You are on page 1of 136

‫*‪*1‬الجزء ‪ 18‬من الطبعة‬

‫*‪*2‬سورة الحشر‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ روى ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من قرأ سورة الحشر لم يبق شيء‬
‫ميين الجنيية والنار والعرش والكرسييي والسييموات والرض والهوام والريييح والسييحاب والطييير‬
‫والدواب والشجير والجبال والشميس والقمير والملئكية إل صيلوا علييه واسيتغفروا له‪ .‬فإن مات مين‬
‫يومه أو ليلته مات شهيدا)‪ .‬خرجه الثعلبي‪ .‬وخرج الثعالبي عن يزيد الرقاشي عن أنس أن رسول‬
‫ال صييلى ال عليييه وسييلم قال‪( :‬ميين قرأ آخيير سييورة الحشيير "لو أنزلنييا هذا القرآن على جبييل"‬
‫[الحشير‪ - ]21 :‬إلى آخرهيا ‪ -‬فمات مين ليلته مات شهيدا)‪ .‬وروى الترمذي عن معقيل بن يسيار‬
‫قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مين قال حيين يصيبح ثلث مرات أعوذ بال السيميع‬
‫العلييم مين الشيطان الرجييم وقرأ ثلث آيات مين آخير سيورة الحشير وكيل ال بيه سيبعين ألف ملك‬
‫يصيلون علييه حتيى يمسيي وإن مات فيي يوميه مات شهيدا ومين قرأهيا حيين يمسيي فكذلك)‪ .‬قال‪:‬‬
‫حديث حسن غريب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬سبح ل ما في السماوات وما في الرض وهو العزيز الحكيم}‬
‫@ تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لول الحشر ما ظننتم أن‬
‫يخرجوا وظنوا أنهيم مانعتهيم حصيونهم مين ال فأتاهيم ال مين حييث لم يحتسيبوا وقذف فيي قلوبهيم‬
‫الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي البصار}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هيو الذي أخرج الذيين كفروا مين أهيل الكتاب مين ديارهيم" قال سيعيد بين جيبير‪:‬‬
‫قلت لبين عباس‪ :‬سيورة الحشير؟ قال‪ :‬قيل سيورة النضيير؛ وهيم رهيط مين اليهود مين ذريية هارون‬
‫علييه السيلم‪ ،‬نزلوا المدينية فيي فتين بنيي إسيرائيل انتظارا لمحميد صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وكان مين‬
‫أموهم ما نص ال عليه‪" .‬لول الحشر" الحشر الجمع؛ وهو على أربعة أوجه‪ :‬حشران في الدنيا‬
‫وحشران فييي الخرة؛ أمييا الذي فييي الدنيييا فقوله تعالى‪" :‬هييو الذي أخرج الذييين كفروا ميين أهييل‬
‫الكتاب ميين ديارهييم لول الحشيير" قال الزهري‪ :‬كانوا ميين سييبط لم يصييبهم جلء‪ ،‬وكان ال عييز‬
‫وجيل قيد كتيب عليهيم الجلء؛ فلول ذلك لعذبهيم فيي الدنييا وكان أول حشير حشروا فيي الدنييا إلى‬
‫الشام‪ .‬قال ابن عباس وعكرمة‪ :‬من شك أن الحشر في الشام فليقرأ هذه الية‪ ،‬وأن النبي صلى ال‬
‫عليييه وسييلم قال لهييم‪( :‬اخرجوا) قالوا إلى أييين؟ قال‪( :‬إلى أرض المحشيير)‪ .‬قال قتادة‪ :‬هذا أول‬
‫المحشر‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬هم أول من حشر من أهل الكتاب وأخرج من دياره‪ .‬وقيل‪ :‬إنهم أخرجوا‬
‫إلى خيييبر‪ ،‬وأن معنييى "لول الحشيير" إخراجهييم ميين حصييونهم إلى خيييبر‪ ،‬وآخره إخراج عميير‬
‫رضيي ال عنيه إياهيم مين خييبر إلى نجيد وأذرعات‪ .‬وقييل تيماء وأريحاء‪ ،‬وذلك بكفرهيم ونقيض‬
‫عهدهيم‪ .‬وأميا الحشير الثانيي‪ :‬فحشرهيم قرب القيامية‪ .‬قال قتادة‪ :‬تأتيي نار تحشير الناس مين المشرق‬
‫إلى المغرب‪ ،‬تيبيت معهيم حييث باتوا‪ ،‬وتقييل معهيم حييث قالوا‪ ،‬وتأكيل منهيم مين تخلف‪ .‬وهذا ثابيت‬
‫فيي الصيحيح‪ ،‬وقيد ذكرناه فيي (كتاب التذكرة)‪ .‬ونحوه روى ابين وهيب عين مالك قال‪ :‬قلت لمالك‬
‫هيو جلؤهيم مين ديارهيم؟ فقال لي‪ :‬الحشير يوم القيامية حشير اليهود‪ .‬قال‪ :‬وأجلى رسيول ال صيلى‬
‫ال علييه وسيلم اليهود إلى خييبر حيين سيئلوا عين المال فكتموه؛ فاسيتحلهم بذلك‪ .‬قال ابين العربيي‪:‬‬
‫للحشير أول ووسيط وآخير؛ فالول إجلء بنيي النضيير‪ ،‬والوسيط إجلء خييبر‪ ،‬والخير حشير يوم‬
‫القيامة‪ .‬وعن الحسن‪ :‬هم بنو قريظة‪ .‬وخالفه بقية المفسرين وقالوا‪ :‬بنو قريظة ما حشروا ولكنهم‬
‫قتلوا‪ .‬حكاه الثعلبي‪.‬‬
‫@ قال الكييا الطيبري‪ :‬ومصيالحة أهيل الحرب على الجلء مين ديارهيم مين غيير شييء ل يجور‬
‫الن‪ ،‬وإنما كان ذلك في أول السلم ثم نسخ‪ .‬والن فل بد من قتالهم أو سبيهم أو ضرب الجزية‬
‫عليهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مييا ظننتييم أن يخرجوا" يرييد لعظييم أميير اليهود ومنعتهييم وقوتهييم فييي صيدور‬
‫المسيلمين‪ ،‬واجتماع كلمتهيم‪" .‬وظنوا أنهيم مانعتهيم حصيونهم" قييل‪ :‬هيي الوطييح والنطاة والسيللم‬
‫والكتيبة‪" .‬من ال" أي من أمره‪ .‬وكانوا أهل حلقة ‪ -‬أي سلح كثير ‪ -‬وحصون منيعة؛ فلم يمنعهم‬
‫شيء منها‪" .‬فأتاهم ال" أي أمره وعذابه‪" .‬من حيث لم يحتسبوا‬
‫أي لم يظنوا‪ .‬وقييل‪ :‬مين حييث لم يعلموا‪ .‬وقييل‪" :‬مين حييث لم يحتسيبوا" بقتيل كعيب بين الشرف؛‬
‫قال ابن جرييج والسيدي وأبيو صالح‪" .‬وقذف فيي قلوبهيم الرعب" بقتيل سيدهم كعيب بن الشرف؛‬
‫وكان الذي قتله هيو محميد بين مسيلمة وأبيو نائلة سيلكان بين سيلمة بين وقيش ‪ -‬وكان أخيا كعيب بين‬
‫الشرف مين الرضاعية ‪ -‬وعباد بين بشير بين وقيش‪ ،‬والحارث بين أوس بين معاذ‪ ،‬وأبيو عبيس بين‬
‫جيبر‪ .‬وخيبره مشهور فيي السييرة‪ .‬وفيي الصيحيح أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬نصيرت‬
‫بالرعب بين يدي مسيرة شهر) فكيف ل ينصر به مسيرة ميل من المدينة إلى محلة بني النضير‪.‬‬
‫وهذه خصيصى لمحمد صلى ال عليه وسلم دون غيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يخربون بيوتهيم" قراءة العامية بالتخفييف مين أخرب؛ أي يهدمون‪ .‬وقرأ السيلمي‬
‫والحسن ونصر بن عاصم وأبو العالية وقتادة وأبو عمرو "يخربون" بالتشديد من التخريب‪ .‬قال‬
‫أبيو عمرو‪ :‬إنميا اخترت التشدييد لن الخراب ترك الشييء خرابيا بغيير سياكن‪ ،‬وبنيو النضير لم‬
‫يتركوها خرابا وإنما خربوها بالهدم؛ يؤيده قوله تعالى‪" :‬بأيديهم وأيدي المؤمنين"‪ .‬وقال آخرون‪:‬‬
‫التحريب والخراب بمعنى واحد‪ ،‬والتشديد بمعنى التكثير‪ .‬وحكى سيبويه‪ :‬أن معنى فعلت وأفعلت‬
‫يتعاقبان؛ نحيو أخربتيه وخربتيه وأفرحتيه وفرحتيه‪ .‬واختار أبيو عبييد وأبيو حاتيم الولى‪ .‬قال قتادة‬
‫والضحاك‪ :‬كان المؤمنون يخربون ميين خارج ليدخلوا‪ ،‬واليهود يخربون ميين داخييل ليبنوا بييه مييا‬
‫خرب من حصنهم‪ .‬فروي أنهم صالحوا رسول ال صلى ال عليه وسلم على أل يكونوا عليه ول‬
‫له؛ فلما ظهر يوم بدر قالوا‪ :‬هو النبي الذي نعت في التوراة‪ ،‬فل ترد له راية‪ .‬فلما هزم المسلمون‬
‫يوم أحد ارتابوا ونكثوا‪ ،‬فخرج كعب بن الشرف في أربعين راكبا إلى مكة‪ ،‬فخالفوا عليه قريشا‬
‫عنيد الكعبية‪ ،‬فأمير علييه السيلم محميد بين مسيلمة النصياري فقتيل كعبيا غيلة ثيم صيبحهم بالكتاب؛‬
‫فقال لهم‪ .‬اخرجوا من المدينة‪ .‬فقالوا‪ :‬الموت أحب إلينا من ذلك؛ فتنادوا بالحرب‪ .‬وقيل‪ :‬استمهلوا‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عشرة أيام ليتجهزوا للخروج‪ ،‬فدس إليهيم عبدال بين أبيي المنافيق‬
‫وأصيحابه ل تخرجوا مين الحصين‪ ،‬فإن قاتلوكيم فنحين معكيم ل نخذلكيم‪ ،‬ولئن أخرجتيم لنخرجين‬
‫معكييم‪ .‬فدربوا على الزقيية وحصيينوها إحدى وعشرييين ليلة‪ ،‬فلمييا قذف ال فييي قلوبهييم الرعييب‬
‫وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح؛ فأبى عليهم إل الجلء؛ على ما يأتي بيانه‪.‬‬
‫وقال الزهري وابن زيد وعروة بن الزبير‪ :‬لما صالحهم النبي صلى ال عليه وسلم على أن لهم‬
‫مييا أقلت البييل؛ كانوا يسييتحسنون الخشبيية والعمود فيهدمون بيوتهييم ويحملون ذلك على إبلهييم‬
‫ويخرب المؤمنون باقيها‪ .‬وعن ابن زيد أيضا‪ :‬كانوا يخربونها لئل يسكنها المسلمون بعدهم‪ .‬وقال‬
‫ابين عباس‪ :‬كانوا كلميا ظهير المسيلمون على دار مين دورهيم هدموهيا ليتسيع موضيع القتال‪ ،‬وهيم‬
‫ينقبون دورهيم من أدبارهيا إلى التي بعدها ليتحصنوا فيها‪ ،‬ويرموا بالتي أخرجوا منها المسلمين‪.‬‬
‫وقيييل‪ :‬ليسييدوا بهييا أزقتهييم‪ .‬وقال عكرميية "بأيديهييم" فييي إخراب دواخلهييا ومييا فيهييا لئل يأخذه‬
‫المسلمون‪ .‬و"أيدي المؤمنين" في إخراب ظاهرها ليصلوا بذلك إليهم‪ .‬قال عكرمة‪ :‬كانت منازلهم‬
‫مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها" فخربوها من داخل وخربها المسلمون من خارج‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫"يخربون بيوتهيم" بنقيض المواعدة "وأيدي المؤمنيين" بالمقاتلة؛ قال الزهري أيضيا‪ .‬وقال أبيو‬
‫عمرو بن العلء "بأيديهم" في تركهم لها‪ .‬و"أيدي المؤمنين" في إجلئهم عنها‪ .‬قال ابن العربي‪:‬‬
‫التناول للفسياد إذا كان بالييد كان حقيقية‪ ،‬وإذا كان بنقيض العهيد كان مجازا؛ إل أن قول الزهري‬
‫في المجاز أمثل من قول أبي عمرو بن العلء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاعتبروا يا أولي البصار‬
‫أي اتعظوا ييا أصيحاب العقول واللباب‪ .‬وقييل‪ :‬ييا مين عايين ذلك ببصيره؛ فهيو جميع للبصير‪ .‬ومين‬
‫جملة العتبار هنيا أنهيم اعتصيموا بالحصيون مين ال فأنزلهيم ال منهيا‪ .‬ومين وجوهيه‪ :‬أنيه سيلط‬
‫عليهيم مين كان ينصيرهم‪ .‬ومين وجوهيه أيضيا‪ :‬أنهيم هدموا أموالهيم بأيديهيم‪ .‬ومين لم يعتيبر بغيره‬
‫اعتبر في نفسه‪ .‬وفي المثال الصحيحة‪" :‬السعيد من وعظ بغيره"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 4 - 3 :‬ولول أن كتيب ال عليهيم الجلء لعذبهيم فيي الدنييا ولهيم فيي الخرة عذاب‬
‫النار‪ ،‬ذلك بأنهم شاقوا ال ورسوله ومن يشاق ال فإن ال شديد العقاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولول أن كتب ال عليهم الجلء" أي لول أنه قضى أنه سيجليهم عن دارهم وأنهم‬
‫يبقون مدة فيؤمن بعضهم ويولد لهم من يؤمن‪" .‬لعذبهم في الدنيا" أي بالقتل والسبي كما فعل ببني‬
‫قريظية‪ .‬والجلء مفارقية الوطين يقال‪ :‬جل بنفسيه جلء‪ ،‬وأجله غيره إجلء‪ .‬والفرق بيين الجلء‬
‫والخراج وإن كان معناهميا فيي البعاد واحدا مين وجهيين‪ :‬أحدهميا‪ :‬أن الجلء ميا كان ميع الهيل‬
‫والولد‪ ،‬والخراج قيييد يكون ميييع بقاء الهيييل والولد‪ .‬الثانيييي‪ :‬أن الجلء ل يكون إل لجماعييية‪،‬‬
‫والخراج يكون لواحيييييد ولجماعييييية؛ قاله الماوردي‪" .‬ذلك" أي ذلك الجلء "بأنهيييييم شاقوا ال‬
‫ورسيوله" أي عادوه وخالفوا أمره‪" .‬ومين يشاق ال" قرأ طلحية بين مصيرف ومحميد بين السيميقع‬
‫"ومن يشاقق ال" بإظهار التضعيف كالتي في "النفال"‪ ،‬وأدغم الباقون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن ال وليخزي الفاسقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما قطعتم من لينة" "ما" في محل نصب بي "قطعتم"؛ كأنه قال‪ :‬أي شيء قطعتم‪.‬‬
‫وذلك أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم لميا نزل على حصيون بنيي النضيير ‪ -‬وهيي البويرة ‪ -‬حيين‬
‫نقضوا العهيد بمعونية قرييش علييه يوم أحيد‪ ،‬أمير بقطيع نخيلهيم وإحراقهيا‪ .‬واختلفوا فيي عدد ذلك؛‬
‫فقال قتادة والضحاك‪ :‬إنهيم قطعوا مين نخيلهيم وأحرقوا سيت نخلت‪ .‬وقال محميد بين إسيحاق‪ :‬إنهيم‬
‫قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة‪ .‬وكان ذلك عين إقرار رسيول ال صييلى ال علييه وسيلم أو بأمره؛ إميا‬
‫لضعافهم بها وإما لسعة المكان بقطعها‪ .‬فشق ذلك عليهم فقالوا وهم يهود أهل الكتاب ‪ :‬يا محمد‪،‬‬
‫ألسيت تزعيم أنيك نيبي ترييد الصيلح‪ ،‬أفمين الصيلح قطيع النخيل وحرق الشجير؟ وهيل وجدت فيميا‬
‫أنزل ال عليييك إباحيية الفسيياد فييي الرض؟ فشييق ذلك على النييبي صييلى ال عليييه وسييلم‪ .‬ووجييد‬
‫المؤمنون فييي أنفسييهم حتييى اختلفوا؛ فقال بعضهييم‪ :‬ل تقطعوا ممييا أفاء ال علينييا‪ .‬وقال بعضهييم‪:‬‬
‫أقطعوا لنغيظهم بذلك‪ .‬فنزلت الية بتصديق من نهى عن القطع وتحليل من قطع من الثم‪ ،‬وأخبر‬
‫أن قطعه وتركه بإذن ال‪ .‬وقال شاعرهم سماك اليهودي في ذلك‪:‬‬
‫على عهد موسى ولم نصدف‬ ‫ألسنا ورثنا الكتاب الحكيم‬
‫بسهل تهامة والخيف‬ ‫وأنتم رعاء لشاء عجاف‬
‫لدى كل دهر لكم مجحف‬ ‫ترون الرعاية مجدا لكم‬
‫عن الظلم والمنطق المؤنف‬ ‫فيا أيها الشاهدون انتهوا‬
‫يدلن من العادل المنصف‬ ‫لعل الليالي وصرف الزهور‬
‫وعقر النخيل ولم تقطف‬ ‫بقتل النضير وإجلئها‬
‫فأجابه حسان بن ثابت‪:‬‬
‫وليس لهم ببلدتهم نصير‬ ‫تفاقد معشر نصروا قريشا‬
‫وهم عمي عن التوراة بور‬ ‫همو أوتوا الكتاب فضيعوه‬
‫بتصديق الذي قال النذير‬ ‫كفرتم بالقران وقد أبيتم‬
‫حريق بالبويرة مستطير‬ ‫وهان على سراة بني لوي‬
‫فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب‪:‬‬
‫وحرق في نواحيها الشعير‬ ‫أدام ال ذلك من صنيع‬
‫وتعلم أي أرضينا تصير‬ ‫ستعلم أينا منها بنزه‬
‫لقالوا ل مقام لكم فسيروا‬ ‫فلو كان النخيل بها ركابا‬
‫@ كان خروج النيبي صيلى ال علييه وسيلم إليهيم فيي ربييع الول أول السينة الرابعية مين الهجرة‪،‬‬
‫وتحصيينوا منييه فييي الحصييون‪ ،‬وأميير بقطييع النخييل وإحراقهييا‪ ،‬وحينئذ نزل تحريييم الخميير‪ .‬ودس‬
‫عبدال بين أبيي ابين سيلول ومين معيه مين المنافقيين إلى بنيي النضيير‪ :‬إنيا معكيم‪ ،‬وإن قوتلنيا قاتلنيا‬
‫معكيم‪ ،‬وإن أخرجتيم خرجنيا معكيم؛ فاغتروا بذلك‪ .‬فلميا جاءت الحقيقية خذلوهيم وأسيلموهم وألقوا‬
‫بأيديهيم‪ ،‬وسيألوا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أن يكيف عين دمائهيم ويجليهيم؛ على أن لهيم ميا‬
‫حملت البيل مين أموالهيم إل السيلح‪ ،‬فاحتملوا كذلك إلى خييبر‪ ،‬ومنهيم مين سيار إلى الشام‪ .‬وكان‬
‫ممين سيار منهيم إلى خييبر أكابرهيم؛ كحييي بين أخطيب‪ ،‬وسيلم بين أبيي الحقييق‪ ،‬وكنانية بين الربييع‪.‬‬
‫فدانت لهم خيبر‪.‬‬
‫@ ثبت في صحيح مسلم وغيره عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قطع نخل بني‬
‫النضير وحرق‪ .‬ولها يقول حسان‪:‬‬
‫حريق بالبويرة مستطير‬ ‫وهان على سراة بني لوي‬
‫وفي ذلك نزلت ‪":‬ما قطعتم من لينة" الية‪.‬‬
‫واختلف الناس في تخريب دار العدو وتحريقها وقطع ثمارها على قولين‪ :‬الول‪ :‬أن ذلك جائز؛‬
‫قال فيي المدونية‪ .‬الثانيي‪ :‬إن علم المسيلمون أن ذلك لهيم لم يفعلوا‪ ،‬وإن يئسيوا فعلوا؛ قاله مالك فيي‬
‫الواضحية‪ .‬وعلييه يناظير أصيحاب الشافعيي‪ .‬ابين العربيي‪ :‬والصيحيح الول‪ .‬وقيد علم رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أن نخل بني النضير له؛ ولكنه قطع وحرق ليكون ذلك نكاية لهم ووهنا فيهم‬
‫حتى يخرجوا عنها‪ .‬وإتلف بعض المال لصلح باقيه مصلحة جائزة شرعا‪ ،‬مقصودة عقل‪.‬‬
‫@ قال الماوردي‪ :‬إن فيي هذه اليية دليل على أن كيل مجتهيد مصييب‪ .‬وقاله الكييا الطيبري قال‪:‬‬
‫وإن كان الجتهاد يبعيد فيي مثله ميع وجود النيبي صيلى ال علييه وسيلم بيين أظهرهيم‪ ،‬ول شيك أن‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وأي ذلك وسيكت؛ فتلقوا الحكيم مين تقريره فقيط‪ .‬قال ابين العربيي‪:‬‬
‫وهذأ باطيل؛ لن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان معهيم‪ ،‬ول اجتهاد ميع حضور رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وإنميا يدل على اجتهاد النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيميا لم ينزل علييه؛ أخذا‬
‫بعموم الذييية للكفار‪ ،‬ودخول فييي الذن للكييل لمييا يقضييي عليهييم بالجتياح والبوار؛ وذلك قوله‬
‫تعالى‪" :‬وليخزي الفاسقين"‪.‬‬
‫@ اختلف في اللينة ما هي؛ على أقوال عشرة‪ :‬الول‪ :‬النخل كله إل العجوة؛ قاله الزهري ومالك‬
‫وسعيد بن جبير وعكرمة والخليل‪ .‬وعن ابن عباس ومجاهد والحسن‪ :‬أنها النخل كله‪ ،‬ولم يستثنوا‬
‫عجوة ول غيرهيا‪ .‬وعين ابين عباس أيضيا‪ :‬أنهيا لون مين النخيل‪ .‬وعين الثوري‪ :‬أنهيا كرام النخيل‪.‬‬
‫وعن أبي عبيدة‪ :‬أنها جميع ألوان التمر سوى العجوة والبرني‪ .‬وقال جعفر بن محمد‪ :‬إنها العجوة‬
‫خاصة‪ .‬وذكر أن العتيق والعجوة كانتيا مع نوح عليه السلم في السفينة‪ .‬والعتيق‪ :‬الفحل‪ .‬وكانت‬
‫العجوة أصيل الناث كلهيا فلذلك شيق على اليهود قطعهيا؛ حكاه الماوردي‪ .‬وقييل‪ :‬هيي ضرب مين‬
‫النخل يقال لتمره‪ :‬اللون‪ ،‬تمره أجود التمر‪ ،‬وهو شديد الصفرة‪ ،‬يرى نواه من خارجه ويغيب فيه‬
‫الضرس؛ النخلة منهييا أحييب إليهييم ميين وصيييف‪ .‬وقيييل‪ :‬هييي النخلة القريبيية ميين الرض‪ .‬وأنشييد‬
‫الخفش‪.‬‬
‫بفراق الحباب من فوق لينه‬ ‫قد شجاني الحمام حين تغنى‬
‫وقيل‪ :‬إن اللينة الفسيلة؛ لنها ألين من النخلة‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ثم حفوا النخيل بالجام‬ ‫غرسوا لينها بمجرى معين‬
‫وقيل‪ :‬إن اللينة الشجار كلها للينها بالحياة؛ قال ذو الرمة‪:‬‬
‫ندى ليله في ريشه يترقرق‬ ‫طراق الخوافي واقع فوق لينه‬
‫والقول العاشير‪ :‬أنهيا الدقيل؛ قال الصيمعي‪ .‬قال‪ :‬وأهيل المدينية يقولون ل تنتفخ الموائد حتيى توجيد‬
‫اللوان؛ يعنون الدقل‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬والصحيح ما قال الزهري ومالك لوجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنهما‬
‫أعرف ببلدهما وأشجارهما‪ .‬الثاني‪ :‬أن الشتقاق يعضده‪ ،‬وأهل اللغة يصححونه؛ فإن اللينة وزنها‬
‫لونية‪ ،‬واعتلت على أصيولهم قالت إلى لينية فهيي لون‪ ،‬فإذا دخلت الهاء كسير أولهيا؛ كيبرك الصيدر‬
‫(بفتح الباء) وبركه (بكسرها) لجل الهاء‪ .‬وقيل لينة أصلها لونة فقلبت الواو ياء لنكسار ما قبلها‪.‬‬
‫وجمع اللينة لين‪ .‬وقيل‪ :‬ليان؛ قال امرؤ القيس يصف عنق فرسه‪:‬‬
‫أضرم فيها الغوي السعر‬ ‫وسالفة كسحوق الليان‬
‫وقال الخفيش‪ :‬إنميا سيميت لينية اشتقاقيا مين اللون ل مين الليين‪ .‬المهدوي‪ :‬واختلف فيي اشتقاقهيا؛‬
‫فقيل‪ :‬هي من اللون وأصلها لونة‪ .‬وقيل‪ :‬أصلها لينة من لن يلين‪ .‬وقرأ عبدال "ما قطعتم من لينة‬
‫ول تركتييم قوماء على أصييولها" أي قائميية على سييوقها‪ .‬وقرأ العمييش "مييا قطعتييم ميين لينيية أو‬
‫تركتموهيا قوميا على أصيولها" المعنيى لم تقطعوهيا‪ .‬وقرئ "قوماء على أصيلها"‪ .‬وفييه وجهان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه جمع أصل؛ كرهن ورهن‪ .‬والثاني‪ :‬اكتفي فيه بالضمة عن الواو‪ .‬وقرئ "قائما على‬
‫أصوله" ذهابا إلى لفظ "ما"‪" .‬فبإذن ال" أي بأمره "وليخزي الفاسقين" أي ليذل اليهود الكفار به‬
‫وبنبيه وكتبه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 - 6 :‬وما أفاء ال على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ول ركاب ولكن ال‬
‫يسيلط رسيله على مين يشاء وال على كيل شييء قديير‪ ،‬ميا أفاء ال على رسيوله مين أهيل القرى فلله‬
‫وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي ل يكون دولة بين الغنياء منكم وما‬
‫آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا ال إن ال شديد العقاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما أفاء ال" يعني ما رده ال تعالى "على رسوله" من أموال بني النضير‪" .‬قما‬
‫أوجفتم عليه" أوضعتم عليه‪ .‬واليجاف‪ :‬اليضاع في السير وهو السراع؛ يقال‪ :‬وجف الفرس إذا‬
‫أسرع‪ ،‬وأوجفته أنا أي حركته وأتعبته؛ ومنه قول تميم بن مقبل‪:‬‬
‫عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا‬ ‫مذاويد بالبيض الحديث صقالها‬
‫والركاب البيل‪ ،‬واحدهيا راحلة‪ .‬يقول‪ :‬لم تقطعوا إليهيا شقية ول لقيتيم بهيا حربيا ول مشقية؛ وإنميا‬
‫كانيت مين المدينية على ميليين؛ قاله الفراء‪ .‬فمشوا إليهيا مشييا ولم يركبوا خيل ول إبل؛ إل النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم فإنه ركب جمل وقيل حمارا مخطوما بليف‪ ،‬فافتتحها صلحا وأجلهم وأخذ‬
‫أموالهييم‪ .‬فسييأل المسييلمون النييبي صييلى ال عليييه وسييلم أن يقسييم لهييم فنزلت‪" :‬ومييا أفاء ال على‬
‫رسوله منهم فما أوجفتم عليه" الية‪ .‬فجعل أموال بني النضير للنبي صلى ال عليه وسلم خاصة‬
‫يضعهيا حييث شاء؛ فقسيمها النيبي صيلى ال علييه وسيلم بيين المهاجريين‪ .‬قال الواقدي‪ :‬ورواه ابين‬
‫وهيب عين مالك؛ ولم يعيط النصيار منهيا شيئا إل ثلثية نفير محتاجيين؛ منهيم أبيو دجانية سيماك بين‬
‫خرشية‪ ،‬وسيهل بين حنييف‪ ،‬والحارث بين الصيمة‪ .‬وقييل‪ :‬إنميا أعطيى رجليين‪ ،‬سيهل وأبيا دجانية‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬أعطيى سيعد بين معاذ سييف بين أبيي الحقييق‪ ،‬وكان سييفا له ذكير عندهيم‪ .‬ولم يسيلم مين بنيي‬
‫النضير إل رجلن‪ :‬سفيان بن عمير‪ ،‬وسعد بن وهب؛ أسلما على أموالهما فأحرزاها‪.‬‬
‫وفيي صيحيح مسيلم عين عمير قال‪ :‬كانيت أموال بنيي النضيير مميا أفاء ال على رسيوله مميا لم‬
‫يوجيف علييه المسيلمون بخييل ول ركاب‪ ،‬وكانيت للنيبي صيلى ال علييه وسيلم خاصية‪ ،‬فكان ينفيق‬
‫على أهله نفقية سينة‪ ،‬وميا بقيي يجعله فيي الكراع والسيلح عدة فيي سيبيل ال تعالى‪ .‬وقال العباس‬
‫لعمير ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ : -‬اقيض بينيي وبين هذا الكاذب الثيم الغادر الخائن ‪ -‬يعنيي عليا رضيي‬
‫ال عنه ‪ -‬فيما أفاء ال على رسوله من أموال بني النضير‪ .‬فقال عمر‪ :‬أتعلمان أن النبي صلى ال‬
‫عليييه وسييلم قال‪( :‬ل نورث مييا تركناه صييدقة) قال نعييم‪ .‬قال عميير‪ :‬إن ال عييز وجييل كان خييص‬
‫رسيوله صيلى ال علييه وسيلم بخاصية ولم يخصيص بهيا أحدا غيره‪ .‬قال‪" :‬ميا أفاء ال على رسيوله‬
‫من أهل القرى فلله وللرسول" (ما أدري هل قرأ الية التي قبلها أم ل) فقسم رسول ال صلى ال‬
‫علييه وسيلم بينكيم أموال بنيي النضيير‪ ،‬فوال ميا اسيتأثرها عليكيم ول أخذهيا دونكيم حتيى بقيي هذا‬
‫المال؛ فكان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يأخيذ منيه نفقية سينة‪ ،‬ثيم يجعيل ميا بقيي أسيوة المال‪. ..‬‬
‫الحدييث بطوله‪ ،‬خرجيه مسيلم‪ .‬وقييل‪ :‬لميا ترك بنيو النضيير ديارهيم وأموالهيم طلب المسيلمون أن‬
‫يكون لهم فيها حظ كالغنائم؛ فبين ال تعالى أنها فيء وكان جرى ثم بعض القتال؛ لنهم حوصروا‬
‫أياميا وقاتلوا وقتلوا‪ ،‬ثيم صيالحوا على الجلء‪ .‬ولم يكين قتال على التحقييق؛ بيل جرى مبادئ القتال‬
‫وجرى الحصيار‪ ،‬وخيص ال تلك الموال برسيوله صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬اعلمهيم ال‬
‫تعالى وذكرهيم أنيه إنميا نصير رسيول صيلى ال علييه وسيلم ونصيرهم بغيير كراع ول عدة‪" .‬ولكين‬
‫ال يسلط رسله على من يشاء" أي من أعدائه‪ .‬وفي هذا بيان أن تلك الموال كانت خاصة لرسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم دون أصحابه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ميا أفاء ال على رسيوله مين أهيل القرى" قال ابين عباس‪ :‬هيي قريظية والنضيير‪،‬‬
‫وهميا بالمدينيية وفدك‪ ،‬وهييي على ثلثية أيام مين المدينية وخييبر‪ .‬وقرى عرينية وينبيع جعلهيا ال‬
‫لرسوله‪ .‬وبين أن في ذلك المال الذي خصه بالرسول عليه السلم سهمانا لغير الرسول نظرا منه‬
‫لعباده‪ .‬وقيد تكلم العلماء فيي هذه اليية والتيي قبلهيا‪ ،‬هيل معناهميا واحيد أو مختلف‪ ،‬واليية التيي فيي‬
‫النفال؛ فقال قوم مين العلماء‪ :‬إن قوله تعالى‪" :‬ميا أفاء ال على رسيوله مين أهيل القرى" منسيوخ‬
‫بما في سورة النفال من كون الخمس لمن سمي له‪ ،‬والخماس الربعة لمن قاتل‪ .‬وكان في أول‬
‫السيلم تقسيم الغنيمية على هذه الصيناف ول يكون لمين قاتيل عليهيا شييء‪ .‬وهذا قول يزييد بين‬
‫رومان وقتادة وغيرهميا‪ .‬ونحوه عين مالك‪ .‬وقال قوم‪ :‬إنميا غنيم بصيلح مين غيير إيجاف خييل ول‬
‫ركاب؛ فيكون لمن سمى ال تعالى فيه فيئا والولى للنبي صلى ال عليه وسلم خاصة‪ ،‬إذا أخذ منه‬
‫حاجته كان الباقي في مصالح المسلمين‪ .‬وقال معمر‪ :‬الولى‪ :‬للنبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬والثانية‪:‬‬
‫هيي الجزيية والخراج للصيناف المذكورة فييه‪ .‬والثالثية‪ :‬الغنيمية فيي سيورة النفال للغانميين‪ .‬وقال‬
‫قوم منهيم الشافعيي‪ :‬إن معنيى اليتيين واحيد؛ أي ميا حصيل مين أموال الكفار بغيير قتال قسيم على‬
‫خمسة أسهم؛ أربعة منها للنبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وكان الخمس الباقي على خمسة أسهم‪ :‬سهم‬
‫لرسول ال صلى ال عليه وسلم أيضا وسهم لذوي القربى ‪ -‬وهم بنو هاشم وبنو المطلب ‪ -‬لنهم‬
‫منعوا الصدقة فجعل لهم حق في الفيء‪ .‬وسهم لليتامى‪ .‬وسهم للمساكين‪ .‬وسهم لبن السبيل‪ .‬وأما‬
‫بعيد وفاة رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬فالذي كان مين ألفييء لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‬
‫يصيرف عنيد الشافعيي فيي قول إلى المجاهديين المترصيدين للقتال فيي الثغور؛ لنهيم القائمون مقام‬
‫الرسيول علييه الصيلة والسيلم‪ .‬وفيي قول آخير له‪ :‬يصيرف إلى مصيالح المسيلمين مين سيد الثغور‬
‫وحفير النهار وبناء القناطير؛ يقدم الهيم فالهيم‪ ،‬وهذا فيي أربعية أخماس الفييء‪ .‬فأميا السيهم الذي‬
‫كان له من خمس الفيء والغنيمة فهو لمصالح المسلمين بعد موته صلى ال عليه وسلم بل خلف؛‬
‫كميا قال علييه الصيلة والسيلم‪( :‬لييس لي مين غنائمكيم إل الخميس والخميس مردود فيكيم)‪ .‬وقيد‬
‫مضى القول فيه في سورة "النفال"‪.‬‬
‫وكذلك ما خلفه من المال غير موروث‪ ،‬بل هو صدقة يصرف عنه إلى مصالح المسلمين؛ كما‬
‫قال علييه السيلم‪( :‬إنيا ل نورث ميا تركناه صيدقة)‪ .‬وقييل‪ :‬كان مال الفييء لنيبيه صيلى ال علييه‬
‫وسيلم‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ميا أفاء ال رسيوله" فأضافيه إلييه؛ غيير أنيه كان ل يتأثيل مال‪ ،‬إنميا كان يأخيذ‬
‫بقدر حاجية عياله ويصيرف الباقيي فيي مصيالح المسيلمين‪ .‬قال القاضيي أبيو بكير بين العربيي‪ :‬ل‬
‫إشكال أنهيا ثلثية معان فيي ثلث آيات؛ أميا اليية الولى فهيي قوله‪" :‬هيو الذي أخرج الذيين كفروا‬
‫من أهل الكتاب من ديارهم لول الحشر" [الحشر‪ ]2 :‬ثم قال تعالى‪" :‬وما أفاء ال على رسوله‬
‫منهم" يعني من أهل الكتاب معطوفا عليهم‪" .‬فما أوجفتم عليه من خيل ول ركاب" يريد كما بينا؛‬
‫فل حق لكم فيه‪ ،‬ولذلك قال عمر‪ :‬إنها كانت خالصة لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يعني بني‬
‫النضير وما كان مثلها‪ .‬فهذه آية واحدة ومعنى متحد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ميا أفاء ال على رسيوله مين أهيل القرى فلله وللرسيول" وهذا كلم مبتدأ غيير‬
‫الول لمستحق غير الول‪ .‬وسمى الية الثالثة آية الغنيمة‪ ،‬ول شك في أنه معنى آخر باستحقاق‬
‫ثان لمسيتحق آخير‪ ،‬بييد أن اليية الولى والثانيية‪ ،‬اشتركتيا فيي أن كيل واحدة منهميا تضمنيت شيئا‬
‫أفاءه ال على رسييوله‪ ،‬واقتضييت الييية الولى أنييه حاصييل بغييير قتال‪ ،‬واقتضييت آييية النفال أنييه‬
‫حاصيل بقتال‪ ،‬وعرييت اليية الثالثية وهيي قوله تعالى‪" :‬ميا أفاء ال على رسيوله مين أهيل القرى"‬
‫عين ذكير حصيوله بقتال أو بغيير قتال؛ فنشيأ الخلف مين هيا هنيا‪ ،‬فمين طائفية قالت‪ :‬هيي ملحقية‬
‫بالولى‪ ،‬وهيو مال الصييلح كله ونحوه‪ .‬ومين طائفية قالت‪ :‬هيي ملحقية بالثانييية وهييي آيية النفال‪.‬‬
‫والذيين قالوا أنهيا ملحقية بآيية النفال اختلفوا؛ هيل هيي منسيوخة ‪ -‬كميا تقدم ‪ -‬أو محكمية؟ وإلحاقهيا‬
‫بشهادة ال بالتي قبلها أولى؛ لن فيه تجديد فائدة ومعنى‪ .‬ومعلوم أن حمل الحرف من الية فضل‬
‫عين اليية على فائدة متجددة أولى مين حمله على فائدة معادة‪ .‬وروى ابين وهيب عين مالك فيي قوله‬
‫تعالى‪" :‬فميا أوجفتم عليه من خيل ول ركاب" بنيي النضيير‪ ،‬لم يكن فيها خمس ولم يوجيف عليها‬
‫بخيل ول ركاب‪ .‬كانت صافية لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقسمها بين المهاجرين وثلثة من‬
‫النصيار؛ حسيب ميا تقدم‪ .‬وقوله‪" :‬ميا أفاء ال على رسيوله مين أهيل القرى" هيي قريظية‪ ،‬وكانيت‬
‫قريظية والخندق فيي يوم واحيد‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬قول مالك إن اليية الثانيية فيي بنيي قريظية‪ ،‬إشارة‬
‫إلى أن معناهييا يعود إلى آييية النفال‪ ،‬ويلحقهييا النسييخ‪ .‬وهذا أقوى ميين القول بالحكام‪ .‬ونحيين ل‬
‫نختار إل ما قسمنا وبينا أن الية الثانية لها معنى مجدد حسب ما دللنا عليه‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ميا اختاره حسين‪ .‬وقيد قييل إن سيورة "الحشير" نزلت بعيد النفال‪ ،‬فمين المحال أن ينسيخ‬
‫المتقدم المتأخير‪ .‬وقال ابن أبي نجيح‪ :‬المال ثلثة‪ :‬مغنيم‪ ،‬أو فيء‪ ،‬أو صدقة‪ ،‬ولييس منه درهيم إل‬
‫وقد بين ال موضعه‪ .‬وهذا أشبه‪.‬‬
‫@ الموال التيي للئمية والولة فيهيا مدخيل ثلثية أضرب‪ :‬ميا أخيذ مين المسيلمين على طرييق‬
‫التطهيير لهيم؛ كالصيدقات والزكوات‪ .‬والثانيي‪ :‬الغنائم؛ وهيو ميا يحصيل فيي أيدي المسيلمين مين‬
‫أموال الكافرين بالحرب والقهر والغلبة‪ .‬والثالث‪ :‬الفيء‪ ،‬وهو ما رجع للمسلمين من أموال الكفار‬
‫عفوا صييفوا ميين غييير قتال ول إيجاف؛ كالصيلح والجزيية والخراج والعشور المأخوذة مين تجار‬
‫الكفار‪ .‬ومثله أن يهرب المشركون ويتركوا أموالهييم‪ ،‬أو يموت أحييد منهييم فييي دار السييلم ول‬
‫وارث له‪ .‬فأميا الصيدقة فمصيرفها الفقراء والمسياكين والعامليين عليهيا؛ حسيب ميا ذكره ال تعالى‪،‬‬
‫وقيد مضيى فيي "براءة"‪ .‬وأميا الغنائم فكانيت فيي صيدر السيلم للنيبي صيلى ال علييه وسيلم يصينع‬
‫فيها ما شاء؛ كما قال في سورة "النفال" ‪" :‬قل النفال ل والرسول" [النفال‪ ،]1 :‬ثم نسخ بقوله‬
‫تعالى‪" :‬واعلموا أنميا غنمتيم مين شييء" [النفال‪ ]41 :‬اليية‪ .‬وقيد مضيى فيي النفال بيانيه‪ .‬فأميا‬
‫الفيء فقسمته وقسمة الخمس سواء‪ .‬والمر عند مالك فيهما إلى المام‪ ،‬فإن رأى حبسهما لنوازل‬
‫تنزل بالمسيلمين فعيل‪ ،‬وإن رأى قسيمتهما أو قسيمة أحدهميا قسيمه كله بيين الناس‪ ،‬وسيوى فييه بيين‬
‫عربيهم ومولهم‪ .‬ويبدأ بالفقراء من رجال ونساء حتى يغنوا‪ ،‬ويعطوا ذوو القربى من رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم من الفيء سهمهم على ما يراه المام‪ ،‬وليس له حد معلوم‪.‬‬
‫واختلف فيي إعطاء الغنيي منهيم؛ فأكثير الناس على إعطائه لنيه حيق لهيم‪ .‬وقال مالك‪ :‬ل يعطيي‬
‫منه غير فقرائهم‪ ،‬لنه جعل لهم عوضا من الصدقة‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬أيما حصل من أموال الكفار‬
‫من غير قتال كان يقسم في عهد النبي صلى ال عليه وسلم على خمسة وعشرين سهما‪ :‬عشرون‬
‫للنبي صلى ال عليه وسلم يفعل فيها ما يشاء‪ .‬والخمس يقسم على ما يقسم عليه خمس الغنيمة‪ .‬قال‬
‫أبيو جعفير أحميد بين الداودي‪ :‬وهذا قول ميا سيبقه بيه أحيد علمناه‪ ،‬بيل كان ذلك خالصيا له؛ كميا ثبيت‬
‫فييي الصييحيح عيين عميير مبينييا للييية‪ .‬ولو كان هذا لكان قوله‪" :‬خالصيية لك ميين دون المؤمنييين"‬
‫[الحزاب‪ ]50 :‬يدل على أنه يجوز الموهبة لغيره‪ ،‬وأن قوله‪" :‬خالصة يوم القيامة" [العراف‪:‬‬
‫‪ ]32‬يجوز أن يشركهيم فيهيا غيرهيم‪ .‬وقيد مضيى قول الشافعيي مسيتوعبا فيي ذلك والحميد ل‪.‬‬
‫ومذهب الشافعي رضي ال عنه‪ :‬أن سبيل خمس الفيء سبيل خمس الغنيمة‪ ،‬وأن أربعه أخماسه‬
‫كانييت للنييبي صييلى ال عليييه وسييلم‪ ،‬وهييي بعده لمصييالح المسييلمين‪ .‬وله قول آخيير‪ :‬أنهييا بعده‬
‫للمرصدين أنفسهم للقتال بعده خاصة؛ كما تقدم‪.‬‬
‫@ قال علماؤنيا‪ :‬ويقسيم كيل مال فيي البلد الذي جيبي فييه‪ ،‬ول ينقيل عين ذلك البلد الذي جيبي فييه‬
‫حتيى يغنوا‪ ،‬ثيم ينقيل إلى القرب مين غيرهيم‪ ،‬إل أن ينزل بغيير البلد الذي جيبي فييه فاقية شديدة‪،‬‬
‫فينتقييل ذلك إلى أهييل الفاقيية حيييث كانوا‪ ،‬كمييا فعييل عميير بيين الخطات رضييي ال عنييه فييي أعوام‬
‫الرمادة‪ ،‬وكانيت خمسية أعوام أو سيتة‪ .‬وقيد قييل عاميين وقييل‪ :‬عام فييه اشتيد الطاعون ميع الجوع‪.‬‬
‫وإن لم يكين ميا وصيفنا ورأى المام إيقاف الفييء أوقفيه لنوائب المسيلمين‪ ،‬ويعطيى منيه المنفوس‬
‫ويبدأ بمين أبوه فقيير‪ .‬والفييء حلل للغنياء‪ .‬ويسيوى بيين الناس فييه إل أنيه يؤثير أهيل الحاجية‬
‫والفاقية‪ .‬والتفضييل فييه إنميا يكون على قدر الحاجية‪ .‬ويعطيي منيه الغرماء ميا يؤدون بيه ديونهيم‪.‬‬
‫ويعطي منه الجائزة والصلة إن كان ذلك أهل‪ ،‬ويرزق القضاء والحكام ومن فيه منفعة للمسلمين‪.‬‬
‫وأولهم بتوفر الحظ منهم أعظمهم للمسلمين نفعا‪ .‬ومن أخذ من ألفيء شيئا في الديوان كان عليه‬
‫أن يغزو إذا غزي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كيي ل يكون دولة" قراءة العامية "يكون" بالياء‪" .‬دولة" بالنصيب‪ ،‬أي كيي ل‬
‫يكون الفيييء دولة وقرأ أبييو جعفيير والعرج وهشام ‪ -‬عيين ابيين عاميير ‪ -‬وأبييو حيوة "تكون" بتاء‬
‫"دولة" بالرفع‪ ،‬أي كي ل تقع دولة‪ .‬فكانت تامة‪ .‬و"دولة" رفع على اسم كان ول خبر له‪ .‬ويجوز‬
‫أن تكون ناقصة وخبرها "بين الغنياء منكم"‪ .‬وإذا كانت تامة فقوله‪" :‬بين الغنياء منكم" متعلق‬
‫بيي "دولة" على معنيى تداول بيين الغنياء منكيم‪ .‬ويجوز أن يكون "بيين الغنياء منكيم" وصيفا ليي‬
‫"دولة"‪ .‬وقراءة العامية "دولة" بضيم الدال‪ .‬وقرأهيا السيلمي وأبيو حيوة بالنصيب‪ .‬قال عيسيى بين‬
‫عمير ويونيس والصيمعي‪ :‬هميا لغتان بمعنيى واحيد‪ .‬وقال أبيو عمرو بين العلء‪ :‬الدولة (بالفتيح)‬
‫الظفر في الجواب وغيره‪ ،‬وهي المصدر‪ .‬وبالضم اسم الشيء الذي يتداول من الموال‪ .‬وكذا قال‬
‫أبو عبيدة‪ :‬الدولة اسم الشيء الذي يتداول‪ .‬والدولة الفعل‪ .‬ومعنى الية‪ :‬فعلنيا ذلك في هذا الفيء‪،‬‬
‫كيي ل تقسيمه الرؤسياء والغنياء والقوياء بينهيم دون الفقراء والضعفاء‪ ،‬لن أهيل الجاهليية كانوا‬
‫إذا غنموا أخيذ الرئييس ربعهيا لنفسيه‪ ،‬وهيو المرباع‪ .‬ثيم يصيطفي منهيا أيضيا بعيد المرباع ميا شاء؛‬
‫وفيها قال شاعرهم‪:‬‬
‫لك المرباع منها والصفايا‬
‫يقول‪ :‬كيي ل يعميل فييه كميا كان يعميل فيي الجاهليية‪ .‬فجعيل ال هذا لرسيوله صيلى ال علييه وسيلم؛‬
‫يقسمه في المواضع التي أمر بها ليس فيها خمس‪ ،‬فإذا جاء خمس وقع بين المسلمين جميعا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما آتاكم الرسول فخذوة وما نهاكم عه فانتهوا" أي ما أعطاكم من مال الغنيمة‬
‫فخذوه‪ ،‬وما نهاكم عنه من الخذ والغلول فانتهوا؛ قاله الحسن وغيره‪ .‬السدي‪ :‬ما أعطاكم من مال‬
‫الفيء فأقبلوه‪ ،‬وما منعكم منه فل تطلبوه‪ .‬وقال ابن جريج‪ :‬ما آتاكم من طاعتي فافعلوه‪ ،‬وما نهاكم‬
‫عنيه مين معصييتي فاجتنبوه‪ .‬الماوردي‪ :‬وقييل إنيه محمول على العموم فيي جمييع أوامره ونواهييه؛‬
‫ل يأمر إل بصلح ول ينهى إل عن فساد‪ .‬قلت‪ :‬هذا هو معنى القول الذي قبله‪ .‬فهي ثلثة أقوال‪.‬‬
‫@ قال المهدوي‪ :‬قوله تعالى‪" :‬وما آتاكم الرسول فخذوة وما نهاكم عنه فانتهوا" هذا يوجب أن‬
‫كيل ميا أمير بيه النيبي صيلى ال علييه وسيلم أمير مين ال تعالى‪ .‬واليية وإن كانيت فيي الغنائم فجمييع‬
‫أوامره صيلى ال علييه وسيلم ونواهييه دخيل فيهيا‪ .‬وقال الحكيم بين عميير ‪ -‬وكانيت له صيحبة ‪ -‬قال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن هذا القرآن صعب مستصعب عسير على من تركه يسير على من‬
‫اتبعه وطلبه‪ .‬وحديثي صعب مستصعب وهو الحكم فمن استمسك بحديثي وحفظه نجا مع القرآن‪.‬‬
‫ومن تهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والخرة‪ .‬وأمرتم أن تأخذوا بقولي وتكتنفوا أمري وتتبعوا‬
‫سنتي فمن رضي بقولي فقد رضي بالقرآن ومن استهزأ بقولي فقد استهزأ بالقرآن قال ال تعالى‪:‬‬
‫"وما آتاكم الرسول فخذوة وما نهاكم عنه فانتهوا")‪.‬‬
‫@ قال عبدالرحمن بن زيد‪ :‬لقي ابن مسيعود رجل محرما وعليه ثيابه فقال له‪ :‬انزع عنك هذا‪.‬‬
‫فقال الرجيل‪ :‬أتقرأ علي بهذا آيية مين كتاب ال تعالى؟ قال‪ :‬نعيم‪" ،‬وميا آتاكيم الرسيول فخذوة وميا‬
‫نهاكيم عنيه فانتهوا"‪ .‬وقال عبدال بين محميد بين هارون الفريابيي‪ :‬سيمعت الشافعيي رضيي ال عنيه‬
‫يقول‪ :‬سيلوني عميا شئتيم أخيبركم مين كتاب ال تعالى وسينة نيبيكم صيلى ال علييه وسيلم؛ قال فقلت‬
‫له‪ :‬ما تقول ‪ -‬أصلحك ال ‪ -‬في المحرم يقتل الزنبور؟ قال فقال‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى‪" :‬وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"‪ .‬وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبدالملك‬
‫بين عميير عين ربعيي بين حراش عين حذيفية بين اليمان قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪:‬‬
‫(اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر)‪ .‬حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن قيس بن‬
‫مسيلم عين طارق بين شهاب عين عمير بين الخطاب ‪ -‬رضيي ال عنيه ‪ -‬أنيه أمير بقتيل الزنبور‪ .‬قال‬
‫علماؤنا‪ :‬وهذا جواب في نهاية الحسن‪ ،‬أفتى بجواز قتل الزنبور في الحرام‪ ،‬وبين أنه يقتدي فيه‬
‫بعمر‪ ،‬وأن النبي صلى ال عليه وسلم أمر بالقتداء به‪ ،‬وأن ال سبحانه أمر بقبول ما يقوله النبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم؛ فجواز قتله مسيتنبط مين الكتاب والسينة‪ .‬وقيد مضيى هذا المعنيى مين قول‬
‫عكرميية حييين سييئل عيين أمهات الولد فقال‪ :‬هيين أحرار فييي سييورة "النسيياء" عنييد قوله تعالى‪:‬‬
‫"أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم" [النساء‪ .]59 :‬وفي صحيح مسلم وغيره عن‬
‫علقمييية عييين ابييين مسيييعود قال‪ :‬قال رسيييول ال صيييلى ال علييييه وسيييلم‪( :‬لعييين ال الواشمات‬
‫والمسيتوشمات والمتنمصيات والمتفلجات للحسين المغيرات خلق ال) فبلغ ذلك امرأة مين بنيي أسيد‬
‫يقال لهيا أم يعقوب؛ فجاءت فقالت‪ :‬بلغنيي أنيك لعنيت كييت وكييت! فقال‪ :‬وميا لي ل ألعين مين لعين‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وهيو فيي كتاب ال! فقالت‪ :‬لقيد قرأت ميا بيين اللوحيين فميا وجدت‬
‫فييه ميا تقول‪ .‬فقال‪ :‬لئن كنيت قرأتييه لقيد وجدتييه! أميا قرأت "وميا آتاكيم الرسيول فخذوه وميا نهاكيم‬
‫عنيه فانتهوا"! قالت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬فإنيه قيد نهيى عنيه‪ ..‬الحدييث‪ .‬وقيد مضيى القول فييه فيي "النسياء"‬
‫مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما آتاكم الرسول فخذوه" وإن جاء بلفظ اليتاء وهو المناولة فإن معناه المر؛‬
‫بدليل قوله تعالى‪" :‬وما نهاكم عنه فانتهوا" فقابله بالنهي‪ ،‬ول يقابل النهي إل بالمر؛ والدليل على‬
‫فهيم ذلك ميا ذكرناه قبيل ميع قوله علييه الصيلة والسيلم‪( :‬إذا أمرتكيم بأمير فأتوا منيه ميا اسيتطعتم‪،‬‬
‫وإذا نهيتكيم عين شييء فاجتنبوه)‪ .‬وقال الكلبيي‪ :‬إنهيا نزلت فيي رؤوسياء المسيلمين‪ ،‬قالوا فيميا ظهير‬
‫عليه رسول ال من أموال‪ ،‬المشركين‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬خذ صفيك والربع‪ ،‬ودعنا والباقي؛ فهكذا كنا‬
‫نفعل في الجاهلية‪ .‬وأنشدوه‪:‬‬
‫وحكمك والنشيطة والفضول‬ ‫لك المرباع منها والصفايا‬
‫فأنزل ال تعالى هذه اليية‪" .‬واتقوا ال" أي عذاب ال‪ ،‬إنيه شدييد لمين عصياه‪ .‬وقييل‪ :‬اتقوا ال فيي‬
‫أوامره ونواهيه فل تضيعوها‪" .‬إن ال شديد العقاب" لمن خالف ما أمره به‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 8 :‬للفقراء المهاجريين الذيين أخرجوا مين ديارهيم وأموالهيم يبتغون فضل مين ال‬
‫ورضوانا وينصرون ال ورسوله أولئك هم الصادقون}‬
‫@ أي الفيء والغنائم "للفقراء المهاجرين"‪ .‬وقيل‪" :‬كي ل يكون دولة بين الغنياء" ولكن يكون‬
‫"للفقراء"‪ .‬وقييل‪ :‬هيو بيان لقوله‪" :‬ولذي القربيى واليتاميى والمسياكين وابين السيبيل" فلميا ذكروا‬
‫بأصنافهم قيل المال لهؤلء‪ ،‬لنهم فقراء ومهاجرون وقد أخرجوا من ديارهم؛ فهم أحق الناس به‪.‬‬
‫وقييل‪" :‬ولكين ال يسيلط رسيله على مين يشاء" للفقراء المهاجريين لكيل يكون المال دولة للغنياء‬
‫ميين بنييي الدنيييا‪ .‬وقيييل‪ :‬وال شديييد العقاب للمهاجرييين؛ أي شديييد العقاب للكفار بسييبب الفقراء‬
‫المهاجريين ومين أجلهيم‪ .‬ودخيل فيي هؤلء الفقراء المتقدم ذكرهيم فيي قوله تعالى‪" :‬ولذي القربيى‬
‫واليتاميى"‪ .‬وقييل‪ :‬هيو عطيف على ميا مضيى‪ ،‬ولم يأت بواو العطيف كقولك‪ :‬هذا المال لزييد لبكير‬
‫لفلن لفلن‪ .‬والمهاجرون هنيا‪ :‬مين هاجير إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم حبيا فييه ونصيرة له‪ .‬قال‬
‫قتادة‪ :‬هؤلء المهاجرون الذيين تركوا الديار والموال والهليين والوطان حبيا ل ولرسيول‪ ،‬حتيى‬
‫إن الرجيل منهيم كان يعصيب الحجير على بطنيه ليقييم بيه صيلبه مين الجوع‪ ،‬وكان الرجيل يتخيذ‬
‫الحفيرة فيي الشتاء ماله دثار غيرهيا‪ .‬وقال عبدالرحمين بين أبزى وسيعيد بين جيبير‪ :‬كان ناس مين‬
‫المهاجريين لحدهيم العبيد والزوجية والدار والناقية يحيج عليهيا ويغزو فنسيبهم ال إلى الفقير وجحيل‬
‫لهيم سيهما فيي الزكاة‪ .‬ومعنيى "أخرجوا مين ديارهيم" أي أخرجهيم كفار مكية؛ أي أحوجوهيم إلى‬
‫الخروج؛ وكانوا مائة رجل‪" .‬يبتغون" يطلبون‪" .‬فضل من ال" أي غنيمة في الدنيا "ورضوانا"‬
‫فييي الخرة؛ أي مرضاة ربهييم‪" .‬وينصييرون ال ورسييوله" فييي الجهاد فييي سييبيل ال‪" .‬أولئك هييم‬
‫الصيادقون" فيي فعلهيم ذلك‪ .‬وروي أن عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه خطيب بالجابيية فقال‪ :‬مين‬
‫أراد أن يسيأل عين القرآن فليأت أبيي بين كعيب‪ ،‬ومين أراد أن يسيأل عين الفرائض فليأت زييد بين‬
‫ثابت‪ ،‬ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل‪ ،‬ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني؛ فإن‬
‫ال تعالى جعلنيي له خازنيا وقاسيما‪ .‬أل وإنيي باد بأزواج النيبي صيلى ال علييه وسيلم فمعطيهين‪ ،‬ثيم‬
‫المهاجرين الولين؛ أنا وأصحابي اخرجنا من مكة من ديارنا وأموالنا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 9 :‬والذيين تبوؤا الدار واليمان مين قبلهيم يحبون مين هاجير إليهيم ول يجدون فيي‬
‫صييدورهم حاجية مميا أوتوا ويؤثرون على أنفسيهم ولو كان بهييم خصياصة ومين يوق شيح نفسيه‬
‫فأولئك هم المفلحون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيين تبوؤوا الدار واليمان مين قبلهيم" ل خلف أن الذيين تبوؤوا الدار هيم‬
‫النصيار الذيين اسيتوطنوا المدينية قبيل المهاجريين إليهيا‪" .‬واليمان" نصيب بفعيل غيير تبوأ؛ لن‬
‫التبوء إنما يكون في الماكن‪ .‬و"من قبلهم" "من" صلة تبوأ والمعنى‪ :‬والذين تبوؤوا الدار من قبل‬
‫المهاجرييين واعتقدوا اليمان وأخلصييوه؛ لن اليمان ليييس بمكان يتبوأ؛ كقوله تعالى‪" :‬فأجمعوا‬
‫أمركم وشركاءكيم" [يونس‪ ]71 :‬أي وادعوا شركاءكم؛ ذكره أبو علي والزمخشري وغيرهما‪.‬‬
‫ويكون مين باب قوله‪ :‬علفتهيا تبنيا وماء باردا‪ .‬ويجوز حمله على حذف المضاف كأنيه قال‪ :‬تبوؤوا‬
‫الدار ومواضع اليمان‪ .‬ويجوز حمله على ما دل عليه تبوأ؛ كأنه قال‪ :‬لزموا الدار ولزموا اليمان‬
‫فلم يفارقوهمييا‪ .‬ويجوز أن يكون تبوأ اليمان عييل طريييق المثييل؛ كمييا تقول‪ :‬تبوأ ميين بنييي فلن‬
‫الصميم‪ .‬والتبوء‪ :‬التمكن والستقرار‪ .‬وليس يريد أن النصار آمنوا قبل المهاجرين‪ ،‬بل أراد آمنوا‬
‫قبل هجرة النبي صلى ال عليه وسلم إليهم‪.‬‬
‫@ واختلف أيضا هل هذه الية مقطوعة مما قبلها أو معطوفة؛ فتأول قوم أنها معطوفة على قوله‬
‫‪" ":‬للفقراء المهاجرين" وأن اليات التي في الحشر كلها معطوفة بعضها على بعض‪ .‬ولو تأملوا‬
‫ذلك وأنصييفوا لوجدوه على خلف مييا ذهبوا إليييه؛ لن ال تعالى يقول‪" :‬هييو الذي أخرج الذييين‬
‫كفروا ميين أهييل الكتاب ميين ديارهييم لول الحشيير مييا ظننتييم أن يخرجوا" إلى قوله "الفاسييقين"‬
‫[الحشير‪ ]2 :‬فأخيبر عين بنيي النضيير وبنيي قينقاع‪ .‬ثيم قال‪" :‬وميا أفاء ال على رسيوله منهيم فميا‬
‫أوجفتيم علييه مين خييل ول ركاب ولكين ال يسيلط رسيله على مين يشاء" فأخيبر أن ذلك للرسيول‬
‫صلى ال عليه وسلم؛ لنه لم يوجف عليه حين خلوه‪ .‬وما تقدم فيهم من القتال وقطع شجرهم فقد‬
‫كانوا رجعوا عنييه وانقطييع ذلك الميير‪ .‬ثييم قال‪" :‬مييا أفاء ال على رسييوله ميين أهييل القرى فلله‬
‫وللرسيول ولذي القربيى واليتاميى والمسياكين وابين السيبيل" وهذا كلم غيير معطوف على الول‪.‬‬
‫وكذا "والذييين تبوؤوا الدار واليمان" ابتداء كلم فييي مدح النصييار والثناء عليهييم؛ فإنهييم سييلموا‬
‫ذلك الفييء للمهاجريين؛ وكأنيه قال؛ الفييء للفقراء المهاجريين؛ والنصيار يحبون لهيم لم يحسيدوهم‬
‫على ما صفا لهم من الفيء‪ .‬وكذا "والذين جاؤوا من بعدهم" [الحشر‪ ]10 :‬ابتداء كلم؛ والخبر‬
‫"يقولون ربنا اغفر لنا" [الحشر‪.]10 :‬‬
‫وقال إسييماعيل بيين إسييحاق‪ :‬إن قوله "والذييين تبوؤوا الدار" "والذييين جاؤوا معطوف على مييا‬
‫قبل‪ ،‬وأنهم شركاء في الفيء؛ أي هذا المال للمهاجرين والذين تبوؤوا الدار‪ .‬وقال مالك بن أوس‪:‬‬
‫قرأ عمر بن الخطاب رضيي ال عنه هذه اليية "إنما الصدقات للفقراء" [التوبة‪ ]60 :‬فقال‪ :‬هذه‬
‫لهؤلء‪ .‬ثم قرأ "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن ل خمسه" فقال‪ :‬هذه لهؤلء‪ .‬ثم قرأ "ما أفاء ال‬
‫على رسيوله ‪ -‬حتيى بلغ ‪ -‬للفقراء المهاجريين"‪" ،‬والذيين تبوؤوا الدار واليمان"‪" ،‬والذيين جاؤوا‬
‫مين بعدهم" ثيم قال‪ :‬لئن عشيت ليأتين الراعيي وهو بسيرو حميير نصييبه منهيا لم يعرق فيهيا جيبينه‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬إنيه دعيا المهاجريين والنصيار واسيتشارهم فيميا فتيح ال علييه مين ذلك‪ ،‬وقال لهيم‪ :‬تثبتوا‬
‫المير وتدبروه ثيم أغدوا علي‪ .‬ففكير فيي ليلتيه فتيبين له أن هذه اليات فيي ذلك أنزلت‪ .‬فلميا غدوا‬
‫علييه قال‪ :‬قيد مررت البارحية باليات التيي فيي سيورة "الحشير" وتل "ميا أفاء ال على رسيوله من‬
‫أهييل القرى ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬للفقراء المهاجرييين" فلمييا بلغ قوله‪" :‬أولئك هييم الصييادقون" [الحجرات‪:‬‬
‫‪ ]15‬قال ‪ :‬ما هي لهؤلء فقط‪ .‬وتل قوله‪" :‬والذين جاؤوا من بعدهم" إلى قوله "رؤوف رحيم"‬
‫[الحشر‪ ]10 :‬ثم قال‪ :‬ما بقي أحد من أهل السلم إل وقد دخل في ذلك‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫@ روى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر قال‪ :‬لول من يأتي من آخر الناس ما فتحت قرية‬
‫إل قسمتها كميا قسيم رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم خييبر‪ .‬وفيي الروايات المسيتفيضة مين الطرق‬
‫الكثيرة‪ :‬أن عمر أبقى سواد العراق ومصر وما ظهر عليه من الغنائم؛ لتكون من أعطيات المقاتلة‬
‫وأرزاق الحشوة والذراري‪ ،‬وأن الزبيير وبلل وغيير واحيد مين الصحابة أرادوه على قسم ما فتح‬
‫عليهيم؛ فكره ذلك منهيم واختلف فيميا فعيل مين ذلك؛ فقييل‪ :‬إنيه اسيتطاب أنفيس أهيل الجييش؛ فمين‬
‫رضيي له بترك حظيه بغيير ثمين ليبقييه للمسيلمين قلة‪ .‬ومين أبيى أعطاه ثمين حظيه‪ .‬فمين قال‪ :‬إنميا‬
‫أبقى الرض بعد استطابة أنفس القوم جعل فعله كفعل النبي صلى ال عليه وسلم؛ لنه قسم خيبر‪،‬‬
‫لن اشتراءه إياهيا وترك مين ترك عين طييب نفسيه بمنزلة قسيمها‪ .‬وقييل‪ :‬إنيه أبقاهيا بغيير شييء‬
‫أعطاه أهيل الجيوش‪ .‬وقييل إنيه تأول فيي ذلك قول ال سيبحانه وتعالى‪" :‬للفقراء المهاجريين ‪ -‬إلى‬
‫قوله ‪ -‬ربنا إنك رؤوف رحيم" على ما تقدم‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فيي قسيمة العقار؛ فقال مالك‪ :‬للمام أن يوقفهيا لمصيالح المسيلمين‪ .‬وقال أبيو‬
‫حنيفية‪ :‬المام مخيير بين أن يقسمها أو يجعلها وقفا لمصيالح المسيلمين‪ .‬وقال الشافعيي‪ :‬لييس للمام‬
‫حبسيها عنهم بغير رضاهم‪ ،‬بل يقسمها عليهم كسائر الموال‪ .‬فمن طاب نفسا عن حقه للمام أن‬
‫يجعله وقفيا عليهيم فله‪ .‬ومين لم تطيب نفسيه فهيو أحيق بمال‪ .‬وعمير رضيي ال عنيه اسيتطاب نفوس‬
‫الغانمين واشتراها منهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا يكون قوله‪" :‬والذين جاؤوا من بعدهم" [الحشر‪ ]10 :‬مقطوعا مما قبله‪ ،‬وانهم‬
‫ندبوا بالدعاء للولين والثناء عليهم‪.‬‬
‫@ قال ابن وهب‪ :‬سمعت مالكا يذكر فضل المدينة على غيرها من الفاق فقال‪ :‬إن المدينة تبوئت‬
‫باليمان والهجرة‪ ،‬وإن غيرهيا مين القرى افتتحيت بالسييف؛ ثيم قرأ "والذيين تبوؤوا الدار واليمان‬
‫ميين قبلهييم يحبون ميين هاجيير إليهييم" الييية‪ .‬وقييد مضييى الكلم فييي هذا‪ ،‬وفييي فضييل الصييلة فييي‬
‫المسجدين‪ :‬المسجد الحرام ومسجد المدينة؛ فل معنى للعادة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا" يعني ل يحسدون المهاجرين على ما‬
‫خصوا به من مال الفيء وغيره؛ كذلك قال الناس‪ .‬وفيه تقدير حذف مضافين؛ المعنى مس حاجة‬
‫ميين فقييد مييا أوتوا‪ .‬وكييل مييا يجييد النسييان فييي صييدره ممييا يحتاج إلى إزالتييه فهييو حاجيية‪ .‬وكان‬
‫المهاجرون فيي دور النصيار‪ ،‬فلميا غنيم علييه الصيلة والسيلم أموال بنيي النضيير‪ ،‬دعيا النصيار‬
‫وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين في إنزالهم إياهم في منازلهم‪ ،‬وإشراكهم في أموالهم‪ .‬ثم قال‪:‬‬
‫(إن أحببتيم قسيمت ميا أفاء ال علي مين بنيي النضيير بينكيم وبينهيم‪ ،‬وكان المهاجرون على ميا هيم‬
‫عليه من السكنى فيي مساكنكم وأموالكم وإن أحببتم أعطيتهيم وخرجوا من دوركم)‪ .‬فقال سعد بن‬
‫عبادة وسعد بن معاذ‪ :‬بل نقسمه بين المهاجرين‪ ،‬ويكونون في دورنا كما كانوا‪ .‬ونادت النصار‪:‬‬
‫رضينيا وسيلمنا ييا رسيول ال‪ ،‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬اللهيم ارحيم النصيار وأبناء‬
‫النصيار)‪ .‬وأعطيى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم المهاجريين ولم يعيط النصيار شيئا إل الثلثية‬
‫الذين ذكرناهم‪ .‬ويحتمل أن يريد به "ول يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا" إذا كان قليل بل‬
‫يقنعون به ويرضون عنه‪ .‬وقد كانوا على هذه الحالة حين حياة النبي صلى ال عليه وسلم دنيا‪ ،‬ثم‬
‫كانوا علييه بعيد موتيه صيلى ال علييه وسيلم بحكيم الدنييا‪ .‬وقيد أنذرهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫وقال‪( :‬سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" في الترمذي عن أبي هريرة‪ :‬أن‬
‫رجل بات بيه ضييف فلم يكين عنده إل قوتيه وقوت صيبيانه؛ فقال لمرأتيه‪ :‬نوميي الصيبية وأطفئي‬
‫السيييراج وقربيييي للضييييف ميييا عندك؛ فنزلت هذه اليييية "ويؤثرون على أنفسيييهم ولو كان بهيييم‬
‫خصياصة" قال‪ :‬هذا حدييث حسين صيحيح‪ .‬خرجيه مسيلم أيضيا‪ .‬وخرج عين أبيي هريرة قال‪ :‬جاء‬
‫رجييل إلى رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم فقال‪ :‬إنييي مجهود‪ .‬فأرسييل إلى بعييض نسييائه فقالت‪:‬‬
‫والذي بعثيك بالحيق ميا عندي إل ماء‪ .‬ثيم أرسيل إلى الخرى فقالت مثيل ذلك؛ حتيى قلن كلهين مئل‬
‫ذلك‪ :‬ل والذي بعثك بالحق ما عندي إل ماء‪ .‬فقال‪ :‬من يضيف هذا الليلة رحمه ال؟ فقام رجل من‬
‫النصار فقال‪ :‬أنا يا رسول ال‪ .‬فانطلق به إلى رحله فقال لمرأته‪ :‬هل عندك شيء؟ قالت‪ :‬ل‪ ،‬إل‬
‫قوت صيبياني‪ .‬قال‪ :‬فعلليهيم بشييء فإذا دخيل ضيفنيا فأطفئي السيراج وأرييه أنيا نأكيل؛ فإذا أهوى‬
‫ليأكيل فقوميي إلى السيراج حتيى تطفئييه‪ .‬قال‪ :‬فقعدوا وأكيل الضييف‪ .‬فلميا أصيبح غدا على النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال‪( :‬قد عجب ال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬من صنيعكما بضيفكما الليلة)‪ .‬وفي رواية‬
‫عين أبيي هريرة فال‪ :‬جاء رجييل إلى رسيول ال صييلى ال عليييه وسييلم ليضيفيه فلم يكين عنده ميا‬
‫يضيفه‪ .‬فقال‪( :‬أل رجل يضيف هذا رحمه ال)؟ فقام رجل من النصار يقال له أبو طلحة‪ .‬فانطلق‬
‫بيه إلى رحله‪...‬؛ وسياق الحدييث بنحيو الذي قبله‪ ،‬وذكير فييه نزول اليية‪ .‬وذكير المهدوي عين أبيي‬
‫هريرة أن هذا نزل فيي ثابيت بين قييس ورجيل من النصيار ‪ -‬نزل بيه ثابيت ‪ -‬يقال له أبيو المتوكيل‪،‬‬
‫فلم يكين عنيد أبيي المتوكيل إل قوتيه وقوت صيبيانه؛ فقال لمرأتيه‪ :‬أطفئي السيراج ونوميي الصيبية؛‬
‫وقدم ما كان عنده إلى ضيفه‪.‬‬
‫وكذا ذكير النحاس قال‪ :‬قال أبيو هريرة‪ :‬نزل برجيل مين النصيار ‪ -‬يقال له أبيو المتوكيل ‪ -‬ثابيت‬
‫بيين قيييس ضيفييا‪ ،‬ولم يكيين عنده إل قوتييه وقوت صييبيانه؛ فقال لمرأتييه‪ :‬أطفئي السييراج ونومييي‬
‫الصييييبية؛ فنزلت "ويؤثرون على أنفسييييهم ولو كان بهييييم خصيييياصة ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬فأولئك هييييم‬
‫المفلحون"‪ .‬وقييل‪ :‬إن فاعيل ذلك أبيو طلحية‪ .‬وذكير القشيري أبيو نصير عبدالرحييم بين عبدالكرييم‪:‬‬
‫وقال ابن عمر‪ :‬أهدي لرجل من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم رأس شاة فقال‪ :‬إن أخي‬
‫فلنيا وعياله أحوج إلى هذا منيا؛ فبعثيه إليهيم‪ ،‬فلم يزل يبعيث بيه واحيد إلى آخير حتيى تداولهيا سيبعة‬
‫أبيات‪ ،‬حتييى رجعييت إلى أولئك؛ فنزلت "ويؤثرون على أنفسييهم"‪ .‬ذكره الثعلبييي عيين أنييس قال‪:‬‬
‫أهدي لرجيل مين الصيحابة رأس شاة وكان مجهودا فوجيه بيه إلى جار له‪ ،‬فتداولتيه سيبعة أنفيس فيي‬
‫سبعة أبيات‪ ،‬ثم عاد إلى الول؛ فنزلت‪" :‬ويؤثرون على أنفسهم" الية‪ .‬وقال ابن عباس قال النبي‬
‫للنصار يوم بني النضير‪( :‬إن شئتم قسمت للمهاجرين من دياركم وأموالكم وشاركتموهم في هذه‬
‫الغنيمية وإن شئتيم كانيت لكيم دياركيم وأموالكيم ولم نقسيم لكيم مين الغنيمية شيئا) فقالت النصيار‪ :‬بيل‬
‫نقسييم لخواننييا ميين ديارنييا وأموالنييا ونؤثرهييم بالغنيميية؛ فنزلت "ويؤثرون على أنفسييهم" الييية‪.‬‬
‫والول أصييح‪ .‬وفييي الصييحيحين عيين أنييس‪ :‬أن الرجييل كان يجعييل للنييبي صييلى ال عليييه وسييلم‬
‫النخلت مين أرضيه حتيى فتحيت علييه قريظية والنضيير‪ ،‬فجعيل بعيد ذلك يرد علييه ميا كان أعطاه‪.‬‬
‫لفيظ مسيلم‪ .‬وقال الزهري عين أنيس بين مالك‪ :‬لميا قدم المهاجرون مين مكية المدينية قدموا ولييس‬
‫بأيديهيم شييء‪ ،‬وكان النصيار أهيل الرض والعقار‪ ،‬فقاسيمهم النصيار على أن أعطوهيم أنصياف‬
‫ثمار أموالهم كل عام ويكفونهم العمل والمؤونة؛ وكانت أم أنس بن مالك تدعي أم سليم‪ ،‬وكانت أم‬
‫عبدال بن أبي طلحة‪ ،‬كان أخا لنس لمه؛ وكانت أعطت أم أنس رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عذاقيا لهيا؛ فأعطاهيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أم أيمين مولتيه‪ ،‬ثيم أسيامة بين زييد‪ .‬قال ابين‬
‫شهاب‪ :‬فأخيبرني أنيس بين مالك‪ :‬أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لميا فرغ مين قتال أهيل خييبر‬
‫وانصرف إلى المدينة‪ ،‬رد المهاجرون إلى النصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم‪ .‬قال‪:‬‬
‫فرد رسول ال صيلى ال عليه وسلم إلى أمي عذاقها‪ ،‬وأعطى رسيول ال صلى ال عليه وسلم أم‬
‫أيمن مكانهن من حائطه‪ .‬خرجه مسلم أيضا‪.‬‬
‫@ اليثار‪ :‬هيو تقدييم الغيير على النفيس وحظوظهيا الدنيويية‪ ،‬ورغبية فيي الحظوظ الدينيية‪ .‬وذلك‬
‫ينشيأ عين قوة اليقيين‪ ،‬وتوكييد المحبية‪ ،‬والصيبر على المشقية‪ .‬يقال‪ :‬آثرتيه بكذا؛ أي خصيصته بيه‬
‫وفضلته‪ .‬ومفعول اليثار محذوف؛ أي يؤثرونهم على أنفسهم بأموالهم ومنازلهم‪ ،‬ل عن غنى بل‬
‫مع احتياجهم إليها؛ حسب ما تقدم ببانه‪ .‬وفي موطأ مالك‪" :‬أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬أن مسكينا سألها وهي صائمة وليس في بيتها إل رغيف؛ فقالت لمولة لها‪ :‬أعطيه‬
‫إياه؛ فقالت‪ :‬لييس لك ميا تفطريين علييه؟ فقالت‪ :‬أعطييه إياه‪ .‬قالت‪ :‬ففعلت‪ .‬قالت‪ :‬فلميا أمسيينا أهدى‬
‫لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا‪ :‬شاة وكفنها‪ .‬فدعتني عائشة فقالت‪ :‬كلي من هذا‪ ،‬فهذا خير‬
‫من قرصك‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬هذا من المال الرابح‪ ،‬والفعل الزاكي عند ال تعالى يعجل منه ما يشاء‪،‬‬
‫ول ينقص ذلك مما يدخره عنه‪ .‬ومن ترك شيئا ل لم يجد فقده‪ .‬وعائشة رضي ال عنها في فعلها‬
‫هذا مين الذيين أثنيى ال عليهيم بأنهيم يؤثرون على أنفسيهم ميع ميا هيم فييه مين الخصياصة‪ ،‬وأن مين‬
‫فعيل ذلك فقيد وقيى شيح نفسيه وأفلح فلحيا ل خسيارة بعده‪ .‬ومعنيى (شاة وكفنهيا) فإن العرب ‪ -‬أو‬
‫بعيض العرب أو بعيض وجوههيم ‪ -‬كان هذا مين طعامهيم‪ ،‬يأتون إلى الشاة أو الخروف إذا سيلخوه‬
‫غطوه كله بعجييين البر وكفنوه بييه ثييم علقوه فييي التنور‪ ،‬فل يخرج ميين ودكييه شيييء إل فييي ذلك‬
‫الكفن؛ وذلك من طيب الطعام عندهم‪.‬‬
‫وروى النسيائي عين نافيع أن ابين عمير اشتكيى واشتهيى عنبيا‪ ،‬فاشترى له عنقود بدرهيم‪ ،‬فجاء‬
‫مسيكين فسيأل؛ فقال‪ :‬اعطوه إياه؛ فخالف إنسيان فاشتراه بدرهيم‪ ،‬ثيم جاء بيه إلى ابين عمير‪ ،‬فجاء‬
‫المسكين فسأل؛ فقال‪ :‬أعطوه إياه؛ ثم خالف إنسان فاشتراه بدرهم‪ ،‬ثم جاء به إليه؛ فأراد السائل أن‬
‫يرجيع فمنيع‪ .‬ولو علم ابين عمير أنيه ذلك العنقود ميا ذاقيه؛ لن ميا خرج ل ل يعود فييه‪ .‬وذكير ابين‬
‫المبارك قال‪ :‬أخبرنيا محميد بين مطرف قال‪ :‬حدثنيا أبيو حازم عين عبدالرحمين بين سيعيد بين يربوع‬
‫عن مالك الدار‪ :‬أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه أخذ أربعمائة دينار‪ ،‬فجعلها في صرة ثم قال‬
‫للغلم‪ :‬اذهيب بهيا إلى أبيي عيبيدة بين الجراح‪ ،‬ثيم تلكيأ سياعة فيي البييت حتيى تنظير ماذا يصينع بهيا‪.‬‬
‫فذهب بها الغلم إليه فقال‪ :‬يقول لك أمير المؤمنين‪ :‬اجعل هذه في بعض حاجتك؛ فقال‪ :‬وصله ال‬
‫ورحميه‪ ،‬ثيم قال‪ :‬تعالي ييا جاريية‪ ،‬اذهيبي بهذه السيبعة إلى فلن‪ ،‬وبهذه الخمسية إلى فلن؛ حتيى‬
‫أنفذهيا‪ .‬فرجيع الغلم إلى عمير‪ ،‬فأخيبره فوجده قيد أعيد مثلهيا لمعاذ بين جبيل؛ وقال‪ :‬اذهيب بهذا إلى‬
‫معاذ بين جبيل؛ وتلكيأ فيي البييت سياعة حتيى تنظير ماذا يصينع‪ ،‬فذهيب بهيا إلييه فقال‪ :‬يقول لك أميير‬
‫المؤمنين‪ :‬اجعل هذه في بعض حاجتك‪ ،‬فقال‪ :‬رحمه ال ووصله‪ ،‬وقال‪ :‬يا جارية‪ ،‬اذهبي إلى بيت‬
‫فلن بكذا وبييت فلن بكذا‪ ،‬فاطلعيت امرأة معاذ فقالت‪ :‬ونحين! وال مسياكين فأعطنيا‪ .‬ولم يبيق فيي‬
‫الخرقية إل ديناران قيد جاء بهميا إليهيا‪ .‬فرجيع الغلم إلى عمير فأخيبره فسير بذلك عمير وقال‪ :‬إنهيم‬
‫إخوة! بعضهم من بعض‪.‬‬
‫ونحوه عين عائشية رضيي ال عنهيا فيي إعطاء معاويية إياهيا‪ ،‬وكان عشرة آلف وكان المنكدر‬
‫دخيل عليهيا‪ .‬فإن قييل‪ :‬وردت أخبار صيحيحة فيي النهيي عين التصيدق بجمييع ميا يملكيه المرء‪ ،‬قييل‬
‫له‪ :‬إنما كره ذلك في حق من ل يوثق منه الصبر على الفقر‪ ،‬وخاف أن يتعرض للمسألة إذا فقد ما‬
‫ينفقيه‪ .‬فأميا النصيار الذيين أثنيى ال عليهيم باليثار على أنفسيهم‪ ،‬فلم يكونوا بهذه الصيفة‪ ،‬بيل كانوا‬
‫كمييا قال ال تعالى‪" :‬والصييابرين فييي البأسيياء والضراء وحييين البأس" [البقرة‪ .]177 :‬وكان‬
‫اليثار فيهييم أفضييل ميين المسيياك‪ .‬والمسيياك لن ل يصييبر ويتعرض للمسييألة أولى ميين اليثار‪.‬‬
‫وروي أن رجل جاء إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم بمثيل البيضية مين الذهيب فقال‪ :‬هذه صيدقة‪،‬‬
‫فرماه بها وقال‪( :‬يأتي أحدكم بجميع ما يملكه فيتصدق به ثم يقعد يتكفف الناس)‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫@ واليثار بالنفس فوق اليثار بالمال وإن عاد إلى النفس‪ .‬ومن المثال السائرة‪:‬‬
‫والجود بالنفس أقصى غاية الجود‬
‫ومن عبارات الصوفية الرشيقة في حد المحبة‪ :‬أنها اليثار‪ ،‬أل ترى أن امرأة العزيز لما تناهت‬
‫فيي حبهيا ليوسيف علييه السيلم‪ ،‬آثرتيه على نفسيها فقالت‪ :‬أنيا راودتيه عين نفسيه‪ .‬وأفضيل الجود‬
‫بالنفيس الجوة على حمايية رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬ففيي الصيحيح أن أبيا طلحية ترس على‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم يوم أحد‪ ،‬وكان النبي صلى ال عليه وسلم يتطلع ليرى القوم‪ .‬فيقول له‬
‫أبيو طلحية‪ :‬ل تشرف ييا رسيول ال! ل يصييبونك! نحري دون نحرك ووقيى بيده رسيول ال صيلى‬
‫ال عليه وسلم فشلت‪ .‬وقال حذيفة العدوي‪ :‬انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي ‪ -‬ومعي شيء‬
‫مين الماء ‪ -‬وأنا أقول‪ :‬إن كان به رميق سقيته‪ ،‬فإذا أنا بيه‪ ،‬فقلت له‪ :‬أسقيك‪ ،‬فأشار برأسيه أن نعيم‪،‬‬
‫فإذا أنيا برجيل يقول‪ :‬آه! آه! فأشار إلي ابين عميي أن انطلق إلييه‪ ،‬فاذا هيو هشام بين العاص فقلت‪:‬‬
‫أسقيك؟ فأشار أن نعم‪ .‬فسمع آخر يقول‪ :‬آه! آه! فأشار هشام أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات‪.‬‬
‫فرجعييت إلى هشام فإذا هييو قييد مات‪ .‬فرجعييت إلى ابيين عمييي فإذا هييو قييد مات‪ .‬وقال أبييو يزيييد‬
‫البسطامي‪ :‬ما غلبني أحد ما غلبني شاب من أهل بلخ! قدم علينا حاجا فقال لي‪ :‬يا أبا يزيد‪ ،‬ما حد‬
‫الزهد عندكم؟ فقلت‪ :‬إن وجدنا أكلنا‪ .‬وإن فقدنا صبرنا‪ .‬فقال‪ :‬هكذا كلب بلخ عندنا‪ .‬فقلت‪ :‬وما حد‬
‫الزهيد عندكيم؟ قال‪ :‬إن فقدنيا شكرنيا‪ ،‬وإن وجدنيا آثرنيا‪ .‬وسيئل ذو النون المصيري‪ :‬ميا حيد الزاهيد‬
‫المنشرح صدره؟ قال ثلث‪ :‬تفريق المجموع‪ ،‬وترك طلب المفقود‪ ،‬واليثار عند القوت‪.‬‬
‫وحكيي عين أبيي الحسين النطاكيي‪ :‬أنيه اجتميع عنده نييف وثلثون رجل بقريية مين قرى الري‪،‬‬
‫ومعهيم أرغفية معدودة ل تشبيع جميعهيم‪ ،‬فكسيروا الرغفان وأطفؤوا السيراج وجلسيوا للطعام؛ فلميا‬
‫رفييع فإذا الطعام بحاله لم يأكييل منييه أحييد شيئا؛ إيثارا لصيياحبه على نفسييه‪ .‬العاشرة‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫"ولو كان بهم خصاصة" الخصاصة‪ :‬الحاجة التي مختل بها الحال‪ .‬وأصلها من الختصاص وهو‬
‫انفراد بالمر‪ .‬فالخصاصة النفراد بالحاجة؛ أي ولو كان بهم فاقة وحاجة‪ .‬ومنه قول الشاعر‪.‬‬
‫عاش السقيم به وأثرى المقتر‬ ‫أما الربيع إذا تكون خصاصة‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" الشح والبخل سواء؛ يقال‪ :‬رجل شحيح‬
‫بين الشح والشح والشحاحة‪ .‬قال عمرو بن كلثوم‪:‬‬
‫عليه لماله فيها مهينا‬ ‫ترى اللحز الشحيح إذا مرت‬
‫وجعيل بعيض أهيل اللغية الشيح أشيد مين البخيل‪ .‬وفيي الصيحاح‪ :‬الشيح البخيل ميع حرص؛ تقول‪:‬‬
‫شححت (بالكسر) تشح‪ .‬وشححت أيضا تشح وتشح‪ .‬ورجل شحيح‪ ،‬وقوم شحاح وأشحة‪ .‬والمراد‬
‫باليية‪ :‬الشيح بالزكاة وميا لييس بفرض مين صيلة ذوي الرحام والضيافية‪ ،‬وميا شاكيل ذلك‪ .‬فلييس‬
‫بشحييح ول بخييل مين أنفيق فيي ذلك وإن أمسيك عين نفسيه‪ .‬ومين وسيع على نفسيه ولم ينفيق فيميا‬
‫ذكرناه مين الزكوات والطاعات فلم يوق شيح نفسيه‪ .‬وروى السيود عين ابين مسيعود أن رجل أتاه‬
‫فقال له‪ :‬إني أخاف أن أكون قد هلكت؟ قال‪ :‬وما ذاك؟ قال‪ :‬سمعت ال عز وجل يقول‪" :‬ومن يوق‬
‫شح نفسه فأولئك هم المفلحون" وأنا رجل شحيح ل أكاد أن أخرج من يدي شيئا‪ .‬فقال ابن مسعود‪:‬‬
‫ليييس ذلك بالشييح الذي ذكره ال تعالى فييي القرآن‪ ،‬إنمييا الشييح الذي ذكره ال تعالى فييي القرآن أن‬
‫تأكيل مال أخييك ظلميا‪ ،‬ولكين ذلك البخيل‪ ،‬وبئس الشييء البخيل‪ .‬ففرق رضيي ال عنيه بيين الشيح‬
‫والبخيل‪ .‬وقال طاوس‪ :‬البخيل أن يبخيل النسيان بميا فيي يده‪ ،‬والشيح أن يشيح بميا فيي أيدي الناس‪،‬‬
‫يحييب أن يكون له مييا فييي أيديهييم بالحييل والحرام‪ ،‬ل يقنييع‪ .‬ابيين جييبير‪ :‬الشييح منييع الزكاة وادخار‬
‫الحرام‪ .‬ابن عيينة‪ :‬الشح الظلم‪ .‬الليث‪ :‬ترك الفرائض وانتهاك المحارم‪ .‬ابن عباس‪ :‬من اتبع هواه‬
‫ولم يقبل اليمان فذلك الشحيح‪ .‬ابن زيد‪ :‬من لم يأخذ شيئا لشيء نهاه ال عنه‪ ،‬ولم يدعه الشح على‬
‫أن يمنيع شيئا مين شييء أمره ال بيه‪ ،‬فقيد وقاه ال شيح نفسيه‪ .‬وقال أنيس‪ :‬قال النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪( :‬بريء من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأعطى في النائبة)‪ .‬وعنه أن النبي صلى‬
‫ال علييه وسيلم كان يدعيو (اللهيم إنيي أعوذ بيك مين شيح نفسيي وإسيرافها ووسياوسها)‪ .‬وقال أبيو‬
‫الهياج السدي‪ :‬رأيت رجل في الطواف يدعو‪ :‬اللهم قني شح نفسي‪ .‬ل يزيد على ذلك شيئا‪ ،‬فقلت‬
‫له؟ فقال‪ :‬إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل‪ .‬فاذا الرجل عبدالرحمن بن عوف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يدل على هذا قوله صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامية واتقوا‬
‫الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)‪ .‬وقد بيناه‬
‫في آخر "آل عمران"‪ .‬وقال كسرى لصحابه‪ :‬أي شيء أضر بابن آدم؟ قالوا‪ :‬الفقر‪ .‬فقال كسرى‪:‬‬
‫الشح أضر من الفقر؛ لن الفقير إذا وجد شبع‪ ،‬والشحيح إذا وجد لم يشبع أبدا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليمان‬
‫ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيين جاؤوا من بعدهيم" يعنيي التابعيين ومن دخل في السيلم إلى يوم القيامية‪.‬‬
‫قال ابيين أبييي ليلى‪ :‬الناس على ثلثيية منازل‪ :‬المهاجرون‪ ،‬والذييين تبوؤوا الدار واليمان‪ ،‬والذييين‬
‫جاؤوا من بعدهم‪ .‬فاجهد أل تخرج من هذه المنازل‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬كن شمسا‪ ،‬فإن لم تستطع فكن‬
‫قمرا‪ ،‬فإن لم تسيتطع فكين كوكبيا مضيئا‪ ،‬فإن لم تسيتطع فكين كوكبيا صيغيرا‪ ،‬ومين جهية النور ل‬
‫تنقطيع‪ .‬ومعنيى هذا‪ :‬كين مهاجرييا‪ .‬فإن قلت‪ :‬ل أجيد‪ ،‬فكين أنصياريا‪ .‬فإن لم تجيد فاعميل كأعمالهيم‪،‬‬
‫فإن لم تسيتطع فأحبهيم واستغفر لهيم كميا أمرك ال‪ .‬وروى مصيعب بن سيعد قال‪ :‬الناس على ثلثية‬
‫منازل‪ ،‬فمضيت منزلتان وبقييت منزلة؛ فأحسين ميا أنتيم علييه أن تكونوا بهذه المنزلة التيي بقييت‪.‬‬
‫وعن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي ال عنه‪ ،‬أنه جاءه رجل‬
‫فقال له‪ :‬يا ابن بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ما تقول في عثمان؟ فقال له‪ :‬يا أخي أنت من‬
‫قوم قال ال فيهم‪" :‬للفقراء المهاجرين" الية‪ .‬قال ل قال‪ :‬فوال لئن لم تكن من أهل الية فأنت من‬
‫قوم قال ال فيهييم‪" :‬والذييين تبوؤوا الدار واليمان" الييية‪ .‬قال ل قال‪ :‬فوال لئن لم تكيين ميين أهييل‬
‫الية الثالثة لتخرجن من السلم وهي قوله تعالى‪" :‬والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا‬
‫ولخواننا الذين سبقونا باليمان" الية‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن محمد بن علي بن الحسين‪ ،‬رضي ال عنهم‪،‬‬
‫روى عن أبيه‪ :‬أن نفرا من أهل العراق جاؤوا إليه‪ ،‬فسبوا أبا بكر وعمر ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬ثم‬
‫عثمان ‪ -‬رضيي ال عنيه ‪ -‬فأكثروا؛ فقال لهيم‪ :‬أمين المهاجريين الوليين أنتيم؟ قالوا ل‪ .‬فقال‪ :‬أفمين‬
‫الذين تبوؤوا الدار واليمان من قبلهم؟ فقالوا ل‪ .‬فقال‪ :‬قد تبرأتم من هذين الفريقين! أنا أشهد أنكم‬
‫لستم من الذين قال ال عز وجل‪" :‬والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين‬
‫سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم" قوموا‪ ،‬فعل ال بكم‬
‫وفعل ذكره النحاس‪.‬‬
‫@ هذه اليية دلييل على وجوب محبية الصيحابة؛ لنيه جعيل لمين بعدهيم حظيا فيي الفييء ميا أقاموا‬
‫على محبتهم وموالتهم والستغفار لهم‪ ،‬وأن من سبهم أو واحدا منهم أو اعتقد فيه شرا إنه ل حق‬
‫له فيي ألفييء؛ روي ذلك عين مالك وغيره‪ .‬قال مالك‪ :‬مين كان يبغيض أحدا مين أصيحاب محمييد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أو كان في قلبه عليهم غل‪ ،‬فليس له حق في فيء المسلمين؛ ثم قرأ "والذين‬
‫جاؤوا من بعدهم" الية‪.‬‬
‫@ هذه الية تدل على أن الصحيح من أقوال العلماء قسمة المنقول‪ ،‬وإبقاء العقار والرض شمل‬
‫بيين المسيلمين أجمعيين؛ كميا فعيل عمير رضيي ال عنيه؛ إل أن يجتهيد الوالي فينفيذ أمرا فيمضيى‬
‫عمله فييه لختلف الناس علييه وأن هذه اليية قاضيية بذلك؛ لن ال تعالى أخيبر عين الفييء وجعله‬
‫لثلث طوائف‪ :‬المهاجريين والنصييار ‪ -‬وهيم معلمون ‪" -‬والذييين جاؤوا مين بعدهييم يقولون ربنيا‬
‫اغفير لنيا ولخواننيا الذيين سيبقونا باليمان"‪ .‬فهيي عامية فيي جمييع التابعيين والتيين بعدهيم إلى يوم‬
‫الدين‪ .‬وفي الحديث الصحيح‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال‪( :‬السلم عليكم‬
‫دار قوم مؤمنيين وإنيا إن شاء ال بكيم لحقون وددت أن رأييت إخواننيا) قالوا‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬ألسينا‬
‫بإخوانيك؟ فقال‪( :‬بيل أنتيم أصيحابي وإخواننيا الذيين لم يأتوا بعيد وأنيا فرطهيم على الحوض)‪ .‬فيبين‬
‫صيلى ال علييه وسيلم أن إخوانهيم كيل مين يأتيي بعدهيم؛ ل كميا قال السيدي والكلبيي‪ :‬إنهيم الذيين‬
‫هاجروا بعيد ذلك‪ .‬وعين الحسين أيضيا "والذيين جاؤوا مين بعدهيم" مين قصيد إلى النيبي إلى المدينية‬
‫بعد انقطاع الهجرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يقولون" نصيب فيي موضيع الحال؛ أي قائليين‪" .‬ربنيا اغفير لنيا ولخواننيا الذيين‬
‫سيبقونا باليمان" فييه وجهان‪ :‬أحدهميا‪ :‬أمروا أن يسيتغفروا لمين سيبق هذه المية مين مؤمنيي أهيل‬
‫الكتاب‪ .‬قالت عائشييية رضيييي ال عنهيييا‪ :‬فأمروا أن يسيييتغفروا لهيييم فسيييبوهم‪ .‬الثانيييي‪ :‬أمروا أن‬
‫يسيتغفروا للسيابقين الوليين مين المهاجريين والنصيار‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬أمير ال تعالى بالسيتغفار‬
‫لصيحاب محميد صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وهيو يعلم أنهيم سييفتنون‪ .‬وقالت عائشية‪ :‬أمرتيم بالسيتغفار‬
‫لصيحاب محميد فسيببتموهم‪ ،‬سيمعت نيبيكم صيلى ال علييه وسيلم يقول‪( :‬ل تذهيب هذه المية حتيى‬
‫يلعن آخرها أولها) وقال ابن عمر‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬إذا رأيتم الذين‬
‫يسييبون أصييحابي فقولوا لعيين ال أشركييم)‪ .‬وقال العوام بيين حوشييب‪ :‬أدركييت صييدر هذه الميية‬
‫يقولون‪ :‬اذكروا محاسين أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم حتيى تألف عليهيم القلوب‪ ،‬ول‬
‫تذكروا مييا شجيير بينهييم فتجسييروا الناس عليهييم‪ .‬وقال الشعييبي‪ :‬تفاضلت اليهود والنصييارى على‬
‫الرافضة بخصلة‪ ،‬سئلت اليهود‪ :‬من خير أهل ملتكم؟ فقالوا‪ :‬أصحاب موسى‪ .‬وسئلت النصارى‪:‬‬
‫من خير أهل ملتكم؟ فقالوا‪ :‬أصحاب عيسى‪ .‬وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم؟ فقالوا‪ :‬أصحاب‬
‫محميد‪ ،‬أمروا بالسيتغفار لهيم فسيبوهم‪ ،‬فالسييف عليهيم مسيلول إلى يوم القيامية‪ ،‬ل تقوم لهيم رايية‪،‬‬
‫ول تثبت لهم قدم‪ ،‬ول تجتمع لهم كلمة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها ال بسفك دمائهم وإدحاض‬
‫حجتهيم‪ .‬أعاذنيا ال وإياكيم مين الهواء المضلة‪" .‬ول تجعيل فيي قلوبنيا غل للذيين آمنوا ربنيا إنيك‬
‫رؤوف رحيم" أي حقدا وحسدا" ربنا إنك رؤوف رحيم"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 11 :‬ألم تير إلى الذيين نافقوا يقولون لخوانهيم الذيين كفروا مين أهيل الكتاب لئن‬
‫أخرجتم لنخرجن معكم ول نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم وال يشهد إنهم لكاذبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تير إلى الذيين نافقوا" تعجيب مين اغترار اليهود بميا وعدهيم المنافقون مين‬
‫النصير ميع علمهيم بأنهيم ل يعتقدون دينيا ول كتابيا‪ .‬ومين جملة المنافقيين عبدال بين أبيي بين سيلول‪،‬‬
‫وعبدال بن نبتل‪ ،‬ورفاعة بن زيد‪ .‬وقيل‪ :‬رافعة بن تابوت‪ ،‬وأوس بن قيظي‪ ،‬كانوا من النصار‬
‫ولكنهيم نافقوا‪ ،‬وقالوا ليهود قريظية والنضيير‪" .‬لئن أخرجتيم لنخرجين معكيم" وقييل‪ :‬هيو مين قول‬
‫بني النضير لقريظة‪" .‬ول نطيع فيكم أحدا أبدا" يعنون محمدا صلى ال عليه وسلم؛ ل نطيعه في‬
‫قتالكيم‪ .‬وفيي هذا دلييل على صيحة نبوة محميد صيلى ال علييه وسيلم مين جهية علم الغييب؛ لنهيم‬
‫أخرجوا فلم يخرجوا‪ ،‬وقوتلوا فلم ينصييروهم؛ كمييا قال ال تعالى‪" :‬وال يشهييد إنهييم لكاذبون" أي‬
‫في قولهم وفعلهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬لئن أخرجوا ل يخرجون معهم ولئن قوتلوا ل ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن‬
‫الدبار ثم ل ينصرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لئن أخرجوا ل يخرجون معهم ولئن قوتلوا ل ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن‬
‫الدبار" أي منهزميين‪" .‬ثيم ل ينصيرون" قييل‪ :‬معنيى "ل ينصيرونهم" طائعيين‪" .‬ولئن نصيروهم"‬
‫مكرهييين "ليولن الدبار"‪ .‬وقيييل‪ :‬معنييى "ل ينصييرونهم" ل يدومون عييل نصييرهم‪ .‬هذا على أن‬
‫الضميرييين متفقان‪ .‬وقيييل‪ :‬إنهمييا مختلفان؛ والمعنييى لئن أخرج اليهود ل يخرج معهييم المنافقون‪،‬‬
‫ولئن قوتلوا ل ينصييرونهم‪" .‬ولئن نصييروهم" أي ولئن نصيير اليهود المنافقييين "ليولن الدبار"‪.‬‬
‫وقيييل‪" :‬لئن أخرجوا ل يخرجون معهييم" أي علم ال منهييم أنهييم ل يخرجون إن أخرجوا‪" .‬ولئن‬
‫قوتلوا ل ينصيرونهم" أي علم ال منهيم ذلك‪ .‬ثيم قال‪" :‬ليولن الدبار" فأخيبر عميا قيد أخيبر أنيه ل‬
‫يكون كييييف كان يكون لو كان؟ وهيييو كقوله تعالى‪" :‬ولو ردوا لعادوا لميييا نهوا عنيييه" [النعام‪:‬‬
‫‪ .]28‬وقيل‪ :‬معنى "ولئن نصروهم" أي ولئن شئنا أن ينصروهم زينا ذلك لهم‪" .‬ليولن الدبار"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 :‬لنتم أشد رهبة في صدورهم من ال ذلك بأنهم قوم ل يفقهون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لنتم" يا معشر المسلمين "أشد رهبة" أي خوفا وخشية "في صدورهم من ال"‬
‫يعنييي صيدور بنيي النضييير‪ .‬وقييل‪ :‬فييي صيدور المنافقييين‪ .‬ويحتمييل أن يرجييع إلى الفريقييين؛ أي‬
‫يخافون منكيم أكثير مميا يخافون مين ربهيم ذلك الخوف‪" .‬ذلك بأنهيم قوم ل يفقهون" أي ل يفقهون‬
‫قدر عظمة ال وقدرته‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 14 :‬ل يقاتلونكيم جميعيا إل فيي قرى محصينة أو مين وراء جدر بأسيهم بينهيم شدييد‬
‫تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم ل يعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يقاتلونكيم جميعيا" يعنيي اليهود "إل فيي قرى محصينة" أي بالحيطان والدور؛‬
‫يظنون أنها تمنعهم منكم‪" .‬أو من وراء جدر" أي من خلف حيطان يستترون بها لجبنهم ورهبتهم‪.‬‬
‫وقراءة العامية "جدر" على الجميع‪ ،‬وهيو اختيار أبيي عيبيدة وأبيي حاتيم؛ لنهيا نظيير قوله تعالى‪:‬‬
‫"فيي قرى محصينة" وذلك جميع‪ .‬وقرأ ابين عباس ومجاهيد وابين كثيير وابين محيصين وأبيو عمرو‬
‫"جدار" على التوحييد؛ لن التوحييد يؤدي عين الجميع‪ .‬وروي عين بعيض المكييين "جدر" (بفتيح‬
‫الجييم وإسيكان الدال)؛ وهيي لغية فيي الجدار‪ .‬ويجوز أن يكون معناه مين وراء نخيلهيم وشجرهيم؛‬
‫يقال‪ :‬أجدر النخيل إذا طلعيت رؤوسيه فيي أول الربييع‪ .‬والجدر‪ :‬نبيت واحدتيه جدرة‪ .‬وقرئ "جدر"‬
‫(بضيم الجييم وإسيكان الدال) جميع الجدار‪ .‬ويجوز أن تكون اللف فيي الواحيد كألف كتاب‪ ،‬وفيي‬
‫الجميع كألف ظراف‪ .‬ومثله ناقية هجان ونوق هجان؛ لنيك تقول فيي التثنيية‪ :‬هجانان؛ فصيار لفيظ‬
‫الواحد والجمع مشتبهين في اللفظ مختلفين في المعنى؛ قاله ابن جني‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بأسهم بينهم شديد" يعني عداوة بعضهم لبعض‪ .‬وقال مجاهد‪" :‬بأسهم بينهم شديد"‬
‫أي بالكلم والوعيد لنفعلن كذا‪ .‬وقال السدي‪ :‬المراد اختلف قلوبهم حتى ل يتفقوا على أمر واحد‪.‬‬
‫وقييل‪" :‬بأسيهم بينهيم شدييد" أي إذا لم يلقوا عدوا نسيبوا أنفسيهم إلى الشدة والبأس‪ ،‬ولكين إذا لقوا‬
‫العدو انهزموا‪" .‬تحسيبهم جميعيا وقلوبهيم شتيى" يعنيي اليهود والمنافقيين؛ قال مجاهيد‪ .‬وعنيه أيضيا‬
‫يعنيي المنافقيين‪ .‬الثوري‪ :‬هيم المشركون وأهيل الكتاب‪ .‬وقال قتادة‪" :‬تحسيبهم جميعيا" أي مجتمعيين‬
‫على أمير ورأي‪" .‬وقلوبهيم شتيى" متفرقية‪ .‬فأهيل الباطيل مختلفة آراؤهيم‪ ،‬مختلفة شهادتهيم‪ ،‬مختلفة‬
‫أهواؤهيم وهيم مجتمعون فيي عداوة أهيل الحيق‪ .‬وعين مجاهيد أيضيا‪ :‬أراد أن ديين المنافقيين مخالف‬
‫لدين اليهود؛ وهذا ليقوي أنفس المؤمنين عليهم‪ .‬وقال الشاعر ‪:‬‬
‫هي اليوم شتى وهي أمس جمع‬ ‫إلى ال أشكو نية شقت العصا‬
‫وفيي قراءة ابين مسيعود "وقلوبهيم أشيت" يعنيي أشيد تشتيتيا؛ أي أشيد اختلفيا‪" .‬ذلك بأنهيم قوم ل‬
‫يعقلون" أي ذلك التشتيت والكفر بأنهم ل عقل لهم يعقلون به أمر ال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم}‬
‫@ قال ابين عباس‪ :‬يعنيي بيه قينقاع؛ أمكين ال منهيم قبيل بنيي النضيير‪ .‬وقال قتادة‪ :‬يعنيي بنيي‬
‫النضير؛ أمكن ال منهم قبل قريظة‪ .‬مجاهد‪ :‬يعني كفار قريش يوم بدر‪ .‬وقيل‪ :‬هو عام في كل من‬
‫انتقيم منيه على كفره قبيل بنيي الضيير مين نوح إلى محميد صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬ومعنيى "وبال"‬
‫جزاء كفرهيم‪ .‬ومين قال‪ :‬هيم بنيو قريظية‪ ،‬جعيل "وبال أمرهيم" نزولهيم على حكيم سيعد بين معاذ؛‬
‫فحكم فيهم بقتل المقاتل وسبي الذرية‪ .‬وهو قول الضحاك‪ .‬ومن قال المراد بنو النضير قال‪" :‬وبال‬
‫أمرهييم" الجلء والنفييي‪ .‬وكان بييين النضييير وقريظيية سيينتان‪ .‬وكانييت وقعيية بدر قبييل غزوة بنييي‬
‫النضيير بسيتة أشهير‪ ،‬فلذلك قال‪" :‬قريبيا" وقيد قال قوم‪ :‬غزوة بنيي النضيير بعيد وقعية أحيد‪" .‬ولهيم‬
‫عذاب أليم" في الخرة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 17 - 16 :‬كمثيل الشيطان إذ قال للنسيان اكفير فلميا كفير قال إنيي برييء منيك إنيي‬
‫أخاف ال رب العالمين‪ ،‬فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كمثيل الشيطان إذ قال للنسيان اكفير" هذا ضرب مثيل للمنافقيين واليهود فيي‬
‫تخاذلهيم وعدم الوفاء فيي نصيرتهم‪ .‬وحذف حرف العطيف‪ ،‬ولم يقيل‪ :‬وكمثيل الشيطان؛ لن حذف‬
‫حرف العطف كثير كما تقول‪ :‬أنت عاقل أنت كريم أنت عالم‪ .‬وقد روي عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم‪ :‬أن النسيان الذي قال له الشيطان اكفير‪ ،‬راهيب تركيت عنده امرأة أصيابها لميم ليدعيو لهيا‪،‬‬
‫فزيين له الشيطان فوطئهيا فحملت‪ ،‬ثيم قتلهيا خوفيا أن يفتضيح‪ ،‬فدل الشيطان قومهيا على موضعهيا‪،‬‬
‫فجاؤوا فاستنزلوا الراهب ليقتلوه‪ ،‬فجاء الشيطان فوعده أنه إن سجد له أنجاه منهم‪ ،‬فسجد له فتبرأ‬
‫منيه فأسيلمه‪ .‬ذكره القاضيي إسيماعيل وعلي بين المدينيي عين سيفيان بين عيينية عين عمرو بين دينار‬
‫عين عروة بين عامير عين عبييد بين رفاعية الزرقيي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وذكير خيبره‬
‫مطول ابن عباس ووهب بن منبه‪ .‬ولفظهما مختلف‪.‬‬
‫قال ابن عباس في قوله تعالى‪" :‬كمثل الشيطان" ‪ :‬كان راهب في الفترة يقال له‪ :‬برصيصا؛ قد‬
‫تعبد في صومعته سبعين سنة‪ ،‬لم يعص ال فيها طرفة عين‪ ،‬حتى أعيا إبليس‪ ،‬فجمع إبليس مردة‬
‫الشياطين فقال‪ :‬أل أجد منكم من يكفيني أمر برصيصا؟ فقال البيض‪ ،‬وهو صاحب النبياء‪ ،‬وهو‬
‫الذي قصيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي صيورة جبرييل ليوسيوس إلييه على وجيه الوحيي‪ ،‬فجاء‬
‫جبرييل فدخيل بينهميا‪ ،‬ثيم دفعيه بيده حتيى وقيع بأقصيى الهنيد فذلك قوله تعالى‪" :‬ذي قوة عنيد ذي‬
‫العرش مكيين" [التكويير‪ ]20 :‬فقال‪ :‬أنيا أكفيكيه؛ فانطلق فتزييا بزي الرهبان‪ ،‬وحلق وسيط رأسيه‬
‫حتيى أتيى صيومعة برصييصا فناداه فلم يجبيه؛ وكان ل ينفتيل مين صيلته إل فيي كيل عشرة أيام‬
‫يوما‪ ،‬ول يفطر إل في كل عشره أيام؛ وكان يواصل العشرة اليام والعشرين والكثر؛ فلما رأى‬
‫البيض أنه ل يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته؛ فلما انفتل برصيصا من صلته‪ ،‬رأى‬
‫البيض قائما يصلي في هيئة حسنة من هيئة الرهبان؛ فندم حين لم يجبه‪ ،‬فقال‪ :‬ما حاجتك؟ فقال‪:‬‬
‫أن أكون معك‪ ،‬فأتأدب بأدبك‪ ،‬وأقتبس من عملك‪ ،‬ونجتمع على العبادة؛ فقال‪ :‬إني في شغل عنك؛‬
‫ثم أقبل على صلته؛ وأقبل البيض أيضا على الصلة؛ فلما رأى برصيصا شدة اجتهاده وعبادته‬
‫قال له‪ :‬ما حاجتك؟ فقال‪ :‬أن تأذن لي فارتفع إليك‪ .‬فأذن له فأقام البيض معه حول ل يفطر إل في‬
‫كل أربعن يوما يوما واحدا‪ ،‬ول ينفتل من صلته إل في كل أربعين يوما‪ ،‬وربما مد إلى الثمانين؛‬
‫فلميا رأى برصييصا اجتهاده تقاصيرت إلييه نفسيه‪ .‬ثيم قال البييض‪ :‬عندي دعوات يشفيي ال بهيا‬
‫السقيم والمبتلي والمجنون؛ فعلمه إياها‪ .‬ثم جاء إلى إبليس فقال‪ :‬قد وال أهلكت الرجل‪ .‬ثم تعرض‬
‫لرجل فخنقه‪ ،‬ثم قال لهله ‪ -‬وقد تصور في صورة الدميين ‪ : -‬إن بصاحبكم جنونا أفأطبه؟ قالوا‬
‫نعم‪ .‬فقال‪ :‬ل أقوى على جنيته‪ ،‬ولكن اذهبوا به إلى برصيصا‪ ،‬فإن عنده اسم ال العظم الذي إذا‬
‫سئل به أعطى‪،‬واذا دعي به أجاب؛ فجاؤوه فدعا بتلك الدعوات‪ ،‬فذهب عنه الشيطان‪.‬‬
‫ثيم جعيل البييض يفعيل بالناس ذلك ويرشدهيم إلى برصييصا فيعافون‪ .‬فانطلق إلى جاريية مين‬
‫بنات الملوك بيين ثلثية إخوة‪ ،‬وكان أبوهيم ملكيا فمات واسيتخلف أخاه‪ ،‬وكان عمهيا ملكيا فيي بنيي‬
‫إسرائيل فعذبها وخنقها‪ .‬ثم جاء إليهم في صورة رجل متطبب ليعالجها فقال‪ :‬إن شيطانها مارد ل‬
‫يطاق‪ ،‬ولكن اذهبوا بها إلى برصيصا فدعوها عنده‪ ،‬فإذا جاء شيطانها دعا لها فبرئت؛ فقالوا‪ :‬ل‬
‫يجيبنا إلى هذا؛ قال‪ :‬فابنوا صومعة في جانب صومعته ثم ضعوها فيها‪ ،‬وقولوا‪ :‬هي أمانة عندك‬
‫فاحتسب فيها‪ .‬فسألوه ذلك فأبى فبنوا صومعة ووضعوا فيها الجارية؛ فلما انفتل من صلته عاين‬
‫الجاريية وميا بهيا مين الجمال فأسيقط فيي يده‪ ،‬فجاءهيا الشيطان فخنقهيا فانفتيل مين صيلته ودعيا لهيا‬
‫فذهب عنها الشيطان‪ ،‬ثم أقبل على صلته فجاءها الشيطان فخنقها‪ .‬وكان يكشف عنها ويتعرض‬
‫بهيا لبرصييصا‪ ،‬ثيم جاءه الشيطان فقال‪ :‬ويحيك! واقعهيا‪ ،‬فميا تجيد مثلهيا ثيم تتوب بعيد ذلك‪ .‬فلم يزل‬
‫به حتى واقعها فحملت وظهر حملها‪ .‬فقال له الشيطان‪ :‬ويحك! قد افتضحت‪ .‬فهل لك أن تقتلها ثم‬
‫تتوب فل تفتضيح‪ ،‬فإن جاؤوك وسيألوك فقيل جاءهيا شيطانهيا فذهيب بهيا‪ .‬فقتلهيا برصييصا ودفنهيا‬
‫ليل؛ فأخيذ الشيطان طرف ثوبهيا حتيى بقيي خارجيا مين التراب؛ ورجيع برصييصا إلى صيلته‪ .‬ثيم‬
‫جاء الشيطان إلى إخوتهيا فيي المنام فقال‪ :‬إن برصييصا فعيل بأختكيم كذا وكذا‪ ،‬وقتلهيا ودفنهيا فيي‬
‫جبييل كذا وكذا؛ فاسييتعظموا ذلك وقالوا لبرصيييصا‪ :‬مييا فعلت أختنييا؟ فقال‪ :‬ذهييب بهييا شيطانهييا؛‬
‫فصدقوه وانصرفوا‪.‬‬
‫ثم جاءهم الشيطان في المنام وقال‪ :‬إنها مدفونة في موضع كذا وكذا‪ ،‬وإن طرف ردائها خارج‬
‫ميين التراب؛ فانطلقوا فوجدوهييا‪ ،‬فهدموا صييومعته وأنزلوه وخنقوه‪ ،‬وحملوه إلى الملك فأقيير على‬
‫نفسيه فأمير بقتله‪ .‬فلميا صيلب قال الشيطان‪ :‬أتعرفنيي؟ قال ل وال قال‪ :‬أنيا صياحبك الذي علمتيك‬
‫الدعوات‪ ،‬أميا اتقييت ال أميا اسيتحيت وأنيت أعبيد بنيي إسيرائيل ثيم لم يكفيك صينيعك حتيى فضحيت‬
‫نفسييك‪ ،‬وأقررت عليهييا وفضحييت أشباهييك ميين الناس فان مييت على هذه الحالة لم يفلح أحييد ميين‬
‫نظرائك بعدك‪ .‬فقال‪ :‬كييف أصينع؟ قال‪ :‬تطيعنيي فيي خصيلة واحدة وأنجييك منهيم وآخيذ بأعينهيم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومييا ذاك؟ قال تسييجد لي سييجدة واحدة؛ فقال‪ :‬أنييا أفعييل؛ فسييجد له ميين دون ال‪ .‬فقال‪ :‬يييا‬
‫برصييصا‪ ،‬هذا أردت منيك؛ كان عاقبية أمرك أن كفرت بربيك‪ ،‬إنيي برييء منيك‪ ،‬إنيي أخاف ال‬
‫رب العالمين‪.‬‬
‫@ وقال وهيب بين منبيه‪ :‬إن عابدا كان فيي بنيي إسيرائيل‪ ،‬وكان مين أعبيد أهيل زمانيه‪ ،‬وكان فيي‬
‫زمانه ثلثة إخوة لهم أخت‪ ،‬وكانت بكرا‪ ،‬ليست لهم أخت غيرها‪ ،‬فخرج البعث على ثلثتهم‪ ،‬فلم‬
‫يدروا عنيد مين يخلفون أختهيم‪ ،‬ول عنيد مين يأمنون عليهيا‪ ،‬ول عنيد مين يضعونهيا‪ .‬قال فاجتميع‬
‫رأيهيم على أن يخلفوهيا عنيد عابيد بنيي إسيرائيل‪ ،‬وكان ثقية فيي أنفسيهم‪ ،‬فأتوه فسيألوه أن يخلفوهيا‬
‫عنده‪ ،‬فتكون فيي كنفيه وجواره إلى أن يقفلوا مين غزاتهيم‪ ،‬فأبيى ذلك عليهيم وتعوذ بال منهيم ومين‬
‫أختهيم‪ .‬قال فلم يزالوا بيه حتيى أطمعهيم فقال‪ :‬أنزلوهيا فيي بييت حذاء صيومعتي‪ ،‬فأنزلوهيا فيي ذلك‬
‫البييت ثيم انطلقوا وتركوهيا‪ ،‬فمكثيت فيي جوار ذلك العابيد زمانيا‪ ،‬ينزل إليهيا الطعام مين صيومعته‪،‬‬
‫فيضعه عند باب الصومعة‪ ،‬ثم يغلق بابه ويصعد في صومعته‪ ،‬ثم يأمرها فتخرج من بيتها فتأخذ‬
‫ميا وضيع لهيا مين الطعام‪ .‬قال‪ :‬فتلطيف له الشيطان فلم يزل يرغبيه فيي الخيير‪ ،‬ويعظيم عليه خروج‬
‫الجاريية مين بيتهيا نهارا‪ ،‬ويخوفيه أن يراهيا أحيد فيعلقهيا‪ .‬قال‪ :‬فلبيث بذلك زمانيا‪ ،‬ثيم جاءه إبلييس‬
‫فرغبه في الخير والجر‪ ،‬وقال له‪ :‬لو كنت تمشي إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها كان أعظم‬
‫لجرك؛ قال‪ :‬فلم يزل بيه حتيى مشيى إليهيا بطعامهيا فوضعيه فيي بيتهيا‪ ،‬قال‪ :‬فلبثيت بذلك زمانيا ثيم‬
‫جاءه إبليس فرغبه في الخير وحضه عليه‪ ،‬وقال‪ :‬لو كنت تكلمها وتحدثها فتأنس بحديثك‪ ،‬فإنها قد‬
‫اسيتوحشت وحشية شديدة‪ .‬قال‪ :‬فلم يزل بيه حتيى حدثهيا زمانيا يطلع عليهيا مين فوق صيومعته‪ .‬قال‪:‬‬
‫ثم أتاه إبليس بعد ذلك فقال‪ :‬لوكنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدثها وتقعد على باب‬
‫بيتهيا فتحدثيك كان أنيس لهيا‪ .‬فلم يزل بيه حتيى أنزله وأجلسيه على باب صيومعته يحدثهيا‪ ،‬وتخرج‬
‫الجارية من بيتها‪ ،‬فلبثا زمانيا يتحدثان‪ ،‬ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والثواب فيما يصنع بها‪،‬‬
‫وقال‪ :‬لو خرجيت مين باب صيومعتك فجلسيت قريبيا مين باب بيتهيا كان آنيس لهيا‪ .‬فلم يزل بيه حتيى‬
‫فعل‪ .‬قال‪ :‬فلبثا زمانا‪ ،‬ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وفيما له من حسن الثواب فيما يصنع بها‪،‬‬
‫وقال له‪ :‬لو دنوت مين باب بيتهيا فحدثتهيا ولم تخرج ميين بيتهيا‪ ،‬ففعيل‪ .‬فكان ينزل ميين صيومعته‬
‫فيقعيد على باب بيتهيا فيحدثهيا‪ .‬فلبثيا بذلك حينيا ثيم جاءه إبلييس فقال‪ :‬لو دخلت البييت معهيا تحدثهيا‬
‫ولم تتركهيا تيبرز وجههيا لحيد كان أحسين بيك‪ .‬فلم يزل بيه حتيى دخيل البييت‪ ،‬فجعيل يحدثهيا نهاره‬
‫كله‪ ،‬فإذا أمسيى صيعد فيي صيومعته‪ .‬قال‪ :‬ثيم أتاه إبلييس بعيد ذلك‪ ،‬فلم يزل يزينهيا له حتيى ضرب‬
‫العابد على فخذها وقبلها‪ .‬فلم يزل به إبليس يحسنها في عينه ويسول له حتى وقع عليها فأحبلها‪،‬‬
‫فولدت له غلميا‪ ،‬فجاءه إبلييس فقال له‪ :‬أرأييت أن جاء إخوة هذه الجاريية وقيد ولدت منيك! كييف‬
‫تصينع! ل آمين علييك أن تفتضيح أو يفضحوك! فاعميد إلى ابنهيا فاذبحيه وادفنيه‪ ،‬فإنهيا سيتكتم علييك‬
‫مخافية إخوتهيا أن يطلعوا على ميا صينعت بهيا‪ ،‬ففعيل‪ .‬فقال له‪ :‬أتراهيا تكتيم إخوتهيا ميا صينعت بهيا‬
‫وقتلت ابنها! خذها فاذبحها وادفنها مع ابنها‪ .‬فلم يزل به حتى ذبحها وألقاها في الحفيرة مع ابنها‪،‬‬
‫وأطبق عليها صخرة عظيمة‪ ،‬وسوى عليها التراب‪ ،‬وصعد في صومعته يتعبد فيها؛ فمكث بذلك‬
‫ما شاء ال أن يمكث؛ حتى قفل إخوتها من الغزو‪ ،‬فجاؤوه فسألوه عنها فنعاها لهم وترحم عليها‪،‬‬
‫وبكى لهم وقال‪ :‬كانت خير أمة‪ ،‬وهذا قبرها فانظروا إليه‪.‬‬
‫فأتى إخوتها القبر فبكوا على قبرها وترحموا عليها‪ ،‬وأقاموا على قبرها أياما ثم انصرفوا إلى‬
‫أهاليهيم‪ .‬فلميا جين عليهيم اللييل وأخذوا مضاجعهيم‪ ،‬أتاهيم الشيطان فيي صيورة رجيل مسيافر‪ ،‬فبدأ‬
‫بأكبرهم فسأله عن أختهم؛ فأخبره بقول العابد وموتها وترحمه عليها‪ ،‬وكيف أراهم موضع قبرها؛‬
‫فكذبه الشيطان وقال‪ :‬لم يصدقكم أمر أختكم‪ ،‬إنه قد أحبل أختكم وولدت منه غلما فذبحه وذبحها‬
‫معييه فزعييا منكييم‪ ،‬وألقاهييا فييي حفيرة احتفرهييا خلف الباب الذي كانييت فيييه عيين يمييين ميين دخله‪.‬‬
‫فانطلقوا فادخلوا البييت الذي كانيت فييه عين يميين مين دخله فإنكيم سيتجدونهما هنالك جميعيا كميا‬
‫أخيبرتكم‪ .‬قال‪ :‬وأتيى الوسيط فيي منامه وقال له مثل ذلك‪ .‬ثم أتى أصيغرهم فقال له مثل ذلك‪ .‬فلميا‬
‫اسيتيقظ القوم اسيتيقظوا متعجيبين لميا رأى كيل واحيد منهيم‪ .‬فأقبيل بعضهيم على بعيض‪ ،‬يقول كيل‬
‫واحيد منهيم‪ :‬لقيد رأييت عجبيا‪ ،‬فأخيبر بعضهيم بعضيا بميا رأى‪ .‬قال أكيبرهم‪ :‬هذا حلم لييس بشييء‪،‬‬
‫فامضوا بنيا ودعوا هذا‪ .‬قال أصيغرهم‪ :‬ل أمضيى حتيى أتيي ذلك المكان فأنظير فييه‪ .‬قال‪ :‬فانطلقوا‬
‫جميعا حتى دخلوا البيت الذي كانت فيه أختهم‪ ،‬ففتحوا الباب وبحثوا الموضع الذي وصف لهم في‬
‫منامهم‪ ،‬فوجدوا أختهم وابنها مذبوحين في الحفيرة كما قيل لهم‪ ،‬فسألوا العابد فصدق قول إبليس‬
‫فيميا صينع بهميا‪ .‬فاسيتعدوا علييه ملكهيم‪ ،‬فأنزل مين صيومعته فقدموه ليصيلب‪ ،‬فلميا أوقفوه على‬
‫الخشبية أتاه الشيطان فقال له‪ :‬قيد علميت أنيي صياحبك الذي فتنتيك فيي المرأة حتيى أحبلتهيا وذبحتهيا‬
‫وذبحيت ابنهيا‪ ،‬فإن أنيت أطعتنيي اليوم وكفرت بال الذي خلقيك خلصيتك مميا أنيت فييه‪ .‬قال‪ :‬فكفير‬
‫العابد بال؛ فلما كفر خلى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ففييه نزلت هذه اليية‪" :‬كمثيل الشيطان إذ قال للنسيان اكفير فلميا كفير قال إنيي برييء منيك‬
‫إنييي أخاف ال رب العالمييين ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬جزاء الظالمييين‪ .‬قال ابيين عباس‪ :‬فضرب ال هذا مثل‬
‫للمنافقيين ميع اليهود‪ .‬وذلك أن ال تعالى أمير نيبيه علييه السيلم أن يجلي بنيي النضيير مين المدينية‪،‬‬
‫فدس إليهيم المنافقون أل تخرجوا مين دياركيم‪ ،‬فإن قاتلوكيم كنيا معكيم‪ ،‬وإن أخرجوكيم كنيا معكيم‪،‬‬
‫فحاربوا النييبي صييلى ال عليييه وسييلم فخذلهييم المنافقون‪ ،‬وتييبرؤوا منهييم كمييا تييبرأ الشيطان ميين‬
‫برصيييصا العابييد‪ .‬فكان الرهبان بعييد ذلك ل يمشون إل بالتقييية والكتمان‪ .‬وطمييع أهييل الفسييوق‬
‫والفجور فيي الحبار فرموهيم بالبهتان والقبييح‪ ،‬حتيى كان أم جرييج الراهيب‪ ،‬وبرأه ال فانبسيطت‬
‫بعده الرهبان وظهروا للناس‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى مثل المنافقين في غدرهم لبني النضير كمثل إبليس إذ‬
‫قال لكفار قريش‪" :‬ل غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم" [النفال‪ ]48 :‬الية‪ .‬وقال مجاهد‬
‫المراد بالنسييان هييا هنييا جميييع الناس فييي غرور الشيطان إياهييم‪ .‬ومعنييى قوله تعالى‪" :‬إذ قال‬
‫للنسان اكفر" أي أغواه حتى قال‪ :‬إني كافر‪ .‬وليس قول الشيطان‪" :‬إني أخاف ال رب العالمين"‬
‫حقيقة‪ ،‬إنما هو على وجه التبرؤ من النسان‪ ،‬فهو تأكيد لقوله تعالى‪" :‬إني بريء منك" وفتح الياء‬
‫من "إني" نافع وابن كثير وأبو عمرو‪ .‬وأسكن الباقون‪" .‬فكان عاقبتهما" أي عاقبة الشيطان وذلك‬
‫النسييان "أنهمييا فييي النار خالدييين فيهييا" نصييب على الحال‪ .‬والتثنييية ظاهرة فيميين جعييل الييية‬
‫مخصيوصة فيي الراهيب والشيطان‪ .‬ومين جعلهيا فيي الجنيس فالمعنيى‪ :‬وكان عاقبية الفريقيين أو‬
‫الصينفين‪ .‬ونصيب "عاقبتهميا" على أنيه خيبر كان‪ .‬والسيم "أنهميا فيي النار" وقرأ الحسين "فكان‬
‫عاقبتهما" بالرفع على الضد من ذلك‪ .‬وقرأ العمش "خالدان فيها" بالرفع وذلك خلف المرسوم‪.‬‬
‫ورفعه على أنه خبر "أن" والظرف ملغى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا ال إن ال خبير بما‬
‫تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا اتقوا ال" فيي أوامره ونواهييه‪ ،‬وأداء فرائضيه واجتناب‬
‫معاصيه‪" .‬ولتنظر نفس ما قدمت لغد" يعني يوم القيامة‪ .‬والعرب تكني عن المستقبل بالغد‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫ذكر الغد تنبيها على أن الساعة قريبة؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫وإن غدا للناظرين قريب‬
‫وقال الحسن وقتادة‪ :‬قرب الساعة حتى جعلها كغد‪ .‬ول شك أن كل آت قريب؛ والموت ل محالة‬
‫آت‪ .‬ومعنييى "مييا قدمييت" يعنييي ميين خييير أو شيير‪" .‬واتقوا ال" أعاد هذا تكريرا‪ ،‬كقولك‪ :‬اعجييل‬
‫اعجيل‪ ،‬ارم ارم‪ .‬وقييل التقوى الولى التوبية فيميا مضيى مين الذنوب‪ ،‬والثانيية اتقاء المعاصيي فيي‬
‫المستقبل‪" .‬إن ال خبير بما تعملون" قال سعيد بن جبير‪ :‬أي بما يكون منكم‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 19 :‬ول تكونوا كالذين نسوا ال فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تكونوا كالذيين نسيوا ال" أي تركوا أمره "فأنسياهم أنفسيهم" أن يعلموا لهيا‬
‫خيرا؛ قال ابين حبان‪ .‬وقييل‪ :‬نسيوا حيق ال فأنسياهم حيق أنفسيهم؛ قال سيفيان‪ .‬وقييل‪" :‬نسيوا ال"‬
‫بترك شكره وتعظيمه‪" .‬فأنساهم أنفسهم" بالعذاب أن يذكر بعضهم بعضا؛ حكاه ابن عيسى‪ .‬وقال‬
‫سيهل بين عبدال‪" :‬نسيوا ال" عنيد الذنوب "فأنسياهم انفسيهم" عنيد التوبية‪ .‬ونسيب تعالى الفعيل إلى‬
‫نفسيه فيي "أنسياهم" إذ كان ذلك بسيبب أمره ونهييه الذي تركوه‪ .‬وقييل‪ :‬معناه وجدهيم تاركيين أمره‬
‫ونهيه؛ كقولك‪ :‬أحمدت الرجل إذا وجدته محمودا‪ .‬وقيل‪" :‬نسوا ال" في الرخاء "فأنساهم أنفسهم"‬
‫فيي الشدائد‪" .‬أولئك هيم الفاسيقون" قال ابين جيبير‪ :‬العاصيون‪ .‬وقال ابين زييد‪ :‬الكاذبون‪ .‬وأصيل‬
‫الفسق الخروج؛ أي الذين خرجوا عن طاعة ال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬ل يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يسيتوي أصيحاب النار وأصيحاب الجنية" أي فيي الفضيل والرتبية "أصيحاب‬
‫الجنة هم الفائزون" أي المقربون المكرمون‪ .‬وقيل‪ :‬الناجون من النار‪ .‬وقد مضى الكلم في معنى‬
‫هذه اليية فيي "المائدة" عنيد قوله تعالى‪" :‬قيل ل يسيتوي الخيبيث والطييب" [المائدة‪ ]100 :‬وفيي‬
‫سيورة "السجدة" عنيد قوله تعالى‪" :‬أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ل يستوون" [السيجدة‪.]18 :‬‬
‫وفييي سييورة "ص" "أم نجعييل الذييين آمنوا وعملوا الصييالحات كالمفسييدين فييي الرض أم نجعييل‬
‫المتقين كالفجار" [ص‪ ]28 :‬فل معنى للعادة‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 21 :‬لو أنزلنيا هذا القرآن على جبيل لرأيتيه خاشعيا متصيدعا مين خشيية ال وتلك‬
‫المثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا" حث على تأمل مواعظ القرآن وبين‬
‫أنييه ل عذر فييي ترك التدبر؛ فإنييه لو خوطييب بهذا القرآن الجبال مييع تركيييب العقييل فيهييا لنقادت‬
‫لمواعظه‪ ،‬ولرأيتها على صلبتها ورزانتها خاشعة متصدعة؛ أي متشققة من خشية ال‪ .‬والخاشع‪:‬‬
‫الذليل‪ .‬والمتصدع‪ :‬المتشقق‪ .‬وقيل‪" :‬خاشعا" ل بما كلفه من طاعته‪" .‬من خشية ال" أن يعصيه‬
‫فيعاقبيه‪ .‬وقييل‪ :‬هيو على وجيه المثيل للكفار‪" .‬وتلك المثال نضربهيا للناس لعلهيم يتفكرون" أي أنيه‬
‫لو أنزل هذا القرآن على جبييل لخشييع لوعده وتصييدع لوعيده وأنتييم أيهييا المقهورون بإعجازه ل‬
‫ترغبون فييي وعده‪ ،‬ول ترهبون ميين وعيده وقيييل‪ :‬الخطاب للنييبي صييلى ال عليييه وسييلم؛ أي لو‬
‫أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت‪ ،‬وتصدع من نزوله عليه؛ وقد أنزلناه عليك وثبتناك‬
‫له؛ فيكون ذلك امتنانا عليه أن ثبته لما ل تثبت له الجبال‪ .‬وقيل‪ :‬إنه خطاب للمة‪ ،‬وأن ال تعالى‬
‫لو أنذر بهذا القرآن الجبال لتصدعت من خشية ال‪ .‬والنسان أقل قوة وأكثر ثباتا؛ فهو يقوم بحقه‬
‫إن أطاع‪ ،‬ويقدر على رده إن عصى؛ لنه موعود بالثواب‪ ،‬ومزجور بالعقاب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬هو ال الذي ل إله إل هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هيو ال الذي ل إله إل هيو عالم الغييب والشهادة" قال ابين عباس‪ :‬عالم السير‬
‫والعلنيية‪ .‬وقييل‪ :‬ميا كان وميا يكون‪ .‬وقال سيهل‪ .‬عالم بالخرة والدنييا‪ .‬وقييل‪" :‬الغييب" ميا لم يعلم‬
‫العباد ول عاينوه‪" .‬والشهادة" ما علموا وشاهدوا‪" .‬هو الرحمن الرحيم"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 23 :‬هو ال الذي ل إله إل هو الملك القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز الجبار‬
‫المتكبر سبحان ال عما يشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هو ال الذي ل إله إل هو الملك القدوس" أي المنزه عن كل نقص‪ ،‬والطاهر عن‬
‫كيل عييب‪ .‬والقدس (بالتحرييك)‪ :‬السيطل بلغية أهيل الحجاز؛ لنيه يتطهير بيه‪ .‬ومنيه القادوس لواحيد‬
‫الوانييي التييي يسييتخرج بهييا الماء ميين البئر بالسييانية‪ .‬وكان سيييبويه يقول‪ :‬قدوس وسييبوح؛ بفتييح‬
‫أولهميا‪ .‬وحكيى أبيو حاتيم عين يعقوب أنيه سيمع عنيد الكسيائي أعرابييا فصييحا يكنيي أبيا الدينار يقرأ‬
‫"القدوس" بفتح القاف‪ .‬قال ثعلب‪ :‬كل اسم على فعول فهو مفتوح الول؛ مثل سفود وكلوب وتنور‬
‫وسمور وشبوط‪ ،‬إل السبوح والقدوس فان الضم فيهما أكثر؛ وقد يفتحان‪ .‬وكذلك الذروج (بالضم)‬
‫وقد يفتح‪" .‬السلم" أي ذو السلمة من النقائص‪ .‬وقال ابن العربي‪ :‬اتفق العلماء رحمة ال عليهم‬
‫على أن معنيى قولنيا فيي ال "السيلم" ‪ :‬النسيبة‪ ،‬تقديره ذو السيلمة‪ .‬ثيم اختلفوا فيي ترجمية النسيبة‬
‫على ثلثية أقوال‪ :‬الول‪ :‬معناه الذي سيلم مين كيل عييب وبرييء مين كيل نقصيى‪ .‬الثانيي‪ :‬معناه ذو‬
‫السييلم؛ أي المسييلم على عباده فييي الجنيية؛ كمييا قال‪" :‬سييلم قول ميين رب رحيييم" [يييس‪.]58 :‬‬
‫الثالث‪ :‬أن معناه الذي سلم الخلق من ظلمه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا قول الخطابيي؛ وعلييه والذي قبله يكون صيفة فعيل‪ .‬وعلى أنيه البرييء مين العيوب‬
‫والنقائص يكون صفة ذات‪ .‬وقيل‪ :‬السلم معناه المسلم لعباده‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬المؤمين" أي المصيدق لرسيله بإظهار معجزاتيه عليهيم ومصيدق المؤمنيين ميا‬
‫وعدهم به من الثواب ومصدق الكافرين ما أوعدهم من العقاب‪ .‬وقيل‪ :‬المؤمن الذي يؤمن أولياءه‬
‫مين عذابيه ويؤمين عباده مين ظلميه؛ يقال‪ :‬آمنيه مين المان الذي هيو ضيد الخوف؛ كميا قال تعالى‪:‬‬
‫"وآمنهم من خوف" [قريش‪ ]4 :‬فهو مؤمن؛ قال النابغة‪:‬‬
‫ركبان مكة بين الغيل والسند‬ ‫والمؤمن العائذات الطير يمسحها‬
‫وقال مجاهد‪ :‬المؤمن الذي وحد نفسه بقول‪" :‬شهد ال أنه ل إله إل هو" [آل عمران‪ .]18 :‬وقال‬
‫ابن عباس‪ :‬إذا كان يوم القيامة أخرج أهل التوحيد من النار‪ .‬وأول من يخرج من وافق اسمه اسم‬
‫نيبي‪ ،‬حتيى إذا لم يبيق فيهيا مين يوافيق اسيمه اسيم نيبي قال ال تعالى لباقيهيم‪ :‬أنتيم المسيلمون وأنيا‬
‫السلم‪ ،‬وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن‪ ،‬فيخرجهم من النار ببركة هذين السمين‪" .‬المهيمن العزيز"‬
‫وقال قتادة‪ :‬المهيميين معناه المشاهييد‪ .‬وقيييل‪ :‬الحافييظ‪ .‬وقال الحسيين‪ :‬المصييدق؛ "الجبار" قال ابيين‬
‫عباس‪ :‬هو العظيم‪ .‬وجبروت ال عظمته‪ .‬وهو على هذا القول صفة ذات‪ ،‬من قولهم‪ :‬نخلة جبارة‪.‬‬
‫قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫وعالين قنوانا من البسر أحمرا‬ ‫سوامق جبار أثيث فروعه‬
‫يعنيي النخلة التيي فاتيت الييد‪ .‬فكان هذا السيم يدل على عظمية ال وتقديسيه عين أن تناله النقائص‬
‫وصفات الحدث‪ .‬وقيل‪ :‬هو من الجبر وهو الصلح‪ ،‬يقال‪ :‬جبرت العظم فجبر‪ ،‬إذا أصلحته بعد‬
‫الكسر‪ ،‬فهو فعال من جبر إذا أصلح الكسير وأغنى الفقير‪ .‬وقال الفراء‪ :‬هو من أجبره على المر‬
‫أي قهره‪ .‬قال‪ :‬ولم أسييمع فعال ميين أفعييل إل فييي جبار ودراك ميين أدرك‪ .‬وقيييل ‪ :‬الجبار الذي ل‬
‫تطاق سطوته‪" .‬المتكبر" الذي تكبر بربوبيته فل شيء مثله‪ .‬وقيل‪ :‬المتكبر عن كل سوء المتعظم‬
‫عما ل يليق به من صفات الحدث والذم‪ .‬وأصل الكبر والكبرياء المتناع وقلة النقياد‪ .‬وقال حميد‬
‫بن ثور‪:‬‬
‫بها كبرياء الصعب وهي ذلول‬ ‫عفت مئل ما يعفو الفصيل فأصبحت‬
‫والكيبرياء فيي صيفات ال مدح‪ ،‬وفيي صيفات المخلوقيين ذم‪ .‬وفيي الصيحيح عين أبيي هريرة أن‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال فيميا يروييه عين ربيه تبارك وتعالى أنيه قال‪( :‬الكيبرياء ردائي‬
‫والعظمية إزاري فمين نازعنيي فيي واحيد منهميا قصيمته ثيم قذفتيه فيي النار)‪ .‬وقييل‪ :‬المتكيبر معناه‬
‫العالي‪ .‬وقيل‪ :‬معناه الكبير لنه أجل من أن يتكلف كبرا‪ .‬وقد يقال‪ :‬تظلم بمعنى ظلم‪ ،‬وتشتم بمعنى‬
‫شتيم‪ ،‬واسيتقر بمعنيى قير‪ .‬كذلك المتكيبر بمعنيى الكيبير‪ .‬ولييس كميا يوصيف بيه المخلوق إذا وصيف‬
‫بتفعيل إذا نسيب إلى ميا لم يكين منيه‪ .‬ثيم نزه نفسيه فقال‪" :‬سيبحان ال" أي تنزيهيا لجللتيه وعظمتيه‬
‫"عما يشركون"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 24 :‬هيو ال الخالق البارئ المصيور له السيماء الحسينى يسيبح له ميا فيي السيماوات‬
‫والرض وهو العزيز الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هييو ال الخالق البارئ المصييور" "الخالق" هنييا المقدر‪ .‬و"البارئ" المنشييئ‬
‫المخترع‪ .‬و"المصييور" مصييور الصييور ومركبهييا على هيئات مختلفييه‪ .‬فالتصييوير مرتييب على‬
‫الخلق والبرايية وتابيع لهميا‪ .‬ومعنيى التصيوير التخطييط والتشكييل‪ .‬وخلق ال النسيان فيي أرحام‬
‫المهات ثلث خلق‪ :‬جحله علقة‪ ،‬ثم مضغة‪ ،‬ثم جعله صورة وهو التشكيل الذي يكون به صورة‬
‫وهيئة يعرف بها ويتميز عن غيره بسمتها‪ .‬فتبارك ال أحسن الخالقين‪ .‬وقال النابغة‪:‬‬
‫الخالق البارئ المصور في الي يأرحام ماء حتى يصير دما‬
‫وقيد جعيل بعيض الناس الخلق بمعنيى التصيوير‪ ،‬ولييس كذلك‪ ،‬وإنميا التصيوير آخرا والتقديير أول‬
‫والبراييية بينهمييا‪ .‬ومنيه قول الحيق‪" :‬وإذ تخلق ميين الطيين كهيئة الطييير" [المائدة‪ .]110 :‬وقال‬
‫زهير‪:‬‬
‫ولنت تفري ما خلقت وبعي يض القوم يخلق ثم ل يفري‬
‫يقول‪ :‬تقدم ما تقدر ثم تفريه‪ ،‬أي تمضيه على وفق تقديرك‪ ،‬وغيرك يقدر ما ل يتم له ول يقع فيه‬
‫مراده‪ ،‬إمييا لقصييوره فييي تصييور تقديره أو لعجزه عيين تمام مراده‪ .‬وقييد أتينييا على هذا كله فييي‬
‫"الكتاب السينى فيي شرح أسيماء ال الحسينى" والحميد ل‪ .‬وعين حاطيب بين أبيي بلتعية أنيه قرأ‬
‫"البارئ المصور" بفتح الواو ونصب الراء‪ ،‬أي الذي يبرأ المصور‪ ،‬أي يميز ما يصوره بتفاوت‬
‫الهيئات‪ .‬ذكره الزمخشري‪" .‬له السماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والرض وهو العزيز‬
‫الحكييم" تقدم الكلم فييه‪ .‬وعين أبيي هريرة قال‪ :‬سيألت خليلي أبيا القاسيم رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسيلم عين اسيم ال العظيم فقال‪( :‬ييا أبيا هريرة‪ ،‬علييك بآخير سيورة الحشير فأكثير قراءتهيا) فأعدت‬
‫علييه فأعاد علي‪ ،‬فأعدت علييه فأعاد علي‪ .‬وقال جابر بين زييد‪ :‬إن اسيم ال العظيم هيو ال لمكان‬
‫هذه اليية‪ .‬وعين أنيس بين مالك‪ :‬أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬مين قرأ سيورة الحشير‬
‫غفر ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)‪ .‬وعن أبي أمامة قال‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬من‬
‫قرأ خواتييم سيورة الحشير فيي لييل أو نهار فقبضيه ال فيي تلك الليلة أو ذلك اليوم فقيد أوجيب ال له‬
‫الجنة)‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الممتحنة‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ الممتحنية (بكسير الحاء) أي المختيبرة‪ ،‬أضييف الفعيل إليهيا مجازا‪ ،‬كميا سيميت سيورة "التوبية"‬
‫المبعثرة والفاضحية؛ لميا كشفيت مين عيوب المنافقيين‪ .‬ومين قال فيي هذه السيورة‪ :‬الممتحنية (بفتيح‬
‫الحاء) فإنيه أضافهيا إلى المرأة التيي نزلت فيهيا‪ ،‬وهيي أم كلثوم بنيت عقبية بين أبيي معييط‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى‪" :‬فامتحنوهن ال أعلم بإيمانهن" [الممتحنة‪ ]10 :‬الية‪ .‬وهي امرأة عبدالرحمن بن عوف‪،‬‬
‫ولدت له إبراهيم بن عبدالرحمن‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا‬
‫بميا جاءكيم مين الحيق يخرجون الرسيول وإياكيم أن تؤمنوا بال ربكيم إن كنتيم خرجتيم جهادا فيي‬
‫سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد‬
‫ضل سواء السبيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكيم أولياء" عدّى اتخيذ إلى مفعوليين‬
‫وهما "عدوكم أولياء"‪ .‬والعدو فعول من عدا‪ ،‬كعفو من عفا‪ .‬ولكونه على زنة المصدر أوقع على‬
‫الجماعة إيقاعه على الواحد‪.‬‬
‫روى الئمية ‪ -‬واللفيظ لمسيلم ‪ -‬عين علي رضيي ال عنيه قال‪ :‬بعثنيا رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسييلم أنييا والزبييير والمقداد فقال‪( :‬ائتوا روضيية خاخ فإن بهييا ظعينيية معهييا كتاب فخذوه منهييا)‬
‫فانطلقنيا تعادى بنيا خيلنيا‪ ،‬فإذا نحين بالمرأة‪ ،‬فقلنيا‪ :‬أخرجيي الكتاب‪ ،‬فقالت‪ :‬ميا معيي كتاب‪ .‬فقلنيا‪:‬‬
‫لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب‪ ،‬فأخرجته من عقاصها‪ .‬فأتينا به رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فإذا فيه‪ :‬من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ييا حاطيب ميا هذا؟ قال ل تعجيل‬
‫علي يا رسول ال‪ ،‬إني كنت أمرأ ملصقا في قريش قال سفيان‪ :‬كان حليفا لهم‪ ،‬ولم يكن من أنفسها‬
‫وكان ممين كان معيك مين المهاجريين لهيم قرابات يحمون بهيا أهلييم‪ ،‬فأحببيت إذ فاتنييي ذلك مين‬
‫النسيب فيهيم أن اتخيذ فيهيم يدا يحمون بهيا قرابتيي‪ ،‬ولم أفعله كفرا ول ارتدادا عين دينيي‪ ،‬ول رضيا‬
‫بالكفير بعيد السيلم‪ .‬فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬صيدق)‪ .‬فقال عمير‪ :‬دعنيي ييا رسيول ال‬
‫أضرب عنيق هذا المنافيق‪ .‬فقال‪( :‬إنيه قيد شهيد بدرا وميا يدرييك لعيل ال اطلع على أهيل بدر فقال‬
‫اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) فأنزل ال عز وجل‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم‬
‫أولياء"‪ .‬قيل‪ :‬اسم المرأة سارة من موالي قريش‪ .‬وكان في الكتاب‪" :‬أما بعد‪ ،‬فإن رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم قيد توجيه إليكيم بجييش كاللييل يسيير كالسييل‪ ،‬وأقسيم بال لو لم يسير إليكيم إل وحده‬
‫لظفره ال بكم‪ ،‬وأنجز له موعده فيكم‪ ،‬فإن ال وليه وناصره‪ .‬ذكره بعض المفسرين‪.‬‬
‫وذكير القشيري والثعلبيي‪ :‬أن حاطيب بين أبيي بلتعية كان رجل مين أهيل اليمين‪ ،‬وكان له حلف‬
‫بمكة في بني أسد بن عبدالعزى رهط الزبير بن العوام‪ .‬وقيل‪ :‬كان حليفا للزبير بن العوام‪ ،‬فقدمت‬
‫مين مكة سارة مولة أبيي عمرو بن صييفي بين هشام بين عبيد مناف إلى المدينة ورسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم يتجهيز لفتيح مكية‪ .‬وقييل‪ :‬كان هذا فيي زمين الحديبيية؛ فقال لهيا رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم‪( :‬أمهاجرة جئت ييا سيارة)‪ .‬فقالت ل‪ .‬قال‪( :‬أمسيلمة جئت) قالت ل‪ .‬قال‪( :‬فميا جاء بيك)‬
‫قالت‪ :‬كنتييم الهييل والموالي والصييل والعشيرة‪ ،‬وقييد ذهييب الموالي ‪ -‬تعنييي قتلوا يوم بدر ‪ -‬وقييد‬
‫احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني؛ فقال عليه الصلة والسلم‪( :‬فأين أنت عن‬
‫شباب أهيل مكية) وكانيت مغنيية‪ ،‬قالت‪ :‬ميا طلب منيي شييء بعيد وقعية بدر‪ .‬فحيث رسيول ال صيلى‬
‫ال عليه وسلم بني عبدالمطلب وبني المطلب على إعطائها؛ فكسوها وأعطوها وحملوها فخرجت‬
‫إلى مكيية‪ ،‬وأتاهييا حاطييب فقال‪ :‬أعطيييك عشرة دنانييير وبردا على أن تبلغييي هذا الكتاب إلى أهييل‬
‫مكة‪ .‬وكتب في الكتاب‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم‪ .‬فخرجت سارة‪،‬‬
‫ونزل جبريل فأخبر النبي صلى ال عليه وسلم بذلك‪ ،‬فبعث عليا والزبير وأبا مرثد الغنوي‪ .‬وفي‬
‫رواية‪ :‬عليا والزبير والمقداد‪ .‬وفي رواية‪ :‬أرسل عليا وعمار بن ياسر‪ .‬وفي رواية‪ :‬عليا وعمارا‬
‫وعمير والزبيير وطلحية والمقداد وأبيا مرثيد ‪ -‬وكانوا كلهيم فرسيانا ‪ -‬وقال لهيم‪( :‬انطلقوا حتيى تأتوا‬
‫روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها وخلوا سبيلها فان‬
‫لم تدفعيه لكيم فأضربوا عنقهيا) فأدركوهيا فيي ذلك المكان‪ ،‬فقالوا لهيا‪ :‬أيين الكتاب؟ فحلفيت ميا معهيا‬
‫كتاب‪ ،‬ففتشوا أمتعتهيا فلم يجدوا معهيا كتابيا‪ ،‬فهموا بالرجوع فقال علي‪ :‬وال ميا كذبنيا ول كذبنيا!‬
‫وسيل سييفه وقال‪ :‬أخرجيي الكتاب وإل وال لجردنيك ولضربين عنقيك‪ ،‬فلميا رأت الجيد أخرجتيه‬
‫مين ذؤابتهيا ‪ -‬وفيي روايية مين حجزتهيا ‪ -‬فخلوا سيبيلها ورجحوا بالكتاب إلى رسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪ .‬فأرسل إلى حاطب فقال‪( :‬هل تعرف الكتاب؟) قال نعم‪ .‬وذكر الحديث بنحو ما تقدم‪.‬‬
‫وروي أن النبي صلى ال عليه وسلم أمن جميع الناس يوم الفتح إل أربعة هي أحدهم‪.‬‬
‫@ السيورة أصيل فيي النهيي عين مولة الكفار‪ .‬وقيد مضيى ذلك فيي غيير موضيع‪ .‬مين ذلك قوله‬
‫تعالى‪" :‬ل يتخيذ المؤمنون الكافريين أولياء مين دون المؤمنيين" [آل عمران‪" .]28 :‬ييا أيهيا الذيين‬
‫آمنوا ل تتخذوا بطانية مين دونكيم" [آل عمران‪" .]118 :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا ل تتخذوا اليهود‬
‫والنصيارى أولياء" [المائدة‪ .]51 :‬ومثله كثيير‪ .‬وذكير أن حاطبيا لميا سيمع "ييا أيهيا الذيين آمنوا"‬
‫غشي عليه من الفرح بخطاب اليمان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تلقون إليهم بالمودة" يعني بالظاهر؛ لن قلب حاطب كان سليما؛ بدليل أن النبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم قال لهيم‪( :‬أميا صياحبكم فقيد صيدق) وهذا نيص فيي سيلمة فؤاده وخلوص‬
‫اعتقاده‪ .‬والباء في "بالمودة" زائدة؛ كما تقول‪ :‬قرأت السورة وقرأت بالسورة‪ ،‬ورميت إليه ما في‬
‫نفسيي وبميا فيي نفسيي‪ .‬ويجوز أن تكون ثابتية على أن مفعول "تلقون" محذوف؛ معناه تلقون إليهيم‬
‫أخبار رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بسيبب المودة التيي بينكيم وبينهيم‪ .‬وكذلك "تسيرون إليهيم‬
‫بالمودة" أي بسبب المودة‪ .‬وقال الفراء‪" :‬تلقون إليهم بالمودة" من صلة "أولياء" ودخول الباء في‬
‫المودة وخروجهيا سيواء‪ .‬ويجوز أن تتعلق بيي "ل تتخذوا" حال مين ضميره‪ .‬و"أولياء" صيفة له‪،‬‬
‫ويجوز أن تكون اسيتئنافا‪ .‬ومعنيى "تلقون إليهيم بالمودة" تخيبرونهم بسيرائر المسيلمين وتنصيحون‬
‫لهيم؛ وقاله الزجاج‪ .‬الرابعية‪ :‬مين كثير تطلعيه على عورات المسيلمين وينبيه عليهيم ويعرف عدوهيم‬
‫بأخبارهم لم يكن بذلك كافرا إذا كان فعله لغرض دنيوي واعتقاده على ذلك سليم؛ كما فعل حاطب‬
‫حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينو الردة عن الدين‪.‬‬
‫@ إذا قلنا ل يكون بذلك كافرا فهل يقتل بذلك حدا أم ل؟ اختلف الناس فيه؛ فقال مالك وابن القاسم‬
‫وأشهيب‪ :‬يجتهيد فيي ذلك المام‪ .‬وقال عبدالملك‪ :‬إذا كانيت عادتيه تلك قتيل‪ ،‬لنيه جاسيوس‪ ،‬وقيد قال‬
‫مالك بقتيل الجاسيوس ‪ -‬وهيو صيحيح لضراره بالمسيلمين وسيعيه بالفسياد فيي الرض‪ .‬ولعيل ابين‬
‫الماجشون إنما اتخذ التكرار في هذا لن حاطبا أخذ في أول فعله‪.‬‬
‫@ فإن كان الجاسوس كافرا فقال الوزاعي‪ :‬يكون نقضا لعهده‪ .‬وقال أصبغ‪ :‬الجاسوس الحربي‬
‫يقتل‪ ،‬والجاسوس المسلم والذمي يعاقبان إل إن تظاهرا على السلم فيقتلن‪ .‬وقد روي عن علي‬
‫بين أبيي طالب رضيي ال عنيه أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم أتيى بعيين للمشركيين اسيمه فرات بين‬
‫حيان‪ ،‬فأمير بيه أن يقتيل؛ فصياح‪ :‬ييا معشير النصيار‪ ،‬أقتيل وأنيا أشهيد أن ل إله إل ال وأن محمدا‬
‫رسيول ال! فأم بيه النيبي صيلى ال علييه وسيلم فخلى سيبيله‪ .‬ثيم قال‪( :‬إن منكيم مين أكله إلى إيمانيه‬
‫منهيم فرات بين حيان)‪ .‬وقوله‪" :‬وقيد كفروا" حال‪ ،‬إميا مين "ل تتخذوا" وإميا مين "تلقون" أي ل‬
‫تتولوهيم أو توادوهيم‪ ،‬وهذه حالهيم‪ .‬وقرأ الجحدري "لميا جاءكيم" أي كفروا لجيل ميا جاءكيم مين‬
‫الحق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يخرجون الرسييول" اسييتئناف كلم كالتفسييير لكفرهييم وعتوهييم‪ ،‬أو حال ميين‬
‫"كفروا"‪" .‬وإياكييم أن تؤمنوا بال ربكييم" تعليييل لي ي "يخرجون" المعنييى يخرجون الرسييول‬
‫ويخرجونكيم مين مكية لن تؤمنوا بال أي لجيل إيمانكيم بال‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬وكان حاطيب ممين‬
‫أخرج ميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقييل‪ :‬فيي الكلم تقدييم وتأخيير‪ ،‬والتقديير ل تتخذوا عدوي‬
‫وعدوكيم أولياء إن كنتيم خرجتيم مجاهديين فيي سيبيلي‪ .‬وقييل‪ :‬فيي الكلم حذف‪ ،‬والمعنيى إن كنتيم‬
‫خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي‪ ،‬فل تلقوا إليهم بالمودة‪ .‬وقيل‪" :‬إن كنتم خرجتم جهادا‬
‫فيي سيبيلي وابتغاء مرضاتيي" شرط وجوابيه مقدم‪ .‬والمعنيى إن كنتيم خرجتيم جهادا فيي سيبيلي فل‬
‫تتخذوا عدوي وعدوكييم أولياء‪ .‬ونصييب "جهادا" و"ابتغاء" لنييه مفعول‪ .‬وقوله‪ :‬تسييرون إليهييم‬
‫بالمودة" بدل مين "تلقون" وميبيب عنيه‪ .‬والفعال تبدل مين الفعال‪ ،‬كميا قال تعالى‪" :‬ومين يفعيل‬
‫ذلك يلق أثاما‪ .‬يضاعف له العذاب" [الفرقان‪ .]68 :‬وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫تجد حطبا جزل ونارا تأججا‬ ‫متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا‬
‫وقييل‪ :‬هيو على تقديير أنتيم تسيرون إليهيم بالمودة‪ ،‬فيكون اسيتئنافا‪ .‬وهذا كله معاتبية لحاطيب‪ .‬وهيو‬
‫يدل على فضله وكرامتيه ونصييحته لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وصيدق إيمانيه‪ ،‬فإن المعاتبية‬
‫ل تكون إل من محب لحبيبه‪ .‬كما قال‪:‬‬
‫إذا ما رابني منه اجتناب‬ ‫أعاتب ذا المودة من صديق‬
‫ويبقى الود ما بقي العتاب‬ ‫إذا ذهب العتاب فليس ود‬
‫ومعنى "بالمودة" أي بالنصيحة في الكتاب إليهم‪ .‬والباء زائدة كما ذكرنا‪ ،‬أو ثابتة غير زائدة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنيا أعلم بميا أخفيتيم" أضمرتيم "وميا أعلنتيم" أظهرتيم‪ .‬والباء فيي "بميا" زائدة؛‬
‫يقال‪ :‬علمت كذا وعلمت بكذا‪ .‬وقيل‪ :‬وأنا اعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون‪ ،‬فحذف من كل‬
‫أحد‪ .‬كما يقال‪ :‬فلن اعلم وأفضل من غيره‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬وأنا اعلم بما أخفيتم في صدوركم‪،‬‬
‫وميا أظهرتيم بألسينتكم مين القرار والتوحييد‪" .‬ومين يفعله منكيم" أي مين يسير إليهيم ويكاتبهيم منكيم‬
‫"فقد ضل سواء السبيل" أي أخطأ قصد الطريق‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 2 :‬إن يثقفوكيم يكونوا لكيم أعداء ويبسيطوا إليكيم أيديهيم وألسينتهم بالسيوء وودوا لو‬
‫تكفرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن يثقفوكيم" يلقوكيم ويصيادفوكم؛ ومنيه المثاقفية؛ أي طلب مصيادفة الغرة فيي‬
‫المسيايفة وشبههيا‪ .‬وقييل‪" :‬يثقفوكيم" يظفروا بكيم ويتمكنوا منكيم "يكونوا لكيم أعداء ويبسيطوا إليكيم‬
‫أيديهييم وألسيينتهم بالسييوء" أي أيديهييم بالضرب والقتييل‪ ،‬وألسيينتهم بالشتييم‪" .‬وودوا لو تكفرون"‬
‫بمحمد؛ فل تناصحوهم فإنهم ل يناصحونكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم يوم القيامة يفصل بينكم وال بما تعملون بصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لن تنفعكيم أرحامكيم" لميا اعتذر حاطيب بأن له أولدا وأرحاميا فيميا بينهيم‪ ،‬بيين‬
‫الرب عيز وجيل أن الهيل والولد ل ينفعون شيئا يوم القيامية إن عصيي مين أجيل ذلك‪" .‬يفصيل‬
‫بينكيم" فيدخيل المؤمنيين الجنية ويدخيل الكافريين النار‪ .‬وفيي "يفصيل" قراءات سيبع‪ :‬قرأ عاصيم‬
‫"يفصل" بفتح الياء وكسر الصاد مخففا‪ .‬وقرأ حمزة والكسائي مشددا إل أنه على ما لم يسم فاعله‪.‬‬
‫وقرأ طلحية والنخعيي بالنون وكسير الصياد مشددة‪ .‬وروي عين علقمية كذلك بالنون مخففية‪ .‬وقرأ‬
‫قتادة وأبيو حيوة "يفصيل" بضيم الياء وكسير الصياد مخففية مين أفصيل‪ .‬وقرأ الباقون "يفصيل" بياء‬
‫مضمومية وتخفييف الفاء وفتيح الصياد على الفعيل المجهول‪ ،‬واختاره أبيو عبييد‪ .‬فمين خفيف فلقوله‪:‬‬
‫"وهيو خيير الفاصيلين" [النعام‪ ]57 :‬وقوله‪" :‬إن يوم الفصيل" [الدخان‪ .]40 :‬ومين شدد فلن‬
‫ذلك أبييين فييي الفعييل الكثييير المكرر المتردد‪ .‬وميين أتييى بييه على مييا لم يسييم فاعله فلن الفاعييل‬
‫معروف‪ .‬ومين أتيى بيه مسيمى الفاعيل رد الضميير إلى ال تعالى‪ .‬ومين قرأ بالنون فعلى التعظييم‪.‬‬
‫"وال بما تعملون بصير"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 - 4 :‬قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم‬
‫ومما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بال وحده‬
‫إل قول إبراهييم لبييه لسيتغفرن لك وميا أملك لك مين ال مين شييء ربنيا علييك توكلنيا وإلييك أنبنيا‬
‫وإليك المصير‪ ،‬ربنا ل تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيد كانيت لكيم أسيوة حسينة فيي إبراهييم" لميا نهيى عيز وجيل عين مولة الكفار ذكير‬
‫قصيية إبراهيييم عليييه السييلم‪ ،‬وأن ميين سيييرته التييبرؤ ميين الكفار؛ أي فاقتدوا بييه وأتموا؛ إل فييي‬
‫اسيتغفاره لبييه‪ .‬والسيوة ميا يتأسيى بيه‪ ،‬مثيل القدوة والقدوة‪ .‬ويقال‪ :‬هيو أسيوتك؛ أي مثلك وأنيت‬
‫مثله‪ .‬وقرأ عاصم "أسوة" بضم الهمزة لغتان‪" .‬والذين معه" يعني أصحاب إبراهيم من المؤمنين‪.‬‬
‫وقال ابن زيد‪ :‬هم النبياء "إذ قالوا لقومهم" الكفار "إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون ال" أي‬
‫الصينام‪ .‬وبرآء جميع برييء؛ مئل شرييك وشركاء‪ ،‬وظرييف وظرفاء‪ .‬وقراءة العامية على وزن‬
‫فعلء‪ .‬وقرأ عيسيى بين عمير وابين أبيي إسيحاق "براء" بكسير الباء على وزن فعال؛ مثيل قصيير‬
‫وقصيار‪ ،‬وطوييل وطوال‪ ،‬وظرييف وظراف‪ .‬ويجوز ترل الهمزة حتيى تقول‪ :‬برا؛ وتنون‪ .‬وقرئ‬
‫"براء" على الوصيف بالمصيدر‪ .‬وقرئ "براء" على إبدال الضيم مين الكسير؛ كرخال ورباب‪.‬‬
‫واليية نيص فيي المير بالقتداء بإبراهييم علييه السيلم فيي فعله‪ .‬وذلك يصيحح أن شرع مين قبلنيا‬
‫شرع لنيا فيميا أخيبر ال ورسيوله‪" .‬كفرنيا بكيم" أي بميا آمنتيم بيه مين الوثان‪ .‬وقييل‪ :‬أي بأفعالكيم‬
‫وكذبناهييا وأنكرنييا أن تكونوا على حييق‪" .‬وبدا بيننييا وبينكييم العداوة والبغضاء أبدا" أي هذا دأبنييا‬
‫معكم ما دمتم على كفركم "حتى تؤمنوا بال وحده" فحينئذ تنقلب المعاداة موالة "إل قول إبراهيم‬
‫لبيه لستغفرن لك" فل تتأسوا به في الستغفار فتستغفرون للمشركين؛ فإنه كان عن موعدة منه‬
‫له قاله قتادة ومجاهيد وغيرهميا‪ .‬وقييل‪ :‬معنيى السيتثناء أن إبراهييم هجير قوميه وباعدهيم إل فيي‬
‫الستغفار لببه‪ ،‬ثم بين عذره في سورة "التوبة"‪.‬‬
‫وفيي هذا دللة على تفضييل نبينيا علييه الصيلة والسيلم على سيائر النيبياء؛ لنيا حيين أمرنيا‬
‫بالقتداء بيه أمرنيا أمرا مطلقيا فيي قوله تعالى‪" :‬وميا آتاكيم الرسيول فخذوه وميا نهاكيم عنيه فانتهوا"‬
‫[الحشير‪ ]7 :‬وحيين أمرنيا بالقتداء بإبراهييم علييه السيلم اسيتثنى بعيض أفعاله‪ .‬وقييل‪ :‬هو اسيتثناء‬
‫منقطع؛ أي لكن قول إبراهيم لبيه لستغفرن لك‪ ،‬إنما جرى لنه ظن أنه أسلم‪ ،‬فلما بان له أنه لم‬
‫يسيلم تيبرأ منيه‪ .‬وعلى هذا يجوز السيتغفار لمين يظين أنيه أسيلم؛ وأنتيم لم تجدوا مثيل هذا الظين‪ ،‬فلم‬
‫توالوهيم‪" .‬وميا أملك لك مين ال مين شييء" هذا مين قول إبراهييم علييه السيلم لبييه؛ أي ميا أدفيع‬
‫عنيك مين عذاب ال شيئا إن أشركيت بيه‪" .‬ربنيا علييك توكلنيا" هذا مين دعاء إبراهييم علييه السيلم‬
‫وأصييحابه‪ .‬وقيييل‪ :‬علم المؤمنييين أن يقولوا هذا‪ .‬أي تييبرؤوا ميين الكفار وتوكلوا على ال وقولوا‪:‬‬
‫"ربنا عليك توكلنا" أي اعتمدنا "وإليك أنبنا" أي رجعنا "وإليك المصير" لك الرجوع في الخرة‬
‫"ربنا ل تجعلنيا فتنة للذيين كفروا" أي ل تظهير عدونيا علينا فيظنوا أنهيم على حيق فيفتتنوا بذلك‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ل تسلطهم علينا فيفتنونا ويعذبونا‪" .‬واغفر لنا" ذنوبنا "ربنا إنك أنت العزيز الحكيم"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 - 6 :‬لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو ال واليوم الخر ومن يتول فإن‬
‫ال هو الغني الحميد‪ ،‬عسى ال أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة وال قدير وال غفور‬
‫رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقد كان لكم فيهم" أي في إبراهيم ومن معه من النبياء والولياء‪" .‬أسوة حسنة"‬
‫أي فييي التييبرؤ ميين الكفار‪ .‬وقيييل‪ :‬كرر للتأكيييد‪ .‬وقيييل‪ :‬نزل الثانييي بعييد الول بمدة؛ ومييا أكثيير‬
‫المكررات في القرآن على هذا الوجه‪" .‬ومن يتول" أي عن السلم وقبول هذه المواعظ "فإن ال‬
‫هو الغني" أي لم يتعبدهم لحاجته إليهم‪" .‬الحميد" في نفسه وصفاته‪ .‬ولما نزلت عادى المسلمون‬
‫أقرباءهيم مين المشركيين فعلم ال شدة وجيد المسيلمين فيي ذلك فنزلت‪" :‬عسيى ال أن يجعيل بينكيم‬
‫وبيين الذيين عاديتيم منهيم مودة" وهذا بأن يسيلم الكافير‪ .‬وقيد أسيلم قوم منهيم بعيد فتيح مكية وخالطهيم‬
‫المسلمون؛ كأبي سفيان بن حرب‪ ،‬والحارث بن هشام‪ ،‬وسهيل بن عمرو‪ ،‬وحكيم بن حزام‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫المودة تزوييج النيبي صيلى ال علييه وسيلم أم حبيبية بنيت أبيي سيفيان؛ فلنيت عنيد ذلك عريكية أبيي‬
‫سفيان‪ ،‬واسترخت شكيمته في العداوة‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬كانت المودة بعد الفتح تزويج النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان؛ وكانت تحت عبدال بن جحش‪ ،‬وكانت هي وزوجها من‬
‫مهاجرة الحبشة‪ .‬فأما زوجها فتنصر وسألها أن تتابعه على دينه فأبت وصبرت على دينها‪ ،‬ومات‬
‫زوجهيا على النصيرانية‪ .‬فبعيث النيبي صيلى ال علييه وسيلم إلى النجاشيي فخطبهيا؛ فقال النجاشيي‬
‫لصحابه‪ :‬من أولكم بها؟ قالوا‪ :‬خالد بن سعيد بن العاص‪ .‬قال فزوجها من نبيكم‪ .‬ففعل؛ وأمهرها‬
‫النجاشي من عنده أربعمائة دينار‪ .‬وقيل‪ :‬خطبها النبي صلى ال عليه وسيلم إلى عثمان بن عفان‪،‬‬
‫فلميا زوجيه إياهيا بعيث إلى النجاشيي فيهيا؛ فسياق عنيه المهير وبعيث بهيا إلييه‪ .‬فقال أبيو سيفيان وهيو‬
‫مشرك لميا بلغيه تزوييج النيبي صيلى ال علييه وسيلم ابنتيه‪ :‬ذلك الفحيل ل يقدع أنفيه‪" .‬يقدع" بالدال‬
‫غير المعجمة؛ يقال‪ :‬هدا فحل ل يقدع أنفه؛ أي ل يضرب أنفه‪ .‬وذلك إذا كان كريما‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬ل ينهاكم ال عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم‬
‫وتقسطوا إليهم إن ال يحب المقسطين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل ينهاكم ال عن الذين لم يقاتلوكم في الدين" هذه الية رخصة من ال تعالى في‬
‫صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم‪ .‬قال ابن زيد‪ :‬كان هذا في أول السلم عند الموادعة‬
‫وترك المر بالقتال ثم نسخ‪ .‬قال قتادة‪ :‬نسختها "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" [التوبة‪.]5 :‬‬
‫وقيل‪ :‬كان هذا الحكم لعلة وهو الصلح‪ ،‬فلما زال الصلح بفتح مكة نسخ الحكم وبقي الرسم يتلى‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬هيي مخصيوصة فيي حلفاء النيبي صيلى ال علييه وسيلم ومين بينيه وبينيه عهيد لم ينقضيه؛ قال‬
‫الحسن‪ .‬الكلبي‪ :‬هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناف‪ .‬وقاله أبو صالح‪ ،‬وقال‪ :‬هم خزاعة‪ .‬وقال‬
‫مجاهد‪ :‬هي مخصوصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا‪ .‬وقيل‪ :‬يعني به النساء والصبيان لنهم ممن‬
‫ل يقاتل؛ فأذن ال في برهم‪ .‬حكاه بعض المفسرين‪ .‬وقال أكثر أهل التأويل‪ :‬هي محكمة‪ .‬واحتجوا‬
‫بأن أسيماء بنيت أبيي بكير سيألت النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬هيل تصيل أمهيا حيين قدميت عليهيا‬
‫مشركة؟ قال‪( :‬نعم) خرجه البخاري ومسلم‪ .‬وقيل‪ :‬إن الية فيها نزلت‪ .‬روى عامر بن عبدال بن‬
‫الزبير عن أبيه‪ :‬أن أبا بكر الصديق طلق امرأته قتيلة في الجاهلية‪ ،‬وهي أم أسماء بنت أبي بكر‪،‬‬
‫فقدميت عليهيم فيي المدة التيي كانيت فيهيا المهادنية بيين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وبيين كفار‬
‫قريش‪ ،‬فأهدت‪ ،‬إلى أسيماء بنيت أبي بكير الصيديق قرطا وأشياء؛ فكرهيت أن تقبيل منهيا حتيى أتيت‬
‫رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم فذكرت ذلك له‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬ل ينهاكييم ال عيين الذييين لم‬
‫يقاتلوكم في الدين"‪ .‬ذكر هذا الخبر الماوردي وغيره‪ ،‬وخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن تيبروهم" "أن" فيي موضيع خفيض على البدل مين "الذيين"؛ أي ل ينهاكيم ال‬
‫عن أن تبروا الذين لم يقاتلوكم‪ .‬وهم خزاعة‪ ،‬صالحوا النبي صلى ال عليه وسلم على أل يقاتلوه‬
‫ول يعينوا عليييه أحدا؛ فأميير بييبرهم والوفاء لهييم إلى أجلهييم؛ حكاه الفراء‪" .‬وتقسييطوا إليهييم" أي‬
‫تعطوهيم قسيطا مين أموالكيم على وجيه الصيلة‪ .‬ولييس يرييد بيه مين العدل؛ فإن العدل واجيب فيمين‬
‫قاتل وفيمن لم يقاتل؛ قاله ابن العربي‪.‬‬
‫@ قال القاضيي أبيو بكير فيي كتاب الحكام له‪ :‬اسيتدل بيه بعيض مين تعقيد علييه الخناصير على‬
‫وجوب نفقة البن المسلم على أبيه الكافير‪ .‬وهذه وهلة عظيمة‪ ،‬إذ الذن فيي الشيء أو ترك النهي‬
‫عنيه ل يدل على وجوبيه‪ ،‬وإنميا يعطييك الباحية خاصية‪ .‬وقيد بينيا أن إسيماعيل بين إسيحاق القاضيي‬
‫دخل عليه ذمي فأكرمه‪ ،‬فأخذ عليه الحاضرون في ذلك؛ فتل هذه الية عليهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬إنما ينهاكم ال عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على‬
‫إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما ينهاكم ال عن الذين قاتلوكم في الدين" أي جاهدوكم على الدين "وأخرجوكم‬
‫ميين دياركييم" وهييم عتاة أهييل مكيية‪" .‬وظاهروا على إخراجكييم" أي عاونوا على إخراجكييم وهييم‬
‫مشركيو أهيل مكية "أن تولوهيم" "أن" فيي موضيع جير على البدل على ميا تقدم فيي "أن تيبروهم"‪.‬‬
‫"ومن يتولهم" أي يتخذهم أولياء وأنصارا وأحبابا "فأولئك هم الظالمون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ال أعلم بإيمانهن‬
‫فإن علمتموهين مؤمنات فل ترجعوهين إلى الكفار ل هين حيل لهيم ول هيم يحلون لهين وآتوهيم ميا‬
‫أنفقوا ول جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ول تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما‬
‫أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم ال يحكم بينكم وال عليم حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات" لما أمر المسلمين بترك موالة المشركين‬
‫اقتضيى ذلك مهاجرة المسيلمين عين بلد الشرك إلى بلد السيلم‪ ،‬وكان التناكيح مين أوكيد أسيباب‬
‫الموالة؛ فييبين أحكام مهاجرة النسيياء‪ .‬قال ابيين عباس‪ :‬جرى الصييلح مييع مشركييي قريييش عام‬
‫الحديبية‪ ،‬على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم‪ ،‬فجاءت سعيدة بنت الحارث السلمية بعد الفراغ‬
‫من الكتاب‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وسلم بالحديبية بعد؛ فأقبل زوجها وكان كافرا ‪ -‬وهو صيفي بن‬
‫الراهيب‪ .‬وقييل‪ :‬مسيافر المخزوميي ‪ -‬فقال‪ :‬ييا محميد‪ ،‬اردد علي امرأتيي فإنيك شرطيت ذلك! وهذه‬
‫طينية الكتاب لم تجيف بعيد‪ ،‬فأنزل ال تعالى هذه اليية‪ .‬وقييل‪ :‬جاءت أم كلثوم بنيت عقبية بين أبيي‬
‫معييط‪ ،‬فجاء أهلهيا يسيألون رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أن يردهيا‪ .‬وقييل‪ :‬هربيت مين زوجهيا‬
‫عمرو بيين العاص ومعهييا أخواهييا عمارة والوليييد‪ ،‬فرد رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم أخويهييا‬
‫وحبسيها‪ ،‬فقالوا للنيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ ردهيا علينيا للشرط‪ ،‬فقال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬كان‬
‫الشرط فييي الرجال ل فييي النسيياء) فأنزل ال تعالى هذه الييية‪ .‬وعيين عروة قال‪ :‬كان ممييا اشترط‬
‫سيهيل بين عمرو على النيبي صيلى ال علييه وسيلم يوم الحديبيية‪ :‬أل يأتييك منيا أحيد وإن كان على‬
‫دينيك إل رددتيه إلينيا‪ ،‬حتيى أنزل ال تعالى فيي المؤمنات ميا أنزل؛ يوميئ إلى أن الشرط فيي رد‬
‫النساء نسخ بذلك‪ .‬وقيل‪ :‬إن التي جاءت أميمة بنت بشر‪ ،‬كانت عند ثابت بن الشمراخ ففرت منه‬
‫وهييو يومئذ كافيير‪ ،‬فتزوجهييا سييهل بيين حنيييف فولدت له عبدال‪ ،‬قال زيييد بيين حييبيب‪ .‬كذا قال‬
‫الماوردي‪ :‬أميمية بنيت بشير كانيت عنيد ثابيت بين الشمراخ‪ .‬وقال المهدوي‪ :‬وروى ابين وهيب عين‬
‫خالد أن هذه اليية نزلت فيي أميمية بنيت بشير مين بنيي عمرو بين عوف‪ .‬وهيي امرأة حسيان بين‬
‫الدحداح‪ ،‬وتزوجها بعد هجرتها سهل بن حنيف‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬إنها سعيدة زوجة صيفي بن الراهب‬
‫مشرك من أهل مكة‪ .‬والكثر من أهل العلم أنها أم كلثوم بنت عقبة‪.‬‬
‫@ واختلف أهل العلم هل دخل النساء في عقد المهادنة لفظا أو عموما؛ فقالت طائفة منهم‪ :‬قد كان‬
‫شرط ردهن في عقد المهادنة لفظا صريحا فنسخ ال ردهن من العقد ومنع منه‪ ،‬وبقاه في الرجال‬
‫على ميا كان‪ .‬وهذا يدل على أن للنيبي صيلى ال علييه وسيلم أن يجتهيد رأييه فيي الحكام‪ ،‬ولكين ل‬
‫يقره ال على خطأ‪ .‬وقالت طائفة من أهل العلم‪ :‬لم يشترط ردهن في العقد لفظا‪ ،‬وإنما أطلق العقد‬
‫فيي رد مين أسيلم؛ فكان ظاهير العموم اشتماله عليهين ميع الرجال‪ .‬فيبين ال تعالى خروجهين عين‬
‫عموميه‪ .‬وفرق بينهين وبيين الرجال لمريين‪ :‬أحدهميا‪ :‬أنهين ذوات فروج يحرمين عليهيم‪ .‬الثانيي‪:‬‬
‫أنهن أرق قلوبا وأسرع تقلبا منهم‪ .‬فأما المقيمة منهن على شركها فمردودة عليهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فامتحنوهن" قيل‪ :‬إنه كان من أرادت منهن إضرار زوجها فقالت‪ :‬سأهاجر إلى‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم؛ فلذلك أمر صلى ال عليه وسلم بامتحانهن‪ .‬واختلف فيما كان يمتحنهن‬
‫بيه على ثلث أقوال‪ :‬الول‪ :‬قال ابين عباس‪ :‬كانيت المحنية أن تسيتحلف بال أنهيا ميا خرجيت مين‬
‫بغض زوجها‪ ،‬ول رغبة من أرض إلى أرض‪ ،‬ول التماس دنيا‪ ،‬ول عشقا لرجل منا؛ بل حبا ل‬
‫ولرسيوله‪ .‬فإذا حلفيت بال الذي ل إله إل هيو على ذلك‪ ،‬أعطيى النيبي صيلى ال علييه وسيلم زوجهيا‬
‫مهرهيا وميا أنفيق عليهيا ولم يردهيا؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬فإن علمتموهين مؤمنات فل ترجعوهين إلى‬
‫الكفار ل هن حل لهم ول هم يحلون لهن"‪ .‬الثانيي‪ :‬أن المحنة كانت أن تشهد أن ل إله إل ال وأن‬
‫محمدا رسول ال؛ قاله ابن عباس أيضا‪ .‬الثالث‪ :‬بما بينه في السورة بعد من قوله تعالى‪" :‬يا أيها‬
‫النيبي إذا جاءك المؤمنات" [الممتحنية‪ ]12 :‬قالت عائشية رضيي ال عنهيا‪ :‬ميا كان رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم يمتحين إل باليية التيي قال ال‪" :‬إذا جاءك المؤمنات يبايعنيك" [الممتحنية‪:‬‬
‫‪ ]12‬رواه معمر عن الزهري عن عائشة‪ .‬خرجه الترمذي وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫@ أكثر العلماء على أن هذا ناسخ لما كان عليه الصلة والسلم عاهد عليه قريشا‪ ،‬من أنه يرد‬
‫إليهم من جاءه منهم مسلما؛ فنسخ من ذلك النساء‪ .‬وهذا مذهب من يرى نسخ السنة بالقرآن‪ .‬وقال‬
‫بعييض العلماء‪ :‬كله منسييوخ فييي الرجال والنسيياء‪ ،‬ول يجوز أن يهادن المام العدو على أن يرد‬
‫إليهيم مين جاءه مسيلما‪ ،‬لن إقامية المسيلم بأرض الشرك ل تجوز‪ .‬وهذا مذهيب الكوفييين‪ .‬وعقيد‬
‫الصلح على ذلك جائز عند مالك‪ .‬وقد احتج الكوفيون لما ذهبوا إليه من ذلك بحديث إسماعيل بن‬
‫أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن خالد بن الوليد‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعثه إلى‬
‫قوم مين خثعيم فاعتصيموا بالسيجود فقتلهيم‪ ،‬فوداهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بنصيف الديية‪،‬‬
‫وقال "أنيا بريء من كل مسيلم أقام مع مشرك فيي دار الحرب ل تراءى نارهميا) قالوا‪ :‬فهذا ناسيخ‬
‫لرد المسلمين إلى المشركين‪ ،‬إذ كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قد بريء ممن أقام معهم في‬
‫دار الحرب‪ .‬ومذهيب مالك والشافعيي أن هذا الحكيم غيير منسيوخ‪ .‬قال الشافعيي‪ :‬ولييس لحيد هذا‬
‫العقيد إل الخليفية أو رجيل يأمره‪ ،‬لنيه يلي الموال كلهيا‪ .‬فمين عقيد غيير الخليفية هذا العقيد فهيو‬
‫مردود‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال أعلم بإيمانهين" أي هذا المتحان لكيم‪ ،‬وال اعلم بإيمانهين‪ ،‬لنيه متولي‬
‫السيرائر‪" .‬فإن علمتموهن مؤمنات" أي بميا يظهير مين اليمان‪ .‬وقييل‪ :‬إن علمتموهن مؤمنات قبيل‬
‫المتحان "فل ترجعوهين إلى الكفار ل هين حيل لهيم ول هيم يحلون لهين" أي لم يحيل ال مؤمنية‬
‫لكافر‪ ،‬ول نكاح مؤمن لمشركة‪.‬‬
‫وهذا أدل دلييل على أن الذي أوجيب فرقية المسيلمة مين زوجهيا إسيلمها ل هجرتهيا‪ .‬وقال أبيو‬
‫حنيفية‪ :‬الذي فرق بينهميا هيو اختلف الداريين‪ .‬وإلييه إشارة فيي مذهيب مالك بيل عبارة‪ .‬والصيحيح‬
‫الول‪ ،‬لن ال تعالى قال‪" :‬ل هين حيل لهيم ول هيم يحلون لهين" فيبين أن العلة عدم الحيل بالسيلم‬
‫ولييس باختلف الدار‪ .‬وال اعلم‪ .‬وقال أبيو عمير‪ :‬ل فرق بيين الداريين ل فيي الكتاب ول فيي السينة‬
‫ول فيي القياس‪ ،‬وإنميا المراعاة فيي ذلك الدينان‪ ،‬فباختلفهميا يقيع الحكيم وباجتماعهميا‪ ،‬ل بالدار‪.‬‬
‫وال المستعان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتوهيم ميا أنفقوا" أمير ال تعالى إذا أمسيكت المرأة المسيلمة أن يرد على زوجهيا‬
‫ما أنفق وذلك من الوفاء بالعهد‪ ،‬لنه لما منع من أهله بحرمة السلم‪ ،‬أمر برد المال إليه حتى ل‬
‫يقع عليهم خسران من الوجهين‪ :‬الزوجة والمال‪.‬‬
‫@ ول غرم إل إذا طالب الزوج الكافر‪ ،‬فإذا حضر وطالب منعناها وغرمنا‪ .‬فإن كانت ماتت قبل‬
‫حضور الزوج لم نغرم المهر إذ لم يتحقق المنع‪ .‬وإن كان المسمى خمرا أو خنزيرا لم نغرم شيئا‪،‬‬
‫لنه ل قيمة له‪ .‬وللشافعي في هذه الية قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أن هذا منسوخ‪ .‬قال الشافعي‪ :‬وإذا جاءتنا‬
‫المرأة الحرة مين أهيل الهدنية مسيلمة مهاجرة مين دار الحرب إلى المام فيي دار السيلم أو فيي دار‬
‫الحرب‪ ،‬فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بل عوض‪ .‬وإذا طلبها زوجها لنفسه أو غيره‬
‫بوكالتيه ففييه قولن‪ :‬أحدهميا‪ :‬يعطيي العوض‪ ،‬والقول ميا قال ال عيز وجيل‪ ،‬وفييه قول آخير‪ :‬أنيه ل‬
‫يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة العوض‪ .‬فإن شرط المام رد النساء كان الشرط‬
‫ورسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أل يرد النسياء كان شرط مين شرط رد النسياء منسيوخا ولييس‬
‫عليه عوض‪ ،‬لن الشرط المنسوخ باطل ول عوض الباطل‪.‬‬
‫@ أمر ال تعالى برد مثل ما أنفقوا إلى الزواج‪ ،‬وأن المخاطب بهذا المام‪ ،‬ينفذ مما بين يديه‬
‫من بيت المال الذي ل يتعين له مصرف‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬يرد المهر الذي يتزوجها من المسلمين‪ ،‬فإن‬
‫لم يتزوجها من المسلمين أحد فليس لزوجها الكافير شيء‪ .‬وقال قتادة‪ :‬الحكم في رد الصيداق إنما‬
‫هيو فيي نسياء أهيل العهيد؛ فأميا مين ل عهيد بينيه وبيين المسيلمين فل يرد إليهيم الصيداق‪ .‬والمير كميا‬
‫قاله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول جناح عليكيم أن تنكحوهين" يعنيي إذا أسيلمن وانقضيت عدتهين لميا ثبيت مين‬
‫تحرييم نكاح المشركية والمعتدة‪ .‬فإن أسيلمت قبيل الدخول ثبيت النكاح فيي الحال ولهيا التزوج‪" .‬إذا‬
‫آتيتموهن أجورهن" أباح نكاحها بشرط المهر؛ لن السلم فرق بينها وبين زوجها الكافر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تمسكوا بعصم الكوافر" قراءة العامة بالتخفيف من المساك‪ .‬وهو اختيار أبي‬
‫عبييد لقوله تعالى‪" :‬فأمسيكوهن بمعروف" [البقرة‪ .]231 :‬وقرأ الحسين وأبيو العاليية وأبيو عمرو‬
‫"ول تمسيكوا" مشددة مين التمسيك‪ .‬يقال‪ :‬مسيك يمسيك تمسيكا؛ بمعنيى أمسيك يمسيك‪ .‬وقرئ "ول‬
‫تمسييكوا" بنصييب التاء؛ أي ل تتمسييكوا‪ .‬والعصييم جمييع العصييمة؛ وهييو مييا اعتصييم بييه‪ .‬والمراد‬
‫بالعصيمة هنييا النكاح‪ .‬يقول‪ :‬مين كانييت له امرأة كافرة بمكيية فل يعتييد بهيا‪ ،‬فليسيت له امرأة‪ ،‬فقيد‬
‫انقطعيت عصيمتها لختلف الدارين‪ .‬وعن النخعيي‪ :‬هي المسلمة تلحيق بدار الحرب فتكفير؛ وكان‬
‫الكفار يتزوجون المسيلمات والمسيلمون يتزوجون المشركات؛ ثيم نسيخ ذلك فيي هذه اليية‪ .‬فطلق‬
‫عمر بن الخطاب حينئذ امرأتين له بمكة مشركتين‪ :‬قريبة بنت أبي أمية فتزوجها معاوية بن أبي‬
‫سيفيان وهميا على شركهميا بمكية‪ .‬وأم كلثوم بنيت عمرو الخزاعيية أم عبدال بين المغيرة؛ فتزوجهيا‬
‫أبيو جهيم بين حذافية وهميا على شركهميا‪ .‬فلميا ولي عمير قال أبيو سيفيان لمعاويية‪ :‬طلق قريبية لئل‬
‫يرى عمر سلبه في بيتك‪ ،‬فأبي معاوية من ذلك‪ .‬وكانت عند طلحة بن عبيدال أروى بنت ربيعة‬
‫بيين الحارث بيين عبدالمطلب ففرق السييلم بينهمييا‪ ،‬ثييم تزوجهييا فييي السييلم خالد بيين سييعيد بيين‬
‫العاص‪ ،‬وكانت ممن فر إلى النبي صلى ال عليه وسلم من نساء الكفار‪ ،‬فحبسها وزوجها خالدا‪.‬‬
‫وزوج النيبي صيلى ال علييه وسيلم زينيب ابنتيه ‪ -‬وكانيت كافرة ‪ -‬مين أبيي العاص بين الربييع‪ ،‬ثيم‬
‫أسلمت وأسلم زوجها بعدها‪ .‬ذكر عبدالرزاق عن ابن جريج عن رجل عن ابن شهاب قال‪ :‬أسلمت‬
‫زينب بنت النبي صلى ال عليه وسلم وهاجرت بعد النبي صلى ال عليه وسلم في الهجرة الولى‪،‬‬
‫وزوجها أبو العاص بن الربيع عبدالعزى مشرك بمكة‪ .‬الحديث‪ .‬وفيه‪ :‬أنه أسلم بعدها‪ .‬وكذلك قال‬
‫الشعيبي‪ .‬قال الشعيبي‪ :‬وكانيت زينيب بنيت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم امرأة أبيي العاص بين‬
‫الربيع‪ ،‬فأسلمت ثم لحقت بالنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم أتى زوجها المدينة فأمنته فأسلم فردها‬
‫علييه النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقال أبيو داود عين عكرمية عين ابين عباس‪ :‬بالنكاح الول؛ ولم‬
‫يحدث شيئا‪ .‬قال محمد بن عمر في حديثه‪ :‬بعد ست سنين‪ .‬وقال الحسن بن علي‪ :‬بعد سنتين‪ .‬قال‬
‫أبو عمر‪ :‬فإن صح هذا فل يخلو من وجهين‪ :‬إما أنها لم تحض حتى أسلم زوجها‪ ،‬وإما أن المر‬
‫فيهيا منسيوخ بقول ال عيز وجيل‪" :‬وبعولتهين أحيق بردهين فيي ذلك" [البقرة‪ ]228 :‬يعنيي فيي‬
‫عدتهين‪ .‬وهذا ميا ل خلف فييه بيين العلماء أنيه عنيي بيه العدة‪ .‬وقال ابين شهاب الزهري رحميه ال‬
‫فيييي قصييية زينيييب هذه‪ :‬كان قبيييل أن تنزل الفرائض‪ .‬وقال قتادة‪ :‬كان هذا قبيييل أن تنزل سيييورة‬
‫"التوبة" بقطع العهود بينهم وبين المشركين‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بعصيم الكوافير" المراد بالكوافير هنيا عبدة الوثان مين ل يجوز ابتداء نكاحهيا‪،‬‬
‫فهي خاصة بالكوافر من غير أهل الكتاب‪ .‬وقيل‪ :‬هي عامة‪ ،‬نسخ منها نساء أهل الكتاب‪ .‬ولو كان‬
‫إلى ظاهر الية لم تحل كافرة بوجه‪ .‬وعلى القول الول إذا أسلم وثني أو مجوسي ولم تسلم امرأته‬
‫فرق بينهمييا‪ .‬وهذا قول بعييض أهييل العلم‪ .‬ومنهييم ميين قال‪ :‬ينتظيير بهييا تمام العدة‪ .‬فميين قال يفرق‬
‫بينهميا فيي الوقيت ول ينتظير تمام العدة إذا عرض عليهيا السيلم ولم تسيلم ‪ -‬مالك بين أنيس‪ .‬وهيو‬
‫قول الحسييين وطاوس ومجاهيييد وعطاء وعكرمييية وقتادة والحكيييم‪ ،‬واحتجوا بقوله تعالى‪" :‬ول‬
‫تمسيكوا بعصيم الكوافير"‪ .‬دوقال الزهري‪ :‬ينتظير بهيا العدة‪ .‬وهيو قول الشافعيي وأحميد‪ .‬واحتجوا‬
‫بأن أبا سفيان بن حرب أسلم قبل هند بنت عتبة امرأته‪ ،‬وكان إسلمه بمر الظهران ثم رجع إلى‬
‫مكة وهند بها كافرة مقيمة على كفرها‪ ،‬فأخذت بلحيته وقالت‪ :‬اقتلوا الشيخ الضال‪ .‬ثم أسلمت بعده‬
‫بأيام‪ ،‬فاسييتقرا على نكاحهميا لن عدتهيا لم تكين انقضيت‪ .‬قالوا‪ :‬ومثله حكيييم بين حزام أسيلم قبيل‬
‫امرأتيه‪ ،‬ثيم أسيلمت بعده فكانيا على نكاحهميا‪ .‬قال الشافعيي‪ :‬ول حجية لمين احتيج بقوله تعالى‪" :‬ول‬
‫تمسيكوا بعصيم الكوافير" لن نسياء المسيلمين محرمات على الكفار؛ كميا أن المسيلمين ل تحيل لهيم‬
‫الكوافير والوثنيات ول المجوسييات بقول ال عيز وجيل‪" :‬ول هين حيل لهيم ول هيم يحلون لهين" ثيم‬
‫بينت السنة أن مراد ال من قوله هذا أنه ل يحل بعضهم لبعض إل أن يسلم الباقي منهما في العدة‪.‬‬
‫وأما الكوفيون وهم سفيان وأبو حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا في الكافرين الذميين‪ :‬إذا أسلمت المرأة‬
‫عرض على الزوج السيلم‪ ،‬فإن أسيلم وإل فرق بينهميا‪ .‬قالوا‪ :‬ولو كانيا حربييين فهيي امرأتيه حتيى‬
‫تحييض ثلث حييض إذا كانيا جميعيا فيي دار الحرب أو فيي دار السيلم‪ .‬وإن كان أحدهميا فيي دار‬
‫السلم والخر في دار الحرب انقطعت العصمة بينهما فراعوا الدار؛ وليس بشيء‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@ هذا الختلف إنمييا هييو فييي المدخول بهييا‪ ،‬فإن كانييت غييير مدخول بهييا فل نعلم اختلفييا فييي‬
‫انقطاع العصيمة بينهميا؛ إذ ل عدة عليهيا‪ .‬كذا يقول مالك فيي المرأة ترتيد زوجهيا مسيلم‪ :‬انقطعيت‬
‫العصيمة بينهميا‪ .‬وحجتيه "ول تمسيكوا بعصيم الكوافير" وهيو قول الحسين البصيري والحسين بين‬
‫صالح بن حي‪ .‬ومذهب الشافعي وأحمد أنه ينتظر بها تمام العدة‪.‬‬
‫@ فإن كان الزوجان نصيرانيين فأسيلمت الزوجية ففيهيا أيضيا اختلف‪ .‬ومذهيب مالك وأحميد‬
‫والشافعيي الوقوف إلى تمام العدة‪ .‬وهيو قول مجاهيد‪ .‬وكذا الوثنيي تسيلم زوجتيه‪ ،‬إنيه إن أسيلم فيي‬
‫عدتها فهو أحق بها؛ كما كان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل أحق بزوجتيهما لما أسلما في‬
‫عدتيهميا؛ على حدييث ابين شهاب‪ .‬ذكره مالك فيي الموطيأ‪ .‬قال ابن شهاب‪ :‬كان بيين إسيلم صيفوان‬
‫وبيين إسيلم زوجتيه نحيو مين شهير‪ .‬قال ابين شهاب‪ :‬ولم يبلغنيا أن امرأة هاجرت إلى رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم وزوجهيا كافير مقييم بدار الحرب إل فرقيت هجرتهيا بينيه وبينهيا؛ إل أن يقدم‬
‫زوجهيا مهاجرا قبيل أن تنقضيي عدتهيا‪ .‬ومين العلماء مين قال‪ :‬ينفسيخ النكاح بينهميا‪ .‬قال يزييد بين‬
‫علقمية‪ :‬أسيلم جدي ولم تسيلم جدتيي ففرق عمير بينهميا رضيي ال عنيه؛ وهيو قول طاوس‪ .‬وجماعية‬
‫غيره منهم عطاء والحسن وعكرمة قالوا‪ :‬ل سبيل عليها إل بخطبة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا" قال المفسرون‪ :‬كان من ذهب من المسلمات‬
‫مرتدات إلى الكفار ميين أهييل العهييد يقال للكفار‪ :‬هاتوا مهرهييا‪ .‬ويقال للمسييلمين إذا جاء أحييد ميين‬
‫الكافرات مسلمة مهاجرة‪ :‬ردوا إلى الكفار مهرها‪ .‬وكان ذلك نصفا وعدل بين الحالتين‪ .‬وكان هذا‬
‫حكيم ال مخصيوصا بذلك الزمان فيي تلك النازلة خاصية بإجماع المية؛ قال ابين العربيي‪" .‬ذلكيم‬
‫حكيم ال" أي ميا ذكير فيي هذه اليية هيو حكيم ال‪" .‬يحكيم بينكيم وال علييم حكييم"‪ .‬تقدم فيي غيير‬
‫موضع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل‬
‫ما أنفقوا واتقوا ال الذي أنتم به مؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن فاتكيم شييء مين أزواجكيم " فيي الخيبر‪ :‬أن المسيلمين قالوا‪ :‬رضينيا بميا حكيم‬
‫ال؛ وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا فنزلت‪" :‬وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا‬
‫الذيين ذهبيت أزواجهيم مثيل ميا أنفقوا"‪ .‬وروى الزهري عين عروة عين عائشية رضيي ال عنهيا‬
‫قالت‪ :‬حكيم ال عيز وجيل بينكيم فقال جيل ثناؤه‪" :‬واسيألوا ميا أنفقتيم وليسيألوا ميا أنفقوا" فكتيب إليهيم‬
‫المسيلمون‪ :‬قيد حكيم ال عيز وجيل بيننيا بأنيه إن جاءتكيم امرأة منيا أن توجهوا إلينيا بصيداقها‪ ،‬وإن‬
‫جاءتنيا امرأة منكيم وجهنيا إليكيم بصيداقها‪ .‬فكتبوا إليهيم‪ :‬أميا نحين فل نعلم لكيم عندنيا شيئا‪ ،‬فإن كان‬
‫لنا عندكم شيء فوجهوا به‪ ،‬فأنزل ال عز وجل‪" :‬وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم‬
‫فآتوا الذيين ذهبيت أزواجهيم مثيل ميا أنفقوا"‪ .‬وقال ابين عباس فيي قوله تعالى‪" :‬ذلكيم حكيم ال يحكيم‬
‫بينكم" أي بين المسلمين والكفار من أهل العهد من أهل مكة يرد بعضهم إلى بعض‪ .‬قال الزهري‪:‬‬
‫ولول العهيد لمسيك النسياء ولم يرد إليهيم صيداقا‪ .‬وقال قتادة ومجاهيد‪ :‬إنميا أمروا أن يعطوا الذيين‬
‫ذهبيت أزواجهيم مثيل ميا أنفقوا مين الفييء والغنيمية‪ .‬وقال‪ :‬هيي فيمين بيننيا وبينيه عهيد ولييس بيننيا‬
‫وبينه عهد‪ .‬وقال‪ :‬ومعنى "فعاقبتم" فاقتصصتم‪" .‬فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا" يعني‬
‫الصدقات‪ .‬فهي عامة في جميع الكفار‪ .‬وقال قتادة أيضا‪ :‬وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار‬
‫الذين بينكم وبينهم عهد‪ ،‬فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا‪ .‬ثم نسخ هذا في سورة "التوبة"‪.‬‬
‫وقال الزهري‪ :‬انقطيع هذا عام الفتيح‪ .‬وقال سيفيان الثوري‪ :‬ل يعميل بيه اليوم‪ .‬وقال قوم‪ :‬هيو ثابيت‬
‫الحكم الن أيضا‪ .‬حكاه القشيري‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فعاقبتم" قراءة العامة "فعاقبتم" وقرأ علقمة والنخعي وحميد والعرج "فعقبتم"‬
‫مشددة‪ .‬وقرأ مجاهد "فأعقبتم" وقال‪ :‬صنعتم كما صنعوا بكم‪ .‬وقرأ الزهري "فعقبتم" خفيفة بغير‬
‫ألف‪ .‬وقرأ مسييروق وشقيييق بيين سييلمة "فعقبتييم" بكسيير القاف خفيفيية‪ .‬وقال‪ :‬غنمتييم‪ .‬وكلهييا لغات‬
‫بمعنيى واحيد‪ .‬يقال‪ :‬عاقيب وعقيب وعقيب وأعقيب وتعقيب واعتقيب وتعاقيب إذا غنيم‪ .‬وقال القتيبي‬
‫"فعاقبتيم" فغزوتيم معاقيبين غزوا بعيد غزو‪ .‬وقال ابين بحير‪ :‬أي فعاقبتيم المرتدة بالقتيل فلزوجهيا‬
‫مهرهيا مين غنائم المسيلمين‪" .‬فآتوا الذيين ذهبيت أزواجهيم مثيل ميا أنفقوا" قال ابين عباس‪ :‬يقول إن‬
‫لحضيت امرأة مؤمنية بكفار أهيل مكية‪ ،‬ولييس بينكيم وبينهيم عهيد ولهيا زوج مسيلم قبلكيم فغنمتيم‪،‬‬
‫فأعطوا هذا الزوج المسلم مهره من الغنيمة قبل أن تخمس‪ .‬وقال الزهري‪ :‬يعطي من مال الفيء‪.‬‬
‫وعنيه يعطيى مين صيدق مين لحيق بنيا‪ .‬وقييل‪ :‬أي إن امتنعوا مين أن يغرموا مهير هذه المرأة التيي‬
‫ذهبيت إليهيم‪ ،‬فانبذوا العهيد إليهيم حتيى إذا ظفرتيم فخذوا ذلك منهيم‪ .‬قال العميش‪ :‬هيي منسيوخة‪.‬‬
‫وقال عطاء‪ :‬بيل حكمهيا ثابيت‪ .‬وقيد تقدم جمييع هذا‪ .‬القشيري‪ :‬واليية نزلت فيي أم الحكيم بنيت أبيي‬
‫سيفيان‪ ،‬ارتدت وتركيت زوجهيا عياض بين غنيم القرشيي‪ ،‬ولم ترتيد امرأة مين قرييش غيرهيا‪ ،‬ثيم‬
‫عادت إلى السيلم‪ .‬وحكيى الثعلبيي عين ابين عباس‪ :‬هين سيت نسيوة رجعين عين السيلم ولحقين‬
‫بالمشركيين مين نسياء المؤمنيين المهاجريين‪ :‬أم الحكيم بنيت أبيي سيفيان كانيت تحيت عياض بين أبيي‬
‫شداد الفهري‪ .‬وفاطمية بنيت أبيي أميية بين المغيرة أخيت أم سيلمة‪ ،‬وكانيت تحيت عمير بين الخطاب‪،‬‬
‫فلميا هاجير عمير أبيت وارتدت‪ .‬وبروع بنيت عقبية‪ ،‬كانيت تحيت شماس بين عثمان‪ .‬وعبدة بنيت‬
‫عبدالعزى‪ ،‬كانيت تحيت هشام بين العاص‪ .‬وأم كلثوم بنيت جرول تحيت عمير بين الخطاب‪ .‬وشهبية‬
‫بنيت غيلن‪ .‬فأعطاهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم مهور نسيائهم مين الغنيمية‪" .‬واتقوا ال" احذروا‬
‫أن تتعدوا ما أمرتم به‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 12 :‬ييا أيهيا النيبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنيك على أن ل يشركين بال شيئا ول‬
‫يسيرقن ول يزنيين ول يقتلن أولدهين ول يأتيين ببهتان يفترينيه بيين أيديهين وأرجلهين ول يعصيينك‬
‫في معروف فبايعهن واستغفر لهن ال إن ال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك" لما فتح رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫مكة جاء نساء أهل مكة يبايعنه‪ ،‬فأمر أن يأخذ عليهن أل يشركن‪ .‬وفي صحيح مسلم عن عائشة‬
‫زوج النيبي صيلى ال علييه وسيلم قالت‪ :‬كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم يمتحن بقول ال تعالى‪" :‬يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أل يشركن بال شيئا‬
‫ول يسرقن ول يزنين" إلى آخر الية‪ .‬قالت عائشة‪ :‬فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة‪،‬‬
‫وكان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إذا أقررن بذلك مين قولهين قال لهين رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم‪( :‬انطلقين فقيد بايعتكين) ول وال ميا مسيت ييد رسيول ال ييد امرأة قيط‪ ،‬غيير أنيه بايعهين‬
‫بالكلم‪ .‬قالت عائشة‪ :‬وال ما أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم على النساء قط إل بما أمره ال‬
‫عز وجل‪ ،‬وما مست كف رسول ال صلى ال عليه وسلم كف امرأة قط؛ وكان يقول لهن إذا أخذ‬
‫عليهن (قد بايعتكن كلما)‪ .‬وروي أنه عليه الصلة والسلم بايع النساء وبين يديه وأيديهن ثوب‪،‬‬
‫وكان يشترط عليهين‪ .‬وقييل‪ :‬لميا فرغ مين بيعية الرجال جلس على الصيفا ومعيه عمير أسيفل منيه‪،‬‬
‫فجعييل يشترط على النسيياء البيعيية وعميير يصييافحهن‪ .‬وروي أنييه كلف امرأة وقفييت على الصييفا‬
‫فبايعتهن‪ .‬ابن العربي‪ :‬وذلك ضعيف‪ ،‬وإنما ينبغي التعويل على ما في الصحيح‪ .‬وقالت أم عطية‪:‬‬
‫لما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة جمع نساء النصار في بيت‪ ،‬ثم أرسل إلينا عمر‬
‫بن الخطاب‪ ،‬فقام على الباب فسلم فرددن عليه السلم‪ ،‬فقال‪ :‬أنا رسول رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم إليكين؛ أل تشركين بال شيئا‪ .‬فقلن نعيم‪ .‬فميد يده مين خارج البييت ومددنيا أيدينيا مين داخيل‬
‫البييت؛ ثيم قال‪ :‬اللهيم اشهيد‪ .‬وروى عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده أن النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء‪ ،‬فغمس يده فيه ثم أمر النساء فغمسن أيديهن فيه‪.‬‬
‫@ روي أن النبي صلى ال عليه وسلم لما قال‪( :‬على أل يشركن بال شيئا) قالت هند بنت عتبة‬
‫وهي منتقبة خوفا من النبي صلى ال عليه وسلم أن يعرفها لما صنعته بحمزة يوم أحد‪ :‬وال إنك‬
‫لتأخذ علينا أمرا ما رأيتك أخذته على الرجال وكان بايع الرجال يومئذ على السلم والجهاد فقط‬
‫‪ -‬فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ول يسيرفن) فقالت هنيد‪ :‬إن أبيا سيفيان رجيل شحييح وإنيي‬
‫أصيب من ماله قوتنا‪ .‬فقال أبو سفيان‪ :‬هو لك حلل‪ .‬فضحك النبي صلى ال عليه وسلم وعرفها‬
‫وقال‪( :‬أنت هنيد)؟ فقالت‪ :‬عفيا ال عما سلف‪ .‬ثم قال‪( :‬ول يزنيين) فقالت هنيد‪ :‬أو تزنيي الحرة! ثيم‬
‫قال‪( :‬ول يقتلن أولدهين) أي ل يئدن الموؤودات ول يسيقطن الجنية‪ .‬فقالت هنيد‪ :‬ربيناهيم صيغارا‬
‫وقتلتهييم كبارا يوم بدر‪ ،‬فأنتيم وهييم أبصيير‪ .‬وروى مقاتييل أنهييا قالت‪ :‬ربيناهييم صيغارا وقتلتموهييم‬
‫كبارا‪ ،‬وأنتيم وهيم اعلم‪ .‬فضحيك عمير بين الخطاب حتيى اسيتلقى‪ .‬وكان حنظلة بين أبيي سيفيان وهيو‬
‫بكرهيا قتيل يوم بدر‪ .‬ثيم قال‪" :‬ول يأتييين ببهتان يفترينييه بين أيديهيين وأرجلهين ول يعصييينك فييي‬
‫معروف" قيل‪ :‬معنى "بين أيديهن" ألسنتهن بالنميمة‪ .‬ومعنى بين "أرجلهن" فروجهن‪ .‬وقيل‪ :‬ما‬
‫كان بين أيديهن من قبلة أو جسة‪ ،‬وبين أرجلهن الجماع وقيل‪ :‬المعنى ل يلحقن برجالهن ولدا من‬
‫غيرهييم‪ .‬وهذا قول الجمهور‪ .‬وكانييت المرأة تلتقييط ولدا فتلحقييه بزوجهييا وتقول‪ :‬هذا ولدي منييك‪.‬‬
‫فكان هذا مين البهتان والفتراء‪ .‬وقييل‪ :‬ميا بيين يديهيا ورجليهيا كنايية عين الولد؛ لن بطنهيا الذي‬
‫تحميل فييه الولد بيين يديهيا‪ ،‬وفرجهيا الذي تلد منيه بيين رجليهيا‪ .‬وهذا عام فيي التيان بولد وإلحاقيه‬
‫بالزوج وإن سبق النهي عن الزنى‪.‬‬
‫وروي أن هندا لميا سيمعت ذلك قالت‪ :‬وال إن البهتان لمير قبييح؛ ميا تأمير إل بالرشيد ومكارم‬
‫الخلق!‪ .‬ثيم قال‪" :‬ول يعصيينك فيي معروف" قال قتادة‪ :‬ل ينحين‪ .‬ول تخلو امرأة منهين إل بذي‬
‫محرم‪ .‬وقال سعيد بن المسيب‪ ،‬ومحمد بن السائب وزيد بن أسلم‪ :‬هو إل يخمشن وجها‪ .‬ول يشققن‬
‫جيبييا‪ ،‬ول يدعون ويل ول ينشرن شعرا ول يحدثيين الرجال إل ذا محرم‪ .‬وروت أم عطييية عيين‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أن ذلك في النوح‪ .‬وهو قول ابن عباس‪ .‬وروى شهر بن حوشب عن أم‬
‫سلمة عن النبي صلى ال عليه وسلم "ول يعصينك في معروف" فقال‪( :‬هو النوح)‪ .‬وقال مصعب‬
‫بن نوج‪ :‬أدركت عجوزا ممن بايع النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فحدثتني عنه عليه الصلة والسلم‬
‫فيي قوله‪" :‬ول يتعصيينك فيي معروف" فقال‪( :‬النوح)‪ .‬وفيي صيحيح مسيلم عين أم عطيية لميا نزلت‬
‫هذه اليية‪" :‬يبايعنيك على إل يشركين بال شيئا ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬ول يعصيينك فيي معروف" قال‪( :‬كان‬
‫منيه النياحية) قالت‪ :‬فقلت ييا رسيول ال‪ ،‬إل آل فلن فإنهيم كانوا أسيعدوني فيي الجاهليية؛ فل بيد لي‬
‫مين أن أسيعدهم‪ .‬فقال‪ ،‬رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إل آل فلن)‪ .‬وعنهيا قالت‪ :‬أخيذ علينيا‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ميع البيعية إل ننوح؛ فميا وفيت منيا امرأة إل خميس‪ :‬أم سيليم‪ ،‬وأم‬
‫العلء‪ ،‬وابنيه أبيي سييرة امرأة معاذ أو ابنية أبيي سيبرة‪ ،‬وامرأة معاذ‪ .‬وقييل‪ :‬إن المعروف هيا هنيا‬
‫الطاعة ل ولرسوله؛ قال ميمون بن مهران‪ .‬وقال بكر بن عبدال المزني‪ :‬ل يعصينك في كل أمر‬
‫فييه رشدهين‪ .‬الكلبيي‪ :‬هيو عام فيي كيل معروف أم ال عيز وجيل ورسيول بيه‪ .‬فروي أن هندا قالت‬
‫عند ذلك‪ :‬ما جلستا في مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء‪.‬‬
‫@ ذكير ال عيز وجيل ورسيول علييه الصيلة والسيلم فيي صيفة البيعية خصيال شتيى؛ صيرح فيهين‬
‫بأركان النهيي فيي الديين ولم يذكير أركان المير‪ .‬وهيي سيتة أيضيا‪ :‬الشهادة‪ ،‬والصيلة‪ ،‬والزكاة‪،‬‬
‫والصييام‪ ،‬والحيج‪ ،‬والغتسيال مين الجنابية‪ .‬وذلك لن النهيي دائم فيي كيل الزمان وكيل الحوال؛‬
‫فكان التنيبيه على اشتراط الدائم أكيد‪ .‬وقييل‪ :‬إن هذه المناهيي كان فيي النسياء كثيير مين يرتكبهيا ول‬
‫يحجزهن عنها شرف النسب‪ ،‬فخصت بالذكر لهذا‪ .‬ونحو منه قول عليه الصلة والسلم لوفد عبد‬
‫القيس‪( :‬وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت) فنبههم على ترك المعصية في شرب الخمر‬
‫دون سيائر المعاصيي‪ ،‬لنهيا كانيت شهوتهيم وعادتهيم‪ ،‬وإذا ترك المرء شهوتيه مين المعاصيي هان‬
‫عليه ترك سائرها مما ل شهوة له فيها‪.‬‬
‫@ لميا قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي البيعية‪( :‬ول يسيرقن) قالت هنيد‪ :‬ييا رسيول ال إن أبيا‬
‫سفيان رجل مسيك فهل علي حرج أن آخذ ما يكفيني وولدي؟ قال (ل إل بالمعروف) فخشيت هند‬
‫أن تقتصر على ما يعطيها فتضيع أو تأخذ أكثر من ذلك فتكون سارقة ناكثة للبيعة المذكورة فقال‬
‫لهيا النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل) أي ل حرج علييك فيميا أخذت بالمعروف‪ ،‬يعنيي مين غيير‬
‫اسيتطالة إلى أكثير مين الحاجية‪ .‬قال ابين العربيي وهذا إنميا هيو فيميا ل يخزنيه عنهيا فيي حجاب ول‬
‫يضبط عليه بقفل فإنه إذا هتكته الزوجة وأخذت منه كانت سارقة تعصي به وتُقطع يدها بذلك‪.‬‬
‫@ قال عبادة بن الصامت‪ :‬أخذ علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم كما أخذ على النساء‪( :‬إل‬
‫تشركوا بال شيئا ول تسيرقوا ول تزنوا ول تقتلوا أولدكيم ول يعضيه بعضكيم بعضيا ول تعصيوا‬
‫فيي معروف أمركيم بيه)‪ .‬معنيى "يعضيه" يسيحر‪ .‬والعضيه‪ :‬السيحر‪ .‬ولهذا قال ابين بحير وغيره فيي‬
‫قوله تعالى‪" :‬ول يأتيين ببهتان" إنيه السيحر‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬هذا نهيى عين البهتان‪ ،‬أي ل يعضهين‬
‫رجل ول امرأة‪" .‬ببهتان" أي بسيحر‪ .‬وال اعلم‪" .‬يفترينيه بيين أيديهين وأرجلهين" والجمهور على‬
‫أن معنى "ببهتان" بولد يفترينه بين أيديهن" ما أخذته لقيطا‪" .‬وأرجلهن" ما ولدته من زنى‪ .‬وقد‬
‫تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يعصيينك فيي معروف" فيي البخاري عين ابين عباس فيي قوله تعالى‪" :‬ول‬
‫يعصيينك فيي معروف" قال‪ :‬إنميا هيو شرط شرطيه ال للنسياء‪ .‬واختلف فيي معناه على ميا ذكرنيا‪.‬‬
‫والصحيح أنه عام في جميع ما يأمر به النبي صلى ال عليه وسلم وينهى عنه؛ فيدخل فيه النوح‬
‫وتخريييق الثياب وجييز الشعيير والخلوة بغييير محرم إلى غييير ذلك‪ .‬وهذه كلهييا كبائر وميين أفعال‬
‫الجاهلية‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الشعري أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬أربع في‬
‫أمتيي مين أمير الجاهليية) فذكير منهيا النياحية‪ .‬وروى يحييى بين أبيي كثيير عين أبيي سيلمة عين أبيي‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬هذه النوائح يجعلن يوم القيامة صفين صفا عن‬
‫اليميين وصيفا عين اليسيار ينبحين كميا تنبيح الكلب فيي يوم كان مقداره خمسيين ألف سينة ثيم يؤمير‬
‫بهين إلى النار)‪ .‬وعنيه قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل تصيلي الملئكية على نائحية‬
‫ول مرنية)‪ .‬وروي عين عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه أنيه سيمع نائحية فأتاهيا فضربهيا بالدرة‬
‫حتى وقع خمارها عن رأسها‪ .‬فقيل‪ :‬يا أمير المومنين‪ ،‬المرأة المرأة! قد وقع خمارها‪ .‬فقال‪ :‬إنها‬
‫ل حرمية لهيا‪ .‬أسيند جميعيه الثعلبيي رحميه ال‪ .‬أميا تخصييص قوله‪" :‬فيي معروف" ميع قوة قوله‪:‬‬
‫"ول يعصيينك" ففييه قولن‪ :‬أحدهميا‪ :‬أنيه تفسيير للمعنيى على التأكييد؛ كميا قال تعالى‪" :‬قال رب‬
‫احكم بالحق" [النبياء‪ ]112 :‬لنه لو قال احكم لكفى‪ .‬الثاني‪ :‬إنما شرط المعروف في بيعة النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم حتى يكون تنبيها على أن غيره أولى بذلك وألزم له وأنفى للشكال‪.‬‬
‫@ روى البخاري عين عبادة بين الصييامت قال‪ :‬كنييا عنييد النييبي صييلى ال عليييه وسييلم فقال‪:‬‬
‫(أتبايعوني على إل تشركوا بال شيئا ول تزنوا ول تسرقوا) قرأ آية النساء‪ .‬وأكثر لفظ سفيان قرأ‬
‫فيي اليية (فمين وفيى منكيم فأجره على ال ومين أصياب مين ذلك شيئا فعوقيب فهيو كفارة له ومين‬
‫أصاب من ذلك شيئا فستره ال فهو إلى ال إن شاء عذبه وإن شاء غفر له منها)‪ .‬وفي الصحيحين‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬شهدت الصلة يوم الفطر مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر‬
‫وعثمان؛ فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب؛ فنزل نبي ال صلى ال عليه وسلم فكأني انظر إليه‬
‫حيين يجلس الرجال بيده‪ ،‬ثيم أقبيل يشقهيم حتيى أتيى النسياء ميع بلل فقال‪( :‬ييا أيهيا النيبي إذا جاءك‬
‫المؤمنات يبايعنيك على أل يشركين بال شيئا ول يسيرقن ول يزنيين ول يقتلن أولدهين ول يأتيين‬
‫ببهتان يفترينيه بيين أيديهين وأرجلهين" ‪ -‬حتيى فرغ مين اليية كلهيا‪ ،‬ثيم قال حيين فرغ ‪ : -‬أنتين على‬
‫ذلك)؟ فقالت‪ :‬امرأة واحدة لم يجبييه غيرهييا‪ :‬نعييم يييا رسييول ال؛ ل يدري الحسيين ميين هييي‪ .‬قال‪:‬‬
‫(فتصدقن) وبسط بلل ثوبه فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلل‪ .‬لفظ البخاري‪.‬‬
‫@ قال المهدوي‪ :‬أجمع المسلمون على أنه ليس للمام أن يشترط عليهن هذا؛ والمر بذلك ندب‬
‫ل إلزام‪ .‬وقال بعييض أهييل النظيير‪ :‬إذا احتيييج إلى المحنيية ميين أجييل تباعييد الدار كان على إمام‬
‫المسلمين إقامة المحنة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتولوا قوما غضب ال عليهم قد يئسوا من الخرة كما يئس‬
‫الكفار من أصحاب القبور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتولوا قوما غضب ال عليهم" يعني اليهود‪ .‬وذلك أن ناسا‬
‫ميين فقراء المسييلمين كانوا يخييبرون اليهود بأخبار المؤمنييين ويواصييلونهم فيصيييبون بذلك ميين‬
‫ثمارهيم فنهوا عين ذلك‪" .‬قيد يئسيوا مين الخرة" يعنيي اليهود قاله ابين زييد‪ .‬وقييل‪ :‬هيم المنافقون‪.‬‬
‫وقال الحسيين‪ :‬هييم اليهود والنصييارى‪ .‬قال ابيين مسييعود‪ :‬معناه أنهييم تركوا العمييل للخرة وآثروا‬
‫الدنيييا‪ .‬وقيييل‪ :‬المعنييى يئسييوا ميين ثواب الخرة‪ ،‬قاله مجاهييد‪" .‬كمييا يئس الكفار" أي الحياء ميين‬
‫الكفار‪" .‬ميين أصييحاب القبور" أن رجعوا اليهييم؛ قال الحسيين وقتادة‪ .‬قال ابيين عرفيية‪ :‬وهييم الذييين‬
‫قالوا‪" :‬وميا يهلكنيا إل الدهير" [الجاثيية‪ .]24 :‬وقال مجاهيد‪ :‬المعنيى كميا يئس الكفار الذيين فيي‬
‫القبور أن يرجعوا إلى الدنييا‪ .‬وقييل‪ :‬إن ال تعالى ختيم السيورة بميا بدأهيا مين ترك موالة الكفار؛‬
‫وهيي خطاب لحاطيب بين أبيي بلتعية وغيره‪ .‬قال ابين عباس‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا ل تتولوا" أي ل‬
‫توالوهييم ول تناصييحوهم؛ رجييع تعالى بطوله وفضله على حاطييب بيين أبييي بلتعيية‪ .‬يريييد أن كفار‬
‫قرييش قيد يئسيوا مين خيير الخرة كميا ييس الكفار المقبورون مين حيظ يكون لهيم فيي الخرة مين‬
‫رحمية ال تعالى‪ .‬وقال القاسيم بين أبيي بزة فيي قوله تعالى‪" :‬قيد يئسيوا مين الخرة كميا يئس الكفار‬
‫من أصحاب القبور" قال‪ :‬من مات من الكفار يئس من الخير‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الصف‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ سورة الصف مدنية في قول الجميع‪ ،‬فيما ذكر الماوردي‪ .‬وقيل‪ :‬إنها مكية‪ ،‬ذكره النحاس عن‬
‫ابن عباس‪ .‬وهي أربع عشرة آية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬سبح ل ما في السماوات وما في الرض وهو العزيز الحكيم}‬
‫@ تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 - 2 :‬يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون‪ ،‬كبر مقتا عند ال أن تقولوا ما ل‬
‫تفعلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون" روى الدارمي أبو محميد فيي مسنده‬
‫أخبرنا محسد بن كثير عن الوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عبدال بن سلم‬
‫قال‪ :‬قعدنيا نفير مين أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فتذاكرنيا فقلنيا‪ :‬لو نعلم أي العمال‬
‫أحيب إلى ال تعالى لعملناه؛ فأنزل ال تعالى‪" :‬سيبح ل ميا قيي السيماوات وميا فييي الرض وهيو‬
‫العزيز الحكيم" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون" حتى ختمها‪ .‬قال عبدال‪ :‬فقرأها علينا‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم حتيى ختمهيا‪ .‬قال أبيو سيلمة‪ :‬فقرأهيا علينيا ابين سيلم‪ .‬قال يحييى‪:‬‬
‫فقرأهيا علينا أبو سلمة وقرأها علينا يحيى وقرأها علينا الوزاعي وقرأها علينا محمد‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس قال عبدال بيين رواحيية‪ :‬لو علمنييا أحييب العمال إلى ال لعملناه؛ فلمييا نزل الجهاد كرهوه‪.‬‬
‫وقال الكلبييي‪ :‬قال المؤمنون يييا رسييول ال‪ ،‬لو نعلم أحييب العمال إلى ال لسييارعنا إليهييا؛ فنزلت‬
‫"هيل أدلكيم على تجارة تنجيكيم مين عذاب ألييم" [الصيف‪ ]10 :‬فمكثوا زمانيا يقولون‪ :‬لو نعلم ميا‬
‫هيي لشتريناهيا بالموال والنفيس والهليين؛ فدلهيم ال تعالى عليهيا بقول‪" :‬تؤمنون بال ورسيوله‬
‫وتجاهدون فيي سيبيل ال بأموالكيم وأنفسيكم" [الصيف‪ ]11 :‬اليية‪ .‬فابتلوا يوم أحيد ففروا؛ فنزلت‬
‫تعيرهيم بترك الوفاء‪ .‬وقال محميد بين كعيب‪ :‬لميا أخيبر ال تعالى نيبيه صيلى ال علييه وسيلم بثواب‬
‫شهداء بدر قالت الصيحابة‪ :‬اللهيم أشهيد! لئن لقينيا قتال لنفرغين فييه وسيعنا؛ ففروا يوم أحيد فعيرهيم‬
‫ال بذلك‪ .‬وقال قتادة والضحاك‪ :‬نزلت فيي قوم كانوا يقولون‪ :‬نحين جاهدنيا وأبلينيا ولم يفعلوا‪ .‬وقال‬
‫صيهيب‪ :‬كان رجيل قيد آذى المسيلمين يوم بدر وأنكاهيم فقتلتيه‪ .‬فقال رجيل ييا نيبي ال‪ ،‬إنيي قتلت‬
‫فلنيا‪ ،‬ففرح النيبي صيلى ال علييه وسيلم بذلك‪ .‬فقال عمير بين الخطاب وعبدالرحمين بين عوف‪ :‬ييا‬
‫صهيب‪ ،‬أما أخبرت رسول ال صلى ال عليه وسلم أنك قتلت فلنا! فإن فلنا انتحل قتله؛ فأخبره‬
‫فقال‪( :‬أكذلك يا أبا يحييى)؟ قال نعم‪ ،‬وال يا رسول ال؛ فنزلت الية في المنتحل‪ .‬وقال ابن زيد‪:‬‬
‫نزلت في المنافقين؛ كانوا يقولون للنبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه‪ :‬إن خرجتم وقاتلتم خرجنا‬
‫معكم وقاتلنا؛ فلما خرجوا نكصوا عنهم وتخلفوا‪.‬‬
‫@ هذه الية توجب على كل من ألزم نفسه عمل فيه طاعة أن يفي بها‪ .‬وفي صحيح مسلم عن‬
‫أبي موسى أنه بعث إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلثمائة رجل قد قرؤوا القرآن؛ فقال‪ :‬أنتم‬
‫خيار أهل البصرة وقراؤهم‪ ،‬فاتلوه ول يطولن عليكم المد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان‬
‫قبلكم‪ .‬وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة بي "براءة" فأنسيتها؛ غير أني قد حفظت‬
‫منها "لو كان لبن آدم واديان من مال لبتغى واديا ثالثا ول يمل جوف ابن آدم إل التراب"‪ .‬وكنا‬
‫نقرأ سيورة كنيا نشبههيا بإحدى المسيبحات فأنسييتها؛ غيير أنيي حفظيت منهيا‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا لم‬
‫تقولون ما ل تفعلون" فتكتب شهادة فيي أعناقكيم فتسيألون عنهيا يوم القيامة‪ .‬قال ابن العربيي‪ :‬وهذا‬
‫كله ثابت فيي الديين‪ .‬أما قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون" فثابت في الدين‬
‫لفظيا ومعنيى فيي هذه السيورة‪ .‬وأميا قوله‪" :‬شهادة فيي أعناقكيم فتسيألون عنهيا يوم القيامية" فمعنيى‬
‫ثابيت فيي الديين؛ فإن مين التزم شيئا لزميه شرعيا‪ .‬والملتزم على قسيمين‪ :‬أحدهميا‪ :‬النذر‪ ،‬وهيو على‬
‫قسمين‪ ،‬نذر تقرب مبتدأ كقول‪ :‬ل علي صلة وصوم وصدقة‪ ،‬ونحوه من القرب‪ .‬فهذا يلزم الوفاء‬
‫بييه إجماعييا‪ .‬ونذر مباح وهييو مييا علق بشرط رغبيية‪ ،‬كقوله‪ :‬إن قدم غائبييي فعلي صييدقة‪ ،‬أو علق‬
‫بشرط رهبيية‪ ،‬كقوله‪ :‬إن كفانييي ال شيير كذا فعلي صييدقة‪ .‬فاختلف العلماء فيييه‪ ،‬فقال مالك وأبييو‬
‫حنيفية‪ ،‬يلزميه الوفاء بيه‪ .‬وقال الشافعيي فيي أحيد أقوال‪ :‬إنيه ل يلزميه الوفاء بيه‪ .‬وعموم اليية حجية‬
‫لنيا‪ ،‬لنهيا بمطلقهيا تتناول ذم مين قال ميا ل يفعله على أي وجيه كان مين مطلق أو مقييد بشرط‪ .‬وقيد‬
‫قال أصيحابه‪ :‬إن النذر إنميا يكون بميا القصيد منيه القربية مميا هيو مين جنيس القربية‪ .‬وهذا وإن كان‬
‫من جنس القربة لكنه لم يقصد به القربة‪ ،‬وإنما قصد منع نفسه عن فعل أوالقدام على فعل‪ .‬قلنا‪:‬‬
‫القرب الشرعيية مشقات وكلف وإن كانيت قربات‪ .‬وهذا تكلف التزام هذه القربية بمشقية لجلب نفيع‬
‫أو دفيع ضير‪ ،‬فلم يخرج عين سينن التكلييف ول زال عين قصيد التقرب‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬فإن كان‬
‫المقول منييه وعدا فل يخلو أن يكون منوطييا بسييبب كقوله‪ :‬إن تزوجييت أعنتييك بدينار‪ ،‬أو ابتعييت‬
‫حاجيية كذا أعطيتييك كذا‪ .‬فهذا لزم إجماعييا ميين الفقهاء‪ .‬وإن كان وعدا مجردا فقيييل يلزم بتعلقييه‪.‬‬
‫وتعلقوا بسييبب الييية‪ ،‬فإنييه روي أنهييم كانوا يقولون‪ :‬لو نعلم أي العمال أفضييل أو أحييب إلى ال‬
‫لعملناه‪ ،‬فأنزل ال تعالى هذه اليية‪ .‬وهيو حدييث ل بأس بيه‪ .‬وقيد روي عين مجاهيد أن عبدال بين‬
‫رواحية لميا سيمعها قال‪ :‬ل أزال حبيسيا فيي سيبيل ال حتيى أقتيل‪ .‬والصيحيح عندي‪ :‬أن الوعيد يجيب‬
‫الوفاء بيه على كيل حال إل لعذر‪ .‬قلت‪ :‬قال مالك‪ :‬فأميا العدة مثيل أن يسيأل الرجيل الرجيل أن يهيب‬
‫له الهبة فيقول له نعم؛ ثم يبدو له أل يفعل فما أرى ذلك يلزمه‪ .‬وقال ابن القاسم‪ :‬إذا وعد الغرماء‬
‫فقال‪ :‬أشهدكم أني قد وهبت له من أن يؤدي إليكم؛ فإن هذا يلزمه‪ .‬وأما أن يقول نعم أنا أفعل؛ ثم‬
‫يبدو له‪ ،‬فل أرى عليه ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أي ل يقضييي علييه بذلك؛ فأميا فييي مكارم الخلق وحسين المروءة فنعييم‪ .‬وقييد أثنييى ال‬
‫تعالى على مين صيدق وعده ووفيى بنذره فقال‪" :‬والموفون بعهدهيم إذا عاهدوا" [البقرة‪،]177 :‬‬
‫وقال تعالى‪" :‬واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد" [مريم‪ ]54 :‬وقد تقدم بيانه‪.‬‬
‫@ قال النخعي‪ :‬ثلث آيات منعتني أن أقص على الناس "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم"‬
‫[البقرة‪" ،]44 :‬وميا أرييد أن أخالفكيم إلى ميا أنهاكيم عنيه" [هود‪" ،]88 :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا لم‬
‫تقولون ميا ل تفعلون"‪ .‬وخرج أبيو نعييم الحافيظ مين حدييث مالك بين دينار عين ثمامية أن أنيس بين‬
‫مالك قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أتييت ليلة أسيري بيي على قوم تقرض شفاههيم‬
‫بمقارييض مين نار كلميا قرضيت وفيت) قلت‪( :‬مين هؤلء ييا جبرييل)؟ قال‪( :‬هؤلء خطباء أمتيك‬
‫الذيين يقولون ول يفعلون ويقرؤون كتاب ال ول يعملون)‪ .‬وعين بعيض السيلف أنيه قييل ل‪ :‬حدثنيا؛‬
‫فسكت‪ .‬ثم قيل له‪ :‬حدثنا‪ .‬فقال‪ :‬أترونني أن أقول ما ل أفعل فاستعجل مقت ال!‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لم تقولون ميا ل تفعلون" اسيتفهام على جهية النكار والتوبييخ‪ ،‬على أن يقول‬
‫النسيان عين نفسيه مين الخيير ميا ل يفعله‪ .‬أميا فيي الماضيي فيكون كذبيا‪ ،‬وأميا فيي المسيتقبل فيكون‬
‫خلفا‪ ،‬وكلهما مذموم‪ .‬وتأول سفيان بن عيينة قوله تعالى‪" :‬لم تقولون ما ل تفعلون" أي لم تقولون‬
‫ميا لييس المير فييه إليكيم‪ ،‬فل تدرون هيل تفعلون أو ل تفعلون‪ .‬فعلى هذا يكون الكلم محمول على‬
‫ظاهره في إنكار القول‪" .‬كبر مقتا عند ال أن تقولوا ما ل تفعلون" قيد يحتج به في وجوب الوفاء‬
‫فيي اللجاج والغضيب على أحيد قولي الشافعيي‪ .‬و"أن" وقيع بالبتداء وميا قبلهيا الخيبر؛ وكأنيه قال‪:‬‬
‫قولكييم مييا ل تفعلون مذموم‪ ،‬ويجوز أن يكون خييبر ابتداء محذوف‪ .‬الكسييائي‪" :‬أن" فييي موضييع‬
‫رفع؛ لن "كبر" فعل بمنزلة بئس رجل أخوك‪ .‬و"مقتا" نصب بالتمييز؛ المعنى كبر قولهم ما ل‬
‫يفعلون مقتيا‪ .‬وقييل‪ :‬هيو حال‪ .‬والمقيت والمقاتية مصيدران؛ يقال‪ :‬رجيل مقييت وممقوت إذا لم يحبيه‬
‫الناس‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬إن ال يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا" أي يصفون صفا‪ :‬والمفعول مضمر؛‬
‫أي يصييفون أنفسييهم صييفا‪" .‬كأنهييم بنيان مرصييوص" قال الفراء‪ :‬مرصييوص بالرصيياص‪ .‬وقال‬
‫المبرد‪ :‬هو من رصصت البناء إذا لءمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة‪ .‬وقيل‪ :‬هو من‬
‫الرصييص وهيو انضمام السينان بعضهيا إلى بعيض‪ .‬والتراص التلصيق؛ ومنيه وتراصيوا فيي‬
‫الصيف‪ .‬ومعنيى اليية‪ :‬يحيب مين يثبيت فيي الجهاد فيي سيبيل ال ويلزم مكانيه كثبوت البناء‪ .‬وقال‬
‫سعيد بن جبير‪ :‬هذا تعليم من ال تعالى للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم‪.‬‬
‫وقيد اسيتدل بعيض أهيل التأوييل بهذا على أن قتال الراجيل أفضيل مين قتال الفارس‪ ،‬لن الفرسيان‬
‫ل يصطفون على هذه الصفة‪ .‬المهدوي‪ :‬وذلك غير مستقيم‪ ،‬لما جاء في فضل الفارس في الجر‬
‫والغنيمة‪ .‬ول يخرج الفرسان من معنى الية؛ لن معناه الثبات‪.‬‬
‫@ ل يجوز الخروج عن الصف إل لحاجة تعرض للنسان‪ ،‬أو في رسالة يرسلها المام‪ ،‬أو في‬
‫منفعة تظهر في المقام‪ ،‬كفرصة تنتهز ول خلف فيها‪ .‬وفي الخروج عن الصف للمبارزة خلف‬
‫على قولييين أحدهمييا‪ :‬أنييه ل بأس بذلك إرهابييا للعدو‪ ،‬وطلبييا للشهادة وتحريضييا على القتال‪ .‬وقال‬
‫أصيحابنا‪ :‬ل ييبرز أحيد طالبيا لذلك‪ ،‬لن فييه رياء وخروجيا إلى ميا نهيى ال عنيه مين لقاء العدو‪.‬‬
‫وإنميا تكون المبارزة إذا طلبهيا الكافير؛ كميا كانيت فيي حروب النيبي صيلى ال علييه وسيلم يوم بدر‬
‫وفيي غزوة خييبر‪ ،‬وعلييه درج السيلف‪ .‬وقيد مضيى القول مسيتوفى فيي هذا فيي "البقرة" عنيد قوله‬
‫تعالى‪" :‬ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" [البقرة‪.]195 :‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 5 :‬وإذ قال موسيى لقوميه ييا قوم لم تؤذوننيي وقيد تعلمون أنيي رسيول ال إليكيم فلميا‬
‫زاغوا أزاغ ال قلوبهم وال ل يهدي القوم الفاسقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ قال موسى لقومه" لما ذكر أمر الجهاد بين أن موسى وعيسى أمرا بالتوحيد‬
‫وجاهدا في سبيل ال؛ وحل العقاب بمن خالفهما؛ أي واذكر لقومك يا محمد هذه القصة‪" .‬ياقوم لم‬
‫تؤذوننيي" وذلك حيين رموه بالدرة؛ حسيب ميا تقدم فيي آخير سيورة "الحزاب"‪ .‬ومين الذى ميا‬
‫ذكر في قصة قارون‪ :‬إنه دس إلى امرأة تدعي على موسى الفجور‪ .‬ومن الذى قولهم‪" :‬اجعل لنا‬
‫إلهيا كميا لهيم آلهية" [العراف‪ .]138 :‬وقولهيم‪" :‬فاذهيب أنيت وربيك فقاتل" [المائدة‪.]24 :‬‬
‫وقولهيم‪ :‬إنيك قتلت هارون‪ .‬وقيد تقدم هذا‪" .‬وقيد تعلمون أنيي رسيول ال إليكيم" والرسيول يحترم‬
‫ويعظم‪ .‬ودخلت "قد" على "تعلمون" للتأكيد؛ كأنه قال‪ :‬وتعلمون علما يقينا ل شبهة لكم فيه‪" .‬فلما‬
‫زاغوا" أي مالوا عين الحيق "أزاغ ال قلوبهيم" أي أمالهيا عين الهدى‪ .‬وقييل‪" :‬فلميا زاغوا" عين‬
‫الطاعية "أزاغ ال قلوبهيم" عين الهدايية‪ .‬وقييل‪" :‬فلميا زاغوا" عين اليمان "أزاغ ال قلوبهيم" عين‬
‫الثواب‪ .‬وقيل‪ :‬أي لما تركوا ما أمروا به من احترام الرسول عليه السلم وطاعة الرب‪ ،‬خلق ال‬
‫الضللة في قلوبهم عقوبة لهم على فعلهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول ال إليكم مصدقا لما بين يدي‬
‫من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل" أي واذكر لهم هذه القصة أيضا‪ .‬وقال‪:‬‬
‫"ييا بنيي إسيرائيل" ولم يقيل "ييا قوم" كميا قال موسيى؛ لنيه ل نسيب له فيهيم فيكونون قوميه‪" .‬إنيي‬
‫رسول ال إليكم" أي بالنجيل‪" .‬مصدقا لما بين يدي من التوراة" لن في التوراة صفتي‪ ،‬وأني لم‬
‫آتكم بشيء يخالف التوراة فتنفروا عني‪" .‬ومبشرا برسول" مصدقا‪" .‬ومبشرا" نصب على الحال؛‬
‫والعامل فيها معنى الرسال‪ .‬و"إليكم" صلة الرسول‪" .‬يأتي من بعدي اسمه أحمد" قرأ نافع وابن‬
‫كثييير وأبيو عمرو "مين بعدي" بفتيح الياء‪ .‬وهيي قراءة السيلمي وزر بين حيبيش وأبيي بكير عين‬
‫عاصيم‪ .‬واختاره أبيو حاتيم لنيه اسيم؛ مثيل الكاف مين بعدك‪ ،‬والتاء مين قميت‪ .‬الباقون بالسيكان‪.‬‬
‫وقرئ "مين بعدي اسيمه أحميد" بحذف الياء مين اللفيظ‪ .‬و"أحميد" اسيم نبينيا صيلى ال علييه وسيلم‪.‬‬
‫وهيو اسيم علم منقول مين صيفة ل مين فعيل؛ فتلك الصيفة أفعيل التيي يراد بهيا التفضييل‪ .‬فمعنيى‬
‫"أحميد" أي أحميد الحامديين لربيه‪ .‬والنيبياء صيلوات ال عليهيم كلهيم حامدون ال‪ ،‬ونبينيا أحميد‬
‫أكثرهم حمدا‪ .‬وأما محمد فمنقول من صفة أيضا‪ ،‬وهي في معنى محمود؛ ولكن فيه معنى المبالغة‬
‫والتكرار‪ .‬فالمحميد هيو الذي حميد مرة بعيد مرة‪ .‬كميا أن المكرم مين الكرم مرة بعيد مرة‪ .‬وكذلك‬
‫الممدح ونحو ذلك‪ .‬فاسم محمد مطابق لمعناه‪ ،‬وال سبحانه سماه قبل أن يسمي به نفسه‪ .‬فهذا علم‬
‫من أعلم نبوته‪ ،‬إذ كان اسمه صيادقا عليه؛ فهو محمود فيي الدنيا لما هدى إليه ونفع به من العلم‬
‫والحكمية‪ .‬وهيو محمود فيي الخرة بالشفاعية‪ .‬فقيد تكرر معنيى الحميد كميا يقتضيي اللفيظ‪ .‬ثيم إنيه لم‬
‫يكين محمدا حتيى كان أحميد‪ ،‬حميد ربيه فنبأه وشرفيه؛ فلذلك تقدم اسيم أحميد على السيم الذي هيو‬
‫محمد فذكره عيسى عليه السلم فقال‪" :‬اسمه أحمد"‪ .‬وذكره موسى عليه السلم حين قال له ربه‪:‬‬
‫تلك أمية أحميد‪ ،‬فقال‪ :‬اللهيم اجعلنيي مين أمية أحميد‪ .‬فبأحميد ذكره قبيل أن يذكره بمحميد‪ ،‬لن حمده‬
‫لربيه كان قبيل حميد الناس له‪ .‬فلميا وجيد وبعيث كان محمدا بالفعيل‪ .‬وكذلك فيي الشفاعية يحميد ربيه‬
‫بالمحامد التي يفتحها عليه‪ ،‬فيكون أحمد الناس لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته‪ .‬وروي أن النبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬اسيمي فيي التوراة أحييد لنيي أحييد أمتيي عين النار واسيمي فيي الزبور‬
‫الماحي محا ال بي عبدة الوثان واسمي في النجيل أحمد واسمي في القرآن محمد لني محمود‬
‫فيي أهيل السيماء والرض)‪ .‬وفيي الصيحيح (لي خمسية أسيماء أنيا محميد وأحميد وأنيا الماحيي الذي‬
‫يمحو ال بي الكفر وأنا الحاشر الذي تحشر الناس على قدمي وأنا العاقب)‪ .‬وقد تقدم‪" .‬فلما جاءهم‬
‫بالبينات" قييل عيسيى‪ .‬وقييل‪ :‬محميد صيلى ال علييه وسيلم‪" .‬قالوا هذا سيحر ميبين" قرأ الكسيائي‬
‫وحمزة "سياحر" نعتيا للرجيل‪ .‬وروي أنهيا قراءة ابين مسيعود‪ .‬الباقون "سيحر" نعتيا لميا جاء بيه‬
‫الرسول‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬ومن أظلم ممن افترى على ال الكذب وهو يدعى إلى السلم وال ل يهدي القوم‬
‫الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن أظلم" أي ل أحد أظلم "ممن افترى على ال الكذب" تقدم في غير موضع‪.‬‬
‫"وهو يدعى إلى السلم" هذا تعجب ممن كفر بعيسى ومحمد بعد المعجزات التي ظهرت لهما‪.‬‬
‫وقرأ طلحية بين مصيرف "وهيو يدعيي" بفتيح الياء والدال وشدهيا وكسير العيين‪ ،‬أي ينتسيب‪ .‬ويعيي‬
‫وينتسب سواء‪" .‬وال ل يهدي القوم الظالمين" أي من كان في حكمه أنه يختم له بالضللة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬يريدون ليطفئوا نور ال بأفواههم وال متم نوره ولو كره الكافرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يريدون ليطفئوا نور ال بأفواههيم" الطفاء هيو الخماد‪ ،‬يسيتعملن فيي النار‪،‬‬
‫ويسيتعملن فيميا يجري مجراهيا مين الضياء والظهور‪ .‬ويفترق الطفاء والخماد مين وجيه؛ وهيو‬
‫أن الطفاء يستعمل في القليل والكثير‪ ،‬والخماد إنما يستعمل في الكثير دون القليل؛ فيقال‪ :‬أطفأت‬
‫السراج؛ ول يقال أخمدت السراج‪ .‬وفي "نور ال" هنا خمسة أقاويل‪ :‬أحدها‪ :‬أنه القرآن؛ يريدون‬
‫إبطاله وتكذيبه بالقول؛ قاله ابن عباس وابن زيد‪ .‬والثاني‪ :‬إنه السلم؛ يريدون دفعه بالكلم؛ قاله‬
‫السدي‪ .‬الثالث‪ :‬أنه محمد صلى ال عليه وسلم؛ يريدون هلكه بالراجيف؛ قاله الضحاك‪ .‬الرابع‪:‬‬
‫حجج ال ودلئله؛ يريدون إبطالها بإنكارهم وتكذيبهم؛ قال ابن بحر‪ .‬الخامس‪ :‬أنه مثل مضروب؛‬
‫أي من أراد إطفاء نور الشمس بفيه فوجده مستحيل ممتنعا فكذلك من أراد إبطال الحق؛ حكاه ابن‬
‫عيسى‪ .‬وسبب نزول هذه الية ما حكاه عطاء عن ابن عباس‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم أبطأ‬
‫علييه الوحيي أربعيين يوميا؛ فقال كعيب بين الشرف‪ :‬ييا معشير اليهود‪ ،‬أبشروا! فقيد أطفيأ ال نور‬
‫محميد فيميا كان ينزل عليه‪ ،‬وما كان ليتم أمره؛ فحزن رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فأنزل ال‬
‫تعالى هذه اليية واتصيل الوحيي بعدهيا؛ حكيى جميعيه الماوردي رحميه ال‪" .‬وال متيم نوره" أي‬
‫بإظهاره فييي الفاق‪ .‬وقرأ ابيين كثييير وحمزة والكسييائي وحفييص عيين عاصييم "وال متييم نوره"‬
‫بالضافة على نية النفصال؛ كقوله تعالى‪" :‬كل نفس ذائقة الموت" [آل عمران‪ ]185 :‬وشبهه‪،‬‬
‫حسيب ميا تقدم بيانيه فيي "آل عمران"‪ .‬الباقون "متيم نوره" لنيه فيميا يسيتقبل؛ فعميل‪" .‬ولو كره‬
‫الكافرون" من سائر الصناف‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 9 :‬هيو الذي أرسيل رسيوله بالهدى وديين الحيق ليظهره على الديين كله ولو كره‬
‫المشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق" أي محمدا بالحق والرشاد‪" .‬ليظهره‬
‫على الدييين كله ولو كره المشركون" أي بالحجييج‪ .‬وميين الظهور الغلبيية باليييد فييي القتال؛ وليييس‬
‫المراد بالظهور أل يبقيى ديين آخير مين الديان‪ ،‬بيل المراد يكون أهيل السيلم عاليين غالبيين‪ .‬ومين‬
‫الظهار أل يبقى دين سوى السلم في آخر الزمان‪ .‬قال مجاهد‪ :‬وذلك إذا نزل عيسى لم يكن في‬
‫الرض ديين إل ديين السيلم‪ .‬وقال أبيو هريرة‪" :‬ليظهره على الديين كله" بخروج عيسيى‪ .‬وحينئذ‬
‫ل يبقيى كافير إل أسيلم‪ .‬وفيي صيحيح مسيلم عين أبيي هريرة قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪( :‬لينزلن ابن مريم حكما عادل فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن‬
‫القلص فل يسييعى عليهييا ولتذهبيين الشحناء والتباغييض والتحاسييد وليدعون إلى المال فل يقبله‬
‫أحد)‪ .‬وقيل‪" :‬ليظهره" أي ليطلع محمدا صلى ال عليه وسلم على سائر الديان؛ حتى يكون عالما‬
‫بها عارفا بوجوه بطلنها‪ ،‬وبما حرفوا وغيروا منها‪" .‬على الدين" أي الديان؛ لن الدين مصدر‬
‫يعبر به عن جمع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 - 10 :‬يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم‪ ،‬تؤمنون‬
‫بال ورسيوله وتجاهدون فيي سيبيل ال بأموالكيم وأنفسيكم ذلكيم خيير لكيم إن كنتيم تعلمون‪ ،‬يغفير لكيم‬
‫ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها النهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم‪،‬‬
‫وأخرى تحبونها نصر من ال وفتح قريب وبشر المؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا هيل أدلكيم على تجارة" قال مقاتيل‪ :‬نزلت فيي عثمان بين‬
‫مظعون؛ وذلك أنييه قال لرسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‪ :‬لو أذنييت لي فطلقييت خولة‪ ،‬وترهبييت‬
‫واختصيت وحرمت اللحم‪ ،‬ول أنام بليل أبدا‪ ،‬ول أفطر بنهار أبدا! فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪(:‬إن من سنتي النكاح ول رهبانية في السلم إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل ال وخصاء‬
‫أمتي الصوم ول تحرموا طيبات ما أحل ال لكم‪ .‬ومن سنتي أنام وأقوم وأفطر وأصوم فمن رغب‬
‫عن سنتي فليس منى)‪ .‬فقال عثمان‪ :‬وال لوددت يا نبي ال أي التجارات أحب إلى ال فأتجر فيها؛‬
‫فنزلت‪ .‬وقييل‪" :‬أدلكيم" أي سيأدلكم‪ .‬والتجارة الجهاد؛ قال ال تعالى‪" :‬إن ال اشترى مين المؤمنيين‬
‫أنفسهم وأموالهم" [التوبة‪ ]111 :‬الية‪ .‬وهذا خطاب لجميع المؤمنين‪ .‬وقيل‪ :‬لهل الكتاب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تنجيكم" أي تخلصكم "من عذاب أليم" أي مؤلم‪ .‬وقراءة العامة "تنجيكم" بإسكان‬
‫النون من النجاء‪ .‬وقرأ الحسن وابن عامر وأبو حيوة "تنجيكم" مشددا من التنجية‪ .‬ثم بين التجارة‬
‫فقال‪" :‬تؤمنون بال ورسيوله وتجاهدون فيي سيبيل ال بأموالكيم وأنفسيكم" ذكير الموال أول لنهيا‬
‫التيي يبدأ بهيا فيي النفاق‪" .‬ذلكيم" أي هذا الفعيل "خيير لكيم إن كنتيم تعلمون" خيير لكيم مين أموالكيم‬
‫وأنفسيكم "إن كنتيم تعلمون"‪ .‬و"تؤمنون" عنيد الميبرد والزجاج فيي معنيى آمنوا‪ ،‬ولذلك جاء "يغفير‬
‫لكييم" مجزومييا على أنييه جواب الميير‪ .‬وفييي قراءة عبدال "آمنوا بال" وقال الفراء "يغفيير لكييم"‬
‫جواب السيييتفهام؛ وهذا إنميييا يصيييح على الحميييل على المعنيييى؛ وذلك أن يكون "تؤمنون بال‪،‬‬
‫وتجاهدون" عطف بيان على قوله‪" :‬هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم" كأن التجارة لم‬
‫يدر ما هي؛ فبينت باليمان والجهاد؛ فهي هما في المعنى‪ .‬فكأنه قال‪ :‬هل تؤمنون بال وتجاهدون‬
‫يغفيير لكييم‪ .‬الزمخشري‪ :‬وجييه قول الفراء أن متعلق الدللة هييو التجارة والتجارة مفسييرة باليمان‬
‫والجهاد‪ .‬كأنه قيل‪ :‬هل تتجرون باليمان والجهاد يغفر لكم‪ .‬قال المهدوي‪ :‬فإن لم تقدر هذا التقدير‬
‫لم تصيح المسيألة؛ لن التقديير يصيير إن دللتيم يغفير لكيم؛ والغفران إنميا نعيت بالقبول واليمان ل‬
‫بالدللة‪ .‬قال الزجاج‪ :‬لييس إذا دلهيم على ميا ينفعهيم يغفير لهيم؛ إنميا يغفير لهيم إذا آمنوا وجاهدوا‪.‬‬
‫وقرأ زيد بن علي "تؤمنوا"‪ ،‬و"تجاهدوا" على إضمار لم المر؛ كقوله‪:‬‬
‫إذا ما خفت من شيء تبال‬ ‫محمد تَ ْف ِد نفسَك كلّ نفس‬
‫أراد لتفيد‪ .‬وأدغيم بعضهيم فقال‪" :‬يغفير لكيم" والحسين ترك الدغام؛ لن الراء حرف متكرر قوي‬
‫فل يحسن إدغامه في اللم؛ لن القوى ل يدغم في الضعف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومسياكن طيبية" خرج أبيو الحسيين الجري عين الحسين قال‪ :‬سيألت عمران بين‬
‫الحصييين وأبيا هريرة عين تفسيير هذه اليية "ومسياكن طيبية" فقال‪ :‬على الخيبير سيقطت‪ ،‬سيألنا‬
‫رسول ال صلى ال عيله وسلم عنها فقال‪( :‬قصر من لؤلؤة في الجنة فيه سبعون دارا من ياقوتة‬
‫حمراء فيي كيل دار سيبعون بيتيا مين زبرجدة خضراء فيي كيل بييت سيبعون سيريرا على كيل سيرير‬
‫سيبعون فراشيا مين كيل لون على كيل فراش سيبعون امرأة مين الحور العيين فيي كيل بييت سيبعون‬
‫مائدة على كيل مائدة سيبعون لونيا مين الطعام فيي كيل بييت سيبعون وصييفا ووصييفة فيعطيي ال‬
‫تبارك وتعالى المؤميين ميين القوة فييي غداة واحدة مييا يأتييي على ذلك كله)‪" .‬فييي جنات عدن" أي‬
‫إقامة‪" .‬ذلك الفوز العظيم" أي السعادة الدائمة الكبيرة‪ .‬وأصل الفوز الظفر بالمطلوب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأخرى تحبونها" قال الفراء والخفش‪" :‬أخرى" معطوفة على "تجارة" فهي في‬
‫محل خفض‪ .‬وقيل‪ :‬محلها رفع أي ولكم خصلة أخرى وتجارة أخرى تحبونها "نصر من ال" أي‬
‫هو نصير من ال؛ فيي "نصير" على هذا تفسيير "وأخرى"‪ .‬وقييل‪ :‬رفيع على البدل مين "أخرى" أي‬
‫ولكيم نصير مين ال‪" .‬وفتيح قرييب" أي غنيمية فيي عاجيل الدنييا؛ وقييل فتيح مكية‪ .‬وقال ابين عباس‪:‬‬
‫يريد فتح فارس والروم‪" .‬وبشر المؤمنين" برضا ال عنهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 14 :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا كونوا أنصيار ال كميا قال عيسيى ابين مرييم للحوارييين مين‬
‫أنصياري إلى ال قال الحواريون نحين أنصيار ال فآمنيت طائفية مين بنيي إسيرائيل وكفرت طائفية‬
‫فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين}‬
‫@ أكيد أمير الجهاد؛ أي كونوا حوارييي نيبيكم ليظهركيم ال على مين خالفكيم كميا أظهير حوارييي‬
‫عيسى على من خالفهم‪ .‬وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع "أنصارا ل" بالتنوين‪ .‬قالوا‪ :‬لن معناه‬
‫اثبتوا وكونوا أعوانيييا ل بالسييييف على أعدائه وقرأ الباقون مييين أهيييل البصيييرة والكوفييية والشام‬
‫"أنصار ال" بل تنوين؛ وحذفوا لم الضافة من اسم ال تعالى‪ .‬واختاره أبو عبيدة لقوله‪" :‬نحن‬
‫أنصيار ال" ولم ينون؛ ومعناه كونوا أنصيارا لديين ال‪ .‬ثيم قييل‪ :‬فيي الكلم إضمار؛ أي قيل لهيم ييا‬
‫محميد كونوا أنصيار ال‪ .‬وقييل‪ :‬هيو ابتداء خطاب مين ال؛ أي كونوا أنصيارا كميا فعيل أصيحاب‬
‫عيسييى فكانوا بحمييد ال أنصييارا وكانوا حواريييين‪ .‬والحواريون خواص الرسييل‪ .‬قال معميير‪ :‬كان‬
‫ذلك بحمد ال؛ أي نصروه وهم سبعون رجل‪ ،‬وهم الذين بايعوه ليلة العقبة‪ .‬وقيل‪ :‬هم من قريش‪.‬‬
‫وسيماهم قتادة‪ :‬أبيا بكير وعمير وعلي وطلحية والزبيير وسيعد بين مالك وأبيا عيبيدة ‪ -‬واسيمه عامير ‪-‬‬
‫وعثمان بين مظعون وحمزة بين عبدالمطلب؛ ولم يذكير سيعيدا فيهيم‪ ،‬وذكير جعفير بين أبيي طالب‬
‫رضي ال عنهم أجمعين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كما قال عيسى ابن مريم للحواريين" وهم أصفياؤه اثنا عشر رجل‪ ،‬وقد مضت‬
‫أسيماؤهم فيي "آل عمران"‪ ،‬وهيم أول مين آمين بيه مين بنيي إسيرائيل‪ ،‬قال ابين عباس‪ .‬وقال مقاتيل‪:‬‬
‫قال ال لعيسيى إذا دخلت القريية فأت النهير الذي علييه القصيارون فاسيألهم النصيرة‪ ،‬فأتاهيم عيسيى‬
‫وقال‪ :‬مين أنصياري إلى ال؟ قالوا‪ :‬نحين ننصيرك‪ .‬فصيدقوه ونصيروه‪" .‬مين أنصياري إلى ال قال‬
‫الحواريون نحين أنصييار ال" أي مين أنصيياري ميع ال‪ ،‬كمييا تقول‪ :‬الذود إلى الذود إبييل‪ ،‬أي ميع‬
‫الذود‪ .‬وقييل‪ :‬أي مين أنصياري فيميا يقرب إلى ال‪" .‬قال الحواريون نحين أنصيار ال" وقيد مضيى‬
‫هذا فيي آل عمران" "فآمنيت طائفية مين بنيي إسيرائيل وكفرت طائفية" والطائفتان فيي زمين عيسيى‬
‫افترقوا بعد رفعه إلى السماء‪ ،‬على ما تقدم في "آل عمران" بيانه‪" .‬فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم‬
‫فأصيبحوا ظاهريين" "فأيدنيا الذيين آمنوا على عدوهيم" الذيين كفروا بعيسيى‪" .‬فأصيبحوا ظاهريين"‬
‫أي غالبيين‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬أييد ال الذيين آمنوا فيي زمين عيسيى بإظهار محميد على ديين الكفار‪.‬‬
‫وقال مجاهيد‪ :‬أيدوا فيي زمانهيم على مين كفير بعيسيى‪ .‬وقييل أيدنيا الن المسيلمين على الفرقتيين‬
‫الضالتيين‪ ،‬مين قال كان ال فارتفيع‪ ،‬ومين قال كان ابين ال فرفعيه ال إلييه؛ لن عيسيى ابين مرييم لم‬
‫يقاتيل أحدا ولم يكين فيي ديين أصيحابه بعده قتال‪ .‬وقال زييد بين علي وقتادة‪" :‬فأصيبحوا ظاهريين"‬
‫غالبيين بالحجية والبرهان؛ لنهيم قالوا فيميا روي‪ :‬ألسيتم تعلمون أن عيسيى كان ينام وال ل ينام‪،‬‬
‫وأن عيسيى كان يأكيل وال تعالى ل يأكيل!‪ .‬وقييل‪ :‬نزلت هذه اليية فيي رسيل عيسيى علييه الصيلة‬
‫والسيلم‪ .‬قال ابين إسيحاق‪ :‬وكان الذي بعثهيم عيسيى مين الحوارييين والتباع فطرس وبولس إلى‬
‫رومية‪ ،‬واندراييس ومشى إلى الرض التي يأكل أهلها الناس‪ .‬وتوماس إلى أرض بابل من أرض‬
‫المشرق‪ .‬وفيلبيس إلى قرطاجنية وهيي أفريقيية‪ .‬ويحنيس إلى دقسيوس قريية أهيل الكهيف‪ .‬ويعقوبيس‬
‫إلى أورشلييم وهيي بييت المقدس‪ ،‬وابين تلميا إلى العرابيية وهيي أرض الحجاز‪ .‬وسييمن إلى أرض‬
‫البربر‪ .‬ويهودا وبردس إلى السيكندرية وميا حولهيا‪ .‬فأيدهيم ال بالحجية‪" .‬فأصيبحوا ظاهريين" أي‬
‫عالين؛ من قولك‪ :‬ظهرت على الحائط أي علوت عليه‪ .‬وال سبحانه وتعالى اعلم بالصواب‪ ،‬وإليه‬
‫المرجع والمآب‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الجمعة‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ مدنية في قول الجميع‪ ،‬وهي إحدى عشرة آية‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬خيير يوم طلعيت علييه الشميس يوم الجمعية فييه خلق آدم وفييه أدخيل‬
‫الجنية وفييه أخرج منهيا ول تقوم السياعة إل فيي يوم الجمعية)‪ .‬وعنيه قال‪ :‬قال رسيول ال‪(:‬نحين‬
‫الخرون الولون يوم القيامية ونحين أول مين يدخيل الجنية بييد أنهيم أوتوا الكتاب بين قبلنيا وأوتيناه‬
‫مين بعدهيم فاختلفوا فهدانيا ال لميا اختلفوا فييه مين الحيق فهذا يومهيم الذي اختلفوا فييه هدانيا ال له ‪-‬‬
‫قال ‪ -‬يوم الجمعة فاليوم لنا وغدا لليهود وبعد غد للنصارى)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬يسبح ل ما في السماوات وما في الرض الملك القدوس العزيز الحكيم}‬
‫@ تقدم الكلم فيه‪ .‬وقرأ أبو العالية ونصر بن عاصم "الملك القدوس العزيز الحكيم" كلها رفعا؛‬
‫أي هو الملك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬هو الذي بعث في الميين رسول منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب‬
‫والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هيو الذي بعيث فيي المييين رسيول منهيم" قال ابين عباس‪ :‬الميون العرب كلهيم‪،‬‬
‫مين كتيب منهيم ومين لم يكتيب‪ ،‬لنهيم لم يكونوا أهيل كتاب‪ .‬وقييل‪ :‬الميون الذيين ل يكتبون‪ .‬وكذلك‬
‫كانييت قريييش‪ .‬وروى منصييور عيين إبراهيييم قال‪ :‬المييي الذي يقرأ ول يكتييب‪ .‬وقييد مضييى فييي‬
‫"البقرة"‪" .‬رسول منهم" يعني محمدا صلى ال عليه وسلم‪ .‬وما من حي من العرب إل ولرسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فيهم قرابة وقد ولدوه‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬إل حي تغلب؛ فإن ال تعالى طهر‬
‫نبيه صلى ال عليه وسلم منهم لنصرانيتهم‪ ،‬فلم يجعل لهم عليه ولدة‪ .‬وكان أميا لم يقرأ من كتاب‬
‫ولم يتعلم صييلى ال عليييه وسييلم‪ .‬قال الماوردي‪ :‬فإن قيييل مييا وجييه المتنان فإن بعييث نبيييا أميييا؟‬
‫فالجواب عنيه مين ثلثية أوجيه‪ :‬أحدهيا‪ :‬لموافقتيه ميا تقدميت بيه بشارة النيبياء‪ .‬الثانيي‪ :‬لمشاكلة حال‬
‫لحوالهيم‪ ،‬فيكون أقرب إلى موافقتهيم‪ .‬الثالث‪ :‬لينتفيي عنيه سيوء الظين فيي تعليميه ميا دعيا إلييه مين‬
‫الكتب التي قرأها والحكم التي تلها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا كله دليل معجزته وصدق نبوته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يتلو عليهيم آياتيه" يعنيي القرآن "ويزكيهيم" أي يجعلهيم أزكياء القلوب باليمان؛‬
‫قاله ابين عباس‪ .‬وقييل‪ :‬يطهرهيم مين دنيس الكفير والذنوب؛ قاله ابين جرييج ومقاتيل‪ .‬وقال السيدي‪:‬‬
‫يأخييذ زكاة أموالهييم "ويعلمهييم الكتاب" يعنييي القرآن "والحكميية" السيينة؛ قال الحسيين‪ .‬وقال ابيين‬
‫عباس‪" :‬الكتاب" الخييط بالقلم؛ لن الخييط فشييا فييي العرب بالشرع لمييا أمروا بتقييده بالخييط‪ .‬وقال‬
‫مالك بين أنيس‪" :‬الحكمية" الفقيه فيي الديين‪ .‬وقيد مضيى القول فيي هذا فيي "البقرة"‪" .‬وإن كانوا مين‬
‫قبل" أي من قبله وقبل أن يرسل إليهم‪" .‬لفي ضلل مبين" أي في ذهاب عن الحق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآخرين منهم" هو عطف على "الميين" أي بعث في الميين وبعث في آخرين‬
‫منهيم‪ .‬ويجوز أن يكون منصيوبا بالعطيف على الهاء والمييم فيي "يعلمهيم ويزكيهيم"؛ أي يعلمهيم‬
‫ويعلم آخريين مين المؤمنيين؛ لن التعلييم إذا تناسيق إلى آخير الزمان كان كله مسيندا إلى أوله فكأنيه‬
‫هيو الذي تولى كيل ميا وجيد منيه‪" .‬لميا يلحقوا بهيم وهيو العزييز الحكييم" أي لم يكونوا فيي زمانهيم‬
‫وسييجيؤون بعدهيم‪ .‬قال ابين عمرو سيعيد بين جيبير‪ :‬هيم العجيم‪ .‬وفيي صيحيح البخاري ومسيلم عين‬
‫أبي هريرة قال‪ :‬كنا جلوسا عند النبي صلى ال عليه وسلم إذ نزلت عليه سورة "الجمعة" فلما قرأ‬
‫"وآخريين منهيم لميا يلحقوا بهيم" قال رجيل‪ :‬مين هؤلء ييا رسيول ال؟ فلم يراجعيه النيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلثا‪ .‬قال وفينا سلمان الفارسي‪ .‬قال‪ :‬فوضع النبي صلى‬
‫ال علييه وسيلم يده على سيلمان ثيم قال‪( :‬لو كان اليمان عنيد الثرييا لناله رجال مين هؤلء)‪ .‬فيي‬
‫رواية (لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس ‪ -‬أو قال ‪ -‬من أبناء فارس حتى يتناوله‬
‫لفيظ مسيلم‪ .‬وقال عكرمية‪ :‬هيم التابعون‪ .‬مجاهيد‪ :‬هيم الناس كلهيم؛ يعنيي مين بعيد العرب الذيين بعيث‬
‫فيهم محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال ابن زيد ومقاتل بن حيان‪ .‬قال‪ :‬هم من دخل في السلم بعد‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم إلى يوم القيامة‪ .‬وروى سهل بن سعد الساعدي‪ :‬أن النبي صل ال عليه‬
‫وسيلم قال‪( :‬إن فيي أصيلب أمتيي رجال ونسياء يدخلون الجنية بغيير حسياب ‪ -‬ثيم تل ‪" -‬وآخريين‬
‫منهيم لميا يلحقوا بهيم"‪ .‬والقول الول أثبيت‪ .‬وقيد روي أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬رأيتنيي‬
‫أسيقي غنميا سيودا ثيم اتبعتهيا غنميا عفرا أولهيا ييا أبيا بكير) فقال‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬أميا السيود فالعرب‪،‬‬
‫وأميا الغفير فالعجيم تتبعيك بعيد العرب‪ .‬فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬كذا أولهيا الملك) يعنيي‬
‫جبرييل عليه السيلم‪ .‬رواه ابن أبيي ليلى عين رجيل مين أصيحاب النيبي صيلى ال عليه وسيلم‪ ،‬وهو‬
‫علي بن أبي طالب رضي ال عنه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم}‬
‫@ قال ابين عباس‪ :‬حييث ألحيق العجيم بقرييش‪ .‬يعنيي السيلم‪ ،‬فضيل ال يؤتييه مين يشاء؛ قال‬
‫الكلبي‪ .‬وقيل‪ :‬يعني الوحي والنبوة؛ قاله مقاتل‪ .‬وقول رابع‪ :‬إنه المال ينفق في الطاعة؛ وهو معنى‬
‫قول أبي صالح‪ .‬وقد روى مسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن فقراء المهاجرين أتوا رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقالوا‪ :‬ذهب أهل الدثور بالدرجات العل والنعيم المقيم‪ .‬فقال‪( :‬وما ذاك)؟‬
‫قالوا‪ :‬يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ول نتصدق ويعتقون ول نعتق‪ .‬فقال‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أفل أعلمكيم شيئا تدركون بيه مين سيبقكم وتسيبقون بيه مين بعدكيم‬
‫ول يكون أحيد أفضيل منكيم إل مين صينع مثيل ميا صينعتم) قالوا‪ :‬بلى ييا رسيول ال؛ قال‪( :‬تسيبحون‬
‫وتكيبرون وتحمدون دبر كيل صيلة ثلثيا وثلثيين مرة)‪ .‬قال أبيو صيالح‪ :‬فرجيع فقراء المهاجريين‬
‫إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فقالوا‪ :‬سيمع إخواننيا أهيل الموال بميا فلعنيا ففعلوا مثله‪ .‬فقال‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ‪( :‬ذلك فضيل ال يؤتييه مين يشاء)‪ .‬وقول خاميس‪ :‬أنيه انقياد الناس‬
‫إلى تصديق النبي صلى ال عليه وسلم ودخولهم في دينه ونصرته‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم‬
‫الذين كذبوا بآيات ال وال ل يهدي القوم الظالمين}‬
‫@ ضرب مثل لليهود لما تركوا العمل بالتوراة ولم يؤمنوا بمحمد صلى ال عليه وسلم‪" .‬حملوا‬
‫التوراة" أي كلفوا العمل بها؛ عن ابن عباس‪ .‬وقال الجرجاني‪ :‬هو من الحمالة بمعنى الكفالة؛ أي‬
‫ضمنوا أحكام التوراة‪" .‬كمثيل الحمار يحميل أسيفارا" هيي جميع سيفر‪ ،‬وهيو الكتاب الكيبير؛ لنيه‬
‫يسييفر عيين المعنييى إذا قرئ‪ .‬قال ميمون بيين مهران‪ :‬الحمار ل يدري أسييفر على ظهره أم زبيييل؛‬
‫فهكذا اليهود‪ .‬وفيي هذا تنيبيه مين ال تعالى لمين حميل الكتاب أن يتعلم معانييه ويعلم ميا فييه؛ لئل‬
‫يلحقه من الذم ما لحق هؤلء‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫بجيدها إل كعلم الباعر‬ ‫زوامل للسفار ل علم عندهم‬
‫بأوساقه أوراح ما في الغرائر‬ ‫لعمرك ما يدري البعير إذا غدا‬
‫وقال يحيى بن يمان‪ :‬يكتب أحدهم الحديث ول يتفهم ول يتدبر‪ ،‬فإذا سئل أحدهم عن مسألة جلس‬
‫كأنه مكاتب‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫مثل الجمال عليها يحمل الودع‬ ‫إن الرواة على جهل بما حملوا‬
‫ول الجمال بحمل الودع تنتفع‬ ‫ل الودع ينفعه حمل الجمال له‬
‫وقال منذر بن سعيد البلوطي رحمه ال فأحسن‪:‬‬
‫وزم أسفارا تجد حمارا‬ ‫انعق بما شئت تجد أنصارا‬
‫يحمله كمثل الحمار‬ ‫يحمل ما وضعت من أسفار‬
‫إن كان ما فيها صوابا وخطا‬ ‫يحمل أسفارا له وما درى‬
‫ما إن كذبنا ول اعتدينا‬ ‫إن سئلوا قالوا كذا روينا‬
‫لنه قلد أهل الجهل‬ ‫كبيرهم يصغر عند الحفل‬
‫"ثيم لم يحملوهيا" أي لم يعملوا بهيا‪ .‬شبههيم ‪ -‬والتوراة فيي أيديهيم وهيم ل يعملون بهيا ‪ -‬بالحمار‬
‫يحميل كتبيا ولييس له إل ثقيل الحميل مين غيير فائدة‪ .‬و"يحميل" فيي موضيع نصيب على الحال؛ أي‬
‫حامل‪ .‬ويجوز أن يكون في موضع جر على الوصف؛ لن الحمار كاللئيم‪ .‬قال‪:‬‬
‫ولقد أمر على اللئيم يسبني‬
‫"بئس مثل القوم" المثل الذي ضربناه لهم؛ فحذف المضاف‪" .‬وال ل يهدي القوم الظالمين" أي‬
‫من سبق في علمه أنه يكون كافرا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 - 6 :‬قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء ل من دون الناس فتمنوا الموت‬
‫إن كنتم صادقين‪ ،‬ول يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم وال عليم بالظالمين}‬
‫@ لما ادعت اليهود الفضيلة وقالوا‪" :‬نحن أبناء ال وأحباؤه" [المائدة‪ ]18 :‬قال ال تعالى‪" :‬إن‬
‫زعمتم أنكم أولياء ل من دون الناس" فللولياء عند ال الكرامة‪" .‬فتمنوا الموت إن كنتم صادقين"‬
‫لتصييروا إلى ميا يصيير إلييه أولياء ال "ول يتمنونيه أبدا بميا قدميت أيديهيم" أي أسيلفوه مين تكذييب‬
‫محميد صيلى ال علييه وسيلم؛ فلو تمنوه لماتوا؛ فكان فيي ذلك بطلن قولهيم وميا ادعوه مين الوليية‪.‬‬
‫وفيي حدييث أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال لميا نزلت هذه اليية‪( :‬والذي نفيس محميد بيده لو‬
‫تمنوا الموت ميا بقيي على ظهرهيا يهودي إل مات)‪ .‬وفيي هذا إخبار عين الغييب‪ ،‬ومعجزة للنيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقد مضى معنى هذه الية في "البقرة" في قوله تعالى ‪" : -‬قل إن كانت لكم‬
‫الدار الخرة عند ال خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" [البقرة‪.]94 :‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 8 :‬قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملقيكيم ثيم تردون إلى عالم الغييب والشهادة‬
‫فينبئكم بما كنتم تعملون}‬
‫@ قال الزجاج‪ :‬ل يقال‪ :‬إن زيدا فمنطلق‪ ،‬وها هنا قال‪" :‬فإنه ملقيكم" لما في معنى "الذي" من‬
‫الشرط والجزاء‪ ،‬أي إن فررتم منه فإنه ملقيكم‪ ،‬ويكون مبالغة في الدللة على أنه ل يفنع الفرار‬
‫منه‪ .‬قال زهير‪:‬‬
‫ولو رام أسباب السماء بسلم‬ ‫ومن هاب أسباب المنايا ينلنه‬
‫قلت‪ :‬ويجوز أن يتم الكلم عند قوله‪" :‬الذي تفرون منه" ثم يبتدئ "فإنه ملقيكم"‪ .‬وقال طرفة‪:‬‬
‫لمن الموت عليه قد قدر‬ ‫وكفى بالموت فاعلم واعظا‬
‫إن في الموت لذي اللب عبر‬ ‫فاذكر الموت وحاذر ذكره‬
‫في مقام أو على ظهر سفر‬ ‫كل شيء سوف يلقى حتفه‬
‫ليس ينجيه من الموت الحذر‬ ‫والمنايا حوله ترصده‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 9 :‬يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلة من يوم الجمعية فاسيعوا إلى ذكير ال وذروا‬
‫البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا إذا نودي للصيلة مين يوم الجمعية" قرأ عبدال بين الزبيير‬
‫والعمش وغيرهما "الجمعة" بإسكان الميم على التخفيف‪ .‬وهما لغتان‪ .‬وجمعهما جمع وجمعات‪.‬‬
‫قال الفراء‪ :‬يقال الجمعة (بسكون الميم) والجمعة (بضم الميم) والجمعة (بفتح الميم) فيكون صفة‬
‫اليوم؛ أي تجمييع الناس‪ .‬كمييا يقال‪ :‬ضحكيية للذي يضحييك‪ .‬وقال ابيين عباس‪ :‬نزل القرآن بالتثقيييل‬
‫والتفخيم فاقرؤوها جمعة؛ يعني بضم الميم‪ .‬وقال الفراء وأبو عبيد‪ :‬والتخفيف أقيس وأحسن؛ نحو‬
‫غرفة وغرف‪ ،‬وطرفة وطرف‪ ،‬وحجرة وحجر‪ .‬وفتح الميم لغة بني عقيل‪ .‬وقيل‪ :‬إنها لغة النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬وعن سلمان أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إنما سميت جمعة لن ال‬
‫جميع فيهيا خلق آدم)‪ .‬وقييل‪ :‬لن ال تعالى فرغ فيهيا مين خلق كيل شيء فاجتمعيت فيها المخلوقات‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬لتجتميع الجماعات فيهيا‪ .‬وقييل‪ :‬لجتماع الناس فيهيا للصيلة‪ .‬و"مين" بمعنيى "فيي"؛ أي فيي‬
‫يوم؛ كقوله تعالى‪" :‬أروني ماذا خلقوا من الرض" [فاطر‪ ]40 :‬أي في الرض‪.‬‬
‫@ قال أبيو سيلمة‪ :‬أول مين قال‪" :‬أميا بعيد" كعيب بين لوي‪ ،‬وكان أول مين سيمى الجمعية جمعية‪.‬‬
‫وكان يقال ليوم الجمعية‪ :‬العروبية‪ .‬وقييل‪ :‬أول مين سيماها جمعية النصيار‪ .‬قال ابين سييرين‪ :‬جميع‬
‫أهل المدينة من قبل أن يقدم النبي صلى ال عليه وسلم المدينة‪ ،‬وقبل أن تنزل الجمعة؛ وهم الذين‬
‫سموها الجمعة؛ وذلك أنهم قالوا‪ :‬إن لليهود يوما يجتمعون فيه‪ ،‬في كل سبعة أيام يوم وهو السبت‪.‬‬
‫وللنصيارى يوم مثيل ذلك وهيو الحيد فتعالوا فلنجتميع حتيى نجعيل يوميا لنيا نذكير ال ونصيلي فييه ‪-‬‬
‫ونسيتذكر ‪ -‬أو كميا قالوا ‪ -‬فقالوا‪ :‬يوم السيبت لليهود‪ ،‬ويوم الحيد للنصيارى؛ فاجعلوه يوم العروبية‪.‬‬
‫فاجتمعوا إلى أسيعد بين زرارة (أبيو أمامية رضيي ال عنيه) فصيلى بهيم يومئذ ركعتيين وذكرهيم‪،‬‬
‫فسيموه يوم الجمعية حيين اجتمعوا‪ .‬فذبيح لهيم أسيعد شاة فتعشوا وتغدوا منهيا لقلتهيم‪ .‬فهذه أول جمعيه‬
‫في السلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وروي أنهيم كانوا اثنيي عشير رجل على ميا يأتيي‪ .‬وجاء فيي هذه الروايية‪ :‬أن الذي جميع‬
‫بهم وصلى أسعد بن زرارة‪ ،‬وكذا في حديث عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه كعب على ما‬
‫يأتيي‪ .‬وقال البيهقيي‪ :‬وروينيا عين موسيى بين عقبية عين ابين شهاب الزهري أن مصيعب بين عميير‬
‫كان أول من جمع الجمعة بالمدينة للمسيلمين قبيل أن يقدمهيا رسيول ال صلى ال عليه وسيلم‪ .‬قال‬
‫البيهقي‪ :‬يحتمل أن يكون مصعب جمع بهم بمعونة أسعد بن زرارة فأضافه كعب إليه‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫وأميا أول جمعية جمعهيا النيبي صيلى ال علييه وسيلم بأصيحابه؛ فقال أهيل السيير والتوارييخ‪ :‬قدم‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم مهاجرا حتيى نزل بقباء‪ ،‬على بنيي عمرو بين عوف يوم الثنيين‬
‫لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الول حين اشتد الضحى‪ .‬ومن تلك السنة يعد التاريخ‪ .‬فأقام‬
‫بقباء إلى يوم الخميس وأسس مسجدهم‪ .‬ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة؛ فأدركته الجمعة في بني‬
‫سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجدا؛ فجمع بهم وخطب‪ .‬وهي‬
‫أول خطبة خطبها بالمدينة‪ ،‬وقال فيها‪( :‬الحمد ل‪ .‬أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه‪ ،‬وأأمن به‬
‫ول أكفره‪ ،‬وأعادي مين يكفير به‪ .‬واشهيد أن ل إله إل ال وحده ل شرييك له وأشهيد أن محمدا عبده‬
‫ورسيول‪ ،‬أرسيله بالهدى وديين الحيق‪ ،‬والنور والموعظية والحكمية على فترة مين الرسيل‪ ،‬وقلة مين‬
‫العلم‪ ،‬وضللة من الناس‪ ،‬وانقطاع من الزمان‪ ،‬ودنو من الساعة‪ ،‬وقرب من الجل‪ .‬من يطيع ال‬
‫ورسيوله فقيد رشيد‪ .‬ومين يعيص ال ورسيول فقيد غوى وفرط وضيل ضلل بعيدا‪ .‬أوصييكم بتقوى‬
‫ال‪ ،‬فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الخرة‪ ،‬وأن يأمره بتقوى ال‪ .‬واحذروا‬
‫ما حذركم ال من نفسه؛ فإن تقوى ال لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على‬
‫ما تبغون من أمر الخرة‪ .‬ومن يصلح الذي بينه وبين ربه من أمره في السر والعلنية‪ ،‬ل ينوي‬
‫به إل وجه ال يكن له ذكرا في عاجل أمره‪ ،‬وذخرا فيما بعد الموت‪ ،‬حين يفتقر المرء إلى ما قدم‪.‬‬
‫وما كان مما سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا‪" .‬ويحذركم ال نفسه وال رؤوف بالعباد"‬
‫[آل عمران‪ .]30 :‬وهيو الذي صيدق قول‪ ،‬وأنجيز وعده‪ ،‬ل خلف لذلك؛ فإنيه يقول تعالى‪" :‬ميا‬
‫يبدل القول لدي وميا أنيا بظلم للعبييد" [ق‪ .]29 :‬فاتقوا ال فيي عاجيل أمركيم وآجله فيي السير‬
‫والعلنيية؛ فإنيه "ومين يتيق ال يكفير عنيه سييئاته ويعظيم له أجرا" [الطلق‪ .]5 :‬ومين يتيق ال فقيد‬
‫فاز فوزا عظيميا‪ .‬وإن تقوى ال توقيي مقتيه وتوقيي عقوبتيه وتوقيي سيخطه‪ .‬وإن تقوى ال تيبيض‬
‫الوجوه‪ ،‬وترضييي الرب‪ ،‬وترفييع الدرجيية‪ .‬فخذوا بحظكييم ول تفرطوا فييي جنييب ال‪ ،‬فقييد علمكييم‬
‫كتابه‪ ،‬ونهج لكم سبيله؛ ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين‪ .‬فأحسنوا كما أحسن ال إليكم‪ ،‬وعادوا‬
‫أعداءه‪ ،‬وجاهدوا فيي ال حيق جهاده؛ هيو اجتباكيم وسيماكم المسيلمين‪ .‬ليهلك مين هلك عين بينية‪،‬‬
‫ويحيييا ميين حييي عيين بينيية‪ .‬ول حول ول قوة إل بال‪ .‬فأكثروا ذكيير ال تعالى‪ ،‬واعملوا لمييا بعييد‬
‫الموت؛ فإنيه مين يصيلح ميا بينيه وبيين ال يكفيه ال ميا بينيه وبيين الناس‪ .‬ذلك بأن ال يقضيي على‬
‫الناس ول يقضون عليييه‪ ،‬ويملك ميين الناس ول يملكون منييه‪ .‬ال أكييبر‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال‬
‫العلي العظييم)‪ .‬وأول جمعية جمعيت بعدهيا جمعية بقريية يقال لهيا‪" :‬جواثيي" مين قرى البحريين‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن أول من سماها الجمعة كعب بن لؤي بن غالب لجتماع قريش فيه إلى كعب؛ كما تقدم‪.‬‬
‫وال اعلم‪.‬‬
‫@ خاطب ال المؤمنين بالجمعة دون الكافرين تشريفا لهم وتكريما فقال‪" :‬يا أيها الذين آمنوا" ثم‬
‫خصيه بالنداء‪ ،‬وإن كان قيد دخيل فيي عموم قوله تعالى‪" :‬وإذا ناديتيم إلى الصيلة" [المائدة‪]58 :‬‬
‫ليدل على وجوبه وتأكيد فرضه‪ .‬وقال بعض العلماء‪ :‬كون الصلة الجمعة ها هنا معلوم بالجماع‬
‫ل مين نفيس اللفيظ‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬وعندي أنيه معلوم مين نفيس اللفيظ بنكتية وهيي قوله‪" :‬مين يوم‬
‫الجمعة" وذلك يفيده؛ لن النداء الذي يختص بذلك اليوم هو نداء تلك الصلة‪ .‬فأما غيرها فهو عام‬
‫في سائر اليام‪ .‬ولو لم يكن المراد به نداء الجمعة لما كان لتخصيصه بها وإضافته إليها معنى ول‬
‫فائدة‪.‬‬
‫@ فقد تقدم حكم الذان في سورة "المائدة" مستوفى‪ .‬وقد كان الذان على عهد رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم كميا فيي سيائر الصيلوات؛ يؤذن واحيد إذا جلس النيبي صيلى ال علييه وسيلم على‬
‫المنيبر‪ .‬وكذلك كان يفعيل أبيو بكير وعمير وعلي بالكوفية‪ .‬ثيم زاد عثمان على المنيبر أذانيا ثالثيا على‬
‫داره التيي تسيمى "الزوراء" حيين كثير الناس بالمدينية‪ .‬فإذا سيمعوا أقبلوا؛ حتيى إذا جلس عثمان‬
‫على المنيبر أذن مؤذن النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬ثيم يخطيب عثمان‪ .‬خرجيه ابين ماجية فيي سيننه‬
‫من حديث محميد بن إسحاق عن الزهري عن السائب بن يزيد قال‪ :‬ما كان لرسول ال صلى ال‬
‫علييه وسيلم إل مؤذن واحيد؛ إذا خرج أذن وإذا نزل أقام‪ .‬وأبيو بكير وعمير كذلك‪ .‬فلميا كان عثمان‬
‫وكثيير الناس زاد النداء الثالث على دار فييي السييوق يقال لهييا "الزوراء"؛ فإذا خرج أذن وإذا نزل‬
‫أقام‪ .‬خرجيه البخاري مين طرق بمعناه‪ .‬وفيي بعضهيا‪ :‬أن الذان الثانيي يوم الجمعية أمير بيه عثمان‬
‫بين عفان حيين كثير أهيل المسيجد‪ ،‬وكان التأذيين يوم الجمعية حيين يجلس المام‪ .‬وقال الماوردي‪:‬‬
‫فأما الذان الول فمحدث‪ ،‬فعله عثمان بن عفان ليتأهب الناس لحضور الخطبة عند اتساع المدينة‬
‫وكثرة أهلها‪ .‬وقد كان عمر رضي ال عنه أمر أن يؤذن في السوق قبل المسجد ليقوم الناس عن‬
‫بيوعهيم‪ ،‬فإذا اجتمعوا أذن فيي المسيجد‪ ،‬فجعله عثمان رضيي ال عنيه أذانيين فيي المسيجد‪ .‬قال ابين‬
‫العربيي‪ .‬وفيي الحدييث الصيحيح‪ :‬أن الذان كان على عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم واحدا‪،‬‬
‫فلميا كان زمين عثمان زاد الذان الثالث على الزوراء‪ ،‬وسيماه فيي الحدييث ثالثيا لنيه أضافيه إلى‬
‫القامية‪ ،‬كميا قال علييه الصيلة والسيلم‪( :‬بيين كيل أذانيين صيلة لمين شاء) يعنيي الذان والقامية‪.‬‬
‫ويتوهم الناس أنه أذان أصلي فجعلوا المؤذنين ثلثة فكان وهما‪ ،‬ثم جمعوهم في وفت واحد فكان‬
‫وهميا على وهيم‪ .‬ورأيتهيم يؤذنون بمدينية السيلم بعيد أذان المنار بيين يدي المام تحيت المنيبر فيي‬
‫جماعة‪ ،.‬كما كانوا يفعلون عندنا في الدول الماضية‪ .‬وكل ذلك محدث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاسيعوا" اختلف فيي معنيى السيعي هيا هنيا على ثلثية أقوال‪ :‬أولهيا‪ :‬القصيد‪ .‬قال‬
‫الحسن‪ :‬وال ما هو بسعي على القدام ولكنه سعي بالقلوب والنية‪ .‬الثاني‪ :‬أنه العمل‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬
‫"ومين أراد الخرة وسيعى لهيا سيعيها وهيو مؤمين" [السيراء‪ ،]19 :‬وقوله‪" :‬إن سيعيكم لشتيى"‬
‫[اللييل‪ ،]4 :‬وقوله‪" :‬وأن لييس للنسيان إل ميا سيعى" [النجيم‪ .]39 :‬وهذا قول الجمهور‪ .‬وقال‬
‫زهير‪:‬‬
‫سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم‬
‫وقال أيضا‪:‬‬
‫تبزل ما بين العشيرة بالدم‬ ‫وسعى ساعيا غيظ بن مرة بعدما‬
‫أي فاعملوا على المضى إلى ذكر ال‪ ،‬واشتغلوا بأسبابه من الغسل والتطهير والتوجه إليه‪ .‬الثالث‪:‬‬
‫أن المراد به السعي على القدام‪ .‬وذلك فضل وليس بشرط‪ .‬ففي البخاري‪ :‬أن أبا عبس بن جبر ‪-‬‬
‫واسيمه عبدالرحمين وكان مين كبار الصيحابة ‪ -‬مشيى إلى الجمعية راجل وقال‪ :‬سيمعت رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬من أغبرت قدماه في سبيل ال حرمه ال على النار)‪ .‬ويحتمل ظاهره‬
‫رابعييا‪ :‬وهييو الجري والشتداد‪ .‬قال ابيين العربييي‪ :‬وهييو الذي أنكره الصييحابة العلمون والفقهاء‬
‫القدمون‪ .‬وقرأهييا عميير‪" :‬فامضوا إلى ذكيير ال" فرارا عيين طريييق الجري والشتداد الذي يدل‬
‫على الظاهير‪ .‬وقرأ ابين مسيعود كذلك وقال‪ :‬لو قرأت "فاسيعوا" لسيعيت حتيى يسيقط ردائي‪ .‬وقرأ‬
‫ابن شهاب‪" :‬فامضوا إلى ذكر ال سالكا تلك السبيل"‪ .‬وهو كله تفسير منهم؛ ل قراءة قرآن منزل‪.‬‬
‫وجائز قراءة القرآن بالتفسيير فيي معرض التفسيير‪ .‬قال أبيو بكير النباري‪ :‬وقيد احتيج مين خالف‬
‫المصحف بقراءة عمر وابن مسعود‪ ،‬وأن خرشة بن الحر قال‪ :‬رأني عمر رضي ال عنه ومعي‬
‫قطعية فيهيا "فاسيعوا إلى ذكير ال" فقال لي عمير‪ :‬مين أقرأك هذا؟ قلت أبيي‪ .‬فقال‪ :‬إن أبييا أقرؤنيا‬
‫للمنسوخ‪ .‬ثم قرأ عمر "فامضوا إلى ذكر ال"‪ .‬حدثنا إدريس قال حدثنا خلف قال حدثنا هشيم عن‬
‫المغيرة عن إبراهيم عن خرشة؛ فذكره‪ .‬وحدثنا محمد بن يحيى أخبرنا محمد وهو ابن سعدان قال‬
‫حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال‪ :‬ما سمعت عمر يقرأ قط إل "فامضوا‬
‫إلى ذكر ال"‪ .‬وأخبرنا إدريس قال حدثنا خلف قال حدثنا هشيم عن المغيرة عن إبراهيم أن عبدال‬
‫بين مسيعود قرأ "فامضوا إلى ذكير ال" وقال‪ :‬لو كانيت "فاسيعوا" لسيعيت حتيى يسيقط ردائي‪ .‬قال‬
‫أبو بكر‪ :‬فاحتج عليه بأن المة أجمعت على "فاسعوا" برواية ذلك عن ال رب العالمين ورسول‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬فأميا عبدال بين مسيعود فميا صيح عنه "فامضوا" لن السيند غيير متصيل؛ إذ‬
‫إبراهييم النخعيي لم يسيمع عين عبدال بين مسيعود شيئا‪ ،‬وإنميا ورد "فأمضوا" عين عمير رضيي ال‬
‫عنييه‪ .‬فإذا انفرد أحييد بمييا يخالف الييية والجماعيية كان ذلك نسيييانا منييه‪ .‬والعرب مجمعيية على أن‬
‫السعي يأتي بمعنى المضي؛ غير أنه ل يخلو من الجد والنكماش‪ .‬قال زهير‪:‬‬
‫تبزل ما بين العشيرة بالدم‬ ‫سعى ساعيا غيظ بن مرة بعد ما‬
‫أراد بالسييعي المضييى بجييد وانكماش‪ ،‬ولم يقصييد للعدو والسييراع فييي الخطييو‪ .‬وقال الفراء وأبييو‬
‫عبيدة‪ :‬معنى السعي في الية المضي‪ .‬واحتج الفراء بقولهم‪ :‬هو يسعى في البلد يطلب فضل ال؛‬
‫معناه هو يمضى بجد واجتهاد‪ .‬واحتج أبو عبيدة بقول الشاعر‪:‬‬
‫كل امرئ في شأنه ساعي‬ ‫أسعى على جل بني مالك‬
‫فهل يحتمل السعي في هذا البيت إل مذهب المضى بالنكماش؛ ومحال أن يخفى هذا المعنى على‬
‫ابين مسيعود على فصياحته وإتقان عربيتيه‪ .‬قلت‪ :‬ومميا يدل على أنيه لييس المراد هيا هنيا العدو قوله‬
‫علييه الصيلة والسيلم‪( :‬إذا أقيميت الصيلة فل تأتوهيا تسيعون ولكين ائتوهيا وعليكيم السيكينة)‪ .‬قال‬
‫الحسيين‪ :‬أمييا وال مييا هييو بالسييعي على القدام‪ ،‬ولقييد نهوا أن يأتوا الصييلة إل وعليهييم السييكينة‬
‫والوقار؛ ولكن بالقلوب والنية والخشوع‪ .‬وقال قتادة‪ :‬السعي أن تسعى بقلبك وعملك‪ .‬وهذا حسن‪،‬‬
‫فإنييه جمييع القوال الثلثيية‪ .‬وقييد جاء فييي الغتسييال للجمعيية والتطيييب والتزييين باللباس أحاديييث‬
‫مذكورة في كتب الحديث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا" خطاب المكلفيين بإجماع‪ .‬ويخرج منيه المرضيى والزمنيي‬
‫والمسيافرون والعبييد والنسياء بالدلييل‪ ،‬والعميان والشييخ الذي ل يمشيي إل بقائد عنيد أبيي حنيفية‪.‬‬
‫روى أبيو الزبيير عين جابر أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬مين كان يؤمين بال واليوم‬
‫الخير فعلييه الجمعية يوم الجمعية إل مرييض أو مسيافر أو امرأة أو صيبي أو مملوك فمين اسيتغنى‬
‫بلهيو أو تجارة استغنى ال عنه وال غني حميد) خرجه الدارقطنيي وقال علماؤنيا رحمهيم ال‪ :‬ول‬
‫يتخلف أحييد عيين الجمعيية مميين عليييه إتيانهييا إل بعذر ل يمكنييه منييه التيان إليهييا؛ مئل المرض‬
‫الحابس‪ ،‬أو خوف الزيادة في المرض‪ ،‬أو خوف جور السلطان عليه في مال أو بدن دون القضاء‬
‫علييه بحيق‪ .‬والمطير الوابيل ميع الوحيل عذر إن لم ينقطيع‪ .‬ولو يره مالك عذرا له؛ حكاه المهدوي‪.‬‬
‫ولو تخلف عنهيا متخلف على ولي حمييم له قيد حضرتيه الوفاة‪ ،‬ولم يكين عنده مين يقوم بأمره رجيا‬
‫أن يكون في سعة‪ .‬وقد فعل ذلك ابن عمر‪ .‬ومن تخلف عنها لغير عذر فصلى قبل المام أعاد‪ ،‬ول‬
‫يجزيه أن يصلي قبله‪ .‬وهو في تخلفه عنها مع إمكانه لذلك عاص ل بفعله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذا نودي للصلة" يختص بوجوب الجمعة على القريب الذي يسمع النداء‪ ،‬فأما‬
‫البعييد الدار الذي ل يسيمع النداء فل يدخيل تحيت الخطاب‪ .‬واختلف فيمين يأتيي الجمعية مين الدانيي‬
‫والقاصيي‪ ،‬فقال ابن عمير وأبيو هريرة وأنس‪ :‬تجيب الجمعة على مين في المصير على سيتة أميال‪.‬‬
‫وقال ربيعة‪ :‬أربعة أميال‪ .‬وقال مالك والليث‪ :‬ثلثة أميال‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬اعتبار سماع الذان أن‬
‫يكون المؤذن صيييتا‪ ،‬والصييوات هادئة‪ ،‬والريييح سيياكنة وموقييف المؤذن عنييد سييور البلد‪ .‬وفييي‬
‫الصيحيح عين عائشية‪ :‬أن الناس كانوا ينتابون الجمعية مين منازلهيم ومين العوالي فيأتون فيي الغبار‬
‫ويصييبهم الغبار فتخرج منهيم الرييح‪ ،‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬لو اغتسيلتم ليومكيم‬
‫هذا) قال علماؤنا‪ :‬والصوت إذا كان منيعا والناس في هدوء وسكون فأقصى سماع الصوت ثلثة‬
‫أميال‪ .‬والعوالي من المدينة أقربهيا على ثلثة أميال‪ .‬وقال أحميد بن حنبيل وإسحاق‪ :‬تجيب الجمعة‬
‫على من سمع النداء‪ .‬وروى الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إنما الجمعة على من سمع النداء)‪ .‬وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬تجب‬
‫على مين فيي المصير‪ ،‬سيمع النداء أو لم يسيمعه‪ ،‬ول تجيب على مين هيو خارج المصير وإن سيمع‬
‫النداء‪ .‬حتى سئل‪ :‬وهل تجب الجمعة على أهل زبارة ‪ -‬بينها وبين الكوفة مجرى نهر ‪ -‬؟ فقال ل‪.‬‬
‫وروي عين ربيعيه أيضيا‪ :‬أنهيا تجيب على مين إذا سيمع النداء وخرج مين بيتيه ماشييا أدرك الصيلة‪.‬‬
‫وقد روي عن الزهري‪ :‬أنها تجب عليه إذا سمع الذان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذا نودي للصلة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر ال" دليل على أن الجمعة ل‬
‫تجيييب إل بالنداء‪ ،‬والنداء ل يكون إل بدخول الوقيييت‪ ،‬بدلييييل قوله علييييه الصيييلة والسيييلم‪( :‬إذا‬
‫حضرت الصييلة فأذنييا ثييم أقيمييا وليومكمييا أكبركمييا) قاله لمالك بيين الحويرث وصيياحبه‪ .‬وفييي‬
‫البخاري عن أنس بن مالك أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس‪.‬‬
‫وقد روي عن أبي الصديق وأحمد بن حنبل أنها تصلي قبل الزوال‪ .‬وتمسك أحمد في ذلك بحديث‬
‫سيلمة بين الكوع‪ :‬كنيا نصيلي ميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم ثيم ننصيرف ولييس للحيطان ظيل‪.‬‬
‫وبحديث ابن عمر‪ :‬ما كنا نقيل ول نتغدى إل بعد الجمعة‪ .‬ومثله عن سهل‪ .‬خرجه مسلم‪ .‬وحديث‬
‫سيلمة محمول على التبكيير‪ .‬رواه هشام بين عبدالملك عن يعلي بين الحارث عن إياس بن سيلمة بن‬
‫الكوع عن أبيه‪ .‬وروى وكيع عن يعلي عن إياس عن أبيه قال‪ :‬كنا نجمع مع رسول ال صلى ال‬
‫علييه وسيلم إذا زالت الشميس ثيم نرجيع نتتبيع الفييء‪ .‬وهذا مذهيب الجمهور مين الخلف والسيلف‪،‬‬
‫وقياسيا على صيلة الظهير‪ .‬وحدييث ابين عمير وسيهل‪ ،‬دلييل على أنهيم كانوا يبكرون إلى الجمعية‬
‫تبكيرا كثيرا عنييد الغداة أو قبلهييا‪ ،‬فل يتناولون ذلك إل بعييد انقضاء الصييلة‪ .‬وقييد رأى مالك أن‬
‫التبكيير بالجمعية إنميا يكون قرب الزوال بيسيير‪ .‬وتأول قول النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مين راح‬
‫فيي السياعة الولى فكأنميا قرب بدنية‪ )...‬الحدييث بكماله إنيه كان فيي سياعة واحدة‪ .‬وحمله سيائر‬
‫العلماء على ساعات النهار الزمانية الثنتي عشرة ساعة المستوية أو المختلفة بحسب زيادة النهار‬
‫ونقصانه‪ .‬ابن العربي‪ :‬وهو أصح؛ لحديث ابن عمر رضي ال عنهما‪ :‬ما كانوا يقيلون ول يتغدون‬
‫إل بعد الجمعة لكثرة البكور إليها‪.‬‬
‫@ فرض ال تعالى الجمعة على كل مسلم؛ ردا على من يقول‪ :‬إنها فرض على الكفاية؛ ونقل عن‬
‫بعيض الشافعيية‪ .‬ونقيل عين مالك مين لم يحقيق‪ :‬أنهيا سينة‪ .‬وجمهور المية والئمية أنهيا فرض على‬
‫العيان؛ لقول ال تعالى‪" :‬إذا نودي للصيلة مين يوم الجمعية فاسيعوا إلى ذكير ال وذروا البييع"‪.‬‬
‫وثبيت عن النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬لينتهيين أقوام عن ودعهيم الجمعات أو ليختمين ال‬
‫على قلوبهيم ثيم ليكونين مين الغافليين )‪ .‬وهذا حجية واضحية فيي وجوب الجمعية وفرضيتهيا‪ .‬وفيي‬
‫سنن ابن ماجة عن أبي الجعد الضمري ‪ -‬وكانت له صحبة ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪( :‬من ترل الجمعة ثلث مرات تهاونا بها طبع ال على قلبه)‪ .‬إسناده صحيح‪ .‬وحديث جابر‬
‫بن عبدال قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من ترك الجمعة ثلثا من غير ضرورة طبع‬
‫ال على قلبيه)‪ .‬ابين العربيي‪ :‬وثبيت عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬الرواح إلى الجمعية‬
‫واجب على كل مسلم)‪.‬‬
‫@ أوجب ال السعي إلى الجمعة مطلقا من غير شرط‪ .‬وثبت شرط الوضوء بالقرآن والسنة في‬
‫جمييع الصيلوات؛ لقوله عيز وجيل‪" :‬إذا قمتيم إلى الصيلة فاغسيلوا وجوهكيم" [المائدة‪ ]6 :‬اليية‪.‬‬
‫وقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل يقبل ال صلة بغير طهور)‪ .‬وأغربت طائفة فقالت‪ :‬إن غسل‬
‫الجمعية فرض‪ .‬ابين العربيي‪ :‬وهذا باطيل؛ لميا روى النسيائي وأبيو داود فيي سيننهما أن النيبي صيلى‬
‫ال علييه وسيلم قال‪( :‬مين توضيأ يوم الجمعية فبهيا ونعميت‪ .‬ومين اغتسيل فالغسيل أفضيل)‪ .‬وفيي‬
‫صيحيح مسيلم عين أبيي هريرة قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ‪( :‬مين توضيأ يوم الجمعية‬
‫فأحسيين الوضوء ثييم راح إلى الجمعيية فاسييتمع وأنصييت غفيير ال له مييا بييين الجمعيية إلى الجمعيية‬
‫وزيادة ثلثة أيام‪ .‬ومن مس الحصى فقد لغا) وهذا نص‪ .‬وفي الموطأ‪ :‬أن رجل دخل يوم الجمعة‬
‫وعميير بيين الخطاب يخطييب‪ - ...‬الحديييث إلى أن قال‪ - :‬مييا زدت على أن توضأت‪ ،‬فقال عميير‪:‬‬
‫والوضوء أيضيا؟ وقيد علميت أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان يأمير بالغسيل‪ .‬فأمير عمير‬
‫بالغسل ولم يأمره بالرجوع‪ ،‬فدل على أنه محمول على الستحباب‪ .‬فلم يمكن وقد تلبس بالفرض ‪-‬‬
‫وهييو الحضور والنصييات للخطبيية ‪ -‬أن يرجييع عنييه إلى السيينة‪ ،‬وذلك بمحضيير فحول الصييحابة‬
‫وكبار المهاجريين حوالي عمير‪ ،‬وفيي مسيجد النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬الحاديية عشرة‪ :‬ل تسيقط‬
‫الجمعية لكونهيا فيي يوم عييد‪ ،‬خلفيا لحميد بين حنبيل فإنيه قال‪ :‬إذا اجتميع عييد وجمعية سيقط فرض‬
‫الجمعة؛ لتقدم العيد عليها واشتغال الناس به عنها‪ .‬وتعلق في ذلك بما روي أن عثمان أذن في يوم‬
‫عييد لهيل العوالي أن يتخلفوا عين الجمعية‪ .‬وقول الواحيد مين الصيحابة لييس بحجية إذا خولف فييه‬
‫ولم يجمع معه عليه‪ .‬والمر بالسعي متوجه يوم العيد كتوجهه في سائر اليام‪ .‬وفي صحيح مسلم‬
‫عين النعمان بين بشيير قال‪ :‬كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقرأ فيي العيديين وفيي الجمعية‪ :‬بيي‬
‫"سبح اسم ربك العلى" [العلى‪ ]1 .‬و"هل أتاك حديث الغاشية" [الغاشية‪ ]1 :‬قال وإذا اجتمع‬
‫العييد والجمعية فيي يوم واحيد يقرأ بهميا أيضيا فيي الصيلتين‪ .‬أخرجيه أبيو داود والترمذي والنسيائي‬
‫وابن ماجة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إلى ذكير ال" أي الصيلة‪ .‬وقييل الخطبية والمواعيظ؛ قاله سيعيد بين جيبير‪ .‬ابين‬
‫العربييي‪ :‬والصييحيح أنييه واجييب فييي الجميييع؛ وأول الخطبيية‪ .‬وبييه قال علماؤنييا؛ إل عبدالملك بيين‬
‫الماجشون فإنيه رآهيا سينة‪ .‬والدلييل على وجوبهيا أنهيا تحرم البييع ولول وجوبهيا ميا حرمتيه؛ لن‬
‫المسيتحب ل يحرم المباح‪ .‬وإذا قلنيا‪ :‬إن المراد بالذكير الصيلة فالخطبية مين الصيلة‪ .‬والعبيد يكون‬
‫ذاكرا ل بفعله كمييا يكون مسييبحا ل بفعله‪ .‬الزمخشري‪ :‬فإن قلت‪ :‬كيييف يفسيير ذكيير ال بالخطبيية‬
‫وفيهيا غيير ذلك! قلت‪ :‬ميا كان من ذكير رسول ال صيلى ال عليه وسلم والثناء عليه وعلى خلفائه‬
‫الراشديين وأتقياء المؤمنيين والموعظية والتذكيير فهيو فيي حكيم ذكير ال‪ .‬فأميا ميا عدا ذلك مين ذكير‬
‫الظلمية وألقابهيم والثناء عليهيم والدعاء لهيم‪ ،‬وهيم أحقاء بعكيس ذلك؛ فهيو مين ذكير الشيطان‪ ،‬وهيو‬
‫من ذكر ال على مراحل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وذروا البييع" منيع ال عيز وجل منه عنيد صلة الجمعية‪ ،‬وحرميه فيي وقتهيا على‬
‫من كان مخاطبا بفرضها‪ .‬والبيع ل يخلو عن شراء فاكتفى بذكر أحدهما‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬سرابيل‬
‫تقيكيم الحير وسيرابيل تقيكيم بأسيكم" [النحيل‪ .]81 :‬وخيص البييع لنيه أكثير ميا يشتغيل بيه أصيحاب‬
‫السيواق‪ .‬ومين ل يجيب علييه حضور الجمعية فل ينهيى عين البييع والشراء‪ .‬وفيي وقيت التحرييم‬
‫قولن‪ :‬إنه من بعد الزوال إلى الفراغ منها‪ ،‬قاله الضحاك والحسن وعطاء‪ .‬الثاني ‪ -‬من وقت أذان‬
‫الخطبية إلى وقيت الصيلة‪ ،‬قال الشافعيي‪ .‬ومذهيب مالك أن يترك البييع إذا نودي للصيلة‪ ،‬ويفسيخ‬
‫عنده ما وقع من ذلك من البيع فيي ذلك الوقت‪ .‬ول يفسخ العتق والنكاح والطلق وغيره‪ ،‬إذ ليس‬
‫من عادة الناس الشتغال به كاشتغالهم بالبيع‪ .‬قالوا‪ :‬وكذلك الشركة والهبة والصدقة نادر ل يفسخ‪.‬‬
‫ابين العربيي‪ :‬والصيحيح فسيخ الجمييع‪ ،‬لن البييع إنميا منيع منيه للشتغال بيه‪ .‬فكيل أمير يشغيل عين‬
‫الجمعية مين العقود كلهيا فهيو حرام شرعيا مفسيوخ ردعيا‪ .‬المهدوي‪ .‬ورأى بعيض العلماء البييع فيي‬
‫الوقت المذكور جائزا‪ ،‬وتأول النهي عنه ندبا‪ ،‬واستدل بقوله تعالى‪" :‬ذلكم خير لكم"‬
‫قلت‪ :‬وهذا مذهيب الشافعيي؛ فإن البييع ينعقيد عنده ول يفسيخ‪ .‬وقال الزمخشري فيي تفسيير‪ :‬إن‬
‫عامية العلماء على أنيه ذلك ل يؤدي فسياد البييع‪ .‬قالوا‪ :‬لن البييع لم يحرم لعينيه‪ ،‬ولكين لميا فييه مين‬
‫الذهول عين الواجيب؛ فهيو كالصيلة فيي الرض المغصيوبة والثوب المغصيوب‪ ،‬والوضوء بماء‬
‫مغصوب‪ .‬وعن بعض الناس أنه فاسد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والصيحيح فسياده وفسيخه؛ لقوله علييه الصيلة والسيلم‪( :‬كيل عميل لييس علييه أمرنيا فهيو‬
‫رد)‪ .‬أي مردود‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 10 :‬فإذا قضييت الصيلة فانتشروا فيي الرض وابتغوا مين فضيل ال واذكروا ال‬
‫كثيرا لعلكم تفلحون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا قضييت الصيلة فانتشروا فيي الرض" هذا أمير إباحية؛ كقوله تعالى‪" :‬وإذا‬
‫حللتييم فاصييطادوا" [المائدة‪ .]2 :‬يقول‪ :‬إذا فرغتييم ميين الصييلة فانتشروا فييي الرض للتجارة‬
‫والتصيرف فيي حوائجكيم‪" .‬وابتغوا مين فضيل ال" أي مين رزقيه‪ .‬وكان عراك بين مالك إذا صيلى‬
‫الجمعية انصيرف فوقيف على باب المسيجد فقال‪ :‬اللهيم إنيي أجبيت دعوتيك‪ ،‬وصيليت فريضتيك‪،‬‬
‫وانتشرت كميا أمرتنيي‪ ،‬فارزقنيي مين فضلك وأنيت خيير الرازقيين‪ .‬وقال جعفير بين محميد فيي قوله‬
‫تعالى‪" :‬وابتغوا من فضل ال" إنه العمل في يوم السبب‪ .‬وعن الحسن بن سعيد بن المسيب‪ :‬طلب‬
‫العمل‪ .‬وقيل‪ :‬التطوع‪ .‬وعن ابن عباس‪ :‬لم يؤمروا بطلب شيء من الدنيا؛ إنما هو عيادة المرضى‬
‫وحضور الجنائز وزيارة الخ فيي ال تعالى‪" .‬واذكروا ال كثيرا" أي بالطاعية واللسيان‪ ،‬وبالشكير‬
‫على ميا بيه أنعيم عليكيم مين التوفييق لداء الفرائض‪" .‬لعلكيم تفلحون" كيي تفلحوا‪ .‬قال سيعيد بين‬
‫جيبير‪ :‬الذكير طاعية ال تعالى‪ ،‬فمين أطاع ال فقيد ذكره ومين لم يطعيه فلييس بذاكير وإن كان كثيير‬
‫التسبيح‪ .‬وقد مضى هذا مرفوعا في "البقرة"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 11 :‬وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليهيا وتركوك قائميا قيل ميا عنيد ال خيير مين‬
‫اللهو ومن التجارة وال خير الرازقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها" في صحيح مسلم عن جابر بن عبدال أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة‪ ،‬فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها‬
‫حتيى لم يبيق إل اثنيا عشير رجل ‪ -‬فيي روايية أنيا فيهيم ‪ -‬فانزلت هذه اليية التيي فيي الجمعية‪" :‬وإذا‬
‫رأوا تجارة أو لهو انفضوا إليها وتركوك قائما"‪ .‬في رواية‪ :‬فيهم أبو بكر وعمر رضي ال عنهما‪.‬‬
‫وقد ذكر الكلبي وغيره‪ :‬أن الذي قدم بها دحية بن خليفة الكلبي من الشام عند مجاعة وغلء سعر‪،‬‬
‫وكان معه جميع ما يحتاج الناس من بر ودقيق وغيره‪ ،‬فنزل عند أحجار الزيت‪ ،‬وضرب بالطبل‬
‫ليؤذن الناس بقدومييه؛ فخرج الناس إل اثنييي عشيير رجل‪ .‬وقيييل‪ :‬أحييد عشيير رجل‪ .‬قال الكلبييي‪:‬‬
‫وكانوا فيي خطبية الجمعية فانفضوا إليهيا‪ ،‬وبقيى ميع رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ثمانيية رجال؛‬
‫حكاه الثعلبيي عين ابين عباس‪ ،‬وذكير الدارقطنيي مين حدييث جابر بين عبدال قال‪ :‬بينميا رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم يخطبنيا يوم الجمعية إذ أقبلت عيير تحميل الطعام حتيى نزلت بالبقييع؛ فالتفتوا‬
‫إليهيا وانفضوا إلهيا وتركوا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لييس معيه إل أربعون رجل أنيا فيهيم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأنزل ال عز وجل على النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها‬
‫وتركوك قائميا)‪ .‬قال الدارقطنيي‪ :‬لم يقيل فيي هذا السيناد "إل أربعيين رجل" غيير علي بين عاصيم‬
‫عين حصيين‪ ،‬وخالفيه أصيحاب حصيين فقالوا‪ :‬لم يبيق ميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم إل اثنيا عشير‬
‫رجل‪ .‬وروي عنه عليه الصلة والسلم أنه قال‪( :‬والذي نفسي بيده لو خرجوا جميعا لضرم ال‬
‫عليهيم الوادي نارا)؛ ذكره الزمخشري‪ .‬وروي فيي حدييث مرسيل أسيماء الثنيي عشير رجل‪ ،‬رواه‬
‫أسد بن عمرو والد أسد بن موسى بن أسيد‪ .‬وفيه‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يبيق معه‬
‫إل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي‪ ،‬وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص‪ ،‬وعبدالرحمن بن عوف‬
‫وأبيو عيبيدة بين الجراح‪ ،‬وسيعيد بين زييد وبلل‪ ،‬وعبدال بين مسيعود فيي إحدى الروايتيين‪ .‬وفيي‬
‫الرواية الخرى عمار بن ياسر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لم يذكير جابرا؛ وقيد ذكير مسيلم أنيه كان فيهيم؛ والدارقطنيي أيضيا‪ .‬فيكونون ثلثية عشير‪.‬‬
‫وإن كان عبدال بين مسيعود فيهيم فهيم أربعية عشير‪ .‬وقيد ذكير أبيو داود فيي مراسييله السيبب الذي‬
‫ترخصوا لنفسهم في ترك سماع الخطبة‪ ،‬وقد كانوا خليقا بفضلهم أل يفعلوا؛ فقال‪ :‬حدثنا محمود‬
‫بن خالد قال حدثنا الوليد قال أخبرني أبو معاذ بكر بن معروف أنه سمع مقاتل بن حيان قال‪ :‬كان‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يصيلي الجمعية قبيل الخطبية مثيل العيديين‪ ،‬حتيى كان يوم جمعية‬
‫والنيبي صيلى ال علييه وسيلم يخطيب‪ ،‬وقيد صيلى الجمعية‪ ،‬فدخيل‪ ،‬رجيل فقال‪ :‬إن دحيية بين خليفية‬
‫الكلبيي قدم بتجارة‪ ،‬وكان دحيية إذا قدم تلقاه أهله بالدفاف؛ فخرج الناس فلم يظنوا إل أنيه لييس فيي‬
‫ترك الخطبيية شيييء؛ فأنزل ال عييز وجييل‪" :‬وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليهييا"‪ .‬فقدم النييبي‬
‫صلى ال عليه وسلم الخطبة يوم الجمعة وأخر الصلة‪ .‬وكان ل يخرج أحد لرعاف أو أحداث بعد‬
‫النهي حتى يستأذن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يشير إليه بأصبعه التي تلي البهام؛ فيأذن له النبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم ثيم يشيير إلييه بيده‪ .‬فكان مين المنافقيين مين ثقيل علييه الخطبية والجلوس فيي‬
‫المسجد‪ ،‬وكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه مستترا به حتى يخرج؛ فأنزل‬
‫ال تعالى‪" :‬قيد يعلم ال الذيين يتسيللون منكيم لواذا" [النور‪ ]63 :‬اليية‪ .‬قال السيهيلي‪ :‬وهذا الخيبر‬
‫وإن لم ينقيل مين وجيه ثابيت فالظين الجمييل بأصيحاب النيبي صيلى ال علييه وسيلم يوجيب أن يكون‬
‫صحيحا‪ .‬وقال قتادة‪ :‬وبلغنا أنهم فعلوه ثلث مرات؛ كل مرة عير تقدم من الشام‪ ،‬وكل ذلك يوافق‬
‫يوم الجمعة‪ .‬وقيل‪ :‬إن خروجهم لقدوم دحية الكلبي بتجارته ونظرهم إلى العير تمر‪ ،‬لهو ل فائدة‬
‫فييه؛ إل أنيه كان مميا ل إثيم فييه لو وقيع على غيير ذلك الوجيه‪ ،‬ولكنيه لميا اتصيل بيه العراض عين‬
‫رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم والنفضاض عيين حضرتييه‪ ،‬غلظ وكييبر ونزل فيييه ميين القرآن‬
‫وتهجينيه باسيم اللهيو ميا نزل‪ .‬وجاء عين وسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬كيل ميا يلهيو بيه‬
‫الرجل باطل إل رميه بقوسه)‪ .‬الحديث‪ .‬وقد مضى في سورة "النفال" فلله الحمد‪ .‬وقال جابر بن‬
‫عبدال‪ :‬كانييت الجواري إذا نكحيين يمررن بالمزامييير والطبييل فانفضوا إليهييا؛ فنزلت‪ .‬وإنمييا رد‬
‫الكنايية إلى التجارة لنهيا أهيم‪ .‬وقرأ طلحية بين مصيرف "وإذا رأوا التجارة واللهيو انفضوا إليهيا"‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المعنى وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها‪ ،‬أو لهوا انفضوا إليه فحذف لدللته‪ .‬كما قال‪:‬‬
‫عندك راض والرأي مختلف‬ ‫نحن بما عندنا وأنت بما‬
‫وقيل‪ :‬الجود في العربية أن يجعل الراجع في الذكر للخر من السمين‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في العدد الذي تنعقد به الجمعة على أقوال؛ فقال الحسن‪ :‬تنعقد الجمعة باثنين‪.‬‬
‫وقال الليث وأبو يوسف‪ ،‬تنعقد بثلثة‪ .‬وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة‪ :‬بأربعة‪ .‬وقال ربيعة‪ :‬باثني‬
‫عشر رجل‪ .‬وذكر النجاد أبو بكر أحمد بن سليمان قال‪ :‬حدثنا أبو خالد يزيد بن الهيثم بن طهمان‬
‫الدقاق‪ ،‬حدثنيا صيبح بين دينار قال حدثنيا المعافيي بين عمران حدثنيا معقيل بين عيبيدال عين الزهري‬
‫بسينده إلى مصيعب بين عميير‪ :‬أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم بعثيه إلى المدينية‪ ،‬وأنيه نزل فيي دار‬
‫سعد بن معاذ‪ ،‬فجمع بهم وهم اثنا عشر رجل ذبح لهم يومئذ شاة‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬بأربعين رجل‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق الشيرازي في (كتاب التنبيه على مذهب المام الشافعي)‪ :‬كل قرية فيها أربعون‬
‫رجل بالغيين عقلء أحرارا مقيميين‪ ،‬ل يظعنون عنهيا صييفا ول شتاء إل ظعين حاجية‪ ،‬وأن يكونوا‬
‫حاضرين من أول الخطبة إلى أن تقام الجمعة وجبت عليهم الجمعة‪ .‬ومال أحمد وإسحاق إلى هذا‬
‫القول ولم يشترطا هذه الشروط‪ .‬وقال مالك‪ :‬إذا كانت قرية فيهيا سوق ومسجد فعليهيم الجمعة من‬
‫غير اعتبار عدد‪ .‬وكتب عمر بن عبدالعزيز‪ :‬أي قرية اجتمع فيها ثلثون بيتا فعليهم الجمعة‪ .‬وقال‬
‫أبيو حنيفيية‪ :‬ل تجيب الجمعيية على أهيل السييواد والقرى‪ ،‬ل يجوز لهيم إقامتهيا فيهييا‪ .‬واشترط فييي‬
‫وجوب الجمعيية وانعقادهييا‪ :‬المصيير الجامييع والسييلطان القاهيير والسييوق القائميية والنهيير الجاري‪.‬‬
‫واحتج بحديث علي‪ :‬ل جمعة ول تشريق إل في مصر جامع ورفقة تعينهم‪ .‬وهذا يرده حديث ابن‬
‫عباس‪ ،‬قال‪ :‬إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم بقرية من‬
‫قرى البحريين يقال لهيا جواثيي‪ .‬وحجية المام الشافعيي فيي الربعيين حدييث جابر المذكور الذي‬
‫خرجيه الدارقطنيي‪ .‬وفيي سينن ابين ماجية والدارقطنيي أيضيا ودلئل النبوة للبيهقيي عين عبدالرحمين‬
‫بن كعب بن مالك قال‪ :‬كنت قائد أبي حين ذهب بصره‪ ،‬فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الذان‪،‬‬
‫صلى على أبي أمامة واستغفر له ‪ -‬قال ‪ -‬فمكث كذلك حينا ل يسمع الذان بالجمعة إل فعل ذلك؛‬
‫فقلت له‪ :‬يا أبةِ‪ ،‬استغفارك لبي أمامة كلما سمعت أذان الجمعة‪ ،‬ما هو؟ قال‪ :‬أي بني‪ ،‬هو أول من‬
‫جميع بالمدينية فيي هزم مين حرة بنيي بياضية يقال له نقييع الخضمات؛ قال قلت‪ :‬كيم أنتيم يومئذ؟ قال‬
‫أربعون رجل‪ .‬وقال جابر بين عبدال‪ :‬مضيت السينة أن فيي كيل ثلثية إماميا‪ ،‬وفيي كيل أربعيين فميا‬
‫فوق ذلك جمعة وأضحى وفطرا‪ ،‬وذلك أنهم جماعة‪ .‬خرجه الدارقطني‪.‬‬
‫وروى أبيو بكير أحميد بين سيليمان النجاد‪ :‬قرئ على عبدالملك بين محميد الرقاشيي وأنيا أسيمع‬
‫حدثنيي رجاء بين سيلمة قال حدثنيا أبيي قال حدثنيا روح بين غطييف الثقفيي قال حدثنيي الزهري عين‬
‫أبي سلمة قال‪ :‬قلت لبي هريرة على كم تجب الجمعة من رجل؟ قال‪ :‬لما بلغ أصحاب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم خمسين رجل جمع بهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قرئ على عبدالملك‬
‫بين محميد وأنيا أسيمع قال حدثنيا رجاء بين سيلمة قال حدثنيا عباد بين عباد المهلبيي عين جعفير بين‬
‫الزبيير عين القاسيم عين أبيي أمامية قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬تجيب الجمعية على‬
‫خمسين رجل ول تجب على من دون ذلك)‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وكتب عمر بن عبدالعزيز‪ :‬أيما قرية‬
‫اجتمييع فيهييا خمسييون رجل فليصييلوا الجمعيية‪ .‬وروى الزهري عيين أم عبدال الدوسييية قالت‪ :‬قال‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم (الجمعية واجبية على كيل قريية وإن لم يكين فيهيا إل أربعية)‪ .‬يعنيي‬
‫بالقرى‪ :‬المدائن‪ .‬ل يصيح هذا عين الزهري‪ .‬فيي روايية (الجمعية واجبية على أهيل كيل قريية وإن لم‬
‫يكونوا إل ثلثة رابعهم إمامهم)‪ .‬الزهري ل يصح سماعه من الدوسية‪ .‬والحكم هذا متروك‪.‬‬
‫@ وتصيح الجمعية بغيير إذن المام وحضوره‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬مين شرطهيا المام أو خليفتيه‪.‬‬
‫ودليلنا أن الوليد بن عقبة والي الكوفة أبطأ يوما فصلى ابن مسعود بالناس من غير إذنه‪ .‬وروي‬
‫أن علييا صيلى الجمعية يوم حصير عثمان ولم ينقيل أنيه اسيتأذنه‪ .‬وروي أن سيعيد بين العاصيي والي‬
‫المدينة لما خرج من المدينة صلى أبو موسى بالناس الجمعة من غير استئذان‪ .‬وقال مالك‪ :‬إن ل‬
‫فرائض في أرضه ل يضيعها؛ وليها وال أو لم يلها‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬من شرط أدائها المسجد المسقف‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬ول اعلم وجهه‪ .‬قلت‪ :‬وجهه‬
‫قوله تعالى‪" :‬وطهير بيتيي للطائفيين" [الحيج‪ ،]26 :‬وقوله‪" :‬فيي بيوت أذن ال أن ترفيع" [النور‪:‬‬
‫‪ .]36‬وحقيقة البيت أن يكون ذا حيطان وسقف‪ .‬هذا العرف‪ ،‬وال اعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتركوك قائميا" شرط في قيام الخطييب على المنيبر إذا خطب‪ .‬قال علقمة‪ :‬سئل‬
‫عبدال أكان النيبي صيلى ال علييه وسيلم يخطيب قائميا أو قاعدا؟ فقال‪ :‬أميا تقرأ "وتركوك قائميا"‪.‬‬
‫وفيي صيحيح مسيلم عن كعيب بين عجرة أنه دخيل المسيجد وعبدالرحمين بين أم الحكيم يخطيب قاعدا‬
‫فقال‪ :‬انظروا إلى هذا الخيييبيث‪ ،‬يخطيييب قاعدا وقال ال تعالى‪" :‬وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا‬
‫إليهيا وتركوك قائميا"‪ .‬وخرج عين جابر أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان يخطيب قائميا ثيم‬
‫يجلس‪ ،‬ثم يقوم فيخطب؛ فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب؛ فقد وال صليت معه أكثر من‬
‫ألفييي صييلة‪ .‬وعلى هذا جمهور الفقهاء وأئميية العلماء‪ .‬وقال أبييو حنيفيية‪ :‬ليييس القيام بشرط فيهييا‪.‬‬
‫ويروى أن أول مين خطيب قاعدا معاويية‪ .‬وخطيب عثمان قائميا حتيى رق فخطيب قاعدا‪ .‬وقييل‪ :‬إن‬
‫معاويية إنميا خطيب قاعدا لسينه‪ .‬وقيد كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم يخطيب قائميا ثيم يقعيد ثيم يقوم‬
‫ول يتكلم في قعدته‪ .‬رواه جابر بن سمرة‪ .‬ورواه ابن عمر في كتاب البخاري‪.‬‬
‫@ والخطبة شرط في انعقاد الجمعة ل تصح إل بها؛ وهو قول جمهور العلماء‪ .‬وقال الحسن‪ :‬هي‬
‫مسيتحبة‪ .‬وكذا فال ابين الماجشون‪ :‬إنهيا سينة وليسيت بفرض‪ .‬وقال سيعيد بين جيبير‪ :‬هيي بمنزلة‬
‫الركعتيين مين صيلة الظهير؛ فإذا تركهيا وصيلى الجمعية فقيد ترك الركعتيين مين صيلة الظهير‪.‬‬
‫والدليييل على وجوبهييا قوله تعالى‪" :‬وتركوك قائمييا"‪ .‬وهذا ذم‪ ،‬والواجييب هييو الذي يذم تاركييه‬
‫شرعا‪ ،‬ثم إن النبي صلى ال عليه وسلم لم يصلها إل بخطبة‪.‬‬
‫@ ويخطيب متوكئا على قوس أو عصيا‪ .‬وفيي سينن ابين ماجية قال حدثنيا هشام بين عمار حدثنيا‬
‫عبدالرحمين بن سيعد بين عمار بين سيعد قال حدثنيي أبيي عن أبييه عن جده أن رسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس‪ ،‬وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا‪.‬‬
‫@ ويسلم إذا صعد المنبر على الناس عند الشافعي وغيره‪ .‬ولم يره مالك‪ .‬وقد روى ابن ماجة من‬
‫حدييث جابر بين عبدال أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان إذا صيعد المنيبر سيلم‪ .‬التاسيعة‪ :‬فإن‬
‫خطب على غير طهارة الخطبة كلها أو بعضها أساء عند مالك؛ ول إعادة عليه إذا صلى طاهرا‪.‬‬
‫وللشافعيي قولن فيي إيجاب الطهارة؛ فشرطهيا فيي الجدييد ولم يشترطهيا فيي القدييم‪ .‬وهيو قول أبيي‬
‫حنيفة‪.‬‬
‫@ وأقيل ميا يجزي فيي الخطبية أن يحميد ال ويصيلي على نيبيه صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬ويوصيي‬
‫بتقوى ال ويقرأ آيية مين القران‪ .‬ويجيب فيي الثانيية أربيع كالولى؛ إل أن الواجيب بدل مين قراءة‬
‫اليية فيي الولى الدعاء؛ قال أكثير الفقهاء‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬لو اقتصير على التحمييد أو التسيبيح أو‬
‫التكبير أجزأه‪ .‬وعن عثمان رضي ال عنه أنه صعد المنبر فقال‪ :‬الحمد ل‪ ،‬وارتج عليه فقال‪ :‬إن‬
‫أبييا بكيير وعميير كانييا يعدان لهذا المقام مقال‪ ،‬وإنكييم إلى إمام فعال أحوج منكييم إلى إمام قوال‪،‬‬
‫وسييتأتيكم الخطييب؛ ثييم نزل فصييلى‪ .‬وكان ذلك بحضرة الصييحابة فلم ينكيير عليييه أحييد‪ .‬وقال أبييو‬
‫يوسف ومحمد‪ :‬الواجب ما تناوله اسم خطبة‪ .‬وهو قول الشافعي‪ .‬قال أبو عمر بن عبدالبر‪ :‬وهو‬
‫أصح ما قيل في ذلك‪.‬‬
‫@ فيي صيحيح مسيلم عين يعلى بين أميية أنيه سيمع النيبي صيلى ال علييه وسيلم يقرأ على المنيبر‬
‫"ونادوا ييا مالك" [الزخرف‪ .]77 :‬وفييه عين عمرة بنيت عبدالرحمين عين أخيت لعمرة قالت‪ :‬ميا‬
‫أخذت "ق والقرآن المجيد" [ق‪ ]1 :‬إل من في رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الجمعة وهو‬
‫يقرأ بها على المنبر في كل جمعة‪ .‬وقد مضى في أول "ق"‪ .‬وفي مراسيل أبي داود عن الزهري‬
‫قال‪ :‬كان صدر خطبة النبي صلى ال عليه وسلم (الحمد ل‪ .‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ به‬
‫من شرور أنفسنا‪ .‬من يهد ال فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ .‬ونشهد أن ل إله إل ال؛ وأن‬
‫محمدا عبده ورسوله‪ ،‬أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة‪ .‬من يطع ال ورسوله فقد رشد‪،‬‬
‫ومين يعصيهما فقيد غوى‪ .‬نسيأل ال ربنيا أن يجعلنيا ممين يطيعيه ويطييع رسيوله‪ ،‬ويتبيع رضوانيه‬
‫ويجتنب سخطه‪ ،‬فإنما نحن به وله)‪ .‬وعنه قال‪ :‬بلغنا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه كان‬
‫يقول إذا خطيب‪( :‬كيل ميا هيو آت قرييب‪ ،‬ول بعيد لميا هيو آت‪ .‬ل يعجيل ال لعجلة أحيد‪ ،‬ول يخيف‬
‫لميير الناس‪ .‬ميا شاء ال ل ميا شاء الناس‪ .‬يرييد ال أمرا ويرييد الناس أمرا‪ ،‬ميا شاء ال كان ولو‬
‫كره الناس‪ .‬ول مبعيد لميا قرب ال‪ ،‬ول مقرب لميا بعيد ال‪ .‬ل يكون شييء إل بإذن ال جيل وعيز‪.‬‬
‫وقال جابر‪ :‬كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم يوم الجمعية يخطيب فيقول بعيد أن يحميد ال ويصيلي‬
‫على أنيبيائه‪( :‬أيهيا الناس إن لكيم معالم فانتهوا إلى معالمكيم‪ ،‬وإن لكيم نهايية فانتهوا إلى نهايتكيم‪ .‬إن‬
‫العبد المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى ل يدري ما ال قاض فيه‪ ،‬وبين أجل قد بقي ل يدري‬
‫ما ال صانع فيه‪ .‬فليأخيذ العبد من نفسه لنفسه‪ ،‬ومن دنياه لخرته‪ ،‬ومن الشبيبة قبل الكبر‪ ،‬ومن‬
‫الحياة قبل الممات‪ .‬والذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب‪ ،‬وما بعد الدنيا من دار إل الجنة‬
‫أو النار‪ .‬أقول قولي هذا واسيتغفر ال لي ولكيم)‪ .‬وقيد تقدم ميا خطيب بيه علييه الصيلة والسيلم أول‬
‫جمعة عند قدومه المدينة‪.‬‬
‫@ السكوت للخطبة واجب على من سمعها وجوب سنة‪ .‬والسنة أن يسكت لها من يسمع ومن لم‬
‫يسييمع‪ ،‬وهمييا إن شاء ال فييي الجيير سييواء‪ .‬وميين تكلم حينئذ لغييا؛ ول تفسييد صييلته بذلك‪ .‬وفييي‬
‫الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة‬
‫والمام يخطييب فقييد لغوت)‪ .‬الزمخشري‪ :‬وإذا قال المنصييت لصيياحبه صييه؛ فقييد لغييا‪ ،‬أفل يكون‬
‫الخطيب الغالي في ذلك لغيا؟ نعوذ بال من غربة السلم ونكد اليام‪.‬‬
‫@ ويستقبل الناس المام إذا صعد المنبر؛ لما رواه أبو داود مرسل عن أبان بن عبدال قال‪ :‬كنت‬
‫مييع عدي بيين ثابييت يوم الجمعيية؛ فلمييا خرج المام ‪ -‬أو قال صييعد المنييبر ‪ -‬اسييتقبله وقال‪ :‬هكذا‬
‫أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يفعلون برسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬خرجيه ابين‬
‫ماجة عن عدي بن ثابت عن أبيه؛ فزاد في السناد‪ :‬عن أبيه قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم‪ .‬قال ابن ماجة‪ :‬أرجو أن يكون متصل‪ .‬قلت‪:‬‬
‫وخرج أبو نعيم الحافظ قال حدثنا محمد بن معمر قال حدثنا عبدال بن محمد بن ناجية قال حدثنا‬
‫عباد بين يعقوب قال حدثنيا محميد بين الفضيل الخراسياني عين منصيور عين إبراهييم عن علقمية عن‬
‫عبدال قال‪ :‬كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم إذا اسيتوى على المنيبر اسيتقبلناه بوجوهنيا‪ .‬تفرد بيه‬
‫محمد بن الفضل بن عطية عن منصور‪.‬‬
‫@ ول يركع من دخل المسجد والمام يخطب؛ عند مالك رحمه ال‪ .‬وهو قول ابن شهاب رحمه‬
‫ال وغيره‪ .‬وفيي الموطيأ عنيه‪ :‬فخروج المام يقطيع الصيلة‪ ،‬وكلميه يقطيع الكلم‪ .‬وهذا مرسيل‪.‬‬
‫وفيي صيحيح مسيلم مين حدييث جابر عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم (إذا جاء أحدكيم يوم الجمعية‬
‫والمام يخطييب فليركييع ركعتييين وليتجوز فيهمييا)‪ .‬وهذا نييص فييي الركوع‪ .‬وبييه يقول الشافعييي‬
‫وغيره‪.‬‬
‫@ ‪ .. ..‬ابين عون عين ابين سييرين قال‪ :‬كانوا يكرهون النوم والمام يخطيب ويقولون فييه قول‬
‫شديدا‪ .‬قال ابين عون‪ :‬ثيم لقينيي بعيد ذلك فقال‪ :‬تدري ميا يقولون؟ قال‪ :‬يقولون مثلهيم كمثيل سيرية‬
‫أخفقوا؛ ثم قال‪ :‬هل تدري ما أخفقوا؟ لم تغنم شيئا‪ .‬وعن سمرة بن جندب أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪( :‬إذا نعس أحدكم فليتحول إلى مقعد صاحبه وليتحول صاحبه إلى مقعده)‪.‬‬
‫@ نذكير فيها من فضل الجمعة وفرضيتها ما لم نذكره‪ .‬روى الئمة عن أبي هريرة رضيي ال‬
‫عنيه أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ذكير يوم الجمعية فقال‪( :‬فييه سياعة ل يوافقهيا عبيد مسيلم‬
‫وهيو يصيلي يسيأل ال عيز وجيل شيئا إل أعطاه إياه) وأشار بيده يقللهيا‪ .‬وفيي صيحيح مسيلم مين‬
‫حديث أبي موسى قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬هي ما بين أن يجلس المام‬
‫إلى أن تقضى الصلة)‪ .‬وروي من حديث أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم أبطأ علينا ذات يوم؛‬
‫فلما خرج قلنا‪ :‬احتبست! قال‪( :‬ذلك أن جبريل أتاني بكهيئة المرآة البيضاء فيها نكتة سوداء فقلت‬
‫ميا هذه ييا جبرييل قال هذه الجمعية فيهيا خيير لك ولمتيك وقيد أرادهيا اليهود والنصيارى فأخطؤوهيا‬
‫وهداكم ال لها قلت يا جبريل ما هذه النكتة السوداء قال هذه الساعة التي في يوم الجمعة ل يوافقها‬
‫عبد مسلم يسأل ال فيها خيرا إل أعطاه إياه أو ادخر له مثله يوم القيامة أو صرف عنه من السوء‬
‫مثله وإنيه خييير اليام عنيد ال وإن أهيل الجنية يسييمونه يوم المزيييد)‪ .‬وذكير الحدييث‪ .‬وذكيير ابيين‬
‫المبارك ويحييى بين سيلم قال‪ :‬حدثنيا المسيعودي عين المنهال بين عمرو عين أبيى عيبيده بين عبدال‬
‫بين عتبية عين ابين مسيعود قال‪ :‬تسيارعوا إلى الجمعية فإن ال تبارك وتعالى ييبرز لهيل الجنية كيل‬
‫يوم جمعيية فييي كثيييب مين كافور أبييض‪ ،‬فيكونون منيه فييي القرب ‪ -‬قال ابين المبارك ‪ -‬على قدر‬
‫تسيارعهم إلى الجمعية فيي الدنييا‪ .‬وقال يحييى بين سيلم‪ :‬كمسيارعتهم إلى الجمعية فيي الدنييا‪ .‬وزاد‬
‫فيحدث لهيم مين الكرامية شيئا لم يكونوا رأوه قبيل ذلك‪ .‬قال يحييى‪ :‬وسيمعت غيير المسيعودي يزييد‬
‫فيه‪ :‬وهو قوله تعالى‪" :‬ولدينا مزيد" [ق‪.]35 :‬‬
‫قلت‪ :‬قوله "في كثيب" يريد أهل الجنة‪ .‬أي وهم على كثيب؛ كما روى الحسن قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن أهل الجنة ينظرون إلى ربهم في كل جمعة على كثيب من كافور ل‬
‫يرى طرفاه وفيه نهر جار حافتاه المسك عليه جوار يقرأن القرآن بأحسن أصوات سمعها الولون‬
‫والخرون فإذا انصيرفوا إلى منازلهيم أخيذ كيل رجيل بييد ميا شاء منهين ثيم يمرون على قناطير مين‬
‫لؤلؤ إلى منازلهم فلول أن ال يهديهم إلى منازلهم ما اهتدوا إليها لما يحدث ال لهم في كل جمعة)‬
‫ذكره يحيى بن سلم‪ .‬وعن أنس قال‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ليلة أسري بي رأيت تحت‬
‫العرش سيبعين مدينية كيل مدينية مثيل مدائنكيم هذه سيبعين مرة مملوءة مين الملئكية يسيبحون ال‬
‫ويقدسونه ويقولون في تسبيحهم اللهم اغفر لمن شهد الجمعة اللهم اغفر لمن اغتسل يوم الجمعة)‬
‫ذكره الثعلبي‪ .‬وخرج القاضيي الشريف أبو الحسين علي بن عبدال بن إبراهيم الهاشميي العيسوي‬
‫ميين ولد عيسييى بيين علي بيين عبدال بيين عباس رضييي ال عنيه بإسييناد صييحيح عين أبييي موسييى‬
‫الشعري أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬إن ال عيز وجيل يبعيث اليام يوم القيامية على‬
‫هيئتهييا ويبعيث الجمعية زهراء منيرة أهلهيا يحفون بهيا كالعروس تهدى إلى كريمهيا تضييء لهيم‬
‫يمشون في ضوئها‪ ،‬ألوانهم كالثلج بياضا‪ ،‬وريحهم يسطع كالمسك‪ ،‬يخوضون في جبال الكافور‪،‬‬
‫ينظير إليهيم الثقلن ميا يطرقون تعجبيا يدخلون الجنية ل يخالطهيم أحيد إل المؤذنون المحتسيبون)‪.‬‬
‫وفي سنن ابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬قال (الجمعة إلى الجمعة‬
‫كفاره ما بينهما ما لم تغش الكبائر) خرجه مسلم بمعناه‪.‬‬
‫وعين أوس بين أوس الثقفيي قال‪ :‬سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقول‪( :‬مين غسيل يوم‬
‫الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من المام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة‬
‫عميل سينة أجير صييامها وقيامهيا)‪ .‬وعين جابر بين عبدال قال‪ :‬خطبنيا رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم فقال‪ :‬يا أيها الناس توبوا إلى ال قبل أن تموتوا‪ .‬وبادروا بالعمال الصالحة قبل أن تشغلوا‪.‬‬
‫وصييلوا الذي بينكييم وبييين ربكييم بكثرة ذكركييم له وكثرة الصييدقة فييي السيير والعلنييية ترزقوا‬
‫وتنصيروا وتؤجروا‪ .‬واعلموا أن ال قيد فرض عليكيم الجمعية فيي مقاميي هذا فيي شهري هذا فيي‬
‫عامي هذا إلى يوم القيامة فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها‬
‫أو جحودا لهيا فل جميع ال شمله ول بارك له فيي أمره‪ .‬أل ول صيلة له ول زكاة له ول حيج له‪.‬‬
‫أل ول صييوم له ول بر له حتييى يتوب فميين تاب تاب ال عليييه‪ .‬أل ل تؤميين امرأة رجل ول يؤم‬
‫أعرابي مهاجرا ول يؤم فاجر مؤمنا إل أن يقهره سلطان يخاف سيفه أو سوطه)‪ .‬وقال ميمون بن‬
‫أبي شيبة‪ :‬أردت الجمعة مع الحجاج فتهيأت للذهاب‪ ،‬ثم قلت‪ :‬أين اذهب أصلي خلف هذا الفاجر؟‬
‫فقلت مرة‪ :‬أذهب‪ ،‬ومرة ل أذهب‪ ،‬ثم أجمع رأيي على الذهاب‪ ،‬فناداني مناد من جانب البيت "يا‬
‫أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر ال وذروا البيع" [الجمعة‪.]9 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل ما عند ال خير من اللهو ومن التجارة" فيه وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬ما عند ال من‬
‫ثواب صيلتكم خيير مين لذة لهوكيم وفائدة تجارتكيم‪ .‬الثانيي‪ :‬ميا عنيد ال مين رزقكيم الذي قسيمه لكيم‬
‫خير مما أصبتموه من لهوكم وتجارتكم‪ .‬وقرأ أبو رجاء العطاردي‪" :‬قل ما عند ال خير من اللهو‬
‫ومين التجارة للذيين آمنوا"‪" .‬وال خيير الرازقيين" فمنيه فاطلبوا‪ ،‬واسيتعينوا بطاعتيه على نييل ميا‬
‫عنده من خيري الدنيا والخرة‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة المنافقون‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول ال وال يعلم إنك لرسوله وال يشهد‬
‫إن المنافقين لكاذبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول ال" روى البخاري عن زيد بن أرقم‬
‫قال‪ :‬كنيت ميع عميي فسيمعت عبدال بين أبيي ابين سيلول يقول‪" :‬ل تنفقوا علي مين عنيد رسيول ال‬
‫حتييى ينفضوا"‪ .‬وقال‪" :‬لئن رجعنييا إلى المدينيية ليخرجيين العييز منهييا الذل" فذكرت ذلك لعمييي‬
‫فذكير عميي لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم؛ فأرسيل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إلى عبدال‬
‫بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا؛ فصدقهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وكذبني‪ .‬فأصابني هم‬
‫لم يصبني مثله‪ ،‬فجلست في بيتي فأنزل ال عز وجل‪" :‬إذا جاءك المنافقون ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬هم الذين‬
‫يقولون ل تنفقوا علي مين عنيد رسيول ال ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬ليخرجين العيز منهيا الذل" فأرسيل إلي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم قال‪( :‬إن ال قد صدقك) خرجه الترمذي قال‪ :‬هذا حديث حسن‬
‫صحيح‪ .‬وفي الترمذي عن زيد بن أرقم قال‪ :‬غزونا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان معنا‬
‫أناس مين العراب فكنيا نبدر الماء‪ ،‬وكان العراب يسيبقونا إلييه فيسيبق العرابيي أصيحابه فيمل‬
‫الحوض ويجعيل حول حجارة‪ ،‬ويجعيل النطيع علييه حتيى تجييء أصيحابه‪ .‬قال‪ :.‬فأتيى رجيل مين‬
‫النصييار أعرابيييا فأرخييى زمام ناقتييه لتشرب فأبييى أن يدعييه‪ ،‬فانتزع حجرا فغاض الماء؛ فرفييع‬
‫العرابي خشبة فضرب بها رأس النصاري فشجه‪ ،‬فأتى عبدال بن أبي رأس المنافقين فأخبره ‪-‬‬
‫وكان من أصحابه ‪ -‬فغضب عبدال بن أبي ثم قال‪ :‬ل تنفقوا علي من عند رسول ال حتى ينفضوا‬
‫مين حوله ‪ -‬يعنيي العراب ‪ -‬وكانوا يحضرون رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عنيد الطعام؛ فقال‬
‫عبدال‪ :‬إذا انفضوا مين عنيد محميد فأتوا محمدا بالطعام‪ ،‬فليأكيل هيو ومين عنده‪ .‬ثيم قال لصيحابه‪:‬‬
‫لئن رجعتيم إلى المدينية ليخرجين العيز منهيا الذل‪ .‬قال زييد‪ :‬وأنيا ردف عميي فسيمعت عبدال بين‬
‫أبي فأخبرت عمي‪ ،‬فانطلق فأخبر رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فأرسل إليه رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم فحلف وجحيد‪ .‬قال‪ :‬فصيدقه رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وكذبنيي‪ .‬قال‪ :‬فجاء‬
‫عميي إلي فقال‪ :‬ميا أردت إلى أن مقتيك رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وكذبيك والمنافقون‪ .‬قال‪:‬‬
‫فوقع علي من جرأتهم ما لم يقع على أحد‪ .‬قال‪ :‬فبينما أنا أسير مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فيي سيفر قيد خففيت برأسيي مين الهيم إذ أتانيي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فعرك أذنيي وضحيك‬
‫في وجهي؛ فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا‪ .‬ثم إن أبا بكر لحقني فقال‪ :‬ما قال لك رسول‬
‫اله صيلى ال علييه وسيلم قلت‪ :‬ميا قال شيئا إل أنيه عرك أذنيي وضحيك فيي وجهيي؛ فقال أبشير! ثيم‬
‫لحقني عمر فقلت له مثل قولي لبي بكر‪ .‬فلما أصبحنا قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم سورة‬
‫المنافقيين‪ .‬قال أبيو عيسيى‪ :‬هذا حدييث حسين صيحيح‪ .‬وسيئل حذيفية بين اليمان عين المنافيق‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫الذي يصف السلم ول يعمل به‪ .‬وهو اليوم شر منهم على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم؛‬
‫لنهم كانوا يكتمونه وهم اليوم يظهرونه‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬آية المنافق ثلث إذا حدث‬
‫كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان)‪ .‬وعن عبدال بن عمرو أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى‬
‫يدعهيا‪ :‬إذا اؤتمين خان وإذا حدث كذب وإذا عاهيد غدر وإذا خاصيم فجير)‪ .‬أخيبر علييه السيلم أن‬
‫من جمع هذه الخصال كان منافقا‪ ،‬وخبره صدق‪ .‬وروي عن الحسن أنه ذكر له هذا الحديث فقال‪:‬‬
‫إن بنيي يعقوب حدثوا فكذبوا ووعدوا فأخلفوا واؤتمنوا فخانوا‪ .‬إنميا هذا القول مين النيبي صيلى ال‬
‫علييه وسيلم على سيبيل النذار للمسيلمين‪ ،‬والتحذيير لهيم أن يعتادوا هذه الخصيال؛ شفقيا أن تقضيي‬
‫بهم إلى النفاق‪ .‬وليس المعنى‪ :‬أن من بدرت منه هذه الخصال من غير اختيار واعتياد أنه منافق‪.‬‬
‫وقيد مضيى في سورة "التوبة" القول فيي هذا مسيتوفى والحميد ل‪ .‬وقال رسول ال صيلى ال عليه‬
‫وسلم (المؤمن إذا حدث صدق وإذا وعد أنجز وإذا ائتمن وفى)‪ .‬والمعنى‪ :‬المؤمن الكامل إذا حدث‬
‫صدق‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا نشهييد إنييك لرسييول ال" قيييل‪ :‬معنييى "نشهييد" نحلف‪ .‬فعييبر عيين الحلف‬
‫بالشهادة؛ لن كل واحد من الحلف والشهادة إثبات لمر مغيب؛ ومنه قول قيس بن ذريح‪.‬‬
‫فهذا لها عندي فما عندها ليا‬ ‫وأشهد عند ال أني أحبها‬
‫ويحتمييل أن يكون ذلك محمول على ظاهره أنهييم يشهدون أن محمدا رسييول ال صييلى ال عليييه‬
‫وسيلم اعترافيا باليمان ونفييا للنفاق عين أنفسيهم‪ ،‬وهيو الشبيه‪" .‬وال يعلم إنيك لرسيوله" كميا قالوه‬
‫بألسنتهم‪" .‬وال يشهد إن المنافقين لكاذبون" أي فيما أظهروا من شهادتهم وحلفهم بألسنتهم‪ .‬وقال‬
‫الفراء‪" :‬وال يشهييد إن المنافقييين لكاذبون" بضمائرهييم‪ ،‬فالتكذيييب راجييع إلى الضمائر‪ .‬وهذا يدل‬
‫على أن اليمان تصيديق القلب‪ ،‬وعلى أن الكلم الحقيقيي كلم القلب‪ .‬ومين قال شيئا واعتقيد خلفيه‬
‫فهيو كاذب‪ .‬وقيد مضيى هذا المعنيى فيي أول "البقرة" مسيتوفى وقييل‪ :‬أكذبهيم ال فيي أيمانهيم وهيو‬
‫قوله تعالى‪" :‬يحلفون بال إنهم لمنكم وما هم منكم" [التوبة‪.]56 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل ال إنهم ساء ما كانوا يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اتخذوا أيمانهيم جنية" أي سيترة‪ .‬ولييس يرجيع إلى قوله "نشهيد إنيك لرسيول ال"‬
‫وإنما يرجع إلى سبب الية التي نزلت عليه‪ ،‬حسب ما ذكره البخاري والترمذي عن ابن أبي أنه‬
‫حلف ما قال وقد قال‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬يعني حلفهم بال "إنهم لمنكم" وقيل‪ :‬يعني بأيمانهم ما أخبر‬
‫الرب عنهم في سورة "التوبة" إذ قال‪" :‬يحلفون بال ما قالوا" [التوبة‪.]74 :‬‬
‫@ من قال أقسم بال أو أشهد بال أو أعزم بال أو أحلف بال‪ ،‬أو أقسمت بال أو أشهدت بال أو‬
‫أعزمييت بال أو أحلفييت بال‪ ،‬فقال فييي ذلك كله "بال" فل خلف أنهييا يمييين‪ .‬وكذلك عنييد مالك‬
‫وأصيحابه إن قال‪ :‬أقسيم أو أشهيد أو أعزم أو أحلف‪ ،‬ولم يقيل "بال"‪ ،‬إذا أراد "بال"‪ .‬وإن لم يرد‬
‫"بال" فليس بيمين‪ .‬وحكاه الكيا عن الشافعي‪ ،‬قال الشافعي‪ :‬إذا قال أشهد بال ونوى اليمين كان‬
‫يمينيا‪ .‬وقال أبيو حنيفية وأصيحابه‪ :‬لو قال أشهيد بال لقيد كان كذا كان يمينيا‪ ،‬ولو قال أشهيد لقيد كان‬
‫كذا دون النية كان يمينا لهذه الية‪ ،‬لن ال تعالى ذكر منهم الشهادة ثم قال‪" :‬اتخذوا أيمانهم جنة"‪.‬‬
‫وعنيد الشافعيي ل يكون ذلك يمينيا وإن نوى اليميين‪ ،‬لن قوله تعالى‪" :‬اتخذوا أيمانهيم جنية" لييس‬
‫يرجيع إلى قوله‪" :‬قالوا نشهيد" وإنميا يرجيع إلى ميا فيي "التوبية" مين قوله تعالى‪" :‬يحلفون بال ميا‬
‫قالوا" [التوبة‪.]74 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فصدوا عن سبيل ال" أي أعرضوا‪ ،‬وهو من الصدود‪ .‬أو صرفوا المؤمنين عن‬
‫إقامية حكيم ال عليهيم مين القتيل والسيبي وأخيذ الموال‪ ،‬فهيو مين الصيد‪ ،‬أو منعوا الناس عين الجهاد‬
‫بأن يتخلفوا ويفتدي بهيم غيرهيم‪ .‬وقييل‪ :‬فصيدوا اليهود والمشركيين عين الدخول فيي السيلم‪ ،‬بأن‬
‫يقولوا هيا نحن كافرون بهم‪ ،‬ولو كان محميد حقا لعرف هذا منيا‪ ،‬ولجعلنا نكال‪ .‬فيبين ال أن حالهيم‬
‫ل يخفي عليه‪ ،‬ولكن حكمه أن من أظهر اليمان أجرى عليه في الظاهر حكم اليمان‪" .‬إنهم ساء‬
‫ميا كانوا يعملون" أي بئسيت أعمالهيم الخيبيئة مين نفاقهيم وأيمانهيم الكاذبية وصيدهم عين سيبيل ال‬
‫أعمال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم ل يفقهون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا" هذا إعلم من ال تعالى بأن المنافق كافر‪ .‬أي أقروا‬
‫باللسيان ثيم كفروا بالقلب‪ .‬وقييل‪ :‬نزلت اليية فيي قوم آمنوا ثيم أرتدوا "فطبيع على قلوبهيم" أي ختيم‬
‫عليها بالكفر "فهم ل يفقهون" اليمان ول الخير‪ .‬وقرأ زيد بن علي "فطبع ال على قلوبهم"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون‬
‫كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم ال أنى يؤفكون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم" أي هيئاتهم ومناظرهم‪" .‬وإن يقولوا تسمع لقولهم"‬
‫يعنييي عبدال بين أبييي‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬كان عبدال بين أبييي وسيييما جسيييما صيحيحا صييبيحا ذلق‬
‫اللسان‪ ،‬فإذا قال سمع النبي صلى ال عليه وسلم مقالته‪ .‬وصفه ال بتمام الصورة وحسن البانة‪.‬‬
‫وقال الكلبي‪ :‬المراد ابن أبى وجد بن قيس ومعتب بن قشير‪ ،‬كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة‪.‬‬
‫وفيي صيحيح مسيلم‪" :‬كأنهيم خشيب مسيندة" قال‪ :‬كانوا رجال أجميل شييء كأنهيم خشيب مسيندة‪،‬‬
‫شبههييم بخشييب مسييندة إلى الحائط ل يسييمعون ول يعقلون‪ ،‬أشباح بل أرواح وأجسييام بل أحلم‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬شبههيم بالخشيب التيي قيد تآكلت فهيي مسيندة بغيرهيا ل يعلم ميا فيي بطنهيا‪ .‬وقرأ قنبيل وأبيو‬
‫عمرو والكسيائي "خشْب" بإسيكان الشيين‪ .‬وهيي قراءة البراء بين عازب واختيار أبيي عبييد‪ ،‬لن‬
‫واحدتهيا خشبية‪ .‬كميا تقول‪ :‬بدنية وبدن‪ ،‬ولييس فيي اللغية فعلة يجميع على فعيل‪ .‬ويلزم مين ثقلهيا أن‬
‫تقول‪ :‬البدن‪ ،‬فتقرأ "والبدن"‪ .‬وذكير اليزيدي أنيه جماع الخشباء‪ ،‬كقول عيز وجيل‪" :‬وحدائق غلبيا"‬
‫واحدتهيا حديقية غلباء‪ .‬وقرأ الباقون بالتثقييل وهيي روايية البزي عين ابين كثيير وعياش عين أبيي‬
‫عمرو‪ ،‬وأكثير الروايات عين عاصيم‪ .‬واختاره أبيو حاتيم‪ ،‬كأنيه جميع خشاب وخشيب‪ ،‬نحيو ثمرة‬
‫وثمار ثمير‪ .‬وإن شئت جمعيت خشبية على خشبية كميا قالوا‪ :‬بدنية وبدن وبدن‪ .‬وقيد روي عين ابين‬
‫المسييب فتيح الخاء والشين فيي "خشب"‪ .‬قال سييبويه‪ :‬خشبة وخشب‪ ،‬مثيل بدنية وبدن‪ ،‬قال‪ :‬ومثله‬
‫بغيير هاء أسيد وأسيد‪ ،‬ووثين ووثين وتقرأ خشيب وهيو جميع الجميع‪ ،‬خشبية وخشاب وخشيب‪ ،‬مثيل‬
‫ثمرة وثمار وثميير‪ .‬والسييناد المالة‪ ،‬تقول‪ :‬أسييندت الشيييء أي أملتييه‪ .‬و"مسييندة" للتكثييير؛ أي‬
‫استندوا إلى اليمان بحقن دمائهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو" أي كل أهل صيحة عليهم هم العدو‪ .‬في "هم‬
‫العدو" في موضع المفعول الثاني على أن الكلم ل ضمير فيه‪ .‬يصفهم بالجبن والخور‪ .‬قال مقاتل‬
‫والسيدي‪ :‬أي إذا نادى مناد فيي العسيكر أن انفلتيت دابية أو أنشدت ضالة ظنوا أنهيم المرادون؛ لميا‬
‫في قلوبهم من الرعب‪ .‬كما قال الشاعر وهو الخطل‪:‬‬
‫خيل تكر عليهم ورجال‬ ‫ما زلت تحسب كل شيء بعدهم‬
‫وقييل‪" :‬يحسيبون كيل صييحة عليهيم هيم "العدو" كلم ضميره فييه ل يفتقير إلى ميا بعيد؛ وتقديره‪:‬‬
‫يحسبون كل صيحة عليهم أنهم قد فطن بهم وعلم بنفاقهم؛ لن للريبة خوفا‪ .‬ثم استأنف ال خطاب‬
‫نيبيه صيلى ال علييه وسيلم فقال‪" :‬هيم العدو" وهذا معنيى قول الضحاك وقييل‪ :‬يحسيبون كيل صييحة‬
‫يسيمعونها فيي المسيجد أنهيا عليهيم‪ ،‬وأن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قيد أمير فيهيا بقتلهيم؛ فهيم أبدا‬
‫وجلون مين أن ينزل ال فيهيم أمرا يبييح بيه دماءهيم‪ ،‬ويهتيك بيه أسيتارهم‪ .‬وفيي هذا المعنيى قول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫مسومة تدعو عبيدا وأزنما‬ ‫فلو أنها عصفورة لحسبتها‬
‫بطن من بني‪ ،‬يربوع‪ .‬ثم وصفهم ال بقوله‪" :‬هم العدو فاحذرهم" حكاه عبدالرحمن بن أبي حاتم‪.‬‬
‫وفييي قوله تعالى‪ :‬وجهان‪ :‬أحدهمييا‪ :‬فاحذر أن تثييق بقولهييم أو تميييل إلى كلمهييم‪ .‬الثانييي‪ :‬فاحذر‬
‫ممايلتهم لعدائك وتخذيلهم لصحابك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قاتلهيم ال" أي لعنهيم ال قال ابين عباس وأبيو مالك‪ .‬وهيي كلمية ذم وتوبييخ‪ .‬وقيد‬
‫تقول العرب‪ :‬قاتله ال ميا أشعره! يضعونيه موضيع التعجيب‪ .‬وقييل‪ :‬معنيى "قاتلهيم ال" أي أحلهيم‬
‫محيل مين قاتله عدو قاهير؛ لن ال تعالى قاهير لكيل معانيد‪ .‬حكاه ابين عيسيى‪" .‬أنيى يؤفكون" أي‬
‫يكذبون؛ قاله ابيين عباس‪ .‬قتادة‪ :‬معناه يعدلون عيين الحييق‪ .‬الحسيين‪ :‬معناه يصييرفون عيين الرشييد‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬معناه كييف تضيل عقولهيم عين هذا ميع وضوح الدلئل؛ وهيو مين الفيك وهيو الصيرف‪.‬‬
‫و"أن" بمعنى كيف؛ وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 5 :‬وإذا قييل لهيم تعالوا يسيتغفر لكيم رسيول ال لووا رؤوسيهم ورأيتهيم يصيدون وهيم‬
‫مستكبرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا قيل لهم تعالوا يسيتغفر لكم رسول ال" لما نزل القرآن بصفتهم مشيى إليهم‬
‫عشائرهم وقالوا‪ :‬افتضحتم بالنفاق فتوبوا إلى رسول ال من النفاق‪ ،‬واطلبوا أن يستغفر لكم‪ .‬فلووا‬
‫رؤوسيهم؛ أي حركوهيا اسيتهزاء وإباء؛ قال ابين عباس‪ .‬وعنيه أنيه كان لعبدال بين أبيي موقيف فيي‬
‫كيل سيبب يحيض على طاعية ال وطاعية رسيوله؛ فقييل له‪ :‬وميا ينفعيك ذلك ورسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم غضبان‪ :‬فأته يستغفر لك؛ فأبى وقال‪ :‬ل أذهب إليه‪ .‬وسبب نزول هذه اليات أن النبي‬
‫صييلى ال عليييه وسييلم غزا بنييي المصييطلق على ماء يقال ليي "المريسييع" مين ناحييية "قدييد" إلى‬
‫السياحل‪ ،‬فأزدحيم أجيير لعمير يقال له‪" :‬جهجاه" ميع حلييف لعبدال بين أبيي يقال له‪" :‬سينان" على‬
‫ماء "بالمشلل"؛ فصيرخ جهجاه بالمهاجريين‪ ،‬وصيرخ سينان بالنصيار؛ فلطيم جهجاه سينانا فقال‬
‫عبدال بين أبيي‪ :‬أوقيد فعلوهيا! وال ميا مثلنيا ومثلهيم إل كميا قال الول‪ :‬سيمن كلبيك يأكلك‪ ،‬أميا وال‬
‫لئن رجعنيا إلى المدينية ليخرجين العيز ‪ -‬يعنيي أبييا ‪ -‬الذل؛ يعنيي محمدا صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬ثيم‬
‫قال لقوميه‪ :‬كفوا طعامكيم عين هذا الرجيل‪ ،‬ول تنفقوا على مين عنده حتيى ينفضوا ويتركوه‪ .‬فقال‬
‫زيد بن أرقم ‪ -‬وهو من رهط عبدال ‪ -‬أنت وال الذليل المنتقص في قومك؛ ومحمد صلى ال عليه‬
‫وسيلم فيي عيز مين الرحمين ومودة مين المسيلمين‪ ،‬وال ل أحبيك بعيد كلميك هذا أبدا‪ .‬فقال عبدال‪:‬‬
‫اسيكت إنميا كنيت ألعيب‪ .‬فأخيبر زييد النيبي صيلى ال علييه وسيلم بقول‪ :‬فأقسيم بال ميا فعيل ول قال؛‬
‫فعذره النييبي صييلى ال عليييه وسييلم‪ .‬قال زيييد‪ :‬فوجدت فييي نفسييي ول منييي الناس؛ فنزلت سييورة‬
‫النافقييين فييي تصييديق زيييد وتكذيييب عبدال‪ .‬فقيييل لعبدال‪ :‬قييد نزلت فيييك آيات شديدة فاذهييب إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ليستغفر لك؛ فألوى برأسه‪ ،‬فنزلت اليات‪ .‬خرجه البخاري ومسلم‬
‫والترمذي بمعناه‪ .‬وقييد تقدم أول السييورة‪ .‬وقيييل‪" :‬يسييتغفر لكييم" يسييتتبكم ميين النفاق؛ لن التوبيية‬
‫استغفار‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ورأيتهيم يصيدون وهيم مسيتكبرون" أي يعرضون عين الرسيول متكيبرين عين‬
‫اليمان‪ .‬وقرأ نافيع "لووا" بالتخفييف‪ .‬وشدد الباقون؛ واختاره أبيو عبييد وقال‪ :‬هيو فعيل لجماعية‪.‬‬
‫النحاس‪ :‬وغلط في هذا؛ لنه نزل في عبدال بن أبي لما قيل له‪ :‬تعال يستغفر لك رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم حرك رأسه استهزاء‪ .‬فإن قيل‪ :‬كيف أخبر عنه بفعل الجماعة؟ قيل له‪ :‬العرب تفعل‬
‫هذا إذا كنت عن النسان‪ .‬أنشد سيبويه لحسان‪:‬‬
‫وفينا رسول عنده الوحي واضعه‬ ‫ظننتم بأن يخفي الذي قد صنعتم‬
‫وإنما خاطب حسان ابن البيرق في شيء سرقه بمكة‪ .‬وقصته مشهورة‪ .‬وقد يجوز أن يخبر عنه‬
‫وعمين فعيل فعله‪ .‬وقييل‪ :‬قال ابين أبيي لميا لوى رأسيه‪ :‬أمرتمونيي أن أومين فقيد آمنيت‪ ،‬وأن أعطيي‬
‫زكاة مالي فقد أعطيت؛ فما بقي إل أن أسجد لمحمد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر ال لهم إن ال ل يهدي القوم‬
‫الفاسقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سيواء عليهيم أاسيتغفرت لهيم أم لم تسيتغفر لهيم" يعنيي كيل ذلك سيواء‪ ،‬ل ينفيع‬
‫اسييتغفارك شيئا؛ لن ال ل يغفيير لهييم‪ .‬نظيره‪" :‬سييواء عليهييم أأنذرتهييم أم لم تنذرهييم ل يؤمنون"‬
‫[البقرة‪" ،]6 :‬سواء علينيا أوعظت أم لم تكن مين الواعظين" [الشعراء‪ .]136 :‬وقيد تقدم‪" .‬إن‬
‫ال ل يهدي القوم الفاسقين" أي من سبق في علم ال أنه يموت فاسقا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 7 :‬هيم الذيين يقولون ل تنفقوا على مين عنيد رسيول ال حتيى ينفضوا ول خزائن‬
‫السماوات والرض ولكن المنافقين ل يفقهون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هم الذين يقولون ل تنفقوا على من عند رسول ال حتى ينفضوا‬
‫ذكرنيا سيبب النزول فيميا تقدم‪ .‬وابين أبيي قال‪ :‬ل تنفقوا علي مين عنيد محميد حتيى ينفضوا؛ حتيى‬
‫يتفرقوا عنيه‪ .‬فاعلمهيم ال سيبحانه أن خزائن السيموات والرض له‪ ،‬ينفيق كييف يشاء‪ .‬قال رجيل‬
‫لحاتييم الصييم‪ :‬ميين أييين تأكييل؟ فقال‪" :‬ول خزائن السييموات والرض"‪ .‬وقال الجنيييد‪ :‬خزائن‬
‫السموات الغيوب‪ ،‬وخزائن الرض القلوب؛ فهو علم الغيوب ومقلب القلوب‪ .‬وكان الشبلي يقول‪:‬‬
‫"ول خزائن السيموات والرض" فأيين تذهبون‪" .‬ولكين المنافقيين ل يفقهون" أنيه إذا أراد أمرا‬
‫يسره‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 8 :‬يقولون لئن رجعنيا إلى المدينية ليخرجين العيز منهيا الذل ول العزة ولرسيوله‬
‫وللمؤمنين ولكن المنافقين ل يعلمون}‬
‫@ القائل ابن أبي كما تقدم‪ .‬وقيل‪ :‬إنه لما قال‪" :‬ليخرجن العز منها الذل" ورجع إلى المدينة لم‬
‫يلبيث إل أياميا يسييرة حتيى مات؛ فاسيتغفر له رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وألبسيه قميصيه؛‬
‫فنزلت هذه الية‪" :‬لن يغفر ال لهم"‪ .‬وقد مضى بيانه هذا كله في سورة "التوبة" مستوفى‪ .‬وروي‬
‫أن عبدال بن عبدال بن أبي بن سلول قال لبيه‪ :‬والذي ل إله إل هو ل تدخل المدينة حتى تقول‪:‬‬
‫إن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم هيو العيز وأنيا الذل؛ فقاله‪ .‬توهموا أن العزة بكثرة الموال‬
‫والتباع؛ فبين ال أن العزة والمنعة والقوة ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 9 :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا ل تلهكيم أموالكيم ول أولدكيم عين ذكير ال ومين يفعيل ذلك‬
‫فأولئك هم الخاسرون}‬
‫@ حذر المؤمنيين أخلق المنافقيين؛ أي ل تشتغلوا بأموالكيم كميا فعيل المنافقون إذ قالوا ‪ -‬للشيح‬
‫بأموالهيم ‪ : -‬ل تنفقوا على مين عنيد رسيول ال‪" .‬عين ذكير ال" أي عين الحيج والزكاة‪ .‬وقييل‪ :‬عين‬
‫قراءة القرآن‪ .‬وقييل‪ :‬عين إدامية الذكير‪ .‬وقييل‪ :‬عين الصيلوات الخميس؛ قاله الضحاك‪ .‬وقال الحسين‪:‬‬
‫جمييع الفرائض؛ كأنييه قال عيين طاعيية ال‪ .‬وقيييل‪ :‬هييو خطاب للمنافقييين؛ أي آمنتييم بالقول فآمنوا‬
‫بالقلب‪" .‬ومن يفعل ذلك" أي من يشتغل بالمال والولد عن طاعة ربه "فأولئك هم الخاسرون"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 11 - 10 :‬وأنفقوا مميا رزقناكيم مين قبيل أن يأتيي أحدكيم الموت فيقول رب لول‬
‫أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين‪ ،‬ولن يؤخر ال نفسا إذا جاء أجلها وال خبير‬
‫بما تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت" يدل على وجوب تعجيل‬
‫أداء الزكاة‪ ،‬ول يجوز تأخيرهييا أصييل‪ .‬وكذلك سييائر العبادات إذا تعييين وقتهييا‪" .‬فيقول رب لول‬
‫أخرتنيي إلى أجيل قرييب فأصيدق وأكين مين الصيالحين" سيأل الرجعية إلى الدنييا ليعميل صيالحا‪.‬‬
‫وروى الترمذي عين الضحاك بين مزاحيم عين ابين عباس قال‪ :‬مين كان له مال يبلغيه حيج بييت ربيه‬
‫أو تجب عليه فيه زكاة فلم يفعل‪ ،‬سأل الرجعة عند الموت‪ .‬فقال رجل‪ :‬يا ابن عباس‪ ،‬اتق ال‪ ،‬إنما‬
‫سييأل الرجعيية الكفار‪ .‬فقال‪ :‬سييأتلو عليييك بذلك قرانييا‪" :‬يييا أيهييا الذييين آمنوا ل تلهكييم أموالكييم ول‬
‫أولدكم عن ذكر ال ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون‪ .‬وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي‬
‫أحدكيم الموت فيقول رب لول أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين إلى قوله وال‬
‫خيبير بميا تعملون" قال‪ :‬فميا يوجيب الزكاة؟ قال‪ :‬إذا بلغ المال مائتيين فصياعدا‪ .‬قال‪ :‬فميا يوجيب‬
‫الحج؟ قال‪ :‬الزاد والراحلة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ذكره الحليمي أبو عبدال الحسين بن الحسن في كتاب (منهاج الدين) مرفوعا فقال‪ :‬وقال‬
‫ابيين عباس قال رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬ميين كان عنده مال يبلغييه الحييج‪ )...‬الحديييث؛‬
‫فذكره‪ .‬وقد تقدم في "آل عمران" لفظه‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬أخذ ابن عباس بعموم الية في إنفاق الواجب خاصة دون النفل؛ فأما تفسيره‬
‫بالزكاة فصيحيح كله عموميا وتقديرا بالمائتيين‪ .‬وأميا القول فيي الحيج ففييه إشكال؛ لنيا إن قلنيا‪ :‬إن‬
‫الحج على التراخي ففي المعصية في الموت قبل الحج خلف بين العلماء؛ فل تخرج الية عليه‪.‬‬
‫وإن قلنا‪ :‬إن الحج على الفور فالية في العموم صحيح؛ لن من وجب عليه الحج فلم يؤده لقي من‬
‫ال ما يود أنه رجع ليأتي بما ترك من العبادات‪ .‬وأما تقدير المر بالزاد والراحلة ففي ذلك خلف‬
‫مشهور بيين العلماء‪ .‬ولييس لكلم ابين عباس فييه مدخيل؛ لجيل أن الرجعية والوعييد ل يدخيل فيي‬
‫المسائل المجتهد فيها ول المختلف عليها‪ ،‬وإنما يدخل في المتفق عليه‪ .‬والصحيح تناوله للواجب‬
‫مين النفاق كييف تصيرف بالجماع أو بنيص القرآن؛ لجيل أن ميا عدا ذلك ل يتطرق إلييه تحقييق‬
‫الوعيد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لول" أي هل؛ فيكون اسيتفهاما‪ .‬وقييل‪" :‬ل" صيلة؛ فيكون الكلم بمعنيى التمنيي‪.‬‬
‫"فأصيدق" نصيب على جواب التمنيي بالفاء‪" .‬وأكون" عطيف على "فأصيدق" وهيي قراءة ابين‬
‫عمرو وابين محيصين ومجاهيد‪ .‬وقرأ الباقون "وأكين" بالجزم عطفيا على موضيع الفاء؛ لن قوله‪:‬‬
‫"فأصدق" لو لم تكن الفاء لكان مجزوما؛ أي أصدق‪ .‬ومثله‪" :‬من يضلل ال فل هادي له ويذرهم"‬
‫[العراف‪ ]186 :‬فيمين جزم‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬هذه اليية أشيد على أهيل التوحييد؛ لنيه ل يتمنيى‬
‫الرجوع في الدنيا أو التأخير فيها أحد له عند ال خير في الخرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إل الشهيد فإنه يتمنى الرجوع حتى يقتل‪ ،‬لما يرى من الكرامة‪" .‬وال خبير بما تعملون"‬
‫من خير وشر‪ .‬وقراءة العامة بالتاء على الخطاب‪ .‬وقرأ أبو بكر عن عاصم والسلمي بالياء؛ على‬
‫الخبر عمن مات وقال هذه المقالة‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة التغابن‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ مدنيية فيي قول الكثريين‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬مكيية‪ .‬وقال الكلبيي‪ :‬هيي مكيية ومدنيية‪ .‬وهيي ثمانيي‬
‫عشرة آية‪ .‬وعن ابن عباس أن "سورة التغابن" نزلت بمكة؛ إل آيات من آخرها نزلت بالمدينة في‬
‫عوف بين مالك الشجعيي‪ ،‬شكيا إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم جفاء أهله وولده‪ ،‬فأنزل ال‬
‫عز وجل‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولدكم عدوا لكم فاحذروهم" [التغابن‪ ]14 :‬إلى‬
‫آخير السيورة‪ .‬وعين عبدال بين عمير قال‪ :‬قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ميا مين مولود يولد إل‬
‫وفي تشابيك رأسه مكتوب خمس آيات من فاتحة "سورة التغابن"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬يسبح ل ما في السماوات وما في الرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء‬
‫قدير}‬
‫@ تقدم في غير موضع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن وال بما تعملون بصير}‬
‫@ قال ابين عباس‪ :‬إن ال خلق بنيي آدم مؤمنيا وكافرا‪ ،‬ويعيدهيم فيي يوم القيامية مؤمنيا وكافرا‪.‬‬
‫وروى أبو سعيد الخدري قال‪ :‬خطبنا النبي صلى ال عليه وسلم عشية فذكر شيئا مما يكون فقال‪:‬‬
‫(يولد الناس على طبقات شتيى‪ .‬يولد الرجيل مؤمنيا ويعييش مؤمنيا ويموت مؤمنيا‪ .‬ويولد الرجيل‬
‫كافرا ويعيش كافرا ويموت كافرا‪ .‬ويولد الرجل مؤمنا ويعيش مؤمنا ويموت كافرا‪ .‬ويولد الرجل‬
‫كافرا ويعييش كافرا ويموت مؤمنيا)‪ .‬وقال ابين مسيعود‪ :‬قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬خلق ال‬
‫فرعون في بطن أمه كافرا وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا)‪ .‬وفي الصحيح من حديث‬
‫ابن مسعود‪( :‬وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع أو باع فيسبق‬
‫عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها‪ .‬وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه‬
‫وبينهيا إل ذراع أو باع فيسيبق علييه الكتاب فيعميل بعميل أهيل الجنية فيدخلهيا)‪ .‬خرجيه البخاري‬
‫والترمذي وليس فيه ذكر الباع‪.‬‬
‫وفيي صيحيح مسيلم عين سيهل بين سيعد السياعدي أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬إن‬
‫الرجيل ليعميل عميل أهيل الجنية فيميا يبدو للناس وهيو مين أهيل النار‪ .‬وإن الرجيل ليعميل عميل أهيل‬
‫النار فيميا يبدو للناس وهيو مين أهيل الجنية)‪ .‬قال علماؤنيا‪ :‬والمعنيى تعلق العلم الزلي بكيل معلوم؛‬
‫فيجري مييا علم وأراد وحكييم‪ .‬فقييد يريييد إيمان شخييص على عموم الحوال‪ ،‬وقييد يريده إلى وقييت‬
‫معلوم‪ .‬وكذلك الكفر‪ .‬وقيل في الكلم محذوف‪ :‬فمنكم مؤمن ومنكم كافر ومنكم فاسق؛ فحذف لما‬
‫فيي الكلم مين الدللة علييه؛ قاله الحسين‪ .‬وقال غيره‪ :‬ل حذف فييه؛ لن المقصيود ذكير الطرفيين‪.‬‬
‫وقال جماعيية ميين أهييل العلم‪ :‬إن ال خلق الخلق ثييم كفروا وآمنوا‪ .‬قالوا‪ :‬وتمام الكلم "هييو الذي‬
‫خلقكيم"‪ .‬ثيم وصيفهم فقال‪" :‬فمنكيم كافير ومنكيم مؤمين" كقوله تعالى‪" :‬وال خلق كيل دابية مين ماء‬
‫فمنهيم مين يمشيي على بطنيه" [النور‪ ]45 :‬اليية‪ .‬قالوا‪ :‬فال خلقهيم؛ والمشيي فعلهيم‪ .‬واختاره‬
‫الحسيين بين الفضيل‪ ،‬قال‪ :‬لو خلقهيم مؤمنيين وكافريين لميا وصيفهم بفعلهيم فيي قوله "فمنكيم كافير‬
‫ومنكيم مؤمين"‪ .‬واحتجوا بقوله علييه الصيلة والسيلم‪( :‬كيل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانيه‬
‫وينصيرانه ويمجسيانه) الحدييث‪ .‬وقيد مضيى فيي "الروم" مسيتوفى‪ .‬قال الضحاك‪ :‬فمنكيم كافير فيي‬
‫السير مؤمين فيي العلنيية كالمنافيق‪ ،‬ومنكيم مؤمين فيي السير كافير فيي العلنيية كعمار وذوييه‪ .‬وقال‬
‫عطاء بن أبي رباج‪ :‬فمنكم كافر بال مؤمن بالكواكب‪ ،‬ومنكم مؤمن بال كافر بالكواكب؛ يعني في‬
‫شأن النواء‪ .‬وقال الزجاج ‪ -‬وهيو أحسين القوال‪ ،‬والذي علييه الئمية والجمهور مين المية ‪ : -‬إن‬
‫ال خلق الكافير‪ ،‬وكفره فعيل له وكسيب؛ ميع أن ال خالق الكفير‪ .‬وخلق المؤمين‪ ،‬وإيمانيه فعيل له‬
‫وكسب؛ مع أن ال خالق اليمان‪ .‬والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق ال إياه؛ لن ال تعالى قدر‬
‫ذلك عليه وعلمه منه‪ .‬ول يجوز أن يوجد من كل واحد منهما غير الذي قدر عليه وعلمه منه؛ لن‬
‫وجود خلف المقدور عجيز‪ ،‬ووجود خلف المعلوم جعيل‪ ،‬ول يليقان بال تعالى‪ .‬وفيي هذا سيلمة‬
‫من الجبر والقدر؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ل قدرٌ صحّ ول جبْر‬ ‫يا ناظرا في الدين ما المر‬
‫وقال سيييلن‪ :‬قدم أعرابييي البصييرة فقيييل له‪ :‬مييا تقول فييي القدر؟ فقال‪ :‬أميير تغالت فيييه الظنون‪،‬‬
‫واختلف فيه المختلفون؛ فالواجب أن نرد ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬خلق السماوات والرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خلق السيماوات والرض بالحيق" تقدم فيي غيير موضيع؛ أي خلقهيا حقيا يقينيا ل‬
‫ريب فيه‪ .‬وقيل‪ :‬الباء بمعنى اللم أي خلقها للحق وهو أن يجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي‬
‫الذين أحسنوا بالحسنى‪" .‬وصوركم فأحسن صوركم" يعني آدم عليه السلم‪ ،‬خلقه بيده كرامة‪ ،‬له؛‬
‫قاله مقاتل‪ .‬الثاني‪ :‬جميع الخلئق‪ .‬وقد مضى معنى التصوير‪ ،‬وأنه التخطيط والتشكيل‪ .‬فإن قيل‪:‬‬
‫كيف أحسن صورهم؟ قيل له‪ :‬جعلهم أحسن الحيوان كله وأبهاه صورة بدليل أن النسان ل يتمنى‬
‫أن تكون صيورته على خلف ميا يرى مين سيائر الصيور‪ .‬ومين حسين صيورته أنيه خلق منتصيبا‬
‫غير منكب؛ كما قال عز وجل‪" :‬لقد خلقنا النسان في أحسن تقويم" [التين‪ ]4 :‬على ما يأتي بيانه‬
‫إن شاء ال تعالى‪" .‬وإليه المصير" أي المرجع؛ فيجازي كل بعمله‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 4 :‬يعلم ميا فيي السيماوات والرض ويعلم ميا تسيرون وميا تعلنون وال علييم بذات‬
‫الصدور}‬
‫@ تقدم في غير موضع‪ .‬فهو عالم الغيب والشهادة‪ ،‬ل يخفى عليه شيء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم يأتكيم" الخطاب لقرييش أي ألم يأتكيم خيبر كفار الميم الماضيية‪" .‬فذاقوا وبال‬
‫أمرهم" أي عوقبوا‪" .‬ولهم" في الخرة "عذاب أليم" أي موجع‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى‬
‫ال وال غني حميد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك" أي هذا العذاب لهييم بكفرهييم بالرسييل تأتيهييم "بالبينات" أي بالدلئل‬
‫الواضحيية‪" .‬فقالوا أبشيير يهدوننييا" أنكروا أن يكون الرسييول ميين البشيير‪ .‬وارتفييع "أبشيير" على‬
‫البتداء‪ .‬وقيل‪ :‬بإضمار فعل‪ ،‬والجمع على معنى بشر؛ ولهذا قال‪" :‬يهدوننا" ولم يقل يهدينا‪ .‬وقد‬
‫يأتيي الواحيد بمعنيى الجميع فيكون اسيما للجنيس؛ وواحده إنسيان ل واحيد له مين لفظيه‪ .‬وقيد يأتيي‬
‫الجمع بمعنى الواحد؛ نحو قوله تعالى‪" :‬ما هذا بشرا" [يوسف‪" .]31 :‬فكفروا وتولوا" أي بهذا‬
‫القول؛ إذ قالوه اسييتصغارا ولم يعلموا أن ال يبعييث ميين يشاء إلى عباده‪ .‬وقيييل‪ :‬كفروا بالرسييل‬
‫وتولوا عين البرهان وأعرضوا عين اليمان والموعظية‪" .‬واسيتغنى ال" أي بسيلطانه عين طاعية‬
‫عباده؛ قاله مقاتيل‪ .‬وقييل‪ :‬اسيتغنى ال بميا أظهره لهيم مين البرهان وأوضحيه لهيم مين البيان‪ ،‬عين‬
‫زيادة تدعو إلى الرشد وتقود إلى الهداية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 7 :‬زعيم الذيين كفروا أن لن يبعثوا قيل بلى وربيي لتبعثين ثيم لتنبؤن بميا عملتيم وذلك‬
‫على ال يسير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا" أي ظنوا‪ .‬الزعم هو القول بالظن‪ .‬وقال شريح‪:‬‬
‫لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا‪ .‬قيل‪ :‬نزلت في العاص بن وائل السهمي مع خباب حسب ما‬
‫تقدم بيانيه فيي آخير سيورة "مرييم"‪ ،‬ثيم عميت كيل كافير‪" .‬قيل" ييا محميد "بلى وربيي لتبعثين" أي‬
‫لتخرجيين ميين قبوركييم أحياء‪" .‬ثييم لتنبؤن" لتخييبرن‪" .‬بمييا عملتييم" أي بأعمالكييم‪" .‬وذلك على ال‬
‫يسير" إذ العادة أسهل من البتداء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬فآمنوا بال ورسوله والنور الذي أنزلنا وال بما تعملون خبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فآمنوا بال ورسوله" أمرهيم باليمان بعد أن عرفهيم قيام الساعة‪" .‬والنور الذي‬
‫أنزلنا" وهو القرآن‪ ،‬وهو نور يهتدي به من ظلمة الضلل‪" .‬وال بما تعملون خبير"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بال ويعمل صالحا يكفر عنه‬
‫سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم يجمعكم ليوم الجمع" العامل في "يوم" "لتنبؤن" أو "خبير" لما فيه من معنى‬
‫الوعد؛ كأنه قال‪ :‬وال يعاقبكم يوم يجمعكم‪ .‬أو بإضمار اذكر‪ .‬والغبن‪ :‬النقص‪ .‬يقال‪ :‬غبنه غبنا إذا‬
‫أخييذ الشيييء منييه بدون قيمتييه‪ .‬وقراءة العاميية "يجمعكييم" بالياء؛ لقوله تعالى‪" :‬وال بمييا تعلمون‬
‫خييبير" فاخييبر‪ .‬ولذكيير اسييم ال أول‪ .‬وقرأ نصيير وابيين أبييي إسييحاق والجحدري ويعقوب وسييلم‬
‫"نجمعكيم" بالنون؛ اعتبارا بقوله‪" :‬والنور الذي أنزلنيا"‪ .‬ويوم الجميع يوم يجميع ال الوليين‬
‫والخريين والنيس والجين وأهيل السيماء وأهيل الرض‪ .‬وقييل‪ :‬هيو يوم يجميع ال بيين كيل عبيد‬
‫وعمله‪ .‬وقيل‪ :‬لنه يجمع فيه بين الظالم والمظلوم‪ .‬وقيل‪ :‬لنه يجمع فيه بين كل نبي وأمته‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫لنه يجمع فيه بين ثواب أهل الطاعات وعقاب أهل المعاصي‪" .‬ذلك يوم التغابن" أي يوم القيامة‪.‬‬
‫قال‪:‬‬
‫أل إنما الراحات يوم التغابن‬ ‫وما أرتجي بالعيش في دار فرقة‬
‫وسمى يوم القيامة يوم التغابن؛ لنه غبن فيه أهل الجنة أهل النار‪ .‬أي أن أهل الجنة أخذوا الجنة‪،‬‬
‫وأخييذ أهييل النار النار على طريييق المبادلة؛ فوقييع الغبيين لجييل مبادلتهييم الخييير بالشيير‪ ،‬والجيييد‬
‫بالردييء‪ ،‬والنعييم بالعذاب‪ .‬يقال‪ :‬غبنيت فلنيا إذا بايعتيه أو شاريتيه فكان النقيص علييه والغلبية لك‪.‬‬
‫وكذا أهل الجنة وأهل النار؛ على ما يأتي بيانه‪ .‬ويقال‪ :‬غبنت الثوب وخبنته إذا طال عن مقدارك‬
‫فخطيت منيه شيئا؛ فهيو نقصيان أيضيا‪ .‬والمغابين‪ :‬ميا انثنيى مين الخلق نحيو البطيين والفخذيين‪ .‬قال‬
‫المفسرون‪ :‬فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة‪ .‬ويظهر يومئذ غبن كل كافر بترك اليمان‪،‬‬
‫وغبين كيل مؤمين بتقصييره فيي الحسيان وتضييعيه اليام‪ .‬قال الزجاج‪ :‬ويغبين مين ارتفعيت منزلتيه‬
‫في الجنة من كان دون منزلته‪.‬‬
‫@ فإن قييل‪ :‬فأي معاملة وقعيت بينهميا حتيى يقيع الغبين فيهيا‪ .‬قييل له‪ :‬هيو تمثييل الغبين فيي الشراء‬
‫والبيع؛ كما قال تعالى‪" :‬أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى" [البقرة‪ .]16 :‬ولما ذكر أن الكفار‬
‫اشتروا الضللة بالهدى وميا ربحوا فيي تجارتهيم بيل خسيروا‪ ،‬وذكير أيضيا أنهيم غبنوا؛ وذلك أن‬
‫أهيل الجنية اشتروا الخرة بترك الدنييا‪ ،‬واشترى أهيل النار الدنييا بترك الخرة‪ .‬وهذا نوع مبادلة‬
‫اتسيياعا ومجازا‪ .‬وقييد فرق ال سييبحانه وتعالى الخلق فريقييين‪ :‬فريقييا للجنيية وفريقييا للنار‪ .‬ومنازل‬
‫الكل موضوعة في الجنة والنار‪ .‬فقد يسبق الخذلن على العبد ‪ -‬كما بيناه في هذه السورة وغيرها‬
‫‪ -‬فيكون من أهل النار‪ ،‬فيحصل الموفق على منزل المخذول ومنزل الموفق في النار للمخذول؛‬
‫فكأنيه وقيع التبادل فحصيل التغابين‪ .‬والمثال موضوعية للبيان فيي حكيم اللغية والقرآن‪ .‬وذلك كله‬
‫مجموع من نشير الثار وقد جاءت مفرقة في هذا الكتاب‪ .‬وقد يخبر عن هذا التبادل بالوراثة كما‬
‫بيناه فيي "قيد أفلح المؤمنون" [المؤمنون‪ ]1 :‬وال اعلم‪ .‬وقيد يقع التغابين فيي غيير ذلك اليوم على‬
‫ما يأتي بيانه بعد؛ ولكنه أراد التغابن الذي ل جبران لنهايته‪ .‬وقال الحسن وقتادة‪ :‬بلغنا أن التغابن‬
‫في ثلثة أصناف‪ :‬رجل علم علما فعلمه وضيعه هو ولم يعمل به فشقي به‪ ،‬وعمل به من تعلمه‬
‫منه فنجيا به‪ .‬ورجل اكتسب مال من وجوه يسأل عنها وشح عليه‪ ،‬وفرط في طاعة ربه بسببه‪،،‬‬
‫ولم يعمل فيه خيرا‪ ،‬وتركه لوارث ل حساب عليه فيه؛ فعمل ذلك الوارث فيه بطاعة ربه‪ .‬ورجل‬
‫كان له عبيد فعميل العبيد بطاعية ربيه فسيعد‪ ،‬وعميل السييد بمعصيية وبيه فشقيي‪ .‬وروي عين النيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬إن ال تعالى يقييم الرجيل والمرأة يوم القيامية بيين يدييه فيقول ال‬
‫تعالى لهميا قول فميا أنتميا بقائليين فيقول الرجيل ييا رب أوجبيت نفقتهيا علي فتعسيفتها مين حلل‬
‫وحرام وهؤلء الخصيوم يطلبون ذلك ولم يبيق لي ميا أوفيي بيه فتقول المرأة ييا رب وميا عسيى أن‬
‫أقول اكتسبه حراما وأكلته حلل وعصاك في مرضاتي ولم أرض له بذلك فبعدا له وسحقا فيقول‬
‫ال تعالى قد صدقت فيؤمر به إلى النار ويؤمر بها إلى الجنة فتطلع عليه من طبقات الجنة وتقول‬
‫له غبناك غبناك سعدنا بما شقيت أنت به) فذلك يوم التغابن‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬استدل علماؤنا بقوله تعالى‪" :‬ذلك يوم التغابن" على أنه ل يجوز الغبن في‬
‫المعاملة الدنيويييية؛ لن ال تعالى خصيييص التغابييين بيوم القيامييية فقال‪" :‬ذلك يوم التغابييين" وهذا‬
‫الختصاص يفيد أنه ل غبن في الدنيا؛ فكل من اطلع على غبن في مبيع فإنه مردود إذا زاد على‬
‫الثلث‪ .‬واختاره البغداديون واحتجوا علييه بوجوه‪ :‬منهيا قوله صيلى ال علييه وسيلم لحبان بين منقيذ‪:‬‬
‫(إذا بايعت فقل ل خلبة ولك الخيار ثلثا)‪ .‬وهذا فيه نظر طويل بيناه في مسائل الخلف‪ .‬نكتته‬
‫أن الغبين فيي الدنييا ممنوع بإجماع فيي حكيم الديين؛ إذ هيو مين باب الخداع المحرم شرعيا فيي كيل‬
‫ملة‪ ،‬لكن اليسير منه ل يمكن الحتراز عنه لحد‪ ،‬فمضى في البيوع؛ إذ لو حكمنا برده ما نفذ بيع‬
‫أبدا؛ لنيه ل يخلو منيه‪ ،‬حتيى إذا كان كثيرا أمكين الحتراز منيه فوجيب الرد بيه‪ .‬والفرق بيين القلييل‬
‫والكثيير أصيل فيي الشريعية معلوم‪ ،‬فقدر علماؤنيا الثلث لهذا الحيد؛ إذ رأوه فيي الوصيية وغيرهيا‪.‬‬
‫ويكون معنيى اليية على هذا‪ :‬ذلك يوم التغابين الجائز مطلقيا مين غيير تفصييل‪ .‬أو ذلك يوم التغابين‬
‫الذي ل يسيتدرك أبدا؛ لن تغابين الدنييا يسيتدرك بوجهيين‪ :‬إميا برد فيي بعيض الحوال‪ ،‬وإميا بربيح‬
‫في بيع آخر وسلعة أخرى‪ .‬فأما من خسر الجنة فل درك له أبدا‪ .‬وقد قال بعض علماء الصوفية‪:‬‬
‫إن اله كتب الغبن على الخلق أجمعين‪ ،‬فل يلقى أحد ربه إل مغبونا‪ ،‬لنه ل يمكنه الستيفاء للعمل‬
‫حتيى يحصيل له اسيتيفاء الثواب‪ .‬وفيي الثير قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل يلقيى ال أحيد إل‬
‫نادما إن كان مسيئا إن لم يحسن‪ ،‬وإن كان محسنا إن لم يزدد)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومين يؤمين بال ويعميل صيالحا يكفير عنيه سييئاته وندخله جنات" قرأ نافيع وابين‬
‫عامر بالنون فيهما‪ ،‬والباقون بالياء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيين كفروا وكذبوا بآياتنيا" يعنيي القرآن "أولئك أصيحاب النار خالديين فيهيا‬
‫وبئس المصير" لما ذكر ما للمؤمنين ذكر ما للكافرين؛ كما تقدم في غير موضع‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 11 :‬ميا أصياب مين مصييبة إل بإذن ال ومين يؤمين بال يهيد قلبيه وال بكيل شييء‬
‫عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ميا أصياب مين مصييبة إل بإذن ال" أي بإرادتيه وقضائه‪ .‬وقال الفراء‪ :‬يرييد إل‬
‫بأمير ال‪ .‬وقييل‪ :‬إل بعلم ال‪ .‬وقييل‪ :‬سيبب نزولهيا إن الكفار قالوا‪ :‬لو كان ميا علييه المسيلمون حقيا‬
‫لصانهم ال عن المصائب في الدنيا؛ فبين ال تعالى أن ما أصاب من مصيبة فيي نفس أو مال أو‬
‫قول أو فعل‪ ،‬يقتضي هما أو يوجب عقابا عاجل أو آجل فبعلم ال وقضائه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يؤمن بال" أي يصدق ويعلم أنه ل يصيبه مصيبة إل بإذن ال‪" .‬يهد قلبه"‬
‫للصيبر والرضيا‪ .‬وقييل‪ :‬يثبتيه على اليمان‪ .‬وقال أبيو عثمان الجيزي‪ :‬مين صيح إيمانيه يهيد ال قلبيه‬
‫لتباع السينة‪ .‬وقييل‪" :‬ومين يؤمين بال يهيد قلبيه" عنيد المصييبة فيقول‪" :‬إنيا ل وإنيا إلييه راجعون"‬
‫[البقرة‪]156 :‬؛ قاله ابين جيبير‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬هيو أن يجعيل ال فيي قلبيه اليقيين ليعلم أن ميا‬
‫أصيابه لم يكين ليخطئه‪ ،‬وأن ميا أخطأه لم يكين ليصييبه‪ .‬وقال الكلبيي‪ :‬هو إذا أبتلي صيبر‪ ،‬وإذا أنعيم‬
‫علييه شكير‪ ،‬وإذا ظلم غفير‪ .‬وقييل‪ :‬يهيد طبيه إلى نييل الثواب فيي الجنية‪ .‬وقراءة العامية "يهيد" بفتيح‬
‫الياء وكسير الدال؛ لذكير اسيم ال أول‪ .‬وقرأ السيلمي وقتادة "يهيد قلبيه" بضيم الياء وفتيح الدال على‬
‫الفعل المجهول ورفع الباء؛ لنه اسم فعل لم يسم فاعله‪.‬‬
‫وقرأ طلحيية بيين مصييرف والعرج "نهييد" بنون على التعظيييم "قلبييه" بالنصييب‪ .‬وقرأ عكرميية‬
‫"يهدأ قلبيه" بهمزة سياكنة ورفيع الباء‪ ،‬أي يسيكن ويطمئن‪ .‬وقرأ مثله مالك بين دينار‪ ،‬إل أنيه ليين‬
‫الهمزة‪" .‬وال بكل شيء عليم" ل يخفى عليه تسليم من انقاد وسلم لمره‪ ،‬ول كراهة من كرهه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 13 - 12 :‬وأطيعوا ال وأطيعوا الرسيول فإن توليتيم فإنميا على رسيولنا البلغ‬
‫المبين‪ ،‬ال ل إله إل هو وعلى ال فليتوكل المؤمنون}‬
‫@ أي هونوا على أنفسكم المصائب‪ ،‬واشتغلوا بطاعة ال‪ ،‬واعملوا بكتابه‪ ،‬وأطيعوا الرسول في‬
‫العمل بسنته؛ فإن توليتم عن الطاعة فليس على الرسول إل التبليغ‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 14 :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا إن مين أزواجكيم وأولدكيم عدوا لكيم فاحذروهيم وإن تعفوا‬
‫وتصفحوا وتغفروا فإن ال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا إن مين أزواجكيم وأولدكيم عدوا لكيم فاحذروهيم" قال ابين‬
‫عباس‪ :‬نزلت هذه الية بالمدينة في عوف بن مالك الشجعي؛ شكا إلى النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫جفاء أهله وولده؛ فنزلت‪ .‬ذكره النحاس‪ .‬وحكاه الطييبري عيين عطاء بيين يسييار قال‪ :‬نزلت سييورة‬
‫"التغابن" كلها بمكة إل هؤلء اليات‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولدكم عدوا لكم"‬
‫نزلت فييي عوف بيين مالك الشجعييي كان ذا أهييل وولد‪ ،‬وكان إذا أراد الغزو بكوا إليييه ورققوه‬
‫فقالوا‪ :‬إلى مين تدعنيا؟ فيرق فيقييم؛ فنزلت‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا إن مين أزواجكيم وأولدكيم عدوا‬
‫لكيم" اليية كلهيا بالمدينية فيي عوف بين مالك الشجعيي‪ .‬وبقيية اليات إلى آخير السيورة بالمدينية‪.‬‬
‫وروى الترمذي عن ابن عباس ‪ -‬وسأله رجل عن هذه الية "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم‬
‫وأولدكييم عدوا لكييم فاحذروه" ‪ -‬قال‪ :‬هؤلء رجال أسيلموا ميين أهيل مكية وأرادوا أن يأتوا النيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬فأبيى أزواجهيم وأولدهيم أن يدعوهيم أن يأتوا النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪،‬‬
‫فلميا أتوا النيبي صيلى ال علييه وسيلم رأوا الناس قيد فقهوا فيي الديين هموا أن يعاقبوهيم؛ فأنزل ال‬
‫تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولدكم عدوا لكم فاحذروهم" الية‪ .‬هذا حديث حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫@ قال القاضيي أبيو بكير بين العربيي‪ :‬هذا ييبين وجيه العداوة؛ فان العدو لم يكين عدوا لذاتيه وإنميا‬
‫كان عدوا بفعله‪ .‬فإذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدوا‪ ،‬ول فعل أقبح من الحيلولة بين العبد‬
‫وبيين الطاعية‪ .‬وفيي صيحيح البخاري مين حدييث أبيي هريرة عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪:‬‬
‫(إن الشيطان قعد لبن آدم في طريق اليمان فقال له أتؤمن وتذر دينك ودين آبائك فخالفه فآمن ثم‬
‫قعد له على طريق الهجرة فقال له أتهاجر وتترك مالك وأهلك فخالفه فهاجر ثم قعد له على طريق‬
‫الجهاد فقال له أتجاهد فتقتل نفسك فتنكح نساؤك ويقسم مالك فخالفه فجاهد فقتل‪ ،‬فحق على ال أن‬
‫يدخله الجنية)‪ .‬وقعود الشيطان يكون بوجهيين‪ :‬أحدهميا‪ :‬يكون بالوسيوسة‪ .‬والثانيي‪ :‬بأن يحميل على‬
‫ميا يرييد مين ذلك الزوج والولد والصياحب؛ قال ال تعالى‪" :‬وقيضنيا لهيم قرناء فزينوا لهيم ميا بيين‬
‫أيديهم وما خلفهم" [فصلت‪ .]25 :‬وفي حكمة عيسى عليه السلم‪ :‬من اتخذ أهل ومال وولدا كان‬
‫للدنيا عبدا‪ .‬وفي صحيح الحديث بيان أدنى من ذلك في حال العبد؛ قال النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد القطيفة تعس وانتكس وإذا شيك‬
‫فل انتقش)‪ .‬ول دناءة أعظم من عبادة الدينار والدرهم‪ ،‬ول همة أخس من همة ترتفع بثوب جديد‪.‬‬
‫@ كميا أن الرجيل يكون له ولده وزوجيه عدوا كذلك المرأة يكون لهيا زوجهيا وولدهيا عدوا بهذا‬
‫المعنيى بعينيه‪ .‬وعموم قوله‪" :‬مين أزواجكيم" يدخيل فييه الذكير والنثيى لدخولهميا فيي كيل آيية‪ .‬وال‬
‫اعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاحذروهم" معناه على أنفسكم‪ .‬والحذر على النفس يكون بوجهين‪ :‬إما لضرر في‬
‫البدن‪ ،‬وإميا لضرر فيي الديين‪ .‬وضرر البدن يتعلق بالدنييا‪ ،‬وضرر الديين يتعلق بالخرة‪ .‬فحذر ال‬
‫سييبحانه العبييد ميين ذلك وأنذره بييه‪" .‬وإن تعفوا وتصييفحوا وتغفروا فإن ال غفور رحيييم" روى‬
‫الطيبري عين عكرمية فيي قوله تعالى‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا إن مين أزواجكيم وأولدكيم عدوا لكيم‬
‫فاحذروهيم" قال‪ :‬كان الرجيل يرييد أن يأتيي النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيقول له أهله‪ :‬أيين تذهيب‬
‫وتدعنا؟ قال‪ :‬فإذا أسلم وفقه قال‪ :‬لرجعن إلى الذين كانوا ينهون عن هذا المر‪ ،‬فلفعلن ولفعلن؛‬
‫قال‪ :‬فأنزل ال عيز وجيل‪" :‬وإن تعفوا وتصيفحوا وتغفروا فإن ال غفور رحييم"‪ .‬وقال مجاهيد فيي‬
‫قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولدكيم عدوا لكم فاحذروهم" قال‪ :‬ما عادوهم‬
‫فيي الدنييا ولكين حملتهيم مودتهيم على أن أخذوا لهيم الحرام فاعطوه إياهيم‪ .‬واليية عامية فيي كيل‬
‫معصية يرتكبها النسان بسبب الهل والولد‪ .‬وخصوص السبب ل يمنع عموم الحكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬إنما أموالكم وأولدكم فتنة وال عنده أجر عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنميا أموالكيم وأولدكيم فتنية" أي بلء واختبار يحملكيم على كسيب المحرم ومنيع‬
‫حيق ال تعالى فل تطيعوهيم فيي معصيية ال‪ .‬وفيي الحدييث‪( :‬يؤتيى برجيل يوم القيامية فيقال أكيل‬
‫عياله حسناته)‪ .‬وعن بعض السلف‪ :‬العيال سوس الطاعات‪ .‬وقال القتيبي‪" :‬فتنة" أي إغرام؛ يقال‪:‬‬
‫فتن الرجل بالمرأة أي شغف بها‪ .‬وقيل‪" :‬فتنة" محنة‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫لقد فتن الناس في دينهم وخلّى ابن عفان شرا طويل‬
‫وقال ابين مسيعود‪ :‬ل يقولن أحدكيم اللهيم اعصيمني مين الفتنية؛ فإنيه لييس أحيد منكيم يرجيع إلى مال‬
‫وأهيل وولد إل وهيو مشتميل على فتنية؛ ولكين ليقيل‪ :‬اللهيم إنيي أعوذ بيك مين مضلت الفتين‪ .‬وقال‬
‫الحسين فيي قوله تعالى‪" :‬إن مين أزواجكيم"‪ :‬أدخيل "مين" للتبعييض؛ لن كلهيم ليسيوا بأعداء‪ .‬ولم‬
‫يذكير "مين" فيي قوله تعالى‪" :‬إنميا أموالكيم وأولدكيم فتنية" لنهميا ل يخلوان مين الفتنية واشتغال‬
‫القلب بهميا‪ .‬روى الترمذي وغيره عين عبدال بين بريدة عين أبييه قال‪ :‬رأييت النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسييلم يخطييب؛ فجاء الحسيين والحسييين ‪ -‬عليهمييا السييلم ‪ -‬وعليهمييا قميصييان أحمران‪ ،‬يمشيان‬
‫ويعثران؛ فنزل صلى ال عليه وسلم فحملهما بين يديه‪ ،‬ثم قال‪( :‬صدق ال عز وجل إنما أموالكم‬
‫وأولدكييم فتنيية‪ .‬نظرت إلى هذييين الصييبيين يمشيان ويعثران فلم أصييبر حتييى قطعييت حديثييي‬
‫ورفعتهميا) ثيم أخيذ فيي خطبتيه‪" .‬وال عنده أجير عظييم" يعنيي الجنية‪ ،‬فهيي الغايية‪ ،‬ول أجير أعظيم‬
‫منهييا فييي قول المفسييرين‪ .‬وفييي الصييحيحين واللفييظ للبحاري ‪ -‬عيين أبييي سييعيد الخدري قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن ال يقول لهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك‬
‫فيقول هيل رضيتيم فيقولون وميا لنيا ل نرضيى وقيد أعطيتنيا ميا لم تعيط أحدا مين خلقيك فيقول أل‬
‫أعطيكيم أفضيل مين ذلك قالوا ييا رب وأي شييء أفضيل مين ذلك فيقول أحيل عليكيم رضوانيي فل‬
‫أسخط عليكم بعده أبدا)‪ .‬ول شك في أن الرضا غاية المال‪ .‬وأنشد الصوفية في تحقيق ذلك‪:‬‬
‫فالنار والجنة في قبضته‬ ‫امتحن ال به خلقه‬
‫ووصله أطيب من جنته‬ ‫فهجره أعظم من ناره‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 - 16 :‬فاتقوا ال ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لنفسكم ومن يوق‬
‫شيح نفسيه فأولئك هيم المفلحون‪ ،‬إن تقرضوا ال قرضيا حسينا يضاعفيه لكيم ويغفير لكيم وال شكور‬
‫حليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاتقوا ال ميا اسيتطعتم" ذهيب جماعية مين أهيل التأوييل إلى أن هذه اليية ناسيخة‬
‫لقوله تعالى‪" :‬اتقوا ال حق تقاته" [آل عمران‪ ]102 :‬منهم قتادة والربيع بن أنس والسدي وابن‬
‫زيد‪ .‬ذكر الطبري‪ :‬وحدثني يونس بن عبدالعلى قال أخبرنا ابن وهب قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله‬
‫تعالى‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا اتقوا ال حيق تقاتيه" [آل عمران‪ ]102 :‬قال‪ :‬جاء أمير شدييد‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫ومن يعرف قدر هذا أو يبلغه؟ فلما عرف ال أنه قد اشتد ذلك عليهم نسخها عنهم وجاء بهذه الية‬
‫الخرى فقال‪" :‬اتقوا ال ميا اسيتطعتم"‪ .‬وقييل‪ :‬هيي محكمية ل نسيخ فيهيا‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬قوله‬
‫تعالى‪" :‬اتقوا ال حق تقاته" [آل عمران‪ ]102 :‬إنها لم تنسخ‪ ،‬ولكن حق تقاته أن يجاهد ل حق‬
‫جهاده‪ ،‬ول يأخذه فييي ال لوميية لئم‪ ،‬ويقوموا ل بالقسييط ولو على أنفسييهم وآبائهييم وأبنائهييم‪ .‬وقييد‬
‫تقدم‪.‬‬
‫@ فإن قيل‪ :‬فإذا كانت هذه الية محكمة غير منسوخة فما وجه قوله فيي سورة التغابن‪" :‬فاتقوا‬
‫ال مييا اسييتطعتم" وكيييف يجوز اجتماع الميير باتقاء ال حييق تقاتييه‪ ،‬والميير باتقائه مييا اسييتطعنا‪.‬‬
‫والميير باتقائه حييق تقاتييه إيجاب القرآن بغييير خصييوص ول وصييل بشرط‪ ،‬والميير باتقائه مييا‬
‫اسيتطعنا أمير باتقائه موصيول بشرط‪ .‬قييل له‪ :‬قوله‪" :‬فاتقوا ال ميا اسيتطعتم" بمعزل مميا دل علييه‬
‫قوله تعالى‪" :‬اتقوا ال حق تقاته" [آل عمران‪ ]102 :‬وإنما عنى بقوله‪" :‬فاتقوا ال ما استطعتم"‬
‫فاتقوا ال أيها الناس وراقبوه فيما جعل فتنة لكم من أموالكم وأولدكم أن تغلبكم فتنتهم‪ ،‬وتصدكم‬
‫عيين الواجييب ل عليكييم ميين الهجرة ميين أرض الكفيير إلى أرض السييلم؛ فتتركوا الهجرة مييا‬
‫اسيتطعتم؛ بمعنيى وأنتيم للهجرة مسيتطيعين‪ .‬وذلك أن ال جيل ثناؤه قيد كان عذر مين لم يقدر على‬
‫الهجرة بتركها بقوله تعالى‪" :‬إن الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم" إلى قوله "فأولئك عسى ال‬
‫أن يعفو عنهم" [النساء‪ .]97 :‬فأخبر أنه قد عفا عمن ل يستطيع حيلة ول يهتدي سبيل بالقامة‬
‫فيي دار الشرك؛ فكذلك معنيى قوله‪" :‬فاتقوا ال ميا اسيتطعتم" فيي الهجرة مين دار الشرك إلى دار‬
‫السيلم أن تتركوهيا بفتنية أموالكيم وأولدكيم‪ .‬ومميا يدل على صيحة هذا أن قوله‪" :‬فاتقوا ال ميا‬
‫استطعتم" عقيب قوله‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولدكم عدوا لكم فاحذروهم"‪.‬‬
‫ول خلف بين السلف من أهل العلم بتأويل القرآن أن هذه اليات نزلت بسبب قوم كفار تأخروا‬
‫عين الهجرة مين دار الشرك إلى دار السيلم بتثيبيط أولدهيم إياهيم عين ذلك؛ حسيب ميا تقدم‪ .‬وهذا‬
‫كله اختيار الطيبري‪ .‬وقييل‪" :‬فاتقوا ال ميا اسيتطعتم" فيميا تطوع بيه مين نافلة أو صيدقة؛ فإنيه لميا‬
‫نزل قوله تعالى‪" :‬اتقوا ال حيق تقاتيه" [آل عمران‪ ]102 :‬اشتيد على القوم فقاموا حتيى ورميت‬
‫عراقيبهييم وتقرحييت جباههييم‪ ،‬فأنزل ال تعالى تخفيفييا عنهييم‪" :‬فاتقوا ال مييا اسييتطعتم" فنسييخت‬
‫الولى؛ قاله ابيين جييبير‪ .‬قال الماوردي‪ :‬ويحتمييل إن لم يثبييت هذا النقييل أن المكره على المعصييية‬
‫غير مؤاخذ بها؛ لنه ل يستطيع اتقاءها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واسمعوا وأطيعوا" أي اسمعوا ما توعظون به وأطيعوا فيما تؤمرون به وتنهون‬
‫عنه‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬اسمعوا" أي اصغوا إلى ما ينزل عليكم من كتاب ال؛ وهو الصل في السماع‪.‬‬
‫"وأطيعوا" لرسوله فيما أمركم أو نهاكم‪ .‬وقال قتادة‪ :‬عليهما بويع النبي صلى ال عليه وسلم على‬
‫السمع والطاعة‪ .‬وقيل‪" :‬واسمعوا" أي اقبلوا ما تسمعون؛ وعبر عنه بالسماع لنه فائدته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقيد تغلغيل فيي هذه اليية الحجاج حيين تلهيا وقصيرها على عبدالملك بين مروان فقال‪:‬‬
‫"فاتقوا ال ما استطعم واسيمعوا وأطيعوا" هي لعبدالملك بين مروان أميين ال وخليفته‪ ،‬لييس فيهيا‬
‫مثنويية‪ ،‬وال لو أمرت رجل أن يخرج ن باب المسيجد فخرج مين غيره لحيل لي دميه‪ .‬وكذب فيي‬
‫تأويلها بل هي للنبي صلى ال عليه وسلم أول ثم لولي المر من بعده‪ .‬دليله "أطيعوا ال وأطيعوا‬
‫الرسول وأولي المر منكم" [النساء‪.]59 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأنفقوا" قييل‪ :‬هيو الزكاة؛ قاله ابين عباس‪ .‬وقييل‪ :‬هيو النفقية فيي النفيل‪ .‬وقال‬
‫الضحاك‪ :‬هو النفقة في الجهاد‪ .‬وقال الحسن‪ :‬هو نفقة الرجل لنفسه‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وإنما أوقع‬
‫قائل هذا قوله‪" :‬لنفسيكم" وخفيي علييه أن نفقية النفيل والفرض فيي الصيدقة هيي نفقية الرجيل على‬
‫نفسه؛ قال ال تعالى‪" :‬إن أحسنتم أحسنتم لنفسكم وإن أسأتم فلها"‪[ .‬السراء‪ .]7 :‬وكل ما يفعله‬
‫الرجل من خير فإنما هو لنفسه‪ .‬والصحيح أنها عامة‪ .‬وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫فال له رجل‪ :‬عندي دينار؟ قال‪( :‬أنفقه على نفسك) قال‪ :‬عندي آخر؟ قال‪( :‬أنفقه على عيالك) قال‪:‬‬
‫عندي آخر؟ قال‪( :‬أنفقه على ولدك) قال‪ :‬عندي آخر؟ قال‪( :‬تصدق به) فبدأ بالنفس والهل والولد‬
‫وجعل الصدقة بعد ذلك‪ .‬وهو الصل في الشرع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خيرا لنفسكم" "خيرا" نصب بفعل مضمر عند سيبويه؛ دل عليه "وأنفقوا" كأنه‬
‫قال‪ :‬ايتوا فييي النفاق خيرا لنفسييكم‪ ،‬أو قدموا خيرا لنفسييكم ميين أموالكييم‪ .‬وهييو عنييد الكسييائي‬
‫والقراء نعييت لمصييدر محذوف؛ أي أنفقوا إنفاقييا خيرا لنفسييكم‪ .‬وهييو عنييد أبييي عييبيدة خييبر كان‬
‫مضمرة؛ أي يكين خيرا لكيم‪ .‬ومين جعيل الخيير المال فهيو منصيوب بيي "أنفقوا"‪" .‬ومين يوق شيح‬
‫نفسه فأولئك هم المفلحون" تقدم الكلم فيه‪ .‬وكذا "إن تقرضوا ال قرضا حسنا يضاعفه لكم" تقدم‬
‫الكلم فيه‪" .‬ويغفر لكم وال شكور حليم" تقدم معنى الشكر في "البقرة"‪ .‬والحليم‪ :‬الذي ل يعجل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عالم الغييب والشهادة" أي ميا غاب وحضير‪ .‬وهيو "العزييز" أي الغالب القاهير‪.‬‬
‫فهيو مين صيفات الفعال‪ ،‬ومنيه قوله عيز وجيل‪" :‬تنزييل الكتاب مين ال العزييز الحكييم" [الجاثيية‪:‬‬
‫‪ .]2‬أي من ال القاهر المحكم خالق الشياء‪ .‬وقال الخطابي‪ :‬وقد يكون بمعنى نفاسة القدر‪ ،‬يقال‬
‫منه‪ :‬عز يعز (بكسر العين) فيتناول معنى العزيز على هذا أنه ل يعادل شيء وأنه ل مثل له‪ .‬وال‬
‫اعلم‪" .‬الحكييم" فيي تدبيير خلقيه‪ .‬وقال ابين النباري‪" :‬الحكييم" هيو المحكيم لخلق الشياء‪ ،‬صيرف‬
‫عيين مفعييل إلى فعيييل‪ ،‬ومنييه قوله عييز وجييل‪" :‬الر تلك آيات الكتاب الحكيييم" [يونييس‪ ]1 :‬معناه‬
‫المحكم‪ ،‬فصرف عن مفعل إلى فعيل‪ .‬وال اعلم‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الطلق‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ مدنية في قول الجميع‪ .‬وهي إحدى عشرة آية‪ ،‬أو اثنتا عشرة آية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا ال ربكم ل‬
‫تخرجوهن من بيوتهن ول يخرجن إل أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود ال ومن يتعد حدود ال‬
‫فقد ظلم نفسه ل تدري لعل ال يحدث بعد ذلك أمرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها النبي إذا طلقتم النساء" الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬خوطب بلفظ‬
‫الجماعية تعظيميا وتفخيميا‪ .‬وفيي سينن ابين ماجية عين سيعيد بين جيبير عين ابين عباس عين عمير بين‬
‫الخطاب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم طلق حفصة رضي ال عنها ثم راجعها‪ .‬وروى قتادة‬
‫عن أنس قال‪ :‬طلق رسول ال صلى ال عليه وسلم حفصة رضي ال عنها فأتت أهلها‪ ،‬فأنزل ال‬
‫تعالى علييه‪" :‬ييا أيهيا النيبي إذا طلقتيم النسياء فطلقوهين لعدتهين"‪ .‬وقييل له‪ :‬راجعهيا فإنهيا قوامية‬
‫صيوامة‪ ،‬وهيي مين أزواجيك فيي الجنية‪ .‬ذكره الماوردي والقشيري والثعلبيي‪ .‬زاد القشيري‪ :‬ونزل‬
‫فيي خروجهيا إلى أهلهيا قوله تعالى‪" :‬ل تخرجوهين‪ ،‬مين بيوتهين"‪ .‬وقال الكلبيي‪ :‬سيبب نزول هذه‬
‫اليية غضيب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم على حفصية‪ ،‬لميا أسير إليهيا حديثيا فأظهرتيه لعائشية‬
‫فطلقها تطليقة‪ ،‬فنزلت الية‪ .‬وقال السدي‪ :‬نزلت في عبدال بن عمر‪ ،‬طلق امرأته حائضا تطليقة‬
‫واحدة فأمره رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بأن يراجعهيا ثيم يمسيكها حتيى تطهير وتحييض ثيم‬
‫تطهر‪ ،‬فإذا أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها‪ .‬فتلك العدة التي أمر ال تعالى‬
‫أن يطلق لها النساء‪ .‬وقد قيل‪ :‬أن رجال فعلوا مثل ما فعل عبدال بن عمر‪ ،‬منهم عبدال بن عمرو‬
‫بين العاص‪ ،‬وعمرو بين سيعد بين العاص‪ ،‬وعتبية بين غزوان‪ ،‬فنزلت اليية فيهيم‪ .‬قال ابين العربيي‪:‬‬
‫وهذا كله وإن لم يكن صحيحا فالقول الول أمثل‪ .‬والصح فيه أنه بيان لشرع مبتدأ‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنه‬
‫خطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد أمته‪ .‬وغاير بين اللفظين من حاضر وغائب وذلك لغة‬
‫فصيحة‪ ،‬كما قال‪" :‬حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة" [يونس‪ .]22 :‬تقديره‪ :‬يا أيها‬
‫النبي قل لهم إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن‪ .‬وهذا هو قولهم‪ :،‬إن الخطاب له وحده والمعنى له‬
‫وللمؤمنين‪ .‬وإذا أراد ال بالخطاب المؤمنين لطفه بقول‪" :‬يا أيها النبي"‪ .‬فإذا كان الخطاب باللفظ‬
‫والمعنى جميعا له قال‪" :‬يا أيها الرسول"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويدل على صيحة هذا القول نزول العدة فيي أسيماء بنيت يزييد بين السيكن النصيارية‪ .‬ففيي‬
‫كتاب أبيي داود عنهيا أنهيا طلقيت على عهيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬ولم يكين للمطلقية عدة‪،‬‬
‫فأنزل ال تعالى حيين طلقيت أسيماء بالعدة للطلق‪ ،‬فكانيت أول مين أنزل فيهيا العدة للطلق‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫المراد به نداء النبي صلى ال عليه وسلم تعظيما‪ ،‬ثم ابتدأ فقال‪" :‬إذا طلقتم النساء"؛ كقوله تعالى‪:‬‬
‫"يييا أيهييا الذييين آمنوا إنمييا الخميير والميسيير والنصيياب والزلم" [المائدة‪ ]90 :‬الييية‪ .‬فذكيير‬
‫المؤمنييين على معنييى تقديمهييم وتكريمهييم؛ ثييم افتتييح فقال‪" :‬إنمييا الخميير والميسيير والنصيياب‬
‫والزلم" الية‪.‬‬
‫@ روى الثعلبيي من حديث ابن عمر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن من أبغض‬
‫الحلل إلى ال تعالى الطلق)‪ .‬وعيين علي عيين النييبي صييلى ال عليييه وسييلم قال‪( :‬تزوجوا ول‬
‫تطلقوا فإن الطلق يهتز منه العرش)‪ .‬وعن أبي موسى قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(ل تطلقوا النساء إل من ريبة فإن ال عز وجل ل يحب الذواقين ول الذواقات)‪ .‬وعن أنس قال‪:‬‬
‫قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم (ميا حلف بالطلق ول اسيتحلف بيه إل منافيق)‪ .‬أسيند جميعيه‬
‫الثعلبيي رحميه ال فيي كتابيه‪ .‬وروى الدارقطنيي قال‪ :‬حدثنيا أبيو العباس محميد بين موسيى بين علي‬
‫الدولبي ويعقوب بن إبراهيم قال حدثنا الحسن بن عرفة قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن حميد‬
‫بين مالك اللخميي عين مكحول عين معاذ بين جبيل قال‪ :‬قال لي رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم‪( :‬ييا‬
‫معاذ ما خلق ال شيئا على وجه الرض أحب إليه من العتاق ول خلق ال شيئا على وجه الرض‬
‫أبغض من الطلق‪ .‬فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء ال فهو حر ول استئناء له وإذا قال‬
‫الرجيل لمرأتيه أنيت طالق إن شاء ال فله اسيتثناؤه ول طلق علييه)‪ .‬حدثنيا محميد بين موسيى بين‬
‫علي قال‪ :‬حدثنيا حمييد بين الربييع قال حدثنيا يزييد بين هارون حدثنيا إسيماعيل بين عياش بإسيناده‬
‫نحوه‪ .‬قال حمييد‪ :‬قال لي يزييد بين هارون‪ :‬وأي حدييث لو كان حمييد بين مالك معروفيا؟ قلت‪ :‬هيو‬
‫جدي‪ .‬قال يزييد‪ :‬سيررتني سيررتني! الن صيار حديثيا‪ .‬حدثنيا عثمان بين أحميد الدقاق قال حدثنيا‬
‫إسيحاق بين إبراهييم بين سينين حدثنيا عمير بين إبراهييم بين خالد حدثنيا حمييد بين مالك اللخميي حدثنيا‬
‫مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما أحل‬
‫ال شيئا أبغض إليه من الطلق فمن طلق واستثنى فله ثنياه)‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬اختلفوا في الستثناء‬
‫في الطلق والعتق؛ فقالت طائفة‪ :‬ذلك جائز‪ .‬وروينا هذا القول عن طاوس‪ .‬وبه قال حماد الكوفي‬
‫والشافعيي وأبيو ثور وأصيحاب الرأي‪ .‬ول يجوز السيتثناء فيي الطلق فيي قول مالك والوزاعيي‪.‬‬
‫وهذا قول قتادة في الطلق خاصة‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وبالقول الول أقول‪.‬‬
‫@ روى الدارقطني من حديث عبدالرزاق أخبرني عمي وهب بن نافع قال سمعت عكرمة يحدث‬
‫عيين ابيين عباس يقول‪ :‬الطلق على أربعيية وجوه‪ :‬وجهان حللن ووجهان حرامان؛ فأمييا الحلل‬
‫فأن يطلقها طاهرا عن غير جماع وأن اطلقها حامل مستبينا حملها‪ .‬وأما الحرام فأن يطلقها وهي‬
‫حائض‪ ،‬أو يطلقها حين يجامعها‪ ،‬ل تدري اشتمل الرحم على ولد أم ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فطلقوهن لعدتهن" في كتاب أبي داود عن أسماء بنت يزيد بن السكن النصارية‬
‫أنهيا طلقيت على عهيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم ولم يكين للمطلقية عدة‪ ،‬فأنزل ال سيبحانه حيين‬
‫طلقييت أسييماء بالعدة للطلق؛ فكانييت أول ميين أنزل فيهييا العدة للطلق‪ .‬وقييد تقدم‪ .‬قوله تعالى‪:‬‬
‫"لعدتهين" يقتضيي أنهين اللتيي دخيل بهين مين الزواج؛ لن غيير المدخول بهين خرجين بقوله‬
‫تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتيم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن‬
‫من عدة تعتدونها" [الحزاب‪.]49 :‬‬
‫@ من طلق في طهر لم يجامع فيه نفذ طلقه وأصاب السنة‪ .‬وإن طلقها حائضا نفذ طلقه وأخطأ‬
‫السينة‪ .‬وقال سيعيد بين المسييب فيي أخرى‪ :‬ل يقيع الطلق فيي الحييض لنيه خلف السينة‪ .‬وإلييه‬
‫ذهبيت الشيعية‪ .‬وفيي الصيحيحين ‪ -‬واللفيظ للدارقطنيي ‪ -‬عين عبدال بين عمير قال‪ :‬طلقيت امرأتيي‬
‫وهي حائض؛ فذكير ذلك عمر لرسول ال صيلى ال عليه وسلم؛ فتغيظ رسيول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فقال‪( :‬ليراجعها ثم ليمسكها حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها فإن‬
‫بدا له أن يطلقهييا فليطلقهييا طاهرا ميين حيضتهييا قبييل أن يمسييها فذلك الطلق للعدة كمييا أميير ال)‪.‬‬
‫وكان عبدال بين عمير طلقهيا تطليقية‪ ،‬فحسيبت مين طلقهيا وراجعهيا عبدال بين عمير كميا أمره‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬في رواية عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(هي واحدة)‪ .‬وهذا نص‪ .‬وهو يرد على الشيعة قولهم‪.‬‬
‫@ عين عبدال بين مسيعود قال‪ :‬طلق السينة أن يطلقهيا فيي كيل طهير تطليقية؛ فإذا كان آخير ذلك‬
‫فتلك العدة التييي أميير ال تعالى بهييا‪ .‬رواه الدارقطنييي عيين العمييش عيين أبييي إسييحاق عيين أبييي‬
‫الحوص عين عبدال‪ .‬قال علماؤنيا‪ :‬طلق السينة ميا جميع شروطيا سيبعة‪ :‬وهيو أن يطلقهيا واحدة‪،‬‬
‫وهي ممن تحيض‪ ،‬طاهرا‪ ،‬لم يمسها في ذلك الطهر‪ ،‬ول تقدمه طلق في حيض‪ ،‬ول تبعه طلق‬
‫فييي طهيير يتلوه‪ ،‬وخل عيين العوض‪ .‬وهذه الشروط السييبعة ميين حديييث ابيين عميير المتقدم‪ .‬وقال‬
‫الشافعيي‪ :‬طلق السينة أن يطلقهيا فيي كيل طهير خاصية‪ ،‬ولو طلقهيا ثلثيا فيي طهير لم يكين بدعية‪.‬‬
‫وقال أبيو حنيفية‪ :‬طلق السينة أن يطلقهيا فيي كيل طهير طلقية‪ .‬وقال الشعيبي‪ :‬يجوز أن يطلقهيا فيي‬
‫طهر جامعها فيه‪ .‬فعلماؤنا قالوا‪ :‬يطلقها واحدة في طهر لم يمس فيه‪ ،‬ول تبعه طلق في عدة‪ ،‬ول‬
‫يكون الظهير تالييا لحييض وقيع فييه الطلق؛ لقول النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مرة فليراجعهيا ثيم‬
‫ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق‪ .‬فتلك العدة التي أمر ال‬
‫أن يطلق لها النساء)‪ .‬وتعلق المام الشافعي بظاهر قوله تعالى‪" :‬فطلقوهن لعدتهن" وهذا عام في‬
‫كيل طلق كان واحدة أو اثنتيين أو أكثير‪ .‬وإنميا راعيى ال سيبحانه الزمان فيي هذه اليية ولم يعتيبر‬
‫العدد‪ .‬وكذلك حديييث ابيين عميير لن النييبي صييلى ال عليييه وسييلم علمييه الوقييت ل العدد‪ .‬قال ابيين‬
‫العربيي‪" :‬وهذه غفلة عين الحدييث الصيحيح؛ فإنيه قال‪( :‬مرة فليراجعهيا) وهذا يدفيع الثلث‪ .‬وفيي‬
‫الحدييث أنيه قال‪ :‬أرأييت لو طلقهيا ثلثيا؟ قال حرميت علييك وبانيت منيك بمعصيية‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫ظاهير اليية يدل على أن الطلق الثلث والواحدة سيواء‪ .‬وهيو مذهيب الشافعيي لول قوله بعيد ذلك‪:‬‬
‫"ل تدري لعل ال يحدث بعد ذلك أمرا"‪ .‬وهذا يبطل دخول الثلث تحت الية‪ .‬وكذلك قال أكثر‬
‫العلماء؛ وهو بديع لهم‪ .‬وأما مالك فلم يخف عليه إطلق الية كما قالوا‪ ،‬ولكن الحديث فسرها كما‬
‫قلنيا‪ .‬وأميا قول الشعيبي‪ :‬إنيه يجوز طلق فيي طهير جامعهيا فييه‪ ،‬فيرده حدييث ابين عمير بنصيه‬
‫ومعناه‪ .‬أما نصه فقد قدمناه‪ ،‬وأما معناه فلنه إذا منع من طلق الحائض لعدم العتداد به‪ ،‬فالطهر‬
‫المجامع فيه أولى بالمنع؛ لنه يسقط العتداد به مخافة شغل الرحم وبالحيض التالي له‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد احتج الشافعيي فيي طلق الثلث بكلمة واحدة بما رواه الدارقطني عن سلمة بن أبي‬
‫سلمة بن عبدالرحمن عن أبيه أن عبدالرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر بنت الصبغ الكلبية‬
‫وهيي أم أبيي سيلمة ثلث تطليقات فيي كلمية واحدة؛ فلم يبلغنيا أن أحدا مين أصيحابه عاب ذلك‪ .‬قال‪:‬‬
‫وحدثنا سلمة بن أبي سلمة عن أبيه أن حفص بن المغيرة طلق امرأته فاطمة بنت قيس على عهد‬
‫رسيول اله صيلى ال علييه وسيلم ثلث تطليقات فيي كلمية؛ فأبانهيا منيه رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسيلم‪ ،‬ولم يبلغنيا أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم عاب ذلك علييه‪ .‬واحتيج أيضيا بحدييث عويمير‬
‫العجلني لما لعن قال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬هي طالق ثلث‪ .‬فلم ينكر عليه النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقيد انفصيل علماؤنيا عين هذا أحسين انفصيال‪ .‬بيانيه فيي غيير هذا الموضيع‪ .‬وقيد ذكرناه فيي كتاب‬
‫(المقتبيس مين شرح موطيأ مالك بين أنيس)‪ .‬وعين سيعيد بين المسييب وجماعية مين التابعيين أن مين‬
‫خالف السنة في الطلق فأوقعه في حيض أو ثلث لم يقع؛ فشبهوه بمن وكل بطلق السنة فخالف‪.‬‬
‫@ قال الجرجانيي‪ :‬اللم فيي قوله تعالى‪" :‬لعدتهين" بمعنيى فيي؛ كقوله تعالى‪" :‬هيو الذي أخرج‬
‫الذيين كفروا مين أهيل الكتاب مين ديارهيم لول الحشير" [الحشير‪ .]2 :‬أي فيي أول الحشير‪ .‬فقوله‪:‬‬
‫"لعدتهن" أي في عدتهن؛ أي في الزمان الذي يصلح لعدتهن‪ .‬وحصل الجماع على أن الطلق‬
‫فيي الحيض ممنوع وفي الطهر مأذون فيه‪ .‬ففيه دليل على أن القرء هو الطهر‪ .‬وقد مضى القول‬
‫فييه فيي "البقرة" فإن قييل‪ :‬معنيى "فطلقوهين لعدتهين" أي فيي قبيل عدتهين‪ ،‬أو لقبيل عدتهين‪ .‬وهيي‬
‫قراءة النيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ كميا قال ابين عمير فيي صيحيح مسيلم وغيره‪ .‬فقييل العدة آخير‬
‫الطهير حتيى يكون القرء الحييض‪ ،‬قييل له‪ :‬هذا هيو الدلييل الواضيح لمالك ومين قال بقوله؛ على أن‬
‫القراء هيي الطهار‪ .‬ولو كان كميا قال الحنفيي ومين تبعيه لوجيب أن يقال‪ :‬إن مين طلق فيي أول‬
‫الطهير ل يكون مطلقيا لقبيل الحييض؛ لن الحييض لم يقبيل بعيد‪ .‬وأيضيا إقبال الحييض يكون بدخول‬
‫الحيض‪ ،‬وبانقضاء الطهر ل يتحقق إقبال الحيض‪ .‬ولو كان إقبال الشيء إدبار ضده لكان الصائم‬
‫مفطرا قبل مغيب الشمس؛ إذ الليل يكون مقبل في إدبار النهار قبل انقضاء النهار‪ .‬ثم إذا طلق في‬
‫آخر الطهر فبقية الطهر قرء‪ ،‬ولن بعض القرء يسمى قرءا لقوله تعالى‪" :‬الحج أشهر معلومات"‬
‫[البقرة‪ ]197 :‬يعنيي شوال وذا القعدة وبعيض ذي الحجية؛ لقوله تعالى‪" :‬فمين تعجيل فيي يوميين‬
‫فل إثم علييه" [البقرة‪ ]203 :‬وهو ينفر فيي بعيض اليوم الثانيي‪ .‬وقيد مضيى هذا كله فيي "البقرة"‬
‫مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأحصوا العدة" يعني في المدخول بها؛ لن غير المدخول بها ل عدة عليها‪ ،‬وله‬
‫أن يراجعهييا فيمييا دون الثلث قبييل انقضاء العدة‪ ،‬ويكون بعدهييا كأحييد الخطاب‪ .‬ول تحييل له فييي‬
‫الثلث إل بعيد زوج‪ .‬قوله تعالى‪" :‬وأحصيوا العدة" معناه احفظوهيا؛ أي احفظوا الوقيت الذي وقيع‬
‫فيييه الطلق‪ ،‬حتييى إذا انفصييل المشروط منييه وهييو الثلثيية قروء فييي قوله تعالى‪" :‬والمطلقات‬
‫يتربصين بأنفسيهن ثلثية قروء" [البقرة‪ ]228 :‬حلت للزواج‪ .‬وهذا يدل على أن العدة هيي‬
‫الطهار وليسيت بالحييض‪ .‬ويؤكده ويفسيره قراءة النيبي صيلى ال عليه وسلم "لقبيل عدتهن" وقبيل‬
‫الشيء بعضه لغة وحقيقة‪ ،‬بخلف استقباله فإنه يكون غيره‪.‬‬
‫@ من المخاطب بأمر الحصاء؟ وفيه ثلث أقوال‪ :‬أحدها‪ :‬أنهم الزواج‪ .‬الثاني‪ :‬أنهم الزوجات‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنهيم المسيلمون‪ .‬ابين العربيي‪" :‬والصيحيح أن المخاطيب بهذا اللفيظ الزواج؛ لن الضمائر‬
‫كلها من "طلقتم" و"أحصوا" و"ل تخرجوا" على نظام واحد يرجع إلى الزواج‪ ،‬ولكن الزوجات‬
‫داخلة فيييه باللحاق بالزوج؛ لن الزوج يحصييي ليراجييع‪ ،‬وينفييق أو يقطييع‪ ،‬وليسييكن أو يخرج‬
‫وليلحق نسبه أو يقطع‪ .‬وهذه كلها أمور مشتركة بينه وبين المرأة‪ ،‬وتنفرد المرأة دونه بغير ذلك‪.‬‬
‫وكذلك الحاكم يفتقر إلى الحصاء للعدة للفتوى عليها‪ ،‬وفصل الخصومة عند المنازعة فيها‪ .‬وهذه‬
‫فوائد الحصاء المأمور به"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتقوا ال ربكم" أي ل تعصوه‪" .‬ل تخرجوهن من بيوتهن" أي ليس للزوج أن‬
‫يخرجهييا ميين مسييكن النكاح مييا دامييت فييي العدة‪ ،‬ول يجوز لهييا الخروج أيضييا لحييق الزوج إل‬
‫لضرورة ظاهرة‪ ،‬فإن خرجيت أثميت ول تنقطيع العدة‪ .‬والرجعيية والمبتوتية فيي هذا سيواء‪ .‬وهذا‬
‫لصييانة ماء الرجيل‪ .‬وهذا معنيى إضافية البيوت إليهين؛ كقوله تعالى‪" :‬واذكرن ميا يتلى فيي بيوتكين‬
‫مين آيات ال والحكمية" [الحزاب‪ ،]34 :‬وقوله تعالى‪" :‬وقرن فيي بيوتكين" [الحزاب‪]33 :‬‬
‫فهو إضافة إسكان وليس إضافة تمليك‪ .‬وقوله‪" :‬ل تخرجوهن" يقتضي أن يكون حقا في الزواج‪.‬‬
‫ويقتضيي قوله‪" :‬ول يخرجين" أنه حيق على الزوجات‪ .‬وفيي صيحيح الحدييث عين جابر بين عبدال‬
‫قال‪ :‬طلقيت خالتيي فأرادت أن تجيد نخلهيا فزجرهيا رجيل أن تخرج؛ فأتيت النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم فقال‪( :‬بلى فجدي نخلك فإنيك عسيى أن تصيدقي أو تفعلي معروفيا)‪ .‬خرجيه مسيلم‪ .‬ففيي هدا‬
‫الحديييث دليييل لمالك والشافعييي وابيين حنبييل والليييث على قولهييم‪ :‬أن المعتدة تخرج بالنهار فييي‬
‫حوائجهيا‪ ،‬وإنميا تلزم منزلهيا باللييل‪ .‬وسيواء عنيد مالك كانيت رجعيية أو بائنية‪ .‬وقال الشافعيي فيي‬
‫الرجعيية‪ :‬ل تخرج ليل ول نهارا‪ ،‬وإنميا تخرج نهارا المبتوتية‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬ذلك فيي المتوفيي‬
‫عنها زوجها‪ ،‬وأما المطلقة فل تخرج ل ليل ول نهارا‪ .‬والحديث يرد عليه‪.‬‬
‫وفيي الصيحيحين أن أبيا حفيص بين عمرو خرج ميع علي بين أبيي طالب إلى اليمين‪ ،‬فأرسيل إلى‬
‫امرأتيه فاطمية بنيت قييس بتطلقية كانيت بقييت مين طلقهيا‪ ،‬وأمير لهيا الحارث بين هشام وعياش بين‬
‫أبيي ربيعية بنفقية؛ فقال لهيا‪ :‬وال مالك مين نفقية إل أن تكونيي حامل‪ .‬فأتيت النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم فذكير له قولهميا‪ .‬فقال‪( :‬ل نفقية لك)‪ ،‬فاسيتأذنته فيي النتقال فأذن لهيا؛ فقالت‪ :‬أيين ييا رسيول‬
‫ال؟ فقال‪( :‬إلى ابن أم مكتوم)‪ ،‬وكان أعمى تضع ثيابها عنده ول يراها‪ .‬فلما مضت عدتها أنكحها‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم أسيامة بين زييد‪ .‬فأرسيل إليهيا مروان قبيصية بين ذؤييب يسيألها عين‬
‫الحدييث‪ ،‬فحدثتيه‪ .‬فقال مروان‪ :‬لم نسيمع هذا الحدييث إل مين امرأة‪ ،‬سينأخذ بالعصيمة التيي وجدنيا‬
‫الناس عليهيا‪ .‬فقالت فاطمية حيين بلغهيا قول مروان‪ :‬فيبيني وبينكيم القرآن‪ ،‬قال ال عيز وجيل‪" :‬ل‬
‫تخرجوهن من بيوتهن" الية‪ ،‬قالت‪ :‬هذا لمن كانت له رجعة؛ فأي أمر يحدث بعد الثلث؟ فكيف‬
‫تقولون‪ :‬ل نفقيية لهييا إذا لم تكيين حامل‪ ،‬فعلم تحبسييونها؟ لفييظ مسييلم‪ .‬فييبين أن الييية فييي تحريييم‬
‫الخراج والخروج إنما هو فيي الرجعية‪ .‬وكذلك استدلت فاطمة بأن الية التي تليها إنما تضمنت‬
‫النهي عن خروج المطلقة الرجعية؛ لنها بصدد أن يحدث لمطلقها رأي في أرتجاعها ما دامت في‬
‫عدتهيا؛ فكأنهيا تحيت تصيرف الزوج فيي كيل وقيت‪ .‬وأميا البائن فلييس له شييء مين ذلك؛ فيجوز لهيا‬
‫أن تخرج إذا دعتهيا إلى ذلك حاجية‪ ،‬أو خافيت عورة منزلهيا؛ كميا أباح لهيا النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم ذلك‪ .‬وفيي مسيلم ‪ -‬قالت فاطمية ييا رسيول ال‪ ،‬زوجيي طلقنيي ثلثيا وأخاف أن يقتحيم علي‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأمرها فتحولت‪.‬‬
‫وفيي البخاري عن عائشة أنهيا كانيت فيي مكان وحيش فخييف على ناحيتهيا؛ فلذلك أرخص النيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم لهيا‪ .‬وهذا كله يرد على الكوفيي قول‪ .‬وفيي حدييث فاطمية‪ :‬أن زوجهيا أرسيل‬
‫إليها بتطليقة كانت بقيت من طلقها؛ فهو حجة لمالك وحجة على الشافعي‪ .‬وهو أصح من حديث‬
‫سيلمة بين أبيي سيلمة عين أبييه أن حفيص بين المغيرة طلق امرأتيه ثلث تطليقات فيي كلمية؛ على ميا‬
‫تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل أن يأتين بفاحشة مبينة" قال ابن عباس وابن عمر والحسن والشعبي ومجاهد‪:‬‬
‫هيو الزنيى؛ فتخرج ويقام عليهيا الحيد‪ .‬وعين ابين عباس أيضيا والشافعيي‪ :‬أنيه البذاء على أحمائهيا؛‬
‫فيحيل لهيم إخراجهيا‪ .‬وروي عين سيعيد بين المسييب أنيه قال فيي فاطمية‪ :‬تلك امرأة اسيتطالت على‬
‫أحمائهيا بلسيانها فأمرهيا علييه السيلم أن تنتقيل‪ .‬وفيي كتاب أبيي داود قال سيعيد‪ :‬تلك امرأة فتنيت‬
‫الناس‪ ،‬إنهيا كانيت لسينة فوضعيت على يدي ابين أم مكتوم العميى‪ .‬قال عكرمية‪ :‬فيي مصيحف أبيي‬
‫"إل أن يفحشن عليكم"‪ .‬ويقوي هذا أن محمد بن إبراهيم بن الحارث روي أن عائشة قالت لفاطمة‬
‫بنت قيس‪ :‬اتقي ال فإنك تعلمين لم أخرجت؟ وعن ابن عباس أيضا‪ :‬الفاحشة كل معصية كالزنى‬
‫والسييرقة والبذاء على الهييل‪ .‬وهييو اختيار الطييبري‪ .‬وعيين ابيين عميير أيضييا والسييدي‪ :‬الفاحشيية‬
‫خروجها من بيتها في العدة‪ .‬وتقدير الية‪ :‬إل أن يأتين بفاحشة مبينة بخروجهن من بيوتهن بغير‬
‫حييق؛ أي لو خرجييت كانييت عاصييية‪ .‬وقال قتادة‪ :‬الفاحشيية النشوز‪ ،‬وذلك أن يطلقهييا على النشوز‬
‫فتتحول عن بيته‪ .‬قال ابن العربيي‪ :‬أما من قال إنه الخروج للزنى؛ فل وجه له؛ لن ذلك الخروج‬
‫هو خروج القتل والعدام‪ :‬وليس ذلك بمستثنى في حلل ول حرام‪ .‬وأما من قال‪ :‬إنه البذاء؛ فهو‬
‫مفسير فيي حدييث فاطمية بنيت قييس‪ .‬وأميا مين قال‪ :‬إنيه كيل معصيية؛ فوهيم لن الغيبية ونحوهيا مين‬
‫المعاصي ل تبيح الخراج ول الخروج‪ .‬وأما من قال‪ :‬إنه الخروج بغير حق؛ فهو صحيح‪ .‬وتقدير‬
‫الكلم‪ :‬ل تخرجوهن من بيوتهن ول يخرجن شرعا إل أن يخرجن تعديا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتلك حدود ال" أي هذه الحكام التيي بينهيا أحكام ال على العباد‪ ،‬وقيد منيع‬
‫التجاوز عنها فمن تجاوز فقد ظلم نفسه وأوردها مورد الهلك‪" .‬ل تدري لعل ال يحدث بعد ذلك‬
‫أمرا" المير الذي يحدثيه ال أن يقلب قلبيه مين بغضهيا إلى محبتهيا‪ ،‬ومين الرغبية عنهيا إلى الرغبية‬
‫فيهييا‪ ،‬وميين عزيميية الطلق إلى الندم عليييه؛ فيراجعهييا‪ .‬وقال جميييع المفسييرين‪ :‬أراد بالميير هنييا‬
‫الرغبية فيي الرجعية‪ .‬ومعنيى القول‪ :‬التحرييض على طلق الواحدة والنهيي عين الثلث؛ فإنيه إذا‬
‫طلق أضير بنفسه عند الندم على الفراق والرغبة فيي الرتجاع‪ ،‬فل يجد عند الرجعة سبيل‪ .‬وقال‬
‫مقاتل‪" :‬بعد ذلك" أي بعد طلقة أو طلقتين "أمرا" أي المراجعة من غير خلف‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 - 2 :‬فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي‬
‫عدل منكيم وأقيموا الشهادة ل ذلكيم يوعيظ به مين كان يؤمين بال واليوم الخر ومن يتق ال يجعيل‬
‫له مخرجا‪ ،‬ويرزقه من حيث ل يحتسب ومن يتوكل على ال فهو حسبه إن ال بالغ أمره قد جعل‬
‫ال لكل شيء قدرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا بلغن أجلهن" أي قاربن انقضاء العدة؛ كقوله تعالى‪" :‬وإذا طلقتم النساء فبلغن‬
‫أجلهين فأمسيكوهن" [البقرة‪ ]231 :‬أي قربين مين انقضاء الجيل‪" .‬فأمسيكوهن بمعروف" يعنيي‬
‫المراجعة بالمعروف؛ أي بالرغبة من غير قصد المضارة في الرجعة تطويل لعدتها‪ .‬كما تقدم في‬
‫"البقرة"‪" .‬أو فارقوهين بمعروف" أي اتركوهين حتيى تنقضيي عدتهين فيملكين أنفسيهن‪ .‬وفيي قوله‬
‫تعالى‪" :‬فإذا بلغين أجلهين" ميا يوجيب أن يكون القول قول المرأة فيي انقضاء العدة إذا أدعيت ذلك‪،‬‬
‫على مييا بيناه فييي سييورة "البقرة" عنييد قوله تعالى‪" :‬ول يحييل لهيين أن يكتميين مييا خلق ال فييي‬
‫أرحامهن" [البقرة‪ ]228 :‬الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأشهدوا" أمر بالشهاد على الطلق‪ .‬وقيل‪ :‬على الرجعة‪ .‬والظاهر رجوعه إلى‬
‫الرجعة ل إلى الطلق‪ .‬فإن راجع من غير إشهاد ففي صحة الرجعة قولن للفقهاء‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى‬
‫وأشهدوا عنييد الرجعيية والفرقيية جميعييا‪ .‬وهذا الشهاد مندوب إلييه عنييد أبييي حنيفية؛ كقوله تعالى‪:‬‬
‫"وأشهدوا إذا تبايعتم" [البقرة‪ .]282 :‬وعند الشافعي واجب في الرجعة‪ ،‬مندوب إليه في الفرقة‪.‬‬
‫وفائدة الشهاد أل يقيع بينهميا التجاحيد‪ ،‬وإل يتهيم فيي إمسياكها‪ ،‬ولئل يموت أحدهميا فيدعيي الباقيي‬
‫ثبوت الزوجية ليرث‪.‬‬
‫@ الشهاد عنيد أكثير العلماء على الرجعية ندب‪ .‬وإذا جامع أو قبل أو باشير يرييد بذلك الرجعة‪،‬‬
‫وتكلم بالرجعية يرييد بيه الرجعية فهيو مراجيع عنيد مالك‪ ،‬وإن لم يرد بذلك الرجعية فلييس بمراجيع‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة وأصحابه‪ :‬إذا قبل أو باشر أو لمس بشهوة فهو رجعة‪ .‬وقالوا‪ :‬والنظر إلى الفرج‬
‫رجعية‪ .‬وقال الشافعيي وأبيو ثور‪ :‬إذا تكلم بالرجعية فهيو رجعية‪ .‬وقيد قييل‪ :‬وطؤه مراجعية على كيل‬
‫حال‪ ،‬نواهيا أو لم ينوهيا‪ .‬وروي ذلك عين طائفية مين أصيحاب مالك‪ .‬وإليه ذهيب اللييث‪ .‬وكان مالك‬
‫يقول‪ :‬إذا وطئ ولم ينو الرجعة فهو وطء فاسد؛ ول يعود لوطئها حتى يستبرئها من مائه الفاسد‪،‬‬
‫وله الرجعة في بقية العدة الولى‪ ،‬وليس له رجعة في هذا الستبراء‪.‬‬
‫@ أوجب الشهاد في الرجعة أحمد بن حنبل في أحد قوليه‪ ،‬والشافعي كذلك لظاهر المر‪ .‬وقال‬
‫مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في القول الخر‪ :‬إن الرجعة ل تفتقر إلى القبول‪ ،‬فلم تفتقر إلى‬
‫الشهاد كسييائر الحقوق‪ ،‬وخصييوصا حييل الظهار بالكفارة‪ .‬قال ابيين العربييي‪ :‬وركييب أصييحاب‬
‫الشافعيي على وجوب الشهاد فيي الرجعية أنيه ل يصيح أن يقول‪ :‬كنيت راجعيت أميس وأنيا أشهيد‬
‫اليوم على القرار بالرجعة‪ ،‬ومن شرط الرجعة الشهاد فل تصح دونه‪ .‬وهذا فاسد مبني على أن‬
‫الشهاد فيي الرجعية تعبيد‪ .‬ونحين ل نسيلم فيهيا ول فيي النكاح بأن نقول‪ :‬إنيه موضيع للتوثيق‪ ،‬وذلك‬
‫موجود في القرار كما هو موجود في النشاء‪.‬‬
‫@ من ادعى بعد انقضاء العدة أنه راجع امرأته في العدة‪ ،‬فإن صدقته جاز وإن أنكرت حلفت‪،‬‬
‫فإن أقام بينة أنه ارتجعها في العدة ولم تعلم بذلك لم يضره جهلها بذلك‪ ،‬وكانت زوجته‪ ،‬وإن كانت‬
‫قيد تزوجيت ولم يدخيل بهيا ثيم أقام الول البينية على رجعتهيا فعين مالك فيي ذلك روايتان‪ :‬إحداهميا‪:‬‬
‫أن الول أحيق بهيا‪ .‬والخرى‪ :‬أن الثانيي أحيق بهيا‪ .‬فإن كان الثانيي قيد دخيل بهيا فل سيبيل للول‬
‫إليها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذوي عدل منكيم" قال الحسين‪ :‬مين المسيلمين‪ .‬وعين قتادة‪ :‬مين أحراركيم‪ .‬وذلك‬
‫يوجيييب اختصييياص الشهادة على الرجعييية بالذكور دون الناث؛ لن "ذوي" مذكييير‪ .‬ولذلك قال‬
‫علماؤنيا‪ :‬ل مدخيل للنسياء فيميا عدا الموال‪ .‬وقيد مضيى ذلك فيي سيورة "البقرة"‪" .‬وأقيموا الشهادة‬
‫ل" أي تقربيا إلى ال فيي إقامية الشهادة على وجههيا‪ ،‬إذا مسيت الحاجية إليهيا مين غيير تبدييل ول‬
‫تغييير‪ .‬وقيد مضيى فيي سيورة "البقرة" معناه عنيد قوله تعالى‪" :‬وأقوم للشهادة" [البقرة‪.]282 :‬‬
‫"ذلكيم يوعيظ بيه" أي يرضيى بيه‪" .‬مين كان يؤمين بال واليوم الخير" فأميا غيير المؤمين فل ينتفيع‬
‫بهذه المواعظ‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومين يتيق ال يجعيل له مخرجيا" عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه سيئل عمين‬
‫طلق ثلثا أو ألفا هل له من مخرج؟ فتلها‪ .‬وقال ابن عباس والشعبي والضحاك‪ :‬هذا في الطلق‬
‫خاصية؛ أي مين طلق كميا أمره ال يكين له مخرج فيي الرجعية فيي العدة‪ ،‬وأن يكون كأحيد الخطاب‬
‫بعد العدة‪ .‬وعن ابن عباس أيضا "يجعل له مخرجا" ينجيه من كل كرب في الدنيا والخرة‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫المخرج هو أن يقنعه ال بما رزقه؛ قاله علي بن صالح‪ .‬وقال الكلبي‪" :‬ومن يق ال" بالصبر عند‬
‫المصييبة‪" .‬يجعيل له مخرجيا" مين النار إلى الجنية‪ .‬وقال الحسين‪ :‬مخرجيا مميا نهيى ال عنيه‪ .‬وقال‬
‫أبيو العاليية‪ :‬مخرجيا مين كيل شدة‪ .‬الربييع بين خيثيم‪" :‬يجعيل له مخرجيا" مين كيل شييء ضاق على‬
‫الناس‪ .‬الحسيين بين الفضيل‪" :‬ومين يتيق ال" فيي أداء الفرائض‪" ،‬يجعيل له مخرجيا" مين العقوبية‪.‬‬
‫"ويرزقه" الثواب "من حيث ل يحتسب" أي يبارك له فيما آتاه‪ .‬وقال سهل بن عبدال‪" :‬ومن يتق‬
‫ال" في أتباع السنة "يجعل له مخرجا" من عقوبة أهل البدع‪ ،‬ويرزقه الجنة من حيث ل يحتسب‪.‬‬
‫وقييل‪" :‬ومين يتيق ال" فيي الرزق بقطيع العلئق يجعيل له مخرجيا بالكفايية‪ .‬وقال عمير بين عثمان‬
‫الصدفي‪" :‬ومن يتق ال" فيقف عند حدوده ويجتنب معاصيه يخرجه من الحرام إلى الحلل‪ ،‬ومن‬
‫الضيق إلى السعة‪ ،‬ومن النار إلى الجنة‪" .‬ويرزقه من حيث ل يحتسب" من حيث ل يرجو‪ .‬وقال‬
‫ابين عيينية‪ :‬هيو البركية فيي الرزق‪ .‬وقال أبيو سيعيد الخدري‪ :‬ومين ييبرأ مين حوله وقوتيه بالرجوع‬
‫إلى ال يجعيل له مخرجيا مميا كلفيه بالمعونية له‪ .‬وتأول ابين مسيعود ومسيروق اليية على العموم‪.‬‬
‫وقال أبيو ذر‪ :‬قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إنيى لعلم آيية لو أخيذ بهيا الناس لكفتهيم ‪ -‬ثيم تل ‪-‬‬
‫"ومن يق ال يجعل له مخرجا‪ .‬ويرزقه من حيث ل يحتسب")‪ .‬فما زال يكررها ويعيدها‪.‬‬
‫وقال ابين عباس‪ :‬قرأ النيبي صيلى ال علييه وسيلم "ومين يتيق ال يجعيل له مخرجيا‪ .‬ويرزقيه مين‬
‫حييث ل يحتسيب" قال‪( :‬مخرجيا مين شبهات الدنييا ومين غمرات الموت ومين شدائد يوم القيامية)‪.‬‬
‫وقال أكثر المفسرين فيما ذكر الثعلبي‪ :‬إنها نزلت في عوف بن مالك الشجعي‪ .‬روي الكلبي عن‬
‫أبي صالح عن ابن عباس قال‪ :‬جاء عوف بن مالك الشجعي إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫يا رسول ال‪ ،‬إن ابني أسره العدو وجزعت الم‪ .‬وعن جابر بن عبدال‪ :‬نزلت في عوف بن مالك‬
‫الشجعيي أسير المشركون ابنيا له يسيمى سيالما‪ ،‬فأتيى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وشكيا إلييه‬
‫الفاقية وقال‪ :‬إن العدو أسير ابنيي وجزعيت الم‪ ،‬فميا تأمرنيي؟ فقال علييه السيلم‪( :‬أتيق ال وأصيبر‬
‫وآمرك وإياهييا أن تسييتكثرا ميين قول ل حول ول قوة إل بال)‪ .‬فعاد إلى بيتييه وقال لمرأتييه‪ :‬إن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أمرني وإياك أن نستكثر من قول ل حول ول قوة إل بال‪ .‬فقالت‪:‬‬
‫نعم ما أمرنا به‪ .‬فجعل يقولن؛ فغفل العدو عن ابنه‪ ،‬فساق غنمهم وجاء بها إلى أبيه؛ وهي أربعة‬
‫آلف شاة‪ .‬فنزلت الية‪ ،‬وجعل النبي صلى ال عليه وسلم تلك الغنام له‪ .‬في رواية‪ :‬أنه جاء وقد‬
‫أصياب إبل مين العدو وكان فقيرا‪ .‬قال الكلبيي‪ :‬أصياب خمسيين بعيرا‪ .‬وفيي روايية‪ :‬فأفلت ابنيه مين‬
‫السير وركيب ناقية للقوم‪ ،‬ومير فيي طريقيه بسيرح لهيم فاسيتاقه‪ .‬وقال مقاتيل‪ :‬أصياب غنميا ومتاعيا‬
‫فسيأل النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬أيحيل لي أن آكيل مميا أتيى بيه ابنيي؟ قال‪( :‬نعيم)‪ .‬ونزلت‪" :‬ومين‬
‫يتيق ال يجعيل له مخرجيا‪ .‬ويرزقيه مين حييث ل يحتسيب"‪ .‬فروي الحسين عين عمران بين الحصيين‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من انقطع إلى ال كفاه ال كل مؤونة ورزقه من حيث‬
‫ل يحتسب‪ .‬ومن انقطع إلى الدنيا وكله ال إليها)‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬أي إذا اتقى وآثر الحلل والتصبر‬
‫على أهله‪ ،‬فتيح ال علييه إن كان ذا ضيقية ورزقيه مين حييث ل يحتسيب‪ .‬وعين ابين عباس أن النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من أكثر الستغفار جعل ال له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا‬
‫ورزقه من حيث ل يحتسب)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يتوكل على ال فهو حسبه" أي من فوض إليه أمره كفاه ما أهمه‪ .‬وقيل‪ :‬أي‬
‫مين اتقيى ال وجانيب المعاصيي وتوكيل علييه‪ ،‬فله فيميا يعطييه فيي الخرة مين ثوابيه كفايية‪ .‬ولم يرد‬
‫الدنيا؛ لن المتوكل قد يصاب في الدنيا وقد يقتل‪" .‬إن ال بالغ أمره" قال مسروق‪ :‬أي قاض أمره‬
‫فيمن توكل عليه وفيمين لم يتوكل عليه؛ إل أن من توكيل عليه فيكفير عنه سييئاته ويعظيم له أجرا‪.‬‬
‫وقراءة العاميية "بالغ" منونييا‪" .‬أمره" نصييبا‪ .‬وقرأ عاصييم "بالغ أمره" بالضافيية وحذف التنوييين‬
‫استخفافا‪ .‬وقرأ المفضل "بالغا أمره" على أن قوله‪" :‬قد جعل ال" خبر "إن" و"بالغا" حال‪ .‬وقرأ‬
‫داود بيين أبييي هنييد "بالغ أمره" بالتنوييين ورفييع الراء‪ .‬قال الفراء‪ :‬أي أمره بالغ‪ .‬وقيييل‪" :‬أمره"‬
‫مرتفع "ببالغ" والمفعول محذوف؛ والتقديير‪ :‬بالغ أمره ما أراد‪" .‬قد جعل ال لكل شيء قدرا" أي‬
‫لكيل شييء مين الشدة والرخاء أجل ينتهيي إلييه‪ .‬وقييل تقديرا‪ .‬وقال السيدي‪ :‬هيو قدر الحييض فيي‬
‫الجيل والعدة‪ .‬وقال عبدال بين رافيع‪ :‬لميا نزل قوله تعالى‪" :‬ومين يتوكيل على ال فهيو حسيبه" قال‬
‫أصيحاب النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬فنحين إذا توكلنيا علييه نرسيل ميا كان لنيا ول نحفظيه؛ فنزلت‪:‬‬
‫"إن ال بالغ أمره" فيكم وعليكم‪ .‬وقال الربيع بن خيثم‪ :‬إن ال تعالى قضى على نفسه أن من توكل‬
‫عليييه كفاه وميين آميين بييه هداه‪ ،‬وميين أقرضييه جازاه‪ ،‬وميين وثييق بييه نجاه‪ ،‬وميين دعاه أجاب له‪.‬‬
‫وتصديق ذلك في كتاب ال‪" :‬ومن يؤمن بال يهد قلبه" [التغابن‪" .]11 :‬ومن يتوكل على ال فهو‬
‫حسبه" [الطلق‪" .]3 :‬إن تقرضوا ال قرضا حسنا يضاعفه لكم" [التغابن‪" .]17 :‬ومن يعتصم‬
‫بال فقيد هدي إلى صيراط مسيتقيم" [آل عمران‪" .]101 :‬وإذا سيألك عبادي عنيي فإنيي قرييب‬
‫أجيب دعوة الداع إذا دعان" [البقرة‪.]186 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 - 4 :‬واللئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلثة أشهر واللئي‬
‫لم يحضين وأولت الحمال أجلهين أن يضعين حملهين ومين يتيق ال يجعيل له مين أمره يسيرا‪ ،‬ذلك‬
‫أمر ال أنزله إليكم ومن يتق ال يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واللئي يئسين مين المحييض مين نسيائكم" لميا بين أمير الطلق والرجعية فيي التيي‬
‫تحييض‪ ،‬وكانوا قيد عرفوا عدة ذوات القراء‪ ،‬عرفهيم فيي هذه السيورة عدة التيي ل ترى الدم وقال‬
‫أبيو عثمان عمير بين سيالم‪ :‬لميا نزلت عدة النسياء فيي سيورة "البقرة" فيي المطلقية والمتوفيى عنهيا‬
‫زوجهيا قال أبيي بين كعيب‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬إن ناسيا يقولون قيد بقيي مين النسياء مين لم يذكير فيهين‬
‫شييء‪ :‬الصيغار وذوات الحميل‪ ،‬فنزلت‪" :‬واللئي يئسين" اليية‪ .‬وقال مقاتيل‪ :‬لميا ذكير قوله تعالى‪:‬‬
‫"والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء" [البقرة‪ ]228 :‬قال خلد بن النعمان‪ :‬يا رسول ال‪،‬‬
‫فمييا عدة التييي لم تحييض‪ ،‬وعدة التييي انقطييع حيضهييا‪ ،‬وعدة الحبلى؟ فنزلت‪" :‬واللئي يئسيين ميين‬
‫المحيض من نسائكم" يعني قعدن عن المحيض‪ .‬وقيل‪ :‬إن معاذ بن جبل سأل عن عدة الكبيرة التي‬
‫يئسيت؛ فنزلت اليية‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬اليية واردة فيي المسيتحاضة ل تدري دم حييض هيو‬
‫أو دم علة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ارتبتم" أي شككتم‪ ،‬وقيل تيقنتم‪ .‬وهو من الضداد؛ يكون شكا ويقينا كالظن‪.‬‬
‫واختيار الطيبري أن يكون المعنيى‪ :‬إن شككتيم فلم تدروا ميا الحكيم فيهين‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬إن ارتبتيم‬
‫في حيضها وقد انقطع عنها الحيض وكانت ممن يحيض مثلها‪ .‬القشيري‪ :‬وفي هذا نظر؛ لنا إذا‬
‫شككنيا هيل بلغيت سين اليأس لم نقيل عدتهيا ثلثية أشهير‪ .‬والمعتيبر فيي سين اليأس فيي قول؛ أقصيى‬
‫عادة امرأة فيييي العالم‪ ،‬وفيييي قوله‪ :‬غالب نسييياء عشيرة المرأة‪ .‬وقال مجاهيييد‪ :‬قوله "إن ارتبتيييم"‬
‫للمخاطبين؛ يعني إن لم تعلموا كم عدة اليائسة والتي لم تحض فالعدة هذه‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى إن ارتبتم‬
‫أن الدم الذي يظهير منهيا مين أجيل كيبر أو مين الحييض المعهود أو مين السيتحاضة فالعدة ثلثية‬
‫أشهر‪ .‬وقال عكرمة وقتادة‪ :‬من الريبة المرأة المستحاضة التي ل يستقيم لها الحيض؛ تحيض في‬
‫أول الشهير مرارا وفيي الشهير مرة‪ .‬وقييل‪ :‬إنيه متصيل بأول السيورة‪ .‬والمعنيى‪ :‬ل تخرجوهين مين‬
‫بيوتهن إن ارتبتم في انقضاء العدة‪ .‬وهو أصح ما قيل فيه‪.‬‬
‫@ المرتابية فيي عدتهيا ل تنكيح حتيى تسيتبرئ نفسيها مين ريبتهيا ول تخرج مين العدة إل بارتفاع‬
‫الريبة‪ .‬وقد قيل فيي المرتابة التي ترفعها حيضتها وهي ل تدري ما ترفعها‪ :‬إنها تنتظير سنة من‬
‫يوم طلقها زوجها؛ منها تسعة أشهر استبراء‪ ،‬وثلثة عدة‪ .‬فإن طلقها فحاضت حيضة أو حيضتين‬
‫ثم ارتفع عنها بغير يأس منها انتظرت تسعة أشهر‪ ،‬ثم ثلثة من يوم طهرت من حيضتها ثم حلت‬
‫للزواج‪ .‬وهذا قاله الشافعييي بالعراق‪ .‬فعلى قياس هذا القول تقيييم الحرة المتوفييى عنهييا زوجهييا‬
‫المستبرأة بعد التسعة أشهر أربعة أشهر وعشرا‪ ،‬والمة شهرين وخمس ليال بعد التسعة الشهر‪.‬‬
‫وروي عين الشافعيي أيضيا أن أقراءهيا على ميا كانيت حتيى تبلغ سين اليائسيات‪ .‬وهيو قول النخعيي‬
‫والثوري وغيرهما‪ ،‬وحكاه أبو عبيد عن أهل العراق‪.‬‬
‫فإن كانيت المرأة شابية اسيتؤني بهيا هيل هيي حاميل أم ل؛ فإن اسيتبان حملهيا فإن أجلهيا وضعيه‪.‬‬
‫وإن لم يستبن فقال مالك‪ :‬عدة التي ارتفع حيضها وهي شابة سنة‪ .‬وبه قال أحمد وإسحاق ورووه‬
‫عين عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه وغيره‪ .‬وأهيل العراق يرون أن عدتهيا ثلث حييض بعيد ميا‬
‫كانيت حاضيت مرة واحدة فيي عمرهيا‪ ،‬وإن مكثيت عشريين سينة‪ ،‬إل أن تبلغ مين الكيبر مبلغيا تيأس‬
‫فيييه ميين الحيييض فتكون عدتهييا بعييد الياس ثلثيية أشهيير‪ .‬قال الثعلبييي‪ :‬وهذا الصييح ميين مذهييب‬
‫الشافعي وعليه جمهور العلماء‪ .‬وروي ذلك عن ابن مسعود وأصحابه‪ .‬قال الكيا‪ .‬وهو الحق؛ لن‬
‫ال تعالى جعل عدة اليسة ثلثة أشهر؛ والمرتابة ليست آيسة‪.‬‬
‫@ وأما من تأخر حيضها لمرض؛ فقال مالك وابن القاسم وعبدال بن أصبغ‪ :‬تعتد تسعة أشهر ثم‬
‫ثلثة‪ .‬وقال أشهب‪ :‬هي كالمرضع بعد الفطام بالحيض أو بالسنة‪ .‬وقد طلق حبان بن منقذ‪ .‬امرأته‬
‫وهيي ترضيع؛ فمكثيت سينة ل تحييض لجيل الرضاع‪ ،‬ثيم مرض حبان فخاف أن ترثيه فخاصيمها‬
‫إلى عثمان وعنده علي وزيد‪ ،‬فقال‪ :‬نرى أن ترثه؛ لنها ليست من القواعد ول من الصغار؛ فمات‬
‫حبان فورثته واعتدت عدة الوفاة‪.‬‬
‫@ ولو تأخير الحييض لغيير مرض ول رضاع فإنهيا تنتظير سينة ل حييض فيهيا‪ ،‬تسيعة أشهير ثيم‬
‫ثلثة؛ على ما ذكرناه‪ .‬فتحل ما لم ترتب بحمل؛ فإن أرتابت بحمل أقامت أربعة أعوام‪ ،‬أو خمسة‪،‬‬
‫أو سييبعة؛ على اختلف الروايات عيين علمائنييا‪ .‬ومشهورهييا خمسيية أعوام؛ فإن تجاوزتهييا حلت‪.‬‬
‫وقال أشهيب‪ :‬ل تحيل أبدا حتيى تنقطيع عنهيا الريبية‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬وهيو الصيحيح؛ لنيه إذا جاز‬
‫أن يبقيى الولد فيي بطنهيا خمسية أعوام جاز أن يبقيى عشرة وأكثير مين ذلك‪ .‬وقيد روي عين مالك‬
‫مثله‪.‬‬
‫@ وأما التي جهل حيضها بالستحاضة ففيها ثلثة أقوال‪ :‬قال ابن المسيب‪ :‬تعتد سنة‪ .‬وهو قول‬
‫الليث‪ .‬قال الليث‪ :‬عدة المطلقة وعدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت مستحاضة سنه‪ .‬وهو مشهور‬
‫قول علمائنا؛ سواء علمت دم حيضها من دم استحاضتها‪ ،‬وميزت ذلك أو لم تميزه‪ ،‬عدتها في ذلك‬
‫كله عنيد مالك فيي تحصييل مذهبيه سينة؛ منهيا تسيعة أشهير اسيتبراء وثلثية عدة‪ .‬وقال الشافعيي فيي‬
‫أحيد أقواله‪ :‬عدتهيا ثلثية أشهير‪ .‬وهيو قول جماعية مين التابعيين والمتأخريين مين القروييين‪ .‬ابين‬
‫العربيي‪ :‬وهيو الصيحيح عندي‪ .‬وقال أبيو عمير‪ :‬المسيتحاضة إذا كان دمهيا ينفصيل فعلميت إقبال‬
‫حيضتها أو إدبارها أعتدت ثلثة قروء‪ .‬وهذا أصح في النظر‪ ،‬وأثبت في القياس والثر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واللئي لم يحضين" يعنيي الصيغيرة فعدتهين ثلثية أشهير؛ فأضمير الخيبر‪ .‬وإنميا‬
‫كانيت عدتهيا بالشهير لعدم القراء فيهيا عادة‪ ،‬والحكام إنميا أجراهيا ال تعالى على العادات؛ فهيي‬
‫تعتد بالشهر‪ .‬فإذا رأت الدم في زمن احتماله عند النساء أنتقلت إلى الدم لوجود الصل‪ ،‬وإذا وجد‬
‫الصييل لم يبييق للبدل حكييم؛ كمييا أن المسيينة إذا اعتدت بالدم ثييم ارتفييع عادت إلى الشهيير‪ .‬وهذا‬
‫إجماع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأولت الحمال أجلهن" وضع الحمل‪ ،‬وإن كان ظاهرا في المطلقة لنه عليها‬
‫عطف وإليها رجع عقب الكلم؛ فإنه في المتوفى عنها زوجها كذلك؛ لعموم الية وحديث سبعة‪.‬‬
‫وقد مضى في "البقرة" القول فيه مستوفى‪.‬‬
‫إذا وضعت المرأة ما وضعت من علقة أو مضغة حلت‪ .‬وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬ل تحل إل‬
‫بما يكون ولدا‪ .‬وقد مضى القول فيه في سورة "البقرة" وسورة "الرعد" والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يتق ال يجعل له من أمره يسرا" قال الضحاك‪ :‬أي من يتقه في طلق السنة‬
‫يجعيل له مين أمره يسيرا فيي الرجعية‪ .‬مقاتيل‪ :‬ومن يتيق ال فيي أجتناب معاصييه يجعيل له مين أمره‬
‫يسيرا فيي توفيقيه للطاعية‪" .‬ذلك أمير ال" أي الذي ذكير مين الحكام أمير ال أنزله إليكيم وبينيه لكيم‪.‬‬
‫"ومن يتق ال" أي يعمل بطاعته‪" .‬يكفر عنه سيئاته" من الصلة إلى الصلة‪ ،‬ومن الجمعة إلى‬
‫الجمعة‪" .‬ويعظم له أجرا" أي في الخرة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 6 :‬أسيكنوهن مين حييث سيكنتم مين وجدكيم ول تضاروهين لتضيقوا عليهين وإن كين‬
‫أولت حميل فأنفقوا عليهين حتيى يضعين حملهين فإن أرضعين لكيم فآتوهين أجورهين وأتمروا بينكيم‬
‫بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أسيكنوهن مين حييث سيكنتم مين وجدكيم" قال أشهيب عين مالك‪ :‬يخرج عنهيا إذا‬
‫طلقهيا ويتركهيا فيي المنزل؛ لقوله تعالى‪" :‬أسيكنوهن"‪ .‬فلو كان معهيا ميا قال أسيكنوهن‪ .‬وقال ابين‬
‫نافيع‪ :‬قال مالك فيي قول ال تعالى‪" :‬أسيكنوهن مين حييث سيكنتم" يعنيي المطلقات اللئي بين مين‬
‫أزواجهن فل رجعة لهم عليهن وليست حامل‪ ،‬فلها السكنى ول نفقة لها ول كسوة‪ ،‬لنها بائن منه‪،‬‬
‫ل يتوارثان ول رجعيية له عليهييا‪ .‬وإن كانييت حامل فلهييا النفقية والكسييوة والمسييكن حتييى تنقضييي‬
‫عدتها‪ .‬أما من لم تبن منهن فإنهن نساؤهم يتوارثون‪ ،‬ول يخرجن إل أن يأذن لهن أزواجهن ماكن‬
‫في عدتهن‪ ،‬ولم يؤمروا بالسكنى لهن لن ذلك لزم لزواجهن مع نفقتهن وكسوتهن‪ ،‬حوامل كن‬
‫أو غيير حواميل‪ .‬وإنميا أمير ال بالسيكنى للئي بين مين أزواجهين ميع نفقتهين‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬وإن‬
‫كين أولت حميل فأنفقوا عليهين حتيى يضعين حملهين" فجعيل عيز وجيل للحواميل اللئي قيد بين مين‬
‫أزواجهين السيكنى والنفقية‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬وبسيط ذلك وتحقيقيه أن ال سيبحانه لميا ذكير السيكنى‬
‫أطلقهيا لكيل مطلقية‪ ،‬فلميا ذكير النفقية قيدهيا بالحميل‪ ،‬فدل على أن المطلقية البائن ل نفقية لهيا‪ .‬وهيي‬
‫مسألة عظيمة فد مهدنا سبلها قرآنا وسنة ومعنى في مسائل الخلف‪ .‬وهذا مأخذها من القرآن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬اختلف العلماء في المطلقة ثلثا على ثلثة أقوال‪ ،‬فمذهب مالك والشافعي‪ :‬أن لها السكنى‬
‫ول نفقية لهيا‪ .‬ومذهيب أبيي حنيفية وأصيحابه‪ :‬أن لهيا السيكنى والنفقية‪ .‬ومذهيب أحميد وإسيحاق وأبيي‬
‫ثور‪ :‬أن ل نفقية لهيا ول سيكنى‪ ،‬على حدييث فاطمية بنيت قييس‪ ،‬قالت‪ :‬دخلت إلى رسيول ال صيلى‬
‫ال علييه وسيلم ومعيي أخيو زوجيي فقلت‪ :‬إن زوجيي طلقنيي وإن هذا يزعيم أن لييس لي سيكنى ول‬
‫نفقية؟ قال‪( :‬بيل لك السيكنى ولك النفقية)‪ .‬قال‪ :‬إن زوجهيا طلقهيا ثلثيا‪ .‬فقال رسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬إنما السكنى والنفقة على من له عليها الرجعة)‪ .‬فلما قدمت الكوفة طلبني السود بن‬
‫يزييد ليسيألني عين ذلك‪ ،‬وإن أصيحاب عبدال يقولون‪ :‬إن لهيا السيكنى والنفقية‪ .‬خرجيه الدارقطنيي‪.‬‬
‫ولفيظ مسيلم عنهيا‪ :‬أنيه طلقهيا زوجهيا فيي عهيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وكان أنفيق عليهيا نفقية‬
‫دون‪ ،‬فلميا رأت ذلك قالت‪ :‬وال لعلمين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬فإن كان لى نفقية أخذت‬
‫الذي يصييلحني وإن لم تكيين لي نفقيية لم آخييذ شيئا‪ .‬قالت‪ :‬فذكرت ذلك لرسييول ال صييلى ال عليييه‬
‫وسيلم فقال‪( :‬ل نفقية لك ول سيكنى)‪ .‬وذكير الدارقطنيي عين السيود قال‪ :‬قال عمير لميا بلغيه قول‬
‫فاطمية بنيت قييس‪ :‬ل نجييز فيي المسيلمين قول امرأة‪ .‬وكان يجعيل للمطلقية ثلثيا السيكنى والنفقية‪.‬‬
‫وعين الشعيبي قال‪ :‬لقينيي السيود بين يزييد فقال‪ .‬ييا شعيبي‪ ،‬أتيق ال وأرجيع عين حدييث فاطمية بنيت‬
‫قييس؛ فإن عمير كان يجعيل لهيا السيكنى والنفقية‪ .‬قلت‪ :‬ل أرجيع عين شييء حدثتنيي بيه فاطمية بنيت‬
‫قيس عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما أحسن هذا‪ .‬وقد قال قتادة وابن أبي ليلى‪ :‬ل سكنى إل للرجعية؛ لقوله تعالى‪" :‬ل تدري‬
‫لعيل ال يحدث بعيد ذلك أمرا" [الطلق‪ ،]1 :‬وقوله تعالى‪" :‬اسيكنوهن" راجيع إلى ميا قبله‪ ،‬وهيي‬
‫المطلقة الرجعية‪ .‬وال أعلم‪ .‬ولن السكنى تابعة للنفقة وجارية مجراها؛ فلما لم تجب للمبتوتة نفقة‬
‫لم يجيب لهيا سيكنى‪ .‬وحجية أبيي حنيفية أن للمبتوتية النفقية قوله تعالى‪" :‬ول تضاروهين لتضيقوا‬
‫عليهين" وترك النفقية مين أكيبر الضرار‪ .‬وفيي إنكار عمير على فاطمية قولهيا ميا ييبين هذا‪ ،‬ولنهيا‬
‫معتدة تستحق السكنى عن طلق فكانت لها النفقة كالرجعية‪ ،‬ولنها محبوسة عليه لحقه فاستحقت‬
‫النفقية كالزوجية‪ .‬ودلييل مالك قوله تعالى‪" :‬وإن كين أولت حميل" اليية‪ .‬على ميا تقدم بيانيه‪ .‬وقيد‬
‫قيييل‪ :‬إن ال تعالى ذكيير المطلقيية الرجعييية وأحكامهييا أول الييية إلى قوله‪" :‬ذوي عدل منكييم"‬
‫[الطلق‪ ]2 :‬ثم ذكر بعد ذلك حكما يعم المطلقات كلهن من تعديد الشهر وغير ذلك‪ .‬وهو عام‬
‫في كل مطلقة؛ فرجع ما بعد ذلك من الحكام إلى كل مطلقة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من وُجدكم" أي من سعتكم؛ يقال وجدت في المال أجد وجدا ووجدا ووجدا وجدة‪.‬‬
‫والوجييد‪ :‬الغنييى والمقدرة‪ .‬وقراءة العاميية بضييم الواو‪ .‬وقرأ العرج والزهري بفتحهييا‪ ،‬ويعقوب‬
‫بكسرها‪ .‬وكلها لغات فيها‪" .‬ول تضاروهن لتضيقوا عليهن" قال مجاهد‪ :‬في المسكن‪ .‬مقاتل‪ :‬في‬
‫النفقة؛ وهو قول أبي حنيفة‪ .‬وعن أبي الضحى‪ :‬هو أن يطلقها فإذا بقي يومان من عدتها راجعها‬
‫ثم طلقها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن كن أولت حميل فأنفقوا عليهين حتيى يضعين حملهين" ل خلف بيين العلماء‬
‫فيي وجوب النفقية والسيكنى للحاميل المطلقية ثلثيا أو أقيل منهين حتيى تضيع حملهيا‪ .‬فأميا الحاميل‬
‫المتوفيى عنهيا زوجهيا فقال علي وابين عمير وابين مسيعود وشرييح والنخعيي والشعيبي وحماد وابين‬
‫أبي ليلى وسفيان والضحاك‪ :‬ينفق عليها من جميع المال حتى تضع‪ .‬وقال ابن عباس وابن الزبير‬
‫وجابر بين عبدال ومالك والشافعيي وأبيو حنيفية وأصيحابهم‪ :‬ل ينفيق عليهيا إل مين نصييبها‪ .‬وقيد‬
‫مضى في "البقرة" بيانه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن أرضعين لكيم" ‪ -‬يعنيي المطلقات ‪ -‬أولدكيم منهين فعلى الباء أن يعطوهين‬
‫أجرة إرضاعهين‪ .‬وللرجيل أن يسيتأجر امرأتيه للرضاع كميا يسيتأجر أجنبيية ول يجوز عنيد أبيي‬
‫حنيفية وأصيحابه السيتئجار إذا كان الولد منهين ميا لم يبين‪ .‬ويجوز عنيد الشافعيي‪ .‬وتقدم القول فيي‬
‫الرضاع في "البقرة" و"النساء" مستوفى ول الحمد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأتمروا بينكم بمعروف" هو خطاب للزواج والزوجات؛ أي وليقبل بعضكم من‬
‫بعض ما أمره به من المعروف الجميل‪ .‬والجميل منها إرضاع الولد من غير أجرة‪ .‬والجميل منه‬
‫توفيير الجرة عليهيا للرضاع‪ .‬وقيل‪ :‬ائتمروا في رضاع الولد فيميا بينكم بمعروف حتى ل يلحيق‬
‫الولد إضرار‪ .‬وقيل‪ :‬هو الكسوة والدثار‪ .‬وقيل‪ :‬معناه ل تضار والدة بولدها ول مولود له بولده‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تعاسرتم" أي في أجرة الرضاع فأبى الزوج أن يعطي الم رضاعها وأبت‬
‫الم أن ترضعييه فليييس له إكراههييا؛ وليسييتأجر مرضعيية غييير أمييه‪ .‬وقيييل‪ :‬معناه وإن تضايقتييم‬
‫وتشاكسيتم فليسيترضع لولده غيرهيا؛ وهيو خيبر فيي معنيى المير‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬إن أبيت الم أن‬
‫ترضيع اسيتأجر لولده أخرى‪ ،‬فإن لم يقبيل أجيبرت أميه على الرضاع بالجير‪ .‬وقيد اختلف العلماء‬
‫فيمين يجيب علييه رضاع الولد على ثلثية أقوال‪ :‬قال علماؤنيا‪ :‬رضاع الولد على الزوجية ميا داميت‬
‫الزوجيية؛ إل لشرفهيا وموضعهيا فعلى الب رضاعيه يومئذ فيي ماله‪ .‬الثانيي‪ :‬قال أبيو حنيفية‪ :‬ل‬
‫يجب على الم بحال‪ .‬الثالث‪ :‬يجب عليها في كل حال‪.‬‬
‫@ فإن طلقها فل يلزمها رضاعه إل أن يكون غير قابل ثدي غيرها فيلزمها حينئذ الرضاع‪ .‬فإن‬
‫اختلفا في الجر فإن دعت إلى أجر مثلها وامتنع الب إل تبرعا فالم أولى بأجر المثل إذا لم يجد‬
‫الب متبرعييا‪ .‬وإن دعييا الب إلى أجيير المثييل وامتنعييت الم لتطلب شططييا فالب أولى بييه‪ .‬فإن‬
‫أعسر الب بأجرتها أخذت جبرا برضاع ولدها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه ال ل يكلف ال نفسا‬
‫إل ما آتاها سيجعل ال بعد عسر يسرا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لينفيق" أي لينفيق الزوج على زوجتيه وعلى ولده الصيغير على قدر وسيعه حتيى‬
‫يوسيع عليهميا إذا كان موسيعا علييه‪ .‬ومين كان فقيرا فعلى قدر ذلك‪ .‬فتقدر النفقية بحسيب الحالة مين‬
‫المنفيق والحاجية مين المنفيق علييه بالجتهاد على مجرى حياة العادة؛ فينظير المفتيي إلى قدر حاجية‬
‫المنفيق‪ ،‬علييه ثيم ينظير إلى حالة المنفيق‪ ،‬فإن احتملت الحالة أمضاهيا علييه‪ ،‬فإن اقتصيرت حالتيه‬
‫على حاجية المنفيق علييه ردهيا إلى قدر احتماله‪ .‬وقال المام الشافعيي رضيي ال عنيه وأصيحابه‪:‬‬
‫النفقية مقدرة محددة‪ ،‬ول اجتهاد لحاكيم ول لمفيت فيهيا‪ .‬وتقديرهيا هيو بحال الزوج وحده مين يسيره‬
‫وعسيره‪ ،‬ول يعتيبر بحالهيا وكفايتهيا‪ .‬قالوا‪ :‬فيجيب لبنية الخليفية ميا يجيب لبنية الحارس‪ .‬فإن كان‬
‫الزوج موسيرا لزميه مدان‪ ،‬وإن كان متوسيطا فميد ونصيف‪ ،‬وإن كان معسيرا فميد‪ .‬واسيتدلوا بقوله‬
‫تعالى‪" :‬لينفيق ذو سيعة مين سيعته" اليية‪ .‬فجعيل العتبار بالزوج فيي اليسير والعسير دونهيا؛ ولن‬
‫العتبار بكفايتهيا ل سيبيل إلى علميه للحاكيم ول لغيره؛ فيؤدي إلى الخصيومة؛ لن الزوج يدعيي‬
‫أنها تلتمس فوق كفايتها‪ ،‬وهي تزعم أن الذي تطلب قدر كفايتها؛ فجعلناها مقدرة قطعا للخصومة‪.‬‬
‫والصييل فييي هذا عندهييم قوله تعالى‪" :‬لينفييق ذو سييعة ميين سييعته" ‪ -‬كمييا ذكرنييا ‪ -‬وقوله‪" :‬على‬
‫الموسع قدره وعلى المقتر قدره" [البقرة‪ .]236 :‬والجواب أن هذه الية ل تعطي أكثر من فرق‬
‫بيين نفقية الغنيي والفقيير‪ ،‬وإنهيا تختلف بعسير الزوج ويسيره‪ .‬وهذا مسيلم‪ .‬فأميا إنيه ل اعتبار بحال‬
‫الزوجييية على وجهيييه فلييييس فييييه‪ ،‬وقيييد قال ال تعالى‪" :‬وعلى المولود له رزقهييين وكسيييوتهن‬
‫بالمعروف" [البقرة‪ ]233 :‬وذلك يقتضيي تعلق المعروف فيي حقهميا؛ لنيه لم يخيص فيي ذلك‬
‫واحدا منهمييا‪ .‬ولييس مين المعروف أن يكون كفايية الغنيية مثيل نفقية الفقيرة؛ وقيد قال رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم لهنيد‪( :‬خذي ميا يكفييك وولدك بالمعروف)‪ .‬فأحالهيا على الكفايية حيين علم‬
‫السيعة مين حال أبيي سيفيان الواجيب علييه بطلبهيا‪ ،‬ولم يقيل لهيا ل اعتبار بكفايتيك وأن الواجيب لك‬
‫شييء مقدر‪ ،‬بيل ردهيا إلى ميا يعلميه مين قدر كفايتهيا ولم يعلقيه بمقدار معلوم‪ .‬ثيم ميا ذكروه مين‬
‫التحديد يحتاج إلى توقيف؛ والية ل تقتضيه‪.‬‬
‫@ روي أن عمر رضي ال عنه فرض للمنفوس مائة درهم‪ ،‬وفرض له عثمان خمسين درهما‪.‬‬
‫ابين العربيي‪" :‬وأحتميل أن يكون هذا الختلف بحسيب اختلف السينين أو بحسيب حال القدر فيي‬
‫التسيعير لثمين القوت والملبيس‪ ،‬وقيد روي محميد بين هلل المزنيي قال‪ :‬حدثنيي أبيي وجدتيي أنهيا‬
‫كانيت ترد على عثمان ففقدهيا فقال لهله‪ :‬ميا لي ل أرى فلنية؟ فقالت امرأتيه‪ :‬ييا أميير المؤمنيين‪،‬‬
‫ولدت الليلة؛ فبعيث إليهيا بخمسيين درهميا وشقيقية سيبلنية‪ .‬ثيم قال‪ :‬هذا عطاء ابنيك وهذه كسيوته‪،‬‬
‫فإذا مرت له سينة رفعناه إلى مائة‪ .‬وقيد أتيي علي رضيي ال عنيه بمنبوذ ففرض له مائة‪ .‬قال ابين‬
‫العربيي‪( :‬هذا الفرض قبيل الفطام مميا اختلف فييه العلماء؛ فمنهيم مين رآه مسيتحبا لنيه داخيل فيي‬
‫حكم الية‪ ،‬ومنهم من رآه واجبا لما تجدد من حاجته وعرض من مؤنته؛ وبه أقول‪ .‬ولكن يختلف‬
‫قدره بحاله عنييد الولدة وبحاله عنييد الفطام‪ .‬وقييد روي سييفيان بيين وهييب أن عميير أخييذ المييد بيييد‬
‫والقسيط بييد فقال‪ :‬إنيي فرضيت لكيل نفيس مسيلمة فيي كيل شهير مدي حنطية وقسيطي خيل وقسيطي‬
‫زيت‪ .‬زاد غيره‪ :‬وقال إنا قد أجرينا لكم أعطياتكم وأرزاقكم في كل شهر‪ ،‬فمن انتقصها فعل ال‬
‫بيه كذا وكذا؛ فدعيا علييه‪ .‬قال أبيو الدرداء‪ :‬كيم سينة راشدة مهديية قيد سينها عمير رضيي ال عنه فيي‬
‫أمة محمد صلى ال عليه وسلم! والمد والقسط كيلن شاميان في الطعام والدام؛ وقد درسا بعرف‬
‫آخير‪ .‬فأميا الميد فدرس إلى الكيلجية‪ .‬وأميا القسيط فدرس إلى الكييل‪ ،‬ولكين التقديير فييه عندنيا ربعان‬
‫فيي الطعام وثمنان فيي الدام‪ .‬وأميا الكسيوة فبقدر العادة قمييص وسيراويل وجبية فيي الشتاء وكسياء‬
‫وإزار وحصير‪ .‬وهذا الصل‪ ،‬ويتزيد بحسب الحوال والعادة"‪.‬‬
‫@ هذه اليية أصيل فيي وجوب النفقية للولد على الوالد دون الم؛ خلفيا لمحميد بين المواز يقول‪:‬‬
‫إنها على البوين على قدر الميراث‪ .‬ابن العربي‪ :‬ولعل محمدا أراد أنها على الم عند عدم الب‪.‬‬
‫وفيي البخاري عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم (تقول لك المرأة أنفيق علي وإل فطلقنيي ويقول لك‬
‫العبيد أنفيق علي واسيتعملني ويقول لك ولدك أنفيق علي إلى مين تكلنيي) فقيد تعاضيد القرآن والسينة‬
‫وتواردا في شرعة واحدة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يكلف ال نفسا إل ما آتاها" أي ل يكلف الفقير مثل ما يكلف الغني‪" .‬سيجعل‬
‫ال بعد عسر يسرا" أي بعد الضيق غنى‪ ،‬وبعد الشدة سعة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 11 - 8 :‬وكأيين مين قريية عتيت عين أمير ربهيا ورسيله فحاسيبناها حسيابا شديدا‬
‫وعذبناها عذابا نكرا‪ ،‬فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا‪ ،‬أعد ال لهم عذابا شديدا فاتقوا‬
‫ال يا أولي اللباب الذين آمنوا قد أنزل ال إليكم ذكرا‪ ،‬رسول يتلو عليكم آيات ال مبينات ليخرج‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بال ويعمل صالحا يدخله جنات‬
‫تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا قد أحسن ال له رزقا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكأيين مين قريية" لميا ذكير الحكام ذكير وحذر مخالفية المير‪ ،‬وذكير عتيو قوم‬
‫وحلول العذاب بهيم‪ .‬وقيد مضيى القول فيي "كأيين" فيي "آل عمران" والحميد ل‪" .‬عتيت عين أمير‬
‫ربهيا ورسيله" أي عصيت؛ يعنيي القريية والمراد أهلهيا‪" .‬فحاسيبناها حسيابا شديدا" أي جازيناهيا‬
‫بالعذاب فيي الدنييا "وعذبناهيا عذابيا نكرا" فيي الخرة‪ .‬وقييل‪ :‬فيي الكلم تقدييم وتأخيير؛ فعذبناهيا‬
‫عذابا نكرا في الدنيا بالجوع والقحط والسيف والخسف والمسخ وسائر المصائب‪ ،‬وحاسبناها في‬
‫الخرة حسابا شديدا‪ .‬والنكر‪ :‬المنكر‪ .‬وقرئ مخففا ومثقل؛ وقد مضى في سور "الكهف"‪" .‬فذاقت‬
‫وبال أمرها" أي عاقبة كفرها "وكان عاقبة أمرها خسرا" أي هلكا في الدنيا بما ذكرنا‪ ،‬والخرة‬
‫بجهنييم‪ .‬وجيييء بلفييظ الماضييي كقوله تعالى‪" :‬ونادى أصييحاب الجنيية أصييحاب النار" [العراف‪:‬‬
‫‪ ]44‬ونحو ذلك؛ لن المنتظر من وعد ال ووعيده ملقى في الحقيقة؛ وما هو كائن فكأن قد‪" .‬أعد‬
‫ال لهم عذابا شديدا" بين ذلك الخسر وأنه عذاب جهنم في الخرة‪" .‬فاتقوا ال يا أولي اللباب" أي‬
‫العقول‪" .‬الذيين آمنوا قيد أنزل ال إليكيم ذكرا" بدل مين "أولي اللباب" أو نعيت لهيم؛ أي ييا أولي‬
‫اللباب الذيين آمنتيم بال اتقوا ال الذي أنزل عليكيم القرآن؛ أي خافوه واعملوا بطاعتيه وانتهوا عين‬
‫معاصيه‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬رسول" قال الزجاج‪ :‬إنزال الذكر دليل على إضمار أرسل؛ أي أنزل إليكم قرآنا‬
‫وأرسيل رسيول‪ .‬وقييل‪ :‬إن المعنيى قيد أنزل ال إليكيم صياحب ذكير رسيول؛ "فرسيول" نعيت للذكير‬
‫على تقديير حذف المضاف‪ .‬وقييل‪ :‬إن رسيول معمول للذكير لنيه مصيدر؛ والتقديير‪ :‬قيد أنزل ال‬
‫إليكيم أن ذكير رسيول‪ .‬ويكون ذكره الرسيول قوله‪" :‬محميد رسيول ال" [الفتيح‪ .]29 :‬ويجوز أن‬
‫يكون "رسيول" بدل مين ذكير‪ ،‬على أن يكون "رسيول" بمعنيى رسيالة‪ ،‬أو على أن يكون على بابيه‬
‫ويكون محمول على المعنى‪ ،‬كأنه قال‪ :‬قد أظهر ال لكم ذكرا رسول‪ ،‬فيكون من باب بدل الشيء‬
‫مين الشييء وهيو هيو‪ .‬ويجوز أن ينتصيب "رسيول" على الغراء كأنيه قال‪ :‬اتبعوا رسيول‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫الذكير هنيا الشرف‪ ،‬نحيو قوله تعالى‪" :‬لقيد أنزلنيا إليكيم كتابيا فييه ذكركيم" [النيبياء‪ ،]10 :‬وقوله‬
‫تعالى‪" :‬وإنه لذكر لك ولقومك" [الزخرف‪ ،]44 :‬ثم بين هذا الشرف‪ ،‬فقال‪" :‬رسول"‪ .‬والكثر‬
‫على أن المراد بالرسول هنا محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬هو جبريل‪ ،‬فيكونان جميعا‬
‫منزليين‪" .‬يتلو عليكيم آيات ال" نعيت لرسيول‪ .‬و"آيات ال" القرآن‪" .‬ميبينات" قراءة العامية بفتيح‬
‫الياء؛ أي بينهيا ال‪ .‬وقرأ ابين عامير وحفيص وحمزة والكسيائي بكسيرها‪ ،‬أي ييبين لكيم ميا تحتاجون‬
‫إليه من الحكام‪ .‬والولى قراءة ابن عباس واختيار أبي عبيد وأبي حاتم‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬قد بينا لكم‬
‫اليات" [الحديد‪.]17 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليخرج الذيين آمنوا وعملوا الصيالحات" أي مين سيبق له ذلك فيي علم ال‪" .‬مين‬
‫الظلمات" أي ميين الكفيير‪" .‬إلى النور" الهدى واليمان‪ .‬قال ابيين عباس‪ :‬نزلت فييي مؤمنييي أهييل‬
‫الكتاب‪ .‬وأضاف الخراج إلى الرسيول لن اليمان يحصيل منيه بطاعتيه‪" .‬ومين يؤمين بال ويعميل‬
‫صييالحا يدخله جنات تجري ميين تحتهييا النهار خالدييين فيهييا أبدا" قرأ نافييع وابيين عاميير بالنون‪،‬‬
‫والباقون بالياء‪" .‬قد أحسن ال له رزقا" أي وسع ال له في الجنات‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬ال الذي خلق سبع سماوات ومن الرض مثلهن يتنزل المر بينهن لتعلموا أن‬
‫ال على كل شيء قدير وأن ال قد أحاط بكل شيء علما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال الذي خلق سبع سماوات ومن الرض مثلهن" دل على كمال قدرته وأنه يقدر‬
‫على البعث والمحاسبة‪ .‬ول خلف في السموات أنها سبع بعضها فوق بعض؛ دل على ذلك حديث‬
‫السيراء وغيره‪ .‬ثيم قال‪" :‬ومين الرض مثلهين" يعنيي سيبعا‪ .‬واختلف فيهين على قوليين‪ :‬أحدهميا‪:‬‬
‫وهيو قول الجمهور ‪ -‬أنهيا سيبع أرضيين طباقيا بعضهيا فوق بعيض‪ ،‬بيين كيل أرض وأرض مسيافة‬
‫كمييا بييين السييماء والسييماء‪ ،‬وفييي كييل أرض سييكان ميين خلق ال‪ .‬وقال الضحاك‪" :‬وميين الرض‬
‫مثلهيين" أي سييبعا ميين الرضييين‪ ،‬ولكنهييا مطبقيية بعضهييا على بعييض ميين غييير فتوق بخلف‬
‫السيموات‪ .‬والول أصيح؛ لن الخبار دالة علييه فيي الترمذي والنسيائي وغيرهميا‪ .‬وقيد مضيى ذلك‬
‫مبينا في "البقرة"‪ .‬وقد خرج أبو نعيم قال‪ :‬حدثنا محمد بن علي بن حبيش قال‪ :‬حدثنا إسماعيل بن‬
‫إسحاق السراج‪( ،‬ح) وحدثنا أبو محمد بن حبان قال‪ :‬حدثنا عبدال بن محمد بن ناجية قال‪ :‬حدثنا‬
‫سويد بن سعيد قال حدثنا حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه‬
‫أن كعبيا حلف له بالذي فلق البحير لموسيى أن صيهيبا حدثيه أن محمدا صيلى ال علييه وسيلم لم يير‬
‫قرية يريد دخولها إل قال حين يراها‪( :‬اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الرضين السبع‬
‫وميا أقللن ورب الشياطيين وميا أضللن ورب الرياح وميا أذريين إنيا نسيألك خيير هذه القريية وخيير‬
‫أهلهيا ونعوذ بيك مين شرهيا وشير أهلهيا وشير ميا فيهيا)‪ .‬قال أبيو نعييم‪ :‬هذا حدييث ثابيت مين حدييث‬
‫موسى بن عقبة تفرد به عن عطاء‪ .‬روي عنه ابن أبي الزناد وغيره‪.‬‬
‫وفيي صيحيح مسيلم عين سيعيد بين زييد قال‪ :‬سيمعت النيبي صيلى ال علييه وسيلم يقول‪( :‬مين أخيذ‬
‫شبرا من الرض ظلما فأنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين) ومثله حديث عائشة‪ ،‬وأبين منهما‬
‫حديث أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل يأخذ أحد شبرا من الرض بغير‬
‫حقيه إل طوقيه ال إلى سيبع أرضيين يوم القيامية)‪ .‬قال الماوردي‪ :‬وعلى أنهيا سيبع أرضيين بعضهيا‬
‫فوق بعض تختص دعوة أهل السلم بأهل الرض العليا‪ ،‬ول تلزم من في غيرها من الرضين‬
‫وإن كان فيهيا مين يعقيل مين خلق ممييز‪ .‬وفيي مشاهدتهيم السيماء واسيتمدادهم الضوء منهيا قولن‪:‬‬
‫أحدهما ‪ -‬أنهم يشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم ويستمدون الضياء منها‪ .‬وهذا قول من‬
‫جعيل الرض مبسيوطة‪ .‬والقول الثانيي‪ :‬أنهيم ل يشاهدون السيماء‪ ،‬وأن ال تعالى خلق لهيم ضياء‬
‫يسيتمدونه‪ .‬وهذا قول مين جعيل الرض كالكرة‪ .‬وفيي اليية قول ثالث حكاه الكلبيي عين أبيي صيالح‬
‫عين ابين عباس أنهيا سيبع أرضيين منبسيطة؛ لييس‪ :‬بعضهيا فوق بعيض‪ ،‬تفرق بينهيا البحار وتظيل‬
‫جميعهيم السيماء‪ .‬فعلى هذا إن لم يكين لحيد مين أهيل الرض وصيول إلى أرض أخرى اختصيت‬
‫دعوة السيلم بأهيل هذه الرض‪ ،‬وإن كان لقوم منهيم وصيول إلى أرض أخرى احتميل أن تلزمهيم‬
‫دعوة السيلم عنيد إمكان الوصيول إليهيم؛ لن فصيل البحار إذا أمكين سيلوكها ل يمنيع من لزوم ميا‬
‫عم حكمه‪ ،‬واحتمل أل تلزمهم دعوة السلم لنها لو لزمتهم لكان النص بها وأردا‪ ،‬ولكان صلى‬
‫ال علييه وسيلم بهيا مأمورا‪ .‬وال أعلم ميا اسيتأثر بعلميه‪ ،‬وصيواب ميا أشتبيه على خلقيه‪ .‬ثيم قال‪:‬‬
‫"يتنزل المير بينهين" قال مجاهيد‪ :‬يتنزل المير مين السيموات السيبع إلى الرضيين السيبع‪ .‬وقال‬
‫الحسين‪ :‬بيين كيل سيماءين أرض وأمير‪ .‬والمير هنيا الوحيي؛ فيي قول مقاتيل وغيره‪ .‬وعلييه فيكون‬
‫قوله‪" :‬بينهين" إشارة إلى بيين هذه الرض العلييا التيي‪ ،‬هيي أدناهيا وبيين السيماء السيابعة التيي هيي‬
‫أعلهييا‪ .‬وقيييل‪ :‬الميير القضاء والقدر‪ .‬وهييو قول الكثرييين‪ .‬فعلى هذا يكون المراد بقوله تعالى‪:‬‬
‫"بينهن" إشارة إلى ما بين الرض السفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلها‪.‬‬
‫وقييل‪" :‬يتنزل المير "بينهين" بحياة بعيض وموت بعيض وغنيى قوم وفقير قوم‪ .‬وقييل‪ :‬هيو ميا يدبر‬
‫فيهين مين عجييب تدبيره؛ فينزل المطير ويخرج النبات ويأتيي باللييل والنهار‪ ،‬والصييف والشتاء‪،‬‬
‫ويخلق الحيوانات على اختلف أنواعها وهيئاتها؛ فينقلهم من حال إلى حال‪ .‬قال ابن كيسان‪ :‬وهذا‬
‫على مجال اللغة وأتساعها؛ كما يقال للموت‪ :‬أمر ال؛ وللريح والسحاب ونحوها‪" .‬لتعلموا أن ال‬
‫على كيل شييء قديير" يعنيي أن مين قدر على هذا الملك العظييم فهيو على ميا بينهميا مين خلقيه أقدر‪،‬‬
‫ومن العفو والنتقام أمكن؛ وإن استوى كل ذلك‪ ،‬في مقدوره ومكنته‪" .‬وأن ال قد أحاط بكل شيء‬
‫علميا" فل يخرج شييء عين علميه وقدرتيه‪ .‬ونصيب "علميا" على المصيدر المؤكيد؛ لن "أحاط"‬
‫بمعنى علم‪ .‬وقيل‪ :‬بمعنى وأن ال أحاط إحاطة علما‪.‬‬
‫ختمت السورة بحمد ال وعونه‬
‫*‪*2‬سورة التحريم‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ مدنية في قول الجميع‪ ،‬وهي اثنتا عشرة آية‪ .‬وتسمى سورة "النبي"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬يا أيها النبي لم تحرم ما أحل ال لك تبتغي مرضات أزواجك وال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها النبي لم تحرمُ ما أحل ال لك" ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي ل‬
‫عنها أن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسل‪ ،‬قالت‬
‫فتواطأت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها رسول ال صلى ال عليه وسلم فلتقل‪ :‬إني أجد منك‬
‫رح مغافيير! أكلت مغافيير؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك‪ .‬فقال‪( :‬بل شربت عسل عند زينب‬
‫بنيييت جحيييش ولن أعود له)‪ .‬فنزل‪" :‬لم تحرم ميييا أحيييل ال لك ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬إن تتوبيييا‪( :‬لعائشييية‬
‫وحفصية)‪" ،‬وإذ أشير النيبي إلى بعيض أزواجيه حديثيا" [التحرييم ‪ ]30‬لقوله‪( :‬بيل شربيت عسيل)‪.‬‬
‫وعنهيا أيضيا قالت‪ :‬كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يحيب الحلواء والعسيل‪ ،‬فكان إذا صيلي‬
‫العصير دار على نسيائه فيدنيو منهين‪ ،‬فدخيل على حفصية فأحتبيس عندهيا أكثير مميا كان يحتبيس‪،‬‬
‫فسيألت عين ذلك فقييل لي‪ :‬أهدت لهيا امرأة مين قومهيا عكية مين عسيل‪ ،‬فسيقت رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم منيه شربية‪ .‬فقلت‪ :‬أميا وال لنحتالن له‪ ،‬فذكرت ذلك لسيودة وقلت‪ :‬إذا دخيل علييك فإنيه‬
‫سييدنو منيك فقولي له‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬أكلت مغافيير؟ فإنيه سييقول لك ل‪ .‬فقولي له‪ :‬ميا هذه الرييح؟ ‪-‬‬
‫وكان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يشتيد علييه أن يوجيد منيه الرييح ‪ -‬فإنيه سييقول لك سيقتني‬
‫حفصة شربة عسل‪ .‬فقولي له‪ :‬جرست نحله ال ُع ْرفُط‪ .‬وسأقول ذلك له‪ ،‬وقوليه أنت يا صفية‪ .‬فلما‬
‫دخييل على سييودة ‪ -‬قالت‪ :‬تقول سييودة وال الذي ل إله إل هييو لقييى كدت أن أبادئه بالذي قلت لي‪،‬‬
‫وإنيه لعلى الباب‪ ،‬فرقيا منيك‪ .‬فلميا دنيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قالت‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬أكلت‬
‫مغافيير؟ قال‪( :‬ل) قالت‪ :‬فميا هذه الرييح؟ قال‪( :‬سيقتني حفصية شربية عسيل) قال‪ :‬جرسيت نحله‬
‫العرفيط‪ .‬فلميا دخيل علي قلت له مثيل ذلك‪ .‬ثيم دخيل على صيفة فقالت بمثيل ذلك‪ .‬فلميا دخيل على‬
‫حفصة قال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أل أسقك منه‪ .‬قال (ل حاجة لي به) قالت‪ :‬تقول سودة سبحان ال! وال‬
‫لقيد حرمناه‪ .‬قالت‪ :‬قلت لهيا اسيكتي‪ .‬ففيي هذه الروايية أن التيي شرب عندهيا العسيل حفصية‪ .‬وفيي‬
‫الولى زينيب‪ .‬وروي ابين أبيي مليكية عين ابين عباس أنيه شربيه عنيد سيودة‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إنميا هيي أم‬
‫سيلمة‪ ،‬رواه أسباط عن السيدي‪ .‬وقاله عطاء بن أبيي مسيلم‪ .‬ابن العربيي‪ :‬وهذا كله جهل أو تصيور‬
‫بغيير علم‪ .‬فقال باقيي نسيائه حسيدا وغيرة لمين شرب ذلك عندهيا‪ :‬إنيا لنجيد منيك رييح المغافيير‪.‬‬
‫والمغافيييير‪ :‬بقلة أو صيييمغة متغيرة الرائحييية‪ ،‬فيهيييا حلوة‪ .‬واحدهيييا مغفور‪ ،‬وجرسيييت‪ :‬أكلت‪.‬‬
‫والعرفيط‪ :‬نبيت له رييح كرييح الخمير‪ .‬وكان علييه السيلم يعجبيه أن يوجيد منيه الرييح الطيبية أو‬
‫يجدها‪ ،‬ويكره الريح الخبيثة لمناجاة الملك‪ .‬فهذا قول‪.‬‬
‫وقول آخر ‪ -‬أنه أراد بذلك المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى ال عليه وسلم فلم يقبلها لجل‬
‫أزواجيه‪ ،‬قاله ابين عباس وعكرمية‪ .‬والمرأة أم شرييك‪ .‬وقول ثالث ‪ -‬إن التيي حرم ماريية القبطيية‪،‬‬
‫وكان قد أهداها له المقوقس ملك السكندرية‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬هي من كورة أنصنا من بلد يقال له‬
‫حفين فواقعهيا فيي بييت حفصية‪ .‬روي الدارقطنيي عين ابين عباس عين عمير قال‪ :‬دخيل رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم بأم ولده مارية في بيت حفصة‪ ،‬فوجدته حفصة معها ‪ -‬وكانت حفصة غابت‬
‫إلى بييت أبيهيا ‪ -‬فقالت له‪ :‬تدخلهيا بيتيي! ميا صينعت بيي هذا مين بيين نسيائك إل مين هوانيي علييك‪.‬‬
‫فقال لها‪( :‬ل تذكري هذا لعائشة فهي علي حرام إن قربتها) قالت حفصة‪ :‬وكيف تحرم عليك وهي‬
‫جاريتك؟ فحلف لها أل يقربها‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل تذكريه لحد)‪ .‬فذكرته لعائشة‪،‬‬
‫فآلى ل يدخيل على نسيائه شهرا‪ ،‬فاعتزلهين تسيعا وعشريين ليلة‪ ،‬فأنزل ال عيز وجيل "لم تحرم ميا‬
‫أحل ال لك" الية‪.‬‬
‫@ أصيح هذه القوال أولهيا‪ .‬وأضعفهيا أوسيطها‪ .‬قال ابين العربيي‪" :‬أميا ضعفيه فيي السيند فلعدم‬
‫عدالة رواته‪ ،‬وأما ضعفه في معناه فلن رد النبي صلى ال عليه وسلم للموهوبة ليس تحريما لها‪،‬‬
‫لن مين رد ميا وهيب له لم يحرم علييه‪ ،‬إنميا حقيقية التحرييم بعيد التحلييل‪ .‬وأميا مين روي أنيه حرم‬
‫مارية القبطية فهو أمثل في السند وأقرب إلى المعنى‪ ،‬لكنه لم يدون في الصحيح‪ .‬وروي مرسل‪.‬‬
‫وقيد روي ابين وهيب عين مالك عين زييد بين أسيلم قال‪ :‬حرم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أم‬
‫إبراهيم فقال‪( :‬أنت علي حرام وال ل آتينك)‪ .‬فأنزل ال عز وجل في ذلك‪" :‬يا أيها النبي لم تحرم‬
‫ما أحل ال لك" وروي مثله ابن القاسم عنه‪ .‬وروي أشهب عن مالك قال‪ :‬راجعت عمر امرأة من‬
‫النصيار فيي شييء فاقشعير مين ذلك وقال‪ :‬ميا كان النسياء هكذا! قال‪ :‬بلى‪ ،‬وقيد كان أزواج النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم يراجعنه‪ .‬فأخذ ثوبه فخرج إلى حفصة فقال لها‪ :‬أتراجعين رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم؟ قالت‪ :‬نعيم‪ ،‬ولو أعلم أنيك تكره ميا فعلت‪ .‬فلميا بلغ عمير أن رسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم هجر نساءه قال‪ :‬رغم أنف حفصة‪ .‬وإنما الصحيح أنه كان في العسل وأنه شربه عند‬
‫زينب‪ ،‬وتظاهرت عليه عائشة وحفصة فيه‪ ،‬فجرى ما جرى فحلف أل يشربه وأسر ذلك‪ .‬ونزلت‬
‫الية في الجميع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لم تحرم" إن كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم حرم ولم يحلف فلييس ذلك بيميين‬
‫عندنييا‪ .‬ول يحرم قول الرجييل‪" :‬هذا علي حرام" شيئا حاشييا الزوجيية‪ .‬وقال أبييو حنيفيية‪ :‬إذا أطلق‬
‫حميل على المأكول والمشروب دون الملبوس‪ ،‬وكانيت يمينيا توجيب الكفارة‪ .‬وقال زفير‪ :‬هيو يميين‬
‫في الكل حتى في الحركة والكون‪ .‬وعول المخالف على أن النبي صلى ال عليه وسلم حرم العسل‬
‫فلزمتيه الكفارة‪ .‬وقيد قال ال تعالى‪" :‬قيد فرض ال لكيم تحلة أيمانكيم" [التحرييم‪ ]2 :‬فسيماه يمينيا‪.‬‬
‫ودليلنا قول ال تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل ال لكم ول تعتدوا" [المائدة‪:‬‬
‫‪ ،]87‬وقوله تعالى‪" :‬قل أرأيتم ما أنزل ال لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلل قل آل أذن‬
‫لكييم أم على ال تفترون" [يونيس‪ .]59 :‬فذم ال المحرم للحلل ولم يوجييب علييه كفارة‪ .‬قال‬
‫الزجاج‪ :‬ليس لحد أن يحرم ما أحل ال‪ .‬ولم يجعل لنبيه صلى ال عليه وسلم أن يحرم إل ما حرم‬
‫ال علييه‪ .‬فمين قال لزوجتيه أو أمتيه‪ :‬أنيت علي حرام؛ ولم ينيو طلقيا ول ظهارا فهذا اللفيظ يوجيب‬
‫كفارة اليمييين‪ .‬ولو خاطييب بهذا اللفييظ جمعييا ميين الزوجات والماء فعليييه كفارة واحدة‪ .‬ولو حرم‬
‫على نفسيه طعاميا أو شيئا آخير لم يلزميه بذلك كفارة عنيد الشافعيي ومالك‪ .‬وتجيب بذلك كفارة عنيد‬
‫ابن مسعود والثوري وأبي حنيفة‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في الرجل يقول لزوجته‪" :‬أنت علي حرام" على ثمانية عشر قول‪ :‬أحدها‪ :‬ل‬
‫شييء علييه‪ .‬وبيه قال الشعيبي ومسيروق وربيعية وأبيو سيلمة وأصيبغ‪ .‬وهيو عندهيم كتحرييم الماء‬
‫والطعام؛ قال ال تعالى‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا ل تحرموا طيبات ميا أحيل ال لكيم" [المائدة‪]87 :‬‬
‫والزوجة من الطيبات ومما أحل ال‪ .‬وقال تعالى‪" :‬ول تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلل‬
‫وهذا حرام" [النحيل‪ .]116 :‬وميا لم يحرميه ال فلييس لحيد أن يحرميه‪ ،‬ول أن يصيير بتحريميه‬
‫حراميا‪ .‬ولم يثبيت عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال لميا أحله ال هيو علي حرام‪ .‬وإنميا‬
‫امتنع من مارية ليمين تقدمت منه وهو قوله‪( :‬وال ل أقربها بعد اليوم) فقيل له‪ :‬لم تحرم ما أحل‬
‫ال لك؛ أي لم تمتنع منه بسبب اليمين‪ .‬يعني أقدم عليه وكفر‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أنها يمين يكفرها؛ قال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعبدال بن مسعود وابن عباس‬
‫وعائشة ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ -‬والوزاعي؛ وهو مقتضى الية‪ .‬قال سعيد بن جبير عن ابن عباس‪:‬‬
‫إذا حرم الرجيل علييه امرأتيه فإنميا هيي يميين يكفرهيا‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬لقيد كان لكيم فيي رسيول ال‬
‫أسيوة حسينة؛ يعنيي أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان حرم جاريتيه فقال ال تعالى‪" :‬لم تحرم ميا‬
‫أحيل ال لك ‪ -‬إلى قوله تعالى ‪ -‬قيد فرض ال لكيم تحلة أيمانكيم" فكفير عين يمينيه وصيير الحرام‬
‫يمينا‪ .‬خرجه الدارقطني‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أنها تجب فيها كفارة وليست بيمين؛ قاله ابن مسعود وابن عباس أيضا في إحدى روايتيه‪،‬‬
‫والشافعي في أحد قوليه‪ ،‬وفي هذا القول نظر‪ .‬والية ترده على ما يأتي‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬هي ظهار؛ ففيها كفارة الظهار‪ ،‬قال عثمان وأحمد بن حنبل وإسحاق‪.‬‬
‫خامسييها‪ :‬أنييه إن نوى الظهار وهييو ينوي أنهييا محرميية كتحريييم ظهيير أمييه كان ظهارا‪ .‬وإن نوى‬
‫تحرييم عينهيا علييه بغيير طلق تحريميا مطلقيا وجبيت كفارة يميين‪ .‬وإن لم ينيو شيئا فعلييه كفارة‬
‫يمين‪ ،‬قاله الشافعي‪.‬‬
‫سيادسها‪ :‬أنهيا طلقية رجعيية‪ ،‬قاله عمير بين الخطاب والزهري وعبدالعزييز بين أبيي سيلمة وابين‬
‫الماجشون‪ .‬وسابعها‪ :‬أنها طلقة بائنة‪ ،‬قاله حماد بن أبي سليمان وزيد بن ثابت‪ .‬ورواه ابن خويز‬
‫منداد عن مالك‪.‬‬
‫ثامنها‪ :‬أنها ثلت تطليقات‪ ،‬قال علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت أيضا وأبو هريرة‪.‬‬
‫تاسيعها‪ :‬هيي فيي المدخول بهيا ثلث‪ ،‬وينوي فيي غيير المدخول بهيا‪ ،‬قاله الحسين وعلي بين زييد‬
‫والحكم‪ .‬وهو مشهور مذهب مالك‪.‬‬
‫عاشرها‪ :‬هي ثلث؛ ول ينوي بحال ول في محل وإن لم يدخل؛ قاله عبدالملك في المبسوط‪ ،‬وبه‬
‫قال ابن أبي ليلى‪.‬‬
‫حادي عشرهيا‪ :‬هيي فيي التيي لم يدخيل بهيا واحدة‪ ،‬وفيي التيي دخيل بهيا ثلث؛ قاله أبيو مصيعب‬
‫ومحمد بن عبدالحكم‪.‬‬
‫ثانييي عشرهييا‪ :‬أنيه إن نوى الطلق أو الظهار كان مييا نوى‪ .‬فإن نوى الطلق فواحدة بائنيية إل أن‬
‫ينوي ثلثا‪ .‬فإن نوى ثنتين فواحدة‪ .‬فإن لم ينو شيئا كانت يمينا وكان الرجل موليا من امرأته؛ قاله‬
‫أبو حنيفة وأصحابه‪ .‬وبمثله قال زفر؛ إل أنه قال‪ :‬إذا نوى اثنتين ألزمناه‪.‬‬
‫ثالث عشرها‪ :‬أنه ل تنفعه نية الظهار وإنما يكون طلقا؛ قاله ابن القاسم‪.‬‬
‫رابع عشرها‪ :‬قال يحيى بن عمر‪ :‬يكون طلقيا؛ فإن أرتجعها لم يجز له وطؤها حتى يكفر كفارة‬
‫الظهار‪.‬‬
‫خامييس عشرهييا‪ :‬إن نوى الطلق فمييا أراد ميين أعداده‪ .‬وإن نوى واحدة فهييي رجعييية‪ .‬وهييو قول‬
‫الشافعي رضي ال عنه‪ .‬وروي مثله عن أبي بكر وعمر وغيرهم من الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫سيادس عشرهيا‪ :‬إن نوى ثلثيا فثلثيا‪ ،‬وإن واحدة فواحدة‪ .‬وإن نوى يمينيا فهيي يميين‪ .‬وإن لم ينيو‬
‫شيئا فل شييء علييه‪ .‬وهيو قول سيفيان‪ .‬وبمثله قال الوزاعيي وأبيو ثور؛ إل أنهميا قال‪ :‬إن لم ينيو‬
‫شيئا فهي واحدة‪.‬‬
‫سابع عشرها‪ :‬له نيته ول يكون أقل من واحدة؛ قاله ابن شهاب‪ .‬وإن لم ينو شيئا لم يكن شيء؛ قال‬
‫ابن العربي‪ .‬ورأيت لسعيد بن جبير وهو‪:‬‬
‫الثاميين عشيير‪ :‬أن عليييه عتييق رقبيية وإن لم يجعلهييا ظهارا‪ .‬ولسييت أعلم لهييا وجهييا ول يبعييد فييي‬
‫المقالت عندي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد ذكره الدارقطني في سننه عن ابن عباس فقال‪ :‬حدثنا الحسين بن إسماعيل قال حدثنا‬
‫محمد بن منصور قال حدثنا روح قال‪ :‬حدثنا سفيان الثوري عن سالم الفطس عن سعيد بن جبير‬
‫عين ابين عباس أنيه أتاه رجيل فقال‪ :‬إنيي جعلت امرأتيي علي حراميا‪ .‬فقال‪ :‬كذبيت! ليسيت علييك‬
‫بحرام؛ ثيم تل "ييا أيهيا النيبي لم تحرم ميا أحيل ال لك" علييك أغلظ الكفارات‪ :‬عتيق رقبية‪ .‬وقيد قال‬
‫جماعة من أهل التفسير‪ :‬إنه لما نزلت هذه الية كفر عن يمينه بعتق رقبة‪ ،‬وعاد إلى مارية صلى‬
‫ال عليه وسلم؛ قاله زيد بن أسلم وغيره‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬سبب الختلف في هذا الباب أنه ليس في كتاب ال ول في سنة رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم نيص ول ظاهير صيحيح يعتميد علييه فيي هذه المسيألة‪ ،‬فتجاذبهيا العلماء لذلك‪ .‬فمين‬
‫تمسك بالبراءة الصلية فقال‪ :‬ل حكم‪ ،‬فل يلزم بها شيء‪ .‬وأما من قال إنها يمين؛ فقال‪ :‬سماها ال‬
‫يمينا‪ .‬وأما من قال‪ :‬تجب فيها كفارة وليست بيمين؛ فبناه على أحد أمرين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه ظن أن ال‬
‫تعالى أوجييب الكفارة فيهييا وإن لم تكيين يمينييا‪ .‬والثانييي‪ :‬أن معنييى اليمييين عنده التحريييم‪ ،‬فوقعييت‬
‫الكفارة على المعنى‪ .‬وأما من قال‪ :‬إنها طلقة رجعية؛ فإنه حمل اللفظ على أقل وجوهه‪ ،‬والرجعية‬
‫محرمية الوطيء كذلك؛ فيحميل اللفيظ علييه‪ .‬وهذا يلزم مالكيا‪ ،‬لقوله‪ :‬إن الرجعيية محرمية الوطيء‪.‬‬
‫وكذلك وجيه مين قال‪ :‬إنهيا ثلث‪ ،‬فحمله على أكيبر معناه وهيو الطلق الثلث‪ .‬وأميا مين قال‪ :‬إنيه‬
‫ظهار‪ ،‬فلنه أقل درجات التحريم‪ ،‬فإنه تحريم ل يرفع النكاح‪ .‬وأما من قال‪ :‬إنه طلقة بائنة‪ ،‬فعول‬
‫على أن الطلق الرجعيي ل يحرم المطلقية‪ ،‬وأن الطلق البائن يحرمهيا‪ .‬وأميا قول يحييى بين عمير‬
‫فإنه احتاط بأن جعله طلقا‪ ،‬فلما ارتجعها احتاط بأن يلزمه الكفارة‪ .‬ابن العربي‪" :‬وهذا ل يصح‪،‬‬
‫لنيه جميع بيين المتضاديين‪ ،‬فإنيه ل يجتميع ظهار وطلق فيي معنيى لفيظ واحيد‪ ،‬فل وجيه للحتياط‬
‫فيما ل يصح اجتماعه في الدليل‪ .‬وأما من قال‪ :‬إنه ينوى في التي لم يدخل بها‪ ،‬فلن الواحدة تبينها‬
‫وتحرمهيا شرعيا إجماعيا‪ .‬وكذلك قال مين لم يحكيم باعتبار نيتيه‪ :‬إن الواحدة تكفيي قبيل الدخول فيي‬
‫التحريم بالجماع‪ ،‬فيكفي أخذا بالقل المتفق عليه‪ .‬وأما من قال‪ :‬إنه ثلث فيهما‪ ،‬فلنه أخذ بالحكم‬
‫العظيم‪ ،‬فإنيه لو صيرح بالثلث لنفذت فيي التيي لم يدخيل بهيا نفوذهيا فيي التيي دخيل بهيا‪ .‬ومين‬
‫الواجب أن يكون المعنى مثله وهو التحريم"‪ .‬وال أعلم‪ .‬وهذا كله في الزوجة‪ .‬وأما في المة فل‬
‫يلزم فيها شيء من ذلك‪ ،‬إل أنه ينوي به العتق عند مالك‪ .‬وذهب عامة العلماء إلى أن عليه كفارة‬
‫يمين‪ .‬ابن العربي‪ .‬والصحيح أنها طلقة واحدة‪ ،‬لنه لو ذكر الطلق لكان أقله وهو الواحدة إل أن‬
‫يعدده‪ .‬كذلك إذا ذكير التحرييم يكون أقله إل أن يقيده بالكثير‪ ،‬مثيل أن يقول أنيت علي حرام إل بعيد‬
‫زوج‪ ،‬فهذا نص على المراد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أكثير المفسيرين على أن اليية نزلت فيي حفصية لميا خل النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي‬
‫بيتهيا بجاريتيه؛ ذكره الثعلبيي‪ .‬وعلى هذا فكأنيه قال‪ :‬ل يحرم علييك ميا حرمتيه على نفسيك ولكين‬
‫عليييك كفارة يمييين‪ ،‬وإن كان فييي تحريييم العسييل والجارييية أيضييا‪ .‬فكأنييه قال‪ :‬لم يحرم عليييك مييا‬
‫حرمته‪ ،‬ولكن ضممت إلى التحريم يمينا فكفر عن اليمين‪ .‬وهذا صحيح‪ ،‬فإن النبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم حرم ثيم حلف‪ ،‬كميا ذكره الدارقطنيي‪ .‬وذكير البخاري معناه فيي قصية العسيل عين عبييد بين‬
‫عمير عن عائشة قالت‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يشرب عند زينب بنت جحش عسل‬
‫ويمكيث عندهيا‪ ،‬فتواطأت أنيا وحفصية على أيتنيا دخيل عليهيا فلتقيل‪ :‬أكلت مغافيير؟ إنيي لجيد منيك‬
‫رييح مغافيير! قال‪( :‬ل ولكين شربيت عسيل ولن أعود له وقيد حلفيت ل تخيبري بذلك أحدا)‪ .‬يبتغيي‬
‫مرضات أزواجه‪ .‬فيعني بقوله‪( :‬ولن أعود له على جهة التحريم‪ .‬وبقوله‪( :‬حلفت) أي بال‪ ،‬بدليل‬
‫أن ال تعالى أنزل علييه عنيد ذلك معاتبتيه على ذلك‪ ،‬وحوالتيه على كفارة اليميين بقوله تعالى‪" :‬ييا‬
‫أيهيا النيبي لم تحرم ميا أحيل ال لك" يعنيي العسيل المحرم بقوله‪( :‬لن أعود له)‪" .‬تبتغيي مرضات‬
‫أزواجك" أي تفعل ذلك طلبا لرضاهن‪" .‬وال غفور رحيم" غفور لما أوجب المعاتبة‪ ،‬رحيم برفع‬
‫المؤاخذة‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن ذلك كان ذنبا من الصغائر‪ .‬والصحيح أنه معاتبة على ترك الولى‪ ،‬وأنه لم‬
‫تكن له صغيرة ول كبيرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬قد فرض ال لكم تحلة أيمانكم وال مولكم وهو العليم الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيد فرض ال لكيم تحلة أيمانكيم" تحلييل اليميين كفارتهيا‪ .‬أي إذا أحببتيم اسيتباحة‬
‫المحلوف علييه‪ ،‬وهيو قوله تعالى فيي سيورة "المائدة"‪" :‬فكفارتيه إطعام عشرة مسياكين" [المائدة‪:‬‬
‫‪ .]89‬ويتحصيل مين هذا أن مين حرم شيئا مين المأكول والمشروب لم يحرم علييه عندنيا‪ ،‬لن‬
‫الكفارة لليمييين ل للتحريييم على مييا بيناه‪ .‬وأبييو حنيفيية يراه يمينييا فييي كييل شيييء‪ ،‬ويعتييبر النتفاع‬
‫المقصيود فيميا يحرميه‪ ،‬فإذا حرم طعاميا فقيد حلف على أكله‪ ،‬أو أمية فعلى وطئهيا‪ ،‬أو زوجية فعلى‬
‫اليلء منها إذا لم يكن له نية‪ ،‬وإن نوى الظهار فظهار‪ ،‬وإن نوى الطلق فطلق بائن‪ .‬وكذلك إن‬
‫نوى ثنتيين أو ثلثيا‪ .‬وإن قال‪ :‬نوييت الكذب ديين فيميا بينيه وبيين ال تعالى‪ .‬ول يديين فيي القضاء‬
‫بإبطال اليلء‪ .‬وإن قال‪ :‬كييل حلل عليييه حرام؛ فعلى الطعام والشراب إذا لم ينييو‪ ،‬وإل فعلى مييا‬
‫نوى‪ .‬ول يراه الشافعيي يمينيا ولكين سيببا فيي الكفارة فيي النسياء وحدهين‪ .‬وإن نوى الطلق فهيو‬
‫رجعي عنده‪ ،‬على ما تقدم بيانه‪ .‬فإن حلف إل يأكله حنث ويبر بالكفارة‪.‬‬
‫فإن حرم أمتييه أو زوجتييه فكفارة يمييين‪ ،‬كمييا فييي صييحيح مسييلم عيين ابيين عباس قال‪ :‬إذا حرم‬
‫الرجل عليه امرأته‪ ،‬فهي يمين يكفرها‪ .‬وقال‪ :‬لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة‪.‬‬
‫@ قيل‪ :‬إن النبي صلى ال عليه وسلم كفر عن يمينه‪ .‬وعن الحسن‪ :‬لم يكفر‪ ،‬لن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬وكفارة اليمين في هذه السورة إنما أمر بها المة‪.‬‬
‫والول أصيح‪ ،‬وأن المراد بذلك النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬ثيم إن المية تقتدي بيه فيي ذلك‪ .‬وقيد‬
‫قدمنا عن زيد بن أسلم أنه عليه السلم كفر بعتق رقبة‪ .‬وعن مقاتل أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أعتق رقبة في تحريم مارية‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقيل‪ :‬أي قد فرض ال لكم تحليل ملك اليمين‪ ،‬فبين‬
‫في قوله تعالى‪" :‬ما كان على النبي من حرج فيما فرض ال له" [الحزاب‪ ]38 :‬أي فيما شرعه‬
‫له في النساء المحللت‪ .‬أي حلل لكم ملك اليمان‪ ،‬فلم تحرم مارية على نفسك مع تحليل ال إياها‬
‫لك‪ .‬وقييل‪ :‬تحلة اليميين السيتثناء‪ ،‬أي فرض ال لكيم السيتثناء المخرج عين اليميين‪ .‬ثيم عنيد قوم‬
‫يجوز الستثناء من اليمان متى شاء وإن تحلل مدة‪ .‬وعند المعظم ل يجوز إل متصل‪ ،‬فكأنه قال‪:‬‬
‫اسيتثن بعيد هذا فيميا تحلف علييه‪ .‬وتحلة اليميين تحليلهيا بالكفارة‪ ،‬والصيل تحللة‪ ،‬فأدغميت‪ .‬وتفعلة‬
‫من مصادر فعل؛ كالتسمية والتوصية‪ .‬فالتحلة تحليل اليمين‪ .‬فكأن اليمين عقد والكفارة حل‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫التحلة الكفارة؛ أي إنهيا تحيل للجالف ميا حرم على نفسيه؛ أي إذا كفير صيار كمين لم يحلف‪" .‬وال‬
‫مولكيم" وليكيم وناصيركم بإزالة الحظير فيميا تحرمونيه على أنفسيكم‪ ،‬وبالترخييص لكيم فيي تحلييل‬
‫أيمانكم بالكفارة‪ ،‬وبالثواب على ما تخرجونه في الكفارة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 3 :‬وإذ أسير النيبي إلى بعيض أزواجيه حديثيا فلميا نبأت بيه وأظهره ال علييه عرف‬
‫بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ أسير النيبي إلى بعيض أزواجيه حديثيا" أي واذكير إذ أسير النيبي إلى حفصية‬
‫حديثيا" يعنيي تحرييم ماريية على نفسيه واسيتكتامه إياهيا ذلك‪ .‬وقال الكلبيي‪ :‬أسير إليهيا أن أباك وأبيا‬
‫عائشيية يكونان خليفتييي على أمتييي ميين بعدي؛ وقال ابيين عباس‪ .‬قال‪ :‬أسيير أميير الخلفيية بعده إلى‬
‫حفصية فذكرتيه حفصية‪ .‬روي الدارقطنيي فيي سيننه عين الكلبيي عين أبيي صيالح عين ابين عباس فيي‬
‫قوله تعالى‪" :‬وإذ أسير النيبي إلى بعيض أزواجيه حديثيا" قال‪ :‬اطلعيت حفصية على النيبي صيلى ال‬
‫علييه وسيلم ميع أم إبراهييم فقال‪( :‬ل تخيبري عائشية) وقال لهيا (إن أباك وأباهيا سييملكان أو سييليان‬
‫بعدي فل تخيبري عائشية) قال‪ :‬فانطلقيت حفصية فأخيبرت عائشية فأظهره ال علييه‪ ،‬فعرف بعضيه‬
‫وأعرض عن بعض‪ .‬قال أعرض عن قوله‪( :‬إن أباك وأباها يكونان بعدي)‪ .‬كره رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم أن ينشير ذلك فيي الناس‪" .‬فلميا نبأت بيه" أي أخيبرت بيه عائشية لمصيافاة كانيت‬
‫بينهما‪ ،‬وكانتا متظاهرتين على نساء النبي صلى ال عليه وسلم‪" .‬وأظهره ال عليه" أي أطلعه ال‬
‫على أنها قد نبأت به‪ .‬وقرأ طلحة بن مصرف "فلما أنبأت" وهما لغتان‪ :‬أنبأ ونبأ‪" .‬عرف بعضه‬
‫وأعرض عن بعض" عرف حفصة بعض ما أوحي إليه من أنها أخبرت عائشة بما نهاها عن أن‬
‫تخبرهيا‪ ،‬وأعرض عين بعيض تكرميا؛ قاله السيدي‪ .‬وقال الحسين‪ :‬ميا اسيتقصى كرييم قيط‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى "عرف بعضيه وأعرض عين بعيض"‪ .‬وقال مقاتيل‪ :‬يعنيي أخبرهيا ببعيض ميا قالت لعائشية‪،‬‬
‫وهو حديث أم ولده ولم يخبرها ببعض وهو قول حفصة لعائشة‪ :‬إن أبا بكر وعمر سيملكان بعده‪.‬‬
‫وقراءة العامية "عرف" مشددا‪ ،‬ومعناه ميا ذكرناه‪ .‬واختاره أبيو عبييد وأبيو حاتيم‪ ،‬يدل علييه قوله‬
‫تعالى‪" :‬وأعرض عين بعيض" أي لم يعرفهيا إياه‪ .‬ولو كانيت مخففية لقال فيي ضده وأنكير بعضيا‪.‬‬
‫وقرأ علي وطلحيية بيين مصييرف وأبييو عبدالرحميين السييلمي والحسيين وقتادة والكلبييي والكسييائي‬
‫والعميش عين أبيي بكير "عرف" مخففية‪ .‬قال عطاء‪ :‬كان أبيو عبدالرحمين السيلمي إذا قرأ علييه‬
‫الرجييل "عرف" مشددة حصييبه بالحجارة‪ .‬قال الفراء‪ :‬وتأويييل قوله عييز وجييل‪" :‬عرف بعضييه"‬
‫بالتخفييف‪ ،‬أي غضيب فييه وجازى علييه؛ وهيو كقولك لمين أسياء إلييك‪ :‬لعرفين لك ميا فعلت‪ ،‬أي‬
‫لجازينك عليه‪ .‬وجازاها النبي صلى ال عليه وسلم بأن طلقها طلقة واحدة‪ .‬فقال عمر‪ :‬لو كان في‬
‫آل الخطاب خيير لميا كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم طلقيك‪ .‬فأمره جبرييل بمراجعتهيا وشفيع‬
‫فيهيا‪ .‬واعتزل النيبي صيلى ال علييه وسيلم نسياءه شهرا‪ ،‬وقعيد فيي مشربية ماريية أم إبراهييم حتيى‬
‫نزلت آيية التحرييم على ميا تقدم‪ .‬وقييل‪ :‬هيم بطلقهيا حتيى قال له جبرييل‪( :‬ل تطلقهيا فإنهيا صيوامة‬
‫قوامة وإنها من نسائك في الجنة) فلم يطلقها‪" .‬فلما نبأها به" أي أخبر حفصة بما أظهره ال عليه‪.‬‬
‫"قالت من أنبأك هذا" يا رسول ال عني‪ .‬فظنت أن عائشة أخبرته‪ ،‬فقال عليه السلم‪" :‬قال نبأني‬
‫العليم الخبير" أي الذي ل يخفى عليه شيء‪ .‬و"هذا" سد مسد مفعولي "أنبأ"‪ .‬و"نبأ" الول تعدى‬
‫إلى مفعول‪ ،‬و"نبيأ" الثانيي تعدى إلى مفعول واحيد‪ ،‬لن نبيأ وأنبيأ إذا لم يدخل على المبتدأ والخيبر‬
‫جاز أن يكتفييى فيهمييا بمفعول واحييد وبمفعولييين‪ ،‬فإذا دخل على البتداء والخييبر تعدى كييل واحييد‬
‫منهما إلى ثلثة مفعولين‪ .‬ولم يجز القتصار على الثنين دون الثالث‪ ،‬لن الثالث هو خبر المبتدأ‬
‫في الصل فل يقتصر دونه‪ ،‬كما ل يقتصر على المبتدأ دون الخبر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬إن تتوبا إلى ال فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن ال هو موله وجبريل‬
‫وصالح المؤمنين والملئكة بعد ذلك ظهير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن تتوبا إلى ال" يعني حفصة وعائشة‪ ،‬حثهما على التوبة على ما كان منهما من‬
‫المييل إلى خلف محبية رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪" .‬فقيد صيغت قلوبكميا" أي زاغيت ومالت‬
‫عن الحق‪ .‬وهو أنهما أحبتا ما كره النبي صلى ال عليه وسلم من اجتناب جاريته واجتناب العسل‪،‬‬
‫وكان عليه السلم يحب العسل والنساء‪ .‬قال ابن زيد‪ :‬مالت قلوبهما بأن سرهما أن يحتبس عن أم‬
‫ولده‪ ،‬فسيرهما ميا كرهيه رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقييل‪ :‬فقيد مالت قلوبكميا إلى التوابية‪.‬‬
‫وقال‪" :‬فقد صغت قلوبكما" ولم يقل‪ :‬فقد صغى قلباكما‪ ،‬ومن شأن العرب إذا ذكروا الشيئين‪ ،‬من‬
‫اثنيين جمعوهميا‪ ،‬لنيه ل يشكيل‪ .‬وقيد مضيى هذا المعنيى فيي "المائدة" فيي قوله تعالى‪" :‬فاقطعوا‬
‫أيديهما" [المائدة‪ .]38 :‬وقيل‪ :‬كلما ثبتت الضافة فيه مع التثنية فلفظ الجمع أليق به‪ ،‬لنه أمكن‬
‫وأخييف‪ .‬وليييس قوله‪" :‬فقييد صييغت قلوبكمييا" جزاء للشرط‪ ،‬لن هذا الصييغو كان سييابقا‪ ،‬فجواب‬
‫الشرط محذوف للعلم به‪ .‬أي إن تتوبا كان خيرا لكما‪ ،‬إذ قد صغت قلوبكما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تظاهرا عليييه" أي تتظاهرا وتتعاونييا على النييبي صييلى ال عليييه وسييلم‬
‫بالمعصية واليذاء‪ .‬وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال‪ :‬مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن‬
‫الخطاب عين آيية فميا أسيتطيع أن أسيأله هيبية له‪ ،‬حتيى خرج حاجيا فخرجيت معيه‪ ،‬فلميا رجيع فكنيا‬
‫ببعييض الطريييق عدل إلى الراك لحاجيية له‪ ،‬فوقفييت حتييى فرع‪ ،‬ثييم سييرت معييه فقلت‪ :‬يييا أمييير‬
‫المؤمنين‪ ،‬من اللتان تظاهرتا على رسول ال صلى ال عليه وسلم من أزواجه؟ فقال‪ :‬تلك حفصة‬
‫وعائشية‪ .‬قال فقلت له‪ :‬وال إن كنيت لرييد أن أسيألك عين هذا منيذ سينة فميا أسيتطيع هيبية لك‪ .‬قال‪:‬‬
‫فل تفعيل‪ ،‬ميا ظننيت أن عندي مين علم فسيلني عنيه‪ ،‬فإن كنيت أعلميه أخبرتيك‪ ...‬وذكير الحدييث‪.‬‬
‫"فإن ال هييو موله" أي وليييه وناصييره‪ ،‬فل يضره ذلك التظاهيير منهمييا‪" .‬وجبريييل وصييالح‬
‫المؤمنيين" قال عكرمية وسيعيد بين جيبير‪ :‬أبيو بكير وعمير‪ ،‬لنهميا أبوا عائشية وحفصية‪ ،‬وقيد كانيا‬
‫عونا له عليهما‪ .‬وقيل‪ :‬صالح المؤمنين علي رضي ال عنه‪ .‬وقيل‪ :‬خيار المؤمنين‪ .‬وصالح‪ :‬اسم‬
‫جنس كقوله تعالى‪" :‬والعصر‪ .‬إن النسان لفي خسر" [العصر‪ ،]2 :‬قاله الطبري‪ .‬وقيل‪" :‬صالح‬
‫المؤمنيين" هيم النيبياء‪ ،‬قال العلء بين زيادة وقتادة وسيفيان‪ .‬وقال ابين زييد‪ :‬هيم الملئكية‪ .‬السيدي‪:‬‬
‫هيم أصيحاب محميد صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقييل‪" :‬صيالح المؤمنيين" لييس لفيظ الواحيد وإنميا هيو‬
‫صيالحو المؤمنيين‪ :‬فأضاف الصيالحين إلى المؤمنيين‪ ،‬وكتيب بغيير واو على اللفيظ لن لفيظ الواحيد‬
‫والجمع واحد فيه‪ .‬كما جاءت أشياء في المصحف متنوع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال‪ :‬حدثني عمر بن الخطاب رضي ال عنه قال‪ :‬لما اعتزل‬
‫نبي ال صلى ال عليه وسلم نساءه قال دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون‪ :‬طلق‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم نساءه ‪ -‬وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب ‪ -‬فقال عمر‪ :‬فقلت لعلمن‬
‫ذلك اليوم‪ ،‬قال فدخلت على عائشية فقلت‪ :‬ييا ابنية أبيي بكير‪ ،‬أقيد بلغ مين شأنيك أن تؤذي رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم! فقالت‪ :‬مالي ومالك يا ابن الخطاب! عليك بعيبتك! قال فدخلت على حفصة‬
‫بنيت عمير فقلت لهيا‪ :‬ييا حفصية‪ ،‬أقيد بلغ مين شأنيك أن تؤذي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم! وال‬
‫لقد علمت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يحبك‪ ،‬ولول أنا لطلقك رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬فبكت أشد البكاء‪ ،‬فقلت لها‪ :‬أين رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قالت‪ :‬هو في خزانته في‬
‫المشربية‪ .‬فدخلت فإذا أنيا برباح غلم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قاعدا على أسيكفة المشربية‬
‫مدل رجليه على نقير من خشب‪ ،‬وهو جذع يرقيى عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم وينحدر‪.‬‬
‫فنادييت‪ :‬ييا رباح‪ ،‬اسيتأذن لي عندك على رسيول ال‪ ،‬فنظير رباح إلى الغرفية ثيم نظير إلي فلم يقيل‬
‫شيئا‪ .‬ثيم قلت‪ :‬ييا رباح‪ ،‬اسيتأذن لي عندك على رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬فنظير رباح إلى‬
‫الغرفية ثيم نظير إلي فلم يقيل شيئا‪ .‬ثيم رفعيت صيوتي فقلت‪ :‬ييا رباح‪ ،‬اسيتأذن لي عندك على رسيول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬فإنيي أظين أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ظين أنيي جئت مين أجيل‬
‫حفصية‪ ،‬وال لئن أمرنيي رسول ال صيلى ال عليه وسلم بضرب عنقها لضربين عنقهيا‪ ،‬ورفعيت‬
‫صييوتي فأومييأ إلي أن ِارْقَه؛ فدخلت على رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم وهييو مضطجييع على‬
‫حصيير‪ ،‬فجلسيت فأدنيى علييه إزاره ولييس علييه غيره؛ وإذا الحصيير قيد أثير فيي جنبيه‪ ،‬فنظرت‬
‫ببصري في خزانة رسول ال صلى ال عليه وسلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع‪ ،‬ومثلها‬
‫قرظا في ناحية الغرفة؛ وإذا أفيق معلق ‪ -‬قال ‪ -‬فابتدرت عيناي‪ .‬قال‪( :‬ما يبكيك يا ابن الخطاب)؟‬
‫قلت يا نبي ال‪ ،‬ومالي ل أبكى وهذا الحصيير قد أثر في جنبك‪ ،‬وهذه خزانتك ل أرى فيها إل ما‬
‫أرى! وذاك قيصير وكسيرى فيي الثمار والنهار وأنيت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وصيفوته‪،‬‬
‫وهذه خزانتيك! فقال‪( :‬ييا ابين الخطاب أل ترضيى أن تكون لنيا الخرة ولهيم الدنييا) قلت‪ :‬بلى‪ .‬قال‪:‬‬
‫ودخلت علييه حيين دخلت وأنيا أرى فيي وجهيه الغضيب‪ ،‬فقلت‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬ميا يشيق علييك مين‬
‫شأن النسيياء؛ فإن كنييت طلقتهيين فإن ال معييك وملئكتييه وجبريييل وميكائيييل‪ ،‬وأنييا وأبييو بكيير‬
‫والمؤمنون معييك‪ .‬وقلمييا تكلمييت ‪ -‬وأحمييد ال ‪ -‬بكلم إل رجوت أن يكون ال عييز وجييل يصييدق‬
‫قولي الذي أقول ونزلت هذه الييية‪ ،‬آييية التخيييير‪" :‬عسييى ربييه إن طلقكيين أن يبدله أزواجييا خيرا‬
‫منكن" [التحريم‪" .]5 :‬وإن تظاهرا عليه فإن ال هو موله وجبريل وصالح المؤمنين والملئكة‬
‫بعد ذلك ظهير"‪.‬‬
‫وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬يييا رسييول ال‪ ،‬أطلقتهيين؟ قال‪( :‬ل)‪ .‬قلت‪ :‬يييا رسييول ال‪ ،‬إنييي دخلت المسييجد والمسييلمون‬
‫ينكتون بالحصييى يقولون‪ :‬طلق رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم نسيياءه أفأنزل فأخييبرهم أنييك لم‬
‫تطلقهيين؟ قال‪( :‬نعييم إن شئت)‪ .‬فلم أزل أحدثييه حتييى تحسيير الغضييب عيين وجهييه‪ ،‬وحتييى كشيير‬
‫فضحك‪ ،‬وكان من أحسن الناس ثغرا‪ .‬ثم نزل نبي ال صلى ال عليه وسلم ونزلت؛ فنزلت أتشبث‬
‫بالجذع‪ ،‬ونزل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كأنميا يمشيي على الرض ميا يمسيه بيده‪ .‬فقلت‪ :‬ييا‬
‫رسيول ال‪ ،‬إنميا كنيت فيي الغرفية تسيعا وعشريين‪ .‬قال‪( :‬إن الشهير يكون تسيعا وعشريين) فقميت‬
‫على باب المسيجد فنادييت بأعلى صيوتي‪ :‬لم يطلق رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم نسياءه‪ .‬ونزلت‬
‫هذه الييية‪" :‬وإذا جاءهييم أميير مين الميين أو الخوف أذاعوا بييه ولو ردوه إلى الرسييول وإلى أولي‬
‫المير منهيم لعلميه الذيين يسيتنبطونه منهيم" [النسياء‪ .]83 :‬فكنيت أنيا اسيتنبطت ذلك المير؛ وأنزل‬
‫ال آية التخيير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجبرييل" فييه لغات تقدميت فيي سيورة "البقرة"‪ .‬ويجوز أن يكون معطوفيا على‬
‫"موله" والمعنى‪ :‬ال وليه وجبريل وليه؛ فل يوقف على "موله" ويوقف على "جبريل" ويكون‬
‫"وصالح المؤمنين" مبتدأ "والملئكة" معطوفا عليه‪ .‬و"ظهير" خبرا؛ وهو بمعنى الجمع‪ .‬وصالح‬
‫المؤمنيين أبيو بكير؛ قاله المسييب بين شرييك‪ .‬وقال سيعيد بين جيبير‪ :‬عمير‪ .‬وقال عكرمية‪ :‬أبيو بكير‬
‫وعمير‪ .‬وروي شقييق عين عبدال عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي قول ال تعالى‪" :‬فإن ال هيو‬
‫موله وجبرييل وصيالح المؤمنيين" قال‪ :‬إن صيالح المؤمنيين أبيو بكير وعمير‪ .‬وقييل‪ :‬هيو علي‪ .‬عين‬
‫أسماء بنت عميس قالت‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪"( :‬وصالح المؤمنين" علي‬
‫بين أبيي طالب)‪ .‬وقييل غيير هذا مميا تقدم القول فييه‪ .‬ويجوز أن يكون "وجبرييل" مبتدأ وميا بعده‬
‫معطوفا عليه‪ .‬والخبر ((ظهير" وهو بمعنى الجمع أيضا‪ .‬فيوقف على هذا على "موله"‪ .‬ويجوز‬
‫أن يكون "جبريييل وصييالح المؤمنييين" معطوفييا على "موله" فيوقييف على "المؤمنييين" ويكون‬
‫"والملئكية بعيد ذلك ظهيير" ابتداء وخيبرا‪ .‬ومعنيى "ظهيير" أعوان‪ .‬وهيو بمعنيى ظهراء؛ كقوله‬
‫تعالى‪" :‬وحسين أولئك‪ ،‬رفيقيا" [النسياء‪ .]69 :‬وقال أبيو علي‪ :‬قيد جاء فعييل للكثرة كقوله تعالى‪:‬‬
‫"ول يسأل حميم حميما‪ .‬يبصرونهم" [المعارج‪ .]11 :‬وقيل‪ :‬كان التظاهر منهما في التحكم على‬
‫النيبي صيلي اله علييه وسيلم فيي النفقية‪ ،‬ولهذا آلى منهين شهرا واعتزلهين‪ .‬وفيي صيحيح مسيلم عين‬
‫جابر بين عبدال قال‪ :‬دخيل أبيو بكير يسيتأذن على رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فوجيد الناس‬
‫جلوسا ببابه لم يؤذن لحد منهم‪ ،‬قال‪ :‬فأذن لبي بكر فدخل‪ ،‬ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له‪ ،‬فوجد‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا ‪ -‬قال ‪ -‬فقال لقولن شيئا أضحك النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم؛ فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت‬
‫عنقهيا؛ فضحيك رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وقال‪( :‬هين حولي كميا ترى يسيألنني النفقية)‪ .‬فقام‬
‫أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها‪ ،‬وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها؛ كلهما يقول‪ :‬تسألن رسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم ميا لييس عنده! فقلن‪ :‬وال ل نسيأل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم شيئا أبدا‬
‫لييس عنده‪ .‬ثيم اعتزلهين شهرا أو تسيعا وعشريين‪ .‬ثيم نزلت علييه هذه اليية‪" :‬ييا أيهيا النيبي قيل‬
‫لزواجيك" حتيى بلغ "للمحسينات منكين أجرا عظيميا" [الحزاب‪ ]28 :‬الحدييث‪ .‬وقيد ذكراه فيي‬
‫سورة "الحزاب"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات‬
‫عابدات سائحات ثيبات وأبكارا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عسى ربه إن طلقكن" قد تقدم في الصحيح أن هذه الية نزلت على لسان عمر‬
‫رضيي ال عنيه‪ .‬ثيم قييل‪ :‬كيل "عسيى" فيي القرآن واجيب؛ إل هذا‪ .‬وقييل‪ :‬هيو واجيب ولكين ال عيز‬
‫وجيل علقيه بشرط وهيو التطلييق ولم يطلقهين‪" .‬أن يبدله أزواجيا خيرا منكين" لنكين لو كنتين خيرا‬
‫منهين ميا طلقكين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال معناه السيدي‪ .‬وقييل‪ :‬هذا وعيد مين ال تعالى‬
‫لرسيوله صيلي ال علييه وسيلم‪ ،‬لو طلقهين فيي الدنييا أن يزوجيه فيي الدنييا نسياء خيرا منهين‪ .‬وقرئ‬
‫"أن يبدله" بالتشديد والتخفيف‪ .‬والتبديل والبدال بمعنى‪ ،‬كالتنزيل والنزال‪ .‬وال كان عالما بأنه‬
‫كان ل يطلقهين‪ ،‬ولكين أخيبر عين قدرتيه‪ ،‬على أنيه إن طلقهين أبدله خيرا منهين تخويفيا لهين‪ .‬وهيو‬
‫كقوله تعالى‪" :‬وإن تتولوا يسيتبدل قوميا غيركيم" [محميد‪ .]38 :‬وهيو إخبار عين القدرة وتخوييف‬
‫لهم‪ ،‬ل أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مسيلمات" يعنيي مخلصيات‪ ،‬قاله سيعيد بين جيبير‪ .‬وقييل‪ :‬معناه مسيلمات لمير ال‬
‫تعالى وأمير رسيوله‪" .‬مؤمنات" مصيدقات بميا أمرن بيه ونهيين عنيه‪" .‬قانتات" مطيعات‪ .‬والقنوت‪:‬‬
‫الطاعيية‪ .‬وقييد تقدم‪" .‬تائبات" أي ميين ذنوبهيين؛ قاله السييدي‪ .‬وقيييل‪ :‬راجحات إلى أميير رسييول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم تاركات لمحاب أنفسيهن‪" .‬عابدات" أي كثيرات العبادة ل تعالى‪ .‬وقال ابين‬
‫عباس‪ :‬كيل عبادة فيي القرآن فهيو التوحييد‪" .‬سيائحات" صيائبات؛ قال ابين عباس والحسين وابين‬
‫جبير‪ .‬وقال زيد بن أسلم وابنه عبدالرحمن ويمان‪ :‬مهاجرات‪ .‬قال زيد‪ :‬وليس في أمة محمد صلى‬
‫ال علييه وسيلم سيياحة إل الهجرة‪ .‬والسيياحة الجولن فيي الرض‪ .‬وقال الفراء والقتيبي وغيرهميا‪:‬‬
‫سيمي الصيائم سيائحا لن السيائح ل زاد معيه‪ ،‬وإنميا يأكيل مين حييث يجيد الطعام‪ .‬وقييل‪ :‬ذاهبات فيي‬
‫طاعية ال عيز وجيل؛ مين سياح الماء إذا ذهيب‪ .‬وقيد مضيى فيي سيورة "التوبية" والحميد ل‪" .‬ثيبات‬
‫وأبكارا" أي منهن ثيب ومنهن بكر‪ .‬وقيل‪ :‬إنما سميت الثيب ثيبا لنها راجعة إلى زوجها إن أقام‬
‫معهيا‪ ،‬أو إلى غيره إن فارقهيا‪ .‬وقييل‪ :‬لنهيا ثابيت إلى بييت أبويهيا‪ .‬وهذا أصيح؛ لنيه لييس كيل ثييب‬
‫تعود إلى زوج‪ .‬وأما البكر فهي العذراء؛ سميت بكرا لنها على أول حالتها التي خلقت بها‪ .‬وقال‬
‫الكلبي‪ :‬أراد بالثيب مثل آسية امرأة فرعون‪ ،‬وبالبكر مثل مريم بنة عمران‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا إنميا يمشيي على قول مين قال‪ :‬إن التبدييل وعيد مين ال لنيبيه لو طلقهين فيي الدنييا‬
‫زوجه في الخرة خيرا منهن‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملئكة‬
‫غلظ شداد ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا" فيه مسألة واحدة وهي المر بوقاية‬
‫النسييان نفسييه وأهله النار‪ .‬قال الضحاك‪ :‬معناه قوا أنفسييكم‪ ،‬وأهلوكييم فليقوا أنفسييهم نارا‪ .‬وروي‬
‫علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‪ :‬قوا أنفسكم وأمروا أهليكم بالذكر والدعاء حتى يقيهم ال بكم‪.‬‬
‫وقال علي رضي ال عنه وقتادة ومجاهد‪ :‬قوا أنفسكم بأفعالكم وقوا أهليكم بوصيتكم‪ .‬ابن العربي‪:‬‬
‫وهو الصحيح‪ ،‬والفقه الذي يعطيه العطف الذي يقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه‬
‫في معنى الفعل؛ كقوله‪:‬‬
‫علفتها تبنا وماء باردا‬
‫وكقوله‪:‬‬
‫متقلدا سيفا ورمحا‬ ‫ورأيت زوجك في الوغى‬
‫فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة‪ ،‬ويصلح أهله إصلح الراعي للرعية‪ .‬ففي صحيح الحديث‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالمام الذي على الناس‬
‫راع وهيو مسيؤول عنهيم والرجيل راع على أهيل بيتيه وهيو مسيؤول عنهيم)‪ .‬وعين هذا عيبر الحسين‬
‫في هذه الية بقوله‪ :‬يأمرهم وينهاهم‪ .‬وقال بعض العلماء لما قال‪" :‬قوا أنفسكم" دخل فيه الولد؛‬
‫لن الولد بعيض منيه‪ .‬كميا دخيل فيي قوله تعالى‪" :‬ول على أنفسيكم أن تأكلوا مين بيوتكيم" [النور‪:‬‬
‫‪ ]61‬فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات‪ .‬فيعلمه الحلل والحرام‪ ،‬ويجنبه المعاصي والثام‪،‬‬
‫إلى غير ذلك من الحكام‪ .‬وقال عليه السلم‪( :‬حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويعلمه الكتابة‬
‫ويزوجيه إذا بلغ)‪ .‬وقال علييه السيلم‪( :‬ميا نحيل والد ولدا أفضيل مين أدب حسين)‪ .‬وقيد روى عمرو‬
‫بيين شعيييب عيين أبيييه عيين جده عيين النييبي صييلى ال عليييه وسييلم (مروا أبناءكييم بالصييلة لسييبع‬
‫واضربوهيم عليهيا لعشير وفرقوا بينهيم فيي المضاجيع)‪ .‬خرجيه جماعة مين أهيل الحدييث‪ .‬وهذا لفيظ‬
‫أبيي داود‪ .‬وخرج أيضيا عين سيمرة بين جندب قال‪ :‬قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مروا الصيبي‬
‫بالصلة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فأضربوه عليها)‪ .‬وكذلك يخبر أهله بوقت الصلة‬
‫ووجوب الصيام ووجوب الفطر إذا وجب؛ مستندا في ذلك إلى رؤية الهلل‪.‬‬
‫وقيد روى مسيلم أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان إذا أوتير يقول‪( :‬قوميي فأوتري ييا عائشية)‪.‬‬
‫وروي أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬رحم ال امرأ قام من الليل فصلى فأيقظ أهله فإن لم تقم‬
‫رش وجههيا بالماء‪ .‬رحيم ال امرأة قاميت مين اللييل تصيلى وأيقظيت زوجهيا فإذا لم يقيم رشيت على‬
‫وجهيه مين الماء)‪ .‬ومنيه قوله صيلي ال علييه وسيلم‪( :‬أيقظوا صيواحب الحجير)‪ .‬ويدخيل هذا فيي‬
‫عموم قوله تعالى‪" :‬وتعاونوا على البر والتقوى" [المائدة‪ .]2 :‬وذكر القشيري أن عمر رضي ال‬
‫عنيه قال لميا نزلت هذه اليية‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬نقيي أنفسينا‪ ،‬فكييف لنيا بأهلينيا؟‪ .‬فقال‪( :‬تنهونهيم عميا‬
‫نهاكييم ال وتأمرونهييم بمييا أميير ال)‪ .‬وقال مقاتييل‪ :‬ذلك حييق عليييه فييي نفسييه وولده وأهله وعييبيده‬
‫وإمائه‪ .‬قال الكييا‪ :‬فعلينيا تعلييم أولدنيا وأهلينيا الديين والخيير‪ ،‬وميا ل يسيتغنى عنيه مين الدب‪ .‬وهيو‬
‫قوله تعالى‪" :‬وأمير أهلك بالصيلة واصيطبر عليهيا" [طيه‪ .]132 :‬ونحيو قوله تعالى للنيبي صيلى‬
‫ال علييه وسيلم‪" :‬وأنذر عشيرتيك القربيين"‪[ .‬الشعراء‪ .]214 :‬وفيي الحدييث‪( :‬مروهيم بالصيلة‬
‫وهم أبناء سبع)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقودها الناس والحجارة" " تقدم في سورة "البقرة"‪" .‬عليها ملئكة غلظ شداد"‬
‫يعنيي الملئكية الزبانيية غلط القلوب ل يرحمون إذا اسيترحموا خلقوا مين الغضيب‪ ،‬وحبيب إليهيم‬
‫عذاب الخلق كمييا حبييب لبنييي آدم أكييل الطعام والشراب‪" .‬شداد" أي شداد البدان‪ .‬وقيييل‪ :‬غلظ‬
‫القوال شداد الفعال‪ .‬وقييل غلظ فيي أخذهيم أهيل النار شداد عليهيم‪ .‬يقال‪ :‬فلن شدييد على فلن؛‬
‫أي قوي عليه يعذبه بأنواع العذاب‪ .‬وقيل‪ :‬أراد بالغلظ ضخامة أجسامهم‪ ،‬وبالشدة القوة‪ .‬قال ابن‬
‫عباس‪ :‬ميا بيين منكيبي الواحيد منهيم مسييرة سينة‪ ،‬وقوة الواحيد منهيم أن يضرب بالمقميع فيدفيع بتلك‬
‫الضربة سبعين ألف إنسان في قعر جهنم‪ .‬وذكر ابن وهب قال‪ :‬وحدثنا عبدالرحمن بن زيد قال‪:‬‬
‫قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي خزنية جهنيم‪( :‬ميا بيين منكيبي أحدهيم كميا بيين المشرق‬
‫والمغرب)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يعصيون ال ميا أمرهيم" أي ل يخالفونيه فيي أمره مين زيادة أو نقصيان‪.‬‬
‫"ويفعلون ما يؤمرون" أي في وقته‪ ،‬فل يؤخرونه ول يقدمونه‪ .‬وقيل أي لذتهم في أمتثال أمر ال؛‬
‫كما أن سرور أهل الجنة في الكون في الجنة؛ ذكره بعض المعتزلة‪ .‬وعندهم أنه يستحيل التكيف‬
‫غدا‪ .‬ول يخفيى معتقيد أهيل الحيق فيي أن ال يكلف العبيد اليوم وغدا‪ ،‬ول ينكير التكلييف فيي حيق‬
‫الملئكة‪ .‬ول أن يفعل ما يشاء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬يا أيها الذين كفروا ل تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا أيهيا الذيين كفروا ل تعتذروا اليوم" فإن عذركيم ل ينفيع‪ .‬وهذا النهيي لتحقييق‬
‫اليأس‪" .‬إنميا تجزون ميا كنتيم تعملون" فيي الدنييا‪ .‬ونظيره‪" :‬فيومئذ ل ينفيع الذيين ظلموا معذرتهيم‬
‫ول هم يستعتبون" [الروم‪ .]57 :‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى ال توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم‬
‫ويدخلكيم جنات تجري مين تحتهيا النهار يوم ل يخزي ال النيبي والذيين آمنوا معيه نورهيم يسيعى‬
‫بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى ال" أمر بالتوبة وهي فرض على العيان في كل‬
‫الحوال وكل الزمان‪ .‬وقد تقدم بيانها والقول فيها في "النساء" وغيرها‪" .‬توبة نصوحا" اختلفت‬
‫عبارة العلماء وأرباب القلوب فيي التوبية النصيوح على ثلثية وعشريين قول؛ فقييل‪ :‬هيي التيي ل‬
‫عودة بعدهيا كميا ل يعود اللبين إلى الضرع؛ وروي عين عمير وابين مسيعود وأبيي بين كعيب ومعاذ‬
‫بيين جبييل رضييي ال عنهييم‪ .‬ورفعييه معاذ إلى النييبي صييلى ال عليييه وسييلم‪ .‬وقال قتادة‪ :‬النصييوح‬
‫الصيادقة الناصيحة‪ .‬وقييل الخالصية؛ يقال‪ :‬نصيح أي أخلص له القول‪ .‬وقال الحسين‪ :‬النصيوح أن‬
‫يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره‪ .‬وقيل‪ :‬هي التي ل يثق بقبولها ويكون على وجل‬
‫منها‪ .‬وقيل‪ :‬هي التي ل يحتاج معها إلى توبة‪.‬‬
‫وقال الكلبيي‪ :‬التوبة النصوح الندم بالقلب‪ ،‬والستغفار باللسيان‪ ،‬والقلع عن الذنب‪ ،‬والطمئنان‬
‫على أنه ل يعود‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬هي التوبة المقبولة؛ ول تقبل ما لم يكن فيها ثلثة شروط‪:‬‬
‫خوف أل تقبيل‪ ،‬ورجاء أن تقبيل‪ ،‬وإدمان الطاعات‪ .‬وقال سيعيد بين المسييب‪ :‬توبية تنصيحون بهيا‬
‫أنفسيكم‪ .‬وقال القرظيي‪ :‬يجمعهيا أربعية أشياء‪ :‬السيتغفار باللسيان‪ ،‬وإقلع بالبدان‪ ،‬وإضمار ترك‬
‫العود بالجنان‪ ،‬ومهاجرة سييء الخلن‪ .‬وقال سيفيان الثوري‪ :‬علمية التوبية النصيوح أربعية‪ :‬القلة‬
‫والعلة والذلة والغربية‪ .‬وقال الفضييل بين عياض‪ :‬هيو أن يكون الذنيب بيين عينييه‪ ،‬فل يزال كأنيه‬
‫ينظير إلييه‪ .‬ونحوه عين ابين السيماك‪ :‬أن تنصيب الذنيب الذي أقللت فييه الحياء مين ال أمام عينيك‬
‫وتستعد لمنتظرك‪ .‬وقال أبو بكر الوراق‪ :‬هو أن تضيق عليك الرض بما رحبت‪ ،‬وتضيق عليك‬
‫نفسيك؛ كالثلثية الذين خلفوا‪ .‬وقال أبو بكير الواسطي‪ :‬هيي توبة ل لفقيد عوض؛ لن مين أذنب فيي‬
‫الدنيا لرفاهية نفسه ثم تاب طلبا لرفاهيتها في الخرة؛ فتوبته على حفظ نفسه ل ل‪ .‬وقال أبو بكر‬
‫الدقاق المصيري‪ :‬التوبية النصيوح هيي رد المظالم‪ ،‬واسيتحلل الخصيوم‪ ،‬وإدمان الطاعات‪ .‬وقال‬
‫روييم‪ :‬هيو أن تكون ل وجهيا بل قفيا‪ ،‬كميا كنيت له عنيد المعصيية قفيا بل وجيه‪ .‬وقال ذو النون‪:‬‬
‫علميية التوبيية النصييوح ثلث‪ :‬قلة الكلم‪ ،‬وقلة الطعام‪ ،‬وقلة المنام‪ .‬وقال شقيييق‪ :‬هييو أن يكثيير‬
‫صاحبها لنفسه الملمة‪ ،‬ول ينفك من الندامة؛ لينجو من آفاتها بالسلمة‪ .‬وقال سري السقطي‪ :‬ل‬
‫تصلح التوبة النصوح إل بنصييحة النفس والمؤمنين؛ لن من صحب توبته أحب أن يكون الناس‬
‫مثله‪ .‬وقال الجنيد‪ :‬التوبة النصوح هو أن ينسى الذنب فل يذكره أبدا؛ لن من صحت توبته صار‬
‫محبيا ل‪ ،‬ومين أحيب ال نسيي ميا دون ال‪ .‬وقال ذو الذنيين‪ :‬هيو أن يكون لصياحبها دميع مسيفوح‪،‬‬
‫وقلب عين المعاصيي جموح‪ .‬وقال فتيح الموصيلي‪ :‬علمتهيا ثلث‪ :‬مخالفية الهوى‪ ،‬وكثرة البكاء‪،‬‬
‫ومكابدة الجوع والظميأ‪ .‬وقال سيهل بين عبدال التسيتري‪ :‬هيي التوبية لهيل السينة والجماعية؛ لن‬
‫المبتدع ل توبة له؛ بدليل قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬حجب ال على كل صاحب بدعة أن يتوب)‪.‬‬
‫وعن حذيفة‪ :‬بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه‪.‬‬
‫وأصيل التوبية النصيوح مين الخلوص؛ يقال‪ :‬هذا عسيل ناصيح إذا خلص مين الشميع‪ .‬وقييل‪ :‬هيي‬
‫مأخوذة مين النصياحة وهيي الخياطية‪ .‬وفيي أخذهيا منهيا وجهان‪ :‬أحدهميا‪ :‬لنهيا توبية قيد أحكميت‬
‫طاعتيه وأوثقتهيا كميا يحكيم الخياط الثوب بخياطتيه ويوثقيه‪ .‬والثانيي‪ :‬لنهيا قيد جمعيت بينيه وبيين‬
‫أولياء ال وألصقته بهم؛ كما يجمع الخياط الثوب ويلصق بعضه ببعض‪ .‬وقراءة العامة "نصوحا"‬
‫بفتح النون‪ ،‬على نعت التوبة‪ ،‬مثل امرأة صبور‪ ،‬أي توبة بالغة في النصح‪ .‬وقرأ الحسن وخارجة‬
‫وأبو بكر عن عاصم بالضم؛ وتأويله على هذه القراءة‪ :‬توبة نصح لنفسكم‪ .‬وقيل‪ :‬يجوز أن يكون‬
‫"نصوحا"‪ ،‬جمع نصح‪ ،‬وإن يكون مصدرا‪ ،‬يقال‪ :‬نصح نصاحة ونصوحا‪ .‬وقد يتفق فعالة وفعول‬
‫فيي المصيادر‪ ،‬نحيو الذهاب والذهوب‪ .‬وقال الميبرد‪ :‬أراد توبية ذات نصيح‪ ،‬يقال‪ :‬نصيحت نصيحا‬
‫ونصاحة ونصوحا‪.‬‬
‫@ فيي الشياء التيي يتاب منهيا وكييف التوبية منهيا‪ .‬قال العلماء‪ :‬الذنيب الذي تكون منيه التوبية ل‬
‫يخلو‪ ،‬إما أن يكون حقا ل أو للدميين‪ .‬فإن كان حقا ل كترك صلة فإن التوبة ل تصح منه حتى‬
‫ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها‪ .‬وهكذا إن كان ترك صوم أو تفريطا في الزكاة‪ .‬وإن كان ذلك‬
‫قتيل نفيس بغيير حيق فأن يمكين مين القصياص إن كان علييه وكان مطلوبيا بيه‪ .‬وإن كان قذفيا يوجيب‬
‫الحيييد فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوبيييا بيييه‪ .‬فإن عفيييي عنيييه كفاه الندم والعزم على ترك العود‬
‫بالخلص‪ .‬وكذلك إن عفيي عنيه فيي القتيل بمال فعلييه أن يؤدييه إن كان واجدا له‪ ،‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫"فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان" [البقرة‪ .]178 :‬وإن كان ذلك‬
‫حدا من حدود ال كائنيا ميا كان فإنيه إذا تاب إلى ال تعالى بالندم الصيحيح سيقط عنه‪ .‬وقيد نيص ال‬
‫تعالى على سقوط الحد عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم‪ .‬وفي ذلك دليل على أنها ل تسقط‬
‫عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم؛ حسب ما تقدم بيانه‪ .‬وكذلك الشراب والسراق والزناة إذا أصلحوا‬
‫وتابوا وعرف ذلك منهم‪ ،‬ثم رفعوا إلى المام فل ينبغي له أن يحدهم‪ .‬وإن رفعوا إليه فقالوا‪ :‬تبنا‪،‬‬
‫لم يتركوا‪ ،‬وهييم فييي هذه الحالة كالمحاربييين إذا غلبوا‪ .‬هذا مذهييب الشافعييي‪ .‬فإن كان الذنييب ميين‬
‫مظالم العباد فل تصيح التوبية منييه إل برده إلى صيياحبه والخروج عنيه ‪ -‬عينيا كان أو غيره ‪ -‬إن‬
‫كان قادرا عليييه‪ ،‬فإن لم يكيين قادرا فالعزم أن يؤديييه إذا قدر فييي أعجييل وقييت وأسييرعه‪ .‬وإن كان‬
‫أضير بواحيد مين المسيلمين وذلك الواحيد ل يشعير بيه أو ل يدري مين أيين أتيى‪ ،‬فإنيه يزييل ذلك‬
‫الضرر عنه‪ ،‬ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له‪ ،‬فإذا عفا عنه فقد سقط الذنب عنه‪ .‬وإن أرسل من‬
‫يسيأل ذلك له‪ ،‬فعفيا ذلك المظلوم عين ظالميه ‪ -‬عرفيه بعينيه أو لم يعرفيه ‪ -‬فذلك صيحيح‪ .‬وإن أسياء‬
‫رجيل إلى رجيل بأن فزعيه بغيير حيق‪ ،‬أو غميه أو لطميه‪ ،‬أو صيفعه بغيير حيق‪ ،‬أو ضربيه بسيوط‬
‫فآلمه‪ ،‬ثم جاءه مستعفيا نادما على ما كان منه‪ ،‬عازما على أل يعود‪ ،‬فلم يزل يتذلل له حتى طابت‬
‫نفسه فعفا عنه‪ ،‬سقط عنه ذلك الذنب‪ .‬وهكذا إن كان شانه بشتم ل حد فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم" "عسى" من ال واجبة‪ .‬وهو معنى قوله عليه‬
‫السلم‪( :‬التائب من الذنب كمن ل ذنب له)‪ .‬و"أن" في موضع رفع اسم عسى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويدخلكم" معطوف على "يكفر"‪ .‬وقرأ ابن أبي عبلة "ويدخلكم" مجزوما عطفا‬
‫على محل عسى أن يكفر‪ .‬كأنه قيل‪ :‬توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها‬
‫النهار‪" .‬يوم ل يخزي ال النيبي" العاميل فيي "يوم"‪" :‬يدخلكيم" أو فعيل مضمير‪ .‬ومعنى "يخزي"‬
‫هنيا يعذب‪ ،‬أي ل يعذبيه ول يعذب الذيين آمنوا معيه‪" .‬نورهيم يسيعى بيين أيديهيم وبأيمانهيم" " تقدم‬
‫فيي سيورة "الحدييد"‪" .‬يقولون ربنيا أتميم لنيا نورنيا واغفير لنيا إنيك على كيل شييء قديير" قال ابين‬
‫عباس ومجاهد وغيرهما‪ :‬هذا دعاء المؤمنين حين أطفأ ال نور المنافقين؛ حسب ما تقدم بيانه في‬
‫سورة "الحديد"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم" فيه مسألة واحدة‪ :‬وهو التشديد‬
‫في دين ال‪ .‬فأمره أن يجاهد الكفار بالسيف والمواعظ الحسنة والدعاء إلى ال‪ .‬والمنافقين بالغلظة‬
‫وإقاميية الحجيية؛ وأن يعرفهييم أحوالهييم فييي الخرة‪ ،‬وأنهييم ل نور لهييم يجوزون بييه الصييراط مييع‬
‫المؤمنيين‪ .‬وقال الحسين‪ :‬أي جاهدهيم بإقامية الحدود عليهيم؛ فإنهيم كانوا يرتكبون موجبات الحدود‪.‬‬
‫وكانت الحدود تقام عليهم‪" .‬ومأواهم جهنم" يرجع إلى الصنفين‪" .‬وبئس المصير" أي المرجع‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 10 :‬ضرب ال مثل للذيين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتيا تحيت عبديين مين‬
‫عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من ال شيئا وقيل ادخل النار مع الداخلين}‬
‫@ ضرب ال تعالى هذا المثل تنبيها على أنه ل يغنيي أحد في الخرة عن قريب ول نسييب إذا‬
‫فرق بينهما الدين‪ .‬وكان اسم امرأة نوح والهة‪ ،‬واسم امرأة لوط والعة؛ قاله مقاتل‪ .‬وقال الضحاك‬
‫عن عائشة رضي ال عنها‪ :‬إن جبريل نزل على النبي صلى ال عليه وسلم فأخبره أن اسم امرأة‬
‫نوح واغلة واسيم امرأة لوط والهية‪" .‬فخانتاهميا" قال عكرمية والضحاك‪ .‬بالكفير‪ .‬وقال سيليمان بين‬
‫رقيية والضحاك‪ :‬بالكفير‪ .‬وقال سيليمان بين رقيية عين ابين عباس‪ :‬كانيت امرأة نوح تقول للناس إنيه‬
‫مجنون‪ .‬وكانييت امرأة لوط تخييبر بأضيافييه‪ .‬وعنييه‪ :‬مييا بغييت امرأه نييبي قييط‪ .‬وهذا إجماع ميين‬
‫المفسرين فيما ذكر القشيري‪ .‬إنما كانت خيانتهما في الدين وكانتا مشركتين‪ .‬وقيل‪ :‬كانتا منافقتين‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬خيانتهما النميمة إذا أوحى ال إليهما شيئا أفشتاه إلى المشركين؛ قاله الضحاك‪ .‬وقيل‪ :‬كانت‬
‫امرأة لوط إذا نزل بيه ضييف دخنيت لتعلم قومهيا أنيه قيد نزل بيه ضييف؛ لميا كانوا علييه مين إتيان‬
‫الرجال‪" .‬فلم يغنييا عنهميا مين ال شيئا" أي لم يدفيع نوح ولوط ميع كرامتهميا على ال تعالى عين‬
‫زوجتيهمييا ‪ -‬لميييا عصيييتا ‪ -‬شيئا مييين عذاب ال؛ تنبيهييا بذلك على أن العذاب يدفييع بالطاعيية ل‬
‫بالوسيلة‪ .‬ويقال‪ :‬إن كفار مكة استهزؤوا وقالوا‪ :‬إن محمدا صلي ال عليه وسلم يشفع لنا؛ فبين ال‬
‫تعالى أن شفاعتيه ل تنفيع كفار مكية وإن كانوا أقرباء‪ ،‬كميا ل تنفيع شفاعية نوح لمرأتيه وشفاعية‬
‫لوط لمرأتيه‪ ،‬ميع قربهميا لهميا لكفرهميا‪ .‬وقييل لهميا‪" :‬وقييل ادخل النار ميع الداخليين" فيي الخرة؛‬
‫كمييا يقال لكفار مكيية وغيرهييم‪ .‬ثييم قيييل‪ :‬يجوز أن تكون "امرأة نوح" بدل ميين قوله‪" :‬مثل" على‬
‫تقدير حذف المضاف؛ أي ضرب ال مثل مثل امرأة نوح‪ .‬ويجوز أن يكونا مفعولين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬وضرب ال مثل للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في‬
‫الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وضرب ال مثل للذين آمنوا امرأة فرعون" واسمها آسية بنت مزاحم‪ .‬قال يحيى‬
‫بيين سييلم‪ :‬قوله "ضرب ال مثل للذييين كفروا" مثييل ضربييه ال يحذر بييه عائشيية وحفصيية فييي‬
‫المخالفية حيين تظاهرتيا على رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬ثيم ضرب لهميا مثل بامرأة فرعون‬
‫ومريم بنة عمران؛ ترغيبا في التمسك بالطاعة والثبات على الدين‪ .‬وقيل‪ :‬هذا حث للمؤمنين على‬
‫الصبر في الشدة؛ أي ل تكونوا في الصبر عند الشدة أضعف من امرأة فرعون حين صبرت على‬
‫أذى فرعون‪ .‬وكانيت آسيية آمنيت بموسيى‪ .‬وقييل‪ :‬هيي عمية موسيى آمنيت بيه‪ .‬قال أبيو العاليية‪ :‬اطلع‬
‫فرعون على إيمان امرأتييه فخرج على المل فقال لهييم‪ :‬مييا تعلمون ميين آسييية بنييت مزاحييم؟ فأثنوا‬
‫عليها‪ .‬فقال لهم‪ :‬إنها تعبد ربا غيري‪ .‬فقالوا له‪ :‬أقتلها‪ .‬فأوتد لها أوتادا وشد يديها ورجليها فقالت‪:‬‬
‫"رب ابين لي عندك بيتيا فيي الجنية" ووافيق ذلك حضور فرعون‪ ،‬فضحكيت حيين رأت بيتهيا فيي‬
‫الجنة‪ .‬فقال فرعون‪ :‬أل تعجبون من جنونها! إنا نعذبها وهي تضحك؛ فقبض روحها‪ .‬وقال سلمان‬
‫الفارسييي فيمييا روى عنييه عثمان النهدي‪ :‬كانييت تعذب بالشمييس‪ ،‬فإذا أذاهييا حيير الشمييس أظلتهييا‬
‫الملئكة بأجنحتها‪ .‬وقيل‪ :‬سمر يديها ورجليها في الشمس ووضع على ظهرها رحى؛ فأطلعها ال‪.‬‬
‫حتيى رأت مكانهيا فيي الجنية‪ .‬وقييل‪ :‬لميا قالت‪" :‬رب ابين لي عندك بيتيا فيي الجنية" أرييت بيتهيا فيي‬
‫الجنية يبنيى‪ .‬وقييل‪ :‬إنيه مين درة؛ عين الحسين‪ .‬ولميا قالت‪" :‬ونجنيي" نجاهيا ال أكرم نجاة‪ ،‬فرفعهيا‬
‫إلى الجنية‪ ،‬فهيي تأكيل وتشرب وتتنعيم‪" .‬مين فرعون وعمله" تعنيي بالعميل الكفير‪ .‬وقييل‪ :‬مين عمله‬
‫مين عذابيه وظلميه وشماتتيه‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬الجماع‪" .‬ونجنيي مين القوم الظالميين" قال الكلبيي‪:‬‬
‫أهل مصر‪ .‬مقاتل‪ :‬القبط‪ .‬قال الحسن وابن كيسان‪ :‬نجاها ال أكرم نجاة‪ ،‬ورفعها إلى الجنة؛ فهي‬
‫فيها تأكل وتشرب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات‬
‫ربها وكتبه وكانت من القانتين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومرييم بنية عمران" أي واذكير مرييم‪ .‬وقييل‪ :‬هيو معطوف على امرأة فرعون‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬وضرب ال مثل لمريم ابنت عمران وصبرها على أذى اليهود‪" .‬التي أحصنت فرجها"‬
‫أي عن الفواحش‪ .‬وقال المفسرون‪ :‬إنه أراد بالفرج هنا الجيب لنه قال‪" :‬فنفخنا فيه من روحنا"‬
‫وجبريل عليه السلم إنما نفخ في جيبها ولم ينفخ في فرجها‪ .‬وهي في قراءة أبي "فنفخنا في جيبها‬
‫مين روحنيا"‪ .‬وكيل خرق فيي الثوب يسيمى جيبيا؛ ومنيه قوله تعالى‪" :‬وميا لهيا مين فروج" [ق‪.]6 :‬‬
‫ويحتمل أن تكون أحصنت فرجها ونفخ الروح في جيبها‪ .‬ومعنى "فنفخنا" أرسلنا جبريل فنفخ في‬
‫جيبها "من روحنا" أي روحا من أرواحنا وهي روح عيسى‪ .‬وقد مضى في آخر سورة "النساء"‬
‫بيانه مستوفى والحمد ل‪" .‬وصدقت بكلمات ربها" قراءة العامة "وصدقت" بالتشديد‪ .‬وقرأ حميد‬
‫والموي "وصيدقت" بالتخفييف‪" .‬بكلمات ربهيا" قول جبرييل لهيا‪" :‬إنميا أنيا رسيول ربيك" [مرييم‪:‬‬
‫‪ ]19‬الية‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬يعني بالكلمات عيسى وأنه نبي وعيسى كلمة ال‪ .‬وقد تقدم‪ .‬وقرأ الحسن‬
‫وأبو العالية‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكتبيه" وقرأ أبيو عمرو وحفيص عين عاصيم "وكتبيه" جمعيا‪ .‬وعين أبيي رجاء‬
‫"وكتبه" مخفف التاء‪ .‬والباقون "بكتابه" على التوحيد‪ .‬والكتاب يراد به الجنس؛ فيكون في معنى‬
‫كييل كتاب أنزل ال تعالى‪" .‬وكانييت ميين القانتييين" أي ميين المطيعييين‪ .‬وقيييل‪ :‬ميين المصييلين بييين‬
‫المغرب والعشاء‪ .‬وإنما لم يقل من القانتات؛ لنه أراد وكانت من القوم القانتين‪ .‬ويجوز أن يرجع‬
‫هذا إلى أهل بيتها؛ فإنهم كانوا مطيعين ل‪ .‬وعن معاذ بن جبل رضي ال عنه أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قال لخديجة وهي تجود بنفسها‪" :‬أتكرهين ما قد نزل بك ولقد جعل ال في الكره خيرا‬
‫فإذا قدمت على ضراتك فأقرئيهن مني السلم مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وكليمة أو قال‬
‫حكيمية بنيت عمران أخيت موسيى بين عمران)‪ .‬فقالت‪ :‬بالرفاء والبنيين ييا رسيول ال‪ .‬وروى قتادة‬
‫عين أنيس عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬حسيبك مين نسياء العالميين أربيع مرييم بنية‬
‫عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون بنت مزاحم)‪ .‬وقد مضى في‬
‫(آل عمران) الكلم في هذا مستوفى والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الملك‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ مكية في قول الجميع‪ .‬وتسمى الواقية والمنجية‪ .‬وهي ثلثون آية‪.‬‬
‫روى الترمذي عين ابين عباس قال‪ :‬ضرب رجيل مين أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‬
‫خباءه على قيبر وهيو ل يحسيب أنيه قيبر‪ ،‬فإذا قيبر إنسيان يقرأ سيورة "الملك" حتيى ختمهيا‪ ،‬فأتيى‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬ضربيت خبائي على قيبر وأنيا ل أحسيب أنيه قيبر‪،‬‬
‫فإذا قييبر إنسييان يقرأ سييورة "الملك" حتييى ختمهييا؟ فقال رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬هييي‬
‫المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر)‪ .‬قال‪ :‬حديث حسن غريب‪ .‬وعنه قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬وددت أن "تبارك الذي بيده الملك" في قلب كل مؤمن) ذكره الثعلبي‪ .‬وعن‬
‫أبيي هريرة قال‪ :‬قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إن سيورة مين كتاب ال ميا هيي إل ثلثون آيية‬
‫شفعيت لرجيل حتيى أخرجتيه مين النار يوم القيامية وأدخلتيه الجنية وهيي سيورة "تبارك")‪ .‬خرجيه‬
‫الترمذي بمعناه‪ ،‬وقال فييه‪ :‬حدييث حسين‪ .‬وقال ابين مسيعود‪ :‬إذا وضيع المييت فيي قيبره فيؤتيى مين‬
‫قبيل رجلييه‪ ،‬فيقال‪ :‬لييس لكيم علييه سيبيل‪ ،‬فإنيه كان يقوم بسيوره "الملك" على قدمييه‪ .‬ثيم يؤتيى مين‬
‫قبل رأسه‪ ،‬فيقول لسانه‪ :‬ليس لكم عليه سبيل‪ ،‬إنه كان يقرأ بي سورة "الملك" ثم قال‪ :‬هي المانعة‬
‫من عذاب ال‪ ،‬وهي في التوراة سورة "الملك" من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب‪ .‬وروي أن من‬
‫قرأها كل ليلة لم يضره الفتان‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تبارك" تفاعيل مين البركية وقيد تقدم‪ .‬وقال الحسين‪ :‬تقدس‪ .‬وقييل دام‪ .‬فهيو الدائم‬
‫الذي ل أول لوجوده ول آخيير لدوامييه‪" .‬الذي بيده الملك" أي ملك السييموات والرض فييي الدنيييا‬
‫والخرة‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء‪ ،‬ويحيي ويميت‪ ،‬ويغني ويفقر‪،‬‬
‫ويعطيي ويمنيع‪ .‬وقال محميد بن إسيحاق‪ :‬له ملك النبوة التيي أعز بها من اتبعه وذل بهيا من خالفه‪.‬‬
‫"وهو على كل شيء قدير" من إنعام وانتقام‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمل وهو العزيز الغفور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذي خلق الموت والحياة" قييل‪ :‬المعنيى خلقكيم للموت والحياة؛ يعنيي للموت فيي‬
‫الدنيا والحياة في الخرة وقدم الوت على الحياة؛ لن الموت إلى القهر أقرب؛ كما قدم البنات على‬
‫البنيين فقال‪" :‬يهيب لمين يشاء إناثيا" [الشورى‪ .]49 :‬وقييل‪ :‬قدميه لنيه أقدم؛ لن الشياء فييي‬
‫البتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم يقول‪( :‬إن ال تعالى أذل بنيي آدم بالموت وجعيل الدنييا دار حياة ثيم دار موت وجعيل الخرة‬
‫دار جزاء ثم دار بقاء)‪ .‬وعن أبي الدرداء أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬لول ثلث ما طأطأ‬
‫ابن آدم رأسه الفقر والمرض والموت وإنه مع ذلك لو ثاب)‪.‬‬
‫@ قدم الموت على الحياة‪ ،‬لن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه؛ فقدم لنه‬
‫فيمييا يرجييع إلى الغرض المسييوق له الييية أهييم قال العلماء‪ :‬الموت ليييس بعدم محييض ول فناء‬
‫صيرف‪ ،‬وإنميا هيو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتيه‪ ،‬وحيلولة ببنهميا‪ ،‬وتبدل حال وانتقال مين‬
‫دار إلى دار‪ .‬والحياة عكييس ذلك‪ .‬وحكييي عيين ابيين عباس والكلبييي ومقاتييل‪ :‬أن الموت والحياة‬
‫جسيمان‪ ،‬فجعيل الموت فيي هيئة كبيش ل يمير بشييء ول يجيد ريحيه إل مات‪ ،‬وخلق الحياة على‬
‫صيورة فرس أنثيى بلقاء ‪ -‬وهيي التيي كان جبرييل والنيبياء عليهيم السيلم يركبونهيا ‪ -‬خطوتهيا ميد‬
‫البصر‪ ،‬فوق الحمار ودون البغل‪ ،‬ل تمر بشيء يجد ريحها إل حيي‪ ،‬ول تطأ على شيء إل حيي‪.‬‬
‫وهيي التيي أخيذ السيامري مين أثرهيا فألقاه على العجيل فحييي‪ .‬حكاه الثعلبيي والقشيري عين ابين‬
‫عباس‪ .‬والماوردي معناه عن مقاتل والكلبي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفيي التنزييل "قيل يتوفاكيم ملك الموت الذي وكيل بكيم"‪[ ،‬السيجدة‪" ،]11 :‬ولو ترى إذ‬
‫يتوفى الذين كفروا الملئكة" [النفال‪ ]50 :‬ثم "توفته رسلنا" [النعام‪ ،]61 :‬ثم قال‪" :‬ال يتوفى‬
‫النفيس حيين موتهيا" [الزمير‪ .]42 :‬فالوسيائط ملئكية مكرمون صيلوات ال عليهيم‪ .‬وهيو سيبحانه‬
‫الممييت على الحقيقية‪ ،‬وإنميا يمثيل الموت بالكبيش فيي الخرة ويذبيح على الصيراط؛ حسيب ميا ورد‬
‫به الخبر الصحيح‪ .‬وما ذكر عن ابن عباس يحتاج إلى خبر صحيح يقطع العذر‪ .‬وال أعلم‪ .‬وعن‬
‫مقاتيل أيضيا‪ :‬خلق الموت؛ يعنيي النطفية والعلقية والمضغية‪ ،‬وخلق الحياة؛ يعنيي خلق إنسيانا ونفيخ‬
‫فيه الروح فصار إنسانا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا قول حسين؛ يدل علييه قوله تعالى "ليبلوكيم أيكيم أحسين عمل" وتقدم الكلم فييه فيي‬
‫سييورة "الكهييف"‪ .‬وقال السييدي فييي قوله تعالى‪" :‬الذي خلق الموت والحياة ليبلوكييم أيكييم أحسيين‬
‫عمل" أي أكثركم للموت ذكرا وأحسن استعدادا‪ ،‬ومنه أشد خوفا وحذرا‪ .‬وقال ابن عمر‪ :‬تل النبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم "تبارك الذي بيده الملك ‪ -‬حتيى بلغ ‪ -‬أيكيم أحسين عمل" فقال‪( :‬أورع عين‬
‫محارم ال وأسرع في طاعة ال)‪ .‬وقيل‪ :‬معنى "ليبلوكم" ليعاملكم معاملة المختبر؛ أي ليبلو العبد‬
‫بموت مين يعيز علييه لييبين صيبره‪ ،‬وبالحياة لييبين شكره‪ .‬وقييل‪ :‬خلق ال الموت للبعيث والجزاء‪،‬‬
‫وخلق الحياة للبتلء‪ .‬فاللم في "ليبلوكم" تتعلق بخلق الحياة ل بخلق الموت؛ ذكره الزجاج‪ .‬وقال‬
‫الفراء والزجاج أيضييا‪ :‬لم تقييع البلوى على "أي" لن فيمييا بييين البلوى و"أي" إضمار فعييل؛ كمييا‬
‫تقول‪ :‬بلوتكم لنظر أيكم أطوع‪ .‬ومثله قوله تعالى‪" :‬سلهم أيهم بذلك زعيم" [القلم‪ ]40 :‬أي سلهم‬
‫ثم انظر أيهم‪" .‬فأيكم" رفع بالبتداء و"أحسن" خبره‪ .‬والمعنى‪ :‬ليبلوكم فيعلم أو فينظر أيكم أحسن‬
‫عمل‪" .‬وهو العزيز" في أنتقامه ممن عصاه‪" .‬الغفور" لمن تاب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر‬
‫هل ترى من فطور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذي خلق سبع سماوات طباقا" أي بعضها فوق بعض‪ .‬والملتزق منها أطرافها؛‬
‫كذا روي عين ابين عباس‪ .‬و"طباقيا" نعيت "لسيبع" فهيو وصيف بالمصيدر‪ .‬وقييل‪ :‬مصيدر بمعنيى‬
‫المطابقية؛ أي خلق سيبع سيموات وطبقهيا تطبيقيا أو مطابقية‪ .‬أو على طوبقيت طباقيا‪ .‬وقال سييبويه‪:‬‬
‫نصب "طباقا" لنه مفعول ثان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فيكون "خلق" بمعنيى جعيل وصيير‪ .‬وطباق جميع طبيق؛ مثيل جميل وجمال‪ .‬وقييل‪ :‬جميع‬
‫طبقية‪ .‬وقال أبان بين تغلب‪ :‬سيمعت بعيض العراب يذم رجل فقال‪ :‬شره طباق‪ ،‬وخيره غيير باق‪.‬‬
‫ويجوز فييي غييير القرآن سييبع سييموات طباق؛ بالخفييض على النعييت لسييموات‪ .‬ونظيره "وسييبع‬
‫سنبلت خضر" [يوسف‪.]46 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" قراءة حمزة والكسائي "من تفوت" بغيير‬
‫ألف مشددة‪ .‬وهييي قراءة ابيين مسييعود وأصييحابه‪ .‬الباقون "ميين تفاوت" بألف‪ .‬وهمييا لغتان مثييل‬
‫التعاهييد والتعهييد‪ ،‬والتحمييل والتحامييل‪ ،‬والتظهيير والتظاهيير‪ ،‬وتصيياغر وتصييغر‪ ،‬وتضاعييف‬
‫وتضعف‪ ،‬وتباعد وتبعد؛ كله بمعنى‪ .‬واختار أبو عبيد "من تفوت" واحتج بحديث عبدالرحمن بن‬
‫أبيي بكير‪" :‬أمثلي يتفوت علييه فيي بناتيه"! النحاس‪ :‬وهذا أمير مردود على أبيي عبييد‪ ،‬لن يتفوت‬
‫يفتات‪ :‬بهم‪" .‬وتفاوت" في الية أشبه‪ .‬كما يقال تباين يقال‪ :‬تفاوت المر إذا تباين وتباعد؛ أي فات‬
‫بضعهيا بعضيا‪ .‬أل ترى أن قبله قوله تعالى‪" :‬الذي خلق سيبع سيموات طباقيا"‪ .‬والمعنيى‪ :‬ميا ترى‬
‫في خلق الرحمن من اعوجاج ول تناقض ول تباين ‪ -‬بل هي مستقيمة مستوية دالة على خالقها ‪-‬‬
‫وإن اختلفت صوره وصفاته‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بذلك السموات خاصة؛ أي ما ترى في خلق السموات‬
‫مين عييب‪ .‬وأصيله مين الفوت‪ ،‬وهيو أن يفوت شييء شيئا فيقيع الخلل لقلة اسيتوائها؛ يدل علييه قول‬
‫ابين عباس رضيي ال عنيه‪ :‬مين تفرق‪ .‬وقال أبيو عيبيدة‪ :‬يقال‪ :‬تفوت الشييء أي فات‪ .‬ثيم أمير بأن‬
‫ينظروا فيي خلقيه ليعتيبروا بيه فيتفكروا فيي قدرتيه‪ :‬فقال‪" :‬فارجيع البصير هيل ترى مين فطور" أي‬
‫أردد طرفك إلى السماء‪ .‬ويقال‪ :‬قلب البصر في السماء‪ .‬ويقال‪ :‬اجهد بالنظر إلى السماء‪ .‬والمعنى‬
‫متقارب‪ .‬وإنميا قال‪" :‬فأرجيع" بالفاء ولييس قبله فعيل مذكور؛ لنيه قال‪" :‬ميا ترى"‪ .‬والمعنيى أنظير‬
‫ثيم أرجيع البصير هيل ترى مين فطور؛ قاله قتادة‪ .‬والفطور‪ :‬الشقوق‪ ،‬عين مجاهيد والضحاك‪ .‬وقال‬
‫قتادة‪ :‬مين خلل‪ .‬السيدي‪ :‬مين خروق‪ .‬ابين عباس‪ :‬مين وهين‪ .‬وأصيله مين التفطير والنفطار وهيو‬
‫النشقاق‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وزينها فما فيها فطور‬ ‫بنى لكم بل عمد سماء‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫هواك فليم فالتأم الفطور‬ ‫شققت القلب ثم ذررت فيه‬
‫ول سكر ولم يبلغ سرور‬ ‫تغلغل حيث لم يبلغ شراب‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم ارجع البصر كرتين" "كرتين" في موضع المصدر؛ لن معناه رجعتين‪ ،‬أي‬
‫مرة بعد أخرى‪ .‬وإنما أمر بالنظر مرتين لن النسان إذا نظر في الشيء مرة ل يرى عيبه ما لم‬
‫ينظير إلييه مرة أخرى‪ .‬فأخيبر تعالى أنيه وإن نظير فيي السيماء مرتيين ل يرى فيهيا عيبيا بيل يتحيير‬
‫بالنظير إليهيا؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬ينقلب إلييك البصير خاسيئا" أي خاشعيا صياغرا متباعدا عين أن‬
‫يرى شيئا ميين ذلك‪ .‬يقال‪ :‬خسييأت الكلب أي أبعدتييه وطردتييه‪ .‬وخسييأ الكلب بنفسييه‪ ،‬يتعدى ول‬
‫يتعدى‪ .‬وانخسأ الكلب أيضا‪ .‬وخسأ بصره خسأ وخسوءا أي سدر‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬ينقلب إليك‬
‫البصر خاسئا" وقال ابن عباس‪ :‬الخاسئ الذي لم ير ما يهوى‪" .‬وهو حسير" أي قد بلغ الغاية في‬
‫العياء‪ .‬فهو بمعنى فاعل؛ من الحسور الذي هو العياء‪ .‬ويجوز أن يكون مفعول من حسره بعد‬
‫الشيء‪ ،‬وهو معنى قول ابن عباس‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ارتد خسان منه الطرف قد حسرا‬ ‫من مد طرفا إلى ما فوق غايته‬
‫يقال‪ :‬قيد حسير بصيره يحسير حسيورا‪ ،‬أي كيل وانقطيع نظره مين طول مدى وميا أشبيه ذلك‪ ،‬فهيو‬
‫حسير ومحسور أيضا‪ .‬قال‪:‬‬
‫فعاد إلي الطرف وهو حسير‬ ‫نظرت إليها بالمحصب من منى‬
‫وقال آخر يصف ناقة‪:‬‬
‫فشطرها نظر العينين محسور‬
‫نصب "شطرها" على الظرف‪ ،‬أي نحوها‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫حسرى تغادر بالطريق سخالها‬ ‫والخيل شعث ما تزال جيادها‬
‫وقيل‪ :‬إنه النادم‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫خليا بنة القين تولى بحسر‬ ‫ما أنا اليوم على شيء‬
‫المراد "بكرتين" ها هنا التكثير‪ .‬والدليل على ذلك‪" :‬ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير" وذلك‬
‫دليل على كثرة النظر‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 6 - 5 :‬ولقيد زينيا السيماء الدنييا بمصيابيح وجعلناهيا رجوميا للشياطيين وأعتدنيا لهيم‬
‫عذاب السعير‪ ،‬وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقيد زينيا السيماء الدنييا بمصيابيح" جميع مصيباح وهيو السيراج‪ .‬وتسيمى الكواكيب‬
‫مصيابيح لضاءتهيا‪" .‬وجعلناهيا رجوميا للشياطيين" أي جعلنيا شهبهيا؛ فحذف المضاف‪ .‬دليلة "إل‬
‫مين خطيف الخطفية فأتبعيه شهاب ثاقيب" [الصيافات‪ .]10 :‬وعلى هذا فالمصيابيح ل تزول ول‬
‫يرجيم بهيا‪ .‬وقييل‪ :‬إن الضميير راجيع إلى المصيابيح على أن الرجيم مين أنفيس الكواكيب‪ ،‬ول يسيقط‬
‫الكوكب نفسه إنما ينفصل منه شيء يرجم به من غير أن ينقص ضوءه ول صورته‪ .‬قال أبو علي‬
‫جوابا لمن قال‪ :‬كيف تكون زينة وهي رجوم ل تبقى‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وهذا على أن يكون الستراق‬
‫مين موضيع الكواكيب‪ .‬والتقديير الول على أن يكون السيتراق مين الهوى الذي هيو دون موضيع‬
‫الكواكيب‪ .‬القشيري‪ :‬وأمثيل مين قول أبيي علي أن نقول‪ :‬هيي زينية قبيل أن يرجيم بهيا الشياطيين‪.‬‬
‫والرجوم جميع رجيم؛ وهيو مصيدر سيمي بيه ميا يرجيم بيه‪ .‬قال قتادة‪ :‬خلق ال تعالى النجوم لثلث‪:‬‬
‫زينة للسيماء‪ ،‬ورجوميا للشياطين‪ ،‬وعلمات يهتدى بهيا فيي البر والبحير والوقات‪ .‬فمن تأول فيها‬
‫غيير ذلك فقيد تكلف ميا ل علم له بيه‪ ،‬وتعدى وظلم‪ .‬وقال محميد بين كعيب‪ :‬وال ميا لحيد مين أهيل‬
‫الرض في السماء نجم‪ ،‬ولكنهم يتخذون الكهانة سبيل ويتخذون النجوم علة‪" .‬وأعتدنا لهم عذاب‬
‫السعير" أي أعتدنا للشياطين أشد الحريق؛ يقال‪ :‬سعرت النار فهي مسعورة وسعير؛ مثل مقتولة‬
‫وقتيل‪" .‬وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذا ألقوا فيهيا" يعنيي الكفار‪" .‬سيمعوا لهيا شهيقيا" أي صيوتا‪ .‬قال ابين عباس‪:‬‬
‫الشهييق لجهنيم عند إلقاء الكفار فيهيا؛ تشهيق إليهم شهقة البغلة للشعيير‪ ،‬ثيم تزفير زفرة ل يبقيى أحيد‬
‫إل خاف‪ .‬وقيل‪ :‬الشهيق من الكفار عند إلقائهم في النار قاله عطاء‪ .‬والشهيق في الصدر‪ ،‬والزفير‬
‫في الحلق‪ .‬وقد مضى في سورة "هود"‪" .‬وهي تفور" أي تغلي؛ ومنه قول حسان‪:‬‬
‫وقدر القوم حامية تفور‬ ‫تركتم قدركم ل شيء فيها‬
‫قال مجاهيد‪ :‬تفور بهيم كميا يفور الحيب القلييل فيي الماء الكثيير‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬تغلي بهيم على‬
‫المرجل؛ وهذا من شدة لهب النار من شدة الغضب؛ كما تقول فلن يفور غيظا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 - 8 :‬تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير‪ ،‬قالوا‬
‫بلى قيد جاءنيا نذيير فكذبنيا وقلنيا ميا نزل ال مين شييء إن أنتيم إل فيي ضلل كيبير‪ ،‬وقالوا لو كنيا‬
‫نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير‪ ،‬فاعترفوا بذنبهم فسحقا لصحاب السعير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تكاد تمييز مين الغييظ" يعنيي تتقطيع وينفصيل بعضهيا مين بعيض؛ قاله سيعيد بين‬
‫جيبير‪ .‬وقال ابين عباس والضحاك وابين زييد‪ :‬تتفرق‪" .‬مين الغييظ" مين شدة الغييظ على أعداء ال‬
‫تعالى‪ .‬وقيل‪" :‬من الغيظ" من الغليان‪ .‬وأصل "تميز" تتميز‪" .‬كلما ألقي فيها فوج" أي جماعة من‬
‫الكفار‪" .‬سألهم خزنتها" على جهة التوبيخ والتقريع "ألم يأتكيم نذيير" أي رسول في الدنيا ينذركم‬
‫هذا اليوم حتى تحذروا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا بلى قد جاءنا نذير" أنذرنا وخوفنا‪" .‬فكذبنا وقلنا ما نزل ال من شيء" أي‬
‫على ألسيينتكم‪" .‬إن أنتييم" يييا معشيير الرسييل‪" .‬إل فييي ضلل كييبير" اعترفوا بتكذيييب الرسييل‪ ،‬ثييم‬
‫اعترفوا بجهلهيم فقالوا وهيم فيي النار‪" :‬لو كنيا نسيمع" مين النذر ‪ -‬يعنيي الرسيل ‪ -‬ميا جاؤوا بيه "أو‬
‫نعقل" عنهم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬لو كنا نسمع الهدى أو نعقله‪ ،‬أو لو كنا نسمع سماع من يعي ويفكر‪،‬‬
‫أو نعقيل عقيل مين يمييز وينظير‪ .‬ودل هذا على أن الكافير لم يعيط مين العقيل شيئا‪ .‬وقيد مضيى فيي‬
‫"الطور" بيانيه والحميد ل‪" .‬ميا كنيا فيي أصيحاب السيعير" يعنيي ميا كنيا مين أهيل النار‪ .‬وعين أبيي‬
‫سعيد الخدري عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬لقد ندم الفاجر يوم القيامة قالوا لو كنا‬
‫نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فقال ال تعالى‪" :‬فاعترفوا بذنبهم" أي بتكذيبهم الرسل‪.‬‬
‫والذنب ها هنا بمعنى الجمع؛ لن فيه معنى الفعل‪ .‬يقال‪ :‬خرج عطاء الناس أي أعطيتهم‪" .‬فسحقا‬
‫لصحاب السعير" أي فبعدا لهم من رحمة ال‪ .‬وقال سعيد بن جبير وأبو صالح‪ :‬هو واد في جهنم‬
‫يقال له السييحق‪ .‬وقرأ الكسييائي وأبييو جعفيير "فسييحقا" بضييم الحاء‪ ،‬ورويييت عيين علي‪ .‬الباقون‬
‫بإسيكانها‪ ،‬وهميا لغتان مثيل السيحت والرعيب‪ .‬الزجاج‪ :‬وهيو منصيوب على المصيدر؛ أي أسيحقهم‬
‫ال سحقا؛ أي باعدهم بعدا‪ .‬قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫وتسحقه ريح الصبا كل مسحق‬ ‫يجول بأطراف البلد مغربا‬
‫وقال أبو علي‪ :‬القياس إسحاقا؛ فجاء المصدر على الحذف؛ كما قيل‪:‬‬
‫وإن أهلك فذلك كان قدري‬
‫أي تقديري‪ .‬وقيل‪ :‬إن قوله تعالى‪" :‬إن أنتم إل في ضلل كبير" من قول خزنة جهنم لهلها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين يخشون ربهم بالغيب" نظيره‪" :‬من خشي الرحمن بالغيب" [ق‪]33 :‬‬
‫وقيد مضيى الكلم فييه‪ .‬أي يخافون ال ويخافون عذابيه الذي هيو بالغييب؛ وهيو عذاب يوم القيامية‪.‬‬
‫"لهم مغفرة" لذنوبهم "وأجر كبير" وهو الجنة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 14 - 13 :‬وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور‪ ،‬أل يعلم من خلق‬
‫وهو اللطيف الخبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأسروا قولكم أو اجهروا به" اللفظ لفظ المر والمراد به الخبر؛ يعني إن أخفيتم‬
‫كلمكم في أمر محمد صلى ال عليه وسلم أو جهرتم به "فإنه عليم بذات الصدور" يعني بما في‬
‫القلوب مين الخيير والشير‪ .‬ابين عباس‪ :‬نزلت فيي المشركيين كانوا ينالون مين النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم فيخيبره جبرييل علييه السيلم؛ فقال بعضهيم لبعيض‪ :‬أسيروا قولكيم كيي ل يسيمع رب محميد؛‬
‫فنزلت‪" :‬وأسروا قولكم أو أجهروا به"‪ .‬يعني‪ :‬أسروا قولكم في أمر محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقييل فيي سيائر القوال‪ .‬أو أجهروا بيه؛ أعلنوه‪" .‬إنيه علييم بذات الصيدور" ذات الصيدور ميا فيهيا؛‬
‫كميا يسيمى ولد المرأة وهيو جنيين "ذا بطنهيا"‪ .‬ثيم قال‪" :‬أل يعلم مين خلق" يعنيي أل يعلم السير مين‬
‫خلق السر‪ .‬يقول أنا خلقت السر في القلب أفل أكون عالما بما في قلوب العباد‪ .‬وقال أهل المعاني‪:‬‬
‫إن شئت جعلت "ميين" اسييما للخالق جييل وعييز؛ ويكون المعنييى‪ :‬أل يعلم الخالق خلقييه‪ .‬وإن شئت‬
‫جعلتيه اسيما للمخلوق‪ ،‬والمعنيى‪ :‬أل يعلم ال مين خلق‪ .‬ول بيد أن يكون الخالق عالميا بميا خلقيه وميا‬
‫يخلقه‪ .‬قال ابن المسيب‪ :‬بينما رجل واقف بالليل في شجر كثير وقد عصفت الريح فوقع في نفس‬
‫الرجل‪ :‬أترى ال يعلم ما يسقط من هذا الورق؟ فنودي من جانب الغيضة بصوت عظيم‪ :‬أل يعلم‬
‫مين خلق وهو اللطييف الخيبير‪ .‬وقال الستاذ أبو إسيحاق السفراييني‪ :‬من أسيماء صيفات الذات ما‬
‫هيو للعلم؛ منهيا "العلييم" ومعناه تعمييم جمييع المعلومات‪ .‬ومنهيا "الخيبير" ويختيص بأن يعلم ميا‬
‫يكون قبل أن يكون‪ .‬ومنها "الحكيم" ويختص بأن يعلم دقائق الوصاف‪ .‬ومنها "الشهيد" ويختص‬
‫بأن يعلم الغائب والحاضير ومعناه أن ل يغييب عنيه شييء‪ ،‬ومنهيا الحافيظ ويختيص بأنيه ل ينسيى‪.‬‬
‫ومنهييا "المحصييي" ويختييص بأنييه ل تشغله الكثرة عيين العلم؛ مثييل ضوء النور واشتداد الريييح‬
‫وتسياقط الوراق؛ فيعلم عنيد ذلك أجزاء الحركات فيي كيل ورقية‪ .‬وكييف ل يعلم وهيو الذي يخلق!‬
‫وقد قال‪" :‬أل يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 15 :‬هيو الذي جعيل لكيم الرض ذلول فامشوا فيي مناكبهيا وكلوا مين رزقيه وإلييه‬
‫النشور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هو الذي جعل لكم الرض ذلول" أي سهلة تستقرون عليها‪ .‬والذلول المنقاد الذي‬
‫يذل لك والمصييدر الذل وهييو اللييين والنقياد‪ .‬أي لم يجعييل الرض بحيييث يمتنييع المشييي فيهييا‬
‫بالحزونية والغلظية‪ .‬وقييل‪ :‬أي ثبتهيا بالجبال لئل تزول بأهلهيا؛ ولو كانيت تتكفيأ متماثلة لميا كانيت‬
‫منقادة لنييا‪ .‬وقيييل‪ :‬أشار إلى التمكيين ميين الزرع والغرس وشييق العيون والنهار وحفيير البار‪.‬‬
‫"فامشوا فيي مناكبهيا" هيو أمير إباحية‪ ،‬وفييه إظهار المتنان‪ .‬وقييل‪ :‬هيو خيبر بلفيظ المير؛ أي لكيي‬
‫تمشوا فييي أطرافهيا ونواحيهيا وآكامهييا وجبالهيا‪ .‬وقال ابين عباس وقتادة وبشيير بين كعيب‪" :‬فيي‬
‫مناكبهيا" فيي جبالهيا‪ .‬وروي أن بشيير بين كعيب كانيت له سيرية فقال لهيا‪ :‬إن أخيبرتني ميا مناكيب‬
‫الرض فأنيت حرة؟ فقالت‪ :‬مناكبهيا جبالهيا‪ .‬فصيارت حرة‪ ،‬فأراد أن يتزوجهيا فسيأل أبيا الدرداء‬
‫فقال‪ :‬دع ما يريبك إلى ما ل يريبك‪ .‬مجاهد‪ :‬في أطرافها‪ .‬وعنه أيضا‪ :‬في طرقها وفجاجها‪ .‬وقاله‬
‫السيدي والحسين‪ .‬وقال الكلبيي‪ :‬فيي جوانبهيا‪ .‬ومنكبيا الرجيل‪ :‬جانباه‪ .‬وأصيل المنكيب الجانيب؛ ومنيه‬
‫منكيب الرجيل‪ .‬والرييح النكباء‪ .‬وتنكيب فلن عين فلن‪ .‬يقول‪ :‬أمشوا حييث أردتيم فقيد جعلتهيا لكيم‬
‫ذلول ل تمتنع‪ .‬وحكى قتادة عن أبي الجلد‪ :‬أن الرض أربعة وعشرون ألف فرسخ؛ فللسودان أثنا‬
‫عشير ألف‪ ،‬وللروم ثمانيية آلف‪ ،‬وللفرس ثلثية آلف‪ ،‬وللعرب ألف‪" .‬وكلوا مين رزقيه" أي مميا‬
‫أحله لكيم؛ قاله الحسين‪ .‬وقييل‪ :‬مميا أتيتيه لكيم‪" .‬وإلييه النشور" المرجيع‪ .‬وقييل‪ :‬معناه أن الذي خلق‬
‫السماء ل تفاوت فيها‪ ،‬والرض ذلول قادر على أن ينشركم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الرض فإذا هي تمور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أأمنتم من فيي السماء أن يخسيف بكم الرض" قال ابن عباس‪ :‬أأمنتيم عذاب من‬
‫فيي السيماء إن عصييتموه‪ .‬وقييل‪ :‬تقديره أأمنتيم مين فيي السيماء قدرتيه وسيلطانه وعرشيه ومملكتيه‪.‬‬
‫وخيص السيماء وإن عيم ملكيه تنبيهيا على أن الله الذي تنفيذ قدرتيه فيي السيماء ل مين يعظمونيه فيي‬
‫الرض‪ .‬وقيل‪ :‬هو إشارة إلى الملئكة‪ .‬وقيل‪ :‬إلى جبريل وهو الملك الموكل بالعذاب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويحتمل أن يكون المعنى‪ :‬أأمنتم خالق من في السماء أن يخسف بكم الرض كما خسفها‬
‫بقارون‪" .‬فإذا هييييي تمور" أي تذهييييب وتجيييييء‪ .‬والمور‪ :‬الضطراب بالذهاب والمجيييييء‪ .‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫دما مائرا إل جرى في الحيازم‬ ‫رمين فأقصدن القلوب ولن ترى‬
‫جمع حيزوم وهو وسط الصدر‪ .‬وإذا خسف بإنسان دارت به الرض فهو المور‪ .‬وقال المحققون‪:‬‬
‫أمنتيم مين فوق السيماء؛ كقول‪" :‬فسييحوا فيي الرض" [التوبية‪ ]2 :‬أي فوقهيا ل بالمماسية والتحييز‬
‫لكين بالقهير والتدبيير‪ .‬وقييل‪ :‬معناه أمنتيم مين على السيماء؛ كقوله تعالى‪" :‬ولصيلبنكم فيي جذوع‬
‫النخل" [طه‪ ]71 :‬أي عليها‪ .‬ومعناه أنه مديرها ومالكها؛ كما يقال‪ :‬فلن على العراق والحجاز؛‬
‫أي وإليهيا وأميرهيا‪ .‬والخبار فيي هذا الباب كثيرة صيحيحة منتشرة‪ ،‬مشيرة إلى العلو؛ ل يدفعهيا‬
‫إل ملحد أو جاهل معاند‪ .‬والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت‪ .‬ووصفه بالعلو والعظمة‬
‫ل بالماكين والجهات والحدود لنهيا صيفات الجسيام‪ .‬وإنميا ترفيع اليدي بالدعاء إلى السيماء لن‬
‫السيماء مهبيط الوحيي‪ ،‬ومنزل القطير‪ ،‬ومحيل القدس‪ ،‬ومعدن المطهريين من الملئكية‪ ،‬وإليها ترفيع‬
‫أعمال العباد‪ ،‬وفوقها عرشه وجنته؛ كما جعل ال الكعبة قبلة للدعاء والصلة‪ ،‬ولنه خلق المكنة‬
‫وهييو غييير محتاج إليهييا‪ ،‬وكان فييي أزله قبييل خلق المكان والزمان‪ .‬ول مكان له ول زمان‪ .‬وهييو‬
‫الن على مييا عليييه كان‪ .‬وقرأ قنبييل عيين ابيين كثييير "النشور وامنتييم" بقلب الهمزة الولى واوا‬
‫وتخفييف الثانيية‪ .‬وقرأ الكوفيون والبصيريون وأهيل الشام سيوى أبيي عمرو وهشام بالتخفييف فيي‬
‫الهمزتين‪ ،‬وخفف الباقون‪ .‬وقد تقدم جميعه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم أمنتيم مين فيي السيماء أن يرسيل عليكيم حاصيبا" أي حجارة مين السيماء كميا‬
‫أرسييلها على قوم لوط وأصييحاب الفيييل‪ .‬وقيييل‪ :‬ريييح فيهييا حجارة وحصييباء‪ .‬وقيييل‪ :‬سييحاب فيييه‬
‫حجارة‪" .‬فسيتعلمون كييف نذيير" أي إنذاري‪ .‬وقييل‪ :‬النذيير بمعنيى المنذر‪ .‬يعنيي محمدا صيلي ال‬
‫عليه وسلم فستعلمون صدقه وعاقبة تكذيبكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد كذب الذين من قبلهيم" يعنيي كفار المم؛ كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط‬
‫وأصيحاب مديين وأصيحاب الرس وقوم فرعون "فكييف كان نكيير" أي إنكاري وقيد تقدم‪ .‬وأثبيت‬
‫ورش الياء فيي "نذيري‪ ،‬ونكيري" فيي الوصيل‪ .‬وأثبتهيا يعقوب فيي الحاليين‪ .‬وحذف الباقون اتباعيا‬
‫للمصحف‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 19 :‬أولم يروا إلى الطيير فوقهيم صيافات ويقبضين ميا يمسيكهن إل الرحمين إنيه بكيل‬
‫شيء بصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو لم يروا إلى الطيير فوقهيم صيافات" أي كميا ذلل الرض للدميي ذلل الهواء‬
‫للطيور‪ .‬و"صيافات" أي باسيطات أجنحتهين فيي الجيو عنيد طيرانهيا؛ لنهين إذا بسيطنها صيففن‬
‫قوائمهيا صيفا‪" .‬ويقبضين" أي يضربين بهيا جنوبهين‪ .‬قال أبيو جعفير النحاس‪ :‬يقال للطائر إذا بسيط‬
‫جناحييه‪ :‬صياف‪ ،‬وإذا ضمهميا فأصيابا جنبيه‪ :‬قابيض؛ لنيه يقبضهميا‪ .‬قال أبيو خراش‪ :‬يبادر جنيح‬
‫اللييل فهيو موائل يحيث الجناح بالتبسيط والقبيض وقييل‪ :‬ويقبيض أجنحتهين بعيد بسيطها إذا وقفين مين‬
‫الطيران‪ .‬وهييو معطوف على "صييافات" عطييف المضارع على اسييم الفاعييل؛ كمييا عطييف اسييم‬
‫الفاعيل على المضارع فيي قول الشاعير‪ :‬بات يعشيهيا بعضيب باتير يقصيد فيي أسيوقها وجائر "ميا‬
‫يمسكهن" أي ما يمسك الطير في الجو وهي تطير إل ال عز وجل‪" .‬إنه بكل شيء بصير"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 20 :‬أم مين هذا الذي هيو جنيد لكيم ينصيركم مين دون الرحمين إن الكافرون إل فيي‬
‫غرور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أمن هذا الذي هو جند لكم" قال ابن عباس‪ :‬حزب ومنعة لكم‪" .‬ينصركم من دون‬
‫الرحمن" فيدفع عنكم ما أراد بكم إن عصيتموه‪ .‬ولفظ الجند يوحد؛ ولهذا قال‪" :‬هذا الذي هو جند‬
‫لكيم" وهيو اسيتفهام إنكار؛ أي ل جنيد لكيم يدفيع عنكيم عذاب ال "مين دون الرحمين" أي مين سيوى‬
‫الرحمن‪" .‬إن الكافرون إل في غرور" من الشياطين؛ تغرهم بأن ل عذاب ول حساب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أمين هذا الذي يرزقكيم" أي يعطيكيم منافيع الدنييا‪ .‬وقييل المطير مين آلهتكيم‪" .‬إن‬
‫أمسيك رزقيه" يعنيي ال تعالى رزقيه‪" .‬بل لجوا" أي تمادوا وأصيروا‪" .‬فيي عتو" طغيان "ونفور"‬
‫عن الحق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفمن يمشي مكبا على وجهه" ضرب ال مثل للمؤمن والكافر "مكبا" أي منكسا‬
‫رأسيه ل ينظير أماميه ول يمينيه ول شماله؛ فهيو ل يأمين مين العثور والنكباب على وجهيه‪ .‬كمين‬
‫يمشيي سيويا معتدل ناظرا ميا بيين يدييه وعين يمينيه وعين شماله‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬هذا فيي الدنييا؛‬
‫ويجوز أن يريد به العمى الذي ل يهتدي إلى الطريق فيعتسف؛ فل يزال ينكب على وجهه‪ .‬وأنه‬
‫ليس كالرجل السوي الصحيح البصير الماشي في الطريق المهتدى له‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هو الكافر أكب‬
‫على معاصييي ال فييي الدنييا فحشره ال يوم القيامية على وجهيه‪ .‬وقال ابين عباس والكلبيي‪ :‬عنيى‬
‫بالذي يمشى مكبا على وجهه أبا جهل‪ ،‬وبالذي يمشي سويا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقيل‬
‫أبو بكر‪ .‬وقيل حمزة‪ .‬وقيل عمار ابن ياسر؛ قاله عكرمة‪ .‬وقيل‪ :‬هو عام في الكافر والمؤمن؛ أي‬
‫أن الكافير ل يدري أعلى حيق هيو أم على باطيل‪ .‬أي أهذا الكافير أهدى أو المسيلم الذي يمشيي سيويا‬
‫معتدل يبصر للطريق وهو "على صراط مستقيم" وهو السلم‪ .‬ويقال‪ :‬أكب الرجل على وجهه؛‬
‫فيما ل يتعدى باللف‪ .‬فإذا تعدى قيل‪ :‬كبه ال لوجهه؛ بغير ألف‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 23 :‬قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والبصار والفئدة قليل ما تشكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل هو الذي أنشأكم" أمر نبيه أن يعرفهم قبح شركهم مع اعترافهم بأن ال خلقهم‪.‬‬
‫"وجعيل لكيم السيمع والبصيار والفئدة" يعنيي القلوب "قليل ميا تشكرون" أي ل تشكرون هذه‬
‫النعم‪ ،‬ول توحدون ال تعالى‪ .‬تقول‪ :‬قلما أفعل كذا؛ أي ل أفعله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 - 24 :‬قل هو الذي ذرأكم في الرض وإليه تحشرون‪ ،‬ويقولون متى هذا الوعد‬
‫إن كنتم صادقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل هيو الذي ذرأكيم فيي الرض" أي خلقكيم فيي الرض؛ قال ابين عباس‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫نشركييم فيهييا وفرقكييم على ظهرهييا؛ قاله ابيين شجرة‪" .‬وإليييه تحشرون" حتييى يجازي كل بعمله‪.‬‬
‫"ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين" أي متى يوم القيامة ومتى هذا العذاب الذي تعدوننا به‬
‫وهذا استهزاء منهم‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 26 :‬قل إنما العلم عند ال وإنما أنا نذير مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل إنما العلم عند ال" أي قل لهم يا محمد علم وقت قيام الساعة عند ال فل يعلمه‬
‫غيره‪ .‬نظيره‪" :‬قيل إنميا علمهيا عنيد ربيي" [العراف‪ ]187 :‬اليية‪" .‬وإنميا أنيا نذيير ميبين" أي‬
‫مخوف ومعلم لكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما رأوه زلفة" مصدر بمعنى مزدلفا أي قريبا؛ قال مجاهد‪ .‬الحسن عيانا‪ .‬وأكثر‬
‫المفسرين على أن المعنى‪ :‬فلما رأوه يعني العذاب‪ ،‬وهو عذاب الخرة‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬يعني عذاب‬
‫بدر‪ .‬وقيل‪ :‬أي رأوا ما وعدوا من الحشر قريبا منهم‪ .‬ودل عليه "تحشرون"‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬لما‬
‫رأوا عملهم السيئ قريبا‪" .‬سيئت وجوه الذين كفروا" أي فعل بها السوء‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬تبين فيها‬
‫السييوء أي سيياءهم ذلك العذاب وظهيير على وجوههييم سييمة تدل على كفرهييم؛ كقوله تعالى‪" :‬يوم‬
‫تبيض وجوه وتسود وجوه" [آل عمران‪ .]106 :‬وقرأ نافع وابن محيصن وابن عامر والكسائي‬
‫"سئت" بإشمام الضم‪ .‬وكسر الباقون بغير إشمام طلبا للخفة‪ .‬ومن ضم لحظ الصل‪" .‬وقيل هذا‬
‫الذي كنتم به تدعون" قال الفراء‪" :‬تدعون" تفتعلون من الدعاء وهو قول أكثر العلماء أي تتمنون‬
‫وتسألون‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬تكذبون؛ وتأويله‪ :‬هذا الذي كنتم من أجله تدعون الباطيل والحاديث؛‬
‫قاله الزجاج‪ .‬وقراءة العامية "تدعون" بالتشدييد‪ ،‬وتأويله ميا ذكرناه‪ .‬وقرأ قتادة وابين أبيي إسيحاق‬
‫والضحاك ويعقوب "تدعون" مخففيية‪ .‬قال قتادة‪ :‬هييو قولهييم "ربنييا عجييل لنييا قطنييا" [ص‪.]16 :‬‬
‫وقال الضحاك‪ :‬هو قولهم "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء"‬
‫[النفال‪ ]32 :‬اليية‪ .‬وقال أبيو العباس‪" :‬تدعون" تسيتعجلون؛ يقال‪ :‬دعوت بكذا إذا طلبتيه؛‬
‫وادعيييت افتعلت منييه‪ .‬النحاس‪" :‬تدعون وتدعون" بمعنييى واحييد؛ كمييا يقال‪ :‬قدر وأقتدر‪ ،‬وعدى‬
‫واعتدى؛ إل أن في "أفتعل" معنى شيء بعد شيء‪ ،‬و"فعل" يقع على القليل والكثير‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 28 :‬قيل أرأيتيم إن أهلكنيي ال ومين معيي أو رحمنيا فمين يجيير الكافريين مين عذاب‬
‫أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أرأيتم إن أهلكني ال" أي قل لهم يا محمد ‪ -‬يريد مشركي مكة‪ ،‬وكانوا يتمنون‬
‫موت محميد صيلى ال علييه وسيلم؛ كميا قال تعالى‪" :‬أم يقولون شاعير نتربيص بيه رييب المنون"‬
‫[الطور‪ - ]30 :‬أرأيتم إن متنا أو رحمنا فأخرت آجالنا فمن يجيركم من عذاب ال؛ فل حاجة بكم‬
‫إلى التربص بنا ول إلى استعجال قيام الساعة‪ .‬وأسكن الياء في "أهلكني" ابن محيصن والمسيبي‬
‫وشيبية والعميش وحمزة‪ .‬وفتحهيا الباقون‪ .‬وكلهيم فتيح الياء فيي "ومن معيي" إل أهيل الكوفية فإنهيم‬
‫سكنوها‪ .‬وفتحها حفص كالجماعة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلل مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون" قرأ الكسائي بالياء على الخبر؛‬
‫ورواه عين علي‪ .‬الباقون بالتاء على الخطاب‪ .‬وهيو تهدييد لهيم‪ .‬ويقال‪ :‬لم أخير مفعول "آمنيا" وقدم‬
‫مفعول "توكلنيا" فيقال‪ :‬لوقوع "آمنيا" تعريضيا بالكافريين حيين ورد عقييب ذكرهيم‪ .‬كأنيه قييل‪ :‬آمنيا‬
‫ولم نكفير كميا كفرتيم‪ .‬ثيم قال "وعلييه توكلنيا" خصيوصا لم نتكيل على ميا أنتيم متكلون علييه مين‬
‫رجالكم وأموالكم؛ قاله الزمخشري‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 :‬قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أرأيتم" يا معشر قريش "إن أصبح ماؤكم غورا" أي غائرا ذاهبا في الرض‬
‫ل تناله الدلء‪ .‬وكان ماؤهم من بئرين‪ :‬بئر زمزم وبئر ميمون‪" .‬فمن يأتيكم بماء معين" أي جار؛‬
‫قاله قتادة والضحاك‪ .‬فل بيد لهيم مين أن يقولوا ل يأتينيا بيه إل ال؛ فقيل لهيم لم تشركون بيه مين ل‬
‫يقدر على أن يأتيكييم‪ .‬يقال‪ :‬غار الماء يغور غورا؛ أي نضييب‪ .‬والغور‪ :‬الغائر؛ وصييف بالمصييدر‬
‫للمبالغة؛ كما تقول‪ :‬رجل عدل ورضا‪ .‬وقد مضى في سورة "الكهف" ومضى القول في المعنى‬
‫فيي سيورة "المؤمنون" والحميد ل‪ .‬وعين ابين عباس‪" :‬بماء معيين" أي ظاهير تراه العيون؛ فهيو‬
‫مفعول‪ .‬وقيل‪ :‬هو من معن الماء أي كثر؛ فهو على هذا فعيل‪ .‬وعن ابن عباس أيضا‪ :‬أن المعنى‬
‫فمن يأتيكم بماء عذب‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة القلم‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ مكيية فيي قول الحسين وعكرمية وعطاء وجابر‪ .‬وقال ابين عباس وقتادة‪ :‬مين أولهيا إلى قوله‬
‫تعالى‪" :‬سنسمه على الخرطوم" [القلم‪ ]16 :‬مكي‪ .‬ومن بعد ذلك إلى قوله تعالى‪" :‬أكبر لو كانوا‬
‫يعلمون" [القلم‪ ]33 :‬مدني‪ .‬ومن بعد ذلك إلى قوله‪" :‬يكتبون" [القلم‪ ]47 :‬مكي‪ .‬ومن بعد ذلك‬
‫إلى قوله تعالى‪" :‬من الصالحين" [القلم‪ ]50 :‬مدني‪ ،‬وما بقي مكي؛ قاله الماوردي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬ن والقلم وما يسطرون‪ ،‬ما أنت بنعمة ربك بمجنون‪ ،‬وإن لك لجرا غير ممنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ن والقلم" أدغيم النون الثانيية فيي هجائهيا فيي الواو أبيو بكير والمفضيل وهيبيرة‬
‫وورش وابين محيصين وابين عامير والكسيائي ويعقوب‪ .‬والباقون بالظهار‪ .‬وقرأ عيسيى بين عمير‬
‫بفتحها؛ كأنه أضمر فعل‪ .‬وقرأ ابن عباس ونصر وابن أبي إسحاق بكسرها على إضمار حرف‪،‬‬
‫القسم‪ .‬وقرأ هارون ومحمد بن السميقع بضمها على البناء‪ .‬واختلف في تأويله؛ فروى معاوية بن‬
‫قرة عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬ن لوح من نور)‪ .‬وروى ثابت البناني‬
‫أن "ن" الدواة‪ .‬وقاله الحسين وقتادة‪ .‬وروى الولييد بين مسيلم قال‪ :‬حدثنيا مالك بين أنيس عين سيمي‬
‫مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول‪( :‬أول مييا خلق ال القلم ثييم خلق النون وهييي الدواة وذلك قوله تعالى‪" :‬ن والقلم" ثييم قال له‬
‫اكتيب قال‪ :‬وميا أكتيب قال‪ :‬ميا كان وميا هيو كائن إلى يوم القيامية مين عميل أو أجيل أو رزق أو أثير‬
‫فجرى القلم بمييا هييو كائن إلى يوم القياميية ‪ -‬قال ‪ -‬ثييم ختييم فييم القلم فلم ينطييق ول ينطييق إلى يوم‬
‫القيامية‪ .‬ثيم خلق العقيل فقال الجبار ميا خلقيت خلقيا أعجيب إلي منيك وعزتيي وجللي لكملنيك فيمين‬
‫أحببت ولنقصنك فيمن أبغضت) قال‪ :‬ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أكمل الناس عقل‬
‫أطوعهيم ل وأعملهيم بطاعتيه)‪ .‬وعين مجاهيد قال‪" :‬ن" الحوت الذي تحيت الرض السيابعة‪ .‬قال‪:‬‬
‫"والقلم" الذي كتب به الذكر‪ .‬وكذا قال مقاتل ومرة الهمداني وعطاء الخراساني والسدي والكلبي‪:‬‬
‫إن النون هو الحوت الذي عليه الرضون‪ .‬وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال‪ :‬أول ما خلق ال‬
‫القلم فجرى بما هو كائن‪ ،‬ثم رفع بخار الماء فخلق منه السماء‪ ،‬ثم خلق النون فبسط الرض على‬
‫ظهره‪ ،‬فمادت الرض فأثبتييت بالجبال‪ ،‬وإن الجبال لتفخيير على الرض‪ .‬ثييم قرأ ابيين عباس "ن‬
‫والقلم" الية‪ .‬وقال الكلبي ومقاتل‪ :‬اسمه البهموت‪ .‬قال الراجز‪:‬‬
‫وال ربي خلق البهموتا‬ ‫مالي أراكم كلكم سكوتا‬
‫وقال أبو اليقظان والواقدي‪ :‬ليوثا‪ .‬وقال كعب‪ :‬لوثوثا‪ .‬وقال‪ :‬بلهموثا‪ .‬وقال كعب‪ :‬إن إبليس تغلغل‬
‫إلى الحوت الذي على ظهره الرضون فوسيوس فيي قلبيه‪ ،‬وقال‪ :‬أتدري ميا على ظهرك ييا لوثوثيا‬
‫من الدواب والشجر والرضين وغيرها‪ ،‬لو لفظتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع؛ فهم ليوثا أن يفعل‬
‫ذلك‪ ،‬فبعث ال إليه دابة فدخلت منخره ووصلت إلى دماغه‪ ،‬فضج الحوت إلى ال عز وجل منها‬
‫فأذن ال لهيا فخرجيت‪ .‬قال كعيب‪ :‬فوال إنيه لينظير إليهيا وتنظير إلييه إن هيم بشييء مين ذلك عادت‬
‫كميا كانيت‪ .‬وقال الضحاك عين ابين عباس‪ :‬إن "ن" آخير حروف مين حروف الرحمين‪ .‬قال‪ :‬الر‪،‬‬
‫وحيم‪ ،‬ون؛ الرحمين تعالى متقطعية‪ .‬وقال ابين زييد‪ :‬هيو قسيم أقسيم تعالى بيه‪ .‬وقال ابين كيسيان‪ :‬هيو‬
‫فاتحة السورة‪ .‬وقيل‪ :‬اسم السورة‪ .‬وقال عطاء وأبو العالية‪ :‬هو أفتتاح اسمه نصير ونور وناصر‪.‬‬
‫وقال محميد بين كعيب‪ :‬أقسيم ال تعالى بنصيره للمؤمنيين؛ وهيو حيق‪ .‬بيانيه قوله تعالى‪" :‬وكان حقيا‬
‫علينا نصر المؤمنين" [الروم‪ ]47 :‬وقال جعفر الصادق‪ :‬هو نهر من أنهار الجنة يقال له نون‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو المعروف من حروف المعجم‪ ،‬لنه لو كان غير ذلك لكان معربا؛ وهو اختيار القشيري‬
‫أبيو نصير عبدالرحييم فيي تفسييره‪ .‬قال‪ :‬لن "ن" حرف لم يعرب‪ ،‬فلو كان كلمية تامية أعرب كميا‬
‫أعرب القلم‪ ،‬فهيو إذا حرف هجاء كميا فيي سيائر مفاتييح السيور‪ .‬وعلى هذا قييل‪ :‬هيو اسيم السيورة‪،‬‬
‫أي هذه السيورة "ن"‪ .‬ثيم قال‪" :‬والقلم" أقسيم بالقلم لميا فييه مين البيان كاللسيان؛ وهيو واقيع على كيل‬
‫قلم مما يكتب به من في السماء ومن في الرض؛ ومنه قول أبي الفتح البستي‪:‬‬
‫وعدوه مما يكسب المجد والكرم‬ ‫إذا أقسم البطال يوما بسيفهم‬
‫مدى الدهر أن ال أقسم بالقلم‬ ‫كفى قلم الكتاب عزا ورفعة‬
‫وللشعراء في تفضيل القلم على السيف أبيات كثيرة؛ ما ذكرناه أعلها‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬هذا قسم‬
‫بالقلم الذي خلقه ال؛ فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة‪ .‬قال‪ :‬وهو قلم من نور‬
‫طوله كميا بيين السيماء والرض‪ .‬ويقال‪ .‬خلق ال القلم ثيم نظير إلييه فأنشيق نصيفين؛ فقال‪ :‬أجير؛‬
‫فقال‪ :‬يا رب بم أجري؟ قال بما هو كائن إلى يوم القيامة؛ فجرى على اللوح المحفوظ‪ .‬وقال الوليد‬
‫بن عبادة بن الصامت‪ :‬أوصاني أبي عند موته فقال‪ :‬يا بني‪ ،‬اتق ال‪ ،‬وأعلم أنك لن تتقي ولن تبلغ‬
‫العلم حتى تؤمن بال وحده‪ ،‬والقدر خيره وشره‪ ،‬سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬إن أول‬
‫ما خلق ال القلم فقال له أكتب فقال يا رب وما أكتب فقال أكتب القدر فجرى القلم في تلك الساعة‬
‫بميا كان وميا هيو كائن إلى البيد) وقال ابين عباس‪ :‬أول ميا خلق ال القلم فأمره أن يكتيب ميا هيو‬
‫كائن؛ فكتب فيما كتب "تبت يدا أبي لهب" [المسد‪ .]1 :‬وقال قتادة‪ :‬القلم نعمة من ال تعالى على‬
‫عباده‪ .‬قال غيره‪ :‬فخلق ال القلم الول فكتيب ميا يكون فيي الذكير ووضعيه عنده فوق عرشيه‪ ،‬ثيم‬
‫خلق القلم الثانيي ليكتيب بيه فيي الرض؛ على ميا يأتيي بيانيه فيي سيورة "اقرأ باسيم ربيك" [العلق‪:‬‬
‫‪.]1‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا يسيطرون" أي وميا يكتبون‪ .‬يرييد الملئكية يكتبون أعمال بنيي آدم؛ قاله ابين‬
‫عباس‪ :‬وقيل‪ :‬وما يكتبون أي الناس ويتفاهمون به‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬ومعنى "وما يسطرون" وما‬
‫يعلمون‪ .‬و"ما" موصولة أو مصدرية؛ أي ومسطوراتهم أو وسطرهم‪ ،‬ويراد به كل من يسطر أو‬
‫الحفظيية؛ على الخلف‪" .‬مييا أنييت بنعميية ربييك بمجنون" هذا جواب القسييم وهييو نفييي‪ ،‬وكان‬
‫المشركون يقولون للنيبي صيلى ال علييه وسيلم إنيه مجنون‪ ،‬بيه شيطان‪ .‬وهيو قولهيم‪" :‬ييا أيهيا الذي‬
‫نزل علييه الذكير إنيك لمجنون" [الحجير‪ ]6 :‬فأنزل ال تعالى ردا عليهيم وتكذيبيا لقولهيم {ميا أنيت‬
‫بنعمية ربيك بمجنون" أي برحمية ربيك‪ .‬والنعمية هيا هنيا الرحمية‪ .‬ويحتميل ثانييا ‪ -‬أن النعمية هيا هنيا‬
‫قسيم؛ وتقديره‪ :‬ميا أنيت ونعمية ربيك بمجنون؛ لن الواو والباء مين حروف القسيم‪ .‬وقييل هيو كميا‬
‫تقول‪ :‬ما أنت بمجنون‪ ،‬والحمد ل‪ .‬وقيل‪ :‬معناه ما أنت بمجنون‪ ،‬والنعمة لربك؛ كقولهم‪ :‬سبحانك‬
‫اللهم وبحمدك؛ أي والحمد ل‪ .‬ومنه قول لبيد‪:‬‬
‫وفارقني جار بأربد نافع‬ ‫وأفردت في الدنيا بفقد عشيرتي‬
‫أي وهو أربد‪ .‬وقال النابغة‪:‬‬
‫طفحت عليك بناتق مذكار‬ ‫لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم‬
‫أي هيو ناتيق‪ .‬والباء فيي "بنعمية ربيك" متعلقية "بمجنون" منفييا؛ كميا يتعلق بغافيل مثبتيا‪ .‬كميا فيي‬
‫قولك‪ :‬أنيت بنعمية ربيك غافيل‪ .‬ومحله النصيب على الحال؛ كأنيه قال‪ :‬ميا أنيت بمجنون منعميا علييك‬
‫بذلك‪" .‬وإن لك لجرا" أي ثوابيا على ميا تحملت مين أثقال النبوة‪" .‬غيير ممنون" أي غيير مقطوع‬
‫ول منقوص؛ يقال‪ :‬مننت الحبل إذا قطعته‪ .‬وحبل منين إذا كان غير متين‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫غبْسا كواسب ل ُي َمنّ طعامها‬
‫ُ‬
‫أي ل يقطيع‪ .‬وقال مجاهيد‪" :‬غيير ممنون" محسيوب‪ .‬الحسين‪" :‬غيير ممنون" غيير مكدر بالمين‪.‬‬
‫الضحاك‪ :‬أجرا بغير عمل‪ .‬وقيل‪ :‬غير مقدر وهو التفضل؛ لن الجزاء مقدر والتفضل غير مقدر؛‬
‫ذكره الماوردي‪ ،‬وهو معنى قول مجاهد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬وإنك لعلى خلق عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإنك لعلى خلق عظيم" قال ابن عباس ومجاهد‪ :‬على خلق‪ ،‬على دين عظيم من‬
‫الديان‪ ،‬لييس ديين أحيب إلى ال تعالى ول أرضيى عنده منيه‪ .‬وفيي صيحيح مسيلم عين عائشية‪ :‬أن‬
‫خلقييه كان القرآن‪ .‬وقال علي رضييي ال عنييه وعطييية‪ :‬هييو أدب القرآن‪ .‬وقيييل‪ :‬هييو رفقييه بأمتييه‬
‫وإكرامه إياهم‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هو ما كان يأتمر به من أمر ال وينتهي عنه مما نهى ال عنه‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫أي إنك على طبع كريم‪ .‬الماوردي‪ :‬وهو الظاهر‪ .‬وحقيقة الخلق في اللغة‪ :‬هو ما يأخذ به النسان‬
‫نفسيه مين الدب يسيمى خلقيا؛ لنيه يصيير كالخلقية فييه‪ .‬وأميا ميا طبيع علييه مين الدب فهيو الخييم‬
‫(بالكسر)‪ :‬السجية والطبيعة‪ ،‬ل واحد له من لفظه‪ .‬وخيم‪ :‬اسم جبل‪ .‬فيكون الخلق الطبع المتكلف‪.‬‬
‫والخيم الطبع الغريزي‪ .‬وقد أوضح العشى ذلك في شعره فقال‪:‬‬
‫وعادت لخيمها الخلق‬ ‫وإذا ذو الفضول ضن على المولى‬
‫أي رجعت الخلق إلى طبائعها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ميا ذكرتيه عين عائشية فيي صيحيح مسيلم أصيح القوال‪ .‬وسيئلت أيضيا عين خلقيه علييه‬
‫السيلم؛ فقرأت "قيد أفلح المؤمنون" [المؤمنون‪ ]1 :‬إلى عشير آيات‪ ،‬وقالت‪ :‬ميا كان أحيد أحسين‬
‫خلقا من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ما دعاه أحد من الصحابة ول من أهل بيته إل قال لبيك‪،‬‬
‫ولذلك قال ال تعالى "وإنييك لعلى خلق عظيييم"‪ .‬ولم يذكيير خلق محمود إل وكان للنييبي صييلى ال‬
‫عليه وسلم منه الحظ الوفر‪ .‬وقال الجنيد‪ :‬سمي خلقه عظيما لنه لم تكن له همة سوى ال تعالى‪.‬‬
‫وقييل سيمي خلقيه عظيميا لجتماع مكارم الخلق فييه؛ يدل علييه قوله علييه السيلم‪( :‬إن ال بعثنيي‬
‫لتمييم مكارم الخلق)‪ .‬وقيييل‪ :‬لنييه أمتثييل تأديييب ال تعالى إياه بقوله تعالى‪" :‬خييذ العفييو وأميير‬
‫بالعرف وأعرض عن الجاهلين" [العراف‪ .]199 :‬وقد روي عنه عليه السلم أنه قال‪( :‬أدبني‬
‫ربيي تأديبيا حسينا إذ قال‪" :‬خيذ العفيو وأمير بالعرف وأعرض عين الجاهليين" [العراف‪]199 :‬‬
‫فلما قبلت ذلك منه قال‪" :‬إنك لعلى خلق عظيم"‪.‬‬
‫@ روى الترمذي عين أبيي ذر قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أتيق ال حيثميا كنيت‬
‫وأتبييع السيييئة الحسيينة تمحهييا وخالق الناس بخلق حسيين)‪ .‬قال حديييث حسيين صييحيح‪ .‬وعيين أبييي‬
‫الدرداء أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق‬
‫حسن وإن ال تعالى ليبغض الفاحش البذيء)‪ .‬قال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ .‬وعنه قال‪ :‬سمعت النبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم يقول‪( :‬ميا مين شييء يوضيع فيي الميزان أثقيل مين حسين الخلق وإن صياحب‬
‫حسين الخلق ليبلغ بيه درجية صياحب الصيلة والصيوم)‪ .‬قال‪ :‬حدييث غرييب مين هذا الوجيه‪ .‬وعين‬
‫أبي هريرة قال‪ :‬سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال‪( :‬تقوى‬
‫ال وحسين الخلق)‪ .‬وسيئل عين أكثير ميا يدخيل الناس النار؟ فقال‪( :‬الفيم والفرج) قال‪ :‬هذا حدييث‬
‫صيحيح غرييب‪ .‬وعين عبدال بين المبارك أنيه وصيف حسين الخلق فقال‪ :‬هيو بسيط الوجيه‪ ،‬وبذل‬
‫المعروف‪ ،‬وكيف الذى‪ .‬وعين جابر‪ :‬أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬إن مين أحبكيم إلي‬
‫وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلقا ‪ -‬قال ‪ -‬وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم‬
‫القياميييية الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون)‪ .‬قالوا‪ :‬يييييا رسييييول ال‪ ،‬قييييد علمنييييا الثرثارون‬
‫والمتشدقون‪ ،‬فمييا المتفيهقون؟ قال‪( :‬المتكييبرون)‪ .‬قال‪ :‬وفييي الباب عيين أبييي هريرة وهذا حديييث‬
‫حسن غريب من هذا الوجه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 - 5 :‬فستبصر ويبصرون‪ ،‬بأيكم المفتون‪ ،‬إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله‬
‫وهو أعلم بالمهتدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فستبصر ويبصرون" قال ابن عباس‪ :‬معناه فستعلم ويعلمون يوم القيامة‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫فسيترى ويرون يوم القيامية حيين يتيبين الحيق والباطيل‪" .‬بأيكيم المفتون" الباء زائدة؛ أي فسيتبصر‬
‫ويبصيرون أيكيم المفتون‪ .‬أي الذي فتين بالجنون؛ كقوله تعالى‪" :‬تنبيت بالدهين" [المؤمنون‪]20 :‬‬
‫و"يشرب بهيا عباد ال" [النسيان‪ .]6 :‬وهذا قول قتادة وأبيي عبييد والخفيش‪ .‬وقال الراجيز‪ :‬نحين‬
‫بنييو جعدة أصييحاب الفلج نضرب بالسيييف ونرجييو بالفرج وقيييل‪ :‬الباء ليسييت بزائدة؛ والمعنييى‪:‬‬
‫"بأيكيم المفتون" أي الفتنية‪ .‬وهيو مصيدر على وزن المفعول‪ ،‬ويكون معناه الفتون؛ كميا قالوا‪ :‬ميا‬
‫لفلن مجلود ول معقول؛ أي عقل ول جلدة‪ .‬وقاله الحسن والضحاك وابن عباس‪ .‬وقال الراعي‪:‬‬
‫لحما ول لفؤاده معقول‬ ‫حتى إذا لم يتركوا لعظامه‬
‫أي عقل‪ .‬وقييل فيي الكلم تقديير حذف مضاف؛ والمعنيى‪ :‬بأيكيم فتنية المفتون‪ .‬وقال الفراء‪ :‬الباء‬
‫بمعنى في؛ أي فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون؛ أبالفرقة التي أنت فيها من المؤمنين‬
‫أم بالفرقييية الخرى‪ .‬والمفتون‪ :‬المجنون الذي فتنيييه الشيطان‪ .‬وقييييل‪ :‬المفتون المعذب‪ .‬مييين قول‬
‫العرب‪ :‬فتنيت الذهيب بالنار إذا حميتيه‪ .‬ومنيه قوله تعالى‪" :‬يوم هيم على النار يفتنون" [الذاريات‪:‬‬
‫‪ ]13‬أي يعذبون‪.‬‬
‫ومعظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل‪ .‬وقيل‪ :‬المفتون هو الشيطان؛ لنه مفتون‬
‫في دينه‪ .‬وكانوا يقولون‪ :‬إن به شيطانا‪ ،‬وعنوا بالمجنون هذا؛ فقال ال تعالى‪ :‬فسيعلمون غدا بأيهم‬
‫المجنون؛ أي الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلط العقل‪" .‬إن ربك هو أعلم بمن ضل‬
‫عين سيبيله" أي إن ال هيو العالم بمين حاد عين دينيه‪" .‬وهيو أعلم بالمهتديين" أي الذيين هيم على‬
‫الهدى فيجازي كل غدا بعمله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬فل تطع المكذبين}‬
‫@ نهاه عن ممايلة المشركين؛ وكانوا يدعونه إلى أن يكف عنهم ليكفوا عنه‪ ،‬فبين ال تعالى أن‬
‫ممايلتهيم كفير‪ .‬وقال تعالى‪" :‬ولول أن ثبتناك لقيد كدت تركين إليهيم شيئا قليل" [السييراء‪.]74 :‬‬
‫وقييل‪ :‬أي فل تطيع المكذبيين فيميا دعوك إلييه مين دينهيم الخيبيث‪ .‬نزلت فيي مشركيي قرييش حيين‬
‫دعوه إلى دين آبائه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬ودوا لو تدهن فيدهنون}‬
‫@ قال ابين عباس وعطيية والضحاك والسيدي‪ :‬ودوا لو تكفير فيتمادون على كفرهيم‪ .‬وعين ابين‬
‫عباس أيضييا‪ :‬ودوا لو ترخييص لهييم فيرخصييون لك‪ .‬وقال الفراء والكلبييي‪ :‬لو تلييين فيلينون لك‪.‬‬
‫والدهان‪ :‬التلييين لمين ل ينبغيي له التلييين؛ قاله الفراء‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬المعنيى ودوا لو ركنيت إليهيم‬
‫وتركت الحق فيمالئونك‪ .‬وقال الربيع بن أنس‪ :‬ودوا لو تكذب فيكذبون‪ .‬وقال قتادة‪ :‬ودوا لو تذهب‬
‫عين هذا المير فيذهبون معيك‪ .‬الحسين‪ :‬ودوا لو تصيانعهم فيي دينيك فيصيانعونك فيي دينهيم‪ .‬وعنيه‬
‫أيضييا‪ :‬ودوا لو ترفييض بعييض أمرك فيرفضون بعييض أمرهييم‪ .‬زيييد بيين أسييلم‪ :‬لو تنافييق وترائي‬
‫فينافقون ويراؤون‪ .‬وقييل‪ :‬ودوا لو تضعيف فيضعفون؛ قال أبيو جعفير‪ .‬وقييل‪ :‬ودوا لو تداهين فيي‬
‫دينيك فيداهنون فيي أديانهيم؛ قاله القتيبي‪ .‬وعنيه‪ :‬طلبوا منيه أن يعبيد ألهتهيم مدة ويعبدوا إلهيه مدة‪.‬‬
‫فهذه آثنيا عشير قول‪ .‬ابين العربيي‪ :‬ذكير المفسيرون فيهيا نحيو عشرة أقوال كلهيا دعاوى على اللغية‬
‫والمعنى‪ .‬أمثلها قولهم‪ :‬ودوا لو تكذب فيكذبون‪ ،‬ودوا لو تكفر فيكفرون‪.‬‬
‫قلت‪ :‬كلهيييا إن شاء ال تعالى صيييحيحة على مقتضيييى اللغييية والمعنيييى؛ فإن الدهان‪ :‬الليييين‬
‫والمصييانعة‪ .‬وقيييل‪ :‬مجاملة العدو ممايلتييه‪ .‬وقيييل‪ :‬المقاربيية فييي الكلم والتليييين فييي القول‪ .‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫تنوبك من مداهنة العدو‬ ‫لبعض الغشم أحزم في أمور‬
‫وقال المفضيل‪ :‬النفاق وترك المناصيحة‪ .‬فهيي على هذا الوجيه مذمومية‪ ،‬وعلى الوجيه الول غيير‬
‫مذمومية‪ ،‬وكيل شييء منهيا لم يكين‪ .‬قال الميبرد‪ :‬يقال أدهين فيي دينيه وداهين فيي أمره؛ أي خان فييه‬
‫وأظهيير خلف مييا يضميير‪ .‬وقال قوم‪ :‬داهنييت بمعنييى واريييت‪ ،‬وأدهنييت بمعنييى غششييت؛ قال‬
‫الجوهري‪ .‬وقال‪" :‬فيدهنون" فسيياقه على العطييف‪ ،‬ولو جاء بييه جواب النهييي لقال فيدهنوا‪ .‬وإنمييا‬
‫أراد‪ :‬إن تمنوا لو فعلت فيفعلون مثييل فعلك؛ عطفييا ل جزاء عليييه ول مكافأة‪ ،‬وإنمييا هييو تمثيييل‬
‫وتنظير‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 - 10 :‬ول تطع كل حلف مهين‪ ،‬هماز مشاء بنميم‪ ،‬مناع للخير معتد أثيم‪ ،‬عتل‬
‫بعد ذلك زنيم}‬
‫@ يعني الخنس بن شريق؛ في قول الشعبي والسدي وابن إسحاق‪ .‬وقيل‪ :‬السود بن عبد يغوث‪،‬‬
‫أو عبدالرحمين بين السيود؛ قاله مجاهيد‪ .‬وقييل‪ :‬الولييد بين المغيرة‪ ،‬عرض على النيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم مال وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه؛ قال مقاتل‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬هو أبو جهل بن‬
‫هشام‪ .‬والحلف‪ :‬الكثييير الحلف‪ .‬والمهييين‪ :‬الضعيييف القلب؛ عيين مجاهييد‪ .‬ابيين عباس‪ :‬الكذاب‪.‬‬
‫والكذاب مهيين‪ .‬وقييل‪ :‬المكثار فيي الشير؛ قاله الحسين وقتادة‪ .‬وقال الكلبيي‪ :‬المهيين الفاجير العاجيز‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬معناه الحقيير عنيد ال‪ .‬وقال ابين شجرة‪ :‬إنيه الذلييل‪ .‬الرمانيي‪ :‬المهيين الوضييع لكثاره مين‬
‫القبيح‪ .‬وهو فعييل من المهانة بمعنيى القلة‪ .‬وهيي هنيا القلة فيي الرأي والتميييز‪ .‬أو هو فعييل بمعنيى‬
‫مفعييل؛ والمعنييى مهان‪" .‬هماز" قال ابيين زيييد‪ :‬الهماز الذي يهمييز الناس بيده ويضربهييم‪ .‬واللماز‬
‫باللسيان‪ .‬وقال الحسين‪ :‬هيو الذي يهميز ناحيية فيي المجلس؛ كقوله تعالى‪" :‬همزة"‪[ .‬الهمزة‪.]1 :‬‬
‫وقييل‪ :‬الهماز الذي يذكير الناس فيي وجوههيم‪ .‬واللماز الذي يذكرهيم فيي مغيبهيم؛ قاله أبيو العاليية‬
‫وعطاء بين أبيي رباح والحسين أيضيا‪ .‬وقال مقاتيل ضيد هذا الكلم‪ :‬إن الهمزة الذي يغتاب بالغيبية‪.‬‬
‫واللمزة الذي يغتاب فيي الوجيه‪ .‬وقال مرة‪ :‬هميا سيواء‪ .‬وهيو القتات الطعان للمرء إذا غاب‪ .‬ونحوه‬
‫عن ابن عباس وقتادة‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وإن أغب فأنت الهامز اللمزة‬ ‫تدلي بود إذا لقيتني كذبا‬
‫"مشاء بنميم" أي يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم‪ .‬يقال‪ :‬نم ينم نما ونميما ونميمة؛ أي يمشي‬
‫ويسعى بالفساد‪ .‬وفي صحيح مسلم عن حذيفة أنه بلغه أن رجل ينم الحديث‪ ،‬فقال حذيفة‪ :‬سمعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬ل يدخل الجنة نمام)‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫لموله إل سعيه بنميم‬ ‫ومولى كبيت النمل ل خير عنده‬
‫قال الفراء‪ :‬هميا لغتان‪ .‬وقييل‪ :‬النمييم جميع نميمية‪" .‬مناع للخيير" أي للمال أن ينفيق فيي وجوهيه‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪ :‬يمنع عن السلم ولده وعشيرته‪ .‬وقال الحسن‪ :‬يقول لهم من دخل منكم في دين‬
‫محميد ل أنفعيه بشييء أبدا‪" .‬معتيد" أي على الناس فيي الظلم متجاوز للحيد‪ ،‬صياحب باطيل‪" .‬أثييم"‬
‫أي ذي إثيم‪ ،‬ومعناه أثوم‪ ،‬فهيو فعييل بمعنيى فعول‪" .‬عتيل بعيد ذلك زنييم" العتيل الجافيي الشدييد فيي‬
‫كفره‪ .‬وقال الكلبي والفراء‪ :‬هو الشديد الخصومة بالباطل‪ .‬وقيل‪ :‬إنه الذي يعتل الناس فيجرهم إلى‬
‫حبيس أو عذاب‪ .‬مأخوذ مين العتيل وهيو الجير؛ ومنيه قوله تعالى‪" :‬خذوه فاعتلوه" [الدخان‪.]47 :‬‬
‫وفيي الصيحاح‪ :‬وعتلت الرجيل أعتله وأعتله إذا جذبتيه جذبيا عنيفيا‪ .‬ورجيل معتيل (بالكسير)‪ .‬وقال‬
‫يصف فرسا‪:‬‬
‫نفرعه فرعا ولسنا نعتله‬
‫قال ابين السيكيت‪ :‬عتله وعتنيه‪ ،‬باللم والنون جميعيا‪ .‬والعتيل الغلييظ الجافيي‪ .‬والعتيل أيضيا‪ :‬الرميح‬
‫الغلييظ‪ .‬ورجيل عتيل (بالكسير) بيين العتيل؛ أي سيريع إلى الشير‪ .‬ويقال‪ :‬ل أنعتيل معيك؛ أي ل أبرح‬
‫مكانيي‪ .‬وقال عبييد بين عميير‪ :‬العتيل الكول الشروب القوي الشدييد يوضيع فيي الميزان فل يزن‬
‫شعيرة؛ يدفييع الملك ميين أولئك فييي جهنييم بالدفعيية الواحدة سييبعين ألفييا‪ .‬وقال علي بيين أبييي طالب‬
‫والحسن‪ :‬العتل الفاحش السيئ الخلق‪ .‬وقال معمر‪ :‬هو الفاحش اللئيم‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫غير ذي نجدة وغير كريم‬ ‫ب ُعتُلّ من الرجال زنيم‬
‫وفيي صيحيح مسيلم عين حارثية بين وهيب سيمع النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬أل أخيبركم بأهيل‬
‫الجنة ‪ -‬قالوا بلى قال ‪ -‬كل ضعيف متضعف لو أقسم على ال لبره‪ .‬أل أخبركم بأهل النار ‪ -‬قالوا‬
‫بلى قال ‪ -‬كيل عتيل جواظ مسيتكبر)‪ .‬وفيي روايية عنيه (كيل جواظ زنييم متكيبر)‪ .‬الجواظ‪ :‬قييل هيو‬
‫الجموع المنوع‪ .‬وقيل الكثير اللحم المختال في مشيته‪ .‬وذكر الماوردي عن شهر بن حوشب عن‬
‫عبدالرحمن بن غنم‪ ،‬ورواه ابن مسعود أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ل يدخل الجنة جواظ‬
‫ول جعظري ول العتييل الزنيييم)‪ .‬فقال رجييل‪ :‬مييا الجواظ ومييا الجعظري ومييا العتييل الزنيييم؟ فقال‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬الجواظ الذي جميع ومنيع‪ .‬والجعظري الغلييظ‪ .‬والعتيل الزنييم‬
‫الشديييد الخلق الرحيييب الجوف المصييحح الكول الشروب الواجييد للطعام الظلوم للناس)‪ .‬وذكره‬
‫الثعلبي عن شداد بن أوس‪( :‬ل يدخل الجنة جواظ ول جعظري ول عتل زنيم) سمعتهن من النبي‬
‫صييلى ال عليييه وسييلم قلت‪ :‬ومييا الجواظ؟ قال‪ :‬الجماع المناع‪ .‬قلت‪ :‬ومييا الجعظري؟ قال‪ :‬الفييظ‬
‫الغليييظ‪ .‬قلت‪ :‬ومييا العتييل الزنيييم؟ قال‪ :‬الرحيييب الجوف الوثييير الخلق الكول الشروب الغشوم‬
‫الظلوم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فهذا التفسيير مين النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي العتيل قيد أربيى على أقوال المفسيرين‪.‬‬
‫ووقيع فيي كتاب أبيي داود فيي تفسيير الجواظ أنيه الفيظ الغلييظ‪ .‬ذكره مين حدييث حارثية بين وهيب‬
‫الخزاعيي قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل يدخيل الجنية الجواظ ول الجعظري) قال‪:‬‬
‫والجواظ الفيظ الغلييظ‪ .‬ففييه تفسييران مرفوعان حسيب ميا ذكرناه أول‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إنيه الجافيي القلب‪.‬‬
‫وعين زييد بين أسيلم فيي قوله تعالى‪" :‬عتيل بعيد ذلك زنييم" قال‪ :‬قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪:‬‬
‫(تبكي السماء من رجل أصح ال جسمه ورحب جوفه وأعطاه من الدنيا بعضا فكان للناس ظلوما‬
‫فذلك العتل الزنيم‪ .‬وتبكي السماء من الشيخ الزاني ما تكاد الرض تقله)‪ .‬والزنيم الملصق بالقوم‬
‫الدعي؛ عن ابن عباس وغيره‪ .‬قال الشاعر‪ :‬زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الديم‬
‫الكارع وعن ابن عباس أيضا‪ :‬أنه رجل من قريش كانت له زنمة كزنمة الشاة‪ .‬وروى عنه ابن‬
‫جبير‪ .‬أنه الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬هو اللئيم الذي يعرف بلؤمه‬
‫كما تعرف الشاة بزنمتها‪ .‬وقيل‪ :‬إنه الذي يعرف بالبنة‪ .‬وهو مروي عن ابن عباس أيضا‪ .‬وعنه‬
‫أنه الظلوم‪ .‬فهذه ستة أقوال‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬زنيم كانت له ستة أصابع في يده‪ ،‬في كل إبهام له إصبع‬
‫زائدة‪ .‬وعنيه أيضيا وسيعيد بين المسييب وعكرمية‪ :‬هيو ولد الزنيى الملحيق فيي النسيب بالقوم‪ .‬وكان‬
‫الوليد دعيا في قريش ليس من سنخهم؛ ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة من مولده‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫بغي الم ذو حسب لئيم‬ ‫زنيم ليس يعرف من أبوه‬
‫وقال حسان‪:‬‬
‫نيط خلف الراكب القدح الفرد‬ ‫وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما‬
‫قلت‪ :‬وهذا هييو القول الول بعينييه‪ .‬وعيين علي رضييي ال تعالى عنييه أنييه الذي ل أصييل له؛‬
‫والمعنيى واحيد‪ .‬وروي أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬ل يدخيل الجنية ولد زنيى ول ولده ول‬
‫ولد ولده)‪ .‬وقال عبدال بين عمير‪ :‬إن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬إن أولد الزنيى يحشرون‬
‫يوم القيامة في صورة القردة والخنازير)‪ .‬وقالت ميمونة‪ :‬سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫(ل تزال أمتيي بخيير ميا لم يفيش فيهيم ولد الزنيى فإذا فشيا فيهيم ولد الزنيى أوشيك أن يعمهيم ال‬
‫بعقاب)‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬إذا كثر ولد الزنى قحط المطر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أما الحديث الول والثاني فما أظن لهما سندا يصح‪ ،‬وأما حديث ميمونة وما قاله عكرمة‬
‫ففي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى ال عليه وسلم قالت‪ :‬خرج النبي صلى‬
‫ال علييه وسيلم يوميا فزعيا محمرا وجهيه يقول‪( :‬ل إله إل ال‪ .‬وييل للعرب مين شير قيد اقترب‪ .‬فتيح‬
‫اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) وحلق بإصبعيه البهام والتي تليها‪ .‬قالت فقلت‪ :‬يا رسول‬
‫ال‪ ،‬أنهلك وفينييا الصييالحون؟ قال‪( :‬نعييم إذا كثيير الخبييث) خرجييه البخاري‪ .‬وكثرة الخبييث ظهور‬
‫الزنيى وأولد الزنيى؛ كذا فسيره العلماء‪ .‬وقول عكرمية "قحيط المطير" تيبيين لميا يكون بيه الهلك‪.‬‬
‫وهذا يحتاج إلى توقيف‪ ،‬وهو أعلم من أين قاله‪ .‬ومعظم المفسرين على أن هذا نزل في الوليد بن‬
‫المغيرة‪ ،‬وكان يطعم أهل منى حيسا ثلثة أيام‪ ،‬وينادي أل ل يوقدن أحد تحت برمة‪ ،‬أل ل يدخنن‬
‫أحيد بكراع‪ ،‬أل ومن أراد الحييس فليأت الولييد بين المغيرة‪ .‬وكان ينفيق فيي الحجة الواحدة عشريين‬
‫ألفيا وأكثير‪ .‬ول يعطيي المسيكين درهميا واحدا فقييل‪" :‬مناع للخيير"‪ .‬وفييه نزل‪" :‬ووييل للمشركيين‪.‬‬
‫الذين ل يؤتون الزكاة" [فصلت‪ .]6 :‬وقال محمد بن إسحاق‪ :‬نزلت في الخنس بن شريق‪ ،‬لنه‬
‫حلييف ملحيق فيي بنيي زهرة‪ ،‬فلذلك سيمي زنيميا‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬فيي هذه اليية نعيت‪ ،‬فلم يعرف‬
‫حتيى قتيل فعرف‪ ،‬وكان له زنمية فيي عنقيه معلقية يعرف بهيا‪ .‬وقال ُمرّة الهمدانيي‪ :‬إنميا ادعاه أبوه‬
‫بعد ثماني عشرة سنة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 - 14 :‬أن كان ذا مال وبنين‪ ،‬إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الولين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن كان ذا مال وبنين" قرأ أبو جعفر وابن عامر وأبو حيوة والمغيرة والعرج‬
‫"آن كان" بهمزة واحدة ممدودة على السيتفهام‪ .‬وقرأ المفضيل وأبيو بكير وحمزة "أأن كان"‬
‫بهمزتييين محققتييين‪ .‬وقرأ الباقون بهمزة واحدة على الخييبر؛ فميين قرأ بهمزة مطولة أو بهمزتييين‬
‫محققتين فهو استفهام والمراد به التوبيخ‪ ،‬ويحسن له أن يقف على "زنيم"‪ ،‬ويبتدئ "أن كان" على‬
‫معنييى ألن كان ذا مال وبنييين تطيعييه‪ .‬ويجوز أن يكون التقدييير‪ :‬ألن كان ذا مال وبنييين يقول إذا‬
‫تتلى عليه آياتنا‪ :‬أساطير الولين ويجوز أن يكون التقدير‪ :‬ألن كان ذا مال وبنين يكفر ويستكبر‪.‬‬
‫ودل عليه ما تقدم من الكلم فصار كالمذكور بعد الستفهام‪ .‬ومن قرأ "أن كان" بغير استفهام فهو‬
‫مفعول مين أجله والعاميل فييه فعيل مضمير‪ ،‬والتقديير‪ :‬يكفير لن كان ذا مال وبنيين‪ .‬ودل على هذا‬
‫الفعيل‪" :‬إذا تتلى علييه آياتنيا قال أسياطير الوليين" ول يعميل فيي "أن"‪" :‬تتلى" ول "قال" لن ميا‬
‫بعيد "إذا" ل يعميل فيميا قبلهيا؛ لن "إذا" تضاف إلى الجميل التيي بعدهيا‪ ،‬ول يعميل المضاف إلييه‬
‫فيما قبل المضاف‪ .‬و"قال" جواب الجزاء ول يعمل فيما قبل الجزاء؛ إذا حكم العامل أن يكون قبل‬
‫المعمول فيه‪ ،‬وحكم الجواب أن يكون بعد الشرط فيصير مقدما مؤخرا في حال‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫المعنى ل تطعه لن كان ذا يسار وعدد‪ .‬قال ابن النباري‪ :‬ومن قرأ بل استفهام لم يحسن أن يقف‬
‫على "زنييم" لن المعنيى لن كان وبأن كان‪" ،‬فأن" متعلقية بميا قبلهيا‪ .‬قال غيره‪ :‬يجوز أن يتعلق‬
‫بقوله‪" :‬مشاء بنميييم" والتقدييير يمشييي بنميييم لن كان ذا مال وبنييين‪ .‬وأجاز أبييو علي أن يتعلق‬
‫"بعتل"‪ .‬وأساطير الولين‪ :‬أباطيلهم وترهاتهم وخرافاتهم‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬سنسمه على الخرطوم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سنسمه" قال ابن عباس‪ :‬معنى "سنسمه" سنخطمه بالسيف‪ .‬قال‪ :‬وقد خطم الذي‬
‫نزلت فيييه يوم بدر بالسيييف؛ فلم يزل مخطومييا إلى أن مات‪ .‬وقال قتادة‪ :‬سيينسمه يوم القياميية على‬
‫أنفيه سيمة يعرف بهيا؛ يقال‪ :‬وسيمته وسيما وسيمة إذا أثرت فييه بسيمة وكيي‪ .‬وقيد قال تعالى‪" :‬يوم‬
‫تييبيض وجوه وتسييود وجوه" [آل عمران‪ ]106 :‬فهذه علميية ظاهرة‪ .‬وقال تعالى‪" :‬ونحشيير‬
‫المجرمين يومئذ زرقا" [طيه‪ ]102 :‬وهذه علمة أخرى ظاهرة‪ .‬فأفادت هذه الية علمة ثالثة‬
‫وهيي الوسيم على النيف بالنار؛ وهذا كقوله تعالى‪" :‬يعرف المجرمون بسييماهم" [الرحمين‪]41 :‬‬
‫قاله الكلبييي وغيره‪ .‬وقال أبييو العالييية ومجاهييد‪" :‬سيينسمه على الخرطوم" أي على أنفييه‪ ،‬ونسييود‬
‫وجهيه فيي الخرة فيعرف بسيواد وجهيه‪ .‬والخرطوم‪ :‬النيف مين النسيان‪ .‬ومين السيباع‪ :‬موضيع‬
‫الشفية‪ .‬وخراطييم القوم‪ :‬سياداتهم‪ .‬قال الفراء‪ :‬وإن كان الخرطوم قيد خيص بالسيمة فإنيه فيي معنيى‬
‫الوجه؛ لن بعض الشيء يعبر به عن الكل‪ .‬وقال الطبري‪ :‬نبين أمره تبيانا واضحا حتى يعرفوه‬
‫فل يخفيى عليهيم كميا ل تخفيى السيمة على الخراطييم‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى سينلحق بيه عارا وسيبة حتيى‬
‫يكون كمين وسيم على أنفيه‪ .‬قال القتيبي‪ :‬تقول العرب للرجيل يسيب سيبة سيوء قبيحية باقيية‪ :‬قيد وسيم‬
‫ميسم سوء؛ أي الصق به عار ل يفارقه؛ كما أن السمة ل يمحى أثرها‪ .‬قال جرير‪:‬‬
‫وعلى البعيث جدعت أنف الخطل‬ ‫لما وضعت على الفرزدق ميسمي‬
‫أراد بييه الهجاء‪ .‬قال‪ :‬وهذا كله نزل فييي الوليييد بيين المغيرة‪ .‬ول نعلم أن ال تعالى بلغ ميين ذكيير‬
‫عيوب أحيد ميا بلغيه منيه؛ فألحقيه بيه عارا ل يفارقيه فيي الدنييا والخرة؛ كالوسيم على الخرطوم‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬هيو ميا ابتله ال بيه فيي الدنييا فيي نفسيه وماله وأهله مين سيوء وذل وصيغار؛ قاله ابين بحير‪.‬‬
‫واستشهد بقول العشى‪:‬‬
‫بشعرك وأعلب أنف من أنت واسم‬ ‫فدعها وما يغنيك وأعمد لغيرها‬
‫وقال النضير بين شمييل‪ :‬المعنيى سينحده على شرب الخمير‪ ،‬والخرطوم‪ :‬الخمير‪ ،‬وجمعيه خراطييم‪،‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫تظل يومك في لهو وفي طرب وأنت بالليل شرّاب الخراطيم‬
‫قال الراجز‪:‬‬
‫صهباء خرطوما عقارا قرقفا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا‬ ‫أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه‬
‫@ قال ابن العربي‪" :‬كان الوسم في الوجه لذي المعصية قديما عند الناس‪ ،‬حتى أنه روي ‪ -‬كما‬
‫تقدم ‪ -‬أن اليهود لما أهملوا رجم الزاني اعتاضوا منه بالضرب وتحميم الوجه؛ وهذا وضع باطل‪.‬‬
‫ومين الوسيم الصيحيح فيي الوجيه‪ :‬ميا رأى العلماء مين تسيويد وجيه شاهيد الزور‪ ،‬علمية على قبيح‬
‫المعصييية وتشديدا لميين يتعاطاهييا لغيره مميين يرجييى تجنبييه بمييا يرجييى ميين عقوبيية شاهييد الزور‬
‫وشهرتيه؛ فقيد كان عزيزا بقول الحيق وقيد صيار مهينيا بالمعصيية‪ .‬وأعظيم الهانية إهانية الوجيه‪.‬‬
‫وكذلك كانت الستهانة به في طاعة ال سببا لخيرة البد والتحريم له على النار؛ فإن ال تعالى قد‬
‫حرم على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود؛ حسب ما ثبت في الصحيح‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 19 - 17 :‬إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين‪ ،‬ول‬
‫يستثنون‪ ،‬فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنييا بلوناهييم" يريييد أهييل مكيية‪ .‬والبتلء الختبار‪ .‬والمعنييى أعطيناهييم أموال‬
‫ليشكروا ل ليبطروا؛ فلما بطروا وعادوا محمدا صلي ال عليه وسلم ابتليناهم بالجوع والقحط كما‬
‫بلونا أهل الجنة المعروف خبرها عندهم‪ .‬وذلك أنها كانت بأرض اليمن بالقرب منهم على فراسخ‬
‫مين صينعاء ‪ -‬ويقال بفرسيخين ‪ -‬وكانيت لرجيل يؤدي حيق ال تعالى منهيا؛ فلميا مات صيارت إلى‬
‫ولده‪ ،‬فمنعوا الناس خيرهيا وبخلوا بحيق ال فيها؛ فأهلكهيا ال مين حيث لم يمكنهيم دفع ما حيل بها‪.‬‬
‫قال الكلبييي‪ :‬كان بينهييم وبييين صيينعاء فرسييخان؛ ابتلهييم ال بأن أحرق جنتهييم‪ .‬وقيييل‪ :‬هييي جنيية‬
‫بضوران‪ ،‬وضوران على فرسيخ مين صينعاء‪ ،‬وكان أصيحاب هذه الجنية بعيد رفيع عيسيى علييه‬
‫السلم بيسير ‪ -‬وكانوا بخلء ‪ -‬فكانوا يجدون التمير ليل من أجل المساكين‪ ،‬وكانوا أرادوا حصاد‬
‫زرعها وقالوا‪ :‬ل يدخلها اليوم عليكم مسكين‪ ،‬فغدوا عليها فإذا هي قد اقتلعت من أصلها فأصبحت‬
‫كالصيريم؛ أي كاللييل‪ .‬ويقال أيضيا للنهار صيريم‪ .‬فإن كان أراد اللييل فل سيواد موضعهيا‪ .‬وكأنهيم‬
‫وجدوا موضعهيا حمأة‪ .‬وإن كان أراد بالصيريم النهار فلذهاب الشجير والزرع ونقاء الرض منيه‪.‬‬
‫وكان الطائف الذي طاف عليهيا جبرييل علييه السيلم فاقتلعهيا‪ .‬فيقال‪ :‬إنيه طاف بهيا حول البييت ثيم‬
‫وضعهييا حيييث مدينيية الطائف اليوم؛ ولذلك سييميت الطائف‪ .‬وليييس فييي أرض الحجاز بلدة فيهييا‬
‫الشجير والعناب والماء غيرهيا‪ .‬وقال البكري فيي المعجيم‪ :‬سيميت الطائف لن رجل مين الصيدف‬
‫يقال له الدمون‪ ،‬بنى حائطا وقال‪ :‬قد بنيت لكم طائفا حول بلدكم؛ فسميت الطائف‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ قال بعض العلماء‪ :‬على من حصد زرعا أو جد ثمرة أن يواسي منها من حضره؛ وذلك معنى‬
‫قوله‪" :‬وآتوا حقه يوم حصاده" [النعام‪ ]141 :‬وأنه غير الزكاة على ما تقدم في "النعام" بيانه‪.‬‬
‫وقال بعضهييم‪ :‬وعليييه ترك مييا أخطأه الحاصييدون‪ .‬وكان بعييض العباد يتحرون أقواتهييم ميين هذا‪.‬‬
‫وروي أنه نهي عن الحصاد بالليل‪ .‬فقيل‪ :‬إنه لما ينقطع عن المساكين في ذلك من الرفق‪ .‬وتأول‬
‫ميين قال هذا الييية التييي فييي سييورة "ن والقلم"‪ .‬قيييل‪ :‬إنمييا نهييي عيين ذلك خشييية الحيات وهوام‬
‫الرض‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الول أصيح؛ والثانيي حسين‪ .‬وإنميا قلنيا الول أصيح لن العقوبية كانيت بسيبب‪ ،‬ميا أرادوه‬
‫مين منيع المسياكين كميا ذكير ال تعالى‪ .‬روى أسيباط عين السيدي قال‪ :‬كان قوم باليمين وكان أبوهيم‬
‫رجل صالحا‪ ،‬وكان إذا بلغ ثماره أتاه المساكين فما يمنعهم من دخولها وأن يأكلوا منها ويتزودوا؛‬
‫فلما مات قال بنوه بعضهم لبعض‪ :‬علم نعطي أموالنا هؤلء المساكين! تعالوا فلندلج فنصر منها‬
‫قبيل أن يعلم المسياكين؛ ولم يسيتثنوا؛ فانطلقوا وبعضهيم يقول لبعيض خفتيا‪ :‬ل يدخلنهيا اليوم عليكيم‬
‫مسييكين؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬إذ أقسييموا" يعنييي حلفوا فيمييا بينهييم "ليصيير منهييا مصييبحين" يعنييي‬
‫لنجذنها وقت الصبح قبل أن تخرج المساكين؛ ول يستثنون؛ يعني لم يقولوا إن شاء ال‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس‪ :‬كانيت تلك الجنية دون صينعاء بفرسيخين‪ ،‬غرسيها رجيل مين أهيل الصيلح وكان له ثلثية‬
‫بنيين‪ ،‬وكان للمسياكين كيل ميا تعداه المنجيل فلم يجذه مين الكرم‪ ،‬فإذا طرح على البسياط فكيل شييء‬
‫سقط عن البساط فهو أيضا للمساكين‪ ،‬فإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين‪،‬‬
‫فإذا درسوا كان لهم كل شيء انتثر؛ فكان أبوهم يتصدق منها على المساكين‪ ،‬وكان يعيش في ذلك‬
‫فيي حياة أبيهيم اليتاميى والراميل والمسياكين‪ ،‬فلميا مات أبوهيم فعلوا ميا ذكير ال عنهيم‪ .‬فقالوا‪ :‬قيل‬
‫المال وكثيير العيال؛ فتحالفوا بينهييم ليغدون غدوة قبييل خروج الناس ثييم ليصيير منهييا ول تعرف‬
‫المساكين‪ .‬وهو قوله‪" :‬إذ أقسموا" أي حلفوا "ليصر منها" ليقطعن ثمر نخيلهم إذا أصبحوا بسدفة‬
‫مين اللييل لئل ينتبيه المسياكين لهيم‪ .‬والصيرم القطيع‪ .‬يقال‪ :‬صيرم العذق عين النخلة‪ .‬وأصيرم النخيل‬
‫أي حان وقت صرامه‪ .‬مثل أركب المهر وأحصد الزرع‪ ،‬أي حان ركوبه وحصاده‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يسيتثنون" أي ولم يقولوا إن شاء ال‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬كان حرثهيم عنبيا ولم‬
‫يقولوا إن شاء ال‪ .‬وقال أبييو صييالح‪ :‬كان اسييتثناؤهم قولهييم سييبحان ال ربنييا‪ .‬وقيييل‪ :‬معنييى "ول‬
‫يسيتثنون" أي ل يسيتثنون حيق المسياكين؛ قاله عكرمية‪ .‬فجاؤوهيا ليل فرأوا الجنية مسيودة قيد طاف‬
‫عليها طائف من ربك وهم نائمون‪ .‬قيل‪ :‬الطائف جبريل عليه السلم؛ على ما تقدم ذكره‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس‪ :‬أمر من ربك‪ .‬وقال قتادة‪ :‬عذاب من ربك‪ .‬ابن جريج‪ :‬عتق من نار خرج من وادي جهنم‪.‬‬
‫والطائف ل يكون إل بالليل؛ قاله الفراء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فيي هذه اليية دلييل على أن العزم مميا يؤاخيذ بيه النسيان؛ لنهيم عزموا على أن يفعلوا‬
‫فعوقبوا قبيل فعلهيم‪ .‬ونظيير هذه اليية قوله تعالى‪" :‬ومين يرد فييه بإلحاد بظلم نذقيه مين عذاب ألييم"‬
‫[الحيج‪ .]25 :‬وفيي الصيحيح عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬إذا التقيى المسيلمان بسييفيهما‬
‫فالقاتل والمقتول في النار) قيل‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال‪( :‬إنه كان حريصا‬
‫على قتل صاحبه)‪ .‬وقد مضى مبينا في سورة "آل عمران" عند قوله تعالى‪" :‬ولم يصروا على ما‬
‫فعلوا" [آل عمران‪.]135 :‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 22 - 20 :‬فأصيبحت كالصيريم‪ ،‬فتنادوا مصيبحين‪ ،‬أن اغدوا على حرثكيم إن كنتيم‬
‫صارمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأصيبحت كالصيريم" أي كاللييل المظلم؛ عين ابين عباس والفراء وغيرهميا‪ .‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫فما ينجاب عن صبح صريم‬ ‫تطاول ليلك الجون البهيم‬
‫أي احترقت فصارت كالليل السود‪ .‬وعن ابن عباس أيضا‪ :‬كالرماد السود‪ .‬قال‪ :‬الصريم الرماد‬
‫السود بلغة خزيمة‪ .‬الثوري‪ :‬كالزرع المحصود‪ .‬فالصريم بمعنى المصروم أي المقطوع ما فيه‪.‬‬
‫وقال الحسيين‪ :‬صييرم عنهييا الخييير أي قطييع؛ فالصييريم مفعول أيضييا‪ .‬وقال المؤرج‪ :‬أي كالرملة‬
‫أنصرمت من معظم الرمل‪ .‬يقال‪ :‬صريمة وصرائم؛ فالرملة ل تنبت شيئا ينتفع به‪ .‬وقال الخفش‪:‬‬
‫أي كالصيبح أنصيرم مين اللييل‪ .‬وقال الميبرد‪ :‬أي كالنهار؛ فل شييء فيهيا‪ .‬قال شمير‪ :‬الصيريم اللييل‬
‫والصيريم النهار؛ أي ينصيرم هذا عين ذاك وذاك عين هذا‪ .‬وقييل‪ :‬سيمي اللييل صيريما لنيه يقطيع‬
‫بظلمتيه عين التصيرف؛ ولهذا يكون فعييل بمعنيى فاعيل‪ .‬قال القشيري‪ :‬وفيي هذا نظير؛ لن النهار‬
‫يسيمى صيريما ول يقطيع عين تصيرف‪" .‬فتنادوا مصيبحين" ينادي بعضهيم بعضيا ليقطعين ثمير‬
‫نخيلهيم إذا أصيبحوا بسيدفة مين اللييل لئل ينتبيه المسياكين "أن اغدوا على حرثكيم" عازميين على‬
‫الصرام والجداد‪ .‬قال قتادة‪ :‬حاصدين زرعكم‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬ما كان في جنتهم من زرع ول نخيل‪.‬‬
‫فتحالفوا بينهم ليغدون غدوة قبل خروج الناس ثم ليصرمنها ول تعرف المساكين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 - 23 :‬فانطلقوا وهم يتخافتون‪ ،‬أن ل يدخلنها اليوم عليكم مسكين‪ ،‬وغدوا على‬
‫حرد قادرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فانطلقوا وهم يتخافتون" أي يتسارون؛ أي يخفون كلمهم ويسرونه لئل يعلم بهم‬
‫أحد؛ قاله عطاء وقتادة‪ .‬وهو من خفت يخفت إذا سكن ولم يبين‪ .‬كما قال دريد بن الصمة‪:‬‬
‫خفاتا وكل ظنه بي عودي‬ ‫وإني لم أهلك سلل ولم أمت‬
‫وقييل‪ :‬يخفون أنفسيهم مين الناس حتيى ل يروهيم‪ .‬وكان أبوهيم يخيبر الفقراء والمسياكين فيحضروا‬
‫وقيت الحصياد والصيرام‪" .‬وغدوا على حرد قادريين" أي على قصيد وقدرة فيي أنفسيهم ويظنون‬
‫أنهيم تمكنوا مين مرادهيم‪ .‬قال معناه ابين عباس وغيره‪ .‬والحرد القصيد‪ .‬حرَد يحرِد (بالكسير) حردا‬
‫قصد‪ .‬تقول‪ :‬حردْتُ حردَك؛ أي قصدت قصدك‪ .‬ومنه قول الراجز‪:‬‬
‫يحرد حرد الجنة ال ُمغِلّة‬ ‫أقبل سيل جاء من عند ال‬
‫أنشده النحاس‪:‬‬
‫يحرد حرد الجنة المغلة‬ ‫قد جاء سيل جاء من أمر ال‬
‫قال البرد‪ :‬المغلة ذات الغلة‪ .‬وقال غيره‪ :‬المِغلة التيي يجري الماء فيي غللهيا أي فيي أصيولها‪ .‬ومنيه‬
‫تغللت بالغاليية‪ .‬ومنيه تغلييت‪ ،‬أبدل مين اللم ياء‪ .‬ومين قال تغلفيت فمعناه عنده جعلتهيا غلفيا‪ .‬وقال‬
‫قتادة ومجاهد‪" :‬على حرد" أي على جد‪ .‬الحسن‪ :‬على حاجة وفاقة‪ .‬وقال أبو عبيدة والقتيبي‪ :‬على‬
‫حرد على منيع؛ مين قولهيم حاردت البيل حرادا أي قلت ألبانهيا‪ .‬والحرود مين النوق القليلة الدر‪.‬‬
‫وحاردت السيينة قييل مطرهييا وخيرهييا‪ .‬وقال السييدي وسييفيان‪" :‬على حرد" على غضييب‪ .‬والحرد‬
‫الغضب‪ .‬قال أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الصمعي‪ :‬وهو مخفف؛ وأنشد شعراً‪:‬‬
‫مملوءة من غضب وحرد‬ ‫إذا جياد الخيل جاءت تردي‬
‫وقال ابين السيكيت‪ :‬وقيد يحرك؛ تقول منيه‪ :‬حرد (بالكسير) حردا‪ ،‬فهيو حارد وحردان‪ .‬ومنيه قييل‪:‬‬
‫أسييد حارد‪ ،‬وليوث حوارد‪ .‬وقيييل‪" :‬على حرد" على انفراد‪ .‬يقال‪ :‬حرد يحرد حرودا؛ أي تنحييى‬
‫عين قوميه ونزل منفردا ولم يخالطهيم‪ .‬وقال أبيو زييد‪ :‬رجيل حرييد مين قوم حرداء‪ .‬وقيد حرد يحرد‬
‫حرودا؛ إذا ترك قوميه وتحول عنهيم‪ .‬وكوكيب حرييد؛ أي معتزل عين الكواكيب‪ .‬قال الصيمعي‪:‬‬
‫رجل حريد؛ أي فريد وحيد‪ .‬قال والمنحرد المنفرد في لغة هذيل‪ .‬وأنشد لبي ذؤيب‪:‬‬
‫كأنه كوكب في الجو منحرد‬
‫ورواه أبييو عمرو بالجيييم‪ ،‬وفسييره‪ :‬منفرد‪ .‬قال‪ :‬وهييو سييهيل‪ .‬وقال الزهري‪ :‬حرد اسييم قريتهييم‪.‬‬
‫السدي‪ :‬اسم جنتهم؛ وفيه لغتان‪ :‬حرد وحرد‪ .‬وقرأ العامة بالسكان‪ .‬وقرأ أبو العالية وابن السميقع‬
‫بالفتح؛ وهما لغتان‪ .‬ومعنى "قادرين" قد قدروا أموهم وبنوا عليه؛ قاله الفراء‪ .‬وقال قتادة‪ :‬قادرين‬
‫على جنتهيم عنيد أنفسيهم‪ .‬وقال الشعيبي‪" :‬قادريين" يعنيي على المسياكين‪ .‬وقييل‪ :‬معناه مين الوجود؛‬
‫أي منعوا وهم واجدون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 - 26 :‬فلما رأوها قالوا إنا لضالون‪ ،‬بل نحن محرومون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلميا رأوهيا قالوا إنيا لضالون" أي لميا رأوهيا محترقية ل شييء فيهيا قيد صيارت‬
‫كاللييل السيود ينظرون إليهيا كالرماد‪ ،‬أنكروهيا وشكوا فيهيا‪ .‬وقال بعضهيم لبعيض‪" :‬إنيا لضالون"‬
‫أي ضللنا الطريق إلى جنتنيا؛ قاله قتادة‪ .‬وقيل‪ :‬أي إنا لضالون عن الصواب في غدونا وعلى نية‬
‫منع المساكين؛ فلذلك عوقبنا‪" .‬بل نحن محرومون" أي حرمنا جنتنا بما صنعنا‪ .‬روى أسباط عن‬
‫ابين مسيعود قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إياكيم والمعاصيي إن العبيد ليذنيب الذنيب‬
‫فيحرم به رزقا كان هيء له ‪ -‬ثم تل ‪" -‬فطاف عليها طائف من ربك" [القلم‪ )]19 :‬اليتين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 - 28 :‬قال أوسطهم ألم أقل لكم لول تسبحون‪ ،‬قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين‪،‬‬
‫فأقبل بعضهم على بعض يتلومون‪ ،‬قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين‪ ،‬عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها‬
‫إنا إلى ربنا راغبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال أوسطهم" أي أمثلهيم وأعدلهيم وأعقلهيم‪" .‬ألم أقل لكم لول تسبحون" أي هل‬
‫تسيتثنون‪ .‬وكان اسيتثناؤهم تسيبيحا؛ قال مجاهيد وغيره‪ .‬وهذا يدل على أن هذا الوسيط كان أمرهيم‬
‫بالسيتثناء فلم يطيعوه‪ .‬قال أبيو صيالح‪ :‬كان اسيتثناؤهم سيبحان ال‪ .‬فقال لهيم‪ :‬هل تسيبحون ال؛ أي‬
‫تقولون سيبحان ال وتشكرونيه على ميا أعطاكيم‪ .‬قال النحاس‪ :‬أصيل التسيبيح التنزييه ل عيز وجيل؛‬
‫فجعيل مجاهيد التسيبيح فيي موضيع إن شاء ال؛ لن المعنيى تنزييه ال عيز وجيل أن يكون شييء إل‬
‫بمشيئته‪ .‬وقيل‪ :‬هل تستغفرونه من فعلكم وتتوبون إليه من خبث نيتكم؛ فإن أوسطهم قال لهم حين‬
‫عزموا على ذلك وذكرهيم انتقاميه مين المجرميين "قالوا سيبحان ربنيا" اعترفوا بالمعصيية ونزهوا‬
‫ال عين أن يكون ظالميا فيميا فعيل‪ .‬قال ابين عباس فيي قولهيم‪" :‬سيبحان ربنيا" أي نسيتغفر ال مين‬
‫ذنبنا‪" .‬إنا كنا ظالمين" لنفسنا في منعنا المساكين‪" .‬فأقبل بعضهم على بعض يتلومون" أي يلوم‬
‫هذا هذا فييي القسييم ومنييع المسيياكين‪ ،‬ويقول‪ :‬بييل أنييت أشرت علينييا بهذا‪" .‬قالوا يييا ويلنييا إنييا كنييا‬
‫طاغييين" أي عاصييين بمنييع حييق الفقراء وترك السييتثناء‪ .‬وقال ابيين كيسييان‪ :‬طغينييا نعييم ال فلم‬
‫نشكرها كما شكرها آباؤنا من قبل‪" .‬عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها" تعاقدوا وقالوا‪ :‬إن أبدلنا ال‬
‫خيرا منهيا لنصينعن كميا صينعت آباؤنيا؛ فدعوا ال وتضرعوا فأبدلهيم ال مين ليلتهيم ميا هيو خيير‬
‫منها‪ ،‬وأمر جبريل أن يقتلع تلك الجنة المحترقة فيجعلها بزغر من أرض الشام‪ ،‬ويأخذ من الشام‬
‫جنية فيجعلهيا مكانهيا‪ .‬وقال ابين مسيعود‪ :‬إن القوم أخلصيوا وعرف ال منهيم صيدقهم فأبدلهيم جنية‬
‫يقال لهيا الحيوان‪ ،‬فيهيا عنيب يحميل البغيل منهيا عنقودا واحدا‪ .‬وقال اليمانيي أبيو خالد‪ :‬دخلت تلك‬
‫الجنية فرأييت كيل عنقود منهيا كالرجيل السيود القائم‪ .‬وقال الحسين‪ :‬قول أهيل الجنية "إنيا إلى ربنيا‬
‫راغبون" ل أدري إيمانيا كان ذلك منهيم أو على حيد ميا يكون مين المشركيين إذا أصيابتهم الشدة؛‬
‫فيوقيف فيي كونهيم مؤمنيين‪ .‬وسيئل قتادة عن أصيحاب الجنة‪ :‬أهيم من أهيل الجنية أم من أهيل النار؟‬
‫فقال‪ :‬لقييد كلفتنييي تعبييا‪ .‬والمعظييم يقولون‪ :‬إنهييم تابوا وأخلصييوا؛ حكاه القشيري‪ .‬وقراءة العاميية‬
‫"يبدلنا" بالتخفيف‪ .‬وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو بالتشديد‪ ،‬وهما لغتان‪ .‬وقيل‪ :‬التبديل تغيير الشيء‬
‫أو تغييير حاله وعيين الشييء قائم‪ .‬والبدال رفيع الشييء ووضيع آخير مكانيه‪ .‬وقيد مضيى فيي سيورة‬
‫"النساء" القول في هذا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 33 :‬كذلك العذاب ولعذاب الخرة أكبر لو كانوا يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذلك العذاب" أي عذاب الدنيا وهلك الموال؛ عن ابن زيد‪ .‬وقيل‪ :‬إن هذا وعظ‬
‫لهيل مكية بالرجوع إلى ال لميا ابتلهيم بالجدب لدعاء النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬أي كفعلنيا بهيم‬
‫نفعيل بمين تعدى حدودنيا فيي الدنييا "ولعذاب الخرة أكيبر لو كانوا يعلمون" وقال ابين عباس‪ :‬هذا‬
‫مثييل لهييل مكيية حييين خرجوا إلى بدر وحلفوا ليقتلن محمدا صييلي ال عليييه وسييلم وأصييحابه‪،‬‬
‫وليرجعين إلى مكة حتيى يطوفوا بالبييت ويشربوا الخمير‪ ،‬وتضرب القينات على رؤوسيهم؛ فأخلف‬
‫ال ظنهيم وأسيروا وقتلوا وانهزموا كأهيل هذه الجنية لميا خرجوا عازميين على الصيرام فخابوا‪ .‬ثيم‬
‫قييل‪ :‬إن الحيق الذي منعيه أهيل الجنية المسياكين يحتميل أنيه كان واجبيا عليهيم‪ ،‬ويحتميل أنيه كان‬
‫تطوعا؛ والول أظهر‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقيل‪ :‬السورة مكية؛ فبعد حمل الية على ما أصاب أهل مكة‬
‫من القحط‪ ،‬وعلى قتال بدر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 - 34 :‬إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم‪ ،‬أفنجعل المسلمين كالمجرمين‪ ،‬ما لكم‬
‫كييف تحكمون‪ ،‬أم لكيم كتاب فييه تدرسيون‪ ،‬إن لكيم فييه لميا تخيرون‪ ،‬أم لكيم أيمان علينيا بالغية إلى‬
‫يوم القيامة إن لكم لما تحكمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن للمتقيين عنيد ربهيم جنات النعييم" تقدم القول فييه؛ أي إن للمتقيين فيي الخرة‬
‫جنات لييس فيهيا إل التنعيم الخالص‪ ،‬ل يشوبيه ميا ينغصيه كميا يشوب جنات الدنييا‪ .‬وكان صيناديد‬
‫قرييش يرون وفور حظهيم مين الدنييا وقلة حظوظ المسيلمين منهيا؛ فإذا سيمعوا بحدييث الخرة وميا‬
‫وعد ال المؤمنين قالوا‪ :‬إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يكن حالنا وحالهم إل مثل‬
‫ميا هيي فيي الدنييا‪ ،‬وإل لم يزيدوا علينيا ولم يفضلونيا‪ ،‬وأقصيى أمرهيم أن يسياوونا‪ .‬فقال‪" :‬أفنجعيل‬
‫المسلمين كالمجرمين" أي كالكفار‪ .‬وقال ابن عباس وغيره‪ :‬قالت كفار مكة‪ :‬إنا نعطى في الخرة‬
‫خيرا مما تعطون؛ فنزلت "أفنجعل المسلمين كالمجرمين" ثم وبخهم فقال‪" :‬ما لكم كيف تحكمون"‬
‫هذا الحكم العوج؛ كأن أمر الجزاء مفوض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتيم أن لكم من الخير ما‬
‫للمسلمين‪" .‬أم لكم كتاب فيه تدرسون" أي لكم كتاب تجدون فيه المطيع كالعاصي‪" .‬إن لكم فيه لما‬
‫تخيرون" تختارون وتشتهون‪ .‬والمعنيى‪ :‬أن لكيم (بالفتيح) ولكنيه كسير لدخول اللم؛ تقول علميت‬
‫أنييك عاقييل (بالفتييح)‪ ،‬وعلمييت إنييك لعاقييل (بالكسيير)‪ .‬فالعامييل فييي "إن لكييم فيييه لمييا تخيرون"‬
‫"تدرسون" في المعنى‪ .‬ومنعت اللم من فتح "إن"‪ .‬وقيل‪ :‬تم الكلم عند قوله‪" :‬تدرسون" ثم ابتدأ‬
‫فقال‪" :‬إن لكييم قيييه لمييا تخيرون" أي إن لكييم فييي هذا الكتاب إذا مييا تخيرون؛ أي ليييس لكييم ذلك‪.‬‬
‫والكناية في "فيه" الولى والثانية راجعة إلى الكتاب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم لكم أيمان علينا" أي عهود ومواثيق‪" .‬بالغة إلى يوم القيامة" مؤكدة‪ .‬والبالغة‬
‫المؤكدة بال تعالى‪ .‬أي أم لكم عهود على ال تعالى استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة‪" .‬إن لكم لما‬
‫تحكمون" كسرت "إن" لدخول اللم في الخبر‪ .‬وهي من صلة "إيمان"‪ ،‬والموضع النصب ولكن‬
‫كسرت لجل اللم؛ تقول‪ :‬حلفت إن لك لكذا‪ .‬وقيل‪ :‬تم الكلم عند قوله‪" :‬إلى يوم القيامة" ثم قال‪:‬‬
‫"إن لكم لما تحكمون" إذا؛ أي ليس المر كذلك‪ .‬وقرأ ابن هرمز "أين لكم فيه لما تخيرون" "أين‬
‫لكيم لميا تحكمون"؛ بالسيتفهام فيهميا جميعيا‪ .‬وقرأ الحسين البصيري "بالغية" بالنصيب على الحال؛‬
‫إما من الضمير في "لكم" لنه خبر عن "إيمان" ففيه ضمير منه‪ .‬وإما من الضمير في "علينا"‬
‫إن قدرت "علينيا" وصيفا لليمان ل متعلقيا بنفيس اليمان؛ لن فييه ضميرا منيه‪ ،‬كميا يكون إذا كان‬
‫خيبرا عنيه‪ .‬ويجوز أن يكون حال مين "إيمان" وإن كانيت نكرة‪ ،‬كميا أجازوا نصيب "حقيا" على‬
‫الحال ميين "متاع" فييي قوله تعالى‪" :‬متاع بالمعروف حقييا على المتقييين" [البقرة‪ .]241 :‬وقرأ‬
‫العامة "بالغة" بالرفع نعت لي "أيمان"‪.‬‬
‫*‪*3‬الييية‪{ 41 - 40 :‬سييلهم أيهييم بذلك زعيييم‪ ،‬أم لهييم شركاء فليأتوا بشركائهييم إن كانوا‬
‫صادقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سلهم أيهم بذلك زعيم" أي سل يا محمد هؤلء المتقولين علي‪ :‬أيهم كفيل بما تقدم‬
‫ذكره‪ .‬وهيو أن لهيم مين الخيير ميا للمسيلمين‪ .‬والزعييم‪ :‬الكفييل والضميين؛ قال ابين عباس وقتادة‪.‬‬
‫وقال ابيين كيسييان‪ :‬الزعيييم هنييا القائم بالحجيية والدعوى‪ .‬وقال الحسيين‪ :‬الزعيييم الرسييول‪" .‬أم لهييم‬
‫شركاء" أي ألهمزه والمييييم صيييلة‪" .‬شركاء" أي شهداء‪" .‬فليأتوا بشركائهيييم" يشهدون على ميييا‬
‫زعموا‪" .‬إن كانوا صيادقين" فيي دعواهيم‪ .‬وقييل‪ :‬أي فليأتوا بشركائهيم إن أمكنهيم؛ فهيو أمير معناه‬
‫التعجيز‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 43 - 42 :‬يوم يكشيف عين سياق ويدعون إلى السيجود فل يسيتطيعون‪ ،‬خاشعية‬
‫أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم يكشيف عين سياق" يجوز أن يكون العاميل فيي "يوم" "فليأتوا" أي فليأتوا‬
‫بشركائهيم يوم يكشيف عين سياق ليشفيع الشركاء لهيم‪ .‬ويجوز أن ينتصيب بإضمار فعيل‪ ،‬أي اذكير‬
‫يوم يكشيف عين سياق؛ فيوقيف على "صيادقين" ول يوقيف علييه على التقديير الول‪ .‬وقرئ "يوم‬
‫نكشيف" بالنون‪" .‬وقرأ" ابين عباس "يوم تكشيف عين سياق" بتاء مسيمى الفاعيل؛ أي تكشيف الشدة‬
‫أو القيامة‪ .‬عن ساقها؛ كقولهم‪ :‬شمرت الحرب عن ساقها‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫فتى الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا‬
‫وقال الراجز‪:‬‬
‫وجدت الحرب بكم فجدوا‬ ‫قد كشفت عن ساقها فشدوا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ومن طراد الطير عن أرزاقها‬ ‫عجبت من نفسي ومن إشفاقها‬
‫حمراء تبري اللحم عن عراقها‬ ‫في سَنة قد كشفت عن ساقها‬
‫وقال آخير‪ :‬كشفيت لهيم عين سياقها وبدا مين الشير الصيراح وعين ابين عباس أيضيا والحسين وأبيي‬
‫العالية "تكشف" بتاء غير مسمى الفاعل‪ .‬وهذه القراءة راجعة إلى معنى "يكشف" وكأنه قال‪ :‬يوم‬
‫تكشف القيامة عن شدة‪ .‬وقرئ "يوم تكشف" بالتاء المضمومة وكسر الشين؛ من أكشف إذا دخل‬
‫فيي الكشيف‪ .‬ومنيه‪ :‬أكشيف الرجيل فهيو مكشيف؛ إذا انقلبيت شفتيه العلييا‪ .‬وذكير ابين المبارك قال‪:‬‬
‫أخبرنا أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى‪" :‬يوم يكشف عن ساق" قال‪ :‬عن‬
‫كرب وشدة‪ .‬أخبرنا ابن جريج عن مجاهد قال‪ :‬شدة المر وجده‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬قال ابن عباس هي‬
‫أشيد سياعة فيي يوم القيامية‪ .‬وقال أبيو عيبيدة‪ :‬إذا اشتيد الحرب والمير قييل‪ :‬كشيف المير عين سياقه‪.‬‬
‫والصيل فييه أن مين وقيع فيي شييء يحتاج فييه إلى الجيد شمير عين سياقه؛ فاسيتعير السياق والكشيف‬
‫عنهيا فيي موضيع الشدة‪ .‬وقييل‪ :‬سياق الشييء أصيله الذي بيه قواميه؛ كسياق الشجرة وسياق النسيان‪.‬‬
‫أي يوم يكشيف عين أصيل المير فتظهير حقائق المور وأصيلها‪ .‬وقييل‪ :‬يكشيف عين سياق جهنيم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬عن ساق العرش‪ .‬وقيل‪ :‬يريد وقت أقتراب الجل وضعف البدن؛ أي يكشف المريض عن‬
‫سياقه ليبصير ضعفيه‪ ،‬ويدعوه المؤذن إلى الصيلة فل يمكنيه أن يقوم ويخرج‪ .‬فأميا ميا روي أن ال‬
‫يكشيف عين سياقه فإنيه عيز وجيل يتعالى عين العضاء والتبعييض وأن يكشيف ويتغطيى‪ .‬ومعناه أن‬
‫يكشف عن العظيم من أمره‪ .‬وقيل‪ :‬يكشف عن نوره عز وجل‪.‬‬
‫وروى أبو موسى عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله تعالى‪" :‬عن ساق" قال‪( :‬يكشف عن‬
‫نور عظييم يخرون له سيجدا)‪ .‬وقال أبيو اللييث السيمرقندي فيي تفسييره‪ :‬حدثنيا الخلييل بين أحميد قال‬
‫حدثنا ابن منيع قال حدثنا هدبة قال حدثنا حماد ابن سلمة عن عدي بن زيد عن عمارة القرشي عن‬
‫أبيي بردة عن أبيي موسيى قال حدثنيي أبيي قال‪ :‬سمعت رسيول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬إذا‬
‫كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا فيذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويبقى‬
‫أهل التوحد فيقال لهم ما تنتظرون وقد ذهب الناس فيقولون إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا ولم نره‬
‫‪ -‬قال ‪ -‬وتعرفونيه إذا رأيتموه فيقولون نعيم فيقال فكييف تعرفونيه ولم تروه قالوا إنيه ل شيبيه له‬
‫فيكشيييف لهيييم الحجاب فينظرون إلى ال تعالى فيخرون له سيييجدا وتبقيييى أقوام ظهورهيييم مثيييل‬
‫صييياصي البقيير فينظرون إلى ال تعالى فيريدون السييجود فل يسييتطيعون فذلك قوله تعالى‪" :‬يوم‬
‫يكشيف عين سياق ويدعون إلى السيجود فل يسيتطيعون" فيقول ال تعالى عبادي أرفعوا رؤوسيكم‬
‫فقيد جعلت بدل كيل رجيل منكيم رجل مين اليهود والنصيارى فيي النار)‪ .‬قال أبيو بردة‪ :‬فحدثيت بهذا‬
‫الحدييث عمير بين عبدالعزييز فقال‪ :‬ال الذي ل إله إل هيو لقيد حدثيك أبوك بهذا الحدييث؟ فحلف له‬
‫ثلثية أيمان؛ فقال عمير‪ :‬ميا سيمعت فيي أهيل التوحييد حديثيا هيو أحيب إلي مين هذا‪ .‬وقال قييس بين‬
‫السيكن‪ :‬حدث عبدال بين مسيعود عنيد عمير بين الخطاب فقال‪ :‬إذا كان يوم القيامية قام الناس لرب‬
‫العالميين أربعيين عاميا شاخصية أبصيارهم إلى السيماء‪ ،‬حفاة عراة يلجمهيم العرق‪ ،‬فل يكلمهيم ال‬
‫ول ينظيير إليهييم أربعييين عامييا‪ ،‬ثييم ينادي مناد‪ :‬أيهييا الناس‪ ،‬أليييس عدل ميين ربكييم الذي خلقكييم‬
‫وصوركم وأماتكيم وأحياكيم ثيم عبدتيم غيره أن يولي كيل قوم ميا تولوا؟ قالوا‪ :‬نعيم‪ .‬قال‪ :‬فيرفيع لكيل‬
‫قوم ميا كانوا يعبدون مين دون ال فيتبعونهيا حتيى تقذفهيم فيي النار‪ ،‬فيبقيى المسيلمون والمنافقون‬
‫فيقال لهم‪ :‬أل تذهبون قد ذهب الناس؟ فيقولون حتى يأتينا ربنا؛ فيقال لهم‪ :‬أو تعرفونه؟ فيقولون‪:‬‬
‫إن اعترف لنيا عرفناه‪ .‬قال فعنيد ذلك يكشيف عين سياق ويتجلى لهيم فيخير مين كان يعبده مخلصيا‬
‫سياجدا‪ ،‬ويبقيى المنافقون ل يسيتطيعون كأن فيي ظهورهيم السيفافيد‪ ،‬فيذهيب بهيم إلى النار‪ ،‬ويدخيل‬
‫هؤلء الجنة؛ فذلك قوله تعالى‪" :‬ويدعون إلى السجود فل يستطيعون"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خاشعة أبصارهم" أي ذليلة متواضعة؛ ونصبها على الحال‪" .‬ترهقهم ذلة" وذلك‬
‫أن المؤمنيين يرفعون رؤوسيهم ووجوههيم أشيد بياضيا مين الثلج‪ .‬وتسيود وجوه المنافقيين والكافريين‬
‫حتى ترجع أشد سوادا من القار‪.‬‬
‫قلت‪ :‬معنيى حدييث أبيي موسيى وابين مسيعود ثابيت فيي صيحيح مسيلم مين حدييث أبيي سيعيد‬
‫الخدري وغيره‪.‬‬
‫"وقيد كانوا يدعون إلى السيجود" أي فيي الدنييا‪" .‬وهيم سيالمون" معافون أصيحاء‪ .‬قال إبراهييم‬
‫التيمي‪ :‬أي يدعون بالذان والقامة فيأبونه‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬كانوا يسمعون حي على الفلح‬
‫فل يجيبون‪ .‬وقال كعيب الحبار‪ :‬وال ميا نزلت هذه اليية إل فيي الذيين يتخلفون عين الجماعات‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬أي بالتكلييف الموجيه عليهيم فيي الشرع؛ والمعنيى متقارب‪ .‬وقيد مضيى فيي سيورة "البقرة"‬
‫الكلم فيي وجوب صيلة الجماعية‪ .‬وكان الربييع بين خيثيم قيد فلج وكان يهادى بيين الرجليين إلى‬
‫المسجد؛ فقيل‪ :‬يا أبا يزيد‪ ،‬لو صليت في بيتك لكانت لك رخصة‪ .‬فقال‪ :‬من سمع حي على الفلح‬
‫فليجيب ولو حبوا‪ .‬وقييل لسيعيد بين المسييب‪ :‬إن طارقيا يرييد قتلك فتغييب‪ .‬فقال‪ :‬أبحييث ل يقدر ال‬
‫علي؟ فقيل له‪ :‬اجلس في بيتك‪ .‬فقال‪ :‬أسمع حي على الفلح‪ ،‬فل أجيب!‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 - 44 :‬فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث ل يعلمون‪ ،‬وأملي‬
‫لهم إن كيدي متين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فذرنيي" أي دعنيي‪" .‬ومين يكذب" "مين" مفعول معيه أو معطوف على ضميير‬
‫المتكلم‪" .‬بهذا الحدييث" يعنيي القرآن؛ قاله السيدي‪ .‬وقييل‪ :‬يوم القيامية‪ .‬وهذا تسيلية للنيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم؛ أي فأنا أجازيهم وأنتقم منهم‪" .‬سنستدرجهم من حيث ل يعلمون" معناه سنأخذهم على‬
‫غفلة وهيم ل يعرفون؛ فعذبوا يوم بدر‪ .‬وقال سيفيان الثوري‪ :‬نسيبغ عليهيم النعيم وننسييهم الشكير‪.‬‬
‫وقال الحسن‪ :‬كم مستدرج بالحسان إليه‪ ،‬وكم مفتون بالثناء عليه‪ ،‬وكم مغرور بالستر عليه‪ .‬وقال‬
‫أبيو روق‪ :‬أي كلميا أحدثوا خطيئة جددنيا لهيم نعمية وأنسييناهم السيتغفار‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬سينمكر‬
‫بهم‪ .‬وقيل‪ :‬هو أن نأخذهم قليل ول نباغتهم‪ .‬وفي حديث (أن رجل من بني إسرائيل قال يا رب كم‬
‫أعصييك وأنيت ل تعاقبنيي ‪ -‬قال ‪ -‬فأوحيى ال إلى نيبي زمانهيم أن قيل له كيم مين عقوبية لي علييك‬
‫وأنت ل تشعر‪ .‬إن جمود عينيك وقساوة قلبك استدراج مني وعقوبة لو عقلت)‪ .‬والستدراج‪ :‬ترك‬
‫المعاجلة‪ .‬وأصييله النقييل ميين حال إلى حال كالتدرج‪ .‬ومنييه قيييل درجيية؛ وهييي منزلة بعييد منزلة‪.‬‬
‫واسييتدرج فلن فلنييا؛ أي اسييتخرج مييا عنده قليل‪ .‬ويقال‪ :‬درجييه إلى كذا واسييتدرجه بمعنييى؛ أي‬
‫أدناه منه على التدريج فتدرج هو‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأملي لهم" أي أمهلهم وأطيل لهم المدة‪ .‬والملوة‪ :‬المدة من الدهر‪ .‬وأملى ال له‬
‫أي أطال له‪ .‬والملوان‪ :‬الليل والنهار‪ .‬وقيل‪" :‬وأملي لهم" أي ل أعاجلهم بالموت؛ والمعنى واحد‪.‬‬
‫وقد مضى في "العراف" بيان هذا‪" .‬إن كيدي متين" أي إن عذابي لقوي شديد فل يفوتني أحد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 46 :‬أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون}‬
‫@ عاد الكلم إلى ما تقدم من قوله تعالى‪" :‬أم لهم شركاء" [القلم‪ .]41 :‬أي أم تلتمس منهم ثوابا‬
‫على ما تدعوهم إليه من اليمان بال؟ فهم من غرامة ذلك مثقلون لما يشق عليهيم من بذل المال؛‬
‫أي ليس عليهم كلفة‪ ،‬بل يستولون بمتابعتك على خزائن الرض ويصلون إلى جنات النعيم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 47 :‬أم عندهم الغيب فهم يكتبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم عندهيم الغييب" أي علم ميا غاب عنهيم‪" .‬فهيم يكتبون" وقييل‪ :‬أينزل عليهيم‬
‫الوحييي بهذا الذي يقولون‪ .‬وعيين ابيين عباس‪ :‬الغيييب هنييا اللوح المحفوظ فهييم يكتبون ممييا فيييه‬
‫يخاصيمونك بيه‪ ،‬ويكتبون أنهيم أفضيل منكيم‪ ،‬وأنهيم ل يعاقبون‪ .‬وقييل‪" :‬يكتبون" يحكمون لنفسيهم‬
‫بما يريدون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 :‬فاصبر لحكم ربك ول تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاصبر لحكم ربك" أي لقضاء ربك‪ .‬والحكم هنا القضاء‪ .‬وقيل‪ :‬فأصبر على ما‬
‫حكم به عليك ربك من تبليغ الرسالة‪ .‬وقال ابن بحر‪ :‬فأصبر لنصر ربك‪ .‬قال قتادة‪ :‬أي ل تعجل‬
‫ول تغاضب فل بد من نصرك‪ .‬وقيل‪ :‬إنه منسوخ بآية السيف‪" .‬ول تكن كصاحب الحوت" يعني‬
‫يونس عليه السلم‪ .‬أي ل تكن مثله في الغضب والضجر والعجلة‪ .‬وقال قتادة‪ :‬إن ال تعالى يعزي‬
‫نبيه صلي ال عليه وسلم ويأمره بالصبر ول يعجل كما عجل صياحب الحوت؛ وقد مضى خبره‬
‫في سورة "يونس‪ ،‬والنبياء‪ ،‬والصافات" والفرق بين إضافة ذي وصاحب في سورة "يونس" فل‬
‫معنيى للعادة‪" .‬إذ نادى" أي حيين دعيا فيي بطين الحوت فقال‪" :‬ل إله إل أنيت سيبحانك إنيي كنيت‬
‫من الظالمين" [النبياء‪" .]87 :‬وهو مكظوم" أي مملوء غما‪ .‬وقيل‪ :‬كربا‪ .‬الول قول ابن عباس‬
‫ومجاهد‪ .‬والثاني قول عطاء وأبي مالك‪ .‬قال الماوردي‪ :‬والفرق بينهما أن الغم في القلب‪ ،‬والكرب‬
‫فيي النفاس‪ .‬وقييل‪ :‬مكظوم محبوس‪ .‬والكظيم الحبيس؛ ومنيه قولهيم‪ :‬فلن كظيم غيظيه‪ ،‬أي حبيس‬
‫غضبه؛ قال ابن بحر‪ .‬وقيل‪ :‬إنه المأخوذ بكظمه وهو مجرى النفس؛ قاله المبرد‪ .‬وقد مضيى هذا‬
‫وغيره في "يوسف"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 50 - 49 :‬لول أن تداركيه نعمية مين ربيه لنبيذ بالعراء وهيو مذموم‪ ،‬فاجتباه ربيه‬
‫فجعله من الصالحين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لول أن تداركه نعمة من ربه" قراءة العامة "تداركه"‪ .‬وقرأ ابن هرمز والحسن‬
‫"تداركه" بتشديد الدال؛ وهو مضارع أدغمت التاء منه في الدال‪ .‬وهو على تقدير حكاية الحال؛‬
‫كأنيه قال‪ :‬لول أن كان يقال فييه تتداركيه نعمية‪ .‬ابين عباس وابين مسيعود‪" :‬تداركتيه" وهيو خلف‬
‫المرسيوم‪ .‬و"تداركيه" فعيل ماض مذكير حميل على معنيى النعمية؛ لن تأنييث النعمية غيير حقيقيي‪.‬‬
‫و"تداركتيه" على لفظهيا‪ .‬واختلف فيي معنيى النعمية هنيا؛ فقييل النبوة؛ قال الضحاك‪ .‬وقييل عبادتيه‬
‫إلتي سلفت؛ قاله ابن جبير‪ .‬وقيل‪ :‬نداؤه "ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" [النبياء‪:‬‬
‫‪]87‬؛ قاله ابين زييد‪ .‬وقييل‪ :‬نعمية ال علييه إخراجيه مين بطين الحوت؛ قال ابين بحير‪ .‬وقييل‪ :‬أي‬
‫رحمية مين ربيه؛ فرحميه وتاب علييه‪" .‬لنبيذ بالعراء وهيو مذموم" أي لنبيذ مذموميا ولكنيه نبيذ سيقيما‬
‫غييير مذموم‪ .‬ومعنييى "مذموم" فييي قول ابيين عباس‪ :‬مليييم‪ .‬قال بكيير بيين عبدال‪ :‬مذنييب‪ .‬وقيييل‪:‬‬
‫"مذموم" مبعيد مين كيل‪ ،‬خيير‪ .‬والعراء‪ :‬الرض الواسيعة الفضاء التيي لييس فيهيا جبيل ول شجير‬
‫يسيتر‪ .‬وقييل‪ :‬ولول فضيل ال علييه لبقيي فيي بطين الحوت إلى يوم القيامية‪ ،‬ثيم نبيذ بعراء القيامية‬
‫مذمومييا‪ .‬يدل عليييه قوله تعالى‪" :‬فلول أنييه كان ميين المسييبحين‪ .‬للبييث فييي بطنييه إلى يوم يبعثون"‬
‫[الصافات‪" .]143 :‬فاجتباه ربه" أي اصطفاه واختاره‪" .‬فجعله من الصالحين" قال ابن عباس‪:‬‬
‫رد ال إليه الوحي‪ ،‬وشفعه في نفسه وفي قومه‪ ،‬وقبل توبته‪ ،‬وجعله من الصالحين بأن أرسله إلى‬
‫مائة ألف أو يزيدون‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 51 :‬وإن يكاد الذيين كفروا ليزلقونيك بأبصيارهم لميا سيمعوا الذكير ويقولون إنيه‬
‫لمجنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يكاد الذين كفروا"" "إن" هي المخففة من الثقيلة‪" .‬ليزلقونك" أي يعتانونك‪.‬‬
‫"بأبصيارهم" أخيبر بشدة عداوتهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وأرادوا أن يصييبوه بالعيين فنظير‬
‫إليه قوم من قريش وقالوا‪ :‬ما رأينا مثله ول مثل حججه‪ .‬وقيل‪ :‬كانت العين في بني أسد‪ ،‬حتى إن‬
‫البقرة السيمينة أو الناقية السيمينة تمير بأحدهيم فيعاينهيا ثيم يقول‪ :‬ييا جاريية‪ ،‬خذي المكتيل والدرهيم‬
‫فأتينا بلحم هذه الناقة‪ ،‬فما تبرح حتى تقع للموت فتنحر‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬كان رجل من العرب يمكث‬
‫ل يأكل شيئا يومين أو ثلثة‪ ،‬ثم يرفع جانب الخباء فتمر به البل أو الغنم فيقول‪ :‬لم أر كاليوم إبل‬
‫ول غنما أحسن من هذه فما تذهب إل قليل حتى تسقط منها طائفة هالكة‪ .‬فسأل الكفار هذا الرجل‬
‫أن يصيب لهم النبي صلى ال عليه وسلم بالعين فأجابهم؛ فلما مر النبي صلى ال عليه ويلم أنشد‪:‬‬
‫وإخال أنك سيد معيون‬ ‫قد كان قومك يحسبونك سيدا‬
‫فعصييم ال نييبيه صييلي ال عليييه وسييلم ونزلت‪" :‬وإن يكاد الذييين كفروا ليزلقونييك"‪ .‬وذكيير نحوه‬
‫الماوردي‪ .‬وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا ‪ -‬يعني في نفسه وماله ‪ -‬تجوع ثلثة‬
‫أيام‪ ،‬ثيم يتعرض لنفسيه وماله فيقول‪ :‬تال ميا رأييت أقوى منيه ول أشجيع ول أكثير منيه ول أحسين؛‬
‫فيصيييبه بعينييه فيهلك هييو ومال؛ فأنزل ال تعالى هذه الييية‪ .‬قال القشيري‪ :‬وفييي هذا نظيير؛ لن‬
‫الصييابة بالعييين إنمييا تكون مييع السييتحسان والعجاب ل مييع الكراهييية والبغييض؛ ولهذا قال‪:‬‬
‫"ويقولون إنه لمجنون" أي ينسبونك إلى الجنون إذا رأوك تقرأ القرآن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أقوال المفسيرين واللغوييين تدل على ميا ذكرنيا‪ ،‬وأن مرادهيم بالنظير إلييه قتله‪ .‬ول يمنيع‬
‫كراهية الشييء مين أن يصياب بالعيين عداوة حتيى يهلك‪ .‬وقرأ ابين عباس وابين مسيعود والعميش‬
‫وأبو وائل ومجاهد "ليزلقونك" أي ليهلكونك‪ .‬وهذه قراءة على التفسير‪ ،‬من زهقت نفسه وأزهقها‪.‬‬
‫وقرأ أهيل المدينية "ليزلقونيك" بفتيح الياء‪ .‬وضمهيا الباقون؛ وهميا لغتان بمعنيى؛ يقال‪ :‬زلقيه يزلقيه‬
‫وأزلقيه يزلقيه إزلقيا إذا نحاه وأبعده‪ .‬وزلق رأسيه يزلقيه زلقيا إذا حلقيه‪ .‬وكذلك أزلقيه وزلقيه تزليقيا‪.‬‬
‫ورجييل زلق وزملق ‪ -‬مثال هدبييد ‪ -‬وزمالق وزملق ‪ -‬بتشديييد الميييم ‪ -‬وهييو الذي ينزل قبييل أن‬
‫يجاميع؛ حكاه الجوهري وغيره‪ .‬فمعنيى الكلمية إذا التنحيية والزالة؛ وذلك ل يكون فيي حيق النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم إل بهلكه وموته‪ .‬قال الهروي‪ :‬أراد ليعتانونك بعيونهم فيزيلونك عن مقامك‬
‫الذي أقاميك ال فييه عداوة لك‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬ينفذونيك بأبصيارهم؛ يقال‪ :‬زلق السيهم وزهيق إذا‬
‫نفذ؛ وهو قول مجاهد‪ .‬أي ينفذونك من شدة نظرهم‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬يصرعونك‪ .‬وعنه أيضا والسدي‬
‫وسيعيد بين جيبير‪ :‬يصيرفونك عميا أنيت علييه مين تبلييغ الرسيالة‪ .‬وقال العوفيي‪ :‬يرمونيك‪ .‬وقال‬
‫المؤرج‪ :‬يزيلونك‪ .‬وقال النضر بن شميل والخفش‪ :‬يفتنونك‪ .‬وقال عبدالعزيز بن يحيى‪ :‬ينظرون‬
‫إلييك نظرا شزرا بتحدييق شدييد‪ .‬وقال ابين زييد‪ :‬ليمسيونك‪ .‬وقال جعفير الصيادق‪ :‬ليأكلونيك‪ .‬وقال‬
‫الحسن وابن كيسان‪ :‬ليقتلونك‪ .‬وهذا كما يقال‪ :‬صرعني بطرفه‪ ،‬وقتلني بعينه‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وتكل عنك نصال نبل الرامي‬ ‫ترميك مزلقة العيون بطرفها‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫نظرا يزل مواطئ القدام‬ ‫يتفارضون إذا التقوا في مجلس‬
‫وقييل‪ :‬المعنيى أنهيم ينظرون إلييك بالعداوة حتيى كادوا يسيقطونك‪ .‬وهذا كله راجيع إلى ميا ذكرنيا‪،‬‬
‫وأن المعنى الجامع‪ :‬يصيبونك بالعين‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 52 :‬وما هو إل ذكر للعالمين}‬
‫@ أي وميا القرآن إل ذكير للعالميين‪ .‬وقييل‪ :‬أي وميا محميد إل ذكير للعالميين يتذكرون بيه‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫معناه شرف؛ أي القرآن‪ .‬كميا قال تعالى‪" :‬وإنيه لذكر لك ولقومك" [الزخرف‪ ]44 :‬والنبي صيلى‬
‫ال عليه وسلم شرف للعالمين أيضا‪ .‬شرفوا باتباعه واليمان به صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة الحاقة‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ روى أبو الزاهرية عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من قرأ إحدى‬
‫عشرة آية مين سورة الحاقية أجير من فتنية الدجال‪ .‬ومن قرأها كانت له نورا يوم القيامة مين فوق‬
‫رأسه إلى قدمه)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬الحاقة‪ ،‬ما الحاقة‪ ،‬وما أدراك ما الحاقة}‬
‫ق فيها؛ قاله الطبري‪.‬‬ ‫@قوله تعالى‪" :‬الحاقة‪ .‬ما الحاقة" يريد القيامة؛ سميت بذلك لن المور ُتحَ ّ‬
‫كأنيه جعلها من باب "لييل نائم"‪ .‬وقييل‪ :‬سميت حاقة لنهيا تكون من غيير شك‪ .‬وقيل‪ :‬سيميت بذلك‬
‫لنها أحقت لقوام الجنة‪ ،‬وأحقت لقوام النار‪ .‬وقيل‪ :‬سميت بذلك لن فيها يصير كل إنسان حقيقا‬
‫بجزاء عمله‪ .‬وقال الزهري‪ :‬يقال حاققته فحققته أحقه؛ أي غالبته فغلبته‪ .‬فالقيامة حاقة لنها تحق‬
‫كيل محاق فيي ديين ال بالباطيل؛ أي كيل مخاصيم‪ .‬وفيي الصيحاح‪ :‬وحاقيه أي خاصيمه وادعيى كيل‬
‫واحيد منهميا الحيق؛ فإذا غلبيه قييل حقيه‪ .‬ويقال للرجيل إذا خاصيم فيي صيغار الشياء‪ :‬إنيه لنزق‬
‫الحقاق‪ .‬ويقال‪ :‬مال فييه حيق ول حقاق؛ أي خصيومة‪ .‬والتحاق التخاصيم‪ .‬والحتقاق‪ :‬الختصيام‪.‬‬
‫والحاقيية والحقيية والحييق ثلث لغات بمعنييى‪ .‬وقال الكسييائي والمورج‪ :‬الحاقيية يوم الحييق‪ .‬وتقول‬
‫العرب‪ :‬لميا عرف الحقية منيي هرب‪ .‬والحاقية الولى رفيع بالبتداء‪ ،‬والخيبر المبتدأ الثانيي وخيبره‬
‫وهيو "ميا الحاقية" لن معناهيا ميا هيي‪ .‬واللفيظ اسيتفهام‪ ،‬معناه التعظييم والتفخييم لشأنهيا؛ كميا تقول‪:‬‬
‫زيد ما زيد على التعظيم لشأنه‪" .‬وما أدراك ما الحاقة" استفهام أيضا؛ أي أي شيء أعلمك ما ذلك‬
‫اليوم‪ .‬والنبي صلى ال عليه وسلم كان عالما بالقيامة ولكن بالصفة فقيل تفخيما لشأنها‪ :‬وما أدراك‬
‫ما هي؛ كأنك لست تعلمها إذ لم تعاينها‪ .‬وقال يحيى بن سلم‪ :‬بلغني أن كل شيء في القرآن "وما‬
‫أدراك" فقيد أدراه إياه وعلميه‪ .‬وكيل شييء قال‪" :‬وميا يدرييك" فهيو مميا لم يعلميه‪ .‬وقال سيفيان بين‬
‫عيينية‪ :‬كيل شييء قال فييه‪" :‬وميا أدراك" فأنيه أخيبر بيه‪ ،‬وكيل شييء قال فييه‪" :‬وميا يدرييك" فإنيه لم‬
‫يخبر به‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 :‬كذبت ثمود وعاد بالقارعة}‬
‫@ ذكير مين كذب بالقيامية‪ .‬والقارعية القيامية؛ سيميت بذلك لنهيا تقرع الناس بأهوالهيا‪ .‬يقال‪:‬‬
‫أصابتهم قوارع الدهر؛ أي أهواله وشدائده‪ .‬ونعوذ بال من قوارع فلن ولواذعه وقوارص لسانه؛‬
‫جمع قارصة وهي الكلمة المؤذية‪ .‬وقوارع القرآن‪ :‬اليات التي يقرؤها النسان إذا فزع من الجن‬
‫أو النس‪ ،‬نحو آية الكرسي؛ كأنها تقرع الشيطان‪ .‬وقيل‪ :‬القارعة مأخوذة من القرعة في رفع قوم‬
‫وحيط آخريين؛ قاله الميبرد‪ .‬وقييل‪ :‬عنيى بالقارعية العذاب الذي نزل بهيم فييي الدنييا؛ وكان نيبيهم‬
‫يخوفهيم بذلك فيكذبونيه‪ .‬وثمود قوم صيالح؛ وكانيت منازلهيم بالحجير فيميا بيين الشام والحجاز‪ .‬قال‬
‫محمد بن إسحاق‪ :‬وهو وادي القرى؛ وكانوا عربا‪ .‬وأما عاد فقوم هود؛ وكانت منازلهم بالحقاف‪.‬‬
‫والحقاف‪ :‬الرميل بيين عمان إلى حضير موت واليمين كله؛ وكانوا عربيا ذوي خلق وبسيطة؛ ذكره‬
‫محمد بن إسحاق‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية}‬
‫@ فييه إضمار؛ أي بالفعلة الطاغيية‪ .‬وقال قتادة‪ :‬أي بالصييحة الطاغيية؛ أي المجاوزة للحيد؛ أي‬
‫لحيد الصييحات مين الهول‪ .‬كميا قال‪" :‬إنيا أرسيلنا عليهيم صييحة واحدة فكانوا كهشييم المحتظير"‬
‫[القمير‪ .]31 :‬والطغيان‪ :‬مجاوزة الحيد؛ ومنيه‪" :‬إنيا لميا طغيى الماء" [الحاقية‪ ]11 :‬أي جاوز‬
‫الحييد‪ .‬وقال الكلبييي‪ :‬بالطاغييية بالصيياعقة‪ .‬وقال مجاهييد‪ :‬بالذنوب‪ .‬وقال الحسيين‪ :‬بالطغيان؛ فهييي‬
‫مصيدر كالكاذبية والعاقبية والعافيية‪ .‬أي أهلكوا بطغيانهيم وكفرهيم‪ .‬وقييل‪ :‬إن الطاغيية عاقير الناقية؛‬
‫قاله ابين زييد‪ .‬أي أهلكوا بميا أقدم علييه طاغيتهيم مين عقير الناقية‪ ،‬وكان واحدا‪ ،‬وإنميا هلك الجمييع‬
‫لنهم رضوا بفعله ومالؤوه‪ .‬وقيل له طاغية كما يقال‪ :‬فلن راوية الشعر‪ ،‬وداهية وعلمة ونسابة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 - 6 :‬وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية‪ ،‬سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام‬
‫حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر" أي باردة تحرق ببردها كإحراق النار؛ مأخوذ‬
‫مين الصير وهيو البرد؛ قال الضحاك‪ .‬وقييل‪ :‬إنهيا الشديدة الصيوت‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬الشديدة السيموم‪.‬‬
‫"عاتيية" أي عتيت على خزانهيا فلم تطعهيم‪ ،‬ولم يطيقوهيا مين شدة هبوبيا؛ غضبيت لغضيب ال‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬عتت على عاد فقهرتهم‪ .‬روى سفيان الثوري عن موسى بن المسيب عن شهر بن حوشب‬
‫عين بين عباس قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ميا أرسيل ال مين نسيمة مين رييح إل‬
‫بمكيال ول قطرة ميين ماء إل بمكيال إل يوم عاد ويوم نوح فإن الماء يوم نوح طغييى على الخزان‬
‫فلم يكن لهم عليه‪ .‬سبيل ‪ -‬ثم قرأ ‪" -‬إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية" والريح لما كان يوم‬
‫عاد عتيت على الخزان فلم يكين لهيم عليهيا سيبيل ‪ -‬ثيم قرأ ‪" -‬برييح صيرصر عاتيية")‪" .‬سيخرها‬
‫عليهيم" أي أرسيلها وسيلطها عليهيم‪ .‬والتسيخير‪ :‬اسيتعمال الشييء بالقتدار‪" .‬سيبع ليال وثمانيية أيام‬
‫حسوما" أي متتابعة ل تفر ول تنقطع؛ عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما‪ .‬قال الفراء‪ :‬الحسوم‬
‫التباع‪ ،‬من حسم الداء إذا كوي صاحبه‪ ،‬لنه يكوى بالمكواة ثم يتابع ذلك عليه‪ .‬قال عبدالعزيز بن‬
‫زرارة الكلبي‪:‬‬
‫تتابع فيه أعوام حسوم‬ ‫ففرق بين بينهم زمان‬
‫وقال المبرد‪ :‬هو من قولك حسمت الشيء إذا قطعته وفصلته عن غيره‪ .‬وقيل‪ :‬الحسم الستئصال‪.‬‬
‫ويقال للسيف حسام؛ لنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫به كفى العود منه البدء ليس بمعضد‬ ‫حسام إذا قمت معتضدا‬
‫والمعنيى أنهيا حسيمتهم‪ ،‬أي قطعتهييم وأذهبتهيم‪ .‬فهيي القاطعية بعذاب السيتئصال‪ .‬قال ابين زييد‪:‬‬
‫حسيمتهم فلم تبيق منهيم أحدا‪ .‬وعنيه أنهيا حسيمت الليالي واليام حتيى اسيتوعبتها‪ .‬لنهيا بدأت طلوع‬
‫الشميس مين أول يوم وانقطعيت غروب الشميس مين آخير يوم‪ .‬وقال اللييث‪ :‬الحسيوم الشؤم‪ .‬ويقال‪:‬‬
‫هذه ليالي الحسوم‪ ،‬أي تحسم الخير عن أهلها‪ ،‬وقال في الصحاح‪ .‬وقال عكرمة والربيع بن أنس‪:‬‬
‫مشائيم‪ ،‬دليله قوله تعالى‪" :‬في أيام نحسات" [فصلت‪ .]16 :‬عطية العوفي‪" :‬حسوما" أي حسمت‬
‫الخيير عين أهلهيا‪ .‬واختلف فيي أولهيا‪ ،‬فقييل‪ :‬غداة يوم الحيد‪ ،‬قاله السيدي‪ .‬وقييل‪ :‬غداة يوم الجمعية‪،‬‬
‫قال الربييع بين أنيس‪ .‬وقييل‪ :‬غداة يوم الربعاء‪ ،‬قاله يحييى بين سيلم ووهيب بين منبيه‪ .‬قال وهيب‪:‬‬
‫وهذه اليام هي التي تسميها العرب أيام العجوز‪ ،‬ذات برد وريح شديدة‪ ،‬وكان أولها يوم الربعاء‬
‫وأخرها يوم الربعاء؛ ونسبت إلى العجوز لن عجوزا من عاد دخلت سربا فتبعتها الريح فقتلتها‬
‫في اليوم الثامن‪ .‬وقيل‪ :‬سميت أيام العجوز لنها وقعت في عجز الشتاء‪ .‬وهي في آذار من أشهر‬
‫السريانيين‪ .‬ولها أسام مشهورة‪ ،‬وفيها يقول الشاعر وهو ابن أحمر‪:‬‬
‫أيام شهلتنا من الشهر‬ ‫ُكسِع الشتاء بسبعة غبرِ‬
‫ص ّنبْير مع الوبر‬
‫صِنّ و َ‬ ‫فإذا انقضت أيامها ومضت‬
‫ومعَلّل وبمطفئ الجمر‬ ‫وبآمر وأخيه مؤتمر‬
‫وأتتك واقدة من النجْر‬ ‫ذهب الشتاء موليا عجل‬
‫و"حسيوما" نصيب على الحال‪ .‬وقييل على المصيدر‪ .‬قال الزجاج‪ :‬أي تحسيمهم حسيوما أي تفنيهيم‪،‬‬
‫وهييو مصييدر مؤكييد‪ .‬ويجوز أن يكون مفعول له؛ أي سييخرها عليهييم هذه المدة للسييتئصال؛ أي‬
‫لقطعهم واستئصالهم‪ .‬ويجوز أن يكون جمع حاسم‪ .‬وقرأ السدي "حسوما" بالفتح‪ ،‬حال من الريح؛‬
‫أي سخرها عليهم مستأصلة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فترى القوم فيهيا" أي فيي تلك الليالي واليام‪" .‬صيرعى" جميع صيريع؛ يعنيي‬
‫موتيى‪ .‬وقييل‪" :‬فيهيا" أي فيي الرييح‪" .‬كأنهيم أعجاز" أي أصيول‪" .‬نخيل خاويية" أي باليية؛ قاله أبيو‬
‫الطفيل‪ .‬وقيل‪ :‬خالية الجواف ل شيء فيها‪ .‬والنخل يذكر ويؤنث‪ .‬وقد قال تعالى في موضع آخر‪:‬‬
‫"كأنهيم أعجاز نخيل منقعير" [القمير‪ ]20 :‬فيحتميل أنهيم شبهوا بالنخيل التيي صيرعت مين أصيلها‪،‬‬
‫وهيو إخبار عين عظيم أجسيامهم‪ .‬ويحتميل أن يكون المراد بيه الصيول دون الجذوع؛ أي إن الرييح‬
‫قد قطعتهم حتى صاروا كأصول النخل خاوية أي الريح كانت تدخل أجوافهم فتصرعهم كالنخلة‬
‫الخاويية الجوف‪ .‬وقال ابين شجرة‪ :‬كانيت الرييح تدخيل فيي أفواههيم فتخرج ميا فيي أجوافهيم مين‬
‫الحشو من أدبارهم‪ ،‬فصاروا كالنخل الخاوية‪ .‬وقال يحيى بن سلم؛ إنما قال "خاوية" لن أبدانهم‬
‫خوت مين أرواحهيم مثيل النخيل الخاويية‪ .‬ويحتميل أن يكون المعنيى كأنهيم أعجاز نخيل خاويية عين‬
‫أصيولها مين البقاع؛ كميا قال تعالى‪" :‬فتلك بيوتهيم خاويية" [النميل‪ ]52 :‬أي خربية ل سيكان فيهيا‪.‬‬
‫ويحتميل الخاويية بمعنيى الباليية كميا ذكرنيا؛ لنهيا إذا بلييت خلت أجوافهيا‪ .‬فشبهوا بعيد أن هلكوا‬
‫بالنخل الخاوية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 8 :‬فهل ترى لهم من باقية}‬
‫@ أي من فرقة باقية أو نفس باقية‪ .‬وقيل‪ :‬من بقية‪ .‬وقيل‪ :‬من بقاء‪ .‬فاعلة بمعنى المصدر؛ نحو‬
‫العاقبية والعافيية‪ .‬ويجوز أن يكون أسيما؛ أي هيل تجيد لهيم أحدا باقييا‪ .‬وقال ابين جرييج‪ :‬كانوا سيبع‬
‫ليال وثمانييية أيام أحياء فييي عذاب ال مين الريييح‪ ،‬فلميا أمسيوا فييي اليوم الثامين ماتوا‪ ،‬فاحتملتهييم‬
‫الريييح فألقتهييم فييي البحيير ذلك قوله عييز وجييل‪" :‬فهييل ترى لهييم ميين باقييية"‪ ،‬وقوله عييز وجييل‪:‬‬
‫"فأصبحوا" ل يرى إل مساكنهم" [الحقاف‪.]25 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجاء فرعون ومن قبله" قرأ أبو عمرو والكسائي "ومن قبله" بكسر القاف وفتح‬
‫الباء؛ أي ومين معيه وتبعيه مين جنوده‪ .‬واختاره أبيو عبييد وأبيو حاتيم اعتبارا بقراءة عبدال وأبيي‬
‫"ومن معه"‪ .‬وقرأ أبو موسى الشعري "ومن تلقاءه"‪ .‬الباقون "قبله" بفتح القاف وسكون الباء؛‬
‫أي وميين تقدمييه ميين القرون الخالييية والمييم الماضييية‪" .‬والمؤتفكات" أي أهييل قرى لوط‪ .‬وقراءة‬
‫العامة باللف‪ .‬وقرأ الحسن والجحدري "والمؤتفكة" على التوحيد‪ .‬قال قتادة‪ :‬إنما سميت قرى قوم‬
‫لوط "مؤتفكات" لنهيا ائتفكيت بهيم‪ ،‬أي انقلبيت‪ .‬وذكير الطيبري عين محميد بين كعيب القرظيي قال‪:‬‬
‫خمييس قريات‪ :‬صييبعة وصييعرة وعمرة ودومييا وسييدوم؛ وهييي القرييية العظمييى‪" .‬بالخاطئة" أي‬
‫بالفعلة الخاطئة وهيييي المعصيييية والكفييير‪ .‬وقال مجاهيييد‪ :‬بالخطاييييا التيييي كانوا يفعلونهيييا‪ .‬وقال‬
‫الجرجاني‪ :‬أي بالخطأ العظيم؛ فالخاطئة مصدر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فعصوا رسول ربهم" قال الكلبي‪ :‬هو موسى‪ .‬وقيل‪ :‬هو لوط لنه أقرب‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫عنيى موسيى ولوطيا عليهميا السيلم؛ كميا قال تعالى‪" :‬فقول إنيا رسيول رب العالميين" [الشعراء‪:‬‬
‫‪ .]16‬وقيل‪" :‬رسول" بمعنى رسالة‪ .‬وقد يعبر عن الرسالة بالرسول؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسر ول أرسلتهم برسول‬
‫"فأخذهيم أخذة رابيية" أي عاليية زائدة على الخذات وعلى عذاب الميم‪ .‬ومنيه الربيا إذا أخيذ فيي‬
‫الذهيب والفضية أكثير مميا أعطيى‪ .‬يقال‪ :‬ربيا الشييء يربيو أي زاد وتضاعيف‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬شديدة‪.‬‬
‫كأنه أراد زائدة في الشدة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 12 - 11 :‬إنيا لميا طغيا الماء حملناكيم فيي الجاريية‪ ،‬لنجعلهيا لكيم تذكرة وتعيهيا أذن‬
‫واعية}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنا لما طغى الماء" أي ارتفع وعل‪ .‬وقال علي رضي ال عنه‪ :‬طغى على خزانه‬
‫من الملئكة غضبا لربه فلم يقدروا على حبسه‪ .‬قال قتادة‪ :‬زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعا‪.‬‬
‫وقال ابين عباس‪ :‬طغيى الماء زمين نوح على خزانيه فكثير عليهيم فلم يدروا كيم خرج‪ .‬ولييس مين‬
‫الماء قطرة تنزل قبله ول بعده إل بكييييل معلوم غيييير ذلك اليوم‪ .‬وقيييد مضيييى هذا مرفوعيييا أول‬
‫السيورة‪ .‬والمقصيود مين قصيص هذه الميم وذكير ميا حيل بهيم مين العذاب‪ :‬زجير هذه المية عين‬
‫القتداء بهييم فييي معصييية الرسييول‪ .‬ثييم ميين عليهييم بأن جعلهييم ذرييية ميين نجييا ميين الغرق بقوله‪:‬‬
‫"حملناكم" أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلبهم‪" .‬في الجارية" أي في السفن الجارية‪ .‬والمحمول‬
‫في الجارية نوح وأولده‪ ،‬وكل من على وجه الرض من نسل أولئك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لنجعلهيا لكيم تذكرة" يعنيي سيفينة نوح علييه الصيلة والسيلم‪ .‬جعلهيا ال تذكرة‬
‫وعظة لهذه المة حتى أدركها أوائلهم؛ في قول قتادة‪ .‬قال ابن جريج‪ :‬كانت ألواحها على الجودي‪.‬‬
‫والمعنيى‪ :‬أبقييت لكيم تلك الخشبات حتيى تذكروا ميا حيل بقوم نوح‪ ،‬وإنجاء ال آباءكيم؛ وكيم مين‬
‫سيفينة هلكيت وصيارت ترابيا ولم يبيق منهيا شييء‪ .‬وقييل‪ :‬لنجعيل تلك الفعلة مين إغراق قوم نوح‬
‫وإنجاء من آمن معه موعظة لكم؛ ولهذا قال ال تعالى‪" :‬وتعيها أذن واعية" أي تحفظها وتسمعها‬
‫أذن حافظيية لمييا جاء ميين عنييد ال‪ .‬والسييفينة ل توصييف بهذا‪ .‬قال الزجاج‪ :‬ويقال وعيييت كذا أي‬
‫حفظتيه فيي نفسيي‪ ،‬أعييه وعييا‪ .‬ووعييت العلم‪ ،‬ووعييت ميا قلت؛ كله بمعنيى‪ .‬وأوعييت المتاع فيي‬
‫الوعاء‪ .‬قال الزجاج‪ :‬يقال لكل ما حفظته في غير نفسك‪" :‬أوعيته" باللف‪ ،‬ولما حفظته في نفسك‬
‫"وعيتيه" بغيير ألف‪ .‬وقرأ طلحية وحمييد والعرج "وتعيهيا" بإسيكان العيين؛ تشبيهيا بقول‪" :‬أرنيا"‬
‫[البقرة‪ .]128 :‬واختلف فيهيا عين عاصيم وابين كثيير‪ .‬الباقون بكسير العيين؛ ونظيير قوله تعالى‪:‬‬
‫"وتعيها أذن واعية"‪" ،‬إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب" [ق‪ .]37 :‬وقال قتادة‪ :‬الذن الواعية‬
‫أذن عقلت عين ال تعالى‪ ،‬وانتفعيت بميا سيمعت مين كتاب ال عيز وجيل‪ .‬وروى مكحول أن النيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم قال عنيد نزول هذه اليية‪( :‬سيألت ربيي أن يجعلهيا أذن علي)‪ .‬قال مكحول‪:‬‬
‫فكان علي رضيي ال عنيه يقول ميا سيمعت مين رسيول صيلي ال علييه وسيلم شيئا قيط فنسييته إل‬
‫وحفظتيه‪ .‬ذكره الماوردي‪ .‬وعين الحسين نحوه ذكره الثعلبيي قال‪ :‬لميا نزلت "وتعيهيا أذن واعيية"‬
‫قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬سيألت ربيي أن يجعلهيا أذنيك ييا علي) قال علي‪ :‬فوال ميا نسييت‬
‫شيئا بعد‪ ،‬وما كان لي أن أنسى‪ .‬وقال أبو برزة السلمي قال النبي صلى ال عليه وسلم لعلي‪( :‬يا‬
‫علي إن ال أمرني أن أدنيك ول أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحقّ على ال أن َت ِعيَ)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 :‬فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة}‬
‫@ قال ابن عباس‪ :‬هي النفخة الولى لقيام الساعة‪ ،‬فلم يبق أحد إل مات‪ .‬وجاز تذكير "نفخ" لن‬
‫تأنيث النفخة غير حقيقي‪ .‬وقيل‪ :‬إن هذه النفخة هي الخيرة‪ .‬وقال‪" :‬نفخة واحدة" أي ل تثنى‪ .‬قال‬
‫الخفيش‪ :‬ووقيع الفعيل على النفخية إذ لم يكين قبلهيا اسيم مرفوع فقييل‪ :‬نفخية‪ .‬ويجوز "نفخية" نصيبا‬
‫على المصيدر‪ .‬وبهيا قرأ أبيو السيمال‪ .‬أو يقال‪ :‬اقتصير على الخبار عين الفعيل كميا تقول‪ :‬ضرب‬
‫ضربا‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬في الصور" يقوم مقام ما لم يسم فاعله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 14 :‬وحملت الرض والجبال فدكتا دكة واحدة}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وحملت الرض والجبال" قراءة العامية بتخفييف المييم؛ أي رفعيت مين أماكنهيا‪.‬‬
‫"فدكتيا" أي فتتيا وكسيرتا‪" .‬دكية واحدة" ل يجوز فيي "دكية" إل النصيب لرتفاع الضميير فيي‬
‫"دكتيا"‪ .‬وقال الفراء‪ :‬لم يقيل فدككين لنيه جعيل الجبال كلهيا كالجملة الواحدة‪ ،‬والرض كالجملة‬
‫الواحدة‪ .‬ومثله‪" :‬أن السييموات والرض كانتييا رتقييا" [النييبياء‪ ]30 :‬ولم يقييل كيين‪ .‬وهذا الدك‬
‫كالزلزلة؛ كميا قال تعالى‪" :‬إذا زلزلت الرض زلزالهيا" [الزلزلة‪ .]1 :‬وقييل‪" :‬دكتيا" أي بسيطتا‬
‫بسيطة واحدة؛ ومنيه أندك سينام البعيير إذا انفرش فيي ظهره‪ .‬وقيد مضيى فيي سيورة "العراف"‬
‫القول فييه‪ .‬وقرأ عبدالحمييد عين ابين عامير "وحملت الرض والجبال" بالتشدييد على إسيناد الفعيل‬
‫إلى المفعول الثاني‪ .‬كانه في الصل وحملت قدرتنا أو ملكا من ملئكتنا الرض والجبال؛ ثم أسند‬
‫الفعل إلى المفعول الثاني فبني له‪ .‬ولو جيء بالمفعول الول لسند الفعل إليه؛ فكأنه قال‪ :‬وحملت‬
‫ض الملَك؛ كقولك‪ :‬أُلبِس‬ ‫حمّلَت الر ُ‬ ‫قدرتنا الرض‪ .‬وقد يجوز بناؤه للثاني على وجه القلب فيقال‪ُ :‬‬
‫زيدٌ الجبة‪ ،‬وأُلبِست الجب ُة زيداً‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬فيومئذ وقعت الواقعة‪ ،‬وانشقت السماء فهي يومئذ واهية‪ ،‬والملك على أرجائها‬
‫ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فيومئذ وقعييت الواقعيية" أي قامييت القياميية‪" .‬وانشقييت السييماء" أي أنصييدعت‬
‫وتفطرت‪ .‬وقيل‪ :‬تنشق لنزول ما فيها من الملئكة؛ دليله قوله تعالى‪" :‬ويوم تشقق السماء بالغمام‬
‫ونزل الملئكية تنزيل" [الفرقان‪ ]25 :‬وقيد تقدم‪" .‬فهيي يومئذ واهيية" أي ضعيفية‪ .‬يقال‪ :‬وهيي‬
‫البناء يهييي وهيييا فهييو واه إذا ضعييف جدا‪ .‬ويقال‪ :‬كلم واه؛ أي ضعيييف‪ .‬فقيييل‪ :‬إنهييا تصييير بعييد‬
‫صييلبتها بمنزلة الصييوف فييي الوهييي ويكون ذلك لنزول الملئكيية كمييا ذكرنييا‪ .‬وقيييل‪ :‬لهول يوم‬
‫القيامية‪ .‬وقييل‪" :‬واهيية" أي متخرقية؛ قال ابين شجرة‪ .‬مأخوذ مين قولهيم‪ :‬وهيى السيقاء إذا تخرق‪.‬‬
‫ومن أمثالهم‪:‬‬
‫خل سبيل من وهى سقاؤه ومن أهريق بالفلة ماؤه‬
‫أي من كان ضعييف العقيل ل يحفيظ نفسه‪" .‬والملك" يعنيي الملئكة؛ اسيم للجنيس‪" .‬على أرجائها"‬
‫أي على أطرافهيا حيين تنشيق؛ لن السيماء مكانهيم؛ عين ابين عباس‪ .‬الماوردي‪ :‬ولعله قول مجاهيد‬
‫وقتادة‪ .‬وحكاه الثعلبيي عين الضحاك‪ ،‬قال‪ :‬على أطرافهيا مميا لم ينشيق منهيا‪ .‬يرييد أن السيماء مكان‬
‫الملئكة فإذا انشقت صاروا في أطرافها‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬المعنى والملك على حافات الدنيا؛‬
‫أي ينزلون إلى الرض ويحرسيون أطرافهيا‪ .‬وقييل‪ :‬إذا صيارت السيماء قطعيا تقيف الملئكية على‬
‫تلك القطيع التيي ليسيت متشققية فيي أنفسيها‪ .‬وقييل‪ :‬إن الناس إذا رأوا جهنيم هالتهيم؛ فيندوا كميا تنيد‬
‫البل‪ ،‬فل يأتون قطرا من أقطار الرض إل رأوا ملئكة فيرجعون من حيث جاؤوا‪ .‬وقيل‪" :‬على‬
‫أرجائهيا" ينتظرون ميا يؤمرون بيه فيي أهيل النار مين السيوق إليهيا‪ ،‬وفيي أهيل الجنية مين التحيية‬
‫والكرامييية‪ .‬وهذا كله راجيييع إلى معنيييى قول ابيين جييبير‪ .‬ويدل عليييه‪" :‬ونزل الملئكييية تنزيل"‬
‫[الفرقان‪ ]25 :‬وقوله تعالى‪" :‬يا معشر الجن والنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات‬
‫والرض" [الرحمن‪ ]33 :‬على ما بيناه هناك‪ .‬والرجاء النواحي والقطار بلغة هذيل‪ ،‬واحدها‬
‫رجا مقصور‪ ،‬وتثنيته رجوان؛ مثل عصا وعصوان‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫أقل القوم من يغني مكاني‬ ‫فل يرمى بي الرجوان أني‬
‫ويقال ذلك لحرف البئر والقبر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويحميل عرش ربيك فوقهيم يومئذ ثمانيية" قال ابين عباس‪ :‬ثمانيية صيفوف مين‬
‫الملئكية ل يعلم عددهيم إل ال‪ .‬وقال ابين زييد‪ :‬هيم ثمانيية أملك‪ .‬وعين الحسين‪ :‬ال أعلم كيم هيم‪،‬‬
‫ثمانية أم ثمانية آلف‪ .‬وعن النبي صلى ال عليه وسلم (أن حملة العرش اليوم أربعة فإذا كان يوم‬
‫القيامية أيدهيم ال تعالى بأربعية آخريين فكانوا ثمانيية)‪ .‬ذكره الثعلبيي‪ .‬وخرجيه الماوردي عين أبيي‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬يحمله اليوم أربعية وهيم يوم القيامية ثمانيية)‪.‬‬
‫وقال العباس بن عبدالملك‪ :‬هم ثمانية أملك على صورة الوعال‪ .‬ورواه عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬وفي الحديث (إن لكل ملك منهم أربعة أوجه وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر‬
‫وكل وجه منها يسأل ال الرزق لذلك الجنس)‪ .‬ولما أنشد بين يدي النبي صلى ال عليه وسلم قول‬
‫أمية بن أبي الصلت‪:‬‬
‫والنسر للخرى وليث مرصد‬ ‫رجل وثور تحت رجل يمينه‬
‫حمراء يصبح لونها يتورد‬ ‫والشمس تطلع كل آخر ليلة‬
‫إل معذبة وإل تجلد‬ ‫ليست بطالعة لهم في رسلها‬
‫قال النبي صيلى ال عليه وسيلم‪( :‬صدق)‪ .‬وفي الخبر (أن فوق السيماء السيابعة ثمانية أو عال بيين‬
‫أظلفهين وركبهين مثيل ميا بيين سيماء إلى سيماء وفوق ظهورهين العرش)‪ .‬ذكره القشيري وخرجيه‬
‫الترمذي مين حدييث العباس ابين عبدالمطلب‪ .‬وقيد مضيى فيي سيورة "البقرة" بكماله‪ .‬وذكير نحوه‬
‫الثعلبيي ولفظيه‪ .‬وفيي حدييث مرفوع (أن حملة العرش ثمانيية أملك على صيورة الوعال ميا بيين‬
‫أظلفهيا إلى ركبهيا مسييرة سيبعين عاميا للطائر المسيرع)‪ .‬وفيي تفسيير الكلبيي‪ :‬ثمانيية أجزاء مين‬
‫تسييعة أجزاء ميين الملئكيية‪ .‬وعنييه‪ :‬ثمانييية أجزاء ميين عشرة أجزاء ميين الملئكيية‪ .‬ثييم ذكيير عدة‬
‫الملئكيية بمييا يطول ذكره‪ .‬حكييى الول عنييه الثعلبييي والثانييي القشيري‪ .‬وقال الماوردي عيين ابيين‬
‫عباس‪ :‬ثمانية أجزاء من تسعة وهم الكروبيون‪ .‬والمعنى ينزل بالعرش‪ .‬ثم إضافة العرش إلى ال‬
‫تعالى كإضافية البييت‪ ،‬ولييس البييت للسيكنى‪ ،‬فكذلك العرش‪ .‬ومعنيى‪" :‬فوقهيم" أي فوق رؤوسيهم‪.‬‬
‫قال السيدي‪ :‬العرش تحمله الملئكية الحملة فوقهيم ول يحميل حملة العرش إل ال‪ .‬وقييل‪" :‬فوقهيم"‬
‫أي إن حملة العرش فوق الملئكية الذيين فيي السيماء على أرجائهيا‪ .‬وقييل‪" :‬فوقهيم" أي فوق أهيل‬
‫القيامة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬يومئذ تعرضون ل تخفى منكم خافية}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يومئذ تعرضون" أي‪ ،‬على ال؛ دليله‪" :‬وعرضوا على ربيك صيفا" ولييس ذلك‬
‫عرضيا يعلم بيه ميا لم يكين عالميا بيه‪ ،‬بيل معناه الحسياب وتقريير العمال عليهيم للمجازاة‪ .‬وروى‬
‫الحسن عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬يعرض الناس يوم القيامة ثلث‬
‫عرضات فأميا عرضتان فجدال ومعاذيير وأميا الثالثية فعنيد ذلك تطيير الصيحف فيي اليدي فآخيذ‬
‫بيمينه وآخذ بشماله)‪ .‬خرجه الترمذي قال‪ :‬ول يصح من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة‪.‬‬
‫"ل تخفى منكم خافية" أي هو عالم بكل شي من أعمالكم‪" .‬فخافية" على هذا بمعنى خفية‪ ،‬كانوا‬
‫يخفونهيا مين أعمالهيم؛ قاله ابين شجرة‪ .‬وقييل‪ :‬ل يخفيى علييه إنسيان؛ أي ل يبقيى إنسيان ل يحاسيب‪.‬‬
‫وقال عبدال بيين عمرو بيين العاص‪ :‬ل يخفييى المؤميين ميين الكافيير ول البر ميين الفاجيير‪ .‬وقيييل‪ :‬ل‬
‫تستتر منكم عورة؛ كما قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬يحشر الناس حفاة عراة)‪ .‬وقرأ الكوفيون‬
‫إل عاصما "ل يخفى" بالياء؛ لن تأنيث الخافية غير حقيقي؛ نحو قوله تعالى‪" :‬وأخذ الذين ظلموا‬
‫الصييحة" [هود‪ ]67 :‬واختاره أبيو عبييد؛ لنيه قيد حال بيين الفعيل وبيين السيم المؤنيث الجار‬
‫والمجرور‪ .‬الباقون بالتاء‪ .‬واختاره أبو حاتم لتأنيث الخافية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 27 - 19 :‬فأميا مين أوتيي كتابيه بيمينيه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابييه‪ ،‬إنيي ظننيت أنيي‬
‫ملق حسابيه‪ ،‬فهو في عيشة راضية‪ ،‬في جنة عالية‪ ،‬قطوفها دانية‪ ،‬كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم‬
‫في اليام الخالية‪ ،‬وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه‪ ،‬ولم أدر ما حسابيه‪ ،‬يا‬
‫ليتها كانت القاضية}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأميا مين أوتيي كتابيه بيمينيه" إعطاء الكتاب باليميين دلييل على النجاة‪ .‬وقال ابين‬
‫عباس‪ :‬أول مين يعطيى كتابيه بيمينيه مين هذه المية عمير بين الخطاب‪ ،‬وله شعاع كشعاع الشميس‪.‬‬
‫قييل له‪ :‬فأيين أبيو بكير؟ فقال هيهات هيهات! زفتيه الملئكية إلى الجنية‪ .‬ذكره الثعلبيي‪ .‬وقيد ذكرناه‬
‫مرفوعييا مين حديييث زيييد بين ثابييت بلفظييه ومعناه فييي كتاب "التذكرة"‪ .‬والحمييد ل‪" .‬فيقول هاؤم‬
‫اقرؤوا كتابيييه" أي يقول ذلك ثقيية بالسييلم وسييرورا بنجاتييه؛ لن اليمييين عنييد العرب ميين دلئل‬
‫الفرح‪ ،‬والشمال من دلئل الغم‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫فأفرح أم صيرتني في شمالك‬ ‫أبيني أفي يمنى يديك جعلتني‬
‫ومعنى‪" :‬هاؤم" تعالوا؛ قاله ابن زيد‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬هلم‪ .‬وقيل‪ :‬أي خذوا؛ ومنه الخبر في الربا (إل‬
‫هاء وهاء) أي يقول كل واحد لصاحبه‪ :‬خذ‪ .‬قال ابن السكيت والكسائي‪ :‬العرب تقول هاء يا رجل‬
‫اقرأ‪ ،‬وللثنيين هاؤميا ييا رجلن‪ ،‬وهاؤم ييا رجال‪ ،‬وللمرة هاء (بكسير الهمزة) وهاؤميا وهاؤمين‪.‬‬
‫والصييل هاكييم فأبدلت الهمزة ميين الكاف؛ قال القتيييبي‪ .‬وقيييل‪ :‬إن "هاؤم" كلميية وضعييت لجابيية‬
‫الداعيي عنيد النشاط والفرح‪ .‬روي أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ناداه أعرابيي بصيوت عال‬
‫فأجابيه النييبي صيلى ال علييه وسيلم "هاؤم" يطول صيوته‪" .‬وكتابيييه" منصييوب بيي "هاؤم" عنييد‬
‫الكوفيين‪ .‬وعند البصريين بي "اقرؤوا" لنه أقرب العاملين‪ .‬والصل "كتابي" فأدخلت الهاء لتبين‬
‫فتحية الياء‪ ،‬وكان الهاء للوقيف‪ ،‬وكذلك فيي أخواتيه‪" :‬حسيابيه"‪ ،‬ومالييه‪ ،‬وسيلطانيه" وفيي القارعية‬
‫"ماهييه"‪ .‬وقراءة العامية بالهاء فيهين فيي الوقيف والوصيل معيا؛ لنهين وقعين فيي المصيحف بالهاء‬
‫فل تترك‪ .‬واختار أبو عبيد أن يتعمد الوقف عليها ليوافق اللغة في إلحاق الهاء في السكت ويوافق‬
‫الخيط‪ .‬وقرأ ابين محيصين ومجاهيد وحمييد ويعقوب بحذف الهاء فيي الوصيل وإثباتهيا فيي الوقيف‬
‫فيهين جميع‪ .‬ووافقهيم حمزة فيي "مالييه وسيلطانيه"‪ ،‬و"ماهييه" فيي القارعية‪ .‬وجملة هذه الحروف‬
‫سيبعة‪ .‬واختار أبيو حاتيم قراءة يعقوب ومين معيه إتباعيا للغية‪ .‬ومين قرأهين فيي الوصيل بالهاء فهيو‬
‫على نية الوقف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إني ظننت" أي أيقنت وعلمت‪ ،‬عن ابن عباس وغيره‪ .‬وقيل‪ :‬أي إني ظننت أن‬
‫يؤاخذنيي ال بسييئاتي عذبنيي فقيد تفضيل علي بعفوه ولم يؤاخذنيي بهيا‪ .‬قال الضحاك‪ :‬كيل ظين فيي‬
‫القرآن مين المؤمين فهيو يقيين‪ .‬ومين الكافير فهيو شيك‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬ظين الخرة يقيين‪ ،‬وظين الدنييا‬
‫شيك‪ .‬وقال الحسين فيي هيذ اليية‪ :‬إن المؤمين أحسين الظين بربيه فأحسين العميل وإن المنافيق أسياء‬
‫الظن بربه فأساء العمل‪" .‬أني ملق حسابي" أي في الخرة ولم أنكر البعث؛ يعني أنه ما نجا إل‬
‫بخوفه من يوم الحساب‪ ،‬لنه تيقن أن ال يحاسبه فعمل للخرة‪" .‬فهو في عيشة راضية" أي في‬
‫عييش يرضاه ل مكروه فييه‪ .‬وقال أبيو عيبيدة والفراء‪" :‬راضيية" أي مرضيية؛ كقولك‪ :‬ماء دافيق؛‬
‫أي مدفوق‪ .‬وقيييل‪ :‬ذات رضييا؛ أي يرضييى بهييا صيياحبها‪ .‬مثييل لبيين وتاميير؛ أي صيياحب اللبيين‬
‫والتمر‪ .‬وفي الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم (أنهم يعيشون فل يموتون أبدا ويصحون فل‬
‫يمرضون أبدا وينعمون فل يرون بؤسيييا أبدا ويشبون فل يهرمون أبدا)‪" .‬فيييي جنييية عاليييية" أي‬
‫عظيمة في النفوس‪" .‬قطوفها دانية" أي قريبة التناول‪ ،‬يتناولها القائم والقاعد والمضطجع على ما‬
‫يأتيي بيانيه فيي سيورة "النسيان"‪ .‬والقطوف جميع قطيف (بكسير القاف) وهو ميا يقطيف من الثمار‪.‬‬
‫والقطف (بالفتح) المصدر‪ .‬والقطاف (بالفتح والكسر) وقت القطف‪" .‬كلوا واشربوا" أي يقال لهم‬
‫ذلك‪" .‬هنيئا" ل تكدييير فييه ول تنغييص‪" .‬بميا أسيلفتم" قدمتييم مين العمال الصيالحة‪" .‬فييي اليام‬
‫الخاليية" أي فيي الدنييا‪ .‬وقال‪" :‬كلوا" بعيد قوله‪" :‬فهيو فيي عيشية راضيية" لقوله‪" :‬فأميا مين أوتيي"‬
‫و"من" يتضمن معنى الجمع‪.‬‬
‫وذكر الضحاك أن هذه الية نزلت في أبي سلمة عبدال بن عبد السد المخزومي؛ وقاله مقاتل‪.‬‬
‫والية التي تليها في أخيه السود بن عبد السد؛ في قول ابن عباس والضحاك أيضا؛ قال الثعلبي‪.‬‬
‫ويكون هذا الرجل وأخوه سبب نزول هذه اليات‪ .‬ويعم المعنى جميع أهل الشقاوة وأهل السعادة؛‬
‫يدل علييه قوله تعالى‪" :‬كلوا وأشربوا"‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إن المراد بذلك كيل مين كان متبوعيا فيي الخيير‬
‫والشر‪ .‬فإذا كان الرجل رأسا في الخير‪ ،‬يدعو إليه ويأمر به ويكثر تبعه عليه‪ ،‬دعي باسمه واسم‬
‫أبيييه فيتقدم حتييى إذا دنييا أخرج له كتاب أبيييض بخييط أبيييض‪ ،‬فييي باطنييه السيييئات وفييي ظاهره‬
‫الحسينات فيبدأ بالسييئات فيقرأهيا فيشفيق ويصيفر وجهيه ويتغيير لونيه فإذا بلغ آخير الكتاب وجيد فييه‬
‫"هذه سيئاتك وقد غفرت لك" فيفرح عند ذلك فرحا شديدا‪ ،‬ثم يقلب كتابه فيقرأ حسناته فل يزداد‬
‫إل فرحا؛ حتى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه "هذه حسناتك قد ضوعفت لك" فيبيض وجهه ويؤتى‬
‫بتاج فيوضيع على رأسيه‪ ،‬ويكسيى حلتيين‪ ،‬ويحلى كيل مفصيل منيه ويطول سيتين ذراعيا وهيي قامية‬
‫آدم علييه السيلم؛ ويقال له‪ :‬انطلق إلى أصيحابك فأخيبرهم وبشرهيم أن لكيل إنسيان منهيم مثيل هذا‪.‬‬
‫فإذا أدبر قال‪ :‬هاؤم اقرؤوا كتابييه إنيي ظننيت أنيي ملق حسيابيه‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬فهيو فيي عيشية‬
‫راضية" أي مرضية قد رضيها "في جنة عالية" في السماء "قطوفها" ثمارها وعناقيدها‪" .‬دانية"‬
‫أدنييت منهيم‪ .‬فيقول لصيحابه‪ :‬هيل تعرفونيي؟ فيقولون‪ :‬قيد غمرتيك كرامية‪ ،‬مين أنيت؟ فيقول‪ :‬أنيا‬
‫فلن بن فلن أبشر كل رجل منكم بمثل هذا‪" .‬كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في اليام الخالية" أي‬
‫قدمتم في أيام الدنيا‪ .‬وإذا كان الرجل رأسا في الشر‪ ،‬يدعو إليه ويأمر به فيكثر تبعه عليه‪ ،‬نودي‬
‫باسيمه واسيم أبييه فيتقدم إلى حسيابه‪ ،‬فيخرج له كتاب أسيود بخيط أسيود فيي باطنيه الحسينات وفيي‬
‫ظاهره السييئات‪ ،‬فيبدأ بالحسينات فيقرأهيا ويظين أنيه سيينجو‪ ،‬فإذا بلغ آخير الكتاب وجيد فييه "هذه‬
‫حسيناتك وقيد ردت علييك" فيسيود وجهيه ويعلوه الحزن ويقنيط مين الخيير‪ ،‬ثيم يقلب كتابيه فيقرأ‬
‫سيئاته فل يزداد إل حزنا‪ ،‬ول يزداد وجهه إل سوادا‪ ،‬فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه "هذه سيئاتك‬
‫وقيد ضوعفيت علييك" أي يضاعيف علييه العذاب‪ .‬لييس المعنيى أنيه يزاد علييه ميا لم يعميل ‪ -‬قال ‪-‬‬
‫فيعظيم للنار وتزرق عيناه ويسيود وجهيه‪ ،‬ويكسيى سيرابيل القطران ويقال له‪ :‬انطلق إلى أصيحابك‬
‫وأخيبرهم أن لكيل إنسيان منهيم مثيل هذا؛ ينطلق وهيو يقول‪" :‬ييا ليتنيي لم أوت كتابييه‪ .‬ولم أدر ميا‬
‫حسابيه‪ .‬يا ليتها كانت القاضية" يتمنى الموت‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬ما أغنى عني ماليه‪ ،‬هلك عني سلطانيه‪ ،‬خذوه فغلوه‪ ،‬ثم الجحيم صلوه‪ ،‬ثم في‬
‫سييلسلة ذرعهييا سييبعون ذراعييا فاسييلكوه‪ ،‬إنييه كان ل يؤميين بال العظيييم‪ ،‬ول يحييض على طعام‬
‫المسكين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هلك عنيي سيلطانيه" تفسيير ابين عباس‪ :‬هلكيت عنيه حجتيي‪ .‬وهيو قول مجاهيد‬
‫وعكرمية والسيدي والضحاك‪ .‬وقال ابين زييد‪ :‬يعنيي سيلطانيه فيي الدنييا الذي هيو الملك‪ .‬وكان هذا‬
‫الرجيل مطاعيا فيي أصيحابه؛ قال ال تعالى "خذوه فغلوه" قييل‪ :‬يبتدره مائة ألف ملك ثيم تجميع يده‬
‫إلى عنقيه وهيو قوله عيز وجيل‪" :‬فغلوه" أي شدوه بالغلل "ثيم الجحييم صيلوه" أي اجعلوه يصيلى‬
‫الجحييم "ثيم فيي سيلسلة ذرعهيا سيبعون ذراعيا" ال أعلم بأي ذراع‪ ،‬قاله الحسين‪ .‬وقال ابين عباس‪:‬‬
‫سبعون ذراعا بذراع الملك‪ .‬وقال نوف‪ :‬كل ذراع سبعون باعا‪ ،‬وكل باع أبعد ما بينك وبين مكة‪.‬‬
‫وكان فيي رحبية الكوفية‪ .‬وقال مقاتيل‪ :‬لو أن حلقية منهيا وضعيت على ذروة جبيل لذاب كميا يذوب‬
‫الرصياص‪ .‬وقال كعيب‪ :‬إن حلقية مين السيلسلة التيي قال ال تعالى ذرعهيا سيبعون ذراعيا ‪ -‬أن حلقية‬
‫منها ‪ -‬مثل جميع حديد الدنيا‪" .‬فاسلكوه" قال سفيان‪ :‬بلغنا أنها تدخل في دبره حتى تخرج من فيه‪.‬‬
‫وقاله مقاتيل‪ .‬والمعنيى ثيم أسيلكوا فييه سيلسلة‪ .‬وقييل‪ :‬تدخيل عنقيه فيهيا ثيم يجربهيا‪ .‬وجاء فيي الخيبر‪:‬‬
‫أنها تدخل من دبره وتخرج من منخريه‪ .‬وفي خبر آخر‪ :‬تدخل من فيه وتخرج من دبره‪ ،‬فينادي‬
‫أصحابه هل تعرفوني؟ فيقولون ل‪ ،‬ولكن قد نرى ما بك من الخزي فمن أنت؟ فينادي أصحابه أنا‬
‫فلن بن فلن‪ ،‬لكل إنسان منكم مثل هذا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا التفسيير أصيح ميا قييل فيي هذه اليية‪ ،‬يدل علييه قوله تعالى‪" :‬يوم ندعيو كيل أناس‬
‫بإمامهم" [السيراء‪ .]71 :‬وفي الباب حديث أبي هريرة بمعناه خرجه الترمذي‪ .‬وقد ذكرناه فيي‬
‫سورة "السراء" فتأمله هناك‪" .‬إنه كان ل يؤمن بال العظيم‪ ،‬ول يحض على طعام المسكين" أي‬
‫على الطعام‪ ،‬كما يوضع العطاء موضع العطاء‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وبعد عطائك المائة الرتاعا‬ ‫أكفرا بعد رد الموت عني‬
‫أراد بعيد إعطائك‪ .‬فيبين أنيه عذب على ترك الطعام وعلى الم بالبخيل‪ ،‬كميا عذب بسيبب الكفير‪.‬‬
‫والحيض‪ :‬التحرييض والحيث‪ .‬وأصيل "طعام" أن يكون منصيوبا بالمصيدر المقدر‪ .‬والطعام عبارة‬
‫عن العين‪ ،‬وأضيف للمسكين للملبسة التي بينهما‪ .‬ومن أعمل الطعام كما يعمل الطعام فموضع‬
‫المسييكين نصييب‪ .‬والتقدييير على إطعام المطعييم المسييكين؛ فحذف الفاعييل وأضيييف المصييدر إلى‬
‫المفعول‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 37 - 35 :‬فلييس له اليوم هاهنيا حمييم‪ ،‬ول طعام إل مين غسيلين‪ ،‬ل يأكله إل‬
‫الخاطئون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلييس له اليوم هاهنيا حمييم" خيبر "لييس" قوله‪" :‬له" ول يكون الخيبر قوله‪" :‬هيا‬
‫هنيا" لن المعنيى يصيير‪ :‬لييس هيا هنيا طعام إل مين غسيلين‪ ،‬ول يصيح ذلك؛ لن ثيم طعاميا غيره‪.‬‬
‫و"ها هنا" متعلق بما في "له" من معنى الفعل‪ .‬والحميم ها هنا القريب‪ .‬أي ليس له قريب يرق له‬
‫ويدفيع عنيه‪ .‬وهيو مأخوذ مين الحمييم وهيو الماء الحار؛ كأنيه الصيديق الذي يرق ويحترق قلبيه له‪.‬‬
‫والغسلين فعلين من الغسل؛ فكأنه ينغسل من أبدانهم‪ ،‬وهو صديد أهل النار السائل من جروحهم‬
‫وفروجهيم؛ عين ابين عباس‪ .‬وقال الضحاك والربييع بين أنيس‪ :‬هيو شجير يأكله أهيل النار‪ .‬والغسيل‬
‫(بالكسير)‪ :‬ميا يغسيل بيه الرأس مين خطميي وغيره‪ .‬الخفيش‪ :‬ومنيه الغسيلين‪ ،‬وهيو ميا أنغسيل مين‬
‫لحوم أهيل النار ودمائهيم‪ .‬وزييد فييه الياء والنون كميا زييد فيي عفريين‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هيو شير الطعام‬
‫وأبشعييه‪ .‬ابيين زيييد‪ :‬ل يعلم مييا هييو ول الزقوم‪ .‬وقال فييي موضييع آخيير‪" :‬ليييس لهييم طعام إل ميين‬
‫ضرييع" [الغاشيية‪ ]6 :‬يجوز أن يكون الضرييع مين الغسيلين‪ .‬وقييل‪ :‬فيي الكلم تقدييم وتأخيير؛‬
‫والمعنى فليس له اليوم ها هنا حميم إل من غسلين‪ .‬وقيل‪ :‬في الكلم تقديم وتأخير؛ والمعنى فليس‬
‫له اليوم ها هنا حميم إل من غسلين؛ ويكون الماء الحار‪" .‬ول طعام" أي وليس لهم طعام ينتفعون‬
‫بيه‪" .‬ل يأكله إل الخاطئون" أي المذنبون‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬يعنيي المشركيين‪ .‬وقرئ "الخاطيون"‬
‫بإبدال الهمزة ياء‪ ،‬و"الخاطون" بطرحهيا‪ .‬وعين ابين عباس‪ :‬ميا الخاطون كلنيا نخطيو‪ .‬وروى أبيو‬
‫السود الدؤلي‪ :‬ما الخاطون؟ إنما هو الخاطئون‪ .‬ما الصابون إنما هو الصابئون‪ .‬ويجوز أن يراد‬
‫الذي يتخطون الحق إلى الباطل ويتعدون حدود ال عز وجل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 - 38 :‬فل أقسم بما تبصرون‪ ،‬وما ل تبصرون‪ ،‬إنه لقول رسول كريم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل أقسيم بميا تبصيرون‪ .‬وميا ل تبصيرون" المعنيى أقسيم بالشياء كلهيا ميا ترون‬
‫منهيا وميا ل ترون‪ .‬و"ل" صيلة‪ .‬وقييل‪ :‬هيو رد لكلم سيبق؛ أي لييس المير كميا يقوله المشركون‪.‬‬
‫وقال مقاتيل‪ :‬سيبب ذلك أن الولييد بين المغيرة قال‪ :‬إن محمدا سياحر‪ .‬وقال أبيو جهيل‪ :‬شاعير‪ .‬وقال‬
‫عقبة‪ :‬كاهن؛ فقال ال عز وجل‪" :‬فل أقسم" أي أقسم‪ .‬وقيل‪" :‬ل" ها هنا نفي للقسم‪ ،‬أي ل يحتاج‬
‫فييي هذا إلى قسيم لوضوح الحييق فييي ذلك‪ ،‬وعلى هذا فجوابيه كجواب القسييم‪" .‬إنييه" يعنييي القرآن‬
‫"لقول رسول كريم" يريد جبريل‪ ،‬قاله الحسن والكلبي ومقاتل‪ .‬دليله‪" :‬إنه لقول رسول كريم‪ .‬ذي‬
‫قوة عند ذي العرش" [التكوير‪ .]20:‬وقال الكلبي أيضا والقتبي‪ :‬الرسول ها هنا محمد صلى ال‬
‫علييه وسيلم؛ لقوله‪" :‬وميا هيو بقول شاعير" ولييس القرآن قول الرسيول صيلي ال علييه وسيلم‪ ،‬إنميا‬
‫هو من قول ال عز وجل ونسب القول إلى الرسول لنه تاليه ومبلغه والعامل به‪ ،‬كقولنا‪ :‬هذا قول‬
‫مالك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 42 - 41 :‬وما هو بقول شاعر قليل ما تؤمنون‪ ،‬ول بقول كاهن قليل ما تذكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا هيو بقول شاعير" لنيه مبايين لصينوف الشعير كلهيا‪" .‬ول بقول كاهين" لنيه‬
‫ورد بسيب الشياطيين وشتمهيم فل ينزلون شيئا على مين يسيبهم‪ .‬و"ميا" زائدة فيي قوله‪" :‬قليل ميا‬
‫تؤمنون"‪" ،‬قليل ميا تتذكرون"؛ والمعنيى‪ :‬قليل تؤمنون وقليل تذكرون‪ .‬وذلك القلييل مين إيمانهيم‬
‫هييو أنهييم إذا سييئلوا ميين خلقهييم قالوا‪ :‬ال‪ .‬ول يجوز أن تكون "مييا" مييع الفعييل مصييدرا وتنصييب‬
‫"قليل" بما بعد "ما"‪ ،‬لما فيه من تقديم الصلة على الموصول؛ لن ما عمل فيه المصدر من صلة‬
‫المصيدر‪ .‬وقرأ ابين محيصين وابين كثيير وابين عامير ويعقوب "ميا يؤمنون"‪ ،‬و"يذكرون" بالياء‪.‬‬
‫الباقون بالتاء لن الخطاب قبله وبعده‪ .‬أما قبله فقوله‪" :‬تبصرون" وأما بعده‪" :‬فما منكم" الية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 43 :‬تنزيل من رب العالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تنزييل" أي هيو تنزييل‪" .‬مين رب العالميين" وهيو عطيف على قوله‪" :‬إنيه لقول‬
‫رسول كريم" [الحاقة‪ ،]40 :‬أي إنه لقوله رسول كريم‪ ،‬وهو تنزيل من رب العالمين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 46 - 44 :‬ولو تقول علينيا بعيض القاوييل‪ ،‬لخذنيا منيه باليميين‪ ،‬ثيم لقطعنيا منيه‬
‫الوتين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو تقول علينيا بعيض القاوييل" "تقول" أي تكلف وأتيى بقول مين قبيل نفسيه‪.‬‬
‫وقرئ "ولو تقول" على البناء للمفعول‪" .‬لخذنيييا منيييه باليميييين" أي بالقوة والقدرة‪ ،‬أي لخذناه‬
‫بالقوة‪ .‬و"مين" صيلة زائدة‪ .‬وعيبر عين القوة والقدرة باليميين لن قوة كيل شييء فيي ميامنيه‪ ،‬قاله‬
‫القتبي‪ .‬وهو معنى قول ابن عباس ومجاهد‪ .‬ومنه قول الشماخ‪:‬‬
‫تلقاها عرابة باليمين‬ ‫إذا ما راية رفعت لمجد‬
‫أي بالقوة‪ .‬عرابة اسم رجل من النصار من الوس‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫تناولت منها حاجتي بيميني‬ ‫ولما رأيت الشمس أشرق نورها‬
‫وقال السدي والحكم‪" :‬باليمين" بالحق‪ .‬قال‪:‬‬
‫تلقاها عرابة باليمين‬
‫أي بالستحقاق‪ .‬وقال الحسن‪ :‬لقطعنا يده اليمين‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى لقبضنا بيمينه عن التصرف؛ قاله‬
‫نفطوييه‪ .‬وقال أبيو جعفير الطيبري‪ :‬إن هذا الكلم خرج مخرج الذلل على عادة الناس فيي الخيذ‬
‫بييد مين يعاقيب‪ .‬كما يقول السيلطان لمين يرييد هوانه‪ :‬خذوا يديه‪ .‬أي لمرنيا بالخيذ بيده وبالغنيا فيي‬
‫عقابه‪" .‬ثم لقطعنا منه الوتين" يعني نياط القلب؛ أي لهلكناه‪ .‬وهو عرق يتعلق به القلب إذا انقطع‬
‫مات صيياحبه؛ قال ابيين عباس وأكثيير الناس‪ .‬قال‪ :‬إذا بلغتنييي وحملت رحلي عرابيية فأشرقييي بدم‬
‫الوتيين وقال مجاهيد‪ :‬هيو حبيل القلب الذي فيي الظهير وهيو النخاع؛ فإذا انقطيع بطلت القوى ومات‬
‫صاحبه‪ .‬والموتون الذي قطع وتينه‪ .‬وقال محمد بن كعب‪ :‬إنه القلب ومراقه وما يليه‪ .‬قال الكلبي‪:‬‬
‫إنيه عرق بيين العلباء والحلقوم‪ .‬والعلباء‪ :‬عصيب العنيق‪ .‬وهميا علباوان بينهميا ينبيت العرق‪ .‬وقال‬
‫عكرمة‪ :‬إن الوتين إذا قطع ل إن جاع عرف‪ ،‬ول إن شبع عرف‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 - 47 :‬فما منكم من أحد عنه حاجزين‪ ،‬وإنه لتذكرة للمتقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فما منكم من أحد عنه حاجزين" "ما" نفي و"أحد" في معنى الجمع‪ ،‬فلذلك نعته‬
‫بالجمييع؛ أي فمييا منكييم قوم يحجزون عنييه كقوله تعالى‪" :‬ل نفرق بييين أحييد ميين رسييله" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]285‬هذا جمع‪ ،‬لن "بين" ل تقع إل على اثنين فما زاد‪ .‬قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬لم‬
‫تحل الغنائم لحد سود الرؤوس قبلكم)‪ .‬لفظه واحد ومعناه الجمع‪ .‬و"من" زائدة‪ .‬والحجز‪ :‬المنع‪.‬‬
‫و"حاجزيين" يجوز أن يكون صيفة لحيد على المعنيى كميا ذكرنيا؛ فيكون فيي موضيع جير‪ .‬والخيبر‬
‫"منكم"‪ .‬ويجوز أن يكون منصوبا على أنه خبر و"منكم" ملغى‪ ،‬ويكون متعلقا "بحاجزين"‪ .‬ول‬
‫يمنيع الفصيل بيه مين انتصياب الخيبر فيي هذا؛ كميا لم يمتنيع الفصيل بيه فيي "إن فييك زيدا راغيب"‪.‬‬
‫"وإنه" يعني القرآن "لتذكرة للمتقين" أي للخائفين الذين يخشون ال‪ .‬ونظيره‪" :‬فيه هدى للمتقين"‬
‫[البقرة‪ ]2 :‬على ميا بيناه أول سيورة البقرة‪ .‬وقييل‪ :‬المراد محميد صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬أي هيو‬
‫تذكرة ورحمة ونجاة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 52 - 49 :‬وإنا لنعلم أن منكم مكذبين‪ ،‬وإنه لحسرة على الكافرين‪ ،‬وإنه لحق اليقين‪،‬‬
‫فسبح باسم ربك العظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإنيا لنعلم أن منكيم مكذبيين" قال الربييع‪ :‬بالقرآن‪" .‬وإنيه لحسيرة" يعنيي التكذييب‪.‬‬
‫والحسرة‪ :‬الندامة‪ .‬وقيل‪ :‬أي وإن القرآن لحسرة على الكافرين يوم القيامة إذا رأوا ثواب من آمن‬
‫به‪ .‬وقيل‪ :‬هي حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته عند تحديهم أن يأتوا بسورة مثله‪.‬‬
‫"وإنه لحق اليقين" يعني أن القرآن العظيم تنزيل من ال عزو جل؛ فهو لحق اليقين‪ .‬وقيل‪ :‬أي حقا‬
‫يقينا ليكونن ذلك حسرة عليهم يوم القيامة‪ .‬فعلى هذا "وإنه لحسرة" أي لتحسر؛ فهو مصدر بمعنى‬
‫التحسير‪ ،‬فيجوز تذكيره‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬إنميا هيو كقولك‪ :‬لعيين اليقيين ومحيض اليقيين‪ .‬ولو كان‬
‫اليقييين نعتييا لم يجييز أن يضاف إليييه؛ كمييا ل تقول‪ :‬هذا رجييل الظريييف‪ .‬وقيييل‪ :‬أضافييه إلى نفسييه‬
‫لختلف اللفظيين‪" .‬فسيبح باسيم ربيك العظييم" أي فصيل لربيك؛ قال ابين عباس‪ .‬وقييل‪ :‬أي نزه ال‬
‫عن السوء والنقائص‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة المعارج‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ وهي مكية باتفاق‪ .‬وهي أربع وأربعون آية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 - 1 :‬سأل سائل بعذاب واقع‪ ،‬للكافرين ليس له دافع‪ ،‬من ال ذي المعارج‪ ،‬تعرج‬
‫الملئكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سيأل سيائل بعذاب واقيع" قرأ نافيع وابين عامير "سيال سيايل" بغيير همزة‪ .‬الباقون‬
‫بالهميز‪ .‬فمين هميز فهيو مين السيؤال‪ .‬والباء يجوز أن تكون زائدة‪ ،‬ويجوز أن تكون بمعنيى عين‪.‬‬
‫والسؤال بمعنى الدعاء؛ أي دعا داع بعذاب؛ عن ابن عباس وغيره‪ .‬يقال‪ :‬دعا على فلن بالويل‪،‬‬
‫ودعا عليه بالعذاب‪ .‬ويقال‪ :‬دعوت زيدا؛ أي ألتمست إحضاره‪ .‬أي التمس ملتمس عذابا للكافرين؛‬
‫وهيييو واقيييع بهيييم ل محالة يوم القيامييية‪ .‬وعلى هذا فالباء زائدة؛ كقوله تعالى‪" :‬تنبيييت بالدهييين"‬
‫[المؤمنون‪ ،]20 :‬وقوله‪" .‬وهزي إلييك بجذع النخلة" [مرييم‪ ]25 :‬فهيي تأكييد‪ .‬أي سيأل سيائل‬
‫عذابا واقعا‪" .‬للكافرين" أي على الكافرين‪ .‬وهو النضر بن الحارث حيث قال‪" :‬اللهم إن كان هذا‬
‫هيو الحيق مين عندك فأمطير علينيا حجارة مين السيماء أو ائتنيا بعذاب ألييم" [النفال‪ ]32 :‬فنزل‬
‫سيؤاله‪ ،‬وقتيل يوم بدر صيبرا هيو وعقبية بين أبيي معييط؛ لم يقتيل صيبرا غيرهميا؛ قاله ابين عباس‬
‫ومجاهد‪ .‬وقيل‪ :‬إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري‪ .‬وذلك أنه لما بلغه قول النبي صلى‬
‫ال عليه وسيلم فيي علي رضي ال عنه‪( :‬من كنت موله فعلي موله) ركب ناقتيه فجاء حتيى أناخ‬
‫راحلته بالبطح ثم قال‪ :‬يا محمد‪ ،‬أمرتنا عن ال أن نشهد أن ل إله إل ال وأنك رسول ال فقبلناه‬
‫منك‪ ،‬وأن نصلي خمسا فقبلناه منك‪ ،‬ونزكي أموالنا فقبلناه منك‪ ،‬وأن نصوم شهر رمضان في كل‬
‫عام فقبلناه منك‪ ،‬وأن نحج فقبلناه منك‪ ،‬ثم لم ترض بهذا حتى فضلت ابن عمك علينا! أفهذا شيء‬
‫منك أم من ال؟! فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬وال الذي ل إله إل هو ما هو إل من ال) فولى‬
‫الحارث وهيو يقول‪ :‬اللهيم إن كان ميا يقول محميد حقيا فأمطيير علينيا حجارة مين السيماء أو ائتنييا‬
‫بعذاب أليم‪ .‬فوال ما وصل إلى ناقته حتى رماه ال بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله؛‬
‫فنزلت‪" :‬سيأل سيائل بعذاب واقيع" اليية‪ .‬وقييل‪ :‬إن السيائل هنيا أبيو جهيل وهيو القائل لذلك‪ ،‬قال‬
‫الربييع‪ .‬وقييل‪ :‬إنيه قول جماعية مين كفار قرييش‪ .‬وقييل‪ :‬هيو نوح علييه السيلم سيأل العذاب على‬
‫الكافرين‪ .‬وقيل‪ :‬هو رسول ال صلى ال عليه وسلم أي دعا عليه السلم بالعقاب وطلب أن يوقعه‬
‫ال بالكفار؛ وهيييو واقيييع بهيييم ل محالة‪ .‬وأمتيييد الكلم إلى قوله تعالى‪" :‬فاصيييبر صيييبرا جميل"‬
‫[المعارج‪ ]5 :‬أي ل تسيتعجل فإنيه قرييب‪ .‬وإذا كانيت الباء بمعنيى عين ‪ -‬وهيو قول قتادة ‪ -‬فكأن‬
‫سائل سأل عن العذاب بمن يقع أو متى يقع‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬فاسأل به خبيرا" [الفرقان‪ ]59 :‬أي‬
‫سل عنه‪ .‬وقال علقمة‪:‬‬
‫بصير بأدواء النساء طبيب‬ ‫فإن تسألوني بالنساء فإنني‬
‫أي عن النساء‪ .‬ويقال‪ :‬خرجنا نسأل عن فلن وبفلن‪ .‬فالمعنى سألوا بمن يقع العذاب ولمن يكون‬
‫فقال ال‪" :‬للكافريين"‪ .‬قال أبيو علي وغيره‪ :‬وإذا كان مين السيؤال فأصيله أن يتعدى إلى مفعوليين‬
‫ويجوز القتصيار على أحدهميا‪ .‬وإذا اقتصير على أحدهميا جاز أن يتعدى إلييه بحرف جير؛ فيكون‬
‫التقديير سيأل سيائل النيبي صيلى ال علييه وسيلم أو المسيلمين بعذاب أو عين عذاب‪ .‬ومين قرأ بغيير‬
‫همز فله وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه لغة في السؤال وهي لغة قريش؛ تقول العرب‪ :‬سال يسال؛ مثل نال‬
‫ينال وخاف يخاف‪ .‬والثانييي‪ :‬أن يكون ميين السيييلن؛ ويؤيده قراءة ابيين عباس "سييال سيييل"‪ .‬قال‬
‫عبدالرحمين بين زييد‪ :‬سيال واد مين أوديية جهنيم يقال له‪ :‬سيائل؛ وقول زييد بين ثابيت‪ .‬قال الثعلبيي‪:‬‬
‫والول أحسن؛ كقول العشى في تخفيف الهمزة‪:‬‬
‫قل مالي قد جئتماني بنكر‬ ‫سالتاني الطلق إذ رأتاني‬
‫وفيي الصيحاح‪ :‬قال الخفيش‪ :‬يقال خرجنيا نسيأل عين فلن وبفلن‪ .‬وقيد تخفيف همزتيه فيقال‪ :‬سيال‬
‫يسال‪ .‬وقال‪:‬‬
‫لم يستعن وحوامي الموت تغشاه‬ ‫صدَته‬
‫ومرهق سال إمتاعا ِبأُ ْ‬
‫المرهق‪ :‬الذي أدرك ليقتل‪ .‬والصدة بالضم‪ :‬قميص صغير يلبس تحت الثوب‪ .‬المهدوي‪ :‬من قرأ‬
‫"سال" جاز أن يكون خفف الهمزة بإبدالها ألفا‪ ،‬وهو البدل على غير قياس‪ .‬وجاز أن تكون اللف‬
‫منقلبية عين واو على لغية مين قال‪ :‬سيلت أسيال؛ كخفيت أخاف‪ .‬النحاس‪ :‬حكيى سييبويه سيلت أسيال؛‬
‫مثل خفت أخاف؛ بمعنى سألت‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫ضلت هذيل بما سالت ولم تصب‬ ‫ل رسول ال فاحشة‬ ‫سالت هذي ٌ‬
‫ويقال‪ :‬هما يتساولن‪ .‬المهدوي‪ :‬وجاز أن تكون مبدلة من ياء‪ ،‬من سال يسيل‪ .‬ويكون سايل واديا‬
‫في جهنم؛ فهمزة سايل على القول الول أصلية‪ ،‬وعلى الثاني بدل من واو‪ ،‬وعلى الثالث بدل من‬
‫ياء‪ .‬القشيري‪ :‬وسائل مهموز؛ لنه إن كان من سأل بالهمز فهو مهموز‪ ،‬وإن كان من غير الهمز‬
‫كان مهموزا أيضا؛ نحو قائل وخائف؛ لن العين اعتل في الفعل واعتل في اسم الفاعل أيضا‪ .‬ولم‬
‫يكيين العتلل بالحذف لخوف اللتباس‪ ،‬فكان بالقلب إلى الهمزة‪ ،‬ولك تخفيييف الهمزة حتييى تكون‬
‫بين بين‪" .‬واقع" أي يقع بالكفار بين أنه من ال ذي المعارج‪ .‬وقال الحسن‪ :‬أنزل ال تعالى‪" :‬سأل‬
‫سائل بعذاب واقع" فقال لمن هو؟ فقال للكافرين؛ فاللم في الكافرين متعلقة "بواقع"‪ .‬وقال الفراء‪:‬‬
‫التقدييير بعذاب للكافرييين واقييع؛ فالواقييع ميين نعييت العذاب واللم دخلت للعذاب ل للواقييع‪ ،‬أي هذا‬
‫العذاب للكافريين فيي الخرة ل يدفعيه عنهيم أحيد‪ .‬وقييل إن اللم بمعنيى على‪ ،‬والمعنيى‪ :‬واقيع على‬
‫الكافريين‪ .‬وروي أنهيا فيي قراءة أبيي كذلك‪ .‬وقييل‪ :‬بمعنيى عين؛ أي لييس له دافيع عين الكافريين مين‬
‫ال‪ .‬أي ذلك العذاب من ال ذي المعارج أي ذي العلو والدرجات الفواضل والنعم؛ قاله ابن عباس‬
‫وقتادة فالمعارج مراتييب إنعامييه على الخلق وقيييل ذي العظميية والعلء وقال مجاهييد‪ :‬هييي معارج‬
‫السيماء‪ .‬وقييل‪ :‬هيي معارج الملئكية؛ لن الملئكية تعرج إلى السيماء فوصيف نفسيه بذلك‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫المعارج الغرف؛ أي إنيييه ذو الغرف‪ ،‬أي جعيييل لوليائه فيييي الجنييية غرفيييا‪ .‬وقرأ عبدال "ذي‬
‫المعاريييييج" بالياء‪ .‬يقال‪ :‬معرج ومعراج ومعارج ومعاريييييج؛ مثييييل مفتاح ومفاتيييييح‪ .‬والمعارج‬
‫الدرجات؛ ومنه‪" :‬ومعارج عليها يظهرون" [الزخرف‪.]33 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تعرج الملئكية والروح" أي تصيعد فيي المعارج التيي جعلهيا ال لهيم‪ .‬وقرأ ابين‬
‫مسيعود وأصيحابه والسيلمي والكسيائي "يعرج" بالياء على إرادة الجميع؛ ولقوله‪ :‬اذكروا الملئكية‬
‫ول تؤنثوهييم‪ .‬وقرأ الباقون بالتاء على إرادة الجماعيية‪" .‬والروح" جبريييل عليييه السييلم؛ قال ابيين‬
‫عباس‪ .‬دليله قوله تعالى‪" :‬نزل بيه الروح الميين" [الشعراء‪ .]193 :‬وقييل‪ :‬هيو ملك آخير عظييم‬
‫الخلقية‪ .‬وقال أبيو صيالح‪ :‬إنيه خلق مين خلق ال كهيئة الناس ولييس بالناس‪ .‬قال قبيصية بين ذؤييب‪:‬‬
‫إنيه روح المييت حيين يقبيض‪" .‬إلييه" أي إلى المكان الذي هيو محلهيم وهيو فيي السيماء؛ لنهيا محيل‬
‫بره وكرامته‪ .‬وقيل‪ :‬هو كقول إبراهيم "إني ذاهب إلى ربي" [الصافات‪ .]99 :‬أي إلى الموضع‬
‫الذي أمرنيي بيه‪ .‬وقييل‪" :‬إلييه" أي إلى عرشيه‪" .‬فيي يوم كان مقداره خمسيين ألف سينة" قال وهيب‬
‫والكلبيي ومحميد بن إسيحاق‪ :‬أي عروج الملئكية إلى المكان الذي هيو محلهيم فيي وقيت كان مقداره‬
‫على غيرهييم لو صييعد خمسييين ألف سيينة‪ .‬وقال وهييب أيضييا‪ :‬مييا بييين أسييفل الرض إلى العرش‬
‫مسيرة خمسين ألف سنة‪ .‬وهو قول مجاهد‪ .‬وجمع بين هذة الية وبين قوله‪" :‬في يوم كان مقداره‬
‫ألف سينة" فيي سيورة السيجدة‪ ،‬فقال‪" :‬فيي يوم كان مقداره خمسيين ألف سينة" مين منتهيى أمره مين‬
‫أسييفل الرضييين إلى منتهييى أمره ميين فوق السييموات خمسييون ألف سيينة‪ .‬وقوله تعالى فييي (آلم‬
‫تنزيل)‪" :‬في يوم كان مقداره ألف سنة" [السجدة‪ ]5 :‬يعني بذلك نزول المر من سماء الدنيا إلى‬
‫الرض‪ ،‬وميين الرض إلى السييماء فييي يوم واحييد فذلك مقدار ألف سيينة لن مييا بييين السييماء إلى‬
‫الرض مسيرة خمسمائة عام‪ .‬وعن مجاهد أيضا والحكم وعكرمة‪ :‬هو مدة عمر الدنيا من أول ما‬
‫خلقيت إلى آخير ميا بقيي خمسيون ألف سينة‪ .‬ل يدري أحدكيم مضيى ول كيم بقيي إل ال عيز وجيل‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬المراد يوم القيامية‪ ،‬أي مقدار الحكيم فييه لو توله مخلوق خمسيون ألف سينة‪ ،‬قاله عكرمية‬
‫أيضيا والكلبي ومحمد بن كعب‪ .‬يقول سبحانه وتعالى وأنا أفرغ منه فيي ساعة‪ .‬وقال الحسن‪ :‬هو‬
‫يوم القيامة‪ ،‬ولكن يوم القيامة ل نفاد له فالمراد ذكر موقفهم للحساب فهو في خمسين ألف سنة من‬
‫سيني الدنييا‪ ،‬ثيم حينئذ يسيتقر أهيل الداريين فيي الداريين‪ .‬وقال يمان‪ :‬هيو يوم القيامية‪ ،‬فييه خمسيون‬
‫موطنييا كييل موطيين ألف سيينة‪ .‬وقال ابيين عباس‪ :‬هييو يوم القياميية‪ ،‬جعله ال على الكافرييين مقدار‬
‫خمسين ألف سنة‪ ،‬ثم يدخلون النار للستقرار‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا القول أحسين ميا قييل فيي اليية إن شاء ال‪ ،‬بدلييل ميا رواه قاسيم بين أصيبغ مين حدييث‬
‫أبيي سيعيد الخدري قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪" :‬فيي يوم كان مقداره خمسيين ألف‬
‫سينة"‪ .‬فقلت‪ :‬ميا أطول هذا! فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬والذي نفسيي بيده إنيه ليخفيف عين‬
‫المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلة المكتوبة يصليها في الدنيا)‪ .‬واستدل النحاس على صحة‬
‫هذا القول بما رواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬ما من‬
‫رجل لم يؤد زكاة مال إل جعل شجاعا من نار تكوى به جبهته وظهره وجنباه في يوم كان مقداره‬
‫خمسيين ألف سينة حتيى يقضيي ال بيين الناس)‪ .‬قال‪ :‬فهذا يدل على أنيه يوم القيامية‪ .‬وقال إبراهييم‬
‫التيمي‪ :‬ما قدر ذلك اليوم على المؤمن إل قدر ما بين الظهر والعصر‪ .‬وروي هذا المعنى مرفوعا‬
‫ميين حديييث معاذ عيين النييبي صييلى ال عليييه وسييلم أنييه قال‪( :‬يحاسييبكم ال تعالى بمقدار مييا بييين‬
‫الصيلتين ولذلك سيمى نفسيه سيريع الحسياب وأسيرع الحاسيبين)‪ .‬ذكره الماوردي‪ .‬وقبيل‪ :‬بيل يكون‬
‫الفراغ لنصيف يوم‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬أصيحاب الجنية يومئذ خيير مسيتقرا وأحسين مقيل" [الفرقان‪:‬‬
‫‪ .]24‬وهذا على قدر فهيم الخلئق‪ ،‬وإل فل يشغله شأن عين شأن‪ .‬وكميا يرزقهيم فيي سياعة كذا‬
‫يحاسيبهم فيي لحظية‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ميا خلقكيم ول بعثكيم إل كنفيس واحدة" [لقمان‪ .]28 :‬وعين‬
‫ابين عباس أيضيا أنه سيماها هذه اليية وعين قوله تعالى‪" :‬فيي يوم كان مقداره ألف سينة" [السيجدة‪:‬‬
‫‪ ]5‬فقال‪ :‬أيام سماها ال عز وجل هو أعلم بها كيف تكون‪ ،‬وأكره أن أقول فيها ما ل أعلم‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫معنيى ذكير خمسيين ألف سينة تمثييل‪ ،‬وهيو تعرييف طول مدة القيامية فيي الموقيف‪ ،‬وميا يلقيى الناس‬
‫فيه من الشدائد‪ .‬والعرب تصف أيام الشدة بالطول‪ ،‬وأيام الفرح بالقصر؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫ويوم كظل الرمح قصر طوله دم الزق عنا واصطفاق المزاهر‬
‫وقيل‪ :‬في الكلم تقديم وتأخير؛ والمعنى‪ :‬سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له من ال دافع‪ ،‬في‬
‫يوم كان مقداره خمسيين ألف سينة تعرج الملئكية والروح إلييه‪ .‬وهذا القول هيو معنيى ميا أخترناه‪،‬‬
‫والموفق الله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 - 5 :‬فاصبر صبرا جميل‪ ،‬إنهم يرونه بعيدا‪ ،‬ونراه قريبا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاصيبر صيبرا جميل" أي على أذى قوميك‪ .‬والصيبر الجمييل‪ :‬هيو الذي ل جزع‬
‫فيه ول شكوى لغير ال‪ .‬وقيل‪ :‬هو أن يكون صاحب المصيبة في القوم ل يدرى من هو‪ .‬والمعنى‬
‫متقارب‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬هي منسوخة بآية السيف‪" .‬إنهم يرونه بعيدا" يريد أهل مكة يرون العذاب‬
‫بالنار بعيدا؛ أي غير كائن‪" .‬ونراه قريبا" لن ما هو آت فهو قريب‪ .‬وقال العمش‪ :‬يرون البعث‬
‫بعيدا لنهيم ل يؤمنون بيه كأنهيم يسيتبعدونه على جهية الحالة‪ .‬كميا تقول لمين تناظره‪ :‬هذا بعييد ل‬
‫يكون وقييل‪ :‬أي يرون هذا اليوم بعيدا "ونراه" أي نعلميه؛ لن الرؤيية إنميا تتعلق بالموجود‪ .‬وهيو‬
‫كقولك‪ :‬الشافعي يرى في هذه المسألة كذا وكذا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 - 8 :‬يوم تكون السماء كالمهل‪ ،‬وتكون الجبال كالعهن‪ ،‬ول يسأل حميم حميما}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم تكون السماء كالمهل" العامل في "يوم" "واقع"؛ تقديره يقع بهم العذاب يوم‪.‬‬
‫وقييل‪" :‬نراه" أو "يبصيرونهم" أو يكون بدل مين قرييب‪ .‬والمهيل‪ :‬دردي الزييت وعكره؛ فيي قول‬
‫ابين عباس وغيره‪ .‬وقال ابين مسيعود‪ :‬ميا أذييب مين الرصياص والنحاس والفضية‪ .‬وقال مجاهيد‪:‬‬
‫"كالمهيل" كقييح مين دم وصيديد‪ .‬وقيد مضيى فيي سيورة "الدخان"‪ ،‬و"الكهيف" القول فييه‪" .‬وتكون‬
‫الجبال كالعهيين" أي كالصييوف المصييبوغ‪ .‬ول يقال للصييوف عهيين إل أن يكون مصييبوغا‪ .‬وقال‬
‫الحسن‪" :‬وتكون الجبال كالعهن" وهو الصوف الحمر‪ ،‬وهو أضعف الصوف‪ .‬ومنه قول زهير‪:‬‬
‫نزلن به حب الفنا لم يحطم‬ ‫كأن فتات العهن في كل منزل‬
‫الفتات القطيع‪ .‬والعهين الصيوف الحمير؛ واحده عهنية‪ .‬وقييل‪ :‬العهين الصيوف ذو اللوان؛ فشبيه‬
‫الجبال بيه فيي تلونهيا ألوانيا‪ .‬والمعنيى‪ :‬أنهيا تليين بعيد الشدة‪ ،‬وتتفرق بعيد الجتماع‪ .‬وقييل‪ :‬أول ميا‬
‫تتغير الجبال تصير رمل مهيل‪ ،‬ثم عهنا منفوشا‪ ،‬ثم هباء منبثا‪" .‬ول يسأل حميم حميما" أي عن‬
‫شأنييه لشغييل كييل إنسييان بنفسييه‪ ،‬قال قتادة‪ .‬كمييا قال تعالى‪" :‬لكييل امرئ منهييم يومئذ شأن يغنيييه"‬
‫[عبس‪ .]37 :‬وقيل‪ :‬ل يسأل حميم عن حميم‪ ،‬فحذف الجار ووصل الفعل‪ .‬وقراءة العامة "يسأل"‬
‫بفتيح الياء‪ .‬وقرأ شيبية والبزي عين عاصيم "ول يسيأل بالضيم على ميا لم يسيم فاعله‪ ،‬أي ل يسيأل‬
‫حمييم عين حميميه ول ذو قرابية عين قرابتيه‪ ،‬بيل كيل إنسيان يسيأل عين عمله‪ .‬نظيره‪" :‬كيل نفيس بميا‬
‫كسبت رهينة" [المدثر‪.]38 :‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 14 - 11 :‬يبصيرونهم يود المجرم لو يفتدي مين عذاب يومئذ ببنييه‪ ،‬وصياحبته‬
‫وأخيه‪ ،‬وفصيلته التي تؤويه‪ ،‬ومن في الرض جميعا ثم ينجيه}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يبصيرونهم" أي يرونهيم‪ .‬ولييس فيي القيامية مخلوق إل وهيو نصيب عيين صياحبه‬
‫مين الجين والنيس‪ .‬فيبصير الرجيل أباه وأخاه وقرابتيه وعشيرتيه ول يسيأله ول يكلميه؛ لشتغالهيم‬
‫بأنفسيهم‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬يتعارفون سياعة ثيم ل يتعارفون بعيد تلك السياعة‪ .‬وفيي بعيض الخبار‪:‬‬
‫أن أهيل القيامية يفرون مين المعارف مخافية المظالم‪ .‬وقال ابين عباس أيضيا‪" :‬يبصيرونهم" يبصير‬
‫بعضهيم بعضيا فيتعارفون ثم يفر بعضهيم مين بعض‪ .‬فالضميير فيي "يبصرونهم" على هذا للكفار‪،‬‬
‫والمييم للقرباء‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬المعنيى يبصير ال المؤمنيين الكفار فيي يوم القيامية؛ فالضميير فيي‬
‫يبصيرونهم" للمؤمنيين‪ ،‬والهاء والمييم للكفار‪ .‬ابين زييد‪ :‬المعنيى يبصير ال الكفار فيي النار الذيين‬
‫أضلوهيم فيي الدنييا؛ فالضميير فيي "يبصيرونهم" للتابعيين‪ ،‬والهاء والمييم للمتبوعيين‪ .‬وقييل‪ :‬إنيه‬
‫يبصر المظلوم ظالمه والمقتول قاتله‪ .‬وقيل‪" :‬يبصرونهم" يرجع إلى الملئكة؛ أي يعرفون أحوال‬
‫الناس فيسيوقون كيل فرييق إلى ميا يلييق بهيم‪ .‬وتيم الكلم عنيد قوله‪" :‬يبصيرونهم"‪ .‬ثيم قال‪" :‬يود‬
‫المجرم" أي يتمنى الكافر‪" .‬لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه" يعني من عذاب جهنم بأعز من كان‬
‫عليه في الدنيا من أقاربه فل يقدر‪ .‬ثم ذكرهم فقال‪" :‬ببنيه‪ ،‬وصاحبته" زوجته "وأخيه‪ ،‬وفصيلته‬
‫" أي عشيرتيه‪" .‬التيي تؤوييه" تنصيره؛ قاله مجاهيد وابين زييد‪ .‬وقال مالك‪ :‬أميه التيي تربييه‪ .‬حكاه‬
‫الماوردي ورواه عنه أشهب‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬الفصيلة دون القبيلة‪ .‬وقال ثعلب‪ :‬هم آباؤه الدنون‪.‬‬
‫وقال المبرد‪ :‬الفصيلة القطعة من أعضاء الجسد‪ ،‬وهي دون القبيلة‪ .‬وسميت عترة الرجل فصيلته‬
‫تشبيها بالبعض منه‪ .‬وقد مضى في سورة "الحجرات" القول في القبيلة وغيرها‪.‬‬
‫وهنا مسألة‪ ،‬وهي‪ :‬إذا حبس على فصيلته أو أوصى لها فمن أدعى العموم حمله على العشيرة‪،‬‬
‫وميين أدعييى الخصييوص حمله على الباء؛ الدنييى فالدنييى‪ .‬والول أكثيير فييي النطييق‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫ومعنى‪" :‬تؤويه" تضمه وتؤمنه من خوف إن كان به‪" .‬ومن في الرض جميعا" أي ويود لو فدي‬
‫بهييم لفتدى "ثييم ينجيييه" أي يخلصييه ذلك الفداء‪ .‬فل بييد ميين هذا الضمار‪ ،‬كقوله‪" :‬وإنييه لفسييق"‬
‫[النعام‪ ]121 :‬أي وإن أكله لفسق‪ .‬وقيل‪" :‬يود المجرم" يقتضي جوابا بالفاء؛ كقوله‪" :‬ودوا لو‬
‫تدهن فيدهنون" [القلم‪ .]9 :‬والجواب في هذه الية "ثم ينجيه" لنها من حروف العطف؛ أي يود‬
‫المجرم لو يفتدى فينجيه الفتداء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 - 15 :‬كل إنها لظى‪ ،‬نزاعة للشوى‪ ،‬تدعوا من أدبر وتولى‪ ،‬وجمع فأوعى}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كل" تقدم القول في "كل" وأنها تكون بمعنى حقا‪ ،‬وبمعنى ل‪ .‬وهي هنا تحتمل‬
‫المرييين؛ فإذا كانييت بمعنييى حقييا كان تمام الكلم "ينجيييه"‪ .‬وإذا كانييت بمعنييى ل كان تمام الكلم‬
‫عليها؛ أي ليس ينجيه من عذاب ال الفتداء ثم قال‪" :‬إنها لظى" أي هي جهنم؛ أي تتلظى نيرانها؛‬
‫كقوله تعالى‪" :‬فأنذرتكييم نارا تلظييى" [الليييل‪ ]14 :‬واشتقاق لظييى ميين التلظييي‪ .‬والتظاء النار‬
‫التهابهييا‪ ،‬وتلظيهييا تلهبهييا‪ .‬وقيييل‪ :‬كان أصييلها "لظييظ" أي مييا دامييت لدوام عذابهييا؛ فقلبييت إحدى‬
‫الظاءين ألفا فبقيت لظى‪ .‬وقيل‪ :‬هي الدركة الثانية من طبقات جهنم‪ .‬وهي اسم مؤنث معرفة فل‬
‫ينصرف‪" .‬نزاعة للشوى" قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم في رواية أبي بكر عنه والعمش‬
‫وأبو عمرو وحمزة والكسيائي "نزاعة" بالرفيع‪ .‬وروى أبو عمرو عن عاصيم "نزاعة" بالنصيب‪.‬‬
‫فمن رفع فله خمسة أوجه‪ :‬أحدها أن تجعل "لظى" خبر "إن" وترفع "نزاعة" بإضمار هي؛ فمن‬
‫هذا الوجه يحسن الوقف على "لظى"‪ .‬والوجه الثاني أن تكون "لظى" و"نزاعة" خبران لن‪ .‬كما‬
‫تقول إنيه خلق مخاصيم‪ .‬والوجيه الثالث أن تكون "نزاعية" بدل مين "لظيى" و"لظيى" خيبر "إن"‪.‬‬
‫والوجيه الرابيع أن يكون "لظيى" بدل مين اسيم "إن" و"نزاعية" خيبر "إن"‪ .‬والمعنيى‪ :‬أن القصية‬
‫والخبر لظى نزاعة للشوى ومن نصب "نزاعة" حسن له أن يقف على "لظى" وينصب "نزاعة"‬
‫على القطيع مين "لظيى" إذ كانيت نكرة متصيلة بمعرفية‪ .‬ويجوز نصيبها على الحال المؤكدة؛ كميا‬
‫قال‪" :‬وهو الحق مصدقا" [البقرة‪ .]91 :‬ويجوز أن تنصب على معنى أنها تتلظى نزاعة؛ أي في‬
‫حال نزعهيا للشوى‪ .‬والعاميل فيهيا ميا دل علييه الكلم مين معنيى التلظيي‪ .‬ويجوز أن يكون حال؛‬
‫على أنه حال للمكذبين بخبرها‪ .‬ويجوز نصبها عل القطع؛ كما تقول‪ :‬مررت بزيد العاقل الفاضل‪.‬‬
‫فهذه خمسة أوجه للنصب أيضا‪ .‬والشوى‪ .‬جمع شواة وهي جلدة الرأس‪ .‬قال العشى‪:‬‬
‫قد جللت شيبا شواته‬ ‫قالت قُيتَيلة مالَه‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫لها فشواة الرأس باد قتيرها‬ ‫لصبحت هدتك الحوادث هدة‬
‫القتيييير‪ :‬الشييييب‪ .‬وفيييي الصيييحاح‪" :‬والشوى‪ :‬جميييع شواة وهيييي جلدة الرأس"‪ .‬والشوى‪ :‬اليدان‬
‫والرجلن والرأس مين الدمييين‪ ،‬وكيل ميا لييس مقتل‪ .‬يقال‪ :‬رماه فأشواه إذا لم يصيب المقتيل‪ .‬قال‬
‫الهذلي‪:‬‬
‫إذا زل عن ظهر اللسان انفلتها‬ ‫فإن من القول التي ل شوى لها‬
‫يقول‪ :‬إن من القول كلمة ل تشوي ولكن تقتل‪ .‬قال العشى‪:‬‬
‫قد جللت شيبا شواته‬ ‫قالت قتيلة ماله‬
‫قال أبييو عبيييد‪ :‬أنشدهييا أبييو الخطاب الخفييش أبييا عمرو بيين العلء فقال له‪" :‬صييحفت! إنمييا هييو‬
‫سييراته؛ أي نواحييه فسيكت أبيو الخطاب ثيم قال لنيا‪ :‬بيل هيو صيحف‪ ،‬إنميا هيو شواتيه"‪ .‬وشوى‬
‫الفرس‪ :‬قوائمه؛ لنه يقال‪ :‬عبل الشوى‪ ،‬ول يكون هذا للرأس؛ لنهم وصفوا الخيل بإسالة الخدين‬
‫وعتيق الوجيه وهيو رقتيه‪ .‬والشوى‪ :‬رذال المال‪ .‬والشوى‪ :‬هيو الشييء الهيين اليسيير‪ .‬وقال ثابيت‬
‫البنانيي والحسين‪" :‬نزاعية للشوى" أي لمكارم وجهيه‪ .‬أبيو العاليية‪ :‬لمحاسين وجهيه‪ .‬قتادة‪ :‬لمكارم‬
‫خلقتييه وأطرافييه‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬تفري اللحييم والجلد عيين العظييم حتييى ل تترك منييه شيئا‪ .‬وقال‬
‫الكسائي‪ :‬هي المفاصل‪ .‬وقال بعض الئمة‪ :‬هي القوائم والجلود‪ .‬قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫له حجبات مشرفات على الفال‬ ‫سليم الشظى عبل الشوى شنج النسا‬
‫وقال أبو صالح‪ :‬أطراف اليدين والرجلين‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وعينيها ولم تعرف شواها‬ ‫إذا نظرت عرفت الفخر منها‬
‫يعني أطرافها‪ .‬وقال الحسن أيضا‪ :‬الشوى الهام‪" .‬تدعو من أدبر وتولى" أي تدعو لظى من أدبر‬
‫فيي الدنييا عين طاعية ال وتولى عين اليمان‪ .‬ودعاؤهيا أن تقول‪ :‬إلي ييا مشرك‪ ،‬إلي ييا كافير‪ .‬وقال‬
‫ابين عباس‪ :‬تدعيو الكافريين والمنافقيين بأسيمائهم بلسيان فصييح‪ :‬إلي ييا كافير‪ ،‬إلي ييا منافيق؛ ثيم‬
‫تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب‪ .‬وقال ثعلب‪" :‬تدعو" أي تهلك‪ .‬تقول العرب‪ :‬دعاك ال؛ أي أهلكك‬
‫ال‪ .‬وقال الخليل‪ :‬إنه ليس كالدعاء "تعالوا" ولكن دعوتها إياهم تمكنها من تعذيبهم‪ .‬وقيل‪ :‬الداعي‬
‫خزنية جهنيم؛ أضييف دعاؤهيم إليهيا‪ .‬وقييل هيو ضرب مثيل؛ أي إن مصيير مين أدبر وتولى إليهيا؛‬
‫فكأنها الداعية لهم‪ .‬ومثله قول الشاعر‪:‬‬
‫يدعو النيس به العضيض البكم‬ ‫ولقد هبطنا الواديين فواديا‬
‫العضيض البكم‪ :‬الذباب‪ .‬وهو ل يدعو وإنما طنينه نبه عليه فدعا إليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬القول الول هيو الحقيقية؛ حسيب ميا تقدم بيانيه بآي القرآن والخبار الصيحيحة‪ .‬القشيري‪:‬‬
‫ودعاء لظيى بخلق الحياة فيهيا حيين تدعيو‪ ،‬وخوارق العادة غدا كثيرة‪" .‬وجميع فأوعيى" أي جميع‬
‫المال فجعله فيي وعائه ومنيع منيه حيق ال تعالى؛ فكان جموعيا منوعيا‪ .‬قال الحكيم‪ :‬كان عبدال بين‬
‫عكيم ل يربط كيسه ويقول سمعت ال يقول‪" :‬وجمع فأوعى"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 - 19 :‬إن النسان خلق هلوعا‪ ،‬إذا مسه الشر جزوعا‪ ،‬وإذا مسه الخير منوعا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن النسيان خلق هلوعيا" يعنيي الكافير؛ عين الضحاك‪ .‬والهلع فيي اللغية‪ :‬أشيد‬
‫الحرص وأسوأ الجزع وأفحشيه‪ .‬وكذلك قال قتادة ومجاهد وغيرهميا‪ .‬وقيد هلع (بالكسير) يهلع فهيو‬
‫هليع وهلوع؛ على التكثير‪ .‬والمعنى أنه ل يصبر على خير ول شر حتى يفعل فيهما ما ل ينبغي‪.‬‬
‫عكرمية‪ :‬هيو الضجور‪ .‬الضحاك‪ :‬هيو الذي ل يشبيع‪ .‬والمنوع‪ :‬هيو الذي إذا أصياب المال منيع منيه‬
‫حيق ال تعالى‪ .‬وقال ابين كيسيان‪ :‬خلق ال النسيان يحيب ميا يسيره ويرضييه‪ ،‬ويهرب مميا يكرهيه‬
‫ويسخطه‪ ،‬ثم تعبده ال بإنفاق ما يحب والصبر على ما يكره‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬الهلوع هو الذي إذا‬
‫مسه الخير لم يشكر‪ ،‬وإذا مسه الضر لم يصبر؛ قاله ثعلب‪ .‬وقال ثعلب أيضا‪ :‬قد فسر ال الهلوع‪،‬‬
‫وهو الذي إذا ناله الشر أظهر شدة الجزع‪ ،‬وإذا ناله الخير بخل به ومنعه الناس‪ .‬وقال النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬شر ما أعطي العبد شح هالع وجبن خالع)‪ .‬والعرب تقول‪ :‬ناقة هلواعة وهلواع؛‬
‫إذا كانت سريعة السير خفيفة‪ .‬قال‪:‬‬
‫حرج إذا استقبلتها هِلواع‬ ‫صكّاء ذِعْلِبة إذا استدبرتها‬
‫الذعلب والذعلبية الناقية السيريعة‪ .‬و"جزوعيا" و"منوعيا" نعتان لهلوع‪ .‬على أن ينوي بهميا التقدييم‬
‫قبل "إذا"‪ .‬وقيل‪ :‬هو خبر كان مضمرة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 28 - 22 :‬إل المصيلين‪ ،‬الذيين هيم على صيلتهم دائمون‪ ،‬والذيين فيي أموالهيم حيق‬
‫معلوم‪ ،‬للسيائل والمحروم‪ ،‬والذيين يصيدقون بيوم الديين‪ ،‬والذيين هيم مين عذاب ربهيم مشفقون‪ ،‬إن‬
‫عذاب ربهم غير مأمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل المصلين" دل على أن ما قبله في الكفار؛ فالنسان اسم جنس بدليل الستثناء‬
‫الذي يعقبيه كقوله تعالى‪" :‬إن النسيان لفيي خسير‪ .‬إل الذيين آمنوا" [العصير‪ .]3 :‬النخعيي‪ :‬المراد‬
‫بالمصيلين الذي يؤدون الصيلة المكتوبية‪ .‬ابين مسيعود‪ :‬الذيين يصيلونها لوقتهيا‪ ،‬فأميا تركهيا فكفير‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬هيم الصيحابة‪ .‬وقييل‪ :‬هيم المؤمنون عامية‪ ،‬فإنهيم يغلبون فرط الجزع بثقتهيم بربهيم ويقينهيم‪.‬‬
‫"الذين هم على صلتهم دائمون" أي على مواقيتها‪ .‬وقال عقبة بن عامر‪ :‬هم الذين إذا صلوا لم‬
‫يلتفتوا يمينيا ول شمال‪ .‬والدائم السياكن‪ ،‬ومنيه‪ :‬نهيي عين البول فيي الماء الدائم‪ ،‬أي السياكن‪ .‬وقال‬
‫ابين جرييج والحسين‪ :‬هيم الذيين يكثرون فعيل التطوع منهيا‪" .‬والذيين فيي أموالهيم حيق معلوم" يرييد‬
‫الزكاة المفروضية‪ ،‬قاله قتادة وابين سييرين‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬سيوى الزكاة‪ .‬وقال علي بين أبيي طلحية‬
‫عن ابن عباس‪ :‬صلة رحم وحمل كل‪ .‬والول أصح؛ لنه وصف الحق بأنه معلوم‪ ،‬وسوى الزكاة‬
‫ليييس بمعلوم‪ ،‬إنمييا هييو على قدر الحاجيية‪ ،‬وذلك يقييل ويكثيير‪ " .‬للسييائل والمحروم" " تقدم فييي‬
‫"الذاريات"‪" .‬والذين يصدقون بيوم الدين" أي بيوم الجزاء وهو يوم القيامة‪ .‬وقد مضى في سورة‬
‫"الفاتحية" القول فييه‪" .‬والذيين هيم مين عذاب ربهيم مشفقون" أي خائفون‪" .‬إن عذاب ربهيم غيير‬
‫مأمون" قال ابن عباس‪ :‬لمن أشرك أو كذب أنبياءه‪ .‬وقيل‪ :‬ل يأمنه أحد‪ ،‬بل الواجب على كل أحد‬
‫أن يخافه ويشفق منه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 35 - 29 :‬والذيين هيم لفروجهيم حافظون‪ ،‬إل على أزواجهيم أو ميا ملكيت أيمانهيم‬
‫فإنهييم غييير ملومييين‪ ،‬فميين ابتغييى وراء ذلك فأولئك هييم العادون‪ ،‬والذييين هييم لماناتهييم وعهدهييم‬
‫راعون‪ ،‬والذييين هييم بشهاداتهييم قائمون‪ ،‬والذييين هييم على صييلتهم يحافظون‪ ،‬أولئك فييي جنات‬
‫مكرمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذين هم لفروجهم حافظون‪ ،‬إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير‬
‫ملومييين‪ ،‬فميين ابتغييى وراء ذلك فأولئك هييم العادون" " تقدم القول فيييه‪" .‬والذييين هييم لماناتهييم‬
‫وعهدهم راعون" " تقدم‪" .‬والذين هم بشهاداتهم قائمون" على من كانت عليه من قريب أو بعيد‪،‬‬
‫يقومون بهيا عنيد الحاكيم ول يكتمونهيا ول يغيرونهيا‪ .‬وقيد مضيى القول فيي الشهادة وأحكامهيا فيي‬
‫سيييورة "البقرة"‪ .‬وقال ابييين عباس‪" :‬بشهاداتهيييم" أن ال واحيييد ل شرييييك له وأن محمدا عبده‬
‫ورسييوله‪ .‬وقرئ "لمانتهييم" على التوحييد‪ .‬وهييي قراءة ابين كثييير وابيين محيصيين‪ .‬فالمانيية اسييم‬
‫جنيس‪ ،‬فيدخيل فيهيا أمانات الديين‪ ،‬فإن الشرائع أمانات ائتمين ال عليهيا عباده‪ .‬ويدخيل فيهيا أمانات‬
‫الناس من الودائع؛ وقد مضى هذا كله مستوفى في سورة "النساء"‪ .‬وقرأ عباس الدوري عن أبي‬
‫عمرو ويعقوب "بشهاداتهيم" جمعيا‪ .‬الباقون "بشهادتهيم" على التوحييد‪ ،‬لنهيا تؤدي عين الجميع‪.‬‬
‫والمصيدر قيد يفرد وإن أضييف إلى جميع‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬إن أنكير الصيوات لصيوت الحميير"‪.‬‬
‫[لقمان‪ ]19 :‬وقال الفراء‪ :‬ويدل على أنها "بشهادتهم" توحيدا قوله تعالى‪" :‬وأقيموا الشهادة ل"‬
‫[الطلق‪.]2 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذييين هييم على صييلتهم يحافظون" قال قتادة‪ :‬على وضوئهييا وركوعهييا‬
‫وسجودها‪ .‬وقال ابن جريج‪ :‬التطوع‪ .‬وقد مضى في سورة "المؤمنون"‪ .‬فالدوام خلف المحافظة‪.‬‬
‫فدوامهييم عليهييا أن يحافظوا على أدائهييا ل يخلون بهييا ول يشتغلون عنهييا بشيييء ميين الشواغييل‪،‬‬
‫ومحافظتهيم عليهيا أن يراعوا إسيباغ الوضوء لهيا ومواقيتهيا‪ ،‬ويقيموا أركانهيا‪ ،‬ويكملوهيا بسيننها‬
‫وآدابها‪ ،‬ويجفظوها من الحباط باقتراب المأثم‪ .‬فالدوام يرجع إلى نفس الصلوات والمحافظة إلى‬
‫أحوالها‪" .‬أولئك في جنات مكرمون" أي أكرمهم ال فيها بأنواع الكرامات‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 - 36 :‬فمال الذين كفروا قبلك مهطعين‪ ،‬عن اليمين وعن الشمال عزين‪ ،‬أيطمع‬
‫كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم‪ ،‬كل إنا خلقناهم مما يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمال الذين كفروا قبلك مهطعين" قال الخفش‪ :‬مسرعين‪ .‬قال‪:‬‬
‫مهطعين إلى السماع‬ ‫بمكة أهلها ولقد أراهم إليه‬
‫والمعنيى‪ :‬ميا بالهيم يسيرعون إلييك ويجلسيون حوالييك ول يعملون بميا تأمرهيم‪ .‬وقييل‪ :‬أي ميا بالهيم‬
‫مسييرعين فييي التكذيييب لك‪ .‬وقيييل‪ :‬أي مييا بال الذييين كفروا يسييرعون إلى السييماع منييك ليعيبوك‬
‫ويسييتهزؤوا بييك‪ .‬وقال عطييية‪ :‬مهطعييين‪ :‬معرضييين‪ .‬الكلبييي‪ :‬ناظرييين إليييك تعجبييا‪ .‬وقال قتادة‪:‬‬
‫عامدين‪ .‬والمعنى متقارب؛ أي ما بالهم مسرعين عليك‪ ،‬مادين أعناقهم‪ ،‬مدمني النظر إليك‪ .‬وذلك‬
‫ميين نظيير العدو‪ .‬وهييو منصييوب على الحال‪ .‬نزلت فييي جمييع ميين المنافقييين المسييتهزئين‪ ،‬كانوا‬
‫يحضرونه ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬ول يؤمنون به‪ .‬و"قبلك" أي نحوك‪" .‬عن اليمين وعن الشمال عزين"‬
‫أي عين يميين النيبي صيلى ال علييه وسيلم وشماله حلقيا حلقيا وجماعات‪ .‬والعزيين‪ :‬جماعات فيي‬
‫تفرقة‪ ،‬قاله أبو عبيدة‪ .‬ومنه حديث النبي صلى ال عليه وسلم أنه خرج على أصحابه فرأهم حلقا‬
‫فقال‪( :‬مالي أراكم عزين أل تصفون كما تصف الملئكة عند ربها ‪ -‬قالوا‪ :‬وكيف تصف الملئكة‬
‫عنييد ربهييا؟ قال‪ :‬يتمون الصييفوف الول ويتراصييون فييي الصييف) خرجييه مسييلم وغيره‪ .‬وقال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫على أبوابه حلقا عزينا‬ ‫ترانا عنده والليل داج‬
‫أي متفرقين‪ .‬وقال الراعي‪:‬‬
‫أمسى سراتهم إليك عزينا‬ ‫أخليفة الرحمن إن عشيرتي‬
‫أي متفرقين‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫خناطيل يهوين شتى عزينا‬ ‫كأن الجماجم من وقعها‬
‫أي متفرقين‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫ضرحن حصاه أشتاتا عزينا‬ ‫خ‬
‫فلما أن أتين على أُضا ٍ‬
‫وقال الكميت‪:‬‬
‫كتائب جندل شتى عزينا‬ ‫ونحن وجندل باغ تركنا‬
‫وقال عنترة‪:‬‬
‫عليه الطير كالعصب العزين‬ ‫وقرن قد تركت لذي ولي‬
‫وواحييد عزييين عزة‪ ،‬جمييع بالواو والنون ليكون ذلك عوضييا ممييا حذف منهييا‪ .‬وأصييلها عزهيية‪،‬‬
‫فاعتلت كما اعتلت سنة فيمن جعل أصلها سنهة‪ .‬وقيل‪ :‬أصلها عزوة‪ ،‬من عزاه يعزوه إذا أضافه‬
‫إلى غيره‪ .‬فكيل واحيد مين الجماعات مضافية إلى الخرى‪ ،‬والمحذوف منهيا الواو‪ .‬وفيي الصيحاح‪:‬‬
‫"والعزة الفرقة من الناس‪ ،‬والهاء عوض من الياء‪ ،‬والجمع عزى ‪ -‬على فعل ‪ -‬وعزون وعزون‬
‫أيضيييا بالضيييم‪ ،‬ولم يقولوا عزات كميييا قالوا ثبات"‪ .‬قال الصيييمعي‪ :‬يقال فيييي الدار عزون‪ ،‬أي‬
‫أصيناف مين الناس‪ .‬و"عين اليميين وعين الشمال" متعلق "بمهطعيين" ويجوز أن يتعلق "بعزيين"‬
‫على حد قولك‪ :‬أخذته عن زيد‪" .‬أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعييم" قال المفسرون‪ :‬كان‬
‫المشركون يجتمعون حول النيبي صيلى ال علييه وسيلم ويسيتمعون كلميه فيكذبونيه ويكذبون علييه‪،‬‬
‫ويسييتهزئون بأصييحابه ويقولون‪ :‬لئن دخييل هؤلء الجنيية لندخلنهييا قبلهييم‪ ،‬ولئن أعطوا منهييا شيئا‬
‫لنعطيين أكثير منيه؛ فنزلت‪" :‬أيطعيم" اليية‪ .‬وقييل‪ :‬كان المسيتهزئون خمسية أرهيط‪ .‬وقرأ الحسين‬
‫طلحة بن مصرف والعرج "أن يدخل" بفتح الياء وضم الخاء مسمى الفاعل‪ .‬ورواه المفضل عن‬
‫عاصم‪ .‬الباقون "أن يدخل" على الفعل المجهول‪" .‬كل" ل يدخلونها‪" .‬إنا خلقناهم مما يعلمون" ثم‬
‫ابتدأ فقال‪" :‬إنا خلقناهم مما يعلمون" أي إنهم يعلمون أنهم مخلوقون من نطفة ثم من علقة ثم من‬
‫مضغية؛ كميا خلق سيائر جنسيهم‪ .‬فلييس لهيم فضيل يسيتوجبون بيه الجنية‪ ،‬وإنميا تسيتوجب باليمان‬
‫والعميل الصيالح ورحميية ال تعالى‪ .‬وقييل‪ :‬كانوا يسييتهزئون بفقراء المسيلمين ويتكيبرون عليهيم‪.‬‬
‫فقال‪" :‬إنا خلقناهم مما يعلمون" من القذر‪ ،‬فل يليق بهم هذا التكبر‪ .‬وقال قتادة في هذه الية‪ :‬إنما‬
‫خلقيت ييا ابين آدم مين قذر فاتيق ال‪ .‬وروي أن مطرف بين عبدال بين الشخيير رأى المهلب بين أبيي‬
‫صفرة يتبختر في مطرف خز وجبة خز فقال له‪ :‬يا عبدال‪ ،‬ما هذه المشية التي يبغضها ال؟ فقال‬
‫له‪ :‬أتعرفنيي؟ قال نعيم‪ ،‬أولك نطفية مذرة‪ ،‬وآخرك جيفية قذرة‪ ،‬وأنيت فيميا بيين ذلك تحميل العذرة‪.‬‬
‫فمضى المهلب وترك مشيته‪ .‬نظم الكلم محمود الوراق فقال‪:‬‬
‫وكان في الصل نطفة مذره‬ ‫عجبت من معجب بصورته‬
‫يصير في اللحد جيفة قذره‬ ‫وهو غدا بعد حسن صورته‬
‫ما بين ثوبيه يحمل العذره‬ ‫وهو على تيهه ونخوته‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫وهو بخمس من الوساخ مضروب‬ ‫هل في ابن آدم غير الرأس مكرمة‬
‫والعين ُم ْرمَصة والثغر ملهوب‬ ‫سهِك‬‫أنف يسيل وأذن ريحها َ‬
‫قصر فإنك مأكول ومشروب‬ ‫يا ابن التراب ومأكول التراب غدا‬
‫وقيييل‪ :‬معناه ميين أجييل مييا يعلمون؛ وهييو الميير والنهييي والثواب والعقاب‪ .‬كقول الشاعيير وهييو‬
‫العشى‪:‬‬
‫وشطت على ذي هوى أن تزارا‬ ‫أأزمعت من آل ليلى ابتكارا‬
‫أي من أجل ليلى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 41 - 40 :‬فل أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون‪ ،‬على أن نبدل خيرا منهم‬
‫وما نحن بمسبوقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل أقسيم" أي أقسيم‪ .‬و"ل" صيلة‪" .‬برب المشارق والمغارب" هيي مشارق‬
‫الشميس ومغاربهيا‪ .‬وقيد مضيى الكلم فيهيا‪ .‬وقرأ أبيو حيوة وابين محيصين وحمييد "برب المشرق‬
‫والمغرب" على التوحييييد‪" .‬إنيييا لقادرون‪ .‬على أن نبدل خيرا منهيييم" يقول‪ :‬نقدر على إهلكهيييم‬
‫والذهاب بهم والمجيء بخير منهم في الفضل والطوع والمال‪" .‬وما نحن بمسبوقين" أي ل يفوتنا‬
‫شيء ول يعجزنا أمر نريده‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 42 :‬فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون}‬
‫@ أي اتركهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم؛ على جهة الوعيد‪ .‬واشتغل أنت بما أمرت‬
‫به ول يعظمن عليك شركهم؛ فإن لهم يوما يلقون فيه ما وعدوا‪ .‬وقرأ ابن محيصن ومجاهد وحميد‬
‫"حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون"‪ .‬وهذه الية منسوخة بآية السيف‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 43 :‬يوم يخرجون من الجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم يخرجون مين الجداث سيراعا كأنهيم إلى نصيب" "يوم" بدل مين "يومهيم"‬
‫الذي قبله‪ ،‬وقراءة العامة "يخرجون" بفتح الياء وضم الراء على أنه مسمى الفاعل‪ .‬وقرأ السلمي‬
‫والمغيرة والعشيييى عييين عاصيييم "يخرجون" بضيييم الياء وفتيييح الراء على الفعيييل المجهول‪.‬‬
‫والجداث‪ :‬القبور؛ وأحدها جدث‪ .‬وقد مضى في سورة "يس"‪" .‬سراعا" حين يسمعون الصيحة‬
‫الخرة إلى إجابة الداعي؛ وهو نصب على الحال "كأنهم إلى نصب يوفضون" قراءة العامة بفتح‬
‫النون وجزم الصياد‪ .‬وقرأ ابين عامير وحفيص بضيم النون والصياد‪ .‬وقرأ عمرو بين ميمون وأبيو‬
‫رجاء وغيرهميا بضيم النون وإسيكان الصياد‪ .‬والنصيب والنصيب لغتان مثيل الضعيف‪ ،‬والضعيف‪.‬‬
‫الجوهري‪ :‬والنصب ما نصب فعبد من دون ال‪ ،‬وكذلك النصب بالضم؛ وقد يحرك‪ .‬قال العشى‪:‬‬
‫لعافية وال ربك فاعبدا‬ ‫وذا النصب المنصوب ل تنسكنه‬
‫أراد "فأعبدن" فوقيف باللف؛ كميا تقول‪ :‬رأييت زيدا‪ .‬والجميع النصياب‪ .‬وقوله‪" :‬وذا النصيب"‬
‫بمعنيى إياك وذا النصيب‪ .‬والنصيب الشير والبلء؛ ومنيه قوله تعالى‪" :‬أنيي مسيني الشيطان بنصيب‬
‫وعذاب" [ص‪ .]41 :‬وقال الخفش والفراء‪ :‬النصب جمع النصب مثل رهن ورهن‪ ،‬والنصاب‬
‫جمع نصب؛ فهو جمع الجمع‪ .‬وقيل‪ :‬النصب والنصاب واحد‪ .‬وقيل‪ :‬النصب جمع نصياب‪ ،‬هو‬
‫حجير أو صينم يذبيح علييه؛ ومنيه قوله تعالى‪" :‬وميا ذبيح على النصيب" [المائدة‪ .]3 :‬وقيد قييل‪:‬‬
‫نصيب ونصيب ونصيب معنيى واحيد؛ كميا قييل عمير وعمير وعمير‪ .‬ذكره النحاس‪ .‬قال ابين عباس‪:‬‬
‫"إلى نصب" إلى غاية‪ ،‬وهي التي تنصب إليها بصرك‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬إلى شيء منصوب؛ علم أو‬
‫راية‪ .‬وقال الحسن‪ :‬كانوا يبتدرون إذا طلعت الشمس إلى نصبهم التي كانوا يعبدونها من دون ال‬
‫ل يلوي أولهم على آخرهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوفضون" يسرعون واليفاض السراع‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫فوارس ذبيان تحت الحديي يد كالجن يوفضن من عبقر‬
‫عبقر‪ :‬موضع تزعم العرب أنه من أرض الجن‪ .‬قال لبيد‪:‬‬
‫كهول وشبان كجنة عبقر‬
‫وقال اللييث‪ :‬وفضيت البيل تفيض وفضيا؛ وأوفضهيا صياحبها‪ .‬فاليفاض متعيد‪ ،‬والذي فيي اليية‬
‫لزم‪ .‬يقال‪ :‬وفض وأوفض واستوفض بمعنى أسرع‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 44 :‬خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خاشعية أبصيارهم" أي ذليلة خاضعية‪ ،‬ل يرفعونهيا لميا يتوقعونيه مين عذاب ال‪.‬‬
‫"ترهقهيم ذلة" أي يغشاهيم الهوان‪ .‬قال قتادة‪ :‬هيو سيواد الوجوه‪ .‬والرهيق‪ :‬الغشيان؛ ومنيه غلم‬
‫مراهيق إذا غشيي الحتلم‪ .‬رهقيه (بالكسير) يرهقيه رهقيا أي غشييه؛ ومنيه قوله تعالى‪" :‬ول يرهيق‬
‫وجوههم قتر ول ذلة" [يونس‪" .]26 :‬ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون" أي يوعدونه في الدنيا أن‬
‫لهم فيه العذاب‪ .‬وأخرج الخبر بلفظ الماضي لن ما وعد ال به يكون ول محالة‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة نوح‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@ مكية‪ ،‬وهي ثمان وعشرون آية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنا أرسلنا نوحا إلى قومه" قد مضى القول في "العراف" أن نوحا عليه السلم‬
‫أول رسيول أرسيل‪ .‬ورواه قتادة عين ابين عباس عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬أول رسيول‬
‫أرسل نوح وأرسل إلى جميع أهل الرض)‪ .‬فلذلك لما كفروا أغرق ال أهل الرض جميعا‪ .‬وهو‬
‫نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس بن يرد بن مهليل بن أنوش بن قينان بن شيث‬
‫بين آدم علييه السيلم‪ .‬قال وهيب‪ :‬كلهيم مؤمنون‪ .‬أرسيل إلى قوميه وهيو ابين خمسيين سينة‪ .‬وقال ابين‬
‫عباس‪ :‬ابن أربعين سنة‪ .‬وقال عبدال بن شداد‪ :‬بعث وهو ابن ثلثمائة وخمسين سنة‪ .‬وقد مضى‬
‫في سورة "العنكبوت" القول فيه‪ .‬والحمد ل‪" .‬أن أنذر قومك" أي بأن أنذر قومك؛ فموضع "أن"‬
‫نصب بإسقاط الخافض‪ .‬وقيل‪ :‬موضعها جر لقوة خدمتها مع "أن"‪ .‬ويجوز "أن" بمعنى المفسرة‬
‫فل يكون لهيا موضيع مين العراب؛ لن فيي الرسيال معنيى المير‪ ،‬فل حاجية إلى إضمار الباء‪.‬‬
‫وقراءة عبدال "انذر قومك" بغير "أن" بمعنى قلنا له أنذر قومك‪ .‬وقد تقدم معنى النذار في أول‬
‫"البقرة"‪" .‬مين قبيل أن يأتيهيم عذاب ألييم" النار فيي الخرة‪ .‬وقال الكلبيي‪ :‬هيو ميا نزل عليهيم مين‬
‫الطوفان‪ .‬وقييل‪ :‬أي أنذرهم العذاب اللييم على الجملة إن لم يؤمنوا‪ .‬فكان يدعو قومه وينذرهيم فل‬
‫يرى منهيم مجيبيا؛ وكانوا يضربونيه حتيى يغشيى علييه فيقول (رب اغفير لقوميي فإنهيم ل يعلمون)‪.‬‬
‫وقد مضى هذا مستوفى في سورة "العنكبوت" والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 4 - 2 :‬قال يا قوم إني لكم نذير مبين‪ ،‬أن اعبدوا ال واتقوه وأطيعون‪ ،‬يغفر لكم من‬
‫ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل ال إذا جاء ل يؤخر لو كنتم تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال ياقوم إنيي لكيم نذيير" أي مخوف‪" .‬ميبين" أي مظهير لكيم بلسيانكم الذي‬
‫تعرفونيييه‪" .‬أن اعبدوا ال واتقوه" و"أن" المفسيييرة على ميييا تقدم فيييي "أن أنذر"‪" .‬اعبدوا" أي‬
‫وحدوا‪ .‬واتقوا‪ :‬خافوا‪" .‬وأطيعون" أي فيمييا آمركييم بييه‪ ،‬فإنييي رسييول ال إليكييم‪" .‬يغفيير لكييم ميين‬
‫ذنوبكيم" جزم "يغفير" بجواب المير‪ .‬و"مين" صيلة زائدة‪ .‬ومعنيى الكلم يغفير لكيم ذنوبكيم‪ ،‬قاله‬
‫السدي‪ .‬وقيل‪ :‬ل يصح كونها زائدة؛ لن "من" ل تزاد في الواجب‪ ،‬وإنما هي هنا للتبعيض‪ ،‬وهو‬
‫بعض الذنوب‪ ،‬وهو ما ل يتعلق بحقوق المخلوقين‪ .‬وقيل‪ :‬هي لبيان الجنس‪ .‬وفيه بعد‪ ،‬إذ لم يتقدم‬
‫جنس يليق به‪ .‬وقال زيد بن أسلم‪ :‬المعنيى يخرجكم من ذنوبكم‪ .‬ابن شجرة‪ :‬المعنى يغفر لكم من‬
‫ذنوبكيم ميا اسيتغفرتموه منهيا "ويؤخركم إلى أجيل مسيمى" قال ابن عباس‪ :‬أي ينسيئ فيي أعماركيم‪.‬‬
‫ومعناه أن ال تعالى كان قضييى قبييل خلقهييم أنهييم إن آمنوا بارك فييي أعمارهييم‪ ،‬وإن لم يؤمنوا‬
‫عوجلوا بالعذاب‪ .‬وقال مقاتيل‪ :‬يؤخركيم إلى منتهيى آجالكيم فيي عافيية؛ فل يعاقبكيم بالقحيط وغيره‪.‬‬
‫فالمعنييى على هذا يؤخركييم ميين العقوبات (الشدائد إلى آجالكييم‪ .‬وقال‪ :‬الزجاج أي يؤخركييم عيين‬
‫العذاب فتموتوا غير موتة المستأصلين بالعذاب‪ .‬وعلى هذا قيل‪" :‬أجل مسمى" عندكم تعرفونه‪ ،‬ل‬
‫يميتكم غرقا ول حرقا ول قتل؛ ذكره الفراء‪ .‬وعلى القول الول "أجل مسمى" عند ال‪" .‬إن أجل‬
‫ال إذا جاء ل يؤخير" أي إذا جاء الموت ل يؤخير بعذاب كان أو بغيير عذاب‪ .‬وأضاف الجيل إلييه‬
‫سبحانه لنه الذي أثبته‪ .‬وقد يضاف إلى القوم‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬فإذا جاء أجلهم" [النحل‪ ]61 :‬لنه‬
‫مضروب لهيم‪" .‬لو" بمعنيى "إن" أي إن كنتيم تعلمون‪ .‬وقال الحسين‪ :‬معناه لو كنتيم تعلمون لعلمتيم‬
‫أن أجل ال إذا جاءكم لم يؤخر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 - 5 :‬قال رب إني دعوت قومي ليل ونهارا‪ ،‬فلم يزدهم دعائي إل فرارا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال رب إنيي دعوت قوميي ليل ونهارا" أي سيرا وجهرا‪ .‬وقييل‪ :‬أي واصيلت‬
‫الدعاء‪" .‬فلم يزدهيييم دعائي إل فرارا" أي تباعدا مييين اليمان‪ .‬وقراءة العامييية بفتيييح الياء مييين‬
‫"دعائي" وأسكنها الكوفيون ويعقوب والدوري عن أبي عمرو‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 7 :‬وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا‬
‫واستكبروا استكبارا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإني كلما دعوتهم" أي إلى سبب المغفرة‪ ،‬وهي اليمان بك والطاعة لك‪" .‬جعلوا‬
‫أصيابعهم فيي آذانهيم" لئل يسيمعوا دعائي "واسيتغشوا ثيابهيم" أي غطوا بهيا وجوههيم لئل يروه‪.‬‬
‫وقال ابين عباس‪ :‬جعلوا ثيابهيم على رؤوسيهم لئل يسيمعوا كلميه‪ .‬فاسيتغشاء الثياب إذا زيادة فيي‬
‫سد الذان حتى ل يسمعوا‪ ،‬أو لتنكيرهم أنفسهم حتى يسكت أو ليعرفوه إعراضهم عنه‪ .‬وقيل‪ :‬هو‬
‫كنايييية عييين العداوة‪ .‬يقال‪ :‬لبيييس لي فلن ثياب العداوة‪" .‬وأصيييروا" أي على الكفييير فلم يتوبوا‪.‬‬
‫"واسيتكبروا" عين قبول الحيق؛ لنهيم قالوا‪" :‬أنؤمين لك واتبعيك الرذلون" [الشعراء‪.]111 :‬‬
‫"استكبارا" تفخيم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 - 8 :‬ثم إني دعوتهم جهارا‪ ،‬ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم إني دعوتهم جهارا" أي مظهرا لهم الدعوة‪ .‬وهو منصوب "بدعوتهم" نصب‬
‫المصيدر؛ لن الدعاء أحيد نوعييه الجهار‪ ،‬فنصيب بيه نصيب القرفصياء بقعيد؛ لكونهيا أحيد أنواع‬
‫القعود‪ ،‬أو لنيه أراد "بدعوتهيم" جاهرتهيم‪ .‬ويجوز أن يكون صيفة لمصيدر دعيا؛ أي دعاء جهارا؛‬
‫أي مجاهرا بييه‪ .‬ويكون مصييدرا فييي موضييع الحال؛ أي دعوتهييم مجاهرا لهييم بالدعوة‪" .‬ثييم إنييي‬
‫أعلنييت لهييم وأسييررت لهييم إسييرارا" أي لم أبييق مجهودا‪ .‬وقال مجاهييد‪ :‬معنييى أعلنييت‪ :‬صييحت‪،‬‬
‫"وأسررت لهم إسرارا"‪ .‬بالدعاء عن بعضهم من بعض‪ .‬وقيل‪" :‬أسررت لهم" أتيتهم في منازلهم‪.‬‬
‫وكل هذا من نوح عليه السلم مبالغة في الدعاء لهم‪ ،‬وتلطف في الستدعاء‪ .‬وفتح الياء من "إني‬
‫أعلنت لهم" الحرميون وأبو عمرو‪ .‬وأسكن الباقون‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 10 :‬فقلت اسيتغفروا ربكيم إنيه كان غفارا‪ ،‬يرسيل السيماء عليكيم مدرارا‪ ،‬ويمددكيم‬
‫بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقلت اسيتغفروا ربكيم" أي سيلوه المغفرة مين ذنوبكيم السيالفة بإخلص اليمان‪.‬‬
‫"إنه كان غفارا" وهذا منه ترغيب في التوبة‪ .‬وقد روى حذيفة بن اليمان عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم أنه قال‪( :‬الستغفار ممحاة للذنوب)‪ .‬وقال الفضيل‪ :‬يقول العبد أستغفر ال؛ وتفسيرها أقلني‪.‬‬
‫"يرسيل السيماء عليكيم مدرارا" أي يرسيل ماء السيماء؛ ففييه إضمار‪ .‬وقييل‪ :‬السيماء المطير؛ أي‬
‫يرسل المطر‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫رعيناه وإن كانوا غضابا‬ ‫إذا سقط السماء بأرض قوم‬
‫و"مدرارا" ذا غيث كثير‪ .‬وجزم "يرسل" جوابا للمر‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬لما كذبوا نوحا زمانا طويل‬
‫حبيس ال عنهيم المطير‪ ،‬وأعقيم أرحام نسيائهم أربعيين سينة؛ فهلكيت مواشيهيم وزروعهيم‪ ،‬فصياروا‬
‫إلى نوح علييه السيلم واسيتغاثوا بيه‪ .‬فقال "اسيتغفروا ربكيم إنيه كان غفارا" أي لم يزل كذلك لمين‬
‫أناب إليه‪ .‬ثم قال ترغيبا في اليمان‪" :‬يرسل السماء عليكم مدرارا‪ .‬ويمددكم بأموال وبنين ويجعل‬
‫لهم جنات ويجعل لكم أنهارا"‪ .‬قال قتادة‪ :‬علم نبي ال صلي ال عليه وسلم أنهم أهل حرص على‬
‫الدنيا فقال‪( :‬هلموا إلى طاعة ال فإن في طاعة ال درك الدنيا والخرة)‪.‬‬
‫@ فيي هذه اليية والتيي فيي "هود" دلييل على أن السيتغفار يسيتنزل بيه الرزق والمطار‪ .‬قال‬
‫الشعييبي‪ :‬خرج عميير يسييتسقي فلم يزد على السييتغفار حتييى رجييع‪ ،‬فأمطروا فقالوا‪ :‬مييا رأيناك‬
‫اسيتسقيت؟ فقال‪ :‬لقيد طلبيت المطير بمجادييح السيماء التيي يسيتنزل بهيا المطير؛ ثيم قرأ‪" :‬اسيتغفروا‬
‫ربكيم إنيه كان غفارا‪ .‬يرسيل السيماء عليكيم مدرارا"‪ .‬وقال الوزاعيي‪ :‬خرج الناس يسيتسقون‪ ،‬فقام‬
‫فيهم بلل بن سعد فحميد ال وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪ :‬اللهم إنا سمعناك تقول‪" :‬ما على المحسينين من‬
‫سبيل" التوبة‪ ]91 :‬وقد أقررنا بالساءة‪ ،‬فهل تكون مغفرتك إل لمثلنا؟! اللهم اغفر لنا وأرحمنا‬
‫واسقنا! فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا‪ .‬وقال ابن صبيح‪ :‬شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له‪:‬‬
‫استغفر ال‪ .‬وشكا آخر إليه الفقر فقال له‪ :‬استغفر ال‪ .‬وقال له آخر‪ .‬ادع ال أن يرزقني ولدا؛ فقال‬
‫له‪ :‬استغفر ال‪ .‬وشكا إليه آخر جفاف بستانه؛ فقال له‪ :‬استغفر ال‪ .‬فقلنا له في ذلك؟ فقال‪ :‬ما قلت‬
‫ميين عندي شيئا؛ إن ال تعالى يقول فييي سييورة "نوح"‪" :‬اسييتغفروا ربكييم إنييه كان غفارا‪ .‬يرسييل‬
‫السيماء عليكيم مدرارا‪ .‬ويمددكيم بأموال وبنيين ويجعيل لكيم جنات ويجعيل لكيم أنهارا"‪ .‬وقيد مضيى‬
‫فيي سيورة "آل عمران" كيفيية السيتغفار‪ ،‬وإن ذلك يكون عين إخلص وإقلع مين الذنوب‪ .‬وهيو‬
‫الصل في الجابة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 13 :‬ما لكم ل ترجون ل وقارا‪ ،‬وقد خلقكم أطوارا}‬
‫@ قيل‪ :‬الرجاء هنا بمعنى الخوف؛ أي مالكم ل تخافون ل عظمة وقدرة على أحدكم بالعقوبة‪ .‬أي‬
‫أي عذر لكيم فيي ترك الخوف مين ال‪ .‬وقال سيعيد بين جيبير وأبيو العاليية وعطاء بين أبيي رباح‪ :‬ميا‬
‫لكم ل ترجون ل ثوابا ول تخافون له عقابا‪ .‬وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس‪ :‬مالكم ل تخشون‬
‫ل عقابيا وترجون منيه ثوابيا‪ .‬وقال الوالبيي والعوفيي عنيه‪ :‬مالكيم ل تعلمون ل عظمية‪ .‬وقال ابين‬
‫عباس أيضييا ومجاهييد‪ :‬مالكييم ل ترون ل عظميية‪ .‬وعيين مجاهييد والضحاك‪ :‬مالكييم ل تبالون ل‬
‫عظمة‪ .‬قال قطرب‪ :‬هذه لغة حجازية‪ .‬وهذيل وخزاعة ومضر يقولون‪ :‬لم أرج‪ :‬لم أبال‪ .‬والوقار‪:‬‬
‫العظمة‪ .‬والتوقير‪ :‬التعظيم‪ .‬وقال قتادة‪ :‬مالكم ل ترجون ل عاقبة؛ كأن المعنى مالكم ل ترجون ل‬
‫عاقبية اليمان‪ .‬وقال ابين كيسيان‪ :‬مالكيم ل ترجون فيي عبادة ال وطاعتيه أن يثيبكيم على توقيركيم‬
‫خيرا‪ .‬وقال ابيين زيييد‪ :‬مالكييم ل تؤدون ل طاعيية‪ .‬وقال الحسيين‪ :‬مالكييم ل تعرفون ل حقييا ول‬
‫تشكرون له نعمية‪ .‬وقييل‪ :‬مالكيم ل توحدون ال؛ لن مين عظميه فقيد وحده‪ .‬وقييل‪ :‬إن الوقار الثبات‬
‫ل عيز وجيل؛ ومنيه قوله تعالى‪" :‬وقرن فيي بيوتكين" [الحزاب‪ ]33 :‬أي اثبتين‪ .‬ومعناه مالكيم ل‬
‫تثبتون وحدانيية ال تعالى وأنيه إلهكيم ل إله لكيم سيواه؛ قال ابين بحير‪ .‬ثيم دلهيم على ذلك فقال‪" :‬وقيد‬
‫خلقكيم أطوارا" أي جعيل لكيم فيي أنفسيكم آيية تدل على توحيده‪ .‬قال ابين عباس‪" :‬أطوارا" يعنيي‬
‫نطفية ثيم علقية ثيم مضغية؛ أي طورا بعيد طور إلى تمام الخلق‪ ،‬كميا ذكير فيي سيورة "المؤمنون"‪.‬‬
‫والطور فييي اللغيية‪ :‬المرة؛ أي ميين فعييل هذا وقدر عليييه فهييو أحييق أن تعظموه‪ .‬وقيييل‪" :‬أطوارا"‬
‫صيبيانا‪ ،‬ثيم شبابيا‪ ،‬ثيم شيوخيا وضعفاء‪ ،‬ثيم أقوياء‪ .‬وقييل‪ :‬أطوارا أي أنواعيا‪ :‬صيحيحا وسيقيما‪،‬‬
‫وبصيرا وضريرا‪ ،‬وغنيا وفقيرا‪ .‬وقيل‪ :‬إن "أطوارا" أختلفهم في الخلق والفعال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 16 - 15 :‬ألم تروا كييف خلق ال سيبع سيماوات طباقيا‪ ،‬وجعيل القمير فيهين نورا‬
‫وجعل الشمس سراجا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تروا كيف خلق ال سبع سماوات طباقا" ذكر لهم دليل آخر؛ أي ألم تعلموا أن‬
‫الذي قدر على هذا‪ ،‬فهو الذي يجب أن يعبد ومعنى "طباقا" بعضها فوق بعض‪ ،‬كل سماء مطبقة‬
‫على الخرى كالقباب؛ قاله ابين عباس والسيدي‪ .‬وقال الحسين‪ :‬خلق ال سيبع سيموات طباقيا على‬
‫سيبع أرضيين‪ ،‬بيين كيل أرض وأرض‪ ،‬وسيماء وسيماء خلق وأمير‪ .‬وقوله‪" :‬ألم تروا" على جهية‬
‫الخبار ل المعاينة؛ كما تقول‪ :‬ألم ترني كيف صنعت بفلن كذا‪ .‬وطباقا" نصب على أنه مصدر؛‬
‫أي مطابقية طباقيا‪ .‬أو حال بمعنيى ذات طباق؛ فحذف ذات وأقام طباقيا مقاميه‪" .‬وجعيل القمير فيهين‬
‫نورا" أي فييي سييماء الدنيييا؛ كمييا يقال‪ :‬أتانييي بنييو تميييم وأتيييت بنييي تميييم والمراد بعضهييم؛ قاله‬
‫الخفيش‪ .‬قال ابين كيسيان‪ :‬إذا كان فيي إحداهين فهيو فيهين‪ .‬وقال قطرب‪" :‬فيهين" بمعنيى معهين؛‬
‫وقاله الكلبيي‪ .‬أي خلق الشميس والقمير ميع خلق السيموات والرض‪ .‬وقال جلة أهيل اللغية فيي قول‬
‫امرئ القيس‪:‬‬
‫ثلثين شهرا في ثلثة أحوال‬ ‫وهل ينعمن من كان أخر عهده‬
‫"في" بمعنى مع‪ .‬النحاس‪ :‬وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الية فقال‪ :‬جواب النحويين أنه‬
‫إذا جعله فيي إحداهين فقيد جعله فيهين؛ كميا تقول‪ :‬أعطنيي الثياب المعلمية وإن كنيت إنميا أعلميت‬
‫أحدهييا‪ .‬وجواب آخيير‪ :‬أنييه يروى أن وجييه القميير إلى السييماء‪ ،‬وإذا كان إلى داخلهييا فهييو متصييل‬
‫بالسيييموات‪ ،‬ومعنيييى "نورا" أي لهيييل الرض؛ قاله السيييدي‪ .‬وقال عطاء‪ :‬نورا لهيييل السيييماء‬
‫والرض‪ .‬وقال ابن عباس وابن عمر‪ :‬وجهه يضيء لهل الرض وظهره يضيء لهل السماء‪.‬‬
‫"وجعيل الشميس سيراجا" يعنيي مصيباحا لهيل الرض ليتوصيلوا إلى التصيرف لمعايشهيم‪ .‬وفيي‬
‫إضاءتها لهل السماء القولن الولن حكاه الماوردي‪ .‬وحكى القشيري عن ابن عباس أن الشمس‬
‫وجهها في السموات وقفاها في الرض‪ .‬وقيل‪ :‬على العكس‪ .‬وقيل لعبدال بن عمر‪ :‬ما بال الشمس‬
‫تقلينا أحيانا وتبرد علينا أحيانا؟ فقال‪ :‬إنها في الصيف في السماء الرابعة‪ ،‬وفي الشتاء في السماء‬
‫السابعة عند عرش الرحمن؛ ولو كانت في السماء الدنيا لما قام لها شيء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 - 17 :‬وال أنبتكم من الرض نباتا‪ ،‬ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا}‬
‫@ يعنيي آدم علييه السيلم خلقيه مين أدييم الرض كلهيا؛ قاله ابين جرييج‪ .‬وقيد مضيى فيي سيورة‬
‫"النعام والبقرة" بيان ذلك‪ .‬وقال خالد بن معدان‪ :‬خلق النسيان من طيين؛ فإنميا تليين القلوب فيي‬
‫الشتاء‪ .‬و"نباتا" مصدر على غير المصدر؛ لن مصدره أنبت إنباتا‪ ،‬فجعل السم الذي هو النبات‬
‫في موضع المصدر‪ .‬وقد مضى بيانه في سورة "آل عمران" وغيرها‪ .‬وقيل‪ :‬هو مصدر محمول‬
‫على المعنيى؛ لن معنيى‪" :‬أنبتكيم" جعلكيم تنبتون نباتيا؛ قال الخلييل والزجاج‪ .‬وقييل‪ :‬أي أنبيت لكيم‬
‫ميين الرض النبات‪" .‬فنباتييا" على هذا نصييب على المصييدر الصييريح‪ .‬والول أظهيير‪ .‬وقال ابيين‬
‫جرييج‪ :‬أنبتهيم فيي الرض بالكيبر بعيد الصيغر وبالطول بعيد القصير‪" .‬ثيم يعيدكيم فيهيا" أي عنيد‬
‫موتكم بالدفن‪" .‬ويخرجكم إخراجا" بالنشور للبعث يوم القيامة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 - 19 :‬وال جعل لكم الرض بساطا‪ ،‬لتسلكوا منها سبل فجاجا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال جعل لكم الرض بساطا" أي مبسوطة‪" .‬لتسلكوا منها سبل فجاجا" السبل‪:‬‬
‫الطرق‪ .‬والفجاج جميع فيج‪ ،‬وهيو الطرييق الواسيعة؛ قاله الفراء‪ .‬وقييل‪ :‬الفيج المسيلك بيين الجبليين‪.‬‬
‫وقد مضى في سورتي "النبياء والحج"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إل خسارا}‬
‫@ شكاهم إلى ال تعالى‪ ،‬وأنهم عصوه ولم يتبعوه فيما أمرهم به من اليمان‪ .‬وقال أهل التفسير‪:‬‬
‫لبث فيهم ألف سنة إل خمسين عاما داعيا لهم وهم على كفرهم وعصيانهم‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬رجا‬
‫نوح عليه السلم البناء بعد الباء؛ فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبع قرون‪ ،‬ثم دعا عليهم‬
‫بعيد الياس منهيم‪ ،‬وعاش بعيد الطوفان سيتين عاميا حتيى كثير الناس وفشوا‪ .‬قال الحسين‪ :‬كان قوم‬
‫نوح يزرعون فييي الشهيير مرتييين؛ حكاه الماوردي‪" .‬واتبعوا ميين لم يزده ماله وولده إل خسييارا"‬
‫يعنيي كيبراءهم وأغنياءهيم الذيين لم يزدهيم كفرهيم وأموالهيم وأولدهيم إل ضلل فيي الدنييا وهلكيا‬
‫فييي الخرة‪ .‬وقرأ أهييل المدنييية والشام وعاصييم "وولده" بفتييح الواو واللم‪ .‬الباقون "ولده" بضييم‬
‫الواو وسكون اللم وهي لغة في الولد‪ .‬ويجوز أن يكون جمعا للولد‪ ،‬كالفلك فإنه واحد وجمع‪ .‬وقد‬
‫تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬ومكروا مكرا كبارا}‬
‫@ أي كبيرا عظيما‪ .‬يقال‪ :‬كبير وكبار وكبار‪ ،‬مثل عجيب وعجاب وعجاب بمعنى‪ ،‬ومثله طويل‬
‫وطوال وطوال‪ .‬يقال‪ :‬رجييل حسيين وحسييان‪ ،‬وجميييل وجمال‪ ،‬وقراء للقارئ‪ ،‬ووضاء للوضيييء‪.‬‬
‫وأنشد ابن السكيت‪:‬‬
‫بالحسن قلب المسلم ال ُقرّاء‬ ‫بيضاء تصطاد القلوب وتستبي‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫خلق الكريم وليس بالوضاء‬ ‫والمرء يلحقه بفتيان الندى‬
‫وقال الميبرد‪" :‬كبارا" (بالتشدييد) للمبالغية‪ .‬وقرأ ابين محيصين وحمييد ومجاهيد "كبارا" بالتخفييف‪.‬‬
‫واختلف في مكرهم ما هو؟ فقيل‪ :‬تحريشهم سفلتهم على قتل نوح‪ .‬وقيل‪ :‬هو تعزيرهم الناس بما‬
‫أوتوا من الدنيا والولد؛ حتى قالت الضعفة‪ :‬لول أنهم على الحق لما أوتوا هذه النعم‪ .‬وقال الكلبي‪:‬‬
‫هييو مييا جحلوه ل ميين الصيياحبة والولد‪ .‬وقيييل‪ :‬مكرهييم كفرهييم‪ .‬وقال مقاتييل‪ :‬هييو قول كييبرائهم‬
‫لتباعهم‪" :‬ل تذرن ألهتكم ول تذرن ودا ول سواعا ول يغوث ويعوق ونسرا"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 24 - 23 :‬وقالوا ل تذرن آلهتكيم ول تذرن ودا ول سيواعا ول يغوث ويعوق‬
‫ونسرا‪ ،‬وقد أضلوا كثيرا ول تزد الظالمين إل ضلل}‬
‫@ قال ابن عباس وغيره‪ :‬هي أصنام وصور‪ ،‬كان قوم نوح يعبدونها ثم عبدتها العرب وهذا قول‬
‫الجمهور‪ .‬وقييل‪ :‬إنهيا للعرب لم يعبدهيا غيرهيم‪ .‬وكانيت أكيبر أصينامهم وأعظمهيا عندهيم؛ فلذلك‬
‫خصيييوها بالذكييير بعيييد قوله تعالى‪" :‬ل تذرن آلهتكيييم"‪ .‬ويكون معنيييى الكلم كميييا قال قوم نوح‬
‫لتباعهييم‪" :‬ل تذرن ألهتكييم" قالت العرب لولدهييم وقومهييم‪ :‬ل تذرن ودا ول سييواعا ول يغوث‬
‫ويعوق ونسيرا؛ ثيم عاد بالذكير بعيد ذلك إلى قوم نوح علييه السيلم‪ .‬وعلى القول الول‪ ،‬الكلم كله‬
‫منسييوق فييي قوم نوح‪ .‬وقال عروة بيين الزبييير وغيره‪ :‬اشتكييى آدم عليييه السييلم وعنده بنوه‪ :‬ود‪،‬‬
‫وسواع‪ ،‬ويغوث‪ ،‬ويعوق‪ ،‬ونسر‪ .‬وكان ود أكبرهم وأبرهم به‪ .‬قال محمد بن كعب‪ :‬كان لدم عليه‬
‫السييلم خمييس بنييين‪ :‬ود وسييواع ويغوث ويعوق ونسيير؛ وكانوا عبادا فمات واحييد منهييم فحزنوا‬
‫عليه؛ فقال الشيطان‪ :‬أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه‪ .‬قالوا‪ :‬أفعل‪ .‬فصوره في المسجد‬
‫مين صيفر ورصياص‪ .‬ثيم مات آخير‪ ،‬فصيوره حتيى ماتوا كلهيم فصيورهم‪ .‬وتنقصيت الشياء كميا‬
‫تتنقييص اليوم إلى أن تركوا عبادة ال تعالى بعييد حييين‪ .‬فقال لهييم الشيطان‪ :‬مالكييم ل تعبدون شيئا؟‬
‫قالوا‪ :‬وما نعبد؟ قال‪ :‬آلهتكم وآلهة آبائكم‪ ،‬أل ترون في مصلكم‪ .‬فعبدوها من دون ال؛ حتى بعث‬
‫ال نوحييا فقالوا‪{ :‬ل تذرن آلهتكييم ول تذرن ودا ول سييواعا" الييية‪ .‬وقال محمييد بيين كعييب أيضييا‬
‫ومحمد بن قيس‪ :‬بل كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح‪ ،‬وكان لهم تبع يقتدون بهم‪ ،‬فلما ماتوا زين‬
‫لهيم إبلييس أن يصيوروا صيورهم ليتذكروا بهيا اجتهادهيم‪ ،‬وليتسيلوا بالنظير إليهيا؛ فصيورهم‪ .‬فلميا‬
‫ماتوا هييم وجاء آخرون قالوا‪ :‬ليييت شعرنييا هذه الصييور مييا كان آباؤنييا يصيينعون بهييا؟ فجاءهييم‬
‫الشيطان فقال‪ :‬كان آباؤكيم يعبدونهيا فترحمهيم وتسيقيهم المطير‪ .‬فعبدوهيا فابتدئ عبادة الوثان مين‬
‫ذلك الوقت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وبهذا المعنيى فسير ميا جاء فيي صيحيح مسيلم مين حدييث عائشية‪ :‬أن أم حبيبية وأم سيلمة‬
‫ذكرتيا كنيسية رأينهيا بالحبشية تسيمى ماريية‪ ،‬فيهيا تصياوير لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم؛ فقال‬
‫رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬إن أولئك إذا كان فيهييم الرجييل الصييالح فمات بنوا على قييبره‬
‫مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند ال يوم القيامة)‪ .‬وذكر الثعلبي عن ابن‬
‫عباس قال‪ :‬هذه الصيينام أسييماء رجال صييالحين ميين قوم نوح؛ فلمييا هلكوا أوحييى الشيطان إلى‬
‫قومهيم أن أنصيبوا فيي مجالسيهم التيي كانوا يجلسيون فيهيا أنصيابا وسيموها بأسيمائهم تذكروهيم بهيا؛‬
‫ففعلوا‪ ،‬فلم تعبيد حتيى إذا هلك أولئك ونسيخ العلم عبدت مين دون ال‪ .‬وذكير أيضيا عين ابين عباس‪:‬‬
‫أن نوحيا علييه السيلم‪ ،‬كان يحرس جسيد آدم علييه السيلم على جبيل بالهنيد‪ ،‬فيمنيع الكافريين أن‬
‫يطوفوا بقيبره؛ فقال لهيم الشيطان‪ :‬إن هؤلء يفخرون عليكيم ويزعمون أنهيم بنيو آدم دونكيم‪ ،‬وإنميا‬
‫هييو جسييد‪ ،‬وأنييا أصييور لكييم مثله تطوفون بييه؛ فصييور لهييم هذه الصيينام الخمسيية وحملهييم على‬
‫عبادتهييا‪ .‬فلمييا كان أيام الطوفان دفنهييا الطييين والتراب والماء؛ فلم تزل مدفونيية حتييى أخرجهييا‬
‫الشيطان لمشركييي العرب‪ .‬قال الماوردي‪ :‬فأمييا ود فهييو أول صيينم معبود‪ ،‬سييمي ودا لودهييم له؛‬
‫وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل؛ في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل‪ .‬وفيه يقول شاعرهم‪:‬‬
‫النساء وإن الدين قد عزما‬ ‫حياك ود فإنا ل يحل لنا لهو‬
‫وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر؛ في قولهم‪.‬‬
‫وأميا يغوث فكان لغطييف مين مراد بالجوف مين سيبأ؛ فيي قول قتادة‪ .‬وقال المهدوي‪ .‬لمراد ثيم‬
‫لغطفان‪ .‬الثعلبي‪ :‬وأخذت أعلى وأنعم ‪ -‬وهما من طيء ‪ -‬وأهل جرش من مذحج يغوث فذهبوا به‬
‫إلى مراد فعبدوه زمانا‪ .‬ثم إن بني ناجية أرادوا نزعه من أعلى وأنعم‪ ،‬ففروا به إلى الحصين أخي‬
‫بيين الحارث بيين كعييب ميين خزاعيية‪ .‬وقال أبييو عثمان النهدي‪ :‬رأيييت يغوث وكان ميين رصيياص‪،‬‬
‫وكانوا يحملونيه على جميل أحرد‪ ،‬ويسييرون معيه ول يهيجونيه حتيى يكون هيو الذي ييبرك‪ ،‬فإذا‬
‫برك نزلوا وقالوا‪ :‬قد رضي لكم المنزل؛ فيضربون عليه بناء ينزلون حوله‪.‬‬
‫وأما يعوق فكان لهمدان ببلخع؛ في قول عكرمة وقتادة وعطاء‪ .‬ذكره الماوردي‪ .‬وقال الثعلبي‪:‬‬
‫وأميا يعوق فكان لكهلن مين سيبأ‪ ،‬ثيم توارثيه بنوه؛ الكيبر فالكيبر حتيى صيار إلى همدان‪ .‬وفييه‬
‫يقول مالك بن نمط الهمداني‪:‬‬
‫ول يبري يعوق ول يريش‬ ‫يريش ال في الدنيا ويبري‬
‫وأما نسر فكان لذي الكلع من حمير؛ في قول قتادة‪ ،‬ونحوه عن مقاتل‪ .‬وقال الواقدي‪ :‬كان ود‬
‫على صيورة رجيل‪ ،‬وسيواع على صيورة امرأة‪ ،‬ويغوث على صيورة أسيد‪ ،‬ويعوق على صيورة‬
‫فرس‪ ،‬ونسيير على صييورة نسيير ميين الطييير؛ فال أعلم‪ .‬وقرأ نافييع "ول تذرن ودا" بضييم الواو‪.‬‬
‫وفتحها الباقون‪ .‬قال الليث‪ :‬ود (بفتح الواو) صنم كان لقوم نوح‪ .‬وود (بالضم) صنم لقريش؛ وبه‬
‫سيمي عمرو بين ود‪ .‬وفيي الصيحاح‪ :‬والود (بالفتيح) الوتيد فيي لغية أهيل‪ ،‬نجيد؛ كأنهيم سيكنوا التاء‬
‫وأدغموها في الدال‪ .‬والود في قول امرئ القيس‪:‬‬
‫وتواريه إذا ما تعتكر‬ ‫تظهر الود إذا ما أشجذت‬
‫قال ابين درييد‪ :‬هيو اسيم جبيل‪ :‬وود صينم كان لقوم نوح علييه السيلم ثيم صيار لكلب وكان بدومية‬
‫الجندل؛ ومنيه سيموه عبيد ود وقال‪" :‬ل تذرن آلهتكيم" ثيم قال‪" :‬ول تذرون ودا ول سيواعا" اليية‪.‬‬
‫خصييها بالذكيير؛ لقوله تعالى‪" :‬وإذ أخذنيا مين النييبيين ميثاقهيم ومنيك ومين نوح" [الحزاب‪.]7 :‬‬
‫"وقيد أضلوا كثيرا" هذا مين قول نوح؛ أي أضيل كيبراؤهم كثيرا مين أتباعهيم؛ فهيو عطيف على‬
‫قوله‪" :‬ومكروا مكرا كبارا"‪ .‬وقيل‪ :‬إن الصنام "أضلوا كثيرا" أي ضل بسببها كثير؛ نظيره قول‬
‫إبراهييم‪" :‬رب إنهين أضللن كثيرا مين الناس" [إبراهييم‪ ]36 :‬فأجرى عليهيم وصيف ميا يعقيل؛‬
‫لعتقاد الكفار فيهيم ذلك‪" .‬ول تزد الظالميين إل ضلل" أي عذابيا؛ قاله ابين بحير‪ .‬واسيتشهد بقوله‬
‫تعالى‪" :‬إن المجرميين فيي ضلل وسيعر" [القمير‪ .]47 :‬وقييل إل خسيرانا‪ .‬وقييل إل فتنية بالمال‬
‫والولد‪ .‬وهو محتمل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 :‬مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون ال أنصارا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مميا خطيئاتهيم أغرقوا" "ميا" صيلة مؤكدة؛ والمعنيى مين خطاياهيم وقال الفراء‪:‬‬
‫المعنيى مين أجيل خطاياهيم؛ فأدت "ميا" هذا المعنيى‪ .‬قال‪ :‬و"ميا" تدل على المجازاة‪ .‬وقراءة أبيي‬
‫عمرو "خطاياهييم" على جمييع التكسييير؛ الواحدة خطييية‪ .‬وكان الصييل فييي الجمييع خطائي على‬
‫فعائل؛ فلميا اجتمعيت الهمزتان قلبيت الثانيية ياء‪ ،‬لن قبلهيا كسيرة ثيم اسيتثقلت والجميع ثقييل‪ ،‬وهيو‬
‫معتل مع ذلك؛ فقلبت الياء ألفا ثم قلبت الهمزة الولى ياء لخفائها بين اللفين‪ .‬الباقون "خطيئاتهم"‬
‫على جمع السلمة‪ .‬قال أبو عمرو‪ :‬قوم كفروا ألف سنة فلم يكن لهم إل خطيات؛ يريد أن الخطايا‬
‫أكثيير ميين الخطيات‪ .‬وقال قوم‪ :‬خطايييا وخطيات واحييد؛ جمعان مسييتعملن فييي الكثرة والقلة؛‬
‫واستدلوا بقوله تعالى‪" :‬ما نفدت كلمات ال" [لقمان‪ ]27 :‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫وأسيافنا يقطرن من نجدة دما‬ ‫لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى‬
‫وقرئ "خطيئاتهييم" و"خطياتهييم" بقلب الهمزة ياء وإدغامهييا‪ .‬وعيين الجحدري وعمرو بيين عبيييد‬
‫والعميش وأبيي حيوة وأشهيب العقيلي "خطيئتهيم" على التوحييد‪ ،‬والمراد الشرك‪" .‬فأدخلوا نارا"‬
‫أي بعيد إغراقهيم‪ .‬قال القشيري‪ :‬وهذا يدل على عذاب القيبر‪ .‬ومنكروه يقولون‪ :‬صياروا مسيتحقين‬
‫دخول النار‪ ،‬أو عرض عليهييم أماكنهييم ميين النار؛ كمييا قال تعالى‪" :‬النار يعرضون عليهييا غدوا‬
‫وعشيا" [غافر‪ .]46 :‬وقيل‪ :‬أشاروا إلى ما في الخبر من قوله‪( :‬البحر نار في نار)‪ .‬وروى أبو‬
‫روق عين الضحاك فيي قوله تعالى‪" :‬أغرقوا فأدخلوا نارا" قال‪ :‬يعنيي عذبوا بالنار فيي الدنييا ميع‬
‫الغرق فيي الدنييا فيي حالة واحدة؛ كانوا يغرقون فيي جانيب ويحترقون فيي الماء مين جانيب‪ .‬ذكره‬
‫الثعلبيي قال‪ :‬أنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال أنشدنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح قال أنشدنيي‬
‫أبو بكر بن النباري‪:‬‬
‫والحادثات فنون ذات أطوار‬ ‫الخلق مجتمع طورا ومفترق‬
‫فال يجمع بين الماء والنار‬ ‫ل تعجبن لضداد إن اجتمعت‬
‫"فلم يجدوا لهم من دون ال أنصارا" أي من يدفع عنهم العذاب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 - 26 :‬وقال نوح رب ل تذر على الرض من الكافرين ديارا‪ ،‬إنك إن تذرهم‬
‫يضلوا عبادك ول يلدوا إل فاجرا كفارا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال نوح رب ل تذر على الرض مين الكافريين" دعيا عليهيم حيين يئس مين‬
‫أتباعهم إياه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬دعا عليهم بعد أن أوحى ال إليه‪" :‬أنه لن يؤمن من قومك إل من قد آمن"‬
‫[هود‪ ]36 :‬فأجاب ال دعوته وأغرق أمته؛ وهذا كقول النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬اللهم منزل‬
‫الكتاب سيريع الحسياب وهازم الحزاب أهزمهيم وزلزلهيم)‪ .‬وقييل‪ :‬سيبب دعائه أن رجل مين قومه‬
‫حمل ولدا صغيرا على كتفه فمر بنوح فقال‪( :‬احذر هذا فإنه يضلك)‪ .‬فقال‪ :‬يا أبت أنزلني؛ فأنزله‬
‫فرماه فشجه؛ فحينئذ غضب ودعا عليهم‪ .‬وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع وعطية وابن زيد‪:‬‬
‫إنمييا قال هذا حينمييا أخرج ال كييل مؤميين ميين أصييلبهم وأرحام نسييائهم‪ .‬وأعقييم أرحام النسيياء‬
‫وأصيلب الرجال قبيل العذاب بسيبعين سينة‪ .‬وقييل‪ :‬بأربعيين‪ .‬قال قتادة‪ :‬ولم يكين فيهيم صيبي وقيت‬
‫العذاب‪ .‬وقال الحسين وأبيو العاليية‪ :‬لو أهلك ال أطفالهيم معهيم كان عذابيا مين ال لهيم وعدل فيهيم؛‬
‫ولكين ال أهلك أطفالهيم وذريتهيم بغيير عذاب‪ ،‬ثيم أهلكهيم بالعذاب؛ بدلييل قوله تعالى‪" :‬وقوم نوح‬
‫لما كذبوا الرسل أغرقناهم" [الفرقان‪.]37 :‬‬
‫@ قال ابن العربي‪" :‬دعا نوح على الكافرين أجمعين‪ ،‬ودعا النبي صلى ال عليه وسلم على من‬
‫تحزب على المؤمنييين وألب عليهييم‪ .‬وكان هذا أصييل فييي الدعاء على الكافرييين فييي الجملة‪ ،‬فأمييا‬
‫كافير معيين لم تعلم خاتمتيه فل يدعيى علييه؛ لن مآله عندنيا مجهول‪ ،‬وربميا كان عنيد ال معلوم‬
‫الخاتمة بالسعادة‪ .‬وإنما خص النبي صلى ال عليه وسلم بالدعاء عتبة وشيبة وأصحابهما؛ لعلمه‬
‫بمآلهم وما كشف له من الغطاء عن حالهم‪ .‬وال أعلم"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد مضت هذه المسألة مجودة في سورة "البقرة" والحمد ل‪ .‬الثالثة‪ :‬قال ابن العربي‪" :‬إن‬
‫قييل لم جعيل نوح دعوتيه على قوميه سيببا لتوقفيه عين طلب الشفاعية للخلق مين ال فيي الخرة؟ قلنيا‬
‫قال الناس في ذلك وجهان‪ :‬أحدهما‪ :‬أن تلك الدعوة نشأت عن غضب وقسوة؛ والشفاعة تكون عن‬
‫رضا ورقة‪ ،‬فخاف أن يعاتب ويقال‪ :‬دعوت على الكفار بالمس وتشفع لهم اليوم‪ .‬الثاني‪ :‬أنه دعا‬
‫غضبيا بغيير نيص ول إذن صيريح فيي ذلك؛ فخاف الدرك فييه يوم القيامية؛ كميا قال موسيى علييه‬
‫السلم‪( :‬إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها)‪ .‬قال‪ :‬وبهذا أقول"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإن كان لم يؤمير بالدعاء نصيا فقيد قييل له‪" :‬أنيه لن يؤمين مين قوميك إل مين قيد آمين"‬
‫[هود‪ .]36 :‬فأعلم عواقبهيم فدعيا عليهيم بالهلك؛ كميا دعيا نبينيا صيلي ال علييه وسيلم على شيبية‬
‫وعتبيية ونظرائهييم فقال‪( :‬اللهييم عليييك بهييم) لمييا أعلم عواقبهييم؛ وعلى هذا يكون فيييه معنييى الم‬
‫بالدعاء‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ديارا" أي من يسكن الديار؛ قاله السدي‪ .‬وأصله ديوار على فيعال من دار يدور؛‬
‫فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الخرى‪ .‬مثل القيام؛ أصله قيوام‪ .‬ولو كان فعال لكان دوارا‪.‬‬
‫وقال القتبي‪ :‬أصله من الدار؛ أي نازل بالدار‪ .‬يقال‪ :‬ما بالدار ديار؛ أي أحد‪ .‬وقيل‪ :‬الديار صاحب‬
‫الدار‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 28 :‬رب اغفير لي ولوالدي ولمين دخيل بيتيي مؤمنيا وللمؤمنيين والمؤمنات ول تزد‬
‫الظالمين إل تبارا}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬رب اغفيير لي ولوالدي" دعييا لنفسييه ولوالديييه وكانييا مؤمنييين‪ .‬وهمييا‪ :‬لمييك بيين‬
‫متوشلخ وشمخى بنت أنوش؛ ذكره القشيري والثعلبي‪ .‬وحكى الماوردي في اسم أمه منجل‪ .‬وقال‬
‫سيعيد بين جيبير‪ :‬أراد بوالدييه أباه وجده‪ .‬وقرأ سيعيد بين جيبير "لوالدي" بكسير الدال على الواحيد‪.‬‬
‫قال الكلبيي‪ :‬كان بينيه وبيين آدم عشرة آباء كلهيم مؤمنون‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬لم يكفير لنوح والد فيميا‬
‫بينه وبين آدم عليهما السلم‪" .‬ولمن دخل بيتي مؤمنا" أي مسجدي ومصلي مصليا صدقا بال‪.‬‬
‫وكان إنميا يدخيل بيوت النيبياء مين آمين منهيم فجعيل المسيجد سيببا للدعاء بالغفرة‪ .‬وقيد قال النيبي‪.‬‬
‫صلي ال عليه وسلم‪( :‬الملئكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلي فيه ما لم يحدث‬
‫فييه تقول اللهيم اغفير له اللهيم أرحميه) الحدييث‪ .‬وقيد تقدم‪ .‬وهذا قول ابين عباس‪" :‬بيتيي" مسيجدي؛‬
‫حكاه الثعلبيي وقاله الضحاك‪ .‬وعين ابين عباس أيضيا‪ :‬أي ولمين دخيل دينيي؛ فالبييت بمعنيى الديين؛‬
‫حكاه القشيري وقاله جويييبر‪ .‬وعيين ابيين عباس أيضييا‪ :‬يعنييي صييديقي الداخييل إلى منزلي؛ حكاه‬
‫الماوردي‪ .‬وقييل‪ :‬أراد داري‪ .‬وقييل سيفينتي‪" .‬وللمؤمنيين والمؤمنات" عامية إلى يوم القيامية؛ قال‬
‫الضحاك‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬من أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقيل‪ :‬من قومه؛ والول أظهر‪" .‬ول‬
‫تزد الظالميين" أي الكافريين‪" .‬إل تبارا" إل هلكيا؛ فهيي عامية فيي كيل كافير ومشرك‪ .‬وقييل‪ :‬أراد‬
‫مشركيي قوميه‪ .‬والتبار‪ :‬الهلك‪ .‬وقييل‪ :‬الخسيران؛ حكاهميا السيدي‪ .‬ومنيه قوله تعالى‪" :‬إن هؤلء‬
‫متيبر ميا هيم فييه" [العراف‪ .]139 :‬وقييل‪ :‬التبار الدمار؛ والمعنيى واحيد‪ .‬وال أعلم بذلك‪ .‬وهيو‬
‫الموفق للصواب‪.‬‬

You might also like