَ َر مِنَ ا ْلهَ ْديِ } .لن القارن في حكم المتمتّع .
بِا ْل ُعمْرَةِ إِلَى ا ْل َ
قال القرطبيّ " :وإنما جعل القران من باب التمتّع ; لن القارن يتمتع بترك النصب في السفر
إلى العمرة مر ًة وإلى الحجّ أخرى ،ويتمتع بجمعهما ولم يحرم لكلّ واحدة من ميقاته ،وضم
حجّ َفمَا اسْتَ ْيسَرَ
الحج إلى العمرة ،فدخل تحت قول ال عز وجل َ { :فمَن َتمَتّ َع بِا ْل ُعمْرَ ِة إِلَى ا ْل َ
ن ا ْلهَ ْديِ } ،وقد روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر رضي ال عنهم ; ولنه إذا وجب على
مِ َ
المتمتّع لنه جمع بين نسكين في وقت أحدهما فلن يجب على القارن وقد جمع بينهما في
الحرام أولى .
وأدنى ما يجزئ فيه شاة ،والبقرة أفضل ،والبدنة أفضل منهما .
واختلفوا في موجب هذا الهدي ،فقال الجمهور ومنهم الحنفية والمالكية والحنابلة :هو دم
شكر ،وجب شكرا ل لما وفقه إليه من أداء النّسكين في سفر واحد ،فيأكل منه ويطعم من
شاء ولو غنيّا ،ويتصدق .
وقال الشافعية :هو دم جبر ،على الصحيح في مذهبهم ،فل يجوز له الكل منه ،بل يجب
التصدّق بجميعه .
والتفصيل في ( هدي ) .
ومن عجز عن الهدي فعليه بالجماع صيام ثلثة أيام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلى أهله ،
شرَةٌ كَامِ َلةٌ } .
ع َ
ك َ
حجّ َوسَ ْب َعةٍ إِذَا َرجَعْ ُتمْ تِلْ َ
لقوله تعالى َ { :فمَن ّل ْم َيجِدْ فَصِيَا ُم ثَل َثةِ أَيّامٍ فِي ا ْل َ
،وهدي ) . 20 - 17/ والتفصيل في مصطلح ( تمتّع ف
صيرورة التمتّع قرانا :
-إذا ساق المتمتّع الهدي كما هو السّنة . 18
فقال الحنفية والحنابلة :ل يحلّ المتمتّع الذي ساق الهدي بأفعال العمرة ،ول يحلق ،ولو حلق
لم يتحلل من إحرامه بالعمرة ،ويكون حلقه جناي ًة على إحرام العمرة ،ويلزمه دم لجنايته
ج -لكن يسقط عنه
هذه ،بل يظ ّل حراما ،ثم يهلّ يوم التروية بالحجّ ،ويفعل ما يفعله الحا ّ
طواف القدوم -حتى يحل يوم النحر منهما .
قال الحنفية :إنه يصير قارنا ،وهو المعتمد عند الحنابلة .
وذهب المالكية ،والشافعية ،وهو قول عند الحنابلة إلى أن المتمتّع الذي ساق الهدي كالذي لم
يسقه ،يتحلل بأداء العمرة ،ويمكث بمكة حل ًل حتى يحرم بالحجّ .
). 15/ والتفصيل في مصطلح ( تمتّع ف
جنايات القارن على إحرامه :
-بنا ًء على الخلف في القارن ،هل يجزئه طواف واحد وسعي واحد لحجته وعمرته .كما 19
هو مذهب الجمهور ،أو ل بد له من طوافين وسعيين لهما كما هو مذهب الحنفية ،اختلفوا
في كفارات محظورات الحرام للقارن .
فالجمهور سووا بين القارن وغيره في كفارات محظورات الحرام .
أما الحنفية فقالوا " :كلّ شيء فعله القارن بين الحجّ والعمرة -مما ذكرنا -أنه يجب فيه
على المفرد بجنايته دم فعلى القارن فيه دمان ،لجنايته على الحجّ والعمرة ،فيجب عليه دم
لحجته ودم لعمرته ،وكذا الصدقة " .
). 169 - 147/ والتفصيل في ( إحرام ف
وهذا إنما يعني به الجنايات التي ل اختصاص لها بأحد النّسكين ،كلبس المخيط ،والتطيّب ،
والحلق ،والتعرّض للصيد ،وأشباهها يلزم القارن فيها جزاءان .
ص بأحد النّسكين ،فل يجب إل جزاء واحد ،كترك الرمي ،وترك طواف الوداع .
أما ما يخت ّ
ومثل القارن في ذلك كلّ من جمع بين الحرامين ،كالمتمتّع الذي ساق الهدي ،أو الذي لم
يسقه لكن لم يحل من العمرة حتى أحرم بالحجّ ،وكذا ك ّل من جمع بين الحجتين أو العمرتين ،
كمن أحرم بهما معا ،فقد ذهب الحنفية إلى انعقاد الحرام بهما وعليه قضاء أحدهما ول ينعقد
). 29 - 22/ إحرامه بهما عند الجمهور ( ر :إحرام ف
). 178/ أما جماع القارن ،ففيه تفصيل سبق في مصطلح ( إحرام ف
ُقرْب *
التعريف :
-القرب في اللّغة :ض ّد البعد ،يقال :قربت منه أقرب قربا وقربانا أي دنوت منه 1
حقُوا الفرائض
ابن ابن مع ابن صلب أو مع ابن ابن أقرب منه ،وذلك استنادا إلى حديث « :أ ْل ِ
بأهلها فما بقي فهو لولى رجل ذكر » وأولى الواردة في الحديث معناه أقرب بإجماع الفقهاء .
). 54 ، 45/ والتفصيل في مصطلح ( إرث ف
ب -في ولية النّكاح :
-جاء في المغني :أحقّ الناس بإنكاح المرأة الحرة أبوها ول ولية لحد معه ; لنه أكمل 4
نظرا وأش ّد شفقةً فوجب تقديمه في الولية ،ثم أبو الب أي الجدّ وإن عل ،ثم ابنها وابنه
وإن سفل .
وينظر تفصيل ذلك في ( ولية ) .
حكم إنكاح الوليّ البعد مع وجود القرب :
ي البعد مع حضور الوليّ القرب بغير
-ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إذا زوج المرأة الول ّ 5
إذن الوليّ القرب لم يصح النّكاح ; لن الولي القرب استحق الولية بالتعصيب فلم تثبت للبعد
مع وجود القرب كالميراث .
وذهب الحنفية وهو قول عند المالكية إلى أن إنكاح الوليّ البعد يتوقف على إجازة الوليّ
القرب فله العتراض والفسخ ما لم يرض صريحا أو دللةً كقبضه المهر مثلً ،وما لم يسكت
حتى تلد أو تحبل .
فإن رضي الوليّ القرب صريحا أو دلل ًة ،أو سكت حتى تلد أو تحبل لم يكن له حقّ العتراض
والفسخ ،وذلك لئل يضيع الولد بالتفريق بين أبويه ،فإن بقاءهما مجتمعين على تربيته أحفظ
له .
وذهب المالكية إلى أن النّكاح يكون صحيحا إذا عقده البعد مع وجود القرب إذا لم يكن القرب
مجبرا ،فإن كان مجبرا -وهو عندهم الب ووصيّه -فل يصحّ تزويج الوليّ البعد .
والتفصيل ينظر في مصطلح ( ولية ،ونكاح ) .
ح -في الحضانة :
-ذهب الفقهاء إلى أن الولى بالحضانة عند اجتماع الرّجال والنّساء المّ ،واختلفوا فيما 6
وراءها على مذاهب ،على أنهم يراعون القرب في الجملة في الجهة الواحدة .
). 13 والتفصيل في مصطلح ( حضانة ف - 9/
د -في العاقلة :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يراعى فيمن يتحمل الدّية من العاقلة أن يقدم القرب فالقرب 7
قربا ،فذهب بعضهم إلى أن الحضانة تنتقل بالسفر البعيد دون القريب ،وسوى آخرون في
النتقال بين السفر البعيد والقريب .
). 15/ والتفصيل مصطلح ( حضانة ف
ز -في سفر المعتدة وعودتها :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه ل يجوز للمعتدة أن تنشئ سفرا قريبا كان هذا السفر أو 10
بعيدا ،بل يجب عليها أن تلزم بيت الزوجية الذي كانت تسكنه وإن كان هذا السفر لجل الحجّ ،
إل أنهم اختلفوا فيما إذا خرجت ثم طرأت عليها العدة هل عليها أن تعود لتعتد في بيتها ،أم
يجوز لها أن تمضي في سفرها ؟ وهل السفر القريب في ذلك يختلف عن السفر البعيد ؟ .
). 23 . 22 ، 20 ، 19/ والتفصيل في مصطلح ( إحداد ف
قربان *
انظر :قربة .
ُق ْربَة *
التعريف :
-القُربة -بسكون الراء والضمّ للتباع -في اللّغة ما يتقرب به إلى ال تعالى ،والجمع 1
طاعة .وعرفها الفقهاء بعدة تعريفات ،منها ما جاء في الكلّيات :الطاعة :فعل المأمورات
ولو ندبا وترك المنهيات ولو كراه ًة .
والصّلة بين القربة والطاعة هي :أن القربة أخصّ من الطاعة ،لعتبار معرفة المتقرب إليه
في القربة .
وقد نقل ابن عابدين عن شيخ السلم زكريا في التفريق بين القربة والعبادة والطاعة ،أن
القربة :فعل ما يثاب عليه بعد معرفة من يتقرب إليه به وإن لم يتوقف على نية .
والعبادة :ما يثاب على فعله ويتوقف على نية .
والطاعة :فعل ما يثاب عليه ،توقف على نية أو ل ،عرف من يفعله لجله أو ل ،فنحو
الصلوات الخمس والصوم والزكاة والحجّ من كلّ ما يتوقف على النّية قربة وطاعة وعبادة ،
وقراءة القرآن والوقف والعتق والصدقة ونحوها مما ل يتوقف على نية قربة وطاعة ل
عبادة ،والنظر المؤدّي إلى معرفة ال تعالى طاعة ل قربة ول عبادة ،والنظر ليس قربةً ،
لعدم المعرفة بالمتقرب إليه ; لن المعرفة تحصل بعده .
الحكم التكليفيّ :
-من القرب ما هو واجب ،وذلك كالفرائض التي افترضها ال على عباده ،من صلة 4
وصوم وحجّ وزكاة ،فهي عبادات مقصودة شرعت للتقرّب بها ،وعلم من الشارع الهتمام
بتكليف الخلق إيقاعها عبادةً .
ومن القرب الواجبة القرب التي يُلزِم النسان بها نفسه بالنذر .
ومنها ما هو مندوب ،كالنوافل وقراءة القرآن والوقف والعتق والصدقة وعيادة المريض
واتّباع الجنازة .
ومنها ما هو مباح ،إذ أن المباحات تكون قربةً بنية إرادة الثواب بها ،كالفعال العادية التي
يقصد بها القربة ،كالطعام بنية التقوّي على الطاعة .
ومن القربات ما هو حرام ،وذلك كالقربات المالية ،كالعتق والوقف والصدقة والهبة إذا فعلها
النسان وكان عليه دين أو كان عنده من تلزمه نفقته مما ل يفضل عن حاجته ; لن ذلك حقّ
واجب فل يحلّ تركه لسنة .
ي صلى ال عليه وسلم على
ومن ذلك أيضا الغلوّ في الدّين على ظنّ أنه قربة ،فقد أنكر النب ّ
عثمان بن مظعون رضي ال عنه التزامه قيام الليل وصيام النهار واجتناب النّساء ،وقال له :
« أرغبت عن سنتي ؟ فقال :ل وأل يا رسول ال ،لكن سنتك أطلب .قال :فإنّي أنام وأصلّي
وأصوم وأفطر وأنكح النّساء » ،وقد نهى ال سبحانه وتعالى عما عزم عليه جماعة من
أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم من سرد الصوم وقيام الليل والختصاء ،وكانوا قد
حرموا على أنفسهم الفطر والنوم ظنّا أنه قربة إلى ربّهم فنهاهم عن ذلك ; لنه غلوّ في الدّين
حلّ الّلهُ َلكُمْ
ن آمَنُواْ َل ُتحَ ّرمُواْ طَيّبَاتِ مَا َأ َ
واعتداء على ما شرع ،فقال تعالى { :يَا أَ ّيهَا الذي َ
ن الّلهَ َل ُيحِبّ ا ْل ُمعْتَدِينَ } .
َو َل َتعْتَدُواْ إِ ّ
وقـد تكون القربـة مكروهةً ،وذلك كالتصـدّق بجميـع مـا يملك ،وكان في ذلك مشقـة ل يصـبر
عليها ،وكالوصية من الفقير الذي له ورثة .
من تصحّ منه القربة :
-القربات إما أن تكون عبادةً كالصلة والصّيام ،أو غير عبادة كالتبرّعات من صدقة 5
سعَى } ،أي
ن إِلّا مَا َ
تعالى { إِ ّنمَا ُتجْ َزوْنَ مَا كُن ُتمْ َت ْعمَلُونَ } ،وقال تعالى { َوأَن لّيْسَ لِلْإِنسَا ِ
ب ُكلّ َنفْسٍ ِإلّ عَلَ ْيهَا } ،والغرض بالتكاليف
ليس له إل جزاء سعيه ،وقال تعالى { َو َل َتكْسِ ُ
تعظيم الله بطاعته ،واجتناب معصيته ،وذلك مختصّ بفاعليه .
والثواب على العمل فضل من ال تعالى ،يقول الكاسانيّ :الثواب من ال تعالى إنما هو فضل
منه ،ول استحقاق لحد عليه ،فله أن يتفضل على عمل لجله بجعل الثواب له ،كما له أن
يتفضل بإعطاء الثواب على غير عمل رأسا .
أثر القصد في الثواب على القربة :
-قسم الع ّز بن عبد السلم ما يثاب عليه النسان إلى ثلثة أقسام : 8
أحدها :ما تميز ل بصورته ،فهذا يثاب عليه مهما قصد إليه ،وإن لم ينو به القربة كالمعرفة
واليمان والذان والتسبيح والتقديس .
القسم الثاني :ما لم يتميز من الطاعات ل بصورته ،فهذا ل يثاب عليه إل بنيتين :
إحداهما :نية إيجاد الفعل ،والثانية :نية التقرّب به إلى ال عز جل ،فإن تجرد عن نية
التقرّب أثيب على أجزائه التي ل تقف على نية القربة كالتسبيحات والتكبيرات والتهليلت
الواقعة في الصلوات الفاسدة .
والقسم الثالث :ما شرع للمصالح الدّنيوية ول تتعلق به المصالح الخروية إل تبعا ،كإقباض
الحقوق الواجبة ،وفروض الكفايات التي تتعلق بها المصالح الدّنيوية كالصنائع التي يتوقف
عليها بقاء العالم ،فهذا ل يؤجر عليه إذا قصد إليه إل أن ينوي به القربة إلى ال عز جل .
ق عليه ثوابا لما يقترن به
وقد يقوم النسان بعمل ويستوفي شروطه وأركانه ،ولكنه ل يستح ّ
من المقاصد والنوايا ،ولذلك يقول النبيّ صلى ال عليه وسلم « :إنما العمال بالنّية ،وإنما
لكلّ امرئ ما نوى ،فمن كانت هجرته إلى ال ورسوله فهجرته إلى ال ورسوله ،ومن كانت
هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه » .
كما قد يُتبع النسان العمل الصحيح بما يضيّع ثوابه ،ومن ذلك المنّ والذى يبطل ثواب
ن وَالذَى } .
الصدقة ،لقوله تعالى { يَا أَ ّيهَا الذينَ آمَنُواْ لَ تُ ْبطِلُواْ صَ َدقَا ِتكُم بِا ْلمَ ّ
وقد يعمل النسان العمل فيثاب عليه ولو لم يقع الموقع الصحيح ،فقد ورد حديثان يؤيّدان هذا
ي وفي نهاية
المعنى ،أحدهما :حديث المتصدّق الذي وقعت صدقته في يد سارق وزانية وغن ّ
الحديث « أن الرجل أتي فقيل له :أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته ،وأما
الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها ،وأما الغنيّ فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه ال » .
والحديث الثاني :حديث معن بن يزيد الذي أخذ صدقة أبيه من الرجل الذي وضعت عنده ،
وقال له النبيّ صلى ال عليه وسلم « :لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن » ،قال ابن
حجر :وهذا يدلّ على أن نية المتصدّق إذا كانت صالحةً قبلت صدقته وإن لم تقع الموقع .
نقل ثواب القربة للغير :
-تنقسم القربات إلى ثلثة أقسام :قسم حجر ال تعالى على عباده في ثوابه ،ولم يجعل 9
لهم نقله لغيرهم ،كاليمان والتوحيد ،فلو أراد أحد أن يهب قريبه الكافر إيمانه ليدخل الجنة
دونه لم يكن له ذلك ،وكذلك هبة ثواب ما سبق مع بقاء الصل ،ل سبيل إليه .
وقسم اتفق الفقهاء على أن ال تعالى أذن في نقل ثوابه ،وهو القربات المالية كالصدقة
والعتق .وقسم اختلف فيه ،فذهب الحنفية والحنابلة إلى جواز نقل ثواب ما أتى به النسان من
ي :من صام أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه
العبادة لغيره من الحياء والموات ،يقول الكاسان ّ
لغيره من الموات والحياء جاز ،ويصل ثوابه إليهم عند أهل السّنة والجماعة ،وقد ورد "
عن رسول ال صلى ال عليه وسلم « أنه كان إذا أراد أن يضحّي اشترى كبشين عظيمين
سمينين أملحين أقرنين موجوءين ،فيذبح أحدهما عن أمته ممن شهد بالتوحيد وشهد له
بالبلغ ،وذبح الخر عن محمد صلى ال عليه وسلم وآل محمد » .
وورد عن عائشة رضي ال عنها « أن رجلً قال للنبيّ صلى ال عليه وسلم :إن أمّي افتلتت
نفسها ،وأراها لو تكلمت تصدقت ،أفأتصدق عنها ؟ قال :نعم ،تصدق عنها » .
قال الكاسانيّ :وعلى ذلك عمل المسلمين من لدن رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى يومنا
هذا ،من زيارة القبور وقراءة القرآن عليها ،والتكفين والصدقات والصوم والصلة ،وجعل
ثوابها للموات .
وقال ابن قدامة :أي قربة فعلها النسان وجعل ثوابها للميّت المسلم نفعه ذلك إن شاء ال
تعالى :كالدّعاء والستغفار ،والصدقة والواجبات التي تدخلها النّيابة .
وعند المالكية ل يجوز نقل ثواب الصلة والصّيام والحجّ وقراءة القرآن إلى الغير ،ول يحصل
ي صلى
سعَى } ،وقول النب ّ
س لِلْإِنسَانِ إِلّا مَا َ
شيء من ثواب ذلك للميّت ،لقوله تعالى { َوأَن لّيْ َ
ال عليه وسلم « :إذا مات النسان انقطع عنه عمله إل من ثلثة :إل من صدقة جارية ،أو
علم ينتفع به ،أو ولد صالح يدعو له » ،ويجوز فيما عدا ذلك كالصدقات .
ومثل ذلك عند الشافعية في الجملة ،جاء في مغني المحتاج :تنفع الميّت صدقة عنه ،ووقف
وبناء مسجد ،وحفر بئر ونحو ذلك ودعاء له من وارث وأجنبيّ ،والمشهور أنه ل ينفعه غير
ذلك كالصلة وقراءة القرآن لكن حكى النوويّ في شرح مسلم والذكار وجها ،أن ثواب
القراءة يصل إلى الميّت ،واختاره جماعة من الصحاب .
الجر على القربات :
-القربات التي تجب على النسان ول يتعدى نفعها فاعلها كالصلة والصّيام ل يجوز أخذ 10
الجر عليها ; لن الجر عوض النتفاع ولم يحصل لغيره هاهنا انتفاع ; ولن من أتى بعمل
واجب عليه ل يستحقّ عليه أجرةً ،وكذلك الجهاد ل يجوز أخذ الجرة عليه لنه يقع عنه ;
ولنه إذا حضر الصف تعين عليه ،وهذا باتّفاق .
أما غير ذلك من القربات التي يتعدى نفعها للغير كالذان والقامة وتعليم القرآن والفقه
والحديث ،فعند الشافعية والمالكية وفي رواية عن المام أحمد يجوز أخذ الجرة على ذلك ،
لكن كره المالكية أخذ الجرة على تعليم الفقه والفرائض .
وعند الحنفية وهو رواية عن المام أحمد ،ل يجوز أخذ الجرة على ذلك ; لن من شرط
صحة هذه الفعال كونها قرب ًة ل تعالى فلم يجز أخذ الجر عليها .
لكن أجاز متأخّرو الحنفية أخذ الجرة على تعليم القرآن استحسانا ومثل ذلك المامة والذان
للحاجة .
أما ما يقع تارةً قربةً وتارةً غير قربة ،كبناء المساجد والقناطر ،فيجوز أخذ الجرة عليه .
وما يؤخذ من بيت المال على القربات التي ل يجوز أخذ الجرة عليها كالقضاء ،ل يعتبر
أجرا ،يقول ابن تيمية :ما يؤخذ من بيت المال ليس عوضا وأجر ًة ،بل رزق للعانة على
الطاعة ،فمن عمل منهم ل أثيب ،وما يأخذه فهو رزق للمعونة على الطاعة ،وكذلك المال
الموقوف على أعمال البرّ ،والموصى به كذلك والمنذور كذلك ،ليس كالجرة .
ي إلى أن باب الرزاق أدخل في باب الحسان وأبعد عن باب المعاوضة ،وباب
وذهب القراف ّ
الجارة أبعد من باب المسامحة وأدخل في باب المكايسة .
ويظهر ذلك في مسائل منها :القضاة يجوز أن يكون لهم أرزاق من بيت المال على القضاء
إجماعا ،ول يجوز أن يستأجروا على القضاء بسبب أن الرزاق إعانة من المام لهم على
القيام بالمصالح ،ل أنه عوض عما وجب عليهم من تنفيذ الحكام عند قيام الحجج ونهوضها ،
ولو استؤجروا على ذلك لدخلت التّهمة في الحكم بمعاوضة صاحب العوض ،ويجوز في
الرزاق التي تطلق للقاضي الدفع والقطع والتقليل والتكثير والتغيير ،ولو كان إجارةً لوجب
تسليمه بعينه من غير زيادة ول نقص .
ويقول ابن قدامة :القضاء والشهادة والمامة يؤخذ عليه الرّزق من بيت المال وهو نفقة في
المعنى ،ول يجوز أخذ الجرة عليها .
النّيابة في القربة :
-من القربات ما ل تجوز النّيابة فيه في الحياة بالجماع ،وذلك كاليمان بأل تعالى ومن 11
ذلك العبادات البدنية المحضة ،مثل الصلة والصوم والجهاد عن الحيّ ،لقول ال تعالى { َوأَن
سعَى } ،إل ما خص بدليل ،وأما قول ابن عباس :ل يصلّي أحد عن أحد
س لِ ْلإِنسَانِ إِلّا مَا َ
لّيْ َ
ق الثواب .
ق العهدة ل في ح ّ
ول يصوم أحد عن أحد ،فذلك في ح ّ
ومن القربات ما تجوز فيه النّيابة بالجماع ،وهي القربات المالية كالزكاة والصدقة والعتق
والوقف والوصية والبراء ،سواء كان النسان قادرا على أداء هذه القربات بنفسه أو لم يكن
قادرا ; لن الواجب فيها إخراج المال ،وهو يحصل بفعل النائب .
أما القربات التي تجمع بين الناحية البدنية والمالية ،كالحجّ ،فعند الحنفية والشافعية
والحنابلة تجوز النّيابة في الحجّ ،لكنهم يقيّدون ذلك بالعذر ،وهو العجز عن الحجّ بنفسه ،
كالشيخ الفاني والزمن والمريض الذي ل يرجى برؤه .
ي :تجوز النّيابة عن
والمشهور عند المالكية أنه ل يجوز الستنابة في الحجّ ،وقال الباج ّ
المعضوب كالزمن والهرم ،وقال أشهب :إن أجّر صحيح من يحجّ عنه لزمه للخلف .
أما بعد الممات ،فعند الحنفية والمالكية ل تجوز النّيابة عن الميّت في صلة أو صوم إل ما
قاله ابن عبد الحكم من المالكية من أنه يجوز أن يستأجر عن الميّت من يصلّي عنه ما فاته من
الصلوات ،كذلك قال الحنفية والمالكية :من مات ولم يحج فل يجب الحجّ عنه إل أن يوصي
ج بنفسه أو بإحجاج رجل عنه جاز ،لكن
بذلك ،وإذا لم يوص بالحجّ عنه فتبرع الوارث بالح ّ
مع الكراهة عند المالكية .
وعند الشافعية ل تجوز النّيابة عن الميّت في الصلة ،أما الصوم ففيه قولن لمن لم يصم حتى
مات ،أحدهما ل يصحّ الصوم عنه لنه عبادة بدنية ل تدخلها النّيابة في حال الحياة فكذلك بعد
ي صلى ال عليه وسلم « :
الموت ،والقول الثاني :أنه يجوز أن يصوم وليّه عنه ،لقول النب ّ
من مات وعليه صوم صام عنه وليّه » ،وهذا الرأي هو الظهر ،أما الحجّ فمن مات بعد
التمكّن ولم يؤدّ فإنه يجب القضاء من تركته ،لما روى بريدة قال « :أتت النبي صلى ال
عليه وسلم امرأة فقالت :يا رسول ال صلى ال عليه وسلم إن أمّي ماتت ولم تحج ،فقال لها
ي صلى ال عليه وسلم :حجّي عنها » .
النب ّ
وعند الحنابلة ل تجوز النّيابة عن الميّت في الصلة أو الصّيام الواجبين بأصل الشرع -أي
الصلة المفروضة وصوم رمضان -لن هذه العبادات ل تدخلها النّيابة حال الحياة فبعد الموت
كذلك ،أما ما أوجبه النسان على نفسه بالنذر ،فإن كان قد تمكن من الداء ولم يفعل حتى
مات ،سن لوليّه فعل النذر عنه .
اليثار بال ُقرَب :
-قال ابن عابدين :في حاشية الشباه للحمويّ عن المضمرات عن النصاب :وإن سبق 12
ف الول فدخل رجل أكبر منه سنّا أو أهل علم ينبغي أن يتأخر ويقدّمه تعظيما له .
أحد إلى الص ّ
ا هـ _ فهذا يفيد جواز اليثار بالقرب بل كراهة ،ونقل العلمة البيريّ فروعا تدلّ على عدم
صةٌ } ،وما ورد
ن ِب ِهمْ خَصَا َ
س ِهمْ وَ َلوْ كَا َ
ن عَلَى أَنفُ ِ
الكراهة ،ويدلّ عليه قوله تعالى { وَ ُيؤْثِرُو َ
من « أنه عليه الصلة والسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلم وعن يساره أشياخ ،
فقال للغلم :أتأذن لي أن أعطي هؤلء ؟ فقال الغلم :ل وأل ،ل أوثر بنصيبي منك أحدا ،
قال :فتله رسول ال صلى ال عليه وسلم في يده » ،ول ريب أن مقتضى طلب الذن
مشروعية ذلك بل كراهة وإن جاز أن يكون غيره أفضل منه .أ هـ .
أقول :وينبغي تقييد المسألة بما إذا عارض تلك القربة ما هو أفضل منها ،كاحترام أهل العلم
والشياخ كما أفاده الفرع السابق والحديث ، ...وينبغي أن يحمل عليه ما في النهر من قوله :
ف الول فلما أقيمت آثر
واعلم أن الشافعية ذكروا أن اليثار بالقرب مكروه كما لو كان في الص ّ
به ،وقواعدنا ل تأباه .
وقال السّيوطيّ :اليثار في القرب مكروه ،وفي غيرها محبوب ،قال تعالى { :وَ ُيؤْثِرُونَ عَلَى
صةٌ } .
سهِمْ وَ َل ْو كَانَ ِب ِهمْ خَصَا َ
أَن ُف ِ
قال الشيخ عزّ الدّين بن عبد السلم :ل إيثار في القربات ،فل إيثار بماء الطهارة ،ول بستر
ف الول ; لن الغرض بالعبادات التعظيم والجلل ،فمن آثر به فقد ترك إجلل
العورة ول بالص ّ
الله وتعظيمه .
وقال المام :لو دخل الوقت -ومعه ماء يتوضأ به -فوهبه لغيره ليتوضأ به لم يجز ،ل
أعرف فيه خلفا ; لن اليثار إنما يكون فيما يتعلق بالنّفوس ،ل فيما يتعلق بالقرب والعبادات
.وقال النوويّ في باب الجمعة :ل يقام أحد من مجلسه ليُجلس في موضعه .فإن قام باختياره
لم يكره ،فإن انتقل إلى أبعد من المام كره ،قال أصحابنا :لنه آثر بالقربة .
وقال القرافيّ :من دخل عليه وقت الصلة ،ومعه ما يكفيه لطهارته ،وهناك من يحتاجه
للطهارة ،لم يجز له اليثار ،ولو أراد المضطرّ إيثار غيره بالطعام لستبقاء مهجته ،كان له
ذلك وإن خاف فوات مهجته .
والفرق أن الحق في الطهارة ل فل يسوغ فيه اليثار ،والحقّ في حال المخمصة لنفسه ،وقد
علم أن المهجتين على شرف التلف إل واحدةً تستدرك بذلك الطعام ،فحسن إيثار غيره على
نفسه .
وقال الخطيب في الجامع :كره قوم إيثار الطالب غيره بنوبته في القراءة ; لن قراءة العلم
والمسارعة إليه قربة واليثار بالقرب مكروه .
مراتب القربات :
-أ -أفضل القربات هو اليمان بأل تعالى ،فقد سئل النبيّ صلى ال عليه وسلم « :أيّ 13
والصلة والحجّ وغير ذلك من العبادات التي شرعت للتقرّب بها إلى ال سبحانه وتعالى ،وعلم
من الشارع الهتمام بتكليف الخلق إيقاعها عبادةً ،فهذا النذر يلزم الوفاء به بل خلف .
وقد ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنه يشترط في القربة المنذورة أن ل تكون واجبةً
ح التزام
على النسان ابتداءً ،كالصلة المفروضة وصوم رمضان ; لن النذر التزام ،ول يص ّ
ما هو لزم له .
وقال ابن قدامة موضّحا مذهب الحنابلة :قال أصحابنا :نذر الواجب كالصلة المكتوبة ل ينعقد
،ويحتمل أن ينعقد نذره موجبا كفارة يمين إن تركه ،كما لو حلف على فعله ،فإن النذر
كاليمين .لكن جاء في شرح منتهى الرادات :ينعقد النذر في الواجب ،كَلِّل ِه علي صوم رمضان
ونحوه كصلة الظّهر ،ثم قال :وعند الكثر ل ينعقد النذر في واجب .
واختلف الفقهاء في نذر القرب التي ل أصل لها في الفروض كعيادة المرضى وتشييع الجنائز ،
ودخول المسجد وإفشاء السلم بين المسلمين ،وقراءة القرآن ،وغير ذلك من المور التي
رغب الشارع فيها .
فذهب المالكية والشافعية في الصحيح والحنابلة إلى جواز نذر هذه القرب ولزوم الوفاء بها .
وعند الحنفية ل يصحّ هذا النذر ; لن الصل عندهم أن ما ل أصل له في الفروض ل يصحّ
النذر به .
ومقابل الصحيح عند الشافعية أنه ل يلزم الوفاء بنذر مثل هذه القرب .
الوصية بالقربة :
-تستحبّ الوصية بالقربة باتّفاق ; لن النسان يحتاج إلى أن يكون خَتْم عمله بالقربة 15
زيادةً على القرب السابقة ،فتزيد بها حسناته ،وقد تكون تداركا لما فرّط فيه في حياته فتكون
الوصية ليدرك بها ما فات .
ي صلى ال عليه وسلم « :إن ال تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادةً
ولهذا قال النب ّ
لكم في أعمالكم » وفي رواية « :إن ال أعطاكم ثلث أموالكم عند وفاتكم زياد ًة في أعمالكم
» ،ولهذا ل تصحّ الوصية بما ل قربة فيه كوصية المسلم للكنيسة .
ج والزكاة والكفارات .
وقد تجب الوصية إذا كان على النسان قُرب واجبة كالح ّ
ي إل أن المالكية والحنابلة وفي قول عند الشافعية أجازوا
ح من الصب ّ
ورغم أن التبرّعات ل تص ّ
وصية الصبيّ المميّز بالقرب ; لنه تصرّف تمحض نفعا للصبيّ ،فصح منه كالسلم والصلة
وذلك لن الوصية صدقة يحصل ثوابها له بعد غناه عن ملكه وماله ،فل يلحقه ضرر في عاجل
دنياه ول أخراه .
ويختلف الفقهاء في تقديم بعض القرب على بعض في الوصية ،وبيان ذلك فيما يلي :
قال الحنفية :من أوصى بوصايا من حقوق ال تعالى قدّمت الفرائض منها ،سواء قدمها
الموصي أو أخرها مثل الحجّ والزكاة والكفارات ; لن الفريضة أهمّ من النافلة ،والظاهر منه
البداءة بما هو الهمّ ،فإن تساوت في القوة بدئ بما قدمه الموصي إذا ضاق عنها الثّلث ; لن
الظاهر أنه يبتدئ بالهمّ ،وذكر الطحاويّ أنه يبتدئ بالزكاة ويقدّمها على الحجّ ،وهو إحدى
الرّوايتين عن أبي يوسف ،وفي رواية عنه أنه يقدّم الحج ،وهو قول محمد ،ثم تقدم الزكاة
والحجّ على الكفارات لمزيتهما عليها في القوة ،والكفارة في القتل والظّهار واليمين مقدمة
على صدقة الفطر ; لنه عرف وجوبها بالقرآن دون صدقة الفطر حيث ثبت وجوبها بالسّنة ،
وصدقة الفطر مقدمة على الضحية ،وعلى هذا القياس يقدم بعض الواجبات على البعض ،
ويقسم الثّلث على جميع الوصايا .فما أصاب القرب صرف إليها على الترتيب الذي ذكر .
وقال المالكية :إن ضاق الثّلث عما أوصى به ،فإنه يقدم فكّ أسير ،ثم مدبّر في حال الصّحة ،
ثم صداق مريض ،ثم زكاة أوصى بإخراجها من ماله فتخرج من باقي ثلثه بعد إخراج ما
تقدم ،إل أن يعترف بحلول الزكاة عليه بتمام الحول فتخرج من رأس المال ،كزكاة الحرث
والماشية إن مات المالك بعد إفراك الحبّ وطيب الثمر ومجيء الساعي ،فتخرج من رأس
المال ،ثم يخرج من باقي الثّلث زكاة الفطر التي فرط في إخراجها ،ثم بعد ذلك كفارة ظهار
وقتل خطأ ،ثم كفارة يمين ،ثم كفارة الفطر في رمضان .
وقال الحنابلة :إن وصّى بشيء في أبواب البرّ صرف في القرب جميعها ،لعموم اللفظ وعدم
المخصّص ،ويبدأ منها بالغزو نصّا ،لقول أبي الدرداء :إنه أفضل القرب ،ولو قال الموصي
لوصيّه :ضع ثلثي حيث أراك ال تعالى أو حيث يريك ال تعالى ،فله صرفه في أيّ جهة من
جهات القرب رأى وضعه فيها عملً بمقتضى الوصية ،والفضل صرفه إلى فقراء أقارب
الموصي غير الوارثين ; لنه فيهم صدقة وصلة .
القربة في الوقف :
-الصل في الوقف أنه من القرب المندوب إليها ،إذ هو حبس الصل والتصدّق بالمنفعة ، 16
والصل فيه ما روى عبد ال بن عمر رضي ال تعالى عنهما ،قال « أصاب عمر بخيبر أرضا
،فأتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :أصبت أرضا لم أصب ما ًل قطّ أنفس منه فكيف
تأمرني به ؟ فقال :إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق عمر أنه ل يباع أصلها ول
يوهب ،ول يورث في الفقراء والقربى والرّقاب ،وفي سبيل ال والضيف وابن السبيل ،ل
جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ،أو يطعم صديقا غير متمول فيه » .
ي صلى ال عليه وسلم أنه قال « :إذا مات النسان انقطع عنه عمله إل من
وورد عن النب ّ
ثلثة :إل من صدقة جارية ،أو علم ينتفع به ،أو ولد صالح يدعو له » .
والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف كما قاله الرافعيّ ،فإن غيره من الصدقات
ليست جاري ًة .
والوقف الذي يترتب عليه الثواب هو ما تحققت فيه القربة ،والقربة تتحقق بأمرين :
أحدهما :أن ينوي بوقفه التقرّب إلى ال سبحانه وتعالى ،يقول ابن عابدين :الوقف ليس
ل ،بل التقرّب به موقوف
ح من الكافر أص ً
موضوعا للتعبّد به كالصلة والحجّ ،بحيث ل يص ّ
على نية القربة ،فهو بدونها مباح .
وفي شرح منتهى الرادات :الوقف تقرّبا إلى ال تعالى إنما هو في وقف يترتب عليه الثواب ،
فإن النسان قد يقف على غيره تودّدا ،أو على أولده خشية بيعه بعد موته وإتلف ثمنه ،أو
خشية أن يحجر عليه فيباع في دينه ،أو ريا ًء ونحوه ،فهذا وقف لزم ل ثواب فيه ; لنه لم
يبتغ به وجه ال تعالى .
والثاني :أن يكون الموقوف عليه جهة ب ّر ومعروف ،كالفقراء والمساكين والمساجد وغير
ذلك ،ولذلك فإن الوقف على الغنياء صحيح عند جمهور الفقهاء ولكنه ل قربة فيه ،جاء في
مغني المحتاج :إن وقف على جهة ل تظهر فيها القربة كالغنياء صح في الصحّ ،نظرا إلى
أن الوقف تمليك .والثاني :ل ،والمعتمد أنه يصحّ الوقف على الغنياء وأهل الذّمة والفساق
.ويقول الحصكفيّ وابن عابدين :يشترط في مح ّل الوقف أن يكون قربةً في ذاته ،أي بأن
يكون من حيث النظر إلى ذاته وصورته قربةً ،والمراد أن يحكم الشرع بأنه لو صدر من مسلم
يكون قرب ًة حملً على أنه قصد القربة ،وهذا شرط في وقف المسلم .
قرد *
انظر :أطعمة .
َقرْض *
التعريف :
طعَه .
ضهُ :إذا َق َ
-القَرْض :في اللّغة مصدر قَرَض الشي َء َيقْرِ ُ 1
والقَِرْض :اسم مصدر بمعنى القراض .يقال َ :قرَضْتُ الشيء بالمقراض ،والقَرْضُ :ما
تعطيه النسان من مالك ل ُتقْضَاه ،وكأنه شيء قد قطعته من مالك ،ويقال :إن فلنا وفلنا
يتقارضان الثناء ،إذا أثنى كلّ واحد منهما على صاحبه ،وكأن معنى هذا أن كل واحد منهما
أقرض صاحبه ثنا ًء ،كقرض المال .
وفي الصطلح َ :دفْ ُع مالٍ إرفاقا لمن ينتفع به وير ّد بدله .
قالوا :ويسمى نفس المال المدفوع على الوجه المذكور قرضا ،والدافعُ للمال مقرضا ،
ض إلى المقرض عوضا عن
والخذ :مقترضا ،ومستقرضا ويسمى المال الذي يردّه المقتر ُ
القرض :بدل القرض ،وأخْذُ المال على جهة القرض :اقتراضا .
ض الحقيقيّ ،وقد تفرد الشافعية فجعلوا له قسيما
والقرض بهذا المعنى عند الفقهاء هو القر ُ
سموه :القرض الحكمي ،ووضعوا له أحكاما تخصّه ،ومثلوا له بالنفاق على اللقيط
المحتاج ،وإطعام الجائع ،وكسوة العاري ،إذا لم يكونا فقراء ،بنية القرض ،وبمن أمر
غيره بإعطاء مال لغرض المر .كإعطاء شاعر أو ظالم ،أو إطعام فقير أو فدا ِء أسيرٍ َ ،وكَبِعْ
هذا وأنفقه على نفسك بنيّة القرض .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -السلف :
ف واستسلف :أي استقرض ليرد مثله عليه ،وقد
-من معاني السلف القرض .يقال َتسَلّ َ 2
أسلفته :أي أقرضته ،ويأتي السلف أيضا بمعنى السلم .يقال :سلف وأسلف بمعنى سلم
وأسلم .
والسلف أعمّ من القرض .
ب -القراض :
-وهو المضاربة ،وهو أن يدفع الرجل إلى الرجل نقدا ليتجر به على أن الرّبح بينهما على 3
فيه من إيصال النفع للمقترض ،وقضاء حاجته ،وتفريج كربته ،وأن حكمه من حيث ذاته
ي صلى ال عليه وسلم أنه قال « :
الندب ،لما روى أبو هريرة رضي ال تعالى عنه عن النب ّ
من نفس عن مؤمن كربةً من كرب الدّنيا ،نفس ال عنه كرب ًة من كرب يوم القيامة ،ومن
يسر على معسر يسر ال عليه في الدّنيا والخرة ،ومن ستر مسلما ستره ال في الدّنيا
والخرة ،وأل في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه » ،لكن قد يعرض له الوجوب أو
الكراهة أو الحرمة أو الباحة ،بحسب ما يلبسه أو يفضي إليه ،إذ للوسائل حكم المقاصد .
وعلى ذلك :فإن كان المقترض مضطرّا ،والمقرِض مليئا كان إقراضه واجبا ،وإن علم
ض أو غلب على ظنّه أن المقترض يصرفه في معصية أو مكروه كان حراما أو مكروها
المقرِ ُ
جرٌ ل لحاجة ،بل ليزيد في تجارته طمعا في الرّبح الحاصل
بحسب الحال ،ولو اقترض تا ِ
منه ،كان إقراضه مباحا ،حيث إنه لم يشتمل على تنفيس كربة ،ليكون مطلوبا شرعا .
-6أما في حقّ المقترض ،فالصل فيه الباحة ،وذلك لمن علم من نفسه الوفاء ،بأن كان له
مال مرتجىً ،وعزم على الوفاء منه ،وإل لم يجز ،ما لم يكن مضطرّا -فإن كان كذلك وجب
في حقّه لدفع الضّرّ عن نفسه -أو كان المقرض عالما بعدم قدرته على الوفاء وأعطاه ،فل
يحرم ; لن المنع كان لحقّه ،وقد أسقط حقه بإعطائه مع علمه بحاله ،قال ابن حجر الهيتميّ
:فعلم أنه ل يحلّ لفقير إظهار الغنى عند القتراض ; لن فيه تغريرا للمقرض ،وقال أيضا :
ومن ثم لو علم المقترض أنه إنما يقرضه لنحو صلحه ،وهو باطنا بخلف ذلك حرم عليه
القتراض أيضا ،كما هو ظاهر .
توثيق القرض :
-ذهب الفقهاء إلى أن كتابة الدين والشهاد عليه مندوبان وليسا واجبين مطلقا ،والمر 7
بهما في الية إرشاد إلى الوثق والحوط ،ول يراد به الوجوب ،قال المام الشافعيّ :فلما
ن َبعْضُكُم َبعْضا فَلْ ُيؤَدّ الذي
أمر إذا لم يجدوا كاتبا بالرهن ،ثم أباح ترك الرهن وقال { :فَِإنْ َأمِ َ
اؤْ ُتمِنَ َأمَانَ َتهُ } ،فدل على أن المر الول دللة على الحظّ ،ل فرض فيه يعصي من تركه .
والتفصيل في مصطلح ( توثيق ف . ) 7/
أركان القرض :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أن أركان عقد القرض ثلثة : 8
كأقرضتك وأسلفتك وأعطيتك قرضا أو سلفا ،وملكتك هذا على أن ترد لي بدله ،وخذ هذا
فاصرفه في حوائجك ورد لي بدله ،ونحو ذلك ...أو توجد قرينة دالة على إرادة القرض ،
كأن سأله قرضا فأعطاه ...وكذا صحة القبول بكلّ لفظ يدلّ على الرّضا بما أوجبه الول ،مثل
:استقرضت أو قبلت أو رضيت وما يجري هذا المجرى ،قال الشيخ زكريا النصاريّ :
وظاهر أن اللتماس من المقرض ،كاقترض منّي ،يقوم مقام اليجاب ،ومن المقترض ،
كأقرضني ،يقوم مقام القبول ،كما في البيع .
وقال النوويّ :وقطع صاحب التتمة بأنه ل يشترط اليجاب ول القبول ،بل إذا قال لرجل :
ب المال :
أقرضني كذا ،أو أرسل إليه رسولً ،فبعث إليه المال ،صح القرض ،وكذا لو قال ر ّ
أقرضتك هذه الدراهم ،وسلمها إليه ثبت القرض .
والشافعية مع قولهم -في الصحّ -باشتراط اليجاب والقبول لصحة القرض ،كسائر
ي " ،فلم يشترطوا فيه الصّيغة أصلً ،
المعاوضات ،استثنوا منه ما سموه ب " القرض الحكم ّ
قال الرمليّ :أما القرض الحكميّ ،فل يشترط فيه صيغة ،كإطعام جائع ،وكسوة عار ،
وإنفاق على لقيط ،ومنه أمر غيره بإعطاء ما له غرض فيه ،كإعطاء شاعر أو ظالم ،أو
إطعام فقير ،وكبع هذا وأنفقه على نفسك بنية القرض .
واتفق أبو يوسف ومحمد بن الحسن على أن ركن القرض هو اليجاب والقبول ،لكن روي عن
أبي يوسف أن الرّكن فيه اليجاب فقط ،وأما القبول فليس بركن ،حتى لو حلف ل يقرض
فلنا ،فأقرضه ،ولم يقبل ،لم يحنث عند محمد ،وهو إحدى الرّوايتين عن أبي يوسف ،وفي
الرّواية الخرى :يحنث ،قال الكاسانيّ :وجه هذه الرّواية :أن القراض إعارة والقبول ليس
بركن في العارة ،ووجه قول محمد ،أن الواجب في ذمة المستقرض مثل المستقرض ،فلهذا
اختص جوازه بما له مثل ،فأشبه البيع ،فكان القبول ركنا فيه كما في البيع .
وفرع أبو إسحاق الشّيرازيّ من الشافعية على اشتراط اليجاب والقبول لنعقاد القرض ،ما لو
قال المقرض للمستقرض :أقرضتك ألفا ،وقبل ،وتفرقا ،ثم دفع إليه اللف ،أنه إن لم يطل
الفصل جاز ; لن الظاهر أنه قصد اليجاب ،وإن طال الفصل لم يجز حتى يعيد لفظ القرض ;
لنه ل يمكن البناء على العقد مع طول الفصل .
). 27 والتفصيل في ( عقد ف - 5/
الرّكن الثاني :العاقدان " المقرض والمقترض " :
أ -ما يشترط في القرض :
-ل خلف بين الفقهاء في أنه يشترط في المقرض أن يكون من أهل التبرّع ،أي حرّا بالغا 10
ل رشيدا ،قال البهوتيّ :لنه عقد إرفاق ،فلم يصح إل ممن يصحّ تبرّعه ،كالصدقة ،
عاق ً
وقد أكد الكاسانيّ هذا المعنى بقوله :لن القرض للمال تبرّع ،أل ترى أنه ل يقابله عوض
للحال ،فكان تبرّعا للحال ،فل يجوز إل ممن يجوز منه التبرّع .
أما الشافعية فقد عللوا ذلك بأن في القرض شائبة تبرّعٍ ،ل أنه من عقود الرفاق والتبرّع ،
فقال صاحب " أسنى المطالب " " لن القرض فيه شائبة التبرّع ،ولو كان معاوضةً محضةً لجاز
للوليّ -غير القاضي قرض مال مولّيه لغير ضرورة ،ولشْتُرِط في قرضِ الرّبويّ التقابض
في المجلس ،ولجاز في غيره شرط الجل ،واللوازم باطلة " .
وقد نص الشافعية على أن أهلية المقرض للتبرّع تستلزم اختياره ،وعلى ذلك فل يصحّ
ق ،بأن وجب
ق ،أما إذا أكره بح ّ
إقراض من مكرهٍ ،قالوا :ومحلّه إذا كان الكراه بغير حَ ّ
عليه القراض لنحو اضطرارٍ فإن إقراضه مع الكراه يكون صحيحا .
ي لمال
وفرع الحنفية على اشتراط أهلية التبرّع في المقرض عدم صحة إقراض الب والوص ّ
الصغير ،وفرع الحنابلة عدم صحة قرض وليّ اليتيم وناظر الوقف لماليهما ،أما الشافعية فقد
فصلوا في المسألة وقالوا :ل يجوز إقراض الوليّ مال مولّيه من غير ضرورة إذا لم يكن
ي -بشرط يسار
الحاكم ،أما الحاكم فيجوز له عندهم إقراضه من غير ضرورة -خلفا للسّبك ّ
المقترض وأمانته وعدم الشّبهة في ماله إن سلم منها مال المولى عليه ،والشهاد عليه ،
ويأخذ رهنا إن رأى ذلك .
ب -ما يشترط في المقترض :
-ذكر الشافعية أنه يشترط في المقترض أهلية المعاملة دون اشتراط أهلية التبرّع ،ونصّ 11
الحنابلة على أن شرط المقترض تمتّعه بالذّمة ; لنّ الدّين ل يثبت إل في الذّمم ،ثم فرعوا
على ذلك عدم صحة القتراض لمسجد أو مدرسة أو رباط ; لعدم وجود ذمم لهذه الجهات
عندهم ،أما الحنفية فلم ينصّوا على شروط خاصة للمقترض ،والذي يستفاد من فروعهم
الفقهية اشتراطهم أهلية التصرّفات القولية فيه ،بأن يكون حرّا بالغا عاقلً ،وعلى ذلك قالوا :
ي ،فعليه ضمانه عند أبي يوسف وهو
إذا استقرض صبيّ محجور عليه شيئا فاستهلكه الصب ّ
الصحيح في المذهب ،فإن تلف الشيء بنفسه فل ضمان عليه بالتّفاق ،فإن كانت عينه باقيةً
فللمقرض استردادها ،وهذا الحكم مبنيّ على عدم صحة اقتراض المحجور عند الطرفين ،
ي :استقراض الب لبنه الصغير يجوز ،وكذا
وجاء في جامع أحكام الصّغار للسروشن ّ
استقراض الوصيّ للصغير ،فقد ذكر في رهن " الهداية " :ولو استدان الوصيّ لليتيم في
كسوته وطعامه ورهن به متاعا لليتيم جاز ; لن الستدانة جائزة للحاجة ،والرهن يقع إيفاءً
للحقّ ،فيجوز .
القتراض على بيت المال والوقف :
-ل خلف بين الفقهاء في أنه يجوز للمام الستقراض على بيت المال وقت الزمات وعند 12
النوائب والملمات لداعي الضرورة أو المصلحة الراجحة ،قال إمام الحرمين الجوينيّ :وما
ذكره الولون من استسلف رسول ال صلى ال عليه وسلم عند مسيس الحاجات واستعجاله
الزكوات ،فلست أنكر جواز ذلك ،ولكنّي أجوّز الستقراض عند اقتضاء الحال وانقطاع
الموال ،ومصير المر إلى منتهًى يغلب على الظنّ فيه استيعاب الحوادث لما يتجدد في
الستقبال .
غير أن الفقهاء قيدوا ذلك بثلثة شروط :
أحدها :أن يكون هناك إيراد مرتجىً لبيت المال ليوفى منه القرض ،قال الشاطبيّ :
والستقراض في الزمات إنما يكون حيث يرجى لبيت المال دخل ينتظر أو يرتجى .
والثاني :أن يكون الستقراض من أجل الوفاء بالتزام ثابت على بيت المال ،وهو ما يصير
بتأخيره دينا لزما عليه ،وما ليس كذلك ل يستقرض له ،قال أبو يعلى :لو اجتمع على بيت
المال حقان ضاق عنهما واتسع لحدهما ،صرف فيما يصير منهما دينا فيه ،ولو ضاق عن
ي المر إذا خاف الضرر والفساد أن يقترض على بيت المال ما
كلّ واحد منهما ،كان لول ّ
يصرفه في الدّيون دون الرفاق ،وكان من حدث بعده من الولة مأخوذا بقضائه إذا اتسع له
بيت المال .
ق ،وما
والثالث :أن يعيد المام إلى بيت المال كل ما اقتطعه منه لنفسه وعياله وذويه بغير ح ّ
وضعوه في حرام ،وتبقى الحاجة إلى الستقراض قائمةً ،قال ابن السّبكيّ :لما عزم السّلطان
قطز على المسير من مصر لمحاربة التتار ،وقد دهموا البلد ،جمع العساكر ،فضاقت يده
عن نفقاتهم ،فاستفتى المام العز بن عبد السلم في أن يقترض من أموال التّجار ،فقال له
ي الحرام اتّخاذه
الع ّز :إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك ،وأحضر المراء ما عندهم من الحل ّ
،وضربته سكةً ونقدا ،وفرقته في الجيش ولم يقم بكفايتهم ،ذلك الوقت اطلب القرض ،وأما
قبل ذلك فل .
هذا ما يتعلق باستقراض المام على بيت المال للمصلحة العامة ،أما استقراضه عليه لغير
ذلك ،فقد نص الشافعية والحنابلة في باب اللقيط على وجوب النفقة عليه من بيت المال إذا لم
يوجد له مال ،فإن تعذر أخذ نفقته من بيت المال -بأن لم يكن في بيت المال شيء أو كان ما
هو أهمّ منه -اقترض الحاكم على بيت المال مقدار نفقته .
-أما الستقراض على الوقف ،فهو جائز لداعي المصلحة ،قال البهوتيّ الحنبليّ : 13
والظاهر أن الدين في هذه المسائل يتعلق بذمة المقترض وبهذه الجهات ،كتعلّق أرش الجناية
برقبة العبد الجاني ،فل يلزم المقترض الوفاء من ماله ،بل من ريع الوقف وما يحدث لبيت
المال ،أو يقال :ل يتعلق بذمته رأسا ،أي بذمة المقترض .
غير أن الفقهاء اختلفوا في شروط القتراض على الوقف على ثلثة أقوال :
أحدها للحنفية :وهو أنه ل يجوز القتراض على الوقف إن لم يكن بأمر الواقف ،إل إذا
احتيج إليه لمصلحة الوقف -كتعمير وشراء بذر وليس للوقف غلة قائمة بيد المتولّي -
فيجوز عند ذلك بشرطين :
الول :إذن القاضي إن لم يكن بعيدا عنه ،ولن وليته أعمّ في مصالح المسلمين ،فإن كان
بعيدا عنه فيستدين الناظر بنفسه .
والثاني :أن ل تتيسر إجارة العين والصرف من أجرتها .
والثاني للمالكية والحنابلة :وهو أنه يجوز للناظر القتراض على الوقف بل إذن حاكم لمصلحة
-كما إذا قامت حاجة لتعميره ،ول يوجد غلة للوقف يمكن الصرف منها على عمارته -لن
الناظر مؤتمن مطلق التصرّف ،فالذن والئتمان ثابتان له .
والثالث للشافعية :وهو أنه يجوز لناظر الوقف القتراض على الوقف عند الحاجة إن شرطه
له الواقف أو أذن له فيه الحاكم ،قالوا :فلو اقترض من غير إذن القاضي ول شرط من
الواقف لم يجز ،ول يرجع على الوقف بما صرفه لتعدّيه فيه .
الرّكن الثالث :المحلّ " المالُ المقرض " :
للمال المقرض شروط اتفق الفقهاء في بعضها واختلفوا في بعضها الخر على ما يلي :
الشرط الول :أن يكون من المثليات :
-والمثليات :هي الموال التي ل تتفاوت آحادها تفاوتا تختلف به قيمتها ،كالنّقود وسائر 14
المقترض من ر ّد البدل المماثل للمقرض ،وهذه المعلومية تتناول أمرين :معرفة القدر ،
ومعرفة الوصف ،جاء في " أسنى المطالب " :يشترط لصحة القراض العلم بالقدر والصّفة
ليتأتى أداؤه ،فلو أقرضه كفّا من دراهم لم يصح ،ولو أقرضه على أن يستبان مقداره ويرد
مثله صح .
وقد أوضح ابن قدامة في المغني علة هذا الشتراط ،فقال " :وإذا اقترض دراهم أو دنانير
غير معروفة الوزن لم يجز ; لن القرض فيها يوجب رد المثل ،فإذا لم يعرف المثل لم يمكن
ل أو موزونا جزافا لم يجز لذلك ،ولو قدره بمكيال بعينه أو
القضاء ،وكذلك لو اقترض مكي ً
صنجةٍ بعينها غير معروفين عند العامة لم يجز ; لنه ل يأمن تلف ذلك ،فيتعذر ر ّد المثل ،
فأشبه السلم في مثل ذلك " .
وقد استثنى الشافعية من قولهم باشتراط كون محلّ القرض معلوم القدر ما سموه بالقرض
عمّ ْر داري " ونحوه ،فلم يوجبوا معرفته لصحة القرض .
الحكميّ ،كقوله َ " :
أحكام القرض :
أ -من حيث أثره :
-اختلف الفقهاء في ترتّب أثر القرض ،وهو نقل ملكية محلّه من المقرض إلى 17
المقترض ،هل يتمّ بالعقد ،أم يتوقف على القبض ،أم ل يتحقق إل بتصرّف المقترض فيه أو
استهلكه ..؟ على أربعة أقوال :
أحدها :للحنابلة والحنفية في القول المعتمد ،والشافعية في الصحّ :وهو أن المقترض إنما
يملك المال المقرض بالقبض ،قال الشافعية :غير أن الملك في القرض غير تا ّم لنه يجوز
لكلّ واحد منهما أن ينفرد بالفسخ .
واستدلّوا على ذلك :
أ -بأن مأخذ السم دليل عليه ; لن القرض في اللّغة القطع ،فدل على انقطاع ملك المقرض
بنفس التسليم .
ب -وبأن المستقرض بنفس القبض صار بسبيل من التصرّف في القرض من غير إذن
المقرض بيعا وهبةً وصدقةً وسائر التصرّفات ،وإذا تصرف فيه نفذ تصرّفه ،ول يتوقف على
إجازة القرض ،وتلك أمارات الملك ،إذ لو لم يملكه لما جاز له التصرّف فيه .
ج -وبأن القرض عقد اجتمع فيه جانب المعاوضة وجانب التبرّع ،أما المعاوضة :فلن
المستقرض يجب عليه ر ّد بدل مماثل عوضا عما استقرضه ،وأما التبرّع :فلنه ينطوي على
تبرّع من المقرض للمستقرض بالنتفاع بالمال المقرض بسائر التصرّفات ،غير أن جانب
التبرّع في هذا العقد أرجح ; لن غايته وثمرته إنما هي بذل منافع المال المقرض للمقترض
مجانا ; لنه ل يقابله عوض في الحال ،ول يملكه من ل يملك التبرّع ،ولهذا كان حكمه كباقي
التبرّعات من هبات وصدقات ،فتنتقل الملكية فيه بالقبض ل بمجرد العقد ،ول بالتصرّف ،ول
بالستهلك .والثاني :للمالكية ،وهو أن المقترض يملك القرض ملكا تامّا بالعقد وإن لم
ي ورجحه ،
يقبضه ،ويصير ما ًل من أمواله ،ويقضى له به ،وقد ذهب إلى هذا الشوكان ّ
وحجته أن التراضي هو المناط في نقل ملكية الموال من بعض العباد إلى بعض .
والثالث :للشافعية في القول المقابل للصحّ ،وهو أن المقترض إنما يملك المال المقرض
بالتصرّف ،فإذا تصرف فيه تبين ثبوت ملكه قبله ،والمراد بالتصرّف :كلّ عمل يزيل الملك ،
كالبيع والهبة والعتاق والتلف ونحو ذلك قالوا :لنه ليس بتبرّع محض ،إذ يجب فيه البدل
،وليس على حقائق المعاوضات ،فوجب أن يكون تملّكه بعد استقرار بدله .
والرابع :لبي يوسف ،وهو أن القرض ل يملك بالقبض ما لم يستهلك ،وحجته أن القراض
إعارة ،بدليل أنه ل يلزم فيه الجل ،إذ لو كان معاوضةً للزم فيه ،كما في سائر المعاوضات
; ولنه ل يملكه الب والوصيّ والعبد المأذون والمكاتب ،وهؤلء يملكون المعاوضات ،فثبت
بذلك أن القراض إعارة ،فتبقى العين على حكم ملك المقرض قبل أن يستهلكها المقترض .
ب -من حيث موجبه :
-ذهب الفقهاء إلى أن المقترض تنشغل ذمته ببذل القرض للمقرض بمجرد تملّكه لمحلّ 18
أحدها :للمالكية والشافعية في الصحّ ،وهو أن المقترض مخير في أن يرد مثل الذي اقترضه
إذا كان مثليّا ; لنه أقرب إلى حقّه ،وبين أن يرده بعينه إذا لم يتغير بزيادة أو نقصان ،وهو
قول أبي يوسف من الحنفية .
أما إذا كان قيميّا ،فله أن يرده بعينه ما دامت العين على حالها لم تتغير ،أو بمثله صورةً ،
لما صح عن النبيّ صلى ال عليه وسلم « أنه استسلف بكرا ورد رباعيّا ،وقال :إن خيار
الناس أحسنهم قضا ًء » ،ولن ما ثبت في الذّمة بعقد السلم ثبت بعقد القرض قياسا على ما له
ي :ومن لزم اعتبار المثل الصّوريّ اعتبار ما فيه من المعاني التي تزيد بها
مثل .قال الهيتم ّ
القيمة ،فير ّد ما يجمع تلك الصّفات كلها ،حتى ل يفوت عليه شيء .
والثاني :وهو قول أبي حنيفة ومحمد ،وهو أن المقترض بمجرد تملّكه للعين المقترضة ،
فإنه يثبت في ذمته مثلها ل عينها ولو كانت قائمةً ،حتى لو أراد المقرض أن يأخذ محل
القرض بعينه من المستقرض فليس له ذلك ،وللمستقرض أن يعطيه غيره ،وأنه لو استقرض
شيئا من المكيلت أو الموزونات أو المسكوكات من الذهب أو الفضة ،فرخصت أسعارها أو
غلت ،فعليه مثلها ،ول عبرة برخصها وغلئها ،وأنه إذا تعذر على المقترض ردّ مثل ما
اقترضه بأن استهلكها ثم انقطعت عن أيدي الناس ،فعند أبي حنيفة يجبر المقرض على
النتظار إلى أن يوجد مثلها ،ول يصار إلى القيمة إل إذا تراضيا عليها ،وذهب الصاحبان إلى
أنه يصار إلى القيمة لن مبنى قول الحنفية بوجوب المثل مطلقا دون القيمة هو عدم صحة
القرض عندهم إل في المثليات .
والثالث :للحنابلة ،حيث فرقوا بين ما إذا كان محلّ القرض مثليّا مكيلً أو موزونا ،وبين ما
إذا كان قيميّا ل ينضبط بالصّفة كالجواهر ونحوها ،وبين ما إذا كان سوى ذلك ،وقالوا :
أ -إن كان محلّ القرض مثليّا من المكيلت أو الموزونات ،فيلزم المقترض مثله ،ولو أراد
رده بعينه ،فيجبر المقرض على قبوله ما لم تتغير عينه بعيب أو نقصان أو نحو ذلك ،سواء
تغير سعره أو ل ،لنه رده على صفة حقّه ،فلزم قبوله كالسلم ،ولو تغير حالها بنحو ما
ذكرنا ،فإنه ل يلزمه قبول المردود لما فيه من الضرر عليه ; لنه دون حقّه ،ويجب على
المقترض أداء مثله .
وفي الحالين إذا رد المقترض المثل وجب على المقرض قبوله ،سواء رخص سعره أو غل أو
بقي على حاله ،وذلك لن المثل يضمن في الغصب والتلف بمثله ،فكذا هاهنا ،فإن أعوز
المثل -أي تعذر -فعليه قيمته يوم إعوازه ; لنه يوم ثبوت القيمة في الذّمة .
ب -وإن كان محلّ القرض غير مكيل ول موزون ،فيجب ر ّد قيمته يوم القبض إن كان مما
ل ينضبط بالصّفة ،كالجواهر ونحوها قولً واحدا ; لن قيمتها تتغير بالزمن اليسير باعتبار قلة
الراغب وكثرته .
أما ما ينضبط بالصّفة كالمذروع والمعدود والحيوان ،فيجب ر ّد قيمته يوم القرض لنها تثبت
في ذمته ،وهو المذهب .
وفي وجه آخر يجب ر ّد المثل صور ًة ; لن النبي صلى ال عليه وسلم « استسلف من رجل
بكرا فرد مثله » .
-وما سبق بيانه من مذاهب الفقهاء في صفة بدل القرض ،إنما هو من حيث المثل أو 20
القيمة لمحلّ القرض ،أما من حيث الجودة والرداءة في الوصف ،أو الزّيادة والنّقصان في
القدر ،فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة وابن حبيب من المالكية
وغيرهم إلى أن المقترض لو قضى دائنه ببدل خير منه في القدر أو الصّفة ،أو دونه ،
برضاهما جاز ما دام أن ذلك جرى من غير شرط أو مواطأة ،وذلك لما صح عن النبيّ أنه
استسلف بكرا ،فرد خيرا منه ،وقال « :إن خياركم أحسنكم قضاءً » ; ولنه لم تجعل تلك
الزّيادة عوضا في القرض ،ول وسيلة إليه ،ول إلى استيفاء حقّه ،فحلت كما لو لم يكن
قرض ،بل إن الحنفية والشافعية نصّوا على أنه يستحبّ في حقّ المقترض أن يرد أجود مما
أخذ بغير شرط ،وأنه ل يكره للمقرض أخذه .
وذهب مالك إلى التفصيل في المسألة ،فكره أن يزيد المقترض في الكمّ والعدد إل في اليسير
جدّا ،وقال :إنما الحسان في القضاء أن يعطيه أجود عينا وأرفع صفةً ،وأما أن يزيده في
الكيل أو الوزن أو العدد فل ،وهذا كلّه إذا كان من غير شرط حين السلف .
ي بن كعب وابن عباس
وروي عن أحمد المنع من الزّيادة والفضل في القرض مطلقا ،وعن أب ّ
ل ; لئل يكون قرضا
وابن عمر رضي ال عنهم أن المقرض يأخذ مثل قرضه ،ول يأخذ فض ً
جر منفعةً .
ب الدين على القبول
ونص الحنفية على أن المدين إذا قضى الدين أجود مما عليه ،فل يجبر ر ّ
،كما لو دفع إليه أنقص مما عليه ،وإن قبل جاز ،كما لو أعطاه خلف الجنس .قال في
الفتاوى الهندية :وهو الصحيح .
مكان ردّ البدل :
-ل خلف بين الفقهاء في أن الصل في القرض وجوب ر ّد بدله في نفس البلد التي وقع 21
فيها ،وأن للمقرض المطالبة به فيها ،ويلزم المقترض الوفاء به حيث قبضه ،إذ هو المكان
الذي يجب التسليم فيه .
قال الشوكانيّ :ووجهه أن المقرض محسن وما على المحسنين من سبيل ،فلو كان عليه أن
يتجشم مشقةً لردّ قرضه لكان ذلك منافيا لحسانه .
لكن لو بذله المقترض في مكان آخر ،أو طالبه المقرض به في بلد أخرى فإن كان مما ل حمل
له ول مؤنة كالدراهم والدنانير فقد اتفق الفقهاء على أنه يلزم مقرضها أخذها بغير محلّ
القرض ،إذ ل كلفة في حملها ول ضرر عليه .
وأما ما له حمل ومؤنة كالمكيل والموزون فقد اتفق الفقهاء على أن المقرض ل يلزم أخذه
بغير محلّه ،لما فيه من زيادة الكلفة ،إل إن رضي المقرض بأخذه جاز والحكم كذلك عند
الشافعية والحنابلة إذا كان المكان مخوفا .
ولو التقى المقرض والمقترض في غير بلد القرض ،وقيمة محلّ القرض في البلدتين مختلفة ،
فطلب المقرض أخذه منه ،فذهب الشافعية والحنابلة ورواية عند الحنفية إلى أنه يلزم
المقترض أداؤها ،وتعتبر قيمة بلد القرض لنه محلّ التملّك .
وقال أبو يوسف :تكون القيمة يوم القرض .
وقال محمد :يوم الخصومة .
والرّواية الثانية عند الحنفية :يستوثق للمقرض من المطلوب بكفيل حتى يوفيه مثله حيث
أقرضه .
وقال ابن عبد البرّ من المالكية :لو لقي المقرض المقترض في غير البلد الذي أقرضه فيه
فطالبه بالقضاء فيه لم يلزمه ذلك ،ولزم أن يوكّل من يقبضه منه في ذلك البلد الذي اقترضه
فيه ،ولو اصطلحا على القضاء في البلد الخر كان ذلك جائزا إن كان بعد حلول الجل ،وإن
كان قبل حلوله لم يلزم .
زمان ردّ البدل :
-اختلف الفقهاء في وقت ر ّد البدل في القرض على قولين : 22
أحدهما :للحنفية والشافعية والحنابلة ،وهو أن بدل القرض يثبت حالّا في ذمة المقترض ،
وعلى ذلك فللمقترض مطالبته به في الحال مطلقا ،كسائر الدّيون الحالة ; ولن القرض سبب
يوجب رد المثل في المثليات ،فكان حالّا ،كالتلف ،ويتفرع على هذا الصل أنه لو أقرضه
تفاريق ،ثم طالبه بها جملةً ،فله ذلك ; لن الجميع حالّ ،فأشبه ما لو باعه بيوعا متفرّقةً
حالة الثمن ،ثم طالبه بثمنها جملةً .
والثاني :للمالكية ،وهو قول لبن القيّم ،وهو أن البدل ل يثبت حالّا في ذمة المقترض ،
وعلى ذلك قالوا :لو اقترض مطلقا -من غير اشتراط أجل -فل يلزمه ردّ البدل لمقرضه إن
أراد الرّجوع فيه ،ويجبر المقرض على إبقائه عنده إلى قدر ما يرى في العادة أنه انتفع به .
الشّروط الجعلية في القرض :
الشّروط الجعلية في القرض أنواع :فمنها المشروع ،ومنها الممنوع ،منها ما هو مختلف
في جوازه بين الفقهاء ،على النحو التالي :
أ -اشتراط توثيق دين القرض :
-ذهب الفقهاء إلى صحة القراض بشرط رهن وكفيل وإشهاد أو أحدها ; لن هذه المور 23
توثيقات ل منافع زائدة للمقرض ،ويستدلّ على مشروعية الرهن بما ورد عن النبيّ صلى ال
عليه وسلم « :أنه اشترى من يهوديّ طعاما ورهنه درعه » ; ولن ما جاز فعله جاز شرطه ;
ولنه شرط ل ينافي مقتضى العقد .
ب -اشتراط الوفاء في غير بلد القرض :
-يدخل هذا الشتراط في باب السفتجة ،وهو محرم عند الشافعية والحنابلة في المذهب ، 24
صفةً ،فقد ذهب الشافعية والحنابلة إلى فساد هذا الشرط وعدم لزومه ،وهل يفسد العقد
بذلك ؟ للشافعية وجهان ،أصحّهما في المذهب أنه ل يفسد العقد ،وهو مذهب الحنابلة ; لن
المنهي عنه ج ّر المقرض النفع إلى نفسه ،وهاهنا ل نفع له في الشرط ،بل النفع للمقترض ،
فكأن المقرض زاد في المسامحة والرفاق ،ووعده وعدا حسنا .
والوجه الثاني عند الشافعية الفساد ; لمنافاته مقتضى العقد كشرط الزّيادة .
د -اشتراط الجل :
-اختلف الفقهاء في صحة اشتراط الجل ولزومه في القرض على قولين : 26
ي وابن المنذر وغيرهم ،
أحدهما :لجمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة والوزاع ّ
وهو أنه ل يلزم تأجيل القرض ،وإن اشترط في العقد ،وللمقرض أن يسترده قبل حلول الجل
; لن الجال في القروض باطلة قال المام أحمد بن حنبل :لكن ينبغي للمقرض أن يفي بوعده
.واستثنى الحنفية من أصلهم بعدم لزوم الجل في القرض أربع مسائل :إذا كان مجحودا بأن
صالح المقرض المقترض الجاحد للقرض على مبلغ إلى أجل فيلزم الجل ،أو حكم مالكيّ
بلزومه بعد ثبوت أصل الدين عنده ،أو أحاله على آخر فأجله المقرض أو أحاله على مديون
مؤجل دينه ،لن الحوالة مبرئة ،والرابعة الوصية ،بأن أوصى بأن يقرض من ماله ألف
درهم فلنا إلى سنة .
وقد استدل الحنابلة على عدم لزوم اشتراط الجل في القرض بأنه عقد منع فيه التفاضل ،فمنع
فيه الجل كالصرف ،إذ الحالّ ل يتأجل بالتأجيل ،وبأنه وعد ،والوفاء بالوعد غير لزم
واحتج الحنفية على عدم صحة تأجيله بأنه إعارة وصلة في البتداء حتى يصح بلفظ العارة ،
ي ،ومعاوضة في النتهاء ،فعلى اعتبار
ول يملكه من ل يملك التبرّع ،كالوصيّ والصب ّ
البتداء ل يلزم التأجيل فيه ،كما في العارة ،إذ ل جبر في التبرّع ،وعلى اعتبار النتهاء ل
ح ،لنه يصير بيع الدراهم بالدراهم نسيئةً ،وهو ربا .
يص ّ
ومع اتّفاق هؤلء الفقهاء على أن شرط الجل في القرض فاسد غير ملزم للمقرض ،فقد
اختلفوا في عقد القرض هل يفسد بفساد الشرط أم ل ؟
فقال الحنفية والحنابلة :القرض صحيح .والجل باطل .
وقال الشافعية :إذا شرط في القرض أجل نظر :
فإن لم يكن للمقرض غرض في التأجيل " أي منفعة له " لغا الشرط ،ول يفسد العقد في
الصحّ; لنه زاد في الرفاق بجرّه المنفعة للمقترض فيه ،ويندب له الوفاء بشرطه .
أما إذا كان للمقرض فيه غرض ،بأن كان زمن نهب ،والمستقرض مليء ،فوجهان :
أصحّهما أنه يفسد القرض ; لن فيه جر منفعة للمقرض .
والثاني :للمالكية والليث بن سعد وابن تيمية وابن القيّم ،وهو صحة التأجيل بالشرط ،فإذا
اشترط الجل في القرض ،فل يلزم المقترض ردّ البدل قبل حلول الجل المعين ،واستدلّوا على
ي صلى ال عليه وسلم « :المسلمون على شروطهم » .
ذلك بقول النب ّ
ثم فرع المالكية على قولهم هذا :أنه لو رغب المقترض تعجيله لربّه قبل أجله لزم المقرض
قبوله ; لن الحق في الجل للمقترض فإذا أسقط حقه لزم المقرض قبوله ،وأجبر على ذلك ،
عينا كان البدل أو عرضا ،أو كان نفس المال المقترض .
هـ -اشتراط ردّ محلّ القرض بعينه :
-نص الحنابلة على أنه إذا شرط المقرض على المقترض رد محلّ القرض بعينه فل يصحّ 27
هذا الشرط ; لنه ينافي مقتضى العقد ،وهو أن ينتفع المقترض باستهلكه وردّ بدله ،
فاشتراط ردّه بعينه يمنع ذلك غير أن فساد الشرط ل يفسد العقد ،بل يبقى صحيحا .
و -اشتراط الزّيادة للمقرض :
-ل خلف بين الفقهاء في أن اشتراط الزّيادة في بدل القرض للمقرض مفسد لعقد القرض، 28
سواء أكانت الزّيادة في القدر ،بأن يرد المقترض أكثر مما أخذ من جنسه ،أو بأن يزيده هديةً
من مال آخر ،أو كانت في الصّفة ،بأن يرد المقترض أجود مما أخذ ،وإن هذه الزّيادة تعدّ
من قبيل الرّبا .
قال ابن عبد البرّ :وكلّ زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلّف فهي ربا ،ولو كانت قبضةً
من علف ،وذلك حرام إن كان بشرط ،وقال ابن المنذر :أجمعوا على أن المسلّف إذا شرط
على المستسلف زيادةً أو هديةً ،فأسلف على ذلك ،أن أخذ الزّيادة على ذلك ربا .
واستدلّوا على ذلك :بما روي من « النهي عن كلّ قرض جر نفعا » أي للمقرض .
وبأن موضوع عقد القرض الرفاق والقربة ،فإذا شرط المقرض فيه الزّيادة لنفسه خرج عن
موضوعه ،فمنع صحته ; لنه يكون بذلك قرضا للزّيادة ل للرفاق والقربة ; ولن الزّيادة
المشروطة تشبه الرّبا ; لنها فضل ل يقابله عوض ،والتحرّز عن حقيقة الرّبا وعن شبهة
الرّبا واجب .
وقال الحنابلة :ومثل ذلك اشتراط المقرض أي عمل يجرّ إليه نفعا ،كأن يسكنه المقترض داره
مجانا ،أو يعيره دابته ،أو يعمل له كذا ،أو ينتفع برهنه ...إلخ .
ول يخفى أن السلف إذا وقع فاسدا وجب فسخه ،ويرجع إلى المثل في ذوات المثال ،وإلى
القيمة في غيرها .
الهدية للمقرض ذريعة إلى الزّيادة :
-اختلف في حكم هدية المقترض للمقرض قبل الوفاء بالقرض على أقوال : 29
أحدها :للحنفية ،وهو أنه ل بأس بهدية من عليه القرض لمقرضه ،لكن الفضل أن يتورع
المقرض عن قبول هديته إذا علم أنه إنما يعطيه لجل القرض ،أما إذا علم أنه يعطيه ل لجل
القرض ،بل لقرابة أو صداقة بينهما ،فل يتورع عن القبول ،وكذا لو كان المستقرض
معروفا بالجود والسخاء ،كذا في محيط السرخسيّ ،فإن لم يكن شيء من ذلك فالحالة حالة
الشكال ،فيتورع عنه حتى يتبين أنه أهدى ل لجل الدين .
والثاني :للمالكية ،وهو أنه ل يحلّ للمقترض أن يهدي الدائن رجاء أن يؤخّره بدينه ،ويحرم
على الدائن قبولها إذا علم أن غرض المدين ذلك ،لنه يؤدّي إلى التأخير مقابل الزّيادة ،ثم إن
كانت الهدية قائم ًة وجب ردّها ،وإن فاتت بمفوّت وجب ردّ مثلها إن كانت مثليةً ،وقيمتها يوم
دخلت في ضمانه إن كانت قيميةً ،أما إذا لم يقصد المدين ذلك ،وصحت نيته ،فله أن يهدي
دائنه ،قال ابن رشد :لكن يكره لذي الدين أن يقبل ذلك منه وإن تحقق صحة نيته في ذلك إذا
كان ممن يقتدى به ،لئل يكون ذريعةً لستجازة ذلك حيث ل يجوز .
ثم أوضح المالكية ضابط الجواز حيث صحت النّية وانتفى القصد المحظور فقالوا :إن هدية
المديان حرام إل أن يتقدم مثل الهدية بينهما قبل المداينة ،وعلم أنها ليست لجل الدين ،فإنها
ل تحرم حينئذ حالة المداينة ،وإل أن يحدث موجب للهدية بعد المداينة ،من صهارة أو جوار
أو نحو ذلك ،فإنها ل تحرم أيضا .
والثالث :للشافعية وهو أنه ل يكره للمقرض أخذ هدية المستقرض بل شرط ولو في الرّبويّ ،
قال الماورديّ :والتنزّه عنه أولى قبل ر ّد البدل .
والرابع :للحنابلة ،وهو أن المقترض إذا أهدى لمقرضه هديةً قبل الوفاء ،ولم ينو المقرض
احتسابها من دينه ،أو مكافأته عليها لم يجز ،إل إذا جرت عادة بينهما بذلك قبل القرض ،
فإن كانت جاري ًة به جاز أما إذا أهداه بعد الوفاء -بل شرط ول مواطأة -فهو جائز في
الصحّ ; لنه لم يجعل تلك الزّيادة عوضا في القرض ول وسيل ًة إليه ،ول إلى استيفاء دينه ،
فأشبه ما لو لم يكن هناك قرض ،واستدلّوا على ذلك :بما روي عن أنس بن مالك رضي ال
عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم « :إذا أقرض أحدكم قرضا ،فأهدى إليه أو
حمله على الدابة ،فل يركبها ول يقبله ،إل أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك » وما روى
ابن سيرين أن عمر رضي ال عنه أسلف أبي بن كعب رضي ال عنه عشرة آلف درهم ،
ي ،فقال :لقد
فأهدى إليه أبيّ بن كعب من ثمرة أرضه ،فردها عليه ،ولم يقبلها ،فأتاه أب ّ
علم أهل المدينة أنّي من أطيبهم ثمر ًة ،وأنه ل حاجة لنا ،فبم منعت هديتنا ؟ ثم أهدى إليه بعد
ذلك فقبل .
قال ابن القيّم :فكان ر ّد عمر َلمّا توهّم أن تكون هديته بسبب القرض ،فلمّا تيقن أنها ليست
بسبب القرض قبلها ،وهذا فصل النّزاع في مسألة هدية المقترض .وبما ورد عن عبد ال بن
سلم رضي ال عنه أنه قال لبي بردة بن أبي موسى الشعريّ :إنك في أرض الرّبا بها
فاشٍ ،إذا كان لك على رجل حقّ فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قتّ فإنه ربا .
قال ابن القيّم :وكلّ ذلك سدّا لذريعة أخذ الزّيادة في القرض الذي موجبه ر ّد المثل .
وعن المام أحمد رواية بجواز الهدية غير المشروطة من المقترض إلى المقرض .
ز -اشتراط عقد آخر في القرض :
ذكر الفقهاء صورا متعدّدةً لشتراط عقد آخر -كبيع وإجارة ومزارعة ومساقاة وقرض آخر -
في عقد القرض ،وفرقوا بينها في الحكم ،نظرا لتفاوت منافاتها لمقتضى عقد القرض ،وذلك
في الصّور التالية :
أ -الصّورة الولى :
-إذا اشترط في عقد القرض أن يقرضه مالً آخر ،بأن قال المقرض للمقترض :أقرضتك 30
كذا بشرط أن أقرضك غيره كذا وكذا ،فقد نص الشافعية على أن عقد القرض صحيح ،
والشرط لغ في حقّ المقرض ،فل يلزمه ما شرط على نفسه .
قالوا :لنه وعد غير ملزم ،كما لو وهبه ثوبا بشرط أن يهبه غيره .
ب -الصّورة الثانية :
-إذا اشترط في عقد القرض قرض آخر من المقترض لمقرضه في مقابل القرض الول ، 31
وتسمى هذه المسألة عند الفقهاء بأسلفني أسلّفك ،فقد نص الحنابلة على عدم جواز ذلك ،
وعلى فساد هذا الشرط مع بقاء العقد صحيحا ; لعدم تأثير الشرط الفاسد على صحة العقد في
مذهبهم .
والذي يستفاد من كلم المالكية حول هذه الصّورة هو كراهة القرض مع ذلك الشرط .
ونص الحنفية على حرمة الشّروط في القرض ،قال ابن عابدين :وفي الخلصة القرض
بالشرط حرام والشرط لغو .
ج -الصّورة الثالثة :
-إذا شرط في عقد القرض أن يبيعه المقرض شيئا ،أو يشتري منه ،أو يؤجّره ،أو 32
يستأجر منه ،ونحو ذلك ،فقد نص المالكية والشافعية والحنابلة على عدم جواز هذا الشتراط
،واستدلّوا على ذلك :بما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال « :ل يحلّ سلف وبيع » .
قال ابن القيّم :وحرم الجمع بين السلف والبيع ،لما فيه من الذريعة إلى الرّبح في السلف
بأخذ أكثر مما أعطى ،والتوسّل إلى ذلك بالبيع أو الجارة كما هو الواقع ،وقال :وأما السلف
والبيع; فلنه إذا أقرضه مائةً إلى سنة ،ثم باعه ما يساوي خمسين بمائة ،فقد جعل هذا البيع
ذريعةً إلى الزّيادة في القرض الذي موجبه ر ّد المثل ،ولول هذا البيع لما أقرضه ،ولول عقد
القرض لما اشترى ذلك منه ،ثم قال :وهذا هو معنى الرّبا .
ولنهما جعل رفق القرض ثمنا ،والشرط لغو ،فيسقط بسقوطه بعض الثمن ،ويصير الباقي
مجهولً ،قال الخطابيّ :وذلك فاسد ; لنه إنما يقرضه على أن يحابيه في الثمن ،فيدخل
الثمن في حدّ الجهالة .
ولنه شرط عقدا في عقد فلم يجز ،كما لو باعه داره بشرط أن يبيعه الخر داره ،وإن شرط
أن يؤجّره داره بأقل من أجرتها ،أو على أن يستأجر دار المقرض بأكثر من أجرتها كان أبلغ
في التحريم .
ولن القرض ليس من عقود المعاوضة ،وإنما هو من عقود الب ّر والمكارمة ،فل يصحّ أن
يكون له عوض ،فإن قارن القرض عقد معاوضة كان له حصة من العوض ،فخرج عن
مقتضاه ،فبطل وبطل ما قارنه من عقود المعاوضة ،ووجه آخر :وهو أنه إن كان القرض
غير مؤقت فهو غير لزم للمقرض ،والبيع وما أشبهه من العقود اللزمة -كالجارة والنّكاح
-ل يجوز أن يقارنها عقد غير لزم ،لتنافي حكميهما .
-وقد ذكر الحنفية في هذا المقام مسأل ًة تتعلق بهذه الصّورة ،وهي شراء المقترض 33
الشيء اليسير من المقرض بثمن غال لحاجته للقرض ،وقالوا :يجوز ويكره ،وقد علق
ح مع الكراهة ،وهذا لو وقع الشّراء بعد القرض ،
العلمة ابن عابدين على ذلك فقال :أي يص ّ
لما في الذخيرة ،وإن لم يكن النفع مشروطا في القرض ،ولكن اشترى المستقرض من
المقرض بعد القرض متاعا بثمن غال .
ي :ل بأس به ،وقال الخصاف :ما أحبّ له ذلك ،وذكر الحلوانيّ :إنه حرام
فعلى قول الكرخ ّ
; لنه يقول لو لم أكن اشتريته منه طالبني بالقرض في الحال ،ومحمد لم ير بذلك بأسا ،وقال
خواهر زاده :ما نقل عن السلف محمول على ما إذا كانت المنفعة مشروطةً ،وذلك مكروه بل
خلف ،وما ذكره محمد محمول على ما إذا كانت غير مشروطة ،وذلك غير مكروه بل خلف
،وهذا إذا تقدم القراض على البيع .
فإن تقدم البيع -بأن باع المطلوب منه المعاملة من الطالب ثوبا قيمته عشرون دينارا بأربعين
دينارا ،ثم أقرضه ستّين دينارا أخرى ،حتى صار له على المستقرض مائة دينار ،وحصل
للمستقرض ثمانون دينارا -ذكر الخصاف أنه جائز ،وهذا مذهب محمد بن سلمة إمام بلخ ،
وكثير من مشايخ بلخ كانوا يكرهونه ويقولون إنه قرض جر منفعةً ،إذ لوله لم يتحمل
المستقرض غلء الثمن ،ومن المشايخ من قال يكره لو كانا في مجلس واحد ،وإل فل بأس
به ،لن المجلس الواحد يجمع الكلمات المتفرّقة ،فكأنهما وجدا معا ،فكانت المنفعة مشروطةً
ي يفتي بقول الخصاف وابن سلمة ،ويقول :هذا ليس
في القرض ،وكان شمس الئمة الحلوان ّ
بقرض جر منفعةً ،بل هذا بيع جر منفعةً ،وهي القرض .
ح -اشتراط الجعل على القتراض بالجاه :
ل ثمنا
-اختلف الفقهاء فيمن استقرض لغيره بجاهه ،هل يجوز له أن يشترط عليه جع ً 34
لجاهه أم ل ؟
قال الشافعية :لو قال لغيره اقترض لي مائةً ولك علي عشرة فهو جعالة .
وقال المام أحمد بن حنبل :ما أحبّ أن يقترض بجاهه لخوانه ،قال القاضي أبو يعلى :يعني
إذا كان من يقترض له غير معروف بالوفاء ،لكونه تغريرا بمال المقرض وإضرارا به ،أما
إذا كان معروفا بالوفاء فل يكره ; لكونه إعانةً له وتفريجا لكربته .
وعلى هذا ،فإذا استقرض النسان لغيره بجاهه ،قال الحنابلة :له أخذ جعل منه مقابل
اقتراضه له بجاهه ،بخلف أخذ الجعل على كفالته له ،فإنه غير جائز ،قال ابن قدامة :لو
قال :اقترض لي من فلن مائةً ،ولك عشرة ،فل بأس ،ولو قال :اكفل عنّي ولك ألف لم
يجز ،وذلك لن قوله اقترض لي ولك عشرة جعالة على فعل مباح ،فجازت ،كما لو قال :
ابن لي هذا الحائط ولك عشرة ،وأما الكفالة ،فإن الكفيل يلزمه الدين ،فإذا أداه وجب له على
المكفول مثله ،فصار كالقرض ،فإذا أخذ عوضا صار القرض جارّا للمنفعة ،فلم يجز .
وفي مذهب المالكية :اختلف في ثمن الجاه ،فمن قائل بالتحريم مطلقا ،ومن قائل بالكراهة
بإطلق ،ومن مفصّل بين أن يكون ذو الجاه يحتاج إلى نفقة وتعب وسفر ،فأخذ مثل أجره ،
فذلك جائز ،وإل حرم ،قال التسوّليّ :وهذا هو الحقّ .
قُرعَة *
التعريف :
-القرعة في اللّغة :السّهمة والنصيب ،والمقارعة :المساهمة ،وأقرعت بين الشّركاء في 1
شيء يقسمونه ،ويقال :كانت له القرعة ،إذا قرع أصحابه ،وقارعه فقرعه يقرعه :أي
أصابته القرعة دونه ،وتستعمل في معان أخرى غير ما تقدم .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ ،قال البركتيّ :القرعة السهم والنصيب ،
وإلقاء القرعة :حيلة يتعين بها سهم النسان أي نصيبه .
اللفاظ ذات الصّلة :
القسمة :
-القسمة في اللّغة من قسمته قسما أي فرزته أجزا ًء . 2
منهم نصيبا من غير إقراع جاز لنه في القضاء فيملك اللزام .
وجاء في تكملة فتح القدير " :أل يرى أن يونس عليه السلم في مثل هذا استعمل القرعة مع
أصحاب السفينة كما قال ال تعالى َ { :فسَا َهمَ َفكَانَ ِمنْ ا ْلمُ ْدحَضِينَ } ،وذلك لنه علم أنه هو
المقصود ولكن لو ألقى بنفسه في الماء ربما نُسب إلى ما ل يليق بالنبياء فاستعمل القرعة
لذلك ،وكذلك زكريا عليه السلم استعمل القرعة مع الحبار في ضمّ مريم إلى نفسه مع علمه
ل َمهُمْ
بكونه أحق بها منهم لكون خالتها عنده تطييبا لقلوبهم كما قال تعالى { :إِذْ يُ ْلقُون أَ ْق َ
أَ ّي ُهمْ َي ْكفُلُ َمرْ َيمَ } ،وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم « يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا
تطييبا لقلوبهن » .
كيفية إجراء القرعة :
-للقرعة عند الفقهاء طريقتان : 5
الول :في تمييز المستحقّ إذا ثبت الستحقاق ابتدا ًء لمبهم غير معين عند تساوي
المستحقّين ،كمن أوصى بعتق عدة أعبد من ماله ولم يسع ثلثه عتق جميعهم ،وفي
الحاضنات إذا كن في درجة واحدة ،وكذا في ابتداء القسم بين الزوجات عند من يقول به
ق فوجبت القرعة لنها مرجّحة .
لستوائهن في الح ّ
الثاني :في تمييز المستحقّ المعين في نفس المر عند اشتباهه والعجز عن الطّلع عليه ،
سواء في ذلك الموال والبضاع عند من يقول بجريان القرعة في البضاع .
الثالث :في تمييز الملك .
وقيل :إنه لم يأت إل في ثلث صور :
أحدها :القراع بين العبيد إذا لم يف الثّلث بهم .
وثانيها :القراع بين الشّركاء عند تعديل السّهام في القسمة .
وثالثها :عند تعارض البيّنتين عند من يقول بذلك .
الرابع :في حقوق الختصاصات كالتزاحم على الصفّ الول ،وفي إحياء الموات .
الخامس :في حقوق الوليات كما إذا تنازع المامة العظمى اثنان وتكافآ في صفات الترجيح
قدّم أحدهما بالقرعة ،وكاجتماع الولياء في النّكاح ،والورثة في استيفاء القصاص فتجري
بينهم القرعة لترجيح أحدهم .
ما ل تجري فيه القرعة :
ق في جهة فل يجوز القراع بينه وبين غيره ; لن القرعة
-إذا تعينت المصلحة أو الح ّ 7
ق المعين والمصلحة المتعيّنة ،وعلى ذلك فل تجري القرعة فيما يكال أو يوزن
ضياع ذلك الح ّ
ل أو وزنا ل قرع ًة ; لنه إذا كيل أو وزن فقد استغنى عن
واتفقت صفته ،وإنما يقسم كي ً
القرعة فل وجه لدخولها فيهما ،وهذا ما ذهب إليه المالكية ،خلفا للشافعية والحنابلة .
ومما ل تجري فيه القرعة البضاع عند الشافعية وقول عند الحنابلة ،ول في لحاق النسب عند
الشتباه عند الحنفية والمالكية والشافعية والظاهر من مذهب الحنابلة ،ول في تعيين الواجب
المبهم من العبادات ونحوها ابتداءً عند الشافعية والحنابلة ،ول في الطلق عند الشافعية .
إجبار الشّركاء على قسمة القرعة :
-ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن القسمة إذا تمت عن طريق قاسم من قبل القاضي 8
بالقرعة كانت ملزم ًة وليس لبعضهم الباء بعد خروج بعض السّهام .
وعند الحنابلة وهو مقابل الظهر عند الشافعية أنه إن كان القاسم مختارا من جهتهم ،فإن كان
عد ًل كان كقاسم الحاكم في لزوم قسمته بالقرعة ،وإن لم يكن عدلً لم تلزم قسمته إل
بتراضيهما ،والظهر عند الشافعية أنه يشترط رضا المتقاسمين بعد خروج القرعة في حالة ما
إذا كان القاسم مختارا من قبلهما وهو المعتمد .
وذهب المالكية إلى أن قسمة القرعة يجبر عليها كلّ من الشّركاء البين إذا طلبها البعض إن
انتفع كلّ من البين وغيرهم انتفاعا تامّا عرفا بما يراد له كبيت السّكنى ،ومفهوم الشرط أنه
إذا لم ينتفع كلّ انتفاعا تامّا ل يجبر .
القرعة في معرفة الحقّ بغسل الميّت :
-ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الحق في غسل الميّت أقاربه ،فإن استووا كالخوة 9
والعمام المستوين والزوجات ول مرجّح بينهم فالتقديم بقرعة ،فمن خرجت له القرعة قدّم
لعدم المرجّح سواها .
القرعة في تقديم الحقّ بالمامة في الصلوات وصلة الجنازة :
-ذهب الفقهاء إلى أنه إذا استوى اثنان فأكثر في الصّفات التي يقدم بها للمامة أقرع 10
زوجاته ،ول تجب عليه القرعة إل أن الحنفية استحبّوا القرعة تطييبا لقلوبهن .
وأوجب المالكية القرعة بين الزوجات في سفر القربة كالغزو والحجّ في المشهور عندهم ; لن
المشاحة تعظم في سفر القربة .
وفي قول آخر عند المالكية أن القرعة تجب مطلقا .
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن القرعة في السفر بين الزوجات واجبة سواء أكان السفر
ل أم قصيرا ،وفي قول للشافعية إذا كان السفر قصيرا فل تجب ول يستصحب لنه
طوي ً
كالقامة .وللتفصيل انظر مصطلح ( قسم بين الزوجات ) .
وقال الشافعية :إن الزوج إذا سافر لنقلة حرم أن يستصحب بعض زوجاته بقرعة أو بدونها
وأن يخلفهن حذرا من الضرار بهن ،بل ينقلهن أو يطلّقهن .
القرعة بين الزوجات في ابتداء المبيت :
-ذهب الشافعية والحنابلة والمالكية في قول إلى وجوب القرعة بين الزوجات في ابتداء 12
). 14 - 10/ أقرع بينهم على اختلف وتفصيل ينظر في مصطلح ( حضانة ف
القرعة في الموصى بعتقهم :
-ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن من أعتق في مرض موته عبيدا أو أوصى 15
بعتقهم ،ولم يجز الورثة ذلك ،ولم يتسع الثّلث لعتقهم أقرع بينهم وأعتق منهم ما يخرج من
الثّلث ،وذلك لحديث عمران بن حصين رضي ال عنه .
القرعة في العطاء والغنيمة :
-نص الشافعية على القرعة في الغنيمة في مواضع منها : 16
أولً :إذا ادعى شخصان عينا بيد ثالث ،وأقام كلّ منهما بيّن ًة على دعواه ،مطلقتي التاريخ أو
متفقتين ،أو إحداهما مطلقة والخرى مؤرخة ،والحال أن الحائز للعين لم يقر بها لواحد
منهما ،فللفقهاء أقوال :
فذهب الحنفية والمالكية إلى أن هذه العين تقسم بين المدعيين ،إل أنها تقسم نصفين عند
الحنفية وأشهب من المالكية ،وهو أحد القوال المبنية على رأي ضعيف عند الشافعية ،
وتقسم على قدر الدعوى -ل نصفين -على الراجح من مذهب المالكية ،وهو رأي ابن
القاسم .وذهب الشافعية وهو المذهب عندهم إلى أن البيّنتين سقطتا ويصار إلى التحالف ،
فيحلف كلّ منهما يمينا ،فإن رضيا بيمين واحد فالصحّ المنع خلفًا لجزم المام بالجواز ،وإن
ي.
رجحه السّبك ّ
وذهب الشافعية في القول الثاني وهو رواية عند الحنابلة إلى أن البيّنتين تستعملن صيان ًة لهما
عن اللغاء بقدر المكان ،وينبني على الستعمال ثلثة أقوال عند الشافعية ،وروايتان عند
الحنابلة إجمالها فيما يلي :
أ -تقسم العين بينهما نصفين ،وهو إحدى الرّوايتين عند الحنابلة وأحد القوال الثلثة
السابقة عند الشافعية ،وهو قول الحارث العكليّ ،وقتادة ،وابن شبرمة ،وحماد .
ب -أنه يقرع بين المدعيين وترجح من خرجت قرعته ،وهذا ثاني القوال الثلثة المبنية
على الستعمال عند الشافعية ،وكذلك الرّواية الثانية المبنية على رواية الستعمال عند الحنابلة
،وهل يحتاج معها إلى يمين ؟ قولن أحدهما :ل ،والقرعة مرجّحة لبيّنته ،والثاني :نعم ،
والقرعة تجعل أحدهما أحق باليمين فعلى هذا يحلف من خرجت قرعته أن شهوده شهدوا
بالحقّ ثم يقضى له .
ج -توقف العين بينهما حتى يتبين المر فيها أو يصطلحا على شيء ،وهو ثالث القوال
المبنية على الستعمال عند الشافعية ،وهو قول أبي ثور لنه أشكل الحال بينهما فيما يرجى
انكشافه فيوقف ،كما لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان فإنه يوقف الميراث ،ولم يرجّح
النوويّ شيئا ولكن قضية كلم الجمهور ترجيح الوقف .
وذهب الحنابلة في إحدى الرّوايتين إلى سقوط البيّنتين ويقترع المدعيان على اليمين كما لو لم
ي ،وقد روي هذا عن ابن عمر ،
تكن بيّنة ،وهذا ما ذكره القاضي وهو ظاهر كلم الخرق ّ
وابن الزّبير رضي ال عنهم ،وبه قال إسحاق وأبو عبيد .
ثانيا :وإن كانت العين بيدهما وأقام كلّ بيّن ًة على ملكيته لها ،وتساوت البيّنتان فالحنفية
والمالكية يجعلون هذه الصّورة كالصّورة السابقة ،وكذلك الشافعية ما عدا قولي الوقف
والقرعة ،إذ يرون بقاء يد كلّ على ما تحت يده من العين بعد تساقط البيّنتين ،ول يجيء
الوقف إذ ل معنى له ،وفي القرعة وجهان .
وكذلك الحنابلة في الرّواية الراجحة عندهم مع زيادة أن لكلّ واحد منهما اليمين على صاحبه
في النّصف المحكوم له به .
وذكر أبو الخطاب في المسألة روايةً أخرى أنه يقرع بينهما ،فمن خرجت قرعته حلف أنها ل
حق للخر فيها ،وكانت اليمين له كما لو كانت في يد غيرهما ،وقال :والول أصحّ للخبر .
ثالثا :وإذا كان أحد المدعيين يطالب بكلّ العين والخر بنصفها ،وأقام كلّ بيّن ًة على طبق
دعواه ،والحال أن العين بيد شخص ثالث ،فالمالكية على رأيهم السابق :بأن تقسم بقدر
دعوى كلّ على الراجح من المذهب ،بينما يذهب الحنابلة إلى أن النّصف لصاحب الكلّ ل
منازع له فيه ويقرع بينهما في النّصف الخر ،فمن خرجت له القرعة حلف وكان له ،وإن
كان لكلّ واحد بيّنة تعارضتا وسقطتا وصارا كمن ل بيّنة لهما وإن قلنا :تستعمل البيّنتان أقرع
بينهما وقدّم من تقع له القرعة في أحد الوجهين ،والثاني :يقسم النّصف المختلف فيه بينهما
فيصير لمدعي الكلّ ثلثة أرباعها ،وإلى مثل قولي الحنابلة يذهب الشافعية بينما يتفق الحنفية
مع القول الثاني للحنابلة .
رابعا :وإذا كانت العين بين ثلثة ادعى أحدهم جميعها ،وادعى الخر نصفها ،والخر ثلثها ،
ول بيّنة لهم . . .والحال أن العين بيد غيرهم ،ولم يقر بها لواحد منهم ،فالمالكية على
رأيهم السابق بأن تقسم العين بقدر دعوى كلّ على الراجح ،بينما يذهب الحنابلة إلى إعطاء
النّصف لمدعي الكلّ لنه ليس منهم من يدعيه ،ويقرع بينهم في النّصف الباقي ،فإن خرجت
القرعة لصاحب الكلّ أو لصاحب النّصف حلف وأخذه ،وإن خرجت لصاحب الثّلث حلف وأخذ
الثّلث ،ثم يقرع بين الخرين في السّدس فمن خرجت القرعة له حلف وأخذه .
وإن أقام كلّ واحد منهم بيّنةً بما ادعاه :فالمالكية والحنفية على رأيهم السابق ،والحنابلة
يجعلون النّصف لمدعي الكلّ لما ذكرنا ،والسّدس الزائد يتنازعه مدعي الكلّ ومدعي النّصف ،
والثّلث يدعيه الثلثة وقد تعارضت البيّنات فيه ،فإن قلنا :تسقط البيّنات أقرعنا بين
المتنازعين فيما تنازعوا فيه ،فمن خرجت القرعة له حلف وأخذه ،ويكون الحكم فيه كما لو
لم تكن لهم بيّنة ،وهذا قول أبي عبيد .
خامسا :وإن كانت الدار بين أربعة فادعى أحدهم جميعها والثاني ثلثيها ،والثالث نصفها ،
والرابع ثلثها ...والدار في يد خامس ل يدعيها ول بيّنة لواحد منهم بما ادعاه :فالثّلث لمدعي
الكلّ لن أحدا ل ينازعه فيه ويقرع بينهم في الباقي ،فإن خرجت القرعة لصاحب الك ّل أو
لمدعي الثّلثين أخذه ،وإن وقعت لمدعي النّصف أخذه وأقرع بين الثلثة في الثّلث الباقي ،
ي إذ كان بالعراق ،إل أنهم عبروا عنه بعبارة أخرى ،فقالوا :
وهذا قول أبي عبيد والشافع ّ
لمدعي الكلّ الثّلث ويقرع بينه وبين مدعي الثّلثين في السّدس الزائد عن النّصف ،ثم يقرع
بينهما وبين مدعي النّصف في السّدس الزائد عن الثّلث ،ثم يقرع بين الربعة في الثّلث الباقي
،ويكون القراع في ثلثة مواضع ،وعلى الرّواية الخرى الثّلث لمدعي الكلّ ،ويقسم الزائد
عن النّصف بينه وبين مدعي الثّلثين ،ثم يقسم السّدس الزائد عن الثّلث بينهما وبين مدعي
النّصف أثلثا ،ثم يقسم الثّلث الباقي بين الربعة أرباعا .
ويتفق الشافعية مع الحنابلة في هذه الصّورة مع فارق واحد ،وهو أن فرض المسألة عند
الحنابلة أنه ل بيّنة لواحد منهم بما ادعاه ،بينما فرضها عند الشافعية قيام بيّنة لكلّ واحد على
دعواه .
سادسا :نقل ابن منصور عن أحمد في رجل أخذ من رجلين ثوبين أحدهما بعشرة والخر
بعشرين ،ثم لم يدر أيهما ثوب هذا من ثوب هذا ،فادعى أحدهما ثوبا من هذين الثوبين ،
يعني وادعاه الخر ،يقرع بينهما فأيّهما أصابته القرعة حلف وكان الثوب الجيّد له ،والخر
للخر ،وإنما قال ذلك لنهما تنازعا عينا في يد غيرهما .
سابعا :إذا تداعيا عينا فقال ك ّل واحد منهما :هذه العين لي اشتريتها من زيد بمائة ونقدته
إياها ،ول بيّنة لواحد منهما ...وقال زيد :ل أعلم لمن هي منكما ،أقرع بينهما فمن خرجت
له القرعة حلف وأخذها ،وعند الشافعية صورة شبيهة بهذه الصّورة مع فارق واحد وهو
إقامة كلّ واحد من المدعيين بيّن ًة على طبق دعواه ،والثر هو سقوط البيّنتين على قول ،
ومقابله :استعمالهما ،ففي مجيء قول الوقف الخلف السابق ،ويجيء قول القرعة والقسمة
،والتفريع كما سبق .
وتكملة فرض المسألة عند الحنابلة :وإن أقر لهما فهي بينهما ويحلف لكلّ واحد منهما على
نصفها ،كما لو لم تكن لهما بيّنة ،وإن قلنا :ل تسقط البيّنتان لم يلتفت إلى إنكاره ول
اعترافه ،وهذا قول القاضي ; لنه ثبت زوال ملكه وأن يده ل حكم لها فل حكم لقوله ،فمن قال
:يقرع بينهما أقرع بينهما ،فمن خرجت له القرعة فهي له مع يمينه ،وهذا قول القاضي ،
ولم يذكر شيئا سوى هذا ،ومن قال :تقسم بينهما قسمت وهذا ذكره أبو الخطاب .
وعند الشافعية فيها أقوالهم السابقة ،بالسّقوط للبيّنتين ،أو استعمالهما ،وفي حالة الستعمال
،يجيء الوقف على الصحّ فتنزع الدار من يده والثمنان ويوقف الجميع ،وإن قلنا بالقرعة
فمن خرجت قرعته سلّمت إليه الدار بالثمن الذي سماه واسترد الخر الثمن الذي أداه ،وإن
قلنا بالقسمة فلكلّ واحد نصف الدار بنصف الثمن الذي سماه ولهما خيار الفسخ .
بينما يتفق موقف الحنفية مع القول الخير للشافعية في تقسيم العين بينهما مع ثبوت الخيار
لكلّ منهما .
ثامنا :إذا ادّعى أحد البنين وهو مسلم أن أباه مات مسلما ،وادعى البن الخر وهو كافر أن
أباه مات كافرا ،والحال أن الب مجهول الدّين ففي المسألة تفصيل عند الفقهاء ،أما أثر
القرعة في هذا الخلف فهو كما يلي :
يذهب المالكية إلى أنه إذا كان مع الولدين أخ صغير وتجردت دعواهما عن البيّنة فيحلفان على
الراجح عندهم ،أي يحلف كلّ أن أباه مات على دينه وينبغي التبدئة بالقرعة باليمين إذا تنازعا
فيمن يحلف منهما أولً ويوقف للصغير الثّلث .
وعند الشافعية تأتي هنا أقوالهم السابقة في الدعاوى المتعارضة فعلى قول السّقوط يسقطان ،
ويصير كأن لم يكن لهما بيّنة فيصدق الكافر بيمينه ،وإن قلنا بالستعمال فعلى الوقف يوقف ،
وعلى القرعة يقرع فمن خرجت له فله التركة ،وعلى القسمة تقسم فيجعل بينهما نصفين كغير
الرث .
كما طبق الحنابلة فيها قاعدتهم السابقة ،قال ابن قدامة :قياس المذهب أن تنظر فإن كانت
التركة في أيديهما قسمت بينهما نصفين ،وإن لم تكن في أيديهما أقرع بينهما ،فمن خرجت
له القرعة حلف واستحق كما إذا تداعيا عينا .
تاسعا :كما تجري القواعد السابقة عند الشافعية فيما إذا ماتت الزوجة والبن واختلف الزوج
وأخو المرأة حيث قال الزوج :ماتت الزوجة أولً فورثتها أنا وابني ثم مات البن فورثته ،
وقال الخ :مات البن أولً فورثت منه أختي ،ثم ماتت فأرث منها ،ففي حالة الستعمال إن
أقاما بيّنتين تعارضتا وجرت أقوال التعارض السابقة أي من الوقف والقرعة والقسمة ،بينما
يذهب الحنابلة في حالة التعارض في هذه أيضا إلى تطبيق قواعدهم وهي :هل تسقطان أو
تستعملن فيقرع بينهما ؟ أو يقتسمان ما اختلفا فيه ؟ يخرج على الرّوايات الثلث .
عاشرا :كذلك تجري قواعد الشافعية فيما إذا قال المكري :أكريتك هذا البيت شهر كذا
بعشرة ،فقال :اكتريت جميع الدار بالعشرة ...فإن أقاما بيّنتين فقولن .وقيل :وجهان
أحدهما خرجه ابن سريج ،تقدم بيّنة المستأجر ،لشتمالها على زيادة وهي اكتراء جميع الدار
،وأظهرهما وهو المنصوص :يتعارضان فيكون على قولي التعارض ،وإن قلنا بالسّقوط :
تحالفا ،وإن قلنا بالستعمال :جازت القرعة على الصحيح ،وفي اليمين معها الخلف
السابق ،قال ابن سلمة :ل يقرع ; لن القرعة عند تساوي الجانبين ،ول تساوي لن جانب
المكري أقوى لملك الرقبة ،وأما الوقف والقسمة فل يجبان ،وبنفس هذا التصوير أورد
الحنابلة هذه المسألة ،لكن قالوا في حالة التعارض :فإن قلنا تساقطا فالحكم فيه كما لو لم
يكن بينهما بيّنة ،وإن قلنا يقرع بينهما قدمنا قول من تقع له القرعة ،وهذا قول القاضي
ي ،وعلى قول أبي الخطاب تقدم بيّنة المكتري لنها تشهد بزيادة .
وظاهر مذهب الشافع ّ
البداءة بالقرعة عند التحالف :
-ل يحتاج إلى استخدام القرعة عند البداءة بالتحالف عند الحنفية ،بل القاعدة هي :تخيّر 18
القاضي في البدء بتحليف أحد المدعيين حسب ما يترجح لديه من هو أقوى المدعيين إنكارا إل
في صورتين :
الولى في البيع :إذا كان الختلف في قدر الثمن أو المثمن أو فيهما :فيبدأ بتحليف المشتري
،وقيل :يقرع بينهما ،هذا إذا كان بيع عين بدين ،وإن كان بيع عين بعين أو ثمن بمثمن
فالقاضي مخير للستواء .
الثانية :إذا اختلف المؤجّر والمستأجر في المنفعة والجرة ،وادعيا معا يحلف من شاء ،وإن
شاء أقرع بينهما ،كما في البيع ،بينما لم يشر المالكية والحنابلة إلى الحاجة إلى القتراع
لمعرفة من يبدأ من المتحالفين باليمين ،وذلك في اختلف البائع والمشتري أو المؤجّر
والمستأجر ،بل يجعلن الخيار في ذلك للقاضي في بعض الصّور ،وفي بعضها الخر يبدأ
بتحليف المنكر ،أو القوى إنكارا من المدعيين .
وعند الشافعية :على المذهب يتخير الحاكم فيمن يبدأ به منهما ،وقيل :يقرع بينهما فيبدأ
بمن خرجت القرعة له ،والخلف جميعه في الستحباب دون الشتراط .
استعمال القرعة في إثبات نسب اللقيط :
-يتفق الحنفية والمالكية وهو المذهب عند كلّ من الشافعية والحنابلة ،على عدم استعمال 19
لثبات أحقّية أحد المدعيين أخذ اللقيط بقصد حضانته ،أو صلحيته للحضانة إذا كان المدعي
أكثر من واحد ،ولم يسبق أحدهم ،وكلّ منهم صالح لذلك واستويا في الصّفات .
القرعة عند تنازع أولياء الدّماء على استيفاء القصاص :
-من قتل جمعا مرتبا قتل بأولهم ،أو معا بأن ماتوا في وقت واحد ،أو أشكل الحال بين 21
الترتيب والمعية فبالقرعة بين القتلى ،فمن خرجت قرعته قتل به وللباقين الدّيات .
وهناك فروع كثيرة في استيفاء القصاص ،وفي استعمال القرعة في تمكين المستحقّ للقصاص
من التنفيذ ،وفي تمكين أحد الورثة المستوين من تنفيذ القصاص عند التنازع تنظر في
مصطلح ( قصاص ) .
القرعة في المسابقة :
-ذهب الشافعية والحنابلة إلى استعمال القرعة في المسابقة في بعض المواضع . 22
فالشافعية في مقابل الظهر يقولون :ل يشترط بيان البادئ بالرمي ،ويقرع بينهما إن لم يبين
في العقد ،والظهر اشتراط بيان البادئ بالرمي حذرا من اشتباه المصيب بالمخطئ لو رميا
معا .ويذهب الحنابلة إلى استخدام القرعة في المسابقة في اختيار من يبدأ الرمي من
المتسابقين ،فإذا تشاحا أقرع بينهما وأيّهما كان أحق بالتقديم فبدره الخر فرمى لم يعتد له
بسهمه أصاب أم أخطأ .
الحاجة إلى القرعة في التبدئة بالشّرب :
-أشار المالكية إلى استخدام القرعة في حالة ما إذا ملك جماعة ماءً بأرض مباحة أو 23
أرضهم المشتركة بينهم أو على حفر بئر أو عين قسم بينهم على حسب أعمالهم ،فإذا تشاحّوا
في التبدئة بأن طلبها كلّ منهم فالقرعة .
ويقول الشافعية :يأخذ ك ّل منهم ما يشاء أي إن اتسع وكفى الجميع وإل قدّم عطشان ولو
مسبوقًا على غيره ،وآدميّ على غيره ،وسابق على غيره فإن استووا أقرع لحاجة أنفسهم
ثم لحاجة دوابّهم ،ول تدخل دوابّهم في قرعتهم .
كما قالوا في سقي الرض يقدم القرب إلى الماء فالقرب ،وهذا إن علم تقديم القرب أو جهل
الحال ،فإن سبق البعد قدّم ،فإن استووا وجهل السبق وأحيوا معا أقرع وجوبا ،وللبعد منع
من يريد إحياء موات أقرب منه خشية إثبات حقّ سبقه .
وقال الحنابلة :إن استوى اثنان في القرب من أول النهر اقتسما الماء بينهما إن أمكن ،وإن
لم يمكن أقرع بينهما ،فقدّم من تقع له القرعة ،فإن كان الماء ل يفضل عن أحدهما سقى من
تقع له القرعة بقدر حقّه من الماء ،ثم تركه للخر ،وليس له أن يسقي بجميع الماء لن
الخر يساويه في استحقاق الماء ،وإنما القرعة للتقديم في استيفاء الحقّ ل في أصل الحقّ ،
ق إل فيما فضل عن العلى .
بخلف العلى مع السفل فإنه ليس للسفل ح ّ
َقرْ َقرَة *
التعريف :
-القَرْقَرَة في اللّغة :الضحك العالي . 1
والقرقرة :رغاء البعير ،و َقرْقَر بطنه :صوّت ،وقَ ْرقَر الشراب في حلقه :صوّت .
والقرقرة اصطلحا :حبس الرّيح ،ذكره المالكية بهذا المعنى .
اللفاظ ذات الصّلة :
الحاقب والحاقن والحازق والحافز :
-الحاقن :مُدافع البول ،والحاقب :مُدافع الغائط ،والحازق :قال ابن عابدين :مُدافع 2
الصلة حقيقةً أو حكما -كما لو كان يقدر على اليتان به بعسر -فإنها تبطل الوضوء .
فمن حصره ريح وكان يعلم أنه ل يقدر على التيان بشيء من أركان الصلة أصلً ،أو يأتي به
مع عسر كان وضوءه باطلً ،فليس له أن يفعل به ما يتوقف على الطهارة كمسّ المصحف ،
أما إذا كانت القرقرة ل تمنع من التيان بشيء من أركان الصلة فإنها ل تبطل الوضوء .
وذهب بعض المالكية إلى أن القرقرة الشديدة تنقض الوضوء ولو لم تمنع من التيان بشيء
من أركان الصلة ،والراجح الول .
وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم نقض الوضوء بحبس الرّيح ،وصرحوا بكراهة الصلة معها .
انظر مصطلح ( حاقن ف . ) 6 - 5/
َقرْن *
التعريف :
-القرْن في اللّغة -بالسّكون -من الشاة والبقرة معروف ،وجمعه قرون ،مثل فلس 1
وفلوس ،والقرن أيضا :الذّؤابة ،والجيل من الناس ،ويطلق على وقت من الزمان .
وقرْن أيضا ميقات أهل نجد ،وهو جبل مشرف على عرفات ،ويقال له :قرن المنازل ،وقرن
الثعالب .
ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللفظ عن هذه المعاني اللّغوية .
الحكام المتعلّقة بالقرن :
أولً :قرن بمعنى الميقات :
َ -قرْن -بفتح القاف وإسكان الراء -ميقات المتوجّهين من نجد إلى الحجّ ،وهو من 2
المواقيت التي أجمع أهل العلم عليها ،ويقال لها قرن المنازل وقرن الثعالب ،وقال ابن
جماعة :يقال له :قرن غير مضاف ،وسماه في رواية للشافعيّ في المسند قرن المعادن .
). 40/ وللتفصيل ( ر :إحرام ف
ثانيا :القرن من الحيوان :
التضحية بما ل قرن له من غنم أو بقر :
جمّاء -وهي التي ل
-يرى الحنفية والمالكية والحنابلة -عدا ابن حامد -أنه يجزئ ال َ 3
عليه وسلم « :خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » قال عمران -راوي
الحديث : -فل أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلثا « ،ثم إن بعدكم قوما يشهدون ول
يستشهدون ،ويخونون ول يؤتمنون ،وينذرون ول يوفون ،ويظهر فيهم السّمن » ،وفي
رواية « :خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ، » ...قال ابن حجر :والمراد بقرن النبيّ صلى
ال عليه وسلم في هذا الحديث الصحابة .
قال النوويّ :إن الصحيح الذي عليه الجمهور أن كل مسلم رأى النبي صلى ال عليه وسلم
ولو ساعةً فهو من أصحابه ،ورواية « خير الناس » على عمومها والمراد منه جملة القرن ،
ول يلزم منه تفضيل الصحابيّ على النبياء صلوات ال وسلمه عليهم ،ول أفراد النّساء على
مريم وآسية وغيرهما ،بل المراد جملة القرن بالنّسبة إلى كلّ قرن بجملته .
قال القاضي :واختلفوا في المراد بالقرن هنا فقال المغيرة :قرنه أصحابه ،والذين يلونهم
أبناؤهم ،والثالث أبناء أبنائهم ،وقال شهر :قرنه ما بقيت عين رأته ،والثاني ما بقيت عين
رأت من رآه ثم كذلك ،وقال غير واحد :القرن كلّ أهل طبقة مقترنين في وقت ،وقيل :هو
لهل مدة بعث فيها نبيّ طالت مدته أم قصرت .
وذكر الحربيّ الخلف في قدره بالسّنين إلى مائة وعشرين ،ثم قال :وليس منه شيء
واضح ،ورأى أن القرن كلّ أمة هلكت فلم يبق منها أحد .
وقال الحسن وغيره :القرن عشر سنين ،وقتادة :سبعون ،والنخعيّ :أربعون ،وزرارة بن
أبي أوفى :مائة وعشرون ،وعبد الملك بن عمير :مائة ،وقال ابن العرابيّ :هو الوقت .
قال النوويّ :والصحيح أن قرنه صلى ال عليه وسلم الصحابة ،والثاني التابعون ،والثالث
تابعوهم .
َقرَن *
التعريف :
-القَرَن - :بفتح الراء -مصدر ،يقال :قرنت الجارية قَرَنا إذا كان في فرجها قَرْن - 1
بالسّكون -أي إذا كان في فرجها شيء يمنع من الوطء ،ويقال له :العفلة .
وقيل :هو كالنّتوء في الرحم ،يكون في الناس والشاء والبقر .
والقَرْناء :العَفْلء .
وفي التهذيب :القَرْناء من النّساء التي في فرجها مانع يمنع من سلوك الذكر فيه إما غُدّة
غليظة أو لحمة ُمرْتَتِقة أو عظم ،يقال لذلك كلّه :القَرَن .
وللقَرَن أيضا معان كثيرة في اللّغة .
والقَرْن -بالسّكون : -أيضا موضع وهو ميقات أهل نجد .
ويطلق القَرْن على القطعة من الزمن .
والمراد بالقَرَن هنا في الصطلح أحد عيوب المرأة في النّكاح .
قال الحنفية والمالكية :هو لحم ينبت في مدخل الذكر من فرج المرأة .
قال الحنفية :كالغدة ،وقال المالكية :يشبه قرن الشاة .
وصرحوا بأنه قد يكون عظما .
وقال الشافعية :هو انسداد محلّ الجماع بعظم .
وقال الحنابلة :هو لحم يحدث في الفرج يسدّه ،وهو قول القاضي وظاهر الخرقيّ ،وقيل :
ي.
القرن :عظم أو غدّة تمنع ولوج الذكر ،قاله صاحب المطلع والزركش ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
الرتق :
-الرتق في اللّغة :ض ّد الفتق ،والرتق :إلحام الفتق وإصلحه ،يقال رتقه يرتقه رتقا 2
فللزوج الخيار في فسخ النّكاح أو إمضائه إذا وجد زوجته قرناء حال العقد ولم يعلم بها ،وذلك
لفوات المقصود الصليّ من النّكاح وهو الوطء .
وذهب الحنفية إلى أنه ليس للزوج خيار فسخ النّكاح بعيب القرن في الزوجة ،وهو قول عطاء
ي والثوريّ وعليّ
والنخعيّ وعمر بن عبد العزيز وأبي زياد وأبي قلبة وابن أبي ليلى والوزاع ّ
وابن مسعود رضي ال تعالى عنهم .
ل بالموت ل يوجب الفسخ فاختلله بهذه العيوب أولى ،وهذا لن
وذلك أن فوت الستيفاء أص ً
الستيفاء من الثمرات -وفوت الثمرة ل يؤثّر في العقد -والمستحقّ هو التمكّن وهو حاصل .
نفقة الزوجة القرناء :
-تجب النفقة للزوجة القرناء على زوجها ; لن المعتبر في إيجاب النفقة الحتباس لنتفاع 4
فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه ل يصحّ اليلء من القرناء والرتقاء ،قالوا :لنه ل يتحقق
الغرض من اليلء من قصد إيذاء الزوجة بالمتناع من وطئها ; لمتناعه في نفسه ،وقال
ن مِن ّنسَآ ِئ ِهمْ } الية ،
الحنفية :يصحّ اليلء من القرناء والرتقاء لعموم آية { لّلّذِينَ ُيؤْلُو َ
ويكون فيؤه بالقول كأن يقول :فئت إليها .
والتفصيل في مصطلح ( إيلء ) .
قرن المنازل *
انظر :قرن .
قرين *
انظر :جنّ .
قرينة *
التعريف :
-القرينة لغةً :مأخوذة من قرن الشيء بالشيء ،أي شده إليه ووصله به ،كجمع البعيرين 1
في حبل واحد ،وكالقرن بين الحجّ والعمرة ،أو كالجمع بين التمرتين أو اللّقمتين عند الكل ،
وتأتي المقارنة بمعنى المرافقة والمصاحبة ،ومنه ما يطلق على الزوجة قرينة ،وعلى الزوج
قرين .
وفي الصطلح :ما يدلّ على المراد من غير كونه صريحا .
مشروعية القرينة :
-القرينة مشروعة في الجملة لما ورد في قوله تعالى في سورة يوسف { َوجَآؤُوا عَلَى 2
بمشاهدة شخص خارج من دار خالية خائفا مدهوشا في يده سكّين ملوثة بالدم ،فلما وقع
الدّخول للدار رئي فيها شخص مذبوح في ذلك الوقت يتشخط في دمائه ،فل يشتبه هنا في
كون ذلك الشخص هو القاتل ،لوجود هذه القرينة القاطعة .
وأما القرينة غير قطعية الدللة ولكنها ظنّية أغلبية ،ومنها القرائن العرفية أو المستنبطة من
ي مرجّح لزعم أحد المتخاصمين مع يمينه
وقائع الدعوى وتصرّفات الخصوم ،فهي دليل أول ّ
متى اقتنع بها القاضي ولم يثبت خلفها .
ل ول تبطل أمار ًة صحيحةً ،هذا وقد درجت
والمقصود أن الشريعة ل تر ّد حقّا ول تكذّب دلي ً
) وعرفتها 1740 مجلة الحكام العدلية على اعتبار القرينة القاطعة أحد أسباب الحكم في المادة (
). 1741 بأنها المارة البالغة حد اليقين وذلك في المادة (
الخذ بالقرائن :
-قال ابن فرحون رحمه ال في تبصرته ناقلً عن المام ابن العربيّ الفقيه المالكيّ قوله : 4
على الناظر أن يلحظ المارات والعلمات إذا تعارضت ،فما ترجح منها مضى بجانب الترجيح ،
وهو قوة التّهمة ،ول خلف في الحكم بها ،وقد جاء العمل بها في مسائل اتفقت عليها
المذاهب الربعة ،وبعضها قال به المالكية خاص ًة .
على أن ضبط كلّ الصّور التي تعمل فيها القرينة أمر مستبعد ،إذ أن الوقائع غير محدودة ،
والقضايا متنوّعة ،فيستخلصها القاضي بفهمه وذكائه ،وإنما ذكر العلماء جانبا من الصّور
للستنارة بها ،وللتدليل على اعتبار العلماء بالقرائن التي تولدت عنها ،وهذا البعض منها :
الولى :أن الفقهاء كلهم يقولون بجواز وطء الرجل المرأة إذا أهديت إليه ليلة الزّفاف ،وإن
لم يشهد عنده عدلن أن هذه فلنة بنت فلن التي عقد عليها ،وإن لم يستنطق النّساء أن هذه
امرأته التي عقد عليها ،اعتمادا على القرينة الظاهرة ،المنزلة منزلة الشهادة .
الثانية :اعتماد الناس قديما وحديثا على الصّبيان والماء المرسلة معهم الهدايا إليهم ،
فيقبلون أقوالهم ،ويأكلون الطعام المرسل به .
الثالثة :أنهم يعتبرون إذن الصّبيان في الدّخول للمنزل .
الرابعة :جواز أخذ ما يسقط من النسان إذا لم يعرف صاحبه ،وما ل يتبعه النسان نفسه
لحقارته ،كالتمرة والفلس ،وكجواز أخذ ما بقي في الحوائط من الثّمار والحبّ بعد انتقال أهله
منه وتخليته وتسييبه ،كجواز أخذ ما يسقط من الحبّ عند الحصاد مما ل يعتني صاحب الزرع
بلقطه ،وكأخذ ما ينبذه الناس رغبةً عنه من الطعام والخرق وغير ذلك من المحقرات .
الخامسة :الشّرب من المصانع الموضوعة على الطرقات وإن لم يعلم الشارب إذن أربابها في
ذلك لفظا ،اعتمادا على دللة الحال .
السادسة :قولهم في الرّكاز :إذا كان عليه علمة المسلمين أنه كنز ،ويأخذ حكم اللّقطة ،
وإن كانت عليه علمات الكفر كالصليب ونحوه ،فإنه ركاز .
السابعة :أنه يجوز للوكيل على بيع السّلعة قبض ثمنها ،وإن لم يأذن له الموكّل في ذلك
لفظا ،اعتمادا على قرينة الحال .
الثامنة :القضاء بالنّكول واعتباره في الحكام ،وليس ذلك إل رجوعا إلى مجرد القرينة
الظاهرة ،فقدّمت على أصل براءة الذّمة .
التاسعة :جواز دفع اللّقطة لواصف عفاصها ووكائها .
العاشرة :النظر في أمر الخنثى ،والعتماد فيه على المارات والقرائن الدالة على إحدى
حالتيه ،الذّكورة أو النوثة .
الحادية عشرة :معرفة رضا البكر بالزوج بصماتها .
الثانية عشرة :إذا أرخى السّتر على الزوجة وخل بها ،قال أصحابنا :إذا طلقها وقال إنه لم
يمسها وادعت هي الوطء صدّقت ،وكان لها الصداق كاملً .
ومن هذا العرض يبدو اتّفاق المالكية والحنابلة على العمل بقرائن الحوال بصفة مطلقة بدون
قيود ول حدود ،ومصادر مذهبيهم تشهد بذلك .
وأما الحنفية والشافعية فقد عملوا بالقرائن في حدود ضيّقة ،ويعتدّون بالقرينة الحسّية
والحالية ،وبالقرينة القاطعة فقد ذكر العلمة ابن نجيم عند إحصائه للحجج التي يعتمدها
القاضي ،فقال :إن الحجة بيّنة عادلة ،أو إقرار ،أو نكول عن يمين ،أو يمين ،أو قسامة ،
أو علم القاضي بعد تولّيه ،أو قرينة قاطعة ،وقال :وقد أوضحنا ذلك في الشرح من الدعوى
.
وذكر أنه ل يقضى بالقرينة إل في مسائل ذكرها في الشرح في باب التحالف .
ي في كتابه على أنه ل يجوز الحكم بالظّنون ،بعد ذكر النّزاع بين الزوجين على
وقد نص المزن ّ
متاع البيت ،وتنازع عطار ودباغ ،وأنه لو صح استعمال الظّنون لقضي بالعطر للعطار ،
والدّباغ للدباغ .
هذا وقد ذكر المام الجصاص صورا كثير ًة عملوا في بعضها بالقرائن ،كالختلف في متاع
البيت بين الزوجين فيما للنّساء فهو للزوجة ،وما للرّجال فهو للزوج ،فحكموا بظاهر هيئة
المتاع .
ومما يؤخذ من كتبهم أنهم يعملون القرائن -إن اعتبروها عاملةً -في خصوص حقوق
ل سكوت البكر أو صمتها قرينةً على
العباد ،ول يعملونها في القصاص والحدود ،فاعتبروا مث ً
الرّضا ،وقبض الهبة والصدقة بحضرة المالك مع سكوته إذنا بالقبض ،ووضع اليد والتصرّف
قرينةً على ثبوت الملكية ،وقبول التهنئة في ولدة المولود أيام التهنئة المعتادة قرينةً على
ثبوت النسب منه ،واعتبروا علمة الكنز ،وقالوا إن كانت دال ًة على السلم كانت لقطةً ،وإن
كانت دالةً على الكفر ففيها الخمس .
وقد ذكر ابن عابدين البن تعليقا على رسالة والده المسماة نشر العرف في بناء بعض الحكام
على العرف فقال :للمفتي الن أن يفتي على عرف أهل زمانه وإن خالف زمان المتقدّمين .
قرية *
التعريف :
-القرية في اللّغة :كلّ مكان اتصلت به البنية واتّخذ قرارا . 1
وتطلق القرية على المدن وغيرها ،والقريتان المذكورتان في قوله تعالى { وَقَالُوا َلوْلَا نُ ّزلَ هَذَا
عظِيمٍ } هما مكة المكرمة شرفها ال والطائف ،كما تطلق على
ن َ
ج ٍل مّنَ ا ْلقَرْيَتَيْ ِ
علَى َر ُ
ا ْلقُرْآنُ َ
المساكن والبنية والضّياع .
واصطلحا :عرفها القليوبيّ من الشافعية بأنها العمارة المجتمعة التي ليس فيها حاكم شرعيّ
ول شرطيّ ول أسواق للمعاملة .
وعرفها الكاسانيّ من الحنفية بأنها البلدة العظيمة إل أنها دون المصر .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -المصر :
-المصر في اللّغة :اسم لكلّ بلد محصور أي محدود تقام فيها الدّور والسواق والمدارس 2
الجمعة على أهل القرى التي ليست من توابع المصر ،ول يصحّ أداء الجمعة فيها لقول النبيّ
صلى ال عليه وسلم « :ل جمعة ول تشريق ول فطر ول أضحى إل في مصر جامع » ،ولما
روي عن عليّ رضي ال عنه :ل جمعة ول تشريق إل في مصر جامع ،ولن النبي صلى ال
عليه وسلم كان يقيم الجمعة في المدينة وما روي عنه أنه أقامها في القرى التي حولها ،وكذا
الصحابة رضي ال عنهم فتحوا البلد وما نصبوا المنابر إل في المصار ،ولن الظّهر فريضة
فل يترك إل بنصّ قاطع والنصّ ورد بترك الجمعة إل في المصار ولهذا ل تؤدى الجمعة في
ص بمكان إظهار الشعائر وهو المصر .
البراريّ ; ولن الجمعة من أعظم الشعائر فتخت ّ
وذهب المالكية إلى وجوب الجمعة على أهل القرية بشرط أن يوجد فيها عدد تتقرى بهم القرية
من أهل الجمعة ،يمكنهم القامة آمنين مستغنين عن غيرهم في الدّفاع عن أنفسهم وعن
قريتهم ،ولم يحدّدوا ذلك بعدد معين بل قالوا :إن ذلك العدد يختلف بالنّسبة إلى الجهات
والوطان في كثرة المن والخوف ،ففي الجهات المنة تتقرى القرية بالنفر اليسير بخلف
غيرها مما يتوقع فيه الخوف ،إل أنهم اتفقوا في المذهب على أنها ل تجب على الثلثة
والربعة وعلى أنها تنعقد بما دون الربعين ،قال المواق بعدما استعرض أقوال علماء المالكية
في عدد الذين تتقرى بهم القرية :وقد حصل من هذا صحة ما صدرت منّي بها فتيا وهي :أن
من شرط إقامة الجمعة أن تكون القرية بها ثلثون رجلً فإن حضروا فبها ونعمت ،وإل صلوا
ل فأكثر ،فأجزت الصلة مراعا ًة لقول
ظهرا فإن صلوا جمعةً أجزأتهم ،إن كانوا اثني عشر رج ً
ابن العربيّ وغيره -في هذا المجال . -
وذهب الشافعية إلى أن أهل القرية إن كان فيهم جمع تصحّ به الجمعة وجبت عليهم الجمعة لن
القرية في هذه الحالة كالمدينة ،وكذا إن بلغهم صوت من مؤذّن يؤذّن في البلدة المجاورة
ي صلى ال عليه وسلم « :الجمعة على من سمع
بصورة عادية في الوقات الهادئة لقول النب ّ
النّداء » .
ولو سمع أهل القرية النّداء من بلدين مجاورين فعليهم حضور الكثر جماع ًة فإن استويا
فمراعاة القرب أولى كنظيره في الجماعة ،وقيل :الولى مراعاة البعد لكثرة الجر بسبب
المشي الزائد .أما إذا لم يوجد في القرية الجمع المذكور ولم يبلغهم نداء الذان من بلد مجاور
ى متقاربة يبلغ بعضها نداء بعض ،وكلّ
فل جمعة عليهم ،قالوا :حتى لو كانت قريتان أو قر ً
واحدة منها ينقص أهلها عن أربعين لم تجب الجمعة عليهم ولم تصح منهم باجتماعهم في
إحدى قراهم ; لنهم غير متوطّنين في محلّ الجمعة .
أما الحنابلة فذهبوا إلى أن أهل القرية ل يخلون من حالين :إما أن يكون بينهم وبين المصر
أكثر من فرسخ أو ل ؟ فإن كان بينهم وبين المصر أكثر من فرسخ لم يجب عليهم السعي إلى
المصر ،وحالهم معتبر بأنفسهم فإن كانوا أربعين واجتمعت فيهم شرائط الجمعة ،فعليهم إقامة
الجمعة وهم مخيرون بين السعي إلى المصر وبين إقامتها في قريتهم ،والفضل إقامتها في
قريتهم لنه إذا سعى بعضهم أخل على الباقين الجمعة ،وإذا أقاموها في قريتهم حضرها
جميعهم; ولن إقامتها بموضعهم تكثير لجماعات المسلمين .
وإن كانوا ممن ل تجب عليهم الجمعة بأنفسهم فهم مخيرون بين السعي إليها وبين أن يصلّوا
ظهرا ،والفضل السعي إليها لينالوا فضل الساعي إلى الجمعة ويخرجوا من الخلف .
والحال الثاني :أن يكون بين قريتهم وبين المصر فرسخ فما دون فينظر فيهم فإن كانوا أقل
ن آمَنُوا
من أربعين -من أهل الجمعة -فعليهم السعي إلى الجمعة لقوله تعالى { يَا أَ ّيهَا الذي َ
س َعوْا إِلَى ِذكْ ِر الّلهِ } الية .
ج ُم َعةِ فَا ْ
إِذَا نُودِي لِلصّلَا ِة مِن َي ْومِ ا ْل ُ
وإن كانوا ممن تجب عليهم الجمعة بأنفسهم وكان موضع الجمعة القريب منهم قريةً أخرى لم
يلزمهم السعي إليها وصلوا في مكانهم إذ ليست إحدى القريتين بأولى من الخرى ،وإن أحبّوا
السعي إليها جاز ولكن الفضل أن يصلّوا في مكانهم ،فإن سعى بعضهم فنقص عدد الباقين
لزمهم السعي لئل يؤدّي ذلك إلى ترك الجمعة .
وإن كان موضع الجمعة القريب مصرا فهم مخيرون أيضا بين السعي إلى المصر وبين إقامة
الجمعة في قريتهم .
وعن أحمد أن السعي إلى المصر يلزمهم إل أن يكون لهم عذر فيصلّوا جمعةً في قريتهم ،
والول أصحّ لن أهل القرى يقيمون الجمع في بلد السلم وإن كانوا قريبين من المصر من
غير نكير .
وإذا كان أهل المصر دون الربعين فجاءهم أهل القرية فأقاموا الجمعة في المصر لم يصح ;
لن أهل القرية غير مستوطنين في المصر وأهل المصر ل تنعقد بهم الجمعة لقلتهم .
وإن كان أهل القرية ممن تجب عليهم الجمعة بأنفسهم لزم أهل المصر السعي إليهم ،إذا كان
بينهم أق ّل من فرسخ كما يلزم أهل القرية السعي إلى المصر إذا أقيمت به ،وكان أهل القرية
أقل من أربعين .
أما إن كان في كلّ واحد من المصر والقرية دون الربعين لم تجز إقامة الجمعة في واحد
منهما.
ب -في السفر :
-قال جمهور الفقهاء :إن من سافر من قرية لها سور فأول سفره الذي يجوز له الخذ 5
برخص السفر -من قصر للصلة الرّباعية وجمع بين الصلوات وغير ذلك -هو مجاوزة
ص بها وإن تعدد السّور أو كان في داخله مزارع وبساتين وخراب ; لن ما في
سورها المخت ّ
داخل السّور معدود من نفس القرية محسوب من موضع القامة ،ومثل السّور الخندق ،أو
الحاجز التّرابيّ الذي يحوطه أهل القرى بقراهم فإن لم يكن للقرية سور أو نحوه أو لها سور
غير خاصّ بها ،كأن جمع معها قريةً أخرى أو أكثر ولو مع التقارب ،فأول سفره مجاوزة
العمران بأن يخرج من بيوت قريته ويجعلها وراء ظهره ; لن الضرب في الرض المذكور في
ح أَن َتقْصُرُو ْا مِنَ الصّلَةِ } الية ،
علَ ْيكُمْ جُنَا ٌ
ضرَبْ ُتمْ فِي الَرْضِ فَلَ ْيسَ َ
قوله تعالى { َوإِذَا َ
يتحقق بذلك .
قال ابن المنذر :أجمع ك ّل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للذي يريد السفر أن يقصر الصلة
إذا خرج من بيوت القرية التي يخرج منها .
قال الشافعية :ول يشترط مجاوزة البساتين والمزارع المتصلة بالقرية لنها ليست من القرية ،
ولنها ل تتخذ للقامة عاد ًة .
وقال المالكية :يشترط مجاوزة البساتين المسكونة المتصلة أو ما في حكمها كالبساتين التي
يرتفق أهلها بالمرافق المتصلة من أخذ نار وطبخ وخبز وما يحتاج إلى شرائه ،وأما المزارع
والبساتين المنفصلة حقيقةً حكما فل يشترط مجاوزتها .
والقريتان المتصلتان -قال المالكية :ومثلهما المتقاربتان بحيث يرتفق أهل كلّ واحد منهما
بأهل الخرى -يشترط مجاوزتهما لنهما في حكم القرية الواحدة .
وأما المنفصلتان -قال الشافعية :ولو كان النفصال يسيرا -فل يشترط تجاوزهما بل يكفي
لتحقّق سفره مجاوزة قريته فقط ،قال المالكية :ومثل المنفصلتين المتعاديتان بحيث ل يرتفق
أهل إحداهما بالخرى بسبب العداوة التي بينهما فل يشترط مجاوزتهما .
وينتهي سفر المسافر إذا رجع إلى قريته ببلوغه ما اشترط مجاوزته ابتداءً .
َقزَع *
التعريف :
-من معاني القَزَع -بفتح القاف والزاي -في اللّغة :قطع من السحاب رقيقة واحدها 1
قزعة ،وصغار البل ،وأن يحلق الرأس ويترك شعر متفرّق في مواضع فذلك الشعر قزع .
وفي الصطلح :قال ابن عابدين :القزع :هو أن يحلق بعض الرأس ويترك البعض قطعا
مقدار ثلثة أصابع كذا في الغرائب .
وقال النوويّ :القزع حلق بعض الرأس مطلقا ،منهم من قال :هو حلق مواضع متفرّقة منه .
الحكم التكليفيّ :
-اتفق الفقهاء على كراهة القزع ; لن النبي صلى ال عليه وسلم « نهى عن القزع وقال : 2
قَسامة *
التعريف :
-من معاني القسامة في اللّغة :اليمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادّعوا الدم . 1
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن القسامة مشروعة وأنه يثبت بها القصاص أو الدّية إذا لم تقترن
الدعوى ببيّنة أو إقرار ،ووجد اللوث .
ودليل مشروعيتها :ما روي عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه «
أن عبد ال بن سهل ومحيّصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم ،فأتى محيّصة فأخبر أن عبد
ال بن سهل قد قتل وطرح في عين أو فقير ،فأتى يهود فقال :أنتم وال قتلتموه ،قالوا :
وال ما قتلناه ،ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك ث ّم أقبل هو وأخوه حُويّصة وهو
أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل ،فذهب محيّصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر ،فقال رسول ال
صلى ال عليه وسلم لمحيّصة :كبّر كبّر -يريد السّن -فتكلم حويّصة ثم تكلم محيّصة فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم :إمّا أن يدُوا صاحبكم وإمّا أن يؤذنوا بحرب ،فكتب رسول
ال صلى ال عليه وسلم إليهم في ذلك ،فكتبوا إنا وال ما قتلناه ،فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم لحويّصة ومحيّصة وعبد الرحمن :أتحلفون وتستحقّون دم صاحبكم ؟ قالوا :ل ،
قال :فتحلف لكم يهود ؟ قالوا :ليسوا بمسلمين ،فوداه رسول ال صلى ال عليه وسلم من
عنده ،فبعث إليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم مائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار ،فقال
سهل :فلقد ركَضتني منها ناقة حمراء » .
وبما ورد عن أبي سلمة عن رجل من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم من النصار «
أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية » ،وزاد في
رواية « :وقضى بها رسول ال صلى ال عليه وسلم بين ناس من النصار في قتيل ادّعوه
على اليهود » .
وذهب الحكم بن عيينة ،وأبو قلبة ،وإبراهيم بن علية ،وسليمان بن يسار ،ومسلم بن
خالد ،وعمر بن عبد العزيز في رواية عنه ،إلى عدم الخذ بالقسامة ،وعدم وجوب العمل بها
; لنها مخالفة لصول الشرع المجمع على صحتها .
ومن هذه الصول :أن ل يحلف أحد إل على ما علم قطعا أو شاهد حسّا ،وإذا كان كذلك فكيف
يقسم أولياء الدم وهم لم يشاهدوا القاتل ،بل قد يكونون في بلد ،والقاتل في بلد آخر ،
واستدلّوا على ذلك بما روي عن ابن عباس رضي ال عنهما ،أن النبي صلى ال عليه وسلم
قال « :لو يعطى الناس بدعواهم لدّعى ناس دماء رجال وأموالهم ،ولكن اليمين على المدعى
عليه » .
حكمة مشروعية القسامة :
-شرعت القسامة لصيانة الدّماء وعدم إهدارها ،حتى ل يهدر دم في السلم أو يطل ، 5
وكي ل يفلت مجرم من العقاب ،قال عليّ لعمر رضي ال عنهما فيمن مات من زحام يوم
الجمعة ،أو في الطواف :يا أمير المؤمنين ل يطل دم امرئ مسلم ،إن علمت قاتله ،وإل
فأعطه ديته من بيت المال .
فالشريعة السلمية تحرص أشد الحرص على حفظ الدّماء وصيانتها وعدم إهدارها ،ولما كان
القتل يكثر بينما تقلّ الشهادة عليه ; لن القاتل يتحرى بالقتل مواضع الخلوات ،جعلت القسامة
حفظا للدّماء .
شروط القسامة :
الشرط الول :أن يكون هناك لوث :
-سبق تعريف اللوث في اللفاظ ذات الصّلة ،وهو شرط عند الجمهور . 6
ل مكلفا عند
يدعي لهما الوليّ أو يوقف إلى كمالهما ،ولو كان صبيّا أو مجنونا وقت القتل كام ً
الدعوى سمعت ; لنه قد يعلم الحال بالتسامع ،وله أن يحلف إذا عرف ما يحلف عليه بإقرار
الجاني ،أو بسماع ممن يثق به .
الشرط الرابع :أن يكون المدعى عليه معينا :
-قال جمهور الفقهاء :إنه لو كانت الدعوى على أهل مدينة ،أو محلة ،أو واحد غير 9
معين ،أو جماعة بغير أعيانها ل تجب القسامة ،فإن ادعى القتل على شخص أو جماعة
معينين ،فهي مسموعة ،إذا ذكرهم للقاضي وطلب إحضارهم أجابه إلى طلبه ،وإن ذكر
جماع ًة ل يتصور اجتماعهم على القتل ل يبالي بقوله ،فإنه دعوى محال .
ولو قال :قتل أبي أحد هذين ،أو واحد من هؤلء العشرة ،وطلب من القاضي أن يسألهم ،
ويحلّف كل واحد منهم فهل يجيبه ؟ وجهان :أصحّهما ل ،ولو قال في دعواه على حاضرين
قتله أحدهم ،أو قتله هذا أو هذا ،وطلب تحليفهم لم يحلّفهم القاضي على الصحّ ،لبهام
المدعى عليه ،فل تسمع هذه الدعوى ،وذلك مثل لو ادعى وديعةً ،أو دينا على أحد الرجلين
أو الرّجال ،لم يسمع .
وقال الحنفية :إن تعيين المدعى عليه ل يشرط للقسامة ،بل إنه إذا عين المدعى عليه فقد
اختلفوا ،ففي ظاهر الرّواية :ل تسقط القسامة ،كما لو لم يعيّن ; لن الشارع أوجب القسامة
ابتداءً على أهل المحلة ،فتعيينه واحدا منهم ل ينافي ما شرعه الشارع ،فتثبت القسامة
والدّية على أهل المحلة .
وفي رواية عن أبي يوسف في غير رواية الصول :أن القسامة والدّية تسقط عن الباقين من
أهل المحلة ،ويكلف الوليّ بالبيّنة ،وإل حلف المدعى عليه يمينا واحدا .
الشرط الخامس :أل تتناقض دعوى المدعي :
-يشترط لوجوب القسامة أل تتناقض دعوى المدعين ،فإن قال القتيل قبل موته :قتلني 10
فلن عمدا ،وقالوا :بل قتله خطأً ،أو العكس ،فإنه ل قسامة لهم وبطل حقّهم ،وليس لهم
أن يرجعوا إلى قول الميّت بعد ذلك ،ول يجابون لذلك ; لنهم كذبوا أنفسهم .
وأضاف الشافعية :أنه لو ادعى على شخص انفراده بالقتل ،ثم ادعى على آخر أنه شريكه ،
أو أنه القاتل منفردا لم تسمع الدعوى الثانية لمناقضتها الدعوى الولى وتكذيبها ،ولو ادعى
عمدا ووصفه بغيره من خطأ أو شبه عمد أو عكسه بطل الوصف ،ولم يبطل أصل دعوى القتل
ن ما ليس بعمد عمدا ،أو عكسه فيعتمد تفسيره .
في الظهر ; لنه قد يظ ّ
الشرط السادس :أن يكون أولياء القتيل ذكورا مكلفين :
-عند المالكية :إن كانت الدعوى بالقتل عمدا ،فيشترط فيمن يحلف اليمان أن يكون 11
ذكرا مكلفا ،وأما النّساء فل يحلفن في العمد ،وأما إن كانت الدعوى بالقتل خطأً ،فإن الذي
يحلف أيمان القسامة هو من يرث المقتول ذكورا كانوا أو إناثا .
وعند الشافعية لو كان للقتيل ورثة وزّعت اليمان بحسب الرث ،وجبر المنكسر ،ول فرق
في ذلك بين الذّكور والناث .
وذهب الحنابلة إلى أنه يشترط أن يكون أولياء القتيل ذكورا مكلفين ،ول يقدح غيبة بعضهم أو
نكوله ،فللذكر الحاضر المكلف أن يحلف بقسطه ويأخذ نصيبه من الدّية ،وكذلك لمن قدم من
الخارج ،أو كلّف أن يحلف بقسط نصيبه ويأخذ قدر نصيبه من الدّية ،ودليلهم في هذا قول
ل منكم وتستحقّون دم صاحبكم » ; ولنها
ي صلى ال عليه وسلم « :يقسم خمسون رج ً
النب ّ
حجة يثبت بها قتل العمد ،فل تسمع من النّساء كالشهادة ; ولن الجناية المدعاة التي تجب
القسامة عليها هي القتل ،ول مدخل للنّساء في إثباته وإنما يثبت المال ضمنا ،فجرى ذلك
مجرى رجل ادعى زوجية امرأة بعد موتها ليرثها ،فإن في ذلك ل يثبت بشاهد ويمين ،ول
بشهادة رجل وامرأتين ،وإن كان مقصودها المال .
الشرط السابع :وصف القتل في دعوى القسامة :
-ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يشترط أن تكون دعوى القسامة مفصلةً . 12
لم يكن شيء من ذلك فل قسامة فيه ول دية ; لنه إذا لم يكن به أثر القتل فالظاهر أنه مات
حتف أنفه فل يجب به شيء .
وهذا مذهب الحنفية ورواية عن أحمد ،قال الحنفية :فإذا وجد والدم يخرج من فمه أو أنفه أو
دبره أو ذكره ل شيء فيه ; لن الدم يخرج من هذه المواضع عادةً بدون الضرب ،وإنما
بسبب القيء أو الرّعاف ونحوهما ،فل يعرف كونه قتيلً .
وإن كان الدم يخرج من عينه ،أو أذنه ففيه القسامة والدّية ; لن الدم ل يخرج من هذه
المواضع عادةً فكان خروجه بسبب القتل ،وعلى هذا ل يشترط الحنفية اللوث ،وإنما يكفي أن
توجد الجثة في محلة وبها أثر القتل ،واعتبر المالكية وجود أثر القتل سببا من أسباب اللوث .
وذهب الشافعية والحنابلة -وهو المذهب -إلى أنه ل يشترط في القسامة ظهور دم ول جرح
; لن النبي صلى ال عليه وسلم لم يسأل النصار هل بقتيلهم أثر أم ل ؟ ولن القتل يحصل
بالخنق وعصر البيضة ونحوهما ،وعند الشافعية إذا ظهر أثره قام مقام الدم ،فلو لم يوجد أثر
أصلً فل قسامة على الصحيح في الروضة وأصلها ،وإن قال في المهمات :إن المذهب
المنصوص وقول الجمهور بثبوت القسامة .
الشرط التاسع :أن يوجد القتيل في محلّ مملوك لحد أو في يد أحد :
-ذهب الحنفية إلى أنه يشترط في القسامة أن يكون الموضع الذي وجد فيه القتيل ملكا 14
لحد أو في يد أحد ،فإن لم يكن ملكا لحد ول في يد أحد أصلً فل قسامة فيه ول دية ،وإن
كان التصرّف في المكان لعامة المسلمين ل لواحد منهم ول لجماعة يحصون ل تجب القسامة
وتجب الدّية .
وإنما كان كذلك لن القسامة إنما تجب بترك الحفظ اللزم .
وعلى ذلك لو وجد القتيل في فلة من الرض ليس بملك لحد فإنه ل قسامة فيه ول دية إذا
كان بحيث ل يسمع الصوت من المصار ول من قرية ،فإن كان بحيث يسمع تجب القسامة
على أقرب المواضع إليه .
وذهب المالكية والشافعية والقاضي من الحنابلة إلى أن وجود المقتول في قرية قوم أو دارهم
إذا كان يخالطهم غيرهم فيها ل يعتبر لوثا يوجب القسامة ،وأما إن لم يكن يدخل قريتهم
سواهم ،ووجد قتيل من غيرهم فيها ،فإنه يكون لوثا يوجب القسامة ،كما في قضية عبد ال
بن سهل رضي ال عنه ،فإنه عليه الصلة والسلم جعل فيه القسامة لبني عمّه حويّصة
ومحيّصة وأخيه عبد الرحمن ،لن خيبر ما كان يخالط اليهود فيها غيرهم .
ونص أحمد في رواية منها أنه ل يشترط مع العداوة أل يكون في الموضع الذي به القتيل غير
العدوّ .لن النبي صلى ال عليه وسلم لم يسأل النصار هل كان في خيبر غير اليهود أم ل ؟
مع أن الظاهر وجود غيرهم فيها .
الشرط العاشر :إنكار المدعى عليه :
-ذهب إلى هذا الشرط الحنفية ; لن اليمين وظيفة المنكر ،قال عليه الصلة والسلم : 15
« واليمين على من أنكر » فجعل جنس اليمين على المنكر ،فينفي وجوبها على غير المنكر .
الشرط الحادي عشر :السلم :
-وهو شرط عند المالكية في المقتول فل تصحّ القسامة إذا كان ذمّيّا ،فإذا قلنا بعدم 16
القسامة في القتيل الكافر ،فإن ثبت أن المسلم قتله بشاهدين فإنه يغرم ديته في العمد من
ماله ،ومع العاقلة في القتل الخطأ ،وإن لم يوجد إل شاهد ،فإن وليه يحلف يمينا واحدةً ويأخذ
ديته ،ويضرب الجاني مائةً في العمد ويحبس سن ًة .
أما جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة ،فقد أثبتوا القسامة لغير المسلم إذا كان
ذمّيّا ; لن لهم ما للمسلمين ،وعليهم ما عليهم إل ما نص عليه بدليل ; ولن دم ال ّذمّيّ مصون
في دار السلم لذمته ،وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم « :من آذى ذمّيّا فأنا
خصمه ،ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة » .
كيفية القسامة :
-اختلف العلماء في كيفية القسامة على مذهبين : 17
المذهب الول :لجمهور الفقهاء وهم المالكية والشافعية والحنابلة وربيعة ،والليث ،وأبو
الزّناد فقالوا :إن اليمان في القسامة توجه إلى المدعين ،فيكلفون حلفها ليثبت مدعاهم
ويحكم لهم به ،فإن نكلوا عنها وجّهت اليمان إلى المدعى عليهم ،فيحلف أولياء القتيل
ب أن يستظهر الحالف ألفاظ اليمين حتى تكون اليمين مؤكدةً فيقول :
خمسين يمينا ،ويستح ّ
وأل الذي ل إله إل هو الذي يعلم خائنة العين وما تخفي الصّدور . . .
ويشترط أن تكون اليمين بات ًة قاطعةً في ارتكاب المتهم الجريمة بنفسه أو بالشتراك مع
غيره ،وأن يبيّن ما إذا كان الجاني قد تعمد القتل أم ل فيقول :وأل إن فلنا ابن فلن قتل
فلنا منفردا بقتله ما شركه غيره .
ويشترط عند بعض المالكية أن تكون اليمان متواليةً ،فل تفرق على أيام أو أوقات ; لن
للموالة أثرا في الزجر والردع .
ول يشترط عند الشافعية على المذهب والحنابلة موالتها ; لن اليمان من جنس الحجج ،
والحجج يجوز تفريقها كما لو شهد الشّهود متفرّقين ،فإن حلفوا ثبت مدعاهم ،وحكم لهم إما
بالقصاص أو الدّية على الخلف في موجب القسامة ،فإذا لم يحلف المدعون حلف المدعى
عليه خمسين يمينا وبرئ ،فيقول :وأل ما قتلته ول شاركت في قتله ول تسببت في موته .
فإن لم يحلف المدعون ،ولم يرضوا بيمين المدعى عليه برئ المتهمون ،وكانت دية القتيل
في بيت المال عند الحنابلة خلفا للمالكية والشافعية ،وإن نكل المدعى عليهم عن اليمين ردت
اليمان عند الشافعية على المدعين ،فإن حلفوا عوقب المدعى عليهم ،وإن لم يحلفوا ل شيء
لهم .
وعند المالكية من نكل من المدعى عليهم حبس حتى يحلف أو يموت في السّجن ،وقيل :يجلد
مائ ًة ويحبس عاما ،ول يحبس عليها عند الحنابلة كسائر اليمان .
واستدل الجمهور لمذهبهم هذا بما روى سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه :
« أن عبد ال بن سهل و ُمحًيّصَة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم ،فأتى محيّصة فأخبر أن
عبد ال بن سهل قد قتل وطرح في فقير أو عين ،فأتى يهود فقال :أنتم وال قتلتموه قالوا :
وال ما قتلناه ،ثم أقبل حتى قدم على رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكر له ذلك ،ثم أقبل
هو وأخوه حويّصة -وهو أكبر منه -وعبد الرحمن بن سهل أخو المقتول فذهب محيّصة
يتكلم -وهو الذي كان بخيبر -فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لمحيّصة كبّر كبّر ،يريد
السّن ،فتكلم حويّصة ،ثم تكلم محيّصة ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :إما أن يدوا
صاحبكم ،وإما أن يؤذنوا بحرب فكتب رسول ال صلى ال عليه وسلم إليهم في ذلك ،فكتبوا
إنا وال ما قتلناه ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لحويّصة ومحيّصة وعبد الرحمن :
أتحلفون وتستحقّون دم صاحبكم ؟ قالوا ل ،قال :فتحلف لكم يهود ،قالوا ليسوا مسلمين ،
فوداه رسول ال صلى ال عليه وسلم من عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار
قال سهل :لقد ركَضتني منها ناقة حمراء » .
فقد وجه النبيّ صلى ال عليه وسلم اليمين أولً إلى المدعين حينما سألهم قائلً :أتحلفون
وتستحقّون دم صاحبكم ؟ فلو لم تكن اليمين مشروعةً في حقّهم ابتداءً ما وجهها الرسول صلى
ال عليه وسلم إليهم .
ي ،فقد قالوا بتوجيه تلك اليمان إلى
ي والثوريّ والنخع ّ
المذهب الثاني :للحنفية والشعب ّ
ي من قضاء عمر بن
المدعى عليهم ابتداءً ،فإن حلفوا لزم أهل المحلة الدّية ،وهذا مرو ّ
الخطاب رضي ال تعالى عنه .
واستدلّوا بما رواه البخاريّ في صحيحه عن سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار زعم « أن رجلً
من النصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا
فيها ،فوجدوا أحدهم قتيلً وقالوا للذي وجد فيهم قد قتلتم صاحبنا ،قالوا ما قتلنا ول علمنا
قاتلً ،فانطلقوا إلى النبيّ صلى ال عليه وسلم فقالوا يا رسول ال انطلقنا إلى خيبر فوجدنا
أحدنا قتيلً ،فقال :الكبر الكبر ،فقال لهم تأتوني بالبيّنة على من قتله ؟ قالوا ما لنا بيّنة ،قال
:فيحلفون ،قالوا ل نرضى بأيمان اليهود ،فكره رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يطل دمه
فوداه مائةً من إبل الصدقة » .
دل هذا الحديث على أن أول ما يطلب في دعوى القسامة كغيرها من سائر الدعاوى هو البيّنة
من جهة المدعي ،فإن لم يكن ثم بيّنة للمدعي وجّهت اليمان الخمسون الخاصة بدعوى
القسامة إلى المدعى عليهم ،كما نص الحديث على ذلك ،فإن حلفوا برئوا وانتهت الخصومة ،
ولكن النصار أولياء الدم لم يقبلوا أن يحلف لهم اليهود لكفرهم وجرأتهم على الكذب ،فأعطى
رسول ال صلى ال عليه وسلم ديته لهله من عنده كي ل يهدر دم مسلم .
وقال الحنفية :إذا نكل من وجبت عليه القسامة من أهل المحلة حبس حتى يقر أو يحلف ،
وكذا إن نكل جميع المحلفين ; لن اليمين في القسامة مقصودة بنفسها ،وليست وسيلةً
لتحصيل غيرها ،بمعنى أن اليمين في القسامة يجمع بينها وبين الدّية ،فإذا حلف المحلفون لم
تسقط الدّية عنهم ،بخلف اليمين في دعوى الموال ،فإذا حلف المدعى عليه في دعوى المال
برئ وسقط المال الذي أراده المدعي ،لهذا فإن من نكل حبس حتى يقر أو يحلف .
والحبس عند النّكول إنما يكون في دعوى القتل العمد ،أما في الخطأ فيقضى بالدّية على
عاقلتهم ول يحبسون ; لن موجب القتل الخطأ المال فيقضى به عند النّكول .
ودليلهم في هذا ما روي عن الحارث بن الزمع أنه قال لسيّدنا عمر رضي ال عنه :أنبذل
أيماننا وأموالنا ؟ فقال نعم .
من توجه إليهم القسامة :
-ل خلف بين جمهور الفقهاء في أن أيمان القسامة توجه إلى الرّجال الحرار البالغين 18
العقلء من عشيرة المقتول الوارثين له ،كما ل خلف بينهم في عدم توجّهها إلى الصّبيان
والمجانين .
وإنما الخلف بينهم في توجيهها إلى النّساء أو غير الوارثين من العصبة .
وقد فرق المالكية بين كون القتل عمدا ،وبين كونه خطأً ،واشترطوا في القتل العمد الذّكورة
والعصوبة والعدد .
ومعنى ذلك أن يحلف ورثة المجنيّ عليه إذا طلبوا القصاص أو الدّية ،وتوزع اليمان على
العصبة ،ول يحلف في العمد أقلّ من رجلين ; لن النّساء ل يحلفن في العمد لعدم شهادتهن
فيه فإن انفردن عن رجلين صار المقتول كمن ل وارث له ،فتردّ اليمان على المدعى عليه .
ويحلف النّساء مع الرّجال إذا كان القتل خطأً بخلف العمد ،لنفراد الرّجال به ،وتوزع اليمان
على قدر مواريثهم ،فإن لم يوجد في الخطأ إل امرأة واحدة ،فإنها تحلف اليمان كلها وتأخذ
حظها من الدّية ،ويسقط ما على الجاني من الدّية لتعذّر الحلف من جهة بيت المال .
وإذا كسرت اليمين يكمل على ذي الكثر من الكسور ولو أقلهم نصيبا من غيره ،كابن وبنت
على البن ثلثة وثلثون يمينا وثلث وعلى البنت ستة عشر وثلثان فيجبر كسر اليمين على
البنت لن كسر يمينها أكثر من كسر يمين البن ،وإن كانت البنت أقل نصيبا فتحلف سبعة
عشر يمينا فإن تساوت الكسور جبر كلّ واحد كسره ،كثلثة بنين فعلى كلّ واحد منهم ستة
عشر وثلثان فتكمل على كلّ ،فيحلف كلّ منهم سبعة عشر يمينا .
جاء في المدونة :قلت :وإنما يحلف ولة الدم في الخطأ على قدر مواريثهم من الميّت في قول
مالك ،قال :نعم ،قلت :فهل يقسم النّساء في قتل العمد في قول مالك ؟ قال :ل ،قلت :
فهل يقسم النّساء في القتل الخطأ في قول مالك ؟ قال :نعم .
وقال الشافعية :يحلف ك ّل وارث بالغ عاقل ،رجلً كان أو امرأةً في دعوى القسامة بالقتل ،
عمدا كان أو خطًأ أو شبه عمد ; لن القسامة عندهم يمين في الدعوى ،فتشرع في حقّ
النّساء كسائر الدعاوى .
قال الشافعيّ :فإذا كان للقتيل وارثان فامتنع أحدهما من القسامة لم يمنع ذلك الخر من أن
يقسم خمسين يمينا ،ويستحقّ نصيبه من الميراث ،وتوزع اليمان على الورثة بقدر حصصهم
من الدّية على فرائض ال تعالى .
فإذا كان المقتول بل وارث سقطت القسامة والدّية ،إل إذا ادعى أحد المسلمين القتل على
معين ،فإن للمام أن ينصبه للحلف في القسامة في هذه الحالة ،ويستحق بيت المال الدّية ،
وإن نكل فقد اختلف الشافعية على وجهين ،وجه يسقط القسامة والدّية ،والوجه الخر يوجب
حبسه حتى يقر أو يحلف .
وقال الحنابلة :إذا كان في الولياء نساء ورجال أقسم الرّجال وسقط حكم النّساء ،وإن كان
فيهم صبيان ورجال بالغون ،أو كان فيهم حاضرون وغائبون ل تثبت القسامة حتى يحضر
ي ; لن الحق ل يثبت إل ببيّنة كاملة ،والبيّنة أيمان
الغائب ،وكذا ل تثبت حتى يبلغ الصب ّ
الولياء كلّهم ،واليمان ل تدخلها النّيابة .
وذهب القاضي من الحنابلة إلى أن القتل إذا كان عمدا ل يحلف الكبير حتى يبلغ الصغير ،ول
الحاضر حتى يحضر الغائب ; لن الواجب بالعمد هو القصاص ،ومن شرطه عندهم مطالبة
جميع أولياء المقتول به .
أما إذا كان القتل غير عمد ،فأجاز قسامة الكبير الحاضر دون اشتراط بلوغ الصغير ،وحضور
الغائب ; لن ما يجب بقسامتهم هو الدّية ،فيستحقّ كلّ منهم قسطه منها .
وعلى ذلك يحلف أولياء المجنيّ عليه -وهم ورثته -وتوزع اليمان كسهام التركة ،ويبدأ
بالذّكور ،وتر ّد القسامة على المدعى عليه إن لم يكن للمقتول إل النّساء ،وكذا إذا نكل
المدعي فيحلف المدعى عليه وتبرأ ذمته من الدّية ،فإن لم يحلف وجبت الدّية عليه ،وإن لم
يحلف المدعون ولم يرضوا بأيمان المدعى عليهم وجبت الدّية على بيت المال ،قياسا على من
قتل في زحام ولم يعرف قاتله كقتيل في الطواف أو في جمعة .
ي خمسين
والحنفية يوجبون القسامة على المدعى عليه دون المدعي ،وبناءً عليه يختار الول ّ
رجلً من المحلة التي وجد فيها القتيل ويحلّفهم ،وله أن يختار الصالحين أو الفسقة ،كما
ق له اختيار الشّبان والشّيوخ ،ويكون الختيار من أهل المحلة التي وجد فيها القتيل ،وفي
يح ّ
ظاهر الرّواية تكون الدّية على عواقلهم ،أي عواقل كلّ من في المحلة .
وقد اختلفوا على قولين فيما لو خص الوليّ قاتلً معينا من أهل المحلة .
القول الول :يوجب القسامة على خمسين من أهل المحلة ; لن القسامة ل تسقط عنهم إذا لم
ي :وإن ادعى أهل القتيل على بعض أهل
ي بيّنة تدين القاتل المخصص ،قال السرخس ّ
تكن للول ّ
المحلة الذين وجد القتيل بين أظهرهم فقالوا :قتله فلن عمدا أو خطأً ،لم يبطل هذا حقه ،
وفيه القسامة والدّية ; لنهم ذكروا ما كان معلوما لنا بطريق الظاهر ،وهو أن القاتل واحد من
أهل المحلة ،ولكنا ل نعلم ذلك حقيقةً .
القول الثاني :رواه ابن المبارك عن أبي حنيفة :أنه أسقط القسامة عن أهل المحلة ،لن
دعوى الوليّ على واحد منهم بعينه ،يكون إبرا ًء لهل المحلة عن القسامة في القتيل الذي ل
ي أنه يعرف القاتل منهم بعينه ،صار مبرئا لهم عن القسامة وذلك
يعرف قاتله ،فإذا زعم الول ّ
صحيح منه ،فإن أقام الوليّ شاهدين من غير أهل المحلة على ذلك الرجل ،فقد أثبت عليه
القتل بالحجة ،فيقضى عليه بموجبه ،وإن أقام شاهدين من أهل المحلة عليه بذلك ل تقبل
شهادتهما; لن أهل المحلة خصوم في هذه الحادثة ما بقيت القسامة .
وتسقط القسامة عن المحلة التي وجد فيها القتيل إذا ادعى الوليّ القتل على رجل آخر من غير
المحلة التي وجد فيها القتيل ،ول تسمع الدعوى إن لم تكن للوليّ بيّنة ،للتناقض بين البراء
ل معينا فيها أو في غيرها كلّفت بإحضار البيّنة ،فإن أحضرت
والتّهام ،وإذا اتهمت المحلة قات ً
ي حكم عليه بالقصاص في العمد ،والدّية في الخطأ ،قال الكاسانيّ :ولو
البيّنة ووافق الول ّ
ح دعواهم ،فإن أقاموا البيّنة على ذلك
ادعى أهل تلك المحلة على رجل منهم أو من غيرهم تص ّ
الرجل يجب القصاص في العمد ،والدّية في الخطأ إن وافقهم الولياء في الدعوى على ذلك
الرجل ،وإن لم يوافقوهم في الدعوى عليه ل يجب عليه شيء ; لن الولياء قد أبرءوه حيث
أنكروا وجود القتل منه ،ول يجب على أهل المحلة أيضا شيء ; لنهم أثبتوا القتل على
غيرهم ،وإن لم يقم لهم البيّنة وحلف ذلك الرجل ،تجب القسامة على أهل المحلة .
وإذا وجد قتيل في محلة وكان أهلها مسلمين وبينهم ذمّيّ ،فل تجب القسامة عليه لن تدبير
الملك والمحافظة عليه من قبل المسلمين ،ول يزاحمهم ال ّذمّيّ ،لنه تابع ،فكان حكمه حكم
النّساء ،أما إذا كان القتل في قرية لهل الذّمة ،فقد وجبت القسامة والدّية عليهم ،لنهم
مسئولون عن تدبير ملكهم .
ي ; لن الحنفية يوجبون
أما إذا كان هذا الحادث في زماننا هذا فإنها تجب على المسلم وال ّذمّ ّ
القسامة على جميع من في المحلة التي اشترك فيها المسلمون وال ّذمّيّون ،فتجب القسامة
والدّية عليهم بالتساوي ،إل أن المسلمين تتحمل عواقلهم الدّية ،وال ّذمّيّ تجب الدّية في ماله
إن لم تكن له عاقلة .
وقد استدل السرخسيّ على هذا الحكم بقصة الرجل المقتول من قبل اليهود في خيبر ،إذ إن
الرسول صلى ال عليه وسلم أوجب القسامة عليهم ،قال السرخسيّ :إذا وجد القتيل في قرية
أصلها لقوم شتى ،فيهم المسلم والكافر ،فالقسامة على أهل القرية المسلم منهم والكافر فيه
سواء ; لن الرسول صلى ال عليه وسلم أوجب القسامة على أهل القرية ( خيبر ) وكانوا من
اليهود ،ثم يعرض عليهم الدّية ،فما أصاب المسلمين من ذلك فعلى عواقلهم ،وما أصاب أهل
الذّمة ،فإن كانت لهم معاقل فعليهم وإل ففي أموالهم ،وتجب القسامة على الحرار البالغين ;
لنهم أهل النّصرة ،أما الصبيّ والمجنون فل قسامة عليهما ; لن الصبي ليس من أهل
النّصرة ،وقول المجنون ليس صحيحا ،فل قسامة عليهما ،كذلك المرأة ل تشترك في القسامة
والدّية إذا كان القتيل في غير ملكها ،وعليها القسامة والدّية على عاقلتها إذا كان القتل في
ملكها ،وهذا عن أبي حنيفة ومحمد ; لنها مسئولة عن تدبير ملكها ،لن سبب وجوب الدّية
على المالك هو الملك مع أهلية القسامة ،وقد وجدا في حقّها ،أما الملك فثابت لها ،وأما
الهلية فلن القسامة يمين وأنها من أهل اليمين ،أل ترى أنها تستحلف في سائر الحقوق ،
ومعنى النّصرة يراعى وجوده في الجملة ل في كلّ فرد ،كالمشقة في السفر .
أما بالنّسبة للحاضر والغائب :فإنهم سواء في القسامة على ظاهر الرّواية ،خلفا لبي يوسف
الذي يرى أن القسامة على الحاضر فقط دون الغائب ; لنه ليس مسئولً عن تدبير المحلة أثناء
غيابه .
الحكام المترتّبة على القسامة :
-ل خلف بين الفقهاء في حجّية القسامة ،ووجوب الدّية على عواقل المدعى عليهم إذا 19
كان القتل خطأً ،وإنما الخلف بينهم فيما يجب بها إذا كان القتل المدعى به عمدا .
ي وربيعة وأبو
فذهب المالكية والشافعيّ في القديم والحنابلة إلى وجوب القود ،وبه قال الزّهر ّ
ثور وغيرهم .
ويرى الحنفية والشافعية في الجديد وجوب الدّية وعدم وجوب القصاص ،وهذا مرويّ عن
بعض صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم كأبي بكر وعمر وغيرهم رضي ال عنهم ،وبه
ي والثوريّ .
قال الوزاع ّ
واستدل القائلون على وجوب القود بالقسامة بأدلة منها ما جاء في قصة عبد ال بن سهل عن
سهل بن أبي حثمة أنه أخبره هو ورجال من كبراء قومه وذكروا الحديث وفيه « :فقال رسول
ال صلى ال عليه وسلم لحويّصة ومحيّصة وعبد الرحمن أتحلفون وتستحقّون دم صاحبكم ؟
قالوا :ل » .
ومما يؤيّد هذا ما رواه أبو سلمة عن أناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم « أن
القسامة كانت في الجاهلية قسامة الدم ،فأقرها رسول ال صلى ال عليه وسلم على ما كانت
عليه في الجاهلية ،وقضى بها رسول ال صلى ال عليه وسلم بين أناس من النصار من بني
حارثة في قتيل ادعوه على اليهود » ،فإضافة قسامة الجاهلية إلى الدم دليل على أنه كان
يحكم بها بالقصاص .
وأما أدلة القائلين بعدم القود بالقسامة ،فما روي عن ابن أبي ليلى بن عبد ال بن عبد
الرحمن بن سهل بن أبي حثمة :أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه « :أن عبد ال بن سهل
ومحيّصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم فأتى محيّصة فأخبر أن عبد ال بن سهل قد قتل
وطرح في عين أو فقير ،فأتى يهود فقال :أنتم وأل قتلتموه ،قالوا :وأل ما قتلناه فأقبل
حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك ،ثم أقبل هو وأخوه حويّصة وهو أكبر منه ،وعبد الرحمن
بن سهل فذهب محيّصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم
لمحيّصة :كبّر كبّر -يريد السّن -فتكلم حويّصة ،ثم تكلم محيّصة فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم :إما أن يدوا صاحبكم ،وإما أن يؤذنوا بحرب فكتب رسول ال صلى ال عليه
وسلم إليهم في ذلك فكتبوا إنا وأل ما قتلناه ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لحويّصة
ومحيّصة وعبد الرحمن :أتحلفون وتستحقّون دم صاحبكم ؟ قالوا :ل ،قال :فتحلف لكم يهود
؟ قالوا :ليسوا بمسلمين ،فوداه رسول ال صلى ال عليه وسلم من عنده ،فبعث إليهم
رسول ال صلى ال عليه وسلم مائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار فقال سهل :فلقد ركضتني
منها ناقة حمراء » .
وروي عن أبي قلبة « أن عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه أبرز سريره يوما للناس ،ثم
أذن لهم ،فدخلوا ،فقال :ما تقولون في القسامة ؟ قالوا :نقول القسامة القود بها حقّ ،وقد
أقاد بها الخلفاء ،قال لي :ما تقول يا أبا قلبة ،ونصبني للناس ،فقلت :يا أمير المؤمنين
عندك رءوس الجناد وأشراف العرب ،أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن
بدمشق أنه قد زنى ولم يروه أكنت ترجمه ؟ قال :ل ،قلت :أرأيت لو أن خمسين منهم
شهدوا على رجل بحمص أنه سرق أكنت تقطعه ولم يروه ؟ قال :ل ،قلت :فوأل ما قتل
رسول ال صلى ال عليه وسلم أحدا قطّ إل في إحدى ثلث خصال :رجل قتل بجريرة نفسه
فقتل ،أو رجل زنى بعد إحصان ،أو رجل حارب ال ورسوله وارتد عن السلم ...إلخ » .
الحديث .
وقال الكاسانيّ :ولنا ما روي عن زياد بن أبي مريم أنه قال « :جاء رجل إلى النبيّ صلى ال
عليه وسلم فقال يا رسول ال :إنّي وجدت أخي قتيلً في بني فلن ،فقال عليه الصلة
والسلم :اجمع منهم خمسين فيحلفون بال ما قتلوه ول علموا له قاتلً ،فقال :يا رسول ال
ليس لي من أخي إل هذا ؟ فقال :بل لك مائة من البل » ،فدل على وجوب القسامة على
المدعى عليهم -وهم أهل المحلة -مع وجوب الدّية عليهم ،ولم يذكر القصاص في الحديث ،
بل قصره الرسول صلى ال عليه وسلم على دفع مائة من البل .
ولن الشرع ألحق أهل المحلة التي وجد القتيل بها بالقتلة في وجوب الدّية ،لنه يلزمهم حفظ
محلتهم وصيانتها من النوائب والقتل ،فكان وقوع القتل بمحلتهم تقصيرا منهم عن هذه
الصّيانة وحفظها .
مبطلت القسامة :
-تبطل القسامة -عند الحنفية -بالبراء صراحةً أو دللةً . 20
أما البراء الصريح :فهو التصريح بلفظ البراء وما يجري مجراه كقوله :أبرأت ،أو
أسقطت ،أو عفوت ونحو ذلك .لن ركن البراء صدر ممن هو من أهل البراء في محلّ قابل
للبراءة ،فيصحّ .
ي القتيل على رجل من غير أهل المحلة أنه قتل
وأما البراء الضّمنيّ " دللةً " فهو أن يدعي ول ّ
القتيل ،فيبرأ أهل المحلة من القسامة والدّية ; لن ظهور القتيل في المحلة لم يدل على أن هذا
المدعى عليه قاتل ،فإقدام الوليّ على الدعوى عليه يكون نفيا للقتل عن أهل المحلة فيتضمن
براءتهم عن القسامة .
كما تبطل القسامة بإقرار رجل على نفسه أنه القاتل ،فلو جاء رجل فقال :ما قتله هذا المدعى
ي ،لم تبطل دعواه ،وله القسامة ،ول يلزمه ر ّد الدّية إن كان
عليه ،بل أنا قتلته ،فكذبه الول ّ
ي أو طالبه بموجب القتل لزمه ر ّد ما أخذه ،
قبضها ،ول يلزم المقر شيء ،وإن صدقه الول ّ
وبطلت دعواه على الول ،وفي استحقاقه مطالبة المقرّ قولن .
وكذلك تسقط القسامة بقيام البيّنة على أن القاتل غير هذا ،كأن أقام المدعى عليه بيّنةً أنه كان
يوم القتل في بلد بعيد من بلد المقتول ل يمكن مجيئه منه إليه في يوم واحد فإنه تبطل دعوى
القسامة ،وإن قالت البيّنة :نشهد أن فلنا لم يقتله لم تقبل الشهادة ; لنها نفي مجرد ،وإن
قال :ما قتله فلن ،بل فلن ،سمعت ; لنها شهادة إثبات يتضمن النفي .
وإذا بطلت القسامة لحد المور التي ذكرناها ،وجب على المدعي أن يرد ما أخذه من الدّية ;
لنه ل حق له فيما أخذه ،فوجب عليه ردّه .
َقسَم *
انظر :أيمان .
َقسْما :فرزته أجزاءً ،وال ِقسْم -بكسر القاف وسكون السّين -السم ثم أطلق على الحصة
والنصيب ،وال َقسَم -بفتح القاف والسّين -اليمين .
وفي الصطلح قال الجرجانيّ :قسمة الزوج :بيتوتته بالتسوية بين النّساء ،أو كما قال
البهوتيّ :هو توزيع الزمان على زوجاته إن كن ثنتين فأكثر .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العَدْل بين الزوجات :
-من معاني العدل في اللّغة :القصد في المور والستقامة ،وهو خلف الجور ،يقال : 2
عدل في أمره ع ْدلً وعدال ًة ومعدِلةً :استقام ،وعدل في حكمه :حكم بالعدل .
وفي الصطلح :التسوية بين الزوجات في حقوقهن من القسم والنفقة والكسوة .
والقسم بين الزوجات أثر من آثار العدل ولوازمه .
ب -العشرة بالمعروف :
-العشرة اسم من المعاشرة ،وهي في اللّغة المخالطة . 3
بات يفعل كذا أي فعله بالليل ،ول يكون إل مع سهر الليل ،وعليه قول ال تعالى { :وَالذينَ
سجّدا وَقِيَاما } .
ن لِرَ ّب ِهمْ ُ
يَبِيتُو َ
ل.
وقد تأتي نادرا بمعنى نام لي ً
وقد تأتي بات بمعنى صار ،يقال :بات بموضع كذا أي صار به ،سواء كان في ليل أو نهار ،
وعلى هذا المعنى قول الفقهاء :بات عند امرأته ليل ًة أي صار عندها سواء حصل معه نوم أم
ل .ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .
والبيتوتة هي عماد القسم بين الزوجات في الغالب العمّ .
الحكم التكليفيّ :
-ذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب القسم بين الزوجات ،وأوجبه المالكية والحنابلة وقد 5
اتفق الفقهاء على أنه يجب على الرجل -إن كان له أكثر من زوجة -أن يعدل في القسم بين
زوجاته ،وأن يسوّي بينهن فيه ; لن ذلك من المعاشرة بالمعروف التي أمر ال عز وجل بها
في قوله سبحانه وتعالى { :وَعَاشِرُو ُهنّ بِا ْل َمعْرُوفِ } ،وليس مع عدم التسوية في القسم بين
الزوجات معاشرة لهن بالمعروف ،ولما روى أبو هريرة رضي ال تعالى عنه أن رسول ال
صلى ال عليه وسلم قال « :إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة
وشقّه ساقط » ،وللتّباع والقتداء برسول ال صلى ال عليه وسلم في َقسْمه بين أزواجه
ي :بلغنا
وعدله بينهن فقد كان صلى ال عليه وسلم على غاية من العدل في ذلك ،قال الشافع ّ
« أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقسم فيعدل » ...وأنه « كان يطاف به محمولً في
مرضه على نسائه حتى حللنه » .
وقالوا :أن من كان له أكثر من زوجة فبات عند واحدة لزمه المبيت عند من بقي منهن ..
تسويةً بينهن .
وصرح بعض فقهاء الشافعية بأن لزوم المبيت عند بقية الزوجات إن بات عند إحداهن يكون
على الفور ،لنه حقّ لزم وهو معرض للسّقوط بالموت ،فوجب على الزوج الخروج منه ما
أمكنه ،ويعصي بتأخيره .
وعقب عليه الشبراملسي -الشافعيّ -بأنه لو تركه كان كبيرةً أخذا من الخبر السابق .
ونص الشافعية على أن الواجب على الزوج إذا كان له أكثر من زوجة هو العدل بينهن في
ب أن ل يعطّلهن ،واستثنوا من
القسم إن قسم ،وله أن يعرض عنهن جميعا إل أنه يستح ّ
جواز العراض عن الزوجات ابتداءً أو بعد نوبة أو أكثر ما لو حدث ما يمنع هذا العراض ،
ي وهو عودها
كأن ظلمها ثم بانت منه ،فإنه يجب عليه القضاء على الراجح بطريقه الشرع ّ
إلى عصمته .
ما يتحقق به العدل في القسم :
-ذهب الفقهاء إلى أنه يجب على الزوج العدل بين زوجتيه أو زوجاته في حقوقهن من 6
القسم والنفقة والكسوة والسّكنى ،وهو التسوية بينهن في ذلك ،والصل فيه قول ال تعالى :
ن ال ّنسَاء مَثْنَى
خفْتُ ْم َألّ َتعْدِلُواْ َفوَاحِدَةً } عقيب قوله تعالى { :فَان ِكحُواْ مَا طَابَ َلكُم مّ َ
ن ِ
{ فَإِ ْ
ث وَرُبَاعَ } ،ندب ال تعالى إلى نكاح الواحدة عند خوف ترك العدل في الزّيادة ،وإنما
وَثُلَ َ
يخاف على ترك الواجب ،فدل على أن العدل بينهن في القسم والنفقة واجب ،وإليه أشار في
آخر الية
ك أَدْنَى َألّ َتعُولُواْ } ،أي تجوروا ،والجور حرام فكان العدل واجبا
بقوله عز وجل { :ذَلِ َ
ن } على
حسَا ِ
ن الّلهَ يَ ْأ ُمرُ بِا ْلعَ ْدلِ وَالِ ْ
ضرورةً ; ولن العدل مأمور به في قوله تعالى { :إِ ّ
العموم والطلق إل ما خص أو قيّد بدليل ; ولن النّساء رعية الزوج ،فإنه يحفظهن وينفق
عليهن ،وكلّ راع مأمور بالعدل في رعيته .
والعدل الواجب في القسم يكون فيما يملكه الزوج ويقدر عليه من البيتوتة والتأنيس ونحو
ذلك ،أما ما ل يملكه الزوج ول يقدر عليه كالوطء ودواعيه ،وكالميل القلبيّ والمحبة ..فإنه
ي على النشاط للجماع أو دواعيه
ل يجب على الزوج العدل بين الزوجات في ذلك ; لنه مبن ّ
ي والحبّ
والشهوة ،وهو ما ل يملك توجيهه ول يقدر عليه ،وكذلك الحكم بالنّسبة للميل القلب ّ
في القلوب والنّفوس فهو غير مقدور على توجيهه ،وقد قال ابن عباس رضي ال تعالى
عنهما في تفسير قوله تعالى { :وَلَن َتسْ َتطِيعُواْ أَن َتعْدِلُواْ بَيْنَ ال ّنسَاء وَ َل ْو حَرَصْ ُتمْ } يعني في
الحبّ والجماع ،وقالت عائشة رضي ال تعالى عنها « :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم
يقسم ويعدل ثم يقول :اللهم هذا قسمي فيما أملك ،فل تلمني فيما تملك ول أملك » يعني
المحبة وميل القلب ; لن القلوب بيد ال تعالى يصرّفها كيف شاء .
ونص الحنفية والشافعية والحنابلة على أنه يستحبّ للزوج أن يسوّي بين زوجاته في جميع
الستمتاعات من الوطء والقبلة ونحوهما لنه أكمل في العدل بينهن ،وليحصنهن عن الشتهاء
للزّنا والميل إلى الفاحشة ،واقتداءً في العدل بينهن برسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقد
روي « أنه كان يسوّي بين نسائه حتى في القُبَل » .
ونص المالكية على أن الزوج يترك في الوطء لطبيعته في كلّ حال إل لقصد إضرار لحدى
الزوجات بعدم الوطء -سواء تضررت بالفعل أم ل -ككفّه عن وطئها مع ميل طبعه إليه وهو
عندها لتتوفر لذته لزوجته الخرى ،فيجب عليه ترك الكفّ ; لنه إضرار ل يحلّ .
ونقل ابن عابدين عن بعض أهل العلم أن الزوج إن ترك الوطء لعدم الداعية والنتشار عذر ،
وإن تركه مع الداعية إليه لكن داعيته إلى الضرة أقوى فهو مما يدخل تحت قدرته .
-7وإذا قام الزوج بالواجب من النفقة والكسوة لك ّل واحدة من زوجاته ،فهل يجوز له بعد ذلك
أن يفضّل إحداهن عن الخرى في ذلك ،أم يجب عليه أن يسوّي بينهن في العطاء فيما زاد
على الواجب من ذلك كما وجبت عليه التسوية في أصل الواجب ؟ اختلف الفقهاء في ذلك :
فذهب الشافعية والحنابلة وهو الظهر عند المالكية إلى أن الزوج إن أقام لكلّ واحدة من
زوجاته ما يجب لها ،فل حرج عليه أن يوسّع على من شاء منهن بما شاء ،ونقل ابن قدامة
عن أحمد في الرجل له امرأتان قال :له أن يفضّل إحداهما على الخرى في النفقة والشهوات
والكسوة إذا كانت الخرى كفايةً ،ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية ،
ق ،فلو وجب لم يمكنه القيام به إل بحرج ،فسقط وجوبه ،
وهذا لن التسوية في هذا كلّه تش ّ
كالتسوية في الوطء .لكنهم قالوا :إن الولى أن يسوّي الرجل بين زوجاته في ذلك ،وعلل
بعضهم ذلك بأنه للخروج من خلف من أوجبه .
وقال ابن نافع :يجب أن يعدل الزوج بين زوجاته فيما يعطي من ماله بعد إقامته لك ّل واحدة
منهن ما يجب لها .
ونص الحنفية على وجوب التسوية بين الزوجات في النفقة على قول من يرى أن النفقة تقدر
بحسب حال الزوج ،أما على قول من يرى أن النفقة تقدر بحسب حالهما فل تجب التسوية
وهو المفتى به ،فل تجب التسوية بين الزوجات في النفقة لن إحداهما قد تكون غنيةً وأخرى
فقيرةً.
الزوج الذي يستحقّ عليه القسم :
-ذهب الفقهاء إلى أن القسم للزوجات مستحقّ على كلّ زوج -في الجملة -بل فرق بين 8
ح ّر وعبد ،وصحيح ومريض ،وفحل وخصيّ ومجبوب ،وبالغ ومراهق ومميّز يمكنه في
الوطء ،وعاقل ومجنون يؤمن من ضرره ...لن القسم للصّحبة والمؤانسة وإزالة الوحشة
وهي تتحقق من هؤلء جميعا .
لكن الفقهاء خصّوا قسم بعض الزواج بالتفصيل ،ومن ذلك :
أ -قسم الصبيّ لزوجاته :
-ذهب الفقهاء إلى أن الزوج الصبي المراهق أو المميّز الذي يمكنه الوطء يستحقّ عليه 9
القسم ; لنه لحقّ الزوجات ،وحقوق العباد تتوجه على الصبيّ عند تقرّر السبب ،وعلى وليّه
ي إن لم يطف به عليهن أو جار الصبيّ أو قصر وعلم
إطافته على زوجاته ،والثم على الول ّ
بذلك .
ي الصغير فل يجب على وليّه الطواف به على زوجاته لعدم انتفاعهن بوطئه ،
وأما الزوج الصب ّ
وقال بعض الشافعية :لو نام عند بعض زوجاته وطلبت الباقيات بياته عندهن لزم وليه
إجابتهن لذلك .
ب -قسم الزوج المريض :
-ذهب الفقهاء إلى أن الزوج المريض يقسم بين زوجاته كالصحيح ،لن القسم للصّحبة 10
والمؤانسة وذلك يحصل من المريض كما يحصل من الصحيح ،وقد روت عائشة رضي ال
تعالى عنها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم « أنه كان يسأل في مرضه الذي مات فيه :
أين أنا غدا ،أين أنا غدا ؟ »
واختلفوا فيما لو شق على المريض الطواف بنفسه على زوجاته :
فنقل ابن عابدين عن صاحب البحر قوله :لم أر كيفية قسمه في مرضه حيث كان ل يقدر على
التحوّل إلى بيت الخرى ،والظاهر أن المراد أنه إذا صح ذهب عند الخرى بقدر ما أقام عند
الولى مريضا ،ونقل عن صاحب النهر قوله :ل يخفى أنه إذا كان الختيار في مقدار الدور
إليه حال صحته ففي مرضه أولى ،فإذا مكث عند الولى مد ًة أقام عند الثانية بقدرها .قال ابن
عابدين :وهذا إذا أراد أن يجعل مدة إقامته دورا حتى ل ينافي أنه لو أقام عند إحداهما شهرا
هدر ما مضى .
وقال المالكية :إذا لم يستطع الزوج الطواف بنفسه على زوجاته لشدة مرضه أقام عند من
شاء القامة عندها ،أي لرفقها به في تمريضه ،ل لميله إليها فتمتنع القامة عندها ،ثم إذا
صح ابتدأ القسم .
ي الخطيب :من بات عند بعض نسوته بقرعة أو غيرها لزمه -ولو عنّينا
وقال الشّربين ّ
ومجبوبا ومريضا -المبيت عند من بقي منهن لقوله صلى ال عليه وسلم « :إذا كان عند
الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقّه ساقط » .
« وكان صلى ال عليه وسلم يقسم بين نسائه ويطاف به عليهن في مرضه حتى رضين
بتمريضه ببيت عائشة رضي ال عنها » ،وفيه دليل على أن العذر والمرض ل يسقط القسم .
وقال الحنابلة :إن شق على الزوج المريض القسم استأذن أزواجه أن يكون عند إحداهن ،لما
روت عائشة رضي ال تعالى عنها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث إلى نسائه فاجتمعن
فقال « :إنّي ل أستطيع أن أدور بينكن فإن رأيتن أن تأذن لي فأكون عند عائشة فعلتن فأذن
له» ،فإن لم يأذن له أن يقيم عند إحداهن أقام عند من تعيّنها القرعة أو اعتزلهن جميعا إن
ل بينهن .
أحب ذلك تعدي ً
ج -قسم الزوج المجنون :
-ذهب الفقهاء إلى أن المجنون الذي أطبق جنونه ل قسم عليه ; لنه غير مكلف ،لكن 11
القسم المستحق عليه لزوجاته يطالب به -في الجملة -وليّه ،على التفصيل التالي :
قال المالكية :يجب على وليّ المجنون إطافته على زوجتيه أو زوجاته ،كما يجب عليه نفقتهن
وكسوتهن ; لنه من المور البدنية التي يتولى استيفاءها له أو التمكين حتى تستوفى منه
كالقصاص ،فهو من باب خطاب الوضع .
وقال الشافعية :ل يلزم الولي الطواف بالمجنون على زوجاته ،أمن منه الضرر أم ل ،إل إن
طولب بقضاء قسم وقع منه فيلزمه الطواف به عليهن قضا ًء لحقّهن كقضاء الدين ،وذلك إذا
أمن ضرره ،فإن لم يطالب فل يلزمه ذلك ; لن لهن التأخير إلى إفاقته لتتم المؤانسة ،ويلزم
الولي الطواف به إن كان الجماع ينفعه بقول أهل الخبرة ،أو مال إليه ،فإن ضره الجماع
وجب على وليّه منعه منه ،فإن تقطع الجنون وانضبط كيوم ويوم ،فأيام الجنون كالغيبة
ي في الجنون مع واحدة وأفاق في
فتطرح ويقسم أيام إفاقته ،وإن لم ينضبط جنونه وأباته الول ّ
نوبة الخرى قضى ما جرى في الجنون لنقصه .
وقال الحنابلة :المجنون المأمون الذي له زوجتان فأكثر يطوف به وليّه وجوبا عليهن ،
لحصول النس به ،فإن خيف منه لكونه غير مأمون فل قسم عليه لنه ل يحصل منه أنس
ي في القسم ثم أفاق الزوج من جنونه قضى للمظلومة ما فاتها استدراكا
لهن ،فإن لم يعدل الول ّ
ق ثبت في ذمته فلزمه إيفاؤه حال الفاقة كالمال .
لظلمته ،لنه ح ّ
الزوجة التي تستحقّ القسم :
-يستحقّ القسم للزوجات المطيقات للوطء ،مسلمات أو كتابيات أو مختلفات ،حرائر أو 12
إماء أو مختلفات ،وإن امتنع الوطء شرعا كمحرمة ،وحائض ونفساء ومظاهر منها ومولىً
منها ،أو امتنع عادةً كرتقاء ،أو امتنع طبعا كمجنونة مأمونة ،ول فرق بين مريضة
وصحيحة ،وصغيرة يمكن وطؤها وكبيرة ،وقسم الزوج لذوات العذار من الزوجات كما يقسم
لغيرهن ; لن الغرض من القسم الصّحبة والمؤانسة والسكن واليواء والتحرّز عن التخصيص
الموحش ،وحاجتهن داعية إلى ذلك ،والقسم من حقوق النّكاح ول تفاوت بين الزوجات فيها
; لن النّصوص الواردة بالعدل بين الزوجات والنهي عن الميل في القسم جاءت مطلقةً ،ونقل
ابن المنذر الجماع على أن القسم بين المسلمة وال ّذمّية سواء ; ولن القسم من حقوق
الزوجية فاستوت فيه المسلمة والكتابية كالنفقة والسّكنى .
). 85/ قف
وانظر مصطلح ( ر ّ
لكن القسم في بعض الزوجات فيه مزيد تفصيل ومن ذلك :
أ -القسم للمطلقة الرجعية :
-ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه ليس على الزوج أن يقسم لمطلقته الرجعية مع سائر 13
للسكن والنس واليواء ،وهي في عدتها ل يحلّ لزوجها الخلوة بها ،بل يحرم .
واختلف الحنفية في القسم لها ،فنقل ابن عابدين صور ًة من هذا الخلف في قوله :قال في
النهر :وعندي أنه يجب -أي القسم -للموطوءة بشبه أخذا من قولهم إنه لمجرد اليناس
ودفع الوحشة ،واعترضه الحمويّ بأن الموطوءة بشبهة ل نفقة لها على زوجها في هذه
العدة ،ومعلوم أن القسم عبارة عن التسوية في البيتوتة والنفقة والسّكنى ،وزاد بعض
الفضلء أنه يخاف من القسم لها الوقوع في الحرام ; لنها معتدة للغير ويحرم عليه مسّها
وتقبيلها ،فل يجب لها .
القسم للزوجة الجديدة :
-اختلف الفقهاء في القسم للزوجة الجديدة لمن عنده زوجة أو زوجات غيرها ،هل يقسم 15
ص بها ،فإذا
ق العقد في قسم السفر ; لنه نوع قسم يخت ّ
لحدى الجديدتين سافر بها ،ودخل ح ّ
قدم من سفره بدأ بالخرى فوفاها حق العقد ; لنه حقّ وجب لها ولم يؤدّه فلزمه قضاؤه كما
ق الولى تممه في
لو لم يسافر بالخرى معه ،فإن قدم من سفره قبل مضيّ مدة ينقضي فيها ح ّ
الحضر وقضى للحاضرة حقها ،فإن خرجت القرعة لغير الجديدتين وسافر بها قضى للجديدتين
حقهما واحدةً بعد واحدة ،يقدّم السابقة دخو ًل إن دخلت عليه إحداهما قبل الخرى ،أو بقرعة
إن دخلتا معا ،وإن سافر بجديدة وقديمة بقرعة أو رضا تمم للجديدة حق العقد ثم قسم بينها
وبين الخرى على السواء .
وقيد المالكية في المشهور من مذهبهم حق الزوجة الجديدة -بكرا أو ثيّبا -في هذا القسم بما
إذا تزوجها الرجل على غيرها ،ومقابل المشهور عندهم أن الزوجة الجديدة لها هذا القسم
مطلقا .تزوجها على غيرها أم ل .
واختلف المالكية فيما تقدم به إحدى الزوجتين الجديدتين إن زفتا إلى الزوج في ليلة واحدة :
فقال اللخميّ عن ابن عبد الحكم يقرع بينهما ،وقبله عبد الحقّ ،وفي أحد قولي مالك :إن
الحق للزوج فهو مخير دون قرعة ،وقال ابن عرفة :الظهر أنه إن سبقت إحداهما بالدّعاء
للبناء قدّمت ،وإل فسابقة العقد ،وإن عقدتا معا فالقرعة .
وذهب الحنفية إلى أنه ل حق للزوجة الجديدة في زيادة قسم تختصّ به ،وقالوا :البكر والثيّب
والقديمة والجديدة سواء في القسم ،لقوله تعالى { :وَعَاشِرُو ُهنّ بِا ْل َمعْرُوفِ } وغايته القسم ،
ولطلق أحاديث النهي عن الجور في القسم ; ولن القسم من حقوق النّكاح ول تفاوت بين
الزوجات في ذلك ; ولن الوحشة في الزوجة القديمة متحقّق حيث أدخل عليها من يغيظها وهي
في الجديدة متوهمة ; ولن للقديمة زيادة حرمة بالخدمة ،وإزالة الوحشة والنّفرة عند الجديدة
تمكن بأن يقيم عندها السبع ثم يسبّع للباقيات ولم تنحصر في تخصيصها بالزّيادة .
بدء القسم وما يكون به :
-اختلف الفقهاء في الوقت الذي يبدأ فيه الزوج القسم بين زوجاته ،وفيما يكون به 17
البتداء :
قال الحنفية والمالكية وهو مقابل الصحيح عند الشافعية :الرأي في البداءة في القسم إلى
الزوج.
وأضاف المالكية :وندب البتداء في القسم بالليل ; لنه وقت اليواء للزوجات ،ويقيم القادم
من سفر نهارا عند أيتهن أحب ول يحسب ،ويستأنف القسم بالليل لنه المقصود ،ويستحبّ
أن ينزل عند التي خرج من عندها ليكمل لها يومها .
وذهب الشافعية -في الصحيح عندهم -والحنابلة إلى وجوب القرعة على الزوج بين
الزوجات للبتداء إن تنازعن فيه ،وليس له إذا أراد الشّروع في القسم البداءة بإحداهن إل
بقرعة أو برضاهن ; لن البداءة بإحداهن تفضيل لها على غيرها ،والتسوية بينهن واجبة ،
ق ول يمكن الجمع بينهن فوجب المصير إلى القرعة إن لم يرضين ،
ولنهن متساويات في الح ّ
فيبدأ بمن خرجت قرعتها ،فإذا مضت نوبتها أقرع بين الباقيات ،ثم بين الخريين ،فإذا تمت
النوبة راعى الترتيب ول حاجة إلى إعادة القرعة ،بخلف ما إذا بدأ بل قرعة فإنه يقرع بين
الباقيات ،فإذا تمت النوبة أقرع للبتداء .
وقالوا :للزوج أن يرتّب القسم على ليلة ويوم قبلها أو بعدها ; لن المقصود حاصل بكلّ ول
يتفاوت ،لكن تقديم الليل أولى ; لن النهار تابع لليل وللخروج من خلف من عينه .
الصل في القسم :
-الصل في القسم وعماده الليل ،وذلك باتّفاق الفقهاء ; لنهم قالوا :التسوية الواجبة في 18
القسم تكون في البيتوتة ; ولن الليل للسكن واليواء ،يأوي فيه الرجل إلى منزله ،ويسكن
إلى أهله ،وينام في فراشه مع زوجته عادةً ،والنهار وقت العمل لكسب الرّزق والنتشار في
الرض طلبا للمعاش ،قال ال تعالى َ { :وجَعَلْنَا اللّ ْيلَ لِبَاسا َ ،وجَعَلْنَا ال ّنهَا َر َمعَاشا } ،وقال
سكُنُواْ فِيهِ وَال ّنهَا َر مُبْصِرا } .
سبحانه ُ { :هوَ الذي جَ َعلَ َلكُمُ اللّ ْي َل لِ َت ْ
وفصل الشافعية والحنابلة ،ووافقهم بعض الحنفية ،فقالوا :الصل في القسم لمن عمله الليل
وكان النهار سكنه كالحارس ونحوه يكون النهار ; لنه وقت سكونه ،وأما الليل فإنه وقت
ل كان أو نهارا ،قل أو
عمله ،والصل في القسم لمسافر وقت نزوله ; لنه وقت خلوته لي ً
كثر ،وإن تفاوت حصل لواحدة نصف يوم ولخرى ربع يوم ،فلو كانت خلوته وقت السير
دون وقت النّزول -كأن كان بمحفة وحالة النّزول يكون مع الجماعة في نحو خيمة -كان هو
وقت القسم ،والصل في القسم لمجنون وقت إفاقته ،أو كما قال الشافعيّ :إنما القسم على
المبيت كيف كان المبيت .
والنهار يدخل في القسم تبعا لليل ،لما روي عن عائشة رضي ال تعالى عنها قالت « :توفّي
ي صلى ال عليه
رسول ال صلى ال عليه وسلم في بيتي وفي يومي » ،وإنما قبض النب ّ
وسلم نهارا ،ويتبع اليوم ،الليلة الماضية أي التي سبقت ذلك اليوم ،وإن أحب الزوج أن
يجعل النهار في القسم لزوجاته مضافا إلى الليل الذي بعده جاز له ذلك ; لنه ل يتفاوت ،
والغرض العدل بين الزوجات وهو حاصل بذلك .
مدة القسم :
-صرح الفقهاء بأن أقل نوب القسم لمن عمله نهارا ليلة ،فل يجوز ببعضها لما في 19
نقص أو تأخير ،لن هذا من العدل الواجب عليه في القسم بينهن ،ولكنهم اختلفوا في خروج
ل أو نهارا ،
ل أو نهارا -ودخوله على غيرها كذلك لي ً
الزوج في نوبة إحدى زوجاته -لي ً
ولهم في ذلك تفصيل على النحو التالي :
قال الشافعية والحنابلة :إن خرج الزوج الذي عماد قسمه الليل من عند بعض نسائه في
زمانها ،فإن كان ذلك في النهار أو أول الليل أو آخره مما جرت العادة بالنتشار فيه والخروج
إلى الصلة جاز ،وإن خرج في غير ذلك من الليل ولم يلبث أن عاد لم يقض لمن خرج من
عندها هذا الوقت للمسامحة به ; ولنه ل فائدة في قضائه لقصره ،وإن طال زمن خروجه
قضاه ،سواء أكان لعذر أم لغير عذر ; لنه مع طول الزمن ل يسمح به عادةً ،فيكون حقّها قد
ق الدميّ ل يسقط ولو بعذر إل بإسقاط صاحبه ...فوجب القضاء .
فات بغيبته عنها ،وح ّ
وليس لهذا الزوج دخول في نوبة زوجة على غيرها ليلً ،لما فيه من إبطال حقّ صاحبة
النوبة ،إل لضرورة كمرضها المخوف وشدة الطلق وخوف النهب والحرق ،وحينئذ إن طال
مكثه عرفا قضى لصاحبة النوبة من نوبة المدخول عليها مثل مكثه ،وإن لم يطل مكثه فل
يقضي ،وإذا تعدى بالدّخول قضى إن طال مكثه وإل فل قضاء ،وأثم .
وإن دخل الزوج في نوبة إحدى زوجاته على غيرها نهارا فإنه يجوز لحاجة ; لنه يتسامح فيه
ما ل يتسامح في الليل ،فيدخل لوضع متاع ونحوه كتسليم نفقة وتعرّف خبر وعيادة ..لحديث
عائشة رضي ال تعالى عنها « :وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم قل يوم إل وهو يطوف
علينا جميعا ،فيدنو من كلّ امرأة من غير مسيس ،حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت
عندها» ،فإذا دخل لشيء من ذلك لم يطل مكثه عن قدر الحاجة ولم يجامع .
قال الشافعية :ينبغي أن ل يطول مكثه ،أي يجوز له تطويل المكث لكنه خلف الولى ،وذهب
بعضهم إلى وجوب عدم تطويل المكث لن الزائد على الحاجة كابتداء دخول لغيرها وهو حرام ،
والصحيح أنه ل يقضي إذا دخل لحاجة وإن طال الزمن ; لن النهار تابع مع وجود الحاجة .
وفي مقابل الصحيح يجب قضاء المدة -إن طالت -دون الجماع ،ووفق بعضهم بين القولين
بحمل الول على ما إذا طالت بقدر الحاجة ،والثاني على ما إذا طالت فوق الحاجة .
والصحيح -عندهم -أيضا أن له ما سوى الوطء من استمتاع ..للحديث السابق ; ولن
النهار تابع ،والقول الثاني :ل يجوز ،أما الوطء فإنه ل يجوز لغير صاحبة النوبة ،سواء
أكان ليلً أم نهارا .
وقال الحنابلة :إن أطال المقام عند غير صاحبة النوبة قضاه ،وإن استمتع بها بما دون الفرج
ففيه وجهان :أحدهما يجوز لحديث عائشة رضي ال تعالى عنها ،والثاني ل يجوز لنه
يحصل لها به السكن ،وإن دخل عليها فجامعها في الزمن اليسير -ليلً أو نهارا -ففيه
وجهان :أحدهما ل يلزمه قضاؤه ،لن الوطء ل يستحقّ في القسم ،والزمن اليسير ل يقضى
.والثاني :يلزمه أن يقضيه وهو أن يدخل على المظلومة في ليلة المجامعة فيجامعها فيعدل
بينهما ..ولن اليسير مع الجماع يحصل به السكن فأشبه الكثير .
وقال الحنفية :يلزم الزوج التسوية بين زوجاته في الليل ،حتى لو جاء للولى بعد الغروب
وللثانية بعد العشاء فقد ترك القسم ،ول يجامعها في غير نوبتها ،ول يدخل عليها إل
لعيادتها ،ولو اشتد مرضها -ففي الجوهرة -ل بأس أن يقيم عندها حتى تشفى أو تموت ،
يعني إذا لم يكن عندها من يؤنسها .
والنوبة ل تمنع أن يذهب إلى الخرى لينظر في حاجتها ويمهّد أمورها ،وفي صحيح مسلم
« أنهن كن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها » ،والذي يظهر أن هذا جائز برضاء صاحبة
النوبة إذ قد تتضيق لذلك .
وقال المالكية :ل يدخل الزوج في يوم إحدى زوجاته على ضرتها ،أي يمنع ،إل لحاجة غير
الستمتاع كمناولة ثوب ونحوه فيجوز له ولو أمكنه الستنابة فيها على الشبه بالمذهب .
ولمالك ل بد من عسر الستنابة فيها ،وعمم ابن ناجي دخوله لحاجة في النهار والليل مخالفا
لشيخه في تخصيص الجواز بالنهار ،وللزوج وضع ثيابه عند واحدة دون الخرى لغير ميل
ول إضرار ،ول يقيم عند من دخل عندها إل لعذر ل بد منه ،وجاز في يومها وطء ضرتها
بإذنها ،ويجوز من غير حاجة السلم بالباب من خارجه في غير يومها ،وتفقّد شأنها من غير
دخول إليها ول جلوس عندها على المذهب ،ول بأس بأكل ما بعثت إليه بالباب ل في بيت
الخرى لما فيه من أذيتها .
ذهاب الزوج إلى زوجاته ودعوتهن إليه :
-اتفق الفقهاء -في الجملة -على أن الولى في حالة تعدّد الزوجات أن يكون لكلّ منهن 21
وفوت على إحداهن قسمها فقد اختلفوا في قضاء ما فات من القسم :
فقال الحنفية والمالكية :ل يقضي الزوج المبيت الذي كان مستحقّا لحدى زوجاته ولم يوفه
لها; لن القصد من المبيت دفع الضرر وتحصين المرأة وإذهاب الوحشة ،وهذا يفوت بفوات
زمنه ،فل يجعل لمن فاتت ليلتها ليلةً عوضا عنها لنه حينئذ يظلم صاحبة تلك الليلة التي
جعلها عوضا; ولن المبيت ل يزيد على النفقة وهي تسقط بمضيّ المدة عند الحنفية .
وقال الشافعية والحنابلة :على الزوج أن يقضي ما فات من القسم للزوجة إذا لم يكن ذلك
بسبب من جانبها كنشوزها أو إغلقها بابها دونه ومنعها إياه من الدّخول عليها في نوبتها .
وأسباب فوات القسم متعدّدة :فقد يسافر الزوج بإحدى الزوجات فيفوت القسم لسائرهن ..وقد
سبق بيان حكم القضاء لهن تفصيلً .
وقد يتزوج الرجل أثناء دورة القسم لزوجاته وقبل أن يوفي نوبات القسم المستحقة لهن ،
فيقطع الدورة ليختص الزوجة الجديدة بقسم النّكاح ،مما يترتب عليه فوات نوبة من لم يأت
دورها فيجب القضاء لها ..وقد سبق بيان ذلك .
وقد يفوت قسم إحدى الزوجات بسفرها ،وفي ذلك تفصيل عند الشافعية والحنابلة :
قالوا :إن سافرت بغير إذنه لحاجتها أو حاجته أو لغير ذلك فل قسم لها ; لن القسم للنس
وقد امتنع بسبب من جهتها فسقط ،وإن سافرت بإذنه لغرضه أو حاجته فإنه يقضي لها ما
فاتها بحسب ما أقام عند ضرتها لنها سافرت بإذنه ولغرضه ،فهي كمن عنده وفي قبضته
وهو المانع نفسه بإرسالها ،وإن سافرت بإذنه لغرضها أو حاجتها ل يقضي لها ( عند الحنابلة
وفي الجديد عند الشافعية ) لنها فوتت حقه في الستمتاع بها ولم تكن في قبضته ،وإذنه لها
بالسفر رافع للثم خاصةً .
وأضاف الشافعية :لو سافرت لحاجة ثالث -غيرها وغير الزوج -قال الزركشيّ :فيظهر أنه
كحاجة نفسها ،وهو -كما قال غيره -ظاهر إذا لم يكن خروجها بسؤال الزوج لها فيه ،وإل
فيلحق بخروجها لحاجته بإذنه ،ولو سافرت وحدها بإذنه لحاجتهما معا لم يسقط حقّها كما قال
الزركشيّ وغيره بالنّسبة للنفقة ومثلها القسم ،خلفا لما بحثه ابن العماد من السّقوط .
وقد يفوت قسم إحدى الزوجات بتخلّف الزوج عن المبيت عندها في نوبتها أو بخروجه أثناء
نوبتها ،فإن كان الفوات للنوبة بكاملها وجب قضاؤها كاملةً ،وإن كان الفوات لبعض النوبة
كأن خرج ليلً -فيمن عماد قسمه الليل -وطال زمن خروجه ولو لغير بيت الضرة . .فإنه
يجب القضاء وإن أكره على الخروج .
تنازل الزوجة عن قسمها :
-اتفق الفقهاء على أنه يجوز لحدى زوجات الرجل أن تتنازل عن قسمها ،أو تهب حقها 24
من القسم لزوجها أو لبعض ضرائرها أو لهن جميعا ،وذلك برضا الزوج ; لن حقه في
الستمتاع بها ل يسقط إل برضاه لنها ل تملك إسقاط حقّه في الستمتاع بها ،فإذا رضيت هي
والزوج جاز ; لن الحق في ذلك لهما ل يخرج عنهما ،فإن أبت الموهوبة قبول الهبة لم يكن
لها ذلك لن حق الزوج في الستمتاع بها في كلّ وقت ثابت وإنما منعته المزاحمة بحقّ
صاحبتها ،فإن زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقّه في الستمتاع بها وإن كرهت كما لو كانت
منفردةً ،وقد ثبت « أن سودة بنت زمعة رضي ال تعالى عنها وهبت يومها لعائشة رضي ال
تعالى عنها ،فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة » .
ويعلّق الشافعية على هذه الهبة بقولهم :هذه الهبة ليست على قواعد الهبات ،ولهذا ل يشترط
قبول الموهوب لها أو رضاها ،بل يكفي رضا الزوج ; لن الحق مشترك بين الواهبة وبينه ،
إذ ليس لنا هبة يقبل فيها غير الموهوب له مع تأهّله للقبول إل هذه .
وقال الشافعية والحنابلة :إن وهبت ليلتها لجميع ضرائرها ،ووافق الزوج ،صار القسم
بينهن ،كما لو طلق الواهبة ،وإن وهبتها للزوج فله جعلها لمن شاء :إن أراد جعلها
للجميع ،أو خص بها واحدةً منهن ،أو جعل لبعضهن فيها أكثر من بعض .
وقيل -عند الشافعية -ليس للزوج أن يجعل الليلة الموهوبة له حيث شاء من بقية
الزوجات ،بل يسوّي بينهن ول يخصّص ; لن التخصيص يورث الوحشة والحقد ،فتجعل
الواهبة كالمعدومة .
وعند الشافعية كذلك أن إحدى الزوجات لو وهبت ليلتها للزوج ولبعض الزوجات ،أو له
وللجميع ،فإن حقها يقسم على الرّءوس ،كما لو وهب شخص عينا لجماعة .
وقال الشافعية والحنابلة :إن وهبت إحدى الزوجات ليلتها لواحدة جاز ،ثم إن كانت تلك الليلة
تلي ليلة الموهوبة والى بينهما ،وإن كانت ل تليها لم يجز الموالة بينهما إل برضاء
الباقيات ،ويجعلها لها في الوقت الذي كان للواهبة ; لن الموهوبة قامت مقام الواهبة في
ليلتها فلم يجز تغييرها كما لو كانت باقي ًة للواهبة ; ولن في ذلك تأخير حقّ غيرها وتغييرا
لليلتها بغير رضاها فلم يجز ،وكذلك الحكم إذا وهبتها للزوج فآثر بها امرأةً منهن بعينها .
وفي قول عند الشافعية ووجه عند الحنابلة أنه يجوز للزوج أن يوالي بين الليلتين لعدم الفائدة
في التفريق .
وللزوجة الواهبة الرّجوع متى شاءت فإذا رجعت انصرف الرّجوع من حينه إلى المستقبل ;
لنها هبة لم تقبض فلها الرّجوع فيها ،وليس لها الرّجوع فيما مضى لنه بمنزلة المقبوض ،
ولو رجعت في بعض الليل كان على الزوج أن ينتقل إليها ،فإن لم يعلم حتى أتم الليلة لم يقض
لها شيئا لن التفريط منها .
ونص بعض الحنفية على ما يوافق الشافعية والحنابلة في المسائل السابقة .
العوض للتنازل عن القسم :
-اختلف الفقهاء في أخذ الزوجة المتنازلة عن قسمها عوضا على ذلك . 25
فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه ل يجوز لها ذلك ،ل من الزوج ول من الضرائر ،فإن أخذت
لزمها ردّه واستحقت القضاء ; لن العوض لم يسلم لها ،وإنما لم يجز أخذ العوض عن قسمها
لنه ليس بعين ول منفعة ; ولن مقام الزوج عندها ليس بمنفعة ملكتها .
وأضاف الحنابلة :إن كان العوض غير المال مثل إرضاء زوجها وغيره عنها جاز فإن عائشة
رضي ال تعالى عنها « أرضت رسول ال صلى ال عليه وسلم عن صفية رضي ال تعالى
عنها وأخذت يومها ،وأخبرت بذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم ينكره » .
قال ابن تيمية :قياس المذهب جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره ووقع في
كلم القاضي ما يقتضي جوازه .
وذهب المالكية إلى أن أخذ العوض على ذلك جائز ،فقالوا :جاز للزوج إيثار إحدى الضرتين
على الخرى برضاها ،سواء كان ذلك بشيء تأخذه منه أو من ضرتها أو من غيرهما ،أو
ل ،بل رضيت مجانا ،وجاز للزوج أو الضرة شراء يومها منها بعوض ،وتختصّ الضرة بما
اشترت ،ويخصّ الزوج من شاء بما اشترى ،وعقب الدّسوقيّ بقوله :وتسمية هذا شراءً
مسامحة ،بل هذا إسقاط حقّ لن المبيع ل بد أن يكون متمولً .
ما يسقط به القسم :
-يسقط حقّ الزوجة في القسم بإسقاطها ويسقط بالنّشوز كما تسقط به النفقة ..وذلك 26
باتّفاق الفقهاء ،ومن النّشوز أن تخرج بغير إذنه أو تمنعه من التمتّع بها ..قال الشافعية :
ولو بنحو قبلة وإن مكنته من الجماع حيث ل عذر في امتناعها منه ،فإن عذرت كأن كان به
صنان مستحكم -مثلً -وتأذت به تأذّيا ل يحتمل عاد ًة لم تعد ناشزةً ،وتصدق في ذلك إن لم
تدل قرينة قوية على كذبها ..وسقوط حقّ الناشزة في القسم لنها بخروجها على طاعة زوجها
وامتناعها منه رضيت بإسقاط حقّها في القسم .
ول تستحقّ القسم زوجة صغيرة ل تطيق الوطء ،وكذا المجنونة غير المأمونة ،والمحبوسة ;
لن في إلزام زوجها بالقسم لها إضرارا به حيث يدخل الحبس معها ليوفيها قسمها ،والزوجة
المسافرة لحاجتها وحدها بإذن زوجها .
قِسمة *
التعريف :
-القسمة لغةً :النصيب ،جعل الشيء أو الشياء أجزا ًء أو أبعاضا متمايز ًة . 1
قال الفيّوميّ :قسمته قسما ،من باب ضرب :فرزته أجزا ًء فانقسم ،والموضع مَقسِم مثل
مسجِد ،والفاعل قاسم ،وقسّام مبالغة ،والسم القِسم " بالكسر " ثم أطلق على الحصة
والنصيب ،فيقال :هذا قسمي ،والجمع أقسام ،مثل حِمل وأحمال ،واقتسموا المال بينهم ،
والسم القسمة ،وأطلقت على النصيب أيضا .
وفي الصطلح :جمع نصيب شائع في معين :أي في نصيب معيّن ،وإنما كانت جمعا
للنصيب بعد تفرّق ،لنه كان قبل القسمة موزعا على جميع أجزاء المشترك ،ما من جزء -
ي ،ثم صار بعد
مهما قلّ -إل ولك ّل واحد من الشّركاء فيه بنسبة مَا َلهُ في المجموع الكلّ ّ
القسمة منحصرا في جزء معين ل تتخلله حقوق أحد من بقية الشّركاء ،ولو كانت الجزئية
باعتبار الزمان ،كما في المهايأة الزمانية .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -البيع :
-البيع لغةً :مقابلة شيء بشيء ،أو دفع عوض وأخذ ما عوّض عنه . 2
مر من المستثنيات في أشباه لها -وإن كانت محض تمييز حقوق فإنها ل تعطى أحكام العقود
ل.
أص ً
فمن أمثلة ذلك :
أ -الخيارات :تدخل الخيارات القسمة بناءً على أنها بيع ،ول تدخلها بناءً على أنها تمييز
حقوق ،هكذا نص الشافعية والحنابلة ،وهو مستفاد من كلم المالكية ،إل أن من الحنابلة من
نفى فيها خيار الشرط على أية حال ،ومنهم من أثبت خيار المجلس وخيار الشرط على أية
حال ،وعللوه بأن الخيار لم يشرع خاصّا بالبيع ،بل للتروّي وتبيّن أيّ المرين أرشد ،وهذا
المعنى موجود في القسمة .
ونظرا إلى أن معنى البيع قائم في كلّ قسمة عند الحنفية لم يردّدوا هذا الترديد ،بل أطلقوا
دخول الخيارات في جميع أقسامها ،ولكن على تفاوت يرجع إلى معنىً آخر .
فقسمة الجناس المختلفة -وهي قسمة تراض ل إجبار فيها -تدخلها الخيارات الثلثة :خيار
الشرط ،وخيار العيب ،وخيار الرّؤية .
وقسمة الجنس الواحد من المثليات -وهي تقبل الجبار -ل يدخلها سوى خيار العيب .
وقسمة الجنس الواحد من القيميات ،كالبقر أو الغنم أو الثّياب من جنس واحد -وهي تقبل
الجبار أيضا -يدخلها خيار العيب بل خلف ،كما يدخلها خيار الشرط والرّؤية على الصحيح
المفتى به .
ب -الشّفعة :إن كانت القسمة تمييز حقوق لم تثبت فيها الشّفعة قو ًل واحدا ،وإن كانت بيعا
:فقد صرح الشافعية بثبوتها ،وصوروها بما إذا تقاسم شريكان من ثلثة شركاء ،وتركا
نصيب الثالث مع أحدهما بإذن هذا الثالث ،فإن الشّفعة تثبت لهذا الثالث ،وقد أنكره الحنفية
لن الشّفعة تثبت على خلف القياس في المبادلة المحضة ،والقسمة ليست مبادلةً محضةً .
ص بالقسمة ،
أما الحنابلة فقد اختلفوا فمنهم من أثبتها على الصل ،ومنهم من نفاها لمانع خا ّ
إذ تثبت لكلّ واحد منهما الشّفعة على الخر ،إذ لو ثبتت لهذا على ذاك لثبتت لذاك على هذا
فيتنافيان ،ووصفه المرداويّ بأنه الصواب .
ج -التقايل :إن كانت القسمة بيعا قبلت التقايل ،وإن كانت مجرد تمييز حقوق لم تقبله ،
نص عليه الشافعية .ويؤخذ أيضا من كلم المالكية ،وجرى ابن عابدين من الحنفية على أن
قسمة المثليات ل تقبل التقايل ،لغلبة معنى الفراز ،وقسمة القيميات تقبله ،فإن خلط
المقتسمون ما اقتسموه من المثليّ كانت شركةً جديدةً ،مع أن العلئي وصاحب تنوير البصار
على تعميم القبول .
أقسام القسمة :
-تنقسم القسمة باعتبار الحاجة إلى التقويم وعدمه إلى ثلثة أقسام : 8
تفاوت الغراض ،أو لنه تفاوت من التفاهة بحيث ل يعتدّ به ،فتكون القسمة قسمة إفراز ;
ل أو وزنا أو ذرعا أو
لنها ل تتطلب أكثر من إفراز كلّ نصيب على حدة بمعياره الشرعيّ :كي ً
عدّا ،وتسمى أيضا قسمة المتشابهات :لنها ل تكون إل فيما تشابهت أنصباؤه حتى ل تفاوت
يذكر ،أو القسمة بالجزاء :لن نسبة الجزء الذي يأخذه كلّ شريك هي بعينه نسبة حقّه إلى
المال المشترك ،وذلك إنما يكون في المثليات المتحدة النوع -كدنانير بلد بعينه ،وكالقمح
الهنديّ ،والرزّ اليابانيّ ،وكالدهان المتماثلة من شيرج أو زيت أو عطور أو ما إليها -
وفيما شاكلها من القيميات المتحدة النوع كذلك :كالمنسوجات الصّوفية أو الحريرية أو القطنية
،وكالكتب ،والقلم ،والساعات ،والحذية ،وكالدار الواحدة التي في كلّ من جانبيها مثل ما
في الخر من البنية تصميما ،وأدوات بناء ،وإحكام صنعة ،وعدد حجر مع إمكان قسمة
الساحة الفاصلة بين الجانبين .وبالجملة عندما تتساوى النصباء صور ًة وقيمةً .
ثانيا :قسمة التعديل :
-وتكون عندما ل تتعادل النصباء بذاتها ،وإنما تتعادل باعتبار القيمة ،يوضّحه :أنه 10
ربما كان المال المشترك بين اثنين مناصفةً ،ولكن قيمة ثلثه -لما اختص به من مزايا -
ق النّصف ،والثّلثان سهما آخر
تساوي قيمة ثلثيه ; فيجعل في القسمة الثّلث المذكور سهما بح ّ
ق النّصف ،والكتاب والقلم سهما آخر
ق النّصف الخر ،كما أن الساعة قد تجعل سهما بح ّ
بح ّ
ق النّصف الخر ،إن كانت قيمتها تساوي قيمتيهما .
بح ّ
ثالثا :قسمة الردّ :
-وتكون إذا لم تعدل النصباء ،بل تركت متفاوتة القيمة اختيارا أو اضطرارا ،وبحيث 11
يكون على الذي يأخذ النصيب الزائد أن يرد على شريكه قيمة حقّه في تلك الزّيادة .
وسمّيت بذلك لمكان الحاجة فيها إلى ردّ مال أجنبيّ عن مال الشركة إلى بعض الشّركاء -وهي
قسمة تعديل أيضا -ولكن يشار إليها بفصلها المميز ،وإذا أطلقت قسمة التعديل فإنما تنصرف
إلى ما ل رد فيها ،وهاك مثالين لقسمة الردّ :أحدهما يمثّلها في حالة الختيار ،والخر في
حالة الضطرار :
المثال الول :أرض مشتركة بين اثنين مناصفةً .وفي أحد جانبيها بئر ِلرَيّها ل تمكن
قسمتها ،فقد يمكن أن تقسم الرض نصفين على سواء ،ويكون على الذي يأخذ النّصف الذي
فيه البئر نصف قيمتها للذي يأخذ النّصف الخر ،وهذه قسمة ر ّد .
ويمكن أن تقوّم الرض والبئر معا بألف وخمسمائة مثلً ،للبئر منها ثلثها :فيأخذ أحدهما
البئر وربع الرض ،ويأخذ الخر الثلثة الرباع الباقية ،وهذه قسمة تعديل ل رد فيها .
فإذا قسمت على النحو الول فهي قسمة ردّ يؤثرانها اختيارا دون أن تلجئ إليها ضرورة .
ومثل البئر غيرها كشجرة أو بناء ل يقسم أو منجم " معدن " كذلك .
المثال الثاني :لو فرضنا في المثال السابق أن قيمة البئر تساوي أكثر من قيمة الرض كلّها ،
فحينئذ ل يكون بدّ من أن يرد آخذها على الخر قيمة ما بقي له في تلك البئر بعد التعديل
بالقيمة ،فإذا كانت قيمة الرض ألفا ،وقيمة البئر ألفا ومائتين ،فإن نصيب كلّ منهما يكون ما
قيمته ألف ومائة ،فإذا أخذ أحدهما الرض كلها وترك البئر ،رد عليه الخر مائ ًة ،وإذا أخذ
بعض الرض فقط رد عليه الخر أيضا قيمة ما ترك له منها .
وهذا التقسيم للشافعية ،ويلخّصونه بأن المقسوم إن تساوت النصباء منه صور ًة وقيمةً
فالفراز ،وإل فإن لم يحتج إلى ردّ شيء آخر فالتعديل ،وإل فالردّ ،وقد صرح الحنابلة
بمثله ،وإن لم يبرزوه إبراز الشافعية ،ومن ذلك قول ابن مفلح في الفروع :وتعدل السّهام
بالجزاء إن تساوت ،وبالقيمة إن اختلفت ،وبالر ّد إن اقتضته .
ول بد عند المالكية من التقويم ،ويقوم مقامه التحرّي ،أي الخرص في قسمة الزرع قبل بُ ُدوّ
صلحه بشرط القطع ،وكذا فيما يقبل التفاضل من غير المزروعات ،وذلك في كلّ شيء تراد
قسمته بالقرعة عقارا أو منقولً ،باستثناء شيئين اثنين على خلف عندهم في استثنائهما :
أ -المثليات -وهي المكيلت والموزونات والمعدودات " المتفقة الصّفة " ،فإنها تقسم كيلً أو
وزنا أو عدّا ،والستثناء إنما هو على القول بقبولها القرعة ،فإن ابن عرفة في فتاويه ،تبعا
للباجيّ ،لم يفرّق بينها وبين القيميات ،وعبارة ابن القاسم في المدونة :قال مالك :تقسم
الشياء كلّها على القيمة ،ثم يضرب بالسّهام .
ب -العقار المتفق المباني :بأن يكون في كلّ من جانبيه مثل ما في الخر عينا ومنفعةً ،فإنه
ي على عدم اعتماده ،واعتمدوه في
يجوز عند بهرام أن يقسم بالمساحة ،وجرى الخرش ّ
حواشي التّحفة .
فأنت ترى قسمة الفراز واضحةً لئحةً عند المالكية وموافقيهم في قسمة المثليات المتفقة
الصّفة ،وفي قسمة العقار المتفق المباني :الول على معتمدهم ،والثاني على قول بهرام
ومعتمديه ،وقسمة التعديل فيما عداهما .
هذا بالنّسبة لقسمة القرعة ،أما قسمة التراضي فقد تكون بتقويم وتعديل وقد تكون بدونهما .
أما قسمة الردّ ،فالمالكية يثبتونها على التراضي من غير قرعة ; لنطواء القرعة فيها على
الغرر الكثير ،إذ قد يريد أحد الشريكين أخذ الحظّ وتحمّل الفرق أو عكسه ،ولكن القرعة
تخرج له ما ل يشتهي ،وقد أثبتها خليل في قسمة القرعة أيضا لكن في الشيء القليل ،إل
أنهم لم يعتمدوه ،وفي ذلك يقول النفراويّ :ول يؤدّي أحد الشّركاء ثمنا لشريكه لزيادة في
سهمه ،مثال ذلك :أن يكون المشترك فيه ثوبين ،وكان أحدهما يساوي دينارين ،والخر
يساوي دينارا ،واقترعا على أن من صار له الذي يساوي الدّينارين يدفع نصف دينار ليحصل
التعادل ،فإن ذلك غير جائز ،لما يلزم من دخول قسمة القرعة في صنفين ،وهو غير جائز
في قسمة القرعة ،قال خليل -بالعطف على ما ل يجوز " -أو فيه تراجع ،إل أن يقل "
والمعتمد عدم الجواز ،ولو قل ما به التراجع ،ولذلك قال ابن أبي زيد " :وإن كان في ذلك
الفعل الذي دخل عليه تراجع لم يجز القسم بوجه من الوجوه إل بتراض منهما فيجوز ; لن
قسمة المراضاة يجوز دخولها في الجنسين " وحينئذ فما يقع بين العوام من " الفصال " -وهو
قسمة المواشي -من جعل نحو البقرة قسما ،وبنتها مع بعض دراهم قسما آخر ،ويدخلن
على القرعة ،فاسد -وإن استحسنه اللخميّ بالشيء القليل ،ومشى عليه العلمة خليل ،فقد
علمت أن المعتمد -كما قال ابن عرفة المنع مطلقا .
وأما بالمراضاة بأن يقول أحدهما لصاحبه :أنت بالخيار بين أخذ الصغيرة وتأخذ كذا ،أو
الكبيرة وتدفع كذا -من غير قرعة -فيجوز ،ومثله في التّحفة وحواشيها ،ومثلوا بدارين
إحداهما بمائة والخرى بستّين أو تسعين :ل يجوز بالقرعة أن يستقل كلّ بدار ،على أن يرد
من أخذ أفضل الدارين عشرين في الحالة الولى ،أو خمسةً في الحالة الثانية ،ورخص في
ي ،أي وفي كلّ حالت القلة ،وقدروها بنصف العشر أو نحوه ،وظاهر
هذه الخيرة اللخم ّ
المدونة جواز قسمة الر ّد بإطلق ،وإن كان كلمها في العقار .
تقسيم القسمة باعتبار إرادة المتقاسمين :
-القسمة بهذا العتبار قسمان :قسمة تراض ،وقسمة إجبار ،ول يخالف في ذلك أحد 12
من أهل العلم على الجماع .ذلك أن الشّركاء قد يرغبون جميعا في قسمة المال المشترك ،أو
يرغب بعضهم ويوافق الباقون على أصل القسمة وعلى كيفية تنفيذها ،فل تكون بهم حاجة
إلى اللّجوء إلى القضاء ،وتسمى القسمة حينئذ قسمة تراض .
وقد يرغب واحد أو أكثر ،ويأبى غيره ،فإذا لجأ الراغب إلى القضاء ،فإن القاضي يتولى
قسمة المال وفق الصول المقررة شرعا ،وتكون القسمة حينئذ قسمة إجبار .
فقسمة التراضي :هي التي تكون باتّفاق الشّركاء .
وقسمة الجبار :هي التي تكون بواسطة القضاء ،لعدم اتّفاق الشّركاء .
ثم ليس حتما في قسمة الجبار أن يتولها القاضي بنفسه ،أو بمن يندبه لذلك ،بل له أن
يحبس الممتنع من القسمة حتى يجيب إليها ،ويحدّد له القاضي مدةً معقولةً لتمامها بصورة
عادلة .وفي كلم الحنفية إشارة صريحة إلى نحو من هذا ،إذ يقولون :ليست القسمة بقضاء
على الحقيقة ،حتى ل يفترض على القاضي مباشرتها ،وإنما الذي يفترض عليه جبر البي
على القسمة .
-وقد علمنا فيما سلف أن قسمة النوع الواحد تقبل الجبار عند الحنفية مثليّا كان كالحبوب 13
واحدا كان أو أكثر ،حتى لو كانت القسمة ضار ًة بجميع الشّركاء لكنهم رضوا بها فهذا شأنهم
وحدهم ; لن الحق لهم ل يعدوهم ،وهم أدرى بحاجاتهم ،فل يكون ثم مانع منها وقد رضوا
بضرر أنفسهم .
-ول يخالف أحد من أهل العلم على الجماع في أن القسمة تتنوع إلى :قسمة تراض 15
بعضا ،كالرض الواحدة التي تتفاوت أجزاؤها جودةً ورداءةً ،أو يختلف نوع غراسها -كأن
كان في أحد جانبيها حديقة عنب وفي الخر حديقة نخل ،والدار الواحدة التي يكون في أحد
جانبيها بناء من حجر وفي الخر بناء من اللّبِن ،أو لحدهما واجهة مرغوب فيها ،وللخر
واجهة مرغوب عنها -هذا العقار يقبل الجبار على قسمته ،فإذا طلب أحد الشّركاء القسمة
أجبر القاضي الممتنع ،إل أن من الشافعية كالماورديّ والرّويانيّ ،ومن الحنابلة كأبي
الخطاب ،من يذكرون هنا تفقّها -وبه جزم بعضهم -أنه إذا أمكنت قسمة الجيّد وحده
والرديء وحده ،فإن الجبار إنما يكون على قسمة كلّ على حدة ،قياسا على الراضي
المتعدّدة التي يمكن قسمة كلّ منها على حدة ،ول سبيل إلى جمع الكلّ حينئذ وقسمته قسمةً
واحدةً باعتبار القيمة .
ومعنى ذلك -بجانب أن الراضي تعتبر نوعا واحدا عند الشافعية والحنابلة وأن تعدّدها بمثابة
اختلف الصّفة كالجودة والرداءة -أنه متى أمكنت قسمة الفراز ،ل يلجأ القاضي إلى قسمة
التعديل ،ومتى أمكنت قسمة كلّ عين على حدة ،ولو تعديلً ،ل يلجأ القاضي إلى قسمة
العيان مجتمعةً ،وهذا بيّن لئح ; لن الوصول إلى عين الحقّ ما أمكن هو عين النصاف ،
أما بالتراضي فللشّركاء أن يفعلوا ما شاءوا ،إفرازا أو تعديلً أو ردّا .
أما إذا تعدد نوع العقار ،كأن كانت الشركة في عدة دور أو حوانيت ،فهذه أجناس مختلفة
حكما ،وإن كانت جنسا واحدا حقيق ًة لختلف الغراض باختلف البنية ومواقع البناء ،ول
يجمع في قسمة الجبار بين جنسين .فتقسم -إن لم يتراضوا على الجمع -كلّ دار وكلّ
حانوت على حدة ،سواء أكانت متجاور ًة أم متباعدةً ،لتفاوت مقاصدها ،نعم .اعتمد الشافعية
-خلفا لبعض منهم ،خلفا للحنابلة الذاهبين إلى أن كل ما ل تجمعه الشّفعة ل تجمعه
القسمة ،إذ كلتاهما لزالة ضرر الشركة أن الجنسين إذا أمكن تنزيلهما منزلة الجنس الواحد ،
لكونهما أشبه بالحجر في الدار الواحدة ،يجمع بينهما في قسمة الجبار ،وقد ضربوا لذلك
مثلين .
الول :ضيعة بين اثنين تتألف من بضعة أفدنة ودارين ،فإذا طلب أحدهما القسمة ،واقتضت
أن يستقل ك ّل منهما بدار من الدارين ،فإنه يجاب إلى ذلك .
الثاني :الدكاكين الصّغار المتلصقة " وتسمى العضائد " ،فل تتفاوت فيها الغراض وألتي ل
يقبل كلّ منها القسمة على حدة ،يجوز أن تجمع بينها في قسمة أعيانها قسمة إجبار ،على أل
تبقى للشركة علقة ،كما سيجيء .
-ثانيا :اتّحاد الصّنف :في قسمة المنقولت ،فليس يكفي فيها اتّحاد الجنس حتى يتحد 17
صنفها أيضا ،لن هذا هو الذي يقلّل من شأن تفاوت الغراض فيها .فل إجبار على قسمة
التعديل عندما يختلف جنس المنقولت :كأبسطة وستائر ووسائد وحشايا ومقاعد ومناضد
وثلجات وقماطر ،أو يختلف نوعها :كثياب بعضها حرير .وبعضها قطن ،وبعضها صوف ،
وأبسطة عجمية وأخرى عادية ،وقماطر خشبية وأخرى من الصاج ،أو يختلف صنفها :
ي ،وخشب زان وخشب أبيض .
كحرير هنديّ وحرير يابان ّ
ول بد أن يفرض مع اتّحاد الجنس والصّنف اختلف الصّورة والمظهر ،أو اختلف القيمة وإل
كان الموضع لقسمة المتشابه ( قسمة الفراز ) ،كما علم مما سبق ( ف ، ) 9 /ل لقسمة
التعديل ،وقد أشار إلى ذلك بعض المتأخّرين ،فالبسطة مثلً تختلف أحجامها وعدد فتلتها -
وهو اختلف في الصّورة -ويتبعه اختلف القيمة ،فإذا كانت هنالك ثلثة أبسطة من صنف
واحد مشتركة بين اثنين مناصفةً ،وقيمة أحدها مائة دينار ،وقيمة الخرين معا مائة ،وطلب
أحدهما القسمة على هذا النحو ،أي قسمة تعديل ،فإنه يجاب ويجبر الخر إذا امتنع ،لقلة
تفاوت الغراض حينئذ ،بخلف ما إذا اختلفت أجناس البسطة أو أصنافها ،فإنه ل سبيل إلى
قسمتها قسمة تعديل إل بالتراضي ; لشدة تعلّق الغراض بكلّ نوع وصنف ،وهكذا يقال في
ل كالحيوانات ،كما إذا فرضنا مكان
غير البسطة ،ل سيما إذا كانت آحاده ل تقبل القسمة أص ً
البسطة ثلث بقرات .
والحنابلة ل يشترطون سوى اتّحاد النوع وتساوي القيمة وإن اختلف الصّنف ،كالضأن
والمعز.
-ثالثا :أل تبقي القسمة شيئا مشتركا :أي من المال المراد قسمه ،وهذا هو الذي يعنونه 18
" بانقطاع العلقة بين الشّركاء " ،وهاك بضعة أمثلة :
أ -سيارتان بين اثنين مناصفةً ،قيمة إحداهما ألف وخمسمائة دينار ،وقيمة الخرى
خمسمائة دينار فحسب ،ل يمكن الجبار على قسمتهما إذا منعنا الجبار على قسمة السيارة
العلى قيمةً ،لبقاء الشركة فيها حينئذ ،ولذا يقولون :لو كان بين اثنين بقرتان ،قيمة
إحداهما نصف قيمة الخرى ،فطلب أحدهما القسمة على أن يبقى لمن خرج له أقلّهما قيمةً
ربع الخرى ،فل إجبار على المذهب عند الشافعية ،وهكذا كلّ أدنى وأعلى ،ومثله للحنابلة .
ب -الرض المشتركة يكون فيها بناء أو شجر ،فيطلب أحد الشّركاء قسمة البناء أو الشجر
وحده ،وتبقى الرض مشتركةً ،أو يطلب قسمة الرض وحدها ،ويبقى البناء أو الشجر
مشتركا ،ل يجاب إلى طلبه ،أي أنه ل إجبار على هذه القسمة ; لنها ل تزيل الشركة تماما ،
فإذا تراضيا على ذلك فل بأس .
ج -يقولون :يجبر الممتنع على قسمة عل ّو وسفل من دار أمكن قسمتها ; لن البناء تابع
للرض ،كالشجر فيها ل على قسمة أحدهما فقط ; لن القسمة تراد للتمييز ،ول على جعله
لواحد والخر لخر ،وقد يعلل ذلك بأنه لما زالت الشركة تماما بقسمة الطابقين جميعا صح
الجبار على القسمة ،ولما بقيت في بعض الدار بقسمة أعلها دون أسفلها ،أو العكس ،لم
يمكن الجبار على هذا ،لكنه يجوز من طريق التراضي .
ولم ير الحنفية ول المالكية مانعا بأية حال من أن يكون السّفل لواحد ،والعلوّ لخر ،وربما
صور الحنابلة على أنه جمع بين جنسين مختلفين اسما ومنفعةً ،فل يقبل الجبار .
نعم يغتفر بقاء الشركة في التوابع والملحقات ،صرح به الشافعية ،إذ ينصّون على أنه إذا لم
يكن بدّ من بقاء طريق مشترك بين المتقاسمين -لنه ل يمكن استقلل كلّ بطريق -فإن هذا
ل يمنع الجبار على القسمة .
-رابعا :أن ل تنقص قيمة المقسوم بقسمته :وهذه الشريطة مفهومة من المهذب 19
للشّيرازيّ ،وصرح بها الجيليّ من الشافعية ،ونقلوها عنه في قسمة العقار المتعدّد الجنس
ل له منزلة الجنس الواحد ،كالحجر في الدار الواحدة ،وهو ناظر إلى أن
قسمة تعديل تنزي ً
نقص القيمة ضرر وإضاعة مال ،فل يدخل فيه القضاء ،لكن سيأتي لهم تفسير الضرر بغير
ذلك .
) ،لكنه خاصّ 16/ -خامسا :تعذّر قسمة كلّ نوع على حدة :وقد فهم هذا مما سبق ( ف 20
بالعقارات عند الشافعية ; لن المنقولت ل يجبر على قسمتها قسمة جمع إل إذا اتحد صنفها ،
نعم هو على عمومه عند الحنابلة .
-والمالكية يجعلون قسمة الجبار فيما تماثل أو تقارب دون ردّ ،وقسمة التراضي فيما 21
عداه ،كما أسلفنا ،ومعنى ذلك أنهم يوافقون الشافعية والحنابلة في أن قسمة الجبار
مشروطة باتّحاد النوع أيضا ،وبعدم الردّ -إل أن يقل في قول لهم -ولكنهم يخالفون في
أربعة مواضع:
أ -الموضع الول :أنه ليس كلّ ما اتحد نوعه يقبل الجبار على قسمته ،بل ل بد عند
المالكية من التساوي في القيمة وفي رغبات الشّركاء ،ول بد أيضا من قرب المسافة بين
العقار والعقار ،فقطعة الرض التي تبعد عن الخرى أكثر من ميلين أو تكون أجود منها تربةً ،
ل ،أو لنها تسقى بدون
أو أدنى إلى رغبة أحد الشريكين دون الخر -لقربها من مسكنه مث ً
آلت -ل يجبر على قسمتهما معا كقطعة واحدة باعتبار القيمة ،بل تقسم كلّ قطعة على حدة
.
ول بد للجبار على الضمّ عند المالكية من اتّحاد نوع الشجار في حدائق الفاكهة ،وعدم إمكان
قسمة كلّ حديقة على حدة ،بل إن الحديقة الواحدة تكون أشجارا جانب منها النخل ،وجانب
آخر التّفاح أو الرّمان ،أو الخوخ ،ل تقبل الجبار على قسمتها قسمة الشيء الواحد ،بل
يقسم كلّ نوع من أشجارها على حدة حيث أمكن ،فإن لم يمكن فإنه إذن للضرورة يصحّ
الجبار على ضمّ النوع إلى غيره ،وقسمة الجميع كشيء واحد مع التعديل بالقيمة ،وإن كان
هذا قد يؤدّي إلى أن يحصل أحد الشّركاء على أصناف من الشجار أكثر من غيره .
ب -الموضع الثاني :أن ليس كلّ ما اختلف نوعه ل يقبل الجبار على قسمته ،فقد رأيناهم
يقسمون أنواع الثّياب المختلفة :من قطن وصوف وحرير ...إلخ قسمة الشيء الواحد تعديلً
وجبرا .
ويصرّح المالكية بأن الرض نوع وأشجارها نوع آخر ،إل أنه إذا تباعدت الشجار تقسم
الرض وأشجارها معا ،ل الرض وحدها والشجار وحدها ،وإل فقد يترتب على ذلك أن
يصير بعض شجر أحد الشّركاء في أرض آخر ،وهذا يخالف قسمة البساتين ; لن المقصود
هناك الشجر ،والرض تبع ،والمقصود هنا الرض ،والشجار تبع .
ج -الموضع الثالث :أنه ل يجمع عندهم في قسمة الجبار بين نصيبين ،قالوا :لن قسمة
الجبار ل تكون إل بطريق القرعة ،وفي القرعة غرر يرتكب ،ضرورة الحاجة إلى القسمة ،
ول ضرورة لجمع نصيبين " مع أن الجمع في الحقيقة تقليل للغرر " ،ومع ذلك حتموا إجماع
كلّ أصحاب فرض في نصيب واحد عند قسمة التركة ،أي بين ذوي فروض متعدّدة أو ذوي
فرض واحد أو عصبة ،وسوغوا اجتماع العصبة -برضاهم -في نصيب واحد عند مقاسمتهم
ذوي الفروض ،وألزموا الورثة مطلقًا بهذا الجتماع -إذا طلبه أحدهم -في مقاسمة شريك
لمورّثهم حتى يستقلّوا بنصيب مورّثهم ،ثم للجميع بعد ذلك إن شاءوا -وقبل نصيبهم القسمة
18 -أن يقتسموه بينهم ،إل أن يكون بقاء الشركة في التوابع -وسبق نحوه للشافعية ( ف /
) -فإن مرافق الدار المقسومة إذا سكت عنها في القسمة تبقى على الشتراك كما كانت .
د -الموضع الرابع :أنه ل يشترط تعذّر قسمة كلّ صنف على حدة فيما عدا البساتين ،فإنه ل
يجبر على الجمع في قسمتها بين صنفين ،كتفاح ورمان إل إذا تعذرت قسمة كلّ على حدة ،
وسواء بعد ذلك العقار والمنقول ،فالدّور والراضي تجمع في القسمة جبرا إذا طلبها أحد
الشّركاء -وإن أمكنت قسمة كلّ دار وكلّ حقل على حدة -وكذلك الثّياب ،إل أن نص المدونة
ص عبارتها " :هذه ثياب كلّها تجمع في القسمة إذا كانت ل تحتمل أن
يخالفه في الثّياب ،ون ّ
يقسم كلّ صنف منها على حدة " " ،وفي الدار المعروفة بالسّكنى للميّت أو الورثة " بناءً على
أحد تفسيري المدونة وهو الذي قدمه خليل من أن الداعي إلى جمعها مع غيرها من سائر
الدّور في قسمة واحدة ل يجاب متى دعا آخر إلى إفرادها بالقسمة وأمكن ذلك .
-والمالكية والحنابلة وكذا أكثر الشافعية يوافقون الحنفية على أن من شريطة الجبار 22
انتفاء الضرر بنفس المعنى الذي ذكره الحنفية ،أي فوات المنفعة المقصودة ،وإن بقي المال
منتفعا به على نحو ما ،لعظم التفاوت بين أجناس المنافع ،وهذا بالنّسبة لمذهب أحمد بناءً
على تقرير الخرقيّ ،ولكنهم قالوا :إنه جرى على رواية ،والمعتمد خلفها ،وهو أن الضرر
المانع من الجبار هو نقص القيمة .
وفي كلم المالكية ما قد يفيد أنهم أحيانا ينظرون إلى القيمة .بحيث لو نقصت بقسمة المال
المشترك قيمته فإنهم ل يجبرون عليها ،فقد نصّوا على ذلك في المال المشترى للتّجارة .
-والمالكية والشافعية والحنابلة يختلفون في تحديد مدى الضرر المشروط انتفاؤه للجبار 23
يلي:
أ -قسمة الجمع :هي قسمة المتعدّد قسمة الشيء الواحد ،فإن كان متساوي الفراد وأجزائها
لم يحتج إل إلى إفراز كلّ نصيب على حدة ،دون حاجة إلى تقويم ،مثال ذلك :كمّية من
الحجار المتساوية القوالب والصنعة بين ثلثة بالتساوي ،ل تحتاج قسمتها إل إلى عدّ ثلث
منها لهذا ،ثم ثلث لذاك ،ثم يكون الباقي للثالث ،نظير ما لو كان المشترك ثوبا واحدا من
القماش " بالمعنى المتداول الن ،أي ذرعا معينا من نسيج معين " بينهم على التساوي ،فإن
قسمته ل تتطلب إل أن يقاس ثلث الثوب لهذا ،ثم ثلث لذاك ،ثم يكون للثالث الباقي .
وإن كان بين بعض أفراد المال المشترك وبعض تفاوت بحيث ل يمكن تعديل النصباء فيه إل
بالتقويم كما هو الغالب في أنواع العقار والحيوان ،وكما هي طبيعة الشياء في الجناس
المتعدّدة كدار ومنقولتها ،وضيعة ومحتوياتها ،فإنه أيضا يعتبر كشيء واحد متفاوت الجزاء
ل تتعدل النصباء فيه إل بتقويمه ،كقطعة أرض زراعية تختلف أجزاؤها في درجة الخصب
فيقوم عند التشاحّ ،ويصيب كل شريك من أفراد المال المشترك ما يساوي نصيبه من القيمة
كلّها ،فالذي نصيبه الثّلث من مال قيمته ألف ومائتان يأخذ منه ما يساوي أربعمائة .
وما بعدها ) . 12 (ر:ف/
ب -قسمة التفريق :وتسمى قسمة الفرد أيضا ،وهي قسمة الشيء الواحد نفسه -كما
مثلناه آنفًا في التنظير لقسمة الجمع -أو الشياء المتعدّدة كلّ واحد على حدة .
والفقهاء في سائر مذاهب الفقه ل يبرزون هذا التقسيم " إلى قسمة جمع وقسمة تفريق " إبراز
الحنفية ،ولكنه يجيء في ثنايا كلمهم .
مقوّمات القسمة :
-إذا كانت القسمة هي تمييز النصباء لمستحقّيها فإنها لكي تتحقق ل بد لها من المقوّمات 25
التالية :
أ -الفاعل الذي يتولى القسمة ،وهو القاسم .
ب -المستحقّون ،أو المقسوم له .
ج -المال المشترك الذي تميز حصصه ،وهو المقسوم .
وبيانها فيما يلي :
أ -القاسم :
-ل يمكن أن تتحقق قسمة بدون قاسم ،إل أن هذا القاسم قد يكون هو الشّركاء أنفسهم ، 26
إن كانوا كملً ،أو أولياءهم إن كانوا قاصرين ،وقد يكون أجنبيّا يولّونه القسمة بينهم ،دون
لجوء إلى القضاء ،وقد يكون القاضي إذا طلب منه القسمة واحد من الشّركاء أو أكثر فيتولها
بنفسه ،أو ينصب من يتولها نيابةً عنه .
شرائط القاسم :
-اتفق الحنفية على اشتراط العقل والملك أو الولية في القاسم ،واختلفوا في اشتراط 27
ي ،ول خلف
ي والمرغيناني واستحبها الكاسان ّ
السلم والعدالة والحرّية فأوجبها القدور ّ
عندهم في هذا بين قاسم الحاكم وقاسم الشّركاء ،أما سائر فقهاء المذاهب فيفرّقون بين قاسم
الحاكم وقاسم الشّركاء ،فقاسم الحاكم ل بد فيه من هذه الشرائط :
الشريطة الولى :العدالة :
-تشترط العدالة ،ليؤمن الجور في إيصال الحقوق إلى أربابها ،فإن قسمته لزمة 28
للمقتسمين ،ل خيار لهم في قبولها ورفضها ،ومن ثم فإن ولية القسمة من قبيل الوليات
الواجبة الطاعة ،وغير العدل ليس من أهلها ،قياسا على الحاكم نفسه .
وهذه الشريطة اتفق عليها المالكية والشافعية والحنابلة .
الشريطة الثانية :الحرّية :
-تشترط الحرّية ; لن العبد ليس من أهل الوليات ،وبهذه الشريطة يأخذ المالكية 29
خلفية مشهورة ،فقالوا :يشترط أن يكون قاسم الحاكم من أهل الشهادات كلّها :فل بد أن
يكون مكلفا ،ذكرا ،حرّا ،مسلما ،عدلً ،ضابطا ( ل مغفلً ) سميعا بصيرا ،ناطقا ; لن كل
المتصفين بأضداد هذه الصّفات ليسوا من أهل الوليات ،ومن ثم أيضا منعوا أن يكون الصل
-من أب أو ج ّد مهما عل -قاسم حاكم لفرعه مهما نزل ،كالولد وولد الولد ،وكذلك
عكسه ،أي أنهم منعوا أن يكون الفرع قاسم حاكم لصله .
الشريطة الرابعة :علمه بالقسمة :
-المراد بالعلم :أن تتوفر له اللة اللزمة للقيام بعمل القاسم كمعرفة الحساب ،والمساحة 31
إن نصب قاسما عامّا ; لنه ل بد محتاج ذلك أو قاسما لما لم تمكن قسمته دون هذه المعرفة ،
نصّ على هذه الشريطة الشافعية والحنابلة ،وقد نص الحنابلة على أن معرفة التقويم مما
يتوقف عليه العلم بالقسمة حيثما احتيج إليه ،وهذا هو الذي اعتمده البلقينيّ من خلف عند
الشافعية ،وإن اعتمد أكثرهم أنها ليست كذلك ; لنه يستطيع الستعانة بأهل الخبرة في التقويم
إن احتاجه ،وعند ذاك يعتمد منهم شهادة رجلين عدلين ،غاية ما هناك أنه يفضل فيه أن
يكون عارفا بالتقويم أيضا ،أما قاسم ل يعرف حسابا ول مساحةً ،فكقاض ل يعرف الفقه ،أو
كاتب ل يعرف الخط .
الشريطة الخامسة :تعدّد القاسم حين تكون ثَمّ حاجة إلى التقويم :
-جزم الشافعية بتعدّد القاسم إذا كان هو المقوّم ،واعتمده الحنابلة ،وخالف بعضهم ، 32
وعند المالكية :ل يكفي المقوّم الواحد بل ل بد من اثنين حيث كان يترتب على التقويم ح ّد أو
غرم كتقويم المسروق وأرش الجناية ،والمغصوب والمتلف إذا وصف له ،والفرق بين القاسم
والمقوّم :أن القاسم نائب عن الحاكم فاكتفي فيه بالواحد ،والمقوّم كالشاهد على القيمة
فترجح فيه جانب الشهادة ،وإذا لم يترتب على التقويم حدّ أو غرم كفى واحد .
وإذا جعل القاسم حاكما في التقويم ،كما جعل حاكما في القسمة ،فحينئذ يكون له -فيما قرره
الشافعية -أن يحكم بعلمه من حيث القيمة ،فيكون قد قسم وقوم وهو واحد .
وذهب الشافعيّ في قول إلى أنه إذا لم يكن في القسمة تقويم فإنه يشترط قاسمان اثنان من
جهة الحاكم ،بنا ًء على المرجوح أنه شاهد ل حاكم .
وليس الخرص " تقدير الرّطب والعنب على الشجر " إذا احتيج إليه ،من قبيل التقويم ; لن
التقويم إخبار يحتمل الكذب ،والخرص إنشاء حكم عن اجتهاد كما يفعل القاضي ،فيكفي مع
الحاجة إلى الخرص قاسم واحد ،كما اكتفوا بخارص واحد في الزكاة ،وإن قال إمام الحرمين
:إن القياس قاسمان اعتبارا بالتقويم ; لن الخارص يجتهد ويعمل باجتهاده ،فكان كالحاكم
والمقوّم يخبر بقيمة الشيء فهو كالشاهد .
-وقاسم الشّركاء الذي هو في حقيقة المر مجرد وكيل عنهم ،قد يعفيه وضعه هذا من 33
أكثر شرائط قاسم الحاكم ،فإن الشافعية ينصّون على أنه -إذا لم يكن في الشّركاء محجور
عليه -ل يشترط فيه سوى التكليف ،حتى ليجوز أن يكون امرأةً ،أو فاسقا ،أو ِذمّيّا ،ول
يشترط أحد تعدّده ،فإذا كان في الشّركاء محجور اشترطت في قاسمهم أيضا شرائط قاسم
الحاكم ،نظرا وحيطةً .
ويكتفي المالكية والحنابلة بالضمان الذي في أيدي الشّركاء بالنّسبة لقاسمهم هذا ،أي أن لهم
الحق في رفض قسمته إذا لم ترقهم ،فل يشترطون لصحتها ولزومها إل تراضيهم ،ولو كان
هذا القاسم ل يعرف القسمة ،وظاهر أن ولي المحجور ووكيل الغائب ينوبان منابهما .
ص الشافعية هنا على دقيقة ،وهي أنه ل يصحّ أن يكون قاسم شريكا ووكيلً لسائر
وين ّ
الشّركاء أو لبعض منهم ،كأن يقولوا كلّهم له :أنت وكيل عنا فاقسم كما ترى ،وافرز لنفسك
ولكلّ واحد منا نصيبه ،أو يكونوا أربعةً ،فيوكّل اثنان منهم الثنين الخرين في القسمة ،
ل عن واحد والخر عن الخر ،والسّرّ في هذا أن على الوكيل أن
بحيث يكون أحدهما وكي ً
يحتاط لموكّله ،وهذا ما ل يستطيعه الوكيل هنا ،لنه يتناقض مع احتياطه لنفسه الذي هو أمر
غريزيّ مركوز في ال ِفطَر .
نعم إذا وقع التوكيل بحيث ل يؤدّي إلى هذا التناقض ،فل بأس ،وذلك كما إذا آثر أحد
الشّركاء أن يبقى هو وآخر شريكين بنصيبهما بعد انفصال الخرين ،فيوكّله في القسمة على
أن يكون نصيباهما جزءا واحدا ،فإن الوكيل حينئذ يستطيع أن يحتاط لنفسه ولموكّله ،بل
أدنى تعارض.
أجرة القاسم :
من تكون عليه أجرة القاسم ؟
-القاسم إن لم يكن متبرّعا فل بد له من أجرة ،ولو كان هو القاضي نفسه كما سيجيء . 34
وأجرته إن كان قاسم الشّركاء على الشّركاء ; لن نفع القسمة يخصّهم ،وإن كان قاسم
القاضي ،فالفضل أن تكون أجرته في خزانة الدولة " بيت مال المسلمين " لن هذا أرفق
بالناس ،بل مطلوب من القاضي -على سبيل الندب والستحباب -أن يتخذ قاسما عامّا ،
بصفة دائمة ،له رزق جار كسائر عمال الدولة ،يكون معدّا للقيام بالقسمة بين الشّركاء عند
طلبها دون تقاضي أجر منهم ; لن هذه منفعة عامة ،من جنس عمل القاضي -إذ هي أيضا
لقطع المنازعات -فيكون مقابلها في المال العامّ كرزق القاضي نفسه ،فإن لم يجعل أجرته في
بيت المال -لمر ما -فإن أجرته تكون على المتقاسمين لن النفع واصل إليهم ،لكن يقدّرها
القاضي بأجرة المثل لئل يتحكم القاسم ويشتط ،ومع ذلك ل يلزمهم بالقاسم الذي ينصبه ،بل
يدع لهم الخيار ،فإن شاءوا قسم لهم ،وإن شاءوا استأجروا غيره ،ول سبيل إلى إجبارهم
على توكيل قاسم بعينه ،كما أنه للمصلحة العامة ل يدع القسامين ،يعملون في شركة معا ;
لئل يتواطئوا ،ويزيدوا في الجرة .
واتّخاذ القاسم الدائم يظ ّل مندوبا إليه وإن لم يقرر له أجرة في بيت المال ; لن القاضي أعرف
بمن يصلح لهذا الغرض ; ولن قاسم القاضي أع ّم نفعا ،إذ تنفذ قسمته على المحجور
والغائب ،بخلف قسمة غيره .
ثم القسمة تشبه القضاء ; لنها تدخل في ولية القاضي ،ويلزم بها البي ،ولكنها ليست منه
على التحقيق ،ولذا ل تجب على القاضي مباشرتها بنفسه ،فمن أجل كونها ليست قضا ًء ،إذا
تولها القاضي يجوز له أن يأخذ أجرتها من المتقاسمين ،ولكن لمكان شبهها بالقضاء يكون
الولى له أن ل يأخذ .
هكذا قرر الحنفية ،ول يخالف أحد من أهل الفقه في أن أجرة قاسم الشّركاء على الشّركاء ،
ول في أن نصب الحاكم قاسما ليقسم بين الناس من المصالح العامة ،بل ظاهر قول ابن قدامة
في المغني وجوبه ،وكلّهم ينقلون أن عليّا رضي ال عنه كان له قاسم عامّ من عماله الدائمين
،وفي بعض الرّوايات أن اسمه عبد ال بن يحيى ،وأنه كان يرزقه من بيت المال .
لكن الشافعية ينصّون على أنه إذا لم يجر عليه رزقه من بيت المال لعدم كفاية بيت المال فإن
هذا قد يفسد المقصود من نصبه ; لنه إذن مظنة أن يغالي في الجرة ،ويقبل الرّشوة ،
ويجور في القسمة ،فحينئذ ل يعيّن قاسما ،ويدع الناس يستأجرون أو يستعينون بمن
شاءوا ،بل منهم من منع حينئذ هذا التعيين ،وقضى بحرمته .
ويوجد من أهل الفقه من يكره أخذ الجرة على القسمة أيّا كانت ،وهذا مما يروى عن أحمد ،
وعليه ابن حبيب من المالكية ،وجرى عليه الدردير ; لنه ليس من مكارم الخلق ،وهو
المتبادر من عبارة المدونة .إذ تقول :كان خارجة وربيعة يقسمان بل أجر ; لن ما كان من
باب العلم ل يؤخذ عليه أجر ،ويقول ابن عيينة :ل تأخذ على الخير أجرا .
لكن المالكية والحنابلة -وفاقا لغيرهم -لم يعتدّوا بهذا الخلف واعتمدوا الجواز بإطلق ،
سواء أكانت الجرة من بيت المال أم على الشّركاء -إل أن المالكية يقيّدونهم بالرّشداء ،
ويكرهون أخذ الجرة من غيرهم ،لكن ل تباح الجرة للقاسم إل نظير تولّي القسمة -أما أن
يأخذ الجرة من المتقاسمين بحكم منصبه ،دون أن يكون هو الذي قسم بينهم ،فهذا هو
السّحت الذي ل شك فيه ،ولو كان بفرض من القاضي أو المام .
كيفية توزيع الجرة :
-إذا كانت الجرة على المتقاسمين لسبب ما كإضاعة من أولي المر ،أو عوَز في بيت 35
المال ،أو رغبة من المتقاسمين عن قاسم الدولة ،فقد اختلف الفقهاء في كيفية توزيعه على
الشّركاء على النحو التالي :
الول :أنها تقسم على عدد الرّءوس :وعليه أبو حنيفة -دون صاحبيه -وجماهير
المالكية ،وبعض الحنابلة ،وهو قول للشافعيّ ،وهؤلء يحتجّون بأن الجرة في مقابلة
العمل ،وعمل القاسم بالنّسبة لجميع المتقاسمين سواء ،إذ هو تمييز النصباء ،وما ذاك إل
شيء واحد ل يقبل التفاوت ،فتمييز القليل من الكثير هو بعينه تمييز الكثير من القليل ،وإذا
لم يتفاوت العمل لم تتفاوت الجرة ،أما الوسائل الموصلة إلى هذا التمييز ،كالمساحة وما
تتطلبه من جهد ،والكيل والوزن ،فهذا شيء آخر غير القسمة ،وليست أجرة القسمة من
أجله ،ولذا لو استعان فيه بالمتقاسمين أنفسهم لستحق أجرته على القسمة كاملةً ،وضبط
الجرة بمقدار النصباء غير ممكن ،إذ ليس النصيب الكبير دائما أصعب حسابا ول النصيب
اليسير دائما أيسر ،فل يمكن ضبطها إل بأصل التمييز .
والثاني :أنها تقسم بمقدار النصباء :وعليه الصاحبان من الحنفية ،وأصبغ من المالكية ،
وعليه عمل المغاربة أخيرا ،وأكثر الشافعية والحنابلة ،وهو معتمدهم وعليه معولهم ،
وهؤلء يتعلقون بأن أجرة القسمة من مؤن الملك ،فتقدر بقدره ،كالنفقة على المال المشترك
ى أو وزنه .
من نحو إطعام بهائم وحفر بئر أو قناة ،وحرث أرض أو ريّها ،وكيل حبّ مشتر ً
-أ -حين يقال تكون الجرة بمقدار النصباء يمكن التساؤل :أهي النصباء الصلية في 36
تكون على من طلبها ومن لم يطلبها ; لن منفعة الستقلل بالملك حاصلة بكلّ قسمة وعمل
الجير فيها واقع لكلّ متقاسم ،وفي رواية عن أبي حنيفة وبعض الشافعية أنها تكون على
الطالب لن البي مستض ّر بالقسمة .
ب -المقسوم له :
-قال الكاسانيّ :يشترط في المقسوم له أربعة شروط : 38
الول :أن ل يلحقه ضرر في أحد نوعي القسمة وهي قسمة التفريق جبرا .
الثاني :الرّضا في أحد نوعي القسمة وهو رضا الشّركاء فيما يقسمونه بأنفسهم إذا كانوا من
أهل الرّضا ،أو رضا من يقوم مقامهم إذا لم يكونوا من أهل الرّضا .
الثالث :حضور الشّركاء أو من يقوم مقامهم في نوعي القسمة ،الجبر والرّضا .
الرابع :البيّنة على الملك في قسمة القضاء .
ج -المقسوم :
-سبق بيان بعض الشّروط الخاصة بالمقسوم وهي : 39
) ،وأما المنفعة فسيأتي بحث قسمتها ،إن شاء ال . 40/ في قسمته ( ر :ف
والعيان تنقسم إلى عقار ومنقول :فالعقار :هو الرض ،سواء أكانت زراعيةً أم غير
زراعية ،والمنقول :ما عداها كالثّياب والواني والحيوان والمزروعات ،وقد نص الحنفية
على أن البناء والشجر يتبعان الرض في القسمة ،والرض ل تتبعهما فمن وقع في نصيبه
من قسمة الرض شيء منهما فهو له ،بخلف العكس ،وهذا مذهب الشافعية والحنابلة .
وهذا خلف ما عليه المالكية من اعتبار كلّ من الرض والبناء والشجر عقارا ،قال الخرشيّ :
العقار هو الرض وما اتصل بها من بناء أو شجر .
ثم كلّ من العقار والمنقول إما أن يكون مما ل تفاوت بين أجزائه وهو المتشابه ،أو يكون
بينها تفاوت على ما سلف من بيان ( ر :ف . ) 9 /
تنوّع قسمة العقار :
ل أو ردّا ،كما يمكن أن تكون جمعا أو تفريقا،
-قسمة العقار يمكن أن تكون إفرازا أو تعدي ً 42
وجبرا أو تراضيا ،ذلك أنه قد يكون في محلّ واحد ،وقد يكون في محالّ متعدّدة :
ففي المحلّ الواحد :قطعة الرض المتشابهة الجزاء بل أدنى تفاوت كألتي تخلو من البناء
والشجر وهي درجة سواء من جودة التّربة أو رداءتها ل تحتاج قسمتها إلى أكثر من ذرعها
ومعرفة مساحتها ،حتى عند المالكية ،على ما اعتمده متأخّروهم ،وإن كان الكثرون على أن
التعديل في غير المثليات ل يمكن إل بالقيمة ،ثم تمييزها أنصبا ًء متساويةً ،إذا تساوت حقوق
المتقاسمين ،أو سهاما متساويةً بقدر النصيب القلّ ،وهذا هو معنى القسمة بالجزاء أو
قسمة الفراز .
وهكذا يمكن أن تقسم إفرازا أيضا إذا كان في كلّ جانب من جوانبها من البناء أو الشجر مثل ما
في الخر بحيث يعرف تساوي النصباء من غير تقويم .
فإذا تفاوت البناء أو الشجر ،أو تفاوتت جودة الرض ورداءتها فل يمكن تعديل النصباء
وتسوية السّهام إل بواسطة التقويم ،وإذن تكون القسمة قسمة تعديل ،بل قد يحوج المر إلى
الستعانة بعوض من خارج المال المشترك " معدّل " ،يدفعه واحد من المتقاسمين أو أكثر
ليتعادل نصيبه مع سائر النصباء ،وقد يتفق المتقاسمون على ذلك دون ملجئ ،وإذن تكون
القسمة قسمة ردّ .
وهي على كلّ حالّ قسمة تفريق لن الفرض اتّحاد المحلّ ،وقد سلف بيان طريقة من يمنع
الجبار على قسمة الر ّد إل ضرورةً أو بل استثناء ،ويقبله في قسمة الفراز وفي قسمة
التعديل بشرائط خاصة ،وطريقة من يقبل الجبار بكلّ حال ،أو يمنعه بكلّ حال .
إل أنه حيث يكون في الرض بناء ،فإن الحنفية يقولون :ل بد لكي يعدل المقسوم على سهام
القسمة من شيئين :
التوصّل إلى معرفة المساحة .
وتقويم البناء .
ولكن متأخّريهم يفسّرون ذلك بأن معناه :أن يقاس ويقوم كلّ من الرض والبناء ; لن تعديل
سهام المقسوم يحتاج إلى معرفة ماليته ،ولو أخيرا بالنّسبة إلى الرض ،ومعرفة هذه المالية
تتوقف على معرفة مساحة وقيمة كلّ من الرض والبناء .
وفي المحالّ المتعدّدة كالدّور والراضي والبساتين :يمكن أن تجمع هذه كلّها في قسمة
واحدة ،اتحد نوعها أم اختلف -على ما تقدم في بيان اتّحاد النوع واختلفه -وتعدل
النصباء بالقيمة ،فتكون القسمة قسمة جمع ،إل أن هذا ل يكون إل في قسمة التراضي عندما
يختلف النوع أو الجنس ،كتركة بعضها دور وبعضها أراض زراعية معتادة وبعضها حدائق ،
أو كلّها حدائق ،لكن بعض الحدائق كروم وبعضها رمان أو برتقال أو تفاح أو ما شاكل ذلك .
أما عند اتّحاد النوع ،فإن القسمة -وهي قسمة جمع لتعدّد المحلّ -تقبل الجبار ،على
خلفات في التفاصيل التي تقدمت ،كما تقدم أن من أهل العلم من يعكس القضية فيجبر على
قسمة الجناس والنواع المختلفة قسمة جمع إذا طلبها أحد الشّركاء ،ول يجيز التفريق إل
باتّفاقهم .
كيفية قسمة العقار :
-يمكن أن تقع القسمة بقرعة ،وأن تقع بدونها ،سواء أكانت قسمة تراض أم إجبار ; 43
لن تعيين القاسم المجبر لك ّل نصيب على حدة كاف كما سيجيء إل أن استعمال القرعة سنة
متبعة اتّقاءً للتّهمة ،إل أن يصر المتقاسمون عليها ،فقد نص بعض الشافعية على وجوبها
حينئذ ،نعم .ل إجبار في غير المثليّ عند المالكية إل بقرعة ،وفي كلم بعض الحنابلة ما
يشير إليه كقول صاحب الشرح الكبير في قسمة عرض الجدار :ويحتمل أن ل يجبر ; لنه ل
تدخله القرعة ،خوفا من أن يحصل لكلّ واحد منهما ما يلي ملك الخر ،بل هو صريح
مذهبهم ،كما نصّوا عليه .
كما أن تراضي المتقاسمين على توزيع النصباء بينهم بكيفية ما يمكن أن يتم بدون أن
ل ما دام المحلّ ليس ربويّا ،بل وإن كان ربويّا
يستعينوا بقرعة ،بل دون تعديل أو تقويم أص ً
بناءً على أن القسمة محض تمييز حقوق ،بل عند المالكية وبنا ًء على أنها بيع إذا دخل على
التفاضل البيّن كفدان فاكهة في نظير فدانين ،لخروجها حينئذ من باب البيع المبنيّ على
المهارة التّجارية ومحاولة الغلب من كل الجانبين إلى باب المنيحة والتطوّل .
لكن المالكية يشترطون لجواز القرعة شرائط معينةً :
الول :أن تكون فيما تماثل أو تجانس ،ليقل الغرور .
الثاني :أن ل تكون في مثليّ متحد الصّفة أي مكيل أو موزون أو معدود .
الثالث :أن ل يجمع فيها بين نصيبين ،إذ ل ضرورة .
ويوافقهم ابن تيمية في الشريطة الثانية .
القسمة بالقرعة :
-القرعة مشروعة في القسمة بل خلف عند أحد من أهل الفقه وإن اختلفوا في 44
على أن قسمته ل تحتاج إلى تقويم ،وإنما هي مجرد إفراز بطريق الكيل أو الوزن إلخ ،فل
تعديل ول رد ،إل أن عند المالكية -فيما يجوز فيه التفاضل كالذي ل يدخر مثل الفاكهة -
طريقة أخرى بجواز قسمته بطريق التحرّي والخرص ،إما مطلقا ،وإما إذا كان من قبيل
الموزون ل غير ،بل جوز ابن القاسم قسمة التحرّي فيما يمتنع تفاضله بشرطين :
-أن يكون قليلً .
-موزونا كاللحم والخبز .
ثم قد تكون القسمة تراضيا ،وقد تكون إجبارا ،إذ ل يمنع الجبار هنا حيث ل ضرر إل مطلقو
منعه كأبي ثور في بعض ما يروى عنه ،وقد تكون جمعا ،كما في قسمة كمّية من الحبوب
كالقمح أو الشعير ،وقد تكون تفريقا كالسبيكة من ذهب تقسم وزنا .
أما ما ألحق بالمثليّ فالشافعية والحنابلة وبعض المالكية هم الذين يجعلون قسمته كقسمة
ي في كلّ ما تقدم .
المثل ّ
أما الحنفية وجماهير قدماء المالكية فعلى التقويم في كلّ متقوّم ،وعلى هذا فقسمته قسمة
تعديل ،والمفروض أن ل حاجة فيه إلى ر ّد .
ثم قد تكون قسمة إجبار حيث ل ضرر وقد تكون تراضيا ،وعند التراضي يجوز التفاضل على
) ،وقد تكون جمعا ،كما في قسمة عدد من الغنام أو البقار 43 ما تقدم من بيان ( ر :ف /
المتشابهة ،وقد تكون تفريقا ،كما في قسمة بناء متصل بعضه ببعض مع تشابه أجزائه إذا
جرينا على أنه منقول ،كما عليه الجمهور .
وفي كيفية قسمة المنقول المتشابه بقرعة أو بدونها التفصيل السابق في كيفية قسمة العقار .
قسمة المنقول غير المتشابه :
-تتنوع قسمة المنقول غير المتشابه " كالثّياب المختلفة ،والواني المختلفة ،والحيوان 46
أعني أن في قسمته إضرارا بجميع الشّركاء أو ببعض منهم ،أو فسادا وإضاعة مال دون نفع
ما.
وجواب هذه المسألة -من حيث الجبار على القسمة أو التراضي عليها -يعلم مما تقدم في
بيان معنى الضرر المانع من قسمة الجبار ،لكن للمالكية بها فضل عناية ،ولهم فيها مزيد
بيان ،وهذا موضع تفصيله :
ذلك أنهم تفريعا على ضرر القسمة حينئذ يجعلون للشريكين -وينوب القاضي عن الغائب
منهما ،فيمضي له ما يراه -الخيار بين شيئين :
أ -البقاء على الشركة ،والنتفاع بالعين مشتركةً .
ب -بيع العين واقتسام ثمنها ،ومنه أو بمثابته المزايدة عليها بعد رسوّ سعرها في السّوق "
أو بعد تقويم خبير إن لم يرضوا السّوق " -وتسمى المقاواة -فمن رغب فيها بأكثر أخذها ،
وإذا استويا فالممتنع من البيع أولى بأخذها ،ثم على آخذها أن يدفع لصاحبه مقابل حقّه في
ثمن الجملة .
هذا إذا كانت القسمة محض فساد كقسمة بئر ،أما إذا كانت ضارةً ،مع إمكان النتفاع
بالمقسوم بعدها انتفاعا ما مخالفا لجنس منفعتها قبل القسمة كدار يمكن جعلها بعد القسمة
مربطين لدابتين ،فإن للشّركاء وجها ثالثا من وجوه الخيار :هو أن يقتسموا العين بطريق
التراضي .
إل أن الجبار على البيع مشروط عندهم بعدة شرائط .
أ -أن يطلب البيع أحد الشريكين ،فل يجبر على بيع العين دون طلب من أحد منهما .
ب -أن تكون العين على ما وصفنا من عدم قابلية القسمة ; لنه مع قبول القسمة ل يجبر
على البيع مؤثرها عليه .
ج -أن ينقص ثمن حصة طالب البيع ،لو بيعت منفرد ًة ،وإل فليبع إن شاء حصته وحدها ،
إذ ل ضرر عليه في ذلك .
د -أن ل يلتزم الشريك الخر بفرق الثمن المترتّب على بعض الحصة منفردةً ،وإل فل معنى
لجباره على البيع .
هـ -أن يكون الشريكان قد ملكا العين جمل ًة فلو ملك ك ّل واحد منهما نصيبه على حدة ،لما
ق في إجبار شريكه على البيع ،لنه ملك على حدة فيبيع على حدة ،ولكن أنكر هذه
كان له الح ّ
الشريطة ابن عبد السلم من كبار المالكية وقال اليزناسيّ :العمل الن على عدم اشتراطها .
و -أن ل تكون العين عقارا للستغلل كالمطحن والمخبز والمصنع والحمام ; لن عقار
الستغلل ،أو " ريع الغلة " كما يقولون ،ل تنقص قيمة الحصة منه إذا بيعت مفردةً ،بل
ربما زادت ،وأنكر ابن عرفة هذه الشريطة " على أنها لو سلمت ،فإن شريطة نقص ثمن
الحصة تغني عنها " .
وحجة المالكية في الجبار على البيع القياس على الشّفعة بجامع دفع الضرر في كلّ ،
والجماهير من حنفية وشافعية وكثير من الحنابلة يردّونه بأن الصل أن الجبر على إزالة الملك
طلِ ِإلّ أَن َتكُونَ ِتجَارَ ًة عَن تَرَاضٍ
غير مشروع ،لقوله تعالى َ { :ل تَ ْأكُلُواْ َأ ْموَا َل ُكمْ بَيْ َنكُمْ بِالْبَا ِ
مّن ُكمْ } ،فل ينتقل عنه إل بدليل ناقل ،وليس هنا هذا الدليل الناقل ،إذ القياس على الشّفعة
قياس مع الفارق ،فلو لم تشرع الشّفعة للزم ضرر متجدّد على الدوام ،ول كذلك البيع مع
الشريك ،ولعله لذلك عدل ابن رشد الحفيد إلى الستدلل بمجرد الستصلح دفعا للضرر ،مع
أن فيه إنزال ضرر بالشريك الممتنع ،فهي إذن موازنة بين الضررين ،أل تراه يقول :وهذا
من باب القياس المرسل .
والحنابلة في معتمدهم يوافقون المالكية على إجبار الشريك على البيع مع شريكه ،بل يطلقون
القول بأن من دعا شريكه إلى البيع في كلّ ما ل ينقسم إل بضرر أو ردّ عوض أجبر على
إجابته ،فإن أبى بيع عليهما وقسم الثمن ويزيدون أنه لو دعي إلى الجارة أجبر أيضا .
وقد ذهب كثير من الحنابلة إلى أن طلب البيع ليس حتما لجبار الشريك على البيع مع شريكه ،
بل يكفي طلب القسمة ; لن حق الشريك في نصف القيمة ل في قيمة النّصف ،فل يصل إلى
حقّه إل ببيع الكلّ ،ولذا أمر الشرع في السّراية أن يقوم العبد كلّه ،ثم يعطى الشّركاء قيمة
حصصهم .
المسألة الثانية :عين الماء :
-ل تقسم ل جبرا ول تراضيا ،إذ ل يمكن قسمها إل بوضع حاجز فيها أو أكثر بين 48
النصيبين أو النصباء ،وفي هذا من الضرر ونقص الماء ما يجعل القسمة فسادا ،أما مجرى
ح قسمته تراضيا ل جبرا ،إذ ل يمكن تحقّق المساواة ،فقد
الماء إذا اتسع لمجريين ،فإنه تص ّ
يكون اندفاع الماء في جانب أقوى منه في الخر ،كما أن الماء نفسه تمكن قسمته تراضيا ،
كيفما شاء الشّركاء ،أما جبرا فل يقسم إل بالقلد -وهو المعيار الذي يتوصل به إلى إعطاء
كلّ ذي حقّ حقه -هكذا قرره المالكية ،وأصول الحنفية والشافعية والحنابلة ل تأبى من قسمة
العين نفسها تراضيا ل إجبارا ،كما يفهم مما تقدم .
المسألة الثالثة :الختلف في رفع الطريق ومقداره :
-قال الحنفية :إذا اختلف المتقاسمون في قسمة دار أو أرض ،فقال بعضهم :نقتسم ول 49
ندع طريقا ،وقال بعض :بل ندعه ،فإن القاضي ينظر في التوفيق بين المصلحة ،وتحقيق
معنى القسمة على الكمال ما أمكن ،فإن كان بوسع كلّ منهم أن يتخذ لنفسه طريقا على حدة
استوفى معنى القسمة ،ولم يبق شيئا مشتركا بينهم ،وإل فالمصلحة تقتضي إبقاء طريق
مشترك بينهم ،إذ ل يكمل النتفاع بالمقسوم بدونه ،فيجبرهم على ذلك ،يقسم ما عدا
الطريق ،ويبقي الطريق على الشركة الولى دون تغيير ،إل أن يقع التشارط على شيء من
التغيير ،كأن يتفقوا على أن يجعلوه بينهم على التفاوت وقد كان على التساوي لن القسمة
على التفاوت بالتراضي جائزة في غير الرّبويات ،أو على أن يجعلوا ملكية الطريق لبعضهم ،
وحق المرور فحسب للخرين ،وقيدوه في الفتاوى الهندية بأن تكون ملكية الطريق لمن ترك
ل له من نصيبه ،وأهملوه في المجلة ،فإذا اختلفوا في مقدار الطريق فبالغ بعضهم في
مقاب ً
سعته ،وبعضهم في ضيقه ،وبعضهم في علوّه ،وبعضهم في انخفاضه ،فإن القاضي يجعله
على عرض باب الدار وارتفاعه ; لن هذا يحقّق المقصود منه ،ول تتطلب الحاجة أكثر من
ذلك ،وإنما يحدد ارتفاعه بما ذكرنا ليتمكن الشّركاء من النتفاع بهوائه وراء هذا المقدار ،
كأن يشرع أحدهم جناحا ; لنه حينئذ باق على خالص حقّه ،إذ الهواء فيما فوق ارتفاع الباب
مقسوم بينهم ،كما أن هذا التحديد يمنع عدوان أحدهم بالبناء أخفض من ذلك فوق الطريق
المشترك ،إذ يكون حينئذ بانيا على الهواء المشترك ،وهو ل يجوز دون رضا باقي الشّركاء ،
هذا في طريق الدار ،أما طريق الحقل فيكون بمقدار ما يم ّر ثور واحد ،إذ ل بد للزّراعة منه ،
فيقتصر فيه على الحدّ الدنى ،وإن كان يحتاج إلى مرور ثورين فإنه يحتاج أيضا إلى مرور
عربة وما إليها على فحش تفاوت الحجام فل يقف عند حدّ .
والمذاهب الخرى على خلفه أخذا بحديث أبي هريرة رضي ال عنه ،عنه صلى ال عليه
وسلم « :إذا اختلفتم في الطريق جعل عرضه سبعة أذرع » ،ويحرص الحنابلة هنا على التنبيه
على أن حديثه صلى ال عليه وسلم في أرض مملوكة لجماعة أرادوا البناء فيها ،وتشاجروا
في مقدار ما يتركونه منها للطريق ،وأنه ل علقة له إطلقا بالطريق العا ّم حتى يتمسك به في
جواز تضييقه إلى سبعة أذرع كما هو المتبادر من كلم المالكية .
ونص المالكية والشافعية والحنابلة على أن ليس للشريك في الطريق إشراع جناح فيه ،مهما
كان ارتفاعه إل برضا سائر الشّركاء ،وإن كان عند كلّ من المالكية والشافعية رأي بالجواز ،
ل ،وهو مذهب المدونة والشبه بمذهب
بشريطة عدم الضرر بحجب ضوء أو تعويق راكب مث ً
الحنفية .
المسألة الرابعة :العلوّ والسّفل :
-العلوّ والسّفل لبيت واحد أو لبيتين ،أو منزلين متلصقين ،في دار واحدة ،وتصويره 50
في حالة التعدّد أن يكون أحد المرين " العلوّ والسّفل " مشتركًا بين اثنين والخر لثالث .
وهل العلوّ والسّفل جنس " نوع " واحد متحد الصّفة فيقسمان قسمة جمع باعتبار العين ،ل
باعتبار القيمة :أي أنهما يقسمان بالذرع والمساحة ،والقسم في الساحة من السطح أو
الرض ل في البناء ،أم هما جنس واحد مختلف الصّفة ،فل يمكن تعديل قسمتهما قسمة جمع
،إل باعتبار القيمة ؟
بالول قال أبو حنيفة وأبو يوسف ،وبالثاني قال محمد ،ومحلّ النّزاع إنما هو في قسمة
الجبار ،ل في قسمة التراضي ،إذ للمتقاسمين أن يتراضوا على ما شاءوا في مثل هذا
الموضع.
وجه قول أبي حنيفة وأبي يوسف :أن المقصود هنا هو السّكنى ،ول تفاوت في أصل السّكنى
بين عل ّو وسفل ،فل نبالي بتفاوتهما في مرافق أخرى من مثل استنشاق الهواء ،واتّقاء الحرّ
.ووجه قول محمد :أنه ل يمكن تجاهل المرافق الخرى لتأثيرها البالغ في قيمة العين ،وإل
كانت قسمةً جائرةً ،والتعديل هو أساس قسمة الجبار ،ول شك أن لكلّ من العلوّ والسّفل
مرافقه الخاصة ،ففي الوسع أن يتخذ في السّفل ،دون العلوّ ،بئر أو سرداب أو إصطبل ،
وأن يتقى في العلوّ ،دون السّفل التأثير الضا ّر للرّطوبة على الجدران وأسسها ،وأن يستنشق
الهواء في وفرة ونقاء ،وأغراض الناس إذ تتعلق بهذه المرافق ،تتفاوت تفاوتا بعيد المدى
في كلّ زمان ومكان .
ويقول القدوريّ :قوّم كلّ واحد على حدة ،وقسم بالقيمة ،ول معتبر بغير ذلك ،ويقول
صاحب الهداية :والفتوى اليوم على قول محمد .
وبعد اتّفاق أبي حنيفة وأبي يوسف على القسمة بالذرع والمساحة ،دون القيمة فقد اختلفا في
كيفية القسمة بالذرع أتكون ذراعا من السّفل بذراع من العلوّ ؟ أم ذراعا من السّفل بذراعي من
العلوّ ؟ بالثاني قال أبو حنيفة ،وبالول قال أبو يوسف .
أما أبو يوسف فجرى على أصله من أن المقصود السّكنى ،ول تفاوت فيها ; لن لصاحب العلوّ
أن يبني على علوّه دون رضاء صاحب السّفل أو غيره ،كما أن لصاحب السّفل أن يبني على
سفله دون رضاء من أحد .
وأما أبو حنيفة ،فلما كان من أصله أن صاحب العلوّ ليس من حقّه أن يبني على علوّه إل
برضا صاحب السّفل ،تحقق عنده تفاوت في المقصود -وهو السّكنى -على الجملة ،وإن لم
يكن َثمّ تفاوت في أصل السّكنى ،فصاحب السّفل يسكن -وهذه منفعة -وله أن يبني فوق
سفله ليتوسع في السّكنى كما شاء -وهذه منفعة أخرى -وليس لصاحب العلوّ إل منفعة
واحدة ،هي أصل السّكنى ،دون التوسّع فيها بالبناء على علوّه ،فإذا كان ثم منفعة واحدة في
مقابل منفعتين كانت العدالة أن تكون القسمة كذلك على الثّلث والثّلثين ; لن الثّلث مع منفعتين
يعدل الثّلثين مع منفعة واحدة .
فإذا كان سفل من بيت ،وعلوّ من بيت آخر ،وكانا بين اثنين ،وطلب أحدهما قسمتهما ،
يقسم البناء بالقيمة دون نزاع من أحد ،وأما الساحة " العرصة " فتقسم بالذرع أي المساحة ،
ذراعا من السّفل بذراعين من العلوّ ،أي على الثّلث والثّلثين عند المام ،وذراعا من السّفل
بذراع من العلوّ ،أي على التساوي عند أبي يوسف ،وعند محمد يقومان ويقسمان باعتبار
القيمة ،ول يلزم التساوي ول التثليث ،فإن استويا في القيمة قسما ذراعا بذراع ،وإن كانت
قيمة أحدهما ضعف قيمة الخر قسما ذراعا من العلى بذراعين من الخر أيّا ما كان .
فإذا كان بيت تا ّم " سفل وعلوّ " ،وعلوّ فقط من بيت آخر بين اثنين وطلب أحدهما القسمة
يقسم البناء بالقيمة ،ثم تكون قسمة الساحة أرباعا عند المام ،إذ يحسب كلّ ذراع من البيت
التامّ بثلثة أذرع من العلوّ وحده ،وتكون أثلثا عند أبي يوسف ،إذ يحسب ذراع من البيت
التامّ بذراعين من العلوّ فقط ،وتكون القسمة عند محمد كما تقتضيه قسمة القيمة ،دون قيود
.
وإذا كان بيت تا ّم " سفل وعلوّ " ،وسفل فقط من بيت آخر بعد طلب أحد الشريكين يقسم البناء
بالقيمة ،ثم تكون قسمة الساحة عند المام على أساس ذراع من البيت التامّ بذراع ونصف من
السّفل فقط ،وتكون عند أبي يوسف أثلثا ،إذ يحسب ذراع من البيت التامّ بذراعين من السّفل
فقط ،ويقسم محمد حسب القيمة ،كيفما اقتضت .
هكذا قرر الحنفية هذه المسألة .
الثار المترتّبة على قسمة العيان :
إذا تمت قسمة العيان على الصّحة ترتبت عليها آثار شتى ،من أهمّها :
أولً :لزوم القسمة :
) ،فإنها ل تقبل 54/ -قال الحنفية :تلزم القسمة إذا لم يوجد سبب للخيار ( ر :ف 51
الرّجوع بالرادة المنفردة ،بمعنى أن ينقضها واحد أو أكثر ويرد المال إلى الشركة ،دون
اتّفاق من جميع المتقاسمين .
وتتمّ القسمة بتعيين القاسم لكلّ واحد نصيبه ،سواء أكان هذا القاسم هو قاسم القاضي أم
قاسما حكّموه بينهم ليقوم بهذا التعيين ،وإلزام كلّ واحد بالنصيب الذي يفرزه له -سواء أكان
ذلك بقرعة أم بدونها ،كما تت ّم إذا اقتسموهم بالتراضي -دون تحكيم محكم ملزم -واقترعوا
اقتراعا تامّا خرجت به جميع الجزاء " السّهام " لربابها ،ويكفي لذلك إجراء القرعة على
جميع الجزاء عدا الجزء الخير ; لنه يتعين تلقائيّا لمن بقي من الشّركاء ،وإذن فيكون
لبعضهم في هذه الحالة حقّ الرّجوع أثناء القرعة أي قبل أن تنتهي إلى هذه الغاية ،فإذا لم
يستخدموا القرعة واكتفوا بالتراضي على أن يختص كلّ واحد منهم بنصيب بعينه ،فإن القسمة
ل تتمّ بمجرد هذا التراضي ،بل يتوقف تماما على قبض ك ّل واحد نصيبه ،أو قضاء القاضي .
وقالوا :إن كانت الدار بين رجلين فاقتسما على أن يأخذ أحدهما الثّلث من مؤخّرها بجميع
حقوقه ،ويأخذ الخر الثّلثين من مقدّمها بجميع حقوقه ،فلكلّ واحد منهما أن يرجع عن ذلك ،
ما لم تقع الحدود بينهما ،ول يعتبر رضاهما بما قال قبل وقوع الحدود ،وإنما يعتبر رضاهما
بعد وقوع الحدود .
فإذا كان هناك رجوع معتبر ،أو اعتراض وعدم رضا أعلن به حيث احتيج إلى الرّضا ،فإن
ل ; لن القسمة ترت ّد بالردّ .
العدول بعد ذلك إلى الموافقة على القسمة واستمرارها ل يجدي فتي ً
أما الرّجوع باتّفاق جميع المتقاسمين فهو تقايل ،وقد علمنا أن أصول الحنفية ونصوص
بعض متونهم وشراحهم تقتضي إطلق قبوله .
وعبارة متن تنوير البصار وشرحه :القسمة تقبل النقص ،فلو اقتسموا وأخذوا حصصهم ،
ثم تراضوا على الشتراك بينهم صح ،وعادت الشركة في عقار أو غيره .
أما المالكية فيطلقون القول بلزوم القسمة إذا صحت ،سواء بقرعة أم بدونها ،ول تصحّ
ي إل بقرعة ،ويذكرون أن من أراد الرّجوع لم يمكن منه ،
قسمة الجبار عندهم في غير المثل ّ
ويعلّلونه بأنه انتقال من معلوم إلى مجهول ،وهو تعليل يتبادر منه أيضا منع التقايل باتّفاق
المتقاسمين ،وقد صرح به ابن رشد الحفيد ،إذ يقول :القسمة من العقود اللزمة ،ل يجوز
للمتقاسمين نقضها ول الرّجوع فيها ،إل بالطوارئ عليها ،وهو نقيض ما صرح به الدردير
في قسمة التراضي ،لكن المدونة صريحة فيما قرره الولون :فقد سأل سحنون ابن القاسم :
أرأيت لو أن دارا بيني وبين رجل تراضينا في أن جعلت له طائفةً من الدار على أن جعل لي
طائفةً أخرى ،فرجع أحدنا قبل أن تنصب الحدود بيننا ؟ .فأجاب ابن القاسم :ذلك لزم لهما ،
ول يكون لهما أن يرجعا عند مالك ،إل أنه علله بأن القسمة بيع من البيوع .
والحنابلة مع المالكية في أن القسمة ل تقبل الرّجوع بالرادة المنفردة ول المجتمعة ،لكن فيما
كان من القسمة محض تمييز حقوق ،وهذه هي القسمة بجميع أنواعها عدا قسمة الردّ في قيل
اعتمده الحنابلة ،أما ما هو منها بيع ،فإنه عندهم عقد لزم بمجرد التراضي والتفرّق .ويقبل
التقايل كالبيع ،إل أنه إذا استخدمت القرعة توقف لزوم القسمة على خروجها ،وعلى الرّضا
بالقسمة بعد خروج القرعة ،هذا في قسمة التراضي ،أما في قسمة الجبار ،فيتوقف اللّزوم
على خروج القرعة عند الحنابلة .
وقال الشافعية :إن وقعت القسمة بتراض من الشريكين بغير نزاع فل بد من رضا بها بعد
خروج القرعة ،سواء في قسمة الفراز أو الردّ أو التعديل ،أما في قسمة الر ّد والتعديل فلن
كلّا منهما بيع ،والبيع ل يحصل بالقرعة ،فافتقر إلى الرّضا بعد خروجهما كقبله ،وأما في
غيرهما فقياسا عليهما ،وذلك كقولهما :رضينا بهذه القسمة أو بهذا أو بما أخرجته القرعة ،
فإن وقعت إجبارا لم يعتبر فيها تراض ،ل قبل القرعة ول بعدها ،أو وقعت بدون قرعة أصلً
بأن اتفقا على أن يأخذ أحدهما أحد الجانبين والخر الخر ،أو أحدهما الخسيس والخر
النفيس ويرد زائد القسمة فل حاجة إلى تراض ثان بعد ذلك .
ثانيا -استقلل كلّ واحد بملك نصيبه والتصرّف فيه :
-ذهب الفقهاء إلى استقلل كلّ واحد من الشّركاء بعد القسمة بملك نصيبه والتصرّف فيه 52
كأيّ مالك فيما يملك ،لن هذا هو ثمرة القسمة ومقصودها .
ويذكر الحنفية هنا أن القسمة الفاسدة ،كألتي شرط فيها هبة أو صدقة أو بيع من المقسوم أو
من غيره يترتب عليها أيضا هذا الستقلل بعد القبض ،وإن كان مع الضمان بالقيمة ،قياسا
على البيع ،ويردّون ما قال ابن نجيم في الشباه من نفي هذا الترتّب ; لنه بناه على أن
الفساد والبطلن في القسمة سواء ،وليس كذلك ،والذي قاله ابن نجيم هو مذهب الجماهير
من غير الحنفية وقد ضرب صاحب البدائع هنا عدة أمثلة لهذه التصرّفات التي يملكها كلّ واحد
من المتقاسمين في نصيبه دون أن يكون لمقاسمه حقّ العتراض أو المنع ،وذلك إذ يقول :
لو وقع في نصيب أحد الشريكين ساحة ل بناء فيها ،ووقع البناء في نصيب الخر ،فلصاحب
الساحة أن يبني في ساحته ،وله أن يرفع بناءه ،وليس لصاحب البناء أن يمنعه ،وإن كان
يفسد عليه الرّيح والشمس ; لنه يتصرف في ملك نفسه ،فل يمنع منه ،وكذا له أن يبني في
ساحته مخرجا أو تنّورا أو حماما أو رحىً ،لما قلنا .
وكذا له أن يقعد في بنائه حدادا أو قصارا -أي الذي يبيّض الثّياب -وإن كان يتأذى به
جاره ،لما قلنا .
وله أن يفتح بابا أو كوةً -أي الثّقبة في الحائط -لما ذكرنا ; أل ترى أن له أن يرفع الجدار
ل ،ففتح الباب والكوة أولى .
أص ً
وله أن يحفر في ملكه بئرا أو بالوعةً أو كرياسا -أي كنيفا في أعلى السطح -وإن كان يهي
بذلك حائط جاره ،ولو طلب جاره تحويل ذلك لم يجبر على التحويل ،ولو سقط الحائط من ذلك
ل يضمن ; لنه ل صنع منه في ملك الغير ،والصل أن ل يمنع النسان من التصرّف في ملك
نفسه ،إل أن الكف عما يؤذي الجار أحسن .
ثالثا للمتقاسمين إحداث أبواب ونوافذ في السّكة المشتركة غير النافذة :
-وهذا مما يقع كثيرا ; لن قسمة الدار يترتب عليها إدخال تعديلت كثيرة ،وتهيئة مرافق 53
لم تكن ،وليس لسائر الشّركاء في السّكة المذكورة الحيلولة دون ذلك ; لن للمتقاسمين أن
يزيلوا الجدران فأولى أن يفتحوا فيها ما شاءوا من أبواب وكوىً .
هكذا قرر صاحب البدائع من الحنفية وأطلقه والذي عند الشافعية أن الذي له أن يفتح بابا في
السّكة غير النافذة هو من كان من أهلها ،وهو من له فيها باب ،ل من لصقها جداره ،ثم
الذي له فيها باب ل يملك عندهم فتح باب آخر إل إذا كان أقرب إلى رأس السّكة ،وهو مفاد
متون الحنفية أيضا ،لكن زاد الشافعية شريطةً أخرى لفتح باب جديد ،هي أن يغلق الول ،
هذا عند المشاحة ،أما بالتراضي فل كلم .
كما أن المالكية يصرّحون بمنع فتح باب قبالة باب آخر لشريك في السّكة غير النافذة ; لنه
يؤذيه ويسيء إلى أهله .
ما يطرأ على القسمة :
-قد يطرأ على القسمة بعد وقوعها أمور قد يرى الشّركاء أو بعضهم بسببها إعادة النظر 54
الهيئة قال في المصباح :تهايأ القوم تهايؤًا من الهيئة ،جعلوا لكلّ واحد هيئةً معلومةً والمراد
النوبة .
وهي شرعا :قسمة المنافع :لن كل واحد فيها ،إما أن يرضى بهيئة واحدة ويختارها ،وإما
أن الشريك الثاني ينتفع بالعين على الهيئة التي وقع بها انتفاع شريكه الول .
مشروعيتها :
-القياس عند الحنفية يقتضي امتناع قسمة المنافع لنها مبادلة منفعة بجنسها نسيئةً ،إذ 56
كلّ واحد من الشريكين ينتفع بملك شريكه عوضا عن انتفاع شريكه بملكه ،لكن ترك القياس
إلى القول بجوازها استحسانا ،لما قام من دلئل مشروعيتها إذ هذه المشروعية ثابتة بالكتاب
والسّنة والجماع والمعقول :
شرْبٌ
أما الكتاب :فقوله عز اسمه -حكايةً عن نبيّه صالح يخاطب قومه { :هَذِ ِه نَا َق ٌة ّلهَا ِ
ب َي ْومٍ ّمعْلُو ٍم } إذ هو يدلّ على جواز المهايأة الزمانية بنصّه -بنا ًء على أن شرع
وَ َل ُكمْ شِرْ ُ
من قبلنا شرع لنا ،ما لم يرد في شرعنا ما ينسخه وما لم يقص علينا من غير إنكار -وعلى
جواز المهايأة المكانية بدللته ; لن هذه أشبه من المهايأة الزمانية بقسمة العيان ،إذ كل
الشريكين يستوفي حقه في نفس الوقت ،دون تراخ عن صاحبه .
أما السّنة :فقد جاء « أنهم كانوا يوم بدر بين ثلثة نفر بعير يتهايئون في ركوبه » وهذه
مهايأة زمانية ،والمكانية أولى منها بالجواز ،كما علمناه .
ي صلوات ال عليه حين
وروي « أن الرجل الذي رغب في خطبة المرأة التي وهبت نفسها للنب ّ
ي ،عرض إزاره مهرا ولم يكن له سواه ،فقال صلوات ال عليه :ما تصنع
رأى إعراض النب ّ
بإزارك ؟ إن لَ ِبسْتَه لم يكن عليها منه شيء ،وإن لَ ِبسَتْه لم يكن عليك شيء » -يشير إلى أن
الشأن في قسمة ما ل ينقسم -ول يحتمل الجتماع على منفعته في وقت واحد -أن يقسم
على التهايؤ .
وأما الجماع :فل يعرف في صحة قسمة المنافع على الجملة نزاع لحد من أهل الفقه .
وأما المعقول :فلن ما ل يقبل القسمة ،قد يتعذر الجتماع على النتفاع به في وقت واحد ،
فلو لم تشرع قسمة المنافع لضاعت منافع كثيرة ،وتعطلت أعيان إنما خلقها ال سبحانه لينتفع
بها ،ول يستقيم هذا في عقل أو شرع حكيم .
مح ّل قسمة المنافع :
-تكون قسمة المنافع إذا صادفت محلها ،وتراضى عليها الشّركاء ،أو طلبها أحدهم 57
والقسمة العينية غير ممكنة ،أو ممكنة ولكن لم يطلبها شريك آخر ،والمنفعة غير متفاوتة
تفاوتا يعتدّ به .أو تعذر الجتماع على النتفاع .
والمنافع ،كما هو فرض الكلم ،أي منافع العيان التي يمكن النتفاع بها مع بقاء أعيانها ،
ح التهايؤ على الكتابة من محبرة مثلً ،ول على الغلت المتمثّلة أعيانا بطبيعتها كالثّمار
فل يص ّ
واللبن ; لن التهايؤ الذي هو شكل قسمة المنافع ،إنما جاز ضرورةً أن المنافع أعراض سيالة
ل تمكن قسمتها بعد وجودها لتقضّيها وعدم بقائها زمانين ،فقسمت قبل وجودها بالتهايؤ في
محلّها ،أما العيان التي هي غلت فتبقى وتمكن قسمتها بذواتها ،فل حاجة إلى التهايؤ في
قسمتها على ما فيه من الغرر ،فالراضي الزّراعية المشتركة بين اثنين تمكن قسمتها
بالمهايأة :كأن يأخذ كلّ واحد نصفها ،أو يأخذها أحدهما كلها فتر ًة معينة من الزمن ثم الخر
كذلك ; لن هذه قسمة منافع الرض بزراعتها ،أما النخل وشجر الفاكهة يكون بينهما
فيتقاسمان على نحو ما قلنا في الرض ،ليستقل كلّ بما يتحصل من الثمرة في حصته أو في
نوبته فل سبيل إلى ذلك باتّفاق المام وصاحبيه ; لن الثّمار أعيان تمكن قسمتها بعد وجودها ،
وكذلك البقر والغنم وما إليهما ،ل تجوز قسمة ألبانها بطريق المهايأة على نحو ما سلف
للمعنى ذاته ،ومثل الحنفية لذلك برجلين تواضعا في بقرة بينهما على أن تكون عند كلّ واحد
ل ،ول يحلّ فضل اللبن لحدهما ،وإن جعله
منهما خمسة عشر يوما ،يحلب لبنها ،كان باط ً
صاحبه في حلّ ; لنه هبة المشاع فيما يقسم ،إل أن يكون صاحب الفضل استهلك الفضل ،
فإذا جعله صاحبه في ح ّل ،كان ذلك إبرا ًء من الضمان فيجوز ،أما حال قيام الفضل فيكون
هبةً أو إبرا ًء من العين ،وإنه باطل .
ويذكرون أن المخرج للمهايأة في الثمر أو اللبن أن يشتري هذا حصة شريكه من الصل " أي
الشجر أو الحيوان " ثم يبيعه إياه كله بعد انقضاء نوبته ليبدأ ذاك نوبته ،حتى إذا انقضت باع
صاحبه الصل بدوره ،وهكذا دواليك ،أو يستقرض حصة صاحبه من اللبن أو الثمر ،بأن
يزن كل يوم ما يخصّه ،حتى إذا انقضت نوبته استوفى صاحبه بالوزن ما كان أقرض ،إذ
ل وتأجيلً .
قرض المشاع جائز ،أص ً
هكذا قرر الحنفية ،وهو موضع وفاق من غيرهم إل أن الشافعية والحنابلة يذكرون أن المخرج
في التهايؤ على الثمر واللبن هو الباحة ،أي أن يبيح كلّ من الشريكين نصيبه لصاحبه مدة
نوبته ،ويغتفر الجهل لمكان الشركة وتسامح الناس .
والمالكية قالوا في اللبن :يجوز التهايؤ عليه إذا كان على الفضل البيّن ; لنه يخرج من باب
المعاوضات إلى باب المعروف البحت ،وذلك كما لو جعل لبن البقرة لحدهما يوما وللخر
يومين .
التراضي والجبار في قسمة المنافع :
-قسمة المنافع أيضا تتنوع إلى قسمة تراض وقسمة إجبار ،ويستخلص من كلم الحنفية 58
مزيته ،فالولى أعدل ،لوصول كلّ واحد إلى حقّه في نفس الوقت ،والثانية أكمل ،لن كل
واحد ينتفع بالعين كلّها ،ولذا لو اختلفا في التهايؤ على الدار :هذا يطلب أن يسكن أحدهما في
مقدّمها ،والخر في مؤخّرها ،وذاك يطلب أن يسكن أحدهما جميع الدار شهرا ،ثم الخر
شهرا آخر ،فإن القاضي ل يجيب أحدهما ،إذ ل رجحان لحد ،وإنما يأمرهما بأن يتفقا ،ثم
إذا اتفقا على المهايأة الزمانية أقرع بينهما لتعيين من له البداءة ،وإن اتفقا على المهايأة
المكانية ،ولكن تنازعا مكانا بعينه أقرع بينهما ليتعين بالقرعة لكلّ واحد مكانه .
وقد ذهب إلى قصر الجبار على المهايأة المكانية صاحب المحرر من الحنابلة حيث ل تنطوي
القسمة على ضرر ،ولكن الذي اعتمده الحنابلة خلفه :وهو نفي الجبار في قسمة المنافع
كلّها ،قبلت العين القسمة العينية أم لم تقبلها ،اتفقت المنفعة أم اختلفت ،وهو الذي قال به
المالكية والشافعية لن في هذه القسمة معنى المعاوضة على العموم ،إذ كلّ واحد من
الشريكين ينتفع بنصيب صاحبه أو حصته عنده لقاء انتفاع صاحبه بنصيبه أو حصته ; ولن
المنفعة معدومة عند القسمة ،ول يدري أحد من المتقاسمين ما يحصل له منها وما ل يحصل ،
ثم لن في المهايأة الزمانية خاصةً غبنا لمن تتأخر نوبته .
لكن يقرّر البلقينيّ من الشافعية أن المانع الحقيقي من دخول الجبار في قسمة المهايأة هو بقاء
ق ملك الذات ،كما في
العلقة بالشركة في العين ذاتها ،ولذا فإن المنافع المملوكة بغير ح ّ
الجارة والوصية ،تقبل الجبار على قسمتها ،وفي نهاية المحتاج ما يفيد أنه أحد وجهين في
المذهب ،والوجه الخر هو إطلق القول بعدم الجبار ،إل في حالة الضرورة كما سيجيء .
وفي تنقيح الحامدية كلم مستدرك عن عدم الجبار على تهايؤ المستأجرين .
وذكر الشافعية أن الشّركاء قد يأبون من قسمة المهايأة فيما ل يقبل القسمة العينية ،فحينئذ
يؤجّره القاضي عليهم أو يجبرهم على إيجاره ،مدةً قريبةً كسنة ،فإن تعذر اليجار لكساد ل
يرجى انقشاع غمته من قريب ،فإنه يبيع عليهم ،لكن ربما تعذر البيع أيضا ،وهنا يقول
الزركشيّ :يجبرهم على المهايأة إذا طلبها أحدهم ،ول يعرض عنهم إلى الصّلح كما في
العارية; لنه ضرر عامّ وكثير ولبن البناء من الحنابلة نحوه ،إل أنه لم يذكر البيع ،ومعلوم
موقف المالكية المتميّز ومعهم موافقوهم في الجبار على البيع ،لكن بطلب أحد الشّركاء ( ر :
). 47/ ف
وقد مضى أبو حنيفة في غير العقار على وتيرة واحدة .إذ منع المهايأة على غلة الكراء وحكم
ببطلنها ; لنها عين وتمكن قسمتها ،فيبقى المال المشترك دون مهايأة ،ثم ما يتحصل من
غلته يقتسمه الشّركاء بينهم ،فعنده ل يصحّ التهايؤ على استغلل الدابة أو الدابتين .
ولكنه استثنى غلة العقار ،فألحقها بالمنافع ،وجوز التهايؤ على قسمتها ،فل مانع منه في
الدار الواحدة أو الدارين ،والرض الواحدة أو الرضين ،سواء أكان التهايؤ زمانيّا أم مكانيّا ،
ل فوجده في كثرة الغرر في الحيوان ،لن تعرّضه
فاحتاج إلى الفرق بين العقار والحيوان مث ً
للتغيّرات أكثر ،ففي المهايأة عليه تكون المعادلة ،التي هي من شرائط القسمة ،في مظنة
الفوات ،ول كذلك في العقار :فإن الظاهر فيه بقاء التعادل القائم عند القسمة .
ثم فرق بين المهايأة المكانية والمهايأة الزمانية -على الستغلل -ففي المكانية إذا زادت
الغلة في نوبة أحد الشريكين عنها في نوبة الخر ل يشتركان في الزّيادة ،بل تخصّ من وقعت
في نوبته ،لقوة معنى التمييز والفراز في هذا النوع من القسمة ،بسبب اتّحاد زمان استيفاء
كلّ حقّه ،وفي الزمانية يشتركان في الزّيادة ،لضعف هذا المعنى فيها ،بسبب تعاقب استيفاء
كلّ حقه فيقدر معنى القرض ليحصل التعادل :كأن هذا أقرض نصيبه من غلة هذا الشهر على
أن يستوفي من نصيب الخر في الشهر الثاني ،ويقدر أن كلّا منهما وكيل عن صاحبه في
تأجير نصيبه فإذا استوفى المقرض قدر قرضه كان الباقي مشتركا بينهما .
ومنع المهايأة على الغلة -بمعنى الكراء -هو مذهب المالكية الذي ل يختلفون عليه ،فيما
قل وكثر ; لنها تتفاوت ويدخلها من الغرر ما يدخل كل ما ل انضباط له ،حتى لقد ردّوا قول
محمد بن عبد الحكم :يسهل ذلك في اليوم الواحد .ولم يعتبروه معبّرا عن المذهب .نعم إذا
ي بواسطة السّلطات الحاكمة فذاك .
انضبطت الغلة ،كما في حالت التسعير الجبر ّ
كيفية قسمة المنافع :
-قسمة المنافع تتنوع إلى نوعين :وإن شئت فقل تكون بإحدى صورتين : 60
قِصاص *
التعريف :
-من معاني القصاص في اللّغة :تتبّع الثر ،يقال :قصصت الثر تتبعته . 1
وفي الصطلح ،قال ابن عابدين :هي اسم لفعل محرم حل بمال أو نفس .
والعلقة بين الجناية والقصاص :السببية ،فقد تكون الجناية سببا لوجوب القصاص .
د -التعزير :
-التعزير في اللّغة :التوقير ،والتعظيم والتأديب ،ومنه الضرب دون الحدّ . 5
وفي الصطلح :عقوبة غير مقدرة وجبت حقّا ل تعالى أو لدميّ ،في معصية ليس فيها حدّ
ول كفارة غالبا .
والعلقة بين التعزير والقصاص :أن القصاص مقدر بما يساوي الجناية ،والتعزير غير مقدر
بذلك .ثم إن القصاص حقّ للمجنيّ عليه أو لوليائه ،أما التعزير فقد يكون كذلك ،وقد يكون
ق ال تعالى .
لح ّ
هـ -العقوبة :
-العقوبة في اللّغة :اسم من عاقب يعاقب عقابا ومعاقب ًة ،وهو أن تجزي الرجل بما فعل 6
ومباح طلبه من قبل مستحقّه إذا استوفى شروطه ،فله أن يطالب به ،وله أن يصالح عليه ،
وله أن يعفو عنه ،والعفو أفضل ،ثم الصّلح .
وسواء في ذلك كلّه أن تكون الجناية على النفس أو على ما دونها .
ن آمَنُواْ كُتِبَ عَلَ ْي ُكمُ ا ْلقِصَاصُ فِي ا ْلقَتْلَى ا ْلحُ ّر بِا ْلحُ ّر وَا ْلعَبْدُ
وذلك لقوله تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِي َ
جعَلْنَا ِلوَلِ ّي ِه سُ ْلطَانا فَلَ
بِا ْلعَبْدِ وَالُنثَى بِالُنثَى } ،وقوله سبحانه َ { :ومَن قُ ِتلَ َمظْلُوما َفقَدْ َ
ن ال ّنفْسَ
ن مَنْصُورا } .وقوله جل من قائل َ { :وكَتَبْنَا عَلَ ْي ِهمْ فِيهَا أَ ّ
ُيسْرِف فّي ا ْلقَ ْتلِ إِ ّنهُ كَا َ
ن وَا ْلجُرُوحَ قِصَاصٌ َفمَن
ن بِالسّ ّ
ف بِالَنفِ وَالُذُنَ بِالُذُنِ وَالسّ ّ
ن وَالَن َ
بِال ّنفْسِ وَا ْلعَيْنَ بِا ْلعَيْ ِ
ي صلى ال عليه وسلم « :من قتل له قتيل فهو بخير
ق ِبهِ َف ُهوَ َكفّارَةٌ ّلهُ } ،وقول النب ّ
تَصَدّ َ
النظرين :إما أن يودى ،وإما أن يقاد » ،وما رواه أنس -رضي ال تعالى عنه « -أن
الرّبيّع بنت النضر بن أنس كسرت ثنية جارية ،فعرضوا عليهم الرش فأبوا ،وطلبوا العفو
فأبوا ،فأتوا النبي صلى ال عليه وسلم فأمر بالقصاص فجاء أخوها أنس بن النضر فقال :يا
ي صلى ال عليه
ق ل تكسر ثنيتها .فقال النب ّ
رسول ال أتكسر ثنية الرّبيّع ،والذي بعثك بالح ّ
وسلم :كتاب ال القصاص قال :فعفا القوم .ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :إن من
عباد ال من لو أقسم على ال لبره » ; ولن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى حفظه
بالقصاص ،فكان كالنفس في وجوب القصاص .
أسباب القصاص :
-أسباب القصاص هي :القتل والقطع والجرح والشّجاج وإزالة معاني العضاء ،وبيان 8
القاتل إل بتوفّرها ،وقد اتفق الفقهاء في بعض هذه الشّروط واختلفوا في بعضها الخر ،كما
يلي :
أ -التكليف :
-اتفق الفقهاء على أنه يشترط في القاتل لوجوب القصاص عليه أن يكون مكلفا ،أي 11
عاقلً بالغا عند القتل ،فل يجب القصاص على القاتل إذا كان صغيرا أو مجنونا جنونا مطبقا
عند القتل .
ل ثم جُنّ اقتص
ل ثم جن فقد ذهب الحنفية إلى أنه إن دفعه القاضي للوليّ عاق ً
فإذا قتله عاق ً
منه ،وإن جُن قبل دفعه سقط عنه القصاص ووجبت الدّية بد ًل منه استحسانا ،وكذلك إذا جن
قبل القضاء عليه بالقصاص ،فإنه ل يقتصّ منه ; لن شرط وجوب القصاص عليه كونه
ن قبل الدفع تمكن الخلل في الوجوب
مخاطبا حالة الوجوب وذلك بالقضاء ويتمّ بالدفع ،فإذا ج ّ
فصار كما لو جن قبل القضاء .
ن ويفيق ،فإن قتل في إفاقته قضي عليه بالقصاص ،فإن جن بعد ذلك مطبقا سقط
فإن كان يج ّ
القصاص ،وإن غير مطبق قتل قصاصا بعد إفاقته .
ص منه .
وذهب المالكية إلى أنه ينتظر إلى حين إفاقته ثم يقت ّ
فإذا كان القاتل مجنونا جنونا متقطّعا ،فإن قتله في حال صحوه اقتص منه في حال صحوه ،
وإن قتله في حال جنونه لم يقتص منه .
وذهب الشافعية إلى أنه إن قتله وهو مجنون جنونا مطبقا فل قصاص عليه .
وإن كان جنونه متقطّعا ،فإن قتله حال الجنون فل قصاص عليه لنه قتله حال الجنون وهو
فيها غير مكلف ،وإن قتله حال الفاقة ،أو قتله وهو عاقل ثم جن وجب القصاص عليه ،
ويقتصّ منه حال جنونه .
ص منه في
وذهب الحنابلة إلى أنه إن قتله وهو عاقل ثم جن لم يسقط القصاص عنه ،ثم يقت ّ
حال جنونه إن ثبت القتل ببيّنة ،فإن ثبت بإقراره لم يقتص منه حتى يصحو ; لحتمال رجوعه
عن إقراره .
ومثل الجنون :النوم والغماء لعدم التكليف ،للحديث الشريف « :إن ال وضع عن أمتي
الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » .
أما السكران ،فقد ذهب الحنفية والمالكية ،وكذلك الشافعية والحنابلة في المذهب عندهما إلى
أنه إن قتل وهو سكران ،فإن كان سكره بمحرم وجب القصاص عليه ،وإن كان سكره لعذر
كالكراه فل قصاص عليه .
وقال أبو الخطاب من الحنابلة :إن وجوب القصاص عليه مبنيّ على وقوع طلقه ،وفيه
روايتان ،فيكون في وجوب القصاص عليه وجهان .
ب -عصمة القتيل :
-اتفق الفقهاء على أن من شرط وجوب القصاص على القاتل أن يكون القتيل معصوم 12
والقتيل في أوصاف اعتبروها ،فل يقتل العلى بالدنى ،ولكن يقتل الدنى بالعلى
وبالمساوي .وخالف الحنفية ،وقالوا :ل يشترط في القصاص في النفس المساواة بين القاتل
والقتيل ،إل أنه ل يقتل عندهم المسلم ول ال ّذمّيّ بالحربيّ ،ل لعدم المساواة بل لعدم العصمة .
إل أن الجمهور اختلفوا في الوصاف التي اعتبروها للمكافأة .
فذهب المالكية والحنابلة إلى اشتراط المساواة بين القاتل والقتيل في السلم والحرّية .أو أن
يكون القتيل أزيد من القاتل في ذلك ،فإذا كان القاتل أزيد من القتيل فيهما فل قصاص ،فإن
كان كلّ منهما أنقص من الخر في أحدهما ،كان نقص الكفر أكثر من نقص ال ّرقّ عند
المالكية ،وعلى ذلك فل يقتل مسلم ولو عبدابكافر ولو حرّا ،ول حرّ برقيق إل أن يكون المقتول
زائد إسلم ،فيقتل حرّ كتابيّ برقيق مسلم كما سيأتي ترجيحا جانب السلم على الحرّية .
وعند الحنابلة ل يقتل الكافر الحرّ بالعبد المسلم ; لن الحر ل يقتل بالعبد مطلقاعندهم ،كما ل
يقتل العبد المسلم بالحرّ الكافر ; لن المسلم ل يقتل بالكافر مطلقا ،فإذا قتل من نصفه حرّ عبدا
لم يقتل به ،وإذا قتل حرّ من نصفه عبد لم يقتل به أيضا لعدم المكافأة .
ويقتل العبد القنّ بالمكاتب ،ويقتل المكاتب به ،ويقتل كلّ واحد منهما بالمدبّر وأمّ الولد -
والعكس -لن الكل عبيد .
ويقتل العبد بالعبد مطلقا .
واختلف المالكية في الوقت الذي تعتبر فيه المساواة في القتل الموجب للقود ،قال الدّسوقيّ :
ل بد في القود من المكافأة في الحالت الثلث :حالة الرمي وحالة الصابة وحالة الموت ،
ومتى فقد التكافؤ في واحد منها سقط القصاص ،وبين هنا أنه في الخطأ والعمد الذي فيه مال
إذا زالت المكافأة بين السبب والمسبب ،أو عدمت قبل السبب وحدثت بعده وقبل المسبب
ووجبت الدّية ،كان المعتبر في ضمانها وقت المسبب ،وهو وقت الصابة في الجرح ووقت
التلف في الموت ،ول يراعى فيه وقت السبب وهو الرمي على قول ابن القاسم ،ورجع إليه
سحنون خلفا لشهب .
إل أن المالكية استثنوا من اشتراط المساواة في السلم والحرّية هنا القتل غِيلةً ،وقالوا
بوجوب القصاص فيه من غير هذين الشرطين ،قال الدردير :إل الغيلة -بكسر الغين
المعجمة ،وهي القتل لخذ المال -فل يشترط فيه الشّروط المتقدّمة ،بل يقتل الح ّر بالعبد
والمسلم بالكافر .
أما الحنابلة فوقت المساواة المشترط عندهم هو وقت القتل ،قال ابن قدامة :فإن قتل كافر
ص منه ...لن القصاص عقوبة فكان العتبار فيها
كافرا ثم أسلم القاتل ...فقال أصحابنا :يقت ّ
بحال وجوبها دون حال استيفائها كالحدود ،ويحتمل أن ل يقتل به ،وهو قول الوزاعيّ .
ويستوي عند الحنابلة القتل غيلةً وغيره ،قال ابن قدامة :وقتل الغيلة وغيره سواء في
ي دون السّلطان .
القصاص والعفو ،وذلك للول ّ
وذهب الشافعية إلى اشتراط المساواة بين القاتل والقتيل في السلم والمان والحرّية والصلية
ي لخبر « :ل يقتل مسلم بكافر » .
والسّيادة ،فل يقتل مسلم ولو زانيا محصنا بذمّ ّ
ي به
ولنه ل يقاد المسلم بالكافر فيما دون النفس بالجماع ،ففي النفس أولى ...ويقتل ذمّ ّ
أي المسلم لشرفه عليه ،ويقتل أيضا بذ ّميّ وإن اختلفت مِلّ ُت ُهمَا ،ومعاهد ومستأمن ومجوسيّ
وعكسه ; لن الكفر كله ملّة واحدة من حيث إن النسخ شمل الجميع .
والظهر :قتل مرت ّد بذمّيّ ومستأمن ومعاهد سواء عاد المرتدّ إلى السلم أم ل ; لستوائهما
ي لنه مهدر الدم .والثاني :ل يقتل به لبقاء عُلقة
في الكفر ،بل المرتدّ أسوأ حالً من ال ّذمّ ّ
ي ذمّيّا ،
السلم في المرت ّد ،والظهر أيضا :قتل مرتدّ بمرت ّد لتساويهما ،كما لو قتل ذمّ ّ
والثاني :ل ; لن المقتول مباح الدم ،ل ذمّيّ بمرتدّ في الظهر ،والثاني يقتل به أيضا ،ويقتل
ي ،ول يقتل زان محصن به لختصاصه بفضيلة
المرت ّد بالزاني المسلم المحصن كما يقتل بال ّذمّ ّ
ق وإن قل ،لقوله تعالى :
السلم ،ولخبر « :ل يقتل مسلم بكافر » ،ول يقتل ح ّر بمن فيه ر ّ
{ ا ْلحُرّ بِا ْلحُرّ وَا ْلعَبْدُ بِا ْلعَبْدِ } ،وسواء في ذلك المكاتب والمدبر وأمّ الولد وعبده وعبد غيره .
ويقتل ِقنّ ومدبّر ومكاتب وأمّ ولد بعضهم ببعض ولو كان المقتول لكافر والقاتل لمسلم للتساوي
في الملك ،واستثني المكاتب إذا قتل عبده ل يقتل به كما ل يقتل الح ّر بعبده .
ضهُ ح ّر لو قتل مثله أي مبعضا ،سواء ازدادت حرّية القاتل على حرّية المقتول أم ل ،
ن َبعْ ُ
َومَ ْ
ل قصاص ،وقيل :إن لم تزد حرّية القاتل وجب القصاص ،سواء أتساويا أم كانت حرّية
المقتول أكثر ،أما إن كانت حرّية القاتل أكثر فل قصاص قطعا ; لنتفاء المساواة .
والفضيلة في شخص ل تجبر النقص فيه ،فل قصاص واقع بين عبد مسلم وحرّ ذ ّميّ ; لن
ي ،والح ّر ل يقتل بالعبد ،ول تجبر فضيلة كلّ منهما نقيصته .
المسلم ل يقتل بال ّذمّ ّ
وسيأتي الكلم في وصفي الصلية والسّيادة .
والشافعية يعتبرون المساواة المشروطة في القصاص في النفس وقت القتل ،وهو وقت انعقاد
ي ،الذي قتل كافرا مكافئا له لم يسقط القصاص
سبب القصاص ،وعلى ذلك لو أسلم ال ّذمّ ّ
لتكافئهما حالة الجناية ; لن العتبار في العقوبات بحال الجناية ،ول نظر لما يحدث بعدها ،
ولذلك لو جرح ذمّيّ أو نحوه ذمّيّا أو نحوه وأسلم الجارح ،ثم مات المجروح بسراية تلك
الجراحة ل يسقط القصاص في النفس في الصحّ ،للتكافؤ حالة الجرح .
د -أن ل يكون القاتل حربيّا :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه ل قصاص على القاتل إذا كان حربيّا ،حتى ولو أسلم ،قال 14
الشافعية ،لما تواتر من فعله صلى ال عليه وسلم والصحابة من بعده من عدم القصاص ممن
أسلم كوحشيّ قاتل حمزة ولعدم التزامه أحكام السلم ،ولكن يقتل بما هدر به دمه ،وعلى
ي مسلما لم يقتل به قصاصا ،ويقتل لهدار دمه ،فإذا أسلم سقط القتل
ذلك فلو قتل حرب ّ
والقصاص.
هـ -أن يكون القاتل متعمّدا القتل :
ي صلى ال عليه
-اتفق الفقهاء على أن القصاص ل يجب في غير القتل العمد ،لقول النب ّ 15
وسلم « :العمْد َقوَد » ،قال الكاسانيّ :لن القصاص عقوبة متناهية فل تجب إل في جناية
متناهية ،والجناية ل تتناهى إل بالعمد ،والقتل العمد هو قصد الفعل والشخص بما يقتل غالبا
.والتفصيل في مصطلح ( قتل عمد ف . ) 1/
و -أن يكون القاتل مختارا :
-ذهب المالكية والشافعية والحنابلة وزفر من الحنفية إلى أن الكراه ل أثر له في إسقاط 16
القصاص عن المكرَه ،فإذا قتل غيره مكرها لزمه القصاص ،ولزم القصاص المكرِه أيضا
وذلك في الجملة .
وذهب الحنفية إلى أن من شروط القصاص أن يكون القاتل مختارا اختيار اليثار ،فل قصاص
على مكرَه إكراها ملجئا استوفى شروطه الخرى ،وهل يجب القصاص على المكرِه ؟
). 19/ فيه تفصيل ينظر في مصطلح ( إكراه ف
ص معه من القاتل .
أما الكراه غير الملجئ فل أثر له ويقت ّ
). 24 - 19/ وتفصيل ذلك في مصطلح ( إكراه ف
ز -أن ل يكون المقتول جزء القاتل أو من فروعه :
-ذهب الجمهور إلى أنه ل يقتل والد بولده مطلقًا ،لقول النبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل 17
يقاد الوالد بالولد » ; ولنه كان سبب حياته فل يكون الولد سببا في موته ،وفي حكم الوالد
هنا كلّ الصول من الذّكور والناث مهما بعدوا ،فيدخل في ذلك المّ والجدات وإن علون من
الب كن أم من المّ ،كما يدخل الجداد وإن علوا من الب كانوا أو من المّ ; لشمول لفظ
الوالد لهم جميعا .
وروي عن أحمد أن الم تقتل بالبن خلفا للب ،والصحيح أنها كالب فل تقتل بالبن .
وذهب المالكية إلى أن الب إذا قتل ابنه قتل به إذا كان قصد إزهاق روحه واضحا ،فإذا لم
يكن واضحا لم يقتل به ،قال الدردير :وضابطه أن ل يقصد إزهاق روحه ،فإن قصده كأن
يرمي عنقه بالسيف ،أو يضجعه فيذبحه ونحو ذلك فالقصاص .
وهذا كلّه في الوالد ال ّنسَبيّ ،قال الحنابلة :أما الوالد من الرضاع فإنه يقتل بولده من الرضاع
لعدم الجزئية الحقيقية .
ح -أن ل يكون المقتول مملوكا للقاتل :
-اتفق الفقهاء على أن العبد إذا قتل سيّده قتل به ،أما السيّد إذا قتل عبدا أو أمةً مملوكين 18
له ،فإنه ل يقتل بهما ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :ل يقتل حرّ بعبده » .
ومثل المملوك هنا من له فيه شبهة ملك ،أو كان يملك جزءا منه ،فإنه ل قصاص ; لنه ل
يمكن استيفاء بعض القصاص دون بعض ; لنه غير متجزّئ .
كما ل يقتل المولى بمدبّره ،وأمّ ولده ،ومكاتبه ; لنهم مماليكه حقيقةً .
ط -أن يكون القتل مباشرا :
-ذهب الجمهور إلى وجوب القصاص في المباشرة والتسبّب على سواء ،إذا توافرت 19
اليات الكريمة والحاديث الشريفة الدالة على وجوب القصاص من غير تفريق بين دار ودار .
ي ولم يهاجر إلينا فقتله مسلم في دار الحرب لم يقتل به ; لنه من
وعند الحنفية إذا أسلم الحرب ّ
أهل دار الحرب مكانا ،فكان كالمحارب ل عصمة له ،وكذلك إذا كان تاجران مسلمان في دار
الحرب فقتل أحدهما الخر فإنه ل قصاص فيه أيضا .
ك -العدوان :
-اتفق الفقهاء على أن القصاص ل يجب في القتل العمد إذا لم يكن فيه عدوان ،والعدوان 21
للجزئية ،لنه ل يقتل والد بولده ،وكذلك إذا كان الفرع أحد المستحقّين للقصاص ،فإنه
يسقط القصاص كلّه ; لنه ل يتجزأ .
م -أن يكون وليّ الدم في القصاص معلوما :
-وهذا شرط نص عليه الحنفية ،فإذا كان وليّ الدم مجهولً ل يجب القصاص ; لن وجوب 23
القصاص عن الجميع عند الحنفية ،لن القتل واحد ،ول يمكن أن يتغير موجبه بتغيّر
المشاركين فيه ،فإن كان أحد القاتلين صغيرا أو مجنونا أو أبا أو مدافعا عن نفسه أو ماله ...
سقط القصاص عن الجميع .
ل ،فعفا الوليّ عن أحدهما فإنه ل يسقط القصاص عن الثاني بذلك ،ولكن
أما إذا قتل اثنان رج ً
له أن يقتص منه ،وله أن يعفو عنه كالول ،وقال أبو يوسف :إذا عفا عن أحدهما سقط
القصاص عن الثاني .
ي العافي واحدا ،فإذا كان للقتيل أولياء فعفا أحدهم ،سقط القصاص للباقين
هذا ما دام الول ّ
باتّفاق الحنفية ; لن القصاص ل يتجزأ ،فإذا قتل إنسان رجلين ،فعفا وليّ أحدهما دون
ق الول وبقي حقّ الثاني في القصاص على حاله .
الخر ،سقط ح ّ
وذهب المالكية إلى وجوب القصاص على شريك الصبيّ إن تمال على قتله ،فإن لم يتمال على
قتله وتعمدا قتله ،أو الكبير فقط ،فل قصاص على الكبير ; لحتمال أن ضرب الصغير هو
القاتل ،إل أن يدعي أولياء القتيل أنه مات بضرب الكبير ،ويقسمون على ذلك فيقتل الكبير .
ك مخطئٍ أو مجنون ،وهل يقتصّ من شريكِ سب ٍع ،أو جارح نفسه
ول قصاص على شري ِ
ي لم يتمال على قتله ،وإل اقتص من الشريك .أو
جرحا يموت منه غالبا ،أو شريك حرب ّ
شريكِ َمرَضٍ ،بأن جرحه ثم مرض مرضا يموت منه غالبا ثم مات ،ولم يدر أمات من الجرح
أم من المرض ؟ قولن للمالكية ،والراجح في شريك المرض القصاص ،وفي غيره ل يوجد
ي :والراجح في شريك المرض الحادث بعد الجرح القسامة ويثبت القود
ترجيح ،قال الدّسوق ّ
في العمد ،وكلّ الدّية في الخطأ ،أما إذا كان المرض قبل الجرح فإنه يقتصّ من الجارح
اتّفاقا ،وقال :وأما المسائل الثلث الْأُول فالقولن فيها على ح ّد سواء كما قرره شيخنا .
ئ أو شبه عمد ،ويقتصّ من شريك من
ص من شريكِ مخط ٍ
وذهب الشافعية :إلى أنه ل يقت ّ
امتنع قوده لمعنىً فيه إذا تعمدا جميعا ،فل يقتل شريك مخطئ وشبه مخطئ وشبه عمد ; لن
الزّهوق حصل بفعلين أحدهما يوجبه والخر ينفيه ،فغلب المسقط .
ويقتل شريك الب في قتل ولده ،وعلى الب نصف الدّية مغلظةً ،وفارق شريك الب شريك
المخطئ بأن الخطأ شبهة في فعل الخاطئ والفعلن مضافان إلى محلّ واحد ،فأورث شبهةً في
القصاص كما لو صدرا من واحد ،وشبهة البوة في ذات الب ل في ذات الفعل ،وذات الب
متميّزة عن ذات الجنبيّ ،فل تورث شبهةً في حقّه .
وذهب الحنابلة إلى أنه لو قتل جماعة واحدا ،وكان أحد الجماعة أبا للقتيل سقط القصاص عن
ق القصاص منفردا ،فكذلك إذا
الب وحده ،ووجب على الخرين ،لن كلّا منهم قاتل يستح ّ
كان في جماعة ،وفي رواية عن أحمد :ل قصاص على الب ول على شركائه كالحنفية ; لن
القتل منهم جميعا ،فل يختلف وصفه من واحد منهم عن الخر ،وما دام قد سقط عن أحدهم
فإنه يسقط عن الباقين .
ومثل الب هنا كلّ من سقط القصاص عنه لمعنىً فيه من غير قصور في السبب ففيه الرّوايتان
ي مع المسلم ،والح ّر مع العبد في قتل العبد ،فإذا اشترك في القتل صبيّ
عن أحمد ،كال ّذمّ ّ
ومجنون وعاقل سقط القصاص عنهم جميعا في الصحّ ; لن سقوط القصاص عن الصبيّ
ي والمجنون فقط ،ويجب
والمجنون لمعنىً في فعله ،وفي رواية عن أحمد أنه يسقط عن الصب ّ
على العاقل .
قتل الجماعة بالواحد :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لو تواطأ جماعة على قتل واحد معصوم الدم ،فإن الجمع 25
يقتلون بالفرد الذي تم التواطؤ على قتله ،لما روي أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه قتل
سبعةً من صنعاء قتلوا رجلً ،وقال " :لو تمال عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا " .
والتفصيل في مصطلح ( تواطؤ ف . ) 7 /
وليّ القصاص في النفس :
ق المجنيّ عليه أولً ; لن الجناية وقعت عليه
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أن القصاص ح ّ 26
ن عَاقَبْ ُتمْ َفعَاقِبُواْ ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْتُم ِبهِ } ،إل أن تكون
واللة التي قتل بها ،لقوله تعالى َ { :وإِ ْ
الطريقة محرم ًة ،كأن يثبت القتل بخمر فيقتص بالسيف عندهم ،وإن ثبت القتل بلواط أو
بسحر فيقتص بالسيف عند المالكية والحنابلة ،وكذا في الصحّ عن الشافعية .
ومقابل الصحّ عند الشافعية في الخمر بإيجاره مائعا كخلّ أو ماء ،وفي اللّواط بدسّ خشبة
قريبة من آلته ويقتل بها .
وذهب الحنفية وهو المذهب عند الحنابلة إلى أن القصاص ل يكون إل بالسيف ،ونص الحنابلة
على أن يكون في العنق مهما كانت اللة والطريقة التي قتل بها ،لقوله صلى ال عليه وسلم
سكّين والخنجر وغير
« ل َقوَدَ إل بالسيف » ،والمراد بالسيف هنا السّلح مطلقا ،فيدخل ال ّ
ذلك.
-وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه ل يجوز استيفاء القصاص إل بإذن المام فيه لخطره ; 28
ولن وجوبه يفتقر إلى اجتهاد لختلف الناس في شرائط الوجوب والستيفاء ،لكن يسنّ
حضوره عند الشافعية .
والمذهب عند الحنابلة أن ل يستوفى القصاص إل بحضرة السّلطان أو نائبه ،فإذا استوفاه
ي بنفسه بدون إذن السّلطان جاز ،ويعزر لفتئاته على المام .
الول ّ
استيفاء القصاص في النفس :
ي كامل الهلية ،فقد اتفق الفقهاء
-يشترط لستيفاء القصاص في النفس أن يكون الول ّ 29
على أن ولي القصاص إذا كان كامل الهلية واحدا كان أو أكثر أن له طلب القصاص
واستيفاءه ،فإن طلبه أجيب إليه ،ثم إن كان واحدا أجيب إليه إذا طلبه مطلقا ،وإذا كانوا
متعدّدين أجيبوا إليه إذا طلبوه جميعا ،فإذا أسقطه أحدهم سقط القصاص -كما تقدم -فإذا
ي القصاص قاصرا ،أو كانوا متعدّدين بعضهم كامل الهلية وبعضهم ناقص الهلية .
كان ول ّ
فذهب الشافعية وأحمد في الظاهر والصاحبان من الحنفية إلى أنه ينتظر الصغير حتى يكبر ،
والمجنون حتى يفيق ; لنه ربما يعفو فيسقط القصاص ; لن القصاص عندهم يثبت لكلّ الورثة
على سبيل الشتراك ; ولن القصاص للتشفّي ،فحقّه التفويض إلى خيرة المستحقّ ،فل
ي أو حاكم أو بقية الورثة ،إل أنه يحبس القاتل حتى البلوغ
يحصل باستيفاء غيره من ول ّ
ق.
والفاقة ،ول يخلى بكفيل ; لنه قد يهرب فيفوت الح ّ
ق طلب القصاص ،
وعند أبي حنيفة وهو الصحيح في المذهب يكون لكاملي الهلية وحدهم ح ّ
لن القصاص ثابت لكلّ منهم كاملً -عنده -على سبيل الستقلل ،فإذا طلبوه أجيبوا إليه ،
ول عبرة بالخرين ناقصي الهلية ; لن عفوهم ل يصحّ .
وذهب المالكية إلى أنه ل ينتظر صغير لم يتوقف الثّبوت عليه ،ول ينتظر مجنون مطبق ل
تعلم إفاقته بخلف من يفيق أحيانا فتنتظر إفاقته .
فإذا كان أحد الولياء كاملي الهلية غائبا انتظرت عودته بالتّفاق ; لن له العفو فيسقط به
القصاص ; ولن القصاص للتشفّي كما سبق .
زمان استيفاء القصاص في النفس :
-إذا ثبت القصاص بشروطه جاز للوليّ استيفاؤه فورا من غير تأخير لنه حقّه ،إل أنه ل 30
يعدّ مستحقّا له حتى يموت المجنيّ عليه ،فإذا جرحه جرحا نافذا لم يقتص منه حتى يموت ;
لنه ربما شفي من جرحه فل قصاص لعدم توفّر سببه وهو الموت ،فإذا مات ثبت القصاص
فيستوفى فورا .
ى أو مريضا ،وسواء أن يكون الوقت باردا أو حارّا ; لن
وسواء في ذلك أن يكون القاتل معاف ً
المستحَق الموت ،ول يؤثّر في الموت شيء من ذلك .
ل يؤخر القصاص حتى تلد ،حفاظا على
إل أن الفقهاء نصّوا على أن القاتل إذا كان امرأةً حام ً
سلمة الجنين وحقّه في الحياة ،بل إنها تنظر إلى الفطام أيضا إذا لم يوجد غيرها لرضاعه ،
فإذا ادعت الحمل وشك في دعواها أريت النّساء ،فإن قلن :هي حامل ُأجّلت ،ثم إن ثبت
حملها حبست حتى تلد وإن قلن :غير حامل اقتص منها فورا .
مكان استيفاء القصاص في النفس :
-ليس للقصاص في النفس مكان معين ،إل أنه إذا التجأ الجاني إلى الحرم ،فقد اختلف 31
الفقهاء :
فذهب المالكية والشافعية وأبو يوسف من الحنفية إلى أن من توجب عليه القصاص ،إذا لجأ
إلى الحرم قتل فيه ،فإن دخل الكعبة أو المسجد الحرام أو غيره من المساجد أخرج منه وقتل
خارجه .
وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه ل يخرج منه ول يقتل فيه ،ولكن يمنع عنه الطعام والشراب
حتى يخرج من الحرم بنفسه ويقتصّ منه .
هذا ما دامت الجناية وقعت خارج الحرم في الصل ،فإذا كانت وقعت في الحرم أصلً ،جاز
القتصاص منه في الحرم وخارجه باتّفاق الفقهاء .
ما يسقط به القصاص في النفس :
يسقط القصاص في النفس بأمور ،هي :
أ -فوات محلّ القصاص :
-ذهب الحنفية والمالكية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة إلى أنه إذا مات القاتل قبل 32
أن يقتص منه سقط القصاص لفوات محلّه ; لن القتل ل يرد على ميّت ،وسواء في ذلك أن
يكون الموت قد حصل حتف أنفه ،أو بقتل آخر له بحقّ كالقصاص والحدّ ،وتجب الدّية في
تركته عند الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة .
أما إذا قُتل القاتل عمدا عدوانا ،فذهب الحنفية والشافعية وهو المذهب عند الحنابلة إلى سقوط
القصاص مع وجوب الدّية في مال القاتل الول عند الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة .
وذهب المالكية وفي رواية عند الحنابلة إلى أن الواجب هو القصاص على القاتل الثاني لولياء
المقتول الول .وذهب المالكية إلى أنه إذا كان القتل خطأً فتجب الدّية لولياء المقتول الول في
مال القاتل الثاني .
ب -العفو عن القصاص :
-القصاص حقّ لولياء الدم ،فإذا عفَوا عن القصاص عفْوا مستوفيا لشروطه سقط 33
بدل يدفعه القاتل للوليّ من ماله ،ول يجب على العاقلة ; لن العاقلة ل تعقل العمد ،ويسمى
ي أو الولياء كلّهم عاقلين بالغين جاز أن
هذا البدل بدل الصّلح عن دم العمد ،ثم إذا كان الول ّ
يكون بدل الصّلح هو الدّية أو أق ّل منها أو أكثر منها ،من جنسها أو من غير جنسها ،حالّا أو
مؤجلً على سواء ،لن الصّلح معاوضة ،فيكون على بدل يتفق عليه الطرفان بالغا ما بلغ ما
داما عاقلين بالغين .
). 31 والتفصيل في مصطلح ( صلح ف /
القصاص في الجناية على ما دون النفس :
-أجمع الفقهاء على وجوب القصاص فيما دون النفس بشروطه كما في القصاص في 35
وإذهاب معاني الطراف مع بقاء عينها والمقصود بها المنافع ،والشّجاج وهي الجراح في
الرأس والوجه ،والجراح في غير الرأس والوجه .
( ) ومصطلح 32 - 13 وينظر تفصيل أحكامها في مصطلح ( جناية على ما دون النفس ف /
). 11 ) ،ومصطلح ( شجاج ف - 4 / 10 جراح ف - 8 /
شروط القصاص فيما دون النفس :
-يشترط للقصاص فيما دون النفس شروط هي :أن يكون الفعل عمدا ،وأن يكون الفعل 37
وكذلك أثرها ،ثم إن سرت إلى النفس كأن يجرح شخصا عمدا فصار ذا فراش " أي ملزما
لفراش المرض " حتى يحدث الموت ،أو سرت إلى ما ل يمكن مباشرته بالتلف ،كأن يجني
على عضو عمدا فيذهب أحد المعاني كالبصر والسمع ونحوهما وجب القصاص بل خلف .
). 4 والتفصيل في مصطلح ( سراية ف /
القصاص في الجنايتين :
-إذا َقطَ َع أصبعَ آخر من منتصف المفصل ،ثم قطعها من المفصل بعد ذلك ،فقد ذهب 39
الحنفية إلى أن الجناية الثانية إن كانت قبل البرء من الولى اقتص منه من المفصل ; لنه قطع
واحد في الحكم ،ولو كانت الجناية الثانية بعد البرء من الولى لم يقتص منه ; لن الجناية
الولى ل قصاص فيها ; لنها ليست من المفصل فتعذرت المساواة ،والثانية قطع لعضو ناقص
فل قصاص فيها أيضا .
ولو قطع يد رجل ثم قتله ،فإن برئ بعد القطع اقتص منه بالقطع والقتل ; لن كل جناية منهما
مستقبلة فيقاد بها ،وإن لم يبرأ بعد القطع فقولن للحنفية ،قول لبي حنيفة وهو الظاهر
بأنهما كجنايتين فيقطع ويقتل كما إذا برئ ،وقول للصاحبين يقتل ول يقطع .
وأطلق الشافعية القول بوجوب القصاص في الجنايتين إذا كانت كلّ منهما توجب القصاص ،
من غير اشتراط البرء أو عدمه ،قال الشّيرازيّ :وإن جنى على رجل جناي ًة يجب فيها
القصاص ثم قتله وجب القصاص فيهما ; لنهما جنايتان يجب القصاص في كلّ واحدة منهما ،
فوجب القصاص فيهما عند الجتماع ،كقطع اليد والرّجل .
فإذا جنى على اثنين فقطع يمين كلّ منهما اقتص منه بقطع يمينه ،ثم إن حضرا معا فلهما أن
يقطعا يمينه ،ويأخذا منه ديةً بينهما نصفين ،وإن حضر الول فقطع له ،ثم حضر الثاني فله
الدّية وحده -دية اليد -وهذا عند الحنفية والحنابلة .
وذهب المالكية إلى أن القطع يندرج في القتل سواء أكانت الجنايتان على واحد أو على أكثر من
واحد ما لم يقصد مثلةً ،فإن قصد مُثْ َل ًة لم تندرج الجناية على ما دون النفس في الجناية على
النفس إن كانتا على واحد ،فإن تعدد المجنيّ عليهم اندرجت مطلقا ،وقال الزرقانيّ :واندرج
في قتل النفس طرف إن تعمده ثم قتله ،وإن كان الطرف لغيره كقطع يد شخص وفقء عين
آخر وقتل آخر عمدا فيندرجان في النفس ،ثم قال :لم يقصد مثلةً ،خاصّ بطرف المجنيّ
عليه الذي قتله بعد قطع طرفه ،أما طرف غيره فيندرج .
سقوط القصاص فيما دون النفس :
-يسقط القود فيما دون النفس بموت الجاني قبل القصاص لفوات محلّه ،كما يسقط بعفو 40
المجنيّ عليه أو صلحه ،وكذلك بعفو الولياء إن مات أو صالحهم أو صالح أحدهم على مال
وإن قل ،وكذلك بفوات محلّ القصاص في الجاني .
طريقة استيفاء القصاص فيما دون النفس :
سكّين وما سواها كي ل يتعدى
-يكون القصاص فيما دون النفس باللة المناسبة له ،كال ّ 41
القصاص الجناية ; لن ذلك شرط فيه ،وعلى ذلك فل يقتصّ بالسيف في الجراح ،لنه قد
يتعدى الجرح المراد فيهشّم العظم .
ويجب أن يكون المستوفي عالما بطريقة القطع ومقداره لئل يجاوز الحد كالطبيب الجراح
ونحوه .فإذا كان المجنيّ عليه عالما بذلك ُمكّن من القتصاص إن قدر عليه ،وإل قام به نائب
المام المفوض والعالم بذلك .
من يستوفي القصاص فيما دون النفس :
-ذهب الحنفية وهو ظاهر كلم أحمد إلى أنه يجوز لوليّ الدم القصاص فيما دون النفس إذا 42
َقصَبة *
انظر :مقادير .
قصد *
انظر :نية .
قصر الصلة *
انظر :صلة المسافر .
َقصّة *
التعريف :
ص بلغة الحجاز ،وجاء في الحديث على التشبيه « :ل
-القَصّة -بالفتح -في اللّغة :الج ّ 1
تعجلن حتى ترين القصة البيضاء » ،قال أبو عبيد :معناه أن تخرج القطنة والخرقة التي
تحتشي بها المرأة كأنها قصة ل يخالطها صفرة ،وقيل :المراد النقاء من أثر الدم ،ورؤية
القصة مثل لذلك .
وفي الصطلح :قال الزيلعيّ :القَصة شيء يشبه الخيط البيض يخرج من قُبل النّساء في
آخر أيامهن يكون علمةً على طهرهن .وقيل :هو ماء أبيض يخرج في آخر الحيض .
اللفاظ ذات الصّلة :
الجفوف :
-الجفوف :هو أن تدخل المرأة الخرقة فتخرجها جافةً ليس عليها شيء من الدم ول من 2
المرأة أيّا منهما عقب الحيض طهرت به ،سواء كانت المرأة ممن عادتها أن تطهر بالقصة أو
بالجفوف .
قال ابن عابدين من الحنفية :لو وضعت الكرسف في الليل وهي حائضة أو نفساء فنظرت في
الصباح فرأت عليه البياض الخالص حكم بطهارتها من حين وضعت للتيقّن بطهارتها وقته .
وقد اختلفت عبارات الحنفية في اعتبار الجفوف علمةً للطّهر ،وقد عبر ابن نجيم عن هذا
الختلف بقوله :وفي فتح القدير :ومقتضى المرويّ في الموطأ والبخاريّ أن مجرد النقطاع
دون رؤية القصة ل يجب معه أحكام الطاهرات ،وكلم الصحاب فيما يأتي كلّه بلفظ النقطاع ،
حيث يقولون :وإذا انقطع دمها فكذا ،مع أنه قد يكون النقطاع بجفاف من وقت إلى وقت ثم
ترى القصة ،فإن كانت الغاية القصة لم تجب تلك الصلة ،وإن كان النقطاع على سائر
اللوان وجبت ،وأنا متردّد فيما هو الحكم عندهم بالنظر إلى دليلهم وعباراتهم في إعطاء
الحكام .وأل أعلم ،ورأيت في مرويّ :عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن ريطة مولة
عمرة عن عمرة أنها كانت تقول للنّساء :إذا أدخلت إحداكن الكرسف فخرجت متغيّرةً فل
تصلّي حتى ل ترى شيئا ،وهذا يقتضي أن الغاية النقطاع .
وقد يقال هذا التردّد ل يتمّ إل إذا فسّرت القصة بأنها بياض ممت ّد كالخيط ،والظاهر من كلمهم
ضعف هذا التفسير ،فقد قال في المغرب :قال أبو عبيدة :معناه :أن تخرج القطنة أو الخرقة
التي تحتشي بها المرأة كأنها قصة ل تخالطها صفرة ول ُترَبِيّة ،ويقال إن القصة شيء كالخيط
البيض يخرج بعد انقطاع الدم كلّه ،ويجوز أن يراد بها انتفاء اللون وأن ل يبقى منه أثر
ألبتة ،فضرب رؤية القصة مثلً لذلك ; لن رائي القصة غير رائي شيء من سائر ألوان ما
تراه الحائض .
فقد علمت أن القصة مجاز عن النقطاع ،وأن تفسيرها بأنها شيء كالخيط ذكره بصيغة " يقال
" الدالة على التمريض ،ويد ّل على أن المراد بها النقطاع ،وهو المذهب -آخر الحديث :
حديث عائشة رضي ال عنها ،وهو قوله « :تريد بذلك الطّهر من الحيض » ،فثبت بذلك أن
دليلهم موافق لعباراتهم كما ل يخفى .
وقال المالكية :علمة الطّهر جفوف أو قصة -وهي أبلغ -فتنتظرها معتادتها لخر الوقت
المختار ،بخلف معتادة الجفوف ،فل تنتظر ما تأخرَ منهما كالمبتدأة ،أي أن علمة الطّهر
أي انقطاع الحيض أمران :الجفوف ،أي خروج الخرقة خالي ًة من أثر الدم وإن كانت مبتلةً
ي أو الجير المبلول ،والقصة أبلغ :أي أدلّ
من رطوبة الفرج ،والقصة وهي ماء أبيض كالمن ّ
على براءة الرحم من الحيض ،فمن اعتادتها أو اعتادتهما معا طهرت بمجرد رؤيتها فل تنتظر
الجفوف ،وإذا رأته ابتداءً انتظرتها لخر المختار ،بحيث توقع الصلة في آخره ،وأما معتادة
الجفوف فقط ،فمتى رأته أو رأت القصة طهرت ،ول تنتظر الخر منهما ،وكذا المبتدأة التي
لم تعتد شيئا ،هذا هو الراجح ،ومقتضى أبلغية القصة أنها إن رأت الجفوف أولً انتظرت
القصة .وقال النوويّ :علمة انقطاع الحيض ووجود الطّهر :أن ينقطع خروج الدم وخروج
الصّفرة والكدرة ،فإذا انقطع طهرت سواء أخرجت بعده رطوبة بيضاء أم ل .
وقال الزركشيّ من الحنابلة :إذا كانت للمرأة عادة ،كأن كانت تحيض عشرة أيام مثلً من كلّ
ي ستة أيام ونحو ذلك فهي طاهر ،لظاهر
شهر فرأت الطّهر قبل انقضائها ،فإن رأته بعد مض ّ
ما تقدم عن عائشة رضي ال عنها للنّسوة « :ل تعجلن حتى ترين القصة البيضاء » وهذه قد
رأت القصة البيضاء .
قضاء *
التعريف :
-من معاني القضاء في اللّغة :الحكم ،قال أهل الحجاز :القاضي معناه في اللّغة :القاطع 1
، 89 - 86 خارج وقتها المحدود شرعا وينظر ما يتعلق بذلك في مصطلحات ( ،صوم ف /
،وقضاء الفوائت ) . 123 وحجّ ف /
كما استعملوا عبارة " قضاء الدين " للدللة على سداد الدين والوفاء به ،انظر مصطلحي :
). 29 ،وأداء ف / 70 ( دين ف
واستعملوا عبارة ( قضاء الحاجة ) للدللة على آداب التخلّي .
انظر مصطلح ( :استتار ف ، 7 /وقضاء الحاجة ) .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الفتوى :
-الفتوى والفتوى والفتيا في اللّغة :ما أفتى به الفقيه . 3
وفي الصطلح :تبيين الحكم الشرعيّ للسائل عنه .فالقضاء يكون على وجه اللزام ،
والفتوى من غير إلزام ،فهما يجتمعان في إظهار حكم الشرع في الواقعة ،ويمتاز القضاء عن
الفتوى باللزام .
ب -التحكيم :
-التحكيم في اللّغة :مصدر حكمه في المر والشيء أي :جعله حكما ،وفوض الحكم إليه . 4
ومنه قولهم :فلن حسن الحسبة في المر إذا كان حسن التدبير له .
وفي الصطلح :عرفها جمهور الفقهاء بأنها المر بالمعروف إذا ظهر تركه ،والنهي عن
المنكر إذا ظهر فعله .
والصّلة بين الحسبة والقضاء :أنهما يتفقان في أن لك ّل من المحتسب والقاضي نظر أنواع
مخصوصة من الدعاوى وهي التي تتعلق بمنكر ظاهر من بخس أو تطفيف الكيل أو الوزن ،
ش البيع أو تدليس فيه أو في ثمنه ،والمطل في أداء الدين مع مكنة الوفاء .
وغ ّ
وتقصر الحسبة عن القضاء بالنّسبة لسماع عموم الدعاوى الخارجة عن ظواهر المنكرات ،
وكذلك ما يدخله التجاحد والتناكر ،فل يجوز للمحتسب النظر فيها ،إذ ليس له أن يسمع بيّنةً
على إثبات الحقّ أو يحلف يمينا على نفيه .
وتزيد الحسبة عن القضاء في أن المحتسب ينظر في وجوه ما يعرض له من المر بالمعروف
والنهي عن المنكر وإن لم يحضره خصم يستعديه بخلف القاضي ،كما أن للمحتسب بما له
من قوة السّلطة والرهبة فيما يتعلق بالمنكرات أن يظهر الغلظة والقوة ،ول يعتبر ذلك منه
تجوّزا ول خرقا لوليته ،أما القضاء فهو موضوع للمناصفة ،فهو بالوقار والناة أخصّ .
د -ولية المظالم :
-المظالم في اللّغة :جمع مظلمة ،يقال :ظلمه يظلمه ظلما وظلما ومظلمةً ،ويقال :تظلم 6
فلن إلى الحاكم من فلن فظلمه تظليما أي أنصفه من ظالمه وأعانه عليه .
وفي الصطلح :قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة وزجر المتنازعين عن التجاحد
بالهيبة ،ووالي المظالم له من النظر ما للقضاة وهو أوسع منهم مجالً ،وأعلى رتب ًة ،إذ
النظر في المظالم موضوع لما عجز عنه القضاة ،وهي ولية ممتزجة من سطوة السّلطة ،
ونصفة القضاء .
الحكم التكليفيّ :
-القضاء مشروع وثبتت مشروعيته بالكتاب والسّنة والجماع . 7
س بِا ْلحَقّ
ن النّا ِ
حكُم بَيْ َ
ك خَلِي َفةً فِي الْأَ ْرضِ فَا ْ
جعَلْنَا َ
أما الكتاب :فقول ال تعالى { :يَا دَاوُودُ إِنّا َ
حكُم بَيْ َنهُم ِبمَا أَن َز َل الّلهُ } .
ناْ
ك عَن سَبِيلِ الّلهِ } ،وقوله َ { :وأَ ِ
وَلَا تَتّبِ ِع ا ْل َهوَى فَيُضِلّ َ
ي صلى ال عليه وسلم أنه
وأما السّنة :فما روى عمرو بن العاص رضي ال عنه عن النب ّ
قال « :إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ،وإذا حكم واجتهد ثم أخطأ فله أجر » ،
ي صلى ال عليه وسلم وبعث عليّا إلى اليمن قاضيا ،وبعث معاذا قاضيا » ،
وقد « توله النب ّ
كما توله الخلفاء الراشدون من بعده وبعثوا القضاة إلى المصار .
وأما الجماع :فقد أجمع المسلمون على مشروعية نصب القضاة والحكم بين الناس .
-8والصل في القضاء أنه من فروض الكفاية ،فإذا قام به الصالح له سقط الفرض فيه عن
الباقين ،وإن امتنع كلّ الصالحين له أثموا .
ن آمَنُواْ كُونُواْ َقوّامِينَ بِا ْل ِقسْطِ } ،ولن طباع
أما كونه فرضا فلقوله تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِي َ
البشر مجبولة على التظالم ومنع الحقوق وقل من ينصف من نفسه ،ول يقدر المام على فصل
الخصومات بنفسه ،فدعت الحاجة إلى تولية القضاة .
وأما كونه على الكفاية فلنه أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر وهما على الكفاية .
ق إلى مستحقّه ور ّد الظالم عن
والقضاء من القرب العظيمة ،ففيه نصرة المظلوم وأداء الح ّ
ظلمه ،والصلح بين الناس ،وتخليص بعضهم من بعض وقطع المنازعات التي هي مادة
الفساد .
-9والقضاء تعتريه الحكام الخمسة :فيجب على من يصلح للقضاء إذا طلب له ،لكنه ل
يتعين عليه إل إذا لم يوجد من يصلح له من أهل البلد سواه ففي هذه الحالة يكون فرض عين
عليه ،ولو امتنع عن القبول يأثم كما في سائر فروض العيان .
ويرى المالكية أنه يجب قبول القضاء على من يخاف فتنةً على نفسه أو على غيره إن لم
يتول ،أو من يخاف ضياع الحقّ له أو لغيره إن امتنع .
أما إذا كان في البلد عدد يصلح للقضاء فإن عرض على أحدهم فالفضل له القبول في أحد
قولين عند الحنفية اقتداءً بالنبياء والمرسلين صلوات ال عليهم أجمعين والخلفاء الراشدين
رضي ال عنهم ،والقول الثاني عند الحنفية :الفضل تركه .
ويندب له القبول كذلك إذا كان في البلد من يصلح ولكنه هو أفضل من غيره .
وعند المالكية يستحبّ له القبول إذا كان عالما فقيرا ليسد خلته من بيت المال ،أو كان عالما
خامل الذّكر لينتشر علمه وينتفع به .
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن القيام بالقضاء يكون مباحا إذا كان القادر عليه من أهل
العدالة ،والجتهاد ،ويوجد غيره مثله ،قال الشافعية :وسئل بل طلب ،فله أن يلي القضاء
بحكم حاله وصلحيته وله أن يمتنع ; لنه قد يقوم به غيره .
ويرى الحنفية أن الدّخول في القضاء مختارا رخصة طمعا في إقامة العدل ،والترك عزيمة
فلعله ل يوفق له .
ويكون مكروها إذا كان القصد منه تحصيل الجاه والستعلء على الناس ،أو كان غنيّا عن أخذ
الرّزق على القضاء ،وكان مشهورا ل يحتاج أن يشهر نفسه وعلمه بالقضاء ،أو كان غيره
أصلح منه للقضاء .
ويحرم على الشخص تولّي القضاء إذا كان جاهلً ليس له أهلية القضاء ،أو هو من أهل العلم
لكنه عاجز عن إقامة وظائفه ،أو كان متلبّسا بما يوجب فسقه ،أو كان قصده النتقام من
أعدائه ،أو أخذ الرّشوة وما أشبه ذلك من المقاصد .
وعند الحنفية يكره تحريما تقلّد القضاء لمن يخاف الحيف فيه ،بأن يظن أنه قد يجور في
الحكم ،أو يرى في نفسه العجز عن سماع دعاوى كلّ الخصوم ،وهذا إذا لم يتعين عليه ،فإن
تعين عليه أو أمن الخوف فل يكره .
-ويجب على المام أن ينصب القضاة في البلدان ; لن المام هو المستخلف على المة 10
والقائم بأمرها ،والمتكلّم بمصلحتها ،والمسئول عنها ،فتقليد القضاة من جهته يتعين عليه
لدخوله في عموم وليته ; ولن التقليد ل يصحّ إل من قبله .
حكمة القضاء :
-الحكمة من القضاء :رفع التهارج ور ّد النوائب ،وقمع الظالم ونصر المظلوم ،وقطع 11
الخصومات ،والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وفيه وضع الشيء في محلّه ،ليكف
الظالم عن ظلمه .
طلب القضاء :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يكره للنسان طلب القضاء والسعي في تحصيله ،لما روى 12
ي صلى ال عليه وسلم أنه قال « :من ابتغى القضاء وسأل فيه
أنس رضي ال عنه عن النب ّ
شفعاء وكل إلى نفسه ،ومن أكره عليه أنزل ال عليه ملكا يسدّده » ،لكن بعض الفقهاء يقيّد
الكراهة هنا بوجود من هو أفضل من طالب القضاء ممن هو قادر على القيام به ويرضى بأن
يتوله ،وقيل :بل يحرم عليه الطلب إن كان غيره أصلح للقضاء ،وكان الصلح يقبل التولية
.فإن تعين شخص للقضاء بأن لم يصلح غيره لزمه طلبه إن لم يعرض عليه ،وذلك لحاجة
الناس إليه ،ومحلّ وجوب الطلب إذا ظن الجابة فإن تحقق أو غلب على ظنّه عدمها لم
يلزمه ،ويندب الطلب إن كان خاملً يرجو به نشر العلم أو محتاجا للرّزق ،أو إذا كانت الحقوق
مضاعةً لجور أو عجز ،أو فسدت الحكام بتولية جاهل ،فيقصد بالطلب تدارك ذلك ،وقد أخبر
علَى خَزَآ ِئنِ
جعَلْنِي َ
ال تعالى عن نبيّه يوسف صلوات ال وسلمه عليه أنه طلب ،فقال { :ا ْ
الَرْضِ } ،وإنما طلب ذلك شفقةً على خلق ال ل منفعة نفسه .ويحرم طلب القضاء إذا كان
فيه مباشر قد توافرت فيه أهلية القضاء والطالب يروم عزله ولو كان الطالب أهلً للقضاء ،
لما فيه من إيذاء القائم به ،فإن لم يكن فيه مباشر أهل لم يحرم طلبه ،كما يحرم الطلب
لجاهل وطالب دنيا .
بذل المال لتولّي القضاء :
-اتفق الفقهاء على أنه يحرم بذل المال لينصب قاضيا ،وأن ذلك يدخل في عموم نهي 13
اختلف الفقهاء في ذلك :فذهب المالكية والحنابلة والحنفية في أحد الوجهين والشافعية في
الصحّ إلى أن للمام إجبار أحد المتأهّلين إذا لم يوجد عنه عوض ،وعلل الشافعية ذلك بأن
الناس مضطرّون إلى علمه ونظره ،فأشبه صاحب الطعام إذا منعه المضطر .
والوجه الخر عند الحنفية وهو مقابل الصحّ عند الشافعية يذهب إلى أن من تعين عليه
يفترض عليه القبول ،فإن امتنع ل يجبر .
وقد أراد عثمان رضي ال عنه تولية ابن عمر رضي ال عنهما القضاء ،فقال لعثمان :
أوتعافيني يا أمير المؤمنين ؟ قال :فما تكره من ذلك وقد كان أبوك يقضي ؟ فقال :إنّي سمعت
رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول « :من كان قاضيا فقضى بالعدل فبالحريّ أن ينقلب منه
كفافا » ،وفي رواية « :فأعفاه وقال :ل تجبرن أحدا » .
ونقل عن المام أحمد ما يدلّ على أنه إذا لم يوجد غيره وأبى الولية أنه ل يأثم ،وحمل كلم
المام أحمد على من لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السّلطان أو غيره ،فإن أحمد قال :ل بد
للناس من حاكم ،أتذهب حقوق الناس ؟ .
الترغيب في القضاء :
-مكانة القضاء من الدّين عظيمة ،وبالقيام به قامت السموات والرض وهو من جملة ما 15
أوذي في نفسه ،وذلك خشيةً من عظيم خطره كما تدلّ عليه الحاديث الكثيرة وألتي ورد فيها
الوعيد والتخويف لمن تولى القضاء ولم يؤ ّد الحق فيه ،كحديث « :إن ال مع القاضي ما لم
يجر ،فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان » ،وحديث « :من ولي القضاء أو جعل قاضيا فقد
ذبح بغير سكّين » ،وحديث « :القضاة ثلثة :قاضيان في النار ،وقاض في الجنة ،رجل
قضى بغير الحقّ فعلم ذاك فذاك في النار ،وقاض ل يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار ،
وقاض قضى بالحقّ فذلك في الجنة » .
ويرى بعض العلماء أن كل ما جاء من الحاديث التي فيها تخويف ووعيد إنما هي في حقّ
قضاة الجور والجهال الذين يدخلون أنفسهم في هذا المنصب بغير علم ،وأما قوله صلى ال
عليه وسلم « :من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكّين » فقد قال بعض أهل العلم :هذا الحديث
دليل على شرف القضاء وعظيم منزلته وأن المتولّي له مجاهد لنفسه وهواه ،وهو دليل على
ق امتحانا ،لتعظم له المثوبة امتنانا ،فالقاضي لما
ق إذ جعله ذبيح الح ّ
فضيلة من قضى بالح ّ
استسلم لحكم ال وصبر على مخالفة القارب والباعد في خصوماتهم ،فلم تأخذه في ال لومة
ق وكلمة العدل ،وكفهم عن دواعي الهوى والعناد ،جعل ذبيح
لئم حتى قادهم إلى أمر الح ّ
ق ل وبلغ به حال الشّهداء الذين لهم الجنة ،فالتحذير الوارد من الشرع إنما هو عن الظّلم
الح ّ
ل عن القضاء ،فإن الجور في الحكام واتّباع الهوى فيه من أعظم الذّنوب وأكبر الكبائر ،قال
حطَبًا } ،فالحاديث السابقة بجملتها ،بعضها
جهَ ّنمَ َ
سطُونَ َفكَانُوا ِل َ
ال تعالى َ { :وَأمّا ا ْلقَا ِ
مرغّب وبعضها مرهّب ،والمرغّب منها محمول على الصالح للقضاء المطيق لحمل عبئه ،
والقيام بواجبه ،والمرهّب منها محمول على العاجز عنه ،وعلى ذلك يحمل دخول من دخل
فيه من العلماء ،وامتناع من امتنع عنه ،فقد تقلده بعد المصطفى صلوات ال عليه وسلمه
ق ،ودخولهم فيه دليل على علوّ
الخلفاء الراشدون ،سادات السلم وقضوا بين الناس بالح ّ
قدره ،ووفور أجره ،فإن من بعدهم تبع لهم َ ،ووَلِ َيهُ بعدهم أئمة المسلمين من أكابر التابعين
وتابعيهم ،ومن كره الدّخول فيه من العلماء مع فضلهم وصلحيتهم وورعهم محمول كرههم
على مبالغة في حفظ النفس ،وسلوك لطريق السلمة ،ولعلهم رأوا من أنفسهم فتورا أو
خافوا من الشتغال به القلل من تحصيل العلوم .
وممن امتنع عن تولّي القضاء بعد أن طلب له سفيان الثوريّ وأبو حنيفة والشافعيّ .
أركان القضاء وأحكامها :
-أركان القضاء كما يلي : 17
ودنيا ومن هو أقدر وأولى لعفته وقوته ; لن المام ينظر للمسلمين ،فيجب عليه اختيار
الصلح لهم لن الفضل أثبت وأمكن .
واختلفوا في جواز تعيين المفضول مع وجود من هو أفضل منه ،ففي قول للمالكية أن تولية
المقلّد مع وجود المجتهد باطل ،والقول الخر أنها صحيحة وعليه العمل في زمن المام مالك
وغيره من المجتهدين ،وفيه خلف عند الشافعية حكاه القاضي حسين وإمام الحرمين ،قال
المام :فيه خلف بين الصوليّين ،والكثرون قالوا :يجوز ،وهو المختار ،قال الماورديّ :
إن عدل عن الفضل إلى المقصّر انعقدت وليته لن الزّيادة على كمال الشّروط غير معتبرة .
ح تولية مفضول مع وجود أفضل منه لن المفضول من الصحابة كان
أما الحنابلة فقالوا :تص ّ
يولى مع وجود الفاضل ،مع الشتهار والتكرار ،ولم ينكر ذلك أحد ،وقيد بعض الحنابلة
صحة التولية بما إذا قصد بها مصلحةً .
ولم نقف على نصّ صريح للحنفية لكن مقتضى المذهب يجيز تولية المفضول إذ يجوز أن يكون
القاضي عامّيّا وكذلك يجوز تقليد الفاسق .
حكم تقليد المرأة القضاء :
-سبق بيان اشتراط جمهور الفقهاء أن يكون القاضي ذكرا ،وقد استدل الجمهور على 20
عدم جواز تولية المرأة بقوله صلى ال عليه وسلم « :لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأةً » ;
ولن القاضي يحضر محافل الخصوم والرّجال ،ويحتاج فيه إلى كمال الرأي ومشاورة
ضلّ
ل لذلك وقد نبه ال تعالى إلى نسيانهن بقوله تعالى { :أَن تَ ِ
العلماء ،والنّساء لسن أه ً
ْإحْدَا ُهمَا فَتُ َذكّرَ ِإحْدَا ُهمَا ا ُلخْرَى } .
وقال أبو حنيفة وأصحابه :يجوز أن تلي النّساء القضاء فيما يجوز أن تقبل شهادتهن فيه
وحدهن أو مع الرّجال ; لن في الشهادة معنى الولية ،ول يجوز في الحدود والقصاص لن
شهادتهن ل تقبل في ذلك ،وحكي عن ابن جرير الطبريّ أنه أجاز تقلّد المرأة القضاء مطلقا ،
وعلل جواز وليتها بجواز فتياها .
وقد ذهب بعض الشافعية إلى أنه لو ولى سلطان ذو شوكة امرأةً القضاء نفذ قضاؤها .
حكم تقليد الفاسق :
-العدالة من الشّروط التي يشترطها جمهور الفقهاء فيمن يتقلد القضاء كما تقدم ،وهي : 21
أن يكون صادق اللهجة ،ظاهر المانة عفيفا عن المحارم ،متوقّيا للمآثم ،بعيدا من الرّيب ،
، 22 مأمونا في الرّضا والغضب ،وتفصيل الكلم عن العدالة ينظر في مصطلح ( شهادة ف /
). 16 وعدل ف ، 1/
فل يجوز عند الجمهور تولية فاسق ،ول من فيه نقص يمنع الشهادة ،واستدلّوا بقول ال
تعالى { :يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِن جَاء ُكمْ فَاسِقٌ بِنَ َبأٍ فَتَبَيّنُوا } فأمر بالتبيّن عند قول الفاسق ،ول
يجوز أن يكون القاضي ممن ل يقبل قوله ويجب التبيّن عند حكمه ; ولن الفاسق ل يجوز أن
يكون شاهدا فلئل يكون قاضيا أولى .
قال القاضي عياض :وفي الفاسق خلف بين أصحابنا هل يردّ ما حكم به وإن وافق الحق ،
وهو الصحيح ،أو يمضى إذا وافق الحق ؟ .
وقال النوويّ :الوجه تنفيذ قضاء كلّ من وله سلطان ذو شوكة وإن كان جاهلً أو فاسقا ; لئل
تتعطل مصالح الناس .
وذهب الحنفية في الصل عندهم إلى أن الفاسق يجوز تقلّده القضاء ; لنه عندهم من أهل
الشهادة فيكون أهلً للقضاء ،لكنه ل ينبغي تقليده ويأثم مقلّده ،قال ابن عابدين :والوجه
تنفيذ قضاء كلّ من وله سلطان ذو شوكة وإن كان جاهلً فاسقا وهو ظاهر المذهب وحينئذ
فيحكم بفتوى غيره .
ح ،ولو قلّد وهو عدل ينعزل
قال ابن الهمام :قال بعض المشايخ :إذا قلّد الفاسق ابتداءً يص ّ
بالفسق ،لن المقلّد اعتمد عدالته ،فلم يكن راضيا بتقليده دونها ،وذكر الخصاف أن العدالة
شرط الولوية ،فالولى أن يكون عد ًل ،لكن لو تقلد الفاسق ينفذ قضاؤه .
حكم تقليد الكافر :
-السلم هو أحد الشّروط التي يشترطها الفقهاء فيمن يقلد القضاء ،فل يجوز تولية 22
القضاء من المصالح العامة فل يجوز إل من جهته كعقد الذّمة ; ولن المام صاحب المر
والنهي ،فل يفتات عليه فيما هو أحقّ به ،ويجوز للمام أن يفوّض إلى شخص تولية
القضاة ،وليس لمن فوضه المام في ذلك اختيار نفسه ول والده وولده ،وقيل :يجوز إذا كانا
صالحين للولية لنهما يدخلن في عموم الذن مع أهليتها .
وإذا لم يكن سلطان ول من يجوز التقلّد منه ،أو تعذر الوصول إليه فقد اختلف الفقهاء في
ذلك ،فذهب الحنفية إلى أنه يجب على أهل البلد أن يتفقوا على واحد منهم يجعلونه واليا فيولّي
قاضيا ،أو يكون هو الذي يقضي بينهم .
ويرى المالكية أنه إذا تعذر وجود المام أو التّصال به ،يتمّ عقد التولية من ذوي الرأي وأهل
العلم والمعرفة والعدالة لرجل منهم كملت فيه شروط القضاء ،ويكون عقدهم نياب ًة عنه
للضرورة الداعية إليه .
وقال الشافعية :إذا خل البلد من قاض ،فقلد أهله على أنفسهم قاضيا منهم كان تقليدهم له
ل إن كان في العصر إمام ،ويجوز في هذه الحالة أن ينظر بينهم متوسّطا مع التراضي -
باط ً
ل ملزما -وإن خل العصر من إمام فإن كان يرجى أن يتجدد إمام بعد زمان قريب كان تقليد
القاضي باطلً ،وإن لم يرج تجديد إمام قريب وأمكنهم أن يتحاكموا إلى قاضي أقرب البلد
إليهم كان تقليدهم للقاضي باطلً ،ويكون تقليدهم للقاضي جائزا إذا اجتمع على التقليد جميع
أهل الختيار منهم ،وأمكنهم نصره وتقوية يده إذا لم يمكنهم التحاكم إلى غيره ،فإن قلده
بعضهم نظر في باقيهم إن ظهر الرّضا منهم صح التقليد وصاروا كالمجتمعين عليه ،وإن ظهر
منهم النكار بطل التقليد ،فإن كان للبلد جانبان فرضي بتقليده أحد الجانبين دون الخر صح
تقليده في ذلك الجانب وبطل في الجانب الخر لن تميّز الجانبين كتميّز البلدين ،فإذا صحت
وليته نفذت أحكامه ولزمت طوعا وجبرا لنعقاد وليته .
وذهب الحنابلة إلى أنه إذا خل البلد من قاض ،فاجتمع أهل البلد وقلدوا قاضيا عليهم ،فإن
كان المام مفقودا صح ونفذت أحكامه عليهم ،وإن كان موجودا لم يصح ،فإن لم يكن فتجدد
بعد ذلك ،لم يستدم هذا القاضي النظر إل بعد إذنه ،ول ينقض ما تقدم من حكمه .
ي المر تولية قاض فإن كان له خبرة بالناس ويعرف من يصلح للقضاء وله ،
وإذا أراد ول ّ
وإن لم يعرف ذلك سأل أهل المعرفة بالناس ،واسترشدهم على من يصلح ،فإذا عرف عدالته
وله ،ويكتب له عهدا بما وله يأمره فيه بتقوى ال ،والتثبّت في القضاء ومشاورة أهل العلم
،وتصفّح أحوال الشّهود وتأمل الشهادات ،وتعاهد اليتامى ،وحفظ أموالهم وأموال الوقوف ،
وغير ذلك مما يحتاج إلى مراعاته ; لن النبي صلى ال عليه وسلم « كتب لعمرو بن حزم
حين بعثه إلى اليمن » ،وكتب عمر إلى أبي موسى الشعريّ في توليته القضاء .
اشتراط عدالة المولّي :
-يرى الحنفية والحنابلة أنه ل تشترط عدالة المولِي ( بكسر اللم ) لن ولية المامة 24
ح من كلّ برّ وفاجر فتصحّ وليته كالعدل ،ولنها لو اعتبرت في المولي أفضى إلى
الكبرى تص ّ
تعذّرها بالكلّية فيما إذا كان غير عدل ،لكن إذا كان المولي يمنعه عن القضاء بالحقّ فيحرم .
ونقل عن المام مالك ما يدلّ على أنه ل ينبغي للقاضي إذا وله أمير غير عدل أن يلي القضاء
.وقال العزّ بن عبد السلم :إذا استولى الكفار على إقليم عظيم فولوا القضاء لمن يقوم
بمصالح المسلمين العامة ،فالذي يظهر إنفاذ ذلك كلّه جلبا للمصالح العامة ودفعا للمفاسد
الشاملة .
ب -صفة عقد القضاء :
-إذا كان المولّي والمولى حاضرين فالعبرة باللفظ وفي حالة الغيبة تقوم الكتابة مقام اللفظ. 25
واللفاظ التي تنعقد بها الولية صريح وكناية ،فالصريح :وليتك ،وقلدتك ،واستخلفتك
واستنبتك ،وهذا ما اتفق عليه الفقهاء ،زاد الحنابلة :رددت إليك وفوضت إليك وجعلت إليك
الحكم .
والكناية نحو :اعتمدت عليك ،وعولت عليك ،ورددت إليك وجعلت إليك وفوضت إليك ووكلت
إليك وأسندت إليك ،وقال بعضهم :وعهدت إليك ،وتحتاج الكناية إلى أن يقترن بها ما ينفي
عنها الحتمال مثل :احكم فيما اعتمدت عليك فيه ،وشبه ذلك .
وتمام العقد معتبر بقبول القاضي ،فإن كان حاضرا كان قبوله بالقول على الفور ،وإن كان
غائبا جاز قبوله على التراخي ،ويجوز قبوله بالقول مع التراخي ،واختلف في صحة القبول
بالشّروع في النظر ،فَجوّزه بعضهم ،وجعله كالنّطق ،ولم يجزه آخرون حتى ينطق بالقبول ،
لن الشّروع في النظر فرع يعقد الولية ،فلم ينعقد القبول بالشّروع .
ج -سلطة القاضي واختصاصه :
-للمام أن يولّي القاضي عموم النظر في عموم العمل بأن يولّيه سائر الحكام بسائر 26
البلد .ويجوز أن يولّيه عموم النظر في خصوص العمل ،فيقلّده النظر في جميع الحكام في
بلد بعينه ،فينفذ حكمه فيمن سكنه ومن أتى إليه من غير سكانه .
ويجوز أن يقلّده خصوص النظر في عموم العمل فيقول مثلً :جعلت إليك الحكم في المداينات
خاصةً في جميع وليتي ،أو يجعل حكمه في قدر من المال نحو أن يقول :احكم في المائة فما
دونها .
ويجوز أن يولّيه خصوص النظر في خصوص العمل كأن يولّيه قضاء النكحة في مدينة بعينها
أو شطر منها .
الولية العامة :
-إن كانت ولية القاضي عامةً مطلقة التصرّف في جميع ما تضمنته فنظره يشتمل على 27
القضاء في بعض ما تقدم من الحكام ،أو في الحكم بالقرار دون البيّنة ،أو في الدّيون دون
ح التقليد ،ول يجوز أن يتعداه لنها ولية ،
قضايا النّكاح ،أو في مقدار من المال ،فيص ّ
فصحت عموما وخصوصا كالوكالة ،وعلى ذلك فالقضاء يقبل التقييد والتعليق ويتخصص
ي المر -بعدم سماع الدعوى عند النكار بعد
بالزمان والمكان والخصومة ،فلو أمر -ول ّ
خمس عشرة سنةً لم تسمع ،ولو سمعها القاضي لم ينفذ حكمه ،ولو جعل ولية القاضي
مقصورةً على الحكم بين شخصين استمرت وليته عليهما باقي ًة ما كان التشاجر بينهما باقيا ،
فإذا بت الحكم بينهما زالت وليته ،ويجوز أن يحدّد عمل القاضي بيوم أو أيام معينة في
السبوع ،كأن يقلد النظر في يوم السبت خاصةً فيجوز له النظر فيه بين جميع الخصوم ،فإذا
خرج يوم السبت لم تزل وليته لبقائها على أمثاله من اليام ،وإن كان ممنوعا من النظر فيما
عداه .
د -تقييد القاضي بمذهب معين :
-إذا قلّد المام قاضيا وشرط عليه أل يحكم إل بمذهب بعينه ،فل يخلو ذلك أن يكون شرطا 29
زمان أو نوع ،بأن يولّي أحدهم عقود النكحة ،والخر الحكم في المداينات ،وآخر النظر في
العقار ،وهذا ل خلف فيه بين الفقهاء .
ل واحدا في مكان واحد :فذهب الحنفية في
وإنما الخلف فيما إذا ولى قاضيين أو أكثر عم ً
رأي إلى أنه يجوز أن يشترك القاضيان في قضية ،وفي رأي آخر قالوا :ل يجوز ،لنهما قد
يختلفان فل تنفصل الحكومة ،وقد نصت مجلة الحكام العدلية على أنه ليس لحد القاضيين
المنصوبين لستماع الدعوى أن يستمع تلك الدعوى وحده ويحكم بها ،وإذا فعل ل ينفذ حكمه
.وقال المالكية :يجوز للمام نصب قضاة متعدّدين يستقلّ كلّ واحد منهم بناحية يحكم فيها
بجميع أحكام الفقه ،بحيث ل يتوقف حكم واحد منهم على حكم الخر ،أو قضاة متعدّدين
يستقلّ كلّ واحد منهم ببلد أو خاصّ بناحية أو نوع ،فعلم من هذا أنه ل بد من الستقلل في
العامّ والخاصّ ،فل يجوز للخليفة أن يشرك بين قاضيين ،هذا إذا كان التشريك في كلّ قضية ،
بل ولو كان في قضية واحدة بحيث يتوقف حكم كلّ واحد على حكم صاحبه ; لن الحاكم ل
يكون نصف حاكم ،وصرح ابن فرحون بعدم صحة عقد الولية لحاكمين معا على أن يجتمعا
ويتفقا على الحكم في كلّ قضية إذا كان ذلك قد شرط في عقد وليتهما .
وللشافعية في ذلك وجهان :أحدهما -وهو الصحّ -جواز ولية القاضيين وإن لم يخصّص
المام كلّا من القاضيين بمكان أو نوع أو زمان ،وصححه المام والغزاليّ وابن أبي عصرون
إل أن يشترط اجتماعهما على الحكم فل يجوز لما يقع بينهما من الخلف في محلّ الجتهاد ،
فل تنفصل الخصومات وقالوا :لو ولى المام مقلّدين لمام واحد -على القول بجواز تولية
المقلّد -فيجوز وإن شرط اجتماعهما على الحكم ; لنه ل يؤدّي إلى اختلف ; لن إمامهما
ح القولين .
واحد ،حتى لو كان لمامهما قولن ; لن كلّا منهما سيحكم بأص ّ
وللحنابلة وجهان :أحدهما عدم الجواز ; لن ذلك يؤدّي إلى إيقاف الحكم والخصومات ،لنهما
يختلفان في الجتهاد ،ويرى أحدهما ما ل يرى الخر ،والوجه الثاني ورجحه ابن قدامة جواز
التولية إذا كان القاضيان ل يشتركان في القضية الواحدة معلّلً ذلك بقوله :إنه يجوز للقاضي
أن يستخلف في البلدة التي هو فيها خليفتين في موضع واحد ،فالمام أولى لن يولّي قاضيين
لن توليته أقوى ; ولن كل حاكم يحكم باجتهاده بين المتخاصمين إليه ،وليس للخر
العتراض عليه ،ول نقض حكمه فيما خالف اجتهاده .
وإذا تنازع الخصمان في الرفع لحد القضاة -في حال تعدّدهم -فهل القول للمدعي أو
). 16 - 15 للمدعى عليه ؟ للفقهاء في ذلك أقوال تفصيلها في مصطلح ( دعوى ف /
و -تعيين قاضي القضاة :
-نشأت وظيفة قاضي القضاة أيام الدولة العباسية ،إذ عيّن القاضي أبو يوسف -صاحب 31
المام أبي حنيفة -قاضيا للقضاة وهو أول من لقّب بهذا اللقب ،فكان يرشّح القضاة للتعيين
في البلد ،ويقوم بمراقبة أعمالهم حتى ل يتجاوزوا حدود عملهم ،ول ُيخِلّوا ببعضه ،وقد
كان المام -من قبل -هو الذي يراعي أعمال القضاة ،ويتتبع أحكامهم حتى تجري على
ق على المام ،فمن َث ّم كان له أن
السداد ،من غير تجاوز ول تقصير ،وكان هذا المر يش ّ
يندب من يقوم بهذا العمل ،ليكون نائبا عنه في مراعاة القضاة ،وقد ذكر بعض الفقهاء أنه
ينبغي لقاضي القضاة أن يتفقد قضاته ،ونوابه ،فيتصفح أقضيتهم ،ويراعي أمورهم
وسيرتهم في الناس .
ز -آداب القاضي :
ن له أن يأخذ به نفسه أو أعوانه من الداب
-آداب القاضي :التزامه بما يجب عليه أو يس ّ 32
والقواعد التي تضبط أمور القضاء ،وتحفظ القاضي عن الجور والميل ،وتهديه إلى بسط
العدل ورفع الظّلم ،وتنأى به عن مواطن التّهم والشّبهات ،فيسنّ كون القاضي قويّا من غير
عنف ،ليّنا من غير ضعف ،ل يطمع القويّ في باطله ،ول ييأس الضعيف من عدله ،ويكون
حليما متأنّيا ،ذا فطنة وتيقّظ ،ل يؤتى من غفلة ،ول يخدع لغرة ،صحيح السمع والبصر ،
عالما بلغات أهل وليته ،عفيفا ورعا نزها ،بعيدا عن الطمع ،صدوق الجهة ،ذا رأي
ي رضي ال عنه :
ومشورة ،ل يكون جبارا ول عسوفا ،فيقطع ذا الحجة عن حجته ،قال عل ّ
ل ينبغي أن يكون القاضي قاضيا حتى تكون فيه خمس خصال :عفيف ،حليم ،عالم بما كان
قبله ،يستشير ذوي اللباب ،ل يخاف في ال لومة لئم ،وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال :
ل ينبغي للرجل أن يكون قاضيا حتى يكون فيه خمس خصال ،فإن أخطأته واحدة كانت فيه
وصمة وإن أخطأته اثنتان كانت فيه وصمتان حتى يكون عالما بما كان قبله مستشيرا لذي
الرأي ذا نزاهة عن الطمع حليما عن الخصم محتملً للئمة .
ي صلى ال عليه وسلم وخلفائه الراشدين
وآداب القضاء كثيرة ،والصل فيها ما ورد عن النب ّ
ومن ذلك كتاب عمر بن الخطاب رضي ال عنه إلى أبي موسى الشعريّ لما وله القضاء وقد
نقله ابن القيّم في كتاب إعلم الموقّعين ونصّه :إن القضاء فريضة محكمة ،وسنة متبعة ،
ق ل نفاذ له ،وآس بين الناس في وجهك ومجلسك
فافهم إذا أدلي إليك ،فإنه ل ينفع تكلّم بح ّ
وقضائك ،حتى ل يطمع شريف في حيفك ،ول ييأس ضعيف من عدلك ،البيّنة على المدعي ،
واليمين على من أنكر ،والصّلح جائز بين المسلمين ،إل صلحا أحل حراما أو حرم حللً ،
ومن ادعى حقّا غائبا أو بيّنةً فاضرب له أمدا ينتهي إليه ،فإن بَيّنه أعطيته بحقّه ،وإن أعجزه
ذلك ،استحللت عليه القضية ،فإن ذلك هو أبلغ في العذر وأجلى للعماء ،ول يمنعنك قضاء
قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق ،فإن الحق قديم ل
ق خير من التمادي في الباطل ،والمسلمون عدول بعضهم على
يبطله شيء ،ومراجعة الح ّ
بعض إل مجلود في حدّ أو مجرب عليه شهادة زور أو ظنين في ولء أو قرابة ،فإن ال تعالى
تولى من العباد السرائر ،وستر عليهم الحدود إل بالبيّنات واليمان ،ثم الفهمَ الفهمَ فيما أدلي
إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ول سنة ،ثم قايس المور عند ذلك ،واعرف المثال ،
ثم اعمد إلى أحبّها إلى ال فيما ترى وأشبهها بالحقّ ،وإياك والغضب والقلق والضجر ،
والتأذّي بالناس والتنكّر عند الخصومة " ،أو الخصوم " ،فإن القضاء في مواطن الحقّ يوجب
ق ولو كان على نفسه كفاه ال ما
ال به الجر ويحسن به الذّكر ،فمن خلصت نيته في الح ّ
بينه وبين الناس ،ومن تزين بما ليس في نفسه شانه ال ،فإن ال تبارك وتعالى ل يقبل من
العباد إل ما كان له خالصا ،فما ظنّك بثواب عند ال في عاجل رزقه وخزائن رحمته .
ول خلف بين الفقهاء في أنه ل ينبغي للقاضي أن يقضي وهو غضبان لقوله صلى ال عليه
وسلم « :ل يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان » .
وفي معنى الغضب كلّ ما شغل فكره من الجوع المفرط والعطش الشديد والوجع المزعج أو
لشعوره بشدة النّعاس أو الحزن أو السّرور ،فهذه كلّها أمور تمنع حضور القلب واستيفاء
الفكر الذي يتوصل به إلى إصابة الحقّ في الغالب ،فهي في معنى الغضب المنصوص عليه ،
ق واتضح الحكم ثم عرض الغضب لم يمنعه ; لن الحق
فتجري مجراه ،أما إن استبان له الح ّ
قد ظهر له قبل الغضب فل يؤثّر فيه ،ويرى الحنفية أن تلك المور من آداب القضاء ،أما
الشافعية وهو قول عند المالكية فيرون أنه يكره للقاضي أن يقضي وهو على تلك الحالة .
أما الحنابلة فيرون الحرمة وهو قول عند المالكية .
وإذا عرضت للقاضي حالة من تلك الحالت وهو في مجلس القضاء جاز له وقف النظر في
الخصومات والنصراف .
ح -هيئته وزيّه :
-يجتهد القاضي أن يكون جميل الهيئة ظاهر البهة وقور المشية والجلسة ،حسن النّطق 33
والصمت ،محترزا في كلمه عن الفضول وما ل حاجة إليه به ،ويكون ضحكه تبسّما ،
ونظره فراس ًة وتوسّما ،وإطراقه تفهّما ويلبس ما يحسن من ال ّزيّ ويليق به ،ويكون ذا سمت
وسكينة ووقار من غير تكبّر ول إعجاب بنفسه .
وينبغي أن يكون نظيف الجسد ،بأخذ شعره ،وتقليم ظفره ،وإزالة الرائحة المكروهة من
بدنه ويستعمل من الطّيب ما يخفى لونه ،وتظهر رائحته .
ط -مشاركته في المناسبات العامة :
-يسنّ له إجابة دعوة عامة كوليمة عرس وختان ; لن إجابتها سنة ول تهمة فيها ، 34
ويشهد الجنازة لن ذلك حقّ الميّت على المسلمين فيحضرها إل إذا شغلته عن القضاء ،ويعود
المرضى لن ذلك حقّ المسلمين على المسلمين ول تهمة فيه .
ول يجيب الدعوة الخاصة لنها جعلت لجله ،والخاصة هي التي ل يتخذها صاحبها لول
حضور القاضي ،وقيل :ك ّل دعوة اتّخذت في غير العرس والختان فهي خاصة ،وذكر
الطحاويّ أنه على قول أبي حنيفة وأبي يوسف ل يجيب الدعوة الخاصة للقريب ،وعلى قول
ي إذ ل
محمد يجيب لن إجابة دعوة القريب صلة للرحم ،وإنما ل يجيب الدعوة الخاصة للجنب ّ
فرق بينها وبين الهدية .
وللقاضي زيارة الهل والصالحين والخوان وتوديع الغازي والحاجّ لن ذلك قربة وطاعة ،وقد
وعد الشرع على ذلك أجرا عظيما فيدخل القاضي في ذلك ما لم يشغله عن الحكم ; لن اشتغاله
بالفصل بين الخصوم ومباشرة الحكم أولى .
ي -الهدية للقاضي :
-يحرم على القاضي قبول الهدية من الخصمين ،أو من أحدهما . 35
أما من ليست له خصومة فإن كان من خواصّ قرابته أو صحبته أو جرت له عادة بمهاداته قبل
القضاء فل بأس ،وإن لم تجر له عادة بذلك لم يجز له القبول ،والولى إن قبل الهدية -ممن
ليست له خصومة -أن يعوّض المهدي عنها ،ويحسن به سدّ باب قبول الهدايا من كلّ أحد ;
لن الهدية تورث إدلل المهدي وإغضاء المهدى إليه ،إل الهدية من ذوي الرحم المحرم -
ممن ليست له خصومة -فالولى قبولها لصلة الرحم ; ولن في ردّها قطيعةً للرحم وهي
حرام.
-وأما الرّشوة فحرام بل خلف لحديث « :لعن ال الراشي والمرتشي في الحكم » ،وإذا 36
والقضاء ،ويكون مصونا أيضا من كلّ ما يؤذي من الروائح والدّخان والغبار ،كأن يكون
المكان دارا واسعةً وسط البلد إن أمكن ،ليكون ذلك أوسع على الخصوم وأقرب إلى العدل .
القضاء في المسجد :
-يرى الحنفية والحنابلة أن القاضي يجلس للحكم في المسجد لنه أيسر للناس ،وأسهل 38
عليهم للدّخول عليه وأجدر أن ل يحجب عنه أحد ،قال أبو حنيفة :ينبغي للقاضي أن يجلس
للحكم في المسجد الجامع لنه أشهر المواضع ول يخفى على أحد ،ول بأس أن يجلس في بيته
ويأذن للناس ول يمنع أحدا من الدّخول عليه .
ي أنهم كانوا يقضون
واحتجّوا في قضاء القاضي في المسجد بما روي عن عمر وعثمان وعل ّ
في المسجد .
والمسألة عند المالكية ذات طريقتين :الولى لمالك في الواضحة :استحباب الجلوس في
رحاب المسجد وكراهته في المسجد ليصل إليه الكافر والحائض ،والثانية :استحباب جلوسه
في نفس المسجد وهي ظاهر قول المدونة " والقضاء في المسجد من الحقّ والمر القديم "
ي :والمعول عليه ما في الواضحة .
ب } ،قال الدّسوق ّ
سوّرُوا ا ْل ِمحْرَا َ
لقوله تعالى { :إِذْ َت َ
ويرى الشافعية كراهية اتّخاذ المسجد مجلسا للقضاء ; لن مجلس القاضي ل يخلو عن اللغط
وارتفاع الصوات ،وقد يحتاج إلى إحضار المجانين والصّغار ،والمسجد يصان عما قد يفعله
أولئك من أمور فيها مهانة به ،أما إذا صادف وقت حضور القاضي إلى المسجد لصلة أو
غيرها رفع الخصومة إليه ،فل بأس بفصلها ،وعلى ذلك يحمل ما جاء عنه صلى ال عليه
وسلم وعن خلفائه في القضاء في المسجد .
ل -وقت عمله ووقت راحته :
-ل بأس أن ينظر القاضي في أمور دنياه التي تصلحه ول بد له منها في كلّ اليام في غير 39
أوقات قضائه ،ول بأس أن يطلع إلى قرابته اليومين والثلثة ،ويتخذ لجلوسه وقتا معلوما ل
يضرّ بالناس في معايشهم ،ويجوز أن يعيّن أياما للقضاء يحضر فيها الناس ويعرفونه بها ،
فيقصد في ذلك اليوم ،وليس عليه صرف زمانه أجمع إلى القضاء ،ول ينبغي أن يحكم في
الطريق إل في أمر استغيث به فيه فل بأس أن يأمر وينهى ويسجن ،فأما الحكم الفاصل فل ،
وأجازه أشهب من المالكية ،ول ينبغي أن يجلس في العيدين وما قارب ذلك كيوم عرفة واليام
التي تكون للناس أيام سرور أو حزن ،وكذلك إذا كثر الوحل والمطر ،قال بعض المتأخّرين :
وكذلك يوم الجمعة ما لم يعرض عليه أمر يخاف عليه الفوات ،وما ل يسعه إل تعجيل النظر
فيه .
ونقل عن المام مالك أنه قال :ينبغي للقاضي أن يكون جلوسه في ساعات من النهار ،لنّي
أخاف أن يكثر فيخطئ ،وليس عليه أن يتعب نفسه نهاره كله .
م -كراهية البيع والشّراء :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يكره للقاضي أن يبيع أو يشتري إل بوكيل ل يعرف به لئل 40
يحابي والمحاباة كالهدية ،وليس للقاضي ول لوال أن يتجر ،لحديث أبي السود المالكيّ عن
أبيه عن جدّه مرفوعا « :ما عدل وال اتجر في رعيته » ،وسواء أكان البيع والشّراء في
مجلس حكمه أم في داره ،لكن إذا باع القاضي أو اشترى فل يردّ منه شيء إل أن يكون على
وجه الكراه ،أو فيه نقيصة على البائع فيردّ البيع والبتياع .
ول ينبغي أن يكون وكيل القاضي معروفا لنه يفعل مع وكيله من المسامحة ما يفعل معه .
ويرى الحنفية وهو الراجح عند المالكية قصر الكراهية على حصول البيع والشّراء في مجلس
الحكم .
ن -واجب القاضي تجاه الخصوم :
-يجب على القاضي أن يسوّي بين الخصمين في الجلوس ،مجلسها بين يديه ل عن يمينه 41
ول عن يساره ; لنه لو فعل فقد قرب أحدهما في مجلسه ،ولن لليمين فضلً عن اليسار ،
وأن يسوّي بينها في النظر والنّطق والخلوة فل ينطلق بوجهه إلى أحدهما ،ول يسار أحدهما ،
ول يخلو بأحدهما في منزله ،ول يضيّف أحدهما ،فيعدل بين الخصمين في هذا كلّه ،لما في
ترك العدل فيه من كسر قلب الخر ،ويتهم القاضي به ،ليس له تأخير الحكم في الخصومات
بغير عذر ،ول يجوز له أن يحتجب إل في أوقات الستراحة .
وليس له أن يحكم لحد من والديه ول من مولوديه لجل التّهمة ،ويحكم عليهم لرتفاعها ،
ويحكم لعدوّه ،ول يحكم عليه .
معاونو القضاة :
-يحتاج القاضي في عمله إلى من يساعده في العمال القضائية سواء ما اتصل منها 42
بموضوع الحكم الواجب تطبيقه على النازلة -وهم الفقهاء الذين يستشيرهم -أو ما يتعلق
بالعمال المساعدة مثل الكاتب الذي يسجّل المحضر ،وأعوان القاضي والحاجب ،والمزكّي
والمترجم .
كاتب القاضي :
-يستحبّ للقاضي أن يتخذ كاتبا لن النبي صلى ال عليه وسلم استكتب زيد بن ثابت 43
وغيره ; ولن القاضي تكثر أشغاله ويكون اهتمامه ونظره متوجّها لمتابعة أقوال الخصوم وما
يدلون به من حجج وما يستشهدون به من الشّهود فيحتاج إلى كاتب يكتب وقائع الخصوم ،
ويشترط في الكاتب كونه مسلما عدلً عارفا بكتابة المحاضر والسّجلت ويستحبّ فقهه ،
ووفور عقله وجودة خطّه ،فإن لم يكن له معرفة بالفقه كتب كلم الخصمين كما سمعه ،ول
يتصرف فيه بالزّيادة والنّقصان ،لئل يوجب حقّا لم يجب ول يسقط حقّا واجبا ; لن تصرّف
غير الفقيه بتفسير الكلم ل يخلو عن ذلك ،وينبغي أن يقعد الكاتب حيث يرى القاضي ما يكتب
ويصنع فإن ذلك أقرب إلى الحتياط ،ويرى المالكية في القول الراجح عندهم أن اتّخاذ الكاتب
أمر وجوبيّ .
أعوان القاضي :
-ينبغي للقاضي أن يتخذ أعوانا يكونون بين يديه ; لن مجلس القضاء مجلس هيبة ،فلو 44
لم يتخذ أعوانا ربما يستخفّ بالقاضي فتذهب مهابته ; ولنه يحتاج إلى إحضار الخصوم ،
والعوان هم الذين يحضرون الخصوم إلى مجلس القضاء ،ويزجرون من يستحقّ الزجر من
الخصوم ،وينبغي أن يكون هؤلء من ذوي الدّين والمانة والبعد عن الطمع .
حاجب القاضي :
-الحاجب -هنا -من يقوم بإدخال الخصوم على القاضي ويرتّبهم فيقدّم من حضر أولً ثم 45
الذي يليه وهكذا ،ويمنع الخصوم من التدافع على مجلس القضاء .
وقد اختلف الفقهاء في جواز اتّخاذ القاضي حاجبا ،فذهب الحنفية والمالكية إلى جواز ذلك ،
والمرجع فيه عندهم الشرع فقد اتخذ الخلفاء الراشدون حجابا .
وقال الشافعية والحنابلة :ينبغي للقاضي أن ل يتخذ حاجبا يحجب الناس عن الوصول إليه ،
لما روى أبو مريم رضي ال عنه قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول « :من
وله ال عز وجل شيئا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب ال
عنه دون حاجته وخلته وفقره » ; ولن حاجب القاضي ربما قدم المتأخّر وأخر المتقدّم لغرض
له ،ول بأس عندهم باتّخاذ حاجب في غير مجلس القضاء ،وفي حال الزحمة وكثرة الناس ،
وقال القاضي أبو الطيّب الطبريّ من الشافعية :يستحبّ للقاضي أن يتخذ حاجبا ،وعلق ابن
أبي الدم الحمويّ على ذلك بقوله :هذا هو الصحيح ل سيما في زماننا هذا مع فساد العوام ،
ولكلّ زمن أحوال ومراسم تقتضيه وتناسبه ...وكلم الشافعيّ وغيره :أنه ل ينبغي أن يتخذ
حاجبا ،محمول على ما إذا قصد بالحاجب الحتجاب عن الناس والكتفاء به ،أو حالة الخوف
من ارتشاء الحاجب ،وتفصيل شروط الحاجب وآدابه ينظر في مصطلح ( حاجب ف . ) 9/
المزكّي :
-المراد بالمزكّي في باب القضاء من يعتمد عليه في تعديل الشّهود . 46
ذهب الفقهاء إلى أن القاضي إذا عرف عدالة الشّهود فل يحتاج إلى تزكيتهم ،وإن عرف أنهم
مجروحون رد شهادتهم .
وهل يتخذ القاضي مزكّيا يتحرى عن الشّهود ويتعرف حال من يجهل منهم ؟ .
قال الحنفية والمالكية :إن التزكية نوعان :تزكية السّ ّر ،وتزكية العلنية ،أما تزكية السّرّ ،
فينبغي للقاضي أن يختار للمسألة عن الشّهود ،من هو أوثق الناس ،وأورعهم ديانةً ،
وأعظمهم درايةً ،وأكثرهم خبر ًة ،وأعلمهم بالتميّز فطنةً ،فيولّيه المسألة عن الشّهود سرّا ،
فيسأل ذلك الرجل عن الشاهد من يثق به من جيرانه وأهل محلته وأهل سوقه ،ول ينقل
للقاضي إل ما اتفق عليه عدلن فأكثر ،والعدد في المزكّي ليس بشرط عند المام أبي حنيفة
وأبي يوسف والواحد يكفي والثنان أحوط ،وقال محمد :شرط حتى ل تثبت العدالة بقول
الواحد ،ومنشأ الخلف هل هو شهادة أم إخبار .
سرّ لما في تزكية
أما تزكية العلنية فقد قال صاحب معين الحكام :إنه قد وقع الكتفاء بتزكية ال ّ
العلنية من فتنة بسبب ما يلقيه المزكّي من بلء من الشاهد في حالة تجريحه .
وقال الشافعية :ينبغي أن يكون للقاضي مزكّون ،وأصحاب مسائل ،فالمزكّون يرجع إليهم
ليبيّنوا حال الشّهود ،وأصحاب المسائل هم الذين يبعثهم القاضي إلى المزكّين ليبحثوا
ويسألوا ،وليس المراد بالمزكّي واحدا بل اثنين فأكثر .
وذهب الحنابلة إلى أنه ليس للقاضي أن يرتّب شهودا ل يقبل غيرهم لوجوب قبول شهادة من
تثبت عدالته ،ولكن له أن يرتّب شهودا يشهدهم الناس فيستغنون بإشهادهم عن تعديلهم ،
ويستغني القاضي عن الكشف عن أحوالهم ،فيكون فيه تخفيف من وجه ،ويقوم هؤلء بتزكية
من عرفوا عدالته من غيرهم إذا شهد .
المترجم :
-ل خلف بين الفقهاء في أنه يجوز للقاضي أن يتخذ مترجما إذا كان ل يعرف لغة الخصم 47
أو الشاهد ،ويكفي المترجم الواحد عند أبي حنيفة والمالكية وأبي يوسف وأحمد في روايةً
عنه وهي اختيار أبي بكر من الحنابلة وقاله ابن المنذر ،قال زيد بن ثابت « :أمرني رسول
ال صلى ال عليه وسلم أن أتعلم له كتاب يهود ،قال :إنّي وأل ما آمن يهود على كتاب ،
قال :فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له ،قال :فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت
إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم » ،ولنه مما ل يفتقر إلى لفظ الشهادة فأجزأ فيه الواحد
كأخبار الدّيانات .
والقول أنه يكفي الواحد العدل -عند المالكية -محلّه إذا رتبه القاضي ،أما إذا لم يرتّبه بأن
أتى به أحد الخصمين ،أو طلبه القاضي للتبليغ فل بد فيه من التعدّد لنه صار كالشاهد ،وقد
ي أن المترجم من قبل القاضي يكفي فيه الواحد اتّفاقا .
حكى الدّسوق ّ
وذهب الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة ومحمد من الحنفية إلى أن الترجمة شهادة ،ويعتبر
في المترجم ما يعتبر في الشهادة .
). 15/ وتفصيل ذلك في مصطلح ( ترجمة ف
استخلف القاضي :
-اتفق الفقهاء على أن المام إذا أذن للقاضي في الستخلف فله ذلك وعلى أنه إذا نهاه 48
فليس له أن يستخلف ،وذلك لن القاضي إنما يستمدّ وليته من المام ،فل يملك أن يخالفه
في تعيين خلف له متى نهاه ،كالوكيل مع الموكّل ،أما إن أطلق المام فلم يأذن ولم ينه فهناك
). 32 اتّجاهات في المذاهب تفصيلها في مصطلح ( استخلف ف /
كتاب القاضي إلى غيره من القضاة :
-للقاضي أن يكتب إلى غيره من القضاة بما وجب عنده من حكم ،أو ثبت عنده من حقّ ، 49
عدلين يقولن :إنه قرأه علينا أو قرئ عليه بحضرتنا ،وقال أبو حنيفة ومحمد :ل بد أن
يشهد الشّهود بختم القاضي ،وبمثل ذلك صرح الشافعية ،وقال أبو يوسف :إذا شهدوا
بالكتاب والخاتم تقبل وإن لم يشهدوا بما في الكتاب ،وكذا إذا شهدوا بالكتاب وبما في جوفه
تقبل وإن لم يشهدوا بالخاتم ،وحكي عن الحسن وسوار والعنبريّ أنهم قالوا إذا كان يعرف
خطه وختمه قبله ،وهو قول أبي ثور والصطخري .
وذهب المالكية إلى اشتراط الشاهدين ولم يقيّدوا ذلك بقراءة الكتاب عليهم وقالوا :أما كتاب
القاضي المجرد عن الشهادة ،فل أثر له ،قال ابن رشد :والعمل عندنا اليوم بإفريقية على ما
كان عليه السلف في القديم من الشهادة على خطّ القاضي ،وفي التنبيه لبن المناصف -من
المالكية -قوله :وقد التزم الناس اليوم في سائر بلدنا إجازة كتب القضاة بمعرفة الخطّ ،
وكافة الحكام قد تمالئوا على إجازة ذلك والتزامه والعمل به في عامة الجهات للضطرار إليه ،
ولن المطلوب إنما هو قيام الدليل وثبوته على أن ذلك الكتاب كتاب القاضي ،فإذا ثبت عند
ك فيه أشبه الشهادة عليه وقام مقامها .
المكتوب إليه معرفة خطّه ثبوتا ل يش ّ
وإن لم يتحقق القاضي خط الكاتب فل بد من شاهدين عدلين يعرفان خط القاضي الكاتب .
وإذا كان الخصم هو الذي سار بالكتاب فل يقبل حتى يأتيه بشاهدين يشهدان أنه كتاب القاضي
وإذا ثبت عند القاضي المكتوب إليه أنه كتاب القاضي الول لزم أن يقضي بما كتب إليه من
ذلك .اشتراط المسافة :
-يرى الحنفية :أنه ل بد من وجود مسافة قصر بين بلد القاضي الكاتب والمكتوب إليه . 51
ولم يفرّق المام مالك بين ما يكتبه القاضي البعيد عن مكان القاضي المكتوب إليه أو القريب
من مكانه .
وقال الحنابلة :يقبل وإن كانا ببلد واحد إل إذا بعث إلى القاضي الخر ليحكم بما ثبت عند
الول فل يكون إل إذا فصلت بينهما مسافة قصر .
وفصل الشافعية فقالوا :إن تضمن الكتاب نقل شهادة فقط ،سمع في مسافة القصر قولً
واحدا ،وإن تضمن ثبوت الحقّ فقط ففيه وجهان :والصحّ عندهم أنه ل يسمع إل في المسافة
البعيدة ،وفي مسافة العدوى خلف مشهور وإن تضمن الكتاب الحكم بالحقّ سمع في القريب
والبعيد كيف كان مراسلةً أو مشافهةً .
الحقّ المكتوب به :
-كتب القضاة إلى القضاة جائزة في سائر حقوق الناس :الدّيون والعقارات والشركات 52
والغصب الوديعة ،وهذا ما ذهب إليه الحنفية والشافعية والحنابلة في الجملة ،لكن بعضهم قيد
ي في الصحّ ومحمد وأبي يوسف ل تقبل في
الجواز بشروط معينة فعند أبي حنيفة والشافع ّ
العيان التي تقع الحاجة إلى الشارة إليها كالمنقول من الحيوان والعروض لعدم التميّز ،حكي
ي قول ثان بجواز الحكم بالشهادة في تلك العيان لما يجب من حفظ الحقوق على
عن الشافع ّ
أهلها ،وذهب الحنفية إلى أنه ل يقبل كتاب القاضي في الحدود ،ول القصاص وعللوا ذلك بأن
كتاب القاضي بمنزلة الشهادة على الشهادة وأنه ل تقبل فيهما ،ويرى الشافعية أن الحق إن
كان للدميّ كالقصاص ،وحدّ القذف استوفاه المكتوب إليه ،فأما ما كان من حقوق ال تعالى
ففي جواز استيفائه بكتاب القاضي إلى القاضي قولن :أحدهما :يستوفى كحقوق الدميّين ،
والثاني :عدم الجواز لن حقوق ال تدرأ بالشّبهات .
وعند مالك وابن أبي ليلى يقبل في الحقوق والحكام كلّها .
وذهب الحنابلة إلى قبول الكتاب في كلّ حقّ لدميّ بما في ذلك القود وحدّ القذف لنه حقّ آدميّ
ل يدرأ بالشّبهة ول يقبل في حدود ال تعالى .
خصوص الكتاب وعمومه :
-ذهب المالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية إلى أن للقاضي أن يكتب إلى 53
قاض معين ،أو أن يكتب إلى من يصل إليه من قضاة المسلمين من غير تعيين ويلزم من
وصله قبوله كما لو كان الكتاب إليه بعينه .
وزاد الشافعية أنه لو كتب إلى قاض معين ،وسماه في كتابه ،وجب على كلّ قاض غيره
تنفيذه والعمل به إذا قامت به بيّنة عنده .
وذهب أبو حنيفة إلى أنه ل ينفذ الكتاب ول يقبل إل إذا كان القاضي الكاتب قد عين واحدا من
الناس .
المشافهة :
-يرى الحنفية أن القاضي إذا شافه قاضيا آخر في عمله لم يقبل ذلك لن الكتاب بمنزلة 54
الشهادة ،وقال ابن فرحون من المالكية :مشافهة القاضي للقاضي بما حكم به الول على
وجهين :
الول :أن يكون القاضيان ببلد واحد فيشافه أحدهما الخر بما ثبت عنده من شهادة أو حكم
فيحكم الخر بذلك أو ينفّذ الحكم .
الثاني :أن يكون كلّ منهما في طرف عمله ،فإذا اجتمعا أنهى أحدهما إلى الخر مشافه ًة ما
يريد إنهاءه إليه ،فيلزم الخر العمل بمقتضاه .
ي فقد قال :إن المشافهة غير كافية ; لن أحدهما في غير محلّ وليته ومن كان
أما ابن جز ّ
في غير موضع وليته لم ينفذ حكمه ولم يقبل خطابه .
وعند الشافعية تتصور المشافهة من أوجه .
أحدها :أن يجتمع القاضي الذي حكم وقاضي بلد الغائب في غير البلدين ويخبره بحكمه .
والثاني :أن ينتقل الذي حكم إلى بلد الغائب ويخبره ،ففي الحالين ل يقبل قوله ،ول يمضي
حكمه لن إخباره في غير موضع وليته ،كإخبار القاضي بعد العزل .
والثالث :أن يحضر قاضي بلد الغائب في بلد الذي حكم فيخبره ،فإذا عاد إلى محلّ وليته ،
فهل يمضيه ؟ إن قلنا :يقضي بعلمه فنعم ،وإل فل على الصحّ ،كما لو قال ذلك القاضي :
سمعت البيّنة على فلن بكذا ،فإنه ل يترتب الحكم عليه إذا عاد إلى محلّ وليته .
والرابع :أن يكونا في محلّ وليتهما ،بأن وقف كلّ واحد في طرف محلّ وليته ،وقال
الحاكم :حكمت بكذا فيجب على الخر إمضاؤه لنه أبلغ من الشهادة والكتاب ،وكذا لو كان في
البلد قاضيان وجوزناه ،فقال أحدهما للخر :حكمت بكذا فإنه يمضيه ،وكذا إذا قاله القاضي
لنائبه في البلد ،وبالعكس ،ولو خرج القاضي إلى قرية له فيها نائب فأخبر أحدهما الخر
بحكمه أمضاه الخر ; لن القرية محلّ وليتهما ،ولو دخل النائب البلد فقال للقاضي :حكمت
بكذا لم يقبله ،ولو قال له القاضي :حكمت بكذا ،ففي إمضائه إياه إذا عاد إلى قريته الخلف
في القضاء بالعلم .
تغيّر حال القاضي الكاتب :
-إذا تغيرت حال القاضي الكاتب بموت أو عزل بعد أن كتب الكتاب وأشهد على نفسه لم 55
يقدح في كتابه وكان على من وصله الكتاب قبوله والعمل به سواء تغيرت حاله قبل خروج
الكتاب من يده أو بعده ،وهو ما ذهب إليه المالكية والشافعية والحنابلة .
وأما الحنفية فيقولون :إذا مات القاضي أو عزل قبل وصول كتابه إلى القاضي الخر ،فل
يعمل به في هذه الحالة ،ولو مات بعد وصول الكتاب إليه جاز له أن يقضي به .
تغيّر حال القاضي المكتوب إليه :
ي حال
-يرى المالكية وأكثر الشافعية والحنابلة أن القاضي المكتوب إليه إن تغيرت حاله بأ ّ 56
كان من موت أو عزل أو فسق فلمن وصل إليه الكتاب ممن قام مقامه قبول الكتاب والعمل به ،
وقد حكي عن الحسن أن قاضي الكوفة كتب إلى إياس بن معاوية قاضي البصرة كتابا فوصل
وقد عزل وولّي الحسن فعمل به ،إل أن المالكية اشترطوا الشهاد على الكتاب ولم يكتفوا
بمعرفة الخطّ .
ويرى الحنفية وفي وجه عند الشافعية أنه ل يعمل به لنه لم يكتب إليه .
اختلف الرأي في حكم الواقعة :
-إذا كتب قاض إلى قاض بكتاب فيه اختلف بين الفقهاء ،والمكتوب إليه ل يرى ذلك 57
الرأي ول يأخذ به ،فإن كان ما تضمنه الكتاب حكما جاز إنفاذه عند الحنفية والمالكية
والحنابلة ما لم يخالف نصّا أو إجماعا ،فإن لم يكن حكما لم ينفّذه وإنما هو بمنزلة الشهادة ،
وعند الشافعية إن كان إنما كتب مما ثبت عنده للخصم أو بما أشبه ولم يفصّل ذلك بحكم فليعمل
برأيه الذي يختاره مما اختلفوا فيه ول يعمل برأي الكاتب إليه ،وإن كان مما حكم به القاضي
الول مما ل يراه هو فليس له أن يمضيه لعتقاده أنه باطل ،وليس له أن ينقضه ; لحتماله
في الجتهاد ،وليس له أن يأخذ المطلوب بأدائه ; لنه غير مستحقّ عنده ،وليس له أن يمنع
الطالب منه ; لنفوذ الحكم به .
رزق القاضي :
-القاضي من عمال المسلمين وأجلّ عمالهم وهو القيّم بمصالح الجميع وقد قال الحنفية : 58
ل بأس أن يطلق المام للقاضي من الرّزق ما يكفيه من بيت المال حتى ل يلزمه مئونة وكلفة ،
وأن يوسّع عليه وعلى عياله ،كي ل يطمع في أموال الناس ،وروي أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم لما بعث عتاب بن أسيد إلى مكة ووله أمرها رزقه أربعمائة درهم في كلّ عام ،
وكذلك فرض الصحابة للقضاة رزقا من بيت المال ،وقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي ال
عنه كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل في الشام أن انظروا رجالً من أهل العلم من
الصالحين من قبلكم فاستعملوهم على القضاء ،وأوسعوا عليهم في الرّزق ليكون لهم قوةً
وعليهم حجةً .
وما تقدم من جواز أخذ القاضي للرّزق هو في حالة كونه فقيرا ،أما إن كان غنيّا فقد اختلف
فقهاء الحنفية في ذلك فقال بعضهم :ل يحلّ له الخذ لنه ل حاجة له فيه ،وقال آخرون :
يحلّ له الخذ والفضل له أن يأخذ ،أما الحلّ فلنه عامل للمسلمين فكانت كفايته عليهم ل من
طريق الجر ،وأما الفضلية ; فلنه وإن لم يكن محتاجا إلى ذلك فربما يجيء بعده قاض
ي المر عن إعطائه ،فكان المتناع من الخذ شحّا
محتاج وقد صار ذلك سنةً ورسما فيمتنع ول ّ
ق الغير ،وكان الفضل هو الخذ .
بح ّ
وقال المالكية والشافعية إن تعين عليه القضاء وعنده كفاية تغنيه عن الرتزاق لم يجز له أخذ
ي من الشافعية أنه قال :يجوز لمن تعين عليه وله كفاية أخذ
شيء ،حكي عن الشاش ّ
الرّزق ،أما من تعين عليه وهو محتاج إلى الرّزق فله الخذ بقدر الكفاية وإن لم يتعين عليه
القضاء وهو محتاج إلى الرّزق من بيت المال فله أن يأخذ بقدر كفايته وكفاية عياله على ما
يليق بحالهم ،وإن كان غنيّا فالولى له أن ل يأخذ شيئا .
وزاد الشافعية أنه ينبغي للمام أن يجعل من بيت المال شيئا من رزق القاضي لثمن ورق
المحاضر والسّجلت وأجرة الكاتب .
وذهب الحنابلة إلى أن للقاضي طلب الرّزق من بيت المال لنفسه وأمنائه وخلفائه مع الحاجة
وعدمها لن عمر رزق شريحا في كلّ شهر مائة درهم وفرض لزيد وغيره ،وأمر بفرض
الرّزق لمن تولى القضاء ; ولنه لو لم يجز فرض الرّزق لتعطلت وضاعت الحقوق .
وقال أبو الخطاب من الحنابلة :يجوز له أخذ الرّزق مع الحاجة فأما مع عدمها فعلى وجهين ،
والصحيح جواز أخذ الرّزق عليه بكلّ حال لن عمر فرض الرّزق لقضاته وأمر بفرض الرّزق
لمن تولى القضاء .
اشتراط الجرة على القضاء :
-يرى الحنفية والحنابلة وهو المذهب عند الشافعية أنه ل يجوز الستئجار على القضاء ، 59
قال عمر رضي ال عنه :ل ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرا ،وذلك لنه
ص فاعله أن يكون في أهل القربة فأشبه الصلة ولنه ل يعمله النسان عن غيره
قربة يخت ّ
وإنما يقع عن نفسه ; ولنه عمل غير معلوم ،قال ابن قدامة :فإن لم يكن للقاضي رزق فقال
للخصمين ل أقضي بينكما حتى تجعل لي رزقا عليه جاز ،ويحتمل أن ل يجوز وفي فتاوى
القاضي حسين من الشافعية وجه أنه يجوز ،والمذهب الول وبه قطع الجمهور .
وفصل الماورديّ الكلم في هذه المسألة بما خلصته :إن كان القاضي في حاجة إلى الرّزق
وعمله يقطعه عن اكتساب المال فيجوز له الخذ بشرط أن يعلم الخصمين قبل التحاكم إليه ،
وأن يأخذ منهما معا ،ل من أحدهما ،وذلك بعد إذن المام ،وأن يكون ما يأخذه من الخصمين
ل يزيد على قدر حاجته ،ول يضرّ بهما وأن يكون ذلك القدر مشهورا يتساوى فيه جميع
الخصوم ما لم يطل زمن خصومة الخصمين عما سواها .
التفتيش على أعمال القضاة :
-ينبغي للمام أن يتفقد أحوال القضاة ،فإنهم قوام أمره ،ورأس سلطانه ،وكذلك قاضي 60
القضاة ينبغي أن يتفقد قضاته ونوابه فيتصفح أقضيتهم ،ويراعي أمورهم وسيرتهم في
الناس ،إذ ل يجوز للقاضي تأخير الخصوم إذا تنازعوا إليه إل من عذر ،ويأثم إذا أخر الفصل
في النّزاع بدون وجه حقّ ،ويعزر ويعزل ،ول يجوز للقاضي تأخير الحكم بعد وجود شرائطه
إل في ثلث :الرّيبة ،ولرجاء صلح القارب ،وإذا استمهل المدعي وكذا المدعى عليه في
حالة تقديم دفع صحيح يطلب مهلةً لحضار بيّنته .
مسئولية القاضي :
-اختلف الفقهاء في مسئولية القاضي ،هل يؤاخذ بما يقع في أحكامه من أخطاء أم أنه ل 61
تجوز مساءلته عن ذلك بسبب كثرة ما يجري على يده من التصرّفات والحكام .
فذهب الحنفية إلى أن القاضي إذا أخطأ في قضائه ،بأن ظهر أن الشّهود كانوا محدودين في
قذف ،فالصل أنه ل يؤاخذ بالضمان ; لنه بالقضاء لم يعمل لنفسه بل لغيره فكان بمنزلة
الرسول ،فل تلحقه العهدة .
ثم ينظر في المقضيّ به ،فإن كان من حقوق العباد ،بأن كان ما ًل وهو قائم رده على المقضيّ
ي به ممكن فيلزمه ردّه ،لقوله صلى ال عليه
عليه ; لن قضاءه وقع باطلً ور ّد عين المقض ّ
وسلم « :على اليد ما أخذت حتى تؤدّي » ; ولنه عين مال المدعى عليه ،ومن وجد عين
ي له ،ولن القاضي عمل له فكان
ق به ،وإن كان هالكا فالضمان على المقض ّ
ماله فهو أح ّ
خطؤه عليه ،ليكون الخراج بالضمان ; ولنه إذا عمل له فكأنه هو الذي فعل بنفسه ،وإذا كان
ي يحتمل الرد
ل ،وأنه أمر شرع ّ
حقّا ليس بمال كالطلق .بطل لنه تبين أن قضاءه كان باط ً
فير ّد بخلف الحدود والمال الهالك ; لنه ل يحتمل الرد بنفسه فيردّ بالضمان .
ق ال عز وجل خالصا فضمانه في بيت المال ; لنه عمل في الدعوى لعامة
وأما إن كان من ح ّ
المسلمين لعود منفعتها إليهم وهو الزجر ،فكان خطؤه عليهم ول يضمن القاضي .
وإن كان القضاء بالجور عن عمد وأقر به ،فالضمان في ماله في الوجوه كلّها بالجناية
والتلف ،ويعزر القاضي ويعزل عن القضاء .
وقال المالكية :إن علم القاضي بكذب الشّهود وحكم بما شهدوا به من رجم أو قتل أو قطع ،
فالقصاص عليه دون الشّهود ،أما إذا لم يعلم فل قصاص ،وإن علم القاضي بما يقدح في
الشاهد كالفسق لزمته الدّية ،وقال ابن القاسم :إذا عزل القاضي فادعى أناس أنه جار عليهم
:أنه ل خصومة بينهم وبينه ،ول ينظر فيما قالوا عنه إل أن يرى الذي بعده جورا بيّنا فيرده
ول شيء على القاضي .
وقال الشافعية :إذا حكم بشهادة اثنين ثم بان كونهما ممن ل تقبل شهادتهما وجب على
القاضي نقض حكمه ،فإن كان طلقا أو عقدا فقد بان أنه ل طلق ول عقد حتى لو كانت
المرأة ماتت فقد ماتت وهي زوجته ،وإن كان المشهود به قتلً أو قطعا أو حدّا استوفي وتعذر
التدارك فضمانه على عاقلة القاضي على الظهر وفي بيت المال على القول الخر ،وإنما تعلق
الضمان بالقاضي لتفريطه بترك البحث عن حال الشّهود ،ول ضمان على المشهود له ،ول
على الشّهود لنهم ثابتون على شهادتهم ،وإذا غرمت العاقلة أو بيت المال فهل يثبت الرّجوع
على الشّهود ،فيه خلف ،والذي قطع به العراقيّون أنه ل ضمان على الشّهود ،ول ضمان
على المزكّين ،وقال القاضي أبو حامد :يرجع الغارم على المزكّين لنه ثبت أن المر على
خلف قولهم ،ولم يثبت أنه خلف قول الشّهود ول رجوع لهم في هذه الحالة على القاضي .
وإن كان المحكوم به مالً ،فإن كان باقيا عند المحكوم له انتزع ،وإن كان تالفا أخذ منه
ضمانه ،فإن كان المحكوم له معسرا أو غائبا ،فللمحكوم عليه مطالبة القاضي ليغرم له من
بيت المال في قول ومن خالص ماله في قول آخر لنه ليس بدل نفس تتعلق بالعاقلة ،ويرجع
القاضي على المحكوم له إذا ظفر به موسرا ،وفي رجوعه على الشّهود خلف ،وقياسا على
ما سبق قيل :إن المحكوم عليه يتخير في تغريم القاضي وتغريم المحكوم له .
وقال الحنابلة :يجب الضمان على القاضي إذا حكم بقطع أو قتل بمقتضى شهادة شاهدين ظهر
فيما بعد عدم جواز شهادتهما ،ول قصاص عليه لنه مخطئ وتجب الدّية ،وفي محلّها
روايتان :إحداهما :في بيت المال لنه نائب للمسلمين ووكيلهم ،وخطأ الوكيل في حقّ موكّله
عليه ; ولن خطأ القاضي يكثر لكثرة تصرّفاته وحكوماته .
والرّواية الثانية :هي على عاقلته مخففة مؤجلة .
وإذا حكم القاضي بمال بموجب شهادة اثنين ثم بان أنه ل تقبل شهادتهما فينقض الحكم ويردّ
المال إن كان قائما وعوضه إن كان تالفا ،فإن تعذر ذلك فعلى القاضي ضمانه ،ثم يرجع على
المشهود له ،وعن أحمد رواية أخرى :ل ينقض حكمه إذا كان الشاهدان فاسقين ويغرم
الشّهود المال .
وقالوا :إن بان خطأ القاضي في حكمه -في إتلف -بمخالفة دليل قاطع ل يحتمل التأويل
ضمن القاضي ما تلف بسببه .
انتهاء ولية القاضي :
-تنتهي ولية القاضي بعزله عند من يرى صحة عزله ،أو اعتزاله القضاء من تلقاء 62
يمنعه من القضاء ،أو اختل فيه بعض شروطه ،لكنهم يختلفون في حكم عزله للقاضي دون
موجب ،فيرى الحنفية والمالكية والشافعية وهو قول الحنابلة في أحد الوجهين أن المام إذا
عزل القاضي وقع العزل ،لكن الولى عدم عزله إل لعذر ،فلو عزله دون عذر فإنه يتعرض
لثم عظيم ،واستدلّوا على جواز العزل بما روي عن عمر رضي ال عنه أنه قال " :لعزلن
أبا مريم ،وأولّين رجلً إذا رآه الفاجر فرقه " ،فعزله عن قضاء البصرة ،وولى كعب بن
سوار مكانه ،وولى عليّ رضي ال عنه أبا السود ثم عزله ،وقد ذكر الكاسانيّ أن عزل
المام للقاضي ليس بعزل له حقيقةً ،بل بعزل العامة لما ذكر من أن توليته بتولية العامة ،
والعامة ولوه الستبدال دلل ًة لتعلّق مصلحتهم بذلك ،فكانت وليته منهم معنىً في العزل أيضا
فهو الفرق بين العزل والموت ،ول يملك القاضي عزل نائبه المأذون له في تعيينه لنه نائب
المام ،فل ينعزل بعزله ما لم يكن المام قد أذن له باستبدال من يشاء فيملك عزله ،ويكون
ذلك عزلً من الخليفة ل من القاضي .
وذهب الشافعية إلى أنه إذا ظهر منه خلل فللمام عزله ،قال في الوسيط :ويكفي فيه غلبة
ن ،وإن لم يظهر خلل نظر إن لم يكن من يصلح للقضاء ،لم يجز عزله ،ولو عزله لم
الظ ّ
ينعزل ،وإن كان هناك صالح نظر إن كان أفضل منه جاز عزله وانعزل المفضول بالعزل ،وإن
كان مثله أو دونه ،فإن كان في العزلة به مصلحة من تسكين فتنة ونحوها ،فللمام عزله
به ،وإن لم يكن فيه مصلحة لم يجز ،فلو عزله نفذ على الصحّ مراعاةً لطاعة السّلطان ،
ومتى كان العزل في محلّ النظر ،واحتمل أن يكون فيه مصلحة ،فل اعتراض على المام
فيه ،ويحكم بنفوذه ،وفي بعض الشّروح أن تولية قاض بعد قاض هل هي عزل للول ؟
وجهان وليكونا مبنيين على أنه هل يجوز أن يكون في بلد قاضيان .
والوجه الثاني عند الحنابلة أن القاضي ل ينعزل بعزل المام دون موجب لن عقده كان
لمصلحة المسلمين فل يملك عزله مع سداد حاله ،ونقل القاضي أبو يعلى من الحنابلة القول
بأن المام ليس له عزل القاضي ما كان مقيما على الشرائط لنه بالولية يصير ناظرا
للمسلمين على سبيل المصلحة ل عن المام ،ويفارق الموكّل ،فإن له عزل وكيله لنه ينظر
ق موكّله خاصةً .وهل ينعزل القاضي إذا كثرت الشكوى عليه ؟
في ح ّ
اختلف العلماء في ذلك إلى ثلثة مذاهب :
الول :وجوب عزله إل إذا كان متعيّنا للقضاء ،وهو ما قال به العزّ بن عبد السلم .
الثاني :جواز عزله ،فإذا حصل ظنّ غالب للمام بصحة الشكاوى جاز له عزله وهو رأي
الشافعية .
واستدلّوا على ذلك بما روي أن النبي صلى ال عليه وسلم « :عزل إماما يصلّي بقوم بصق
في القبلة وقال :ل يصلّي لكم » .
وجه الستدلل به هو أنه إذا جاز عزل إمام الصلة لخلل جاز عزل القاضي من باب أولى .
الثالث :التفصيل ،وهو رأي المالكية ،إن اشتهر بالعدالة ،قال مطرّف :ل يجب على المام
عزله وإن وجد عوضا منه فإن في عزله إفسادا للناس على قضاتهم ،وقال أصبغ :أحبّ إلي
أن يعزله وإن كان مشهورا بالعدالة والرّضا إذا وجد منه بدلً ; لن في ذلك إصلحا للناس ،
يعني لما ظهر من استيلء القضاة وقهرهم ففي ذلك كفّ لهم .
وإن كان غير مشهور فليعزله إذا وجد بد ًل منه وتضافر عليه الشكية ،وإن لم يجد بدلً منه
كشف عن حاله وصحة الشكاوى عليه بواسطة رجال ثقات يستفسرون عن ذلك من أهل بلده
فإن صدقوا ذلك عزله ،وإن قال أهل بلده :ما نعلم منه إل خيرا أبقاه ونظر في أحكامه
الصادرة فما وافق السّنة أمضاه ،وما خالف رده وأول ذلك بأنه صدر عنه خطأً ل جورا .
إنكار كونه قاضيا :
-وذلك إما أن يقع من القاضي نفسه أو من المام . 64
فإن وقع من القاضي ولم يكن تعمده لغرض من الغراض أو لحكمة في إخفاء شخصيته فقد
ي عن البحر أنه ينعزل عن القضاء ،وإن وقع النكار من المام لم ينعزل
نقل الخطيب الشّربين ّ
.
طروء ما يوجب العزل :
-إذا طرأ على القاضي من الحوال ما يفقده صفةً من الصّفات التي لو كان عليها قبل 65
تعيينه لم يصح أن يتولى الحكم -كالجنون والخرس والفسق -فهل تبطل وليته ؟ أم ل بد من
عزل المام له ؟ .
للحنفية والمالكية في ذلك قولن :قول ينعزل بمجرد طروء ما يوجب العزل وهو الصحّ عند
الشافعية .
وقول آخر :ل ينعزل حتى يعزله المام وهو قول للشافعية أيضا .
وذهب الحنابلة إلى أن ما يمنع التولية ابتداءً كالجنون والفسق يمنعها دواما .
واستثنى الشافعية من ذلك العمى الذي عاد بصره وقالوا :ل ينعزل لنه تبين بعودة بصره أنه
لم ينعزل .
وأما غير العمى فقد اختلفوا فيه إلى قولين :الصحّ منهما لم تعد وليته بل تولية كالوكالة ;
لن الشيء إذا بطل لم ينقلب إلى الصّحة بنفسه .
والقول الثاني :تعود من غير استئناف تولية .
وقطع السرخسيّ بعودها في صورة الغماء .
نفاذ العزل :
-ل خلف بين الفقهاء في أن المام إذا عزل القاضي فأحكامه نافذة ،وقضاياه ماضية 66
حتى يعلم بالعزل ،فعلمه بذلك شرط لصحة عزله -عند من يقول بجواز عزله -وذلك لتعلّق
قضايا الناس وأحكامه به وما تدعو إليه الضرورة من وجوب نفاذ أحكامه حتى يصله علم
العزل ،ولعظم الضرر في نقض أقضيته .
عزل القاضي نفسه :
-ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن القاضي ينعزل إذا عزل نفسه عن القضاء ; لنه وكيل 67
والوكالة تبطل بعزل الوكيل ،وقيد صاحب الرّعاية من الحنابلة ذلك بما إذا كان القاضي لم يلزم
بقبول القضاء .
ويرى المالكية أن القاضي إذا عزل نفسه اختيارا ل عجزا ول لعذر فالظاهر عند البعض أنه
يمكن من ذلك ،لكن ينبغي أن يلتفت في عزله نفسه إلى النظر فيما إذا كان قد تعلق لحد حقّ
بقضائه حتى ل يكون انعزاله ضررا لمن التزم القضاء بينه وبين خصمه فيمنع من ذلك .
وقال الماورديّ من الشافعية :ل يعتزل القاضي القضاء إل لعذر ولو عزل القاضي نفسه إن
تعين عليه لم ينعزل ؟ وإن لم يتعين عليه هل ينعزل فيه وجهان :أصحّهما نعم ،قال النوويّ :
للقاضي أن يعزل نفسه كالوكيل ،ونقل عن القناع للماورديّ :أنه إذا عزل نفسه ل ينعزل إل
بعلم من قلده .
ما يترتب على موت القاضي وعزله واعتزاله :
-تترتب على موت القاضي وعزله واعتزاله المور التالية : 68
أ -انتهاء وليته ،فل يجوز له إذا بلغه الخبر -عند من يقول بصحة عزله -أن ينظر في
شيء من أمور القضاء وكذلك إذا عزل نفسه ،أما أحكامه التي صدرت أثناء وليته فهي
صحيحة نافذة إذا كانت موثقةً في سج ّل أو قامت عليها بيّنة .
ب -انعزال كلّ مأذون له في شغل معين كبيع على ميّت أو غائب وسماع شهادة في حادثة
معينة .
وأما من استخلفه في القضاء ففيه ثلثة أوجه ،أحدها :ينعزل كالوكيل ،والثاني :ل ،
للحاجة ،وأصحّها :ينعزل إن لم يكن القاضي مأذونا له في الستخلف ،لن الستخلف في
هذا لحاجته ،وقد زالت بزوال وليته ،وإن كان مأذونا له فيه لم ينعزل .
ج -نص الشافعية على أن القوام على اليتام والوقاف ل ينعزلون بموت القاضي وانعزاله
لئل تتعطل مصالح المسلمين وهو المذهب خلفا للغزاليّ الذي جعلهم كالخلفاء .
د -في حالة عزله أو استقالته ل يقبل قوله إنني كنت قد حكمت لفلن بكذا إل إذا قامت بذلك
بيّنة ،والصحيح أنه ل تقبل شهادته بذلك مع آخر لنه يشهد على فعل نفسه ،وهو ما ذهب
إليه الحنفية والمالكية والشافعية ،أما الحنابلة فيرون قبول قوله لن القاضي أخبر بما حكم به
وهو غير متهم فيجب قبوله كحال وليته .
هـ -أن يقوم القاضي الذي عزل أو اعتزل بتسليم ما تحت يده من سجلت ومحاضر وصكوك
وودائع وأموال لليتام ; لن ذلك كان في يده بحكم عمله ،فلزم تسليمها للقاضي المعين بدلً
عنه .
ثانيا :المقضيّ به :
-يتعين على القاضي أن يحكم بما في كتاب ال تعالى من الحكام التي لم تنسخ ،فإن لم 69
يجد فبسنة رسول ال محمد صلى ال عليه وسلم فإن لم يجد قضى بالجماع ،فإن لم يجد شيئا
من ذلك ،فإن كان القاضي من أهل الجتهاد قاسه على ما يشبهه من الحكام واجتهد رأيه
وتحرى الصواب ثم قضى برأيه ،وإن لم يكن من أهل الجتهاد فعليه أن يستفتي في ذلك فيأخذ
بفتوى المفتي ،ول يقضي بغير علم ،ول يستحيي من السّؤال لئل يلحقه الوعيد المذكور في
قوله صلى ال عليه وسلم « :القضاة ثلثة :قاضيان في النار وقاض في الجنة . » ...
ي).
وتفصيل ذلك في ( الملحق الصول ّ
وأما ما يقع القضاء به من المور كالبيّنة وعلم القاضي والقرار واليمين فتنظر في
مصطلحاتها ومصطلح ( إثبات ف وما بعدها ) .
ثالثا :المقضيّ له :
-ل يجوز للقاضي أن يحكم لنفسه ولو رضي خصمه بذلك ،فإن حكم على نفسه فيكون 70
كالقرار منه بما ادعى خصمه عليه ،ول يحكم لشريكه في المشترك .
ي بن أبي طالب رضي ال عنه
ويجوز أن يحكم للمام الذي قلده ،أو يحكم عليه ،فقد قلد عل ّ
شريحا وخاصم عنده ; لن القاضي نائب عن جماعة المسلمين وليس نائبا عن المام .
ول يجوز قضاؤه لمن ل تقبل شهادته له ; لن مبنى القضاء على الشهادة ،ول يصحّ شاهدا
لمن ل تقبل شهادته له ،فل يصحّ قاضيا له لمكان التّهمة ،ويجوز أن يقضي عليهم لنه لو
شهد عليهم لجاز فكذا القضاء ،ول ينفذ قضاؤه لوالده وإن عل ول لولده وإن سفل وهو ما
ذهب إليه الحنفية والشافعية والحنابلة ،وخالف أبو يوسف من الحنفية والمزنيّ وأبو ثور من
الشافعية وأبو بكر من الحنابلة فقالوا :ينفذ حكمه لنه حكم لغيره فأشبه الجانب ،واتفق
ي من الشافعية فقد جوزه .
الفقهاء على أنه يحكم لعدوّه ول يحكم عليه فيما عدا الماورد ّ
ويرى الشافعية أن وصي اليتيم إذا ولّي القضاء فالمشهور أنه ل يقضي له كولده ،وقال
ي اليتام ،وهذا هو الصحيح عند متأخّري الصحاب وعليه
القفال :يقضي له ; لن كل قاض ول ّ
العمل .وقال الحنفية :ل يجوز قضاؤه لمرأته وأمّها وإن كانتا قد ماتتا إذا كانت امرأته ترث
ص ومن يتعيش بنفقته .
من ذلك شيئا ،ول لجيره الخا ّ
وفي قضاء القاضي لقاربه الذين ل تجوز شهادته لهم أربعة أقوال عند المالكية :المنع لمحمد
ومطرّف ،والجواز لصبغ ،في حالة ما إذا كان القاضي من أهل القيام بالحقّ ،واستثنى من
الجواز الزوجة وولده الصغير ويتيمه الذي يلي ماله ،وعند ابن يونس ل يحكم لعمّه إل أن
يكون مبرزا في العدالة ،والرابع التفرقة ،فإن قال :ثبت عندي لم يجز ،وإن حضر الشّهود
وكانت الشهادة ظاهر ًة جاز إل لزوجته وولده الصغير ويتيمه ،وعند ابن يونس كذلك ل ينبغي
للقاضي أن يحكم بين أحد من عشيرته وبين خصمه .
رابعا :المقضيّ فيه :
-وهو جمع الحقوق ،وهي أربعة أقسام :حقّ ال تعالى المحض كحدّ الزّنى أو الخمر ، 71
ق العبد المحض ،وهو ظاهر ،وما فيه الحقان وغلب فيه حقّ ال تعالى كح ّد القذف أو
وح ّ
ق العبد كالقصاص والتعزير ،فيكون للقاضي النظر في تلك الحقوق ،
السرقة ،أو غلب فيه ح ّ
وقال بعض الفقهاء :للقاضي النظر في جميع الشياء إل في قبض الخراج ،وقال القاضي بن
ص القاضي بوجوه ل يشاركه فيها غيره من الحكام وهي النظر في الوصايا
سهل :يخت ّ
والحباس والترشيد والتحجير والتسفيه والقسم والمواريث والنظر لليتام ،والنظر في أموال
الغائب والنظر في النساب والجراحات وما أشبهها والثبات والتسجيل ،ول يخلّ ذلك بأن
للمام حق تقييد القاضي زمانا أو مكانا أو موضوعا كما سبق في ( سلطة القاضي واختصاصه
). 26 ف/ ،
خامسا :المقضيّ عليه :
ق بحكم القاضي ،وقد اتفق الفقهاء على أن
-المقضيّ عليه هو ك ّل من توجه عليه الح ّ 72
الحاضر في البلد أو القريب منه إذا لم يمنع من الحضور ل يقضى عليه في غيابه ; لنه أمكن
سؤاله فلم يجز الحكم عليه قبل سؤاله كحاضر مجلس الحاكم .
). 61 - 59 والتفصيل في ( دعوى ف /
واختلفوا في جواز القضاء على الغائب فقال جمهور الفقهاء بجوازه بشروط ،ومنعه الحنفية ،
وهذا في الجملة ،وللمذاهب في ذلك تفصيل نذكره فيما يلي :
أ -القضاء على الغائب في الحقوق المالية :
-قال الحنفية :ل يقضى على غائب ول له إل بحضور نائبه حقيق ًة أو شرعا . 73
قال ابن عابدين :ل يقضى على غائب أي بالبيّنة ،سواء أكان غائبا وقت الشهادة أم بعدها
وبعد التزكية ،وسواء أكان غائبا عن المجلس أم عن البلد .
أما إذا أقر عند القاضي فيقضى عليه وهو غائب ; لن له أن يطعن في البيّنة دون القرار ;
ولن القضاء بالقرار قضاء إعانة ،واذا أنفذ القاضي إقراره سلم إلى المدعي حقه عينا كان
أو دينا أو عقارا إل أنه في الدين يسلّم إليه جنس حقّه إذا وجد في يد من يكون مقرّا بأنه مال
الغائب المق ّر ،ول يبيع في ذلك العرض والعقار ; لن البيع قضاء على الغائب فل يجوز .
ومثله ما ورد في مجلة الحكام العدلية من أنه يشترط حضور الخصمين حين الحكم ...ولكن
لو ادعى واحد على الخر شيئا فأقر به المدعى عليه ،ثم غاب عن المجلس قبل الحكم كان
للحاكم أن يحكم في غيابه بناءً على إقراره .
واستثنوا من عدم جواز الحكم على الغائب ما إذا كان نائبه حاضرا فيقوم مقام الغائب ،والنائب
إما أن يكون حقيقةً كوكيله ووصيّه ومتولّي الوقف ونحو ذلك كأحد الورثة فينتصب خصما عن
ي.
الباقين وكذا أحد الشريكين في الدين كما ذكره الحصكف ّ
ح الحكم على الغائب في حضور نائبه حقيقةً يصحّ في حضور نائبه شرعا كوصيّ
وكما يص ّ
نصبه القاضي ،أو حكما بأن يكون ما يدعي على الغائب سببًا لما يدعي على الحاضر ،كما إذا
برهن على ذي اليد أنه اشترى الدار من فلن الغائب فحكم الحاكم على ذي اليد الحاضر كان
ذلك حكما على الغائب أيضا .
وصرحوا بأن للحاكم أن يحكم على المدعى عليه بالبيّنة التي أقيمت في مواجهة وكيله إذا
حضر بعد ذلك مجلس الحكم بنفسه ،وكذا لو كان المر بالعكس .
وأجاز المالكية الحكم على الغائب البعيد جدّا بعد سماع البيّنة وتزكيتها ،وذلك بيمين القضاء
من المدعي ،أما قريب الغيبة فكالحاضر عندهم ،قال الدردير :وقريب الغيبة كاليومين
والثلثة مع المن حكمه كالحاضر في سماع الدعوى عليه والبيّنة ،والغائب البعيد جدّا يقضى
عليه في كلّ شيء بعد سماع البيّنة وتزكيتها بيمين القضاء من المدعي :أن حقه هذا ثابت
على المدعى عليه وأنه ما أبرأه ،ول كلّ الغائب من يقضيه عنه ،ول أحاله به على أحد في
الكلّ ول البعض .والعشرة اليام مع المن واليومان مع الخوف كذلك ،أي يقضى عليه فيها
مع يمين القضاء في غير استحقاق العقار ،وأما في دعوى استحقاق العقار فل يقضى به بل
تؤخر الدعوى حتى يقدم لقوة المشاحة في العقار ،ويمين القضاء واجبة في المذهب عندهم ل
يتمّ الحكم إل بها .
وقال الشافعية :القضاء على الغائب جائز إن كان للمدعي بيّنة وادعى جحوده ،فإن قال :هو
-أي الغائب -مق ّر لم تسمع بيّنته ،وإن أطلق فالصحّ أنها تسمع لنه قد ل يعلم جحوده في
غيبته ويحتاج إلى إثبات حقّه فتجعل غيبته كسكوته ،والثاني ل تسمع لن البيّنة إنما يحتاج
إليها عند الجحود .
ويجب على القاضي أن يحلّفه بعد البيّنة :أن الحق ثابت في ذمته ،وقيل يستحبّ ،ولو ادعى
وكيل على غائب فل تحليف على الوكيل بل يحكم بالبيّنة ويعطي المال المدعى به إن كان
للمدعى عليه هناك مال .ثم قالوا :الغائب الذي تسمع البيّنة عليه ويحكم عليه من هو بمسافة
بعيدة ،وهي التي ل يرجع منها مبكّرا إلى موضعه ليلً ،وقيل :مسافة قصر ،وأما من هو
بمسافة قريبة فكحاضر ل تسمع بيّنته عليه ول يحكم عليه بغير حضوره إل لتواريه أو تعزّزه ،
وعجز القاضي عن إحضاره فيحكم عليه بغير حضوره .
وصرح الحنابلة بأنه من ادعى حقّا على غائب في بلد آخر وطلب من الحاكم سماع البيّنة
والحكم بها عليه فعلى الحاكم إجابته إذا كملت الشرائط وذلك في حقوق الدميّين ؛ لحديث
زوجة أبي سفيان قالت « :يا رسول ال إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما
يكفيني وولدي فقال :خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف » ،فقضى لها ولم يكن أبو سفيان
حاضرا .وقالوا :إن قدم الغائب قبل الحكم وقف الحكم على حضوره ،فإن خرج الشّهود يحكم
عليه ،ول يلزم المدعي أن يحلف مع بيّنته الثابتة أن حقه باق ،والحتياط تحليفه ،وإذا قضى
على الغائب بعين سلّمت إلى المدعي ،وإن قضى عليه بدين ووجد له مال وفى منه ،قال ابن
قدامة :ويحتمل أن ل يدفع إليه شيء حتى يقيم كفيلً أنه متى حضر خصمه وأبطل دعواه فعليه
ضمان ما أخذه .
ب -القضاء على الغائب في الحدود والقصاص :
-ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جواز الحكم على الغائب في الحدود على الرغم من قول 74
وعرفه المالكية بأنه :فصل الخصومة ،وفي تعريف آخر :العلم على وجه اللزام .
ي وفصل الخصومات .
وعرفه الحنابلة بأنه :إنشاء لللزام الشرع ّ
اشتراط سبق الدعوى للحكم :
-يشترط لصحة الحكم أن تتقدمه دعوى صحيحة خاصة فيما يتعلق بحقوق النّاس ،قال 76
الحنفية :إنّ الحكم القولي يحتاج إلى الدعوى ،والحكم الفعلي ل يحتاج ،وقيل :إنّ الفعلي ل
يكون حكما ،بدليل ثبوت خيار البلوغ للصّغير والصّغيرة بتزويج القاضي على الصح .
ق وذكرا اسمه
ول تشترط الدّعوى والخصومة في القضاء الضمني ،فإذا شهدا على خصم بح ّ
واسم أبيه وجده ،وقضى بذلك الحق كان قضاء بنسبه ضمنا ،وإن لم يكن في حادثة النّسب .
سيرة القاضي في الحكام :
-يلزم القاضي أن ل يحكم في القضية حتى ل يبقى له شكّ في فهمه لموضوعها ،فإذا 77
أشكل عليه أمر تركه ،وقال بعضهم :ل بأس أن يأمر فيه بصلح ،فإذا تبين له وجه الحكم فل
يعدل إلى الصّلح ويقضي بما يجب عليه القضاء به ،فإن خشي من تفاقم المر بإنفاذ الحكم
بين المتخاصمين أو كانا من أهل الفضل أو بينهما رحم أقامهما وأمرهما بالصّلح ،قال عمر بن
الخطاب رضي ال عنه :ردّوا القضاء بين ذوي الرحام حتى يصطلحوا ،فإن فصل القضاء
يورّث الضغائن .
استشارة الفقهاء :
-يرى الفقهاء أنه عند اختلف وجوه النظر وتعارض الدلة في حكم ،يندب للقاضي أن 78
ي صلى
يشاور الفقهاء لقوله تعالى َ { :وشَاوِرْ ُهمْ فِي ا َلمْ ِر } ،قال الحسن البصريّ :كان النب ّ
ال عليه وسلم مستغنيا عنها ،ولكن أراد أن تصير سنةً للحكام ،وروي " :ما رأيت أحدا أكثر
مشاور ًة لصحابه من رسول ال صلى ال عليه وسلم " ،وقد شاور أبو بكر رضي ال عنه
الناس في ميراث الجدة ،وشاور عمر رضي ال عنه في دية الجنين ،وشاور الصحابة رضي
ال عنهم في ح ّد الخمر ،وروي أن عمر رضي ال عنه كان يكون عنده جماعة من أصحاب
ي وطلحة ،والزّبير وعبد الرحمن بن عوف رضي ال عنهم ،إذا
رسول ال منهم عثمان وعل ّ
نزل به المر شاورهم فيه ،ونقل ابن قدامة أنه ل مخالف في استحباب ذلك وإذا كان الحكم
ي لم يحتج القاضي إلى رأي غيره .قال القاضي حسين من
معلوما بنصّ أو إجماع أو قياس جل ّ
الشافعية :إذا أشكل الحكم فالمشاورة واجبة وإل فمستحبة .
ول ينبغي أن يشاورهم بحضرة الناس ; لن ذلك يذهب بمهابة المجلس والناس يتهمونه
بالجهل ،ولكن يقيم الناس عن المجلس ثم يشاورهم ،وإذا كان القاضي يدخله حصر بإجلسهم
عنده ويعجزه الكلم بين أيديهم فل يجلسهم ،بل يبعث إليهم ويسألهم إذا أشكل عليه شيء من
أحكام الحوادث .
والمر الذي يؤمر بالمشاورة فيه هو النوازل الحادثة التي لم يتقدم فيها قول لمتبوع ،أو ما
اختلف فيه العلماء من مسائل الجتهاد ،ليتنبه بمذاكرتهم ومناظرتهم على ما يجوز أن يخفى
عليه ،حتى يستوضح بهم طريق الجتهاد ،فيحكم باجتهاده دون اجتهادهم ،فإن لم يشاور
وحكم نفذ حكمه إذا لم يخالف فيه نصّا أو إجماعا أو قياسا جليّا غير محتمل .
ويشترط فيمن يشاوره القاضي :أن يكون أمينا عالما بالكتاب والسّنة ،والثار ،وأقاويل
الناس والقياس ولسان العرب ،كما نص عليه المام الشافعيّ .
وعلى هذا فك ّل من صح أن يفتي في الشرع جاز أن يشاوره القاضي في الحكام فتعتبر فيه
شروط المفتي ول تعتبر فيه شروط القاضي .
). 20 - 11 ولمعرفة الشّروط المعتبرة في المفتي ينظر مصطلح ( فتوى ف /
صيغة الحكم :
-ل يشترط جمهور الفقهاء ألفاظًا مخصوصةً وصيغًا معينةً للحكم بل كلّ ما دل على اللزام 79
فهو حكم ،كقوله :ملكت المدعي الدار المحدودة ،أو فسخت هذا العقد ،أو أبطلته أو رددته ،
ونحو ذلك من اللفاظ الدالة على نفي أو إثبات بعد حصول ما يجب في شأن الحكم من تقدّم
دعوى صحيحة .
وذهب شمس السلم محمود الوزجنديّ من الحنفية إلى أنه ل بد أن يقول القاضي :قضيت أو
حكمت أو أنفذت عليك القضاء ،لكن الصحيح عند الحنفية هو ما يقول به جمهور الفقهاء وأن
قول القاضي :حكمت أو قضيت ليس بشرط .
وذهب الشافعية إلى أن صيغة الحكم الصحيح :حكمت أو قضيت بكذا ،أو أنفذت الحكم به ،أو
ألزمت الخصم به .
واختلف الفقهاء فيما إذا قال القاضي :ثبت عندي أن لهذا على هذا كذا وكذا ،هل يكون
حكما ؟ فذهب المالكية في أحد القولين والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية إلى أنه ل يعدّ حكما
; لنه ليس بإلزام ،والحكم إلزام .
ي واختيار الصدر الشهيد -من
وذهب أبو عاصم العامريّ وهو اختيار شمس الئمة الحلوان ّ
الحنفية -وفي الخانية وعليه الفتوى إلى أن القاضي إذا قال :ثبت عندي ،يكفي ،وكذا :
ظهر عندي أو صح عندي ،أو قال :علمت ،فهذا كلّه حكم .
وقال المالكية :إذا سئل القاضي عن حكم فأفتى بأنه ل يجوز أو ل يصحّ فل يكون إفتاؤه حكما
يرفع الخلف ; لن الفتاء إخبار بالحكم ل إلزام ،أما إذا حكم بفسخ أو إمضاء فيكون حكما .
سجلّ الحكم :
ن له أن يكتب حكمه في سجلّ من
-إذا انتهى القاضي من نظر الدعوى وأصدر حكمه ،فيس ّ 80
نسختين يبيّن فيه ما وقع بين ذي الحقّ وخصمه ،ومستند الدعوى من الدلة وما حكم به
القاضي فيها ،وتسلم إحدى النّسخ للمحكوم له والخرى تحفظ بديوان الحكم مختومةً مكتوبًا
عليها اسم كلّ من الخصمين ،وذلك دون طلب ،فإن طلب الخصم أن يسجل له الحكم ،فيجب
على القاضي إجابته .
وتفصيل أحكام السّجلّ وما يتعلق به ينظر في مصطلح ( سجلّ ف 8 /وما بعدها ) .
أنواع الحكم :
-يتحقق الحكم إما بقول يصدر عن القاضي بعد نظر الدعوى كقوله :ألزمت أو قضيت بكذا 81
،وإما بفعل يصدر منه كتزويج اليتيمة الصغيرة ،وذلك عند من يقول بأن فعل القاضي حكم ،
إذ يرى بعض الفقهاء أن أفعال القاضي من قبيل أعمال التوثيق لنه ل يشترط سبق دعوى .
وإذا أصدر القاضي حكمه فهو إما أن يحكم بصحة التصرّف في العين موضوع النّزاع أو يحكم
بالموجب ،وقد يكون قضاؤه بالستحقاق أو بالترك ،وقد يكون الحكم قصديّا أو تضمّنيّا ،
وتفصيل هذه النواع فيما يلي :
أ -الحكم بالصّحة وبالموجب :
ي الشافعيّ الحكم بالصّحة بأنه :عبارة عن قضاء من له ذلك
-عرف سراج الدّين البلقين ّ 82
في أمر قابل لقضائه ثبت عنده وجوده بشرائطه الممكن ثبوتها أن ذلك المر صدر من أهله في
محلّه على وجهه المعتبر عنده في ذلك شرعا ،ومعنى صحته ،كونه بحيث تترتب آثاره عليه
.والحكم بالصّحة يستدعي ثلثة أشياء :أهلية التصرّف ،وصحة صيغته ،وكون تصرّفه في
محلّه ،ولذلك اشترط فيه ثبوت الملك والحيازة .
ي الحكم بالموجب بأنه قضاء المتولّي بأمر ثبت عنده باللزام ،بما يترتب على
وعرف البلقين ّ
ذلك المر خاصّا أو عاما على الوجه المعتبر عنده في ذلك شرعا .
والحكم بالموجب يستدعي شيئين :أهلية التصرّف ،وصحة صيغته فيحكم بموجبهما .
وتوجد فروق بين الحكم بالصّحة والحكم بالموجب مختلف فيها بين الفقهاء ،منها :أن الحكم
بالصّحة منصبّ إلى نفاذ العقد الصادر من بيع أو وقف ونحوهما ،والحكم بالموجب منصبّ
إلى ثبوت صدور ذلك الشيء ،والحكم على من صدر منه بموجب ما صدر منه ،ول يستدعي
ل إلى حين البيع أو الوقف ول بقية ما ذكر فيما يعتبر في الحكم بالصّحة ،
ثبوت أنه مالك مث ً
وقد توسع بعض الفقهاء -مع اختلف بينهم -في تعداد تلك الفروق وإيراد المثلة عليها ،
ولمزيد من التفصيل يرجع إلى مصادرهم .
والحكم بالصّحة أعلى درجات الحكم عند الحنفية والمالكية ،أما إذا كان الحكم بالموجب
مستوفيا لما يعتبر في الحكم بالصّحة كان أقوى لوجود اللزام فيه وتضمّنه الحكم بالصّحة ،
وقد يتضمن الحكم بالموجب الحكم بالصّحة ،مثال ذلك :إذا شهدت عنده الشّهود بأن هذا وقف
وذكروا المصرف على وجه معين ،فحكم القاضي بموجب شهادتهم ،كان ذلك الحكم متضمّنا
للحكم بالصّحة والحكم بالموجب .
وعند المالكية ل يجوز للقاضي أن يحكم بالموجب إل بعد أن يستوفي الشّروط المطلوبة في
ح به الحكم هو ما ليس من
الحكم بالصّحة ،ويرى ابن عابدين أن المراد بالموجب الذي ل يص ّ
مقتضيات العقد فالبيع الصحيح مقتضاه خروج المبيع عن ملك البائع ،ودخوله في ملك
المشتري ،واستحقاق التسليم والتسلّم في كلّ من الثمن والمثمن ونحو ذلك ،فإن هذه وإن
كانت من موجباته لكنها مقتضيات لزمة له ،فيكون الحكم به حكما بها بخلف ثبوت الشّفعة
فيه للخليط أو للجار مثلً ،فإن العقد ل يقتضي ذلك أي ل يستلزمه ،فكم من بيع ل تطلب فيه
الشّفعة ،فهذا يسمى موجب البيع ،ول يسمى مقتضًى .
وقد ذهب الشافعية إلى أن الحكم أنواع ستة :
ل ،والحكم بموجبه ،والحكم بموجب ما ثبت عنده ،والحكم
الحكم بصحة العقد كالبيع مث ً
بموجب ما قامت به البيّنة عنده ،والحكم بموجب ما أشهد به على نفسه ،والحكم بثبوت ما
شهدت به البيّنة ،وأدنى هذه النواع الخير ; لنه ل يزيد على أن يكون حكما بتعديل البيّنة ،
وفائدته عدم احتياج حاكم آخر إلى النظر فيها ،وأعلها الحكم بالصّحة أو بالموجب وليس
أحدهما أعلى من الخر ،بل يختلف ذلك باختلف الشياء ففي شيء منها يكون الحكم بالصّحة
أعلى من الحكم بالموجب .وفي شيء يكون المر بالعكس ،وفي الغالب أن الحكم بالصّحة
يستلزم الحكم بالموجب وعكسه ،وليس ذلك دائما فقد يتجرد كلّ منهما عن الخر ،مثال تجرّد
الصّحة :البيع بشرط الخيار ،فإنه صحيح ولم يترتب عليه أثره ،فيحكم فيه بالصّحة ول يحكم
فيه بالموجب .
ومثال تجرّد الموجب :الخلع على نحو خمر فإنه فاسد ويترتب عليه أثره من البينونة ولزوم
مهر المثل فيحكم فيه بالموجب دون الصّحة ،وكذا الرّبا والسرقة ونحوهما يحكم فيه بالموجب
دون الصّحة .
وقال الحنابلة :الحكم بالصّحة يستلزم ثبوت الملك والحيازة قطعا ،والحكم بالموجب -بفتح
الجيم -حكم بموجب الدعوى الثابتة ببيّنة أو غيرها كالقرار ،فالدعوى المشتملة على ما
يقتضي صحة العقد المدعى به من نحو بيع أو إجارة يكون الحكم فيها بالموجب حكم بالصّحة
لنها من موجبه كسائر آثاره فيكون الحكم بالموجب حينئذ أقوى مطلقًا لسعته وتناوله الصّحة
وآثارها ،والدعوى غير المشتملة على ذلك أي ما يقتضي صحة العقد المدعى به كأن ادعى
أنه باعه العين فقط يكون الحكم فيها بالموجب ليس حكما بالصّحة إذ موجب الدعوى حينئذ
حصول صورة بيع بينهما دون أن تشتمل على ما يقتضي صحة البيع حيث لم يذكر أن العين
كانت ملكًا للبائع ولم تقم به بيّنة ،وصحة العقد تتوقف على ذلك .
ب -قضاء الستحقاق والترك :
-المدعي إما أن يظهر محقّا في دعواه أو مبطلً ،فإذا ظهر محقّا يقضى له بقضاء 83
اللزام ،كألزمت وقضيت أو ثبت عندي -عند من يقول بأن الثّبوت حكم -أو تدلّ على
الترك ،كمنعت المدعي من التعرّض للمدعى عليه ويكون الحكم القوليّ قصديّا ،ويدخل الضّمنيّ
تبعا كمن يدعي على كفيل بالمال مق ّر بالكفالة منكر للدين ،فبرهن على الكفيل بالدين وقضى
ي سبق
عليه بها ،كان قضاءً عليه قصدا ،وعلى الصيل الغائب ضمنا ،ويشترط للقول ّ
الدعوى .
أو يكون فعلً :وفعل القاضي على وجهين :
أولً :ما ل يكون موضعا للحكم كما لو أذنته مكلفة بتزويجها فزوجها ،ففعله ليس بحكم لنه
وكيل عنها .
ثانيا :ما يكون محلً للحكم كتزويج صغيرة ل ولي لها ،فعند البعض أنه حكم ،وقال آخرون :
الوجه أنه ليس بحكم لنتفاء شرطه أي من الدعوى الصحيحة ،ول يشترط سبق الدعوى في
الحكم الفعليّ عند من يقول به .
أثر الحكم في تحويل الشيء عن صفته :
ي وإسحاق وأبو ثور وداود ومحمد وأبو
-ذهب المالكية والشافعية والحنابلة والوزاع ّ 85
يوسف وزفر من الحنفية إلى أن قضاء القاضي المستوفي لشروطه ،ل يزيل الشيء عن
صفته ،فل يحلّ الحرام للمحكوم له إذا كان كاذبًا في دعواه ول يحرم الحلل ; لن القاضي
يحكم بالظاهر وأل يتولى السرائر ،فلو حكم بشهادة شاهدين ظاهرهما العدالة لم يحصل
بحكمه الحلّ باطنا ،سواء أكان المحكوم به مالً ،أم غيره ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :
إنما أنا بشر ،وإنكم تختصمون إلي ،ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ،فأقضي
ق أخيه شيئا ،فل يأخذه ،فإنما أقطع له قطعةً من النار
على نحو ما أسمع فمن قضيت له بح ّ
» ،فإذا كان المحكوم به نكاحا لم يحل للمحكوم له الستمتاع بالمرأة ،وعليها المتناع ما
أمكن ،فإن أكرهت فل إثم عليها ،والثم عليه .
وذهب أبو حنيفة إلى أن حكم القاضي ينفذ ظاهرا وباطنا لكن بشرط أن تكون الدعوى بسبب
معين كالنّكاح والبيع والجارة ،فإذا كان الحكم مبنيّا على شهادة زور فهو محلّ قابل للنفاذ في
العقود وفي الفسوخ كالقالة والطلق إذا لم يكن القاضي عالما بكون الشّهود شهود زور ،
لقول عليّ رضي ال عنه لتلك المرأة " :شاهداك زوجاك " .
أما في المور غير القابلة للنشاء بسبب كالملك المرسلة أي المطلقة عن ذكر سبب الملك
والرث والنسب فل تنفذ باطنا ،وفي رواية عن أبي حنيفة أن الحكم ل ينفذ باطنا في دعاوى
الهبة والصدقة والبيع بأقل من القيمة الحقيقية إذا كان مبنى الحكم شهادة زور ،وكذلك ل ينفذ
عنده باطنا إذا كان المحلّ غير قابل للنفاذ كما إذا ادعى زوجية امرأة في عصمة آخر أو
عدته ،وأثبت ذلك بشهود زور .
أثر الحكم في المجتهدات :
-ذهب المالكية والحنابلة وبعض الشافعية والحنفية -إل في مسائل استثنوها -إلى أن 86
قضاء القاضي في المجتهدات بما غلب على ظنّه وأدى إليه اجتهاده ينفذ ظاهرا وباطنا ،ويرفع
الخلف فيصير المقضيّ به هو حكم ال تعالى باطنا وظاهرا ،وذلك مثل قضاء القاضي بشفعة
الجوار إذا كان مذهب المقضيّ له ل يجيزها فينفذ ظاهرا وباطنا ويحلّ للخير الخذ بهذه
الشّفعة ،وذهب أبو إسحاق السفرايينيّ واختاره الغزاليّ من الشافعية إلى أنه ل ينفذ في
الباطن ،وقال بعض الشافعية :إن كان المحكوم له عالما بالدليل لم ينفذ القضاء في حقّه باطنا
ول يحلّ له أخذه بشفعة الجوار ،وإن كان عامّيّا نفذ في حقّه باطنا وكان له الخذ بها .
نقض الحكم :
ص أو لم يكن مجمعا على حكمها ،لم
-إذا حكم القاضي في مسألة باجتهاده لخلوّها عن ن ّ 87
ينقض حكمه باجتهاد ثان يقارب ظنه الول ويناقضه ،وإنما ينقض حكمه الواقع على خلف
ي ،على خلف بين الفقهاء في
ص الكتاب أو السّنة المتواترة أو الجماع ،أو القياس الجل ّ
ن ّ
ذلك وتفصيل ما ينقض فيه القاضي حكم نفسه أو حكم غيره ينظر في مصطلح ( نقض ) .