Professional Documents
Culture Documents
تشبّه *
التّعريف :
- 1التّشبّه لغة :مصدر تشبّه ،يقال :تشبّه فلن :بفلن إذا تكلّف أن يكون مثله والمشابهة بين الشّيئين :
الشتراك بينهما في معنى من المعاني ،ومنه :أشبه الولد أباه :إذا شاركه في صفة من صفاته .ول يخرج
استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
- 2منها :التّباع والتّأسّي والتّقليد وقد تقدّم الكلم فيها تحت عنوان ( :اتّباع ) .
- 3ومنها :الموافقة ،وهي :مشاركة أحد الشّخصين للخر في صورة قول أو فعل أو ترك أو اعتقاد أو
غير ذلك ،سواء أكان ذلك من أجل ذلك الخر أم ل لجله .
فالموافقة أعمّ من التّشبّه .
الحكام المتعلّقة بالتّشبّه :
أوّلً -التّشبّه بالكفّار في اللّباس :
ن التّشبّه بالكفّار
- 4ذهب الحنفيّة على الصّحيح عندهم ،والمِالكيّة على المذهب ،وجمهور الشّافعيّة إلى :أ ّ
في اللّباس -الّذي هو شعار لهم به يتميّزون عن المسلمين -يحكم بكفر فاعله ظاهرا ،أي في أحكام الدّنيا ،
فمن وضع قلنسوة المجوس على رأسه يكفر ،إل إذا فعله لضرورة الكراه أو لدفع الحرّ أو البرد .وكذا إذا
شبّه
لبس زنّار النّصارى إلّا إذا فعل ذلك خديعة في الحرب وطليعة للمسلمين .أو نحو ذلك لحديث « :من َت َ
ن اللّباس الخاصّ بالكفّار علمة الكفر ،ول يلبسه إلّا من التزم الكفر ،والستدلل
بقوم فهو منهم » ل ّ
بالعلمة والحكم بما دلّت عليه مقرّر في العقل والشّرع .فلو علم أنّه شدّ ال ّزنّار ل لعتقاد حقيقة الكفر ،بل
لدخول دار الحرب لتخليص السارى مثل لم يحكم بكفره .
ن من يتشبّه بالكافر في الملبوس
ويرى الحنفيّة في قول -وهو ما يؤخذ ممّا ذكره ابن الشّاطّ من المالكيّة -أ ّ
الخاصّ به ل يعتبر كافرا ،إل أن يعتقد معتقدهم ،لنّه موحّد بلسانه مصدّق بجنانه .وقد قال المام أبو
حنيفة رحمه ال :ل يخرج أحد من اليمان إلّا من الباب الّذي دخل فيه ،والدّخول بالقرار والتّصديق ،
وهما قائمان .
وذهب الحنابلة إلى حرمة التّشبّه بالكفّار في اللّباس الّذي هو شعار لهم .قال البهوتيّ :إن تزيّا مسلم بما
صار شعارا لهل ذمّة ،أو علّق صليبا بصدره حرم ،ولم يكفر بذلك كسائر المعاصي .ويرى النّوويّ من
ن من لبس ال ّزنّار ونحوه ل يكفر إذا لم تكن نيّة .
الشّافعيّة أ ّ
أحوال تحريم التّشبّه :
وبتتبع عبارات الفقهاء يتبين أنهم يقيدون كفر من يتشبه بالكفار في اللباس الخاص بهم بقيود منها :
- 5أن يفعله في بلد السلم ،قال أحمد الرّمليّ :كون التّزيّي بزيّ الكفّار ردّة محلّه إذا كان في دار
السلم .أمّا في دار الحرب فل يمكن القول بكونه ردّة ،لحتمال أنّه لم يجد غيره كما هو الغالب ،أو أن
يكره على ذلك .
ن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم ( للكفّار ) في
قال ابن تيميّة :لو أ ّ
الهدي الظّاهر ،لما عليه في ذلك من الضّرر بل قد يستحبّ للرّجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في
هديهم الظّاهر ،إذا كان في ذلك مصلحة دينيّة ،من دعوتهم إلى الدّين والطّلع على باطن أمورهم لخبار
المسلمين بذلك ،أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الحسنة .فأمّا في دار السلم
والهجرة الّتي أعزّ اللّه فيها دينه ،وجعل على الكافرين فيها الصّغار والجزية ففيها شرعت المخالفة .
- 6أن يكون التّشبّه لغير ضرورة ،فمن فعل ذلك للضّرورة ل يكفر ،فمن شدّ على وسطه زنّارا ودخل
دار الحرب لتخليص السرى ،أو فعل ذلك خديعة في الحرب وطليعة للمسلمين ل يكفر .وكذلك إن وضع
قلنسوة المجوس على رأسه لضرورة دفع الحرّ والبرد ل يكفر - 7 .أن يكون التّشبّه فيما يختصّ بالكافر ،
كبرنيطة النّصرانيّ وطرطور اليهوديّ .
ويشترط المالكيّة لتحقّق ال ّردّة بجانب ذلك :أن يكون المتشبّه قد سعى بذلك للكنيسة ونحوها.
- 8أن يكون التّشبّه في الوقت الّذي يكون اللّباس المعيّن شعارا للكفّار ،وقد أورد ابن حجر حديث أنس
رضي ال عنه أنّه رأى قوما عليهم الطّيالسة ،فقال ":كأنّهم يهود خيبر" ثمّ قال ابن حجر :وإنّما يصلح
الستدلل بقصّة اليهود في الوقت الّذي تكون الطّيالسة من شعارهم ،وقد ارتفع ذلك فيما بعد ،فصار داخل
في عموم المباح .
- 9أن يكون التّشبّه ميل للكفر ،فمن تشبّه على وجه اللّعب والسّخرية لم يرتدّ ،بل يكون فاسقا يستحقّ
العقوبة ،وهذا عند المالكيّة .
- 10هذا ،والتّشبّه في غير المذموم وفيما لم يقصد به التّشبّه ل بأس به .
ل شيء ،بل في المذموم وفيما يقصد به
ن التّشبّه بأهل الكتاب ل يكره في ك ّ
قال صاحب الدّ ّر المختار :إ ّ
التّشبّه .قال هشام :رأيت أبا يوسف لبسا نعلين مخصوفين بمسامير فقلت أترى بهذا الحديد بأسا ؟ قال :ل
ن فيه تشبّها بالرّهبان ،فقال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه
،قلت :سفيان وثور بن يزيد كرها ذلك ل ّ
وسلم يلبس النّعال الّتي لها شعر وإنّها من لباس الرّهبان » .
ن الرض ممّا ل يمكن قطع المسافة
ن صورة المشابهة فيما تعلّق به صلح العباد ل يضرّ ،فإ ّ
فقد أشار إلى أ ّ
البعيدة فيها إلّا بهذا النّوع .وللتّفصيل ر ( :ردّة ،كفر ) .
ثانيا -التّشبّه بالكفّار في أعيادهم :
- 11ل يجوز التّشبّه بالكفّار في أعيادهم ،لما ورد في الحديث « من تشبّه بقوم فهو منهم » ،ومعنى ذلك
ك اليهودُ وَل
ن َترْضَى عن َ
ل ما اختصّوا به .قال اللّه تعالى { :وَلَ ْ
تنفير المسلمين عن موافقة الكفّار في ك ّ
ك مِنَ العلمِ مَا َلكَ
ن اتّبعتَ أَهواءَهم َب ْعدَ الّذي جَا َء َ
ن هُدى اللّ ِه هو ال ُهدَى وَلئ ْ
الّنصَارى حتّى َت ّتبِعَ مِّلتَهم قلْ إ ّ
ن اللّ ِه مِنْ وليّ ول َنصِيرٍ }
مِ َ
وروى البيهقيّ عن عمر رضي ال عنه أنّه قال :ل تعلّموا رطانة العاجم ،ول تدخلوا على المشركين في
ن السّخطة تنزل عليهم .
كنائسهم يوم عيدهم ،فإ ّ
وروي عن عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما أنّه قال :من م ّر ببلد العاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم
وتشبّه بهم حتّى يموت وهو كذلك ،حشر معهم يوم القيامة .
جعَلْنا َم ْنسَكا همْ
ن العياد من جملة الشّرع والمناهج والمناسك الّتي قال اللّه سبحانه وتعالى { :لِكلّ ُأمّةٍ َ
ول ّ
نَاسِكُوه } كالقبلة والصّلة ،والصّيام فل فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المباهج ،فإنّ
الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر ،والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر ،بل
ص شرائع
العياد من أخصّ ما تتميّز به الشّرائع ومن أظهر ما لها من الشّعائر ،فالموافقة فيها موافقة في أخ ّ
الكفر وأظهر شعائره .قال قاضيخان :رجل اشترى يوم النّيروز شيئا لم يشتره في غير ذلك اليوم :إن أراد
به تعظيم ذلك اليوم كما يعظّمه الكفرة يكون كفرا ،وإن فعل ذلك لجل السّرف والتّنعّم ل لتعظيم اليوم ل
يكون كفرا .وإن أهدى يوم النّيروز إلى إنسان شيئا ولم يرد به تعظيم اليوم ،إنّما فعل ذلك على عادة النّاس
ل يكون كفرا .وينبغي أن ل يفعل في هذا اليوم ما ل يفعله قبل ذلك اليوم ول بعده ،وأن يحترز عن التّشبّه
بالكفرة .
وكره ابن القاسم -من المالكيّة -للمسلم أن يهدي إلى النّصرانيّ في عيده مكافأة ،ورآه من تعظيم عيده
وعونا له على كفره .وكما ل يجوز التّشبّه بالكفّار في العياد ل ُيعَانُ المسلم المتشبّه بهم في ذلك بل ينهى
عن ذلك ،فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب دعوته ،ومن أهدى من المسلمين هديّة في هذه
العياد ،مخالفة للعادة في سائر الوقات غير هذا العيد لم تقبل هديّته ،خصوصا إن كانت الهديّة ممّا يستعان
بها على التّشبّه بهم ،مثل إهداء الشّمع ونحوه في عيد الميلد .
هذا وتجب عقوبة من يتشبّه بالكفّار في أعيادهم .
وأمّا ما يبيعه الكفّار في السواق في أعيادهم فل بأس بحضوره ،نصّ عليه أحمد في رواية مهنّا .وقال :
إنّما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم ،فأمّا ما يباع في السواق من المأكل فل ،وإن قصد إلى
توفير ذلك وتحسينه لجلهم .وللتّفصيل ( ر :عيد ) .
ثالثا -التّشبّه بالكفّار في العبادات :
يكره التّشبّه بالكفّار في العبادات في الجملة ،ومن أمثلة التّشبّه بهم في هذا المجال :
أ -الصّلة في أوقات الكراهة :
- 12نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الصّلة في أوقات الكراهة منها للتّشبّه بعبادة الكفّار .فقد أخرج
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :صلّ صلة الصّبح ،
مسلم من حديث عمرو بن عنبسة رضي ال عنه أ ّ
ثمّ أقصر عن الصّلة حتّى تطلع الشّمس حتّى ترتفع ،فإنّها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان ،وحينئذ يسجد
ن الصّلة مشهودة محضورة حتّى يستقلّ الظّلّ بالرّمح .ث ّم أقصر عن الصّلة فإنّ
لها الكفّار .ثمّ صلّ فإ ّ
ن الصّلة مشهودة محضورة حتّى تصلّي العصر .ثمّ أقصر عن
ل فإ ّ
حينئذ تسجر جهنّم ،فإذا أقبل الفيء فص ّ
الصّلة حتّى تغرب الشّمس فإنّها تغرب بين َق ْرنَيْ شيطان وحينئذ يسجد لها الكفّار » .وللتّفصيل في الحكام
المتعلّقة بأوقات الكراهة ( ر :الموسوعة الفقهيّة 180 7أوقات الصّلة ف ) 23
ب -الختصار في الصّلة :
ن اليهود تكثر من فعله ،فنهي عنه كراهة
- 13ل خلف بين الفقهاء في كراهة الختصار في الصّلة ل ّ
ي ومسلم واللّفظ له عن أبي هريرة رضي ال عنه « نهى رسول اللّه صلى ال
للتّشبّه بهم ،فقد أخرج البخار ّ
عليه وسلم أن يصلّي الرّجل مختصرا » وأخرج البخاريّ أيضا في ذكر بني إسرائيل من رواية أبي الضّحى
ن اليهود
عن مسروق عن عائشة رضي ال عنها أنّها كانت تكره أن يضع يده على خاصرته ،تقول ":إ ّ
تفعله "
زاد ابن أبي شيبة في رواية له « :في الصّلة »
وفي رواية أخرى « ل تشبّهوا باليهود » وللتّفصيل ( ر :صلة ) .
ج -وِصال الصّوم :
- 14ذهب الحنفيّة ،وجمهور المالكيّة ،والشّافعيّة في أحد الوجهين ،والحنابلة إلى كراهة وصال الصّوم ،
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « ل تواصلوا ،قالوا :
لما روى البخاريّ من حديث أنس رضي ال عنه أ ّ
ت كأحد منكم ،إنّي أطعم وأسقى أو إنّي أبيت أطعم وأسقى » .وقوله صلى ال عليه
إنّك تواصل ،قال لس ُ
وسلم « ل تواصلوا » نهي وأدناه يقتضي الكراهة .وعلّة النّهي التّشبّه بالنّصارى كما صرّح به في حديث
ي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن
بشير بن الخصاصية رضي ال عنه الّذي أخرجه أحمد والطّبران ّ
أبي حاتم في تفسيرهما بإسناد صحيح إلى « ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت :أردت أن أصوم يومين
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم نهى عن هذا ،وقال :يفعل ذلك النّصارى ،
مواصلة ،فمنعني بشير وقال :إ ّ
ولكن صوموا كما أمركم اللّه ،أتمّوا الصّيام إلى اللّيل ،فإذا كان اللّيل فأفطروا »
وذهب أحمد وجماعة من المالكيّة إلى جواز الوصال إلى السّحر ،وبهذا قال إسحاق وابن المنذر وابن خزيمة
.ويرى الشّافعيّة في الوجه الخر ،وهو ما صحّحه ابن العربيّ من المالكيّة :تحريم وصال الصّوم .
وللتّفصيل ( ر :صوم ) .
د -إفراد يوم عاشوراء بالصّوم :
- 15ذهب الحنفيّة -وهو مقتضى كلم أحمد كما يقول ابن تيميّة -إلى كراهة إفراد يوم عاشوراء بالصّوم
للتّشبّه باليهود .فقد روى مسلم عن ابن عبّاس رضي ال عنهما أنّه قال « :حين صام رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا :يا رسول اللّه ،إنّه يوم تعظّمه اليهود والنّصارى .فقال
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :فإذا كان العام المقبل إن شاء اللّه صمنا اليوم التّاسع » قال :فلم يأت العام
المقبل حتّى توفّي رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .
قال النّوويّ ،نقل عن بعض العلماء في تعليقه على الحديث :لعلّ السّبب في صوم التّاسع مع العاشر أن ل
يتشبّه باليهود في إفراد العاشر ،وفي الحديث إشارة إلى هذا .
ب الشّافعيّة والحنابلة صوم عاشوراء -وهو العاشر من المحرّم -وتاسوعاء -وهو التّاسع منه
هذا ،واستح ّ
ب أن يصوم قبل عاشوراء يوما وبعده يوما .وقال المالكيّة :ندب صوم عاشوراء
-ويرى الحنفيّة أنّه يستح ّ
وتاسوعاء والثّمانية قبله .
وتفصيل ر ( :صوم ،وعاشوراء ) .
رابعا :التّشبّه بالفَسَقَة :
- 16قال القرطبيّ :لو خصّ أهل الفسوق والمجون بلباس منع لبسه لغيرهم ،فقد يظنّ به من ل يعرفه أنّه
ن السّوء فيأثم الظّانّ والمظنون فيه بسبب العون عليه .وللتّفصيل ر ( :شهادة ،فسق ) .
منهم ،فيظنّ به ظ ّ
خامسا -تشبّه الرّجال بالنّساء وعكسه :
- 17ذهب جمهور العلماء إلى تحريم تشبّه النّساء بالرّجال والرّجال بالنّساء .
فقد روي البخاريّ عن ابن عبّاس رضي ال عنهما أنّه قال « :لعن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
المتشبّهين من الرّجال بالنّساء ،والمتشبّهات من النّساء بالرّجال » .
وذهب الشّافعيّة في قول ،وجماعة من الحنابلة إلى كراهة تشبّه الرّجال بالنّساء وعكسه .والتّشبّه يكون في
اللّباس والحركات والسّكنات والتّصنّع بالعضاء والصوات .
ومثال ذلك :تشبّه الرّجال بالنّساء في اللّباس والزّينة الّتي تختصّ بالنّساء ،مثل لبس المقانع والقلئد
ن في الفعال الّتي
والمخانق والسورة والخلخل والقرط ونحو ذلك ممّا ليس للرّجال لبسه .وكذلك التّشبّه به ّ
هي مخصوصة بها كالنخناث في الجسام والتّأنّث في الكلم والمشي .كذلك تشبّه النّساء بالرّجال في زيّهم
أو مشيهم أو رفع صوتهم أو غير ذلك.
ل بلد ،فقد ل يفترق زيّ نسائهم عن زيّ رجالهم لكن تمتاز النّساء
وهيئة اللّباس قد تختلف باختلف عادة ك ّ
ي كلّ من النّوعين -حتّى يحرم التّشبّه به فيه
ن العبرة في لباس وز ّ
بالحتجاب والستتار .قال السنويّ :إ ّ
ل ناحية .
-بعرف ك ّ
ص بمن تعمّد ذلك ،وأمّا من كان ذلك من أصل خلقته فإنّما يؤمر بتكلّف
وأمّا ذمّ التّشبّه بالكلم والمشي فمخت ّ
تركه والدمان على ذلك بالتّدريج ،فإن لم يفعل وتمادى دخله ال ّذمّ ،ول سيّما إن بدا منه ما يدلّ على الرّضا
به .
هذا ويجب إنكار التّشبّه باليد ،فإن عجز فباللّسان مع أمن العاقبة ،فإن عجز فبقلبه كسائر المنكرات .
ويترتّب على هذا أنّه يجب على الزّوج أن يمنع زوجته ممّا تقع فيه من التّشبّه بالرّجال في لبسة أو مشية أو
غيرهما ،امتثالً لقوله تعالى { :قُوا َأنْفسَكم وَأَهليكمْ نَارا } أي بتعليمهم وتأديبهم وأمرهم بطاعة ربّهم ونهيهم
عن معصيته .
سادسا :تشبّه أهل ال ّذمّة بالمسلمين :
- 18يؤخذ أهل ال ّذمّة بإظهار علمات يعرفون بها ،ول يتركون يتشبّهون بالمسلمين في لباسهم ومراكبهم
وهيئاتهم .والصل فيه ما روي" أنّ عمر بن عبد العزيز رحمه ال مرّ على رجال ركوب ذوي هيئة ،
فظنّهم مسلمين فسلّم عليهم ،فقال له رجل من أصحابه :أصلحك اللّه تدري من هؤلء ؟ فقال :من هم ؟
فقال :نصارى بني تغلب .فلمّا أتى منزله أمر أن ينادى في النّاس أن ل يبقى نصرانيّ إل عقد ناصيته
ن السّلم من شعائر السلم فيحتاج
وركب الكاف " .ولم ينقل أنّه أنكر عليه أحد ،فيكون كالجماع .ول ّ
المسلمون إلى إظهار هذه الشّعائر عند اللتقاء ،ول يمكنهم ذلك إلّا بتمييز أهل ال ّذمّة بالعلمة .
ن إذللهم واجب بغير أذى من ضرب أو
هذا ،وإذا وجب التّمييز وجب أن يكون فيه صغار ل إعزاز ،ل ّ
صفع بل سبب يكون منه ،بل المراد اتّصافه بهيئة خاصّة .
وكذا يجب أن يتميّز نساء أهل ال ّذمّة عن نساء المسلمين في حال المشي في الطّريق ،وتجعل على دورهم
علمة كي ل يعاملوا بما يختصّ به المسلمون ،ول يمنعون من أن يسكنوا في أمصار المسلمين في غير
جزيرة العرب يبيعون ويشترون ،لنّ عقد ال ّذمّة شرع ليكون وسيلة لهم إلى السلم .وتمكينهم من المقام
أبلغ إلى هذا المقصود .
وللتّفصيل في المور الّتي يمنع تشبّه أهل ال ّذمّة فيه بالمسلمين تنظر أبواب الجزية وعقد ال ّذمّة من كتب الفقه
.
تشبيب *
التّعريف :
- 1التّشبيب مصدر شبّب .ومن معانيه :ترقيق أوّل الشّعر بذكر النّساء ،وشبّب بالمرأة :قال فيها الغزل
أو النّسيب .والصطلح الفقهيّ ل يخرج عن هذا المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّشبيب ،والنّسيب ،والغزل ألفاظ مترادفة ،المراد منها :ذكر محاسن النّساء .
حكمه التّكليفيّ :
- 2يحرم التّشبيب بامرأة معيّنة محرّمة على المشبّب أو بغلم أمرد .
ول يعرف خلف بين الفقهاء في حرمة ذكر المثير على الفحش من الصّفات الحسّيّة والمعنويّة لمرأة أجنبيّة
محرّمة عليه ،ويستوي في ذلك ذكر الصّفات الظّاهرة والباطنة لما في ذلك من اليذاء لها ولذويها ،وهتك
السّتر والتّشهير بمسلمة .
أمّا التّشبّب بزوجته أو جاريته فهو جائز ما لم يصف أعضاءها الباطنة ،أو يذكر ما من حقّه الخفاء فإنّه
يسقط مروءته ،ويكون حراما أو مكروها ،على خلف في ذلك .
ن الغرض من
وكذا يجوز التّشبيب بامرأة غير معيّنة ،ما لم يقل فحشا أو ينصب قرينة تدلّ على التّعيين ،ل ّ
ل على التّعيين فهو في حكم التّعيين .
ذلك هو تحسين الكلم وترقيقه ل تحقيق المذكور ،فإن نصب قرينة تد ّ
وليس ذكر اسم امرأة مجهولة كليلى وسعاد تعيينا ،لحديث :كعب بن زهير :وإنشاده قصيدته المشهورة «
بانت سعاد . .بين يدي الرّسول صلى ال عليه وسلم » .
التّشبّب بغلم :
- 3يحرم التّشبيب بغلم -إن ذكر أنّه يعشقه وإن لم يكن معيّنا ،لنّه ل يحلّ بحال .وقيل :إن لم يكن
معيّنا فهو كالمرأة غير المعيّنة .هذا في إنشاء القول من شعر أو نثر .أمّا رواية ذلك أو إنشاده فإنّه إذا لم
يقصد به الحضّ على المحرّم فهو مباح لنحو الستشهاد أو تعلّم الفصاحة والبلغة .
وقيّد الحنفيّة تحريم التّشبيب بالمرأة بكونها معيّنة حيّة .فلو شبّب بامرأة غير حيّة لم يحرم .
تشبيك *
التّعريف :
- 1التّشبيك في اللّغة :المداخلة ،فيقال لكلّ متداخلين أنّهما مشتبكان .ومنه :شبّاك الحديد ،وتشبيك
الصابع -وهو المراد هنا -لدخول بعضها في بعض .والشّبك :الخلط والتّداخل ،فيقال :شبك الشّيء
يشبكه شبكا :إذا خلطه وأنشب بعضه في بعض .
وتشبيك الصابع ل يخرج في معناه الصطلحيّ عن هذا ،قال ابن عابدين :تشبيك الصابع :أن يدخل
الشّخص أصابع إحدى يديه بين أصابع الخرى .
الحكم الجماليّ :
- 2أجمع الفقهاء على أنّ تشبيك الصابع في الصّلة مكروه ،لما روي عن كعب بن عجرة رضي ال عنه
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رأى رجل قد شبّك أصابعه في الصّلة ،ففرّج رسول اللّه صلى ال
«أّ
عليه وسلم بين أصابعه » .وقال ابن عمر رضي ال عنهما في الّذي يصلّي وهو يشبّك أصابعه « تلك
صلة المغضوب عليهم »
وأمّا تشبيكها في المسجد في غير صلة ،وفي انتظارها أي حيث جلس ينتظرها ،أو ماشيا إليها ،فقد قال
ن انتظار الصّلة هو في حكم الصّلة لحديث
الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بكراهة التّشبيك حينئذ ،ل ّ
ح ِبسُه » ولما روى أحمد وأبو داود وغيرهما
الصّحيحين « ل يزال أحدكم في صلة ما دامت الصّلةُ َت ْ
مرفوعا « إذا توضّأ أحدكم فأحسن وضوءه ثمّ خرج عامدا إلى المسجد ،فل يشبّك بين يديه فإنّه في صلة »
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إذا كان أحدكم في المسجد فل يشبّكنّ ،
وما روى أبو سعيد الخدريّ أ ّ
ن أحدكم ل يزال في صلة ما دام في المسجد حتّى يخرج منه »
فإنّ التّشبيك من الشّيطان ،وإ ّ
وعن كعب بن عجرة رضي ال عنه قال :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول
« إذا توضّأ أحدكم ثمّ خرج عامدا إلى الصّلة ،فل يشبّكنّ بين يديه ،فإنّه في صلة » .
ن النّهي عنه لما فيه من العبث .
- 3وقد اختلف في الحكمة في النّهي عن التّشبيك في المسجد ،فقيل :إ ّ
وقيل :لما فيه من التّشبّه بالشّيطان .وقيل :لدللة الشّيطان على ذلك .وفي حاشية الطّحاويّ على مراقي
الفلح :حكمة النّهي عن التّشبيك :أنّه من الشّيطان ،وأنّه يجلب النّوم ،والنّوم من مظانّ الحدث ،ولما نبّه
عليه في حديث ابن عمر رضي ال عنهما في الّذي يصلّي وهو يشبّك أصابعه تلك صلة المغضوب عليهم
فكره ذلك لما هو في حكم الصّلة ،حتّى ل يقع في المنهيّ عنه .وكراهته في الصّلة أشدّ .
ول يكره عند الجمهور التّشبيك بعد الفراغ ولو كان في المسجد ،لحديث ذي اليدين رضي ال عنه الّذي رواه
شيّ -قال
أبو هريرة رضي ال عنه -قال « صلّى بنا رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إحدى صلتي ال َع ِ
ابن سيرين :سمّاها أبو هريرة ،ولكن نسيت أنا -قال :فصلّى بنا ركعتين ،ثمّ سلّم ،فقام إلى خشبة
معروضة في المسجد فاتّكأ عليها كأنّه غضبان ،ووضع يده اليمنى على اليسرى ،وشبّك بين أصابعه ،
ن من أبواب المسجد ،فقالوا :قُصِرت الصّلة
سرْعا ُ
خ َرجَتِ ال ّ
ووضع خدّه اليمن على ظهر كفّه اليسرى ،و َ
،وفي القوم
أبو بكر وعمر فهابا أن يكلّماه ،وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين قال :يا رسول اللّه أنسيتَ
أم قصرت الصّلة ؟ قال لم أنس ولم تقصر فقال :أكما يقول ذو اليدين ؟ فقالوا :نعم .فتقدّم فصلّى ما
ترك ،ث ّم سلّم ،ثمّ كبّر وسجد مثل سجوده أو أطول ثمّ رفع رأسه وكبّر ،ثمّ كبّر وسجد مثل سجوده -أو
أطول ،ثمّ رفع رأسه وكبّر .فربّما سألوه :ثمّ سلّم ؟ فيقول :نبّئت أنّ عمران بن حصين قال :ثمّ سلّم » .
ول بأس به عند المالكيّة في غير صلة حتّى ولو في المسجد ،لنّ كراهته عندهم إنّما هي في الصّلة فقط ،
إلّا أنّه خلف الولى على نحو ما ورد بالشّرح الكبير وجواهر الكليل .وفي مواهب الجليل ما نصّه :وأمّا
بالنّسبة لغير الصّلة فالتّشبيك ل بأس به حتّى في المسجد .قال ابن عرفة :وسمع ابن القاسم -أي من مالك
: -ل بأس بتشبيك الصابع يعني في المسجد في غير صلة .وأومأ داود بن قيس ليد مالك مشبّكا أصابعه
ح في
به -أي بالمسجد -ليطلقه وقال :ما هذا ؟ فقال مالك :إنّما يكره في الصّلة .وقال ابن رشد :ص ّ
حديث ذي اليدين تشبيكه صلى ال عليه وسلم بين أصابعه في المسجد .
- 4وأمّا تشبيكها خارج الصّلة فيما ليس من توابعها :بأن لم يكن في حال سعي إليها ،أو جلوس في
المسجد لجلها ،فإن كان لحاجة نحو إراحة الصابع -وليس لعبثٍ بل لغرض صحيح -فإنّه في هذه
الحالة ل يكره عند الحنفيّة ،فقد صحّ عنه صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ
سيّة
بعضه بعضا » وشبّك بين أصابعه .فإنّه لفادة تمثيل المعنى ،وهو التّعاضد والتّناصر بهذه الصّورة الح ّ
.
فلو شبّك لغير حاجة على سبيل العبث كره تنزيها .وفي حاشية الشبراملسي من الشّافعيّة :أنّه إذا جلس في
المسجد ل للصّلة بل لغيرها ،كحضور درس أو كتابة ،فل يكره ذلك في حقّه لنّه لم يصدق عليه أنّه
ينتظر الصّلة .وأمّا إذا انتظرهما معا فينبغي الكراهة ،لنّه يصدق عليه أنّه ينتظر الصّلة .وأمّا المالكيّة
فقد رأوا كراهة التّشبيك للمصلّي خاصّة ولو في غير مسجد ،ول بأس به عندهم في غير الصّلة ولو في
المسجد ،لقول مالك :يكره في الصّلة حين أومأ داود بن قيس ليده مشبّكا أصابعه ليطلقه وقال :ما هذا ؟ .
ن مستمع الخطبة في انتظار الصّلة ،
- 5والتّشبيك حال خطبة الجمعة يكره عند غير المالكيّة من الئمّة ،ل ّ
فهو كمن في الصّلة لما سبق .
وعند المالكيّة :غير مكروه ،لنّ الكراهة عندهم في الصّلة فقط ولو كان في المسجد ،وإن كان هذا هو
خلف الولى كما تقدّم .
تشبيه *
التّعريف :
- 1التّشبيه في اللّغة :مصدر شبّهت الشّيء بالشّيء :إذا أقمته مقامه بصفة جامعة بينهما .وتكون الصّفة
ذاتيّة ومعنويّة :فالذّاتيّة نحو هذا الدّرهم كهذا الدّرهم أي في القدر ،والمعنويّة نحو زيد كالسد .وفي
اصطلح علماء البيان :هو الدّللة على اشتراك شيئين في وصف من أوصاف الشّيء في نفسه ،كالشّجاعة
في السد والنّور في الشّمس .
سبِيلِه صَفّا كَأنّهمْ ُب ْنيَانٌ َم ْرصُوصٌ } أو
ن في َ
ن يُقَاتِلُو َ
ن اللّ َه ُيحِبّ الّذي َ
وهو إمّا تشبيه مفرد كقوله تعالى { :إ ّ
تشبيه مفردات بمفردات ،كقوله صلى ال عليه وسلم « إنّما مثل ما بعثني اللّه به من الهدى والعلم كمثل
ب الكثير ،وكان منها أجادبُ
الغيث الكثير أصاب أرضا ،فكان منها نقيّة َقبِلت الما َء فأنبتت الكلَ والعش َ
أمسكت الماءَ -فنفع اللّه بها النّاس فشربوا وسقوا وزرعوا ،وأصابت منها طائفة أخرى إنّما هي قِيعانٌ ل
تمسك ماء ول تنبت كل .فذلك َمثَلُ من فَقُه في دين اللّه ونفعه ما بعثني اللّه به َفعَلِم وعلّم ،ومثل من لم
يرفع بذلك رأسا ،ولم يقبل هدى اللّه الّذي أُرسلتُ به » .فقد شبّه العلم بالغيث ،وشبّه من ينتفع به بالرض
طيّبة ،ومن ل ينتفع به بالقيعان .فهي تشبيهات مجتمعة ،أو تشبيه مركّب ،كقوله صلى ال عليه وسلم :
ال ّ
ن َمثَلي مثل النبياء من قبلي :كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله ،إل موضع لبنة من زاوية ،فجعل
«إّ
ضعَتْ ،هذه الّل ِبنَةُ ؟ قال :فأنا الّل ِب َنةُ ،وأنا خا َتمُ النّبيّين » .
النّاس يطوفون به ويعجبون له ويقولون :هل ُو ِ
فهذا تشبيه المجموع بالمجموع ،لنّ وجه الشّبه عقليّ منتزع من عدّة أمور .
اللفاظ ذات الصّلة :
القياس :
- 2القياس هو :إلحاق فرع بأصل في الحكم لعلّة جامعة بينهما .
حكم التّشبيه :
يختلف حكم التّشبيه بحسب موقعه والمراد منه على ما سيأتي .
أ -التّشبيه في الظّهار :
- 3الظّهار شرعا :تشبيه المسلم زوجته أو جزءا شائعا منها بمحرّم عليه تأبيدا ،كقوله :أنت عليّ كظهر
أمّي أو نحوه ،أو كبطنها أو كفخذها ،ونحو ذلك .
ن ُأ ّمهَاتِهم إنْ ُأمّهاتُهمْ
ن ِمنْكمْ ِمنْ ِنسَائِهمْ ما ه ّ
وهذا النّوع من التّشبيه حرام نصّا لقوله تعالى { :الّذينَ ُيظَا ِهرُو َ
ن ُم ْنكَرا مِن القولِ وزورا } .
إل اللئي وََل ْدنَهم ،وَِإنّهمْ ليقولو َ
وإذا وقع من الزّوج التّشبيه ،ممّا يعتبر ظهارا ،يحرم عليه وطء امرأته قبل أن يكفّر باتّفاق الفقهاء .وكذلك
يحرم التّلذّذ بما دون الجماع عن جمهور الفقهاء :الحنفيّة والمالكيّة ،وهو قول عند الشّافعيّة ،ورواية عند
عظُونَ به والّلهُ ِبمَا َت ْعمَلونَ خَبيرٌ َفمَنْ لمْ
ن َي َتمَاسّا ذلكمْ تُو َ
ن قَبلِ أَ ْ
الحنابلة ،لقوله تعالى َ { :ف َتحْرِيرُ َرقَبَ ٍة مِ ْ
شهْرين ُم َتتَابعين ِمنْ َقبْلِ َأنْ َي َتمَاسّا } والتّماسّ شامل للوطء ودواعيه .وفي قول عند الشّافعيّة ،
جدْ فَصِيامُ َ
َي ِ
وهو رواية أخرى عند الحنابلة :ل يحرم إلّا الوطء .وهذا في صريح ألفاظ الظّهار .
ي مثل أمّي صحّت نيّته برّا أو ظهارا أو طلقا .
أمّا في كناياته ،كقوله :أنت عل ّ
وفي الموضوع فروع كثيرة ينظر تفصيلها مع اختلف الفقهاء في مصطلح ( ظهار ) .
ب -التّشبيه في القذف :
- 4أجمع العلماء على أنّه إذا صرّح القاذف بالزّنى كان قذفا ورميا موجبا للحدّ ،فإن عرّض ولم يصرّح ،
فقال مالك :هو قذف ،وقال أبو حنيفة والشّافعيّ :ل يكون قذفا حتّى يقول :أردت به القذف .والدّليل لما
قاله مالك هو أنّ موضوع الحدّ في القذف إنّما هو لزالة المعرّة الّتي أوقعها القاذف بالمقذوف ،فإذا حصلت
المعرّة بالتّعريض وجب أن يكون قذفا كالتّصريح ،وذلك راجع إلى الفهم ،وقد قال تعالى على لسان قوم
ب بكلم ظاهره المدح
شعيب أنّهم قالوا له { ِإ ّنكَ لَنتَ الحَليمُ ال ّرشِيد } أي السّفيه الضّالّ ،فعرّضوا له بالسّ ّ
في أحد التّأويلت .وقد حبس عمر رضي ال عنه الحطيئة لمّا قال لحدهم :
عمُ الكَاسِي
ك أنتَ الطّا ِ
وَاقْعدْ َفِإنّ َ َدعِ ال َمكَا ِرمَ ل َت ْرحَلْ ِل ُب ْغ َيتِها
لنّه شبّهه بالنّساء في أنّهنّ يُط َعمْن ويسقين ويكسين .وعلى ذلك فإذا فهم من تشبيه المرأة أو الرّجل بالعفيفة
أو العفيف استهزاء ،كان كالرّمي الصّريح في مذهب مالك .
ج -تشبيه الرّجل غيره بما يكره :
س السمُ ال ُفسُوقُ
- 5ل يجوز للمسلم أن يشبّه أخاه المسلم بما يكرهه ،قال تعالى { :وَل َتنَا َبزُوا بِالَلْقَابِ بئ َ
بعدَ الِيمانِ } وسواء أكان التّشبيه بذكر أداة التّشبيه أو بحذفها كقوله :يا مخنّث ،يا أعمى .
واتّفق الفقهاء على أنّه يعزّر بقوله :يا كافر يا منافق يا أعور يا نمّام يا كذّاب يا خبيث يا مخنّث يا ابن
الفاسقة ،ونحو ذلك من كلّ ما فيه إيذاء بغير حقّ ،ولو بغمز العين أو إشارة اليد ،لرتكابه معصية ل حدّ
فيها ،وكلّ معصية ل حدّ فيها فيها التّعزير .
وكذلك يعزّر إذا شبّهه بالحيوانات الدّنيئة كقوله :يا حمار ،يا كلب ،يا قرد ،يا بقر ونحو ذلك عند جمهور
ن كلّ من ارتكب منكرا أو آذى
الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وهو المختار عند متأخّري الحنفيّة -ل ّ
مسلما بغير حقّ بقول أو فعل أو إشارة يستحقّ التّعزير .وفي ظاهر الرّواية عند الحنفيّة :ل يعزّر بقوله :
يا حمار ،يا كلب ونحو ذلك لظهور كذبه .وفرّق بعض الحنفيّة بين ما إذا كان المسبوب من الشراف فيعزّر
،أو من العامّة فل يعزّر ،كما استحسنه في الهداية والزّيلعيّ .
ب إلى حدّ القذف ،أمّا إذا كان من أنواع القذف :كالرّمي بالزّنا من غير
وهذا كلّه إذا لم يصل الشّتم والسّ ّ
بيّنة ،فإنّه يحدّ على تفصيل ينظر في مصطلح ( :قذف ) .
تشريق *
انظر :أيّام التّشريق .
تشريك *
التّعريف :
- 1التّشريك في اللّغة :مصدر شرّك .يقال :شرّك فلن فلنا .إذا أدخله في المر وجعله شريكا له فيه .
ويقال :شرّك غيره في ما اشتراه ليدفع الغير بعض الثّمن ،ويصير شريكا له في المبيع .ويقال أيضا :
شرّك نعله تشريكا :إذا حمل له شراكا ،والشّراك :سير النّعل الّذي على ظهرها .والتّشريك في الصطلح
ي :إدخال الغير في السم كالشّراء ونحوه ،ليكون شريكا له فيه .
الشّرع ّ
اللفاظ ذات الصّلة :
الشراك :
- 2الشراك بمعنى التّشريك .وإذا قيل :أشرك الكافر باللّه ،فالمراد أنّه جعل غير اللّه شريكا له ،تعالى
اللّه عن ذلك ( .ر :إشراك ) .
حكم التّشريك :
- 3التّشريك في الشّراء ونحوه جائز ،وتشريك غير عبادة في نيّة العبادة أو تشريك عبادتين في نيّة واحدة
جائز على التّفصيل التي :
أ -تشريك ما ل يحتاج إلى نيّة في نيّة العبادة :
- 4ل نعلم خلفا بين الفقهاء في جواز تشريك ما ل يحتاج إلى نيّة في نيّة العبادة ،كالتّجارة مع الحجّ لقوله
ش َهدُوا َمنَافِعَ لَهم
عمِيق لِي ْ
ن كُلّ فَجّ َ
ن مِ ْ
ك ِرجَالً وعَلى كُلّ ضَامِ ٍر َي ْأتِي َ
ن في النّاسِ بِالحَجّ َي ْأتُو َ
تعالى { :وََأذّ ْ
ن َت ْب َتغُوا َفضْلً
ح أَ ْ
جنَا ٌ
َو َي ْذكُروا اسمَ الّلهِ في َأيّامٍ َمعْلُومَاتٍ } . . .وقوله في شأن الحجّ أيضا { :لَيسَ عَليكمْ ُ
صحّة ،والوضوء مع نيّة التّبرّد ،والصّلة مع
ج .والصّوم مع قصد ال ّ
ن رَبّكمْ } نزلت في التّجارة مع الح ّ
مِ ْ
ن هذه الشياء تحصل بغير نيّة فلم يؤثّر تشريكها في نيّة العبادة ،وكالجهاد مع قصد
نيّة دفع الغريم ،ل ّ
حصول الغنيمة .جاء في مواهب الجليل نقل عن الفروق للقرافيّ :
من يجاهد لتحصيل طاعة اللّه بالجهاد ،وليحصل له المال من الغنيمة ،فهذا ل يضرّه ول يحرم عليه
ن اللّه تعالى جعل له هذا في هذه العبادة .ففرّق بين جهاده ليقول النّاس :هذا شجاع ،أو
بالجماع ،ل ّ
ليعظّمه المام ،فيكثر عطاءه من بيت المال .فهذا ونحوه رياء حرام .وبين أن يجاهد لتحصيل الغنائم من
جهة أموال العدوّ مع أنّه قد شرّك .
ول يقال لهذا رياء ،بسبب أنّ الرّياء أن يعمل ليراه غير اللّه من خلقه .ومن ذلك أن يجدّد وضوءا ليحصل
له التّبرّد أو التّنظّف ،وجميع هذه الغراض ل يدخل فيها تعظيم الخلق ،بل هي لتشريك أمور من المصالح
ليس لها إدراك ،ول تصلح للدراك ول للتّعظيم ،ذلك ل يقدح في العبادات ،فظهر الفرق بين قاعدة الرّياء
في العبادات وبين قاعدة التّشريك فيها .وجاء في مغني المحتاج :من نوى بوضوئه تبرّدا أو شيئا يحصل
بدون قصد كتنظّف ،ولو في أثناء وضوئه ( مع نيّة معتبرة ) أي مستحضرا عند نيّة التّبرّد أو نحوه نيّة
الوضوء أجزأه ذلك على الصّحيح ،لحصول ذلك من غير نيّة ،كمصلّ نوى الصّلة ودفع الغريم فإنّها
ن اشتغاله عن الغريم ل يفتقر إلى نيّة .والقول الثّاني يضرّ ،لما في ذلك من التّشريك بين قربة
تجزئه ،ل ّ
وغيرها ،فإن فقد ال ّنيّة المعتبرة ،كأن نوى التّبرّد أو نحوه وقد غفل عنها ،لم يصحّ غسل ما غسله بنيّة
صحّة .أمّا الثّواب
التّبرّد ونحوه ،ويلزمه إعادته دون استئناف الطّهارة .قال الزّركشيّ :وهذا الخلف في ال ّ
ي فيما إذا شرّك في العبادة غيرها من أمر دنيويّ اعتبار الباعث
فالظّاهر عدم حصوله ،وقد اختار الغزال ّ
على العمل ،فإن كان القصد الدّنيويّ هو الغلب لم يكن فيه أجر ،إن كان القصد الدّينيّ أغلب فله بقدره ،
وإن تساويا تساقطا .واختار ابن عبد السّلم أنّه ل أجر فيه مطلقا ،سواء أتساوى القصدان أم اختلفا .وانظر
أيضا مصطلح ( :نيّة ) .
ب -تشريك عبادتين في نيّة :
- 5إن أشرك عبادتين في ال ّنيّة ،فإن كان مبناهما على التّداخل كغسلي الجمعة والجنابة ،أو الجنابة
والحيض ،أو غسل الجمعة والعيد ،أو كانت إحداهما غير مقصودة كتحيّة المسجد مع فرض أو سنّة
ن مبنى الطّهارة على التّداخل ،والتّحيّة وأمثالها غير مقصودة بذاتها ،
أخرى ،فل يقدح ذلك في العبادة ،ل ّ
بل المقصود شغل المكان بالصّلة ،فيندرج في غيره .أمّا التّشريك بين عبادتين مقصودتين بذاتها كالظّهر
ح تشريكهما في نيّة واحدة ،لنّهما عبادتان مستقلّتان ل تندرج إحداهما في الخرى .
وراتبته ،فل يص ّ
وانظر أيضا مصطلح ( :نيّة ) .
ج -التّشريك في المبيع :
- 6يجوز التّشريك في العقد ،كأن يقول المشتري لعالم بالثّمن :أشركتك في هذا المبيع ويقبل الخر ،وهذا
محلّ اتّفاق بين الفقهاء فإن أشركه في قدر معلوم كالنّصف والرّبع فله ذلك في المبيع ،وإن أطلق فله النّصف
،لنّ الشّركة المطلقة تقتضي المساواة ،وهو كالبيع والتّولية في أحكامه وشروطه .
طلْقة :
د -التّشريك بين نسوة في َ
ن الطّلقة ل تتجزّأ .
- 7إذا قال لنسائه الربع :أوقعت عليكنّ طلقة وقع على كلّ واحدة طلقة ،ل ّ
ولو قال :طلقتين أو ثلثا أو أربعا ،وقع على كلّ واحدة طلقة فقط ،إل أن يريد توزيع كلّ طلقة عليهنّ ،
فيقع في " طلقتين " على كلّ واحدة طلقتان ،وفي " ثلث وأربع " ،ثلث .
تشميت *
شمّت ومسمّت بالشّين
ل داع لحد بخير فهو ُم َ
- 1من معاني التّشميت لغة :الدّعاء بالخير والبركة .وك ّ
ي بفاطمة
والسّين ،والشّين أعلى وأفشى في كلمهم .وكلّ دعاء بخير فهو تشميت .وفي حديث« تزويج عل ّ
رضي ال عنهما :شمّت عليهما » :أي دعا لهما بالبركة .وفي حديث العطاس « :فشمّت أحدهما ولم
سمِيته :أن يقول له
يشمّت الخر » .فالتّشميت والتّسميت :الدّعاء بالخير والبركة .وتشميت العاطس أو َت ْ
متى كان مسلما :يرحمك اللّه .وهو ل يخرج في الصطلح الفقهيّ عن هذا المعنى .
الحكم التّكليفيّ :
- 2اتّفق العلماء على أنّه يشرع للعاطس عقب عطاسه أن يحمد اللّه ،فيقول :الحمد للّه ،ولو زاد :ربّ
العالمين كان أحسن كفعل ابن مسعود .ولو قال :الحمد للّه على كلّ حال كان أفضل كفعل ابن عمر .وقيل
يقول :الحمد للّه حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه ،كفعل غيرهما .وروى أحمد والنّسائيّ من حديث سالم بن
عطَس أحدكم فليقل :الحمد للّه على كلّ حال أو الحمد للّه ربّ العالمين » وفي حديث أبي
عبيد مرفوعا « إذا َ
هريرة رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إذا عطس أحدكم فليقل :الحمد للّه على كلّ
حال » ومتى حمد اللّه بعد عطسته كان حقّا على من سمعه من إخوانه المسلمين غير المصلّين أن يشمّته "
يرحمك اللّه " فقد روى البخاريّ من حديث أبي هريرة رضي ال عنه « إذا عطس أحدكم فحمد اللّه فحقّ
ل مسلم سمعه أن يقول :يرحمك اللّه » .
على ك ّ
وفي صحيح البخاريّ عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إذا عطس أحدكم
فليقل :الحمد للّه .وليقل له أخوه أو صاحبه :يرحمك اللّه .فإذا قال له :يرحمك اللّه فليقل :يهديكم اللّه
ويصلح بالكم » .
ي صلى ال عليه وسلم قال « :حقّ المسلم على المسلم خمس :ردّ السّلم ،وعيادة المريض واتّباع
وعن النّب ّ
الجنائز ،وإجابة الدّعوة ،وتشميت العاطس » وفي رواية لمسلم « حقّ المسلم على المسلم ستّ :إذا لقيته
فسلّم عليه ،وإذا دعاك فأجبه ،وإذا استنصحك فانصح له ،وإذا عطس فحمد اللّه تعالى فشمّته ،وإذا مرض
فعده ،وإذا مات فاتّبعه » .وإن لم يحمد اللّه بعد عطسته فل يشمّت .فعن أبي موسى الشعريّ رضي ال
عنه مرفوعا « إذا عطس أحدكم فحمد اللّه فشمّتوه ،فإن لم يحمد اللّه فل تشمّتوه » .
وعن أنس رضي ال عنه قال « :عطس رجلن عند النّبيّ صلى ال عليه وسلم فشمّت أحدهما ولم يشمّت
ن هذا حمد اللّه تعالى ،
شمّتّه ،وعطست فلم تشمّتني فقال :إ ّ
الخر .فقال الّذي لم يشمّته :عطس فلن َف َ
وإنّك لم تحمد اللّه تعالى » وهذا الحكم عامّ وليس مخصوصا بالرّجل الّذي وقع له ذلك .يؤيّد العموم ما جاء
في حديث أبي موسى
« إذا عطس أحدكم فحمد اللّه فشمّتوه ،وإن لم يحمد اللّه فل تشمّتوه » .
ن العاطس حمد اللّه بعد عطسته
فالتّشميت قد شرع لمن حمد اللّه دون من لم يحمده ،فإذا عرف السّامع أ ّ
شمّته ،كأن سمعه يحمد اللّه ،وإن سمع العطسة ولم يسمعه يحمد اللّه ،بل سمع من شمّت ذلك العاطس ،
ي المختار أنّه يشمّته من سمعه دون
فإنّه يشرع له التّشميت لعموم المر به لمن عطس فحمد ،وقال النّوو ّ
غيره .
وهذا التّشميت سنّة عند الشّافعيّة .وفي قول للحنابلة وعند الحنفيّة هو واجب .
ن الشهر أنّه فرض عين ،
وقال المالكيّة ،وهو المذهب عند الحنابلة بوجوبه على الكفاية .ونقل عن البيان أ ّ
ل مسلم سمعه أن يقول له :يرحمك اللّه » .
لحديث « كان حقّا على ك ّ
فإن عطس ولم يحمد اللّه نسيانا استحبّ لمن حضره أن يذكّره الحمد ليحمد فيشمّته .
وقد ثبت ذلك عن إبراهيم النّخعيّ .
- 3ويندب للعاطس أن ير ّد على من شمّته :فيقول له :يغفر اللّه لنا ولكم ،أو يهديكم اللّه ويصلح بالكم ،
وقيل :يجمع بينهما ،فيقول :يرحمنا اللّه وإيّاكم ويغفر لنا ولكم .فقد روي عن ابن عمر أنّه كان إذا عطس
فقيل له :يرحمك اللّه .قال ":يرحمنا اللّه وإيّاكم ويغفر اللّه لنا ولكم " .قال ابن أبي جمرة :في الحديث دليل
على عظيم نعمة اللّه على العاطس .يؤخذ ذلك ممّا رتّب عليه من الخير .وفيه إشارة إلى عظيم فضل اللّه
على عبده .فإنّه أذهب عنه الضّرر بنعمة العطس ،ثمّ شرع له الحمد الّذي يثاب عليه ،ثمّ الدّعاء بالخير بعد
الدّعاء بالخير وشرع هذه النّعم المتواليات في زمن يسير فضل منه وإحسانا .
فإذا قيل للعاطس :يرحمك اللّه ،فمعناه :جعل اللّه لك ذلك لتدوم لك السّلمة ،وفيه إشارة إلى تنبيه
العاطس على طلب الرّحمة والتّوبة من الذّنب ،ومن َثمّ شرع به الجواب بقوله :غفر اللّه لنا ولكم وقوله :
ح بَالَهمْ } أي شأنهم .وهذا ما لم يكن في صلته أو
س َيهْدِيهمْ َو ُيصْلِ ُ
ويصلح بالكم أي شأنكم .وقوله تعالى َ { :
خلئه .
ما ينبغي للعاطس مراعاته :
-من آداب العاطس :أن يخفض بالعطس صوته ويرفعه بالحمد .وأن يغطّي وجهه لئلّا يبدو من فيه أو 4
تشمير *
التّعريف :
- 1للتّشمير في اللّغة معان :منها :الرّفع يقال :شمّر الزار والثّوب تشميرا :إذا رفعه ،ويقال :شمّر
عن ساقه ،وشمّر في أمره :أي خفّ فيه وأسرع ،وشمّر الشّيء فتشمّر :قلّصه فتقلّص ،وتشمّر أي :تهيّأ
.وفي الصطلح ل يخرج عن معنى رفع الثّوب .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -السّدل :
- 2من معاني السّدل في اللّغة :إرخاء الثّوب .يقال :سدلت الثّوب سدلً :إذا أرخيته وأرسلته من غير
ضمّ جانبيه .
وسدل الثّوب يسدله ويسدله سدلً ،وأسدله :أرخاه وأرسله .وعن عليّ رضي ال عنه ":أنّه خرج فرأى
قوما يصلّون قد سدلوا ثيابهم ،فقال :كأنّهم اليهود خرجوا من فهورهم "
واصطلحا :أن يجعل الشّخص ثوبه على رأسه ،أو على كتفيه ،ويرسل أطرافه من جوانبه من غير أن
يضمّها ،أو يردّ أحد طرفيه على الكتف الخرى .
وهو في الصّلة مكروه بالتّفاق .لما روي عن أبي هريرة رضي ال عنه « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم
نهى عن السّدل في الصّلة . » . .
ب -السبال :
- 3السبال في اللّغة :الرخاء والطالة .يقال :أسبل إزاره :إذا أرخاه .وأسبل فلن ثيابه :إذا طوّلها
وأرسلها إلى الرض ،وفي الحديث « :أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال :ثلثة ل يكلّمهم اللّه يوم
القيامة ول ينظر إليهم ول يزكّيهم .قال :قلت :ومن هم ؟ خابوا وخسروا .فأعادها رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم ثلث مرّات :المسبل ،والمنّان ،والمنفّق سلعته بالحلف الكاذب » قال ابن العرابيّ وغيره :
المسبل :الّذي يطوّل ثوبه ويرسله إلى الرض إذا مشى ،وإنّما يفعل ذلك كبرا واختيال .
وهو في الصطلح ل يخرج عن هذا المعنى .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :من جرّ ثوبه من الخيلء لم ينظر اللّه إليه
وحكمه الكراهة ،لما روي أ ّ
» وعن ابن مسعود قال :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول « :من أسبل إزاره في صلته خيلء
فليس من اللّه جلّ ذكره في حلّ ول حرام » .
ي يرفعه « ل ينظر اللّه يوم القيامة إلى من ج ّر إزاره بطرا » .وللتّفصيل ر :
وحديث أبي سعيد الخدر ّ
( صلة -عورة -إسبال ) .
الحكم الجماليّ :
- 4التّشمير في الصّلة مكروه اتّفاقا ،لما ورد أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم « نهى عن كفّ الثّياب والشّعر
» .إل أنّ المالكيّة قالوا بكراهته فيها إذا كان فعله لجلها .
وأمّا فعله خارجها ،أو فيها ل لجلها ،فل كراهة فيه .ومثل ذلك عندهم تشمير الذّيل عن السّاق :فإن فعله
لجل شغل ،فحضرت الصّلة ،فصلّى وهو كذلك فل كراهة .
وظاهر المدوّنة أنّه سواء عاد لشغله ،أم ل .وحملها الشّبيبيّ على ما إذا عاد لشغله ،وصوّبه ابن ناجي .
وللتّفصيل ر ( :صلة ،عورة ،لباس ) .
تشهّد *
التّعريف :
- 1التّشهّد في اللّغة :مصدر تشهّد ،أي :تكلّم بالشّهادتين .
ويطلق في اصطلح الفقهاء على قول كلمة التّوحيد ،وعلى التّشهّد في الصّلة ،وهي قراءة :التّحيّات للّه .
.إلى آخره في الصّلة .وصرّح ابن عابدين نقل عن الحلية :أنّ التّشهّد اسم لمجموع الكلمات المرويّة عن
ابن مسعود رضي ال عنه وغيره .سمّي به لشتماله على الشّهادتين .من باب تسمية الشّيء باسم جزئه .
الحكم الجماليّ :
ن التّشهّد واجب في
ح ،والمالكيّة في قول ،وهو المذهب عند الحنابلة إلى :أ ّ
- 2ذهب الحنفيّة في الص ّ
القعدة الّتي ل يعقبها السّلم ،لنّه يجب بتركه سجود السّهو .
ويرى الحنفيّة في قول ،والمالكيّة في المذهب ،والشّافعيّة ،والحنابلة في رواية :س ّنيّة التّشهّد في هذه القعدة
،لنّه يسقط بالسّهو فأشبه السّنن .
وأمّا التّشهّد في القعدة الخيرة في الصّلة فواجب عند الحنفيّة ،لقوله صلى ال عليه وسلم في حديث
العرابيّ « :إذا رفعت رأسك من آخر سجدة ،وقعدت قدر التّشهّد ،فقد َتمّتْ صلتُك » علّق التّمام بالقعدة
دون التّشهّد ،فالفرض عند الحنفيّة في هذه القعدة هو الجلوس فقط ،أمّا التّشهّد فواجب ،يجبر بسجود السّهو
إن ترك سهوا ،وتكره الصّلة بتركه تحريما ،فتجب إعادتها .والمذهب عند المالكيّة أنّه سنّة ،وفي قول
واجب .
ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه ركن من أركان الصّلة ،وهذا ما يسمّيه بعضهم فرضا أو واجبا وبعضهم
ركنا ،تشبيها له بركن البيت الّذي ل يقوم إل به .
وفي الفرق بين الفرض والواجب عند الحنفيّة ،ومعنى الوجوب عند غيرهم تفصيل يرجع فيه إلى مظانّه في
كتب الفقه والصول .وانظر أيضا ( :فرض ،وواجب ) .
ألفاظ التّشهّد :
ن أفضل التّشهّد ،التّشهّد الّذي علّمه النّبيّ صلى ال عليه وسلم لعبد اللّه بن
- 3يرى الحنفيّة والحنابلة أ ّ
طيّبات ،السّلم عليك أيّها النّبيّ ورحمة اللّه
مسعود رضي ال عنهما ،وهو « :التّحيّات للّه ،والصّلوات وال ّ
وبركاته ،السّلم علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين ،أشهد أن ل إله إلّا اللّه ،وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله
».
ن حمّادا أخذ بيد أبي حنيفة وعلّمه التّشهّد ،وقال أخذ إبراهيم
ووجه اختيارهم لهذه الرّواية ما روي :أ ّ
النّخعيّ بيديّ وعلّمني ،وأخذ علقمة بيد إبراهيم وعلّمه ،وأخذ عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه بيد علقمة
وعلّمه « ،وأخذ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بيد عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه وعلّمه التّشهّد فقال :
قل :التّحيّات للّه » . . .إلى آخره .ويؤيّده ما روي عن ابن مسعود رضي ال عنه قال « :علّمني رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم التّشهّد -كفّي بين كفّيه -كما يعلّمني سورة من القرآن ،التّحيّات للّه . » . . .
ن فيه زيادة واو العطف ،وإنّه يوجب تعدّد الثّناء ،لنّ المعطوف غير المعطوف عليه ،وبه يقول :
لّ
الثّوريّ ،وإسحاق ،وأبو ثور .
ويرى المالكيّة أنّ أفضل التّشهّد تشهّد عمر بن الخطّاب رضي ال عنه وهو :التّحيّات للّه ،الزّاكيات للّه ،
طيّبات الصّلوات للّه ،السّلم عليك أيّها النّبيّ ورحمة اللّه وبركاته ،السّلم علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين
ال ّ
ن عمر رضي ال عنه
ن محمّدا عبده ورسوله .وهذا ل ّ
،أشهد أن ل إله إلّا اللّه وحده ل شريك له ،وأشهد أ ّ
قاله على المنبر ،فلم ينكروه ،فجرى مجرى الخبر المتواتر ،وكان أيضا إجماعا .
وأمّا الشّافعيّة فأفضل التّشهّد عندهم ما روي عن ابن عبّاس رضي ال عنهما قال « :كان رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم يعلّمنا التّشهّد ،كما يعلّمنا السّورة من القرآن ،فيقول :قولوا :التّحيّات المباركات ،الصّلوات
طيّبات للّه ،السّلم عليك أيّها النّبيّ ورحمة اللّه وبركاته ،السّلم علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين ،أشهد
ال ّ
ن محمّدا رسول اللّه » .أخرجه مسلم والتّرمذيّ ،إل أنّه في رواية مسلم «
أن ل إله إلّا اللّه ،وأشهد أ ّ
ن محمّدا عبده ورسوله » .والخلف بين الئمّة هنا خلف في الولويّة ،فبأيّ تشهّد تشهّد ممّا صحّ
وأشهد أ ّ
عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم جاز .ومن النّاس من اختار تشهّد أبي موسى الشعريّ ،وهو أن يقول :
طيّبات ،والصّلوات للّه . . .والباقي كتشهّد ابن مسعود وذكر ابن عابدين أنّ المصلّي يقصد
التّحيّات للّه ،ال ّ
بألفاظ التّشهّد معانيها ،مرادة له على وجه النشاء ،كأنّه يحيّي اللّه تعالى ويسلّم على النّبيّ صلى ال عليه
وسلم وعلى نفسه والولياء ،ول يقصد الخبار والحكاية عمّا وقع في المعراج منه صلى ال عليه وسلم ومن
ربّه سبحانه وتعالى ومن الملئكة .
الزّيادة والنّقصان في ألفاظ التّشهّد والتّرتيب بينها :
- 4اختلفت أقوال الفقهاء في هذه المسألة على النّحو التي :
ذهب الحنفيّة إلى أنّه يكره تحريما أن يزيد في التّشهّد حرفا ،أو يبتدئ بحرف قبل حرف .قال أبو حنيفة :
ولو نقص من تشهّده أو زاد فيه .كان مكروها ،لنّ أذكار الصّلة محصورة ،فل يزاد عليها .ثمّ أضاف
ابن عابدين قائل :والكراهة عند الطلق للتّحريم .ويكره كذلك عند المالكيّة الزّيادة على التّشهّد ،واختلفوا
سنّة ببعض التّشهّد ،خلفا لبن
في ترك بعض التّشهّد ،فالظّاهر من كلم بعض شيوخهم عدم حصول ال ّ
ناجي في كفاية بعضه ،قياسا على السّورة .
طيّبات والزّاكيات سنّة ليس
وأمّا الشّافعيّة فقد فصّلوا الكلم ،وقالوا :إنّ لفظ المباركات والصّلوات ،وال ّ
بشرط في التّشهّد ،فلو حذف كلّها واقتصر على الباقي أجزأه من غير خلف عندهم .وأمّا لفظ :السّلم
عليك . . .إلخ فواجب ل يجوز حذف شيء منه ،إلّا لفظ ورحمة اللّه وبركاته .وفي هذين اللّفظين ثلثة
أوجه :أصحّها عدم جواز حذفهما .
والثّاني :جواز حذفهما .والثّالث :يجوز حذف وبركاته ،دون رحمة اللّه " .
ب عندهم على الصّحيح من المذهب ،فلو قدّم بعضه على بعض جاز ،
وكذلك التّرتيب بين ألفاظها مستح ّ
وفي وجه ل يجوز كألفاظ الفاتحة .
ح .وفي
ح تشهّده في الص ّ
والحنابلة يرون أنّه إذا أسقط لفظة هي ساقطة في بضع التّشهّدات المرويّة ص ّ
رواية أخرى :لو ترك واوا أو حرفا أعاد الصّلة ،لقول السود :فكنّا نتحفّظه عن رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم كما نتحفّظ حروف القرآن .
الجلوس في التّشهّد :
ي من الحنفيّة إلى :أنّ الجلوس في
ي والكرخ ّ
- 5ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وهو قول الطّحاو ّ
التّشهّد الوّل سنّة .
ح عند الحنفيّة -وهو وجه عند الحنابلة -أنّه واجب .
والص ّ
وأمّا في التّشهّد الثّاني فالجلوس بقدر التّشهّد ركن عند الربعة ،وهو ما عبّر عنه الحنفيّة بالفرضيّة ،
وغيرهم تارة بالوجوب وتارة بالفرضيّة .
وأمّا هيئة الجلوس في التّشهّد ،فتفصيله في مصطلح ( :جلوس ) .
التّشهّد بغير العربيّة :
- 6ل خلف بين الفقهاء في جواز التّشهّد بغير العربيّة للعاجز ،واختلفوا فيه للقادر عليها .والتّفصيل في
مصطلح ( :ترجمة ) .
السرار في التّشهّد :
سنّة في التّشهّد السرار ،لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم لم يكن يجهر به ،إذ لو جهر به لنقل كما
- 7ال ّ
سنّة إخفاء التّشهّد » .قال صاحب المغني :
نقلت القراءة ،وقال عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه « من ال ّ
ول نعلم في هذا خلفا .
ما يترتّب على ترك التّشهّد :
- 8ل خلف بين الفقهاء في مشروعيّة سجدة السّهو بترك التّشهّد في القعدة الولى ( قبل الخيرة ) إن كان
تركه سهوا ،على خلف بينهم في الحكم .
واختلفوا في تركه عمدا :فذهب الحنفيّة ،والحنابلة في قول إلى :وجوب إعادة الصّلة .ويرى المالكيّة
والشّافعيّة ،والحنابلة في رواية أخرى ،أنّ على المصلّي أن يسجد للسّهو في هذه الحالة أيضا .وأمّا ترك
التّشهّد في القعدة الخيرة إن كان عمدا :فذهب الحنفيّة والمالكيّة في وجه ،والشّافعيّة والحنابلة إلى وجوب
العادة .وكذلك إن كان سهوا عند الشّافعيّة والحنابلة .ويرى الحنفيّة والمالكيّة أنّ عليه سجدة السّهو في
هذه الحالة .
وأمّا حكم الرّجوع إلى التّشهّد لمن قام إلى الثّالثة في ثنائيّة أو إلى الرّابعة في ثلثيّة ،أو إلى خامسة في
رباعيّة ،فقد فصّله الفقهاء في كتاب الصّلة عند الكلم عن سجدة السّهو .
ي صلى ال عليه وسلم في التّشهّد :
الصّلة على النّب ّ
- 9يرى جمهور الفقهاء أنّ المصلّي ل يزيد على التّشهّد في القعدة الولى بالصّلة على النّبيّ صلى ال عليه
وسلم وبهذا قال النّخعيّ والثّوريّ وإسحاق .
وذهب الشّافعيّة في الظهر من القوال إلى استحباب الصّلة فيها ،وبه قال الشّعبيّ .
وأمّا إذا جلس في آخر صلته فل خلف بين الفقهاء في مشروعيّة الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم
بعد التّشهّد .وأمّا صيغة الصّلة على النّبيّ صلى ال عليه وسلم في القعدة الخيرة ،وما روي في ذلك من
الدلّة ،فقد فصّل الفقهاء الكلم عليه في موطنه من كتب الفقه .وانظر أيضا " :الصّلة على النّبيّ صلى
ال عليه وسلم " .
تشهير *
التّعريف :
- 1التّشهير في اللّغة مأخوذ من شهّره ،بمعنى :أعلنه وأذاعه ،وشهّر به :أذاع عنه السّوء ،وشهّره
تشهيرا فاشتهر .والشّهرة :وضوح المر .ول يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّعزير :
- 2التّعزير :التّأديب والهانة دون الحدّ .وهو أعمّ من التّشهير ،إذ يكون بالتّشهير وبغيره .فالتّشهير نوع
من أنواع التّعزير .
ب -السّتر :
- 3السّتر :المنع والتّغطية .وهو ضدّ التّشهير .
الحكم الجماليّ :
- 3يختلف حكم التّشهير باعتبار من يصدر منه ،وباعتبار المشهّر به .فالتّشهير قد يكون من النّاس بعضهم
ببعض ،على جهة العداوة أو الغيبة ،أو على جهة النّصيحة والتّحذير .وقد يكون من الحاكم في الحدود أو
في التّعازير .وبيان ذلك فيما يأتي :
أوّل :تشهير النّاس بعضهم ببعض :
ن تشهير النّاس بعضهم ببعض بذكر عيوبهم والتّنقّص منهم حرام .
الصل أ ّ
وقد يكون مباحا أو واجبا .وذلك راجع إلى ما يتّصف به المشهّر به .
- 4فيكون حراما في الحوال التية :
حبّو نَ َأ نْ
ن ُي ِ
أ -إذا كان المشهّر به بريئا ممّا يشاع عنه ويقال فيه .والصل في ذلك قوله تعالى { :إنّ الّذي َ
عذَابٌ أَلِيمٌ في الدّنيا والخِر ِة واللّهُ َيعْلمُ وأ ْنتُمْ ل َتعَْلمُون } .وقول النّبيّ « :
حشَ ُة في الّذينَ آ َمنُوا لهمْ َ
َتشِيعَ الفَا ِ
أيّ ما ر جل أشاع على ر جل م سلم كل مة و هو من ها بر يء ،يرى أن يشي نه ب ها في الدّن يا ،كان حقّا على اللّه
حشَةُ } »
ن َتشِيعَ الفَا ِ
حبّونَ أ ْ
ن ُي ِ
تعالى أن يرميه بها في النّار .ثمّ تل مصداقه من كتاب اللّه تعالى { :إنّ الّذي َ
.
وقد ذمّ اللّه سبحانه وتعالى الّذين فعلوا ذلك ،وتوعّدهم بالعذاب العظيم ،وذلك في اليات الّتي نزلت في شأن
سيّدة عائ شة ر ضي ال عن ها ح ين رما ها أ هل ال فك والبهتان ب ما قالوه من الكذب والفتراء ،و هي قوله
ال ّ
صبَ ٌة ِم ْنكُمْ . } . . .
ع ْ
ن الّذينَ جَاءوا بِال ْفكِ ُ
تعالى { :إ ّ
ح َتمَلُوا بُهتَانا
سبُوا ف قد ا ْ
وقال ا بن كث ير في قوله تعالى { :وَالّذي نَ ُي ْؤذُو نَ المُؤمني نَ والمؤمنَا تِ ِبغَيرِ ما ا ْكتَ َ
وإِثما ُمبِينَا } أي ين سبون إلي هم ما هم برآء م نه لم يعملوه ولم يفعلوه ،يحكون على المؤمن ين والمؤمنات ذلك
على سبيل الع يب والتّنقّص من هم ،و قد قال ر سول اللّه ف يه « :أر بى الرّ با ع ند اللّه ا ستحللُ عِرض امرئ
مسلم ث ّم قرأ { :وَالّذينَ ُي ْؤذُونَ ال ُمؤْمني نَ وَال ُمؤْمناتِ } » وقد قيل في معنى قوله صلى ال عليه وسلم « :مَنْ
سمّعَ اللّ ُه به » أي من سمّع بعيوب النّاس وأذاعها أظهر اللّه عيوبه .
سمّعَ َ
َ
ومن ذلك :الهجو بالشّعر .قال ابن قدامة :ما كان من الشّعر يتضمّن هجو المسلمين والقدح في أعراضهم
فهو محرّم على قائله .
ب -إذا كان المشهّر به يتّصف بما يقال عنه ،ولكنّه ل يجاهر به ،ول يقع به ضرر على غيره .فالتّشهير
به حرام أي ضا ،لنّه يع تبر من الغي بة الّ تي ن هى اللّه سبحانه وتعالى عن ها في قوله { :ول َي ْغتَ بْ َب ْعضُ كم
ن النّبيّ صلى ال عل يه و سلم قال :أتدرون ما الغي بة ؟
َبعْضَا } .و قد روى أ بو هريرة ر ضي ال ع نه « أ ّ
ل ؟ قال :إن
ك أخا كَ بما َيكْره .قيل :أفرأي تَ إن كان في أخي ما أقو ُ
قالوا :اللّه ورسوله أعلم .قال ِ :ذ ْكرُ َ
غ َت ْبتَه ،وإن لم يكن فيه ما تقول فقد َب َهتّه » .
كان فيه ما تقولُ فقد ا ْ
ومفن ذلك :قول العالم :قال فلن كذا مريدا التّشنيفع عليفه .أو قول النسفان :فعفل كذا بعفض النّاس ،أو
بعض من يدّعي العلم ،أو بعض من ينسب إلى الصّلح والزّهد ،أو نحو ذلك إذا كان المخاطب يفهمه بعينه
،ونحو ذلك .
ن السّتر على المسلم واجب لمن ليس معروفا بالذى والفساد .
ومن المقرّر شرعا :أ ّ
ل يومَ القيامة » قال في شرح مسلم :
ستَرَه اللّه عزّ وج ّ
س َترَ ُمسْلما َ
ن َ
فقد قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :مَ ْ
وهذا السّتر في غير المشتهرين .
وقال ابن العربيّ :إذا رأيت إنسانا على معصية فعظه فيما بينك وبينه ،ول تفضحه .
ج -ويحرم كذلك تشهير النسان بنفسه ،إذ المسلم مطالب بالسّتر على نفسه .
ففي ال صّحيحين عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول « :كلّ
ن من الجهار أن يعمل العبد باللّيل عملً ،ث ّم يصبح وقد ستره عليه اللّه ،
أمّتي ُمعَافى إل المجاهرين ،وإ ّ
ت البارحة كذا وكذا .وقد بات يستره اللّه عزّ وجلّ ويصبح يكشف ستر اللّه عزّ وجلّ
فيقول :يا فلن ،عمل ُ
عنه »
وال سّتر واجب على المسلم في خا صّة نفسه إذا أتى فاحشة ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :من أصاب
من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر اللّه » .
- 5ويكون التّشهير جائزا لمن يجاهر بالمعصية في الحوال التية :
أ -بالنّسبة لمن يجاهر بالمعصية ،فيجوز ذكر من يتجاهر بفسقه ،لنّ المجاهر بالفسق ل يستنكف أن يذكر
به ،ول يعتبر هذا غيبة في حقّه ،لنّ من ألقى جلباب الحياء ل غيبة له .قال القرافيّ :المعلن بالفسوق -
كقول امرئ القيس ":فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع "
فإنّه يفتخر بالزّنا في شعره -فل يضرّ أن يحكى ذلك عنه ،لنّه ل يتألّم إذا سمعه ،بل قد يس ّر بتلك
المخازي ،وكثير من اللّصوص تفتخر بالسّرقة والقتدار على التّسوّر على الدّور العظام والحصون الكبار ،
فذكر مثل هذا عن هذه الطّوائف ل يحرم .
وفي الكمال في شرح حديث مسلم « :مَنْ سَترَ مسلما ستره اللّه » قال :وهذا السّتر في غير المشتهرين .
وقال الخلل :أخبرني حرب :سمعت أحمد يقول :إذا كان الرّجل معلنا بفسقه فليست له غيبة .
وذكر ابن عبد البرّ في كتاب بهجة المجالس عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ثلث ٌة ل غِيبة فيهم :الفاسقُ
المعلن بفسقه ،وشارب الخمر ،والسّلطان الجائر » .
- 6ب -إذا كان التّشهير على سبيل نصيحة المسلمين وتحذيرهم ،وذلك كجرح الرّواة والشّهود والمناء
على الصّدقات والوقاف واليتام ،والتّشهير بالمصنّفين والمتصدّين لفتاء أو إقراء مع عدم أهليّة ،أو مع
نحو فسق أو بدعة يدعون إليها ،وأصحاب الحديث وحملة العلم المقلّدين ،هؤلء يجب تجريحهم وكشف
سيّئة لمن عرفها ممّن يقلّد في ذلك ويلتفت إلى قوله ،لئل يغت ّر بهم ويقلّد في دين اللّه من ل يجوز
أحوالهم ال ّ
تقليده ،وليس السّتر هنا بمرغّب فيه ول مباح .على هذا اجتمع رأي المّة قديما وحديثا .
يقول القرافيّ :أرباب البدع والتّصانيف المضلّة ينبغي أن يشهّر النّاس فسادها وعيبها .وأنّهم على غير
الصّواب ،ليحذرها النّاس الضّعفاء فل يقعوا فيها ،وينفر عن تلك المفاسد ما أمكن ،بشرط أن ل يتعدّى
فيها الصّدق ،ول يفتري على أهلها من الفسوق والفواحش ما لم يفعلوه ،بل يقتصر على ما فيهم من
المنفّرات خاصّة ،فل يقال في المبتدع :إنّه يشرب الخمر ،ول أنّه يزني ،ول غير ذلك ممّا ليس فيه .
ويجوز وضع الكتب في جرح المجروحين من رواة الحديث والخبار بذلك لطلبة العلم الحاملين لذلك لمن
ينتفع به وينقله ،بشرط أن تكون ال ّنيّة خالصة للّه تعالى في نصيحة المسلمين في ضبط الشّريعة .
أمّا إذا كان لجل عداوة أو تَ َفكّهٍ بالعراض وجريا مع الهوى فذلك حرام ،وإن حصلت به المصلحة عند
الرّواة .
ويقول الخطيب الشّربينيّ :لو قال العالم لجماعة من النّاس :ل تسمعوا الحديث من فلن فإنّه يخلط أو ل
ص عليه في المّ .قال :وليس هذا بغيبة إن كان يقوله
تستفتوا منه فإنّه ل يحسن الفتوى فهذا نصح للنّاس .ن ّ
لمن يخاف أن يتبعه ويخطئ باتّباعه .ومثله في الفواكه الدّواني .ويقول النّوويّ :يجوز تحذير المسلمين من
الشّ ّر ونصيحتهم ،وذلك من وجوه منها :جرح المجروحين من الرّواة للحديث والشّهود ،وذلك جائز بإجماع
المسلمين ،بل واجب للحاجة .ومنها :إذا استشارك إنسان في مصاهرته أو مشاركته أو إيداعه أو اليداع
عنده أو معاملته بغير ذلك ،وجب عليك أن تذكر له ما تعلمه منه على جهة النّصيحة .وفي مغني المحتاج :
ينكر على من تصدّى للتّدريس والفتوى والوعظ وليس هو من أهله ،ويشهّر أمره لئلّا يغترّ به .
ثانيا :التّشهير من الحاكم :
تشهير الحاكم لبعض النّاس يكون في الحدود أو في التّعزير .
أ -بالنّسبة للحدود :
عذَابَهما طَائِفَ ٌة من
شهَدْ َ
- 7قال الفقهاء :ينبغي أن تقام الحدود في مل من النّاس ،لقوله تعالى { :وَ ْل َي ْ
ن النّصّ الوارد فيه يكون واردا في سائر
المُؤْمنين } ،قال الكاسانيّ :والنّصّ وإن ورد في حدّ الزّنى ،لك ّ
ن المقصود من الحدود كلّها واحد ،وهو زجر العامّة ،وذلك ل يحصل إلّا وأن تكون
الحدود دللة ،ل ّ
ن الحضور ينزجرون بأنفسهم بالمعاينة ،والغائبين ينزجرون بإخبار الحضور ،
القامة على رأس العامّة ،ل ّ
فيحصل الزّجر للكلّ .وقال عبد الملك بن حبيب :ينبغي أن يكون إقامة الحدّ علنية وغير سرّ ،ليتناهى
النّاس عمّا حرّم اللّه عليهم .وقال مطرّف :ومن أمر النّاس عندنا الشّهر لهل الفسق رجال ونساء ،
والعلم بجلدهم في الحدود وما يلزمهم من العقوبة وكشف وجه المرأة .
شرّاب الخمر ؟ قال :إذا كان
وسئل المام مالك عن المجلود في الخمر والفِرية :أترى أن يطاف بهم وب ُ
فاسقا مدمنا فأرى أن يطاف بهم ،ونعلن أمرهم ويفضحون .
ن في ذلك ردعا للنّاس ،
وفي حدّ السّرقة قال الفقهاء :يندب أن يعلّق العضو المقطوع في عنق المحدود ،ل ّ
ي صلى ال عليه وسلم أُتيَ بسارق قطعت يده ،ثمّ أمر بها
ن النّب ّ
وقد روى فضالة بن عبيد رضي ال عنه « أ ّ
ي رضي ال عنه.
فعلّقت في عنقه » وفعل ذلك عل ّ
ل العاملِ نبعثه ،فيأتي فيقول :هذا لك وهذا لي .فهل جلس في بيت
وذكر في ال ّدرّ المختار حديث « :ما با ُ
أبيه وأمّه فينظرُ أيهدى له أم ل ؟ والّذي نفسي بيده ل يأتي بشيء إل جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ،
إن كان بعيرا له رُغاء ،أو بقرة لها خُوار ،أو شاة َت ْيعَ ُر » .قال ابن عابدين :ويؤخذ من هذا الحديث -
كما قال ابن المنير -أنّ الحكّام أخذوا بالتّجريس بالسّارق ونحوه من هذا الحديث .
كذلك قال الفقهاء في قاطع الطّريق إذا صلب :يصلب ثلثة أيّام ليشتهر الحال ويتمّ النّكال .قال ابن قدامة :
إنّما شرع الصّلب ردعا لغيره ليشتهر أمره .
ب -بالنّسبة للتّعزير :
- 8التّشهير نوع من أنواع التّعزير ،أي أنّه عقوبة تعزيريّة .
ن التّعزير يرجع في تحديد جنسه وقدره إلى نظر الحاكم ،فقد يكون بالضّرب أو الحبس أو التّوبيخ
ومعلوم أ ّ
أو التّشهير أو غير ذلك ،حسب اختلف مراتب النّاس ،واختلف المعاصي ،واختلف العصار والمصار
ل معصية ل
ن المصلحة فيه ،وهذا الحكم هو بالنّسبة لك ّ
.وعلى ذلك فالتّعزير بالتّشهير جائز إذا علم الحاكم أ ّ
حدّ فيها ول كفّارة في الجملة .يقول الماورديّ :للمير إذا رأى من الصّلح في ردع السّفلة :أن يشهّرهم
وينادي عليهم بجرائمهم ،ساغ له ذلك .ويقول :يجوز في نكال التّعزير أن يجرّد من ثيابه ،إل قدر ما
يستر عورته ،ويشهّر في النّاس ،وينادى عليه بذنبه إذا تكرّر منه ولم يتب .
وفي التّبصرة لبن فرحون :إن رأى القاضي المصلحة في قمع السّفلة بإشهارهم بجرائمهم فعل .ويقول ابن
فرحون أيضا :إذا حكم القاضي بالجور ،وثبت ذلك عليه بالبيّنة ،فإنّه يعاقب العقوبة الموجعة ،وعزل
ويشهّر ويفضح .
وفي كشّاف القناع :القوّادة -الّتي تفسد النّساء والرّجال -أقلّ ما يجب فيها الضّرب البليغ ،وينبغي شهرة
ذلك بحيث يستفيض في الرّجال والنّساء لتجتنب .
ن التّشهير واجب
ن الفقهاء دائما يذكرون التّشهير في تعزير شاهد الزّور ممّا يوحي بأ ّ
غير أنّه يلحظ أ ّ
بالنّسبة لشاهد الزّور ،وذلك لعتبار هذه المعصية من الكبائر .
قال المام أبو حنيفة في شاهد الزّور في المشهور :يطاف به ويشهّر ،ول يضرب استنادا إلى ما فعله
القاضي شريح ،وزاد الصّاحبان ضربه وحبسه .
ويذكر ابن قدامة حديث النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :أل ُأ َنبّئكُم بأكبر الكبائر ؟ قالوا :بلى يا رسولَ اللّه قال
:الشراكُ باللّه وعقوق الوالدين ،وكان متّكئا فجلس ،فقال :أل وقولُ الزّور وشهادة الزّور .فما زال
يكرّرها حتّى قلنا :ليته سكت » .
ثمّ يقول ابن قدامة :فمتى ثبت عند الحاكم عن رجل أنّه شهد بزور عمدا عزّره وشهّره في قول أكثر أهل
العلم .روي ذلك عن عمر رضي ال عنه ،وبه يقول شريح والقاسم بن محمّد وسالم بن عبد اللّه والوزاعيّ
وابن أبي ليلى ومالك والشّافعيّ وعبد الملك بن يعلى قاضي البصرة .وفي كشّاف القناع :إذا عزّر من
وجب عليه التّعزير وجب على الحاكم أن يشهّره لمصلحة كشاهد زور ليجتنب .
وجاء في التّبصرة :التّعزير ل يختصّ بالسّوط واليد والحبس ،وإنّما ذلك موكول إلى اجتهاد المام .قال أبو
بكر الطّرطوشيّ في أخبار الخلفاء المتقدّمين :إنّهم كانوا يعاملون الرّجل على قدره وقدر جنايته ،فمنهم من
يضرب ،ومنهم من يحبس ،ومنهم من يقام واقفا على قدميه في المحافل ،ومنهم من تنزع عمامته .قال
ب تعزير في بلد يكون إكراما في بلد آخر ،
القرافيّ :إنّ التّعزير يختلف باختلف العصار والمصار ،فر ّ
كقطع الطّيلسان ليس تعزيرا في الشّام فإنّه إكرام ،وكشف الرّأس بالندلس ليس هوانا وبمصر والعراق هوان
.ثمّ قال صاحب التّبصرة :والتّعزير ل يختصّ بفعل معيّن ول قول معيّن ،فقد « عزّر رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم بالهجر » ،وذلك في حقّ الثّلثة الّذين ذكرهم اللّه تعالى في القرآن الكريم ،فهجروا خمسين يوما
ل يكلّمهم أحد « .وعزّر رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بالنّفي ،فأمر بإخراج المخنّثين من المدينة ونفيهم
».
وفي مغني المحتاج :يجتهد المام في جنس التّعزير وقدره ،لنّه غير مقدّر شرعا ،فيجتهد في سلوك
الصحّ ،فله أن يشهّر في النّاس من أدّى اجتهاده إليه .
ويجوز له حلق رأسه ،ويجوز أن يصلب حيّا ،وهو ربطه في مكان عال لما ل يزيد عن ثلثة أيّام ث ّم يرسل
،ول يمنع في تلك المدّة عن الطّعام والشّراب والصّلة .
وهذه النّصوص تدلّ على أنّه يجوز أن يكتفى بالتّشهير كعقوبة تعزيريّة إذا رأى المام ذلك ،ويجوز أن يضمّ
إليه عقوبة أخرى كالضّرب والحبس .
وقد كان أبو بكر البحتريّ -وهو أمير المدينة -إذا أتي برجل ،قد أخذ معه الجرّة من المسكر ،أمر به
فصبّ على رأسه عند بابه ،كيما يعرف بذلك ويشهّر به .
تشوّف *
التّعريف :
ل :إذا علت رءوس الجبال تنظر السّهل وخلوّه
- 1التّشوّف لغة :مصدر تشوّف .يقال :تشوّفتِ الوعا ُ
ممّا تخافه ل َت ِردَ الماء .
ومنه قيل تشوّف فلن لكذا :إذا طمح بصره إليه .ثمّ استعمل في تعلّق المال ،والتّطلّب .
والمُشوّفة من النّساء :الّتي تظهر نفسها ليراها النّاس .
وتشوّفت المرأة :تزيّنت وتطلّعت للخطاب -من شفّت الدّرهم :إذا جلوته .ودينار مشوّف :أي مجلوّ -
وهو أن تجلو المرأة وجهها وتصقل خدّيها .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ للفظ تشوّف عن معانيه الواردة في اللّغة .
وقيل :التّشوّف بمعنى التّزيّن خاصّ بالوجه ،والتّزيّن عامّ يستعمل في الوجه وغيره .
الحكم الجماليّ :
أ -تشوّف الشّارع لثبات النّسب :
ن الشّارع متشوّف للحاق النّسب ،لنّ النّسب أقوى
- 2من القواعد المقرّرة في الشّريعة السلميّة :أ ّ
شرَا َفجَعَلَهُ
ن المَاءِ َب َ
الدّعائم الّتي تقوم عليها السرة ،ويرتبط به أفرادها ،قال تعالى { :وَهو الّذي خََلقَ مِ َ
ن َربّكَ َقدِيرَا } .
صهْرَا َوكَا َ
سبَا َو ِ
َن َ
شكّ إليه ،والتّحذير من
ولعتناء الشّريعة بحفظ النّسب وتشوّفها لثباته تكرّر فيها المر بحفظه عن تطرّق ال ّ
ذرائع التّهاون به .ولمراعاة هذا المقصد اتّفق الفقهاء على اعتبار الحوال النّادرة في إلحاق النّسب ،لتشوّف
الشّارع لثباته .وللتّفصيل ( ر :نسب ) .
ب -التّشوّف إلى العتق :
- 3من محاسن العتاق أنّه إحياء حكميّ ،يخرج العبد من كونه ملحقا بالجمادات إلى كونه أهل للكرامات
البشريّة ،من قبول الشّهادة والولية والقضاء .
ل :مكلّف مسلم -ولو سكران أو هازل ولو دون نيّة -لتشوّف الشّارع إلى
ويقع العتق عند الفقهاء من ك ّ
الحرّيّة بل خلف بين الفقهاء .
وقد أجمعوا على أنّه من حيث الصل تصرّف مندوب إليه ،ويجب لعارض ،ويحصل به القربة لقوله تعالى
{ :فتحرير رقبة مؤمنة } وقوله عزّ وجلّ { فكّ رقبة } .ولخبر « أيّما مسلم أعتق مؤمنا أعتق اللّه بكلّ
عضو منه عضوا من النّار » ( ر :عتق ،إعتاق ) .
ج -التّشوّف في العدّة :
- 4المطلّقة الرّجعيّة لها أن تتزيّن ،لنّها حلل للزّوج ،لقيام نكاحها ما دامت في العدّة ،والرّجعة
مستحبّة ،والتّزيّن حامل عليها فيكون مشروعا .
وهذا عند الحنفيّة ،والمالكيّة ،والحنابلة .
ب لها التّزيّن .ومنهم من قال :الولى أن تتزيّن بما
أمّا الشّافعيّة :فيرون أنّه يستحبّ لها الحداد .فل يستح ّ
يدعو الزّوج إلى رجعتها ( .ر :عدّة ) ول خلف بين الفقهاء في تحريم الزّينة على المتوفّى عنها زوجها
مدّة عدّتها ،لوجوب الحداد عليها .
وأمّا المبانة في الحياة بينونة كبرى ،فقد اختلف الفقهاء فيها على أقوال :فذهب الحنفيّة ،والشّافعيّة في قول
إلى أنّه يحرم عليها الزّينة ،حدادا وأسفا على زوجها ،وإظهارا للتّأسّف على فوت نعمة النّكاح ،الّذي هو
سبب لصونها وكفاية مئونتها ،ولحرمة النّظر إليها ،وعدم مشروعيّة الرّجعة .وقال الشّافعيّة :يستحبّ لها
الحداد .
وفي قول :الحداد واجب على ما تقدّم ،وأمّا المالكيّة فقالوا :ل إحداد إل على المتوفّى عنها زوجها فقط .
ومفاده :ل إحداد على المبانة وإن استحبّ لها في عدّتها .
ول يسنّ لها الحداد عند الحنابلة ،ولهذا ل يلزمها أن تتجنّب ما يرغّب في النّظر إليها من الزّينة .
وللتّفصيل ( ر :عدّة ) .
د -التّشوّف للخطاب :
- 5يرى الفقهاء أنّه ل يجوز للّتي تكون صالحة للخطبة والزّواج أن تتزيّن استعدادا لرؤية من يرغب في
خطبتها والزّواج بها .
وأجمعوا على أنّه يجوز للخاطب أن يرى بنفسه من يرغب في زواجها لكي يقدم على العقد إن أعجبته ،
ويحجم عنه إن لم تعجبه ،لخبر « إذا خطب أحدكم امرأة ،فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى
نكاحها فليفعل » وذلك لنّه من أسباب اللفة والوئام .
وعن المغيرة بن شعبة رضي ال عنه « أنّه خطب امرأة ،فقال له النّبيّ صلى ال عليه وسلم :أنظرتَ
إليها ؟ قال :ل .فقال :اذهب فانظر إليها ،فإنّه أحرى أن ُي ْؤدَم بينكما » .
ن رؤيتهما تحقّق المطلوب من الجمال
ن للخاطب أن ينظر إلى الوجه والكفّين فقط ،ل ّ
ويرى أكثر الفقهاء أ ّ
وخصوبة الجسد وعدمها .فيدلّ الوجه على الجمال أو ضدّه لنّه مجمع المحاسن ،والكفّان على خصوبة
البدن .وأجاز بعض الحنفيّة النّظر إلى الرّقبة والقدمين .وأجاز الحنابلة النّظر إلى ما يظهر عند القيام
بالعمال ،وهي ستّة أعضاء :الوجه ،والرّأس ،والرّقبة ،واليد ،والقدم ،والسّاق ،لنّ الحاجة داعية إلى
ذلك ،ولطلق الحاديث السّابقة .وللتّفصيل ( ر :نكاح ،خطبة ) .
تشييع الجنازة *
انظر :جنازة .
تصادق *
التّعريف :
- 1التّصادق لغة واصطلحا :ضدّ التّكاذب يقال :تصادقا في الحديث والمودّة ض ّد تكاذبا ومادّة تفاعل ل
ب أو خاصم ك ّل منهما الخر .واستعمل المالكيّة
تكون غالبا إل بين اثنين يقال :تحابّا وتخاصما ،أي أح ّ
أيضا ( التّقارر ) بمعنى التّصادق .
حكم التّصادق :
ق المتصادقين إذا تعلّقت به حقوق العباد ،أو كان في حقوق اللّه الّتي
- 2حكم التّصادق في الجملة -في ح ّ
ل تدرأ بالشّبهات -اللّزوم ،وهو أبلغ من الشّهادة ،لنّه نوع من القرار .قال أشهب :قول كلّ أحد على
نفسه أوجب من دعواه على غيره .
أمّا بالنّسبة لحقوق اللّه تعالى الّتي تدرأ بالشّبهات فليس بلزم .
من يعتبر تصادقه :
- 3التّصادق الّذي يعتدّ به ويترتّب عليه حكم يكون من البالغ العاقل المختار ،فل يعتبر تصديق الصّغير
وغير العاقل .
صفة التّصادق :
- 4صفة التّصديق لفظ أو ما يقوم مقامه يدلّ على توجّه الحقّ قبل المق ّر ( المصدّق ) .ويقوم مقام اللّفظ :
الشارة والكتابة والسّكوت .فالشارة من البكم ومن المريض .فإذا قيل للمريض :لفلن عندك كذا ،
فأشار برأسه أن نعم ،فهذا تصديق إذا فهم عنه مراده .
ما يشترط في المصادق :
ل للستحقاق ،وأل يكذّبه المصادق ،فإذا كذّب المصادق المصادق ثمّ
- 5يشترط في المصادق أن يكون أه ً
رجع لم يفد رجوعه ،إلّا أن يرجع المصادق إلى ما أقرّ به .
محلّ التّصادق :
- 6يكون التّصديق في النّسب والمال .والتّصديق في النّسب ينظر تحت عنوان ( نسب ) .والتّصديق في
المال نوعان :مطلق ومقيّد .
فالمطلق :ما صدر غير مقترن بما يقيّده أو يرفع حكمه أو حكم بعضه ،فإذا كان التّصديق على هذا الوجه
فهو ملزم لمن صدّق ،وعليه أداء ما صدّق فيه ،ول يجوز له الرّجوع عنه .وإذا كان التّصديق مقيّدا بقيد
ففي لزومه أو عدمه تفصيل ينظر في مصطلح ( إقرار ) .
التّصادق في حقوق اللّه تعالى :
- 7إذا تصادق اثنان أو أكثر على إسقاط حقّ من حقوق اللّه تعالى فل عبرة بتصادقهم ،ول يترتّب عليه
حكم ،إلّا إذا قامت بيّنة على هذا التّصادق ،فيكون الحكم في هذه الحال ثابتا بالبيّنة ل بالتّصادق ،ويتّضح
ذلك من المثلة التية :
إن طلّق الزّوج زوجته قبل الدّخول ،وكان قد خل بها ،لزمتها العدّة إن كان الزّوج بالغا ،وكانت المرأة
مطيقة للوطء ،سواء أكانت خلوة اهتداء أم خلوة زيارة .
ن العدّة حقّ اللّه
وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة .وتجب العدّة حينئذ ولو تصادقا على نفي الوطء ،ل ّ
تعالى ،فل تسقط بالتّصادق .
ويؤخذ بتصادقهما على نفي الوطء فيما هو حقّ لهما :فل نفقة لها ،ول يتكمّل لها الصّداق ،ول رجعة له
ل من أقرّ منهما أخذ بإقراره اجتماعا أو انفرادا .
عليها .أي ك ّ
ويترتّب على قبول التّصادق أو ردّه أحكام كثيرة ،كثبوت النّسب من تاريخ الخلوة ،وتأكيد المهر ،والنّفقة
والسّكن والعدّة ،وحرمة نكاح أختها في عدّتها وأربع سواها .وفي هذه المذاهب اختلف في الحقوق الّتي
تترتّب على الخلوة .تفصيله في باب ( :النّكاح ) .
وعند الشّافعيّة في القديم قولن أحدهما :الخلوة مؤثّرة ،وتصدّق المرأة في ادّعاء الصابة ( الوطء ) والقول
ن الخلوة وحدها ل تؤثّر في المهر .وعلى هذا لو اتّفقا على حصول
الثّاني أنّها كالوطء .وفي الجديد :إ ّ
الخلوة ،وادّعت الصابة لم يترجّح جانبها ،بل القول قوله بيمينه .ويفهم من ذلك أنّه لو صدّقها يتقرّر المهر
كلّه .
التّصادق في النّكاح :
ن الشّهادة شرط فيه ،ووقتها عند غير المالكيّة وقت العقد ،وعند المالكيّة
- 8ل يثبت النّكاح بالتّصادق ،ل ّ
يندب الشهاد وقت العقد ،فإن لم يشهد عند العقد اشترط وجوبا عند الدّخول ،ول حدّ عندهم إن فشا النّكاح
بوليمة أو ضرب دفّ أو دخان ،أو كان على العقد أو الدّخول شاهد واحد غير الوليّ ،لصحّة النّكاح في
هذه الصّور .
وقال المالكيّة :تثبت الزّوجيّة بالتّقارر -أي التّصادق -حقّ الزّوجين إذا كانا بلديّين ،أو كان أحدهما
بلديّا ،وأمّا الطّارئان -أي من لم يكونا من أهل البلد ،سواء قدما معا أو مفترقين -فل تثبت الزّوجيّة
بينهما بمجرّد التّصادق .
حكم تصادق الزّوجين على طلق سابق :
صحّة بطلق بائن أو رجعيّ متقدّم على وقت إقراره ،ول بيّنة له ،استأنفت
- 9إذا أقرّ رجل في حالة ال ّ
امرأته العدّة من وقت إقراره ،فيصدّق في الطّلق ،ل في إسناده للوقت السّابق ولو صدّقته ،لنّه يتّهم على
إسقاط العدّة وهي حقّ للّه تعالى .فإن كانت له بيّنة ،فالعدّة من الوقت الّذي أسندت إليه البيّنة .هذا بالنّسبة
للعدّة لنّها حقّ اللّه تعالى .
ل حسب إقراره ،فلو ما تت الزّوجة ،وكانت العدّة قد انقضت بحسب
أمّا بالنّ سبة لحقوق الزّوجين فيعامل ك ّ
إقراره ،فل يرث ها لنّ ها صارت أجنبيّة على مقت ضى دعواه ،ول رج عة له علي ها إن كان الطّلق رجعيّا ،
وورث ته إن مات في العدّة الم ستأنفة ،ح يث كان الطّلق رجعيّا إن لم ت صدّقه .ول يتزوّج أخت ها ول أرب عا
سواها في العدّة ،ولو صادقته على حصول الطّلق في الماضي نفيا لتهمة التّواطؤ بينهما .
وإن صدّقته فل نفقة لها معاملة لها بتصديقها إيّاه .وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة .
وعند الشّافعيّة :أنّه لو أسند الزّوج الطّلق إلى زمن ماض ،وصدّقت الزّوجة الزّوج في السناد ،فالعدّة من
التّاريخ الّذي أسند إليه الطّلق ،ولو لم يقم على ذلك بيّنة .
والمفهوم من كلم الحنابلة أنّ الحكم عندهم كذلك .فقد جاء في شرح منتهى الرادات :لو جاءت امرأة
ن صدقها ،ول سيّما إن كان
ن زوجها طلّقها وانتهت عدّتها ،فله تزويجها بشرطه إن ظ ّ
حاكما وادّعت أ ّ
الزّوج ل يعرف ،لنّ القرار ( أي بالزّوجيّة ) لمجهول ل يصحّ .وأيضا الصل صدقها -أي فيما ادّعته
من خلوّها عن الزّوجيّة -ول منازع .
حكم مصادقة الزّوجة على إعسار الزّوج :
- 10يكتفى بتصديق الزّوجة زوجها في دعواه العسار ،وتصديقها يقوم مقام البيّنة ،ويترتّب عليه ما
يترتّب على ثبوت العسار بالبيّنة من حيث الحكم بالتّطليق بشروطه المفصّلة في أبوابها وينظر ( إعسار ،
نفقة ،مهر ) .
الرّجوع في التّصديق :
ن التّصديق ملزم لمن صدّق ،وعلى ذلك فل يجوز الرّجوع فيه بالنّسبة لحقوق العباد وحقوق اللّه
- 11تقدّم أ ّ
الّتي ل تدرأ بالشّبهات ،كالزّكاة ،فمن صدّق المدّعي فيما ادّعاه عليه من حقّ فل يجوز له الرّجوع متى
توافرت شروط التّصديق .
ولو أقرّ بنسب ،وصدّقه المق ّر له ،ثمّ رجع المقرّ عن إقراره ل يقبل منه الرّجوع .
أمّا بالنّسبة لحقوق اللّه تعالى الّتي تدرأ بالشّبهات كالحدود فإنّه إذا ثبت الحدّ بالقرار فقط ،فإنّه يجوز للمقرّ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم عرّض
الرّجوع ،سواء أكان الرّجوع قبل الحدّ أم بعده ،وسقط الحدّ « ،ل ّ
لماعز بالرّجوع » ،فلول أنّه يفيد لما عرّض له به .
وعلّل الفقهاء عدم جواز الرّجوع في التّصديق بحقوق الدميّين وحقوق اللّه الّتي ل تدرأ بالشّبهات :بأنّ
رجوعه نقض لما صدر منه وتعلّق به حقّ الغير ،فإذا قال :هذه الدّار لزيد ،ل بل لعمرو ،أو ادّعى زيد
على ميّت شيئا معيّنا من تركته فصدّقه ابنه ،ثمّ ادّعاه عمرو فصدّقه ،حكم به لزيد ،ووجبت عليه غرامته
لعمرو ،وهذا ظاهر أحد قولي الشّافعيّ .وفي القول الخر :ل يغرم لعمرو شيئا ،وهو قول أبي حنيفة ،
لنّه أقرّ له بما عليه القرار به وإنّما منعه الحكم من قبوله وذلك ل يوجب الضّمان .
تصحيح *
التّعريف :
- 1التّصحيح لغة :مصدر صحّح ،يقال :صحّحت الكتاب والحساب تصحيحا :إذا أصلحت خطأه ،
صحّة
صحّة ،إذا استوفى شرائط ال ّ
وصحّحته فصحّ .والتّصحيح عند المحدّثين هو :الحكم على الحديث بال ّ
الّتي وضعها المحدّثون .ويطلق التّصحيح أيضا عندهم على كتابة
شكّ بأن كرّر لفظ مثل ل يخلّ تركه .
( صحّ ) على كلم يحتمل ال ّ
والتّصحيح عند أهل الفرائض :إزالة الكسور الواقعة بين السّهام والرّءوس .
والتّصحيح عند الفقهاء هو :رفع أو حذف ما يفسد العبادة أو العقد .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّعديل :
-التّعديل :مصدر عدّل ،يقال :عدّلت الشّيء تعديل فاعتدل :إذا سوّيته فاستوى .ومنه قسمة التّعديل . 2
تصحيف *
انظر :تحريف .
تصدّق *
انظر :صدقة .
تصديق *
انظر :تصادق .
تصرّف *
التّعريف :
- 1التّصرّف لغة :التّقلّب في المور والسّعي في طلب الكسب .
وأمّا في الصطلح فلم يذكر الفقهاء في كتبهم تعريفا للتّصرّف ،ولكن يفهم من كلمهم أنّ التّصرّف هو :ما
يصدر عن الشّخص بإرادته ،ويرتّب الشّرع عليه أحكاما مختلفة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -اللتزام :
- 2اللتزام مصدر التزم .ومادّة لزم تأتي في اللّغة بمعنى :الثّبوت والدّوام والوجوب والتّعلّق بالشّيء أو
اعتناقه .
وفي الصطلح :إلزام الشّخص نفسه ما لم يكن لزما له ،أي ما لم يكن واجبا عليه قبل فهو أع ّم من
ن التّصرّف إنّما يكون بالختيار والرادة .
التّصرّف ،ل ّ
ب -العقد :
- 3العقد في اللّغة :الضّمان والعهد .واصطلحا :ارتباط اليجاب بالقبول اللتزاميّ ،كعقد البيع والنّكاح
وغيرهما على وجه تترتّب عليه آثاره .
ن العقد باعتبار الستقلل به وعدمه على ضربين :ضرب ينفرد به العاقد ،كالتّدبير
وذكر الزّركشيّ أ ّ
والنّذور وغيرها .وضرب ل بدّ فيه من متعاقدين كالبيع والجارة والنّكاح وغيرها.
الفرق بين التّصرّف واللتزام والعقد :
- 4يتّضح ممّا قاله الفقهاء في معنى اللتزام والعقد والتّصرّف :أنّ التّصرّف أعمّ من العقد بمعنييه العامّ
والخاصّ ،لنّ التّصرّف قد يكون في تصرّف ل التزام فيه كالسّرقة والغصب ونحوهما ،وهو كذلك أعمّ من
اللتزام .
أنواع التّصرّف :
ي وتصرّف قوليّ .
- 5التّصرّف نوعان :تصرّف فعل ّ
النّوع الوّل :التّصرّف الفعليّ :
- 6هو ما كان مصدره عمل فعليّا غير اللّسان ،بمعنى أنّه يحصل بالفعال ل بالقوال .ومن أمثلته .
أ -الغصب :وهو في اللّغة :أخذ الشّيء قهرا وظلما .
واصطلحا :أخذ مال قهرا تعدّيا بل حرابة .فالغصب فعل وليس قولً .
ب -قبض البائع الثّمن من المشتري ،وتسلّم المشتري المبيع من البائع .
وهكذا سائر التّصرّفات الّتي يعتمد المتصرّف في مباشرتها على الفعال دون القوال .
النّوع الثّاني :التّصرّف القوليّ :
- 7وهو الّذي يكون منشؤه اللّفظ دون الفعل ،ويدخل فيه الكتابة والشارة ،وهو نوعان :تصرّف قوليّ
عقديّ ،وتصرّف قوليّ غير عقديّ .
أ -التّصرّف القوليّ العقديّ :
- 8وهو الّذي يتمّ باتّفاق إرادتين ،أي أنّه يحتاج إلى صيغة تصدر من الطّرفين وتبيّن اتّفاقهما على أمر
ما ،ومثال هذا النّوع :سائر العقود الّتي ل تتمّ إل بوجود طرفين أي الموجب والقابل ،كالجارة والبيع
والنّكاح والوكالة ،فإنّ هذه العقود ل تت ّم إلّا برضا الطّرفين .وتفصيل ذلك محلّه المصطلحات الخاصّة بتلك
العقود .
ب -التّصرّف القوليّ غير العقديّ .وهو ضربان :
- 9أحدهما :ما يتضمّن إرادة إنشائيّة وعزيمة مبرمة من صاحبه على إنشاء حقّ أو إنهائه أو إسقاطه ،وقد
يسمّى هذا الضّرب تصرّفا عقديّا لما فيه من العزيمة والرادة المنشئة أو المسقطة للحقوق ،وهذا على قول
من يرى أنّ العقد بمعناه العامّ يتناول العقود الّتي تكون بين طرفين كالبيع والجارة ،والعقود الّتي ينفرد بها
المتصرّف كالوقف والطّلق والبراء والحلف وغيرها كما سبق ،ومن أمثلته الوقف والطّلق ،وتفصيل ذلك
في المصطلحات الخاصّة بهما .
- 10الضّرب الثّاني :تصرّف قوليّ ل يتضمّن إرادة منشئة ،أو منهيّة ،أو مسقطة للحقوق ،بل هو صنف
آخر من القوال الّتي تترتّب عليها أحكام شرعيّة ،وهذا الضّرب تصرّف قوليّ محض ليس له شبه بالعقود ،
ومن أمثلته :الدّعوى ،والقرار .
وتفصيل ذلك في المصطلحات الخاصّة بهما .
- 11هذا والعبرة في تميّز التّصرّف القوليّ عن الفعليّ مرجعها موضوع التّصرّف وصورته ،ل مبناه الّذي
بني عليه .
- 12والتّصرّف بنوعيه القوليّ والفعليّ يندرج فيه جميع أنواع التّصرّفات ،سواء أكانت تلك التّصرّفات
عبادات كالصّلة والزّكاة والصّوم والحجّ .
أم تمليكات ومعاوضات كالبيع ،والقالة ،والصّلح والقسمة ،والجارة ،والمزارعة ،والمساقاة ،والنّكاح ،
والخلع ،والجازة ،والقراض .
أم تبرّعات كالوقف ،والهبة ،والصّدقة ،والبراء عن الدّين .أم تقييدات كالحجر ،والرّجعة ،وعزل
الوكيل .
أم التزامات كالضّمان ،والكفالة ،والحوالة ،واللتزام ببعض الطّاعات .
أم إسقاطات كالطّلق ،والخلع ،والتّدبير ،والبراء عن الدّين .أم إطلقات كالذن للعبد بالتّجارة ،والذن
المطلق للوكيل بالتّصرّف .
أم وليات كالقضاء ،والمارة ،والمامة ،واليصاء .أم إثباتات كالقرار ،والشّهادة ،واليمين ،والرّهن .
أم اعتداءات على حقوق الغير الماليّة وغيرها كالغصب والسّرقة .
ن تلك التّصرّفات على اختلف أنواعها ل تخرج عن
أم جنايات على النّفس والطراف والموال أيضا .ل ّ
كونها أقوال أو أفعال فيكون التّصرّف بنوعيه القوليّ والفعليّ شاملً لها .
هذا ،وأمّا شروط صحّة التّصرّف ونفاذه فليس هذا البحث محلّ ذكرها ،سواء ما كان منها يرجع إلى
ل من هذه التّصرّفات
ن محلّ ذكر تلك الشّروط المصطلحات الخاصّة بك ّ
المتصرّف أم إلى نفس التّصرّف ،ل ّ
.
تصريح *
انظر :صريح .
صرِية *
َت ْ
التّعريف :
- 1التّصرية لغة :مصدر صرّى ،يقال :صرّ النّاقة أو غيرها تصرية :إذا ترك حلبها ،فاجتمع لبنها في
ضرعها .وفي الصطلح :ترك البائع حلب النّاقة أو غيرها عمدا مدّة قبل بيعها ،ليوهم المشتري كثرة
اللّبن .
الحكم التّكليفيّ :
غشّنا
- 2التّصرية حرام باتّفاق الفقهاء ،إذا قصد البائع بذلك إيهام المشتري كثرة اللّبن ،لحديث « :مَنْ َ
فليس منّا » وحديث { :بَيعُ المحفّلت خِلبة ،ول َتحِلّ الخلبة لمسلم } .ولما فيه من التّدليس والضرار .
الحكم الوضعيّ ( الثر ) :
- 3ذهب الئمّة :مالك والشّافعيّ وأحمد ،وأبو يوسف إلى أنّ تصرية الحيوان عيب يثبت الخيار للمشتري
.ويستوي في ذلك النعام وغيرها ممّا يقصد إلى لبنه .وذلك لما فيه من الغشّ والتّغرير الفعليّ ،ولحديث :
« ل تصرّوا البل والغنم ،فمن ابتاعها بعد فإنّه بخير النّظرين بعد أن يحتلبها :إن شاء أمسك ،وإن شاء
ردّها وردّ معها صاعا من تمر » وير ّد معها عوضا عن لبنها إن احتلب ،وهذا محلّ اتّفاق بين هؤلء الئمّة
،وإن اختلفوا في نوع العوض كما سيأتي .كما اتّفقوا على أنّ العوض خاصّ بالنعام .
ن التّصرية ليست بعيب ،بدليل
وذهب أبو حنيفة إلى أنّه ل يردّ الحيوان بالتّصرية ،ول يثبت الخيار بها ،ل ّ
أنّه لو لم تكن مصرّاة فوجدها أقلّ لبنا من أمثالها لم يملك ردّها ،والتّدليس بما ليس بعيب ل يثبت الخيار .
ن ضمان العدوان بالمثل أو القيمة ،والتّمر ليس مثل ول قيمة ،بل يرجع
ول يردّ معها صاعا من تمر ،ل ّ
المشتري بأرش النّقصان على البائع -والرش هنا :هو التّعويض عن نقصان المبيع . -
نوع العوض عن اللّبن :
- 4اختلف الفقهاء في ردّ العوض ،وفي نوعه .
ن العوض هو صاع من تمر ،وذلك للحديث
فذهب المام أحمد ،وهو الصّحيح عند الشّافعيّة ،إلى أ ّ
السّابق ،وقد نصّ فيه على التّمر « :وإن شاء ردّها ور ّد معها صاعا من تمر » .
ن العوض هو صاع من غالب قوت البلد ،وهو القول الخر للشّافعيّة .وقال مالك :
وذهب المام مالك إلى أ ّ
ن بعض ألفاظ الحديث جاء فيها « :فإن ردّها ردّ معها صاعا من طعام » وتنصيص التّمر في الحديث ليس
إّ
لخصوصه ،وإنّما كان غالب قوت المدينة آنذاك .وعند أبي يوسف ير ّد قيمة اللّبن المحتلب ،لنّه ضمان
متلف ،فكان مقدّرا بقيمته كسائر المتلفات .ثمّ عند الجمهور :هل يجب ردّ اللّبن نفسه إذا كان موجودا ؟
ذهب أحمد إلى أنّ للمشتري ر ّد اللّبن إذا لم يتغيّر ،ول يلزمه شيء آخر ،ول يجوز للبائع رفضه .
الواجب عند انعدام التّمر :
- 5ذهب الحنابلة إلى أنّ الواجب في هذا الحال قيمة التّمر في الموضع الّذي وقع فيه العقد وذهب الشّافعيّة
-في الوجه الصحّ -إلى أنّ عليه قيمة التّمر في أقرب البلد الّتي فيها تمر ،وفي الوجه الخر عليه قيمة
التّمر بالحجاز .ول يختلف الحكم عند مالك بانعدام التّمر ،لنّ الواجب عنده مطلقا صاع من غالب قوت
أهل البلد .
هل يختلف الحكم بين كثرة اللّبن وقلّته ؟
- 6ل خلف بين من يرى ردّ صاع مع المصرّاة في أنّه ل عبرة بكثرة اللّبن وقلّته ،ول بين أن يكون
الصّاع مثل قيمة لبن الحيوان أو أقلّ أو أكثر ،لنّه بدل قدّره الشّرع .ويشترط في جواز ردّ المصرّاة :
أ -أن ل يعلم المشتري أنّها مصرّاة ،فإن علم قبل الشّراء وقبل حلبها فل يثبت له الخيار .ب -أن يقصد
البائع التّصرية ،فإن لم يقصد ذلك كأن ترك حلبها ناسيا أو لشغل ،أو تصرّت بنفسها فوجهان عند الشّافعيّة
في ثبوت الخيار .وعند الحنابلة يثبت له الخيار لدفع الضّرر اللّاحق بالمشتري ،والضّرر واجب الدّفع شرعا
،قصد أم لم يقصد ،فأشبه العيب .ج -وأن يردّها بعد الحلب ،فإن ردّها قبل الحلب فل شيء عليه
ن الصّاع إنّما وجب عوضا عن اللّبن المحلوب ولم يحلب .
بالتّفاق ،ل ّ
وللخبر الّذي قيّد ردّ الصّاع بالحتلب ،ولم يوجد .
وإذا أراد المشتري إمساك المصرّاة وطلب الرش لم يكن له ذلك ،لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم لم يجعل
للمصرّاة أرشا ،وإنّما خيّر المشتري بين شيئين « :إن شاء أمسك ،وإن شاء ردّها وصاعا من تمر » ولنّ
التّصرية ليست بعيب ،فلم يستحقّ من أجلها عوضا .
ل مصرّاة صاعا ،وبهذا قال الشّافعيّ
- 7وإذا اشترى مصرّاتين أو أكثر في عقد واحد فردّهنّ ،ردّ مع ك ّ
وبعض أصحاب مالك .وقال بعضهم :في الجميع صاع واحد ،لنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال :
« من اشترى غنما مصرّاة فاحتلبها ،فإن رضيها أمسكها ،وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر » .
وللحنابلة عموم قوله صلى ال عليه وسلم « من اشترى مصرّاة » و « من اشترى محفّلة » وهذا يتناول
الواحدة ،ولنّ ما جعل عوضا عن الشّيئين في صفقتين ،وجب إذا كانا في صفقة واحدة كأرش العيب .
مدّة الخيار :
- 8ال ّردّ يكون على الفور كالرّ ّد في خيار العيب عند الشّافعيّة .
وللحنابلة في المدّة ثلثة أقوال :
الوّل :أنّها مقدّرة بثلثة أيّام ،وليس له الرّدّ قبل مضيّها ،ول إمساكها بعدها ،وهو ظاهر قول أحمد .
لحديث مسلم « :فهو بالخيار ثلث َة أيّامٍ » .
والثّاني :أنّه متى ثبتت التّصرية جاز له ال ّردّ قبل الثّلثة وبعدها ،لنّه تدليس يثبت الخيار ،فملك ال ّردّ إذا
تبيّنه كسائر التّدليس .
والثّالث :أنّه متى علم التّصرية ثبت له الخيار في اليّام الثّلثة إلى تمامها .
وعند المالكيّة :ل يردّ إن حلبها في اليوم الثّالث إن حصل الختيار في اليوم الثّاني .
تصفيق *
التّعريف :
-للتّصفيق في اللّغة معان ،منها :الضّرب الّذي يسمع له صوت .وهو كالصّفق في ذلك .يقال :صفّق 1
تصفية *
التّعريف :
- 1التّصفية لغة :مأخوذ من صفّى الشّيء :إذا أخذ خلصته .ومنه :صفّيت الماء من القذى تصفية :
أزلته عنه .كما في لسان العرب والمصباح المنير .
ويراد بالتّصفية في الصطلح :مجموع العمال الّتي غايتها حصر حقوق المتوفّى والتزاماته وأداء الحقوق
المتعلّقة بالتّركة لصحابها من الدّائنين والموصى لهم والورثة .
الحكم الجماليّ :
- 2التّصفية بهذا المعنى اصطلح حديث تعارف عليه أهل القانون .
ولم يتكلّم عنه الفقهاء بالعنوان المذكور ،وإن كانوا قد عنوا عناية شديدة ببيان أحكام الحقوق الّتي للتّركة أو
عليها وحقوق القصر ضمانا لصحاب تلك الحقوق حتّى ل يبغي بعضهم على بعض ،وضمانا بصفة خاصّة
لحقوق الدّائنين والموصى لهم بشيء من التّركة.
وهذه الحكام مفصّلة في مصطلح ( :تركة ،إرث ،وصيّة ،وإيصاء ) .
تصليب *
التّعريف :
- 1التّصليب في اللّغة :مصدر صلّب ،وهو يأتي لمعان :منها :
أ -القتلة المعروفة يقال :صلب فلن صلبا ،وصلّب تصليبا .ففي التّنزيل العزيز َ { :ومَا َقتَلُوه ومَا صَلَبُوه
ع ال ّنخْلِ } وأصله على ما في لسان العرب "
شبّ َه لهم } وفيه حكاية قول فرعون { :وَلصَّل َبنّكم في جُذو ِ
ن ُ
ولك ْ
الصّليب " وهو في اللّغة دهن النسان أو الحيوان ،قال :والصّلب هذه القِتلة المعروفة ،مشتقّ من ذلك ،
ن ودك المصلوب ( أي دهنه ) يسيل .ومنه سمّي الصّليب .وهو الخشبة الّتي يصلب عليها من يقتل كذلك
لّ
ثمّ استعمل لما يتّخذه النّصارى على ذلك الشّكل وجمعه الصّلبان ،والصُلُب .
ب -والتّصليب أيضا صناعة الصّليب ،أو عمل نقش في ثوب أو جدار أو قرطاس أو غيرها بشكل الصّليب
،أو التّصليب بالشارة .قال ابن عابدين :والصّليب خطّان متقاطعان .وفي حديث عائشة رضي ال عنها
ي صلى ال عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إل نقضه » أي قطع موضع
ن النّب ّ
«أّ
التّصليب فيه ،وفي رواية « نهى عن الصّلة في الثّوب المصلّب » .وهو الّذي فيه نقش كالصّلبان .
ج -ورد في الحديث « :نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن الصّلب في الصّلة » وهيئة الصّلب في
الصّلة أن يضع المصلّي يديه على خاصرتيه ،ويجافي عضديه عن جنبيه في القيام .وإنّما نهى عنه
لمشابهته شكل المصلوب .وتنظر أحكام ذلك في الصّلة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّمثيل :
- 2التّمثيل :مصدر مثّل من مثّلت بالقتيل مثلً :إذا جدعته وظهرت آثار فعلك عليه تنكيلً ،والتّشديد في
ن التّصليب ربط للعقوبة ،أمّا التّمثيل فهو مجرّد الجدع
مثّل للمبالغة فبين التّصليب والتّمثيل مباينة ،ل ّ
والتّقطيع .
ب -الصّبر :
- 3الصّبر من معانيه في اللّغة :نصب النسان للقتل ،أو أن يمسك الطّائر أو غيره من ذوات الرّوح
يصبر حيّا ،ثمّ يرمى بشيء حتّى يقتل .
فالصّبر أعمّ من التّصليب ،لنّه قد يكون بل صلب .
الحكم التّكليفيّ :
يتناول الحكم أمرين :
أ -الصّلب ،وهو القتلة المعروفة .
ب -الحكام المتعلّقة بالصّليب .
أوّل :حكم التّصليب " بمعنى القِتلة المعروفة "
- 4الصّلب قتلة معروفة ،وهي أن يرفع المراد قتله على جذع أو شجرة أو خشبة قائمة ،وتم ّد يداه على
خشبة معترضة ،وتربط رجله بالخشبة القائمة ،ويترك عليها هكذا حتّى يموت .وقد تسمّر يداه ورجله
بالخشب .وقد يقتل أ ّولً ،ويصلب بعد زهوق روحه على الخشبة للتّشهير به .وكانت هذه القتلة شائعة في
المم السّابقة كالفرس والرّومان ومن قبلهم .ونصّ القرآن على أنّها كانت من فعل فرعون بأعدائه .وفي
خ ْمرَا ،وَأمّا الخَرُ َف ُيصْلَبُ َفتَأكُلُ الطّيرُ منْ رَ ْأسِه }
ح ُدكُما َف َيسْقِي َربّه َ
سجْنِ أمّا َأ َ
حبَي ال ّ
قصّة يوسف { يَا صَا ِ
وقد حرّم السلم هذه القتلة لما فيها من التّعذيب الشّديد والمثلة والتّشهير ،فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم «
سنُوا القتلة ،وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة ،و ْل ُيحِ ّد أحدُكم
حِل شيء ،فإذا َقتَ ْلتُم فأَ ْ
ن اللّه كتب الحسان على ك ّ
إّ
ح ذبيحته » « ونهى عن ال ُمثْلَة ولو بالكلب العَقُور » .
شَ ْف َرتَه ،وَ ْليُرِ ْ
- 5ويستثنى من هذا الصل جرائم محدّدة جعلت عقوبتها الصّلب بعد القتل لعوارض خاصّة اقتضتها .وهذه
الجرائم هي ما يلي :
أ -الفساد في الرض :
جزَاءُ الّذينَ
جعلت عقوبة الفساد في الرض بالمحاربة " قطع الطّريق " الصّلب ،لقوله تعالى { ِإ ّنمَا َ
ن في الَرضِ َفسَادَا أنْ يُ َقتّلُوا أو ُيصَّلبُوا أو تُ َقطّعَ أَيدِيهمْ وََأ ْرجُلُهمْ ِمنْ خِلفٍ أَو
سعَو َ
ُيحَا ِربُونَ الّلهَ َورَسُولَه َو َي ْ
ن تَابُوا مِنْ َقبْلِ َأنْ تَ ْق ِدرُوا
عظِيمٌ إل الّذي َ
عذَابٌ َ
خ ْزيٌ في ال ّدنْيا وَلَهمْ في الخِرَةِ َ
ض ذَلكَ لَهمْ ِ
ن الر ِ
ُينْفَوْا مِ َ
ن اللّهَ غَفُورٌ َرحِيمٌ } .
عَلَيهمْ فَاعَْلمُوا أَ ّ
ن قطّاع الطّرق يستأسدون على النّاس ،فيروّعون المنين ،
وإنّما كان الصّلب عقوبة في هذه الجريمة ،ل ّ
ويظهرون الفساد ،فجعل الصّلب عقوبة لهم ،ليرتدع به من سواهم من المفسدين .وقد اختلف الفقهاء في
الصّلب :
فقيل :هو حدّ ل بدّ من إقامته .وقيل :المام مخيّر فيه وفي غيره من العقوبات المذكورة في الية .على
ترتيب وتفصيل ينظر في مصطلح ( :حرابة ) .
كيفيّة تنفيذ عقوبة الصّلب في قاطع الطّريق :
- 6باستقراء كلم الفقهاء يتبيّن اتّفاقهم على أنّه ليس المراد بصلب قاطع الطّريق :أن يحمل على الخشبة
حيّا ،ثمّ يترك عليها حتّى يموت .ثمّ اختلفوا :فقال أبو حنيفة ومالك والوزاعيّ :يصلب حيّا ،ثمّ يقتل
ي ل الميّت ،ولنّه جزاء على المحاربة ،
ن الصّلب عقوبة ،وإنّما يعاقب الح ّ
مصلوبا بطعنه بحربة ،ل ّ
فيشرع في الحياة كسائر الجزاءات .
وقال الشّافعيّ وأحمد :يقتل أوّل ،ثمّ يصلب بعد قتله ،لنّ اللّه تعالى قدّم ذكر القتل على ذكر الصّلب ،
ن في قتله بالصّلب
فيلتزم هذا التّرتيب حيث اجتمعا ،ولنّ القتل إذا أطلق في الشّرع كان قتلً بالسّيف ،ول ّ
تعذيبا له ومثلة ،وقد نهى الشّرع عن المثلة .
أمّا المدّة الّتي يبقى فيها المصلوب على الخشبة بعد قتله ،فقال أبو حنيفة والشّافعيّ :يصلب ثلثة أيّام .وقال
الحنابلة :يصلب قدر ما يشتهر أمره ،دون تحديد بمدّة .
وعند المالكيّة ينزل إذا خيف تغيّره .
ب -من قتل غيره عمدا بالصّلب حتّى مات :
- 7مذهب مالك والشّافعيّ ،وهو رواية عن أحمد :أنّ لوليّ المقتول أن يطالب بقتل الجاني قصاصا بمثل
ما قتل به .قالوا :وهذا معنى القصاص ،وهو المساواة والمماثلة ،وله أن يقتله بالسّيف .فإن قتل
ي قد ترك المماثلة ،وهي شيء من حقّه .ومقتضى هذا
بالسّيف ،وكان الجاني قد قتل بأشدّ منه كان الول ّ
القول :أنّه يجوز للوليّ صلب القاتل حتّى الموت ،إن كانت جنايته بالصّلب .ومذهب أبي حنيفة ،وهو
رواية عن أحمد :أنّه ل قَ َو َد إلّا بالسّيف ،فعلى هذا ل يتأتّى عقوبة الصّلب قصاصا .
ومع ذلك صرّح الحنفيّة بأنّ الوليّ إذا اقتصّ بغير السّيف عزّر ،ووقع القصاص موقعه .
ج -التّصليب في عقوبة التّعزير :
- 8قال الماورديّ من الشّافعيّة :يجوز صلب المعزّر حيّا ثلثة أيّام فقط " أي ويطلق بعدها " فقد « صَلَب
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رجلً على جبل يقال له أبو ناب » قال :ول يمنع مدّة صلبه من طعام ول
شراب ول وضوء لصلة .ويصلّي مومئا ،ويعيد الصّلة بعد أن يطلق سراحه .ونقل ذلك متأخّرو الشّافعيّة
وأقرّوه .وقال صاحب مغني المحتاج :ينبغي أن يقال بتمكين المصلوب في هذه الحال من الصّلة مطمئنّا ،
يعني أن يصلّي مرسل صلة تامّة ،ثمّ يعاد صلبه .ونقل ابن فرحون من المالكيّة في التّبصرة قول
الماورديّ وأقرّه .ويجوز التّعزير بالصّلب عند الحنابلة ،ويراعى ما ذكره الماورديّ .وقالوا :يصلّي
المصلوب حينئذ باليماء إن لم يمكنه إلّا ذلك ،ول إعادة عليه بعد إطلقه .
ثانيا :الحكام المتعلّقة بالصّلبان
صناعة الصّليب واتّخاذه :
- 9ل يجوز للمسلم أن يصنع صليبا ،ول يجوز له أن يأمر بصناعته ،والمراد صناعة ما يرمز به إلى
التّصليب .وليس له اتّخاذه ،وسواء علّقه أو نصبه أو لم يعلّقه ولم ينصبه .ول يجوز له إظهار هذا الشّعار
في طرق المسلمين وأماكنهم العامّة أو الخاصّة ،ول جعله في ثيابه ،لما روى عديّ بن حاتم رضي ال عنه
قال « :أتيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب .فقال :يا عديّ ! اطرح عنك هذا
ن اللّه بعثني رحمة
الوثن » وعن أبي أمامة رضي ال عنه قال " :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم « إ ّ
وهدى للعالمين ،وأمرني بمحق المزامير والمعازف والوثان والصّلب وأمر الجاهليّة » .
- 10يكره الصّليب في الثّوب ونحوه كالقلنسوة والدّراهم والدّنانير والخواتم .
قال ابن حمدان :ويحتمل التّحريم ،وهو ظاهر ما نقله صالح عن المام أحمد ،وصوّبه صاحب النصاف .
ودليل ذلك حديث عائشة رضي ال عنها الّذي يفيد « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان يقطع صورة
الصّليب من الثّوب » ،وفي بعض رواياته عند أحمد عن أمّ عبد الرّحمن بن أذينة قالت « :كنّا نطوف مع
عائشة أمّ المؤمنين رضي ال عنها فرأت على امرأة بردا فيه تصليب ،فقالت أمّ المؤمنين :اطرحيه .
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان إذا رأى نحو هذا في الثّوب قضبه » .وقال إبراهيم ":
اطرحيه .فإ ّ
أصاب أصحابنا خمائص فيها صلب فجعلوا يضربونها بالسّلوك يمحونها بذلك ".
المصلّي والصّليب :
ن فيه تشبّها بالنّصارى في عبادتهم ،والتّشبّه بهم في
- 11يكره للمصلّي أن يكون في قبلته صليب ،ل ّ
المذموم مكروه ،وإن لم يقصده .
ولم نجد عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة نصّا في ذلك .
القطع في سرقة الصّليب :
- 12ل قطع عند الحنفيّة والحنابلة في سرقة الصّليب ولو كان من ذهب أو فضّة ،ولو جاوزت قيمته نصابا
.وذلك لنّه منكر ،فتتأوّل الباحة للسّارق بتأويل نيّة الكسر نهيا عن المنكر .قال في فتح القدير :بخلف
الدّرهم الّذي عليه الصّورة ،فإنّه ما أعدّ للعبادة ،فل تثبت شبهة إباحة الكسر .وعن أبي يوسف يقطع به إن
كان في يد رجل في حرز ل شبهة فيه ،لكمال الماليّة ولوجود الحرز .أمّا إن كان في مصلّاهم فسرقه ،فل
ن ال ّذ ّميّ
قطع لعدم الحرز .قال ابن عابدين :وعلى الوّل لو كان السّارق ذ ّميّا وسرق من حرز فيقطع ،ل ّ
ل تأويل له .قال :إل أن يقال تأويل غيره يكفي في وجود الشّبهة فل يقطع .
ن مذهب المالكيّة جار على مثل ما قال ابن عابدين في آخر كلمه ،فإنّه ل قطع عندهم في سرقة
ويظهر أ ّ
الخمر ،ولو سرقها ذ ّميّ من ذمّيّ ،فيكون الحكم في سرقة الصّليب كذلك .وفرّق الشّافعيّة في سرقة المحرّم
من صليب وغيره بين حالتين ،فقالوا :إن سرقه بقصد النكار فل قطع ،وإل فالصحّ -على ما قاله
النّوويّ -أنّه يقطع به إن بلغ مكسوره نصابا.
إتلف الصّليب :
- 13من كسر صليبا لمسلم فل ضمان فيه اتّفاقا .وإن كان لهل ال ّذمّة ،فإن أظهروه كانت إزالته واجبة ،
ول ضمان أيضا .وإن كان اقتناؤهم له على وجه يقرّون عليه ،كالّذي يجعلونه في داخل كنائسهم أو
بيوتهم ،يسرّونه عن المسلمين ول يظهرونه ،فإن غصبه غاصب وجب ردّه اتّفاقا .أمّا إن أتلفه متلف ،فقد
اختلف الفقهاء في وجوب الضّمان بذلك :فعند الحنفيّة :فيه الضّمان ،بناء على أصلهم في ضمان المسلم
خمر ال ّذمّيّ ،لنّه مال متقوّم في حقّهم كتقوّم الخلّ في حقّنا .وقد أمرنا بتركهم وما يدينون .
وعند الشّافعيّة والحنابلة :ل يضمن المسلم الخمر والخنزير لمسلم ول لذ ّميّ ،وهكذا إذا أتلفهما ذ ّميّ على
ق المسلم فكذا في حقّ ال ّذمّيّ ،لنّهم تبع لنا في الحكام ،فل يجب بإتلفهما
ذمّيّ ،لنّه سقط تقوّمهما في ح ّ
ن الكفّار مخاطبون بفروع
مال متقوّم ،وهو الضّمان ،فكذا ينبغي أن يكون الحكم في الصّليب ،ول ّ
الشّريعة ،فالتّحريم ثابت في حقّهم ،لكنّا أمرنا بترك التّعرّض لهم فيما ل يظهرونه من ذلك ،وهذا ل
ن الصنام والصّلبان ل يجب في إبطالها
يقتضي الضّمان نظرا إلى أصل التّحريم .وفي شرح المنهاج :إ ّ
ن الصحّ أنّها ل تكسر
شيء ،لنّها محرّمة الستعمال ،ول حرمة لصنعتها -أي ليست محترمة -وإ ّ
الكسر الفاحش ،بل تفصل لتعود كما كانت قبل التّأليف ،لزوال السم بذلك .
والقول الثّاني :تكسر وترضّض حتّى تنتهي إلى حدّ ل يمكن إعادته صنما أو صليبا أو غير ذلك من
ن الصّليب إن كان من الذّهب أو
المحرّمات .ونقل صاحب كشّاف القناع من الحنابلة عن القاضي ابن عقيل أ ّ
الفضّة فل يضمن إذا كسر ،أمّا إذا أتلف فيضمن مكسورا .وفرّق بينه وبين الصّليب من الخشب بأنّ
الصّنعة في الذّهب والفضّة تابعة ،لنّها أقلّ قيمة ،وفي الخشب أو الحجر هي الصل فل يضمن .
فعليه يضمن الصّليب المستور لل ّذ ّميّ إن كان من ذهب أو فضّة إذا أتلف بمثله ذهبا بالوزن ،وتلغى صنعته .
قال الحارثيّ :ول خلف فيه .
أهل ال ّذمّة والصّلبان :
- 14يجوز إقرار أهل ال ّذمّة والصّلح معهم على إبقاء صلبانهم ،ولكن يشترط عليهم أن ل يظهروها ،بل
تكون في كنائسهم ومنازلهم الخاصّة .وفي فتح القدير :إنّ المراد بكنائسهم كنائسهم القديمة الّتي أقرّوا
عليها .وفي عهد عمر رضي ال عنه الّذي أخذه على نصارى الشّام " بسم ال الرحمن الرحيم .هذا كتاب
لعمر أمير المؤمنين من نصارى الشّام :لما قدمتم علينا سألناكم المان .إلى أن قالوا :وشرطنا لكم على
أنفسنا أن ل نظهر صليبا ول كتابا " أي من كتب دينهم " في شيء من طرق المسلمين ول أسواقهم ،ول
نظهر الصّليب في كنائسنا إلخ " وقولهم " :في كنائسنا " المراد به خارجها ممّا يراه المسلم .قال ابن القيّم :
ل يمكّنون من التّصليب على أبواب كنائسهم وظواهر حيطانها ،ول يتعرّض لهم إذا نقشوا داخلها .
ن عمر بن عبد العزيز كتب :أن يمنع نصارى الشّام أن يضربوا ناقوسا ،ول
وعن ميمون بن مهران أ ّ
يرفعوا صليبهم فوق كنائسهم ،فإن قدر على من فعل ذلك منهم فإنّ سلبه لمن وجده .وكذا لو جعلوا ذلك في
منازلهم وأماكنهم الخاصّة ل يمنعون منه .ويمنعون من لبس الصّليب وتعليقه في رقابهم أو أيديهم ،ول
ينتقض عهدهم بذلك الظهار ،ولكن يؤدّب من فعله منهم .ويلحظون في مواسم أعيادهم بالذّات ،إذ قد
يحاولون إظهار الصّليب فيمنعون من ذلك ،لما في عهد عمر عليهم عدم إظهاره في أسواق المسلمين .
ويؤدّب من فعله منهم ،ويكسر الصّليب الّذي يظهرونه ،ول شيء على من كسره .
الصّليب في المعاملت الماليّة :
- 15ل يصحّ لمسلم بيع الصّليب شرعا ،ول الجارة على عمله .
ولو استؤجر عليه فل يستحقّ صانعه أجرة ،وذلك بموجب القاعدة الشّرعيّة العامّة في حظر بيع المحرّمات ،
إجارتها ،والستئجار على عملها .
ح بيع الصّور والصّلبان ولو من ذهب أو فضّة أو حلوى .
وقال القليوبيّ :ل يص ّ
ول يجوز بيع الخشبة لمن يعلم أنّه يتّخذها صليبا .
وسئل ابن تيميّة عن خيّاط خاط للنّصارى سير حرير فيه صليب ذهب فهل عليه إثم في خياطته ؟ وهل تكون
أجرته حلل أم ل ؟ فقال :إذا أعان الرّجل على معصية اللّه كان آثما . . .ثمّ قال :والصّليب ل يجوز
عمله بأجرة ول غير أجرة ،كما ل يجوز بيع الصنام ول عملها .كما ثبت في الصّحيح عن النّبيّ صلى ال
عليه وسلم أنّه قال « :إنّ اللّه حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام » .وثبت أنّه « لعن المصوّرين
».
وصانع الصّليب ملعون لعنه اللّه ورسوله .
ومن أخذ عوضا عن عين محرّمة مثل أجرة حامل الخمر وأجرة صانع الصّليب وأجرة البغيّ ونحو ذلك ،
فليتصدّق به ،وليتب من ذلك العمل المحرّم ،وتكون صدقته بالعوض كفّارة لما فعله ،فإنّ هذا العوض ل
يجوز النتفاع به ،لنّه عوض خبيث .نصّ عليه المام أحمد في مثل حامل الخمر ،ونصّ عليه أصحاب
مالك وغيرهم .
تصوير *
التّعريف :
-التّصوير ل غة :صنع ال صّورة .وصورة الشّيء هي هيئته الخا صّة الّتي يتميّز بها عن غيره .وفي 1
أسمائه تعالى ":المصوّر " ،ومعناه :الّذي صوّر جميع الموجودات ورتّبها ،فأعطى كلّ شيء منها صورته
الخاصّة وهيئته المفردة ،على اختلفها وكثرتها .
وورد في حديث ابن عمر تسمية الوجه صورة ،قال رضي ال عنه « :نهى النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن
تضرب الصّورة ،أو نهى عن الوسم في الوجه » أي :أن يضرب الوجه أو يوسم الحيوان في وجهه .
والتّصوير أيضا :ذكر صورة الشّيء ،أي :صفته ،يقال :صوّرت لفلن المر ،أي :وصفته له .
والتّصوير أيضا :صنع الصّورة الّتي هي تمثال الشّيء ،أي :ما يماثل الشّيء ويحكي هيئته الّتي هو عليها
ل.
،سواء أكانت الصّورة مجسّمة أو غير مجسّمة ،أو كما يعبّر بعض الفقهاء :ذات ظلّ أو غير ذات ظ ّ
والمراد بالصّورة المجسّمة أو ذات الظّلّ ما كانت ذات ثلثة أبعاد ،أي لها حجم ،بحيث تكون أعضاؤها
نافرة يمكن أن تتميّز باللّمس ،بالضافة إلى تميّزها بالنّظر .
وأمّا غير المجسّمة ،أو الّتي ليس لها ظلّ ،فهي المسطّحة ،أو ذات البعدين ،وتتميّز أعضاؤها بالنّظر
فقط ،دون اللّمس ،لنّها ليست نافرة ،كالصّور الّتي على الورق ،أو القماش ،أو السّطوح الملساء .
والتّصوير والصّورة في اصطلح الفقهاء يجري على ما جرى عليه في اللّغة .
سنّة حديث عائشة رضي ال عنها
وقد تسمّى الصّورة تصويرة ،وجمعها تصاوير ،وقد ورد من ذلك في ال ّ
في شأن السّتر قوله صلى ال عليه وسلم « :أميطي عنّا قرامك هذا ،فإنّه ل تزال تصاويره تعرض في
صلتي » .
أنواع الصّور :
- 2إنّ الصّورة -بالضافة إلى ما ذكرناه من الصّور الثّابتة -قد تكون صورة مؤقّتة كصورة الشّيء في
ل للسّطح ،فإن انتقل الشّيء
المرآة ،وصورته في الماء والسّطوح اللمعة ،فإنّها تدوم ما دام الشّيء مقاب ً
عن المقابلة انتهت صورته .
ومن الصّور غير الدّائمة :ظلّ الشّيء إذا قابل أحد مصادر الضّوء .ومنه ما كانوا يستعملونه في بعض
العصور السلميّة ،ويسمّونه :صور الخيال ،أو صور خيال الظّلّ .فإنّهم كانوا يقطعون من الورق
صورا للشخاص ،ثمّ يمسكونها بعصيّ صغيرة ،ويحرّكونها أمام السّراج ،فتنطبع ظللها على شاشة
بيضاء يقف خلفها المتفرّجون ،فيرون ما هو في الحقيقة صورة الصّورة .ومن الصّور غير الدّائمة :
الصّور التّليفزيونيّة ،فإنّها تدوم ما دام الشّريط متحرّكا فإذا وقف انتهت الصّورة .
- 3ثمّ إنّ الصّورة قد تكون لشيء حيّ عاقل ذي روح ،كصورة النسان .
أو غير عاقل ،كصورة الطّائر أو السد .أو لحيّ غير الحيوان كصور الشجار والزّهور والعشاب .أو
للجمادات كصور الشّمس والقمر والنّجوم والجبال ،أو صور المصنوعات النسانيّة كصورة منزل أو سيّارة
أو منارة أو سفينة .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّماثيل :
- 4التّماثيل جمع تمثال " بكسر التّاء " وتمثال الشّيء :صورته في شيء آخر .وهو من المماثلة ،وهي
المساواة بين الشّيئين .والتّمثيل :التّصوير .يقال :مثّل له الشّيء إذا صوّره له كأنّه ينظر إليه ،ومثّلت له
كذا :إذا صوّرت له مثاله بكتابة أو غيرها ،وفي الحديث « :أشدّ النّاس عذابا ممثّل من الممثّلين » أي
مصوّر .وظلّ ك ّل شيء تمثاله .فالفرق بين التّمثال وبين الصّورة :أنّ صورة الشّيء قد يراد بها الشّيء
نفسه ،وقد يراد به غيره ممّا يحكي هيئة الصل ،أمّا التّمثال فهو الصّورة الّتي تحكي الشّيء وتماثله ،ول
يقال لصورة الشّيء في نفسه :إنّها تمثاله .
ن المسيح
- 5وممّا يبيّن أنّ التّمثال أيضا في اللّغة يستعمل لصور الجمادات ما ورد في صحيح البخاريّ أ ّ
ال ّدجّال يأتي ومعه تمثال الجنّة والنّار .
ن أكثرهم ل يفرّقون في الستعمال بين لفظي ( الصّورة )
أمّا في عرف الفقهاء ،فإنّه باستقراء كلمهم تبيّن أ ّ
( والتّمثال ) ،إل أنّ بعضهم خصّ التّمثال بصورة ما كان ذا روح ،أي صورة النسان أو الحيوان ،سواء
أكان مجسّما أو مسطّحا ،دون صورة شمس أو قمر أو بيت ،وأمّا الصّورة فهي أعمّ من ذلك .نقله ابن
عابدين عن المغرب .
وهذا البحث جار على الصطلح الغلب عند الفقهاء ،وهو أنّ الصّورة الّتي تحكي الشّيء ،والتّمثال بمعنى
واحد .
ب -الرّسم :
-الرّسم في اللّغة :أثر الشّيء .وقيل :بقيّة الثر .وأثر الشّيء قد يشاكله في الهيئة .ومن هنا سمّوا " 6
الرّو سم " ،و هو الخش بة الّ تي في ها نقوش يخ تم ب ها الشياء المراد بقاؤ ها مخفاة ،لئل ت ستعمل .وقال ا بن
سيده " :الرّو سم الطّا بع " .وم نه " المر سوم " لنّه يخ تم بخا تم .والرّ سم في ال ستعمال المعا صر بمع نى :
ال صّورة المسطّحة ،أو التّصوير المسطّح ،إذا كان معمول باليد .ول تسمّى ال صّورة الفوتوغرافيّة رسما .
بل يقال :رسمت دارا ،أو إنسانا ،أو شجرة .
ج -التّزويق ،والنّقش ،والوشي ،والرّقم :
- 7هذه الكلمات الربع تكاد تكون بمعنى واحد ،وهو تجميل الشّيء المسطّح أو غير المسطّح بإضافة
أشكال تجميليّة إليه ،سواء أكانت أشكال هندسيّة أو نمنمات أو صورا أو غير ذلك .قال صاحب اللّسان :
ل منها يكون بالصّور أو بغيرها .
ثوب منمنم أي :موقوم موشّى ،وقال :النّقش :النّمنمة .فك ّ
د -النّحت :
سكّين ،حتّى يكون ما يبقى
- 8النّحت :الخذ من كتلة صلبة كالحجر أو الخشب بأداة حادّة كالزميل أو ال ّ
منها على الشّكل المطلوب ،فإن كان ما بقي يمثّل شيئا آخر فهو تمثال أو صورة ،وإل فل .
ترتيب هذا البحث :
- 9يحتوي هذا البحث على ما يلي :
ل :ما يتعلّق من الحكام بالصّورة النسانيّة .
أ ّو ً
ثانيا :أحكام التّصوير ،أي :صناعة الصّور .
ثالثا :أحكام اقتناء الصّور ،أي :اتّخاذها واستعمالها .
رابعا :أحكام الصّور من حيث التّعامل والتّعرّف فيها .
القسم الوّل :ما يتعلّق من الحكام بالصّورة النسانيّة :
- 10ينبغي للنسان أن يعتني بتجميل صورته الظّاهرة ،بالضافة إلى اعتنائه بتكميل صورته الباطنة ،
ويقوم بحقّ اللّه تعالى بشكره على أنّه جمّل صورته .
والعناية بالصّورة الباطنة تكون باليمان والتّطهّر من الذّنوب والشّكر للّه ،والتّجمّل بالخلق الحميدة .
والعناية بالصّورة الظّاهرة تكون بالتّطهّر بالوضوء والغتسال والتّنظّف وإزالة التّفث ،والتّزيّن بالزّينة
المشروعة من العناية بالشّعر والملبس الحسنة وغير ذلك ( ،ر :زينة ) .
- 11ول يحلّ للنسان أن يشوّه جسمه بإتلف عضو من أعضائه ،أو إخراجه عن وضعه الّذي خلقه اللّه
عليه .كما ل يحلّ له أن يفعل ذلك بغيره ،إل حيث أذن اللّه تعالى بذلك وقد « نهى النّبيّ صلى ال عليه
وسلم عن ال ُنهْبى والمثلة » ( .ر :مثلة ) .كما ل يحلّ له أن يقصد تشويه نفسه بلبس ما ينفر النّاس منه
ويخرجه عن المعتاد ( ر :ألبسة ) .
ومن ذلك أنّ « النّبيّ صلى ال عليه وسلم نهى أن يمشي الرّجل في نعل واحدة » أي :في إحدى قدميه دون
الخرى .وشرع للمسلم أن يتطيّب ويتعطّر .وللمرأة زينتها الخاصّة .وراجع مباحث ( اكتحال .اختضاب
.حليّ ،إلخ ) .
- 12أمّا الزّينة الباطنة ،فقد قال ابن القيّم :الجمال الباطن هو محلّ نظر اللّه من عبده وموضع محبّته ،
ن اللّه ل ينظر إلى صوركم وأموالكم ،ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم » .وهذا
كما في الحديث « :إ ّ
الجمال الباطن يزيّن الصّورة الظّاهرة وإن لم تكن ذات جمال ،فتكسو صاحبها من الجمال والمهابة والحلوة
ن المؤمن يعطى مهابة وحلوة بحسب إيمانه ،فمن رآه هابه ،
بحسب ما اكتسبت روحه من تلك الصّفات .فإ ّ
ومن خالطه أحبّه ،وهذا أمر مشهود بالعيان .فإنّك ترى الرّجل الصّالح ذا الخلق الجميلة من أحلى النّاس
صورة ،وإن كان غير جميل ،ول سيّما إذا رزق حظّا من صلة اللّيل ،فإنّها تنوّر الوجه .
ص اللّه بها بعض الصّور عن بعض ،وهي من زيادة الخلق الّتي قال اللّه
قال :وأمّا الجمال الظّاهر فزينة خ ّ
فيها َ { :يزِيدُ في الخَ ْلقِ مَا َيشَاءُ } قال المفسّرون :هو الصّوت الحسن والصّورة الحسنة .والقلوب مطبوعة
على محبّته ،كما هي مفطورة على استحسانه .
ل من الجمال الظّاهر والجمال الباطن نعمة من اللّه تعالى توجب على العبد شكرا بالتّقوى
قال :وك ّ
والصّيانة ،وبهما يزداد جمالً على جماله .
وإن استعمل جماله في معاصي اللّه قلب اللّه محاسنه شينا وقبحا .وكان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يدعو
النّاس إلى جمال الباطن بجمال الظّاهر « ،قال جرير بن عبد اللّه البجليّ رضي ال عنه :قال لي رسول
ن خُلُ َقكَ » « .وكان النّبيّ صلى ال عليه وسلم
اللّه صلى ال عليه وسلم :أنت امرؤ حسّن اللّه خَلْقَك ،فحسّ ْ
أجمل الخلق وأحسنهم وجها » « .وقد سئل البراء بن عازب :أكان وجه النّبيّ صلى ال عليه وسلم مثل
السّيف ؟ فقال :ل ،بل مثل القمر » .وكان صلى ال عليه وسلم يستحبّ أن يكون الرّسول الّذي يرسل إليه
ن السم » وقد أمتع
حسن الوجه حسن السم ،فكان يقول « :إذا َأ ْب َر ْدتُم إليّ َبرِيدا فاجعلوه حسنَ الوجه حس َ
اللّه عباده المؤمنين في دار كرامته بحسن الصّور ،كما في الحديث « أوّل ُزمْرة تدخل الجنّ َة على صورةِ
ب إضاءةً ،قلوبُهم على قلبِ رجل واحد ،يسبّحون اللّه بُكرة
القمر ليل َة البدر ،والّذين على أثرهم كأشدّ كوك ٍ
وعشيّة .صورهم على صورة القمر ليلة البدر ».
القسم الثّاني :حكم التّصوير " صناعة الصّور "
أ -تحسين صورة الشّيء المصنوع :
- 13يستحسن للصّانع إذا صنع شيئا أن يحسّن صورة ذلك الشّيء ،إذ إنّ ذلك من إتقان العمل وإحسانه .
ل شَيءٍ خَلَقَه َو َبدَأَ
شهَاد ِة العَزيزُ الرّحيمُ الّذي َأحْسنَ ك ّ
وقد مدح اللّه تعالى نفسه بقوله { :ذَلكَ عَاِلمُ الغَيبِ وال ّ
ن صُ َورَكم وإليه ال َمصِيرُ }
حقّ وصَ ّورَكم َفَأحْسَ َ
سمَوَاتِ والرضَ بِال َ
ن طِينٍ } وقال { :خََلقَ ال ّ
نمْ
خَ ْلقَ النسا ِ
ل أحدُكم عملً أنْ يُتقنه » وقال « :إنّ اللّه َكتَبَ
عمِ َ
ب إذا َ
وفي الحديث عن النّبيّ أنّه قال « :إنّ اللّه ُيحِ ّ
ن على كلّ شيء ،فإذا قتلتم فأَحسِنُوا القِتلة ،وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة . . .الحديث » .
الحسا َ
ب -تصوير المصنوعات :
سيّارة والسّفينة والمسجد وغير ذلك
- 14ل بأس بتصوير الشياء الّتي يصنعها البشر ،كصورة المنزل وال ّ
اتّفاقا ،لنّ للنسان أن يصنعها ،فكذلك له أن يصوّرها .
ج -صناعة تصاوير الجمادات المخلوقة :
- 15ل بأس بتصوير الجمادات الّتي خلقها اللّه تعالى -على ما خلقها عليه -كتصوير الجبال والودية
والبحار ،وتصوير الشّمس والقمر والسّماء والنّجوم ،دون اختلف بين أحد من أهل العلم ،إلّا من شذّ .
غير أنّ ذلك ل يعني جواز صناعة شيء منها إذا علم أنّ الشّخص المصنوعة له يعبد تلك الصّورة من دون
ن ذلك ليس
اللّه ،وذلك كعبّاد الشّمس أو النّجوم .أشار إلى ذلك ابن عابدين .ويستدلّ لحكم هذه المسألة وأ ّ
بداخل في التّصوير المنهيّ عنه بما يأتي في المسألة التّالية وما بعدها .
ن من
وقد ن قل ابن ح جر في الفتح عن أبي محمّد الجوين يّ أنّه ن قل وجها بمنع تصوير الشّمس والقمر ،ل ّ
الكفّار من عبدهما من دون اللّه ،فيمتنع تصويرهما لذلك .
ووجّهه ابن حجر بعموم قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :الّذين يضاهون بخلق اللّه » وقوله في الحديث
القدسيّ « :ومن أظلم ممّن ذهب يخلُق خلقا كخلقي » فإنّه يتناول ما فيه روح وما ل روح فيه .غير أنّ هذا
مُؤوّل وخاصّ بما فيه روح كما يأتي .
د -تصوير النّباتات والشجار :
-جمهور الفقهاء على أنّه ل بأس شرعا بتصوير العشاب والشجار والثّمار وسائر المخلوقات النّباتيّة ، 16
وسواء أكانت مثمرة أم ل ،وأنّ ذلك ل يدخل فيما نهي عنه من التّصاوير .ولم ينقل في ذلك خلف ،إل ما
روي عن مجاهد أنّه رأى تحريم تصوير الشّجر المثمر دون الشّجر غير المثمر .قال عياض :هذا لم يقله
أحد غير مجاهد .
ن في
قال ابن حجر :وأظنّ مجاهدا سمع حديث أبي هريرة ،ففيه « :فَ ْل َيخْلقوا ذرّة ،وليخلقوا شعيرة » فإ ّ
ذكر ال ّذرّة إشارة إلى ما فيه روح ،وفي ذكر الشّعيرة إشارة إلى ما ينبت ممّا يؤكل ،وأمّا ما ل روح فيه
ول يثمر فلم تقع الشارة إليه .
وكراهة تصوير النّباتات والشجار وجه في مذهب أحمد ،والمذهب على خلفه .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :من صوّر صورة في الدّنيا كلّف أن ينفخ فيها
ج الجمهور بأ ّ
وقد احت ّ
الرّوح ،وليس بنافخ » فخصّ النّهي بذوات الرواح وليس الشّجر منها ،وبحديث ابن عبّاس رضي ال
عنهما أنّه نهى المصوّر عن التّصوير ،ثمّ قال له " :إن كنت فاعلً فصوّر الشّجر وما ل روح فيه "قال
ن صورة الحيوان لمّا أبيحت بعد قطع رأسها -لنّها ل تعيش بدونه -دلّ ذلك على إباحة
الطّحاويّ :ول ّ
تصوير ما ل روح فيه أصلً .
بل إنّ في بعض روايات حديث عائشة رضي ال عنها « أنّ جبريل عليه السلم قال للنّبيّ صلى ال عليه
ن الشّجرة في الصل ل يتعلّق
وسلم مر برأس التّمثال فليقطع حتّى يكون كهيئة الشّجرة » فهذا تنبيه على أ ّ
النّهي بتصويرها .
هذا ما يذكره الفقهاء في الستدلل على أنّه ل يحرم تصوير الشّجر والنّبات وما ل روح فيه
وفي مسند أحمد من حديث عليّ رضي ال عنه « أنّ جبريل قال للنّبيّ صلى ال عليه وسلم إنّها ثلث ،لن
يلج عليك مََلكٌ ما دام فيها واحد منها :كلب ،أو جنابة ،أو صورة روح » .
هف – تصوير صورة الحيوان أو النسان :
– 17هذا النّوع من التّصوير فيه اختلف بين الفقهاء وتفصيل يتبيّن فيما يلي ،وإلى هذا النّوع خاصّة
ينصرف قول من يطلق تحريم التّصوير ،دون غيره من النواع المتقدّم ذكرها.
التّصوير في الدّيانات السّابقة :
ن لَ ُه مَا َيشَاءُ مِنْ
- 18قال مجاهد قوله تعالى في حقّ سليمان عليه السلم وطاعة الجنّ له َ { :ي ْعمَلُو َ
َمحَارِيبَ َو َتمَاثِيلَ َوجِفَانٍ كَالجَوَابِ } قال :كانت صورا من نحاس .أخرجه الطّبريّ .وقال قتادة :كانت من
الزّجاج والخشب أخرجه عبد ال ّرزّاق .
قال ابن حجر :كان ذلك جائزا في شريعتهم ،وكانوا يعملون أشكال النبياء والصّالحين منهم على هيئتهم في
العبادة ليتعبّدوا كعبادتهم .وقال أبو العالية :لم يكن ذلك في شريعتهم حراما .وقال مثل ذلك الجصّاص .
ن أمّ حبيبة وأمّ سلمة رضي ال عنهما ذكرتا للنّبيّ صلى ال
قال ابن حجر :ولكن ثبت في الصّحيحين « أ ّ
عليه وسلم كنيسة رأينها بأرض الحبشة ،فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها ،فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم
أولئك قوم كانوا إذا مات فيهم الرّجل الصّالح بنوا على قبره مسجدا ،وصوّروا فيه تلك الصّور .أولئك
شرار الخلق عند اللّه » .
ن ذلك يشعر بأنّه لو كان جائزا في شريعتهم ما أطلق على الّذي فعله أنّه شرّ الخلق ،هكذا قال .لكنّ
قال :فإ ّ
الظهر أنّه ذمّهم لبناء المساجد على القبور ،ولجعلهم الصّور في المساجد ،ل لمطلق التّصوير ،ليوافق
الية ،واللّه أعلم .
تصوير صورة النسان والحيوان في الشّريعة السلميّة :
- 19اختلف العلماء في حكم تصوير ذوات الرواح من النسان أو الحيوان على ثلثة أقوال :
- 20القول الوّل :إنّ ذلك غير حرام .ول يحرم منه إل أن يصنع صنما يعبد من دون اللّه تعالى ،لقوله
ن اللّه
حتُونَ والّلهُ خَلَقَكم وما َت ْعمَلونَ } ولقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إ ّ
تعالى { :قال َأ َت ْعبُدونَ ما َت ْن ِ
ورسولَه حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام » .
ن َمحَارِيبَ
ق سليمان عليه السلم َ { :ي ْعمَلونَ له مَا َيشَا ُء مِ ْ
ج القائلون بالباحة بقوله تعالى في ح ّ
-واحت ّ
َو َتمَاثِيلَ َوجِفَانٍ كَا ْلجَوَابِ } .
قالوا :وشرع من قبلنا شرع لنا لقوله تعالى { :أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده } .
واستدلّوا بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم في حقّ المصوّرين « الّذين يضاهون بخلق اللّه » وفي بعض
الرّوايات « الّذين يشبّهون بخلق اللّه » وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم فيما يرويه عن ربّه تبارك وتعالى :
« ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقا كخلقي فليخلقوا حبّة ،أو ليخلقوا ذرّة » قالوا :ولو كان هذا على ظاهره
ن ذلك ل يحرم بالتّفاق ،فتعيّن حمله على
لقتضى تحريم تصوير الشّجر والجبال والشّمس والقمر ،مع أ ّ
من قصد أن يتحدّى صنعة الخالق عزّ وجلّ ويفتري عليه بأنّه يخلق مثل خلقه .
ن أشدّ النّاس عذابا عند اللّه يوم القيامة
- 21واستدلّوا بقوله صلى ال عليه وسلم في حقّ المصوّرين « إ ّ
ن أش ّد ما فيه
المصوّرون » قالوا :لو حمل على التّصوير المعتاد لكان ذلك مشكلً على قواعد الشّريعة .فإ ّ
أن يكون معصية كسائر المعاصي ليس أعظم من الشّرك وقتل النّفس والزّنا ،فكيف يكون فاعله أشدّ النّاس
عذابا ،فتعيّن حمله على من صنع التّماثيل لتعبد من دون اللّه .
-واحتجّوا أيضا بما يأتي من استعمال الصّور في بيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم وبيوت أصحابه ،ومن
جملة ذلك تعاملهم بالدّنانير الرّوميّة والدّراهم الفارسيّة دون نكير ،وبالحوال الفرديّة للستعمال الواقع منهم
ممّا يرد ذكره في تضاعيف هذا البحث ،دون تأويل .وقد نقل اللوسيّ هذا القول في تفسيره عند تفسير
الية " " 13من سورة سبأ ،حيث ذكر أنّ ال ّنحّاس وم ّكيّ بن أبي طالب وابن الفرس نقلوه عن قوم ولم يعيّنهم
.
ن هذا القول يغفل ذكره الفقهاء في كتبهم المطوّلة والمختصرة ،ويقتصرون في ذكر الخلف
من أجل ذلك فإ ّ
على القوال التية :
- 22القول الثّاني :وهو مذهب المالكيّة وبعض السّلف ،ووافقهم ابن حمدان من الحنابلة ،أنّه ل يحرم
من التّصاوير إل ما جمع الشّروط التية :
ل ،أي تكون تمثالً مجسّدا ،فإن كانت
الشّرط الوّل :أن تكون صورة النسان أو الحيوان ممّا له ظ ّ
مسطّحة لم يحرم عملها ،وذلك كالمنقوش في جدار ،أو ورق ،أو قماش .
ن تصوير ما له ظلّ حرام .
بل يكون مكروها .ومن هنا نقل ابن العربيّ الجماع على أ ّ
الشّرط الثّاني :أن تكون كاملة العضاء ،فإن كانت ناقصة عضو ممّا ل يعيش الحيوان مع فقده لم يحرم ،
كما لو صوّر الحيوان مقطوع الرّأس أو مخروق البطن أو الصّدر .
الشّرط الثّالث :أن يصنع الصّورة ممّا يدوم من الحديد أو النّحاس أو الحجارة أو الخشب أو نحو ذلك ،فإن
ن في هذا النّوع عندهم
صنعها ممّا ل يدوم كقشر بطّيخ أو عجين لم يحرم ،لنّه إذا نشف تقطّع .على أ ّ
خلفا ،فقد قال الكثر منهم :يحرم ولو كان ممّا ل يدوم .ونقل قصر التّحريم على ذوات الظّلّ عن بعض
ي.
السّلف أيضا كما ذكره النّوو ّ
وقال ا بن حمدان من الحنابلة :المراد بال صّورة أي :المحرّ مة ما كان ل ها ج سم م صنوع له طول وعرض
وعمق .
- 23القول الثّالث :أنّه يحرم تصوير ذوات الرواح مطلقا ،أي سواء أكان للصّورة ظلّ أو لم يكن .
وهو مذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة .
وتشدّد النّوويّ حتّى ادّعى الجماع عليه .وفي دعوى الجماع نظر يعلم ممّا يأتي .
ن المالكيّة
وقد شكّك في صحّة الجماع ابن نجيم كما في الطّحطاويّ على الدّرّ ،وهو ظاهر ،لما تقدّم من أ ّ
ل يرون تحريم الصّور المسطّحة .ل يختلف المذهب عندهم في ذلك .
وهذا التّحريم عند الجمهور هو من حيث الجملة .
ويستثنى عندهم بعض الحالت المتّفق عليها أو المختلف فيها ممّا سيذكر فيما بعد .
-والتّصوير المحرّم صرّح الحنابلة بأنّه من الكبائر .قالوا :لما في الحديث من التّوعّد عليه بقول النّبيّ
صلى ال عليه وسلم « إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون » .أدلّة القولين الثّاني والثّالث
بتحريم التّصوير من حيث الجملة :
- 24استند العلماء في تحريم التّصوير من حيث الجملة إلى الحاديث التّالية :
الحديث الوّل :عن عائشة رضي ال عنها قالت « :قدم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم من سفر ،وقد
سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل ،فلمّا رآه رسول اللّه صلى ال عليه وسلم هتكه ،وتلوّن وجهه .فقال :يا
عائشة :أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة الّذين يضاهون بخلق اللّه .قالت عائشة :فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو
ن من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة الّذين يشبّهون بخلق اللّه » .وفي
وسادتين » .وفي رواية أنّه قال « :إ ّ
رواية أخرى قال « :إنّ أصحاب هذه الصّور يعذّبون يوم القيامة ،ويقال لهم :أحيوا ما خلقتم » .وفي
رواية « :إنّها قالت :فأخذت السّتر فجعلته مرفقة أو مرفقتين ،فكان يرتفق بهما في البيت » .وهذه
الرّوايات متّفق عليها .
ن قوله صلى ال عليه وسلم « :إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون » رواه الشّيخان أيضا
هذا وإ ّ
مرفوعا من حديث ابن مسعود رضي ال عنه .
وقوله « :إنّ أصحاب هذه الصّور يعذّبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم » روياه أيضا من حديث عبد
اللّه بن عمر رضي ال عنهما .
الحديث الثّاني :عن عائشة رضي ال عنها قالت « :واعد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم جبريل أن
يأتيه في ساعة ،فجاءت تلك السّاعة ولم يأته .قالت :وكان بيده عصا فطرحها ،وهو يقول :ما يخلف اللّه
وعده ول رسله .ثمّ التفت ،فإذا جرو كلب تحت سرير ،فقال :متى دخل هذا الكلب ؟ فقلت :واللّه ما
دريت به .فأمر به فأخرج ،فجاءه جبريل ،فقال له رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :وعدتني فجلست لك
ولم تأتني ؟ فقال :منعني الكلب الّذي كان في بيتك .إنّا ل ندخل بيتا فيه كلب ول صورة » .
وروت ميمونة رضي ال عنها حادثة مثل هذه ،وفيها قول جبريل « :إنّا ل ندخل بيتا فيه كلب ول صورة
» .وروى عليّ بن أبي طالب رضي ال عنه أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أخبره بحادثة جبريل ،وما قال
له .وروى القصّة أيضا أبو هريرة رضي ال عنه .الحديث الثّالث :عن أبي هريرة رضي ال عنه «
أنّه دخل دارا تبنى بالمدينة لسعيد ،أو لمروان ،فرأى مصوّرا يصوّر في الدّار ،فقال سمعت رسول اللّه
صلى ال عليه وسلم يقول :قال اللّه تعالى :ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقا كخلقي ،فليخلقوا ذرّة ،أو
ليخلقوا حبّة ،أو ليخلقوا شعيرة » .
الحديث الرّابع :عن ابن عبّاس رضي ال عنهما أنّه جاءه رجل فقال :إنّي رجل أصوّر هذه الصّور
فأفتني فيها .فقال :ادن منّي ،فدنا منه ،ثمّ قال :ادن منّي ،فدنا منه ،حتّى وضع يده على رأسه ،وقال :
أنبّئك بما سمعت من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم .سمعت رسول اللّه صلى ال عليه وسلم يقول « :كلّ
ل صورة صوّرها نفسا ،فيعذّبه في جهنّم » ثمّ قال :إن كنت ل بدّ فاعلً
مصوّر في النّار ،يجعل له بك ّ
فاصنع الشّجر وما ل نفس له .
الحديث الخامس :عن أبي الهيّاج السديّ أ ّ
ن عليّا رضي ال عنه قال له « :أل أبعثك على ما بعثني عليه
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :أل تدع صورة إل طمستها ،ول قبرا مشرفا إل سوّيته » .
تعليل تحريم التّصوير :
- 25اختلف العلماء في علّة تحريم التّصوير على وجوه :
الوجه الوّل :أنّ العلّة هي ما في التّصوير من مضاهاة خلق اللّه تعالى وأصل التّعليل بذلك وارد في
الحاديث المتقدّمة ،كلفظ حديث عائشة رضي ال عنها « :الّذين يضاهون بخلق اللّه » وحديث أبي هريرة
رضي ال عنه « :ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقا كخلقي » ويشهد لذلك حديث « :من صوّر صورة كلّف
أن ينفخ فيها الرّوح »
وحديث « :أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون .يقال لهم :أحيوا ما خلقتم » .
وممّا يكدّر على التّعليل بهذا أمران :
ن التّعليل بهذا يقتضي منع تحريم تصوير الشّمس والقمر والجبال والشّجر وغير ذلك من غير ذوات
الوّل :أ ّ
الرواح .
ن التّعليل بذلك يقتضي أيضا منع تصوير لعب البنات والعضو المقطوع ،وغير ذلك ممّا استثناه
والثّاني :أ ّ
العلماء من قضيّة التّحريم
ن المقصود بالتّعليل بهذه العلّة من صنع الصّورة متحدّيا قدرة
-من أجل ذلك ذهب بعض العلماء إلى أ ّ
الخالق عزّ وجلّ ،ورأى أنّه قادر أن يخلق كخلقه ،فيريه اللّه تعالى عجزه يوم القيامة ،بأن يكلّفه أن ينفخ
الرّوح في تلك الصّور .
قال النّوويّ :أمّا رواية « أشدّ النّاس عذابا » فهي محمولة على من فعل الصّورة لتعبد ،وقيل :هي فيمن
قصد المعنى الّذي في الحديث من مضاهاة خلق اللّه ،واعتقد ذلك ،فهذا كافر له من أشدّ العذاب ما للكفّار ،
ن اللّه تعالى قال شبيها بذلك في حقّ من ادّعى أنّه ينزّل
ويزيد عذابه بزيادة كفره " .ويتأيّد التّعليل بهذا بأ ّ
حيَ
ن ا ْفتَرَى عَلَى اللّ ِه َك ِذبَا أو قَالَ أُو ِ
ن َأظْلَمُ ِممّ ْ
مثل ما أنزل اللّه ،وأنّه ل أحد أظلم منه ،فقال تعالى َ { :ومَ ْ
سُأ ْنزِلُ مِثلَ مَا َأ ْنزَلَ الّلهُ } فهذا فيمن ادّعى مساواة الخالق في أمره ووحيه ،
ح إلي ِه شَيءٌ َو َمنْ قَالَ َ
إليّ ول ْم يُو َ
والوّل فيمن ادّعى مساواته في خلقه ،وكلهما من أشدّ النّاس عذابا .
وممّا يحقّق هذا ما توحي به رواية أبي هريرة رضي ال عنه أنّ اللّه تعالى يقول في الحديث القدسيّ « :
ن " ذهب " بمعنى قصد ،بذلك فسّرها ابن حجر .وبذلك يكون
ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقا كخلقي » فإ ّ
معناها أنّه أظلم النّاس بهذا القصد ،وهو أن يقصد أن يخلق كخلق اللّه تعالى .ونقل الجصّاص قولً أنّ المراد
بهذه الحاديث " من شبّه اللّه بخلقه".
- 26الوجه الثّاني :كون التّصوير وسيلة إلى الغل ّو في غير اللّه تعالى بتعظيمه حتّى يئول المر إلى
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم بعث والنّاس
الضّلل والفتنان بالصّور ،فتعبد من دون اللّه تعالى .وذلك أ ّ
ينصبون تماثيل يعبدونها ،يزعمون أنّها تقرّبهم إلى اللّه زلفى ،فجاء السلم محطّما للشّرك والوثنيّة ،معلنا
ن شعاره الكبر " ل إله إل اللّه " ومسفّها لعقول هؤلء .ومن المناهج الّتي سلكتها الشّريعة الحكيمة لذلك -
أّ
بالضافة إلى الحجّة والبيان والسّيف والسّنان -أن جاءت إلى ما من شأنه أن يكون وسيلة إلى الضّلل ول
منفعة ،أو منفعته أقلّ ،فمنعت إتيانه ،قال ابن العربيّ :والّذي أوجب النّهي عن التّصوير في شرعنا -
واللّه أعلم -ما كانت العرب عليه من عبادة الوثان والصنام ،فكانوا يصوّرون ويعبدون ،فقطع اللّه
الذّريعة ،وحمى الباب .
ن التّعليل بالمضاهاة وهو منصوص ،ل يمنع من التّعليل بهذه العلّة المستنبطة ،قال :
ثمّ أشار ابن العربيّ أ ّ
نهى عن الصّورة ،وذكر علّة التّشبّه بخلق اللّه ،وفيها زيادة على هذا عبادتها من دون اللّه ،فنبّه على أنّ
عملها معصية ،فما ظنّك بعبادتها .
واستند القائلون بهذا الوجه في التّعليل إلى ما في صحيح البخاريّ في تفسير سورة نوح ،معلّقا .عن عطاء
عن ابن عبّاس في :ودّ ،وسواع ،ويغوث ،ويعوق ،ونسر .قال " :هذه أسماء رجال صالحين من قوم
نوح ،فلمّا هلكوا أوحى الشّيطان إلى قومهم :أن انصبوا إلى مجالسهم الّتي كانوا يجلسون إليها أنصابا ،
وسمّوها بأسمائهم ،ففعلوا ،فلم تعبد ،حتّى إذا هلك أولئك ،وتنسخ العلم ،عبدت ".
لكن إلى أيّ مدى أرادت الشّريعة المنع من التّصوير لتكفل سدّ الذّريعة :هل إلى منع التّصوير مطلقا ،أو
منع الصّور المنصوبة دون غير المنصوبة ،أو منع الصّور المجسّمة الّتي لها ظلّ ،لنّها الّتي كانت تعبد ؟
هذا موضع الخلف بين العلماء .
ي صلى ال عليه وسلم شدّد أ ّولً وأمر بكسر الوثان ولطّخ
ن النّب ّ
وبناء على هذا الوجه رأى بعض العلماء أ ّ
الصّور ،ثمّ لمّا عرف ذلك المر واشتهر رخّص في الصّور المسطّحة وقال « :إل رقما في ثوب » .
- 27الوجه الثّالث :أنّ العلّة مجرّد الشّبه بفعل المشركين الّذين كانوا ينحتون الصنام ويعبدونها ،ولو لم
يقصد المصوّر ذلك ،ولو لم تعبد الصّورة الّتي يصنعها ،لكنّ الحال شبيهة بالحال .كما نهينا عن الصّلة
ي صلى ال عليه
عند طلوع الشّمس وعند غروبها ،لئل نكون في ذلك مثل من يسجد لها حينئذ .كما قال النّب ّ
وسلم « :فإنّه يسجد لها حينئذ الكفّار » فكرهت الصّلة حينئذ لما تجرّه المشابهة من الموافقة .
أشار إلى هذا المعنى ابن تيميّة .ونبّه عليه ابن حجر حيث قال :إنّ صورة الصنام هي الصل في منع
التّصوير لكن إذا قيل بهذه العلّة فهي ل تقتضي أكثر من الكراهة .
- 28الوجه الرّابع :أنّ وجود الصّورة في مكان يمنع دخول الملئكة إليه .
وقد ورد الّنصّ على ذلك في حديث عائشة وحديث عليّ .
ن تنصيص الحديث على أنّ الملئكة
وردّ التّعليل بهذا كثير من العلماء ،منهم الحنابلة ،كما يأتي ،وقالوا :إ ّ
ل تدخل بيتا فيه صورة ل يقتضي منع التّصوير ،كالجنابة ،فإنّها تمنع دخول الملئكة أيضا لما في بعض
الرّوايات « ل تدخل الملئكة بيتا فيه صورة ول كلب ول جنب » فل يلزم من ذلك منع الجنابة .
ولع ّل امتناع دخول الملئكة إنّما هو لكون الصّورة محرّمة ،كما يحرم على المسلم أن يجلس على مائدة يدار
عليها الخمر .فامتناع دخولهم أثر التّحريم ،وليس علّة .واللّه أعلم.
تفصيل القول في صناعة الصّور :
أوّلً :الصّور المجسّمة " ذوات الظّلّ "
- 29صنعة الصّور المجسّمة محرّمة عند جمهور العلماء أخذا بالدلّة السّابقة .
ويستثنى منها ما كان مصنوعا كلعبة للصّغار ،أو كان ممتهنا ،أو كان مقطوعا منه عضو ل يعيش بدونه ،
أو كان ممّا ل يدوم كصور الحلوى أو العجين ،على خلف وتفصيل يتبيّن في المباحث التّالية .
ثانيا :صناعة الصّور المسطّحة :
القول الوّل في صناعة الصّور المسطّحة
- 30مذهب المالكيّة ومن ذكر معهم جواز صناعة الصّور المسطّحة مطلقا ،مع الكراهة .لكن إن كانت
فيما يمتهن فل كراهة بل خلف الولى .
وتزول الكراهة إذا كانت الصّور مقطوعة عضو ل تبقى الحياة مع فقده .
- 31ومن الحجّة لهذا المذهب ما يلي :
- 1 -حديث أبي طلحة وعنه زيد بن خالد الجهنيّ ،ورواه سهل بن حنيف الصّحابيّ رضي ال عنهم ،أنّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :ل تدخل الملئكة بيتا فيه صورة ،إل رقما في ثوب » فهذا الحديث
مقيّد ،فيحمل عليه كلّ ما ورد من النّهي عن التّصاوير ولعن المصوّرين .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :يقول اللّه تعالى :في الحديث القدسيّ
- 2 -حديث أبي هريرة مرفوعا أ ّ
« ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقا كخلقي ،فليخلقوا ذرّة ،أو ليخلقوا حبّة » ووجه الحتجاج به :أنّ اللّه
تعالى لم يخلق هذه الحياء سطوحا ،بل اخترعها مجسّمة .
- 3 -استعمال الصّور في بيت النّبيّ صلى ال عليه وسلم كما تقدّم أنّها جعلت السّتر مرفقتين ،فكان يرتفق
ن فيهما الصّور " .
بهما ،وفي بعض الرّوايات " وإ ّ
وفي بعض روايات الحديث قالت « :كان لنا ستر فيه تمثال طائر ،وكان الدّاخل إذا دخل استقبله ،فقال لي
النّبيّ صلى ال عليه وسلم :حوّلي هذا ،فإنّي كلّما دخلت فرأيته ،ذكرت الدّنيا » فعلّل بذلك ،وكان صلى
ال عليه وسلم حريصا على أل يشغله أمر الدّنيا وزهرتها عن الدّعوة إلى اللّه والتّفرّغ لعبادته .وذلك ل
يقتضي التّحريم على أمّته .وفي رواية أنس رضي ال عنه أنّه قال لها « :أميطي عنّا قرامك هذا ،فإنّ
تصاويره ل تزال تعرض لي في صلتي » وعلّل في رواية ثالثة بغير هذا عندما هتك السّتر فقال « يا
عائشة ل تستري الجدار » وقال « إنّ اللّه لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطّين » .
ي صلى ال عليه وسلم « أنّ عليّ بن أبي
ويوضّح هذا المعنى جليّا حديث سفينة رضي ال عنه مولى النّب ّ
طالب رضي ال عنه دعا النّبيّ صلى ال عليه وسلم إلى بيته ،فجاء فوضع يده فرجع ،فقالت فاطمة لعليّ :
الحقه فانظر ما رجعه .فتبعه ،فقال :يا رسول اللّه ما ردّك ؟ قال :إنّه ليس لي -أو قال :لنبيّ -أن
يدخل بيتا مزوّقا » .
ورواه عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما عند البخاريّ وأبي داود وفي روايته « :فرأى سترا موشيّا ،وفيها
أنّه صلى ال عليه وسلم قال ما لنا وللدّنيا ،ما لنا وللرّقم فقالت فاطمة فما تأمرنا فيه ؟ قال :ترسلين به إلى
أهل حاجة » .
وفي رواية النّسائيّ أنّه كان في السّتر تصاوير .
- 4 -استعمال النّبيّ صلى ال عليه وسلم وأصحابه الدّنانير الرّوميّة والدّراهم الفارسيّة وعليها صور
ملوكهم ولم يكن عندهم نقود غيرها إلّا الفلوس .
وقد ضرب عمر بن الخطّاب رضي ال عنه -على ما تذكره الكتب المؤلّفة في تاريخ النّقود -الدّراهم على
سكّة الفارسيّة ،فكان فيها الصّور ،وضرب الدّنانير معاوية رضي ال عنه وعليها الصّور بعد أن محا منها
ال ّ
الصّليب ،وضربها عبد الملك وعليها صورته متقلّدا سيفا ،ثمّ ضربها عبد الملك والوليد خالية من الصّور .
-ما نقل عن بعض ال صّحابة والتّابعين من استعمال ال صّور في ال سّتور وغيرها من المسطّحات .من 5 -
ذلك استعمال زيد بن خالد الجهن يّ رضي ال عنه لل سّتور ذات ال صّور ،وحديثه في ال صّحيحين .واستعمله
أ بو طل حة ر ضي ال ع نه وأقرّه سهل بن حن يف ر ضي ال ع نه ،وحديثه ما في الموطّأ وع ند التّرمذ يّ
والنّسائيّ .
واعتمدوا على ما رووه عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم من قوله « إل رقما في ثوب » .
ن عروة كان يتّكئ على المرافق " الوسائد " الّتي فيها تصاوير
وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة بن الزّبير أ ّ
الطّير والرّجال .وروى الطّحاويّ بأسانيده أنّ نقش خاتم عمران بن حصين الصّحابيّ رضي ال عنه كان
رجلً متقلّدا سيفا .وأنّ نقش خاتم النّعمان بن مقرّن رضي ال عنه قائد فتح فارس ،كان إيل قابضا إحدى
يديه باسطا الخرى ،وعن القاسم قال كان نقش خاتم عبد اللّه ذبّابان ،وكان نقش خاتم حذيفة بن اليمان
رضي ال عنه كركيّان ،وروي أنّ نقش خاتم أبي هريرة رضي ال عنه ذبابتان .
صدّيق رضي ال عنهم
ونقل ابن أبي شيبة بسنده عن ابن عون أنّه دخل على القاسم بن محمّد بن أبي بكر ال ّ
وهو بأعلى مكّة ببيته ،قال :فرأيت في بيته حجلة فيها تصاوير القندس والعنقاء .قال ابن حجر :والقاسم
بن محمّد أحد فقهاء المدينة ،وهو راوي حديث عائشة ،وكان من أفضل أهل زمانه .
وروى أحمد بسنده عن المسور بن مخرمة رضي ال عنه قال :دخلت على ابن عبّاس رضي ال عنهما
أعوده من وجع كان به .قلت :فما هذه التّصاوير في الكانون ؟ قال :أل ترى قد أحرقناها بالنّار .فلمّا
خرج المسور قال :اقطعوا رءوس هذه التّماثيل .قالوا :يا أبا العبّاس لو ذهبت بها إلى السّوق كان أنفق لها
قال :ل .فأمر بقطع رءوسها .
القول الثّاني في صناعة الصّور غير ذوات الظّلّ " أي المسطّحة " :
- 32إنّها محرّمة كصناعة ذوات الظّلّ .وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،ونقل
عن كثير من السّلف .واستثنى بعض أصحاب هذا القول الصّور المقطوعة والصّور الممتهنة وأشياء أخرى
كما سيأتي في بقيّة هذا البحث .
واحتجّوا للتّحريم بإطلق الحاديث الواردة في لعن النّبيّ صلى ال عليه وسلم للمصوّرين ،وأنّ المصوّر
ل صورة صوّرها .خرج من ذلك صور الشجار ونحوها ممّا
يعذّب يوم القيامة بأن يكلّف بنفخ الرّوح في ك ّ
ل روح فيه بالدلّة السّابق ذكرها ،فيبقى ما عداها على التّحريم .قالوا :وأمّا الحتجاج لباحة صنع الصّور
المسطّحة باستعمال النّبيّ صلى ال عليه وسلم الوسادتين اللّتين فيهما الصّور ،واستعمال الصّحابة والتّابعين
ن النّصّ ورد بتحريم التّصوير ولعن
لذلك ،فإنّ الستعمال للصّورة حيث جاز ل يعني جواز تصويرها ،ل ّ
المصوّر ،وهو شيء آخر غير استعمال ما فيه الصّورة .وقد علّل في بعض الرّوايات بمضاهاة خلق اللّه
والتّشبيه به ،وذلك إثم غير متحقّق في الستعمال .
ثالثا :الصّور المقطوعة والصّور النّصفيّة ونحوها :
- 33تقدّم أنّ المالكيّة ل يرون تحريم تصوير النسان أو الحيوان -سواء أكانت الصّورة تمثال مجسّما أو
صورة مسطّحة إن كانت ناقصة عضو من العضاء الظّاهرة ممّا ل يعيش الحيوان بدونه .كما لو كان
مقطوع الرّأس ،أو كان مخروق البطن أو الصّدر .
وكذلك يقول الحنابلة ،كما جاء في المغني" إذا كان في ابتداء التّصويرة صورة بدن بل رأس أو رأس بل
بدن ،أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان ،لم يدخل في النّهي " .وفي الفروع :إن أزيل من
الصّور ما ل تبقى الحياة معه لم يكره ،في المنصوص .ومثله صورة شجرة ونحوه وتمثال ،وكذا تصويره
.
وهذا مذهب الشّافعيّة أيضا ،ولم ينقل بينهم في ذلك خلف إل ما شذّ به المتولّي ،غير أنّهم اختلفوا فيما إذا
كان المقطوع غير الرّأس وقد بقي الرّأس .والرّاجح عندهم في هذه الحالة التّحريم ،جاء في أسنى المطالب
وحاشيته للرّمليّ :وكذا إن قطع رأس الصّورة .
قال الكوهكيوني :وكذا حكم ما صوّر بل رأس ،وأمّا الرّءوس بل أبدان فهل تحرم ؟ فيه تردّد .والحرمة
أرجح .قال الرّمليّ :وهما وجهان في الحاوي وبناهما على أنّه هل يجوز تصوير حيوان ل نظير له :إن
جوّزناه جاز ذلك ،وإل فل ،وهو الصّحيح .
ويشملهما قوله :ويحرم تصوير حيوان .
وظاهر ما في تحفة المحتاج جوازه ،فإنّه قال :وكفقد الرّأس فقد ما ل حياة بدونه .
رابعا :صنع الصّور الخياليّة
ص الشّافعيّة على أنّ الصّور الخياليّة للنسان أو الحيوان داخلة في التّحريم .
- 34ين ّ
قالوا :يحرم ،كإنسان له جناح ،أو بقر له منقار ،ممّا ليس له نظير في المخلوقات .وكلم صاحب روض
الطّالب يوحي بوجود قول بالجواز .
وواضح أنّ هذا في غير اللّعب الّتي للطفال ،وقد ورد في حديث عائشة رضي ال عنها « :أنّه كان في
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ضحك لمّا رآها حتّى بدت نواجذه » .
لعبها فرس له جناحان ،وأ ّ
خامسا :صنع الصّور الممتهنة
- 35يأتي أنّ أغلب العلماء على جواز اقتناء واستعمال الصّور المجسّمة والمسطّحة .سواء أكانت مقطوعة
أم كاملة ،إذا كانت ممتهنة ،كالّتي على أرض أو بساط أو فراش أو وسادة أو نحو ذلك .وبناء على هذا ،
ل له .
ذهب بعض العلماء إلى جواز صنع ما يستعمل على ذلك الوجه ،كنسج الحرير لمن يح ّ
وهو في الجملة مذهب المالكيّة ،إل أنّه عندهم خلف الولى .
وعند الشّافعيّة وجهان :أصحّهما التّحريم .وهو مذهب الحنفيّة كما صرّح به ابن عابدين .ونقل ابن حجر
عن المتولّي من الشّافعيّة أنّه أجاز التّصوير على الرض .
ولم نجد للحنابلة تصريحا في هذه المسألة فالظّاهر أنّه عندهم مندرج في تحريم التّصوير .وسيأتي تفصيل
القول في معنى المتهان .
سادسا :صناعة الصّور من الطّين والحلوى وما يسرع إليه الفساد
- 36للمالكيّة قولن في صناعة الصّور الّتي ل تتّخذ للبقاء ،كالّتي تعمل من العجين وأشهر القولين المنع
.وكذا نقلهما العدويّ وقال :إنّ القول بالجواز هو لصبغ .ومثّل له بما يصنع من عجين أو قشر بطّيخ ،
لنّه إذا نشف تقطّع .
وعند الشّافعيّة :يحرم صنعها ول يحرم بيعها .ولم نجد عند غيرهم نصّا في ذلك .
سابعا :صناعة لعب البنات
- 37استثنى أكثر العلماء من تحريم التّصوير وصناعة التّماثيل صناعة لعب البنات .
وهو مذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .وقد نقل القاضي عياض جوازه عن أكثر العلماء ،وتابعه النّوويّ
في شرح مسلم ،فقال ":يستثنى من منع تصوير ما له ظلّ ،ومن اتّخاذه لعب البنات ،لما ورد من الرّخصة
في ذلك ".
وهذا يعني جوازها ،سواء أكانت اللّعب على هيئة تمثال إنسان أو حيوان ،مجسّمة أو غير مجسّمة ،وسواء
أكان له نظير في الحيوانات أم ل ،كفرس له جناحان .
وقد اشترط الحنابلة للجواز أن تكون مقطوعة الرّءوس ،أو ناقصة عضو ل تبقى الحياة بدونه .وسائر
العلماء على عدم اشتراط ذلك .
- 38واستدلّ الجمهور لهذا الستثناء بحديث عائشة رضي ال عنها قالت « :كنت ألعب بالبنات عند النّبيّ
صلى ال عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي ،فكان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا دخل يتقمّعن
ن إليّ ،فيلعبن معي » .
منه ،فيسرّبه ّ
وفي رواية قالت « :قدم رسول اللّه صلى ال عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر ،وفي سهوتها ستر ،
فهبّت ريح ،فكشفت ناحية السّتر عن بنات لعائشة لعب ،فقال :ما هذا يا عائشة ؟ قالت :بناتي .ورأى
ن ؟ قالت :فرس .قال :وما هذا الّذي
بينهنّ فرسا لها جناحان من رقاع ،فقال :ما هذا الّذي أرى وسطه ّ
ن لسليمان خيلً لها أجنحة ؟ قالت :
عليه ؟ قالت :جناحان .فقال :فرس له جناحان ؟ قالت :أما سمعت أ ّ
فضحك رسول اللّه صلى ال عليه وسلم حتّى رأيت نواجذه » .وقد علّل المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة هذا
ن على أمر تربية الولد .
الستثناء لصناعة اللّعب بالحاجة إلى تدريبه ّ
وهذا التّعليل يظهر فيما لو كانت اللّعب على هيئة إنسان ،ول يظهر في أمر الفرس الّذي له جناحان ،ولذا
ص كلمه ،قال :للصّبايا في ذلك فائدتان :إحداهما عاجلة والخرى
ي بذلك وبغيره ،وهذا ن ّ
علّل الحليم ّ
ن الصّبيّ إن كان أنعم حالً
آجلة .فأمّا العاجلة ،فالستئناس الّذي في الصّبيان من معادن النّشوء والنّموّ .فإ ّ
ن السّرور يبسط القلب ،وفي انبساطه انبساط
وأطيب نفسا وأشرح صدرا كان أقوى وأحسن نموّا ،وذلك ل ّ
ن سيعلمن من ذلك معالجة
الرّوح ،وانتشاره في البدن ،وقوّة أثره في العضاء والجوارح .وأمّا الجلة فإنّه ّ
ن تسرّين به من
الصّبيان وحبّهم والشّفقة عليهم ،ويلزم ذلك طبائعهنّ ،حتّى إذا كبرن وعاين لنفسهنّ ما ك ّ
ن لتلك الشباه بالباطل .هذا وقد نقل ابن حجر في الفتح عن البعض دعوى أنّ
ن لهم بالحقّ كما ك ّ
الولد ك ّ
ن دعوى النّسخ
ن جوازها كان أ ّولً ،ثمّ نسخ بعموم النّهي عن التّصوير .ويردّه أ ّ
صناعة اللّعب محرّمة ،وأ ّ
معارضة بمثلها ،وأنّه قد يكون الذن باللّعب لحقا .على أنّ في حديث عائشة رضي ال عنها في اللّعب ما
يدلّ على تأخّره ،فإنّ فيه أنّ ذلك كان عند رجوع النّبيّ صلى ال عليه وسلم من غزوة تبوك ،فالظّاهر أنّه
كان متأخّرا .
ثامنا :التّصوير للمصلحة كالتّعليم وغيره :
- 39لم نجد أحدا من الفقهاء تعرّض لشيء من هذا ،عدا ما ذكروه في لعب الطفال :
ن العلّة في استثنائها من التّحريم العا ّم هو تدريب البنات على تربية الطفال كما قال جمهور الفقهاء ،أو
أّ
ن صناعة الصّور
التّدريب واستئناس الطفال وزيادة فرحهم لمصلحة تحسين النّموّ كما قال الحليميّ ،وأ ّ
أبيحت لهذه المصلحة ،مع قيام سبب التّحريم ،وهي كونها تماثيل لذوات الرواح .والتّصوير بقصد التّعليم
والتّدريب نحوهما ل يخرج عن ذلك .
القسم الثّالث :
اقتناء الصّور واستعمالها :
- 40يذهب جمهور العلماء إلى أنّه ل يلزم من تحريم تصوير الصّورة تحريم اقتنائها أو تحريم استعمالها ،
فإنّ عمليّة التّصوير لذوات الرواح ورد فيها النّصوص المشدّدة السّابق ذكرها ،وفيها لعن المصوّر ،وأنّه
يعذّب في النّار ،وأنّه أشدّ النّاس أو من أشدّ النّاس عذابا .ولم يرد شيء من ذلك في اقتناء الصّور ،ولم
تتحقّق في مستعملها علّة تحريم التّصوير من المضاهاة لخلق اللّه تعالى .
ن الحاديث الواردة في ذلك ليس فيها
ومع ذلك فقد ورد ما يدلّ على منع اقتناء الصّورة أو استعمالها ،إل أ ّ
ي قرينة تدلّ على أنّ اقتناءها من الكبائر .وبهذا يكون حكم مقتني الصّورة الّتي يحرم
ذكر عذاب أو أ ّ
اقتناؤها :أنّه قد فعل صغيرة من الصّغائر ،إل على القول بأنّ الصرار على الصّغيرة كبيرة ،فيكون كبيرة
إن تحقّق الصرار ل إن لم يتحقّق ،أو لم نقل بأنّ الصرار على الصّغيرة من الكبائر .
وقد نبّه إلى الفرق بين التّصوير وبين اقتناء الصّور في الحكم النّوويّ في شرحه لحديث الصّور في صحيح
مسلم ،ونبّه إليه الشبراملسي من الشّافعيّة أيضا ،وعليه يجري كلم أكثر الفقهاء .والحاديث الدّالّة على
منع اقتناء الصّور منها :
« - 1 -أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم هتك السّتر الّذي فيه الصّورة » وفي رواية قال لعائشة « :أخّريه
عنّي » .وتقدّم .
ن البيت الّذي فيه الصّور ل تدخله الملئكة » .
- 2 -ومنها أنّه قال « :إ ّ
ي صلى ال عليه وسلم أرسله إلى المدينة
ن النّب ّ
ي بن أبي طالب رضي ال عنه « أ ّ
- 3 -ومنها حديث عل ّ
وقال :ل تدع صورة إل طمستها » وفي رواية " « :إل لطّختها " ول قبرا مشرفا إل سوّيته » وفي رواية :
« ول صنما إل كسرته » .
- 41وفي مقابل ذلك نقل استعمال النّبيّ صلى ال عليه وسلم وأصحابه والتّابعين لنواع من الصّور لذوات
الرّوح .وقد تقدّم ذكر الرّوايات المبيّنة لذلك فيما تقدّم ( ف ) 31/ونزيد هنا ما روي أنّ خاتم دانيال النّبيّ -
عليه السلم -كان عليه أسد ولبؤة وبينهما صبيّ يلمسانه .وذلك أنّ بختنصّر قيل له :يولد مولود يكون
هلكك على يده ،فجعل يقتل كلّ مولود يولد .فلمّا ولدت أمّ دانيال ألقته في غيضة رجاء أن يسلم .فقيّض
اللّه له أسدا يحفظه ولبؤة ترضعه .فنقشه على خاتمه ليكون بمرأى منه ليتذكّر نعمة اللّه .
ووجدت جثّة دانيال والخاتم في عهد عمر رضي ال عنه فدفع الخاتم إلى أبي موسى الشعريّ .فهذا فعل
صحابيّين .وسيأتي بيان أقوال الفقهاء فيما يجوز استعماله من الصّور وما ل يجوز ،وتوفيقهم بين هذه
الحاديث المتعارضة .
البيت الّذي فيه الصّور ل تدخله الملئكة :
- 42ثبت هذا بهذا اللّفظ من قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم في الصّحيحين وغيرهما من رواية عائشة ،
وابن عبّاس ،وابن عمر .وفي غير الصّحيحين من رواية عليّ وميمونة وأبي سعيد وأبي طلحة وزيد بن
خالد وغيرهم رضي ال عنهم أجمعين .
قال النّوويّ :قال العلماء :سبب امتناعهم من دخول بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة ،وفيها مضاهاة
لخلق اللّه تعالى ،وبعضها في صورة ما يعبد من دون اللّه ،فعوقب متّخذها بحرمانه دخول الملئكة بيته ،
وصلتها فيه ،واستغفارها له ،وتبريكها عليه وفي بيته ،ودفعها أذى الشّيطان .وقال القرطبيّ كما في
ن متّخذ الصّور قد تشبّه بالكفّار الّذين يتّخذون الصّور في بيوتهم ويعظّمونها ،فكرهت
الفتح :إنّما لم تدخل ل ّ
الملئكة ذلك .
قال النّوويّ :وهؤلء الملئكة الّذين ل يدخلون بيتا فيه صورة هم ملئكة الرّحمة .
ح َفظَة فيدخلون كلّ بيت ،ول يفارقون بني آدم في حال ،لنّهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها .
وأمّا ال َ
ثمّ قال النّوويّ :وهو عامّ في كلّ صورة حتّى ما يمتهن .
ونقل الطّحطاويّ عنه :أنّها تمتنع من الدّخول حتّى من الصّور الّتي على الدّراهم والدّنانير .وفي قول
النّوويّ هذا مبالغة وتشدّد ظاهر ،فإنّ في حديث عائشة رضي ال عنها « :أنّها هتكت السّتر وجعلت منه
وسادتين ،فكان النّبيّ صلى ال عليه وسلم يتّكئ عليهما وفيهما الصّور » .وكان ل يتحرّج من إبقاء الدّنانير
أو الدّراهم في بيته وفيها الصّور .ولو كان ذلك يمنع دخول الملئكة بيته ما أبقاها فيه .ولذا قال ابن حجر :
يترجّح قول من قال :إنّ الصّورة الّتي تمتنع الملئكة من دخول المكان الّذي تكون فيه هي الّتي تكون على
هيئتها مرتفعة غير ممتهنة ،فأمّا لو كانت ممتهنة ،أو غير ممتهنة لكنّها غيّرت هيئتها بقطعها من نصفها أو
بقطع رأسها ،فل امتناع .
ل صورة ل يكره إبقاؤها في البيت ،ل
ن ظاهر مذهب الحنفيّة :أنّ ك ّ
وفي كلم ابن عابدين ما يدلّ على أ ّ
تمنع دخول الملئكة ،سواء الصّور المقطوعة أو الصّور الصّغيرة أو الصّور المهانة ،أو المغطّاة ونحو
ذلك ،ولنّه ليس في هذه النواع تشبّه بعبّادها ،لنّهم ل يعبدون الصّور الصّغيرة أو المهانة ،بل ينصبونها
صورة كبيرة ،ويتوجّهون إليها .
وقال ابن حبّان :إنّ عدم دخول الملئكة بيتا فيه صور خاصّ بالنّبيّ صلى ال عليه وسلم .قال :وهو نظير
الحديث الخر « :ل تصحب الملئكة رفقة فيها جرس » إذ هو محمول على رفقة فيها رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم إذ محال أن يخرج الحاجّ والمعتمر لقصد البيت على رواحل ل تصحبها الملئكة وهم وفد اللّه .
ومآل هذا القول أنّ المراد بالملئكة ملئكة الوحي ،وهو جبريل عليه السلم دون غيره من الملئكة .
ي صلى ال عليه وسلم
ونقله ابن حجر عن الدّاوديّ وابن وضّاح ،ومآله إلى اختصاص النّهي بعهد النّب ّ
وبالمكان الّذي يكون فيه ،وأنّ الكراهة انتهت بوفاته صلى ال عليه وسلم لنّ الوحي قد انقطع من السّماء .
اقتناء واستعمال صور المصنوعات البشريّة والجوامد والنّباتات :
- 43يجوز اقتناء واستعمال صور المصنوعات البشريّة والجوامد والنّباتات ،وسواء أكانت منصوبة أو
معلّقة أو موضوعة ممتهنة ،وكذلك لو كانت منقوشة في الحوائط أو السّقوف أو الرض ،وسواء كانت
سيّارات
مسطّحة كما هو معهود ،أو مجسّمة كالزّهور والنّباتات الصطناعيّة ،ونماذج السّفن والطّائرات وال ّ
والمنازل والجبال وغيرها ،ومجسّمات تماثيل القبّة السّماويّة بما فيها من الكواكب والنّجوم والقمرين .
وسواء استعمل ذلك لحاجة ونفع ،أو لمجرّد الزّينة والتّجميل :فكلّ ذلك ل حرج فيه شرعا ،إل أن يحرم
لعارض ،كما لو كان خارجا عن المعتاد إلى ح ّد السراف ،على الصل في سائر المقتنيات .
اقتناء واستعمال صور النسان والحيوان :
- 44يجمع العلماء على تحريم استعمال نوع من الصّور ،وهو ما كان صنما يعبد من دون اللّه تعالى .
وأمّا ما عدا ذلك فإنّه ل يخلو شيء منه من خلف .
إل أنّ الّذي تكاد تتّفق كلمة الفقهاء على منعه :هو ما جمع المور التّالية :
أ -أن يكون صورة لذي روح إن كانت الصّورة مجسّمة .
ب -أن تكون كاملة العضاء ،غير مقطوعة عضو من العضاء الظّاهرة الّتي ل تبقى الحياة مع فقدها .
ج -أن تكون منصوبة أو معلّقة في مكان تكريم ،ل إن كانت ممتهنة .
د -أن ل تكون صغيرة .
هف -أن ل تكون من لعب الطفال أو نحوها .
و -أن ل تكون ممّا يسرع إليه الفساد .وقد خالف فيما جمع هذه الشّروط قوم لم يسمّوا ،كما تقدّم نقله إلّا
أنّه خلف ضعيف .ونحن نبيّن حكم ك ّل نوع ممّا خرج عن هذه الشّروط .أ -استعمال واقتناء الصّور
المسطّحة :
ن استعمال الصّور المسطّحة ليس محرّما ،بل هو مكروه إن كانت منصوبة
- 45يرى المالكيّة ومن وافقهم أ ّ
،فإن كانت ممتهنة فاستعمالها خلف الولى .
أمّا عند غير المالكيّة :فالصّور المسطّحة والمجسّمة سواء في التّحريم من حيث الستعمال ،إذا تمّت
الشّروط على ما تقدّم .
ب -استعمال واقتناء الصّور المقطوعة :
ن استعمال
- 46إذا كانت الصّورة -مجسّمة كانت أو مسطّحة -مقطوعة عضو ل تبقى الحياة معه ،فإ ّ
الصّورة حينئذ جائز ،وهذا قول جماهير العلماء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة .وقد وافق على
الباحة هنا بعض من خالف ،فرأى تحريم التّصوير ولكن لم يرد تحريم القتناء ،كالشّافعيّة .
وسواء أكانت الصّورة قد صنعت مقطوعة من الصل ،أو صوّرت كاملة ثمّ قطع منها شيء ل تبقى الحياة
معه .وسواء أكانت منصوبة أو غير منصوبة كما يأتي في المسألة التّالية .
ن جبريل قال للنّبيّ صلى ال عليه وسلم ُمرْ برأس التّمثال فليقطع حتّى يكون
- 47والحجّة لذلك ما مرّ « أ ّ
كهيئة الشّجرة » وفي رواية أنّه قال « :إنّ في البيت سترا ،وفي الحائط تماثيل ،فاقطعوا رءوسها
فاجعلوها بساطا أو وسائد فأوطئوه ،فإنّا ل ندخل بيتا فيه تماثيل » ول يكفي أن تكون قد أزيل منها العينان
أو الحاجبان أو اليدي أو الرجل ،بل ل بدّ أن يكون العضو الزّائل ممّا ل تبقى الحياة معه ،كقطع الرّأس
أو محو الوجه ،أو خرق الصّدر أو البطن .قال ابن عابدين :وسواء أكان القطع بخيط خيّط على جميع
الرّأس حتّى لم يبق له أثر ،أو بطليه بمغرة ،أو بنحته ،أو بغسله .
وأمّا قطع الرّأس عن الجسد بخيط مع بقاء الرّأس على حاله فل ينفي الكراهة ،لنّ من الطّيور ما هو مطوّق
فل يتحقّق القطع بذلك .وقال صاحب شرح القناع من الحنابلة :إن قطع من الصّورة رأسها فل كراهة ،أو
قطع منها ما ل تبقى الحياة بعد ذهابه فهو كقطع الرّأس كصدرها أو بطنها ،أو جعل لها رأسا منفصل عن
ن ما يحرم ما يكون كامل
بدنها لنّ ذلك لم يدخل في النّهي .وقال صاحب منح الجليل من المالكيّة :إ ّ
ن الشّافعيّة اختلفوا فيما لو كان الباقي الرّأس ،على
العضاء الظّاهرة الّتي ل يعيش بدونها ولها ظلّ .غير أ ّ
وجهين :أحدهما :يحرم وهو الرّاجح ،والخر :ل يحرم .وقطع أيّ جزء ل تبقى الحياة معه يبيح الباقي ،
كما لو قطع الرّأس وبقي ما عداه .جاء في أسنى المطالب وحاشيته :وكذا إن قطع رأسها ،قال :
الكوهكيوني :وكذا حكم ما صوّر بل رأس ،وأمّا الرّءوس بل أبدان فهل تحرم ؟ فيه تردّد .والحرمة أرجح
.قال الرّمليّ :وهو وجهان في الحاوي ،وبناهما على أنّه هل يجوز تصوير حيوان ل نظير له :إن جوّزناه
ن فقد النّصف السفل كفقد الرّأس .
ي وابن قاسم :إ ّ
جاز ذلك وإلّا فل ،وهو الصّحيح .وفي حاشية الشّروان ّ
- 48ويكفي للباحة أن تكون الصّورة قد خرق صدرها أو بطنها ،بذلك صرّح الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة
وبعض الشّافعيّة .قال ابن عابدين :هل من ذلك ما لو كانت مثقوبة البطن مثل :الظّاهر أنّه لو كان الثّقب
كبيرا يظهر به نقصها فنعم ،وإل فل ،كما لو كان الثّقب لوضع عصا تمسك بها ،كمثل صور خيال الظّلّ
الّتي يلعب بها ،لنّها تبقى معه صورة تامّة ،وهذا الّذي قاله في صور الخيال خالفه فيه بعض الشّافعيّة ،
ن الخرق الّذي يكون في وسطها كاف في إزالة الكراهة كما صرّح بذلك الشّيخ إبراهيم الباجوريّ ،
فرأوا أ ّ
ويأتي النّقل عنه في بحث النّظر إلى الصّور
ج -استعمال واقتناء الصّور المنصوبة والصّور الممتهنة :
- 49يرى الجمهور أنّ الصّور لذوات الرواح -مجسّمة كانت أو غير مجسّمة -يحرم اقتناؤها على هيئة
تكون فيها معلّقة أو منصوبة ،وهذا في الصّور الكاملة الّتي لم يقطع فيها عضو ل تبقى الحياة معه ،فإن
قطع منها عضو -على التّفصيل المتقدّم في الفقرة السّابقة -جاز نصبها وتعليقها ،وإن كانت مسطّحة جاز
تعليقها مع الكراهة عند المالكيّة .ونقل عن القاسم بن محمّد إجازة تعليق الصّور الّتي في الثّياب ،وهو
راوي حديث عائشة في لعن المصوّرين ،وكان من خير أهل المدينة فقها وورعا .
وأمّا إذا اقتنيت الصّورة -وهي ممتهنة -فل بأس بذلك عند الجمهور ،كما لو كانت في الرض أو في
ص الحنابلة والمالكيّة على أنّها غير مكروهة أيضا ،إل أنّ
بساط مفروش أو فراش أو نحو ذلك .وقد ن ّ
المالكيّة قالوا :إنّها حينئذ خلف الولى .
ووجّهوا التّفريق بين المنصوب والممتهن :بأنّها إذا كانت مرفوعة تكون معظّمة وتشبه الصنام .أمّا الّذي
ن أهل الصنام ينصبونها ويعبدونها ول يتركونها مهانة .وقد يظنّ أنّه ل
في الرض ونحوه فل يشبهها ،ل ّ
سنّة ما يدلّ على جوازها ،وهو ما نقلناه سابقا
يجوز بقاء الصّورة المقطوعة منصوبة ،إل أنّه قد ورد في ال ّ
ن جبريل عليه السلم قال للنّبيّ صلى ال عليه وسلم ُمرْ برأس التّمثال فليقطع حتّى يكون كهيئة
من « أ ّ
ل فاقطع رءوسها أو اقطعها وسائد أو اجعلها بسطا »
الشّجرة » وقوله في حديث آخر « :فإن كنت ل بدّ فاع ً
فإنّها تدلّ على جواز بقائها بعد القطع منصوبة .ومن الدّليل على بقاء الصّورة الممتهنة في البيت الحديث
ي صلى ال عليه وسلم
المتقدّم عن عائشة رضي ال عنها « :أنّها قطعت السّتر وجعلته وسادتين ،وكان النّب ّ
يتّكئ عليهما وفيهما الصّور » .
وقد ورد عن عكرمة قال :كانوا يكرهون ما نصب من التّماثيل ول يرون بأسا بما وطئته القدام .وكان
القاسم بن محمّد يتّكئ على مخدّة فيها تصاوير .
ولذا قال ابن حجر بعد ذكر قطع رأس التّمثال :في هذا الحديث ترجيح قول من ذهب إلى أنّ الصّورة الّتي
تمتنع الملئكة من دخول البيت الّذي هي فيه :ما تكون فيه منصوبة باقية على هيئتها .أمّا لو كانت
ممتهنة ،أو كانت غير ممتهنة لكنّها غيّرت هيئتها إمّا بقطع رأسها أو بقطعها من نصفها فل امتناع .
ن استعمال إبريق فيه صور تردّد
- 50والنّصب المنهيّ عنه قال بعض الشّافعيّة :أيّ نصب كان .حتّى إ ّ
فيه صاحب المهمّات ،ومال إلى المنع ،أي لنّه يكون منصوبا .
وقالوا في الوساد :إن استعملت منصوبة حرم ،وإن استعملت غير منصوبة جاز .
ن النّصب المنهيّ عنه خاصّة ما يظهر فيه التّعظيم ،فقد قال الجوينيّ :
وذهب بعض آخر من العلماء إلى أ ّ
ن ما على السّتور والثّياب من الصّور ل يحرم ،لنّ ذلك امتهان له .
إّ
وهذا يوافق ما تقدّم عن القاسم بن محمّد .
وقال الرّافعيّ :إنّ نصب الصّور في حمّام أو ممرّ ل يحرم ،بخلف ما كان منصوبا في المجالس وأماكن
التّكريم .أي لنّها في الممرّ والحمّام مهانة ،وفي المجالس مكرّمة .وظاهر كلم صاحب المغني من
الحنابلة أنّ نصب الصّور في الحمّام ونحوه محرّم .
هذا ،وممّا نصّ الشّافعيّة على أنّه من الصّور المهانة :ما كان في نحو قصعة وخوان وطبق .ويلتحق
ن الدّنانير الرّوميّة الّتي
بالممتهنة -عند بعض الشّافعيّة -الصّور الّتي على النّقود .قال الرّمليّ :وعندي أ ّ
عليها الصّور من القسم الّذي ل ينكر ،لمتهانها بالنفاق والمعاملة ،وقد كان السّلف رضي ال عنهم
يتعاملون بها من غير نكير ،ولم تحدث الدّراهم السلميّة إل في عهد عبد الملك بن مروان كما هو معروف
.وقال مثله الزّركشيّ .
- 51هذا بيان حكم ما ظهر فيه التّعظيم ،أو ظهرت فيه الهانة .أمّا ما لم يظهر فيه أيّ من المعنيين ،
وذلك في مثل الصّورة المطبوعة في كتاب ،أو الموضوعة في درج أو خزانة أو على منضدة ،من غير
نصب .ففي كلم القليوبيّ نقل عن ابن حجر وغيره :يجوز لبس ما عليه صورة الحيوان ودوسه ووضعه
في صندوق أو مغطّى .
وفي مختصر المزنيّ ما يدلّ على قصر التّحريم على المنصوب ،وذلك في قوله :وصورة ذات روح إن
كانت منصوبة .
وروى ابن شيبة عن حمّاد عن إبراهيم أنّه قال :ل بأس في حلية السّيف ول بأس بها -أي بالتّماثيل -في
سماء البيت -أي السّقف ، -وإنّما يكره منها ما نصب نصبا .
وأصل ذلك مرويّ عن سالم بن عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهم ،ففي مسند المام أحمد عن ليث بن أبي
سليم أنّه قال :دخلت على سالم وهو متّكئ على وسادة فيها تماثيل طير ووحش ،فقلت :أليس يكره هذا ؟
قال :ل ،إنّما يكره منها ما نصب نصبا .
استعمال لعب الطفال المجسّمة وغير المجسّمة :
- 52تقدّم أنّ قول الجمهور جواز صناعة اللّعب المذكورة .فاستعمالها جائز من باب أولى ،ونقل القاضي
عياض جوازه عن العلماء ،وتابعه النّوويّ في شرح صحيح مسلم ،قال :قال القاضي :يرخّص لصغار
البنات .والمراد بصغار البنات من كان غير بالغ منهنّ .وقال الخطّابيّ :وإنّما أرخص لعائشة فيها لنّها إذ
ذاك كانت غير بالغ .قال ابن حجر :وفي الجزم به نظر ،لكنّه محتمل ،لنّ عائشة رضي ال عنها كانت
ل على أنّ التّرخيص
في غزوة خيبر بنت أربع عشرة ،وأمّا في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قطعا فهذا يد ّ
ليس قاصرا على من دون البلوغ منهنّ ،بل يتعدّى إلى مرحلة ما بعد البلوغ ما دامت الحاجة قائمة لذلك53 .
ن من العلّة أيضا
-والعلّة في هذا التّرخيص تدريبهنّ عن شأن تربية الولد ،وتقدّم النّقل عن الحليميّ :أ ّ
استئناس الصّبيان وفرحهم .وإنّ ذلك يحصل لهم به النّشاط والقوّة والفرح وحسن النّشوء ومزيد التّعلّم .
فعلى هذا ل يكون المر قاصرا على الناث من الصّغار ،بل يتعدّاه إلى الذّكور منهم أيضا .
وممّن صرّح به أبو يوسف :ففي القنية عنه :يجوز بيع اللّعبة ،وأن يلعب بها الصّبيان .
- 54وممّا يؤكّد جواز اللّعب المصوّرة للصّبيان -بالضافة إلى البنات -ما ثبت في الصّحيحين عن الرّبيّع
بنت معوّذ النصاريّة رضي ال عنها أنّها قالت :
« أرسل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى النصار الّتي حول المدينة :من كان
أصبح صائما فليتمّ صومه ،ومن كان أصبح مفطرا فليتمّ بقيّة يومه .فكنّا بعد ذلك نصومه ونصوّم صبياننا
الصّغار منهم إن شاء اللّه ،ونذهب بهم إلى المسجد ،فنجعل -وفي رواية :فنصنع -لهم اللّعبة من
العهن ،فإذا بكى أحدهم على الطّعام أعطيناه إيّاه حتّى يكون عند الفطار » .
- 55وانفرد الحنابلة باشتراط أن تكون اللّعبة المصوّرة بل رأس ،أو مقطوعة الرّأس كما تقدّم ،ومرادهم
أنّه لو كان الباقي الرّأس ،أو كان الرّأس منفصل عن الجسد جاز ،كما تقدّم .وقالوا :للوليّ شراء لعب
غير مصوّرة لصغيرة تحت حجره من مالها نصّا ،للتّمرين.
لبس الثّياب الّتي فيها الصّور :
- 56يكره عند الحنفيّة والمالكيّة لبس الثّياب الّتي فيها الصّور ،قال صاحب الخلصة من الحنفيّة :صلّى
فيها أو ل .لكن تزول الكراهة عند الحنفيّة بما لو لبس النسان فوق الصّورة ثوبا آخر يغطّيها ،فإن فعل فل
تكره الصّلة فيه .
ن الصّورة في الثّوب الملبوس منكر ،
وعند الشّافعيّة :يجوز لبس الثّياب الّتي فيها صور حيث نصّوا على أ ّ
ن اللّبس امتهان له فيجوز حينئذ .كما لو كان ملقى بالرض ويداس .والوجه كما قال الشّروانيّ أنّه ل
لك ّ
يكون من المنكر إذا كان ملقى بالرض ( أي مطلقا ) .
أمّا الحنابلة :فقد اختلف قولهم في لبس الثّوب الّذي فيه الصّورة على وجهين :
أحدهما :التّحريم ،وهو قول أبي الخطّاب قدّمه في الفروع والمحرّر .
والخر :أنّه مكروه فقط وليس محرّما ،قدّمه ابن تميم .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال « :إل رقما في ثوب » .
ووجه القول بعدم التّحريم أ ّ
استعمال واقتناء الصّور الصّغيرة في الخاتم والنّقود أو نحو ذلك :
ن الصّور الصّغيرة ل يشملها تحريم القتناء والستعمال ،بناء على أنّه ليس من عادة
- 57يصرّح الحنفيّة أ ّ
عبّاد الصّور أن يستعملوها كذلك .وضبطوا حدّ الصّغر بضوابط مختلفة .قال بعضهم :أن تكون بحيث ل
تبدو للنّاظر إل بتبصّر بليغ .
وقال بعضهم :أن ل تبدو من بعيد .وقال صاحب ال ّدرّ :هي الّتي ل تتبيّن تفاصيل أعضائها للنّاظر قائما
وهي على الرض .وقيل :هي ما كانت أصغر من حجم طائر .وهذا يذكرونه في بيان أنّها ل تكره
للمصلّي .لكن قال ابن عابدين :ظاهر كلم علمائنا أنّ ما ل يؤثّر كراهة في الصّلة ل يكره إبقاؤه .وقد
صرّح في الفتح وغيره بأنّ الصّورة الصّغيرة ل تكره في البيت ،ونقل أنّه كان على خاتم أبي هريرة ذبابتان
.
وفي التتارخانية :لو كان على خاتم فضّة تماثيل ل يكره ،وليست كتماثيل في الثّياب ،لنّه صغير .وقد
تقدّم النّقل عن بعض الصّحابة أنّهم استعملوا الصّور في الخواتم ،فكان نقش خاتم عمران بن حصين رضي
ال عنه رجلً متقلّدا سيفا ،وكان نقش خاتم حذيفة رضي ال عنه كركيّين ،وكان على خاتم النّعمان بن
مقرّن رضي ال عنه إيّل .
ول يختلف حكم الصّور الصّغيرة عن الصّور الكبيرة عند غير الحنفيّة .إل أنّ الصّور الّتي على الدّراهم
والدّنانير جائزة عند الشّافعيّة ل لصغرها ،ولكن لنّها ممتهنة كما تقدّم .
وقد صرّح الحنابلة أنّه ل ينبغي لبس الخاتم الّذي فيه الصّورة .
النّظر إلى الصّور :
- 58يحرم التّفرّج على الصّور المحرّمة عند المالكيّة والشّافعيّة .لكن إذا كانت مباحة الستعمال -كما لو
كانت مقطوعة أو مهانة -فل يحرم التّفرّج عليها .
قال الدّردير في تعليل تحريم النّظر :لنّ النّظر إلى الحرام حرام .
ول يحرم النّظر إلى الصّورة المحرّمة من حيث هي صور عند الحنابلة .
ن النّصارى صنعوا لعمر رضي ال عنه حين قدم الشّام طعاما فدعوه ،فقال ":أين هو ؟
ونقل ابن قدامة أ ّ
ي رضي
قال :في الكنيسة .فأبى أن يذهب :وقال لعليّ رضي ال عنه :امض بالنّاس فليتغدّوا .فذهب عل ّ
ي ينظر إلى الصّور ،وقال :ما على أمير
ال عنه بالنّاس فدخل الكنيسة ،وتغدّى هو والنّاس ،وجعل عل ّ
المؤمنين لو دخل فأكل ".
ولم نجد نصّا عند الحنفيّة في ذلك .لكن قال ابن عابدين :هل يحرم النّظر بشهوة إلى الصّورة المنقوشة ؟
ل تردّد ،ولم أره ،فليراجع .
مح ّ
ن الرّجل إذا
فظاهره أنّه مع عدم الشّهوة ل يحرم .على أنّه قد علم من مذهب الحنفيّة دون سائر المذاهب :أ ّ
نظر إلى فرج امرأة بشهوة ،فإنّها تنشأ بذلك حرمة المصاهرة ،لكن لو نظر إلى صورة الفرج في المرآة فل
تنشأ تلك الحرمة ،لنّه يكون قد رأى عكسه ل عينه .ففي النّظر إلى الصّورة المنقوشة ل تنشأ حرمة
المصاهرة من باب أولى .
-وعند الشّافعيّة :ل يحرم النّظر -ولو بشهوة -في الماء أو المرآة . 59
الجارة على حفظه ،ول وقفه ،ول الوصيّة به كسائر المحرّمات .
ن اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام » .ومن
وقد « قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم :إ ّ
أخذ على شيء من ذلك ثمنا أو أجرة فهو كسب خبيث يلزمه التّصدّق به .قال ابن تيميّة :ول يعاد إلى
صاحبه ،لنّه قد استوفى العوض ،كما نصّ عليه المام أحمد في مثل حامل الخمر ،ونصّ عليه أصحاب
مالك وغيرهم .
- 72وهذا إن كانت الصّور المحرّمة فيما ل منفعة فيه إلّا ما فيه من الصّورة المحرّمة ،أمّا لو كانت تصلح
لمنفعة بعد شيء من التّغيير ،فظاهر كلم بعض الشّافعيّة منعه .
وقال الرّمليّ الشّافعيّ :مقتضى كلم المام في باب الوصيّة صحّة البيع في هذه الحال ،وينبغي أن ل يكون
فيه خلف .ويؤيّده ما نقله في الرّوضة عن المتولّي -ولم يخالفه -في جواز بيع النّرد إذا صلح لبيادق
الشّطرنج ،وإلّا فل .ومثله ما في ال ّدرّ وحاشية ابن عابدين :اشترى ثورا أو فرسا من خزف لجل استئناس
ح ،ول قيمة له .وقيل بخلفه يصحّ ويضمن متلفه ،فلو كانت من خشب أو صفر جاز
الصّبيّ ،ل يص ّ
اتّفاقا فيما يظهر ،لمكان النتفاع به .وعن أبي يوسف يجوز بيع اللّعبة ،وأن يلعب بها الصّبيان .
الضّمان في إتلف الصّور وآلت التّصوير :
- 73الّذين قالوا بتحريم نوع من الصّور مستعملة على وضع معيّن ،قالوا :ينبغي إخراج الصّورة إلى
ص على ذلك ،بل
وضع ل تكون فيه محرّمة .وقد بوّب البخاريّ لنقض الصّور ،لكن لم يذكر فيها حديثا ين ّ
ذكر حديثا آخر هو قول عائشة رضي ال عنها « كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم ل يترك في بيته شيئا فيه
تصاليب إلّا نقضه » .وفي رواية « :إلّا قضبه » ولعلّه أراد بذلك قياس نقض الصّور المحرّمة على نقض
الصّلبان ،لشتراكهما في أنّهما عبدا من دون اللّه .لكنّه صلى ال عليه وسلم « قال لعائشة رضي ال عنها
في شأن السّتر الّذي عليه التّصاوير أخّريه عنّي » وفي رواية « أنّه هتكه » ،أي نزعه من مكانه حتّى لم
يعد منصوبا ،وفي حديث جبريل أنّه « أمر بصنع وسادتين من السّتر » وهذا يعني أنّه ل يتلف ما فيه
الصّورة إن كان يمكن أن يستعمل على وجه آخر مباح .
لكن إن كانت الصّورة المحرّمة ل تزول إلّا بالتلف وجب التلف ،وذلك ل يتصوّر إلّا نادرا ،كالتّمثال
المجسّم المثبّت في جدار أو نحوه الّذي إذا أزيل من مكانه أو خرق صدره أو بطنه أو قطع رأسه يتلف .
ن المعصية ل تزول إل بإتلفه .أمّا من أتلف الصّورة الّتي يمكن النتفاع بها
وهذا النّوع ل يضمن متلفه ،ل ّ
على وضع غير محرّم ،فينبغي أن يضمن ما أتلفه خاليا عن تلك الصّنعة المحرّمة على الصل في ضمان
المتلفات .
وهذا مقتضى مذهب أبي حنيفة ،والصحّ عند الشّافعيّة ،وظاهر كلم المالكيّة .
وقياس مذهب الحنابلة :أنّه يجوز التلف ول ضمان ،لسقوط حرمة الشّيء بما فيه من المنفعة باستعماله
في المحرّم ،وفي رواية :يضمن .
القطع في سرقة الصّور :
- 74ل قطع في سرقة الصّور الّتي ليس لمكسورها قيمة ،أو له قيمة ل تبلغ نصابا .
أمّا في غير ذلك ،فمذهب الحنفيّة ،وهو القول المرجوح عند الشّافعيّة ،وقول عند الحنابلة عليه المذهب :
ن السّارق قد يقصد النكار ،وأنّ
أنّه ل قطع في سرقة آلة اللّهو ،لنّ صلحيّته للّهو صارت شبهة من أ ّ
سرقته للشّيء لتأويل الكسر ،فمنع ذلك القطع .فكذا ينبغي أن يقال عندهم في الصّور المحرّمة ،ولو كان
مكسورها يبلغ نصابا .قال صاحب المقنع من الحنابلة :إن سرق آنية فيها الخمر أو صليبا أو صنم ذهب لم
يقطع .
قال صاحب النصاف :هذا المذهب وعليه جماهير الصحاب .أي لنّ الصّنعة المحرّمة أهدرت بسببها
حرمة الشّيء فلم يعد لمكسوره حرمة تستحقّ أن يثبت بسببها القطع .
وسواء قصد بالسّرقة النكار أم لم يقصده .ومذهب المالكيّة ،وهو الصحّ عند الشّافعيّة وجوب القطع فيما
لو كان المكسور يبلغ نصابا .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لو كان على الدّراهم والدّنانير المسروقة صور فل يمنع ذلك وجوب القطع ،
قال الحنفيّة :لنّ النّقود إنّما تعدّ للتّموّل فل يثبت فيها تأويل .لكن في قول عند الحنابلة التّفريق بين أن
يقصد إنكارا فل يقطع ،ويقطع إن لم يقصده .واللّه أعلم .
تضبيب *
التّعريف :
- 1التّضبيب والضّبّ في اللّغة :تغطية الشّيء وإدخال بعضه في بعض وقيل :هو شدّة القبض على الشّيء
،لئلّا ينفلت من اليد .ويقال :ضبّب الخشب بالحديد أو الصّفر :إذا شدّه به ،وضبّب أسنانه شدّها بذهب أو
فضّة أو غيرهما .
ضبّة :حديدة عريضة يضبّب بها الباب ويشعّب بها الناء عند التّصدّع .
وال ّ
والصطلح الشّرعيّ للتّضبيب ل يختلف عن المعنى اللّغويّ في شيء .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الجبر :من معانيه أن يغنى الرّجل من فقر ،أو يصلح عظمه من كسر .
ب -الوصل :من وصل الثّوب أو الخفّ وصلة .
ج -التّشعيب :وهو جمع الشّيء وض ّم بعضه إلى بعض ،أو تفريقه ،فهو من الضداد .التّطعيم :مصدر
طعّم ،وأصله طعّم ،يقال :طعّم الغصن أو الفرع :قبل الوصل بغصن من غير شجره وطعّم كذا بعنصر
كذا لتقويته أو تحسينه ،أو اشتقاق نوع آخر منه .
وطعّم الخشب بالصّدف ركّبه فيه للزّخرفة والزّينة .
وعند الفقهاء هو :أن يحفر في إناء من خشب أو غيره حفرا ،ويضع فيها قطعا من ذهب أو فضّة ونحوهما
على قدر الحفر .فالفرق بين التّضبيب والتّطعيم :أنّ التّضبيب يكون للصلح ،أمّا التّطعيم فل يكون إلّا
بالحفر ،وهو للزّينة غالبا .
- 6التّمويه :هو الطّلء بماء الذّهب أو الفضّة ونحوهما .
الحكم التّكليفيّ :
- 7ذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز التّضبيب واستعمال المضبّب بذهب أو فضّة ،لنّه تابع للمباح ،وهو باقي
الناء ،فأشبه المضبّب باليسير .ولكنّه مكروه عندهم .ولكن عليه أن يجتنب في النّصل والقبضة واللّجام
موضع اليد .
س الضّبّة بالفم .قال ابن عابدين :المراد بالتّقاء :التّقاء بالعضو
وفي الشّرب من الناء المضبّب يتّقي م ّ
الّذي يقصد الستعمال به ،وفي ذلك خلف بين أبي حنيفة وصاحبيه .ينظر في المطوّلت .وسيأتي تفصيل
أحكام التّضبيب في مصطلحي ( ذهب ،فضّة ،آنية ) .
وأمّا المالكيّة :فقد ذهبوا -في الرّاجح عندهم -إلى حرمة ذلك كلّه ،يستوي عندهم :الفضّة والذّهب ،
والصّغيرة والكبيرة ،لحاجة أو لغير حاجة .
ن تضبيب الناء بذهب حرام مطلقا ،وتضبيبه بضبّة كبيرة عرفا من الفضّة -
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أ ّ
لغير حاجة بأن كانت لزينة -حرام كذلك .
ضيّة صغيرة لحاجة الناء إلى الصلح لم تكره ،لما روى البخاريّ
ضبّة الف ّ
فإن كانت ال ّ
ي صلى ال عليه وسلم انكسر فاتّخذ مكان الشّعب سلسلة من فضّة » .
ن قدح النّب ّ
«أّ
ح .وفي ذلك تفصيل
ضبّة فوق الحاجة -وهي صغيرة ،أو كبيرة لحاجة -كرهت في الص ّ
وإن كانت ال ّ
أتمّ ينظر في مصطلح ( ذهب -فضّة -آنية ) .
تضمير *
التّعريف :
- 1التّضمير لغة :من الضّمر بسكون الميم والضّمر ( بضمّها ) بمعنى :الهزال ولحاق البطن .وهو :أن
تعلف الخيل حتّى تسمن وتقوى ،ثمّ يقلّل علفها ،فتعلف بقدر القوت ،وتدخل بيتا وتغشى بالجلل حتّى
تحمى فتعرق ،فإذا جفّ عرقها ،خفّ لحمها ،وقويت على الجري .ومدّة التّضمير عند العرب أربعون
يوما ،وتسمّى هذه المدّة ،وكذلك الموضع الّذي تضمر فيه الخيل مضمارا .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -السّباق :
- 2السّباق والمسابقة بمعنى .يقال :سابقه مسابقة وسباقا .والسّباق مأخوذ من السّبق بسكون الباء ،
بمعنى :التّقدّم في الجري وفي كلّ شيء .
وأمّا السّبق بالفتح فمعناه :الجعل الّذي يسابق عليه .
والعلقة بينه وبين التّضمير :أنّ عمليّة التّضمير تتّخذ في بعض الحيان لجل إحراز التّقدّم في السّباق .
ي ومواطن البحث :
حكمه الجمال ّ
- 3يرى جمهور الفقهاء إباحة تضمير الخيل مطلقا ،واستحباب تضميرها إذا كانت معدّة للغزو .وورد في
هذا الباب أحاديث كثيرة منها :
حديث نافع عن ابن عمر رضي ال تعالى عنهما قال « :سابق رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بين الخيل
الّتي قد ضمّرت فأرسلها من الحفياء ،وكان أمدها ثنيّة الوداع .فقلت لموسى بن عقبة :فكم كان بين ذلك ؟
قال ستّة أميال أو سبعة .وسابق بين الخيل الّتي لم تضمّر ،فأرسلها من ثنيّة الوداع ،وكان أمدها مسجد بني
زريق .قلت :فكم بين ذلك ؟ قال :ميل أو نحوه .فكان ابن عمر ممّن سابق فيها » .وبهذا الحديث ونحوه
ن تضمير الخيل ل يجوز ،لما فيه من مشقّة سوقها .
يندفع قول من قال :إ ّ
وأمّا اشتراط تضمير الخيل للسّبق ،وجواز السّباق بين الخيل المضمّرة وغير المضمّرة ،والمغايرة بين غاية
السّباق للخيل المضمّرة وغيرها ،ففيها خلف وتفصيل يرجع فيه إلى مصطلح ( سباق ) وإلى مواطنها من
كتب الفقه .
تطبيب *
التّعريف :
- 1للتّطبيب في اللّغة معان ،منها وهو المراد هنا :أنّه المداواة .يقال :طبّب فلن فلنا :أي داواه .
وجاء يستطبّ لوجعه :أي يستوصف الدوية أيّها يصلح لدائه .
والطّبّ :علج الجسم والنّفس ،ورجل طَبّ وطبيب :عالم بالطّبّ .
ب .وتطبّب له :سأل له الطبّاء .
والطّبّ .والطّبّ :لغتان في الطّ ّ
والطّبيب في الصل :الحاذق بالمور العارف بها ،وبه سمّي الطّبيب الّذي يعالج المرضى ونحوهم .ول
يخرج معناه الصطلحيّ عن معناه اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّداوي :
- 2التّداوي :تعاطي الدّواء ،ومنه المداواة أي المعالجة :يقال :فلن ُيدَاوَى :أي يُعالَج .والفرق بين
التّطبيب والتّداوي :أنّ التّطبيب تشخيص الدّاء ومداواة المريض ،والتّداوي تعاطي الدّواء .
حكمه التّكليفيّ :
- 3التّطبيب تعلّما من فروض الكفاية ،فيجب أن يتوفّر في بلد المسلمين من يعرف أصول حرفة الطّبّ ،
وينظر التّفصيل في مصطلح ( :احتراف ) .
أمّا التّطبيب مُزاول ًة فالصل فيه الباحة .وقد يصير مندوبا إذا اقترن بنيّة التّأسّي بالنّبيّ صلى ال عليه وسلم
حيَا
ن َأحْياها َفكَأ ّنمَا َأ ْ
في توجيهه لتطبيب النّاس ،أو نوى نفع المسلمين لدخوله في مثل قوله تعالى َ { :ومَ ْ
جمِيعَا } وحديث « :من استطاع منكم أن ينفعَ أخاه فلْينفعه » .إل إذا تعيّن شخص لعدم وجود غيره
النّاسَ َ
أو تعاقد فتكون مزاولته واجبة .
ويدلّ لذلك ما روى « رجل من النصار قال :عاد رسول اللّه صلى ال عليه وسلم رجلً به جرح ،فقال
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :ادعوا له طبيب بني فلن .قال :فدعوه فجاء ،فقالوا :يا رسول اللّه ،
ويغني الدّواء شيئا ؟ فقال :سبحان اللّه .وهل أنزل اللّه من داء في الرض إل جعل له شفاء » .
وعن جابر رضي ال عنه قال « :نهى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم عن الرّقى .فجاء آل عمرو بن
حزم ،فقالوا :يا رسول اللّه ،إنّه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب ،وإنّك نهيت عن الرّقى .قال :
فعرضوها عليه .فقال :ما أرى بها بأسا ،من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه » .وقال صلى ال عليه
وسلم « :ل بأس بالرّقى ما لم يكن فيها شرك » .ولما ثبت من فعل النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه تداوى ،
ن عروة كان يقول لعائشة رضي ال عنها :يا أمّتاه ،ل أعجب من
فقد روى المام أحمد في مسنده « أ ّ
فهمك .أقول :زوجة رسول اللّه صلى ال عليه وسلم بنت أبي بكر .ول أعجب من علمك بالشّعر وأيّام
ب ،كيف
النّاس ،أقول :ابنة أبي بكر ،وكان أعلم النّاس أو من أعلم النّاس .ولكن أعجب من علمك بالطّ ّ
ع َريّة ؟ إنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كان
ت على منكبه وقالت " :أي ُ
هو ؟ ومن أين هو ؟ قال فضرب ْ
ل وجه ،فتنعت له النعات ،
يسقم عند آخر عمره ،أو في آخر عمره ،فكانت تقدم عليه وفود العرب من ك ّ
وكنت أعالجها ،فمن ثمّ » .وفي رواية « أنّ رسول اللّه كثرت أسقامه ،فكان يقدم عليه أطبّاء العرب
والعجم ،فيصفون له فنعالجه » .وقال الرّبيع :سمعت الشّافعيّ يقول :العلم علمان :علم الديان وعلم
البدان .
نظر الطّبيب إلى العورة :
- 4اتّفق الفقهاء على جواز نظر الطّبيب إلى العورة ولمسها للتّداوي .
ويكون نظره إلى موضع المرض بقدر الضّرورة .إذ الضّرورات تقدّم بقدرها .فل يكشف إل موضع
ض بصره ما استطاع إلّا عن موضع الدّاء .
الحاجة ،مع غ ّ
ن نظر الجنس إلى الجنس أخفّ .
وينبغي قبل ذلك أن يعلّم امرأة تداوي النّساء ،ل ّ
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى :أنّه إذا كان الطّبيب أجنبيّا عن المريضة فل ب ّد من حضور ما يؤمن معه
وقوع محظور .
ن رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان » .
لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :أل ل يخلو ّ
واشترط الشّافعيّة عدم وجود امرأة تحسن التّطبيب إذا كان المريض امرأة ،ولو كانت المرأة المداوية كافرة ،
وعدم وجود رجل يحسن ذلك إذا كان المريض رجل .كما شرطوا أن ل يكون غير أمين مع وجود أمين ،
ول ذ ّميّا مع وجود مسلم ،أو ذ ّميّة مع وجود مسلمة .قال البلقينيّ :يقدّم في علج المرأة مسلمة ،فصبيّ
مسلم غير مراهق ،فمراهق ،فكافر غير مراهق ،فمراهق ،فامرأة كافرة ،فمحرم مسلم ،فمحرم كافر ،
فأجنبيّ مسلم ،فكافر .واعترض ابن حجر الهيثميّ على تقديم الكافرة على المحرم .وقال :والّذي يتّجه
تقديم نحو محرم مطلقا على كافرة ،لنظره ما ل تنظر هي .
ص الشّافعيّة كذلك على تقديم المهر مطلقا ولو من غير الجنس والدّين على غيره .ونصّوا على أنّه إن
ون ّ
وجد من ل يرضى إلّا بأكثر من أجرة المثل فإنّه يكون كالعدم حينئذ حتّى لو وجد كافر يرضى بدونها ومسلم
ن المسلم كالعدم .وصرّح المالكيّة بأنّه ل يجوز النّظر إلى فرج المرأة إلّا إذا كان
ل يرضى إلّا بها احتمل أ ّ
ل يتوصّل إلى معرفة ذلك إل برؤيته بنفسه .أمّا لو كان الطّبيب يكتفي برؤية النّساء لفرج المريضة فل
يجوز له النّظر إليه .
استئجار الطّبيب للعلج :
- 5اتّفق الفقهاء على جواز استئجار الطّبيب للعلج ،لنّه فعل يحتاج إليه ومأذون فيه شرعا ،فجاز
الستئجار عليه كسائر الفعال المباحة .
غير أنّ الشّافعيّة شرطوا لصحّة هذا العقد أن يكون الطّبيب ماهرا ،بمعنى أن يكون خطؤه نادرا ،ويكفي في
ذلك التّجربة عندهم ،وإن لم يكن ماهرا في العلم .
واستئجار الطّبيب يقدّر بالمدّة ل بالبرء والعمل ،فإن تمّت المدّة وبرئ المريض أو لم يبرأ فله الجرة كلّها .
وإن برئ قبل تمام المدّة انفسخت الجارة فيما بقي من المدّة لتعذّر استيفاء المعقود عليه ،وكذا الحكم لو مات
المريض في أثناء المدّة .
ص الحنابلة على أنّه ل يصحّ اشتراط الدّواء على الطّبيب ،وهو قول عند المالكيّة لما فيه من اجتماع
وقد ن ّ
الجعل والبيع .وعند المالكيّة قول آخر بالجواز .
ق الجرة بتسليمه نفسه مع مضيّ زمن إمكان المداواة ،فإن امتنع المريض من العلج مع بقاء
والطّبيب يستح ّ
المرض استحقّ الطّبيب الجر ،ما دام قد سلّم نفسه ،ومضى زمن المداواة ،لنّ الجارة عقد لزم وقد بذل
الطّبيب ما عليه .
وأمّا إذا سلّم الطّبيب نفسه وقبل مضيّ زمن إمكان المداواة سكن المرض ،فجمهور الفقهاء -الحنفيّة
والمالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة -متّفقون على انفساخ الجارة حينئذ .
- 6ول تجوز مشارطة الطّبيب على البرء .ونقل ابن قدامة عن ابن أبي موسى الجواز ،إذ قال :ل بأس
ن أبا سعيد الخدريّ رضي ال عنه حين رقى الرّجل شارطه على البرء .
بمشارطة الطّبيب على البرء ،ل ّ
وقال ابن قدامة :إنّه الصّحيح إن شاء اللّه ،لكن يكون جعالة ل إجارة ،فإنّ الجارة ل بدّ فيها من مدّة أو
عمل معلوم .وأجاز ذلك المالكيّة أيضا ،ففي الشّرح الصّغير :لو شارطه طبيب على البرء فل يستحقّ
الجرة إل بحصوله .
وسبق تفصيل ذلك في مصطلح ( :إجارة ) .
وإذا زال اللم وشفي المريض قبل مباشرة الطّبيب كان عذرا تنفسخ به الجارة .
يقول ابن عابدين :إذا سكن الضّرس الّذي استؤجر الطّبيب لخلعه ،فهذا عذر تنفسخ به الجارة ،ولم يخالف
ص الشّافعيّة والحنابلة على أنّ من استأجر رجلً
في ذلك أحد ،حتّى من لم يعتبر العذر موجبا للفسخ ،فقد ن ّ
ليقلع له ضرسا فسكن الوجع ،أو ليكحّل له عينا فبرئت قبل أن يقوم بالعمل ،انفسخ العقد لتعذّر استيفاء
المعقود عليه .
ضمان الطّبيب لما يتلفه :
- 7يضمن الطّبيب إن جهل قواعد الطّبّ أو كان غير حاذق فيها ،فداوى مريضا وأتلفه بمداواته ،أو
أحدث به عيبا .أو علم قواعد التّطبيب وقصّر في تطبيبه ،فسرى التّلف أو التّعييب .أو علم قواعد التّطبيب
ولم يقصّر ولكنّه طبّب المريض بل إذن منه .كما لو ختن صغيرا بغير إذن وليّه ،أو كبيرا قهرا عنه ،أو
وهو نائم ،أو أطعم مريضا دواء قهرا عنه فنشأ عن ذلك تلف وعيب ،أو طبّب بإذن غير معتبر لكونه من
صبيّ ،إذا كان الذن في قطع يد مثل ،أو بعضد أو حجامة أو ختان ،فأدّى إلى تلف أو عيب ،فإنّه في
ذلك كلّه يضمن ما ترتّب عليه .أمّا إذا أذن له في ذلك ،وكان الذن معتبرا ،وكان حاذقا ،ولم تجن يده ،
ن ما يتلف
ولم يتجاوز ما أذن فيه ،وسرى إليه التّلف فإنّه ل يضمن ،لنّه فعل فعل مباحا مأذونا فيه .ول ّ
بالسّراية إن كان بسبب مأذون فيه -دون جهل أو تقصير -فل ضمان .وعلى هذا فل ضمان على طبيب
وبزّاغ ( جرّاح ) وحجّام وختّان ما دام قد أذن لهم بهذا ولم يقصّروا ،ولم يجاوزوا الموضع المعتاد ،وإل
لزم الضّمان .
يقول ابن قدامة :إذا فعل الحجّام والختّان والمطبّب ما أمروا به ،لم يضمنوا بشرطين :أحدهما :أن يكونوا
ذوي حذق في صناعتهم ،فإذا لم يكونوا كذلك كان فعل محرّما ،فيضمن سرايته .
الثّاني :أل يتجاوز ما ينبغي أن يقطع ،فإن كان حاذقا وتجاوز ،أو قطع في غير محلّ القطع ،أو في وقت
ل يصلح فيه القطع وأشباه هذا ،ضمن فيه كلّه ،لنّه إتلف ل يختلف ضمانه بالعمد والخطأ ،فأشبه إتلف
المال .
وكذلك الحكم في القاطع في القصاص وقاطع يد السّارق .ثمّ قال :ل نعلم فيه خلفا .
قال الدّسوقيّ :إذا ختن الخاتن صبيّا ،أو سقى الطّبيب مريضا دواء ،أو قطع له شيئا ،أو كواه فمات من
ن صاحبه هو الّذي
ذلك ،فل ضمان على واحد منهما ل في ماله ول على عاقلته ،لنّه ممّا فيه تغرير ،فكأ ّ
عرّضه لما أصابه .وهذا إذا كان الخاتن أو الطّبيب من أهل المعرفة ،ولم يخطئ في فعله .فإذا كان أخطأ
في فعله -والحال أنّه من أهل المعرفة -فالدّية على عاقلته .
فإن لم يكن من أهل المعرفة عوقب .وفي كون الدّية على عاقلته أو في ماله قولن :
الوّل :لبن القاسم .والثّاني :لمالك .وهو الرّاجح لنّ فعله عمد ،والعاقلة ل تحمل العمد.
وفي القنية :سئل محمّد نجم الدّين عن صبيّة سقطت من سطح ،فانفتح رأسها ،فقال كثير من الجرّاحين :
إن شققتم رأسها تموت .وقال واحد منهم :إن لم تشقّوه اليوم تموت ،وأنا أشقّه وأبرئها ،فشقّه فماتت بعد
ق معتادا ،ولم يكن
شّشقّ بإذن ،وكان ال ّ
يوم أو يومين .هل يضمن ؟ فتأمّل مليّا ثمّ قال :ل ،إذا كان ال ّ
فاحشا خارج الرّسم – أي العادة . -قيل له :فلو قال :إن ماتت فأنا ضامن ،هل يضمن ؟ فتأمّل مليّا ،ثمّ
ن شرطه على المين باطل على ما عليه الفتوى .
قال :ل .فلم يعتبر شرط الضّمان ،ل ّ
وفي مختصر الطّحاويّ :من استؤجر على عبد يحجمه ،أو على دابّة يبزّغها ،ففعل ذلك فعطبا بفعله ،فل
ن أصل العمل كان مأذونا فيه ،فما تولّد منه ل يكون مضمونا عليه إلّا إذا تعدّى ،فحينئذ
ضمان عليه ،ل ّ
يضمن .
وكذلك إذا كان في يده آكلة ،فاستأجر رجل ليقطع يده فمات ،فل ضمان عليه .ومن استؤجر ليقلع ضرسا
لمريض ،فأخطأ ،فقلع غير ما أمر بقلعه ضمنه ،لنّه من جنايته .وإن أخطأ الطّبيب ،بأن سقى المريض
دواء ل يوافق مرضه ،أو زلّت يد الخاتن أو القاطع فتجاوز في القطع ،فإن كان من أهل المعرفة ولم يغرّ
من نفسه فذلك خطأ -أي تتحمّله عاقلته -إل أن يكون أقلّ من الثّلث ففي ماله .وإن كان ل يحسن ،أو غرّ
ي من ذلك ،
من نفسه فيعاقب .ومن أمر ختّانا ليختن صبيّا ،ففعل الختّان ذلك فقطع حشفته ،ومات الصّب ّ
ن الموت حصل بفعلين :أحدهما :مأذون فيه ،وهو قطع القلفة .والخر
فعلى عاقلة الختّان نصف دية ،ل ّ
:غير مأذون فيه ،وهو قطع الحشفة ،فيجب نصف الضّمان .أمّا إذا برئ ،جعل قطع الجلدة -وهو
مأذون فيه -كأن لم يكن ،وقطع الحشفة غير مأذون فيه ،فوجب ضمان الحشفة كامل ،وهو الدّية .
تطبيق *
التّعريف :
- 1التّطبيق في اللّغة :مصدر طبّق ،ومن معانيه :المساواة والتّعميم والتّغطية قال في المصباح :وأصل
الطّبق :الشّيء على مقدار الشّيء مطبقا له من جميع جوانبه كالغطاء له ويقال :طبّق السّحاب الج ّو :إذا
غشّاه ،وطبّق الماء وجه الرض :إذا غطّاه ،وطبّق الغيم :ع ّم بمطره .وهو في الصطلح الفقهيّ :أن
يجعل المصلّي بطن إحدى كفّيه على بطن الخرى ،ويجعلهما بين ركبتيه وفخذيه .
الحكم الجماليّ :
- 2يرى جمهور الفقهاء كراهة التّطبيق في الرّكوع .واحتجّوا بما روي « عن مصعب بن سعد بن أبي
وقّاص أنّه قال :صلّيت إلى جنب أبي ،فطبّقت بين ك ّفيّ ،ثمّ وضعتهما بين فخذيّ ،فنهاني أبي وقال :كنّا
ن قول الصّحابيّ :كنّا نفعل ،
نفعله فنهينا عنه ،وأمرنا أن نضع أيدينا على الرّكب » .ومن المعروف أ ّ
وأمرنا ونهينا ،محمول على أنّه مرفوع .واستدلّوا أيضا بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم لنس رضي ال
عنه « :إذا ركعت فضع يديك على ركبتيك ،وفرّج بين أصابعك » .
قال النّوويّ في شرح صحيح مسلم :وذهب عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه وصاحباه علقمة والسود إلى
سنّة التّطبيق ،فقد أخرج مسلم عن « علقمة والسود أنّهما دخل على عبد اللّه رضي ال عنه فقال :
ن ال ّ
أّ
أصلّي من خلفكم ؟ قال :نعم .فقام بينهما وجعل أحدهما عن يمينه ،والخر عن شماله ،ثمّ ركعنا ،
فوضعنا أيدينا على ركبنا ،فضرب أيدينا ،ثمّ طبّق بين يديه ،ثمّ جعلهما بين فخذيه ،فلمّا صلّى قال :هكذا
فعل رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » .قال العينيّ :وأخذ بذلك إبراهيم النّخعيّ وأبو عبيدة .
وعلّل النّوويّ فعلهم :بأنّه لم يبلغهم النّاسخ ،وهو حديث مصعب بن سعد المتقدّم .
تطفّل *
التّعريف :
- 1التّطفّل في اللّغة :مصدر تطفّل .يقال :هو متطفّل في العراس والولئم أي :هو طفيليّ .قال
الصمعيّ :الطّفيليّ :هو الّذي يدخل على القوم من غير أن يدعوه .
ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن هذا المعنى .فقد عرّفه في نهاية المحتاج :بدخول الشّخص لمحلّ
غيره لتناول طعامه بغير إذنه ول علم رضاه ،أو ظنّه بقرينة معتبرة .اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الضّيف :
- 2الضّيف في اللّغة :النّزيل الزّائر .وأصله مصدر ضاف ،ولذا يطلق على الواحد وغيره ،ومن ذلك
ضحُون } وتجوز المطابقة ،فيقال :هذان ضيفان .أمّا ( الضّيفن
قوله تعالى { قالَ ِ :إنّ هَؤلءِ ضَيفِي فَل تَ ْف َ
) فهو من يجيء مع الضّيف متطفّل ،فالضّيفن أخصّ من الطّفيليّ ،ويطلق على الدّاخل على القوم في
شرابهم بل دعوة ( الواغل ) .
وفي اصطلح الفقهاء :الضّيف :هو من حضر طعام غيره بدعوته ولو عموما ،أو بعلم رضاه وضدّ
الضّيف الطّفيليّ .
ب -الفضوليّ :
- 3الفضوليّ :من الفضول ،جمع فضل .وقد استعمل الجمع استعمال الفرد فيما ل خير فيه .ولهذا نسب
إليه على لفظه ،فقيل فضوليّ :لمن يشتغل بما ل يعنيه .
وفي الصطلح :هو التّصرّف عن الغير بل إذن ول ولية .وأظهر ما يكون في العقود .أمّا التّطفّل فأكثر
ما يكون في الما ّديّات ،وقد يستعمل في المعنويّات .
الحكم التّكليفيّ للتّطفّل :
ن حضور طعام الغير بغير
- 4صرّح المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -وهو المتبادر من أقوال الحنفيّة -أ ّ
دعوة ،وبغير علم رضاه حرام ،بل يفسّق به إن تكرّر .لما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال :
« من دعي فلم يجب فقد عصى اللّه ورسوله ،ومن دخل على غير دعوة دخل سارقا ،وخرج مغيرا »
فكأنّه شبّه دخوله على الطّعام الّذي لم يدع إليه بدخول السّارق الّذي يدخل بغير إرادة المالك ،لنّه اختفى بين
الدّاخلين .وشبّه خروجه بخروج من نهب قوما ،وخرج ظاهرا بعدما أكل .بخلف الدّخول ،فإنّه دخل
مختفيا ،خوفا من أن يمنع ،وبعد الخروج قد قضى حاجته ،فلم يبق له حاجة إلى التّستّر .وصرّح الشّافعيّة
ن من التّطفّل :أن يدعى عالم أو صوفيّ ،فيحضر جماعته من غير إذن الدّاعي ول علم رضاه بذلك .
أّ
ويرى بعض الفقهاء :أنّه إذا عرف من حال المدع ّو أنّه ل يحضر إل ومعه أحد ممّن يلزمه يعتبر ذلك
كالذن ،والتّفصيل في مصطلح ( دعوة ) .
شهادة الطّفيليّ :
- 5اتّفق الفقهاء على أنّ الطّفيليّ -إن تكرّر تطفّله -تردّ شهادته للحديث المذكور ،ولنّه يأكل محرّما ،
ويفعل ما فيه سفه ودناءة وذهاب مروءة .
قال ابن الصّبّاغ :وإنّما اشترط تكرّر ذلك ،لنّه قد يكون له شبهة حتّى يمنعه صاحب الطّعام ،وإذا تكرّر
صار دناءة وقلّة مروءة .
تطفيف *
التّعريف :
- 1التّطفيف لغة :البخس في الكيل والوزن .ومنه قوله تعالى َ { :ويْلٌ لِلمطفّفين } فالتّطفيف :نقص يخون
به صاحبه في كيل أو وزن .
ول يخرج استعمال الفقهاء له عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّوفية :
- 2توفية الشّيء :بذله وافيا .فالتّطفيف ضدّ التّوفية .
الحكم الجماليّ :
- 3التّطفيف منهيّ عنه ،وهو ضرب من الخيانة وأكل المال بالباطل ،مع ما فيه من عدم المروءة .ومن
ثمّ عظّم اللّه أمر الكيل والوزن ،وأمر بالوفاء فيهما في عدّة آيات ،فقال سبحانه َ { :أ ْوفُوا ال َكيْلَ وَل َتكُونُوا
سدِينَ }
شيَاءَهُم وَل َت ْعثَوْا فِي الرْضِ مُ ْف ِ
خسُوا النّاسَ َأ ْ
ستَقِيمِ ،وَل َت ْب َ
سطَاسِ ال ُم ْ
سرِينَ َ ،و ِزنُوا بِال ِق ْ
ن ال ُمخْ ِ
مِ َ
ستَقِيمِ } كما توعّد اللّه المطفّفين بالويل ،وهدّدهم
سطَاسِ ال ُم ْ
وقال تعالى { :وَأَ ْوفُوا ال َكيْلَ إذا كِ ْل ُتمْ َو ِزنُوا بِال ِق ْ
ستَوفُونَ وَِإذَا كَالُوهم أَو و َزنُو ُهمْ
ن إذا ا ْكتَالُوا على النّاسِ َي ْ
ل لِل ُمطَفّفِينَ اّلذِي َ
بعذاب يوم القيامة فقال َ { :ويْ ٌ
ب العَاَلمِينَ } .وفي الحديث « :خمس
عظِيمٍ يَ ْومَ يَقُومُ النّاسُ ِلرَ ّ
ن ِليَ ْومٍ َ
ك َأ ّن ُهمْ َم ْبعُوثُو َ
ن أُولئ َ
خسِرُونَ أَل يَظُ ّ
ُي ْ
بخمس ،قيل :يا رسول اللّه وما خمس بخمس ؟ قال :ما نقض قوم العهد إلّا سلّط اللّه عليهم عدوّهم ،وما
حكموا بغير ما أنزل اللّه إلّا فشا فيهم الفقر ،وما ظهرت فيهم الفاحشة إلّا فشا فيهم الموت ،ول طفّفوا الكيل
إل منعوا النّبات وأخذوا بالسّنين ،ول منعوا الزّكاة إلّا حبس عنهم المطر » .قال نافع :كان ابن عمر يمرّ
بالبائع فيقول له :اتّق اللّه ،أوف الكيل والوزن ،فإنّ المطفّفين يوقفون يوم القيامة حتّى يلجمهم العرق .
ونقل ابن حجر تصريح العلماء بأنّه من الكبائر ،واستظهره .
منع التّطفيف ،وتدابيره :
- 4ممّا يتأكّد على المحتسب :المنع من التّطفيف والبخس في المكاييل والموازين والصّنجات .فينبغي له
أن يحذر الكيّالين والوزّانين ويخوّفهم عقوبة اللّه تعالى ،وينهاهم عن البخس والتّطفيف .ومتى ظهر له من
أحد منهم خيانة عزّره على ذلك وأشهره ،حتّى يرتدع به غيره .وإذا وقع في التّطفيف تخاصم جاز أن
ينظر فيه المحتسب ،إن لم يكن مع التّخاصم فيه تجاحد وتناكر .فإن أفضى إلى التّجاحد والتّناكر كان
القضاة أحقّ بالنّظر فيه من ولة الحسبة ،لنّهم بالحكام أحقّ .وكان التّأديب فيه إلى المحتسب .
فإن تولّاه الحاكم جاز لتّصاله بحكمه .
وقد فصّل الفقهاء القول في التّدابير الّتي تتّخذ للحيلولة دون التّطفيف والبخس في الكيل والوزن ،من قيام
المحتسب بتفقّد عيار الصّنج ونحوها على حين غفلة من أصحابها ،وتجديد النّظر في المكاييل ورعاية ما
يطفّفون به المكيال وما إلى ذلك ،فليرجع إليه في مواطنه من كتب الحسبة ،وفي مصطلحي ( حسبة ،
وغشّ ) .
تطهّر *
انظر :طهارة .
تطهير *
انظر :طهارة .
تطوّع *
التّعريف :
- 1التّطوّع :هو التّبرّع ،يقال :تطوّع بالشّيء :تبرّع به .
وقال الرّاغب :التّطوّع في الصل :تكلّف الطّاعة ،وهو في التّعارف :التّبرّع بما ل يلزم كالتّنفّل .قال
خيْرٌ لَه } .
تعالى َ { :فمَنْ َتطَ ّوعَ خَيرَا َفهُ َو َ
والفقهاء عندما أرادوا أن يعرّفوا التّطوّع ،عدلوا عن تعريف المصدر إلى تعريف ما هو حاصل بالمصدر ،
فذكروا له في الصطلح ثلثة معان :
الوّل :أنّه اسم لما شرع زيادة على الفرائض والواجبات ،أو ما كان مخصوصا بطاعة غير واجبة ،أو هو
الفعل المطلوب طلبا غير جازم .وكلّها معان متقاربة .
وهذا ما ذكره بعض فقهاء الحنفيّة ،وهو مذهب الحنابلة ،والمشهور عند الشّافعيّة .
وهو رأي الصوليّين من غير الحنفيّة ،وهو ما يفهم من عبارات فقهاء المالكيّة .
سنّة والمندوب والمستحبّ والنّفل والمرغّب فيه والقربة والحسان
والتّطوّع بهذا المعنى يطلق على :ال ّ
والحسن ،فهي ألفاظ مترادفة .
الثّاني :أنّ التّطوّع هو ما عدا الفرائض والواجبات والسّنن ،وهو اتّجاه الصوليّين من الحنفيّة ،ففي كشف
سنّة هي الطّريقة المسلوكة في الدّين من غير افتراض ول وجوب ،وأمّا ح ّد النّفل -وهو
السرار :ال ّ
المسمّى بالمندوب والمستحبّ والتّطوّع -فقيل :ما فعله خير من تركه في الشّرع . . .إلخ .
الثّالث :التّطوّع :هو ما لم يرد فيه نقل بخصوصه ،بل ينشئه النسان ابتداء ،وهو اتّجاه بعض المالكيّة
والقاضي حسين وغيره من الشّافعيّة .
هذه هي التّجاهات في معنى التّطوّع وما يرادفه .غير أنّ المتتبّع لما ذكره الصوليّون من غير الحنفيّة ،
وما ذكره الفقهاء في كتبهم -بما في ذلك الحنفيّة -يجد أنّهم يتوسّعون بإطلق التّطوّع على ما عدا الفرائض
سنّة والنّفل والمندوب والمستحبّ والمرغّب فيه ألفاظا مترادفة ،ولذلك
والواجبات ،وبذلك يكون التّطوّع وال ّ
ن ما يدخل في دائرة التّطوّع بعضه أعلى من بعض في الرّتبة
ن الخلف لفظيّ .غاية المر أ ّ
قال السّبكيّ :إ ّ
سنّة المؤكّدة ،كالعيدين ،والوتر عند الجمهور ،وكركعتي الفجر عند الحنفيّة .ويلي ذلك
،فأعله هو ال ّ
ن كلّ ذلك يسمّى تطوّعا .
المندوب أو المستحبّ كتحيّة المسجد ،ويلي ذلك ما ينشئه النسان ابتداء ،لك ّ
والصل في ذلك « قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم للرّجل -الّذي سأل بعدما عرف فرائض الصّلة والصّيام
والزّكاة :هل عليّ غيرها ؟ فقال له :ل ،إل أن تطوّع » .أنواع التّطوّع :
ج وجهاد ،وهذا هو الصل ،
- 2من التّطوّع ما يكون له نظير من العبادات ،من صلة وصيام وزكاة وح ّ
وهو المتبادر حين يذكر لفظ التّطوّع .والتّطوّع في العبادات يختلف في جنسه باعتبارات ،فهو يختلف من
حيث الرّتبة ،إذ منه ما هو مؤكّد كالرّواتب مع الفرائض ،ومنه ما هو أقلّ رتبة كتحيّة المسجد ،ومنه ما
هو أقلّ كالنّوافل المطلقة ليلً أو نهارا .ومن ذلك في الصّوم :صيام يومي عاشوراء وعرفة ،فهما أعلى
رتبة من الصّيام في غيرهما ،والعتكاف في العشر الواخر من رمضان أفضل منه في غيرها .
ن التّطوّع في العبادات يختلف في جنسه كذلك من حيث الطلق والتّقييد ،فمنه ما هو مقيّد ،سواء
كما أ ّ
أكان التّقييد بوقت أو بسبب ،كالضّحى وتحيّة المسجد والرّواتب مع الفروض .ومنه ما هو مطلق كالنّفل
المطلق باللّيل أو بالنّهار .
ويختلف كذلك من حيث العدد كالرّواتب من الفروض ،إذ هي عند الجمهور عشر ،وعند الحنفيّة اثنتا عشرة
ركعة :اثنتان قبل الصّبح ،واثنتان قبل الظّهر ( وعند الحنفيّة أربع ) واثنتان بعده ،واثنتان بعد المغرب ،
واثنتان بعد العشاء .
والتّطوّع في النّهار واللّيل مثنى مثنى عند الجمهور ،وعند الحنفيّة الفضل أربع بتسليمة واحدة .ومثل ذلك
تطوّع اللّيل عند أبي حنيفة خلفا للصّاحبين ،وبهذا يفتى .
وفي كلّ ما سبق تفصيل كثير ينظر في مصطلح ( السّنن الرّواتب ،ونفل ) وفيما له أبواب من ذلك مثل :
عيد -كسوف -استسقاء . . .إلخ .
ومن التّطوّع ما يكون في غير العبادات كطلب علم غير مفروض .
وكذلك من أنواع البرّ والمعروف ،كالتّطوّع بالنفاق على قريب لم تجب عليه نفقته ،أو على أجنبيّ
محتاج ،أو قضاء الدّين عنه ،أو إبراء المعسر ،أو العفو عن القصاص ،أو الرفاق المعروف بجعل الغير
يحصل على منافع العقار ،أو إسقاط الحقوق . . .وهكذا .
ومنه ما يعرف بعقود التّبرّعات ،كالقرض والوصيّة والوقف والعارة والهبة ،إذ أنّها قربات شرعت
للتّعاون بين النّاس .
- 3ومن التّطوّع ما هو عينيّ مطلوب ندبا من كلّ فرد ،كالتّطوّع بالعبادات غير المفروضة من صلة
وصيام . . .ومنه ما هو على الكفاية كالذان وغيره .
قال النّوويّ وغيره :ابتداء السّلم سنّة مستحبّة ليس بواجب ،وهو سنّة على الكفاية ،فإن كان المسلّم جماعة
كفى عنهم تسليم واحد منهم .وتشميت العاطس سنّة على الكفاية .
حكمة مشروعيّة التّطوّع :
- 4التّطوّع يقرّب العبد من ربّه ويزيده ثوابا ،وفي الحديث القدسيّ « :وما يزال عبدي يتقرّبُ إليّ بالنّوافلِ
حتّى أحبّه » . . .الحديث .
والحكمة من مشروعيّة التّطوّع هي :
أ -اكتساب رضوان اللّه تعالى :
وكذلك نيل ثوابه ومضاعفة الحسنات ،وقد ورد في ثواب التّطوّع بالعبادة أحاديث كثيرة منها :قول النّبيّ
صلى ال عليه وسلم « :من ثابر على اثنتي عشرة ركعة في اليوم واللّيلة بنى اللّه له بيتا في الجنّة » .
وقوله صلى ال عليه وسلم « :ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها » وغير ذلك كثير في شأن الصّلة .
وفي صوم يوم عاشوراء يقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إنّي لحتسب على اللّه أن يكفّر السّنة الّتي قبله
» والمراد الصّغائر .حكاه في شرح مسلم عن العلماء ،فإن لم تكن الصّغائر رجي التّخفيف من الكبائر ،
فإن لم تكن رفعت الدّرجات ،وقال صلى ال عليه وسلم « :من صام رمضان ،ثمّ أتبعه ستّا من شوّال كان
كصيام الدّهر » .
وقال الزّهريّ :في العتكاف تفريغ القلب عن أمور الدّنيا ،وتسليم النّفس إلى بارئها ،والتّحصّن بحصن
حصين ،وملزمة بيت اللّه تعالى .وقال عطاء :مثل المعتكف كمثل رجل له حاجة إلى عظيم يجلس على
بابه ،ويقول :ل أبرح حتّى تقضى حاجتي .
ضعَافَا
سنَا َفيُضَاعِ َفهُ لَه َأ ْ
حَض اللّ َه َقرْضَا َ
ن ذَا الّذيْ يُ ْقرِ ُ
ومثل ذلك في غير العبادات .يقول اللّه تعالى { :مَ ْ
َكثِيرَةً } ،ويقول ابن عابدين :من محاسن العاريّة أنّها نيابة عن اللّه تعالى في إجابة المضطرّ ،لنّها ل
تكون إلّا لمحتاج كالقرض ،فلذا كانت الصّدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر .
ب -النس بالعبادة والتّهيّؤ لها :
ن النّفوس لنشغالها
- 5قال ابن دقيق العيد :في تقديم النّوافل على الفرائض معنى لطيف مناسب ،ل ّ
بأسباب الدّنيا تكون بعيدة عن حالة الخشوع والخضوع والحضور ،الّتي هي روح العبادة ،فإذا قدّمت
النّوافل على الفرائض أنست النّفوس بالعبادة ،وتكيّفت بحالة تقرّب من الخشوع .
ج -جبران الفرائض :
- 6قال ابن دقيق العيد :النّوافل الّتي بعد الفرائض هي لجبر النّقص الّذي قد يقع في الفرائض ،فإذا وقع
نقص في الفرض ناسب أن يقع بعده ما يجبر الخلل الّذي قد يقع فيه .وفي الحديث « :فإن انتقص من
ل :انظروا هل لعبدي من تطوّع ؟ فيكمل به ما انتقص من الفريضة » .
فريضته شيء ،قال الرّبّ عزّ وج ّ
قال المناويّ في شرحه الكبير على الجامع عند قوله صلى ال عليه وسلم « :أوّل ما افترض اللّه على أمّتي
الصّلة »...واعلم أنّ الحقّ سبحانه وتعالى لم يوجب شيئا من الفرائض غالبا إل وجعل له من جنسه نافلة ،
حتّى إذا قام العبد بذلك الواجب -وفيه خلل ما -يجبر بالنّافلة الّتي هي من جنسه ،فلذا أمر بالنّظر في
فريضة العبد ،فإذا قام بها كما أمر اللّه جوزي عليها ،وأثبتت له ،وإن كان فيها خلل كمّلت من نافلته حتّى
قال البعض :إنّما تثبت لك نافلة إذا سلمت لك الفريضة .ولذلك يقول القرطبيّ في شرح مسلم :من ترك
التّطوّعات ولم يعمل بشيء منها فقد فوّت على نفسه ربحا عظيما وثوابا جسيما .
د -التّعاون بين النّاس وتوثيق الرّوابط بينهم واستجلب محبّتهم :
- 7التّطوّع بأنواع البرّ والمعروف ينشر التّعاون بين النّاس ،ولذلك دعا اللّه إليه في قوله َ { :و َتعَا َونُوا على
ن العبد ما دام العبد في عون أخيه »
عوْ ِ
ال ِبرّ وَالتّ ْقوَى } ،ويقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :واللّه في َ
وفي فتح الباري عند قول النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
ض على الخير بالفعل ،وبالتّسبّب إليه بكلّ وجه ،
جرُوا » .يقول ابن حجر :في الحديث الح ّ
« اشْ َفعُوا ُت ْؤ َ
والشّفاعة إلى الكبير في كشف كربة ومعونة ضعيف ،إذ ليس كلّ أحد يقدر على الوصول إلى الرّئيس .
كذلك يقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم َ « :تهَادُوا تحابّوا » .
أفضل التّطوّع :
- 8اختلف الفقهاء في أفضل التّطوّع ،فقيل :أفضل عبادات البدن الصّلة .
ففرضها أفضل من فرض غيرها ،وتطوّعها أفضل من تطوّع غيرها ،لنّها أعظم القربات ،لجمعها أنواعا
من العبادات ل تجمع في غيرها .
قال بهذا المالكيّة ،وهو المذهب عند الشّافعيّة ،ولهم قول آخر بتفضيل الصّيام .
قال صاحب المجموع :وليس المراد بقولهم :الصّلة أفضل من الصّوم :أنّ صلة ركعتين أفضل من صيام
ن من لم يمكنه الجمع بين الستكثار من
ن الصّوم أفضل من ركعتين بل شكّ ،وإنّما معناه أ ّ
أيّام أو يوم ،فإ ّ
الصّلة والصّوم ،وأراد أن يستكثر من أحدهما ،أو يكون غالبا عليه ،منسوبا إلى الكثار منه ،ويقتصر
من الخر على المتأكّد منه ،فهذا محلّ الخلف والتّفصيل .والصّحيح تفضيل الصّلة .
ن ِبَأمْوَاِل ِهمْ وََأنْ ُفسِهمْ على
ن أفضل تطوّعات البدن الجهاد لقوله تعالى { :فَضّلَ الّلهُ ال ُمجَا ِهدِي َ
ويقول الحنابلة :إ ّ
سبْعَ
حبّ ٍة َأ ْن َبتَتْ َ
سبِيلِ اللّ ِه َك َمثَلِ َ
ن َأمْوَاَل ُهمْ فِي َ
ل الّذينَ ُينْفِقُو َ
ن َدرَجَةً } ثمّ النّفقة فيه لقوله تعالى َ { :مثَ ُ
القَاعِدي َ
سنَابِلَ } الية .
َ
ثمّ تعلّم العلم وتعليمه ،لحديث « :فضل العاِلمِ على العا ِبدِ كفضلي على أدناكم » .
ب العمال إلى اللّه ،ومداومته صلى ال عليه وسلم على نفلها .
ثمّ الصّلة أفضل بعد ذلك ،للخبار بأنّها أح ّ
ص به
ص المام أحمد على أنّ الطّواف لغريب أفضل منها ،أي من الصّلة بالمسجد الحرام ،لنّه خا ّ
ون ّ
يفوت بمفارقته بخلف الصّلة ،فالشتغال بمفضول يختصّ بقعة أو زمنا أفضل من فاضل ل يختصّ ،
ن أفضل الطّاعات على قدر المصالح النّاشئة
واختار عزّ الدّين بن عبد السّلم تبعا للغزاليّ في الحياء :أ ّ
عنها .
- 9ويتفاوت ما يتعدّى نفعه في الفضل ،فصدقة على قريب محتاج أفضل من عتق أجنبيّ ،لنّها صدقة
وصلة ونحو ذلك .
وفي المنثور في القواعد للزّركشيّ :لو ملك عقارا ،وأراد الخروج عنه ،فهل الولى الصّدقة به حال ،أم
وقفه ؟ قال ابن عبد السّلم :إن كان ذلك في وقت شدّة وحاجة فتعجيل الصّدقة أفضل ،وإن لم يكن كذلك
ل الوقف أولى ،لكثرة جدواه .وأطلق ابن الرّفعة تقديم صدقة التّطوّع به ،لما فيه من قطع
ففيه وقفة ،ولع ّ
حظّ النّفس في الحال بخلف الوقف .وفي المنثور أيضا :مراتب القرب تتفاوت ،فالقربة في الهبة أت ّم منها
ن نفعه دائم يتكرّر ،والصّدقة أتمّ من الكلّ ،لنّ قطع حظّه
في القرض ،وفي الوقف أت ّم منها في الهبة ،ل ّ
ن القرض أفضل من الصّدقة .
من المتصدّق به في الحال .وقيل :إ ّ
ن « رسول اللّه رأى ليلة أسري به مكتوبا على باب الجنّة :درهم القرض بثمانية عشر ،ودرهم الصّدقة
لّ
ن السّائل يسأل وعنده ،والمقترض ل
بعشر ،فسأل جبريل :ما بال القرض أفضل من الصّدقة :فقال :ل ّ
يقترض إل من حاجة » .
وتكسّب ما زاد على قدر الكفاية -لمواساة الفقير أو مجازاة القريب -أفضل من التّخلّي لنفل العبادة ،لنّ
منفعة النّفل تخصّه ،ومنفعة الكسب له ولغيره ،فقد قال عليه الصلة والسلم « :خير النّاس أنفعهم للنّاس »
وعن عمر بن الخطّاب قال ":إنّ العمال تتباهى ،فتقول الصّدقة :أنا أفضلكم ".
وفي الشباه لبن نجيم :بناء الرّباط بحيث ينتفع به المسلمون ،أفضل من الحجّة الثّانية .
الحكم التّكليفيّ :
- 10الصل في التّطوّع أنّه مندوب .سواء أكان ذلك في العبادات من صلة وصيام . . .أم كان في
غيرها من أنواع البرّ والمعروف ،كالعارة والوقف والوصيّة وأنواع الرفاق .والدّليل على ذلك من الكتاب
ن ذَا اّلذِي يُ ْقرِضُ الّلهَ َق ْرضَا
آيات منها :قوله تعالى َ { :و َتعَا َونُوا عَلَى ال ِبرّ وَالتّقْوَى } ،وقوله تعالى { :مَ ْ
ضعَافَا َكثِيرَةً } .
سنَا َف ُيضَاعِفَ ُه لَ ُه َأ ْ
حََ
ن بيت في
سنّة قوله صلى ال عليه وسلم « :من صلّى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة ُب ِنيَ له به ّ
ومن ال ّ
الجنّة »
قوله « :من صام رمضان ثمّ أتبعه ستّا من شوّال كان كصيام الدّهر » وقوله « :اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة
» وقوله « :ل يمنع أحدُكم جارَه أن َيغْ ِرزَ خشبه في جداره » .
وقد يعرض له الوجوب ،كبذل الطّعام للمضطرّ ،وكإعارة ما يستغنى عنه لمن يخشى هلكه بعدمها ،
وكإعارة الحبل لنقاذ غريق .
وقد يكون حراما ،كالعبادة الّتي تقع في الوقات المحرّمة كالصّلة وقت طلوع الشّمس أو غروبها ،وكصيام
يومي العيد ،وأيّام التّشريق ،وكتصدّق المدين مع حلول دينه والمطالبة به ،وعدم وجود ما يسدّد به دينه .
وقد يكون مكروها ،كوقوع الصّلة في الوقات المكروهة ،كما أنّه يكره ترك التّسوية في العطيّة لولده .
أهليّة التّطوّع :
- 11التّطوّع يكون في العبادات وغيرها ،
أمّا العبادات فإنّه يشترط في المتطوّع بها ما يلي :
أ -أن يكون مسلما ،فل يصحّ التّطوّع بالعبادات من الكافر ،لنّه ليس من أهل العبادة .
ج ،لنّه في الحجّ
ب -أن يكون عاقل ،فل تصحّ العبادة من المجنون ،لعدم صحّة نيّته .وهذا في غير الح ّ
ي عن الصّبيّ غير المميّز .
يحرم عنه وليّه ،وكذلك يحرم الول ّ
ن تطوّع الصّبيّ بالعبادات صحيح .
ج -التّمييز ،فل يصحّ التّطوّع من غير المميّز ،ول يشترط البلوغ ،ل ّ
ن الشّرط هو أهليّة التّبرّع من عقل وبلوغ ورشد ،فل يصحّ تبرّع محجور
وأمّا بالنّسبة لغير العبادات :فإ ّ
عليه لصغر أو سفه أو دين أو غير ذلك .وتفصيل هذا ينظر في ( أهليّة ) .
أحكام التّطوّع :
- 12أحكام التّطوّع منها ما يخصّ العبادات ،ومنها ما يشمل العبادات وغيرها ،ومنها ما يخصّ غير
العبادات ،وبيان ذلك فيما يأتي :
أوّلً ما يخصّ العبادات :
أ -ما تسنّ له الجماعة من صلة التّطوّع :
- 13تسنّ الجماعة لصلة الكسوف باتّفاق بين المذاهب ،وتسنّ للتّراويح عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة .
وهي مندوبة عند المالكيّة ،إذ الفضل النفراد بها -بعيدا عن الرّياء -إن لم تعطّل المساجد عن فعلها فيها
ن الجماعة كذلك لصلة الستسقاء عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،أمّا عند الحنفيّة فتصلّى جماعة
.وتس ّ
ن الجماعة لصلة العيدين عند المالكيّة
وفرادى عند محمّد ،ول تصلّى إلّا فرادى عند أبي حنيفة .وتس ّ
والشّافعيّة .أمّا عند الحنفيّة والحنابلة فالجماعة فيها واجبة .ويسنّ الوتر جماعة عند الحنابلة .
وبقيّة التّطوّعات تجوز جماعة وفرادى عند الشّافعيّة والحنابلة ،وتكره جماعة عند الحنفيّة إذا كانت على
سبيل التّداعي ،وعند المالكيّة الجماعة في الشّفع والوتر سنّة والفجر خلف الولى .أمّا غير ذلك فيجوز
فعله جماعة ،إل أن تكثر الجماعة أو يشتهر المكان فتكره الجماعة حذر الرّياء .والتّفصيل ينظر في
( صلة الجماعة -نفل ) .
مكان صلة التّطوّع :
- 14صلة التّطوّع في البيوت أفضل ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :صلّوا أيّها النّاس في بيوتكم ،
ن أفضل صلة المرء في بيته إل المكتوبة » ويستثنى من ذلك ما شرعت له الجماعة ،ففعله في المسجد
فإ ّ
ن تحيّة
أفضل ،ويستثنى كذلك عند المالكيّة صلة الرّواتب مع الفرائض ،فيندب فعلها في المسجد ،كما أ ّ
ب للمصلّي عند الجمهور أن يتنفّل في غير المكان الّذي صلّى فيه
المسجد تصلّى في المسجد .ويستح ّ
المكتوبة .
وقال الكاسانيّ من الحنفيّة :يكره للمام أن يصلّي شيئا من السّنن في المكان الّذي صلّى فيه المكتوبة ،لما
روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « :أيعجز أحدُكم إذا صلّى أن يتقدّمَ أو يتأخّر » ،ول يكره ذلك
ن الكراهة في حقّ المام للشتباه ،وهذا ل يوجد في حقّ المأموم ،لكن يستحبّ له أن يتنحّى
للمأموم ،ل ّ
أيضا ،حتّى تنكسر الصّفوف ،ويزول الشتباه على الدّاخل من كلّ وجه .
وقال ابن قدامة :قال أحمد :ل يتطوّع المام في مكانه الّذي صلّى فيه المكتوبة .كذا قال عليّ بن أبي
طالب رضي ال عنه .قال أحمد :ومن صلّى وراء المام فل بأس أن يتطوّع مكانه ،فعل ذلك ابن عمر
رضي ال عنهما .وبهذا قال إسحاق ،وروى أبو بكر حديث عليّ بإسناده .وبإسناده عن المغيرة بن شعبة
ي صلى ال عليه وسلم قال :ل يتطوّع المام في مقامه الّذي يصلّي فيه المكتوبة
ن النّب ّ
رضي ال عنه « :أ ّ
».
صلة التّطوّع على الدّابّة :
- 15يجوز باتّفاق المذاهب صلة التّطوّع على الدّابّة في السّفر .
قال ابن قدامة :ل نعلم خلفا بين أهل العلم في إباحة التّطوّع على الرّاحلة في السّفر الطّويل قال التّرمذيّ :
هذا عند عامّة أهل العلم ،
ل من سافر سفرا يقصر فيه الصّلة أن يتطوّع على دابّته حيثما
وقال ابن عبد البرّ :أجمعوا على أنّه جائز لك ّ
توجّهت ،يومئ بالرّكوع والسّجود ،ويجعل السّجود أخفض من الرّكوع .
ويجوز عند الحنابلة التّطوّع على الرّاحلة في السّفر القصير أيضا ،لقوله تعالى { :وَلِلّ ِه ال َمشْ ِرقُ وَال َمغْرِبُ
جهُ الّلهِ } ،قال ابن عمر رضي ال عنهما :نزلت هذه الية في التّطوّع خاصّة حيث توجّه
َفأَ ْي َنمَا تُوَلّوا َف َثمّ َو ْ
به بعيرك .
وهذا يتناول بإطلقه محلّ النّزاع ،وعن ابن عمر رضي ال عنهما « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم
كان يوتر على بعيره » ،وفي رواية « :كان يسبّح على ظهر راحلته حيث كان وجهه ،يومئ برأسه »
وكان ابن عمر يفعله .وللبخاريّ « :إل الفرائض » ولمسلم وأبي داود « :غير أنّه ل يصلّي عليها
المكتوبة » ولم يفرّق بين قصير السّفر وطويله ،ولنّ إباحة الصّلة على الرّاحلة تخفيف في التّطوّع ،كي
ل يؤدّي إلى قطعها وتقليلها .
والوتر واجب عند الحنفيّة ،ولهذا ل يؤدّى على الرّاحلة عند القدرة على النّزول .كذلك روى الحسن عن
ن من صلّى ركعتي الفجر على الدّابّة من غير عذر وهو يقدر على النّزول ل يجوز ،لختصاص
أبي حنيفة أ ّ
ركعتي الفجر بزيادة توكيد وترغيب بتحصيلها وترهيب وتحذير على تركها ،فالتحقت بالواجبات كالوتر .
وينظر تفصيل ذلك في ( :نفل -نافلة ).
صلة التّطوّع قاعدا :
- 16تجوز صلة التّطوّع من قعود باتّفاق بين المذاهب .
قال ابن قدامة :ل نعلم خلفا في إباحة التّطوّع جالسا ،وأنّه في القيام أفضل ،وقد قال النّبيّ صلى ال عليه
ن كثيرا من النّاس يشقّ
وسلم « :من صلّى قائما فهو أفضل ،ومن صلّى قاعدا فله نصف أجر القائم » ول ّ
عليه القيام ،فلو وجب في التّطوّع لترك أكثره ،فسامح الشّارع في ترك القيام فيه ترغيبا في تكثيره .
الفصل بين الصّلة المفروضة وصلة التّطوّع :
- 17يستحبّ أن يفصل المصلّي بين الصّلة المفروضة وصلة التّطوّع بعدها بالذكار الواردة ،كالتّسبيح
سنّة .
سنّة ،بل يشتغل بال ّ
والتّحميد والتّكبير ،وهذا عند الجمهور .وعند الحنفيّة يكره الفصل بين المكتوبة وال ّ
وللتّفصيل ( :ر :نفل ) .
قضاء التّطوّع :
- 18إذا فات التّطوّع -سواء المطلق ،أو المقيّد بسبب أو وقت -فعند الحنفيّة والمالكيّة ل يقضى سوى
ركعتي الفجر ،لما روت أ ّم سلمة رضي ال عنها قالت « :صلّى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم العصر ثمّ
دخل بيتي فصلّى ركعتين ،فقلت :يا رسول اللّه ،صلّيتَ صلة لم تكن تصلّيها فقال :قدم عليّ مالٌ فشغلني
عن الرّكعتين كنت أركعهما بعد الظّهر ،فصلّيتهما الن .فقلت :يا رسول اللّه أفنقضيهما إذا فاتتا ؟ قال :ل
».
ن القضاء غير واجب على المّة ،وإنّما هو شيء اختصّ به النّبيّ صلى ال عليه وسلم ول
وهذا نصّ على أ ّ
شركة لنا في خصائصه .وقياس هذا الحديث أنّه ل يجب قضاء ركعتي الفجر أصل ،إل أنّا استحسنّا
ي صلى ال عليه وسلم فعلهما مع الفرض ليلة التّعريس » فنحن نفعل
ن « النّب ّ
القضاء إذا فاتتا مع الفرض ،ل ّ
ذلك لنكون على طريقته .
وهذا بخلف الوتر ،لنّه واجب عند الحنفيّة ،والواجب ملحق بالفرض في حقّ العمل .
وقال النّوويّ من الشّافعيّة :لو فات النّفل المؤقّت " كصلة العيد والضّحى " ندب قضاؤه في الظهر ،لحديث
الصّحيحين « :من نسي صلةً أو نام عنها فكفّارتُها أن يصلّيها إذا ذكرها » ولنّ « النّبيّ صلى ال عليه
وسلم قضى ركعتي الفجر لمّا نام في الوادي عن صلة الصّبح إلى أن طلعت الشّمس » .وفي مسلم نحوه .
« وقضى ركعتي سنّة الظّهر المتأخّرة بعد العصر » ،ولنّها صلة مؤقّتة فقضيت كالفرائض ،وسواء السّفر
والحضر ،كما صرّح به ابن المقري .
والثّاني :ل يقضى كغير المؤقّت .
والثّالث :إن لم يتبع غيره كالضّحى قضي ،لشبهه بالفرض في الستقلل ،وإن تبع غيره كالرّواتب فل .
قال الخطيب الشّربينيّ في شرح المنهاج :قضيّة كلمه -أي النّوويّ -أنّ المؤقّت يقضي أبدا وهو
الظهر ،والثّاني :يقضي فائتة النّهار ما لم تضرب شمسه ،وفائتة اللّيل ما لم يطلع فجره .والثّالث :
يقضي ما لم يصلّ الفرض الّذي بعده .
وخرج بالمؤقّت ما له سبب كالتّحيّة والكسوف فإنّه ل مدخل للقضاء فيه .
نعم لو فاته ِو ْردُه من الصّلة ،فإنّه يندب له قضاؤه كما قاله الذرعيّ .
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قضى شيئا من التّطوّع ،إل ركعتي
وعند الحنابلة ،قال المام أحمد :لم يبلغنا أ ّ
الفجر والرّكعتين بعد العصر .
وقال القاضي وبعض الصحاب :ل يقضى إل ركعتا الفجر وركعتا الظّهر .
ي صلى ال عليه وسلم قضى بعضها ،وقسنا الباقي
ن النّب ّ
وقال ابن حامد :تقضى جميع السّنن الرّواتب ،ل ّ
عليها .وفي شرح منتهى الرادات :يسنّ قضاء الرّواتب ،إل ما فات مع فرضه وكثر ،فالولى تركه ،إل
سنّة الفجر فيقضيها مطلقا لتأكّدها .
انقلب الواجب تطوّعا :
- 19قد ينقلب واجب العبادات إلى تطوّع ،سواء أكان بقصد أم بغير قصد .
ومن ذلك مثلً في الصّلة يقول ابن نجيم :لو افتتح الصّلة بنيّة الفرض ،ثمّ غيّر نيّته في الصّلة وجعلها
تطوّعا ،صارت تطوّعا .
وفي شرح منتهى الرادات :إن أحرم مصلّ بفرض ،كظهر في وقته المتّسع له ولغيره ،ثمّ قلبه نفل ،بأن
فسخ نيّة الفرضيّة دون نيّة الصّلة ،صحّت مطلقا ،أي سواء كان صلّى الكثر منها أو القلّ ،وسواء كان
لغرض صحيح أو ل ،لنّ النّفل يدخل في نيّة الفرض ،وكره قلبه نفل لغير غرض صحيح .ثمّ قال :
وينقلب نفل ما بان عدمه ،كما لو أحرم بفائتة ظنّها عليه ،فتبيّن أنّه لم تكن عليه فائتة ،أو أحرم بفرض ثمّ
تبيّن له أنّه لم يدخل وقته ،لنّ الفرض لم يصحّ ،ولم يوجد ما يبطل النّفل .
ومن ذلك الصّيام .جاء في شرح منتهى الرادات :من قطع نيّة صوم نذر أو كفّارة أو قضاء ،ثمّ نوى
ل.
صوما نفل صحّ نفله ،وإن قلب صائم نيّة نذر أو قضاء إلى نفل صحّ ،كقلب فرض الصّلة نف ً
وخالف الحجّاويّ في " القناع " في مسألة قلب القضاء ،وكره له ذلك لغير غرض .
ومن ذلك الزّكاة .جاء في بدائع الصّنائع :إذا دفع الزّكاة إلى رجل ،ولم يخطر بباله أنّه ليس ممّن تصرف
الزّكاة إليهم وقت الدّفع ،ولم يشكّ في أمره ،فإذا ظهر بيقين أنّه ليس من مصارفها لم تجزئه زكاة ،ويجب
عليه العادة ،وليس له أن يستردّ ما دفع إليه ،ويقع تطوّعا .ثمّ قال الكاسانيّ في موضع آخر :حكم
ب المال أو
المعجّل إذا لم يقع زكاة :أنّه إن وصل إلى يد الفقير يكون تطوّعا ،سواء وصل إلى يده من يد ر ّ
من يد المام أو نائبه -وهو السّاعي -لنّه حصل أصل القربة .
وصدقة التّطوّع ل يحتمل الرّجوع فيها بعد وصولها إلى يد الفقير .
ج في غير أشهره انعقد إحرامه بالعمرة ،لنّها عبادة مؤقّتة ،فإذا عقدها
وفي المهذّب أيضا :من أحرم بالح ّ
في غير وقتها انعقد غيرها من جنسها ،كصلة الظّهر إذا أحرم بها قبل الزّوال ،فإنّه ينعقد إحرامه بالنّفل .
ج فرضا وتطوّعا كان تطوّعا
ل كان نفل ،ولو أحرم بالح ّ
ج نذرا ونف ً
وفي الشباه لبن نجيم :لو أحرم بالح ّ
عندهما في الصحّ .
حصول التّطوّع بأداء الفرض وعكسه :
- 20هناك صور يحصل التّطوّع فيها بأداء الفرض ،ولكنّ ثواب التّطوّع ل يحصل إل بنيّته .جاء في
الشباه لبن نجيم -في الجمع بين عبادتين -قالوا :لو اغتسل الجنب يوم الجمعة للجمعة ولرفع الجنابة ،
ارتفعت جنابته ،وحصل له ثواب غسل الجمعة .
وفي ابن عابدين َ :منْ عليه جنابة نسيها واغتسل للجمعة مثلً ،فإنّه يرتفع حدثه ضمنا ،ول يثاب ثواب
الفرض ،وهو غسل الجنابة ما لم ينوه ،لنّه ل ثواب إلّا بال ّنيّة .
وفي الشّرح الصّغير :تتأدّى تحيّة المسجد بصلة الفرض فيسقط طلب التّحيّة بصلته ،فإن نوى الفرض
ن العمال بالنّيّات .ومثل ذلك غسل الجمعة
والتّحيّة حصل ،وإن لم ينو التّحيّة لم يحصل له ثوابها ،ل ّ
والجنابة ،وصيام يوم عرفة مع نيّة قضاء ما عليه .
وفي القواعد لبن رجب :لو طاف عند خروجه من مكّة طوافا ينوي به الزّيارة والوداع ،فقال الخرقيّ
وصاحب المغني :يجزئه عنهما .
ثانيا ما يشمل العبادات وغيرها من أحكام :
أ -قطع التّطوّع بعد الشّروع فيه :
- 21إذا كان التّطوّع عبادة كالصّلة والصّيام ،فعند الحنفيّة والمالكيّة :إذا شرع فيه وجب إتمامه ،وإذا
ضيّا وقضاء .
فسد وجب قضاؤه ،لنّ التّطوّع يلزم بالشّروع ُم ِ
عمَالَكمْ } .
ن المؤدّى عبادة ،وإبطال العبادة حرام ،لقوله تعالى { :وَل ُتبْطِلُوا أَ ْ
ول ّ
وقد « قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم لعائشة وحفصة رضي ال عنهما وقد أفطرتا في صوم التّطوّع اقضيا
يوما مكانه » .
أنف المالكيّة ل يوجبون القضاء إل إذا كان الفسفاد متعمّدا ،فإن كان لعذر فل قضاء .وعنفد الشّافعيّة
غيفر ّ
والحنابلة :ي ستحبّ التمام إذا شرع في التّطوّع ول ي جب ،ك ما أنّه ي ستحبّ القضاء إذا ف سد ،إلّا في تطوّع
ن نفلهما كفرضهما نيّة وفدية وغيرهما .
الحجّ والعمرة فيجب إتمامهما إذا شرع فيهما ،ل ّ
واستدلّ الشّافعيّة والحنابلة على عدم وجوب التمام بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم :
« الصّائم المتطوّع أمير نفسه ،إن شاء صام ،وإن شاء أفطر » .
وتنظر التّفاصيل في ( نفل ،صلة ،صيام ،حجّ ) .
- 22أمّا غير ذلك من التّطوّعات ،فإمّا أن يكون من قبيل عقود التّبرّعات المعروفة كالهبة والعاريّة
والوقف والوصيّة ،وإمّا أن يكون من غير ذلك .
فإن كان من عقود التّبرّعات ،فلكلّ عقد حكمه في جواز الرّجوع أو عدم جوازه .ففي الوصيّة مثل :يجوز
باتّفاق الرّجوع فيها ما دام الموصي حيّا .
وفي العاريّة والقرض :يجوز الرّجوع بطلب ردّ الشّيء المستعار واسترداد بدل القرض في الحال بعد
القبض .وهذا عند غير المالكيّة ،بل قال الجمهور :إنّ المقرض إذا أجّل القرض ل يلزمه التّأجيل ،لنّه لو
لزم فيه الجل لم يبق تبرّعا .
ويجوز الرّجوع في الهبة قبل القبض ،فإذا تمّ القبض فل رجوع عند الشّافعيّة والحنابلة ،إل فيما وهب الوالد
لولده ،وعند الحنفيّة :يجوز الرّجوع إن كانت لجنبيّ .
وفي كلّ ذلك تفصيل ينظر في أبوابه .وفي ( تبرّع ) .
أمّا غير ذلك من التّبرّعات كالصّدقة والنفاق وما شابه ذلك ،فإن كان قد مضى فل رجوع فيه ،ما دام ذلك
ن المقصود فيها الثّواب ل العوض .ويقول
قد تمّ بنيّة التّبرّع .يقول ابن عابدين :ل رجوع في الصّدقة ل ّ
ن عمر رضي ال عنه قال في حديثه
ابن قدامة :ل يجوز للمتصدّق الرّجوع في صدقته في قولهم جميعا ،ل ّ
:من وهب هبة على وجه صدقة فإنّه ل يرجع فيها .ومثل ذلك النفاق إذا كان بقصد التّبرّع فل رجوع فيه
.
يقول ابن عابدين :إذا أنفق الوصيّ من مال نفسه على الصّبيّ ،وللصّبيّ مال غائب ،فهو متطوّع في
النفاق استحسانا ،إل أن يشهد أنّه قرض ،أو أنّه يرجع به عليه .
ويقول ابن القيّم :المقاصد تغيّر أحكام التّصرّفات ،فال ّنيّة لها تأثير في التّصرّفات ،ومن ذلك أنّه لو قضى
عن غيره دينا ،أو أنفق عليه نفقة واجبة أو نحو ذلك -ينوي التّبرّع والهبة -لم يملك الرّجوع بالبدل ،وإن
لم ينو فله الرّجوع .على أنّ في ذلك تفصيلً وخلفا بين المذاهب في بعض الفروع ،ومن ذلك مثل :أنّ
الشّافعيّة يجيزون للب ولسائر الصول الرّجوع في الصّدقة المتطوّع بها على الولد ،أمّا الواجبة فل رجوع
فيها .
ول يجيزون للب الرّجوع في البراء لولده عن دينه .بينما يجيز الحنابلة رجوع الب فيما أبرأ ابنه منه من
الدّيون .وينظر تفصيل ذلك في ( تبرّع ،صدقة ،إبراء ،هبة ،نفقة ) .
- 23أمّا ما شرع فيه من الصّدقة .فأخرج بعضه ،فل يلزمه الصّدقة بباقيه .
ن النسان لو نوى الصّدقة بمال مقدّر ،وشرع في الصّدقة به ،فأخرج
يقول ابن قدامة :انعقد الجماع على أ ّ
ن ابن
بعضه لم تلزمه الصّدقة بباقيه ،وهو نظير العتكاف ،لنّه غير مقدّر بالشّرع فأشبه الصّدقة ،غير أ ّ
رجب ذكر خلفا في ذلك .
والحطّاب ع ّد الشياء الّتي تلزم بالشّروع ،وهي سبع :الصّلة والصّوم والعتكاف والحجّ والعمرة والئتمام
والطّواف .ثمّ ذكر ما ل يلزم بالشّروع ،وأنّه ل يجب القضاء بقطعه ،وهو :الصّدقة والقراءة والذكار
والوقف والسّفر للجهاد ،وغير ذلك من القربات .
وينظر تفصيل ذلك في ( تبرّع ،صدقة ) .
ب -نيّة التّطوّع :
- 24التّطوّع -إن كان عبادة -فل بدّ فيه من ال ّنيّة بالجماع ،لقوله تعالى َ { :ومَا ُأ ِمرُوا إل ِل َي ْع ُبدُوا اللّهَ
ن لَ ُه الدّينَ } وقوله صلى ال عليه وسلم « :إنّما العمال بال ّنيّات » وهي مقصودة بها تمييز العبادات
ُمخْلِصِي َ
عن العادات ،وتمييز بعض العبادات عن بعض .فالغسل قد يكون تبرّدا وعبادة ،والمساك عن المفطرات
قد يكون حميّة أو تداويا ،ودفع المال يكون صدقة شرعيّة وصلة متعارفة . .وهكذا ،وعلى ذلك فال ّنيّة
ن الفقهاء يختلفون في ال ّنيّة في تطوّع العبادات بالنّسبة للتّعيين أو الطلق .
شرط في العبادات باتّفاق ،إلّا أ ّ
- 25والتّطوّع في العبادات ،منه ما هو مطلق كالتّهجّد والصّوم ،ومنه ما هو مقيّد كصلة الكسوف والسّنن
الرّواتب مع الفرائض ،وكصيام عرفة وعاشوراء .
ح عند جميع الفقهاء أداؤه دون تعيينه بال ّنيّة ،وتكفي نيّة مطلق الصّلة أو مطلق
أمّا التّطوّع المطلق ،فيص ّ
الصّوم .
أمّا التّطوّع المعيّن كالرّواتب والوتر والتّراويح ،وصلة الكسوف والستسقاء ،وصيام يوم عاشوراء ،فإنّه
ن المالكيّة
يشترط فيه تعيينه بال ّنيّة ،وذلك عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض مشايخ الحنفيّة ،غير أ ّ
حدّدوا المعيّن عندهم بأنّه :الوتر والعيدان وصلة الكسوف والستسقاء ورغيبة الفجر ،أمّا غير ذلك فهو من
المطلق عندهم .
ح دون تعيينه ،وأنّه يكفي فيه مطلق ال ّنيّة
والصّحيح المعتمد عند الحنفيّة أنّ التّطوّع المعيّن أو المقيّد يص ّ
كالتّطوّع المطلق ،وهو ما عليه أكثر مشايخ الحنفيّة .
ن نيّة القربة فيها -امتثال
- 26أمّا غير العبادات من التّطوّعات ،فالصل أنّه ل مدخل لل ّنيّة فيها ،إل أ ّ
لوامر الشّرع الّتي تحثّ على المعروف -مطلوبة لستحقاق الثّواب ،إذ أنّها ل تتمحّض قربة إلّا بهذه ال ّنيّة
.
يقول الشّاطبيّ :المقاصد معتبرة في التّصرّفات من العبادات والعادات .إلى أن قال :وأمّا العمال العاديّة -
وإن لم تفتقر في الخروج عن عهدتها إلى نيّة -فل تكون عبادات ول معتبرات في الثّواب إل مع قصد
المتثال ،وفي الشباه لبن نجيم :ل يتوقّف الوقف ول الهبة ول الوصيّة على ال ّنيّة ،فالوصيّة إن قصد
التّقرّب بها فله الثّواب ،وإلّا فهي صحيحة فقط ،وكذلك الوقف إن نوى القربة فله الثّواب وإل فل ،وعلى
هذا سائر القرب ل بدّ فيها من ال ّنيّة ،بمعنى توقّف حصول الثّواب على قصد التّقرّب بها إلى اللّه تعالى .
ح القصد ،وإن استحضر أنّ ذلك
وفي الشّرح الصّغير :الهبة من التّبرّعات المندوبة كالصّدقة ،وهذا إن ص ّ
ممّا رغّب فيه الشّرع فإنّه يثاب .وفي المنثور في القواعد للزّركشيّ :عيادة المريض واتّباع الجنازة وردّ
السّلم قربة ،ل يستحقّ الثّواب عليها إل بال ّنيّة .
ج -النّيابة في التّطوّع :
- 27التّطوّع إن كان من العبادات البدنيّة كالصّلة والصّوم ،فل تجوز فيه النّيابة ،لنّه ل تجوز النّيابة في
ج ،فعند الحنفيّة والحنابلة تصحّ النّيابة فيه
فرضه في الجملة ،فل تجوز في نفله .وإن كان مركّبا منهما كالح ّ
،وهو الظهر عند الشّافعيّة ،وأحد قولين معتمدين عند المالكيّة .أمّا غير ذلك من العبادات الماليّة
والتّطوّعات بأنواع البرّ والمعروف ،كالصّدقة والهدي والعتق والوقف والوصيّة والهبة والبراء وغيرها فإنّه
تجوز النّيابة فيها .كما أنّه يجوز عند الحنفيّة والحنابلة أن يتطوّع النسان بجعل ثواب عمله من صلة
ن النّبيّ
ي أو ميّت .بدليل أ ّ
ج وصدقة وعتق وطواف وعمرة وقراءة وغير ذلك لغيره ،من ح ّ
وصيام وح ّ
صلى ال عليه وسلم « ضحّى بكبشين أملحين ،أحدهما عنه ،والخر عن أمّته » .وروى عمرو بن شعيب
ن رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال لعمرو بن العاص ،لمّا سأله عن أبيه :لو كان
عن أبيه عن جدّه « أ ّ
ج التّطوّع
مسلما فأعتقتم عنه أو تصدّقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك » .قال ابن قدامة :وهذا عامّ في ح ّ
وغيره ،ولنّه عمل برّ وطاعة فوصل نفعه وثوابه كالصّدقة والصّيام والحجّ الواجب « .عن أنس رضي ال
ج عنهم ،وندعو لهم ،فهل يصل ذلك لهم ؟ قال :
عنه قال :يا رسول اللّه ،إنّا نتصدّق عن موتانا ،ونح ّ
نعم ،إنّه ليصل إليهم ،وإنّهم ليفرحون به كما يفرح أحدكم بالطّبق إذا أهدي إليه » .
ن من البرّ بعد الموت أن تصلّي لبويك مع صلتك ،وأن تصوم لهما مع
وقال صلى ال عليه وسلم « :إ ّ
صومك » وعند المالكيّة والشّافعيّة يجوز فيما عدا الصّلة والصّيام .
وينظر تفصيل ذلك في ( :نيابة -وكالة -نفل -صدقة -صلة -وصوم ) .
د -الجرة على التّطوّع :
ج والجهاد
ل طاعة يختصّ بها المسلم ل يجوز أخذ الجرة عليها ،كالمامة والذان والح ّ
- 28الصل أنّ ك ّ
ن آخر ما عهد إليّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم أن
وتعليم القرآن .لما روى عثمان بن أبي العاص قال « :إ ّ
خذَ مؤذّنا ل يأخذُ على أذانه أجرا » ولنّ القربة متى حصلت وقعت عن العامل ،ولهذا تعتبر أهليّته ،فل
أ ّت ِ
يجوز أخذ الجر عن غيره كما في الصّوم والصّلة .هذا مذهب الحنفيّة ،وهو رواية عند الحنابلة .
ح مع الكراهة عند المالكيّة .جاء في الشّرح الصّغير :تكره إجارة النسان نفسه في عمل للّه تعالى ،
ويص ّ
حجّا أو غيره ،كقراءة وإمامة وتعليم علم ،وصحّته مع الكراهة .
كما تكره الجارة على الذان ،قال مالك :لن يؤاجر الرّجل نفسه في عمل اللّبن وقطع الحطب وسوق البل
ي من أن يعمل عمل للّه بأجرة .
أحبّ إل ّ
ح إجارة مسلم لجهاد ول لعبادة يجب لها نيّة ،وألحقوا بذلك
وقال الشّافعيّة ،كما في نهاية المحتاج :ل تص ّ
المامة ولو لنفل ،لنّه حصل لنفسه .أمّا ما ل تجب له نيّة كالذان فيصحّ الستئجار عليه ،واستثني ممّا
فيه نيّة :الحجّ والعمرة ،فيجوز الستئجار لهما أو لحدهما عن عاجز أو ميّت ،وتقع صلة ركعتي الطّواف
تبعا لهما ،وتجوز الجارة عن تفرقة زكاة وكفّارة وأضحيّة وهدي وذبح وصوم عن ميّت وسائر ما يقبل
ل ما ل تجب له نيّة .
ح الجارة لك ّ
النّيابة وإن توقّف على ال ّنيّة ،لما فيها من شائبة المال .وتص ّ
ح لتجهيز ميّت ودفنه وتعليم قرآن ولقراءة القرآن عند القبر أو مع الدّعاء .
وتص ّ
وفي الختيارات الفقهيّة لبن تيميّة :ل يجوز للنسان أن يقبل هديّة من شخص ليشفع له عند ذي أمر ،أو
أن يرفع عنه مظلمة ،أو يوصل إليه حقّه أو يولّيه ولية يستحقّها ،أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو
مستحقّ لذلك ،وإذا امتنعت الهديّة امتنعت الجرة من باب أولى .والصل في ذلك :أنّ من أخذ أجرا على
ن القرب والطّاعات
عمل تطوّع -ممّا يجوز عند الفقهاء -فإنّه يعتبر أجيرا ،وليس متطوّعا بالقربات ،ل ّ
إذا وقعت بأجرة لم تكن قربة ول عبادة ،لنّه ل يجوز التّشريك في العبادة ،لكن إذا كان الرّزق من بيت
المال أو من وقف فإنّه يعتبر نفقة في المعنى ،ول يعتبر أجرا .
ص فاعلها أن يكون من أهل القربة ،هل يجوز إيقاعها على
جاء في الختيارات الفقهيّة :العمال الّتي يخت ّ
غير وجه القربة ؟ فمن قال :ل يجوز ذلك ،لم يجز الجارة عليها ،لنّها بالعوض تقع غير قربة و« إنّما
العمال بال ّنيّات » واللّه تعالى ل يقبل من العمل إل ما أريد به وجهه ،ومن جوّز الجارة جوّز إيقاعها على
غير وجه القربة ،وقال :تجوز الجارة عليها ل فيها من نفع المستأجر ،وأمّا ما يؤخذ من بيت المال فليس
عوضا وأجرة ،بل رزق للعانة على الطّاعة ،فمن عمل منهم للّه أثيب .وكذلك المال الموقوف على
أعمال البرّ والموصى به كذلك ،والمنذور كذلك ،ليس كالجرة .
ويقول القرافيّ :باب الرزاق أدخل في باب الحسان وأبعد عن باب المعاوضة ،وباب الجارة أبعد من
باب المسامحة وأدخل في باب المكايسة ،ثمّ يقول :الرزاق مجمع على جوازها ،لنّها إحسان ومعروف
وإعانة ل إجارة .
انقلب التّطوّع إلى واجب :
- 29ينقلب التّطوّع إلى واجب لسباب متعدّدة منها :
أ -الشّروع :
- 30التّطوّع بالحجّ عند جميع الفقهاء يصير واجبا بالشّروع فيه ،بحيث إذا فسد وجب قضاؤه .ومثل ذلك
:الصّلة والصّيام عند الحنفيّة والمالكيّة .
ب -التّطوّع بالحجّ ممّن لم يحجّ حجّة السلم :
- 31قال ابن قدامة :من أحرم بحجّ تطوّع -ممّن لم يحجّ حجّة السلم -وقع عن حجّة السلم ،وبهذا
قال ابن عمر وأنس والشّافعيّ ،لنّه أحرم بالحجّ وعليه فرضه ،فوقع عن فرضه كالمطلق .ولو أحرم
ج فيما ذكرنا
بتطوّع وعليه منذورة وقعت عن المنذورة ،ولنّها واجبة فهي كحجّة السلم .والعمرة كالح ّ
لنّها أحد النّسكين ،فأشبهت الخر .
ج حجّة السلم -وقع عمّا نواه ،لنّ
وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى :أنّه إذا نوى حجّة نفل -ولم يكن قد ح ّ
وقت الحجّ يشبه وقت الصّلة ( ظرف ) ووقت الصّوم ( معيار ) فأعطي حكمهما ،فيتأدّى فرضه بمطلق
ال ّنيّة ،ويقع عن النّفل إذا نواه .
وقال ابن نجيم :لو طاف بنيّة التّطوّع في أيّام النّحر وقع عن الفرض .
وفي البدائع :لو تصدّق بجميع ماله على فقير ،ولم ينو الزّكاة أجزأه عن الزّكاة استحسانا .والقياس :أن ل
ن الزّكاة عبادة مقصودة ،فل بدّ لها من ال ّنيّة .
يجوز ،ل ّ
ووجه الستحسان أنّ ال ّنيّة وجدت دللة ،وعلى هذا إذا وهب جميع النّصاب من الفقير ،أو نوى تطوّعا ،
ل عند أبي يوسف .
ولو أدّى مائة ل ينوي الزّكاة ،ونوى تطوّعا ،ل تسقط زكاة المائة وعليه أن يزكّي الك ّ
وعند محمّد يسقط عنه زكاة ما تصدّق ،ول يسقط عنه زكاة الباقي .
ج -اللتزام أو التّعيين بال ّنيّة والقول :
- 32جاء في الدّرّ المختار :لو نذر التّصدّق يوم الجمعة بمكّة بهذا الدّرهم على فلن ،فخالف ،جاز .قال
ابن عابدين :فلو خالف في بعضها أو كلّها ،بأن تصدّق في غير يوم الجمعة ببلد آخر بدرهم آخر على
ن الدّاخل تحت النّذر ما هو قربة ،وهو أصل التّصدّق دون التّعيين ،فبطل التّعيين
شخص آخر جاز ،ل ّ
ولزمه القربة .
ثمّ قال ابن عابدين :وهذا ليس على إطلقه لما في البدائع :لو قال :للّه عليّ أن أطعم هذا المسكين شيئا
سمّاه ولم يعيّنه ،فل بدّ أن يعطيه للّذي سمّى ،لنّه إذا لم يعيّن المنذور صار تعيين الفقير مقصودا ،فل
يجوز أن يعطي غيره .وفي الختيار :ل تجب الضحيّة على الفقير ،لكنّها تجب بالشّراء ،ويتعيّن ما
اشتراه للضحيّة .فإن مضت أيّام الضحيّة ولم يذبح ،تصدّق بها حيّة ،لنّها غير واجبة على الفقير ،فإذا
اشتراها بنيّة الضحيّة تعيّنت للوجوب ،والراقة إنّما عرفت قربة في وقت معلوم ،وقد فات فيتصدّق بعينها
.
وإن كان المضحّي غنيّا ،وفات وقت الضحيّة ،تصدّق بثمنها ،اشتراها أو ل ،لنّها واجبة عليه ،فإذا
فات وقت القربة في الضحيّة تصدّق بالثّمن إخراجا له عن العهدة .
وجاء في نهاية المحتاج :الضحيّة سنّة ،ولكنّها تجب باللتزام ،كقوله :جعلت هذه الشّاة أضحيّة كسائر
القرب .وفي تحرير الكلم في مسائل اللتزام للحطّاب :اللتزام المطلق يقضى به على الملتزم ،ما لم
يفلّس أو يمت أو يمرض .
وقال ابن رشد في نوازله فيمن عزل لمسكين معيّن شيئا ،وبتّله له بقول أو نيّة ،فل يجوز له أن يصرفه إلى
غيره ،وهو ضامن له إن فعل .ولو نوى أن يعطيه ولم يبتّله له بقول ول نيّة كره له أن يصرفه إلى غيره .
ومعنى بتّله :جعله له من الن .
وفي الفواكه الدّواني :من أخرج كسرة لسائل فوجده قد ذهب ل يجوز له أكلها ،ويجب عليه أن يتصدّق بها
على غيره ،كما قاله مالك .وقال غيره :يجوز له أكلها ،وقال ابن رشد :يحمل كلم غير مالك على ما
إذا أخرجها لمعيّن ،فيجوز له أكلها عند عدم وجوده أو عدم قبوله ،وحمل كلم مالك على إخراجها لغير
معيّن ،فل يجوز له أكلها بل يتصدّق بها على غيره ،لنّه لم يعيّن الّذي يأخذها .
وفي القواعد الفقهيّة لبن رجب :الهدي والضحيّة يتعيّنان بالتّعيين بالقول بل خلف .
وفي تعيينه بال ّنيّة وجهان ،فإذا قال :هذه صدقة ،تعيّنت وصارت في حكم المنذورة ،وإذا عيّن بنيّته أن
يجعلها صدقة -وعزلها عن ماله -فهو كما لو اشترى شاة ينوي التّضحية.
د -النّذر :
- 33النّذر بالقرب والطّاعات يجعلها واجبة .
قال الكاسانيّ :النّذر من أسباب الوجوب في العبادات والقرب المقصودة .
وفي فتح العليّ المالك :النّذر المطلق :هو التزام طاعة اللّه تعالى بنيّة القربة .
هف -استدعاء الحاجة :
- 34قال ابن رجب في قواعده :ما تدعو الحاجة إلى النتفاع به من العيان -ول ضرر في بذله لتيسّره ،
وكثرة وجوده -أو المنافع المحتاج إليها يجب بذله مجّانا بغير عوض في الظهر ،ومن ذلك وضع الخشب
ف قدره وسهل ( وجرت
على جدار الجار إذا لم يضرّ ،واختار بعضهم وجوب بذل الماعون ،وهو ما خ ّ
العادة ببذله ) ،ومنها :المصحف تجب إعارته لمسلم احتاج القراءة فيه .وفي حاشية الصّاويّ على الشّرح
الصّغير :العاريّة مندوبة ،وقد يعرض وجوبها ،كغنيّ عنها لمن يخشى بعدمها هلكه .
وفي القرض قال :القرض مندوب ،وقد يعرض له ما يوجبه كالقرض لتخليص مستهلك .
و -الملك :
- 35الصل في العتق أنّه مندوب مرغّب فيه ،لكن يكون واجبا على من ملك أصله أو فرعه ،حيث يعتق
عليه بنفس الملك .
أسباب منع التّطوّع :
- 36يمنع التّطوّع لسباب متعدّدة ،منها :
أ -وقوعه في الوقات المنهيّ عنها :
- 37التّطوّع بالعبادة في الوقات الّتي نهى الشّارع عن وقوع العبادة فيها ممنوع ،كالصّلة وقت طلوع
الشّمس أو غروبها أو عند الستواء ،لحديث عقبة بن عامر الجهنيّ رضي ال عنه قال « :ثلث ساعات
كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ينهانا أن نصلّي فيهنّ ،أو أن نقبر فيهنّ موتانا :حين تطلع الشّمس
بازغة حتّى ترتفع ،وحين يقوم قائم الظّهيرة حتّى تميل الشّمس ،وحين تضيف الشّمس للغروب حتّى تغرب
».
ومثل ذلك التّطوّع بالصّوم في أيّام العيد والتّشريق ،لما روي عن أبي هريرة رضي ال عنه « أنّ رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم نهى عن صيام يومين :يوم الفطر ،ويوم النّحر » .
وينظر في صحّة ذلك وتفصيله ( :أوقات الصّلوات -صلة -نفل -صوم ) .
ب -إقامة الصّلة المكتوبة :
- 38يمنع التّطوّع بالصّلة إذا شرع المؤذّن في القامة للصّلة ،أو تضيّق الوقت بحيث ل يتّسع لداء أيّ
نافلة .قال النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إذا أقيمت الصّلة فل صلة إل المكتوبة » ( .ر :أوقات
الصّلة ،نفل ) .
ج -عدم الذن ممّن يملك الذن :
- 39من يتوقّف تطوّعه على إذن غيره ل يجوز له أن يتطوّع إل بعد الذن له ،وعلى ذلك فل يجوز
ج إل بإذن زوجها ،ول يصوم الجير تطوّعا إل بإذن المستأجر إذا
للمرأة أن تتطوّع بصوم أو اعتكاف أو ح ّ
ج أو عمرة أو نفل جهاد إل بإذن البوين .
تضرّر بالصّوم ،ول يجوز للولد البالغ الحرام بنفل ح ّ
ج ،إجارة ،أنثى ) .
وهذا في الجملة ،وينظر تفصيل ذلك في ( :نفل ،صلة ،صوم ،ح ّ
د -الفلس في الحجر بالنّسبة للتّبرّعات الماليّة :
- 40من أحَاط الدّين بماله فإنّه يمنع شرعا من التّصرّف في أيّ وجه من وجوه التّبرّع كالصّدقة والهبة ،
وهذا بعد الحجر باتّفاق ،أمّا قبل الحجر ففيه اختلف الفقهاء ( ر :حجر ،تبرّع ،إفلس ) .
وتمنع التّبرّعات المنجّزة -كالعتق والهبة المقبوضة والصّدقة وغير ذلك -إن زادت على الثّلث ،وكانت
ن اللّه تصدّق عليكم قبل وفاتكم بثلث
التّبرّعات في مرض الموت ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إ ّ
أموالكم » .
ويتوقّف نفاذ تلك التّصرّفات على إجازة الورثة بعد وفاة المورّث .ومن وقف وقفا مستقلً ،ثمّ تبيّن أنّ عليه
دينا ،ولم يمكن وفاء الدّين إلّا ببيع شيء من الوقف ،وهو في مرض الموت ،بيع باتّفاق العلماء .ويمنع
من التّبرّع أيضا من تلزمه نفقة غيره ،بحيث ل يفضل شيء بعد ذلك .جاء في المنثور :القربات الماليّة
كالعتق والوقف والصّدقة والهبة إذا فعلها من عليه دين ،أو من تلزمه نفقة غيره ممّا ل يفضل عن حاجته ،
ص أحمد في
ل تركه لسنّة .وفي القواعد لبن رجب :ن ّ
ح ،لنّه حقّ واجب فل يح ّ
يحرم عليه في الص ّ
ص في رواية أخرى :أنّ
ن لهما ردّه ،ون ّ
رواية حنبل فيمن تبرّع بماله بوقف أو صدقة وأبواه محتاجان :أ ّ
ن الوصيّة تردّ عليهم .
من أوصى لجانب ،وله أقارب محتاجون ،أ ّ
فتخرج من ذلك أنّ من تبرّع ،وعليه نفقة واجبة لوارث أو دين -ليس له وفاء -لهما ردّه .وكلّ هذا في
الجملة وينظر في ( :حجر ،تبرّع ،هبة ،وقف ،وصيّة ) .
هف -التّطوّع بشيء من القربات في المعصية :
- 41ل يجوز التّبرّع بشيء فيه معصية للّه تعالى ،ومن أمثلة ذلك :
ح الوصيّة بما هو محرّم ،كالوصيّة للكنيسة ،والوصيّة
-ل تصحّ إعارة الصّيد لمحرم بالحجّ - .ل تص ّ
بالسّلح لهل الحرب .
ول الوصيّة ببناء كنيسة أو بيت نار أو عمارتهما أو التّفاق عليهما .
ل يصحّ الوقف على معصية ،ول على ما هو محرّم كالبيع والكنائس وكتب التّوراة والنجيل .ومن وقف
على من يقطع الطّريق لم يصحّ الوقف ،لنّ القصد بالوقف القربة .
وفي وقف ذلك إعانة على المعصية .وهذا كلّه في الجملة .
وفي ذلك خلف وتفصيل يرجع إليه في ( :الوقف ،والوصيّة ،والهبة ،والتّبرّع )
ثالثا :ما يخصّ غير العبادات " من أحكام التّطوّع :
اليجاب والقبول والقبض :
- 42من التّطوّعات ما يحتاج إلى اليجاب والقبول ،وذلك في عقود التّبرّعات ،مثل العاريّة والهبة
والوصيّة لمعيّن ،وكذا الوقف على معيّن -مع اختلف الفقهاء في ذلك ،واختلفهم في اشتراط القبض أيضا
-وتفصيل ذلك فيما يأتي :
أ -العاريّة :
ل التّعاطي محلّ اليجاب أو القبول .
- 43اليجاب والقبول ركن في عقد العاريّة باتّفاق الفقهاء ،وقد يح ّ
والقبض ل يمنع الرّجوع في العاريّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ،لنّها عقد غير لزم عندهم ،وللمعير
الرّجوع في العاريّة في أيّ وقت ،سواء أقبضها المستعير أم لم يقبضها ،ويقولون :إنّ المنافع المستقبلة لم
تحصل في يد المستعير ،لنّها تستوفى شيئا فشيئا ،فكلّما استوفى شيئا فقد قبضه ،والّذي لم يستوفه لم
يقبضه ،فجاز الرّجوع فيه ،إلّا أن يكون الرّجوع في حال يستضرّ به المستعير ،كإعارة أرض لزراعة أو
دفن ميّت .وهذا في الجملة عندهم ،وينظر تفصيله في ( :عاريّة ) .
أمّا المالكيّة :فالعارة عقد لزم عندهم ،فهي تفيد تمليك المنفعة باليجاب والقبول ،ول يجوز الرّجوع فيها
قبل المدّة المحدّدة ،أو قبل إمكان النتفاع بالمستعار إن كانت مطلقة .وهذا في الجملة كذلك .
ب -الهبة :
- 44اليجاب والقبول ركن من أركان الهبة باتّفاق الفقهاء .
ن الملك لو ثبت بدونه للزم المتبرّع
أمّا القبض فل بدّ منه لثبوت الملك ،وذلك عند الحنفيّة والشّافعيّة ،ل ّ
شيء لم يلتزمه ،وهو التّسلّم ،فل تملك بالعقد بل بالقبض ،لما روي عن عائشة رضي ال عنها زوج النّبيّ
ن أبا بكر الصّدّيق كان نحلها جا ّد عشرين وسقا من ماله بالغابة .فلمّا
صلى ال عليه وسلم أنّها قالت « :إ ّ
ي غنى بعدي منك ،ول أعزّ عليّ فقرا بعدي
حضرته الوفاة قال :واللّه ،يا بنيّة ما من النّاس أحد أحبّ إل ّ
منك ،وإنّي كنت نحلتك جادّ عشرين وسقا ،فلو كنت جدّدتيه واحتزتيه كان لك ،وإنّما هو اليوم مال وارث
».
وما ذهب إليه الحنفيّة والشّافعيّة هو رأي بعض الحنابلة .قال المجد بن تيميّة في شرح الهداية :الملك في
ن القبض ركن من أركان الهبة كاليجاب
الموهوب ل يثبت بدون القبض ،وكذا صرّح ابن عقيل الحنبل يّ :أ ّ
في غيرها ،وكلم الخرق يّ يدلّ عليه .والرّأي الخر للحنابلة :أ نّ الهبة تملك بالعقد ،فيصحّ التّصرّف من
الموهوب له فيها قبل القبض ،كذا في المنتهى وشرحه ،وهو الّذي قدّمه في النصاف .وعلى رأي الحنفيّة
والشّافعيّة ،ومن رأى رأيهم من الحنابلة :يجوز الرّجوع فيها قبل القبض ،لنّ عقد الهبة لم يتمّ .ولكنّه عند
مفن يرى ذلك من الحنابلة يكون مفع الكراهفة ،خروجا من خلف من قال :إنّف الهبفة تلزم بالعقفد .وعنفد
المالكيّة :تملك اله بة بالقبول على المشهور ،وللمتّ هب طلب ها من الوا هب إن امت نع ولو ع ند حا كم ،لي جبره
ن القبول
على تمك ين الوهوب له من ها .لكن قال ا بن عبد ال سّلم :القبول والحيازة معتبران في اله بة ،إل أ ّ
أنف الهبفة لو تمّت
ركفن والحيازة شرط .أي ففي تمامهفا ،فإن عدم لم تلزم ،وإن كانفت صفحيحة .على ّ
بالقبض ،فإنّه يجوز الرّجوع فيها عند الحنفيّة إن كانت لجنبيّ ،أي غير ذي رحم محرم ،لقول النّبيّ صلى
ال عليه وسلم :
« الرّجل أحقّ بهبته ما لم يثب منها » أمّا عند الجمهور فل يجوز الرّجوع فيها بعد القبض ،إلّا الوالد فيما
يهب لولده فإنّه يجوز له الرّجوع لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :العائد في هبته كالعائد في قيئه » .
وينظر تفصيل ذلك في ( هبة ) .
ج -الوصيّة لمعيّن :
- 45من أركان الوصيّة اليجاب من الموصي والقبول من الموصى له المعيّن ،لكنّ القبول ل يعتبر إلّا بعد
موت الموصي ،ول يفيد القبول قبل موته ،لنّ الوصيّة عقد غير لزم ،والموصي يملك الرّجوع في
وصيّته ما دام حيّا ،وبالقبول يملك الموصى له الموصى به ،ول يتوقّف الملك على القبض ،وهذا عند
الحنفيّة -غير زفر -والمالكيّة ،والشّافعيّة والحنابلة .أمّا عند زفر فركن الوصيّة هو اليجاب فقط من
الموصي ،ويثبت الملك للموصى له من غير قبول كالرث .وينظر تفصيل ذلك في ( وصيّة ) .
د -الوقف على معيّن :
- 46اليجاب ركن من أركان الوقف ،سواء أكان على معيّن أم لم يكن .أمّا القبول :فإن كان الوقف على
معيّن فإنّه يشترط قبوله ،وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة .
وعند الحنابلة :ل يفتقر الوقوف على معيّن إلى القبول ،لنّه إزالة ملك يمنع البيع ،فلم يعتبر فيه القبول
كالعتق ،أمّا القبض فليس بشرط عند الشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ،وعند المالكيّة ومحمّد :القبض شرط
.وينظر تفصيل ذلك في ( وقف ) .
تطيّب *
التّعريف :
- 1التّطيّب في اللّغة :مصدر تطيّب ،وهو التّعطّر .والطّيب هو :العطر ،وهو ما له رائحة مستلذّة ،
كالمسك والكافور والورد والياسمين والورس والزّعفران .
ول يخرج معناه في الصطلح عن هذا المعنى اللّغويّ .
- 2والطّيب ينقسم إلى قسمين :مذكّر ،مؤنّث .فالمذكّر :ما يخفى أثره ،أي تعلّقه بما مسّه من ثوب أو
جسد ،ويظهر ريحه .والمراد به أنواع الرّياحين ،والورد ،والياسمين .وأمّا المياه الّتي تعصر ممّا ذكر
فليس من قبيل المؤنّث .والمؤنّث :هو ما يظهر لونه وأثره ،أي تعلّقه بما مسّه تعلّقا شديدا كالمسك ،
والكافور ،والزّعفران .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّزيّن :
- 3التّزيّن :هو اتّخاذ الزّينة ،وهي اسم جامع لك ّل شيء يتزيّن به ،فالتّزيّن ما يحسن به منظر النسان .
الحكم التّكليفيّ :
- 4الصل س ّنيّة التّطيّب ،ويختلف الحكم بحسب الحوال ،على ما سيأتي .
تطيّب الرّجل والمرأة :
ن التّطيّب ،لخبر أبي أيّوب رضي ال عنه مرفوعا « أربع من سنن المرسلين :الحنّاء ،والتّعطّر ،
- 5يس ّ
والسّواك ،والنّكاح » ولقول الرّسول صلى ال عليه وسلم « حبّب إليّ من دنياكم :النّساء والطّيب ،وجعلت
قرّة عيني في الصّلة » .
والطّيب يستحبّ للرّجل داخل بيته وخارجه ،بما يظهر ريحه ويخفى لونه ،كبخور العنبر والعود .ويسنّ
للمرأة في غير بيتها بما يظهر لونه ويخفى ريحه ،لخبر رواه التّرمذيّ والنّسائيّ من حديث أبي هريرة
رضي ال عنه « طيب الرّجال ما ظهر ريحه وخفي لونه ،وطيب النّساء ما خفي ريحه وظهر لونه »
ولنّها ممنوعة في غير بيتها ممّا ين ّم عليها ،لحديث « :أيّما امرأة استعطرت ،فمرّت بقوم ليجدوا ريحها
فهي زانية » وفي بيتها تتطيّب بما شاءت ،ممّا يخفى أو يظهر ،لعدم المانع .
التّطيّب لصلة الجمعة :
-يندب التّطيّب لصلة الجمعة بل خلف .لحديث ابن عبّاس رضي ال عنهما قال : 6
ن هذا يوم عيد جعله اللّه للمسلمين ،فمن جاء منكم إلى الجمعة
« قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إ ّ
فليغتسل ،وإن كان طيب فليمسّ منه ،وعليكم بالسّواك » .
ي رضي ال عنه قال « :قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم ل يغتسل رجل يوم الجمعة
وعن سلمان الفارس ّ
،ويتطهّر ما استطاع من طهر ،ويدهن من دهنه أو يمسّ من طيب بيته ،ثمّ يخرج ل يفرّق بين اثنين ،ثمّ
يصلّي ما كتب له ،ث ّم ينصت إذا تكلّم المام ،إل غفر له ما بينه وبين الجمعة الخرى » .
التّطيّب لصلة العيد :
- 7يندب للرّجل قبل خروجه لصلة العيد أن يتطيّب بما له ريح ل لون له ،وبهذا قال الجمهور .أمّا
ن غير متطيّبات ول لبسات ثياب زينة أو شهرة ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :ل
النّساء فل بأس بخروجه ّ
تمنعوا إماء اللّه مساجدَ اللّه ،وليخرجن تَفِلت » والمراد بالتّفلت :غير المتطيّبات .
تطيّب الصّائم :
- 8يباح للصّائم أن يتطيّب عند الحنفيّة .
ن المعتكف
وقال المالكيّة :يجوز التّطيّب للصّائم المعتكف ،ويكره للصّائم غير المعتكف .قال الدّردير :ل ّ
ن للصّائم ترك
معه مانع يمنعه ممّا يفسد اعتكافه ،وهو لزومه المسجد وبعده عن النّساء .وقال الشّافعيّة :يس ّ
شمّ الرّياحين ولمسها .والمراد أنواع الطّيب ،كالمسك والورد والنّرجس ،إذا استعمله نهارا لما فيها من
التّرفّه ،ويجوز له ذلك ليل ،ولو دامت رائحته في النّهار ،كما في المحرم .وأمّا الحنابلة ،فقالوا :يكره
للصّائم شمّ ما ل يأمن أن يجذبه نفسه إلى حلقه كسحيق مسك ،وكافور ،ودهن ونحوها ،كبخور عود
وعنبر .
تطيّب المعتكف :
- 9يجوز للمعتكف أن يتطيّب نهارا أو ليلً بأنواع الطّيب عند جمهور الفقهاء ،إل في رواية عن المام
أحمد أنّه قال :إنّه ل يعجبني أن يتطيّب .
وذلك لنّ العتكاف عبادة تختصّ مكانا ،فكان ترك الطّيب فيه مشروعا كالحجّ .
جدٍ } .
سِل َم ْ
ع ْندَ كُ ّ
خذُوا ِزيْ َن َت ُكمْ ِ
واستدلّ القائلون بجواز التّطيّب بقوله تعالى { :يَا بَني آ َدمَ ُ
التّطيّب في الحجّ :
- 10اتّفق الفقهاء على أنّ التّطيّب أثناء الحرام في البدن أو الثّوب محظور .أمّا التّطيّب للحرام قبل
الدّخول فيه فهو مسنون استعدادا للحرام عند الجمهور ،وكرهه مالك لما روي من كراهته عن عمر ،
وعثمان ،وابن عمر رضي ال عنهم ،وجماعة من التّابعين .
ودليل س ّنيّة التّطيّب في البدن للحرام ما روت عائشة رضي ال عنها قالت « :كنت أطيّب رسول اللّه صلى
ال عليه وسلم لحرامه قبل أن يحرم ،ولحلّه قبل أن يطوف بالبيت » وعنها رضي ال عنها قالت « :كأنّي
أنظر إلى وبيص الطّيب في مفارق رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وهو محرم » .
والصّحيح عندهم جواز التّطيّب بما يبقى جرمه بعد الحرام ،لصريح حديث عائشة الثّاني .وأمّا المالكيّة :
فحظروا بقاء جرم الطّيب وإن ذهبت رائحته .
-أمّا التّطيّب في الثّوب للحرام :فمنعه الجمهور ،وأجازه الشّافعيّة في القول المعتمد .فل يضرّ بقاء 11
تطيّر *
التّعريف :
- 1التّطيّر في اللّغة :التّشاؤم .يقال :تطيّر بالشّيء ،ومن الشّيء :تشاءم به .
طيَرة .جاء في فتح الباري :التّطيّر ،والتّشاؤم شيء واحد .
والسم ال ِ
والمعنى الصطلحيّ ل يختلف عن اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الفأل :
- 2ال َفأْل ضدّ الطّيرة ،يقال :تفاءل الرّجل :إذا تيمّن بسماع كلمة طيّبة .
ن الفأل يستعمل فيما يستحبّ ،والتّطيّر فيما يكره غالبا .
والفرق بينه وبين الطّيرة :أ ّ
ب -الكهانة :
-الكهانة :ادّعاء علم الغيب ،والخبار بما سيحدث في المستقبل مع السناد إلى سبب . 3
تعارض *
التّعريف :
- 1التّعارض في اللّغة :التّقابل .أصله من العرض وهو المنع .يقال :ل تعترض له ،أي :ل تمنعه
باعتراضك أن يبلغ مراده .ومنه :العتراضات عند الصوليّين والفقهاء الواردة على القياس وغيره من
ن كلّ واحدة تعترض الخرى
الدلّة ،سمّيت بذلك لنّها تمنع من التّمسّك بالدّليل ومنه :تعارض البيّنات ،ل ّ
وتمنع نفوذها .
ومنه :تعارض الدلّة عند الصوليّين ،وموطنه في الملحق الصوليّ .
والتّعارض اصطلحا :التّمانع بين الدّليلين مطلقا ،بحيث يقتضي أحدهما غير ما يقتضي الخر .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّناقض :
ن كلّ واحد منهما ينقض الخر ويدفعه
- 2التّناقض :هو التّدافع يقال :تناقض الكلمان ،أي :تدافعا ،كأ ّ
،والمتناقضان ل يجتمعان أبدا ول يرتفعان .
أمّا المتعارضان فقد يمكن ارتفاعهما .
ب -التّنازع :
- 3التّنازع الختلف .يقال :تنازع القوم ،أي :اختلفوا ومنه قوله تعالى { :وَل َتنَازَعُوا َفتَ ْفشَلُوا َو َتذْهَبَ
رِي ُحكُمْ } .فالتّنازع أعمّ ،لنّه يشمل الختلف في الرّأي وغيره .حكم التّعارض :
- 4إذا تعارضت البيّنتان ،وأمكن الجمع بينهما جمع ،وإذا لم يمكن الجمع يصار إلى التّرجيح .والتّرجيح
:تقديم دليل على دليل آخر يعارضه ،لقتران الوّل بما يقوّيه والتّعارض والتّرجيح يرد عند الصوليّين
والفقهاء .
فأمّا ما يتعلّق بالصول فينظر في الملحق الصوليّ .
وأمّا استعماله عند الفقهاء فمعظمه في شأن البيّنات ،وفيما يلي تفصيل ذلك :
وجوه التّرجيح في تعارض البيّنات :
ل مذهب من المذاهب الفقهيّة وجوه للتّرجيح .
- 5في ك ّ
ذكر الحنفيّة -في باب دعوى الرّجلين -وجوها لترجيح إحدى البيّنتين على الخرى إذا تعارضتا وتساوتا
في القوّة ،فقالوا :إن كانت العين في يد المدّعى عليه تقدّم بيّنة الخارج على بيّنة ذي اليد في دعوى الملك
المطلق -الّذي لم يذكر سببه -إن وقّت أحدهما فقط
-أي ذكر تاريخا -وقال أبو يوسف :من وقّت أحقّ بالعين ،فإن أرّخا واتّحد المملّك ،فالسبق تاريخا
أحقّ بالعين لقوّة بيّنته ،ولو اختلف المملّك استويا .
ل بيّنة ،وتساوتا ،قضي لهما بها مناصفة ،وذلك عند أبي
وإن كانت العين في يد ثالث ،وأقام خارجان ك ّ
حنيفة وصاحبيه .
وإن كان النّزاع على نكاح امرأة ،فأمّا أن تكون المرأة حيّة أو ميّتة ،فإن كانت حيّة سقطت البيّنتان لعدم
إمكان الجمع بينهما .
وإن كانت ميّتة ورثاها ميراث زوج واحد ،ولو ولدت يثبت نسب الولد منهما .
وإن كانت العين في أيديهما معا ،واستويا في الحجّة والتّاريخ ،فالعين بينهما .
فإن اختلفا في التّاريخ فهي للسّابق .ول عبرة عندهم بكثرة الشّهود ول بزيادة العدالة -وعند الحنفيّة
تفصيلت أخرى تنظر في كتبهم .
وعند المالكيّة التّرجيح يحصل بوجوه :
- 6الوّل :بزيادة العدالة في المشهور .وروي عن مالك أنّه ل يرجّح بها ،وذلك موافق لما قاله الحنفيّة .
وعلى القول بالتّرجيح بزيادة العدالة فل بدّ أن يحلف من زادت عدالته ،وفي الموّازيّة :ل يحلف ،ول
يرجّح بكثرة العدد على المشهور كما هو رأي الحنفيّة .وروي عن مطرّف وابن الماجشون أنّه يرجّح بكثرة
العدد عند تكافؤ البيّنتين في العدالة ،إل أن يكثروا كثرة يكتفى بها فيما يراد من الستظهار ،والخرون
كثيرون جدّا ،فل تراعى الكثرة حينئذ ،وإنّما يقع التّرجيح بمزيّة العدالة دون مزيّة العدد .قال ابن عبد
السّلم :من رجّح بزيادة العدد لم يقل به كيفما اتّفق ،وإنّما اعتبره مع قيد العدالة .
- 7الثّاني :يكون التّرجيح أيضا بقوّة الحجّة فيقدّم الشّاهدان على الشّاهد واليمين .وعلى الشّاهد والمرأتين ،
وذلك إذا استووا في العدالة ،قال ذلك أشهب .وقال ابن القاسم :ل يقدّمان ثمّ رجع لقول أشهب .قال ابن
ل واحد منهما حكم به مع اليمين ،وقدّم على الشّاهدين .وقال ابن
القاسم :ولو كان الشّاهد أعدل من ك ّ
ن بعض أهل المذهب ل يرى اليمين
الماجشون ومطرّف :ل يقدّم ولو كان أعدل أهل زمانه ،وهو أقيس ،ل ّ
مع الشّاهد .
- 8الثّالث :اشتمال إحدى البيّنتين على زيادة تاريخ متقدّم أو سبب ملك ،وهذا يتّفق مع قول الحنفيّة بالخذ
بتاريخ السّابق .
ي أنّه ل يحكم بأعدل البيّنتين عند من رأى ذلك إلّا في الموال خاصّة .
وذكر القراف ّ
ن الملك أقوى من الحوز .وتقدّم
وقالوا :تقدّم بيّنة الملك على بيّنة الحوز ،وإن كان تاريخ الحوز متقدّما ،ل ّ
البيّنة النّاقلة على البيّنة المستصحبة .
ومثالها :أن تشهد بيّنة أنّ هذه الدّار لزيد بناها منذ مدّة ،ول نعلم أنّها خرجت من ملكه إلى الن .وتشهد
ن هذا اشتراها منه بعد ذلك ،فالبيّنة النّاقلة علمت ،والمستصحبة لم تعلم ،فل تعارض بين
البيّنة الخرى :أ ّ
الشّهادتين .
وإذا لم يمكن التّرجيح بين البيّنتين سقطتا ،وبقي المتنازع عليه بيد حائزه مع يمينه .
فإن كان بيد غيرهما ،فقيل :يبقى بيده .وقيل :يقسم بين مقيمي البيّنتين ،لتّفاق البيّنتين على سقوط ملك
الحائز .وإقرار من هو بيده لحدهما ينزّل منزلة اليد للمقرّ له .
ل بيّنة ،وتساوتا قدّمت بيّنة
- 9وعند الشّافعيّة :أنّه لو تنازع اثنان عينا ،وكانت بيد أحدهما ،وأقام ك ّ
صاحب اليد .ول تسمع بيّنته إل بعد بيّنة المدّعي .
وإن كانت العين في يد ثالث ،وأقام ك ّل منهما بيّنة سقطت البيّنتان ،ويصار إلى التّحليف ،فيحلف صاحب
اليد لكلّ منهما يمينا .وقيل :تستعمل البيّنتان وتنزع العين ممّن هي في يده ،وتقسم بينهما مناصفة في
قول ،وفي قول آخر :يقرع بينهما فيأخذها من خرجت قرعته ،وفي قول :يوقف المر حتّى يتبيّن أو
يصطلحا .وسكت في الرّوضة عن ترجيح واحد من القوال الثّلثة .وقال القليوبيّ :قضيّة كلم جمهور
الشّافعيّة ترجيح الثّالث ،لنّه أعدل .وإن كانت في أيديهما ،وأقاما بيّنتين ،بقيت في أيديهما ،كما كانت
على قول السّقوط .وقيل :تقسم بينهما على قول القسمة ،ول يجيء الوقف ،وفي القرعة قولن .
ولو أزيلت يده ببيّنة ،ث ّم أقام بيّنة بملكه مستندا إلى ما قبل إزالة يده ،واعتذر بغيبة شهوده ،سمعت
وقدّمت ،لنّها إنّما أزيلت لعدم الحجّة ،وقد ظهرت ،فينقض القضاء .وقيل :ل ،والقضاء على حاله .
ولو قال الخارج :هو ملكي اشتريته منك .فقال :بل ملكي .وأقاما بيّنتين بما قاله تقدّم بيّنة الخارج ،
لزيادة علم بيّنته بالنتقال .
ن زيادة عدد شهود أحدهما ل ترجّح ،لكمال الحجّة في الطّرفين ،كما قال الحنفيّة .وفي قول من
والمذهب أ ّ
ن القلب إلى الزّائد أميل .وكذا لو كان لحدهما رجلن ،للخر رجل وامرأتان ،ل يرجّح
طريق ترجّح ،ل ّ
الرّجلن .وفي قول من طريق يرجّحان ،لزيادة الوثوق بقولهما .فإن كان للخر شاهد ويمين يرجّح
الشّاهدان في الظهر ،لنّهما حجّة بالجماع .وفي الشّاهد واليمين خلف .والقول الثّاني :يتعادلن ،لنّ
كلّا منهما حجّة كافية .ولو شهدت بيّنة لحدهما بملك من سنة ،وبيّنة للخر بملك من أكثر من سنة إلى الن
كسنتين ،والعين في يد غيرهما ،فالظهر ترجيح الكثر ،لنّ الخرى ل تعارضها فيه .والرّأي الثّاني عند
الشّافعيّة :أنّه ل ترجيح به ،لنّ مناط الشّهادة الملك في الحال ،وقد استويا فيه ،ولصاحب بيّنة الكثر -
على القول بترجيحها -الجرة ،والزّيادة الحادثة من يوم الحكم .وعلى القول الثّاني :تقسم بينهما ،أو
يقرع ،أو يوقف حتّى يبيّن أو يصطلحا حسب القوال الثّلثة .ولو أطلقت بيّنة ،وأرّخت بيّنة ،فالمذهب
أنّهما سواء ،وهو المعتمد ،سواء كان المدّعى به بيدهما أو بيد غيرهما ،أو ل بيد واحد منهما .وقيل -
كما في أصل الرّوضة -تقدّم البيّنة المؤرّخة ،لنّها تقتضي الملك قبل الحال ،بخلف المطلقة .ولو شهدت
بيّنة أحدهما بالحقّ ،وبيّنة الخر بالبراء قدّمت بيّنة البراء .
ل الستواء في هذه المسألة -على ما ذكره القليوبيّ -ما لم يوجد مرجّح .فإن وجد المرجّح ككونه
هذا ومح ّ
بيد أحدهما ،أو كانت بيّنته غير شاهد ويمين ،أو أسندت بيّنته لسبب :كأن شهدت بأنّه نتج في ملكه ،أو
ثمر فيه ،أو حمل فيه ،أو ورثه من أبيه فتقدّم بيّنته .
ن من ادّعى شيئا بيد غيره فأنكره ،ولكلّ واحد منهما بيّنة ،فقد اختلفت الرّواية عن
- 10وعند الحنابلة :أ ّ
أحمد فيما إذا تعارضتا :فالمشهور عنه تقديم بيّنة المدّعي ،ول يلتفت إلى بيّنة المدّعى عليه بحال ،وهذا
ي صلى ال عليه وسلم قال « :البيّنة على المدّعي ،واليمين على المدّعى عليه »
ن النّب ّ
قول إسحاق ،ل ّ
فأمرنا بسماع بيّنة المدّعي ويمين المدّعى عليه ،وسواء شهدت بيّنة المدّعى عليه أنّها له ،أو قالت :ولدت
في ملكه عليه .وعن أحمد رواية ثانية :إن شهدت بيّنة الدّاخل -أي صاحب اليد وهو المدّعى عليه -
ن الدّابّة المتنازع عليها نتجت في ملكه أو اشتراها ،أو كانت بيّنته أقدم تاريخا
بسبب الملك ،وقالت مثلً :إ ّ
قدّمت بيّنته ،وإل قدّمت بيّنة المدّعي ،لنّ ( بيّنة الدّاخل ) أفادت بذكر السّبب ما ل تفيده اليد .واستدلّ
ي صلى ال عليه وسلم اختصم
ن النّب ّ
لتقديم بيّنة الدّاخل :بما روى جابر بن عبد اللّه رضي ال عنهما « :أ ّ
إليه رجلن في دابّة أو بعير ،فأقام كلّ واحد منهما البيّنة بأنّها له نتجها ،فقضى بها رسول اللّه صلى ال
عليه وسلم للّذي هي في يده » .وذكر أبو الخطّاب رواية ثالثة :أنّ بيّنة المدّعى عليه تقدّم بكلّ حال ،وهو
قول شريح وأهل الشّام والشّعبيّ والحكم وأبي عبيد .وقال :هو قول أهل المدينة ،وروي عن طاوس .
وأنكر القاضي كون هذا رواية عن أحمد ،وقال :ل تقبل بيّنة الدّاخل إذا لم تفد إل ما أفادته يده ،رواية
ن جهة المدّعى عليه أقوى ،لنّ الصل معه ،ويمينه تقدّم على
ج من ذهب إلى هذا القول بأ ّ
واحدة .واحت ّ
يمين المدّعي .
فإذا تعارضت البيّنتان :وجب إبقاء يده على ما فيها ،وتقديمه ،كما لو لم تكن بيّنة لواحد منهما .وحديث
ل على هذا ،فإنّه إنّما قدّمت بيّنته ليده .
جابر يد ّ
- 11واستدلّ لتقديم بيّنة المدّعي بقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :البيّنة على المدّعي ،واليمين على
ن بيّنة المدّعي
المدّعى عليه » فجعل جنس البيّنة في جهة المدّعي ،فل يبقى في جهة المدّعى عليه بيّنة .ول ّ
أكثر فائدة فوجب تقديمها كتقديم بيّنة الجرح على بيّنة التّعديل .ودليل كثرة فائدتها :أنّها تثبت شيئا لم يكن .
ل اليد عليه ،فلم تكن مفيدة ،ولنّ الشّهادة بالملك يجوز أن يكون مستندها
وبيّنة المنكر إنّما تثبت ظاهرا تد ّ
ن ذلك جائز عند كثير من أهل العلم ،فصارت البيّنة بمنزل اليد المجرّدة ،فتقدّم
رؤية اليد والتّصرّف ،فإ ّ
ن شاهدي الفرع لمّا كانا مبنيّين على شاهدي الصل ،لم تكن
عليها بيّنة المدّعي ،كما تقدّم على اليد ،كما أ ّ
لهما مزيّة عليهما .
وإذا كان في يد رجل شاة ،فادّعى رجل أنّها له منذ سنة ،وأقام بذلك بيّنة .وادّعى الّذي هي في يده أنّها في
ن بيّنته تشهد له بالملك ،وبيّنة الدّاخل تشهد له
يده منذ سنين ،وأقام لذلك بيّنة ،فهي للمدّعي بغير خلف ،ل ّ
باليد خاصّة ،فل تعارض بينهما ،لمكان الجمع بينهما بأن تكون اليد على غير ملك ،فكانت بيّنة الملك
أولى .فإن شهدت بيّنة بأنّها ملكه منذ سنتين ،فقد تعارض ترجيحان :فقدّم التّاريخ من جهة بيّنة الدّاخل ،
وكون الخرى بيّنة الخارج ففيه روايتان :إحداهما تقدّم بيّنة الخارج ،وهو قول صاحبي أبي حنيفة ،وأبي
ثور .والثّانية :تقدّم بيّنة الدّاخل ،وهو قول أبي حنيفة ،والشّافعيّ ،لنّها تضمّنت زيادة .
تعارض الدلّة في حقوق اللّه تعالى :
- 12المقرّر شرعا :أنّ الحدود الّتي هي حقّ اللّه تعالى تسقط بالشّبهات ،فإذا أقيمت بيّنة تامّة على فعل
كالزّنى مثلً ،وعارضتها بيّنة ولو أقلّ منها بعدم الفعل قدّمت ،وذلك استنادا إلى قوله صلى ال عليه وسلم :
« ادرءوا الحدود بالشّبهات ما استطعتم » بل قال الحنفيّة :لو أقيمت عليه بيّنة بما يوجب الحدّ ،وادّعى
شبهة من غير بيّنة ،سقط الحدّ .
وللمالكيّة تفصيل ،قالوا :إذا شهدت بيّنة بأنّه زنى عاقلً ،وشهدت الخرى بأنّه كان مجنونا :إن كان القيام
عليه -أي الدّعاء -وهو عاقل ،قدّمت بيّنة العقل .
وإن كان القيام عليه وهو مجنون ،قدّمت بيّنة الجنون ،فاعتبروا شهادة الحال في التّرجيح.
وقال ابن الّلبّاد :يعتبر وقت الرّؤية ل وقت القيام ،فلم يعتبر ظاهر الحال .
ونقل عن ابن القاسم :إثبات الزّيادة ،فإذا شهدت إحداهما :بالقتل أو السّرقة أو الزّنى ،وشهدت الخرى :
أنّه كان في مكان بعيد أنّه تقدّم بيّنة القتل ونحوه ،لنّها مثبتة زيادة ،ول يدرأ عنه الحدّ .قال سحنون :إل
أن يشهد الجمع العظيم -كالحجيج ونحوهم -أنّه كان معهم في الوقوف بعرفة ،أو صلّى بهم العيد في ذلك
ن هؤلء ل يشتبه عليهم أمره ،بخلف الشّاهدين .
اليوم ،ل ّ
تعارض تعديل الشّهود وتجريحهم :
- 13اعتبار العدالة في الشّاهد حقّ للّه تعالى ،ولهذا لو رضي الخصم بأن يحكم عليه بقول فاسق لم يجز
الحكم به .والعدالة أو التّجريح ل يثبت ك ّل منهما إل بشهادة رجلين ،خلفا لبي حنيفة ،وأبي يوسف ،
ل من التّعديل والتّجريح عندهما بشهادة واحد .وسبب الخلف هل هما شهادة أو إخبار ؟ فعند
فيثبت ك ّ
سرّ ،ونصاب الشّهادة
الجمهور :شهادة ،وعند أبي حنيفة وأبي يوسف :إخبار ،فيكفي الواحد في تزكية ال ّ
في تزكية العلنية .
فلو عدّل الشّاهد اثنان ،وجرّحه اثنان ،فالجرح أولى عند الحنفيّة ،والشّافعيّة والحنابلة ،وهو قول عند
المالكيّة ،واستدلّوا :بأنّ الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدّل ،فوجب تقديمه ،لنّ التّعديل يتضمّن
ترك الرّيب والمحارم ،والجارح مثبت لوجود ذلك ،والثبات مقدّم على النّفي ،ولنّ الجارح يقول :رأيته
يفعل كذا ،والمعدّل مستنده أنّه لم يره يفعل ،ويمكن صدقهما ،والجمع بين قوليهما :بأن يراه الجارح يفعل
المعصية ،ول يراه المعدّل ،فيكون مجروحا .وعند الشّافعيّة والحنابلة :أنّه ل بدّ في الجرح من ذكر
ن المزكّي يقول في الشّاهد المجروح " واللّه أعلم "
السّبب ،ولم يشترطوا ذلك في التّعديل .وعند الحنفيّة :أ ّ
ن في ذكر فسقه هتك عرضه ،وقد أمرنا بالسّتر على المسلم .وهذا كلّه إذا لم يعلم
ول يزيد على هذا ،ل ّ
القاضي حال الشّهود ،إذ إنّه إذا كان يعلم حكم بمقتضى علمه .
وقال المالكيّة :لو عدّله شاهدان رجلن وجرّحه آخران ،ففي ذلك قولن ،قيل :يقضى بأعدلهما ،لستحالة
ن شهود الجرح زادوا على شهود التّعديل ،إذ الجرح
الجمع بينهما ،وقيل :يقضى بشهادة الجرح ،ل ّ
ل النّاس ،بخلف العدالة .
َيبْطُن ،فل يطّلع عليه ك ّ
وللّخميّ تفصيل ،قال :إن كان اختلف البيّنتين في فعل شيء في مجلس واحد ،كدعوى إحدى البيّنتين :أنّه
فعل كذا ،في وقت كذا ،وقالت البيّنة الخرى :لم يكن ذلك ،فإنّه يقضى بأعدلهما .
وإن كان ذلك في مجلسين متقاربين قضي بشهادة الجرح ،لنّها زادت علما في الباطن .
وإن تباعد ما بين المجلسين قضي بآخرهما تاريخا ،ويحمل على أنّه كان عدل ففسق ،أو فاسقا فتزكّى ،إل
أن يكون في وقت تقييد الجرح ظاهر العدالة ،فبيّنة الجرح مقدّمة ،لنّها زادت .
تعارض احتمال بقاء السلم وحدوث الرّدّة :
- 14فقهاء المذاهب لم يجمعوا على حكم واحد في هذا الموضوع .وأكثر المذاهب توسّعا فيه مذهب الحنفيّة
:إذ قالوا :ل يخرج الرّجل من اليمان إلّا جحود ما أدخله فيه ،ثمّ ما تيقّن أنّه ردّة يحكم بها ،وما يشكّ أنّه
شكّ ،والسلم يعلو .وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا أل
ردّة ل يحكم بها ،إذ السلم الثّابت ل يزول بال ّ
يبادر بتكفير أهل السلم ،مع أنّه يتساهل في إثبات السلم ،فيقضى بصحّة إسلم المكره .ونقل ابن
عابدين عن صاحب الفتاوى الصّغرى قوله :الكفر شيء عظيم ،فل أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية
أنّه ل يكفر .وفي كتب الحنفيّة :إذا كان في المسألة وجوه توجب التّكفير ،ووجه واحد يمنعه ،فعلى المفتي
أن يميل إلى الوجه الّذي يمنع التّكفير ،تحسينا للظّنّ بالمسلم ،إل إذا صرّح بإرادة موجب الكفر ،فل ينفعه
التّأويل .
ول يكفر بالمحتمل ،لنّ عقوبة الكفر نهاية في العقوبة ،تستدعي نهاية في الجناية ،ومع الحتمال ل نهاية
في الجناية ،والّذي تقرّر :أنّه ل يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلمه على محمل حسن ،أو كان في كفره
اختلف ،ولو رواية ضعيفة .
- 15وفقهاء المذاهب الخرى يقولون أيضا :إذا قام دليل أو قرينة تقتضي عدم القتل قدّمت .قالوا :ولو
أسلم ثمّ ارتدّ عن قرب ،وقال :أسلمت عن ضيق أو خوف أو غرم ،وظهر عذره ،ففي قبول عذره قولن
عند المالكيّة .
هذا ،وقد أورد الفقهاء قواعد عامّة في التّعارض ،وهي إن كانت أقرب إلى الصول منها إلى الفقه ،إل أنّه
رتّبت عليها مسائل فقهيّة يسوّغ ذكرها هنا .
تعارض الحكام التّكليفيّة في الفعل الواحد :
- 16من القواعد الّتي أوردها الزّركشيّ :أنّه لو تعارض الحظر والباحة في فعل واحد يقدّم الحظر .ومن
ثمّ لو تولّد الحيوان من مأكول وغيره ،حرم أكله ،وإذا ذبحه المحرم وجب الجزاء تغليبا للتّحريم .
ومنها :لو تعارض الواجب والمحظور ،يقدّم الواجب ،كما إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفّار ،وجب
غسل الجميع ،والصّلة عليهم .وكذلك اختلط الشّهداء بغيرهم .وإن كان الشّهيد ل يغسّل ،ول يصلّى
عليه ،إلّا أنّه ينوى الصّلة عليه إن لم يكن شهيدا .ولو أسلمت المرأة وجب عليها الهجرة إلى دار السلم ،
ولو سافرت وحدها ،وإن كان سفرها وحدها في الصل حراما .
ويعذر المصلّي في التّنحنح إذا تعذّرت عليه القراءة الواجبة .
- 17ومن القواعد :ما لو تعارض واجبان ،قدّم آكدهما ،فيقدّم فرض العين على فرض الكفاية .فالطّائف
حول الكعبة ل يقطع الطّواف لصلة الجنازة .
ولو اجتمعت جنازة وجمعة وضاق الوقت ،قدّمت الجمعة .ومن هذا ليس للوالدين منع الولد من حجّة
ن برّهما فرض عين ،والجهاد
السلم على الصّحيح ،بخلف الجهاد ،فإنّه ل يجوز إل برضاهما ،ل ّ
فرض كفاية ،وفرض العين مقدّم .
- 18ولو تعارضت فضيلتان ،يقدّم أفضلهما ،فلو تعارض البكور إلى الجمعة بل غسل وتأخيره مع
ن تحصيل الغسل أولى للخلف في وجوبه .وهذا كلّه مذهب الشّافعيّة .
الغسل ،فالظّاهر :أ ّ
- 19ومن فروع قاعدة تعارض الحظر والباحة :ما إذا تعارض دليلن أحدهما يقتضي التّحريم ،والخر
الباحة ،قدّم التّحريم .
وعلّله الصوليّون بتقديم النّسخ ،لنّه لو قدّم المبيح للزم تكرار النّسخ ،لنّ الصل في الشياء الباحة ،فلو
جعل المبيح متأخّرا كان المحرّم ناسخا للباحة الصليّة ،ث ّم يصير منسوخا بالمبيح ،ولو جعل المحرّم
متأخّرا كان ناسخا للمبيح ،وهو لم ينسخ شيئا لكونه على وفق الصل ،ولذلك قال عثمان رضي ال عنه -
لمّا سئل عن الجمع بين الختين بملك اليمين -أحلّتهما آية وحرّمتهما آية ،والتّحريم أحبّ إلينا .قالوا :
ن فيه ترك مباح ،ل اجتناب محرّم ،وذلك أولى من عكسه .
وإنّما كان التّحريم أحبّ ل ّ
- 20ومن أقسام التّعارض :أن يتعارض أصلن ،فإذا وقع ذلك يعمل بالرجح منهما ،لعتضاده بما
يرجّحه .ومن صوره :ما إذا جاء بعض العسكر بمشرك ،فادّعى المشرك :أنّ المسلم أمّنه ،وأنكر ،ففيه
روايتان :
ن الصل عدم المان .والثّانية :القول قول المشرك ،لنّ
إحداهما :القول قول المسلم في إنكار المان ،ل ّ
ن القول قول من
شكّ هنا فيها .وفيه رواية ثالثة :أ ّ
الصل في الدّماء الحظر إلّا بيقين الباحة ،وقد وقع ال ّ
يدلّ الحال على صدقه منهما ،ترجيحا لحد الصلين بالظّاهر الموافق له .ولو تعارض الحنث والبرّ في
يمين ،قدّم الحنث على البرّ ،فمن حلف على القدام على فعل شيء أو وجوده فهو على حنث ،حتّى يقع
الفعل فيبرّ .
والحنث يدخل عند المالكيّة بأقلّ الوجوه ،والبرّ ل يكون إل بأكمل الوجوه ،فمن حلف أن يأكل رغيفا لم يبرّ
إل بأكل الرّغيف كلّه ،وإن حلف أل يأكله حنث بأكل بعضه .
ن الخاصّ والعا ّم يتعارضان ويتدافعان ،فيجوز أن يكون
قال الغزاليّ في المستصفى :وقد ذهب قوم :إلى أ ّ
الخاصّ سابقا ،وقد ورد العامّ بعده لرادة العموم ،فنسخ الخاصّ .ويجوز أن يكون العامّ سابقا وقد أريد به
العموم ،ثمّ نسخ باللّفظ الخاصّ بعده .فعموم الرّقبة مثلً يقتضي إجزاء الكافرة مهما أريد به العموم ،
والتّقييد بالمؤمنة يقتضي منع إجزاء الكافرة ،فهما متعارضان .وإذا أمكن النّسخ والبيان جميعا فَِلمَ يُتحكّم
ل العامّ هو المتأخّر الّذي أريد به
بحمله على البيان دون النّسخ ؟ ول َم يقطع بالحكم على العامّ بالخاصّ ؟ ولع ّ
ح عندنا :تقديم الخاصّ وإن كان ما
العموم ،وينسخ به الخاصّ ،وهذا هو الّذي اختاره القاضي ،والص ّ
ن تقدير النّسخ محتاج إلى الحكم بدخول الكافرة تحت اللّفظ ،ثمّ خروجه عنه ،فهو
ذكره القاضي ممكنا ،ولك ّ
إثبات وضع ،ورفع بالتّوهّم ،وإرادة الخاصّ باللّفظ العامّ غالب معتاد ،بل هو الكثر ،والنّسخ كالنّادر ،فل
سبيل إلى تقديره بالتّوهّم ،ويكاد يشهد لما ذكرناه من سير الصّحابة والتّابعين كثير ،فإنّهم كانوا يسارعون
إلى الحكم بالخاصّ على العامّ ،وما اشتغلوا بطلب التّاريخ والتّقدّم والتّأخّر .
ن الرّجال يقتضي مفهومه قتل غيرهم ،فإذا لم يتنافيا
وقيل على الشّذوذ :إنّه يخصّص من طريق المفهوم ،فإ ّ
ح ّرمَتْ عَلَيكُ ْم ال َم ْيتَةُ } وقوله تعالى { :ل تَ ْقتُلُوا
،وكان لحدهما مناسبة تخصّه في متعلّقه -كقوله تعالى ُ { :
حرُمٌ } -فيضطرّ المحرم إلى أكل الميتة أو الصّيد ،فعند مالك :يأكل الميتة ويترك الصّيد ،
الصّيدَ وََأ ْن ُتمْ ُ
ن كليهما -وإن كان محرّما -إلّا أنّ تحريم الصّيد له مناسبة بالحرام ،ومفسدته الّتي اعتمدها النّهي إنّما
لّ
هي في الحرام ،وأمّا مفسدة أكل الميتة فذلك أمر عا ّم ،ل تعلّق له بخصوص الحرام ،والمناسب إذا كان
لمر عامّ -وهو كونها ميتة -ل يكون بينه وبين خصوص الحرام منافاة ول تعلّق ،والمنافي الخصّ
أولى بالجتناب .
ومن هذا القبيل :إذا لم يجد المصلّي ثوبا يستره إل حريرا أو نجسا فإنّه يصلّي في الحرير ويترك النّجس ،
ن مفسدة النّجاسة خاصّة بالصّلة ،بخلف مفسدة الحرير ل تعلّق لها بخصوص الصّلة ،ول منافاة بينهما
لّ
.
وهناك فروع كثيرة أخرى تترتّب على هذه القاعدة ،يرجع إليها في الصول وأبواب الفقه .
تعارض الصل والظّاهر :
- 21المراد بالصل :بقاء ما كان على ما كان ،والظّاهر :ما يترجّح وقوعه .
فالصل براءة ال ّذمّة ،ولذا لم يقبل في شغلها شاهد واحد ،ولذا كان القول قول المدّعى عليه لموافقته الصل
،والبيّنة على المدّعي ،لدعواه ما خالف الصل ،فإذا اختلفا في قيمة المتلف والمغصوب -فالقول قول
ن الصل البراءة عمّا زاد عن قوله ،ولو أق ّر بشيء أو حقّ قبل تفسيره بما له قيمة ،فالقول للمقرّ
الغارم ،ل ّ
مع يمينه .
وهذه القاعدة مذهب الحنفيّة .والحكم كذلك عند المالكيّة .
والشّافعيّة والحنابلة :الحكم عندهم كذلك في تقديم الظّاهر الثّابت بالبيّنة .
وللشّافعيّة تفصيل في غير الثّابت بالبيّنة ،إذ قالوا :إنّ الصل يرجّح جزما .
وضابطه :أن يعارضه احتمال مجرّد .وما يرجّح فيه الظّاهر جزما ،وضابطه :أن يستند إلى سبب
منصوب شرعا ،كالشّهادة تعارض الصل ،والرّواية ،واليد في الدّعوى .وإخبار الثّقة بدخول الوقت .
وما يرجّح فيه الصل على الظّاهر في الصحّ ،وضابطه :أن يستند الحتمال إلى سبب ضعيف ،ومثله
الشّيء الّذي ل يتيقّن بنجاسته ،ولكنّ الغالب فيه النّجاسة كثياب مدمن الخمر ،والقصّابين ،والكفّار ،
وأوانيهم .
وما يترجّح فيه الظّاهر على الصل ،بأن كان سببا قويّا منضبطا ،كمن شكّ بعد الصّلة أو غيرها من
العبادات في ترك ركن غير ال ّنيّة فالمشهور ل يؤثّر .
والحنابلة يقدّمون كغيرهم الظّاهر ،الّذي هو حجّة يجب قبولها شرعا ،كالشّهادة على الصل ،وإن لم يكن
كذلك ،بأن كان مستندا إلى العرف أو العادة الغالبة أو القرائن أو غلبة الظّنّ ونحو ذلك ،فتارة يعمل بالصل
ول يلتفت إلى الظّاهر ،وتارة يعمل بالظّاهر ول يلتفت إلى الصل ،وتارة يخرج في المسألة خلف ،فهذه
أربعة أقسام :
- 1 -ما ترك فيه العمل بالصل للحجّة الشّرعيّة ،وهي قول من يجب العمل بقوله ،كشهادة عدلين بشغل
ذمّة المدّعى عليه ،وهذه محلّ إجماع بين الفقهاء كما تقدّم .
- 2 -ما عمل فيه بالصل ،ولم يلتفت إلى القرائن الظّاهرة ونحوها .وذلك كما إذا ادّعت زوجة بعد طول
مقامها مع الزّوج :أنّها لم تصلها منه النّفقة الواجبة ،فإنّ القول قولها مع يمينها عند الصحاب ،لنّ الصل
ي الدّين بن تيميّة الرّجوع إلى العادة ،وخرّجه وجها من
ن العادة تبعد ذلك جدّا ،واختار الشّيخ تق ّ
معها ،مع أ ّ
المسائل المختلف فيها .
- 3 -ما عمل فيه بالظّاهر ولم يلتفت إلى الصل ،كما إذا شكّ بعد الفراغ من الصّلة أو غيرها من
شكّ ،وإن كان الصل عدم التيان به وعدم براءة ال ّذمّة ،
العبادات في ترك ركن منها ،فإنّه ل يلتفت إلى ال ّ
ن الظّاهر من فعل المكلّفين للعبادات :أن تقع على وجه الكمال ،فيرجّح هذا الظّاهر على الصل ،ول
لك ّ
فرق في ذلك بين الوضوء وغيره في المنصوص عن المام أحمد .
- 4 -ما خرج فيه خلف في ترجيح الظّاهر على الصل وبالعكس ،ويكون ذلك غالبا عند تقادم الظّاهر
والصل وتساويهما ،ومن صوره :طهارة طين الشّوارع ،نصّ عليه المام أحمد في مواضع ،ترجيحا
للصل ،وهو الطّهارة في العيان كلّها .
وفي رواية له ثانية :أنّه نجس ترجيحا للظّاهر ،وجعله صاحب التّلخيص المذهب .
سيّة :
تعارض العبارة " اللّفظ " والشارة الح ّ
ن العبارة تقدّم على الشارة ،واستدلّوا بما أورده ابن حجر في شرح حديث
- 22قال المالكيّة والحنابلة :إ ّ
ي صلى ال عليه وسلم « أمرت أن أسجد على سبعة أعظم :على الجبهة
ابن عبّاس رضي ال عنهما عن النّب ّ
وأشار بيده على أنفه » . . .إلخ .
وأحال شرح الحديث على ما قاله في الرّواية الخرى عن ابن عبّاس « ووضع يده على جبهته وأمرّها على
أنفه ،وقال :هذا واحد » فهذه رواية مفسّرة .
ل على أنّ الجبهة الصل ،والسّجود على النف تبع .
قال القرطبيّ :هذا يد ّ
وقال ابن دقيق العيد :قيل :معناه أنّهما جعل كعضو واحد ،وإل لكانت العضاء ثمانية .قال :وفيه نظر ،
لنّه ل يلزم منه أن يكتفى بالسّجود على النف .قال :والحقّ أنّ مثل هذا ل يعارض التّصريح بذكر
الجبهة ،وإن أمكن أن يعتقد أنّهما كعضو واحد فذاك في التّسمية والعبارة ،ل في الحكم الّذي عليه المر
بالسّجود .
وأيضا فإنّ الشارة قد ل تعيّن المشار إليه ،فإنّها إنّما تتعلّق بالجبهة لجل العبارة ،فإذا تقارب ما في الجبهة
أمكن أن ل يعيّن المشار إليه تعيينا .وأمّا العبارة :فإنّها معيّنة لما وصفت له ،فتقديمه أولى .وما ذكره من
القتصار على بعض الجبهة قال به كثير من الشّافعيّة ،ثمّ قال :ونقل ابن المنذر إجماع الصّحابة :على أنّه
ل يجزئ السّجود على النف وحده .وذهب الجمهور إلى أنّه يجزئ على الجبهة وحدها .وعن الوزاعيّ
وأحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكيّة وغيرهم :يجب أن يجمعهما ،وهو قول الشّافعيّ أيضا .وقال
الحنفيّة :إذا اجتمعت الشارة إلى شيء ،والعبارة عنه في المهر -فالصل أنّ المسمّى إذا كان من جنس
ن المسمّى موجود في المشار إليه ذاتا ،والوصف يتبعه ،وإن كان
المشار إليه يتعلّق العقد بالمشار إليه ،ل ّ
ن المسمّى مثل المشار إليه ،وليس بتابع له .
من خلف جنسه يتعلّق العقد بالمسمّى ،ل ّ
والتّسمية أبلغ في التّعريف ،من حيث إنّها تعرف الماهيّة ،والشارة تعرف الذّات .
فمن اشترى فصّا على أنّه ياقوت ،فإذا هو زجاج ل ينعقد العقد ،لختلف الجنس .
ولو اشترى على أنّه ياقوت أحمر فإذا هو أخضر ،انعقد العقد لتّحاد الجنس .
ن المام أبا
ن هذا الصل متّفق عليه في النّكاح ،والبيع ،والجارة ،وسائر العقود ،ولك ّ
وقال الشّارحون :إ ّ
ن من
حنيفة جعل الخلّ والخمر جنسا ،فتعلّق بالمشار إليه ،فوجب مهر المثل ،فيما لو تزوّجها على هذا الدّ ّ
الخلّ ،وأشار إلى خمر .
ح.
ولو سمّى حراما ،وأشار إلى حلل فلها الحلل في الص ّ
وأمّا في النّكاح فقال في الخانيّة :رجل له بنت واحدة اسمها عائشة :فقال الب وقت العقد :زوّجت منك
بنتي فاطمة ،ل ينعقد النّكاح .ولو كانت المرأة حاضرة فقال الب :زوّجتك بنتي فاطمة هذه ،وأشار إلى
عائشة وغلط في اسمها ،فقال الزّوج :قبلت ،جاز .
ن الحنفيّة وحدهم هم الّذين قالوا بإجزاء السّجود على النف وحده ،تقديما للشارة
- 23وممّا سبق تبيّن أ ّ
ن العبارة عندهم تقدّم على
ن الجمهور يجزئ عندهم السّجود على الجبهة دون النف ،وأ ّ
على العبارة ،وأ ّ
الشارة لنّها تعيّن المراد ،والشارة قد ل تعيّنه .
وقال الشّافعيّة :إذا اجتمعت الشارة والعبارة ،واختلف موجبهما ،غلّبت الشارة .
ح الصّحّة .ولو قال :
فلو قال :أصلّي خلف زيد هذا ،أو قال :أصلّي على زيد هذا ،فبان عمرا فالص ّ
ح قطعا ،وحكي فيه وجه .
زوّجتك فلنة هذه ،وسمّاها بغير اسمها ص ّ
ولو قال :زوّجتك هذا الغلم ،وأشار إلى بنته ،نقل الرّويانيّ عن الصحاب صحّة النّكاح .تعويل على
الشارة .وهذا يتّفق ومذهب الحنفيّة .ولو قال :زوّجتك هذه العربيّة ،فكانت أعجميّة .أو :هذه العجوز ،
فكانت شابّة .أو :هذه البيضاء ،فكانت سوداء أو عكسه -وكذا المخالفة في جميع وجوه النّسب والصّفات
صحّة .ولو قال :بعتك داري هذه وحدّدها وغلط
والعلوّ والنّزول -ففي صحّة النّكاح قولن ،والصحّ :ال ّ
في حدودها ،صحّ البيع .بخلف ما لو قال :بعتك الدّار الّتي في المحلّة الفلنيّة وحدّدها وغلط ،لنّ
ح هنا
التّعويل هناك على الشارة .ولو قال :بعتك هذا الفرس فكان بغل أو عكسه ،فوجهان ،والص ّ
صحّة في الباقي تغليبا للشارة
البطلن .وإنّما صحّح البطلن هنا تغليبا لختلف غرض الماليّة .وصحّح ال ّ
.وحينئذ يستثنى هذه الصّورة من القاعدة .
ويضمّ إلى هذه الصّورة صور ،منها :ما لو حلف ل يكلّم هذا الصّبيّ فكلّمه شيخا ،أو ل يأكل هذا الرّطب
فأكله تمرا ،أو ل يدخل هذه الدّار فدخلها عرصة ،فالصحّ :أنّه ل يحنث .ولو خالعها على هذا الثّوب
الكتّان فبان قطنا ،أو عكسه ،فالصحّ فساد الخلع ،ويرجع بمهر المثل .وهناك صور كثيرة تترتّب على
هذه القاعدة .
هذه جملة قواعد أصوليّة في التّعارض ،ذكرت مع ما يترتّب عليها من أحكام .
وأمّا التّعارض بين الدلّة فينظر في الملحق الصوليّ .
تعاطي *
التّعريف :
- 1التّعاطي لغة :مصدر تعاطى ،بمعنى :تناول النسان الشّيء بيده ،من العطو ،وهو بمعنى التّناول .
قال اللّه تعالى { :فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر } وتفسيرها :أنّه تناول آلة العقر ،وجاء في تفسيرها أيضا
:أنّه تناول الفعل بعد أن أعدّ له عدّته ،بأن كمن للنّاقة فرماها بسهمه ،ثمّ ضربها بسيفه حتّى قتلها .
واصطلحا :التّعاطي في البيع ،ويقال فيه أيضا المعاطاة :أن يأخذ المشتري المبيع ويدفع للبائع الثّمن ،أو
يد فع البائع ال مبيع فيد فع له ال خر الثّ من ،من غ ير تكلّم ول إشارة .ويكون التّعا طي في الب يع وغيره من
المعاوضات .
اللفاظ ذات الصّلة :
العقد :
- 2العقد :عقود البيع منها ما يتمّ باللّفظ ( وهو الصّيغة ) وهو اليجاب والقبول ،ومنها ما يتمّ بالفعل ،
وهو التّعاطي .
الحكم الجماليّ :
البيع بالتّعاطي :
- 3اختلف الفقهاء في انعقاد البيع بالتّعاطي .فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،وفي قول للشّافعيّة إلى :
جواز البيع بالتّعاطي .والمذهب عند الشّافعيّة اشتراط الصّيغة لصحّة البيع وما في معناه .وللشّافعيّة قول
ثالث بجواز المعاطاة في المحقّرات .
ولبيع المعاطاة صورتان :الولى :أن يتمّ التّعاطي من غير تكلّم ول إشارة من أحد الطّرفين ،وهو جائز
عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،ورجّح النّوويّ الجواز بخلف المذهب .الصّورة الثّانية :أن يتمّ التّعاطي
بتكلّم أحد الطّرفين ويت ّم التّسليم ،وهو تعاط عند المالكيّة والحنابلة .ولم يعدّه الحنفيّة تعاطيا .
ن اللّه أحلّ البيع ،ولم يبيّن كيفيّته ،فوجب
- 4وقال ابن قدامة في الستدلل لمشروعيّة بيع التّعاطي :إ ّ
الرّجوع فيه إلى العرف ،كما رجع إليه في القبض والحراز والتّفرّق .والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم
ن البيع كان موجودا بينهم معلوما عندهم ،وإنّما علّق الشّرع عليه أحكاما ،وأبقاه على ما كان
على ذلك .ول ّ
،فل يجوز تغييره بالرّأي والتّحكّم ،ولم ينقل عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ول عن أصحابه -مع كثرة
ل شائعا .
وقوع البيع بينهم -استعمال اليجاب والقبول ،ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نق ً
ولو كان ذلك شرطا لوجب نقله ،ولم يتصوّر منهم إهماله والغفلة عن نقله ،ولنّ البيع ممّا تعمّ به البلوى
فلو اشترط له اليجاب والقبول َل َبيّنه صلى ال عليه وسلم بيانا عامّا ،ولم يخف حكمه ،لنّه يفضي إلى
وقوع العقود الفاسدة كثيرا وأكلهم المال بالباطل ،ولم ينقل ذلك عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ول عن أحد
من أصحابه فيما علمناه .
ن النّاس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كلّ عصر .
ول ّ
ولم ينقل إنكاره قبل مخالفينا ،فكان ذلك إجماعا .وكذلك الحكم في اليجاب والقبول في الهبة والهديّة
والصّدقة ،ولم ينقل عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم ول عن أحد من أصحابه استعمال ذلك فيه ،وقد أهدي
إلى رسول اللّه صلى ال عليه وسلم من الحبشة وغيرها ،وكان النّاس يتحرّون بهداياهم يوم عائشة رضي
ال عنها .وروى البخاريّ عن أبي هريرة رضي ال عنه قال « :كان رسول اللّه صلى ال عليه وسلم إذا
أتي بطعام سأل عنه :أهديّة أم صدقة ؟ فإن قيل :صدقة .قال لصحابه :كلوا ،ولم يأكل .وإن قيل :
هديّة ضرب بيده وأكل معهم » وفي حديث سلمان رضي ال عنه « حين جاء إلى النّبيّ صلى ال عليه وسلم
بتمر فقال :هذا شيء من الصّدقة ،رأيتك أنت وأصحابك أحقّ النّاس به .فقال النّبيّ صلى ال عليه وسلم
لصحابه :كلوا ولم يأكل ثمّ أتاه ثانية بتمر فقال :رأيتك ل تأكل الصّدقة وهذا شيء أهديته لك ،فقال النّبيّ
صلى ال عليه وسلم :بسم اللّه ،وأكل » ولم ينقل قبول ول أمر بإيجاب ،وإنّما سأل ليعلم :هل هو صدقة
ل على
أو هديّة ؟ وفي أكثر الخبار لم ينقل إيجاب ول قبول ،وليس إلّا المعاطاة ،والتّفرّق عن تراض يد ّ
ق ذلك ،ولكانت أكثر عقود المسلمين فاسدة ،
صحّته ،ولو كان اليجاب والقبول شرطا في هذه العقود لش ّ
ن اليجاب والقبول إنّما يرادان للدّللة على التّراضي ،فإذا وجد ما يدلّ عليه
وأكثر أموالهم محرّمة ،ول ّ
من المساومة والتّعاطي قام مقامهما وأجزأ عنهما ،لعدم التّعبّد فيه .
القالة بالتّعاطي :
- 5جوّز الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إقالة البيع بالتّعاطي ،وقالوا :القالة تنعقد بالتّعاطي أيضا من أحد
الجانبين على الصّحيح .
الجارة بالتّعاطي :
- 6جوّزها الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،وقالوا :إنّما هي كالبيع ،وقد اقتصرت على المنافع دون العين .
قال ابن قدامة :إذا دفع ثوبه إلى خيّاط أو قصّار ليخيطه أو يقصّره من غير عقد ول شرط ول تعريض
بأجر ،مثل أن يقول :خذ هذا فاعمله ،وكان الخيّاط والقصّار منتصبين لذلك ،ففعل ذلك فلهما الجر ،لنّ
العرف جار بذلك .وقال أصحاب الشّافعيّ :ل أجر لهما ،لنّهما فعل ذلك من غير عوض جعل لهما ،
فأشبه ما لو تبرّعا بعمله .
وقال ابن عابدين :وفي التتارخانية أنّ أبا يوسف سئل عن الرّجل يدخل السّفينة أو يحتجم أو يفتصد أو يدخل
الحمّام أو يشرب من ماء السّقاء ،ثمّ يدفع الجرة وثمن الماء ؟ فقال :يجوز استحسانا ،ول يحتاج إلى العقد
قبل ذلك .
مواطن البحث :
- 7يفصّل الفقهاء أحكام التّعاطي بالنّسبة لكلّ مسألة في موضعها ،ومن تلك المواطن :البيوع ،والقالة ،
والجارة .
تعاويذ *
انظر :تعويذة .
تعبّديّ *
التّعريف :
- 1التّعبّديّ لغة :المنسوب إلى التّعبّد .
والتّعبّد مصدر تعبّد ،يقال :تعبّد الرّجلُ الرّجل :إذا اتّخذه عبدا ،أو صيّره كالعبد .
وتعبّد اللّه العبدَ بالطّاعة :استعبده ،أي طلب منه العبادة .ومعنى العبادة في اللّغة :الطّاعة والخضوع .
ومنه طريق معبّد :إذا كان مذلّلً بكثرة المشي فيه .ويرد التّعبّد في اللّغة أيضا بمعنى :التّذلّل ،يقال :تعبّد
فلن لفلن :إذا خضع له وذلّ .وبمعنى التّنسّك ،يقال :تعبّد فلن للّه تعالى :إذا أكثر من عبادته ،وظهر
فيه الخشوع والخبات .والتّعبّد من اللّه للعباد :تكليفهم أمور العبادة وغيرها .ويكثر الفقهاء والصوليّون
من استعماله بهذا المعنى ،كقولهم :نحن متعبّدون بالعمل بخبر الواحد وبالقياس ،أي مكلّفون بذلك .
ويقولون :كان النّبيّ صلى ال عليه وسلم متعبّدا بشرع من قبله ،أي مكلّفا بالعمل به .
- 2والتّعبّديّات -في اصطلح الفقهاء والصوليّين -تطلق على أمرين :
الوّل :أعمال العبادة والتّنسّك .ويرجع لمعرفة أحكامها بهذا المعنى إلى مصطلح ( عبادة ) .الثّاني :
الحكام الشّرعيّة الّتي ل يظهر للعباد في تشريعها حكمة غير مجرّد التّعبّد ،أي التّكليف بها ،لختبار
عبوديّة العبد ،فإن أطاع أثيب ،وإن عصى عوقب .
والمراد بالحكمة هنا :مصلحة العبد من المحافظة على نفسه أو عرضه أو دينه أو ماله أو عقله .أمّا
ل أمر أو نهي ،
مصلحته الخرويّة -من دخول جنّة اللّه تعالى والخلص من عذابه -فهي ملزمة لتلبية ك ّ
تعبّديّا كان أو غيره .
- 3هذا هو المشهور في تعريف التّعبّديّات .وقد لحظ الشّاطبيّ في موافقاته أنّ حكمة الحكم قد تكون
معلومة على وجه الجمال ،ول يخرجه ذلك عن كونه تعبّديّا من بعض الوجوه ،ما لم يعقل معناه على وجه
الخصوص .قال :ومن ذلك :طلب الصّداق في النّكاح ،والذّبح في المحلّ المخصوص في الحيوان المأكول
،والفروض المقدّرة في المواريث ،وعدد الشهر في عدّة الطّلق والوفاة ،وما أشبه ذلك من المور الّتي ل
مجال للعقول في فهم مصالحها الجزئيّة ،حتّى يقاس عليها غيرها .فإنّا نعلم أنّ الشّروط المعتبرة في
ن فروض المواريث ترتّبت على
النّكاح ،من الوليّ والصّداق وشبه ذلك ،هي لتمييز النّكاح عن السّفاح ،وأ ّ
ترتيب القربى من الميّت ،وأنّ العدد والستبراءات ،المراد بها استبراء الرّحم خوفا من اختلط المياه ،
ولكنّها أمور جمليّة ،كما أنّ الخضوع والجلل علّة شرع العبادات .وهذا المقدار ل يقضي بصحّة القياس
على الصل فيها ،بحيث يقال :إذا حصل الفرق بين النّكاح والسّفاح بأمور أخر مثل ،لم تشترط تلك
الشّروط .
ومتى علم براءة الرّحم لم تشرع العدّة بالقراء ول بالشهر ،ول ما أشبه ذلك .
شرِعت لنا لحكمة يعلمها اللّه تعالى وخفيت علينا ،أو إنّها
- 4هذا وقد اختلفت الفقهاء في أنّ التّعبّديّات ُ
شُرِعت ل لحكمة أصلً غي َر مجرّد تعبّد اللّه للعباد واستدعائه المتثال منهم ،اختبارا لطاعة العبد لمجرّد
المر والنّهي من غير أن يعرف وجه المصلحة فيما يعمل ،بمنزلة سيّد أراد أن يختبر عبيده أيّهم أطوع له ،
فأمرهم بالتّسابق إلى لمس حجر ،أو اللتفات يمينا أو يسارا ممّا ل مصلحة فيه غير مجرّد الطّاعة .
- 5قال ابن عابدين نقلً عن الحلية :أكثر العلماء على القول الوّل ،وهو المتّجه ،بدللة استقراء تكاليف
اللّه تعالى على كونها جالبة للمصالح دارئة للمفاسد .
ل الحكام الشّرعيّة معلّلة بمصالح العباد في
وكذلك الشّاطبيّ في موافقاته اعتمد الستقراء دليلً على أنّ ك ّ
ن المعتزلة متّفقون على أنّ أحكامه معلّلة برعاية مصالح العباد ،وهو اختيار أكثر
الدّنيا والخرة ،وقال :إ ّ
الفقهاء المتأخّرين .قال :ولمّا اضطرّ الرّازيّ إلى إثبات العلل للحكام الشّرعيّة أثبت ذلك على أنّ العلل
بمعنى العلمات المعرّفة للحكام .وذكر الشّاطبيّ من الدلّة الّتي استقرأها قوله تعالى في شأن الوضوء
شكُرُون } .
طهّرَكمْ وَِل ُي ِتمّ ِن ْع َمتَهُ عَلَي ُكمْ َلعَّل ُكمْ َت ْ
حرَجٍ وَلَكنْ ُيرِيدُ ِل ُي َ
ن َ
جعَلَ عَلَي ُكمْ مِ ْ
والغسل { مَا ُيرِي ُد اللّ ُه ِل َي ْ
ن مِنْ َقبِْل ُكمْ َلعَّل ُكمْ َتتّقُونَ } .
صيَامُ َكمَا ُكتِبَ على اّلذِي َ
وفي الصّيام { ُكتِبَ عَلَيكُمْ ال ّ
حيَا ٌة يَا أُوِليْ الَ ْلبَابِ َلعَّل ُكمْ َتتّقُونَ } وآيات نحو هذه .
وفي القصاص { وََل ُكمْ فِي ال ِقصَاصِ َ
وممّن ذهب إلى مثل ذلك ابن القيّم ،حيث قال :قالت طائفة :إنّ عدّة الوفاة تعبّد محض ،وهذا باطل ،فإنّه
ليس في الشّريعة حكم واحد إلّا وله معنى وحكمة ،يعقله من يعقله ،ويخفى على من خفي عليه .وقرّر هذا
المعنى تقريرا أوسع فقال :شرع اللّه العقوبات ،ورتّبها على أسبابها ،جنسا وقدرا ،فهو عالم الغيب
والشّهادة وأحكم الحاكمين وأعلم العالمين ،ومن أحاط بكلّ شيء علما ،وعلم ما كان وما يكون ،وأحاط
علمه بوجوه المصالح دقيقها وجليلها وخفيّها وظاهرها ،ما يمكن اطّلع البشر عليه وما ل يمكنهم .وليست
ن التّخصيصات والتّقديرات
هذه التّخصيصات والتّقديرات خارجة عن وجوه الحكم والغايات المحمودة ،كما أ ّ
واقعة في خلقه كذلك ،فهذا في خلقه وذاك في أمره ،ومصدرهما جميعا عن كمال علمه وحكمته ووضعه
كلّ شيء في موضعه الّذي ل يليق به سواه ول يتقاضى إلّا إيّاه ،كما وضع قوّة البصر والنّور الباصر في
شمّ في النف ،وخصّ كلّ حيوان وغيره بما يليق به ويحسن أن
العين ،وقوّة السّمع في الذن ،وقوّة ال ّ
يعطاه من أعضائه وهيئاته وصفاته وقدره ،فشمل إتقانه وإحكامه ،وإذا كان سبحانه قد أتقن خلقه غاية
التقان ،وأحكمه غاية الحكام ،فلن يكون أمره في غاية التقان أولى وأحرى ،ول يكون الجهل بحكمة
اللّه في خلقه وأمره وإتقانه كذلك وصدوره عن محض الحكمة والعلم مسوّغا لنكاره في نفس المر .وسار
سنّة
على هذه الطّريقة وليّ اللّه الدّهلويّ في حجّة اللّه البالغة وقال :إنّ القول الخر ( التي ) تكذّبه ال ّ
وإجماع القرون المشهود لها بالخير .
- 6أمّا القول الثّاني بوجود أحكام ولو على سبيل النّدرة قصد منها التّعبّد والمتثال .فيدلّ عليه ما ورد في
ل الّتي كَانتْ عَلَيهمْ } أنّه كان قد جعل
صرَهُمْ وَالغْل َ
ع ْن ُهمْ ِإ ْ
كتاب اللّه تعالى من قوله تعالى { َ . . .و َيضَعُ َ
على من كان قبلنا آصارا وأغللً لتعنّتهم وشقاقهم ،كما ألزم بني إسرائيل بأن تكون البقرة الّتي أمرهم
بذبحها ل فارضا ول بكرا ،وأن تكون صفراء .وأيضا فإنّ في بعض البتلء واستدعاء الطّاعة والمتثال
والتّدريب على ذلك مصلحة كبيرة ،ل يزال أولياء المور يدرّبون عليها أنصارهم وأتباعهم ،ويبذلون في
ن وليّ
ذلك الموال الطّائلة ،ليكونوا عند الحاجة ملبّين للوامر دون تردّد أو حاجة إلى التّفهّم ،اكتفاء وثقة بأ ّ
أمرهم هو أعلم منهم بما يريد .
بل إنّ مصلحة الطّاعة والمتثال والمسارعة إليهما هي الحكمة الولى المبتغاة من وضع الشّريعة ،بل من
لنْسَ إل ِل َي ْع ُبدُونَ } وقال { يَا َأ ّيهَا الّذينَ آ َمنُوا َل َيبْلُ َو ّن ُكمْ
جنّ وَا ِ
الخلق في أساسه ،قال اللّه تعالى { َومَا خََلقْتُ ال ِ
حتّى َنعَْلمَ
ن َيخَافُه بِال َغيْبِ } .وقال { :وََل َنبْلُ َو ّن ُكمْ َ
ح ُكمْ ِل َيعَْلمَ اللّ ُه مَ ْ
ن الصّيدِ َتنَالُه َأ ْيدِيكُمْ َو ِرمَا ُ
اللّ ُه ِبشَي ٍء مِ َ
ت عليها إل ِل َنعَْلمَ َمنْ َي ّتبِعُ
جعَ ْلنَا ال ِقبْلَ َة الّتي ُكنْ َ
خبَا َر ُكمْ } وقال { َومَا َ
ن ِم ْنكُم وَالصّابِرِينَ َو َنبْلُ َو َأ ْ
ال ُمجَاهِدِي َ
ن َينْقَلبُ على عَ ِقبَيهِ } ولكن من فضل اللّه علينا في شريعة السلم أنّه جعل غالب أحكامها تراعي
الرّسُولَ ِممّ ْ
مصلحة العباد بالضافة إلى مصلحة البتلء ،ولكن ل يمنع ذلك من وجود أحكام ل تراعي ذلك ،بل قصد
بها البتلء خاصّة ،وذلك على سبيل النّدرة .
وفي هذا يقول الغزاليّ :عرف من دأب الشّرع اتّباع المعاني المناسبة دون التّحكّمات الجامدة ،وهذا غالب
عادة الشّرع .ويقول :حمل تصرّفات الشّارع على التّحكّم أو على المجهول الّذي ل يعرف ،نوع ضرورة
يرجع إليها عند العجز .وقال :ما يتعلّق من الحكام بمصالح الخلق من المناكحات والمعاملت والجنايات
والضّمانات وما عدا العبادات فالتّحكّم فيها نادر ،وأمّا العبادات والمقدّرات فالتّحكّمات فيها غالبة ،واتّباع
المعنى نادر .
وصرّح بذلك الشّيخ عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد السّلم في قواعده فقال :يجوز أن تتجرّد التّعبّدات عن
جلب المصالح ودرء المفاسد ،ثمّ يقع الثّواب عليها بناء على الطّاعة والذعان من غير جلب مصلحة غير
مصلحة الثّواب ول درء مفسدة غير مفسدة العصيان .
- 7فالتّعبّديّ على القول الوّل :استأثر اللّه تعالى بعلم حكمته ،ولم يطلع عليها أحدا من خلقه ،ولم يجعل
سبيل للطّلع عليه مع ثبوت المصلحة فيه في نفس المر ،أخفى ذلك عنهم ابتلء واختبارا .هل يمتثلون
ويطيعون دون أن يعرفوا وجه المصلحة ،أم يعصون اتّباعا لمصلحة أنفسهم ؟ .
وعلى القول الثّاني :ابتلهم بما ل مصلحة لهم فيه أصل غير مجرّد الثّواب .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العبادة :
ج .وكثير
- 8أصل العبادة :الطّاعة والخضوع .والعبادات ،أنواع :منها الصّلة والزّكاة والصّوم والح ّ
منها معقول المعنى ،بيّنت الشّريعة حكمته ،أو استنبطها الفقهاء .ومن ذلك قوله تعالى في شأن الصّلة {
ش َهدُوا َمنَافِعَ لَهمْ } وقول الفقهاء
ج { ِل َي ْ
حشَاءِ وَال ُم ْن َكرِ } وقوله في شأن الح ّ
عنْ ال َف ْ
وََأ ِقمْ الصّلةَ ِإنّ الصّل َة َت ْنهَى َ
في حكمة التّرخيص في الفطار في السّفر أثناء رمضان :إنّها دفع المشقّة .فليس شيء من ذلك تعبّديّا .
وبعض أحكام العبادات غير معقول المعنى ،فيكون تعبّديّا ،ككون رمي الجمار سبعا سبعا .وتكون
التّعبّديّات أيضا في غير العبادات ،ومن ذلك :استبراء المة الّتي اشتراها بائعها في مجلس البيع ،وعادت
إليه بفسخ أو إقالة قبل غيبة المشتري بها .
ق اللّه :
ب-حّ
- 9قد يقال في كثير من الحكام :إنّه لحقّ اللّه ،كالصّلة والصّوم وسائر العبادات وكحدّ السّرقة وحدّ
الزّنى .
ن كلّ
ويقال في كثير منها :إنّه لحقّ النسان ،كحقّ القصاص وحدّ القذف والدّين والضّمانات .وقد يظنّ أ ّ
ق اللّه تعالى أنّه تعبّديّ ،إل أنّ المراد من" حقّ اللّه تعالى" أنّه ل خيرة فيه للعباد ،ول
ما كان منها لح ّ
يجوز لحد إسقاطه ،بل ل بدّ للعباد من تنفيذه إذا وجد سببه ،وتمّت شروط وجوبه أو تحريمه .وليس كلّ
ما كان لحقّ اللّه تعالى تعبّديّا ،بل يكون تعبّديّا إذا خفي وجه الحكمة فيه .ويكون غير تعبّديّ ،وذلك إذا
ظهرت حكمته .
قال الشّاطفبيّ :الحكفم المسفتخرجة لمفا ل يعقفل معناه على وجفه الخصفوص ففي التّعبّدات ،كاختصفاص
الوضوء بالعضاء المخ صوصة ،وال صّلة بتلك الهيئة من ر فع اليد ين والقيام والرّكوع وال سّجود ،وكون ها
على ب عض الهيئات دون ب عض ،واخت صاص ال صّيام بالنّهار دون اللّ يل ،وتعي ين أوقات ال صّلوات في تلك
الحيان المعيّنة دون سواها من أحيان النّهار واللّيل ،واختصاص الح جّ بتلك العمال المعروفة ،في الماكن
المعلومة ،وإلى مسجد مخصوص ،إلى أشباه ذلك ممّا ل تهتدي العقول إليه بوجه ،ول تحوم حوله ،يأتي
بعض النّاس فيطرق إليه بزعمه حكما ،يزعم أنّها مقصود الشّارع من تلك الوضاع ،وجميعها مبن يّ على
ظ نّ وتخم ين غير مطّرد في با به ،ول مبن يّ عليه عمل ،بل كالتّعل يل بعد ال سّماع للمور الشّواذّ ،لجناي ته
على الشّريعة في دعوى ما ليس لنا به علم ،ول دليل لنا عليه .
ج -المعلّل بالعلّة القاصرة :
-ولمّا كان حكم التّعبّديّات أنّه ل يقاس عليها ،فقد يشتبه بها المعلّل بالعلّة القاصرة ،لنّه ل يقاس عليه . 10
تعبير *
التّعريف :
- 1التّعبير لغة :التّبيين .يقال :عبّر عمّا في نفسه :أي أعرب وبيّن ويقال لمن أعرب عن عييّ :عبّر
عنه .واللّسان يعبّر عمّا في الضّمير :أي يبيّن .
ي بتعبير الرّؤيا ،وهو :العبور من ظواهرها إلى
والسم :العبرة والعِبارة والعَبارة .وخصّه أبو البقاء الكفو ّ
ي.
بواطنها .واستعمال الفقهاء له ل يخرج عن معناه اللّغو ّ
طرق التّعبير :
- 2هناك أكثر من طريق للتّعبير عن الرادة ،فقد يكون بالقول ،وقد يكون بالفعل ،وقد يكون بالسّكوت أو
الضّحك والبكاء .
والفعل :إمّا أن يكون بالمعاطاة ،أو بالكتابة ،أو بالشارة .
أوّلً :التّعبير بالقول :
- 3الصل في التّعبير عن الرادة :أن يكون بالقول ،لنّه من أوضح الدّللت على تلك الرادة ،ولنّ
ي قلبيّ ،ل اطّلع لنا عليه ،فنيط الحكم بسبب ظاهر وهو القول ،لذلك كانت
الرّضا أو عدمه أمر خف ّ
الصّيغة أو اليجاب والقبول ركنا في جميع العقود ،سواء كانت تلك العقود معاوضات :كالبيع والجارة ،
أو تبرّعات :كالهبة والعارة ،أو استيثاقات :كالرّهن ،أو ما تكون تبرّعا ابتداء ومعاوضة انتهاء :
كالقرض ،أو غيرها من العقود كالشّركة والوكالة والنّكاح والطّلق .وللتّفصيل ينظر مصطلح ( :صيغة )
.
ثانيا :التّعبير بالفعل :
- 4تظهر صورة التّعبير بالفعل واضحة في المعاطاة ،وذلك في بيع المعاطاة أو التّعاطي .وصورته :أن
يدفع المشتري الثّمن ويأخذ المبيع من غير إيجاب ول قبول قوليّين .وهو موضع خلف بين الفقهاء :
فذهب الجمهور -الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ،والمتولّي والبغويّ من الشّافعيّة -إلى صحّته وانعقاده بتلك
الصّورة ،لنّ الفعل يدلّ على الرّضا عرفا .والمقصود من البيع إنّما هو أخذ ما في يد غيره بعوض يرضاه
،فل يشترط القول ،ويكفي الفعل بالمعاطاة .
ن الفعل ل يدلّ بوضعه على التّراضي ،
وذهب أكثر الشّافعيّة :إلى أنّ البيع ل ينعقد بالمعاطاة ،ل ّ
ل صاحبه بما دفع إليه إن بقي ،أو ببدله إن تلف .
فالمقبوض بها كالمقبوض ببيع فاسد ،فيطالب ك ّ
ص بعض الفقهاء ( كابن سريج والرّويانيّ من الشّافعيّة ،والكرخيّ من الحنفيّة ) جواز بيع المعاطاة
وخ ّ
بالمحقّرات ،وهي ما جرت العادة فيها بالمعاطاة ،كرطل خبز وحزمة بقل .
وقال الحنابلة بصحّة بيع المعاطاة ،بشرط عدم تأخير القبض للطّالب في نحو :خذ هذا بدرهم ،أو عدم
تأخير القباض للطّلب نحو :أعطني بهذا الدّرهم خبزا لنّه إذا اعتبر عدم التّأخير في اليجاب والقبول
اللّفظيّ ،فاعتبار عدم التّأخير في المعاطاة أولى .
قال البهوتيّ :وظاهره أنّ التّأخير في المعاطاة مبطل ،ولو كان بالمجلس ولم يتشاغل بما يقطعه لضعفها
عن الصّيغة القوليّة .واعتبر المالكيّة التّقابض في المعاطاة شرط لزوم ،فمن أخذ رغيفا من شخص ودفع له
شكّ في التّماثل .بخلف ما لو أخذ رغيفا ولم يدفع ثمنه ،فيجوز له
ثمنه ،فل يجوز له ردّه وأخذ بدله ،لل ّ
ردّه وأخذ بدله ،لعدم لزوم البيع .
ت الجرة -والصّرف ،والهبة ،والهديّة ،ونحوها
ص الحنفيّة على أنّ :القالة ،والجارة -إن عُلِم ْ
وقد ن ّ
ح بالفعل كالتّعاطي ،وأمّا اليجاب
ن القبول في العاريّة يص ّ
ح وتنعقد بالتّعاطي ،ونصّوا كذلك على أ ّ
.تص ّ
ل إشارة فهم منها اليجاب والقبول لزم بها البيع وسائر العقود ،ونصّوا على
فل يصحّ به .وعند المالكيّة :ك ّ
ل عليها كما لو خلطا ماليهما وباعا .وتمسّك الشّافعيّة بأصلهم ،وهو :عدم
ن الشّركة تنعقد بالفعل الدّا ّ
أّ
ح عندهم بلفظ من أحدهما مع فعل من الخر ،
صحّة العقد بالمعاطاة في سائر العقود .إل العاريّة ،فإنّها تص ّ
ول يكفي الفعل من الطّرفين إل في بعض الصّور ،كمن اشترى شيئا وسلّمه له في ظرف ،فالظّرف معار
ح .واختار النّوويّ صحّة الهبة بالمعاطاة .
في الص ّ
ص الحنابلة على انعقاد الجارة والمضاربة والقالة والعاريّة والوكالة والهبة بالفعل كالتّعاطي ،وذلك لنّ
ون ّ
المقصود المعنى ،فجاز بكلّ ما يدلّ عليه .
ثالثا :التّعبير بالكتابة :
- 5اتّفق الفقهاء على صحّة العقود وانعقادها بالكتابة ،ويعتبر في القبول أن يكون في مجلس بلوغ الكتاب ،
ليقترن باليجاب بقدر المكان .
وجعل الشّافعيّة الكتابة من باب الكناية ،فتنعقد بها العقود مع ال ّنيّة .واستثنوا من ذلك عقد النّكاح ،فل ينعقد
بالكتابة عند جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . -
وأجازه الحنفيّة في الغائب دون الحاضر ،بشرط إعلم الشّهود بما في الكتاب .
واتّفق الفقهاء أيضا على وقوع الطّلق بالكتابة ،لنّ الكتابة حروف يفهم منها الطّلق ،فأشبهت النّطق ،
ن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب ،بدليل أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ الرّسالة ،فبلّغ
ول ّ
بالقول مرّة ،وبالكتابة أخرى .
والكتابة الّتي يقع بها الطّلق إنّما هي الكتابة المستبينة ،كالكتابة على الصّحيفة والحائط والرض ،على
وجه يمكن فهمه وقراءته .
وأمّا الكتابة غير المستبينة كالكتابة على الهواء والماء وشيء ل يمكن فهمه وقراءته ،فل يقع بها الطّلق ،
ن هذه الكتابة بمنزلة الهمس بلسانه بما ل يسمع .واعتبر الشّافعيّة الكتابة بالطّلق من باب الكناية ،فتفتقر
لّ
إلى نيّة من الكاتب ،وقصر الحنفيّة ال ّنيّة على الكتابة المستبينة غير المرسومة -أي أن ل يكون الكتاب
مصوّرا ومعنونا . -
وعند الحنابلة :إن كتب طلقها بالصّريح وقع وإن لم ينوه .وإن كتبه بالكناية فهو كناية .وعند المالكيّة :
إن كتبه عازما على الطّلق بكتابته فيقع بمجرّد فراغه من كتابة :هي طالق .ومثله :لو كتب :إذا جاءك
كتابي فأنت طالق .وعندهم قول ثان :بأن يوقف الطّلق على وصول الكتاب ،وقوّاه الدّسوقيّ لتضمّن " إذا
" معنى الشّرط .وإن كتبه مستشيرا أو متردّدا فل يقع الطّلق ،إل إذا أخرجه عازما ،أو أخرجه ول نيّة له
فيقع الطّلق بمجرّد إخراجه .وأمّا إذا أخرجه -وهو كذلك -متردّدا أو مستشيرا ،أو لم يخرجه ،فإمّا أن
يصل إليها ،وإمّا أن ل يصل إليها ،فإن وصل إليها حنث وإل فل .وأمّا إن كتبه ول نيّة له أصلً حين
بالكتابة فيلزمه الطّلق ،لحمله على العزم عند ابن رشد خلفا للّخميّ .
رابعا :التّعبير بالشارة :
ن ذلك يدلّ
- 6اتّفق الفقهاء على أنّ إشارة الخرس المفهمة تقوم مقام اللّفظ في سائر العقود للضّرورة ،ل ّ
على ما في فؤاده ،كما يدلّ عليه النّطق من النّاطق .
واختلفوا في إشارة غير الخرس .
فذهب جمهور الفقهاء -الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة -إلى عدم اعتبارها في العقود .
وذهب المالكيّة إلى أنّ إشارة النّاطق معتبرة كنطقه -قالوا -وهي أولى بالجواز من المعاطاة -لنّها يطلق
عليها أنّها كلم .قال اللّه تعالى { :آ َي ُتكَ أنْ ل ُتكَّلمَ النّاسَ ثَلث َة أيّامٍ إل َر ْمزَا } والرّمز :الشارة .
وللتّفصيل انظر مصطلح ( إشارة ) .
خامسا :التّعبير بالسّكوت :
- 7اعتبر الفقهاء سكوت البكر البالغة العاقلة تعبيرا عن رضاها بالنّكاح ،لما روت عائشة رضي ال عنها
أنّها قالت « :يا رسول اللّه إنّ البكر تستحي قال :رضاها صماتها » وأخرج المام مسلم في صحيحه « :
اليّم أحقّ بنفسها من وليّها ،والبِكر ُتسْتأمر ،وإذنها سكوتها » وألحقوا بالسّكوت الضّحك والبكاء ،لما روى
أبو هريرة رضي ال عنه قال :
ت فل
« قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم :اليتيمة تستأمر في نفسها ،فإن صمتت فهو إذنها ،وإن أب ْ
جواز عليها » ولنّها غير ناطقة بالمتناع مع سماعها للستئذان ،فكان ذلك إذنا منها .ولم يعتبر الحنفيّة
والشّافعيّة البكاء إن كان مع الصّياح والصّوت ،لنّ ذلك يشعر بعدم الرّضا .وقال المالكيّة :إن علم من
بكائها أنّه منع لم تزوّج .
ص الحنفيّة على عدم اعتبار الضّحك إن كان باستهزاء ،لنّ الضّحك إنّما جعل إذنا لدللته على الرّضا ،
ون ّ
فإذا لم يدلّ على الرّضا لم يكن إذنا .
قال ابن عابدين نقل عن الفتح :والمعوّل اعتبار قرائن الحوال في البكاء والضّحك ،فإن تعارضت أو أشكل
احتيط .وثمّة تفصيلت واستثناءات تفصيلها في ( النّكاح ) .
تعبير الرّؤيا *
انظر :رؤيا .
تعجيز *
التّعريف :
- 1التّعجيز لغة :مصدر عجّز .يقال :عجّزته تعجيزا :إذا جعلته عاجزا ،وعجّز فلن رأيَ فلن :إذا
نسبه إلى خلف الحزم ،كأنّه نسبه إلى العجز .
وهو ل يخرج في الصطلح الفقهيّ عن هذا المعنى ،وهو :نسبة الشّخص إلى العجز .ولكنّ الفقهاء لم
يستعملوا هذا اللّفظ إل في حالتين :الولى :تعجيز المكاتب .والخرى :تعجيز القاضي أحد الخصمين عن
إقامة البيّنة .وفيما يلي بيان هاتين الحالتين إجمالً :
أوّلً :تعجيز المكاتب :
سيّد مع عبده .أو أمته على
سيّد ،وهو :أن يتعاقد ال ّ
- 2اتّفق الفقهاء على أنّ الكتابة عقد لزم من جانب ال ّ
ل ،ويكون حرّا .فل يملك فسخها ،ول يجوز تعجيز المكاتب
أن يؤدّي إليه كذا من المال منجّزا ،أو مؤجّ ً
قبل عجز المكاتب عن أداء ما عليه .
سيّد مطالبته بما حلّ من نجومه ،لنّه حقّ له .
أمّا إن حلّ النّجم ( القسط ) فلل ّ
سيّد فسخ الكتابة وتعجيز المكاتب أم ل ؟ .
فإن عجز المكاتب عنها ،فهل يحقّ لل ّ
سيّد أن يفسخ الكتابة بنفسه ،دون الرّجوع
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة :إلى أنّ لل ّ
إلى الحاكم أو السّلطان ،إذا عجز المكاتب عن أداء ما عليه بعد حلول النّجم ،لفعل ابن عمر رضي ال
عنهما ذلك .
ويرى المالكيّة :أنّه ليس له ذلك ،إل عن طريق الحاكم أو السّلطان .
- 3وذهب الجمهور كذلك -وهم :الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة -إلى أنّه يجوز للمكاتب أن يعجّز نفسه .
سيّد الصّبر أو الفسخ ،إمّا عن طريق الحاكم أو بنفسه
كأن يقول :أنا عاجز عن كتابتي ،وعند ذلك يجوز لل ّ
سيّد أو ورثته ،بعد حلول النّجم وعدم الوفاء بما كوتب عليه .
ن للقاضي أن يعجّزه إذا طلب ذلك ال ّ
.كما أ ّ
ن عقد الكتابة عندهم لزم من الطّرفين
أمّا الحنابلة فيرون :أنّه ليس للعبد أن يعجّز نفسه إذا كان مقتدرا ،ل ّ
.والتّفاصيل في مصطلح ( :كتابة ) .
ثانيا :عجز المدّعي أو المدّعى عليه :
- 4أكثر من استعمل من الفقهاء لفظ التّعجيز هم المالكيّة ،حيث ذهبوا :إلى أنّه إذا انقضت الجال الّتي
ضربها القاضي للمدّعي لحضار بيّنته ،وفترة التّلوّم ،ولم يأت الشّخص المؤجّل بشيء يوجب له َنظِرَةً ،
عجّزه القاضي ،وأنفذ القضاء عليه ،وسجّل ،وقطع بذلك تبعته عن خصمه ،ثمّ ل يسمع له بعد ذلك
حجّة ،ول تقبل منه بيّنة إن أتى بها ،سواء أكان مدّعيا أم مدّعى عليه .
ن المدّعي يمهل إذا طلب مهلة لحضار البيّنة ،ويترك ما ترك ،لنّه هو
وذهب الشّافعيّة والحنابلة :إلى أ ّ
الطّالب للحقّ .أمّا المدّعى عليه فل يمهل أكثر من ثلثة أيّام ،ثمّ يحكم بتعجيزه ،ويسقط حقّه في الحلف ،
ثمّ يحلف المدّعي فيحكم له .
أمّا الحنفيّة فيرون :أنّ القاضي يحكم للمدّعي على المدّعى عليه بنفس النّكول ،بعد أن يكرّر عليه اليمين
ثلث مرّات .لقوله صلى ال عليه وسلم « البيّنةُ على من ادّعى ،واليمين على من أنكر » .والتّفاصيل في
مصطلح ( :دعوى ) .
تعجيل *
التّعريف :
- 1التّعجيل :مصدر عجّل .وهو في اللّغة :الستحثاث ،وطلب العجلة ،وهي :السّرعة .ويقال :
عجّلت إليه المال :أسرعت إليه ،فتعجّله :فأخذه بسرعة وهو في الشّرع :التيان بالفعل قبل الوقت المحدّد
له شرعا ،كتعجيل الزّكاة ،أو في أوّل الوقت ،كتعجيل الفطر .
اللفاظ ذات الصّلة :
السراع :
- 2السراع :مصدر أسرع ،والسّرعة :اسم منه ،وهي نقيض البطء .
ن السّرعة التّقدّم فيما ينبغي أن يتقدّم فيه ،وهي محمودة
والفرق بين السراع والتّعجيل كما قال العسكريّ :إ ّ
،ونقيضها مذموم ،وهو :البطاء .
والعجلة التّقدّم فيما ل ينبغي أن يتقدّم فيه ،وهي مذمومة ،ونقيضها محمود ،وهو :الناة .فأمّا قوله تعالى {
ن ذلك بمعنى :أسرعت .
ب ِل َترْضَى } فإ ّ
عجِلْتُ إليكَ رَ ّ
َو َ
الحكم الجماليّ :
- 3التّعجيل مشروع في مواضع :كتعجيل تجهيز الميّت ،وقضاء الدّين .
وغير مشروع في مواضع :كتعجيل الصّلة قبل وقتها .والمشروع منه تارة يكون واجبا :كتعجيل التّوبة
من الذّنب .وتارة يكون مندوبا :كتعجيل الفطر في رمضان .
وتارة يكون مباحا :كتعجيل الكفّارات ،وتارة يكون مكروها أو خلف الولى :كتعجيل إخراج الزّكاة قبل
الحول .وغير المشروع :منه ما يكون باطلً ،كتعجيل الصّلة قبل وقتها.
أنواع التّعجيل
أوّلً :التّعجيل بالفعل عند وجود سببه
أ -التّعجيل بالتّوبة من الذّنب :
-تجب التّوبة على كلّ مكلّف على الفور عقيب الذّنب . 4
سنّة وإجماع المّة .قال اللّه تعالى { إ ّنمَا التّ ْوبَ ُة على اللّ ِه لِلّذينَ َي ْعمَلُونَ
وقد دلّت على ذلك نصوص الكتاب وال ّ
ن قَرِيبٍ َفأُولئكَ َيتُوبُ اللّهُ عَلَيهمْ } .
ن مِ ْ
جهَالةٍ ُثمّ َيتُوبُو َ
السّو َء ِب َ
س ُهمْ طَائِفٌ ِمنَ الشّيطَانِ َت َذ ّكرُوا فإذا ُهمْ ُم ْبصِرُونَ } .
ن اتّقَوا إذا َم ّ
وقوله تعالى { :إنّ اّلذِي َ
ونقل القرطبيّ وغيره :الجماع على وجوب تعجيل التّوبة ،وأنّها على الفور .
ب -التّعجيل بتجهيز الميّت :
ي صلى ال عليه
ن النّب ّ
- 5اتّفق الفقهاء على أنّه يندب السراع بتجهيز الميّت إذا تيقّن موته ،لما ثبت « أ ّ
وسلم -لمّا عاد طلحة بن البراء رضي ال عنه -قال :إنّي ل أرى طلحة إل قد حدث فيه الموت ،فآذنوني
به ،وعجّلوا ،فإنّه ل ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله » .والصّارف عن وجوب التّعجيل :
ك صالح ًة فخيرٌ
الحتياط للرّوح ،لحتماله الغماء ونحوه .وفي الحديث « أسرعوا بالجنازة ،فإن ت ُ
ك سوى ذلك فشرّ تضعونه عن رقابكم » .ويندب تأخير من مات فجأة أو غرقا .
تقدّمونها إليه ،وإن ي ُ
ج -التّعجيل بقضاء الدّين :
- 6يجب تعجيل الوفاء بالدّين عند استحقاقه ويحرم على القادر المطل فيه .
فعن أبي هريرة رضي ال عنه « :أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم قال :مطل الغنيّ ظلم ،فإن أتبع
أحدكم على مليء فليتبع » أي فإن أحيل على موسر فليقبل الحوالة .
قال ابن حجر في الفتح :المعنى :أنّه من الظّلم ،وأطلق ذلك للمبالغة في التّنفير عن المطل ،والمراد من
المطل هنا :تأخير ما استحقّ أداؤه بغير عذر .
د -التّعجيل بإعطاء أجرة الجير :
- 7ثبت عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم أنّه قال « أعطوا الجير أجره قبل أن يجفّ عرقُه» والمر بإعطائه
قبل جفاف عرقه إنّما هو كناية عن وجوب المبادرة عقب فراغ العمل ،إذا طلب ،وإن لم يعرق ،أو عرق
ن أجره عمالة جسده ،وقد عجّل منفعته ،فإذا عجّلها استحقّ التّعجيل .ومن شأن الباعة :
وجفّ .وذلك ل ّ
إذا سلّموا قبضوا الثّمن عند التّسليم ،فهو أحقّ وأولى ،إذ كان ثمن مهجته ،ل ثمن سلعته ،فيحرم مطله
والتّسويف به مع القدرة .
هف -التّعجيل بتزويج البكر :
- 8استحبّ بعض العلماء التّعجيل بإنكاح البكر إذا بلغت ،لحديث « :يا عليّ :ثلث ل تؤخّرها :الصّلة
إذا أتت ،والجنازة إذا حضرت ،واليّم إذا وجدت لها كفؤا »
واستثنوا ذلك من ذمّ العجلة ،وأنّها من الشّيطان .
و -التّعجيل بالفطار في رمضان :
سنّة ،لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم
- 9اتّفق الفقهاء :على أنّ تعجيل الفطر من ال ّ
ي صلى ال عليه وسلم
ن النّب ّ
« ل يزال النّاس بخير ما عجّلوا الفطر » ولحديث أبي ذرّ رضي ال عنه « أ ّ
قال :ل تزال أمّتي بخير ما عجّلوا الفطر ،وأخّروا السّحور » .
شكّ فيه ،لنّه إذا شكّ في الغروب حرم عليه
ن له التّعجيل :إذا تحقّق من غروب الشّمس ،وعدم ال ّ
وإنّما يس ّ
الفطر اتّفاقا ،وأجاز الحنفيّة تعجيل الفطر بغلبة الظّنّ .
ز -تعجيل الحاجّ بالنّفر من منى :
ن فل ِإ ْثمَ عَلَيهِ
- 10يجوز للحاجّ التّعجّل في اليوم الثّاني من أيّام الرّمي ،لقوله تعالى { َفمَنْ َت َعجّلَ في يَ ْومَي ِ
ن رسول اللّه
ن اتّقَى } ولما روى عبد الرّحمن بن يعمر رضي ال عنه « :أ ّ
خرَ فَل ِإ ْثمَ عَلَيهِ ِلمَ ْ
ن َتَأ ّ
َومَ ْ
صلى ال عليه وسلم قال :أيّام منى ثلث ،فمن تعجّل في يومين فل إثم عليه ،ومن تأخّر فل إثم عليه » .
وشرط جوازه عند الجمهور -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة -أن يخرج الحاجّ من منى قبل الغروب ،فيسقط
عنه رمي اليوم الثّالث ،فإن لم يخرج حتّى غربت الشّمس لزمه المبيت بمنى ،ورمى اليوم الثّالث .وذلك
ن اليوم اسم للنّهار ،فمن أدركه اللّيل فما تعجّل في يومين ،وثبت عن عمر رضي ال عنه أنّه قال " من
لّ
غربت عليه الشّمس وهو بمنى ،فل ينفرن ،حتّى يرمي الجمار من أوسط أيّام التّشريق " .
ولم يفرّق الشّافعيّة والحنابلة في هذا الشّرط بين الم ّكيّ والفاقيّ .
وذهب المالكيّة :إلى التّفريق بينهما ،وخصّوا شرط التّعجيل بالمتعجّل من أهل مكّة ،وأمّا إن كان من
غيرها فل يشترط خروجه من منى قبل الغروب من اليوم الثّاني ،وإنّما يشترط نيّة الخروج قبل الغروب من
اليوم الثّاني .
ولم يشترط الحنفيّة ذلك ،وقالوا :له أن ينفر بعد الغروب مع الكراهة ،ما لم يطلع فجر اليوم الثّالث ،وذلك
لنّه لم يدخل اليوم الخر ،فجاز له النّفر ،كما قبل الغروب .
واختلف الفقهاء في أهل مكّة هل ينفرون النّفر الوّل ؟ فقيل :ليس لهم ذلك .فقد ثبت عن عمر بن الخطّاب
رضي ال عنه أنّه قال :من شاء من النّاس كلّهم أن ينفروا في النّفر الوّل ،إلّا آل خزيمة ،فل ينفرون إلّا
في النّفر الخر .وكان أحمد بن حنبل يقول :ل يعجبني لمن نفر النّفر الوّل أن يقيم بمكّة ،وقال :أهل مكّة
أخفّ ،وجعل أحمد معنى قول عمر " إل آل خزيمة " أي :أنّهم أهل الحرم ،وحمله في المغني على
الستحباب ،محافظة على العموم .وكان مالك يقول في أهل مكّة من كان له عذر فله أن يتعجّل في يومين ،
ن التّعجيل لمن بعد قطره .
فإن أراد التّخفيف عن نفسه ممّا هو فيه من أمر الحجّ فل ،فرأى أ ّ
وقال أكثر أهل العلم :الية على العموم ،والرّخصة لجميع النّاس ،أهل مكّة وغيرهم ،سواء أراد الخارج
من منى المقام بمكّة ،أو الشّخوص إلى بلده .
- 11واختلف الفقهاء في الفضليّة بين التّعجيل والتّأخير ،فذهب الجمهور ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) :
ن تأخير النّفر إلى الثّالث أفضل ،للقتداء بالنّبيّ صلى ال عليه وسلم .وذهب المالكيّة :إلى أنّه ل
إلى أ ّ
تفضيل بين التّعجيل والتّأخير ،بل هما مستويان .ونصّ الفقهاء على كراهة التّعجيل للمام ،لجل من
يتأخّر .
وأمّا ثمرة التّعجيل فهي سقوط رمي اليوم الثّالث ،ومبيت ليلته عنه .
ثانيا :تعجيل الفعل قبل وجوبه
أ -التّعجيل بالصّلة قبل الوقت :
ل صلة من الصّلوات الخمس وقتا محدّدا ،ل يجوز إخراجها عنه ،لقوله
- 12أجمع العلماء :على أنّ لك ّ
ن ِكتَابَا مَ ْوقُوتَا } أي :محتّمة مؤقّتة :ولحديث المواقيت المشهور .
ن الصّلةَ كَانَتْ على المُ ْؤمِني َ
تعالى { :إ ّ
وقد رخّص الشّارع في تعجيل الصّلة قبل وقتها في حالت ،منها :
- 1جمع الحاجّ الظّهر والعصر جمع تقديم في عرفة .
ب -جواز الجمع للمسافر بين العصرين " الظّهر والعصر " والعشاءين " المغرب والعشاء " تقديما عند
جمهور العلماء ،خلفا للحنفيّة .
- 2جواز الجمع للمريض ،جمع تقديم عند المالكيّة والحنابلة .
- 3جواز الجمع بين العشاءين تقديما ،لجل المطر والثّلج والبرد عند جمهور العلماء
" المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " وزاد الشّافعيّة جوازه بين العصرين أيضا .
- 4جواز الجمع بين الصّلتين ،إذا اجتمع الطّين مع الظّلمة ،عند المالكيّة ،وجوّزه الحنابلة بمجرّد
الوحل ،في إحدى الرّوايتين ،وصحّحها ابن قدامة .
- 5جواز الجمع لجل الخوف عند الحنابلة .
- 6جواز الجمع لجل الرّيح الشّديدة في اللّيلة المظلمة الباردة ،عند الحنابلة ،في أحد الوجهين ،وصحّحه
المديّ .
ب -التّعجيل بإخراج الزّكاة قبل الحول :
ن « العبّاس
- 13ذهب جمهور الفقهاء :إلى جواز تعجيل إخراج الزّكاة قبل الحول في الجملة ،وذلك ل ّ
رضي ال عنه سأل النّبيّ صلى ال عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحلّ ،فرخّص له في ذلك » ،
ولنّه حقّ ماليّ جعل له أجل للرّفق ،فجاز تعجيله قبل أجله ،كالدّين .ولنّه -كما قال الشّافعيّة -وجب
بسببين ،وهما :النّصاب ،والحول :فجاز تقديمه على أحدهما ،كتقديم كفّارة اليمين على الحنث .ومنعه
ابن المنذر ،وابن خزيمة من الشّافعيّة ،وأشهب من المالكيّة ،وقال :ل تجزئ قبل محلّه كالصّلة ،ورواه
عن مالك ،ورواه كذلك ابن وهب .قال ابن يونس :وهو القرب ،وغيره استحسان .
ص الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة :على أنّ تركه أفضل ،خروجا من الخلف .
ون ّ
واختلف الفقهاء في المدّة الّتي يجوز تعجيل الزّكاة فيها :فذهب الحنفيّة :إلى جواز تعجيل الزّكاة لسنين ،
لوجود سبب الوجوب ،وهو :ملك النّصاب النّامي .
ي صلى ال عليه
ن النّب ّ
وقيّده الحنابلة بحولين فقط ،اقتصارا على ما ورد .فقد روى عليّ رضي ال عنه « أ ّ
وسلم تعجّل من العبّاس رضي ال عنه صدقة سنتين » لقوله صلى ال عليه وسلم « :أمّا العبّاس فهي عليّ
ومثلها معها » ولما روى أبو داود من « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم تسلّف من العبّاس صدقة عامين »
وهو وجه عند الشّافعيّة ،صحّحه السنويّ وغيره ،وعزوه للنّصّ .وذهب الشّافعيّة :إلى عدم جواز تعجيل
الزّكاة لكثر من عام ،وذلك :لنّ زكاة غير العام الوّل لم ينعقد حولها ،والتّعجيل قبل انعقاد الحول ل
يجوز ،كالتّعجيل قبل كمال النّصاب في الزّكاة العينيّة .
أمّا المالكيّة :فلم يجيزوا تعجيل الزّكاة لكثر من شهر قبل الحول على المعتمد ،وتكره عندهم بشهر .وفي
المسألة تفصيلت تنظر في الزّكاة .
ج -تعجيل الكفّارات :
تعجّل كفّارة اليمين قبل الحنث :
- 14ذهب جمهور الفقهاء -المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : -إلى جواز تعجيل كفّارة اليمين قبل الحنث ،
لما روى عبد الرّحمن بن سمرة رضي ال عنه « أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :يا عبد الرّحمن ،إذا
حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفّر عن يمينك ،ثمّ ائت الّذي هو خير » .
واستثنى الشّافعيّة الصّوم من خصال الكفّارة ،وقالوا بعدم جواز التّعجيل به قبل الحنث ،وذلك لنّه عبادة
بدنيّة ،فل يجوز تقديمه على وقت وجوبه بغير حاجة ،كالصّلة ،وصوم رمضان ،ولنّه إنّما يجوز
التّكفير به عند العجز عن جميع الخصال الماليّة .والعجز إنّما يتحقّق بعد الوجوب .وهو رواية عند الحنابلة
.
ن الكفّارة لستر الجناية ،ول جناية قبل
وذهب الحنفيّة :إلى عدم جواز تعجيل كفّارة اليمين قبل الحنث ،ل ّ
الحنث .
- 15ثمّ إنّ القائلين بجواز التّعجيل اختلفوا في أيّهما أفضل :التّكفير قبل الحنث أم بعده ؟ .فذهب المالكيّة ،
والشّافعيّة ،وأحمد في رواية ،وابن أبي موسى ،وصوّبه المرداويّ من الحنابلة :إلى أنّ تأخيرها عن
الحنث أفضل ،خروجا من الخلف .
ن التّكفير قبل الحنث وبعده في الفضيلة سواء ،
والرّواية الخرى عن أحمد على الصّحيح من المذهب :أ ّ
وذلك في غير الصّوم ،لتعجيل النّفع للفقراء .
تعجيل كفّارة الظّهار :
- 16اختلف الفقهاء في جواز تعجيل كفّارة الظّهار قبل العود ،فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى جواز تعجيلها ،
لوجود سببها ،وذلك كتعجيل الزّكاة قبل الحول ،وبعد كمال النّصاب .وذهب المالكيّة :إلى أنّها ل تجزئ
قبل العود .
وذهب الشّافعيّة :إلى جواز التّعجيل بكفّارة الظّهار قبل العود به ،وذلك بالمال -وهو التّحرير والطعام -
ل بالصّوم ،والمراد بالعود عندهم :إمساك المظاهر منها مدّة يمكن للمظاهر أن يطلّقها فيها ،مع القدرة
على الطّلق .وصورة التّعجيل في كفّارة الظّهار :أن يظاهر من مطلّقته رجعيّا ،ثمّ يكفّر ،ثمّ يراجعها .
وعندهم صور أخرى .
والمراد بالعود عند الحنفيّة :إرادة العزم على الوطء .
وعند المالكيّة هو إرادة الوطء ،مع استدامة العصمة ،كما قاله ابن رشد .
تعجيل كفّارة القتل :
- 17يجوز تعجيل كفّارة القتل بعد الجرح ،وقبل الزّهوق ،وتجزئ عنه ،وذلك لتقدّم السّبب ،كتعجيل
إخراج الزّكاة قبل الحول .واستثنى الشّافعيّة تعجيل التّكفير بالصّوم ،لنّه عبادة بدنيّة ،فل يجوز تقديمه
على وقت وجوبه بغير حاجة ،كالصّلة ،وصوم رمضان .
د -التّعجيل بقضاء الدّين المؤجّل :
- 18ل خلف بين الفقهاء في أنّه ل يجب أداء الدّين المؤجّل قبل حلول أجله ،لكن لو أدّي قبله صحّ ،
ق المدين ،فله إسقاطه ،ويجبر الدّائن على القبول .
وسقط عن ذمّة المدين ،وذلك لنّ الجل ح ّ
هف – التّعجيل بالحكم قبل التّبيّن :
– 19روي عن أبي موسى الشعريّ رضي ال عنه ،أنّه قال :ل ينبغي للقاضي أن يقضي حتّى يتبيّن له
ن النّبيّ
الحقّ ،كما يتبيّن اللّيل من النّهار فبلغ ذلك عمر بن الخطّاب رضي ال عنه فقال :صدق .وهذا ل ّ
صلى ال عليه وسلم قال « :يا ابن عبّاس ل تشهد إل على أم ٍر يضيء لك كضياء هذا الشّمس » وولية
القضاء فوق ولية الشّهادة ،لنّ القضاء ملزم بنفسه ،والشّهادة غير ملزمة بنفسها ،حتّى ينضمّ إليها القضاء
،فإذا أخذ هذا على الشّاهد ،كان على القاضي بطريق الولى .
قال الصّدر الشّهيد في شرح أدب القاضي :وهذا في موضع النّصّ ،وأمّا في غير موضع النّصّ فل ،لنّه
ص يقضى بالجتهاد ،والجتهاد ليس بدليل مقطوع به ،فل يتبيّن له به الحقّ ،كما يتبيّن
في غير موضع النّ ّ
اللّيل من النّهار .
تعدّد *
التّعريف :
- 1التّعدّد في اللّغة :الكثرة .وهو من العدد :أي الك ّميّة المتألّفة من الوحدات ،فيختصّ التّعدّد بما زاد عن
الواحد ،لنّ الواحد ل يتعدّد .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ .
حكمه التّكليفيّ :
- 2يختلف حكم التّعدّد باختلف متعلّقه .فيكون :جائزا في حالت ،وغير جائز في حالت أخرى .
أ -تعدّد المؤذّنين :
- 3تعدّد المؤذّنين جائز لمسجد واحد ،لتعدّدهم في زمن الرّسول صلى ال عليه وسلم .وقال الشّافعيّة
ن ذلك مستحبّ ،ويجوز الزّيادة عن الثنين .
والحنابلة :إ ّ
والمستحبّ أن ل يزيد عن أربعة .وروي :أنّ عثمان كان له أربعة مؤذّنين ،وإن دعت الحاجة إلى أكثر
كان مشروعا .والتّفصيل في مصطلح ( :أذان ) .
ب -تعدّد الجماعة في مسجد واحد :
- 4ذهب الحنفيّة ،والمالكيّة ،والشّافعيّة :إلى أنّه إذا صلّى إمام الحيّ ،ثمّ حضرت جماعة أخرى كره أن
ح.
يقيموا جماعة فيه على الص ّ
إل أن يكون مسجد طريق ،ول إمام له ،ول مؤذّن فل يكره إقامة الجماعة فيه حينئذ .
ن رسول اللّه صلى ال عليه
واستدلّوا بما روي عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة رضي ال عنهما عن أبيه « :أ ّ
وسلم خرج من بيته ليصلح بين النصار ،فرجع وقد صلّى في المسجد بجماعة ،فدخل منزل بعض أهله ،
فجمع أهله فصلّى بهم جماعة » .
وقالوا :ولو لم يكره تكرار الجماعة في المسجد لصلّى فيه .كما استدلّوا بأثر عن أنس رضي ال عنه قال :
إنّ أصحاب رسول اللّه صلى ال عليه وسلم كانوا إذا فاتتهم الجماعة في المسجد ،صلّوا في المسجد فرادى
ن النّاس إذا علموا :أنّهم تفوتهم الجماعة يتعجّلون ،
.قالوا :ول نّ التّكرار يؤدّي إلى تقليل الجماعة ،ل ّ
فتكثر الجماعة .
وقال الحنابلة :ل يكره إعادة الجماعة في المسجد .واستدلّوا بعموم قوله صلى ال عليه وسلم « :صلة
الجماعة تفضل صلة الفذّ بخمس وعشرين درجة » ،وحديث أبي سعيد رضي ال عنه « :جاء رجل وقد
صلّى الرّسول صلى ال عليه وسلم فقال :أيّكم يتّجر على هذا ؟ فقام رجل فصلّى معه » وجاء في بعض
الرّوايات « :فلمّا صلّيا قال :وهذان جماعة » ولنّه قادر على الجماعة ،فاستحبّ له فعلها ،كما لو كان
المسجد في ممرّ النّاس .والتّفصيل :في مصطلح ( :جماعة ) أو ( صلة الجماعة ) .
ج -تعدّد الجمعة :
- 5ل يجوز عند جمهور الفقهاء إقامة جمعتين في بلد واحد إل لضرورة ،كضيق المسجد ،لنّ الرّسول
صلى ال عليه وسلم والخلفاء بعده لم يقيموا سوى جمعة واحدة .
وتعدّد الجمعة في البلد الواحد جائز مطلقا عند الحنفيّة ،سواء أكانت هناك ضرورة أم ل ،فصل بين جانبي
البلد نهر أم ل ،لنّ الثر الوارد بأنّه « ل جمعة إل في مصر جامع » قد أطلق ،ولم يشترط إلّا أن تقع في
مصر ( ر :صلة الجمعة ) .
د -تعدّد كفّارة الصّوم :
- 6ل خلف بين الفقهاء في وجوب الكفّارة على من أفسد صوم يوم من رمضان بالجماع ،وأنّها ل تتعدّد
بتكرار الجماع في اليوم الواحد ،كما اتّفقوا على تعدّد الكفّارة إذا تكرّر منه الفساد بالجماع ،بعد التّكفير من
الوّل .
واختلفوا فيما إذا أفسد أيّاما بالجماع قبل التّكفير من الوّل ،فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :إلى تعدّد
ل يوم عبادة برأسها ،وقد تكرّر منه الفساد فأشبه الحجين .وعند الحنفيّة :تكفيه كفّارة
نكّ
الكفّارة ،ل ّ
واحدة ،وهو المعتمد في المذهب .
ص بالفساد بغير الجماع ،أمّا الفساد بالجماع فتتعدّد الكفّارة فيه لعظم
واختار بعض الحنفيّة :أنّ هذا خا ّ
الجناية ( .ر :كفّارة ) .
هف -تعدّد الفدية بتعدّد ارتكاب المحظور في الحرام :
- 7إذا ارتكب في حالة الحرام جنايات توجب ك ّل منها فدية ،فإن كانت الجناية صيدا ففي كلّ منها
جزاؤه ،سواء أفعله مجتمعا ،أم متفرّقا .كفّر عن الوّل ،أم لم يكفّر عنه .
وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء .
وما عدا ذلك ففيه خلف وتفصيل ويرجع إليه في ( فدية ) ( وإحرام ) .
و -تعدّد الصّفقة :
- 8تتعدّد الصّفقة بتعدّد البائع ،وتعدّد المشتري ،وبتفصيل الثّمن ،وباختلف المعقود عليه .فإن جمع بين
عينين فأكثر في صفقة واحدة جاز ،ويوزّع الثّمن في المثليّ .
وفي العين المشتركة بين اثنين يوزّع على الجزاء ،وفي غيرهما من المتقوّمات على الرّءوس ،باعتبار
القيمة ،فإن بطل العقد في واحد منهما ابتداء صحّ في الخر ،بأن كان أحدهما قابل للعقد والخر غير
قابل ( ،ر :عقد -تفريق الصّفقة ) .
ز -تعدّد المرهون أو المرتهن :
- 9إذا رهن دارين له بمبلغ من الدّين ،فقضى حصّة إحدى الدّارين من الدّين لم يستردّها حتّى يقضي باقي
ن المرهون محبوس بكلّ الدّين .وكذا إن رهن عينا واحدة عند رجلين بدين عليه لكلّ واحد منهما ،
الدّين ،ل ّ
فقضى دين أحدهما ،لنّ العين كلّها رهن عند الدّائنين ،وأضيف الرّهن إلى جميع العين في صفقة واحدة .
ر ( :رهن ) .
ح -تعدّد الشّفعاء في العقار :
- 10اختلف الفقهاء في حكم الشّفعة إذا استحقّها جمع ،فقال الشّافعيّة :يأخذون على قدر الحصص ،لنّ
الشّفعة من مرافق الملك فيتقدّر بقدره .
وعند الحنفيّة :يوزّع على عدد رءوسهم ،وهو قول عند الشّافعيّة ،لنّهم استووا في سبب الستحقاق ،
فيستوون في الستحقاق .ر ( :شفعة )
ط -تعدّد الوصايا :
- 11إذا أوصى بوصايا من حقوق اللّه قدّمت الفرائض منها ،سواء قدّمها الموصي أم أخّرها ،لنّ
الفريضة أهمّ من النّافلة ،فإن تساوت وقدّم الموصي بعضها على بعض بما يفيد التّرتيب بدئ بما قدّمه
الموصي .ر ( :وصيّة ) .
ي -تعدّد الزّوجات :
- 12تعدّد الزّوجات إلى أربع مشروع ورد به القرآن الكريم في قوله تعالى { :فَا ْن ِكحُوا ما طَابَ لكمْ مِنَ
ت َأ ْيمَا ُن ُكمْ } وفي تفصيل مشروعيّة التّعدّد
حدَ ًة أو مَا مََلكَ ْ
النّساءِ َم ْثنَى وثُلثَ َو ُربَاعَ فَإنْ خِ ْف ُتمْ أل َت ْعدِلُوا فَوَا ِ
وشروطه ووجوب العدل بين الزّوجات يرجع إلى ( نكاح وقسم ونفقة ) .
ك -تعدّد أولياء النّكاح :
- 13إذا استوى أولياء المرأة في درجة القرابة كالخوة والعمام ،يندب تقديم أكبرهم وأفضلهم ،فإن
تشاحّوا ولم يقدّموه أقرع بينهم .فإن زوّج أحدهم قبل القرعة بإذنها ،أو زوّجها غير من خرجت له القرعة
صحّ .لنّه صدر من أهله في محلّه ،هذا رأي الشّافعيّة .ولتفصيل الموضوع وآراء الفقهاء يرجع إلى
مصطلح ( نكاح ) ( ووليّ ) .
ل -تعدّد الطّلق :
- 14يملك الزّوج الحرّ على زوجته الحرّة ثلث تطليقات ،تبين بعدها الزّوجة منه بينونة كبرى ،ل تحلّ له
حتّى تنكح زوجا غيره يدخل بها ،ث ّم يطلّقها أو يموت عنها ،لقوله تعالى { الطّلقُ َم ّرتَانِ } إلى قوله {
ظنّا أنْ يُقِيمَا
ن َي َترَاجَعَا إنْ َ
جنَاحَ عَليهما أَ ْ
ح زَ ْوجَا غَيرَه فَإنْ طَلّقَها فَل ُ
حتّى َت ْنكِ َ
فَإنْ طَلّ َقهَا فَل َتحِلّ له مِنْ َب ْعدُ َ
حدُودَ اللّهِ } .
ُ
وفي ذلك تفصيل وخلف يرجع إليه في ( طلق ) .
م -تعدّد المجنيّ عليه ،أو الجاني :
- 15إذا قتلت جماعة واحدا يُقتلون جميعا قصاصا ،وإن تفاضلت جراحاتهم في العدد ،بشرط أن تكون كلّ
ل اتّفاق بين الفقهاء
جراحة مؤثّرة في إزهاق الرّوح .وإن قتل واحد جماعة يقتل قصاصا أيضا ،هذا مح ّ
.والتّفصيل في مصطلح ( قصاص ) ( وجناية ) .
ن -تعدّد التّعزير بتعدّد اللفاظ :
ب رجل بألفاظ متعدّدة من ألفاظ الشّتم الموجب للتّعزير ،فقد أفتى بعض الحنفيّة -وأيّده ابن
- 16من س ّ
عابدين -بأنّه يعزّر لك ّل منها ،لنّ حقوق العباد ل تتداخل .
وكذا إن سبّ جماعة بلفظ واحد .انظر مصطلح ( تعزير ) .
س -تعدّد القضاة في بلد واحد :
- 17يجوز للمام تعيين قاضيين فأكثر في بلد واحد ،إل أن يشترط اجتماعهم على الحكم في القضيّة
الواحدة لما يقع بينهم من خلف في محلّ الجتهاد .ر ( :قضاء ) .
ع -تعدّد الئمّة :
- 18ذهب جمهور العلماء إلى أنّه ل يجوز تنصيب إمامين فأكثر للمسلمين في زمن واحد ،وإن تباعدت
أقاليمهم .ر ( :إمامة عظمى ) .
تعدّي *
التّعريف :
- 1التّعدّي لغة :الظّلم ،وأصله مجاوزة الحدّ والقدر والحقّ .يقال :تعدّيت الحقّ واعتديته وعدوته أي :
جاوزته .ول يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معناه في اللّغة ،فيستعمل بمعنى :العتداء على حقّ
الغير ،وبمعنى :انتقال الحكم إلى محلّ آخر ،كتعدّي العلّة ،والتّعدّي في الحرمة ،وغير ذلك .
الحكم التّكليفيّ :
ن التّعدّي له إطلقان ،ويطلق ويراد به :العتداء على الغير ،وهذا البحث محلّ تفصيله .
- 2سبق أ ّ
ل آخر .
ويطلق ويراد به :انتقال الحكم إلى مح ّ
أمّا التّعدّي بالطلق الوّل ف هو بجم يع أنوا عه حرام .وللتّعدّي أحكا مه الخا صّة :كالق صاص في النّ فس ،
والطراف ،والتّعويض ،والحبس وما إلى ذلك ،كما سيتبيّن .
التّعدّي على الموال :
التّعدّي بالغصب والتلف والسّرقة والختلس :
- 3من تعدّى على مال غيره فغصبه ،أو أتلف مال غير مأذون في إتلفه شرعا أو سرقه أو اختلسه -
ترتّب عليه حكمان :
أحدهما أخرويّ .وهو :الثم ،لقوله تعالى { :وَل َت ْأكُلُوا أ ْموَاَل ُكمْ َب ْينَ ُكمْ بِالبَاطِلِ } وقوله صلى ال عليه وسلم
ل امرئ مسلم إل بطيب نفسه » .
« :ل يحلّ ما ُ
والخر دنيويّ :وهو الحدّ أو التّعزير مع وجوب الضّمان عليه ،لقوله صلى ال عليه وسلم « :على اليد ما
أخذتْ حتّى تؤدّيه » ولما روى عبد اللّه بن السّائب عن أبيه عن جدّه رضي ال عنهم « :ل يأخذنّ أحدكم
متاع أخيه لعبا أو جادّا ،ومن أخذ عصا أخيه فليردّها » فيجب على المتعدّي ردّ العين المغصوبة إن بقيت
بيده كما هي ،فإن تلفت في يده ،أو تعدّى عليها فأتلفها بدون غصب وجب عليه ردّ مثلها إن كانت مثليّة ،
فإذا انقطع المثل أو لم تكن مثليّة وجب عليه قيمتها .
ومثل ما تقدّم :الباغي في غير زمن القتال ،حيث يضمن الموال الّتي أتلفها أو أخذها .وللتّفصيل انظر
مصطلح ( :غصب ،إتلف ،ضمان ،سرقة ،اختلس ،بغاة ) .
التّعدّي في العقود :
أوّل :التّعدّي في الوديعة :
ن َب ْعضُ ُكمْ َب ْعضَا فَ ْليُ َؤدّ الّذي ائ ُتمِنَ َأمَا َنتَه } ،
- 4الصل في الوديعة :أنّها أمانة ،لقوله تعالى { :فَإنْ َأمِ َ
وأنّه ل ضمان على المودع في الوديعة ،لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه « :أنّ النّبيّ صلى ال
ن المستودع يحفظها لمالكها فلو ضمنت لمتنع النّاس
عليه وسلم قال :من أودع وديعة فل ضمان عليه » ول ّ
من الدّخول فيها ،وذلك مضرّ ،لما فيه من مسيس الحاجة إليها .ويضمن الوديع في حالين :
ن المفرّط متسبّب بترك ما وجب عليه من حفظها .الثّاني :أن يتعدّى
الوّل :إذا فرّط في حفظ الوديعة ،ل ّ
ن المتعدّي متلف لمال غيره فضمنه ،كما لو أتلفه من غير إيداع .ومن صور
الوديع على الوديعة ،ل ّ
التّعدّي عليها :انتفاعه بها ،كأن يركب الدّابّة المودعة لغير نفعها ،أو يلبس الثّوب المودع فيبلى .ومن
صور التّعدّي أيضا :جحودها .
ثانيا :التّعدّي في الرّهن :
- 5يكون التّعدّي في الرّهن من الرّاهن أو من المرتهن .
أ -تعدّي الرّاهن :
- 6إذا تعدّى الرّاهن على الرّهن فأتلفه أو أتلف جزءا منه ،فإنّه يؤمر بدفع قيمة ما أتلفه ،لتكون رهنا إلى
حلول الجل .وأمّا تصرّفات الرّاهن الّتي تنقل ملك العين المرهونة كالبيع والهبة ،فإنّها موقوفة على إجازة
المرتهن أو قضاء الدّين .
ب -تعدّي المرتهن :
ن الرّهن إن هلك بنفسه فإنّه يهلك مضمونا بالدّين ،وكذلك لو استهلكه المرتهن ،
- 7ذهب الحنفيّة :إلى أ ّ
لنّه لو أتلف مملوكا متقوّما بغير إذن مالكه ،فيضمن مثله أو قيمته ،كما لو أتلفه أجنبيّ وكان رهنا مكانه .
وفرّق المالكيّة بين ما يغاب عليه :أي ما يمكن إخفاؤه كبعض المنقولت ،وما ل يغاب عليه ،كالعقار
والسّفينة والحيوان ،فأوجبوا الضّمان في الوّل -دون الثّاني بشرطين :الوّل :أن يكون بيده ،ل أن يكون
بيد أمين .
والثّاني :أن ل تشهد بيّنة للمرتهن على التّلف أو الضّياع ،بغير سببه ،وغير تفريطه .وذهب الشّافعيّة
ن الرّهن أمانة في يد المرتهن ،وأنّه ل ضمان عليه إن هلك بيده ،إلّا إذا تعدّى عليه ،أو
والحنابلة :إلى أ ّ
فرّط في حفظه .وعلى هذا :فالفقهاء متّفقون على أنّ المرتهن ضامن للرّهن بتعدّيه عليه أو تفريطه في
حفظه .
ثالثا :التّعدّي في العاريّة :
- 8اتّفق الفقهاء :على أنّ العاريّة مضمونة بالتّعدّي والتّفريط من المستعير ،لحديث سمرة بن جندب رضي
ال عنه « :أنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » أمّا إذا هلكت بل تعدّ ول
تفريط ،فقد اختلف الفقهاء في ذلك .
ن العاريّة إن هلكت من غير تعدّ ول تفريط منه فل ضمان عليه ،لقول النّبيّ
فذهب الحنفيّة والمالكيّة :إلى أ ّ
صلى ال عليه وسلم « :ليس على المستعير غير المغلّ ضمان » ،ولنّه قبضها بإذن مالكها فكانت أمانة
كالوديعة ،وهو :قول الحسن والنّخعيّ ،والشّعبيّ ،وعمر بن عبد العزيز ،والثّوريّ .والوزاعيّ ،وابن
شبرمة .
وزاد المالكيّة في تضمين المستعير :ما إذا لم يظهر سبب هلك العاريّة ،وكانت ممّا يغاب عليه ،فإن قامت
بيّنة على تلفها أو ضياعها بدون سببه فل ضمان عليه .
ن العاريّة مضمونة مطلقا ،تعدّى المستعير ،أو لم يتعدّ ،لحديث سمرة « :
وذهب الشّافعيّة والحنابلة :إلى أ ّ
ن النّبيّ صلى ال عليه وسلم قال :على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » ،وعن صفوان « :أنّه صلى ال عليه
أّ
وسلم استعار منه يوم حنين أدراعا ،فقال :أغصبا يا محمّد ؟ قال :بل عاريّة مضمونة » .وهو :قول
عطاء ،وإسحاق ،وأشهب من المالكيّة ،وروي عن ابن عبّاس ،وأبي هريرة رضي ال عنهم .
رابعا :التّعدّي في الوكالة :
- 9اتّفق الفقهاء :على أنّ الوكيل أمين ،ل ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط ول تعدّ ،لنّه نائب
عن المالك في اليد والتّصرّف ،فكان الهلك في يده كالهلك في يد المالك ،فأصبح كالمودع .ولنّ الوكالة
عقد إرفاق ومعونة ،والضّمان مناف لذلك ومنفّر عنه .
أمّا إذا تعدّى الوكيل فإنّه يكون ضامنا .وللتّفصيل انظر مصطلح ( وكالة ) .
خامسا :التّعدّي في الجارة :
- 10سبق الكلم عن التّعدّي في الجارة في مصطلح ( إجارة ) .
سادسا :التّعدّي في المضاربة :
- 11المضاربة :عقد على الشّركة في الرّبح بمال من أحد الجانبين ،وعمل من الجانب الخر ،ول
مضاربة بدونهما .ثمّ المدفوع إلى المضارب أمانة في يده ،لنّه يتصرّف فيه بأمر مالكه ،ل على وجه
البدل والوثيقة ،وهو وكيل فيه ،فإذا ربح فهو شريك فيه ،وإذا فسدت انقلبت إجارة ،واستوجب العامل أجر
مثله ،وإذا خالف كان غاصبا لوجود التّعدّي منه على مال غيره .وللتّفصيل انظر مصطلح ( :قراض ،
شركة ) .
- 12هذا وقد سبق الكلم عن التّعدّي في الصّدقة ،والوصيّة ،والكل ،والشّرب ،في مصطلح ( إسراف )
.
سابعا :التّعدّي على النّفس وما دونها :
- 13التّعدّي على البدان بما يوجب قصاصا أو غيره هو :قتل الدميّ بغير حقّ ،بأن ل يكون مرتدّا ،أو
زانيا محصنا ،أو قاتل لمكافئه ،أو حربيّا ( .ومثله قتل الصّائل ) .والتّعدّي على النّفس وما دونها :يكون
بالمباشرة أو بالتّسبّب ،كمن حفر بئرا أو حفرة في غير ملكه فوقع فيه إنسان .أو بالسّبب ،كالكراه على
التّعدّي .
ل واحد منها يلحق ضررا بالغير .
والتّعدّي بأنواعه يوجب الضّمان ،لنّ ك ّ
أمّا القتل من غير تعدّ -وهو القتل بحقّ -فل ضمان فيه ،كرجم الزّاني .
والتّعدّي على النّفس يكون بالقتل عمدا أو شبه عمد -عند الجمهور -أو قتل خطأ .ويجب بالقتل العمد :
القود ،أو الدّية .ويجب في شبه العمد والخطأ :الدّية فقط ،على تفصيل ينظر في ( جناية ،قتل ،
قصاص ) .
أمّا التّعدّي على ما دون النّفس ،فإن كان عمدا ففيه القصاص ،أو الدّية ،وإن كان خطأ ففيه الدّية .على
خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ( :جناية ،جراح ،قصاص ) .
ومثل التّعدّي بإتلف العضو :التّعدّي بإتلف منفعة العضو ،ففيه الضّمان أيضا .
- 14وقد سبق الكلم عن التّعدّي في العقوبات والقصاص والتّعزير في مصطلح :
( إسراف ) .
ثامنا :التّعدّي على العرض :
- 15التّعدّي على العراض حرام ،لنّ العراض يجب أن تصان من الدّنس ،وقد أباح السلم دم من
ن حفظ العراض من مقاصد الشّريعة ،قال عليه الصلة والسلم { :من قتل دون
اعتدى على العرض ،ل ّ
أهله فهو شهيد } ،وجه الدّللة في هذا الحديث الشّريف :أنّه لمّا جعله شهيدا دلّ أنّ له القتل والقتال .وأنّ
الدّفاع عن العرض واجب ،لنّه ل سبيل إلى إباحته .وسواء في ذلك بضع زوجته أو غيره .ومثل الدّفاع
عن البضع :الدّفاع عن مقدّماته كالقبلة وغيرها .وللتّفصيل انظر مصطلح ( :صيال ) .
تاسعا :تعدّي البغاة :
- 16ما يتلفه البغاة -إذا تحقّقت فيهم الشّروط -من نفس أو مال ،ينظر إن كان أثناء القتال فل ضمان ،
وإن كان في غير قتال ضمنوا النّفس والمال ،وهذا القدر هو ما عليه جمهور العلماء وللتّفصيل ينظر
مصطلح ( :بغاة ) .
عاشرا :التّعدّي في الحروب :
- 17يجب مراعاة الحكام الشّرعيّة في الحروب بين المسلمين والكفّار ،فل يجوز قتال من لم تبلغهم الدّعوة
،حتّى ندعوهم إلى السلم ،على خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ( :دعوة ) .ول يجوز في الحروب
قتل من لم يحمل السّلح من الصّبيان ،والمجانين ،والنّساء ،والشّيخ الكبير ،والرّاهب ،والزّمن ،
والعمى -بل خلف بين الفقهاء -إل إذا اشتركوا في القتال ،أو كانوا ذا رأي وتدبير ومكايد في الحرب ،
أو أعانوا الكفّار بوجه من الوجوه ،كما ل يجوز العتداء على السرى ،بل يجب الحسان إليهم .
وللتّفصيل ينظر ( :جهاد ،جزية ،أسرى ) .
التّعدّي بالطلق الثّاني بمعنى النتقال :
أ -تعدّي العلّة :
العلّة :هي المعنى الّذي شرع الحكم عنده تحصيل للمصلحة .
- 18وهي :إمّا أن تكون متعدّية ،أو قاصرة وتسمّى ( ناقصة ) .
ل النّصّ إلى غيره ،كعلّة
فالمتعدّية :هي الّتي يثبت وجودها في الصل والفروع ،أي :أنّها تتعدّى من مح ّ
السكار .
ل في الطّواف ،في الشواط الثّلثة الولى ،لظهار
والقاصرة :هي الّتي ل تتعدّى محلّ الصل ،كالرّمَ ِ
ن القياس ل يتمّ
الجلد والقوّة للمشركين .وقد اتّفق الصوليّون :على أنّ التّعليل بالعلّة المتعدّية صحيح ،ل ّ
إل بعلّة متعدّية إلى الفرع ،ليلحق بالصل .
واختلفوا في التّعليل بالعلل القاصرة .ومحلّ تفصيل ذلك الملحق الصوليّ .
ب -التّعدّي بالسّراية :
- 19ومثاله :إذا أوقد شخص نارا في أرضه أو في ملكه ،أو في موات حجره ،أو فيما يستحقّ النتفاع به
،فطارت شرارة إلى دار جاره فأحرقتها ،فإن كان اليقاد بطريقة من شأنها ألّا تنتقل النّار إلى ملك الغير -
فإنّه ل يضمن ،وإل فإنّه يضمن لتعدّيه ،سواء كان إيقاد النّار ،والرّيح عاصف ،أم باستعمال موا ّد تنتشر
معها النّار أو غير ذلك .
وللتّفصيل انظر ( ضمان ،إحراق ) .
آثار التّعدّي :
ن التّعدّي يكون على المال ،وعلى النّفس وما دونها ،وعلى العرض ،وللتّعدّي بأنواعه آثار
- 20سبق أ ّ
نجملها فيما يلي :
- 1 -الضّمان :وذلك فيما يخصّ الموال بالغصب والتلف ،وما سوى ذلك ،أو فيما يخصّ القتل
بأنواعه ،إذا صولح في عمده على مال ،أو عفا أحد الولياء عن القصاص -ومثل ذلك الجناية على ما
دون النّفس .وللتّفصيل ينظر كلّ في بابه .
- 2 -القصاص :ويكون في العمد من قتل أو قطع عضو أو إتلفه ممّا فيه القصاص ،وينظر في مصطلح
( :قتل ،قصاص ) .
- 3 -الحدّ :وهو أثر من آثار التّعدّي في السّرقة ،والزّنى ،والقذف ،وما إلى ذلك ،وينظر كلّ في
مصطلحه .
- 4 -التّعزير :وهو حقّ المام يعاقب به الجناة ويكون التّعزير :بالحبس أو بالجلد أو بما يراه الحاكم
مناسبا .انظر مصطلح ( :تعزير ) .
- 5 -المنع من الميراث :وذلك كقتل الوارث مورّثه ،على خلف بين الفقهاء في العمد وغيره .انظر
مصطلح ( :إرث ) .
تعديل *
التّعريف :
- 1للتّعديل في اللّغة معنيان :
أ -التّسوية والتّقويم ،يقال :عدّل الحكم والشّيء تعديلً :أقامه ،والميزان :سوّاه فاعتدل .ب -التّزكية ،
يقال :عدّل الشّاهد أو الرّاوي تعديلً :نسبه إلى العدالة ووصفه بها .ومعناه في الصطلح الشّرعيّ ،ل
يخرج عن المعنى اللّغويّ .
اللفاظ ذات الصّلة :
التّجريح :
- 2التّجريح في اللّغة :مصدر جرّحه ،يقال :جرّحت الشّاهد :إذا أظهرت فيه ما تردّ به شهادته ول
يخرج المعنى الصطلحيّ عن ذلك .
الحكم التّكليفيّ :
أ -تعديل الشّهود :
- 3ذهب الشّافعيّة ،والحنابلة ،والمالكيّة وأبو يوسف ،ومحمّد إلى أنّه :يجب على القاضي أن يطلب
تعديل الشّهود إذا لم يعلم عدالتهم ،سواء أطعن الخصم أم لم يطعن ،ول يجوز له قبول شهادتهم بغير تعديل
.
وقال أبو حنيفة :يقبل الحاكم شهادة الشّاهد المسلم الظّاهر العدالة ،ول يسأل عن حال الشّهود حتّى يطعن
الخصم ،لقول النّبيّ عليه الصلة والسلم « :المسلمون عدول بعضهم على بعض ،إل محدودا في فرية »
.
ن الحدود تدرأ بالشّبهات .وفي
واستثني من هذا شهود الحدود ،والقصاص فيشترط عنده الستقصاء ،ل ّ
تعديل الشّهود ورواة الحديث تفصيلت وخلف تنظر في ( تزكية ) .
ب -تعديل الركان في الصّلة :
- 4اتّفق الفقهاء :على وجوب تعديل الركان في الصّلة ،بمعنى الطّمأنينة فيها ،من ركوع ،وسجود
وجلوس بين السّجدتين واعتدال من الرّكوع ،إل أنّ الحنفيّة قالوا بالوجوب دون الفرضيّة ،على اصطلحهم
-بمعنى :أنّه يأثم بترك الواجب عمدا ،وتجب إعادة الصّلة ،لرفع الثم مع صحّتها -دون الفرض .
وقال الجمهور :إنّ التّعديل في المذكورات واجب ،بمعنى :أنّه فرض وركن ،تبطل الصّلة بتركه ،عمدا
أو سهوا .
ودليل المسألة حديث المسيء صلته المعروف .
ج -قسمة التّعديل :
- 5وهي :أن تقسم العين المشتركة باعتبار القيمة ،ل بعدد الجزاء ،كأرض مثل تختلف قيمة أجزائها
باختلفها في قوّة النبات ،أو القرب من الماء ،أو بسقي بعضها بالنّهر ،وبعضها بالنّاضح أو بغير ذلك .
فيكون ثلثها مثل يساوي بالقيمة ثلثيها ،فتقسم قسمة التّعديل .فيجعل الثّلث سهما والثّلثان سهما ،إلحاقا
للتّساوي بالقيمة بالتّساوي في الجزاء .وينظر التّفصيل في مصطلح ( :قسمة ) .
د -التّعديل في دم جزاء الصّيد في المناسك :
- 6ذهب جمهور الفقهاء :إلى أنّ جزاء الصّيد المثليّ على التّخيير والتّعديل ،فيجوز فيه العدول عن المثل
إلى قيمة المثل ،أو قيمة الصّيد ،على اختلف بينهم في ذلك ،يرجع إلى موطنه .واستدلّوا بقوله تعالى { :
ح ُرمٌ } ،أمّا غير المثليّ من الصّيد فيتصدّق بقيمته طعاما ،أو يصوم
ص ْيدَ وَأ ْن ُتمْ ُ
ن آ َمنُوا ل تَ ْقتُلُوا ال ّ
يَا َأيّها الّذي َ
ل مدّ يوما .
عن ك ّ
أمّا باقي الدّماء الواجبة بترك واجب ،أو ارتكاب منهيّ ،ففي جواز التّعديل فيها خلف بين الفقهاء ،
وتفصيله في ( إحرام ) .
تعذيب *
التّعريف :
-التّعذيب :مصدر عذّب ،يقال :عذّبه تعذيبا :إذا منعه ،وفطمه عن المر . 1
قال ابن فارس :أصل العذاب الضّرب ،ثمّ استعير ذلك في كلّ شدّة ،يقال منه :عذّب تعذيبا والعذاب :اسم
ضعْ َفيْنِ }.
عفُ لَها ال َعذَابُ ِ
بمعنى النّكال والعقوبة .ومنه قوله تعالى ُ { :يضَا َ
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن ذلك .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -التّعزير :
- 2التّعزير :تفعيل من العزر ،بمعنى :المنع والجبار على المر ،وأصله النّصرة والتّعظيم .
وفي اصطلح الفقهاء :عبارة عن التّأديب دون الحدّ .وكلّ ما ليس فيه حدّ مقدّر شرعا فموجبه التّعزير .
ن التّعزير ل يكون إل بحقّ شرعيّ ،بخلف التّعذيب .فقد يكون
والتّعذيب أعمّ من التّعزير من وجه ،ل ّ
ظلما وعدوانا .والتّعزير أعمّ من حيث ما يكون به التّعزير .
ب -التّأديب :
- 3التّأديب مصدر أدّب ،مضعّفا ،وثلثيّه :أدب ،من باب ضرب ،يقال :أدّبته أدبا ،أي علّمته رياضة
ن التّأديب سبب
النّفس ،ومحاسن الخلق .ويقال :أدّبته تأديبا مبالغة وتكثيرا :أي عاقبته على إساءته ،ل ّ
يدعو إلى حقيقة الدب .
ن فيه تعذيبا وتأديبا .
والنّسبة بين التّعذيب والتّأديب :عموم وخصوص من وجه ،يجتمعان في التّعزير ،ل ّ
ويفترق التّعذيب عن التّأديب في التّعذيب الممنوع شرعا ،فإنّه تعذيب ،وليس تأديبا ،ويفترق التّأديب عن
التّعذّب في التّأديب بالكلم والنّصح من غير ضرب ،فإنّه تأديب ول يطلق عليه تعذيب .
ج -التّمثيل :
- 4التّمثيل :مصدر مثّل .وأصله الثّلثيّ :مثل ،يقال :مثلّث بالقتيل :إذا جدعته ،وظهرت آثار فعلك
عليه تنكيلً والتّشديد مبالغة ،والسم المثلة -وزان غرفة -والمثلة -بفتح الميم وضمّ الثّاء :العقوبة .
والنّسبة بين التّعذيب والتّمثيل ،عموم وخصوص مطلق .فالتّعذيب أعمّ من التّمثيل ،فكلّ تمثيل تعذيب ،
ن الميّت يتأذّى بما
وليس كلّ تعذيب تمثيلً .ول فرق في ذلك بين الحيّ والميّت ،لنّ الثار تدلّ :على أ ّ
يتأذّى به الحيّ .
الحكم التّكليفيّ :
- 5يختلف حكم التّعذيب باختلف الحوال والسباب .والدّواعي للتّعذيب بعضها يرجع إلى قصد المعذّب ،
سواء أكان بالطّريق المباشر ،أم غير المباشر .
ن اللّه يعذّب يوم القيامة الّذين
التّعذيب في الصل ممنوع شرعا ،لقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :إ ّ
يعذّبون النّاس في الدّنيا » .
ن الّذي يتولّى القصاص فيما دون النّفس :هو المام ،وليس للولياء ذلك ،لنّه ل
وجمهور الفقهاء على أ ّ
يؤمن منهم التّجاوز ،أو التّعذيب .
وأمّا في النّفس ،فالحنابلة اشترطوا حضور المام ،أو نائبه ،للحتراز عن التّعذيب .
أنواع التّعذيب :
- 6ينقسم التّعذيب إلى قسمين :الوّل :تعذيب النسان .الثّاني :تعذيب الحيوان .
وك ّل منهما ينقسم :إلى مشروع ،وغير مشروع ،فالقسام أربعة وهي :
-1 -التّعذيب المشروع للنسان .
- 2 -التّعذيب غير المشروع للنسان .
- 3 -التّعذيب المشروع للحيوان .
- 4 -التّعذيب غير المشروع للحيوان .
- 7أمّا الوّل :فهو التّعذيب الّذي أمر به الشّارع على وجه الفرضيّة ،كالحدود ،والقصاص ،والتّعزيرات
بأنواعها .أو على وجه النّدب :كتأديب الولد .أو على وجه الباحة ،كالكيّ في التّداوي ،إذا تعيّن علجا
فإنّه مباح .
وإذا لم تكن الحاجة لجل التّداوي فإنّه حرام ،لنّه تعذيب بالنّار ،ول يعذّب بالنّار إل خالقها.
ومن المشروع رمي العداء بالنّار ولو حصل تعذيبهم بها ،وذلك عند عدم إمكان أخذهم بغير التّحريق ،لنّ
الصّحابة والتّابعين فعلوا ذلك في غزواتهم ،وأمّا تعذيبهم بالنّار بعد القدرة عليهم فل يجوز ،لما روى حمزة
السلميّ رضي ال عنه « أنّ رسول اللّه صلى ال عليه وسلم أمّره على سريّة وقال له :إن وجدتم فلنا
فاحرقوه بالنّار فولّيت فناداني ،فرجعت إليه فقال :إن وجدتم فلنا فاقتلوه ،ول تحرقوه ،فإنّه ل يعذّب
بالنّار إل ربّ النّار » وتفصيل ذلك في مصطلح ( إحراق ) 125/ 2ومن أنواع التّعذيب المشروع :ضرب
الب أو المّ ولدهما تأديبا ،وكذلك الوصيّ ،أو المعلّم بإذن الب تعليما .
وذكر في القنية :له إكراه طفله على تعلّم القرآن ،والدب ،والعلم ،لفرضيّته على الوالدين ،وله ضرب
اليتيم فيما يضرب ولده ،وال ّم كالب في التّعليم ،بخلف التّأديب ،فإنّه لو مات الصّبيّ بضرب المّ تأديبا
فعليها الضّمان .
ن ضرب التّأديب مقيّد بوصف السّلمة ،ومحلّه في الضّرب المعتاد ،كمّا وكيفا ومحلً ،فلو
وممّا يذكر :أ ّ
ضربه على الوجه أو على المذاكير يجب الضّمان بل خلف ،ولو سوطا واحدا ،لنّه إتلف .ومن
ن الصّحابة كانوا يفعلونه في زمن رسول اللّه صلى
التّعذيب المشروع للنسان ثقب أذن الطّفل من البنات ،ل ّ
ال عليه وسلم من غير نكير .
تعذيب المتّهم :
- 8قسّم الفقهاء المتّهم بسرقة ونحوها إلى ثلثة أقسام :
إمّا أن يكون المتّهم معروفا بالصّلح ،فل تجوز عقوبته اتّفاقا .
وإمّا أن يكون المتّهم مجهول الحال ل يعرف ببرّ ول فجور ،فهذا يحبس حتّى ينكشف حاله ،وهذا عند
جمهور الفقهاء .والمنصوص عليه عند أكثر الئمّة :أنّه يحبسه القاضي والوالي ،لما روى أبو داود في
حبَس في
ي صلى ال عليه وسلم َ
ن النّب ّ
سننه ،وأحمد ،من حديث بهز بن حكيم .عن أبيه ،عن جدّه « :أ ّ
تهمة » .
وإمّا أن يكون المتّهم معروفا بالفجور ،كالسّرقة ،وقطع الطّريق ،والقتل ،ونحو ذلك ،فيجوز حبسه
وضربه ،كما « أمر النّبيّ صلى ال عليه وسلم الزّبير رضي ال عنه ،بتعذيب المتّهم الّذي غيّب ماله حتّى
أقرّ به » .
ن المدّعى عليه في جميع هذه الدّعاوى يحلف ،
وقال ابن تيميّة :ما علمت أحدا من أئمّة المسلمين يقول :إ ّ
ن الضّرب حرام في الشّقّين ،أي سواء كان
ويرسل بل حبس ،ول غيره .وقال البجيرميّ :والظّاهر أ ّ
ضرب ليقرّ ،أو ليصدق ،خلفا لما توهّم حلّه إذا ضرب ليصدق .وقال ابن تيميّة :واختلفوا فيه :هل الّذي
يضربه الوالي دون القاضي ،أو كلهما ؟ أو ل يسوّغ ضربه ،على ثلثة أقوال :
أحدها :أنّه يضربه الوالي والقاضي ،وهذا قول طائفة من أصحاب مالك وأحمد ،منهم أشهب بن عبد
العزيز ،فإنّه قال :يمتحن بالحبس والضّرب ،ويضرب بالسّوط مجرّدا .القول الثّاني :أنّه يضربه الوالي
دون القاضي ،وهذا قول بعض أصحاب الشّافعيّ ،وأحمد .القول الثّالث :أنّه يحبس ول يضرب ،وهذا
قول أصبغ ،ثمّ قالت طائفة ،منهم عمر بن عبد العزيز ،ومطرّف ،وابن الماجشون :إنّه يحبس حتّى
يموت .
- 9أمّا النّوع الثّاني :وهو التّعذيب غير المشروع للنسان ،فمنه تعذيب السرى ،فقد ذكر الفقهاء عدم
طعَامَ
جواز تعذيبهم ،لنّ السلم يدعو إلى الرّفق بالسرى ،وإطعامهم ،قال اللّه تعالى َ { :و ُيطْ ِعمُونَ ال ّ
سكِينَا َو َي ِت ْيمَا وََأسِيرَا }
حبّه ِم ْ
عَلَى ُ
وفي الحديث الشّريف « ل تجمعوا عليهم حرّ الشّمس ،وحرّ السّلح ،قيلوهم حتّى يبردوا » وهذا الكلم في
أسارى بني قريظة ،حينما كانوا في الشّمس .
ح حبس السير من غير تعذيب ،وإذا رجي أن يدلّ على أسرار العدوّ
وإذا كان هناك خوف الفرار ،فيص ّ
جاز تهديده وتعذيبه بالقدر الكافي ،لتحقيق ذلك ،ودليل ذلك :ما روي عن الرّسول صلى ال عليه وسلم :
« أنّه أمر الزّبير بن العوّام بتعذيب من كتم خبر المال ،الّذي كان صلى ال عليه وسلم قد عاهدهم عليه ،
وقال له :أين كنز حييّ بن أخطب ؟ فقال :يا محمّد ،أنفذته النّفقات والحروب ،فقال :المال كثير والمسألة
أقرب ،وقال للزّبير :دونك هذا .فمسّه الزّبير بشيء من العذاب ،فدلّهم على المال » .
لكن إذا كانوا يعذّبون أسرى المسلمين يجوز معاملتهم بالمثل ،لقوله تعالى { :وَإِنْ عَا َق ْبتُمْ َفعَاقِبُوا ِب ِمثْلِ مَا
عتَدى عَلَيكُم } قال
ع َتدُوا عَلَيه ِب ِمثْلِ مَا ا ْ
ع َتدَى عَليكُم فَا ْ
ت قِصَاصٌ َفمَنْ ا ْ
حرُمَا ُ
عُوقِ ْب ُتمْ بِه } وقوله أيضا { وَال ُ
الباجيّ :ل يمثّل بالسير ،إل أن يكونوا مثّلوا بالمسلمين .وقال ابن حبيب :قتل السير بضرب عنقه ،ل
ب الرّقَاب } ل خير
يمثّل به ،ول يعبث عليه .قيل لمالك :أيضرب وسطه ؟ فقال :قال اللّه سبحانه { َفضَرْ َ
في العبث .
-وأمّا النّوع الثّالث :وهو التّعذيب المشروع للحيوان -فقد ذكروا له أمثلة ،منها : 10
أ -تعذ يب ماش ية الزّكاة والجز ية بالو سم -ف قد ذ هب الفقهاء إلى جوازه ،ل ما روي من ف عل ال صّحابة في
ماشية الزّكاة والجزية .وقال الحنفيّة :ل بأس بكيّ البهائم للعلمة ،لنّهم كانوا يفعلون ذلك في زمن رسول
اللّه صلى ال عليه وسلم من غير إنكار .
ن المالكيّة ذهبوا :إلى جوازه ،وذهب أحمد بن حنبل :إلى
ب -إلقاء السّمك الحيّ في النّار ليصير مشويّا فإ ّ
أ نّ هذا الع مل مكروه ،و مع هذا ف قد رأى جواز أكله ،وهذا بخلف ش يّ الجراد حيّا ،فإنّه يجيزه من غ ير
كرا هة ،لما أثر أ نّ ال صّحابة فعلوا ذلك ،من غير نكير .ج -ومن ذلك التّعذيب الجائز :ضرب الحيوان
بقدر ما يح صل به التّعل يم والتّرو يض ،ويخا صم الضّارب في ما زاد على القدر الّذي يحتاج إل يه ،ك ما في
البحر الرّائق .
- 11وأمّا النّوع الرّابع :وهو التّعذيب " غير المشروع " للحيوان :
ي صلى ال
ن النّب ّ
فمنه :تعذيب الحيوان بالمنع من الكل والشّرب ،لحديث ابن عمر رضي ال عنهما « :أ ّ
عليه وسلم قال :دخلت امرأة النّار في هرّة ربطتها ،فلم تطعمها ،ولم تدعها تأكل من خشاش الرض » .
ومنه :اتّخاذ ذي روح غرضا ،أي هدفا للرّمي .
ومنه :قطع رأس الحيوان المذبوح وسلخه قبل أن يبرد ،ويسكن عن الضطراب .
مواطن البحث :
- 12ذكر الفقهاء التّعذيب في مواضع شتّى سبق ذكر عدد منها خلل البحث .
ومنها أيضا :الجنايات ،والتّعزيرات ،والتّأديب ،والتّذكية ،والسر ،والسّياسة الشّرعيّة ،والجهاد ( السّير
).
تعريض *
التّعريف :
- 1التّعريض :لغة ضدّ التّصريح ،يقال :عرّض لفلن وبفلن :إذا قال قولً عامّا ،وهو يعني فلنا ،
ن في المعاريض لمندوحة عن الكذب .وهو في الصطلح :ما
ومنه :المعاريض في الكلم ،كقولهم :إ ّ
يفهم به السّامع مراد المتكلّم من غير تصريح .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الكناية
ن التّعريض هو تضمين
- 2الكناية :وهي ذكر اللزم ،وإرادة الملزوم .والفرق بين الكناية والتّعريض :أ ّ
الكلم دللة ليس فيها ذكر ،كقول المحتاج :جئتك لسلّم عليك ،فيقصد من اللّفظ السّلم ،ومن السّياق طلب
الحاجة .
ب -التّورية :
- 3التّورية :وهي أن تطلق لفظا ظاهرا قريبا في معنى ،تريد به معنى آخر بعيدا يتناوله ذلك اللّفظ ،لكنّه
خلف ظاهره .
ص من التّعريض ،الّذي قد يفهم
ن فائدة التّورية تراد من اللّفظ ،فهي أخ ّ
والفرق بينها وبين التّعريض :أ ّ
المراد منه من السّياق والقرائن ،أو اللّفظ ،فهو أعمّ .
الحكم التّكليفيّ :
يختلف حكم التّعريض بحسب موضوعه كما يلي :
أوّل :التّعريض في الخطبة :
-ل خلف بين الفقهاء في حرمة التّعريض بالخطبة لمنكوحة الغير ،والمعتدّة من طلق رجع يّ ،لنّها 4
في حكم المنكوحة ،كما اتّفق الفقهاء على حرمة التّعريض لمخطوبة من صرّح بإجابته وعلمت خطبته ،ولم
يأذن الخاطب ولم يعرّض عنها .
لخبر « :ل يخطب الرّجل على خطبة أخيه ،حتّى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب » ر :مصطلح :
( خِطبة ) .
ثانيا :التّعريض بخطبة المعتدّة غير الرّجعيّة :
-ذهب جمهور الفقهاء :إلى جواز التّعريض بالخطبة للمعتدّة عن وفاة ،ولم نقف على خلف بينهم فيها ، 5
ل للشّافعيّة ،مؤدّاه :إن كا نت عدّة الوفاة بالح مل لم يعرّض ل ها ،خو فا من تكلّف إلقاء الجن ين ،و هو
إل قو ً
قول ضعيف عندهم .
سكُمْ } .
خطْبَ ِة ال ّنسَاءِ أو َأ ْك َن ْن ُتمْ في َأنْ ُف ِ
ن ِ
ض ُتمْ بِه مِ ْ
عرّ ْ
جنَاحَ عَلَي ُكمْ فيما َ
واستدلّ الجمهور بقوله تعالى { :وَل ُ
لنّها وردت في عدّة الوفاة ،كما قال جمهور المفسّرين .
واختلفوا في جواز التّعريض للمعتدّة من طلق بائن أو فسخ فذهب المالكيّة والشّافعيّة في الظهر ،والحنابلة
ل التّعريض لبائن معتدّة بالقراء أو الشهر ،وذلك لعموم الية ،ولنقطاع سلطة
في قول :إلى أنّه يح ّ
الزّوج عليها ،ول فرق في ذلك بين أن تكون بائنا بينونة صغرى أو كبرى ،أو بفسخ ،أو فرقة بلعان ،أو
رضاع ،في الظهر عندهم .وهو مذهب مالك ،وأحمد .ومقابل الظهر عند الشّافعيّة ،وأحد قولي أحمد :
ن لصاحب العدّة المنتهية أن ينكحها بنكاح جديد ،فأشبهت
ل يحلّ التّعريض للبائن بطلق رجعيّ ،ل ّ
الرّجعيّة .وذهب الحنفيّة :إلى أنّه ل يحلّ التّعريض لمعتدّة من طلق بنوعيه ،لفضائه إلى عداوة المطلّق .
ونقل ابن عابدين عن الفتح " الجماع " بين فقهاء الحنفيّة على حرمة التّعريض للمعتدّة من طلق مطلقا ،
ويجوز التّعريض عندهم للمعتدّة من نكاح فاسد ،ووطء شبهة .وجواز التّعريض بالخطبة للمعتدّة مرتبط
بجواز خروج المعتدّة ،فمن يجوز لها الخروج من بيت العدّة ،يجوز التّعريض بالخطبة لها ،ومن ل يجوز
لها الخروج ل يجوز التّعريض لها عند الحنفيّة .
ألفاظ التّعريض بالخطبة :
ل لفظ يحتمل الخطبة وغيرها ،ولكنّ الفقهاء يذكرون ألفاظا للتّمثيل له :كأنت جميلة ،
- 6التّعريض :هو ك ّ
ومن يجد مثلك ؟ وأنّ اللّه ساق لك خيرا ،ربّ راغب فيك ،ونحو ذلك .
ثالثا :التّعريض بالقذف :
- 7اختلف الفقهاء في وجوب الح ّد بالتّعريض بالقذف ،فذهب مالك :إلى أنّه إذا عرّض بالقذف غير أب
يجب عليه الح ّد -إن فهم القذف بتعريضه بالقرائن ،كخصام بينهم ،ول فرق في ذلك بين النّظم والنّثر ،أمّا
ن عمر رضي ال عنه
الب إذا عرّض لولده فإنّه ل يحدّ لبعده عن التّهمة .وهو أحد قولين للمام أحمد ،ل ّ
استشار بعض الصّحابة في رجل قال لخر :ما أنا بزان ول أمّي بزانية ؟ فقالوا :إنّه قد مدح أباه وأمّه ،
فقال عمر :قد عرّض لصاحبه ،فجلده الحدّ .
ن التّعريض بالقذف ،قذف .كقوله :ما أنا بزان ،وأمّي ليست بزانية ،ولكنّه ل يحدّ ،لنّ
وعند الحنفيّة :أ ّ
ن المعنى :بل أنت زان .والتّعريض بالقذف عند الشّافعيّة ،كقوله
الحدّ يسقط للشّبهة ،ويعاقب بالتّعزير ،ل ّ
ن ال ّنيّة إنّما
:يا ابن الحلل ،وأمّا أنا فلست بزان ،وأمّي ليست بزانية ،فهذا كلّه ليس بقذف وإن نواه ،ل ّ
تؤثّر ،إذا احتمل اللّفظ المنويّ ،ول دللة هنا في اللّفظ ول احتمال ،وما يفهم منه مستنده قرائن الحوال .
هذا هو الصحّ .وقيل :هو كناية ،أي عن القذف ،لحصول الفهم واليذاء .فإن أراد النّسبة إلى الزّنى
فقذف ،وإل فل .وسواء في ذلك حالة الغضب وغيرها .وهو أحد قولي المام أحمد .
رابعا :التّعريض للمسلم بقتل طالبه من الكفّار :
- 8يجوز التّعريض للمسلم لقتل من جاء يطلبه ليردّه إلى دار الكفر ،لنّ عمر رضي ال عنه قال لبي
جندل رضي ال عنه حين ردّ لبيه :اصبر أبا جندل فإنّما هم المشركون ،وإنّما دم أحدهم دم كلب يعرّض
له بقتل أبيه .
خامسا -التّعريض للمقرّ بحدّ خالص بالرّجوع :
- 9ذهب الشّافعيّة في الصّحيح عندهم :إلى أنّه يجوز للقاضي أن يعرّض له بالرّجوع ،كأن يقول له في
السّرقة :لعلّك أخذت من غير حرز ،وفي الزّنى :لعلّك فاخذت أو لمست ،وفي الشّرب :لعلّك لم تعلم أنّ
ما شربت مسكر لنّ النّبيّ صلى ال عليه وسلم « قال لمن أقرّ عنده بالسّرقة ما إخالك سرقت » فأعاد عليه
مرّتين أو ثلثا ،وقال لماعز « :لعلّك قبّلت ،أو غمزت ،أو نظرت » .وفي قول عندهم :ل يعرّض له
ن له الرّجوع ،فإن علم فل يعرّض له .
بالرّجوع ،كما ل يصرّح .وفي قول :يعرّض له ،إن لم يعلم أ ّ
ن التّعريض مندوب ،لحديث ماعز وتفصيله في الحدود .
وذهب الحنفيّة ،والمام أحمد :إلى أ ّ
مواطن البحث :
- 10يذكر الفقهاء التّعريض في البواب التية :في كتاب النّكاح ،والعدّة ،وفي الحدود :في القذف ،
والرّجوع عن القرار .وفي الهدنة :وفي اليمان في القضاء فقط .
تعريف *
التّعريف :
- 1التّعريف :مصدر عرّف .ومن معانيه :العلم والتّوضيح " ،ويقابله التّجهيل " وإنشاد الضّالّة ،
والتّطييب ،وهو مأخوذ من العرف أي :الرّائحة ،كما قال ابن عبّاس رضي ال عنهما في قوله تعالى { :
عرّ َفهَا َل ُهمْ } أي طيّبها لهم .
جنّةَ َ
َو ُي ْدخِ ْلهُم ال َ
والتّعريف :الوقوف بعرفات .ويراد به أيضا :ما يصنعه بعض النّاس في بلدهم يوم عرفة ،من التّجمّع
والدّعاء ،تشبّها بالحجّاج .ويراد به أيضا :ذهاب الحاجّ بالهدي إلى عرفات ،ليعرّف النّاس أنّه هدي .
وأمّا في الصطلح ،فللتّعريف عدّة إطلقات تبعا للعلوم المختلفة :
أ -فعند الصوليّين :
- 2هو تحديد المفهوم الكّليّ ،بذكر خصائصه ومميّزاته .والتّعريف الكامل :هو ما يساوي المعرّف تمّام
المساواة ،بحيث يكون جامعا مانعا .والحدّ والتّعريف عند الصوليّين بمعنى واحد ،وهو :الجامع المانع ،
سواء أكان بالذّاتيّات ،أم بالعرضيّات .
ب -عند الفقهاء :
- 3لم نقف للفقهاء على تعريف خاصّ للتّعريف ،والّذي يستفاد من الفروع الفقهيّة :أنّ استعمالهم هذا اللّفظ
ل يخرج عن المعاني اللّغويّة ،لكنّهم عند الطلق يريدون المعنى الصطلحيّ لدى الصوليّين .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -العلن :
- 4العلن خلف الكتمان ،والتّعريف أعمّ ،من حيث إنّه قد يكون سرّا ،وقد يكون علنية .
ب -الكتمان أو الخفاء :
ن الّذينَ َي ْك ُتمُونَ مَا
- 5الكتمان :هو السّكوت عن المعنى ،أو إخفاء الشّيء وستره ،وقوله تعالى { :إ ّ
َأ ْنزَلْنَا ِمنَ ال َب ّينَاتِ وَال ُهدَى } أي يسكتون عن ذكره ،فالتّعريف مقابل الخفاء والكتمان .
حكمه التّكليفيّ :
يختلف حكم التّعريف باختلف المعرّف :
أوّلً :التّعريف في المصار :
- 6هو قصد الرّجل مسجد بلده يوم عرفة ،للدّعاء والذّكر ،فهذا هو التّعريف في المصار الّذي اختلف
العلماء فيه ،ففعله ابن عبّاس ،وعمرو بن حريث رضي ال عنهم ،من الصّحابة ،وطائفة من البصريّين ،
والمدنيّين ،ورخّص فيه أحمد ،وإن كان مع ذلك ل يستحبّه .هذا هو المشهور عنه .وكرهه طائفة من
الكوفيّين ،والمدنيّين ،كإبراهيم النّخعيّ ،وأبي حنيفة ،ومالك ،وغيرهم .
ومن كرهه قال :هو من البدع ،فيندرج في العموم ،لفظا ومعنى .
ي بن أبي طالب رضي
ومن رخّص فيه قال :فعله ابن عبّاس رضي ال عنهما بالبصرة ،حين كان خليفة لعل ّ
ال عنه ،ولم ينكر عليه ،وما يفعل في عهد الخلفاء الرّاشدين من غير إنكار ل يكون بدعة .لكن ما يزاد
على ذلك :من رفع الصوات الرّفع الشّديد في المساجد بالدّعاء ،وأنواع من الخطب ،والشعار الباطلة ،
مكروه في هذا اليوم وغيره .
ج َهرْ ِبصَل ِتكَ وَل ُتخَافِتْ
قال المرّوذيّ :سمعت أبا عبد اللّه يقول :ينبغي أن يسرّ دعاءه ،لقوله { :وَل َت ْ
ِبهَا } قال :هذا في الدّعاء .قال :وسمعت أبا عبد اللّه يقول :وكان يكره أن يرفعوا أصواتهم بالدّعاء .
ثانيا -تعريف اللّقَطة :
ح عند إمام الحرمين والغزاليّ من الشّافعيّة :إلى أنّه يجب تعريف
- 7ذهب الئمّة الثّلثة ،وهو الص ّ
اللّقطة ،سواء أراد تملّكها ،أم حفظها لصاحبها .
وفيه وجه آخر عند الشّافعيّة ،وبه قطع الكثرون منهم ،وهو :أنّه ل يجب التّعريف فيما إذا قصد الحفظ
ن التّعريف إنّما يجب لتحقيق شرط التّملّك .
أبدا ،وقالوا :إ ّ
وبيان كيفيّة التّعريف ومدّته ومكانه يرجع إليه في مصطلح ( لقطة ) .
ثالثا -التّعريف في الدّعوى :
ن تعريف الشّيء المدّعي والمدّعى عليه -بمعنى كونهما معلومين -شرط
- 8ل خلف بين الفقهاء :في أ ّ
ن فائدة الدّعوى اللزام بإقامة الحجّة ،واللزام في
لسماع الدّعوى ،فل بدّ من ذكر ما يعيّنهما ويعرّفهما ،ل ّ
المجهول غير متحقّق .
وفي كلّ ذلك خلف وتفصيل ،يذكر في موطنه في مصطلح ( دعوى ) .
تعزير *
التّعريف :
- 1التّعزير لغة :مصدر عزّر من العزر ،وهو ال ّردّ والمنع ،ويقال :عزّر أخاه بمعنى :نصره ،لنّه
منع عدوّه من أن يؤذيه ،ويقال :عزّرته بمعنى :وقّرته ،وأيضا :أدّبته ،فهو من أسماء الضداد .
ن من شأنها أن تدفع الجاني وتردّه عن ارتكاب الجرائم ،أو العودة إليها .
وسمّيت العقوبة تعزيرا ،ل ّ
وفي الصطلح :هو عقوبة غير مقدّرة شرعا ،تجب حقّا للّه ،أو لدميّ ،في كلّ معصية ليس فيها حدّ
ول كفّارة غالبا .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الحدّ :
- 2الحدّ لغة :المنع .
واصطلحا :عقوبة مقدّرة شرعا وجبت حقّا للّه تعالى كحدّ الزّنى ،أو للعبد كحدّ القذف .
ب -القصاص :
- 3القصاص لغة :تتبّع الثر .واصطلحا :هو أن يفعل بالجاني مثل ما فعل .
ج -الكفّارة :
- 4الكفّارة لغة :من التّكفير ،وهو المحو ،والكفّارة جزاء مقدّر من الشّرع ،لمحو الذّنب - 5 .ويختلف
التّعزير عن الحدّ والقصاص والكفّارة من وجوه منها :
أ -في الحدود والقصاص ،إذا ثبتت الجريمة الموجبة لهما لدى القاضي شرعا ،فإنّ عليه الحكم بالحدّ أو
القصاص على حسب الحوال ،وليس له اختيار في العقوبة ،بل هو يطبّق العقوبة المنصوص عليها شرعا
بدون زيادة أو نقص ،ول يحكم بالقصاص إذا عفي عنه ،وله هنا التّعزير .ومردّ ذلك :أنّ القصاص حقّ
للفراد ،بخلف الحدّ .
وفي التّعزير يختار القاضي من العقوبات الشّرعيّة ما يناسب الحال ،فيجب على الّذين لهم سلطة التّعزير
الجتهاد في اختيار الصلح ،لختلف ذلك باختلف مراتب النّاس ،وباختلف المعاصي .
ب -إقامة الحدّ الواجب لحقّ اللّه ل عفو فيه ول شفاعة ول إسقاط ،إذا وصل المر للحاكم ،وثبت بالبيّنة ،
وكذلك القصاص إذا لم يعف صاحب الحقّ فيه .والتّعزير إذا كان من حقّ اللّه تعالى تجب إقامته ،ويجوز
فيه العفو والشّفاعة إن كان في ذلك مصلحة ،أو انزجر الجاني بدونه ،وإذا كان من حقّ الفرد فله تركه
العفو وبغيره ،وهو يتوقّف على الدّعوى ،وإذا طالب صاحبه ل يكون لوليّ المر عفو ول شفاعة ول
إسقاط .
ج -إثبات الحدود والقصاص عند الجمهور ل يثبت إل بالبيّنة أو العتراف ،بشروط خاصّة .وعلى سبيل
المثال :ل يؤخذ فيه بأقوال المجنيّ عليه كشاهد ،ول بالشّهادة السّماعيّة ،ول باليمين ،ول بشهادة النّساء .
بخلف التّعزير فيثبت بذلك ،وبغيره .
ن المام مأمور بإقامة الحدّ ،وفعل
ن من حدّه المام فمات من ذلك فدمه هدر ،ل ّ
د -ل خلف بين الفقهاء أ ّ
المأمور ل يتقيّد بشرط السّلمة .
أمّا التّعزير فقد اختلفوا فيه ،فعند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة :الحكم كذلك في التّعزير .أمّا عند الشّافعيّة :
فالتّعزير موجب للضّمان ،وقد استدلّوا على ذلك بفعل عمر رضي ال عنه "،إذ أرهب امرأة ففزعت فزعا ،
فدفعت الفزعة في رحمها ،فتحرّك ولدها ،فخرجت ،فأخذها المخاض ،فألقت غلما جنينا ،فأتي عمر
رضي ال عنه بذلك ،فأرسل إلى المهاجرين فقصّ عليهم أمرها ،فقال :ما ترون ؟ فقالوا :ما نرى عليك
شيئا يا أمير المؤمنين ،إنّما أنت معلّم ومؤدّب ،وفي القوم عليّ رضي ال عنه ،وعليّ ساكت .قال :فما
تقول :أنت يا أبا الحسن قال :أقول :إن كانوا قاربوك في الهوى فقد أثموا ،وإن كان هذا جهد رأيهم فقد
أخطئوا ،وأرى عليك الدّية يا أمير المؤمنين ،قال :صدقت ،اذهب فاقسمها على قومك " .أمّا من يتحمّل
الدّية في النّهاية ،فقيل :إنّما تكون على عاقلة وليّ المر .وقيل :إنّها تكون في بيت المال .
ن الحدود تدرأ بالشّبهات ،بخلف التّعزير ،فإنّه يثبت بالشّبهة .
هف -إ ّ
و -يجوز الرّجوع في الحدود إن ثبتت بالقرار ،أمّا التّعزير فل يؤثّر فيه الرّجوع .
ن الحدّ ل يجب على الصّغير ،ويجوز تعزيره .
ز-إّ
ح -إنّ الح ّد قد يسقط بالتّقادم عند بعض الفقهاء ،بخلف التّعزير .
الحكم التّكليفيّ :
ن الصل في التّعزير أنّه مشروع في كلّ معصية ل حدّ فيها ،ول كفّارة .
- 6جمهور الفقهاء :على أ ّ
ويختلف حكمه باختلف حاله وحال فاعله .
حكمة التّشريع :
- 7التّعزير مشروع لردع الجاني وزجره ،وإصلحه وتهذيبه .
قال الزّيلعيّ :إنّ الغرض من التّعزير الزّجر .وسمّى التّعزيرات :بالزّواجر غير المقدّرة .والزّجر معناه :
منع الجاني من معاودة الجريمة ،ومنع غيره من ارتكابها ،ومن ترك الواجبات ،كترك الصّلة والمماطلة
في أداء حقوق النّاس .
أمّا الصلح والتّهذيب فهما من مقاصد التّعزير ،وقد بيّن ذلك الزّيلعيّ بقوله :التّعزير للتّأديب .ومثله
ن الحبس غير
ن :التّعزير تأديب استصلح وزجر .وقال الفقهاء :إ ّ
تصريح الماورديّ وابن فرحون بأ ّ
المحدّد المدّة حدّه التّوبة وصلح حال الجاني .
ن التّعزير شرع للتّطهير ،لنّ ذلك سبيل لصلح الجاني .
وقالوا :إ ّ
وقالوا :الزّواجر غير المقدّرة محتاج إليها ،لدفع الفساد كالحدود .
وليس التّعزير للتّعذيب ،أو إهدار الدميّة ،أو التلف ،حيث ل يكون ذلك واجبا .وفي ذلك يقول الزّيلعيّ
:التّعزير للتّأديب ،ول يجوز التلف ،وفعله مقيّد بشرط السّلمة .ويقول ابن فرحون :التّعزير إنّما يجوز
منه ما أمنت عاقبته غالبا ،وإل لم يجز .
ن الشّرع لم يرد بشيء من
ويقول البهوتيّ :ل يجوز قطع شيء ممّن وجب عليه التّعزير ،ول جرحه ،ل ّ
ل ضرب يؤدّي إلى التلف
ذلك ،عن أحد يقتدى به ،ولنّ الواجب أدب ،والدب ل يكون بالتلف .وك ّ
ممنوع ،سواء أكان هذا الحتمال ناشئا من آلة الضّرب ،أم من حالة الجاني نفسه ،أم من موضع
الضّرب ،وتفريعا على ذلك :منع الفقهاء الضّرب في المواضع الّتي قد يؤدّي فيها إلى التلف .
ن الضّرب على الوجه والفرج والبطن والصّدر ممنوع .
ولذلك فالرّاجح :أ ّ
وعلى الساس المتقدّم منع جمهور الفقهاء في التّعزير :الصّفع ،وحلق اللّحية ،وتسويد الوجه ،وإن كان
البعض قال به في شهادة الزّور ،قال السروشنيّ :ل يباح التّعزير بالصّفع ،لنّه من أعلى ما يكون من
الستخفاف .وقال :تسويد الوجه في شهادة الزّور ممنوع بالجماع ،أي بين الحنفيّة .
قال البهوتيّ :يحرم التّعزير بحلق لحيته لما فيه من المثلة ول تسويد وجهه .
والتّعزير بالقتل عند من يراه يشترط في آلته :أن تكون حادّة من شأنها إحداث القتل بسهولة ،بحيث ل
يتخلّف عنها القتل ،وألّا تكون كالّة ،فذلك من المثلة ،والرّسول صلى ال عليه وسلم يقول « :إنّ اللّه عزّ
ل كتب الحسان على كلّ شيء ،فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ،وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة ،وليحدّ أحدكم
وج ّ
شفرته ،وليرح ذبيحته » وفي ذلك أمر بالحسان في القتل ،وإراحة ما أحلّ اللّه ذبحه من النعام ،
فالحسان في الدميّ أولى .
المعاصي الّتي شرع فيها التّعزير :
- 8المعصية :فعل ما حرم ،وترك ما فرض ،يستوي في ذلك كون العقاب دنيويّا أو أخرويّا .أجمع
الفقهاء على :أنّ ترك الواجب أو فعل المحرّم معصية فيها التّعزير ،إذا لم يكن هناك حدّ مقدّر .
ومثال ترك الواجب عندهم :منع الزّكاة ،وترك قضاء الدّين عند القدرة على ذلك ،وعدم أداء المانة ،
وعدم ر ّد المغصوب ،وكتم البائع ما يجب عليه بيانه ،كأن يدلّس في المبيع عيبا خفيّا ونحوه ،والشّاهد
والمفتي والحاكم يعزّرون على ترك الواجب .
ومثال فعل المحرّم :سرقة ما ل قطع فيه ،لعدم توافر شروط النّصاب أو الحرز مثلً ،وتقبيل الجنبيّة ،
ش في السواق ،والعمل بالرّبا ،وشهادة الزّور .
والخلوة بها ،والغ ّ
وقد يكون الفعل مباحا في ذاته لكنّه يؤدّي لمفسدة ،وحكمه عند كثير من الفقهاء -وعلى الخصوص المالكيّة
-أنّه يصير حراما ،بناء على قاعدة سدّ الذّرائع ،وعلى ذلك فارتكاب مثل هذا الفعل فيه التّعزير ،ما دام
ليست له عقوبة مقدّرة .
وما ذكر هو عن الواجب والمحرّم ،أمّا عن المندوب والمكروه -فعند بعض الصوليّين :المندوب مأمور
به ،ومطلوب فعله ،والمكروه منهيّ عنه ،ومطلوب تركه .
ن ال ّذمّ يسقط عن تارك المندوب ،لكنّه يلحق تارك الواجب .
ويميّز المندوب عن الواجب أ ّ
ن الذّ ّم يسقط عن مرتكب المكروه ،ولكنّه يثبت على مرتكب المحرّم ،وبناء
ويميّز المكروه عن المحرّم :أ ّ
على ذلك ليس تارك المندوب أو فاعل المكروه عاصيا ،لنّ العصيان اسم ذمّ ،وال ّذمّ أسقط عنهما ،ولكنّهم
يعتبرون من يترك المندوب أو يأتي المكروه مخالفا ،وغير ممتثل .وعند آخرين :المندوب غير داخل تحت
المر ،والمكروه غير داخل تحت النّهي ،فيكون المندوب مرغّبا في فعله ،والمكروه مرغّبا عنه .
وعندهم ل يعتبر تارك المندوب وفاعل المكروه عاصيا .
وقد اختلف في تعزير تارك المندوب ،وفاعل المكروه ،ففريق من الفقهاء على عدم جوازه ،لعدم التّكليف ،
ول تعزير بغير تكليف .وفريق أجازه ،استنادا على فعل عمر رضي ال عنه ،فقد عزّر رجل أضجع شاة
لذبحها ،وأخذ يحدّ شفرته وهي على هذا الوضع ،وهذا الفعل ليس إل مكروها ،ويأخذ هذا الحكم من يترك
المندوب .
وقال القليوبيّ :قد يشرع التّعزير ول معصية ،كتأديب طفل ،وكافر ،وكمن يكتسب بآلة لهو ل معصية
فيها .
اجتماع التّعزير مع الحدّ أو القصاص أو الكفّارة :
- 9قد يجتمع التّعزير مع الحدّ ،فالحنفيّة ل يرون تغريب الزّاني غير المحصن من حدّ الزّنى .فعندهم أنّ
حدّه مائة جلدة ل غير ،ولكنّهم يجيزون تغريبه بعد الجلد ،وذلك على وجه التّعزير .ويجوز تعزير شارب
ي صلى ال عليه وسلم
ن النّب ّ
الخمر بالقول ،بعد إقامة حدّ الشّرب عليه ،فعن أبي هريرة رضي ال عنه « أ ّ
أمر بتبكيت شارب الخمر بعد الضّرب » .والتّبكيت تعزير بالقول ،وممّن قال بذلك :الحنفيّة ،والمالكيّة .
ن الجارح عمدا يقتصّ منه ويؤدّب .
وقال المالكيّة :إ ّ
ومن ثمّ فالتّعزير قد اجتمع مع القصاص في العتداء على ما دون النّفس عمدا .
والشّافعيّ يجيز اجتماع التّعزير مع القصاص فيما دون النّفس من الجنايات على البدن ،وهو أيضا يقول
بجواز اجتماع التّعزير مع الح ّد ،مثل تعليق يد السّارق في عنقه بعد قطعها ساعة من نهار ،زيادة في النّكال
ن الرّسول صلى ال عليه وسلم قطع يد سارق ،ثمّ أمر بها
.وقال أحمد بذلك ،لما روى فضالة بن عبيد « أ ّ
ن عليّا فعل ذلك ،ومثل :الزّيادة عن الربعين في ح ّد الشّرب ،لنّ حدّ الشّرب عند
فعلّقت في عنقه » .وأ ّ
الشّافعيّ أربعون .
وقد يجتمع التّعزير مع الكفّارة .فمن المعاصي ما فيه الكفّارة مع الدب ،كالجماع في حرام ،وفي نهار
رمضان ،ووطء المظاهر منها قبل الكفّارة إذا كان الفعل متعمّدا في جميعها .وقيل بالتّعزير كذلك في حلف
اليمين الغموس عند الشّافعيّ ،خلفا للحنفيّة ،فإنّه ل كفّارة في يمين الغموس ،وفيها التّعزير .وعند مالك
في القتل الّذي ل قود فيه ،كالقتل الّذي عفي عن القصاص فيه ،تجب على القاتل الدّية ،وتستحبّ له الكفّارة
،ويضرب مائة ،ويحبس سنة ،وهذا تعزير قد اجتمع مع الكفّارة .
وقال البعض في القتل شبه العمد :بوجوب التّعزير مع الكفّارة ،لنّ هذه حقّ اللّه تعالى ،بمنزلة الكفّارة في
الخطأ ،وليست لجل الفعل ،بل هي بدل النّفس الّتي فاتت بالجناية .ونفس الفعل المحرّم -وهو جناية
القتل شبه العمد -ل كفّارة فيه .وقد استدلّوا على ذلك :بأنّه إذا جنى شخص على آخر دون أن يتلف شيئا
فإنّه يستحقّ التّعزير ،ول كفّارة في هذه الجناية .بخلف ما لو أتلف بل جناية محرّمة ،فإنّ الكفّارة تجب
بل تعزير .
وإنّ الكفّارة في شبه العمد بمنزلة الكفّارة على المجامع في الصّيام والحرام .
التّعزير حقّ للّه وحقّ للعبد :
- 10ينقسم التّعزير إلى ما هو حقّ للّه ،وما هو حقّ للعبد .والمراد بالوّل غالبا :ما تعلّق به نفع العامّة ،
ن إخلء البلد
وما يندفع به ضرر عامّ عن النّاس ،من غير اختصاص بأحد .والتّعزير هنا من حقّ اللّه ،ل ّ
من الفساد واجب مشروع ،وفيه دفع للضّرر عن المّة ،وتحقيق نفع عامّ .ويراد بالثّاني :ما تعلّقت به
مصلحة خاصّة لحد الفراد .وقد يكون التّعزير خالص حقّ اللّه ،كتعزير تارك الصّلة ،والمفطر عمدا في
رمضان بغير عذر ،ومن يحضر مجلس الشّراب .
وقد يكون لحقّ اللّه وللفرد ،مع غلبة حقّ اللّه ،كنحو تقبيل زوجة آخر وعناقها .
وقد تكون الغلبة لحقّ الفرد ،كما في السّبّ والشّتم والمواثبة .
وقد قيل بحالت يكون فيها التّعزير لحقّ الفرد وحده ،كالصّبيّ يشتم رجلً لنّه غير مكلّف بحقوق اللّه تعالى
فيبقى تعزيره متمحّضا لحقّ المشتوم .
وتظهر أه ّميّة التّفرقة بين نوعي التّعزير في أمور :
ن التّعزير الواجب حقّا للفرد أو الغالب فيه حقّه -وهو يتوقّف على الدّعوى -إذا طلبه صاحب
منها :أ ّ
ي المر .
الحقّ فيه لزمت إجابته ،ول يجوز للقاضي فيه السقاط ،ول يجوز فيه العفو أو الشّفاعة من ول ّ
ي المر جائز ،وكذلك الشّفاعة إن كانت في ذلك مصلحة
ن العفو فيه من ول ّ
أمّا التّعزير الّذي يجب حقّا للّه فإ ّ
،أو حصل انزجار الجاني بدونه .وقد روي عن الرّسول صلى ال عليه وسلم قوله « :اشفعوا تؤجروا
ويقضي اللّه على لسان نبيّه ما يشاء » .
وقد حصل الخلف في التّعزير هل هو واجب على وليّ المر أم ل فمالك ،وأبو حنيفة ،وأحمد قالوا
بوجوب التّعزير فيما شرع فيه .
وقال الشّافعيّ :إنّه ليس بواجب ،استنادا إلى « أنّ رجلً قال للرّسول صلى ال عليه وسلم :إنّي لقيت امرأة
فأصبت منها دون أن أطأها .فقال صلى ال عليه وسلم أصلّيت معنا ؟ قال نعم :فتل عليه آية { :وََأقِمِ
س ّيئَاتِ } » .وإلى قوله صلى ال عليه وسلم في
سنَاتِ ُيذْ ِهبْنَ ال ّ
حَن ال َ
طرَ َفيِ ال ّنهَارِ َوزُلَفَا مِنَ اللّيلِ إ ّ
الصّلةَ َ
ل قال للرّسول صلى ال عليه
ن رج ً
النصار « .اقبلوا من محسنهم ،وتجاوزوا عن مسيئهم » وإلى « أ ّ
ح َكمَ به للزّبير لم يرقه :إن كان ابن عمّتك ،فغضب .ولم ينقل أنّه عزّره » .
ح ْكمٍ َ
وسلم في ُ
وقال آخرون ،ومنهم بعض الحنابلة :إنّ ما كان من التّعزير منصوصا عليه كوطء جارية مشتركة يجب
امتثال المر فيه .
أمّا ما لم يرد فيه نصّ فإنّه يجب إذا كانت فيه مصلحة ،أو كان ل ينزجر الجاني إل به ،فإنّه يجب كالحدّ ،
ن الجاني ينزجر بدون التّعزير فإنّه ل يجب .ويجوز للمام فيه العفو إن كانت فيه مصلحة ،
أمّا إذا علم أ ّ
ق الفراد .
وكان من حقّ اللّه تعالى ،خلف ما هو من ح ّ
التّعزير عقوبة مفوّضة :
المراد بالتّفوّض وأحكامه :
ن التّعزير عقوبة مفوّضة إلى رأي
- 11ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ،وهو الرّاجح عن الحنفيّة :أ ّ
الحاكم ،وهذا التّفويض في التّعزير من أهمّ أوجه الخلف بينه وبين الحدّ الّذي هو عقوبة مقدّرة من الشّارع
.وعلى الحاكم في تقدير عقوبة التّعزير مراعاة حال الجريمة والمجرم .أمّا مراعاة حال الجريمة فللفقهاء
فيه نصوص كثيرة ،منه قول الستروشنيّ :ينبغي أن ينظر القاضي إلى سببه ،فإن كان من جنس ما يجب
به الحدّ ولم يجب لمانع وعارض ،يبلغ التّعزير أقصى غاياته .
وإن كان من جنس ما ل يجب الحدّ ل يبلغ أقصى غاياته ،ولكنّه مفوّض إلى رأي المام .
وأمّا مراعاة حال المجرم فيقول الزّيلعيّ :إنّه في تقدير التّعزير ينظر إلى أحوال الجانين ،فإنّ من النّاس من
ينزجر باليسير .ومنهم من ل ينزجر إل بالكثير .يقول ابن عابدين :إنّ التّعزير يختلف باختلف الشخاص
،فل معنى لتقديره مع حصول المقصود بدونه ،فيكون مفوّضا إلى رأي القاضي ،يقيمه بقدر ما يرى
المصلحة فيه .
ن أدنى التّعزير على ما يجتهد المام في الجاني ،بقدر ما يعلم أنّه ينزجر به ،لنّ
ويقول السّنديّ :إ ّ
المقصود من التّعزير الزّجر ،والنّاس تختلف أحوالهم في النزجار ،فمنهم من يحصل له الزّجر بأقلّ
الضّربات ،ويتغيّر بذلك .ومنهم من ل يحصل له الزّجر بالكثير من الضّرب .ونقل عن أبي يوسف :إنّ
التّعزير يختلف على قدر احتمال المضروب .
وقد منع بعض الحنفيّة تفويض التّعزير ،وقالوا بعدم تفويض ذلك للقاضي ،لختلف حال القضاة ،وهذا هو
ن المراد من تفويض التّعزير إلى
الّذي قال به الطّرسوسيّ في شرح منظومة الكنز .وقد أيّدوا هذا الرّأي بأ ّ
ن عدم
رأي القاضي ليس معناه التّفويض لرأيه مطلقا ،بل المقصود القاضي المجتهد .وقد ذكر السّنديّ :أ ّ
التّفويض هو الرّأي الضّعيف عند الحنفيّة .وقال أبو بكر الطّرسوسيّ في أخبار الخلفاء المتقدّمين :إنّهم كانوا
يراعون قدر الجاني وقدر الجناية ،فمن الجانين من يضرب ،ومنهم من يحبس ،ومنهم من يقام واقفا على
ل حزامه .
قدميه في المحافل ،ومنهم من ينتزع عمامته ،ومنهم من يح ّ
ن التّعزير يختلف من حيث المقادير ،والجناس ،والصّفات ،باختلف الجرائم ،من
ص المالكيّة :على أ ّ
ون ّ
حيث كبرها ،وصغرها ،وبحسب حال المجرم نفسه ،وبحسب حال القائل والمقول فيه والقول ،وهو
موكول إلى اجتهاد المام .
قال القرافيّ :إنّ التّعزير يختلف باختلف الزمنة والمكنة ،وتطبيقا لذلك قال ابن فرحون :ربّ تعزير في
بلد يكون إكراما في بلد آخر ،كقطع الطّيلسان ليس تعزيرا في الشّام بل إكرام ،وكشف الرّأس عند
الندلسيّين ليس هوانا مع أنّه في مصر والعراق هوان .وقال :إنّه يلحظ في ذلك أيضا نفس الشّخص ،
فإنّ في الشّام مثلً من كانت عادته الطّيلسان وألفه -من المالكيّة وغيرهم -يعتبر قطعه تعزيرا لهم .فما
ن المر لم يقتصر على اختلف التّعزير باختلف الزّمان والمكان والشخاص ،مع كون
ذكر ظاهر منه :أ ّ
ل لذلك ،بل إنّ هذا الختلف قد يجعل الفعل نفسه غير معاقب عليه ،بل قد يكون مكرمة .
الفعل مح ً
النواع الجائزة في عقوبة التّعزير :
- 12يجوز في مجال التّعزير :إيقاع عقوبات مختلفة ،يختار منها الحاكم في كلّ حالة ما يراه مناسبا محقّقا
لغراض التّعزير .وهذه العقوبات قد تنصبّ على البدن ،وقد تكون مقيّدة للح ّريّة ،وقد تصيب المال ،وقد
تكون غير ذلك .وفيما يلي بيان هذا الجمال .العقوبات البدنيّة :
أ -التّعزير بالقتل :
ح ّرمَ اللّهُ إلّا
- 13الصل :أنّه ل يبلغ بالتّعزير القتل ،وذلك لقول اللّه تعالى { :وَل تَ ْقتُلُوا النّفْسَ الّتيْ َ
ب الزّاني ،
بِالحَقّ } وقول النّبيّ صلى ال عليه وسلم « :ل يحلّ دمُ امرئ مسلم إلّا بإحدى ثلث :ال ّثيّ ُ
س بالنّفس ،والتّاركُ لدينه المفارق للجماعة » .
والنّف ُ
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معيّنة بشروط مخصوصة ،من ذلك :قتل
الجاسوس المسلم إذا تجسّس على المسلمين ،وذهب إلى جواز تعزيره بالقتل مالك وبعض أصحاب أحمد ،
ومنعه أبو حنيفة ،والشّافعيّ ،وأبو يعلى من الحنابلة .
سنّة كالجهميّة .ذهب إلى ذلك كثير
وتوقّف فيه أحمد .ومن ذلك :قتل الدّاعية إلى البدع المخالفة للكتاب وال ّ
من أصحاب مالك ،وطائفة من أصحاب أحمد .
وأجاز أبو حنيفة التّعزير بالقتل فيما تكرّر من الجرائم ،إذا كان جنسه يوجب القتل ،كما يقتل من تكرّر منه
اللّواط أو القتل بالمثقّل .وقال ابن تيميّة :وقد يستدلّ على أنّ المفسد إذا لم ينقطع شرّه إل بقتله فإنّه يقتل ،
لما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الشجعيّ رضي ال عنه قال « :سمعت رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم يقول :من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشقّ عصاكم ،أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه »
ب -التّعزير بالجلد :
- 14الجلد في التّعزير مشروع ،ودليله قول الرّسول صلى ال عليه وسلم « :ل يجلد أحد فوق عشرة
أسواط ،إل في حدّ من حدود اللّه تعالى » .
وفي الحريسة الّتي تؤخذ من مراتعها غرم ثمنها مرّتين ،وضرب نكال .وكذلك الحكم في سرقة التّمر يؤخذ
من أكمامه ،لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال « سئل رسول اللّه صلى ال عليه وآله وسلم عن
التّمر المعلّق ،فقال :من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غير متّخذ خبنة فل شيء عليه ،ومن خرج بشيء
ن فعليه القطع »
منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ،ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المج ّ
رواه النّسائيّ وأبو داود .وفي رواية قال « سمعت رجلً من مزينة يسأل رسول اللّه صلى ال عليه وآله
وسلم عن الحريسة الّتي توجد في مراتعها ؟ قال :فيها ثمنها مرّتين ،وضرب نكال .وما أخذ من عطنه
ن .قال :يا رسول اللّه ،فالثّمار وما أخذ منها في أكمامها ؟
ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المج ّ
قال :من أخذ بفمه ولم يتّخذ خبنة فليس عليه شيء ،ومن احتمل فعليه ثمنه مرّتين ،وضرب نكال ،وما
ن » رواه أحمد والنّسائيّ .ولبن ماجه
أخذ من أجرانه ففيه القطع ،إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المج ّ
ن ففيه غرامة مثليه ،وجلدات نكال » .وقد سار
معناه ،وزاد النّسائيّ في آخره « :وما لم يبلغ ثمن المج ّ
على هذه العقوبة في التّعزير الخلفاء الرّاشدون ومن بعدهم من الحكّام ،ولم ينكر عليهم أحد .
مقدار الجلد في التّعزير :
- 15ممّا ل خلف فيه عند الحنفيّة :أنّ التّعزير ل يبلغ الحدّ ،لحديث « :من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من
المعتدين » واختلف الحنفيّة في أقصى الجلد في التّعزير :
فيرى أبو حنيفة :أنّه ل يزيد عن تسعة وثلثين سوطا بالقذف والشّرب ،أخذا عن الشّعبيّ ،إذ صرف كلمة
الحدّ في الحديث إلى حدّ الرقّاء وهو أربعون .
وأبو يوسف قال بذلك أوّل ،ثمّ عدل عنه إلى اعتبار أقلّ حدود الحرار وهو ثمانون جلدة .
وجه ما ذهب إليه أبو حنيفة :أ نّ الحديث ذكر حدّا منكّرا ،وأربعون جلدة حدّ كامل في الرقّاء عند الحنفيّة
في القذف والشّرب ،فينصرف إلى القلّ .
وأبو يوسف اعتمد على أنّ الصل في النسان الح ّريّة ،وحدّ العبد نصف حدّ الحرّ ،فليس حدّا كاملً ،
ومطلق السم ينصرف إلى الكامل في كلّ باب .وفي عدد الجلدات روايتان عن أبي يوسف :إحداهما :أنّ
التّعزير يصل إلى تسعة وسبعين سوطا ،وهي رواية هشام عنه ،وقد أخذ بذلك زفر ،وهو قول عبد
الرّحمن بن أبي ليلى ،وهو القياس ،لنّه ليس حدّا فيكون من أفراد المسكوت عن النّهي عنه في حديث « :
من بلغ حدّا في غير حدّ » . . .
والثّانية :وهي ظاهر الرّواية عن أبي يوسف :أنّ التّعزير ل يزيد على خمسة وسبعين سوطا ،وروي ذلك
أثرا عن عمر رضي ال عنه ،كما روي عن عليّ رضي ال عنه أيضا ،وأنّهما قال :في التّعزير خمسة
وسبعون .وأنّ أبا يوسف أخذ بقولهما في نقصان الخمسة ،واعتبر عملهما أدنى الحدود .
ن مذهب
وعند المالكيّة قال المازريّ :إنّ تحديد العقوبة ل سبيل إليه عند أحد من أهل المذهب ،وقال :إ ّ
مالك يجيز في العقوبات فوق الحدّ .
ن المشهور أنّه قد يزاد على الحدّ .وعلى ذلك فالرّاجح لدى المالكيّة :أنّ المام له أن
وحكي عن أشهب :أ ّ
يزيد التّعزير عن الحدّ ،مع مراعاة المصلحة الّتي ل يشوبها الهوى .
وممّا استدلّ به المالكيّة :فعل عمر في معن بن زياد لمّا زوّر كتابا على عمر وأخذ به من صاحب بيت المال
مال ،إذ جلده مائة ،ثمّ مائة أخرى ،ثمّ ثالثة ،ولم يخالفه أحد من الصّحابة فكان إجماعا ،كما أنّه ضرب
صبيغ بن عسل أكثر من الحدّ .وروى أحمد بإسناده أنّ عليّا رضي ال عنه أتي بالنّجاشيّ قد شرب خمرا في
رمضان فجلده ثمانين ( الحدّ ) وعشرين سوطا ،لفطره في رمضان .
ن أبا السود استخلفه ابن عبّاس رضي ال عنهما على قضاء البصرة فأتي بسارق قد جمع
كما روي :أ ّ
المتاع في البيت ولم يخرجه ،فضربه خمسة وعشرين سوطا وخلّى سبيله .وقالوا في حديث أبي بردة
رضي ال عنه « :ل يجلد أحد فوق عشرة أسواط إل في حدّ من حدود اللّه » إنّه مقصور على زمن
الرّسول صلى ال عليه وسلم ،لنّه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر ،وتأوّلوه على أنّ المراد بقوله :في حدّ
ن المعاصي كلّها من حدود
،أي في حقّ من حقوق اللّه تعالى ،وإن لم يكن من المعاصي المقدّر حدودها ل ّ
اللّه تعالى .
وعند الشّافعيّة :أنّ التّعزير إن كان بالجلد فإنّه يجب أن ينقص عن أقلّ حدود من يقع عليه التّعزير ،فينقص
في العبد عن عشرين ،وفي الح ّر عن أربعين ،وهو حدّ الخمر عندهم ،وقيل بوجوب النّقص فيهما عن
عشرين ،لحديث « :من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين » ويستوي في النّقص عمّا ذكر جميع
ل جريمة بما يليق بها ممّا فيه أو في جنسه حدّ ،فينقص على
الجرائم على الصحّ عندهم .وقيل بقياس ك ّ
سبيل المثال تعزير مقدّمة الزّنى عن حدّه ،وإن زاد على حدّ القذف ،وتعزير السّبّ عن ح ّد القذف ،وإن
زاد على حدّ الشّرب .وقيل في مذهب الشّافعيّة :ل يزيد في أكثر الجلد في التّعزير عن عشر جلدات أخذا
بحديث أبي بردة « :ل يجلد فوق عشرة أسواط إل في ح ّد من حدود اللّه » لما اشتهر من قول الشّافعيّ :إذا
صحّ الحديث فهو مذهبي ،وقد صحّ هذا الحديث .
وعند الحنابلة :اختلفت الرّواية عن أحمد في قدر جلد التّعزير ،فروي أنّه ل يبلغ الحدّ .وقد ذكر الخرقيّ
هذه الرّواية ،والمقصود بمقتضاها :أنّه ل يبلغ بالتّعزير أدنى حدّ مشروع ،فل يبلغ بالتّعزير أربعين ،لنّ
الربعين حدّ العبد في الخمر والقذف ،ول يجاوز تسعة وثلثين سوطا في الحرّ ،ول تسعة عشر في العبد
على القول بأنّ ح ّد الخمر أربعون سوطا .ونصّ مذهب أحمد :أن ل يزاد على عشر جلدات في التّعزير ،
للثر « :ل يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلّا في حدّ » . . .إل ما ورد من الثار مخصّصا لهذا الحديث ،
كوطء جارية امرأته بإذنها ،ووطء جارية مشتركة المرويّ عن عمر .
ل جريمة حدّا مشروعا في جنسها ،
قال ابن قدامة :ويحتمل كلم أحمد والخرقيّ :أنّه ل يبلغ التّعزير في ك ّ
ويجوز أن يزيد على حدّ غير جنسها ،وقد روي عن أحمد ما يدلّ على هذا .واستدلّ بما روي عن النّعمان
بن بشير رضي ال عنهما فيمن وطئ جارية امرأته بإذنها :أنّه يجلد مائة جلدة ،وهذا تعزير ،لنّ عقاب
هذه الجريمة للمحصن الرّجم ،وبما روي عن سعيد بن المسيّب عن عمر رضي ال عنه في الرّجل الّذي
وطئ أمة مشتركة بينه وآخر :أنّه يجلد الحدّ إلّا سوطا واحدا ،وقد احتجّ بهذا الحديث أحمد .
وقد زاد ابن تيميّة وابن القيّم رأيا رابعا :هو أنّ التّعزير يكون بحسب المصلحة ،وعلى قدر الجريمة ،
فيجتهد فيه وليّ المر على أل يبلغ التّعزير فيما فيه ح ّد مقدّر ذلك المقدّر ،فالتّعزير على سرقة ما دون
سنّة دلّت عليه ،كما مرّ في ضرب
ن ال ّ
ن هذا هو أعدل القوال ،وإ ّ
النّصاب مثل ل يبلغ به القطع ،وقال :إ ّ
الّذي أحلّت له امرأته جاريتها مائة ل الحدّ وهو الرّجم ،كما أنّ عليّا وعمر رضي ال عنهما ضربا رجل
وامرأة وجدا في لحاف واحد مائة مائة ،وحكم عمر رضي ال عنه فيمن قلّد خاتم بيت المال بضربه ثلثمائة
على مرّات ،وضرب صبيغ بن عسل للبدعة ضربا كثيرا لم يعدّه .
وخلصة مذهب الحنابلة :أنّ فيه من يقول بأنّ التّعزير ل يزيد على عشر جلدات ،ومن يقول :بأنّه ل يزيد
ل الحدود ،ومن يقول :بأنّه ل يبلغ في جريمة قدر الحدّ فيها ،وهناك من يقول :بأنّه ل يتقيّد بشيء
على أق ّ
من ذلك ،وأنّه يكون بحسب المصلحة ،وعلى قدر الجريمة ،فيما ليس فيه حدّ مقدّر .والرّاجح عندهم
التّحديد سواء أكان بعشر جلدات أم بأقلّ من أدنى الحدود أم بأقلّ من الحدّ المقرّر لجنس الجريمة .
ن هذا العدد أقلّ
وما ذكر هو عن الحدّ العلى ،أمّا عن الحدّ الدنى فقد قال القدوريّ :إنّه ثلث جلدات ،ل ّ
ل جلد التّعزير مرجعه الحاكم ،بقدر ما يعلم أنّه
ن المر في أق ّ
ما يقع به الزّجر .ولكنّ غالبيّة الحنفيّة على أ ّ
يكفي للزّجر .
وقال في الخلصة :إنّ اختيار التّعزير إلى القاضي من واحد إلى تسعة وثلثين ،وقريب من ذلك تصريح
ن أقلّ التّعزير ليس مقدّرا فيرجع فيه إلى اجتهاد المام أو الحاكم فيما يراه وما تقتضيه
ابن قدامة ،فقد قال :إ ّ
حال الشّخص .
ج -التّعزير بالحبس :
ن ِنسَا ِئكُمْ
حشَةَ مِ ْ
ن الفَا ِ
سنّة والجماع أمّا الكتاب فقوله تعالى { :وَالّلئِي َي ْأتِي َ
- 16الحبس مشروع بالكتاب وال ّ
سبِيلً
جعَلَ اللّهُ َل ُهنّ َ
ت أو َي ْ
ن المَو ُ
ت حتّى َي َت َوفّاهُ ّ
ن في البُيو ِ
سكُوهُ ّ
ش ِهدُوا َفأَ ْم ِ
ن َأ ْربَعةً ِم ْن ُكمْ فإنْ َ
شهِدُوا عَلَيه ّ
س َت ْ
فَا ْ
ن يُ َقتّلُوا أو ُيصَلّبُوا أو تُ َقطّعَ
لرْضِ َفسَادَا أ ْ
سعَونَ في ا َ
ن اللّهَ َو َرسُولَه َو َي ْ
جزَا ُء الّذينَ ُيحَا ِربُو َ
} وقوله { :إ ّنمَا َ
ن خِلفٍ أو ُينْفَوا من الرْضِ } .فقد قال الزّيلعيّ :إنّ المقصود بالنّفي هنا الحبس .
أَيدِيهمْ وَأ ْرجُلُ ُهمْ مِ ْ
سنّة فقد ثبت « :أنّ الرّسول صلى ال عليه وسلم حبس بالمدينة أناسا في تهمة دم ،وحكم بالضّرب
وأمّا ال ّ
والسّجن ،وأنّه قال فيمن أمسك رجلً لخر حتّى قتله :اقتلوا القاتل ،واصبروا الصّابر » .وفسّرت عبارة
« اصبروا الصّابر » بحبسه حتّى الموت ،لنّه حبس المقتول للموت بإمساكه إيّاه .
وأمّا الجماع فقد أجمع الصّحابة رضي ال عنهم ،ومن بعدهم ،على المعاقبة بالحبس .واتّفق الفقهاء على
ن عمر رضي ال عنه سجن الحطيئة على
ن الحبس يصلح عقوبة في التّعزير .وممّا جاء في هذا المقام :أ ّ
أّ
ن عثمان رضي
الهجو ،وسجن صبيغا على سؤاله عن الذّاريات ،والمرسلت ،والنّازعات ،وشبهه ،وأ ّ
ن عليّ بن أبي طالب رضي ال
ال عنه سجن ضابئ بن الحارث ،وكان من لصوص بني تميم وفتّاكهم ،وأ ّ
ن عبد اللّه بن الزّبير رضي ال عنه سجن بمكّة ،وسجن في " دارم " محمّد بن
عنه سجن بالكوفة .وأ ّ
الحنفيّة لمّا امتنع عن بيعته .
مدّة الحبس في التّعزير :
- 17الصل أنّ تقدير مدّة الحبس يرجع إلى الحاكم ،مع مراعاة ظروف الشّخص ،والجريمة والزّمان
ن الحبس تعزيرا
والمكان .وقد أشار الزّيلعيّ إلى ذلك بقوله :ليس للحبس مدّة مقدّرة .وقال الماورديّ :إ ّ
يختلف باختلف المجرم ،وباختلف الجريمة ،فمن الجانين من يحبس يوما ،ومنهم من يحبس أكثر ،إلى
غاية غير مقدّرة .
ن شرط الحبس :النّقص عن سنة ،كما نصّ عليه الشّافعيّ في المّ ،
ي من الشّافعيّة ،ذكر أ ّ
ن الشّربين ّ
لك ّ
وصرّح به معظم الصحاب .وأطلق الحنابلة في تقدير المدّة .
د -التّعزير بالنّفي " التّغريب " :
مشروعيّة التّعزير بالنّفي :
سنّة والجماع .أمّا
- 18التّعزير بالنّفي مشروع بل خلف بين الفقهاء ،ودليل مشروعيّته :الكتاب وال ّ
سنّة « :فإنّ
الكتاب فقوله تعالى َ { :أوْ ُينْ َفوْا مِن الرْضِ } ومن ثمّ فهو عقوبة مشروعة في الحدود .وأمّا ال ّ
النّبيّ صلى ال عليه وسلم قضى بالنّفي تعزيرا في المخنّثين ،إذ نفاهم من المدينة » .
وأمّا الجماع :فإنّ عمر رضي ال عنه نفى نصر بن حجّاج لفتتان النّساء به ،ولم ينكر عليه أحد من
الصّحابة .
ن عمر غرّب من المدينة نصر بن حجّاج إلى البصرة ،
ويجوز كون التّغريب لكثر من مسافة القصر ،ل ّ
ونفى عثمان رضي ال عنه إلى مصر ،ونفى عليّ رضي ال عنه إلى البصرة .ويشترط أن يكون التّغريب
لبلد معيّن ،فل يرسل المحكوم عليه به إرسالً ،وليس له أن يختار غير البلد المعيّن لبعاده ،ول يجوز أن
يكون تغريب الجاني لبلده .
ل المسافة بين بلد الجاني والبلد المغرّب إليه عن مسيرة يوم وليلة ويرى ابن أبي
ويرى الشّافعيّ :أن ل تق ّ
ليلى :أن ينفى الجاني إلى بلد غير البلد الّذي ارتكبت فيه الجريمة بحيث تكون المسافة بين البلد الّذي ينفى
إليه وبلد الجريمة ،دون مسيرة سفر .
مدّة التّغريب :
- 19ل يعتبر أبو حنيفة التّغريب في الزّنى حدّا ،بل يعتبره من التّعزير ،ويترتّب على ذلك :أنّه يجيز أن
يزيد من حيث المدّة عن سنة .
ن التّغريب عنده في الزّنى حدّ ،لنّه يقول
ويجوز عند مالك أن يزيد التّغريب في التّعزير عن سنة ،مع أ ّ
بنسخ حديث « :من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين » .
ن للمام أن يزيد في التّعزير عن الحدّ ،مع مراعاة المصلحة غير المشوبة بالهوى
والرّاجح عند المالكيّة :أ ّ
.
وعلى ذلك بعض فقهاء الشّافعيّة ،والحنابلة .ويرى البعض الخر منهم :أنّ مدّة التّغريب في التّعزير ل
يجوز أن تصل إلى سنة ،لنّهم يعتبرون التّغريب في جريمة الزّنى حدّا ،وإذا كانت مدّته فيها عاما فل
يجوز عندهم في التّعزير أن يصل التّغريب لعام ،لحديث « :من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين » .
وتفصيله في ( نفي ) .
هف -التّعزير بالمال :
مشروعيّة التّعزير بالمال :
- 20الصل في مذهب أبي حنيفة :أنّ التّعزير بأخذ المال غير جائز ،فأبو حنيفة ومحمّد ل يجيزانه ،بل
ن محمّدا لم يذكره في كتاب من كتبه .أمّا أبو يوسف فقد روي عنه :أنّ التّعزير بأخذ المال من الجاني
إّ
جائز إن رؤيت فيه مصلحة .
وقال الشبراملسي :ول يجوز على الجديد بأخذ المال .يعني ل يجوز التّعزير بأخذ المال في مذهب الشّافعيّ
الجديد ،وفي المذهب القديم :يجوز .
أمّا في مذهب مالك في المشهور عنه ،فقد قال ابن فرحون :التّعزير بأخذ المال قال به المالكيّة .وقد ذكر
مواضع مخصوصة يعزّر فيها بالمال ،وذلك في قوله :سئل مالك عن اللّبن المغشوش أيراق ؟ قال :ل ،
ولكن أرى أن يتصدّق به ،إذا كان هو الّذي غشّه .وقال في الزّعفران والمسك المغشوش مثل ذلك ،سواء
كان ذلك قليلً أو كثيرا ،وخالفه ابن القاسم في الكثير ،وقال :يباع المسك والزّعفران على ما يغشّ به ،
ويتصدّق بالثّمن أدبا للغاشّ .وأفتى ابن القطّان الندلسيّ في الملحف الرّديئة النّسج بأن تحرّق .وأفتى ابن
عتّاب :بتقطيعها والصّدقة بها خرقا .
وعند الحنابلة يحرم التّعزير بأخذ المال أو إتلفه ،لنّ الشّرع لم يرد بشيء من ذلك عمّن يقتدى به .وخالف
ابن تيميّة وابن القيّم ،فقال :إنّ التّعزير بالمال سائغ إتلفا وأخذا .واستدل لذلك بأقضية للرّسول صلى ال
عليه وسلم كإباحته سلب من يصطاد في حرم المدينة لمن يجده ،وأمره بكسر دنان الخمر ،وشقّ ظروفها ،
وأمره عبد اللّه بن عمر رضي ال عنهما بحرق الثّوبين المعصفرين ،وتضعيفه الغرامة على من سرق من
غير حرز ،وسارق ما ل قطع فيه من الثّمر والكثر ،وكاتم الضّالّة .ومنها أقضيّة الخلفاء الرّاشدين ،مثل
أمر عمر وعليّ رضي ال عنهما بتحريق المكان الّذي يباع فيه الخمر ،وأخذ شطر مال مانع الزّكاة ،وأمر
عمر بتحريق قصر سعد بن أبي وقّاص رضي ال عنه الّذي بناه حتّى يحتجب فيه عن النّاس .وقد نفّذ هذا
المر محمّد بن مسلمة رضي ال عنه .
أنواع التّعزير بالمال :
التّعزير بالمال يكون بحبسه أو بإتلفه ،أو بتغيير صورته ،أو بتمليكه للغير .
أ -حبس المال عن صاحبه :
- 21وهو أن يمسك القاضي شيئا من مال الجاني مدّة زجرا له ،ثمّ يعيده له عندما تظهر توبته ،وليس
ي يقتضي ذلك .وفسّره على هذا
معناه أخذه لبيت المال ،لنّه ل يجوز أخذ مال إنسان بغير سبب شرع ّ
الوجه أبو يحيى الخوارزميّ .
ونظيره ما يفعل في خيول البغاة وسلحهم ،فإنّها تحبس عنهم مدّة وتعاد إليهم إذا تابوا .
وصوّب هذا الرّأي المام ظهير الدّين التّمرتاشيّ الخوارزميّ .
أمّا إذا صار ميئوسا من توبته ،فإنّ للحاكم أن يصرف هذا المال فيما يرى فيه المصلحة .
ب -التلف :
- 22قال ابن تيميّة :إنّ المنكرات من العيان والصّفات يجوز إتلف محلّها تبعا لها ،فالصنام صورها
منكرة ،فيجوز إتلف مادّتها ،وآلت اللّهو يجوز إتلفها عند أكثر الفقهاء ،وبذلك أخذ مالك ،وهو أشهر
الرّوايتين عن أحمد .
ل الّذي يباع فيه الخمر يجوز تحريقه ،
ومن هذا القبيل أيضا أوعية الخمر ،يجوز تكسيرها وتحريقها ،والمح ّ
ي رضي ال عنه
ل يباع فيه الخمر ،وقضاء عل ّ
واستدلّ لذلك بفعل عمر رضي ال عنه في تحريق مح ّ
ن مكان البيع كالوعية .وقال :إنّ هذا هو المشهور في مذهب
تحريق القرية الّتي كان يباع فيها الخمر ،ول ّ
أحمد ،ومالك ،وغيرهما .
ومن هذا القبيل أيضا :إراقة عمر اللّبن المخلوط بالماء للبيع .ومنه ما يراه بعض الفقهاء من جواز إتلف
المغشوشات في الصّناعات ،كالثّياب رديئة النّسج ،بتمزيقها وإحراقها ،وتحريق عبد اللّه بن عمر رضي
ل الّذي
ال عنهما لثوبه المعصفر بأمر النّبيّ صلى ال عليه وسلم .وقال ابن تيميّة :إنّ هذا التلف للمح ّ
ل من الجسم الّذي وقعت به المعصية ،كقطع يد السّارق .وهذا التلف
قامت به المعصية نظيره إتلف المح ّ
ن إبقاءه جائز ،إمّا له أو يتصدّق به .وبناء على
ل حالة ،فإذا لم يكن في المحلّ مفسد فإ ّ
ليس واجبا في ك ّ
ذلك أفتى فريق من العلماء :بأن يتصدّق بالطّعام المغشوش .وفي هذا إتلف له .
وكره فريق التلف ،وقالوا بالتّصدّق به ،ومنهم مالك في رواية ابن القاسم ،وهي المشهورة في المذهب .
ن في ذلك عقابا للجاني بإتلفه عليه ،ونفعا للمساكين
وقد استحسن مالك التّصدّق باللّبن المغشوش ،ل ّ
بالعطاء لهم .وقال مالك في الزّعفران والمسك بمثل قوله في اللّبن إذا غشّهما الجاني .وقال ابن القاسم
ن التّصدّق بالمغشوش في الكثير من هذه الموال الثّمينة تضيع به أموال
بذلك في القليل من تلك الموال ،ل ّ
عظيمة على أصحابها ،فيعزّرون في مثل تلك الحوال بعقوبات أخرى .
وعند البعض :أنّ مذهب مالك التّسوية بين القليل والكثير .وروى أشهب عن مالك منع العقوبات الماليّة ،
وأخذ بهذه الرّواية كلّ من مطرّف وابن الماجشون من فقهاء المذهب ،وعندهما :أنّ من غشّ أو نقص من
ش من
ش من الخبز واللّبن ،أو غ ّ
ن ما غ ّ
الوزن يعاقب بالضّرب ،والحبس ،والخراج من السّوق ،وأ ّ
المسك والزّعفران ل يفرّق ول ينهب.
ج -التّغيير :
- 23من التّعزير بالتّغيير نهي النّبيّ صلى ال عليه وسلم عن كسر سكّة المسلمين الجائزة بين المسلمين ،
كالدّراهم والدّنانير ،إل إذا كان بها بأس ،فإذا كانت كذلك كسرت ،وفعل الرّسول صلى ال عليه وسلم في
التّمثال الّذي كان في بيته ،والسّتر الّذي به تماثيل ،إذ قطع رأس التّمثال فصار كالشّجرة ،وقطع السّتر إلى
وسادتين منتبذتين يوطآن .
ومن ذلك :تفكيك آلت اللّهو ،وتغيير الصّور المصوّرة .
د -التّمليك :
- 24من التّعزير بالتّمليك « :قضاء الرّسول صلى ال عليه وسلم فيمن سرق من الثّمر المعلّق قبل أن يؤخذ
إلى الجرين بجلدات نكال ،وغرم ما أخذ مرّتين » « وفيمن سرق من الماشية قبل أن تؤوي إلى المراح
بجلدات نكال ،وغرم ذلك مرّتين » وقضاء عمر رضي ال عنه بتضعيف الغرم على كاتم الضّالّة ،وقد قال
بذلك طائفة من العلماء ،منهم :أحمد ،وغيره ،ومن ذلك إضعاف عمر وغيره الغرم في ناقة أعرابيّ
أخذها مماليك جياع ،إذ أضعف الغرم على سيّدهم ،ودرأ القطع .
أنواع أخرى من التّعزير :
هناك أنواع أخرى من التّعزير غير ما سبق .
منها :العلم المجرّد ،والحضار لمجلس القضاء ،والتّوبيخ والهجر .
أ -العلم المجرّد :
- 25العلم :صورته أن يقول القاضي للجاني :بلغني أنّك فعلت كذا وكذا ،أو يبعث القاضي أمينه
للجاني ،ليقول له ذلك .
وقد قيّد البعض العلم ،بأن يكون مع النّظر بوجه عابس .
ب -الحضار لمجلس القضاء :
- 26قال الكاسانيّ :إنّ هذا النّوع من التّعزير يكون بالعلم ،والذّهاب إلى باب القاضي ،والخطاب
بالمواجهة .
وقال البعض :إنّه يكون بالعلم ،والجرّ لباب القاضي ،والخصومة فيما نسب إلى الجاني .والفرق بين
هذه العقوبة والعلم المجرّد :أنّ في هذه العقوبة يؤخذ الجاني إلى القاضي زيادة عن العلم ،وذلك
ليخاطبه في المواجهة .وبناء على ما ذكره الكمال بن الهمام :تتميّز هذه عن العلم المجرّد بالخصومة فيما
نسب إلى الجاني .وكثيرا ما يلجأ القاضي لهذين النّوعين أو لواحد منهما إذا كان الجاني قد ارتكب الجريمة
على سبيل الزّلّة والنّدور ابتداء ،إذا كان ذلك زاجرا ،على شريطة كون الجريمة غير جسيمة .
ج -التّوبيخ :
مشروعيّة التّوبيخ :
- 27التّعزير بالتّوبيخ مشروع باتّفاق الفقهاء ،فقد « روى أبو ذرّ رضي ال عنه :أنّه سابّ رجل فعيّره
بأمّه ،فقال الرّسول صلى ال عليه وسلم يا أبا ذرّ ،أعيّرته بأمّه ، ،إنّك امرؤ فيك جاهليّة » .وقال الرّسول
صلى ال عليه وسلم َ « :ليّ الواجد ُيحِلّ عرضه وعقوبته » .وقد فسّر النّيل من العرض بأن يقال له مثل :
يا ظالم ،يا معتد .وهذا نوع من التّعزير بالقول .وقد جاء في تبصرة الحكّام لبن فرحون :وأمّا التّعزير
بالقول فدليله ما ثبت في سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي ال عنه « :أنّ رسول اللّه صلى ال عليه
وسلم أتي برجل قد شرب فقال :اضربوه فقال أبو هريرة :فمِنّا الضّارب بيده ،ومنّا الضّارب بنعله ،
والضّارب بثوبه » .وفي رواية بإسناده « :ثمّ قال رسول اللّه صلى ال عليه وسلم لصحابه بكّتوه فأقبلوا
عليه يقولون :ما اتّقيت اللّه ،ما خشيت اللّه ،ما استحييت من رسول اللّه صلى ال عليه وسلم » .وهذا
التّبكيت من التّعزير بالقول .
وقد عزّر عمر رضي ال عنه بالتّوبيخ .فقد روي عنه أنّه أنفذ جيشا فغنموا غنائم ،فلمّا رجعوا لبسوا
الحرير والدّيباج ،فلمّا رآهم تغيّر وجهه ،وأعرض عنهم ،فقالوا :أعرضت عنّا ،فقال :انزعوا ثياب أهل
النّار ،فنزعوا ما كانوا يلبسون من الحرير والدّيباج .
وذلك فيه تعزير لهم بالعراض عنهم ،وفيه توبيخ لهم .
كيفيّة التّوبيخ :
- 28التّوبيخ قد يكون بإعراض القاضي عن الجاني ،أو بالنّظر له بوجه عبوس ،وقد يكون بإقامة الجاني
من مجلس القضاء ،وقد يكون بالكلم العنيف ،ويكون بزواجر الكلم وغاية الستخفاف ،على شريطة أن
ل يكون فيه قذف ،ومنع البعض ما فيه السّبّ أيضا .
د -الهجر :
- 29الهجر معناه :مقاطعة الجاني ،والمتناع عن التّصال به ،أو معاملته بأيّ نوع ،أو أيّة طريقة كانت
ن في ال َمضَاجِعِ } وقد «
جرُوهُ ّ
ن ُنشُوزَهُنّ َف ِعظُوهُنّ وَا ْه ُ
.وهو مشروع بدليل قوله تعالى { :وَاللتيْ َتخَافُو َ
هجر النّبيّ صلى ال عليه وسلم أصحابه الثّلثة الّذين تخلّفوا عنه في غزوة تبوك » .وعاقب عمر صبيغا
بالهجر لمّا نفاه إلى البصرة ،وأمر أل يجالسه أحد .وهذا منه عقوبة بالهجر .
الجرائم الّتي شرع فيها التّعزير :
- 30الجرائم الّتي شرع فيها التّعزير قد تكون من قبيل ما شرع في جنسه عقوبة مقدّرة من حدّ أو قصاص ،
ن هذه العقوبة ل تطبّق ،لعدم توافر شرائط تطبيقها ،ومنها ما فيه عقوبة مقدّرة ،ولكنّ هذه العقوبة ل
لك ّ
تطبّق عليها لمانع ،كوجود شبهة تستوجب درء الحدّ ،أو عفو صاحب الحقّ عن طلبه .
وقد تكون الجرائم التّعزيريّة غير ما ذكر فيكون فيها التّعزير أصلً .
ويدخل في هذا القسم ما ل يدخل في سابقه من جرائم .وفيما يلي تفصيل ذلك .
الجرائم الّتي يشرع فيها التّعزير بديلً عن الحدود :
جرائم العتداء على النّفس ،وما دونها :
- 31يدخل في هذا الموضوع :الكلم في جرائم العتداء على النّفس ،وهي الّتي يترتّب عليها إزهاق
الرّوح ،والكلم في جرائم العتداء على ما دون النّفس وهي الّتي تقع على البدن دون أن تؤدّي لزهاق
الرّوح :
جرائم القتل " الجناية على النّفس " :
القتل العمد :
- 32القتل العمد العدوان موجبه القصاص ،ويجب لذلك توافر شروط ،أهمّها :كون القاتل قد تعمّد تعمّدا
محضا ليس فيه شبهة ،وكونه مختارا ،ومباشرا للقتل ،وأل يكون المقتول جزء القاتل ،وأن يكون معصوم
ل شرط من هذه الشّروط
الدّم مطلقا .وفضلً عن ذلك يجب للقصاص :أن يطلب من وليّ الدّم .فإذا اخت ّ
امتنع القصاص ،وفيه التّعزير .
وفي ذلك خلف وتفصيل ينظر في ( قتل -قصاص ) .
القتل شبه العمد :
ن الكفّارة حقّ للّه
- 33قال البهوتيّ ،نقلً عن " المبدع " :قد يقال بوجوب التّعزير في القتل شبه العمد ،ل ّ
تعالى وليست لجل الفعل ،بل بدل النّفس الفائتة ،فأمّا نفس الفعل المحرّم -الّذي هو الجناية -فل كفّارة
فيه .
ن ما ل قصاص فيه عندهم كالقتل بالمثقّل -وهو القتل بمثل
- 34ومن الصول الثّابتة عند الحنفيّة :أ ّ
الحجر الكبير أو الخشبة العظيمة -يجوز للمام أن يعزّر فيه بما يصل للقتل ،إذا تكرّر ارتكابه ،ما دامت
فيه مصلحة .وبناء على هذا الصل قالوا بالتّعزير بالقتل لمن يتكرّر منه الخنق ،أو التّغريق ،أو اللقاء من
مكان مرتفع ،إذا لم يندفع فساده إل بالقتل .
العتداء على ما دون النّفس :
- 35إذا كانت الجناية على ما دون النّفس عمدا فيشترط للقصاص فضل عن شروطه في النّفس :المماثلة ،
وإمكان استيفاء المثل .
ويرى مالك التّعزير أيضا في الجناية العمد على ما دون النّفس ،إذا سقط القصاص ،أو امتنع لسبب أو
لخر ،فيكون في الجريمة التّعزير مع الدّية ،أو الرش ،أو بدونه ،تبعا للحوال .ومثال ذلك أن تكون
الجناية على عظم خطر .
إذ العظام الخطرة ل قصاص فيها عنده ،مثل عظام الصّلب ،والفخذ ،والعنق ،ومثل المنقّلة ،والمأمومة ،
ويقال ذلك أيضا في الجائفة ،لنّه ل يستطاع فيها القصاص ،وفي كلّ ما ذهبت منفعته بالجناية مع بقائه
قائما في الجسم ،وبقاء جماله ،فإذا ضربه على عينه فذهب بصرها ،وبقي جمالها فل قود فيها .ومثل ذلك
اليد إذا شلّت ولم تبن عن الجسم ،ففي هذه وما يماثلها يعزّر الجاني مع أخذ العقل منه ( أي الدّية ) .
ن في ذلك التّعزير ،ل القصاص .ولدى بعض
وإذا لم يترك العتداء على الجسم أثرا :فأغلب الفقهاء على أ ّ
المالكيّة القصاص في ضربة السّوط ،ولو لم يحدث جرحا ول شجّة ،مع أنّه ل قصاص عندهم في اللّطمة ،
ن ضربة السّوط في ذلك كاللّطمة فيه
وضربة العصا ،إل إذا خلّفت جرحا أو شجّة .وروي عن مالك :أ ّ
الدب ،ونقل ذلك ابن عرفة عن أشهب .ويرى ابن القيّم وبعض الحنابلة :القصاص في اللّطمة والضّربة .
الزّنى الّذي ل حدّ فيه ،ومقدّماته :
ن فيه حدّ الزّنى ،أمّا إذا لم يطبّق الحدّ المقدّر لوجود
- 36الزّنى إذا توافرت الشّرائط الشّرعيّة لثبوته فإ ّ
ن الفعل يكون جريمة شرع الحكم فيها -
شبهة ،أو لعدم توافر شريطة من الشّرائط الشّرعيّة لثبوت الحدّ ،فإ ّ
أو في جنسها -لكنّه لم يطبّق .
ل جريمة ل حدّ فيها ول قصاص ففيها التّعزير .
وك ّ
وبناء على ذلك :إذا كانت هناك شبهة تدرأ الحدّ ،سواء كانت شبهة فعل ،أو شبهة ملك ،أو شبهة عقد ،
ن الجاني يعزّر ،لنّه ارتكب جريمة ليست فيها عقوبة مقدّرة .
فإنّ الحدّ ل يطبّق .لك ّ
وتعرف الشّبهة بأنّها :ما يشبه الثّابت وليس بثابت .أو :هي وجود المبيح صورة ،مع عدم حكمه أو حقيقته
،وتفصيل ذلك في ( اشتباه ) .وإذا كانت المزنيّ بها ميّتة ففي هذا الفعل التّعزير ،لنّه ل يعتبر زنى ،إذ
حياة المزنيّ بها شريطة في الحدّ .
وإذا لم يكن الفعل من رجل فل يقام الحدّ ،بل التّعزير ،ومن ذلك :المساحقة .
ن فيه التّعزير ،ومن ذلك أن يكون الفعل في
وإذا لم يكن الفعل في قبل امرأة فأبو حنيفة على عدم الحدّ ،لك ّ
ل حال مرويّ عن ابن عبّاس رضي ال عنهما وهو قول
الدّبر .وهو قول للشّافعيّة .والقول بالقتل على ك ّ
ن اللّواط زنى ،وفيه حدّ الزّنى
آخر للشّافعيّة ،والمذهب عند الشّافعيّة :أنّه زنى ،وفيه الحدّ .وقال قوم :إ ّ
.ومن هؤلء :مالك ،وهو المشهور لدى الشّافعيّ ،وهو رأي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة .واختلفت
ن فيه حدّ الزّنى :وإذا كان الفعل في زوجة الفاعل فل حدّ فيه بالجماع .
الرّواية عن أحمد :فقد روي عنه أ ّ
ل ما دون الوقاع من أفعال ،
والجمهور على أنّه يستوجب التّعزير .وممّا يستوجب التّعزير في هذا المجال ك ّ
كالوطء فيما دون الفرج ،ويستوي فيه المسلم ،والكافر ،والمحصن ،وغيره .ومنه أيضا :إصابة كلّ
محرّم من المرأة غير الجماع .وعناق الجنبيّة ،أم تقبيلها .وممّا فيه التّعزير كذلك :كشف العورة لخر ،
وخداع النّساء ،والقوادة ،وهي :الجمع بين الرّجال والنّساء للزّنى ،وبين الرّجال والرّجال للّواط .
سبّ :
القذف الّذي ل حدّ فيه وال ّ
- 37حدّ القذف ل يقام على القاذف إلّا بشرائطه ،فإذا انعدم واحد منها أو اختلّ فإنّ الجاني ل يحدّ .ويعزّر
عند طلب المقذوف ،لنّه ارتكب معصية ل حدّ فيها .
ومن شروط القذف الّذي فيه الحدّ :كون المقذوف محصنا .فإذا لم يكن كذلك فل يحدّ القاذف ،ولكن يعزّر .
ومن ذلك أن يقذف مجنونا بالزّنى .أو صغيرا بالزّنى .أو مسلمة قد زنت .أو مسلما قد زنى ،أو من معها
أولد ل يعرف لهم أب ،وذلك لعدم العفّة في هذه الثّلثة الخيرة .ومنها كون المقذوف معلوما ،فإن لم يكن
كذلك فل حدّ ،بل التّعزير ،لنّ الفعل معصية ل حدّ فيها .وبناء على ذلك يعزّر -ول يحدّ -من قذف
بالزّنى جدّ آخر دون بيان الجدّ .أو أخاه كذلك ،وكان له أكثر من أخ .
ول حدّ في القذف بغير الصّريح ،ومن ذلك :القذف بالكناية ،أو التّعريض ،فليس فيه عند الحنفيّة ح ّد ،بل
التّعزير ،وكذلك عند الشّافعيّة .ويرى مالك :الحدّ في القذف بالتّعريض أو الكناية .والّذين منعوا الحدّ قالوا
بالتّعزير ،لنّ الفعل يكون جريمة ل ح ّد فيها .
ول حدّ إذا رماه بألفاظ ل تفيد الزّنى صراحة .كقوله :يا فاجر ،بل يعزّر .
وكذلك الشّأن إذا رماه بما ل يعتبر زنى ،كمن رمى آخر بالتّخنّث .ويعزّر كذلك عند أبي حنيفة من يرمي
آخر بأنّه يعمل عمل قوم لوط ،لنّ هذا الفعل ل يوجب حدّ الزّنى عنده .أمّا مالك والشّافعيّ وأبو يوسف
ومحمّد فإنّهم يقولون بالحدّ ،ومن ث ّم فل تعزير في ذلك ،بل فيه حدّ القذف عند هؤلء .ومردّ الخلف :هو
في أنّ اللّواط هل هو زنى أم ل ؟ .
فمن قالوا :بأنّه زنى ،جعلوا في القذف به حدّ القذف .ومن قالوا :بغير ذلك ،جعلوا في القذف به التّعزير
.ومن قذف آخر قذفا مقيّدا بشرط أو أجل يعزّر ول يحدّ .
وإذا لم يكن القول قذفا ،بل مجرّد سبّ أو شتم فإنّه يكون معصية ل حدّ فيها ،ففيها التّعزير .ومن ذلك قوله
:يا نصرانيّ ،أو يا زنديق ،أو يا كافر ،في حين أنّه مسلم .وكذلك من قال لخر :يا مخنّث ،أو يا
منافق ،ما دام المجنيّ عليه غير متّصف بذلك .ويعزّر كذلك في مثل :يا آكل الرّبا ،أو يا شارب الخمر ،
أو يا خائن ،أو يا سارق ،وكلّه بشرط كون المجنيّ عليه غير معروف بما نسب إليه .وكذلك من قال لخر
:يا بليد ،أو يا قذر ،أو يا سفيه ،أو يا ظالم ،أو يا أعور ،وهو صحيح ،أو يا مقعد ،وهو صحيح كذلك
على سبيل الشّتم .وعلى وجه العموم يعزّر من شتم آخر ،مهما كان الشّتم ،لنّه معصية .ويرجع في
تحديد الفعل الموجب للتّعزير إلى العرف ،فإذا لم يكن الفعل المنسوب للمجنيّ عليه ممّا يلحق به في العرف
العار والذى والشّين ،فل عقاب على الجاني ،إذ ل يكون ثمّة جريمة .
السّرقة الّتي ل حدّ فيها :
- 38السّرقة من جرائم الحدود ما دامت قد استوفت شروطها الشّرعيّة ،وأهمّها :الخفية .وكون موضوع
السّرقة مال ،مملوكا لغير السّارق ،محرّزا ،نصابا .فإذا تخلّف شرط من شروط الحدّ فل يقام ،ولكن
يعزّر الفاعل ،لنّه ارتكب جريمة ليس فيها حدّ مقدّر .وتفصيل ذلك في مصطلح ( :سرقة ) .
قطع الطّريق الّذي ل حدّ فيه :
- 39قطع الطّريق كغيره من جرائم الحدود ،يجب لكي يكون فيه الحدّ أن تتوافر شروط معيّنة ،وإلّا فل
يقام الحدّ ،ويعزّر الجاني ما دام قد ارتكب معصية ل حدّ فيها .
ومن الشّروط :أن يكون الجاني بالغا ،ذكرا ،وأن يكون المجنيّ عليه مسلما ،أو ذ ّميّا ،وأن تكون يده على
المال صحيحة ،وأن ل يكون في القطّاع ذو رحم محرم لحد المقطوع عليه ،وأن يكون المقطوع فيه مالً
متقوّما معصوما مملوكا ،ل ملك فيه للقاطع ،ول شبهة ملك ،محرّزا ،نصابا ،وأن يكون قطع الطّريق في
غير المصر .
وتفصيل ذلك في ( حرابة ) .
الجرائم الّتي موجبها الصليّ التّعزير :
بعض الجرائم الّتي تقع على آحاد النّاس :
شهادة الزّور :
ج َت ِنبُوا قَولَ الزّورِ } .
- 40حرّم قول الزّور في القرآن الكريم بقوله تعالى { وَا ْ
ن الرّسول صلى ال عليه وسلم ع ّد قول الزّور وشهادة الزّور من أكبر الكبائر »
سنّة بما ورد « :أ ّ
وفي ال ّ
وما دام أنّه ليس فيها عقوبة مقدّرة ،ففيها التّعزير .
الشّكوى بغير حقّ :
ق يؤدّب .
- 41ذكر صاحب ( تبصرة الحكّام ) أنّ من قام بشكوى بغير ح ّ
وقال البهوتيّ :إنّه إذا ظهر كذب المدّعي في دعواه بما يؤذي به المدّعى عليه ،فإنّه يعزّر لكذبه وإيذائه
للمدّعى عليه .
قتل حيوان غير مؤذ أو الضرار به :
ن امرأة دخلت النّار في هرّة
- 42نهى الرّسول صلى ال عليه وسلم عن تعذيب الحيوان في قوله « :إ ّ
حبستها ،فل هي أطعمتها وسقتها ،ول هي تركتها تأكل من خشاش الرض » فهذا الفعل معصية ،فيعزّر
الفاعل ما دام الفعل ليس فيه حدّ مقدّر .
ن :ممّا يوجب التّعزير
ومن المثلة على الجرائم في هذا المجال :قطع ذنب حيوان ،فقد ذكر فقهاء الحنفيّة أ ّ
ما ذكر ابن رستم فيمن قطع ذنب برذون .
انتهاك حرمة ملك الغير :
س َتأْ ِنسُوا
- 43دخول بيوت الغير بدون إذن ممنوع شرعا لقوله تعالى { :ل َت ْدخُلُوا ُبيُوتَا غَيرَ ُبيُو ِت ُكمْ حتّى َت ْ
َو ُتسَّلمُوا عَلَى أَهِْلهَا } وبناء على هذا الصل قيل بتعزير من يوجد في منزل آخر بغير إذنه أو علمه ،ودون
أن يتّضح سبب مشروع لهذا الدّخول .
جرائم مضرّة بالمصلحة العامّة :
- 44توجد جرائم مضرّة بالمصلحة العامّة ليست فيها عقوبات مقدّرة ،وفيها التّعزير .من هذه الجرائم :
عدُوّي
خذُوا َ
سسُوا } ،وقوله { . . .ل َت ّت ِ
التّجسّس للعدوّ على المسلمين ،فهو منهيّ عنه لقوله تعالى { ول َتجَ ّ
ن إِليْهمْ بِالمَ َودّةِ } .
عدُ ّو ُكمْ أَولِيا َء تُلْقُو َ
َو َ
ولمّا كانت هذه الجريمة ليست لها عقوبة مقدّرة ففيها التّعزير .وتفصيله في ( تجسّس ) .
الرّشوة :
سحْتِ } وهي في اليهود وكانوا
ن لِ ْل َكذِبِ أكّالُونَ لِل ّ
سمّاعُو َ
- 45هي جريمة محرّمة بالقرآن لقوله تعالى َ { :
يأكلون السّحت من الرّشوة .
سنّة لحديث « :لعن اللّه الرّاشي والمرتشي والرّائش » .
وهي كذلك محرّمة بال ّ
ولمّا كانت هذه الجريمة ليست فيها عقوبة مقدّرة ففيها التّعزير .
تجاوز الموظّفين حدودهم ،وتقصيرهم :
هذه معصية ليست فيها عقوبة مقدّرة ،ولها صور منها :
أ -جور القاضي :
-إذا جار القاضي في الحكم عمدا يعزّر ،ويعزل ،ويضمن في ماله ،لنّه فيما جار ليس بقاض ،ولكنّه 46
إتلف بغ ير ح قّ ،فيكون ف يه كغيره في إيجاب الضّمان عل يه في ماله .إذا جار مخطئا لم ي كن عل يه غرم
قضائه ،لنّه ليس معصوما عن الخطأ لقوله تعالى :
ط ْأ ُتمْ به }
خَح فِيمَا َأ ْ
جنَا ٌ
{ وََليْسَ عَلَيكُمْ ُ
ب -ترك العمل أو المتناع عمدا عن تأدية الواجب :
ل عمل من شأنه تعطيل الوظائف العامّة أو عدم انتظامها هو جريمة تستوجب التّعزير ،والغرض
- 47ك ّ
من ذلك ضمان حسن سير العمل ،حتّى تقوم السّلطة بواجباتها على أكمل وجه .وعلى ذلك :فيعزّر كلّ من
ترك عمله ،أو امتنع عن عمل من أعمال الوظيفة قاصدا عرقلة سير العمل ،أو الخلل بانتظامه ،ويعزّر
عموما كلّ من يتمرّد في وظيفته ،أو يستعمل القوّة ،أو العنف مع رؤسائه ،ويترك عمله .
ومن ذلك تعدّي أحد الموظّفين المدنيّين أو العسكريّين على غيره استغللً لوظيفته .
مقاومة رجال السّلطة والعتداء عليهم :
- 48التّعدّي على الموظّفين العموميّين والمكلّفين بخدمة عامّة يستحقّ التّعزير .
ومن المثلة الّتي أوردها الفقهاء في هذا المجال :إهانة العلماء أو رجال الدّولة بما ل يليق ،سواء كان ذلك
بالشارة ،أو القول ،أو بغير ذلك .والتّعدّي على أحد الجنود باليد ،أو تمزيق ثيابه ،أو سبّه ،ففيه التّعزير
،والتّضمين عن التّلف .ومن ذلك :إهانة محكمة قضائيّة ،وكذلك جرائم الجلسة ،فالقاضي له فيها التّعزير
،وإن عفا فحسن .
هرب المحبوسين وإخفاء الجناة :
- 49من ذلك من يؤوي محاربا ،أو سارقا ،أو نحوهما ،ممّن عليه حقّ للّه تعالى أو لدميّ ،ويمنع من
أن يستوفى هذا الحقّ .فقد قيل :إنّه شريك في جرمه ويعزّر ،ويطلب إحضاره ،أو العلم عن مكانه ،
فإن امتنع يحبس ،ويضرب مرّة بعد مرّة ،حتّى يستجيب.
تقليد المسكوكات الزّيوف والمزوّرة :
- 50تقليد المسكوكات الّتي في التّداول والعانة على صرف العملة الفاسدة ونشرها جريمة فيها التّعزير .
سكّة المصنوعة ريال وذهبا وروبيّة ،وفي رجل ينشر هذه
ففي ( عدّة أرباب الفتوى ) في رجل يعمل ال ّ
المسكوكات الزّائفة ويروّجها :أنّهما يعزّران .
التّزوير :
ن معن بن زياد عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال فأخذ
- 51في هذه الجريمة التّعزير ،فقد روي :أ ّ
مالً ،فضربه عمر رضي ال عنه مائة جلدة ،وحبسه ،ثمّ ضربه مائة أخرى ،ثمّ ثالثة ،ثمّ نفاه .ومن
موجبات التّعزير :كتابة الخطوط والصّكوك بالتّزوير .
البيع بأكثر من السّعر الجبريّ :
- 52قد تدعو الحال لتسعير الحاجيّات ،فإن كان ذلك :فالبيع بأكثر من السّعر المحدّد فيه التّعزير .ومن
ذلك :المتناع عن البيع ،ففيه المر بالواجب والعقاب على ترك الواجب .ومن ذلك :احتكار الحاجات
للتّحكّم في السّعر لحديث « :ل يحتكر إل خاطئ » .
الغشّ في المكاييل والموازين :
ستَقِيمِ } .وفي الحديث :
خسِرِينَ َو ِزنُوا بِال ِقسْطَاسِ ال ُم ْ
- 53يقول اللّه تعالى { :أَ ْوفُوا ال َكيْلَ وَل َتكُونُوا مِن ال ُم ْ
« من غشّنا فليس منّا » وبناء على ذلك :فالغشّ في الكيل والوزن معصية ،وليس فيها حدّ مقدّر ،ففيها
التّعزير .
المشتبه فيهم :
- 54قد يكون التّعزير ل لرتكاب فعل معيّن ،ولكن لحالة الجاني الخطرة ،وقد قال بعض الفقهاء بتعزير
من يتّهم بالسّرقة ،ولو لم يرتكب سرقة جديدة ،ومن يعرف أو يتّهم بارتكاب جرائم ضدّ النّفس ،كالقتل
والضّرب والجرح .
سقوط التّعزير :
- 55تسقط العقوبة التّعزيريّة بأسباب ،منها :موت الجاني ،والعفو عنه ،وتوبته .
أ -سقوط التّعزير بالموت :
- 56إذا كانت العقوبة بدنيّة أو مقيّدة للح ّريّة فإنّ موت الجاني مسقط لها بداهة ،لنّ العقوبة متعلّقة بشخصه
،ومن ذلك :الهجر ،والتّوبيخ ،والحبس ،والضّرب .
أمّا إذا لم تكن العقوبة متعلّقة بشخص الجاني بل كانت منصّبة على ماله ،كالغرامة والمصادرة ،فموت
الجاني بعد الحكم ل يسقطها ،لنّه يمكن التّنفيذ بها على المال ،وهي تصير بالحكم دينا في ال ّذمّة ،وتتعلّق
تبعا لذلك بتركة الجاني المحكوم عليه .
ب -سقوط التّعزير بالعفو :
- 57العفو جائز في التّعزير إذا كان لحقّ اللّه تعالى ،لقول الرّسول صلى ال عليه وسلم « :تجافوا عن
عقوبة ذوي المروءة إلّا في حدّ من حدود اللّه » وقوله « أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم » وقوله في النصار
« :اقبلوا من محسنهم ،وتجاوزوا عن مسيئهم » « ،وقوله لرجل -قال له :إنّي لقيت امرأة فأصبت منها
سيّئاتِ } » فالمام
ت ُيذْ ِهبْنَ ال ّ
سنَا ِ
حَن ال َ
دون أن أطأها : -أصلّيت معنا ؟ فردّ عليه بنعم ،فتل قوله تعالى { إ ّ
له العفو .
وقيل :إنّه ل يجوز العفو إذا تعلّق التّعزير بحقّ اللّه تعالى كما في تارك الصّلة .
وقال الصطخريّ في رسالته :ومن طعن على أحد الصّحابة ،وجب على السّلطان تأديبه ،وليس له أن
ن ما كان من التّعزير منصوصا عليه كوطء جارية امرأته ،أو جارية مشتركة ،
يعفو عنه .وقال البعض :إ ّ
يجب امتثال المر فيه ،فهنا ل يجوز العفو عندهم ،بل يجب التّعزير ،لمتناع تطبيق الحدّ .وقال البعض :
إنّ العفو يكون لمن كانت منه الفلتة والزّلّة ،وفي أهل الشّرف والعفاف ،وعلى ذلك :فشخص الجاني له
اعتبار في العفو .
وإذا كان التّعزير لحقّ آدميّ فقد قيل كذلك :إنّ لوليّ المر تركه ،والعفو عنه ،حتّى ولو طلبه صاحب
الحقّ فيه ،شأنه في ذلك شأن التّعزير الّذي هو حقّ اللّه تعالى .
ي المر هنا تركه بعفو أو نحوه ،وعلى ذلك
وقيل :ل يجوز تركه عند طلبه ،مثل القصاص ،فليس لول ّ
أغلب الفقهاء .وإذا عفا وليّ المر عن التّعزير فيما يمسّ المصلحة العامّة ،وكان قد تعلّق بالتّعزير حقّ
ن المام ليس له -على الرّاجح -
ق الدميّ ،فعلى وليّ المر الستيفاء ،ل ّ
آدميّ كالشّتم ،فل يسقط ح ّ
العفو عن حقّ الفرد .
س هذا حقّ السّلطة .
وإذا عفا الدميّ عن حقّه فإنّ عفوه يجوز ،ولكن ل يم ّ
وقد فرّق الماورديّ في هذا المجال بين حالتين :
ي المر الخيار بين التّعزير أو العفو .
أ -إذا حصل عفو الدميّ قبل التّرافع ،فلول ّ
ب -وإذا حصل بعد التّرافع ،فقد اختلف في العقاب عن حقّ السّلطة على وجهين :
ن حدّ القذف أغلظ
الوّل :في قول أبي عبد اللّه الزّبيريّ يسقط بالعفو ،وليس لوليّ المر أن يعزّر فيه ،ل ّ
ويسقط حكمه بالعفو ،فكان حكم التّعزير لحقّ السّلطة أولى بالسّقوط .والثّاني -وهو الظهر -أنّ لوليّ
المر أن يعزّر فيه مع العفو قبل التّرافع إليه ،كما يجوز له ذلك بعد التّرافع مخالفة للعفو عن حدّ القذف في
ن التّقويم من الحقوق العامّة .
الموضعين ،ل ّ
سقوط التّعزير بالتّوبة :
- 58اختلف الفقهاء في أثر التّوبة في التّعزير :فعند الحنفيّة والمالكيّة وبعض الشّافعيّة والحنابلة :أنّه ل
تسقط العقوبة بالتّوبة ،لنّها كفّارة عن المعصية .وعند هؤلء في تعليل ذلك :عموم أدلّة العقوبة بل تفرقة
ل ادّعاءها
بين تائب وغيره عدا المحاربة .وفضلً عن ذلك فجعل التّوبة ذات أثر في إسقاط العقوبة يجعل لك ّ
،للفلت من العقاب .
وعند فريق آخر ،منهم الشّافعيّة والحنابلة :أنّ التّوبة قبل القدرة تسقط العقوبة قياسا على حدّ المحاربة ،
استنادا إلى ما ورد في الصّحيحين من حديث أنس رضي ال عنه « كنت مع النّبيّ صلى ال عليه وسلم فجاء
رجل فقال :يا رسول اللّه ،إنّي أصبت حدّا فأقمه عليّ ،ولم يسأله عنه .فحضرت الصّلة فصلّى مع النّبيّ
صلى ال عليه وسلم .فلمّا قضى النّبيّ صلى ال عليه وسلم الصّلة قام إليه الرّجل ،فأعاد قوله ،فقال :
ن اللّه عزّ وجلّ قد غفر لك ذنبك » .
أليس قد صلّيت معنا ؟ قال نعم .قال :فإ ّ
وفي هذا دليل على أنّ الجاني غفر له لمّا تاب .وفضل عن ذلك فإنّه إذا جازت التّوبة في المحاربة مع شدّة
ضررها وتعدّيه ،فأولى التّوبة فيما دونها .وهؤلء يقصرون السّقوط بالتّوبة على ما فيه اعتداء على حقّ
اللّه ،بخلف ما يمسّ الفراد .
ن التّوبة تدفع العقوبة في التّعزير وغيره ،كما تدفعها في المحاربة ،بل إنّ ذلك
وقال ابن تيميّة وابن القيّم :إ ّ
أولى من المحاربة ،لشدّة ضررها ،وهذا يعتبر مسلكا وسطا بين من يقول :بعدم جواز إقامة العقوبة بعد
التّوبة ألبتّة .وبين مسلك من يقول :إنّه ل أثر للتّوبة في إسقاط العقوبة ألبتّة .ويترتّب على هذا الرّأي :أنّ
التّعزير الواجب حقّا للّه تعالى يسقط بالتّوبة ،إلّا إذا اختار الجاني العقوبة ليطهّر بها نفسه ،فالتّوبة تسقط
التّعزير ،على شريطة ألّا يطلب الجاني إقامته ،وذلك بالنّسبة لحقوق المصلحة العامّة .
ل جعل توبة الكفّار سببا لغفران ما سلف واحتجّوا بقوله تعالى { :قُلْ
ن اللّه عزّ وج ّ
ج القائلون بذلك بأ ّ
واحت ّ
ن َي ْن َتهُوا ُيغْ َف ْر َل ُهمْ مَا َقدْ سَلَفَ } .
لِلّذينَ كَ َفرُوا إِ ْ
سنّة عليه كذلك ،ففي الحديث « :التّائب من الذّنب كمن ل ذنب له » .
وأنّ ال ّ
تعزية *
التّعريف :
- 1التّعزية لغة :مصدر عزّى :إذا صبّر المصاب وواساه .
ول يخرج المعنى الصطلحيّ عن المعنى اللّغويّ وقال الشّربينيّ :هي المر بالصّبر والحمل عليه بوعد
الجر ،والتّحذير من الوزر ،والدّعاء للميّت بالمغفرة ،وللمصاب بجبر المصيبة.
الحكم التّكليفيّ :
-ل خلف بين الفقهاء في استحباب التّعزية لمن أصابته مصيبة . 2
والصل في مشروعيّتها :خبر « :من عزّى مصابا فله مثل أجره » .
وخبر « ما من مؤمن يعزّي أخاه بمصيبة إلّا كساه اللّه من حلل الكرامة يوم القيامة » .
كيفيّة التّعزية ولمن تكون :
- 3يعزّى أهل المصيبة ،كبارهم وصغارهم ،ذكورهم وإناثهم ،إل الصّبيّ الّذي ل يعقل ،والشّابّة من
النّساء ،فل يعزّيها إل النّساء ومحارمها ،خوفا من الفتنة .
ونقل ابن عابدين عن شرح المنية :تستحبّ التّعزية للرّجال والنّساء اللتي ل يفتنّ .
وقال الدّردير :وندب تعزية لهل الميّت إل مخشيّة الفتنة .
مدّة التّعزية :
ن مدّة التّعزية ثلثة أيّام .
- 4جمهور الفقهاء :على أ ّ
واستدلّوا لذلك بإذن الشّارع في الحداد في الثّلث فقط ،بقوله صلى ال عليه وسلم « :ل يحلّ لمرأة تؤمن
باللّه واليوم الخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلث ،إلّا على زوج :أربعة أشهر وعشرا » وتكره بعدها ،لنّ
المقصود منها سكون قلب المصاب ،والغالب سكونه بعد الثّلثة ،فل يجدّد له الحزن بالتّعزية ،إل إذا كان
أحدهما ( المعزّى أو المعزّي ) غائبا ،فلم يحضر إل بعد الثّلثة ،فإنّه يعزّيه بعد الثّلثة .وحكى إمام
ن الغرض الدّعاء ،
الحرمين وجها وهو قول بعض الحنابلة :أنّه ل أمد للتّعزية ،بل تبقى بعد ثلثة أيّام ،ل ّ
والحمل على الصّبر ،والنّهي عن الجزع ،وذلك يحصل على طول الزّمان .
وقت التّعزية :
ن أهل الميّت قبل الدّفن
- 5ذهب جمهور الفقهاء :إلى أنّ الفضل في التّعزية أن تكون بعد الدّفن ،ل ّ
مشغولون بتجهيزه ،ولنّ وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر ،فكان ذلك الوقت أولى بالتّعزية .وقال جمهور
الشّافعيّة :إل أن يظهر من أهل الميّت شدّة جزع قبل الدّفن ،فتعجّل التّعزية ،ليذهب جزعهم أو يخفّ .
وحكي عن الثّوريّ :أنّه تكره التّعزية بعد الدّفن .
مكان التّعزية :
- 6كره الفقهاء الجلوس للتّعزية في المسجد .
وكره الشّافعيّة والحنابلة الجلوس للتّعزية ،بأن يجتمع أهل الميّت في مكان ليأتي إليهم النّاس للتّعزية ،لنّه
محدث وهو بدعة ،ولنّه يجدّد الحزن .ووافقهم الحنفيّة على كراهة الجلوس للتّعزية على باب الدّار ،إذا
سيّد أنّه
اشتمل على ارتكاب محظور ،كفرش البسط والطعمة من أهل الميّت .ونقل الطّحطاويّ عن شرح ال ّ
ل بأس بالجلوس لها ثلثة أيّام من غير ارتكاب محظور .وذهب المالكيّة :إلى أنّ الفضل كون التّعزية في
بيت المصاب .وقال بعض الحنابلة :إنّما المكروه البيتوتة عند أهل الميّت ،وأن يجلس إليهم من عزّى
مرّة ،أو يستديم المعزّي الجلوس زيادة كثيرة على قدر التّعزية .
صيغة التّعزية :
- 7قال ابن قدامة :ل نعلم في التّعزية شيئا محدودا ،إل ما روي أنّ المام أحمد قال :يروى « أنّ النّبيّ
صلى ال عليه وسلم عزّى رجلً فقال :رحمك اللّه وآجرك » .
وعزّى أحمد أبا طالب ( أحد أصحابه ) فوقف على باب المسجد فقال :أعظم اللّه أجركم وأحسن عزاءكم .
وقال بعض أصحابنا إذا عزّى مسلما بمسلم قال :أعظم اللّه أجرك ،وأحسن عزاك ،ورحم اللّه ميّتك .
واستحبّ بعض أهل العلم :أن يقول ما روى جعفر بن محمّد ،عن أبيه ،عن جدّه ،قال « :لمّا توفّي
ل مصيبة ،
ن في اللّه عزاء من ك ّ
رسول اللّه صلى ال عليه وسلم وجاءت التّعزية ،سمعوا قائلً يقول :إ ّ
ل ما فات ،فباللّه فثقوا ،وإيّاه فارجوا ،فإنّ المصاب من حرم الثّواب » .
وخلفا من كلّ هالك ،ودركا من ك ّ
وهل يعزّى المسلم بالكافر أو العكس ؟
- 8ذهب الئمّة :الشّافعيّ ،وأبو حنيفة في رواية عنه :إلى أنّه يعزّى المسلم بالكافر ،وبالعكس ،والكافر
غير الحربيّ .وذهب المام مالك :إلى أنّه ل يعزّى المسلم بالكافر .وقال ابن قدامة من الحنابلة :إن عزّى
مسلما بكافر قال :أعظم اللّه أجرك وأحسن عزاءك.
صنع الطّعام لهل الميّت :
ن لجيران أهل الميّت أن يصنعوا طعاما لهم ،لقوله صلى ال عليه وسلم :
- 9يس ّ
« اصنعوا لهل جعفر طعاما ،فإنّه قد جاءهم ما يشغلهم » .
ن فيه زيادة على مصيبتهم ،وشغلً على شغلهم ،وتشبّها بأهل
ويكره أن يصنع أهل الميّت طعاما للنّاس ،ل ّ
الجاهليّة ،لخبر جرير بن عبد اللّه البجليّ رضي ال عنه :كنّا نعدّ الجتماع إلى أهل الميّت ،وصنيعة
الطّعام بعد دفنه من النّياحة .
تعشير *
التّعريف :
- 1التّعشير في اللّغة :مصدر عشّر ،يقال :عشّر القوم ،وعشّرهم :إذا أخذ عشر أموالهم .والعشّار :
هو من يأخذ العشر .وقد عشّرت النّاقة :صارت عشراء -أي حامل -إذا تمّ لها عشرة أشهر .ومعناه في
الصطلح كمعناه اللّغويّ .
ويستعمل في الصطلح أيضا بمعنى :جعل العواشر في المصحف ،والعاشرة :هي الحلقة في المصحف
عند منتهى كلّ عشر آيات .والعاشرة أيضا :الية الّتي تتمّ بها العشر .والتّعشير -بمعنى أخذ العشر -
يرجع لمعرفة أحكامه إلى مصطلح ( عشر ) .
تاريخ التّعشير في المصحف :
ن الحجّاج فعل
ن المأمون العبّاسيّ أمر بذلك .وقيل :إ ّ
- 2قال ابن عطيّة :مرّ بي في بعض التّواريخ :أ ّ
ذلك ،وقال قتادة :بدءوا فنقّطوا ،ثمّ خمّسوا ،ثمّ عشّروا .
وقال يحيى بن أبي كثير :كان القرآن مجرّدا في المصاحف ،فأوّل ما أحدثوا فيه النّقط على الباء والتّاء
والثّاء ،وقالوا :ل بأس به ،هو نور له ،ثمّ أحدثوا نقطا عند منتهى الي ،ثمّ أحدثوا الفواتح والخواتم .
حكم التّعشير :
- 3ذكر أبو عمر والدّاني في كتاب البيان له ،عن عبد اللّه بن مسعود رضي ال عنه :أنّه كره التّعشير في
المصاحف ،وأنّه كان يحكّه .
وعن مجاهد :أنّه كان يكره التّعشير والطّيب في المصاحف .
وقال الحنفيّة :تجوز تحلية المصحف وتعشيره ونقطه :أي إظهار إعرابه ،وبه يحصل الرّفق جدّا ،
خصوصا للعجم ،فيستحسن .وعلى هذا ل بأس بكتابة أسماء السّور ،وع ّد الي ،وعلمات الوقف ونحوها
،فهي بدعة حسنة .وقالوا :إنّ ما روي عن ابن مسعود رضي ال عنه " جرّدوا القرآن كان في زمنهم ،
وكم شيء يختلف باختلف الزّمان والمكان .وعند المالكيّة :أنّه مكروه بالحمرة وغيرها من اللوان ،إل
الحبر .
قال أشهب :سمعنا مالكا وسئل عن العشور الّتي في المصحف بالحمرة وغيرها من اللوان فكره ذلك ،وقال
:تعشير المصحف بالحبر ل بأس به .
تعصيب *
انظر :عصبة .
تعقيب
انظر :موالة ،تتابع .
تعلّم *
انظر :تعليم .
تعلّي *
التّعريف :
ل شيء وعَلوه وعِلوه :أرفعه
- 1التّعلّي في اللّغة له معان ،منها :أنّه من العلوّ ،وهو :الرتفاع وعُل ّو ك ّ
.وعل الشّيء علوّا فهو عليّ :ارتفع ،وفي حديث ابن عبّاس رضي ال عنهما :فإذا هو يتعلّى عنّي :أي
ي .وتعالى :ترفّع .وتعلّى :أي عل في مهلة .
يترفّع عل ّ
وهو في الصطلح ل يخرج عن هذا ،إذ يراد به عند الفقهاء :رفع بناء فوق بناء آخر .
أحكام حقّ التّعلّي :
- 2حقّ التّعلّي :إمّا أن يستعمله صاحبه لنفسه ،وإمّا يبيعه لغيره .
ل أحد له التّعلّي على
أمّا استعماله لنفسه :فقد نصّت المادّة ( ) 1198من مجلّة الحكام العدليّة على أنّ :ك ّ
حائطه الملك ،وبناء ما يريد ،وليس لجاره منعه ما لم يكن ضررا فاحشا .وقال التاسيّ في شرح المادّة :
ول عبرة بزعمه أنّه يسدّ عنه الرّيح والشّمس ،كما أفتى به في الحامديّة ،لنّه ليس من الضّرر الفاحش .
وفي النقرويّة :له أن يبني على حائط نفسه أزيد ممّا كان ،وليس لجاره منعه وإن بلغ عنان السّماء .
وأمّا بيعه لغيره فقد ذهب الجمهور المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة :إلى جوازه على التّفصيل التّالي :
أجازه المالكيّة متى كان المبيع قدرا معيّنا ،كعشرة أذرع مثل من محلّ هواء ،فوق محلّ متّصل بأرض أو
بناء ،بأن كان لشخص أرض خالية من البناء أراد البناء بها ،أو كان له بناء أراد البناء عليه ،فيشتري
شخص منه قدرا معيّنا من الفراغ الّذي يكون فوق البناء الّذي أراد إحداثه ،فيجوز متى وصف البناء الّذي
أريد إحداثه أسفل وأعلى ،ليقلّ الضّرر ،لنّ صاحب السفل رغبته في خفّة العلى ،وصاحب العلى
رغبته في متانة السفل ،ولصاحب البناء العلى النتفاع بما فوق بنائه بغير البناء ،إذ يملك جميع الهواء
الّذي فوق بناء السفل ،وليس لصاحب السفل النتفاع بما فوق بناء العلى ،ل بالبناء ول بغيره .
وأجازه الشّافعيّة ،متى كان المبيع حقّ البناء أو العلو :بأن قال له :بعتك حقّ البناء أو العلو للبناء عليه
بثمن معلوم ،بخلف ما إذا باعه وشرط أن ل يبني عليه ،أو لم يتعرّض للبناء عليه .لكن للمشتري أن
ينتفع بما عدا البناء من مكث وغيره ،كما صرّح به السّبكيّ ،تبعا للماورديّ .
وأجازه الحنابلة ،ولو قبل بناء البيت الّذي اشترى علوه ،إذا وصف العلو والسّفل ليكونا معلومين ،ليبني
المشتري أو يضع عليه بنيانا أو خشبا موصوفين ،وإنّما صحّ ذلك لنّ العلو ملك للبائع ،فكان له بيعه ،
والعتياض عنه ،كالقرار .
وأمّا الحنفيّة :فقد ذهبوا إلى أنّ بيع حقّ التّعلّي غير جائز ،لنّه ليس بمال ،ول هو حقّ متعلّق بالمال ،بل
حقّ متعلّق بالهواء ( أي الفراغ ) وليس الهواء ما ل يباع ،إذ المال ما يمكن قبضه وإحرازه .وصورته :
أن يكون السّفل لرجل ،وعلوه لخر ،فسقطا أو سقط العلو وحده فباع صاحب العلو علوه ،فإنّه ل يجوز ،
ن المبيع حينئذ ليس إلّا حقّ التّعلّي .وعلى هذا :فلو باع العلو قبل سقوطه جاز ،فإن سقط قبل القبض
لّ
بطل البيع ،لهلك المبيع قبل القبض ،وهو بعد سقوطه بيع لحقّ التّعلّي ،وهو ليس بمال .فلو كان العلو
لصاحب السّفل فقال :بعتك علو هذا السّفل بكذا صحّ ،ويكون سطح السّفل لصاحب السّفل ،وللمشتري حقّ
ن السّفل اسم لمبنى مسقّف ،
القرار ،حتّى لو انهدم العلو كان له أن يبني عليه علوا آخر ،مثل الوّل ،ل ّ
فكان سطح السّفل سقفا للسّفل .
أحكام العلو والسّفل في النهدام والبناء :
ن السّفل إن انهدم بنفسه بل صنع صاحبه لم يجبر على البناء ،لعدم التّعدّي ،فلو
- 3ذهب الحنفيّة :إلى أ ّ
هدمه يجبر على بنائه ،لنّه تعدّى على صاحب العلو ،وهو قرار العلو ،ولذي العلو أن يبني السّفل ثمّ
يرجع بما أنفق إن بنى بإذنه أو إذن قاض ،وإل فبقيمة البناء يوم بنى .ومتى بنى صاحب العلو السّفل :كان
له أن يمنع صاحب السّفل من السّكنى ،حتّى يدفع إليه مثل ما أنفقه في بناء سفله لكونه مضطرّا .
فلكلّ منهما حقّ في ملك الخر :لذي العلو حقّ قراره ،ولذي السّفل حقّ دفع المطر والشّمس عن السّفل ،
ولو هدم ذو السّفل سفله وذو العلو علوه ،ألزم ذو السّفل ببناء سفله ،إذ فوّت على صاحب العلو حقّا ألحق
بالملك ،فهو كما لو فوّت عليه ملكا .
فإذا بنى ذو السّفل سفله وطلب من ذي العلو بناء علوه فإنّه يجبر ،لنّ لذي السّفل حقّا في العلو ،وأمّا لو
انهدم العلو بل صنعه فل يجبر لعدم تعدّيه ،كما لو انهدم السّفل بل تعدّ ،وسقف السّفل لذي السّفل .
- 4وقال المالكيّة :إنّ السّفل إن وهى وأشرف على السّقوط وخيف سقوط بناء عليه لخر غير صاحب
السّفل -فإنّه يقضى على صاحب السّفل أن يعمّر سفله فإن أبى قضي عليه ببيعه لمن يعمّره ،فإن سقط
العلى على السفل فهدمه أجبر ربّ السفل على البناء ،أو البيع ممّن يبني ،ليبني ربّ العلو علوه عليه .
وعلى ذي السّفل التّعليق للعلى -أي حمله على خشب ونحوه -حتّى يبني السّفل ،وعليه السّقف السّاتر
لسفله ،إذ ل يسمّى السّفل بيتا إلّا به ،ولذا فإنّه يقضى به لصاحب السّفل عند التّنازع .
وأمّا البلط الّذي فوقه :فهو لصاحب العلى .
ويقضى على ذي العلو بعدم زيادة بناء العلو على السّفل ،لنّها تضرّ السّفل ،إل الشّيء الخفيف الّذي ل
يضرّ السّفل حال ومآل ،ويرجع في ذلك لهل المعرفة .
- 5ويرى الشّافعيّة :أنّه لو انهدم حيطان السّفل لم يكن لصاحبه أن يجبر صاحب العلو على البناء قولً
واحدا ،لنّ حيطان السّفل لصاحب السّفل ،فل يجبر صاحب العلو على بنائه .وهل لصاحب العلو إجبار
صاحب السّفل على البناء ؟ فيه قولن ،فإن قيل :يجبر ،ألزمه الحاكم ،فإن لم يفعل – وله مال – باع
الحاكم عليه ماله ،وأنفق عليه ،وإن لم يكن له مال اقترض عليه .فإذا بنى الحائط كان الحائط ملكا
لصاحب السّفل ،لنّه بني له ،وتكون النّفقة في ذمّته ،ويعيد صاحب العلو غرفته عليه ،وتكون نفقة الغرفة
وحيطانها من ملك صاحب العلو دون صاحب السّفل ،لنّها ملكه ،ل حقّ لصاحب السّفل فيه .وأمّا السّقف
فهو بينهما ،وما ينفق عليه فهو من مالهما ،فإن تبرّع صاحب العلو ،وبنى من غير إذن الحاكم ،لم يرجع
صاحب العلو على صاحب السّفل بشيء .ثمّ ينظر :فإن كان قد بناها بآلتها كانت الحيطان لصاحب السّفل ،
لنّ اللة كلّها له ،وليس لصاحب العلو منعه من النتفاع بها ،ول يملك نقضها ،لنّها لصاحب السّفل ،وله
أن يعيد حقّه من الغرفة .وإن بناها بغير آلتها كانت الحيطان لصاحب العلو ،وليس لصاحب السّفل أن ينتفع
ن القرار له ،ولصاحب العلو أن
بها من غير إذن صاحب العلو ،ولكن له أن يسكن في قرار السّفل ،ل ّ
ينقض ما بناه من الحيطان ،لنّه ل حقّ لغيره فيها ،فإن بذل صاحب السّفل القيمة ليترك نقضها لم يلزمه
قبولها ،لنّه ل يلزمه بناؤها قولً واحدا ،فل يلزمه تبقيتها ببذل العوض .
- 6وعند الحنابلة :إن كان السّفل لرجل والعلو لخر ،فانهدم السّقف الّذي بينهما ،فطلب أحدهما المباناة
من الخر ،فامتنع ،فهل يجبر الممتنع على ذلك ؟ على روايتين .كالحائط بين البيتين .وإن انهدمت حيطان
السّفل فطالبه صاحب العلو بإعادتها ،فعلى روايتين :إحداهما :يجبر .فعلى هذه الرّواية يجبر على البناء
وحده ،لنّه ملكه خاصّة .
والثّانية :ل يجبر ،وإن أراد صاحب العلو بناءه لم يمنع من ذلك على الرّوايتين جميعا ،فإن بناه بآلته فهو
على ما كان ،وإن بناه بآلة من عنده فقد روي عن أحمد :ل ينتفع به صاحب السّفل ،يعني حتّى يؤدّي
ن البيت إنّما يبنى للسّكن فلم يملكه كغيره ،ويحتمل أنّه أراد النتفاع
القيمة ،فيحتمل أن ل يسكن ،ل ّ
بالحيطان خاصّة من طرح الخشب وسمر الوتد وفتح الطّاق ،ويكون له السّكنى من غير تصرّف في ملك
غيره ،لنّ السّكنى إنّما هي إقامته في الفناء بين الحيطان من غير تصرّف فيها ،فأشبه الستظلل بها من
خارج .
فأمّا إن طالب صاحب السّفل بالبناء ،وأبى صاحب العلو ،ففيه روايتان :
ن الحائط ملك صاحب السّفل مختصّ به ،فلم يجبر غيره على
إحداهما :ل يجبر على بنائه ،ول مساعدته ل ّ
بنائه ول المساعدة فيه ،كما لو لم يكن عليه علو .
والثّانية :يجبر على مساعدته والبناء معه ،وهو قول أبي الدّرداء ،لنّه حائط يشتركان في النتفاع به ،
أشبه الحائط بين الدّارين .
جعل علو الدّار مسجدا :
- 7أجاز الشّافعيّة والمالكيّة والحنابلة جعل علو الدّار مسجدا ،دون سفلها ،والعكس ،لنّهما عينان يجوز
وقفهما ،فجاز وقف أحدهما دون الخر ،كالعبدين .
ومن جعل مسجدا تحته سرداب أو فوقه بيت ،وجعل باب المسجد إلى الطّريق ،وعزله عن ملكه ،فل
يكون مسجدا ،فله أن يبيعه ،وإن مات يورث عنه لنّه لم يخلص للّه تعالى ،لبقاء حقّ العبد متعلّقا به ولو
كان السّرداب لمصالح المسجد جاز ،كما في مسجد بيت المقدس .هذا مذهب أبي حنيفة ،خلفا لصاحبيه .
وروى الحسن عن أبي حنيفة :أنّه يجوز جعل السّفل مسجدا وعليه مسكن ،ول يجوز العكس ،لنّ المسجد
ممّا يتأبّد ،وروي عن محمّد :عكس هذا ،لنّ المسجد معظّم ،وإذا كان فوقه مسكن أو مستغلّ فيتعذّر
تعظيمه .وعن أبي يوسف أنّه جوّزه في الوجهين حين قدم بغداد ،ورأى ضيق المنازل ،فكأنّه اعتبر
الضّرورة .أمّا لو تمّت المسجديّة ثمّ أراد البناء منع .
نقب كوّة العلو أو السّفل :
- 8ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة :إلى أنّه ليس لصاحب علو تحته سفل لخر أن ينقب كوّة في علوه ،
وكذا العكس ،إل برضا الخر .
ن لكلّ منهما فعل ما ل يضرّ بالخر ،فإن أض ّر به منع منه ،كأن يشرف من الكوّة
وذهب الصّاحبان :إلى أ ّ
على جاره وعياله فيضرّ بهم ،والمختار أنّه إذا أشكل أنّه يضرّ أم ل ؟ ل يملك فتحها ،وإذا علم أنّه ل يضرّ
يملك فتحها .
وذهب المالكيّة :إلى أنّه يقضى على من أحدث فتحها بسدّها إذا لم تكن عالية ،ويشرف منها على جاره .
وأمّا القديمة فل يقضى بسدّها ،ويقال للجار :استر على نفسك إن شئت ،فقد قال الدّسوقيّ من المالكيّة :إنّ
الكوّة الّتي أحدث فتحها يقضى بسدّها ،وإن أريد سدّ خلفها فقط بعد المر بسدّها فإنّه يقضى بسدّ جميعها ،
ل ما يدلّ عليها .
ويزال ك ّ
وهذا إذا كانت غير عالية ل يحتاج في كشف الجار منها إلى صعود على سلّم ونحوه ،وإلّا فل يقضى بسدّها
.وإذا سكت من حدث عليه فتح الكوّة ونحوها عشر سنين -ولم ينكر -جبر عليه ،ول مقال له ،حيث لم
يكن له عذر في ترك القيام ( الدّعاء ) وهذا قول ابن القاسم ،وبه القضاء .
تعلّي ال ّذ ّميّ على المسلم في البناء :
ن أهل ال ّذمّة ممنوعون من أن تعلو أبنيتهم على أبنية جيرانهم المسلمين ،
- 9ل خلف بين الفقهاء :في أ ّ
لما روي عن النّبيّ صلى ال عليه وسلم :أنّه قال « السلم يعلو ول يعلى عليه » ولنّ في ذلك رتبة على
المسلمين ،وأهل ال ّذمّة ممنوعون من ذلك .
على أنّ بعض الحنفيّة قد ذهب :إلى أنّه إذا كان التّعلّي للحفظ من اللّصوص فإنّهم ل يمنعون منه ،لنّ علّة
المنع مقيّدة بالتّعلّي في البناء على المسلمين ،فإذا لم يكن ذلك -بل للتّحفّظ -فل يمنعون .
-وأمّا مساواتهم في البناء ،فللفقهاء في ذلك قولن : 10
منعه بعض الحنفيّة ،وأجازه بعضهم .فقد أجازه المالكيّة ،والحنابلة ،وبعض الحنفيّة ،لنّه ليس فيه
استطالة على المسلمين .ومنعه بعض الحنفيّة ،واستدلّوا بقوله صلى ال عليه وسلم « السلم يعلو ول يعلى
عليه » ولنّهم منعوا من مساواة المسلمين في لباسهم وشعورهم وركوبهم ،كذلك في بنائهم .وأصحّ قولي
ن القصد أن يعلو السلم ،ول يحصل ذلك مع المساواة .
الشّافعيّة :المنع ،تمييزا بينهم ،ول ّ
- 11أمّا لو اشترى ال ّذ ّميّ دارا عالية مجاورة لدار مسلم دونها في العلو ،فلل ّذ ّميّ سكنى داره ،ول يمنع من
ذلك ،ول يلزمه هدم ما عل دار المسلم ،لنّه لم يعل عليه شيئا ،إل أنّه ليس له الشراف منها على دار
المسلم ،وعليه أن يمنع صبيانه من طلوع سطحها إل بعد تحجيره .أي بناء ما يمنع من الرّؤية .
فإن انهدمت دار ال ّذ ّميّ العالية ثمّ جدّد بناءها ،لم يجز له أن يعلّي بناءها على بناء المسلم .وإن انهدم ما عل
منها لم تكن له إعادته .
هذا ما عليه الحنفيّة ،والشّافعيّة ،والحنابلة ،وهو :المعتمد عند المالكيّة .
- 12وأمّا تعلية بنائه على من ليس مجاورا له من المسلمين -فإنّه ل يمنع منه ،لنّ علوه إنّما يكون
ضررا على المجاور لبنائه دون غيره عند الحنابلة ،وهو المعتمد عند الحنفيّة ،والمالكيّة ،ما لم يشرف منه
على المسلمين .وللشّافعيّة في ذلك قولن :
أحدهما :عدم المنع ،وهو أصحّهما ،لنّه يؤمن مع البعد بين البناءين أن يعلو على المسلمين ،ولنتفاء
الضّرر .
والثّاني :المنع ،لما فيه من التّجمّل والشّرف ،ولنّهم بذلك يتطاولون على المسلمين .
تعليق *
التّعريف :
- 1التّعليق في اللّغة :مصدر علّق ،يقال :علّق الشّيء بالشّيء ،ومنه ،وعليه تعليقا :ناطه به .والتّعليق
في الصطلح :هو ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى .ويسمّى يمينا مجازا ،لنّه
في الحقيقة شرط وجزاء ،ولما فيه من معنى السّببيّة كاليمين .والتّعليق عند علماء الحديث :حذف راو أو
أكثر من ابتداء السّند .
اللفاظ ذات الصّلة :
أ -الضافة :
ضمّ ،والمالة ،والسناد ،والتّخصيص .
- 2الضافة في اللّغة تأتي بمعنى :ال ّ
وأمّا الضافة في اصطلح الفقهاء فإنّهم يستعملونها بمعنى :السناد والتّخصيص .فإذا قيل :الحكم مضاف
إلى فلن ،أو صفته كذا ،كان ذلك إسنادا إليه .وإذا قيل :الحكم مضاف إلى زمان كذا ،كان تخصيصا له
.والفرق بين الضافة والتّعليق من وجهين :
أحدهما :أنّ التّعليق يمين ،وهي للبرّ إعدام موجب المعلّق ،ول يفضي إلى الحكم .
أمّا الضافة فلثبوت حكم السّبب في وقته ،ل لمنعه ،فيتحقّق السّبب بل مانع ،إذ الزّمان من لوازم الوجود .
ن الشّرط على خطر ،ول خطر في الضافة .
وثانيهما :أ ّ
وفي هذين الفرقين منازعة تنظر في كتب الصول .
ب -الشّرط :
- 3الشّرط -بسكون الرّاء -له عدد من المعاني ،ومن بين تلك المعاني :إلزام الشّيء والتزامه .قال في
القاموس :الشّرط إلزام الشّيء والتزامه في البيع ونحوه ،كالشّريطة .وأمّا بفتح الرّاء فمعناه :العلمة ،
ويجمع على أشراط . .كسبب وأسباب .
والشّرط في الصطلح نوعان :
الوّل :الشّرط الشّرعيّ ،وهو ما يلزم من عدم العدم ،ول يلزم من وجوده وجود ول عدم لذاته .وهو
صحّة ،وشرط للّزوم ،وشرط للنّفاذ .إلى غير ذلك من
أنواع :شرط للوجوب ،وشرط للنعقاد ،وشرط لل ّ
الشّروط الشّرعيّة المعتبرة .
والنّوع الخر :الشّرط الجعليّ ،وهو :التزام أمر لم يوجد في أمر قد وجد بصفة مخصوصة -كما قال
الحمويّ -وهو ما يشترطه المتعاقدان في تصرّفاتهما .
والفرق بين التّعليق والشّرط -كما قال الزّركشيّ : -أنّ التّعليق ما دخل على أصل الفعل بأداته كإن وإذا ،
والشّرط ما جزم فيه بالصل وشرط فيه أمر آخر .
ن التّعليق ترتيب أمر لم يوجد على أمر يوجد بإن أو إحدى أخواتها ،والشّرط التزام
وقال الحمويّ :الفرق أ ّ
أمر لم يوجد في أمر وجد بصيغة مخصوصة .
ج -اليمين :
ن الحلف أعمّ .
- 4اليمين وال َقسَم واليلء والحلف ألفاظ مترادفة ،أو أ ّ
شدّة ،ويسمّى به الحلف مجازا .
ومعنى اليمين في اللّغة :الجهة والجارحة والقوّة وال ّ
وأمّا في الشّرع فهي :عبارة عن عقد قويّ به عزم الحالف على الفعل أو التّرك .
وقال البهوتيّ :إنّها توكيد الحكم المحلوف عليه بذكر معظّم على وجه مخصوص .
ن كل منهما فيه حمل للنّفس على فعل الشّيء أو تركه ،وما سمّي الحلف
وبين التّعليق واليمين تشابه ،ل ّ
باللّه تعالى يمينا إل لفادته القوّة على المحلوف عليه من الفعل أو التّرك .واليمين تنقسم بحسب صيغتها إلى
يمين منجّزة بالصّيغة الصليّة لليمين ،نحو :واللّه لفعلن .ويمين بالتّعليق ،وهي :أن يرتّب المتكلّم جزاء
مكروها له في حالة مخالفة الواقع ،أو تخلّف المقصود .وتفصيله في مصطلح ( أيمان ) .
صيغة التّعليق :
- 5يكون التّعليق بكلّ ما يدلّ على ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى ،سواء أكان
ذلك الرّبط بأداة من أدوات الشّرط ،أم بغيرها ممّا يقوم مقامها ،كما لو دلّ سياق الكلم على الرتباط دللة
كلمة الشّرط عليه .
ومثال الرّبط بين جملتي التّعليق بأداة من أدوات الشّرط :قول الزّوج لزوجته :إن دخلت الدّار فأنت طالق ،
فقد رتّب وقوع الطّلق على دخولها الدّار ،فإن دخلت وقع الطّلق ،وإل فل .ومثال الرّبط بين جملتي
التّعليق بل أداة شرط :هو قول القائل مثل :الرّبح الّذي سيعود إليّ من تجارتي هذا العام وقف على
الفقراء ،فقد رتّب حصول الوقف على حصول الرّبح بل أداة شرط ،لنّ مثل هذا السلوب يقوم مقام أداة
الشّرط .
والمراد بالشّرط الّذي تستعمل فيه أداته للرّبط بين جملتي التّعليق :الشّرط اللّغويّ ،لنّ ارتباط الجملتين
النّاشئ عنه كارتباط المسبّب بالسّبب .
أدوات التّعليق :
ل على ربط حصول مضمون بحصول مضمون جملة أخرى ،سواء أكانت من
ل أداة تد ّ
- 6المراد بها :ك ّ
أدوات الشّرط الجازمة أم من غيرها .
وتلك الدوات كما جاء في المغني عند الكلم على تعليق الطّلق بالشّرط ،إن ،وإذا ،ومتى ،ومن ،وأي ،
و كلّما .وزاد النّوويّ في الرّوضة ،متى ما ،ومهما .
وزاد صاحب مسلم الثّبوت ،لو ،وكيف .وزاد السّرخسيّ في أصوله والبزدويّ في أصوله وصاحب فتح
الغفّار وصاحب كشّاف القناع " حيث " ،وذكر صاحب فتح الغفّار وصاحب كشّاف القناع أيضا أن " أين "
من صيغ التّعليق .
وزاد صاحب كشّاف القناع أيضا " أنّى " ولم يفرّق بينها وبين " إن " .وفيما يلي بعض ما قاله العلماء في
كلّ أداة من هذه الدوات من حيث اللّغة ومن حيث التّعليق .
أ -إن :
- 7إن الشّرطيّة هي المستعملة في الرّبط بين جملتي التّعليق ،فإنّها أصل في التّعليق وفي حروف الشّرط
وأدواته ،لتمحّضها للتّعليق والشّرط ،فليس لها معنى آخر سوى الشّرط والتّعليق ،بخلف غيرها من أدوات
ن لها معاني أخرى تستعمل فيها إلى جانب الشّرط .وتستعمل إن وغيرها من الدوات
الشّرط كإذا ومتى ،فإ ّ
الجازمة المشابهة لها في أمر متردّد على خطر الوجود ،أي :بين أن يكون وأن ل يكون .ول تستعمل فيما
هو قطعيّ الوجود ،أو قطعيّ النتفاء ،إل على تنزيلهما منزلة المشكوك لنكتة .
- 8ويترتّب على كون ( إن ) للشّرط المحض :أنّه لو علّق طلق امرأته بعدم تطليقه لها ،بأن قال :إن لم
ن إن للشّرط ،وأنّه جعل عدم إيقاع
أطلّقك فأنت طالق ،لم تطلق حتّى يموت أحدهما قبل أن يطلّقها ،ل ّ
الطّلق عليها شرطا ،ول يتيقّن وجود هذا الشّرط ما بقيا حيّين ،فهو كقوله :إن لم آت البصرة فأنت طالق
.ثمّ إن مات الزّوج وقع الطّلق عليها قبل موته بقليل ،وليس لذلك القليل حدّ معروف .ولكن قبيل موته
يتحقّق عجزه عن إيقاع الطّلق عليها ،فيتحقّق شرط الحنث .فإن كان لم يدخل بها فل ميراث لها ،وإن
كان قد دخل بها ،فلها الميراث بحكم الفرار .وإن ماتت المرأة تطلق أيضا في إحدى الرّوايتين بل فصل -
ن فعل التّطليق ل يتحقّق بدون المحلّ ،وبفوات المحلّ يتحقّق الشّرط .وذكر
كما في أصول السّرخسيّ -ل ّ
ابن قدامة أنّه لو علّق الطّلق بالنّفي بإحدى كلمات الشّرط ،كانت ( إن ) على التّراخي ،وأمّا غيرها ( كمتى
ومن وكلّما وأيّ ) فإنّه يكون على الفور .والتّفصيل محلّه مصطلح ( :طلق ) .
ب -إذا :
( - 9إذا ) ترد في اللّغة على وجهين :
أحدهما :أن تكون للمفاجأة ،فتختصّ بالجمل السميّة ،ول تحتاج إلى جواب ،ول تقع في البتداء ،
ومعناها الحال ل الستقبال .
ثانيهما :أن تكون لغير مفاجأة ،فالغالب أن تكون ظرفا للمستقبل مضمّنة معنى الشّرط .وخلصة القول في
إذا :أنّها تستعمل عند الكوفيّين في معنى الوقت ،وفي معنى الشّرط ،وإذا استعملت في معنى الشّرط سقط
عنها معنى الوقت ،وصارت حرفا كإن ،وهو قول أبي حنيفة وقد سبق .وعند البصريّين هي حقيقة في
الوقت ،وتستعمل في الشّرط مع بقاء الوقت ،وهو قول أبي يوسف ومحمّد ،فعندهما أنّها مثل متى ،أي ل
يسقط عنها معنى الظّرف ،وعنده أنّها كإن في التّمحّض للشّرطيّة ،فل يبقى فيها معنى الظّرف .
- 10ويترتّب على الخلف بين قول أبي حنيفة وصاحبيه :أنّه لو قال :إذا لم أطلّقك فأنت طالق ،أو إذا ما
لم أطلّقك فأنت طالق ،فإن عنى بها الوقت تطلق في الحال ،وإن عنى بها الشّرط لم تطلق حتّى تموت ،
ن ( إذا ) إن استعملت في
وإن لم تكن له نيّة لم تطلق حتّى تموت .وهذا على قول أبي حنيفة بناء على أ ّ
معنى الشّرط سقط عنها معنى الوقت ،وهو رأي الكوفيّين .وأمّا على قول أبي يوسف ومحمّد فإنّها تطلق
ن إذا تستعمل للوقت غالبا ،وتقرن بما ليس فيه
في الحال عند عدم ال ّنيّة ،بناء على رأي البصريّين في أ ّ
معنى الخطر ،فإنّه يقال :الرّطب إذا اشتدّ الحرّ ،والبرد إذا جاء الشّتاء .ول يستقيم مكانها إن .
وجاء في المغني :أيضا وجهان في ( إذا ) فيما لو قال :إذا لم تدخلي الدّار فأنت طالق .أحدهما :هي
على التّراخي ،وهو قول أبي حنيفة ،ونصره القاضي ،لنّها تستعمل شرطا بمعنى إن .قال الشّاعر :
وإذا تصبك خصاصةٌ فتجمّل استغنِ ما أغناك ربّك بالغنى
فجزم بها كما يجزم بإن ،ولنّها تستعمل بمعنى متى وإن ،وإذا احتملت المرين فاليقين بقاء النّكاح فل
يزول بالحتمال .
والوجه الخر :أنّها على الفور ،وهو قول أبي يوسف ومحمّد ،وهو المنصوص عن الشّافعيّ لنّها اسم
لزمن مستقبل ،فتكون كمتى .وأمّا المجازاة بها فل تخرجها من موضوعها .وأمّا إذا علّق التّصرّف بإيجاد
فعل بإذا ،كقوله مثلً :إذا دخلت الدّار فأنت طالق ،فإنّها تكون على التّراخي كغيرها من أدوات التّعليق .
وقد اطّرد في عرف أهل اليمن -كما جاء في نهاية المحتاج -استعمالهم إلى بمعنى إذا كقولهم :إلى دخلت
الدّار فأنت طالق .ولهذا ألحقها غير واحد بإذا في الستعمال .
ج -متى :
- 11وهي اسم باتّفاق موضوع للدّللة على الزّمان ثمّ ضمّن معنى الشّرط .
ن إذا تستعمل في المور الواجب وجودها ،كطلوع الشّمس ومجيء الغد ،بخلف
والفرق بين إذا ومتى :أ ّ
متى ،فإنّها تستعمل في المور المبهمة ،أي فيما يكون وفيما ل يكون ،بمعنى أنّها ل تخصّ وقتا دون وقت
ن ) في البهام ،ولهذا أيضا كانت المجازاة بها لزمة في غير موضع الستفهام
،فلذلك كانت مشاركة ل ( إ ْ
ن ( متى ) يجازى بها مع بقاء معنى الوقت فيها ،وأمّا متى الستفهاميّة
ن الفرق بين متى وإن أ ّ
كإن ،إل أ ّ
ن الستفهام عبارة عن طلب الفهم عن وجود الفعل ،فل يستقيم في مقامه إضمار
فإنّها ل يجازى بها ،ل ّ
حرف إن .
قال ابن قدامة :لو علّق التّصرّف بإيجاد فعل بمتى فإنّها تكون على التّراخي ،فمن قال لزوجته :متى تدخلي
الدّار فأنت طالق ،فإنّ الطّلق ل يقع إلّا عند وجود الصّفة أو الفعل وهو الدّخول ،أمّا إذا علّق التّصرّف
بنفي صفة بمتى ،كما إذا قال :متى لم أطلّقك فأنت طالق ،أو متى لم تدخلي الدّار فأنت طالق ،فإنّه إن
مضى زمن عقيب اليمين لم تدخل فيه أو لم يطلّقها فيه فقد وجدت الصّفة ،فإنّها اسم لوقت الفعل ،فتقدّر به
ويقع الطّلق .
- 12ومثل متى في الحكم ( متى ما ) فكلّ ما قيل في متى يقال أيضا في ( متى ما ) ،فحكمها في الشّرط
كحكم متى بل أولى ،لنّ اقتران ( ما ) بها يجعلها للجزاء المحض دون غيره كالستفهام .
د -من :
- 13وهي اسم باتّفاق وضع للدّللة على من يعقل ،ثمّ ضمّن معنى الشّرط .
وهي من صيغ العموم بوضع اللّغة ،وهي تع ّم بنفسها من غير احتياج إلى قرينة ،وهي كما قال البيضاويّ
ن
عامّة في العالمين أي :أولي العلم ،لتشمل العقلء والذّات اللهيّة ،ل ّ
ستُمْ لَه ِبرَازِقين } واللّه سبحانه وتعالى
ن َل ْ
( من ) تطلق على اللّه سبحانه وتعالى ،كما في قوله تعالى { َومَ ْ
ي .قال عبد
يوصف بالعلم ول يوصف بالعقل ،وهو معنى حسن غفل عنه الشّارحون ،كما قال السنو ّ
ي ما نصّه :ومن وما يدخلن في هذا الباب أي باب
العزيز البخاريّ في كشف السرار شرح أصول البزدو ّ
ن كلّ واحد منهما ل يتناول عينا .وتحقيقه :أنّ ( من وما ) لبهامهما دخل في باب
الشّرط ،لبهامها ،فإ ّ
ل واحد من الفراد بالذّكر متعسّر أو
العموم ،فلمّا كان العموم في الشّرط مقصودا للمتكلّم ،وتخصيص ك ّ
متعذّر و ( من وما ) يؤدّيان هذا المعنى مع اليجاز وحصول المقصود ،نابا مناب إن ،فقيل :من يأت
أكرمه ،وما تصنع أصنع .والمسائل فيهما كثيرة مثل قوله :من دخل هذا الحصن فله رأس ،ومن دخل
منكم الدّار فهو حرّ .وأمّا إذا كان للشّرط فهو اسم بمعنى أي :تقول :ما تصنع أصنع .وفي التّنزيل { .مَا
سكَ َلهَا } .
حمَةٍ فَل ُم ْم ِ
ن َر ْ
ح اللّ ُه للناسِ مِ ْ
سهَا َنأْتِ ِبخَيرٍ ِم ْنهَا أو ِمثْلِها } { مَا يَ ْفتَ ِ
ن آيَ ٍة أو ُن ْن ِ
َن ْنسَخْ مِ ْ
- 14وأمّا ( ما ) المصدريّة ،فإنّها تستعمل في الفقه ،ويقيّد بها التّصرّف تقييد إضافة ل تعليق ،كما جاء
في البحر الرّائق وفتح القدير ،لنّها تنوب عن ظرف الزّمان ،كما في قوله تعالى { :وَأَوصَانِي بِالصّلةِ
حيّا } أي مدّة دوامي حيّا .
وَال ّزكَا ِة مَا ُدمْتُ َ
وعلى هذا لو قال :أنت طالق ما لم أطلّقك ،وسكت ،وقع الطّلق اتّفاقا بسكوته ،لنّه ترتّب عليه إضافة
الطّلق إلى وقت لم يطلّقها فيه .
هف -مهما :
- 15مهما اسم وضع للدّللة على ما ل يعقل ،ثمّ ضمّن معنى الشّرط .وقد ذكر النّوويّ في الرّوضة :أنّ
مهما من صيغ التّعليق ،نحو أن يقول :مهما دخلت الدّار فأنت طالق .
و -أيّ :
- 16وهي بحسب ما تضاف إليه ،ففي :أيّهم يقم أقم معه من باب ( من ) أي أنّها تستعمل فيمن يعقل ،
ي يوم تصم أصم من باب (
وفي :أيّ الدّوابّ تركب أركب من باب ( ما ) أي من باب ما ل يعقل ،وفي :أ ّ
متى ) أي أنّها تدلّ على زمان مبهم ،وفي أيّ مكان تجلس أجلس من باب ( أين ) أي أنّها تدلّ على مكان
مبهم .
ن حكم ( أيّ ) في التّعليق كحكم " متى ومن وكلّما " بمعنى أنّه لو
وقد جاء في المغني والرّوضة ما يفيد أ ّ
علّق التّصرّف بنفي فعل بأيّ ،كما لو علّق الطّلق على نفي الدّخول بأيّ ،بأن قال :أيّ وقت لم تدخلي فيه
الدّار فأنت طالق ،فإنّه إن مضى زمن يمكنها فيه الدّخول -ولم تدخل -فإنّه يقع الطّلق بعده على الفور .
وأمّا لو علّق الطّلق على إيجاد فعل بأيّ ،فل تفيد الفور كغيرها من أدوات التّعليق .
ن ذلك
ن ( أيّ ) ل تعمّ بعموم الصّفة فلو قال :أيّ امرأة أتزوّجها فهي طالق ،فإ ّ
وجاء في تبيين الحقائق أ ّ
يتحقّق في امرأة واحدة فقط .
ل وكلّما ) فإنّهما تفيدان عموم ما دخلتا عليه كما سيأتي .
بخلف كلمتي ( ك ّ
ز -كلّ وكلّما :
ل شَيءٍ عَليمٌ } وقد
- 17كلمة ( كلّ ) تستعمل بمعنى الستغراق بحسب المقام ،كقوله تعالى { :وَاللّهُ ِبكُ ّ
تستعمل بمعنى الكثير كقوله تعالى ُ { :ت َد ّمرُ كُلّ شَيءٍ ِبَأ ْمرِ َر ّبهَا } أي كثيرا ،لنّها دمّرتهم ودمّرت مساكنهم
دون غيرهم ،ولفظ ( كلّ ) ل يستعمل إلّا مضافا لفظا أو تقديرا ،ولفظه واحد ،ومعناه جمع ،ويفيد
التّكرار بدخول ( ما ) عليه نحو :كلّما جاءك زيد فأكرمه .
- 18وكلمة ( ك ّل ) من صيغ التّعليق عند الحنفيّة والمالكيّة وكذا عند الشّافعيّة إن قصد بها التّعليق دون
ل امرأة أتزوّجها فهي
المكافأة .ولم يفرّق الحنفيّة في تعليق الطّلق ب ( كلّ ) بين ما إذا عمّم ،بأن قال :ك ّ
ل امرأة من بني فلن أو من بلد كذا .وأمّا المالكيّة فإنّهم يخالفون الحنفيّة في
طالق ،أو خصّص بأن قال :ك ّ
ن فيه سدّا لباب النّكاح ،ويتّفقون معه في صورة التّخصيص بأن يخصّ بلدا أو قبيلة أو
صورة التّعميم ،ل ّ
جنسا أو زمنا يبلغه عمره ظاهرا .وذكر السّرخسيّ في أصوله أنّ كلمة ( كلّ ) توجب الحاطة على وجه
ن كلّ واحد من المسمّيات الّتي توصل بها كلمة كلّ يصير مذكورا على سبيل النفراد ،
الفراد ،ومعناه أ ّ
كأنّه ليس معه غيره ،لنّ هذه الكلمة صلة في الستعمال ،حتّى ل تستعمل وحدها لخلوّها عن الفائدة ،وهي
ن معنى العموم فيها يخالف معنى العموم في كلمة ( من ) ولهذا
تحتمل الخصوص ،نحو كلمة ( من ) إل أ ّ
ل مَنْ عَلَيها فَانٍ } حتّى لو وصلت باسم نكرة فإنّها تقتضي العموم
استقام وصلها بكلمة من كقوله تعالى { :كُ ّ
ل امرأة يتزوّجها على العموم .
في ذلك السم أيضا .ولهذا لو قال :كلّ امرأة أتزوّجها فهي طالق تطلق ك ّ
ولو تزوّج امرأة مرّتين لم تطلق في المرّة الثّانية ،لنّها توجب العموم فيما وصلت به من السم دون الفعل .
- 19والفرق بين كلمة " كلّ " وكلمة " من " فيما يرجع إلى الخصوص :هو أنّ كلمة كلّ وإن كانت الحاطة
فيها شاملة لكلّ فرد ،إل أنّها تحتمل الخصوص ،ككلمة " من " كما لو قال :كلّ من دخل هذا الحصن أوّل
ل ،فإنّ الوّل اسم لفرد
فله كذا ،فدخلوا على التّعاقب فالنّفل للوّل خاصّة لحتمال الخصوص في كلمة ك ّ
سابق ،وهذا الوصف متحقّق فيه دون من دخل بعده .ومثل ذلك كلمة " من " في صورة التّعاقب .
ل " دون كلمة " من " .
- 20فإن دخلوا معا استحقّوا جميعا النّفل بكلمة " ك ّ
وأمّا كلمة " كلّما " فإنّها من صيغ التّعليق عند الفقهاء ،وهي تقتضي التّكرار والفور ،ويليها الفعل دون
السم ،فتقتضي العموم فيه ،فلو قال :كلّما تزوّجت امرأة فهي طالق ،فتزوّج امرأة مرارا فإنّها تطلق في
كلّ مرّة يتزوّجها ،لنّها تقتضي العموم في الفعال دون السماء ،بخلف كلمة ( ك ّل ) فإنّها تفيد العموم في
السماء دون الفعال .
ح -لو :
- 21تكون ( لو ) حرف شرط في المستقبل ،إل أنّها ل تجزم ،ومثالها قوله تعالى :
ضعَافَا خَافُوا عَليهمْ } أي :وليخش الّذين إن شارفوا وقاربوا أن
ن خَلْفِهمْ ُذ ّريّةً ِ
ن لو َترَكُوا مِ ْ
{ وَ ْل َيخْشَ الّذي َ
ن الخطاب للوصياء ،وإنّما يتوجّه إليهم قبل التّرك ،لنّهم
يتركوا .وإنّما أوّلوا التّرك بمشارفة التّرك ،ل ّ
بعده أموات .
وأمّا من حيث تعليق التّصرّف " بلو " فقد أجاز الفقهاء -كأبي يوسف -تعليقه بها ،لشبهها " بإن " فإنّ لو
تستعمل في معنى الشّرط ول يليها دائما إلّا الفعل كإن ،ولورود استعمال كلّ منهما في معنى الخرى ،إل
ن الفقهاء لم ينظروا إلى هذه النّاحية ،
ن " لو " تفيد التّقييد في الماضي " وإن " تفيده في المستقبل .إل أ ّ
أّ
وعاملوها كإن في التّعليق ،فمن قال لعبده :لو دخلت الدّار لتعتق ،فإنّه ل يعتق حتّى يدخل صونا للكلم
عن الهمال ،حتّى إنّ من الفقهاء من عاملها معاملة " إن " مطلقا وأجاز اقتران جوابها بالفاء ،ولم ينظر إلى
ن العامّة تخطئ وتصيب في العراب ،فمن قال لرجل :زنيت بكسر التّاء ،
عدم جواز ذلك عند النّحاة ،ل ّ
أو قال لمرأة :زنيت بفتحها ،وجب حدّ القذف في الصّورتين .
- 22وتستعمل " لو " في الستقبال لمؤاخاتها لن ،كأن يقال :لو استقبلت أمرك بالتّوبة لكان خيرا لك ،أي
ن " إن "
ج َبكُمْ } أي وإن أعجبكم ،كما أ ّ
عَشرِكٍ وَلو َأ ْ
ن ُم ْ
إن استقبلت ،وقال تعالى { :وََل َع ْبدٌ ُم ْؤمِنٌ خَيرٌ مِ ْ
ن ُكنْتُ قُ ْلتُه فَ َقدْ عَِل ْمتَه } وعلى هذا فمن قال لزوجته :أنت طالق لو
استعلمت بمعنى " لو " كقوله تعالى { :إ ْ
ن لو بمنزلة إن ،فتفيد معنى التّرقّب .
دخلت الدّار ،فإنّها ل تطلق عند أبي يوسف حتّى تدخل الدّار ،ل ّ
وليس في هذه المسألة نصّ عن أبي حنيفة ،ولم يرو فيها شيء عن محمّد ،فهي من النّوادر .
- 23أمّا " لول " وهي الّتي تفيد امتناع الثّاني لوجود الوّل ،فإنّها ليست من صيغ التّعليق عند الفقهاء ،
ن الجزاء فيها ل يتوقّع حصوله ،لنّها ل تستعمل إلّا في الماضي ،ول
لنّها وإن كان فيها معنى الشّرط فإ ّ
علقة لها بالزّمن المستقبل ،فهي عندهم بمعنى الستثناء لنّها تستعمل لنفي شيء بوجود غيره ،فمن قال
لزوجته :أنت طالق لول حسنك ،أو لول صحبتك ،ل يقع الطّلق حتّى وإن زال الحسن أو انتفت
الصّحبة ،لجعله ذلك مانعا من وقوع الطّلق .
ط -كيف :
" - 24كيف " تستعمل في اللّغة على وجهين :أحدهما :أن تكون شرطا .
ف َتكْفُرونَ
والثّاني :وهو الغالب فيها :أن تكون استفهاما ،إمّا حقيقيّا نحو " كيف زيد ؟ " أو غيره نحو { كي َ
بِاللّهِ } الية ،فإنّه أخرج مخرج التّعجّب ،وتقع خبرا قبل ما ل يستغنى ،نحو " كيف أنت ؟ " " وكيف
كنت ؟ " ،وحال قبل ما يستغنى ،نحو " كيف جاء زيد ؟ " أي على أيّ حالة جاء زيد .
وأمّا الفقهاء فإنّهم لم يخرجوا في استعمالهم لكيف عمّا ذكرته اللّغة بشأنها .
ن تعليق الحكم بكيف ل يؤثّر في أصل التّصرّف ،وإنّما يؤثّر في صفته .وذهب أبو
فذهب أبو حنيفة إلى أ ّ
يوسف ومحمّد إلى أنّ تعليق الحكم بها يؤثّر في الصل والوصف معا .وعلى هذا فقد قال أبو حنيفة فيمن
قال لمرأته :أنت طالق كيف شئت أنّها تطلق قبل المشيئة تطليقة ،ث ّم إن لم تكن مدخول بها فقد بانت ل إلى
عدّة ،ول مشيئة لها ،وإن كانت مدخول بها فالتّطليقة الواقعة رجعيّة ،والمشيئة إليها في المجلس بعد ذلك .
فإن شاءت البائنة -وقد نواها الزّوج -كانت بائنة ،أو إن شاءت ثلثا -وقد نواها الزّوج -تطلق ثلثا ،
وإن شاءت واحدة بائنة -وقد نوى الزّوج ثلثا -فهي واحدة رجعيّة ،وإن شاءت ثلثا -وقد نوى الزّوج
واحدة بائنة -فهي واحدة رجعيّة ،لنّها شاءت غير ما نوى ،وأوقعت غير ما فوّض إليها ،فل يعتبر ،
لنّه إنّما يتأخّر إلى مشيئتها ما علّقه الزّوج بمشيئتها دون ما لم يعلّقه ،وكلمة " كيف " ل ترجع إلى أصل
الطّلق ،فيكون هو منجّزا أصل الطّلق ومفوّضا للصّفة إلى مشيئتها ،بقوله :كيف شئت .إل أنّ في غير
المدخول بها ل مشيئة لها في الصّفة بعد إيقاع الصل ،فيلغو تفويضه الصّفة إلى مشيئتها بعد إيقاع الصل ،
وفي المدخول بها ،لها المشيئة في الصّفة بعد وقوع الصل ،بأن تجعله بائنا أو ثلثا على ما عرف ،
ح تفويضه إليها .
فيص ّ
وأمّا عند أبي يوسف ومحمّد :فل يقع عليها شيء ما لم تشأ ،فإذا شاءت فالتّفريع كما قال أبو حنيفة ،لنّه
جعل الطّلق مفوّضا إلى مشيئتها فل يقع بدون تلك المشيئة ،كقوله :أنت طالق إن شئت ،أو كم شئت ،أو
حيث شئت ،ل يقع شيء ما لم تشأ ،وهذا لنّه لمّا فوّض وصف الطّلق إليها يكون ذلك تفويضا لنفس
ك عن الصل .ولم نطّلع للمالكيّة على كلم في هذه المسألة .
ن الوصف ل ينف ّ
الطّلق إليها ضرورة أ ّ
وأمّا الشّافعيّة :فلهم رأيان في هذه المسألة .
فقد ذكر البغويّ أنّه لو قال :أنت طالق كيف شئت ،قال أبو زيد والقفّال :تطلق شاءت أم لم تشأ .وقال
الشّيخ أبو عليّ :ل تطلق حتّى توجد مشيئة في المجلس باليقاع أو عدمه .
وأمّا الحنابلة :فإنّهم لم يفرّقوا في هذه المسألة بين " كيف " وبين غيرها من أدوات التّعليق ،فالطّلق عندهم
ل يقع حتّى تعرف مشيئتها بقولها ،فقد جاء في كشّاف القناع أنّه لو قال :أنت طالق إن شئت أو إذا شئت ،
ن ما في القلب ل يعلم حتّى يعبّر
أو متى شئت ،أو كيف شئت . .إلخ لم تطلق حتّى تقول :قد شئت ،ل ّ
عنه اللّسان .
ي -حيث ،وأين :
" - 25حيث " اسم للمكان المبهم .قال الخفش :وقد تكون للزّمان .
" وحيث " من صيغ التّعليق ،لشبهها " بإن " في البهام ،وتعليق التّصرّف بها ل يتعدّى مجلس التّخاطب
ن تعليق الطّلق مثل بمشيئة المرأة ب " إن " ل يتعدّى مجلس التّخاطب عند
تشبيها لها ب " إن " أيضا ،فإ ّ
الحنفيّة .
ن"
فلو قال لمرأته :أنت طالق حيث شئت ،فإنّها ل تطلق قبل المشيئة ،وتتوقّف مشيئتها على المجلس ،ل ّ
حيث " من ظروف المكان ،ول اتّصال للطّلق بالمكان ،فيلغو ذكره ،ويبقى ذكر المشيئة في الطّلق ،
فيقتصر على المجلس .
وأورد البهوتيّ " حيث " في صيغ التّعليق ،وأنّها تعامل معاملة غيرها من أدوات التّعليق ،فتعلّق الحكم بها
ل يكون قاصرا على المجلس عند الحنابلة ،بل يتعدّاه إلى غيره .فلو قال :أنت طالق حيث شئت ،فإنّها ل
تطلق حتّى تعرف مشيئتها بقولها ،سواء أكان ذلك على الفور أم على التّراخي .ولم يذكرها المالكيّة ،ول
النّوويّ من الشّافعيّة في الرّوضة .
- 26ومثل " حيث " فيما تقدّم أين ،فإنّها أيضا اسم للمكان المبهم ،وذكرها صاحب فتح الغفّار وعدّها من
أدوات التّعليق ،وذكرها أيضا صاحب كشّاف القناع ولم يفرّق بينها وبين " إن " في الحكم .
ك -أنّى :
- 27وهي اسم اتّفاقا وضع للدّللة على المكنة ثمّ ضمّن معنى الشّرط ،وترد في اللّغة بمعنى أين ،وبمعنى
كيف ،وبمعنى متى .
هذا وقد ذكر الحنابلة في كتبهم :أنّها من اللفاظ الّتي يعلّق بها الحكم ،فقد جاء في كشّاف القناع :أنّه لو
ن كلّا
قال :أنت طالق أنّى شئت ،فإنّها ل تطلق حتّى تعرف مشيئتها بقولها ،ولم يفرّق بينها وبين ( إن ) ل ّ
ل على التّعليق .
منهما تد ّ
ثالثا :شروط التّعليق :
- 28يشترط لصحّة التّعليق أمور :
الوّل :أن يكون المعلّق عليه أمرا معدوما على خطر الوجود ،أي متردّدا بين أن يكون وأن ل يكون ،
فالتّعليق على المحقّق تنجيز ،وعلى المستحيل لغو .
الثّاني :أن يكون المعلّق عليه أمرا يرجى الوقوف على وجوده ،فتعليق التّصرّف على أمر غير معلوم ل
يصحّ ،فلو علّق الطّلق مثلً على مشيئة اللّه تعالى ،بأن قال لمرأته :أنت طالق إن شاء اللّه ،فإنّ الطّلق
ل يقع اتّفاقا ،لنّه علّقه على شيء ل يرجى الوقوف على وجوده .
الثّالث :أن ل يوجد فاصل بين الشّرط والجزاء ،أي بين المعلّق والمعلّق عليه ،فلو قال لزوجته :أنت
طالق ،ثمّ قال بعد فترة من الزّمن :إن خرجت من الدّار دون إذن منّي لم يكن تعليقا للطّلق ،ويكون
الطّلق منجّزا بالجملة الولى .
الرّابع :أن يكون المعلّق عليه أمرا مستقبل بخلف الماضي ،فإنّه ل مدخل له في التّعليق ،فالقرار مثل ل
يصحّ تعليقه بالشّرط ،لنّه إخبار عن ماض ،والشّرط إنّما يتعلّق بالمور المستقبلة .
الخامس :أن ل يقصد بالتّعليق المجازاة ،فلو سبّته بما يؤذيه فقال :إن كنت كما قلت فأنت طالق ،تنجّز
سواء أكان الزّوج كما قالت أو لم يكن ،لنّ الزّوج في الغالب ل يريد إل إيذاءها بالطّلق .فإن أراد التّعليق
يدين فيما بينه وبين اللّه عزّ وجلّ .
السّادس :أن يوجد رابط كالفاء وإذا الفجائيّة حيث كان الجزاء مؤخّرا ،وإل يتنجّز .
السّابع :أن يكون الّذي يصدر منه التّعليق مالكا للتّنجيز أي قادرا على التّنجيز -بمعنى كون الزّوجيّة قائمة
حقيقة أو حكما -وهذا الشّرط فيه خلف ،فالحنفيّة والمالكيّة ل يشترطون ذلك في تعليق الطّلق ،بل
يكتفون فيه بمطلق الملك ،سواء أكان محقّقا أم معلّقا حتّى إنّ المالكيّة لم يفرّقوا في هذا بين التّعليق الصّريح
فيما لو قال لمرأة :إن تزوّجتك فأنت طالق ،وبين التّعليق الّذي لم يصرّح به ،كما لو قال لجنبيّة :هي
طالق ،ونوى عند تزوّجه بها ،فإنّ الطّلق يقع في الصّورتين .
ن هذا التّصرّف يمين لوجود الشّرط والجزاء ،فل يشترط لصحّته قيام
- 29ودليل أصحاب هذا القول :أ ّ
الملك في الحال ،لنّ الوقوع عند الشّرط ،والملك متيقّن به عند وجود الشّرط ،وقبل ذلك أثره المنع ،وهو
قائم بالمتصرّف .
وأمّا الشّافعيّة والحنابلة :فإنّهم يشترطون لصحّة التّعليق قيام الملك في حال التّعليق ،بمعنى أن يكون الّذي
يصدر منه التّعليق قادرا على التّنجيز ،وإل فل يصحّ تعليقه .والقاعدة الفقهيّة عندهم هي :من ملك التّنجيز
ملك التّعليق ،ومن ل يملك التّنجيز ل يملك التّعليق .وهناك استثناءات من القاعدة بشقّيها ذكرها السّيوطيّ .
ودليل أصحاب هذا القول ما رواه أحمد وأبو داود والتّرمذيّ بإسناد جيّد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جدّه ،وهو قوله صلى ال عليه وسلم « ل نذر لبن آدم فيما ل يملك ،ول عتق له فيما ل يملك ،ول
طلق له فيما ل يملك » .وحديث « :ل طلق إلّا بعد نكاح » وقد روى هذا الحديث أيضا الدّارقطنيّ
وغيره من حديث عائشة رضي ال عنه وزاد :
ل الطّلق ،وهو الزّوجة .
« وإن عيّنها » .ولنتفاء الولية من القائل على مح ّ
أثر التّعليق على التّصرّفات :
ن التّعليق هل يمنع السّبب عن السّببيّة أو يمنع الحكم عن الثّبوت
- 30هناك مسألة أصوليّة هامّة هي :أ ّ
فقط ،ل السّبب عن النعقاد ؟ والخلف في هذه المسألة بين الحنفيّة والشّافعيّة .فالحنفيّة يرون أنّ التّعليق
يمنع السّبب عن السّببيّة كما يمنع الحكم عن الثّبوت .والشّافعيّة يرون أنّ التّعليق ل يمنع السّبب عن السّببيّة ،
وإنّما يمنع الحكم من الثّبوت فقط ،ول يمنع السّبب عن النعقاد .فكون التّعليق يمنع ثبوت الحكم محلّ اتّفاق
ل الخلف .
بين الحنفيّة والشّافعيّة ،وكونه يمنع السّبب عن السّببيّة هو مح ّ
فالحنفيّة يرون أنّه يمنع ،والشّافعيّة على العكس في ذلك .وممّا يتفرّع عليه تعليق الطّلق والعتاق بالملك ،
فإنّه يصحّ عند الحنفيّة ويقع عند وجود الملك ،لعدم سببيّته في الحال ،وإنّما يصير سببا عند وجود الشّرط
وهو الملك ،فيصادف محلً مملوكا .
ل هنا غير مملوك ،فيلغو ،
ن التّعليق عندهم ينعقد سببا للحكم في الحال ،والمح ّ
ح عند الشّافعيّة ،ل ّ
ول يص ّ
ول يقع شيء عند وجود الشّرط .
- 31التّصرّفات من حيث قبولها التّعليق أو عدم قبولها له على ضربين :
ج والخلع والطّلق والظّهار والعتق والكتابة
أحدهما :تصرّفات تقبل التّعليق وهي .اليلء والتّدبير والح ّ
والنّذر والولية .
الثّاني :تصرّفات ل تقبل التّعليق وهي :الجارة والقرار واليمان باللّه تعالى ،والبيع والرّجعة والنّكاح
ن ما كان تمليكا محضا ل مدخل للتّعليق فيه قطعا كالبيع ،وما كان حل
والوقف والوكالة .وضابط ذلك :أ ّ
-أي إسقاطا -محضا يدخله التّعليق قطعا كالعتق .
وبين المرتبتين مراتب يجري فيها الخلف كالفسخ والبراء ،لنّهما يشبهان التّمليك ،وكذلك الوقف ،وفيه
شبه يسير بالعتق فجرى فيه وجه ضعيف .وتفصيل ذلك فيما يلي :
أوّل :التّصرّفات الّتي تقبل التّعليق :
أ -اليلء :
- 32اليلء يقبل التّعليق على الشّرط عند الفقهاء ،كأن يقول :إن دخلت الدّار فواللّه ل أقربك ،فإنّه يصير
موليا عند وجود الشّرط لنّ اليلء يمين يحتمل التّعليق بالشّرط كسائر اليمان .وذكر الزّركشيّ في المنثور
ن اليلء من التّصرّفات الّتي تقبل التّعليق على الشّرط ول تقبل الشّرط ،فل يصحّ قوله :آليت منك بشرط
أّ
كذا .والتّفصيل محلّه مصطلح ( إيلء )
ب -الحجّ :
ج يصحّ تعليقه ،كأن يقول :إن أحرم فلن فقد أحرمت .ويقبل
- 33ذكر الزّركشيّ في المنثور أنّ الح ّ
الشّرط كأن يقول :أحرمت على أنّي إذا مرضت فأنا حلل .
ج).
والتّفصيل محلّه مصطلح ( ح ّ
ج -الخلع :
- 34الخلع إن كان من جانب الزّوجة ،بأن كانت هي البادئة بسؤال الطّلق ،فإنّه ل يقبل التّعليق عند
ن الخلع من جانبها معاوضة .وإن كان من جانب الزّوج فإنّه يقبل التّعليق عند الحنفيّة
الحنفيّة والشّافعيّة ،ل ّ
ن الخلع من جانبه طلق ،ومثله الطّلق على مال .وأمّا الحنابلة فلم يجوّزوا تعليق
والمالكيّة والشّافعيّة ،ل ّ
الخلع قياسا على البيع .
ن الخلع إن جعلناه طلقا فإنّه يقبل التّعليق على الشّروط ول يقبل الشّرط .
وذكر الزّركشيّ في المنثور :أ ّ
والتّفصيل محلّه مصطلح ( خلع ) .
د -الطّلق :
ن الطّلق يقبل التّعليق اتّفاقا ،ويقع بحصول المعلّق عليه .
- 35مجمل ما قاله الفقهاء في الطّلق هو أ ّ
ن الطّلق من التّصرّفات الّتي تقبل التّعليق على الشّرط ول تقبل الشّرط .
وذكر الزّركشيّ في المنثور :أ ّ
والفقهاء يذكرون مسائل كثيرة في تعليق الطّلق ،كتعليقه على المشيئة أو الحمل أو الولدة أو على فعل
غيره ،وتعليقه على الطّلق نفسه ،وتعليقه على أمر مستقبل أو أمر يستحيل وقوعه ،وغيرها من المسائل
الّتي يطول الكلم بذكرها فليرجع لتفصيلها إلى ( الطّلق ) .
هف -الظّهار :
ن الظّهار يقتضي التّحريم كالطّلق ،ويقتضي الكفّارة
ح تعليق الظّهار باتّفاق الفقهاء ،وذلك ل ّ
- 36يص ّ
ي كظهر أمّي إن دخلت الدّار ،
ح تعليقه .فمن قال لزوجته :أنت عل ّ
ل من الطّلق واليمين يص ّ
كاليمين .وك ّ
ل يصير مظاهرا منها قبل دخولها الدّار .
ن الظّهار كالطّلق في كونه يقبل التّعليق على الشّرط ول يقبل الشّرط .
وذكر الزّركشيّ في المنثور :أ ّ
والتّفصيل محلّه مصطلح ( ظهار ) .
و -العتق :
- 37اتّفق الفقهاء على صحّة تعليق العتق بالشّرط والصّفة ،على تفصيل فيهما ينظر في مصطلح ( عتق )
.
ز -المكاتبة :
- 38يجوز تعليق المكاتبة بالشّرط ،وفي ذلك تفصيل سبق في مصطلح ( إسقاط ) وراجع مصطلح ( مكاتبة
).
ح -النّذر :
- 39اتّفق الفقهاء على جواز تعليق النّذر بالشّرط ،ول يجب الوفاء قبل حصول المعلّق عليه ،لعدم وجود
سبب الوفاء ،فمتى وجد المعلّق عليه وجد النّذر ولزم الوفاء به .
على تفصيل في ذلك في مصطلح ( نذر ) .
ط -الولية :
- 40ويمثّل لها بالمارة والقضاء والوصاية ،أمّا المارة والقضاء فيجوز تعليقهما بالشّرط لنّهما ولية
محضة .وتفصيل ذلك محلّه مصطلح ( إمارة ) ومصطلح ( قضاء ) .
وأمّا الوصاية فيجوز عند الحنفيّة في ظاهر المذهب ،وعند الشّافعيّة والحنابلة تعليقها بالشّرط لقربها من
المارة ،فإذا قال :إذا متّ ففلن وصيّي ،فإنّ المذكور يصير وصيّا عند وجود الشّرط للخبر الصّحيح «
فإن قتل زيد أو استشهد فأميركم جعفر ،فإن قتل أو استشهد فأميركم عبد اللّه بن رواحة » .
وأمّا المالكيّة فإنّهم لم يصرّحوا بجواز تعليقها .والتّفصيل محلّه مصطلح ( وصاية ) .
ثانيا -التّصرّفات الّتي ل تقبل التّعليق :
أ -الجارة :
ن منفعة العين المؤجّرة تنقل ملكيّتها في مدّة
- 41ل يجوز الجارة على الشّرط بالتّفاق بين الفقهاء وذلك ل ّ
الجارة من المؤجّر إلى المستأجر .وانتقال الملك ل يكون إلّا مع الرّضا ،والرّضا إنّما يكون مع الجزم ،
ول جزم مع التّعليق .
ب -القرار :
ن التّعليق
- 42ل يجوز تعليق القرار على الشّرط بالتّفاق ،لنّ المقرّ يعتبر بذلك مقرّا في الحال ،ول ّ
على الشّرط في معنى الرّجوع عن إقرار ،والقرار في حقوق العباد ل يحتمل الرّجوع ،ولنّ القرار
ح تعليقه ،لوجوبه قبل الشّرط .والتّفصيل في مصطلح ( إقرار ) .
إخبار عن حقّ سابق فل يص ّ
ج -اليمان باللّه تعالى :
- 43اليمان باللّه تعالى ل يقبل التّعليق على الشّرط ،فإذا قال :إن كنت في هذه القضيّة كاذبا فأنا مسلم ،
ن الدّخول في الدّين يفيد الجزم بصحّته ،والمعلّق ليس بجازم .
فإنّه إن كان كذلك ل يحصل له إسلم ،ل ّ
والتّفصيل في مصطلح ( إيمان ) .
د -البيع :
ن البيع فيه انتقال للملك من طرف إلى
- 44ل يجوز في الجملة تعليق البيع على الشّرط بالتّفاق ،وذلك ل ّ
طرف ،وانتقال الملك إنّما يعتمد الرّضا ،والرّضا يعتمد الجزم ،ول جزم مع التّعليق .والتّفصيل في
مصطلح ( بيع )
هف -الرّجعة :
- 45ل يجوز تعليق الرّجعة على شرط عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة .
وأمّا المالكيّة فذكروا في إبطال الرّجعة إن علّقت -بأن قال لزوجته :إن جاء الغد فقد راجعتك -قولين :
أحدهما :وهو الظهر ،أنّها ل تصحّ الن ول غدا ،لنّه ضرب من النّكاح ،وهو ل يكون لجل ،
ولفتقارها لنيّة مقارنة .
ن الرّجعة حقّ للزّوج فله تعليقها .والتّفصيل
والثّاني :أنّها تبطل الن فقط ،وتصحّ رجعته في الغد ،ل ّ
في مصطلح ( رجعة ) .
و -النّكاح :
- 46ل يجوز تعليق النّكاح على شرط عند الحنفيّة والمالكيّة ،والمذهب عند الشّافعيّة .وأمّا الحنابلة فل
يجوز عندهم تعليق ابتداء النّكاح على شرط مستقبل غير مشيئة اللّه ،لنّه -كما جاء في كشّاف القناع -
ح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع .والتّفصيل في مصطلح ( نكاح ) .
عقد معاوضة فل يص ّ
ز -الوقف :
- 47ل يجوز عند الحنفيّة تعليق الوقف على شرط ،مثل أن يقول :إن قدم ولدي فداري صدقة موقوفة
على المساكين ،لشتراطهم التّنجيز فيه .
وأمّا المالكيّة فجوّزوا تعليقه لعدم اشتراطهم التّنجيز فيه قياسا على العتق .
ح تعليق الوقف فيما ل يضاهي التّحرير ،كقوله :إذا جاء زيد فقد
وأمّا الشّافعيّة :فل يجوز عندهم ول يص ّ
وقفت كذا على كذا ،لنّه عقد يقتضي نقل الملك في الموقوف للّه تعالى أو للموقوف عليه حال كالبيع والهبة
.
ل ذلك
أمّا ما يضاهي التّحرير ،كجعلته مسجدا إذا جاء رمضان ،فالظّاهر صحّته كما ذكر ابن الرّفعة .ومح ّ
ح .قاله الشّيخان ،وكأنّه
ما لم يعلّقه بالموت ،فإن علّقه به كوقفت داري بعد موتي على الفقراء فإنّه يص ّ
وصيّة لقول القفّال :لو عرضها للبيع كان رجوعا .
وأمّا الحنابلة :فلم يجوّزوا تعليق ابتداء الوقف على شرط في الحياة ،مثل أن يقول :إذا جاء رأس الشّهر
فداري وقف أو فرسي حبيس ،ونحو ذلك ،ولنّه نقل للملك فيما لم يبن على التّغليب والسّراية فلم يجز
تعليقه على شرط كالهبة .وذكر ابن قدامة أنّه ل يعلم في هذا خلفا .وسوّى المتأخّرون من الحنابلة بين
تعليقه بالموت وتعليقه بشرط في الحياة .وأمّا تعليق انتهاء الوقف بوقت كقوله :داري وقف إلى سنة ،أو
ح في أحد الوجهين ،لنّه ينافي مقتضى الوقف وهو التّأبيد .
إلى أن يقدم الحاجّ ،فل يص ّ
وفي الوجه الخر :يصحّ لنّه منقطع النتهاء .
ح -الوكالة :
- 48يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة تعليق الوكالة على شرط ،كأن يقول :إن قدم زيد فأنت وكيلي
ن التّوكيل -كما يقول الكاسانيّ -إطلق التّصرّف ،والطلقات ممّا يحتمل التّعليق بالشّرط
في بيع كذا ،ل ّ
ن شروط الموكّل عندهم معتبرة ،فليس للوكيل أن يخالفها ،فلو قيّد الوكالة بزمان أو مكان ونحو ذلك
،ول ّ
فليس للوكيل مخالفة ذلك .
وذكر الشّافعيّة في تعليق الوكالة بشرط من صفة أو وقت وجهين :أصحّهما :ل يصحّ قياسا على سائر
العقود باستثناء الوصيّة لقبولها الجهالة ،وباستثناء المارة للحاجة .وثانيهما :تصحّ قياسا على الوصيّة .
تعليل *
التّعريف :
ل أي :مرض فهو عليل .
- 1التّعليل لغة :من علّ يعلّ واعت ّ
والعلّة :المرض الشّاغل .والجمع علل .والعلّة في اللّغة أيضا :السّبب .
واصطلحا :تقرير ثبوت المؤثّر لثبات الثر وقيل :إظهار عّليّة الشّيء ،سواء أكانت تامّة أم ناقصة .
والعلّة عرّفها الصوليّون بقولهم :العلّة هي الوصف الظّاهر المنضبط الّذي يلزم من ترتيب الحكم عليه
مصلحة للمكلّف من دفع مفسدة أو جلب منفعة .
وللعلّة أسماء منها :السّبب والباعث والحامل والمناط والدّليل والمقتضي وغيرها .وتستعمل العلّة أيضا
بمعنى :السّبب ،لكونه مؤثّرا في إيجاب الحكم ،كالقتل العمد العدوان سبب في وجوب القصاص .
كما تستعمل العلّة أيضا بمعنى :الحكمة ،وهي الباعث على تشريع الحكم أو المصلحة الّتي من أجلها شرع
الحكم .وتفصيل ذلك ينظر في الملحق الصوليّ .
تعليل الحكام :
- 2الصل في أحكام العبادات عدم التّعليل ،لنّها قائمة على حكمة عامّة ،وهي التّعبّد دون إدراك معنى
مناسب لترتيب الحكم عليه .
ن مدارها على
وأمّا أحكام المعاملت والعادات والجنايات ونحوها ،فالصل فيها :أن تكون معلّلة ،ل ّ
مراعاة مصالح العباد ،فرتّبت الحكام فيها على معان مناسبة لتحقيق تلك المصالح .والحكام التّعبّديّة ل
يقاس عليها لعدم إمكان تعدية حكمها إلى غيرها .
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( تعبّديّ ) .
فوائد تعليل الحكام :
ن الشّريعة جعلت العلل معرّفة ومظهرة للحكام كي يسهل على المكلّفين
- 3لتعليل الحكام فوائد منها :أ ّ
الوقوف عليها والتزامها .ومنها أن تصير الحكام أقرب إلى القبول والطمئنان .وتفصيل ذلك ينظر في
الملحق الصوليّ .
تعليل النّصوص :
- 4اختلف الصوليّون في تعليل النّصوص على أربعة اتّجاهات :
أ -أنّ الصل عدم التّعليل ،حتّى يقوم الدّليل عليه .
ب -أنّ الصل التّعليل بكلّ وصف صالح لضافة الحكم إليه ،حتّى يوجد مانع عن البعض .ج -أنّ
الصل التّعليل بوصف ،ولكن ل بدّ من دليل يميّز الصّالح من الوصاف للتّعليل وغير الصّالح .
ن الصل في النّصوص التّعبّد دون التّعليل .
د-أّ
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ( :تعبّديّ ) وفي الملحق الصوليّ .
مسالك العلّة :
- 5وهي الطّرق الّتي يسلكها المجتهد للوقوف على علل الحكام .
ص الصّريح .
المسلك الوّل :النّ ّ
سنّة على التّعليل بوصف ،بلفظ موضوع له في اللّغة من غير احتياج إلى
وهو أن يذكر دليل من الكتاب أو ال ّ
نظر واستدلل .
وهو قسمان :
الوّل :ما صرّح فيه بكون الوصف علّة أو سببا للحكم .
سنّة معلّل بحرف من حروف التّعليل .
الثّاني :ما جاء في الكتاب أو ال ّ
المسلك الثّاني :الجماع .
المسلك الثّالث :اليماء والتّنبيه .
وهو أن يكون التّعليل لزما من مدلول اللّفظ ،ل أن يكون اللّفظ دالّا بوضعه على التّعليل .وهو على أقسام
تنظر في الملحق الصوليّ .
المسلك الرّابع :السّبر والتّقسيم .
وهو حصر الوصاف في الصل ،وإبطال ما ل يصلح منها للتّعليل ،فيتعيّن الباقي للتّعليل .
المسلك الخامس :المناسبة والشّبه والطّرد :
ينقسم الوصف المعلّل به إلى قسمين :
أ -ما تظهر مناسبته لترتيب الحكم عليه ويسمّى المناسب .وهو أن يترتّب الحكم على وصف ظاهر منضبط
،يلزم من ترتيب الحكم عليّة مصلحة للمكلّف من دفع مفسدة أو جلب منفعة .ويعبّر عنها بالخالة
وبالمصلحة وبالستدلل وبرعاية المقاصد .ويسمّى استخراجها تخريج المناط .
ب -ما ل تظهر مناسبته لترتيب الحكم عليه وينقسم إلى نوعين :
الوّل :أن ل يؤلّف من الشّارع اعتباره في بعض الحكام ،ويسمّى الوصف الطّرديّ .الثّاني :أن يؤلّف
من الشّارع اعتباره في بعض الحكام ،ويسمّى الوصف الشّبهيّ .
المسلك السّادس :تنقيح المناط وتحقيق المناط والدّوران :
وهي راجعة في حقيقتها إلى المسالك المتقدّمة ومندرجة تحتها .
وتنقيح المناط :هو إلحاق الفرع بالصل بنفي الفارق بينهما .أمّا تحقيق المناط :فهو أن يجتهد المجتهد في
إثبات وجود العلّة في الصّورة الّتي هي محلّ النّزاع .
وأمّا الدّوران :فهو أن يوجد الحكم عند وجود الوصف ،ويرتفع بارتفاعه .
وفي بعض هذه المسالك خلف وتفصيل ينظر في الملحق الصوليّ .
الحديث المعلّل :
- 6هو الّذي اطّلع فيه على علّة تقدح في صحّته مع أنّ ظاهره السّلمة منها ،وهو من أنواع الحديث
الضّعيف .
*********************************