Professional Documents
Culture Documents
تشبّه *
التّعريف :
- 1التّشبّه لغة :مصدر تشبّه ،يقال :تشبّه فلن :بفلن إذا تكلّف أن يكون مثله والمشابهة
بين الشّيئين :الشتراك بينهما في معنى من المعاني ،ومنه :أشبه الولد أباه :إذا شاركه في
صفة من صفاته .ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2منها :التّباع والتّأسّي والتّقليد وقد تقدّم الكلم فيها تحت عنوان ( :اتّباع ) .
- 3ومنها :الموافقة ،وهي :مشاركة أحد الشّخصين للخر في صورة قول أو فعل أو ترك
أو اعتقاد أو غير ذلك ،سواء أكان ذلك من أجل ذلك الخر أم ل لجله .
فالموافقة أعمّ من التّشبّه .
الحكام المتعلّقة بالتّشبّه :
أوّلً -التّشبّه بالكفّار في اللّباس :
- 4ذهب الحنفيّة على الصّحيح عندهم ،والمِالكيّة على المذهب ،وجمهور الشّافعيّة إلى :أنّ
التّشبّه بالكفّار في اللّباس -الّذي هو شعار لهم به يتميّزون عن المسلمين -يحكم بكفر فاعله
ظاهرا ،أي في أحكام الدّنيا ،فمن وضع قلنسوة المجوس على رأسه يكفر ،إل إذا فعله
لضرورة الكراه أو لدفع الحرّ أو البرد .وكذا إذا لبس زنّار النّصارى إلّا إذا فعل ذلك خديعة
ن اللّباس
شبّه بقوم فهو منهم » ل ّ
في الحرب وطليعة للمسلمين .أو نحو ذلك لحديث « :من َت َ
الخاصّ بالكفّار علمة الكفر ،ول يلبسه إلّا من التزم الكفر ،والستدلل بالعلمة والحكم بما
دلّت عليه مقرّر في العقل والشّرع .فلو علم أنّه شدّ ال ّزنّار ل لعتقاد حقيقة الكفر ،بل لدخول
دار الحرب لتخليص السارى مثل لم يحكم بكفره .
ن من يتشبّه
ويرى الحنفيّة في قول -وهو ما يؤخذ ممّا ذكره ابن الشّاطّ من المالكيّة -أ ّ
ص به ل يعتبر كافرا ،إل أن يعتقد معتقدهم ،لنّه موحّد بلسانه
بالكافر في الملبوس الخا ّ
مصدّق بجنانه .وقد قال المام أبو حنيفة رحمه ال :ل يخرج أحد من اليمان إلّا من الباب
الّذي دخل فيه ،والدّخول بالقرار والتّصديق ،وهما قائمان .
وذهب الحنابلة إلى حرمة التّشبّه بالكفّار في اللّباس الّذي هو شعار لهم .قال البهوتيّ :إن
تزيّا مسلم بما صار شعارا لهل ذمّة ،أو علّق صليبا بصدره حرم ،ولم يكفر بذلك كسائر
ن من لبس ال ّزنّار ونحوه ل يكفر إذا لم تكن نيّة .
المعاصي .ويرى النّوويّ من الشّافعيّة أ ّ
أحوال تحريم التّشبّه :
وبتتبع عبارات الفقهاء يتبين أنهم يقيدون كفر من يتشبه بالكفار في اللباس الخاص بهم بقيود
منها :
- 5أن يفعله في بلد السلم ،قال أحمد الرّمليّ :كون التّزيّي بزيّ الكفّار ردّة محلّه إذا
كان في دار السلم .أمّا في دار الحرب فل يمكن القول بكونه ردّة ،لحتمال أنّه لم يجد
غيره كما هو الغالب ،أو أن يكره على ذلك .
ن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم
قال ابن تيميّة :لو أ ّ
ب للرّجل أو يجب
( للكفّار ) في الهدي الظّاهر ،لما عليه في ذلك من الضّرر بل قد يستح ّ
عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظّاهر ،إذا كان في ذلك مصلحة دينيّة ،من دعوتهم إلى
الدّين والطّلع على باطن أمورهم لخبار المسلمين بذلك ،أو دفع ضررهم عن المسلمين
ونحو ذلك من المقاصد الحسنة .فأمّا في دار السلم والهجرة الّتي أعزّ اللّه فيها دينه ،
وجعل على الكافرين فيها الصّغار والجزية ففيها شرعت المخالفة .
- 6أن يكون التّشبّه لغير ضرورة ،فمن فعل ذلك للضّرورة ل يكفر ،فمن شدّ على وسطه
زنّارا ودخل دار الحرب لتخليص السرى ،أو فعل ذلك خديعة في الحرب وطليعة للمسلمين
ل يكفر .وكذلك إن وضع قلنسوة المجوس على رأسه لضرورة دفع الحرّ والبرد ل يكفر .
ص بالكافر ،كبرنيطة النّصرانيّ وطرطور اليهوديّ .
- 7أن يكون التّشبّه فيما يخت ّ
ويشترط المالكيّة لتحقّق ال ّردّة بجانب ذلك :أن يكون المتشبّه قد سعى بذلك للكنيسة ونحوها.
- 8أن يكون التّشبّه في الوقت الّذي يكون اللّباس المعيّن شعارا للكفّار ،وقد أورد ابن حجر
حديث أنس رضي ال عنه أنّه رأى قوما عليهم الطّيالسة ،فقال ":كأنّهم يهود خيبر" ثمّ قال
ابن حجر :وإنّما يصلح الستدلل بقصّة اليهود في الوقت الّذي تكون الطّيالسة من شعارهم ،
وقد ارتفع ذلك فيما بعد ،فصار داخل في عموم المباح .
- 9أن يكون التّشبّه ميل للكفر ،فمن تشبّه على وجه اللّعب والسّخرية لم يرتدّ ،بل يكون
فاسقا يستحقّ العقوبة ،وهذا عند المالكيّة .
- 10هذا ،والتّشبّه في غير المذموم وفيما لم يقصد به التّشبّه ل بأس به .
ل شيء ،بل في المذموم
ن التّشبّه بأهل الكتاب ل يكره في ك ّ
قال صاحب الدّ ّر المختار :إ ّ
وفيما يقصد به التّشبّه .قال هشام :رأيت أبا يوسف لبسا نعلين مخصوفين بمسامير فقلت
ن فيه تشبّها
أترى بهذا الحديد بأسا ؟ قال :ل ،قلت :سفيان وثور بن يزيد كرها ذلك ل ّ
بالرّهبان ،فقال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يلبس النّعال الّتي لها شعر وإنّها من
لباس الرّهبان » .
ن الرض ممّا ل
ن صورة المشابهة فيما تعلّق به صلح العباد ل يضرّ ،فإ ّ
فقد أشار إلى أ ّ
يمكن قطع المسافة البعيدة فيها إلّا بهذا النّوع .وللتّفصيل ر ( :ردّة ،كفر ) .
ثانيا -التّشبّه بالكفّار في أعيادهم :
- 11ل يجوز التّشبّه بالكفّار في أعيادهم ،لما ورد في الحديث « من تشبّه بقوم فهو منهم
» ،ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفّار في كلّ ما اختصّوا به .قال اللّه تعالى { :
ن اتّبعتَ
وََلنْ َت ْرضَى عنكَ اليهودُ وَل الّنصَارى حتّى َت ّتبِعَ مِّلتَهم قلْ إنّ هُدى الّلهِ هو ال ُهدَى وَلئ ْ
ي ول نَصِيرٍ }
ن ول ّ
ن الّلهِ مِ ْ
ك مِ َ
ن العلمِ مَا َل َ
أَهواءَهم َب ْعدَ الّذي جَا َءكَ مِ َ
وروى البيهقيّ عن عمر رضي ال عنه أنّه قال :ل تعلّموا رطانة العاجم ،ول تدخلوا على
المشركين في كنائسهم يوم عيدهم ،فإنّ السّخطة تنزل عليهم .
وروي عن عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما أنّه قال :من م ّر ببلد العاجم فصنع نيروزهم
ومهرجانهم وتشبّه بهم حتّى يموت وهو كذلك ،حشر معهم يوم القيامة .
ن العياد من جملة الشّرع والمناهج والمناسك الّتي قال اللّه سبحانه وتعالى { :لِكلّ ُأمّةٍ
ول ّ
سكُوه } كالقبلة والصّلة ،والصّيام فل فرق بين مشاركتهم في العيد وبين
جعَلْنا َمنْسَكا همْ نَا ِ
َ
مشاركتهم في سائر المباهج ،فإنّ الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر ،والموافقة في
بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر ،بل العياد من أخصّ ما تتميّز به الشّرائع ومن
ص شرائع الكفر وأظهر شعائره .قال
أظهر ما لها من الشّعائر ،فالموافقة فيها موافقة في أخ ّ
قاضيخان :رجل اشترى يوم النّيروز شيئا لم يشتره في غير ذلك اليوم :إن أراد به تعظيم
ذلك اليوم كما يعظّمه الكفرة يكون كفرا ،وإن فعل ذلك لجل السّرف والتّنعّم ل لتعظيم اليوم
ل يكون كفرا .وإن أهدى يوم النّيروز إلى إنسان شيئا ولم يرد به تعظيم اليوم ،إنّما فعل ذلك
على عادة النّاس ل يكون كفرا .وينبغي أن ل يفعل في هذا اليوم ما ل يفعله قبل ذلك اليوم
ول بعده ،وأن يحترز عن التّشبّه بالكفرة .
وكره ابن القاسم -من المالكيّة -للمسلم أن يهدي إلى النّصرانيّ في عيده مكافأة ،ورآه من
ن المسلم
تعظيم عيده وعونا له على كفره .وكما ل يجوز التّشبّه بالكفّار في العياد ل ُيعَا ُ
المتشبّه بهم في ذلك بل ينهى عن ذلك ،فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب
دعوته ،ومن أهدى من المسلمين هديّة في هذه العياد ،مخالفة للعادة في سائر الوقات غير
هذا العيد لم تقبل هديّته ،خصوصا إن كانت الهديّة ممّا يستعان بها على التّشبّه بهم ،مثل
إهداء الشّمع ونحوه في عيد الميلد .
هذا وتجب عقوبة من يتشبّه بالكفّار في أعيادهم .
وأمّا ما يبيعه الكفّار في السواق في أعيادهم فل بأس بحضوره ،نصّ عليه أحمد في رواية
مهنّا .وقال :إنّما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم ،فأمّا ما يباع في السواق من
المأكل فل ،وإن قصد إلى توفير ذلك وتحسينه لجلهم .وللتّفصيل ( ر :عيد ) .
ثالثا -التّشبّه بالكفّار في العبادات :
يكره التّشبّه بالكفّار في العبادات في الجملة ،ومن أمثلة التّشبّه بهم في هذا المجال :
أ -الصّلة في أوقات الكراهة :
- 12نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الصّلة في أوقات الكراهة منها للتّشبّه بعبادة الكفّار
.فقد أخرج مسلم من حديث عمرو بن عنبسة رضي ال عنه أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم
قال « :صلّ صلة الصّبح ،ثمّ أقصر عن الصّلة حتّى تطلع الشّمس حتّى ترتفع ،فإنّها
ن الصّلة مشهودة
تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ،وحينئذ يسجد لها الكفّار .ثمّ صلّ فإ ّ
ن حينئذ تسجر جهنّم ،فإذا أقبل
محضورة حتّى يستقلّ الظّلّ بالرّمح .ث ّم أقصر عن الصّلة فإ ّ
الفيء فصلّ فإنّ الصّلة مشهودة محضورة حتّى تصلّي العصر .ثمّ أقصر عن الصّلة حتّى
تغرب الشّمس فإنّها تغرب بين قَ ْر َنيْ شيطان وحينئذ يسجد لها الكفّار » .وللتّفصيل في
الحكام المتعلّقة بأوقات الكراهة ( ر :الموسوعة الفقهيّة 180 7أوقات الصّلة ف ) 23
ب -الختصار في الصّلة :
ن اليهود تكثر من فعله ،فنهي
- 13ل خلف بين الفقهاء في كراهة الختصار في الصّلة ل ّ
عنه كراهة للتّشبّه بهم ،فقد أخرج البخاريّ ومسلم واللّفظ له عن أبي هريرة رضي ال عنه «
نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أن يصلّي الرّجل مختصرا » وأخرج البخاريّ أيضا في
ذكر بني إسرائيل من رواية أبي الضّحى عن مسروق عن عائشة رضي ال عنها أنّها كانت
ن اليهود تفعله "
تكره أن يضع يده على خاصرته ،تقول ":إ ّ
زاد ابن أبي شيبة في رواية له « :في الصّلة »
وفي رواية أخرى « ل تشبّهوا باليهود » وللتّفصيل ( ر :صلة ) .
ج -وِصال الصّوم :
- 14ذهب الحنفيّة ،وجمهور المالكيّة ،والشّافعيّة في أحد الوجهين ،والحنابلة إلى كراهة
ن النّبيّ صلى ال عليه
وصال الصّوم ،لما روى البخاريّ من حديث أنس رضي ال عنه أ ّ
ت كأحد منكم ،إنّي أطعم وأسقى أو
وسلم قال « ل تواصلوا ،قالوا :إنّك تواصل ،قال لس ُ
إنّي أبيت أطعم وأسقى » .وقوله صلى ال عليه وسلم « ل تواصلوا » نهي وأدناه يقتضي
الكراهة .وعلّة النّهي التّشبّه بالنّصارى كما صرّح به في حديث بشير بن الخصاصية رضي
ال عنه الّذي أخرجه أحمد والطّبرانيّ وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم في
تفسيرهما بإسناد صحيح إلى « ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت :أردت أن أصوم يومين
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم نهى عن هذا ،وقال :يفعل ذلك
مواصلة ،فمنعني بشير وقال :إ ّ
النّصارى ،ولكن صوموا كما أمركم اللّه ،أتمّوا الصّيام إلى اللّيل ،فإذا كان اللّيل فأفطروا »
وذهب أحمد وجماعة من المالكيّة إلى جواز الوصال إلى السّحر ،وبهذا قال إسحاق وابن
المنذر وابن خزيمة .ويرى الشّافعيّة في الوجه الخر ،وهو ما صحّحه ابن العربيّ من
المالكيّة :تحريم وصال الصّوم .وللتّفصيل ( ر :صوم ) .
د -إفراد يوم عاشوراء بالصّوم :
- 15ذهب الحنفيّة -وهو مقتضى كلم أحمد كما يقول ابن تيميّة -إلى كراهة إفراد يوم
عاشوراء بالصّوم للتّشبّه باليهود .فقد روى مسلم عن ابن عبّاس رضي ال عنهما أنّه قال « :
حين صام رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا :يا رسول اللّه ،
إنّه يوم تعظّمه اليهود والنّصارى .فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :فإذا كان العام
المقبل إن شاء اللّه صمنا اليوم التّاسع » قال :فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم .
قال النّوويّ ،نقل عن بعض العلماء في تعليقه على الحديث :لعلّ السّبب في صوم التّاسع مع
العاشر أن ل يتشبّه باليهود في إفراد العاشر ،وفي الحديث إشارة إلى هذا .
ب الشّافعيّة والحنابلة صوم عاشوراء -وهو العاشر من المحرّم -وتاسوعاء -
هذا ،واستح ّ
وهو التّاسع منه -ويرى الحنفيّة أنّه يستحبّ أن يصوم قبل عاشوراء يوما وبعده يوما .وقال
المالكيّة :ندب صوم عاشوراء وتاسوعاء والثّمانية قبله .
وتفصيل ر ( :صوم ،وعاشوراء ) .
رابعا :التّشبّه بالفَسَقَة :
- 16قال القرطبيّ :لو خصّ أهل الفسوق والمجون بلباس منع لبسه لغيرهم ،فقد يظنّ به
ن السّوء فيأثم الظّانّ والمظنون فيه بسبب العون عليه .
من ل يعرفه أنّه منهم ،فيظنّ به ظ ّ
وللتّفصيل ر ( :شهادة ،فسق ) .
خامسا -تشبّه الرّجال بالنّساء وعكسه :
- 17ذهب جمهور العلماء إلى تحريم تشبّه النّساء بالرّجال والرّجال بالنّساء .
فقد روي البخاريّ عن ابن عبّاس رضي ال عنهما أنّه قال « :لعن رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم المتشبّهين من الرّجال بالنّساء ،والمتشبّهات من النّساء بالرّجال » .
وذهب الشّافعيّة في قول ،وجماعة من الحنابلة إلى كراهة تشبّه الرّجال بالنّساء وعكسه .
والتّشبّه يكون في اللّباس والحركات والسّكنات والتّصنّع بالعضاء والصوات .
ومثال ذلك :تشبّه الرّجال بالنّساء في اللّباس والزّينة الّتي تختصّ بالنّساء ،مثل لبس المقانع
والقلئد والمخانق والسورة والخلخل والقرط ونحو ذلك ممّا ليس للرّجال لبسه .وكذلك
ن في الفعال الّتي هي مخصوصة بها كالنخناث في الجسام والتّأنّث في الكلم
التّشبّه به ّ
والمشي .كذلك تشبّه النّساء بالرّجال في زيّهم أو مشيهم أو رفع صوتهم أو غير ذلك.
ل بلد ،فقد ل يفترق زيّ نسائهم عن زيّ رجالهم لكن
وهيئة اللّباس قد تختلف باختلف عادة ك ّ
ل من النّوعين
ن العبرة في لباس وزيّ ك ّ
تمتاز النّساء بالحتجاب والستتار .قال السنويّ :إ ّ
ل ناحية .
-حتّى يحرم التّشبّه به فيه -بعرف ك ّ
ص بمن تعمّد ذلك ،وأمّا من كان ذلك من أصل خلقته
وأمّا ذمّ التّشبّه بالكلم والمشي فمخت ّ
فإنّما يؤمر بتكلّف تركه والدمان على ذلك بالتّدريج ،فإن لم يفعل وتمادى دخله ال ّذمّ ،ول
سيّما إن بدا منه ما يدلّ على الرّضا به .
هذا ويجب إنكار التّشبّه باليد ،فإن عجز فباللّسان مع أمن العاقبة ،فإن عجز فبقلبه كسائر
المنكرات .ويترتّب على هذا أنّه يجب على الزّوج أن يمنع زوجته ممّا تقع فيه من التّشبّه
بالرّجال في لبسة أو مشية أو غيرهما ،امتثالً لقوله تعالى { :قُوا َأنْفسَكم وَأَهليك ْم نَارا } أي
بتعليمهم وتأديبهم وأمرهم بطاعة ربّهم ونهيهم عن معصيته .
سادسا :تشبّه أهل ال ّذمّة بالمسلمين :
- 18يؤخذ أهل ال ّذمّة بإظهار علمات يعرفون بها ،ول يتركون يتشبّهون بالمسلمين في
لباسهم ومراكبهم وهيئاتهم .والصل فيه ما روي" أنّ عمر بن عبد العزيز رحمه ال مرّ
على رجال ركوب ذوي هيئة ،فظنّهم مسلمين فسلّم عليهم ،فقال له رجل من أصحابه :
أصلحك اللّه تدري من هؤلء ؟ فقال :من هم ؟ فقال :نصارى بني تغلب .فلمّا أتى منزله
أمر أن ينادى في النّاس أن ل يبقى نصرانيّ إل عقد ناصيته وركب الكاف " .ولم ينقل أنّه
أنكر عليه أحد ،فيكون كالجماع .ولنّ السّلم من شعائر السلم فيحتاج المسلمون إلى
إظهار هذه الشّعائر عند اللتقاء ،ول يمكنهم ذلك إلّا بتمييز أهل ال ّذمّة بالعلمة .
ن إذللهم واجب بغير أذى
هذا ،وإذا وجب التّمييز وجب أن يكون فيه صغار ل إعزاز ،ل ّ
من ضرب أو صفع بل سبب يكون منه ،بل المراد اتّصافه بهيئة خاصّة .
وكذا يجب أن يتميّز نساء أهل ال ّذمّة عن نساء المسلمين في حال المشي في الطّريق ،وتجعل
على دورهم علمة كي ل يعاملوا بما يختصّ به المسلمون ،ول يمنعون من أن يسكنوا في
ن عقد ال ّذمّة شرع ليكون وسيلة
أمصار المسلمين في غير جزيرة العرب يبيعون ويشترون ،ل ّ
لهم إلى السلم .وتمكينهم من المقام أبلغ إلى هذا المقصود .
وللتّفصيل في المور الّتي يمنع تشبّه أهل ال ّذمّة فيه بالمسلمين تنظر أبواب الجزية وعقد ال ّذمّة
من كتب الفقه .
تشبيب *
التّعريف :
- 1التّشبيب مصدر شبّب .ومن معانيه :ترقيق أوّل الشّعر بذكر النّساء ،وشبّب بالمرأة :
ي.
قال فيها الغزل أو النّسيب .والصطلح الفقهيّ ل يخرج عن هذا المعنى اللّغو ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
التّشبيب ،والنّسيب ،والغزل ألفاظ مترادفة ،المراد منها :ذكر محاسن النّساء .
حكمه التّكليفيّ :
- 2يحرم التّشبيب بامرأة معيّنة محرّمة على المشبّب أو بغلم أمرد .
ول يعرف خلف بين الفقهاء في حرمة ذكر المثير على الفحش من الصّفات الحسّيّة والمعنويّة
لمرأة أجنبيّة محرّمة عليه ،ويستوي في ذلك ذكر الصّفات الظّاهرة والباطنة لما في ذلك من
اليذاء لها ولذويها ،وهتك السّتر والتّشهير بمسلمة .
أمّا التّشبّب بزوجته أو جاريته فهو جائز ما لم يصف أعضاءها الباطنة ،أو يذكر ما من حقّه
الخفاء فإنّه يسقط مروءته ،ويكون حراما أو مكروها ،على خلف في ذلك .
وكذا يجوز التّشبيب بامرأة غير معيّنة ،ما لم يقل فحشا أو ينصب قرينة تدلّ على التّعيين ،
ن الغرض من ذلك هو تحسين الكلم وترقيقه ل تحقيق المذكور ،فإن نصب قرينة تدلّ
لّ
على التّعيين فهو في حكم التّعيين .وليس ذكر اسم امرأة مجهولة كليلى وسعاد تعيينا ،لحديث
:كعب بن زهير :وإنشاده قصيدته المشهورة « بانت سعاد . .بين يدي الرّسول صلى ال
عليه وسلم » .
التّشبّب بغلم :
- 3يحرم التّشبيب بغلم -إن ذكر أنّه يعشقه وإن لم يكن معيّنا ،لنّه ل يحلّ بحال .وقيل
:إن لم يكن معيّنا فهو كالمرأة غير المعيّنة .هذا في إنشاء القول من شعر أو نثر .أمّا رواية
ذلك أو إنشاده فإنّه إذا لم يقصد به الحضّ على المحرّم فهو مباح لنحو الستشهاد أو تعلّم
الفصاحة والبلغة .
وقيّد الحنفيّة تحريم التّشبيب بالمرأة بكونها معيّنة حيّة .فلو شبّب بامرأة غير حيّة لم يحرم .
تشبيك *
التّعريف :
- 1التّشبيك في اللّغة :المداخلة ،فيقال لكلّ متداخلين أنّهما مشتبكان .ومنه :شبّاك الحديد ،
وتشبيك الصابع -وهو المراد هنا -لدخول بعضها في بعض .والشّبك :الخلط والتّداخل ،
فيقال :شبك الشّيء يشبكه شبكا :إذا خلطه وأنشب بعضه في بعض .
وتشبيك الصابع ل يخرج في معناه الصطلحيّ عن هذا ،قال ابن عابدين :تشبيك الصابع
:أن يدخل الشّخص أصابع إحدى يديه بين أصابع الخرى .
الحكم الجماليّ :
- 2أجمع الفقهاء على أنّ تشبيك الصابع في الصّلة مكروه ،لما روي عن كعب بن عجرة
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رأى رجل قد شبّك أصابعه في الصّلة ،
رضي ال عنه « أ ّ
ففرّج رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بين أصابعه » .وقال ابن عمر رضي ال عنهما في
الّذي يصلّي وهو يشبّك أصابعه « تلك صلة المغضوب عليهم »
وأمّا تشبيكها في المسجد في غير صلة ،وفي انتظارها أي حيث جلس ينتظرها ،أو ماشيا
إليها ،فقد قال الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة التّشبيك حينئذ ،لنّ انتظار الصّلة هو في
حبِسُه » ولما
حكم الصّلة لحديث الصّحيحين « ل يزال أحدكم في صلة ما دامت الصّل ُة َت ْ
روى أحمد وأبو داود وغيرهما مرفوعا « إذا توضّأ أحدكم فأحسن وضوءه ثمّ خرج عامدا إلى
ن النّبيّ صلى ال
المسجد ،فل يشبّك بين يديه فإنّه في صلة » وما روى أبو سعيد الخدريّ أ ّ
ن التّشبيك من الشّيطان ،وإنّ
عليه وسلم قال « :إذا كان أحدكم في المسجد فل يشبّكنّ ،فإ ّ
أحدكم ل يزال في صلة ما دام في المسجد حتّى يخرج منه »
وعن كعب بن عجرة رضي ال عنه قال :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول
« إذا توضّأ أحدكم ثمّ خرج عامدا إلى الصّلة ،فل يشبّكنّ بين يديه ،فإنّه في صلة » .
ن النّهي عنه لما فيه
- 3وقد اختلف في الحكمة في النّهي عن التّشبيك في المسجد ،فقيل :إ ّ
من العبث .وقيل :لما فيه من التّشبّه بالشّيطان .وقيل :لدللة الشّيطان على ذلك .وفي
ي على مراقي الفلح :حكمة النّهي عن التّشبيك :أنّه من الشّيطان ،وأنّه
حاشية الطّحاو ّ
ن الحدث ،ولما نبّه عليه في حديث ابن عمر رضي ال عنهما
يجلب النّوم ،والنّوم من مظا ّ
في الّذي يصلّي وهو يشبّك أصابعه تلك صلة المغضوب عليهم فكره ذلك لما هو في حكم
الصّلة ،حتّى ل يقع في المنهيّ عنه .وكراهته في الصّلة أشدّ .
ول يكره عند الجمهور التّشبيك بعد الفراغ ولو كان في المسجد ،لحديث ذي اليدين رضي ال
عنه الّذي رواه أبو هريرة رضي ال عنه -قال « صلّى بنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
شيّ -قال ابن سيرين :سمّاها أبو هريرة ،ولكن نسيت أنا -قال :فصلّى
إحدى صلتي ال َع ِ
بنا ركعتين ،ثمّ سلّم ،فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتّكأ عليها كأنّه غضبان ،ووضع
يده اليمنى على اليسرى ،وشبّك بين أصابعه ،ووضع خدّه اليمن على ظهر كفّه اليسرى ،
ن من أبواب المسجد ،فقالوا :قُصِرت الصّلة ،وفي القوم
سرْعا ُ
خ َرجَتِ ال ّ
وَ
أبو بكر وعمر فهابا أن يكلّماه ،وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين قال :يا
رسول اللّه أنسيتَ أم قصرت الصّلة ؟ قال لم أنس ولم تقصر فقال :أكما يقول ذو اليدين ؟
فقالوا :نعم .فتقدّم فصلّى ما ترك ،ثمّ سلّم ،ثمّ كبّر وسجد مثل سجوده أو أطول ثمّ رفع
رأسه وكبّر ،ثمّ كبّر وسجد مثل سجوده -أو أطول ،ث ّم رفع رأسه وكبّر .فربّما سألوه :ثمّ
سلّم ؟ فيقول :نبّئت أنّ عمران بن حصين قال :ثمّ سلّم » .
ول بأس به عند المالكيّة في غير صلة حتّى ولو في المسجد ،لنّ كراهته عندهم إنّما هي
في الصّلة فقط ،إلّا أنّه خلف الولى على نحو ما ورد بالشّرح الكبير وجواهر الكليل .
وفي مواهب الجليل ما نصّه :وأمّا بالنّسبة لغير الصّلة فالتّشبيك ل بأس به حتّى في المسجد
.قال ابن عرفة :وسمع ابن القاسم -أي من مالك : -ل بأس بتشبيك الصابع يعني في
المسجد في غير صلة .وأومأ داود بن قيس ليد مالك مشبّكا أصابعه به -أي بالمسجد -
ليطلقه وقال :ما هذا ؟ فقال مالك :إنّما يكره في الصّلة .وقال ابن رشد :صحّ في حديث
ذي اليدين تشبيكه صلى ال عليه وسلم بين أصابعه في المسجد .
- 4وأمّا تشبيكها خارج الصّلة فيما ليس من توابعها :بأن لم يكن في حال سعي إليها ،أو
ث بل لغرض
جلوس في المسجد لجلها ،فإن كان لحاجة نحو إراحة الصابع -وليس لعب ٍ
صحيح -فإنّه في هذه الحالة ل يكره عند الحنفيّة ،فقد صحّ عنه صلى ال عليه وسلم أنّه قال
« :المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا » وشبّك بين أصابعه .فإنّه لفادة تمثيل المعنى
سيّة .
،وهو التّعاضد والتّناصر بهذه الصّورة الح ّ
فلو شبّك لغير حاجة على سبيل العبث كره تنزيها .وفي حاشية الشبراملسي من الشّافعيّة :أنّه
إذا جلس في المسجد ل للصّلة بل لغيرها ،كحضور درس أو كتابة ،فل يكره ذلك في حقّه
لنّه لم يصدق عليه أنّه ينتظر الصّلة .وأمّا إذا انتظرهما معا فينبغي الكراهة ،لنّه يصدق
عليه أنّه ينتظر الصّلة .وأمّا المالكيّة فقد رأوا كراهة التّشبيك للمصلّي خاصّة ولو في غير
مسجد ،ول بأس به عندهم في غير الصّلة ولو في المسجد ،لقول مالك :يكره في الصّلة
حين أومأ داود بن قيس ليده مشبّكا أصابعه ليطلقه وقال :ما هذا ؟ .
ن مستمع الخطبة في
- 5والتّشبيك حال خطبة الجمعة يكره عند غير المالكيّة من الئمّة ،ل ّ
انتظار الصّلة ،فهو كمن في الصّلة لما سبق .
وعند المالكيّة :غير مكروه ،لنّ الكراهة عندهم في الصّلة فقط ولو كان في المسجد ،وإن
كان هذا هو خلف الولى كما تقدّم .
تشبيه *
التّعريف :
- 1التّشبيه في اللّغة :مصدر شبّهت الشّيء بالشّيء :إذا أقمته مقامه بصفة جامعة بينهما .
وتكون الصّفة ذاتيّة ومعنويّة :فالذّاتيّة نحو هذا الدّرهم كهذا الدّرهم أي في القدر ،والمعنويّة
نحو زيد كالسد .وفي اصطلح علماء البيان :هو الدّللة على اشتراك شيئين في وصف من
أوصاف الشّيء في نفسه ،كالشّجاعة في السد والنّور في الشّمس .
سبِيلِه صَفّا كَأنّهمْ ُب ْنيَانٌ
ن في َ
ن يُقَاتِلُو َ
ن اللّ َه ُيحِبّ الّذي َ
وهو إمّا تشبيه مفرد كقوله تعالى { :إ ّ
َمرْصُوصٌ } أو تشبيه مفردات بمفردات ،كقوله صلى ال عليه وسلم « إنّما مثل ما بعثني اللّه
به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا ،فكان منها نقيّة َقبِلت الماءَ فأنبتت الكلَ
والعشبَ الكثير ،وكان منها أجادبُ أمسكت الما َء -فنفع اللّه بها النّاس فشربوا وسقوا
ن ل تمسك ماء ول تنبت كل .فذلك َمثَلُ
وزرعوا ،وأصابت منها طائفة أخرى إنّما هي قِيعا ٌ
من فَقُه في دين اللّه ونفعه ما بعثني اللّه به َفعَلِم وعلّم ،ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ،ولم
يقبل هدى اللّه الّذي أُرسلتُ به » .فقد شبّه العلم بالغيث ،وشبّه من ينتفع به بالرض
طيّبة ،ومن ل ينتفع به بالقيعان .فهي تشبيهات مجتمعة ،أو تشبيه مركّب ،كقوله صلى
ال ّ
ن َمثَلي مثل النبياء من قبلي :كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله ،إل
ال عليه وسلم « :إ ّ
ضعَتْ ،هذه
موضع لبنة من زاوية ،فجعل النّاس يطوفون به ويعجبون له ويقولون :هل ُو ِ
الّل ِبنَةُ ؟ قال :فأنا الّل ِبنَةُ ،وأنا خا َتمُ النّبيّين » .
فهذا تشبيه المجموع بالمجموع ،لنّ وجه الشّبه عقليّ منتزع من عدّة أمور .
اللفاظ ذات الصّلة :
القياس :
- 2القياس هو :إلحاق فرع بأصل في الحكم لعلّة جامعة بينهما .
حكم التّشبيه :
يختلف حكم التّشبيه بحسب موقعه والمراد منه على ما سيأتي .
أ -التّشبيه في الظّهار :
- 3الظّهار شرعا :تشبيه المسلم زوجته أو جزءا شائعا منها بمحرّم عليه تأبيدا ،كقوله :
أنت عليّ كظهر أمّي أو نحوه ،أو كبطنها أو كفخذها ،ونحو ذلك .
ن ِمنْكمْ ِمنْ ِنسَائِهمْ ما هنّ
وهذا النّوع من التّشبيه حرام نصّا لقوله تعالى { :الّذينَ ُيظَا ِهرُو َ
ن ُم ْنكَرا مِن القولِ وزورا } .
ُأ ّمهَاتِهم إنْ ُأمّهاتُه ْم إل اللئي وََل ْدنَهم ،وَِإنّهمْ ليقولو َ
وإذا وقع من الزّوج التّشبيه ،ممّا يعتبر ظهارا ،يحرم عليه وطء امرأته قبل أن يكفّر باتّفاق
الفقهاء .وكذلك يحرم التّلذّذ بما دون الجماع عن جمهور الفقهاء :الحنفيّة والمالكيّة ،وهو
ن َي َتمَاسّا
ن قَبلِ أَ ْ
قول عند الشّافعيّة ،ورواية عند الحنابلة ،لقوله تعالى َ { :ف َتحْرِيرُ َرقَبَ ٍة مِ ْ
ن َقبْلِ أَنْ
شهْرين ُم َتتَابعين مِ ْ
جدْ َفصِيامُ َ
ن لمْ َي ِ
ن خَبيرٌ فَمَ ْ
عظُونَ به واللّ ُه ِبمَا َت ْعمَلو َ
ذلك ْم تُو َ
َي َتمَاسّا } والتّماسّ شامل للوطء ودواعيه .وفي قول عند الشّافعيّة ،وهو رواية أخرى عند
الحنابلة :ل يحرم إلّا الوطء .وهذا في صريح ألفاظ الظّهار .
ي مثل أمّي صحّت نيّته برّا أو ظهارا أو طلقا .
أمّا في كناياته ،كقوله :أنت عل ّ
وفي الموضوع فروع كثيرة ينظر تفصيلها مع اختلف الفقهاء في مصطلح ( ظهار ) .
ب -التّشبيه في القذف :
- 4أجمع العلماء على أنّه إذا صرّح القاذف بالزّنى كان قذفا ورميا موجبا للحدّ ،فإن عرّض
ولم يصرّح ،فقال مالك :هو قذف ،وقال أبو حنيفة والشّافعيّ :ل يكون قذفا حتّى يقول :
أردت به القذف .والدّليل لما قاله مالك هو أنّ موضوع الحدّ في القذف إنّما هو لزالة المعرّة
الّتي أوقعها القاذف بالمقذوف ،فإذا حصلت المعرّة بالتّعريض وجب أن يكون قذفا
كالتّصريح ،وذلك راجع إلى الفهم ،وقد قال تعالى على لسان قوم شعيب أنّهم قالوا له { ِإ ّنكَ
لَنتَ الحَليمُ ال ّرشِيد } أي السّفيه الضّالّ ،فعرّضوا له بالسّبّ بكلم ظاهره المدح في أحد
التّأويلت .وقد حبس عمر رضي ال عنه الحطيئة لمّا قال لحدهم :
عمُ الكَاسِي
ك أنتَ الطّا ِ
وَاقْعدْ َفِإنّ َ َدعِ ال َمكَا ِرمَ ل َت ْرحَلْ ِل ُب ْغ َيتِها
لنّه شبّهه بالنّساء في أنّهنّ يُط َعمْن ويسقين ويكسين .وعلى ذلك فإذا فهم من تشبيه المرأة أو
الرّجل بالعفيفة أو العفيف استهزاء ،كان كالرّمي الصّريح في مذهب مالك .
ج -تشبيه الرّجل غيره بما يكره :
- 5ل يجوز للمسلم أن يشبّه أخاه المسلم بما يكرهه ،قال تعالى { :وَل َتنَا َبزُوا بِالَلْقَابِ بئسَ
السمُ ال ُفسُوقُ بعدَ الِيمانِ } وسواء أكان التّشبيه بذكر أداة التّشبيه أو بحذفها كقوله :يا
مخنّث ،يا أعمى .
واتّفق الفقهاء على أنّه يعزّر بقوله :يا كافر يا منافق يا أعور يا نمّام يا كذّاب يا خبيث يا
ل ما فيه إيذاء بغير حقّ ،ولو بغمز العين أو إشارة
مخنّث يا ابن الفاسقة ،ونحو ذلك من ك ّ
ل معصية ل حدّ فيها فيها التّعزير .
اليد ،لرتكابه معصية ل حدّ فيها ،وك ّ
وكذلك يعزّر إذا شبّهه بالحيوانات الدّنيئة كقوله :يا حمار ،يا كلب ،يا قرد ،يا بقر ونحو
ذلك عند جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو المختار عند متأخّري الحنفيّة -
ل من ارتكب منكرا أو آذى مسلما بغير حقّ بقول أو فعل أو إشارة يستحقّ التّعزير .
نكّ
لّ
وفي ظاهر الرّواية عند الحنفيّة :ل يعزّر بقوله :يا حمار ،يا كلب ونحو ذلك لظهور كذبه.
وفرّق بعض الحنفيّة بين ما إذا كان المسبوب من الشراف فيعزّر ،أو من العامّة فل يعزّر ،
كما استحسنه في الهداية والزّيلعيّ .
ب إلى حدّ القذف ،أمّا إذا كان من أنواع القذف :كالرّمي
وهذا كلّه إذا لم يصل الشّتم والسّ ّ
بالزّنا من غير بيّنة ،فإنّه يحدّ على تفصيل ينظر في مصطلح ( :قذف ) .
تشريق *
انظر :أيّام التّشريق .
تشريك *
التّعريف :
- 1التّشريك في اللّغة :مصدر شرّك .يقال :شرّك فلن فلنا .إذا أدخله في المر وجعله
شريكا له فيه .ويقال :شرّك غيره في ما اشتراه ليدفع الغير بعض الثّمن ،ويصير شريكا له
في المبيع .ويقال أيضا :شرّك نعله تشريكا :إذا حمل له شراكا ،والشّراك :سير النّعل
الّذي على ظهرها .والتّشريك في الصطلح الشّرعيّ :إدخال الغير في السم كالشّراء
ونحوه ،ليكون شريكا له فيه .
اللفاظ ذات الصّلة :
الشراك :
- 2الشراك بمعنى التّشريك .وإذا قيل :أشرك الكافر باللّه ،فالمراد أنّه جعل غير اللّه
شريكا له ،تعالى اللّه عن ذلك ( .ر :إشراك ) .
حكم التّشريك :
- 3التّشريك في الشّراء ونحوه جائز ،وتشريك غير عبادة في نيّة العبادة أو تشريك عبادتين
في نيّة واحدة جائز على التّفصيل التي :
أ -تشريك ما ل يحتاج إلى نيّة في نيّة العبادة :
- 4ل نعلم خلفا بين الفقهاء في جواز تشريك ما ل يحتاج إلى نيّة في نيّة العبادة ،كالتّجارة
ن كُلّ
ن مِ ْ
ك ِرجَالً وعَلى كُلّ ضَامِ ٍر َي ْأتِي َ
ن في النّاسِ بِالحَجّ َي ْأتُو َ
ج لقوله تعالى { :وََأذّ ْ
مع الح ّ
ش َهدُوا َمنَافِعَ لَهم َو َي ْذكُروا اسمَ اللّ ِه في َأيّا ٍم َمعْلُومَاتٍ } . . .وقوله في شأن الحجّ
عمِيق لِي ْ
فَجّ َ
ج .والصّوم
ن َت ْب َتغُوا َفضْلً مِنْ َربّكمْ } نزلت في التّجارة مع الح ّ
ح أَ ْ
جنَا ٌ
أيضا { :لَيسَ عَليكمْ ُ
ن هذه الشياء
صحّة ،والوضوء مع نيّة التّبرّد ،والصّلة مع نيّة دفع الغريم ،ل ّ
مع قصد ال ّ
تحصل بغير نيّة فلم يؤثّر تشريكها في نيّة العبادة ،وكالجهاد مع قصد حصول الغنيمة .جاء
في مواهب الجليل نقل عن الفروق للقرافيّ :
من يجاهد لتحصيل طاعة اللّه بالجهاد ،وليحصل له المال من الغنيمة ،فهذا ل يضرّه ول
ن اللّه تعالى جعل له هذا في هذه العبادة .ففرّق بين جهاده ليقول
يحرم عليه بالجماع ،ل ّ
النّاس :هذا شجاع ،أو ليعظّمه المام ،فيكثر عطاءه من بيت المال .فهذا ونحوه رياء حرام
.وبين أن يجاهد لتحصيل الغنائم من جهة أموال العدوّ مع أنّه قد شرّك .
ول يقال لهذا رياء ،بسبب أنّ الرّياء أن يعمل ليراه غير اللّه من خلقه .ومن ذلك أن يجدّد
وضوءا ليحصل له التّبرّد أو التّنظّف ،وجميع هذه الغراض ل يدخل فيها تعظيم الخلق ،بل
هي لتشريك أمور من المصالح ليس لها إدراك ،ول تصلح للدراك ول للتّعظيم ،ذلك ل
يقدح في العبادات ،فظهر الفرق بين قاعدة الرّياء في العبادات وبين قاعدة التّشريك فيها .
وجاء في مغني المحتاج :من نوى بوضوئه تبرّدا أو شيئا يحصل بدون قصد كتنظّف ،ولو
في أثناء وضوئه ( مع نيّة معتبرة ) أي مستحضرا عند نيّة التّبرّد أو نحوه نيّة الوضوء أجزأه
ل نوى الصّلة ودفع الغريم فإنّها
ذلك على الصّحيح ،لحصول ذلك من غير نيّة ،كمص ّ
ن اشتغاله عن الغريم ل يفتقر إلى نيّة .والقول الثّاني يضرّ ،لما في ذلك من
تجزئه ،ل ّ
التّشريك بين قربة وغيرها ،فإن فقد ال ّنيّة المعتبرة ،كأن نوى التّبرّد أو نحوه وقد غفل عنها ،
لم يصحّ غسل ما غسله بنيّة التّبرّد ونحوه ،ويلزمه إعادته دون استئناف الطّهارة .قال
صحّة .أمّا الثّواب فالظّاهر عدم حصوله ،وقد اختار الغزاليّ
الزّركشيّ :وهذا الخلف في ال ّ
ي اعتبار الباعث على العمل ،فإن كان القصد
فيما إذا شرّك في العبادة غيرها من أمر دنيو ّ
الدّنيويّ هو الغلب لم يكن فيه أجر ،إن كان القصد الدّينيّ أغلب فله بقدره ،وإن تساويا
تساقطا .واختار ابن عبد السّلم أنّه ل أجر فيه مطلقا ،سواء أتساوى القصدان أم اختلفا .
وانظر أيضا مصطلح ( :نيّة ) .
ب -تشريك عبادتين في نيّة :
- 5إن أشرك عبادتين في ال ّنيّة ،فإن كان مبناهما على التّداخل كغسلي الجمعة والجنابة ،أو
الجنابة والحيض ،أو غسل الجمعة والعيد ،أو كانت إحداهما غير مقصودة كتحيّة المسجد مع
فرض أو سنّة أخرى ،فل يقدح ذلك في العبادة ،لنّ مبنى الطّهارة على التّداخل ،والتّحيّة
وأمثالها غير مقصودة بذاتها ،بل المقصود شغل المكان بالصّلة ،فيندرج في غيره .أمّا
ح تشريكهما في نيّة واحدة ،
التّشريك بين عبادتين مقصودتين بذاتها كالظّهر وراتبته ،فل يص ّ
لنّهما عبادتان مستقلّتان ل تندرج إحداهما في الخرى .
وانظر أيضا مصطلح ( :نيّة ) .
ج -التّشريك في المبيع :
- 6يجوز التّشريك في العقد ،كأن يقول المشتري لعالم بالثّمن :أشركتك في هذا المبيع
ل اتّفاق بين الفقهاء فإن أشركه في قدر معلوم كالنّصف والرّبع فله
ويقبل الخر ،وهذا مح ّ
ن الشّركة المطلقة تقتضي المساواة ،وهو كالبيع
ذلك في المبيع ،وإن أطلق فله النّصف ،ل ّ
والتّولية في أحكامه وشروطه .
طلْقة :
د -التّشريك بين نسوة في َ
ن الطّلقة ل
- 7إذا قال لنسائه الربع :أوقعت عليكنّ طلقة وقع على كلّ واحدة طلقة ،ل ّ
تتجزّأ .
ولو قال :طلقتين أو ثلثا أو أربعا ،وقع على كلّ واحدة طلقة فقط ،إل أن يريد توزيع كلّ
ن ،فيقع في " طلقتين " على كلّ واحدة طلقتان ،وفي " ثلث وأربع " ،ثلث .
طلقة عليه ّ
تشميت *
شمّت
ل داع لحد بخير فهو ُم َ
- 1من معاني التّشميت لغة :الدّعاء بالخير والبركة .وك ّ
ومسمّت بالشّين والسّين ،والشّين أعلى وأفشى في كلمهم .وكلّ دعاء بخير فهو تشميت .
وفي حديث« تزويج عليّ بفاطمة رضي ال عنهما :شمّت عليهما » :أي دعا لهما بالبركة.
وفي حديث العطاس « :فشمّت أحدهما ولم يشمّت الخر » .فالتّشميت والتّسميت :الدّعاء
سمِيته :أن يقول له متى كان مسلما :يرحمك اللّه .
بالخير والبركة .وتشميت العاطس أو َت ْ
وهو ل يخرج في الصطلح الفقهيّ عن هذا المعنى .
الحكم التّكليفيّ :
- 2اتّفق العلماء على أنّه يشرع للعاطس عقب عطاسه أن يحمد اللّه ،فيقول :الحمد للّه ،
ولو زاد :ربّ العالمين كان أحسن كفعل ابن مسعود .ولو قال :الحمد للّه على كلّ حال كان
أفضل كفعل ابن عمر .وقيل يقول :الحمد للّه حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه ،كفعل غيرهما .
عطَس أحدكم فليقل :الحمد للّه
وروى أحمد والنّسائيّ من حديث سالم بن عبيد مرفوعا « إذا َ
ب العالمين » وفي حديث أبي هريرة رضي ال عنه عن النّبيّ
ل حال أو الحمد للّه ر ّ
على ك ّ
صلى ال عليه وسلم قال « :إذا عطس أحدكم فليقل :الحمد للّه على كلّ حال » ومتى حمد
اللّه بعد عطسته كان حقّا على من سمعه من إخوانه المسلمين غير المصلّين أن يشمّته "
يرحمك اللّه " فقد روى البخاريّ من حديث أبي هريرة رضي ال عنه « إذا عطس أحدكم
ل مسلم سمعه أن يقول :يرحمك اللّه » .
فحمد اللّه فحقّ على ك ّ
وفي صحيح البخاريّ عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :
إذا عطس أحدكم فليقل :الحمد للّه .وليقل له أخوه أو صاحبه :يرحمك اللّه .فإذا قال له :
يرحمك اللّه فليقل :يهديكم اللّه ويصلح بالكم » .
ي صلى ال عليه وسلم قال « :حقّ المسلم على المسلم خمس :ردّ السّلم ،وعيادة
وعن النّب ّ
المريض واتّباع الجنائز ،وإجابة الدّعوة ،وتشميت العاطس » وفي رواية لمسلم « حقّ
المسلم على المسلم ستّ :إذا لقيته فسلّم عليه ،وإذا دعاك فأجبه ،وإذا استنصحك فانصح
له ،وإذا عطس فحمد اللّه تعالى فشمّته ،وإذا مرض فعده ،وإذا مات فاتّبعه » .وإن لم
يحمد اللّه بعد عطسته فل يشمّت .فعن أبي موسى الشعريّ رضي ال عنه مرفوعا « إذا
عطس أحدكم فحمد اللّه فشمّتوه ،فإن لم يحمد اللّه فل تشمّتوه » .
وعن أنس رضي ال عنه قال « :عطس رجلن عند النّبيّ صلى ال عليه وسلم فشمّت
ش ّمتّه ،وعطست فلم تشمّتني
أحدهما ولم يشمّت الخر .فقال الّذي لم يشمّته :عطس فلن فَ َ
ن هذا حمد اللّه تعالى ،وإنّك لم تحمد اللّه تعالى » وهذا الحكم عامّ وليس مخصوصا
فقال :إ ّ
بالرّجل الّذي وقع له ذلك .يؤيّد العموم ما جاء في حديث أبي موسى
« إذا عطس أحدكم فحمد اللّه فشمّتوه ،وإن لم يحمد اللّه فل تشمّتوه » .
ن العاطس حمد اللّه
فالتّشميت قد شرع لمن حمد اللّه دون من لم يحمده ،فإذا عرف السّامع أ ّ
بعد عطسته شمّته ،كأن سمعه يحمد اللّه ،وإن سمع العطسة ولم يسمعه يحمد اللّه ،بل سمع
من شمّت ذلك العاطس ،فإنّه يشرع له التّشميت لعموم المر به لمن عطس فحمد ،وقال
النّوويّ المختار أنّه يشمّته من سمعه دون غيره .
وهذا التّشميت سنّة عند الشّافعيّة .وفي قول للحنابلة وعند الحنفيّة هو واجب .
ن الشهر
وقال المالكيّة ،وهو المذهب عند الحنابلة بوجوبه على الكفاية .ونقل عن البيان أ ّ
ل مسلم سمعه أن يقول له :يرحمك اللّه » .
أنّه فرض عين ،لحديث « كان حقّا على ك ّ
فإن عطس ولم يحمد اللّه نسيانا استحبّ لمن حضره أن يذكّره الحمد ليحمد فيشمّته .
وقد ثبت ذلك عن إبراهيم النّخعيّ .
- 3ويندب للعاطس أن ير ّد على من شمّته :فيقول له :يغفر اللّه لنا ولكم ،أو يهديكم اللّه
ويصلح بالكم ،وقيل :يجمع بينهما ،فيقول :يرحمنا اللّه وإيّاكم ويغفر لنا ولكم .فقد روي
عن ابن عمر أنّه كان إذا عطس فقيل له :يرحمك اللّه .قال ":يرحمنا اللّه وإيّاكم ويغفر اللّه
لنا ولكم " .قال ابن أبي جمرة :في الحديث دليل على عظيم نعمة اللّه على العاطس .يؤخذ
ذلك ممّا رتّب عليه من الخير .وفيه إشارة إلى عظيم فضل اللّه على عبده .فإنّه أذهب عنه
الضّرر بنعمة العطس ،ثمّ شرع له الحمد الّذي يثاب عليه ،ثمّ الدّعاء بالخير بعد الدّعاء
بالخير وشرع هذه النّعم المتواليات في زمن يسير فضل منه وإحسانا .
فإذا قيل للعاطس :يرحمك اللّه ،فمعناه :جعل اللّه لك ذلك لتدوم لك السّلمة ،وفيه إشارة
إلى تنبيه العاطس على طلب الرّحمة والتّوبة من الذّنب ،ومن َثمّ شرع به الجواب بقوله :
ح بَالَهمْ }
س َيهْدِيهمْ َو ُيصْلِ ُ
غفر اللّه لنا ولكم وقوله :ويصلح بالكم أي شأنكم .وقوله تعالى َ { :
أي شأنهم .وهذا ما لم يكن في صلته أو خلئه .
ما ينبغي للعاطس مراعاته :
-من آداب العاطس :أن يخفض بالعطس صوته ويرفعه بالحمد .وأن يغطّي وجهه لئلّا 4
يبدو من فيه أو أنفه ما يؤذي جليسه .ول يلوي عنقه يمينا ول شمالً لئل يتضرّر بذلك .قال
ابن العربيّ :الحكمة في خفض الصّوت بالعطاس :أنّ رفعه إزعاجا للعضاء .
وفي تغطية الوجه :أنّه لو بدر منه شيء آذى جليسه .ولو لوى عنقه صيانة لجليسه لم يأمن
من اللتواء ،فعن أبي هريرة رضي ال عنه قال « :كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم إذا
ض بها صوته » .
عطس وضع يده أو ثوبه على فيه ،وخفض أو غ ّ
حكمة مشروعيّة التّشميت :
- 5قال ابن دقيق العيد :من فوائد التّشميت تحصيل المودّة ،والتّأليف بين المسلمين ،
وتأديب العاطس بكسر النّفس عن الكبر ،والحمل على التّواضع لما في ذكر الرّحمة من
الشعار بالذّنب الّذي ل يعرى عنه أكثر المكلّفين .
التّشميت أثناء الخطبة :
- 6كره الحنفيّة والمالكيّة التّشميت أثناء الخطبة ،وعند الشّافعيّة في الجديد :أنّ الكلم عند
ن النصات ،ول فرق في ذلك بين التّشميت وغيره ،واستدلّ بما
الخطبة ل يحرم ،ويس ّ
روى أنس رضي ال عنه قال « :دخل رجل والنّبيّ صلى ال عليه وسلم قائم على المنبر يوم
الجمعة فقال :متى السّاعة ؟ فأشار النّاس إليه أن اسكت فقال له رسول اللّه صلى ال عليه
ت » وإذ
ب اللّه ورسوله قال :إنّك مع من أحبب َ
وسلم عند الثّالثة :ما أعددت لها ؟ قال :ح ّ
جاز هذا في الخطبة جاز تشميت العاطس أثناءها .
ن النصات لسماع الخطبة واجب .لما روى جابر
وعند المالكيّة ،وهو القديم عند الشّافعيّة :أ ّ
رضي ال عنه قال « :دخل ابن مسعود رضي ال عنه والنّبيّ صلى ال عليه وسلم يخطب
فجلس إلى أبيّ رضي ال عنه فسأله عن شيء فلم يردّ عليه ،فسكت حتّى صلّى النّبيّ صلى
ي ؟ فقال :إنّك لم تشهد معنا الجمعة .قال :
ال عليه وسلم فقال له :ما منعك أن تردّ عل ّ
ولم ؟ قال :لنّك تكلّمت والنّبيّ صلى ال عليه وسلم يخطب ،فقام ابن مسعود فدخل على
النّبيّ صلى ال عليه وسلم فذكر له ،فقال :صدق أبيّ » وإذا كان النصات واجبا كان ما
خالفه من تشميت العاطس أثناء الخطبة حراما .وللحنابلة روايتان :إحداهما :الجواز مطلقا
أخذا من قول الثرم :سمعت أبا عبد اللّه أي المام أحمد -سئل :يردّ الرّجل السّلم يوم
الجمعة ؟ فقال :نعم .قال :ويشمّت العاطس ؟ فقال :نعم .والمام يخطب .وقال أبو عبد
اللّه قد فعله غير واحد .قال ذلك غير مرّة ،وممّن رخّص في ذلك الحسن والشّعبيّ والنّخعيّ
وقتادة والثّوريّ وإسحاق .
والثّانية :إن كان ل يسمع الخطبة شمّت العاطس ،وإن كان يسمع لم يفعل ،قال أبو طالب :
قال أح مد :إذا سمعت الخط بة فا ستمع وأن صت ول تقرأ ول تشمّت ،وإذا لم ت سمع الخط بة
فاقرأ وشمّت وردّ ال سّلم .وقال أ بو داود :قلت لح مد :يردّ ال سّلم والمام يخ طب ويشمّت
العاطس ؟ قال :إذا كان ليس يسمع الخطبة فيردّ ،وإذا كان يسمع فل لقول اللّه تعالى :
صتُوا } وروي نحو ذلك عن ابن عمر رضي ال عنهما .
ستَ ِمعُوا لَه وَأ ْن ِ
{ فَا ْ
تشميت مَنْ في الخلء لقضاء حاجته :
- 7يكره لمن في الخلء لقضاء حاجته أن يشمّت عاطسا سمع عطسته .
بذلك قال فقهاء المذاهب الربعة .كما كرهوا له إن عطس في خلئه أن يحمد اللّه بلسانه ،
وأجازوا له ذلك في نفسه دون أن يحرّك به لسانه .وعن المهاجر بن قنفذ رضي ال عنه قال
« :أتيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم وهو يبول فسلّمت عليه ،فلم يردّ حتّى توضّأ ،ثمّ اعتذر
إليّ وقال :إنّي كرهت أن أذكر اللّه تعالى إل على طهر أو قال :على طهارة »
تشميت المرأة الجنبيّة للرّجل والعكس :
- 8إن كانت المرأة شابّة يخشى الفتنان بها كره لها أن تشمّت الرّجل إذا عطس ،كما يكره
لها أن تردّ على مشمّت لها لو عطست هي .بخلف لو كانت عجوزا ول تميل إليها النّفوس
فإنّها تشمّت وتشمّت متى حمدت اللّه ،بذلك قال المالكيّة ومثلهم في ذلك الحنابلة .جاء في
الداب الشّرعيّة لبن مفلح عن ابن تميم :ل يشمّت الرّجل الشّابّة ول تشمّته .
وقال السّامريّ :يكره أن يشمّت الرّجل المرأة إذا عطست ول يكره ذلك للعجوز .
وقال ابن الجوزيّ :وقد روينا عن أحمد بن حنبل رضي ال عنه أنّه كان عنده رجل من
العبّاد فعطست امرأة أحمد ،فقال لها العابد :يرحمك اللّه .فقال أحمد رحمه ال .عابد جاهل
.وقال حرب :قلت لحمد :الرّجل يشمّت المرأة إذا عطست ؟ فقال :إن أراد أن يستنطقها
ليسمع كلمها فل ،لنّ الكلم فتنة ،وإن لم يرد ذلك فل بأس أن يشمّتهنّ .
وقال أبو طالب :إنّه سأل أبا عبد اللّه :يشمّت الرّجل المرأة إذا عطست ؟ قال :نعم قد شمّت
أبو موسى امرأته .قلت :فإن كانت امرأة تمرّ أو جالسة فعطست أشمّتها ؟ قال :نعم .وقال
القاضي :ويشمّت الرّجل المرأة البرزة ويكره للشّابّة .وقال ابن عقيل :يشمّت المرأة البرزة
وتشمّته ول يشمّت الشّابّة ول تشمّته ،وقال الشّيخ عبد القادر :يجوز للرّجل تشميت المرأة
البرزة والعجوز ،ويكره للشّابّة ،وفي هذا تفريق بين الشّابّة وغيرها .
وعند الحنفيّة ذكر صاحب الذّخيرة :أنّه إذا عطس الرّجل فشمّتته المرأة ،فإن عجوزا ردّ
عليها وإل ردّ في نفسه .قال ابن عابدين :وكذا لو عطست هي كما في الخلصة .
تشميت المسلم للكافر :
- 9لو عطس كافر وحمد اللّه عقيب عطاسه وسمعه مسلم كان عليه أن يشمّته بقوله :هداك
اللّه أو عافاك اللّه ،فقد أخرج أبو داود من حديث أبي موسى الشعريّ قال « :كانت اليهود
يتعاطسون عند النّبيّ صلى ال عليه وسلم رجاء أن يقول يرحمكم اللّه ،فكان يقول :يهديكم
اللّه ويصلح بالكم » .وفي قوله :يهديكم اللّه ويصلح بالكم .تعريض لهم بالسلم :أي
اهتدوا وآمنوا يصلح اللّه بالكم .فلهم تشميت مخصوص ،وهو الدّعاء لهم بالهداية وإصلح
البال .بخلف تشميت المسلمين ،فإنّهم أهل للدّعاء بالرّحمة بخلف الكفّار .وعن ابن عمر
رضي ال عنهما قال « :اجتمع اليهود والمسلمون فعطس النّبيّ صلى ال عليه وسلم فشمّته
الفريقان جميعا ،فقال للمسلمين يغفر اللّه لكم ويرحمنا وإيّاكم .وقال لليهود :يهديكم اللّه
ويصلح بالكم »
تشميت المصلّي غيره :
- 10من كان في الصّلة وسمع عاطسا حمد اللّه عقب عطاسه فشمّته بطلت صلته ،لنّ
تشميته له بقوله :يرحمك اللّه يجري في مخاطبات النّاس ،فكان من كلمهم ،فقد روي عن
معاوية بن الحكم رضي ال عنه قال « :بينا أنا مع رسول اللّه صلى ال عليه وسلم في
الصّلة إذ عطس رجل من القوم ،فقلت :يرحمك اللّه ،فحدّقني القوم بأبصارهم ،فقلت :
واثكل ُأمّاه ،ما لكم تنظرون إليّ ؟ فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم ،فلمّا انصرف رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم دعاني بأبي وأمّي هو ،ما رأيتُ معلّما أحسن تعليما منه ،واللّه ما
ن صلتنا هذه ل يصلح فيها شيء من
ضربني صلى ال عليه وسلم ول كهرني ثمّ قال :إ ّ
كلم الدميّين ،إنّما هي التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن » .
هذا قول الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والمشهور عند الشّافعيّة ،وإن كان تعبير الحنفيّة بالفساد
وتعبير غيرهم بالبطلن ،إلّا أنّ البطلن والفساد في ذلك بمعنى .
فإن عطس هو في صلته فحمد اللّه وشمّت نفسه في نفسه دون أن يحرّك بذلك لسانه بأن قال
:يرحمك اللّه يا نفسي ل تفسد صلته ،لنّه لمّا لم يكن خطابا لغيره لم يعتبر من كلم النّاس
كما إذا قال :يرحمني اللّه .قال به الحنفيّة والحنابلة المالكيّة .
تشميت العاطس فوق ثلث :
- 11من تكرّر عطاسه فزاد على الثّلث فإنّه ل يشمّت فيما زاد عنها ،إذ هو بما زاد عنها
مزكوم .فعن سلمة بن الكوع رضي ال عنه « :شمّت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
رجلً عطس مرّتين بقوله :يرحمك اللّه ث ّم قال عنه في الثّالثة :هذا رجل مزكوم » .
وذكر ابن دقيق العيد عن بعض الشّافعيّة أنّه قال :يكرّر التّشميت إذا تكرّر العطاس ،إل أن
يعرف أنّه مزكوم فيدعو له بالشّفاء .وعند هذا سقط المر بالتّشميت عند العلم بالزّكام ،لنّ
التّعليل به يقتضي أن ل يشمّت من علم أنّ به زكاما أصلً ،لكونه مرضا ،وليس عطاسا
محمودا ناشئا عن خفّة البدن وانفتاح المسامّ وعدم الغاية في الشّبع .
تشمير *
التّعريف :
- 1للتّشمير في اللّغة معان :منها :الرّفع يقال :شمّر الزار والثّوب تشميرا :إذا رفعه ،
ويقال :شمّر عن ساقه ،وشمّر في أمره :أي خفّ فيه وأسرع ،وشمّر الشّيء فتشمّر :
قلّصه فتقلّص ،وتشمّر أي :تهيّأ .وفي الصطلح ل يخرج عن معنى رفع الثّوب .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -السّدل :
- 2من معاني السّدل في اللّغة :إرخاء الثّوب .يقال :سدلت الثّوب سدلً :إذا أرخيته
وأرسلته من غير ضمّ جانبيه .
وسدل الثّوب يسدله ويسدله سدلً ،وأسدله :أرخاه وأرسله .وعن عليّ رضي ال عنه ":أنّه
خرج فرأى قوما يصلّون قد سدلوا ثيابهم ،فقال :كأنّهم اليهود خرجوا من فهورهم "
واصطلحا :أن يجعل الشّخص ثوبه على رأسه ،أو على كتفيه ،ويرسل أطرافه من جوانبه
من غير أن يضمّها ،أو يردّ أحد طرفيه على الكتف الخرى .
وهو في الصّلة مكروه بالتّفاق .لما روي عن أبي هريرة رضي ال عنه « أنّ النّبيّ صلى
ال عليه وسلم نهى عن السّدل في الصّلة . » . .
ب -السبال :
- 3السبال في اللّغة :الرخاء والطالة .يقال :أسبل إزاره :إذا أرخاه .وأسبل فلن ثيابه
:إذا طوّلها وأرسلها إلى الرض ،وفي الحديث « :أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال
:ثلثة ل يكلّمهم اللّه يوم القيامة ول ينظر إليهم ول يزكّيهم .قال :قلت :ومن هم ؟ خابوا
وخسروا .فأعادها رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ثلث مرّات :المسبل ،والمنّان ،والمنفّق
ي وغيره :المسبل :الّذي يطوّل ثوبه ويرسله إلى
سلعته بالحلف الكاذب » قال ابن العراب ّ
الرض إذا مشى ،وإنّما يفعل ذلك كبرا واختيال .
وهو في الصطلح ل يخرج عن هذا المعنى .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :من جرّ ثوبه من الخيلء لم
وحكمه الكراهة ،لما روي أ ّ
ينظر اللّه إليه » وعن ابن مسعود قال :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول « :من
ل ذكره في حلّ ول حرام » .
أسبل إزاره في صلته خيلء فليس من اللّه ج ّ
ي يرفعه « ل ينظر اللّه يوم القيامة إلى من ج ّر إزاره بطرا » .
وحديث أبي سعيد الخدر ّ
وللتّفصيل ر ( :صلة -عورة -إسبال ) .
الحكم الجماليّ :
- 4التّشمير في الصّلة مكروه اتّفاقا ،لما ورد أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم « نهى عن كفّ
الثّياب والشّعر » .إل أنّ المالكيّة قالوا بكراهته فيها إذا كان فعله لجلها .
وأمّا فعله خارجها ،أو فيها ل لجلها ،فل كراهة فيه .ومثل ذلك عندهم تشمير الذّيل عن
السّاق :فإن فعله لجل شغل ،فحضرت الصّلة ،فصلّى وهو كذلك فل كراهة .
وظاهر المدوّنة أنّه سواء عاد لشغله ،أم ل .وحملها الشّبيبيّ على ما إذا عاد لشغله ،وصوّبه
ابن ناجي .وللتّفصيل ر ( :صلة ،عورة ،لباس ) .
تشهّد *
التّعريف :
- 1التّشهّد في اللّغة :مصدر تشهّد ،أي :تكلّم بالشّهادتين .
ويطلق في اصطلح الفقهاء على قول كلمة التّوحيد ،وعلى التّشهّد في الصّلة ،وهي قراءة :
التّحيّات للّه . .إلى آخره في الصّلة .وصرّح ابن عابدين نقل عن الحلية :أنّ التّشهّد اسم
لمجموع الكلمات المرويّة عن ابن مسعود رضي ال عنه وغيره .سمّي به لشتماله على
الشّهادتين .من باب تسمية الشّيء باسم جزئه .
الحكم الجماليّ :
ن التّشهّد
ح ،والمالكيّة في قول ،وهو المذهب عند الحنابلة إلى :أ ّ
- 2ذهب الحنفيّة في الص ّ
واجب في القعدة الّتي ل يعقبها السّلم ،لنّه يجب بتركه سجود السّهو .
ويرى الحنفيّة في قول ،والمالكيّة في المذهب ،والشّافعيّة ،والحنابلة في رواية :س ّنيّة التّشهّد
في هذه القعدة ،لنّه يسقط بالسّهو فأشبه السّنن .
وأمّا التّشهّد في القعدة الخيرة في الصّلة فواجب عند الحنفيّة ،لقوله صلى ال عليه وسلم في
حديث العرابيّ « :إذا رفعت رأسك من آخر سجدة ،وقعدت قدر التّشهّد ،فقد َتمّتْ صلتُك
» علّق التّمام بالقعدة دون التّشهّد ،فالفرض عند الحنفيّة في هذه القعدة هو الجلوس فقط ،أمّا
التّشهّد فواجب ،يجبر بسجود السّهو إن ترك سهوا ،وتكره الصّلة بتركه تحريما ،فتجب
إعادتها .والمذهب عند المالكيّة أنّه سنّة ،وفي قول واجب .
ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه ركن من أركان الصّلة ،وهذا ما يسمّيه بعضهم فرضا أو واجبا
وبعضهم ركنا ،تشبيها له بركن البيت الّذي ل يقوم إل به .
وفي الفرق بين الفرض والواجب عند الحنفيّة ،ومعنى الوجوب عند غيرهم تفصيل يرجع فيه
إلى مظانّه في كتب الفقه والصول .وانظر أيضا ( :فرض ،وواجب ) .
ألفاظ التّشهّد :
ن أفضل التّشهّد ،التّشهّد الّذي علّمه النّبيّ صلى ال عليه وسلم
- 3يرى الحنفيّة والحنابلة أ ّ
طيّبات ،السّلم
لعبد اللّه بن مسعود رضي ال عنهما ،وهو « :التّحيّات للّه ،والصّلوات وال ّ
عليك أيّها النّبيّ ورحمة اللّه وبركاته ،السّلم علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين ،أشهد أن ل
ن محمّدا عبده ورسوله » .
إله إلّا اللّه ،وأشهد أ ّ
ن حمّادا أخذ بيد أبي حنيفة وعلّمه التّشهّد ،وقال أخذ
ووجه اختيارهم لهذه الرّواية ما روي :أ ّ
ي بيديّ وعلّمني ،وأخذ علقمة بيد إبراهيم وعلّمه ،وأخذ عبد اللّه بن مسعود
إبراهيم النّخع ّ
رضي ال عنه بيد علقمة وعلّمه « ،وأخذ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بيد عبد اللّه بن
مسعود رضي ال عنه وعلّمه التّشهّد فقال :قل :التّحيّات للّه » . . .إلى آخره .ويؤيّده ما
روي عن ابن مسعود رضي ال عنه قال « :علّمني رسول اللّه صلى ال عليه وسلم التّشهّد
-كفّي بين كفّيه -كما يعلّمني سورة من القرآن ،التّحيّات للّه . » . . .
ن فيه زيادة واو العطف ،وإنّه يوجب تعدّد الثّناء ،لنّ المعطوف غير المعطوف عليه ،
لّ
وبه يقول :الثّوريّ ،وإسحاق ،وأبو ثور .
ويرى المالكيّة أنّ أفضل التّشهّد تشهّد عمر بن الخطّاب رضي ال عنه وهو :التّحيّات للّه ،
الزّاكيات للّه ،الطّيّبات الصّلوات للّه ،السّلم عليك أيّها النّبيّ ورحمة اللّه وبركاته ،السّلم
ن محمّدا
علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين ،أشهد أن ل إله إلّا اللّه وحده ل شريك له ،وأشهد أ ّ
ن عمر رضي ال عنه قاله على المنبر ،فلم ينكروه ،فجرى مجرى
عبده ورسوله .وهذا ل ّ
الخبر المتواتر ،وكان أيضا إجماعا .
وأمّا الشّافعيّة فأفضل التّشهّد عندهم ما روي عن ابن عبّاس رضي ال عنهما قال « :كان
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يعلّمنا التّشهّد ،كما يعلّمنا السّورة من القرآن ،فيقول :قولوا
طيّبات للّه ،السّلم عليك أيّها النّبيّ ورحمة اللّه وبركاته ،
:التّحيّات المباركات ،الصّلوات ال ّ
ن محمّدا رسول اللّه
السّلم علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين ،أشهد أن ل إله إلّا اللّه ،وأشهد أ ّ
» .أخرجه مسلم والتّرمذيّ ،إل أنّه في رواية مسلم « وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله » .
والخلف بين الئمّة هنا خلف في الولويّة ،فبأيّ تشهّد تشهّد ممّا صحّ عن النّبيّ صلى ال
عليه وسلم جاز .ومن النّاس من اختار تشهّد أبي موسى الشعريّ ،وهو أن يقول :التّحيّات
طيّبات ،والصّلوات للّه . . .والباقي كتشهّد ابن مسعود وذكر ابن عابدين أنّ المصلّي
للّه ،ال ّ
يقصد بألفاظ التّشهّد معانيها ،مرادة له على وجه النشاء ،كأنّه يحيّي اللّه تعالى ويسلّم على
النّبيّ صلى ال عليه وسلم وعلى نفسه والولياء ،ول يقصد الخبار والحكاية عمّا وقع في
المعراج منه صلى ال عليه وسلم ومن ربّه سبحانه وتعالى ومن الملئكة .
الزّيادة والنّقصان في ألفاظ التّشهّد والتّرتيب بينها :
- 4اختلفت أقوال الفقهاء في هذه المسألة على النّحو التي :
ذهب الحنفيّة إلى أنّه يكره تحريما أن يزيد في التّشهّد حرفا ،أو يبتدئ بحرف قبل حرف .
ن أذكار الصّلة محصورة
قال أبو حنيفة :ولو نقص من تشهّده أو زاد فيه .كان مكروها ،ل ّ
،فل يزاد عليها .ثمّ أضاف ابن عابدين قائل :والكراهة عند الطلق للتّحريم .ويكره كذلك
عند المالكيّة الزّيادة على التّشهّد ،واختلفوا في ترك بعض التّشهّد ،فالظّاهر من كلم بعض
سنّة ببعض التّشهّد ،خلفا لبن ناجي في كفاية بعضه ،قياسا على
شيوخهم عدم حصول ال ّ
السّورة .
طيّبات والزّاكيات
وأمّا الشّافعيّة فقد فصّلوا الكلم ،وقالوا :إنّ لفظ المباركات والصّلوات ،وال ّ
سنّة ليس بشرط في التّشهّد ،فلو حذف كلّها واقتصر على الباقي أجزأه من غير خلف عندهم
.وأمّا لفظ :السّلم عليك . . .إلخ فواجب ل يجوز حذف شيء منه ،إلّا لفظ ورحمة اللّه
وبركاته .وفي هذين اللّفظين ثلثة أوجه :أصحّها عدم جواز حذفهما .
والثّاني :جواز حذفهما .والثّالث :يجوز حذف وبركاته ،دون رحمة اللّه " .
ب عندهم على الصّحيح من المذهب ،فلو قدّم بعضه على
وكذلك التّرتيب بين ألفاظها مستح ّ
بعض جاز ،وفي وجه ل يجوز كألفاظ الفاتحة .
ح تشهّده في
والحنابلة يرون أنّه إذا أسقط لفظة هي ساقطة في بضع التّشهّدات المرويّة ص ّ
الصحّ .وفي رواية أخرى :لو ترك واوا أو حرفا أعاد الصّلة ،لقول السود :فكنّا
نتحفّظه عن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كما نتحفّظ حروف القرآن .
الجلوس في التّشهّد :
ي من الحنفيّة إلى :أنّ
ي والكرخ ّ
- 5ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وهو قول الطّحاو ّ
الجلوس في التّشهّد الوّل سنّة .
ح عند الحنفيّة -وهو وجه عند الحنابلة -أنّه واجب .
والص ّ
وأمّا في التّشهّد الثّاني فالجلوس بقدر التّشهّد ركن عند الربعة ،وهو ما عبّر عنه الحنفيّة
بالفرضيّة ،وغيرهم تارة بالوجوب وتارة بالفرضيّة .
وأمّا هيئة الجلوس في التّشهّد ،فتفصيله في مصطلح ( :جلوس ) .
التّشهّد بغير العربيّة :
- 6ل خلف بين الفقهاء في جواز التّشهّد بغير العربيّة للعاجز ،واختلفوا فيه للقادر عليها .
والتّفصيل في مصطلح ( :ترجمة ) .
السرار في التّشهّد :
سنّة في التّشهّد السرار ،لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم لم يكن يجهر به ،إذ لو جهر
- 7ال ّ
سنّة إخفاء التّشهّد
به لنقل كما نقلت القراءة ،وقال عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه « من ال ّ
» .قال صاحب المغني :ول نعلم في هذا خلفا .
ما يترتّب على ترك التّشهّد :
- 8ل خلف بين الفقهاء في مشروعيّة سجدة السّهو بترك التّشهّد في القعدة الولى ( قبل
الخيرة ) إن كان تركه سهوا ،على خلف بينهم في الحكم .
واختلفوا في تركه عمدا :فذهب الحنفيّة ،والحنابلة في قول إلى :وجوب إعادة الصّلة .
ن على المصلّي أن يسجد للسّهو في
ويرى المالكيّة والشّافعيّة ،والحنابلة في رواية أخرى ،أ ّ
هذه الحالة أيضا .وأمّا ترك التّشهّد في القعدة الخيرة إن كان عمدا :فذهب الحنفيّة والمالكيّة
في وجه ،والشّافعيّة والحنابلة إلى وجوب العادة .وكذلك إن كان سهوا عند الشّافعيّة
والحنابلة .ويرى الحنفيّة والمالكيّة أنّ عليه سجدة السّهو في هذه الحالة .
وأمّا حكم الرّجوع إلى التّشهّد لمن قام إلى الثّالثة في ثنائيّة أو إلى الرّابعة في ثلثيّة ،أو إلى
خامسة في رباعيّة ،فقد فصّله الفقهاء في كتاب الصّلة عند الكلم عن سجدة السّهو .
ي صلى ال عليه وسلم في التّشهّد :
الصّلة على النّب ّ
- 9يرى جمهور الفقهاء أنّ المصلّي ل يزيد على التّشهّد في القعدة الولى بالصّلة على النّبيّ
صلى ال عليه وسلم وبهذا قال النّخعيّ والثّوريّ وإسحاق .
وذهب الشّافعيّة في الظهر من القوال إلى استحباب الصّلة فيها ،وبه قال الشّعبيّ .
وأمّا إذا جلس في آخر صلته فل خلف بين الفقهاء في مشروعيّة الصّلة على النّبيّ صلى
ال عليه وسلم بعد التّشهّد .وأمّا صيغة الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم في القعدة
الخيرة ،وما روي في ذلك من الدلّة ،فقد فصّل الفقهاء الكلم عليه في موطنه من كتب
الفقه .وانظر أيضا " :الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم " .
تشهير *
التّعريف :
- 1التّشهير في اللّغة مأخوذ من شهّره ،بمعنى :أعلنه وأذاعه ،وشهّر به :أذاع عنه السّوء
،وشهّره تشهيرا فاشتهر .والشّهرة :وضوح المر .ول يخرج استعمال الفقهاء له عن
المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّعزير :
- 2التّعزير :التّأديب والهانة دون الحدّ .وهو أعمّ من التّشهير ،إذ يكون بالتّشهير وبغيره
.فالتّشهير نوع من أنواع التّعزير .
ب -السّتر :
- 3السّتر :المنع والتّغطية .وهو ضدّ التّشهير .
الحكم الجماليّ :
- 3يختلف حكم التّشهير باعتبار من يصدر منه ،وباعتبار المشهّر به .فالتّشهير قد يكون
من النّاس بعضهم ببعض ،على جهة العداوة أو الغيبة ،أو على جهة النّصيحة والتّحذير .
وقد يكون من الحاكم في الحدود أو في التّعازير .وبيان ذلك فيما يأتي :
أوّل :تشهير النّاس بعضهم ببعض :
ن تشهير النّاس بعضهم ببعض بذكر عيوبهم والتّنقّص منهم حرام .
الصل أ ّ
وقد يكون مباحا أو واجبا .وذلك راجع إلى ما يتّصف به المشهّر به .
- 4فيكون حراما في الحوال التية :
أ -إذا كان المشهّر به بريئا ممّا يشاع ع نه ويقال ف يه .وال صل في ذلك قوله تعالى { :إنّ
عذَابٌ أَلِيمٌ في الدّنيا والخِرةِ والّلهُ َيعْلمُ وأ ْنتُمْ
حشَ ُة في الّذينَ آ َمنُوا لهمْ َ
حبّونَ َأنْ َتشِيعَ الفَا ِ
الّذينَ ُي ِ
ل َتعَْلمُون } .وقول النّبيّ « :أيّما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة وهو منها بريء ،يرى
أن يشينه بها في الدّنيا ،كان حقّا على اللّه تعالى أن يرميه بها في النّار .ث ّم تل مصداقه من
حشَةُ } » .
حبّونَ أنْ َتشِيعَ الفَا ِ
ن الّذينَ ُي ِ
كتاب اللّه تعالى { :إ ّ
وقد ذمّ اللّه سبحانه وتعالى الّذين فعلوا ذلك ،وتوعّدهم بالعذاب العظيم ،وذلك في اليات الّتي
سيّدة عائ شة ر ضي ال عن ها ح ين رما ها أ هل ال فك والبهتان ب ما قالوه من
نزلت في شأن ال ّ
عصْبَ ٌة ِم ْن ُكمْ . } . . .
ن جَاءوا بِال ْفكِ ُ
الكذب والفتراء ،وهي قوله تعالى { :إنّ الّذي َ
ن المُؤمني نَ والمؤمنَا تِ ِبغَيرِ ما ا ْكتَ سَبُوا ف قد
وقال ا بن كث ير في قوله تعالى { :وَالّذي نَ ُي ْؤذُو َ
ح َتمَلُوا بُهتَانا وإِثما ُمبِينَا } أي ينسنبون إليهنم منا هنم برآء مننه لم يعملوه ولم يفعلوه ،يحكون
اْ
على المؤمنين والمؤمنات ذلك على سبيل العيب والتّنقّص منهم ،وقد قال رسول اللّه فيه « :
ْمنينن
َ ُونن ال ُمؤ
ّذينن يُ ْؤذ َ
ثمن قرأ { :وَال َ
أربنى الرّبنا عنند اللّه اسنتحللُ عِرض امرئ مسنلم ّ
سمّعَ الّل هُ به » أي
سمّعَ َ
ن َ
وَال ُمؤْمنا تِ } » وقد قيل في معنى قوله صلى ال عليه وسلم « :مَ ْ
من سمّع بعيوب النّاس وأذاعها أظهر اللّه عيوبه .
ومن ذلك :الهجو بالشّعر .قال ابن قدامة :ما كان من الشّعر يتضمّن هجو المسلمين والقدح
في أعراضهم فهو محرّم على قائله .
ب -إذا كان المشهّر به يتّصف بما يقال عنه ،ولكنّه ل يجاهر به ،ول يقع به ضرر على
غيره .فالتّشهير به حرام أيضا ،لنّه يعتبر من الغيبة الّتي نهى اللّه سبحانه وتعالى عنها في
ي صلى
قوله { :ول َي ْغتَ بْ َب ْعضُكم َبعْضَا } .وقد روى أبو هريرة رضي ال عنه « أ نّ النّب ّ
ال عل يه و سلم قال :أتدرون ما الغي بة ؟ قالوا :اللّه ور سوله أعلم .قال ِ :ذ ْكرُ كَ أخا كَ ب ما
غ َت ْبتَه ،وإن
ل فقد ا ْ
َيكْره .قيل :أفرأي تَ إن كان في أخي ما أقولُ ؟ قال :إن كان فيه ما تقو ُ
لم يكن فيه ما تقول فقد َب َهتّه » .
ومن ذلك :قول العالم :قال فلن كذا مريدا التّشنيع عل يه .أو قول النسان :فعل كذا ب عض
النّاس ،أو بعض من يدّعي العلم ،أو بعض من ينسب إلى الصّلح والزّهد ،أو نحو ذلك إذا
كان المخاطب يفهمه بعينه ،ونحو ذلك .
ن السّتر على المسلم واجب لمن ليس معروفا بالذى والفساد .
ومن المقرّر شرعا :أ ّ
س َترَه اللّه عزّ وجلّ يو مَ القيامة » قال
س َترَ مُ سْلما َ
ن َ
فقد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :مَ ْ
في شرح مسلم :وهذا السّتر في غير المشتهرين .
وقال ابن العربيّ :إذا رأيت إنسانا على معصية فعظه فيما بينك وبينه ،ول تفضحه .
ج -ويحرم كذلك تشهير النسان بنفسه ،إذ المسلم مطالب بالسّتر على نفسه .
ففي ال صّحيحين عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
ن من الجهار أن يع مل الع بد باللّ يل عملً ،ث مّ
يقول « :كلّ أمّ تي ُمعَا فى إل المجاهر ين ،وإ ّ
ت البارحة كذا وكذا .وقد بات يستره اللّه
يصبح وقد ستره عليه اللّه ،فيقول :يا فلن ،عمل ُ
عزّ وجلّ ويصبح يكشف ستر اللّه عزّ وجلّ عنه »
والسّتر واجب على المسلم في خاصّة نفسه إذا أتى فاحشة ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
« من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر اللّه » .
- 5ويكون التّشهير جائزا لمن يجاهر بالمعصية في الحوال التية :
أ -بالنّسبة لمن يجاهر بالمعصية ،فيجوز ذكر من يتجاهر بفسقه ،لنّ المجاهر بالفسق ل
ن من ألقى جلباب الحياء ل غيبة له.
يستنكف أن يذكر به ،ول يعتبر هذا غيبة في حقّه ،ل ّ
قال القرافيّ :المعلن بالفسوق -كقول امرئ القيس ":فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع "
فإنّه يفتخر بالزّنا في شعره -فل يضرّ أن يحكى ذلك عنه ،لنّه ل يتألّم إذا سمعه ،بل قد
يسرّ بتلك المخازي ،وكثير من اللّصوص تفتخر بالسّرقة والقتدار على التّسوّر على الدّور
العظام والحصون الكبار ،فذكر مثل هذا عن هذه الطّوائف ل يحرم .
وفي الكمال في شرح حديث مسلم « :مَنْ سَترَ مسلما ستره اللّه » قال :وهذا السّتر في غير
المشتهرين .وقال الخلل :أخبرني حرب :سمعت أحمد يقول :إذا كان الرّجل معلنا بفسقه
فليست له غيبة .
وذكر ابن عبد البرّ في كتاب بهجة المجالس عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ثلث ٌة ل غِيبة
فيهم :الفاسقُ المعلن بفسقه ،وشارب الخمر ،والسّلطان الجائر » .
- 6ب -إذا كان التّشهير على سبيل نصيحة المسلمين وتحذيرهم ،وذلك كجرح الرّواة
والشّهود والمناء على الصّدقات والوقاف واليتام ،والتّشهير بالمصنّفين والمتصدّين لفتاء
أو إقراء مع عدم أهليّة ،أو مع نحو فسق أو بدعة يدعون إليها ،وأصحاب الحديث وحملة
سيّئة لمن عرفها ممّن يقلّد في ذلك
العلم المقلّدين ،هؤلء يجب تجريحهم وكشف أحوالهم ال ّ
ويلتفت إلى قوله ،لئل يغترّ بهم ويقلّد في دين اللّه من ل يجوز تقليده ،وليس السّتر هنا
بمرغّب فيه ول مباح .على هذا اجتمع رأي المّة قديما وحديثا .
يقول القرافيّ :أرباب البدع والتّصانيف المضلّة ينبغي أن يشهّر النّاس فسادها وعيبها .وأنّهم
على غير الصّواب ،ليحذرها النّاس الضّعفاء فل يقعوا فيها ،وينفر عن تلك المفاسد ما
أمكن ،بشرط أن ل يتعدّى فيها الصّدق ،ول يفتري على أهلها من الفسوق والفواحش ما لم
يفعلوه ،بل يقتصر على ما فيهم من المنفّرات خاصّة ،فل يقال في المبتدع :إنّه يشرب
الخمر ،ول أنّه يزني ،ول غير ذلك ممّا ليس فيه .
ويجوز وضع الكتب في جرح المجروحين من رواة الحديث والخبار بذلك لطلبة العلم
الحاملين لذلك لمن ينتفع به وينقله ،بشرط أن تكون ال ّنيّة خالصة للّه تعالى في نصيحة
المسلمين في ضبط الشّريعة .
أمّا إذا كان لجل عداوة أو تَ َفكّهٍ بالعراض وجريا مع الهوى فذلك حرام ،وإن حصلت به
المصلحة عند الرّواة .
ويقول الخطيب الشّربينيّ :لو قال العالم لجماعة من النّاس :ل تسمعوا الحديث من فلن فإنّه
يخلط أو ل تستفتوا منه فإنّه ل يحسن الفتوى فهذا نصح للنّاس .نصّ عليه في المّ .قال :
وليس هذا بغيبة إن كان يقوله لمن يخاف أن يتبعه ويخطئ باتّباعه .ومثله في الفواكه الدّواني
شرّ ونصيحتهم ،وذلك من وجوه منها :جرح
.ويقول النّوويّ :يجوز تحذير المسلمين من ال ّ
المجروحين من الرّواة للحديث والشّهود ،وذلك جائز بإجماع المسلمين ،بل واجب للحاجة .
ومنها :إذا استشارك إنسان في مصاهرته أو مشاركته أو إيداعه أو اليداع عنده أو معاملته
بغير ذلك ،وجب عليك أن تذكر له ما تعلمه منه على جهة النّصيحة .وفي مغني المحتاج :
ينكر على من تصدّى للتّدريس والفتوى والوعظ وليس هو من أهله ،ويشهّر أمره لئلّا يغترّ به
.
ثانيا :التّشهير من الحاكم :
تشهير الحاكم لبعض النّاس يكون في الحدود أو في التّعزير .
أ -بالنّسبة للحدود :
عذَابَهما
شهَدْ َ
- 7قال الفقهاء :ينبغي أن تقام الحدود في مل من النّاس ،لقوله تعالى { :وَ ْل َي ْ
ن النّصّ الوارد فيه
طَائِ َفةٌ من المُؤْمنين } ،قال الكاسانيّ :والنّصّ وإن ورد في حدّ الزّنى ،لك ّ
يكون واردا في سائر الحدود دللة ،لنّ المقصود من الحدود كلّها واحد ،وهو زجر العامّة ،
ن الحضور ينزجرون بأنفسهم
وذلك ل يحصل إلّا وأن تكون القامة على رأس العامّة ،ل ّ
بالمعاينة ،والغائبين ينزجرون بإخبار الحضور ،فيحصل الزّجر للكلّ .وقال عبد الملك بن
حبيب :ينبغي أن يكون إقامة الحدّ علنية وغير سرّ ،ليتناهى النّاس عمّا حرّم اللّه عليهم .
وقال مطرّف :ومن أمر النّاس عندنا الشّهر لهل الفسق رجال ونساء ،والعلم بجلدهم في
الحدود وما يلزمهم من العقوبة وكشف وجه المرأة .
شرّاب الخمر ؟ قال
وسئل المام مالك عن المجلود في الخمر والفِرية :أترى أن يطاف بهم وب ُ
:إذا كان فاسقا مدمنا فأرى أن يطاف بهم ،ونعلن أمرهم ويفضحون .
ن في ذلك
وفي حدّ السّرقة قال الفقهاء :يندب أن يعلّق العضو المقطوع في عنق المحدود ،ل ّ
ي صلى ال عليه وسلم أُتيَ
ن النّب ّ
ردعا للنّاس ،وقد روى فضالة بن عبيد رضي ال عنه « أ ّ
بسارق قطعت يده ،ثمّ أمر بها فعلّقت في عنقه » وفعل ذلك عليّ رضي ال عنه.
ل العاملِ نبعثه ،فيأتي فيقول :هذا لك وهذا لي .فهل
وذكر في ال ّدرّ المختار حديث « :ما با ُ
جلس في بيت أبيه وأمّه فينظرُ أيهدى له أم ل ؟ والّذي نفسي بيده ل يأتي بشيء إل جاء به
يوم القيامة يحمله على رقبته ،إن كان بعيرا له رُغاء ،أو بقرة لها خُوار ،أو شاة َت ْي َعرُ » .
ن الحكّام أخذوا بالتّجريس
قال ابن عابدين :ويؤخذ من هذا الحديث -كما قال ابن المنير -أ ّ
بالسّارق ونحوه من هذا الحديث .
كذلك قال الفقهاء في قاطع الطّريق إذا صلب :يصلب ثلثة أيّام ليشتهر الحال ويتمّ النّكال .
قال ابن قدامة :إنّما شرع الصّلب ردعا لغيره ليشتهر أمره .
ب -بالنّسبة للتّعزير :
- 8التّشهير نوع من أنواع التّعزير ،أي أنّه عقوبة تعزيريّة .
ن التّعزير يرجع في تحديد جنسه وقدره إلى نظر الحاكم ،فقد يكون بالضّرب أو
ومعلوم أ ّ
الحبس أو التّوبيخ أو التّشهير أو غير ذلك ،حسب اختلف مراتب النّاس ،واختلف
المعاصي ،واختلف العصار والمصار .وعلى ذلك فالتّعزير بالتّشهير جائز إذا علم
الحاكم أنّ المصلحة فيه ،وهذا الحكم هو بالنّسبة لكلّ معصية ل حدّ فيها ول كفّارة في الجملة
.يقول الماورديّ :للمير إذا رأى من الصّلح في ردع السّفلة :أن يشهّرهم وينادي عليهم
بجرائمهم ،ساغ له ذلك .ويقول :يجوز في نكال التّعزير أن يجرّد من ثيابه ،إل قدر ما
يستر عورته ،ويشهّر في النّاس ،وينادى عليه بذنبه إذا تكرّر منه ولم يتب .
وفي التّبصرة لبن فرحون :إن رأى القاضي المصلحة في قمع السّفلة بإشهارهم بجرائمهم
فعل .ويقول ابن فرحون أيضا :إذا حكم القاضي بالجور ،وثبت ذلك عليه بالبيّنة ،فإنّه
يعاقب العقوبة الموجعة ،وعزل ويشهّر ويفضح .
وفي كشّاف القناع :القوّادة -الّتي تفسد النّساء والرّجال -أقلّ ما يجب فيها الضّرب البليغ ،
وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض في الرّجال والنّساء لتجتنب .
ن الفقهاء دائما يذكرون التّشهير في تعزير شاهد الزّور ممّا يوحي بأنّ
غير أنّه يلحظ أ ّ
التّشهير واجب بالنّسبة لشاهد الزّور ،وذلك لعتبار هذه المعصية من الكبائر .
قال المام أبو حنيفة في شاهد الزّور في المشهور :يطاف به ويشهّر ،ول يضرب استنادا
إلى ما فعله القاضي شريح ،وزاد الصّاحبان ضربه وحبسه .
ويذكر ابن قدامة حديث النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :أل ُأ َنبّئكُم بأكبر الكبائر ؟ قالوا :بلى يا
ل الزّور
رسولَ اللّه قال :الشراكُ باللّه وعقوق الوالدين ،وكان متّكئا فجلس ،فقال :أل وقو ُ
وشهادة الزّور .فما زال يكرّرها حتّى قلنا :ليته سكت » .
ثمّ يقول ابن قدامة :فمتى ثبت عند الحاكم عن رجل أنّه شهد بزور عمدا عزّره وشهّره في
قول أكثر أهل العلم .روي ذلك عن عمر رضي ال عنه ،وبه يقول شريح والقاسم بن محمّد
ي وابن أبي ليلى ومالك والشّافعيّ وعبد الملك بن يعلى قاضي
وسالم بن عبد اللّه والوزاع ّ
البصرة .وفي كشّاف القناع :إذا عزّر من وجب عليه التّعزير وجب على الحاكم أن يشهّره
لمصلحة كشاهد زور ليجتنب .
وجاء في التّبصرة :التّعزير ل يختصّ بالسّوط واليد والحبس ،وإنّما ذلك موكول إلى اجتهاد
المام .قال أبو بكر الطّرطوشيّ في أخبار الخلفاء المتقدّمين :إنّهم كانوا يعاملون الرّجل على
قدره وقدر جنايته ،فمنهم من يضرب ،ومنهم من يحبس ،ومنهم من يقام واقفا على قدميه
ن التّعزير يختلف باختلف العصار
في المحافل ،ومنهم من تنزع عمامته .قال القرافيّ :إ ّ
والمصار ،فربّ تعزير في بلد يكون إكراما في بلد آخر ،كقطع الطّيلسان ليس تعزيرا في
الشّام فإنّه إكرام ،وكشف الرّأس بالندلس ليس هوانا وبمصر والعراق هوان .ثمّ قال صاحب
ص بفعل معيّن ول قول معيّن ،فقد « عزّر رسول اللّه صلى ال
التّبصرة :والتّعزير ل يخت ّ
عليه وسلم بالهجر » ،وذلك في حقّ الثّلثة الّذين ذكرهم اللّه تعالى في القرآن الكريم ،
فهجروا خمسين يوما ل يكلّمهم أحد « .وعزّر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالنّفي ،فأمر
بإخراج المخنّثين من المدينة ونفيهم » .
وفي مغني المحتاج :يجتهد المام في جنس التّعزير وقدره ،لنّه غير مقدّر شرعا ،فيجتهد
في سلوك الصحّ ،فله أن يشهّر في النّاس من أدّى اجتهاده إليه .
ويجوز له حلق رأسه ،ويجوز أن يصلب حيّا ،وهو ربطه في مكان عال لما ل يزيد عن
ثلثة أيّام ثمّ يرسل ،ول يمنع في تلك المدّة عن الطّعام والشّراب والصّلة .
وهذه النّصوص تدلّ على أنّه يجوز أن يكتفى بالتّشهير كعقوبة تعزيريّة إذا رأى المام ذلك ،
ويجوز أن يضمّ إليه عقوبة أخرى كالضّرب والحبس .
وقد كان أبو بكر البحتريّ -وهو أمير المدينة -إذا أتي برجل ،قد أخذ معه الجرّة من
المسكر ،أمر به فصبّ على رأسه عند بابه ،كيما يعرف بذلك ويشهّر به .
تشوّف *
التّعريف :
ل :إذا علت رءوس الجبال تنظر
- 1التّشوّف لغة :مصدر تشوّف .يقال :تشوّفتِ الوعا ُ
السّهل وخلوّه ممّا تخافه ل َت ِردَ الماء .
ومنه قيل تشوّف فلن لكذا :إذا طمح بصره إليه .ثمّ استعمل في تعلّق المال ،والتّطلّب .
والمُشوّفة من النّساء :الّتي تظهر نفسها ليراها النّاس .
وتشوّفت المرأة :تزيّنت وتطلّعت للخطاب -من شفّت الدّرهم :إذا جلوته .ودينار مشوّف :
أي مجلوّ -وهو أن تجلو المرأة وجهها وتصقل خدّيها .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ للفظ تشوّف عن معانيه الواردة في اللّغة .
وقيل :التّشوّف بمعنى التّزيّن خاصّ بالوجه ،والتّزيّن عامّ يستعمل في الوجه وغيره .
الحكم الجماليّ :
أ -تشوّف الشّارع لثبات النّسب :
ن الشّارع متشوّف للحاق النّسب ،لنّ
- 2من القواعد المقرّرة في الشّريعة السلميّة :أ ّ
النّسب أقوى الدّعائم الّتي تقوم عليها السرة ،ويرتبط به أفرادها ،قال تعالى { :وَهو الّذي
ن َر ّبكَ قَدِيرَا } .
ص ْهرَا َوكَا َ
سبَا َو ِ
شرَا َفجَعَلَ ُه َن َ
ن المَاءِ َب َ
خََلقَ مِ َ
شكّ
ولعتناء الشّريعة بحفظ النّسب وتشوّفها لثباته تكرّر فيها المر بحفظه عن تطرّق ال ّ
إليه ،والتّحذير من ذرائع التّهاون به .ولمراعاة هذا المقصد اتّفق الفقهاء على اعتبار الحوال
النّادرة في إلحاق النّسب ،لتشوّف الشّارع لثباته .وللتّفصيل ( ر :نسب ) .
ب -التّشوّف إلى العتق :
- 3من محاسن العتاق أنّه إحياء حكميّ ،يخرج العبد من كونه ملحقا بالجمادات إلى كونه
أهل للكرامات البشريّة ،من قبول الشّهادة والولية والقضاء .
ل :مكلّف مسلم -ولو سكران أو هازل ولو دون نيّة -لتشوّف
ويقع العتق عند الفقهاء من ك ّ
الشّارع إلى الح ّريّة بل خلف بين الفقهاء .
وقد أجمعوا على أنّه من حيث الصل تصرّف مندوب إليه ،ويجب لعارض ،ويحصل به
القربة لقوله تعالى { :فتحرير رقبة مؤمنة } وقوله عزّ وجلّ { فكّ رقبة } .ولخبر « أيّما
مسلم أعتق مؤمنا أعتق اللّه بكلّ عضو منه عضوا من النّار » ( ر :عتق ،إعتاق ) .
ج -التّشوّف في العدّة :
- 4المطلّقة الرّجعيّة لها أن تتزيّن ،لنّها حلل للزّوج ،لقيام نكاحها ما دامت في العدّة ،
والرّجعة مستحبّة ،والتّزيّن حامل عليها فيكون مشروعا .
وهذا عند الحنفيّة ،والمالكيّة ،والحنابلة .
ب لها التّزيّن .ومنهم من قال :
أمّا الشّافعيّة :فيرون أنّه يستحبّ لها الحداد .فل يستح ّ
الولى أن تتزيّن بما يدعو الزّوج إلى رجعتها ( .ر :عدّة ) ول خلف بين الفقهاء في تحريم
الزّينة على المتوفّى عنها زوجها مدّة عدّتها ،لوجوب الحداد عليها .
وأمّا المبانة في الحياة بينونة كبرى ،فقد اختلف الفقهاء فيها على أقوال :فذهب الحنفيّة ،
والشّافعيّة في قول إلى أنّه يحرم عليها الزّينة ،حدادا وأسفا على زوجها ،وإظهارا للتّأسّف
على فوت نعمة النّكاح ،الّذي هو سبب لصونها وكفاية مئونتها ،ولحرمة النّظر إليها ،وعدم
مشروعيّة الرّجعة .وقال الشّافعيّة :يستحبّ لها الحداد .
وفي قول :الحداد واجب على ما تقدّم ،وأمّا المالكيّة فقالوا :ل إحداد إل على المتوفّى عنها
زوجها فقط .ومفاده :ل إحداد على المبانة وإن استحبّ لها في عدّتها .
ول يسنّ لها الحداد عند الحنابلة ،ولهذا ل يلزمها أن تتجنّب ما يرغّب في النّظر إليها من
الزّينة .وللتّفصيل ( ر :عدّة ) .
د -التّشوّف للخطاب :
- 5يرى الفقهاء أنّه ل يجوز للّتي تكون صالحة للخطبة والزّواج أن تتزيّن استعدادا لرؤية
من يرغب في خطبتها والزّواج بها .
وأجمعوا على أنّه يجوز للخاطب أن يرى بنفسه من يرغب في زواجها لكي يقدم على العقد
إن أعجبته ،ويحجم عنه إن لم تعجبه ،لخبر « إذا خطب أحدكم امرأة ،فإن استطاع أن
ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل » وذلك لنّه من أسباب اللفة والوئام .
وعن المغيرة بن شعبة رضي ال عنه « أنّه خطب امرأة ،فقال له النّبيّ صلى ال عليه وسلم
:أنظرتَ إليها ؟ قال :ل .فقال :اذهب فانظر إليها ،فإنّه أحرى أن يُ ْؤدَم بينكما » .
ن رؤيتهما تحقّق
ن للخاطب أن ينظر إلى الوجه والكفّين فقط ،ل ّ
ويرى أكثر الفقهاء أ ّ
المطلوب من الجمال وخصوبة الجسد وعدمها .فيدلّ الوجه على الجمال أو ضدّه لنّه مجمع
المحاسن ،والكفّان على خصوبة البدن .وأجاز بعض الحنفيّة النّظر إلى الرّقبة والقدمين .
وأجاز الحنابلة النّظر إلى ما يظهر عند القيام بالعمال ،وهي ستّة أعضاء :الوجه ،والرّأس
،والرّقبة ،واليد ،والقدم ،والسّاق ،لنّ الحاجة داعية إلى ذلك ،ولطلق الحاديث السّابقة
.وللتّفصيل ( ر :نكاح ،خطبة ) .
تشييع الجنازة *
انظر :جنازة .
تصادق *
التّعريف :
- 1التّصادق لغة واصطلحا :ضدّ التّكاذب يقال :تصادقا في الحديث والمودّة ض ّد تكاذبا
ومادّة تفاعل ل تكون غالبا إل بين اثنين يقال :تحابّا وتخاصما ،أي أحبّ أو خاصم كلّ منهما
الخر .واستعمل المالكيّة أيضا ( التّقارر ) بمعنى التّصادق .
حكم التّصادق :
ق المتصادقين إذا تعلّقت به حقوق العباد ،أو كان في
- 2حكم التّصادق في الجملة -في ح ّ
حقوق اللّه الّتي ل تدرأ بالشّبهات -اللّزوم ،وهو أبلغ من الشّهادة ،لنّه نوع من القرار .
قال أشهب :قول كلّ أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره .
أمّا بالنّسبة لحقوق اللّه تعالى الّتي تدرأ بالشّبهات فليس بلزم .
من يعتبر تصادقه :
- 3التّصادق الّذي يعتدّ به ويترتّب عليه حكم يكون من البالغ العاقل المختار ،فل يعتبر
تصديق الصّغير وغير العاقل .
صفة التّصادق :
- 4صفة التّصديق لفظ أو ما يقوم مقامه يدلّ على توجّه الحقّ قبل المق ّر ( المصدّق ) .
ويقوم مقام اللّفظ :الشارة والكتابة والسّكوت .فالشارة من البكم ومن المريض .فإذا قيل
للمريض :لفلن عندك كذا ،فأشار برأسه أن نعم ،فهذا تصديق إذا فهم عنه مراده .
ما يشترط في المصادق :
ل للستحقاق ،وأل يكذّبه المصادق ،فإذا كذّب
- 5يشترط في المصادق أن يكون أه ً
المصادق المصادق ثمّ رجع لم يفد رجوعه ،إلّا أن يرجع المصادق إلى ما أقرّ به .
محلّ التّصادق :
- 6يكون التّصديق في النّسب والمال .والتّصديق في النّسب ينظر تحت عنوان ( نسب ) .
والتّصديق في المال نوعان :مطلق ومقيّد .
فالمطلق :ما صدر غير مقترن بما يقيّده أو يرفع حكمه أو حكم بعضه ،فإذا كان التّصديق
على هذا الوجه فهو ملزم لمن صدّق ،وعليه أداء ما صدّق فيه ،ول يجوز له الرّجوع عنه.
وإذا كان التّصديق مقيّدا بقيد ففي لزومه أو عدمه تفصيل ينظر في مصطلح ( إقرار ) .
التّصادق في حقوق اللّه تعالى :
- 7إذا تصادق اثنان أو أكثر على إسقاط حقّ من حقوق اللّه تعالى فل عبرة بتصادقهم ،ول
يترتّب عليه حكم ،إلّا إذا قامت بيّنة على هذا التّصادق ،فيكون الحكم في هذه الحال ثابتا
بالبيّنة ل بالتّصادق ،ويتّضح ذلك من المثلة التية :
إن طلّق الزّوج زوجته قبل الدّخول ،وكان قد خل بها ،لزمتها العدّة إن كان الزّوج بالغا ،
وكانت المرأة مطيقة للوطء ،سواء أكانت خلوة اهتداء أم خلوة زيارة .
وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة .وتجب العدّة حينئذ ولو تصادقا على نفي الوطء ،لنّ
العدّة حقّ اللّه تعالى ،فل تسقط بالتّصادق .
ويؤخذ بتصادقهما على نفي الوطء فيما هو حقّ لهما :فل نفقة لها ،ول يتكمّل لها الصّداق ،
ول رجعة له عليها .أي كلّ من أقرّ منهما أخذ بإقراره اجتماعا أو انفرادا .
ويترتّب على قبول التّصادق أو ردّه أحكام كثيرة ،كثبوت النّسب من تاريخ الخلوة ،وتأكيد
المهر ،والنّفقة والسّكن والعدّة ،وحرمة نكاح أختها في عدّتها وأربع سواها .وفي هذه
المذاهب اختلف في الحقوق الّتي تترتّب على الخلوة .تفصيله في باب ( :النّكاح ) .
وعند الشّافعيّة في القديم قولن أحدهما :الخلوة مؤثّرة ،وتصدّق المرأة في ادّعاء الصابة
( الوطء ) والقول الثّاني أنّها كالوطء .وفي الجديد :إنّ الخلوة وحدها ل تؤثّر في المهر .
وعلى هذا لو اتّفقا على حصول الخلوة ،وادّعت الصابة لم يترجّح جانبها ،بل القول قوله
بيمينه .ويفهم من ذلك أنّه لو صدّقها يتقرّر المهر كلّه .
التّصادق في النّكاح :
ن الشّهادة شرط فيه ،ووقتها عند غير المالكيّة وقت العقد ،
- 8ل يثبت النّكاح بالتّصادق ،ل ّ
وعند المالكيّة يندب الشهاد وقت العقد ،فإن لم يشهد عند العقد اشترط وجوبا عند الدّخول ،
ول حدّ عندهم إن فشا النّكاح بوليمة أو ضرب دفّ أو دخان ،أو كان على العقد أو الدّخول
شاهد واحد غير الوليّ ،لصحّة النّكاح في هذه الصّور .
وقال المالكيّة :تثبت الزّوجيّة بالتّقارر -أي التّصادق -حقّ الزّوجين إذا كانا بلديّين ،أو
كان أحدهما بلديّا ،وأمّا الطّارئان -أي من لم يكونا من أهل البلد ،سواء قدما معا أو
مفترقين -فل تثبت الزّوجيّة بينهما بمجرّد التّصادق .
حكم تصادق الزّوجين على طلق سابق :
صحّة بطلق بائن أو رجعيّ متقدّم على وقت إقراره ،ول بيّنة
- 9إذا أقرّ رجل في حالة ال ّ
له ،استأنفت امرأته العدّة من وقت إقراره ،فيصدّق في الطّلق ،ل في إسناده للوقت السّابق
ولو صدّقته ،لنّه يتّهم على إسقاط العدّة وهي حقّ للّه تعالى .فإن كانت له بيّنة ،فالعدّة من
الوقت الّذي أسندت إليه البيّنة .هذا بالنّسبة للعدّة لنّها حقّ اللّه تعالى .
ل ح سب إقراره ،فلو ما تت الزّو جة ،وكا نت العدّة قد
أمّا بالنّ سبة لحقوق الزّوج ين فيعا مل ك ّ
انق ضت بح سب إقراره ،فل يرث ها لنّ ها صارت أجنبيّة على مقت ضى دعواه ،ول رج عة له
عليها إن كان الطّلق رجعيّا ،وورثته إن مات في العدّة المستأنفة ،حيث كان الطّلق رجعيّا
إن لم تصندّقه .ول يتزوّج أختهنا ول أربعنا سنواها فني العدّة ،ولو صنادقته على حصنول
الطّلق في الماضي نفيا لتهمة التّواطؤ بينهما .
وإن صدّقته فل نفقة لها معاملة لها بتصديقها إيّاه .وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة .
وعند الشّافعيّة :أنّه لو أسند الزّوج الطّلق إلى زمن ماض ،وصدّقت الزّوجة الزّوج في
السناد ،فالعدّة من التّاريخ الّذي أسند إليه الطّلق ،ولو لم يقم على ذلك بيّنة .
والمفهوم من كلم الحنابلة أنّ الحكم عندهم كذلك .فقد جاء في شرح منتهى الرادات :لو
ن زوجها طلّقها وانتهت عدّتها ،فله تزويجها بشرطه إن ظنّ
جاءت امرأة حاكما وادّعت أ ّ
صدقها ،ول سيّما إن كان الزّوج ل يعرف ،لنّ القرار ( أي بالزّوجيّة ) لمجهول ل يصحّ.
وأيضا الصل صدقها -أي فيما ادّعته من خلوّها عن الزّوجيّة -ول منازع .
حكم مصادقة الزّوجة على إعسار الزّوج :
- 10يكتفى بتصديق الزّوجة زوجها في دعواه العسار ،وتصديقها يقوم مقام البيّنة ،
ويترتّب عليه ما يترتّب على ثبوت العسار بالبيّنة من حيث الحكم بالتّطليق بشروطه
المفصّلة في أبوابها وينظر ( إعسار ،نفقة ،مهر ) .
الرّجوع في التّصديق :
ن التّصديق ملزم لمن صدّق ،وعلى ذلك فل يجوز الرّجوع فيه بالنّسبة لحقوق
- 11تقدّم أ ّ
العباد وحقوق اللّه الّتي ل تدرأ بالشّبهات ،كالزّكاة ،فمن صدّق المدّعي فيما ادّعاه عليه من
حقّ فل يجوز له الرّجوع متى توافرت شروط التّصديق .
ولو أقرّ بنسب ،وصدّقه المق ّر له ،ثمّ رجع المقرّ عن إقراره ل يقبل منه الرّجوع .
أمّا بالنّسبة لحقوق اللّه تعالى الّتي تدرأ بالشّبهات كالحدود فإنّه إذا ثبت الحدّ بالقرار فقط ،
ن النّبيّ
فإنّه يجوز للمق ّر الرّجوع ،سواء أكان الرّجوع قبل الحدّ أم بعده ،وسقط الحدّ « ،ل ّ
صلى ال عليه وسلم عرّض لماعز بالرّجوع » ،فلول أنّه يفيد لما عرّض له به .
وعلّل الفقهاء عدم جواز الرّجوع في التّصديق بحقوق الدميّين وحقوق اللّه الّتي ل تدرأ
ن رجوعه نقض لما صدر منه وتعلّق به حقّ الغير ،فإذا قال :هذه الدّار لزيد ،
بالشّبهات :بأ ّ
ل بل لعمرو ،أو ادّعى زيد على ميّت شيئا معيّنا من تركته فصدّقه ابنه ،ثمّ ادّعاه عمرو
فصدّقه ،حكم به لزيد ،ووجبت عليه غرامته لعمرو ،وهذا ظاهر أحد قولي الشّافعيّ .وفي
القول الخر :ل يغرم لعمرو شيئا ،وهو قول أبي حنيفة ،لنّه أقرّ له بما عليه القرار به
وإنّما منعه الحكم من قبوله وذلك ل يوجب الضّمان .
تصحيح *
التّعريف :
- 1التّصحيح لغة :مصدر صحّح ،يقال :صحّحت الكتاب والحساب تصحيحا :إذا أصلحت
صحّة ،إذا
خطأه ،وصحّحته فصحّ .والتّصحيح عند المحدّثين هو :الحكم على الحديث بال ّ
صحّة الّتي وضعها المحدّثون .ويطلق التّصحيح أيضا عندهم على كتابة
استوفى شرائط ال ّ
شكّ بأن كرّر لفظ مثل ل يخلّ تركه .
( صحّ ) على كلم يحتمل ال ّ
والتّصحيح عند أهل الفرائض :إزالة الكسور الواقعة بين السّهام والرّءوس .
والتّصحيح عند الفقهاء هو :رفع أو حذف ما يفسد العبادة أو العقد .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّعديل :
-التّعديل :مصدر عدّل ،يقال :عدّلت الشّيء تعديل فاعتدل :إذا سوّيته فاستوى .ومنه 2
قسمة التّعديل .وعدّلت الشّاهد :نسبته إلى العدالة .وتعديل الشّيء :تقويمه .
ب -التّصويب :
- 3التّصويب :مصدر صوّب من الصّواب ،الّذي هو ضدّ الخطأ ،والتّصويب بهذا المعنى
يرادف التّصحيح ،وصوّبت قوله :قلت :إنّه صواب .
ج -التّهذيب :
- 4التّهذيب كالتّنقية ،يقال :هذّب الشّيء ،إذا نقّاه وأخلصه .وقيل :أصلحه .
د -الصلح :
- 5الصلح ضدّ الفساد ،وأصلح الشّيء بعد فساده :أقامه ،وأصلح الدّابّة :أحسن إليها.
هن – التّحرير :
- 6تحرير الكتابة :إقامة حروفها وإصلح السّقط وتحرير الحساب :إثباته مستويا ل غلت
فيه ،ول سقط ول محو .وتحرير الرّقبة :عتقها .
الحكم التّكليفيّ :
- 7تصحيح الفساد والخطأ أمر واجب شرعا متى عرفه النسان ،سواء أكان ذلك في
العبادات :كمن اجتهد في معرفة القبلة وصلّى ،ثمّ تبيّن الخطأ أثناء الصّلة ،فيجب تصحيح
هذا الخطأ بالتّجاه إلى القبلة ،وإل فسدت الصّلة .
ح البيع ،
أم كان ذلك في المعاملت :كالبيع بشرط مفسد للعقد ،فيجب إسقاط هذا الشّرط ليص ّ
وإل وجب فسخ البيع دفعا للفساد.
ما يتعلّق بالتّصحيح من أحكام :
أوّل :تصحيح الحديث :
صحّة لتوافر شروط خاصّة اشترطها علماء الحديث
- 8تصحيح الحديث هو :الحكم عليه بال ّ
.وقد يختلف المحدّثون في صحّة بعض الحاديث لختلفهم في بعض الشّروط ،وفي تقديم
بعضها على بعض .
ي وغيرهما أنّه يحكم بصحّة الحديث المسند الّذي يتّصل إسناده
فقد قرّر ابن الصّلح والنّوو ّ
بنقل العدل الضّابط عن العدل الضّابط إلى منتهاه ،ول يكون شاذّا ول معلّلً .
صحّة بل خلف بين أهل الحديث .فإذا
قال ابن الصّلح :فهذا هو الحديث الّذي يحكم له بال ّ
صحّة ،ما لم يظهر بعد ذلك أنّ فيه شذوذا .والحكم
وجدت الشّروط المذكورة حكم للحديث بال ّ
بتواتر الحديث حكم بصحّته .وقال بعض المحدّثين :يحكم للحديث بالصّحّة إذا تلقّاه النّاس
بالقبول ،وإن لم يكن له إسناد صحيح .قال ابن عبد البرّ -لما حكى عن التّرمذيّ أنّ
البخاريّ صحّح حديث البحر « :هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته » وأهل الحديث ل يصحّحون
ن الحديث عندي صحيح ،لنّ العلماء تلقّوه بالقبول .
مثل إسناده -لك ّ
وقال الستاذ أبو إسحاق السفرايينيّ :تعرف صحّة الحديث إذا اشتهر عند أئمّة الحديث بغير
نكير منهم .وقال نحوه ابن فورك .
صحّة ،كاشتراط الحاكم أن يكون راوي الحديث
على أنّ هناك من اشترط غير ذلك للحكم بال ّ
مشهورا بالطّلب -أي طلب الحديث وتتبّع رواياته -وعن مالك نحوه ،وكاشتراط أبي حنيفة
فقه الرّاوي ،وكاشتراط بعض المحدّثين العلم بمعاني الحديث ،حيث يروى بالمعنى ،قال
السّيوطيّ :وهو شرط ل بدّ منه ،لكنّه داخل في الضّبط ،وكاشتراط البخاريّ ثبوت السّماع
لكلّ راو من شيخه ،ولم يكتف بإمكان اللّقاء والمعاصرة .
أثر عمل العالم وفتياه في التّصحيح :
- 9قال النّوويّ والسّيوطيّ :عمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ليس حكما منه بصحّة
الحديث ول بتعديل رواته ،لمكان أن يكون ذلك منه احتياطا ،أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر
.وصحّح المديّ وغيره من الصوليّين أنّه حكم بذلك .وقال إمام الحرمين :إن لم يكن في
مسالك الحتياط -أي لم تكن الفتيا بمقتضى صحّة الحديث ،بل للحتياط . -وفرّق ابن
تيميّة بين أن يعمل به في التّرغيب وغيره .كما أنّ مخالفة العالم للحديث ل تعتبر قدحا منه
في صحّته ول في رواته ،لمكان أن يكون ذلك لمانع من معارض أو غيره .
وقد روى المام مالك حديث الخيار ،ولم يعمل به لعمل أهل المدينة بخلفه ،ولم يكن ذلك
قدحا في نافعٍ راويه .وممّا ل يدلّ على صحّة الحديث أيضا -كما ذكر أهل الصول -
ح ،لجواز أن يكون المستند غيره .
موافقة الجماع له على الص ّ
وقيل :يدلّ على صحّة الحديث .
تصحيح المتأخّرين من علماء الحديث :
- 10يرى الشّيخ ابن الصّلح أنّه قد انقطع التّصحيح في هذه العصار ،فليس لحد أن
يصحّح ،بل يقتصر في الحكم بصحّة الحديث على ما اعتمده السّابقون ،كما يرى عدم اعتبار
الحديث صحيحا بمجرّد صحّة إسناده ما لم يوجد في مصنّفات أئمّة الحديث المعتمدة المشهورة
ن أنّه لو صحّ عندهم لما أهملوه لشدّة فحصهم واجتهادهم .
،فأغلب الظّ ّ
ي ابن الصّلح في ذلك ،فقال :والظهر عندي جوازه لمن تمكّن
وقد خالف المام النّوو ّ
وقويت معرفته .قال الحافظ العراقيّ :وهو الّذي عليه عمل أهل الحديث .
وقد صحّح جماعة من العلماء المتأخّرين أحاديث لم يعرف تصحيحهما عن القدمين .
ثانيا :تصحيح العقد الفاسد :
- 11الفقهاء عدا الحنفيّة ل يفرّقون في الجملة بين العقد الباطل والعقد الفاسد ،فالحكم عند
الشّافعيّة والحنابلة :أنّ العقد ل ينقلب صحيحا برفع المفسد .
ففي كتب الشّافعيّة :لو حذف العاقدان المفسد للعقد -ولو في مجلس الخيار -لم ينقلب العقد
صحيحا ،إذ ل عبرة بالفاسد .
وفي المغني لبن قدامة :لو باعه بشرط أن يسلّفه أو يقرضه ،أو شرط المشتري ذلك عليه ،
فهو محرّم والعقد باطل ،لما روى عبد اللّه بن عمرو رضي ال عنهما « أنّ النّبيّ صلى ال
عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن ،وعن بيع ما لم يقبض ،وعن بيعتين في بيعة ،وعن
شرطين في بيع ،وعن بيع وسلف » .ولنّه اشترط عقدا في عقد ففسد كبيعتين في بيعة ،
ولنّه إذا اشترط القرض زاد في الثّمن لجله ،فتصير الزّيادة في الثّمن عوضا عن القرض
وربحا له ،وذلك ربا محرّم ،ففسد كما لو صرّح به ،ولنّه بيع فاسد فل يعود صحيحا كما
لو باع درهما بدرهمين ثمّ ترك أحدهما .وفي باب الرّهن قال :لو بطل العقد لما عاد
صحيحا .وفي شرح منتهى الرادات :العقد الفاسد ل ينقلب صحيحا .
ح العقد إذا حذف الشّرط المفسد للعقد ،سواء أكان شرطا ينافي مقتضى
وعند المالكيّة يص ّ
ح البيع معها ولو حذف
ل بالثّمن في البيع ،إلّا أربعة شروط فل يص ّ
العقد ،أم كان شرطا يخ ّ
الشّرط ،وهي :
أ -من ابتاع سلعة بثمن مؤجّل على أنّه إن مات فالثّمن صدقة عليه ،فإنّه يفسخ البيع ولو
أسقط هذا الشّرط لنّه غرر ،وكذا لو شرط :إن مات فل يطالب البائع ورثته بالثّمن .
ب -شرط ما ل يجوز من أمد الخيار ،فيلزم فسخه وإن أسقط لجواز كون إسقاطه أخذا به.
ج -من باع أمة وشرط على المبتاع أن ل يطأها ،وأنّه إن فعل فهي حرّة ،أو عليه دينار
مثل ،فيفسخ ولو أسقط الشّرط لنّه يمين .
د -شرط الثّنيا يفسد البيع ولو أسقط الشّرط .وزاد ابن الحاجب شرطا خامسا وهو :
هن -شرط النّقد ( أي تعجيل الثّمن ) في بيع الخيار قال ابن الحاجب :لو أسقط شرط النّقد
فل يصحّ .وفي الجارة جاء في الشّرح الصّغير :تفسد الجارة بالشّرط الّذي يناقض مقتضى
ل الفساد إن لم يسقط الشّرط ،فإن أسقط الشّرط صحّت .
العقد ،ومح ّ
ويوضّح ابن رشد سبب اختلف الفقهاء في صحّة العقد بارتفاع المفسد أو عدم صحّته .فيقول
:هل إذا لحق الفساد بالبيع من قبل الشّرط يرتفع الفساد إذا ارتفع الشّرط ،أو ل يرتفع ؟ كما
ل يرتفع الفساد اللحق للبيع الحلل من أجل اقتران المحرّم العين به ،كمن باع غلما بمائة
دينار وزقّ خمر ،فلمّا عقد البيع قال :أدّع ال ّزقّ .وهذا البيع مفسوخ عند العلماء بإجماع .
وهذا أيضا ينبني على أصل آخر .هو :هل هذا الفساد معقول المعنى أو غير معقول ؟ فإن
قلنا :هو غير معقول المعنى ،لم يرتفع الفساد بارتفاع الشّرط .
وإن قلنا :معقول ،ارتفع الفساد بارتفاع الشّرط .فمالك رآه معقول ،والجمهور رأوه غير
معقول ،والفساد الّذي يوجد في بيوع الرّبا والغرر هو أكثر ذلك غير معقول المعنى ،ولذلك
ليس ينعقد عندهم أصل ،وإن ترك الرّبا بعد البيع وارتفع الغرر .
- 12ويفرّق الحنفيّة بين العقد الباطل والعقد الفاسد فيصحّ عندهم -خلفا لزفر -تصحيح
العقد الفاسد ،بارتفاع المفسد دون الباطل ،ويقولون في عقد البيع :إنّ ارتفاع المفسد في
الفاسد يردّه صحيحا ،لنّ البيع قائم مع الفساد ،ومع البطلن لم يكن قائما بصفة البطلن ،
بل كان معدوما .وعند زفر :العقد الفاسد ل يحتمل الجواز برفع المفسد .
ن تصحيح العقد الفاسد عند الحنفيّة مقيّد بما إذا كان الفساد ضعيفا .يقول الكاسانيّ :الصل
لك ّ
عندنا أنّه ينظر إلى الفساد ،فإن كان قويّا بأن دخل في صلب العقد -وهو البدل أو المبدل -
ل يحتمل الجواز برفع المفسد ،كما إذا باع عبدا ألف درهم ورطل من خمر ،فحطّ الخمر
عن المشتري فهو فاسد ول ينقلب صحيحا .
وإن كان الفساد ضعيفا ،وهو ما لم يدخل في صلب العقد ،بل في شرط جائز يحتمل الجواز
برفع المفسد ،كما في البيع بشرط خيار لم يوقّت ،أو وقّت إلى وقت مجهول كالحصاد ،أو
لم يذكر الوقت ،وكما في البيع بثمن مؤجّل إلى أجل مجهول ،فإذا أسقط الجل من له الحقّ
فيه قبل حلوله وقبل فسخه جاز البيع لزوال المفسد ،ولو كان إسقاط الجل بعد الفتراق على
ما حرّره ابن عابدين .
وعلى هذا سائر البياعات الفاسدة بسبب ضرر يلحق بالبائع في التّسليم إذا سلّم البائع برضاه
واختياره -كما إذا باع جذعا له في سقف ،أو آجرّا له في حائط ،أو ذراعا في ديباج -أنّه
ل يجوز لنّه ل يمكنه تسليمه إلّا بالنّزع والقطع ،وفيه ضرر بالبائع ،والضّرر غير مستحقّ
بالعقد ،فكان هذا على التّقدير بيع ما ل يجب تسليمه شرعا ،فيكون فاسدا .فإن نزعه البائع
أو قطعه وسلّمه إلى المشتري قبل أن يفسخ المشتري البيع جاز البيع ،لنّ المانع من الجواز
ضرر البائع بالتّسليم ،فإذا سلّم باختياره ورضاه فقد زال المانع ،فجاز البيع ولزم .وعلى
هذا سائر العقود الفاسدة عند الحنفيّة طبقا لقاعدة :إذا زال المانع مع وجود المقتضي عاد
ن هبة المشاع فاسدة ،فإن قسّمه وسلّمه جاز .واللّبن في الضّرع ،
الحكم .ومن ذلك أ ّ
والصّوف على ظهر الغنم ،والزّرع والنّخل في الرض ،والتّمر في النّخيل بمنزلة المشاع ،
لنّها موجودة ،وامتناع الجواز للتّصال ،فإذا فصّلها وسلّمها جاز لزوال المانع .ومثل ذلك
:إذا رهن الرض بدون البناء ،أو بدون الزّرع والشّجر ،أو رهن الزّرع والشّجر بدون
الرض ،أو رهن الشّجر بدون الثّمر ،أو رهن الثّمر بدون الشّجر أنّه ل يجوز ،لنّ
المرهون متّصل بما ليس بمرهون ،وهذا يمنع صحّة القبض .ولو ج ّذ الثّمر وحصد الزّرع
وسلّم منفصل جاز لزوال المانع .
تصحيح العقد باعتباره عقدا آخر :
- 13هذا ،ويمكن تصحيح العقد الفاسد إذا أمكن تحويله إلى عقد آخر صحيح لتوافر أسباب
صحّة عن طريق المعنى عند بعض الفقهاء ،أم عن طريق اللّفظ
صحّة فيه ،سواء أكانت ال ّ
ال ّ
عند البعض الخر نظرا لختلفهم في قاعدة " هل العبرة بصيغ العقود أو معانيها " .ونوضّح
ذلك بالمثلة التية :
- 14في الشباه لبن نجيم :العتبار للمعنى ل لللفاظ ،صرّحوا به في مواضع منها :
الكفالة ،فهي بشرط براءة الصيل حوالة ،وهي بشرط عدم براءته كفالة .
وفي الختيار :شركة المفاوضة يشترط فيها أن يتساوى الشّريكان في التّصرّف والدّين والمال
الّذي تصحّ فيه الشّركة . .فل تنعقد المفاوضة بين المسلم وال ّذ ّميّ عند أبي حنيفة ومحمّد ،
فإذا عقد المسلم وال ّذمّيّ المفاوضة صارت عنانا عندهما ،لفوات شرط المفاوضة ووجود
ل ما فات من شرائط المفاوضة يجعل عنانا إذا أمكن ،تصحيحا
شرط العنان ،وكذلك ك ّ
لتصرّفهما بقدر المكان .
وفي الختيار أيضا :عقد المضاربة ،إن شرط فيه الرّبح للمضارب فهو قرض ،لنّ كلّ
ربح ل يملك إلّا بملك رأس المال ،فلمّا شرط له جميع الرّبح فقد ملّكه رأس المال ،وإن
شرط الرّبح لربّ المال كان إبضاعا ،وهذا معناه عرفا وشرعا .
وجاء في منح الجليل :من أحال على من ليس له عليه دين ،وأعلم المحال ،صحّ عقد
الحوالة ،فإن لم يعلمه لم تصحّ ،وتنقلب حمالة أي كفالة .وفي أشباه السّيوطيّ :هل العبرة
بصيغ العقود أو معانيها ؟ خلف .التّرجيح مختلف في الفروع .
ومن ذلك :إذا قال :أنت حرّ غدا على ألف .إن قلنا :بيع فسد ول تجب قيمة العبد ،وإن
قلنا :عتق بعوض ،صحّ ووجب المسمّى .
ومنها :لو باع المبيع للبائع قبل قبضه بمثل الثّمن الوّل ،فهو إقالة بلفظ البيع ،وخرّجه
السّبكيّ على القاعدة ،والتّخريج للقاضي حسين قال :إن اعتبرنا اللّفظ لم يصحّ ،وإن
اعتبرنا المعنى فإقالة .
ثالثا -تصحيح العبادة إذا طرأ عليها ما يفسدها :
- 15من المور الّتي تطرأ على العبادة ما ل يمكن إزالته أو تلفيه كالكل والشّرب والكلم
والحدث والجماع ،فهذه المور ل يمكن تلفيها ،وهي تعتبر من مفسدات العبادة في الجملة.
هذا مع اختلف الفقهاء في التّفصيل فيها بين القليل والكثير ،وبين العمد والسّهو والجهل ،
وما هو معفوّ عنه أو غير معفوّ عنه .فإذا طرأ شيء من ذلك على العبادة ففسدت فعل -عند
من يعتبر ذلك مفسدا -فل مجال لتصحيح هذه العبادة ،ويلزم إعادتها إن اتّسع وقتها ،أو
قضاؤها إن خرج الوقت .وينظر تفصيل ذلك في ( :إعادة -قضاء ) .
والكلم هنا إنّما هو فيما يطرأ على العبادة ممّا يعتبر من المفسدات مع إمكان إزالة المفسد أو
تلفيه لتصحّ العبادة ،مثل طروء النّجاسة أو كشف العورة وما شابه ذلك .
والفقهاء متّفقون في الجملة على :أنّه إذا طرأ على العبادة ما شأنه أن يفسدها لو استمرّ
وأمكن تلفيه وإزالته وجب فعل ذلك لتصحيح العبادة .ونظرا لتعذّر حصر مثل هذه المسائل
لكثرة فروعها في أبواب العبادة المختلفة ،فيكتفى بذكر بعض المثلة الّتي توضّح ذلك :
- 16من اجتهد في معرفة القِبلة ،وتغيّر اجتهاده أثناء الصّلة استدار إلى الجهة الثّانية الّتي
تغيّر اجتهاده إليها ،وبنى على ما مضى من صلته .
وكذلك إذا اجتهد فأخطأ ،وبان له يقين الخطأ وهو في الصّلة ،بمشاهدة أو خبر عن يقين
فإنّه يستدير إلى جهة الصّواب ويبني على ما مضى .
والدّليل على ذلك أنّ أهل قباء لمّا بلغهم نسخ القبلة وهم في صلة الفجر استداروا إليها ،
« واستحسن النّبيّ صلى ال عليه وسلم فعل أهل قباء ،ولم يأمرهم بالعادة » .
وينظر تفصيل ذلك في ( :استقبال -قبلة -صلة ) .
- 17من وقعت عليه نجاسة يابسة -وهو في الصّلة -فأزالها سريعا صحّت صلته ،
لحديث أبي سعيد الخدريّ رضي ال عنه قال « :بينما رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يصلّي
بأصحابه ،إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره ،فلمّا رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم ،فلمّا قضى
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم صلته قال :ما حملكم على إلقاء نعالكم ؟ .قالوا :رأيناك
ن فيهما
ن جبريل أتاني ،فأخبرني أ ّ
ألقيت نعليك فألقينا نعالنا .فقال صلى ال عليه وسلم :إ ّ
قذرا » .وينظر تفصيل ذلك في ( :نجاسة -صلة ) .
- 18من انكشفت عورته وهو في الصّلة -بأن أطارت الرّيح سترته فانكشفت عورته -
فإن أعادها سريعا صحّت صلته .
ولو صلّى عريانا لعدم وجود سترة ،ثمّ وجد سترة قريبة منه ستر بها ما وجب ستره ،وبنى
على ما مضى من صلته ،قياسا على أهل قباء لمّا علموا بتحويل القبلة استداروا إليها وأتمّوا
صلتهم .وينظر تفصيل ذلك في ( :عورة -صلة ) .
- 19إن خفّ في الصّلة معذور بعذر مسوّغ للستناد أو الجلوس أو الضطجاع انتقل
للعلى ،كمستند قدر على الستقلل ،وجالس قدر على القيام انتقل وجوبا ،فإن تركه بطلت
صلته .وينظر تفصيل ذلك في ( :عذر -صلة ) .
- 20من علم في أثناء طوافه بنجس في بدنه أو ثوبه طرحه أو غسلهما ،وبنى على ما تقدّم
من طوافه إن لم يطل ،وإل بطل طوافه لعدم الموالة .
وينظر تفصيل ذلك في ( طواف ) .
- 21هذا ،ومن تصحيح العبادة ما يدخل تحت قاعدة :بطلن الخصوص ل يبطل العموم .
جاء في المنثور :لو تحرّم بالفرض منفردا فحضرت جماعة ،قال الشّافعيّ :أحببت أن يسلّم
من ركعتين وتكون نافلة ،ويصلّي الفرض ،فصحّح النّفل مع إبطال الفرض .
وإذا تحرّم بالصّلة المفروضة قبل وقتها ظانّا دخوله بطل خصوص كونها ظهرا ،ويبقى
ح.
عموم كونها نفل في الص ّ
ج قبل أشهره ففي انعقاده عمرة قولن أصحّهما :نعم .
وإذا أحرم بالح ّ
وحكاه في المهذّب قولً واحدا ،قال :لنّها عبادة مؤقّتة ،فإذا عقدها في غير وقتها انعقد
غيرها من جنسها ،كصلة الظّهر إذا أحرم بها قبل الزّوال ،فإنّه ينعقد إحرامه بالنّفل .
- 22وهذه القاعدة تكاد تكون مطّردة في بقيّة المذاهب في الجملة ،ففي شرح منتهى
الرادات :من أتى بما يفسد الفرض في الصّلة -كترك القيام بل عذر -انقلب فرضه
نفل ،لنّه كقطع نيّة الفرضيّة ،فتبقى نيّة الصّلة .وينقلب نفل كذلك من أحرم بفرض ،ثمّ
تبيّن له أنّه لم يدخل وقته ،لنّ الفرض لم يصحّ ،ولم يوجد ما يبطل النّفل .
- 23وهذه القاعدة عند الحنفيّة من قبيل ما ذكروه من أنّه :ليس من ضرورة بطلن الوصف
بطلن الصل .جاء في الهداية :من صلّى العصر وهو ذاكر أنّه لم يصلّ الظّهر فهي
فاسدة ،إل إذا كان في آخر الوقت ،وهي مسألة التّرتيب .
وإذا فسدت الفرضيّة ل يبطل أصل الصّلة عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما اللّه تعالى ،
ن التّحريمة عقدت لصل الصّلة بوصف الفرضيّة ،فلم يكن من ضرورة بطلن الوصف
لّ
بطلن الصل .وقال الكاسانيّ في باب الزّكاة :حكم المعجّل من الزّكاة ،إذا لم يقع زكاة أنّه
إن وصل إلى يد الفقير يكون تطوّعا ،سواء وصل إلى يده من يد ربّ المال ،أو من يد
المام ،أو نائبه وهو السّاعي ،لنّه حصل أصل القربة ،وصدقة التّطوّع ل يحتمل الرّجوع
فيها بعد وصولها إلى يد الفقير .
رابعا -تصحيح المسائل في الميراث :
ل عدد يمكن على وجه ل يقع الكسر
- 24تصحيح مسائل الفرائض :أن تؤخذ السّهام من أق ّ
على واحد من الورثة ،سواء كان ذلك بدون الضّرب -كما في صورة الستقامة -أو بعد
ل الرّءوس -كما في صورة
ضرب بعض الرّءوس -كما في صورة الموافقة -أو في ك ّ
المباينة .
ما يحتاج إليه في تصحيح المسائل الفرضيّة :
- 25لتصحيح المسائل الفرضيّة قواعد يكتفى منها بما أورده عنها شارح السّراجيّة من
الحنفيّة ،قال :يحتاج ذلك إلى سبعة أصول :
ثلثة منها بين السّهام المأخوذة من مخارجها وبين الرّءوس من الورثة .
وأربعة منها بين الرّءوس والرّءوس .
أمّا الصول الثّلثة :
ل فريق من الورثة منقسمة عليهم بل كسر ،فل حاجة إلى
- 26فأحدها :إن كانت سهام ك ّ
الضّرب ،كأبوين وبنتين .فإنّ المسألة حينئذ من ستّة ،فلكلّ من البوين سدسها وهو واحد ،
وللبنتين الثّلثان أعني أربعة ،فلكلّ واحدة منهما اثنان ،فاستقامت السّهام على رءوس الورثة
بل انكسار ،فل يحتاج إلى التّصحيح ،إذ التّصحيح إنّما يكون إذا انكسرت السّهام بقسمتها
على الرّءوس .
- 27والثّاني من الصول الثّلثة :أن يكون الكسر على طائفة واحدة ،ولكن بين سهامهم
ورءوسهم موافقة بكسر من الكسور ،فيضرب وفق عدد رءوسهم -أي عدد رءوس من
انكسرت عليهم السّهام ،وهم تلك الطّائفة الواحدة -في أصل المسألة إن لم تكن عائلة ،وفي
أصلها وعولها معا إن كانت عائلة ،كأبوين وعشر بنات ،أو زوج وأبوين وستّ بنات.
فالوّل :مثال ما ليس فيها عول .إذ أصل المسألة من ستّة .السّدسان وهما اثنان للبوين
ويستقيمان عليهما ،والثّلثان وهما أربعة للبنات العشرة ول يستقيم عليهنّ ،لكن بين الربعة
ن العدد العادّ لهما هو الثنان ،فرددنا عدد الرّءوس أعني
والعشرة موافقة بالنّصف ،فإ ّ
ستّة الّتي هي أصل المسألة فصار الحاصل
العشرة إلى نصفها وهو خمسة ،وضربناها في ال ّ
ح المسألة .
ثلثين ،ومنه تص ّ
إذ قد كان للبوين من أصل المسألة سهمان ،وقد ضربناهما في المضروب الّذي هو خمسة
فصار عشرة ،لك ّل منهما خمسة ،وكان للبنات العشر ،منه أربعة ،وقد ضربناها أيضا في
ن اثنان .
خمسة فصار عشرين ،لكلّ واحدة منه ّ
ن أصلها من اثني عشر لجتماع الرّبع والسّدسين والثّلثين.
والثّاني :مثال ما فيها عول .فإ ّ
ت ثلثاها وهما ثمانية .
فللزّوج ربعها وهو ثلثة ،وللبوين سدساها وهما أربعة ،وللبنات السّ ّ
فقد عالت المسألة إلى خمسة عشر ،وانكسرت سهام البنات -أعني الثّمانية -على عدد
ن فقط .لكن بين عدد السّهام وعدد الرّءوس توافق بالنّصف ،فرددنا عدد رءوسهنّ
رءوسه ّ
إلى نصفه وهو ثلثة ،ثمّ ضربناها في أصل المسألة مع عولها وهو خمسة عشر ،فحصل
خمسة وأربعون ،فاستقامت منها المسألة .
إذ قد كان للزّوج من أصل المسألة ثلثة ،وقد ضربناها في المضروب الّذي هو ثلثة فصار
تسعة فهي له ،وكان للبوين أربعة وقد ضربناها في ثلثة فصار اثني عشر فلكلّ منهما
ستّة ،وكان للبنات ثمانية فضربناها في ثلثة فحصل أربعة وعشرون ،فلكلّ واحدة منهنّ
أربعة .
- 28والثّالث من الصول الثّلثة :أن تنكسر السّهام أيضا على طائفة واحدة فقط ،ول يكون
بين سهامهم وعدد رءوسهم موافقة ،بل مباينة ،فيضرب حينئذ عدد رءوس من انكسرت
عليهم السّهام في أصل المسألة إن لم تكن عائلة ،وفي أصلها مع عولها إن كانت عائلة ،
كزوج وخمس أخوات لب وأمّ ،فأصل المسألة من ستّة :النّصف وهو ثلثة للزّوج ،والثّلثان
وهو أربعة للخوات ،فقد عالت إلى سبعة ،وانكسرت سهام الخوات فقط عليهنّ ،وبين عدد
ن في أصل المسألة مع عولها وهو
ن مباينة ،فضربنا عدد رءوسه ّ
سهامهنّ وعدد رءوسه ّ
ح المسألة .
سبعة ،فصار الحاصل خمسة وثلثين ،ومنه تص ّ
وقد كان للزّوج ثلثة ،وقد ضربناها في المضروب وهو خمسة فصار خمسة عشر فهي له ،
وكان للخوات الخمس أربعة ،وقد ضربناها أيضا في خمسة فصار عشرين ،فلكلّ واحدة
منهنّ أربعة .ومثال غير المسائل العائلة :زوج وجدّة وثلث أخوات لمّ .
فالمسألة من ستّة ،للزّوج منها نصفها وهو ثلثة ،وللجدّة سدسها وهو واحد ،وللخوات لمّ
ن ،بل بينهما تباين ،فضربنا عدد رءوس
ثلثها وهو اثنان ،ول يستقيمان على عدد رءوسه ّ
الخوات في أصل المسألة فصار الحاصل ثمانية عشر ،فتصحّ المسألة منها .
وقد كان للزّوج ثلثة فضربناها في المضروب الّذي هو ثلثة فصار تسعة ،وضربنا نصيب
الجدّة في المضروب أيضا فكان ثلثة ،وضربنا نصيب الخوات لمّ في المضروب فصار
ن اثنين .وينبغي أن يعلم أنّه متى كانت الطّائفة المنكسرة عليهم
ستّة ،فأعطينا كلّ واحدة منه ّ
ذكورا وإناثا -ممّن يكون للذّكر مثل حظّ النثيين ،كالبنات وبنات البن الخوات لب وأمّ أو
لب -ينبغي أن يضعّف عدد الذّكور ،ويضمّ إلى عدد الناث ،ثمّ تصحّ المسألة على هذا
العتبار ،كزوج وابن وثلث بنات .أصل المسألة من أربعة :للزّوج سهم عليه يستقيم ،
ظ النثيين ،فيجعل عدد رءوسهم خمسة بأن ينزّل البن
والباقي ثلثة ،للولد للذّكر مثل ح ّ
منزلة بنتين ،ول تستقيم الثّلثة على الخمسة ،فتضرب الخمسة في أصل المسألة ،فتبلغ
ح.
عشرين ،ومنها تص ّ
وأمّا الصول الربعة الّتي بين الرّءوس والرّءوس :
- 29فأحدها :أن يكون انكسار السّهام على طائفتين من الورثة أو أكثر ،ولكن بين أعداد
رءوس من انكسر عليهم مماثلة ،فالحكم في هذه الصّورة أن يضرب أحد العداد المماثلة في
ت بنات ،وثلث
أصل المسألة ،فيحصل ما تصحّ به المسألة على جميع الفرق .مثل :س ّ
جدّات :أمّ أمّ أمّ ،وأمّ أ ّم أب ،وأ ّم أب أب مثل على مذهب من يورّث أكثر من جدّتين ،
ت الثّلثان وهو أربعة ،ول يستقيم عليهنّ ،لكن
وثلثة أعمام .المسألة من ستّة :للبنات السّ ّ
بين الربعة وعدد رءوسهنّ موافقة بالنّصف ،فأخذنا نصف عدد رءوسهنّ وهو ثلثة .
وللجدّات الثّلث السّدس وهو واحد ،فل يستقيم عليهنّ ول موافقة بين الواحد وعدد
رءوسهنّ ،فأخذنا جميع عدد رءوسهنّ وهو أيضا ثلثة .وللعمام الثّلثة الباقي وهو واحد
أيضا ،وبينه وبين عدد رءوسهم مباينة ،فأخذنا جميع عدد رءوسهم .ثمّ نسبنا هذه العداد
المأخوذة بعضها إلى بعض فوجدناها متماثلة ،فضربنا أحدها وهو ثلثة في أصل المسألة -
ستّة -فصار ثمانية عشر ،فمنها تستقيم المسألة .وكان للبنات أربعة سهام ضربناها
أعني ال ّ
في المضروب الّذي هو ثلثة ،فصار اثني عشر ،فلكلّ واحدة منهنّ اثنان .وللجدّات سهم
واحد ضربناه أيضا في ثلثة فكان ثلثة ،فلكلّ واحدة واحد .وللعمام واحد أيضا ضربناه
ل واحد سهما واحدا .ولو فرضنا في الصّورة المذكورة عمّا
أيضا في الثّلثة ،وأعطينا ك ّ
واحدا بدل العمام الثّلثة ،كان النكسار على طائفتين فقط ،وكان وفق عدد رءوس البنات
مماثل لعدد رءوس الجدّات ،إذ كلّ منهما ثلثة ،فيضرب الثّلثة في أصل المسألة ،فيصير
ل كما مرّ .
ح السّهام على الك ّ
ثمانية عشر ،وتص ّ
- 30والصل الثّاني من الصول الربعة :أن يكون بعض العداد -أي بعض أعداد
رءوس الورثة المنكسرة عليهم سهامهم من طائفتين أو أكثر -متداخل في البعض ،فالحكم
فيها أن يضرب ما هو أكثر تلك العداد في أصل المسألة ،كأربع زوجات وثلث جدّات
واثني عشر عمّا .فأصل المسألة من اثني عشر :للجدّات الثّلث السّدس وهو اثنان ،فل
ن مباينة ،فأخذنا مجموع عدد رءوسهنّ وهو ثلثة .
يستقيم عليهنّ ،وبين رءوسهنّ وسهامه ّ
وللزّوجات الربع الرّبع وهو ثلثة ،فبين عدد رءوسهنّ وعدد سهامهنّ مباينة ،فأخذنا عدد
الرّءوس بتمامه .وللعمام الثني عشر الباقي وهو سبعة ،فل يستقيم عليهم بل بينهما تباين ،
فأخذنا عدد الرّءوس بأسره .فنجد الثّلثة والربعة متداخلين في الثني عشر الّذي هو أكبر
أعداد الرّءوس ،فضربناه في أصل المسألة ،وهو أيضا اثنا عشر فصار مائة وأربعة
وأربعين ،فتصحّ منها المسألة .
وقد كان للجدّات من أصل المسألة اثنان ،ضربناهما في المضروب -الّذي هو اثنا عشر -
ن ثمانية .وللزّوجات من أصلها ثلثة ضربناها في
فصار أربعة وعشرين ،فلكلّ واحدة منه ّ
المضروب المذكور فصار ستّة وثلثين ،فلكلّ واحدة منهنّ تسعة .وللعمام سبعة ضربناها
في اثني عشر أيضا فحصل أربعة وثمانون ،فلكلّ واحد منهم سبعة .
ولو فرضنا في هذه الصّورة زوجة واحدة بدل الزّوجات الربع ،كان النكسار على طائفتين
فقط ،أعني الجدّات الثّلث والعمام الثني عشر ،وكان عدد رءوس الجدّات متداخل في
عدد رءوس العمام ،فيضرب أكثر هذين العددين المتداخلين ،أي الثني عشر في أصل
ل قياس ما سبق .
المسألة ،فيحصل مائة وأربعة وأربعون ،فيقسم على الك ّ
- 31والصل الثّالث من الصول الربعة :أن يوافق بعض أعداد رءوس من انكسرت
عليهم سهامهم من طائفتين أو أكثر بعضا .والحكم في هذه الصّورة أن يضرب وفق أحد
أعداد رءوسهم في جميع العدد الثّاني ،ثمّ يضرب جميع ما بلغ في وفق العدد الثّالث -إن
وافق ذلك المبلغ العدد الثّالث -وإن لم يوافق المبلغ الثّالث فحينئذ يضرب المبلغ في جميع
العدد الثّالث .ثمّ يضرب المبلغ الثّاني في العدد الرّابع كذلك ،أي في وفقه إن وافقه المبلغ
الثّاني ،أو في جميعه إن لم يوافقه .ثمّ يضرب المبلغ الثّالث في أصل المسألة ،كأربع
زوجات وثماني عشرة بنتا وخمس عشرة جدّة وستّة أعمام .أصل المسألة أربعة وعشرون :
للزّوجات الربع الثّمن وهو ثلثة ،فل يستقيم عليهنّ وبين عدد سهامهنّ وعدد رءوسهنّ
مباينة ،فحفظنا جميع عدد رءوسهنّ .وللبنات الثّماني عشرة :الثّلثان وهو ستّة عشر فل
ن موافقة بالنّصف ،فأخذنا نصف عدد رءوسهنّ وهو
يستقيم عليهنّ ،وبين رءوسهنّ وسهامه ّ
تسعة وحفظناه .وللجدّات الخمس عشرة السّدس وهو أربعة فل يستقيم عليهنّ ،وبين عدد
ستّة الباقي وهو
ن مباينة ،فحفظنا جميع عدد رءوسهنّ .وللعمام ال ّ
ن وعدد سهامه ّ
رءوسه ّ
واحد ل يستقيم عليهم ،وبينه وبين عدد رءوسهم مباينة ،فحفظنا عدد رءوسهم .فحصل لنا
ستّة
من أعداد الرّءوس المحفوظة :أربعة وستّة وتسعة وخمسة عشر .والربعة موافقة لل ّ
بالنّصف فرددنا إحداهما إلى نصفها وضربناه في الخرى ،فحصل اثنا عشر ،وهو موافق
للتّسعة بالثّلث ،فضربنا ثلث أحدهما في جميع الخر فحصل ستّة وثلثون ،وبين هذا المبلغ
الثّاني وبين خمسة عشر موافقة بالثّلث أيضا ،فضربنا ثلث خمسة عشر -وهو خمسة -في
ستّة وثلثين فحصل مائة وثمانون ،ثمّ ضربنا هذا المبلغ الثّالث في أصل المسألة -أعني
أربعة وعشرين -فحصل أربعة آلف وثلثمائة وعشرون ،ومنها تصحّ المسألة .كان
للزّوجات من أصل المسألة ثلثة ،ضربناها في المضروب -وهو مائة وثمانون -فحصل
خمسمائة وأربعون ،فلكلّ من الزّوجات الربع مائة وخمسة وثلثون .وكان للبنات الثّماني
عشرة ستّة عشر ،وقد ضربناها في ذلك المضروب ،فصار ألفين وثمانمائة وثمانين ،لكلّ
واحدة منهنّ مائة وستّون .وكان للجدّات الخمس عشرة أربعة ،وقد ضربناها في المضروب
ستّة
ن ثمانية وأربعون .وكان للعمام ال ّ
المذكور فصار سبعمائة وعشرين ،لكلّ واحدة منه ّ
ل واحد منهم ثلثون .وإذا جمعت جميع
واحد ضربناه في المضروب ،فكان مائة وثمانين لك ّ
أنصباء الورثة بلغ أربعة آلف وثلثمائة وعشرين سهما - 32 .والصل الرّابع من الصول
الربعة :أن يكون أعداد رءوس من انكسر عليهم سهامهم من طائفتين أو أكثر متباينة ل
يوافق بعضها بعضا .والحكم فيها :أن يضرب أحد العداد في جميع الثّاني ،ثمّ يضرب ما
بلغ في جميع الثّالث ،ثمّ ما بلغ في جميع الرّابع ،ثمّ يضرب ما اجتمع في أصل المسألة .
ت جدّات وعشر بنات وسبعة أعمام .أصل المسألة :أربعة وعشرون .
كزوجتين وس ّ
للزّوجتين الثّمن وهو ثلثة ل يستقيم عليهما ،وبين عدد رءوسهما وعدد سهامهما مباينة ،
ت :السّدس وهو أربعة ل يستقيم عليهنّ ،
فأخذنا عدد رءوسهما وهو اثنان .وللجدّات السّ ّ
وبين عدد رءوسهنّ وعدد سهامهنّ موافقة بالنّصف ،فأخذنا نصف عدد رءوسهنّ وهو ثلثة ،
ن وعدد سهامهنّ
وللبنات العشر :الثّلثان هو ستّة عشر فل يستقيم عليهنّ ،وبين عدد رءوسه ّ
موافقة بالنّصف ،فأخذنا نصف عدد رءوسهنّ وهو خمسة .وللعمام السّبعة الباقي وهو
واحد ،ل يستقيم عليهم ،وبينه وبين عدد رءوسهم مباينة فأخذنا عدد رءوسهم وهو سبعة .
فصار معنا من العداد المأخوذة للرّءوس :اثنان وثلثة وخمسة وسبعة .وهذه كلّها أعداد
ستّة في خمسة فحصل ثلثون ،
متباينة .فضربنا الثنين في الثّلثة فحصل ستّة ،ثمّ ضربنا ال ّ
ثمّ ضربنا هذا المبلغ في سبعة فصار مائتين وعشرة ،ثمّ ضربنا هذا المبلغ في أصل المسألة
-وهو أربعة وعشرون -فصار المجموع خمسة آلف وأربعين .ومنها تستقيم المسألة على
جميع الطّوائف .إذ كان للزّوجتين من أصل المسألة ثلثة ،فضربناها في المضروب -الّذي
ل واحدة منهما ثلثمائة وخمسة عشر .
هو مائتان وعشرة -فحصل ستّمائة وثلثون ،لك ّ
ت أربعة ،فضربناها في ذلك المضروب المذكور فصار ثمانمائة وأربعين ،
وكان للجدّات السّ ّ
لكلّ واحدة منهم مائة وأربعون .وكان للبنات العشر ستّة عشر ،ضربناها في المضروب
المذكور فبلغ ثلثة آلف وثلثمائة وستّين ،لكلّ واحدة منهنّ ثلثمائة وستّة وثلثون .وكان
ل واحد منهم
للعمام السّبعة واحد ،ضربناه في ذلك المضروب فكان مائتين وعشرة ،لك ّ
ثلثون .ومجموع هذه النصباء خمسة آلف وأربعون .وذكر بعض الشّافعيّة والحنابلة أنّه
ن انكسار السّهام ل يقع على أكثر من أربع طوائف .
قد علم بالستقراء أ ّ
- 33هذا ول يختلف فقهاء المذاهب الخرى عن الحنفيّة ،فيما ذهبوا إليه في تصحيح
المسائل الفرضيّة ،توصّل إلى معرفة نصيب كلّ وارث على نحو ما ذكر .
تصحيف *
انظر :تحريف .
تصدّق *
انظر :صدقة .
تصديق *
انظر :تصادق .
تصرّف *
التّعريف :
- 1التّصرّف لغة :التّقلّب في المور والسّعي في طلب الكسب .
وأمّا في الصطلح فلم يذكر الفقهاء في كتبهم تعريفا للتّصرّف ،ولكن يفهم من كلمهم أنّ
التّصرّف هو :ما يصدر عن الشّخص بإرادته ،ويرتّب الشّرع عليه أحكاما مختلفة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -اللتزام :
- 2اللتزام مصدر التزم .ومادّة لزم تأتي في اللّغة بمعنى :الثّبوت والدّوام والوجوب
والتّعلّق بالشّيء أو اعتناقه .
وفي الصطلح :إلزام الشّخص نفسه ما لم يكن لزما له ،أي ما لم يكن واجبا عليه قبل فهو
ن التّصرّف إنّما يكون بالختيار والرادة .
أعمّ من التّصرّف ،ل ّ
ب -العقد :
- 3العقد في اللّغة :الضّمان والعهد .واصطلحا :ارتباط اليجاب بالقبول اللتزاميّ ،كعقد
البيع والنّكاح وغيرهما على وجه تترتّب عليه آثاره .
ن العقد باعتبار الستقلل به وعدمه على ضربين :ضرب ينفرد به العاقد ،
وذكر الزّركشيّ أ ّ
كالتّدبير والنّذور وغيرها .وضرب ل بدّ فيه من متعاقدين كالبيع والجارة والنّكاح وغيرها.
الفرق بين التّصرّف واللتزام والعقد :
- 4يتّضح ممّا قاله الفقهاء في معنى اللتزام والعقد والتّصرّف :أنّ التّصرّف أعمّ من العقد
بمعنييه العامّ والخاصّ ،لنّ التّصرّف قد يكون في تصرّف ل التزام فيه كالسّرقة والغصب
ونحوهما ،وهو كذلك أعمّ من اللتزام .
أنواع التّصرّف :
ي وتصرّف قوليّ .
- 5التّصرّف نوعان :تصرّف فعل ّ
النّوع الوّل :التّصرّف الفعليّ :
- 6هو ما كان مصدره عمل فعليّا غير اللّسان ،بمعنى أنّه يحصل بالفعال ل بالقوال .
ومن أمثلته .
أ -الغصب :وهو في اللّغة :أخذ الشّيء قهرا وظلما .
واصطلحا :أخذ مال قهرا تعدّيا بل حرابة .فالغصب فعل وليس قولً .
ب -قبض البائع الثّمن من المشتري ،وتسلّم المشتري المبيع من البائع .
وهكذا سائر التّصرّفات الّتي يعتمد المتصرّف في مباشرتها على الفعال دون القوال .
النّوع الثّاني :التّصرّف القوليّ :
- 7وهو الّذي يكون منشؤه اللّفظ دون الفعل ،ويدخل فيه الكتابة والشارة ،وهو نوعان :
تصرّف قوليّ عقديّ ،وتصرّف قوليّ غير عقديّ .
أ -التّصرّف القوليّ العقديّ :
- 8وهو الّذي يتمّ باتّفاق إرادتين ،أي أنّه يحتاج إلى صيغة تصدر من الطّرفين وتبيّن
اتّفاقهما على أمر ما ،ومثال هذا النّوع :سائر العقود الّتي ل تت ّم إل بوجود طرفين أي
ن هذه العقود ل تتمّ إلّا برضا الطّرفين
الموجب والقابل ،كالجارة والبيع والنّكاح والوكالة ،فإ ّ
.وتفصيل ذلك محلّه المصطلحات الخاصّة بتلك العقود .
ب -التّصرّف القوليّ غير العقديّ .وهو ضربان :
- 9أحدهما :ما يتضمّن إرادة إنشائيّة وعزيمة مبرمة من صاحبه على إنشاء حقّ أو إنهائه
أو إسقاطه ،وقد يسمّى هذا الضّرب تصرّفا عقديّا لما فيه من العزيمة والرادة المنشئة أو
المسقطة للحقوق ،وهذا على قول من يرى أنّ العقد بمعناه العامّ يتناول العقود الّتي تكون بين
طرفين كالبيع والجارة ،والعقود الّتي ينفرد بها المتصرّف كالوقف والطّلق والبراء
والحلف وغيرها كما سبق ،ومن أمثلته الوقف والطّلق ،وتفصيل ذلك في المصطلحات
الخاصّة بهما .
- 10الضّرب الثّاني :تصرّف قوليّ ل يتضمّن إرادة منشئة ،أو منهيّة ،أو مسقطة
للحقوق ،بل هو صنف آخر من القوال الّتي تترتّب عليها أحكام شرعيّة ،وهذا الضّرب
تصرّف قوليّ محض ليس له شبه بالعقود ،ومن أمثلته :الدّعوى ،والقرار .
وتفصيل ذلك في المصطلحات الخاصّة بهما .
- 11هذا والعبرة في تميّز التّصرّف القوليّ عن الفعليّ مرجعها موضوع التّصرّف
وصورته ،ل مبناه الّذي بني عليه .
- 12والتّصرّف بنوعيه القوليّ والفعليّ يندرج فيه جميع أنواع التّصرّفات ،سواء أكانت تلك
التّصرّفات عبادات كالصّلة والزّكاة والصّوم والحجّ .
أم تمليكات ومعاوضات كالبيع ،والقالة ،والصّلح والقسمة ،والجارة ،والمزارعة ،
والمساقاة ،والنّكاح ،والخلع ،والجازة ،والقراض .
أم تبرّعات كالوقف ،والهبة ،والصّدقة ،والبراء عن الدّين .أم تقييدات كالحجر ،والرّجعة
،وعزل الوكيل .
أم التزامات كالضّمان ،والكفالة ،والحوالة ،واللتزام ببعض الطّاعات .
أم إسقاطات كالطّلق ،والخلع ،والتّدبير ،والبراء عن الدّين .أم إطلقات كالذن للعبد
بالتّجارة ،والذن المطلق للوكيل بالتّصرّف .
أم وليات كالقضاء ،والمارة ،والمامة ،واليصاء .أم إثباتات كالقرار ،والشّهادة ،
واليمين ،والرّهن .أم اعتداءات على حقوق الغير الماليّة وغيرها كالغصب والسّرقة .
ن تلك التّصرّفات على اختلف أنواعها
أم جنايات على النّفس والطراف والموال أيضا .ل ّ
ل تخرج عن كونها أقوال أو أفعال فيكون التّصرّف بنوعيه القوليّ والفعليّ شاملً لها .
هذا ،وأمّا شروط صحّة التّصرّف ونفاذه فليس هذا البحث محلّ ذكرها ،سواء ما كان منها
ن محلّ ذكر تلك الشّروط المصطلحات
يرجع إلى المتصرّف أم إلى نفس التّصرّف ،ل ّ
الخاصّة بكلّ من هذه التّصرّفات .
تصريح *
انظر :صريح .
صرِية *
َت ْ
التّعريف :
- 1التّصرية لغة :مصدر صرّى ،يقال :صرّ النّاقة أو غيرها تصرية :إذا ترك حلبها ،
فاجتمع لبنها في ضرعها .وفي الصطلح :ترك البائع حلب النّاقة أو غيرها عمدا مدّة قبل
بيعها ،ليوهم المشتري كثرة اللّبن .
الحكم التّكليفيّ :
- 2التّصرية حرام باتّفاق الفقهاء ،إذا قصد البائع بذلك إيهام المشتري كثرة اللّبن ،لحديث :
غشّنا فليس منّا » وحديث { :بَيعُ المحفّلت خِلبة ،ول َتحِلّ الخلبة لمسلم } .ولما
« مَنْ َ
فيه من التّدليس والضرار .
الحكم الوضعيّ ( الثر ) :
- 3ذهب الئمّة :مالك والشّافعيّ وأحمد ،وأبو يوسف إلى أنّ تصرية الحيوان عيب يثبت
الخيار للمشتري .ويستوي في ذلك النعام وغيرها ممّا يقصد إلى لبنه .وذلك لما فيه من
الغشّ والتّغرير الفعليّ ،ولحديث « :ل تصرّوا البل والغنم ،فمن ابتاعها بعد فإنّه بخير
النّظرين بعد أن يحتلبها :إن شاء أمسك ،وإن شاء ردّها وردّ معها صاعا من تمر » ويردّ
معها عوضا عن لبنها إن احتلب ،وهذا محلّ اتّفاق بين هؤلء الئمّة ،وإن اختلفوا في نوع
العوض كما سيأتي .كما اتّفقوا على أنّ العوض خاصّ بالنعام .
ن التّصرية
وذهب أبو حنيفة إلى أنّه ل يردّ الحيوان بالتّصرية ،ول يثبت الخيار بها ،ل ّ
ليست بعيب ،بدليل أنّه لو لم تكن مصرّاة فوجدها أقلّ لبنا من أمثالها لم يملك ردّها ،
والتّدليس بما ليس بعيب ل يثبت الخيار .ول يردّ معها صاعا من تمر ،لنّ ضمان العدوان
بالمثل أو القيمة ،والتّمر ليس مثل ول قيمة ،بل يرجع المشتري بأرش النّقصان على البائع
-والرش هنا :هو التّعويض عن نقصان المبيع . -
نوع العوض عن اللّبن :
- 4اختلف الفقهاء في ردّ العوض ،وفي نوعه .
ن العوض هو صاع من تمر ،وذلك
فذهب المام أحمد ،وهو الصّحيح عند الشّافعيّة ،إلى أ ّ
للحديث السّابق ،وقد نصّ فيه على التّمر « :وإن شاء ردّها وردّ معها صاعا من تمر » .
ن العوض هو صاع من غالب قوت البلد ،وهو القول الخر للشّافعيّة
وذهب المام مالك إلى أ ّ
.وقال مالك :إنّ بعض ألفاظ الحديث جاء فيها « :فإن ردّها ردّ معها صاعا من طعام »
وتنصيص التّمر في الحديث ليس لخصوصه ،وإنّما كان غالب قوت المدينة آنذاك .وعند أبي
يوسف يردّ قيمة اللّبن المحتلب ،لنّه ضمان متلف ،فكان مقدّرا بقيمته كسائر المتلفات .ثمّ
عند الجمهور :هل يجب ردّ اللّبن نفسه إذا كان موجودا ؟ ذهب أحمد إلى أنّ للمشتري ردّ
اللّبن إذا لم يتغيّر ،ول يلزمه شيء آخر ،ول يجوز للبائع رفضه .
الواجب عند انعدام التّمر :
- 5ذهب الحنابلة إلى أنّ الواجب في هذا الحال قيمة التّمر في الموضع الّذي وقع فيه العقد
ح -إلى أنّ عليه قيمة التّمر في أقرب البلد الّتي فيها
وذهب الشّافعيّة -في الوجه الص ّ
تمر ،وفي الوجه الخر عليه قيمة التّمر بالحجاز .ول يختلف الحكم عند مالك بانعدام التّمر ،
لنّ الواجب عنده مطلقا صاع من غالب قوت أهل البلد .
هل يختلف الحكم بين كثرة اللّبن وقلّته ؟
- 6ل خلف بين من يرى ردّ صاع مع المصرّاة في أنّه ل عبرة بكثرة اللّبن وقلّته ،ول بين
أن يكون الصّاع مثل قيمة لبن الحيوان أو أقلّ أو أكثر ،لنّه بدل قدّره الشّرع .ويشترط في
جواز ردّ المصرّاة :
أ -أن ل يعلم المشتري أنّها مصرّاة ،فإن علم قبل الشّراء وقبل حلبها فل يثبت له الخيار .
ب -أن يقصد البائع التّصرية ،فإن لم يقصد ذلك كأن ترك حلبها ناسيا أو لشغل ،أو
تصرّت بنفسها فوجهان عند الشّافعيّة في ثبوت الخيار .وعند الحنابلة يثبت له الخيار لدفع
الضّرر اللّاحق بالمشتري ،والضّرر واجب الدّفع شرعا ،قصد أم لم يقصد ،فأشبه العيب .
ن الصّاع إنّما
ج -وأن يردّها بعد الحلب ،فإن ردّها قبل الحلب فل شيء عليه بالتّفاق ،ل ّ
وجب عوضا عن اللّبن المحلوب ولم يحلب .
وللخبر الّذي قيّد ردّ الصّاع بالحتلب ،ولم يوجد .
وإذا أراد المشتري إمساك المصرّاة وطلب الرش لم يكن له ذلك ،لنّ النّبيّ صلى ال عليه
وسلم لم يجعل للمصرّاة أرشا ،وإنّما خيّر المشتري بين شيئين « :إن شاء أمسك ،وإن شاء
ردّها وصاعا من تمر » ولنّ التّصرية ليست بعيب ،فلم يستحقّ من أجلها عوضا .
ل مصرّاة صاعا ،وبهذا
- 7وإذا اشترى مصرّاتين أو أكثر في عقد واحد فردّهنّ ،ردّ مع ك ّ
قال الشّافعيّ وبعض أصحاب مالك .وقال بعضهم :في الجميع صاع واحد ،لنّ رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم قال « :من اشترى غنما مصرّاة فاحتلبها ،فإن رضيها أمسكها ،وإن
سخطها ففي حلبتها صاع من تمر » .وللحنابلة عموم قوله صلى ال عليه وسلم « من اشترى
ن ما جعل عوضا عن الشّيئين
مصرّاة » و « من اشترى محفّلة » وهذا يتناول الواحدة ،ول ّ
في صفقتين ،وجب إذا كانا في صفقة واحدة كأرش العيب .
مدّة الخيار :
- 8ال ّردّ يكون على الفور كالرّ ّد في خيار العيب عند الشّافعيّة .
وللحنابلة في المدّة ثلثة أقوال :
الوّل :أنّها مقدّرة بثلثة أيّام ،وليس له الرّدّ قبل مضيّها ،ول إمساكها بعدها ،وهو ظاهر
قول أحمد .لحديث مسلم « :فهو بالخيار ثلث َة أيّامٍ » .
والثّاني :أنّه متى ثبتت التّصرية جاز له ال ّردّ قبل الثّلثة وبعدها ،لنّه تدليس يثبت الخيار ،
فملك ال ّردّ إذا تبيّنه كسائر التّدليس .
والثّالث :أنّه متى علم التّصرية ثبت له الخيار في اليّام الثّلثة إلى تمامها .
وعند المالكيّة :ل يردّ إن حلبها في اليوم الثّالث إن حصل الختيار في اليوم الثّاني .
تصفيق *
التّعريف :
-للتّصفيق في اللّغة معان ،منها :الضّرب الّذي يسمع له صوت .وهو كالصّفق في ذلك 1
تصليب *
التّعريف :
- 1التّصليب في اللّغة :مصدر صلّب ،وهو يأتي لمعان :منها :
أ -القتلة المعروفة يقال :صلب فلن صلبا ،وصلّب تصليبا .ففي التّنزيل العزيز َ { :ومَا
شبّهَ لهم } وفيه حكاية قول فرعون { :وَلصَلّ َبنّكم في جُذوعِ ال ّنخْلِ }
ن ُ
َقتَلُوه ومَا صََلبُوه ولك ْ
وأصله على ما في لسان العرب " الصّليب " وهو في اللّغة دهن النسان أو الحيوان ،قال :
ن ودك المصلوب ( أي دهنه ) يسيل .
والصّلب هذه القِتلة المعروفة ،مشتقّ من ذلك ،ل ّ
ومنه سمّي الصّليب .وهو الخشبة الّتي يصلب عليها من يقتل كذلك ث ّم استعمل لما يتّخذه
النّصارى على ذلك الشّكل وجمعه الصّلبان ،والصُلُب .
ب -والتّصليب أيضا صناعة الصّليب ،أو عمل نقش في ثوب أو جدار أو قرطاس أو
غيرها بشكل الصّليب ،أو التّصليب بالشارة .قال ابن عابدين :والصّليب خطّان متقاطعان .
وفي حديث عائشة رضي ال عنها « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئا
فيه تصاليب إل نقضه » أي قطع موضع التّصليب فيه ،وفي رواية « نهى عن الصّلة في
الثّوب المصلّب » .وهو الّذي فيه نقش كالصّلبان .
ج -ورد في الحديث « :نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الصّلب في الصّلة » وهيئة
الصّلب في الصّلة أن يضع المصلّي يديه على خاصرتيه ،ويجافي عضديه عن جنبيه في
القيام .وإنّما نهى عنه لمشابهته شكل المصلوب .وتنظر أحكام ذلك في الصّلة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّمثيل :
- 2التّمثيل :مصدر مثّل من مثّلت بالقتيل مثلً :إذا جدعته وظهرت آثار فعلك عليه
تنكيلً ،والتّشديد في مثّل للمبالغة فبين التّصليب والتّمثيل مباينة ،لنّ التّصليب ربط للعقوبة ،
أمّا التّمثيل فهو مجرّد الجدع والتّقطيع .
ب -الصّبر :
- 3الصّبر من معانيه في اللّغة :نصب النسان للقتل ،أو أن يمسك الطّائر أو غيره من
ذوات الرّوح يصبر حيّا ،ثمّ يرمى بشيء حتّى يقتل .
فالصّبر أعمّ من التّصليب ،لنّه قد يكون بل صلب .
الحكم التّكليفيّ :
يتناول الحكم أمرين :
أ -الصّلب ،وهو القتلة المعروفة .
ب -الحكام المتعلّقة بالصّليب .
أوّل :حكم التّصليب " بمعنى القِتلة المعروفة "
- 4الصّلب قتلة معروفة ،وهي أن يرفع المراد قتله على جذع أو شجرة أو خشبة قائمة ،
وتمدّ يداه على خشبة معترضة ،وتربط رجله بالخشبة القائمة ،ويترك عليها هكذا حتّى
ل ،ويصلب بعد زهوق روحه على
يموت .وقد تسمّر يداه ورجله بالخشب .وقد يقتل أ ّو ً
الخشبة للتّشهير به .وكانت هذه القتلة شائعة في المم السّابقة كالفرس والرّومان ومن قبلهم .
سجْنِ
حبَي ال ّ
ص القرآن على أنّها كانت من فعل فرعون بأعدائه .وفي قصّة يوسف { يَا صَا ِ
ون ّ
ن رَأْسِه } وقد حرّم السلم
ب فَتَأكُلُ الطّيرُ م ْ
خرُ َفيُصْلَ ُ
خمْرَا ،وَأمّا ال َ
ح ُدكُما فَ َيسْقِي َربّه َ
أمّا َأ َ
هذه القتلة لما فيها من التّعذيب الشّديد والمثلة والتّشهير ،فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « إنّ
سنُوا القتلة ،وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة ،
حِل شيء ،فإذا َقتَ ْلتُم فأَ ْ
اللّه كتب الحسان على ك ّ
حدّ أحدُكم شَ ْف َرتَه ،وَ ْل ُيرِحْ ذبيحته » « ونهى عن ال ُمثْلَة ولو بالكلب العَقُور » .
و ْل ُي ِ
- 5ويستثنى من هذا الصل جرائم محدّدة جعلت عقوبتها الصّلب بعد القتل لعوارض خاصّة
اقتضتها .وهذه الجرائم هي ما يلي :
أ -الفساد في الرض :
جعلت عقوبة الفساد في الرض بالمحاربة " قطع الطّريق " الصّلب ،لقوله تعالى { ِإ ّنمَا
ن يُ َقتّلُوا أو ُيصَّلبُوا أو ُت َقطّعَ
ض فَسَادَا أ ْ
ن في الَر ِ
سعَو َ
ن اللّ َه َورَسُولَه َو َي ْ
ن ُيحَا ِربُو َ
جزَاءُ الّذي َ
َ
خرَةِ
خ ْزيٌ في ال ّدنْيا وَلَهمْ في ال ِ
ن الرضِ ذَلكَ لَهمْ ِ
ن خِلفٍ أَو ُينْفَوْا مِ َ
أَيدِيهمْ وََأ ْرجُلُهمْ مِ ْ
ن اللّهَ غَفُورٌ َرحِيمٌ } .
ن تَابُوا ِمنْ َقبْلِ َأنْ تَ ْق ِدرُوا عَلَيهمْ فَاعَْلمُوا أَ ّ
عظِيمٌ إل الّذي َ
عذَابٌ َ
َ
ن قطّاع الطّرق يستأسدون على النّاس ،
وإنّما كان الصّلب عقوبة في هذه الجريمة ،ل ّ
فيروّعون المنين ،ويظهرون الفساد ،فجعل الصّلب عقوبة لهم ،ليرتدع به من سواهم من
المفسدين .وقد اختلف الفقهاء في الصّلب :
فقيل :هو حدّ ل بدّ من إقامته .وقيل :المام مخيّر فيه وفي غيره من العقوبات المذكورة في
الية .على ترتيب وتفصيل ينظر في مصطلح ( :حرابة ) .
كيفيّة تنفيذ عقوبة الصّلب في قاطع الطّريق :
- 6باستقراء كلم الفقهاء يتبيّن اتّفاقهم على أنّه ليس المراد بصلب قاطع الطّريق :أن يحمل
على الخشبة حيّا ،ثمّ يترك عليها حتّى يموت .ثمّ اختلفوا :فقال أبو حنيفة ومالك والوزاعيّ
ن الصّلب عقوبة ،وإنّما يعاقب الحيّ ل
:يصلب حيّا ،ثمّ يقتل مصلوبا بطعنه بحربة ،ل ّ
الميّت ،ولنّه جزاء على المحاربة ،فيشرع في الحياة كسائر الجزاءات .
وقال الشّافعيّ وأحمد :يقتل أوّل ،ثمّ يصلب بعد قتله ،لنّ اللّه تعالى قدّم ذكر القتل على
ذكر الصّلب ،فيلتزم هذا التّرتيب حيث اجتمعا ،ولنّ القتل إذا أطلق في الشّرع كان قتلً
بالسّيف ،ولنّ في قتله بالصّلب تعذيبا له ومثلة ،وقد نهى الشّرع عن المثلة .
أمّا المدّة الّتي يبقى فيها المصلوب على الخشبة بعد قتله ،فقال أبو حنيفة والشّافعيّ :يصلب
ثلثة أيّام .وقال الحنابلة :يصلب قدر ما يشتهر أمره ،دون تحديد بمدّة .
وعند المالكيّة ينزل إذا خيف تغيّره .
ب -من قتل غيره عمدا بالصّلب حتّى مات :
- 7مذهب مالك والشّافعيّ ،وهو رواية عن أحمد :أنّ لوليّ المقتول أن يطالب بقتل الجاني
قصاصا بمثل ما قتل به .قالوا :وهذا معنى القصاص ،وهو المساواة والمماثلة ،وله أن
يقتله بالسّيف .فإن قتل بالسّيف ،وكان الجاني قد قتل بأشدّ منه كان الوليّ قد ترك المماثلة ،
وهي شيء من حقّه .ومقتضى هذا القول :أنّه يجوز للوليّ صلب القاتل حتّى الموت ،إن
كانت جنايته بالصّلب .ومذهب أبي حنيفة ،وهو رواية عن أحمد :أنّه ل قَ َودَ إلّا بالسّيف ،
فعلى هذا ل يتأتّى عقوبة الصّلب قصاصا .
ومع ذلك صرّح الحنفيّة بأنّ الوليّ إذا اقتصّ بغير السّيف عزّر ،ووقع القصاص موقعه .
ج -التّصليب في عقوبة التّعزير :
- 8قال الماورديّ من الشّافعيّة :يجوز صلب المعزّر حيّا ثلثة أيّام فقط " أي ويطلق بعدها "
فقد « صَلَب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رجلً على جبل يقال له أبو ناب » قال :ول
يمنع مدّة صلبه من طعام ول شراب ول وضوء لصلة .ويصلّي مومئا ،ويعيد الصّلة بعد
أن يطلق سراحه .ونقل ذلك متأخّرو الشّافعيّة وأقرّوه .وقال صاحب مغني المحتاج :ينبغي
أن يقال بتمكين المصلوب في هذه الحال من الصّلة مطمئنّا ،يعني أن يصلّي مرسل صلة
تامّة ،ثمّ يعاد صلبه .ونقل ابن فرحون من المالكيّة في التّبصرة قول الماورديّ وأقرّه .
ويجوز التّعزير بالصّلب عند الحنابلة ،ويراعى ما ذكره الماورديّ .وقالوا :يصلّي
المصلوب حينئذ باليماء إن لم يمكنه إلّا ذلك ،ول إعادة عليه بعد إطلقه .
ثانيا :الحكام المتعلّقة بالصّلبان
صناعة الصّليب واتّخاذه :
- 9ل يجوز للمسلم أن يصنع صليبا ،ول يجوز له أن يأمر بصناعته ،والمراد صناعة ما
يرمز به إلى التّصليب .وليس له اتّخاذه ،وسواء علّقه أو نصبه أو لم يعلّقه ولم ينصبه .ول
يجوز له إظهار هذا الشّعار في طرق المسلمين وأماكنهم العامّة أو الخاصّة ،ول جعله في
ثيابه ،لما روى عديّ بن حاتم رضي ال عنه قال « :أتيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم وفي
ي ! اطرح عنك هذا الوثن » وعن أبي أمامة رضي ال
عنقي صليب من ذهب .فقال :يا عد ّ
ن اللّه بعثني رحمة وهدى للعالمين ،
عنه قال " :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « إ ّ
وأمرني بمحق المزامير والمعازف والوثان والصّلب وأمر الجاهليّة » .
- 10يكره الصّليب في الثّوب ونحوه كالقلنسوة والدّراهم والدّنانير والخواتم .
قال ابن حمدان :ويحتمل التّحريم ،وهو ظاهر ما نقله صالح عن المام أحمد ،وصوّبه
صاحب النصاف .ودليل ذلك حديث عائشة رضي ال عنها الّذي يفيد « أنّ النّبيّ صلى ال
عليه وسلم كان يقطع صورة الصّليب من الثّوب » ،وفي بعض رواياته عند أحمد عن أمّ عبد
الرّحمن بن أذينة قالت « :كنّا نطوف مع عائشة أمّ المؤمنين رضي ال عنها فرأت على
ن رسول اللّه صلى ال
امرأة بردا فيه تصليب ،فقالت أمّ المؤمنين :اطرحيه .اطرحيه .فإ ّ
عليه وسلم كان إذا رأى نحو هذا في الثّوب قضبه » .وقال إبراهيم ":أصاب أصحابنا
خمائص فيها صلب فجعلوا يضربونها بالسّلوك يمحونها بذلك ".
المصلّي والصّليب :
ن فيه تشبّها بالنّصارى في عبادتهم ،
- 11يكره للمصلّي أن يكون في قبلته صليب ،ل ّ
والتّشبّه بهم في المذموم مكروه ،وإن لم يقصده .
ولم نجد عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة نصّا في ذلك .
القطع في سرقة الصّليب :
- 12ل قطع عند الحنفيّة والحنابلة في سرقة الصّليب ولو كان من ذهب أو فضّة ،ولو
جاوزت قيمته نصابا .وذلك لنّه منكر ،فتتأوّل الباحة للسّارق بتأويل نيّة الكسر نهيا عن
المنكر .قال في فتح القدير :بخلف الدّرهم الّذي عليه الصّورة ،فإنّه ما أع ّد للعبادة ،فل
تثبت شبهة إباحة الكسر .وعن أبي يوسف يقطع به إن كان في يد رجل في حرز ل شبهة فيه
،لكمال الماليّة ولوجود الحرز .أمّا إن كان في مصلّاهم فسرقه ،فل قطع لعدم الحرز .قال
ن ال ّذ ّميّ ل تأويل
ابن عابدين :وعلى الوّل لو كان السّارق ذ ّميّا وسرق من حرز فيقطع ،ل ّ
له .قال :إل أن يقال تأويل غيره يكفي في وجود الشّبهة فل يقطع .
ن مذهب المالكيّة جار على مثل ما قال ابن عابدين في آخر كلمه ،فإنّه ل قطع
ويظهر أ ّ
عندهم في سرقة الخمر ،ولو سرقها ذ ّميّ من ذمّيّ ،فيكون الحكم في سرقة الصّليب كذلك.
وفرّق الشّافعيّة في سرقة المحرّم من صليب وغيره بين حالتين ،فقالوا :إن سرقه بقصد
ح -على ما قاله النّوويّ -أنّه يقطع به إن بلغ مكسوره نصابا.
النكار فل قطع ،وإل فالص ّ
إتلف الصّليب :
- 13من كسر صليبا لمسلم فل ضمان فيه اتّفاقا .وإن كان لهل ال ّذمّة ،فإن أظهروه كانت
إزالته واجبة ،ول ضمان أيضا .وإن كان اقتناؤهم له على وجه يقرّون عليه ،كالّذي
يجعلونه في داخل كنائسهم أو بيوتهم ،يسرّونه عن المسلمين ول يظهرونه ،فإن غصبه
غاصب وجب ردّه اتّفاقا .أمّا إن أتلفه متلف ،فقد اختلف الفقهاء في وجوب الضّمان بذلك :
فعند الحنفيّة :فيه الضّمان ،بناء على أصلهم في ضمان المسلم خمر ال ّذمّيّ ،لنّه مال متقوّم
ل في حقّنا .وقد أمرنا بتركهم وما يدينون .
في حقّهم كتقوّم الخ ّ
وعند الشّافعيّة والحنابلة :ل يضمن المسلم الخمر والخنزير لمسلم ول لذ ّميّ ،وهكذا إذا
أتلفهما ذ ّميّ على ذ ّميّ ،لنّه سقط تقوّمهما في حقّ المسلم فكذا في حقّ ال ّذ ّميّ ،لنّهم تبع لنا
في الحكام ،فل يجب بإتلفهما مال متقوّم ،وهو الضّمان ،فكذا ينبغي أن يكون الحكم في
ن الكفّار مخاطبون بفروع الشّريعة ،فالتّحريم ثابت في حقّهم ،لكنّا أمرنا بترك
الصّليب ،ول ّ
التّعرّض لهم فيما ل يظهرونه من ذلك ،وهذا ل يقتضي الضّمان نظرا إلى أصل التّحريم .
ن الصنام والصّلبان ل يجب في إبطالها شيء ،لنّها محرّمة
وفي شرح المنهاج :إ ّ
ح أنّها ل تكسر الكسر
ن الص ّ
الستعمال ،ول حرمة لصنعتها -أي ليست محترمة -وإ ّ
الفاحش ،بل تفصل لتعود كما كانت قبل التّأليف ،لزوال السم بذلك .
والقول الثّاني :تكسر وترضّض حتّى تنتهي إلى حدّ ل يمكن إعادته صنما أو صليبا أو غير
ذلك من المحرّمات .ونقل صاحب كشّاف القناع من الحنابلة عن القاضي ابن عقيل أنّ
الصّليب إن كان من الذّهب أو الفضّة فل يضمن إذا كسر ،أمّا إذا أتلف فيضمن مكسورا .
ن الصّنعة في الذّهب والفضّة تابعة ،لنّها أقلّ قيمة ،
وفرّق بينه وبين الصّليب من الخشب بأ ّ
وفي الخشب أو الحجر هي الصل فل يضمن .
فعليه يضمن الصّليب المستور لل ّذ ّميّ إن كان من ذهب أو فضّة إذا أتلف بمثله ذهبا بالوزن ،
وتلغى صنعته .قال الحارثيّ :ول خلف فيه .
أهل ال ّذمّة والصّلبان :
- 14يجوز إقرار أهل ال ّذمّة والصّلح معهم على إبقاء صلبانهم ،ولكن يشترط عليهم أن ل
يظهروها ،بل تكون في كنائسهم ومنازلهم الخاصّة .وفي فتح القدير :إنّ المراد بكنائسهم
كنائسهم القديمة الّتي أقرّوا عليها .وفي عهد عمر رضي ال عنه الّذي أخذه على نصارى
الشّام " بسم ال الرحمن الرحيم .هذا كتاب لعمر أمير المؤمنين من نصارى الشّام :لما قدمتم
علينا سألناكم المان .إلى أن قالوا :وشرطنا لكم على أنفسنا أن ل نظهر صليبا ول كتابا "
أي من كتب دينهم " في شيء من طرق المسلمين ول أسواقهم ،ول نظهر الصّليب في
كنائسنا إلخ " وقولهم " :في كنائسنا " المراد به خارجها ممّا يراه المسلم .قال ابن القيّم :ل
يمكّنون من التّصليب على أبواب كنائسهم وظواهر حيطانها ،ول يتعرّض لهم إذا نقشوا
داخلها .
ن عمر بن عبد العزيز كتب :أن يمنع نصارى الشّام أن يضربوا
وعن ميمون بن مهران أ ّ
ناقوسا ،ول يرفعوا صليبهم فوق كنائسهم ،فإن قدر على من فعل ذلك منهم فإنّ سلبه لمن
وجده .وكذا لو جعلوا ذلك في منازلهم وأماكنهم الخاصّة ل يمنعون منه .ويمنعون من لبس
الصّليب وتعليقه في رقابهم أو أيديهم ،ول ينتقض عهدهم بذلك الظهار ،ولكن يؤدّب من
فعله منهم .ويلحظون في مواسم أعيادهم بالذّات ،إذ قد يحاولون إظهار الصّليب فيمنعون
من ذلك ،لما في عهد عمر عليهم عدم إظهاره في أسواق المسلمين .
ويؤدّب من فعله منهم ،ويكسر الصّليب الّذي يظهرونه ،ول شيء على من كسره .
الصّليب في المعاملت الماليّة :
- 15ل يصحّ لمسلم بيع الصّليب شرعا ،ول الجارة على عمله .
ولو استؤجر عليه فل يستحقّ صانعه أجرة ،وذلك بموجب القاعدة الشّرعيّة العامّة في حظر
بيع المحرّمات ،إجارتها ،والستئجار على عملها .
ح بيع الصّور والصّلبان ولو من ذهب أو فضّة أو حلوى .
وقال القليوبيّ :ل يص ّ
ول يجوز بيع الخشبة لمن يعلم أنّه يتّخذها صليبا .
وسئل ابن تيميّة عن خيّاط خاط للنّصارى سير حرير فيه صليب ذهب فهل عليه إثم في
خياطته ؟ وهل تكون أجرته حلل أم ل ؟ فقال :إذا أعان الرّجل على معصية اللّه كان آثما .
. .ثمّ قال :والصّليب ل يجوز عمله بأجرة ول غير أجرة ،كما ل يجوز بيع الصنام ول
ن اللّه حرّم بيع
عملها .كما ثبت في الصّحيح عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :إ ّ
الخمر والميتة والخنزير والصنام » .وثبت أنّه « لعن المصوّرين » .
وصانع الصّليب ملعون لعنه اللّه ورسوله .
ومن أخذ عوضا عن عين محرّمة مثل أجرة حامل الخمر وأجرة صانع الصّليب وأجرة البغيّ
ونحو ذلك ،فليتصدّق به ،وليتب من ذلك العمل المحرّم ،وتكون صدقته بالعوض كفّارة لما
فعله ،فإنّ هذا العوض ل يجوز النتفاع به ،لنّه عوض خبيث .نصّ عليه المام أحمد في
مثل حامل الخمر ،ونصّ عليه أصحاب مالك وغيرهم .
تصوير *
التّعريف :
-التّصوير لغة :صنع ال صّورة .وصورة الشّيء هي هيئته الخا صّة الّتي يتميّز بها عن 1
غيره .وفني أسنمائه تعالى ":المصنوّر " ،ومعناه :الّذي صنوّر جمينع الموجودات ورتّبهنا ،
فأعطى ك ّل شيء منها صورته الخاصّة وهيئته المفردة ،على اختلفها وكثرتها .
وورد في حديث ابن عمر تسمية الوجه صورة ،قال رضي ال عنه « :نهى النّبيّ صلى ال
عليه وسلم أن تضرب الصّورة ،أو نهى عن الوسم في الوجه » أي :أن يضرب الوجه أو
يوسم الحيوان في وجهه .والتّصوير أيضا :ذكر صورة الشّيء ،أي :صفته ،يقال :
صوّرت لفلن المر ،أي :وصفته له .والتّصوير أيضا :صنع الصّورة الّتي هي تمثال
الشّيء ،أي :ما يماثل الشّيء ويحكي هيئته الّتي هو عليها ،سواء أكانت الصّورة مجسّمة أو
غير مجسّمة ،أو كما يعبّر بعض الفقهاء :ذات ظلّ أو غير ذات ظلّ .
والمراد بالصّورة المجسّمة أو ذات الظّلّ ما كانت ذات ثلثة أبعاد ،أي لها حجم ،بحيث
تكون أعضاؤها نافرة يمكن أن تتميّز باللّمس ،بالضافة إلى تميّزها بالنّظر .
وأمّا غير المجسّمة ،أو الّتي ليس لها ظلّ ،فهي المسطّحة ،أو ذات البعدين ،وتتميّز
أعضاؤها بالنّظر فقط ،دون اللّمس ،لنّها ليست نافرة ،كالصّور الّتي على الورق ،أو
القماش ،أو السّطوح الملساء .
والتّصوير والصّورة في اصطلح الفقهاء يجري على ما جرى عليه في اللّغة .
سنّة حديث عائشة
وقد تسمّى الصّورة تصويرة ،وجمعها تصاوير ،وقد ورد من ذلك في ال ّ
رضي ال عنها في شأن السّتر قوله صلى ال عليه وسلم « :أميطي عنّا قرامك هذا ،فإنّه ل
تزال تصاويره تعرض في صلتي » .
أنواع الصّور :
- 2إنّ الصّورة -بالضافة إلى ما ذكرناه من الصّور الثّابتة -قد تكون صورة مؤقّتة
كصورة الشّيء في المرآة ،وصورته في الماء والسّطوح اللمعة ،فإنّها تدوم ما دام الشّيء
مقابلً للسّطح ،فإن انتقل الشّيء عن المقابلة انتهت صورته .
ومن الصّور غير الدّائمة :ظلّ الشّيء إذا قابل أحد مصادر الضّوء .ومنه ما كانوا يستعملونه
في بعض العصور السلميّة ،ويسمّونه :صور الخيال ،أو صور خيال الظّلّ .فإنّهم كانوا
يقطعون من الورق صورا للشخاص ،ثمّ يمسكونها بعصيّ صغيرة ،ويحرّكونها أمام
السّراج ،فتنطبع ظللها على شاشة بيضاء يقف خلفها المتفرّجون ،فيرون ما هو في الحقيقة
صورة الصّورة .ومن الصّور غير الدّائمة :الصّور التّليفزيونيّة ،فإنّها تدوم ما دام الشّريط
متحرّكا فإذا وقف انتهت الصّورة .
- 3ثمّ إنّ الصّورة قد تكون لشيء حيّ عاقل ذي روح ،كصورة النسان .
أو غير عاقل ،كصورة الطّائر أو السد .أو لحيّ غير الحيوان كصور الشجار والزّهور
والعشاب .أو للجمادات كصور الشّمس والقمر والنّجوم والجبال ،أو صور المصنوعات
النسانيّة كصورة منزل أو سيّارة أو منارة أو سفينة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّماثيل :
- 4التّماثيل جمع تمثال " بكسر التّاء " وتمثال الشّيء :صورته في شيء آخر .وهو من
المماثلة ،وهي المساواة بين الشّيئين .والتّمثيل :التّصوير .يقال :مثّل له الشّيء إذا صوّره
له كأنّه ينظر إليه ،ومثّلت له كذا :إذا صوّرت له مثاله بكتابة أو غيرها ،وفي الحديث « :
ل كلّ شيء تمثاله .فالفرق بين التّمثال
أشدّ النّاس عذابا ممثّل من الممثّلين » أي مصوّر .وظ ّ
وبين الصّورة :أنّ صورة الشّيء قد يراد بها الشّيء نفسه ،وقد يراد به غيره ممّا يحكي هيئة
الصل ،أمّا التّمثال فهو الصّورة الّتي تحكي الشّيء وتماثله ،ول يقال لصورة الشّيء في
نفسه :إنّها تمثاله .
- 5وممّا يبيّن أنّ التّمثال أيضا في اللّغة يستعمل لصور الجمادات ما ورد في صحيح
ن المسيح ال ّدجّال يأتي ومعه تمثال الجنّة والنّار .
البخاريّ أ ّ
ن أكثرهم ل يفرّقون في الستعمال بين
أمّا في عرف الفقهاء ،فإنّه باستقراء كلمهم تبيّن أ ّ
ص التّمثال بصورة ما كان ذا روح ،أي
ن بعضهم خ ّ
لفظي ( الصّورة ) ( والتّمثال ) ،إل أ ّ
صورة النسان أو الحيوان ،سواء أكان مجسّما أو مسطّحا ،دون صورة شمس أو قمر أو
بيت ،وأمّا الصّورة فهي أع ّم من ذلك .نقله ابن عابدين عن المغرب .
وهذا البحث جار على الصطلح الغلب عند الفقهاء ،وهو أنّ الصّورة الّتي تحكي الشّيء ،
والتّمثال بمعنى واحد .
ب -الرّسم :
-الرّسم في اللّغة :أثر الشّيء .وقيل :بقيّة الثر .وأثر الشّيء قد يشاكله في الهيئة . 6
ومن هنا سمّوا " الرّوسم " ،وهو الخشبة الّتي فيها نقوش يختم بها الشياء المراد بقاؤها مخفاة
،لئل ت ستعمل .وقال ا بن سيده " :الرّو سم الطّا بع " .وم نه " المر سوم " لنّه يخ تم بخا تم .
والرّسم في الستعمال المعاصر بمعنى :ال صّورة المسطّحة ،أو التّصوير المسطّح ،إذا كان
معمول بال يد .ول تسمّى ال صّورة الفوتوغرافيّة رسما .بل يقال :ر سمت دارا ،أو إنسانا ،
أو شجرة .
ج -التّزويق ،والنّقش ،والوشي ،والرّقم :
- 7هذه الكلمات الربع تكاد تكون بمعنى واحد ،وهو تجميل الشّيء المسطّح أو غير
المسطّح بإضافة أشكال تجميليّة إليه ،سواء أكانت أشكال هندسيّة أو نمنمات أو صورا أو
غير ذلك .قال صاحب اللّسان :ثوب منمنم أي :موقوم موشّى ،وقال :النّقش :النّمنمة .
فكلّ منها يكون بالصّور أو بغيرها .
د -النّحت :
سكّين ،حتّى
- 8النّحت :الخذ من كتلة صلبة كالحجر أو الخشب بأداة حادّة كالزميل أو ال ّ
يكون ما يبقى منها على الشّكل المطلوب ،فإن كان ما بقي يمثّل شيئا آخر فهو تمثال أو
صورة ،وإل فل .
ترتيب هذا البحث :
- 9يحتوي هذا البحث على ما يلي :
ل :ما يتعلّق من الحكام بالصّورة النسانيّة .
أ ّو ً
ثانيا :أحكام التّصوير ،أي :صناعة الصّور .
ثالثا :أحكام اقتناء الصّور ،أي :اتّخاذها واستعمالها .
رابعا :أحكام الصّور من حيث التّعامل والتّعرّف فيها .
القسم الوّل :ما يتعلّق من الحكام بالصّورة النسانيّة :
- 10ينبغي للنسان أن يعتني بتجميل صورته الظّاهرة ،بالضافة إلى اعتنائه بتكميل
صورته الباطنة ،ويقوم بحقّ اللّه تعالى بشكره على أنّه جمّل صورته .
والعناية بالصّورة الباطنة تكون باليمان والتّطهّر من الذّنوب والشّكر للّه ،والتّجمّل بالخلق
الحميدة .
والعناية بالصّورة الظّاهرة تكون بالتّطهّر بالوضوء والغتسال والتّنظّف وإزالة التّفث ،
والتّزيّن بالزّينة المشروعة من العناية بالشّعر والملبس الحسنة وغير ذلك ( ،ر :زينة ) .
- 11ول يحلّ للنسان أن يشوّه جسمه بإتلف عضو من أعضائه ،أو إخراجه عن وضعه
الّذي خلقه اللّه عليه .كما ل يحلّ له أن يفعل ذلك بغيره ،إل حيث أذن اللّه تعالى بذلك وقد «
ي صلى ال عليه وسلم عن ال ُنهْبى والمثلة » ( .ر :مثلة ) .كما ل يحلّ له أن
نهى النّب ّ
يقصد تشويه نفسه بلبس ما ينفر النّاس منه ويخرجه عن المعتاد ( ر :ألبسة ) .
ومن ذلك أنّ « النّبيّ صلى ال عليه وسلم نهى أن يمشي الرّجل في نعل واحدة » أي :في
إحدى قدميه دون الخرى .وشرع للمسلم أن يتطيّب ويتعطّر .وللمرأة زينتها الخاصّة .
وراجع مباحث ( اكتحال .اختضاب .حليّ ،إلخ ) .
- 12أمّا الزّينة الباطنة ،فقد قال ابن القيّم :الجمال الباطن هو محلّ نظر اللّه من عبده
ن اللّه ل ينظر إلى صوركم وأموالكم ،ولكن ينظر إلى
وموضع محبّته ،كما في الحديث « :إ ّ
قلوبكم وأعمالكم » .وهذا الجمال الباطن يزيّن الصّورة الظّاهرة وإن لم تكن ذات جمال ،
فتكسو صاحبها من الجمال والمهابة والحلوة بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصّفات .فإنّ
المؤمن يعطى مهابة وحلوة بحسب إيمانه ،فمن رآه هابه ،ومن خالطه أحبّه ،وهذا أمر
مشهود بالعيان .فإنّك ترى الرّجل الصّالح ذا الخلق الجميلة من أحلى النّاس صورة ،وإن
كان غير جميل ،ول سيّما إذا رزق حظّا من صلة اللّيل ،فإنّها تنوّر الوجه .
ص اللّه بها بعض الصّور عن بعض ،وهي من زيادة
قال :وأمّا الجمال الظّاهر فزينة خ ّ
الخلق الّتي قال اللّه فيها َ { :يزِيدُ في الخَ ْلقِ مَا َيشَاءُ } قال المفسّرون :هو الصّوت الحسن
والصّورة الحسنة .والقلوب مطبوعة على محبّته ،كما هي مفطورة على استحسانه .
ل من الجمال الظّاهر والجمال الباطن نعمة من اللّه تعالى توجب على العبد شكرا
قال :وك ّ
ل على جماله .
بالتّقوى والصّيانة ،وبهما يزداد جما ً
وإن استعمل جماله في معاصي اللّه قلب اللّه محاسنه شينا وقبحا .وكان النّبيّ صلى ال عليه
وسلم يدعو النّاس إلى جمال الباطن بجمال الظّاهر « ،قال جرير بن عبد اللّه البجليّ رضي
ن خُلُ َقكَ
ال عنه :قال لي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :أنت امرؤ حسّن اللّه خَ ْلقَك ،فحسّ ْ
» « .وكان النّبيّ صلى ال عليه وسلم أجمل الخلق وأحسنهم وجها » « .وقد سئل البراء بن
عازب :أكان وجه النّبيّ صلى ال عليه وسلم مثل السّيف ؟ فقال :ل ،بل مثل القمر » .
ب أن يكون الرّسول الّذي يرسل إليه حسن الوجه حسن السم
وكان صلى ال عليه وسلم يستح ّ
،فكان يقول « :إذا َأ ْب َردْتُم إليّ َبرِيدا فاجعلوه حسنَ الوجه حسنَ السم » وقد أمتع اللّه عباده
المؤمنين في دار كرامته بحسن الصّور ،كما في الحديث « أوّل ُزمْرة تدخل الجنّ َة على
ب رجل
صورةِ القمر ليل َة البدر ،والّذين على أثرهم كأشدّ كوكبٍ إضاء ًة ،قلوبُهم على قل ِ
واحد ،يسبّحون اللّه بُكرة وعشيّة .صورهم على صورة القمر ليلة البدر ».
القسم الثّاني :حكم التّصوير " صناعة الصّور "
أ -تحسين صورة الشّيء المصنوع :
- 13يستحسن للصّانع إذا صنع شيئا أن يحسّن صورة ذلك الشّيء ،إذ إنّ ذلك من إتقان
شهَاد ِة العَزيزُ الرّحيمُ
العمل وإحسانه .وقد مدح اللّه تعالى نفسه بقوله { :ذَلكَ عَاِلمُ الغَيبِ وال ّ
سمَوَاتِ والرضَ
ن طِينٍ } وقال { :خََلقَ ال ّ
نمْ
ل شَيءٍ خَلَقَه َو َبدَأَ خَ ْلقَ النسا ِ
الّذي َأحْسنَ ك ّ
ن اللّه
حسَنَ صُ َورَكم وإليه ال َمصِيرُ } وفي الحديث عن النّبيّ أنّه قال « :إ ّ
ص ّورَكم فََأ ْ
بِالحَقّ و َ
ن اللّه َكتَبَ الحسانَ على كلّ شيء ،فإذا
ن يُتقنه » وقال « :إ ّ
عمِلَ أحدُكم عملً أ ْ
ُيحِبّ إذا َ
سنُوا القِتلة ،وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة . . .الحديث » .
قتلتم فأَح ِ
ب -تصوير المصنوعات :
سيّارة والسّفينة
- 14ل بأس بتصوير الشياء الّتي يصنعها البشر ،كصورة المنزل وال ّ
ن للنسان أن يصنعها ،فكذلك له أن يصوّرها .
والمسجد وغير ذلك اتّفاقا ،ل ّ
ج -صناعة تصاوير الجمادات المخلوقة :
- 15ل بأس بتصوير الجمادات الّتي خلقها اللّه تعالى -على ما خلقها عليه -كتصوير
الجبال والودية والبحار ،وتصوير الشّمس والقمر والسّماء والنّجوم ،دون اختلف بين أحد
ن ذلك ل يعني جواز صناعة شيء منها إذا علم أنّ
من أهل العلم ،إلّا من شذّ .غير أ ّ
الشّخص المصنوعة له يعبد تلك الصّورة من دون اللّه ،وذلك كعبّاد الشّمس أو النّجوم .أشار
إلى ذلك ابن عابدين .ويستدلّ لحكم هذه المسألة وأنّ ذلك ليس بداخل في التّصوير المنهيّ
عنه بما يأتي في المسألة التّالية وما بعدها .
و قد ن قل ا بن ح جر في الف تح عن أ بي محمّد الجوين يّ أنّه ن قل وجها بم نع ت صوير الشّ مس
والقمر ،لنّ من الكفّار من عبدهما من دون اللّه ،فيمتنع تصويرهما لذلك .
ووجّهه ابن حجر بعموم قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :الّذين يضاهون بخلق اللّه »
وقوله في الحديث القدسيّ « :ومن أظلم ممّن ذهب يخلُق خلقا كخلقي » فإنّه يتناول ما فيه
روح وما ل روح فيه .غير أنّ هذا مُؤوّل وخاصّ بما فيه روح كما يأتي .
د -تصوير النّباتات والشجار :
-جمهور الفقهاء على أنّه ل بأس شرعا بت صوير العشاب والشجار والثّمار و سائر 16
رهنه ،ول الجارة على حفظه ،ول وقفه ،ول الوصيّة به كسائر المحرّمات .
ن اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير
وقد « قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم :إ ّ
والصنام » .ومن أخذ على شيء من ذلك ثمنا أو أجرة فهو كسب خبيث يلزمه التّصدّق به.
قال ابن تيميّة :ول يعاد إلى صاحبه ،لنّه قد استوفى العوض ،كما نصّ عليه المام أحمد
في مثل حامل الخمر ،ونصّ عليه أصحاب مالك وغيرهم .
- 72وهذا إن كانت الصّور المحرّمة فيما ل منفعة فيه إلّا ما فيه من الصّورة المحرّمة ،أمّا
لو كانت تصلح لمنفعة بعد شيء من التّغيير ،فظاهر كلم بعض الشّافعيّة منعه .
وقال الرّمليّ الشّافعيّ :مقتضى كلم المام في باب الوصيّة صحّة البيع في هذه الحال ،
وينبغي أن ل يكون فيه خلف .ويؤيّده ما نقله في الرّوضة عن المتولّي -ولم يخالفه -في
جواز بيع النّرد إذا صلح لبيادق الشّطرنج ،وإلّا فل .ومثله ما في ال ّدرّ وحاشية ابن عابدين :
اشترى ثورا أو فرسا من خزف لجل استئناس الصّبيّ ،ل يصحّ ،ول قيمة له .وقيل
بخلفه يصحّ ويضمن متلفه ،فلو كانت من خشب أو صفر جاز اتّفاقا فيما يظهر ،لمكان
النتفاع به .وعن أبي يوسف يجوز بيع اللّعبة ،وأن يلعب بها الصّبيان .
الضّمان في إتلف الصّور وآلت التّصوير :
- 73الّذين قالوا بتحريم نوع من الصّور مستعملة على وضع معيّن ،قالوا :ينبغي إخراج
الصّورة إلى وضع ل تكون فيه محرّمة .وقد بوّب البخاريّ لنقض الصّور ،لكن لم يذكر
فيها حديثا ينصّ على ذلك ،بل ذكر حديثا آخر هو قول عائشة رضي ال عنها « كان النّبيّ
صلى ال عليه وسلم ل يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلّا نقضه » .وفي رواية « :إلّا
قضبه » ولعلّه أراد بذلك قياس نقض الصّور المحرّمة على نقض الصّلبان ،لشتراكهما في
أنّهما عبدا من دون اللّه .لكنّه صلى ال عليه وسلم « قال لعائشة رضي ال عنها في شأن
السّتر الّذي عليه التّصاوير أخّريه عنّي » وفي رواية « أنّه هتكه » ،أي نزعه من مكانه
حتّى لم يعد منصوبا ،وفي حديث جبريل أنّه « أمر بصنع وسادتين من السّتر » وهذا يعني
أنّه ل يتلف ما فيه الصّورة إن كان يمكن أن يستعمل على وجه آخر مباح .
لكن إن كانت الصّورة المحرّمة ل تزول إلّا بالتلف وجب التلف ،وذلك ل يتصوّر إلّا
نادرا ،كالتّمثال المجسّم المثبّت في جدار أو نحوه الّذي إذا أزيل من مكانه أو خرق صدره أو
ن المعصية ل تزول إل بإتلفه .
بطنه أو قطع رأسه يتلف .وهذا النّوع ل يضمن متلفه ،ل ّ
أمّا من أتلف الصّورة الّتي يمكن النتفاع بها على وضع غير محرّم ،فينبغي أن يضمن ما
أتلفه خاليا عن تلك الصّنعة المحرّمة على الصل في ضمان المتلفات .
وهذا مقتضى مذهب أبي حنيفة ،والصحّ عند الشّافعيّة ،وظاهر كلم المالكيّة .
وقياس مذهب الحنابلة :أنّه يجوز التلف ول ضمان ،لسقوط حرمة الشّيء بما فيه من
المنفعة باستعماله في المحرّم ،وفي رواية :يضمن .
القطع في سرقة الصّور :
- 74ل قطع في سرقة الصّور الّتي ليس لمكسورها قيمة ،أو له قيمة ل تبلغ نصابا .
أمّا في غير ذلك ،فمذهب الحنفيّة ،وهو القول المرجوح عند الشّافعيّة ،وقول عند الحنابلة
ن صلحيّته للّهو صارت شبهة من أنّ
عليه المذهب :أنّه ل قطع في سرقة آلة اللّهو ،ل ّ
ن سرقته للشّيء لتأويل الكسر ،فمنع ذلك القطع .فكذا ينبغي أن
السّارق قد يقصد النكار ،وأ ّ
يقال عندهم في الصّور المحرّمة ،ولو كان مكسورها يبلغ نصابا .قال صاحب المقنع من
الحنابلة :إن سرق آنية فيها الخمر أو صليبا أو صنم ذهب لم يقطع .
قال صاحب النصاف :هذا المذهب وعليه جماهير الصحاب .أي لنّ الصّنعة المحرّمة
أهدرت بسببها حرمة الشّيء فلم يعد لمكسوره حرمة تستحقّ أن يثبت بسببها القطع .
وسواء قصد بالسّرقة النكار أم لم يقصده .ومذهب المالكيّة ،وهو الصحّ عند الشّافعيّة
وجوب القطع فيما لو كان المكسور يبلغ نصابا .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لو كان على الدّراهم والدّنانير المسروقة صور فل يمنع ذلك
وجوب القطع ،قال الحنفيّة :لنّ النّقود إنّما تعدّ للتّموّل فل يثبت فيها تأويل .لكن في قول
عند الحنابلة التّفريق بين أن يقصد إنكارا فل يقطع ،ويقطع إن لم يقصده .واللّه أعلم .
تضبيب *
التّعريف :
- 1التّضبيب والضّبّ في اللّغة :تغطية الشّيء وإدخال بعضه في بعض وقيل :هو شدّة
القبض على الشّيء ،لئلّا ينفلت من اليد .ويقال :ضبّب الخشب بالحديد أو الصّفر :إذا شدّه
به ،وضبّب أسنانه شدّها بذهب أو فضّة أو غيرهما .
ضبّة :حديدة عريضة يضبّب بها الباب ويشعّب بها الناء عند التّصدّع .
وال ّ
والصطلح الشّرعيّ للتّضبيب ل يختلف عن المعنى اللّغويّ في شيء .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الجبر :من معانيه أن يغنى الرّجل من فقر ،أو يصلح عظمه من كسر .
ب -الوصل :من وصل الثّوب أو الخفّ وصلة .
ج -التّشعيب :وهو جمع الشّيء وض ّم بعضه إلى بعض ،أو تفريقه ،فهو من الضداد .
التّطعيم :مصدر طعّم ،وأصله طعّم ،يقال :طعّم الغصن أو الفرع :قبل الوصل بغصن من
غير شجره وطعّم كذا بعنصر كذا لتقويته أو تحسينه ،أو اشتقاق نوع آخر منه .
وطعّم الخشب بالصّدف ركّبه فيه للزّخرفة والزّينة .
وعند الفقهاء هو :أن يحفر في إناء من خشب أو غيره حفرا ،ويضع فيها قطعا من ذهب أو
فضّة ونحوهما على قدر الحفر .فالفرق بين التّضبيب والتّطعيم :أنّ التّضبيب يكون للصلح
،أمّا التّطعيم فل يكون إلّا بالحفر ،وهو للزّينة غالبا .
- 6التّمويه :هو الطّلء بماء الذّهب أو الفضّة ونحوهما .
الحكم التّكليفيّ :
- 7ذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز التّضبيب واستعمال المضبّب بذهب أو فضّة ،لنّه تابع
للمباح ،وهو باقي الناء ،فأشبه المضبّب باليسير .ولكنّه مكروه عندهم .ولكن عليه أن
يجتنب في النّصل والقبضة واللّجام موضع اليد .
س الضّبّة بالفم .قال ابن عابدين :المراد بالتّقاء :
وفي الشّرب من الناء المضبّب يتّقي م ّ
التّقاء بالعضو الّذي يقصد الستعمال به ،وفي ذلك خلف بين أبي حنيفة وصاحبيه .ينظر
في المطوّلت .وسيأتي تفصيل أحكام التّضبيب في مصطلحي ( ذهب ،فضّة ،آنية ) .
وأمّا المالكيّة :فقد ذهبوا -في الرّاجح عندهم -إلى حرمة ذلك كلّه ،يستوي عندهم :الفضّة
والذّهب ،والصّغيرة والكبيرة ،لحاجة أو لغير حاجة .
ن تضبيب الناء بذهب حرام مطلقا ،وتضبيبه بضبّة كبيرة
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ
عرفا من الفضّة -لغير حاجة بأن كانت لزينة -حرام كذلك .
ضيّة صغيرة لحاجة الناء إلى الصلح لم تكره ،لما روى البخاريّ
ضبّة الف ّ
فإن كانت ال ّ
ي صلى ال عليه وسلم انكسر فاتّخذ مكان الشّعب سلسلة من فضّة » .
ن قدح النّب ّ
«أّ
ح .وفي
ضبّة فوق الحاجة -وهي صغيرة ،أو كبيرة لحاجة -كرهت في الص ّ
وإن كانت ال ّ
ذلك تفصيل أتمّ ينظر في مصطلح ( ذهب -فضّة -آنية ) .
تضمير *
التّعريف :
- 1التّضمير لغة :من الضّمر بسكون الميم والضّمر ( بضمّها ) بمعنى :الهزال ولحاق
البطن .وهو :أن تعلف الخيل حتّى تسمن وتقوى ،ثمّ يقلّل علفها ،فتعلف بقدر القوت ،
ف عرقها ،خفّ لحمها ،وقويت على
وتدخل بيتا وتغشى بالجلل حتّى تحمى فتعرق ،فإذا ج ّ
الجري .ومدّة التّضمير عند العرب أربعون يوما ،وتسمّى هذه المدّة ،وكذلك الموضع الّذي
تضمر فيه الخيل مضمارا .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -السّباق :
- 2السّباق والمسابقة بمعنى .يقال :سابقه مسابقة وسباقا .والسّباق مأخوذ من السّبق
بسكون الباء ،بمعنى :التّقدّم في الجري وفي ك ّل شيء .
وأمّا السّبق بالفتح فمعناه :الجعل الّذي يسابق عليه .
والعلقة بينه وبين التّضمير :أنّ عمليّة التّضمير تتّخذ في بعض الحيان لجل إحراز التّقدّم
في السّباق .
ي ومواطن البحث :
حكمه الجمال ّ
- 3يرى جمهور الفقهاء إباحة تضمير الخيل مطلقا ،واستحباب تضميرها إذا كانت معدّة
للغزو .وورد في هذا الباب أحاديث كثيرة منها :
حديث نافع عن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما قال « :سابق رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم بين الخيل الّتي قد ضمّرت فأرسلها من الحفياء ،وكان أمدها ثنيّة الوداع .فقلت لموسى
بن عقبة :فكم كان بين ذلك ؟ قال ستّة أميال أو سبعة .وسابق بين الخيل الّتي لم تضمّر ،
فأرسلها من ثنيّة الوداع ،وكان أمدها مسجد بني زريق .قلت :فكم بين ذلك ؟ قال :ميل أو
نحوه .فكان ابن عمر ممّن سابق فيها » .وبهذا الحديث ونحوه يندفع قول من قال :إنّ
تضمير الخيل ل يجوز ،لما فيه من مشقّة سوقها .
وأمّا اشتراط تضمير الخيل للسّبق ،وجواز السّباق بين الخيل المضمّرة وغير المضمّرة ،
والمغايرة بين غاية السّباق للخيل المضمّرة وغيرها ،ففيها خلف وتفصيل يرجع فيه إلى
مصطلح ( سباق ) وإلى مواطنها من كتب الفقه .
تطبيب *
التّعريف :
- 1للتّطبيب في اللّغة معان ،منها وهو المراد هنا :أنّه المداواة .يقال :طبّب فلن فلنا :
أي داواه .وجاء يستطبّ لوجعه :أي يستوصف الدوية أيّها يصلح لدائه .
والطّبّ :علج الجسم والنّفس ،ورجل طَبّ وطبيب :عالم بالطّبّ .
ب .وتطبّب له :سأل له الطبّاء .
والطّبّ .والطّبّ :لغتان في الطّ ّ
والطّبيب في الصل :الحاذق بالمور العارف بها ،وبه سمّي الطّبيب الّذي يعالج المرضى
ونحوهم .ول يخرج معناه الصطلحيّ عن معناه اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّداوي :
- 2التّداوي :تعاطي الدّواء ،ومنه المداواة أي المعالجة :يقال :فلن ُيدَاوَى :أي يُعالَج.
والفرق بين التّطبيب والتّداوي :أنّ التّطبيب تشخيص الدّاء ومداواة المريض ،والتّداوي
تعاطي الدّواء .
حكمه التّكليفيّ :
- 3التّطبيب تعلّما من فروض الكفاية ،فيجب أن يتوفّر في بلد المسلمين من يعرف أصول
حرفة الطّبّ ،وينظر التّفصيل في مصطلح ( :احتراف ) .
أمّا التّطبيب مُزاول ًة فالصل فيه الباحة .وقد يصير مندوبا إذا اقترن بنيّة التّأسّي بالنّبيّ صلى
ال عليه وسلم في توجيهه لتطبيب النّاس ،أو نوى نفع المسلمين لدخوله في مثل قوله تعالى :
جمِيعَا } وحديث « :من استطاع منكم أن ينفعَ أخاه فلْينفعه »
حيَا النّاسَ َ
ن َأحْياها َفكَأ ّنمَا َأ ْ
{ َومَ ْ
.إل إذا تعيّن شخص لعدم وجود غيره أو تعاقد فتكون مزاولته واجبة .
ويدلّ لذلك ما روى « رجل من النصار قال :عاد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رجلً به
جرح ،فقال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :ادعوا له طبيب بني فلن .قال :فدعوه فجاء
،فقالوا :يا رسول اللّه ،ويغني الدّواء شيئا ؟ فقال :سبحان اللّه .وهل أنزل اللّه من داء في
الرض إل جعل له شفاء » .
وعن جابر رضي ال عنه قال « :نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن الرّقى .فجاء آل
عمرو بن حزم ،فقالوا :يا رسول اللّه ،إنّه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب ،وإنّك
نهيت عن الرّقى .قال :فعرضوها عليه .فقال :ما أرى بها بأسا ،من استطاع منكم أن
ينفع أخاه فلينفعه » .وقال صلى ال عليه وسلم « :ل بأس بالرّقى ما لم يكن فيها شرك » .
ولما ثبت من فعل النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه تداوى ،فقد روى المام أحمد في مسنده «
ن عروة كان يقول لعائشة رضي ال عنها :يا أمّتاه ،ل أعجب من فهمك .أقول :زوجة
أّ
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بنت أبي بكر .ول أعجب من علمك بالشّعر وأيّام النّاس ،
أقول :ابنة أبي بكر ،وكان أعلم النّاس أو من أعلم النّاس .ولكن أعجب من علمك بالطّبّ ،
ع َريّة ؟ إنّ رسول اللّه
كيف هو ؟ ومن أين هو ؟ قال فضربتْ على منكبه وقالت " :أي ُ
صلى ال عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره ،أو في آخر عمره ،فكانت تقدم عليه وفود
العرب من كلّ وجه ،فتنعت له النعات ،وكنت أعالجها ،فمن ثمّ » .وفي رواية « أنّ
رسول اللّه كثرت أسقامه ،فكان يقدم عليه أطبّاء العرب والعجم ،فيصفون له فنعالجه » .
وقال الرّبيع :سمعت الشّافعيّ يقول :العلم علمان :علم الديان وعلم البدان .
نظر الطّبيب إلى العورة :
- 4اتّفق الفقهاء على جواز نظر الطّبيب إلى العورة ولمسها للتّداوي .
ويكون نظره إلى موضع المرض بقدر الضّرورة .إذ الضّرورات تقدّم بقدرها .فل يكشف
ض بصره ما استطاع إلّا عن موضع الدّاء .
إل موضع الحاجة ،مع غ ّ
ن نظر الجنس إلى الجنس أخفّ .
وينبغي قبل ذلك أن يعلّم امرأة تداوي النّساء ،ل ّ
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى :أنّه إذا كان الطّبيب أجنبيّا عن المريضة فل ب ّد من حضور ما
يؤمن معه وقوع محظور .
ن رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان » .
لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :أل ل يخلو ّ
واشترط الشّافعيّة عدم وجود امرأة تحسن التّطبيب إذا كان المريض امرأة ،ولو كانت المرأة
المداوية كافرة ،وعدم وجود رجل يحسن ذلك إذا كان المريض رجل .كما شرطوا أن ل
يكون غير أمين مع وجود أمين ،ول ذ ّميّا مع وجود مسلم ،أو ذ ّميّة مع وجود مسلمة .قال
البلقينيّ :يقدّم في علج المرأة مسلمة ،فصبيّ مسلم غير مراهق ،فمراهق ،فكافر غير
مراهق ،فمراهق ،فامرأة كافرة ،فمحرم مسلم ،فمحرم كافر ،فأجنبيّ مسلم ،فكافر.
واعترض ابن حجر الهيثميّ على تقديم الكافرة على المحرم .وقال :والّذي يتّجه تقديم نحو
محرم مطلقا على كافرة ،لنظره ما ل تنظر هي .
ص الشّافعيّة كذلك على تقديم المهر مطلقا ولو من غير الجنس والدّين على غيره .ونصّوا
ون ّ
على أنّه إن وجد من ل يرضى إلّا بأكثر من أجرة المثل فإنّه يكون كالعدم حينئذ حتّى لو وجد
ن المسلم كالعدم .وصرّح المالكيّة بأنّه ل
كافر يرضى بدونها ومسلم ل يرضى إلّا بها احتمل أ ّ
يجوز النّظر إلى فرج المرأة إلّا إذا كان ل يتوصّل إلى معرفة ذلك إل برؤيته بنفسه .أمّا لو
كان الطّبيب يكتفي برؤية النّساء لفرج المريضة فل يجوز له النّظر إليه .
استئجار الطّبيب للعلج :
- 5اتّفق الفقهاء على جواز استئجار الطّبيب للعلج ،لنّه فعل يحتاج إليه ومأذون فيه شرعا
،فجاز الستئجار عليه كسائر الفعال المباحة .
غير أنّ الشّافعيّة شرطوا لصحّة هذا العقد أن يكون الطّبيب ماهرا ،بمعنى أن يكون خطؤه
نادرا ،ويكفي في ذلك التّجربة عندهم ،وإن لم يكن ماهرا في العلم .
واستئجار الطّبيب يقدّر بالمدّة ل بالبرء والعمل ،فإن تمّت المدّة وبرئ المريض أو لم يبرأ فله
الجرة كلّها .وإن برئ قبل تمام المدّة انفسخت الجارة فيما بقي من المدّة لتعذّر استيفاء
المعقود عليه ،وكذا الحكم لو مات المريض في أثناء المدّة .
ص الحنابلة على أنّه ل يصحّ اشتراط الدّواء على الطّبيب ،وهو قول عند المالكيّة لما
وقد ن ّ
فيه من اجتماع الجعل والبيع .وعند المالكيّة قول آخر بالجواز .
ق الجرة بتسليمه نفسه مع مضيّ زمن إمكان المداواة ،فإن امتنع المريض من
والطّبيب يستح ّ
العلج مع بقاء المرض استحقّ الطّبيب الجر ،ما دام قد سلّم نفسه ،ومضى زمن المداواة ،
ن الجارة عقد لزم وقد بذل الطّبيب ما عليه .
لّ
وأمّا إذا سلّم الطّبيب نفسه وقبل مضيّ زمن إمكان المداواة سكن المرض ،فجمهور الفقهاء -
الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة -متّفقون على انفساخ الجارة حينئذ .
- 6ول تجوز مشارطة الطّبيب على البرء .ونقل ابن قدامة عن ابن أبي موسى الجواز ،إذ
قال :ل بأس بمشارطة الطّبيب على البرء ،لنّ أبا سعيد الخدريّ رضي ال عنه حين رقى
الرّجل شارطه على البرء .وقال ابن قدامة :إنّه الصّحيح إن شاء اللّه ،لكن يكون جعالة ل
إجارة ،فإنّ الجارة ل ب ّد فيها من مدّة أو عمل معلوم .وأجاز ذلك المالكيّة أيضا ،ففي
الشّرح الصّغير :لو شارطه طبيب على البرء فل يستحقّ الجرة إل بحصوله .
وسبق تفصيل ذلك في مصطلح ( :إجارة ) .
وإذا زال اللم وشفي المريض قبل مباشرة الطّبيب كان عذرا تنفسخ به الجارة .
يقول ابن عابدين :إذا سكن الضّرس الّذي استؤجر الطّبيب لخلعه ،فهذا عذر تنفسخ به
الجارة ،ولم يخالف في ذلك أحد ،حتّى من لم يعتبر العذر موجبا للفسخ ،فقد نصّ الشّافعيّة
والحنابلة على أنّ من استأجر رجلً ليقلع له ضرسا فسكن الوجع ،أو ليكحّل له عينا فبرئت
قبل أن يقوم بالعمل ،انفسخ العقد لتعذّر استيفاء المعقود عليه .
ضمان الطّبيب لما يتلفه :
- 7يضمن الطّبيب إن جهل قواعد الطّبّ أو كان غير حاذق فيها ،فداوى مريضا وأتلفه
بمداواته ،أو أحدث به عيبا .أو علم قواعد التّطبيب وقصّر في تطبيبه ،فسرى التّلف أو
التّعييب .أو علم قواعد التّطبيب ولم يقصّر ولكنّه طبّب المريض بل إذن منه .كما لو ختن
صغيرا بغير إذن وليّه ،أو كبيرا قهرا عنه ،أو وهو نائم ،أو أطعم مريضا دواء قهرا عنه
فنشأ عن ذلك تلف وعيب ،أو طبّب بإذن غير معتبر لكونه من صبيّ ،إذا كان الذن في
قطع يد مثل ،أو بعضد أو حجامة أو ختان ،فأدّى إلى تلف أو عيب ،فإنّه في ذلك كلّه
يضمن ما ترتّب عليه .أمّا إذا أذن له في ذلك ،وكان الذن معتبرا ،وكان حاذقا ،ولم تجن
يده ،ولم يتجاوز ما أذن فيه ،وسرى إليه التّلف فإنّه ل يضمن ،لنّه فعل فعل مباحا مأذونا
فيه .ولنّ ما يتلف بالسّراية إن كان بسبب مأذون فيه -دون جهل أو تقصير -فل ضمان .
وعلى هذا فل ضمان على طبيب وبزّاغ ( جرّاح ) وحجّام وختّان ما دام قد أذن لهم بهذا ولم
يقصّروا ،ولم يجاوزوا الموضع المعتاد ،وإل لزم الضّمان .
يقول ابن قدامة :إذا فعل الحجّام والختّان والمطبّب ما أمروا به ،لم يضمنوا بشرطين :
أحدهما :أن يكونوا ذوي حذق في صناعتهم ،فإذا لم يكونوا كذلك كان فعل محرّما ،فيضمن
سرايته .
الثّاني :أل يتجاوز ما ينبغي أن يقطع ،فإن كان حاذقا وتجاوز ،أو قطع في غير محلّ القطع
،أو في وقت ل يصلح فيه القطع وأشباه هذا ،ضمن فيه كلّه ،لنّه إتلف ل يختلف ضمانه
بالعمد والخطأ ،فأشبه إتلف المال .
وكذلك الحكم في القاطع في القصاص وقاطع يد السّارق .ثمّ قال :ل نعلم فيه خلفا .
قال الدّسوقيّ :إذا ختن الخاتن صبيّا ،أو سقى الطّبيب مريضا دواء ،أو قطع له شيئا ،أو
كواه فمات من ذلك ،فل ضمان على واحد منهما ل في ماله ول على عاقلته ،لنّه ممّا فيه
تغرير ،فكأنّ صاحبه هو الّذي عرّضه لما أصابه .وهذا إذا كان الخاتن أو الطّبيب من أهل
المعرفة ،ولم يخطئ في فعله .فإذا كان أخطأ في فعله -والحال أنّه من أهل المعرفة -
فالدّية على عاقلته .
فإن لم يكن من أهل المعرفة عوقب .وفي كون الدّية على عاقلته أو في ماله قولن :
الوّل :لبن القاسم .والثّاني :لمالك .وهو الرّاجح لنّ فعله عمد ،والعاقلة ل تحمل العمد.
وفي القنية :سئل محمّد نجم الدّين عن صبيّة سقطت من سطح ،فانفتح رأسها ،فقال كثير من
الجرّاحين :إن شققتم رأسها تموت .وقال واحد منهم :إن لم تشقّوه اليوم تموت ،وأنا أشقّه
شقّ
وأبرئها ،فشقّه فماتت بعد يوم أو يومين .هل يضمن ؟ فتأمّل مليّا ثمّ قال :ل ،إذا كان ال ّ
ق معتادا ،ولم يكن فاحشا خارج الرّسم – أي العادة . -قيل له :فلو قال :
شّبإذن ،وكان ال ّ
إن ماتت فأنا ضامن ،هل يضمن ؟ فتأمّل مليّا ،ثمّ قال :ل .فلم يعتبر شرط الضّمان ،لنّ
شرطه على المين باطل على ما عليه الفتوى .
وفي مختصر الطّحاويّ :من استؤجر على عبد يحجمه ،أو على دابّة يبزّغها ،ففعل ذلك
ن أصل العمل كان مأذونا فيه ،فما تولّد منه ل يكون
فعطبا بفعله ،فل ضمان عليه ،ل ّ
مضمونا عليه إلّا إذا تعدّى ،فحينئذ يضمن .
وكذلك إذا كان في يده آكلة ،فاستأجر رجل ليقطع يده فمات ،فل ضمان عليه .ومن
استؤجر ليقلع ضرسا لمريض ،فأخطأ ،فقلع غير ما أمر بقلعه ضمنه ،لنّه من جنايته .
وإن أخطأ الطّبيب ،بأن سقى المريض دواء ل يوافق مرضه ،أو زلّت يد الخاتن أو القاطع
فتجاوز في القطع ،فإن كان من أهل المعرفة ولم يغرّ من نفسه فذلك خطأ -أي تتحمّله
عاقلته -إل أن يكون أقلّ من الثّلث ففي ماله .وإن كان ل يحسن ،أو غرّ من نفسه فيعاقب
.ومن أمر ختّانا ليختن صبيّا ،ففعل الختّان ذلك فقطع حشفته ،ومات الصّبيّ من ذلك ،فعلى
ن الموت حصل بفعلين :أحدهما :مأذون فيه ،وهو قطع القلفة .
عاقلة الختّان نصف دية ،ل ّ
والخر :غير مأذون فيه ،وهو قطع الحشفة ،فيجب نصف الضّمان .أمّا إذا برئ ،جعل
قطع الجلدة -وهو مأذون فيه -كأن لم يكن ،وقطع الحشفة غير مأذون فيه ،فوجب ضمان
الحشفة كامل ،وهو الدّية .
تطبيق *
التّعريف :
- 1التّطبيق في اللّغة :مصدر طبّق ،ومن معانيه :المساواة والتّعميم والتّغطية قال في
المصباح :وأصل الطّبق :الشّيء على مقدار الشّيء مطبقا له من جميع جوانبه كالغطاء له
ويقال :طبّق السّحاب الجوّ :إذا غشّاه ،وطبّق الماء وجه الرض :إذا غطّاه ،وطبّق الغيم
:عمّ بمطره .وهو في الصطلح الفقهيّ :أن يجعل المصلّي بطن إحدى كفّيه على بطن
الخرى ،ويجعلهما بين ركبتيه وفخذيه .
الحكم الجماليّ :
- 2يرى جمهور الفقهاء كراهة التّطبيق في الرّكوع .واحتجّوا بما روي « عن مصعب بن
ي ،ثمّ وضعتهما بين
سعد بن أبي وقّاص أنّه قال :صلّيت إلى جنب أبي ،فطبّقت بين ك ّف ّ
فخذيّ ،فنهاني أبي وقال :كنّا نفعله فنهينا عنه ،وأمرنا أن نضع أيدينا على الرّكب » .ومن
ن قول الصّحابيّ :كنّا نفعل ،وأمرنا ونهينا ،محمول على أنّه مرفوع .واستدلّوا
المعروف أ ّ
أيضا بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم لنس رضي ال عنه « :إذا ركعت فضع يديك على
ركبتيك ،وفرّج بين أصابعك » .
قال النّوويّ في شرح صحيح مسلم :وذهب عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه وصاحباه
سنّة التّطبيق ،فقد أخرج مسلم عن « علقمة والسود أنّهما دخل على
علقمة والسود إلى أنّ ال ّ
عبد اللّه رضي ال عنه فقال :أصلّي من خلفكم ؟ قال :نعم .فقام بينهما وجعل أحدهما عن
يمينه ،والخر عن شماله ،ثمّ ركعنا ،فوضعنا أيدينا على ركبنا ،فضرب أيدينا ،ثمّ طبّق
بين يديه ،ثمّ جعلهما بين فخذيه ،فلمّا صلّى قال :هكذا فعل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
» .قال العينيّ :وأخذ بذلك إبراهيم النّخعيّ وأبو عبيدة .
وعلّل النّوويّ فعلهم :بأنّه لم يبلغهم النّاسخ ،وهو حديث مصعب بن سعد المتقدّم .
تطفّل *
التّعريف :
- 1التّطفّل في اللّغة :مصدر تطفّل .يقال :هو متطفّل في العراس والولئم أي :هو
طفيليّ .قال الصمعيّ :الطّفيليّ :هو الّذي يدخل على القوم من غير أن يدعوه .
ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن هذا المعنى .فقد عرّفه في نهاية المحتاج :بدخول
الشّخص لمحلّ غيره لتناول طعامه بغير إذنه ول علم رضاه ،أو ظنّه بقرينة معتبرة.
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الضّيف :
- 2الضّيف في اللّغة :النّزيل الزّائر .وأصله مصدر ضاف ،ولذا يطلق على الواحد وغيره
ضحُون } وتجوز المطابقة ،فيقال :
،ومن ذلك قوله تعالى { قالَ ِ :إنّ هَؤلءِ ضَيفِي فَل تَ ْف َ
هذان ضيفان .أمّا ( الضّيفن ) فهو من يجيء مع الضّيف متطفّل ،فالضّيفن أخصّ من
الطّفيليّ ،ويطلق على الدّاخل على القوم في شرابهم بل دعوة ( الواغل ) .
وفي اصطلح الفقهاء :الضّيف :هو من حضر طعام غيره بدعوته ولو عموما ،أو بعلم
رضاه وضدّ الضّيف الطّفيليّ .
ب -الفضوليّ :
- 3الفضوليّ :من الفضول ،جمع فضل .وقد استعمل الجمع استعمال الفرد فيما ل خير
فيه .ولهذا نسب إليه على لفظه ،فقيل فضوليّ :لمن يشتغل بما ل يعنيه .
وفي الصطلح :هو التّصرّف عن الغير بل إذن ول ولية .وأظهر ما يكون في العقود .
أمّا التّطفّل فأكثر ما يكون في المادّيّات ،وقد يستعمل في المعنويّات .
الحكم التّكليفيّ للتّطفّل :
ن حضور طعام
- 4صرّح المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -وهو المتبادر من أقوال الحنفيّة -أ ّ
الغير بغير دعوة ،وبغير علم رضاه حرام ،بل يفسّق به إن تكرّر .لما روي عن النّبيّ
صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :من دعي فلم يجب فقد عصى اللّه ورسوله ،ومن دخل على
غير دعوة دخل سارقا ،وخرج مغيرا » فكأنّه شبّه دخوله على الطّعام الّذي لم يدع إليه
بدخول السّارق الّذي يدخل بغير إرادة المالك ،لنّه اختفى بين الدّاخلين .وشبّه خروجه
بخروج من نهب قوما ،وخرج ظاهرا بعدما أكل .بخلف الدّخول ،فإنّه دخل مختفيا ،خوفا
من أن يمنع ،وبعد الخروج قد قضى حاجته ،فلم يبق له حاجة إلى التّستّر .وصرّح الشّافعيّة
ن من التّطفّل :أن يدعى عالم أو صوفيّ ،فيحضر جماعته من غير إذن الدّاعي ول علم
أّ
رضاه بذلك .ويرى بعض الفقهاء :أنّه إذا عرف من حال المدع ّو أنّه ل يحضر إل ومعه
أحد ممّن يلزمه يعتبر ذلك كالذن ،والتّفصيل في مصطلح ( دعوة ) .
شهادة الطّفيليّ :
- 5اتّفق الفقهاء على أنّ الطّفيليّ -إن تكرّر تطفّله -تردّ شهادته للحديث المذكور ،ولنّه
يأكل محرّما ،ويفعل ما فيه سفه ودناءة وذهاب مروءة .
قال ابن الصّبّاغ :وإنّما اشترط تكرّر ذلك ،لنّه قد يكون له شبهة حتّى يمنعه صاحب الطّعام
،وإذا تكرّر صار دناءة وقلّة مروءة .
تطفيف *
التّعريف :
- 1التّطفيف لغة :البخس في الكيل والوزن .ومنه قوله تعالى َ { :ويْلٌ لِلمطفّفين } فالتّطفيف
:نقص يخون به صاحبه في كيل أو وزن .
ول يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّوفية :
- 2توفية الشّيء :بذله وافيا .فالتّطفيف ضدّ التّوفية .
الحكم الجماليّ :
- 3التّطفيف منهيّ عنه ،وهو ضرب من الخيانة وأكل المال بالباطل ،مع ما فيه من عدم
المروءة .ومن ثمّ عظّم اللّه أمر الكيل والوزن ،وأمر بالوفاء فيهما في عدّة آيات ،فقال
خسُوا
ستَقِيمِ ،وَل َت ْب َ
سطَاسِ ال ُم ْ
سرِينَ َ ،و ِزنُوا بِال ِق ْ
خِسبحانه َ { :أ ْوفُوا ال َكيْلَ وَل َتكُونُوا مِنَ ال ُم ْ
ل إذا كِ ْل ُتمْ َو ِزنُوا
سدِينَ } وقال تعالى { :وََأ ْوفُوا ال َكيْ َ
شيَاءَهُم وَل َت ْعثَوْا فِي الرْضِ مُ ْف ِ
النّاسَ َأ ْ
ستَقِيمِ } كما توعّد اللّه المطفّفين بالويل ،وهدّدهم بعذاب يوم القيامة فقال َ { :ويْلٌ
بِال ِقسْطَاسِ ال ُم ْ
خسِرُونَ أَل يَظُنّ
ستَوفُونَ وَِإذَا كَالُوهم أَو و َزنُو ُه ْم ُي ْ
ن إذا ا ْكتَالُوا على النّاسِ َي ْ
لِل ُمطَفّفِينَ اّلذِي َ
عظِيمٍ َي ْومَ يَقُومُ النّاسُ ِلرَبّ العَاَلمِينَ } .وفي الحديث « :خمس
ن ِليَ ْومٍ َ
أُولئكَ َأ ّن ُهمْ َم ْبعُوثُو َ
بخمس ،قيل :يا رسول اللّه وما خمس بخمس ؟ قال :ما نقض قوم العهد إلّا سلّط اللّه عليهم
عدوّهم ،وما حكموا بغير ما أنزل اللّه إلّا فشا فيهم الفقر ،وما ظهرت فيهم الفاحشة إلّا فشا
فيهم الموت ،ول طفّفوا الكيل إل منعوا النّبات وأخذوا بالسّنين ،ول منعوا الزّكاة إلّا حبس
عنهم المطر » .قال نافع :كان ابن عمر يمرّ بالبائع فيقول له :اتّق اللّه ،أوف الكيل
ن المطفّفين يوقفون يوم القيامة حتّى يلجمهم العرق .ونقل ابن حجر تصريح
والوزن ،فإ ّ
العلماء بأنّه من الكبائر ،واستظهره .
منع التّطفيف ،وتدابيره :
- 4ممّا يتأكّد على المحتسب :المنع من التّطفيف والبخس في المكاييل والموازين والصّنجات
.فينبغي له أن يحذر الكيّالين والوزّانين ويخوّفهم عقوبة اللّه تعالى ،وينهاهم عن البخس
والتّطفيف .ومتى ظهر له من أحد منهم خيانة عزّره على ذلك وأشهره ،حتّى يرتدع به غيره
.وإذا وقع في التّطفيف تخاصم جاز أن ينظر فيه المحتسب ،إن لم يكن مع التّخاصم فيه
تجاحد وتناكر .فإن أفضى إلى التّجاحد والتّناكر كان القضاة أحقّ بالنّظر فيه من ولة
الحسبة ،لنّهم بالحكام أحقّ .وكان التّأديب فيه إلى المحتسب .
فإن تولّاه الحاكم جاز لتّصاله بحكمه .
وقد فصّل الفقهاء القول في التّدابير الّتي تتّخذ للحيلولة دون التّطفيف والبخس في الكيل
والوزن ،من قيام المحتسب بتفقّد عيار الصّنج ونحوها على حين غفلة من أصحابها ،وتجديد
النّظر في المكاييل ورعاية ما يطفّفون به المكيال وما إلى ذلك ،فليرجع إليه في مواطنه من
كتب الحسبة ،وفي مصطلحي ( حسبة ،وغشّ ) .
تطهّر *
انظر :طهارة .
تطهير *
انظر :طهارة .
تطوّع *
التّعريف :
- 1التّطوّع :هو التّبرّع ،يقال :تطوّع بالشّيء :تبرّع به .
وقال الرّاغب :التّطوّع في الصل :تكلّف الطّاعة ،وهو في التّعارف :التّبرّع بما ل يلزم
خ ْيرٌ لَه } .
ع خَيرَا َفهُوَ َ
ن تَطَ ّو َ
كالتّنفّل .قال تعالى َ { :فمَ ْ
والفقهاء عندما أرادوا أن يعرّفوا التّطوّع ،عدلوا عن تعريف المصدر إلى تعريف ما هو
حاصل بالمصدر ،فذكروا له في الصطلح ثلثة معان :
الوّل :أنّه اسم لما شرع زيادة على الفرائض والواجبات ،أو ما كان مخصوصا بطاعة غير
واجبة ،أو هو الفعل المطلوب طلبا غير جازم .وكلّها معان متقاربة .
وهذا ما ذكره بعض فقهاء الحنفيّة ،وهو مذهب الحنابلة ،والمشهور عند الشّافعيّة .
وهو رأي الصوليّين من غير الحنفيّة ،وهو ما يفهم من عبارات فقهاء المالكيّة .
سنّة والمندوب والمستحبّ والنّفل والمرغّب فيه والقربة
والتّطوّع بهذا المعنى يطلق على :ال ّ
والحسان والحسن ،فهي ألفاظ مترادفة .
الثّاني :أنّ التّطوّع هو ما عدا الفرائض والواجبات والسّنن ،وهو اتّجاه الصوليّين من
سنّة هي الطّريقة المسلوكة في الدّين من غير افتراض ول
الحنفيّة ،ففي كشف السرار :ال ّ
وجوب ،وأمّا حدّ النّفل -وهو المسمّى بالمندوب والمستحبّ والتّطوّع -فقيل :ما فعله خير
من تركه في الشّرع . . .إلخ .
الثّالث :التّطوّع :هو ما لم يرد فيه نقل بخصوصه ،بل ينشئه النسان ابتداء ،وهو اتّجاه
بعض المالكيّة والقاضي حسين وغيره من الشّافعيّة .
هذه هي التّجاهات في معنى التّطوّع وما يرادفه .غير أنّ المتتبّع لما ذكره الصوليّون من
غير الحنفيّة ،وما ذكره الفقهاء في كتبهم -بما في ذلك الحنفيّة -يجد أنّهم يتوسّعون بإطلق
سنّة والنّفل والمندوب
التّطوّع على ما عدا الفرائض والواجبات ،وبذلك يكون التّطوّع وال ّ
والمستحبّ والمرغّب فيه ألفاظا مترادفة ،ولذلك قال السّبكيّ :إنّ الخلف لفظيّ .غاية المر
سنّة المؤكّدة ،
أنّ ما يدخل في دائرة التّطوّع بعضه أعلى من بعض في الرّتبة ،فأعله هو ال ّ
كالعيدين ،والوتر عند الجمهور ،وكركعتي الفجر عند الحنفيّة .ويلي ذلك المندوب أو
ن كلّ ذلك يسمّى تطوّعا .
المستحبّ كتحيّة المسجد ،ويلي ذلك ما ينشئه النسان ابتداء ،لك ّ
والصل في ذلك « قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم للرّجل -الّذي سأل بعدما عرف فرائض
ي غيرها ؟ فقال له :ل ،إل أن تطوّع » .أنواع
الصّلة والصّيام والزّكاة :هل عل ّ
التّطوّع :
ج وجهاد ،
- 2من التّطوّع ما يكون له نظير من العبادات ،من صلة وصيام وزكاة وح ّ
وهذا هو الصل ،وهو المتبادر حين يذكر لفظ التّطوّع .والتّطوّع في العبادات يختلف في
جنسه باعتبارات ،فهو يختلف من حيث الرّتبة ،إذ منه ما هو مؤكّد كالرّواتب مع الفرائض ،
ل أو نهارا .ومن
ل كالنّوافل المطلقة لي ً
ومنه ما هو أقلّ رتبة كتحيّة المسجد ،ومنه ما هو أق ّ
ذلك في الصّوم :صيام يومي عاشوراء وعرفة ،فهما أعلى رتبة من الصّيام في غيرهما ،
والعتكاف في العشر الواخر من رمضان أفضل منه في غيرها .
ن التّطوّع في العبادات يختلف في جنسه كذلك من حيث الطلق والتّقييد ،فمنه ما هو
كما أ ّ
مقيّد ،سواء أكان التّقييد بوقت أو بسبب ،كالضّحى وتحيّة المسجد والرّواتب مع الفروض .
ومنه ما هو مطلق كالنّفل المطلق باللّيل أو بالنّهار .
ويختلف كذلك من حيث العدد كالرّواتب من الفروض ،إذ هي عند الجمهور عشر ،وعند
الحنفيّة اثنتا عشرة ركعة :اثنتان قبل الصّبح ،واثنتان قبل الظّهر ( وعند الحنفيّة أربع )
واثنتان بعده ،واثنتان بعد المغرب ،واثنتان بعد العشاء .
والتّطوّع في النّهار واللّيل مثنى مثنى عند الجمهور ،وعند الحنفيّة الفضل أربع بتسليمة
واحدة .ومثل ذلك تطوّع اللّيل عند أبي حنيفة خلفا للصّاحبين ،وبهذا يفتى .
وفي كلّ ما سبق تفصيل كثير ينظر في مصطلح ( السّنن الرّواتب ،ونفل ) وفيما له أبواب
من ذلك مثل :عيد -كسوف -استسقاء . . .إلخ .
ومن التّطوّع ما يكون في غير العبادات كطلب علم غير مفروض .
وكذلك من أنواع البرّ والمعروف ،كالتّطوّع بالنفاق على قريب لم تجب عليه نفقته ،أو على
أجنبيّ محتاج ،أو قضاء الدّين عنه ،أو إبراء المعسر ،أو العفو عن القصاص ،أو الرفاق
المعروف بجعل الغير يحصل على منافع العقار ،أو إسقاط الحقوق . . .وهكذا .
ومنه ما يعرف بعقود التّبرّعات ،كالقرض والوصيّة والوقف والعارة والهبة ،إذ أنّها قربات
شرعت للتّعاون بين النّاس .
- 3ومن التّطوّع ما هو عينيّ مطلوب ندبا من كلّ فرد ،كالتّطوّع بالعبادات غير المفروضة
من صلة وصيام . . .ومنه ما هو على الكفاية كالذان وغيره .
قال النّوويّ وغيره :ابتداء السّلم سنّة مستحبّة ليس بواجب ،وهو سنّة على الكفاية ،فإن
كان المسلّم جماعة كفى عنهم تسليم واحد منهم .وتشميت العاطس سنّة على الكفاية .
حكمة مشروعيّة التّطوّع :
- 4التّطوّع يقرّب العبد من ربّه ويزيده ثوابا ،وفي الحديث القدسيّ « :وما يزال عبدي
يتقرّبُ إليّ بالنّوافلِ حتّى أحبّه » . . .الحديث .
والحكمة من مشروعيّة التّطوّع هي :
أ -اكتساب رضوان اللّه تعالى :
وكذلك نيل ثوابه ومضاعفة الحسنات ،وقد ورد في ثواب التّطوّع بالعبادة أحاديث كثيرة منها
:قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من ثابر على اثنتي عشرة ركعة في اليوم واللّيلة بنى
اللّه له بيتا في الجنّة » .وقوله صلى ال عليه وسلم « :ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها
» وغير ذلك كثير في شأن الصّلة .
وفي صوم يوم عاشوراء يقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إنّي لحتسب على اللّه أن يكفّر
السّنة الّتي قبله » والمراد الصّغائر .حكاه في شرح مسلم عن العلماء ،فإن لم تكن الصّغائر
رجي التّخفيف من الكبائر ،فإن لم تكن رفعت الدّرجات ،وقال صلى ال عليه وسلم « :من
صام رمضان ،ث ّم أتبعه ستّا من شوّال كان كصيام الدّهر » .
وقال الزّهريّ :في العتكاف تفريغ القلب عن أمور الدّنيا ،وتسليم النّفس إلى بارئها ،
والتّحصّن بحصن حصين ،وملزمة بيت اللّه تعالى .وقال عطاء :مثل المعتكف كمثل رجل
له حاجة إلى عظيم يجلس على بابه ،ويقول :ل أبرح حتّى تقضى حاجتي .
سنَا
حَض اللّ َه َقرْضَا َ
ن ذَا الّذيْ يُ ْقرِ ُ
ومثل ذلك في غير العبادات .يقول اللّه تعالى { :مَ ْ
ضعَافَا َكثِيرَةً } ،ويقول ابن عابدين :من محاسن العاريّة أنّها نيابة عن اللّه
َفيُضَاعِ َفهُ لَه َأ ْ
تعالى في إجابة المضطرّ ،لنّها ل تكون إلّا لمحتاج كالقرض ،فلذا كانت الصّدقة بعشرة
والقرض بثمانية عشر .
ب -النس بالعبادة والتّهيّؤ لها :
ن النّفوس
- 5قال ابن دقيق العيد :في تقديم النّوافل على الفرائض معنى لطيف مناسب ،ل ّ
لنشغالها بأسباب الدّنيا تكون بعيدة عن حالة الخشوع والخضوع والحضور ،الّتي هي روح
العبادة ،فإذا قدّمت النّوافل على الفرائض أنست النّفوس بالعبادة ،وتكيّفت بحالة تقرّب من
الخشوع .
ج -جبران الفرائض :
- 6قال ابن دقيق العيد :النّوافل الّتي بعد الفرائض هي لجبر النّقص الّذي قد يقع في
الفرائض ،فإذا وقع نقص في الفرض ناسب أن يقع بعده ما يجبر الخلل الّذي قد يقع فيه .
ب عزّ وجلّ :انظروا هل لعبدي من
وفي الحديث « :فإن انتقص من فريضته شيء ،قال الرّ ّ
تطوّع ؟ فيكمل به ما انتقص من الفريضة » .
قال المناويّ في شرحه الكبير على الجامع عند قوله صلى ال عليه وسلم « :أوّل ما افترض
ن الحقّ سبحانه وتعالى لم يوجب شيئا من الفرائض غالبا
اللّه على أمّتي الصّلة »...واعلم أ ّ
إل وجعل له من جنسه نافلة ،حتّى إذا قام العبد بذلك الواجب -وفيه خلل ما -يجبر بالنّافلة
الّتي هي من جنسه ،فلذا أمر بالنّظر في فريضة العبد ،فإذا قام بها كما أمر اللّه جوزي
عليها ،وأثبتت له ،وإن كان فيها خلل كمّلت من نافلته حتّى قال البعض :إنّما تثبت لك نافلة
إذا سلمت لك الفريضة .ولذلك يقول القرطبيّ في شرح مسلم :من ترك التّطوّعات ولم يعمل
بشيء منها فقد فوّت على نفسه ربحا عظيما وثوابا جسيما .
د -التّعاون بين النّاس وتوثيق الرّوابط بينهم واستجلب محبّتهم :
- 7التّطوّع بأنواع البرّ والمعروف ينشر التّعاون بين النّاس ،ولذلك دعا اللّه إليه في قوله :
ن العبد
عوْ ِ
{ َو َتعَا َونُوا على ال ِبرّ وَالتّقْوَى } ،ويقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :واللّه في َ
ي صلى ال عليه وسلم :
ما دام العبد في عون أخيه » وفي فتح الباري عند قول النّب ّ
ض على الخير بالفعل ،وبالتّسبّب إليه
جرُوا » .يقول ابن حجر :في الحديث الح ّ
« اشْ َفعُوا ُت ْؤ َ
ل أحد يقدر على
بكلّ وجه ،والشّفاعة إلى الكبير في كشف كربة ومعونة ضعيف ،إذ ليس ك ّ
الوصول إلى الرّئيس .كذلك يقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم َ « :تهَادُوا تحابّوا » .
أفضل التّطوّع :
- 8اختلف الفقهاء في أفضل التّطوّع ،فقيل :أفضل عبادات البدن الصّلة .
ففرضها أفضل من فرض غيرها ،وتطوّعها أفضل من تطوّع غيرها ،لنّها أعظم القربات ،
لجمعها أنواعا من العبادات ل تجمع في غيرها .
قال بهذا المالكيّة ،وهو المذهب عند الشّافعيّة ،ولهم قول آخر بتفضيل الصّيام .
قال صاحب المجموع :وليس المراد بقولهم :الصّلة أفضل من الصّوم :أنّ صلة ركعتين
أفضل من صيام أيّام أو يوم ،فإنّ الصّوم أفضل من ركعتين بل شكّ ،وإنّما معناه أنّ من لم
يمكنه الجمع بين الستكثار من الصّلة والصّوم ،وأراد أن يستكثر من أحدهما ،أو يكون
غالبا عليه ،منسوبا إلى الكثار منه ،ويقتصر من الخر على المتأكّد منه ،فهذا محلّ
الخلف والتّفصيل .والصّحيح تفضيل الصّلة .
ن أفضل تطوّعات البدن الجهاد لقوله تعالى { :فَضّلَ الّلهُ ال ُمجَا ِهدِينَ
ويقول الحنابلة :إ ّ
ن ُينْفِقُونَ َأ ْموَاَل ُهمْ
ن َد َرجَةً } ثمّ النّفقة فيه لقوله تعالى َ { :مثَلُ الّذي َ
ِبَأمْوَاِل ِهمْ وََأنْ ُفسِهمْ على القَاعِدي َ
سنَابِلَ } الية .
سبْعَ َ
ت َ
حبّةٍ َأ ْن َبتَ ْ
سبِيلِ الّل ِه َك َمثَلِ َ
فِي َ
ثمّ تعلّم العلم وتعليمه ،لحديث « :فضل العاِلمِ على العا ِبدِ كفضلي على أدناكم » .
ب العمال إلى اللّه ،ومداومته صلى ال عليه
ثمّ الصّلة أفضل بعد ذلك ،للخبار بأنّها أح ّ
ن الطّواف لغريب أفضل منها ،أي من الصّلة
وسلم على نفلها .ونصّ المام أحمد على أ ّ
ص به يفوت بمفارقته بخلف الصّلة ،فالشتغال بمفضول يختصّ
بالمسجد الحرام ،لنّه خا ّ
بقعة أو زمنا أفضل من فاضل ل يختصّ ،واختار ع ّز الدّين بن عبد السّلم تبعا للغزاليّ في
ن أفضل الطّاعات على قدر المصالح النّاشئة عنها .
الحياء :أ ّ
- 9ويتفاوت ما يتعدّى نفعه في الفضل ،فصدقة على قريب محتاج أفضل من عتق أجنبيّ ،
لنّها صدقة وصلة ونحو ذلك .
وفي المنثور في القواعد للزّركشيّ :لو ملك عقارا ،وأراد الخروج عنه ،فهل الولى
الصّدقة به حال ،أم وقفه ؟ قال ابن عبد السّلم :إن كان ذلك في وقت شدّة وحاجة فتعجيل
الصّدقة أفضل ،وإن لم يكن كذلك ففيه وقفة ،ولعلّ الوقف أولى ،لكثرة جدواه .وأطلق ابن
الرّفعة تقديم صدقة التّطوّع به ،لما فيه من قطع حظّ النّفس في الحال بخلف الوقف .وفي
المنثور أيضا :مراتب القرب تتفاوت ،فالقربة في الهبة أتمّ منها في القرض ،وفي الوقف أتمّ
ن نفعه دائم يتكرّر ،والصّدقة أتمّ من الكلّ ،لنّ قطع حظّه من المتصدّق
منها في الهبة ،ل ّ
ن القرض أفضل من الصّدقة .
به في الحال .وقيل :إ ّ
ن « رسول اللّه رأى ليلة أسري به مكتوبا على باب الجنّة :درهم القرض بثمانية عشر ،
لّ
ن السّائل
ودرهم الصّدقة بعشر ،فسأل جبريل :ما بال القرض أفضل من الصّدقة :فقال :ل ّ
يسأل وعنده ،والمقترض ل يقترض إل من حاجة » .
وتكسّب ما زاد على قدر الكفاية -لمواساة الفقير أو مجازاة القريب -أفضل من التّخلّي لنفل
ن منفعة النّفل تخصّه ،ومنفعة الكسب له ولغيره ،فقد قال عليه الصلة والسلم :
العبادة ،ل ّ
« خير النّاس أنفعهم للنّاس »
وعن عمر بن الخطّاب قال ":إنّ العمال تتباهى ،فتقول الصّدقة :أنا أفضلكم ".
وفي الشباه لبن نجيم :بناء الرّباط بحيث ينتفع به المسلمون ،أفضل من الحجّة الثّانية .
الحكم التّكليفيّ :
- 10الصل في التّطوّع أنّه مندوب .سواء أكان ذلك في العبادات من صلة وصيام . . .أم
كان في غيرها من أنواع البرّ والمعروف ،كالعارة والوقف والوصيّة وأنواع الرفاق .
والدّليل على ذلك من الكتاب آيات منها :قوله تعالى َ { :و َتعَا َونُوا عَلَى ال ِبرّ وَالتّقْوَى } ،وقوله
ضعَافَا َكثِيرَةً } .
عفَ ُه لَ ُه َأ ْ
سنَا َف ُيضَا ِ
حَن ذَا اّلذِي يُ ْقرِضُ الّلهَ َق ْرضَا َ
تعالى { :مَ ْ
سنّة قوله صلى ال عليه وسلم « :من صلّى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة ُب ِنيَ له
ومن ال ّ
بهنّ بيت في الجنّة »
قوله « :من صام رمضان ثمّ أتبعه ستّا من شوّال كان كصيام الدّهر » وقوله « :اتّقوا النّار
ولو بشقّ تمرة » وقوله « :ل يمنع أحدُكم جارَه أن َي ْغرِ َز خشبه في جداره » .
وقد يعرض له الوجوب ،كبذل الطّعام للمضطرّ ،وكإعارة ما يستغنى عنه لمن يخشى هلكه
بعدمها ،وكإعارة الحبل لنقاذ غريق .
وقد يكون حراما ،كالعبادة الّتي تقع في الوقات المحرّمة كالصّلة وقت طلوع الشّمس أو
غروبها ،وكصيام يومي العيد ،وأيّام التّشريق ،وكتصدّق المدين مع حلول دينه والمطالبة به
،وعدم وجود ما يسدّد به دينه .
وقد يكون مكروها ،كوقوع الصّلة في الوقات المكروهة ،كما أنّه يكره ترك التّسوية في
العطيّة لولده .
أهليّة التّطوّع :
- 11التّطوّع يكون في العبادات وغيرها ،
أمّا العبادات فإنّه يشترط في المتطوّع بها ما يلي :
أ -أن يكون مسلما ،فل يصحّ التّطوّع بالعبادات من الكافر ،لنّه ليس من أهل العبادة .
ب -أن يكون عاقل ،فل تصحّ العبادة من المجنون ،لعدم صحّة نيّته .وهذا في غير
ج يحرم عنه وليّه ،وكذلك يحرم الوليّ عن الصّبيّ غير المميّز .
الحجّ ،لنّه في الح ّ
ن تطوّع الصّبيّ
ج -التّمييز ،فل يصحّ التّطوّع من غير المميّز ،ول يشترط البلوغ ،ل ّ
بالعبادات صحيح .
ن الشّرط هو أهليّة التّبرّع من عقل وبلوغ ورشد ،فل يصحّ
وأمّا بالنّسبة لغير العبادات :فإ ّ
تبرّع محجور عليه لصغر أو سفه أو دين أو غير ذلك .وتفصيل هذا ينظر في ( أهليّة ) .
أحكام التّطوّع :
- 12أحكام التّطوّع منها ما يخصّ العبادات ،ومنها ما يشمل العبادات وغيرها ،ومنها ما
يخصّ غير العبادات ،وبيان ذلك فيما يأتي :
أوّلً ما يخصّ العبادات :
أ -ما تسنّ له الجماعة من صلة التّطوّع :
- 13تسنّ الجماعة لصلة الكسوف باتّفاق بين المذاهب ،وتسنّ للتّراويح عند الحنفيّة
والشّافعيّة والحنابلة .وهي مندوبة عند المالكيّة ،إذ الفضل النفراد بها -بعيدا عن الرّياء -
ن الجماعة كذلك لصلة الستسقاء عند المالكيّة
إن لم تعطّل المساجد عن فعلها فيها .وتس ّ
والشّافعيّة والحنابلة ،أمّا عند الحنفيّة فتصلّى جماعة وفرادى عند محمّد ،ول تصلّى إلّا
فرادى عند أبي حنيفة .وتسنّ الجماعة لصلة العيدين عند المالكيّة والشّافعيّة .أمّا عند
الحنفيّة والحنابلة فالجماعة فيها واجبة .ويسنّ الوتر جماعة عند الحنابلة .
وبقيّة التّطوّعات تجوز جماعة وفرادى عند الشّافعيّة والحنابلة ،وتكره جماعة عند الحنفيّة إذا
كانت على سبيل التّداعي ،وعند المالكيّة الجماعة في الشّفع والوتر سنّة والفجر خلف الولى
.أمّا غير ذلك فيجوز فعله جماعة ،إل أن تكثر الجماعة أو يشتهر المكان فتكره الجماعة
حذر الرّياء .والتّفصيل ينظر في ( صلة الجماعة -نفل ) .
مكان صلة التّطوّع :
- 14صلة التّطوّع في البيوت أفضل ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :صلّوا أيّها النّاس
ن أفضل صلة المرء في بيته إل المكتوبة » ويستثنى من ذلك ما شرعت له
في بيوتكم ،فإ ّ
الجماعة ،ففعله في المسجد أفضل ،ويستثنى كذلك عند المالكيّة صلة الرّواتب مع
ن تحيّة المسجد تصلّى في المسجد .ويستحبّ
الفرائض ،فيندب فعلها في المسجد ،كما أ ّ
للمصلّي عند الجمهور أن يتنفّل في غير المكان الّذي صلّى فيه المكتوبة .
وقال الكاسانيّ من الحنفيّة :يكره للمام أن يصلّي شيئا من السّنن في المكان الّذي صلّى فيه
المكتوبة ،لما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :أيعجز أحدُكم إذا صلّى أن
ن الكراهة في حقّ المام للشتباه ،وهذا ل
يتق ّدمَ أو يتأخّر » ،ول يكره ذلك للمأموم ،ل ّ
يوجد في حقّ المأموم ،لكن يستحبّ له أن يتنحّى أيضا ،حتّى تنكسر الصّفوف ،ويزول
الشتباه على الدّاخل من كلّ وجه .
وقال ابن قدامة :قال أحمد :ل يتطوّع المام في مكانه الّذي صلّى فيه المكتوبة .كذا قال
عليّ بن أبي طالب رضي ال عنه .قال أحمد :ومن صلّى وراء المام فل بأس أن يتطوّع
مكانه ،فعل ذلك ابن عمر رضي ال عنهما .وبهذا قال إسحاق ،وروى أبو بكر حديث عليّ
ي صلى ال عليه وسلم
ن النّب ّ
بإسناده .وبإسناده عن المغيرة بن شعبة رضي ال عنه « :أ ّ
قال :ل يتطوّع المام في مقامه الّذي يصلّي فيه المكتوبة » .
صلة التّطوّع على الدّابّة :
- 15يجوز باتّفاق المذاهب صلة التّطوّع على الدّابّة في السّفر .
قال ابن قدامة :ل نعلم خلفا بين أهل العلم في إباحة التّطوّع على الرّاحلة في السّفر الطّويل
قال التّرمذيّ :هذا عند عامّة أهل العلم ،
ل من سافر سفرا يقصر فيه الصّلة أن يتطوّع
وقال ابن عبد البرّ :أجمعوا على أنّه جائز لك ّ
على دابّته حيثما توجّهت ،يومئ بالرّكوع والسّجود ،ويجعل السّجود أخفض من الرّكوع .
ويجوز عند الحنابلة التّطوّع على الرّاحلة في السّفر القصير أيضا ،لقوله تعالى { :وَلِلّهِ
جهُ الّلهِ } ،قال ابن عمر رضي ال عنهما :نزلت هذه
ال َمشْ ِرقُ وَال َم ْغرِبُ َفَأ ْي َنمَا تُوَلّوا َف َثمّ َو ْ
الية في التّطوّع خاصّة حيث توجّه به بعيرك .
وهذا يتناول بإطلقه محلّ النّزاع ،وعن ابن عمر رضي ال عنهما « أنّ رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم كان يوتر على بعيره » ،وفي رواية « :كان يسبّح على ظهر راحلته حيث
كان وجهه ،يومئ برأسه » وكان ابن عمر يفعله .وللبخاريّ « :إل الفرائض » ولمسلم
وأبي داود « :غير أنّه ل يصلّي عليها المكتوبة » ولم يفرّق بين قصير السّفر وطويله ،ولنّ
إباحة الصّلة على الرّاحلة تخفيف في التّطوّع ،كي ل يؤدّي إلى قطعها وتقليلها .
والوتر واجب عند الحنفيّة ،ولهذا ل يؤدّى على الرّاحلة عند القدرة على النّزول .كذلك روى
ن من صلّى ركعتي الفجر على الدّابّة من غير عذر وهو يقدر على
الحسن عن أبي حنيفة أ ّ
النّزول ل يجوز ،لختصاص ركعتي الفجر بزيادة توكيد وترغيب بتحصيلها وترهيب وتحذير
على تركها ،فالتحقت بالواجبات كالوتر .وينظر تفصيل ذلك في ( :نفل -نافلة ).
صلة التّطوّع قاعدا :
- 16تجوز صلة التّطوّع من قعود باتّفاق بين المذاهب .
قال ابن قدامة :ل نعلم خلفا في إباحة التّطوّع جالسا ،وأنّه في القيام أفضل ،وقد قال النّبيّ
صلى ال عليه وسلم « :من صلّى قائما فهو أفضل ،ومن صلّى قاعدا فله نصف أجر القائم
» ولنّ كثيرا من النّاس يشقّ عليه القيام ،فلو وجب في التّطوّع لترك أكثره ،فسامح الشّارع
في ترك القيام فيه ترغيبا في تكثيره .
الفصل بين الصّلة المفروضة وصلة التّطوّع :
- 17يستحبّ أن يفصل المصلّي بين الصّلة المفروضة وصلة التّطوّع بعدها بالذكار
الواردة ،كالتّسبيح والتّحميد والتّكبير ،وهذا عند الجمهور .وعند الحنفيّة يكره الفصل بين
سنّة .وللتّفصيل ( :ر :نفل ) .
سنّة ،بل يشتغل بال ّ
المكتوبة وال ّ
قضاء التّطوّع :
- 18إذا فات التّطوّع -سواء المطلق ،أو المقيّد بسبب أو وقت -فعند الحنفيّة والمالكيّة ل
يقضى سوى ركعتي الفجر ،لما روت أمّ سلمة رضي ال عنها قالت « :صلّى رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم العصر ثمّ دخل بيتي فصلّى ركعتين ،فقلت :يا رسول اللّه ،صلّيتَ
صلة لم تكن تصلّيها فقال :قدم عليّ مالٌ فشغلني عن الرّكعتين كنت أركعهما بعد الظّهر ،
فصلّيتهما الن .فقلت :يا رسول اللّه أفنقضيهما إذا فاتتا ؟ قال :ل » .
ن القضاء غير واجب على المّة ،وإنّما هو شيء اختصّ به النّبيّ صلى ال
وهذا نصّ على أ ّ
عليه وسلم ول شركة لنا في خصائصه .وقياس هذا الحديث أنّه ل يجب قضاء ركعتي الفجر
ي صلى ال عليه وسلم فعلهما
ن « النّب ّ
أصل ،إل أنّا استحسنّا القضاء إذا فاتتا مع الفرض ،ل ّ
مع الفرض ليلة التّعريس » فنحن نفعل ذلك لنكون على طريقته .
وهذا بخلف الوتر ،لنّه واجب عند الحنفيّة ،والواجب ملحق بالفرض في حقّ العمل .
وقال النّوويّ من الشّافعيّة :لو فات النّفل المؤقّت " كصلة العيد والضّحى " ندب قضاؤه في
الظهر ،لحديث الصّحيحين « :من نسي صل ًة أو نام عنها فكفّارتُها أن يصلّيها إذا ذكرها »
ولنّ « النّبيّ صلى ال عليه وسلم قضى ركعتي الفجر لمّا نام في الوادي عن صلة الصّبح
إلى أن طلعت الشّمس » .وفي مسلم نحوه .
« وقضى ركعتي سنّة الظّهر المتأخّرة بعد العصر » ،ولنّها صلة مؤقّتة فقضيت كالفرائض
،وسواء السّفر والحضر ،كما صرّح به ابن المقري .
والثّاني :ل يقضى كغير المؤقّت .
والثّالث :إن لم يتبع غيره كالضّحى قضي ،لشبهه بالفرض في الستقلل ،وإن تبع غيره
كالرّواتب فل .قال الخطيب الشّربينيّ في شرح المنهاج :قضيّة كلمه -أي النّوويّ -أنّ
المؤقّت يقضي أبدا وهو الظهر ،والثّاني :يقضي فائتة النّهار ما لم تضرب شمسه ،وفائتة
اللّيل ما لم يطلع فجره .والثّالث :يقضي ما لم يصلّ الفرض الّذي بعده .
وخرج بالمؤقّت ما له سبب كالتّحيّة والكسوف فإنّه ل مدخل للقضاء فيه .
نعم لو فاته ِو ْردُه من الصّلة ،فإنّه يندب له قضاؤه كما قاله الذرعيّ .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قضى شيئا من
وعند الحنابلة ،قال المام أحمد :لم يبلغنا أ ّ
التّطوّع ،إل ركعتي الفجر والرّكعتين بعد العصر .
وقال القاضي وبعض الصحاب :ل يقضى إل ركعتا الفجر وركعتا الظّهر .
ي صلى ال عليه وسلم قضى
ن النّب ّ
وقال ابن حامد :تقضى جميع السّنن الرّواتب ،ل ّ
ن قضاء الرّواتب ،إل ما فات
بعضها ،وقسنا الباقي عليها .وفي شرح منتهى الرادات :يس ّ
مع فرضه وكثر ،فالولى تركه ،إل سنّة الفجر فيقضيها مطلقا لتأكّدها .
انقلب الواجب تطوّعا :
- 19قد ينقلب واجب العبادات إلى تطوّع ،سواء أكان بقصد أم بغير قصد .
ومن ذلك مثلً في الصّلة يقول ابن نجيم :لو افتتح الصّلة بنيّة الفرض ،ثمّ غيّر نيّته في
الصّلة وجعلها تطوّعا ،صارت تطوّعا .
وفي شرح منتهى الرادات :إن أحرم مصلّ بفرض ،كظهر في وقته المتّسع له ولغيره ،ثمّ
قلبه نفل ،بأن فسخ نيّة الفرضيّة دون نيّة الصّلة ،صحّت مطلقا ،أي سواء كان صلّى
الكثر منها أو القلّ ،وسواء كان لغرض صحيح أو ل ،لنّ النّفل يدخل في نيّة الفرض ،
وكره قلبه نفل لغير غرض صحيح .ث ّم قال :وينقلب نفل ما بان عدمه ،كما لو أحرم بفائتة
ظنّها عليه ،فتبيّن أنّه لم تكن عليه فائتة ،أو أحرم بفرض ثمّ تبيّن له أنّه لم يدخل وقته ،لنّ
ح ،ولم يوجد ما يبطل النّفل .
الفرض لم يص ّ
ومن ذلك الصّيام .جاء في شرح منتهى الرادات :من قطع نيّة صوم نذر أو كفّارة أو قضاء
،ثمّ نوى صوما نفل صحّ نفله ،وإن قلب صائم نيّة نذر أو قضاء إلى نفل صحّ ،كقلب
ل.
فرض الصّلة نف ً
وخالف الحجّاويّ في " القناع " في مسألة قلب القضاء ،وكره له ذلك لغير غرض .
ومن ذلك الزّكاة .جاء في بدائع الصّنائع :إذا دفع الزّكاة إلى رجل ،ولم يخطر بباله أنّه ليس
ممّن تصرف الزّكاة إليهم وقت الدّفع ،ولم يشكّ في أمره ،فإذا ظهر بيقين أنّه ليس من
مصارفها لم تجزئه زكاة ،ويجب عليه العادة ،وليس له أن يستردّ ما دفع إليه ،ويقع
تطوّعا .ثمّ قال الكاسانيّ في موضع آخر :حكم المعجّل إذا لم يقع زكاة :أنّه إن وصل إلى
يد الفقير يكون تطوّعا ،سواء وصل إلى يده من يد ربّ المال أو من يد المام أو نائبه -
وهو السّاعي -لنّه حصل أصل القربة .
وصدقة التّطوّع ل يحتمل الرّجوع فيها بعد وصولها إلى يد الفقير .
ج في غير أشهره انعقد إحرامه بالعمرة ،لنّها عبادة مؤقّتة
وفي المهذّب أيضا :من أحرم بالح ّ
،فإذا عقدها في غير وقتها انعقد غيرها من جنسها ،كصلة الظّهر إذا أحرم بها قبل
الزّوال ،فإنّه ينعقد إحرامه بالنّفل .وفي الشباه لبن نجيم :لو أحرم بالحجّ نذرا ونفلً كان
ج فرضا وتطوّعا كان تطوّعا عندهما في الصحّ .
نفل ،ولو أحرم بالح ّ
حصول التّطوّع بأداء الفرض وعكسه :
- 20هناك صور يحصل التّطوّع فيها بأداء الفرض ،ولكنّ ثواب التّطوّع ل يحصل إل بنيّته
.جاء في الشباه لبن نجيم -في الجمع بين عبادتين -قالوا :لو اغتسل الجنب يوم الجمعة
للجمعة ولرفع الجنابة ،ارتفعت جنابته ،وحصل له ثواب غسل الجمعة .
وفي ابن عابدين َ :منْ عليه جنابة نسيها واغتسل للجمعة مثلً ،فإنّه يرتفع حدثه ضمنا ،ول
يثاب ثواب الفرض ،وهو غسل الجنابة ما لم ينوه ،لنّه ل ثواب إلّا بال ّنيّة .
وفي الشّرح الصّغير :تتأدّى تحيّة المسجد بصلة الفرض فيسقط طلب التّحيّة بصلته ،فإن
نوى الفرض والتّحيّة حصل ،وإن لم ينو التّحيّة لم يحصل له ثوابها ،لنّ العمال بال ّنيّات .
ومثل ذلك غسل الجمعة والجنابة ،وصيام يوم عرفة مع نيّة قضاء ما عليه .
وفي القواعد لبن رجب :لو طاف عند خروجه من مكّة طوافا ينوي به الزّيارة والوداع ،
فقال الخرقيّ وصاحب المغني :يجزئه عنهما .
ثانيا ما يشمل العبادات وغيرها من أحكام :
أ -قطع التّطوّع بعد الشّروع فيه :
- 21إذا كان التّطوّع عبادة كالصّلة والصّيام ،فعند الحنفيّة والمالكيّة :إذا شرع فيه وجب
ضيّا وقضاء .
ن التّطوّع يلزم بالشّروع ُم ِ
إتمامه ،وإذا فسد وجب قضاؤه ،ل ّ
عمَالَكمْ } .
ن المؤدّى عبادة ،وإبطال العبادة حرام ،لقوله تعالى { :وَل ُتبْطِلُوا أَ ْ
ول ّ
وقد « قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم لعائشة وحفصة رضي ال عنهما وقد أفطرتا في صوم
التّطوّع اقضيا يوما مكانه » .
أنن المالكي ّة ل يوجبون القضاء إل إذا كان الفسناد متعمّدا ،فإن كان لعذر فل قضاء .
غينر ّ
وع ند الشّافعيّة والحنابلة :ي ستحبّ التمام إذا شرع في التّطوّع ول ي جب ،ك ما أنّه ي ستحبّ
القضاء إذا فسند ،إلّا فني تطوّع الحجّن والعمرة فيجنب إتمامهمنا إذا شرع فيهمنا ،لنّن نفلهمنا
كفرضهما نيّة وفدية وغيرهما .
واستدلّ الشّافعيّة والحنابلة على عدم وجوب التمام بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
« الصّائم المتطوّع أمير نفسه ،إن شاء صام ،وإن شاء أفطر » .
وتنظر التّفاصيل في ( نفل ،صلة ،صيام ،حجّ ) .
- 22أمّا غير ذلك من التّطوّعات ،فإمّا أن يكون من قبيل عقود التّبرّعات المعروفة كالهبة
والعاريّة والوقف والوصيّة ،وإمّا أن يكون من غير ذلك .
فإن كان من عقود التّبرّعات ،فلكلّ عقد حكمه في جواز الرّجوع أو عدم جوازه .ففي
الوصيّة مثل :يجوز باتّفاق الرّجوع فيها ما دام الموصي حيّا .
وفي العاريّة والقرض :يجوز الرّجوع بطلب ردّ الشّيء المستعار واسترداد بدل القرض في
ن المقرض إذا أجّل القرض
الحال بعد القبض .وهذا عند غير المالكيّة ،بل قال الجمهور :إ ّ
ل يلزمه التّأجيل ،لنّه لو لزم فيه الجل لم يبق تبرّعا .
ويجوز الرّجوع في الهبة قبل القبض ،فإذا تمّ القبض فل رجوع عند الشّافعيّة والحنابلة ،إل
فيما وهب الوالد لولده ،وعند الحنفيّة :يجوز الرّجوع إن كانت لجنبيّ .
وفي كلّ ذلك تفصيل ينظر في أبوابه .وفي ( تبرّع ) .
أمّا غير ذلك من التّبرّعات كالصّدقة والنفاق وما شابه ذلك ،فإن كان قد مضى فل رجوع
فيه ،ما دام ذلك قد تمّ بنيّة التّبرّع .يقول ابن عابدين :ل رجوع في الصّدقة لنّ المقصود
فيها الثّواب ل العوض .ويقول ابن قدامة :ل يجوز للمتصدّق الرّجوع في صدقته في قولهم
جميعا ،لنّ عمر رضي ال عنه قال في حديثه :من وهب هبة على وجه صدقة فإنّه ل
يرجع فيها .ومثل ذلك النفاق إذا كان بقصد التّبرّع فل رجوع فيه .
يقول ابن عابدين :إذا أنفق الوصيّ من مال نفسه على الصّبيّ ،وللصّبيّ مال غائب ،فهو
متطوّع في النفاق استحسانا ،إل أن يشهد أنّه قرض ،أو أنّه يرجع به عليه .
ويقول ابن القيّم :المقاصد تغيّر أحكام التّصرّفات ،فال ّنيّة لها تأثير في التّصرّفات ،ومن ذلك
أنّه لو قضى عن غيره دينا ،أو أنفق عليه نفقة واجبة أو نحو ذلك -ينوي التّبرّع والهبة -لم
ن في ذلك تفصيلً وخلفا بين المذاهب
يملك الرّجوع بالبدل ،وإن لم ينو فله الرّجوع .على أ ّ
في بعض الفروع ،ومن ذلك مثل :أنّ الشّافعيّة يجيزون للب ولسائر الصول الرّجوع في
الصّدقة المتطوّع بها على الولد ،أمّا الواجبة فل رجوع فيها .
ول يجيزون للب الرّجوع في البراء لولده عن دينه .بينما يجيز الحنابلة رجوع الب فيما
أبرأ ابنه منه من الدّيون .وينظر تفصيل ذلك في ( تبرّع ،صدقة ،إبراء ،هبة ،نفقة ) .
- 23أمّا ما شرع فيه من الصّدقة .فأخرج بعضه ،فل يلزمه الصّدقة بباقيه .
ن النسان لو نوى الصّدقة بمال مقدّر ،وشرع في
يقول ابن قدامة :انعقد الجماع على أ ّ
الصّدقة به ،فأخرج بعضه لم تلزمه الصّدقة بباقيه ،وهو نظير العتكاف ،لنّه غير مقدّر
بالشّرع فأشبه الصّدقة ،غير أنّ ابن رجب ذكر خلفا في ذلك .
والحطّاب ع ّد الشياء الّتي تلزم بالشّروع ،وهي سبع :الصّلة والصّوم والعتكاف والحجّ
والعمرة والئتمام والطّواف .ثمّ ذكر ما ل يلزم بالشّروع ،وأنّه ل يجب القضاء بقطعه ،
وهو :الصّدقة والقراءة والذكار والوقف والسّفر للجهاد ،وغير ذلك من القربات .
وينظر تفصيل ذلك في ( تبرّع ،صدقة ) .
ب -نيّة التّطوّع :
- 24التّطوّع -إن كان عبادة -فل بدّ فيه من ال ّنيّة بالجماع ،لقوله تعالى َ { :ومَا ُأ ِمرُوا
ن لَ ُه الدّينَ } وقوله صلى ال عليه وسلم « :إنّما العمال بال ّنيّات »
إل ِل َي ْع ُبدُوا الّل َه ُمخْلِصِي َ
وهي مقصودة بها تمييز العبادات عن العادات ،وتمييز بعض العبادات عن بعض .فالغسل قد
يكون تبرّدا وعبادة ،والمساك عن المفطرات قد يكون حميّة أو تداويا ،ودفع المال يكون
صدقة شرعيّة وصلة متعارفة . .وهكذا ،وعلى ذلك فال ّنيّة شرط في العبادات باتّفاق ،إلّا أنّ
الفقهاء يختلفون في ال ّنيّة في تطوّع العبادات بالنّسبة للتّعيين أو الطلق - 25 .والتّطوّع في
العبادات ،منه ما هو مطلق كالتّهجّد والصّوم ،ومنه ما هو مقيّد كصلة الكسوف والسّنن
الرّواتب مع الفرائض ،وكصيام عرفة وعاشوراء .
ح عند جميع الفقهاء أداؤه دون تعيينه بال ّنيّة ،وتكفي نيّة مطلق
أمّا التّطوّع المطلق ،فيص ّ
الصّلة أو مطلق الصّوم .
أمّا التّطوّع المعيّن كالرّواتب والوتر والتّراويح ،وصلة الكسوف والستسقاء ،وصيام يوم
عاشوراء ،فإنّه يشترط فيه تعيينه بال ّنيّة ،وذلك عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض
ن المالكيّة حدّدوا المعيّن عندهم بأنّه :الوتر والعيدان وصلة الكسوف
مشايخ الحنفيّة ،غير أ ّ
والستسقاء ورغيبة الفجر ،أمّا غير ذلك فهو من المطلق عندهم .
ح دون تعيينه ،وأنّه يكفي فيه
والصّحيح المعتمد عند الحنفيّة أنّ التّطوّع المعيّن أو المقيّد يص ّ
مطلق ال ّنيّة كالتّطوّع المطلق ،وهو ما عليه أكثر مشايخ الحنفيّة .
ن نيّة القربة
- 26أمّا غير العبادات من التّطوّعات ،فالصل أنّه ل مدخل لل ّنيّة فيها ،إل أ ّ
ث على المعروف -مطلوبة لستحقاق الثّواب ،إذ أنّها
فيها -امتثال لوامر الشّرع الّتي تح ّ
ل تتمحّض قربة إلّا بهذه ال ّنيّة .
يقول الشّاطبيّ :المقاصد معتبرة في التّصرّفات من العبادات والعادات .إلى أن قال :وأمّا
العمال العاديّة -وإن لم تفتقر في الخروج عن عهدتها إلى نيّة -فل تكون عبادات ول
معتبرات في الثّواب إل مع قصد المتثال ،وفي الشباه لبن نجيم :ل يتوقّف الوقف ول
الهبة ول الوصيّة على ال ّنيّة ،فالوصيّة إن قصد التّقرّب بها فله الثّواب ،وإلّا فهي صحيحة
فقط ،وكذلك الوقف إن نوى القربة فله الثّواب وإل فل ،وعلى هذا سائر القرب ل بدّ فيها
من ال ّنيّة ،بمعنى توقّف حصول الثّواب على قصد التّقرّب بها إلى اللّه تعالى .
ح القصد ،وإن
وفي الشّرح الصّغير :الهبة من التّبرّعات المندوبة كالصّدقة ،وهذا إن ص ّ
ن ذلك ممّا رغّب فيه الشّرع فإنّه يثاب .وفي المنثور في القواعد للزّركشيّ :
استحضر أ ّ
عيادة المريض واتّباع الجنازة ور ّد السّلم قربة ،ل يستحقّ الثّواب عليها إل بال ّنيّة .
ج -النّيابة في التّطوّع :
- 27التّطوّع إن كان من العبادات البدنيّة كالصّلة والصّوم ،فل تجوز فيه النّيابة ،لنّه ل
تجوز النّيابة في فرضه في الجملة ،فل تجوز في نفله .وإن كان مركّبا منهما كالحجّ ،فعند
ح النّيابة فيه ،وهو الظهر عند الشّافعيّة ،وأحد قولين معتمدين عند
الحنفيّة والحنابلة تص ّ
المالكيّة .أمّا غير ذلك من العبادات الماليّة والتّطوّعات بأنواع البرّ والمعروف ،كالصّدقة
والهدي والعتق والوقف والوصيّة والهبة والبراء وغيرها فإنّه تجوز النّيابة فيها .كما أنّه
يجوز عند الحنفيّة والحنابلة أن يتطوّع النسان بجعل ثواب عمله من صلة وصيام وحجّ
ن النّبيّ
وصدقة وعتق وطواف وعمرة وقراءة وغير ذلك لغيره ،من حيّ أو ميّت .بدليل أ ّ
صلى ال عليه وسلم « ضحّى بكبشين أملحين ،أحدهما عنه ،والخر عن أمّته » .وروى
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال لعمرو بن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه « أ ّ
العاص ،لمّا سأله عن أبيه :لو كان مسلما فأعتقتم عنه أو تصدّقتم عنه أو حججتم عنه بلغه
ج التّطوّع وغيره ،ولنّه عمل برّ وطاعة فوصل
ذلك » .قال ابن قدامة :وهذا عامّ في ح ّ
نفعه وثوابه كالصّدقة والصّيام والحجّ الواجب « .عن أنس رضي ال عنه قال :يا رسول
ج عنهم ،وندعو لهم ،فهل يصل ذلك لهم ؟ قال :نعم ،
اللّه ،إنّا نتصدّق عن موتانا ،ونح ّ
إنّه ليصل إليهم ،وإنّهم ليفرحون به كما يفرح أحدكم بالطّبق إذا أهدي إليه » .
ن من البرّ بعد الموت أن تصلّي لبويك مع صلتك ،وأن
وقال صلى ال عليه وسلم « :إ ّ
تصوم لهما مع صومك » وعند المالكيّة والشّافعيّة يجوز فيما عدا الصّلة والصّيام .
وينظر تفصيل ذلك في ( :نيابة -وكالة -نفل -صدقة -صلة -وصوم ) .
د -الجرة على التّطوّع :
ل طاعة يختصّ بها المسلم ل يجوز أخذ الجرة عليها ،كالمامة والذان
- 28الصل أنّ ك ّ
ج والجهاد وتعليم القرآن .لما روى عثمان بن أبي العاص قال « :إنّ آخر ما عهد إليّ
والح ّ
خذَ مؤذّنا ل يأخذُ على أذانه أجرا » ولنّ القربة متى حصلت
النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن أ ّت ِ
وقعت عن العامل ،ولهذا تعتبر أهليّته ،فل يجوز أخذ الجر عن غيره كما في الصّوم
والصّلة .هذا مذهب الحنفيّة ،وهو رواية عند الحنابلة .
ح مع الكراهة عند المالكيّة .جاء في الشّرح الصّغير :تكره إجارة النسان نفسه في
ويص ّ
عمل للّه تعالى ،حجّا أو غيره ،كقراءة وإمامة وتعليم علم ،وصحّته مع الكراهة .
كما تكره الجارة على الذان ،قال مالك :لن يؤاجر الرّجل نفسه في عمل اللّبن وقطع
ب إليّ من أن يعمل عمل للّه بأجرة .
الحطب وسوق البل أح ّ
ح إجارة مسلم لجهاد ول لعبادة يجب لها نيّة ،
وقال الشّافعيّة ،كما في نهاية المحتاج :ل تص ّ
وألحقوا بذلك المامة ولو لنفل ،لنّه حصل لنفسه .أمّا ما ل تجب له نيّة كالذان فيصحّ
ج والعمرة ،فيجوز الستئجار لهما أو لحدهما
الستئجار عليه ،واستثني ممّا فيه نيّة :الح ّ
عن عاجز أو ميّت ،وتقع صلة ركعتي الطّواف تبعا لهما ،وتجوز الجارة عن تفرقة زكاة
وكفّارة وأضحيّة وهدي وذبح وصوم عن ميّت وسائر ما يقبل النّيابة وإن توقّف على ال ّنيّة ،
ح الجارة لكلّ ما ل تجب له نيّة .
لما فيها من شائبة المال .وتص ّ
ح لتجهيز ميّت ودفنه وتعليم قرآن ولقراءة القرآن عند القبر أو مع الدّعاء .
وتص ّ
وفي الختيارات الفقهيّة لبن تيميّة :ل يجوز للنسان أن يقبل هديّة من شخص ليشفع له عند
ذي أمر ،أو أن يرفع عنه مظلمة ،أو يوصل إليه حقّه أو يولّيه ولية يستحقّها ،أو يستخدمه
في الجند المقاتلة وهو مستحقّ لذلك ،وإذا امتنعت الهديّة امتنعت الجرة من باب أولى .
ن من أخذ أجرا على عمل تطوّع -ممّا يجوز عند الفقهاء -فإنّه يعتبر
والصل في ذلك :أ ّ
ن القرب والطّاعات إذا وقعت بأجرة لم تكن قربة ول
أجيرا ،وليس متطوّعا بالقربات ،ل ّ
عبادة ،لنّه ل يجوز التّشريك في العبادة ،لكن إذا كان الرّزق من بيت المال أو من وقف
فإنّه يعتبر نفقة في المعنى ،ول يعتبر أجرا .
ص فاعلها أن يكون من أهل القربة ،هل يجوز
جاء في الختيارات الفقهيّة :العمال الّتي يخت ّ
إيقاعها على غير وجه القربة ؟ فمن قال :ل يجوز ذلك ،لم يجز الجارة عليها ،لنّها
بالعوض تقع غير قربة و« إنّما العمال بال ّنيّات » واللّه تعالى ل يقبل من العمل إل ما أريد
به وجهه ،ومن جوّز الجارة جوّز إيقاعها على غير وجه القربة ،وقال :تجوز الجارة
عليها ل فيها من نفع المستأجر ،وأمّا ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضا وأجرة ،بل رزق
للعانة على الطّاعة ،فمن عمل منهم للّه أثيب .وكذلك المال الموقوف على أعمال البرّ
والموصى به كذلك ،والمنذور كذلك ،ليس كالجرة .
ويقول القرافيّ :باب الرزاق أدخل في باب الحسان وأبعد عن باب المعاوضة ،وباب
الجارة أبعد من باب المسامحة وأدخل في باب المكايسة ،ثمّ يقول :الرزاق مجمع على
جوازها ،لنّها إحسان ومعروف وإعانة ل إجارة .
انقلب التّطوّع إلى واجب :
- 29ينقلب التّطوّع إلى واجب لسباب متعدّدة منها :
أ -الشّروع :
- 30التّطوّع بالحجّ عند جميع الفقهاء يصير واجبا بالشّروع فيه ،بحيث إذا فسد وجب
قضاؤه .ومثل ذلك :الصّلة والصّيام عند الحنفيّة والمالكيّة .
ب -التّطوّع بالحجّ ممّن لم يحجّ حجّة السلم :
- 31قال ابن قدامة :من أحرم بحجّ تطوّع -ممّن لم يحجّ حجّة السلم -وقع عن حجّة
السلم ،وبهذا قال ابن عمر وأنس والشّافعيّ ،لنّه أحرم بالحجّ وعليه فرضه ،فوقع عن
فرضه كالمطلق .ولو أحرم بتطوّع وعليه منذورة وقعت عن المنذورة ،ولنّها واجبة فهي
كحجّة السلم .والعمرة كالحجّ فيما ذكرنا لنّها أحد النّسكين ،فأشبهت الخر .
ج حجّة السلم -وقع
وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى :أنّه إذا نوى حجّة نفل -ولم يكن قد ح ّ
ن وقت الحجّ يشبه وقت الصّلة ( ظرف ) ووقت الصّوم ( معيار ) فأعطي
عمّا نواه ،ل ّ
حكمهما ،فيتأدّى فرضه بمطلق ال ّنيّة ،ويقع عن النّفل إذا نواه .
وقال ابن نجيم :لو طاف بنيّة التّطوّع في أيّام النّحر وقع عن الفرض .
وفي البدائع :لو تصدّق بجميع ماله على فقير ،ولم ينو الزّكاة أجزأه عن الزّكاة استحسانا.
والقياس :أن ل يجوز ،لنّ الزّكاة عبادة مقصودة ،فل بدّ لها من ال ّنيّة .
ووجه الستحسان أنّ ال ّنيّة وجدت دللة ،وعلى هذا إذا وهب جميع النّصاب من الفقير ،أو
نوى تطوّعا ،ولو أدّى مائة ل ينوي الزّكاة ،ونوى تطوّعا ،ل تسقط زكاة المائة وعليه أن
ل عند أبي يوسف .وعند محمّد يسقط عنه زكاة ما تصدّق ،ول يسقط عنه زكاة
يزكّي الك ّ
الباقي .
ج -اللتزام أو التّعيين بال ّنيّة والقول :
- 32جاء في الدّرّ المختار :لو نذر التّصدّق يوم الجمعة بمكّة بهذا الدّرهم على فلن ،
فخالف ،جاز .قال ابن عابدين :فلو خالف في بعضها أو كلّها ،بأن تصدّق في غير يوم
ن الدّاخل تحت النّذر ما هو قربة ،
الجمعة ببلد آخر بدرهم آخر على شخص آخر جاز ،ل ّ
وهو أصل التّصدّق دون التّعيين ،فبطل التّعيين ولزمه القربة .
ثمّ قال ابن عابدين :وهذا ليس على إطلقه لما في البدائع :لو قال :للّه عليّ أن أطعم هذا
المسكين شيئا سمّاه ولم يعيّنه ،فل بدّ أن يعطيه للّذي سمّى ،لنّه إذا لم يعيّن المنذور صار
تعيين الفقير مقصودا ،فل يجوز أن يعطي غيره .وفي الختيار :ل تجب الضحيّة على
الفقير ،لكنّها تجب بالشّراء ،ويتعيّن ما اشتراه للضحيّة .فإن مضت أيّام الضحيّة ولم يذبح
،تصدّق بها حيّة ،لنّها غير واجبة على الفقير ،فإذا اشتراها بنيّة الضحيّة تعيّنت
للوجوب ،والراقة إنّما عرفت قربة في وقت معلوم ،وقد فات فيتصدّق بعينها .
وإن كان المضحّي غنيّا ،وفات وقت الضحيّة ،تصدّق بثمنها ،اشتراها أو ل ،لنّها واجبة
عليه ،فإذا فات وقت القربة في الضحيّة تصدّق بالثّمن إخراجا له عن العهدة .
وجاء في نهاية المحتاج :الضحيّة سنّة ،ولكنّها تجب باللتزام ،كقوله :جعلت هذه الشّاة
أضحيّة كسائر القرب .وفي تحرير الكلم في مسائل اللتزام للحطّاب :اللتزام المطلق
يقضى به على الملتزم ،ما لم يفلّس أو يمت أو يمرض .
وقال ابن رشد في نوازله فيمن عزل لمسكين معيّن شيئا ،وبتّله له بقول أو نيّة ،فل يجوز له
أن يصرفه إلى غيره ،وهو ضامن له إن فعل .ولو نوى أن يعطيه ولم يبتّله له بقول ول نيّة
كره له أن يصرفه إلى غيره .ومعنى بتّله :جعله له من الن .
وفي الفواكه الدّواني :من أخرج كسرة لسائل فوجده قد ذهب ل يجوز له أكلها ،ويجب عليه
أن يتصدّق بها على غيره ،كما قاله مالك .وقال غيره :يجوز له أكلها ،وقال ابن رشد :
يحمل كلم غير مالك على ما إذا أخرجها لمعيّن ،فيجوز له أكلها عند عدم وجوده أو عدم
قبوله ،وحمل كلم مالك على إخراجها لغير معيّن ،فل يجوز له أكلها بل يتصدّق بها على
غيره ،لنّه لم يعيّن الّذي يأخذها .
وفي القواعد الفقهيّة لبن رجب :الهدي والضحيّة يتعيّنان بالتّعيين بالقول بل خلف .
وفي تعيينه بال ّنيّة وجهان ،فإذا قال :هذه صدقة ،تعيّنت وصارت في حكم المنذورة ،وإذا
عيّن بنيّته أن يجعلها صدقة -وعزلها عن ماله -فهو كما لو اشترى شاة ينوي التّضحية.
د -النّذر :
- 33النّذر بالقرب والطّاعات يجعلها واجبة .
قال الكاسانيّ :النّذر من أسباب الوجوب في العبادات والقرب المقصودة .
وفي فتح العليّ المالك :النّذر المطلق :هو التزام طاعة اللّه تعالى بنيّة القربة .
هن -استدعاء الحاجة :
- 34قال ابن رجب في قواعده :ما تدعو الحاجة إلى النتفاع به من العيان -ول ضرر
في بذله لتيسّره ،وكثرة وجوده -أو المنافع المحتاج إليها يجب بذله مجّانا بغير عوض في
الظهر ،ومن ذلك وضع الخشب على جدار الجار إذا لم يضرّ ،واختار بعضهم وجوب بذل
الماعون ،وهو ما خفّ قدره وسهل ( وجرت العادة ببذله ) ،ومنها :المصحف تجب إعارته
لمسلم احتاج القراءة فيه .وفي حاشية الصّاويّ على الشّرح الصّغير :العاريّة مندوبة ،وقد
يعرض وجوبها ،كغنيّ عنها لمن يخشى بعدمها هلكه .
وفي القرض قال :القرض مندوب ،وقد يعرض له ما يوجبه كالقرض لتخليص مستهلك .
و -الملك :
- 35الصل في العتق أنّه مندوب مرغّب فيه ،لكن يكون واجبا على من ملك أصله أو
فرعه ،حيث يعتق عليه بنفس الملك .
أسباب منع التّطوّع :
- 36يمنع التّطوّع لسباب متعدّدة ،منها :
أ -وقوعه في الوقات المنهيّ عنها :
- 37التّطوّع بالعبادة في الوقات الّتي نهى الشّارع عن وقوع العبادة فيها ممنوع ،كالصّلة
ي رضي ال
وقت طلوع الشّمس أو غروبها أو عند الستواء ،لحديث عقبة بن عامر الجهن ّ
عنه قال « :ثلث ساعات كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ينهانا أن نصلّي فيهنّ ،أو أن
ن موتانا :حين تطلع الشّمس بازغة حتّى ترتفع ،وحين يقوم قائم الظّهيرة حتّى تميل
نقبر فيه ّ
الشّمس ،وحين تضيف الشّمس للغروب حتّى تغرب » .
ومثل ذلك التّطوّع بالصّوم في أيّام العيد والتّشريق ،لما روي عن أبي هريرة رضي ال عنه
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم نهى عن صيام يومين :يوم الفطر ،ويوم النّحر » .
«أّ
وينظر في صحّة ذلك وتفصيله ( :أوقات الصّلوات -صلة -نفل -صوم ) .
ب -إقامة الصّلة المكتوبة :
- 38يمنع التّطوّع بالصّلة إذا شرع المؤذّن في القامة للصّلة ،أو تضيّق الوقت بحيث ل
يتّسع لداء أيّ نافلة .قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إذا أقيمت الصّلة فل صلة إل
المكتوبة » ( .ر :أوقات الصّلة ،نفل ) .
ج -عدم الذن ممّن يملك الذن :
- 39من يتوقّف تطوّعه على إذن غيره ل يجوز له أن يتطوّع إل بعد الذن له ،وعلى ذلك
ج إل بإذن زوجها ،ول يصوم الجير
فل يجوز للمرأة أن تتطوّع بصوم أو اعتكاف أو ح ّ
تطوّعا إل بإذن المستأجر إذا تضرّر بالصّوم ،ول يجوز للولد البالغ الحرام بنفل حجّ أو
عمرة أو نفل جهاد إل بإذن البوين .
ج ،إجارة ،أنثى ) .
وهذا في الجملة ،وينظر تفصيل ذلك في ( :نفل ،صلة ،صوم ،ح ّ
د -الفلس في الحجر بالنّسبة للتّبرّعات الماليّة :
- 40من أحَاط الدّين بماله فإنّه يمنع شرعا من التّصرّف في أيّ وجه من وجوه التّبرّع
كالصّدقة والهبة ،وهذا بعد الحجر باتّفاق ،أمّا قبل الحجر ففيه اختلف الفقهاء ( ر :حجر ،
تبرّع ،إفلس ) .
وتمنع التّبرّعات المنجّزة -كالعتق والهبة المقبوضة والصّدقة وغير ذلك -إن زادت على
ن اللّه
الثّلث ،وكانت التّبرّعات في مرض الموت ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إ ّ
تصدّق عليكم قبل وفاتكم بثلث أموالكم » .
ويتوقّف نفاذ تلك التّصرّفات على إجازة الورثة بعد وفاة المورّث .ومن وقف وقفا مستقلً ،
ثمّ تبيّن أنّ عليه دينا ،ولم يمكن وفاء الدّين إلّا ببيع شيء من الوقف ،وهو في مرض
الموت ،بيع باتّفاق العلماء .ويمنع من التّبرّع أيضا من تلزمه نفقة غيره ،بحيث ل يفضل
شيء بعد ذلك .جاء في المنثور :القربات الماليّة كالعتق والوقف والصّدقة والهبة إذا فعلها
من عليه دين ،أو من تلزمه نفقة غيره ممّا ل يفضل عن حاجته ،يحرم عليه في الصحّ ،
ص أحمد في رواية حنبل
لنّه حقّ واجب فل يحلّ تركه لسنّة .وفي القواعد لبن رجب :ن ّ
ن لهما ردّه ،ونصّ في رواية أخرى :
فيمن تبرّع بماله بوقف أو صدقة وأبواه محتاجان :أ ّ
ن الوصيّة تردّ عليهم .
ن من أوصى لجانب ،وله أقارب محتاجون ،أ ّ
أّ
فتخرج من ذلك أنّ من تبرّع ،وعليه نفقة واجبة لوارث أو دين -ليس له وفاء -لهما ردّه .
ل هذا في الجملة وينظر في ( :حجر ،تبرّع ،هبة ،وقف ،وصيّة ) .
وك ّ
هن -التّطوّع بشيء من القربات في المعصية :
- 41ل يجوز التّبرّع بشيء فيه معصية للّه تعالى ،ومن أمثلة ذلك :
ح الوصيّة بما هو محرّم ،كالوصيّة للكنيسة
-ل تصحّ إعارة الصّيد لمحرم بالحجّ - .ل تص ّ
،والوصيّة بالسّلح لهل الحرب .
ول الوصيّة ببناء كنيسة أو بيت نار أو عمارتهما أو التّفاق عليهما .
ل يصحّ الوقف على معصية ،ول على ما هو محرّم كالبيع والكنائس وكتب التّوراة والنجيل.
ن القصد بالوقف القربة .
ح الوقف ،ل ّ
ومن وقف على من يقطع الطّريق لم يص ّ
وفي وقف ذلك إعانة على المعصية .وهذا كلّه في الجملة .
وفي ذلك خلف وتفصيل يرجع إليه في ( :الوقف ،والوصيّة ،والهبة ،والتّبرّع )
ثالثا :ما يخصّ غير العبادات " من أحكام التّطوّع :
اليجاب والقبول والقبض :
- 42من التّطوّعات ما يحتاج إلى اليجاب والقبول ،وذلك في عقود التّبرّعات ،مثل العاريّة
والهبة والوصيّة لمعيّن ،وكذا الوقف على معيّن -مع اختلف الفقهاء في ذلك ،واختلفهم
في اشتراط القبض أيضا -وتفصيل ذلك فيما يأتي :
أ -العاريّة :
ل التّعاطي محلّ اليجاب
- 43اليجاب والقبول ركن في عقد العاريّة باتّفاق الفقهاء ،وقد يح ّ
أو القبول .والقبض ل يمنع الرّجوع في العاريّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،لنّها عقد
غير لزم عندهم ،وللمعير الرّجوع في العاريّة في أيّ وقت ،سواء أقبضها المستعير أم لم
ن المنافع المستقبلة لم تحصل في يد المستعير ،لنّها تستوفى شيئا فشيئا
يقبضها ،ويقولون :إ ّ
،فكلّما استوفى شيئا فقد قبضه ،والّذي لم يستوفه لم يقبضه ،فجاز الرّجوع فيه ،إلّا أن
يكون الرّجوع في حال يستضرّ به المستعير ،كإعارة أرض لزراعة أو دفن ميّت .وهذا في
الجملة عندهم ،وينظر تفصيله في ( :عاريّة ) .
أمّا المالكيّة :فالعارة عقد لزم عندهم ،فهي تفيد تمليك المنفعة باليجاب والقبول ،ول
يجوز الرّجوع فيها قبل المدّة المحدّدة ،أو قبل إمكان النتفاع بالمستعار إن كانت مطلقة .
وهذا في الجملة كذلك .
ب -الهبة :
- 44اليجاب والقبول ركن من أركان الهبة باتّفاق الفقهاء .
ن الملك لو ثبت بدونه
أمّا القبض فل بدّ منه لثبوت الملك ،وذلك عند الحنفيّة والشّافعيّة ،ل ّ
للزم المتبرّع شيء لم يلتزمه ،وهو التّسلّم ،فل تملك بالعقد بل بالقبض ،لما روي عن
صدّيق كان
عائشة رضي ال عنها زوج النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّها قالت « :إنّ أبا بكر ال ّ
نحلها جادّ عشرين وسقا من ماله بالغابة .فلمّا حضرته الوفاة قال :واللّه ،يا بنيّة ما من
ب إليّ غنى بعدي منك ،ول أع ّز عليّ فقرا بعدي منك ،وإنّي كنت نحلتك جادّ
النّاس أحد أح ّ
عشرين وسقا ،فلو كنت جدّدتيه واحتزتيه كان لك ،وإنّما هو اليوم مال وارث » .
وما ذهب إليه الحنفيّة والشّافعيّة هو رأي بعض الحنابلة .قال المجد بن تيميّة في شرح الهداية
ن القبض ركن
:الملك في الموهوب ل يثبت بدون القبض ،وكذا صرّح ابن عقيل الحنبليّ :أ ّ
من أركان الهبة كاليجاب في غيرها ،وكلم الخرق يّ يدلّ عليه .والرّأي الخر للحنابلة :أ نّ
ح التّصنرّف منن الموهوب له فيهنا قبنل القبنض ،كذا فني المنتهنى
الهبنة تملك بالعقند ،فيصن ّ
وشرحه ،وهو الّذي قدّمه في النصاف .وعلى رأي الحنفيّة والشّافعيّة ،ومن رأى رأيهم من
الحنابلة :يجوز الرّجوع فيها قبل القبض ،لنّ عقد الهبة لم يتمّ .ولكنّه عند من يرى ذلك من
الحنابلة يكون مع الكراهة ،خروجا من خلف من قال :إ نّ الهبة تلزم بالعقد .وعند المالكيّة
:تملك الهبة بالقبول على المشهور ،وللمتّهب طلبها من الواهب إن امتنع ولو عند حاكم ،
ليجبره على تمكين الوهوب له منها .لكن قال ابن عبد ال سّلم :القبول والحيازة معتبران في
أنن القبول ركنن والحيازة شرط .أي فني تمامهنا ،فإن عدم لم تلزم ،وإن كاننت
الهبنة ،إل ّ
صحيحة .على أ نّ اله بة لو تمّت بالق بض ،فإنّه يجوز الرّجوع في ها ع ند الحنفيّة إن كا نت
لجنبيّ ،أي غير ذي رحم محرم ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
« الرّجل أحقّ بهبته ما لم يثب منها » أمّا عند الجمهور فل يجوز الرّجوع فيها بعد القبض ،
إلّا الوالد فيما يهب لولده فإنّه يجوز له الرّجوع لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :العائد في
هبته كالعائد في قيئه » .وينظر تفصيل ذلك في ( هبة ) .
ج -الوصيّة لمعيّن :
- 45من أركان الوصيّة اليجاب من الموصي والقبول من الموصى له المعيّن ،لكنّ القبول
ن الوصيّة عقد غير لزم ،
ل يعتبر إلّا بعد موت الموصي ،ول يفيد القبول قبل موته ،ل ّ
والموصي يملك الرّجوع في وصيّته ما دام حيّا ،وبالقبول يملك الموصى له الموصى به ،
ول يتوقّف الملك على القبض ،وهذا عند الحنفيّة -غير زفر -والمالكيّة ،والشّافعيّة
والحنابلة .أمّا عند زفر فركن الوصيّة هو اليجاب فقط من الموصي ،ويثبت الملك للموصى
له من غير قبول كالرث .وينظر تفصيل ذلك في ( وصيّة ) .
د -الوقف على معيّن :
- 46اليجاب ركن من أركان الوقف ،سواء أكان على معيّن أم لم يكن .أمّا القبول :فإن
كان الوقف على معيّن فإنّه يشترط قبوله ،وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة .
وعند الحنابلة :ل يفتقر الوقوف على معيّن إلى القبول ،لنّه إزالة ملك يمنع البيع ،فلم يعتبر
فيه القبول كالعتق ،أمّا القبض فليس بشرط عند الشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ،وعند
المالكيّة ومحمّد :القبض شرط .وينظر تفصيل ذلك في ( وقف ) .
تطيّب *
التّعريف :
- 1التّطيّب في اللّغة :مصدر تطيّب ،وهو التّعطّر .والطّيب هو :العطر ،وهو ما له
رائحة مستلذّة ،كالمسك والكافور والورد والياسمين والورس والزّعفران .
ول يخرج معناه في الصطلح عن هذا المعنى اللّغويّ .
- 2والطّيب ينقسم إلى قسمين :مذكّر ،مؤنّث .فالمذكّر :ما يخفى أثره ،أي تعلّقه بما مسّه
من ثوب أو جسد ،ويظهر ريحه .والمراد به أنواع الرّياحين ،والورد ،والياسمين .وأمّا
المياه الّتي تعصر ممّا ذكر فليس من قبيل المؤنّث .والمؤنّث :هو ما يظهر لونه وأثره ،أي
تعلّقه بما مسّه تعلّقا شديدا كالمسك ،والكافور ،والزّعفران .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّزيّن :
- 3التّزيّن :هو اتّخاذ الزّينة ،وهي اسم جامع لك ّل شيء يتزيّن به ،فالتّزيّن ما يحسن به
منظر النسان .
الحكم التّكليفيّ :
- 4الصل س ّنيّة التّطيّب ،ويختلف الحكم بحسب الحوال ،على ما سيأتي .
تطيّب الرّجل والمرأة :
ن التّطيّب ،لخبر أبي أيّوب رضي ال عنه مرفوعا « أربع من سنن المرسلين :
- 5يس ّ
الحنّاء ،والتّعطّر ،والسّواك ،والنّكاح » ولقول الرّسول صلى ال عليه وسلم « حبّب إليّ من
دنياكم :النّساء والطّيب ،وجعلت قرّة عيني في الصّلة » .
والطّيب يستحبّ للرّجل داخل بيته وخارجه ،بما يظهر ريحه ويخفى لونه ،كبخور العنبر
ن للمرأة في غير بيتها بما يظهر لونه ويخفى ريحه ،لخبر رواه التّرمذيّ
والعود .ويس ّ
والنّسائيّ من حديث أبي هريرة رضي ال عنه « طيب الرّجال ما ظهر ريحه وخفي لونه ،
وطيب النّساء ما خفي ريحه وظهر لونه » ولنّها ممنوعة في غير بيتها ممّا ينمّ عليها ،
لحديث « :أيّما امرأة استعطرت ،فمرّت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية » وفي بيتها تتطيّب
بما شاءت ،ممّا يخفى أو يظهر ،لعدم المانع .
التّطيّب لصلة الجمعة :
-يندب التّطيّب لصلة الجمعة بل خلف .لحديث ابن عبّاس رضي ال عنهما قال : 6
تطيّر *
التّعريف :
- 1التّطيّر في اللّغة :التّشاؤم .يقال :تطيّر بالشّيء ،ومن الشّيء :تشاءم به .
طيَرة .جاء في فتح الباري :التّطيّر ،والتّشاؤم شيء واحد .
والسم ال ِ
والمعنى الصطلحيّ ل يختلف عن اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الفأل :
- 2ال َفأْل ضدّ الطّيرة ،يقال :تفاءل الرّجل :إذا تيمّن بسماع كلمة طيّبة .
ن الفأل يستعمل فيما يستحبّ ،والتّطيّر فيما يكره غالبا .
والفرق بينه وبين الطّيرة :أ ّ
ب -الكهانة :
-الكهانة :ادّعاء علم الغيب ،والخبار بما سيحدث في المستقبل مع السناد إلى سبب . 3
تعاطي *
التّعريف :
- 1التّعاطي لغة :مصدر تعاطى ،بمعنى :تناول النسان الشّيء بيده ،من العطو ،وهو
بمعنى التّناول .قال اللّه تعالى { :فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر } وتفسيرها :أنّه تناول آلة
العقر ،وجاء في تفسيرها أيضا :أنّه تناول الفعل بعد أن أعدّ له عدّته ،بأن كمن للنّاقة
فرماها بسهمه ،ثمّ ضربها بسيفه حتّى قتلها .
وا صطلحا :التّعا طي في الب يع ،ويقال ف يه أيضا المعاطاة :أن يأ خذ المشتري ال مبيع ويد فع
للبائع الثّ من ،أو يد فع البائع ال مبيع فيد فع له ال خر الثّ من ،من غ ير تكلّم ول إشارة .ويكون
التّعاطي في البيع وغيره من المعاوضات .
اللفاظ ذات الصّلة :
العقد :
- 2العقد :عقود البيع منها ما يتمّ باللّفظ ( وهو الصّيغة ) وهو اليجاب والقبول ،ومنها ما
يتمّ بالفعل ،وهو التّعاطي .
الحكم الجماليّ :
البيع بالتّعاطي :
- 3اختلف الفقهاء في انعقاد البيع بالتّعاطي .فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،وفي قول
للشّافعيّة إلى :جواز البيع بالتّعاطي .والمذهب عند الشّافعيّة اشتراط الصّيغة لصحّة البيع وما
في معناه .وللشّافعيّة قول ثالث بجواز المعاطاة في المحقّرات .
ولبيع المعاطاة صورتان :الولى :أن يتمّ التّعاطي من غير تكلّم ول إشارة من أحد
الطّرفين ،وهو جائز عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،ورجّح النّوويّ الجواز بخلف المذهب
.الصّورة الثّانية :أن يت ّم التّعاطي بتكلّم أحد الطّرفين ويتمّ التّسليم ،وهو تعاط عند المالكيّة
والحنابلة .ولم يعدّه الحنفيّة تعاطيا .
ن اللّه أحلّ البيع ،ولم يبيّن
- 4وقال ابن قدامة في الستدلل لمشروعيّة بيع التّعاطي :إ ّ
كيفيّته ،فوجب الرّجوع فيه إلى العرف ،كما رجع إليه في القبض والحراز والتّفرّق .
ن البيع كان موجودا بينهم معلوما عندهم ،
والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك .ول ّ
وإنّما علّق الشّرع عليه أحكاما ،وأبقاه على ما كان ،فل يجوز تغييره بالرّأي والتّحكّم ،ولم
ينقل عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ول عن أصحابه -مع كثرة وقوع البيع بينهم -استعمال
اليجاب والقبول ،ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلً شائعا .
ولو كان ذلك شرطا لوجب نقله ،ولم يتصوّر منهم إهماله والغفلة عن نقله ،ولنّ البيع ممّا
تعمّ به البلوى فلو اشترط له اليجاب والقبول َل َبيّنه صلى ال عليه وسلم بيانا عامّا ،ولم يخف
حكمه ،لنّه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيرا وأكلهم المال بالباطل ،ولم ينقل ذلك عن
النّبيّ صلى ال عليه وسلم ول عن أحد من أصحابه فيما علمناه .
ن النّاس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كلّ عصر .
ول ّ
ولم ينقل إنكاره قبل مخالفينا ،فكان ذلك إجماعا .وكذلك الحكم في اليجاب والقبول في الهبة
والهديّة والصّدقة ،ولم ينقل عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ول عن أحد من أصحابه استعمال
ذلك فيه ،وقد أهدي إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم من الحبشة وغيرها ،وكان النّاس
يتحرّون بهداياهم يوم عائشة رضي ال عنها .وروى البخاريّ عن أبي هريرة رضي ال عنه
قال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه :أهديّة أم صدقة ؟ فإن
قيل :صدقة .قال لصحابه :كلوا ،ولم يأكل .وإن قيل :هديّة ضرب بيده وأكل معهم »
وفي حديث سلمان رضي ال عنه « حين جاء إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم بتمر فقال :هذا
شيء من الصّدقة ،رأيتك أنت وأصحابك أحقّ النّاس به .فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم
لصحابه :كلوا ولم يأكل ثمّ أتاه ثانية بتمر فقال :رأيتك ل تأكل الصّدقة وهذا شيء أهديته
لك ،فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم :بسم اللّه ،وأكل » ولم ينقل قبول ول أمر بإيجاب ،
وإنّما سأل ليعلم :هل هو صدقة أو هديّة ؟ وفي أكثر الخبار لم ينقل إيجاب ول قبول ،وليس
إلّا المعاطاة ،والتّفرّق عن تراض يدلّ على صحّته ،ولو كان اليجاب والقبول شرطا في هذه
العقود لشقّ ذلك ،ولكانت أكثر عقود المسلمين فاسدة ،وأكثر أموالهم محرّمة ،ولنّ
اليجاب والقبول إنّما يرادان للدّللة على التّراضي ،فإذا وجد ما يدلّ عليه من المساومة
والتّعاطي قام مقامهما وأجزأ عنهما ،لعدم التّعبّد فيه .
القالة بالتّعاطي :
- 5جوّز الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إقالة البيع بالتّعاطي ،وقالوا :القالة تنعقد بالتّعاطي
أيضا من أحد الجانبين على الصّحيح .
الجارة بالتّعاطي :
- 6جوّزها الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،وقالوا :إنّما هي كالبيع ،وقد اقتصرت على المنافع
دون العين .
قال ابن قدامة :إذا دفع ثوبه إلى خيّاط أو قصّار ليخيطه أو يقصّره من غير عقد ول شرط
ول تعريض بأجر ،مثل أن يقول :خذ هذا فاعمله ،وكان الخيّاط والقصّار منتصبين لذلك ،
ففعل ذلك فلهما الجر ،لنّ العرف جار بذلك .وقال أصحاب الشّافعيّ :ل أجر لهما ،
لنّهما فعل ذلك من غير عوض جعل لهما ،فأشبه ما لو تبرّعا بعمله .
وقال ابن عابدين :وفي التتارخانية أنّ أبا يوسف سئل عن الرّجل يدخل السّفينة أو يحتجم أو
يفتصد أو يدخل الحمّام أو يشرب من ماء السّقاء ،ثمّ يدفع الجرة وثمن الماء ؟ فقال :يجوز
استحسانا ،ول يحتاج إلى العقد قبل ذلك .
مواطن البحث :
- 7يفصّل الفقهاء أحكام التّعاطي بالنّسبة لكلّ مسألة في موضعها ،ومن تلك المواطن :
البيوع ،والقالة ،والجارة .
تعاويذ *
انظر :تعويذة .
تعبّديّ *
التّعريف :
- 1التّعبّديّ لغة :المنسوب إلى التّعبّد .
والتّعبّد مصدر تعبّد ،يقال :تعبّد الرّجلُ الرّجل :إذا اتّخذه عبدا ،أو صيّره كالعبد .
وتعبّد اللّه العبدَ بالطّاعة :استعبده ،أي طلب منه العبادة .ومعنى العبادة في اللّغة :الطّاعة
والخضوع .ومنه طريق معبّد :إذا كان مذلّلً بكثرة المشي فيه .ويرد التّعبّد في اللّغة أيضا
بمعنى :التّذلّل ،يقال :تعبّد فلن لفلن :إذا خضع له وذلّ .وبمعنى التّنسّك ،يقال :تعبّد
فلن للّه تعالى :إذا أكثر من عبادته ،وظهر فيه الخشوع والخبات .والتّعبّد من اللّه للعباد :
تكليفهم أمور العبادة وغيرها .ويكثر الفقهاء والصوليّون من استعماله بهذا المعنى ،كقولهم
:نحن متعبّدون بالعمل بخبر الواحد وبالقياس ،أي مكلّفون بذلك .ويقولون :كان النّبيّ صلى
ال عليه وسلم متعبّدا بشرع من قبله ،أي مكلّفا بالعمل به .
- 2والتّعبّديّات -في اصطلح الفقهاء والصوليّين -تطلق على أمرين :
الوّل :أعمال العبادة والتّنسّك .ويرجع لمعرفة أحكامها بهذا المعنى إلى مصطلح ( عبادة ).
الثّاني :الحكام الشّرعيّة الّتي ل يظهر للعباد في تشريعها حكمة غير مجرّد التّعبّد ،أي
التّكليف بها ،لختبار عبوديّة العبد ،فإن أطاع أثيب ،وإن عصى عوقب .
والمراد بالحكمة هنا :مصلحة العبد من المحافظة على نفسه أو عرضه أو دينه أو ماله أو
عقله .أمّا مصلحته الخرويّة -من دخول جنّة اللّه تعالى والخلص من عذابه -فهي
ملزمة لتلبية كلّ أمر أو نهي ،تعبّديّا كان أو غيره .
- 3هذا هو المشهور في تعريف التّعبّديّات .وقد لحظ الشّاطبيّ في موافقاته أنّ حكمة الحكم
قد تكون معلومة على وجه الجمال ،ول يخرجه ذلك عن كونه تعبّديّا من بعض الوجوه ،ما
لم يعقل معناه على وجه الخصوص .قال :ومن ذلك :طلب الصّداق في النّكاح ،والذّبح في
المحلّ المخصوص في الحيوان المأكول ،والفروض المقدّرة في المواريث ،وعدد الشهر في
عدّة الطّلق والوفاة ،وما أشبه ذلك من المور الّتي ل مجال للعقول في فهم مصالحها
الجزئيّة ،حتّى يقاس عليها غيرها .فإنّا نعلم أنّ الشّروط المعتبرة في النّكاح ،من الوليّ
والصّداق وشبه ذلك ،هي لتمييز النّكاح عن السّفاح ،وأنّ فروض المواريث ترتّبت على
ترتيب القربى من الميّت ،وأنّ العدد والستبراءات ،المراد بها استبراء الرّحم خوفا من
اختلط المياه ،ولكنّها أمور جمليّة ،كما أنّ الخضوع والجلل علّة شرع العبادات .وهذا
المقدار ل يقضي بصحّة القياس على الصل فيها ،بحيث يقال :إذا حصل الفرق بين النّكاح
والسّفاح بأمور أخر مثل ،لم تشترط تلك الشّروط .
ومتى علم براءة الرّحم لم تشرع العدّة بالقراء ول بالشهر ،ول ما أشبه ذلك .
شرِعت لنا لحكمة يعلمها اللّه تعالى وخفيت علينا
- 4هذا وقد اختلفت الفقهاء في أنّ التّعبّديّات ُ
شرِعت ل لحكمة أصلً غي َر مجرّد تعبّد اللّه للعباد واستدعائه المتثال منهم ،اختبارا
،أو إنّها ُ
لطاعة العبد لمجرّد المر والنّهي من غير أن يعرف وجه المصلحة فيما يعمل ،بمنزلة سيّد
أراد أن يختبر عبيده أيّهم أطوع له ،فأمرهم بالتّسابق إلى لمس حجر ،أو اللتفات يمينا أو
يسارا ممّا ل مصلحة فيه غير مجرّد الطّاعة .
- 5قال ابن عابدين نقلً عن الحلية :أكثر العلماء على القول الوّل ،وهو المتّجه ،بدللة
استقراء تكاليف اللّه تعالى على كونها جالبة للمصالح دارئة للمفاسد .
ل الحكام الشّرعيّة معلّلة
وكذلك الشّاطبيّ في موافقاته اعتمد الستقراء دليلً على أنّ ك ّ
ن أحكامه معلّلة برعاية
بمصالح العباد في الدّنيا والخرة ،وقال :إنّ المعتزلة متّفقون على أ ّ
ي إلى إثبات
مصالح العباد ،وهو اختيار أكثر الفقهاء المتأخّرين .قال :ولمّا اضطرّ الرّاز ّ
ن العلل بمعنى العلمات المعرّفة للحكام .وذكر
العلل للحكام الشّرعيّة أثبت ذلك على أ ّ
جعَلَ
الشّاطبيّ من الدلّة الّتي استقرأها قوله تعالى في شأن الوضوء والغسل { مَا ُيرِي ُد اللّ ُه ِل َي ْ
شكُرُون } .
طهّرَكمْ وَِل ُي ِتمّ ِن ْع َمتَهُ عَلَي ُكمْ َلعَّل ُكمْ َت ْ
حرَجٍ وَلَكنْ ُيرِيدُ ِل ُي َ
ن َ
عَلَي ُكمْ مِ ْ
ن مِنْ َقبِْل ُكمْ َلعَّل ُكمْ َتتّقُونَ } .
صيَامُ َكمَا ُكتِبَ على اّلذِي َ
وفي الصّيام { ُكتِبَ عَلَيكُمْ ال ّ
حيَا ٌة يَا أُوِليْ الَ ْلبَابِ َلعَّل ُكمْ َتتّقُونَ } وآيات نحو هذه .
وفي القصاص { وََل ُكمْ فِي ال ِقصَاصِ َ
وممّن ذهب إلى مثل ذلك ابن القيّم ،حيث قال :قالت طائفة :إنّ عدّة الوفاة تعبّد محض ،
وهذا باطل ،فإنّه ليس في الشّريعة حكم واحد إلّا وله معنى وحكمة ،يعقله من يعقله ،ويخفى
على من خفي عليه .وقرّر هذا المعنى تقريرا أوسع فقال :شرع اللّه العقوبات ،ورتّبها على
أسبابها ،جنسا وقدرا ،فهو عالم الغيب والشّهادة وأحكم الحاكمين وأعلم العالمين ،ومن أحاط
بكلّ شيء علما ،وعلم ما كان وما يكون ،وأحاط علمه بوجوه المصالح دقيقها وجليلها
وخفيّها وظاهرها ،ما يمكن اطّلع البشر عليه وما ل يمكنهم .وليست هذه التّخصيصات
ن التّخصيصات والتّقديرات
والتّقديرات خارجة عن وجوه الحكم والغايات المحمودة ،كما أ ّ
واقعة في خلقه كذلك ،فهذا في خلقه وذاك في أمره ،ومصدرهما جميعا عن كمال علمه
ل شيء في موضعه الّذي ل يليق به سواه ول يتقاضى إلّا إيّاه ،كما وضع
وحكمته ووضعه ك ّ
شمّ في النف ،وخصّ
قوّة البصر والنّور الباصر في العين ،وقوّة السّمع في الذن ،وقوّة ال ّ
كلّ حيوان وغيره بما يليق به ويحسن أن يعطاه من أعضائه وهيئاته وصفاته وقدره ،فشمل
إتقانه وإحكامه ،وإذا كان سبحانه قد أتقن خلقه غاية التقان ،وأحكمه غاية الحكام ،فلن
يكون أمره في غاية التقان أولى وأحرى ،ول يكون الجهل بحكمة اللّه في خلقه وأمره
وإتقانه كذلك وصدوره عن محض الحكمة والعلم مسوّغا لنكاره في نفس المر .وسار على
ن القول الخر ( التي ) تكذّبه
ي اللّه الدّهلويّ في حجّة اللّه البالغة وقال :إ ّ
هذه الطّريقة ول ّ
سنّة وإجماع القرون المشهود لها بالخير .
ال ّ
- 6أمّا القول الثّاني بوجود أحكام ولو على سبيل النّدرة قصد منها التّعبّد والمتثال .فيدلّ
ع ْن ُهمْ ِإصْرَ ُهمْ وَالغْللَ الّتي
عليه ما ورد في كتاب اللّه تعالى من قوله تعالى { َ . . .و َيضَعُ َ
كَانتْ عَلَيهمْ } أنّه كان قد جعل على من كان قبلنا آصارا وأغللً لتعنّتهم وشقاقهم ،كما ألزم
بني إسرائيل بأن تكون البقرة الّتي أمرهم بذبحها ل فارضا ول بكرا ،وأن تكون صفراء .
وأيضا فإنّ في بعض البتلء واستدعاء الطّاعة والمتثال والتّدريب على ذلك مصلحة كبيرة ،
ل يزال أولياء المور يدرّبون عليها أنصارهم وأتباعهم ،ويبذلون في ذلك الموال الطّائلة ،
ن وليّ أمرهم
ليكونوا عند الحاجة ملبّين للوامر دون تردّد أو حاجة إلى التّفهّم ،اكتفاء وثقة بأ ّ
هو أعلم منهم بما يريد .
بل إنّ مصلحة الطّاعة والمتثال والمسارعة إليهما هي الحكمة الولى المبتغاة من وضع
لنْسَ إل ِل َي ْع ُبدُونَ }
ت الجِنّ وَا ِ
الشّريعة ،بل من الخلق في أساسه ،قال اللّه تعالى { َومَا خَلَقْ ُ
ح ُكمْ ِل َيعَْلمَ اللّ ُه مَنْ
ن الصّيدِ َتنَالُه َأ ْيدِيكُمْ َو ِرمَا ُ
ن آ َمنُوا َل َيبْلُ َو ّن ُكمْ اللّ ُه ِبشَي ٍء مِ َ
وقال { يَا َأ ّيهَا الّذي َ
خبَا َر ُكمْ }
ن ِم ْنكُم وَالصّابِرِينَ َو َنبْلُ َو َأ ْ
حتّى َنعَْلمَ ال ُمجَاهِدِي َ
َيخَافُه بِال َغيْبِ } .وقال { :وََل َنبْلُ َو ّن ُكمْ َ
ب على عَ ِقبَيهِ }
ن َينْقَل ُ
ن َي ّتبِعُ ال ّرسُولَ ِممّ ْ
جعَ ْلنَا ال ِقبْلَ َة الّتي ُكنْتَ عليها إل ِل َنعَْلمَ مَ ْ
وقال { َومَا َ
ولكن من فضل اللّه علينا في شريعة السلم أنّه جعل غالب أحكامها تراعي مصلحة العباد
بالضافة إلى مصلحة البتلء ،ولكن ل يمنع ذلك من وجود أحكام ل تراعي ذلك ،بل قصد
بها البتلء خاصّة ،وذلك على سبيل النّدرة .
وفي هذا يقول الغزاليّ :عرف من دأب الشّرع اتّباع المعاني المناسبة دون التّحكّمات
الجامدة ،وهذا غالب عادة الشّرع .ويقول :حمل تصرّفات الشّارع على التّحكّم أو على
المجهول الّذي ل يعرف ،نوع ضرورة يرجع إليها عند العجز .وقال :ما يتعلّق من الحكام
بمصالح الخلق من المناكحات والمعاملت والجنايات والضّمانات وما عدا العبادات فالتّحكّم
فيها نادر ،وأمّا العبادات والمقدّرات فالتّحكّمات فيها غالبة ،واتّباع المعنى نادر .
وصرّح بذلك الشّيخ عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد السّلم في قواعده فقال :يجوز أن تتجرّد
التّعبّدات عن جلب المصالح ودرء المفاسد ،ثمّ يقع الثّواب عليها بناء على الطّاعة والذعان
من غير جلب مصلحة غير مصلحة الثّواب ول درء مفسدة غير مفسدة العصيان .
- 7فالتّعبّديّ على القول الوّل :استأثر اللّه تعالى بعلم حكمته ،ولم يطلع عليها أحدا من
خلقه ،ولم يجعل سبيل للطّلع عليه مع ثبوت المصلحة فيه في نفس المر ،أخفى ذلك
عنهم ابتلء واختبارا .هل يمتثلون ويطيعون دون أن يعرفوا وجه المصلحة ،أم يعصون
اتّباعا لمصلحة أنفسهم ؟ .
وعلى القول الثّاني :ابتلهم بما ل مصلحة لهم فيه أصل غير مجرّد الثّواب .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العبادة :
- 8أصل العبادة :الطّاعة والخضوع .والعبادات ،أنواع :منها الصّلة والزّكاة والصّوم
ج .وكثير منها معقول المعنى ،بيّنت الشّريعة حكمته ،أو استنبطها الفقهاء .ومن ذلك
والح ّ
حشَاءِ وَال ُم ْن َكرِ } وقوله في
عنْ ال َف ْ
قوله تعالى في شأن الصّلة { وََأ ِقمْ الصّلةَ ِإنّ الصّل َة َت ْنهَى َ
شهَدُوا َمنَافِعَ لَهمْ } وقول الفقهاء في حكمة التّرخيص في الفطار في السّفر أثناء
ج { ِل َي ْ
شأن الح ّ
رمضان :إنّها دفع المشقّة .فليس شيء من ذلك تعبّديّا .
وبعض أحكام العبادات غير معقول المعنى ،فيكون تعبّديّا ،ككون رمي الجمار سبعا سبعا .
وتكون التّعبّديّات أيضا في غير العبادات ،ومن ذلك :استبراء المة الّتي اشتراها بائعها في
مجلس البيع ،وعادت إليه بفسخ أو إقالة قبل غيبة المشتري بها .
ق اللّه :
ب-حّ
- 9قد يقال في كثير من الحكام :إنّه لحقّ اللّه ،كالصّلة والصّوم وسائر العبادات وكحدّ
السّرقة وحدّ الزّنى .
ويقال في كثير منها :إنّه لحقّ النسان ،كحقّ القصاص وحدّ القذف والدّين والضّمانات .وقد
ن المراد من" حقّ اللّه تعالى" أنّه ل
ل ما كان منها لحقّ اللّه تعالى أنّه تعبّديّ ،إل أ ّ
يظنّ أنّ ك ّ
خيرة فيه للعباد ،ول يجوز لحد إسقاطه ،بل ل بدّ للعباد من تنفيذه إذا وجد سببه ،وتمّت
ل ما كان لحقّ اللّه تعالى تعبّديّا ،بل يكون تعبّديّا إذا خفي
شروط وجوبه أو تحريمه .وليس ك ّ
وجه الحكمة فيه .ويكون غير تعبّديّ ،وذلك إذا ظهرت حكمته .
قال الشّاطنبيّ :الحكنم المسنتخرجة لمنا ل يعقنل معناه على وجنه الخصنوص فني التّعبّدات ،
كاختصناص الوضوء بالعضاء المخصنوصة ،والصنّلة بتلك الهيئة منن رفنع اليدينن والقيام
والرّكوع والسّجود ،وكونها على بعض الهيئات دون بعض ،واختصاص الصّيام بالنّهار دون
اللّيل ،وتعيين أوقات ال صّلوات في تلك الحيان المعيّنة دون سواها من أحيان النّهار واللّيل ،
ج بتلك العمال المعروفة ،في الماكن المعلومة ،وإلى مسجد مخصوص ،
واختصاص الح ّ
إلى أشباه ذلك ممّا ل تهتدي العقول إل يه بو جه ،ول تحوم حوله ،يأ تي ب عض النّاس فيطرق
إل يه بزع مه حكما ،يز عم أنّ ها مق صود الشّارع من تلك الوضاع ،وجميع ها مبن يّ على ظ نّ
وتخمين غير مطّرد في بابه ،ول مبن يّ عليه عمل ،بل كالتّعليل بعد ال سّماع للمور الشّواذّ ،
لجنايته على الشّريعة في دعوى ما ليس لنا به علم ،ول دليل لنا عليه .
ج -المعلّل بالعلّة القاصرة :
-ولمّا كان حكم التّعبّديّات أنّه ل يقاس عليها ،فقد يشتبه بها المعلّل بالعلّة القاصرة ،لنّه 10
ل يقاس عل يه .والفرق بينهمنا :أ نّ التّعبّديّن ل يس له علّة ظاهرة ،فيمت نع القياس عل يه ل نّ
القياس فرع معرفة العلّة ،أمّا المعلّل بالعلّة القاصرة فعلّته معلومة لكنّها ل تتعدّى محلّها ،إذ
لم يعلم وجودها في شيء آخر غير الصل .
مثاله « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم جعل شهادة خزيمة بن ثابت بشهادة رجلين » .وهذا
حكم خاصّ به ،وعلّته والمعنى فيه أنّه أوّل من تنبّه وبادر إلى تصديق النّبيّ صلى ال عليه
وسلم في تلك الحادثة بعينها والشّهادة له ،بموجب التّصديق العامّ له صلى ال عليه وسلم .
والوّليّة معنى ل يتكرّر ،فاختصّ به ،فليس ذلك تعبّديّا ،لكون علّته معلومة .
د -المعدول به عن سنن القياس :
- 11ما خالف القياس قد يكون غير معقول المعنى كتخصيص النّبيّ صلى ال عليه وسلم
بنكاح تسع نسوة « وإجزاء العناق في التّضحية في حقّ أبي بردة هانئ بن دينار » ،وكتقدير
عدد الرّكعات .
وقد يكون معقول المعنى كاستثناء بيع العرايا من النّهي عن بيع التّمر بالتّمر خرصا .
هن -المنصوص على علّته :
ن المصالح في
ن بعض ما عرفت علّته قد يكون تعبّديّا .فقال :إ ّ
- 12أورد الشّاطبيّ أ ّ
التّكليف ظهر لنا من الشّارع أنّها على ضربين :
أحدهما :ما يمكن الوصول إلى معرفته بمسالكه المعروفة كالجماع والنّصّ والسّبر والشارة
ن الحكام شرعت لجله .
والمناسبة ،وهذا هو القسم الظّاهر الّذي نعلّل به ،وتقول :إ ّ
والثّاني :ما ل يمكن الوصول إليه بتلك المسالك المعهودة ،ول يطّلع عليه إلّا بالوحي
كالحكام الّتي أخبر الشّارع فيها أنّها أسباب للخصب والسّعة وقيام أبّهة السلم -كقوله تعالى
سمَاءَ عَليكمْ ِم ْدرَارَا
س َتغْ ِفرُوا َر ّب ُكمْ ِإنّه كانَ غَفّارَا ُي ْرسِلِ ال ّ
في سياق قصّة نوح { :فَقُلتُ ا ْ
جعَلْ َل ُكمْ َأ ْنهَارَا } .
جنّاتٍ َو َي ْ
جعَلْ لَكمْ َ
َو ُي ْم ِد ْدكُمْ ِبَأمْوَالٍ َو َبنِينَ َو َي ْ
فل يعلم وجه كون الستغفار سببا للمطر وللخصب إل بالوحي .
ولذلك ل يقاس عليه ،فل يعلم كون الستغفار سببا في حصول العلم وقوّة البدان مثلً ،فل
يكون إلى اعتبار هذه العلّة في القياس سبيل ،فبقيت موقوفة على التّعبّد المحض .ولذا يكون
أخذ الحكم المعلّل بها متعبّدا به ،ومعنى التّعبّد هنا :الوقوف عند ما ح ّد الشّارع فيه .
حكمة تشريع التّعبّديّات :
- 13حكمة تشريع التّعبّديّات استدعاء المتثال ،واختبار مدى الطّاعة والعبوديّة .وقد عبّر
عن ذلك الغزاليّ في الحياء بقوله -في بيان أسرار رمي الجمار -وظّف اللّه تعالى على
العباد أعمال ل تأنس بها النّفوس ،ول تهتدي إلى معانيها العقول ،كرمي الجمار بالحجار ،
والتّردّد بين الصّفا والمروة على سبيل التّكرار .
ن الزّكاة إرفاق ،ووجهه مفهوم ،وللعقل
وبمثل هذه العمال يظهر كمال ال ّرقّ والعبوديّة ،فإ ّ
إليه ميل ،والصّوم كسر للشّهوة الّتي هي آلة عدوّ اللّه ،وتفرّغ للعبادة ،بالكفّ عن الشّواغل
ل بأفعال هي هيئة التّواضع ،وللنّفوس
.والرّكوع والسّجود في الصّلة تواضع للّه عزّ وج ّ
السّعي بتعظيم اللّه عزّ وجلّ .فأمّا تردّدات السّعي ورمي الجمار وأمثال هذه العمال ،فل
حظّ للنّفوس فيها ول أنس للطّبع بها ،ول اهتداء للعقول إلى معانيها ،فل يكون في القدام
عليها باعث إلّا المر المجرّد ،وقصد المتثال للمر من حيث إنّه أمر واجب التّباع فقط ،
ل ما أدرك العقل
ل أنسه .فإنّ ك ّ
وفيه عزل للعقل عن تصرّفه وصرف النّفس والطّبع عن مح ّ
معناه مال الطّبع إليه ميل ما ،فيكون ذلك الميل معيّنا للمر وباعثا معه على الفعل ،فل يكاد
يظهر به كمال ال ّرقّ والنقياد .ولذلك قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم في الحجّ على وجه
الخصوص « :لبّيك بحجّة حقّا ،تعبّدا و ِرقّا » ولم يقل ذلك في صلة ول غيرها .وإذا
اقتضت حكمة اللّه تعالى ربط نجاة الخلق بأن تكون أعمالهم على خلف هوى طباعهم ،وأن
يكون زمامها بيد الشّرع ،فيتردّدون في أعمالهم على سنن النقياد وعلى مقتضى الستعباد ،
كان ما ل يهتدى إلى معانيه أبلغ أنواع التّعبّدات في تزكية النّفوس ،وصرفها عن مقتضى
الطّباع والخلق إلى مقتضى السترقاق .
طرق معرفة التّعبّديّ :
- 14لم يعرف في تمييز التّعبّديّات عن غيرها من الحكام المعلّلة وجه معيّن ،غير العجز
عن التّعليل بطريق من الطّرق المعتبرة ،على ما هو معلوم في مباحث القياس من علم
الصول .ولذلك يقول ابن عابدين :ما شرعه اللّه إن ظهرت لنا حكمته ،قلنا :إنّه معقول
ن المصير إلى
ي المتقدّم آنفا ،من أ ّ
المعنى ،وإلّا قلنا :إنّه تعبّديّ .وإلى هذا يشير كلم الغزال ّ
التّعبّد نوع ضرورة يرجع إليها عند العجز .
ومن هنا اختلفت أقوال الفقهاء في اعتبار بعض الحكام تعبّديّا أو معقول المعنى ،فما يراه
بعض الفقهاء تعبّديّا قد يراه البعض الخر معلّل بمصالح غلب على ظنّه رعايتها .
فمن ذلك أنّ صاحب ال ّدرّ المختار قال :إنّ تكرار السّجود أمر تعبّديّ ،أي لم يعقل معناه ،
تحقيقا للبتلء .وقال ابن عابدين :وقيل :إنّه ثنّي ترغيما للشّيطان ،حيث أمر بالسّجود مرّة
فلم يسجد ،فنحن نسجد مرّتين .وكون طلق الحائض بدعيّا ،قيل :هو تعبّديّ .
ح أنّه معلّل بتطويل العدّة ،لنّ أوّلها من الطّهر بعد الحيض .
قال الدّردير :والص ّ
والسّعي بين الصّفا والمروة ورمي الجمار يمثّل بها الفقهاء لغير المعقول المعنى ،كما تقدّم
عن الغزاليّ .غير أنّ بعض العلماء يعلّلونه وأمثاله ممّا وضع من المناسك على هيئة أعمال
بعض الصّالحين ،كالسّعي الّذي جعل على هيئة سعي أمّ إسماعيل عليه السلم بينهما .يقول
تقيّ الدّين بن دقيق العيد :في ذلك من الحكمة تذكّر الوقائع الماضية للسّلف الكرام ،وفي
ي تذكّرها مصالح دينيّة ،إذ يتبيّن في أثناء كثير منها ما كانوا عليه من امتثال أمر اللّه ،
طّ
والمبادرة إليه ،وبذل النفس في ذلك .وبذلك يظهر لنا أنّ كثيرا من العمال الّتي وقعت في
الحجّ ،ويقال بأنّها " تعبّد " ليست كما قيل .أل ترى أنّا إذا فعلناها وتذكّرنا أسبابها حصل لنا
من ذلك تعظيم الوّلين ،وما كانوا عليه من احتمال المشاقّ في امتثال أمر اللّه ،فكان هذا
التّذكّر باعثا لنا على مثل ذلك ،ومقرّرا في أنفسنا تعظيم الوّلين ،وذلك معنى معقول .ثمّ
ذكر أنّ السّعي بين الصّفا والمروة اقتداء بفعل هاجر ،وأنّ رمي الجمار اقتداء بفعل إبراهيم
عليه السلم ،إذ رمى إبليس بالجمار في هذا الموضع .
وابن القيّم في إعلم الموقّعين ،سيرا على خطى شيخه شيخ السلم ابن تيميّة رحمهما ال ،
ل ما قيل فيه :إنّه مخالف للقياس ،
رأى كما تقدّم أنّه ليس في الشّريعة تعبّد محض ،وردّ ك ّ
ن الشّريعة فرّقت بين
كفرض الصّاع في لبن المصرّاة المردودة على بائعها ،وما قيل من أ ّ
المتساويات ،كأمرها بالغسل من بول الجارية وبالنّضح من بول الصّبيّ ،وسوّت بين
ل ما قيل فيه ذلك ،وبيّن
المفترقات ،كتسويتها بين الخطأ والعمد في وجوب الضّمان .فعلّل ك ّ
وجه الحكمة فيه ،وأنّ علّته معقولة ،ويوافق القياس ول يخالفه ،وأطال في ذلك .
ما تكون فيه التّعبّديّات ،وأمثلة منها :
ن التّعبّديّات أكثر ما تكون في أصول العبادات ،كاشتراع أصل
- 15يذكر بعض الصوليّين أ ّ
الصّلة أو الصّوم أو العتكاف .وفي نصب أسبابها ،كزوال الشّمس لصلة الظّهر ،
وغروبها لصلة المغرب .وفي الحدود والكفّارات .وفي التّقديرات العدديّة بوجه عامّ ،
كتقدير أعداد الرّكعات ،وتقدير عدد الجلدات في الحدود ،وتقدير أعداد الشّهود .
وذكر الشّاطبيّ من أمثلة وقوعها في العادات :طلب الصّداق في النّكاح ،وتخصيص الذّبح
بمحلّ مخصوص ،والفروض المقدّرة في المواريث ،وعدد الشهر في عدّة الطّلق وعدّة
الوفاة .ومن أمثلتها عند الحنابلة حديث « :نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن يتوضّأ الرّجل
بفضل طهور المرأة » .
قال صاحب المغني :منع الرّجل من استعمال فضلة طهور المرأة تعبّديّ غير معقول
المعنى ،نصّ عليه أحمد ،ولذلك يباح لمرأة سواها التّطهّر به في طهارة الحدث وغسل
ص بالرّجل ،ولم يعقل معناه ،فيجب قصره على محلّ
النّجاسة وغيرها ،لنّ النّهي اخت ّ
النّهي .وهل يجوز للرّجل غسل النّجاسة به ؟ فيه وجهان :أحدهما :ل يجوز وهو قول
القاضي .والثّاني :يجوز وهو الصّحيح ،لنّه ماء يطهّر المرأة من الحدث والنّجاسة ،فيزيل
النّجاسة إذا فعله الرّجل كسائر المياه .
والحديث ل تعقل علّته ،فيقتصر على ما ورد به لفظه -أي التّطهّر من الحدث ل غير .
الصل في الحكام من حيث التّعليل أو التّعبّد :
- 16اختلف الصوليّون هل الصل في الحكام التّعليل أو عدمه ؟ فذهب البعض إلى الوّل ،
ص موجب بصيغته ل بالعلّة .ونسب إلى الشّافعيّ
فل تعلّل الحكام إلّا بدليل .قالوا :لنّ النّ ّ
ن الصل التّعليل بوصف ،لكن ل بدّ من دليل يميّزه من غيره .قال في
رضي ال عنه :أ ّ
ن الصل في الحكام التّعبّد دون التّعليل .قال :
التّلويح :والمشهور بين أصحاب الشّافعيّ :أ ّ
ن الصل في النّصوص التّعليل ،وأنّه ل بدّ – أي لصحّة القياس – من دليل يميّز
والمختار :أ ّ
ل على أنّ هذا
الوصف الّذي هو علّة ،ومع ذلك ل بدّ قبل التّعليل والتّمييز من دليل يد ّ
الوصف الّذي يريد استخراج علّته معلّل في الجملة .
وذهب الشّاطبيّ إلى أنّ المر في ذلك يختلف بين العبادات والمعاملت ،قال :الصل في
العبادات بالنّسبة للمكلّف التّعبّد ،دون اللتفات إلى المعاني ،والصل في العادات اللتفات إلى
المعاني .
ن الصل في العبادات التّعبّد ،فيدلّ له أمور منها :
- 17فأمّا أ ّ
الستقراء .فالصّلوات خصّت بأفعال مخصوصة على هيئات مخصوصة إن خرجت عنها لم
تكن عبادات ،ووجدنا الذّكر في هيئة ما مطلوبا ،وفي هيئة أخرى غير مطلوب ،وأنّ
ن التّيمّم -وليست
طهارة الحدث مخصوصة بالماء الطّهور ،وإن أمكنت النّظافة بغيره ،وأ ّ
سيّة -يقوم مقام الطّهارة بالماء المطهّر .
فيه نظافة ح ّ
وهكذا سائر العبادات كالصّوم والحجّ وغيرهما ،وإنّما فهمنا من حكمة التّعبّد العامّة النقياد
ص ،فعلمنا أنّ
لوامر اللّه تعالى ،وهذا المقدار ل يعطي علّة خاصّة يفهم منها حكم خا ّ
المقصود الشّرعيّ الوّل التّعبّد للّه بذلك المحدود ،وأنّ غيره غير مقصود شرعا .
ومنها :أنّه لو كان المقصود التّوسعة في التّعبّد بما حدّ وما لم يحدّ ،لنصب الشّارع عليه دليل
ن المقصود الوقوف عند ذلك
واضحا ،ولمّا لم نجد ذلك كذلك -بل على خلفه -دلّ على أ ّ
المحدود ،إل أن يتبيّن بنصّ أو إجماع معنى مراد في بعض الصّور ،فل لوم على من اتّبعه
.لكنّ ذلك قليل ،فليس بأصل ،وإنّما الصل ما ع ّم في الباب وغلب على الموضع - 18 .
ن الصل في العادات اللتفات إلى المعاني فلمور :
ثمّ قال الشّاطبيّ :وأمّا إ ّ
الوّل :الستقراء ،فنرى الشّيء الواحد يمنع في حال ل تكون فيه مصلحة ،فإذا كان فيه
مصلحة جاز كالدّرهم بالدّرهم إلى أجل :تمتنع في المبايعة ،ويجوز في القرض .وكبيع
الرّطب من جنس بيابسه .يمتنع حيث يكون مجرّد غرر وربا من غير مصلحة ،ويجوز إذا
كان فيه مصلحة راجحة " كما في تمر العرايا أبيح بيعه بالتّمر توسعة على النّاس " ،ولتعليل
حيَاةٌ } وفي آية
النّصوص أحكام العادات بالمصلحة كما في قوله تعالى { :وََل ُكمْ في ال ِقصَاصِ َ
سرِ
خ ْمرِ وال َم ْي ِ
ن يُوقِعَ َب ْي َن ُكمْ ال َعدَاوَةَ وال َب ْغضَاءَ في ال َ
شيْطَانُ أ ْ
تحريم الخمر { ِإ ّنمَا ُيرِيدُ ال ّ
ن الصّل ِة فَهلْ َأ ْن ُتمْ ُم ْن َتهُونَ } وفي حديث « :ل يقضي القاضي بين
ن ِذكْ ِر اللّهِ وِع ِ
ص ّدكُمْ ع ْ
و َي ُ
اثنين وهو غضبان » ونحو ذلك .
ن أكثر ما علّل اللّه تعالى في العادات بالمناسب الّذي إذا عرض على العقول تلقّته
والثّاني :أ ّ
بالقبول ،ففهمنا من ذلك أنّ قصد الشّارع فيها اتّباع المعاني ،ل الوقوف مع النّصوص .
ن المعلوم فيها خلف ذلك ،ولهذا توسّع مالك حتّى قال بقاعدة المصالح
بخلف العبادات ،فإ ّ
المرسلة ،والستحسان .
ن اللتفات إلى المعاني في أمور العادات كان معلوما في الفترات ،واعتمد عليه
والثّالث :أ ّ
العقلء ،حتّى جرت بذلك مصالحهم ،سواء أهل الحكمة الفلسفيّة وغيرهم .إل أنّهم قصّروا
في جملة من التّفاصيل ،فجاءت الشّريعة لتتمّم مكارم الخلق .ومن هنا أقرّت الشّريعة
جملة من الحكام الّتي كانت في الجاهليّة ،كالدّية ،والقسامة ،والقراض ،وكسوة الكعبة ،
وأشباه ذلك ممّا كان من محاسن العوائد ومكارم الخلق الّتي تقبلها العقول .
المفاضلة بين التّعبّديّ ومعقول المعنى :
- 19نقل ابن عابدين عن صاحب الفتاوى التمرتاشية أنّه قال :لم أقف على شيء من ذلك
لعلمائنا في هذا ،سوى قولهم :الصل في النّصوص التّعليل ،فإنّه يشير إلى أفضليّة المعقول
معناه .قال :ووقفت على ذلك في فتاوى ابن حجر ،قال :قضيّة كلم ابن عبد السّلم أنّ
التّعبّديّ أفضل ،لنّه بمحض النقياد ،بخلف ما ظهرت علّته ،فإنّ ملبسه قد يفعل
لتحصيل فائدته ،وخالفه البلقينيّ فقال :ل شكّ أنّ معقول المعنى من حيث الجملة أفضل ،
ن أكثر الشّريعة كذلك .
لّ
وظاهر كلم الشّاطبيّ الخذ بقول من يقول :إنّ التّعبّديّ أفضل ،وذلك حيث قال :إنّ
التّكاليف إذا علم قصد المصلحة فيها فللمكلّف في الدّخول تحتها ثلثة أحوال :
الوّل :أن يقصد بها ما فهم من مقصد الشّارع في شرعها .وهذا ل إشكال فيه ،ولكن ل
ينبغي أن يخلّيه من قصد التّعبّد ،فكم ممّن فهم المصلحة فلم يلو على غيرها ،فغاب عن أمر
المر بها .وهي غفلة تفوّت خيرات كثيرة ،بخلف ما إذا لم يهمل التّعبّد .
ن المصالح ل يقوم دليل على انحصارها فيما علم إل نادرا ،فإذا لم يثبت الحصر كان
ثمّ إ ّ
قصد تلك الحكمة المعيّنة ربّما أسقط ما هو مقصود أيضا من شرع الحكم .
الثّاني :أن يقصد بها ما عسى أن يقصده الشّارع ،ممّا اطّلع عليه أو لم يطّلع عليه .
وهذا أكمل من القصد الوّل ،إل أنّه ربّما فاته النّظر إلى التّعبّد .
الثّالث :أن يقصد مجرّد امتثال المر ،فهم قصد المصلحة أو لم يفهم .قال :فهذا أكمل
وأسلم .أمّا كونه أكمل فلنّه نصب نفسه عبدا مؤتمرا ومملوكا ملبّيا ،إذ لم يعتبر إلّا مجرّد
المر .وقد وكّل العلم بالمصلحة إلى العالم بها جملة وتفصيل وهو اللّه تعالى .
ن العامل بالمتثال عامل بمقتضى العبوديّة ،فإن عرض له قصد غير
وأمّا كونه أسلم ،فل ّ
اللّه ردّه قصد التّعبّد .فهذا الّذي قاله يتجلّى في التّعبّديّات أكثر ممّا يظهر فيما كان معقول
ن التّعبّديّ أفضل ،كما هو واضح فيما
المعنى من الحكام .ومذهب الغزاليّ في ذلك أيضا أ ّ
ن ما ل يهتدى لمعانيه أبلغ أنواع التّعبّدات في تزكية النّفوس .وفي
تقدّم النّقل عنه من قوله :إ ّ
حاشية ابن عابدين :أنّ هذين القولين في الفضليّة هما على سبيل الجمال ،أمّا بالنّظر إلى
ي أفضل كالوضوء وغسل الجنابة ،فإنّ الوضوء أفضل .وقد
الجزيئات ،فقد يكون التّعبّد ّ
ن الطّواف أفضل .
يكون المعقول أفضل كالطّواف والرّمي ،فإ ّ
خصائص التّعبّديّات :
- 20من أحكام التّعبّديّات :
أ -أنّه ل يقاس عليها ،لنّ القياس فرع معرفة العلّة ،والفرض :أنّ التّعبّديّ لم تعرف علّته
،فيمتنع القياس عليه ،ول يتعدّى حكمه موضعه ،سواء أكان مستثنى من قاعدة عامّة ول
يعقل معنى الستثناء ،كتخصيص النّبيّ صلى ال عليه وسلم بنكاح تسع نسوة ،وتخصيص
أبي بردة بالتّضحية بعناق ،أم لم يكن كذلك ،بل كان حكما مبتدأ ،كتقدير أعداد الرّكعات ،
ووجوب شهر رمضان ،ومقادير الحدود والكفّارات وأجناسها ،وجميع التّحكّمات المبتدأة الّتي
ل ينقدح فيها معنى ،فل يقاس عليها غيرها .
- 21وبناء على هذا الصل وقع الخلف بين الفقهاء في فروع فقهيّة ،منها :رجم اللّوطيّ ،
رفضه الحنفيّة ،وأثبته مالك وأحمد في رواية عنه والشّافعيّ في أحد قوليه .
ن الحدود مشتملة على تقديرات ل
قال الحنفيّة :ل يجري القياس في الحدود والكفّارات ،ل ّ
ن العقل ل يدرك الحكمة في
تعرف ،كعدد المائة في حدّ الزّنى ،والثّمانين في القذف ،فإ ّ
اعتبار خصوص هذا العدد ،قالوا :وما كان يعقل منها -أي من أحكام الحدود -فإنّ الشّبهة
في القياس لحتماله الخطأ توجب عدم إثباته بالقياس ،وهذا كقطع يد السّارق لكونها جنت
بالسّرقة فقطعت .
وهكذا اختلف تقديرات الكفّارات ،فإنّه ل يعقل كما ل تعقل أعداد الرّكعات .
وأجاز غير الحنفيّة القياس في الحدود والكفّارات ،لكن فيما يعقل معناه من أحكامها ل فيما ل
يعقل منها ،كما في غير الحدود والكفّارات .
ن التّعبّديّات ما كان منها من العبادات فل بدّ فيه من نيّة كالطّهارة ،
ب -قال الشّاطبيّ :إ ّ
والصّلة ،والصّوم .ومن لم يشترط ال ّنيّة في بعضها فإنّه يبني على كون ذلك البعض معقول
المعنى ،فحكمه كما لو كان من أمور العادات .
أمّا صوم رمضان والنّذر المعيّن ،فلم يشترط الحنفيّة لهما تبييت ال ّنيّة ول التّعيين ،ووجه ذلك
عندهم :أنّه لو نوى غيرهما في وقتهما انصرف إليهما ،بناء على أنّ الكفّ عن المفطرات قد
استحقّه الوقت ،فل ينصرف لغيره ،ول يصرفه عنه قصد سواه .ومن هذا ما قال الحنابلة
في غسل القائم من نوم اللّيل يده قبل إدخالها الناء :إنّه تعبّديّ ،فتعتبر له ال ّنيّة الخاصّة ،ول
يجزئ عن غسلهما نيّة الوضوء أو الغسل ،لنّهما عبادة مفردة .
تعبير *
التّعريف :
- 1التّعبير لغة :التّبيين .يقال :عبّر عمّا في نفسه :أي أعرب وبيّن ويقال لمن أعرب عن
عييّ :عبّر عنه .واللّسان يعبّر عمّا في الضّمير :أي يبيّن .
ي بتعبير الرّؤيا ،وهو :العبور
والسم :العبرة والعِبارة والعَبارة .وخصّه أبو البقاء الكفو ّ
من ظواهرها إلى بواطنها .واستعمال الفقهاء له ل يخرج عن معناه اللّغويّ .
طرق التّعبير :
- 2هناك أكثر من طريق للتّعبير عن الرادة ،فقد يكون بالقول ،وقد يكون بالفعل ،وقد
يكون بالسّكوت أو الضّحك والبكاء .
والفعل :إمّا أن يكون بالمعاطاة ،أو بالكتابة ،أو بالشارة .
أوّلً :التّعبير بالقول :
- 3الصل في التّعبير عن الرادة :أن يكون بالقول ،لنّه من أوضح الدّللت على تلك
الرادة ،ولنّ الرّضا أو عدمه أمر خفيّ قلبيّ ،ل اطّلع لنا عليه ،فنيط الحكم بسبب ظاهر
وهو القول ،لذلك كانت الصّيغة أو اليجاب والقبول ركنا في جميع العقود ،سواء كانت تلك
العقود معاوضات :كالبيع والجارة ،أو تبرّعات :كالهبة والعارة ،أو استيثاقات :كالرّهن
،أو ما تكون تبرّعا ابتداء ومعاوضة انتهاء :كالقرض ،أو غيرها من العقود كالشّركة
والوكالة والنّكاح والطّلق .وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :صيغة ) .
ثانيا :التّعبير بالفعل :
- 4تظهر صورة التّعبير بالفعل واضحة في المعاطاة ،وذلك في بيع المعاطاة أو التّعاطي .
وصورته :أن يدفع المشتري الثّمن ويأخذ المبيع من غير إيجاب ول قبول قوليّين .وهو
موضع خلف بين الفقهاء :
فذهب الجمهور -الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،والمتولّي والبغويّ من الشّافعيّة -إلى صحّته
وانعقاده بتلك الصّورة ،لنّ الفعل يدلّ على الرّضا عرفا .والمقصود من البيع إنّما هو أخذ
ما في يد غيره بعوض يرضاه ،فل يشترط القول ،ويكفي الفعل بالمعاطاة .
ن الفعل ل يدلّ بوضعه على
وذهب أكثر الشّافعيّة :إلى أنّ البيع ل ينعقد بالمعاطاة ،ل ّ
ل صاحبه بما دفع إليه إن بقي ،
التّراضي ،فالمقبوض بها كالمقبوض ببيع فاسد ،فيطالب ك ّ
أو ببدله إن تلف .
ص بعض الفقهاء ( كابن سريج والرّويانيّ من الشّافعيّة ،والكرخيّ من الحنفيّة ) جواز بيع
وخ ّ
المعاطاة بالمحقّرات ،وهي ما جرت العادة فيها بالمعاطاة ،كرطل خبز وحزمة بقل .
وقال الحنابلة بصحّة بيع المعاطاة ،بشرط عدم تأخير القبض للطّالب في نحو :خذ هذا بدرهم
،أو عدم تأخير القباض للطّلب نحو :أعطني بهذا الدّرهم خبزا لنّه إذا اعتبر عدم التّأخير
في اليجاب والقبول اللّفظيّ ،فاعتبار عدم التّأخير في المعاطاة أولى .
قال البهوتيّ :وظاهره أنّ التّأخير في المعاطاة مبطل ،ولو كان بالمجلس ولم يتشاغل بما
يقطعه لضعفها عن الصّيغة القوليّة .واعتبر المالكيّة التّقابض في المعاطاة شرط لزوم ،فمن
شكّ في التّماثل .
أخذ رغيفا من شخص ودفع له ثمنه ،فل يجوز له ردّه وأخذ بدله ،لل ّ
بخلف ما لو أخذ رغيفا ولم يدفع ثمنه ،فيجوز له ردّه وأخذ بدله ،لعدم لزوم البيع .
ت الجرة -والصّرف ،والهبة ،
ص الحنفيّة على أنّ :القالة ،والجارة -إن عُلِم ْ
وقد ن ّ
ن القبول في العاريّة يصحّ
ح وتنعقد بالتّعاطي ،ونصّوا كذلك على أ ّ
والهديّة ،ونحوها .تص ّ
ل إشارة فهم منها اليجاب
بالفعل كالتّعاطي ،وأمّا اليجاب فل يصحّ به .وعند المالكيّة :ك ّ
ن الشّركة تنعقد بالفعل الدّالّ عليها كما لو
والقبول لزم بها البيع وسائر العقود ،ونصّوا على أ ّ
خلطا ماليهما وباعا .وتمسّك الشّافعيّة بأصلهم ،وهو :عدم صحّة العقد بالمعاطاة في سائر
ح عندهم بلفظ من أحدهما مع فعل من الخر ،ول يكفي الفعل
العقود .إل العاريّة ،فإنّها تص ّ
من الطّرفين إل في بعض الصّور ،كمن اشترى شيئا وسلّمه له في ظرف ،فالظّرف معار
ح .واختار النّوويّ صحّة الهبة بالمعاطاة .
في الص ّ
ص الحنابلة على انعقاد الجارة والمضاربة والقالة والعاريّة والوكالة والهبة بالفعل
ون ّ
كالتّعاطي ،وذلك لنّ المقصود المعنى ،فجاز بكلّ ما يدلّ عليه .
ثالثا :التّعبير بالكتابة :
- 5اتّفق الفقهاء على صحّة العقود وانعقادها بالكتابة ،ويعتبر في القبول أن يكون في مجلس
بلوغ الكتاب ،ليقترن باليجاب بقدر المكان .
وجعل الشّافعيّة الكتابة من باب الكناية ،فتنعقد بها العقود مع ال ّنيّة .واستثنوا من ذلك عقد
النّكاح ،فل ينعقد بالكتابة عند جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . -
وأجازه الحنفيّة في الغائب دون الحاضر ،بشرط إعلم الشّهود بما في الكتاب .
واتّفق الفقهاء أيضا على وقوع الطّلق بالكتابة ،لنّ الكتابة حروف يفهم منها الطّلق ،
ن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب ،بدليل أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان
فأشبهت النّطق ،ول ّ
مأمورا بتبليغ الرّسالة ،فبلّغ بالقول مرّة ،وبالكتابة أخرى .
والكتابة الّتي يقع بها الطّلق إنّما هي الكتابة المستبينة ،كالكتابة على الصّحيفة والحائط
والرض ،على وجه يمكن فهمه وقراءته .
وأمّا الكتابة غير المستبينة كالكتابة على الهواء والماء وشيء ل يمكن فهمه وقراءته ،فل يقع
بها الطّلق ،لنّ هذه الكتابة بمنزلة الهمس بلسانه بما ل يسمع .واعتبر الشّافعيّة الكتابة
بالطّلق من باب الكناية ،فتفتقر إلى نيّة من الكاتب ،وقصر الحنفيّة ال ّنيّة على الكتابة
المستبينة غير المرسومة -أي أن ل يكون الكتاب مصوّرا ومعنونا . -
وعند الحنابلة :إن كتب طلقها بالصّريح وقع وإن لم ينوه .وإن كتبه بالكناية فهو كناية .
وعند المالكيّة :إن كتبه عازما على الطّلق بكتابته فيقع بمجرّد فراغه من كتابة :هي طالق.
ومثله :لو كتب :إذا جاءك كتابي فأنت طالق .وعندهم قول ثان :بأن يوقف الطّلق على
وصول الكتاب ،وقوّاه الدّسوقيّ لتضمّن " إذا " معنى الشّرط .وإن كتبه مستشيرا أو متردّدا
فل يقع الطّلق ،إل إذا أخرجه عازما ،أو أخرجه ول نيّة له فيقع الطّلق بمجرّد إخراجه .
وأمّا إذا أخرجه -وهو كذلك -متردّدا أو مستشيرا ،أو لم يخرجه ،فإمّا أن يصل إليها ،
وإمّا أن ل يصل إليها ،فإن وصل إليها حنث وإل فل .وأمّا إن كتبه ول نيّة له أصلً حين
بالكتابة فيلزمه الطّلق ،لحمله على العزم عند ابن رشد خلفا للّخميّ .
رابعا :التّعبير بالشارة :
- 6اتّفق الفقهاء على أنّ إشارة الخرس المفهمة تقوم مقام اللّفظ في سائر العقود للضّرورة ،
ل عليه النّطق من النّاطق .
ن ذلك يدلّ على ما في فؤاده ،كما يد ّ
لّ
واختلفوا في إشارة غير الخرس .
فذهب جمهور الفقهاء -الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى عدم اعتبارها في العقود .
وذهب المالكيّة إلى أنّ إشارة النّاطق معتبرة كنطقه -قالوا -وهي أولى بالجواز من المعاطاة
س ثَلثةَ أيّامٍ إل رَ ْمزَا }
ن ل ُتكَّلمَ النّا َ
-لنّها يطلق عليها أنّها كلم .قال اللّه تعالى { :آ َي ُتكَ أ ْ
والرّمز :الشارة .وللتّفصيل انظر مصطلح ( إشارة ) .
خامسا :التّعبير بالسّكوت :
- 7اعتبر الفقهاء سكوت البكر البالغة العاقلة تعبيرا عن رضاها بالنّكاح ،لما روت عائشة
رضي ال عنها أنّها قالت « :يا رسول اللّه إنّ البكر تستحي قال :رضاها صماتها »
ق بنفسها من وليّها ،والبِكر ُتسْتأمر ،وإذنها
وأخرج المام مسلم في صحيحه « :اليّم أح ّ
سكوتها » وألحقوا بالسّكوت الضّحك والبكاء ،لما روى أبو هريرة رضي ال عنه قال :
« قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :اليتيمة تستأمر في نفسها ،فإن صمتت فهو إذنها ،
ت فل جواز عليها » ولنّها غير ناطقة بالمتناع مع سماعها للستئذان ،فكان ذلك إذنا
وإن أب ْ
منها .ولم يعتبر الحنفيّة والشّافعيّة البكاء إن كان مع الصّياح والصّوت ،لنّ ذلك يشعر بعدم
الرّضا .وقال المالكيّة :إن علم من بكائها أنّه منع لم تزوّج .
ص الحنفيّة على عدم اعتبار الضّحك إن كان باستهزاء ،لنّ الضّحك إنّما جعل إذنا لدللته
ون ّ
على الرّضا ،فإذا لم يدلّ على الرّضا لم يكن إذنا .
قال ابن عابدين نقل عن الفتح :والمعوّل اعتبار قرائن الحوال في البكاء والضّحك ،فإن
تعارضت أو أشكل احتيط .وثمّة تفصيلت واستثناءات تفصيلها في ( النّكاح ) .
تعبير الرّؤيا *
انظر :رؤيا .
تعجيز *
التّعريف :
- 1التّعجيز لغة :مصدر عجّز .يقال :عجّزته تعجيزا :إذا جعلته عاجزا ،وعجّز فلن
ي فلن :إذا نسبه إلى خلف الحزم ،كأنّه نسبه إلى العجز .
رأ َ
وهو ل يخرج في الصطلح الفقهيّ عن هذا المعنى ،وهو :نسبة الشّخص إلى العجز .
ن الفقهاء لم يستعملوا هذا اللّفظ إل في حالتين :الولى :تعجيز المكاتب .والخرى :
ولك ّ
تعجيز القاضي أحد الخصمين عن إقامة البيّنة .وفيما يلي بيان هاتين الحالتين إجمالً :
أوّلً :تعجيز المكاتب :
سيّد مع عبده
سيّد ،وهو :أن يتعاقد ال ّ
- 2اتّفق الفقهاء على أنّ الكتابة عقد لزم من جانب ال ّ
.أو أمته على أن يؤدّي إليه كذا من المال منجّزا ،أو مؤجّلً ،ويكون حرّا .فل يملك فسخها
،ول يجوز تعجيز المكاتب قبل عجز المكاتب عن أداء ما عليه .
سيّد مطالبته بما حلّ من نجومه ،لنّه حقّ له .
أمّا إن حلّ النّجم ( القسط ) فلل ّ
سيّد فسخ الكتابة وتعجيز المكاتب أم ل ؟ .
فإن عجز المكاتب عنها ،فهل يحقّ لل ّ
سيّد أن يفسخ الكتابة بنفسه ،
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة :إلى أنّ لل ّ
دون الرّجوع إلى الحاكم أو السّلطان ،إذا عجز المكاتب عن أداء ما عليه بعد حلول النّجم ،
لفعل ابن عمر رضي ال عنهما ذلك .
ويرى المالكيّة :أنّه ليس له ذلك ،إل عن طريق الحاكم أو السّلطان .
- 3وذهب الجمهور كذلك -وهم :الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة -إلى أنّه يجوز للمكاتب أن
سيّد الصّبر أو الفسخ ،إمّا
يعجّز نفسه .كأن يقول :أنا عاجز عن كتابتي ،وعند ذلك يجوز لل ّ
سيّد أو ورثته ،بعد
ن للقاضي أن يعجّزه إذا طلب ذلك ال ّ
عن طريق الحاكم أو بنفسه .كما أ ّ
حلول النّجم وعدم الوفاء بما كوتب عليه .
ن عقد الكتابة عندهم
أمّا الحنابلة فيرون :أنّه ليس للعبد أن يعجّز نفسه إذا كان مقتدرا ،ل ّ
لزم من الطّرفين .والتّفاصيل في مصطلح ( :كتابة ) .
ثانيا :عجز المدّعي أو المدّعى عليه :
- 4أكثر من استعمل من الفقهاء لفظ التّعجيز هم المالكيّة ،حيث ذهبوا :إلى أنّه إذا انقضت
الجال الّتي ضربها القاضي للمدّعي لحضار بيّنته ،وفترة التّلوّم ،ولم يأت الشّخص المؤجّل
بشيء يوجب له َنظِرَةً ،عجّزه القاضي ،وأنفذ القضاء عليه ،وسجّل ،وقطع بذلك تبعته عن
خصمه ،ثمّ ل يسمع له بعد ذلك حجّة ،ول تقبل منه بيّنة إن أتى بها ،سواء أكان مدّعيا أم
مدّعى عليه .
ن المدّعي يمهل إذا طلب مهلة لحضار البيّنة ،ويترك ما
وذهب الشّافعيّة والحنابلة :إلى أ ّ
ترك ،لنّه هو الطّالب للحقّ .أمّا المدّعى عليه فل يمهل أكثر من ثلثة أيّام ،ثمّ يحكم
بتعجيزه ،ويسقط حقّه في الحلف ،ثمّ يحلف المدّعي فيحكم له .
أمّا الحنفيّة فيرون :أنّ القاضي يحكم للمدّعي على المدّعى عليه بنفس النّكول ،بعد أن يكرّر
عليه اليمين ثلث مرّات .لقوله صلى ال عليه وسلم « البيّنةُ على من ادّعى ،واليمين على
من أنكر » .والتّفاصيل في مصطلح ( :دعوى ) .
تعجيل *
التّعريف :
- 1التّعجيل :مصدر عجّل .وهو في اللّغة :الستحثاث ،وطلب العجلة ،وهي :السّرعة.
ويقال :عجّلت إليه المال :أسرعت إليه ،فتعجّله :فأخذه بسرعة وهو في الشّرع :التيان
بالفعل قبل الوقت المحدّد له شرعا ،كتعجيل الزّكاة ،أو في أوّل الوقت ،كتعجيل الفطر .
اللفاظ ذات الصّلة :
السراع :
- 2السراع :مصدر أسرع ،والسّرعة :اسم منه ،وهي نقيض البطء .
ن السّرعة التّقدّم فيما ينبغي أن يتقدّم فيه ،
والفرق بين السراع والتّعجيل كما قال العسكريّ :إ ّ
وهي محمودة ،ونقيضها مذموم ،وهو :البطاء .
والعجلة التّقدّم فيما ل ينبغي أن يتقدّم فيه ،وهي مذمومة ،ونقيضها محمود ،وهو :الناة.
ن ذلك بمعنى :أسرعت .
ب ِل َترْضَى } فإ ّ
عجِلْتُ إليكَ رَ ّ
فأمّا قوله تعالى { َو َ
الحكم الجماليّ :
- 3التّعجيل مشروع في مواضع :كتعجيل تجهيز الميّت ،وقضاء الدّين .
وغير مشروع في مواضع :كتعجيل الصّلة قبل وقتها .والمشروع منه تارة يكون واجبا :
كتعجيل التّوبة من الذّنب .وتارة يكون مندوبا :كتعجيل الفطر في رمضان .
وتارة يكون مباحا :كتعجيل الكفّارات ،وتارة يكون مكروها أو خلف الولى :كتعجيل
إخراج الزّكاة قبل الحول .وغير المشروع :منه ما يكون باطلً ،كتعجيل الصّلة قبل وقتها.
أنواع التّعجيل
أوّلً :التّعجيل بالفعل عند وجود سببه
أ -التّعجيل بالتّوبة من الذّنب :
-تجب التّوبة على كلّ مكلّف على الفور عقيب الذّنب . 4
سنّة وإجماع المّة .قال اللّه تعالى { إ ّنمَا التّ ْوبَ ُة على
وقد دلّت على ذلك نصوص الكتاب وال ّ
ب اللّهُ عَلَيهمْ } .
جهَال ٍة ُثمّ َيتُوبُونَ ِمنْ َقرِيبٍ َفأُولئكَ َيتُو ُ
اللّ ِه لِلّذينَ َي ْعمَلُونَ السّوءَ ِب َ
س ُهمْ طَائِفٌ ِمنَ الشّيطَانِ َت َذ ّكرُوا فإذا ُهمْ ُم ْبصِرُونَ } .
ن اتّقَوا إذا َم ّ
وقوله تعالى { :إنّ اّلذِي َ
ونقل القرطبيّ وغيره :الجماع على وجوب تعجيل التّوبة ،وأنّها على الفور .
ب -التّعجيل بتجهيز الميّت :
ن النّبيّ
- 5اتّفق الفقهاء على أنّه يندب السراع بتجهيز الميّت إذا تيقّن موته ،لما ثبت « أ ّ
صلى ال عليه وسلم -لمّا عاد طلحة بن البراء رضي ال عنه -قال :إنّي ل أرى طلحة إل
قد حدث فيه الموت ،فآذنوني به ،وعجّلوا ،فإنّه ل ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني
أهله » .والصّارف عن وجوب التّعجيل :الحتياط للرّوح ،لحتماله الغماء ونحوه .وفي
ك صالح ًة فخيرٌ تقدّمونها إليه ،وإن يكُ سوى ذلك فشرّ
الحديث « أسرعوا بالجنازة ،فإن ت ُ
تضعونه عن رقابكم » .ويندب تأخير من مات فجأة أو غرقا .
ج -التّعجيل بقضاء الدّين :
- 6يجب تعجيل الوفاء بالدّين عند استحقاقه ويحرم على القادر المطل فيه .
فعن أبي هريرة رضي ال عنه « :أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال :مطل الغنيّ ظلم
،فإن أتبع أحدكم على مليء فليتبع » أي فإن أحيل على موسر فليقبل الحوالة .
قال ابن حجر في الفتح :المعنى :أنّه من الظّلم ،وأطلق ذلك للمبالغة في التّنفير عن المطل ،
والمراد من المطل هنا :تأخير ما استحقّ أداؤه بغير عذر .
د -التّعجيل بإعطاء أجرة الجير :
- 7ثبت عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « أعطوا الجير أجره قبل أن يجفّ عرقُه»
والمر بإعطائه قبل جفاف عرقه إنّما هو كناية عن وجوب المبادرة عقب فراغ العمل ،إذا
طلب ،وإن لم يعرق ،أو عرق وجفّ .وذلك لنّ أجره عمالة جسده ،وقد عجّل منفعته ،
فإذا عجّلها استحقّ التّعجيل .ومن شأن الباعة :إذا سلّموا قبضوا الثّمن عند التّسليم ،فهو
أحقّ وأولى ،إذ كان ثمن مهجته ،ل ثمن سلعته ،فيحرم مطله والتّسويف به مع القدرة .
هن -التّعجيل بتزويج البكر :
- 8استحبّ بعض العلماء التّعجيل بإنكاح البكر إذا بلغت ،لحديث « :يا عليّ :ثلث ل
تؤخّرها :الصّلة إذا أتت ،والجنازة إذا حضرت ،واليّم إذا وجدت لها كفؤا »
واستثنوا ذلك من ذمّ العجلة ،وأنّها من الشّيطان .
و -التّعجيل بالفطار في رمضان :
سنّة ،لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم
- 9اتّفق الفقهاء :على أنّ تعجيل الفطر من ال ّ
ي صلى
ن النّب ّ
« ل يزال النّاس بخير ما عجّلوا الفطر » ولحديث أبي ذرّ رضي ال عنه « أ ّ
ال عليه وسلم قال :ل تزال أمّتي بخير ما عجّلوا الفطر ،وأخّروا السّحور » .
شكّ فيه ،لنّه إذا شكّ في
ن له التّعجيل :إذا تحقّق من غروب الشّمس ،وعدم ال ّ
وإنّما يس ّ
الغروب حرم عليه الفطر اتّفاقا ،وأجاز الحنفيّة تعجيل الفطر بغلبة الظّنّ .
ز -تعجيل الحاجّ بالنّفر من منى :
- 10يجوز للحاجّ التّعجّل في اليوم الثّاني من أيّام الرّمي ،لقوله تعالى { َفمَنْ َت َعجّلَ في
خرَ فَل ِإ ْثمَ عَلَي ِه ِلمَنْ اتّقَى } ولما روى عبد الرّحمن بن يعمر
ن فل ِإ ْثمَ عَلَيهِ َومَنْ َتَأ ّ
يَ ْومَي ِ
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال :أيّام منى ثلث ،فمن تعجّل في
رضي ال عنه « :أ ّ
يومين فل إثم عليه ،ومن تأخّر فل إثم عليه » .
وشرط جوازه عند الجمهور -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -أن يخرج الحاجّ من منى قبل
الغروب ،فيسقط عنه رمي اليوم الثّالث ،فإن لم يخرج حتّى غربت الشّمس لزمه المبيت
ن اليوم اسم للنّهار ،فمن أدركه اللّيل فما تعجّل في
بمنى ،ورمى اليوم الثّالث .وذلك ل ّ
يومين ،وثبت عن عمر رضي ال عنه أنّه قال " من غربت عليه الشّمس وهو بمنى ،فل
ينفرن ،حتّى يرمي الجمار من أوسط أيّام التّشريق " .
ولم يفرّق الشّافعيّة والحنابلة في هذا الشّرط بين الم ّكيّ والفاقيّ .
وذهب المالكيّة :إلى التّفريق بينهما ،وخصّوا شرط التّعجيل بالمتعجّل من أهل مكّة ،وأمّا إن
كان من غيرها فل يشترط خروجه من منى قبل الغروب من اليوم الثّاني ،وإنّما يشترط نيّة
الخروج قبل الغروب من اليوم الثّاني .
ولم يشترط الحنفيّة ذلك ،وقالوا :له أن ينفر بعد الغروب مع الكراهة ،ما لم يطلع فجر اليوم
الثّالث ،وذلك لنّه لم يدخل اليوم الخر ،فجاز له النّفر ،كما قبل الغروب .
واختلف الفقهاء في أهل مكّة هل ينفرون النّفر الوّل ؟ فقيل :ليس لهم ذلك .فقد ثبت عن
عمر بن الخطّاب رضي ال عنه أنّه قال :من شاء من النّاس كلّهم أن ينفروا في النّفر الوّل ،
إلّا آل خزيمة ،فل ينفرون إلّا في النّفر الخر .وكان أحمد بن حنبل يقول :ل يعجبني لمن
نفر النّفر الوّل أن يقيم بمكّة ،وقال :أهل مكّة أخفّ ،وجعل أحمد معنى قول عمر " إل آل
خزيمة " أي :أنّهم أهل الحرم ،وحمله في المغني على الستحباب ،محافظة على العموم .
وكان مالك يقول في أهل مكّة من كان له عذر فله أن يتعجّل في يومين ،فإن أراد التّخفيف
عن نفسه ممّا هو فيه من أمر الحجّ فل ،فرأى أنّ التّعجيل لمن بعد قطره .
وقال أكثر أهل العلم :الية على العموم ،والرّخصة لجميع النّاس ،أهل مكّة وغيرهم ،سواء
أراد الخارج من منى المقام بمكّة ،أو الشّخوص إلى بلده .
- 11واختلف الفقهاء في الفضليّة بين التّعجيل والتّأخير ،فذهب الجمهور ( الحنفيّة
ن تأخير النّفر إلى الثّالث أفضل ،للقتداء بالنّبيّ صلى ال عليه
والشّافعيّة والحنابلة ) :إلى أ ّ
وسلم .وذهب المالكيّة :إلى أنّه ل تفضيل بين التّعجيل والتّأخير ،بل هما مستويان .ونصّ
الفقهاء على كراهة التّعجيل للمام ،لجل من يتأخّر .
وأمّا ثمرة التّعجيل فهي سقوط رمي اليوم الثّالث ،ومبيت ليلته عنه .
ثانيا :تعجيل الفعل قبل وجوبه
أ -التّعجيل بالصّلة قبل الوقت :
ل صلة من الصّلوات الخمس وقتا محدّدا ،ل يجوز إخراجها
- 12أجمع العلماء :على أنّ لك ّ
ن ِكتَابَا مَ ْوقُوتَا } أي :محتّمة مؤقّتة :
ن الصّلةَ كَانَتْ على المُ ْؤمِني َ
عنه ،لقوله تعالى { :إ ّ
ولحديث المواقيت المشهور .
وقد رخّص الشّارع في تعجيل الصّلة قبل وقتها في حالت ،منها :
- 1جمع الحاجّ الظّهر والعصر جمع تقديم في عرفة .
ب -جواز الجمع للمسافر بين العصرين " الظّهر والعصر " والعشاءين " المغرب والعشاء "
تقديما عند جمهور العلماء ،خلفا للحنفيّة .
- 2جواز الجمع للمريض ،جمع تقديم عند المالكيّة والحنابلة .
- 3جواز الجمع بين العشاءين تقديما ،لجل المطر والثّلج والبرد عند جمهور العلماء
" المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " وزاد الشّافعيّة جوازه بين العصرين أيضا .
- 4جواز الجمع بين الصّلتين ،إذا اجتمع الطّين مع الظّلمة ،عند المالكيّة ،وجوّزه الحنابلة
بمجرّد الوحل ،في إحدى الرّوايتين ،وصحّحها ابن قدامة .
- 5جواز الجمع لجل الخوف عند الحنابلة .
- 6جواز الجمع لجل الرّيح الشّديدة في اللّيلة المظلمة الباردة ،عند الحنابلة ،في أحد
الوجهين ،وصحّحه المديّ .
ب -التّعجيل بإخراج الزّكاة قبل الحول :
- 13ذهب جمهور الفقهاء :إلى جواز تعجيل إخراج الزّكاة قبل الحول في الجملة ،وذلك
ن « العبّاس رضي ال عنه سأل النّبيّ صلى ال عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحلّ ،
لّ
فرخّص له في ذلك » ،ولنّه حقّ ماليّ جعل له أجل للرّفق ،فجاز تعجيله قبل أجله ،كالدّين
.ولنّه -كما قال الشّافعيّة -وجب بسببين ،وهما :النّصاب ،والحول :فجاز تقديمه على
أحدهما ،كتقديم كفّارة اليمين على الحنث .ومنعه ابن المنذر ،وابن خزيمة من الشّافعيّة ،
وأشهب من المالكيّة ،وقال :ل تجزئ قبل محلّه كالصّلة ،ورواه عن مالك ،ورواه كذلك
ابن وهب .قال ابن يونس :وهو القرب ،وغيره استحسان .
ص الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة :على أنّ تركه أفضل ،خروجا من الخلف .
ون ّ
واختلف الفقهاء في المدّة الّتي يجوز تعجيل الزّكاة فيها :فذهب الحنفيّة :إلى جواز تعجيل
الزّكاة لسنين ،لوجود سبب الوجوب ،وهو :ملك النّصاب النّامي .
ن النّبيّ
وقيّده الحنابلة بحولين فقط ،اقتصارا على ما ورد .فقد روى عليّ رضي ال عنه « أ ّ
صلى ال عليه وسلم تعجّل من العبّاس رضي ال عنه صدقة سنتين » لقوله صلى ال عليه
ي ومثلها معها » ولما روى أبو داود من « أنّ النّبيّ صلى ال
وسلم « :أمّا العبّاس فهي عل ّ
عليه وسلم تسلّف من العبّاس صدقة عامين » وهو وجه عند الشّافعيّة ،صحّحه السنويّ
ص .وذهب الشّافعيّة :إلى عدم جواز تعجيل الزّكاة لكثر من عام ،
وغيره ،وعزوه للنّ ّ
وذلك :لنّ زكاة غير العام الوّل لم ينعقد حولها ،والتّعجيل قبل انعقاد الحول ل يجوز ،
كالتّعجيل قبل كمال النّصاب في الزّكاة العينيّة .
أمّا المالكيّة :فلم يجيزوا تعجيل الزّكاة لكثر من شهر قبل الحول على المعتمد ،وتكره عندهم
بشهر .وفي المسألة تفصيلت تنظر في الزّكاة .
ج -تعجيل الكفّارات :
تعجّل كفّارة اليمين قبل الحنث :
- 14ذهب جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : -إلى جواز تعجيل كفّارة اليمين
قبل الحنث ،لما روى عبد الرّحمن بن سمرة رضي ال عنه « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم
قال :يا عبد الرّحمن ،إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفّر عن يمينك ،ث ّم ائت
الّذي هو خير » .
واستثنى الشّافعيّة الصّوم من خصال الكفّارة ،وقالوا بعدم جواز التّعجيل به قبل الحنث ،
وذلك لنّه عبادة بدنيّة ،فل يجوز تقديمه على وقت وجوبه بغير حاجة ،كالصّلة ،وصوم
رمضان ،ولنّه إنّما يجوز التّكفير به عند العجز عن جميع الخصال الماليّة .والعجز إنّما
يتحقّق بعد الوجوب .وهو رواية عند الحنابلة .
ن الكفّارة لستر الجناية ،
وذهب الحنفيّة :إلى عدم جواز تعجيل كفّارة اليمين قبل الحنث ،ل ّ
ول جناية قبل الحنث .
- 15ثمّ إنّ القائلين بجواز التّعجيل اختلفوا في أيّهما أفضل :التّكفير قبل الحنث أم بعده ؟.
فذهب المالكيّة ،والشّافعيّة ،وأحمد في رواية ،وابن أبي موسى ،وصوّبه المرداويّ من
الحنابلة :إلى أنّ تأخيرها عن الحنث أفضل ،خروجا من الخلف .
ن التّكفير قبل الحنث وبعده في
والرّواية الخرى عن أحمد على الصّحيح من المذهب :أ ّ
الفضيلة سواء ،وذلك في غير الصّوم ،لتعجيل النّفع للفقراء .
تعجيل كفّارة الظّهار :
- 16اختلف الفقهاء في جواز تعجيل كفّارة الظّهار قبل العود ،فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى
جواز تعجيلها ،لوجود سببها ،وذلك كتعجيل الزّكاة قبل الحول ،وبعد كمال النّصاب .
وذهب المالكيّة :إلى أنّها ل تجزئ قبل العود .
وذهب الشّافعيّة :إلى جواز التّعجيل بكفّارة الظّهار قبل العود به ،وذلك بالمال -وهو
التّحرير والطعام -ل بالصّوم ،والمراد بالعود عندهم :إمساك المظاهر منها مدّة يمكن
للمظاهر أن يطلّقها فيها ،مع القدرة على الطّلق .وصورة التّعجيل في كفّارة الظّهار :أن
يظاهر من مطلّقته رجعيّا ،ثمّ يكفّر ،ثمّ يراجعها .وعندهم صور أخرى .
والمراد بالعود عند الحنفيّة :إرادة العزم على الوطء .
وعند المالكيّة هو إرادة الوطء ،مع استدامة العصمة ،كما قاله ابن رشد .
تعجيل كفّارة القتل :
- 17يجوز تعجيل كفّارة القتل بعد الجرح ،وقبل الزّهوق ،وتجزئ عنه ،وذلك لتقدّم السّبب
،كتعجيل إخراج الزّكاة قبل الحول .واستثنى الشّافعيّة تعجيل التّكفير بالصّوم ،لنّه عبادة
بدنيّة ،فل يجوز تقديمه على وقت وجوبه بغير حاجة ،كالصّلة ،وصوم رمضان .
د -التّعجيل بقضاء الدّين المؤجّل :
- 18ل خلف بين الفقهاء في أنّه ل يجب أداء الدّين المؤجّل قبل حلول أجله ،لكن لو أدّي
ن الجل حقّ المدين ،فله إسقاطه ،ويجبر الدّائن
قبله صحّ ،وسقط عن ذمّة المدين ،وذلك ل ّ
على القبول .
هن – التّعجيل بالحكم قبل التّبيّن :
– 19روي عن أبي موسى الشعريّ رضي ال عنه ،أنّه قال :ل ينبغي للقاضي أن يقضي
حتّى يتبيّن له الحقّ ،كما يتبيّن اللّيل من النّهار فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب رضي ال عنه
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :يا ابن عبّاس ل تشهد إل على
فقال :صدق .وهذا ل ّ
ن القضاء ملزم
أمرٍ يضيء لك كضياء هذا الشّمس » وولية القضاء فوق ولية الشّهادة ،ل ّ
بنفسه ،والشّهادة غير ملزمة بنفسها ،حتّى ينضمّ إليها القضاء ،فإذا أخذ هذا على الشّاهد ،
كان على القاضي بطريق الولى .
قال الصّدر الشّهيد في شرح أدب القاضي :وهذا في موضع النّصّ ،وأمّا في غير موضع
النّصّ فل ،لنّه في غير موضع النّصّ يقضى بالجتهاد ،والجتهاد ليس بدليل مقطوع به ،
فل يتبيّن له به الحقّ ،كما يتبيّن اللّيل من النّهار .
تعدّد *
التّعريف :
- 1التّعدّد في اللّغة :الكثرة .وهو من العدد :أي الك ّميّة المتألّفة من الوحدات ،فيختصّ
التّعدّد بما زاد عن الواحد ،لنّ الواحد ل يتعدّد .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .
حكمه التّكليفيّ :
- 2يختلف حكم التّعدّد باختلف متعلّقه .فيكون :جائزا في حالت ،وغير جائز في حالت
أخرى .
أ -تعدّد المؤذّنين :
- 3تعدّد المؤذّنين جائز لمسجد واحد ،لتعدّدهم في زمن الرّسول صلى ال عليه وسلم .وقال
الشّافعيّة والحنابلة :إنّ ذلك مستحبّ ،ويجوز الزّيادة عن الثنين .
والمستحبّ أن ل يزيد عن أربعة .وروي :أنّ عثمان كان له أربعة مؤذّنين ،وإن دعت
الحاجة إلى أكثر كان مشروعا .والتّفصيل في مصطلح ( :أذان ) .
ب -تعدّد الجماعة في مسجد واحد :
- 4ذهب الحنفيّة ،والمالكيّة ،والشّافعيّة :إلى أنّه إذا صلّى إمام الحيّ ،ثمّ حضرت جماعة
أخرى كره أن يقيموا جماعة فيه على الصحّ .
إل أن يكون مسجد طريق ،ول إمام له ،ول مؤذّن فل يكره إقامة الجماعة فيه حينئذ .
ن رسول اللّه
واستدلّوا بما روي عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة رضي ال عنهما عن أبيه « :أ ّ
صلى ال عليه وسلم خرج من بيته ليصلح بين النصار ،فرجع وقد صلّى في المسجد
بجماعة ،فدخل منزل بعض أهله ،فجمع أهله فصلّى بهم جماعة » .
وقالوا :ولو لم يكره تكرار الجماعة في المسجد لصلّى فيه .كما استدلّوا بأثر عن أنس رضي
ال عننه قال :إن ّن أصنحاب رسنول اللّه صنلى ال علينه وسنلم كانوا إذا فاتتهنم الجماعنة فني
ن التّكرار يؤدّي إلى تقل يل الجما عة ،ل نّ
الم سجد ،صلّوا في الم سجد فرادى .قالوا :ول ّ
النّاس إذا علموا :أنّهم تفوتهم الجماعة يتعجّلون ،فتكثر الجماعة .
وقال الحنابلة :ل يكره إعادة الجماعة في المسجد .واستدلّوا بعموم قوله صلى ال عليه وسلم
« :صلة الجماعة تفضل صلة الفذّ بخمس وعشرين درجة » ،وحديث أبي سعيد رضي ال
عنه « :جاء رجل وقد صلّى الرّسول صلى ال عليه وسلم فقال :أيّكم يتّجر على هذا ؟ فقام
رجل فصلّى معه » وجاء في بعض الرّوايات « :فلمّا صلّيا قال :وهذان جماعة » ولنّه
قادر على الجماعة ،فاستحبّ له فعلها ،كما لو كان المسجد في ممرّ النّاس .والتّفصيل :في
مصطلح ( :جماعة ) أو ( صلة الجماعة ) .
ج -تعدّد الجمعة :
- 5ل يجوز عند جمهور الفقهاء إقامة جمعتين في بلد واحد إل لضرورة ،كضيق المسجد ،
ن الرّسول صلى ال عليه وسلم والخلفاء بعده لم يقيموا سوى جمعة واحدة .
لّ
وتعدّد الجمعة في البلد الواحد جائز مطلقا عند الحنفيّة ،سواء أكانت هناك ضرورة أم ل ،
ن الثر الوارد بأنّه « ل جمعة إل في مصر جامع » قد
فصل بين جانبي البلد نهر أم ل ،ل ّ
أطلق ،ولم يشترط إلّا أن تقع في مصر ( ر :صلة الجمعة ) .
د -تعدّد كفّارة الصّوم :
- 6ل خلف بين الفقهاء في وجوب الكفّارة على من أفسد صوم يوم من رمضان بالجماع ،
وأنّها ل تتعدّد بتكرار الجماع في اليوم الواحد ،كما اتّفقوا على تعدّد الكفّارة إذا تكرّر منه
الفساد بالجماع ،بعد التّكفير من الوّل .
واختلفوا فيما إذا أفسد أيّاما بالجماع قبل التّكفير من الوّل ،فذهب المالكيّة والشّافعيّة
ن كلّ يوم عبادة برأسها ،وقد تكرّر منه الفساد فأشبه
والحنابلة :إلى تعدّد الكفّارة ،ل ّ
الحجين .وعند الحنفيّة :تكفيه كفّارة واحدة ،وهو المعتمد في المذهب .
ص بالفساد بغير الجماع ،أمّا الفساد بالجماع فتتعدّد
واختار بعض الحنفيّة :أنّ هذا خا ّ
الكفّارة فيه لعظم الجناية ( .ر :كفّارة ) .
هن -تعدّد الفدية بتعدّد ارتكاب المحظور في الحرام :
- 7إذا ارتكب في حالة الحرام جنايات توجب ك ّل منها فدية ،فإن كانت الجناية صيدا ففي
كلّ منها جزاؤه ،سواء أفعله مجتمعا ،أم متفرّقا .كفّر عن الوّل ،أم لم يكفّر عنه .
وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء .
وما عدا ذلك ففيه خلف وتفصيل ويرجع إليه في ( فدية ) ( وإحرام ) .
و -تعدّد الصّفقة :
- 8تتعدّد الصّفقة بتعدّد البائع ،وتعدّد المشتري ،وبتفصيل الثّمن ،وباختلف المعقود عليه .
فإن جمع بين عينين فأكثر في صفقة واحدة جاز ،ويوزّع الثّمن في المثليّ .
وفي العين المشتركة بين اثنين يوزّع على الجزاء ،وفي غيرهما من المتقوّمات على
ح في الخر ،بأن كان
الرّءوس ،باعتبار القيمة ،فإن بطل العقد في واحد منهما ابتداء ص ّ
أحدهما قابل للعقد والخر غير قابل ( ،ر :عقد -تفريق الصّفقة ) .
ز -تعدّد المرهون أو المرتهن :
- 9إذا رهن دارين له بمبلغ من الدّين ،فقضى حصّة إحدى الدّارين من الدّين لم يستردّها
حتّى يقضي باقي الدّين ،لنّ المرهون محبوس بكلّ الدّين .وكذا إن رهن عينا واحدة عند
رجلين بدين عليه لكلّ واحد منهما ،فقضى دين أحدهما ،لنّ العين كلّها رهن عند الدّائنين ،
وأضيف الرّهن إلى جميع العين في صفقة واحدة .ر ( :رهن ) .
ح -تعدّد الشّفعاء في العقار :
- 10اختلف الفقهاء في حكم الشّفعة إذا استحقّها جمع ،فقال الشّافعيّة :يأخذون على قدر
ن الشّفعة من مرافق الملك فيتقدّر بقدره .
الحصص ،ل ّ
وعند الحنفيّة :يوزّع على عدد رءوسهم ،وهو قول عند الشّافعيّة ،لنّهم استووا في سبب
الستحقاق ،فيستوون في الستحقاق .ر ( :شفعة )
ط -تعدّد الوصايا :
- 11إذا أوصى بوصايا من حقوق اللّه قدّمت الفرائض منها ،سواء قدّمها الموصي أم أخّرها
،لنّ الفريضة أهمّ من النّافلة ،فإن تساوت وقدّم الموصي بعضها على بعض بما يفيد
التّرتيب بدئ بما قدّمه الموصي .ر ( :وصيّة ) .
ي -تعدّد الزّوجات :
- 12تعدّد الزّوجات إلى أربع مشروع ورد به القرآن الكريم في قوله تعالى { :فَا ْن ِكحُوا ما
ت َأ ْيمَانُ ُكمْ } وفي
حدَ ًة أو مَا مََلكَ ْ
ن النّساءِ َم ْثنَى وثُلثَ َو ُربَاعَ فَإنْ خِ ْف ُتمْ أل َت ْعدِلُوا فَوَا ِ
طَابَ لكمْ مِ َ
تفصيل مشروعيّة التّعدّد وشروطه ووجوب العدل بين الزّوجات يرجع إلى ( نكاح وقسم ونفقة
).
ك -تعدّد أولياء النّكاح :
- 13إذا استوى أولياء المرأة في درجة القرابة كالخوة والعمام ،يندب تقديم أكبرهم
وأفضلهم ،فإن تشاحّوا ولم يقدّموه أقرع بينهم .فإن زوّج أحدهم قبل القرعة بإذنها ،أو
زوّجها غير من خرجت له القرعة صحّ .لنّه صدر من أهله في محلّه ،هذا رأي الشّافعيّة .
ولتفصيل الموضوع وآراء الفقهاء يرجع إلى مصطلح ( نكاح ) ( ووليّ ) .
ل -تعدّد الطّلق :
- 14يملك الزّوج الحرّ على زوجته الحرّة ثلث تطليقات ،تبين بعدها الزّوجة منه بينونة
كبرى ،ل تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره يدخل بها ،ثمّ يطلّقها أو يموت عنها ،لقوله
ح زَ ْوجَا غَيرَه فَإنْ
حتّى َت ْنكِ َ
تعالى { الطّلقُ َم ّرتَانِ } إلى قوله { فَإنْ طَلّ َقهَا فَل َتحِلّ له مِنْ َب ْعدُ َ
حدُودَ اللّهِ } .
ن يُقِيمَا ُ
ظنّا أ ْ
ن َ
جعَا إ ْ
جنَاحَ عَليهما َأنْ َي َترَا َ
طَلّقَها فَل ُ
وفي ذلك تفصيل وخلف يرجع إليه في ( طلق ) .
م -تعدّد المجنيّ عليه ،أو الجاني :
- 15إذا قتلت جماعة واحدا يُقتلون جميعا قصاصا ،وإن تفاضلت جراحاتهم في العدد ،
ل جراحة مؤثّرة في إزهاق الرّوح .وإن قتل واحد جماعة يقتل قصاصا
بشرط أن تكون ك ّ
أيضا ،هذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء .والتّفصيل في مصطلح ( قصاص ) ( وجناية ) .
ن -تعدّد التّعزير بتعدّد اللفاظ :
ب رجل بألفاظ متعدّدة من ألفاظ الشّتم الموجب للتّعزير ،فقد أفتى بعض الحنفيّة
- 16من س ّ
-وأيّده ابن عابدين -بأنّه يعزّر لك ّل منها ،لنّ حقوق العباد ل تتداخل .
وكذا إن سبّ جماعة بلفظ واحد .انظر مصطلح ( تعزير ) .
س -تعدّد القضاة في بلد واحد :
- 17يجوز للمام تعيين قاضيين فأكثر في بلد واحد ،إل أن يشترط اجتماعهم على الحكم في
القضيّة الواحدة لما يقع بينهم من خلف في محلّ الجتهاد .ر ( :قضاء ) .
ع -تعدّد الئمّة :
- 18ذهب جمهور العلماء إلى أنّه ل يجوز تنصيب إمامين فأكثر للمسلمين في زمن واحد ،
وإن تباعدت أقاليمهم .ر ( :إمامة عظمى ) .
تعدّي *
التّعريف :
- 1التّعدّي لغة :الظّلم ،وأصله مجاوزة الحدّ والقدر والحقّ .يقال :تعدّيت الحقّ واعتديته
وعدوته أي :جاوزته .ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معناه في اللّغة ،فيستعمل
ق الغير ،وبمعنى :انتقال الحكم إلى محلّ آخر ،كتعدّي العلّة ،
بمعنى :العتداء على ح ّ
والتّعدّي في الحرمة ،وغير ذلك .
الحكم التّكليفيّ :
ن التّعدّي له إطلقان ،ويطلق ويراد به :العتداء على الغير ،وهذا البحث محلّ
- 2سبق أ ّ
تفصيله .ويطلق ويراد به :انتقال الحكم إلى محلّ آخر .
أمّا التّعدّي بالطلق الوّل ف هو بجم يع أنوا عه حرام .وللتّعدّي أحكا مه الخا صّة :كالق صاص
في النّفس ،والطراف ،والتّعويض ،والحبس وما إلى ذلك ،كما سيتبيّن .
التّعدّي على الموال :
التّعدّي بالغصب والتلف والسّرقة والختلس :
- 3من تعدّى على مال غيره فغصبه ،أو أتلف مال غير مأذون في إتلفه شرعا أو سرقه أو
اختلسه -ترتّب عليه حكمان :
أحدهما أخرويّ .وهو :الثم ،لقوله تعالى { :وَل َت ْأكُلُوا أ ْموَاَل ُكمْ َب ْينَ ُكمْ بِالبَاطِلِ } وقوله
صلى ال عليه وسلم « :ل يحلّ مالُ امرئ مسلم إل بطيب نفسه » .
والخر دنيويّ :وهو الحدّ أو التّعزير مع وجوب الضّمان عليه ،لقوله صلى ال عليه وسلم :
« على اليد ما أخذتْ حتّى تؤدّيه » ولما روى عبد اللّه بن السّائب عن أبيه عن جدّه رضي ال
عنهم « :ل يأخذنّ أحدكم متاع أخيه لعبا أو جادّا ،ومن أخذ عصا أخيه فليردّها » فيجب
على المتعدّي ردّ العين المغصوبة إن بقيت بيده كما هي ،فإن تلفت في يده ،أو تعدّى عليها
فأتلفها بدون غصب وجب عليه ردّ مثلها إن كانت مثليّة ،فإذا انقطع المثل أو لم تكن مثليّة
وجب عليه قيمتها .
ومثل ما تقدّم :الباغي في غير زمن القتال ،حيث يضمن الموال الّتي أتلفها أو أخذها .
وللتّفصيل انظر مصطلح ( :غصب ،إتلف ،ضمان ،سرقة ،اختلس ،بغاة ) .
التّعدّي في العقود :
أوّل :التّعدّي في الوديعة :
ن َب ْعضُ ُكمْ َب ْعضَا فَ ْليُ َؤدّ الّذي ائ ُتمِنَ
- 4الصل في الوديعة :أنّها أمانة ،لقوله تعالى { :فَإنْ َأمِ َ
َأمَا َنتَه } ،وأنّه ل ضمان على المودع في الوديعة ،لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جدّه « :أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :من أودع وديعة فل ضمان عليه » ولنّ
المستودع يحفظها لمالكها فلو ضمنت لمتنع النّاس من الدّخول فيها ،وذلك مضرّ ،لما فيه
من مسيس الحاجة إليها .ويضمن الوديع في حالين :
ن المفرّط متسبّب بترك ما وجب عليه من حفظها .
الوّل :إذا فرّط في حفظ الوديعة ،ل ّ
ن المتعدّي متلف لمال غيره فضمنه ،كما لو أتلفه
الثّاني :أن يتعدّى الوديع على الوديعة ،ل ّ
من غير إيداع .ومن صور التّعدّي عليها :انتفاعه بها ،كأن يركب الدّابّة المودعة لغير
نفعها ،أو يلبس الثّوب المودع فيبلى .ومن صور التّعدّي أيضا :جحودها .
ثانيا :التّعدّي في الرّهن :
- 5يكون التّعدّي في الرّهن من الرّاهن أو من المرتهن .
أ -تعدّي الرّاهن :
- 6إذا تعدّى الرّاهن على الرّهن فأتلفه أو أتلف جزءا منه ،فإنّه يؤمر بدفع قيمة ما أتلفه ،
لتكون رهنا إلى حلول الجل .وأمّا تصرّفات الرّاهن الّتي تنقل ملك العين المرهونة كالبيع
والهبة ،فإنّها موقوفة على إجازة المرتهن أو قضاء الدّين .
ب -تعدّي المرتهن :
ن الرّهن إن هلك بنفسه فإنّه يهلك مضمونا بالدّين ،وكذلك لو
- 7ذهب الحنفيّة :إلى أ ّ
استهلكه المرتهن ،لنّه لو أتلف مملوكا متقوّما بغير إذن مالكه ،فيضمن مثله أو قيمته ،كما
لو أتلفه أجنبيّ وكان رهنا مكانه .
وفرّق المالكيّة بين ما يغاب عليه :أي ما يمكن إخفاؤه كبعض المنقولت ،وما ل يغاب
عليه ،كالعقار والسّفينة والحيوان ،فأوجبوا الضّمان في الوّل -دون الثّاني بشرطين :
الوّل :أن يكون بيده ،ل أن يكون بيد أمين .
والثّاني :أن ل تشهد بيّنة للمرتهن على التّلف أو الضّياع ،بغير سببه ،وغير تفريطه .
ن الرّهن أمانة في يد المرتهن ،وأنّه ل ضمان عليه إن هلك
وذهب الشّافعيّة والحنابلة :إلى أ ّ
ن المرتهن
بيده ،إلّا إذا تعدّى عليه ،أو فرّط في حفظه .وعلى هذا :فالفقهاء متّفقون على أ ّ
ضامن للرّهن بتعدّيه عليه أو تفريطه في حفظه .
ثالثا :التّعدّي في العاريّة :
- 8اتّفق الفقهاء :على أنّ العاريّة مضمونة بالتّعدّي والتّفريط من المستعير ،لحديث سمرة
ي صلى ال عليه وسلم قال :على اليد ما أخذت حتّى
ن النّب ّ
بن جندب رضي ال عنه « :أ ّ
تؤدّيه » أمّا إذا هلكت بل تعدّ ول تفريط ،فقد اختلف الفقهاء في ذلك .
ن العاريّة إن هلكت من غير تعدّ ول تفريط منه فل ضمان
فذهب الحنفيّة والمالكيّة :إلى أ ّ
عليه ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ليس على المستعير غير المغلّ ضمان » ،ولنّه
قبضها بإذن مالكها فكانت أمانة كالوديعة ،وهو :قول الحسن والنّخعيّ ،والشّعبيّ ،وعمر
بن عبد العزيز ،والثّوريّ .والوزاعيّ ،وابن شبرمة .
وزاد المالكيّة في تضمين المستعير :ما إذا لم يظهر سبب هلك العاريّة ،وكانت ممّا يغاب
عليه ،فإن قامت بيّنة على تلفها أو ضياعها بدون سببه فل ضمان عليه .
ن العاريّة مضمونة مطلقا ،تعدّى المستعير ،أو لم يتعدّ ،
وذهب الشّافعيّة والحنابلة :إلى أ ّ
ي صلى ال عليه وسلم قال :على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » ،
ن النّب ّ
لحديث سمرة « :أ ّ
وعن صفوان « :أنّه صلى ال عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعا ،فقال :أغصبا يا
محمّد ؟ قال :بل عاريّة مضمونة » .وهو :قول عطاء ،وإسحاق ،وأشهب من المالكيّة ،
وروي عن ابن عبّاس ،وأبي هريرة رضي ال عنهم .
رابعا :التّعدّي في الوكالة :
- 9اتّفق الفقهاء :على أنّ الوكيل أمين ،ل ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط ول
تعدّ ،لنّه نائب عن المالك في اليد والتّصرّف ،فكان الهلك في يده كالهلك في يد المالك ،
فأصبح كالمودع .ولنّ الوكالة عقد إرفاق ومعونة ،والضّمان مناف لذلك ومنفّر عنه .
أمّا إذا تعدّى الوكيل فإنّه يكون ضامنا .وللتّفصيل انظر مصطلح ( وكالة ) .
خامسا :التّعدّي في الجارة :
- 10سبق الكلم عن التّعدّي في الجارة في مصطلح ( إجارة ) .
سادسا :التّعدّي في المضاربة :
- 11المضاربة :عقد على الشّركة في الرّبح بمال من أحد الجانبين ،وعمل من الجانب
الخر ،ول مضاربة بدونهما .ثمّ المدفوع إلى المضارب أمانة في يده ،لنّه يتصرّف فيه
بأمر مالكه ،ل على وجه البدل والوثيقة ،وهو وكيل فيه ،فإذا ربح فهو شريك فيه ،وإذا
فسدت انقلبت إجارة ،واستوجب العامل أجر مثله ،وإذا خالف كان غاصبا لوجود التّعدّي منه
على مال غيره .وللتّفصيل انظر مصطلح ( :قراض ،شركة ) .
- 12هذا وقد سبق الكلم عن التّعدّي في الصّدقة ،والوصيّة ،والكل ،والشّرب ،في
مصطلح ( إسراف ) .
سابعا :التّعدّي على النّفس وما دونها :
- 13التّعدّي على البدان بما يوجب قصاصا أو غيره هو :قتل الدميّ بغير حقّ ،بأن ل
يكون مرتدّا ،أو زانيا محصنا ،أو قاتل لمكافئه ،أو حربيّا ( .ومثله قتل الصّائل ) .
والتّعدّي على النّفس وما دونها :يكون بالمباشرة أو بالتّسبّب ،كمن حفر بئرا أو حفرة في
غير ملكه فوقع فيه إنسان .أو بالسّبب ،كالكراه على التّعدّي .
ل واحد منها يلحق ضررا بالغير .
والتّعدّي بأنواعه يوجب الضّمان ،لنّ ك ّ
أمّا القتل من غير تعدّ -وهو القتل بحقّ -فل ضمان فيه ،كرجم الزّاني .
والتّعدّي على النّفس يكون بالقتل عمدا أو شبه عمد -عند الجمهور -أو قتل خطأ .ويجب
بالقتل العمد :القود ،أو الدّية .ويجب في شبه العمد والخطأ :الدّية فقط ،على تفصيل ينظر
في ( جناية ،قتل ،قصاص ) .
أمّا التّعدّي على ما دون النّفس ،فإن كان عمدا ففيه القصاص ،أو الدّية ،وإن كان خطأ ففيه
الدّية .على خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ( :جناية ،جراح ،قصاص ) .
ومثل التّعدّي بإتلف العضو :التّعدّي بإتلف منفعة العضو ،ففيه الضّمان أيضا .
- 14وقد سبق الكلم عن التّعدّي في العقوبات والقصاص والتّعزير في مصطلح :
( إسراف ) .
ثامنا :التّعدّي على العرض :
- 15التّعدّي على العراض حرام ،لنّ العراض يجب أن تصان من الدّنس ،وقد أباح
السلم دم من اعتدى على العرض ،لنّ حفظ العراض من مقاصد الشّريعة ،قال عليه
الصلة والسلم { :من قتل دون أهله فهو شهيد } ،وجه الدّللة في هذا الحديث الشّريف :
ن الدّفاع عن العرض واجب ،لنّه ل سبيل
أنّه لمّا جعله شهيدا دلّ أنّ له القتل والقتال .وأ ّ
إلى إباحته .وسواء في ذلك بضع زوجته أو غيره .ومثل الدّفاع عن البضع :الدّفاع عن
مقدّماته كالقبلة وغيرها .وللتّفصيل انظر مصطلح ( :صيال ) .
تاسعا :تعدّي البغاة :
- 16ما يتلفه البغاة -إذا تحقّقت فيهم الشّروط -من نفس أو مال ،ينظر إن كان أثناء القتال
فل ضمان ،وإن كان في غير قتال ضمنوا النّفس والمال ،وهذا القدر هو ما عليه جمهور
العلماء وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :بغاة ) .
عاشرا :التّعدّي في الحروب :
- 17يجب مراعاة الحكام الشّرعيّة في الحروب بين المسلمين والكفّار ،فل يجوز قتال من
لم تبلغهم الدّعوة ،حتّى ندعوهم إلى السلم ،على خلف وتفصيل ينظر في مصطلح :
( دعوة ) .ول يجوز في الحروب قتل من لم يحمل السّلح من الصّبيان ،والمجانين ،
والنّساء ،والشّيخ الكبير ،والرّاهب ،والزّمن ،والعمى -بل خلف بين الفقهاء -إل إذا
اشتركوا في القتال ،أو كانوا ذا رأي وتدبير ومكايد في الحرب ،أو أعانوا الكفّار بوجه من
الوجوه ،كما ل يجوز العتداء على السرى ،بل يجب الحسان إليهم .
وللتّفصيل ينظر ( :جهاد ،جزية ،أسرى ) .
التّعدّي بالطلق الثّاني بمعنى النتقال :
أ -تعدّي العلّة :
العلّة :هي المعنى الّذي شرع الحكم عنده تحصيل للمصلحة .
- 18وهي :إمّا أن تكون متعدّية ،أو قاصرة وتسمّى ( ناقصة ) .
ل النّصّ إلى
فالمتعدّية :هي الّتي يثبت وجودها في الصل والفروع ،أي :أنّها تتعدّى من مح ّ
غيره ،كعلّة السكار .
ل في الطّواف ،في الشواط الثّلثة
والقاصرة :هي الّتي ل تتعدّى محلّ الصل ،كالرّمَ ِ
ن التّعليل بالعلّة
الولى ،لظهار الجلد والقوّة للمشركين .وقد اتّفق الصوليّون :على أ ّ
ن القياس ل يتمّ إل بعلّة متعدّية إلى الفرع ،ليلحق بالصل .
المتعدّية صحيح ،ل ّ
واختلفوا في التّعليل بالعلل القاصرة .ومحلّ تفصيل ذلك الملحق الصوليّ .
ب -التّعدّي بالسّراية :
- 19ومثاله :إذا أوقد شخص نارا في أرضه أو في ملكه ،أو في موات حجره ،أو فيما
يستحقّ النتفاع به ،فطارت شرارة إلى دار جاره فأحرقتها ،فإن كان اليقاد بطريقة من
شأنها ألّا تنتقل النّار إلى ملك الغير -فإنّه ل يضمن ،وإل فإنّه يضمن لتعدّيه ،سواء كان
إيقاد النّار ،والرّيح عاصف ،أم باستعمال موا ّد تنتشر معها النّار أو غير ذلك .
وللتّفصيل انظر ( ضمان ،إحراق ) .
آثار التّعدّي :
ن التّعدّي يكون على المال ،وعلى النّفس وما دونها ،وعلى العرض ،وللتّعدّي
- 20سبق أ ّ
بأنواعه آثار نجملها فيما يلي :
- 1 -الضّمان :وذلك فيما يخصّ الموال بالغصب والتلف ،وما سوى ذلك ،أو فيما
يخصّ القتل بأنواعه ،إذا صولح في عمده على مال ،أو عفا أحد الولياء عن القصاص -
ومثل ذلك الجناية على ما دون النّفس .وللتّفصيل ينظر كلّ في بابه .
- 2 -القصاص :ويكون في العمد من قتل أو قطع عضو أو إتلفه ممّا فيه القصاص ،
وينظر في مصطلح ( :قتل ،قصاص ) .
- 3 -الحدّ :وهو أثر من آثار التّعدّي في السّرقة ،والزّنى ،والقذف ،وما إلى ذلك ،
وينظر كلّ في مصطلحه .
- 4 -التّعزير :وهو حقّ المام يعاقب به الجناة ويكون التّعزير :بالحبس أو بالجلد أو بما
يراه الحاكم مناسبا .انظر مصطلح ( :تعزير ) .
- 5 -المنع من الميراث :وذلك كقتل الوارث مورّثه ،على خلف بين الفقهاء في العمد
وغيره .انظر مصطلح ( :إرث ) .
تعديل *
التّعريف :
- 1للتّعديل في اللّغة معنيان :
أ -التّسوية والتّقويم ،يقال :عدّل الحكم والشّيء تعديلً :أقامه ،والميزان :سوّاه فاعتدل.
ب -التّزكية ،يقال :عدّل الشّاهد أو الرّاوي تعديلً :نسبه إلى العدالة ووصفه بها .ومعناه
في الصطلح الشّرعيّ ،ل يخرج عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّجريح :
- 2التّجريح في اللّغة :مصدر جرّحه ،يقال :جرّحت الشّاهد :إذا أظهرت فيه ما تردّ به
شهادته ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن ذلك .
الحكم التّكليفيّ :
أ -تعديل الشّهود :
- 3ذهب الشّافعيّة ،والحنابلة ،والمالكيّة وأبو يوسف ،ومحمّد إلى أنّه :يجب على القاضي
أن يطلب تعديل الشّهود إذا لم يعلم عدالتهم ،سواء أطعن الخصم أم لم يطعن ،ول يجوز له
قبول شهادتهم بغير تعديل .
وقال أبو حنيفة :يقبل الحاكم شهادة الشّاهد المسلم الظّاهر العدالة ،ول يسأل عن حال الشّهود
حتّى يطعن الخصم ،لقول النّبيّ عليه الصلة والسلم « :المسلمون عدول بعضهم على
بعض ،إل محدودا في فرية » .
ن الحدود تدرأ
واستثني من هذا شهود الحدود ،والقصاص فيشترط عنده الستقصاء ،ل ّ
بالشّبهات .وفي تعديل الشّهود ورواة الحديث تفصيلت وخلف تنظر في ( تزكية ) .
ب -تعديل الركان في الصّلة :
- 4اتّفق الفقهاء :على وجوب تعديل الركان في الصّلة ،بمعنى الطّمأنينة فيها ،من ركوع
،وسجود وجلوس بين السّجدتين واعتدال من الرّكوع ،إل أنّ الحنفيّة قالوا بالوجوب دون
الفرضيّة ،على اصطلحهم -بمعنى :أنّه يأثم بترك الواجب عمدا ،وتجب إعادة الصّلة ،
ن التّعديل في المذكورات واجب ،
لرفع الثم مع صحّتها -دون الفرض .وقال الجمهور :إ ّ
بمعنى :أنّه فرض وركن ،تبطل الصّلة بتركه ،عمدا أو سهوا .
ودليل المسألة حديث المسيء صلته المعروف .
ج -قسمة التّعديل :
- 5وهي :أن تقسم العين المشتركة باعتبار القيمة ،ل بعدد الجزاء ،كأرض مثل تختلف
قيمة أجزائها باختلفها في قوّة النبات ،أو القرب من الماء ،أو بسقي بعضها بالنّهر ،
وبعضها بالنّاضح أو بغير ذلك .فيكون ثلثها مثل يساوي بالقيمة ثلثيها ،فتقسم قسمة التّعديل .
فيجعل الثّلث سهما والثّلثان سهما ،إلحاقا للتّساوي بالقيمة بالتّساوي في الجزاء .وينظر
التّفصيل في مصطلح ( :قسمة ) .
د -التّعديل في دم جزاء الصّيد في المناسك :
- 6ذهب جمهور الفقهاء :إلى أنّ جزاء الصّيد المثليّ على التّخيير والتّعديل ،فيجوز فيه
العدول عن المثل إلى قيمة المثل ،أو قيمة الصّيد ،على اختلف بينهم في ذلك ،يرجع إلى
ص ْيدَ وَأ ْنتُ ْم حُ ُرمٌ } ،أمّا غير
موطنه .واستدلّوا بقوله تعالى { :يَا َأيّها الّذينَ آ َمنُوا ل َت ْقتُلُوا ال ّ
ل مدّ يوما .
المثليّ من الصّيد فيتصدّق بقيمته طعاما ،أو يصوم عن ك ّ
أمّا باقي الدّماء الواجبة بترك واجب ،أو ارتكاب منهيّ ،ففي جواز التّعديل فيها خلف بين
الفقهاء ،وتفصيله في ( إحرام ) .
تعذيب *
التّعريف :
-التّعذيب :مصدر عذّب ،يقال :عذّبه تعذيبا :إذا منعه ،وفطمه عن المر . 1
قال ابن فارس :أصل العذاب الضّرب ،ثمّ استعير ذلك في كلّ شدّة ،يقال منه :عذّب تعذيبا
ضعْ َفيْنِ }.
عفُ لَها ال َعذَابُ ِ
والعذاب :اسم بمعنى النّكال والعقوبة .ومنه قوله تعالى ُ { :يضَا َ
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن ذلك .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّعزير :
- 2التّعزير :تفعيل من العزر ،بمعنى :المنع والجبار على المر ،وأصله النّصرة
والتّعظيم .
وفي اصطلح الفقهاء :عبارة عن التّأديب دون الحدّ .وكلّ ما ليس فيه حدّ مقدّر شرعا
ن التّعزير ل يكون إل بحقّ
فموجبه التّعزير .والتّعذيب أع ّم من التّعزير من وجه ،ل ّ
ي ،بخلف التّعذيب .فقد يكون ظلما وعدوانا .والتّعزير أعمّ من حيث ما يكون به
شرع ّ
التّعزير .
ب -التّأديب :
- 3التّأديب مصدر أدّب ،مضعّفا ،وثلثيّه :أدب ،من باب ضرب ،يقال :أدّبته أدبا ،أي
علّمته رياضة النّفس ،ومحاسن الخلق .ويقال :أدّبته تأديبا مبالغة وتكثيرا :أي عاقبته
ن التّأديب سبب يدعو إلى حقيقة الدب .
على إساءته ،ل ّ
ن فيه
والنّسبة بين التّعذيب والتّأديب :عموم وخصوص من وجه ،يجتمعان في التّعزير ،ل ّ
تعذيبا وتأديبا .ويفترق التّعذيب عن التّأديب في التّعذيب الممنوع شرعا ،فإنّه تعذيب ،وليس
تأديبا ،ويفترق التّأديب عن التّعذّب في التّأديب بالكلم والنّصح من غير ضرب ،فإنّه تأديب
ول يطلق عليه تعذيب .
ج -التّمثيل :
- 4التّمثيل :مصدر مثّل .وأصله الثّلثيّ :مثل ،يقال :مثلّث بالقتيل :إذا جدعته ،
وظهرت آثار فعلك عليه تنكيلً والتّشديد مبالغة ،والسم المثلة -وزان غرفة -والمثلة -
بفتح الميم وضمّ الثّاء :العقوبة .والنّسبة بين التّعذيب والتّمثيل ،عموم وخصوص مطلق .
فالتّعذيب أع ّم من التّمثيل ،فكلّ تمثيل تعذيب ،وليس ك ّل تعذيب تمثيلً .ول فرق في ذلك
ن الميّت يتأذّى بما يتأذّى به الحيّ .
بين الحيّ والميّت ،لنّ الثار تدلّ :على أ ّ
الحكم التّكليفيّ :
- 5يختلف حكم التّعذيب باختلف الحوال والسباب .والدّواعي للتّعذيب بعضها يرجع إلى
قصد المعذّب ،سواء أكان بالطّريق المباشر ،أم غير المباشر .
ن اللّه يعذّب يوم
التّعذيب في الصل ممنوع شرعا ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إ ّ
القيامة الّذين يعذّبون النّاس في الدّنيا » .
ن الّذي يتولّى القصاص فيما دون النّفس :هو المام ،وليس للولياء
وجمهور الفقهاء على أ ّ
ذلك ،لنّه ل يؤمن منهم التّجاوز ،أو التّعذيب .
وأمّا في النّفس ،فالحنابلة اشترطوا حضور المام ،أو نائبه ،للحتراز عن التّعذيب .
أنواع التّعذيب :
- 6ينقسم التّعذيب إلى قسمين :الوّل :تعذيب النسان .الثّاني :تعذيب الحيوان .
وك ّل منهما ينقسم :إلى مشروع ،وغير مشروع ،فالقسام أربعة وهي :
-1 -التّعذيب المشروع للنسان .
- 2 -التّعذيب غير المشروع للنسان .
- 3 -التّعذيب المشروع للحيوان .
- 4 -التّعذيب غير المشروع للحيوان .
- 7أمّا الوّل :فهو التّعذيب الّذي أمر به الشّارع على وجه الفرضيّة ،كالحدود ،والقصاص
،والتّعزيرات بأنواعها .أو على وجه النّدب :كتأديب الولد .أو على وجه الباحة ،كالكيّ
في التّداوي ،إذا تعيّن علجا فإنّه مباح .
وإذا لم تكن الحاجة لجل التّداوي فإنّه حرام ،لنّه تعذيب بالنّار ،ول يعذّب بالنّار إل خالقها.
ومن المشروع رمي العداء بالنّار ولو حصل تعذيبهم بها ،وذلك عند عدم إمكان أخذهم بغير
ن الصّحابة والتّابعين فعلوا ذلك في غزواتهم ،وأمّا تعذيبهم بالنّار بعد القدرة
التّحريق ،ل ّ
ن رسول اللّه صلى ال عليه
عليهم فل يجوز ،لما روى حمزة السلميّ رضي ال عنه « أ ّ
وسلم أمّره على سريّة وقال له :إن وجدتم فلنا فاحرقوه بالنّار فولّيت فناداني ،فرجعت إليه
فقال :إن وجدتم فلنا فاقتلوه ،ول تحرقوه ،فإنّه ل يعذّب بالنّار إل ربّ النّار » وتفصيل
ذلك في مصطلح ( إحراق ) 125/ 2ومن أنواع التّعذيب المشروع :ضرب الب أو المّ
ولدهما تأديبا ،وكذلك الوصيّ ،أو المعلّم بإذن الب تعليما .
وذكر في القنية :له إكراه طفله على تعلّم القرآن ،والدب ،والعلم ،لفرضيّته على
الوالدين ،وله ضرب اليتيم فيما يضرب ولده ،والمّ كالب في التّعليم ،بخلف التّأديب ،
فإنّه لو مات الصّبيّ بضرب المّ تأديبا فعليها الضّمان .
ن ضرب التّأديب مقيّد بوصف السّلمة ،ومحلّه في الضّرب المعتاد ،كمّا وكيفا
وممّا يذكر :أ ّ
ومحلً ،فلو ضربه على الوجه أو على المذاكير يجب الضّمان بل خلف ،ولو سوطا واحدا
ن الصّحابة
،لنّه إتلف .ومن التّعذيب المشروع للنسان ثقب أذن الطّفل من البنات ،ل ّ
كانوا يفعلونه في زمن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم من غير نكير .
تعذيب المتّهم :
- 8قسّم الفقهاء المتّهم بسرقة ونحوها إلى ثلثة أقسام :
إمّا أن يكون المتّهم معروفا بالصّلح ،فل تجوز عقوبته اتّفاقا .
وإمّا أن يكون المتّهم مجهول الحال ل يعرف ببرّ ول فجور ،فهذا يحبس حتّى ينكشف حاله ،
وهذا عند جمهور الفقهاء .والمنصوص عليه عند أكثر الئمّة :أنّه يحبسه القاضي والوالي ،
لما روى أبو داود في سننه ،وأحمد ،من حديث بهز بن حكيم .عن أبيه ،عن جدّه « :أنّ
حبَس في تهمة » .
النّبيّ صلى ال عليه وسلم َ
وإمّا أن يكون المتّهم معروفا بالفجور ،كالسّرقة ،وقطع الطّريق ،والقتل ،ونحو ذلك ،
فيجوز حبسه وضربه ،كما « أمر النّبيّ صلى ال عليه وسلم الزّبير رضي ال عنه ،بتعذيب
المتّهم الّذي غيّب ماله حتّى أقرّ به » .
ن المدّعى عليه في جميع هذه
وقال ابن تيميّة :ما علمت أحدا من أئمّة المسلمين يقول :إ ّ
الدّعاوى يحلف ،ويرسل بل حبس ،ول غيره .وقال البجيرميّ :والظّاهر أنّ الضّرب حرام
في الشّقّين ،أي سواء كان ضرب ليقرّ ،أو ليصدق ،خلفا لما توهّم حلّه إذا ضرب ليصدق.
وقال ابن تيميّة :واختلفوا فيه :هل الّذي يضربه الوالي دون القاضي ،أو كلهما ؟ أو ل
يسوّغ ضربه ،على ثلثة أقوال :
أحدها :أنّه يضربه الوالي والقاضي ،وهذا قول طائفة من أصحاب مالك وأحمد ،منهم
أشهب بن عبد العزيز ،فإنّه قال :يمتحن بالحبس والضّرب ،ويضرب بالسّوط مجرّدا .
القول الثّاني :أنّه يضربه الوالي دون القاضي ،وهذا قول بعض أصحاب الشّافعيّ ،وأحمد.
القول الثّالث :أنّه يحبس ول يضرب ،وهذا قول أصبغ ،ثمّ قالت طائفة ،منهم عمر بن عبد
العزيز ،ومطرّف ،وابن الماجشون :إنّه يحبس حتّى يموت .
- 9أمّا النّوع الثّاني :وهو التّعذيب غير المشروع للنسان ،فمنه تعذيب السرى ،فقد ذكر
ن السلم يدعو إلى الرّفق بالسرى ،وإطعامهم ،قال اللّه
الفقهاء عدم جواز تعذيبهم ،ل ّ
سكِينَا َو َي ِتيْمَا وََأسِيرَا }
حبّه ِم ْ
طعَامَ عَلَى ُ
ن ال ّ
ط ِعمُو َ
تعالى َ { :و ُي ْ
وفي الحديث الشّريف « ل تجمعوا عليهم حرّ الشّمس ،وحرّ السّلح ،قيلوهم حتّى يبردوا »
وهذا الكلم في أسارى بني قريظة ،حينما كانوا في الشّمس .
ح حبس السير من غير تعذيب ،وإذا رجي أن يدلّ على
وإذا كان هناك خوف الفرار ،فيص ّ
أسرار العد ّو جاز تهديده وتعذيبه بالقدر الكافي ،لتحقيق ذلك ،ودليل ذلك :ما روي عن
الرّسول صلى ال عليه وسلم « :أنّه أمر الزّبير بن العوّام بتعذيب من كتم خبر المال ،الّذي
كان صلى ال عليه وسلم قد عاهدهم عليه ،وقال له :أين كنز حييّ بن أخطب ؟ فقال :يا
محمّد ،أنفذته النّفقات والحروب ،فقال :المال كثير والمسألة أقرب ،وقال للزّبير :دونك
هذا .فمسّه الزّبير بشيء من العذاب ،فدلّهم على المال » .
لكن إذا كانوا يعذّبون أسرى المسلمين يجوز معاملتهم بالمثل ،لقوله تعالى { :وَإِنْ عَا َق ْبتُمْ
ع َتدُوا عَلَيه
ع َتدَى عَليكُم فَا ْ
ت قِصَاصٌ َفمَنْ ا ْ
حرُمَا ُ
َفعَا ِقبُوا ِب ِمثْلِ مَا عُوقِ ْب ُتمْ بِه } وقوله أيضا { وَال ُ
عتَدى عَلَيكُم } قال الباجيّ :ل يمثّل بالسير ،إل أن يكونوا مثّلوا بالمسلمين .وقال
ِب ِمثْلِ مَا ا ْ
ابن حبيب :قتل السير بضرب عنقه ،ل يمثّل به ،ول يعبث عليه .قيل لمالك :أيضرب
ب الرّقَاب } ل خير في العبث .
وسطه ؟ فقال :قال اللّه سبحانه { َفضَرْ َ
-وأمّا النّوع الثّالث :وهو التّعذيب المشروع للحيوان -فقد ذكروا له أمثلة ،منها : 10
أ -تعذيب ماشية الزّكاة والجز ية بالوسم -ف قد ذ هب الفقهاء إلى جوازه ،ل ما روي من ف عل
ال صّحابة في ماشية الزّكاة والجزية .وقال الحنفيّة :ل بأس بك يّ البهائم للعلمة ،لنّهم كانوا
يفعلون ذلك في زمن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم من غير إنكار .
ب -إلقاء السّمك الحيّ في النّار ليصير مشويّا فإنّ المالكيّة ذهبوا :إلى جوازه ،وذهب أحمد
شين
ّ أنن هذا العمنل مكروه ،ومنع هذا فقند رأى جواز أكله ،وهذا بخلف
بنن حنبنل :إلى ّ
الجراد حيّا ،فإنّه يجيزه من غير كراهة ،لما أثر أنّ الصّحابة فعلوا ذلك ،من غير نكير .ج
-ومن ذلك التّعذيب الجائز :ضرب الحيوان بقدر ما يحصل به التّعليم والتّرويض ،ويخاصم
الضّارب فيما زاد على القدر الّذي يحتاج إليه ،كما في البحر الرّائق .
- 11وأمّا النّوع الرّابع :وهو التّعذيب " غير المشروع " للحيوان :
فمنه :تعذيب الحيوان بالمنع من الكل والشّرب ،لحديث ابن عمر رضي ال عنهما « :أنّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :دخلت امرأة النّار في هرّة ربطتها ،فلم تطعمها ،ولم تدعها
تأكل من خشاش الرض » .
ومنه :اتّخاذ ذي روح غرضا ،أي هدفا للرّمي .
ومنه :قطع رأس الحيوان المذبوح وسلخه قبل أن يبرد ،ويسكن عن الضطراب .
مواطن البحث :
- 12ذكر الفقهاء التّعذيب في مواضع شتّى سبق ذكر عدد منها خلل البحث .
ومنها أيضا :الجنايات ،والتّعزيرات ،والتّأديب ،والتّذكية ،والسر ،والسّياسة الشّرعيّة ،
والجهاد ( السّير ) .
تعريض *
التّعريف :
- 1التّعريض :لغة ضدّ التّصريح ،يقال :عرّض لفلن وبفلن :إذا قال قولً عامّا ،وهو
يعني فلنا ،ومنه :المعاريض في الكلم ،كقولهم :إنّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
وهو في الصطلح :ما يفهم به السّامع مراد المتكلّم من غير تصريح .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الكناية
- 2الكناية :وهي ذكر اللزم ،وإرادة الملزوم .والفرق بين الكناية والتّعريض :أنّ
التّعريض هو تضمين الكلم دللة ليس فيها ذكر ،كقول المحتاج :جئتك لسلّم عليك ،فيقصد
من اللّفظ السّلم ،ومن السّياق طلب الحاجة .
ب -التّورية :
- 3التّورية :وهي أن تطلق لفظا ظاهرا قريبا في معنى ،تريد به معنى آخر بعيدا يتناوله
ذلك اللّفظ ،لكنّه خلف ظاهره .
ص من التّعريض ،
ن فائدة التّورية تراد من اللّفظ ،فهي أخ ّ
والفرق بينها وبين التّعريض :أ ّ
الّذي قد يفهم المراد منه من السّياق والقرائن ،أو اللّفظ ،فهو أعمّ .
الحكم التّكليفيّ :
يختلف حكم التّعريض بحسب موضوعه كما يلي :
أوّل :التّعريض في الخطبة :
-ل خلف بين الفقهاء في حرمة التّعريض بالخطبة لمنكوحة الغير ،والمعتدّة من طلق 4
رجعيّ ،لنّها في حكم المنكوحة ،كما اتّفق الفقهاء على حرمة التّعريض لمخطوبة من صرّح
بإجابته وعلمت خطبته ،ولم يأذن الخاطب ولم يعرّض عنها .
لخبر « :ل يخطب الرّجل على خطبة أخيه ،حتّى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب »
ر :مصطلح ( :خِطبة ) .
ثانيا :التّعريض بخطبة المعتدّة غير الرّجعيّة :
-ذهب جمهور الفقهاء :إلى جواز التّعريض بالخطبة للمعتدّة عن وفاة ،ولم نقف على 5
تعريف *
التّعريف :
- 1التّعريف :مصدر عرّف .ومن معانيه :العلم والتّوضيح " ،ويقابله التّجهيل " وإنشاد
الضّالّة ،والتّطييب ،وهو مأخوذ من العرف أي :الرّائحة ،كما قال ابن عبّاس رضي ال
ع ّر َفهَا َل ُهمْ } أي طيّبها لهم .
جنّةَ َ
عنهما في قوله تعالى َ { :و ُي ْدخِلْهُم ال َ
والتّعريف :الوقوف بعرفات .ويراد به أيضا :ما يصنعه بعض النّاس في بلدهم يوم
عرفة ،من التّجمّع والدّعاء ،تشبّها بالحجّاج .ويراد به أيضا :ذهاب الحاجّ بالهدي إلى
عرفات ،ليعرّف النّاس أنّه هدي .
وأمّا في الصطلح ،فللتّعريف عدّة إطلقات تبعا للعلوم المختلفة :
أ -فعند الصوليّين :
- 2هو تحديد المفهوم الكّليّ ،بذكر خصائصه ومميّزاته .والتّعريف الكامل :هو ما يساوي
المعرّف تمّام المساواة ،بحيث يكون جامعا مانعا .والحدّ والتّعريف عند الصوليّين بمعنى
واحد ،وهو :الجامع المانع ،سواء أكان بالذّاتيّات ،أم بالعرضيّات .
ب -عند الفقهاء :
- 3لم نقف للفقهاء على تعريف خاصّ للتّعريف ،والّذي يستفاد من الفروع الفقهيّة :أنّ
استعمالهم هذا اللّفظ ل يخرج عن المعاني اللّغويّة ،لكنّهم عند الطلق يريدون المعنى
الصطلحيّ لدى الصوليّين .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العلن :
- 4العلن خلف الكتمان ،والتّعريف أعمّ ،من حيث إنّه قد يكون سرّا ،وقد يكون علنية
.
ب -الكتمان أو الخفاء :
ن الّذينَ
- 5الكتمان :هو السّكوت عن المعنى ،أو إخفاء الشّيء وستره ،وقوله تعالى { :إ ّ
ن مَا َأ ْنزَ ْلنَا ِمنَ ال َب ّينَاتِ وَال ُهدَى } أي يسكتون عن ذكره ،فالتّعريف مقابل الخفاء
َي ْك ُتمُو َ
والكتمان .
حكمه التّكليفيّ :
يختلف حكم التّعريف باختلف المعرّف :
أوّلً :التّعريف في المصار :
- 6هو قصد الرّجل مسجد بلده يوم عرفة ،للدّعاء والذّكر ،فهذا هو التّعريف في المصار
الّذي اختلف العلماء فيه ،ففعله ابن عبّاس ،وعمرو بن حريث رضي ال عنهم ،من
الصّحابة ،وطائفة من البصريّين ،والمدنيّين ،ورخّص فيه أحمد ،وإن كان مع ذلك ل
يستحبّه .هذا هو المشهور عنه .وكرهه طائفة من الكوفيّين ،والمدنيّين ،كإبراهيم النّخعيّ ،
وأبي حنيفة ،ومالك ،وغيرهم .
ومن كرهه قال :هو من البدع ،فيندرج في العموم ،لفظا ومعنى .
ي بن
ومن رخّص فيه قال :فعله ابن عبّاس رضي ال عنهما بالبصرة ،حين كان خليفة لعل ّ
أبي طالب رضي ال عنه ،ولم ينكر عليه ،وما يفعل في عهد الخلفاء الرّاشدين من غير
إنكار ل يكون بدعة .لكن ما يزاد على ذلك :من رفع الصوات الرّفع الشّديد في المساجد
بالدّعاء ،وأنواع من الخطب ،والشعار الباطلة ،مكروه في هذا اليوم وغيره .
ج َهرْ
قال المرّوذيّ :سمعت أبا عبد اللّه يقول :ينبغي أن يسرّ دعاءه ،لقوله { :وَل َت ْ
ِبصَل ِتكَ وَل ُتخَافِتْ ِبهَا } قال :هذا في الدّعاء .قال :وسمعت أبا عبد اللّه يقول :وكان
يكره أن يرفعوا أصواتهم بالدّعاء .
ثانيا -تعريف اللّقَطة :
ح عند إمام الحرمين والغزاليّ من الشّافعيّة :إلى أنّه
- 7ذهب الئمّة الثّلثة ،وهو الص ّ
يجب تعريف اللّقطة ،سواء أراد تملّكها ،أم حفظها لصاحبها .
وفيه وجه آخر عند الشّافعيّة ،وبه قطع الكثرون منهم ،وهو :أنّه ل يجب التّعريف فيما إذا
قصد الحفظ أبدا ،وقالوا :إنّ التّعريف إنّما يجب لتحقيق شرط التّملّك .
وبيان كيفيّة التّعريف ومدّته ومكانه يرجع إليه في مصطلح ( لقطة ) .
ثالثا -التّعريف في الدّعوى :
ن تعريف الشّيء المدّعي والمدّعى عليه -بمعنى كونهما
- 8ل خلف بين الفقهاء :في أ ّ
ن فائدة الدّعوى
معلومين -شرط لسماع الدّعوى ،فل بدّ من ذكر ما يعيّنهما ويعرّفهما ،ل ّ
اللزام بإقامة الحجّة ،واللزام في المجهول غير متحقّق .
وفي كلّ ذلك خلف وتفصيل ،يذكر في موطنه في مصطلح ( دعوى ) .
تعزير *
التّعريف :
- 1التّعزير لغة :مصدر عزّر من العزر ،وهو ال ّردّ والمنع ،ويقال :عزّر أخاه بمعنى :
نصره ،لنّه منع عدوّه من أن يؤذيه ،ويقال :عزّرته بمعنى :وقّرته ،وأيضا :أدّبته ،فهو
من أسماء الضداد .وسمّيت العقوبة تعزيرا ،لنّ من شأنها أن تدفع الجاني وتردّه عن
ارتكاب الجرائم ،أو العودة إليها .
وفي الصطلح :هو عقوبة غير مقدّرة شرعا ،تجب حقّا للّه ،أو لدميّ ،في كلّ معصية
ليس فيها حدّ ول كفّارة غالبا .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الحدّ :
- 2الحدّ لغة :المنع .
واصطلحا :عقوبة مقدّرة شرعا وجبت حقّا للّه تعالى كحدّ الزّنى ،أو للعبد كحدّ القذف .
ب -القصاص :
- 3القصاص لغة :تتبّع الثر .واصطلحا :هو أن يفعل بالجاني مثل ما فعل .
ج -الكفّارة :
- 4الكفّارة لغة :من التّكفير ،وهو المحو ،والكفّارة جزاء مقدّر من الشّرع ،لمحو الذّنب.
- 5ويختلف التّعزير عن الحدّ والقصاص والكفّارة من وجوه منها :
أ -في الحدود والقصاص ،إذا ثبتت الجريمة الموجبة لهما لدى القاضي شرعا ،فإنّ عليه
الحكم بالحدّ أو القصاص على حسب الحوال ،وليس له اختيار في العقوبة ،بل هو يطبّق
العقوبة المنصوص عليها شرعا بدون زيادة أو نقص ،ول يحكم بالقصاص إذا عفي عنه ،
ن القصاص حقّ للفراد ،بخلف الح ّد .
وله هنا التّعزير .ومردّ ذلك :أ ّ
وفي التّعزير يختار القاضي من العقوبات الشّرعيّة ما يناسب الحال ،فيجب على الّذين لهم
سلطة التّعزير الجتهاد في اختيار الصلح ،لختلف ذلك باختلف مراتب النّاس ،
وباختلف المعاصي .
ب -إقامة الحدّ الواجب لحقّ اللّه ل عفو فيه ول شفاعة ول إسقاط ،إذا وصل المر
للحاكم ،وثبت بالبيّنة ،وكذلك القصاص إذا لم يعف صاحب الحقّ فيه .والتّعزير إذا كان من
حقّ اللّه تعالى تجب إقامته ،ويجوز فيه العفو والشّفاعة إن كان في ذلك مصلحة ،أو انزجر
الجاني بدونه ،وإذا كان من حقّ الفرد فله تركه العفو وبغيره ،وهو يتوقّف على الدّعوى ،
وإذا طالب صاحبه ل يكون لوليّ المر عفو ول شفاعة ول إسقاط .
ج -إثبات الحدود والقصاص عند الجمهور ل يثبت إل بالبيّنة أو العتراف ،بشروط خاصّة.
وعلى سبيل المثال :ل يؤخذ فيه بأقوال المجنيّ عليه كشاهد ،ول بالشّهادة السّماعيّة ،ول
باليمين ،ول بشهادة النّساء .بخلف التّعزير فيثبت بذلك ،وبغيره .
ن المام مأمور
ن من حدّه المام فمات من ذلك فدمه هدر ،ل ّ
د -ل خلف بين الفقهاء أ ّ
بإقامة الحدّ ،وفعل المأمور ل يتقيّد بشرط السّلمة .
أمّا التّعزير فقد اختلفوا فيه ،فعند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة :الحكم كذلك في التّعزير .أمّا
عند الشّافعيّة :فالتّعزير موجب للضّمان ،وقد استدلّوا على ذلك بفعل عمر رضي ال عنه "،
إذ أرهب امرأة ففزعت فزعا ،فدفعت الفزعة في رحمها ،فتحرّك ولدها ،فخرجت ،فأخذها
المخاض ،فألقت غلما جنينا ،فأتي عمر رضي ال عنه بذلك ،فأرسل إلى المهاجرين فقصّ
عليهم أمرها ،فقال :ما ترون ؟ فقالوا :ما نرى عليك شيئا يا أمير المؤمنين ،إنّما أنت معلّم
ومؤدّب ،وفي القوم عليّ رضي ال عنه ،وعليّ ساكت .قال :فما تقول :أنت يا أبا الحسن
قال :أقول :إن كانوا قاربوك في الهوى فقد أثموا ،وإن كان هذا جهد رأيهم فقد أخطئوا ،
وأرى عليك الدّية يا أمير المؤمنين ،قال :صدقت ،اذهب فاقسمها على قومك " .أمّا من
يتحمّل الدّية في النّهاية ،فقيل :إنّما تكون على عاقلة وليّ المر .وقيل :إنّها تكون في بيت
المال .
ن الحدود تدرأ بالشّبهات ،بخلف التّعزير ،فإنّه يثبت بالشّبهة .
هن -إ ّ
و -يجوز الرّجوع في الحدود إن ثبتت بالقرار ،أمّا التّعزير فل يؤثّر فيه الرّجوع .
ن الحدّ ل يجب على الصّغير ،ويجوز تعزيره .
ز-إّ
ح -إنّ الح ّد قد يسقط بالتّقادم عند بعض الفقهاء ،بخلف التّعزير .
الحكم التّكليفيّ :
ن الصل في التّعزير أنّه مشروع في كلّ معصية ل حدّ فيها ،
- 6جمهور الفقهاء :على أ ّ
ول كفّارة .ويختلف حكمه باختلف حاله وحال فاعله .
حكمة التّشريع :
- 7التّعزير مشروع لردع الجاني وزجره ،وإصلحه وتهذيبه .
قال الزّيلعيّ :إنّ الغرض من التّعزير الزّجر .وسمّى التّعزيرات :بالزّواجر غير المقدّرة .
والزّجر معناه :منع الجاني من معاودة الجريمة ،ومنع غيره من ارتكابها ،ومن ترك
الواجبات ،كترك الصّلة والمماطلة في أداء حقوق النّاس .
أمّا الصلح والتّهذيب فهما من مقاصد التّعزير ،وقد بيّن ذلك الزّيلعيّ بقوله :التّعزير
ن :التّعزير تأديب استصلح وزجر .وقال
للتّأديب .ومثله تصريح الماورديّ وابن فرحون بأ ّ
ن الحبس غير المحدّد المدّة حدّه التّوبة وصلح حال الجاني .
الفقهاء :إ ّ
ن التّعزير شرع للتّطهير ،لنّ ذلك سبيل لصلح الجاني .
وقالوا :إ ّ
وقالوا :الزّواجر غير المقدّرة محتاج إليها ،لدفع الفساد كالحدود .
وليس التّعزير للتّعذيب ،أو إهدار الدميّة ،أو التلف ،حيث ل يكون ذلك واجبا .وفي ذلك
يقول الزّيلعيّ :التّعزير للتّأديب ،ول يجوز التلف ،وفعله مقيّد بشرط السّلمة .ويقول ابن
فرحون :التّعزير إنّما يجوز منه ما أمنت عاقبته غالبا ،وإل لم يجز .
ن الشّرع لم
ويقول البهوتيّ :ل يجوز قطع شيء ممّن وجب عليه التّعزير ،ول جرحه ،ل ّ
ن الواجب أدب ،والدب ل يكون بالتلف .
يرد بشيء من ذلك ،عن أحد يقتدى به ،ول ّ
ل ضرب يؤدّي إلى التلف ممنوع ،سواء أكان هذا الحتمال ناشئا من آلة الضّرب ،أم
وك ّ
من حالة الجاني نفسه ،أم من موضع الضّرب ،وتفريعا على ذلك :منع الفقهاء الضّرب في
المواضع الّتي قد يؤدّي فيها إلى التلف .
ن الضّرب على الوجه والفرج والبطن والصّدر ممنوع .
ولذلك فالرّاجح :أ ّ
وعلى الساس المتقدّم منع جمهور الفقهاء في التّعزير :الصّفع ،وحلق اللّحية ،وتسويد
الوجه ،وإن كان البعض قال به في شهادة الزّور ،قال السروشنيّ :ل يباح التّعزير بالصّفع
،لنّه من أعلى ما يكون من الستخفاف .وقال :تسويد الوجه في شهادة الزّور ممنوع
بالجماع ،أي بين الحنفيّة .
قال البهوتيّ :يحرم التّعزير بحلق لحيته لما فيه من المثلة ول تسويد وجهه .
والتّعزير بالقتل عند من يراه يشترط في آلته :أن تكون حادّة من شأنها إحداث القتل بسهولة ،
بحيث ل يتخلّف عنها القتل ،وألّا تكون كالّة ،فذلك من المثلة ،والرّسول صلى ال عليه
ل شيء ،فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ،
ل كتب الحسان على ك ّ
وسلم يقول « :إنّ اللّه عزّ وج ّ
وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة ،وليحدّ أحدكم شفرته ،وليرح ذبيحته » وفي ذلك أمر بالحسان
ل اللّه ذبحه من النعام ،فالحسان في الدميّ أولى .
في القتل ،وإراحة ما أح ّ
المعاصي الّتي شرع فيها التّعزير :
- 8المعصية :فعل ما حرم ،وترك ما فرض ،يستوي في ذلك كون العقاب دنيويّا أو
ن ترك الواجب أو فعل المحرّم معصية فيها التّعزير ،إذا لم
أخرويّا .أجمع الفقهاء على :أ ّ
يكن هناك ح ّد مقدّر .
ومثال ترك الواجب عندهم :منع الزّكاة ،وترك قضاء الدّين عند القدرة على ذلك ،وعدم
أداء المانة ،وعدم ردّ المغصوب ،وكتم البائع ما يجب عليه بيانه ،كأن يدلّس في المبيع
عيبا خفيّا ونحوه ،والشّاهد والمفتي والحاكم يعزّرون على ترك الواجب .
ومثال فعل المحرّم :سرقة ما ل قطع فيه ،لعدم توافر شروط النّصاب أو الحرز مثلً ،
ش في السواق ،والعمل بالرّبا ،وشهادة الزّور .
وتقبيل الجنبيّة ،والخلوة بها ،والغ ّ
وقد يكون الفعل مباحا في ذاته لكنّه يؤدّي لمفسدة ،وحكمه عند كثير من الفقهاء -وعلى
الخصوص المالكيّة -أنّه يصير حراما ،بناء على قاعدة سدّ الذّرائع ،وعلى ذلك فارتكاب
مثل هذا الفعل فيه التّعزير ،ما دام ليست له عقوبة مقدّرة .
وما ذكر هو عن الواجب والمحرّم ،أمّا عن المندوب والمكروه -فعند بعض الصوليّين :
المندوب مأمور به ،ومطلوب فعله ،والمكروه منهيّ عنه ،ومطلوب تركه .
ن ال ّذمّ يسقط عن تارك المندوب ،لكنّه يلحق تارك الواجب .
ويميّز المندوب عن الواجب أ ّ
ن الذّ ّم يسقط عن مرتكب المكروه ،ولكنّه يثبت على مرتكب
ويميّز المكروه عن المحرّم :أ ّ
ن العصيان اسم ذمّ
المحرّم ،وبناء على ذلك ليس تارك المندوب أو فاعل المكروه عاصيا ،ل ّ
،وال ّذمّ أسقط عنهما ،ولكنّهم يعتبرون من يترك المندوب أو يأتي المكروه مخالفا ،وغير
ممتثل .وعند آخرين :المندوب غير داخل تحت المر ،والمكروه غير داخل تحت النّهي ،
فيكون المندوب مرغّبا في فعله ،والمكروه مرغّبا عنه .
وعندهم ل يعتبر تارك المندوب وفاعل المكروه عاصيا .
وقد اختلف في تعزير تارك المندوب ،وفاعل المكروه ،ففريق من الفقهاء على عدم جوازه ،
لعدم التّكليف ،ول تعزير بغير تكليف .وفريق أجازه ،استنادا على فعل عمر رضي ال عنه
،فقد عزّر رجل أضجع شاة لذبحها ،وأخذ يح ّد شفرته وهي على هذا الوضع ،وهذا الفعل
ليس إل مكروها ،ويأخذ هذا الحكم من يترك المندوب .
وقال القليوبيّ :قد يشرع التّعزير ول معصية ،كتأديب طفل ،وكافر ،وكمن يكتسب بآلة
لهو ل معصية فيها .
اجتماع التّعزير مع الحدّ أو القصاص أو الكفّارة :
- 9قد يجتمع التّعزير مع الحدّ ،فالحنفيّة ل يرون تغريب الزّاني غير المحصن من حدّ الزّنى
ن حدّه مائة جلدة ل غير ،ولكنّهم يجيزون تغريبه بعد الجلد ،وذلك على وجه
.فعندهم أ ّ
التّعزير .ويجوز تعزير شارب الخمر بالقول ،بعد إقامة حدّ الشّرب عليه ،فعن أبي هريرة
ي صلى ال عليه وسلم أمر بتبكيت شارب الخمر بعد الضّرب » .
ن النّب ّ
رضي ال عنه « أ ّ
والتّبكيت تعزير بالقول ،وممّن قال بذلك :الحنفيّة ،والمالكيّة .
ن الجارح عمدا يقتصّ منه ويؤدّب .
وقال المالكيّة :إ ّ
ومن ثمّ فالتّعزير قد اجتمع مع القصاص في العتداء على ما دون النّفس عمدا .
والشّافعيّ يجيز اجتماع التّعزير مع القصاص فيما دون النّفس من الجنايات على البدن ،وهو
أيضا يقول بجواز اجتماع التّعزير مع الح ّد ،مثل تعليق يد السّارق في عنقه بعد قطعها ساعة
من نهار ،زيادة في النّكال .وقال أحمد بذلك ،لما روى فضالة بن عبيد « أنّ الرّسول صلى
ن عليّا فعل ذلك ،ومثل :
ال عليه وسلم قطع يد سارق ،ثمّ أمر بها فعلّقت في عنقه » .وأ ّ
ن حدّ الشّرب عند الشّافعيّ أربعون .
الزّيادة عن الربعين في حدّ الشّرب ،ل ّ
وقد يجتمع التّعزير مع الكفّارة .فمن المعاصي ما فيه الكفّارة مع الدب ،كالجماع في
حرام ،وفي نهار رمضان ،ووطء المظاهر منها قبل الكفّارة إذا كان الفعل متعمّدا في
جميعها .وقيل بالتّعزير كذلك في حلف اليمين الغموس عند الشّافعيّ ،خلفا للحنفيّة ،فإنّه ل
كفّارة في يمين الغموس ،وفيها التّعزير .وعند مالك في القتل الّذي ل قود فيه ،كالقتل الّذي
عفي عن القصاص فيه ،تجب على القاتل الدّية ،وتستحبّ له الكفّارة ،ويضرب مائة ،
ويحبس سنة ،وهذا تعزير قد اجتمع مع الكفّارة .
وقال البعض في القتل شبه العمد :بوجوب التّعزير مع الكفّارة ،لنّ هذه حقّ اللّه تعالى ،
بمنزلة الكفّارة في الخطأ ،وليست لجل الفعل ،بل هي بدل النّفس الّتي فاتت بالجناية .
ونفس الفعل المحرّم -وهو جناية القتل شبه العمد -ل كفّارة فيه .وقد استدلّوا على ذلك :
بأنّه إذا جنى شخص على آخر دون أن يتلف شيئا فإنّه يستحقّ التّعزير ،ول كفّارة في هذه
الجناية .بخلف ما لو أتلف بل جناية محرّمة ،فإنّ الكفّارة تجب بل تعزير .
وإنّ الكفّارة في شبه العمد بمنزلة الكفّارة على المجامع في الصّيام والحرام .
التّعزير حقّ للّه وحقّ للعبد :
- 10ينقسم التّعزير إلى ما هو حقّ للّه ،وما هو حقّ للعبد .والمراد بالوّل غالبا :ما تعلّق
به نفع العامّة ،وما يندفع به ضرر عامّ عن النّاس ،من غير اختصاص بأحد .والتّعزير هنا
ق اللّه ،لنّ إخلء البلد من الفساد واجب مشروع ،وفيه دفع للضّرر عن المّة ،
من ح ّ
وتحقيق نفع عامّ .ويراد بالثّاني :ما تعلّقت به مصلحة خاصّة لحد الفراد .وقد يكون
التّعزير خالص حقّ اللّه ،كتعزير تارك الصّلة ،والمفطر عمدا في رمضان بغير عذر ،
ومن يحضر مجلس الشّراب .
وقد يكون لحقّ اللّه وللفرد ،مع غلبة حقّ اللّه ،كنحو تقبيل زوجة آخر وعناقها .
وقد تكون الغلبة لحقّ الفرد ،كما في السّبّ والشّتم والمواثبة .
وقد قيل بحالت يكون فيها التّعزير لحقّ الفرد وحده ،كالصّبيّ يشتم رجلً لنّه غير مكلّف
بحقوق اللّه تعالى فيبقى تعزيره متمحّضا لحقّ المشتوم .
وتظهر أه ّميّة التّفرقة بين نوعي التّعزير في أمور :
ن التّعزير الواجب حقّا للفرد أو الغالب فيه حقّه -وهو يتوقّف على الدّعوى -إذا
منها :أ ّ
طلبه صاحب الحقّ فيه لزمت إجابته ،ول يجوز للقاضي فيه السقاط ،ول يجوز فيه العفو
ي المر .
أو الشّفاعة من ول ّ
ي المر جائز ،وكذلك الشّفاعة إن كانت
ن العفو فيه من ول ّ
أمّا التّعزير الّذي يجب حقّا للّه فإ ّ
في ذلك مصلحة ،أو حصل انزجار الجاني بدونه .وقد روي عن الرّسول صلى ال عليه
وسلم قوله « :اشفعوا تؤجروا ويقضي اللّه على لسان نبيّه ما يشاء » .
وقد حصل الخلف في التّعزير هل هو واجب على وليّ المر أم ل فمالك ،وأبو حنيفة ،
وأحمد قالوا بوجوب التّعزير فيما شرع فيه .
وقال الشّافعيّ :إنّه ليس بواجب ،استنادا إلى « أنّ رجلً قال للرّسول صلى ال عليه وسلم :
إنّي لقيت امرأة فأصبت منها دون أن أطأها .فقال صلى ال عليه وسلم أصلّيت معنا ؟ قال
س ّيئَاتِ
ن ال ّ
ت ُيذْهِبْ َ
حسَنَا ِ
ن ال َ
طرَ َفيِ ال ّنهَارِ َوزُلَفَا ِمنَ اللّيلِ إ ّ
نعم :فتل عليه آية { :وََأقِمِ الصّل َة َ
} » .وإلى قوله صلى ال عليه وسلم في النصار « .اقبلوا من محسنهم ،وتجاوزوا عن
ح َكمَ به للزّبير لم يرقه
حكْمٍ َ
ل قال للرّسول صلى ال عليه وسلم في ُ
ن رج ً
مسيئهم » وإلى « أ ّ
:إن كان ابن عمّتك ،فغضب .ولم ينقل أنّه عزّره » .
وقال آخرون ،ومنهم بعض الحنابلة :إنّ ما كان من التّعزير منصوصا عليه كوطء جارية
مشتركة يجب امتثال المر فيه .
أمّا ما لم يرد فيه نصّ فإنّه يجب إذا كانت فيه مصلحة ،أو كان ل ينزجر الجاني إل به ،فإنّه
يجب كالحدّ ،أمّا إذا علم أنّ الجاني ينزجر بدون التّعزير فإنّه ل يجب .ويجوز للمام فيه
ق الفراد .
العفو إن كانت فيه مصلحة ،وكان من حقّ اللّه تعالى ،خلف ما هو من ح ّ
التّعزير عقوبة مفوّضة :
المراد بالتّفوّض وأحكامه :
ن التّعزير عقوبة
- 11ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وهو الرّاجح عن الحنفيّة :أ ّ
مفوّضة إلى رأي الحاكم ،وهذا التّفويض في التّعزير من أهمّ أوجه الخلف بينه وبين الحدّ
الّذي هو عقوبة مقدّرة من الشّارع .وعلى الحاكم في تقدير عقوبة التّعزير مراعاة حال
الجريمة والمجرم .أمّا مراعاة حال الجريمة فللفقهاء فيه نصوص كثيرة ،منه قول
الستروشنيّ :ينبغي أن ينظر القاضي إلى سببه ،فإن كان من جنس ما يجب به الح ّد ولم
يجب لمانع وعارض ،يبلغ التّعزير أقصى غاياته .
وإن كان من جنس ما ل يجب الحدّ ل يبلغ أقصى غاياته ،ولكنّه مفوّض إلى رأي المام .
وأمّا مراعاة حال المجرم فيقول الزّيلعيّ :إنّه في تقدير التّعزير ينظر إلى أحوال الجانين ،
فإنّ من النّاس من ينزجر باليسير .ومنهم من ل ينزجر إل بالكثير .يقول ابن عابدين :إنّ
التّعزير يختلف باختلف الشخاص ،فل معنى لتقديره مع حصول المقصود بدونه ،فيكون
مفوّضا إلى رأي القاضي ،يقيمه بقدر ما يرى المصلحة فيه .
ن أدنى التّعزير على ما يجتهد المام في الجاني ،بقدر ما يعلم أنّه ينزجر به
ويقول السّنديّ :إ ّ
،لنّ المقصود من التّعزير الزّجر ،والنّاس تختلف أحوالهم في النزجار ،فمنهم من يحصل
له الزّجر بأقلّ الضّربات ،ويتغيّر بذلك .ومنهم من ل يحصل له الزّجر بالكثير من الضّرب
.ونقل عن أبي يوسف :إنّ التّعزير يختلف على قدر احتمال المضروب .
وقد منع بعض الحنفيّة تفويض التّعزير ،وقالوا بعدم تفويض ذلك للقاضي ،لختلف حال
القضاة ،وهذا هو الّذي قال به الطّرسوسيّ في شرح منظومة الكنز .وقد أيّدوا هذا الرّأي بأنّ
المراد من تفويض التّعزير إلى رأي القاضي ليس معناه التّفويض لرأيه مطلقا ،بل المقصود
ن عدم التّفويض هو الرّأي الضّعيف عند الحنفيّة .
القاضي المجتهد .وقد ذكر السّنديّ :أ ّ
وقال أبو بكر الطّرسوسيّ في أخبار الخلفاء المتقدّمين :إنّهم كانوا يراعون قدر الجاني وقدر
الجناية ،فمن الجانين من يضرب ،ومنهم من يحبس ،ومنهم من يقام واقفا على قدميه في
المحافل ،ومنهم من ينتزع عمامته ،ومنهم من يحلّ حزامه .
ن التّعزير يختلف من حيث المقادير ،والجناس ،والصّفات ،
ص المالكيّة :على أ ّ
ون ّ
باختلف الجرائم ،من حيث كبرها ،وصغرها ،وبحسب حال المجرم نفسه ،وبحسب حال
القائل والمقول فيه والقول ،وهو موكول إلى اجتهاد المام .
قال القرافيّ :إنّ التّعزير يختلف باختلف الزمنة والمكنة ،وتطبيقا لذلك قال ابن فرحون :
ب تعزير في بلد يكون إكراما في بلد آخر ،كقطع الطّيلسان ليس تعزيرا في الشّام بل إكرام
ر ّ
،وكشف الرّأس عند الندلسيّين ليس هوانا مع أنّه في مصر والعراق هوان .وقال :إنّه
يلحظ في ذلك أيضا نفس الشّخص ،فإنّ في الشّام مثلً من كانت عادته الطّيلسان وألفه -من
المالكيّة وغيرهم -يعتبر قطعه تعزيرا لهم .فما ذكر ظاهر منه :أنّ المر لم يقتصر على
اختلف التّعزير باختلف الزّمان والمكان والشخاص ،مع كون الفعل محلً لذلك ،بل إنّ
هذا الختلف قد يجعل الفعل نفسه غير معاقب عليه ،بل قد يكون مكرمة .
النواع الجائزة في عقوبة التّعزير :
ل حالة ما
- 12يجوز في مجال التّعزير :إيقاع عقوبات مختلفة ،يختار منها الحاكم في ك ّ
يراه مناسبا محقّقا لغراض التّعزير .وهذه العقوبات قد تنصبّ على البدن ،وقد تكون مقيّدة
للحرّيّة ،وقد تصيب المال ،وقد تكون غير ذلك .وفيما يلي بيان هذا الجمال .العقوبات
البدنيّة :
أ -التّعزير بالقتل :
- 13الصل :أنّه ل يبلغ بالتّعزير القتل ،وذلك لقول اللّه تعالى { :وَل تَ ْقتُلُوا النّفْسَ الّتيْ
حرّمَ اللّهُ إلّا بِالحَقّ } وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل يحلّ دمُ امرئ مسلم إلّا بإحدى
َ
ب الزّاني ،والنّفسُ بالنّفس ،والتّاركُ لدينه المفارق للجماعة » .
ثلث :ال ّثيّ ُ
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معيّنة بشروط مخصوصة ،من ذلك
:قتل الجاسوس المسلم إذا تجسّس على المسلمين ،وذهب إلى جواز تعزيره بالقتل مالك
وبعض أصحاب أحمد ،ومنعه أبو حنيفة ،والشّافعيّ ،وأبو يعلى من الحنابلة .
سنّة كالجهميّة .ذهب
وتوقّف فيه أحمد .ومن ذلك :قتل الدّاعية إلى البدع المخالفة للكتاب وال ّ
إلى ذلك كثير من أصحاب مالك ،وطائفة من أصحاب أحمد .
وأجاز أبو حنيفة التّعزير بالقتل فيما تكرّر من الجرائم ،إذا كان جنسه يوجب القتل ،كما يقتل
من تكرّر منه اللّواط أو القتل بالمثقّل .وقال ابن تيميّة :وقد يستدلّ على أنّ المفسد إذا لم
ي رضي ال
ينقطع شرّه إل بقتله فإنّه يقتل ،لما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الشجع ّ
عنه قال « :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول :من أتاكم وأمركم جميع على
رجل واحد يريد أن يشقّ عصاكم ،أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه »
ب -التّعزير بالجلد :
- 14الجلد في التّعزير مشروع ،ودليله قول الرّسول صلى ال عليه وسلم « :ل يجلد أحد
فوق عشرة أسواط ،إل في حدّ من حدود اللّه تعالى » .
وفي الحريسة الّتي تؤخذ من مراتعها غرم ثمنها مرّتين ،وضرب نكال .وكذلك الحكم في
سرقة التّمر يؤخذ من أكمامه ،لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال « سئل رسول
اللّه صلى ال عليه وآله وسلم عن التّمر المعلّق ،فقال :من أصاب منه بفيه من ذي حاجة
غير متّخذ خبنة فل شيء عليه ،ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ،ومن
ن فعليه القطع » رواه النّسائيّ وأبو داود .
سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المج ّ
وفي رواية قال « سمعت رجلً من مزينة يسأل رسول اللّه صلى ال عليه وآله وسلم عن
الحريسة الّتي توجد في مراتعها ؟ قال :فيها ثمنها مرّتين ،وضرب نكال .وما أخذ من
عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجنّ .قال :يا رسول اللّه ،فالثّمار وما أخذ
منها في أكمامها ؟ قال :من أخذ بفمه ولم يتّخذ خبنة فليس عليه شيء ،ومن احتمل فعليه
ثمنه مرّتين ،وضرب نكال ،وما أخذ من أجرانه ففيه القطع ،إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن
المجنّ » رواه أحمد والنّسائيّ .ولبن ماجه معناه ،وزاد النّسائيّ في آخره « :وما لم يبلغ
ن ففيه غرامة مثليه ،وجلدات نكال » .وقد سار على هذه العقوبة في التّعزير
ثمن المج ّ
الخلفاء الرّاشدون ومن بعدهم من الحكّام ،ولم ينكر عليهم أحد .
مقدار الجلد في التّعزير :
- 15ممّا ل خلف فيه عند الحنفيّة :أنّ التّعزير ل يبلغ الحدّ ،لحديث « :من بلغ حدّا في
غير حدّ فهو من المعتدين » واختلف الحنفيّة في أقصى الجلد في التّعزير :
فيرى أبو حنيفة :أنّه ل يزيد عن تسعة وثلثين سوطا بالقذف والشّرب ،أخذا عن الشّعبيّ ،
إذ صرف كلمة الحدّ في الحديث إلى ح ّد الرقّاء وهو أربعون .
وأبو يوسف قال بذلك أوّل ،ثمّ عدل عنه إلى اعتبار أقلّ حدود الحرار وهو ثمانون جلدة .
و جه ما ذ هب إل يه أ بو حني فة :أ نّ الحد يث ذكنر حدّا منكّرا ،وأربعون جلدة حدّ كا مل في
الرقّاء عند الحنفيّة في القذف والشّرب ،فينصرف إلى القلّ .
وأبو يوسف اعتمد على أنّ الصل في النسان الح ّريّة ،وحدّ العبد نصف حدّ الحرّ ،فليس
حدّا كاملً ،ومطلق السم ينصرف إلى الكامل في كلّ باب .وفي عدد الجلدات روايتان عن
ن التّعزير يصل إلى تسعة وسبعين سوطا ،وهي رواية هشام عنه ،
أبي يوسف :إحداهما :أ ّ
وقد أخذ بذلك زفر ،وهو قول عبد الرّحمن بن أبي ليلى ،وهو القياس ،لنّه ليس حدّا فيكون
من أفراد المسكوت عن النّهي عنه في حديث « :من بلغ حدّا في غير حدّ » . . .
والثّانية :وهي ظاهر الرّواية عن أبي يوسف :أنّ التّعزير ل يزيد على خمسة وسبعين سوطا
،وروي ذلك أثرا عن عمر رضي ال عنه ،كما روي عن عليّ رضي ال عنه أيضا ،
ن أبا يوسف أخذ بقولهما في نقصان الخمسة ،
وأنّهما قال :في التّعزير خمسة وسبعون .وأ ّ
واعتبر عملهما أدنى الحدود .
وعند المالكيّة قال المازريّ :إنّ تحديد العقوبة ل سبيل إليه عند أحد من أهل المذهب ،وقال
ن مذهب مالك يجيز في العقوبات فوق الحدّ .
:إّ
ن المشهور أنّه قد يزاد على الحدّ .وعلى ذلك فالرّاجح لدى المالكيّة :
وحكي عن أشهب :أ ّ
ن المام له أن يزيد التّعزير عن الحدّ ،مع مراعاة المصلحة الّتي ل يشوبها الهوى .
أّ
وممّا استدلّ به المالكيّة :فعل عمر في معن بن زياد لمّا زوّر كتابا على عمر وأخذ به من
صاحب بيت المال مال ،إذ جلده مائة ،ثمّ مائة أخرى ،ثمّ ثالثة ،ولم يخالفه أحد من
الصّحابة فكان إجماعا ،كما أنّه ضرب صبيغ بن عسل أكثر من الحدّ .وروى أحمد بإسناده
ي قد شرب خمرا في رمضان فجلده ثمانين ( الحدّ )
ن عليّا رضي ال عنه أتي بالنّجاش ّ
أّ
وعشرين سوطا ،لفطره في رمضان .
ن أبا السود استخلفه ابن عبّاس رضي ال عنهما على قضاء البصرة فأتي
كما روي :أ ّ
بسارق قد جمع المتاع في البيت ولم يخرجه ،فضربه خمسة وعشرين سوطا وخلّى سبيله .
وقالوا في حديث أبي بردة رضي ال عنه « :ل يجلد أحد فوق عشرة أسواط إل في حدّ من
حدود اللّه » إنّه مقصور على زمن الرّسول صلى ال عليه وسلم ،لنّه كان يكفي الجاني
ن المراد بقوله :في حدّ ،أي في حقّ من حقوق اللّه تعالى ،
منهم هذا القدر ،وتأوّلوه على أ ّ
وإن لم يكن من المعاصي المقدّر حدودها لنّ المعاصي كلّها من حدود اللّه تعالى .
وعند الشّافعيّة :أنّ التّعزير إن كان بالجلد فإنّه يجب أن ينقص عن أقلّ حدود من يقع عليه
التّعزير ،فينقص في العبد عن عشرين ،وفي الحرّ عن أربعين ،وهو حدّ الخمر عندهم ،
وقيل بوجوب النّقص فيهما عن عشرين ،لحديث « :من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من
المعتدين » ويستوي في النّقص عمّا ذكر جميع الجرائم على الصحّ عندهم .وقيل بقياس كلّ
جريمة بما يليق بها ممّا فيه أو في جنسه حدّ ،فينقص على سبيل المثال تعزير مقدّمة الزّنى
عن حدّه ،وإن زاد على حدّ القذف ،وتعزير السّبّ عن حدّ القذف ،وإن زاد على حدّ الشّرب
.وقيل في مذهب الشّافعيّة :ل يزيد في أكثر الجلد في التّعزير عن عشر جلدات أخذا بحديث
أبي بردة « :ل يجلد فوق عشرة أسواط إل في ح ّد من حدود اللّه » لما اشتهر من قول
ح هذا الحديث .
ح الحديث فهو مذهبي ،وقد ص ّ
الشّافعيّ :إذا ص ّ
وعند الحنابلة :اختلفت الرّواية عن أحمد في قدر جلد التّعزير ،فروي أنّه ل يبلغ الحدّ .وقد
ذكر الخرقيّ هذه الرّواية ،والمقصود بمقتضاها :أنّه ل يبلغ بالتّعزير أدنى حدّ مشروع ،فل
ن الربعين حدّ العبد في الخمر والقذف ،ول يجاوز تسعة وثلثين
يبلغ بالتّعزير أربعين ،ل ّ
ن حدّ الخمر أربعون سوطا .ونصّ
سوطا في الحرّ ،ول تسعة عشر في العبد على القول بأ ّ
مذهب أحمد :أن ل يزاد على عشر جلدات في التّعزير ،للثر « :ل يجلد أحد فوق عشرة
أسواط إلّا في حدّ » . . .إل ما ورد من الثار مخصّصا لهذا الحديث ،كوطء جارية امرأته
بإذنها ،ووطء جارية مشتركة المرويّ عن عمر .
ل جريمة حدّا
قال ابن قدامة :ويحتمل كلم أحمد والخرقيّ :أنّه ل يبلغ التّعزير في ك ّ
مشروعا في جنسها ،ويجوز أن يزيد على ح ّد غير جنسها ،وقد روي عن أحمد ما يدلّ على
هذا .واستدلّ بما روي عن النّعمان بن بشير رضي ال عنهما فيمن وطئ جارية امرأته بإذنها
:أنّه يجلد مائة جلدة ،وهذا تعزير ،لنّ عقاب هذه الجريمة للمحصن الرّجم ،وبما روي
عن سعيد بن المسيّب عن عمر رضي ال عنه في الرّجل الّذي وطئ أمة مشتركة بينه وآخر
ج بهذا الحديث أحمد .
:أنّه يجلد الحدّ إلّا سوطا واحدا ،وقد احت ّ
وقد زاد ابن تيميّة وابن القيّم رأيا رابعا :هو أنّ التّعزير يكون بحسب المصلحة ،وعلى قدر
الجريمة ،فيجتهد فيه وليّ المر على أل يبلغ التّعزير فيما فيه حدّ مقدّر ذلك المقدّر ،
فالتّعزير على سرقة ما دون النّصاب مثل ل يبلغ به القطع ،وقال :إنّ هذا هو أعدل القوال
سنّة دلّت عليه ،كما م ّر في ضرب الّذي أحلّت له امرأته جاريتها مائة ل الحدّ وهو
،وإنّ ال ّ
الرّجم ،كما أنّ عليّا وعمر رضي ال عنهما ضربا رجل وامرأة وجدا في لحاف واحد مائة
مائة ،وحكم عمر رضي ال عنه فيمن قلّد خاتم بيت المال بضربه ثلثمائة على مرّات ،
وضرب صبيغ بن عسل للبدعة ضربا كثيرا لم يعدّه .
وخلصة مذهب الحنابلة :أنّ فيه من يقول بأنّ التّعزير ل يزيد على عشر جلدات ،ومن
يقول :بأنّه ل يزيد على أقلّ الحدود ،ومن يقول :بأنّه ل يبلغ في جريمة قدر الحدّ فيها ،
وهناك من يقول :بأنّه ل يتقيّد بشيء من ذلك ،وأنّه يكون بحسب المصلحة ،وعلى قدر
الجريمة ،فيما ليس فيه حدّ مقدّر .والرّاجح عندهم التّحديد سواء أكان بعشر جلدات أم بأقلّ
من أدنى الحدود أم بأقلّ من الحدّ المقرّر لجنس الجريمة .
وما ذكر هو عن الحدّ العلى ،أمّا عن الحدّ الدنى فقد قال القدوريّ :إنّه ثلث جلدات ،لنّ
ن غالبيّة الحنفيّة على أنّ المر في أقلّ جلد التّعزير
هذا العدد أقلّ ما يقع به الزّجر .ولك ّ
مرجعه الحاكم ،بقدر ما يعلم أنّه يكفي للزّجر .
وقال في الخلصة :إنّ اختيار التّعزير إلى القاضي من واحد إلى تسعة وثلثين ،وقريب
ل التّعزير ليس مقدّرا فيرجع فيه إلى اجتهاد
من ذلك تصريح ابن قدامة ،فقد قال :إنّ أق ّ
المام أو الحاكم فيما يراه وما تقتضيه حال الشّخص .
ج -التّعزير بالحبس :
سنّة والجماع أمّا الكتاب فقوله تعالى { :وَالّلئِي َي ْأتِينَ
- 16الحبس مشروع بالكتاب وال ّ
ن في البُيوتِ حتّى
سكُوهُ ّ
ش ِهدُوا َفَأ ْم ِ
ن َأ ْربَع ًة ِم ْن ُكمْ فإنْ َ
ش ِهدُوا عَلَيه ّ
ستَ ْ
حشَةَ ِمنْ ِنسَا ِئكُمْ فَا ْ
الفَا ِ
ن اللّهَ َورَسُولَه
ن ُيحَا ِربُو َ
جزَاءُ الّذي َ
سبِيلً } وقوله { :إ ّنمَا َ
ل اللّ ُه َلهُنّ َ
جعَ َ
َيتَ َوفّاهُنّ المَوتُ أو َي ْ
لرْضِ َفسَادَا أنْ يُ َقتّلُوا أو ُيصَّلبُوا أو تُ َقطّعَ أَيدِيهمْ وَأ ْرجُُلهُ ْم مِنْ خِلفٍ أو ُينْفَوا
ن في ا َ
سعَو َ
َو َي ْ
ن المقصود بالنّفي هنا الحبس .
من الرْضِ } .فقد قال الزّيلعيّ :إ ّ
سنّة فقد ثبت « :أنّ الرّسول صلى ال عليه وسلم حبس بالمدينة أناسا في تهمة دم ،
وأمّا ال ّ
وحكم بالضّرب والسّجن ،وأنّه قال فيمن أمسك رجلً لخر حتّى قتله :اقتلوا القاتل ،
واصبروا الصّابر » .وفسّرت عبارة « اصبروا الصّابر » بحبسه حتّى الموت ،لنّه حبس
المقتول للموت بإمساكه إيّاه .
وأمّا الجماع فقد أجمع الصّحابة رضي ال عنهم ،ومن بعدهم ،على المعاقبة بالحبس .
ن عمر
واتّفق الفقهاء على أنّ الحبس يصلح عقوبة في التّعزير .وممّا جاء في هذا المقام :أ ّ
رضي ال عنه سجن الحطيئة على الهجو ،وسجن صبيغا على سؤاله عن الذّاريات ،
ن عثمان رضي ال عنه سجن ضابئ بن الحارث ،
والمرسلت ،والنّازعات ،وشبهه ،وأ ّ
وكان من لصوص بني تميم وفتّاكهم ،وأنّ عليّ بن أبي طالب رضي ال عنه سجن بالكوفة .
وأنّ عبد اللّه بن الزّبير رضي ال عنه سجن بمكّة ،وسجن في " دارم " محمّد بن الحنفيّة لمّا
امتنع عن بيعته .
مدّة الحبس في التّعزير :
- 17الصل أنّ تقدير مدّة الحبس يرجع إلى الحاكم ،مع مراعاة ظروف الشّخص ،
ي إلى ذلك بقوله :ليس للحبس مدّة مقدّرة .
والجريمة والزّمان والمكان .وقد أشار الزّيلع ّ
ن الحبس تعزيرا يختلف باختلف المجرم ،وباختلف الجريمة ،فمن
وقال الماورديّ :إ ّ
الجانين من يحبس يوما ،ومنهم من يحبس أكثر ،إلى غاية غير مقدّرة .
ن شرط الحبس :النّقص عن سنة ،كما نصّ عليه الشّافعيّ
ي من الشّافعيّة ،ذكر أ ّ
ن الشّربين ّ
لك ّ
في المّ ،وصرّح به معظم الصحاب .وأطلق الحنابلة في تقدير المدّة .
د -التّعزير بالنّفي " التّغريب " :
مشروعيّة التّعزير بالنّفي :
سنّة
- 18التّعزير بالنّفي مشروع بل خلف بين الفقهاء ،ودليل مشروعيّته :الكتاب وال ّ
والجماع .أمّا الكتاب فقوله تعالى { :أَ ْو ُينْفَوْا مِن الرْضِ } ومن ثمّ فهو عقوبة مشروعة في
سنّة « :فإنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قضى بالنّفي تعزيرا في المخنّثين ،إذ
الحدود .وأمّا ال ّ
نفاهم من المدينة » .
وأمّا الجماع :فإنّ عمر رضي ال عنه نفى نصر بن حجّاج لفتتان النّساء به ،ولم ينكر
عليه أحد من الصّحابة .
ن عمر غرّب من المدينة نصر بن حجّاج
ويجوز كون التّغريب لكثر من مسافة القصر ،ل ّ
إلى البصرة ،ونفى عثمان رضي ال عنه إلى مصر ،ونفى عليّ رضي ال عنه إلى البصرة.
ويشترط أن يكون التّغريب لبلد معيّن ،فل يرسل المحكوم عليه به إرسالً ،وليس له أن
يختار غير البلد المعيّن لبعاده ،ول يجوز أن يكون تغريب الجاني لبلده .
ل المسافة بين بلد الجاني والبلد المغرّب إليه عن مسيرة يوم وليلة
ويرى الشّافعيّ :أن ل تق ّ
ويرى ابن أبي ليلى :أن ينفى الجاني إلى بلد غير البلد الّذي ارتكبت فيه الجريمة بحيث
تكون المسافة بين البلد الّذي ينفى إليه وبلد الجريمة ،دون مسيرة سفر .
مدّة التّغريب :
- 19ل يعتبر أبو حنيفة التّغريب في الزّنى حدّا ،بل يعتبره من التّعزير ،ويترتّب على ذلك
:أنّه يجيز أن يزيد من حيث المدّة عن سنة .
ن التّغريب عنده في الزّنى
ويجوز عند مالك أن يزيد التّغريب في التّعزير عن سنة ،مع أ ّ
حدّ ،لنّه يقول بنسخ حديث « :من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين » .
ن للمام أن يزيد في التّعزير عن الحدّ ،مع مراعاة المصلحة غير
والرّاجح عند المالكيّة :أ ّ
المشوبة بالهوى .
وعلى ذلك بعض فقهاء الشّافعيّة ،والحنابلة .ويرى البعض الخر منهم :أنّ مدّة التّغريب في
التّعزير ل يجوز أن تصل إلى سنة ،لنّهم يعتبرون التّغريب في جريمة الزّنى حدّا ،وإذا
كانت مدّته فيها عاما فل يجوز عندهم في التّعزير أن يصل التّغريب لعام ،لحديث « :من
بلغ حدّا في غير ح ّد فهو من المعتدين » .وتفصيله في ( نفي ) .
هن -التّعزير بالمال :
مشروعيّة التّعزير بالمال :
- 20الصل في مذهب أبي حنيفة :أنّ التّعزير بأخذ المال غير جائز ،فأبو حنيفة ومحمّد ل
يجيزانه ،بل إنّ محمّدا لم يذكره في كتاب من كتبه .أمّا أبو يوسف فقد روي عنه :أنّ
التّعزير بأخذ المال من الجاني جائز إن رؤيت فيه مصلحة .
وقال الشبراملسي :ول يجوز على الجديد بأخذ المال .يعني ل يجوز التّعزير بأخذ المال في
مذهب الشّافعيّ الجديد ،وفي المذهب القديم :يجوز .
أمّا في مذهب مالك في المشهور عنه ،فقد قال ابن فرحون :التّعزير بأخذ المال قال به
المالكيّة .وقد ذكر مواضع مخصوصة يعزّر فيها بالمال ،وذلك في قوله :سئل مالك عن
اللّبن المغشوش أيراق ؟ قال :ل ،ولكن أرى أن يتصدّق به ،إذا كان هو الّذي غشّه .وقال
في الزّعفران والمسك المغشوش مثل ذلك ،سواء كان ذلك قليلً أو كثيرا ،وخالفه ابن القاسم
في الكثير ،وقال :يباع المسك والزّعفران على ما يغشّ به ،ويتصدّق بالثّمن أدبا للغاشّ .
وأفتى ابن القطّان الندلسيّ في الملحف الرّديئة النّسج بأن تحرّق .وأفتى ابن عتّاب :
بتقطيعها والصّدقة بها خرقا .
وعند الحنابلة يحرم التّعزير بأخذ المال أو إتلفه ،لنّ الشّرع لم يرد بشيء من ذلك عمّن
ن التّعزير بالمال سائغ إتلفا وأخذا .
يقتدى به .وخالف ابن تيميّة وابن القيّم ،فقال :إ ّ
واستدل لذلك بأقضية للرّسول صلى ال عليه وسلم كإباحته سلب من يصطاد في حرم المدينة
لمن يجده ،وأمره بكسر دنان الخمر ،وشقّ ظروفها ،وأمره عبد اللّه بن عمر رضي ال
عنهما بحرق الثّوبين المعصفرين ،وتضعيفه الغرامة على من سرق من غير حرز ،وسارق
ما ل قطع فيه من الثّمر والكثر ،وكاتم الضّالّة .ومنها أقضيّة الخلفاء الرّاشدين ،مثل أمر
عمر وعليّ رضي ال عنهما بتحريق المكان الّذي يباع فيه الخمر ،وأخذ شطر مال مانع
الزّكاة ،وأمر عمر بتحريق قصر سعد بن أبي وقّاص رضي ال عنه الّذي بناه حتّى يحتجب
فيه عن النّاس .وقد نفّذ هذا المر محمّد بن مسلمة رضي ال عنه .
أنواع التّعزير بالمال :
التّعزير بالمال يكون بحبسه أو بإتلفه ،أو بتغيير صورته ،أو بتمليكه للغير .
أ -حبس المال عن صاحبه :
- 21وهو أن يمسك القاضي شيئا من مال الجاني مدّة زجرا له ،ثمّ يعيده له عندما تظهر
ي يقتضي
توبته ،وليس معناه أخذه لبيت المال ،لنّه ل يجوز أخذ مال إنسان بغير سبب شرع ّ
ذلك .وفسّره على هذا الوجه أبو يحيى الخوارزميّ .
ونظيره ما يفعل في خيول البغاة وسلحهم ،فإنّها تحبس عنهم مدّة وتعاد إليهم إذا تابوا .
وصوّب هذا الرّأي المام ظهير الدّين التّمرتاشيّ الخوارزميّ .
أمّا إذا صار ميئوسا من توبته ،فإنّ للحاكم أن يصرف هذا المال فيما يرى فيه المصلحة .
ب -التلف :
- 22قال ابن تيميّة :إنّ المنكرات من العيان والصّفات يجوز إتلف محلّها تبعا لها ،
فالصنام صورها منكرة ،فيجوز إتلف مادّتها ،وآلت اللّهو يجوز إتلفها عند أكثر
الفقهاء ،وبذلك أخذ مالك ،وهو أشهر الرّوايتين عن أحمد .
ل الّذي يباع فيه الخمر
ومن هذا القبيل أيضا أوعية الخمر ،يجوز تكسيرها وتحريقها ،والمح ّ
يجوز تحريقه ،واستدلّ لذلك بفعل عمر رضي ال عنه في تحريق محلّ يباع فيه الخمر ،
ن مكان البيع
ي رضي ال عنه تحريق القرية الّتي كان يباع فيها الخمر ،ول ّ
وقضاء عل ّ
كالوعية .وقال :إنّ هذا هو المشهور في مذهب أحمد ،ومالك ،وغيرهما .
ومن هذا القبيل أيضا :إراقة عمر اللّبن المخلوط بالماء للبيع .ومنه ما يراه بعض الفقهاء من
جواز إتلف المغشوشات في الصّناعات ،كالثّياب رديئة النّسج ،بتمزيقها وإحراقها ،
وتحريق عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما لثوبه المعصفر بأمر النّبيّ صلى ال عليه وسلم.
ل الّذي قامت به المعصية نظيره إتلف المحلّ من
وقال ابن تيميّة :إنّ هذا التلف للمح ّ
الجسم الّذي وقعت به المعصية ،كقطع يد السّارق .وهذا التلف ليس واجبا في كلّ حالة ،
ن إبقاءه جائز ،إمّا له أو يتصدّق به .وبناء على ذلك أفتى
فإذا لم يكن في المحلّ مفسد فإ ّ
فريق من العلماء :بأن يتصدّق بالطّعام المغشوش .وفي هذا إتلف له .
وكره فريق التلف ،وقالوا بالتّصدّق به ،ومنهم مالك في رواية ابن القاسم ،وهي
ن في ذلك عقابا
المشهورة في المذهب .وقد استحسن مالك التّصدّق باللّبن المغشوش ،ل ّ
للجاني بإتلفه عليه ،ونفعا للمساكين بالعطاء لهم .وقال مالك في الزّعفران والمسك بمثل
قوله في اللّبن إذا غشّهما الجاني .وقال ابن القاسم بذلك في القليل من تلك الموال ،لنّ
التّصدّق بالمغشوش في الكثير من هذه الموال الثّمينة تضيع به أموال عظيمة على أصحابها ،
فيعزّرون في مثل تلك الحوال بعقوبات أخرى .
وعند البعض :أنّ مذهب مالك التّسوية بين القليل والكثير .وروى أشهب عن مالك منع
ل من مطرّف وابن الماجشون من فقهاء المذهب ،
العقوبات الماليّة ،وأخذ بهذه الرّواية ك ّ
وعندهما :أنّ من غشّ أو نقص من الوزن يعاقب بالضّرب ،والحبس ،والخراج من السّوق
،وأنّ ما غشّ من الخبز واللّبن ،أو غشّ من المسك والزّعفران ل يفرّق ول ينهب.
ج -التّغيير :
- 23من التّعزير بالتّغيير نهي النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن كسر سكّة المسلمين الجائزة
بين المسلمين ،كالدّراهم والدّنانير ،إل إذا كان بها بأس ،فإذا كانت كذلك كسرت ،وفعل
الرّسول صلى ال عليه وسلم في التّمثال الّذي كان في بيته ،والسّتر الّذي به تماثيل ،إذ قطع
رأس التّمثال فصار كالشّجرة ،وقطع السّتر إلى وسادتين منتبذتين يوطآن .
ومن ذلك :تفكيك آلت اللّهو ،وتغيير الصّور المصوّرة .
د -التّمليك :
- 24من التّعزير بالتّمليك « :قضاء الرّسول صلى ال عليه وسلم فيمن سرق من الثّمر
المعلّق قبل أن يؤخذ إلى الجرين بجلدات نكال ،وغرم ما أخذ مرّتين » « وفيمن سرق من
الماشية قبل أن تؤوي إلى المراح بجلدات نكال ،وغرم ذلك مرّتين » وقضاء عمر رضي ال
عنه بتضعيف الغرم على كاتم الضّالّة ،وقد قال بذلك طائفة من العلماء ،منهم :أحمد ،
وغيره ،ومن ذلك إضعاف عمر وغيره الغرم في ناقة أعرابيّ أخذها مماليك جياع ،إذ
أضعف الغرم على سيّدهم ،ودرأ القطع .
أنواع أخرى من التّعزير :
هناك أنواع أخرى من التّعزير غير ما سبق .
منها :العلم المجرّد ،والحضار لمجلس القضاء ،والتّوبيخ والهجر .
أ -العلم المجرّد :
- 25العلم :صورته أن يقول القاضي للجاني :بلغني أنّك فعلت كذا وكذا ،أو يبعث
القاضي أمينه للجاني ،ليقول له ذلك .
وقد قيّد البعض العلم ،بأن يكون مع النّظر بوجه عابس .
ب -الحضار لمجلس القضاء :
- 26قال الكاسانيّ :إنّ هذا النّوع من التّعزير يكون بالعلم ،والذّهاب إلى باب القاضي ،
والخطاب بالمواجهة .
وقال البعض :إنّه يكون بالعلم ،والجرّ لباب القاضي ،والخصومة فيما نسب إلى الجاني.
ن في هذه العقوبة يؤخذ الجاني إلى القاضي زيادة
والفرق بين هذه العقوبة والعلم المجرّد :أ ّ
عن العلم ،وذلك ليخاطبه في المواجهة .وبناء على ما ذكره الكمال بن الهمام :تتميّز هذه
عن العلم المجرّد بالخصومة فيما نسب إلى الجاني .وكثيرا ما يلجأ القاضي لهذين النّوعين
أو لواحد منهما إذا كان الجاني قد ارتكب الجريمة على سبيل الزّلّة والنّدور ابتداء ،إذا كان
ذلك زاجرا ،على شريطة كون الجريمة غير جسيمة .
ج -التّوبيخ :
مشروعيّة التّوبيخ :
- 27التّعزير بالتّوبيخ مشروع باتّفاق الفقهاء ،فقد « روى أبو ذرّ رضي ال عنه :أنّه سابّ
رجل فعيّره بأمّه ،فقال الرّسول صلى ال عليه وسلم يا أبا ذرّ ،أعيّرته بأمّه ، ،إنّك امرؤ
فيك جاهليّة » .وقال الرّسول صلى ال عليه وسلم َ « :ليّ الواجد ُيحِلّ عرضه وعقوبته » .
وقد فسّر النّيل من العرض بأن يقال له مثل :يا ظالم ،يا معتد .وهذا نوع من التّعزير
بالقول .وقد جاء في تبصرة الحكّام لبن فرحون :وأمّا التّعزير بالقول فدليله ما ثبت في سنن
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أتي برجل قد
أبي داود عن أبي هريرة رضي ال عنه « :أ ّ
شرب فقال :اضربوه فقال أبو هريرة :ف ِمنّا الضّارب بيده ،ومنّا الضّارب بنعله ،والضّارب
بثوبه » .وفي رواية بإسناده « :ثمّ قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لصحابه بكّتوه
فأقبلوا عليه يقولون :ما اتّقيت اللّه ،ما خشيت اللّه ،ما استحييت من رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم » .وهذا التّبكيت من التّعزير بالقول .
وقد عزّر عمر رضي ال عنه بالتّوبيخ .فقد روي عنه أنّه أنفذ جيشا فغنموا غنائم ،فلمّا
رجعوا لبسوا الحرير والدّيباج ،فلمّا رآهم تغيّر وجهه ،وأعرض عنهم ،فقالوا :أعرضت
عنّا ،فقال :انزعوا ثياب أهل النّار ،فنزعوا ما كانوا يلبسون من الحرير والدّيباج .
وذلك فيه تعزير لهم بالعراض عنهم ،وفيه توبيخ لهم .
كيفيّة التّوبيخ :
- 28التّوبيخ قد يكون بإعراض القاضي عن الجاني ،أو بالنّظر له بوجه عبوس ،وقد يكون
بإقامة الجاني من مجلس القضاء ،وقد يكون بالكلم العنيف ،ويكون بزواجر الكلم وغاية
الستخفاف ،على شريطة أن ل يكون فيه قذف ،ومنع البعض ما فيه السّبّ أيضا .
د -الهجر :
- 29الهجر معناه :مقاطعة الجاني ،والمتناع عن التّصال به ،أو معاملته بأيّ نوع ،أو
أيّة طريقة كانت .وهو مشروع بدليل قوله تعالى { :وَاللتيْ َتخَافُونَ ُنشُوزَهُنّ َفعِظُو ُهنّ
ي صلى ال عليه وسلم أصحابه الثّلثة الّذين
جرُو ُهنّ في ال َمضَاجِعِ } وقد « هجر النّب ّ
وَا ْه ُ
تخلّفوا عنه في غزوة تبوك » .وعاقب عمر صبيغا بالهجر لمّا نفاه إلى البصرة ،وأمر أل
يجالسه أحد .وهذا منه عقوبة بالهجر .
الجرائم الّتي شرع فيها التّعزير :
- 30الجرائم الّتي شرع فيها التّعزير قد تكون من قبيل ما شرع في جنسه عقوبة مقدّرة من
حدّ أو قصاص ،لكنّ هذه العقوبة ل تطبّق ،لعدم توافر شرائط تطبيقها ،ومنها ما فيه عقوبة
مقدّرة ،ولكنّ هذه العقوبة ل تطبّق عليها لمانع ،كوجود شبهة تستوجب درء الحدّ ،أو عفو
صاحب الحقّ عن طلبه .
وقد تكون الجرائم التّعزيريّة غير ما ذكر فيكون فيها التّعزير أصلً .
ويدخل في هذا القسم ما ل يدخل في سابقه من جرائم .وفيما يلي تفصيل ذلك .
الجرائم الّتي يشرع فيها التّعزير بديلً عن الحدود :
جرائم العتداء على النّفس ،وما دونها :
- 31يدخل في هذا الموضوع :الكلم في جرائم العتداء على النّفس ،وهي الّتي يترتّب
عليها إزهاق الرّوح ،والكلم في جرائم العتداء على ما دون النّفس وهي الّتي تقع على
البدن دون أن تؤدّي لزهاق الرّوح :
جرائم القتل " الجناية على النّفس " :
القتل العمد :
- 32القتل العمد العدوان موجبه القصاص ،ويجب لذلك توافر شروط ،أهمّها :كون القاتل
قد تعمّد تعمّدا محضا ليس فيه شبهة ،وكونه مختارا ،ومباشرا للقتل ،وأل يكون المقتول
جزء القاتل ،وأن يكون معصوم الدّم مطلقا .وفضلً عن ذلك يجب للقصاص :أن يطلب من
وليّ الدّم .فإذا اختلّ شرط من هذه الشّروط امتنع القصاص ،وفيه التّعزير .
وفي ذلك خلف وتفصيل ينظر في ( قتل -قصاص ) .
القتل شبه العمد :
- 33قال البهوتيّ ،نقلً عن " المبدع " :قد يقال بوجوب التّعزير في القتل شبه العمد ،لنّ
الكفّارة حقّ للّه تعالى وليست لجل الفعل ،بل بدل النّفس الفائتة ،فأمّا نفس الفعل المحرّم -
الّذي هو الجناية -فل كفّارة فيه .
ن ما ل قصاص فيه عندهم كالقتل بالمثقّل -وهو
- 34ومن الصول الثّابتة عند الحنفيّة :أ ّ
القتل بمثل الحجر الكبير أو الخشبة العظيمة -يجوز للمام أن يعزّر فيه بما يصل للقتل ،إذا
تكرّر ارتكابه ،ما دامت فيه مصلحة .وبناء على هذا الصل قالوا بالتّعزير بالقتل لمن يتكرّر
منه الخنق ،أو التّغريق ،أو اللقاء من مكان مرتفع ،إذا لم يندفع فساده إل بالقتل .
العتداء على ما دون النّفس :
- 35إذا كانت الجناية على ما دون النّفس عمدا فيشترط للقصاص فضل عن شروطه في
النّفس :المماثلة ،وإمكان استيفاء المثل .
ويرى مالك التّعزير أيضا في الجناية العمد على ما دون النّفس ،إذا سقط القصاص ،أو امتنع
لسبب أو لخر ،فيكون في الجريمة التّعزير مع الدّية ،أو الرش ،أو بدونه ،تبعا للحوال
.ومثال ذلك أن تكون الجناية على عظم خطر .
إذ العظام الخطرة ل قصاص فيها عنده ،مثل عظام الصّلب ،والفخذ ،والعنق ،ومثل المنقّلة
،والمأمومة ،ويقال ذلك أيضا في الجائفة ،لنّه ل يستطاع فيها القصاص ،وفي كلّ ما
ذهبت منفعته بالجناية مع بقائه قائما في الجسم ،وبقاء جماله ،فإذا ضربه على عينه فذهب
بصرها ،وبقي جمالها فل قود فيها .ومثل ذلك اليد إذا شلّت ولم تبن عن الجسم ،ففي هذه
وما يماثلها يعزّر الجاني مع أخذ العقل منه ( أي الدّية ) .
ن في ذلك التّعزير ،ل
وإذا لم يترك العتداء على الجسم أثرا :فأغلب الفقهاء على أ ّ
القصاص .ولدى بعض المالكيّة القصاص في ضربة السّوط ،ولو لم يحدث جرحا ول
شجّة ،مع أنّه ل قصاص عندهم في اللّطمة ،وضربة العصا ،إل إذا خلّفت جرحا أو شجّة .
ن ضربة السّوط في ذلك كاللّطمة فيه الدب ،ونقل ذلك ابن عرفة عن
وروي عن مالك :أ ّ
أشهب .ويرى ابن القيّم وبعض الحنابلة :القصاص في اللّطمة والضّربة .
الزّنى الّذي ل حدّ فيه ،ومقدّماته :
ن فيه حدّ الزّنى ،أمّا إذا لم يطبّق الحدّ
- 36الزّنى إذا توافرت الشّرائط الشّرعيّة لثبوته فإ ّ
ن الفعل
المقدّر لوجود شبهة ،أو لعدم توافر شريطة من الشّرائط الشّرعيّة لثبوت الح ّد ،فإ ّ
يكون جريمة شرع الحكم فيها -أو في جنسها -لكنّه لم يطبّق .
ل جريمة ل حدّ فيها ول قصاص ففيها التّعزير .
وك ّ
وبناء على ذلك :إذا كانت هناك شبهة تدرأ الحدّ ،سواء كانت شبهة فعل ،أو شبهة ملك ،أو
شبهة عقد ،فإنّ الح ّد ل يطبّق .لكنّ الجاني يعزّر ،لنّه ارتكب جريمة ليست فيها عقوبة
مقدّرة .
وتعرف الشّبهة بأنّها :ما يشبه الثّابت وليس بثابت .أو :هي وجود المبيح صورة ،مع عدم
حكمه أو حقيقته ،وتفصيل ذلك في ( اشتباه ) .وإذا كانت المزنيّ بها ميّتة ففي هذا الفعل
ي بها شريطة في الحدّ .
التّعزير ،لنّه ل يعتبر زنى ،إذ حياة المزن ّ
وإذا لم يكن الفعل من رجل فل يقام الحدّ ،بل التّعزير ،ومن ذلك :المساحقة .
ن فيه التّعزير ،ومن ذلك أن
وإذا لم يكن الفعل في قبل امرأة فأبو حنيفة على عدم الحدّ ،لك ّ
يكون الفعل في الدّبر .وهو قول للشّافعيّة .والقول بالقتل على كلّ حال مرويّ عن ابن عبّاس
رضي ال عنهما وهو قول آخر للشّافعيّة ،والمذهب عند الشّافعيّة :أنّه زنى ،وفيه الحدّ .
وقال قوم :إنّ اللّواط زنى ،وفيه حدّ الزّنى .ومن هؤلء :مالك ،وهو المشهور لدى
الشّافعيّ ،وهو رأي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة .واختلفت الرّواية عن أحمد :فقد روي
ن فيه ح ّد الزّنى :وإذا كان الفعل في زوجة الفاعل فل ح ّد فيه بالجماع .والجمهور
عنه أ ّ
ل ما دون الوقاع من
على أنّه يستوجب التّعزير .وممّا يستوجب التّعزير في هذا المجال ك ّ
أفعال ،كالوطء فيما دون الفرج ،ويستوي فيه المسلم ،والكافر ،والمحصن ،وغيره .ومنه
أيضا :إصابة كلّ محرّم من المرأة غير الجماع .وعناق الجنبيّة ،أم تقبيلها .وممّا فيه
التّعزير كذلك :كشف العورة لخر ،وخداع النّساء ،والقوادة ،وهي :الجمع بين الرّجال
والنّساء للزّنى ،وبين الرّجال والرّجال للّواط .
سبّ :
القذف الّذي ل حدّ فيه وال ّ
- 37حدّ القذف ل يقام على القاذف إلّا بشرائطه ،فإذا انعدم واحد منها أو اختلّ فإنّ الجاني
ل يحدّ .ويعزّر عند طلب المقذوف ،لنّه ارتكب معصية ل حدّ فيها .
ومن شروط القذف الّذي فيه الحدّ :كون المقذوف محصنا .فإذا لم يكن كذلك فل يحدّ
القاذف ،ولكن يعزّر .ومن ذلك أن يقذف مجنونا بالزّنى .أو صغيرا بالزّنى .أو مسلمة قد
زنت .أو مسلما قد زنى ،أو من معها أولد ل يعرف لهم أب ،وذلك لعدم العفّة في هذه
الثّلثة الخيرة .ومنها كون المقذوف معلوما ،فإن لم يكن كذلك فل حدّ ،بل التّعزير ،لنّ
الفعل معصية ل حدّ فيها .وبناء على ذلك يعزّر -ول يحدّ -من قذف بالزّنى جدّ آخر دون
بيان الجدّ .أو أخاه كذلك ،وكان له أكثر من أخ .
ول حدّ في القذف بغير الصّريح ،ومن ذلك :القذف بالكناية ،أو التّعريض ،فليس فيه عند
الحنفيّة حدّ ،بل التّعزير ،وكذلك عند الشّافعيّة .ويرى مالك :الحدّ في القذف بالتّعريض أو
ن الفعل يكون جريمة ل ح ّد فيها .
الكناية .والّذين منعوا الحدّ قالوا بالتّعزير ،ل ّ
ول حدّ إذا رماه بألفاظ ل تفيد الزّنى صراحة .كقوله :يا فاجر ،بل يعزّر .
وكذلك الشّأن إذا رماه بما ل يعتبر زنى ،كمن رمى آخر بالتّخنّث .ويعزّر كذلك عند أبي
حنيفة من يرمي آخر بأنّه يعمل عمل قوم لوط ،لنّ هذا الفعل ل يوجب حدّ الزّنى عنده .أمّا
مالك والشّافعيّ وأبو يوسف ومحمّد فإنّهم يقولون بالحدّ ،ومن ثمّ فل تعزير في ذلك ،بل فيه
ن اللّواط هل هو زنى أم ل ؟ .
حدّ القذف عند هؤلء .ومردّ الخلف :هو في أ ّ
فمن قالوا :بأنّه زنى ،جعلوا في القذف به حدّ القذف .ومن قالوا :بغير ذلك ،جعلوا في
القذف به التّعزير .ومن قذف آخر قذفا مقيّدا بشرط أو أجل يعزّر ول يحدّ .
وإذا لم يكن القول قذفا ،بل مجرّد سبّ أو شتم فإنّه يكون معصية ل حدّ فيها ،ففيها التّعزير .
ومن ذلك قوله :يا نصرانيّ ،أو يا زنديق ،أو يا كافر ،في حين أنّه مسلم .وكذلك من قال
لخر :يا مخنّث ،أو يا منافق ،ما دام المجنيّ عليه غير متّصف بذلك .ويعزّر كذلك في
مثل :يا آكل الرّبا ،أو يا شارب الخمر ،أو يا خائن ،أو يا سارق ،وكلّه بشرط كون
المجنيّ عليه غير معروف بما نسب إليه .وكذلك من قال لخر :يا بليد ،أو يا قذر ،أو يا
سفيه ،أو يا ظالم ،أو يا أعور ،وهو صحيح ،أو يا مقعد ،وهو صحيح كذلك على سبيل
الشّتم .وعلى وجه العموم يعزّر من شتم آخر ،مهما كان الشّتم ،لنّه معصية .ويرجع في
تحديد الفعل الموجب للتّعزير إلى العرف ،فإذا لم يكن الفعل المنسوب للمجنيّ عليه ممّا يلحق
به في العرف العار والذى والشّين ،فل عقاب على الجاني ،إذ ل يكون ثمّة جريمة .
السّرقة الّتي ل حدّ فيها :
- 38السّرقة من جرائم الحدود ما دامت قد استوفت شروطها الشّرعيّة ،وأهمّها :الخفية .
وكون موضوع السّرقة مال ،مملوكا لغير السّارق ،محرّزا ،نصابا .فإذا تخلّف شرط من
شروط الحدّ فل يقام ،ولكن يعزّر الفاعل ،لنّه ارتكب جريمة ليس فيها حدّ مقدّر .وتفصيل
ذلك في مصطلح ( :سرقة ) .
قطع الطّريق الّذي ل حدّ فيه :
- 39قطع الطّريق كغيره من جرائم الحدود ،يجب لكي يكون فيه الحدّ أن تتوافر شروط
معيّنة ،وإلّا فل يقام الحدّ ،ويعزّر الجاني ما دام قد ارتكب معصية ل ح ّد فيها .
ومن الشّروط :أن يكون الجاني بالغا ،ذكرا ،وأن يكون المجنيّ عليه مسلما ،أو ذ ّميّا ،وأن
تكون يده على المال صحيحة ،وأن ل يكون في القطّاع ذو رحم محرم لحد المقطوع عليه ،
وأن يكون المقطوع فيه مالً متقوّما معصوما مملوكا ،ل ملك فيه للقاطع ،ول شبهة ملك ،
محرّزا ،نصابا ،وأن يكون قطع الطّريق في غير المصر .
وتفصيل ذلك في ( حرابة ) .
الجرائم الّتي موجبها الصليّ التّعزير :
بعض الجرائم الّتي تقع على آحاد النّاس :
شهادة الزّور :
ج َت ِنبُوا قَولَ الزّورِ } .
- 40حرّم قول الزّور في القرآن الكريم بقوله تعالى { وَا ْ
ن الرّسول صلى ال عليه وسلم ع ّد قول الزّور وشهادة الزّور من
سنّة بما ورد « :أ ّ
وفي ال ّ
أكبر الكبائر » وما دام أنّه ليس فيها عقوبة مقدّرة ،ففيها التّعزير .
الشّكوى بغير حقّ :
ق يؤدّب .
- 41ذكر صاحب ( تبصرة الحكّام ) أنّ من قام بشكوى بغير ح ّ
وقال البهوتيّ :إنّه إذا ظهر كذب المدّعي في دعواه بما يؤذي به المدّعى عليه ،فإنّه يعزّر
لكذبه وإيذائه للمدّعى عليه .
قتل حيوان غير مؤذ أو الضرار به :
ن امرأة دخلت
- 42نهى الرّسول صلى ال عليه وسلم عن تعذيب الحيوان في قوله « :إ ّ
النّار في هرّة حبستها ،فل هي أطعمتها وسقتها ،ول هي تركتها تأكل من خشاش الرض »
فهذا الفعل معصية ،فيعزّر الفاعل ما دام الفعل ليس فيه حدّ مقدّر .
ن :ممّا
ومن المثلة على الجرائم في هذا المجال :قطع ذنب حيوان ،فقد ذكر فقهاء الحنفيّة أ ّ
يوجب التّعزير ما ذكر ابن رستم فيمن قطع ذنب برذون .
انتهاك حرمة ملك الغير :
- 43دخول بيوت الغير بدون إذن ممنوع شرعا لقوله تعالى { :ل َت ْدخُلُوا ُبيُوتَا غَيرَ ُبيُو ِت ُكمْ
حتّى َتسْ َت ْأ ِنسُوا َو ُتسَّلمُوا عَلَى أَهِْلهَا } وبناء على هذا الصل قيل بتعزير من يوجد في منزل
آخر بغير إذنه أو علمه ،ودون أن يتّضح سبب مشروع لهذا الدّخول .
جرائم مضرّة بالمصلحة العامّة :
- 44توجد جرائم مضرّة بالمصلحة العامّة ليست فيها عقوبات مقدّرة ،وفيها التّعزير .من
سسُوا } ،
هذه الجرائم :التّجسّس للعد ّو على المسلمين ،فهو منهيّ عنه لقوله تعالى { ول َتجَ ّ
ن إِليْهمْ بِالمَ َودّةِ } .
عدُ ّو ُكمْ أَولِياءَ تُلْقُو َ
عدُوّي وَ َ
خذُوا َ
وقوله { . . .ل َت ّت ِ
ولمّا كانت هذه الجريمة ليست لها عقوبة مقدّرة ففيها التّعزير .وتفصيله في ( تجسّس ) .
الرّشوة :
سحْتِ } وهي في
ن لِ ْل َكذِبِ أكّالُونَ لِل ّ
سمّاعُو َ
- 45هي جريمة محرّمة بالقرآن لقوله تعالى َ { :
اليهود وكانوا يأكلون السّحت من الرّشوة .
سنّة لحديث « :لعن اللّه الرّاشي والمرتشي والرّائش » .
وهي كذلك محرّمة بال ّ
ولمّا كانت هذه الجريمة ليست فيها عقوبة مقدّرة ففيها التّعزير .
تجاوز الموظّفين حدودهم ،وتقصيرهم :
هذه معصية ليست فيها عقوبة مقدّرة ،ولها صور منها :
أ -جور القاضي :
-إذا جار القاضي في الحكم عمدا يعزّر ،ويعزل ،ويضمن في ماله ،لنّه فيما جار ليس 46
بقاض ،ولكنّه إتلف بغير حقّ ،فيكون فيه كغيره في إيجاب الضّمان عليه في ماله .إذا جار
مخطئا لم يكن عليه غرم قضائه ،لنّه ليس معصوما عن الخطأ لقوله تعالى :
ط ْأ ُتمْ به }
خَح فِيمَا َأ ْ
جنَا ٌ
{ وََليْسَ عَلَيكُمْ ُ
ب -ترك العمل أو المتناع عمدا عن تأدية الواجب :
ل عمل من شأنه تعطيل الوظائف العامّة أو عدم انتظامها هو جريمة تستوجب التّعزير
- 47ك ّ
،والغرض من ذلك ضمان حسن سير العمل ،حتّى تقوم السّلطة بواجباتها على أكمل وجه .
وعلى ذلك :فيعزّر كلّ من ترك عمله ،أو امتنع عن عمل من أعمال الوظيفة قاصدا عرقلة
ل من يتمرّد في وظيفته ،أو يستعمل
سير العمل ،أو الخلل بانتظامه ،ويعزّر عموما ك ّ
القوّة ،أو العنف مع رؤسائه ،ويترك عمله .
ومن ذلك تعدّي أحد الموظّفين المدنيّين أو العسكريّين على غيره استغللً لوظيفته .
مقاومة رجال السّلطة والعتداء عليهم :
- 48التّعدّي على الموظّفين العموميّين والمكلّفين بخدمة عامّة يستحقّ التّعزير .
ومن المثلة الّتي أوردها الفقهاء في هذا المجال :إهانة العلماء أو رجال الدّولة بما ل يليق ،
سواء كان ذلك بالشارة ،أو القول ،أو بغير ذلك .والتّعدّي على أحد الجنود باليد ،أو
تمزيق ثيابه ،أو سبّه ،ففيه التّعزير ،والتّضمين عن التّلف .ومن ذلك :إهانة محكمة
قضائيّة ،وكذلك جرائم الجلسة ،فالقاضي له فيها التّعزير ،وإن عفا فحسن .
هرب المحبوسين وإخفاء الجناة :
- 49من ذلك من يؤوي محاربا ،أو سارقا ،أو نحوهما ،ممّن عليه حقّ للّه تعالى أو لدميّ
،ويمنع من أن يستوفى هذا الحقّ .فقد قيل :إنّه شريك في جرمه ويعزّر ،ويطلب
إحضاره ،أو العلم عن مكانه ،فإن امتنع يحبس ،ويضرب مرّة بعد مرّة ،حتّى يستجيب.
تقليد المسكوكات الزّيوف والمزوّرة :
- 50تقليد المسكوكات الّتي في التّداول والعانة على صرف العملة الفاسدة ونشرها جريمة
سكّة المصنوعة ريال وذهبا
فيها التّعزير .ففي ( عدّة أرباب الفتوى ) في رجل يعمل ال ّ
وروبيّة ،وفي رجل ينشر هذه المسكوكات الزّائفة ويروّجها :أنّهما يعزّران .
التّزوير :
ن معن بن زياد عمل خاتما على نقش خاتم بيت
- 51في هذه الجريمة التّعزير ،فقد روي :أ ّ
المال فأخذ مالً ،فضربه عمر رضي ال عنه مائة جلدة ،وحبسه ،ث ّم ضربه مائة أخرى ،
ثمّ ثالثة ،ثمّ نفاه .ومن موجبات التّعزير :كتابة الخطوط والصّكوك بالتّزوير .
البيع بأكثر من السّعر الجبريّ :
- 52قد تدعو الحال لتسعير الحاجيّات ،فإن كان ذلك :فالبيع بأكثر من السّعر المحدّد فيه
التّعزير .ومن ذلك :المتناع عن البيع ،ففيه المر بالواجب والعقاب على ترك الواجب .
ومن ذلك :احتكار الحاجات للتّحكّم في السّعر لحديث « :ل يحتكر إل خاطئ » .
الغشّ في المكاييل والموازين :
ستَقِيمِ } .
خسِرِينَ َو ِزنُوا بِال ِقسْطَاسِ ال ُم ْ
- 53يقول اللّه تعالى { :أَ ْوفُوا ال َكيْلَ وَل َتكُونُوا مِن ال ُم ْ
وفي الحديث « :من غشّنا فليس منّا » وبناء على ذلك :فالغشّ في الكيل والوزن معصية ،
وليس فيها حدّ مقدّر ،ففيها التّعزير .
المشتبه فيهم :
- 54قد يكون التّعزير ل لرتكاب فعل معيّن ،ولكن لحالة الجاني الخطرة ،وقد قال بعض
الفقهاء بتعزير من يتّهم بالسّرقة ،ولو لم يرتكب سرقة جديدة ،ومن يعرف أو يتّهم بارتكاب
جرائم ضدّ النّفس ،كالقتل والضّرب والجرح .
سقوط التّعزير :
- 55تسقط العقوبة التّعزيريّة بأسباب ،منها :موت الجاني ،والعفو عنه ،وتوبته .
أ -سقوط التّعزير بالموت :
- 56إذا كانت العقوبة بدنيّة أو مقيّدة للح ّريّة فإنّ موت الجاني مسقط لها بداهة ،لنّ العقوبة
متعلّقة بشخصه ،ومن ذلك :الهجر ،والتّوبيخ ،والحبس ،والضّرب .
أمّا إذا لم تكن العقوبة متعلّقة بشخص الجاني بل كانت منصّبة على ماله ،كالغرامة
والمصادرة ،فموت الجاني بعد الحكم ل يسقطها ،لنّه يمكن التّنفيذ بها على المال ،وهي
تصير بالحكم دينا في ال ّذمّة ،وتتعلّق تبعا لذلك بتركة الجاني المحكوم عليه .
ب -سقوط التّعزير بالعفو :
- 57العفو جائز في التّعزير إذا كان لحقّ اللّه تعالى ،لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم « :
تجافوا عن عقوبة ذوي المروءة إلّا في حدّ من حدود اللّه » وقوله « أقيلوا ذوي الهيئات
عثراتهم » وقوله في النصار « :اقبلوا من محسنهم ،وتجاوزوا عن مسيئهم » « ،وقوله
لرجل -قال له :إنّي لقيت امرأة فأصبت منها دون أن أطأها : -أصلّيت معنا ؟ فردّ عليه
سيّئاتِ } » فالمام له العفو .
ن ال ّ
سنَاتِ ُيذْ ِهبْ َ
حَبنعم ،فتل قوله تعالى { إنّ ال َ
وقيل :إنّه ل يجوز العفو إذا تعلّق التّعزير بحقّ اللّه تعالى كما في تارك الصّلة .
وقال الصطخريّ في رسالته :ومن طعن على أحد الصّحابة ،وجب على السّلطان تأديبه ،
ن ما كان من التّعزير منصوصا عليه كوطء جارية
وليس له أن يعفو عنه .وقال البعض :إ ّ
امرأته ،أو جارية مشتركة ،يجب امتثال المر فيه ،فهنا ل يجوز العفو عندهم ،بل يجب
التّعزير ،لمتناع تطبيق الحدّ .وقال البعض :إنّ العفو يكون لمن كانت منه الفلتة والزّلّة ،
وفي أهل الشّرف والعفاف ،وعلى ذلك :فشخص الجاني له اعتبار في العفو .
وإذا كان التّعزير لحقّ آدميّ فقد قيل كذلك :إنّ لوليّ المر تركه ،والعفو عنه ،حتّى ولو
طلبه صاحب الحقّ فيه ،شأنه في ذلك شأن التّعزير الّذي هو حقّ اللّه تعالى .
ي المر هنا تركه بعفو أو نحوه ،
وقيل :ل يجوز تركه عند طلبه ،مثل القصاص ،فليس لول ّ
وعلى ذلك أغلب الفقهاء .وإذا عفا وليّ المر عن التّعزير فيما يمسّ المصلحة العامّة ،وكان
ق الدميّ ،فعلى وليّ المر الستيفاء ،لنّ
قد تعلّق بالتّعزير حقّ آدميّ كالشّتم ،فل يسقط ح ّ
المام ليس له -على الرّاجح -العفو عن حقّ الفرد .
س هذا حقّ السّلطة .
وإذا عفا الدميّ عن حقّه فإنّ عفوه يجوز ،ولكن ل يم ّ
وقد فرّق الماورديّ في هذا المجال بين حالتين :
ي المر الخيار بين التّعزير أو العفو .
أ -إذا حصل عفو الدميّ قبل التّرافع ،فلول ّ
ب -وإذا حصل بعد التّرافع ،فقد اختلف في العقاب عن حقّ السّلطة على وجهين :
الوّل :في قول أبي عبد اللّه الزّبيريّ يسقط بالعفو ،وليس لوليّ المر أن يعزّر فيه ،لنّ
حدّ القذف أغلظ ويسقط حكمه بالعفو ،فكان حكم التّعزير لحقّ السّلطة أولى بالسّقوط .والثّاني
ن لوليّ المر أن يعزّر فيه مع العفو قبل التّرافع إليه ،كما يجوز له ذلك
-وهو الظهر -أ ّ
ن التّقويم من الحقوق العامّة .
بعد التّرافع مخالفة للعفو عن حدّ القذف في الموضعين ،ل ّ
سقوط التّعزير بالتّوبة :
- 58اختلف الفقهاء في أثر التّوبة في التّعزير :فعند الحنفيّة والمالكيّة وبعض الشّافعيّة
والحنابلة :أنّه ل تسقط العقوبة بالتّوبة ،لنّها كفّارة عن المعصية .وعند هؤلء في تعليل
ذلك :عموم أدلّة العقوبة بل تفرقة بين تائب وغيره عدا المحاربة .وفضلً عن ذلك فجعل
التّوبة ذات أثر في إسقاط العقوبة يجعل لكلّ ادّعاءها ،للفلت من العقاب .
وعند فريق آخر ،منهم الشّافعيّة والحنابلة :أنّ التّوبة قبل القدرة تسقط العقوبة قياسا على حدّ
المحاربة ،استنادا إلى ما ورد في الصّحيحين من حديث أنس رضي ال عنه « كنت مع النّبيّ
صلى ال عليه وسلم فجاء رجل فقال :يا رسول اللّه ،إنّي أصبت حدّا فأقمه عليّ ،ولم يسأله
عنه .فحضرت الصّلة فصلّى مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم .فلمّا قضى النّبيّ صلى ال
عليه وسلم الصّلة قام إليه الرّجل ،فأعاد قوله ،فقال :أليس قد صلّيت معنا ؟ قال نعم .قال
ل قد غفر لك ذنبك » .
ن اللّه عزّ وج ّ
:فإ ّ
وفي هذا دليل على أنّ الجاني غفر له لمّا تاب .وفضل عن ذلك فإنّه إذا جازت التّوبة في
المحاربة مع شدّة ضررها وتعدّيه ،فأولى التّوبة فيما دونها .وهؤلء يقصرون السّقوط
س الفراد .
بالتّوبة على ما فيه اعتداء على حقّ اللّه ،بخلف ما يم ّ
ن التّوبة تدفع العقوبة في التّعزير وغيره ،كما تدفعها في
وقال ابن تيميّة وابن القيّم :إ ّ
المحاربة ،بل إنّ ذلك أولى من المحاربة ،لشدّة ضررها ،وهذا يعتبر مسلكا وسطا بين من
يقول :بعدم جواز إقامة العقوبة بعد التّوبة ألبتّة .وبين مسلك من يقول :إنّه ل أثر للتّوبة في
ن التّعزير الواجب حقّا للّه تعالى يسقط
إسقاط العقوبة ألبتّة .ويترتّب على هذا الرّأي :أ ّ
بالتّوبة ،إلّا إذا اختار الجاني العقوبة ليطهّر بها نفسه ،فالتّوبة تسقط التّعزير ،على شريطة
ألّا يطلب الجاني إقامته ،وذلك بالنّسبة لحقوق المصلحة العامّة .
ل جعل توبة الكفّار سببا لغفران ما سلف واحتجّوا بقوله
ن اللّه عزّ وج ّ
ج القائلون بذلك بأ ّ
واحت ّ
تعالى { :قُلْ لِلّذينَ َك َفرُوا ِإنْ َي ْن َتهُوا ُيغْ َفرْ َل ُهمْ مَا َقدْ سََلفَ } .
سنّة عليه كذلك ،ففي الحديث « :التّائب من الذّنب كمن ل ذنب له » .
وأنّ ال ّ
تعزية *
التّعريف :
- 1التّعزية لغة :مصدر عزّى :إذا صبّر المصاب وواساه .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ وقال الشّربينيّ :هي المر بالصّبر
والحمل عليه بوعد الجر ،والتّحذير من الوزر ،والدّعاء للميّت بالمغفرة ،وللمصاب بجبر
المصيبة.
الحكم التّكليفيّ :
-ل خلف بين الفقهاء في استحباب التّعزية لمن أصابته مصيبة . 2
والصل في مشروعيّتها :خبر « :من عزّى مصابا فله مثل أجره » .
وخبر « ما من مؤمن يعزّي أخاه بمصيبة إلّا كساه اللّه من حلل الكرامة يوم القيامة » .
كيفيّة التّعزية ولمن تكون :
- 3يعزّى أهل المصيبة ،كبارهم وصغارهم ،ذكورهم وإناثهم ،إل الصّبيّ الّذي ل يعقل ،
والشّابّة من النّساء ،فل يعزّيها إل النّساء ومحارمها ،خوفا من الفتنة .
ونقل ابن عابدين عن شرح المنية :تستحبّ التّعزية للرّجال والنّساء اللتي ل يفتنّ .
وقال الدّردير :وندب تعزية لهل الميّت إل مخشيّة الفتنة .
مدّة التّعزية :
ن مدّة التّعزية ثلثة أيّام .
- 4جمهور الفقهاء :على أ ّ
واستدلّوا لذلك بإذن الشّارع في الحداد في الثّلث فقط ،بقوله صلى ال عليه وسلم « :ل
يحلّ لمرأة تؤمن باللّه واليوم الخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلث ،إلّا على زوج :أربعة
أشهر وعشرا » وتكره بعدها ،لنّ المقصود منها سكون قلب المصاب ،والغالب سكونه بعد
الثّلثة ،فل يجدّد له الحزن بالتّعزية ،إل إذا كان أحدهما ( المعزّى أو المعزّي ) غائبا ،فلم
يحضر إل بعد الثّلثة ،فإنّه يعزّيه بعد الثّلثة .وحكى إمام الحرمين وجها وهو قول بعض
ن الغرض الدّعاء ،والحمل على
الحنابلة :أنّه ل أمد للتّعزية ،بل تبقى بعد ثلثة أيّام ،ل ّ
الصّبر ،والنّهي عن الجزع ،وذلك يحصل على طول الزّمان .
وقت التّعزية :
ن أهل الميّت
- 5ذهب جمهور الفقهاء :إلى أنّ الفضل في التّعزية أن تكون بعد الدّفن ،ل ّ
قبل الدّفن مشغولون بتجهيزه ،ولنّ وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر ،فكان ذلك الوقت أولى
بالتّعزية .وقال جمهور الشّافعيّة :إل أن يظهر من أهل الميّت شدّة جزع قبل الدّفن ،فتعجّل
التّعزية ،ليذهب جزعهم أو يخفّ .وحكي عن الثّوريّ :أنّه تكره التّعزية بعد الدّفن .
مكان التّعزية :
- 6كره الفقهاء الجلوس للتّعزية في المسجد .
وكره الشّافعيّة والحنابلة الجلوس للتّعزية ،بأن يجتمع أهل الميّت في مكان ليأتي إليهم النّاس
للتّعزية ،لنّه محدث وهو بدعة ،ولنّه يجدّد الحزن .ووافقهم الحنفيّة على كراهة الجلوس
للتّعزية على باب الدّار ،إذا اشتمل على ارتكاب محظور ،كفرش البسط والطعمة من أهل
سيّد أنّه ل بأس بالجلوس لها ثلثة أيّام من غير ارتكاب
الميّت .ونقل الطّحطاويّ عن شرح ال ّ
محظور .وذهب المالكيّة :إلى أنّ الفضل كون التّعزية في بيت المصاب .وقال بعض
الحنابلة :إنّما المكروه البيتوتة عند أهل الميّت ،وأن يجلس إليهم من عزّى مرّة ،أو يستديم
المعزّي الجلوس زيادة كثيرة على قدر التّعزية .
صيغة التّعزية :
- 7قال ابن قدامة :ل نعلم في التّعزية شيئا محدودا ،إل ما روي أنّ المام أحمد قال :
ل فقال :رحمك اللّه وآجرك » .
ي صلى ال عليه وسلم عزّى رج ً
ن النّب ّ
يروى « أ ّ
وعزّى أحمد أبا طالب ( أحد أصحابه ) فوقف على باب المسجد فقال :أعظم اللّه أجركم
وأحسن عزاءكم .وقال بعض أصحابنا إذا عزّى مسلما بمسلم قال :أعظم اللّه أجرك ،
ب بعض أهل العلم :أن يقول ما روى جعفر بن
وأحسن عزاك ،ورحم اللّه ميّتك .واستح ّ
محمّد ،عن أبيه ،عن جدّه ،قال « :لمّا توفّي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وجاءت
ن في اللّه عزاء من كلّ مصيبة ،وخلفا من كلّ هالك ،ودركا
التّعزية ،سمعوا قائلً يقول :إ ّ
من كلّ ما فات ،فباللّه فثقوا ،وإيّاه فارجوا ،فإنّ المصاب من حرم الثّواب » .
وهل يعزّى المسلم بالكافر أو العكس ؟
- 8ذهب الئمّة :الشّافعيّ ،وأبو حنيفة في رواية عنه :إلى أنّه يعزّى المسلم بالكافر ،
وبالعكس ،والكافر غير الحربيّ .وذهب المام مالك :إلى أنّه ل يعزّى المسلم بالكافر .
وقال ابن قدامة من الحنابلة :إن عزّى مسلما بكافر قال :أعظم اللّه أجرك وأحسن عزاءك.
صنع الطّعام لهل الميّت :
ن لجيران أهل الميّت أن يصنعوا طعاما لهم ،لقوله صلى ال عليه وسلم :
- 9يس ّ
« اصنعوا لهل جعفر طعاما ،فإنّه قد جاءهم ما يشغلهم » .
ن فيه زيادة على مصيبتهم ،وشغلً على
ويكره أن يصنع أهل الميّت طعاما للنّاس ،ل ّ
شغلهم ،وتشبّها بأهل الجاهليّة ،لخبر جرير بن عبد اللّه البجليّ رضي ال عنه :كنّا نعدّ
الجتماع إلى أهل الميّت ،وصنيعة الطّعام بعد دفنه من النّياحة .
تعشير *
التّعريف :
- 1التّعشير في اللّغة :مصدر عشّر ،يقال :عشّر القوم ،وعشّرهم :إذا أخذ عشر أموالهم
.والعشّار :هو من يأخذ العشر .وقد عشّرت النّاقة :صارت عشراء -أي حامل -إذا تمّ
لها عشرة أشهر .ومعناه في الصطلح كمعناه اللّغويّ .
ويستعمل في الصطلح أيضا بمعنى :جعل العواشر في المصحف ،والعاشرة :هي الحلقة
في المصحف عند منتهى كلّ عشر آيات .والعاشرة أيضا :الية الّتي تتمّ بها العشر .
والتّعشير -بمعنى أخذ العشر -يرجع لمعرفة أحكامه إلى مصطلح ( عشر ) .
تاريخ التّعشير في المصحف :
ن المأمون العبّاسيّ أمر بذلك .وقيل :إنّ
- 2قال ابن عطيّة :مرّ بي في بعض التّواريخ :أ ّ
الحجّاج فعل ذلك ،وقال قتادة :بدءوا فنقّطوا ،ثمّ خمّسوا ،ثمّ عشّروا .
وقال يحيى بن أبي كثير :كان القرآن مجرّدا في المصاحف ،فأوّل ما أحدثوا فيه النّقط على
الباء والتّاء والثّاء ،وقالوا :ل بأس به ،هو نور له ،ثمّ أحدثوا نقطا عند منتهى الي ،ثمّ
أحدثوا الفواتح والخواتم .
حكم التّعشير :
- 3ذكر أبو عمر والدّاني في كتاب البيان له ،عن عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه :أنّه
كره التّعشير في المصاحف ،وأنّه كان يحكّه .
وعن مجاهد :أنّه كان يكره التّعشير والطّيب في المصاحف .
وقال الحنفيّة :تجوز تحلية المصحف وتعشيره ونقطه :أي إظهار إعرابه ،وبه يحصل
الرّفق جدّا ،خصوصا للعجم ،فيستحسن .وعلى هذا ل بأس بكتابة أسماء السّور ،وع ّد الي
ن ما روي عن ابن مسعود رضي
،وعلمات الوقف ونحوها ،فهي بدعة حسنة .وقالوا :إ ّ
ال عنه " جرّدوا القرآن كان في زمنهم ،وكم شيء يختلف باختلف الزّمان والمكان .وعند
المالكيّة :أنّه مكروه بالحمرة وغيرها من اللوان ،إل الحبر .
قال أشهب :سمعنا مالكا وسئل عن العشور الّتي في المصحف بالحمرة وغيرها من اللوان
فكره ذلك ،وقال :تعشير المصحف بالحبر ل بأس به .
تعصيب *
انظر :عصبة .
تعقيب
انظر :موالة ،تتابع .
تعلّم *
انظر :تعليم .
تعلّي *
التّعريف :
ل شيء وعَلوه
- 1التّعلّي في اللّغة له معان ،منها :أنّه من العلوّ ،وهو :الرتفاع وعُل ّو ك ّ
وعِلوه :أرفعه .وعل الشّيء علوّا فهو عليّ :ارتفع ،وفي حديث ابن عبّاس رضي ال
عنهما :فإذا هو يتعلّى عنّي :أي يترفّع عليّ .وتعالى :ترفّع .وتعلّى :أي عل في مهلة .
وهو في الصطلح ل يخرج عن هذا ،إذ يراد به عند الفقهاء :رفع بناء فوق بناء آخر .
أحكام حقّ التّعلّي :
- 2حقّ التّعلّي :إمّا أن يستعمله صاحبه لنفسه ،وإمّا يبيعه لغيره .
ل أحد له
أمّا استعماله لنفسه :فقد نصّت المادّة ( ) 1198من مجلّة الحكام العدليّة على أنّ :ك ّ
التّعلّي على حائطه الملك ،وبناء ما يريد ،وليس لجاره منعه ما لم يكن ضررا فاحشا .وقال
التاسيّ في شرح المادّة :ول عبرة بزعمه أنّه يسدّ عنه الرّيح والشّمس ،كما أفتى به في
الحامديّة ،لنّه ليس من الضّرر الفاحش .وفي النقرويّة :له أن يبني على حائط نفسه أزيد
ممّا كان ،وليس لجاره منعه وإن بلغ عنان السّماء .
وأمّا بيعه لغيره فقد ذهب الجمهور المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :إلى جوازه على التّفصيل
التّالي :
أجازه المالكيّة متى كان المبيع قدرا معيّنا ،كعشرة أذرع مثل من محلّ هواء ،فوق محلّ
متّصل بأرض أو بناء ،بأن كان لشخص أرض خالية من البناء أراد البناء بها ،أو كان له
بناء أراد البناء عليه ،فيشتري شخص منه قدرا معيّنا من الفراغ الّذي يكون فوق البناء الّذي
ل الضّرر ،لنّ
أراد إحداثه ،فيجوز متى وصف البناء الّذي أريد إحداثه أسفل وأعلى ،ليق ّ
صاحب السفل رغبته في خفّة العلى ،وصاحب العلى رغبته في متانة السفل ،ولصاحب
البناء العلى النتفاع بما فوق بنائه بغير البناء ،إذ يملك جميع الهواء الّذي فوق بناء السفل ،
وليس لصاحب السفل النتفاع بما فوق بناء العلى ،ل بالبناء ول بغيره .
وأجازه الشّافعيّة ،متى كان المبيع حقّ البناء أو العلو :بأن قال له :بعتك حقّ البناء أو العلو
للبناء عليه بثمن معلوم ،بخلف ما إذا باعه وشرط أن ل يبني عليه ،أو لم يتعرّض للبناء
عليه .لكن للمشتري أن ينتفع بما عدا البناء من مكث وغيره ،كما صرّح به السّبكيّ ،تبعا
للماورديّ .
وأجازه الحنابلة ،ولو قبل بناء البيت الّذي اشترى علوه ،إذا وصف العلو والسّفل ليكونا
ح ذلك لنّ العلو
معلومين ،ليبني المشتري أو يضع عليه بنيانا أو خشبا موصوفين ،وإنّما ص ّ
ملك للبائع ،فكان له بيعه ،والعتياض عنه ،كالقرار .
وأمّا الحنفيّة :فقد ذهبوا إلى أنّ بيع حقّ التّعلّي غير جائز ،لنّه ليس بمال ،ول هو حقّ
متعلّق بالمال ،بل حقّ متعلّق بالهواء ( أي الفراغ ) وليس الهواء ما ل يباع ،إذ المال ما
يمكن قبضه وإحرازه .وصورته :أن يكون السّفل لرجل ،وعلوه لخر ،فسقطا أو سقط
ن المبيع حينئذ ليس إلّا حقّ التّعلّي .
العلو وحده فباع صاحب العلو علوه ،فإنّه ل يجوز ،ل ّ
وعلى هذا :فلو باع العلو قبل سقوطه جاز ،فإن سقط قبل القبض بطل البيع ،لهلك المبيع
قبل القبض ،وهو بعد سقوطه بيع لحقّ التّعلّي ،وهو ليس بمال .فلو كان العلو لصاحب
السّفل فقال :بعتك علو هذا السّفل بكذا صحّ ،ويكون سطح السّفل لصاحب السّفل ،
وللمشتري حقّ القرار ،حتّى لو انهدم العلو كان له أن يبني عليه علوا آخر ،مثل الوّل ،
ن السّفل اسم لمبنى مسقّف ،فكان سطح السّفل سقفا للسّفل .
لّ
أحكام العلو والسّفل في النهدام والبناء :
ن السّفل إن انهدم بنفسه بل صنع صاحبه لم يجبر على البناء ،لعدم
- 3ذهب الحنفيّة :إلى أ ّ
التّعدّي ،فلو هدمه يجبر على بنائه ،لنّه تعدّى على صاحب العلو ،وهو قرار العلو ،ولذي
العلو أن يبني السّفل ثمّ يرجع بما أنفق إن بنى بإذنه أو إذن قاض ،وإل فبقيمة البناء يوم بنى
.ومتى بنى صاحب العلو السّفل :كان له أن يمنع صاحب السّفل من السّكنى ،حتّى يدفع إليه
مثل ما أنفقه في بناء سفله لكونه مضطرّا .
فلكلّ منهما حقّ في ملك الخر :لذي العلو حقّ قراره ،ولذي السّفل حقّ دفع المطر والشّمس
عن السّفل ،ولو هدم ذو السّفل سفله وذو العلو علوه ،ألزم ذو السّفل ببناء سفله ،إذ فوّت
على صاحب العلو حقّا ألحق بالملك ،فهو كما لو فوّت عليه ملكا .
فإذا بنى ذو السّفل سفله وطلب من ذي العلو بناء علوه فإنّه يجبر ،لنّ لذي السّفل حقّا في
العلو ،وأمّا لو انهدم العلو بل صنعه فل يجبر لعدم تعدّيه ،كما لو انهدم السّفل بل تعدّ ،
وسقف السّفل لذي السّفل .
- 4وقال المالكيّة :إنّ السّفل إن وهى وأشرف على السّقوط وخيف سقوط بناء عليه لخر
غير صاحب السّفل -فإنّه يقضى على صاحب السّفل أن يعمّر سفله فإن أبى قضي عليه ببيعه
ب السفل على البناء ،أو البيع ممّن
لمن يعمّره ،فإن سقط العلى على السفل فهدمه أجبر ر ّ
يبني ،ليبني ربّ العلو علوه عليه .وعلى ذي السّفل التّعليق للعلى -أي حمله على خشب
ونحوه -حتّى يبني السّفل ،وعليه السّقف السّاتر لسفله ،إذ ل يسمّى السّفل بيتا إلّا به ،ولذا
فإنّه يقضى به لصاحب السّفل عند التّنازع .
وأمّا البلط الّذي فوقه :فهو لصاحب العلى .
ويقضى على ذي العلو بعدم زيادة بناء العلو على السّفل ،لنّها تضرّ السّفل ،إل الشّيء
الخفيف الّذي ل يضرّ السّفل حال ومآل ،ويرجع في ذلك لهل المعرفة .
- 5ويرى الشّافعيّة :أنّه لو انهدم حيطان السّفل لم يكن لصاحبه أن يجبر صاحب العلو على
ن حيطان السّفل لصاحب السّفل ،فل يجبر صاحب العلو على بنائه .
البناء قولً واحدا ،ل ّ
وهل لصاحب العلو إجبار صاحب السّفل على البناء ؟ فيه قولن ،فإن قيل :يجبر ،ألزمه
الحاكم ،فإن لم يفعل – وله مال – باع الحاكم عليه ماله ،وأنفق عليه ،وإن لم يكن له مال
اقترض عليه .فإذا بنى الحائط كان الحائط ملكا لصاحب السّفل ،لنّه بني له ،وتكون النّفقة
في ذمّته ،ويعيد صاحب العلو غرفته عليه ،وتكون نفقة الغرفة وحيطانها من ملك صاحب
العلو دون صاحب السّفل ،لنّها ملكه ،ل حقّ لصاحب السّفل فيه .وأمّا السّقف فهو بينهما ،
وما ينفق عليه فهو من مالهما ،فإن تبرّع صاحب العلو ،وبنى من غير إذن الحاكم ،لم
يرجع صاحب العلو على صاحب السّفل بشيء .ث ّم ينظر :فإن كان قد بناها بآلتها كانت
ن اللة كلّها له ،وليس لصاحب العلو منعه من النتفاع بها ،ول
الحيطان لصاحب السّفل ،ل ّ
يملك نقضها ،لنّها لصاحب السّفل ،وله أن يعيد حقّه من الغرفة .وإن بناها بغير آلتها كانت
الحيطان لصاحب العلو ،وليس لصاحب السّفل أن ينتفع بها من غير إذن صاحب العلو ،
ن القرار له ،ولصاحب العلو أن ينقض ما بناه من
ولكن له أن يسكن في قرار السّفل ،ل ّ
الحيطان ،لنّه ل حقّ لغيره فيها ،فإن بذل صاحب السّفل القيمة ليترك نقضها لم يلزمه
قبولها ،لنّه ل يلزمه بناؤها قولً واحدا ،فل يلزمه تبقيتها ببذل العوض .
- 6وعند الحنابلة :إن كان السّفل لرجل والعلو لخر ،فانهدم السّقف الّذي بينهما ،فطلب
أحدهما المباناة من الخر ،فامتنع ،فهل يجبر الممتنع على ذلك ؟ على روايتين .كالحائط
بين البيتين .وإن انهدمت حيطان السّفل فطالبه صاحب العلو بإعادتها ،فعلى روايتين :
إحداهما :يجبر .فعلى هذه الرّواية يجبر على البناء وحده ،لنّه ملكه خاصّة .
والثّانية :ل يجبر ،وإن أراد صاحب العلو بناءه لم يمنع من ذلك على الرّوايتين جميعا ،فإن
بناه بآلته فهو على ما كان ،وإن بناه بآلة من عنده فقد روي عن أحمد :ل ينتفع به صاحب
السّفل ،يعني حتّى يؤدّي القيمة ،فيحتمل أن ل يسكن ،لنّ البيت إنّما يبنى للسّكن فلم يملكه
كغيره ،ويحتمل أنّه أراد النتفاع بالحيطان خاصّة من طرح الخشب وسمر الوتد وفتح
ن السّكنى إنّما هي إقامته في
الطّاق ،ويكون له السّكنى من غير تصرّف في ملك غيره ،ل ّ
الفناء بين الحيطان من غير تصرّف فيها ،فأشبه الستظلل بها من خارج .
فأمّا إن طالب صاحب السّفل بالبناء ،وأبى صاحب العلو ،ففيه روايتان :
ن الحائط ملك صاحب السّفل مختصّ به ،فلم
إحداهما :ل يجبر على بنائه ،ول مساعدته ل ّ
يجبر غيره على بنائه ول المساعدة فيه ،كما لو لم يكن عليه علو .
والثّانية :يجبر على مساعدته والبناء معه ،وهو قول أبي الدّرداء ،لنّه حائط يشتركان في
النتفاع به ،أشبه الحائط بين الدّارين .
جعل علو الدّار مسجدا :
- 7أجاز الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة جعل علو الدّار مسجدا ،دون سفلها ،والعكس ،لنّهما
عينان يجوز وقفهما ،فجاز وقف أحدهما دون الخر ،كالعبدين .
ومن جعل مسجدا تحته سرداب أو فوقه بيت ،وجعل باب المسجد إلى الطّريق ،وعزله عن
ملكه ،فل يكون مسجدا ،فله أن يبيعه ،وإن مات يورث عنه لنّه لم يخلص للّه تعالى ،لبقاء
حقّ العبد متعلّقا به ولو كان السّرداب لمصالح المسجد جاز ،كما في مسجد بيت المقدس .
هذا مذهب أبي حنيفة ،خلفا لصاحبيه .وروى الحسن عن أبي حنيفة :أنّه يجوز جعل السّفل
ن المسجد ممّا يتأبّد ،وروي عن محمّد :عكس
مسجدا وعليه مسكن ،ول يجوز العكس ،ل ّ
ن المسجد معظّم ،وإذا كان فوقه مسكن أو مستغلّ فيتعذّر تعظيمه .وعن أبي يوسف
هذا ،ل ّ
أنّه جوّزه في الوجهين حين قدم بغداد ،ورأى ضيق المنازل ،فكأنّه اعتبر الضّرورة .أمّا لو
تمّت المسجديّة ثمّ أراد البناء منع .
نقب كوّة العلو أو السّفل :
- 8ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة :إلى أنّه ليس لصاحب علو تحته سفل لخر أن ينقب
كوّة في علوه ،وكذا العكس ،إل برضا الخر .
ن لكلّ منهما فعل ما ل يضرّ بالخر ،فإن أض ّر به منع منه ،كأن
وذهب الصّاحبان :إلى أ ّ
يشرف من الكوّة على جاره وعياله فيضرّ بهم ،والمختار أنّه إذا أشكل أنّه يض ّر أم ل ؟ ل
يملك فتحها ،وإذا علم أنّه ل يضرّ يملك فتحها .
وذهب المالكيّة :إلى أنّه يقضى على من أحدث فتحها بسدّها إذا لم تكن عالية ،ويشرف منها
على جاره .وأمّا القديمة فل يقضى بسدّها ،ويقال للجار :استر على نفسك إن شئت ،فقد
قال الدّسوقيّ من المالكيّة :إنّ الكوّة الّتي أحدث فتحها يقضى بسدّها ،وإن أريد سدّ خلفها فقط
ل ما يدلّ عليها .
بعد المر بسدّها فإنّه يقضى بسدّ جميعها ،ويزال ك ّ
وهذا إذا كانت غير عالية ل يحتاج في كشف الجار منها إلى صعود على سلّم ونحوه ،وإلّا
فل يقضى بسدّها .وإذا سكت من حدث عليه فتح الكوّة ونحوها عشر سنين -ولم ينكر -
جبر عليه ،ول مقال له ،حيث لم يكن له عذر في ترك القيام ( الدّعاء ) وهذا قول ابن
القاسم ،وبه القضاء .
تعلّي ال ّذ ّميّ على المسلم في البناء :
ن أهل ال ّذمّة ممنوعون من أن تعلو أبنيتهم على أبنية
- 9ل خلف بين الفقهاء :في أ ّ
جيرانهم المسلمين ،لما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم :أنّه قال « السلم يعلو ول
يعلى عليه » ولنّ في ذلك رتبة على المسلمين ،وأهل ال ّذمّة ممنوعون من ذلك .
على أنّ بعض الحنفيّة قد ذهب :إلى أنّه إذا كان التّعلّي للحفظ من اللّصوص فإنّهم ل يمنعون
منه ،لنّ علّة المنع مقيّدة بالتّعلّي في البناء على المسلمين ،فإذا لم يكن ذلك -بل للتّحفّظ -
فل يمنعون .
-وأمّا مساواتهم في البناء ،فللفقهاء في ذلك قولن : 10
منعه بعض الحنفيّة ،وأجازه بعضهم .فقد أجازه المالكيّة ،والحنابلة ،وبعض الحنفيّة ،لنّه
ليس فيه استطالة على المسلمين .ومنعه بعض الحنفيّة ،واستدلّوا بقوله صلى ال عليه وسلم
« السلم يعلو ول يعلى عليه » ولنّهم منعوا من مساواة المسلمين في لباسهم وشعورهم
وركوبهم ،كذلك في بنائهم .وأصحّ قولي الشّافعيّة :المنع ،تمييزا بينهم ،ولنّ القصد أن
يعلو السلم ،ول يحصل ذلك مع المساواة .
- 11أمّا لو اشترى ال ّذ ّميّ دارا عالية مجاورة لدار مسلم دونها في العلو ،فلل ّذ ّميّ سكنى
داره ،ول يمنع من ذلك ،ول يلزمه هدم ما عل دار المسلم ،لنّه لم يعل عليه شيئا ،إل
أنّه ليس له الشراف منها على دار المسلم ،وعليه أن يمنع صبيانه من طلوع سطحها إل بعد
تحجيره .أي بناء ما يمنع من الرّؤية .
فإن انهدمت دار ال ّذ ّميّ العالية ثمّ جدّد بناءها ،لم يجز له أن يعلّي بناءها على بناء المسلم .
وإن انهدم ما عل منها لم تكن له إعادته .
هذا ما عليه الحنفيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة ،وهو :المعتمد عند المالكيّة .
- 12وأمّا تعلية بنائه على من ليس مجاورا له من المسلمين -فإنّه ل يمنع منه ،لنّ علوه
إنّما يكون ضررا على المجاور لبنائه دون غيره عند الحنابلة ،وهو المعتمد عند الحنفيّة ،
والمالكيّة ،ما لم يشرف منه على المسلمين .وللشّافعيّة في ذلك قولن :
أحدهما :عدم المنع ،وهو أصحّهما ،لنّه يؤمن مع البعد بين البناءين أن يعلو على المسلمين
،ولنتفاء الضّرر .
والثّاني :المنع ،لما فيه من التّجمّل والشّرف ،ولنّهم بذلك يتطاولون على المسلمين .
تعليق *
التّعريف :
- 1التّعليق في اللّغة :مصدر علّق ،يقال :علّق الشّيء بالشّيء ،ومنه ،وعليه تعليقا :
ناطه به .والتّعليق في الصطلح :هو ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة
أخرى .ويسمّى يمينا مجازا ،لنّه في الحقيقة شرط وجزاء ،ولما فيه من معنى السّببيّة
كاليمين .والتّعليق عند علماء الحديث :حذف راو أو أكثر من ابتداء السّند .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الضافة :
ضمّ ،والمالة ،والسناد ،والتّخصيص .
- 2الضافة في اللّغة تأتي بمعنى :ال ّ
وأمّا الضافة في اصطلح الفقهاء فإنّهم يستعملونها بمعنى :السناد والتّخصيص .فإذا قيل :
الحكم مضاف إلى فلن ،أو صفته كذا ،كان ذلك إسنادا إليه .وإذا قيل :الحكم مضاف إلى
زمان كذا ،كان تخصيصا له .والفرق بين الضافة والتّعليق من وجهين :
أحدهما :أنّ التّعليق يمين ،وهي للبرّ إعدام موجب المعلّق ،ول يفضي إلى الحكم .
أمّا الضافة فلثبوت حكم السّبب في وقته ،ل لمنعه ،فيتحقّق السّبب بل مانع ،إذ الزّمان من
لوازم الوجود .
ن الشّرط على خطر ،ول خطر في الضافة .
وثانيهما :أ ّ
وفي هذين الفرقين منازعة تنظر في كتب الصول .
ب -الشّرط :
- 3الشّرط -بسكون الرّاء -له عدد من المعاني ،ومن بين تلك المعاني :إلزام الشّيء
والتزامه .قال في القاموس :الشّرط إلزام الشّيء والتزامه في البيع ونحوه ،كالشّريطة .
وأمّا بفتح الرّاء فمعناه :العلمة ،ويجمع على أشراط . .كسبب وأسباب .
والشّرط في الصطلح نوعان :
الوّل :الشّرط الشّرعيّ ،وهو ما يلزم من عدم العدم ،ول يلزم من وجوده وجود ول عدم
صحّة ،وشرط للّزوم ،
لذاته .وهو أنواع :شرط للوجوب ،وشرط للنعقاد ،وشرط لل ّ
وشرط للنّفاذ .إلى غير ذلك من الشّروط الشّرعيّة المعتبرة .
والنّوع الخر :الشّرط الجعليّ ،وهو :التزام أمر لم يوجد في أمر قد وجد بصفة مخصوصة
-كما قال الحمويّ -وهو ما يشترطه المتعاقدان في تصرّفاتهما .
والفرق بين التّعليق والشّرط -كما قال الزّركشيّ : -أنّ التّعليق ما دخل على أصل الفعل
بأداته كإن وإذا ،والشّرط ما جزم فيه بالصل وشرط فيه أمر آخر .
ن التّعليق ترتيب أمر لم يوجد على أمر يوجد بإن أو إحدى أخواتها ،
وقال الحمويّ :الفرق أ ّ
والشّرط التزام أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة .
ج -اليمين :
ن الحلف أعمّ .
- 4اليمين وال َقسَم واليلء والحلف ألفاظ مترادفة ،أو أ ّ
شدّة ،ويسمّى به الحلف مجازا .
ومعنى اليمين في اللّغة :الجهة والجارحة والقوّة وال ّ
وأمّا في الشّرع فهي :عبارة عن عقد قويّ به عزم الحالف على الفعل أو التّرك .
وقال البهوتيّ :إنّها توكيد الحكم المحلوف عليه بذكر معظّم على وجه مخصوص .
ن كل منهما فيه حمل للنّفس على فعل الشّيء أو تركه ،وما
وبين التّعليق واليمين تشابه ،ل ّ
سمّي الحلف باللّه تعالى يمينا إل لفادته القوّة على المحلوف عليه من الفعل أو التّرك .
واليمين تنقسم بحسب صيغتها إلى يمين منجّزة بالصّيغة الصليّة لليمين ،نحو :واللّه لفعلن
.ويمين بالتّعليق ،وهي :أن يرتّب المتكلّم جزاء مكروها له في حالة مخالفة الواقع ،أو
تخلّف المقصود .وتفصيله في مصطلح ( أيمان ) .
صيغة التّعليق :
- 5يكون التّعليق بكلّ ما يدلّ على ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة
أخرى ،سواء أكان ذلك الرّبط بأداة من أدوات الشّرط ،أم بغيرها ممّا يقوم مقامها ،كما لو
دلّ سياق الكلم على الرتباط دللة كلمة الشّرط عليه .
ومثال الرّبط بين جملتي التّعليق بأداة من أدوات الشّرط :قول الزّوج لزوجته :إن دخلت
الدّار فأنت طالق ،فقد رتّب وقوع الطّلق على دخولها الدّار ،فإن دخلت وقع الطّلق ،وإل
فل .ومثال الرّبط بين جملتي التّعليق بل أداة شرط :هو قول القائل مثل :الرّبح الّذي سيعود
إليّ من تجارتي هذا العام وقف على الفقراء ،فقد رتّب حصول الوقف على حصول الرّبح بل
ن مثل هذا السلوب يقوم مقام أداة الشّرط .
أداة شرط ،ل ّ
والمراد بالشّرط الّذي تستعمل فيه أداته للرّبط بين جملتي التّعليق :الشّرط اللّغويّ ،لنّ
ارتباط الجملتين النّاشئ عنه كارتباط المسبّب بالسّبب .
أدوات التّعليق :
ل على ربط حصول مضمون بحصول مضمون جملة أخرى ،
ل أداة تد ّ
- 6المراد بها :ك ّ
سواء أكانت من أدوات الشّرط الجازمة أم من غيرها .
وتلك الدوات كما جاء في المغني عند الكلم على تعليق الطّلق بالشّرط ،إن ،وإذا ،
ي في الرّوضة ،متى ما ،ومهما .
ومتى ،ومن ،وأي ،و كلّما .وزاد النّوو ّ
وزاد صاحب مسلم الثّبوت ،لو ،وكيف .وزاد السّرخسيّ في أصوله والبزدويّ في أصوله
وصاحب فتح الغفّار وصاحب كشّاف القناع " حيث " ،وذكر صاحب فتح الغفّار وصاحب
كشّاف القناع أيضا أن " أين " من صيغ التّعليق .
وزاد صاحب كشّاف القناع أيضا " أنّى " ولم يفرّق بينها وبين " إن " .وفيما يلي بعض ما
ل أداة من هذه الدوات من حيث اللّغة ومن حيث التّعليق .
قاله العلماء في ك ّ
أ -إن :
- 7إن الشّرطيّة هي المستعملة في الرّبط بين جملتي التّعليق ،فإنّها أصل في التّعليق وفي
حروف الشّرط وأدواته ،لتمحّضها للتّعليق والشّرط ،فليس لها معنى آخر سوى الشّرط
ن لها معاني أخرى تستعمل فيها
والتّعليق ،بخلف غيرها من أدوات الشّرط كإذا ومتى ،فإ ّ
إلى جانب الشّرط .وتستعمل إن وغيرها من الدوات الجازمة المشابهة لها في أمر متردّد
على خطر الوجود ،أي :بين أن يكون وأن ل يكون .ول تستعمل فيما هو قطعيّ الوجود ،
أو قطعيّ النتفاء ،إل على تنزيلهما منزلة المشكوك لنكتة .
- 8ويترتّب على كون ( إن ) للشّرط المحض :أنّه لو علّق طلق امرأته بعدم تطليقه لها ،
بأن قال :إن لم أطلّقك فأنت طالق ،لم تطلق حتّى يموت أحدهما قبل أن يطلّقها ،لنّ إن
للشّرط ،وأنّه جعل عدم إيقاع الطّلق عليها شرطا ،ول يتيقّن وجود هذا الشّرط ما بقيا حيّين
،فهو كقوله :إن لم آت البصرة فأنت طالق .ثمّ إن مات الزّوج وقع الطّلق عليها قبل موته
بقليل ،وليس لذلك القليل حدّ معروف .ولكن قبيل موته يتحقّق عجزه عن إيقاع الطّلق عليها
،فيتحقّق شرط الحنث .فإن كان لم يدخل بها فل ميراث لها ،وإن كان قد دخل بها ،فلها
الميراث بحكم الفرار .وإن ماتت المرأة تطلق أيضا في إحدى الرّوايتين بل فصل -كما في
أصول السّرخسيّ -لنّ فعل التّطليق ل يتحقّق بدون المحلّ ،وبفوات المحلّ يتحقّق الشّرط .
وذكر ابن قدامة أنّه لو علّق الطّلق بالنّفي بإحدى كلمات الشّرط ،كانت ( إن ) على
التّراخي ،وأمّا غيرها ( كمتى ومن وكلّما وأيّ ) فإنّه يكون على الفور .والتّفصيل محلّه
مصطلح ( :طلق ) .
ب -إذا :
( - 9إذا ) ترد في اللّغة على وجهين :
أحدهما :أن تكون للمفاجأة ،فتختصّ بالجمل السميّة ،ول تحتاج إلى جواب ،ول تقع في
البتداء ،ومعناها الحال ل الستقبال .
ثانيهما :أن تكون لغير مفاجأة ،فالغالب أن تكون ظرفا للمستقبل مضمّنة معنى الشّرط .
وخلصة القول في إذا :أنّها تستعمل عند الكوفيّين في معنى الوقت ،وفي معنى الشّرط ،
وإذا استعملت في معنى الشّرط سقط عنها معنى الوقت ،وصارت حرفا كإن ،وهو قول أبي
حنيفة وقد سبق .وعند البصريّين هي حقيقة في الوقت ،وتستعمل في الشّرط مع بقاء
الوقت ،وهو قول أبي يوسف ومحمّد ،فعندهما أنّها مثل متى ،أي ل يسقط عنها معنى
الظّرف ،وعنده أنّها كإن في التّمحّض للشّرطيّة ،فل يبقى فيها معنى الظّرف .
- 10ويترتّب على الخلف بين قول أبي حنيفة وصاحبيه :أنّه لو قال :إذا لم أطلّقك فأنت
طالق ،أو إذا ما لم أطلّقك فأنت طالق ،فإن عنى بها الوقت تطلق في الحال ،وإن عنى بها
الشّرط لم تطلق حتّى تموت ،وإن لم تكن له نيّة لم تطلق حتّى تموت .وهذا على قول أبي
حنيفة بناء على أنّ ( إذا ) إن استعملت في معنى الشّرط سقط عنها معنى الوقت ،وهو رأي
الكوفيّين .وأمّا على قول أبي يوسف ومحمّد فإنّها تطلق في الحال عند عدم ال ّنيّة ،بناء على
ن إذا تستعمل للوقت غالبا ،وتقرن بما ليس فيه معنى الخطر ،فإنّه يقال
رأي البصريّين في أ ّ
:الرّطب إذا اشتدّ الحرّ ،والبرد إذا جاء الشّتاء .ول يستقيم مكانها إن .
وجاء في المغني :أيضا وجهان في ( إذا ) فيما لو قال :إذا لم تدخلي الدّار فأنت طالق .
أحدهما :هي على التّراخي ،وهو قول أبي حنيفة ،ونصره القاضي ،لنّها تستعمل شرطا
وإذا تصبك خصاص ٌة فتجمّل ن ما أغناك ربّك بالغنى
بمعنى إن .قال الشّاعر :استغ ِ
فجزم بها كما يجزم بإن ،ولنّها تستعمل بمعنى متى وإن ،وإذا احتملت المرين فاليقين بقاء
النّكاح فل يزول بالحتمال .
والوجه الخر :أنّها على الفور ،وهو قول أبي يوسف ومحمّد ،وهو المنصوص عن
الشّافعيّ لنّها اسم لزمن مستقبل ،فتكون كمتى .وأمّا المجازاة بها فل تخرجها من
ل :إذا دخلت الدّار فأنت
موضوعها .وأمّا إذا علّق التّصرّف بإيجاد فعل بإذا ،كقوله مث ً
طالق ،فإنّها تكون على التّراخي كغيرها من أدوات التّعليق .
وقد اطّرد في عرف أهل اليمن -كما جاء في نهاية المحتاج -استعمالهم إلى بمعنى إذا
كقولهم :إلى دخلت الدّار فأنت طالق .ولهذا ألحقها غير واحد بإذا في الستعمال .
ج -متى :
- 11وهي اسم باتّفاق موضوع للدّللة على الزّمان ثمّ ضمّن معنى الشّرط .
ن إذا تستعمل في المور الواجب وجودها ،كطلوع الشّمس ومجيء
والفرق بين إذا ومتى :أ ّ
الغد ،بخلف متى ،فإنّها تستعمل في المور المبهمة ،أي فيما يكون وفيما ل يكون ،بمعنى
ص وقتا دون وقت ،فلذلك كانت مشاركة ل ( إنْ ) في البهام ،ولهذا أيضا كانت
أنّها ل تخ ّ
المجازاة بها لزمة في غير موضع الستفهام كإن ،إل أنّ الفرق بين متى وإن أنّ ( متى )
يجازى بها مع بقاء معنى الوقت فيها ،وأمّا متى الستفهاميّة فإنّها ل يجازى بها ،لنّ
الستفهام عبارة عن طلب الفهم عن وجود الفعل ،فل يستقيم في مقامه إضمار حرف إن .
قال ابن قدامة :لو علّق التّصرّف بإيجاد فعل بمتى فإنّها تكون على التّراخي ،فمن قال
ن الطّلق ل يقع إلّا عند وجود الصّفة أو الفعل
لزوجته :متى تدخلي الدّار فأنت طالق ،فإ ّ
وهو الدّخول ،أمّا إذا علّق التّصرّف بنفي صفة بمتى ،كما إذا قال :متى لم أطلّقك فأنت
طالق ،أو متى لم تدخلي الدّار فأنت طالق ،فإنّه إن مضى زمن عقيب اليمين لم تدخل فيه أو
لم يطلّقها فيه فقد وجدت الصّفة ،فإنّها اسم لوقت الفعل ،فتقدّر به ويقع الطّلق .
- 12ومثل متى في الحكم ( متى ما ) فكلّ ما قيل في متى يقال أيضا في ( متى ما ) ،
ن اقتران ( ما ) بها يجعلها للجزاء المحض دون
فحكمها في الشّرط كحكم متى بل أولى ،ل ّ
غيره كالستفهام .
د -من :
- 13وهي اسم باتّفاق وضع للدّللة على من يعقل ،ثمّ ضمّن معنى الشّرط .
وهي من صيغ العموم بوضع اللّغة ،وهي تع ّم بنفسها من غير احتياج إلى قرينة ،وهي كما
ن
قال البيضاويّ عامّة في العالمين أي :أولي العلم ،لتشمل العقلء والذّات اللهيّة ،ل ّ
ستُمْ لَه ِبرَازِقين } واللّه
ن َل ْ
( من ) تطلق على اللّه سبحانه وتعالى ،كما في قوله تعالى { َومَ ْ
سبحانه وتعالى يوصف بالعلم ول يوصف بالعقل ،وهو معنى حسن غفل عنه الشّارحون ،
كما قال السنويّ .قال عبد العزيز البخاريّ في كشف السرار شرح أصول البزدويّ ما نصّه
ل واحد منهما ل يتناول
:ومن وما يدخلن في هذا الباب أي باب الشّرط ،لبهامها ،فإنّ ك ّ
عينا .وتحقيقه :أنّ ( من وما ) لبهامهما دخل في باب العموم ،فلمّا كان العموم في الشّرط
ل واحد من الفراد بالذّكر متعسّر أو متعذّر و ( من وما )
مقصودا للمتكلّم ،وتخصيص ك ّ
يؤدّيان هذا المعنى مع اليجاز وحصول المقصود ،نابا مناب إن ،فقيل :من يأت أكرمه ،
وما تصنع أصنع .والمسائل فيهما كثيرة مثل قوله :من دخل هذا الحصن فله رأس ،ومن
دخل منكم الدّار فهو حرّ .وأمّا إذا كان للشّرط فهو اسم بمعنى أي :تقول :ما تصنع أصنع .
س مِنْ
ت ِبخَيرٍ ِم ْنهَا أو ِمثْلِها } { مَا َي ْفتَحِ اللّهُ للنا ِ
ن آيَ ٍة أو ُن ْنسِهَا َنأْ ِ
خ مِ ْ
وفي التّنزيل { .مَا َن ْنسَ ْ
سكَ َلهَا } .
َرحْمَ ٍة فَل ُم ْم ِ
- 14وأمّا ( ما ) المصدريّة ،فإنّها تستعمل في الفقه ،ويقيّد بها التّصرّف تقييد إضافة ل
تعليق ،كما جاء في البحر الرّائق وفتح القدير ،لنّها تنوب عن ظرف الزّمان ،كما في قوله
حيّا } أي مدّة دوامي حيّا .
ت َ
تعالى { :وَأَوصَانِي بِالصّلةِ وَال ّزكَاةِ مَا ُدمْ ُ
وعلى هذا لو قال :أنت طالق ما لم أطلّقك ،وسكت ،وقع الطّلق اتّفاقا بسكوته ،لنّه
ترتّب عليه إضافة الطّلق إلى وقت لم يطلّقها فيه .
هن -مهما :
- 15مهما اسم وضع للدّللة على ما ل يعقل ،ثمّ ضمّن معنى الشّرط .وقد ذكر النّوويّ في
الرّوضة :أنّ مهما من صيغ التّعليق ،نحو أن يقول :مهما دخلت الدّار فأنت طالق .
و -أيّ :
- 16وهي بحسب ما تضاف إليه ،ففي :أيّهم يقم أقم معه من باب ( من ) أي أنّها تستعمل
ب تركب أركب من باب ( ما ) أي من باب ما ل يعقل ،وفي :
فيمن يعقل ،وفي :أيّ الدّوا ّ
ي مكان تجلس
أيّ يوم تصم أصم من باب ( متى ) أي أنّها تدلّ على زمان مبهم ،وفي أ ّ
ل على مكان مبهم .
أجلس من باب ( أين ) أي أنّها تد ّ
ن حكم ( أيّ ) في التّعليق كحكم " متى ومن وكلّما "
وقد جاء في المغني والرّوضة ما يفيد أ ّ
بمعنى أنّه لو علّق التّصرّف بنفي فعل بأيّ ،كما لو علّق الطّلق على نفي الدّخول بأيّ ،بأن
قال :أيّ وقت لم تدخلي فيه الدّار فأنت طالق ،فإنّه إن مضى زمن يمكنها فيه الدّخول -ولم
تدخل -فإنّه يقع الطّلق بعده على الفور .
وأمّا لو علّق الطّلق على إيجاد فعل بأيّ ،فل تفيد الفور كغيرها من أدوات التّعليق .
ن ( أيّ ) ل تعمّ بعموم الصّفة فلو قال :أيّ امرأة أتزوّجها فهي
وجاء في تبيين الحقائق أ ّ
ن ذلك يتحقّق في امرأة واحدة فقط .
طالق ،فإ ّ
ل وكلّما ) فإنّهما تفيدان عموم ما دخلتا عليه كما سيأتي .
بخلف كلمتي ( ك ّ
ز -كلّ وكلّما :
ل شَيءٍ
- 17كلمة ( كلّ ) تستعمل بمعنى الستغراق بحسب المقام ،كقوله تعالى { :وَاللّهُ ِبكُ ّ
ل شَيءٍ ِبَأ ْمرِ َربّهَا } أي كثيرا ،
عَليمٌ } وقد تستعمل بمعنى الكثير كقوله تعالى ُ { :ت َدمّرُ كُ ّ
ل ) ل يستعمل إلّا مضافا لفظا أو
لنّها دمّرتهم ودمّرت مساكنهم دون غيرهم ،ولفظ ( ك ّ
تقديرا ،ولفظه واحد ،ومعناه جمع ،ويفيد التّكرار بدخول ( ما ) عليه نحو :كلّما جاءك زيد
فأكرمه .
- 18وكلمة ( ك ّل ) من صيغ التّعليق عند الحنفيّة والمالكيّة وكذا عند الشّافعيّة إن قصد بها
التّعليق دون المكافأة .ولم يفرّق الحنفيّة في تعليق الطّلق ب ( كلّ ) بين ما إذا عمّم ،بأن
قال :كلّ امرأة أتزوّجها فهي طالق ،أو خصّص بأن قال :كلّ امرأة من بني فلن أو من بلد
ن فيه سدّا لباب النّكاح ،
كذا .وأمّا المالكيّة فإنّهم يخالفون الحنفيّة في صورة التّعميم ،ل ّ
ويتّفقون معه في صورة التّخصيص بأن يخصّ بلدا أو قبيلة أو جنسا أو زمنا يبلغه عمره
ظاهرا .وذكر السّرخسيّ في أصوله أنّ كلمة ( كلّ ) توجب الحاطة على وجه الفراد ،
ن كلّ واحد من المسمّيات الّتي توصل بها كلمة كلّ يصير مذكورا على سبيل النفراد
ومعناه أ ّ
ن هذه الكلمة صلة في الستعمال ،حتّى ل تستعمل وحدها لخلوّها
،كأنّه ليس معه غيره ،ل ّ
ن معنى العموم فيها يخالف
عن الفائدة ،وهي تحتمل الخصوص ،نحو كلمة ( من ) إل أ ّ
ل مَنْ عَلَيها
معنى العموم في كلمة ( من ) ولهذا استقام وصلها بكلمة من كقوله تعالى { :كُ ّ
فَانٍ } حتّى لو وصلت باسم نكرة فإنّها تقتضي العموم في ذلك السم أيضا .ولهذا لو قال :
ل امرأة يتزوّجها على العموم .ولو تزوّج امرأة مرّتين
كلّ امرأة أتزوّجها فهي طالق تطلق ك ّ
لم تطلق في المرّة الثّانية ،لنّها توجب العموم فيما وصلت به من السم دون الفعل .
- 19والفرق بين كلمة " كلّ " وكلمة " من " فيما يرجع إلى الخصوص :هو أنّ كلمة كلّ
وإن كانت الحاطة فيها شاملة لكلّ فرد ،إل أنّها تحتمل الخصوص ،ككلمة " من " كما لو
قال :كلّ من دخل هذا الحصن أوّل فله كذا ،فدخلوا على التّعاقب فالنّفل للوّل خاصّة
لحتمال الخصوص في كلمة كلّ ،فإنّ الوّل اسم لفرد سابق ،وهذا الوصف متحقّق فيه دون
من دخل بعده .ومثل ذلك كلمة " من " في صورة التّعاقب .
ل " دون كلمة " من " .
- 20فإن دخلوا معا استحقّوا جميعا النّفل بكلمة " ك ّ
وأمّا كلمة " كلّما " فإنّها من صيغ التّعليق عند الفقهاء ،وهي تقتضي التّكرار والفور ،ويليها
الفعل دون السم ،فتقتضي العموم فيه ،فلو قال :كلّما تزوّجت امرأة فهي طالق ،فتزوّج
امرأة مرارا فإنّها تطلق في كلّ مرّة يتزوّجها ،لنّها تقتضي العموم في الفعال دون
السماء ،بخلف كلمة ( كلّ ) فإنّها تفيد العموم في السماء دون الفعال .
ح -لو :
- 21تكون ( لو ) حرف شرط في المستقبل ،إل أنّها ل تجزم ،ومثالها قوله تعالى :
ضعَافَا خَافُوا عَليهمْ } أي :وليخش الّذين إن شارفوا
ن خَلْفِهمْ ُذ ّريّةً ِ
ن لو َترَكُوا مِ ْ
{ وَ ْل َيخْشَ الّذي َ
ن الخطاب للوصياء ،وإنّما يتوجّه
وقاربوا أن يتركوا .وإنّما أوّلوا التّرك بمشارفة التّرك ،ل ّ
إليهم قبل التّرك ،لنّهم بعده أموات .
وأمّا من حيث تعليق التّصرّف " بلو " فقد أجاز الفقهاء -كأبي يوسف -تعليقه بها ،لشبهها "
بإن " فإنّ لو تستعمل في معنى الشّرط ول يليها دائما إلّا الفعل كإن ،ولورود استعمال كلّ
ن " لو " تفيد التّقييد في الماضي " وإن " تفيده في المستقبل .
منهما في معنى الخرى ،إل أ ّ
إل أنّ الفقهاء لم ينظروا إلى هذه النّاحية ،وعاملوها كإن في التّعليق ،فمن قال لعبده :لو
ن من الفقهاء
دخلت الدّار لتعتق ،فإنّه ل يعتق حتّى يدخل صونا للكلم عن الهمال ،حتّى إ ّ
من عاملها معاملة " إن " مطلقا وأجاز اقتران جوابها بالفاء ،ولم ينظر إلى عدم جواز ذلك
ن العامّة تخطئ وتصيب في العراب ،فمن قال لرجل :زنيت بكسر التّاء ،
عند النّحاة ،ل ّ
أو قال لمرأة :زنيت بفتحها ،وجب حدّ القذف في الصّورتين .
- 22وتستعمل " لو " في الستقبال لمؤاخاتها لن ،كأن يقال :لو استقبلت أمرك بالتّوبة لكان
ج َب ُكمْ } أي
عَن ُمشْ ِركٍ وَلو أَ ْ
ن خَيرٌ مِ ْ
خيرا لك ،أي إن استقبلت ،وقال تعالى { :وََل َع ْبدٌ مُ ْؤمِ ٌ
ت قُلْتُه فَ َقدْ عَِل ْمتَه }
وإن أعجبكم ،كما أنّ " إن " استعلمت بمعنى " لو " كقوله تعالى { :إنْ ُكنْ ُ
وعلى هذا فمن قال لزوجته :أنت طالق لو دخلت الدّار ،فإنّها ل تطلق عند أبي يوسف حتّى
تدخل الدّار ،لنّ لو بمنزلة إن ،فتفيد معنى التّرقّب .وليس في هذه المسألة نصّ عن أبي
حنيفة ،ولم يرو فيها شيء عن محمّد ،فهي من النّوادر .
- 23أمّا " لول " وهي الّتي تفيد امتناع الثّاني لوجود الوّل ،فإنّها ليست من صيغ التّعليق
عند الفقهاء ،لنّها وإن كان فيها معنى الشّرط فإنّ الجزاء فيها ل يتوقّع حصوله ،لنّها ل
تستعمل إلّا في الماضي ،ول علقة لها بالزّمن المستقبل ،فهي عندهم بمعنى الستثناء لنّها
تستعمل لنفي شيء بوجود غيره ،فمن قال لزوجته :أنت طالق لول حسنك ،أو لول صحبتك
،ل يقع الطّلق حتّى وإن زال الحسن أو انتفت الصّحبة ،لجعله ذلك مانعا من وقوع الطّلق
.
ط -كيف :
" - 24كيف " تستعمل في اللّغة على وجهين :أحدهما :أن تكون شرطا .
والثّاني :وهو الغالب فيها :أن تكون استفهاما ،إمّا حقيقيّا نحو " كيف زيد ؟ " أو غيره نحو
ن بِاللّهِ } الية ،فإنّه أخرج مخرج التّعجّب ،وتقع خبرا قبل ما ل يستغنى ،
{ كيفَ َتكْفُرو َ
نحو " كيف أنت ؟ " " وكيف كنت ؟ " ،وحال قبل ما يستغنى ،نحو " كيف جاء زيد ؟ " أي
على أيّ حالة جاء زيد .
وأمّا الفقهاء فإنّهم لم يخرجوا في استعمالهم لكيف عمّا ذكرته اللّغة بشأنها .
ن تعليق الحكم بكيف ل يؤثّر في أصل التّصرّف ،وإنّما يؤثّر في صفته
فذهب أبو حنيفة إلى أ ّ
.وذهب أبو يوسف ومحمّد إلى أنّ تعليق الحكم بها يؤثّر في الصل والوصف معا .وعلى
هذا فقد قال أبو حنيفة فيمن قال لمرأته :أنت طالق كيف شئت أنّها تطلق قبل المشيئة
تطليقة ،ثمّ إن لم تكن مدخول بها فقد بانت ل إلى عدّة ،ول مشيئة لها ،وإن كانت مدخول
بها فالتّطليقة الواقعة رجعيّة ،والمشيئة إليها في المجلس بعد ذلك .
فإن شاءت البائنة -وقد نواها الزّوج -كانت بائنة ،أو إن شاءت ثلثا -وقد نواها الزّوج -
تطلق ثلثا ،وإن شاءت واحدة بائنة -وقد نوى الزّوج ثلثا -فهي واحدة رجعيّة ،وإن
شاءت ثلثا -وقد نوى الزّوج واحدة بائنة -فهي واحدة رجعيّة ،لنّها شاءت غير ما نوى ،
وأوقعت غير ما فوّض إليها ،فل يعتبر ،لنّه إنّما يتأخّر إلى مشيئتها ما علّقه الزّوج بمشيئتها
دون ما لم يعلّقه ،وكلمة " كيف " ل ترجع إلى أصل الطّلق ،فيكون هو منجّزا أصل الطّلق
ن في غير المدخول بها ل مشيئة لها
ومفوّضا للصّفة إلى مشيئتها ،بقوله :كيف شئت .إل أ ّ
في الصّفة بعد إيقاع الصل ،فيلغو تفويضه الصّفة إلى مشيئتها بعد إيقاع الصل ،وفي
المدخول بها ،لها المشيئة في الصّفة بعد وقوع الصل ،بأن تجعله بائنا أو ثلثا على ما
ح تفويضه إليها .
عرف ،فيص ّ
وأمّا عند أبي يوسف ومحمّد :فل يقع عليها شيء ما لم تشأ ،فإذا شاءت فالتّفريع كما قال أبو
حنيفة ،لنّه جعل الطّلق مفوّضا إلى مشيئتها فل يقع بدون تلك المشيئة ،كقوله :أنت طالق
إن شئت ،أو كم شئت ،أو حيث شئت ،ل يقع شيء ما لم تشأ ،وهذا لنّه لمّا فوّض وصف
ن الوصف ل ينفكّ عن الصل .
الطّلق إليها يكون ذلك تفويضا لنفس الطّلق إليها ضرورة أ ّ
ولم نطّلع للمالكيّة على كلم في هذه المسألة .
وأمّا الشّافعيّة :فلهم رأيان في هذه المسألة .
فقد ذكر البغويّ أنّه لو قال :أنت طالق كيف شئت ،قال أبو زيد والقفّال :تطلق شاءت أم لم
تشأ .وقال الشّيخ أبو عليّ :ل تطلق حتّى توجد مشيئة في المجلس باليقاع أو عدمه .
وأمّا الحنابلة :فإنّهم لم يفرّقوا في هذه المسألة بين " كيف " وبين غيرها من أدوات التّعليق ،
فالطّلق عندهم ل يقع حتّى تعرف مشيئتها بقولها ،فقد جاء في كشّاف القناع أنّه لو قال :
أنت طالق إن شئت أو إذا شئت ،أو متى شئت ،أو كيف شئت . .إلخ لم تطلق حتّى تقول :
ن ما في القلب ل يعلم حتّى يعبّر عنه اللّسان .
قد شئت ،ل ّ
ي -حيث ،وأين :
" - 25حيث " اسم للمكان المبهم .قال الخفش :وقد تكون للزّمان .
" وحيث " من صيغ التّعليق ،لشبهها " بإن " في البهام ،وتعليق التّصرّف بها ل يتعدّى
ن تعليق الطّلق مثل بمشيئة المرأة ب " إن "
مجلس التّخاطب تشبيها لها ب " إن " أيضا ،فإ ّ
ل يتعدّى مجلس التّخاطب عند الحنفيّة .
فلو قال لمرأته :أنت طالق حيث شئت ،فإنّها ل تطلق قبل المشيئة ،وتتوقّف مشيئتها على
ن " حيث " من ظروف المكان ،ول اتّصال للطّلق بالمكان ،فيلغو ذكره ،
المجلس ،ل ّ
ويبقى ذكر المشيئة في الطّلق ،فيقتصر على المجلس .
وأورد البهوتيّ " حيث " في صيغ التّعليق ،وأنّها تعامل معاملة غيرها من أدوات التّعليق ،
فتعلّق الحكم بها ل يكون قاصرا على المجلس عند الحنابلة ،بل يتعدّاه إلى غيره .فلو قال :
أنت طالق حيث شئت ،فإنّها ل تطلق حتّى تعرف مشيئتها بقولها ،سواء أكان ذلك على الفور
ي من الشّافعيّة في الرّوضة .
أم على التّراخي .ولم يذكرها المالكيّة ،ول النّوو ّ
- 26ومثل " حيث " فيما تقدّم أين ،فإنّها أيضا اسم للمكان المبهم ،وذكرها صاحب فتح
الغفّار وعدّها من أدوات التّعليق ،وذكرها أيضا صاحب كشّاف القناع ولم يفرّق بينها وبين "
إن " في الحكم .
ك -أنّى :
- 27وهي اسم اتّفاقا وضع للدّللة على المكنة ثمّ ضمّن معنى الشّرط ،وترد في اللّغة
بمعنى أين ،وبمعنى كيف ،وبمعنى متى .
هذا وقد ذكر الحنابلة في كتبهم :أنّها من اللفاظ الّتي يعلّق بها الحكم ،فقد جاء في كشّاف
القناع :أنّه لو قال :أنت طالق أنّى شئت ،فإنّها ل تطلق حتّى تعرف مشيئتها بقولها ،ولم
يفرّق بينها وبين ( إن ) لنّ كلّا منهما تدلّ على التّعليق .
ثالثا :شروط التّعليق :
- 28يشترط لصحّة التّعليق أمور :
الوّل :أن يكون المعلّق عليه أمرا معدوما على خطر الوجود ،أي متردّدا بين أن يكون وأن
ل يكون ،فالتّعليق على المحقّق تنجيز ،وعلى المستحيل لغو .
الثّاني :أن يكون المعلّق عليه أمرا يرجى الوقوف على وجوده ،فتعليق التّصرّف على أمر
غير معلوم ل يصحّ ،فلو علّق الطّلق مثلً على مشيئة اللّه تعالى ،بأن قال لمرأته :أنت
ن الطّلق ل يقع اتّفاقا ،لنّه علّقه على شيء ل يرجى الوقوف على
طالق إن شاء اللّه ،فإ ّ
وجوده .
الثّالث :أن ل يوجد فاصل بين الشّرط والجزاء ،أي بين المعلّق والمعلّق عليه ،فلو قال
لزوجته :أنت طالق ،ثمّ قال بعد فترة من الزّمن :إن خرجت من الدّار دون إذن منّي لم يكن
تعليقا للطّلق ،ويكون الطّلق منجّزا بالجملة الولى .
الرّابع :أن يكون المعلّق عليه أمرا مستقبل بخلف الماضي ،فإنّه ل مدخل له في التّعليق ،
فالقرار مثل ل يصحّ تعليقه بالشّرط ،لنّه إخبار عن ماض ،والشّرط إنّما يتعلّق بالمور
المستقبلة .
الخامس :أن ل يقصد بالتّعليق المجازاة ،فلو سبّته بما يؤذيه فقال :إن كنت كما قلت فأنت
طالق ،تنجّز سواء أكان الزّوج كما قالت أو لم يكن ،لنّ الزّوج في الغالب ل يريد إل
إيذاءها بالطّلق .فإن أراد التّعليق يدين فيما بينه وبين اللّه عزّ وجلّ .
السّادس :أن يوجد رابط كالفاء وإذا الفجائيّة حيث كان الجزاء مؤخّرا ،وإل يتنجّز .
السّابع :أن يكون الّذي يصدر منه التّعليق مالكا للتّنجيز أي قادرا على التّنجيز -بمعنى كون
الزّوجيّة قائمة حقيقة أو حكما -وهذا الشّرط فيه خلف ،فالحنفيّة والمالكيّة ل يشترطون ذلك
ن المالكيّة
في تعليق الطّلق ،بل يكتفون فيه بمطلق الملك ،سواء أكان محقّقا أم معلّقا حتّى إ ّ
لم يفرّقوا في هذا بين التّعليق الصّريح فيما لو قال لمرأة :إن تزوّجتك فأنت طالق ،وبين
التّعليق الّذي لم يصرّح به ،كما لو قال لجنبيّة :هي طالق ،ونوى عند تزوّجه بها ،فإنّ
الطّلق يقع في الصّورتين .
ن هذا التّصرّف يمين لوجود الشّرط والجزاء ،فل يشترط
- 29ودليل أصحاب هذا القول :أ ّ
لصحّته قيام الملك في الحال ،لنّ الوقوع عند الشّرط ،والملك متيقّن به عند وجود الشّرط ،
وقبل ذلك أثره المنع ،وهو قائم بالمتصرّف .
وأمّا الشّافعيّة والحنابلة :فإنّهم يشترطون لصحّة التّعليق قيام الملك في حال التّعليق ،بمعنى
أن يكون الّذي يصدر منه التّعليق قادرا على التّنجيز ،وإل فل يصحّ تعليقه .والقاعدة الفقهيّة
عندهم هي :من ملك التّنجيز ملك التّعليق ،ومن ل يملك التّنجيز ل يملك التّعليق .وهناك
استثناءات من القاعدة بشقّيها ذكرها السّيوطيّ .
ودليل أصحاب هذا القول ما رواه أحمد وأبو داود والتّرمذيّ بإسناد جيّد من حديث عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جدّه ،وهو قوله صلى ال عليه وسلم « ل نذر لبن آدم فيما ل يملك ،
ول عتق له فيما ل يملك ،ول طلق له فيما ل يملك » .وحديث « :ل طلق إلّا بعد نكاح
» وقد روى هذا الحديث أيضا الدّارقطنيّ وغيره من حديث عائشة رضي ال عنه وزاد :
ل الطّلق ،وهو الزّوجة .
« وإن عيّنها » .ولنتفاء الولية من القائل على مح ّ
أثر التّعليق على التّصرّفات :
ن التّعليق هل يمنع السّبب عن السّببيّة أو يمنع الحكم
- 30هناك مسألة أصوليّة هامّة هي :أ ّ
عن الثّبوت فقط ،ل السّبب عن النعقاد ؟ والخلف في هذه المسألة بين الحنفيّة والشّافعيّة .
ن التّعليق يمنع السّبب عن السّببيّة كما يمنع الحكم عن الثّبوت .والشّافعيّة
فالحنفيّة يرون أ ّ
ن التّعليق ل يمنع السّبب عن السّببيّة ،وإنّما يمنع الحكم من الثّبوت فقط ،ول يمنع
يرون أ ّ
السّبب عن النعقاد .فكون التّعليق يمنع ثبوت الحكم محلّ اتّفاق بين الحنفيّة والشّافعيّة ،
وكونه يمنع السّبب عن السّببيّة هو محلّ الخلف .
فالحنفيّة يرون أنّه يمنع ،والشّافعيّة على العكس في ذلك .وممّا يتفرّع عليه تعليق الطّلق
والعتاق بالملك ،فإنّه يصحّ عند الحنفيّة ويقع عند وجود الملك ،لعدم سببيّته في الحال ،وإنّما
يصير سببا عند وجود الشّرط وهو الملك ،فيصادف محلً مملوكا .
ل هنا غير
ن التّعليق عندهم ينعقد سببا للحكم في الحال ،والمح ّ
ح عند الشّافعيّة ،ل ّ
ول يص ّ
مملوك ،فيلغو ،ول يقع شيء عند وجود الشّرط .
- 31التّصرّفات من حيث قبولها التّعليق أو عدم قبولها له على ضربين :
ج والخلع والطّلق والظّهار
أحدهما :تصرّفات تقبل التّعليق وهي .اليلء والتّدبير والح ّ
والعتق والكتابة والنّذر والولية .
الثّاني :تصرّفات ل تقبل التّعليق وهي :الجارة والقرار واليمان باللّه تعالى ،والبيع
ن ما كان تمليكا محضا ل مدخل للتّعليق
والرّجعة والنّكاح والوقف والوكالة .وضابط ذلك :أ ّ
فيه قطعا كالبيع ،وما كان حل -أي إسقاطا -محضا يدخله التّعليق قطعا كالعتق .
وبين المرتبتين مراتب يجري فيها الخلف كالفسخ والبراء ،لنّهما يشبهان التّمليك ،وكذلك
الوقف ،وفيه شبه يسير بالعتق فجرى فيه وجه ضعيف .وتفصيل ذلك فيما يلي :
أوّل :التّصرّفات الّتي تقبل التّعليق :
أ -اليلء :
- 32اليلء يقبل التّعليق على الشّرط عند الفقهاء ،كأن يقول :إن دخلت الدّار فواللّه ل
أقربك ،فإنّه يصير موليا عند وجود الشّرط لنّ اليلء يمين يحتمل التّعليق بالشّرط كسائر
ن اليلء من التّصرّفات الّتي تقبل التّعليق على الشّرط
اليمان .وذكر الزّركشيّ في المنثور أ ّ
ح قوله :آليت منك بشرط كذا .والتّفصيل محلّه مصطلح ( إيلء )
ول تقبل الشّرط ،فل يص ّ
ب -الحجّ :
ج يصحّ تعليقه ،كأن يقول :إن أحرم فلن فقد
- 33ذكر الزّركشيّ في المنثور أنّ الح ّ
أحرمت .ويقبل الشّرط كأن يقول :أحرمت على أنّي إذا مرضت فأنا حلل .
ج).
والتّفصيل محلّه مصطلح ( ح ّ
ج -الخلع :
- 34الخلع إن كان من جانب الزّوجة ،بأن كانت هي البادئة بسؤال الطّلق ،فإنّه ل يقبل
ن الخلع من جانبها معاوضة .وإن كان من جانب الزّوج
التّعليق عند الحنفيّة والشّافعيّة ،ل ّ
ن الخلع من جانبه طلق ،ومثله الطّلق
فإنّه يقبل التّعليق عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ،ل ّ
على مال .وأمّا الحنابلة فلم يجوّزوا تعليق الخلع قياسا على البيع .
ن الخلع إن جعلناه طلقا فإنّه يقبل التّعليق على الشّروط ول
وذكر الزّركشيّ في المنثور :أ ّ
يقبل الشّرط .والتّفصيل محلّه مصطلح ( خلع ) .
د -الطّلق :
ن الطّلق يقبل التّعليق اتّفاقا ،ويقع بحصول
- 35مجمل ما قاله الفقهاء في الطّلق هو أ ّ
ن الطّلق من التّصرّفات الّتي تقبل التّعليق على
المعلّق عليه .وذكر الزّركشيّ في المنثور :أ ّ
الشّرط ول تقبل الشّرط .
والفقهاء يذكرون مسائل كثيرة في تعليق الطّلق ،كتعليقه على المشيئة أو الحمل أو الولدة أو
على فعل غيره ،وتعليقه على الطّلق نفسه ،وتعليقه على أمر مستقبل أو أمر يستحيل وقوعه
،وغيرها من المسائل الّتي يطول الكلم بذكرها فليرجع لتفصيلها إلى ( الطّلق ) .
هن -الظّهار :
ن الظّهار يقتضي التّحريم كالطّلق ،
ح تعليق الظّهار باتّفاق الفقهاء ،وذلك ل ّ
- 36يص ّ
ل من الطّلق واليمين يصحّ تعليقه .فمن قال لزوجته :أنت
ويقتضي الكفّارة كاليمين .وك ّ
عليّ كظهر أمّي إن دخلت الدّار ،ل يصير مظاهرا منها قبل دخولها الدّار .
ن الظّهار كالطّلق في كونه يقبل التّعليق على الشّرط ول يقبل
وذكر الزّركشيّ في المنثور :أ ّ
الشّرط .والتّفصيل محلّه مصطلح ( ظهار ) .
و -العتق :
- 37اتّفق الفقهاء على صحّة تعليق العتق بالشّرط والصّفة ،على تفصيل فيهما ينظر في
مصطلح ( عتق ) .
ز -المكاتبة :
- 38يجوز تعليق المكاتبة بالشّرط ،وفي ذلك تفصيل سبق في مصطلح ( إسقاط ) وراجع
مصطلح ( مكاتبة ) .
ح -النّذر :
- 39اتّفق الفقهاء على جواز تعليق النّذر بالشّرط ،ول يجب الوفاء قبل حصول المعلّق عليه
،لعدم وجود سبب الوفاء ،فمتى وجد المعلّق عليه وجد النّذر ولزم الوفاء به .
على تفصيل في ذلك في مصطلح ( نذر ) .
ط -الولية :
- 40ويمثّل لها بالمارة والقضاء والوصاية ،أمّا المارة والقضاء فيجوز تعليقهما بالشّرط
لنّهما ولية محضة .وتفصيل ذلك محلّه مصطلح ( إمارة ) ومصطلح ( قضاء ) .
وأمّا الوصاية فيجوز عند الحنفيّة في ظاهر المذهب ،وعند الشّافعيّة والحنابلة تعليقها بالشّرط
ت ففلن وصيّي ،فإنّ المذكور يصير وصيّا عند وجود
لقربها من المارة ،فإذا قال :إذا م ّ
الشّرط للخبر الصّحيح « فإن قتل زيد أو استشهد فأميركم جعفر ،فإن قتل أو استشهد فأميركم
عبد اللّه بن رواحة » .
وأمّا المالكيّة فإنّهم لم يصرّحوا بجواز تعليقها .والتّفصيل محلّه مصطلح ( وصاية ) .
ثانيا -التّصرّفات الّتي ل تقبل التّعليق :
أ -الجارة :
ن منفعة العين المؤجّرة تنقل
- 41ل يجوز الجارة على الشّرط بالتّفاق بين الفقهاء وذلك ل ّ
ملكيّتها في مدّة الجارة من المؤجّر إلى المستأجر .وانتقال الملك ل يكون إلّا مع الرّضا ،
والرّضا إنّما يكون مع الجزم ،ول جزم مع التّعليق .
ب -القرار :
- 42ل يجوز تعليق القرار على الشّرط بالتّفاق ،لنّ المقرّ يعتبر بذلك مقرّا في الحال ،
ن التّعليق على الشّرط في معنى الرّجوع عن إقرار ،والقرار في حقوق العباد ل يحتمل
ول ّ
الرّجوع ،ولنّ القرار إخبار عن حقّ سابق فل يصحّ تعليقه ،لوجوبه قبل الشّرط .
والتّفصيل في مصطلح ( إقرار ) .
ج -اليمان باللّه تعالى :
- 43اليمان باللّه تعالى ل يقبل التّعليق على الشّرط ،فإذا قال :إن كنت في هذه القضيّة
كاذبا فأنا مسلم ،فإنّه إن كان كذلك ل يحصل له إسلم ،لنّ الدّخول في الدّين يفيد الجزم
بصحّته ،والمعلّق ليس بجازم .والتّفصيل في مصطلح ( إيمان ) .
د -البيع :
ن البيع فيه انتقال للملك
- 44ل يجوز في الجملة تعليق البيع على الشّرط بالتّفاق ،وذلك ل ّ
من طرف إلى طرف ،وانتقال الملك إنّما يعتمد الرّضا ،والرّضا يعتمد الجزم ،ول جزم
مع التّعليق .والتّفصيل في مصطلح ( بيع )
هن -الرّجعة :
- 45ل يجوز تعليق الرّجعة على شرط عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة .
وأمّا المالكيّة فذكروا في إبطال الرّجعة إن علّقت -بأن قال لزوجته :إن جاء الغد فقد
راجعتك -قولين :
أحدهما :وهو الظهر ،أنّها ل تصحّ الن ول غدا ،لنّه ضرب من النّكاح ،وهو ل يكون
لجل ،ولفتقارها لنيّة مقارنة .
ن الرّجعة حقّ للزّوج فله تعليقها
والثّاني :أنّها تبطل الن فقط ،وتصحّ رجعته في الغد ،ل ّ
.والتّفصيل في مصطلح ( رجعة ) .
و -النّكاح :
- 46ل يجوز تعليق النّكاح على شرط عند الحنفيّة والمالكيّة ،والمذهب عند الشّافعيّة .وأمّا
الحنابلة فل يجوز عندهم تعليق ابتداء النّكاح على شرط مستقبل غير مشيئة اللّه ،لنّه -كما
ح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع .والتّفصيل
جاء في كشّاف القناع -عقد معاوضة فل يص ّ
في مصطلح ( نكاح ) .
ز -الوقف :
- 47ل يجوز عند الحنفيّة تعليق الوقف على شرط ،مثل أن يقول :إن قدم ولدي فداري
صدقة موقوفة على المساكين ،لشتراطهم التّنجيز فيه .
وأمّا المالكيّة فجوّزوا تعليقه لعدم اشتراطهم التّنجيز فيه قياسا على العتق .
ح تعليق الوقف فيما ل يضاهي التّحرير ،كقوله :إذا
وأمّا الشّافعيّة :فل يجوز عندهم ول يص ّ
جاء زيد فقد وقفت كذا على كذا ،لنّه عقد يقتضي نقل الملك في الموقوف للّه تعالى أو
للموقوف عليه حال كالبيع والهبة .
أمّا ما يضاهي التّحرير ،كجعلته مسجدا إذا جاء رمضان ،فالظّاهر صحّته كما ذكر ابن
الرّفعة .ومحلّ ذلك ما لم يعلّقه بالموت ،فإن علّقه به كوقفت داري بعد موتي على الفقراء
فإنّه يصحّ .قاله الشّيخان ،وكأنّه وصيّة لقول القفّال :لو عرضها للبيع كان رجوعا .
وأمّا الحنابلة :فلم يجوّزوا تعليق ابتداء الوقف على شرط في الحياة ،مثل أن يقول :إذا جاء
رأس الشّهر فداري وقف أو فرسي حبيس ،ونحو ذلك ،ولنّه نقل للملك فيما لم يبن على
التّغليب والسّراية فلم يجز تعليقه على شرط كالهبة .وذكر ابن قدامة أنّه ل يعلم في هذا خلفا
.وسوّى المتأخّرون من الحنابلة بين تعليقه بالموت وتعليقه بشرط في الحياة .وأمّا تعليق
ح في أحد
انتهاء الوقف بوقت كقوله :داري وقف إلى سنة ،أو إلى أن يقدم الحاجّ ،فل يص ّ
الوجهين ،لنّه ينافي مقتضى الوقف وهو التّأبيد .
وفي الوجه الخر :يصحّ لنّه منقطع النتهاء .
ح -الوكالة :
- 48يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة تعليق الوكالة على شرط ،كأن يقول :إن قدم زيد
ن التّوكيل -كما يقول الكاسانيّ -إطلق التّصرّف ،والطلقات
فأنت وكيلي في بيع كذا ،ل ّ
ن شروط الموكّل عندهم معتبرة ،فليس للوكيل أن يخالفها ،
ممّا يحتمل التّعليق بالشّرط ،ول ّ
فلو قيّد الوكالة بزمان أو مكان ونحو ذلك فليس للوكيل مخالفة ذلك .
وذكر الشّافعيّة في تعليق الوكالة بشرط من صفة أو وقت وجهين :أصحّهما :ل يصحّ قياسا
على سائر العقود باستثناء الوصيّة لقبولها الجهالة ،وباستثناء المارة للحاجة .وثانيهما :
تصحّ قياسا على الوصيّة .
تعليل *
التّعريف :
ل أي :مرض فهو عليل .
- 1التّعليل لغة :من علّ يعلّ واعت ّ
والعلّة :المرض الشّاغل .والجمع علل .والعلّة في اللّغة أيضا :السّبب .
واصطلحا :تقرير ثبوت المؤثّر لثبات الثر وقيل :إظهار عّليّة الشّيء ،سواء أكانت تامّة
أم ناقصة .والعلّة عرّفها الصوليّون بقولهم :العلّة هي الوصف الظّاهر المنضبط الّذي يلزم
من ترتيب الحكم عليه مصلحة للمكلّف من دفع مفسدة أو جلب منفعة .
وللعلّة أسماء منها :السّبب والباعث والحامل والمناط والدّليل والمقتضي وغيرها .وتستعمل
العلّة أيضا بمعنى :السّبب ،لكونه مؤثّرا في إيجاب الحكم ،كالقتل العمد العدوان سبب في
وجوب القصاص .
كما تستعمل العلّة أيضا بمعنى :الحكمة ،وهي الباعث على تشريع الحكم أو المصلحة الّتي
من أجلها شرع الحكم .وتفصيل ذلك ينظر في الملحق الصوليّ .
تعليل الحكام :
- 2الصل في أحكام العبادات عدم التّعليل ،لنّها قائمة على حكمة عامّة ،وهي التّعبّد دون
إدراك معنى مناسب لترتيب الحكم عليه .
وأمّا أحكام المعاملت والعادات والجنايات ونحوها ،فالصل فيها :أن تكون معلّلة ،لنّ
مدارها على مراعاة مصالح العباد ،فرتّبت الحكام فيها على معان مناسبة لتحقيق تلك
المصالح .والحكام التّعبّديّة ل يقاس عليها لعدم إمكان تعدية حكمها إلى غيرها .
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( تعبّديّ ) .
فوائد تعليل الحكام :
ن الشّريعة جعلت العلل معرّفة ومظهرة للحكام كي يسهل
- 3لتعليل الحكام فوائد منها :أ ّ
على المكلّفين الوقوف عليها والتزامها .ومنها أن تصير الحكام أقرب إلى القبول والطمئنان
.وتفصيل ذلك ينظر في الملحق الصوليّ .
تعليل النّصوص :
- 4اختلف الصوليّون في تعليل النّصوص على أربعة اتّجاهات :
أ -أنّ الصل عدم التّعليل ،حتّى يقوم الدّليل عليه .
ب -أنّ الصل التّعليل بكلّ وصف صالح لضافة الحكم إليه ،حتّى يوجد مانع عن البعض .
ج -أنّ الصل التّعليل بوصف ،ولكن ل بدّ من دليل يميّز الصّالح من الوصاف للتّعليل
وغير الصّالح .
ن الصل في النّصوص التّعبّد دون التّعليل .
د-أّ
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :تعبّديّ ) وفي الملحق الصوليّ .
مسالك العلّة :
- 5وهي الطّرق الّتي يسلكها المجتهد للوقوف على علل الحكام .
ص الصّريح .
المسلك الوّل :النّ ّ
سنّة على التّعليل بوصف ،بلفظ موضوع له في اللّغة من
وهو أن يذكر دليل من الكتاب أو ال ّ
غير احتياج إلى نظر واستدلل .
وهو قسمان :
الوّل :ما صرّح فيه بكون الوصف علّة أو سببا للحكم .
سنّة معلّل بحرف من حروف التّعليل .
الثّاني :ما جاء في الكتاب أو ال ّ
المسلك الثّاني :الجماع .
المسلك الثّالث :اليماء والتّنبيه .
وهو أن يكون التّعليل لزما من مدلول اللّفظ ،ل أن يكون اللّفظ دالّا بوضعه على التّعليل .
وهو على أقسام تنظر في الملحق الصوليّ .
المسلك الرّابع :السّبر والتّقسيم .
وهو حصر الوصاف في الصل ،وإبطال ما ل يصلح منها للتّعليل ،فيتعيّن الباقي للتّعليل .
المسلك الخامس :المناسبة والشّبه والطّرد :
ينقسم الوصف المعلّل به إلى قسمين :
أ -ما تظهر مناسبته لترتيب الحكم عليه ويسمّى المناسب .وهو أن يترتّب الحكم على وصف
ظاهر منضبط ،يلزم من ترتيب الحكم عليّة مصلحة للمكلّف من دفع مفسدة أو جلب منفعة .
ويعبّر عنها بالخالة وبالمصلحة وبالستدلل وبرعاية المقاصد .ويسمّى استخراجها تخريج
المناط .
ب -ما ل تظهر مناسبته لترتيب الحكم عليه وينقسم إلى نوعين :
الوّل :أن ل يؤلّف من الشّارع اعتباره في بعض الحكام ،ويسمّى الوصف الطّرديّ .
الثّاني :أن يؤلّف من الشّارع اعتباره في بعض الحكام ،ويسمّى الوصف الشّبهيّ .
المسلك السّادس :تنقيح المناط وتحقيق المناط والدّوران :
وهي راجعة في حقيقتها إلى المسالك المتقدّمة ومندرجة تحتها .
وتنقيح المناط :هو إلحاق الفرع بالصل بنفي الفارق بينهما .أمّا تحقيق المناط :فهو أن
يجتهد المجتهد في إثبات وجود العلّة في الصّورة الّتي هي محلّ النّزاع .
وأمّا الدّوران :فهو أن يوجد الحكم عند وجود الوصف ،ويرتفع بارتفاعه .
وفي بعض هذه المسالك خلف وتفصيل ينظر في الملحق الصوليّ .
الحديث المعلّل :
- 6هو الّذي اطّلع فيه على علّة تقدح في صحّته مع أنّ ظاهره السّلمة منها ،وهو من أنواع
الحديث الضّعيف .
*********************************