Professional Documents
Culture Documents
**2سورة الحشر
**3مقدمة السورة
@ روى ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :من قرأ سورة الحشر لم يبق شيء
ميين الجنيية والنار والعرش والكرسييي والسييموات والرض والهوام والريييح والسييحاب والطييير
والدواب والشجير والجبال والشميس والقمير والملئكية إل صيلوا علييه واسيتغفروا له .فإن مات مين
يومه أو ليلته مات شهيدا) .خرجه الثعلبي .وخرج الثعالبي عن يزيد الرقاشي عن أنس أن رسول
ال صييلى ال عليييه وسييلم قال( :ميين قرأ آخيير سييورة الحشيير "لو أنزلنييا هذا القرآن على جبييل"
[الحشير - ]21 :إلى آخرهيا -فمات مين ليلته مات شهيدا) .وروى الترمذي عن معقيل بن يسيار
قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :مين قال حيين يصيبح ثلث مرات أعوذ بال السيميع
العلييم مين الشيطان الرجييم وقرأ ثلث آيات مين آخير سيورة الحشير وكيل ال بيه سيبعين ألف ملك
يصيلون علييه حتيى يمسيي وإن مات فيي يوميه مات شهيدا ومين قرأهيا حيين يمسيي فكذلك) .قال:
حديث حسن غريب.
**3الية{ 1 :سبح ل ما في السماوات وما في الرض وهو العزيز الحكيم}
@ تقدم.
**3الية{ 2 :هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لول الحشر ما ظننتم أن
يخرجوا وظنوا أنهيم مانعتهيم حصيونهم مين ال فأتاهيم ال مين حييث لم يحتسيبوا وقذف فيي قلوبهيم
الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي البصار}
@قوله تعالى" :هيو الذي أخرج الذيين كفروا مين أهيل الكتاب مين ديارهيم" قال سيعيد بين جيبير:
قلت لبين عباس :سيورة الحشير؟ قال :قيل سيورة النضيير؛ وهيم رهيط مين اليهود مين ذريية هارون
علييه السيلم ،نزلوا المدينية فيي فتين بنيي إسيرائيل انتظارا لمحميد صيلى ال علييه وسيلم ،وكان مين
أموهم ما نص ال عليه" .لول الحشر" الحشر الجمع؛ وهو على أربعة أوجه :حشران في الدنيا
وحشران فييي الخرة؛ أمييا الذي فييي الدنيييا فقوله تعالى" :هييو الذي أخرج الذييين كفروا ميين أهييل
الكتاب ميين ديارهييم لول الحشيير" قال الزهري :كانوا ميين سييبط لم يصييبهم جلء ،وكان ال عييز
وجيل قيد كتيب عليهيم الجلء؛ فلول ذلك لعذبهيم فيي الدنييا وكان أول حشير حشروا فيي الدنييا إلى
الشام .قال ابن عباس وعكرمة :من شك أن الحشر في الشام فليقرأ هذه الية ،وأن النبي صلى ال
عليييه وسييلم قال لهييم( :اخرجوا) قالوا إلى أييين؟ قال( :إلى أرض المحشيير) .قال قتادة :هذا أول
المحشر .قال ابن عباس :هم أول من حشر من أهل الكتاب وأخرج من دياره .وقيل :إنهم أخرجوا
إلى خيييبر ،وأن معنييى "لول الحشيير" إخراجهييم ميين حصييونهم إلى خيييبر ،وآخره إخراج عميير
رضيي ال عنيه إياهيم مين خييبر إلى نجيد وأذرعات .وقييل تيماء وأريحاء ،وذلك بكفرهيم ونقيض
عهدهيم .وأميا الحشير الثانيي :فحشرهيم قرب القيامية .قال قتادة :تأتيي نار تحشير الناس مين المشرق
إلى المغرب ،تيبيت معهيم حييث باتوا ،وتقييل معهيم حييث قالوا ،وتأكيل منهيم مين تخلف .وهذا ثابيت
فيي الصيحيح ،وقيد ذكرناه فيي (كتاب التذكرة) .ونحوه روى ابين وهيب عين مالك قال :قلت لمالك
هيو جلؤهيم مين ديارهيم؟ فقال لي :الحشير يوم القيامية حشير اليهود .قال :وأجلى رسيول ال صيلى
ال علييه وسيلم اليهود إلى خييبر حيين سيئلوا عين المال فكتموه؛ فاسيتحلهم بذلك .قال ابين العربيي:
للحشير أول ووسيط وآخير؛ فالول إجلء بنيي النضيير ،والوسيط إجلء خييبر ،والخير حشير يوم
القيامة .وعن الحسن :هم بنو قريظة .وخالفه بقية المفسرين وقالوا :بنو قريظة ما حشروا ولكنهم
قتلوا .حكاه الثعلبي.
@ قال الكييا الطيبري :ومصيالحة أهيل الحرب على الجلء مين ديارهيم مين غيير شييء ل يجور
الن ،وإنما كان ذلك في أول السلم ثم نسخ .والن فل بد من قتالهم أو سبيهم أو ضرب الجزية
عليهم.
@قوله تعالى" :مييا ظننتييم أن يخرجوا" يرييد لعظييم أميير اليهود ومنعتهييم وقوتهييم فييي صيدور
المسيلمين ،واجتماع كلمتهيم" .وظنوا أنهيم مانعتهيم حصيونهم" قييل :هيي الوطييح والنطاة والسيللم
والكتيبة" .من ال" أي من أمره .وكانوا أهل حلقة -أي سلح كثير -وحصون منيعة؛ فلم يمنعهم
شيء منها" .فأتاهم ال" أي أمره وعذابه" .من حيث لم يحتسبوا
أي لم يظنوا .وقييل :مين حييث لم يعلموا .وقييل" :مين حييث لم يحتسيبوا" بقتيل كعيب بين الشرف؛
قال ابن جرييج والسيدي وأبيو صالح" .وقذف فيي قلوبهيم الرعب" بقتيل سيدهم كعيب بن الشرف؛
وكان الذي قتله هيو محميد بين مسيلمة وأبيو نائلة سيلكان بين سيلمة بين وقيش -وكان أخيا كعيب بين
الشرف مين الرضاعية -وعباد بين بشير بين وقيش ،والحارث بين أوس بين معاذ ،وأبيو عبيس بين
جيبر .وخيبره مشهور فيي السييرة .وفيي الصيحيح أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :نصيرت
بالرعب بين يدي مسيرة شهر) فكيف ل ينصر به مسيرة ميل من المدينة إلى محلة بني النضير.
وهذه خصيصى لمحمد صلى ال عليه وسلم دون غيره.
@قوله تعالى" :يخربون بيوتهيم" قراءة العامية بالتخفييف مين أخرب؛ أي يهدمون .وقرأ السيلمي
والحسن ونصر بن عاصم وأبو العالية وقتادة وأبو عمرو "يخربون" بالتشديد من التخريب .قال
أبيو عمرو :إنميا اخترت التشدييد لن الخراب ترك الشييء خرابيا بغيير سياكن ،وبنيو النضير لم
يتركوها خرابا وإنما خربوها بالهدم؛ يؤيده قوله تعالى" :بأيديهم وأيدي المؤمنين" .وقال آخرون:
التحريب والخراب بمعنى واحد ،والتشديد بمعنى التكثير .وحكى سيبويه :أن معنى فعلت وأفعلت
يتعاقبان؛ نحيو أخربتيه وخربتيه وأفرحتيه وفرحتيه .واختار أبيو عبييد وأبيو حاتيم الولى .قال قتادة
والضحاك :كان المؤمنون يخربون ميين خارج ليدخلوا ،واليهود يخربون ميين داخييل ليبنوا بييه مييا
خرب من حصنهم .فروي أنهم صالحوا رسول ال صلى ال عليه وسلم على أل يكونوا عليه ول
له؛ فلما ظهر يوم بدر قالوا :هو النبي الذي نعت في التوراة ،فل ترد له راية .فلما هزم المسلمون
يوم أحد ارتابوا ونكثوا ،فخرج كعب بن الشرف في أربعين راكبا إلى مكة ،فخالفوا عليه قريشا
عنيد الكعبية ،فأمير علييه السيلم محميد بين مسيلمة النصياري فقتيل كعبيا غيلة ثيم صيبحهم بالكتاب؛
فقال لهم .اخرجوا من المدينة .فقالوا :الموت أحب إلينا من ذلك؛ فتنادوا بالحرب .وقيل :استمهلوا
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عشرة أيام ليتجهزوا للخروج ،فدس إليهيم عبدال بين أبيي المنافيق
وأصيحابه ل تخرجوا مين الحصين ،فإن قاتلوكيم فنحين معكيم ل نخذلكيم ،ولئن أخرجتيم لنخرجين
معكييم .فدربوا على الزقيية وحصيينوها إحدى وعشرييين ليلة ،فلمييا قذف ال فييي قلوبهييم الرعييب
وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح؛ فأبى عليهم إل الجلء؛ على ما يأتي بيانه.
وقال الزهري وابن زيد وعروة بن الزبير :لما صالحهم النبي صلى ال عليه وسلم على أن لهم
مييا أقلت البييل؛ كانوا يسييتحسنون الخشبيية والعمود فيهدمون بيوتهييم ويحملون ذلك على إبلهييم
ويخرب المؤمنون باقيها .وعن ابن زيد أيضا :كانوا يخربونها لئل يسكنها المسلمون بعدهم .وقال
ابين عباس :كانوا كلميا ظهير المسيلمون على دار مين دورهيم هدموهيا ليتسيع موضيع القتال ،وهيم
ينقبون دورهيم من أدبارهيا إلى التي بعدها ليتحصنوا فيها ،ويرموا بالتي أخرجوا منها المسلمين.
وقيييل :ليسييدوا بهييا أزقتهييم .وقال عكرميية "بأيديهييم" فييي إخراب دواخلهييا ومييا فيهييا لئل يأخذه
المسلمون .و"أيدي المؤمنين" في إخراب ظاهرها ليصلوا بذلك إليهم .قال عكرمة :كانت منازلهم
مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها" فخربوها من داخل وخربها المسلمون من خارج .وقيل:
"يخربون بيوتهيم" بنقيض المواعدة "وأيدي المؤمنيين" بالمقاتلة؛ قال الزهري أيضيا .وقال أبيو
عمرو بن العلء "بأيديهم" في تركهم لها .و"أيدي المؤمنين" في إجلئهم عنها .قال ابن العربي:
التناول للفسياد إذا كان بالييد كان حقيقية ،وإذا كان بنقيض العهيد كان مجازا؛ إل أن قول الزهري
في المجاز أمثل من قول أبي عمرو بن العلء.
@قوله تعالى" :فاعتبروا يا أولي البصار
أي اتعظوا ييا أصيحاب العقول واللباب .وقييل :ييا مين عايين ذلك ببصيره؛ فهيو جميع للبصير .ومين
جملة العتبار هنيا أنهيم اعتصيموا بالحصيون مين ال فأنزلهيم ال منهيا .ومين وجوهيه :أنيه سيلط
عليهيم مين كان ينصيرهم .ومين وجوهيه أيضيا :أنهيم هدموا أموالهيم بأيديهيم .ومين لم يعتيبر بغيره
اعتبر في نفسه .وفي المثال الصحيحة" :السعيد من وعظ بغيره".
**3اليية{ 4 - 3 :ولول أن كتيب ال عليهيم الجلء لعذبهيم فيي الدنييا ولهيم فيي الخرة عذاب
النار ،ذلك بأنهم شاقوا ال ورسوله ومن يشاق ال فإن ال شديد العقاب}
@قوله تعالى" :ولول أن كتب ال عليهم الجلء" أي لول أنه قضى أنه سيجليهم عن دارهم وأنهم
يبقون مدة فيؤمن بعضهم ويولد لهم من يؤمن" .لعذبهم في الدنيا" أي بالقتل والسبي كما فعل ببني
قريظية .والجلء مفارقية الوطين يقال :جل بنفسيه جلء ،وأجله غيره إجلء .والفرق بيين الجلء
والخراج وإن كان معناهميا فيي البعاد واحدا مين وجهيين :أحدهميا :أن الجلء ميا كان ميع الهيل
والولد ،والخراج قيييد يكون ميييع بقاء الهيييل والولد .الثانيييي :أن الجلء ل يكون إل لجماعييية،
والخراج يكون لواحيييييد ولجماعييييية؛ قاله الماوردي" .ذلك" أي ذلك الجلء "بأنهيييييم شاقوا ال
ورسيوله" أي عادوه وخالفوا أمره" .ومين يشاق ال" قرأ طلحية بين مصيرف ومحميد بين السيميقع
"ومن يشاقق ال" بإظهار التضعيف كالتي في "النفال" ،وأدغم الباقون.
**3الية{ 5 :ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن ال وليخزي الفاسقين}
@قوله تعالى" :ما قطعتم من لينة" "ما" في محل نصب بي "قطعتم"؛ كأنه قال :أي شيء قطعتم.
وذلك أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم لميا نزل على حصيون بنيي النضيير -وهيي البويرة -حيين
نقضوا العهيد بمعونية قرييش علييه يوم أحيد ،أمير بقطيع نخيلهيم وإحراقهيا .واختلفوا فيي عدد ذلك؛
فقال قتادة والضحاك :إنهيم قطعوا مين نخيلهيم وأحرقوا سيت نخلت .وقال محميد بين إسيحاق :إنهيم
قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة .وكان ذلك عين إقرار رسيول ال صييلى ال علييه وسيلم أو بأمره؛ إميا
لضعافهم بها وإما لسعة المكان بقطعها .فشق ذلك عليهم فقالوا وهم يهود أهل الكتاب :يا محمد،
ألسيت تزعيم أنيك نيبي ترييد الصيلح ،أفمين الصيلح قطيع النخيل وحرق الشجير؟ وهيل وجدت فيميا
أنزل ال عليييك إباحيية الفسيياد فييي الرض؟ فشييق ذلك على النييبي صييلى ال عليييه وسييلم .ووجييد
المؤمنون فييي أنفسييهم حتييى اختلفوا؛ فقال بعضهييم :ل تقطعوا ممييا أفاء ال علينييا .وقال بعضهييم:
أقطعوا لنغيظهم بذلك .فنزلت الية بتصديق من نهى عن القطع وتحليل من قطع من الثم ،وأخبر
أن قطعه وتركه بإذن ال .وقال شاعرهم سماك اليهودي في ذلك:
على عهد موسى ولم نصدف ألسنا ورثنا الكتاب الحكيم
بسهل تهامة والخيف وأنتم رعاء لشاء عجاف
لدى كل دهر لكم مجحف ترون الرعاية مجدا لكم
عن الظلم والمنطق المؤنف فيا أيها الشاهدون انتهوا
يدلن من العادل المنصف لعل الليالي وصرف الزهور
وعقر النخيل ولم تقطف بقتل النضير وإجلئها
فأجابه حسان بن ثابت:
وليس لهم ببلدتهم نصير تفاقد معشر نصروا قريشا
وهم عمي عن التوراة بور همو أوتوا الكتاب فضيعوه
بتصديق الذي قال النذير كفرتم بالقران وقد أبيتم
حريق بالبويرة مستطير وهان على سراة بني لوي
فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب:
وحرق في نواحيها الشعير أدام ال ذلك من صنيع
وتعلم أي أرضينا تصير ستعلم أينا منها بنزه
لقالوا ل مقام لكم فسيروا فلو كان النخيل بها ركابا
@ كان خروج النيبي صيلى ال علييه وسيلم إليهيم فيي ربييع الول أول السينة الرابعية مين الهجرة،
وتحصيينوا منييه فييي الحصييون ،وأميير بقطييع النخييل وإحراقهييا ،وحينئذ نزل تحريييم الخميير .ودس
عبدال بين أبيي ابين سيلول ومين معيه مين المنافقيين إلى بنيي النضيير :إنيا معكيم ،وإن قوتلنيا قاتلنيا
معكيم ،وإن أخرجتيم خرجنيا معكيم؛ فاغتروا بذلك .فلميا جاءت الحقيقية خذلوهيم وأسيلموهم وألقوا
بأيديهيم ،وسيألوا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أن يكيف عين دمائهيم ويجليهيم؛ على أن لهيم ميا
حملت البيل مين أموالهيم إل السيلح ،فاحتملوا كذلك إلى خييبر ،ومنهيم مين سيار إلى الشام .وكان
ممين سيار منهيم إلى خييبر أكابرهيم؛ كحييي بين أخطيب ،وسيلم بين أبيي الحقييق ،وكنانية بين الربييع.
فدانت لهم خيبر.
@ ثبت في صحيح مسلم وغيره عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قطع نخل بني
النضير وحرق .ولها يقول حسان:
حريق بالبويرة مستطير وهان على سراة بني لوي
وفي ذلك نزلت ":ما قطعتم من لينة" الية.
واختلف الناس في تخريب دار العدو وتحريقها وقطع ثمارها على قولين :الول :أن ذلك جائز؛
قال فيي المدونية .الثانيي :إن علم المسيلمون أن ذلك لهيم لم يفعلوا ،وإن يئسيوا فعلوا؛ قاله مالك فيي
الواضحية .وعلييه يناظير أصيحاب الشافعيي .ابين العربيي :والصيحيح الول .وقيد علم رسيول ال
صلى ال عليه وسلم أن نخل بني النضير له؛ ولكنه قطع وحرق ليكون ذلك نكاية لهم ووهنا فيهم
حتى يخرجوا عنها .وإتلف بعض المال لصلح باقيه مصلحة جائزة شرعا ،مقصودة عقل.
@ قال الماوردي :إن فيي هذه اليية دليل على أن كيل مجتهيد مصييب .وقاله الكييا الطيبري قال:
وإن كان الجتهاد يبعيد فيي مثله ميع وجود النيبي صيلى ال علييه وسيلم بيين أظهرهيم ،ول شيك أن
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وأي ذلك وسيكت؛ فتلقوا الحكيم مين تقريره فقيط .قال ابين العربيي:
وهذأ باطيل؛ لن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان معهيم ،ول اجتهاد ميع حضور رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم ،وإنميا يدل على اجتهاد النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيميا لم ينزل علييه؛ أخذا
بعموم الذييية للكفار ،ودخول فييي الذن للكييل لمييا يقضييي عليهييم بالجتياح والبوار؛ وذلك قوله
تعالى" :وليخزي الفاسقين".
@ اختلف في اللينة ما هي؛ على أقوال عشرة :الول :النخل كله إل العجوة؛ قاله الزهري ومالك
وسعيد بن جبير وعكرمة والخليل .وعن ابن عباس ومجاهد والحسن :أنها النخل كله ،ولم يستثنوا
عجوة ول غيرهيا .وعين ابين عباس أيضيا :أنهيا لون مين النخيل .وعين الثوري :أنهيا كرام النخيل.
وعن أبي عبيدة :أنها جميع ألوان التمر سوى العجوة والبرني .وقال جعفر بن محمد :إنها العجوة
خاصة .وذكر أن العتيق والعجوة كانتيا مع نوح عليه السلم في السفينة .والعتيق :الفحل .وكانت
العجوة أصيل الناث كلهيا فلذلك شيق على اليهود قطعهيا؛ حكاه الماوردي .وقييل :هيي ضرب مين
النخل يقال لتمره :اللون ،تمره أجود التمر ،وهو شديد الصفرة ،يرى نواه من خارجه ويغيب فيه
الضرس؛ النخلة منهييا أحييب إليهييم ميين وصيييف .وقيييل :هييي النخلة القريبيية ميين الرض .وأنشييد
الخفش.
بفراق الحباب من فوق لينه قد شجاني الحمام حين تغنى
وقيل :إن اللينة الفسيلة؛ لنها ألين من النخلة .ومنه قول الشاعر:
ثم حفوا النخيل بالجام غرسوا لينها بمجرى معين
وقيل :إن اللينة الشجار كلها للينها بالحياة؛ قال ذو الرمة:
ندى ليله في ريشه يترقرق طراق الخوافي واقع فوق لينه
والقول العاشير :أنهيا الدقيل؛ قال الصيمعي .قال :وأهيل المدينية يقولون ل تنتفخ الموائد حتيى توجيد
اللوان؛ يعنون الدقل .قال ابن العربي :والصحيح ما قال الزهري ومالك لوجهين :أحدهما :أنهما
أعرف ببلدهما وأشجارهما .الثاني :أن الشتقاق يعضده ،وأهل اللغة يصححونه؛ فإن اللينة وزنها
لونية ،واعتلت على أصيولهم قالت إلى لينية فهيي لون ،فإذا دخلت الهاء كسير أولهيا؛ كيبرك الصيدر
(بفتح الباء) وبركه (بكسرها) لجل الهاء .وقيل لينة أصلها لونة فقلبت الواو ياء لنكسار ما قبلها.
وجمع اللينة لين .وقيل :ليان؛ قال امرؤ القيس يصف عنق فرسه:
أضرم فيها الغوي السعر وسالفة كسحوق الليان
وقال الخفيش :إنميا سيميت لينية اشتقاقيا مين اللون ل مين الليين .المهدوي :واختلف فيي اشتقاقهيا؛
فقيل :هي من اللون وأصلها لونة .وقيل :أصلها لينة من لن يلين .وقرأ عبدال "ما قطعتم من لينة
ول تركتييم قوماء على أصييولها" أي قائميية على سييوقها .وقرأ العمييش "مييا قطعتييم ميين لينيية أو
تركتموهيا قوميا على أصيولها" المعنيى لم تقطعوهيا .وقرئ "قوماء على أصيلها" .وفييه وجهان:
أحدهما :أنه جمع أصل؛ كرهن ورهن .والثاني :اكتفي فيه بالضمة عن الواو .وقرئ "قائما على
أصوله" ذهابا إلى لفظ "ما"" .فبإذن ال" أي بأمره "وليخزي الفاسقين" أي ليذل اليهود الكفار به
وبنبيه وكتبه.
**3الية{ 7 - 6 :وما أفاء ال على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ول ركاب ولكن ال
يسيلط رسيله على مين يشاء وال على كيل شييء قديير ،ميا أفاء ال على رسيوله مين أهيل القرى فلله
وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي ل يكون دولة بين الغنياء منكم وما
آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا ال إن ال شديد العقاب}
@قوله تعالى" :وما أفاء ال" يعني ما رده ال تعالى "على رسوله" من أموال بني النضير" .قما
أوجفتم عليه" أوضعتم عليه .واليجاف :اليضاع في السير وهو السراع؛ يقال :وجف الفرس إذا
أسرع ،وأوجفته أنا أي حركته وأتعبته؛ ومنه قول تميم بن مقبل:
عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا مذاويد بالبيض الحديث صقالها
والركاب البيل ،واحدهيا راحلة .يقول :لم تقطعوا إليهيا شقية ول لقيتيم بهيا حربيا ول مشقية؛ وإنميا
كانيت مين المدينية على ميليين؛ قاله الفراء .فمشوا إليهيا مشييا ولم يركبوا خيل ول إبل؛ إل النيبي
صلى ال عليه وسلم فإنه ركب جمل وقيل حمارا مخطوما بليف ،فافتتحها صلحا وأجلهم وأخذ
أموالهييم .فسييأل المسييلمون النييبي صييلى ال عليييه وسييلم أن يقسييم لهييم فنزلت" :ومييا أفاء ال على
رسوله منهم فما أوجفتم عليه" الية .فجعل أموال بني النضير للنبي صلى ال عليه وسلم خاصة
يضعهيا حييث شاء؛ فقسيمها النيبي صيلى ال علييه وسيلم بيين المهاجريين .قال الواقدي :ورواه ابين
وهيب عين مالك؛ ولم يعيط النصيار منهيا شيئا إل ثلثية نفير محتاجيين؛ منهيم أبيو دجانية سيماك بين
خرشية ،وسيهل بين حنييف ،والحارث بين الصيمة .وقييل :إنميا أعطيى رجليين ،سيهل وأبيا دجانية.
ويقال :أعطيى سيعد بين معاذ سييف بين أبيي الحقييق ،وكان سييفا له ذكير عندهيم .ولم يسيلم مين بنيي
النضير إل رجلن :سفيان بن عمير ،وسعد بن وهب؛ أسلما على أموالهما فأحرزاها.
وفيي صيحيح مسيلم عين عمير قال :كانيت أموال بنيي النضيير مميا أفاء ال على رسيوله مميا لم
يوجيف علييه المسيلمون بخييل ول ركاب ،وكانيت للنيبي صيلى ال علييه وسيلم خاصية ،فكان ينفيق
على أهله نفقية سينة ،وميا بقيي يجعله فيي الكراع والسيلح عدة فيي سيبيل ال تعالى .وقال العباس
لعمير -رضي ال عنهما : -اقيض بينيي وبين هذا الكاذب الثيم الغادر الخائن -يعنيي عليا رضيي
ال عنه -فيما أفاء ال على رسوله من أموال بني النضير .فقال عمر :أتعلمان أن النبي صلى ال
عليييه وسييلم قال( :ل نورث مييا تركناه صييدقة) قال نعييم .قال عميير :إن ال عييز وجييل كان خييص
رسيوله صيلى ال علييه وسيلم بخاصية ولم يخصيص بهيا أحدا غيره .قال" :ميا أفاء ال على رسيوله
من أهل القرى فلله وللرسول" (ما أدري هل قرأ الية التي قبلها أم ل) فقسم رسول ال صلى ال
علييه وسيلم بينكيم أموال بنيي النضيير ،فوال ميا اسيتأثرها عليكيم ول أخذهيا دونكيم حتيى بقيي هذا
المال؛ فكان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يأخيذ منيه نفقية سينة ،ثيم يجعيل ميا بقيي أسيوة المال. ..
الحدييث بطوله ،خرجيه مسيلم .وقييل :لميا ترك بنيو النضيير ديارهيم وأموالهيم طلب المسيلمون أن
يكون لهم فيها حظ كالغنائم؛ فبين ال تعالى أنها فيء وكان جرى ثم بعض القتال؛ لنهم حوصروا
أياميا وقاتلوا وقتلوا ،ثيم صيالحوا على الجلء .ولم يكين قتال على التحقييق؛ بيل جرى مبادئ القتال
وجرى الحصيار ،وخيص ال تلك الموال برسيوله صيلى ال علييه وسيلم .وقال مجاهيد :اعلمهيم ال
تعالى وذكرهيم أنيه إنميا نصير رسيول صيلى ال علييه وسيلم ونصيرهم بغيير كراع ول عدة" .ولكين
ال يسلط رسله على من يشاء" أي من أعدائه .وفي هذا بيان أن تلك الموال كانت خاصة لرسول
ال صلى ال عليه وسلم دون أصحابه.
@قوله تعالى" :ميا أفاء ال على رسيوله مين أهيل القرى" قال ابين عباس :هيي قريظية والنضيير،
وهميا بالمدينيية وفدك ،وهييي على ثلثية أيام مين المدينية وخييبر .وقرى عرينية وينبيع جعلهيا ال
لرسوله .وبين أن في ذلك المال الذي خصه بالرسول عليه السلم سهمانا لغير الرسول نظرا منه
لعباده .وقيد تكلم العلماء فيي هذه اليية والتيي قبلهيا ،هيل معناهميا واحيد أو مختلف ،واليية التيي فيي
النفال؛ فقال قوم مين العلماء :إن قوله تعالى" :ميا أفاء ال على رسيوله مين أهيل القرى" منسيوخ
بما في سورة النفال من كون الخمس لمن سمي له ،والخماس الربعة لمن قاتل .وكان في أول
السيلم تقسيم الغنيمية على هذه الصيناف ول يكون لمين قاتيل عليهيا شييء .وهذا قول يزييد بين
رومان وقتادة وغيرهميا .ونحوه عين مالك .وقال قوم :إنميا غنيم بصيلح مين غيير إيجاف خييل ول
ركاب؛ فيكون لمن سمى ال تعالى فيه فيئا والولى للنبي صلى ال عليه وسلم خاصة ،إذا أخذ منه
حاجته كان الباقي في مصالح المسلمين .وقال معمر :الولى :للنبي صلى ال عليه وسلم .والثانية:
هيي الجزيية والخراج للصيناف المذكورة فييه .والثالثية :الغنيمية فيي سيورة النفال للغانميين .وقال
قوم منهيم الشافعيي :إن معنيى اليتيين واحيد؛ أي ميا حصيل مين أموال الكفار بغيير قتال قسيم على
خمسة أسهم؛ أربعة منها للنبي صلى ال عليه وسلم .وكان الخمس الباقي على خمسة أسهم :سهم
لرسول ال صلى ال عليه وسلم أيضا وسهم لذوي القربى -وهم بنو هاشم وبنو المطلب -لنهم
منعوا الصدقة فجعل لهم حق في الفيء .وسهم لليتامى .وسهم للمساكين .وسهم لبن السبيل .وأما
بعيد وفاة رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،فالذي كان مين ألفييء لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم
يصيرف عنيد الشافعيي فيي قول إلى المجاهديين المترصيدين للقتال فيي الثغور؛ لنهيم القائمون مقام
الرسيول علييه الصيلة والسيلم .وفيي قول آخير له :يصيرف إلى مصيالح المسيلمين مين سيد الثغور
وحفير النهار وبناء القناطير؛ يقدم الهيم فالهيم ،وهذا فيي أربعية أخماس الفييء .فأميا السيهم الذي
كان له من خمس الفيء والغنيمة فهو لمصالح المسلمين بعد موته صلى ال عليه وسلم بل خلف؛
كميا قال علييه الصيلة والسيلم( :لييس لي مين غنائمكيم إل الخميس والخميس مردود فيكيم) .وقيد
مضى القول فيه في سورة "النفال".
وكذلك ما خلفه من المال غير موروث ،بل هو صدقة يصرف عنه إلى مصالح المسلمين؛ كما
قال علييه السيلم( :إنيا ل نورث ميا تركناه صيدقة) .وقييل :كان مال الفييء لنيبيه صيلى ال علييه
وسيلم ،لقوله تعالى" :ميا أفاء ال رسيوله" فأضافيه إلييه؛ غيير أنيه كان ل يتأثيل مال ،إنميا كان يأخيذ
بقدر حاجية عياله ويصيرف الباقيي فيي مصيالح المسيلمين .قال القاضيي أبيو بكير بين العربيي :ل
إشكال أنهيا ثلثية معان فيي ثلث آيات؛ أميا اليية الولى فهيي قوله" :هيو الذي أخرج الذيين كفروا
من أهل الكتاب من ديارهم لول الحشر" [الحشر ]2 :ثم قال تعالى" :وما أفاء ال على رسوله
منهم" يعني من أهل الكتاب معطوفا عليهم" .فما أوجفتم عليه من خيل ول ركاب" يريد كما بينا؛
فل حق لكم فيه ،ولذلك قال عمر :إنها كانت خالصة لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،يعني بني
النضير وما كان مثلها .فهذه آية واحدة ومعنى متحد.
@قوله تعالى" :ميا أفاء ال على رسيوله مين أهيل القرى فلله وللرسيول" وهذا كلم مبتدأ غيير
الول لمستحق غير الول .وسمى الية الثالثة آية الغنيمة ،ول شك في أنه معنى آخر باستحقاق
ثان لمسيتحق آخير ،بييد أن اليية الولى والثانيية ،اشتركتيا فيي أن كيل واحدة منهميا تضمنيت شيئا
أفاءه ال على رسييوله ،واقتضييت الييية الولى أنييه حاصييل بغييير قتال ،واقتضييت آييية النفال أنييه
حاصيل بقتال ،وعرييت اليية الثالثية وهيي قوله تعالى" :ميا أفاء ال على رسيوله مين أهيل القرى"
عين ذكير حصيوله بقتال أو بغيير قتال؛ فنشيأ الخلف مين هيا هنيا ،فمين طائفية قالت :هيي ملحقية
بالولى ،وهيو مال الصييلح كله ونحوه .ومين طائفية قالت :هيي ملحقية بالثانييية وهييي آيية النفال.
والذيين قالوا أنهيا ملحقية بآيية النفال اختلفوا؛ هيل هيي منسيوخة -كميا تقدم -أو محكمية؟ وإلحاقهيا
بشهادة ال بالتي قبلها أولى؛ لن فيه تجديد فائدة ومعنى .ومعلوم أن حمل الحرف من الية فضل
عين اليية على فائدة متجددة أولى مين حمله على فائدة معادة .وروى ابين وهيب عين مالك فيي قوله
تعالى" :فميا أوجفتم عليه من خيل ول ركاب" بنيي النضيير ،لم يكن فيها خمس ولم يوجيف عليها
بخيل ول ركاب .كانت صافية لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقسمها بين المهاجرين وثلثة من
النصيار؛ حسيب ميا تقدم .وقوله" :ميا أفاء ال على رسيوله مين أهيل القرى" هيي قريظية ،وكانيت
قريظية والخندق فيي يوم واحيد .قال ابين العربيي :قول مالك إن اليية الثانيية فيي بنيي قريظية ،إشارة
إلى أن معناهييا يعود إلى آييية النفال ،ويلحقهييا النسييخ .وهذا أقوى ميين القول بالحكام .ونحيين ل
نختار إل ما قسمنا وبينا أن الية الثانية لها معنى مجدد حسب ما دللنا عليه .وال اعلم.
قلت :ميا اختاره حسين .وقيد قييل إن سيورة "الحشير" نزلت بعيد النفال ،فمين المحال أن ينسيخ
المتقدم المتأخير .وقال ابن أبي نجيح :المال ثلثة :مغنيم ،أو فيء ،أو صدقة ،ولييس منه درهيم إل
وقد بين ال موضعه .وهذا أشبه.
@ الموال التيي للئمية والولة فيهيا مدخيل ثلثية أضرب :ميا أخيذ مين المسيلمين على طرييق
التطهيير لهيم؛ كالصيدقات والزكوات .والثانيي :الغنائم؛ وهيو ميا يحصيل فيي أيدي المسيلمين مين
أموال الكافرين بالحرب والقهر والغلبة .والثالث :الفيء ،وهو ما رجع للمسلمين من أموال الكفار
عفوا صييفوا ميين غييير قتال ول إيجاف؛ كالصيلح والجزيية والخراج والعشور المأخوذة مين تجار
الكفار .ومثله أن يهرب المشركون ويتركوا أموالهييم ،أو يموت أحييد منهييم فييي دار السييلم ول
وارث له .فأميا الصيدقة فمصيرفها الفقراء والمسياكين والعامليين عليهيا؛ حسيب ميا ذكره ال تعالى،
وقيد مضيى فيي "براءة" .وأميا الغنائم فكانيت فيي صيدر السيلم للنيبي صيلى ال علييه وسيلم يصينع
فيها ما شاء؛ كما قال في سورة "النفال" " :قل النفال ل والرسول" [النفال ،]1 :ثم نسخ بقوله
تعالى" :واعلموا أنميا غنمتيم مين شييء" [النفال ]41 :اليية .وقيد مضيى فيي النفال بيانيه .فأميا
الفيء فقسمته وقسمة الخمس سواء .والمر عند مالك فيهما إلى المام ،فإن رأى حبسهما لنوازل
تنزل بالمسيلمين فعيل ،وإن رأى قسيمتهما أو قسيمة أحدهميا قسيمه كله بيين الناس ،وسيوى فييه بيين
عربيهم ومولهم .ويبدأ بالفقراء من رجال ونساء حتى يغنوا ،ويعطوا ذوو القربى من رسول ال
صلى ال عليه وسلم من الفيء سهمهم على ما يراه المام ،وليس له حد معلوم.
واختلف فيي إعطاء الغنيي منهيم؛ فأكثير الناس على إعطائه لنيه حيق لهيم .وقال مالك :ل يعطيي
منه غير فقرائهم ،لنه جعل لهم عوضا من الصدقة .وقال الشافعي :أيما حصل من أموال الكفار
من غير قتال كان يقسم في عهد النبي صلى ال عليه وسلم على خمسة وعشرين سهما :عشرون
للنبي صلى ال عليه وسلم يفعل فيها ما يشاء .والخمس يقسم على ما يقسم عليه خمس الغنيمة .قال
أبيو جعفير أحميد بين الداودي :وهذا قول ميا سيبقه بيه أحيد علمناه ،بيل كان ذلك خالصيا له؛ كميا ثبيت
فييي الصييحيح عيين عميير مبينييا للييية .ولو كان هذا لكان قوله" :خالصيية لك ميين دون المؤمنييين"
[الحزاب ]50 :يدل على أنه يجوز الموهبة لغيره ،وأن قوله" :خالصة يوم القيامة" [العراف:
]32يجوز أن يشركهيم فيهيا غيرهيم .وقيد مضيى قول الشافعيي مسيتوعبا فيي ذلك والحميد ل.
ومذهب الشافعي رضي ال عنه :أن سبيل خمس الفيء سبيل خمس الغنيمة ،وأن أربعه أخماسه
كانييت للنييبي صييلى ال عليييه وسييلم ،وهييي بعده لمصييالح المسييلمين .وله قول آخيير :أنهييا بعده
للمرصدين أنفسهم للقتال بعده خاصة؛ كما تقدم.
@ قال علماؤنيا :ويقسيم كيل مال فيي البلد الذي جيبي فييه ،ول ينقيل عين ذلك البلد الذي جيبي فييه
حتيى يغنوا ،ثيم ينقيل إلى القرب مين غيرهيم ،إل أن ينزل بغيير البلد الذي جيبي فييه فاقية شديدة،
فينتقييل ذلك إلى أهييل الفاقيية حيييث كانوا ،كمييا فعييل عميير بيين الخطات رضييي ال عنييه فييي أعوام
الرمادة ،وكانيت خمسية أعوام أو سيتة .وقيد قييل عاميين وقييل :عام فييه اشتيد الطاعون ميع الجوع.
وإن لم يكين ميا وصيفنا ورأى المام إيقاف الفييء أوقفيه لنوائب المسيلمين ،ويعطيى منيه المنفوس
ويبدأ بمين أبوه فقيير .والفييء حلل للغنياء .ويسيوى بيين الناس فييه إل أنيه يؤثير أهيل الحاجية
والفاقية .والتفضييل فييه إنميا يكون على قدر الحاجية .ويعطيي منيه الغرماء ميا يؤدون بيه ديونهيم.
ويعطي منه الجائزة والصلة إن كان ذلك أهل ،ويرزق القضاء والحكام ومن فيه منفعة للمسلمين.
وأولهم بتوفر الحظ منهم أعظمهم للمسلمين نفعا .ومن أخذ من ألفيء شيئا في الديوان كان عليه
أن يغزو إذا غزي.
@قوله تعالى" :كيي ل يكون دولة" قراءة العامية "يكون" بالياء" .دولة" بالنصيب ،أي كيي ل
يكون الفيييء دولة وقرأ أبييو جعفيير والعرج وهشام -عيين ابيين عاميير -وأبييو حيوة "تكون" بتاء
"دولة" بالرفع ،أي كي ل تقع دولة .فكانت تامة .و"دولة" رفع على اسم كان ول خبر له .ويجوز
أن تكون ناقصة وخبرها "بين الغنياء منكم" .وإذا كانت تامة فقوله" :بين الغنياء منكم" متعلق
بيي "دولة" على معنيى تداول بيين الغنياء منكيم .ويجوز أن يكون "بيين الغنياء منكيم" وصيفا ليي
"دولة" .وقراءة العامية "دولة" بضيم الدال .وقرأهيا السيلمي وأبيو حيوة بالنصيب .قال عيسيى بين
عمير ويونيس والصيمعي :هميا لغتان بمعنيى واحيد .وقال أبيو عمرو بين العلء :الدولة (بالفتيح)
الظفر في الجواب وغيره ،وهي المصدر .وبالضم اسم الشيء الذي يتداول من الموال .وكذا قال
أبو عبيدة :الدولة اسم الشيء الذي يتداول .والدولة الفعل .ومعنى الية :فعلنيا ذلك في هذا الفيء،
كيي ل تقسيمه الرؤسياء والغنياء والقوياء بينهيم دون الفقراء والضعفاء ،لن أهيل الجاهليية كانوا
إذا غنموا أخيذ الرئييس ربعهيا لنفسيه ،وهيو المرباع .ثيم يصيطفي منهيا أيضيا بعيد المرباع ميا شاء؛
وفيها قال شاعرهم:
لك المرباع منها والصفايا
يقول :كيي ل يعميل فييه كميا كان يعميل فيي الجاهليية .فجعيل ال هذا لرسيوله صيلى ال علييه وسيلم؛
يقسمه في المواضع التي أمر بها ليس فيها خمس ،فإذا جاء خمس وقع بين المسلمين جميعا.
@قوله تعالى" :وما آتاكم الرسول فخذوة وما نهاكم عه فانتهوا" أي ما أعطاكم من مال الغنيمة
فخذوه ،وما نهاكم عنه من الخذ والغلول فانتهوا؛ قاله الحسن وغيره .السدي :ما أعطاكم من مال
الفيء فأقبلوه ،وما منعكم منه فل تطلبوه .وقال ابن جريج :ما آتاكم من طاعتي فافعلوه ،وما نهاكم
عنيه مين معصييتي فاجتنبوه .الماوردي :وقييل إنيه محمول على العموم فيي جمييع أوامره ونواهييه؛
ل يأمر إل بصلح ول ينهى إل عن فساد .قلت :هذا هو معنى القول الذي قبله .فهي ثلثة أقوال.
@ قال المهدوي :قوله تعالى" :وما آتاكم الرسول فخذوة وما نهاكم عنه فانتهوا" هذا يوجب أن
كيل ميا أمير بيه النيبي صيلى ال علييه وسيلم أمير مين ال تعالى .واليية وإن كانيت فيي الغنائم فجمييع
أوامره صيلى ال علييه وسيلم ونواهييه دخيل فيهيا .وقال الحكيم بين عميير -وكانيت له صيحبة -قال
النبي صلى ال عليه وسلم( :إن هذا القرآن صعب مستصعب عسير على من تركه يسير على من
اتبعه وطلبه .وحديثي صعب مستصعب وهو الحكم فمن استمسك بحديثي وحفظه نجا مع القرآن.
ومن تهاون بالقرآن وحديثي خسر الدنيا والخرة .وأمرتم أن تأخذوا بقولي وتكتنفوا أمري وتتبعوا
سنتي فمن رضي بقولي فقد رضي بالقرآن ومن استهزأ بقولي فقد استهزأ بالقرآن قال ال تعالى:
"وما آتاكم الرسول فخذوة وما نهاكم عنه فانتهوا").
@ قال عبدالرحمن بن زيد :لقي ابن مسيعود رجل محرما وعليه ثيابه فقال له :انزع عنك هذا.
فقال الرجيل :أتقرأ علي بهذا آيية مين كتاب ال تعالى؟ قال :نعيم" ،وميا آتاكيم الرسيول فخذوة وميا
نهاكيم عنيه فانتهوا" .وقال عبدال بين محميد بين هارون الفريابيي :سيمعت الشافعيي رضيي ال عنيه
يقول :سيلوني عميا شئتيم أخيبركم مين كتاب ال تعالى وسينة نيبيكم صيلى ال علييه وسيلم؛ قال فقلت
له :ما تقول -أصلحك ال -في المحرم يقتل الزنبور؟ قال فقال :بسم ال الرحمن الرحيم ،قال ال
تعالى" :وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" .وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبدالملك
بين عميير عين ربعيي بين حراش عين حذيفية بين اليمان قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم:
(اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) .حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام عن قيس بن
مسيلم عين طارق بين شهاب عين عمير بين الخطاب -رضيي ال عنيه -أنيه أمير بقتيل الزنبور .قال
علماؤنا :وهذا جواب في نهاية الحسن ،أفتى بجواز قتل الزنبور في الحرام ،وبين أنه يقتدي فيه
بعمر ،وأن النبي صلى ال عليه وسلم أمر بالقتداء به ،وأن ال سبحانه أمر بقبول ما يقوله النبي
صيلى ال علييه وسيلم؛ فجواز قتله مسيتنبط مين الكتاب والسينة .وقيد مضيى هذا المعنيى مين قول
عكرميية حييين سييئل عيين أمهات الولد فقال :هيين أحرار فييي سييورة "النسيياء" عنييد قوله تعالى:
"أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم" [النساء .]59 :وفي صحيح مسلم وغيره عن
علقمييية عييين ابييين مسيييعود قال :قال رسيييول ال صيييلى ال علييييه وسيييلم( :لعييين ال الواشمات
والمسيتوشمات والمتنمصيات والمتفلجات للحسين المغيرات خلق ال) فبلغ ذلك امرأة مين بنيي أسيد
يقال لهيا أم يعقوب؛ فجاءت فقالت :بلغنيي أنيك لعنيت كييت وكييت! فقال :وميا لي ل ألعين مين لعين
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وهيو فيي كتاب ال! فقالت :لقيد قرأت ميا بيين اللوحيين فميا وجدت
فييه ميا تقول .فقال :لئن كنيت قرأتييه لقيد وجدتييه! أميا قرأت "وميا آتاكيم الرسيول فخذوه وميا نهاكيم
عنيه فانتهوا"! قالت :بلى .قال :فإنيه قيد نهيى عنيه ..الحدييث .وقيد مضيى القول فييه فيي "النسياء"
مستوفى.
@قوله تعالى" :وما آتاكم الرسول فخذوه" وإن جاء بلفظ اليتاء وهو المناولة فإن معناه المر؛
بدليل قوله تعالى" :وما نهاكم عنه فانتهوا" فقابله بالنهي ،ول يقابل النهي إل بالمر؛ والدليل على
فهيم ذلك ميا ذكرناه قبيل ميع قوله علييه الصيلة والسيلم( :إذا أمرتكيم بأمير فأتوا منيه ميا اسيتطعتم،
وإذا نهيتكيم عين شييء فاجتنبوه) .وقال الكلبيي :إنهيا نزلت فيي رؤوسياء المسيلمين ،قالوا فيميا ظهير
عليه رسول ال من أموال ،المشركين :يا رسول ال ،خذ صفيك والربع ،ودعنا والباقي؛ فهكذا كنا
نفعل في الجاهلية .وأنشدوه:
وحكمك والنشيطة والفضول لك المرباع منها والصفايا
فأنزل ال تعالى هذه اليية" .واتقوا ال" أي عذاب ال ،إنيه شدييد لمين عصياه .وقييل :اتقوا ال فيي
أوامره ونواهيه فل تضيعوها" .إن ال شديد العقاب" لمن خالف ما أمره به.
**3اليية{ 8 :للفقراء المهاجريين الذيين أخرجوا مين ديارهيم وأموالهيم يبتغون فضل مين ال
ورضوانا وينصرون ال ورسوله أولئك هم الصادقون}
@ أي الفيء والغنائم "للفقراء المهاجرين" .وقيل" :كي ل يكون دولة بين الغنياء" ولكن يكون
"للفقراء" .وقييل :هيو بيان لقوله" :ولذي القربيى واليتاميى والمسياكين وابين السيبيل" فلميا ذكروا
بأصنافهم قيل المال لهؤلء ،لنهم فقراء ومهاجرون وقد أخرجوا من ديارهم؛ فهم أحق الناس به.
وقييل" :ولكين ال يسيلط رسيله على مين يشاء" للفقراء المهاجريين لكيل يكون المال دولة للغنياء
ميين بنييي الدنيييا .وقيييل :وال شديييد العقاب للمهاجرييين؛ أي شديييد العقاب للكفار بسييبب الفقراء
المهاجريين ومين أجلهيم .ودخيل فيي هؤلء الفقراء المتقدم ذكرهيم فيي قوله تعالى" :ولذي القربيى
واليتاميى" .وقييل :هيو عطيف على ميا مضيى ،ولم يأت بواو العطيف كقولك :هذا المال لزييد لبكير
لفلن لفلن .والمهاجرون هنيا :مين هاجير إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم حبيا فييه ونصيرة له .قال
قتادة :هؤلء المهاجرون الذيين تركوا الديار والموال والهليين والوطان حبيا ل ولرسيول ،حتيى
إن الرجيل منهيم كان يعصيب الحجير على بطنيه ليقييم بيه صيلبه مين الجوع ،وكان الرجيل يتخيذ
الحفيرة فيي الشتاء ماله دثار غيرهيا .وقال عبدالرحمين بين أبزى وسيعيد بين جيبير :كان ناس مين
المهاجريين لحدهيم العبيد والزوجية والدار والناقية يحيج عليهيا ويغزو فنسيبهم ال إلى الفقير وجحيل
لهيم سيهما فيي الزكاة .ومعنيى "أخرجوا مين ديارهيم" أي أخرجهيم كفار مكية؛ أي أحوجوهيم إلى
الخروج؛ وكانوا مائة رجل" .يبتغون" يطلبون" .فضل من ال" أي غنيمة في الدنيا "ورضوانا"
فييي الخرة؛ أي مرضاة ربهييم" .وينصييرون ال ورسييوله" فييي الجهاد فييي سييبيل ال" .أولئك هييم
الصيادقون" فيي فعلهيم ذلك .وروي أن عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه خطيب بالجابيية فقال :مين
أراد أن يسيأل عين القرآن فليأت أبيي بين كعيب ،ومين أراد أن يسيأل عين الفرائض فليأت زييد بين
ثابت ،ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل ،ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني؛ فإن
ال تعالى جعلنيي له خازنيا وقاسيما .أل وإنيي باد بأزواج النيبي صيلى ال علييه وسيلم فمعطيهين ،ثيم
المهاجرين الولين؛ أنا وأصحابي اخرجنا من مكة من ديارنا وأموالنا.
**3اليية{ 9 :والذيين تبوؤا الدار واليمان مين قبلهيم يحبون مين هاجير إليهيم ول يجدون فيي
صييدورهم حاجية مميا أوتوا ويؤثرون على أنفسيهم ولو كان بهييم خصياصة ومين يوق شيح نفسيه
فأولئك هم المفلحون}
@قوله تعالى" :والذيين تبوؤوا الدار واليمان مين قبلهيم" ل خلف أن الذيين تبوؤوا الدار هيم
النصيار الذيين اسيتوطنوا المدينية قبيل المهاجريين إليهيا" .واليمان" نصيب بفعيل غيير تبوأ؛ لن
التبوء إنما يكون في الماكن .و"من قبلهم" "من" صلة تبوأ والمعنى :والذين تبوؤوا الدار من قبل
المهاجرييين واعتقدوا اليمان وأخلصييوه؛ لن اليمان ليييس بمكان يتبوأ؛ كقوله تعالى" :فأجمعوا
أمركم وشركاءكيم" [يونس ]71 :أي وادعوا شركاءكم؛ ذكره أبو علي والزمخشري وغيرهما.
ويكون مين باب قوله :علفتهيا تبنيا وماء باردا .ويجوز حمله على حذف المضاف كأنيه قال :تبوؤوا
الدار ومواضع اليمان .ويجوز حمله على ما دل عليه تبوأ؛ كأنه قال :لزموا الدار ولزموا اليمان
فلم يفارقوهمييا .ويجوز أن يكون تبوأ اليمان عييل طريييق المثييل؛ كمييا تقول :تبوأ ميين بنييي فلن
الصميم .والتبوء :التمكن والستقرار .وليس يريد أن النصار آمنوا قبل المهاجرين ،بل أراد آمنوا
قبل هجرة النبي صلى ال عليه وسلم إليهم.
@ واختلف أيضا هل هذه الية مقطوعة مما قبلها أو معطوفة؛ فتأول قوم أنها معطوفة على قوله
" ":للفقراء المهاجرين" وأن اليات التي في الحشر كلها معطوفة بعضها على بعض .ولو تأملوا
ذلك وأنصييفوا لوجدوه على خلف مييا ذهبوا إليييه؛ لن ال تعالى يقول" :هييو الذي أخرج الذييين
كفروا ميين أهييل الكتاب ميين ديارهييم لول الحشيير مييا ظننتييم أن يخرجوا" إلى قوله "الفاسييقين"
[الحشير ]2 :فأخيبر عين بنيي النضيير وبنيي قينقاع .ثيم قال" :وميا أفاء ال على رسيوله منهيم فميا
أوجفتيم علييه مين خييل ول ركاب ولكين ال يسيلط رسيله على مين يشاء" فأخيبر أن ذلك للرسيول
صلى ال عليه وسلم؛ لنه لم يوجف عليه حين خلوه .وما تقدم فيهم من القتال وقطع شجرهم فقد
كانوا رجعوا عنييه وانقطييع ذلك الميير .ثييم قال" :مييا أفاء ال على رسييوله ميين أهييل القرى فلله
وللرسيول ولذي القربيى واليتاميى والمسياكين وابين السيبيل" وهذا كلم غيير معطوف على الول.
وكذا "والذييين تبوؤوا الدار واليمان" ابتداء كلم فييي مدح النصييار والثناء عليهييم؛ فإنهييم سييلموا
ذلك الفييء للمهاجريين؛ وكأنيه قال؛ الفييء للفقراء المهاجريين؛ والنصيار يحبون لهيم لم يحسيدوهم
على ما صفا لهم من الفيء .وكذا "والذين جاؤوا من بعدهم" [الحشر ]10 :ابتداء كلم؛ والخبر
"يقولون ربنا اغفر لنا" [الحشر.]10 :
وقال إسييماعيل بيين إسييحاق :إن قوله "والذييين تبوؤوا الدار" "والذييين جاؤوا معطوف على مييا
قبل ،وأنهم شركاء في الفيء؛ أي هذا المال للمهاجرين والذين تبوؤوا الدار .وقال مالك بن أوس:
قرأ عمر بن الخطاب رضيي ال عنه هذه اليية "إنما الصدقات للفقراء" [التوبة ]60 :فقال :هذه
لهؤلء .ثم قرأ "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن ل خمسه" فقال :هذه لهؤلء .ثم قرأ "ما أفاء ال
على رسيوله -حتيى بلغ -للفقراء المهاجريين"" ،والذيين تبوؤوا الدار واليمان"" ،والذيين جاؤوا
مين بعدهم" ثيم قال :لئن عشيت ليأتين الراعيي وهو بسيرو حميير نصييبه منهيا لم يعرق فيهيا جيبينه.
وقييل :إنيه دعيا المهاجريين والنصيار واسيتشارهم فيميا فتيح ال علييه مين ذلك ،وقال لهيم :تثبتوا
المير وتدبروه ثيم أغدوا علي .ففكير فيي ليلتيه فتيبين له أن هذه اليات فيي ذلك أنزلت .فلميا غدوا
علييه قال :قيد مررت البارحية باليات التيي فيي سيورة "الحشير" وتل "ميا أفاء ال على رسيوله من
أهييل القرى -إلى قوله -للفقراء المهاجرييين" فلمييا بلغ قوله" :أولئك هييم الصييادقون" [الحجرات:
]15قال :ما هي لهؤلء فقط .وتل قوله" :والذين جاؤوا من بعدهم" إلى قوله "رؤوف رحيم"
[الحشر ]10 :ثم قال :ما بقي أحد من أهل السلم إل وقد دخل في ذلك .وال اعلم.
@ روى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر قال :لول من يأتي من آخر الناس ما فتحت قرية
إل قسمتها كميا قسيم رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم خييبر .وفيي الروايات المسيتفيضة مين الطرق
الكثيرة :أن عمر أبقى سواد العراق ومصر وما ظهر عليه من الغنائم؛ لتكون من أعطيات المقاتلة
وأرزاق الحشوة والذراري ،وأن الزبيير وبلل وغيير واحيد مين الصحابة أرادوه على قسم ما فتح
عليهيم؛ فكره ذلك منهيم واختلف فيميا فعيل مين ذلك؛ فقييل :إنيه اسيتطاب أنفيس أهيل الجييش؛ فمين
رضيي له بترك حظيه بغيير ثمين ليبقييه للمسيلمين قلة .ومين أبيى أعطاه ثمين حظيه .فمين قال :إنميا
أبقى الرض بعد استطابة أنفس القوم جعل فعله كفعل النبي صلى ال عليه وسلم؛ لنه قسم خيبر،
لن اشتراءه إياهيا وترك مين ترك عين طييب نفسيه بمنزلة قسيمها .وقييل :إنيه أبقاهيا بغيير شييء
أعطاه أهيل الجيوش .وقييل إنيه تأول فيي ذلك قول ال سيبحانه وتعالى" :للفقراء المهاجريين -إلى
قوله -ربنا إنك رؤوف رحيم" على ما تقدم .وال اعلم.
@ واختلف العلماء فيي قسيمة العقار؛ فقال مالك :للمام أن يوقفهيا لمصيالح المسيلمين .وقال أبيو
حنيفية :المام مخيير بين أن يقسمها أو يجعلها وقفا لمصيالح المسيلمين .وقال الشافعيي :لييس للمام
حبسيها عنهم بغير رضاهم ،بل يقسمها عليهم كسائر الموال .فمن طاب نفسا عن حقه للمام أن
يجعله وقفيا عليهيم فله .ومين لم تطيب نفسيه فهيو أحيق بمال .وعمير رضيي ال عنيه اسيتطاب نفوس
الغانمين واشتراها منهم.
قلت :وعلى هذا يكون قوله" :والذين جاؤوا من بعدهم" [الحشر ]10 :مقطوعا مما قبله ،وانهم
ندبوا بالدعاء للولين والثناء عليهم.
@ قال ابن وهب :سمعت مالكا يذكر فضل المدينة على غيرها من الفاق فقال :إن المدينة تبوئت
باليمان والهجرة ،وإن غيرهيا مين القرى افتتحيت بالسييف؛ ثيم قرأ "والذيين تبوؤوا الدار واليمان
ميين قبلهييم يحبون ميين هاجيير إليهييم" الييية .وقييد مضييى الكلم فييي هذا ،وفييي فضييل الصييلة فييي
المسجدين :المسجد الحرام ومسجد المدينة؛ فل معنى للعادة.
@قوله تعالى" :ول يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا" يعني ل يحسدون المهاجرين على ما
خصوا به من مال الفيء وغيره؛ كذلك قال الناس .وفيه تقدير حذف مضافين؛ المعنى مس حاجة
ميين فقييد مييا أوتوا .وكييل مييا يجييد النسييان فييي صييدره ممييا يحتاج إلى إزالتييه فهييو حاجيية .وكان
المهاجرون فيي دور النصيار ،فلميا غنيم علييه الصيلة والسيلم أموال بنيي النضيير ،دعيا النصيار
وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين في إنزالهم إياهم في منازلهم ،وإشراكهم في أموالهم .ثم قال:
(إن أحببتيم قسيمت ميا أفاء ال علي مين بنيي النضيير بينكيم وبينهيم ،وكان المهاجرون على ميا هيم
عليه من السكنى فيي مساكنكم وأموالكم وإن أحببتم أعطيتهيم وخرجوا من دوركم) .فقال سعد بن
عبادة وسعد بن معاذ :بل نقسمه بين المهاجرين ،ويكونون في دورنا كما كانوا .ونادت النصار:
رضينيا وسيلمنا ييا رسيول ال ،فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :اللهيم ارحيم النصيار وأبناء
النصيار) .وأعطيى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم المهاجريين ولم يعيط النصيار شيئا إل الثلثية
الذين ذكرناهم .ويحتمل أن يريد به "ول يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا" إذا كان قليل بل
يقنعون به ويرضون عنه .وقد كانوا على هذه الحالة حين حياة النبي صلى ال عليه وسلم دنيا ،ثم
كانوا علييه بعيد موتيه صيلى ال علييه وسيلم بحكيم الدنييا .وقيد أنذرهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم
وقال( :سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض).
@قوله تعالى" :ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" في الترمذي عن أبي هريرة :أن
رجل بات بيه ضييف فلم يكين عنده إل قوتيه وقوت صيبيانه؛ فقال لمرأتيه :نوميي الصيبية وأطفئي
السيييراج وقربيييي للضييييف ميييا عندك؛ فنزلت هذه اليييية "ويؤثرون على أنفسيييهم ولو كان بهيييم
خصياصة" قال :هذا حدييث حسين صيحيح .خرجيه مسيلم أيضيا .وخرج عين أبيي هريرة قال :جاء
رجييل إلى رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم فقال :إنييي مجهود .فأرسييل إلى بعييض نسييائه فقالت:
والذي بعثيك بالحيق ميا عندي إل ماء .ثيم أرسيل إلى الخرى فقالت مثيل ذلك؛ حتيى قلن كلهين مئل
ذلك :ل والذي بعثك بالحق ما عندي إل ماء .فقال :من يضيف هذا الليلة رحمه ال؟ فقام رجل من
النصار فقال :أنا يا رسول ال .فانطلق به إلى رحله فقال لمرأته :هل عندك شيء؟ قالت :ل ،إل
قوت صيبياني .قال :فعلليهيم بشييء فإذا دخيل ضيفنيا فأطفئي السيراج وأرييه أنيا نأكيل؛ فإذا أهوى
ليأكيل فقوميي إلى السيراج حتيى تطفئييه .قال :فقعدوا وأكيل الضييف .فلميا أصيبح غدا على النيبي
صلى ال عليه وسلم فقال( :قد عجب ال -عز وجل -من صنيعكما بضيفكما الليلة) .وفي رواية
عين أبيي هريرة فال :جاء رجييل إلى رسيول ال صييلى ال عليييه وسييلم ليضيفيه فلم يكين عنده ميا
يضيفه .فقال( :أل رجل يضيف هذا رحمه ال)؟ فقام رجل من النصار يقال له أبو طلحة .فانطلق
بيه إلى رحله...؛ وسياق الحدييث بنحيو الذي قبله ،وذكير فييه نزول اليية .وذكير المهدوي عين أبيي
هريرة أن هذا نزل فيي ثابيت بين قييس ورجيل من النصيار -نزل بيه ثابيت -يقال له أبيو المتوكيل،
فلم يكين عنيد أبيي المتوكيل إل قوتيه وقوت صيبيانه؛ فقال لمرأتيه :أطفئي السيراج ونوميي الصيبية؛
وقدم ما كان عنده إلى ضيفه.
وكذا ذكير النحاس قال :قال أبيو هريرة :نزل برجيل مين النصيار -يقال له أبيو المتوكيل -ثابيت
بيين قيييس ضيفييا ،ولم يكيين عنده إل قوتييه وقوت صييبيانه؛ فقال لمرأتييه :أطفئي السييراج ونومييي
الصييييبية؛ فنزلت "ويؤثرون على أنفسييييهم ولو كان بهييييم خصيييياصة -إلى قوله -فأولئك هييييم
المفلحون" .وقييل :إن فاعيل ذلك أبيو طلحية .وذكير القشيري أبيو نصير عبدالرحييم بين عبدالكرييم:
وقال ابن عمر :أهدي لرجل من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم رأس شاة فقال :إن أخي
فلنيا وعياله أحوج إلى هذا منيا؛ فبعثيه إليهيم ،فلم يزل يبعيث بيه واحيد إلى آخير حتيى تداولهيا سيبعة
أبيات ،حتييى رجعييت إلى أولئك؛ فنزلت "ويؤثرون على أنفسييهم" .ذكره الثعلبييي عيين أنييس قال:
أهدي لرجيل مين الصيحابة رأس شاة وكان مجهودا فوجيه بيه إلى جار له ،فتداولتيه سيبعة أنفيس فيي
سبعة أبيات ،ثم عاد إلى الول؛ فنزلت" :ويؤثرون على أنفسهم" الية .وقال ابن عباس قال النبي
للنصار يوم بني النضير( :إن شئتم قسمت للمهاجرين من دياركم وأموالكم وشاركتموهم في هذه
الغنيمية وإن شئتيم كانيت لكيم دياركيم وأموالكيم ولم نقسيم لكيم مين الغنيمية شيئا) فقالت النصيار :بيل
نقسييم لخواننييا ميين ديارنييا وأموالنييا ونؤثرهييم بالغنيميية؛ فنزلت "ويؤثرون على أنفسييهم" الييية.
والول أصييح .وفييي الصييحيحين عيين أنييس :أن الرجييل كان يجعييل للنييبي صييلى ال عليييه وسييلم
النخلت مين أرضيه حتيى فتحيت علييه قريظية والنضيير ،فجعيل بعيد ذلك يرد علييه ميا كان أعطاه.
لفيظ مسيلم .وقال الزهري عين أنيس بين مالك :لميا قدم المهاجرون مين مكية المدينية قدموا ولييس
بأيديهيم شييء ،وكان النصيار أهيل الرض والعقار ،فقاسيمهم النصيار على أن أعطوهيم أنصياف
ثمار أموالهم كل عام ويكفونهم العمل والمؤونة؛ وكانت أم أنس بن مالك تدعي أم سليم ،وكانت أم
عبدال بن أبي طلحة ،كان أخا لنس لمه؛ وكانت أعطت أم أنس رسول ال صلى ال عليه وسلم
عذاقيا لهيا؛ فأعطاهيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أم أيمين مولتيه ،ثيم أسيامة بين زييد .قال ابين
شهاب :فأخيبرني أنيس بين مالك :أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لميا فرغ مين قتال أهيل خييبر
وانصرف إلى المدينة ،رد المهاجرون إلى النصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم .قال:
فرد رسول ال صيلى ال عليه وسلم إلى أمي عذاقها ،وأعطى رسيول ال صلى ال عليه وسلم أم
أيمن مكانهن من حائطه .خرجه مسلم أيضا.
@ اليثار :هيو تقدييم الغيير على النفيس وحظوظهيا الدنيويية ،ورغبية فيي الحظوظ الدينيية .وذلك
ينشيأ عين قوة اليقيين ،وتوكييد المحبية ،والصيبر على المشقية .يقال :آثرتيه بكذا؛ أي خصيصته بيه
وفضلته .ومفعول اليثار محذوف؛ أي يؤثرونهم على أنفسهم بأموالهم ومنازلهم ،ل عن غنى بل
مع احتياجهم إليها؛ حسب ما تقدم ببانه .وفي موطأ مالك" :أنه بلغه عن عائشة زوج النبي صلى
ال عليه وسلم ،أن مسكينا سألها وهي صائمة وليس في بيتها إل رغيف؛ فقالت لمولة لها :أعطيه
إياه؛ فقالت :لييس لك ميا تفطريين علييه؟ فقالت :أعطييه إياه .قالت :ففعلت .قالت :فلميا أمسيينا أهدى
لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يهدي لنا :شاة وكفنها .فدعتني عائشة فقالت :كلي من هذا ،فهذا خير
من قرصك .قال علماؤنا :هذا من المال الرابح ،والفعل الزاكي عند ال تعالى يعجل منه ما يشاء،
ول ينقص ذلك مما يدخره عنه .ومن ترك شيئا ل لم يجد فقده .وعائشة رضي ال عنها في فعلها
هذا مين الذيين أثنيى ال عليهيم بأنهيم يؤثرون على أنفسيهم ميع ميا هيم فييه مين الخصياصة ،وأن مين
فعيل ذلك فقيد وقيى شيح نفسيه وأفلح فلحيا ل خسيارة بعده .ومعنيى (شاة وكفنهيا) فإن العرب -أو
بعيض العرب أو بعيض وجوههيم -كان هذا مين طعامهيم ،يأتون إلى الشاة أو الخروف إذا سيلخوه
غطوه كله بعجييين البر وكفنوه بييه ثييم علقوه فييي التنور ،فل يخرج ميين ودكييه شيييء إل فييي ذلك
الكفن؛ وذلك من طيب الطعام عندهم.
وروى النسيائي عين نافيع أن ابين عمير اشتكيى واشتهيى عنبيا ،فاشترى له عنقود بدرهيم ،فجاء
مسيكين فسيأل؛ فقال :اعطوه إياه؛ فخالف إنسيان فاشتراه بدرهيم ،ثيم جاء بيه إلى ابين عمير ،فجاء
المسكين فسأل؛ فقال :أعطوه إياه؛ ثم خالف إنسان فاشتراه بدرهم ،ثم جاء به إليه؛ فأراد السائل أن
يرجيع فمنيع .ولو علم ابين عمير أنيه ذلك العنقود ميا ذاقيه؛ لن ميا خرج ل ل يعود فييه .وذكير ابين
المبارك قال :أخبرنيا محميد بين مطرف قال :حدثنيا أبيو حازم عين عبدالرحمين بين سيعيد بين يربوع
عن مالك الدار :أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه أخذ أربعمائة دينار ،فجعلها في صرة ثم قال
للغلم :اذهيب بهيا إلى أبيي عيبيدة بين الجراح ،ثيم تلكيأ سياعة فيي البييت حتيى تنظير ماذا يصينع بهيا.
فذهب بها الغلم إليه فقال :يقول لك أمير المؤمنين :اجعل هذه في بعض حاجتك؛ فقال :وصله ال
ورحميه ،ثيم قال :تعالي ييا جاريية ،اذهيبي بهذه السيبعة إلى فلن ،وبهذه الخمسية إلى فلن؛ حتيى
أنفذهيا .فرجيع الغلم إلى عمير ،فأخيبره فوجده قيد أعيد مثلهيا لمعاذ بين جبيل؛ وقال :اذهيب بهذا إلى
معاذ بين جبيل؛ وتلكيأ فيي البييت سياعة حتيى تنظير ماذا يصينع ،فذهيب بهيا إلييه فقال :يقول لك أميير
المؤمنين :اجعل هذه في بعض حاجتك ،فقال :رحمه ال ووصله ،وقال :يا جارية ،اذهبي إلى بيت
فلن بكذا وبييت فلن بكذا ،فاطلعيت امرأة معاذ فقالت :ونحين! وال مسياكين فأعطنيا .ولم يبيق فيي
الخرقية إل ديناران قيد جاء بهميا إليهيا .فرجيع الغلم إلى عمير فأخيبره فسير بذلك عمير وقال :إنهيم
إخوة! بعضهم من بعض.
ونحوه عين عائشية رضيي ال عنهيا فيي إعطاء معاويية إياهيا ،وكان عشرة آلف وكان المنكدر
دخيل عليهيا .فإن قييل :وردت أخبار صيحيحة فيي النهيي عين التصيدق بجمييع ميا يملكيه المرء ،قييل
له :إنما كره ذلك في حق من ل يوثق منه الصبر على الفقر ،وخاف أن يتعرض للمسألة إذا فقد ما
ينفقيه .فأميا النصيار الذيين أثنيى ال عليهيم باليثار على أنفسيهم ،فلم يكونوا بهذه الصيفة ،بيل كانوا
كمييا قال ال تعالى" :والصييابرين فييي البأسيياء والضراء وحييين البأس" [البقرة .]177 :وكان
اليثار فيهييم أفضييل ميين المسيياك .والمسيياك لن ل يصييبر ويتعرض للمسييألة أولى ميين اليثار.
وروي أن رجل جاء إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم بمثيل البيضية مين الذهيب فقال :هذه صيدقة،
فرماه بها وقال( :يأتي أحدكم بجميع ما يملكه فيتصدق به ثم يقعد يتكفف الناس) .وال اعلم.
@ واليثار بالنفس فوق اليثار بالمال وإن عاد إلى النفس .ومن المثال السائرة:
والجود بالنفس أقصى غاية الجود
ومن عبارات الصوفية الرشيقة في حد المحبة :أنها اليثار ،أل ترى أن امرأة العزيز لما تناهت
فيي حبهيا ليوسيف علييه السيلم ،آثرتيه على نفسيها فقالت :أنيا راودتيه عين نفسيه .وأفضيل الجود
بالنفيس الجوة على حمايية رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،ففيي الصيحيح أن أبيا طلحية ترس على
النبي صلى ال عليه وسلم يوم أحد ،وكان النبي صلى ال عليه وسلم يتطلع ليرى القوم .فيقول له
أبيو طلحية :ل تشرف ييا رسيول ال! ل يصييبونك! نحري دون نحرك ووقيى بيده رسيول ال صيلى
ال عليه وسلم فشلت .وقال حذيفة العدوي :انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي -ومعي شيء
مين الماء -وأنا أقول :إن كان به رميق سقيته ،فإذا أنا بيه ،فقلت له :أسقيك ،فأشار برأسيه أن نعيم،
فإذا أنيا برجيل يقول :آه! آه! فأشار إلي ابين عميي أن انطلق إلييه ،فاذا هيو هشام بين العاص فقلت:
أسقيك؟ فأشار أن نعم .فسمع آخر يقول :آه! آه! فأشار هشام أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات.
فرجعييت إلى هشام فإذا هييو قييد مات .فرجعييت إلى ابيين عمييي فإذا هييو قييد مات .وقال أبييو يزيييد
البسطامي :ما غلبني أحد ما غلبني شاب من أهل بلخ! قدم علينا حاجا فقال لي :يا أبا يزيد ،ما حد
الزهد عندكم؟ فقلت :إن وجدنا أكلنا .وإن فقدنا صبرنا .فقال :هكذا كلب بلخ عندنا .فقلت :وما حد
الزهيد عندكيم؟ قال :إن فقدنيا شكرنيا ،وإن وجدنيا آثرنيا .وسيئل ذو النون المصيري :ميا حيد الزاهيد
المنشرح صدره؟ قال ثلث :تفريق المجموع ،وترك طلب المفقود ،واليثار عند القوت.
وحكيي عين أبيي الحسين النطاكيي :أنيه اجتميع عنده نييف وثلثون رجل بقريية مين قرى الري،
ومعهيم أرغفية معدودة ل تشبيع جميعهيم ،فكسيروا الرغفان وأطفؤوا السيراج وجلسيوا للطعام؛ فلميا
رفييع فإذا الطعام بحاله لم يأكييل منييه أحييد شيئا؛ إيثارا لصيياحبه على نفسييه .العاشرة :قوله تعالى:
"ولو كان بهم خصاصة" الخصاصة :الحاجة التي مختل بها الحال .وأصلها من الختصاص وهو
انفراد بالمر .فالخصاصة النفراد بالحاجة؛ أي ولو كان بهم فاقة وحاجة .ومنه قول الشاعر.
عاش السقيم به وأثرى المقتر أما الربيع إذا تكون خصاصة
@قوله تعالى" :ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" الشح والبخل سواء؛ يقال :رجل شحيح
بين الشح والشح والشحاحة .قال عمرو بن كلثوم:
عليه لماله فيها مهينا ترى اللحز الشحيح إذا مرت
وجعيل بعيض أهيل اللغية الشيح أشيد مين البخيل .وفيي الصيحاح :الشيح البخيل ميع حرص؛ تقول:
شححت (بالكسر) تشح .وشححت أيضا تشح وتشح .ورجل شحيح ،وقوم شحاح وأشحة .والمراد
باليية :الشيح بالزكاة وميا لييس بفرض مين صيلة ذوي الرحام والضيافية ،وميا شاكيل ذلك .فلييس
بشحييح ول بخييل مين أنفيق فيي ذلك وإن أمسيك عين نفسيه .ومين وسيع على نفسيه ولم ينفيق فيميا
ذكرناه مين الزكوات والطاعات فلم يوق شيح نفسيه .وروى السيود عين ابين مسيعود أن رجل أتاه
فقال له :إني أخاف أن أكون قد هلكت؟ قال :وما ذاك؟ قال :سمعت ال عز وجل يقول" :ومن يوق
شح نفسه فأولئك هم المفلحون" وأنا رجل شحيح ل أكاد أن أخرج من يدي شيئا .فقال ابن مسعود:
ليييس ذلك بالشييح الذي ذكره ال تعالى فييي القرآن ،إنمييا الشييح الذي ذكره ال تعالى فييي القرآن أن
تأكيل مال أخييك ظلميا ،ولكين ذلك البخيل ،وبئس الشييء البخيل .ففرق رضيي ال عنيه بيين الشيح
والبخيل .وقال طاوس :البخيل أن يبخيل النسيان بميا فيي يده ،والشيح أن يشيح بميا فيي أيدي الناس،
يحييب أن يكون له مييا فييي أيديهييم بالحييل والحرام ،ل يقنييع .ابيين جييبير :الشييح منييع الزكاة وادخار
الحرام .ابن عيينة :الشح الظلم .الليث :ترك الفرائض وانتهاك المحارم .ابن عباس :من اتبع هواه
ولم يقبل اليمان فذلك الشحيح .ابن زيد :من لم يأخذ شيئا لشيء نهاه ال عنه ،ولم يدعه الشح على
أن يمنيع شيئا مين شييء أمره ال بيه ،فقيد وقاه ال شيح نفسيه .وقال أنيس :قال النيبي صيلى ال علييه
وسلم( :بريء من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأعطى في النائبة) .وعنه أن النبي صلى
ال علييه وسيلم كان يدعيو (اللهيم إنيي أعوذ بيك مين شيح نفسيي وإسيرافها ووسياوسها) .وقال أبيو
الهياج السدي :رأيت رجل في الطواف يدعو :اللهم قني شح نفسي .ل يزيد على ذلك شيئا ،فقلت
له؟ فقال :إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل .فاذا الرجل عبدالرحمن بن عوف.
قلت :يدل على هذا قوله صيلى ال علييه وسيلم( :اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامية واتقوا
الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) .وقد بيناه
في آخر "آل عمران" .وقال كسرى لصحابه :أي شيء أضر بابن آدم؟ قالوا :الفقر .فقال كسرى:
الشح أضر من الفقر؛ لن الفقير إذا وجد شبع ،والشحيح إذا وجد لم يشبع أبدا.
**3الية{ 10 :والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليمان
ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}
@قوله تعالى" :والذيين جاؤوا من بعدهيم" يعنيي التابعيين ومن دخل في السيلم إلى يوم القيامية.
قال ابيين أبييي ليلى :الناس على ثلثيية منازل :المهاجرون ،والذييين تبوؤوا الدار واليمان ،والذييين
جاؤوا من بعدهم .فاجهد أل تخرج من هذه المنازل .وقال بعضهم :كن شمسا ،فإن لم تستطع فكن
قمرا ،فإن لم تسيتطع فكين كوكبيا مضيئا ،فإن لم تسيتطع فكين كوكبيا صيغيرا ،ومين جهية النور ل
تنقطيع .ومعنيى هذا :كين مهاجرييا .فإن قلت :ل أجيد ،فكين أنصياريا .فإن لم تجيد فاعميل كأعمالهيم،
فإن لم تسيتطع فأحبهيم واستغفر لهيم كميا أمرك ال .وروى مصيعب بن سيعد قال :الناس على ثلثية
منازل ،فمضيت منزلتان وبقييت منزلة؛ فأحسين ميا أنتيم علييه أن تكونوا بهذه المنزلة التيي بقييت.
وعن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي ال عنه ،أنه جاءه رجل
فقال له :يا ابن بنت رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ما تقول في عثمان؟ فقال له :يا أخي أنت من
قوم قال ال فيهم" :للفقراء المهاجرين" الية .قال ل قال :فوال لئن لم تكن من أهل الية فأنت من
قوم قال ال فيهييم" :والذييين تبوؤوا الدار واليمان" الييية .قال ل قال :فوال لئن لم تكيين ميين أهييل
الية الثالثة لتخرجن من السلم وهي قوله تعالى" :والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا
ولخواننا الذين سبقونا باليمان" الية .وقد قيل :إن محمد بن علي بن الحسين ،رضي ال عنهم،
روى عن أبيه :أن نفرا من أهل العراق جاؤوا إليه ،فسبوا أبا بكر وعمر -رضي ال عنهما -ثم
عثمان -رضيي ال عنيه -فأكثروا؛ فقال لهيم :أمين المهاجريين الوليين أنتيم؟ قالوا ل .فقال :أفمين
الذين تبوؤوا الدار واليمان من قبلهم؟ فقالوا ل .فقال :قد تبرأتم من هذين الفريقين! أنا أشهد أنكم
لستم من الذين قال ال عز وجل" :والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين
سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم" قوموا ،فعل ال بكم
وفعل ذكره النحاس.
@ هذه اليية دلييل على وجوب محبية الصيحابة؛ لنيه جعيل لمين بعدهيم حظيا فيي الفييء ميا أقاموا
على محبتهم وموالتهم والستغفار لهم ،وأن من سبهم أو واحدا منهم أو اعتقد فيه شرا إنه ل حق
له فيي ألفييء؛ روي ذلك عين مالك وغيره .قال مالك :مين كان يبغيض أحدا مين أصيحاب محمييد
صلى ال عليه وسلم ،أو كان في قلبه عليهم غل ،فليس له حق في فيء المسلمين؛ ثم قرأ "والذين
جاؤوا من بعدهم" الية.
@ هذه الية تدل على أن الصحيح من أقوال العلماء قسمة المنقول ،وإبقاء العقار والرض شمل
بيين المسيلمين أجمعيين؛ كميا فعيل عمير رضيي ال عنيه؛ إل أن يجتهيد الوالي فينفيذ أمرا فيمضيى
عمله فييه لختلف الناس علييه وأن هذه اليية قاضيية بذلك؛ لن ال تعالى أخيبر عين الفييء وجعله
لثلث طوائف :المهاجريين والنصييار -وهيم معلمون " -والذييين جاؤوا مين بعدهييم يقولون ربنيا
اغفير لنيا ولخواننيا الذيين سيبقونا باليمان" .فهيي عامية فيي جمييع التابعيين والتيين بعدهيم إلى يوم
الدين .وفي الحديث الصحيح :أن النبي صلى ال عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال( :السلم عليكم
دار قوم مؤمنيين وإنيا إن شاء ال بكيم لحقون وددت أن رأييت إخواننيا) قالوا :ييا رسيول ال ،ألسينا
بإخوانيك؟ فقال( :بيل أنتيم أصيحابي وإخواننيا الذيين لم يأتوا بعيد وأنيا فرطهيم على الحوض) .فيبين
صيلى ال علييه وسيلم أن إخوانهيم كيل مين يأتيي بعدهيم؛ ل كميا قال السيدي والكلبيي :إنهيم الذيين
هاجروا بعيد ذلك .وعين الحسين أيضيا "والذيين جاؤوا مين بعدهيم" مين قصيد إلى النيبي إلى المدينية
بعد انقطاع الهجرة.
@قوله تعالى" :يقولون" نصيب فيي موضيع الحال؛ أي قائليين" .ربنيا اغفير لنيا ولخواننيا الذيين
سيبقونا باليمان" فييه وجهان :أحدهميا :أمروا أن يسيتغفروا لمين سيبق هذه المية مين مؤمنيي أهيل
الكتاب .قالت عائشييية رضيييي ال عنهيييا :فأمروا أن يسيييتغفروا لهيييم فسيييبوهم .الثانيييي :أمروا أن
يسيتغفروا للسيابقين الوليين مين المهاجريين والنصيار .قال ابين عباس :أمير ال تعالى بالسيتغفار
لصيحاب محميد صيلى ال علييه وسيلم ،وهيو يعلم أنهيم سييفتنون .وقالت عائشية :أمرتيم بالسيتغفار
لصيحاب محميد فسيببتموهم ،سيمعت نيبيكم صيلى ال علييه وسيلم يقول( :ل تذهيب هذه المية حتيى
يلعن آخرها أولها) وقال ابن عمر :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :إذا رأيتم الذين
يسييبون أصييحابي فقولوا لعيين ال أشركييم) .وقال العوام بيين حوشييب :أدركييت صييدر هذه الميية
يقولون :اذكروا محاسين أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم حتيى تألف عليهيم القلوب ،ول
تذكروا مييا شجيير بينهييم فتجسييروا الناس عليهييم .وقال الشعييبي :تفاضلت اليهود والنصييارى على
الرافضة بخصلة ،سئلت اليهود :من خير أهل ملتكم؟ فقالوا :أصحاب موسى .وسئلت النصارى:
من خير أهل ملتكم؟ فقالوا :أصحاب عيسى .وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم؟ فقالوا :أصحاب
محميد ،أمروا بالسيتغفار لهيم فسيبوهم ،فالسييف عليهيم مسيلول إلى يوم القيامية ،ل تقوم لهيم رايية،
ول تثبت لهم قدم ،ول تجتمع لهم كلمة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها ال بسفك دمائهم وإدحاض
حجتهيم .أعاذنيا ال وإياكيم مين الهواء المضلة" .ول تجعيل فيي قلوبنيا غل للذيين آمنوا ربنيا إنيك
رؤوف رحيم" أي حقدا وحسدا" ربنا إنك رؤوف رحيم".
**3اليية{ 11 :ألم تير إلى الذيين نافقوا يقولون لخوانهيم الذيين كفروا مين أهيل الكتاب لئن
أخرجتم لنخرجن معكم ول نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم وال يشهد إنهم لكاذبون}
@قوله تعالى" :ألم تير إلى الذيين نافقوا" تعجيب مين اغترار اليهود بميا وعدهيم المنافقون مين
النصير ميع علمهيم بأنهيم ل يعتقدون دينيا ول كتابيا .ومين جملة المنافقيين عبدال بين أبيي بين سيلول،
وعبدال بن نبتل ،ورفاعة بن زيد .وقيل :رافعة بن تابوت ،وأوس بن قيظي ،كانوا من النصار
ولكنهيم نافقوا ،وقالوا ليهود قريظية والنضيير" .لئن أخرجتيم لنخرجين معكيم" وقييل :هيو مين قول
بني النضير لقريظة" .ول نطيع فيكم أحدا أبدا" يعنون محمدا صلى ال عليه وسلم؛ ل نطيعه في
قتالكيم .وفيي هذا دلييل على صيحة نبوة محميد صيلى ال علييه وسيلم مين جهية علم الغييب؛ لنهيم
أخرجوا فلم يخرجوا ،وقوتلوا فلم ينصييروهم؛ كمييا قال ال تعالى" :وال يشهييد إنهييم لكاذبون" أي
في قولهم وفعلهم.
**3الية{ 12 :لئن أخرجوا ل يخرجون معهم ولئن قوتلوا ل ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن
الدبار ثم ل ينصرون}
@قوله تعالى" :لئن أخرجوا ل يخرجون معهم ولئن قوتلوا ل ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن
الدبار" أي منهزميين" .ثيم ل ينصيرون" قييل :معنيى "ل ينصيرونهم" طائعيين" .ولئن نصيروهم"
مكرهييين "ليولن الدبار" .وقيييل :معنييى "ل ينصييرونهم" ل يدومون عييل نصييرهم .هذا على أن
الضميرييين متفقان .وقيييل :إنهمييا مختلفان؛ والمعنييى لئن أخرج اليهود ل يخرج معهييم المنافقون،
ولئن قوتلوا ل ينصييرونهم" .ولئن نصييروهم" أي ولئن نصيير اليهود المنافقييين "ليولن الدبار".
وقيييل" :لئن أخرجوا ل يخرجون معهييم" أي علم ال منهييم أنهييم ل يخرجون إن أخرجوا" .ولئن
قوتلوا ل ينصيرونهم" أي علم ال منهيم ذلك .ثيم قال" :ليولن الدبار" فأخيبر عميا قيد أخيبر أنيه ل
يكون كييييف كان يكون لو كان؟ وهيييو كقوله تعالى" :ولو ردوا لعادوا لميييا نهوا عنيييه" [النعام:
.]28وقيل :معنى "ولئن نصروهم" أي ولئن شئنا أن ينصروهم زينا ذلك لهم" .ليولن الدبار".
**3الية{ 13 :لنتم أشد رهبة في صدورهم من ال ذلك بأنهم قوم ل يفقهون}
@قوله تعالى" :لنتم" يا معشر المسلمين "أشد رهبة" أي خوفا وخشية "في صدورهم من ال"
يعنييي صيدور بنيي النضييير .وقييل :فييي صيدور المنافقييين .ويحتمييل أن يرجييع إلى الفريقييين؛ أي
يخافون منكيم أكثير مميا يخافون مين ربهيم ذلك الخوف" .ذلك بأنهيم قوم ل يفقهون" أي ل يفقهون
قدر عظمة ال وقدرته.
**3اليية{ 14 :ل يقاتلونكيم جميعيا إل فيي قرى محصينة أو مين وراء جدر بأسيهم بينهيم شدييد
تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم ل يعقلون}
@قوله تعالى" :ل يقاتلونكيم جميعيا" يعنيي اليهود "إل فيي قرى محصينة" أي بالحيطان والدور؛
يظنون أنها تمنعهم منكم" .أو من وراء جدر" أي من خلف حيطان يستترون بها لجبنهم ورهبتهم.
وقراءة العامية "جدر" على الجميع ،وهيو اختيار أبيي عيبيدة وأبيي حاتيم؛ لنهيا نظيير قوله تعالى:
"فيي قرى محصينة" وذلك جميع .وقرأ ابين عباس ومجاهيد وابين كثيير وابين محيصين وأبيو عمرو
"جدار" على التوحييد؛ لن التوحييد يؤدي عين الجميع .وروي عين بعيض المكييين "جدر" (بفتيح
الجييم وإسيكان الدال)؛ وهيي لغية فيي الجدار .ويجوز أن يكون معناه مين وراء نخيلهيم وشجرهيم؛
يقال :أجدر النخيل إذا طلعيت رؤوسيه فيي أول الربييع .والجدر :نبيت واحدتيه جدرة .وقرئ "جدر"
(بضيم الجييم وإسيكان الدال) جميع الجدار .ويجوز أن تكون اللف فيي الواحيد كألف كتاب ،وفيي
الجميع كألف ظراف .ومثله ناقية هجان ونوق هجان؛ لنيك تقول فيي التثنيية :هجانان؛ فصيار لفيظ
الواحد والجمع مشتبهين في اللفظ مختلفين في المعنى؛ قاله ابن جني.
@قوله تعالى" :بأسهم بينهم شديد" يعني عداوة بعضهم لبعض .وقال مجاهد" :بأسهم بينهم شديد"
أي بالكلم والوعيد لنفعلن كذا .وقال السدي :المراد اختلف قلوبهم حتى ل يتفقوا على أمر واحد.
وقييل" :بأسيهم بينهيم شدييد" أي إذا لم يلقوا عدوا نسيبوا أنفسيهم إلى الشدة والبأس ،ولكين إذا لقوا
العدو انهزموا" .تحسيبهم جميعيا وقلوبهيم شتيى" يعنيي اليهود والمنافقيين؛ قال مجاهيد .وعنيه أيضيا
يعنيي المنافقيين .الثوري :هيم المشركون وأهيل الكتاب .وقال قتادة" :تحسيبهم جميعيا" أي مجتمعيين
على أمير ورأي" .وقلوبهيم شتيى" متفرقية .فأهيل الباطيل مختلفة آراؤهيم ،مختلفة شهادتهيم ،مختلفة
أهواؤهيم وهيم مجتمعون فيي عداوة أهيل الحيق .وعين مجاهيد أيضيا :أراد أن ديين المنافقيين مخالف
لدين اليهود؛ وهذا ليقوي أنفس المؤمنين عليهم .وقال الشاعر :
هي اليوم شتى وهي أمس جمع إلى ال أشكو نية شقت العصا
وفيي قراءة ابين مسيعود "وقلوبهيم أشيت" يعنيي أشيد تشتيتيا؛ أي أشيد اختلفيا" .ذلك بأنهيم قوم ل
يعقلون" أي ذلك التشتيت والكفر بأنهم ل عقل لهم يعقلون به أمر ال.
**3الية{ 15 :كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم}
@ قال ابين عباس :يعنيي بيه قينقاع؛ أمكين ال منهيم قبيل بنيي النضيير .وقال قتادة :يعنيي بنيي
النضير؛ أمكن ال منهم قبل قريظة .مجاهد :يعني كفار قريش يوم بدر .وقيل :هو عام في كل من
انتقيم منيه على كفره قبيل بنيي الضيير مين نوح إلى محميد صيلى ال علييه وسيلم .ومعنيى "وبال"
جزاء كفرهيم .ومين قال :هيم بنيو قريظية ،جعيل "وبال أمرهيم" نزولهيم على حكيم سيعد بين معاذ؛
فحكم فيهم بقتل المقاتل وسبي الذرية .وهو قول الضحاك .ومن قال المراد بنو النضير قال" :وبال
أمرهييم" الجلء والنفييي .وكان بييين النضييير وقريظيية سيينتان .وكانييت وقعيية بدر قبييل غزوة بنييي
النضيير بسيتة أشهير ،فلذلك قال" :قريبيا" وقيد قال قوم :غزوة بنيي النضيير بعيد وقعية أحيد" .ولهيم
عذاب أليم" في الخرة.
**3اليية{ 17 - 16 :كمثيل الشيطان إذ قال للنسيان اكفير فلميا كفير قال إنيي برييء منيك إنيي
أخاف ال رب العالمين ،فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين}
@قوله تعالى" :كمثيل الشيطان إذ قال للنسيان اكفير" هذا ضرب مثيل للمنافقيين واليهود فيي
تخاذلهيم وعدم الوفاء فيي نصيرتهم .وحذف حرف العطيف ،ولم يقيل :وكمثيل الشيطان؛ لن حذف
حرف العطف كثير كما تقول :أنت عاقل أنت كريم أنت عالم .وقد روي عن النبي صلى ال عليه
وسيلم :أن النسيان الذي قال له الشيطان اكفير ،راهيب تركيت عنده امرأة أصيابها لميم ليدعيو لهيا،
فزيين له الشيطان فوطئهيا فحملت ،ثيم قتلهيا خوفيا أن يفتضيح ،فدل الشيطان قومهيا على موضعهيا،
فجاؤوا فاستنزلوا الراهب ليقتلوه ،فجاء الشيطان فوعده أنه إن سجد له أنجاه منهم ،فسجد له فتبرأ
منيه فأسيلمه .ذكره القاضيي إسيماعيل وعلي بين المدينيي عين سيفيان بين عيينية عين عمرو بين دينار
عين عروة بين عامير عين عبييد بين رفاعية الزرقيي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم .وذكير خيبره
مطول ابن عباس ووهب بن منبه .ولفظهما مختلف.
قال ابن عباس في قوله تعالى" :كمثل الشيطان" :كان راهب في الفترة يقال له :برصيصا؛ قد
تعبد في صومعته سبعين سنة ،لم يعص ال فيها طرفة عين ،حتى أعيا إبليس ،فجمع إبليس مردة
الشياطين فقال :أل أجد منكم من يكفيني أمر برصيصا؟ فقال البيض ،وهو صاحب النبياء ،وهو
الذي قصيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي صيورة جبرييل ليوسيوس إلييه على وجيه الوحيي ،فجاء
جبرييل فدخيل بينهميا ،ثيم دفعيه بيده حتيى وقيع بأقصيى الهنيد فذلك قوله تعالى" :ذي قوة عنيد ذي
العرش مكيين" [التكويير ]20 :فقال :أنيا أكفيكيه؛ فانطلق فتزييا بزي الرهبان ،وحلق وسيط رأسيه
حتيى أتيى صيومعة برصييصا فناداه فلم يجبيه؛ وكان ل ينفتيل مين صيلته إل فيي كيل عشرة أيام
يوما ،ول يفطر إل في كل عشره أيام؛ وكان يواصل العشرة اليام والعشرين والكثر؛ فلما رأى
البيض أنه ل يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته؛ فلما انفتل برصيصا من صلته ،رأى
البيض قائما يصلي في هيئة حسنة من هيئة الرهبان؛ فندم حين لم يجبه ،فقال :ما حاجتك؟ فقال:
أن أكون معك ،فأتأدب بأدبك ،وأقتبس من عملك ،ونجتمع على العبادة؛ فقال :إني في شغل عنك؛
ثم أقبل على صلته؛ وأقبل البيض أيضا على الصلة؛ فلما رأى برصيصا شدة اجتهاده وعبادته
قال له :ما حاجتك؟ فقال :أن تأذن لي فارتفع إليك .فأذن له فأقام البيض معه حول ل يفطر إل في
كل أربعن يوما يوما واحدا ،ول ينفتل من صلته إل في كل أربعين يوما ،وربما مد إلى الثمانين؛
فلميا رأى برصييصا اجتهاده تقاصيرت إلييه نفسيه .ثيم قال البييض :عندي دعوات يشفيي ال بهيا
السقيم والمبتلي والمجنون؛ فعلمه إياها .ثم جاء إلى إبليس فقال :قد وال أهلكت الرجل .ثم تعرض
لرجل فخنقه ،ثم قال لهله -وقد تصور في صورة الدميين : -إن بصاحبكم جنونا أفأطبه؟ قالوا
نعم .فقال :ل أقوى على جنيته ،ولكن اذهبوا به إلى برصيصا ،فإن عنده اسم ال العظم الذي إذا
سئل به أعطى،واذا دعي به أجاب؛ فجاؤوه فدعا بتلك الدعوات ،فذهب عنه الشيطان.
ثيم جعيل البييض يفعيل بالناس ذلك ويرشدهيم إلى برصييصا فيعافون .فانطلق إلى جاريية مين
بنات الملوك بيين ثلثية إخوة ،وكان أبوهيم ملكيا فمات واسيتخلف أخاه ،وكان عمهيا ملكيا فيي بنيي
إسرائيل فعذبها وخنقها .ثم جاء إليهم في صورة رجل متطبب ليعالجها فقال :إن شيطانها مارد ل
يطاق ،ولكن اذهبوا بها إلى برصيصا فدعوها عنده ،فإذا جاء شيطانها دعا لها فبرئت؛ فقالوا :ل
يجيبنا إلى هذا؛ قال :فابنوا صومعة في جانب صومعته ثم ضعوها فيها ،وقولوا :هي أمانة عندك
فاحتسب فيها .فسألوه ذلك فأبى فبنوا صومعة ووضعوا فيها الجارية؛ فلما انفتل من صلته عاين
الجاريية وميا بهيا مين الجمال فأسيقط فيي يده ،فجاءهيا الشيطان فخنقهيا فانفتيل مين صيلته ودعيا لهيا
فذهب عنها الشيطان ،ثم أقبل على صلته فجاءها الشيطان فخنقها .وكان يكشف عنها ويتعرض
بهيا لبرصييصا ،ثيم جاءه الشيطان فقال :ويحيك! واقعهيا ،فميا تجيد مثلهيا ثيم تتوب بعيد ذلك .فلم يزل
به حتى واقعها فحملت وظهر حملها .فقال له الشيطان :ويحك! قد افتضحت .فهل لك أن تقتلها ثم
تتوب فل تفتضيح ،فإن جاؤوك وسيألوك فقيل جاءهيا شيطانهيا فذهيب بهيا .فقتلهيا برصييصا ودفنهيا
ليل؛ فأخيذ الشيطان طرف ثوبهيا حتيى بقيي خارجيا مين التراب؛ ورجيع برصييصا إلى صيلته .ثيم
جاء الشيطان إلى إخوتهيا فيي المنام فقال :إن برصييصا فعيل بأختكيم كذا وكذا ،وقتلهيا ودفنهيا فيي
جبييل كذا وكذا؛ فاسييتعظموا ذلك وقالوا لبرصيييصا :مييا فعلت أختنييا؟ فقال :ذهييب بهييا شيطانهييا؛
فصدقوه وانصرفوا.
ثم جاءهم الشيطان في المنام وقال :إنها مدفونة في موضع كذا وكذا ،وإن طرف ردائها خارج
ميين التراب؛ فانطلقوا فوجدوهييا ،فهدموا صييومعته وأنزلوه وخنقوه ،وحملوه إلى الملك فأقيير على
نفسيه فأمير بقتله .فلميا صيلب قال الشيطان :أتعرفنيي؟ قال ل وال قال :أنيا صياحبك الذي علمتيك
الدعوات ،أميا اتقييت ال أميا اسيتحيت وأنيت أعبيد بنيي إسيرائيل ثيم لم يكفيك صينيعك حتيى فضحيت
نفسييك ،وأقررت عليهييا وفضحييت أشباهييك ميين الناس فان مييت على هذه الحالة لم يفلح أحييد ميين
نظرائك بعدك .فقال :كييف أصينع؟ قال :تطيعنيي فيي خصيلة واحدة وأنجييك منهيم وآخيذ بأعينهيم.
قال :ومييا ذاك؟ قال تسييجد لي سييجدة واحدة؛ فقال :أنييا أفعييل؛ فسييجد له ميين دون ال .فقال :يييا
برصييصا ،هذا أردت منيك؛ كان عاقبية أمرك أن كفرت بربيك ،إنيي برييء منيك ،إنيي أخاف ال
رب العالمين.
@ وقال وهيب بين منبيه :إن عابدا كان فيي بنيي إسيرائيل ،وكان مين أعبيد أهيل زمانيه ،وكان فيي
زمانه ثلثة إخوة لهم أخت ،وكانت بكرا ،ليست لهم أخت غيرها ،فخرج البعث على ثلثتهم ،فلم
يدروا عنيد مين يخلفون أختهيم ،ول عنيد مين يأمنون عليهيا ،ول عنيد مين يضعونهيا .قال فاجتميع
رأيهيم على أن يخلفوهيا عنيد عابيد بنيي إسيرائيل ،وكان ثقية فيي أنفسيهم ،فأتوه فسيألوه أن يخلفوهيا
عنده ،فتكون فيي كنفيه وجواره إلى أن يقفلوا مين غزاتهيم ،فأبيى ذلك عليهيم وتعوذ بال منهيم ومين
أختهيم .قال فلم يزالوا بيه حتيى أطمعهيم فقال :أنزلوهيا فيي بييت حذاء صيومعتي ،فأنزلوهيا فيي ذلك
البييت ثيم انطلقوا وتركوهيا ،فمكثيت فيي جوار ذلك العابيد زمانيا ،ينزل إليهيا الطعام مين صيومعته،
فيضعه عند باب الصومعة ،ثم يغلق بابه ويصعد في صومعته ،ثم يأمرها فتخرج من بيتها فتأخذ
ميا وضيع لهيا مين الطعام .قال :فتلطيف له الشيطان فلم يزل يرغبيه فيي الخيير ،ويعظيم عليه خروج
الجاريية مين بيتهيا نهارا ،ويخوفيه أن يراهيا أحيد فيعلقهيا .قال :فلبيث بذلك زمانيا ،ثيم جاءه إبلييس
فرغبه في الخير والجر ،وقال له :لو كنت تمشي إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها كان أعظم
لجرك؛ قال :فلم يزل بيه حتيى مشيى إليهيا بطعامهيا فوضعيه فيي بيتهيا ،قال :فلبثيت بذلك زمانيا ثيم
جاءه إبليس فرغبه في الخير وحضه عليه ،وقال :لو كنت تكلمها وتحدثها فتأنس بحديثك ،فإنها قد
اسيتوحشت وحشية شديدة .قال :فلم يزل بيه حتيى حدثهيا زمانيا يطلع عليهيا مين فوق صيومعته .قال:
ثم أتاه إبليس بعد ذلك فقال :لوكنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتحدثها وتقعد على باب
بيتهيا فتحدثيك كان أنيس لهيا .فلم يزل بيه حتيى أنزله وأجلسيه على باب صيومعته يحدثهيا ،وتخرج
الجارية من بيتها ،فلبثا زمانيا يتحدثان ،ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والثواب فيما يصنع بها،
وقال :لو خرجيت مين باب صيومعتك فجلسيت قريبيا مين باب بيتهيا كان آنيس لهيا .فلم يزل بيه حتيى
فعل .قال :فلبثا زمانا ،ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وفيما له من حسن الثواب فيما يصنع بها،
وقال له :لو دنوت مين باب بيتهيا فحدثتهيا ولم تخرج ميين بيتهيا ،ففعيل .فكان ينزل ميين صيومعته
فيقعيد على باب بيتهيا فيحدثهيا .فلبثيا بذلك حينيا ثيم جاءه إبلييس فقال :لو دخلت البييت معهيا تحدثهيا
ولم تتركهيا تيبرز وجههيا لحيد كان أحسين بيك .فلم يزل بيه حتيى دخيل البييت ،فجعيل يحدثهيا نهاره
كله ،فإذا أمسيى صيعد فيي صيومعته .قال :ثيم أتاه إبلييس بعيد ذلك ،فلم يزل يزينهيا له حتيى ضرب
العابد على فخذها وقبلها .فلم يزل به إبليس يحسنها في عينه ويسول له حتى وقع عليها فأحبلها،
فولدت له غلميا ،فجاءه إبلييس فقال له :أرأييت أن جاء إخوة هذه الجاريية وقيد ولدت منيك! كييف
تصينع! ل آمين علييك أن تفتضيح أو يفضحوك! فاعميد إلى ابنهيا فاذبحيه وادفنيه ،فإنهيا سيتكتم علييك
مخافية إخوتهيا أن يطلعوا على ميا صينعت بهيا ،ففعيل .فقال له :أتراهيا تكتيم إخوتهيا ميا صينعت بهيا
وقتلت ابنها! خذها فاذبحها وادفنها مع ابنها .فلم يزل به حتى ذبحها وألقاها في الحفيرة مع ابنها،
وأطبق عليها صخرة عظيمة ،وسوى عليها التراب ،وصعد في صومعته يتعبد فيها؛ فمكث بذلك
ما شاء ال أن يمكث؛ حتى قفل إخوتها من الغزو ،فجاؤوه فسألوه عنها فنعاها لهم وترحم عليها،
وبكى لهم وقال :كانت خير أمة ،وهذا قبرها فانظروا إليه.
فأتى إخوتها القبر فبكوا على قبرها وترحموا عليها ،وأقاموا على قبرها أياما ثم انصرفوا إلى
أهاليهيم .فلميا جين عليهيم اللييل وأخذوا مضاجعهيم ،أتاهيم الشيطان فيي صيورة رجيل مسيافر ،فبدأ
بأكبرهم فسأله عن أختهم؛ فأخبره بقول العابد وموتها وترحمه عليها ،وكيف أراهم موضع قبرها؛
فكذبه الشيطان وقال :لم يصدقكم أمر أختكم ،إنه قد أحبل أختكم وولدت منه غلما فذبحه وذبحها
معييه فزعييا منكييم ،وألقاهييا فييي حفيرة احتفرهييا خلف الباب الذي كانييت فيييه عيين يمييين ميين دخله.
فانطلقوا فادخلوا البييت الذي كانيت فييه عين يميين مين دخله فإنكيم سيتجدونهما هنالك جميعيا كميا
أخيبرتكم .قال :وأتيى الوسيط فيي منامه وقال له مثل ذلك .ثم أتى أصيغرهم فقال له مثل ذلك .فلميا
اسيتيقظ القوم اسيتيقظوا متعجيبين لميا رأى كيل واحيد منهيم .فأقبيل بعضهيم على بعيض ،يقول كيل
واحيد منهيم :لقيد رأييت عجبيا ،فأخيبر بعضهيم بعضيا بميا رأى .قال أكيبرهم :هذا حلم لييس بشييء،
فامضوا بنيا ودعوا هذا .قال أصيغرهم :ل أمضيى حتيى أتيي ذلك المكان فأنظير فييه .قال :فانطلقوا
جميعا حتى دخلوا البيت الذي كانت فيه أختهم ،ففتحوا الباب وبحثوا الموضع الذي وصف لهم في
منامهم ،فوجدوا أختهم وابنها مذبوحين في الحفيرة كما قيل لهم ،فسألوا العابد فصدق قول إبليس
فيميا صينع بهميا .فاسيتعدوا علييه ملكهيم ،فأنزل مين صيومعته فقدموه ليصيلب ،فلميا أوقفوه على
الخشبية أتاه الشيطان فقال له :قيد علميت أنيي صياحبك الذي فتنتيك فيي المرأة حتيى أحبلتهيا وذبحتهيا
وذبحيت ابنهيا ،فإن أنيت أطعتنيي اليوم وكفرت بال الذي خلقيك خلصيتك مميا أنيت فييه .قال :فكفير
العابد بال؛ فلما كفر خلى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه.
قال :ففييه نزلت هذه اليية" :كمثيل الشيطان إذ قال للنسيان اكفير فلميا كفير قال إنيي برييء منيك
إنييي أخاف ال رب العالمييين -إلى قوله -جزاء الظالمييين .قال ابيين عباس :فضرب ال هذا مثل
للمنافقيين ميع اليهود .وذلك أن ال تعالى أمير نيبيه علييه السيلم أن يجلي بنيي النضيير مين المدينية،
فدس إليهيم المنافقون أل تخرجوا مين دياركيم ،فإن قاتلوكيم كنيا معكيم ،وإن أخرجوكيم كنيا معكيم،
فحاربوا النييبي صييلى ال عليييه وسييلم فخذلهييم المنافقون ،وتييبرؤوا منهييم كمييا تييبرأ الشيطان ميين
برصيييصا العابييد .فكان الرهبان بعييد ذلك ل يمشون إل بالتقييية والكتمان .وطمييع أهييل الفسييوق
والفجور فيي الحبار فرموهيم بالبهتان والقبييح ،حتيى كان أم جرييج الراهيب ،وبرأه ال فانبسيطت
بعده الرهبان وظهروا للناس .وقيل :المعنى مثل المنافقين في غدرهم لبني النضير كمثل إبليس إذ
قال لكفار قريش" :ل غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم" [النفال ]48 :الية .وقال مجاهد
المراد بالنسييان هييا هنييا جميييع الناس فييي غرور الشيطان إياهييم .ومعنييى قوله تعالى" :إذ قال
للنسان اكفر" أي أغواه حتى قال :إني كافر .وليس قول الشيطان" :إني أخاف ال رب العالمين"
حقيقة ،إنما هو على وجه التبرؤ من النسان ،فهو تأكيد لقوله تعالى" :إني بريء منك" وفتح الياء
من "إني" نافع وابن كثير وأبو عمرو .وأسكن الباقون" .فكان عاقبتهما" أي عاقبة الشيطان وذلك
النسييان "أنهمييا فييي النار خالدييين فيهييا" نصييب على الحال .والتثنييية ظاهرة فيميين جعييل الييية
مخصيوصة فيي الراهيب والشيطان .ومين جعلهيا فيي الجنيس فالمعنيى :وكان عاقبية الفريقيين أو
الصينفين .ونصيب "عاقبتهميا" على أنيه خيبر كان .والسيم "أنهميا فيي النار" وقرأ الحسين "فكان
عاقبتهما" بالرفع على الضد من ذلك .وقرأ العمش "خالدان فيها" بالرفع وذلك خلف المرسوم.
ورفعه على أنه خبر "أن" والظرف ملغى.
**3الية{ 18 :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا ال إن ال خبير بما
تعملون}
@قوله تعالى" :ييا أيهيا الذيين آمنوا اتقوا ال" فيي أوامره ونواهييه ،وأداء فرائضيه واجتناب
معاصيه" .ولتنظر نفس ما قدمت لغد" يعني يوم القيامة .والعرب تكني عن المستقبل بالغد .وقيل:
ذكر الغد تنبيها على أن الساعة قريبة؛ كما قال الشاعر:
وإن غدا للناظرين قريب
وقال الحسن وقتادة :قرب الساعة حتى جعلها كغد .ول شك أن كل آت قريب؛ والموت ل محالة
آت .ومعنييى "مييا قدمييت" يعنييي ميين خييير أو شيير" .واتقوا ال" أعاد هذا تكريرا ،كقولك :اعجييل
اعجيل ،ارم ارم .وقييل التقوى الولى التوبية فيميا مضيى مين الذنوب ،والثانيية اتقاء المعاصيي فيي
المستقبل" .إن ال خبير بما تعملون" قال سعيد بن جبير :أي بما يكون منكم .وال اعلم.
**3الية{ 19 :ول تكونوا كالذين نسوا ال فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون}
@قوله تعالى" :ول تكونوا كالذيين نسيوا ال" أي تركوا أمره "فأنسياهم أنفسيهم" أن يعلموا لهيا
خيرا؛ قال ابين حبان .وقييل :نسيوا حيق ال فأنسياهم حيق أنفسيهم؛ قال سيفيان .وقييل" :نسيوا ال"
بترك شكره وتعظيمه" .فأنساهم أنفسهم" بالعذاب أن يذكر بعضهم بعضا؛ حكاه ابن عيسى .وقال
سيهل بين عبدال" :نسيوا ال" عنيد الذنوب "فأنسياهم انفسيهم" عنيد التوبية .ونسيب تعالى الفعيل إلى
نفسيه فيي "أنسياهم" إذ كان ذلك بسيبب أمره ونهييه الذي تركوه .وقييل :معناه وجدهيم تاركيين أمره
ونهيه؛ كقولك :أحمدت الرجل إذا وجدته محمودا .وقيل" :نسوا ال" في الرخاء "فأنساهم أنفسهم"
فيي الشدائد" .أولئك هيم الفاسيقون" قال ابين جيبير :العاصيون .وقال ابين زييد :الكاذبون .وأصيل
الفسق الخروج؛ أي الذين خرجوا عن طاعة ال.
**3الية{ 20 :ل يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون}
@قوله تعالى" :ل يسيتوي أصيحاب النار وأصيحاب الجنية" أي فيي الفضيل والرتبية "أصيحاب
الجنة هم الفائزون" أي المقربون المكرمون .وقيل :الناجون من النار .وقد مضى الكلم في معنى
هذه اليية فيي "المائدة" عنيد قوله تعالى" :قيل ل يسيتوي الخيبيث والطييب" [المائدة ]100 :وفيي
سيورة "السجدة" عنيد قوله تعالى" :أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا ل يستوون" [السيجدة.]18 :
وفييي سييورة "ص" "أم نجعييل الذييين آمنوا وعملوا الصييالحات كالمفسييدين فييي الرض أم نجعييل
المتقين كالفجار" [ص ]28 :فل معنى للعادة ،والحمد ل.
**3اليية{ 21 :لو أنزلنيا هذا القرآن على جبيل لرأيتيه خاشعيا متصيدعا مين خشيية ال وتلك
المثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}
@قوله تعالى" :لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا" حث على تأمل مواعظ القرآن وبين
أنييه ل عذر فييي ترك التدبر؛ فإنييه لو خوطييب بهذا القرآن الجبال مييع تركيييب العقييل فيهييا لنقادت
لمواعظه ،ولرأيتها على صلبتها ورزانتها خاشعة متصدعة؛ أي متشققة من خشية ال .والخاشع:
الذليل .والمتصدع :المتشقق .وقيل" :خاشعا" ل بما كلفه من طاعته" .من خشية ال" أن يعصيه
فيعاقبيه .وقييل :هيو على وجيه المثيل للكفار" .وتلك المثال نضربهيا للناس لعلهيم يتفكرون" أي أنيه
لو أنزل هذا القرآن على جبييل لخشييع لوعده وتصييدع لوعيده وأنتييم أيهييا المقهورون بإعجازه ل
ترغبون فييي وعده ،ول ترهبون ميين وعيده وقيييل :الخطاب للنييبي صييلى ال عليييه وسييلم؛ أي لو
أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت ،وتصدع من نزوله عليه؛ وقد أنزلناه عليك وثبتناك
له؛ فيكون ذلك امتنانا عليه أن ثبته لما ل تثبت له الجبال .وقيل :إنه خطاب للمة ،وأن ال تعالى
لو أنذر بهذا القرآن الجبال لتصدعت من خشية ال .والنسان أقل قوة وأكثر ثباتا؛ فهو يقوم بحقه
إن أطاع ،ويقدر على رده إن عصى؛ لنه موعود بالثواب ،ومزجور بالعقاب.
**3الية{ 22 :هو ال الذي ل إله إل هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم}
@قوله تعالى" :هيو ال الذي ل إله إل هيو عالم الغييب والشهادة" قال ابين عباس :عالم السير
والعلنيية .وقييل :ميا كان وميا يكون .وقال سيهل .عالم بالخرة والدنييا .وقييل" :الغييب" ميا لم يعلم
العباد ول عاينوه" .والشهادة" ما علموا وشاهدوا" .هو الرحمن الرحيم".
**3الية{ 23 :هو ال الذي ل إله إل هو الملك القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز الجبار
المتكبر سبحان ال عما يشركون}
@قوله تعالى" :هو ال الذي ل إله إل هو الملك القدوس" أي المنزه عن كل نقص ،والطاهر عن
كيل عييب .والقدس (بالتحرييك) :السيطل بلغية أهيل الحجاز؛ لنيه يتطهير بيه .ومنيه القادوس لواحيد
الوانييي التييي يسييتخرج بهييا الماء ميين البئر بالسييانية .وكان سيييبويه يقول :قدوس وسييبوح؛ بفتييح
أولهميا .وحكيى أبيو حاتيم عين يعقوب أنيه سيمع عنيد الكسيائي أعرابييا فصييحا يكنيي أبيا الدينار يقرأ
"القدوس" بفتح القاف .قال ثعلب :كل اسم على فعول فهو مفتوح الول؛ مثل سفود وكلوب وتنور
وسمور وشبوط ،إل السبوح والقدوس فان الضم فيهما أكثر؛ وقد يفتحان .وكذلك الذروج (بالضم)
وقد يفتح" .السلم" أي ذو السلمة من النقائص .وقال ابن العربي :اتفق العلماء رحمة ال عليهم
على أن معنيى قولنيا فيي ال "السيلم" :النسيبة ،تقديره ذو السيلمة .ثيم اختلفوا فيي ترجمية النسيبة
على ثلثية أقوال :الول :معناه الذي سيلم مين كيل عييب وبرييء مين كيل نقصيى .الثانيي :معناه ذو
السييلم؛ أي المسييلم على عباده فييي الجنيية؛ كمييا قال" :سييلم قول ميين رب رحيييم" [يييس.]58 :
الثالث :أن معناه الذي سلم الخلق من ظلمه.
قلت :وهذا قول الخطابيي؛ وعلييه والذي قبله يكون صيفة فعيل .وعلى أنيه البرييء مين العيوب
والنقائص يكون صفة ذات .وقيل :السلم معناه المسلم لعباده.
@قوله تعالى" :المؤمين" أي المصيدق لرسيله بإظهار معجزاتيه عليهيم ومصيدق المؤمنيين ميا
وعدهم به من الثواب ومصدق الكافرين ما أوعدهم من العقاب .وقيل :المؤمن الذي يؤمن أولياءه
مين عذابيه ويؤمين عباده مين ظلميه؛ يقال :آمنيه مين المان الذي هيو ضيد الخوف؛ كميا قال تعالى:
"وآمنهم من خوف" [قريش ]4 :فهو مؤمن؛ قال النابغة:
ركبان مكة بين الغيل والسند والمؤمن العائذات الطير يمسحها
وقال مجاهد :المؤمن الذي وحد نفسه بقول" :شهد ال أنه ل إله إل هو" [آل عمران .]18 :وقال
ابن عباس :إذا كان يوم القيامة أخرج أهل التوحيد من النار .وأول من يخرج من وافق اسمه اسم
نيبي ،حتيى إذا لم يبيق فيهيا مين يوافيق اسيمه اسيم نيبي قال ال تعالى لباقيهيم :أنتيم المسيلمون وأنيا
السلم ،وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن ،فيخرجهم من النار ببركة هذين السمين" .المهيمن العزيز"
وقال قتادة :المهيميين معناه المشاهييد .وقيييل :الحافييظ .وقال الحسيين :المصييدق؛ "الجبار" قال ابيين
عباس :هو العظيم .وجبروت ال عظمته .وهو على هذا القول صفة ذات ،من قولهم :نخلة جبارة.
قال امرؤ القيس:
وعالين قنوانا من البسر أحمرا سوامق جبار أثيث فروعه
يعنيي النخلة التيي فاتيت الييد .فكان هذا السيم يدل على عظمية ال وتقديسيه عين أن تناله النقائص
وصفات الحدث .وقيل :هو من الجبر وهو الصلح ،يقال :جبرت العظم فجبر ،إذا أصلحته بعد
الكسر ،فهو فعال من جبر إذا أصلح الكسير وأغنى الفقير .وقال الفراء :هو من أجبره على المر
أي قهره .قال :ولم أسييمع فعال ميين أفعييل إل فييي جبار ودراك ميين أدرك .وقيييل :الجبار الذي ل
تطاق سطوته" .المتكبر" الذي تكبر بربوبيته فل شيء مثله .وقيل :المتكبر عن كل سوء المتعظم
عما ل يليق به من صفات الحدث والذم .وأصل الكبر والكبرياء المتناع وقلة النقياد .وقال حميد
بن ثور:
بها كبرياء الصعب وهي ذلول عفت مئل ما يعفو الفصيل فأصبحت
والكيبرياء فيي صيفات ال مدح ،وفيي صيفات المخلوقيين ذم .وفيي الصيحيح عين أبيي هريرة أن
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال فيميا يروييه عين ربيه تبارك وتعالى أنيه قال( :الكيبرياء ردائي
والعظمية إزاري فمين نازعنيي فيي واحيد منهميا قصيمته ثيم قذفتيه فيي النار) .وقييل :المتكيبر معناه
العالي .وقيل :معناه الكبير لنه أجل من أن يتكلف كبرا .وقد يقال :تظلم بمعنى ظلم ،وتشتم بمعنى
شتيم ،واسيتقر بمعنيى قير .كذلك المتكيبر بمعنيى الكيبير .ولييس كميا يوصيف بيه المخلوق إذا وصيف
بتفعيل إذا نسيب إلى ميا لم يكين منيه .ثيم نزه نفسيه فقال" :سيبحان ال" أي تنزيهيا لجللتيه وعظمتيه
"عما يشركون".
**3اليية{ 24 :هيو ال الخالق البارئ المصيور له السيماء الحسينى يسيبح له ميا فيي السيماوات
والرض وهو العزيز الحكيم}
@قوله تعالى" :هييو ال الخالق البارئ المصييور" "الخالق" هنييا المقدر .و"البارئ" المنشييئ
المخترع .و"المصييور" مصييور الصييور ومركبهييا على هيئات مختلفييه .فالتصييوير مرتييب على
الخلق والبرايية وتابيع لهميا .ومعنيى التصيوير التخطييط والتشكييل .وخلق ال النسيان فيي أرحام
المهات ثلث خلق :جحله علقة ،ثم مضغة ،ثم جعله صورة وهو التشكيل الذي يكون به صورة
وهيئة يعرف بها ويتميز عن غيره بسمتها .فتبارك ال أحسن الخالقين .وقال النابغة:
الخالق البارئ المصور في الي يأرحام ماء حتى يصير دما
وقيد جعيل بعيض الناس الخلق بمعنيى التصيوير ،ولييس كذلك ،وإنميا التصيوير آخرا والتقديير أول
والبراييية بينهمييا .ومنيه قول الحيق" :وإذ تخلق ميين الطيين كهيئة الطييير" [المائدة .]110 :وقال
زهير:
ولنت تفري ما خلقت وبعي يض القوم يخلق ثم ل يفري
يقول :تقدم ما تقدر ثم تفريه ،أي تمضيه على وفق تقديرك ،وغيرك يقدر ما ل يتم له ول يقع فيه
مراده ،إمييا لقصييوره فييي تصييور تقديره أو لعجزه عيين تمام مراده .وقييد أتينييا على هذا كله فييي
"الكتاب السينى فيي شرح أسيماء ال الحسينى" والحميد ل .وعين حاطيب بين أبيي بلتعية أنيه قرأ
"البارئ المصور" بفتح الواو ونصب الراء ،أي الذي يبرأ المصور ،أي يميز ما يصوره بتفاوت
الهيئات .ذكره الزمخشري" .له السماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والرض وهو العزيز
الحكييم" تقدم الكلم فييه .وعين أبيي هريرة قال :سيألت خليلي أبيا القاسيم رسيول ال صيلى ال علييه
وسيلم عين اسيم ال العظيم فقال( :ييا أبيا هريرة ،علييك بآخير سيورة الحشير فأكثير قراءتهيا) فأعدت
علييه فأعاد علي ،فأعدت علييه فأعاد علي .وقال جابر بين زييد :إن اسيم ال العظيم هيو ال لمكان
هذه اليية .وعين أنيس بين مالك :أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :مين قرأ سيورة الحشير
غفر ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) .وعن أبي أمامة قال :قال النبي صلى ال عليه وسلم( :من
قرأ خواتييم سيورة الحشير فيي لييل أو نهار فقبضيه ال فيي تلك الليلة أو ذلك اليوم فقيد أوجيب ال له
الجنة).
**2سورة الممتحنة
**3مقدمة السورة
@ الممتحنية (بكسير الحاء) أي المختيبرة ،أضييف الفعيل إليهيا مجازا ،كميا سيميت سيورة "التوبية"
المبعثرة والفاضحية؛ لميا كشفيت مين عيوب المنافقيين .ومين قال فيي هذه السيورة :الممتحنية (بفتيح
الحاء) فإنيه أضافهيا إلى المرأة التيي نزلت فيهيا ،وهيي أم كلثوم بنيت عقبية بين أبيي معييط ،قال ال
تعالى" :فامتحنوهن ال أعلم بإيمانهن" [الممتحنة ]10 :الية .وهي امرأة عبدالرحمن بن عوف،
ولدت له إبراهيم بن عبدالرحمن.
**3الية{ 1 :يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا
بميا جاءكيم مين الحيق يخرجون الرسيول وإياكيم أن تؤمنوا بال ربكيم إن كنتيم خرجتيم جهادا فيي
سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد
ضل سواء السبيل}
@قوله تعالى" :ييا أيهيا الذيين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكيم أولياء" عدّى اتخيذ إلى مفعوليين
وهما "عدوكم أولياء" .والعدو فعول من عدا ،كعفو من عفا .ولكونه على زنة المصدر أوقع على
الجماعة إيقاعه على الواحد.
روى الئمية -واللفيظ لمسيلم -عين علي رضيي ال عنيه قال :بعثنيا رسيول ال صيلى ال علييه
وسييلم أنييا والزبييير والمقداد فقال( :ائتوا روضيية خاخ فإن بهييا ظعينيية معهييا كتاب فخذوه منهييا)
فانطلقنيا تعادى بنيا خيلنيا ،فإذا نحين بالمرأة ،فقلنيا :أخرجيي الكتاب ،فقالت :ميا معيي كتاب .فقلنيا:
لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب ،فأخرجته من عقاصها .فأتينا به رسول ال صلى ال عليه وسلم
فإذا فيه :من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول
ال صيلى ال علييه وسيلم .فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ييا حاطيب ميا هذا؟ قال ل تعجيل
علي يا رسول ال ،إني كنت أمرأ ملصقا في قريش قال سفيان :كان حليفا لهم ،ولم يكن من أنفسها
وكان ممين كان معيك مين المهاجريين لهيم قرابات يحمون بهيا أهلييم ،فأحببيت إذ فاتنييي ذلك مين
النسيب فيهيم أن اتخيذ فيهيم يدا يحمون بهيا قرابتيي ،ولم أفعله كفرا ول ارتدادا عين دينيي ،ول رضيا
بالكفير بعيد السيلم .فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :صيدق) .فقال عمير :دعنيي ييا رسيول ال
أضرب عنيق هذا المنافيق .فقال( :إنيه قيد شهيد بدرا وميا يدرييك لعيل ال اطلع على أهيل بدر فقال
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) فأنزل ال عز وجل" :يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم
أولياء" .قيل :اسم المرأة سارة من موالي قريش .وكان في الكتاب" :أما بعد ،فإن رسول ال صلى
ال علييه وسيلم قيد توجيه إليكيم بجييش كاللييل يسيير كالسييل ،وأقسيم بال لو لم يسير إليكيم إل وحده
لظفره ال بكم ،وأنجز له موعده فيكم ،فإن ال وليه وناصره .ذكره بعض المفسرين.
وذكير القشيري والثعلبيي :أن حاطيب بين أبيي بلتعية كان رجل مين أهيل اليمين ،وكان له حلف
بمكة في بني أسد بن عبدالعزى رهط الزبير بن العوام .وقيل :كان حليفا للزبير بن العوام ،فقدمت
مين مكة سارة مولة أبيي عمرو بن صييفي بين هشام بين عبيد مناف إلى المدينة ورسول ال صلى
ال علييه وسيلم يتجهيز لفتيح مكية .وقييل :كان هذا فيي زمين الحديبيية؛ فقال لهيا رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم( :أمهاجرة جئت ييا سيارة) .فقالت ل .قال( :أمسيلمة جئت) قالت ل .قال( :فميا جاء بيك)
قالت :كنتييم الهييل والموالي والصييل والعشيرة ،وقييد ذهييب الموالي -تعنييي قتلوا يوم بدر -وقييد
احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني؛ فقال عليه الصلة والسلم( :فأين أنت عن
شباب أهيل مكية) وكانيت مغنيية ،قالت :ميا طلب منيي شييء بعيد وقعية بدر .فحيث رسيول ال صيلى
ال عليه وسلم بني عبدالمطلب وبني المطلب على إعطائها؛ فكسوها وأعطوها وحملوها فخرجت
إلى مكيية ،وأتاهييا حاطييب فقال :أعطيييك عشرة دنانييير وبردا على أن تبلغييي هذا الكتاب إلى أهييل
مكة .وكتب في الكتاب :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم .فخرجت سارة،
ونزل جبريل فأخبر النبي صلى ال عليه وسلم بذلك ،فبعث عليا والزبير وأبا مرثد الغنوي .وفي
رواية :عليا والزبير والمقداد .وفي رواية :أرسل عليا وعمار بن ياسر .وفي رواية :عليا وعمارا
وعمير والزبيير وطلحية والمقداد وأبيا مرثيد -وكانوا كلهيم فرسيانا -وقال لهيم( :انطلقوا حتيى تأتوا
روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها وخلوا سبيلها فان
لم تدفعيه لكيم فأضربوا عنقهيا) فأدركوهيا فيي ذلك المكان ،فقالوا لهيا :أيين الكتاب؟ فحلفيت ميا معهيا
كتاب ،ففتشوا أمتعتهيا فلم يجدوا معهيا كتابيا ،فهموا بالرجوع فقال علي :وال ميا كذبنيا ول كذبنيا!
وسيل سييفه وقال :أخرجيي الكتاب وإل وال لجردنيك ولضربين عنقيك ،فلميا رأت الجيد أخرجتيه
مين ذؤابتهيا -وفيي روايية مين حجزتهيا -فخلوا سيبيلها ورجحوا بالكتاب إلى رسيول ال صيلى ال
عليه وسلم .فأرسل إلى حاطب فقال( :هل تعرف الكتاب؟) قال نعم .وذكر الحديث بنحو ما تقدم.
وروي أن النبي صلى ال عليه وسلم أمن جميع الناس يوم الفتح إل أربعة هي أحدهم.
@ السيورة أصيل فيي النهيي عين مولة الكفار .وقيد مضيى ذلك فيي غيير موضيع .مين ذلك قوله
تعالى" :ل يتخيذ المؤمنون الكافريين أولياء مين دون المؤمنيين" [آل عمران" .]28 :ييا أيهيا الذيين
آمنوا ل تتخذوا بطانية مين دونكيم" [آل عمران" .]118 :ييا أيهيا الذيين آمنوا ل تتخذوا اليهود
والنصيارى أولياء" [المائدة .]51 :ومثله كثيير .وذكير أن حاطبيا لميا سيمع "ييا أيهيا الذيين آمنوا"
غشي عليه من الفرح بخطاب اليمان.
@قوله تعالى" :تلقون إليهم بالمودة" يعني بالظاهر؛ لن قلب حاطب كان سليما؛ بدليل أن النبي
صيلى ال علييه وسيلم قال لهيم( :أميا صياحبكم فقيد صيدق) وهذا نيص فيي سيلمة فؤاده وخلوص
اعتقاده .والباء في "بالمودة" زائدة؛ كما تقول :قرأت السورة وقرأت بالسورة ،ورميت إليه ما في
نفسيي وبميا فيي نفسيي .ويجوز أن تكون ثابتية على أن مفعول "تلقون" محذوف؛ معناه تلقون إليهيم
أخبار رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بسيبب المودة التيي بينكيم وبينهيم .وكذلك "تسيرون إليهيم
بالمودة" أي بسبب المودة .وقال الفراء" :تلقون إليهم بالمودة" من صلة "أولياء" ودخول الباء في
المودة وخروجهيا سيواء .ويجوز أن تتعلق بيي "ل تتخذوا" حال مين ضميره .و"أولياء" صيفة له،
ويجوز أن تكون اسيتئنافا .ومعنيى "تلقون إليهيم بالمودة" تخيبرونهم بسيرائر المسيلمين وتنصيحون
لهيم؛ وقاله الزجاج .الرابعية :مين كثير تطلعيه على عورات المسيلمين وينبيه عليهيم ويعرف عدوهيم
بأخبارهم لم يكن بذلك كافرا إذا كان فعله لغرض دنيوي واعتقاده على ذلك سليم؛ كما فعل حاطب
حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينو الردة عن الدين.
@ إذا قلنا ل يكون بذلك كافرا فهل يقتل بذلك حدا أم ل؟ اختلف الناس فيه؛ فقال مالك وابن القاسم
وأشهيب :يجتهيد فيي ذلك المام .وقال عبدالملك :إذا كانيت عادتيه تلك قتيل ،لنيه جاسيوس ،وقيد قال
مالك بقتيل الجاسيوس -وهيو صيحيح لضراره بالمسيلمين وسيعيه بالفسياد فيي الرض .ولعيل ابين
الماجشون إنما اتخذ التكرار في هذا لن حاطبا أخذ في أول فعله.
@ فإن كان الجاسوس كافرا فقال الوزاعي :يكون نقضا لعهده .وقال أصبغ :الجاسوس الحربي
يقتل ،والجاسوس المسلم والذمي يعاقبان إل إن تظاهرا على السلم فيقتلن .وقد روي عن علي
بين أبيي طالب رضيي ال عنيه أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم أتيى بعيين للمشركيين اسيمه فرات بين
حيان ،فأمير بيه أن يقتيل؛ فصياح :ييا معشير النصيار ،أقتيل وأنيا أشهيد أن ل إله إل ال وأن محمدا
رسيول ال! فأم بيه النيبي صيلى ال علييه وسيلم فخلى سيبيله .ثيم قال( :إن منكيم مين أكله إلى إيمانيه
منهيم فرات بين حيان) .وقوله" :وقيد كفروا" حال ،إميا مين "ل تتخذوا" وإميا مين "تلقون" أي ل
تتولوهيم أو توادوهيم ،وهذه حالهيم .وقرأ الجحدري "لميا جاءكيم" أي كفروا لجيل ميا جاءكيم مين
الحق.
@قوله تعالى" :يخرجون الرسييول" اسييتئناف كلم كالتفسييير لكفرهييم وعتوهييم ،أو حال ميين
"كفروا"" .وإياكييم أن تؤمنوا بال ربكييم" تعليييل لي ي "يخرجون" المعنييى يخرجون الرسييول
ويخرجونكيم مين مكية لن تؤمنوا بال أي لجيل إيمانكيم بال .قال ابين عباس :وكان حاطيب ممين
أخرج ميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم .وقييل :فيي الكلم تقدييم وتأخيير ،والتقديير ل تتخذوا عدوي
وعدوكيم أولياء إن كنتيم خرجتيم مجاهديين فيي سيبيلي .وقييل :فيي الكلم حذف ،والمعنيى إن كنتيم
خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي ،فل تلقوا إليهم بالمودة .وقيل" :إن كنتم خرجتم جهادا
فيي سيبيلي وابتغاء مرضاتيي" شرط وجوابيه مقدم .والمعنيى إن كنتيم خرجتيم جهادا فيي سيبيلي فل
تتخذوا عدوي وعدوكييم أولياء .ونصييب "جهادا" و"ابتغاء" لنييه مفعول .وقوله :تسييرون إليهييم
بالمودة" بدل مين "تلقون" وميبيب عنيه .والفعال تبدل مين الفعال ،كميا قال تعالى" :ومين يفعيل
ذلك يلق أثاما .يضاعف له العذاب" [الفرقان .]68 :وأنشد سيبويه:
تجد حطبا جزل ونارا تأججا متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا
وقييل :هيو على تقديير أنتيم تسيرون إليهيم بالمودة ،فيكون اسيتئنافا .وهذا كله معاتبية لحاطيب .وهيو
يدل على فضله وكرامتيه ونصييحته لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وصيدق إيمانيه ،فإن المعاتبية
ل تكون إل من محب لحبيبه .كما قال:
إذا ما رابني منه اجتناب أعاتب ذا المودة من صديق
ويبقى الود ما بقي العتاب إذا ذهب العتاب فليس ود
ومعنى "بالمودة" أي بالنصيحة في الكتاب إليهم .والباء زائدة كما ذكرنا ،أو ثابتة غير زائدة.
@قوله تعالى" :وأنيا أعلم بميا أخفيتيم" أضمرتيم "وميا أعلنتيم" أظهرتيم .والباء فيي "بميا" زائدة؛
يقال :علمت كذا وعلمت بكذا .وقيل :وأنا اعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون ،فحذف من كل
أحد .كما يقال :فلن اعلم وأفضل من غيره .وقال ابن عباس :وأنا اعلم بما أخفيتم في صدوركم،
وميا أظهرتيم بألسينتكم مين القرار والتوحييد" .ومين يفعله منكيم" أي مين يسير إليهيم ويكاتبهيم منكيم
"فقد ضل سواء السبيل" أي أخطأ قصد الطريق.
**3اليية{ 2 :إن يثقفوكيم يكونوا لكيم أعداء ويبسيطوا إليكيم أيديهيم وألسينتهم بالسيوء وودوا لو
تكفرون}
@قوله تعالى" :إن يثقفوكيم" يلقوكيم ويصيادفوكم؛ ومنيه المثاقفية؛ أي طلب مصيادفة الغرة فيي
المسيايفة وشبههيا .وقييل" :يثقفوكيم" يظفروا بكيم ويتمكنوا منكيم "يكونوا لكيم أعداء ويبسيطوا إليكيم
أيديهييم وألسيينتهم بالسييوء" أي أيديهييم بالضرب والقتييل ،وألسيينتهم بالشتييم" .وودوا لو تكفرون"
بمحمد؛ فل تناصحوهم فإنهم ل يناصحونكم.
**3الية{ 3 :لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم يوم القيامة يفصل بينكم وال بما تعملون بصير}
@قوله تعالى" :لن تنفعكيم أرحامكيم" لميا اعتذر حاطيب بأن له أولدا وأرحاميا فيميا بينهيم ،بيين
الرب عيز وجيل أن الهيل والولد ل ينفعون شيئا يوم القيامية إن عصيي مين أجيل ذلك" .يفصيل
بينكيم" فيدخيل المؤمنيين الجنية ويدخيل الكافريين النار .وفيي "يفصيل" قراءات سيبع :قرأ عاصيم
"يفصل" بفتح الياء وكسر الصاد مخففا .وقرأ حمزة والكسائي مشددا إل أنه على ما لم يسم فاعله.
وقرأ طلحية والنخعيي بالنون وكسير الصياد مشددة .وروي عين علقمية كذلك بالنون مخففية .وقرأ
قتادة وأبيو حيوة "يفصيل" بضيم الياء وكسير الصياد مخففية مين أفصيل .وقرأ الباقون "يفصيل" بياء
مضمومية وتخفييف الفاء وفتيح الصياد على الفعيل المجهول ،واختاره أبيو عبييد .فمين خفيف فلقوله:
"وهيو خيير الفاصيلين" [النعام ]57 :وقوله" :إن يوم الفصيل" [الدخان .]40 :ومين شدد فلن
ذلك أبييين فييي الفعييل الكثييير المكرر المتردد .وميين أتييى بييه على مييا لم يسييم فاعله فلن الفاعييل
معروف .ومين أتيى بيه مسيمى الفاعيل رد الضميير إلى ال تعالى .ومين قرأ بالنون فعلى التعظييم.
"وال بما تعملون بصير".
**3الية{ 5 - 4 :قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم
ومما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بال وحده
إل قول إبراهييم لبييه لسيتغفرن لك وميا أملك لك مين ال مين شييء ربنيا علييك توكلنيا وإلييك أنبنيا
وإليك المصير ،ربنا ل تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم}
@قوله تعالى" :قيد كانيت لكيم أسيوة حسينة فيي إبراهييم" لميا نهيى عيز وجيل عين مولة الكفار ذكير
قصيية إبراهيييم عليييه السييلم ،وأن ميين سيييرته التييبرؤ ميين الكفار؛ أي فاقتدوا بييه وأتموا؛ إل فييي
اسيتغفاره لبييه .والسيوة ميا يتأسيى بيه ،مثيل القدوة والقدوة .ويقال :هيو أسيوتك؛ أي مثلك وأنيت
مثله .وقرأ عاصم "أسوة" بضم الهمزة لغتان" .والذين معه" يعني أصحاب إبراهيم من المؤمنين.
وقال ابن زيد :هم النبياء "إذ قالوا لقومهم" الكفار "إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون ال" أي
الصينام .وبرآء جميع برييء؛ مئل شرييك وشركاء ،وظرييف وظرفاء .وقراءة العامية على وزن
فعلء .وقرأ عيسيى بين عمير وابين أبيي إسيحاق "براء" بكسير الباء على وزن فعال؛ مثيل قصيير
وقصيار ،وطوييل وطوال ،وظرييف وظراف .ويجوز ترل الهمزة حتيى تقول :برا؛ وتنون .وقرئ
"براء" على الوصيف بالمصيدر .وقرئ "براء" على إبدال الضيم مين الكسير؛ كرخال ورباب.
واليية نيص فيي المير بالقتداء بإبراهييم علييه السيلم فيي فعله .وذلك يصيحح أن شرع مين قبلنيا
شرع لنيا فيميا أخيبر ال ورسيوله" .كفرنيا بكيم" أي بميا آمنتيم بيه مين الوثان .وقييل :أي بأفعالكيم
وكذبناهييا وأنكرنييا أن تكونوا على حييق" .وبدا بيننييا وبينكييم العداوة والبغضاء أبدا" أي هذا دأبنييا
معكم ما دمتم على كفركم "حتى تؤمنوا بال وحده" فحينئذ تنقلب المعاداة موالة "إل قول إبراهيم
لبيه لستغفرن لك" فل تتأسوا به في الستغفار فتستغفرون للمشركين؛ فإنه كان عن موعدة منه
له قاله قتادة ومجاهيد وغيرهميا .وقييل :معنيى السيتثناء أن إبراهييم هجير قوميه وباعدهيم إل فيي
الستغفار لببه ،ثم بين عذره في سورة "التوبة".
وفيي هذا دللة على تفضييل نبينيا علييه الصيلة والسيلم على سيائر النيبياء؛ لنيا حيين أمرنيا
بالقتداء بيه أمرنيا أمرا مطلقيا فيي قوله تعالى" :وميا آتاكيم الرسيول فخذوه وميا نهاكيم عنيه فانتهوا"
[الحشير ]7 :وحيين أمرنيا بالقتداء بإبراهييم علييه السيلم اسيتثنى بعيض أفعاله .وقييل :هو اسيتثناء
منقطع؛ أي لكن قول إبراهيم لبيه لستغفرن لك ،إنما جرى لنه ظن أنه أسلم ،فلما بان له أنه لم
يسيلم تيبرأ منيه .وعلى هذا يجوز السيتغفار لمين يظين أنيه أسيلم؛ وأنتيم لم تجدوا مثيل هذا الظين ،فلم
توالوهيم" .وميا أملك لك مين ال مين شييء" هذا مين قول إبراهييم علييه السيلم لبييه؛ أي ميا أدفيع
عنيك مين عذاب ال شيئا إن أشركيت بيه" .ربنيا علييك توكلنيا" هذا مين دعاء إبراهييم علييه السيلم
وأصييحابه .وقيييل :علم المؤمنييين أن يقولوا هذا .أي تييبرؤوا ميين الكفار وتوكلوا على ال وقولوا:
"ربنا عليك توكلنا" أي اعتمدنا "وإليك أنبنا" أي رجعنا "وإليك المصير" لك الرجوع في الخرة
"ربنا ل تجعلنيا فتنة للذيين كفروا" أي ل تظهير عدونيا علينا فيظنوا أنهيم على حيق فيفتتنوا بذلك.
وقيل :ل تسلطهم علينا فيفتنونا ويعذبونا" .واغفر لنا" ذنوبنا "ربنا إنك أنت العزيز الحكيم".
**3الية{ 7 - 6 :لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو ال واليوم الخر ومن يتول فإن
ال هو الغني الحميد ،عسى ال أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة وال قدير وال غفور
رحيم}
@قوله تعالى" :لقد كان لكم فيهم" أي في إبراهيم ومن معه من النبياء والولياء" .أسوة حسنة"
أي فييي التييبرؤ ميين الكفار .وقيييل :كرر للتأكيييد .وقيييل :نزل الثانييي بعييد الول بمدة؛ ومييا أكثيير
المكررات في القرآن على هذا الوجه" .ومن يتول" أي عن السلم وقبول هذه المواعظ "فإن ال
هو الغني" أي لم يتعبدهم لحاجته إليهم" .الحميد" في نفسه وصفاته .ولما نزلت عادى المسلمون
أقرباءهيم مين المشركيين فعلم ال شدة وجيد المسيلمين فيي ذلك فنزلت" :عسيى ال أن يجعيل بينكيم
وبيين الذيين عاديتيم منهيم مودة" وهذا بأن يسيلم الكافير .وقيد أسيلم قوم منهيم بعيد فتيح مكية وخالطهيم
المسلمون؛ كأبي سفيان بن حرب ،والحارث بن هشام ،وسهيل بن عمرو ،وحكيم بن حزام .وقيل:
المودة تزوييج النيبي صيلى ال علييه وسيلم أم حبيبية بنيت أبيي سيفيان؛ فلنيت عنيد ذلك عريكية أبيي
سفيان ،واسترخت شكيمته في العداوة .قال ابن عباس :كانت المودة بعد الفتح تزويج النبي صلى
ال عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان؛ وكانت تحت عبدال بن جحش ،وكانت هي وزوجها من
مهاجرة الحبشة .فأما زوجها فتنصر وسألها أن تتابعه على دينه فأبت وصبرت على دينها ،ومات
زوجهيا على النصيرانية .فبعيث النيبي صيلى ال علييه وسيلم إلى النجاشيي فخطبهيا؛ فقال النجاشيي
لصحابه :من أولكم بها؟ قالوا :خالد بن سعيد بن العاص .قال فزوجها من نبيكم .ففعل؛ وأمهرها
النجاشي من عنده أربعمائة دينار .وقيل :خطبها النبي صلى ال عليه وسيلم إلى عثمان بن عفان،
فلميا زوجيه إياهيا بعيث إلى النجاشيي فيهيا؛ فسياق عنيه المهير وبعيث بهيا إلييه .فقال أبيو سيفيان وهيو
مشرك لميا بلغيه تزوييج النيبي صيلى ال علييه وسيلم ابنتيه :ذلك الفحيل ل يقدع أنفيه" .يقدع" بالدال
غير المعجمة؛ يقال :هدا فحل ل يقدع أنفه؛ أي ل يضرب أنفه .وذلك إذا كان كريما.
**3الية{ 8 :ل ينهاكم ال عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم
وتقسطوا إليهم إن ال يحب المقسطين}
@قوله تعالى" :ل ينهاكم ال عن الذين لم يقاتلوكم في الدين" هذه الية رخصة من ال تعالى في
صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم .قال ابن زيد :كان هذا في أول السلم عند الموادعة
وترك المر بالقتال ثم نسخ .قال قتادة :نسختها "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" [التوبة.]5 :
وقيل :كان هذا الحكم لعلة وهو الصلح ،فلما زال الصلح بفتح مكة نسخ الحكم وبقي الرسم يتلى.
وقييل :هيي مخصيوصة فيي حلفاء النيبي صيلى ال علييه وسيلم ومين بينيه وبينيه عهيد لم ينقضيه؛ قال
الحسن .الكلبي :هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناف .وقاله أبو صالح ،وقال :هم خزاعة .وقال
مجاهد :هي مخصوصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا .وقيل :يعني به النساء والصبيان لنهم ممن
ل يقاتل؛ فأذن ال في برهم .حكاه بعض المفسرين .وقال أكثر أهل التأويل :هي محكمة .واحتجوا
بأن أسيماء بنيت أبيي بكير سيألت النيبي صيلى ال علييه وسيلم :هيل تصيل أمهيا حيين قدميت عليهيا
مشركة؟ قال( :نعم) خرجه البخاري ومسلم .وقيل :إن الية فيها نزلت .روى عامر بن عبدال بن
الزبير عن أبيه :أن أبا بكر الصديق طلق امرأته قتيلة في الجاهلية ،وهي أم أسماء بنت أبي بكر،
فقدميت عليهيم فيي المدة التيي كانيت فيهيا المهادنية بيين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وبيين كفار
قريش ،فأهدت ،إلى أسيماء بنيت أبي بكير الصيديق قرطا وأشياء؛ فكرهيت أن تقبيل منهيا حتيى أتيت
رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم فذكرت ذلك له ،فأنزل ال تعالى" :ل ينهاكييم ال عيين الذييين لم
يقاتلوكم في الدين" .ذكر هذا الخبر الماوردي وغيره ،وخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده.
@قوله تعالى" :أن تيبروهم" "أن" فيي موضيع خفيض على البدل مين "الذيين"؛ أي ل ينهاكيم ال
عن أن تبروا الذين لم يقاتلوكم .وهم خزاعة ،صالحوا النبي صلى ال عليه وسلم على أل يقاتلوه
ول يعينوا عليييه أحدا؛ فأميير بييبرهم والوفاء لهييم إلى أجلهييم؛ حكاه الفراء" .وتقسييطوا إليهييم" أي
تعطوهيم قسيطا مين أموالكيم على وجيه الصيلة .ولييس يرييد بيه مين العدل؛ فإن العدل واجيب فيمين
قاتل وفيمن لم يقاتل؛ قاله ابن العربي.
@ قال القاضيي أبيو بكير فيي كتاب الحكام له :اسيتدل بيه بعيض مين تعقيد علييه الخناصير على
وجوب نفقة البن المسلم على أبيه الكافير .وهذه وهلة عظيمة ،إذ الذن فيي الشيء أو ترك النهي
عنيه ل يدل على وجوبيه ،وإنميا يعطييك الباحية خاصية .وقيد بينيا أن إسيماعيل بين إسيحاق القاضيي
دخل عليه ذمي فأكرمه ،فأخذ عليه الحاضرون في ذلك؛ فتل هذه الية عليهم.
**3الية{ 9 :إنما ينهاكم ال عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على
إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}
@قوله تعالى" :إنما ينهاكم ال عن الذين قاتلوكم في الدين" أي جاهدوكم على الدين "وأخرجوكم
ميين دياركييم" وهييم عتاة أهييل مكيية" .وظاهروا على إخراجكييم" أي عاونوا على إخراجكييم وهييم
مشركيو أهيل مكية "أن تولوهيم" "أن" فيي موضيع جير على البدل على ميا تقدم فيي "أن تيبروهم".
"ومن يتولهم" أي يتخذهم أولياء وأنصارا وأحبابا "فأولئك هم الظالمون".
**3الية{ 10 :يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ال أعلم بإيمانهن
فإن علمتموهين مؤمنات فل ترجعوهين إلى الكفار ل هين حيل لهيم ول هيم يحلون لهين وآتوهيم ميا
أنفقوا ول جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ول تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما
أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم ال يحكم بينكم وال عليم حكيم}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات" لما أمر المسلمين بترك موالة المشركين
اقتضيى ذلك مهاجرة المسيلمين عين بلد الشرك إلى بلد السيلم ،وكان التناكيح مين أوكيد أسيباب
الموالة؛ فييبين أحكام مهاجرة النسيياء .قال ابيين عباس :جرى الصييلح مييع مشركييي قريييش عام
الحديبية ،على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم ،فجاءت سعيدة بنت الحارث السلمية بعد الفراغ
من الكتاب ،والنبي صلى ال عليه وسلم بالحديبية بعد؛ فأقبل زوجها وكان كافرا -وهو صيفي بن
الراهيب .وقييل :مسيافر المخزوميي -فقال :ييا محميد ،اردد علي امرأتيي فإنيك شرطيت ذلك! وهذه
طينية الكتاب لم تجيف بعيد ،فأنزل ال تعالى هذه اليية .وقييل :جاءت أم كلثوم بنيت عقبية بين أبيي
معييط ،فجاء أهلهيا يسيألون رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أن يردهيا .وقييل :هربيت مين زوجهيا
عمرو بيين العاص ومعهييا أخواهييا عمارة والوليييد ،فرد رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم أخويهييا
وحبسيها ،فقالوا للنيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ ردهيا علينيا للشرط ،فقال صيلى ال علييه وسيلم( :كان
الشرط فييي الرجال ل فييي النسيياء) فأنزل ال تعالى هذه الييية .وعيين عروة قال :كان ممييا اشترط
سيهيل بين عمرو على النيبي صيلى ال علييه وسيلم يوم الحديبيية :أل يأتييك منيا أحيد وإن كان على
دينيك إل رددتيه إلينيا ،حتيى أنزل ال تعالى فيي المؤمنات ميا أنزل؛ يوميئ إلى أن الشرط فيي رد
النساء نسخ بذلك .وقيل :إن التي جاءت أميمة بنت بشر ،كانت عند ثابت بن الشمراخ ففرت منه
وهييو يومئذ كافيير ،فتزوجهييا سييهل بيين حنيييف فولدت له عبدال ،قال زيييد بيين حييبيب .كذا قال
الماوردي :أميمية بنيت بشير كانيت عنيد ثابيت بين الشمراخ .وقال المهدوي :وروى ابين وهيب عين
خالد أن هذه اليية نزلت فيي أميمية بنيت بشير مين بنيي عمرو بين عوف .وهيي امرأة حسيان بين
الدحداح ،وتزوجها بعد هجرتها سهل بن حنيف .وقال مقاتل :إنها سعيدة زوجة صيفي بن الراهب
مشرك من أهل مكة .والكثر من أهل العلم أنها أم كلثوم بنت عقبة.
@ واختلف أهل العلم هل دخل النساء في عقد المهادنة لفظا أو عموما؛ فقالت طائفة منهم :قد كان
شرط ردهن في عقد المهادنة لفظا صريحا فنسخ ال ردهن من العقد ومنع منه ،وبقاه في الرجال
على ميا كان .وهذا يدل على أن للنيبي صيلى ال علييه وسيلم أن يجتهيد رأييه فيي الحكام ،ولكين ل
يقره ال على خطأ .وقالت طائفة من أهل العلم :لم يشترط ردهن في العقد لفظا ،وإنما أطلق العقد
فيي رد مين أسيلم؛ فكان ظاهير العموم اشتماله عليهين ميع الرجال .فيبين ال تعالى خروجهين عين
عموميه .وفرق بينهين وبيين الرجال لمريين :أحدهميا :أنهين ذوات فروج يحرمين عليهيم .الثانيي:
أنهن أرق قلوبا وأسرع تقلبا منهم .فأما المقيمة منهن على شركها فمردودة عليهم.
@قوله تعالى" :فامتحنوهن" قيل :إنه كان من أرادت منهن إضرار زوجها فقالت :سأهاجر إلى
محمد صلى ال عليه وسلم؛ فلذلك أمر صلى ال عليه وسلم بامتحانهن .واختلف فيما كان يمتحنهن
بيه على ثلث أقوال :الول :قال ابين عباس :كانيت المحنية أن تسيتحلف بال أنهيا ميا خرجيت مين
بغض زوجها ،ول رغبة من أرض إلى أرض ،ول التماس دنيا ،ول عشقا لرجل منا؛ بل حبا ل
ولرسيوله .فإذا حلفيت بال الذي ل إله إل هيو على ذلك ،أعطيى النيبي صيلى ال علييه وسيلم زوجهيا
مهرهيا وميا أنفيق عليهيا ولم يردهيا؛ فذلك قوله تعالى" :فإن علمتموهين مؤمنات فل ترجعوهين إلى
الكفار ل هن حل لهم ول هم يحلون لهن" .الثانيي :أن المحنة كانت أن تشهد أن ل إله إل ال وأن
محمدا رسول ال؛ قاله ابن عباس أيضا .الثالث :بما بينه في السورة بعد من قوله تعالى" :يا أيها
النيبي إذا جاءك المؤمنات" [الممتحنية ]12 :قالت عائشية رضيي ال عنهيا :ميا كان رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم يمتحين إل باليية التيي قال ال" :إذا جاءك المؤمنات يبايعنيك" [الممتحنية:
]12رواه معمر عن الزهري عن عائشة .خرجه الترمذي وقال :هذا حديث حسن صحيح.
@ أكثر العلماء على أن هذا ناسخ لما كان عليه الصلة والسلم عاهد عليه قريشا ،من أنه يرد
إليهم من جاءه منهم مسلما؛ فنسخ من ذلك النساء .وهذا مذهب من يرى نسخ السنة بالقرآن .وقال
بعييض العلماء :كله منسييوخ فييي الرجال والنسيياء ،ول يجوز أن يهادن المام العدو على أن يرد
إليهيم مين جاءه مسيلما ،لن إقامية المسيلم بأرض الشرك ل تجوز .وهذا مذهيب الكوفييين .وعقيد
الصلح على ذلك جائز عند مالك .وقد احتج الكوفيون لما ذهبوا إليه من ذلك بحديث إسماعيل بن
أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن خالد بن الوليد ،أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعثه إلى
قوم مين خثعيم فاعتصيموا بالسيجود فقتلهيم ،فوداهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بنصيف الديية،
وقال "أنيا بريء من كل مسيلم أقام مع مشرك فيي دار الحرب ل تراءى نارهميا) قالوا :فهذا ناسيخ
لرد المسلمين إلى المشركين ،إذ كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قد بريء ممن أقام معهم في
دار الحرب .ومذهيب مالك والشافعيي أن هذا الحكيم غيير منسيوخ .قال الشافعيي :ولييس لحيد هذا
العقيد إل الخليفية أو رجيل يأمره ،لنيه يلي الموال كلهيا .فمين عقيد غيير الخليفية هذا العقيد فهيو
مردود.
@قوله تعالى" :ال أعلم بإيمانهين" أي هذا المتحان لكيم ،وال اعلم بإيمانهين ،لنيه متولي
السيرائر" .فإن علمتموهن مؤمنات" أي بميا يظهير مين اليمان .وقييل :إن علمتموهن مؤمنات قبيل
المتحان "فل ترجعوهين إلى الكفار ل هين حيل لهيم ول هيم يحلون لهين" أي لم يحيل ال مؤمنية
لكافر ،ول نكاح مؤمن لمشركة.
وهذا أدل دلييل على أن الذي أوجيب فرقية المسيلمة مين زوجهيا إسيلمها ل هجرتهيا .وقال أبيو
حنيفية :الذي فرق بينهميا هيو اختلف الداريين .وإلييه إشارة فيي مذهيب مالك بيل عبارة .والصيحيح
الول ،لن ال تعالى قال" :ل هين حيل لهيم ول هيم يحلون لهين" فيبين أن العلة عدم الحيل بالسيلم
ولييس باختلف الدار .وال اعلم .وقال أبيو عمير :ل فرق بيين الداريين ل فيي الكتاب ول فيي السينة
ول فيي القياس ،وإنميا المراعاة فيي ذلك الدينان ،فباختلفهميا يقيع الحكيم وباجتماعهميا ،ل بالدار.
وال المستعان.
@قوله تعالى" :وآتوهيم ميا أنفقوا" أمير ال تعالى إذا أمسيكت المرأة المسيلمة أن يرد على زوجهيا
ما أنفق وذلك من الوفاء بالعهد ،لنه لما منع من أهله بحرمة السلم ،أمر برد المال إليه حتى ل
يقع عليهم خسران من الوجهين :الزوجة والمال.
@ ول غرم إل إذا طالب الزوج الكافر ،فإذا حضر وطالب منعناها وغرمنا .فإن كانت ماتت قبل
حضور الزوج لم نغرم المهر إذ لم يتحقق المنع .وإن كان المسمى خمرا أو خنزيرا لم نغرم شيئا،
لنه ل قيمة له .وللشافعي في هذه الية قولن :أحدهما :أن هذا منسوخ .قال الشافعي :وإذا جاءتنا
المرأة الحرة مين أهيل الهدنية مسيلمة مهاجرة مين دار الحرب إلى المام فيي دار السيلم أو فيي دار
الحرب ،فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بل عوض .وإذا طلبها زوجها لنفسه أو غيره
بوكالتيه ففييه قولن :أحدهميا :يعطيي العوض ،والقول ميا قال ال عيز وجيل ،وفييه قول آخير :أنيه ل
يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة العوض .فإن شرط المام رد النساء كان الشرط
ورسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أل يرد النسياء كان شرط مين شرط رد النسياء منسيوخا ولييس
عليه عوض ،لن الشرط المنسوخ باطل ول عوض الباطل.
@ أمر ال تعالى برد مثل ما أنفقوا إلى الزواج ،وأن المخاطب بهذا المام ،ينفذ مما بين يديه
من بيت المال الذي ل يتعين له مصرف .وقال مقاتل :يرد المهر الذي يتزوجها من المسلمين ،فإن
لم يتزوجها من المسلمين أحد فليس لزوجها الكافير شيء .وقال قتادة :الحكم في رد الصيداق إنما
هيو فيي نسياء أهيل العهيد؛ فأميا مين ل عهيد بينيه وبيين المسيلمين فل يرد إليهيم الصيداق .والمير كميا
قاله.
@قوله تعالى" :ول جناح عليكيم أن تنكحوهين" يعنيي إذا أسيلمن وانقضيت عدتهين لميا ثبيت مين
تحرييم نكاح المشركية والمعتدة .فإن أسيلمت قبيل الدخول ثبيت النكاح فيي الحال ولهيا التزوج" .إذا
آتيتموهن أجورهن" أباح نكاحها بشرط المهر؛ لن السلم فرق بينها وبين زوجها الكافر.
@قوله تعالى" :ول تمسكوا بعصم الكوافر" قراءة العامة بالتخفيف من المساك .وهو اختيار أبي
عبييد لقوله تعالى" :فأمسيكوهن بمعروف" [البقرة .]231 :وقرأ الحسين وأبيو العاليية وأبيو عمرو
"ول تمسيكوا" مشددة مين التمسيك .يقال :مسيك يمسيك تمسيكا؛ بمعنيى أمسيك يمسيك .وقرئ "ول
تمسييكوا" بنصييب التاء؛ أي ل تتمسييكوا .والعصييم جمييع العصييمة؛ وهييو مييا اعتصييم بييه .والمراد
بالعصيمة هنييا النكاح .يقول :مين كانييت له امرأة كافرة بمكيية فل يعتييد بهيا ،فليسيت له امرأة ،فقيد
انقطعيت عصيمتها لختلف الدارين .وعن النخعيي :هي المسلمة تلحيق بدار الحرب فتكفير؛ وكان
الكفار يتزوجون المسيلمات والمسيلمون يتزوجون المشركات؛ ثيم نسيخ ذلك فيي هذه اليية .فطلق
عمر بن الخطاب حينئذ امرأتين له بمكة مشركتين :قريبة بنت أبي أمية فتزوجها معاوية بن أبي
سيفيان وهميا على شركهميا بمكية .وأم كلثوم بنيت عمرو الخزاعيية أم عبدال بين المغيرة؛ فتزوجهيا
أبيو جهيم بين حذافية وهميا على شركهميا .فلميا ولي عمير قال أبيو سيفيان لمعاويية :طلق قريبية لئل
يرى عمر سلبه في بيتك ،فأبي معاوية من ذلك .وكانت عند طلحة بن عبيدال أروى بنت ربيعة
بيين الحارث بيين عبدالمطلب ففرق السييلم بينهمييا ،ثييم تزوجهييا فييي السييلم خالد بيين سييعيد بيين
العاص ،وكانت ممن فر إلى النبي صلى ال عليه وسلم من نساء الكفار ،فحبسها وزوجها خالدا.
وزوج النيبي صيلى ال علييه وسيلم زينيب ابنتيه -وكانيت كافرة -مين أبيي العاص بين الربييع ،ثيم
أسلمت وأسلم زوجها بعدها .ذكر عبدالرزاق عن ابن جريج عن رجل عن ابن شهاب قال :أسلمت
زينب بنت النبي صلى ال عليه وسلم وهاجرت بعد النبي صلى ال عليه وسلم في الهجرة الولى،
وزوجها أبو العاص بن الربيع عبدالعزى مشرك بمكة .الحديث .وفيه :أنه أسلم بعدها .وكذلك قال
الشعيبي .قال الشعيبي :وكانيت زينيب بنيت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم امرأة أبيي العاص بين
الربيع ،فأسلمت ثم لحقت بالنبي صلى ال عليه وسلم ،ثم أتى زوجها المدينة فأمنته فأسلم فردها
علييه النيبي صيلى ال علييه وسيلم .وقال أبيو داود عين عكرمية عين ابين عباس :بالنكاح الول؛ ولم
يحدث شيئا .قال محمد بن عمر في حديثه :بعد ست سنين .وقال الحسن بن علي :بعد سنتين .قال
أبو عمر :فإن صح هذا فل يخلو من وجهين :إما أنها لم تحض حتى أسلم زوجها ،وإما أن المر
فيهيا منسيوخ بقول ال عيز وجيل" :وبعولتهين أحيق بردهين فيي ذلك" [البقرة ]228 :يعنيي فيي
عدتهين .وهذا ميا ل خلف فييه بيين العلماء أنيه عنيي بيه العدة .وقال ابين شهاب الزهري رحميه ال
فيييي قصييية زينيييب هذه :كان قبيييل أن تنزل الفرائض .وقال قتادة :كان هذا قبيييل أن تنزل سيييورة
"التوبة" بقطع العهود بينهم وبين المشركين .وال اعلم.
@قوله تعالى" :بعصيم الكوافير" المراد بالكوافير هنيا عبدة الوثان مين ل يجوز ابتداء نكاحهيا،
فهي خاصة بالكوافر من غير أهل الكتاب .وقيل :هي عامة ،نسخ منها نساء أهل الكتاب .ولو كان
إلى ظاهر الية لم تحل كافرة بوجه .وعلى القول الول إذا أسلم وثني أو مجوسي ولم تسلم امرأته
فرق بينهمييا .وهذا قول بعييض أهييل العلم .ومنهييم ميين قال :ينتظيير بهييا تمام العدة .فميين قال يفرق
بينهميا فيي الوقيت ول ينتظير تمام العدة إذا عرض عليهيا السيلم ولم تسيلم -مالك بين أنيس .وهيو
قول الحسييين وطاوس ومجاهيييد وعطاء وعكرمييية وقتادة والحكيييم ،واحتجوا بقوله تعالى" :ول
تمسيكوا بعصيم الكوافير" .دوقال الزهري :ينتظير بهيا العدة .وهيو قول الشافعيي وأحميد .واحتجوا
بأن أبا سفيان بن حرب أسلم قبل هند بنت عتبة امرأته ،وكان إسلمه بمر الظهران ثم رجع إلى
مكة وهند بها كافرة مقيمة على كفرها ،فأخذت بلحيته وقالت :اقتلوا الشيخ الضال .ثم أسلمت بعده
بأيام ،فاسييتقرا على نكاحهميا لن عدتهيا لم تكين انقضيت .قالوا :ومثله حكيييم بين حزام أسيلم قبيل
امرأتيه ،ثيم أسيلمت بعده فكانيا على نكاحهميا .قال الشافعيي :ول حجية لمين احتيج بقوله تعالى" :ول
تمسيكوا بعصيم الكوافير" لن نسياء المسيلمين محرمات على الكفار؛ كميا أن المسيلمين ل تحيل لهيم
الكوافير والوثنيات ول المجوسييات بقول ال عيز وجيل" :ول هين حيل لهيم ول هيم يحلون لهين" ثيم
بينت السنة أن مراد ال من قوله هذا أنه ل يحل بعضهم لبعض إل أن يسلم الباقي منهما في العدة.
وأما الكوفيون وهم سفيان وأبو حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا في الكافرين الذميين :إذا أسلمت المرأة
عرض على الزوج السيلم ،فإن أسيلم وإل فرق بينهميا .قالوا :ولو كانيا حربييين فهيي امرأتيه حتيى
تحييض ثلث حييض إذا كانيا جميعيا فيي دار الحرب أو فيي دار السيلم .وإن كان أحدهميا فيي دار
السلم والخر في دار الحرب انقطعت العصمة بينهما فراعوا الدار؛ وليس بشيء .وقد تقدم.
@ هذا الختلف إنمييا هييو فييي المدخول بهييا ،فإن كانييت غييير مدخول بهييا فل نعلم اختلفييا فييي
انقطاع العصيمة بينهميا؛ إذ ل عدة عليهيا .كذا يقول مالك فيي المرأة ترتيد زوجهيا مسيلم :انقطعيت
العصيمة بينهميا .وحجتيه "ول تمسيكوا بعصيم الكوافير" وهيو قول الحسين البصيري والحسين بين
صالح بن حي .ومذهب الشافعي وأحمد أنه ينتظر بها تمام العدة.
@ فإن كان الزوجان نصيرانيين فأسيلمت الزوجية ففيهيا أيضيا اختلف .ومذهيب مالك وأحميد
والشافعيي الوقوف إلى تمام العدة .وهيو قول مجاهيد .وكذا الوثنيي تسيلم زوجتيه ،إنيه إن أسيلم فيي
عدتها فهو أحق بها؛ كما كان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل أحق بزوجتيهما لما أسلما في
عدتيهميا؛ على حدييث ابين شهاب .ذكره مالك فيي الموطيأ .قال ابن شهاب :كان بيين إسيلم صيفوان
وبيين إسيلم زوجتيه نحيو مين شهير .قال ابين شهاب :ولم يبلغنيا أن امرأة هاجرت إلى رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم وزوجهيا كافير مقييم بدار الحرب إل فرقيت هجرتهيا بينيه وبينهيا؛ إل أن يقدم
زوجهيا مهاجرا قبيل أن تنقضيي عدتهيا .ومين العلماء مين قال :ينفسيخ النكاح بينهميا .قال يزييد بين
علقمية :أسيلم جدي ولم تسيلم جدتيي ففرق عمير بينهميا رضيي ال عنيه؛ وهيو قول طاوس .وجماعية
غيره منهم عطاء والحسن وعكرمة قالوا :ل سبيل عليها إل بخطبة.
@قوله تعالى" :واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا" قال المفسرون :كان من ذهب من المسلمات
مرتدات إلى الكفار ميين أهييل العهييد يقال للكفار :هاتوا مهرهييا .ويقال للمسييلمين إذا جاء أحييد ميين
الكافرات مسلمة مهاجرة :ردوا إلى الكفار مهرها .وكان ذلك نصفا وعدل بين الحالتين .وكان هذا
حكيم ال مخصيوصا بذلك الزمان فيي تلك النازلة خاصية بإجماع المية؛ قال ابين العربيي" .ذلكيم
حكيم ال" أي ميا ذكير فيي هذه اليية هيو حكيم ال" .يحكيم بينكيم وال علييم حكييم" .تقدم فيي غيير
موضع.
**3الية{ 11 :وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل
ما أنفقوا واتقوا ال الذي أنتم به مؤمنون}
@قوله تعالى" :وإن فاتكيم شييء مين أزواجكيم " فيي الخيبر :أن المسيلمين قالوا :رضينيا بميا حكيم
ال؛ وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا فنزلت" :وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا
الذيين ذهبيت أزواجهيم مثيل ميا أنفقوا" .وروى الزهري عين عروة عين عائشية رضيي ال عنهيا
قالت :حكيم ال عيز وجيل بينكيم فقال جيل ثناؤه" :واسيألوا ميا أنفقتيم وليسيألوا ميا أنفقوا" فكتيب إليهيم
المسيلمون :قيد حكيم ال عيز وجيل بيننيا بأنيه إن جاءتكيم امرأة منيا أن توجهوا إلينيا بصيداقها ،وإن
جاءتنيا امرأة منكيم وجهنيا إليكيم بصيداقها .فكتبوا إليهيم :أميا نحين فل نعلم لكيم عندنيا شيئا ،فإن كان
لنا عندكم شيء فوجهوا به ،فأنزل ال عز وجل" :وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم
فآتوا الذيين ذهبيت أزواجهيم مثيل ميا أنفقوا" .وقال ابين عباس فيي قوله تعالى" :ذلكيم حكيم ال يحكيم
بينكم" أي بين المسلمين والكفار من أهل العهد من أهل مكة يرد بعضهم إلى بعض .قال الزهري:
ولول العهيد لمسيك النسياء ولم يرد إليهيم صيداقا .وقال قتادة ومجاهيد :إنميا أمروا أن يعطوا الذيين
ذهبيت أزواجهيم مثيل ميا أنفقوا مين الفييء والغنيمية .وقال :هيي فيمين بيننيا وبينيه عهيد ولييس بيننيا
وبينه عهد .وقال :ومعنى "فعاقبتم" فاقتصصتم" .فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا" يعني
الصدقات .فهي عامة في جميع الكفار .وقال قتادة أيضا :وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار
الذين بينكم وبينهم عهد ،فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا .ثم نسخ هذا في سورة "التوبة".
وقال الزهري :انقطيع هذا عام الفتيح .وقال سيفيان الثوري :ل يعميل بيه اليوم .وقال قوم :هيو ثابيت
الحكم الن أيضا .حكاه القشيري.
@قوله تعالى" :فعاقبتم" قراءة العامة "فعاقبتم" وقرأ علقمة والنخعي وحميد والعرج "فعقبتم"
مشددة .وقرأ مجاهد "فأعقبتم" وقال :صنعتم كما صنعوا بكم .وقرأ الزهري "فعقبتم" خفيفة بغير
ألف .وقرأ مسييروق وشقيييق بيين سييلمة "فعقبتييم" بكسيير القاف خفيفيية .وقال :غنمتييم .وكلهييا لغات
بمعنيى واحيد .يقال :عاقيب وعقيب وعقيب وأعقيب وتعقيب واعتقيب وتعاقيب إذا غنيم .وقال القتيبي
"فعاقبتيم" فغزوتيم معاقيبين غزوا بعيد غزو .وقال ابين بحير :أي فعاقبتيم المرتدة بالقتيل فلزوجهيا
مهرهيا مين غنائم المسيلمين" .فآتوا الذيين ذهبيت أزواجهيم مثيل ميا أنفقوا" قال ابين عباس :يقول إن
لحضيت امرأة مؤمنية بكفار أهيل مكية ،ولييس بينكيم وبينهيم عهيد ولهيا زوج مسيلم قبلكيم فغنمتيم،
فأعطوا هذا الزوج المسلم مهره من الغنيمة قبل أن تخمس .وقال الزهري :يعطي من مال الفيء.
وعنيه يعطيى مين صيدق مين لحيق بنيا .وقييل :أي إن امتنعوا مين أن يغرموا مهير هذه المرأة التيي
ذهبيت إليهيم ،فانبذوا العهيد إليهيم حتيى إذا ظفرتيم فخذوا ذلك منهيم .قال العميش :هيي منسيوخة.
وقال عطاء :بيل حكمهيا ثابيت .وقيد تقدم جمييع هذا .القشيري :واليية نزلت فيي أم الحكيم بنيت أبيي
سيفيان ،ارتدت وتركيت زوجهيا عياض بين غنيم القرشيي ،ولم ترتيد امرأة مين قرييش غيرهيا ،ثيم
عادت إلى السيلم .وحكيى الثعلبيي عين ابين عباس :هين سيت نسيوة رجعين عين السيلم ولحقين
بالمشركيين مين نسياء المؤمنيين المهاجريين :أم الحكيم بنيت أبيي سيفيان كانيت تحيت عياض بين أبيي
شداد الفهري .وفاطمية بنيت أبيي أميية بين المغيرة أخيت أم سيلمة ،وكانيت تحيت عمير بين الخطاب،
فلميا هاجير عمير أبيت وارتدت .وبروع بنيت عقبية ،كانيت تحيت شماس بين عثمان .وعبدة بنيت
عبدالعزى ،كانيت تحيت هشام بين العاص .وأم كلثوم بنيت جرول تحيت عمير بين الخطاب .وشهبية
بنيت غيلن .فأعطاهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم مهور نسيائهم مين الغنيمية" .واتقوا ال" احذروا
أن تتعدوا ما أمرتم به.
**3اليية{ 12 :ييا أيهيا النيبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنيك على أن ل يشركين بال شيئا ول
يسيرقن ول يزنيين ول يقتلن أولدهين ول يأتيين ببهتان يفترينيه بيين أيديهين وأرجلهين ول يعصيينك
في معروف فبايعهن واستغفر لهن ال إن ال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك" لما فتح رسول ال صلى ال عليه وسلم
مكة جاء نساء أهل مكة يبايعنه ،فأمر أن يأخذ عليهن أل يشركن .وفي صحيح مسلم عن عائشة
زوج النيبي صيلى ال علييه وسيلم قالت :كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم يمتحن بقول ال تعالى" :يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أل يشركن بال شيئا
ول يسرقن ول يزنين" إلى آخر الية .قالت عائشة :فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة،
وكان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إذا أقررن بذلك مين قولهين قال لهين رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم( :انطلقين فقيد بايعتكين) ول وال ميا مسيت ييد رسيول ال ييد امرأة قيط ،غيير أنيه بايعهين
بالكلم .قالت عائشة :وال ما أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم على النساء قط إل بما أمره ال
عز وجل ،وما مست كف رسول ال صلى ال عليه وسلم كف امرأة قط؛ وكان يقول لهن إذا أخذ
عليهن (قد بايعتكن كلما) .وروي أنه عليه الصلة والسلم بايع النساء وبين يديه وأيديهن ثوب،
وكان يشترط عليهين .وقييل :لميا فرغ مين بيعية الرجال جلس على الصيفا ومعيه عمير أسيفل منيه،
فجعييل يشترط على النسيياء البيعيية وعميير يصييافحهن .وروي أنييه كلف امرأة وقفييت على الصييفا
فبايعتهن .ابن العربي :وذلك ضعيف ،وإنما ينبغي التعويل على ما في الصحيح .وقالت أم عطية:
لما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة جمع نساء النصار في بيت ،ثم أرسل إلينا عمر
بن الخطاب ،فقام على الباب فسلم فرددن عليه السلم ،فقال :أنا رسول رسول ال صلى ال عليه
وسيلم إليكين؛ أل تشركين بال شيئا .فقلن نعيم .فميد يده مين خارج البييت ومددنيا أيدينيا مين داخيل
البييت؛ ثيم قال :اللهيم اشهيد .وروى عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده أن النيبي صيلى ال علييه
وسلم كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء ،فغمس يده فيه ثم أمر النساء فغمسن أيديهن فيه.
@ روي أن النبي صلى ال عليه وسلم لما قال( :على أل يشركن بال شيئا) قالت هند بنت عتبة
وهي منتقبة خوفا من النبي صلى ال عليه وسلم أن يعرفها لما صنعته بحمزة يوم أحد :وال إنك
لتأخذ علينا أمرا ما رأيتك أخذته على الرجال وكان بايع الرجال يومئذ على السلم والجهاد فقط
-فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :ول يسيرفن) فقالت هنيد :إن أبيا سيفيان رجيل شحييح وإنيي
أصيب من ماله قوتنا .فقال أبو سفيان :هو لك حلل .فضحك النبي صلى ال عليه وسلم وعرفها
وقال( :أنت هنيد)؟ فقالت :عفيا ال عما سلف .ثم قال( :ول يزنيين) فقالت هنيد :أو تزنيي الحرة! ثيم
قال( :ول يقتلن أولدهين) أي ل يئدن الموؤودات ول يسيقطن الجنية .فقالت هنيد :ربيناهيم صيغارا
وقتلتهييم كبارا يوم بدر ،فأنتيم وهييم أبصيير .وروى مقاتييل أنهييا قالت :ربيناهييم صيغارا وقتلتموهييم
كبارا ،وأنتيم وهيم اعلم .فضحيك عمير بين الخطاب حتيى اسيتلقى .وكان حنظلة بين أبيي سيفيان وهيو
بكرهيا قتيل يوم بدر .ثيم قال" :ول يأتييين ببهتان يفترينييه بين أيديهيين وأرجلهين ول يعصييينك فييي
معروف" قيل :معنى "بين أيديهن" ألسنتهن بالنميمة .ومعنى بين "أرجلهن" فروجهن .وقيل :ما
كان بين أيديهن من قبلة أو جسة ،وبين أرجلهن الجماع وقيل :المعنى ل يلحقن برجالهن ولدا من
غيرهييم .وهذا قول الجمهور .وكانييت المرأة تلتقييط ولدا فتلحقييه بزوجهييا وتقول :هذا ولدي منييك.
فكان هذا مين البهتان والفتراء .وقييل :ميا بيين يديهيا ورجليهيا كنايية عين الولد؛ لن بطنهيا الذي
تحميل فييه الولد بيين يديهيا ،وفرجهيا الذي تلد منيه بيين رجليهيا .وهذا عام فيي التيان بولد وإلحاقيه
بالزوج وإن سبق النهي عن الزنى.
وروي أن هندا لميا سيمعت ذلك قالت :وال إن البهتان لمير قبييح؛ ميا تأمير إل بالرشيد ومكارم
الخلق! .ثيم قال" :ول يعصيينك فيي معروف" قال قتادة :ل ينحين .ول تخلو امرأة منهين إل بذي
محرم .وقال سعيد بن المسيب ،ومحمد بن السائب وزيد بن أسلم :هو إل يخمشن وجها .ول يشققن
جيبييا ،ول يدعون ويل ول ينشرن شعرا ول يحدثيين الرجال إل ذا محرم .وروت أم عطييية عيين
النبي صلى ال عليه وسلم أن ذلك في النوح .وهو قول ابن عباس .وروى شهر بن حوشب عن أم
سلمة عن النبي صلى ال عليه وسلم "ول يعصينك في معروف" فقال( :هو النوح) .وقال مصعب
بن نوج :أدركت عجوزا ممن بايع النبي صلى ال عليه وسلم ،فحدثتني عنه عليه الصلة والسلم
فيي قوله" :ول يتعصيينك فيي معروف" فقال( :النوح) .وفيي صيحيح مسيلم عين أم عطيية لميا نزلت
هذه اليية" :يبايعنيك على إل يشركين بال شيئا -إلى قوله -ول يعصيينك فيي معروف" قال( :كان
منيه النياحية) قالت :فقلت ييا رسيول ال ،إل آل فلن فإنهيم كانوا أسيعدوني فيي الجاهليية؛ فل بيد لي
مين أن أسيعدهم .فقال ،رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :إل آل فلن) .وعنهيا قالت :أخيذ علينيا
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ميع البيعية إل ننوح؛ فميا وفيت منيا امرأة إل خميس :أم سيليم ،وأم
العلء ،وابنيه أبيي سييرة امرأة معاذ أو ابنية أبيي سيبرة ،وامرأة معاذ .وقييل :إن المعروف هيا هنيا
الطاعة ل ولرسوله؛ قال ميمون بن مهران .وقال بكر بن عبدال المزني :ل يعصينك في كل أمر
فييه رشدهين .الكلبيي :هيو عام فيي كيل معروف أم ال عيز وجيل ورسيول بيه .فروي أن هندا قالت
عند ذلك :ما جلستا في مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء.
@ ذكير ال عيز وجيل ورسيول علييه الصيلة والسيلم فيي صيفة البيعية خصيال شتيى؛ صيرح فيهين
بأركان النهيي فيي الديين ولم يذكير أركان المير .وهيي سيتة أيضيا :الشهادة ،والصيلة ،والزكاة،
والصييام ،والحيج ،والغتسيال مين الجنابية .وذلك لن النهيي دائم فيي كيل الزمان وكيل الحوال؛
فكان التنيبيه على اشتراط الدائم أكيد .وقييل :إن هذه المناهيي كان فيي النسياء كثيير مين يرتكبهيا ول
يحجزهن عنها شرف النسب ،فخصت بالذكر لهذا .ونحو منه قول عليه الصلة والسلم لوفد عبد
القيس( :وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت) فنبههم على ترك المعصية في شرب الخمر
دون سيائر المعاصيي ،لنهيا كانيت شهوتهيم وعادتهيم ،وإذا ترك المرء شهوتيه مين المعاصيي هان
عليه ترك سائرها مما ل شهوة له فيها.
@ لميا قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي البيعية( :ول يسيرقن) قالت هنيد :ييا رسيول ال إن أبيا
سفيان رجل مسيك فهل علي حرج أن آخذ ما يكفيني وولدي؟ قال (ل إل بالمعروف) فخشيت هند
أن تقتصر على ما يعطيها فتضيع أو تأخذ أكثر من ذلك فتكون سارقة ناكثة للبيعة المذكورة فقال
لهيا النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :ل) أي ل حرج علييك فيميا أخذت بالمعروف ،يعنيي مين غيير
اسيتطالة إلى أكثير مين الحاجية .قال ابين العربيي وهذا إنميا هيو فيميا ل يخزنيه عنهيا فيي حجاب ول
يضبط عليه بقفل فإنه إذا هتكته الزوجة وأخذت منه كانت سارقة تعصي به وتُقطع يدها بذلك.
@ قال عبادة بن الصامت :أخذ علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم كما أخذ على النساء( :إل
تشركوا بال شيئا ول تسيرقوا ول تزنوا ول تقتلوا أولدكيم ول يعضيه بعضكيم بعضيا ول تعصيوا
فيي معروف أمركيم بيه) .معنيى "يعضيه" يسيحر .والعضيه :السيحر .ولهذا قال ابين بحير وغيره فيي
قوله تعالى" :ول يأتيين ببهتان" إنيه السيحر .وقال الضحاك :هذا نهيى عين البهتان ،أي ل يعضهين
رجل ول امرأة" .ببهتان" أي بسيحر .وال اعلم" .يفترينيه بيين أيديهين وأرجلهين" والجمهور على
أن معنى "ببهتان" بولد يفترينه بين أيديهن" ما أخذته لقيطا" .وأرجلهن" ما ولدته من زنى .وقد
تقدم.
@قوله تعالى" :ول يعصيينك فيي معروف" فيي البخاري عين ابين عباس فيي قوله تعالى" :ول
يعصيينك فيي معروف" قال :إنميا هيو شرط شرطيه ال للنسياء .واختلف فيي معناه على ميا ذكرنيا.
والصحيح أنه عام في جميع ما يأمر به النبي صلى ال عليه وسلم وينهى عنه؛ فيدخل فيه النوح
وتخريييق الثياب وجييز الشعيير والخلوة بغييير محرم إلى غييير ذلك .وهذه كلهييا كبائر وميين أفعال
الجاهلية .وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الشعري أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :أربع في
أمتيي مين أمير الجاهليية) فذكير منهيا النياحية .وروى يحييى بين أبيي كثيير عين أبيي سيلمة عين أبيي
هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :هذه النوائح يجعلن يوم القيامة صفين صفا عن
اليميين وصيفا عين اليسيار ينبحين كميا تنبيح الكلب فيي يوم كان مقداره خمسيين ألف سينة ثيم يؤمير
بهين إلى النار) .وعنيه قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ل تصيلي الملئكية على نائحية
ول مرنية) .وروي عين عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه أنيه سيمع نائحية فأتاهيا فضربهيا بالدرة
حتى وقع خمارها عن رأسها .فقيل :يا أمير المومنين ،المرأة المرأة! قد وقع خمارها .فقال :إنها
ل حرمية لهيا .أسيند جميعيه الثعلبيي رحميه ال .أميا تخصييص قوله" :فيي معروف" ميع قوة قوله:
"ول يعصيينك" ففييه قولن :أحدهميا :أنيه تفسيير للمعنيى على التأكييد؛ كميا قال تعالى" :قال رب
احكم بالحق" [النبياء ]112 :لنه لو قال احكم لكفى .الثاني :إنما شرط المعروف في بيعة النبي
صلى ال عليه وسلم حتى يكون تنبيها على أن غيره أولى بذلك وألزم له وأنفى للشكال.
@ روى البخاري عين عبادة بين الصييامت قال :كنييا عنييد النييبي صييلى ال عليييه وسييلم فقال:
(أتبايعوني على إل تشركوا بال شيئا ول تزنوا ول تسرقوا) قرأ آية النساء .وأكثر لفظ سفيان قرأ
فيي اليية (فمين وفيى منكيم فأجره على ال ومين أصياب مين ذلك شيئا فعوقيب فهيو كفارة له ومين
أصاب من ذلك شيئا فستره ال فهو إلى ال إن شاء عذبه وإن شاء غفر له منها) .وفي الصحيحين
عن ابن عباس قال :شهدت الصلة يوم الفطر مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر
وعثمان؛ فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب؛ فنزل نبي ال صلى ال عليه وسلم فكأني انظر إليه
حيين يجلس الرجال بيده ،ثيم أقبيل يشقهيم حتيى أتيى النسياء ميع بلل فقال( :ييا أيهيا النيبي إذا جاءك
المؤمنات يبايعنيك على أل يشركين بال شيئا ول يسيرقن ول يزنيين ول يقتلن أولدهين ول يأتيين
ببهتان يفترينيه بيين أيديهين وأرجلهين" -حتيى فرغ مين اليية كلهيا ،ثيم قال حيين فرغ : -أنتين على
ذلك)؟ فقالت :امرأة واحدة لم يجبييه غيرهييا :نعييم يييا رسييول ال؛ ل يدري الحسيين ميين هييي .قال:
(فتصدقن) وبسط بلل ثوبه فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلل .لفظ البخاري.
@ قال المهدوي :أجمع المسلمون على أنه ليس للمام أن يشترط عليهن هذا؛ والمر بذلك ندب
ل إلزام .وقال بعييض أهييل النظيير :إذا احتيييج إلى المحنيية ميين أجييل تباعييد الدار كان على إمام
المسلمين إقامة المحنة.
**3الية{ 13 :يا أيها الذين آمنوا ل تتولوا قوما غضب ال عليهم قد يئسوا من الخرة كما يئس
الكفار من أصحاب القبور}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا ل تتولوا قوما غضب ال عليهم" يعني اليهود .وذلك أن ناسا
ميين فقراء المسييلمين كانوا يخييبرون اليهود بأخبار المؤمنييين ويواصييلونهم فيصيييبون بذلك ميين
ثمارهيم فنهوا عين ذلك" .قيد يئسيوا مين الخرة" يعنيي اليهود قاله ابين زييد .وقييل :هيم المنافقون.
وقال الحسيين :هييم اليهود والنصييارى .قال ابيين مسييعود :معناه أنهييم تركوا العمييل للخرة وآثروا
الدنيييا .وقيييل :المعنييى يئسييوا ميين ثواب الخرة ،قاله مجاهييد" .كمييا يئس الكفار" أي الحياء ميين
الكفار" .ميين أصييحاب القبور" أن رجعوا اليهييم؛ قال الحسيين وقتادة .قال ابيين عرفيية :وهييم الذييين
قالوا" :وميا يهلكنيا إل الدهير" [الجاثيية .]24 :وقال مجاهيد :المعنيى كميا يئس الكفار الذيين فيي
القبور أن يرجعوا إلى الدنييا .وقييل :إن ال تعالى ختيم السيورة بميا بدأهيا مين ترك موالة الكفار؛
وهيي خطاب لحاطيب بين أبيي بلتعية وغيره .قال ابين عباس" :ييا أيهيا الذيين آمنوا ل تتولوا" أي ل
توالوهييم ول تناصييحوهم؛ رجييع تعالى بطوله وفضله على حاطييب بيين أبييي بلتعيية .يريييد أن كفار
قرييش قيد يئسيوا مين خيير الخرة كميا ييس الكفار المقبورون مين حيظ يكون لهيم فيي الخرة مين
رحمية ال تعالى .وقال القاسيم بين أبيي بزة فيي قوله تعالى" :قيد يئسيوا مين الخرة كميا يئس الكفار
من أصحاب القبور" قال :من مات من الكفار يئس من الخير .وال اعلم.
**2سورة الصف
**3مقدمة السورة
@ سورة الصف مدنية في قول الجميع ،فيما ذكر الماوردي .وقيل :إنها مكية ،ذكره النحاس عن
ابن عباس .وهي أربع عشرة آية.
**3الية{ 1 :سبح ل ما في السماوات وما في الرض وهو العزيز الحكيم}
@ تقدم.
**3الية{ 3 - 2 :يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون ،كبر مقتا عند ال أن تقولوا ما ل
تفعلون}
@قوله تعالى" :ييا أيهيا الذيين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون" روى الدارمي أبو محميد فيي مسنده
أخبرنا محسد بن كثير عن الوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عبدال بن سلم
قال :قعدنيا نفير مين أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فتذاكرنيا فقلنيا :لو نعلم أي العمال
أحيب إلى ال تعالى لعملناه؛ فأنزل ال تعالى" :سيبح ل ميا قيي السيماوات وميا فييي الرض وهيو
العزيز الحكيم" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون" حتى ختمها .قال عبدال :فقرأها علينا
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم حتيى ختمهيا .قال أبيو سيلمة :فقرأهيا علينيا ابين سيلم .قال يحييى:
فقرأهيا علينا أبو سلمة وقرأها علينا يحيى وقرأها علينا الوزاعي وقرأها علينا محمد .وقال ابن
عباس قال عبدال بيين رواحيية :لو علمنييا أحييب العمال إلى ال لعملناه؛ فلمييا نزل الجهاد كرهوه.
وقال الكلبييي :قال المؤمنون يييا رسييول ال ،لو نعلم أحييب العمال إلى ال لسييارعنا إليهييا؛ فنزلت
"هيل أدلكيم على تجارة تنجيكيم مين عذاب ألييم" [الصيف ]10 :فمكثوا زمانيا يقولون :لو نعلم ميا
هيي لشتريناهيا بالموال والنفيس والهليين؛ فدلهيم ال تعالى عليهيا بقول" :تؤمنون بال ورسيوله
وتجاهدون فيي سيبيل ال بأموالكيم وأنفسيكم" [الصيف ]11 :اليية .فابتلوا يوم أحيد ففروا؛ فنزلت
تعيرهيم بترك الوفاء .وقال محميد بين كعيب :لميا أخيبر ال تعالى نيبيه صيلى ال علييه وسيلم بثواب
شهداء بدر قالت الصيحابة :اللهيم أشهيد! لئن لقينيا قتال لنفرغين فييه وسيعنا؛ ففروا يوم أحيد فعيرهيم
ال بذلك .وقال قتادة والضحاك :نزلت فيي قوم كانوا يقولون :نحين جاهدنيا وأبلينيا ولم يفعلوا .وقال
صيهيب :كان رجيل قيد آذى المسيلمين يوم بدر وأنكاهيم فقتلتيه .فقال رجيل ييا نيبي ال ،إنيي قتلت
فلنيا ،ففرح النيبي صيلى ال علييه وسيلم بذلك .فقال عمير بين الخطاب وعبدالرحمين بين عوف :ييا
صهيب ،أما أخبرت رسول ال صلى ال عليه وسلم أنك قتلت فلنا! فإن فلنا انتحل قتله؛ فأخبره
فقال( :أكذلك يا أبا يحييى)؟ قال نعم ،وال يا رسول ال؛ فنزلت الية في المنتحل .وقال ابن زيد:
نزلت في المنافقين؛ كانوا يقولون للنبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه :إن خرجتم وقاتلتم خرجنا
معكم وقاتلنا؛ فلما خرجوا نكصوا عنهم وتخلفوا.
@ هذه الية توجب على كل من ألزم نفسه عمل فيه طاعة أن يفي بها .وفي صحيح مسلم عن
أبي موسى أنه بعث إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلثمائة رجل قد قرؤوا القرآن؛ فقال :أنتم
خيار أهل البصرة وقراؤهم ،فاتلوه ول يطولن عليكم المد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان
قبلكم .وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة بي "براءة" فأنسيتها؛ غير أني قد حفظت
منها "لو كان لبن آدم واديان من مال لبتغى واديا ثالثا ول يمل جوف ابن آدم إل التراب" .وكنا
نقرأ سيورة كنيا نشبههيا بإحدى المسيبحات فأنسييتها؛ غيير أنيي حفظيت منهيا" :ييا أيهيا الذيين آمنوا لم
تقولون ما ل تفعلون" فتكتب شهادة فيي أعناقكيم فتسيألون عنهيا يوم القيامة .قال ابن العربيي :وهذا
كله ثابت فيي الديين .أما قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ل تفعلون" فثابت في الدين
لفظيا ومعنيى فيي هذه السيورة .وأميا قوله" :شهادة فيي أعناقكيم فتسيألون عنهيا يوم القيامية" فمعنيى
ثابيت فيي الديين؛ فإن مين التزم شيئا لزميه شرعيا .والملتزم على قسيمين :أحدهميا :النذر ،وهيو على
قسمين ،نذر تقرب مبتدأ كقول :ل علي صلة وصوم وصدقة ،ونحوه من القرب .فهذا يلزم الوفاء
بييه إجماعييا .ونذر مباح وهييو مييا علق بشرط رغبيية ،كقوله :إن قدم غائبييي فعلي صييدقة ،أو علق
بشرط رهبيية ،كقوله :إن كفانييي ال شيير كذا فعلي صييدقة .فاختلف العلماء فيييه ،فقال مالك وأبييو
حنيفية ،يلزميه الوفاء بيه .وقال الشافعيي فيي أحيد أقوال :إنيه ل يلزميه الوفاء بيه .وعموم اليية حجية
لنيا ،لنهيا بمطلقهيا تتناول ذم مين قال ميا ل يفعله على أي وجيه كان مين مطلق أو مقييد بشرط .وقيد
قال أصيحابه :إن النذر إنميا يكون بميا القصيد منيه القربية مميا هيو مين جنيس القربية .وهذا وإن كان
من جنس القربة لكنه لم يقصد به القربة ،وإنما قصد منع نفسه عن فعل أوالقدام على فعل .قلنا:
القرب الشرعيية مشقات وكلف وإن كانيت قربات .وهذا تكلف التزام هذه القربية بمشقية لجلب نفيع
أو دفيع ضير ،فلم يخرج عين سينن التكلييف ول زال عين قصيد التقرب .قال ابين العربيي :فإن كان
المقول منييه وعدا فل يخلو أن يكون منوطييا بسييبب كقوله :إن تزوجييت أعنتييك بدينار ،أو ابتعييت
حاجيية كذا أعطيتييك كذا .فهذا لزم إجماعييا ميين الفقهاء .وإن كان وعدا مجردا فقيييل يلزم بتعلقييه.
وتعلقوا بسييبب الييية ،فإنييه روي أنهييم كانوا يقولون :لو نعلم أي العمال أفضييل أو أحييب إلى ال
لعملناه ،فأنزل ال تعالى هذه اليية .وهيو حدييث ل بأس بيه .وقيد روي عين مجاهيد أن عبدال بين
رواحية لميا سيمعها قال :ل أزال حبيسيا فيي سيبيل ال حتيى أقتيل .والصيحيح عندي :أن الوعيد يجيب
الوفاء بيه على كيل حال إل لعذر .قلت :قال مالك :فأميا العدة مثيل أن يسيأل الرجيل الرجيل أن يهيب
له الهبة فيقول له نعم؛ ثم يبدو له أل يفعل فما أرى ذلك يلزمه .وقال ابن القاسم :إذا وعد الغرماء
فقال :أشهدكم أني قد وهبت له من أن يؤدي إليكم؛ فإن هذا يلزمه .وأما أن يقول نعم أنا أفعل؛ ثم
يبدو له ،فل أرى عليه ذلك.
قلت :أي ل يقضييي علييه بذلك؛ فأميا فييي مكارم الخلق وحسين المروءة فنعييم .وقييد أثنييى ال
تعالى على مين صيدق وعده ووفيى بنذره فقال" :والموفون بعهدهيم إذا عاهدوا" [البقرة،]177 :
وقال تعالى" :واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد" [مريم ]54 :وقد تقدم بيانه.
@ قال النخعي :ثلث آيات منعتني أن أقص على الناس "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم"
[البقرة" ،]44 :وميا أرييد أن أخالفكيم إلى ميا أنهاكيم عنيه" [هود" ،]88 :ييا أيهيا الذيين آمنوا لم
تقولون ميا ل تفعلون" .وخرج أبيو نعييم الحافيظ مين حدييث مالك بين دينار عين ثمامية أن أنيس بين
مالك قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :أتييت ليلة أسيري بيي على قوم تقرض شفاههيم
بمقارييض مين نار كلميا قرضيت وفيت) قلت( :مين هؤلء ييا جبرييل)؟ قال( :هؤلء خطباء أمتيك
الذيين يقولون ول يفعلون ويقرؤون كتاب ال ول يعملون) .وعين بعيض السيلف أنيه قييل ل :حدثنيا؛
فسكت .ثم قيل له :حدثنا .فقال :أترونني أن أقول ما ل أفعل فاستعجل مقت ال!.
@قوله تعالى" :لم تقولون ميا ل تفعلون" اسيتفهام على جهية النكار والتوبييخ ،على أن يقول
النسيان عين نفسيه مين الخيير ميا ل يفعله .أميا فيي الماضيي فيكون كذبيا ،وأميا فيي المسيتقبل فيكون
خلفا ،وكلهما مذموم .وتأول سفيان بن عيينة قوله تعالى" :لم تقولون ما ل تفعلون" أي لم تقولون
ميا لييس المير فييه إليكيم ،فل تدرون هيل تفعلون أو ل تفعلون .فعلى هذا يكون الكلم محمول على
ظاهره في إنكار القول" .كبر مقتا عند ال أن تقولوا ما ل تفعلون" قيد يحتج به في وجوب الوفاء
فيي اللجاج والغضيب على أحيد قولي الشافعيي .و"أن" وقيع بالبتداء وميا قبلهيا الخيبر؛ وكأنيه قال:
قولكييم مييا ل تفعلون مذموم ،ويجوز أن يكون خييبر ابتداء محذوف .الكسييائي" :أن" فييي موضييع
رفع؛ لن "كبر" فعل بمنزلة بئس رجل أخوك .و"مقتا" نصب بالتمييز؛ المعنى كبر قولهم ما ل
يفعلون مقتيا .وقييل :هيو حال .والمقيت والمقاتية مصيدران؛ يقال :رجيل مقييت وممقوت إذا لم يحبيه
الناس.
**3الية{ 4 :إن ال يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص}
@قوله تعالى" :إن ال يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا" أي يصفون صفا :والمفعول مضمر؛
أي يصييفون أنفسييهم صييفا" .كأنهييم بنيان مرصييوص" قال الفراء :مرصييوص بالرصيياص .وقال
المبرد :هو من رصصت البناء إذا لءمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة .وقيل :هو من
الرصييص وهيو انضمام السينان بعضهيا إلى بعيض .والتراص التلصيق؛ ومنيه وتراصيوا فيي
الصيف .ومعنيى اليية :يحيب مين يثبيت فيي الجهاد فيي سيبيل ال ويلزم مكانيه كثبوت البناء .وقال
سعيد بن جبير :هذا تعليم من ال تعالى للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم.
وقيد اسيتدل بعيض أهيل التأوييل بهذا على أن قتال الراجيل أفضيل مين قتال الفارس ،لن الفرسيان
ل يصطفون على هذه الصفة .المهدوي :وذلك غير مستقيم ،لما جاء في فضل الفارس في الجر
والغنيمة .ول يخرج الفرسان من معنى الية؛ لن معناه الثبات.
@ ل يجوز الخروج عن الصف إل لحاجة تعرض للنسان ،أو في رسالة يرسلها المام ،أو في
منفعة تظهر في المقام ،كفرصة تنتهز ول خلف فيها .وفي الخروج عن الصف للمبارزة خلف
على قولييين أحدهمييا :أنييه ل بأس بذلك إرهابييا للعدو ،وطلبييا للشهادة وتحريضييا على القتال .وقال
أصيحابنا :ل ييبرز أحيد طالبيا لذلك ،لن فييه رياء وخروجيا إلى ميا نهيى ال عنيه مين لقاء العدو.
وإنميا تكون المبارزة إذا طلبهيا الكافير؛ كميا كانيت فيي حروب النيبي صيلى ال علييه وسيلم يوم بدر
وفيي غزوة خييبر ،وعلييه درج السيلف .وقيد مضيى القول مسيتوفى فيي هذا فيي "البقرة" عنيد قوله
تعالى" :ول تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" [البقرة.]195 :
**3اليية{ 5 :وإذ قال موسيى لقوميه ييا قوم لم تؤذوننيي وقيد تعلمون أنيي رسيول ال إليكيم فلميا
زاغوا أزاغ ال قلوبهم وال ل يهدي القوم الفاسقين}
@قوله تعالى" :وإذ قال موسى لقومه" لما ذكر أمر الجهاد بين أن موسى وعيسى أمرا بالتوحيد
وجاهدا في سبيل ال؛ وحل العقاب بمن خالفهما؛ أي واذكر لقومك يا محمد هذه القصة" .ياقوم لم
تؤذوننيي" وذلك حيين رموه بالدرة؛ حسيب ميا تقدم فيي آخير سيورة "الحزاب" .ومين الذى ميا
ذكر في قصة قارون :إنه دس إلى امرأة تدعي على موسى الفجور .ومن الذى قولهم" :اجعل لنا
إلهيا كميا لهيم آلهية" [العراف .]138 :وقولهيم" :فاذهيب أنيت وربيك فقاتل" [المائدة.]24 :
وقولهيم :إنيك قتلت هارون .وقيد تقدم هذا" .وقيد تعلمون أنيي رسيول ال إليكيم" والرسيول يحترم
ويعظم .ودخلت "قد" على "تعلمون" للتأكيد؛ كأنه قال :وتعلمون علما يقينا ل شبهة لكم فيه" .فلما
زاغوا" أي مالوا عين الحيق "أزاغ ال قلوبهيم" أي أمالهيا عين الهدى .وقييل" :فلميا زاغوا" عين
الطاعية "أزاغ ال قلوبهيم" عين الهدايية .وقييل" :فلميا زاغوا" عين اليمان "أزاغ ال قلوبهيم" عين
الثواب .وقيل :أي لما تركوا ما أمروا به من احترام الرسول عليه السلم وطاعة الرب ،خلق ال
الضللة في قلوبهم عقوبة لهم على فعلهم.
**3الية{ 6 :وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول ال إليكم مصدقا لما بين يدي
من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين}
@قوله تعالى" :وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل" أي واذكر لهم هذه القصة أيضا .وقال:
"ييا بنيي إسيرائيل" ولم يقيل "ييا قوم" كميا قال موسيى؛ لنيه ل نسيب له فيهيم فيكونون قوميه" .إنيي
رسول ال إليكم" أي بالنجيل" .مصدقا لما بين يدي من التوراة" لن في التوراة صفتي ،وأني لم
آتكم بشيء يخالف التوراة فتنفروا عني" .ومبشرا برسول" مصدقا" .ومبشرا" نصب على الحال؛
والعامل فيها معنى الرسال .و"إليكم" صلة الرسول" .يأتي من بعدي اسمه أحمد" قرأ نافع وابن
كثييير وأبيو عمرو "مين بعدي" بفتيح الياء .وهيي قراءة السيلمي وزر بين حيبيش وأبيي بكير عين
عاصيم .واختاره أبيو حاتيم لنيه اسيم؛ مثيل الكاف مين بعدك ،والتاء مين قميت .الباقون بالسيكان.
وقرئ "مين بعدي اسيمه أحميد" بحذف الياء مين اللفيظ .و"أحميد" اسيم نبينيا صيلى ال علييه وسيلم.
وهيو اسيم علم منقول مين صيفة ل مين فعيل؛ فتلك الصيفة أفعيل التيي يراد بهيا التفضييل .فمعنيى
"أحميد" أي أحميد الحامديين لربيه .والنيبياء صيلوات ال عليهيم كلهيم حامدون ال ،ونبينيا أحميد
أكثرهم حمدا .وأما محمد فمنقول من صفة أيضا ،وهي في معنى محمود؛ ولكن فيه معنى المبالغة
والتكرار .فالمحميد هيو الذي حميد مرة بعيد مرة .كميا أن المكرم مين الكرم مرة بعيد مرة .وكذلك
الممدح ونحو ذلك .فاسم محمد مطابق لمعناه ،وال سبحانه سماه قبل أن يسمي به نفسه .فهذا علم
من أعلم نبوته ،إذ كان اسمه صيادقا عليه؛ فهو محمود فيي الدنيا لما هدى إليه ونفع به من العلم
والحكمية .وهيو محمود فيي الخرة بالشفاعية .فقيد تكرر معنيى الحميد كميا يقتضيي اللفيظ .ثيم إنيه لم
يكين محمدا حتيى كان أحميد ،حميد ربيه فنبأه وشرفيه؛ فلذلك تقدم اسيم أحميد على السيم الذي هيو
محمد فذكره عيسى عليه السلم فقال" :اسمه أحمد" .وذكره موسى عليه السلم حين قال له ربه:
تلك أمية أحميد ،فقال :اللهيم اجعلنيي مين أمية أحميد .فبأحميد ذكره قبيل أن يذكره بمحميد ،لن حمده
لربيه كان قبيل حميد الناس له .فلميا وجيد وبعيث كان محمدا بالفعيل .وكذلك فيي الشفاعية يحميد ربيه
بالمحامد التي يفتحها عليه ،فيكون أحمد الناس لربه ثم يشفع فيحمد على شفاعته .وروي أن النبي
صيلى ال علييه وسيلم قال( :اسيمي فيي التوراة أحييد لنيي أحييد أمتيي عين النار واسيمي فيي الزبور
الماحي محا ال بي عبدة الوثان واسمي في النجيل أحمد واسمي في القرآن محمد لني محمود
فيي أهيل السيماء والرض) .وفيي الصيحيح (لي خمسية أسيماء أنيا محميد وأحميد وأنيا الماحيي الذي
يمحو ال بي الكفر وأنا الحاشر الذي تحشر الناس على قدمي وأنا العاقب) .وقد تقدم" .فلما جاءهم
بالبينات" قييل عيسيى .وقييل :محميد صيلى ال علييه وسيلم" .قالوا هذا سيحر ميبين" قرأ الكسيائي
وحمزة "سياحر" نعتيا للرجيل .وروي أنهيا قراءة ابين مسيعود .الباقون "سيحر" نعتيا لميا جاء بيه
الرسول.
**3الية{ 7 :ومن أظلم ممن افترى على ال الكذب وهو يدعى إلى السلم وال ل يهدي القوم
الظالمين}
@قوله تعالى" :ومن أظلم" أي ل أحد أظلم "ممن افترى على ال الكذب" تقدم في غير موضع.
"وهو يدعى إلى السلم" هذا تعجب ممن كفر بعيسى ومحمد بعد المعجزات التي ظهرت لهما.
وقرأ طلحية بين مصيرف "وهيو يدعيي" بفتيح الياء والدال وشدهيا وكسير العيين ،أي ينتسيب .ويعيي
وينتسب سواء" .وال ل يهدي القوم الظالمين" أي من كان في حكمه أنه يختم له بالضللة.
**3الية{ 8 :يريدون ليطفئوا نور ال بأفواههم وال متم نوره ولو كره الكافرون}
@قوله تعالى" :يريدون ليطفئوا نور ال بأفواههيم" الطفاء هيو الخماد ،يسيتعملن فيي النار،
ويسيتعملن فيميا يجري مجراهيا مين الضياء والظهور .ويفترق الطفاء والخماد مين وجيه؛ وهيو
أن الطفاء يستعمل في القليل والكثير ،والخماد إنما يستعمل في الكثير دون القليل؛ فيقال :أطفأت
السراج؛ ول يقال أخمدت السراج .وفي "نور ال" هنا خمسة أقاويل :أحدها :أنه القرآن؛ يريدون
إبطاله وتكذيبه بالقول؛ قاله ابن عباس وابن زيد .والثاني :إنه السلم؛ يريدون دفعه بالكلم؛ قاله
السدي .الثالث :أنه محمد صلى ال عليه وسلم؛ يريدون هلكه بالراجيف؛ قاله الضحاك .الرابع:
حجج ال ودلئله؛ يريدون إبطالها بإنكارهم وتكذيبهم؛ قال ابن بحر .الخامس :أنه مثل مضروب؛
أي من أراد إطفاء نور الشمس بفيه فوجده مستحيل ممتنعا فكذلك من أراد إبطال الحق؛ حكاه ابن
عيسى .وسبب نزول هذه الية ما حكاه عطاء عن ابن عباس :أن النبي صلى ال عليه وسلم أبطأ
علييه الوحيي أربعيين يوميا؛ فقال كعيب بين الشرف :ييا معشير اليهود ،أبشروا! فقيد أطفيأ ال نور
محميد فيميا كان ينزل عليه ،وما كان ليتم أمره؛ فحزن رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فأنزل ال
تعالى هذه اليية واتصيل الوحيي بعدهيا؛ حكيى جميعيه الماوردي رحميه ال" .وال متيم نوره" أي
بإظهاره فييي الفاق .وقرأ ابيين كثييير وحمزة والكسييائي وحفييص عيين عاصييم "وال متييم نوره"
بالضافة على نية النفصال؛ كقوله تعالى" :كل نفس ذائقة الموت" [آل عمران ]185 :وشبهه،
حسيب ميا تقدم بيانيه فيي "آل عمران" .الباقون "متيم نوره" لنيه فيميا يسيتقبل؛ فعميل" .ولو كره
الكافرون" من سائر الصناف.
**3اليية{ 9 :هيو الذي أرسيل رسيوله بالهدى وديين الحيق ليظهره على الديين كله ولو كره
المشركون}
@قوله تعالى" :هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق" أي محمدا بالحق والرشاد" .ليظهره
على الدييين كله ولو كره المشركون" أي بالحجييج .وميين الظهور الغلبيية باليييد فييي القتال؛ وليييس
المراد بالظهور أل يبقيى ديين آخير مين الديان ،بيل المراد يكون أهيل السيلم عاليين غالبيين .ومين
الظهار أل يبقى دين سوى السلم في آخر الزمان .قال مجاهد :وذلك إذا نزل عيسى لم يكن في
الرض ديين إل ديين السيلم .وقال أبيو هريرة" :ليظهره على الديين كله" بخروج عيسيى .وحينئذ
ل يبقيى كافير إل أسيلم .وفيي صيحيح مسيلم عين أبيي هريرة قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم( :لينزلن ابن مريم حكما عادل فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن
القلص فل يسييعى عليهييا ولتذهبيين الشحناء والتباغييض والتحاسييد وليدعون إلى المال فل يقبله
أحد) .وقيل" :ليظهره" أي ليطلع محمدا صلى ال عليه وسلم على سائر الديان؛ حتى يكون عالما
بها عارفا بوجوه بطلنها ،وبما حرفوا وغيروا منها" .على الدين" أي الديان؛ لن الدين مصدر
يعبر به عن جمع.
**3الية{ 13 - 10 :يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ،تؤمنون
بال ورسيوله وتجاهدون فيي سيبيل ال بأموالكيم وأنفسيكم ذلكيم خيير لكيم إن كنتيم تعلمون ،يغفير لكيم
ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها النهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم،
وأخرى تحبونها نصر من ال وفتح قريب وبشر المؤمنين}
@قوله تعالى" :ييا أيهيا الذيين آمنوا هيل أدلكيم على تجارة" قال مقاتيل :نزلت فيي عثمان بين
مظعون؛ وذلك أنييه قال لرسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم :لو أذنييت لي فطلقييت خولة ،وترهبييت
واختصيت وحرمت اللحم ،ول أنام بليل أبدا ،ول أفطر بنهار أبدا! فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم(:إن من سنتي النكاح ول رهبانية في السلم إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل ال وخصاء
أمتي الصوم ول تحرموا طيبات ما أحل ال لكم .ومن سنتي أنام وأقوم وأفطر وأصوم فمن رغب
عن سنتي فليس منى) .فقال عثمان :وال لوددت يا نبي ال أي التجارات أحب إلى ال فأتجر فيها؛
فنزلت .وقييل" :أدلكيم" أي سيأدلكم .والتجارة الجهاد؛ قال ال تعالى" :إن ال اشترى مين المؤمنيين
أنفسهم وأموالهم" [التوبة ]111 :الية .وهذا خطاب لجميع المؤمنين .وقيل :لهل الكتاب.
@قوله تعالى" :تنجيكم" أي تخلصكم "من عذاب أليم" أي مؤلم .وقراءة العامة "تنجيكم" بإسكان
النون من النجاء .وقرأ الحسن وابن عامر وأبو حيوة "تنجيكم" مشددا من التنجية .ثم بين التجارة
فقال" :تؤمنون بال ورسيوله وتجاهدون فيي سيبيل ال بأموالكيم وأنفسيكم" ذكير الموال أول لنهيا
التيي يبدأ بهيا فيي النفاق" .ذلكيم" أي هذا الفعيل "خيير لكيم إن كنتيم تعلمون" خيير لكيم مين أموالكيم
وأنفسيكم "إن كنتيم تعلمون" .و"تؤمنون" عنيد الميبرد والزجاج فيي معنيى آمنوا ،ولذلك جاء "يغفير
لكييم" مجزومييا على أنييه جواب الميير .وفييي قراءة عبدال "آمنوا بال" وقال الفراء "يغفيير لكييم"
جواب السيييتفهام؛ وهذا إنميييا يصيييح على الحميييل على المعنيييى؛ وذلك أن يكون "تؤمنون بال،
وتجاهدون" عطف بيان على قوله" :هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم" كأن التجارة لم
يدر ما هي؛ فبينت باليمان والجهاد؛ فهي هما في المعنى .فكأنه قال :هل تؤمنون بال وتجاهدون
يغفيير لكييم .الزمخشري :وجييه قول الفراء أن متعلق الدللة هييو التجارة والتجارة مفسييرة باليمان
والجهاد .كأنه قيل :هل تتجرون باليمان والجهاد يغفر لكم .قال المهدوي :فإن لم تقدر هذا التقدير
لم تصيح المسيألة؛ لن التقديير يصيير إن دللتيم يغفير لكيم؛ والغفران إنميا نعيت بالقبول واليمان ل
بالدللة .قال الزجاج :لييس إذا دلهيم على ميا ينفعهيم يغفير لهيم؛ إنميا يغفير لهيم إذا آمنوا وجاهدوا.
وقرأ زيد بن علي "تؤمنوا" ،و"تجاهدوا" على إضمار لم المر؛ كقوله:
إذا ما خفت من شيء تبال محمد تَ ْف ِد نفسَك كلّ نفس
أراد لتفيد .وأدغيم بعضهيم فقال" :يغفير لكيم" والحسين ترك الدغام؛ لن الراء حرف متكرر قوي
فل يحسن إدغامه في اللم؛ لن القوى ل يدغم في الضعف.
@قوله تعالى" :ومسياكن طيبية" خرج أبيو الحسيين الجري عين الحسين قال :سيألت عمران بين
الحصييين وأبيا هريرة عين تفسيير هذه اليية "ومسياكن طيبية" فقال :على الخيبير سيقطت ،سيألنا
رسول ال صلى ال عيله وسلم عنها فقال( :قصر من لؤلؤة في الجنة فيه سبعون دارا من ياقوتة
حمراء فيي كيل دار سيبعون بيتيا مين زبرجدة خضراء فيي كيل بييت سيبعون سيريرا على كيل سيرير
سيبعون فراشيا مين كيل لون على كيل فراش سيبعون امرأة مين الحور العيين فيي كيل بييت سيبعون
مائدة على كيل مائدة سيبعون لونيا مين الطعام فيي كيل بييت سيبعون وصييفا ووصييفة فيعطيي ال
تبارك وتعالى المؤميين ميين القوة فييي غداة واحدة مييا يأتييي على ذلك كله)" .فييي جنات عدن" أي
إقامة" .ذلك الفوز العظيم" أي السعادة الدائمة الكبيرة .وأصل الفوز الظفر بالمطلوب.
@قوله تعالى" :وأخرى تحبونها" قال الفراء والخفش" :أخرى" معطوفة على "تجارة" فهي في
محل خفض .وقيل :محلها رفع أي ولكم خصلة أخرى وتجارة أخرى تحبونها "نصر من ال" أي
هو نصير من ال؛ فيي "نصير" على هذا تفسيير "وأخرى" .وقييل :رفيع على البدل مين "أخرى" أي
ولكيم نصير مين ال" .وفتيح قرييب" أي غنيمية فيي عاجيل الدنييا؛ وقييل فتيح مكية .وقال ابين عباس:
يريد فتح فارس والروم" .وبشر المؤمنين" برضا ال عنهم.
**3اليية{ 14 :ييا أيهيا الذيين آمنوا كونوا أنصيار ال كميا قال عيسيى ابين مرييم للحوارييين مين
أنصياري إلى ال قال الحواريون نحين أنصيار ال فآمنيت طائفية مين بنيي إسيرائيل وكفرت طائفية
فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين}
@ أكيد أمير الجهاد؛ أي كونوا حوارييي نيبيكم ليظهركيم ال على مين خالفكيم كميا أظهير حوارييي
عيسى على من خالفهم .وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع "أنصارا ل" بالتنوين .قالوا :لن معناه
اثبتوا وكونوا أعوانيييا ل بالسييييف على أعدائه وقرأ الباقون مييين أهيييل البصيييرة والكوفييية والشام
"أنصار ال" بل تنوين؛ وحذفوا لم الضافة من اسم ال تعالى .واختاره أبو عبيدة لقوله" :نحن
أنصيار ال" ولم ينون؛ ومعناه كونوا أنصيارا لديين ال .ثيم قييل :فيي الكلم إضمار؛ أي قيل لهيم ييا
محميد كونوا أنصيار ال .وقييل :هيو ابتداء خطاب مين ال؛ أي كونوا أنصيارا كميا فعيل أصيحاب
عيسييى فكانوا بحمييد ال أنصييارا وكانوا حواريييين .والحواريون خواص الرسييل .قال معميير :كان
ذلك بحمد ال؛ أي نصروه وهم سبعون رجل ،وهم الذين بايعوه ليلة العقبة .وقيل :هم من قريش.
وسيماهم قتادة :أبيا بكير وعمير وعلي وطلحية والزبيير وسيعد بين مالك وأبيا عيبيدة -واسيمه عامير -
وعثمان بين مظعون وحمزة بين عبدالمطلب؛ ولم يذكير سيعيدا فيهيم ،وذكير جعفير بين أبيي طالب
رضي ال عنهم أجمعين.
@قوله تعالى" :كما قال عيسى ابن مريم للحواريين" وهم أصفياؤه اثنا عشر رجل ،وقد مضت
أسيماؤهم فيي "آل عمران" ،وهيم أول مين آمين بيه مين بنيي إسيرائيل ،قال ابين عباس .وقال مقاتيل:
قال ال لعيسيى إذا دخلت القريية فأت النهير الذي علييه القصيارون فاسيألهم النصيرة ،فأتاهيم عيسيى
وقال :مين أنصياري إلى ال؟ قالوا :نحين ننصيرك .فصيدقوه ونصيروه" .مين أنصياري إلى ال قال
الحواريون نحين أنصييار ال" أي مين أنصيياري ميع ال ،كمييا تقول :الذود إلى الذود إبييل ،أي ميع
الذود .وقييل :أي مين أنصياري فيميا يقرب إلى ال" .قال الحواريون نحين أنصيار ال" وقيد مضيى
هذا فيي آل عمران" "فآمنيت طائفية مين بنيي إسيرائيل وكفرت طائفية" والطائفتان فيي زمين عيسيى
افترقوا بعد رفعه إلى السماء ،على ما تقدم في "آل عمران" بيانه" .فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم
فأصيبحوا ظاهريين" "فأيدنيا الذيين آمنوا على عدوهيم" الذيين كفروا بعيسيى" .فأصيبحوا ظاهريين"
أي غالبيين .قال ابين عباس :أييد ال الذيين آمنوا فيي زمين عيسيى بإظهار محميد على ديين الكفار.
وقال مجاهيد :أيدوا فيي زمانهيم على مين كفير بعيسيى .وقييل أيدنيا الن المسيلمين على الفرقتيين
الضالتيين ،مين قال كان ال فارتفيع ،ومين قال كان ابين ال فرفعيه ال إلييه؛ لن عيسيى ابين مرييم لم
يقاتيل أحدا ولم يكين فيي ديين أصيحابه بعده قتال .وقال زييد بين علي وقتادة" :فأصيبحوا ظاهريين"
غالبيين بالحجية والبرهان؛ لنهيم قالوا فيميا روي :ألسيتم تعلمون أن عيسيى كان ينام وال ل ينام،
وأن عيسيى كان يأكيل وال تعالى ل يأكيل! .وقييل :نزلت هذه اليية فيي رسيل عيسيى علييه الصيلة
والسيلم .قال ابين إسيحاق :وكان الذي بعثهيم عيسيى مين الحوارييين والتباع فطرس وبولس إلى
رومية ،واندراييس ومشى إلى الرض التي يأكل أهلها الناس .وتوماس إلى أرض بابل من أرض
المشرق .وفيلبيس إلى قرطاجنية وهيي أفريقيية .ويحنيس إلى دقسيوس قريية أهيل الكهيف .ويعقوبيس
إلى أورشلييم وهيي بييت المقدس ،وابين تلميا إلى العرابيية وهيي أرض الحجاز .وسييمن إلى أرض
البربر .ويهودا وبردس إلى السيكندرية وميا حولهيا .فأيدهيم ال بالحجية" .فأصيبحوا ظاهريين" أي
عالين؛ من قولك :ظهرت على الحائط أي علوت عليه .وال سبحانه وتعالى اعلم بالصواب ،وإليه
المرجع والمآب.
**2سورة الجمعة
**3مقدمة السورة
@ مدنية في قول الجميع ،وهي إحدى عشرة آية .وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول
ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :خيير يوم طلعيت علييه الشميس يوم الجمعية فييه خلق آدم وفييه أدخيل
الجنية وفييه أخرج منهيا ول تقوم السياعة إل فيي يوم الجمعية) .وعنيه قال :قال رسيول ال(:نحين
الخرون الولون يوم القيامية ونحين أول مين يدخيل الجنية بييد أنهيم أوتوا الكتاب بين قبلنيا وأوتيناه
مين بعدهيم فاختلفوا فهدانيا ال لميا اختلفوا فييه مين الحيق فهذا يومهيم الذي اختلفوا فييه هدانيا ال له -
قال -يوم الجمعة فاليوم لنا وغدا لليهود وبعد غد للنصارى).
**3الية{ 1 :يسبح ل ما في السماوات وما في الرض الملك القدوس العزيز الحكيم}
@ تقدم الكلم فيه .وقرأ أبو العالية ونصر بن عاصم "الملك القدوس العزيز الحكيم" كلها رفعا؛
أي هو الملك.
**3الية{ 2 :هو الذي بعث في الميين رسول منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين}
@قوله تعالى" :هيو الذي بعيث فيي المييين رسيول منهيم" قال ابين عباس :الميون العرب كلهيم،
مين كتيب منهيم ومين لم يكتيب ،لنهيم لم يكونوا أهيل كتاب .وقييل :الميون الذيين ل يكتبون .وكذلك
كانييت قريييش .وروى منصييور عيين إبراهيييم قال :المييي الذي يقرأ ول يكتييب .وقييد مضييى فييي
"البقرة"" .رسول منهم" يعني محمدا صلى ال عليه وسلم .وما من حي من العرب إل ولرسول
ال صلى ال عليه وسلم فيهم قرابة وقد ولدوه .قال ابن إسحاق :إل حي تغلب؛ فإن ال تعالى طهر
نبيه صلى ال عليه وسلم منهم لنصرانيتهم ،فلم يجعل لهم عليه ولدة .وكان أميا لم يقرأ من كتاب
ولم يتعلم صييلى ال عليييه وسييلم .قال الماوردي :فإن قيييل مييا وجييه المتنان فإن بعييث نبيييا أميييا؟
فالجواب عنيه مين ثلثية أوجيه :أحدهيا :لموافقتيه ميا تقدميت بيه بشارة النيبياء .الثانيي :لمشاكلة حال
لحوالهيم ،فيكون أقرب إلى موافقتهيم .الثالث :لينتفيي عنيه سيوء الظين فيي تعليميه ميا دعيا إلييه مين
الكتب التي قرأها والحكم التي تلها.
قلت :وهذا كله دليل معجزته وصدق نبوته.
@قوله تعالى" :يتلو عليهيم آياتيه" يعنيي القرآن "ويزكيهيم" أي يجعلهيم أزكياء القلوب باليمان؛
قاله ابين عباس .وقييل :يطهرهيم مين دنيس الكفير والذنوب؛ قاله ابين جرييج ومقاتيل .وقال السيدي:
يأخييذ زكاة أموالهييم "ويعلمهييم الكتاب" يعنييي القرآن "والحكميية" السيينة؛ قال الحسيين .وقال ابيين
عباس" :الكتاب" الخييط بالقلم؛ لن الخييط فشييا فييي العرب بالشرع لمييا أمروا بتقييده بالخييط .وقال
مالك بين أنيس" :الحكمية" الفقيه فيي الديين .وقيد مضيى القول فيي هذا فيي "البقرة"" .وإن كانوا مين
قبل" أي من قبله وقبل أن يرسل إليهم" .لفي ضلل مبين" أي في ذهاب عن الحق.
**3الية{ 3 :وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم}
@قوله تعالى" :وآخرين منهم" هو عطف على "الميين" أي بعث في الميين وبعث في آخرين
منهيم .ويجوز أن يكون منصيوبا بالعطيف على الهاء والمييم فيي "يعلمهيم ويزكيهيم"؛ أي يعلمهيم
ويعلم آخريين مين المؤمنيين؛ لن التعلييم إذا تناسيق إلى آخير الزمان كان كله مسيندا إلى أوله فكأنيه
هيو الذي تولى كيل ميا وجيد منيه" .لميا يلحقوا بهيم وهيو العزييز الحكييم" أي لم يكونوا فيي زمانهيم
وسييجيؤون بعدهيم .قال ابين عمرو سيعيد بين جيبير :هيم العجيم .وفيي صيحيح البخاري ومسيلم عين
أبي هريرة قال :كنا جلوسا عند النبي صلى ال عليه وسلم إذ نزلت عليه سورة "الجمعة" فلما قرأ
"وآخريين منهيم لميا يلحقوا بهيم" قال رجيل :مين هؤلء ييا رسيول ال؟ فلم يراجعيه النيبي صيلى ال
عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلثا .قال وفينا سلمان الفارسي .قال :فوضع النبي صلى
ال علييه وسيلم يده على سيلمان ثيم قال( :لو كان اليمان عنيد الثرييا لناله رجال مين هؤلء) .فيي
رواية (لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس -أو قال -من أبناء فارس حتى يتناوله
لفيظ مسيلم .وقال عكرمية :هيم التابعون .مجاهيد :هيم الناس كلهيم؛ يعنيي مين بعيد العرب الذيين بعيث
فيهم محمد صلى ال عليه وسلم .وقال ابن زيد ومقاتل بن حيان .قال :هم من دخل في السلم بعد
النبي صلى ال عليه وسلم إلى يوم القيامة .وروى سهل بن سعد الساعدي :أن النبي صل ال عليه
وسيلم قال( :إن فيي أصيلب أمتيي رجال ونسياء يدخلون الجنية بغيير حسياب -ثيم تل " -وآخريين
منهيم لميا يلحقوا بهيم" .والقول الول أثبيت .وقيد روي أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :رأيتنيي
أسيقي غنميا سيودا ثيم اتبعتهيا غنميا عفرا أولهيا ييا أبيا بكير) فقال :ييا رسيول ال ،أميا السيود فالعرب،
وأميا الغفير فالعجيم تتبعيك بعيد العرب .فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :كذا أولهيا الملك) يعنيي
جبرييل عليه السيلم .رواه ابن أبيي ليلى عين رجيل مين أصيحاب النيبي صيلى ال عليه وسيلم ،وهو
علي بن أبي طالب رضي ال عنه.
**3الية{ 4 :ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل العظيم}
@ قال ابين عباس :حييث ألحيق العجيم بقرييش .يعنيي السيلم ،فضيل ال يؤتييه مين يشاء؛ قال
الكلبي .وقيل :يعني الوحي والنبوة؛ قاله مقاتل .وقول رابع :إنه المال ينفق في الطاعة؛ وهو معنى
قول أبي صالح .وقد روى مسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن فقراء المهاجرين أتوا رسول
ال صلى ال عليه وسلم فقالوا :ذهب أهل الدثور بالدرجات العل والنعيم المقيم .فقال( :وما ذاك)؟
قالوا :يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ول نتصدق ويعتقون ول نعتق .فقال
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :أفل أعلمكيم شيئا تدركون بيه مين سيبقكم وتسيبقون بيه مين بعدكيم
ول يكون أحيد أفضيل منكيم إل مين صينع مثيل ميا صينعتم) قالوا :بلى ييا رسيول ال؛ قال( :تسيبحون
وتكيبرون وتحمدون دبر كيل صيلة ثلثيا وثلثيين مرة) .قال أبيو صيالح :فرجيع فقراء المهاجريين
إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فقالوا :سيمع إخواننيا أهيل الموال بميا فلعنيا ففعلوا مثله .فقال
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ( :ذلك فضيل ال يؤتييه مين يشاء) .وقول خاميس :أنيه انقياد الناس
إلى تصديق النبي صلى ال عليه وسلم ودخولهم في دينه ونصرته .وال اعلم.
**3الية{ 5 :مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم
الذين كذبوا بآيات ال وال ل يهدي القوم الظالمين}
@ ضرب مثل لليهود لما تركوا العمل بالتوراة ولم يؤمنوا بمحمد صلى ال عليه وسلم" .حملوا
التوراة" أي كلفوا العمل بها؛ عن ابن عباس .وقال الجرجاني :هو من الحمالة بمعنى الكفالة؛ أي
ضمنوا أحكام التوراة" .كمثيل الحمار يحميل أسيفارا" هيي جميع سيفر ،وهيو الكتاب الكيبير؛ لنيه
يسييفر عيين المعنييى إذا قرئ .قال ميمون بيين مهران :الحمار ل يدري أسييفر على ظهره أم زبيييل؛
فهكذا اليهود .وفيي هذا تنيبيه مين ال تعالى لمين حميل الكتاب أن يتعلم معانييه ويعلم ميا فييه؛ لئل
يلحقه من الذم ما لحق هؤلء .وقال الشاعر:
بجيدها إل كعلم الباعر زوامل للسفار ل علم عندهم
بأوساقه أوراح ما في الغرائر لعمرك ما يدري البعير إذا غدا
وقال يحيى بن يمان :يكتب أحدهم الحديث ول يتفهم ول يتدبر ،فإذا سئل أحدهم عن مسألة جلس
كأنه مكاتب .وقال الشاعر:
مثل الجمال عليها يحمل الودع إن الرواة على جهل بما حملوا
ول الجمال بحمل الودع تنتفع ل الودع ينفعه حمل الجمال له
وقال منذر بن سعيد البلوطي رحمه ال فأحسن:
وزم أسفارا تجد حمارا انعق بما شئت تجد أنصارا
يحمله كمثل الحمار يحمل ما وضعت من أسفار
إن كان ما فيها صوابا وخطا يحمل أسفارا له وما درى
ما إن كذبنا ول اعتدينا إن سئلوا قالوا كذا روينا
لنه قلد أهل الجهل كبيرهم يصغر عند الحفل
"ثيم لم يحملوهيا" أي لم يعملوا بهيا .شبههيم -والتوراة فيي أيديهيم وهيم ل يعملون بهيا -بالحمار
يحميل كتبيا ولييس له إل ثقيل الحميل مين غيير فائدة .و"يحميل" فيي موضيع نصيب على الحال؛ أي
حامل .ويجوز أن يكون في موضع جر على الوصف؛ لن الحمار كاللئيم .قال:
ولقد أمر على اللئيم يسبني
"بئس مثل القوم" المثل الذي ضربناه لهم؛ فحذف المضاف" .وال ل يهدي القوم الظالمين" أي
من سبق في علمه أنه يكون كافرا.
**3الية{ 7 - 6 :قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء ل من دون الناس فتمنوا الموت
إن كنتم صادقين ،ول يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم وال عليم بالظالمين}
@ لما ادعت اليهود الفضيلة وقالوا" :نحن أبناء ال وأحباؤه" [المائدة ]18 :قال ال تعالى" :إن
زعمتم أنكم أولياء ل من دون الناس" فللولياء عند ال الكرامة" .فتمنوا الموت إن كنتم صادقين"
لتصييروا إلى ميا يصيير إلييه أولياء ال "ول يتمنونيه أبدا بميا قدميت أيديهيم" أي أسيلفوه مين تكذييب
محميد صيلى ال علييه وسيلم؛ فلو تمنوه لماتوا؛ فكان فيي ذلك بطلن قولهيم وميا ادعوه مين الوليية.
وفيي حدييث أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال لميا نزلت هذه اليية( :والذي نفيس محميد بيده لو
تمنوا الموت ميا بقيي على ظهرهيا يهودي إل مات) .وفيي هذا إخبار عين الغييب ،ومعجزة للنيبي
صلى ال عليه وسلم .وقد مضى معنى هذه الية في "البقرة" في قوله تعالى " : -قل إن كانت لكم
الدار الخرة عند ال خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" [البقرة.]94 :
**3اليية{ 8 :قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملقيكيم ثيم تردون إلى عالم الغييب والشهادة
فينبئكم بما كنتم تعملون}
@ قال الزجاج :ل يقال :إن زيدا فمنطلق ،وها هنا قال" :فإنه ملقيكم" لما في معنى "الذي" من
الشرط والجزاء ،أي إن فررتم منه فإنه ملقيكم ،ويكون مبالغة في الدللة على أنه ل يفنع الفرار
منه .قال زهير:
ولو رام أسباب السماء بسلم ومن هاب أسباب المنايا ينلنه
قلت :ويجوز أن يتم الكلم عند قوله" :الذي تفرون منه" ثم يبتدئ "فإنه ملقيكم" .وقال طرفة:
لمن الموت عليه قد قدر وكفى بالموت فاعلم واعظا
إن في الموت لذي اللب عبر فاذكر الموت وحاذر ذكره
في مقام أو على ظهر سفر كل شيء سوف يلقى حتفه
ليس ينجيه من الموت الحذر والمنايا حوله ترصده
**3اليية{ 9 :يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلة من يوم الجمعية فاسيعوا إلى ذكير ال وذروا
البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون}
@قوله تعالى" :ييا أيهيا الذيين آمنوا إذا نودي للصيلة مين يوم الجمعية" قرأ عبدال بين الزبيير
والعمش وغيرهما "الجمعة" بإسكان الميم على التخفيف .وهما لغتان .وجمعهما جمع وجمعات.
قال الفراء :يقال الجمعة (بسكون الميم) والجمعة (بضم الميم) والجمعة (بفتح الميم) فيكون صفة
اليوم؛ أي تجمييع الناس .كمييا يقال :ضحكيية للذي يضحييك .وقال ابيين عباس :نزل القرآن بالتثقيييل
والتفخيم فاقرؤوها جمعة؛ يعني بضم الميم .وقال الفراء وأبو عبيد :والتخفيف أقيس وأحسن؛ نحو
غرفة وغرف ،وطرفة وطرف ،وحجرة وحجر .وفتح الميم لغة بني عقيل .وقيل :إنها لغة النبي
صلى ال عليه وسلم .وعن سلمان أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إنما سميت جمعة لن ال
جميع فيهيا خلق آدم) .وقييل :لن ال تعالى فرغ فيهيا مين خلق كيل شيء فاجتمعيت فيها المخلوقات.
وقييل :لتجتميع الجماعات فيهيا .وقييل :لجتماع الناس فيهيا للصيلة .و"مين" بمعنيى "فيي"؛ أي فيي
يوم؛ كقوله تعالى" :أروني ماذا خلقوا من الرض" [فاطر ]40 :أي في الرض.
@ قال أبيو سيلمة :أول مين قال" :أميا بعيد" كعيب بين لوي ،وكان أول مين سيمى الجمعية جمعية.
وكان يقال ليوم الجمعية :العروبية .وقييل :أول مين سيماها جمعية النصيار .قال ابين سييرين :جميع
أهل المدينة من قبل أن يقدم النبي صلى ال عليه وسلم المدينة ،وقبل أن تنزل الجمعة؛ وهم الذين
سموها الجمعة؛ وذلك أنهم قالوا :إن لليهود يوما يجتمعون فيه ،في كل سبعة أيام يوم وهو السبت.
وللنصيارى يوم مثيل ذلك وهيو الحيد فتعالوا فلنجتميع حتيى نجعيل يوميا لنيا نذكير ال ونصيلي فييه -
ونسيتذكر -أو كميا قالوا -فقالوا :يوم السيبت لليهود ،ويوم الحيد للنصيارى؛ فاجعلوه يوم العروبية.
فاجتمعوا إلى أسيعد بين زرارة (أبيو أمامية رضيي ال عنيه) فصيلى بهيم يومئذ ركعتيين وذكرهيم،
فسيموه يوم الجمعية حيين اجتمعوا .فذبيح لهيم أسيعد شاة فتعشوا وتغدوا منهيا لقلتهيم .فهذه أول جمعيه
في السلم.
قلت :وروي أنهيم كانوا اثنيي عشير رجل على ميا يأتيي .وجاء فيي هذه الروايية :أن الذي جميع
بهم وصلى أسعد بن زرارة ،وكذا في حديث عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه كعب على ما
يأتيي .وقال البيهقيي :وروينيا عين موسيى بين عقبية عين ابين شهاب الزهري أن مصيعب بين عميير
كان أول من جمع الجمعة بالمدينة للمسيلمين قبيل أن يقدمهيا رسيول ال صلى ال عليه وسيلم .قال
البيهقي :يحتمل أن يكون مصعب جمع بهم بمعونة أسعد بن زرارة فأضافه كعب إليه .وال اعلم.
وأميا أول جمعية جمعهيا النيبي صيلى ال علييه وسيلم بأصيحابه؛ فقال أهيل السيير والتوارييخ :قدم
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم مهاجرا حتيى نزل بقباء ،على بنيي عمرو بين عوف يوم الثنيين
لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الول حين اشتد الضحى .ومن تلك السنة يعد التاريخ .فأقام
بقباء إلى يوم الخميس وأسس مسجدهم .ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة؛ فأدركته الجمعة في بني
سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجدا؛ فجمع بهم وخطب .وهي
أول خطبة خطبها بالمدينة ،وقال فيها( :الحمد ل .أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه ،وأأمن به
ول أكفره ،وأعادي مين يكفير به .واشهيد أن ل إله إل ال وحده ل شرييك له وأشهيد أن محمدا عبده
ورسيول ،أرسيله بالهدى وديين الحيق ،والنور والموعظية والحكمية على فترة مين الرسيل ،وقلة مين
العلم ،وضللة من الناس ،وانقطاع من الزمان ،ودنو من الساعة ،وقرب من الجل .من يطيع ال
ورسيوله فقيد رشيد .ومين يعيص ال ورسيول فقيد غوى وفرط وضيل ضلل بعيدا .أوصييكم بتقوى
ال ،فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الخرة ،وأن يأمره بتقوى ال .واحذروا
ما حذركم ال من نفسه؛ فإن تقوى ال لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على
ما تبغون من أمر الخرة .ومن يصلح الذي بينه وبين ربه من أمره في السر والعلنية ،ل ينوي
به إل وجه ال يكن له ذكرا في عاجل أمره ،وذخرا فيما بعد الموت ،حين يفتقر المرء إلى ما قدم.
وما كان مما سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا" .ويحذركم ال نفسه وال رؤوف بالعباد"
[آل عمران .]30 :وهيو الذي صيدق قول ،وأنجيز وعده ،ل خلف لذلك؛ فإنيه يقول تعالى" :ميا
يبدل القول لدي وميا أنيا بظلم للعبييد" [ق .]29 :فاتقوا ال فيي عاجيل أمركيم وآجله فيي السير
والعلنيية؛ فإنيه "ومين يتيق ال يكفير عنيه سييئاته ويعظيم له أجرا" [الطلق .]5 :ومين يتيق ال فقيد
فاز فوزا عظيميا .وإن تقوى ال توقيي مقتيه وتوقيي عقوبتيه وتوقيي سيخطه .وإن تقوى ال تيبيض
الوجوه ،وترضييي الرب ،وترفييع الدرجيية .فخذوا بحظكييم ول تفرطوا فييي جنييب ال ،فقييد علمكييم
كتابه ،ونهج لكم سبيله؛ ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين .فأحسنوا كما أحسن ال إليكم ،وعادوا
أعداءه ،وجاهدوا فيي ال حيق جهاده؛ هيو اجتباكيم وسيماكم المسيلمين .ليهلك مين هلك عين بينية،
ويحيييا ميين حييي عيين بينيية .ول حول ول قوة إل بال .فأكثروا ذكيير ال تعالى ،واعملوا لمييا بعييد
الموت؛ فإنيه مين يصيلح ميا بينيه وبيين ال يكفيه ال ميا بينيه وبيين الناس .ذلك بأن ال يقضيي على
الناس ول يقضون عليييه ،ويملك ميين الناس ول يملكون منييه .ال أكييبر ،ول حول ول قوة إل بال
العلي العظييم) .وأول جمعية جمعيت بعدهيا جمعية بقريية يقال لهيا" :جواثيي" مين قرى البحريين.
وقيل :إن أول من سماها الجمعة كعب بن لؤي بن غالب لجتماع قريش فيه إلى كعب؛ كما تقدم.
وال اعلم.
@ خاطب ال المؤمنين بالجمعة دون الكافرين تشريفا لهم وتكريما فقال" :يا أيها الذين آمنوا" ثم
خصيه بالنداء ،وإن كان قيد دخيل فيي عموم قوله تعالى" :وإذا ناديتيم إلى الصيلة" [المائدة]58 :
ليدل على وجوبه وتأكيد فرضه .وقال بعض العلماء :كون الصلة الجمعة ها هنا معلوم بالجماع
ل مين نفيس اللفيظ .قال ابين العربيي :وعندي أنيه معلوم مين نفيس اللفيظ بنكتية وهيي قوله" :مين يوم
الجمعة" وذلك يفيده؛ لن النداء الذي يختص بذلك اليوم هو نداء تلك الصلة .فأما غيرها فهو عام
في سائر اليام .ولو لم يكن المراد به نداء الجمعة لما كان لتخصيصه بها وإضافته إليها معنى ول
فائدة.
@ فقد تقدم حكم الذان في سورة "المائدة" مستوفى .وقد كان الذان على عهد رسول ال صلى
ال علييه وسيلم كميا فيي سيائر الصيلوات؛ يؤذن واحيد إذا جلس النيبي صيلى ال علييه وسيلم على
المنيبر .وكذلك كان يفعيل أبيو بكير وعمير وعلي بالكوفية .ثيم زاد عثمان على المنيبر أذانيا ثالثيا على
داره التيي تسيمى "الزوراء" حيين كثير الناس بالمدينية .فإذا سيمعوا أقبلوا؛ حتيى إذا جلس عثمان
على المنيبر أذن مؤذن النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،ثيم يخطيب عثمان .خرجيه ابين ماجية فيي سيننه
من حديث محميد بن إسحاق عن الزهري عن السائب بن يزيد قال :ما كان لرسول ال صلى ال
علييه وسيلم إل مؤذن واحيد؛ إذا خرج أذن وإذا نزل أقام .وأبيو بكير وعمير كذلك .فلميا كان عثمان
وكثيير الناس زاد النداء الثالث على دار فييي السييوق يقال لهييا "الزوراء"؛ فإذا خرج أذن وإذا نزل
أقام .خرجيه البخاري مين طرق بمعناه .وفيي بعضهيا :أن الذان الثانيي يوم الجمعية أمير بيه عثمان
بين عفان حيين كثير أهيل المسيجد ،وكان التأذيين يوم الجمعية حيين يجلس المام .وقال الماوردي:
فأما الذان الول فمحدث ،فعله عثمان بن عفان ليتأهب الناس لحضور الخطبة عند اتساع المدينة
وكثرة أهلها .وقد كان عمر رضي ال عنه أمر أن يؤذن في السوق قبل المسجد ليقوم الناس عن
بيوعهيم ،فإذا اجتمعوا أذن فيي المسيجد ،فجعله عثمان رضيي ال عنيه أذانيين فيي المسيجد .قال ابين
العربيي .وفيي الحدييث الصيحيح :أن الذان كان على عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم واحدا،
فلميا كان زمين عثمان زاد الذان الثالث على الزوراء ،وسيماه فيي الحدييث ثالثيا لنيه أضافيه إلى
القامية ،كميا قال علييه الصيلة والسيلم( :بيين كيل أذانيين صيلة لمين شاء) يعنيي الذان والقامية.
ويتوهم الناس أنه أذان أصلي فجعلوا المؤذنين ثلثة فكان وهما ،ثم جمعوهم في وفت واحد فكان
وهميا على وهيم .ورأيتهيم يؤذنون بمدينية السيلم بعيد أذان المنار بيين يدي المام تحيت المنيبر فيي
جماعة ،.كما كانوا يفعلون عندنا في الدول الماضية .وكل ذلك محدث.
@قوله تعالى" :فاسيعوا" اختلف فيي معنيى السيعي هيا هنيا على ثلثية أقوال :أولهيا :القصيد .قال
الحسن :وال ما هو بسعي على القدام ولكنه سعي بالقلوب والنية .الثاني :أنه العمل ،كقوله تعالى:
"ومين أراد الخرة وسيعى لهيا سيعيها وهيو مؤمين" [السيراء ،]19 :وقوله" :إن سيعيكم لشتيى"
[اللييل ،]4 :وقوله" :وأن لييس للنسيان إل ميا سيعى" [النجيم .]39 :وهذا قول الجمهور .وقال
زهير:
سعى بعدهم قوم لكي يدركوهم
وقال أيضا:
تبزل ما بين العشيرة بالدم وسعى ساعيا غيظ بن مرة بعدما
أي فاعملوا على المضى إلى ذكر ال ،واشتغلوا بأسبابه من الغسل والتطهير والتوجه إليه .الثالث:
أن المراد به السعي على القدام .وذلك فضل وليس بشرط .ففي البخاري :أن أبا عبس بن جبر -
واسيمه عبدالرحمين وكان مين كبار الصيحابة -مشيى إلى الجمعية راجل وقال :سيمعت رسيول ال
صلى ال عليه وسلم يقول( :من أغبرت قدماه في سبيل ال حرمه ال على النار) .ويحتمل ظاهره
رابعييا :وهييو الجري والشتداد .قال ابيين العربييي :وهييو الذي أنكره الصييحابة العلمون والفقهاء
القدمون .وقرأهييا عميير" :فامضوا إلى ذكيير ال" فرارا عيين طريييق الجري والشتداد الذي يدل
على الظاهير .وقرأ ابين مسيعود كذلك وقال :لو قرأت "فاسيعوا" لسيعيت حتيى يسيقط ردائي .وقرأ
ابن شهاب" :فامضوا إلى ذكر ال سالكا تلك السبيل" .وهو كله تفسير منهم؛ ل قراءة قرآن منزل.
وجائز قراءة القرآن بالتفسيير فيي معرض التفسيير .قال أبيو بكير النباري :وقيد احتيج مين خالف
المصحف بقراءة عمر وابن مسعود ،وأن خرشة بن الحر قال :رأني عمر رضي ال عنه ومعي
قطعية فيهيا "فاسيعوا إلى ذكير ال" فقال لي عمير :مين أقرأك هذا؟ قلت أبيي .فقال :إن أبييا أقرؤنيا
للمنسوخ .ثم قرأ عمر "فامضوا إلى ذكر ال" .حدثنا إدريس قال حدثنا خلف قال حدثنا هشيم عن
المغيرة عن إبراهيم عن خرشة؛ فذكره .وحدثنا محمد بن يحيى أخبرنا محمد وهو ابن سعدان قال
حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال :ما سمعت عمر يقرأ قط إل "فامضوا
إلى ذكر ال" .وأخبرنا إدريس قال حدثنا خلف قال حدثنا هشيم عن المغيرة عن إبراهيم أن عبدال
بين مسيعود قرأ "فامضوا إلى ذكير ال" وقال :لو كانيت "فاسيعوا" لسيعيت حتيى يسيقط ردائي .قال
أبو بكر :فاحتج عليه بأن المة أجمعت على "فاسعوا" برواية ذلك عن ال رب العالمين ورسول
صيلى ال علييه وسيلم .فأميا عبدال بين مسيعود فميا صيح عنه "فامضوا" لن السيند غيير متصيل؛ إذ
إبراهييم النخعيي لم يسيمع عين عبدال بين مسيعود شيئا ،وإنميا ورد "فأمضوا" عين عمير رضيي ال
عنييه .فإذا انفرد أحييد بمييا يخالف الييية والجماعيية كان ذلك نسيييانا منييه .والعرب مجمعيية على أن
السعي يأتي بمعنى المضي؛ غير أنه ل يخلو من الجد والنكماش .قال زهير:
تبزل ما بين العشيرة بالدم سعى ساعيا غيظ بن مرة بعد ما
أراد بالسييعي المضييى بجييد وانكماش ،ولم يقصييد للعدو والسييراع فييي الخطييو .وقال الفراء وأبييو
عبيدة :معنى السعي في الية المضي .واحتج الفراء بقولهم :هو يسعى في البلد يطلب فضل ال؛
معناه هو يمضى بجد واجتهاد .واحتج أبو عبيدة بقول الشاعر:
كل امرئ في شأنه ساعي أسعى على جل بني مالك
فهل يحتمل السعي في هذا البيت إل مذهب المضى بالنكماش؛ ومحال أن يخفى هذا المعنى على
ابين مسيعود على فصياحته وإتقان عربيتيه .قلت :ومميا يدل على أنيه لييس المراد هيا هنيا العدو قوله
علييه الصيلة والسيلم( :إذا أقيميت الصيلة فل تأتوهيا تسيعون ولكين ائتوهيا وعليكيم السيكينة) .قال
الحسيين :أمييا وال مييا هييو بالسييعي على القدام ،ولقييد نهوا أن يأتوا الصييلة إل وعليهييم السييكينة
والوقار؛ ولكن بالقلوب والنية والخشوع .وقال قتادة :السعي أن تسعى بقلبك وعملك .وهذا حسن،
فإنييه جمييع القوال الثلثيية .وقييد جاء فييي الغتسييال للجمعيية والتطيييب والتزييين باللباس أحاديييث
مذكورة في كتب الحديث.
@قوله تعالى" :ييا أيهيا الذيين آمنوا" خطاب المكلفيين بإجماع .ويخرج منيه المرضيى والزمنيي
والمسيافرون والعبييد والنسياء بالدلييل ،والعميان والشييخ الذي ل يمشيي إل بقائد عنيد أبيي حنيفية.
روى أبيو الزبيير عين جابر أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :مين كان يؤمين بال واليوم
الخير فعلييه الجمعية يوم الجمعية إل مرييض أو مسيافر أو امرأة أو صيبي أو مملوك فمين اسيتغنى
بلهيو أو تجارة استغنى ال عنه وال غني حميد) خرجه الدارقطنيي وقال علماؤنيا رحمهيم ال :ول
يتخلف أحييد عيين الجمعيية مميين عليييه إتيانهييا إل بعذر ل يمكنييه منييه التيان إليهييا؛ مئل المرض
الحابس ،أو خوف الزيادة في المرض ،أو خوف جور السلطان عليه في مال أو بدن دون القضاء
علييه بحيق .والمطير الوابيل ميع الوحيل عذر إن لم ينقطيع .ولو يره مالك عذرا له؛ حكاه المهدوي.
ولو تخلف عنهيا متخلف على ولي حمييم له قيد حضرتيه الوفاة ،ولم يكين عنده مين يقوم بأمره رجيا
أن يكون في سعة .وقد فعل ذلك ابن عمر .ومن تخلف عنها لغير عذر فصلى قبل المام أعاد ،ول
يجزيه أن يصلي قبله .وهو في تخلفه عنها مع إمكانه لذلك عاص ل بفعله.
@قوله تعالى" :إذا نودي للصلة" يختص بوجوب الجمعة على القريب الذي يسمع النداء ،فأما
البعييد الدار الذي ل يسيمع النداء فل يدخيل تحيت الخطاب .واختلف فيمين يأتيي الجمعية مين الدانيي
والقاصيي ،فقال ابن عمير وأبيو هريرة وأنس :تجيب الجمعة على مين في المصير على سيتة أميال.
وقال ربيعة :أربعة أميال .وقال مالك والليث :ثلثة أميال .وقال الشافعي :اعتبار سماع الذان أن
يكون المؤذن صيييتا ،والصييوات هادئة ،والريييح سيياكنة وموقييف المؤذن عنييد سييور البلد .وفييي
الصيحيح عين عائشية :أن الناس كانوا ينتابون الجمعية مين منازلهيم ومين العوالي فيأتون فيي الغبار
ويصييبهم الغبار فتخرج منهيم الرييح ،فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :لو اغتسيلتم ليومكيم
هذا) قال علماؤنا :والصوت إذا كان منيعا والناس في هدوء وسكون فأقصى سماع الصوت ثلثة
أميال .والعوالي من المدينة أقربهيا على ثلثة أميال .وقال أحميد بن حنبيل وإسحاق :تجيب الجمعة
على من سمع النداء .وروى الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول
ال صلى ال عليه وسلم قال( :إنما الجمعة على من سمع النداء) .وقال أبو حنيفة وأصحابه :تجب
على مين فيي المصير ،سيمع النداء أو لم يسيمعه ،ول تجيب على مين هيو خارج المصير وإن سيمع
النداء .حتى سئل :وهل تجب الجمعة على أهل زبارة -بينها وبين الكوفة مجرى نهر -؟ فقال ل.
وروي عين ربيعيه أيضيا :أنهيا تجيب على مين إذا سيمع النداء وخرج مين بيتيه ماشييا أدرك الصيلة.
وقد روي عن الزهري :أنها تجب عليه إذا سمع الذان.
@قوله تعالى" :إذا نودي للصلة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر ال" دليل على أن الجمعة ل
تجيييب إل بالنداء ،والنداء ل يكون إل بدخول الوقيييت ،بدلييييل قوله علييييه الصيييلة والسيييلم( :إذا
حضرت الصييلة فأذنييا ثييم أقيمييا وليومكمييا أكبركمييا) قاله لمالك بيين الحويرث وصيياحبه .وفييي
البخاري عن أنس بن مالك أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس.
وقد روي عن أبي الصديق وأحمد بن حنبل أنها تصلي قبل الزوال .وتمسك أحمد في ذلك بحديث
سيلمة بين الكوع :كنيا نصيلي ميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم ثيم ننصيرف ولييس للحيطان ظيل.
وبحديث ابن عمر :ما كنا نقيل ول نتغدى إل بعد الجمعة .ومثله عن سهل .خرجه مسلم .وحديث
سيلمة محمول على التبكيير .رواه هشام بين عبدالملك عن يعلي بين الحارث عن إياس بن سيلمة بن
الكوع عن أبيه .وروى وكيع عن يعلي عن إياس عن أبيه قال :كنا نجمع مع رسول ال صلى ال
علييه وسيلم إذا زالت الشميس ثيم نرجيع نتتبيع الفييء .وهذا مذهيب الجمهور مين الخلف والسيلف،
وقياسيا على صيلة الظهير .وحدييث ابين عمير وسيهل ،دلييل على أنهيم كانوا يبكرون إلى الجمعية
تبكيرا كثيرا عنييد الغداة أو قبلهييا ،فل يتناولون ذلك إل بعييد انقضاء الصييلة .وقييد رأى مالك أن
التبكيير بالجمعية إنميا يكون قرب الزوال بيسيير .وتأول قول النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :مين راح
فيي السياعة الولى فكأنميا قرب بدنية )...الحدييث بكماله إنيه كان فيي سياعة واحدة .وحمله سيائر
العلماء على ساعات النهار الزمانية الثنتي عشرة ساعة المستوية أو المختلفة بحسب زيادة النهار
ونقصانه .ابن العربي :وهو أصح؛ لحديث ابن عمر رضي ال عنهما :ما كانوا يقيلون ول يتغدون
إل بعد الجمعة لكثرة البكور إليها.
@ فرض ال تعالى الجمعة على كل مسلم؛ ردا على من يقول :إنها فرض على الكفاية؛ ونقل عن
بعيض الشافعيية .ونقيل عين مالك مين لم يحقيق :أنهيا سينة .وجمهور المية والئمية أنهيا فرض على
العيان؛ لقول ال تعالى" :إذا نودي للصيلة مين يوم الجمعية فاسيعوا إلى ذكير ال وذروا البييع".
وثبيت عن النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال( :لينتهيين أقوام عن ودعهيم الجمعات أو ليختمين ال
على قلوبهيم ثيم ليكونين مين الغافليين ) .وهذا حجية واضحية فيي وجوب الجمعية وفرضيتهيا .وفيي
سنن ابن ماجة عن أبي الجعد الضمري -وكانت له صحبة -قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم ( :من ترل الجمعة ثلث مرات تهاونا بها طبع ال على قلبه) .إسناده صحيح .وحديث جابر
بن عبدال قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من ترك الجمعة ثلثا من غير ضرورة طبع
ال على قلبيه) .ابين العربيي :وثبيت عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال( :الرواح إلى الجمعية
واجب على كل مسلم).
@ أوجب ال السعي إلى الجمعة مطلقا من غير شرط .وثبت شرط الوضوء بالقرآن والسنة في
جمييع الصيلوات؛ لقوله عيز وجيل" :إذا قمتيم إلى الصيلة فاغسيلوا وجوهكيم" [المائدة ]6 :اليية.
وقال النبي صلى ال عليه وسلم( :ل يقبل ال صلة بغير طهور) .وأغربت طائفة فقالت :إن غسل
الجمعية فرض .ابين العربيي :وهذا باطيل؛ لميا روى النسيائي وأبيو داود فيي سيننهما أن النيبي صيلى
ال علييه وسيلم قال( :مين توضيأ يوم الجمعية فبهيا ونعميت .ومين اغتسيل فالغسيل أفضيل) .وفيي
صيحيح مسيلم عين أبيي هريرة قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ( :مين توضيأ يوم الجمعية
فأحسيين الوضوء ثييم راح إلى الجمعيية فاسييتمع وأنصييت غفيير ال له مييا بييين الجمعيية إلى الجمعيية
وزيادة ثلثة أيام .ومن مس الحصى فقد لغا) وهذا نص .وفي الموطأ :أن رجل دخل يوم الجمعة
وعميير بيين الخطاب يخطييب - ...الحديييث إلى أن قال - :مييا زدت على أن توضأت ،فقال عميير:
والوضوء أيضيا؟ وقيد علميت أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان يأمير بالغسيل .فأمير عمير
بالغسل ولم يأمره بالرجوع ،فدل على أنه محمول على الستحباب .فلم يمكن وقد تلبس بالفرض -
وهييو الحضور والنصييات للخطبيية -أن يرجييع عنييه إلى السيينة ،وذلك بمحضيير فحول الصييحابة
وكبار المهاجريين حوالي عمير ،وفيي مسيجد النيبي صيلى ال علييه وسيلم .الحاديية عشرة :ل تسيقط
الجمعية لكونهيا فيي يوم عييد ،خلفيا لحميد بين حنبيل فإنيه قال :إذا اجتميع عييد وجمعية سيقط فرض
الجمعة؛ لتقدم العيد عليها واشتغال الناس به عنها .وتعلق في ذلك بما روي أن عثمان أذن في يوم
عييد لهيل العوالي أن يتخلفوا عين الجمعية .وقول الواحيد مين الصيحابة لييس بحجية إذا خولف فييه
ولم يجمع معه عليه .والمر بالسعي متوجه يوم العيد كتوجهه في سائر اليام .وفي صحيح مسلم
عين النعمان بين بشيير قال :كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقرأ فيي العيديين وفيي الجمعية :بيي
"سبح اسم ربك العلى" [العلى ]1 .و"هل أتاك حديث الغاشية" [الغاشية ]1 :قال وإذا اجتمع
العييد والجمعية فيي يوم واحيد يقرأ بهميا أيضيا فيي الصيلتين .أخرجيه أبيو داود والترمذي والنسيائي
وابن ماجة.
@قوله تعالى" :إلى ذكير ال" أي الصيلة .وقييل الخطبية والمواعيظ؛ قاله سيعيد بين جيبير .ابين
العربييي :والصييحيح أنييه واجييب فييي الجميييع؛ وأول الخطبيية .وبييه قال علماؤنييا؛ إل عبدالملك بيين
الماجشون فإنيه رآهيا سينة .والدلييل على وجوبهيا أنهيا تحرم البييع ولول وجوبهيا ميا حرمتيه؛ لن
المسيتحب ل يحرم المباح .وإذا قلنيا :إن المراد بالذكير الصيلة فالخطبية مين الصيلة .والعبيد يكون
ذاكرا ل بفعله كمييا يكون مسييبحا ل بفعله .الزمخشري :فإن قلت :كيييف يفسيير ذكيير ال بالخطبيية
وفيهيا غيير ذلك! قلت :ميا كان من ذكير رسول ال صيلى ال عليه وسلم والثناء عليه وعلى خلفائه
الراشديين وأتقياء المؤمنيين والموعظية والتذكيير فهيو فيي حكيم ذكير ال .فأميا ميا عدا ذلك مين ذكير
الظلمية وألقابهيم والثناء عليهيم والدعاء لهيم ،وهيم أحقاء بعكيس ذلك؛ فهيو مين ذكير الشيطان ،وهيو
من ذكر ال على مراحل.
@قوله تعالى" :وذروا البييع" منيع ال عيز وجل منه عنيد صلة الجمعية ،وحرميه فيي وقتهيا على
من كان مخاطبا بفرضها .والبيع ل يخلو عن شراء فاكتفى بذكر أحدهما ،كقوله تعالى" :سرابيل
تقيكيم الحير وسيرابيل تقيكيم بأسيكم" [النحيل .]81 :وخيص البييع لنيه أكثير ميا يشتغيل بيه أصيحاب
السيواق .ومين ل يجيب علييه حضور الجمعية فل ينهيى عين البييع والشراء .وفيي وقيت التحرييم
قولن :إنه من بعد الزوال إلى الفراغ منها ،قاله الضحاك والحسن وعطاء .الثاني -من وقت أذان
الخطبية إلى وقيت الصيلة ،قال الشافعيي .ومذهيب مالك أن يترك البييع إذا نودي للصيلة ،ويفسيخ
عنده ما وقع من ذلك من البيع فيي ذلك الوقت .ول يفسخ العتق والنكاح والطلق وغيره ،إذ ليس
من عادة الناس الشتغال به كاشتغالهم بالبيع .قالوا :وكذلك الشركة والهبة والصدقة نادر ل يفسخ.
ابين العربيي :والصيحيح فسيخ الجمييع ،لن البييع إنميا منيع منيه للشتغال بيه .فكيل أمير يشغيل عين
الجمعية مين العقود كلهيا فهيو حرام شرعيا مفسيوخ ردعيا .المهدوي .ورأى بعيض العلماء البييع فيي
الوقت المذكور جائزا ،وتأول النهي عنه ندبا ،واستدل بقوله تعالى" :ذلكم خير لكم"
قلت :وهذا مذهيب الشافعيي؛ فإن البييع ينعقيد عنده ول يفسيخ .وقال الزمخشري فيي تفسيير :إن
عامية العلماء على أنيه ذلك ل يؤدي فسياد البييع .قالوا :لن البييع لم يحرم لعينيه ،ولكين لميا فييه مين
الذهول عين الواجيب؛ فهيو كالصيلة فيي الرض المغصيوبة والثوب المغصيوب ،والوضوء بماء
مغصوب .وعن بعض الناس أنه فاسد.
قلت :والصيحيح فسياده وفسيخه؛ لقوله علييه الصيلة والسيلم( :كيل عميل لييس علييه أمرنيا فهيو
رد) .أي مردود .وال اعلم.
**3اليية{ 10 :فإذا قضييت الصيلة فانتشروا فيي الرض وابتغوا مين فضيل ال واذكروا ال
كثيرا لعلكم تفلحون}
@قوله تعالى" :فإذا قضييت الصيلة فانتشروا فيي الرض" هذا أمير إباحية؛ كقوله تعالى" :وإذا
حللتييم فاصييطادوا" [المائدة .]2 :يقول :إذا فرغتييم ميين الصييلة فانتشروا فييي الرض للتجارة
والتصيرف فيي حوائجكيم" .وابتغوا مين فضيل ال" أي مين رزقيه .وكان عراك بين مالك إذا صيلى
الجمعية انصيرف فوقيف على باب المسيجد فقال :اللهيم إنيي أجبيت دعوتيك ،وصيليت فريضتيك،
وانتشرت كميا أمرتنيي ،فارزقنيي مين فضلك وأنيت خيير الرازقيين .وقال جعفير بين محميد فيي قوله
تعالى" :وابتغوا من فضل ال" إنه العمل في يوم السبب .وعن الحسن بن سعيد بن المسيب :طلب
العمل .وقيل :التطوع .وعن ابن عباس :لم يؤمروا بطلب شيء من الدنيا؛ إنما هو عيادة المرضى
وحضور الجنائز وزيارة الخ فيي ال تعالى" .واذكروا ال كثيرا" أي بالطاعية واللسيان ،وبالشكير
على ميا بيه أنعيم عليكيم مين التوفييق لداء الفرائض" .لعلكيم تفلحون" كيي تفلحوا .قال سيعيد بين
جيبير :الذكير طاعية ال تعالى ،فمين أطاع ال فقيد ذكره ومين لم يطعيه فلييس بذاكير وإن كان كثيير
التسبيح .وقد مضى هذا مرفوعا في "البقرة".
**3اليية{ 11 :وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليهيا وتركوك قائميا قيل ميا عنيد ال خيير مين
اللهو ومن التجارة وال خير الرازقين}
@قوله تعالى" :وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها" في صحيح مسلم عن جابر بن عبدال أن
النبي صلى ال عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة ،فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها
حتيى لم يبيق إل اثنيا عشير رجل -فيي روايية أنيا فيهيم -فانزلت هذه اليية التيي فيي الجمعية" :وإذا
رأوا تجارة أو لهو انفضوا إليها وتركوك قائما" .في رواية :فيهم أبو بكر وعمر رضي ال عنهما.
وقد ذكر الكلبي وغيره :أن الذي قدم بها دحية بن خليفة الكلبي من الشام عند مجاعة وغلء سعر،
وكان معه جميع ما يحتاج الناس من بر ودقيق وغيره ،فنزل عند أحجار الزيت ،وضرب بالطبل
ليؤذن الناس بقدومييه؛ فخرج الناس إل اثنييي عشيير رجل .وقيييل :أحييد عشيير رجل .قال الكلبييي:
وكانوا فيي خطبية الجمعية فانفضوا إليهيا ،وبقيى ميع رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ثمانيية رجال؛
حكاه الثعلبيي عين ابين عباس ،وذكير الدارقطنيي مين حدييث جابر بين عبدال قال :بينميا رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم يخطبنيا يوم الجمعية إذ أقبلت عيير تحميل الطعام حتيى نزلت بالبقييع؛ فالتفتوا
إليهيا وانفضوا إلهيا وتركوا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لييس معيه إل أربعون رجل أنيا فيهيم.
قال :وأنزل ال عز وجل على النبي صلى ال عليه وسلم" :وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها
وتركوك قائميا) .قال الدارقطنيي :لم يقيل فيي هذا السيناد "إل أربعيين رجل" غيير علي بين عاصيم
عين حصيين ،وخالفيه أصيحاب حصيين فقالوا :لم يبيق ميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم إل اثنيا عشير
رجل .وروي عنه عليه الصلة والسلم أنه قال( :والذي نفسي بيده لو خرجوا جميعا لضرم ال
عليهيم الوادي نارا)؛ ذكره الزمخشري .وروي فيي حدييث مرسيل أسيماء الثنيي عشير رجل ،رواه
أسد بن عمرو والد أسد بن موسى بن أسيد .وفيه :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يبيق معه
إل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ،وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص ،وعبدالرحمن بن عوف
وأبيو عيبيدة بين الجراح ،وسيعيد بين زييد وبلل ،وعبدال بين مسيعود فيي إحدى الروايتيين .وفيي
الرواية الخرى عمار بن ياسر.
قلت :لم يذكير جابرا؛ وقيد ذكير مسيلم أنيه كان فيهيم؛ والدارقطنيي أيضيا .فيكونون ثلثية عشير.
وإن كان عبدال بين مسيعود فيهيم فهيم أربعية عشير .وقيد ذكير أبيو داود فيي مراسييله السيبب الذي
ترخصوا لنفسهم في ترك سماع الخطبة ،وقد كانوا خليقا بفضلهم أل يفعلوا؛ فقال :حدثنا محمود
بن خالد قال حدثنا الوليد قال أخبرني أبو معاذ بكر بن معروف أنه سمع مقاتل بن حيان قال :كان
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يصيلي الجمعية قبيل الخطبية مثيل العيديين ،حتيى كان يوم جمعية
والنيبي صيلى ال علييه وسيلم يخطيب ،وقيد صيلى الجمعية ،فدخيل ،رجيل فقال :إن دحيية بين خليفية
الكلبيي قدم بتجارة ،وكان دحيية إذا قدم تلقاه أهله بالدفاف؛ فخرج الناس فلم يظنوا إل أنيه لييس فيي
ترك الخطبيية شيييء؛ فأنزل ال عييز وجييل" :وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليهييا" .فقدم النييبي
صلى ال عليه وسلم الخطبة يوم الجمعة وأخر الصلة .وكان ل يخرج أحد لرعاف أو أحداث بعد
النهي حتى يستأذن النبي صلى ال عليه وسلم ،يشير إليه بأصبعه التي تلي البهام؛ فيأذن له النبي
صيلى ال علييه وسيلم ثيم يشيير إلييه بيده .فكان مين المنافقيين مين ثقيل علييه الخطبية والجلوس فيي
المسجد ،وكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه مستترا به حتى يخرج؛ فأنزل
ال تعالى" :قيد يعلم ال الذيين يتسيللون منكيم لواذا" [النور ]63 :اليية .قال السيهيلي :وهذا الخيبر
وإن لم ينقيل مين وجيه ثابيت فالظين الجمييل بأصيحاب النيبي صيلى ال علييه وسيلم يوجيب أن يكون
صحيحا .وقال قتادة :وبلغنا أنهم فعلوه ثلث مرات؛ كل مرة عير تقدم من الشام ،وكل ذلك يوافق
يوم الجمعة .وقيل :إن خروجهم لقدوم دحية الكلبي بتجارته ونظرهم إلى العير تمر ،لهو ل فائدة
فييه؛ إل أنيه كان مميا ل إثيم فييه لو وقيع على غيير ذلك الوجيه ،ولكنيه لميا اتصيل بيه العراض عين
رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم والنفضاض عيين حضرتييه ،غلظ وكييبر ونزل فيييه ميين القرآن
وتهجينيه باسيم اللهيو ميا نزل .وجاء عين وسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال( :كيل ميا يلهيو بيه
الرجل باطل إل رميه بقوسه) .الحديث .وقد مضى في سورة "النفال" فلله الحمد .وقال جابر بن
عبدال :كانييت الجواري إذا نكحيين يمررن بالمزامييير والطبييل فانفضوا إليهييا؛ فنزلت .وإنمييا رد
الكنايية إلى التجارة لنهيا أهيم .وقرأ طلحية بين مصيرف "وإذا رأوا التجارة واللهيو انفضوا إليهيا".
وقيل :المعنى وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها ،أو لهوا انفضوا إليه فحذف لدللته .كما قال:
عندك راض والرأي مختلف نحن بما عندنا وأنت بما
وقيل :الجود في العربية أن يجعل الراجع في الذكر للخر من السمين.
@ واختلف العلماء في العدد الذي تنعقد به الجمعة على أقوال؛ فقال الحسن :تنعقد الجمعة باثنين.
وقال الليث وأبو يوسف ،تنعقد بثلثة .وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة :بأربعة .وقال ربيعة :باثني
عشر رجل .وذكر النجاد أبو بكر أحمد بن سليمان قال :حدثنا أبو خالد يزيد بن الهيثم بن طهمان
الدقاق ،حدثنيا صيبح بين دينار قال حدثنيا المعافيي بين عمران حدثنيا معقيل بين عيبيدال عين الزهري
بسينده إلى مصيعب بين عميير :أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم بعثيه إلى المدينية ،وأنيه نزل فيي دار
سعد بن معاذ ،فجمع بهم وهم اثنا عشر رجل ذبح لهم يومئذ شاة .وقال الشافعي :بأربعين رجل.
وقال أبو إسحاق الشيرازي في (كتاب التنبيه على مذهب المام الشافعي) :كل قرية فيها أربعون
رجل بالغيين عقلء أحرارا مقيميين ،ل يظعنون عنهيا صييفا ول شتاء إل ظعين حاجية ،وأن يكونوا
حاضرين من أول الخطبة إلى أن تقام الجمعة وجبت عليهم الجمعة .ومال أحمد وإسحاق إلى هذا
القول ولم يشترطا هذه الشروط .وقال مالك :إذا كانت قرية فيهيا سوق ومسجد فعليهيم الجمعة من
غير اعتبار عدد .وكتب عمر بن عبدالعزيز :أي قرية اجتمع فيها ثلثون بيتا فعليهم الجمعة .وقال
أبيو حنيفيية :ل تجيب الجمعيية على أهيل السييواد والقرى ،ل يجوز لهيم إقامتهيا فيهييا .واشترط فييي
وجوب الجمعيية وانعقادهييا :المصيير الجامييع والسييلطان القاهيير والسييوق القائميية والنهيير الجاري.
واحتج بحديث علي :ل جمعة ول تشريق إل في مصر جامع ورفقة تعينهم .وهذا يرده حديث ابن
عباس ،قال :إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم بقرية من
قرى البحريين يقال لهيا جواثيي .وحجية المام الشافعيي فيي الربعيين حدييث جابر المذكور الذي
خرجيه الدارقطنيي .وفيي سينن ابين ماجية والدارقطنيي أيضيا ودلئل النبوة للبيهقيي عين عبدالرحمين
بن كعب بن مالك قال :كنت قائد أبي حين ذهب بصره ،فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الذان،
صلى على أبي أمامة واستغفر له -قال -فمكث كذلك حينا ل يسمع الذان بالجمعة إل فعل ذلك؛
فقلت له :يا أبةِ ،استغفارك لبي أمامة كلما سمعت أذان الجمعة ،ما هو؟ قال :أي بني ،هو أول من
جميع بالمدينية فيي هزم مين حرة بنيي بياضية يقال له نقييع الخضمات؛ قال قلت :كيم أنتيم يومئذ؟ قال
أربعون رجل .وقال جابر بين عبدال :مضيت السينة أن فيي كيل ثلثية إماميا ،وفيي كيل أربعيين فميا
فوق ذلك جمعة وأضحى وفطرا ،وذلك أنهم جماعة .خرجه الدارقطني.
وروى أبيو بكير أحميد بين سيليمان النجاد :قرئ على عبدالملك بين محميد الرقاشيي وأنيا أسيمع
حدثنيي رجاء بين سيلمة قال حدثنيا أبيي قال حدثنيا روح بين غطييف الثقفيي قال حدثنيي الزهري عين
أبي سلمة قال :قلت لبي هريرة على كم تجب الجمعة من رجل؟ قال :لما بلغ أصحاب رسول ال
صلى ال عليه وسلم خمسين رجل جمع بهم رسول ال صلى ال عليه وسلم .قرئ على عبدالملك
بين محميد وأنيا أسيمع قال حدثنيا رجاء بين سيلمة قال حدثنيا عباد بين عباد المهلبيي عين جعفير بين
الزبيير عين القاسيم عين أبيي أمامية قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :تجيب الجمعية على
خمسين رجل ول تجب على من دون ذلك) .قال ابن المنذر :وكتب عمر بن عبدالعزيز :أيما قرية
اجتمييع فيهييا خمسييون رجل فليصييلوا الجمعيية .وروى الزهري عيين أم عبدال الدوسييية قالت :قال
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم (الجمعية واجبية على كيل قريية وإن لم يكين فيهيا إل أربعية) .يعنيي
بالقرى :المدائن .ل يصيح هذا عين الزهري .فيي روايية (الجمعية واجبية على أهيل كيل قريية وإن لم
يكونوا إل ثلثة رابعهم إمامهم) .الزهري ل يصح سماعه من الدوسية .والحكم هذا متروك.
@ وتصيح الجمعية بغيير إذن المام وحضوره .وقال أبيو حنيفية :مين شرطهيا المام أو خليفتيه.
ودليلنا أن الوليد بن عقبة والي الكوفة أبطأ يوما فصلى ابن مسعود بالناس من غير إذنه .وروي
أن علييا صيلى الجمعية يوم حصير عثمان ولم ينقيل أنيه اسيتأذنه .وروي أن سيعيد بين العاصيي والي
المدينة لما خرج من المدينة صلى أبو موسى بالناس الجمعة من غير استئذان .وقال مالك :إن ل
فرائض في أرضه ل يضيعها؛ وليها وال أو لم يلها.
@ قال علماؤنا :من شرط أدائها المسجد المسقف .قال ابن العربي :ول اعلم وجهه .قلت :وجهه
قوله تعالى" :وطهير بيتيي للطائفيين" [الحيج ،]26 :وقوله" :فيي بيوت أذن ال أن ترفيع" [النور:
.]36وحقيقة البيت أن يكون ذا حيطان وسقف .هذا العرف ،وال اعلم.
@قوله تعالى" :وتركوك قائميا" شرط في قيام الخطييب على المنيبر إذا خطب .قال علقمة :سئل
عبدال أكان النيبي صيلى ال علييه وسيلم يخطيب قائميا أو قاعدا؟ فقال :أميا تقرأ "وتركوك قائميا".
وفيي صيحيح مسيلم عن كعيب بين عجرة أنه دخيل المسيجد وعبدالرحمين بين أم الحكيم يخطيب قاعدا
فقال :انظروا إلى هذا الخيييبيث ،يخطيييب قاعدا وقال ال تعالى" :وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا
إليهيا وتركوك قائميا" .وخرج عين جابر أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان يخطيب قائميا ثيم
يجلس ،ثم يقوم فيخطب؛ فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب؛ فقد وال صليت معه أكثر من
ألفييي صييلة .وعلى هذا جمهور الفقهاء وأئميية العلماء .وقال أبييو حنيفيية :ليييس القيام بشرط فيهييا.
ويروى أن أول مين خطيب قاعدا معاويية .وخطيب عثمان قائميا حتيى رق فخطيب قاعدا .وقييل :إن
معاويية إنميا خطيب قاعدا لسينه .وقيد كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم يخطيب قائميا ثيم يقعيد ثيم يقوم
ول يتكلم في قعدته .رواه جابر بن سمرة .ورواه ابن عمر في كتاب البخاري.
@ والخطبة شرط في انعقاد الجمعة ل تصح إل بها؛ وهو قول جمهور العلماء .وقال الحسن :هي
مسيتحبة .وكذا فال ابين الماجشون :إنهيا سينة وليسيت بفرض .وقال سيعيد بين جيبير :هيي بمنزلة
الركعتيين مين صيلة الظهير؛ فإذا تركهيا وصيلى الجمعية فقيد ترك الركعتيين مين صيلة الظهير.
والدليييل على وجوبهييا قوله تعالى" :وتركوك قائمييا" .وهذا ذم ،والواجييب هييو الذي يذم تاركييه
شرعا ،ثم إن النبي صلى ال عليه وسلم لم يصلها إل بخطبة.
@ ويخطيب متوكئا على قوس أو عصيا .وفيي سينن ابين ماجية قال حدثنيا هشام بين عمار حدثنيا
عبدالرحمين بن سيعد بين عمار بين سيعد قال حدثنيي أبيي عن أبييه عن جده أن رسيول ال صيلى ال
عليه وسلم كان إذا خطب في الحرب خطب على قوس ،وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا.
@ ويسلم إذا صعد المنبر على الناس عند الشافعي وغيره .ولم يره مالك .وقد روى ابن ماجة من
حدييث جابر بين عبدال أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان إذا صيعد المنيبر سيلم .التاسيعة :فإن
خطب على غير طهارة الخطبة كلها أو بعضها أساء عند مالك؛ ول إعادة عليه إذا صلى طاهرا.
وللشافعيي قولن فيي إيجاب الطهارة؛ فشرطهيا فيي الجدييد ولم يشترطهيا فيي القدييم .وهيو قول أبيي
حنيفة.
@ وأقيل ميا يجزي فيي الخطبية أن يحميد ال ويصيلي على نيبيه صيلى ال علييه وسيلم ،ويوصيي
بتقوى ال ويقرأ آيية مين القران .ويجيب فيي الثانيية أربيع كالولى؛ إل أن الواجيب بدل مين قراءة
اليية فيي الولى الدعاء؛ قال أكثير الفقهاء .وقال أبيو حنيفية :لو اقتصير على التحمييد أو التسيبيح أو
التكبير أجزأه .وعن عثمان رضي ال عنه أنه صعد المنبر فقال :الحمد ل ،وارتج عليه فقال :إن
أبييا بكيير وعميير كانييا يعدان لهذا المقام مقال ،وإنكييم إلى إمام فعال أحوج منكييم إلى إمام قوال،
وسييتأتيكم الخطييب؛ ثييم نزل فصييلى .وكان ذلك بحضرة الصييحابة فلم ينكيير عليييه أحييد .وقال أبييو
يوسف ومحمد :الواجب ما تناوله اسم خطبة .وهو قول الشافعي .قال أبو عمر بن عبدالبر :وهو
أصح ما قيل في ذلك.
@ فيي صيحيح مسيلم عين يعلى بين أميية أنيه سيمع النيبي صيلى ال علييه وسيلم يقرأ على المنيبر
"ونادوا ييا مالك" [الزخرف .]77 :وفييه عين عمرة بنيت عبدالرحمين عين أخيت لعمرة قالت :ميا
أخذت "ق والقرآن المجيد" [ق ]1 :إل من في رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الجمعة وهو
يقرأ بها على المنبر في كل جمعة .وقد مضى في أول "ق" .وفي مراسيل أبي داود عن الزهري
قال :كان صدر خطبة النبي صلى ال عليه وسلم (الحمد ل .نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ به
من شرور أنفسنا .من يهد ال فل مضل له ،ومن يضلل فل هادي له .ونشهد أن ل إله إل ال؛ وأن
محمدا عبده ورسوله ،أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة .من يطع ال ورسوله فقد رشد،
ومين يعصيهما فقيد غوى .نسيأل ال ربنيا أن يجعلنيا ممين يطيعيه ويطييع رسيوله ،ويتبيع رضوانيه
ويجتنب سخطه ،فإنما نحن به وله) .وعنه قال :بلغنا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه كان
يقول إذا خطيب( :كيل ميا هيو آت قرييب ،ول بعيد لميا هيو آت .ل يعجيل ال لعجلة أحيد ،ول يخيف
لميير الناس .ميا شاء ال ل ميا شاء الناس .يرييد ال أمرا ويرييد الناس أمرا ،ميا شاء ال كان ولو
كره الناس .ول مبعيد لميا قرب ال ،ول مقرب لميا بعيد ال .ل يكون شييء إل بإذن ال جيل وعيز.
وقال جابر :كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم يوم الجمعية يخطيب فيقول بعيد أن يحميد ال ويصيلي
على أنيبيائه( :أيهيا الناس إن لكيم معالم فانتهوا إلى معالمكيم ،وإن لكيم نهايية فانتهوا إلى نهايتكيم .إن
العبد المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى ل يدري ما ال قاض فيه ،وبين أجل قد بقي ل يدري
ما ال صانع فيه .فليأخيذ العبد من نفسه لنفسه ،ومن دنياه لخرته ،ومن الشبيبة قبل الكبر ،ومن
الحياة قبل الممات .والذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب ،وما بعد الدنيا من دار إل الجنة
أو النار .أقول قولي هذا واسيتغفر ال لي ولكيم) .وقيد تقدم ميا خطيب بيه علييه الصيلة والسيلم أول
جمعة عند قدومه المدينة.
@ السكوت للخطبة واجب على من سمعها وجوب سنة .والسنة أن يسكت لها من يسمع ومن لم
يسييمع ،وهمييا إن شاء ال فييي الجيير سييواء .وميين تكلم حينئذ لغييا؛ ول تفسييد صييلته بذلك .وفييي
الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة
والمام يخطييب فقييد لغوت) .الزمخشري :وإذا قال المنصييت لصيياحبه صييه؛ فقييد لغييا ،أفل يكون
الخطيب الغالي في ذلك لغيا؟ نعوذ بال من غربة السلم ونكد اليام.
@ ويستقبل الناس المام إذا صعد المنبر؛ لما رواه أبو داود مرسل عن أبان بن عبدال قال :كنت
مييع عدي بيين ثابييت يوم الجمعيية؛ فلمييا خرج المام -أو قال صييعد المنييبر -اسييتقبله وقال :هكذا
أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يفعلون برسيول ال صيلى ال علييه وسيلم .خرجيه ابين
ماجة عن عدي بن ثابت عن أبيه؛ فزاد في السناد :عن أبيه قال :كان رسول ال صلى ال عليه
وسلم إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم .قال ابن ماجة :أرجو أن يكون متصل .قلت:
وخرج أبو نعيم الحافظ قال حدثنا محمد بن معمر قال حدثنا عبدال بن محمد بن ناجية قال حدثنا
عباد بين يعقوب قال حدثنيا محميد بين الفضيل الخراسياني عين منصيور عين إبراهييم عن علقمية عن
عبدال قال :كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم إذا اسيتوى على المنيبر اسيتقبلناه بوجوهنيا .تفرد بيه
محمد بن الفضل بن عطية عن منصور.
@ ول يركع من دخل المسجد والمام يخطب؛ عند مالك رحمه ال .وهو قول ابن شهاب رحمه
ال وغيره .وفيي الموطيأ عنيه :فخروج المام يقطيع الصيلة ،وكلميه يقطيع الكلم .وهذا مرسيل.
وفيي صيحيح مسيلم مين حدييث جابر عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم (إذا جاء أحدكيم يوم الجمعية
والمام يخطييب فليركييع ركعتييين وليتجوز فيهمييا) .وهذا نييص فييي الركوع .وبييه يقول الشافعييي
وغيره.
@ .. ..ابين عون عين ابين سييرين قال :كانوا يكرهون النوم والمام يخطيب ويقولون فييه قول
شديدا .قال ابين عون :ثيم لقينيي بعيد ذلك فقال :تدري ميا يقولون؟ قال :يقولون مثلهيم كمثيل سيرية
أخفقوا؛ ثم قال :هل تدري ما أخفقوا؟ لم تغنم شيئا .وعن سمرة بن جندب أن النبي صلى ال عليه
وسلم قال( :إذا نعس أحدكم فليتحول إلى مقعد صاحبه وليتحول صاحبه إلى مقعده).
@ نذكير فيها من فضل الجمعة وفرضيتها ما لم نذكره .روى الئمة عن أبي هريرة رضيي ال
عنيه أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ذكير يوم الجمعية فقال( :فييه سياعة ل يوافقهيا عبيد مسيلم
وهيو يصيلي يسيأل ال عيز وجيل شيئا إل أعطاه إياه) وأشار بيده يقللهيا .وفيي صيحيح مسيلم مين
حديث أبي موسى قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :هي ما بين أن يجلس المام
إلى أن تقضى الصلة) .وروي من حديث أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم أبطأ علينا ذات يوم؛
فلما خرج قلنا :احتبست! قال( :ذلك أن جبريل أتاني بكهيئة المرآة البيضاء فيها نكتة سوداء فقلت
ميا هذه ييا جبرييل قال هذه الجمعية فيهيا خيير لك ولمتيك وقيد أرادهيا اليهود والنصيارى فأخطؤوهيا
وهداكم ال لها قلت يا جبريل ما هذه النكتة السوداء قال هذه الساعة التي في يوم الجمعة ل يوافقها
عبد مسلم يسأل ال فيها خيرا إل أعطاه إياه أو ادخر له مثله يوم القيامة أو صرف عنه من السوء
مثله وإنيه خييير اليام عنيد ال وإن أهيل الجنية يسييمونه يوم المزيييد) .وذكير الحدييث .وذكيير ابيين
المبارك ويحييى بين سيلم قال :حدثنيا المسيعودي عين المنهال بين عمرو عين أبيى عيبيده بين عبدال
بين عتبية عين ابين مسيعود قال :تسيارعوا إلى الجمعية فإن ال تبارك وتعالى ييبرز لهيل الجنية كيل
يوم جمعيية فييي كثيييب مين كافور أبييض ،فيكونون منيه فييي القرب -قال ابين المبارك -على قدر
تسيارعهم إلى الجمعية فيي الدنييا .وقال يحييى بين سيلم :كمسيارعتهم إلى الجمعية فيي الدنييا .وزاد
فيحدث لهيم مين الكرامية شيئا لم يكونوا رأوه قبيل ذلك .قال يحييى :وسيمعت غيير المسيعودي يزييد
فيه :وهو قوله تعالى" :ولدينا مزيد" [ق.]35 :
قلت :قوله "في كثيب" يريد أهل الجنة .أي وهم على كثيب؛ كما روى الحسن قال :قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم( :إن أهل الجنة ينظرون إلى ربهم في كل جمعة على كثيب من كافور ل
يرى طرفاه وفيه نهر جار حافتاه المسك عليه جوار يقرأن القرآن بأحسن أصوات سمعها الولون
والخرون فإذا انصيرفوا إلى منازلهيم أخيذ كيل رجيل بييد ميا شاء منهين ثيم يمرون على قناطير مين
لؤلؤ إلى منازلهم فلول أن ال يهديهم إلى منازلهم ما اهتدوا إليها لما يحدث ال لهم في كل جمعة)
ذكره يحيى بن سلم .وعن أنس قال :قال النبي صلى ال عليه وسلم( :ليلة أسري بي رأيت تحت
العرش سيبعين مدينية كيل مدينية مثيل مدائنكيم هذه سيبعين مرة مملوءة مين الملئكية يسيبحون ال
ويقدسونه ويقولون في تسبيحهم اللهم اغفر لمن شهد الجمعة اللهم اغفر لمن اغتسل يوم الجمعة)
ذكره الثعلبي .وخرج القاضيي الشريف أبو الحسين علي بن عبدال بن إبراهيم الهاشميي العيسوي
ميين ولد عيسييى بيين علي بيين عبدال بيين عباس رضييي ال عنيه بإسييناد صييحيح عين أبييي موسييى
الشعري أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :إن ال عيز وجيل يبعيث اليام يوم القيامية على
هيئتهييا ويبعيث الجمعية زهراء منيرة أهلهيا يحفون بهيا كالعروس تهدى إلى كريمهيا تضييء لهيم
يمشون في ضوئها ،ألوانهم كالثلج بياضا ،وريحهم يسطع كالمسك ،يخوضون في جبال الكافور،
ينظير إليهيم الثقلن ميا يطرقون تعجبيا يدخلون الجنية ل يخالطهيم أحيد إل المؤذنون المحتسيبون).
وفي سنن ابن ماجة عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم :قال (الجمعة إلى الجمعة
كفاره ما بينهما ما لم تغش الكبائر) خرجه مسلم بمعناه.
وعين أوس بين أوس الثقفيي قال :سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقول( :مين غسيل يوم
الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من المام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة
عميل سينة أجير صييامها وقيامهيا) .وعين جابر بين عبدال قال :خطبنيا رسيول ال صيلى ال علييه
وسلم فقال :يا أيها الناس توبوا إلى ال قبل أن تموتوا .وبادروا بالعمال الصالحة قبل أن تشغلوا.
وصييلوا الذي بينكييم وبييين ربكييم بكثرة ذكركييم له وكثرة الصييدقة فييي السيير والعلنييية ترزقوا
وتنصيروا وتؤجروا .واعلموا أن ال قيد فرض عليكيم الجمعية فيي مقاميي هذا فيي شهري هذا فيي
عامي هذا إلى يوم القيامة فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها
أو جحودا لهيا فل جميع ال شمله ول بارك له فيي أمره .أل ول صيلة له ول زكاة له ول حيج له.
أل ول صييوم له ول بر له حتييى يتوب فميين تاب تاب ال عليييه .أل ل تؤميين امرأة رجل ول يؤم
أعرابي مهاجرا ول يؤم فاجر مؤمنا إل أن يقهره سلطان يخاف سيفه أو سوطه) .وقال ميمون بن
أبي شيبة :أردت الجمعة مع الحجاج فتهيأت للذهاب ،ثم قلت :أين اذهب أصلي خلف هذا الفاجر؟
فقلت مرة :أذهب ،ومرة ل أذهب ،ثم أجمع رأيي على الذهاب ،فناداني مناد من جانب البيت "يا
أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر ال وذروا البيع" [الجمعة.]9 :
@قوله تعالى" :قل ما عند ال خير من اللهو ومن التجارة" فيه وجهان :أحدهما :ما عند ال من
ثواب صيلتكم خيير مين لذة لهوكيم وفائدة تجارتكيم .الثانيي :ميا عنيد ال مين رزقكيم الذي قسيمه لكيم
خير مما أصبتموه من لهوكم وتجارتكم .وقرأ أبو رجاء العطاردي" :قل ما عند ال خير من اللهو
ومين التجارة للذيين آمنوا"" .وال خيير الرازقيين" فمنيه فاطلبوا ،واسيتعينوا بطاعتيه على نييل ميا
عنده من خيري الدنيا والخرة.
**2سورة المنافقون
**3الية{ 1 :إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول ال وال يعلم إنك لرسوله وال يشهد
إن المنافقين لكاذبون}
@قوله تعالى" :إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول ال" روى البخاري عن زيد بن أرقم
قال :كنيت ميع عميي فسيمعت عبدال بين أبيي ابين سيلول يقول" :ل تنفقوا علي مين عنيد رسيول ال
حتييى ينفضوا" .وقال" :لئن رجعنييا إلى المدينيية ليخرجيين العييز منهييا الذل" فذكرت ذلك لعمييي
فذكير عميي لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم؛ فأرسيل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إلى عبدال
بن أبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا؛ فصدقهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وكذبني .فأصابني هم
لم يصبني مثله ،فجلست في بيتي فأنزل ال عز وجل" :إذا جاءك المنافقون -إلى قوله -هم الذين
يقولون ل تنفقوا علي مين عنيد رسيول ال -إلى قوله -ليخرجين العيز منهيا الذل" فأرسيل إلي
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ثم قال( :إن ال قد صدقك) خرجه الترمذي قال :هذا حديث حسن
صحيح .وفي الترمذي عن زيد بن أرقم قال :غزونا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان معنا
أناس مين العراب فكنيا نبدر الماء ،وكان العراب يسيبقونا إلييه فيسيبق العرابيي أصيحابه فيمل
الحوض ويجعيل حول حجارة ،ويجعيل النطيع علييه حتيى تجييء أصيحابه .قال :.فأتيى رجيل مين
النصييار أعرابيييا فأرخييى زمام ناقتييه لتشرب فأبييى أن يدعييه ،فانتزع حجرا فغاض الماء؛ فرفييع
العرابي خشبة فضرب بها رأس النصاري فشجه ،فأتى عبدال بن أبي رأس المنافقين فأخبره -
وكان من أصحابه -فغضب عبدال بن أبي ثم قال :ل تنفقوا علي من عند رسول ال حتى ينفضوا
مين حوله -يعنيي العراب -وكانوا يحضرون رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عنيد الطعام؛ فقال
عبدال :إذا انفضوا مين عنيد محميد فأتوا محمدا بالطعام ،فليأكيل هيو ومين عنده .ثيم قال لصيحابه:
لئن رجعتيم إلى المدينية ليخرجين العيز منهيا الذل .قال زييد :وأنيا ردف عميي فسيمعت عبدال بين
أبي فأخبرت عمي ،فانطلق فأخبر رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فأرسل إليه رسول ال صلى
ال علييه وسيلم فحلف وجحيد .قال :فصيدقه رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وكذبنيي .قال :فجاء
عميي إلي فقال :ميا أردت إلى أن مقتيك رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وكذبيك والمنافقون .قال:
فوقع علي من جرأتهم ما لم يقع على أحد .قال :فبينما أنا أسير مع رسول ال صلى ال عليه وسلم
فيي سيفر قيد خففيت برأسيي مين الهيم إذ أتانيي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فعرك أذنيي وضحيك
في وجهي؛ فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا .ثم إن أبا بكر لحقني فقال :ما قال لك رسول
اله صيلى ال علييه وسيلم قلت :ميا قال شيئا إل أنيه عرك أذنيي وضحيك فيي وجهيي؛ فقال أبشير! ثيم
لحقني عمر فقلت له مثل قولي لبي بكر .فلما أصبحنا قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم سورة
المنافقيين .قال أبيو عيسيى :هذا حدييث حسين صيحيح .وسيئل حذيفية بين اليمان عين المنافيق ،فقال:
الذي يصف السلم ول يعمل به .وهو اليوم شر منهم على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم؛
لنهم كانوا يكتمونه وهم اليوم يظهرونه.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :آية المنافق ثلث إذا حدث
كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان) .وعن عبدال بن عمرو أن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
(أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى
يدعهيا :إذا اؤتمين خان وإذا حدث كذب وإذا عاهيد غدر وإذا خاصيم فجير) .أخيبر علييه السيلم أن
من جمع هذه الخصال كان منافقا ،وخبره صدق .وروي عن الحسن أنه ذكر له هذا الحديث فقال:
إن بنيي يعقوب حدثوا فكذبوا ووعدوا فأخلفوا واؤتمنوا فخانوا .إنميا هذا القول مين النيبي صيلى ال
علييه وسيلم على سيبيل النذار للمسيلمين ،والتحذيير لهيم أن يعتادوا هذه الخصيال؛ شفقيا أن تقضيي
بهم إلى النفاق .وليس المعنى :أن من بدرت منه هذه الخصال من غير اختيار واعتياد أنه منافق.
وقيد مضيى في سورة "التوبة" القول فيي هذا مسيتوفى والحميد ل .وقال رسول ال صيلى ال عليه
وسلم (المؤمن إذا حدث صدق وإذا وعد أنجز وإذا ائتمن وفى) .والمعنى :المؤمن الكامل إذا حدث
صدق .وال اعلم.
@قوله تعالى" :قالوا نشهييد إنييك لرسييول ال" قيييل :معنييى "نشهييد" نحلف .فعييبر عيين الحلف
بالشهادة؛ لن كل واحد من الحلف والشهادة إثبات لمر مغيب؛ ومنه قول قيس بن ذريح.
فهذا لها عندي فما عندها ليا وأشهد عند ال أني أحبها
ويحتمييل أن يكون ذلك محمول على ظاهره أنهييم يشهدون أن محمدا رسييول ال صييلى ال عليييه
وسيلم اعترافيا باليمان ونفييا للنفاق عين أنفسيهم ،وهيو الشبيه" .وال يعلم إنيك لرسيوله" كميا قالوه
بألسنتهم" .وال يشهد إن المنافقين لكاذبون" أي فيما أظهروا من شهادتهم وحلفهم بألسنتهم .وقال
الفراء" :وال يشهييد إن المنافقييين لكاذبون" بضمائرهييم ،فالتكذيييب راجييع إلى الضمائر .وهذا يدل
على أن اليمان تصيديق القلب ،وعلى أن الكلم الحقيقيي كلم القلب .ومين قال شيئا واعتقيد خلفيه
فهيو كاذب .وقيد مضيى هذا المعنيى فيي أول "البقرة" مسيتوفى وقييل :أكذبهيم ال فيي أيمانهيم وهيو
قوله تعالى" :يحلفون بال إنهم لمنكم وما هم منكم" [التوبة.]56 :
**3الية{ 2 :اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل ال إنهم ساء ما كانوا يعملون}
@قوله تعالى" :اتخذوا أيمانهيم جنية" أي سيترة .ولييس يرجيع إلى قوله "نشهيد إنيك لرسيول ال"
وإنما يرجع إلى سبب الية التي نزلت عليه ،حسب ما ذكره البخاري والترمذي عن ابن أبي أنه
حلف ما قال وقد قال .وقال الضحاك :يعني حلفهم بال "إنهم لمنكم" وقيل :يعني بأيمانهم ما أخبر
الرب عنهم في سورة "التوبة" إذ قال" :يحلفون بال ما قالوا" [التوبة.]74 :
@ من قال أقسم بال أو أشهد بال أو أعزم بال أو أحلف بال ،أو أقسمت بال أو أشهدت بال أو
أعزمييت بال أو أحلفييت بال ،فقال فييي ذلك كله "بال" فل خلف أنهييا يمييين .وكذلك عنييد مالك
وأصيحابه إن قال :أقسيم أو أشهيد أو أعزم أو أحلف ،ولم يقيل "بال" ،إذا أراد "بال" .وإن لم يرد
"بال" فليس بيمين .وحكاه الكيا عن الشافعي ،قال الشافعي :إذا قال أشهد بال ونوى اليمين كان
يمينيا .وقال أبيو حنيفية وأصيحابه :لو قال أشهيد بال لقيد كان كذا كان يمينيا ،ولو قال أشهيد لقيد كان
كذا دون النية كان يمينا لهذه الية ،لن ال تعالى ذكر منهم الشهادة ثم قال" :اتخذوا أيمانهم جنة".
وعنيد الشافعيي ل يكون ذلك يمينيا وإن نوى اليميين ،لن قوله تعالى" :اتخذوا أيمانهيم جنية" لييس
يرجيع إلى قوله" :قالوا نشهيد" وإنميا يرجيع إلى ميا فيي "التوبية" مين قوله تعالى" :يحلفون بال ميا
قالوا" [التوبة.]74 :
@قوله تعالى" :فصدوا عن سبيل ال" أي أعرضوا ،وهو من الصدود .أو صرفوا المؤمنين عن
إقامية حكيم ال عليهيم مين القتيل والسيبي وأخيذ الموال ،فهيو مين الصيد ،أو منعوا الناس عين الجهاد
بأن يتخلفوا ويفتدي بهيم غيرهيم .وقييل :فصيدوا اليهود والمشركيين عين الدخول فيي السيلم ،بأن
يقولوا هيا نحن كافرون بهم ،ولو كان محميد حقا لعرف هذا منيا ،ولجعلنا نكال .فيبين ال أن حالهيم
ل يخفي عليه ،ولكن حكمه أن من أظهر اليمان أجرى عليه في الظاهر حكم اليمان" .إنهم ساء
ميا كانوا يعملون" أي بئسيت أعمالهيم الخيبيئة مين نفاقهيم وأيمانهيم الكاذبية وصيدهم عين سيبيل ال
أعمال.
**3الية{ 3 :ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم ل يفقهون}
@قوله تعالى" :ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا" هذا إعلم من ال تعالى بأن المنافق كافر .أي أقروا
باللسيان ثيم كفروا بالقلب .وقييل :نزلت اليية فيي قوم آمنوا ثيم أرتدوا "فطبيع على قلوبهيم" أي ختيم
عليها بالكفر "فهم ل يفقهون" اليمان ول الخير .وقرأ زيد بن علي "فطبع ال على قلوبهم".
**3الية{ 4 :وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون
كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم ال أنى يؤفكون}
@قوله تعالى" :وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم" أي هيئاتهم ومناظرهم" .وإن يقولوا تسمع لقولهم"
يعنييي عبدال بين أبييي .قال ابين عباس :كان عبدال بين أبييي وسيييما جسيييما صيحيحا صييبيحا ذلق
اللسان ،فإذا قال سمع النبي صلى ال عليه وسلم مقالته .وصفه ال بتمام الصورة وحسن البانة.
وقال الكلبي :المراد ابن أبى وجد بن قيس ومعتب بن قشير ،كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة.
وفيي صيحيح مسيلم" :كأنهيم خشيب مسيندة" قال :كانوا رجال أجميل شييء كأنهيم خشيب مسيندة،
شبههييم بخشييب مسييندة إلى الحائط ل يسييمعون ول يعقلون ،أشباح بل أرواح وأجسييام بل أحلم.
وقييل :شبههيم بالخشيب التيي قيد تآكلت فهيي مسيندة بغيرهيا ل يعلم ميا فيي بطنهيا .وقرأ قنبيل وأبيو
عمرو والكسيائي "خشْب" بإسيكان الشيين .وهيي قراءة البراء بين عازب واختيار أبيي عبييد ،لن
واحدتهيا خشبية .كميا تقول :بدنية وبدن ،ولييس فيي اللغية فعلة يجميع على فعيل .ويلزم مين ثقلهيا أن
تقول :البدن ،فتقرأ "والبدن" .وذكير اليزيدي أنيه جماع الخشباء ،كقول عيز وجيل" :وحدائق غلبيا"
واحدتهيا حديقية غلباء .وقرأ الباقون بالتثقييل وهيي روايية البزي عين ابين كثيير وعياش عين أبيي
عمرو ،وأكثير الروايات عين عاصيم .واختاره أبيو حاتيم ،كأنيه جميع خشاب وخشيب ،نحيو ثمرة
وثمار ثمير .وإن شئت جمعيت خشبية على خشبية كميا قالوا :بدنية وبدن وبدن .وقيد روي عين ابين
المسييب فتيح الخاء والشين فيي "خشب" .قال سييبويه :خشبة وخشب ،مثيل بدنية وبدن ،قال :ومثله
بغيير هاء أسيد وأسيد ،ووثين ووثين وتقرأ خشيب وهيو جميع الجميع ،خشبية وخشاب وخشيب ،مثيل
ثمرة وثمار وثميير .والسييناد المالة ،تقول :أسييندت الشيييء أي أملتييه .و"مسييندة" للتكثييير؛ أي
استندوا إلى اليمان بحقن دمائهم.
@قوله تعالى" :يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو" أي كل أهل صيحة عليهم هم العدو .في "هم
العدو" في موضع المفعول الثاني على أن الكلم ل ضمير فيه .يصفهم بالجبن والخور .قال مقاتل
والسيدي :أي إذا نادى مناد فيي العسيكر أن انفلتيت دابية أو أنشدت ضالة ظنوا أنهيم المرادون؛ لميا
في قلوبهم من الرعب .كما قال الشاعر وهو الخطل:
خيل تكر عليهم ورجال ما زلت تحسب كل شيء بعدهم
وقييل" :يحسيبون كيل صييحة عليهيم هيم "العدو" كلم ضميره فييه ل يفتقير إلى ميا بعيد؛ وتقديره:
يحسبون كل صيحة عليهم أنهم قد فطن بهم وعلم بنفاقهم؛ لن للريبة خوفا .ثم استأنف ال خطاب
نيبيه صيلى ال علييه وسيلم فقال" :هيم العدو" وهذا معنيى قول الضحاك وقييل :يحسيبون كيل صييحة
يسيمعونها فيي المسيجد أنهيا عليهيم ،وأن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قيد أمير فيهيا بقتلهيم؛ فهيم أبدا
وجلون مين أن ينزل ال فيهيم أمرا يبييح بيه دماءهيم ،ويهتيك بيه أسيتارهم .وفيي هذا المعنيى قول
الشاعر:
مسومة تدعو عبيدا وأزنما فلو أنها عصفورة لحسبتها
بطن من بني ،يربوع .ثم وصفهم ال بقوله" :هم العدو فاحذرهم" حكاه عبدالرحمن بن أبي حاتم.
وفييي قوله تعالى :وجهان :أحدهمييا :فاحذر أن تثييق بقولهييم أو تميييل إلى كلمهييم .الثانييي :فاحذر
ممايلتهم لعدائك وتخذيلهم لصحابك.
@قوله تعالى" :قاتلهيم ال" أي لعنهيم ال قال ابين عباس وأبيو مالك .وهيي كلمية ذم وتوبييخ .وقيد
تقول العرب :قاتله ال ميا أشعره! يضعونيه موضيع التعجيب .وقييل :معنيى "قاتلهيم ال" أي أحلهيم
محيل مين قاتله عدو قاهير؛ لن ال تعالى قاهير لكيل معانيد .حكاه ابين عيسيى" .أنيى يؤفكون" أي
يكذبون؛ قاله ابيين عباس .قتادة :معناه يعدلون عيين الحييق .الحسيين :معناه يصييرفون عيين الرشييد.
وقييل :معناه كييف تضيل عقولهيم عين هذا ميع وضوح الدلئل؛ وهيو مين الفيك وهيو الصيرف.
و"أن" بمعنى كيف؛ وقد تقدم.
**3اليية{ 5 :وإذا قييل لهيم تعالوا يسيتغفر لكيم رسيول ال لووا رؤوسيهم ورأيتهيم يصيدون وهيم
مستكبرون}
@قوله تعالى" :وإذا قيل لهم تعالوا يسيتغفر لكم رسول ال" لما نزل القرآن بصفتهم مشيى إليهم
عشائرهم وقالوا :افتضحتم بالنفاق فتوبوا إلى رسول ال من النفاق ،واطلبوا أن يستغفر لكم .فلووا
رؤوسيهم؛ أي حركوهيا اسيتهزاء وإباء؛ قال ابين عباس .وعنيه أنيه كان لعبدال بين أبيي موقيف فيي
كيل سيبب يحيض على طاعية ال وطاعية رسيوله؛ فقييل له :وميا ينفعيك ذلك ورسيول ال صيلى ال
عليه وسلم غضبان :فأته يستغفر لك؛ فأبى وقال :ل أذهب إليه .وسبب نزول هذه اليات أن النبي
صييلى ال عليييه وسييلم غزا بنييي المصييطلق على ماء يقال ليي "المريسييع" مين ناحييية "قدييد" إلى
السياحل ،فأزدحيم أجيير لعمير يقال له" :جهجاه" ميع حلييف لعبدال بين أبيي يقال له" :سينان" على
ماء "بالمشلل"؛ فصيرخ جهجاه بالمهاجريين ،وصيرخ سينان بالنصيار؛ فلطيم جهجاه سينانا فقال
عبدال بين أبيي :أوقيد فعلوهيا! وال ميا مثلنيا ومثلهيم إل كميا قال الول :سيمن كلبيك يأكلك ،أميا وال
لئن رجعنيا إلى المدينية ليخرجين العيز -يعنيي أبييا -الذل؛ يعنيي محمدا صيلى ال علييه وسيلم .ثيم
قال لقوميه :كفوا طعامكيم عين هذا الرجيل ،ول تنفقوا على مين عنده حتيى ينفضوا ويتركوه .فقال
زيد بن أرقم -وهو من رهط عبدال -أنت وال الذليل المنتقص في قومك؛ ومحمد صلى ال عليه
وسيلم فيي عيز مين الرحمين ومودة مين المسيلمين ،وال ل أحبيك بعيد كلميك هذا أبدا .فقال عبدال:
اسيكت إنميا كنيت ألعيب .فأخيبر زييد النيبي صيلى ال علييه وسيلم بقول :فأقسيم بال ميا فعيل ول قال؛
فعذره النييبي صييلى ال عليييه وسييلم .قال زيييد :فوجدت فييي نفسييي ول منييي الناس؛ فنزلت سييورة
النافقييين فييي تصييديق زيييد وتكذيييب عبدال .فقيييل لعبدال :قييد نزلت فيييك آيات شديدة فاذهييب إلى
رسول ال صلى ال عليه وسلم ليستغفر لك؛ فألوى برأسه ،فنزلت اليات .خرجه البخاري ومسلم
والترمذي بمعناه .وقييد تقدم أول السييورة .وقيييل" :يسييتغفر لكييم" يسييتتبكم ميين النفاق؛ لن التوبيية
استغفار.
@قوله تعالى" :ورأيتهيم يصيدون وهيم مسيتكبرون" أي يعرضون عين الرسيول متكيبرين عين
اليمان .وقرأ نافيع "لووا" بالتخفييف .وشدد الباقون؛ واختاره أبيو عبييد وقال :هيو فعيل لجماعية.
النحاس :وغلط في هذا؛ لنه نزل في عبدال بن أبي لما قيل له :تعال يستغفر لك رسول ال صلى
ال عليه وسلم حرك رأسه استهزاء .فإن قيل :كيف أخبر عنه بفعل الجماعة؟ قيل له :العرب تفعل
هذا إذا كنت عن النسان .أنشد سيبويه لحسان:
وفينا رسول عنده الوحي واضعه ظننتم بأن يخفي الذي قد صنعتم
وإنما خاطب حسان ابن البيرق في شيء سرقه بمكة .وقصته مشهورة .وقد يجوز أن يخبر عنه
وعمين فعيل فعله .وقييل :قال ابين أبيي لميا لوى رأسيه :أمرتمونيي أن أومين فقيد آمنيت ،وأن أعطيي
زكاة مالي فقد أعطيت؛ فما بقي إل أن أسجد لمحمد.
**3الية{ 6 :سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر ال لهم إن ال ل يهدي القوم
الفاسقين}
@قوله تعالى" :سيواء عليهيم أاسيتغفرت لهيم أم لم تسيتغفر لهيم" يعنيي كيل ذلك سيواء ،ل ينفيع
اسييتغفارك شيئا؛ لن ال ل يغفيير لهييم .نظيره" :سييواء عليهييم أأنذرتهييم أم لم تنذرهييم ل يؤمنون"
[البقرة" ،]6 :سواء علينيا أوعظت أم لم تكن مين الواعظين" [الشعراء .]136 :وقيد تقدم" .إن
ال ل يهدي القوم الفاسقين" أي من سبق في علم ال أنه يموت فاسقا.
**3اليية{ 7 :هيم الذيين يقولون ل تنفقوا على مين عنيد رسيول ال حتيى ينفضوا ول خزائن
السماوات والرض ولكن المنافقين ل يفقهون}
@قوله تعالى" :هم الذين يقولون ل تنفقوا على من عند رسول ال حتى ينفضوا
ذكرنيا سيبب النزول فيميا تقدم .وابين أبيي قال :ل تنفقوا علي مين عنيد محميد حتيى ينفضوا؛ حتيى
يتفرقوا عنيه .فاعلمهيم ال سيبحانه أن خزائن السيموات والرض له ،ينفيق كييف يشاء .قال رجيل
لحاتييم الصييم :ميين أييين تأكييل؟ فقال" :ول خزائن السييموات والرض" .وقال الجنيييد :خزائن
السموات الغيوب ،وخزائن الرض القلوب؛ فهو علم الغيوب ومقلب القلوب .وكان الشبلي يقول:
"ول خزائن السيموات والرض" فأيين تذهبون" .ولكين المنافقيين ل يفقهون" أنيه إذا أراد أمرا
يسره.
**3اليية{ 8 :يقولون لئن رجعنيا إلى المدينية ليخرجين العيز منهيا الذل ول العزة ولرسيوله
وللمؤمنين ولكن المنافقين ل يعلمون}
@ القائل ابن أبي كما تقدم .وقيل :إنه لما قال" :ليخرجن العز منها الذل" ورجع إلى المدينة لم
يلبيث إل أياميا يسييرة حتيى مات؛ فاسيتغفر له رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،وألبسيه قميصيه؛
فنزلت هذه الية" :لن يغفر ال لهم" .وقد مضى بيانه هذا كله في سورة "التوبة" مستوفى .وروي
أن عبدال بن عبدال بن أبي بن سلول قال لبيه :والذي ل إله إل هو ل تدخل المدينة حتى تقول:
إن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم هيو العيز وأنيا الذل؛ فقاله .توهموا أن العزة بكثرة الموال
والتباع؛ فبين ال أن العزة والمنعة والقوة ل.
**3اليية{ 9 :ييا أيهيا الذيين آمنوا ل تلهكيم أموالكيم ول أولدكيم عين ذكير ال ومين يفعيل ذلك
فأولئك هم الخاسرون}
@ حذر المؤمنيين أخلق المنافقيين؛ أي ل تشتغلوا بأموالكيم كميا فعيل المنافقون إذ قالوا -للشيح
بأموالهيم : -ل تنفقوا على مين عنيد رسيول ال" .عين ذكير ال" أي عين الحيج والزكاة .وقييل :عين
قراءة القرآن .وقييل :عين إدامية الذكير .وقييل :عين الصيلوات الخميس؛ قاله الضحاك .وقال الحسين:
جمييع الفرائض؛ كأنييه قال عيين طاعيية ال .وقيييل :هييو خطاب للمنافقييين؛ أي آمنتييم بالقول فآمنوا
بالقلب" .ومن يفعل ذلك" أي من يشتغل بالمال والولد عن طاعة ربه "فأولئك هم الخاسرون".
**3اليية{ 11 - 10 :وأنفقوا مميا رزقناكيم مين قبيل أن يأتيي أحدكيم الموت فيقول رب لول
أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ،ولن يؤخر ال نفسا إذا جاء أجلها وال خبير
بما تعملون}
@قوله تعالى" :وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت" يدل على وجوب تعجيل
أداء الزكاة ،ول يجوز تأخيرهييا أصييل .وكذلك سييائر العبادات إذا تعييين وقتهييا" .فيقول رب لول
أخرتنيي إلى أجيل قرييب فأصيدق وأكين مين الصيالحين" سيأل الرجعية إلى الدنييا ليعميل صيالحا.
وروى الترمذي عين الضحاك بين مزاحيم عين ابين عباس قال :مين كان له مال يبلغيه حيج بييت ربيه
أو تجب عليه فيه زكاة فلم يفعل ،سأل الرجعة عند الموت .فقال رجل :يا ابن عباس ،اتق ال ،إنما
سييأل الرجعيية الكفار .فقال :سييأتلو عليييك بذلك قرانييا" :يييا أيهييا الذييين آمنوا ل تلهكييم أموالكييم ول
أولدكم عن ذكر ال ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون .وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي
أحدكيم الموت فيقول رب لول أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين إلى قوله وال
خيبير بميا تعملون" قال :فميا يوجيب الزكاة؟ قال :إذا بلغ المال مائتيين فصياعدا .قال :فميا يوجيب
الحج؟ قال :الزاد والراحلة.
قلت :ذكره الحليمي أبو عبدال الحسين بن الحسن في كتاب (منهاج الدين) مرفوعا فقال :وقال
ابيين عباس قال رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم( :ميين كان عنده مال يبلغييه الحييج )...الحديييث؛
فذكره .وقد تقدم في "آل عمران" لفظه.
@ قال ابن العربي :أخذ ابن عباس بعموم الية في إنفاق الواجب خاصة دون النفل؛ فأما تفسيره
بالزكاة فصيحيح كله عموميا وتقديرا بالمائتيين .وأميا القول فيي الحيج ففييه إشكال؛ لنيا إن قلنيا :إن
الحج على التراخي ففي المعصية في الموت قبل الحج خلف بين العلماء؛ فل تخرج الية عليه.
وإن قلنا :إن الحج على الفور فالية في العموم صحيح؛ لن من وجب عليه الحج فلم يؤده لقي من
ال ما يود أنه رجع ليأتي بما ترك من العبادات .وأما تقدير المر بالزاد والراحلة ففي ذلك خلف
مشهور بيين العلماء .ولييس لكلم ابين عباس فييه مدخيل؛ لجيل أن الرجعية والوعييد ل يدخيل فيي
المسائل المجتهد فيها ول المختلف عليها ،وإنما يدخل في المتفق عليه .والصحيح تناوله للواجب
مين النفاق كييف تصيرف بالجماع أو بنيص القرآن؛ لجيل أن ميا عدا ذلك ل يتطرق إلييه تحقييق
الوعيد.
@قوله تعالى" :لول" أي هل؛ فيكون اسيتفهاما .وقييل" :ل" صيلة؛ فيكون الكلم بمعنيى التمنيي.
"فأصيدق" نصيب على جواب التمنيي بالفاء" .وأكون" عطيف على "فأصيدق" وهيي قراءة ابين
عمرو وابين محيصين ومجاهيد .وقرأ الباقون "وأكين" بالجزم عطفيا على موضيع الفاء؛ لن قوله:
"فأصدق" لو لم تكن الفاء لكان مجزوما؛ أي أصدق .ومثله" :من يضلل ال فل هادي له ويذرهم"
[العراف ]186 :فيمين جزم .قال ابين عباس :هذه اليية أشيد على أهيل التوحييد؛ لنيه ل يتمنيى
الرجوع في الدنيا أو التأخير فيها أحد له عند ال خير في الخرة.
قلت :إل الشهيد فإنه يتمنى الرجوع حتى يقتل ،لما يرى من الكرامة" .وال خبير بما تعملون"
من خير وشر .وقراءة العامة بالتاء على الخطاب .وقرأ أبو بكر عن عاصم والسلمي بالياء؛ على
الخبر عمن مات وقال هذه المقالة.
**2سورة التغابن
**3مقدمة السورة
@ مدنيية فيي قول الكثريين .وقال الضحاك :مكيية .وقال الكلبيي :هيي مكيية ومدنيية .وهيي ثمانيي
عشرة آية .وعن ابن عباس أن "سورة التغابن" نزلت بمكة؛ إل آيات من آخرها نزلت بالمدينة في
عوف بين مالك الشجعيي ،شكيا إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم جفاء أهله وولده ،فأنزل ال
عز وجل" :يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولدكم عدوا لكم فاحذروهم" [التغابن ]14 :إلى
آخير السيورة .وعين عبدال بين عمير قال :قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :ميا مين مولود يولد إل
وفي تشابيك رأسه مكتوب خمس آيات من فاتحة "سورة التغابن".
**3الية{ 1 :يسبح ل ما في السماوات وما في الرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء
قدير}
@ تقدم في غير موضع.
**3الية{ 2 :هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن وال بما تعملون بصير}
@ قال ابين عباس :إن ال خلق بنيي آدم مؤمنيا وكافرا ،ويعيدهيم فيي يوم القيامية مؤمنيا وكافرا.
وروى أبو سعيد الخدري قال :خطبنا النبي صلى ال عليه وسلم عشية فذكر شيئا مما يكون فقال:
(يولد الناس على طبقات شتيى .يولد الرجيل مؤمنيا ويعييش مؤمنيا ويموت مؤمنيا .ويولد الرجيل
كافرا ويعيش كافرا ويموت كافرا .ويولد الرجل مؤمنا ويعيش مؤمنا ويموت كافرا .ويولد الرجل
كافرا ويعييش كافرا ويموت مؤمنيا) .وقال ابين مسيعود :قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :خلق ال
فرعون في بطن أمه كافرا وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا) .وفي الصحيح من حديث
ابن مسعود( :وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إل ذراع أو باع فيسبق
عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها .وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه
وبينهيا إل ذراع أو باع فيسيبق علييه الكتاب فيعميل بعميل أهيل الجنية فيدخلهيا) .خرجيه البخاري
والترمذي وليس فيه ذكر الباع.
وفيي صيحيح مسيلم عين سيهل بين سيعد السياعدي أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :إن
الرجيل ليعميل عميل أهيل الجنية فيميا يبدو للناس وهيو مين أهيل النار .وإن الرجيل ليعميل عميل أهيل
النار فيميا يبدو للناس وهيو مين أهيل الجنية) .قال علماؤنيا :والمعنيى تعلق العلم الزلي بكيل معلوم؛
فيجري مييا علم وأراد وحكييم .فقييد يريييد إيمان شخييص على عموم الحوال ،وقييد يريده إلى وقييت
معلوم .وكذلك الكفر .وقيل في الكلم محذوف :فمنكم مؤمن ومنكم كافر ومنكم فاسق؛ فحذف لما
فيي الكلم مين الدللة علييه؛ قاله الحسين .وقال غيره :ل حذف فييه؛ لن المقصيود ذكير الطرفيين.
وقال جماعيية ميين أهييل العلم :إن ال خلق الخلق ثييم كفروا وآمنوا .قالوا :وتمام الكلم "هييو الذي
خلقكيم" .ثيم وصيفهم فقال" :فمنكيم كافير ومنكيم مؤمين" كقوله تعالى" :وال خلق كيل دابية مين ماء
فمنهيم مين يمشيي على بطنيه" [النور ]45 :اليية .قالوا :فال خلقهيم؛ والمشيي فعلهيم .واختاره
الحسيين بين الفضيل ،قال :لو خلقهيم مؤمنيين وكافريين لميا وصيفهم بفعلهيم فيي قوله "فمنكيم كافير
ومنكيم مؤمين" .واحتجوا بقوله علييه الصيلة والسيلم( :كيل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانيه
وينصيرانه ويمجسيانه) الحدييث .وقيد مضيى فيي "الروم" مسيتوفى .قال الضحاك :فمنكيم كافير فيي
السير مؤمين فيي العلنيية كالمنافيق ،ومنكيم مؤمين فيي السير كافير فيي العلنيية كعمار وذوييه .وقال
عطاء بن أبي رباج :فمنكم كافر بال مؤمن بالكواكب ،ومنكم مؤمن بال كافر بالكواكب؛ يعني في
شأن النواء .وقال الزجاج -وهيو أحسين القوال ،والذي علييه الئمية والجمهور مين المية : -إن
ال خلق الكافير ،وكفره فعيل له وكسيب؛ ميع أن ال خالق الكفير .وخلق المؤمين ،وإيمانيه فعيل له
وكسب؛ مع أن ال خالق اليمان .والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق ال إياه؛ لن ال تعالى قدر
ذلك عليه وعلمه منه .ول يجوز أن يوجد من كل واحد منهما غير الذي قدر عليه وعلمه منه؛ لن
وجود خلف المقدور عجيز ،ووجود خلف المعلوم جعيل ،ول يليقان بال تعالى .وفيي هذا سيلمة
من الجبر والقدر؛ كما قال الشاعر:
ل قدرٌ صحّ ول جبْر يا ناظرا في الدين ما المر
وقال سيييلن :قدم أعرابييي البصييرة فقيييل له :مييا تقول فييي القدر؟ فقال :أميير تغالت فيييه الظنون،
واختلف فيه المختلفون؛ فالواجب أن نرد ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه.
**3الية{ 3 :خلق السماوات والرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير}
@قوله تعالى" :خلق السيماوات والرض بالحيق" تقدم فيي غيير موضيع؛ أي خلقهيا حقيا يقينيا ل
ريب فيه .وقيل :الباء بمعنى اللم أي خلقها للحق وهو أن يجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي
الذين أحسنوا بالحسنى" .وصوركم فأحسن صوركم" يعني آدم عليه السلم ،خلقه بيده كرامة ،له؛
قاله مقاتل .الثاني :جميع الخلئق .وقد مضى معنى التصوير ،وأنه التخطيط والتشكيل .فإن قيل:
كيف أحسن صورهم؟ قيل له :جعلهم أحسن الحيوان كله وأبهاه صورة بدليل أن النسان ل يتمنى
أن تكون صيورته على خلف ميا يرى مين سيائر الصيور .ومين حسين صيورته أنيه خلق منتصيبا
غير منكب؛ كما قال عز وجل" :لقد خلقنا النسان في أحسن تقويم" [التين ]4 :على ما يأتي بيانه
إن شاء ال تعالى" .وإليه المصير" أي المرجع؛ فيجازي كل بعمله.
**3اليية{ 4 :يعلم ميا فيي السيماوات والرض ويعلم ميا تسيرون وميا تعلنون وال علييم بذات
الصدور}
@ تقدم في غير موضع .فهو عالم الغيب والشهادة ،ل يخفى عليه شيء.
**3الية{ 5 :ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم}
@قوله تعالى" :ألم يأتكيم" الخطاب لقرييش أي ألم يأتكيم خيبر كفار الميم الماضيية" .فذاقوا وبال
أمرهم" أي عوقبوا" .ولهم" في الخرة "عذاب أليم" أي موجع .وقد تقدم.
**3الية{ 6 :ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى
ال وال غني حميد}
@قوله تعالى" :ذلك" أي هذا العذاب لهييم بكفرهييم بالرسييل تأتيهييم "بالبينات" أي بالدلئل
الواضحيية" .فقالوا أبشيير يهدوننييا" أنكروا أن يكون الرسييول ميين البشيير .وارتفييع "أبشيير" على
البتداء .وقيل :بإضمار فعل ،والجمع على معنى بشر؛ ولهذا قال" :يهدوننا" ولم يقل يهدينا .وقد
يأتيي الواحيد بمعنيى الجميع فيكون اسيما للجنيس؛ وواحده إنسيان ل واحيد له مين لفظيه .وقيد يأتيي
الجمع بمعنى الواحد؛ نحو قوله تعالى" :ما هذا بشرا" [يوسف" .]31 :فكفروا وتولوا" أي بهذا
القول؛ إذ قالوه اسييتصغارا ولم يعلموا أن ال يبعييث ميين يشاء إلى عباده .وقيييل :كفروا بالرسييل
وتولوا عين البرهان وأعرضوا عين اليمان والموعظية" .واسيتغنى ال" أي بسيلطانه عين طاعية
عباده؛ قاله مقاتيل .وقييل :اسيتغنى ال بميا أظهره لهيم مين البرهان وأوضحيه لهيم مين البيان ،عين
زيادة تدعو إلى الرشد وتقود إلى الهداية.
**3اليية{ 7 :زعيم الذيين كفروا أن لن يبعثوا قيل بلى وربيي لتبعثين ثيم لتنبؤن بميا عملتيم وذلك
على ال يسير}
@قوله تعالى" :زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا" أي ظنوا .الزعم هو القول بالظن .وقال شريح:
لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا .قيل :نزلت في العاص بن وائل السهمي مع خباب حسب ما
تقدم بيانيه فيي آخير سيورة "مرييم" ،ثيم عميت كيل كافير" .قيل" ييا محميد "بلى وربيي لتبعثين" أي
لتخرجيين ميين قبوركييم أحياء" .ثييم لتنبؤن" لتخييبرن" .بمييا عملتييم" أي بأعمالكييم" .وذلك على ال
يسير" إذ العادة أسهل من البتداء.
**3الية{ 8 :فآمنوا بال ورسوله والنور الذي أنزلنا وال بما تعملون خبير}
@قوله تعالى" :فآمنوا بال ورسوله" أمرهيم باليمان بعد أن عرفهيم قيام الساعة" .والنور الذي
أنزلنا" وهو القرآن ،وهو نور يهتدي به من ظلمة الضلل" .وال بما تعملون خبير".
**3الية{ 9 :يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بال ويعمل صالحا يكفر عنه
سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}
@قوله تعالى" :يوم يجمعكم ليوم الجمع" العامل في "يوم" "لتنبؤن" أو "خبير" لما فيه من معنى
الوعد؛ كأنه قال :وال يعاقبكم يوم يجمعكم .أو بإضمار اذكر .والغبن :النقص .يقال :غبنه غبنا إذا
أخييذ الشيييء منييه بدون قيمتييه .وقراءة العاميية "يجمعكييم" بالياء؛ لقوله تعالى" :وال بمييا تعلمون
خييبير" فاخييبر .ولذكيير اسييم ال أول .وقرأ نصيير وابيين أبييي إسييحاق والجحدري ويعقوب وسييلم
"نجمعكيم" بالنون؛ اعتبارا بقوله" :والنور الذي أنزلنيا" .ويوم الجميع يوم يجميع ال الوليين
والخريين والنيس والجين وأهيل السيماء وأهيل الرض .وقييل :هيو يوم يجميع ال بيين كيل عبيد
وعمله .وقيل :لنه يجمع فيه بين الظالم والمظلوم .وقيل :لنه يجمع فيه بين كل نبي وأمته .وقيل:
لنه يجمع فيه بين ثواب أهل الطاعات وعقاب أهل المعاصي" .ذلك يوم التغابن" أي يوم القيامة.
قال:
أل إنما الراحات يوم التغابن وما أرتجي بالعيش في دار فرقة
وسمى يوم القيامة يوم التغابن؛ لنه غبن فيه أهل الجنة أهل النار .أي أن أهل الجنة أخذوا الجنة،
وأخييذ أهييل النار النار على طريييق المبادلة؛ فوقييع الغبيين لجييل مبادلتهييم الخييير بالشيير ،والجيييد
بالردييء ،والنعييم بالعذاب .يقال :غبنيت فلنيا إذا بايعتيه أو شاريتيه فكان النقيص علييه والغلبية لك.
وكذا أهل الجنة وأهل النار؛ على ما يأتي بيانه .ويقال :غبنت الثوب وخبنته إذا طال عن مقدارك
فخطيت منيه شيئا؛ فهيو نقصيان أيضيا .والمغابين :ميا انثنيى مين الخلق نحيو البطيين والفخذيين .قال
المفسرون :فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة .ويظهر يومئذ غبن كل كافر بترك اليمان،
وغبين كيل مؤمين بتقصييره فيي الحسيان وتضييعيه اليام .قال الزجاج :ويغبين مين ارتفعيت منزلتيه
في الجنة من كان دون منزلته.
@ فإن قييل :فأي معاملة وقعيت بينهميا حتيى يقيع الغبين فيهيا .قييل له :هيو تمثييل الغبين فيي الشراء
والبيع؛ كما قال تعالى" :أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى" [البقرة .]16 :ولما ذكر أن الكفار
اشتروا الضللة بالهدى وميا ربحوا فيي تجارتهيم بيل خسيروا ،وذكير أيضيا أنهيم غبنوا؛ وذلك أن
أهيل الجنية اشتروا الخرة بترك الدنييا ،واشترى أهيل النار الدنييا بترك الخرة .وهذا نوع مبادلة
اتسيياعا ومجازا .وقييد فرق ال سييبحانه وتعالى الخلق فريقييين :فريقييا للجنيية وفريقييا للنار .ومنازل
الكل موضوعة في الجنة والنار .فقد يسبق الخذلن على العبد -كما بيناه في هذه السورة وغيرها
-فيكون من أهل النار ،فيحصل الموفق على منزل المخذول ومنزل الموفق في النار للمخذول؛
فكأنيه وقيع التبادل فحصيل التغابين .والمثال موضوعية للبيان فيي حكيم اللغية والقرآن .وذلك كله
مجموع من نشير الثار وقد جاءت مفرقة في هذا الكتاب .وقد يخبر عن هذا التبادل بالوراثة كما
بيناه فيي "قيد أفلح المؤمنون" [المؤمنون ]1 :وال اعلم .وقيد يقع التغابين فيي غيير ذلك اليوم على
ما يأتي بيانه بعد؛ ولكنه أراد التغابن الذي ل جبران لنهايته .وقال الحسن وقتادة :بلغنا أن التغابن
في ثلثة أصناف :رجل علم علما فعلمه وضيعه هو ولم يعمل به فشقي به ،وعمل به من تعلمه
منه فنجيا به .ورجل اكتسب مال من وجوه يسأل عنها وشح عليه ،وفرط في طاعة ربه بسببه،،
ولم يعمل فيه خيرا ،وتركه لوارث ل حساب عليه فيه؛ فعمل ذلك الوارث فيه بطاعة ربه .ورجل
كان له عبيد فعميل العبيد بطاعية ربيه فسيعد ،وعميل السييد بمعصيية وبيه فشقيي .وروي عين النيبي
صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال( :إن ال تعالى يقييم الرجيل والمرأة يوم القيامية بيين يدييه فيقول ال
تعالى لهميا قول فميا أنتميا بقائليين فيقول الرجيل ييا رب أوجبيت نفقتهيا علي فتعسيفتها مين حلل
وحرام وهؤلء الخصيوم يطلبون ذلك ولم يبيق لي ميا أوفيي بيه فتقول المرأة ييا رب وميا عسيى أن
أقول اكتسبه حراما وأكلته حلل وعصاك في مرضاتي ولم أرض له بذلك فبعدا له وسحقا فيقول
ال تعالى قد صدقت فيؤمر به إلى النار ويؤمر بها إلى الجنة فتطلع عليه من طبقات الجنة وتقول
له غبناك غبناك سعدنا بما شقيت أنت به) فذلك يوم التغابن.
@ قال ابن العربي :استدل علماؤنا بقوله تعالى" :ذلك يوم التغابن" على أنه ل يجوز الغبن في
المعاملة الدنيويييية؛ لن ال تعالى خصيييص التغابييين بيوم القيامييية فقال" :ذلك يوم التغابييين" وهذا
الختصاص يفيد أنه ل غبن في الدنيا؛ فكل من اطلع على غبن في مبيع فإنه مردود إذا زاد على
الثلث .واختاره البغداديون واحتجوا علييه بوجوه :منهيا قوله صيلى ال علييه وسيلم لحبان بين منقيذ:
(إذا بايعت فقل ل خلبة ولك الخيار ثلثا) .وهذا فيه نظر طويل بيناه في مسائل الخلف .نكتته
أن الغبين فيي الدنييا ممنوع بإجماع فيي حكيم الديين؛ إذ هيو مين باب الخداع المحرم شرعيا فيي كيل
ملة ،لكن اليسير منه ل يمكن الحتراز عنه لحد ،فمضى في البيوع؛ إذ لو حكمنا برده ما نفذ بيع
أبدا؛ لنيه ل يخلو منيه ،حتيى إذا كان كثيرا أمكين الحتراز منيه فوجيب الرد بيه .والفرق بيين القلييل
والكثيير أصيل فيي الشريعية معلوم ،فقدر علماؤنيا الثلث لهذا الحيد؛ إذ رأوه فيي الوصيية وغيرهيا.
ويكون معنيى اليية على هذا :ذلك يوم التغابين الجائز مطلقيا مين غيير تفصييل .أو ذلك يوم التغابين
الذي ل يسيتدرك أبدا؛ لن تغابين الدنييا يسيتدرك بوجهيين :إميا برد فيي بعيض الحوال ،وإميا بربيح
في بيع آخر وسلعة أخرى .فأما من خسر الجنة فل درك له أبدا .وقد قال بعض علماء الصوفية:
إن اله كتب الغبن على الخلق أجمعين ،فل يلقى أحد ربه إل مغبونا ،لنه ل يمكنه الستيفاء للعمل
حتيى يحصيل له اسيتيفاء الثواب .وفيي الثير قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :ل يلقيى ال أحيد إل
نادما إن كان مسيئا إن لم يحسن ،وإن كان محسنا إن لم يزدد).
@قوله تعالى" :ومين يؤمين بال ويعميل صيالحا يكفير عنيه سييئاته وندخله جنات" قرأ نافيع وابين
عامر بالنون فيهما ،والباقون بالياء.
**3الية{ 10 :والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير}
@قوله تعالى" :والذيين كفروا وكذبوا بآياتنيا" يعنيي القرآن "أولئك أصيحاب النار خالديين فيهيا
وبئس المصير" لما ذكر ما للمؤمنين ذكر ما للكافرين؛ كما تقدم في غير موضع.
**3اليية{ 11 :ميا أصياب مين مصييبة إل بإذن ال ومين يؤمين بال يهيد قلبيه وال بكيل شييء
عليم}
@قوله تعالى" :ميا أصياب مين مصييبة إل بإذن ال" أي بإرادتيه وقضائه .وقال الفراء :يرييد إل
بأمير ال .وقييل :إل بعلم ال .وقييل :سيبب نزولهيا إن الكفار قالوا :لو كان ميا علييه المسيلمون حقيا
لصانهم ال عن المصائب في الدنيا؛ فبين ال تعالى أن ما أصاب من مصيبة فيي نفس أو مال أو
قول أو فعل ،يقتضي هما أو يوجب عقابا عاجل أو آجل فبعلم ال وقضائه.
@قوله تعالى" :ومن يؤمن بال" أي يصدق ويعلم أنه ل يصيبه مصيبة إل بإذن ال" .يهد قلبه"
للصيبر والرضيا .وقييل :يثبتيه على اليمان .وقال أبيو عثمان الجيزي :مين صيح إيمانيه يهيد ال قلبيه
لتباع السينة .وقييل" :ومين يؤمين بال يهيد قلبيه" عنيد المصييبة فيقول" :إنيا ل وإنيا إلييه راجعون"
[البقرة]156 :؛ قاله ابين جيبير .وقال ابين عباس :هيو أن يجعيل ال فيي قلبيه اليقيين ليعلم أن ميا
أصيابه لم يكين ليخطئه ،وأن ميا أخطأه لم يكين ليصييبه .وقال الكلبيي :هو إذا أبتلي صيبر ،وإذا أنعيم
علييه شكير ،وإذا ظلم غفير .وقييل :يهيد طبيه إلى نييل الثواب فيي الجنية .وقراءة العامية "يهيد" بفتيح
الياء وكسير الدال؛ لذكير اسيم ال أول .وقرأ السيلمي وقتادة "يهيد قلبيه" بضيم الياء وفتيح الدال على
الفعل المجهول ورفع الباء؛ لنه اسم فعل لم يسم فاعله.
وقرأ طلحيية بيين مصييرف والعرج "نهييد" بنون على التعظيييم "قلبييه" بالنصييب .وقرأ عكرميية
"يهدأ قلبيه" بهمزة سياكنة ورفيع الباء ،أي يسيكن ويطمئن .وقرأ مثله مالك بين دينار ،إل أنيه ليين
الهمزة" .وال بكل شيء عليم" ل يخفى عليه تسليم من انقاد وسلم لمره ،ول كراهة من كرهه.
**3اليية{ 13 - 12 :وأطيعوا ال وأطيعوا الرسيول فإن توليتيم فإنميا على رسيولنا البلغ
المبين ،ال ل إله إل هو وعلى ال فليتوكل المؤمنون}
@ أي هونوا على أنفسكم المصائب ،واشتغلوا بطاعة ال ،واعملوا بكتابه ،وأطيعوا الرسول في
العمل بسنته؛ فإن توليتم عن الطاعة فليس على الرسول إل التبليغ.
**3اليية{ 14 :ييا أيهيا الذيين آمنوا إن مين أزواجكيم وأولدكيم عدوا لكيم فاحذروهيم وإن تعفوا
وتصفحوا وتغفروا فإن ال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :ييا أيهيا الذيين آمنوا إن مين أزواجكيم وأولدكيم عدوا لكيم فاحذروهيم" قال ابين
عباس :نزلت هذه الية بالمدينة في عوف بن مالك الشجعي؛ شكا إلى النبي صلى ال عليه وسلم
جفاء أهله وولده؛ فنزلت .ذكره النحاس .وحكاه الطييبري عيين عطاء بيين يسييار قال :نزلت سييورة
"التغابن" كلها بمكة إل هؤلء اليات" :يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولدكم عدوا لكم"
نزلت فييي عوف بيين مالك الشجعييي كان ذا أهييل وولد ،وكان إذا أراد الغزو بكوا إليييه ورققوه
فقالوا :إلى مين تدعنيا؟ فيرق فيقييم؛ فنزلت" :ييا أيهيا الذيين آمنوا إن مين أزواجكيم وأولدكيم عدوا
لكيم" اليية كلهيا بالمدينية فيي عوف بين مالك الشجعيي .وبقيية اليات إلى آخير السيورة بالمدينية.
وروى الترمذي عن ابن عباس -وسأله رجل عن هذه الية "يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم
وأولدكييم عدوا لكييم فاحذروه" -قال :هؤلء رجال أسيلموا ميين أهيل مكية وأرادوا أن يأتوا النيبي
صيلى ال علييه وسيلم ،فأبيى أزواجهيم وأولدهيم أن يدعوهيم أن يأتوا النيبي صيلى ال علييه وسيلم،
فلميا أتوا النيبي صيلى ال علييه وسيلم رأوا الناس قيد فقهوا فيي الديين هموا أن يعاقبوهيم؛ فأنزل ال
تعالى" :يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولدكم عدوا لكم فاحذروهم" الية .هذا حديث حسن
صحيح.
@ قال القاضيي أبيو بكير بين العربيي :هذا ييبين وجيه العداوة؛ فان العدو لم يكين عدوا لذاتيه وإنميا
كان عدوا بفعله .فإذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدوا ،ول فعل أقبح من الحيلولة بين العبد
وبيين الطاعية .وفيي صيحيح البخاري مين حدييث أبيي هريرة عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال:
(إن الشيطان قعد لبن آدم في طريق اليمان فقال له أتؤمن وتذر دينك ودين آبائك فخالفه فآمن ثم
قعد له على طريق الهجرة فقال له أتهاجر وتترك مالك وأهلك فخالفه فهاجر ثم قعد له على طريق
الجهاد فقال له أتجاهد فتقتل نفسك فتنكح نساؤك ويقسم مالك فخالفه فجاهد فقتل ،فحق على ال أن
يدخله الجنية) .وقعود الشيطان يكون بوجهيين :أحدهميا :يكون بالوسيوسة .والثانيي :بأن يحميل على
ميا يرييد مين ذلك الزوج والولد والصياحب؛ قال ال تعالى" :وقيضنيا لهيم قرناء فزينوا لهيم ميا بيين
أيديهم وما خلفهم" [فصلت .]25 :وفي حكمة عيسى عليه السلم :من اتخذ أهل ومال وولدا كان
للدنيا عبدا .وفي صحيح الحديث بيان أدنى من ذلك في حال العبد؛ قال النبي صلى ال عليه وسلم:
(تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد القطيفة تعس وانتكس وإذا شيك
فل انتقش) .ول دناءة أعظم من عبادة الدينار والدرهم ،ول همة أخس من همة ترتفع بثوب جديد.
@ كميا أن الرجيل يكون له ولده وزوجيه عدوا كذلك المرأة يكون لهيا زوجهيا وولدهيا عدوا بهذا
المعنيى بعينيه .وعموم قوله" :مين أزواجكيم" يدخيل فييه الذكير والنثيى لدخولهميا فيي كيل آيية .وال
اعلم.
@قوله تعالى" :فاحذروهم" معناه على أنفسكم .والحذر على النفس يكون بوجهين :إما لضرر في
البدن ،وإميا لضرر فيي الديين .وضرر البدن يتعلق بالدنييا ،وضرر الديين يتعلق بالخرة .فحذر ال
سييبحانه العبييد ميين ذلك وأنذره بييه" .وإن تعفوا وتصييفحوا وتغفروا فإن ال غفور رحيييم" روى
الطيبري عين عكرمية فيي قوله تعالى" :ييا أيهيا الذيين آمنوا إن مين أزواجكيم وأولدكيم عدوا لكيم
فاحذروهيم" قال :كان الرجيل يرييد أن يأتيي النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيقول له أهله :أيين تذهيب
وتدعنا؟ قال :فإذا أسلم وفقه قال :لرجعن إلى الذين كانوا ينهون عن هذا المر ،فلفعلن ولفعلن؛
قال :فأنزل ال عيز وجيل" :وإن تعفوا وتصيفحوا وتغفروا فإن ال غفور رحييم" .وقال مجاهيد فيي
قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولدكيم عدوا لكم فاحذروهم" قال :ما عادوهم
فيي الدنييا ولكين حملتهيم مودتهيم على أن أخذوا لهيم الحرام فاعطوه إياهيم .واليية عامية فيي كيل
معصية يرتكبها النسان بسبب الهل والولد .وخصوص السبب ل يمنع عموم الحكم.
**3الية{ 15 :إنما أموالكم وأولدكم فتنة وال عنده أجر عظيم}
@قوله تعالى" :إنميا أموالكيم وأولدكيم فتنية" أي بلء واختبار يحملكيم على كسيب المحرم ومنيع
حيق ال تعالى فل تطيعوهيم فيي معصيية ال .وفيي الحدييث( :يؤتيى برجيل يوم القيامية فيقال أكيل
عياله حسناته) .وعن بعض السلف :العيال سوس الطاعات .وقال القتيبي" :فتنة" أي إغرام؛ يقال:
فتن الرجل بالمرأة أي شغف بها .وقيل" :فتنة" محنة .ومنه قول الشاعر:
لقد فتن الناس في دينهم وخلّى ابن عفان شرا طويل
وقال ابين مسيعود :ل يقولن أحدكيم اللهيم اعصيمني مين الفتنية؛ فإنيه لييس أحيد منكيم يرجيع إلى مال
وأهيل وولد إل وهيو مشتميل على فتنية؛ ولكين ليقيل :اللهيم إنيي أعوذ بيك مين مضلت الفتين .وقال
الحسين فيي قوله تعالى" :إن مين أزواجكيم" :أدخيل "مين" للتبعييض؛ لن كلهيم ليسيوا بأعداء .ولم
يذكير "مين" فيي قوله تعالى" :إنميا أموالكيم وأولدكيم فتنية" لنهميا ل يخلوان مين الفتنية واشتغال
القلب بهميا .روى الترمذي وغيره عين عبدال بين بريدة عين أبييه قال :رأييت النيبي صيلى ال علييه
وسييلم يخطييب؛ فجاء الحسيين والحسييين -عليهمييا السييلم -وعليهمييا قميصييان أحمران ،يمشيان
ويعثران؛ فنزل صلى ال عليه وسلم فحملهما بين يديه ،ثم قال( :صدق ال عز وجل إنما أموالكم
وأولدكييم فتنيية .نظرت إلى هذييين الصييبيين يمشيان ويعثران فلم أصييبر حتييى قطعييت حديثييي
ورفعتهميا) ثيم أخيذ فيي خطبتيه" .وال عنده أجير عظييم" يعنيي الجنية ،فهيي الغايية ،ول أجير أعظيم
منهييا فييي قول المفسييرين .وفييي الصييحيحين واللفييظ للبحاري -عيين أبييي سييعيد الخدري قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إن ال يقول لهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك
فيقول هيل رضيتيم فيقولون وميا لنيا ل نرضيى وقيد أعطيتنيا ميا لم تعيط أحدا مين خلقيك فيقول أل
أعطيكيم أفضيل مين ذلك قالوا ييا رب وأي شييء أفضيل مين ذلك فيقول أحيل عليكيم رضوانيي فل
أسخط عليكم بعده أبدا) .ول شك في أن الرضا غاية المال .وأنشد الصوفية في تحقيق ذلك:
فالنار والجنة في قبضته امتحن ال به خلقه
ووصله أطيب من جنته فهجره أعظم من ناره
**3الية{ 17 - 16 :فاتقوا ال ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لنفسكم ومن يوق
شيح نفسيه فأولئك هيم المفلحون ،إن تقرضوا ال قرضيا حسينا يضاعفيه لكيم ويغفير لكيم وال شكور
حليم}
@قوله تعالى" :فاتقوا ال ميا اسيتطعتم" ذهيب جماعية مين أهيل التأوييل إلى أن هذه اليية ناسيخة
لقوله تعالى" :اتقوا ال حق تقاته" [آل عمران ]102 :منهم قتادة والربيع بن أنس والسدي وابن
زيد .ذكر الطبري :وحدثني يونس بن عبدالعلى قال أخبرنا ابن وهب قال :قال ابن زيد في قوله
تعالى" :ييا أيهيا الذيين آمنوا اتقوا ال حيق تقاتيه" [آل عمران ]102 :قال :جاء أمير شدييد ،قالوا:
ومن يعرف قدر هذا أو يبلغه؟ فلما عرف ال أنه قد اشتد ذلك عليهم نسخها عنهم وجاء بهذه الية
الخرى فقال" :اتقوا ال ميا اسيتطعتم" .وقييل :هيي محكمية ل نسيخ فيهيا .وقال ابين عباس :قوله
تعالى" :اتقوا ال حق تقاته" [آل عمران ]102 :إنها لم تنسخ ،ولكن حق تقاته أن يجاهد ل حق
جهاده ،ول يأخذه فييي ال لوميية لئم ،ويقوموا ل بالقسييط ولو على أنفسييهم وآبائهييم وأبنائهييم .وقييد
تقدم.
@ فإن قيل :فإذا كانت هذه الية محكمة غير منسوخة فما وجه قوله فيي سورة التغابن" :فاتقوا
ال مييا اسييتطعتم" وكيييف يجوز اجتماع الميير باتقاء ال حييق تقاتييه ،والميير باتقائه مييا اسييتطعنا.
والميير باتقائه حييق تقاتييه إيجاب القرآن بغييير خصييوص ول وصييل بشرط ،والميير باتقائه مييا
اسيتطعنا أمير باتقائه موصيول بشرط .قييل له :قوله" :فاتقوا ال ميا اسيتطعتم" بمعزل مميا دل علييه
قوله تعالى" :اتقوا ال حق تقاته" [آل عمران ]102 :وإنما عنى بقوله" :فاتقوا ال ما استطعتم"
فاتقوا ال أيها الناس وراقبوه فيما جعل فتنة لكم من أموالكم وأولدكم أن تغلبكم فتنتهم ،وتصدكم
عيين الواجييب ل عليكييم ميين الهجرة ميين أرض الكفيير إلى أرض السييلم؛ فتتركوا الهجرة مييا
اسيتطعتم؛ بمعنيى وأنتيم للهجرة مسيتطيعين .وذلك أن ال جيل ثناؤه قيد كان عذر مين لم يقدر على
الهجرة بتركها بقوله تعالى" :إن الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم" إلى قوله "فأولئك عسى ال
أن يعفو عنهم" [النساء .]97 :فأخبر أنه قد عفا عمن ل يستطيع حيلة ول يهتدي سبيل بالقامة
فيي دار الشرك؛ فكذلك معنيى قوله" :فاتقوا ال ميا اسيتطعتم" فيي الهجرة مين دار الشرك إلى دار
السيلم أن تتركوهيا بفتنية أموالكيم وأولدكيم .ومميا يدل على صيحة هذا أن قوله" :فاتقوا ال ميا
استطعتم" عقيب قوله" :يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولدكم عدوا لكم فاحذروهم".
ول خلف بين السلف من أهل العلم بتأويل القرآن أن هذه اليات نزلت بسبب قوم كفار تأخروا
عين الهجرة مين دار الشرك إلى دار السيلم بتثيبيط أولدهيم إياهيم عين ذلك؛ حسيب ميا تقدم .وهذا
كله اختيار الطيبري .وقييل" :فاتقوا ال ميا اسيتطعتم" فيميا تطوع بيه مين نافلة أو صيدقة؛ فإنيه لميا
نزل قوله تعالى" :اتقوا ال حيق تقاتيه" [آل عمران ]102 :اشتيد على القوم فقاموا حتيى ورميت
عراقيبهييم وتقرحييت جباههييم ،فأنزل ال تعالى تخفيفييا عنهييم" :فاتقوا ال مييا اسييتطعتم" فنسييخت
الولى؛ قاله ابيين جييبير .قال الماوردي :ويحتمييل إن لم يثبييت هذا النقييل أن المكره على المعصييية
غير مؤاخذ بها؛ لنه ل يستطيع اتقاءها.
@قوله تعالى" :واسمعوا وأطيعوا" أي اسمعوا ما توعظون به وأطيعوا فيما تؤمرون به وتنهون
عنه .وقال مقاتل :اسمعوا" أي اصغوا إلى ما ينزل عليكم من كتاب ال؛ وهو الصل في السماع.
"وأطيعوا" لرسوله فيما أمركم أو نهاكم .وقال قتادة :عليهما بويع النبي صلى ال عليه وسلم على
السمع والطاعة .وقيل" :واسمعوا" أي اقبلوا ما تسمعون؛ وعبر عنه بالسماع لنه فائدته.
قلت :وقيد تغلغيل فيي هذه اليية الحجاج حيين تلهيا وقصيرها على عبدالملك بين مروان فقال:
"فاتقوا ال ما استطعم واسيمعوا وأطيعوا" هي لعبدالملك بين مروان أميين ال وخليفته ،لييس فيهيا
مثنويية ،وال لو أمرت رجل أن يخرج ن باب المسيجد فخرج مين غيره لحيل لي دميه .وكذب فيي
تأويلها بل هي للنبي صلى ال عليه وسلم أول ثم لولي المر من بعده .دليله "أطيعوا ال وأطيعوا
الرسول وأولي المر منكم" [النساء.]59 :
@قوله تعالى" :وأنفقوا" قييل :هيو الزكاة؛ قاله ابين عباس .وقييل :هيو النفقية فيي النفيل .وقال
الضحاك :هو النفقة في الجهاد .وقال الحسن :هو نفقة الرجل لنفسه .قال ابن العربي :وإنما أوقع
قائل هذا قوله" :لنفسيكم" وخفيي علييه أن نفقية النفيل والفرض فيي الصيدقة هيي نفقية الرجيل على
نفسه؛ قال ال تعالى" :إن أحسنتم أحسنتم لنفسكم وإن أسأتم فلها"[ .السراء .]7 :وكل ما يفعله
الرجل من خير فإنما هو لنفسه .والصحيح أنها عامة .وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه
فال له رجل :عندي دينار؟ قال( :أنفقه على نفسك) قال :عندي آخر؟ قال( :أنفقه على عيالك) قال:
عندي آخر؟ قال( :أنفقه على ولدك) قال :عندي آخر؟ قال( :تصدق به) فبدأ بالنفس والهل والولد
وجعل الصدقة بعد ذلك .وهو الصل في الشرع.
@قوله تعالى" :خيرا لنفسكم" "خيرا" نصب بفعل مضمر عند سيبويه؛ دل عليه "وأنفقوا" كأنه
قال :ايتوا فييي النفاق خيرا لنفسييكم ،أو قدموا خيرا لنفسييكم ميين أموالكييم .وهييو عنييد الكسييائي
والقراء نعييت لمصييدر محذوف؛ أي أنفقوا إنفاقييا خيرا لنفسييكم .وهييو عنييد أبييي عييبيدة خييبر كان
مضمرة؛ أي يكين خيرا لكيم .ومين جعيل الخيير المال فهيو منصيوب بيي "أنفقوا"" .ومين يوق شيح
نفسه فأولئك هم المفلحون" تقدم الكلم فيه .وكذا "إن تقرضوا ال قرضا حسنا يضاعفه لكم" تقدم
الكلم فيه" .ويغفر لكم وال شكور حليم" تقدم معنى الشكر في "البقرة" .والحليم :الذي ل يعجل.
**3الية{ 18 :عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم}
@قوله تعالى" :عالم الغييب والشهادة" أي ميا غاب وحضير .وهيو "العزييز" أي الغالب القاهير.
فهيو مين صيفات الفعال ،ومنيه قوله عيز وجيل" :تنزييل الكتاب مين ال العزييز الحكييم" [الجاثيية:
.]2أي من ال القاهر المحكم خالق الشياء .وقال الخطابي :وقد يكون بمعنى نفاسة القدر ،يقال
منه :عز يعز (بكسر العين) فيتناول معنى العزيز على هذا أنه ل يعادل شيء وأنه ل مثل له .وال
اعلم" .الحكييم" فيي تدبيير خلقيه .وقال ابين النباري" :الحكييم" هيو المحكيم لخلق الشياء ،صيرف
عيين مفعييل إلى فعيييل ،ومنييه قوله عييز وجييل" :الر تلك آيات الكتاب الحكيييم" [يونييس ]1 :معناه
المحكم ،فصرف عن مفعل إلى فعيل .وال اعلم.
**2سورة الطلق
**3مقدمة السورة
@ مدنية في قول الجميع .وهي إحدى عشرة آية ،أو اثنتا عشرة آية.
**3الية{ 1 :يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا ال ربكم ل
تخرجوهن من بيوتهن ول يخرجن إل أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود ال ومن يتعد حدود ال
فقد ظلم نفسه ل تدري لعل ال يحدث بعد ذلك أمرا}
@قوله تعالى" :يا أيها النبي إذا طلقتم النساء" الخطاب للنبي صلى ال عليه وسلم ،خوطب بلفظ
الجماعية تعظيميا وتفخيميا .وفيي سينن ابين ماجية عين سيعيد بين جيبير عين ابين عباس عين عمير بين
الخطاب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم طلق حفصة رضي ال عنها ثم راجعها .وروى قتادة
عن أنس قال :طلق رسول ال صلى ال عليه وسلم حفصة رضي ال عنها فأتت أهلها ،فأنزل ال
تعالى علييه" :ييا أيهيا النيبي إذا طلقتيم النسياء فطلقوهين لعدتهين" .وقييل له :راجعهيا فإنهيا قوامية
صيوامة ،وهيي مين أزواجيك فيي الجنية .ذكره الماوردي والقشيري والثعلبيي .زاد القشيري :ونزل
فيي خروجهيا إلى أهلهيا قوله تعالى" :ل تخرجوهين ،مين بيوتهين" .وقال الكلبيي :سيبب نزول هذه
اليية غضيب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم على حفصية ،لميا أسير إليهيا حديثيا فأظهرتيه لعائشية
فطلقها تطليقة ،فنزلت الية .وقال السدي :نزلت في عبدال بن عمر ،طلق امرأته حائضا تطليقة
واحدة فأمره رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بأن يراجعهيا ثيم يمسيكها حتيى تطهير وتحييض ثيم
تطهر ،فإذا أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها .فتلك العدة التي أمر ال تعالى
أن يطلق لها النساء .وقد قيل :أن رجال فعلوا مثل ما فعل عبدال بن عمر ،منهم عبدال بن عمرو
بين العاص ،وعمرو بين سيعد بين العاص ،وعتبية بين غزوان ،فنزلت اليية فيهيم .قال ابين العربيي:
وهذا كله وإن لم يكن صحيحا فالقول الول أمثل .والصح فيه أنه بيان لشرع مبتدأ .وقد قيل :إنه
خطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد أمته .وغاير بين اللفظين من حاضر وغائب وذلك لغة
فصيحة ،كما قال" :حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة" [يونس .]22 :تقديره :يا أيها
النبي قل لهم إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن .وهذا هو قولهم :،إن الخطاب له وحده والمعنى له
وللمؤمنين .وإذا أراد ال بالخطاب المؤمنين لطفه بقول" :يا أيها النبي" .فإذا كان الخطاب باللفظ
والمعنى جميعا له قال" :يا أيها الرسول".
قلت :ويدل على صيحة هذا القول نزول العدة فيي أسيماء بنيت يزييد بين السيكن النصيارية .ففيي
كتاب أبيي داود عنهيا أنهيا طلقيت على عهيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،ولم يكين للمطلقية عدة،
فأنزل ال تعالى حيين طلقيت أسيماء بالعدة للطلق ،فكانيت أول مين أنزل فيهيا العدة للطلق .وقييل:
المراد به نداء النبي صلى ال عليه وسلم تعظيما ،ثم ابتدأ فقال" :إذا طلقتم النساء"؛ كقوله تعالى:
"يييا أيهييا الذييين آمنوا إنمييا الخميير والميسيير والنصيياب والزلم" [المائدة ]90 :الييية .فذكيير
المؤمنييين على معنييى تقديمهييم وتكريمهييم؛ ثييم افتتييح فقال" :إنمييا الخميير والميسيير والنصيياب
والزلم" الية.
@ روى الثعلبيي من حديث ابن عمر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إن من أبغض
الحلل إلى ال تعالى الطلق) .وعيين علي عيين النييبي صييلى ال عليييه وسييلم قال( :تزوجوا ول
تطلقوا فإن الطلق يهتز منه العرش) .وعن أبي موسى قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(ل تطلقوا النساء إل من ريبة فإن ال عز وجل ل يحب الذواقين ول الذواقات) .وعن أنس قال:
قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم (ميا حلف بالطلق ول اسيتحلف بيه إل منافيق) .أسيند جميعيه
الثعلبيي رحميه ال فيي كتابيه .وروى الدارقطنيي قال :حدثنيا أبيو العباس محميد بين موسيى بين علي
الدولبي ويعقوب بن إبراهيم قال حدثنا الحسن بن عرفة قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن حميد
بين مالك اللخميي عين مكحول عين معاذ بين جبيل قال :قال لي رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم( :ييا
معاذ ما خلق ال شيئا على وجه الرض أحب إليه من العتاق ول خلق ال شيئا على وجه الرض
أبغض من الطلق .فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء ال فهو حر ول استئناء له وإذا قال
الرجيل لمرأتيه أنيت طالق إن شاء ال فله اسيتثناؤه ول طلق علييه) .حدثنيا محميد بين موسيى بين
علي قال :حدثنيا حمييد بين الربييع قال حدثنيا يزييد بين هارون حدثنيا إسيماعيل بين عياش بإسيناده
نحوه .قال حمييد :قال لي يزييد بين هارون :وأي حدييث لو كان حمييد بين مالك معروفيا؟ قلت :هيو
جدي .قال يزييد :سيررتني سيررتني! الن صيار حديثيا .حدثنيا عثمان بين أحميد الدقاق قال حدثنيا
إسيحاق بين إبراهييم بين سينين حدثنيا عمير بين إبراهييم بين خالد حدثنيا حمييد بين مالك اللخميي حدثنيا
مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ما أحل
ال شيئا أبغض إليه من الطلق فمن طلق واستثنى فله ثنياه) .قال ابن المنذر :اختلفوا في الستثناء
في الطلق والعتق؛ فقالت طائفة :ذلك جائز .وروينا هذا القول عن طاوس .وبه قال حماد الكوفي
والشافعيي وأبيو ثور وأصيحاب الرأي .ول يجوز السيتثناء فيي الطلق فيي قول مالك والوزاعيي.
وهذا قول قتادة في الطلق خاصة .قال ابن المنذر :وبالقول الول أقول.
@ روى الدارقطني من حديث عبدالرزاق أخبرني عمي وهب بن نافع قال سمعت عكرمة يحدث
عيين ابيين عباس يقول :الطلق على أربعيية وجوه :وجهان حللن ووجهان حرامان؛ فأمييا الحلل
فأن يطلقها طاهرا عن غير جماع وأن اطلقها حامل مستبينا حملها .وأما الحرام فأن يطلقها وهي
حائض ،أو يطلقها حين يجامعها ،ل تدري اشتمل الرحم على ولد أم ل.
@قوله تعالى" :فطلقوهن لعدتهن" في كتاب أبي داود عن أسماء بنت يزيد بن السكن النصارية
أنهيا طلقيت على عهيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم ولم يكين للمطلقية عدة ،فأنزل ال سيبحانه حيين
طلقييت أسييماء بالعدة للطلق؛ فكانييت أول ميين أنزل فيهييا العدة للطلق .وقييد تقدم .قوله تعالى:
"لعدتهين" يقتضيي أنهين اللتيي دخيل بهين مين الزواج؛ لن غيير المدخول بهين خرجين بقوله
تعالى" :يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتيم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن
من عدة تعتدونها" [الحزاب.]49 :
@ من طلق في طهر لم يجامع فيه نفذ طلقه وأصاب السنة .وإن طلقها حائضا نفذ طلقه وأخطأ
السينة .وقال سيعيد بين المسييب فيي أخرى :ل يقيع الطلق فيي الحييض لنيه خلف السينة .وإلييه
ذهبيت الشيعية .وفيي الصيحيحين -واللفيظ للدارقطنيي -عين عبدال بين عمير قال :طلقيت امرأتيي
وهي حائض؛ فذكير ذلك عمر لرسول ال صيلى ال عليه وسلم؛ فتغيظ رسيول ال صلى ال عليه
وسلم فقال( :ليراجعها ثم ليمسكها حتى تحيض حيضة مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها فإن
بدا له أن يطلقهييا فليطلقهييا طاهرا ميين حيضتهييا قبييل أن يمسييها فذلك الطلق للعدة كمييا أميير ال).
وكان عبدال بين عمير طلقهيا تطليقية ،فحسيبت مين طلقهيا وراجعهيا عبدال بين عمير كميا أمره
رسول ال صلى ال عليه وسلم .في رواية عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال:
(هي واحدة) .وهذا نص .وهو يرد على الشيعة قولهم.
@ عين عبدال بين مسيعود قال :طلق السينة أن يطلقهيا فيي كيل طهير تطليقية؛ فإذا كان آخير ذلك
فتلك العدة التييي أميير ال تعالى بهييا .رواه الدارقطنييي عيين العمييش عيين أبييي إسييحاق عيين أبييي
الحوص عين عبدال .قال علماؤنيا :طلق السينة ميا جميع شروطيا سيبعة :وهيو أن يطلقهيا واحدة،
وهي ممن تحيض ،طاهرا ،لم يمسها في ذلك الطهر ،ول تقدمه طلق في حيض ،ول تبعه طلق
فييي طهيير يتلوه ،وخل عيين العوض .وهذه الشروط السييبعة ميين حديييث ابيين عميير المتقدم .وقال
الشافعيي :طلق السينة أن يطلقهيا فيي كيل طهير خاصية ،ولو طلقهيا ثلثيا فيي طهير لم يكين بدعية.
وقال أبيو حنيفية :طلق السينة أن يطلقهيا فيي كيل طهير طلقية .وقال الشعيبي :يجوز أن يطلقهيا فيي
طهر جامعها فيه .فعلماؤنا قالوا :يطلقها واحدة في طهر لم يمس فيه ،ول تبعه طلق في عدة ،ول
يكون الظهير تالييا لحييض وقيع فييه الطلق؛ لقول النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :مرة فليراجعهيا ثيم
ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق .فتلك العدة التي أمر ال
أن يطلق لها النساء) .وتعلق المام الشافعي بظاهر قوله تعالى" :فطلقوهن لعدتهن" وهذا عام في
كيل طلق كان واحدة أو اثنتيين أو أكثير .وإنميا راعيى ال سيبحانه الزمان فيي هذه اليية ولم يعتيبر
العدد .وكذلك حديييث ابيين عميير لن النييبي صييلى ال عليييه وسييلم علمييه الوقييت ل العدد .قال ابيين
العربيي" :وهذه غفلة عين الحدييث الصيحيح؛ فإنيه قال( :مرة فليراجعهيا) وهذا يدفيع الثلث .وفيي
الحدييث أنيه قال :أرأييت لو طلقهيا ثلثيا؟ قال حرميت علييك وبانيت منيك بمعصيية .وقال أبيو حنيفية:
ظاهير اليية يدل على أن الطلق الثلث والواحدة سيواء .وهيو مذهيب الشافعيي لول قوله بعيد ذلك:
"ل تدري لعل ال يحدث بعد ذلك أمرا" .وهذا يبطل دخول الثلث تحت الية .وكذلك قال أكثر
العلماء؛ وهو بديع لهم .وأما مالك فلم يخف عليه إطلق الية كما قالوا ،ولكن الحديث فسرها كما
قلنيا .وأميا قول الشعيبي :إنيه يجوز طلق فيي طهير جامعهيا فييه ،فيرده حدييث ابين عمير بنصيه
ومعناه .أما نصه فقد قدمناه ،وأما معناه فلنه إذا منع من طلق الحائض لعدم العتداد به ،فالطهر
المجامع فيه أولى بالمنع؛ لنه يسقط العتداد به مخافة شغل الرحم وبالحيض التالي له.
قلت :وقد احتج الشافعيي فيي طلق الثلث بكلمة واحدة بما رواه الدارقطني عن سلمة بن أبي
سلمة بن عبدالرحمن عن أبيه أن عبدالرحمن بن عوف طلق امرأته تماضر بنت الصبغ الكلبية
وهيي أم أبيي سيلمة ثلث تطليقات فيي كلمية واحدة؛ فلم يبلغنيا أن أحدا مين أصيحابه عاب ذلك .قال:
وحدثنا سلمة بن أبي سلمة عن أبيه أن حفص بن المغيرة طلق امرأته فاطمة بنت قيس على عهد
رسيول اله صيلى ال علييه وسيلم ثلث تطليقات فيي كلمية؛ فأبانهيا منيه رسيول ال صيلى ال علييه
وسيلم ،ولم يبلغنيا أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم عاب ذلك علييه .واحتيج أيضيا بحدييث عويمير
العجلني لما لعن قال :يا رسول ال ،هي طالق ثلث .فلم ينكر عليه النبي صلى ال عليه وسلم.
وقيد انفصيل علماؤنيا عين هذا أحسين انفصيال .بيانيه فيي غيير هذا الموضيع .وقيد ذكرناه فيي كتاب
(المقتبيس مين شرح موطيأ مالك بين أنيس) .وعين سيعيد بين المسييب وجماعية مين التابعيين أن مين
خالف السنة في الطلق فأوقعه في حيض أو ثلث لم يقع؛ فشبهوه بمن وكل بطلق السنة فخالف.
@ قال الجرجانيي :اللم فيي قوله تعالى" :لعدتهين" بمعنيى فيي؛ كقوله تعالى" :هيو الذي أخرج
الذيين كفروا مين أهيل الكتاب مين ديارهيم لول الحشير" [الحشير .]2 :أي فيي أول الحشير .فقوله:
"لعدتهن" أي في عدتهن؛ أي في الزمان الذي يصلح لعدتهن .وحصل الجماع على أن الطلق
فيي الحيض ممنوع وفي الطهر مأذون فيه .ففيه دليل على أن القرء هو الطهر .وقد مضى القول
فييه فيي "البقرة" فإن قييل :معنيى "فطلقوهين لعدتهين" أي فيي قبيل عدتهين ،أو لقبيل عدتهين .وهيي
قراءة النيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ كميا قال ابين عمير فيي صيحيح مسيلم وغيره .فقييل العدة آخير
الطهير حتيى يكون القرء الحييض ،قييل له :هذا هيو الدلييل الواضيح لمالك ومين قال بقوله؛ على أن
القراء هيي الطهار .ولو كان كميا قال الحنفيي ومين تبعيه لوجيب أن يقال :إن مين طلق فيي أول
الطهير ل يكون مطلقيا لقبيل الحييض؛ لن الحييض لم يقبيل بعيد .وأيضيا إقبال الحييض يكون بدخول
الحيض ،وبانقضاء الطهر ل يتحقق إقبال الحيض .ولو كان إقبال الشيء إدبار ضده لكان الصائم
مفطرا قبل مغيب الشمس؛ إذ الليل يكون مقبل في إدبار النهار قبل انقضاء النهار .ثم إذا طلق في
آخر الطهر فبقية الطهر قرء ،ولن بعض القرء يسمى قرءا لقوله تعالى" :الحج أشهر معلومات"
[البقرة ]197 :يعنيي شوال وذا القعدة وبعيض ذي الحجية؛ لقوله تعالى" :فمين تعجيل فيي يوميين
فل إثم علييه" [البقرة ]203 :وهو ينفر فيي بعيض اليوم الثانيي .وقيد مضيى هذا كله فيي "البقرة"
مستوفى.
@قوله تعالى" :وأحصوا العدة" يعني في المدخول بها؛ لن غير المدخول بها ل عدة عليها ،وله
أن يراجعهييا فيمييا دون الثلث قبييل انقضاء العدة ،ويكون بعدهييا كأحييد الخطاب .ول تحييل له فييي
الثلث إل بعيد زوج .قوله تعالى" :وأحصيوا العدة" معناه احفظوهيا؛ أي احفظوا الوقيت الذي وقيع
فيييه الطلق ،حتييى إذا انفصييل المشروط منييه وهييو الثلثيية قروء فييي قوله تعالى" :والمطلقات
يتربصين بأنفسيهن ثلثية قروء" [البقرة ]228 :حلت للزواج .وهذا يدل على أن العدة هيي
الطهار وليسيت بالحييض .ويؤكده ويفسيره قراءة النيبي صيلى ال عليه وسلم "لقبيل عدتهن" وقبيل
الشيء بعضه لغة وحقيقة ،بخلف استقباله فإنه يكون غيره.
@ من المخاطب بأمر الحصاء؟ وفيه ثلث أقوال :أحدها :أنهم الزواج .الثاني :أنهم الزوجات.
الثالث :أنهيم المسيلمون .ابين العربيي" :والصيحيح أن المخاطيب بهذا اللفيظ الزواج؛ لن الضمائر
كلها من "طلقتم" و"أحصوا" و"ل تخرجوا" على نظام واحد يرجع إلى الزواج ،ولكن الزوجات
داخلة فيييه باللحاق بالزوج؛ لن الزوج يحصييي ليراجييع ،وينفييق أو يقطييع ،وليسييكن أو يخرج
وليلحق نسبه أو يقطع .وهذه كلها أمور مشتركة بينه وبين المرأة ،وتنفرد المرأة دونه بغير ذلك.
وكذلك الحاكم يفتقر إلى الحصاء للعدة للفتوى عليها ،وفصل الخصومة عند المنازعة فيها .وهذه
فوائد الحصاء المأمور به".
@قوله تعالى" :واتقوا ال ربكم" أي ل تعصوه" .ل تخرجوهن من بيوتهن" أي ليس للزوج أن
يخرجهييا ميين مسييكن النكاح مييا دامييت فييي العدة ،ول يجوز لهييا الخروج أيضييا لحييق الزوج إل
لضرورة ظاهرة ،فإن خرجيت أثميت ول تنقطيع العدة .والرجعيية والمبتوتية فيي هذا سيواء .وهذا
لصييانة ماء الرجيل .وهذا معنيى إضافية البيوت إليهين؛ كقوله تعالى" :واذكرن ميا يتلى فيي بيوتكين
مين آيات ال والحكمية" [الحزاب ،]34 :وقوله تعالى" :وقرن فيي بيوتكين" [الحزاب]33 :
فهو إضافة إسكان وليس إضافة تمليك .وقوله" :ل تخرجوهن" يقتضي أن يكون حقا في الزواج.
ويقتضيي قوله" :ول يخرجين" أنه حيق على الزوجات .وفيي صيحيح الحدييث عين جابر بين عبدال
قال :طلقيت خالتيي فأرادت أن تجيد نخلهيا فزجرهيا رجيل أن تخرج؛ فأتيت النيبي صيلى ال علييه
وسيلم فقال( :بلى فجدي نخلك فإنيك عسيى أن تصيدقي أو تفعلي معروفيا) .خرجيه مسيلم .ففيي هدا
الحديييث دليييل لمالك والشافعييي وابيين حنبييل والليييث على قولهييم :أن المعتدة تخرج بالنهار فييي
حوائجهيا ،وإنميا تلزم منزلهيا باللييل .وسيواء عنيد مالك كانيت رجعيية أو بائنية .وقال الشافعيي فيي
الرجعيية :ل تخرج ليل ول نهارا ،وإنميا تخرج نهارا المبتوتية .وقال أبيو حنيفية :ذلك فيي المتوفيي
عنها زوجها ،وأما المطلقة فل تخرج ل ليل ول نهارا .والحديث يرد عليه.
وفيي الصيحيحين أن أبيا حفيص بين عمرو خرج ميع علي بين أبيي طالب إلى اليمين ،فأرسيل إلى
امرأتيه فاطمية بنيت قييس بتطلقية كانيت بقييت مين طلقهيا ،وأمير لهيا الحارث بين هشام وعياش بين
أبيي ربيعية بنفقية؛ فقال لهيا :وال مالك مين نفقية إل أن تكونيي حامل .فأتيت النيبي صيلى ال علييه
وسيلم فذكير له قولهميا .فقال( :ل نفقية لك) ،فاسيتأذنته فيي النتقال فأذن لهيا؛ فقالت :أيين ييا رسيول
ال؟ فقال( :إلى ابن أم مكتوم) ،وكان أعمى تضع ثيابها عنده ول يراها .فلما مضت عدتها أنكحها
النيبي صيلى ال علييه وسيلم أسيامة بين زييد .فأرسيل إليهيا مروان قبيصية بين ذؤييب يسيألها عين
الحدييث ،فحدثتيه .فقال مروان :لم نسيمع هذا الحدييث إل مين امرأة ،سينأخذ بالعصيمة التيي وجدنيا
الناس عليهيا .فقالت فاطمية حيين بلغهيا قول مروان :فيبيني وبينكيم القرآن ،قال ال عيز وجيل" :ل
تخرجوهن من بيوتهن" الية ،قالت :هذا لمن كانت له رجعة؛ فأي أمر يحدث بعد الثلث؟ فكيف
تقولون :ل نفقيية لهييا إذا لم تكيين حامل ،فعلم تحبسييونها؟ لفييظ مسييلم .فييبين أن الييية فييي تحريييم
الخراج والخروج إنما هو فيي الرجعية .وكذلك استدلت فاطمة بأن الية التي تليها إنما تضمنت
النهي عن خروج المطلقة الرجعية؛ لنها بصدد أن يحدث لمطلقها رأي في أرتجاعها ما دامت في
عدتهيا؛ فكأنهيا تحيت تصيرف الزوج فيي كيل وقيت .وأميا البائن فلييس له شييء مين ذلك؛ فيجوز لهيا
أن تخرج إذا دعتهيا إلى ذلك حاجية ،أو خافيت عورة منزلهيا؛ كميا أباح لهيا النيبي صيلى ال علييه
وسيلم ذلك .وفيي مسيلم -قالت فاطمية ييا رسيول ال ،زوجيي طلقنيي ثلثيا وأخاف أن يقتحيم علي.
قال :فأمرها فتحولت.
وفيي البخاري عن عائشة أنهيا كانيت فيي مكان وحيش فخييف على ناحيتهيا؛ فلذلك أرخص النيبي
صيلى ال علييه وسيلم لهيا .وهذا كله يرد على الكوفيي قول .وفيي حدييث فاطمية :أن زوجهيا أرسيل
إليها بتطليقة كانت بقيت من طلقها؛ فهو حجة لمالك وحجة على الشافعي .وهو أصح من حديث
سيلمة بين أبيي سيلمة عين أبييه أن حفيص بين المغيرة طلق امرأتيه ثلث تطليقات فيي كلمية؛ على ميا
تقدم.
@قوله تعالى" :إل أن يأتين بفاحشة مبينة" قال ابن عباس وابن عمر والحسن والشعبي ومجاهد:
هيو الزنيى؛ فتخرج ويقام عليهيا الحيد .وعين ابين عباس أيضيا والشافعيي :أنيه البذاء على أحمائهيا؛
فيحيل لهيم إخراجهيا .وروي عين سيعيد بين المسييب أنيه قال فيي فاطمية :تلك امرأة اسيتطالت على
أحمائهيا بلسيانها فأمرهيا علييه السيلم أن تنتقيل .وفيي كتاب أبيي داود قال سيعيد :تلك امرأة فتنيت
الناس ،إنهيا كانيت لسينة فوضعيت على يدي ابين أم مكتوم العميى .قال عكرمية :فيي مصيحف أبيي
"إل أن يفحشن عليكم" .ويقوي هذا أن محمد بن إبراهيم بن الحارث روي أن عائشة قالت لفاطمة
بنت قيس :اتقي ال فإنك تعلمين لم أخرجت؟ وعن ابن عباس أيضا :الفاحشة كل معصية كالزنى
والسييرقة والبذاء على الهييل .وهييو اختيار الطييبري .وعيين ابيين عميير أيضييا والسييدي :الفاحشيية
خروجها من بيتها في العدة .وتقدير الية :إل أن يأتين بفاحشة مبينة بخروجهن من بيوتهن بغير
حييق؛ أي لو خرجييت كانييت عاصييية .وقال قتادة :الفاحشيية النشوز ،وذلك أن يطلقهييا على النشوز
فتتحول عن بيته .قال ابن العربيي :أما من قال إنه الخروج للزنى؛ فل وجه له؛ لن ذلك الخروج
هو خروج القتل والعدام :وليس ذلك بمستثنى في حلل ول حرام .وأما من قال :إنه البذاء؛ فهو
مفسير فيي حدييث فاطمية بنيت قييس .وأميا مين قال :إنيه كيل معصيية؛ فوهيم لن الغيبية ونحوهيا مين
المعاصي ل تبيح الخراج ول الخروج .وأما من قال :إنه الخروج بغير حق؛ فهو صحيح .وتقدير
الكلم :ل تخرجوهن من بيوتهن ول يخرجن شرعا إل أن يخرجن تعديا.
@قوله تعالى" :وتلك حدود ال" أي هذه الحكام التيي بينهيا أحكام ال على العباد ،وقيد منيع
التجاوز عنها فمن تجاوز فقد ظلم نفسه وأوردها مورد الهلك" .ل تدري لعل ال يحدث بعد ذلك
أمرا" المير الذي يحدثيه ال أن يقلب قلبيه مين بغضهيا إلى محبتهيا ،ومين الرغبية عنهيا إلى الرغبية
فيهييا ،وميين عزيميية الطلق إلى الندم عليييه؛ فيراجعهييا .وقال جميييع المفسييرين :أراد بالميير هنييا
الرغبية فيي الرجعية .ومعنيى القول :التحرييض على طلق الواحدة والنهيي عين الثلث؛ فإنيه إذا
طلق أضير بنفسه عند الندم على الفراق والرغبة فيي الرتجاع ،فل يجد عند الرجعة سبيل .وقال
مقاتل" :بعد ذلك" أي بعد طلقة أو طلقتين "أمرا" أي المراجعة من غير خلف.
**3الية{ 3 - 2 :فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي
عدل منكيم وأقيموا الشهادة ل ذلكيم يوعيظ به مين كان يؤمين بال واليوم الخر ومن يتق ال يجعيل
له مخرجا ،ويرزقه من حيث ل يحتسب ومن يتوكل على ال فهو حسبه إن ال بالغ أمره قد جعل
ال لكل شيء قدرا}
@قوله تعالى" :فإذا بلغن أجلهن" أي قاربن انقضاء العدة؛ كقوله تعالى" :وإذا طلقتم النساء فبلغن
أجلهين فأمسيكوهن" [البقرة ]231 :أي قربين مين انقضاء الجيل" .فأمسيكوهن بمعروف" يعنيي
المراجعة بالمعروف؛ أي بالرغبة من غير قصد المضارة في الرجعة تطويل لعدتها .كما تقدم في
"البقرة"" .أو فارقوهين بمعروف" أي اتركوهين حتيى تنقضيي عدتهين فيملكين أنفسيهن .وفيي قوله
تعالى" :فإذا بلغين أجلهين" ميا يوجيب أن يكون القول قول المرأة فيي انقضاء العدة إذا أدعيت ذلك،
على مييا بيناه فييي سييورة "البقرة" عنييد قوله تعالى" :ول يحييل لهيين أن يكتميين مييا خلق ال فييي
أرحامهن" [البقرة ]228 :الية.
@قوله تعالى" :وأشهدوا" أمر بالشهاد على الطلق .وقيل :على الرجعة .والظاهر رجوعه إلى
الرجعة ل إلى الطلق .فإن راجع من غير إشهاد ففي صحة الرجعة قولن للفقهاء .وقيل :المعنى
وأشهدوا عنييد الرجعيية والفرقيية جميعييا .وهذا الشهاد مندوب إلييه عنييد أبييي حنيفية؛ كقوله تعالى:
"وأشهدوا إذا تبايعتم" [البقرة .]282 :وعند الشافعي واجب في الرجعة ،مندوب إليه في الفرقة.
وفائدة الشهاد أل يقيع بينهميا التجاحيد ،وإل يتهيم فيي إمسياكها ،ولئل يموت أحدهميا فيدعيي الباقيي
ثبوت الزوجية ليرث.
@ الشهاد عنيد أكثير العلماء على الرجعية ندب .وإذا جامع أو قبل أو باشير يرييد بذلك الرجعة،
وتكلم بالرجعية يرييد بيه الرجعية فهيو مراجيع عنيد مالك ،وإن لم يرد بذلك الرجعية فلييس بمراجيع.
وقال أبو حنيفة وأصحابه :إذا قبل أو باشر أو لمس بشهوة فهو رجعة .وقالوا :والنظر إلى الفرج
رجعية .وقال الشافعيي وأبيو ثور :إذا تكلم بالرجعية فهيو رجعية .وقيد قييل :وطؤه مراجعية على كيل
حال ،نواهيا أو لم ينوهيا .وروي ذلك عين طائفية مين أصيحاب مالك .وإليه ذهيب اللييث .وكان مالك
يقول :إذا وطئ ولم ينو الرجعة فهو وطء فاسد؛ ول يعود لوطئها حتى يستبرئها من مائه الفاسد،
وله الرجعة في بقية العدة الولى ،وليس له رجعة في هذا الستبراء.
@ أوجب الشهاد في الرجعة أحمد بن حنبل في أحد قوليه ،والشافعي كذلك لظاهر المر .وقال
مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في القول الخر :إن الرجعة ل تفتقر إلى القبول ،فلم تفتقر إلى
الشهاد كسييائر الحقوق ،وخصييوصا حييل الظهار بالكفارة .قال ابيين العربييي :وركييب أصييحاب
الشافعيي على وجوب الشهاد فيي الرجعية أنيه ل يصيح أن يقول :كنيت راجعيت أميس وأنيا أشهيد
اليوم على القرار بالرجعة ،ومن شرط الرجعة الشهاد فل تصح دونه .وهذا فاسد مبني على أن
الشهاد فيي الرجعية تعبيد .ونحين ل نسيلم فيهيا ول فيي النكاح بأن نقول :إنيه موضيع للتوثيق ،وذلك
موجود في القرار كما هو موجود في النشاء.
@ من ادعى بعد انقضاء العدة أنه راجع امرأته في العدة ،فإن صدقته جاز وإن أنكرت حلفت،
فإن أقام بينة أنه ارتجعها في العدة ولم تعلم بذلك لم يضره جهلها بذلك ،وكانت زوجته ،وإن كانت
قيد تزوجيت ولم يدخيل بهيا ثيم أقام الول البينية على رجعتهيا فعين مالك فيي ذلك روايتان :إحداهميا:
أن الول أحيق بهيا .والخرى :أن الثانيي أحيق بهيا .فإن كان الثانيي قيد دخيل بهيا فل سيبيل للول
إليها.
@قوله تعالى" :ذوي عدل منكيم" قال الحسين :مين المسيلمين .وعين قتادة :مين أحراركيم .وذلك
يوجيييب اختصييياص الشهادة على الرجعييية بالذكور دون الناث؛ لن "ذوي" مذكييير .ولذلك قال
علماؤنيا :ل مدخيل للنسياء فيميا عدا الموال .وقيد مضيى ذلك فيي سيورة "البقرة"" .وأقيموا الشهادة
ل" أي تقربيا إلى ال فيي إقامية الشهادة على وجههيا ،إذا مسيت الحاجية إليهيا مين غيير تبدييل ول
تغييير .وقيد مضيى فيي سيورة "البقرة" معناه عنيد قوله تعالى" :وأقوم للشهادة" [البقرة.]282 :
"ذلكيم يوعيظ بيه" أي يرضيى بيه" .مين كان يؤمين بال واليوم الخير" فأميا غيير المؤمين فل ينتفيع
بهذه المواعظ.
@قوله تعالى" :ومين يتيق ال يجعيل له مخرجيا" عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه سيئل عمين
طلق ثلثا أو ألفا هل له من مخرج؟ فتلها .وقال ابن عباس والشعبي والضحاك :هذا في الطلق
خاصية؛ أي مين طلق كميا أمره ال يكين له مخرج فيي الرجعية فيي العدة ،وأن يكون كأحيد الخطاب
بعد العدة .وعن ابن عباس أيضا "يجعل له مخرجا" ينجيه من كل كرب في الدنيا والخرة .وقيل:
المخرج هو أن يقنعه ال بما رزقه؛ قاله علي بن صالح .وقال الكلبي" :ومن يق ال" بالصبر عند
المصييبة" .يجعيل له مخرجيا" مين النار إلى الجنية .وقال الحسين :مخرجيا مميا نهيى ال عنيه .وقال
أبيو العاليية :مخرجيا مين كيل شدة .الربييع بين خيثيم" :يجعيل له مخرجيا" مين كيل شييء ضاق على
الناس .الحسيين بين الفضيل" :ومين يتيق ال" فيي أداء الفرائض" ،يجعيل له مخرجيا" مين العقوبية.
"ويرزقه" الثواب "من حيث ل يحتسب" أي يبارك له فيما آتاه .وقال سهل بن عبدال" :ومن يتق
ال" في أتباع السنة "يجعل له مخرجا" من عقوبة أهل البدع ،ويرزقه الجنة من حيث ل يحتسب.
وقييل" :ومين يتيق ال" فيي الرزق بقطيع العلئق يجعيل له مخرجيا بالكفايية .وقال عمير بين عثمان
الصدفي" :ومن يتق ال" فيقف عند حدوده ويجتنب معاصيه يخرجه من الحرام إلى الحلل ،ومن
الضيق إلى السعة ،ومن النار إلى الجنة" .ويرزقه من حيث ل يحتسب" من حيث ل يرجو .وقال
ابين عيينية :هيو البركية فيي الرزق .وقال أبيو سيعيد الخدري :ومين ييبرأ مين حوله وقوتيه بالرجوع
إلى ال يجعيل له مخرجيا مميا كلفيه بالمعونية له .وتأول ابين مسيعود ومسيروق اليية على العموم.
وقال أبيو ذر :قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :إنيى لعلم آيية لو أخيذ بهيا الناس لكفتهيم -ثيم تل -
"ومن يق ال يجعل له مخرجا .ويرزقه من حيث ل يحتسب") .فما زال يكررها ويعيدها.
وقال ابين عباس :قرأ النيبي صيلى ال علييه وسيلم "ومين يتيق ال يجعيل له مخرجيا .ويرزقيه مين
حييث ل يحتسيب" قال( :مخرجيا مين شبهات الدنييا ومين غمرات الموت ومين شدائد يوم القيامية).
وقال أكثر المفسرين فيما ذكر الثعلبي :إنها نزلت في عوف بن مالك الشجعي .روي الكلبي عن
أبي صالح عن ابن عباس قال :جاء عوف بن مالك الشجعي إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال:
يا رسول ال ،إن ابني أسره العدو وجزعت الم .وعن جابر بن عبدال :نزلت في عوف بن مالك
الشجعيي أسير المشركون ابنيا له يسيمى سيالما ،فأتيى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وشكيا إلييه
الفاقية وقال :إن العدو أسير ابنيي وجزعيت الم ،فميا تأمرنيي؟ فقال علييه السيلم( :أتيق ال وأصيبر
وآمرك وإياهييا أن تسييتكثرا ميين قول ل حول ول قوة إل بال) .فعاد إلى بيتييه وقال لمرأتييه :إن
رسول ال صلى ال عليه وسلم أمرني وإياك أن نستكثر من قول ل حول ول قوة إل بال .فقالت:
نعم ما أمرنا به .فجعل يقولن؛ فغفل العدو عن ابنه ،فساق غنمهم وجاء بها إلى أبيه؛ وهي أربعة
آلف شاة .فنزلت الية ،وجعل النبي صلى ال عليه وسلم تلك الغنام له .في رواية :أنه جاء وقد
أصياب إبل مين العدو وكان فقيرا .قال الكلبيي :أصياب خمسيين بعيرا .وفيي روايية :فأفلت ابنيه مين
السير وركيب ناقية للقوم ،ومير فيي طريقيه بسيرح لهيم فاسيتاقه .وقال مقاتيل :أصياب غنميا ومتاعيا
فسيأل النيبي صيلى ال علييه وسيلم :أيحيل لي أن آكيل مميا أتيى بيه ابنيي؟ قال( :نعيم) .ونزلت" :ومين
يتيق ال يجعيل له مخرجيا .ويرزقيه مين حييث ل يحتسيب" .فروي الحسين عين عمران بين الحصيين
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من انقطع إلى ال كفاه ال كل مؤونة ورزقه من حيث
ل يحتسب .ومن انقطع إلى الدنيا وكله ال إليها) .وقال الزجاج :أي إذا اتقى وآثر الحلل والتصبر
على أهله ،فتيح ال علييه إن كان ذا ضيقية ورزقيه مين حييث ل يحتسيب .وعين ابين عباس أن النيبي
صلى ال عليه وسلم قال( :من أكثر الستغفار جعل ال له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا
ورزقه من حيث ل يحتسب).
@قوله تعالى" :ومن يتوكل على ال فهو حسبه" أي من فوض إليه أمره كفاه ما أهمه .وقيل :أي
مين اتقيى ال وجانيب المعاصيي وتوكيل علييه ،فله فيميا يعطييه فيي الخرة مين ثوابيه كفايية .ولم يرد
الدنيا؛ لن المتوكل قد يصاب في الدنيا وقد يقتل" .إن ال بالغ أمره" قال مسروق :أي قاض أمره
فيمن توكل عليه وفيمين لم يتوكل عليه؛ إل أن من توكيل عليه فيكفير عنه سييئاته ويعظيم له أجرا.
وقراءة العاميية "بالغ" منونييا" .أمره" نصييبا .وقرأ عاصييم "بالغ أمره" بالضافيية وحذف التنوييين
استخفافا .وقرأ المفضل "بالغا أمره" على أن قوله" :قد جعل ال" خبر "إن" و"بالغا" حال .وقرأ
داود بيين أبييي هنييد "بالغ أمره" بالتنوييين ورفييع الراء .قال الفراء :أي أمره بالغ .وقيييل" :أمره"
مرتفع "ببالغ" والمفعول محذوف؛ والتقديير :بالغ أمره ما أراد" .قد جعل ال لكل شيء قدرا" أي
لكيل شييء مين الشدة والرخاء أجل ينتهيي إلييه .وقييل تقديرا .وقال السيدي :هيو قدر الحييض فيي
الجيل والعدة .وقال عبدال بين رافيع :لميا نزل قوله تعالى" :ومين يتوكيل على ال فهيو حسيبه" قال
أصيحاب النيبي صيلى ال علييه وسيلم :فنحين إذا توكلنيا علييه نرسيل ميا كان لنيا ول نحفظيه؛ فنزلت:
"إن ال بالغ أمره" فيكم وعليكم .وقال الربيع بن خيثم :إن ال تعالى قضى على نفسه أن من توكل
عليييه كفاه وميين آميين بييه هداه ،وميين أقرضييه جازاه ،وميين وثييق بييه نجاه ،وميين دعاه أجاب له.
وتصديق ذلك في كتاب ال" :ومن يؤمن بال يهد قلبه" [التغابن" .]11 :ومن يتوكل على ال فهو
حسبه" [الطلق" .]3 :إن تقرضوا ال قرضا حسنا يضاعفه لكم" [التغابن" .]17 :ومن يعتصم
بال فقيد هدي إلى صيراط مسيتقيم" [آل عمران" .]101 :وإذا سيألك عبادي عنيي فإنيي قرييب
أجيب دعوة الداع إذا دعان" [البقرة.]186 :
**3الية{ 5 - 4 :واللئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلثة أشهر واللئي
لم يحضين وأولت الحمال أجلهين أن يضعين حملهين ومين يتيق ال يجعيل له مين أمره يسيرا ،ذلك
أمر ال أنزله إليكم ومن يتق ال يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا}
@قوله تعالى" :واللئي يئسين مين المحييض مين نسيائكم" لميا بين أمير الطلق والرجعية فيي التيي
تحييض ،وكانوا قيد عرفوا عدة ذوات القراء ،عرفهيم فيي هذه السيورة عدة التيي ل ترى الدم وقال
أبيو عثمان عمير بين سيالم :لميا نزلت عدة النسياء فيي سيورة "البقرة" فيي المطلقية والمتوفيى عنهيا
زوجهيا قال أبيي بين كعيب :ييا رسيول ال ،إن ناسيا يقولون قيد بقيي مين النسياء مين لم يذكير فيهين
شييء :الصيغار وذوات الحميل ،فنزلت" :واللئي يئسين" اليية .وقال مقاتيل :لميا ذكير قوله تعالى:
"والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء" [البقرة ]228 :قال خلد بن النعمان :يا رسول ال،
فمييا عدة التييي لم تحييض ،وعدة التييي انقطييع حيضهييا ،وعدة الحبلى؟ فنزلت" :واللئي يئسيين ميين
المحيض من نسائكم" يعني قعدن عن المحيض .وقيل :إن معاذ بن جبل سأل عن عدة الكبيرة التي
يئسيت؛ فنزلت اليية .وال أعلم .وقال مجاهيد :اليية واردة فيي المسيتحاضة ل تدري دم حييض هيو
أو دم علة.
@قوله تعالى" :إن ارتبتم" أي شككتم ،وقيل تيقنتم .وهو من الضداد؛ يكون شكا ويقينا كالظن.
واختيار الطيبري أن يكون المعنيى :إن شككتيم فلم تدروا ميا الحكيم فيهين .وقال الزجاج :إن ارتبتيم
في حيضها وقد انقطع عنها الحيض وكانت ممن يحيض مثلها .القشيري :وفي هذا نظر؛ لنا إذا
شككنيا هيل بلغيت سين اليأس لم نقيل عدتهيا ثلثية أشهير .والمعتيبر فيي سين اليأس فيي قول؛ أقصيى
عادة امرأة فيييي العالم ،وفيييي قوله :غالب نسييياء عشيرة المرأة .وقال مجاهيييد :قوله "إن ارتبتيييم"
للمخاطبين؛ يعني إن لم تعلموا كم عدة اليائسة والتي لم تحض فالعدة هذه .وقيل :المعنى إن ارتبتم
أن الدم الذي يظهير منهيا مين أجيل كيبر أو مين الحييض المعهود أو مين السيتحاضة فالعدة ثلثية
أشهر .وقال عكرمة وقتادة :من الريبة المرأة المستحاضة التي ل يستقيم لها الحيض؛ تحيض في
أول الشهير مرارا وفيي الشهير مرة .وقييل :إنيه متصيل بأول السيورة .والمعنيى :ل تخرجوهين مين
بيوتهن إن ارتبتم في انقضاء العدة .وهو أصح ما قيل فيه.
@ المرتابية فيي عدتهيا ل تنكيح حتيى تسيتبرئ نفسيها مين ريبتهيا ول تخرج مين العدة إل بارتفاع
الريبة .وقد قيل فيي المرتابة التي ترفعها حيضتها وهي ل تدري ما ترفعها :إنها تنتظير سنة من
يوم طلقها زوجها؛ منها تسعة أشهر استبراء ،وثلثة عدة .فإن طلقها فحاضت حيضة أو حيضتين
ثم ارتفع عنها بغير يأس منها انتظرت تسعة أشهر ،ثم ثلثة من يوم طهرت من حيضتها ثم حلت
للزواج .وهذا قاله الشافعييي بالعراق .فعلى قياس هذا القول تقيييم الحرة المتوفييى عنهييا زوجهييا
المستبرأة بعد التسعة أشهر أربعة أشهر وعشرا ،والمة شهرين وخمس ليال بعد التسعة الشهر.
وروي عين الشافعيي أيضيا أن أقراءهيا على ميا كانيت حتيى تبلغ سين اليائسيات .وهيو قول النخعيي
والثوري وغيرهما ،وحكاه أبو عبيد عن أهل العراق.
فإن كانيت المرأة شابية اسيتؤني بهيا هيل هيي حاميل أم ل؛ فإن اسيتبان حملهيا فإن أجلهيا وضعيه.
وإن لم يستبن فقال مالك :عدة التي ارتفع حيضها وهي شابة سنة .وبه قال أحمد وإسحاق ورووه
عين عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه وغيره .وأهيل العراق يرون أن عدتهيا ثلث حييض بعيد ميا
كانيت حاضيت مرة واحدة فيي عمرهيا ،وإن مكثيت عشريين سينة ،إل أن تبلغ مين الكيبر مبلغيا تيأس
فيييه ميين الحيييض فتكون عدتهييا بعييد الياس ثلثيية أشهيير .قال الثعلبييي :وهذا الصييح ميين مذهييب
الشافعي وعليه جمهور العلماء .وروي ذلك عن ابن مسعود وأصحابه .قال الكيا .وهو الحق؛ لن
ال تعالى جعل عدة اليسة ثلثة أشهر؛ والمرتابة ليست آيسة.
@ وأما من تأخر حيضها لمرض؛ فقال مالك وابن القاسم وعبدال بن أصبغ :تعتد تسعة أشهر ثم
ثلثة .وقال أشهب :هي كالمرضع بعد الفطام بالحيض أو بالسنة .وقد طلق حبان بن منقذ .امرأته
وهيي ترضيع؛ فمكثيت سينة ل تحييض لجيل الرضاع ،ثيم مرض حبان فخاف أن ترثيه فخاصيمها
إلى عثمان وعنده علي وزيد ،فقال :نرى أن ترثه؛ لنها ليست من القواعد ول من الصغار؛ فمات
حبان فورثته واعتدت عدة الوفاة.
@ ولو تأخير الحييض لغيير مرض ول رضاع فإنهيا تنتظير سينة ل حييض فيهيا ،تسيعة أشهير ثيم
ثلثة؛ على ما ذكرناه .فتحل ما لم ترتب بحمل؛ فإن أرتابت بحمل أقامت أربعة أعوام ،أو خمسة،
أو سييبعة؛ على اختلف الروايات عيين علمائنييا .ومشهورهييا خمسيية أعوام؛ فإن تجاوزتهييا حلت.
وقال أشهيب :ل تحيل أبدا حتيى تنقطيع عنهيا الريبية .قال ابين العربيي :وهيو الصيحيح؛ لنيه إذا جاز
أن يبقيى الولد فيي بطنهيا خمسية أعوام جاز أن يبقيى عشرة وأكثير مين ذلك .وقيد روي عين مالك
مثله.
@ وأما التي جهل حيضها بالستحاضة ففيها ثلثة أقوال :قال ابن المسيب :تعتد سنة .وهو قول
الليث .قال الليث :عدة المطلقة وعدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت مستحاضة سنه .وهو مشهور
قول علمائنا؛ سواء علمت دم حيضها من دم استحاضتها ،وميزت ذلك أو لم تميزه ،عدتها في ذلك
كله عنيد مالك فيي تحصييل مذهبيه سينة؛ منهيا تسيعة أشهير اسيتبراء وثلثية عدة .وقال الشافعيي فيي
أحيد أقواله :عدتهيا ثلثية أشهير .وهيو قول جماعية مين التابعيين والمتأخريين مين القروييين .ابين
العربيي :وهيو الصيحيح عندي .وقال أبيو عمير :المسيتحاضة إذا كان دمهيا ينفصيل فعلميت إقبال
حيضتها أو إدبارها أعتدت ثلثة قروء .وهذا أصح في النظر ،وأثبت في القياس والثر.
@قوله تعالى" :واللئي لم يحضين" يعنيي الصيغيرة فعدتهين ثلثية أشهير؛ فأضمير الخيبر .وإنميا
كانيت عدتهيا بالشهير لعدم القراء فيهيا عادة ،والحكام إنميا أجراهيا ال تعالى على العادات؛ فهيي
تعتد بالشهر .فإذا رأت الدم في زمن احتماله عند النساء أنتقلت إلى الدم لوجود الصل ،وإذا وجد
الصييل لم يبييق للبدل حكييم؛ كمييا أن المسيينة إذا اعتدت بالدم ثييم ارتفييع عادت إلى الشهيير .وهذا
إجماع.
@قوله تعالى" :وأولت الحمال أجلهن" وضع الحمل ،وإن كان ظاهرا في المطلقة لنه عليها
عطف وإليها رجع عقب الكلم؛ فإنه في المتوفى عنها زوجها كذلك؛ لعموم الية وحديث سبعة.
وقد مضى في "البقرة" القول فيه مستوفى.
إذا وضعت المرأة ما وضعت من علقة أو مضغة حلت .وقال الشافعي وأبو حنيفة :ل تحل إل
بما يكون ولدا .وقد مضى القول فيه في سورة "البقرة" وسورة "الرعد" والحمد ل.
@قوله تعالى" :ومن يتق ال يجعل له من أمره يسرا" قال الضحاك :أي من يتقه في طلق السنة
يجعيل له مين أمره يسيرا فيي الرجعية .مقاتيل :ومن يتيق ال فيي أجتناب معاصييه يجعيل له مين أمره
يسيرا فيي توفيقيه للطاعية" .ذلك أمير ال" أي الذي ذكير مين الحكام أمير ال أنزله إليكيم وبينيه لكيم.
"ومن يتق ال" أي يعمل بطاعته" .يكفر عنه سيئاته" من الصلة إلى الصلة ،ومن الجمعة إلى
الجمعة" .ويعظم له أجرا" أي في الخرة.
**3اليية{ 6 :أسيكنوهن مين حييث سيكنتم مين وجدكيم ول تضاروهين لتضيقوا عليهين وإن كين
أولت حميل فأنفقوا عليهين حتيى يضعين حملهين فإن أرضعين لكيم فآتوهين أجورهين وأتمروا بينكيم
بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى}
@قوله تعالى" :أسيكنوهن مين حييث سيكنتم مين وجدكيم" قال أشهيب عين مالك :يخرج عنهيا إذا
طلقهيا ويتركهيا فيي المنزل؛ لقوله تعالى" :أسيكنوهن" .فلو كان معهيا ميا قال أسيكنوهن .وقال ابين
نافيع :قال مالك فيي قول ال تعالى" :أسيكنوهن مين حييث سيكنتم" يعنيي المطلقات اللئي بين مين
أزواجهن فل رجعة لهم عليهن وليست حامل ،فلها السكنى ول نفقة لها ول كسوة ،لنها بائن منه،
ل يتوارثان ول رجعيية له عليهييا .وإن كانييت حامل فلهييا النفقية والكسييوة والمسييكن حتييى تنقضييي
عدتها .أما من لم تبن منهن فإنهن نساؤهم يتوارثون ،ول يخرجن إل أن يأذن لهن أزواجهن ماكن
في عدتهن ،ولم يؤمروا بالسكنى لهن لن ذلك لزم لزواجهن مع نفقتهن وكسوتهن ،حوامل كن
أو غيير حواميل .وإنميا أمير ال بالسيكنى للئي بين مين أزواجهين ميع نفقتهين ،قال ال تعالى" :وإن
كين أولت حميل فأنفقوا عليهين حتيى يضعين حملهين" فجعيل عيز وجيل للحواميل اللئي قيد بين مين
أزواجهين السيكنى والنفقية .قال ابين العربيي :وبسيط ذلك وتحقيقيه أن ال سيبحانه لميا ذكير السيكنى
أطلقهيا لكيل مطلقية ،فلميا ذكير النفقية قيدهيا بالحميل ،فدل على أن المطلقية البائن ل نفقية لهيا .وهيي
مسألة عظيمة فد مهدنا سبلها قرآنا وسنة ومعنى في مسائل الخلف .وهذا مأخذها من القرآن.
قلت :اختلف العلماء في المطلقة ثلثا على ثلثة أقوال ،فمذهب مالك والشافعي :أن لها السكنى
ول نفقية لهيا .ومذهيب أبيي حنيفية وأصيحابه :أن لهيا السيكنى والنفقية .ومذهيب أحميد وإسيحاق وأبيي
ثور :أن ل نفقية لهيا ول سيكنى ،على حدييث فاطمية بنيت قييس ،قالت :دخلت إلى رسيول ال صيلى
ال علييه وسيلم ومعيي أخيو زوجيي فقلت :إن زوجيي طلقنيي وإن هذا يزعيم أن لييس لي سيكنى ول
نفقية؟ قال( :بيل لك السيكنى ولك النفقية) .قال :إن زوجهيا طلقهيا ثلثيا .فقال رسيول ال صيلى ال
عليه وسلم( :إنما السكنى والنفقة على من له عليها الرجعة) .فلما قدمت الكوفة طلبني السود بن
يزييد ليسيألني عين ذلك ،وإن أصيحاب عبدال يقولون :إن لهيا السيكنى والنفقية .خرجيه الدارقطنيي.
ولفيظ مسيلم عنهيا :أنيه طلقهيا زوجهيا فيي عهيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،وكان أنفيق عليهيا نفقية
دون ،فلميا رأت ذلك قالت :وال لعلمين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،فإن كان لى نفقية أخذت
الذي يصييلحني وإن لم تكيين لي نفقيية لم آخييذ شيئا .قالت :فذكرت ذلك لرسييول ال صييلى ال عليييه
وسيلم فقال( :ل نفقية لك ول سيكنى) .وذكير الدارقطنيي عين السيود قال :قال عمير لميا بلغيه قول
فاطمية بنيت قييس :ل نجييز فيي المسيلمين قول امرأة .وكان يجعيل للمطلقية ثلثيا السيكنى والنفقية.
وعين الشعيبي قال :لقينيي السيود بين يزييد فقال .ييا شعيبي ،أتيق ال وأرجيع عين حدييث فاطمية بنيت
قييس؛ فإن عمير كان يجعيل لهيا السيكنى والنفقية .قلت :ل أرجيع عين شييء حدثتنيي بيه فاطمية بنيت
قيس عن رسول ال صلى ال عليه وسلم.
قلت :ما أحسن هذا .وقد قال قتادة وابن أبي ليلى :ل سكنى إل للرجعية؛ لقوله تعالى" :ل تدري
لعيل ال يحدث بعيد ذلك أمرا" [الطلق ،]1 :وقوله تعالى" :اسيكنوهن" راجيع إلى ميا قبله ،وهيي
المطلقة الرجعية .وال أعلم .ولن السكنى تابعة للنفقة وجارية مجراها؛ فلما لم تجب للمبتوتة نفقة
لم يجيب لهيا سيكنى .وحجية أبيي حنيفية أن للمبتوتية النفقية قوله تعالى" :ول تضاروهين لتضيقوا
عليهين" وترك النفقية مين أكيبر الضرار .وفيي إنكار عمير على فاطمية قولهيا ميا ييبين هذا ،ولنهيا
معتدة تستحق السكنى عن طلق فكانت لها النفقة كالرجعية ،ولنها محبوسة عليه لحقه فاستحقت
النفقية كالزوجية .ودلييل مالك قوله تعالى" :وإن كين أولت حميل" اليية .على ميا تقدم بيانيه .وقيد
قيييل :إن ال تعالى ذكيير المطلقيية الرجعييية وأحكامهييا أول الييية إلى قوله" :ذوي عدل منكييم"
[الطلق ]2 :ثم ذكر بعد ذلك حكما يعم المطلقات كلهن من تعديد الشهر وغير ذلك .وهو عام
في كل مطلقة؛ فرجع ما بعد ذلك من الحكام إلى كل مطلقة.
@قوله تعالى" :من وُجدكم" أي من سعتكم؛ يقال وجدت في المال أجد وجدا ووجدا ووجدا وجدة.
والوجييد :الغنييى والمقدرة .وقراءة العاميية بضييم الواو .وقرأ العرج والزهري بفتحهييا ،ويعقوب
بكسرها .وكلها لغات فيها" .ول تضاروهن لتضيقوا عليهن" قال مجاهد :في المسكن .مقاتل :في
النفقة؛ وهو قول أبي حنيفة .وعن أبي الضحى :هو أن يطلقها فإذا بقي يومان من عدتها راجعها
ثم طلقها.
@قوله تعالى" :وإن كن أولت حميل فأنفقوا عليهين حتيى يضعين حملهين" ل خلف بيين العلماء
فيي وجوب النفقية والسيكنى للحاميل المطلقية ثلثيا أو أقيل منهين حتيى تضيع حملهيا .فأميا الحاميل
المتوفيى عنهيا زوجهيا فقال علي وابين عمير وابين مسيعود وشرييح والنخعيي والشعيبي وحماد وابين
أبي ليلى وسفيان والضحاك :ينفق عليها من جميع المال حتى تضع .وقال ابن عباس وابن الزبير
وجابر بين عبدال ومالك والشافعيي وأبيو حنيفية وأصيحابهم :ل ينفيق عليهيا إل مين نصييبها .وقيد
مضى في "البقرة" بيانه.
@قوله تعالى" :فإن أرضعين لكيم" -يعنيي المطلقات -أولدكيم منهين فعلى الباء أن يعطوهين
أجرة إرضاعهين .وللرجيل أن يسيتأجر امرأتيه للرضاع كميا يسيتأجر أجنبيية ول يجوز عنيد أبيي
حنيفية وأصيحابه السيتئجار إذا كان الولد منهين ميا لم يبين .ويجوز عنيد الشافعيي .وتقدم القول فيي
الرضاع في "البقرة" و"النساء" مستوفى ول الحمد.
@قوله تعالى" :وأتمروا بينكم بمعروف" هو خطاب للزواج والزوجات؛ أي وليقبل بعضكم من
بعض ما أمره به من المعروف الجميل .والجميل منها إرضاع الولد من غير أجرة .والجميل منه
توفيير الجرة عليهيا للرضاع .وقيل :ائتمروا في رضاع الولد فيميا بينكم بمعروف حتى ل يلحيق
الولد إضرار .وقيل :هو الكسوة والدثار .وقيل :معناه ل تضار والدة بولدها ول مولود له بولده.
@قوله تعالى" :وإن تعاسرتم" أي في أجرة الرضاع فأبى الزوج أن يعطي الم رضاعها وأبت
الم أن ترضعييه فليييس له إكراههييا؛ وليسييتأجر مرضعيية غييير أمييه .وقيييل :معناه وإن تضايقتييم
وتشاكسيتم فليسيترضع لولده غيرهيا؛ وهيو خيبر فيي معنيى المير .وقال الضحاك :إن أبيت الم أن
ترضيع اسيتأجر لولده أخرى ،فإن لم يقبيل أجيبرت أميه على الرضاع بالجير .وقيد اختلف العلماء
فيمين يجيب علييه رضاع الولد على ثلثية أقوال :قال علماؤنيا :رضاع الولد على الزوجية ميا داميت
الزوجيية؛ إل لشرفهيا وموضعهيا فعلى الب رضاعيه يومئذ فيي ماله .الثانيي :قال أبيو حنيفية :ل
يجب على الم بحال .الثالث :يجب عليها في كل حال.
@ فإن طلقها فل يلزمها رضاعه إل أن يكون غير قابل ثدي غيرها فيلزمها حينئذ الرضاع .فإن
اختلفا في الجر فإن دعت إلى أجر مثلها وامتنع الب إل تبرعا فالم أولى بأجر المثل إذا لم يجد
الب متبرعييا .وإن دعييا الب إلى أجيير المثييل وامتنعييت الم لتطلب شططييا فالب أولى بييه .فإن
أعسر الب بأجرتها أخذت جبرا برضاع ولدها.
**3الية{ 7 :لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه ال ل يكلف ال نفسا
إل ما آتاها سيجعل ال بعد عسر يسرا}
@قوله تعالى" :لينفيق" أي لينفيق الزوج على زوجتيه وعلى ولده الصيغير على قدر وسيعه حتيى
يوسيع عليهميا إذا كان موسيعا علييه .ومين كان فقيرا فعلى قدر ذلك .فتقدر النفقية بحسيب الحالة مين
المنفيق والحاجية مين المنفيق علييه بالجتهاد على مجرى حياة العادة؛ فينظير المفتيي إلى قدر حاجية
المنفيق ،علييه ثيم ينظير إلى حالة المنفيق ،فإن احتملت الحالة أمضاهيا علييه ،فإن اقتصيرت حالتيه
على حاجية المنفيق علييه ردهيا إلى قدر احتماله .وقال المام الشافعيي رضيي ال عنيه وأصيحابه:
النفقية مقدرة محددة ،ول اجتهاد لحاكيم ول لمفيت فيهيا .وتقديرهيا هيو بحال الزوج وحده مين يسيره
وعسيره ،ول يعتيبر بحالهيا وكفايتهيا .قالوا :فيجيب لبنية الخليفية ميا يجيب لبنية الحارس .فإن كان
الزوج موسيرا لزميه مدان ،وإن كان متوسيطا فميد ونصيف ،وإن كان معسيرا فميد .واسيتدلوا بقوله
تعالى" :لينفيق ذو سيعة مين سيعته" اليية .فجعيل العتبار بالزوج فيي اليسير والعسير دونهيا؛ ولن
العتبار بكفايتهيا ل سيبيل إلى علميه للحاكيم ول لغيره؛ فيؤدي إلى الخصيومة؛ لن الزوج يدعيي
أنها تلتمس فوق كفايتها ،وهي تزعم أن الذي تطلب قدر كفايتها؛ فجعلناها مقدرة قطعا للخصومة.
والصييل فييي هذا عندهييم قوله تعالى" :لينفييق ذو سييعة ميين سييعته" -كمييا ذكرنييا -وقوله" :على
الموسع قدره وعلى المقتر قدره" [البقرة .]236 :والجواب أن هذه الية ل تعطي أكثر من فرق
بيين نفقية الغنيي والفقيير ،وإنهيا تختلف بعسير الزوج ويسيره .وهذا مسيلم .فأميا إنيه ل اعتبار بحال
الزوجييية على وجهيييه فلييييس فييييه ،وقيييد قال ال تعالى" :وعلى المولود له رزقهييين وكسيييوتهن
بالمعروف" [البقرة ]233 :وذلك يقتضيي تعلق المعروف فيي حقهميا؛ لنيه لم يخيص فيي ذلك
واحدا منهمييا .ولييس مين المعروف أن يكون كفايية الغنيية مثيل نفقية الفقيرة؛ وقيد قال رسيول ال
صيلى ال علييه وسيلم لهنيد( :خذي ميا يكفييك وولدك بالمعروف) .فأحالهيا على الكفايية حيين علم
السيعة مين حال أبيي سيفيان الواجيب علييه بطلبهيا ،ولم يقيل لهيا ل اعتبار بكفايتيك وأن الواجيب لك
شييء مقدر ،بيل ردهيا إلى ميا يعلميه مين قدر كفايتهيا ولم يعلقيه بمقدار معلوم .ثيم ميا ذكروه مين
التحديد يحتاج إلى توقيف؛ والية ل تقتضيه.
@ روي أن عمر رضي ال عنه فرض للمنفوس مائة درهم ،وفرض له عثمان خمسين درهما.
ابين العربيي" :وأحتميل أن يكون هذا الختلف بحسيب اختلف السينين أو بحسيب حال القدر فيي
التسيعير لثمين القوت والملبيس ،وقيد روي محميد بين هلل المزنيي قال :حدثنيي أبيي وجدتيي أنهيا
كانيت ترد على عثمان ففقدهيا فقال لهله :ميا لي ل أرى فلنية؟ فقالت امرأتيه :ييا أميير المؤمنيين،
ولدت الليلة؛ فبعيث إليهيا بخمسيين درهميا وشقيقية سيبلنية .ثيم قال :هذا عطاء ابنيك وهذه كسيوته،
فإذا مرت له سينة رفعناه إلى مائة .وقيد أتيي علي رضيي ال عنيه بمنبوذ ففرض له مائة .قال ابين
العربيي( :هذا الفرض قبيل الفطام مميا اختلف فييه العلماء؛ فمنهيم مين رآه مسيتحبا لنيه داخيل فيي
حكم الية ،ومنهم من رآه واجبا لما تجدد من حاجته وعرض من مؤنته؛ وبه أقول .ولكن يختلف
قدره بحاله عنييد الولدة وبحاله عنييد الفطام .وقييد روي سييفيان بيين وهييب أن عميير أخييذ المييد بيييد
والقسيط بييد فقال :إنيي فرضيت لكيل نفيس مسيلمة فيي كيل شهير مدي حنطية وقسيطي خيل وقسيطي
زيت .زاد غيره :وقال إنا قد أجرينا لكم أعطياتكم وأرزاقكم في كل شهر ،فمن انتقصها فعل ال
بيه كذا وكذا؛ فدعيا علييه .قال أبيو الدرداء :كيم سينة راشدة مهديية قيد سينها عمير رضيي ال عنه فيي
أمة محمد صلى ال عليه وسلم! والمد والقسط كيلن شاميان في الطعام والدام؛ وقد درسا بعرف
آخير .فأميا الميد فدرس إلى الكيلجية .وأميا القسيط فدرس إلى الكييل ،ولكين التقديير فييه عندنيا ربعان
فيي الطعام وثمنان فيي الدام .وأميا الكسيوة فبقدر العادة قمييص وسيراويل وجبية فيي الشتاء وكسياء
وإزار وحصير .وهذا الصل ،ويتزيد بحسب الحوال والعادة".
@ هذه اليية أصيل فيي وجوب النفقية للولد على الوالد دون الم؛ خلفيا لمحميد بين المواز يقول:
إنها على البوين على قدر الميراث .ابن العربي :ولعل محمدا أراد أنها على الم عند عدم الب.
وفيي البخاري عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم (تقول لك المرأة أنفيق علي وإل فطلقنيي ويقول لك
العبيد أنفيق علي واسيتعملني ويقول لك ولدك أنفيق علي إلى مين تكلنيي) فقيد تعاضيد القرآن والسينة
وتواردا في شرعة واحدة.
@قوله تعالى" :ل يكلف ال نفسا إل ما آتاها" أي ل يكلف الفقير مثل ما يكلف الغني" .سيجعل
ال بعد عسر يسرا" أي بعد الضيق غنى ،وبعد الشدة سعة.
**3اليية{ 11 - 8 :وكأيين مين قريية عتيت عين أمير ربهيا ورسيله فحاسيبناها حسيابا شديدا
وعذبناها عذابا نكرا ،فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا ،أعد ال لهم عذابا شديدا فاتقوا
ال يا أولي اللباب الذين آمنوا قد أنزل ال إليكم ذكرا ،رسول يتلو عليكم آيات ال مبينات ليخرج
الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بال ويعمل صالحا يدخله جنات
تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا قد أحسن ال له رزقا}
@قوله تعالى" :وكأيين مين قريية" لميا ذكير الحكام ذكير وحذر مخالفية المير ،وذكير عتيو قوم
وحلول العذاب بهيم .وقيد مضيى القول فيي "كأيين" فيي "آل عمران" والحميد ل" .عتيت عين أمير
ربهيا ورسيله" أي عصيت؛ يعنيي القريية والمراد أهلهيا" .فحاسيبناها حسيابا شديدا" أي جازيناهيا
بالعذاب فيي الدنييا "وعذبناهيا عذابيا نكرا" فيي الخرة .وقييل :فيي الكلم تقدييم وتأخيير؛ فعذبناهيا
عذابا نكرا في الدنيا بالجوع والقحط والسيف والخسف والمسخ وسائر المصائب ،وحاسبناها في
الخرة حسابا شديدا .والنكر :المنكر .وقرئ مخففا ومثقل؛ وقد مضى في سور "الكهف"" .فذاقت
وبال أمرها" أي عاقبة كفرها "وكان عاقبة أمرها خسرا" أي هلكا في الدنيا بما ذكرنا ،والخرة
بجهنييم .وجيييء بلفييظ الماضييي كقوله تعالى" :ونادى أصييحاب الجنيية أصييحاب النار" [العراف:
]44ونحو ذلك؛ لن المنتظر من وعد ال ووعيده ملقى في الحقيقة؛ وما هو كائن فكأن قد" .أعد
ال لهم عذابا شديدا" بين ذلك الخسر وأنه عذاب جهنم في الخرة" .فاتقوا ال يا أولي اللباب" أي
العقول" .الذيين آمنوا قيد أنزل ال إليكيم ذكرا" بدل مين "أولي اللباب" أو نعيت لهيم؛ أي ييا أولي
اللباب الذيين آمنتيم بال اتقوا ال الذي أنزل عليكيم القرآن؛ أي خافوه واعملوا بطاعتيه وانتهوا عين
معاصيه .وقد تقدم.
@قوله تعالى" :رسول" قال الزجاج :إنزال الذكر دليل على إضمار أرسل؛ أي أنزل إليكم قرآنا
وأرسيل رسيول .وقييل :إن المعنيى قيد أنزل ال إليكيم صياحب ذكير رسيول؛ "فرسيول" نعيت للذكير
على تقديير حذف المضاف .وقييل :إن رسيول معمول للذكير لنيه مصيدر؛ والتقديير :قيد أنزل ال
إليكيم أن ذكير رسيول .ويكون ذكره الرسيول قوله" :محميد رسيول ال" [الفتيح .]29 :ويجوز أن
يكون "رسيول" بدل مين ذكير ،على أن يكون "رسيول" بمعنيى رسيالة ،أو على أن يكون على بابيه
ويكون محمول على المعنى ،كأنه قال :قد أظهر ال لكم ذكرا رسول ،فيكون من باب بدل الشيء
مين الشييء وهيو هيو .ويجوز أن ينتصيب "رسيول" على الغراء كأنيه قال :اتبعوا رسيول .وقييل:
الذكير هنيا الشرف ،نحيو قوله تعالى" :لقيد أنزلنيا إليكيم كتابيا فييه ذكركيم" [النيبياء ،]10 :وقوله
تعالى" :وإنه لذكر لك ولقومك" [الزخرف ،]44 :ثم بين هذا الشرف ،فقال" :رسول" .والكثر
على أن المراد بالرسول هنا محمد صلى ال عليه وسلم .وقال الكلبي :هو جبريل ،فيكونان جميعا
منزليين" .يتلو عليكيم آيات ال" نعيت لرسيول .و"آيات ال" القرآن" .ميبينات" قراءة العامية بفتيح
الياء؛ أي بينهيا ال .وقرأ ابين عامير وحفيص وحمزة والكسيائي بكسيرها ،أي ييبين لكيم ميا تحتاجون
إليه من الحكام .والولى قراءة ابن عباس واختيار أبي عبيد وأبي حاتم ،لقوله تعالى" :قد بينا لكم
اليات" [الحديد.]17 :
@قوله تعالى" :ليخرج الذيين آمنوا وعملوا الصيالحات" أي مين سيبق له ذلك فيي علم ال" .مين
الظلمات" أي ميين الكفيير" .إلى النور" الهدى واليمان .قال ابيين عباس :نزلت فييي مؤمنييي أهييل
الكتاب .وأضاف الخراج إلى الرسيول لن اليمان يحصيل منيه بطاعتيه" .ومين يؤمين بال ويعميل
صييالحا يدخله جنات تجري ميين تحتهييا النهار خالدييين فيهييا أبدا" قرأ نافييع وابيين عاميير بالنون،
والباقون بالياء" .قد أحسن ال له رزقا" أي وسع ال له في الجنات.
**3الية{ 12 :ال الذي خلق سبع سماوات ومن الرض مثلهن يتنزل المر بينهن لتعلموا أن
ال على كل شيء قدير وأن ال قد أحاط بكل شيء علما}
@قوله تعالى" :ال الذي خلق سبع سماوات ومن الرض مثلهن" دل على كمال قدرته وأنه يقدر
على البعث والمحاسبة .ول خلف في السموات أنها سبع بعضها فوق بعض؛ دل على ذلك حديث
السيراء وغيره .ثيم قال" :ومين الرض مثلهين" يعنيي سيبعا .واختلف فيهين على قوليين :أحدهميا:
وهيو قول الجمهور -أنهيا سيبع أرضيين طباقيا بعضهيا فوق بعيض ،بيين كيل أرض وأرض مسيافة
كمييا بييين السييماء والسييماء ،وفييي كييل أرض سييكان ميين خلق ال .وقال الضحاك" :وميين الرض
مثلهيين" أي سييبعا ميين الرضييين ،ولكنهييا مطبقيية بعضهييا على بعييض ميين غييير فتوق بخلف
السيموات .والول أصيح؛ لن الخبار دالة علييه فيي الترمذي والنسيائي وغيرهميا .وقيد مضيى ذلك
مبينا في "البقرة" .وقد خرج أبو نعيم قال :حدثنا محمد بن علي بن حبيش قال :حدثنا إسماعيل بن
إسحاق السراج( ،ح) وحدثنا أبو محمد بن حبان قال :حدثنا عبدال بن محمد بن ناجية قال :حدثنا
سويد بن سعيد قال حدثنا حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه
أن كعبيا حلف له بالذي فلق البحير لموسيى أن صيهيبا حدثيه أن محمدا صيلى ال علييه وسيلم لم يير
قرية يريد دخولها إل قال حين يراها( :اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الرضين السبع
وميا أقللن ورب الشياطيين وميا أضللن ورب الرياح وميا أذريين إنيا نسيألك خيير هذه القريية وخيير
أهلهيا ونعوذ بيك مين شرهيا وشير أهلهيا وشير ميا فيهيا) .قال أبيو نعييم :هذا حدييث ثابيت مين حدييث
موسى بن عقبة تفرد به عن عطاء .روي عنه ابن أبي الزناد وغيره.
وفيي صيحيح مسيلم عين سيعيد بين زييد قال :سيمعت النيبي صيلى ال علييه وسيلم يقول( :مين أخيذ
شبرا من الرض ظلما فأنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين) ومثله حديث عائشة ،وأبين منهما
حديث أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ل يأخذ أحد شبرا من الرض بغير
حقيه إل طوقيه ال إلى سيبع أرضيين يوم القيامية) .قال الماوردي :وعلى أنهيا سيبع أرضيين بعضهيا
فوق بعض تختص دعوة أهل السلم بأهل الرض العليا ،ول تلزم من في غيرها من الرضين
وإن كان فيهيا مين يعقيل مين خلق ممييز .وفيي مشاهدتهيم السيماء واسيتمدادهم الضوء منهيا قولن:
أحدهما -أنهم يشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم ويستمدون الضياء منها .وهذا قول من
جعيل الرض مبسيوطة .والقول الثانيي :أنهيم ل يشاهدون السيماء ،وأن ال تعالى خلق لهيم ضياء
يسيتمدونه .وهذا قول مين جعيل الرض كالكرة .وفيي اليية قول ثالث حكاه الكلبيي عين أبيي صيالح
عين ابين عباس أنهيا سيبع أرضيين منبسيطة؛ لييس :بعضهيا فوق بعيض ،تفرق بينهيا البحار وتظيل
جميعهيم السيماء .فعلى هذا إن لم يكين لحيد مين أهيل الرض وصيول إلى أرض أخرى اختصيت
دعوة السيلم بأهيل هذه الرض ،وإن كان لقوم منهيم وصيول إلى أرض أخرى احتميل أن تلزمهيم
دعوة السيلم عنيد إمكان الوصيول إليهيم؛ لن فصيل البحار إذا أمكين سيلوكها ل يمنيع من لزوم ميا
عم حكمه ،واحتمل أل تلزمهم دعوة السلم لنها لو لزمتهم لكان النص بها وأردا ،ولكان صلى
ال علييه وسيلم بهيا مأمورا .وال أعلم ميا اسيتأثر بعلميه ،وصيواب ميا أشتبيه على خلقيه .ثيم قال:
"يتنزل المير بينهين" قال مجاهيد :يتنزل المير مين السيموات السيبع إلى الرضيين السيبع .وقال
الحسين :بيين كيل سيماءين أرض وأمير .والمير هنيا الوحيي؛ فيي قول مقاتيل وغيره .وعلييه فيكون
قوله" :بينهين" إشارة إلى بيين هذه الرض العلييا التيي ،هيي أدناهيا وبيين السيماء السيابعة التيي هيي
أعلهييا .وقيييل :الميير القضاء والقدر .وهييو قول الكثرييين .فعلى هذا يكون المراد بقوله تعالى:
"بينهن" إشارة إلى ما بين الرض السفلى التي هي أقصاها وبين السماء السابعة التي هي أعلها.
وقييل" :يتنزل المير "بينهين" بحياة بعيض وموت بعيض وغنيى قوم وفقير قوم .وقييل :هيو ميا يدبر
فيهين مين عجييب تدبيره؛ فينزل المطير ويخرج النبات ويأتيي باللييل والنهار ،والصييف والشتاء،
ويخلق الحيوانات على اختلف أنواعها وهيئاتها؛ فينقلهم من حال إلى حال .قال ابن كيسان :وهذا
على مجال اللغة وأتساعها؛ كما يقال للموت :أمر ال؛ وللريح والسحاب ونحوها" .لتعلموا أن ال
على كيل شييء قديير" يعنيي أن مين قدر على هذا الملك العظييم فهيو على ميا بينهميا مين خلقيه أقدر،
ومن العفو والنتقام أمكن؛ وإن استوى كل ذلك ،في مقدوره ومكنته" .وأن ال قد أحاط بكل شيء
علميا" فل يخرج شييء عين علميه وقدرتيه .ونصيب "علميا" على المصيدر المؤكيد؛ لن "أحاط"
بمعنى علم .وقيل :بمعنى وأن ال أحاط إحاطة علما.
ختمت السورة بحمد ال وعونه
**2سورة التحريم
**3مقدمة السورة
@ مدنية في قول الجميع ،وهي اثنتا عشرة آية .وتسمى سورة "النبي".
**3الية{ 1 :يا أيها النبي لم تحرم ما أحل ال لك تبتغي مرضات أزواجك وال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :يا أيها النبي لم تحرمُ ما أحل ال لك" ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي ل
عنها أن النبي صلى ال عليه وسلم ،كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسل ،قالت
فتواطأت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها رسول ال صلى ال عليه وسلم فلتقل :إني أجد منك
رح مغافيير! أكلت مغافيير؟ فدخل على إحداهما فقالت له ذلك .فقال( :بل شربت عسل عند زينب
بنيييت جحيييش ولن أعود له) .فنزل" :لم تحرم ميييا أحيييل ال لك -إلى قوله -إن تتوبيييا( :لعائشييية
وحفصية)" ،وإذ أشير النيبي إلى بعيض أزواجيه حديثيا" [التحرييم ]30لقوله( :بيل شربيت عسيل).
وعنهيا أيضيا قالت :كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يحيب الحلواء والعسيل ،فكان إذا صيلي
العصير دار على نسيائه فيدنيو منهين ،فدخيل على حفصية فأحتبيس عندهيا أكثير مميا كان يحتبيس،
فسيألت عين ذلك فقييل لي :أهدت لهيا امرأة مين قومهيا عكية مين عسيل ،فسيقت رسيول ال صيلى ال
علييه وسيلم منيه شربية .فقلت :أميا وال لنحتالن له ،فذكرت ذلك لسيودة وقلت :إذا دخيل علييك فإنيه
سييدنو منيك فقولي له :ييا رسيول ال ،أكلت مغافيير؟ فإنيه سييقول لك ل .فقولي له :ميا هذه الرييح؟ -
وكان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يشتيد علييه أن يوجيد منيه الرييح -فإنيه سييقول لك سيقتني
حفصة شربة عسل .فقولي له :جرست نحله ال ُع ْرفُط .وسأقول ذلك له ،وقوليه أنت يا صفية .فلما
دخييل على سييودة -قالت :تقول سييودة وال الذي ل إله إل هييو لقييى كدت أن أبادئه بالذي قلت لي،
وإنيه لعلى الباب ،فرقيا منيك .فلميا دنيا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قالت :ييا رسيول ال ،أكلت
مغافيير؟ قال( :ل) قالت :فميا هذه الرييح؟ قال( :سيقتني حفصية شربية عسيل) قال :جرسيت نحله
العرفيط .فلميا دخيل علي قلت له مثيل ذلك .ثيم دخيل على صيفة فقالت بمثيل ذلك .فلميا دخيل على
حفصة قال :يا رسول ال ،أل أسقك منه .قال (ل حاجة لي به) قالت :تقول سودة سبحان ال! وال
لقيد حرمناه .قالت :قلت لهيا اسيكتي .ففيي هذه الروايية أن التيي شرب عندهيا العسيل حفصية .وفيي
الولى زينيب .وروي ابين أبيي مليكية عين ابين عباس أنيه شربيه عنيد سيودة .وقيد قييل :إنميا هيي أم
سيلمة ،رواه أسباط عن السيدي .وقاله عطاء بن أبيي مسيلم .ابن العربيي :وهذا كله جهل أو تصيور
بغيير علم .فقال باقيي نسيائه حسيدا وغيرة لمين شرب ذلك عندهيا :إنيا لنجيد منيك رييح المغافيير.
والمغافيييير :بقلة أو صيييمغة متغيرة الرائحييية ،فيهيييا حلوة .واحدهيييا مغفور ،وجرسيييت :أكلت.
والعرفيط :نبيت له رييح كرييح الخمير .وكان علييه السيلم يعجبيه أن يوجيد منيه الرييح الطيبية أو
يجدها ،ويكره الريح الخبيثة لمناجاة الملك .فهذا قول.
وقول آخر -أنه أراد بذلك المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى ال عليه وسلم فلم يقبلها لجل
أزواجيه ،قاله ابين عباس وعكرمية .والمرأة أم شرييك .وقول ثالث -إن التيي حرم ماريية القبطيية،
وكان قد أهداها له المقوقس ملك السكندرية .قال ابن إسحاق :هي من كورة أنصنا من بلد يقال له
حفين فواقعهيا فيي بييت حفصية .روي الدارقطنيي عين ابين عباس عين عمير قال :دخيل رسيول ال
صلى ال عليه وسلم بأم ولده مارية في بيت حفصة ،فوجدته حفصة معها -وكانت حفصة غابت
إلى بييت أبيهيا -فقالت له :تدخلهيا بيتيي! ميا صينعت بيي هذا مين بيين نسيائك إل مين هوانيي علييك.
فقال لها( :ل تذكري هذا لعائشة فهي علي حرام إن قربتها) قالت حفصة :وكيف تحرم عليك وهي
جاريتك؟ فحلف لها أل يقربها .فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :ل تذكريه لحد) .فذكرته لعائشة،
فآلى ل يدخيل على نسيائه شهرا ،فاعتزلهين تسيعا وعشريين ليلة ،فأنزل ال عيز وجيل "لم تحرم ميا
أحل ال لك" الية.
@ أصيح هذه القوال أولهيا .وأضعفهيا أوسيطها .قال ابين العربيي" :أميا ضعفيه فيي السيند فلعدم
عدالة رواته ،وأما ضعفه في معناه فلن رد النبي صلى ال عليه وسلم للموهوبة ليس تحريما لها،
لن مين رد ميا وهيب له لم يحرم علييه ،إنميا حقيقية التحرييم بعيد التحلييل .وأميا مين روي أنيه حرم
مارية القبطية فهو أمثل في السند وأقرب إلى المعنى ،لكنه لم يدون في الصحيح .وروي مرسل.
وقيد روي ابين وهيب عين مالك عين زييد بين أسيلم قال :حرم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أم
إبراهيم فقال( :أنت علي حرام وال ل آتينك) .فأنزل ال عز وجل في ذلك" :يا أيها النبي لم تحرم
ما أحل ال لك" وروي مثله ابن القاسم عنه .وروي أشهب عن مالك قال :راجعت عمر امرأة من
النصيار فيي شييء فاقشعير مين ذلك وقال :ميا كان النسياء هكذا! قال :بلى ،وقيد كان أزواج النيبي
صلى ال عليه وسلم يراجعنه .فأخذ ثوبه فخرج إلى حفصة فقال لها :أتراجعين رسول ال صلى
ال علييه وسيلم؟ قالت :نعيم ،ولو أعلم أنيك تكره ميا فعلت .فلميا بلغ عمير أن رسيول ال صيلى ال
عليه وسلم هجر نساءه قال :رغم أنف حفصة .وإنما الصحيح أنه كان في العسل وأنه شربه عند
زينب ،وتظاهرت عليه عائشة وحفصة فيه ،فجرى ما جرى فحلف أل يشربه وأسر ذلك .ونزلت
الية في الجميع.
@قوله تعالى" :لم تحرم" إن كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم حرم ولم يحلف فلييس ذلك بيميين
عندنييا .ول يحرم قول الرجييل" :هذا علي حرام" شيئا حاشييا الزوجيية .وقال أبييو حنيفيية :إذا أطلق
حميل على المأكول والمشروب دون الملبوس ،وكانيت يمينيا توجيب الكفارة .وقال زفير :هيو يميين
في الكل حتى في الحركة والكون .وعول المخالف على أن النبي صلى ال عليه وسلم حرم العسل
فلزمتيه الكفارة .وقيد قال ال تعالى" :قيد فرض ال لكيم تحلة أيمانكيم" [التحرييم ]2 :فسيماه يمينيا.
ودليلنا قول ال تعالى" :يا أيها الذين آمنوا ل تحرموا طيبات ما أحل ال لكم ول تعتدوا" [المائدة:
،]87وقوله تعالى" :قل أرأيتم ما أنزل ال لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلل قل آل أذن
لكييم أم على ال تفترون" [يونيس .]59 :فذم ال المحرم للحلل ولم يوجييب علييه كفارة .قال
الزجاج :ليس لحد أن يحرم ما أحل ال .ولم يجعل لنبيه صلى ال عليه وسلم أن يحرم إل ما حرم
ال علييه .فمين قال لزوجتيه أو أمتيه :أنيت علي حرام؛ ولم ينيو طلقيا ول ظهارا فهذا اللفيظ يوجيب
كفارة اليمييين .ولو خاطييب بهذا اللفييظ جمعييا ميين الزوجات والماء فعليييه كفارة واحدة .ولو حرم
على نفسيه طعاميا أو شيئا آخير لم يلزميه بذلك كفارة عنيد الشافعيي ومالك .وتجيب بذلك كفارة عنيد
ابن مسعود والثوري وأبي حنيفة.
@ واختلف العلماء في الرجل يقول لزوجته" :أنت علي حرام" على ثمانية عشر قول :أحدها :ل
شييء علييه .وبيه قال الشعيبي ومسيروق وربيعية وأبيو سيلمة وأصيبغ .وهيو عندهيم كتحرييم الماء
والطعام؛ قال ال تعالى" :ييا أيهيا الذيين آمنوا ل تحرموا طيبات ميا أحيل ال لكيم" [المائدة]87 :
والزوجة من الطيبات ومما أحل ال .وقال تعالى" :ول تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلل
وهذا حرام" [النحيل .]116 :وميا لم يحرميه ال فلييس لحيد أن يحرميه ،ول أن يصيير بتحريميه
حراميا .ولم يثبيت عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال لميا أحله ال هيو علي حرام .وإنميا
امتنع من مارية ليمين تقدمت منه وهو قوله( :وال ل أقربها بعد اليوم) فقيل له :لم تحرم ما أحل
ال لك؛ أي لم تمتنع منه بسبب اليمين .يعني أقدم عليه وكفر.
ثانيها :أنها يمين يكفرها؛ قال أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعبدال بن مسعود وابن عباس
وعائشة -رضي ال عنهم -والوزاعي؛ وهو مقتضى الية .قال سعيد بن جبير عن ابن عباس:
إذا حرم الرجيل علييه امرأتيه فإنميا هيي يميين يكفرهيا .وقال ابين عباس :لقيد كان لكيم فيي رسيول ال
أسيوة حسينة؛ يعنيي أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان حرم جاريتيه فقال ال تعالى" :لم تحرم ميا
أحيل ال لك -إلى قوله تعالى -قيد فرض ال لكيم تحلة أيمانكيم" فكفير عين يمينيه وصيير الحرام
يمينا .خرجه الدارقطني.
ثالثها :أنها تجب فيها كفارة وليست بيمين؛ قاله ابن مسعود وابن عباس أيضا في إحدى روايتيه،
والشافعي في أحد قوليه ،وفي هذا القول نظر .والية ترده على ما يأتي.
رابعها :هي ظهار؛ ففيها كفارة الظهار ،قال عثمان وأحمد بن حنبل وإسحاق.
خامسييها :أنييه إن نوى الظهار وهييو ينوي أنهييا محرميية كتحريييم ظهيير أمييه كان ظهارا .وإن نوى
تحرييم عينهيا علييه بغيير طلق تحريميا مطلقيا وجبيت كفارة يميين .وإن لم ينيو شيئا فعلييه كفارة
يمين ،قاله الشافعي.
سيادسها :أنهيا طلقية رجعيية ،قاله عمير بين الخطاب والزهري وعبدالعزييز بين أبيي سيلمة وابين
الماجشون .وسابعها :أنها طلقة بائنة ،قاله حماد بن أبي سليمان وزيد بن ثابت .ورواه ابن خويز
منداد عن مالك.
ثامنها :أنها ثلت تطليقات ،قال علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت أيضا وأبو هريرة.
تاسيعها :هيي فيي المدخول بهيا ثلث ،وينوي فيي غيير المدخول بهيا ،قاله الحسين وعلي بين زييد
والحكم .وهو مشهور مذهب مالك.
عاشرها :هي ثلث؛ ول ينوي بحال ول في محل وإن لم يدخل؛ قاله عبدالملك في المبسوط ،وبه
قال ابن أبي ليلى.
حادي عشرهيا :هيي فيي التيي لم يدخيل بهيا واحدة ،وفيي التيي دخيل بهيا ثلث؛ قاله أبيو مصيعب
ومحمد بن عبدالحكم.
ثانييي عشرهييا :أنيه إن نوى الطلق أو الظهار كان مييا نوى .فإن نوى الطلق فواحدة بائنيية إل أن
ينوي ثلثا .فإن نوى ثنتين فواحدة .فإن لم ينو شيئا كانت يمينا وكان الرجل موليا من امرأته؛ قاله
أبو حنيفة وأصحابه .وبمثله قال زفر؛ إل أنه قال :إذا نوى اثنتين ألزمناه.
ثالث عشرها :أنه ل تنفعه نية الظهار وإنما يكون طلقا؛ قاله ابن القاسم.
رابع عشرها :قال يحيى بن عمر :يكون طلقيا؛ فإن أرتجعها لم يجز له وطؤها حتى يكفر كفارة
الظهار.
خامييس عشرهييا :إن نوى الطلق فمييا أراد ميين أعداده .وإن نوى واحدة فهييي رجعييية .وهييو قول
الشافعي رضي ال عنه .وروي مثله عن أبي بكر وعمر وغيرهم من الصحابة والتابعين.
سيادس عشرهيا :إن نوى ثلثيا فثلثيا ،وإن واحدة فواحدة .وإن نوى يمينيا فهيي يميين .وإن لم ينيو
شيئا فل شييء علييه .وهيو قول سيفيان .وبمثله قال الوزاعيي وأبيو ثور؛ إل أنهميا قال :إن لم ينيو
شيئا فهي واحدة.
سابع عشرها :له نيته ول يكون أقل من واحدة؛ قاله ابن شهاب .وإن لم ينو شيئا لم يكن شيء؛ قال
ابن العربي .ورأيت لسعيد بن جبير وهو:
الثاميين عشيير :أن عليييه عتييق رقبيية وإن لم يجعلهييا ظهارا .ولسييت أعلم لهييا وجهييا ول يبعييد فييي
المقالت عندي.
قلت :قد ذكره الدارقطني في سننه عن ابن عباس فقال :حدثنا الحسين بن إسماعيل قال حدثنا
محمد بن منصور قال حدثنا روح قال :حدثنا سفيان الثوري عن سالم الفطس عن سعيد بن جبير
عين ابين عباس أنيه أتاه رجيل فقال :إنيي جعلت امرأتيي علي حراميا .فقال :كذبيت! ليسيت علييك
بحرام؛ ثيم تل "ييا أيهيا النيبي لم تحرم ميا أحيل ال لك" علييك أغلظ الكفارات :عتيق رقبية .وقيد قال
جماعة من أهل التفسير :إنه لما نزلت هذه الية كفر عن يمينه بعتق رقبة ،وعاد إلى مارية صلى
ال عليه وسلم؛ قاله زيد بن أسلم وغيره.
@ قال علماؤنا :سبب الختلف في هذا الباب أنه ليس في كتاب ال ول في سنة رسول ال صلى
ال علييه وسيلم نيص ول ظاهير صيحيح يعتميد علييه فيي هذه المسيألة ،فتجاذبهيا العلماء لذلك .فمين
تمسك بالبراءة الصلية فقال :ل حكم ،فل يلزم بها شيء .وأما من قال إنها يمين؛ فقال :سماها ال
يمينا .وأما من قال :تجب فيها كفارة وليست بيمين؛ فبناه على أحد أمرين :أحدهما :أنه ظن أن ال
تعالى أوجييب الكفارة فيهييا وإن لم تكيين يمينييا .والثانييي :أن معنييى اليمييين عنده التحريييم ،فوقعييت
الكفارة على المعنى .وأما من قال :إنها طلقة رجعية؛ فإنه حمل اللفظ على أقل وجوهه ،والرجعية
محرمية الوطيء كذلك؛ فيحميل اللفيظ علييه .وهذا يلزم مالكيا ،لقوله :إن الرجعيية محرمية الوطيء.
وكذلك وجيه مين قال :إنهيا ثلث ،فحمله على أكيبر معناه وهيو الطلق الثلث .وأميا مين قال :إنيه
ظهار ،فلنه أقل درجات التحريم ،فإنه تحريم ل يرفع النكاح .وأما من قال :إنه طلقة بائنة ،فعول
على أن الطلق الرجعيي ل يحرم المطلقية ،وأن الطلق البائن يحرمهيا .وأميا قول يحييى بين عمير
فإنه احتاط بأن جعله طلقا ،فلما ارتجعها احتاط بأن يلزمه الكفارة .ابن العربي" :وهذا ل يصح،
لنيه جميع بيين المتضاديين ،فإنيه ل يجتميع ظهار وطلق فيي معنيى لفيظ واحيد ،فل وجيه للحتياط
فيما ل يصح اجتماعه في الدليل .وأما من قال :إنه ينوى في التي لم يدخل بها ،فلن الواحدة تبينها
وتحرمهيا شرعيا إجماعيا .وكذلك قال مين لم يحكيم باعتبار نيتيه :إن الواحدة تكفيي قبيل الدخول فيي
التحريم بالجماع ،فيكفي أخذا بالقل المتفق عليه .وأما من قال :إنه ثلث فيهما ،فلنه أخذ بالحكم
العظيم ،فإنيه لو صيرح بالثلث لنفذت فيي التيي لم يدخيل بهيا نفوذهيا فيي التيي دخيل بهيا .ومين
الواجب أن يكون المعنى مثله وهو التحريم" .وال أعلم .وهذا كله في الزوجة .وأما في المة فل
يلزم فيها شيء من ذلك ،إل أنه ينوي به العتق عند مالك .وذهب عامة العلماء إلى أن عليه كفارة
يمين .ابن العربي .والصحيح أنها طلقة واحدة ،لنه لو ذكر الطلق لكان أقله وهو الواحدة إل أن
يعدده .كذلك إذا ذكير التحرييم يكون أقله إل أن يقيده بالكثير ،مثيل أن يقول أنيت علي حرام إل بعيد
زوج ،فهذا نص على المراد.
قلت :أكثير المفسيرين على أن اليية نزلت فيي حفصية لميا خل النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي
بيتهيا بجاريتيه؛ ذكره الثعلبيي .وعلى هذا فكأنيه قال :ل يحرم علييك ميا حرمتيه على نفسيك ولكين
عليييك كفارة يمييين ،وإن كان فييي تحريييم العسييل والجارييية أيضييا .فكأنييه قال :لم يحرم عليييك مييا
حرمته ،ولكن ضممت إلى التحريم يمينا فكفر عن اليمين .وهذا صحيح ،فإن النبي صلى ال عليه
وسيلم حرم ثيم حلف ،كميا ذكره الدارقطنيي .وذكير البخاري معناه فيي قصية العسيل عين عبييد بين
عمير عن عائشة قالت :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يشرب عند زينب بنت جحش عسل
ويمكيث عندهيا ،فتواطأت أنيا وحفصية على أيتنيا دخيل عليهيا فلتقيل :أكلت مغافيير؟ إنيي لجيد منيك
رييح مغافيير! قال( :ل ولكين شربيت عسيل ولن أعود له وقيد حلفيت ل تخيبري بذلك أحدا) .يبتغيي
مرضات أزواجه .فيعني بقوله( :ولن أعود له على جهة التحريم .وبقوله( :حلفت) أي بال ،بدليل
أن ال تعالى أنزل علييه عنيد ذلك معاتبتيه على ذلك ،وحوالتيه على كفارة اليميين بقوله تعالى" :ييا
أيهيا النيبي لم تحرم ميا أحيل ال لك" يعنيي العسيل المحرم بقوله( :لن أعود له)" .تبتغيي مرضات
أزواجك" أي تفعل ذلك طلبا لرضاهن" .وال غفور رحيم" غفور لما أوجب المعاتبة ،رحيم برفع
المؤاخذة .وقد قيل :إن ذلك كان ذنبا من الصغائر .والصحيح أنه معاتبة على ترك الولى ،وأنه لم
تكن له صغيرة ول كبيرة.
**3الية{ 2 :قد فرض ال لكم تحلة أيمانكم وال مولكم وهو العليم الحكيم}
@قوله تعالى" :قيد فرض ال لكيم تحلة أيمانكيم" تحلييل اليميين كفارتهيا .أي إذا أحببتيم اسيتباحة
المحلوف علييه ،وهيو قوله تعالى فيي سيورة "المائدة"" :فكفارتيه إطعام عشرة مسياكين" [المائدة:
.]89ويتحصيل مين هذا أن مين حرم شيئا مين المأكول والمشروب لم يحرم علييه عندنيا ،لن
الكفارة لليمييين ل للتحريييم على مييا بيناه .وأبييو حنيفيية يراه يمينييا فييي كييل شيييء ،ويعتييبر النتفاع
المقصيود فيميا يحرميه ،فإذا حرم طعاميا فقيد حلف على أكله ،أو أمية فعلى وطئهيا ،أو زوجية فعلى
اليلء منها إذا لم يكن له نية ،وإن نوى الظهار فظهار ،وإن نوى الطلق فطلق بائن .وكذلك إن
نوى ثنتيين أو ثلثيا .وإن قال :نوييت الكذب ديين فيميا بينيه وبيين ال تعالى .ول يديين فيي القضاء
بإبطال اليلء .وإن قال :كييل حلل عليييه حرام؛ فعلى الطعام والشراب إذا لم ينييو ،وإل فعلى مييا
نوى .ول يراه الشافعيي يمينيا ولكين سيببا فيي الكفارة فيي النسياء وحدهين .وإن نوى الطلق فهيو
رجعي عنده ،على ما تقدم بيانه .فإن حلف إل يأكله حنث ويبر بالكفارة.
فإن حرم أمتييه أو زوجتييه فكفارة يمييين ،كمييا فييي صييحيح مسييلم عيين ابيين عباس قال :إذا حرم
الرجل عليه امرأته ،فهي يمين يكفرها .وقال :لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة.
@ قيل :إن النبي صلى ال عليه وسلم كفر عن يمينه .وعن الحسن :لم يكفر ،لن النبي صلى ال
عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ،وكفارة اليمين في هذه السورة إنما أمر بها المة.
والول أصيح ،وأن المراد بذلك النيبي صيلى ال علييه وسيلم .ثيم إن المية تقتدي بيه فيي ذلك .وقيد
قدمنا عن زيد بن أسلم أنه عليه السلم كفر بعتق رقبة .وعن مقاتل أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم أعتق رقبة في تحريم مارية .وال أعلم .وقيل :أي قد فرض ال لكم تحليل ملك اليمين ،فبين
في قوله تعالى" :ما كان على النبي من حرج فيما فرض ال له" [الحزاب ]38 :أي فيما شرعه
له في النساء المحللت .أي حلل لكم ملك اليمان ،فلم تحرم مارية على نفسك مع تحليل ال إياها
لك .وقييل :تحلة اليميين السيتثناء ،أي فرض ال لكيم السيتثناء المخرج عين اليميين .ثيم عنيد قوم
يجوز الستثناء من اليمان متى شاء وإن تحلل مدة .وعند المعظم ل يجوز إل متصل ،فكأنه قال:
اسيتثن بعيد هذا فيميا تحلف علييه .وتحلة اليميين تحليلهيا بالكفارة ،والصيل تحللة ،فأدغميت .وتفعلة
من مصادر فعل؛ كالتسمية والتوصية .فالتحلة تحليل اليمين .فكأن اليمين عقد والكفارة حل .وقيل:
التحلة الكفارة؛ أي إنهيا تحيل للجالف ميا حرم على نفسيه؛ أي إذا كفير صيار كمين لم يحلف" .وال
مولكيم" وليكيم وناصيركم بإزالة الحظير فيميا تحرمونيه على أنفسيكم ،وبالترخييص لكيم فيي تحلييل
أيمانكم بالكفارة ،وبالثواب على ما تخرجونه في الكفارة.
**3اليية{ 3 :وإذ أسير النيبي إلى بعيض أزواجيه حديثيا فلميا نبأت بيه وأظهره ال علييه عرف
بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير}
@قوله تعالى" :وإذ أسير النيبي إلى بعيض أزواجيه حديثيا" أي واذكير إذ أسير النيبي إلى حفصية
حديثيا" يعنيي تحرييم ماريية على نفسيه واسيتكتامه إياهيا ذلك .وقال الكلبيي :أسير إليهيا أن أباك وأبيا
عائشيية يكونان خليفتييي على أمتييي ميين بعدي؛ وقال ابيين عباس .قال :أسيير أميير الخلفيية بعده إلى
حفصية فذكرتيه حفصية .روي الدارقطنيي فيي سيننه عين الكلبيي عين أبيي صيالح عين ابين عباس فيي
قوله تعالى" :وإذ أسير النيبي إلى بعيض أزواجيه حديثيا" قال :اطلعيت حفصية على النيبي صيلى ال
علييه وسيلم ميع أم إبراهييم فقال( :ل تخيبري عائشية) وقال لهيا (إن أباك وأباهيا سييملكان أو سييليان
بعدي فل تخيبري عائشية) قال :فانطلقيت حفصية فأخيبرت عائشية فأظهره ال علييه ،فعرف بعضيه
وأعرض عن بعض .قال أعرض عن قوله( :إن أباك وأباها يكونان بعدي) .كره رسول ال صلى
ال علييه وسيلم أن ينشير ذلك فيي الناس" .فلميا نبأت بيه" أي أخيبرت بيه عائشية لمصيافاة كانيت
بينهما ،وكانتا متظاهرتين على نساء النبي صلى ال عليه وسلم" .وأظهره ال عليه" أي أطلعه ال
على أنها قد نبأت به .وقرأ طلحة بن مصرف "فلما أنبأت" وهما لغتان :أنبأ ونبأ" .عرف بعضه
وأعرض عن بعض" عرف حفصة بعض ما أوحي إليه من أنها أخبرت عائشة بما نهاها عن أن
تخبرهيا ،وأعرض عين بعيض تكرميا؛ قاله السيدي .وقال الحسين :ميا اسيتقصى كرييم قيط ،قال ال
تعالى "عرف بعضيه وأعرض عين بعيض" .وقال مقاتيل :يعنيي أخبرهيا ببعيض ميا قالت لعائشية،
وهو حديث أم ولده ولم يخبرها ببعض وهو قول حفصة لعائشة :إن أبا بكر وعمر سيملكان بعده.
وقراءة العامية "عرف" مشددا ،ومعناه ميا ذكرناه .واختاره أبيو عبييد وأبيو حاتيم ،يدل علييه قوله
تعالى" :وأعرض عين بعيض" أي لم يعرفهيا إياه .ولو كانيت مخففية لقال فيي ضده وأنكير بعضيا.
وقرأ علي وطلحيية بيين مصييرف وأبييو عبدالرحميين السييلمي والحسيين وقتادة والكلبييي والكسييائي
والعميش عين أبيي بكير "عرف" مخففية .قال عطاء :كان أبيو عبدالرحمين السيلمي إذا قرأ علييه
الرجييل "عرف" مشددة حصييبه بالحجارة .قال الفراء :وتأويييل قوله عييز وجييل" :عرف بعضييه"
بالتخفييف ،أي غضيب فييه وجازى علييه؛ وهيو كقولك لمين أسياء إلييك :لعرفين لك ميا فعلت ،أي
لجازينك عليه .وجازاها النبي صلى ال عليه وسلم بأن طلقها طلقة واحدة .فقال عمر :لو كان في
آل الخطاب خيير لميا كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم طلقيك .فأمره جبرييل بمراجعتهيا وشفيع
فيهيا .واعتزل النيبي صيلى ال علييه وسيلم نسياءه شهرا ،وقعيد فيي مشربية ماريية أم إبراهييم حتيى
نزلت آيية التحرييم على ميا تقدم .وقييل :هيم بطلقهيا حتيى قال له جبرييل( :ل تطلقهيا فإنهيا صيوامة
قوامة وإنها من نسائك في الجنة) فلم يطلقها" .فلما نبأها به" أي أخبر حفصة بما أظهره ال عليه.
"قالت من أنبأك هذا" يا رسول ال عني .فظنت أن عائشة أخبرته ،فقال عليه السلم" :قال نبأني
العليم الخبير" أي الذي ل يخفى عليه شيء .و"هذا" سد مسد مفعولي "أنبأ" .و"نبأ" الول تعدى
إلى مفعول ،و"نبيأ" الثانيي تعدى إلى مفعول واحيد ،لن نبيأ وأنبيأ إذا لم يدخل على المبتدأ والخيبر
جاز أن يكتفييى فيهمييا بمفعول واحييد وبمفعولييين ،فإذا دخل على البتداء والخييبر تعدى كييل واحييد
منهما إلى ثلثة مفعولين .ولم يجز القتصار على الثنين دون الثالث ،لن الثالث هو خبر المبتدأ
في الصل فل يقتصر دونه ،كما ل يقتصر على المبتدأ دون الخبر.
**3الية{ 4 :إن تتوبا إلى ال فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن ال هو موله وجبريل
وصالح المؤمنين والملئكة بعد ذلك ظهير}
@قوله تعالى" :إن تتوبا إلى ال" يعني حفصة وعائشة ،حثهما على التوبة على ما كان منهما من
المييل إلى خلف محبية رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم" .فقيد صيغت قلوبكميا" أي زاغيت ومالت
عن الحق .وهو أنهما أحبتا ما كره النبي صلى ال عليه وسلم من اجتناب جاريته واجتناب العسل،
وكان عليه السلم يحب العسل والنساء .قال ابن زيد :مالت قلوبهما بأن سرهما أن يحتبس عن أم
ولده ،فسيرهما ميا كرهيه رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم .وقييل :فقيد مالت قلوبكميا إلى التوابية.
وقال" :فقد صغت قلوبكما" ولم يقل :فقد صغى قلباكما ،ومن شأن العرب إذا ذكروا الشيئين ،من
اثنيين جمعوهميا ،لنيه ل يشكيل .وقيد مضيى هذا المعنيى فيي "المائدة" فيي قوله تعالى" :فاقطعوا
أيديهما" [المائدة .]38 :وقيل :كلما ثبتت الضافة فيه مع التثنية فلفظ الجمع أليق به ،لنه أمكن
وأخييف .وليييس قوله" :فقييد صييغت قلوبكمييا" جزاء للشرط ،لن هذا الصييغو كان سييابقا ،فجواب
الشرط محذوف للعلم به .أي إن تتوبا كان خيرا لكما ،إذ قد صغت قلوبكما.
@قوله تعالى" :وإن تظاهرا عليييه" أي تتظاهرا وتتعاونييا على النييبي صييلى ال عليييه وسييلم
بالمعصية واليذاء .وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال :مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن
الخطاب عين آيية فميا أسيتطيع أن أسيأله هيبية له ،حتيى خرج حاجيا فخرجيت معيه ،فلميا رجيع فكنيا
ببعييض الطريييق عدل إلى الراك لحاجيية له ،فوقفييت حتييى فرع ،ثييم سييرت معييه فقلت :يييا أمييير
المؤمنين ،من اللتان تظاهرتا على رسول ال صلى ال عليه وسلم من أزواجه؟ فقال :تلك حفصة
وعائشية .قال فقلت له :وال إن كنيت لرييد أن أسيألك عين هذا منيذ سينة فميا أسيتطيع هيبية لك .قال:
فل تفعيل ،ميا ظننيت أن عندي مين علم فسيلني عنيه ،فإن كنيت أعلميه أخبرتيك ...وذكير الحدييث.
"فإن ال هييو موله" أي وليييه وناصييره ،فل يضره ذلك التظاهيير منهمييا" .وجبريييل وصييالح
المؤمنيين" قال عكرمية وسيعيد بين جيبير :أبيو بكير وعمير ،لنهميا أبوا عائشية وحفصية ،وقيد كانيا
عونا له عليهما .وقيل :صالح المؤمنين علي رضي ال عنه .وقيل :خيار المؤمنين .وصالح :اسم
جنس كقوله تعالى" :والعصر .إن النسان لفي خسر" [العصر ،]2 :قاله الطبري .وقيل" :صالح
المؤمنيين" هيم النيبياء ،قال العلء بين زيادة وقتادة وسيفيان .وقال ابين زييد :هيم الملئكية .السيدي:
هيم أصيحاب محميد صيلى ال علييه وسيلم .وقييل" :صيالح المؤمنيين" لييس لفيظ الواحيد وإنميا هيو
صيالحو المؤمنيين :فأضاف الصيالحين إلى المؤمنيين ،وكتيب بغيير واو على اللفيظ لن لفيظ الواحيد
والجمع واحد فيه .كما جاءت أشياء في المصحف متنوع فيها حكم اللفظ دون وضع الخط.
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال :حدثني عمر بن الخطاب رضي ال عنه قال :لما اعتزل
نبي ال صلى ال عليه وسلم نساءه قال دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون :طلق
رسول ال صلى ال عليه وسلم نساءه -وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب -فقال عمر :فقلت لعلمن
ذلك اليوم ،قال فدخلت على عائشية فقلت :ييا ابنية أبيي بكير ،أقيد بلغ مين شأنيك أن تؤذي رسيول ال
صلى ال عليه وسلم! فقالت :مالي ومالك يا ابن الخطاب! عليك بعيبتك! قال فدخلت على حفصة
بنيت عمير فقلت لهيا :ييا حفصية ،أقيد بلغ مين شأنيك أن تؤذي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم! وال
لقد علمت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يحبك ،ولول أنا لطلقك رسول ال صلى ال عليه
وسلم .فبكت أشد البكاء ،فقلت لها :أين رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قالت :هو في خزانته في
المشربية .فدخلت فإذا أنيا برباح غلم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قاعدا على أسيكفة المشربية
مدل رجليه على نقير من خشب ،وهو جذع يرقيى عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم وينحدر.
فنادييت :ييا رباح ،اسيتأذن لي عندك على رسيول ال ،فنظير رباح إلى الغرفية ثيم نظير إلي فلم يقيل
شيئا .ثيم قلت :ييا رباح ،اسيتأذن لي عندك على رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،فنظير رباح إلى
الغرفية ثيم نظير إلي فلم يقيل شيئا .ثيم رفعيت صيوتي فقلت :ييا رباح ،اسيتأذن لي عندك على رسيول
ال صيلى ال علييه وسيلم ،فإنيي أظين أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ظين أنيي جئت مين أجيل
حفصية ،وال لئن أمرنيي رسول ال صيلى ال عليه وسلم بضرب عنقها لضربين عنقهيا ،ورفعيت
صييوتي فأومييأ إلي أن ِارْقَه؛ فدخلت على رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم وهييو مضطجييع على
حصيير ،فجلسيت فأدنيى علييه إزاره ولييس علييه غيره؛ وإذا الحصيير قيد أثير فيي جنبيه ،فنظرت
ببصري في خزانة رسول ال صلى ال عليه وسلم فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ،ومثلها
قرظا في ناحية الغرفة؛ وإذا أفيق معلق -قال -فابتدرت عيناي .قال( :ما يبكيك يا ابن الخطاب)؟
قلت يا نبي ال ،ومالي ل أبكى وهذا الحصيير قد أثر في جنبك ،وهذه خزانتك ل أرى فيها إل ما
أرى! وذاك قيصير وكسيرى فيي الثمار والنهار وأنيت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وصيفوته،
وهذه خزانتيك! فقال( :ييا ابين الخطاب أل ترضيى أن تكون لنيا الخرة ولهيم الدنييا) قلت :بلى .قال:
ودخلت علييه حيين دخلت وأنيا أرى فيي وجهيه الغضيب ،فقلت :ييا رسيول ال ،ميا يشيق علييك مين
شأن النسيياء؛ فإن كنييت طلقتهيين فإن ال معييك وملئكتييه وجبريييل وميكائيييل ،وأنييا وأبييو بكيير
والمؤمنون معييك .وقلمييا تكلمييت -وأحمييد ال -بكلم إل رجوت أن يكون ال عييز وجييل يصييدق
قولي الذي أقول ونزلت هذه الييية ،آييية التخيييير" :عسييى ربييه إن طلقكيين أن يبدله أزواجييا خيرا
منكن" [التحريم" .]5 :وإن تظاهرا عليه فإن ال هو موله وجبريل وصالح المؤمنين والملئكة
بعد ذلك ظهير".
وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء رسول ال صلى ال عليه وسلم.
فقلت :يييا رسييول ال ،أطلقتهيين؟ قال( :ل) .قلت :يييا رسييول ال ،إنييي دخلت المسييجد والمسييلمون
ينكتون بالحصييى يقولون :طلق رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم نسيياءه أفأنزل فأخييبرهم أنييك لم
تطلقهيين؟ قال( :نعييم إن شئت) .فلم أزل أحدثييه حتييى تحسيير الغضييب عيين وجهييه ،وحتييى كشيير
فضحك ،وكان من أحسن الناس ثغرا .ثم نزل نبي ال صلى ال عليه وسلم ونزلت؛ فنزلت أتشبث
بالجذع ،ونزل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كأنميا يمشيي على الرض ميا يمسيه بيده .فقلت :ييا
رسيول ال ،إنميا كنيت فيي الغرفية تسيعا وعشريين .قال( :إن الشهير يكون تسيعا وعشريين) فقميت
على باب المسيجد فنادييت بأعلى صيوتي :لم يطلق رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم نسياءه .ونزلت
هذه الييية" :وإذا جاءهييم أميير مين الميين أو الخوف أذاعوا بييه ولو ردوه إلى الرسييول وإلى أولي
المير منهيم لعلميه الذيين يسيتنبطونه منهيم" [النسياء .]83 :فكنيت أنيا اسيتنبطت ذلك المير؛ وأنزل
ال آية التخيير.
@قوله تعالى" :وجبرييل" فييه لغات تقدميت فيي سيورة "البقرة" .ويجوز أن يكون معطوفيا على
"موله" والمعنى :ال وليه وجبريل وليه؛ فل يوقف على "موله" ويوقف على "جبريل" ويكون
"وصالح المؤمنين" مبتدأ "والملئكة" معطوفا عليه .و"ظهير" خبرا؛ وهو بمعنى الجمع .وصالح
المؤمنيين أبيو بكير؛ قاله المسييب بين شرييك .وقال سيعيد بين جيبير :عمير .وقال عكرمية :أبيو بكير
وعمير .وروي شقييق عين عبدال عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي قول ال تعالى" :فإن ال هيو
موله وجبرييل وصيالح المؤمنيين" قال :إن صيالح المؤمنيين أبيو بكير وعمير .وقييل :هيو علي .عين
أسماء بنت عميس قالت :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول"( :وصالح المؤمنين" علي
بين أبيي طالب) .وقييل غيير هذا مميا تقدم القول فييه .ويجوز أن يكون "وجبرييل" مبتدأ وميا بعده
معطوفا عليه .والخبر ((ظهير" وهو بمعنى الجمع أيضا .فيوقف على هذا على "موله" .ويجوز
أن يكون "جبريييل وصييالح المؤمنييين" معطوفييا على "موله" فيوقييف على "المؤمنييين" ويكون
"والملئكية بعيد ذلك ظهيير" ابتداء وخيبرا .ومعنيى "ظهيير" أعوان .وهيو بمعنيى ظهراء؛ كقوله
تعالى" :وحسين أولئك ،رفيقيا" [النسياء .]69 :وقال أبيو علي :قيد جاء فعييل للكثرة كقوله تعالى:
"ول يسأل حميم حميما .يبصرونهم" [المعارج .]11 :وقيل :كان التظاهر منهما في التحكم على
النيبي صيلي اله علييه وسيلم فيي النفقية ،ولهذا آلى منهين شهرا واعتزلهين .وفيي صيحيح مسيلم عين
جابر بين عبدال قال :دخيل أبيو بكير يسيتأذن على رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فوجيد الناس
جلوسا ببابه لم يؤذن لحد منهم ،قال :فأذن لبي بكر فدخل ،ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له ،فوجد
النبي صلى ال عليه وسلم جالسا حوله نساؤه واجما ساكتا -قال -فقال لقولن شيئا أضحك النبي
صلى ال عليه وسلم؛ فقال :يا رسول ال ،لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت
عنقهيا؛ فضحيك رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وقال( :هين حولي كميا ترى يسيألنني النفقية) .فقام
أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها ،وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها؛ كلهما يقول :تسألن رسول ال
صيلى ال علييه وسيلم ميا لييس عنده! فقلن :وال ل نسيأل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم شيئا أبدا
لييس عنده .ثيم اعتزلهين شهرا أو تسيعا وعشريين .ثيم نزلت علييه هذه اليية" :ييا أيهيا النيبي قيل
لزواجيك" حتيى بلغ "للمحسينات منكين أجرا عظيميا" [الحزاب ]28 :الحدييث .وقيد ذكراه فيي
سورة "الحزاب".
**3الية{ 5 :عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات
عابدات سائحات ثيبات وأبكارا}
@قوله تعالى" :عسى ربه إن طلقكن" قد تقدم في الصحيح أن هذه الية نزلت على لسان عمر
رضيي ال عنيه .ثيم قييل :كيل "عسيى" فيي القرآن واجيب؛ إل هذا .وقييل :هيو واجيب ولكين ال عيز
وجيل علقيه بشرط وهيو التطلييق ولم يطلقهين" .أن يبدله أزواجيا خيرا منكين" لنكين لو كنتين خيرا
منهين ميا طلقكين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال معناه السيدي .وقييل :هذا وعيد مين ال تعالى
لرسيوله صيلي ال علييه وسيلم ،لو طلقهين فيي الدنييا أن يزوجيه فيي الدنييا نسياء خيرا منهين .وقرئ
"أن يبدله" بالتشديد والتخفيف .والتبديل والبدال بمعنى ،كالتنزيل والنزال .وال كان عالما بأنه
كان ل يطلقهين ،ولكين أخيبر عين قدرتيه ،على أنيه إن طلقهين أبدله خيرا منهين تخويفيا لهين .وهيو
كقوله تعالى" :وإن تتولوا يسيتبدل قوميا غيركيم" [محميد .]38 :وهيو إخبار عين القدرة وتخوييف
لهم ،ل أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم.
@قوله تعالى" :مسيلمات" يعنيي مخلصيات ،قاله سيعيد بين جيبير .وقييل :معناه مسيلمات لمير ال
تعالى وأمير رسيوله" .مؤمنات" مصيدقات بميا أمرن بيه ونهيين عنيه" .قانتات" مطيعات .والقنوت:
الطاعيية .وقييد تقدم" .تائبات" أي ميين ذنوبهيين؛ قاله السييدي .وقيييل :راجحات إلى أميير رسييول ال
صيلى ال علييه وسيلم تاركات لمحاب أنفسيهن" .عابدات" أي كثيرات العبادة ل تعالى .وقال ابين
عباس :كيل عبادة فيي القرآن فهيو التوحييد" .سيائحات" صيائبات؛ قال ابين عباس والحسين وابين
جبير .وقال زيد بن أسلم وابنه عبدالرحمن ويمان :مهاجرات .قال زيد :وليس في أمة محمد صلى
ال علييه وسيلم سيياحة إل الهجرة .والسيياحة الجولن فيي الرض .وقال الفراء والقتيبي وغيرهميا:
سيمي الصيائم سيائحا لن السيائح ل زاد معيه ،وإنميا يأكيل مين حييث يجيد الطعام .وقييل :ذاهبات فيي
طاعية ال عيز وجيل؛ مين سياح الماء إذا ذهيب .وقيد مضيى فيي سيورة "التوبية" والحميد ل" .ثيبات
وأبكارا" أي منهن ثيب ومنهن بكر .وقيل :إنما سميت الثيب ثيبا لنها راجعة إلى زوجها إن أقام
معهيا ،أو إلى غيره إن فارقهيا .وقييل :لنهيا ثابيت إلى بييت أبويهيا .وهذا أصيح؛ لنيه لييس كيل ثييب
تعود إلى زوج .وأما البكر فهي العذراء؛ سميت بكرا لنها على أول حالتها التي خلقت بها .وقال
الكلبي :أراد بالثيب مثل آسية امرأة فرعون ،وبالبكر مثل مريم بنة عمران.
قلت :وهذا إنميا يمشيي على قول مين قال :إن التبدييل وعيد مين ال لنيبيه لو طلقهين فيي الدنييا
زوجه في الخرة خيرا منهن .وال أعلم.
**3الية{ 6 :يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملئكة
غلظ شداد ل يعصون ال ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا" فيه مسألة واحدة وهي المر بوقاية
النسييان نفسييه وأهله النار .قال الضحاك :معناه قوا أنفسييكم ،وأهلوكييم فليقوا أنفسييهم نارا .وروي
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس :قوا أنفسكم وأمروا أهليكم بالذكر والدعاء حتى يقيهم ال بكم.
وقال علي رضي ال عنه وقتادة ومجاهد :قوا أنفسكم بأفعالكم وقوا أهليكم بوصيتكم .ابن العربي:
وهو الصحيح ،والفقه الذي يعطيه العطف الذي يقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه
في معنى الفعل؛ كقوله:
علفتها تبنا وماء باردا
وكقوله:
متقلدا سيفا ورمحا ورأيت زوجك في الوغى
فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة ،ويصلح أهله إصلح الراعي للرعية .ففي صحيح الحديث
أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالمام الذي على الناس
راع وهيو مسيؤول عنهيم والرجيل راع على أهيل بيتيه وهيو مسيؤول عنهيم) .وعين هذا عيبر الحسين
في هذه الية بقوله :يأمرهم وينهاهم .وقال بعض العلماء لما قال" :قوا أنفسكم" دخل فيه الولد؛
لن الولد بعيض منيه .كميا دخيل فيي قوله تعالى" :ول على أنفسيكم أن تأكلوا مين بيوتكيم" [النور:
]61فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات .فيعلمه الحلل والحرام ،ويجنبه المعاصي والثام،
إلى غير ذلك من الحكام .وقال عليه السلم( :حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويعلمه الكتابة
ويزوجيه إذا بلغ) .وقال علييه السيلم( :ميا نحيل والد ولدا أفضيل مين أدب حسين) .وقيد روى عمرو
بيين شعيييب عيين أبيييه عيين جده عيين النييبي صييلى ال عليييه وسييلم (مروا أبناءكييم بالصييلة لسييبع
واضربوهيم عليهيا لعشير وفرقوا بينهيم فيي المضاجيع) .خرجيه جماعة مين أهيل الحدييث .وهذا لفيظ
أبيي داود .وخرج أيضيا عين سيمرة بين جندب قال :قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :مروا الصيبي
بالصلة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فأضربوه عليها) .وكذلك يخبر أهله بوقت الصلة
ووجوب الصيام ووجوب الفطر إذا وجب؛ مستندا في ذلك إلى رؤية الهلل.
وقيد روى مسيلم أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان إذا أوتير يقول( :قوميي فأوتري ييا عائشية).
وروي أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :رحم ال امرأ قام من الليل فصلى فأيقظ أهله فإن لم تقم
رش وجههيا بالماء .رحيم ال امرأة قاميت مين اللييل تصيلى وأيقظيت زوجهيا فإذا لم يقيم رشيت على
وجهيه مين الماء) .ومنيه قوله صيلي ال علييه وسيلم( :أيقظوا صيواحب الحجير) .ويدخيل هذا فيي
عموم قوله تعالى" :وتعاونوا على البر والتقوى" [المائدة .]2 :وذكر القشيري أن عمر رضي ال
عنيه قال لميا نزلت هذه اليية :ييا رسيول ال ،نقيي أنفسينا ،فكييف لنيا بأهلينيا؟ .فقال( :تنهونهيم عميا
نهاكييم ال وتأمرونهييم بمييا أميير ال) .وقال مقاتييل :ذلك حييق عليييه فييي نفسييه وولده وأهله وعييبيده
وإمائه .قال الكييا :فعلينيا تعلييم أولدنيا وأهلينيا الديين والخيير ،وميا ل يسيتغنى عنيه مين الدب .وهيو
قوله تعالى" :وأمير أهلك بالصيلة واصيطبر عليهيا" [طيه .]132 :ونحيو قوله تعالى للنيبي صيلى
ال علييه وسيلم" :وأنذر عشيرتيك القربيين"[ .الشعراء .]214 :وفيي الحدييث( :مروهيم بالصيلة
وهم أبناء سبع).
@قوله تعالى" :وقودها الناس والحجارة" " تقدم في سورة "البقرة"" .عليها ملئكة غلظ شداد"
يعنيي الملئكية الزبانيية غلط القلوب ل يرحمون إذا اسيترحموا خلقوا مين الغضيب ،وحبيب إليهيم
عذاب الخلق كمييا حبييب لبنييي آدم أكييل الطعام والشراب" .شداد" أي شداد البدان .وقيييل :غلظ
القوال شداد الفعال .وقييل غلظ فيي أخذهيم أهيل النار شداد عليهيم .يقال :فلن شدييد على فلن؛
أي قوي عليه يعذبه بأنواع العذاب .وقيل :أراد بالغلظ ضخامة أجسامهم ،وبالشدة القوة .قال ابن
عباس :ميا بيين منكيبي الواحيد منهيم مسييرة سينة ،وقوة الواحيد منهيم أن يضرب بالمقميع فيدفيع بتلك
الضربة سبعين ألف إنسان في قعر جهنم .وذكر ابن وهب قال :وحدثنا عبدالرحمن بن زيد قال:
قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي خزنية جهنيم( :ميا بيين منكيبي أحدهيم كميا بيين المشرق
والمغرب).
@قوله تعالى" :ل يعصيون ال ميا أمرهيم" أي ل يخالفونيه فيي أمره مين زيادة أو نقصيان.
"ويفعلون ما يؤمرون" أي في وقته ،فل يؤخرونه ول يقدمونه .وقيل أي لذتهم في أمتثال أمر ال؛
كما أن سرور أهل الجنة في الكون في الجنة؛ ذكره بعض المعتزلة .وعندهم أنه يستحيل التكيف
غدا .ول يخفيى معتقيد أهيل الحيق فيي أن ال يكلف العبيد اليوم وغدا ،ول ينكير التكلييف فيي حيق
الملئكة .ول أن يفعل ما يشاء.
**3الية{ 7 :يا أيها الذين كفروا ل تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون}
@قوله تعالى" :ييا أيهيا الذيين كفروا ل تعتذروا اليوم" فإن عذركيم ل ينفيع .وهذا النهيي لتحقييق
اليأس" .إنميا تجزون ميا كنتيم تعملون" فيي الدنييا .ونظيره" :فيومئذ ل ينفيع الذيين ظلموا معذرتهيم
ول هم يستعتبون" [الروم .]57 :وقد تقدم.
**3الية{ 8 :يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى ال توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم
ويدخلكيم جنات تجري مين تحتهيا النهار يوم ل يخزي ال النيبي والذيين آمنوا معيه نورهيم يسيعى
بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى ال" أمر بالتوبة وهي فرض على العيان في كل
الحوال وكل الزمان .وقد تقدم بيانها والقول فيها في "النساء" وغيرها" .توبة نصوحا" اختلفت
عبارة العلماء وأرباب القلوب فيي التوبية النصيوح على ثلثية وعشريين قول؛ فقييل :هيي التيي ل
عودة بعدهيا كميا ل يعود اللبين إلى الضرع؛ وروي عين عمير وابين مسيعود وأبيي بين كعيب ومعاذ
بيين جبييل رضييي ال عنهييم .ورفعييه معاذ إلى النييبي صييلى ال عليييه وسييلم .وقال قتادة :النصييوح
الصيادقة الناصيحة .وقييل الخالصية؛ يقال :نصيح أي أخلص له القول .وقال الحسين :النصيوح أن
يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره .وقيل :هي التي ل يثق بقبولها ويكون على وجل
منها .وقيل :هي التي ل يحتاج معها إلى توبة.
وقال الكلبيي :التوبة النصوح الندم بالقلب ،والستغفار باللسيان ،والقلع عن الذنب ،والطمئنان
على أنه ل يعود .وقال سعيد بن جبير :هي التوبة المقبولة؛ ول تقبل ما لم يكن فيها ثلثة شروط:
خوف أل تقبيل ،ورجاء أن تقبيل ،وإدمان الطاعات .وقال سيعيد بين المسييب :توبية تنصيحون بهيا
أنفسيكم .وقال القرظيي :يجمعهيا أربعية أشياء :السيتغفار باللسيان ،وإقلع بالبدان ،وإضمار ترك
العود بالجنان ،ومهاجرة سييء الخلن .وقال سيفيان الثوري :علمية التوبية النصيوح أربعية :القلة
والعلة والذلة والغربية .وقال الفضييل بين عياض :هيو أن يكون الذنيب بيين عينييه ،فل يزال كأنيه
ينظير إلييه .ونحوه عين ابين السيماك :أن تنصيب الذنيب الذي أقللت فييه الحياء مين ال أمام عينيك
وتستعد لمنتظرك .وقال أبو بكر الوراق :هو أن تضيق عليك الرض بما رحبت ،وتضيق عليك
نفسيك؛ كالثلثية الذين خلفوا .وقال أبو بكير الواسطي :هيي توبة ل لفقيد عوض؛ لن مين أذنب فيي
الدنيا لرفاهية نفسه ثم تاب طلبا لرفاهيتها في الخرة؛ فتوبته على حفظ نفسه ل ل .وقال أبو بكر
الدقاق المصيري :التوبية النصيوح هيي رد المظالم ،واسيتحلل الخصيوم ،وإدمان الطاعات .وقال
روييم :هيو أن تكون ل وجهيا بل قفيا ،كميا كنيت له عنيد المعصيية قفيا بل وجيه .وقال ذو النون:
علميية التوبيية النصييوح ثلث :قلة الكلم ،وقلة الطعام ،وقلة المنام .وقال شقيييق :هييو أن يكثيير
صاحبها لنفسه الملمة ،ول ينفك من الندامة؛ لينجو من آفاتها بالسلمة .وقال سري السقطي :ل
تصلح التوبة النصوح إل بنصييحة النفس والمؤمنين؛ لن من صحب توبته أحب أن يكون الناس
مثله .وقال الجنيد :التوبة النصوح هو أن ينسى الذنب فل يذكره أبدا؛ لن من صحت توبته صار
محبيا ل ،ومين أحيب ال نسيي ميا دون ال .وقال ذو الذنيين :هيو أن يكون لصياحبها دميع مسيفوح،
وقلب عين المعاصيي جموح .وقال فتيح الموصيلي :علمتهيا ثلث :مخالفية الهوى ،وكثرة البكاء،
ومكابدة الجوع والظميأ .وقال سيهل بين عبدال التسيتري :هيي التوبية لهيل السينة والجماعية؛ لن
المبتدع ل توبة له؛ بدليل قوله صلى ال عليه وسلم( :حجب ال على كل صاحب بدعة أن يتوب).
وعن حذيفة :بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه.
وأصيل التوبية النصيوح مين الخلوص؛ يقال :هذا عسيل ناصيح إذا خلص مين الشميع .وقييل :هيي
مأخوذة مين النصياحة وهيي الخياطية .وفيي أخذهيا منهيا وجهان :أحدهميا :لنهيا توبية قيد أحكميت
طاعتيه وأوثقتهيا كميا يحكيم الخياط الثوب بخياطتيه ويوثقيه .والثانيي :لنهيا قيد جمعيت بينيه وبيين
أولياء ال وألصقته بهم؛ كما يجمع الخياط الثوب ويلصق بعضه ببعض .وقراءة العامة "نصوحا"
بفتح النون ،على نعت التوبة ،مثل امرأة صبور ،أي توبة بالغة في النصح .وقرأ الحسن وخارجة
وأبو بكر عن عاصم بالضم؛ وتأويله على هذه القراءة :توبة نصح لنفسكم .وقيل :يجوز أن يكون
"نصوحا" ،جمع نصح ،وإن يكون مصدرا ،يقال :نصح نصاحة ونصوحا .وقد يتفق فعالة وفعول
فيي المصيادر ،نحيو الذهاب والذهوب .وقال الميبرد :أراد توبية ذات نصيح ،يقال :نصيحت نصيحا
ونصاحة ونصوحا.
@ فيي الشياء التيي يتاب منهيا وكييف التوبية منهيا .قال العلماء :الذنيب الذي تكون منيه التوبية ل
يخلو ،إما أن يكون حقا ل أو للدميين .فإن كان حقا ل كترك صلة فإن التوبة ل تصح منه حتى
ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها .وهكذا إن كان ترك صوم أو تفريطا في الزكاة .وإن كان ذلك
قتيل نفيس بغيير حيق فأن يمكين مين القصياص إن كان علييه وكان مطلوبيا بيه .وإن كان قذفيا يوجيب
الحيييد فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوبيييا بيييه .فإن عفيييي عنيييه كفاه الندم والعزم على ترك العود
بالخلص .وكذلك إن عفيي عنيه فيي القتيل بمال فعلييه أن يؤدييه إن كان واجدا له ،قال ال تعالى:
"فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان" [البقرة .]178 :وإن كان ذلك
حدا من حدود ال كائنيا ميا كان فإنيه إذا تاب إلى ال تعالى بالندم الصيحيح سيقط عنه .وقيد نيص ال
تعالى على سقوط الحد عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم .وفي ذلك دليل على أنها ل تسقط
عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم؛ حسب ما تقدم بيانه .وكذلك الشراب والسراق والزناة إذا أصلحوا
وتابوا وعرف ذلك منهم ،ثم رفعوا إلى المام فل ينبغي له أن يحدهم .وإن رفعوا إليه فقالوا :تبنا،
لم يتركوا ،وهييم فييي هذه الحالة كالمحاربييين إذا غلبوا .هذا مذهييب الشافعييي .فإن كان الذنييب ميين
مظالم العباد فل تصيح التوبية منييه إل برده إلى صيياحبه والخروج عنيه -عينيا كان أو غيره -إن
كان قادرا عليييه ،فإن لم يكيين قادرا فالعزم أن يؤديييه إذا قدر فييي أعجييل وقييت وأسييرعه .وإن كان
أضير بواحيد مين المسيلمين وذلك الواحيد ل يشعير بيه أو ل يدري مين أيين أتيى ،فإنيه يزييل ذلك
الضرر عنه ،ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له ،فإذا عفا عنه فقد سقط الذنب عنه .وإن أرسل من
يسيأل ذلك له ،فعفيا ذلك المظلوم عين ظالميه -عرفيه بعينيه أو لم يعرفيه -فذلك صيحيح .وإن أسياء
رجيل إلى رجيل بأن فزعيه بغيير حيق ،أو غميه أو لطميه ،أو صيفعه بغيير حيق ،أو ضربيه بسيوط
فآلمه ،ثم جاءه مستعفيا نادما على ما كان منه ،عازما على أل يعود ،فلم يزل يتذلل له حتى طابت
نفسه فعفا عنه ،سقط عنه ذلك الذنب .وهكذا إن كان شانه بشتم ل حد فيه.
@قوله تعالى" :عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم" "عسى" من ال واجبة .وهو معنى قوله عليه
السلم( :التائب من الذنب كمن ل ذنب له) .و"أن" في موضع رفع اسم عسى.
@قوله تعالى" :ويدخلكم" معطوف على "يكفر" .وقرأ ابن أبي عبلة "ويدخلكم" مجزوما عطفا
على محل عسى أن يكفر .كأنه قيل :توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها
النهار" .يوم ل يخزي ال النيبي" العاميل فيي "يوم"" :يدخلكيم" أو فعيل مضمير .ومعنى "يخزي"
هنيا يعذب ،أي ل يعذبيه ول يعذب الذيين آمنوا معيه" .نورهيم يسيعى بيين أيديهيم وبأيمانهيم" " تقدم
فيي سيورة "الحدييد"" .يقولون ربنيا أتميم لنيا نورنيا واغفير لنيا إنيك على كيل شييء قديير" قال ابين
عباس ومجاهد وغيرهما :هذا دعاء المؤمنين حين أطفأ ال نور المنافقين؛ حسب ما تقدم بيانه في
سورة "الحديد".
**3الية{ 9 :يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير}
@قوله تعالى" :يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم" فيه مسألة واحدة :وهو التشديد
في دين ال .فأمره أن يجاهد الكفار بالسيف والمواعظ الحسنة والدعاء إلى ال .والمنافقين بالغلظة
وإقاميية الحجيية؛ وأن يعرفهييم أحوالهييم فييي الخرة ،وأنهييم ل نور لهييم يجوزون بييه الصييراط مييع
المؤمنيين .وقال الحسين :أي جاهدهيم بإقامية الحدود عليهيم؛ فإنهيم كانوا يرتكبون موجبات الحدود.
وكانت الحدود تقام عليهم" .ومأواهم جهنم" يرجع إلى الصنفين" .وبئس المصير" أي المرجع.
**3اليية{ 10 :ضرب ال مثل للذيين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتيا تحيت عبديين مين
عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من ال شيئا وقيل ادخل النار مع الداخلين}
@ ضرب ال تعالى هذا المثل تنبيها على أنه ل يغنيي أحد في الخرة عن قريب ول نسييب إذا
فرق بينهما الدين .وكان اسم امرأة نوح والهة ،واسم امرأة لوط والعة؛ قاله مقاتل .وقال الضحاك
عن عائشة رضي ال عنها :إن جبريل نزل على النبي صلى ال عليه وسلم فأخبره أن اسم امرأة
نوح واغلة واسيم امرأة لوط والهية" .فخانتاهميا" قال عكرمية والضحاك .بالكفير .وقال سيليمان بين
رقيية والضحاك :بالكفير .وقال سيليمان بين رقيية عين ابين عباس :كانيت امرأة نوح تقول للناس إنيه
مجنون .وكانييت امرأة لوط تخييبر بأضيافييه .وعنييه :مييا بغييت امرأه نييبي قييط .وهذا إجماع ميين
المفسرين فيما ذكر القشيري .إنما كانت خيانتهما في الدين وكانتا مشركتين .وقيل :كانتا منافقتين.
وقيل :خيانتهما النميمة إذا أوحى ال إليهما شيئا أفشتاه إلى المشركين؛ قاله الضحاك .وقيل :كانت
امرأة لوط إذا نزل بيه ضييف دخنيت لتعلم قومهيا أنيه قيد نزل بيه ضييف؛ لميا كانوا علييه مين إتيان
الرجال" .فلم يغنييا عنهميا مين ال شيئا" أي لم يدفيع نوح ولوط ميع كرامتهميا على ال تعالى عين
زوجتيهمييا -لميييا عصيييتا -شيئا مييين عذاب ال؛ تنبيهييا بذلك على أن العذاب يدفييع بالطاعيية ل
بالوسيلة .ويقال :إن كفار مكة استهزؤوا وقالوا :إن محمدا صلي ال عليه وسلم يشفع لنا؛ فبين ال
تعالى أن شفاعتيه ل تنفيع كفار مكية وإن كانوا أقرباء ،كميا ل تنفيع شفاعية نوح لمرأتيه وشفاعية
لوط لمرأتيه ،ميع قربهميا لهميا لكفرهميا .وقييل لهميا" :وقييل ادخل النار ميع الداخليين" فيي الخرة؛
كمييا يقال لكفار مكيية وغيرهييم .ثييم قيييل :يجوز أن تكون "امرأة نوح" بدل ميين قوله" :مثل" على
تقدير حذف المضاف؛ أي ضرب ال مثل مثل امرأة نوح .ويجوز أن يكونا مفعولين.
**3الية{ 11 :وضرب ال مثل للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في
الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين}
@قوله تعالى" :وضرب ال مثل للذين آمنوا امرأة فرعون" واسمها آسية بنت مزاحم .قال يحيى
بيين سييلم :قوله "ضرب ال مثل للذييين كفروا" مثييل ضربييه ال يحذر بييه عائشيية وحفصيية فييي
المخالفية حيين تظاهرتيا على رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ،ثيم ضرب لهميا مثل بامرأة فرعون
ومريم بنة عمران؛ ترغيبا في التمسك بالطاعة والثبات على الدين .وقيل :هذا حث للمؤمنين على
الصبر في الشدة؛ أي ل تكونوا في الصبر عند الشدة أضعف من امرأة فرعون حين صبرت على
أذى فرعون .وكانيت آسيية آمنيت بموسيى .وقييل :هيي عمية موسيى آمنيت بيه .قال أبيو العاليية :اطلع
فرعون على إيمان امرأتييه فخرج على المل فقال لهييم :مييا تعلمون ميين آسييية بنييت مزاحييم؟ فأثنوا
عليها .فقال لهم :إنها تعبد ربا غيري .فقالوا له :أقتلها .فأوتد لها أوتادا وشد يديها ورجليها فقالت:
"رب ابين لي عندك بيتيا فيي الجنية" ووافيق ذلك حضور فرعون ،فضحكيت حيين رأت بيتهيا فيي
الجنة .فقال فرعون :أل تعجبون من جنونها! إنا نعذبها وهي تضحك؛ فقبض روحها .وقال سلمان
الفارسييي فيمييا روى عنييه عثمان النهدي :كانييت تعذب بالشمييس ،فإذا أذاهييا حيير الشمييس أظلتهييا
الملئكة بأجنحتها .وقيل :سمر يديها ورجليها في الشمس ووضع على ظهرها رحى؛ فأطلعها ال.
حتيى رأت مكانهيا فيي الجنية .وقييل :لميا قالت" :رب ابين لي عندك بيتيا فيي الجنية" أرييت بيتهيا فيي
الجنية يبنيى .وقييل :إنيه مين درة؛ عين الحسين .ولميا قالت" :ونجنيي" نجاهيا ال أكرم نجاة ،فرفعهيا
إلى الجنية ،فهيي تأكيل وتشرب وتتنعيم" .مين فرعون وعمله" تعنيي بالعميل الكفير .وقييل :مين عمله
مين عذابيه وظلميه وشماتتيه .وقال ابين عباس :الجماع" .ونجنيي مين القوم الظالميين" قال الكلبيي:
أهل مصر .مقاتل :القبط .قال الحسن وابن كيسان :نجاها ال أكرم نجاة ،ورفعها إلى الجنة؛ فهي
فيها تأكل وتشرب.
**3الية{ 12 :ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات
ربها وكتبه وكانت من القانتين}
@قوله تعالى" :ومرييم بنية عمران" أي واذكير مرييم .وقييل :هيو معطوف على امرأة فرعون.
والمعنى :وضرب ال مثل لمريم ابنت عمران وصبرها على أذى اليهود" .التي أحصنت فرجها"
أي عن الفواحش .وقال المفسرون :إنه أراد بالفرج هنا الجيب لنه قال" :فنفخنا فيه من روحنا"
وجبريل عليه السلم إنما نفخ في جيبها ولم ينفخ في فرجها .وهي في قراءة أبي "فنفخنا في جيبها
مين روحنيا" .وكيل خرق فيي الثوب يسيمى جيبيا؛ ومنيه قوله تعالى" :وميا لهيا مين فروج" [ق.]6 :
ويحتمل أن تكون أحصنت فرجها ونفخ الروح في جيبها .ومعنى "فنفخنا" أرسلنا جبريل فنفخ في
جيبها "من روحنا" أي روحا من أرواحنا وهي روح عيسى .وقد مضى في آخر سورة "النساء"
بيانه مستوفى والحمد ل" .وصدقت بكلمات ربها" قراءة العامة "وصدقت" بالتشديد .وقرأ حميد
والموي "وصيدقت" بالتخفييف" .بكلمات ربهيا" قول جبرييل لهيا" :إنميا أنيا رسيول ربيك" [مرييم:
]19الية .وقال مقاتل :يعني بالكلمات عيسى وأنه نبي وعيسى كلمة ال .وقد تقدم .وقرأ الحسن
وأبو العالية
@قوله تعالى" :وكتبيه" وقرأ أبيو عمرو وحفيص عين عاصيم "وكتبيه" جمعيا .وعين أبيي رجاء
"وكتبه" مخفف التاء .والباقون "بكتابه" على التوحيد .والكتاب يراد به الجنس؛ فيكون في معنى
كييل كتاب أنزل ال تعالى" .وكانييت ميين القانتييين" أي ميين المطيعييين .وقيييل :ميين المصييلين بييين
المغرب والعشاء .وإنما لم يقل من القانتات؛ لنه أراد وكانت من القوم القانتين .ويجوز أن يرجع
هذا إلى أهل بيتها؛ فإنهم كانوا مطيعين ل .وعن معاذ بن جبل رضي ال عنه أن النبي صلى ال
عليه وسلم قال لخديجة وهي تجود بنفسها" :أتكرهين ما قد نزل بك ولقد جعل ال في الكره خيرا
فإذا قدمت على ضراتك فأقرئيهن مني السلم مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وكليمة أو قال
حكيمية بنيت عمران أخيت موسيى بين عمران) .فقالت :بالرفاء والبنيين ييا رسيول ال .وروى قتادة
عين أنيس عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :حسيبك مين نسياء العالميين أربيع مرييم بنية
عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون بنت مزاحم) .وقد مضى في
(آل عمران) الكلم في هذا مستوفى والحمد ل.
**2سورة الملك
**3مقدمة السورة
@ مكية في قول الجميع .وتسمى الواقية والمنجية .وهي ثلثون آية.
روى الترمذي عين ابين عباس قال :ضرب رجيل مين أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم
خباءه على قيبر وهيو ل يحسيب أنيه قيبر ،فإذا قيبر إنسيان يقرأ سيورة "الملك" حتيى ختمهيا ،فأتيى
النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال :ييا رسيول ال ،ضربيت خبائي على قيبر وأنيا ل أحسيب أنيه قيبر،
فإذا قييبر إنسييان يقرأ سييورة "الملك" حتييى ختمهييا؟ فقال رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم( :هييي
المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر) .قال :حديث حسن غريب .وعنه قال :قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم( :وددت أن "تبارك الذي بيده الملك" في قلب كل مؤمن) ذكره الثعلبي .وعن
أبيي هريرة قال :قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :إن سيورة مين كتاب ال ميا هيي إل ثلثون آيية
شفعيت لرجيل حتيى أخرجتيه مين النار يوم القيامية وأدخلتيه الجنية وهيي سيورة "تبارك") .خرجيه
الترمذي بمعناه ،وقال فييه :حدييث حسين .وقال ابين مسيعود :إذا وضيع المييت فيي قيبره فيؤتيى مين
قبيل رجلييه ،فيقال :لييس لكيم علييه سيبيل ،فإنيه كان يقوم بسيوره "الملك" على قدمييه .ثيم يؤتيى مين
قبل رأسه ،فيقول لسانه :ليس لكم عليه سبيل ،إنه كان يقرأ بي سورة "الملك" ثم قال :هي المانعة
من عذاب ال ،وهي في التوراة سورة "الملك" من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب .وروي أن من
قرأها كل ليلة لم يضره الفتان.
**3الية{ 1 :تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :تبارك" تفاعيل مين البركية وقيد تقدم .وقال الحسين :تقدس .وقييل دام .فهيو الدائم
الذي ل أول لوجوده ول آخيير لدوامييه" .الذي بيده الملك" أي ملك السييموات والرض فييي الدنيييا
والخرة .وقال ابن عباس :بيده الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء ،ويحيي ويميت ،ويغني ويفقر،
ويعطيي ويمنيع .وقال محميد بن إسيحاق :له ملك النبوة التيي أعز بها من اتبعه وذل بهيا من خالفه.
"وهو على كل شيء قدير" من إنعام وانتقام.
**3الية{ 2 :الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمل وهو العزيز الغفور}
@قوله تعالى" :الذي خلق الموت والحياة" قييل :المعنيى خلقكيم للموت والحياة؛ يعنيي للموت فيي
الدنيا والحياة في الخرة وقدم الوت على الحياة؛ لن الموت إلى القهر أقرب؛ كما قدم البنات على
البنيين فقال" :يهيب لمين يشاء إناثيا" [الشورى .]49 :وقييل :قدميه لنيه أقدم؛ لن الشياء فييي
البتداء كانت في حكم الموت كالنطفة والتراب ونحوه .وقال قتادة :كان رسول ال صلى ال عليه
وسيلم يقول( :إن ال تعالى أذل بنيي آدم بالموت وجعيل الدنييا دار حياة ثيم دار موت وجعيل الخرة
دار جزاء ثم دار بقاء) .وعن أبي الدرداء أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :لول ثلث ما طأطأ
ابن آدم رأسه الفقر والمرض والموت وإنه مع ذلك لو ثاب).
@ قدم الموت على الحياة ،لن أقوى الناس داعيا إلى العمل من نصب موته بين عينيه؛ فقدم لنه
فيمييا يرجييع إلى الغرض المسييوق له الييية أهييم قال العلماء :الموت ليييس بعدم محييض ول فناء
صيرف ،وإنميا هيو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتيه ،وحيلولة ببنهميا ،وتبدل حال وانتقال مين
دار إلى دار .والحياة عكييس ذلك .وحكييي عيين ابيين عباس والكلبييي ومقاتييل :أن الموت والحياة
جسيمان ،فجعيل الموت فيي هيئة كبيش ل يمير بشييء ول يجيد ريحيه إل مات ،وخلق الحياة على
صيورة فرس أنثيى بلقاء -وهيي التيي كان جبرييل والنيبياء عليهيم السيلم يركبونهيا -خطوتهيا ميد
البصر ،فوق الحمار ودون البغل ،ل تمر بشيء يجد ريحها إل حيي ،ول تطأ على شيء إل حيي.
وهيي التيي أخيذ السيامري مين أثرهيا فألقاه على العجيل فحييي .حكاه الثعلبيي والقشيري عين ابين
عباس .والماوردي معناه عن مقاتل والكلبي.
قلت :وفيي التنزييل "قيل يتوفاكيم ملك الموت الذي وكيل بكيم"[ ،السيجدة" ،]11 :ولو ترى إذ
يتوفى الذين كفروا الملئكة" [النفال ]50 :ثم "توفته رسلنا" [النعام ،]61 :ثم قال" :ال يتوفى
النفيس حيين موتهيا" [الزمير .]42 :فالوسيائط ملئكية مكرمون صيلوات ال عليهيم .وهيو سيبحانه
الممييت على الحقيقية ،وإنميا يمثيل الموت بالكبيش فيي الخرة ويذبيح على الصيراط؛ حسيب ميا ورد
به الخبر الصحيح .وما ذكر عن ابن عباس يحتاج إلى خبر صحيح يقطع العذر .وال أعلم .وعن
مقاتيل أيضيا :خلق الموت؛ يعنيي النطفية والعلقية والمضغية ،وخلق الحياة؛ يعنيي خلق إنسيانا ونفيخ
فيه الروح فصار إنسانا.
قلت :وهذا قول حسين؛ يدل علييه قوله تعالى "ليبلوكيم أيكيم أحسين عمل" وتقدم الكلم فييه فيي
سييورة "الكهييف" .وقال السييدي فييي قوله تعالى" :الذي خلق الموت والحياة ليبلوكييم أيكييم أحسيين
عمل" أي أكثركم للموت ذكرا وأحسن استعدادا ،ومنه أشد خوفا وحذرا .وقال ابن عمر :تل النبي
صيلى ال علييه وسيلم "تبارك الذي بيده الملك -حتيى بلغ -أيكيم أحسين عمل" فقال( :أورع عين
محارم ال وأسرع في طاعة ال) .وقيل :معنى "ليبلوكم" ليعاملكم معاملة المختبر؛ أي ليبلو العبد
بموت مين يعيز علييه لييبين صيبره ،وبالحياة لييبين شكره .وقييل :خلق ال الموت للبعيث والجزاء،
وخلق الحياة للبتلء .فاللم في "ليبلوكم" تتعلق بخلق الحياة ل بخلق الموت؛ ذكره الزجاج .وقال
الفراء والزجاج أيضييا :لم تقييع البلوى على "أي" لن فيمييا بييين البلوى و"أي" إضمار فعييل؛ كمييا
تقول :بلوتكم لنظر أيكم أطوع .ومثله قوله تعالى" :سلهم أيهم بذلك زعيم" [القلم ]40 :أي سلهم
ثم انظر أيهم" .فأيكم" رفع بالبتداء و"أحسن" خبره .والمعنى :ليبلوكم فيعلم أو فينظر أيكم أحسن
عمل" .وهو العزيز" في أنتقامه ممن عصاه" .الغفور" لمن تاب.
**3الية{ 3 :الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر
هل ترى من فطور}
@قوله تعالى" :الذي خلق سبع سماوات طباقا" أي بعضها فوق بعض .والملتزق منها أطرافها؛
كذا روي عين ابين عباس .و"طباقيا" نعيت "لسيبع" فهيو وصيف بالمصيدر .وقييل :مصيدر بمعنيى
المطابقية؛ أي خلق سيبع سيموات وطبقهيا تطبيقيا أو مطابقية .أو على طوبقيت طباقيا .وقال سييبويه:
نصب "طباقا" لنه مفعول ثان.
قلت :فيكون "خلق" بمعنيى جعيل وصيير .وطباق جميع طبيق؛ مثيل جميل وجمال .وقييل :جميع
طبقية .وقال أبان بين تغلب :سيمعت بعيض العراب يذم رجل فقال :شره طباق ،وخيره غيير باق.
ويجوز فييي غييير القرآن سييبع سييموات طباق؛ بالخفييض على النعييت لسييموات .ونظيره "وسييبع
سنبلت خضر" [يوسف.]46 :
@قوله تعالى" :ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت" قراءة حمزة والكسائي "من تفوت" بغيير
ألف مشددة .وهييي قراءة ابيين مسييعود وأصييحابه .الباقون "ميين تفاوت" بألف .وهمييا لغتان مثييل
التعاهييد والتعهييد ،والتحمييل والتحامييل ،والتظهيير والتظاهيير ،وتصيياغر وتصييغر ،وتضاعييف
وتضعف ،وتباعد وتبعد؛ كله بمعنى .واختار أبو عبيد "من تفوت" واحتج بحديث عبدالرحمن بن
أبيي بكير" :أمثلي يتفوت علييه فيي بناتيه"! النحاس :وهذا أمير مردود على أبيي عبييد ،لن يتفوت
يفتات :بهم" .وتفاوت" في الية أشبه .كما يقال تباين يقال :تفاوت المر إذا تباين وتباعد؛ أي فات
بضعهيا بعضيا .أل ترى أن قبله قوله تعالى" :الذي خلق سيبع سيموات طباقيا" .والمعنيى :ميا ترى
في خلق الرحمن من اعوجاج ول تناقض ول تباين -بل هي مستقيمة مستوية دالة على خالقها -
وإن اختلفت صوره وصفاته .وقيل :المراد بذلك السموات خاصة؛ أي ما ترى في خلق السموات
مين عييب .وأصيله مين الفوت ،وهيو أن يفوت شييء شيئا فيقيع الخلل لقلة اسيتوائها؛ يدل علييه قول
ابين عباس رضيي ال عنيه :مين تفرق .وقال أبيو عيبيدة :يقال :تفوت الشييء أي فات .ثيم أمير بأن
ينظروا فيي خلقيه ليعتيبروا بيه فيتفكروا فيي قدرتيه :فقال" :فارجيع البصير هيل ترى مين فطور" أي
أردد طرفك إلى السماء .ويقال :قلب البصر في السماء .ويقال :اجهد بالنظر إلى السماء .والمعنى
متقارب .وإنميا قال" :فأرجيع" بالفاء ولييس قبله فعيل مذكور؛ لنيه قال" :ميا ترى" .والمعنيى أنظير
ثيم أرجيع البصير هيل ترى مين فطور؛ قاله قتادة .والفطور :الشقوق ،عين مجاهيد والضحاك .وقال
قتادة :مين خلل .السيدي :مين خروق .ابين عباس :مين وهين .وأصيله مين التفطير والنفطار وهيو
النشقاق .قال الشاعر:
وزينها فما فيها فطور بنى لكم بل عمد سماء
وقال آخر:
هواك فليم فالتأم الفطور شققت القلب ثم ذررت فيه
ول سكر ولم يبلغ سرور تغلغل حيث لم يبلغ شراب
**3الية{ 4 :ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير}
@قوله تعالى" :ثم ارجع البصر كرتين" "كرتين" في موضع المصدر؛ لن معناه رجعتين ،أي
مرة بعد أخرى .وإنما أمر بالنظر مرتين لن النسان إذا نظر في الشيء مرة ل يرى عيبه ما لم
ينظير إلييه مرة أخرى .فأخيبر تعالى أنيه وإن نظير فيي السيماء مرتيين ل يرى فيهيا عيبيا بيل يتحيير
بالنظير إليهيا؛ فذلك قوله تعالى" :ينقلب إلييك البصير خاسيئا" أي خاشعيا صياغرا متباعدا عين أن
يرى شيئا ميين ذلك .يقال :خسييأت الكلب أي أبعدتييه وطردتييه .وخسييأ الكلب بنفسييه ،يتعدى ول
يتعدى .وانخسأ الكلب أيضا .وخسأ بصره خسأ وخسوءا أي سدر ،ومنه قوله تعالى" :ينقلب إليك
البصر خاسئا" وقال ابن عباس :الخاسئ الذي لم ير ما يهوى" .وهو حسير" أي قد بلغ الغاية في
العياء .فهو بمعنى فاعل؛ من الحسور الذي هو العياء .ويجوز أن يكون مفعول من حسره بعد
الشيء ،وهو معنى قول ابن عباس .ومنه قول الشاعر:
ارتد خسان منه الطرف قد حسرا من مد طرفا إلى ما فوق غايته
يقال :قيد حسير بصيره يحسير حسيورا ،أي كيل وانقطيع نظره مين طول مدى وميا أشبيه ذلك ،فهيو
حسير ومحسور أيضا .قال:
فعاد إلي الطرف وهو حسير نظرت إليها بالمحصب من منى
وقال آخر يصف ناقة:
فشطرها نظر العينين محسور
نصب "شطرها" على الظرف ،أي نحوها .وقال آخر:
حسرى تغادر بالطريق سخالها والخيل شعث ما تزال جيادها
وقيل :إنه النادم .ومنه قول الشاعر:
خليا بنة القين تولى بحسر ما أنا اليوم على شيء
المراد "بكرتين" ها هنا التكثير .والدليل على ذلك" :ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير" وذلك
دليل على كثرة النظر.
**3اليية{ 6 - 5 :ولقيد زينيا السيماء الدنييا بمصيابيح وجعلناهيا رجوميا للشياطيين وأعتدنيا لهيم
عذاب السعير ،وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير}
@قوله تعالى" :ولقيد زينيا السيماء الدنييا بمصيابيح" جميع مصيباح وهيو السيراج .وتسيمى الكواكيب
مصيابيح لضاءتهيا" .وجعلناهيا رجوميا للشياطيين" أي جعلنيا شهبهيا؛ فحذف المضاف .دليلة "إل
مين خطيف الخطفية فأتبعيه شهاب ثاقيب" [الصيافات .]10 :وعلى هذا فالمصيابيح ل تزول ول
يرجيم بهيا .وقييل :إن الضميير راجيع إلى المصيابيح على أن الرجيم مين أنفيس الكواكيب ،ول يسيقط
الكوكب نفسه إنما ينفصل منه شيء يرجم به من غير أن ينقص ضوءه ول صورته .قال أبو علي
جوابا لمن قال :كيف تكون زينة وهي رجوم ل تبقى .قال المهدوي :وهذا على أن يكون الستراق
مين موضيع الكواكيب .والتقديير الول على أن يكون السيتراق مين الهوى الذي هيو دون موضيع
الكواكيب .القشيري :وأمثيل مين قول أبيي علي أن نقول :هيي زينية قبيل أن يرجيم بهيا الشياطيين.
والرجوم جميع رجيم؛ وهيو مصيدر سيمي بيه ميا يرجيم بيه .قال قتادة :خلق ال تعالى النجوم لثلث:
زينة للسيماء ،ورجوميا للشياطين ،وعلمات يهتدى بهيا فيي البر والبحير والوقات .فمن تأول فيها
غيير ذلك فقيد تكلف ميا ل علم له بيه ،وتعدى وظلم .وقال محميد بين كعيب :وال ميا لحيد مين أهيل
الرض في السماء نجم ،ولكنهم يتخذون الكهانة سبيل ويتخذون النجوم علة" .وأعتدنا لهم عذاب
السعير" أي أعتدنا للشياطين أشد الحريق؛ يقال :سعرت النار فهي مسعورة وسعير؛ مثل مقتولة
وقتيل" .وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير".
**3الية{ 7 :إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور}
@قوله تعالى" :إذا ألقوا فيهيا" يعنيي الكفار" .سيمعوا لهيا شهيقيا" أي صيوتا .قال ابين عباس:
الشهييق لجهنيم عند إلقاء الكفار فيهيا؛ تشهيق إليهم شهقة البغلة للشعيير ،ثيم تزفير زفرة ل يبقيى أحيد
إل خاف .وقيل :الشهيق من الكفار عند إلقائهم في النار قاله عطاء .والشهيق في الصدر ،والزفير
في الحلق .وقد مضى في سورة "هود"" .وهي تفور" أي تغلي؛ ومنه قول حسان:
وقدر القوم حامية تفور تركتم قدركم ل شيء فيها
قال مجاهيد :تفور بهيم كميا يفور الحيب القلييل فيي الماء الكثيير .وقال ابين عباس :تغلي بهيم على
المرجل؛ وهذا من شدة لهب النار من شدة الغضب؛ كما تقول فلن يفور غيظا.
**3الية{ 11 - 8 :تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير ،قالوا
بلى قيد جاءنيا نذيير فكذبنيا وقلنيا ميا نزل ال مين شييء إن أنتيم إل فيي ضلل كيبير ،وقالوا لو كنيا
نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ،فاعترفوا بذنبهم فسحقا لصحاب السعير}
@قوله تعالى" :تكاد تمييز مين الغييظ" يعنيي تتقطيع وينفصيل بعضهيا مين بعيض؛ قاله سيعيد بين
جيبير .وقال ابين عباس والضحاك وابين زييد :تتفرق" .مين الغييظ" مين شدة الغييظ على أعداء ال
تعالى .وقيل" :من الغيظ" من الغليان .وأصل "تميز" تتميز" .كلما ألقي فيها فوج" أي جماعة من
الكفار" .سألهم خزنتها" على جهة التوبيخ والتقريع "ألم يأتكيم نذيير" أي رسول في الدنيا ينذركم
هذا اليوم حتى تحذروا.
@قوله تعالى" :قالوا بلى قد جاءنا نذير" أنذرنا وخوفنا" .فكذبنا وقلنا ما نزل ال من شيء" أي
على ألسيينتكم" .إن أنتييم" يييا معشيير الرسييل" .إل فييي ضلل كييبير" اعترفوا بتكذيييب الرسييل ،ثييم
اعترفوا بجهلهيم فقالوا وهيم فيي النار" :لو كنيا نسيمع" مين النذر -يعنيي الرسيل -ميا جاؤوا بيه "أو
نعقل" عنهم .قال ابن عباس :لو كنا نسمع الهدى أو نعقله ،أو لو كنا نسمع سماع من يعي ويفكر،
أو نعقيل عقيل مين يمييز وينظير .ودل هذا على أن الكافير لم يعيط مين العقيل شيئا .وقيد مضيى فيي
"الطور" بيانيه والحميد ل" .ميا كنيا فيي أصيحاب السيعير" يعنيي ميا كنيا مين أهيل النار .وعين أبيي
سعيد الخدري عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال" :لقد ندم الفاجر يوم القيامة قالوا لو كنا
نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فقال ال تعالى" :فاعترفوا بذنبهم" أي بتكذيبهم الرسل.
والذنب ها هنا بمعنى الجمع؛ لن فيه معنى الفعل .يقال :خرج عطاء الناس أي أعطيتهم" .فسحقا
لصحاب السعير" أي فبعدا لهم من رحمة ال .وقال سعيد بن جبير وأبو صالح :هو واد في جهنم
يقال له السييحق .وقرأ الكسييائي وأبييو جعفيير "فسييحقا" بضييم الحاء ،ورويييت عيين علي .الباقون
بإسيكانها ،وهميا لغتان مثيل السيحت والرعيب .الزجاج :وهيو منصيوب على المصيدر؛ أي أسيحقهم
ال سحقا؛ أي باعدهم بعدا .قال امرؤ القيس:
وتسحقه ريح الصبا كل مسحق يجول بأطراف البلد مغربا
وقال أبو علي :القياس إسحاقا؛ فجاء المصدر على الحذف؛ كما قيل:
وإن أهلك فذلك كان قدري
أي تقديري .وقيل :إن قوله تعالى" :إن أنتم إل في ضلل كبير" من قول خزنة جهنم لهلها.
**3الية{ 12 :إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير}
@قوله تعالى" :إن الذين يخشون ربهم بالغيب" نظيره" :من خشي الرحمن بالغيب" [ق]33 :
وقيد مضيى الكلم فييه .أي يخافون ال ويخافون عذابيه الذي هيو بالغييب؛ وهيو عذاب يوم القيامية.
"لهم مغفرة" لذنوبهم "وأجر كبير" وهو الجنة.
**3الية{ 14 - 13 :وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ،أل يعلم من خلق
وهو اللطيف الخبير}
@قوله تعالى" :وأسروا قولكم أو اجهروا به" اللفظ لفظ المر والمراد به الخبر؛ يعني إن أخفيتم
كلمكم في أمر محمد صلى ال عليه وسلم أو جهرتم به "فإنه عليم بذات الصدور" يعني بما في
القلوب مين الخيير والشير .ابين عباس :نزلت فيي المشركيين كانوا ينالون مين النيبي صيلى ال علييه
وسيلم فيخيبره جبرييل علييه السيلم؛ فقال بعضهيم لبعيض :أسيروا قولكيم كيي ل يسيمع رب محميد؛
فنزلت" :وأسروا قولكم أو أجهروا به" .يعني :أسروا قولكم في أمر محمد صلى ال عليه وسلم.
وقييل فيي سيائر القوال .أو أجهروا بيه؛ أعلنوه" .إنيه علييم بذات الصيدور" ذات الصيدور ميا فيهيا؛
كميا يسيمى ولد المرأة وهيو جنيين "ذا بطنهيا" .ثيم قال" :أل يعلم مين خلق" يعنيي أل يعلم السير مين
خلق السر .يقول أنا خلقت السر في القلب أفل أكون عالما بما في قلوب العباد .وقال أهل المعاني:
إن شئت جعلت "ميين" اسييما للخالق جييل وعييز؛ ويكون المعنييى :أل يعلم الخالق خلقييه .وإن شئت
جعلتيه اسيما للمخلوق ،والمعنيى :أل يعلم ال مين خلق .ول بيد أن يكون الخالق عالميا بميا خلقيه وميا
يخلقه .قال ابن المسيب :بينما رجل واقف بالليل في شجر كثير وقد عصفت الريح فوقع في نفس
الرجل :أترى ال يعلم ما يسقط من هذا الورق؟ فنودي من جانب الغيضة بصوت عظيم :أل يعلم
مين خلق وهو اللطييف الخيبير .وقال الستاذ أبو إسيحاق السفراييني :من أسيماء صيفات الذات ما
هيو للعلم؛ منهيا "العلييم" ومعناه تعمييم جمييع المعلومات .ومنهيا "الخيبير" ويختيص بأن يعلم ميا
يكون قبل أن يكون .ومنها "الحكيم" ويختص بأن يعلم دقائق الوصاف .ومنها "الشهيد" ويختص
بأن يعلم الغائب والحاضير ومعناه أن ل يغييب عنيه شييء ،ومنهيا الحافيظ ويختيص بأنيه ل ينسيى.
ومنهييا "المحصييي" ويختييص بأنييه ل تشغله الكثرة عيين العلم؛ مثييل ضوء النور واشتداد الريييح
وتسياقط الوراق؛ فيعلم عنيد ذلك أجزاء الحركات فيي كيل ورقية .وكييف ل يعلم وهيو الذي يخلق!
وقد قال" :أل يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير".
**3اليية{ 15 :هيو الذي جعيل لكيم الرض ذلول فامشوا فيي مناكبهيا وكلوا مين رزقيه وإلييه
النشور}
@قوله تعالى" :هو الذي جعل لكم الرض ذلول" أي سهلة تستقرون عليها .والذلول المنقاد الذي
يذل لك والمصييدر الذل وهييو اللييين والنقياد .أي لم يجعييل الرض بحيييث يمتنييع المشييي فيهييا
بالحزونية والغلظية .وقييل :أي ثبتهيا بالجبال لئل تزول بأهلهيا؛ ولو كانيت تتكفيأ متماثلة لميا كانيت
منقادة لنييا .وقيييل :أشار إلى التمكيين ميين الزرع والغرس وشييق العيون والنهار وحفيير البار.
"فامشوا فيي مناكبهيا" هيو أمير إباحية ،وفييه إظهار المتنان .وقييل :هيو خيبر بلفيظ المير؛ أي لكيي
تمشوا فييي أطرافهيا ونواحيهيا وآكامهييا وجبالهيا .وقال ابين عباس وقتادة وبشيير بين كعيب" :فيي
مناكبهيا" فيي جبالهيا .وروي أن بشيير بين كعيب كانيت له سيرية فقال لهيا :إن أخيبرتني ميا مناكيب
الرض فأنيت حرة؟ فقالت :مناكبهيا جبالهيا .فصيارت حرة ،فأراد أن يتزوجهيا فسيأل أبيا الدرداء
فقال :دع ما يريبك إلى ما ل يريبك .مجاهد :في أطرافها .وعنه أيضا :في طرقها وفجاجها .وقاله
السيدي والحسين .وقال الكلبيي :فيي جوانبهيا .ومنكبيا الرجيل :جانباه .وأصيل المنكيب الجانيب؛ ومنيه
منكيب الرجيل .والرييح النكباء .وتنكيب فلن عين فلن .يقول :أمشوا حييث أردتيم فقيد جعلتهيا لكيم
ذلول ل تمتنع .وحكى قتادة عن أبي الجلد :أن الرض أربعة وعشرون ألف فرسخ؛ فللسودان أثنا
عشير ألف ،وللروم ثمانيية آلف ،وللفرس ثلثية آلف ،وللعرب ألف" .وكلوا مين رزقيه" أي مميا
أحله لكيم؛ قاله الحسين .وقييل :مميا أتيتيه لكيم" .وإلييه النشور" المرجيع .وقييل :معناه أن الذي خلق
السماء ل تفاوت فيها ،والرض ذلول قادر على أن ينشركم.
**3الية{ 16 :أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الرض فإذا هي تمور}
@قوله تعالى" :أأمنتم من فيي السماء أن يخسيف بكم الرض" قال ابن عباس :أأمنتيم عذاب من
فيي السيماء إن عصييتموه .وقييل :تقديره أأمنتيم مين فيي السيماء قدرتيه وسيلطانه وعرشيه ومملكتيه.
وخيص السيماء وإن عيم ملكيه تنبيهيا على أن الله الذي تنفيذ قدرتيه فيي السيماء ل مين يعظمونيه فيي
الرض .وقيل :هو إشارة إلى الملئكة .وقيل :إلى جبريل وهو الملك الموكل بالعذاب.
قلت :ويحتمل أن يكون المعنى :أأمنتم خالق من في السماء أن يخسف بكم الرض كما خسفها
بقارون" .فإذا هييييي تمور" أي تذهييييب وتجيييييء .والمور :الضطراب بالذهاب والمجيييييء .قال
الشاعر:
دما مائرا إل جرى في الحيازم رمين فأقصدن القلوب ولن ترى
جمع حيزوم وهو وسط الصدر .وإذا خسف بإنسان دارت به الرض فهو المور .وقال المحققون:
أمنتيم مين فوق السيماء؛ كقول" :فسييحوا فيي الرض" [التوبية ]2 :أي فوقهيا ل بالمماسية والتحييز
لكين بالقهير والتدبيير .وقييل :معناه أمنتيم مين على السيماء؛ كقوله تعالى" :ولصيلبنكم فيي جذوع
النخل" [طه ]71 :أي عليها .ومعناه أنه مديرها ومالكها؛ كما يقال :فلن على العراق والحجاز؛
أي وإليهيا وأميرهيا .والخبار فيي هذا الباب كثيرة صيحيحة منتشرة ،مشيرة إلى العلو؛ ل يدفعهيا
إل ملحد أو جاهل معاند .والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت .ووصفه بالعلو والعظمة
ل بالماكين والجهات والحدود لنهيا صيفات الجسيام .وإنميا ترفيع اليدي بالدعاء إلى السيماء لن
السيماء مهبيط الوحيي ،ومنزل القطير ،ومحيل القدس ،ومعدن المطهريين من الملئكية ،وإليها ترفيع
أعمال العباد ،وفوقها عرشه وجنته؛ كما جعل ال الكعبة قبلة للدعاء والصلة ،ولنه خلق المكنة
وهييو غييير محتاج إليهييا ،وكان فييي أزله قبييل خلق المكان والزمان .ول مكان له ول زمان .وهييو
الن على مييا عليييه كان .وقرأ قنبييل عيين ابيين كثييير "النشور وامنتييم" بقلب الهمزة الولى واوا
وتخفييف الثانيية .وقرأ الكوفيون والبصيريون وأهيل الشام سيوى أبيي عمرو وهشام بالتخفييف فيي
الهمزتين ،وخفف الباقون .وقد تقدم جميعه.
**3الية{ 17 :أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير}
@قوله تعالى" :أم أمنتيم مين فيي السيماء أن يرسيل عليكيم حاصيبا" أي حجارة مين السيماء كميا
أرسييلها على قوم لوط وأصييحاب الفيييل .وقيييل :ريييح فيهييا حجارة وحصييباء .وقيييل :سييحاب فيييه
حجارة" .فسيتعلمون كييف نذيير" أي إنذاري .وقييل :النذيير بمعنيى المنذر .يعنيي محمدا صيلي ال
عليه وسلم فستعلمون صدقه وعاقبة تكذيبكم.
**3الية{ 18 :ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير}
@قوله تعالى" :ولقد كذب الذين من قبلهيم" يعنيي كفار المم؛ كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط
وأصيحاب مديين وأصيحاب الرس وقوم فرعون "فكييف كان نكيير" أي إنكاري وقيد تقدم .وأثبيت
ورش الياء فيي "نذيري ،ونكيري" فيي الوصيل .وأثبتهيا يعقوب فيي الحاليين .وحذف الباقون اتباعيا
للمصحف.
**3اليية{ 19 :أولم يروا إلى الطيير فوقهيم صيافات ويقبضين ميا يمسيكهن إل الرحمين إنيه بكيل
شيء بصير}
@قوله تعالى" :أو لم يروا إلى الطيير فوقهيم صيافات" أي كميا ذلل الرض للدميي ذلل الهواء
للطيور .و"صيافات" أي باسيطات أجنحتهين فيي الجيو عنيد طيرانهيا؛ لنهين إذا بسيطنها صيففن
قوائمهيا صيفا" .ويقبضين" أي يضربين بهيا جنوبهين .قال أبيو جعفير النحاس :يقال للطائر إذا بسيط
جناحييه :صياف ،وإذا ضمهميا فأصيابا جنبيه :قابيض؛ لنيه يقبضهميا .قال أبيو خراش :يبادر جنيح
اللييل فهيو موائل يحيث الجناح بالتبسيط والقبيض وقييل :ويقبيض أجنحتهين بعيد بسيطها إذا وقفين مين
الطيران .وهييو معطوف على "صييافات" عطييف المضارع على اسييم الفاعييل؛ كمييا عطييف اسييم
الفاعيل على المضارع فيي قول الشاعير :بات يعشيهيا بعضيب باتير يقصيد فيي أسيوقها وجائر "ميا
يمسكهن" أي ما يمسك الطير في الجو وهي تطير إل ال عز وجل" .إنه بكل شيء بصير".
**3اليية{ 20 :أم مين هذا الذي هيو جنيد لكيم ينصيركم مين دون الرحمين إن الكافرون إل فيي
غرور}
@قوله تعالى" :أمن هذا الذي هو جند لكم" قال ابن عباس :حزب ومنعة لكم" .ينصركم من دون
الرحمن" فيدفع عنكم ما أراد بكم إن عصيتموه .ولفظ الجند يوحد؛ ولهذا قال" :هذا الذي هو جند
لكيم" وهيو اسيتفهام إنكار؛ أي ل جنيد لكيم يدفيع عنكيم عذاب ال "مين دون الرحمين" أي مين سيوى
الرحمن" .إن الكافرون إل في غرور" من الشياطين؛ تغرهم بأن ل عذاب ول حساب.
**3الية{ 21 :أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور}
@قوله تعالى" :أمين هذا الذي يرزقكيم" أي يعطيكيم منافيع الدنييا .وقييل المطير مين آلهتكيم" .إن
أمسيك رزقيه" يعنيي ال تعالى رزقيه" .بل لجوا" أي تمادوا وأصيروا" .فيي عتو" طغيان "ونفور"
عن الحق.
**3الية{ 22 :أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أم من يمشي سويا على صراط مستقيم}
@قوله تعالى" :أفمن يمشي مكبا على وجهه" ضرب ال مثل للمؤمن والكافر "مكبا" أي منكسا
رأسيه ل ينظير أماميه ول يمينيه ول شماله؛ فهيو ل يأمين مين العثور والنكباب على وجهيه .كمين
يمشيي سيويا معتدل ناظرا ميا بيين يدييه وعين يمينيه وعين شماله .قال ابين عباس :هذا فيي الدنييا؛
ويجوز أن يريد به العمى الذي ل يهتدي إلى الطريق فيعتسف؛ فل يزال ينكب على وجهه .وأنه
ليس كالرجل السوي الصحيح البصير الماشي في الطريق المهتدى له .وقال قتادة :هو الكافر أكب
على معاصييي ال فييي الدنييا فحشره ال يوم القيامية على وجهيه .وقال ابين عباس والكلبيي :عنيى
بالذي يمشى مكبا على وجهه أبا جهل ،وبالذي يمشي سويا رسول ال صلى ال عليه وسلم .وقيل
أبو بكر .وقيل حمزة .وقيل عمار ابن ياسر؛ قاله عكرمة .وقيل :هو عام في الكافر والمؤمن؛ أي
أن الكافير ل يدري أعلى حيق هيو أم على باطيل .أي أهذا الكافير أهدى أو المسيلم الذي يمشيي سيويا
معتدل يبصر للطريق وهو "على صراط مستقيم" وهو السلم .ويقال :أكب الرجل على وجهه؛
فيما ل يتعدى باللف .فإذا تعدى قيل :كبه ال لوجهه؛ بغير ألف.
**3الية{ 23 :قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والبصار والفئدة قليل ما تشكرون}
@قوله تعالى" :قل هو الذي أنشأكم" أمر نبيه أن يعرفهم قبح شركهم مع اعترافهم بأن ال خلقهم.
"وجعيل لكيم السيمع والبصيار والفئدة" يعنيي القلوب "قليل ميا تشكرون" أي ل تشكرون هذه
النعم ،ول توحدون ال تعالى .تقول :قلما أفعل كذا؛ أي ل أفعله.
**3الية{ 25 - 24 :قل هو الذي ذرأكم في الرض وإليه تحشرون ،ويقولون متى هذا الوعد
إن كنتم صادقين}
@قوله تعالى" :قيل هيو الذي ذرأكيم فيي الرض" أي خلقكيم فيي الرض؛ قال ابين عباس .وقييل:
نشركييم فيهييا وفرقكييم على ظهرهييا؛ قاله ابيين شجرة" .وإليييه تحشرون" حتييى يجازي كل بعمله.
"ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين" أي متى يوم القيامة ومتى هذا العذاب الذي تعدوننا به
وهذا استهزاء منهم .وقد تقدم.
**3الية{ 26 :قل إنما العلم عند ال وإنما أنا نذير مبين}
@قوله تعالى" :قل إنما العلم عند ال" أي قل لهم يا محمد علم وقت قيام الساعة عند ال فل يعلمه
غيره .نظيره" :قيل إنميا علمهيا عنيد ربيي" [العراف ]187 :اليية" .وإنميا أنيا نذيير ميبين" أي
مخوف ومعلم لكم.
**3الية{ 27 :فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون}
@قوله تعالى" :فلما رأوه زلفة" مصدر بمعنى مزدلفا أي قريبا؛ قال مجاهد .الحسن عيانا .وأكثر
المفسرين على أن المعنى :فلما رأوه يعني العذاب ،وهو عذاب الخرة .وقال مجاهد :يعني عذاب
بدر .وقيل :أي رأوا ما وعدوا من الحشر قريبا منهم .ودل عليه "تحشرون" .وقال ابن عباس :لما
رأوا عملهم السيئ قريبا" .سيئت وجوه الذين كفروا" أي فعل بها السوء .وقال الزجاج :تبين فيها
السييوء أي سيياءهم ذلك العذاب وظهيير على وجوههييم سييمة تدل على كفرهييم؛ كقوله تعالى" :يوم
تبيض وجوه وتسود وجوه" [آل عمران .]106 :وقرأ نافع وابن محيصن وابن عامر والكسائي
"سئت" بإشمام الضم .وكسر الباقون بغير إشمام طلبا للخفة .ومن ضم لحظ الصل" .وقيل هذا
الذي كنتم به تدعون" قال الفراء" :تدعون" تفتعلون من الدعاء وهو قول أكثر العلماء أي تتمنون
وتسألون .وقال ابن عباس :تكذبون؛ وتأويله :هذا الذي كنتم من أجله تدعون الباطيل والحاديث؛
قاله الزجاج .وقراءة العامية "تدعون" بالتشدييد ،وتأويله ميا ذكرناه .وقرأ قتادة وابين أبيي إسيحاق
والضحاك ويعقوب "تدعون" مخففيية .قال قتادة :هييو قولهييم "ربنييا عجييل لنييا قطنييا" [ص.]16 :
وقال الضحاك :هو قولهم "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء"
[النفال ]32 :اليية .وقال أبيو العباس" :تدعون" تسيتعجلون؛ يقال :دعوت بكذا إذا طلبتيه؛
وادعيييت افتعلت منييه .النحاس" :تدعون وتدعون" بمعنييى واحييد؛ كمييا يقال :قدر وأقتدر ،وعدى
واعتدى؛ إل أن في "أفتعل" معنى شيء بعد شيء ،و"فعل" يقع على القليل والكثير.
**3اليية{ 28 :قيل أرأيتيم إن أهلكنيي ال ومين معيي أو رحمنيا فمين يجيير الكافريين مين عذاب
أليم}
@قوله تعالى" :قل أرأيتم إن أهلكني ال" أي قل لهم يا محمد -يريد مشركي مكة ،وكانوا يتمنون
موت محميد صيلى ال علييه وسيلم؛ كميا قال تعالى" :أم يقولون شاعير نتربيص بيه رييب المنون"
[الطور - ]30 :أرأيتم إن متنا أو رحمنا فأخرت آجالنا فمن يجيركم من عذاب ال؛ فل حاجة بكم
إلى التربص بنا ول إلى استعجال قيام الساعة .وأسكن الياء في "أهلكني" ابن محيصن والمسيبي
وشيبية والعميش وحمزة .وفتحهيا الباقون .وكلهيم فتيح الياء فيي "ومن معيي" إل أهيل الكوفية فإنهيم
سكنوها .وفتحها حفص كالجماعة.
**3الية{ 29 :قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلل مبين}
@قوله تعالى" :قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون" قرأ الكسائي بالياء على الخبر؛
ورواه عين علي .الباقون بالتاء على الخطاب .وهيو تهدييد لهيم .ويقال :لم أخير مفعول "آمنيا" وقدم
مفعول "توكلنيا" فيقال :لوقوع "آمنيا" تعريضيا بالكافريين حيين ورد عقييب ذكرهيم .كأنيه قييل :آمنيا
ولم نكفير كميا كفرتيم .ثيم قال "وعلييه توكلنيا" خصيوصا لم نتكيل على ميا أنتيم متكلون علييه مين
رجالكم وأموالكم؛ قاله الزمخشري.
**3الية{ 30 :قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين}
@قوله تعالى" :قل أرأيتم" يا معشر قريش "إن أصبح ماؤكم غورا" أي غائرا ذاهبا في الرض
ل تناله الدلء .وكان ماؤهم من بئرين :بئر زمزم وبئر ميمون" .فمن يأتيكم بماء معين" أي جار؛
قاله قتادة والضحاك .فل بيد لهيم مين أن يقولوا ل يأتينيا بيه إل ال؛ فقيل لهيم لم تشركون بيه مين ل
يقدر على أن يأتيكييم .يقال :غار الماء يغور غورا؛ أي نضييب .والغور :الغائر؛ وصييف بالمصييدر
للمبالغة؛ كما تقول :رجل عدل ورضا .وقد مضى في سورة "الكهف" ومضى القول في المعنى
فيي سيورة "المؤمنون" والحميد ل .وعين ابين عباس" :بماء معيين" أي ظاهير تراه العيون؛ فهيو
مفعول .وقيل :هو من معن الماء أي كثر؛ فهو على هذا فعيل .وعن ابن عباس أيضا :أن المعنى
فمن يأتيكم بماء عذب .وال أعلم.
**2سورة القلم
**3مقدمة السورة
@ مكيية فيي قول الحسين وعكرمية وعطاء وجابر .وقال ابين عباس وقتادة :مين أولهيا إلى قوله
تعالى" :سنسمه على الخرطوم" [القلم ]16 :مكي .ومن بعد ذلك إلى قوله تعالى" :أكبر لو كانوا
يعلمون" [القلم ]33 :مدني .ومن بعد ذلك إلى قوله" :يكتبون" [القلم ]47 :مكي .ومن بعد ذلك
إلى قوله تعالى" :من الصالحين" [القلم ]50 :مدني ،وما بقي مكي؛ قاله الماوردي.
**3الية{ 1 :ن والقلم وما يسطرون ،ما أنت بنعمة ربك بمجنون ،وإن لك لجرا غير ممنون}
@قوله تعالى" :ن والقلم" أدغيم النون الثانيية فيي هجائهيا فيي الواو أبيو بكير والمفضيل وهيبيرة
وورش وابين محيصين وابين عامير والكسيائي ويعقوب .والباقون بالظهار .وقرأ عيسيى بين عمير
بفتحها؛ كأنه أضمر فعل .وقرأ ابن عباس ونصر وابن أبي إسحاق بكسرها على إضمار حرف،
القسم .وقرأ هارون ومحمد بن السميقع بضمها على البناء .واختلف في تأويله؛ فروى معاوية بن
قرة عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :ن لوح من نور) .وروى ثابت البناني
أن "ن" الدواة .وقاله الحسين وقتادة .وروى الولييد بين مسيلم قال :حدثنيا مالك بين أنيس عين سيمي
مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم
يقول( :أول مييا خلق ال القلم ثييم خلق النون وهييي الدواة وذلك قوله تعالى" :ن والقلم" ثييم قال له
اكتيب قال :وميا أكتيب قال :ميا كان وميا هيو كائن إلى يوم القيامية مين عميل أو أجيل أو رزق أو أثير
فجرى القلم بمييا هييو كائن إلى يوم القياميية -قال -ثييم ختييم فييم القلم فلم ينطييق ول ينطييق إلى يوم
القيامية .ثيم خلق العقيل فقال الجبار ميا خلقيت خلقيا أعجيب إلي منيك وعزتيي وجللي لكملنيك فيمين
أحببت ولنقصنك فيمن أبغضت) قال :ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أكمل الناس عقل
أطوعهيم ل وأعملهيم بطاعتيه) .وعين مجاهيد قال" :ن" الحوت الذي تحيت الرض السيابعة .قال:
"والقلم" الذي كتب به الذكر .وكذا قال مقاتل ومرة الهمداني وعطاء الخراساني والسدي والكلبي:
إن النون هو الحوت الذي عليه الرضون .وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال :أول ما خلق ال
القلم فجرى بما هو كائن ،ثم رفع بخار الماء فخلق منه السماء ،ثم خلق النون فبسط الرض على
ظهره ،فمادت الرض فأثبتييت بالجبال ،وإن الجبال لتفخيير على الرض .ثييم قرأ ابيين عباس "ن
والقلم" الية .وقال الكلبي ومقاتل :اسمه البهموت .قال الراجز:
وال ربي خلق البهموتا مالي أراكم كلكم سكوتا
وقال أبو اليقظان والواقدي :ليوثا .وقال كعب :لوثوثا .وقال :بلهموثا .وقال كعب :إن إبليس تغلغل
إلى الحوت الذي على ظهره الرضون فوسيوس فيي قلبيه ،وقال :أتدري ميا على ظهرك ييا لوثوثيا
من الدواب والشجر والرضين وغيرها ،لو لفظتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع؛ فهم ليوثا أن يفعل
ذلك ،فبعث ال إليه دابة فدخلت منخره ووصلت إلى دماغه ،فضج الحوت إلى ال عز وجل منها
فأذن ال لهيا فخرجيت .قال كعيب :فوال إنيه لينظير إليهيا وتنظير إلييه إن هيم بشييء مين ذلك عادت
كميا كانيت .وقال الضحاك عين ابين عباس :إن "ن" آخير حروف مين حروف الرحمين .قال :الر،
وحيم ،ون؛ الرحمين تعالى متقطعية .وقال ابين زييد :هيو قسيم أقسيم تعالى بيه .وقال ابين كيسيان :هيو
فاتحة السورة .وقيل :اسم السورة .وقال عطاء وأبو العالية :هو أفتتاح اسمه نصير ونور وناصر.
وقال محميد بين كعيب :أقسيم ال تعالى بنصيره للمؤمنيين؛ وهيو حيق .بيانيه قوله تعالى" :وكان حقيا
علينا نصر المؤمنين" [الروم ]47 :وقال جعفر الصادق :هو نهر من أنهار الجنة يقال له نون.
وقيل :هو المعروف من حروف المعجم ،لنه لو كان غير ذلك لكان معربا؛ وهو اختيار القشيري
أبيو نصير عبدالرحييم فيي تفسييره .قال :لن "ن" حرف لم يعرب ،فلو كان كلمية تامية أعرب كميا
أعرب القلم ،فهيو إذا حرف هجاء كميا فيي سيائر مفاتييح السيور .وعلى هذا قييل :هيو اسيم السيورة،
أي هذه السيورة "ن" .ثيم قال" :والقلم" أقسيم بالقلم لميا فييه مين البيان كاللسيان؛ وهيو واقيع على كيل
قلم مما يكتب به من في السماء ومن في الرض؛ ومنه قول أبي الفتح البستي:
وعدوه مما يكسب المجد والكرم إذا أقسم البطال يوما بسيفهم
مدى الدهر أن ال أقسم بالقلم كفى قلم الكتاب عزا ورفعة
وللشعراء في تفضيل القلم على السيف أبيات كثيرة؛ ما ذكرناه أعلها .وقال ابن عباس :هذا قسم
بالقلم الذي خلقه ال؛ فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة .قال :وهو قلم من نور
طوله كميا بيين السيماء والرض .ويقال .خلق ال القلم ثيم نظير إلييه فأنشيق نصيفين؛ فقال :أجير؛
فقال :يا رب بم أجري؟ قال بما هو كائن إلى يوم القيامة؛ فجرى على اللوح المحفوظ .وقال الوليد
بن عبادة بن الصامت :أوصاني أبي عند موته فقال :يا بني ،اتق ال ،وأعلم أنك لن تتقي ولن تبلغ
العلم حتى تؤمن بال وحده ،والقدر خيره وشره ،سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول( :إن أول
ما خلق ال القلم فقال له أكتب فقال يا رب وما أكتب فقال أكتب القدر فجرى القلم في تلك الساعة
بميا كان وميا هيو كائن إلى البيد) وقال ابين عباس :أول ميا خلق ال القلم فأمره أن يكتيب ميا هيو
كائن؛ فكتب فيما كتب "تبت يدا أبي لهب" [المسد .]1 :وقال قتادة :القلم نعمة من ال تعالى على
عباده .قال غيره :فخلق ال القلم الول فكتيب ميا يكون فيي الذكير ووضعيه عنده فوق عرشيه ،ثيم
خلق القلم الثانيي ليكتيب بيه فيي الرض؛ على ميا يأتيي بيانيه فيي سيورة "اقرأ باسيم ربيك" [العلق:
.]1
@قوله تعالى" :وميا يسيطرون" أي وميا يكتبون .يرييد الملئكية يكتبون أعمال بنيي آدم؛ قاله ابين
عباس :وقيل :وما يكتبون أي الناس ويتفاهمون به .وقال ابن عباس :ومعنى "وما يسطرون" وما
يعلمون .و"ما" موصولة أو مصدرية؛ أي ومسطوراتهم أو وسطرهم ،ويراد به كل من يسطر أو
الحفظيية؛ على الخلف" .مييا أنييت بنعميية ربييك بمجنون" هذا جواب القسييم وهييو نفييي ،وكان
المشركون يقولون للنيبي صيلى ال علييه وسيلم إنيه مجنون ،بيه شيطان .وهيو قولهيم" :ييا أيهيا الذي
نزل علييه الذكير إنيك لمجنون" [الحجير ]6 :فأنزل ال تعالى ردا عليهيم وتكذيبيا لقولهيم {ميا أنيت
بنعمية ربيك بمجنون" أي برحمية ربيك .والنعمية هيا هنيا الرحمية .ويحتميل ثانييا -أن النعمية هيا هنيا
قسيم؛ وتقديره :ميا أنيت ونعمية ربيك بمجنون؛ لن الواو والباء مين حروف القسيم .وقييل هيو كميا
تقول :ما أنت بمجنون ،والحمد ل .وقيل :معناه ما أنت بمجنون ،والنعمة لربك؛ كقولهم :سبحانك
اللهم وبحمدك؛ أي والحمد ل .ومنه قول لبيد:
وفارقني جار بأربد نافع وأفردت في الدنيا بفقد عشيرتي
أي وهو أربد .وقال النابغة:
طفحت عليك بناتق مذكار لم يحرموا حسن الغذاء وأمهم
أي هيو ناتيق .والباء فيي "بنعمية ربيك" متعلقية "بمجنون" منفييا؛ كميا يتعلق بغافيل مثبتيا .كميا فيي
قولك :أنيت بنعمية ربيك غافيل .ومحله النصيب على الحال؛ كأنيه قال :ميا أنيت بمجنون منعميا علييك
بذلك" .وإن لك لجرا" أي ثوابيا على ميا تحملت مين أثقال النبوة" .غيير ممنون" أي غيير مقطوع
ول منقوص؛ يقال :مننت الحبل إذا قطعته .وحبل منين إذا كان غير متين .قال الشاعر:
غبْسا كواسب ل ُي َمنّ طعامها
ُ
أي ل يقطيع .وقال مجاهيد" :غيير ممنون" محسيوب .الحسين" :غيير ممنون" غيير مكدر بالمين.
الضحاك :أجرا بغير عمل .وقيل :غير مقدر وهو التفضل؛ لن الجزاء مقدر والتفضل غير مقدر؛
ذكره الماوردي ،وهو معنى قول مجاهد.
**3الية{ 4 :وإنك لعلى خلق عظيم}
@قوله تعالى" :وإنك لعلى خلق عظيم" قال ابن عباس ومجاهد :على خلق ،على دين عظيم من
الديان ،لييس ديين أحيب إلى ال تعالى ول أرضيى عنده منيه .وفيي صيحيح مسيلم عين عائشية :أن
خلقييه كان القرآن .وقال علي رضييي ال عنييه وعطييية :هييو أدب القرآن .وقيييل :هييو رفقييه بأمتييه
وإكرامه إياهم .وقال قتادة :هو ما كان يأتمر به من أمر ال وينتهي عنه مما نهى ال عنه .وقيل:
أي إنك على طبع كريم .الماوردي :وهو الظاهر .وحقيقة الخلق في اللغة :هو ما يأخذ به النسان
نفسيه مين الدب يسيمى خلقيا؛ لنيه يصيير كالخلقية فييه .وأميا ميا طبيع علييه مين الدب فهيو الخييم
(بالكسر) :السجية والطبيعة ،ل واحد له من لفظه .وخيم :اسم جبل .فيكون الخلق الطبع المتكلف.
والخيم الطبع الغريزي .وقد أوضح العشى ذلك في شعره فقال:
وعادت لخيمها الخلق وإذا ذو الفضول ضن على المولى
أي رجعت الخلق إلى طبائعها.
قلت :ميا ذكرتيه عين عائشية فيي صيحيح مسيلم أصيح القوال .وسيئلت أيضيا عين خلقيه علييه
السيلم؛ فقرأت "قيد أفلح المؤمنون" [المؤمنون ]1 :إلى عشير آيات ،وقالت :ميا كان أحيد أحسين
خلقا من رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ما دعاه أحد من الصحابة ول من أهل بيته إل قال لبيك،
ولذلك قال ال تعالى "وإنييك لعلى خلق عظيييم" .ولم يذكيير خلق محمود إل وكان للنييبي صييلى ال
عليه وسلم منه الحظ الوفر .وقال الجنيد :سمي خلقه عظيما لنه لم تكن له همة سوى ال تعالى.
وقييل سيمي خلقيه عظيميا لجتماع مكارم الخلق فييه؛ يدل علييه قوله علييه السيلم( :إن ال بعثنيي
لتمييم مكارم الخلق) .وقيييل :لنييه أمتثييل تأديييب ال تعالى إياه بقوله تعالى" :خييذ العفييو وأميير
بالعرف وأعرض عن الجاهلين" [العراف .]199 :وقد روي عنه عليه السلم أنه قال( :أدبني
ربيي تأديبيا حسينا إذ قال" :خيذ العفيو وأمير بالعرف وأعرض عين الجاهليين" [العراف]199 :
فلما قبلت ذلك منه قال" :إنك لعلى خلق عظيم".
@ روى الترمذي عين أبيي ذر قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :أتيق ال حيثميا كنيت
وأتبييع السيييئة الحسيينة تمحهييا وخالق الناس بخلق حسيين) .قال حديييث حسيين صييحيح .وعيين أبييي
الدرداء أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق
حسن وإن ال تعالى ليبغض الفاحش البذيء) .قال :حديث حسن صحيح .وعنه قال :سمعت النبي
صيلى ال علييه وسيلم يقول( :ميا مين شييء يوضيع فيي الميزان أثقيل مين حسين الخلق وإن صياحب
حسين الخلق ليبلغ بيه درجية صياحب الصيلة والصيوم) .قال :حدييث غرييب مين هذا الوجيه .وعين
أبي هريرة قال :سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال( :تقوى
ال وحسين الخلق) .وسيئل عين أكثير ميا يدخيل الناس النار؟ فقال( :الفيم والفرج) قال :هذا حدييث
صيحيح غرييب .وعين عبدال بين المبارك أنيه وصيف حسين الخلق فقال :هيو بسيط الوجيه ،وبذل
المعروف ،وكيف الذى .وعين جابر :أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال( :إن مين أحبكيم إلي
وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلقا -قال -وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم
القياميييية الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون) .قالوا :يييييا رسييييول ال ،قييييد علمنييييا الثرثارون
والمتشدقون ،فمييا المتفيهقون؟ قال( :المتكييبرون) .قال :وفييي الباب عيين أبييي هريرة وهذا حديييث
حسن غريب من هذا الوجه.
**3الية{ 7 - 5 :فستبصر ويبصرون ،بأيكم المفتون ،إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله
وهو أعلم بالمهتدين}
@قوله تعالى" :فستبصر ويبصرون" قال ابن عباس :معناه فستعلم ويعلمون يوم القيامة .وقيل:
فسيترى ويرون يوم القيامية حيين يتيبين الحيق والباطيل" .بأيكيم المفتون" الباء زائدة؛ أي فسيتبصر
ويبصيرون أيكيم المفتون .أي الذي فتين بالجنون؛ كقوله تعالى" :تنبيت بالدهين" [المؤمنون]20 :
و"يشرب بهيا عباد ال" [النسيان .]6 :وهذا قول قتادة وأبيي عبييد والخفيش .وقال الراجيز :نحين
بنييو جعدة أصييحاب الفلج نضرب بالسيييف ونرجييو بالفرج وقيييل :الباء ليسييت بزائدة؛ والمعنييى:
"بأيكيم المفتون" أي الفتنية .وهيو مصيدر على وزن المفعول ،ويكون معناه الفتون؛ كميا قالوا :ميا
لفلن مجلود ول معقول؛ أي عقل ول جلدة .وقاله الحسن والضحاك وابن عباس .وقال الراعي:
لحما ول لفؤاده معقول حتى إذا لم يتركوا لعظامه
أي عقل .وقييل فيي الكلم تقديير حذف مضاف؛ والمعنيى :بأيكيم فتنية المفتون .وقال الفراء :الباء
بمعنى في؛ أي فستبصر ويبصرون في أي الفريقين المجنون؛ أبالفرقة التي أنت فيها من المؤمنين
أم بالفرقييية الخرى .والمفتون :المجنون الذي فتنيييه الشيطان .وقييييل :المفتون المعذب .مييين قول
العرب :فتنيت الذهيب بالنار إذا حميتيه .ومنيه قوله تعالى" :يوم هيم على النار يفتنون" [الذاريات:
]13أي يعذبون.
ومعظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل .وقيل :المفتون هو الشيطان؛ لنه مفتون
في دينه .وكانوا يقولون :إن به شيطانا ،وعنوا بالمجنون هذا؛ فقال ال تعالى :فسيعلمون غدا بأيهم
المجنون؛ أي الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلط العقل" .إن ربك هو أعلم بمن ضل
عين سيبيله" أي إن ال هيو العالم بمين حاد عين دينيه" .وهيو أعلم بالمهتديين" أي الذيين هيم على
الهدى فيجازي كل غدا بعمله.
**3الية{ 8 :فل تطع المكذبين}
@ نهاه عن ممايلة المشركين؛ وكانوا يدعونه إلى أن يكف عنهم ليكفوا عنه ،فبين ال تعالى أن
ممايلتهيم كفير .وقال تعالى" :ولول أن ثبتناك لقيد كدت تركين إليهيم شيئا قليل" [السييراء.]74 :
وقييل :أي فل تطيع المكذبيين فيميا دعوك إلييه مين دينهيم الخيبيث .نزلت فيي مشركيي قرييش حيين
دعوه إلى دين آبائه.
**3الية{ 9 :ودوا لو تدهن فيدهنون}
@ قال ابين عباس وعطيية والضحاك والسيدي :ودوا لو تكفير فيتمادون على كفرهيم .وعين ابين
عباس أيضييا :ودوا لو ترخييص لهييم فيرخصييون لك .وقال الفراء والكلبييي :لو تلييين فيلينون لك.
والدهان :التلييين لمين ل ينبغيي له التلييين؛ قاله الفراء .وقال مجاهيد :المعنيى ودوا لو ركنيت إليهيم
وتركت الحق فيمالئونك .وقال الربيع بن أنس :ودوا لو تكذب فيكذبون .وقال قتادة :ودوا لو تذهب
عين هذا المير فيذهبون معيك .الحسين :ودوا لو تصيانعهم فيي دينيك فيصيانعونك فيي دينهيم .وعنيه
أيضييا :ودوا لو ترفييض بعييض أمرك فيرفضون بعييض أمرهييم .زيييد بيين أسييلم :لو تنافييق وترائي
فينافقون ويراؤون .وقييل :ودوا لو تضعيف فيضعفون؛ قال أبيو جعفير .وقييل :ودوا لو تداهين فيي
دينيك فيداهنون فيي أديانهيم؛ قاله القتيبي .وعنيه :طلبوا منيه أن يعبيد ألهتهيم مدة ويعبدوا إلهيه مدة.
فهذه آثنيا عشير قول .ابين العربيي :ذكير المفسيرون فيهيا نحيو عشرة أقوال كلهيا دعاوى على اللغية
والمعنى .أمثلها قولهم :ودوا لو تكذب فيكذبون ،ودوا لو تكفر فيكفرون.
قلت :كلهيييا إن شاء ال تعالى صيييحيحة على مقتضيييى اللغييية والمعنيييى؛ فإن الدهان :الليييين
والمصييانعة .وقيييل :مجاملة العدو ممايلتييه .وقيييل :المقاربيية فييي الكلم والتليييين فييي القول .قال
الشاعر:
تنوبك من مداهنة العدو لبعض الغشم أحزم في أمور
وقال المفضيل :النفاق وترك المناصيحة .فهيي على هذا الوجيه مذمومية ،وعلى الوجيه الول غيير
مذمومية ،وكيل شييء منهيا لم يكين .قال الميبرد :يقال أدهين فيي دينيه وداهين فيي أمره؛ أي خان فييه
وأظهيير خلف مييا يضميير .وقال قوم :داهنييت بمعنييى واريييت ،وأدهنييت بمعنييى غششييت؛ قال
الجوهري .وقال" :فيدهنون" فسيياقه على العطييف ،ولو جاء بييه جواب النهييي لقال فيدهنوا .وإنمييا
أراد :إن تمنوا لو فعلت فيفعلون مثييل فعلك؛ عطفييا ل جزاء عليييه ول مكافأة ،وإنمييا هييو تمثيييل
وتنظير.
**3الية{ 13 - 10 :ول تطع كل حلف مهين ،هماز مشاء بنميم ،مناع للخير معتد أثيم ،عتل
بعد ذلك زنيم}
@ يعني الخنس بن شريق؛ في قول الشعبي والسدي وابن إسحاق .وقيل :السود بن عبد يغوث،
أو عبدالرحمين بين السيود؛ قاله مجاهيد .وقييل :الولييد بين المغيرة ،عرض على النيبي صيلى ال
عليه وسلم مال وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه؛ قال مقاتل .وقال ابن عباس :هو أبو جهل بن
هشام .والحلف :الكثييير الحلف .والمهييين :الضعيييف القلب؛ عيين مجاهييد .ابيين عباس :الكذاب.
والكذاب مهيين .وقييل :المكثار فيي الشير؛ قاله الحسين وقتادة .وقال الكلبيي :المهيين الفاجير العاجيز.
وقييل :معناه الحقيير عنيد ال .وقال ابين شجرة :إنيه الذلييل .الرمانيي :المهيين الوضييع لكثاره مين
القبيح .وهو فعييل من المهانة بمعنيى القلة .وهيي هنيا القلة فيي الرأي والتميييز .أو هو فعييل بمعنيى
مفعييل؛ والمعنييى مهان" .هماز" قال ابيين زيييد :الهماز الذي يهمييز الناس بيده ويضربهييم .واللماز
باللسيان .وقال الحسين :هيو الذي يهميز ناحيية فيي المجلس؛ كقوله تعالى" :همزة"[ .الهمزة.]1 :
وقييل :الهماز الذي يذكير الناس فيي وجوههيم .واللماز الذي يذكرهيم فيي مغيبهيم؛ قاله أبيو العاليية
وعطاء بين أبيي رباح والحسين أيضيا .وقال مقاتيل ضيد هذا الكلم :إن الهمزة الذي يغتاب بالغيبية.
واللمزة الذي يغتاب فيي الوجيه .وقال مرة :هميا سيواء .وهيو القتات الطعان للمرء إذا غاب .ونحوه
عن ابن عباس وقتادة .قال الشاعر:
وإن أغب فأنت الهامز اللمزة تدلي بود إذا لقيتني كذبا
"مشاء بنميم" أي يمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم .يقال :نم ينم نما ونميما ونميمة؛ أي يمشي
ويسعى بالفساد .وفي صحيح مسلم عن حذيفة أنه بلغه أن رجل ينم الحديث ،فقال حذيفة :سمعت
رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :ل يدخل الجنة نمام) .وقال الشاعر:
لموله إل سعيه بنميم ومولى كبيت النمل ل خير عنده
قال الفراء :هميا لغتان .وقييل :النمييم جميع نميمية" .مناع للخيير" أي للمال أن ينفيق فيي وجوهيه.
وقال ابن عباس :يمنع عن السلم ولده وعشيرته .وقال الحسن :يقول لهم من دخل منكم في دين
محميد ل أنفعيه بشييء أبدا" .معتيد" أي على الناس فيي الظلم متجاوز للحيد ،صياحب باطيل" .أثييم"
أي ذي إثيم ،ومعناه أثوم ،فهيو فعييل بمعنيى فعول" .عتيل بعيد ذلك زنييم" العتيل الجافيي الشدييد فيي
كفره .وقال الكلبي والفراء :هو الشديد الخصومة بالباطل .وقيل :إنه الذي يعتل الناس فيجرهم إلى
حبيس أو عذاب .مأخوذ مين العتيل وهيو الجير؛ ومنيه قوله تعالى" :خذوه فاعتلوه" [الدخان.]47 :
وفيي الصيحاح :وعتلت الرجيل أعتله وأعتله إذا جذبتيه جذبيا عنيفيا .ورجيل معتيل (بالكسير) .وقال
يصف فرسا:
نفرعه فرعا ولسنا نعتله
قال ابين السيكيت :عتله وعتنيه ،باللم والنون جميعيا .والعتيل الغلييظ الجافيي .والعتيل أيضيا :الرميح
الغلييظ .ورجيل عتيل (بالكسير) بيين العتيل؛ أي سيريع إلى الشير .ويقال :ل أنعتيل معيك؛ أي ل أبرح
مكانيي .وقال عبييد بين عميير :العتيل الكول الشروب القوي الشدييد يوضيع فيي الميزان فل يزن
شعيرة؛ يدفييع الملك ميين أولئك فييي جهنييم بالدفعيية الواحدة سييبعين ألفييا .وقال علي بيين أبييي طالب
والحسن :العتل الفاحش السيئ الخلق .وقال معمر :هو الفاحش اللئيم .قال الشاعر:
غير ذي نجدة وغير كريم ب ُعتُلّ من الرجال زنيم
وفيي صيحيح مسيلم عين حارثية بين وهيب سيمع النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :أل أخيبركم بأهيل
الجنة -قالوا بلى قال -كل ضعيف متضعف لو أقسم على ال لبره .أل أخبركم بأهل النار -قالوا
بلى قال -كيل عتيل جواظ مسيتكبر) .وفيي روايية عنيه (كيل جواظ زنييم متكيبر) .الجواظ :قييل هيو
الجموع المنوع .وقيل الكثير اللحم المختال في مشيته .وذكر الماوردي عن شهر بن حوشب عن
عبدالرحمن بن غنم ،ورواه ابن مسعود أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ل يدخل الجنة جواظ
ول جعظري ول العتييل الزنيييم) .فقال رجييل :مييا الجواظ ومييا الجعظري ومييا العتييل الزنيييم؟ فقال
رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :الجواظ الذي جميع ومنيع .والجعظري الغلييظ .والعتيل الزنييم
الشديييد الخلق الرحيييب الجوف المصييحح الكول الشروب الواجييد للطعام الظلوم للناس) .وذكره
الثعلبي عن شداد بن أوس( :ل يدخل الجنة جواظ ول جعظري ول عتل زنيم) سمعتهن من النبي
صييلى ال عليييه وسييلم قلت :ومييا الجواظ؟ قال :الجماع المناع .قلت :ومييا الجعظري؟ قال :الفييظ
الغليييظ .قلت :ومييا العتييل الزنيييم؟ قال :الرحيييب الجوف الوثييير الخلق الكول الشروب الغشوم
الظلوم.
قلت :فهذا التفسيير مين النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي العتيل قيد أربيى على أقوال المفسيرين.
ووقيع فيي كتاب أبيي داود فيي تفسيير الجواظ أنيه الفيظ الغلييظ .ذكره مين حدييث حارثية بين وهيب
الخزاعيي قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ل يدخيل الجنية الجواظ ول الجعظري) قال:
والجواظ الفيظ الغلييظ .ففييه تفسييران مرفوعان حسيب ميا ذكرناه أول .وقيد قييل :إنيه الجافيي القلب.
وعين زييد بين أسيلم فيي قوله تعالى" :عتيل بعيد ذلك زنييم" قال :قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم:
(تبكي السماء من رجل أصح ال جسمه ورحب جوفه وأعطاه من الدنيا بعضا فكان للناس ظلوما
فذلك العتل الزنيم .وتبكي السماء من الشيخ الزاني ما تكاد الرض تقله) .والزنيم الملصق بالقوم
الدعي؛ عن ابن عباس وغيره .قال الشاعر :زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الديم
الكارع وعن ابن عباس أيضا :أنه رجل من قريش كانت له زنمة كزنمة الشاة .وروى عنه ابن
جبير .أنه الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها .وقال عكرمة :هو اللئيم الذي يعرف بلؤمه
كما تعرف الشاة بزنمتها .وقيل :إنه الذي يعرف بالبنة .وهو مروي عن ابن عباس أيضا .وعنه
أنه الظلوم .فهذه ستة أقوال .وقال مجاهد :زنيم كانت له ستة أصابع في يده ،في كل إبهام له إصبع
زائدة .وعنيه أيضيا وسيعيد بين المسييب وعكرمية :هيو ولد الزنيى الملحيق فيي النسيب بالقوم .وكان
الوليد دعيا في قريش ليس من سنخهم؛ ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة من مولده .قال الشاعر:
بغي الم ذو حسب لئيم زنيم ليس يعرف من أبوه
وقال حسان:
نيط خلف الراكب القدح الفرد وأنت زنيم نيط في آل هاشم كما
قلت :وهذا هييو القول الول بعينييه .وعيين علي رضييي ال تعالى عنييه أنييه الذي ل أصييل له؛
والمعنيى واحيد .وروي أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :ل يدخيل الجنية ولد زنيى ول ولده ول
ولد ولده) .وقال عبدال بين عمير :إن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :إن أولد الزنيى يحشرون
يوم القيامة في صورة القردة والخنازير) .وقالت ميمونة :سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول:
(ل تزال أمتيي بخيير ميا لم يفيش فيهيم ولد الزنيى فإذا فشيا فيهيم ولد الزنيى أوشيك أن يعمهيم ال
بعقاب) .وقال عكرمة :إذا كثر ولد الزنى قحط المطر.
قلت :أما الحديث الول والثاني فما أظن لهما سندا يصح ،وأما حديث ميمونة وما قاله عكرمة
ففي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى ال عليه وسلم قالت :خرج النبي صلى
ال علييه وسيلم يوميا فزعيا محمرا وجهيه يقول( :ل إله إل ال .وييل للعرب مين شير قيد اقترب .فتيح
اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) وحلق بإصبعيه البهام والتي تليها .قالت فقلت :يا رسول
ال ،أنهلك وفينييا الصييالحون؟ قال( :نعييم إذا كثيير الخبييث) خرجييه البخاري .وكثرة الخبييث ظهور
الزنيى وأولد الزنيى؛ كذا فسيره العلماء .وقول عكرمية "قحيط المطير" تيبيين لميا يكون بيه الهلك.
وهذا يحتاج إلى توقيف ،وهو أعلم من أين قاله .ومعظم المفسرين على أن هذا نزل في الوليد بن
المغيرة ،وكان يطعم أهل منى حيسا ثلثة أيام ،وينادي أل ل يوقدن أحد تحت برمة ،أل ل يدخنن
أحيد بكراع ،أل ومن أراد الحييس فليأت الولييد بين المغيرة .وكان ينفيق فيي الحجة الواحدة عشريين
ألفيا وأكثير .ول يعطيي المسيكين درهميا واحدا فقييل" :مناع للخيير" .وفييه نزل" :ووييل للمشركيين.
الذين ل يؤتون الزكاة" [فصلت .]6 :وقال محمد بن إسحاق :نزلت في الخنس بن شريق ،لنه
حلييف ملحيق فيي بنيي زهرة ،فلذلك سيمي زنيميا .وقال ابين عباس :فيي هذه اليية نعيت ،فلم يعرف
حتيى قتيل فعرف ،وكان له زنمية فيي عنقيه معلقية يعرف بهيا .وقال ُمرّة الهمدانيي :إنميا ادعاه أبوه
بعد ثماني عشرة سنة.
**3الية{ 15 - 14 :أن كان ذا مال وبنين ،إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الولين}
@قوله تعالى" :أن كان ذا مال وبنين" قرأ أبو جعفر وابن عامر وأبو حيوة والمغيرة والعرج
"آن كان" بهمزة واحدة ممدودة على السيتفهام .وقرأ المفضيل وأبيو بكير وحمزة "أأن كان"
بهمزتييين محققتييين .وقرأ الباقون بهمزة واحدة على الخييبر؛ فميين قرأ بهمزة مطولة أو بهمزتييين
محققتين فهو استفهام والمراد به التوبيخ ،ويحسن له أن يقف على "زنيم" ،ويبتدئ "أن كان" على
معنييى ألن كان ذا مال وبنييين تطيعييه .ويجوز أن يكون التقدييير :ألن كان ذا مال وبنييين يقول إذا
تتلى عليه آياتنا :أساطير الولين ويجوز أن يكون التقدير :ألن كان ذا مال وبنين يكفر ويستكبر.
ودل عليه ما تقدم من الكلم فصار كالمذكور بعد الستفهام .ومن قرأ "أن كان" بغير استفهام فهو
مفعول مين أجله والعاميل فييه فعيل مضمير ،والتقديير :يكفير لن كان ذا مال وبنيين .ودل على هذا
الفعيل" :إذا تتلى علييه آياتنيا قال أسياطير الوليين" ول يعميل فيي "أن"" :تتلى" ول "قال" لن ميا
بعيد "إذا" ل يعميل فيميا قبلهيا؛ لن "إذا" تضاف إلى الجميل التيي بعدهيا ،ول يعميل المضاف إلييه
فيما قبل المضاف .و"قال" جواب الجزاء ول يعمل فيما قبل الجزاء؛ إذا حكم العامل أن يكون قبل
المعمول فيه ،وحكم الجواب أن يكون بعد الشرط فيصير مقدما مؤخرا في حال .ويجوز أن يكون
المعنى ل تطعه لن كان ذا يسار وعدد .قال ابن النباري :ومن قرأ بل استفهام لم يحسن أن يقف
على "زنييم" لن المعنيى لن كان وبأن كان" ،فأن" متعلقية بميا قبلهيا .قال غيره :يجوز أن يتعلق
بقوله" :مشاء بنميييم" والتقدييير يمشييي بنميييم لن كان ذا مال وبنييين .وأجاز أبييو علي أن يتعلق
"بعتل" .وأساطير الولين :أباطيلهم وترهاتهم وخرافاتهم .وقد تقدم.
**3الية{ 16 :سنسمه على الخرطوم}
@قوله تعالى" :سنسمه" قال ابن عباس :معنى "سنسمه" سنخطمه بالسيف .قال :وقد خطم الذي
نزلت فيييه يوم بدر بالسيييف؛ فلم يزل مخطومييا إلى أن مات .وقال قتادة :سيينسمه يوم القياميية على
أنفيه سيمة يعرف بهيا؛ يقال :وسيمته وسيما وسيمة إذا أثرت فييه بسيمة وكيي .وقيد قال تعالى" :يوم
تييبيض وجوه وتسييود وجوه" [آل عمران ]106 :فهذه علميية ظاهرة .وقال تعالى" :ونحشيير
المجرمين يومئذ زرقا" [طيه ]102 :وهذه علمة أخرى ظاهرة .فأفادت هذه الية علمة ثالثة
وهيي الوسيم على النيف بالنار؛ وهذا كقوله تعالى" :يعرف المجرمون بسييماهم" [الرحمين]41 :
قاله الكلبييي وغيره .وقال أبييو العالييية ومجاهييد" :سيينسمه على الخرطوم" أي على أنفييه ،ونسييود
وجهيه فيي الخرة فيعرف بسيواد وجهيه .والخرطوم :النيف مين النسيان .ومين السيباع :موضيع
الشفية .وخراطييم القوم :سياداتهم .قال الفراء :وإن كان الخرطوم قيد خيص بالسيمة فإنيه فيي معنيى
الوجه؛ لن بعض الشيء يعبر به عن الكل .وقال الطبري :نبين أمره تبيانا واضحا حتى يعرفوه
فل يخفيى عليهيم كميا ل تخفيى السيمة على الخراطييم .وقييل :المعنيى سينلحق بيه عارا وسيبة حتيى
يكون كمين وسيم على أنفيه .قال القتيبي :تقول العرب للرجيل يسيب سيبة سيوء قبيحية باقيية :قيد وسيم
ميسم سوء؛ أي الصق به عار ل يفارقه؛ كما أن السمة ل يمحى أثرها .قال جرير:
وعلى البعيث جدعت أنف الخطل لما وضعت على الفرزدق ميسمي
أراد بييه الهجاء .قال :وهذا كله نزل فييي الوليييد بيين المغيرة .ول نعلم أن ال تعالى بلغ ميين ذكيير
عيوب أحيد ميا بلغيه منيه؛ فألحقيه بيه عارا ل يفارقيه فيي الدنييا والخرة؛ كالوسيم على الخرطوم.
وقييل :هيو ميا ابتله ال بيه فيي الدنييا فيي نفسيه وماله وأهله مين سيوء وذل وصيغار؛ قاله ابين بحير.
واستشهد بقول العشى:
بشعرك وأعلب أنف من أنت واسم فدعها وما يغنيك وأعمد لغيرها
وقال النضير بين شمييل :المعنيى سينحده على شرب الخمير ،والخرطوم :الخمير ،وجمعيه خراطييم،
قال الشاعر:
تظل يومك في لهو وفي طرب وأنت بالليل شرّاب الخراطيم
قال الراجز:
صهباء خرطوما عقارا قرقفا
وقال آخر:
ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه
@ قال ابن العربي" :كان الوسم في الوجه لذي المعصية قديما عند الناس ،حتى أنه روي -كما
تقدم -أن اليهود لما أهملوا رجم الزاني اعتاضوا منه بالضرب وتحميم الوجه؛ وهذا وضع باطل.
ومين الوسيم الصيحيح فيي الوجيه :ميا رأى العلماء مين تسيويد وجيه شاهيد الزور ،علمية على قبيح
المعصييية وتشديدا لميين يتعاطاهييا لغيره مميين يرجييى تجنبييه بمييا يرجييى ميين عقوبيية شاهييد الزور
وشهرتيه؛ فقيد كان عزيزا بقول الحيق وقيد صيار مهينيا بالمعصيية .وأعظيم الهانية إهانية الوجيه.
وكذلك كانت الستهانة به في طاعة ال سببا لخيرة البد والتحريم له على النار؛ فإن ال تعالى قد
حرم على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود؛ حسب ما ثبت في الصحيح.
**3الية{ 19 - 17 :إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ،ول
يستثنون ،فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون}
@قوله تعالى" :إنييا بلوناهييم" يريييد أهييل مكيية .والبتلء الختبار .والمعنييى أعطيناهييم أموال
ليشكروا ل ليبطروا؛ فلما بطروا وعادوا محمدا صلي ال عليه وسلم ابتليناهم بالجوع والقحط كما
بلونا أهل الجنة المعروف خبرها عندهم .وذلك أنها كانت بأرض اليمن بالقرب منهم على فراسخ
مين صينعاء -ويقال بفرسيخين -وكانيت لرجيل يؤدي حيق ال تعالى منهيا؛ فلميا مات صيارت إلى
ولده ،فمنعوا الناس خيرهيا وبخلوا بحيق ال فيها؛ فأهلكهيا ال مين حيث لم يمكنهيم دفع ما حيل بها.
قال الكلبييي :كان بينهييم وبييين صيينعاء فرسييخان؛ ابتلهييم ال بأن أحرق جنتهييم .وقيييل :هييي جنيية
بضوران ،وضوران على فرسيخ مين صينعاء ،وكان أصيحاب هذه الجنية بعيد رفيع عيسيى علييه
السلم بيسير -وكانوا بخلء -فكانوا يجدون التمير ليل من أجل المساكين ،وكانوا أرادوا حصاد
زرعها وقالوا :ل يدخلها اليوم عليكم مسكين ،فغدوا عليها فإذا هي قد اقتلعت من أصلها فأصبحت
كالصيريم؛ أي كاللييل .ويقال أيضيا للنهار صيريم .فإن كان أراد اللييل فل سيواد موضعهيا .وكأنهيم
وجدوا موضعهيا حمأة .وإن كان أراد بالصيريم النهار فلذهاب الشجير والزرع ونقاء الرض منيه.
وكان الطائف الذي طاف عليهيا جبرييل علييه السيلم فاقتلعهيا .فيقال :إنيه طاف بهيا حول البييت ثيم
وضعهييا حيييث مدينيية الطائف اليوم؛ ولذلك سييميت الطائف .وليييس فييي أرض الحجاز بلدة فيهييا
الشجير والعناب والماء غيرهيا .وقال البكري فيي المعجيم :سيميت الطائف لن رجل مين الصيدف
يقال له الدمون ،بنى حائطا وقال :قد بنيت لكم طائفا حول بلدكم؛ فسميت الطائف .وال أعلم.
@ قال بعض العلماء :على من حصد زرعا أو جد ثمرة أن يواسي منها من حضره؛ وذلك معنى
قوله" :وآتوا حقه يوم حصاده" [النعام ]141 :وأنه غير الزكاة على ما تقدم في "النعام" بيانه.
وقال بعضهييم :وعليييه ترك مييا أخطأه الحاصييدون .وكان بعييض العباد يتحرون أقواتهييم ميين هذا.
وروي أنه نهي عن الحصاد بالليل .فقيل :إنه لما ينقطع عن المساكين في ذلك من الرفق .وتأول
ميين قال هذا الييية التييي فييي سييورة "ن والقلم" .قيييل :إنمييا نهييي عيين ذلك خشييية الحيات وهوام
الرض.
قلت :الول أصيح؛ والثانيي حسين .وإنميا قلنيا الول أصيح لن العقوبية كانيت بسيبب ،ميا أرادوه
مين منيع المسياكين كميا ذكير ال تعالى .روى أسيباط عين السيدي قال :كان قوم باليمين وكان أبوهيم
رجل صالحا ،وكان إذا بلغ ثماره أتاه المساكين فما يمنعهم من دخولها وأن يأكلوا منها ويتزودوا؛
فلما مات قال بنوه بعضهم لبعض :علم نعطي أموالنا هؤلء المساكين! تعالوا فلندلج فنصر منها
قبيل أن يعلم المسياكين؛ ولم يسيتثنوا؛ فانطلقوا وبعضهيم يقول لبعيض خفتيا :ل يدخلنهيا اليوم عليكيم
مسييكين؛ فذلك قوله تعالى" :إذ أقسييموا" يعنييي حلفوا فيمييا بينهييم "ليصيير منهييا مصييبحين" يعنييي
لنجذنها وقت الصبح قبل أن تخرج المساكين؛ ول يستثنون؛ يعني لم يقولوا إن شاء ال .وقال ابن
عباس :كانيت تلك الجنية دون صينعاء بفرسيخين ،غرسيها رجيل مين أهيل الصيلح وكان له ثلثية
بنيين ،وكان للمسياكين كيل ميا تعداه المنجيل فلم يجذه مين الكرم ،فإذا طرح على البسياط فكيل شييء
سقط عن البساط فهو أيضا للمساكين ،فإذا حصدوا زرعهم فكل شيء تعداه المنجل فهو للمساكين،
فإذا درسوا كان لهم كل شيء انتثر؛ فكان أبوهم يتصدق منها على المساكين ،وكان يعيش في ذلك
فيي حياة أبيهيم اليتاميى والراميل والمسياكين ،فلميا مات أبوهيم فعلوا ميا ذكير ال عنهيم .فقالوا :قيل
المال وكثيير العيال؛ فتحالفوا بينهييم ليغدون غدوة قبييل خروج الناس ثييم ليصيير منهييا ول تعرف
المساكين .وهو قوله" :إذ أقسموا" أي حلفوا "ليصر منها" ليقطعن ثمر نخيلهم إذا أصبحوا بسدفة
مين اللييل لئل ينتبيه المسياكين لهيم .والصيرم القطيع .يقال :صيرم العذق عين النخلة .وأصيرم النخيل
أي حان وقت صرامه .مثل أركب المهر وأحصد الزرع ،أي حان ركوبه وحصاده.
@قوله تعالى" :ول يسيتثنون" أي ولم يقولوا إن شاء ال .وقال مجاهيد :كان حرثهيم عنبيا ولم
يقولوا إن شاء ال .وقال أبييو صييالح :كان اسييتثناؤهم قولهييم سييبحان ال ربنييا .وقيييل :معنييى "ول
يسيتثنون" أي ل يسيتثنون حيق المسياكين؛ قاله عكرمية .فجاؤوهيا ليل فرأوا الجنية مسيودة قيد طاف
عليها طائف من ربك وهم نائمون .قيل :الطائف جبريل عليه السلم؛ على ما تقدم ذكره .وقال ابن
عباس :أمر من ربك .وقال قتادة :عذاب من ربك .ابن جريج :عتق من نار خرج من وادي جهنم.
والطائف ل يكون إل بالليل؛ قاله الفراء.
قلت :فيي هذه اليية دلييل على أن العزم مميا يؤاخيذ بيه النسيان؛ لنهيم عزموا على أن يفعلوا
فعوقبوا قبيل فعلهيم .ونظيير هذه اليية قوله تعالى" :ومين يرد فييه بإلحاد بظلم نذقيه مين عذاب ألييم"
[الحيج .]25 :وفيي الصيحيح عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :إذا التقيى المسيلمان بسييفيهما
فالقاتل والمقتول في النار) قيل :يا رسول ال ،هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال( :إنه كان حريصا
على قتل صاحبه) .وقد مضى مبينا في سورة "آل عمران" عند قوله تعالى" :ولم يصروا على ما
فعلوا" [آل عمران.]135 :
**3اليية{ 22 - 20 :فأصيبحت كالصيريم ،فتنادوا مصيبحين ،أن اغدوا على حرثكيم إن كنتيم
صارمين}
@قوله تعالى" :فأصيبحت كالصيريم" أي كاللييل المظلم؛ عين ابين عباس والفراء وغيرهميا .قال
الشاعر:
فما ينجاب عن صبح صريم تطاول ليلك الجون البهيم
أي احترقت فصارت كالليل السود .وعن ابن عباس أيضا :كالرماد السود .قال :الصريم الرماد
السود بلغة خزيمة .الثوري :كالزرع المحصود .فالصريم بمعنى المصروم أي المقطوع ما فيه.
وقال الحسيين :صييرم عنهييا الخييير أي قطييع؛ فالصييريم مفعول أيضييا .وقال المؤرج :أي كالرملة
أنصرمت من معظم الرمل .يقال :صريمة وصرائم؛ فالرملة ل تنبت شيئا ينتفع به .وقال الخفش:
أي كالصيبح أنصيرم مين اللييل .وقال الميبرد :أي كالنهار؛ فل شييء فيهيا .قال شمير :الصيريم اللييل
والصيريم النهار؛ أي ينصيرم هذا عين ذاك وذاك عين هذا .وقييل :سيمي اللييل صيريما لنيه يقطيع
بظلمتيه عين التصيرف؛ ولهذا يكون فعييل بمعنيى فاعيل .قال القشيري :وفيي هذا نظير؛ لن النهار
يسيمى صيريما ول يقطيع عين تصيرف" .فتنادوا مصيبحين" ينادي بعضهيم بعضيا ليقطعين ثمير
نخيلهيم إذا أصيبحوا بسيدفة مين اللييل لئل ينتبيه المسياكين "أن اغدوا على حرثكيم" عازميين على
الصرام والجداد .قال قتادة :حاصدين زرعكم .وقال الكلبي :ما كان في جنتهم من زرع ول نخيل.
فتحالفوا بينهم ليغدون غدوة قبل خروج الناس ثم ليصرمنها ول تعرف المساكين.
**3الية{ 25 - 23 :فانطلقوا وهم يتخافتون ،أن ل يدخلنها اليوم عليكم مسكين ،وغدوا على
حرد قادرين}
@قوله تعالى" :فانطلقوا وهم يتخافتون" أي يتسارون؛ أي يخفون كلمهم ويسرونه لئل يعلم بهم
أحد؛ قاله عطاء وقتادة .وهو من خفت يخفت إذا سكن ولم يبين .كما قال دريد بن الصمة:
خفاتا وكل ظنه بي عودي وإني لم أهلك سلل ولم أمت
وقييل :يخفون أنفسيهم مين الناس حتيى ل يروهيم .وكان أبوهيم يخيبر الفقراء والمسياكين فيحضروا
وقيت الحصياد والصيرام" .وغدوا على حرد قادريين" أي على قصيد وقدرة فيي أنفسيهم ويظنون
أنهيم تمكنوا مين مرادهيم .قال معناه ابين عباس وغيره .والحرد القصيد .حرَد يحرِد (بالكسير) حردا
قصد .تقول :حردْتُ حردَك؛ أي قصدت قصدك .ومنه قول الراجز:
يحرد حرد الجنة ال ُمغِلّة أقبل سيل جاء من عند ال
أنشده النحاس:
يحرد حرد الجنة المغلة قد جاء سيل جاء من أمر ال
قال البرد :المغلة ذات الغلة .وقال غيره :المِغلة التيي يجري الماء فيي غللهيا أي فيي أصيولها .ومنيه
تغللت بالغاليية .ومنيه تغلييت ،أبدل مين اللم ياء .ومين قال تغلفيت فمعناه عنده جعلتهيا غلفيا .وقال
قتادة ومجاهد" :على حرد" أي على جد .الحسن :على حاجة وفاقة .وقال أبو عبيدة والقتيبي :على
حرد على منيع؛ مين قولهيم حاردت البيل حرادا أي قلت ألبانهيا .والحرود مين النوق القليلة الدر.
وحاردت السيينة قييل مطرهييا وخيرهييا .وقال السييدي وسييفيان" :على حرد" على غضييب .والحرد
الغضب .قال أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الصمعي :وهو مخفف؛ وأنشد شعراً:
مملوءة من غضب وحرد إذا جياد الخيل جاءت تردي
وقال ابين السيكيت :وقيد يحرك؛ تقول منيه :حرد (بالكسير) حردا ،فهيو حارد وحردان .ومنيه قييل:
أسييد حارد ،وليوث حوارد .وقيييل" :على حرد" على انفراد .يقال :حرد يحرد حرودا؛ أي تنحييى
عين قوميه ونزل منفردا ولم يخالطهيم .وقال أبيو زييد :رجيل حرييد مين قوم حرداء .وقيد حرد يحرد
حرودا؛ إذا ترك قوميه وتحول عنهيم .وكوكيب حرييد؛ أي معتزل عين الكواكيب .قال الصيمعي:
رجل حريد؛ أي فريد وحيد .قال والمنحرد المنفرد في لغة هذيل .وأنشد لبي ذؤيب:
كأنه كوكب في الجو منحرد
ورواه أبييو عمرو بالجيييم ،وفسييره :منفرد .قال :وهييو سييهيل .وقال الزهري :حرد اسييم قريتهييم.
السدي :اسم جنتهم؛ وفيه لغتان :حرد وحرد .وقرأ العامة بالسكان .وقرأ أبو العالية وابن السميقع
بالفتح؛ وهما لغتان .ومعنى "قادرين" قد قدروا أموهم وبنوا عليه؛ قاله الفراء .وقال قتادة :قادرين
على جنتهيم عنيد أنفسيهم .وقال الشعيبي" :قادريين" يعنيي على المسياكين .وقييل :معناه مين الوجود؛
أي منعوا وهم واجدون.
**3الية{ 27 - 26 :فلما رأوها قالوا إنا لضالون ،بل نحن محرومون}
@قوله تعالى" :فلميا رأوهيا قالوا إنيا لضالون" أي لميا رأوهيا محترقية ل شييء فيهيا قيد صيارت
كاللييل السيود ينظرون إليهيا كالرماد ،أنكروهيا وشكوا فيهيا .وقال بعضهيم لبعيض" :إنيا لضالون"
أي ضللنا الطريق إلى جنتنيا؛ قاله قتادة .وقيل :أي إنا لضالون عن الصواب في غدونا وعلى نية
منع المساكين؛ فلذلك عوقبنا" .بل نحن محرومون" أي حرمنا جنتنا بما صنعنا .روى أسباط عن
ابين مسيعود قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :إياكيم والمعاصيي إن العبيد ليذنيب الذنيب
فيحرم به رزقا كان هيء له -ثم تل " -فطاف عليها طائف من ربك" [القلم )]19 :اليتين.
**3الية{ 32 - 28 :قال أوسطهم ألم أقل لكم لول تسبحون ،قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين،
فأقبل بعضهم على بعض يتلومون ،قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين ،عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها
إنا إلى ربنا راغبون}
@قوله تعالى" :قال أوسطهم" أي أمثلهيم وأعدلهيم وأعقلهيم" .ألم أقل لكم لول تسبحون" أي هل
تسيتثنون .وكان اسيتثناؤهم تسيبيحا؛ قال مجاهيد وغيره .وهذا يدل على أن هذا الوسيط كان أمرهيم
بالسيتثناء فلم يطيعوه .قال أبيو صيالح :كان اسيتثناؤهم سيبحان ال .فقال لهيم :هل تسيبحون ال؛ أي
تقولون سيبحان ال وتشكرونيه على ميا أعطاكيم .قال النحاس :أصيل التسيبيح التنزييه ل عيز وجيل؛
فجعيل مجاهيد التسيبيح فيي موضيع إن شاء ال؛ لن المعنيى تنزييه ال عيز وجيل أن يكون شييء إل
بمشيئته .وقيل :هل تستغفرونه من فعلكم وتتوبون إليه من خبث نيتكم؛ فإن أوسطهم قال لهم حين
عزموا على ذلك وذكرهيم انتقاميه مين المجرميين "قالوا سيبحان ربنيا" اعترفوا بالمعصيية ونزهوا
ال عين أن يكون ظالميا فيميا فعيل .قال ابين عباس فيي قولهيم" :سيبحان ربنيا" أي نسيتغفر ال مين
ذنبنا" .إنا كنا ظالمين" لنفسنا في منعنا المساكين" .فأقبل بعضهم على بعض يتلومون" أي يلوم
هذا هذا فييي القسييم ومنييع المسيياكين ،ويقول :بييل أنييت أشرت علينييا بهذا" .قالوا يييا ويلنييا إنييا كنييا
طاغييين" أي عاصييين بمنييع حييق الفقراء وترك السييتثناء .وقال ابيين كيسييان :طغينييا نعييم ال فلم
نشكرها كما شكرها آباؤنا من قبل" .عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها" تعاقدوا وقالوا :إن أبدلنا ال
خيرا منهيا لنصينعن كميا صينعت آباؤنيا؛ فدعوا ال وتضرعوا فأبدلهيم ال مين ليلتهيم ميا هيو خيير
منها ،وأمر جبريل أن يقتلع تلك الجنة المحترقة فيجعلها بزغر من أرض الشام ،ويأخذ من الشام
جنية فيجعلهيا مكانهيا .وقال ابين مسيعود :إن القوم أخلصيوا وعرف ال منهيم صيدقهم فأبدلهيم جنية
يقال لهيا الحيوان ،فيهيا عنيب يحميل البغيل منهيا عنقودا واحدا .وقال اليمانيي أبيو خالد :دخلت تلك
الجنية فرأييت كيل عنقود منهيا كالرجيل السيود القائم .وقال الحسين :قول أهيل الجنية "إنيا إلى ربنيا
راغبون" ل أدري إيمانيا كان ذلك منهيم أو على حيد ميا يكون مين المشركيين إذا أصيابتهم الشدة؛
فيوقيف فيي كونهيم مؤمنيين .وسيئل قتادة عن أصيحاب الجنة :أهيم من أهيل الجنية أم من أهيل النار؟
فقال :لقييد كلفتنييي تعبييا .والمعظييم يقولون :إنهييم تابوا وأخلصييوا؛ حكاه القشيري .وقراءة العاميية
"يبدلنا" بالتخفيف .وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو بالتشديد ،وهما لغتان .وقيل :التبديل تغيير الشيء
أو تغييير حاله وعيين الشييء قائم .والبدال رفيع الشييء ووضيع آخير مكانيه .وقيد مضيى فيي سيورة
"النساء" القول في هذا.
**3الية{ 33 :كذلك العذاب ولعذاب الخرة أكبر لو كانوا يعلمون}
@قوله تعالى" :كذلك العذاب" أي عذاب الدنيا وهلك الموال؛ عن ابن زيد .وقيل :إن هذا وعظ
لهيل مكية بالرجوع إلى ال لميا ابتلهيم بالجدب لدعاء النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،أي كفعلنيا بهيم
نفعيل بمين تعدى حدودنيا فيي الدنييا "ولعذاب الخرة أكيبر لو كانوا يعلمون" وقال ابين عباس :هذا
مثييل لهييل مكيية حييين خرجوا إلى بدر وحلفوا ليقتلن محمدا صييلي ال عليييه وسييلم وأصييحابه،
وليرجعين إلى مكة حتيى يطوفوا بالبييت ويشربوا الخمير ،وتضرب القينات على رؤوسيهم؛ فأخلف
ال ظنهيم وأسيروا وقتلوا وانهزموا كأهيل هذه الجنية لميا خرجوا عازميين على الصيرام فخابوا .ثيم
قييل :إن الحيق الذي منعيه أهيل الجنية المسياكين يحتميل أنيه كان واجبيا عليهيم ،ويحتميل أنيه كان
تطوعا؛ والول أظهر ،وال أعلم .وقيل :السورة مكية؛ فبعد حمل الية على ما أصاب أهل مكة
من القحط ،وعلى قتال بدر.
**3الية{ 39 - 34 :إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ،أفنجعل المسلمين كالمجرمين ،ما لكم
كييف تحكمون ،أم لكيم كتاب فييه تدرسيون ،إن لكيم فييه لميا تخيرون ،أم لكيم أيمان علينيا بالغية إلى
يوم القيامة إن لكم لما تحكمون}
@قوله تعالى" :إن للمتقيين عنيد ربهيم جنات النعييم" تقدم القول فييه؛ أي إن للمتقيين فيي الخرة
جنات لييس فيهيا إل التنعيم الخالص ،ل يشوبيه ميا ينغصيه كميا يشوب جنات الدنييا .وكان صيناديد
قرييش يرون وفور حظهيم مين الدنييا وقلة حظوظ المسيلمين منهيا؛ فإذا سيمعوا بحدييث الخرة وميا
وعد ال المؤمنين قالوا :إن صح أنا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يكن حالنا وحالهم إل مثل
ميا هيي فيي الدنييا ،وإل لم يزيدوا علينيا ولم يفضلونيا ،وأقصيى أمرهيم أن يسياوونا .فقال" :أفنجعيل
المسلمين كالمجرمين" أي كالكفار .وقال ابن عباس وغيره :قالت كفار مكة :إنا نعطى في الخرة
خيرا مما تعطون؛ فنزلت "أفنجعل المسلمين كالمجرمين" ثم وبخهم فقال" :ما لكم كيف تحكمون"
هذا الحكم العوج؛ كأن أمر الجزاء مفوض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتيم أن لكم من الخير ما
للمسلمين" .أم لكم كتاب فيه تدرسون" أي لكم كتاب تجدون فيه المطيع كالعاصي" .إن لكم فيه لما
تخيرون" تختارون وتشتهون .والمعنيى :أن لكيم (بالفتيح) ولكنيه كسير لدخول اللم؛ تقول علميت
أنييك عاقييل (بالفتييح) ،وعلمييت إنييك لعاقييل (بالكسيير) .فالعامييل فييي "إن لكييم فيييه لمييا تخيرون"
"تدرسون" في المعنى .ومنعت اللم من فتح "إن" .وقيل :تم الكلم عند قوله" :تدرسون" ثم ابتدأ
فقال" :إن لكييم قيييه لمييا تخيرون" أي إن لكييم فييي هذا الكتاب إذا مييا تخيرون؛ أي ليييس لكييم ذلك.
والكناية في "فيه" الولى والثانية راجعة إلى الكتاب.
@قوله تعالى" :أم لكم أيمان علينا" أي عهود ومواثيق" .بالغة إلى يوم القيامة" مؤكدة .والبالغة
المؤكدة بال تعالى .أي أم لكم عهود على ال تعالى استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة" .إن لكم لما
تحكمون" كسرت "إن" لدخول اللم في الخبر .وهي من صلة "إيمان" ،والموضع النصب ولكن
كسرت لجل اللم؛ تقول :حلفت إن لك لكذا .وقيل :تم الكلم عند قوله" :إلى يوم القيامة" ثم قال:
"إن لكم لما تحكمون" إذا؛ أي ليس المر كذلك .وقرأ ابن هرمز "أين لكم فيه لما تخيرون" "أين
لكيم لميا تحكمون"؛ بالسيتفهام فيهميا جميعيا .وقرأ الحسين البصيري "بالغية" بالنصيب على الحال؛
إما من الضمير في "لكم" لنه خبر عن "إيمان" ففيه ضمير منه .وإما من الضمير في "علينا"
إن قدرت "علينيا" وصيفا لليمان ل متعلقيا بنفيس اليمان؛ لن فييه ضميرا منيه ،كميا يكون إذا كان
خيبرا عنيه .ويجوز أن يكون حال مين "إيمان" وإن كانيت نكرة ،كميا أجازوا نصيب "حقيا" على
الحال ميين "متاع" فييي قوله تعالى" :متاع بالمعروف حقييا على المتقييين" [البقرة .]241 :وقرأ
العامة "بالغة" بالرفع نعت لي "أيمان".
**3الييية{ 41 - 40 :سييلهم أيهييم بذلك زعيييم ،أم لهييم شركاء فليأتوا بشركائهييم إن كانوا
صادقين}
@قوله تعالى" :سلهم أيهم بذلك زعيم" أي سل يا محمد هؤلء المتقولين علي :أيهم كفيل بما تقدم
ذكره .وهيو أن لهيم مين الخيير ميا للمسيلمين .والزعييم :الكفييل والضميين؛ قال ابين عباس وقتادة.
وقال ابيين كيسييان :الزعيييم هنييا القائم بالحجيية والدعوى .وقال الحسيين :الزعيييم الرسييول" .أم لهييم
شركاء" أي ألهمزه والمييييم صيييلة" .شركاء" أي شهداء" .فليأتوا بشركائهيييم" يشهدون على ميييا
زعموا" .إن كانوا صيادقين" فيي دعواهيم .وقييل :أي فليأتوا بشركائهيم إن أمكنهيم؛ فهيو أمير معناه
التعجيز.
**3اليية{ 43 - 42 :يوم يكشيف عين سياق ويدعون إلى السيجود فل يسيتطيعون ،خاشعية
أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون}
@قوله تعالى" :يوم يكشيف عين سياق" يجوز أن يكون العاميل فيي "يوم" "فليأتوا" أي فليأتوا
بشركائهيم يوم يكشيف عين سياق ليشفيع الشركاء لهيم .ويجوز أن ينتصيب بإضمار فعيل ،أي اذكير
يوم يكشيف عين سياق؛ فيوقيف على "صيادقين" ول يوقيف علييه على التقديير الول .وقرئ "يوم
نكشيف" بالنون" .وقرأ" ابين عباس "يوم تكشيف عين سياق" بتاء مسيمى الفاعيل؛ أي تكشيف الشدة
أو القيامة .عن ساقها؛ كقولهم :شمرت الحرب عن ساقها .قال الشاعر:
فتى الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
وقال الراجز:
وجدت الحرب بكم فجدوا قد كشفت عن ساقها فشدوا
وقال آخر:
ومن طراد الطير عن أرزاقها عجبت من نفسي ومن إشفاقها
حمراء تبري اللحم عن عراقها في سَنة قد كشفت عن ساقها
وقال آخير :كشفيت لهيم عين سياقها وبدا مين الشير الصيراح وعين ابين عباس أيضيا والحسين وأبيي
العالية "تكشف" بتاء غير مسمى الفاعل .وهذه القراءة راجعة إلى معنى "يكشف" وكأنه قال :يوم
تكشف القيامة عن شدة .وقرئ "يوم تكشف" بالتاء المضمومة وكسر الشين؛ من أكشف إذا دخل
فيي الكشيف .ومنيه :أكشيف الرجيل فهيو مكشيف؛ إذا انقلبيت شفتيه العلييا .وذكير ابين المبارك قال:
أخبرنا أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى" :يوم يكشف عن ساق" قال :عن
كرب وشدة .أخبرنا ابن جريج عن مجاهد قال :شدة المر وجده .وقال مجاهد :قال ابن عباس هي
أشيد سياعة فيي يوم القيامية .وقال أبيو عيبيدة :إذا اشتيد الحرب والمير قييل :كشيف المير عين سياقه.
والصيل فييه أن مين وقيع فيي شييء يحتاج فييه إلى الجيد شمير عين سياقه؛ فاسيتعير السياق والكشيف
عنهيا فيي موضيع الشدة .وقييل :سياق الشييء أصيله الذي بيه قواميه؛ كسياق الشجرة وسياق النسيان.
أي يوم يكشيف عين أصيل المير فتظهير حقائق المور وأصيلها .وقييل :يكشيف عين سياق جهنيم.
وقيل :عن ساق العرش .وقيل :يريد وقت أقتراب الجل وضعف البدن؛ أي يكشف المريض عن
سياقه ليبصير ضعفيه ،ويدعوه المؤذن إلى الصيلة فل يمكنيه أن يقوم ويخرج .فأميا ميا روي أن ال
يكشيف عين سياقه فإنيه عيز وجيل يتعالى عين العضاء والتبعييض وأن يكشيف ويتغطيى .ومعناه أن
يكشف عن العظيم من أمره .وقيل :يكشف عن نوره عز وجل.
وروى أبو موسى عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله تعالى" :عن ساق" قال( :يكشف عن
نور عظييم يخرون له سيجدا) .وقال أبيو اللييث السيمرقندي فيي تفسييره :حدثنيا الخلييل بين أحميد قال
حدثنا ابن منيع قال حدثنا هدبة قال حدثنا حماد ابن سلمة عن عدي بن زيد عن عمارة القرشي عن
أبيي بردة عن أبيي موسيى قال حدثنيي أبيي قال :سمعت رسيول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :إذا
كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا فيذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويبقى
أهل التوحد فيقال لهم ما تنتظرون وقد ذهب الناس فيقولون إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا ولم نره
-قال -وتعرفونيه إذا رأيتموه فيقولون نعيم فيقال فكييف تعرفونيه ولم تروه قالوا إنيه ل شيبيه له
فيكشيييف لهيييم الحجاب فينظرون إلى ال تعالى فيخرون له سيييجدا وتبقيييى أقوام ظهورهيييم مثيييل
صييياصي البقيير فينظرون إلى ال تعالى فيريدون السييجود فل يسييتطيعون فذلك قوله تعالى" :يوم
يكشيف عين سياق ويدعون إلى السيجود فل يسيتطيعون" فيقول ال تعالى عبادي أرفعوا رؤوسيكم
فقيد جعلت بدل كيل رجيل منكيم رجل مين اليهود والنصيارى فيي النار) .قال أبيو بردة :فحدثيت بهذا
الحدييث عمير بين عبدالعزييز فقال :ال الذي ل إله إل هيو لقيد حدثيك أبوك بهذا الحدييث؟ فحلف له
ثلثية أيمان؛ فقال عمير :ميا سيمعت فيي أهيل التوحييد حديثيا هيو أحيب إلي مين هذا .وقال قييس بين
السيكن :حدث عبدال بين مسيعود عنيد عمير بين الخطاب فقال :إذا كان يوم القيامية قام الناس لرب
العالميين أربعيين عاميا شاخصية أبصيارهم إلى السيماء ،حفاة عراة يلجمهيم العرق ،فل يكلمهيم ال
ول ينظيير إليهييم أربعييين عامييا ،ثييم ينادي مناد :أيهييا الناس ،أليييس عدل ميين ربكييم الذي خلقكييم
وصوركم وأماتكيم وأحياكيم ثيم عبدتيم غيره أن يولي كيل قوم ميا تولوا؟ قالوا :نعيم .قال :فيرفيع لكيل
قوم ميا كانوا يعبدون مين دون ال فيتبعونهيا حتيى تقذفهيم فيي النار ،فيبقيى المسيلمون والمنافقون
فيقال لهم :أل تذهبون قد ذهب الناس؟ فيقولون حتى يأتينا ربنا؛ فيقال لهم :أو تعرفونه؟ فيقولون:
إن اعترف لنيا عرفناه .قال فعنيد ذلك يكشيف عين سياق ويتجلى لهيم فيخير مين كان يعبده مخلصيا
سياجدا ،ويبقيى المنافقون ل يسيتطيعون كأن فيي ظهورهيم السيفافيد ،فيذهيب بهيم إلى النار ،ويدخيل
هؤلء الجنة؛ فذلك قوله تعالى" :ويدعون إلى السجود فل يستطيعون".
@قوله تعالى" :خاشعة أبصارهم" أي ذليلة متواضعة؛ ونصبها على الحال" .ترهقهم ذلة" وذلك
أن المؤمنيين يرفعون رؤوسيهم ووجوههيم أشيد بياضيا مين الثلج .وتسيود وجوه المنافقيين والكافريين
حتى ترجع أشد سوادا من القار.
قلت :معنيى حدييث أبيي موسيى وابين مسيعود ثابيت فيي صيحيح مسيلم مين حدييث أبيي سيعيد
الخدري وغيره.
"وقيد كانوا يدعون إلى السيجود" أي فيي الدنييا" .وهيم سيالمون" معافون أصيحاء .قال إبراهييم
التيمي :أي يدعون بالذان والقامة فيأبونه .وقال سعيد بن جبير :كانوا يسمعون حي على الفلح
فل يجيبون .وقال كعيب الحبار :وال ميا نزلت هذه اليية إل فيي الذيين يتخلفون عين الجماعات.
وقييل :أي بالتكلييف الموجيه عليهيم فيي الشرع؛ والمعنيى متقارب .وقيد مضيى فيي سيورة "البقرة"
الكلم فيي وجوب صيلة الجماعية .وكان الربييع بين خيثيم قيد فلج وكان يهادى بيين الرجليين إلى
المسجد؛ فقيل :يا أبا يزيد ،لو صليت في بيتك لكانت لك رخصة .فقال :من سمع حي على الفلح
فليجيب ولو حبوا .وقييل لسيعيد بين المسييب :إن طارقيا يرييد قتلك فتغييب .فقال :أبحييث ل يقدر ال
علي؟ فقيل له :اجلس في بيتك .فقال :أسمع حي على الفلح ،فل أجيب!
**3الية{ 45 - 44 :فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث ل يعلمون ،وأملي
لهم إن كيدي متين}
@قوله تعالى" :فذرنيي" أي دعنيي" .ومين يكذب" "مين" مفعول معيه أو معطوف على ضميير
المتكلم" .بهذا الحدييث" يعنيي القرآن؛ قاله السيدي .وقييل :يوم القيامية .وهذا تسيلية للنيبي صيلى ال
عليه وسلم؛ أي فأنا أجازيهم وأنتقم منهم" .سنستدرجهم من حيث ل يعلمون" معناه سنأخذهم على
غفلة وهيم ل يعرفون؛ فعذبوا يوم بدر .وقال سيفيان الثوري :نسيبغ عليهيم النعيم وننسييهم الشكير.
وقال الحسن :كم مستدرج بالحسان إليه ،وكم مفتون بالثناء عليه ،وكم مغرور بالستر عليه .وقال
أبيو روق :أي كلميا أحدثوا خطيئة جددنيا لهيم نعمية وأنسييناهم السيتغفار .وقال ابين عباس :سينمكر
بهم .وقيل :هو أن نأخذهم قليل ول نباغتهم .وفي حديث (أن رجل من بني إسرائيل قال يا رب كم
أعصييك وأنيت ل تعاقبنيي -قال -فأوحيى ال إلى نيبي زمانهيم أن قيل له كيم مين عقوبية لي علييك
وأنت ل تشعر .إن جمود عينيك وقساوة قلبك استدراج مني وعقوبة لو عقلت) .والستدراج :ترك
المعاجلة .وأصييله النقييل ميين حال إلى حال كالتدرج .ومنييه قيييل درجيية؛ وهييي منزلة بعييد منزلة.
واسييتدرج فلن فلنييا؛ أي اسييتخرج مييا عنده قليل .ويقال :درجييه إلى كذا واسييتدرجه بمعنييى؛ أي
أدناه منه على التدريج فتدرج هو.
@قوله تعالى" :وأملي لهم" أي أمهلهم وأطيل لهم المدة .والملوة :المدة من الدهر .وأملى ال له
أي أطال له .والملوان :الليل والنهار .وقيل" :وأملي لهم" أي ل أعاجلهم بالموت؛ والمعنى واحد.
وقد مضى في "العراف" بيان هذا" .إن كيدي متين" أي إن عذابي لقوي شديد فل يفوتني أحد.
**3الية{ 46 :أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون}
@ عاد الكلم إلى ما تقدم من قوله تعالى" :أم لهم شركاء" [القلم .]41 :أي أم تلتمس منهم ثوابا
على ما تدعوهم إليه من اليمان بال؟ فهم من غرامة ذلك مثقلون لما يشق عليهيم من بذل المال؛
أي ليس عليهم كلفة ،بل يستولون بمتابعتك على خزائن الرض ويصلون إلى جنات النعيم.
**3الية{ 47 :أم عندهم الغيب فهم يكتبون}
@قوله تعالى" :أم عندهيم الغييب" أي علم ميا غاب عنهيم" .فهيم يكتبون" وقييل :أينزل عليهيم
الوحييي بهذا الذي يقولون .وعيين ابيين عباس :الغيييب هنييا اللوح المحفوظ فهييم يكتبون ممييا فيييه
يخاصيمونك بيه ،ويكتبون أنهيم أفضيل منكيم ،وأنهيم ل يعاقبون .وقييل" :يكتبون" يحكمون لنفسيهم
بما يريدون.
**3الية{ 48 :فاصبر لحكم ربك ول تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم}
@قوله تعالى" :فاصبر لحكم ربك" أي لقضاء ربك .والحكم هنا القضاء .وقيل :فأصبر على ما
حكم به عليك ربك من تبليغ الرسالة .وقال ابن بحر :فأصبر لنصر ربك .قال قتادة :أي ل تعجل
ول تغاضب فل بد من نصرك .وقيل :إنه منسوخ بآية السيف" .ول تكن كصاحب الحوت" يعني
يونس عليه السلم .أي ل تكن مثله في الغضب والضجر والعجلة .وقال قتادة :إن ال تعالى يعزي
نبيه صلي ال عليه وسلم ويأمره بالصبر ول يعجل كما عجل صياحب الحوت؛ وقد مضى خبره
في سورة "يونس ،والنبياء ،والصافات" والفرق بين إضافة ذي وصاحب في سورة "يونس" فل
معنيى للعادة" .إذ نادى" أي حيين دعيا فيي بطين الحوت فقال" :ل إله إل أنيت سيبحانك إنيي كنيت
من الظالمين" [النبياء" .]87 :وهو مكظوم" أي مملوء غما .وقيل :كربا .الول قول ابن عباس
ومجاهد .والثاني قول عطاء وأبي مالك .قال الماوردي :والفرق بينهما أن الغم في القلب ،والكرب
فيي النفاس .وقييل :مكظوم محبوس .والكظيم الحبيس؛ ومنيه قولهيم :فلن كظيم غيظيه ،أي حبيس
غضبه؛ قال ابن بحر .وقيل :إنه المأخوذ بكظمه وهو مجرى النفس؛ قاله المبرد .وقد مضيى هذا
وغيره في "يوسف".
**3اليية{ 50 - 49 :لول أن تداركيه نعمية مين ربيه لنبيذ بالعراء وهيو مذموم ،فاجتباه ربيه
فجعله من الصالحين}
@قوله تعالى" :لول أن تداركه نعمة من ربه" قراءة العامة "تداركه" .وقرأ ابن هرمز والحسن
"تداركه" بتشديد الدال؛ وهو مضارع أدغمت التاء منه في الدال .وهو على تقدير حكاية الحال؛
كأنيه قال :لول أن كان يقال فييه تتداركيه نعمية .ابين عباس وابين مسيعود" :تداركتيه" وهيو خلف
المرسيوم .و"تداركيه" فعيل ماض مذكير حميل على معنيى النعمية؛ لن تأنييث النعمية غيير حقيقيي.
و"تداركتيه" على لفظهيا .واختلف فيي معنيى النعمية هنيا؛ فقييل النبوة؛ قال الضحاك .وقييل عبادتيه
إلتي سلفت؛ قاله ابن جبير .وقيل :نداؤه "ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" [النبياء:
]87؛ قاله ابين زييد .وقييل :نعمية ال علييه إخراجيه مين بطين الحوت؛ قال ابين بحير .وقييل :أي
رحمية مين ربيه؛ فرحميه وتاب علييه" .لنبيذ بالعراء وهيو مذموم" أي لنبيذ مذموميا ولكنيه نبيذ سيقيما
غييير مذموم .ومعنييى "مذموم" فييي قول ابيين عباس :مليييم .قال بكيير بيين عبدال :مذنييب .وقيييل:
"مذموم" مبعيد مين كيل ،خيير .والعراء :الرض الواسيعة الفضاء التيي لييس فيهيا جبيل ول شجير
يسيتر .وقييل :ولول فضيل ال علييه لبقيي فيي بطين الحوت إلى يوم القيامية ،ثيم نبيذ بعراء القيامية
مذمومييا .يدل عليييه قوله تعالى" :فلول أنييه كان ميين المسييبحين .للبييث فييي بطنييه إلى يوم يبعثون"
[الصافات" .]143 :فاجتباه ربه" أي اصطفاه واختاره" .فجعله من الصالحين" قال ابن عباس:
رد ال إليه الوحي ،وشفعه في نفسه وفي قومه ،وقبل توبته ،وجعله من الصالحين بأن أرسله إلى
مائة ألف أو يزيدون.
**3اليية{ 51 :وإن يكاد الذيين كفروا ليزلقونيك بأبصيارهم لميا سيمعوا الذكير ويقولون إنيه
لمجنون}
@قوله تعالى" :وإن يكاد الذين كفروا"" "إن" هي المخففة من الثقيلة" .ليزلقونك" أي يعتانونك.
"بأبصيارهم" أخيبر بشدة عداوتهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم ،وأرادوا أن يصييبوه بالعيين فنظير
إليه قوم من قريش وقالوا :ما رأينا مثله ول مثل حججه .وقيل :كانت العين في بني أسد ،حتى إن
البقرة السيمينة أو الناقية السيمينة تمير بأحدهيم فيعاينهيا ثيم يقول :ييا جاريية ،خذي المكتيل والدرهيم
فأتينا بلحم هذه الناقة ،فما تبرح حتى تقع للموت فتنحر .وقال الكلبي :كان رجل من العرب يمكث
ل يأكل شيئا يومين أو ثلثة ،ثم يرفع جانب الخباء فتمر به البل أو الغنم فيقول :لم أر كاليوم إبل
ول غنما أحسن من هذه فما تذهب إل قليل حتى تسقط منها طائفة هالكة .فسأل الكفار هذا الرجل
أن يصيب لهم النبي صلى ال عليه وسلم بالعين فأجابهم؛ فلما مر النبي صلى ال عليه ويلم أنشد:
وإخال أنك سيد معيون قد كان قومك يحسبونك سيدا
فعصييم ال نييبيه صييلي ال عليييه وسييلم ونزلت" :وإن يكاد الذييين كفروا ليزلقونييك" .وذكيير نحوه
الماوردي .وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا -يعني في نفسه وماله -تجوع ثلثة
أيام ،ثيم يتعرض لنفسيه وماله فيقول :تال ميا رأييت أقوى منيه ول أشجيع ول أكثير منيه ول أحسين؛
فيصيييبه بعينييه فيهلك هييو ومال؛ فأنزل ال تعالى هذه الييية .قال القشيري :وفييي هذا نظيير؛ لن
الصييابة بالعييين إنمييا تكون مييع السييتحسان والعجاب ل مييع الكراهييية والبغييض؛ ولهذا قال:
"ويقولون إنه لمجنون" أي ينسبونك إلى الجنون إذا رأوك تقرأ القرآن.
قلت :أقوال المفسيرين واللغوييين تدل على ميا ذكرنيا ،وأن مرادهيم بالنظير إلييه قتله .ول يمنيع
كراهية الشييء مين أن يصياب بالعيين عداوة حتيى يهلك .وقرأ ابين عباس وابين مسيعود والعميش
وأبو وائل ومجاهد "ليزلقونك" أي ليهلكونك .وهذه قراءة على التفسير ،من زهقت نفسه وأزهقها.
وقرأ أهيل المدينية "ليزلقونيك" بفتيح الياء .وضمهيا الباقون؛ وهميا لغتان بمعنيى؛ يقال :زلقيه يزلقيه
وأزلقيه يزلقيه إزلقيا إذا نحاه وأبعده .وزلق رأسيه يزلقيه زلقيا إذا حلقيه .وكذلك أزلقيه وزلقيه تزليقيا.
ورجييل زلق وزملق -مثال هدبييد -وزمالق وزملق -بتشديييد الميييم -وهييو الذي ينزل قبييل أن
يجاميع؛ حكاه الجوهري وغيره .فمعنيى الكلمية إذا التنحيية والزالة؛ وذلك ل يكون فيي حيق النيبي
صلى ال عليه وسلم إل بهلكه وموته .قال الهروي :أراد ليعتانونك بعيونهم فيزيلونك عن مقامك
الذي أقاميك ال فييه عداوة لك .وقال ابين عباس :ينفذونيك بأبصيارهم؛ يقال :زلق السيهم وزهيق إذا
نفذ؛ وهو قول مجاهد .أي ينفذونك من شدة نظرهم .وقال الكلبي :يصرعونك .وعنه أيضا والسدي
وسيعيد بين جيبير :يصيرفونك عميا أنيت علييه مين تبلييغ الرسيالة .وقال العوفيي :يرمونيك .وقال
المؤرج :يزيلونك .وقال النضر بن شميل والخفش :يفتنونك .وقال عبدالعزيز بن يحيى :ينظرون
إلييك نظرا شزرا بتحدييق شدييد .وقال ابين زييد :ليمسيونك .وقال جعفير الصيادق :ليأكلونيك .وقال
الحسن وابن كيسان :ليقتلونك .وهذا كما يقال :صرعني بطرفه ،وقتلني بعينه .قال الشاعر:
وتكل عنك نصال نبل الرامي ترميك مزلقة العيون بطرفها
وقال آخر:
نظرا يزل مواطئ القدام يتفارضون إذا التقوا في مجلس
وقييل :المعنيى أنهيم ينظرون إلييك بالعداوة حتيى كادوا يسيقطونك .وهذا كله راجيع إلى ميا ذكرنيا،
وأن المعنى الجامع :يصيبونك بالعين .وال أعلم.
**3الية{ 52 :وما هو إل ذكر للعالمين}
@ أي وميا القرآن إل ذكير للعالميين .وقييل :أي وميا محميد إل ذكير للعالميين يتذكرون بيه .وقييل:
معناه شرف؛ أي القرآن .كميا قال تعالى" :وإنيه لذكر لك ولقومك" [الزخرف ]44 :والنبي صيلى
ال عليه وسلم شرف للعالمين أيضا .شرفوا باتباعه واليمان به صلى ال عليه وسلم.
**2سورة الحاقة
**3مقدمة السورة
@ روى أبو الزاهرية عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من قرأ إحدى
عشرة آية مين سورة الحاقية أجير من فتنية الدجال .ومن قرأها كانت له نورا يوم القيامة مين فوق
رأسه إلى قدمه).
**3الية{ 1 :الحاقة ،ما الحاقة ،وما أدراك ما الحاقة}
ق فيها؛ قاله الطبري. @قوله تعالى" :الحاقة .ما الحاقة" يريد القيامة؛ سميت بذلك لن المور ُتحَ ّ
كأنيه جعلها من باب "لييل نائم" .وقييل :سميت حاقة لنهيا تكون من غيير شك .وقيل :سيميت بذلك
لنها أحقت لقوام الجنة ،وأحقت لقوام النار .وقيل :سميت بذلك لن فيها يصير كل إنسان حقيقا
بجزاء عمله .وقال الزهري :يقال حاققته فحققته أحقه؛ أي غالبته فغلبته .فالقيامة حاقة لنها تحق
كيل محاق فيي ديين ال بالباطيل؛ أي كيل مخاصيم .وفيي الصيحاح :وحاقيه أي خاصيمه وادعيى كيل
واحيد منهميا الحيق؛ فإذا غلبيه قييل حقيه .ويقال للرجيل إذا خاصيم فيي صيغار الشياء :إنيه لنزق
الحقاق .ويقال :مال فييه حيق ول حقاق؛ أي خصيومة .والتحاق التخاصيم .والحتقاق :الختصيام.
والحاقيية والحقيية والحييق ثلث لغات بمعنييى .وقال الكسييائي والمورج :الحاقيية يوم الحييق .وتقول
العرب :لميا عرف الحقية منيي هرب .والحاقية الولى رفيع بالبتداء ،والخيبر المبتدأ الثانيي وخيبره
وهيو "ميا الحاقية" لن معناهيا ميا هيي .واللفيظ اسيتفهام ،معناه التعظييم والتفخييم لشأنهيا؛ كميا تقول:
زيد ما زيد على التعظيم لشأنه" .وما أدراك ما الحاقة" استفهام أيضا؛ أي أي شيء أعلمك ما ذلك
اليوم .والنبي صلى ال عليه وسلم كان عالما بالقيامة ولكن بالصفة فقيل تفخيما لشأنها :وما أدراك
ما هي؛ كأنك لست تعلمها إذ لم تعاينها .وقال يحيى بن سلم :بلغني أن كل شيء في القرآن "وما
أدراك" فقيد أدراه إياه وعلميه .وكيل شييء قال" :وميا يدرييك" فهيو مميا لم يعلميه .وقال سيفيان بين
عيينية :كيل شييء قال فييه" :وميا أدراك" فأنيه أخيبر بيه ،وكيل شييء قال فييه" :وميا يدرييك" فإنيه لم
يخبر به.
**3الية{ 4 :كذبت ثمود وعاد بالقارعة}
@ ذكير مين كذب بالقيامية .والقارعية القيامية؛ سيميت بذلك لنهيا تقرع الناس بأهوالهيا .يقال:
أصابتهم قوارع الدهر؛ أي أهواله وشدائده .ونعوذ بال من قوارع فلن ولواذعه وقوارص لسانه؛
جمع قارصة وهي الكلمة المؤذية .وقوارع القرآن :اليات التي يقرؤها النسان إذا فزع من الجن
أو النس ،نحو آية الكرسي؛ كأنها تقرع الشيطان .وقيل :القارعة مأخوذة من القرعة في رفع قوم
وحيط آخريين؛ قاله الميبرد .وقييل :عنيى بالقارعية العذاب الذي نزل بهيم فييي الدنييا؛ وكان نيبيهم
يخوفهيم بذلك فيكذبونيه .وثمود قوم صيالح؛ وكانيت منازلهيم بالحجير فيميا بيين الشام والحجاز .قال
محمد بن إسحاق :وهو وادي القرى؛ وكانوا عربا .وأما عاد فقوم هود؛ وكانت منازلهم بالحقاف.
والحقاف :الرميل بيين عمان إلى حضير موت واليمين كله؛ وكانوا عربيا ذوي خلق وبسيطة؛ ذكره
محمد بن إسحاق .وقد تقدم.
**3الية{ 5 :فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية}
@ فييه إضمار؛ أي بالفعلة الطاغيية .وقال قتادة :أي بالصييحة الطاغيية؛ أي المجاوزة للحيد؛ أي
لحيد الصييحات مين الهول .كميا قال" :إنيا أرسيلنا عليهيم صييحة واحدة فكانوا كهشييم المحتظير"
[القمير .]31 :والطغيان :مجاوزة الحيد؛ ومنيه" :إنيا لميا طغيى الماء" [الحاقية ]11 :أي جاوز
الحييد .وقال الكلبييي :بالطاغييية بالصيياعقة .وقال مجاهييد :بالذنوب .وقال الحسيين :بالطغيان؛ فهييي
مصيدر كالكاذبية والعاقبية والعافيية .أي أهلكوا بطغيانهيم وكفرهيم .وقييل :إن الطاغيية عاقير الناقية؛
قاله ابين زييد .أي أهلكوا بميا أقدم علييه طاغيتهيم مين عقير الناقية ،وكان واحدا ،وإنميا هلك الجمييع
لنهم رضوا بفعله ومالؤوه .وقيل له طاغية كما يقال :فلن راوية الشعر ،وداهية وعلمة ونسابة.
**3الية{ 7 - 6 :وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ،سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام
حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية}
@قوله تعالى" :وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر" أي باردة تحرق ببردها كإحراق النار؛ مأخوذ
مين الصير وهيو البرد؛ قال الضحاك .وقييل :إنهيا الشديدة الصيوت .وقال مجاهيد :الشديدة السيموم.
"عاتيية" أي عتيت على خزانهيا فلم تطعهيم ،ولم يطيقوهيا مين شدة هبوبيا؛ غضبيت لغضيب ال.
وقيل :عتت على عاد فقهرتهم .روى سفيان الثوري عن موسى بن المسيب عن شهر بن حوشب
عين بين عباس قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :ميا أرسيل ال مين نسيمة مين رييح إل
بمكيال ول قطرة ميين ماء إل بمكيال إل يوم عاد ويوم نوح فإن الماء يوم نوح طغييى على الخزان
فلم يكن لهم عليه .سبيل -ثم قرأ " -إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية" والريح لما كان يوم
عاد عتيت على الخزان فلم يكين لهيم عليهيا سيبيل -ثيم قرأ " -برييح صيرصر عاتيية")" .سيخرها
عليهيم" أي أرسيلها وسيلطها عليهيم .والتسيخير :اسيتعمال الشييء بالقتدار" .سيبع ليال وثمانيية أيام
حسوما" أي متتابعة ل تفر ول تنقطع؛ عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما .قال الفراء :الحسوم
التباع ،من حسم الداء إذا كوي صاحبه ،لنه يكوى بالمكواة ثم يتابع ذلك عليه .قال عبدالعزيز بن
زرارة الكلبي:
تتابع فيه أعوام حسوم ففرق بين بينهم زمان
وقال المبرد :هو من قولك حسمت الشيء إذا قطعته وفصلته عن غيره .وقيل :الحسم الستئصال.
ويقال للسيف حسام؛ لنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته .وقال الشاعر:
به كفى العود منه البدء ليس بمعضد حسام إذا قمت معتضدا
والمعنيى أنهيا حسيمتهم ،أي قطعتهييم وأذهبتهيم .فهيي القاطعية بعذاب السيتئصال .قال ابين زييد:
حسيمتهم فلم تبيق منهيم أحدا .وعنيه أنهيا حسيمت الليالي واليام حتيى اسيتوعبتها .لنهيا بدأت طلوع
الشميس مين أول يوم وانقطعيت غروب الشميس مين آخير يوم .وقال اللييث :الحسيوم الشؤم .ويقال:
هذه ليالي الحسوم ،أي تحسم الخير عن أهلها ،وقال في الصحاح .وقال عكرمة والربيع بن أنس:
مشائيم ،دليله قوله تعالى" :في أيام نحسات" [فصلت .]16 :عطية العوفي" :حسوما" أي حسمت
الخيير عين أهلهيا .واختلف فيي أولهيا ،فقييل :غداة يوم الحيد ،قاله السيدي .وقييل :غداة يوم الجمعية،
قال الربييع بين أنيس .وقييل :غداة يوم الربعاء ،قاله يحييى بين سيلم ووهيب بين منبيه .قال وهيب:
وهذه اليام هي التي تسميها العرب أيام العجوز ،ذات برد وريح شديدة ،وكان أولها يوم الربعاء
وأخرها يوم الربعاء؛ ونسبت إلى العجوز لن عجوزا من عاد دخلت سربا فتبعتها الريح فقتلتها
في اليوم الثامن .وقيل :سميت أيام العجوز لنها وقعت في عجز الشتاء .وهي في آذار من أشهر
السريانيين .ولها أسام مشهورة ،وفيها يقول الشاعر وهو ابن أحمر:
أيام شهلتنا من الشهر ُكسِع الشتاء بسبعة غبرِ
ص ّنبْير مع الوبر
صِنّ و َ فإذا انقضت أيامها ومضت
ومعَلّل وبمطفئ الجمر وبآمر وأخيه مؤتمر
وأتتك واقدة من النجْر ذهب الشتاء موليا عجل
و"حسيوما" نصيب على الحال .وقييل على المصيدر .قال الزجاج :أي تحسيمهم حسيوما أي تفنيهيم،
وهييو مصييدر مؤكييد .ويجوز أن يكون مفعول له؛ أي سييخرها عليهييم هذه المدة للسييتئصال؛ أي
لقطعهم واستئصالهم .ويجوز أن يكون جمع حاسم .وقرأ السدي "حسوما" بالفتح ،حال من الريح؛
أي سخرها عليهم مستأصلة.
@قوله تعالى" :فترى القوم فيهيا" أي فيي تلك الليالي واليام" .صيرعى" جميع صيريع؛ يعنيي
موتيى .وقييل" :فيهيا" أي فيي الرييح" .كأنهيم أعجاز" أي أصيول" .نخيل خاويية" أي باليية؛ قاله أبيو
الطفيل .وقيل :خالية الجواف ل شيء فيها .والنخل يذكر ويؤنث .وقد قال تعالى في موضع آخر:
"كأنهيم أعجاز نخيل منقعير" [القمير ]20 :فيحتميل أنهيم شبهوا بالنخيل التيي صيرعت مين أصيلها،
وهيو إخبار عين عظيم أجسيامهم .ويحتميل أن يكون المراد بيه الصيول دون الجذوع؛ أي إن الرييح
قد قطعتهم حتى صاروا كأصول النخل خاوية أي الريح كانت تدخل أجوافهم فتصرعهم كالنخلة
الخاويية الجوف .وقال ابين شجرة :كانيت الرييح تدخيل فيي أفواههيم فتخرج ميا فيي أجوافهيم مين
الحشو من أدبارهم ،فصاروا كالنخل الخاوية .وقال يحيى بن سلم؛ إنما قال "خاوية" لن أبدانهم
خوت مين أرواحهيم مثيل النخيل الخاويية .ويحتميل أن يكون المعنيى كأنهيم أعجاز نخيل خاويية عين
أصيولها مين البقاع؛ كميا قال تعالى" :فتلك بيوتهيم خاويية" [النميل ]52 :أي خربية ل سيكان فيهيا.
ويحتميل الخاويية بمعنيى الباليية كميا ذكرنيا؛ لنهيا إذا بلييت خلت أجوافهيا .فشبهوا بعيد أن هلكوا
بالنخل الخاوية.
**3الية{ 8 :فهل ترى لهم من باقية}
@ أي من فرقة باقية أو نفس باقية .وقيل :من بقية .وقيل :من بقاء .فاعلة بمعنى المصدر؛ نحو
العاقبية والعافيية .ويجوز أن يكون أسيما؛ أي هيل تجيد لهيم أحدا باقييا .وقال ابين جرييج :كانوا سيبع
ليال وثمانييية أيام أحياء فييي عذاب ال مين الريييح ،فلميا أمسيوا فييي اليوم الثامين ماتوا ،فاحتملتهييم
الريييح فألقتهييم فييي البحيير ذلك قوله عييز وجييل" :فهييل ترى لهييم ميين باقييية" ،وقوله عييز وجييل:
"فأصبحوا" ل يرى إل مساكنهم" [الحقاف.]25 :
**3الية{ 9 :وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة}
@قوله تعالى" :وجاء فرعون ومن قبله" قرأ أبو عمرو والكسائي "ومن قبله" بكسر القاف وفتح
الباء؛ أي ومين معيه وتبعيه مين جنوده .واختاره أبيو عبييد وأبيو حاتيم اعتبارا بقراءة عبدال وأبيي
"ومن معه" .وقرأ أبو موسى الشعري "ومن تلقاءه" .الباقون "قبله" بفتح القاف وسكون الباء؛
أي وميين تقدمييه ميين القرون الخالييية والمييم الماضييية" .والمؤتفكات" أي أهييل قرى لوط .وقراءة
العامة باللف .وقرأ الحسن والجحدري "والمؤتفكة" على التوحيد .قال قتادة :إنما سميت قرى قوم
لوط "مؤتفكات" لنهيا ائتفكيت بهيم ،أي انقلبيت .وذكير الطيبري عين محميد بين كعيب القرظيي قال:
خمييس قريات :صييبعة وصييعرة وعمرة ودومييا وسييدوم؛ وهييي القرييية العظمييى" .بالخاطئة" أي
بالفعلة الخاطئة وهيييي المعصيييية والكفييير .وقال مجاهيييد :بالخطاييييا التيييي كانوا يفعلونهيييا .وقال
الجرجاني :أي بالخطأ العظيم؛ فالخاطئة مصدر.
**3الية{ 10 :فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية}
@قوله تعالى" :فعصوا رسول ربهم" قال الكلبي :هو موسى .وقيل :هو لوط لنه أقرب .وقيل:
عنيى موسيى ولوطيا عليهميا السيلم؛ كميا قال تعالى" :فقول إنيا رسيول رب العالميين" [الشعراء:
.]16وقيل" :رسول" بمعنى رسالة .وقد يعبر عن الرسالة بالرسول؛ قال الشاعر:
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسر ول أرسلتهم برسول
"فأخذهيم أخذة رابيية" أي عاليية زائدة على الخذات وعلى عذاب الميم .ومنيه الربيا إذا أخيذ فيي
الذهيب والفضية أكثير مميا أعطيى .يقال :ربيا الشييء يربيو أي زاد وتضاعيف .وقال مجاهيد :شديدة.
كأنه أراد زائدة في الشدة.
**3اليية{ 12 - 11 :إنيا لميا طغيا الماء حملناكيم فيي الجاريية ،لنجعلهيا لكيم تذكرة وتعيهيا أذن
واعية}
@قوله تعالى" :إنا لما طغى الماء" أي ارتفع وعل .وقال علي رضي ال عنه :طغى على خزانه
من الملئكة غضبا لربه فلم يقدروا على حبسه .قال قتادة :زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعا.
وقال ابين عباس :طغيى الماء زمين نوح على خزانيه فكثير عليهيم فلم يدروا كيم خرج .ولييس مين
الماء قطرة تنزل قبله ول بعده إل بكييييل معلوم غيييير ذلك اليوم .وقيييد مضيييى هذا مرفوعيييا أول
السيورة .والمقصيود مين قصيص هذه الميم وذكير ميا حيل بهيم مين العذاب :زجير هذه المية عين
القتداء بهييم فييي معصييية الرسييول .ثييم ميين عليهييم بأن جعلهييم ذرييية ميين نجييا ميين الغرق بقوله:
"حملناكم" أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلبهم" .في الجارية" أي في السفن الجارية .والمحمول
في الجارية نوح وأولده ،وكل من على وجه الرض من نسل أولئك.
@قوله تعالى" :لنجعلهيا لكيم تذكرة" يعنيي سيفينة نوح علييه الصيلة والسيلم .جعلهيا ال تذكرة
وعظة لهذه المة حتى أدركها أوائلهم؛ في قول قتادة .قال ابن جريج :كانت ألواحها على الجودي.
والمعنيى :أبقييت لكيم تلك الخشبات حتيى تذكروا ميا حيل بقوم نوح ،وإنجاء ال آباءكيم؛ وكيم مين
سيفينة هلكيت وصيارت ترابيا ولم يبيق منهيا شييء .وقييل :لنجعيل تلك الفعلة مين إغراق قوم نوح
وإنجاء من آمن معه موعظة لكم؛ ولهذا قال ال تعالى" :وتعيها أذن واعية" أي تحفظها وتسمعها
أذن حافظيية لمييا جاء ميين عنييد ال .والسييفينة ل توصييف بهذا .قال الزجاج :ويقال وعيييت كذا أي
حفظتيه فيي نفسيي ،أعييه وعييا .ووعييت العلم ،ووعييت ميا قلت؛ كله بمعنيى .وأوعييت المتاع فيي
الوعاء .قال الزجاج :يقال لكل ما حفظته في غير نفسك" :أوعيته" باللف ،ولما حفظته في نفسك
"وعيتيه" بغيير ألف .وقرأ طلحية وحمييد والعرج "وتعيهيا" بإسيكان العيين؛ تشبيهيا بقول" :أرنيا"
[البقرة .]128 :واختلف فيهيا عين عاصيم وابين كثيير .الباقون بكسير العيين؛ ونظيير قوله تعالى:
"وتعيها أذن واعية"" ،إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب" [ق .]37 :وقال قتادة :الذن الواعية
أذن عقلت عين ال تعالى ،وانتفعيت بميا سيمعت مين كتاب ال عيز وجيل .وروى مكحول أن النيبي
صيلى ال علييه وسيلم قال عنيد نزول هذه اليية( :سيألت ربيي أن يجعلهيا أذن علي) .قال مكحول:
فكان علي رضيي ال عنيه يقول ميا سيمعت مين رسيول صيلي ال علييه وسيلم شيئا قيط فنسييته إل
وحفظتيه .ذكره الماوردي .وعين الحسين نحوه ذكره الثعلبيي قال :لميا نزلت "وتعيهيا أذن واعيية"
قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :سيألت ربيي أن يجعلهيا أذنيك ييا علي) قال علي :فوال ميا نسييت
شيئا بعد ،وما كان لي أن أنسى .وقال أبو برزة السلمي قال النبي صلى ال عليه وسلم لعلي( :يا
علي إن ال أمرني أن أدنيك ول أقصيك وأن أعلمك وأن تعي وحقّ على ال أن َت ِعيَ).
**3الية{ 13 :فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة}
@ قال ابن عباس :هي النفخة الولى لقيام الساعة ،فلم يبق أحد إل مات .وجاز تذكير "نفخ" لن
تأنيث النفخة غير حقيقي .وقيل :إن هذه النفخة هي الخيرة .وقال" :نفخة واحدة" أي ل تثنى .قال
الخفيش :ووقيع الفعيل على النفخية إذ لم يكين قبلهيا اسيم مرفوع فقييل :نفخية .ويجوز "نفخية" نصيبا
على المصيدر .وبهيا قرأ أبيو السيمال .أو يقال :اقتصير على الخبار عين الفعيل كميا تقول :ضرب
ضربا .وقال الزجاج" :في الصور" يقوم مقام ما لم يسم فاعله.
**3الية{ 14 :وحملت الرض والجبال فدكتا دكة واحدة}
@قوله تعالى" :وحملت الرض والجبال" قراءة العامية بتخفييف المييم؛ أي رفعيت مين أماكنهيا.
"فدكتيا" أي فتتيا وكسيرتا" .دكية واحدة" ل يجوز فيي "دكية" إل النصيب لرتفاع الضميير فيي
"دكتيا" .وقال الفراء :لم يقيل فدككين لنيه جعيل الجبال كلهيا كالجملة الواحدة ،والرض كالجملة
الواحدة .ومثله" :أن السييموات والرض كانتييا رتقييا" [النييبياء ]30 :ولم يقييل كيين .وهذا الدك
كالزلزلة؛ كميا قال تعالى" :إذا زلزلت الرض زلزالهيا" [الزلزلة .]1 :وقييل" :دكتيا" أي بسيطتا
بسيطة واحدة؛ ومنيه أندك سينام البعيير إذا انفرش فيي ظهره .وقيد مضيى فيي سيورة "العراف"
القول فييه .وقرأ عبدالحمييد عين ابين عامير "وحملت الرض والجبال" بالتشدييد على إسيناد الفعيل
إلى المفعول الثاني .كانه في الصل وحملت قدرتنا أو ملكا من ملئكتنا الرض والجبال؛ ثم أسند
الفعل إلى المفعول الثاني فبني له .ولو جيء بالمفعول الول لسند الفعل إليه؛ فكأنه قال :وحملت
ض الملَك؛ كقولك :أُلبِس حمّلَت الر ُ قدرتنا الرض .وقد يجوز بناؤه للثاني على وجه القلب فيقالُ :
زيدٌ الجبة ،وأُلبِست الجب ُة زيداً.
**3الية{ 15 :فيومئذ وقعت الواقعة ،وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ،والملك على أرجائها
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية}
@قوله تعالى" :فيومئذ وقعييت الواقعيية" أي قامييت القياميية" .وانشقييت السييماء" أي أنصييدعت
وتفطرت .وقيل :تنشق لنزول ما فيها من الملئكة؛ دليله قوله تعالى" :ويوم تشقق السماء بالغمام
ونزل الملئكية تنزيل" [الفرقان ]25 :وقيد تقدم" .فهيي يومئذ واهيية" أي ضعيفية .يقال :وهيي
البناء يهييي وهيييا فهييو واه إذا ضعييف جدا .ويقال :كلم واه؛ أي ضعيييف .فقيييل :إنهييا تصييير بعييد
صييلبتها بمنزلة الصييوف فييي الوهييي ويكون ذلك لنزول الملئكيية كمييا ذكرنييا .وقيييل :لهول يوم
القيامية .وقييل" :واهيية" أي متخرقية؛ قال ابين شجرة .مأخوذ مين قولهيم :وهيى السيقاء إذا تخرق.
ومن أمثالهم:
خل سبيل من وهى سقاؤه ومن أهريق بالفلة ماؤه
أي من كان ضعييف العقيل ل يحفيظ نفسه" .والملك" يعنيي الملئكة؛ اسيم للجنيس" .على أرجائها"
أي على أطرافهيا حيين تنشيق؛ لن السيماء مكانهيم؛ عين ابين عباس .الماوردي :ولعله قول مجاهيد
وقتادة .وحكاه الثعلبيي عين الضحاك ،قال :على أطرافهيا مميا لم ينشيق منهيا .يرييد أن السيماء مكان
الملئكة فإذا انشقت صاروا في أطرافها .وقال سعيد بن جبير :المعنى والملك على حافات الدنيا؛
أي ينزلون إلى الرض ويحرسيون أطرافهيا .وقييل :إذا صيارت السيماء قطعيا تقيف الملئكية على
تلك القطيع التيي ليسيت متشققية فيي أنفسيها .وقييل :إن الناس إذا رأوا جهنيم هالتهيم؛ فيندوا كميا تنيد
البل ،فل يأتون قطرا من أقطار الرض إل رأوا ملئكة فيرجعون من حيث جاؤوا .وقيل" :على
أرجائهيا" ينتظرون ميا يؤمرون بيه فيي أهيل النار مين السيوق إليهيا ،وفيي أهيل الجنية مين التحيية
والكرامييية .وهذا كله راجيييع إلى معنيييى قول ابيين جييبير .ويدل عليييه" :ونزل الملئكييية تنزيل"
[الفرقان ]25 :وقوله تعالى" :يا معشر الجن والنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات
والرض" [الرحمن ]33 :على ما بيناه هناك .والرجاء النواحي والقطار بلغة هذيل ،واحدها
رجا مقصور ،وتثنيته رجوان؛ مثل عصا وعصوان .قال الشاعر:
أقل القوم من يغني مكاني فل يرمى بي الرجوان أني
ويقال ذلك لحرف البئر والقبر.
@قوله تعالى" :ويحميل عرش ربيك فوقهيم يومئذ ثمانيية" قال ابين عباس :ثمانيية صيفوف مين
الملئكية ل يعلم عددهيم إل ال .وقال ابين زييد :هيم ثمانيية أملك .وعين الحسين :ال أعلم كيم هيم،
ثمانية أم ثمانية آلف .وعن النبي صلى ال عليه وسلم (أن حملة العرش اليوم أربعة فإذا كان يوم
القيامية أيدهيم ال تعالى بأربعية آخريين فكانوا ثمانيية) .ذكره الثعلبيي .وخرجيه الماوردي عين أبيي
هريرة قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم( :يحمله اليوم أربعية وهيم يوم القيامية ثمانيية).
وقال العباس بن عبدالملك :هم ثمانية أملك على صورة الوعال .ورواه عن النبي صلى ال عليه
وسلم .وفي الحديث (إن لكل ملك منهم أربعة أوجه وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر
وكل وجه منها يسأل ال الرزق لذلك الجنس) .ولما أنشد بين يدي النبي صلى ال عليه وسلم قول
أمية بن أبي الصلت:
والنسر للخرى وليث مرصد رجل وثور تحت رجل يمينه
حمراء يصبح لونها يتورد والشمس تطلع كل آخر ليلة
إل معذبة وإل تجلد ليست بطالعة لهم في رسلها
قال النبي صيلى ال عليه وسيلم( :صدق) .وفي الخبر (أن فوق السيماء السيابعة ثمانية أو عال بيين
أظلفهين وركبهين مثيل ميا بيين سيماء إلى سيماء وفوق ظهورهين العرش) .ذكره القشيري وخرجيه
الترمذي مين حدييث العباس ابين عبدالمطلب .وقيد مضيى فيي سيورة "البقرة" بكماله .وذكير نحوه
الثعلبيي ولفظيه .وفيي حدييث مرفوع (أن حملة العرش ثمانيية أملك على صيورة الوعال ميا بيين
أظلفهيا إلى ركبهيا مسييرة سيبعين عاميا للطائر المسيرع) .وفيي تفسيير الكلبيي :ثمانيية أجزاء مين
تسييعة أجزاء ميين الملئكيية .وعنييه :ثمانييية أجزاء ميين عشرة أجزاء ميين الملئكيية .ثييم ذكيير عدة
الملئكيية بمييا يطول ذكره .حكييى الول عنييه الثعلبييي والثانييي القشيري .وقال الماوردي عيين ابيين
عباس :ثمانية أجزاء من تسعة وهم الكروبيون .والمعنى ينزل بالعرش .ثم إضافة العرش إلى ال
تعالى كإضافية البييت ،ولييس البييت للسيكنى ،فكذلك العرش .ومعنيى" :فوقهيم" أي فوق رؤوسيهم.
قال السيدي :العرش تحمله الملئكية الحملة فوقهيم ول يحميل حملة العرش إل ال .وقييل" :فوقهيم"
أي إن حملة العرش فوق الملئكية الذيين فيي السيماء على أرجائهيا .وقييل" :فوقهيم" أي فوق أهيل
القيامة.
**3الية{ 18 :يومئذ تعرضون ل تخفى منكم خافية}
@قوله تعالى" :يومئذ تعرضون" أي ،على ال؛ دليله" :وعرضوا على ربيك صيفا" ولييس ذلك
عرضيا يعلم بيه ميا لم يكين عالميا بيه ،بيل معناه الحسياب وتقريير العمال عليهيم للمجازاة .وروى
الحسن عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :يعرض الناس يوم القيامة ثلث
عرضات فأميا عرضتان فجدال ومعاذيير وأميا الثالثية فعنيد ذلك تطيير الصيحف فيي اليدي فآخيذ
بيمينه وآخذ بشماله) .خرجه الترمذي قال :ول يصح من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة.
"ل تخفى منكم خافية" أي هو عالم بكل شي من أعمالكم" .فخافية" على هذا بمعنى خفية ،كانوا
يخفونهيا مين أعمالهيم؛ قاله ابين شجرة .وقييل :ل يخفيى علييه إنسيان؛ أي ل يبقيى إنسيان ل يحاسيب.
وقال عبدال بيين عمرو بيين العاص :ل يخفييى المؤميين ميين الكافيير ول البر ميين الفاجيير .وقيييل :ل
تستتر منكم عورة؛ كما قال النبي صلى ال عليه وسلم( :يحشر الناس حفاة عراة) .وقرأ الكوفيون
إل عاصما "ل يخفى" بالياء؛ لن تأنيث الخافية غير حقيقي؛ نحو قوله تعالى" :وأخذ الذين ظلموا
الصييحة" [هود ]67 :واختاره أبيو عبييد؛ لنيه قيد حال بيين الفعيل وبيين السيم المؤنيث الجار
والمجرور .الباقون بالتاء .واختاره أبو حاتم لتأنيث الخافية.
**3اليية{ 27 - 19 :فأميا مين أوتيي كتابيه بيمينيه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابييه ،إنيي ظننيت أنيي
ملق حسابيه ،فهو في عيشة راضية ،في جنة عالية ،قطوفها دانية ،كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم
في اليام الخالية ،وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ،ولم أدر ما حسابيه ،يا
ليتها كانت القاضية}
@قوله تعالى" :فأميا مين أوتيي كتابيه بيمينيه" إعطاء الكتاب باليميين دلييل على النجاة .وقال ابين
عباس :أول مين يعطيى كتابيه بيمينيه مين هذه المية عمير بين الخطاب ،وله شعاع كشعاع الشميس.
قييل له :فأيين أبيو بكير؟ فقال هيهات هيهات! زفتيه الملئكية إلى الجنية .ذكره الثعلبيي .وقيد ذكرناه
مرفوعييا مين حديييث زيييد بين ثابييت بلفظييه ومعناه فييي كتاب "التذكرة" .والحمييد ل" .فيقول هاؤم
اقرؤوا كتابيييه" أي يقول ذلك ثقيية بالسييلم وسييرورا بنجاتييه؛ لن اليمييين عنييد العرب ميين دلئل
الفرح ،والشمال من دلئل الغم .قال الشاعر:
فأفرح أم صيرتني في شمالك أبيني أفي يمنى يديك جعلتني
ومعنى" :هاؤم" تعالوا؛ قاله ابن زيد .وقال مقاتل :هلم .وقيل :أي خذوا؛ ومنه الخبر في الربا (إل
هاء وهاء) أي يقول كل واحد لصاحبه :خذ .قال ابن السكيت والكسائي :العرب تقول هاء يا رجل
اقرأ ،وللثنيين هاؤميا ييا رجلن ،وهاؤم ييا رجال ،وللمرة هاء (بكسير الهمزة) وهاؤميا وهاؤمين.
والصييل هاكييم فأبدلت الهمزة ميين الكاف؛ قال القتيييبي .وقيييل :إن "هاؤم" كلميية وضعييت لجابيية
الداعيي عنيد النشاط والفرح .روي أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ناداه أعرابيي بصيوت عال
فأجابيه النييبي صيلى ال علييه وسيلم "هاؤم" يطول صيوته" .وكتابيييه" منصييوب بيي "هاؤم" عنييد
الكوفيين .وعند البصريين بي "اقرؤوا" لنه أقرب العاملين .والصل "كتابي" فأدخلت الهاء لتبين
فتحية الياء ،وكان الهاء للوقيف ،وكذلك فيي أخواتيه" :حسيابيه" ،ومالييه ،وسيلطانيه" وفيي القارعية
"ماهييه" .وقراءة العامية بالهاء فيهين فيي الوقيف والوصيل معيا؛ لنهين وقعين فيي المصيحف بالهاء
فل تترك .واختار أبو عبيد أن يتعمد الوقف عليها ليوافق اللغة في إلحاق الهاء في السكت ويوافق
الخيط .وقرأ ابين محيصين ومجاهيد وحمييد ويعقوب بحذف الهاء فيي الوصيل وإثباتهيا فيي الوقيف
فيهين جميع .ووافقهيم حمزة فيي "مالييه وسيلطانيه" ،و"ماهييه" فيي القارعية .وجملة هذه الحروف
سيبعة .واختار أبيو حاتيم قراءة يعقوب ومين معيه إتباعيا للغية .ومين قرأهين فيي الوصيل بالهاء فهيو
على نية الوقف.
@قوله تعالى" :إني ظننت" أي أيقنت وعلمت ،عن ابن عباس وغيره .وقيل :أي إني ظننت أن
يؤاخذنيي ال بسييئاتي عذبنيي فقيد تفضيل علي بعفوه ولم يؤاخذنيي بهيا .قال الضحاك :كيل ظين فيي
القرآن مين المؤمين فهيو يقيين .ومين الكافير فهيو شيك .وقال مجاهيد :ظين الخرة يقيين ،وظين الدنييا
شيك .وقال الحسين فيي هيذ اليية :إن المؤمين أحسين الظين بربيه فأحسين العميل وإن المنافيق أسياء
الظن بربه فأساء العمل" .أني ملق حسابي" أي في الخرة ولم أنكر البعث؛ يعني أنه ما نجا إل
بخوفه من يوم الحساب ،لنه تيقن أن ال يحاسبه فعمل للخرة" .فهو في عيشة راضية" أي في
عييش يرضاه ل مكروه فييه .وقال أبيو عيبيدة والفراء" :راضيية" أي مرضيية؛ كقولك :ماء دافيق؛
أي مدفوق .وقيييل :ذات رضييا؛ أي يرضييى بهييا صيياحبها .مثييل لبيين وتاميير؛ أي صيياحب اللبيين
والتمر .وفي الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم (أنهم يعيشون فل يموتون أبدا ويصحون فل
يمرضون أبدا وينعمون فل يرون بؤسيييا أبدا ويشبون فل يهرمون أبدا)" .فيييي جنييية عاليييية" أي
عظيمة في النفوس" .قطوفها دانية" أي قريبة التناول ،يتناولها القائم والقاعد والمضطجع على ما
يأتيي بيانيه فيي سيورة "النسيان" .والقطوف جميع قطيف (بكسير القاف) وهو ميا يقطيف من الثمار.
والقطف (بالفتح) المصدر .والقطاف (بالفتح والكسر) وقت القطف" .كلوا واشربوا" أي يقال لهم
ذلك" .هنيئا" ل تكدييير فييه ول تنغييص" .بميا أسيلفتم" قدمتييم مين العمال الصيالحة" .فييي اليام
الخاليية" أي فيي الدنييا .وقال" :كلوا" بعيد قوله" :فهيو فيي عيشية راضيية" لقوله" :فأميا مين أوتيي"
و"من" يتضمن معنى الجمع.
وذكر الضحاك أن هذه الية نزلت في أبي سلمة عبدال بن عبد السد المخزومي؛ وقاله مقاتل.
والية التي تليها في أخيه السود بن عبد السد؛ في قول ابن عباس والضحاك أيضا؛ قال الثعلبي.
ويكون هذا الرجل وأخوه سبب نزول هذه اليات .ويعم المعنى جميع أهل الشقاوة وأهل السعادة؛
يدل علييه قوله تعالى" :كلوا وأشربوا" .وقيد قييل :إن المراد بذلك كيل مين كان متبوعيا فيي الخيير
والشر .فإذا كان الرجل رأسا في الخير ،يدعو إليه ويأمر به ويكثر تبعه عليه ،دعي باسمه واسم
أبيييه فيتقدم حتييى إذا دنييا أخرج له كتاب أبيييض بخييط أبيييض ،فييي باطنييه السيييئات وفييي ظاهره
الحسينات فيبدأ بالسييئات فيقرأهيا فيشفيق ويصيفر وجهيه ويتغيير لونيه فإذا بلغ آخير الكتاب وجيد فييه
"هذه سيئاتك وقد غفرت لك" فيفرح عند ذلك فرحا شديدا ،ثم يقلب كتابه فيقرأ حسناته فل يزداد
إل فرحا؛ حتى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه "هذه حسناتك قد ضوعفت لك" فيبيض وجهه ويؤتى
بتاج فيوضيع على رأسيه ،ويكسيى حلتيين ،ويحلى كيل مفصيل منيه ويطول سيتين ذراعيا وهيي قامية
آدم علييه السيلم؛ ويقال له :انطلق إلى أصيحابك فأخيبرهم وبشرهيم أن لكيل إنسيان منهيم مثيل هذا.
فإذا أدبر قال :هاؤم اقرؤوا كتابييه إنيي ظننيت أنيي ملق حسيابيه .قال ال تعالى" :فهيو فيي عيشية
راضية" أي مرضية قد رضيها "في جنة عالية" في السماء "قطوفها" ثمارها وعناقيدها" .دانية"
أدنييت منهيم .فيقول لصيحابه :هيل تعرفونيي؟ فيقولون :قيد غمرتيك كرامية ،مين أنيت؟ فيقول :أنيا
فلن بن فلن أبشر كل رجل منكم بمثل هذا" .كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في اليام الخالية" أي
قدمتم في أيام الدنيا .وإذا كان الرجل رأسا في الشر ،يدعو إليه ويأمر به فيكثر تبعه عليه ،نودي
باسيمه واسيم أبييه فيتقدم إلى حسيابه ،فيخرج له كتاب أسيود بخيط أسيود فيي باطنيه الحسينات وفيي
ظاهره السييئات ،فيبدأ بالحسينات فيقرأهيا ويظين أنيه سيينجو ،فإذا بلغ آخير الكتاب وجيد فييه "هذه
حسيناتك وقيد ردت علييك" فيسيود وجهيه ويعلوه الحزن ويقنيط مين الخيير ،ثيم يقلب كتابيه فيقرأ
سيئاته فل يزداد إل حزنا ،ول يزداد وجهه إل سوادا ،فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه "هذه سيئاتك
وقيد ضوعفيت علييك" أي يضاعيف علييه العذاب .لييس المعنيى أنيه يزاد علييه ميا لم يعميل -قال -
فيعظيم للنار وتزرق عيناه ويسيود وجهيه ،ويكسيى سيرابيل القطران ويقال له :انطلق إلى أصيحابك
وأخيبرهم أن لكيل إنسيان منهيم مثيل هذا؛ ينطلق وهيو يقول" :ييا ليتنيي لم أوت كتابييه .ولم أدر ميا
حسابيه .يا ليتها كانت القاضية" يتمنى الموت.
**3الية{ 28 :ما أغنى عني ماليه ،هلك عني سلطانيه ،خذوه فغلوه ،ثم الجحيم صلوه ،ثم في
سييلسلة ذرعهييا سييبعون ذراعييا فاسييلكوه ،إنييه كان ل يؤميين بال العظيييم ،ول يحييض على طعام
المسكين}
@قوله تعالى" :هلك عنيي سيلطانيه" تفسيير ابين عباس :هلكيت عنيه حجتيي .وهيو قول مجاهيد
وعكرمية والسيدي والضحاك .وقال ابين زييد :يعنيي سيلطانيه فيي الدنييا الذي هيو الملك .وكان هذا
الرجيل مطاعيا فيي أصيحابه؛ قال ال تعالى "خذوه فغلوه" قييل :يبتدره مائة ألف ملك ثيم تجميع يده
إلى عنقيه وهيو قوله عيز وجيل" :فغلوه" أي شدوه بالغلل "ثيم الجحييم صيلوه" أي اجعلوه يصيلى
الجحييم "ثيم فيي سيلسلة ذرعهيا سيبعون ذراعيا" ال أعلم بأي ذراع ،قاله الحسين .وقال ابين عباس:
سبعون ذراعا بذراع الملك .وقال نوف :كل ذراع سبعون باعا ،وكل باع أبعد ما بينك وبين مكة.
وكان فيي رحبية الكوفية .وقال مقاتيل :لو أن حلقية منهيا وضعيت على ذروة جبيل لذاب كميا يذوب
الرصياص .وقال كعيب :إن حلقية مين السيلسلة التيي قال ال تعالى ذرعهيا سيبعون ذراعيا -أن حلقية
منها -مثل جميع حديد الدنيا" .فاسلكوه" قال سفيان :بلغنا أنها تدخل في دبره حتى تخرج من فيه.
وقاله مقاتيل .والمعنيى ثيم أسيلكوا فييه سيلسلة .وقييل :تدخيل عنقيه فيهيا ثيم يجربهيا .وجاء فيي الخيبر:
أنها تدخل من دبره وتخرج من منخريه .وفي خبر آخر :تدخل من فيه وتخرج من دبره ،فينادي
أصحابه هل تعرفوني؟ فيقولون ل ،ولكن قد نرى ما بك من الخزي فمن أنت؟ فينادي أصحابه أنا
فلن بن فلن ،لكل إنسان منكم مثل هذا.
قلت :وهذا التفسيير أصيح ميا قييل فيي هذه اليية ،يدل علييه قوله تعالى" :يوم ندعيو كيل أناس
بإمامهم" [السيراء .]71 :وفي الباب حديث أبي هريرة بمعناه خرجه الترمذي .وقد ذكرناه فيي
سورة "السراء" فتأمله هناك" .إنه كان ل يؤمن بال العظيم ،ول يحض على طعام المسكين" أي
على الطعام ،كما يوضع العطاء موضع العطاء .قال الشاعر:
وبعد عطائك المائة الرتاعا أكفرا بعد رد الموت عني
أراد بعيد إعطائك .فيبين أنيه عذب على ترك الطعام وعلى الم بالبخيل ،كميا عذب بسيبب الكفير.
والحيض :التحرييض والحيث .وأصيل "طعام" أن يكون منصيوبا بالمصيدر المقدر .والطعام عبارة
عن العين ،وأضيف للمسكين للملبسة التي بينهما .ومن أعمل الطعام كما يعمل الطعام فموضع
المسييكين نصييب .والتقدييير على إطعام المطعييم المسييكين؛ فحذف الفاعييل وأضيييف المصييدر إلى
المفعول.
**3اليية{ 37 - 35 :فلييس له اليوم هاهنيا حمييم ،ول طعام إل مين غسيلين ،ل يأكله إل
الخاطئون}
@قوله تعالى" :فلييس له اليوم هاهنيا حمييم" خيبر "لييس" قوله" :له" ول يكون الخيبر قوله" :هيا
هنيا" لن المعنيى يصيير :لييس هيا هنيا طعام إل مين غسيلين ،ول يصيح ذلك؛ لن ثيم طعاميا غيره.
و"ها هنا" متعلق بما في "له" من معنى الفعل .والحميم ها هنا القريب .أي ليس له قريب يرق له
ويدفيع عنيه .وهيو مأخوذ مين الحمييم وهيو الماء الحار؛ كأنيه الصيديق الذي يرق ويحترق قلبيه له.
والغسلين فعلين من الغسل؛ فكأنه ينغسل من أبدانهم ،وهو صديد أهل النار السائل من جروحهم
وفروجهيم؛ عين ابين عباس .وقال الضحاك والربييع بين أنيس :هيو شجير يأكله أهيل النار .والغسيل
(بالكسير) :ميا يغسيل بيه الرأس مين خطميي وغيره .الخفيش :ومنيه الغسيلين ،وهيو ميا أنغسيل مين
لحوم أهيل النار ودمائهيم .وزييد فييه الياء والنون كميا زييد فيي عفريين .وقال قتادة :هيو شير الطعام
وأبشعييه .ابيين زيييد :ل يعلم مييا هييو ول الزقوم .وقال فييي موضييع آخيير" :ليييس لهييم طعام إل ميين
ضرييع" [الغاشيية ]6 :يجوز أن يكون الضرييع مين الغسيلين .وقييل :فيي الكلم تقدييم وتأخيير؛
والمعنى فليس له اليوم ها هنا حميم إل من غسلين .وقيل :في الكلم تقديم وتأخير؛ والمعنى فليس
له اليوم ها هنا حميم إل من غسلين؛ ويكون الماء الحار" .ول طعام" أي وليس لهم طعام ينتفعون
بيه" .ل يأكله إل الخاطئون" أي المذنبون .وقال ابين عباس :يعنيي المشركيين .وقرئ "الخاطيون"
بإبدال الهمزة ياء ،و"الخاطون" بطرحهيا .وعين ابين عباس :ميا الخاطون كلنيا نخطيو .وروى أبيو
السود الدؤلي :ما الخاطون؟ إنما هو الخاطئون .ما الصابون إنما هو الصابئون .ويجوز أن يراد
الذي يتخطون الحق إلى الباطل ويتعدون حدود ال عز وجل.
**3الية{ 40 - 38 :فل أقسم بما تبصرون ،وما ل تبصرون ،إنه لقول رسول كريم}
@قوله تعالى" :فل أقسيم بميا تبصيرون .وميا ل تبصيرون" المعنيى أقسيم بالشياء كلهيا ميا ترون
منهيا وميا ل ترون .و"ل" صيلة .وقييل :هيو رد لكلم سيبق؛ أي لييس المير كميا يقوله المشركون.
وقال مقاتيل :سيبب ذلك أن الولييد بين المغيرة قال :إن محمدا سياحر .وقال أبيو جهيل :شاعير .وقال
عقبة :كاهن؛ فقال ال عز وجل" :فل أقسم" أي أقسم .وقيل" :ل" ها هنا نفي للقسم ،أي ل يحتاج
فييي هذا إلى قسيم لوضوح الحييق فييي ذلك ،وعلى هذا فجوابيه كجواب القسييم" .إنييه" يعنييي القرآن
"لقول رسول كريم" يريد جبريل ،قاله الحسن والكلبي ومقاتل .دليله" :إنه لقول رسول كريم .ذي
قوة عند ذي العرش" [التكوير .]20:وقال الكلبي أيضا والقتبي :الرسول ها هنا محمد صلى ال
علييه وسيلم؛ لقوله" :وميا هيو بقول شاعير" ولييس القرآن قول الرسيول صيلي ال علييه وسيلم ،إنميا
هو من قول ال عز وجل ونسب القول إلى الرسول لنه تاليه ومبلغه والعامل به ،كقولنا :هذا قول
مالك.
**3الية{ 42 - 41 :وما هو بقول شاعر قليل ما تؤمنون ،ول بقول كاهن قليل ما تذكرون}
@قوله تعالى" :وميا هيو بقول شاعير" لنيه مبايين لصينوف الشعير كلهيا" .ول بقول كاهين" لنيه
ورد بسيب الشياطيين وشتمهيم فل ينزلون شيئا على مين يسيبهم .و"ميا" زائدة فيي قوله" :قليل ميا
تؤمنون"" ،قليل ميا تتذكرون"؛ والمعنيى :قليل تؤمنون وقليل تذكرون .وذلك القلييل مين إيمانهيم
هييو أنهييم إذا سييئلوا ميين خلقهييم قالوا :ال .ول يجوز أن تكون "مييا" مييع الفعييل مصييدرا وتنصييب
"قليل" بما بعد "ما" ،لما فيه من تقديم الصلة على الموصول؛ لن ما عمل فيه المصدر من صلة
المصيدر .وقرأ ابين محيصين وابين كثيير وابين عامير ويعقوب "ميا يؤمنون" ،و"يذكرون" بالياء.
الباقون بالتاء لن الخطاب قبله وبعده .أما قبله فقوله" :تبصرون" وأما بعده" :فما منكم" الية.
**3الية{ 43 :تنزيل من رب العالمين}
@قوله تعالى" :تنزييل" أي هيو تنزييل" .مين رب العالميين" وهيو عطيف على قوله" :إنيه لقول
رسول كريم" [الحاقة ،]40 :أي إنه لقوله رسول كريم ،وهو تنزيل من رب العالمين.
**3اليية{ 46 - 44 :ولو تقول علينيا بعيض القاوييل ،لخذنيا منيه باليميين ،ثيم لقطعنيا منيه
الوتين}
@قوله تعالى" :ولو تقول علينيا بعيض القاوييل" "تقول" أي تكلف وأتيى بقول مين قبيل نفسيه.
وقرئ "ولو تقول" على البناء للمفعول" .لخذنيييا منيييه باليميييين" أي بالقوة والقدرة ،أي لخذناه
بالقوة .و"مين" صيلة زائدة .وعيبر عين القوة والقدرة باليميين لن قوة كيل شييء فيي ميامنيه ،قاله
القتبي .وهو معنى قول ابن عباس ومجاهد .ومنه قول الشماخ:
تلقاها عرابة باليمين إذا ما راية رفعت لمجد
أي بالقوة .عرابة اسم رجل من النصار من الوس .وقال آخر:
تناولت منها حاجتي بيميني ولما رأيت الشمس أشرق نورها
وقال السدي والحكم" :باليمين" بالحق .قال:
تلقاها عرابة باليمين
أي بالستحقاق .وقال الحسن :لقطعنا يده اليمين .وقيل :المعنى لقبضنا بيمينه عن التصرف؛ قاله
نفطوييه .وقال أبيو جعفير الطيبري :إن هذا الكلم خرج مخرج الذلل على عادة الناس فيي الخيذ
بييد مين يعاقيب .كما يقول السيلطان لمين يرييد هوانه :خذوا يديه .أي لمرنيا بالخيذ بيده وبالغنيا فيي
عقابه" .ثم لقطعنا منه الوتين" يعني نياط القلب؛ أي لهلكناه .وهو عرق يتعلق به القلب إذا انقطع
مات صيياحبه؛ قال ابيين عباس وأكثيير الناس .قال :إذا بلغتنييي وحملت رحلي عرابيية فأشرقييي بدم
الوتيين وقال مجاهيد :هيو حبيل القلب الذي فيي الظهير وهيو النخاع؛ فإذا انقطيع بطلت القوى ومات
صاحبه .والموتون الذي قطع وتينه .وقال محمد بن كعب :إنه القلب ومراقه وما يليه .قال الكلبي:
إنيه عرق بيين العلباء والحلقوم .والعلباء :عصيب العنيق .وهميا علباوان بينهميا ينبيت العرق .وقال
عكرمة :إن الوتين إذا قطع ل إن جاع عرف ،ول إن شبع عرف.
**3الية{ 48 - 47 :فما منكم من أحد عنه حاجزين ،وإنه لتذكرة للمتقين}
@قوله تعالى" :فما منكم من أحد عنه حاجزين" "ما" نفي و"أحد" في معنى الجمع ،فلذلك نعته
بالجمييع؛ أي فمييا منكييم قوم يحجزون عنييه كقوله تعالى" :ل نفرق بييين أحييد ميين رسييله" [البقرة:
]285هذا جمع ،لن "بين" ل تقع إل على اثنين فما زاد .قال النبي صلى ال عليه وسلم( :لم
تحل الغنائم لحد سود الرؤوس قبلكم) .لفظه واحد ومعناه الجمع .و"من" زائدة .والحجز :المنع.
و"حاجزيين" يجوز أن يكون صيفة لحيد على المعنيى كميا ذكرنيا؛ فيكون فيي موضيع جير .والخيبر
"منكم" .ويجوز أن يكون منصوبا على أنه خبر و"منكم" ملغى ،ويكون متعلقا "بحاجزين" .ول
يمنيع الفصيل بيه مين انتصياب الخيبر فيي هذا؛ كميا لم يمتنيع الفصيل بيه فيي "إن فييك زيدا راغيب".
"وإنه" يعني القرآن "لتذكرة للمتقين" أي للخائفين الذين يخشون ال .ونظيره" :فيه هدى للمتقين"
[البقرة ]2 :على ميا بيناه أول سيورة البقرة .وقييل :المراد محميد صيلى ال علييه وسيلم ،أي هيو
تذكرة ورحمة ونجاة.
**3الية{ 52 - 49 :وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ،وإنه لحسرة على الكافرين ،وإنه لحق اليقين،
فسبح باسم ربك العظيم}
@قوله تعالى" :وإنيا لنعلم أن منكيم مكذبيين" قال الربييع :بالقرآن" .وإنيه لحسيرة" يعنيي التكذييب.
والحسرة :الندامة .وقيل :أي وإن القرآن لحسرة على الكافرين يوم القيامة إذا رأوا ثواب من آمن
به .وقيل :هي حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته عند تحديهم أن يأتوا بسورة مثله.
"وإنه لحق اليقين" يعني أن القرآن العظيم تنزيل من ال عزو جل؛ فهو لحق اليقين .وقيل :أي حقا
يقينا ليكونن ذلك حسرة عليهم يوم القيامة .فعلى هذا "وإنه لحسرة" أي لتحسر؛ فهو مصدر بمعنى
التحسير ،فيجوز تذكيره .وقال ابين عباس :إنميا هيو كقولك :لعيين اليقيين ومحيض اليقيين .ولو كان
اليقييين نعتييا لم يجييز أن يضاف إليييه؛ كمييا ل تقول :هذا رجييل الظريييف .وقيييل :أضافييه إلى نفسييه
لختلف اللفظيين" .فسيبح باسيم ربيك العظييم" أي فصيل لربيك؛ قال ابين عباس .وقييل :أي نزه ال
عن السوء والنقائص.
**2سورة المعارج
**3مقدمة السورة
@ وهي مكية باتفاق .وهي أربع وأربعون آية.
**3الية{ 4 - 1 :سأل سائل بعذاب واقع ،للكافرين ليس له دافع ،من ال ذي المعارج ،تعرج
الملئكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}
@قوله تعالى" :سيأل سيائل بعذاب واقيع" قرأ نافيع وابين عامير "سيال سيايل" بغيير همزة .الباقون
بالهميز .فمين هميز فهيو مين السيؤال .والباء يجوز أن تكون زائدة ،ويجوز أن تكون بمعنيى عين.
والسؤال بمعنى الدعاء؛ أي دعا داع بعذاب؛ عن ابن عباس وغيره .يقال :دعا على فلن بالويل،
ودعا عليه بالعذاب .ويقال :دعوت زيدا؛ أي ألتمست إحضاره .أي التمس ملتمس عذابا للكافرين؛
وهيييو واقيييع بهيييم ل محالة يوم القيامييية .وعلى هذا فالباء زائدة؛ كقوله تعالى" :تنبيييت بالدهييين"
[المؤمنون ،]20 :وقوله" .وهزي إلييك بجذع النخلة" [مرييم ]25 :فهيي تأكييد .أي سيأل سيائل
عذابا واقعا" .للكافرين" أي على الكافرين .وهو النضر بن الحارث حيث قال" :اللهم إن كان هذا
هيو الحيق مين عندك فأمطير علينيا حجارة مين السيماء أو ائتنيا بعذاب ألييم" [النفال ]32 :فنزل
سيؤاله ،وقتيل يوم بدر صيبرا هيو وعقبية بين أبيي معييط؛ لم يقتيل صيبرا غيرهميا؛ قاله ابين عباس
ومجاهد .وقيل :إن السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري .وذلك أنه لما بلغه قول النبي صلى
ال عليه وسيلم فيي علي رضي ال عنه( :من كنت موله فعلي موله) ركب ناقتيه فجاء حتيى أناخ
راحلته بالبطح ثم قال :يا محمد ،أمرتنا عن ال أن نشهد أن ل إله إل ال وأنك رسول ال فقبلناه
منك ،وأن نصلي خمسا فقبلناه منك ،ونزكي أموالنا فقبلناه منك ،وأن نصوم شهر رمضان في كل
عام فقبلناه منك ،وأن نحج فقبلناه منك ،ثم لم ترض بهذا حتى فضلت ابن عمك علينا! أفهذا شيء
منك أم من ال؟! فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :وال الذي ل إله إل هو ما هو إل من ال) فولى
الحارث وهيو يقول :اللهيم إن كان ميا يقول محميد حقيا فأمطيير علينيا حجارة مين السيماء أو ائتنييا
بعذاب أليم .فوال ما وصل إلى ناقته حتى رماه ال بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله؛
فنزلت" :سيأل سيائل بعذاب واقيع" اليية .وقييل :إن السيائل هنيا أبيو جهيل وهيو القائل لذلك ،قال
الربييع .وقييل :إنيه قول جماعية مين كفار قرييش .وقييل :هيو نوح علييه السيلم سيأل العذاب على
الكافرين .وقيل :هو رسول ال صلى ال عليه وسلم أي دعا عليه السلم بالعقاب وطلب أن يوقعه
ال بالكفار؛ وهيييو واقيييع بهيييم ل محالة .وأمتيييد الكلم إلى قوله تعالى" :فاصيييبر صيييبرا جميل"
[المعارج ]5 :أي ل تسيتعجل فإنيه قرييب .وإذا كانيت الباء بمعنيى عين -وهيو قول قتادة -فكأن
سائل سأل عن العذاب بمن يقع أو متى يقع .قال ال تعالى" :فاسأل به خبيرا" [الفرقان ]59 :أي
سل عنه .وقال علقمة:
بصير بأدواء النساء طبيب فإن تسألوني بالنساء فإنني
أي عن النساء .ويقال :خرجنا نسأل عن فلن وبفلن .فالمعنى سألوا بمن يقع العذاب ولمن يكون
فقال ال" :للكافريين" .قال أبيو علي وغيره :وإذا كان مين السيؤال فأصيله أن يتعدى إلى مفعوليين
ويجوز القتصيار على أحدهميا .وإذا اقتصير على أحدهميا جاز أن يتعدى إلييه بحرف جير؛ فيكون
التقديير سيأل سيائل النيبي صيلى ال علييه وسيلم أو المسيلمين بعذاب أو عين عذاب .ومين قرأ بغيير
همز فله وجهان :أحدهما :أنه لغة في السؤال وهي لغة قريش؛ تقول العرب :سال يسال؛ مثل نال
ينال وخاف يخاف .والثانييي :أن يكون ميين السيييلن؛ ويؤيده قراءة ابيين عباس "سييال سيييل" .قال
عبدالرحمين بين زييد :سيال واد مين أوديية جهنيم يقال له :سيائل؛ وقول زييد بين ثابيت .قال الثعلبيي:
والول أحسن؛ كقول العشى في تخفيف الهمزة:
قل مالي قد جئتماني بنكر سالتاني الطلق إذ رأتاني
وفيي الصيحاح :قال الخفيش :يقال خرجنيا نسيأل عين فلن وبفلن .وقيد تخفيف همزتيه فيقال :سيال
يسال .وقال:
لم يستعن وحوامي الموت تغشاه صدَته
ومرهق سال إمتاعا ِبأُ ْ
المرهق :الذي أدرك ليقتل .والصدة بالضم :قميص صغير يلبس تحت الثوب .المهدوي :من قرأ
"سال" جاز أن يكون خفف الهمزة بإبدالها ألفا ،وهو البدل على غير قياس .وجاز أن تكون اللف
منقلبية عين واو على لغية مين قال :سيلت أسيال؛ كخفيت أخاف .النحاس :حكيى سييبويه سيلت أسيال؛
مثل خفت أخاف؛ بمعنى سألت .وأنشد:
ضلت هذيل بما سالت ولم تصب ل رسول ال فاحشة سالت هذي ٌ
ويقال :هما يتساولن .المهدوي :وجاز أن تكون مبدلة من ياء ،من سال يسيل .ويكون سايل واديا
في جهنم؛ فهمزة سايل على القول الول أصلية ،وعلى الثاني بدل من واو ،وعلى الثالث بدل من
ياء .القشيري :وسائل مهموز؛ لنه إن كان من سأل بالهمز فهو مهموز ،وإن كان من غير الهمز
كان مهموزا أيضا؛ نحو قائل وخائف؛ لن العين اعتل في الفعل واعتل في اسم الفاعل أيضا .ولم
يكيين العتلل بالحذف لخوف اللتباس ،فكان بالقلب إلى الهمزة ،ولك تخفيييف الهمزة حتييى تكون
بين بين" .واقع" أي يقع بالكفار بين أنه من ال ذي المعارج .وقال الحسن :أنزل ال تعالى" :سأل
سائل بعذاب واقع" فقال لمن هو؟ فقال للكافرين؛ فاللم في الكافرين متعلقة "بواقع" .وقال الفراء:
التقدييير بعذاب للكافرييين واقييع؛ فالواقييع ميين نعييت العذاب واللم دخلت للعذاب ل للواقييع ،أي هذا
العذاب للكافريين فيي الخرة ل يدفعيه عنهيم أحيد .وقييل إن اللم بمعنيى على ،والمعنيى :واقيع على
الكافريين .وروي أنهيا فيي قراءة أبيي كذلك .وقييل :بمعنيى عين؛ أي لييس له دافيع عين الكافريين مين
ال .أي ذلك العذاب من ال ذي المعارج أي ذي العلو والدرجات الفواضل والنعم؛ قاله ابن عباس
وقتادة فالمعارج مراتييب إنعامييه على الخلق وقيييل ذي العظميية والعلء وقال مجاهييد :هييي معارج
السيماء .وقييل :هيي معارج الملئكية؛ لن الملئكية تعرج إلى السيماء فوصيف نفسيه بذلك .وقييل:
المعارج الغرف؛ أي إنيييه ذو الغرف ،أي جعيييل لوليائه فيييي الجنييية غرفيييا .وقرأ عبدال "ذي
المعاريييييج" بالياء .يقال :معرج ومعراج ومعارج ومعاريييييج؛ مثييييل مفتاح ومفاتيييييح .والمعارج
الدرجات؛ ومنه" :ومعارج عليها يظهرون" [الزخرف.]33 :
@قوله تعالى" :تعرج الملئكية والروح" أي تصيعد فيي المعارج التيي جعلهيا ال لهيم .وقرأ ابين
مسيعود وأصيحابه والسيلمي والكسيائي "يعرج" بالياء على إرادة الجميع؛ ولقوله :اذكروا الملئكية
ول تؤنثوهييم .وقرأ الباقون بالتاء على إرادة الجماعيية" .والروح" جبريييل عليييه السييلم؛ قال ابيين
عباس .دليله قوله تعالى" :نزل بيه الروح الميين" [الشعراء .]193 :وقييل :هيو ملك آخير عظييم
الخلقية .وقال أبيو صيالح :إنيه خلق مين خلق ال كهيئة الناس ولييس بالناس .قال قبيصية بين ذؤييب:
إنيه روح المييت حيين يقبيض" .إلييه" أي إلى المكان الذي هيو محلهيم وهيو فيي السيماء؛ لنهيا محيل
بره وكرامته .وقيل :هو كقول إبراهيم "إني ذاهب إلى ربي" [الصافات .]99 :أي إلى الموضع
الذي أمرنيي بيه .وقييل" :إلييه" أي إلى عرشيه" .فيي يوم كان مقداره خمسيين ألف سينة" قال وهيب
والكلبيي ومحميد بن إسيحاق :أي عروج الملئكية إلى المكان الذي هيو محلهيم فيي وقيت كان مقداره
على غيرهييم لو صييعد خمسييين ألف سيينة .وقال وهييب أيضييا :مييا بييين أسييفل الرض إلى العرش
مسيرة خمسين ألف سنة .وهو قول مجاهد .وجمع بين هذة الية وبين قوله" :في يوم كان مقداره
ألف سينة" فيي سيورة السيجدة ،فقال" :فيي يوم كان مقداره خمسيين ألف سينة" مين منتهيى أمره مين
أسييفل الرضييين إلى منتهييى أمره ميين فوق السييموات خمسييون ألف سيينة .وقوله تعالى فييي (آلم
تنزيل)" :في يوم كان مقداره ألف سنة" [السجدة ]5 :يعني بذلك نزول المر من سماء الدنيا إلى
الرض ،وميين الرض إلى السييماء فييي يوم واحييد فذلك مقدار ألف سيينة لن مييا بييين السييماء إلى
الرض مسيرة خمسمائة عام .وعن مجاهد أيضا والحكم وعكرمة :هو مدة عمر الدنيا من أول ما
خلقيت إلى آخير ميا بقيي خمسيون ألف سينة .ل يدري أحدكيم مضيى ول كيم بقيي إل ال عيز وجيل.
وقييل :المراد يوم القيامية ،أي مقدار الحكيم فييه لو توله مخلوق خمسيون ألف سينة ،قاله عكرمية
أيضيا والكلبي ومحمد بن كعب .يقول سبحانه وتعالى وأنا أفرغ منه فيي ساعة .وقال الحسن :هو
يوم القيامة ،ولكن يوم القيامة ل نفاد له فالمراد ذكر موقفهم للحساب فهو في خمسين ألف سنة من
سيني الدنييا ،ثيم حينئذ يسيتقر أهيل الداريين فيي الداريين .وقال يمان :هيو يوم القيامية ،فييه خمسيون
موطنييا كييل موطيين ألف سيينة .وقال ابيين عباس :هييو يوم القياميية ،جعله ال على الكافرييين مقدار
خمسين ألف سنة ،ثم يدخلون النار للستقرار.
قلت :وهذا القول أحسين ميا قييل فيي اليية إن شاء ال ،بدلييل ميا رواه قاسيم بين أصيبغ مين حدييث
أبيي سيعيد الخدري قال :قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم" :فيي يوم كان مقداره خمسيين ألف
سينة" .فقلت :ميا أطول هذا! فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم( :والذي نفسيي بيده إنيه ليخفيف عين
المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلة المكتوبة يصليها في الدنيا) .واستدل النحاس على صحة
هذا القول بما رواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :ما من
رجل لم يؤد زكاة مال إل جعل شجاعا من نار تكوى به جبهته وظهره وجنباه في يوم كان مقداره
خمسيين ألف سينة حتيى يقضيي ال بيين الناس) .قال :فهذا يدل على أنيه يوم القيامية .وقال إبراهييم
التيمي :ما قدر ذلك اليوم على المؤمن إل قدر ما بين الظهر والعصر .وروي هذا المعنى مرفوعا
ميين حديييث معاذ عيين النييبي صييلى ال عليييه وسييلم أنييه قال( :يحاسييبكم ال تعالى بمقدار مييا بييين
الصيلتين ولذلك سيمى نفسيه سيريع الحسياب وأسيرع الحاسيبين) .ذكره الماوردي .وقبيل :بيل يكون
الفراغ لنصيف يوم ،كقوله تعالى" :أصيحاب الجنية يومئذ خيير مسيتقرا وأحسين مقيل" [الفرقان:
.]24وهذا على قدر فهيم الخلئق ،وإل فل يشغله شأن عين شأن .وكميا يرزقهيم فيي سياعة كذا
يحاسيبهم فيي لحظية ،قال ال تعالى" :ميا خلقكيم ول بعثكيم إل كنفيس واحدة" [لقمان .]28 :وعين
ابين عباس أيضيا أنه سيماها هذه اليية وعين قوله تعالى" :فيي يوم كان مقداره ألف سينة" [السيجدة:
]5فقال :أيام سماها ال عز وجل هو أعلم بها كيف تكون ،وأكره أن أقول فيها ما ل أعلم .وقيل:
معنيى ذكير خمسيين ألف سينة تمثييل ،وهيو تعرييف طول مدة القيامية فيي الموقيف ،وميا يلقيى الناس
فيه من الشدائد .والعرب تصف أيام الشدة بالطول ،وأيام الفرح بالقصر؛ قال الشاعر:
ويوم كظل الرمح قصر طوله دم الزق عنا واصطفاق المزاهر
وقيل :في الكلم تقديم وتأخير؛ والمعنى :سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له من ال دافع ،في
يوم كان مقداره خمسيين ألف سينة تعرج الملئكية والروح إلييه .وهذا القول هيو معنيى ميا أخترناه،
والموفق الله.
**3الية{ 7 - 5 :فاصبر صبرا جميل ،إنهم يرونه بعيدا ،ونراه قريبا}
@قوله تعالى" :فاصيبر صيبرا جميل" أي على أذى قوميك .والصيبر الجمييل :هيو الذي ل جزع
فيه ول شكوى لغير ال .وقيل :هو أن يكون صاحب المصيبة في القوم ل يدرى من هو .والمعنى
متقارب .وقال ابن زيد :هي منسوخة بآية السيف" .إنهم يرونه بعيدا" يريد أهل مكة يرون العذاب
بالنار بعيدا؛ أي غير كائن" .ونراه قريبا" لن ما هو آت فهو قريب .وقال العمش :يرون البعث
بعيدا لنهيم ل يؤمنون بيه كأنهيم يسيتبعدونه على جهية الحالة .كميا تقول لمين تناظره :هذا بعييد ل
يكون وقييل :أي يرون هذا اليوم بعيدا "ونراه" أي نعلميه؛ لن الرؤيية إنميا تتعلق بالموجود .وهيو
كقولك :الشافعي يرى في هذه المسألة كذا وكذا.
**3الية{ 10 - 8 :يوم تكون السماء كالمهل ،وتكون الجبال كالعهن ،ول يسأل حميم حميما}
@قوله تعالى" :يوم تكون السماء كالمهل" العامل في "يوم" "واقع"؛ تقديره يقع بهم العذاب يوم.
وقييل" :نراه" أو "يبصيرونهم" أو يكون بدل مين قرييب .والمهيل :دردي الزييت وعكره؛ فيي قول
ابين عباس وغيره .وقال ابين مسيعود :ميا أذييب مين الرصياص والنحاس والفضية .وقال مجاهيد:
"كالمهيل" كقييح مين دم وصيديد .وقيد مضيى فيي سيورة "الدخان" ،و"الكهيف" القول فييه" .وتكون
الجبال كالعهيين" أي كالصييوف المصييبوغ .ول يقال للصييوف عهيين إل أن يكون مصييبوغا .وقال
الحسن" :وتكون الجبال كالعهن" وهو الصوف الحمر ،وهو أضعف الصوف .ومنه قول زهير:
نزلن به حب الفنا لم يحطم كأن فتات العهن في كل منزل
الفتات القطيع .والعهين الصيوف الحمير؛ واحده عهنية .وقييل :العهين الصيوف ذو اللوان؛ فشبيه
الجبال بيه فيي تلونهيا ألوانيا .والمعنيى :أنهيا تليين بعيد الشدة ،وتتفرق بعيد الجتماع .وقييل :أول ميا
تتغير الجبال تصير رمل مهيل ،ثم عهنا منفوشا ،ثم هباء منبثا" .ول يسأل حميم حميما" أي عن
شأنييه لشغييل كييل إنسييان بنفسييه ،قال قتادة .كمييا قال تعالى" :لكييل امرئ منهييم يومئذ شأن يغنيييه"
[عبس .]37 :وقيل :ل يسأل حميم عن حميم ،فحذف الجار ووصل الفعل .وقراءة العامة "يسأل"
بفتيح الياء .وقرأ شيبية والبزي عين عاصيم "ول يسيأل بالضيم على ميا لم يسيم فاعله ،أي ل يسيأل
حمييم عين حميميه ول ذو قرابية عين قرابتيه ،بيل كيل إنسيان يسيأل عين عمله .نظيره" :كيل نفيس بميا
كسبت رهينة" [المدثر.]38 :
**3اليية{ 14 - 11 :يبصيرونهم يود المجرم لو يفتدي مين عذاب يومئذ ببنييه ،وصياحبته
وأخيه ،وفصيلته التي تؤويه ،ومن في الرض جميعا ثم ينجيه}
@قوله تعالى" :يبصيرونهم" أي يرونهيم .ولييس فيي القيامية مخلوق إل وهيو نصيب عيين صياحبه
مين الجين والنيس .فيبصير الرجيل أباه وأخاه وقرابتيه وعشيرتيه ول يسيأله ول يكلميه؛ لشتغالهيم
بأنفسيهم .وقال ابين عباس :يتعارفون سياعة ثيم ل يتعارفون بعيد تلك السياعة .وفيي بعيض الخبار:
أن أهيل القيامية يفرون مين المعارف مخافية المظالم .وقال ابين عباس أيضيا" :يبصيرونهم" يبصير
بعضهيم بعضيا فيتعارفون ثم يفر بعضهيم مين بعض .فالضميير فيي "يبصرونهم" على هذا للكفار،
والمييم للقرباء .وقال مجاهيد :المعنيى يبصير ال المؤمنيين الكفار فيي يوم القيامية؛ فالضميير فيي
يبصيرونهم" للمؤمنيين ،والهاء والمييم للكفار .ابين زييد :المعنيى يبصير ال الكفار فيي النار الذيين
أضلوهيم فيي الدنييا؛ فالضميير فيي "يبصيرونهم" للتابعيين ،والهاء والمييم للمتبوعيين .وقييل :إنيه
يبصر المظلوم ظالمه والمقتول قاتله .وقيل" :يبصرونهم" يرجع إلى الملئكة؛ أي يعرفون أحوال
الناس فيسيوقون كيل فرييق إلى ميا يلييق بهيم .وتيم الكلم عنيد قوله" :يبصيرونهم" .ثيم قال" :يود
المجرم" أي يتمنى الكافر" .لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه" يعني من عذاب جهنم بأعز من كان
عليه في الدنيا من أقاربه فل يقدر .ثم ذكرهم فقال" :ببنيه ،وصاحبته" زوجته "وأخيه ،وفصيلته
" أي عشيرتيه" .التيي تؤوييه" تنصيره؛ قاله مجاهيد وابين زييد .وقال مالك :أميه التيي تربييه .حكاه
الماوردي ورواه عنه أشهب .وقال أبو عبيدة :الفصيلة دون القبيلة .وقال ثعلب :هم آباؤه الدنون.
وقال المبرد :الفصيلة القطعة من أعضاء الجسد ،وهي دون القبيلة .وسميت عترة الرجل فصيلته
تشبيها بالبعض منه .وقد مضى في سورة "الحجرات" القول في القبيلة وغيرها.
وهنا مسألة ،وهي :إذا حبس على فصيلته أو أوصى لها فمن أدعى العموم حمله على العشيرة،
وميين أدعييى الخصييوص حمله على الباء؛ الدنييى فالدنييى .والول أكثيير فييي النطييق .وال أعلم.
ومعنى" :تؤويه" تضمه وتؤمنه من خوف إن كان به" .ومن في الرض جميعا" أي ويود لو فدي
بهييم لفتدى "ثييم ينجيييه" أي يخلصييه ذلك الفداء .فل بييد ميين هذا الضمار ،كقوله" :وإنييه لفسييق"
[النعام ]121 :أي وإن أكله لفسق .وقيل" :يود المجرم" يقتضي جوابا بالفاء؛ كقوله" :ودوا لو
تدهن فيدهنون" [القلم .]9 :والجواب في هذه الية "ثم ينجيه" لنها من حروف العطف؛ أي يود
المجرم لو يفتدى فينجيه الفتداء.
**3الية{ 18 - 15 :كل إنها لظى ،نزاعة للشوى ،تدعوا من أدبر وتولى ،وجمع فأوعى}
@قوله تعالى" :كل" تقدم القول في "كل" وأنها تكون بمعنى حقا ،وبمعنى ل .وهي هنا تحتمل
المرييين؛ فإذا كانييت بمعنييى حقييا كان تمام الكلم "ينجيييه" .وإذا كانييت بمعنييى ل كان تمام الكلم
عليها؛ أي ليس ينجيه من عذاب ال الفتداء ثم قال" :إنها لظى" أي هي جهنم؛ أي تتلظى نيرانها؛
كقوله تعالى" :فأنذرتكييم نارا تلظييى" [الليييل ]14 :واشتقاق لظييى ميين التلظييي .والتظاء النار
التهابهييا ،وتلظيهييا تلهبهييا .وقيييل :كان أصييلها "لظييظ" أي مييا دامييت لدوام عذابهييا؛ فقلبييت إحدى
الظاءين ألفا فبقيت لظى .وقيل :هي الدركة الثانية من طبقات جهنم .وهي اسم مؤنث معرفة فل
ينصرف" .نزاعة للشوى" قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم في رواية أبي بكر عنه والعمش
وأبو عمرو وحمزة والكسيائي "نزاعة" بالرفيع .وروى أبو عمرو عن عاصيم "نزاعة" بالنصيب.
فمن رفع فله خمسة أوجه :أحدها أن تجعل "لظى" خبر "إن" وترفع "نزاعة" بإضمار هي؛ فمن
هذا الوجه يحسن الوقف على "لظى" .والوجه الثاني أن تكون "لظى" و"نزاعة" خبران لن .كما
تقول إنيه خلق مخاصيم .والوجيه الثالث أن تكون "نزاعية" بدل مين "لظيى" و"لظيى" خيبر "إن".
والوجيه الرابيع أن يكون "لظيى" بدل مين اسيم "إن" و"نزاعية" خيبر "إن" .والمعنيى :أن القصية
والخبر لظى نزاعة للشوى ومن نصب "نزاعة" حسن له أن يقف على "لظى" وينصب "نزاعة"
على القطيع مين "لظيى" إذ كانيت نكرة متصيلة بمعرفية .ويجوز نصيبها على الحال المؤكدة؛ كميا
قال" :وهو الحق مصدقا" [البقرة .]91 :ويجوز أن تنصب على معنى أنها تتلظى نزاعة؛ أي في
حال نزعهيا للشوى .والعاميل فيهيا ميا دل علييه الكلم مين معنيى التلظيي .ويجوز أن يكون حال؛
على أنه حال للمكذبين بخبرها .ويجوز نصبها عل القطع؛ كما تقول :مررت بزيد العاقل الفاضل.
فهذه خمسة أوجه للنصب أيضا .والشوى .جمع شواة وهي جلدة الرأس .قال العشى:
قد جللت شيبا شواته قالت قُيتَيلة مالَه
وقال آخر:
لها فشواة الرأس باد قتيرها لصبحت هدتك الحوادث هدة
القتيييير :الشييييب .وفيييي الصيييحاح" :والشوى :جميييع شواة وهيييي جلدة الرأس" .والشوى :اليدان
والرجلن والرأس مين الدمييين ،وكيل ميا لييس مقتل .يقال :رماه فأشواه إذا لم يصيب المقتيل .قال
الهذلي:
إذا زل عن ظهر اللسان انفلتها فإن من القول التي ل شوى لها
يقول :إن من القول كلمة ل تشوي ولكن تقتل .قال العشى:
قد جللت شيبا شواته قالت قتيلة ماله
قال أبييو عبيييد :أنشدهييا أبييو الخطاب الخفييش أبييا عمرو بيين العلء فقال له" :صييحفت! إنمييا هييو
سييراته؛ أي نواحييه فسيكت أبيو الخطاب ثيم قال لنيا :بيل هيو صيحف ،إنميا هيو شواتيه" .وشوى
الفرس :قوائمه؛ لنه يقال :عبل الشوى ،ول يكون هذا للرأس؛ لنهم وصفوا الخيل بإسالة الخدين
وعتيق الوجيه وهيو رقتيه .والشوى :رذال المال .والشوى :هيو الشييء الهيين اليسيير .وقال ثابيت
البنانيي والحسين" :نزاعية للشوى" أي لمكارم وجهيه .أبيو العاليية :لمحاسين وجهيه .قتادة :لمكارم
خلقتييه وأطرافييه .وقال الضحاك :تفري اللحييم والجلد عيين العظييم حتييى ل تترك منييه شيئا .وقال
الكسائي :هي المفاصل .وقال بعض الئمة :هي القوائم والجلود .قال امرؤ القيس:
له حجبات مشرفات على الفال سليم الشظى عبل الشوى شنج النسا
وقال أبو صالح :أطراف اليدين والرجلين .قال الشاعر:
وعينيها ولم تعرف شواها إذا نظرت عرفت الفخر منها
يعني أطرافها .وقال الحسن أيضا :الشوى الهام" .تدعو من أدبر وتولى" أي تدعو لظى من أدبر
فيي الدنييا عين طاعية ال وتولى عين اليمان .ودعاؤهيا أن تقول :إلي ييا مشرك ،إلي ييا كافير .وقال
ابين عباس :تدعيو الكافريين والمنافقيين بأسيمائهم بلسيان فصييح :إلي ييا كافير ،إلي ييا منافيق؛ ثيم
تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب .وقال ثعلب" :تدعو" أي تهلك .تقول العرب :دعاك ال؛ أي أهلكك
ال .وقال الخليل :إنه ليس كالدعاء "تعالوا" ولكن دعوتها إياهم تمكنها من تعذيبهم .وقيل :الداعي
خزنية جهنيم؛ أضييف دعاؤهيم إليهيا .وقييل هيو ضرب مثيل؛ أي إن مصيير مين أدبر وتولى إليهيا؛
فكأنها الداعية لهم .ومثله قول الشاعر:
يدعو النيس به العضيض البكم ولقد هبطنا الواديين فواديا
العضيض البكم :الذباب .وهو ل يدعو وإنما طنينه نبه عليه فدعا إليه.
قلت :القول الول هيو الحقيقية؛ حسيب ميا تقدم بيانيه بآي القرآن والخبار الصيحيحة .القشيري:
ودعاء لظيى بخلق الحياة فيهيا حيين تدعيو ،وخوارق العادة غدا كثيرة" .وجميع فأوعيى" أي جميع
المال فجعله فيي وعائه ومنيع منيه حيق ال تعالى؛ فكان جموعيا منوعيا .قال الحكيم :كان عبدال بين
عكيم ل يربط كيسه ويقول سمعت ال يقول" :وجمع فأوعى".
**3الية{ 21 - 19 :إن النسان خلق هلوعا ،إذا مسه الشر جزوعا ،وإذا مسه الخير منوعا}
@قوله تعالى" :إن النسيان خلق هلوعيا" يعنيي الكافير؛ عين الضحاك .والهلع فيي اللغية :أشيد
الحرص وأسوأ الجزع وأفحشيه .وكذلك قال قتادة ومجاهد وغيرهميا .وقيد هلع (بالكسير) يهلع فهيو
هليع وهلوع؛ على التكثير .والمعنى أنه ل يصبر على خير ول شر حتى يفعل فيهما ما ل ينبغي.
عكرمية :هيو الضجور .الضحاك :هيو الذي ل يشبيع .والمنوع :هيو الذي إذا أصياب المال منيع منيه
حيق ال تعالى .وقال ابين كيسيان :خلق ال النسيان يحيب ميا يسيره ويرضييه ،ويهرب مميا يكرهيه
ويسخطه ،ثم تعبده ال بإنفاق ما يحب والصبر على ما يكره .وقال أبو عبيدة :الهلوع هو الذي إذا
مسه الخير لم يشكر ،وإذا مسه الضر لم يصبر؛ قاله ثعلب .وقال ثعلب أيضا :قد فسر ال الهلوع،
وهو الذي إذا ناله الشر أظهر شدة الجزع ،وإذا ناله الخير بخل به ومنعه الناس .وقال النبي صلى
ال عليه وسلم( :شر ما أعطي العبد شح هالع وجبن خالع) .والعرب تقول :ناقة هلواعة وهلواع؛
إذا كانت سريعة السير خفيفة .قال:
حرج إذا استقبلتها هِلواع صكّاء ذِعْلِبة إذا استدبرتها
الذعلب والذعلبية الناقية السيريعة .و"جزوعيا" و"منوعيا" نعتان لهلوع .على أن ينوي بهميا التقدييم
قبل "إذا" .وقيل :هو خبر كان مضمرة.
**3اليية{ 28 - 22 :إل المصيلين ،الذيين هيم على صيلتهم دائمون ،والذيين فيي أموالهيم حيق
معلوم ،للسيائل والمحروم ،والذيين يصيدقون بيوم الديين ،والذيين هيم مين عذاب ربهيم مشفقون ،إن
عذاب ربهم غير مأمون}
@قوله تعالى" :إل المصلين" دل على أن ما قبله في الكفار؛ فالنسان اسم جنس بدليل الستثناء
الذي يعقبيه كقوله تعالى" :إن النسيان لفيي خسير .إل الذيين آمنوا" [العصير .]3 :النخعيي :المراد
بالمصيلين الذي يؤدون الصيلة المكتوبية .ابين مسيعود :الذيين يصيلونها لوقتهيا ،فأميا تركهيا فكفير.
وقييل :هيم الصيحابة .وقييل :هيم المؤمنون عامية ،فإنهيم يغلبون فرط الجزع بثقتهيم بربهيم ويقينهيم.
"الذين هم على صلتهم دائمون" أي على مواقيتها .وقال عقبة بن عامر :هم الذين إذا صلوا لم
يلتفتوا يمينيا ول شمال .والدائم السياكن ،ومنيه :نهيي عين البول فيي الماء الدائم ،أي السياكن .وقال
ابين جرييج والحسين :هيم الذيين يكثرون فعيل التطوع منهيا" .والذيين فيي أموالهيم حيق معلوم" يرييد
الزكاة المفروضية ،قاله قتادة وابين سييرين .وقال مجاهيد :سيوى الزكاة .وقال علي بين أبيي طلحية
عن ابن عباس :صلة رحم وحمل كل .والول أصح؛ لنه وصف الحق بأنه معلوم ،وسوى الزكاة
ليييس بمعلوم ،إنمييا هييو على قدر الحاجيية ،وذلك يقييل ويكثيير " .للسييائل والمحروم" " تقدم فييي
"الذاريات"" .والذين يصدقون بيوم الدين" أي بيوم الجزاء وهو يوم القيامة .وقد مضى في سورة
"الفاتحية" القول فييه" .والذيين هيم مين عذاب ربهيم مشفقون" أي خائفون" .إن عذاب ربهيم غيير
مأمون" قال ابن عباس :لمن أشرك أو كذب أنبياءه .وقيل :ل يأمنه أحد ،بل الواجب على كل أحد
أن يخافه ويشفق منه.
**3اليية{ 35 - 29 :والذيين هيم لفروجهيم حافظون ،إل على أزواجهيم أو ميا ملكيت أيمانهيم
فإنهييم غييير ملومييين ،فميين ابتغييى وراء ذلك فأولئك هييم العادون ،والذييين هييم لماناتهييم وعهدهييم
راعون ،والذييين هييم بشهاداتهييم قائمون ،والذييين هييم على صييلتهم يحافظون ،أولئك فييي جنات
مكرمون}
@قوله تعالى" :والذين هم لفروجهم حافظون ،إل على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير
ملومييين ،فميين ابتغييى وراء ذلك فأولئك هييم العادون" " تقدم القول فيييه" .والذييين هييم لماناتهييم
وعهدهم راعون" " تقدم" .والذين هم بشهاداتهم قائمون" على من كانت عليه من قريب أو بعيد،
يقومون بهيا عنيد الحاكيم ول يكتمونهيا ول يغيرونهيا .وقيد مضيى القول فيي الشهادة وأحكامهيا فيي
سيييورة "البقرة" .وقال ابييين عباس" :بشهاداتهيييم" أن ال واحيييد ل شرييييك له وأن محمدا عبده
ورسييوله .وقرئ "لمانتهييم" على التوحييد .وهييي قراءة ابين كثييير وابيين محيصيين .فالمانيية اسييم
جنيس ،فيدخيل فيهيا أمانات الديين ،فإن الشرائع أمانات ائتمين ال عليهيا عباده .ويدخيل فيهيا أمانات
الناس من الودائع؛ وقد مضى هذا كله مستوفى في سورة "النساء" .وقرأ عباس الدوري عن أبي
عمرو ويعقوب "بشهاداتهيم" جمعيا .الباقون "بشهادتهيم" على التوحييد ،لنهيا تؤدي عين الجميع.
والمصيدر قيد يفرد وإن أضييف إلى جميع ،كقوله تعالى" :إن أنكير الصيوات لصيوت الحميير".
[لقمان ]19 :وقال الفراء :ويدل على أنها "بشهادتهم" توحيدا قوله تعالى" :وأقيموا الشهادة ل"
[الطلق.]2 :
@قوله تعالى" :والذييين هييم على صييلتهم يحافظون" قال قتادة :على وضوئهييا وركوعهييا
وسجودها .وقال ابن جريج :التطوع .وقد مضى في سورة "المؤمنون" .فالدوام خلف المحافظة.
فدوامهييم عليهييا أن يحافظوا على أدائهييا ل يخلون بهييا ول يشتغلون عنهييا بشيييء ميين الشواغييل،
ومحافظتهيم عليهيا أن يراعوا إسيباغ الوضوء لهيا ومواقيتهيا ،ويقيموا أركانهيا ،ويكملوهيا بسيننها
وآدابها ،ويجفظوها من الحباط باقتراب المأثم .فالدوام يرجع إلى نفس الصلوات والمحافظة إلى
أحوالها" .أولئك في جنات مكرمون" أي أكرمهم ال فيها بأنواع الكرامات.
**3الية{ 39 - 36 :فمال الذين كفروا قبلك مهطعين ،عن اليمين وعن الشمال عزين ،أيطمع
كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم ،كل إنا خلقناهم مما يعلمون}
@قوله تعالى" :فمال الذين كفروا قبلك مهطعين" قال الخفش :مسرعين .قال:
مهطعين إلى السماع بمكة أهلها ولقد أراهم إليه
والمعنيى :ميا بالهيم يسيرعون إلييك ويجلسيون حوالييك ول يعملون بميا تأمرهيم .وقييل :أي ميا بالهيم
مسييرعين فييي التكذيييب لك .وقيييل :أي مييا بال الذييين كفروا يسييرعون إلى السييماع منييك ليعيبوك
ويسييتهزؤوا بييك .وقال عطييية :مهطعييين :معرضييين .الكلبييي :ناظرييين إليييك تعجبييا .وقال قتادة:
عامدين .والمعنى متقارب؛ أي ما بالهم مسرعين عليك ،مادين أعناقهم ،مدمني النظر إليك .وذلك
ميين نظيير العدو .وهييو منصييوب على الحال .نزلت فييي جمييع ميين المنافقييين المسييتهزئين ،كانوا
يحضرونه -عليه السلم -ول يؤمنون به .و"قبلك" أي نحوك" .عن اليمين وعن الشمال عزين"
أي عين يميين النيبي صيلى ال علييه وسيلم وشماله حلقيا حلقيا وجماعات .والعزيين :جماعات فيي
تفرقة ،قاله أبو عبيدة .ومنه حديث النبي صلى ال عليه وسلم أنه خرج على أصحابه فرأهم حلقا
فقال( :مالي أراكم عزين أل تصفون كما تصف الملئكة عند ربها -قالوا :وكيف تصف الملئكة
عنييد ربهييا؟ قال :يتمون الصييفوف الول ويتراصييون فييي الصييف) خرجييه مسييلم وغيره .وقال
الشاعر:
على أبوابه حلقا عزينا ترانا عنده والليل داج
أي متفرقين .وقال الراعي:
أمسى سراتهم إليك عزينا أخليفة الرحمن إن عشيرتي
أي متفرقين .وقال آخر:
خناطيل يهوين شتى عزينا كأن الجماجم من وقعها
أي متفرقين .وقال آخر:
ضرحن حصاه أشتاتا عزينا خ
فلما أن أتين على أُضا ٍ
وقال الكميت:
كتائب جندل شتى عزينا ونحن وجندل باغ تركنا
وقال عنترة:
عليه الطير كالعصب العزين وقرن قد تركت لذي ولي
وواحييد عزييين عزة ،جمييع بالواو والنون ليكون ذلك عوضييا ممييا حذف منهييا .وأصييلها عزهيية،
فاعتلت كما اعتلت سنة فيمن جعل أصلها سنهة .وقيل :أصلها عزوة ،من عزاه يعزوه إذا أضافه
إلى غيره .فكيل واحيد مين الجماعات مضافية إلى الخرى ،والمحذوف منهيا الواو .وفيي الصيحاح:
"والعزة الفرقة من الناس ،والهاء عوض من الياء ،والجمع عزى -على فعل -وعزون وعزون
أيضيييا بالضيييم ،ولم يقولوا عزات كميييا قالوا ثبات" .قال الصيييمعي :يقال فيييي الدار عزون ،أي
أصيناف مين الناس .و"عين اليميين وعين الشمال" متعلق "بمهطعيين" ويجوز أن يتعلق "بعزيين"
على حد قولك :أخذته عن زيد" .أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعييم" قال المفسرون :كان
المشركون يجتمعون حول النيبي صيلى ال علييه وسيلم ويسيتمعون كلميه فيكذبونيه ويكذبون علييه،
ويسييتهزئون بأصييحابه ويقولون :لئن دخييل هؤلء الجنيية لندخلنهييا قبلهييم ،ولئن أعطوا منهييا شيئا
لنعطيين أكثير منيه؛ فنزلت" :أيطعيم" اليية .وقييل :كان المسيتهزئون خمسية أرهيط .وقرأ الحسين
طلحة بن مصرف والعرج "أن يدخل" بفتح الياء وضم الخاء مسمى الفاعل .ورواه المفضل عن
عاصم .الباقون "أن يدخل" على الفعل المجهول" .كل" ل يدخلونها" .إنا خلقناهم مما يعلمون" ثم
ابتدأ فقال" :إنا خلقناهم مما يعلمون" أي إنهم يعلمون أنهم مخلوقون من نطفة ثم من علقة ثم من
مضغية؛ كميا خلق سيائر جنسيهم .فلييس لهيم فضيل يسيتوجبون بيه الجنية ،وإنميا تسيتوجب باليمان
والعميل الصيالح ورحميية ال تعالى .وقييل :كانوا يسييتهزئون بفقراء المسيلمين ويتكيبرون عليهيم.
فقال" :إنا خلقناهم مما يعلمون" من القذر ،فل يليق بهم هذا التكبر .وقال قتادة في هذه الية :إنما
خلقيت ييا ابين آدم مين قذر فاتيق ال .وروي أن مطرف بين عبدال بين الشخيير رأى المهلب بين أبيي
صفرة يتبختر في مطرف خز وجبة خز فقال له :يا عبدال ،ما هذه المشية التي يبغضها ال؟ فقال
له :أتعرفنيي؟ قال نعيم ،أولك نطفية مذرة ،وآخرك جيفية قذرة ،وأنيت فيميا بيين ذلك تحميل العذرة.
فمضى المهلب وترك مشيته .نظم الكلم محمود الوراق فقال:
وكان في الصل نطفة مذره عجبت من معجب بصورته
يصير في اللحد جيفة قذره وهو غدا بعد حسن صورته
ما بين ثوبيه يحمل العذره وهو على تيهه ونخوته
وقال آخر:
وهو بخمس من الوساخ مضروب هل في ابن آدم غير الرأس مكرمة
والعين ُم ْرمَصة والثغر ملهوب سهِكأنف يسيل وأذن ريحها َ
قصر فإنك مأكول ومشروب يا ابن التراب ومأكول التراب غدا
وقيييل :معناه ميين أجييل مييا يعلمون؛ وهييو الميير والنهييي والثواب والعقاب .كقول الشاعيير وهييو
العشى:
وشطت على ذي هوى أن تزارا أأزمعت من آل ليلى ابتكارا
أي من أجل ليلى.
**3الية{ 41 - 40 :فل أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون ،على أن نبدل خيرا منهم
وما نحن بمسبوقين}
@قوله تعالى" :فل أقسيم" أي أقسيم .و"ل" صيلة" .برب المشارق والمغارب" هيي مشارق
الشميس ومغاربهيا .وقيد مضيى الكلم فيهيا .وقرأ أبيو حيوة وابين محيصين وحمييد "برب المشرق
والمغرب" على التوحييييد" .إنيييا لقادرون .على أن نبدل خيرا منهيييم" يقول :نقدر على إهلكهيييم
والذهاب بهم والمجيء بخير منهم في الفضل والطوع والمال" .وما نحن بمسبوقين" أي ل يفوتنا
شيء ول يعجزنا أمر نريده.
**3الية{ 42 :فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون}
@ أي اتركهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم؛ على جهة الوعيد .واشتغل أنت بما أمرت
به ول يعظمن عليك شركهم؛ فإن لهم يوما يلقون فيه ما وعدوا .وقرأ ابن محيصن ومجاهد وحميد
"حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون" .وهذه الية منسوخة بآية السيف.
**3الية{ 43 :يوم يخرجون من الجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون}
@قوله تعالى" :يوم يخرجون مين الجداث سيراعا كأنهيم إلى نصيب" "يوم" بدل مين "يومهيم"
الذي قبله ،وقراءة العامة "يخرجون" بفتح الياء وضم الراء على أنه مسمى الفاعل .وقرأ السلمي
والمغيرة والعشيييى عييين عاصيييم "يخرجون" بضيييم الياء وفتيييح الراء على الفعيييل المجهول.
والجداث :القبور؛ وأحدها جدث .وقد مضى في سورة "يس"" .سراعا" حين يسمعون الصيحة
الخرة إلى إجابة الداعي؛ وهو نصب على الحال "كأنهم إلى نصب يوفضون" قراءة العامة بفتح
النون وجزم الصياد .وقرأ ابين عامير وحفيص بضيم النون والصياد .وقرأ عمرو بين ميمون وأبيو
رجاء وغيرهميا بضيم النون وإسيكان الصياد .والنصيب والنصيب لغتان مثيل الضعيف ،والضعيف.
الجوهري :والنصب ما نصب فعبد من دون ال ،وكذلك النصب بالضم؛ وقد يحرك .قال العشى:
لعافية وال ربك فاعبدا وذا النصب المنصوب ل تنسكنه
أراد "فأعبدن" فوقيف باللف؛ كميا تقول :رأييت زيدا .والجميع النصياب .وقوله" :وذا النصيب"
بمعنيى إياك وذا النصيب .والنصيب الشير والبلء؛ ومنيه قوله تعالى" :أنيي مسيني الشيطان بنصيب
وعذاب" [ص .]41 :وقال الخفش والفراء :النصب جمع النصب مثل رهن ورهن ،والنصاب
جمع نصب؛ فهو جمع الجمع .وقيل :النصب والنصاب واحد .وقيل :النصب جمع نصياب ،هو
حجير أو صينم يذبيح علييه؛ ومنيه قوله تعالى" :وميا ذبيح على النصيب" [المائدة .]3 :وقيد قييل:
نصيب ونصيب ونصيب معنيى واحيد؛ كميا قييل عمير وعمير وعمير .ذكره النحاس .قال ابين عباس:
"إلى نصب" إلى غاية ،وهي التي تنصب إليها بصرك .وقال الكلبي :إلى شيء منصوب؛ علم أو
راية .وقال الحسن :كانوا يبتدرون إذا طلعت الشمس إلى نصبهم التي كانوا يعبدونها من دون ال
ل يلوي أولهم على آخرهم.
@قوله تعالى" :يوفضون" يسرعون واليفاض السراع .قال الشاعر:
فوارس ذبيان تحت الحديي يد كالجن يوفضن من عبقر
عبقر :موضع تزعم العرب أنه من أرض الجن .قال لبيد:
كهول وشبان كجنة عبقر
وقال اللييث :وفضيت البيل تفيض وفضيا؛ وأوفضهيا صياحبها .فاليفاض متعيد ،والذي فيي اليية
لزم .يقال :وفض وأوفض واستوفض بمعنى أسرع.
**3الية{ 44 :خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون}
@قوله تعالى" :خاشعية أبصيارهم" أي ذليلة خاضعية ،ل يرفعونهيا لميا يتوقعونيه مين عذاب ال.
"ترهقهيم ذلة" أي يغشاهيم الهوان .قال قتادة :هيو سيواد الوجوه .والرهيق :الغشيان؛ ومنيه غلم
مراهيق إذا غشيي الحتلم .رهقيه (بالكسير) يرهقيه رهقيا أي غشييه؛ ومنيه قوله تعالى" :ول يرهيق
وجوههم قتر ول ذلة" [يونس" .]26 :ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون" أي يوعدونه في الدنيا أن
لهم فيه العذاب .وأخرج الخبر بلفظ الماضي لن ما وعد ال به يكون ول محالة.
**2سورة نوح
**3مقدمة السورة
@ مكية ،وهي ثمان وعشرون آية.
**3الية{ 1 :إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم}
@قوله تعالى" :إنا أرسلنا نوحا إلى قومه" قد مضى القول في "العراف" أن نوحا عليه السلم
أول رسيول أرسيل .ورواه قتادة عين ابين عباس عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال( :أول رسيول
أرسل نوح وأرسل إلى جميع أهل الرض) .فلذلك لما كفروا أغرق ال أهل الرض جميعا .وهو
نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس بن يرد بن مهليل بن أنوش بن قينان بن شيث
بين آدم علييه السيلم .قال وهيب :كلهيم مؤمنون .أرسيل إلى قوميه وهيو ابين خمسيين سينة .وقال ابين
عباس :ابن أربعين سنة .وقال عبدال بن شداد :بعث وهو ابن ثلثمائة وخمسين سنة .وقد مضى
في سورة "العنكبوت" القول فيه .والحمد ل" .أن أنذر قومك" أي بأن أنذر قومك؛ فموضع "أن"
نصب بإسقاط الخافض .وقيل :موضعها جر لقوة خدمتها مع "أن" .ويجوز "أن" بمعنى المفسرة
فل يكون لهيا موضيع مين العراب؛ لن فيي الرسيال معنيى المير ،فل حاجية إلى إضمار الباء.
وقراءة عبدال "انذر قومك" بغير "أن" بمعنى قلنا له أنذر قومك .وقد تقدم معنى النذار في أول
"البقرة"" .مين قبيل أن يأتيهيم عذاب ألييم" النار فيي الخرة .وقال الكلبيي :هيو ميا نزل عليهيم مين
الطوفان .وقييل :أي أنذرهم العذاب اللييم على الجملة إن لم يؤمنوا .فكان يدعو قومه وينذرهيم فل
يرى منهيم مجيبيا؛ وكانوا يضربونيه حتيى يغشيى علييه فيقول (رب اغفير لقوميي فإنهيم ل يعلمون).
وقد مضى هذا مستوفى في سورة "العنكبوت" والحمد ل.
**3الية{ 4 - 2 :قال يا قوم إني لكم نذير مبين ،أن اعبدوا ال واتقوه وأطيعون ،يغفر لكم من
ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل ال إذا جاء ل يؤخر لو كنتم تعلمون}
@قوله تعالى" :قال ياقوم إنيي لكيم نذيير" أي مخوف" .ميبين" أي مظهير لكيم بلسيانكم الذي
تعرفونيييه" .أن اعبدوا ال واتقوه" و"أن" المفسيييرة على ميييا تقدم فيييي "أن أنذر"" .اعبدوا" أي
وحدوا .واتقوا :خافوا" .وأطيعون" أي فيمييا آمركييم بييه ،فإنييي رسييول ال إليكييم" .يغفيير لكييم ميين
ذنوبكيم" جزم "يغفير" بجواب المير .و"مين" صيلة زائدة .ومعنيى الكلم يغفير لكيم ذنوبكيم ،قاله
السدي .وقيل :ل يصح كونها زائدة؛ لن "من" ل تزاد في الواجب ،وإنما هي هنا للتبعيض ،وهو
بعض الذنوب ،وهو ما ل يتعلق بحقوق المخلوقين .وقيل :هي لبيان الجنس .وفيه بعد ،إذ لم يتقدم
جنس يليق به .وقال زيد بن أسلم :المعنيى يخرجكم من ذنوبكم .ابن شجرة :المعنى يغفر لكم من
ذنوبكيم ميا اسيتغفرتموه منهيا "ويؤخركم إلى أجيل مسيمى" قال ابن عباس :أي ينسيئ فيي أعماركيم.
ومعناه أن ال تعالى كان قضييى قبييل خلقهييم أنهييم إن آمنوا بارك فييي أعمارهييم ،وإن لم يؤمنوا
عوجلوا بالعذاب .وقال مقاتيل :يؤخركيم إلى منتهيى آجالكيم فيي عافيية؛ فل يعاقبكيم بالقحيط وغيره.
فالمعنييى على هذا يؤخركييم ميين العقوبات (الشدائد إلى آجالكييم .وقال :الزجاج أي يؤخركييم عيين
العذاب فتموتوا غير موتة المستأصلين بالعذاب .وعلى هذا قيل" :أجل مسمى" عندكم تعرفونه ،ل
يميتكم غرقا ول حرقا ول قتل؛ ذكره الفراء .وعلى القول الول "أجل مسمى" عند ال" .إن أجل
ال إذا جاء ل يؤخير" أي إذا جاء الموت ل يؤخير بعذاب كان أو بغيير عذاب .وأضاف الجيل إلييه
سبحانه لنه الذي أثبته .وقد يضاف إلى القوم ،كقوله تعالى" :فإذا جاء أجلهم" [النحل ]61 :لنه
مضروب لهيم" .لو" بمعنيى "إن" أي إن كنتيم تعلمون .وقال الحسين :معناه لو كنتيم تعلمون لعلمتيم
أن أجل ال إذا جاءكم لم يؤخر.
**3الية{ 6 - 5 :قال رب إني دعوت قومي ليل ونهارا ،فلم يزدهم دعائي إل فرارا}
@قوله تعالى" :قال رب إنيي دعوت قوميي ليل ونهارا" أي سيرا وجهرا .وقييل :أي واصيلت
الدعاء" .فلم يزدهيييم دعائي إل فرارا" أي تباعدا مييين اليمان .وقراءة العامييية بفتيييح الياء مييين
"دعائي" وأسكنها الكوفيون ويعقوب والدوري عن أبي عمرو.
**3الية{ 7 :وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا
واستكبروا استكبارا}
@قوله تعالى" :وإني كلما دعوتهم" أي إلى سبب المغفرة ،وهي اليمان بك والطاعة لك" .جعلوا
أصيابعهم فيي آذانهيم" لئل يسيمعوا دعائي "واسيتغشوا ثيابهيم" أي غطوا بهيا وجوههيم لئل يروه.
وقال ابين عباس :جعلوا ثيابهيم على رؤوسيهم لئل يسيمعوا كلميه .فاسيتغشاء الثياب إذا زيادة فيي
سد الذان حتى ل يسمعوا ،أو لتنكيرهم أنفسهم حتى يسكت أو ليعرفوه إعراضهم عنه .وقيل :هو
كنايييية عييين العداوة .يقال :لبيييس لي فلن ثياب العداوة" .وأصيييروا" أي على الكفييير فلم يتوبوا.
"واسيتكبروا" عين قبول الحيق؛ لنهيم قالوا" :أنؤمين لك واتبعيك الرذلون" [الشعراء.]111 :
"استكبارا" تفخيم.
**3الية{ 9 - 8 :ثم إني دعوتهم جهارا ،ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا}
@قوله تعالى" :ثم إني دعوتهم جهارا" أي مظهرا لهم الدعوة .وهو منصوب "بدعوتهم" نصب
المصيدر؛ لن الدعاء أحيد نوعييه الجهار ،فنصيب بيه نصيب القرفصياء بقعيد؛ لكونهيا أحيد أنواع
القعود ،أو لنيه أراد "بدعوتهيم" جاهرتهيم .ويجوز أن يكون صيفة لمصيدر دعيا؛ أي دعاء جهارا؛
أي مجاهرا بييه .ويكون مصييدرا فييي موضييع الحال؛ أي دعوتهييم مجاهرا لهييم بالدعوة" .ثييم إنييي
أعلنييت لهييم وأسييررت لهييم إسييرارا" أي لم أبييق مجهودا .وقال مجاهييد :معنييى أعلنييت :صييحت،
"وأسررت لهم إسرارا" .بالدعاء عن بعضهم من بعض .وقيل" :أسررت لهم" أتيتهم في منازلهم.
وكل هذا من نوح عليه السلم مبالغة في الدعاء لهم ،وتلطف في الستدعاء .وفتح الياء من "إني
أعلنت لهم" الحرميون وأبو عمرو .وأسكن الباقون.
**3اليية{ 10 :فقلت اسيتغفروا ربكيم إنيه كان غفارا ،يرسيل السيماء عليكيم مدرارا ،ويمددكيم
بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا}
@قوله تعالى" :فقلت اسيتغفروا ربكيم" أي سيلوه المغفرة مين ذنوبكيم السيالفة بإخلص اليمان.
"إنه كان غفارا" وهذا منه ترغيب في التوبة .وقد روى حذيفة بن اليمان عن النبي صلى ال عليه
وسلم أنه قال( :الستغفار ممحاة للذنوب) .وقال الفضيل :يقول العبد أستغفر ال؛ وتفسيرها أقلني.
"يرسيل السيماء عليكيم مدرارا" أي يرسيل ماء السيماء؛ ففييه إضمار .وقييل :السيماء المطير؛ أي
يرسل المطر .قال الشاعر:
رعيناه وإن كانوا غضابا إذا سقط السماء بأرض قوم
و"مدرارا" ذا غيث كثير .وجزم "يرسل" جوابا للمر .وقال مقاتل :لما كذبوا نوحا زمانا طويل
حبيس ال عنهيم المطير ،وأعقيم أرحام نسيائهم أربعيين سينة؛ فهلكيت مواشيهيم وزروعهيم ،فصياروا
إلى نوح علييه السيلم واسيتغاثوا بيه .فقال "اسيتغفروا ربكيم إنيه كان غفارا" أي لم يزل كذلك لمين
أناب إليه .ثم قال ترغيبا في اليمان" :يرسل السماء عليكم مدرارا .ويمددكم بأموال وبنين ويجعل
لهم جنات ويجعل لكم أنهارا" .قال قتادة :علم نبي ال صلي ال عليه وسلم أنهم أهل حرص على
الدنيا فقال( :هلموا إلى طاعة ال فإن في طاعة ال درك الدنيا والخرة).
@ فيي هذه اليية والتيي فيي "هود" دلييل على أن السيتغفار يسيتنزل بيه الرزق والمطار .قال
الشعييبي :خرج عميير يسييتسقي فلم يزد على السييتغفار حتييى رجييع ،فأمطروا فقالوا :مييا رأيناك
اسيتسقيت؟ فقال :لقيد طلبيت المطير بمجادييح السيماء التيي يسيتنزل بهيا المطير؛ ثيم قرأ" :اسيتغفروا
ربكيم إنيه كان غفارا .يرسيل السيماء عليكيم مدرارا" .وقال الوزاعيي :خرج الناس يسيتسقون ،فقام
فيهم بلل بن سعد فحميد ال وأثنى عليه ،ثم قال :اللهم إنا سمعناك تقول" :ما على المحسينين من
سبيل" التوبة ]91 :وقد أقررنا بالساءة ،فهل تكون مغفرتك إل لمثلنا؟! اللهم اغفر لنا وأرحمنا
واسقنا! فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا .وقال ابن صبيح :شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له:
استغفر ال .وشكا آخر إليه الفقر فقال له :استغفر ال .وقال له آخر .ادع ال أن يرزقني ولدا؛ فقال
له :استغفر ال .وشكا إليه آخر جفاف بستانه؛ فقال له :استغفر ال .فقلنا له في ذلك؟ فقال :ما قلت
ميين عندي شيئا؛ إن ال تعالى يقول فييي سييورة "نوح"" :اسييتغفروا ربكييم إنييه كان غفارا .يرسييل
السيماء عليكيم مدرارا .ويمددكيم بأموال وبنيين ويجعيل لكيم جنات ويجعيل لكيم أنهارا" .وقيد مضيى
فيي سيورة "آل عمران" كيفيية السيتغفار ،وإن ذلك يكون عين إخلص وإقلع مين الذنوب .وهيو
الصل في الجابة.
**3الية{ 13 :ما لكم ل ترجون ل وقارا ،وقد خلقكم أطوارا}
@ قيل :الرجاء هنا بمعنى الخوف؛ أي مالكم ل تخافون ل عظمة وقدرة على أحدكم بالعقوبة .أي
أي عذر لكيم فيي ترك الخوف مين ال .وقال سيعيد بين جيبير وأبيو العاليية وعطاء بين أبيي رباح :ميا
لكم ل ترجون ل ثوابا ول تخافون له عقابا .وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس :مالكم ل تخشون
ل عقابيا وترجون منيه ثوابيا .وقال الوالبيي والعوفيي عنيه :مالكيم ل تعلمون ل عظمية .وقال ابين
عباس أيضييا ومجاهييد :مالكييم ل ترون ل عظميية .وعيين مجاهييد والضحاك :مالكييم ل تبالون ل
عظمة .قال قطرب :هذه لغة حجازية .وهذيل وخزاعة ومضر يقولون :لم أرج :لم أبال .والوقار:
العظمة .والتوقير :التعظيم .وقال قتادة :مالكم ل ترجون ل عاقبة؛ كأن المعنى مالكم ل ترجون ل
عاقبية اليمان .وقال ابين كيسيان :مالكيم ل ترجون فيي عبادة ال وطاعتيه أن يثيبكيم على توقيركيم
خيرا .وقال ابيين زيييد :مالكييم ل تؤدون ل طاعيية .وقال الحسيين :مالكييم ل تعرفون ل حقييا ول
تشكرون له نعمية .وقييل :مالكيم ل توحدون ال؛ لن مين عظميه فقيد وحده .وقييل :إن الوقار الثبات
ل عيز وجيل؛ ومنيه قوله تعالى" :وقرن فيي بيوتكين" [الحزاب ]33 :أي اثبتين .ومعناه مالكيم ل
تثبتون وحدانيية ال تعالى وأنيه إلهكيم ل إله لكيم سيواه؛ قال ابين بحير .ثيم دلهيم على ذلك فقال" :وقيد
خلقكيم أطوارا" أي جعيل لكيم فيي أنفسيكم آيية تدل على توحيده .قال ابين عباس" :أطوارا" يعنيي
نطفية ثيم علقية ثيم مضغية؛ أي طورا بعيد طور إلى تمام الخلق ،كميا ذكير فيي سيورة "المؤمنون".
والطور فييي اللغيية :المرة؛ أي ميين فعييل هذا وقدر عليييه فهييو أحييق أن تعظموه .وقيييل" :أطوارا"
صيبيانا ،ثيم شبابيا ،ثيم شيوخيا وضعفاء ،ثيم أقوياء .وقييل :أطوارا أي أنواعيا :صيحيحا وسيقيما،
وبصيرا وضريرا ،وغنيا وفقيرا .وقيل :إن "أطوارا" أختلفهم في الخلق والفعال.
**3اليية{ 16 - 15 :ألم تروا كييف خلق ال سيبع سيماوات طباقيا ،وجعيل القمير فيهين نورا
وجعل الشمس سراجا}
@قوله تعالى" :ألم تروا كيف خلق ال سبع سماوات طباقا" ذكر لهم دليل آخر؛ أي ألم تعلموا أن
الذي قدر على هذا ،فهو الذي يجب أن يعبد ومعنى "طباقا" بعضها فوق بعض ،كل سماء مطبقة
على الخرى كالقباب؛ قاله ابين عباس والسيدي .وقال الحسين :خلق ال سيبع سيموات طباقيا على
سيبع أرضيين ،بيين كيل أرض وأرض ،وسيماء وسيماء خلق وأمير .وقوله" :ألم تروا" على جهية
الخبار ل المعاينة؛ كما تقول :ألم ترني كيف صنعت بفلن كذا .وطباقا" نصب على أنه مصدر؛
أي مطابقية طباقيا .أو حال بمعنيى ذات طباق؛ فحذف ذات وأقام طباقيا مقاميه" .وجعيل القمير فيهين
نورا" أي فييي سييماء الدنيييا؛ كمييا يقال :أتانييي بنييو تميييم وأتيييت بنييي تميييم والمراد بعضهييم؛ قاله
الخفيش .قال ابين كيسيان :إذا كان فيي إحداهين فهيو فيهين .وقال قطرب" :فيهين" بمعنيى معهين؛
وقاله الكلبيي .أي خلق الشميس والقمير ميع خلق السيموات والرض .وقال جلة أهيل اللغية فيي قول
امرئ القيس:
ثلثين شهرا في ثلثة أحوال وهل ينعمن من كان أخر عهده
"في" بمعنى مع .النحاس :وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الية فقال :جواب النحويين أنه
إذا جعله فيي إحداهين فقيد جعله فيهين؛ كميا تقول :أعطنيي الثياب المعلمية وإن كنيت إنميا أعلميت
أحدهييا .وجواب آخيير :أنييه يروى أن وجييه القميير إلى السييماء ،وإذا كان إلى داخلهييا فهييو متصييل
بالسيييموات ،ومعنيييى "نورا" أي لهيييل الرض؛ قاله السيييدي .وقال عطاء :نورا لهيييل السيييماء
والرض .وقال ابن عباس وابن عمر :وجهه يضيء لهل الرض وظهره يضيء لهل السماء.
"وجعيل الشميس سيراجا" يعنيي مصيباحا لهيل الرض ليتوصيلوا إلى التصيرف لمعايشهيم .وفيي
إضاءتها لهل السماء القولن الولن حكاه الماوردي .وحكى القشيري عن ابن عباس أن الشمس
وجهها في السموات وقفاها في الرض .وقيل :على العكس .وقيل لعبدال بن عمر :ما بال الشمس
تقلينا أحيانا وتبرد علينا أحيانا؟ فقال :إنها في الصيف في السماء الرابعة ،وفي الشتاء في السماء
السابعة عند عرش الرحمن؛ ولو كانت في السماء الدنيا لما قام لها شيء.
**3الية{ 18 - 17 :وال أنبتكم من الرض نباتا ،ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا}
@ يعنيي آدم علييه السيلم خلقيه مين أدييم الرض كلهيا؛ قاله ابين جرييج .وقيد مضيى فيي سيورة
"النعام والبقرة" بيان ذلك .وقال خالد بن معدان :خلق النسيان من طيين؛ فإنميا تليين القلوب فيي
الشتاء .و"نباتا" مصدر على غير المصدر؛ لن مصدره أنبت إنباتا ،فجعل السم الذي هو النبات
في موضع المصدر .وقد مضى بيانه في سورة "آل عمران" وغيرها .وقيل :هو مصدر محمول
على المعنيى؛ لن معنيى" :أنبتكيم" جعلكيم تنبتون نباتيا؛ قال الخلييل والزجاج .وقييل :أي أنبيت لكيم
ميين الرض النبات" .فنباتييا" على هذا نصييب على المصييدر الصييريح .والول أظهيير .وقال ابيين
جرييج :أنبتهيم فيي الرض بالكيبر بعيد الصيغر وبالطول بعيد القصير" .ثيم يعيدكيم فيهيا" أي عنيد
موتكم بالدفن" .ويخرجكم إخراجا" بالنشور للبعث يوم القيامة.
**3الية{ 20 - 19 :وال جعل لكم الرض بساطا ،لتسلكوا منها سبل فجاجا}
@قوله تعالى" :وال جعل لكم الرض بساطا" أي مبسوطة" .لتسلكوا منها سبل فجاجا" السبل:
الطرق .والفجاج جميع فيج ،وهيو الطرييق الواسيعة؛ قاله الفراء .وقييل :الفيج المسيلك بيين الجبليين.
وقد مضى في سورتي "النبياء والحج".
**3الية{ 21 :قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إل خسارا}
@ شكاهم إلى ال تعالى ،وأنهم عصوه ولم يتبعوه فيما أمرهم به من اليمان .وقال أهل التفسير:
لبث فيهم ألف سنة إل خمسين عاما داعيا لهم وهم على كفرهم وعصيانهم .قال ابن عباس :رجا
نوح عليه السلم البناء بعد الباء؛ فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبع قرون ،ثم دعا عليهم
بعيد الياس منهيم ،وعاش بعيد الطوفان سيتين عاميا حتيى كثير الناس وفشوا .قال الحسين :كان قوم
نوح يزرعون فييي الشهيير مرتييين؛ حكاه الماوردي" .واتبعوا ميين لم يزده ماله وولده إل خسييارا"
يعنيي كيبراءهم وأغنياءهيم الذيين لم يزدهيم كفرهيم وأموالهيم وأولدهيم إل ضلل فيي الدنييا وهلكيا
فييي الخرة .وقرأ أهييل المدنييية والشام وعاصييم "وولده" بفتييح الواو واللم .الباقون "ولده" بضييم
الواو وسكون اللم وهي لغة في الولد .ويجوز أن يكون جمعا للولد ،كالفلك فإنه واحد وجمع .وقد
تقدم.
**3الية{ 22 :ومكروا مكرا كبارا}
@ أي كبيرا عظيما .يقال :كبير وكبار وكبار ،مثل عجيب وعجاب وعجاب بمعنى ،ومثله طويل
وطوال وطوال .يقال :رجييل حسيين وحسييان ،وجميييل وجمال ،وقراء للقارئ ،ووضاء للوضيييء.
وأنشد ابن السكيت:
بالحسن قلب المسلم ال ُقرّاء بيضاء تصطاد القلوب وتستبي
وقال آخر:
خلق الكريم وليس بالوضاء والمرء يلحقه بفتيان الندى
وقال الميبرد" :كبارا" (بالتشدييد) للمبالغية .وقرأ ابين محيصين وحمييد ومجاهيد "كبارا" بالتخفييف.
واختلف في مكرهم ما هو؟ فقيل :تحريشهم سفلتهم على قتل نوح .وقيل :هو تعزيرهم الناس بما
أوتوا من الدنيا والولد؛ حتى قالت الضعفة :لول أنهم على الحق لما أوتوا هذه النعم .وقال الكلبي:
هييو مييا جحلوه ل ميين الصيياحبة والولد .وقيييل :مكرهييم كفرهييم .وقال مقاتييل :هييو قول كييبرائهم
لتباعهم" :ل تذرن ألهتكم ول تذرن ودا ول سواعا ول يغوث ويعوق ونسرا".
**3اليية{ 24 - 23 :وقالوا ل تذرن آلهتكيم ول تذرن ودا ول سيواعا ول يغوث ويعوق
ونسرا ،وقد أضلوا كثيرا ول تزد الظالمين إل ضلل}
@ قال ابن عباس وغيره :هي أصنام وصور ،كان قوم نوح يعبدونها ثم عبدتها العرب وهذا قول
الجمهور .وقييل :إنهيا للعرب لم يعبدهيا غيرهيم .وكانيت أكيبر أصينامهم وأعظمهيا عندهيم؛ فلذلك
خصيييوها بالذكييير بعيييد قوله تعالى" :ل تذرن آلهتكيييم" .ويكون معنيييى الكلم كميييا قال قوم نوح
لتباعهييم" :ل تذرن ألهتكييم" قالت العرب لولدهييم وقومهييم :ل تذرن ودا ول سييواعا ول يغوث
ويعوق ونسيرا؛ ثيم عاد بالذكير بعيد ذلك إلى قوم نوح علييه السيلم .وعلى القول الول ،الكلم كله
منسييوق فييي قوم نوح .وقال عروة بيين الزبييير وغيره :اشتكييى آدم عليييه السييلم وعنده بنوه :ود،
وسواع ،ويغوث ،ويعوق ،ونسر .وكان ود أكبرهم وأبرهم به .قال محمد بن كعب :كان لدم عليه
السييلم خمييس بنييين :ود وسييواع ويغوث ويعوق ونسيير؛ وكانوا عبادا فمات واحييد منهييم فحزنوا
عليه؛ فقال الشيطان :أنا أصور لكم مثله إذا نظرتم إليه ذكرتموه .قالوا :أفعل .فصوره في المسجد
مين صيفر ورصياص .ثيم مات آخير ،فصيوره حتيى ماتوا كلهيم فصيورهم .وتنقصيت الشياء كميا
تتنقييص اليوم إلى أن تركوا عبادة ال تعالى بعييد حييين .فقال لهييم الشيطان :مالكييم ل تعبدون شيئا؟
قالوا :وما نعبد؟ قال :آلهتكم وآلهة آبائكم ،أل ترون في مصلكم .فعبدوها من دون ال؛ حتى بعث
ال نوحييا فقالوا{ :ل تذرن آلهتكييم ول تذرن ودا ول سييواعا" الييية .وقال محمييد بيين كعييب أيضييا
ومحمد بن قيس :بل كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح ،وكان لهم تبع يقتدون بهم ،فلما ماتوا زين
لهيم إبلييس أن يصيوروا صيورهم ليتذكروا بهيا اجتهادهيم ،وليتسيلوا بالنظير إليهيا؛ فصيورهم .فلميا
ماتوا هييم وجاء آخرون قالوا :ليييت شعرنييا هذه الصييور مييا كان آباؤنييا يصيينعون بهييا؟ فجاءهييم
الشيطان فقال :كان آباؤكيم يعبدونهيا فترحمهيم وتسيقيهم المطير .فعبدوهيا فابتدئ عبادة الوثان مين
ذلك الوقت.
قلت :وبهذا المعنيى فسير ميا جاء فيي صيحيح مسيلم مين حدييث عائشية :أن أم حبيبية وأم سيلمة
ذكرتيا كنيسية رأينهيا بالحبشية تسيمى ماريية ،فيهيا تصياوير لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم؛ فقال
رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم( :إن أولئك إذا كان فيهييم الرجييل الصييالح فمات بنوا على قييبره
مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند ال يوم القيامة) .وذكر الثعلبي عن ابن
عباس قال :هذه الصيينام أسييماء رجال صييالحين ميين قوم نوح؛ فلمييا هلكوا أوحييى الشيطان إلى
قومهيم أن أنصيبوا فيي مجالسيهم التيي كانوا يجلسيون فيهيا أنصيابا وسيموها بأسيمائهم تذكروهيم بهيا؛
ففعلوا ،فلم تعبيد حتيى إذا هلك أولئك ونسيخ العلم عبدت مين دون ال .وذكير أيضيا عين ابين عباس:
أن نوحيا علييه السيلم ،كان يحرس جسيد آدم علييه السيلم على جبيل بالهنيد ،فيمنيع الكافريين أن
يطوفوا بقيبره؛ فقال لهيم الشيطان :إن هؤلء يفخرون عليكيم ويزعمون أنهيم بنيو آدم دونكيم ،وإنميا
هييو جسييد ،وأنييا أصييور لكييم مثله تطوفون بييه؛ فصييور لهييم هذه الصيينام الخمسيية وحملهييم على
عبادتهييا .فلمييا كان أيام الطوفان دفنهييا الطييين والتراب والماء؛ فلم تزل مدفونيية حتييى أخرجهييا
الشيطان لمشركييي العرب .قال الماوردي :فأمييا ود فهييو أول صيينم معبود ،سييمي ودا لودهييم له؛
وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل؛ في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل .وفيه يقول شاعرهم:
النساء وإن الدين قد عزما حياك ود فإنا ل يحل لنا لهو
وأما سواع فكان لهذيل بساحل البحر؛ في قولهم.
وأميا يغوث فكان لغطييف مين مراد بالجوف مين سيبأ؛ فيي قول قتادة .وقال المهدوي .لمراد ثيم
لغطفان .الثعلبي :وأخذت أعلى وأنعم -وهما من طيء -وأهل جرش من مذحج يغوث فذهبوا به
إلى مراد فعبدوه زمانا .ثم إن بني ناجية أرادوا نزعه من أعلى وأنعم ،ففروا به إلى الحصين أخي
بيين الحارث بيين كعييب ميين خزاعيية .وقال أبييو عثمان النهدي :رأيييت يغوث وكان ميين رصيياص،
وكانوا يحملونيه على جميل أحرد ،ويسييرون معيه ول يهيجونيه حتيى يكون هيو الذي ييبرك ،فإذا
برك نزلوا وقالوا :قد رضي لكم المنزل؛ فيضربون عليه بناء ينزلون حوله.
وأما يعوق فكان لهمدان ببلخع؛ في قول عكرمة وقتادة وعطاء .ذكره الماوردي .وقال الثعلبي:
وأميا يعوق فكان لكهلن مين سيبأ ،ثيم توارثيه بنوه؛ الكيبر فالكيبر حتيى صيار إلى همدان .وفييه
يقول مالك بن نمط الهمداني:
ول يبري يعوق ول يريش يريش ال في الدنيا ويبري
وأما نسر فكان لذي الكلع من حمير؛ في قول قتادة ،ونحوه عن مقاتل .وقال الواقدي :كان ود
على صيورة رجيل ،وسيواع على صيورة امرأة ،ويغوث على صيورة أسيد ،ويعوق على صيورة
فرس ،ونسيير على صييورة نسيير ميين الطييير؛ فال أعلم .وقرأ نافييع "ول تذرن ودا" بضييم الواو.
وفتحها الباقون .قال الليث :ود (بفتح الواو) صنم كان لقوم نوح .وود (بالضم) صنم لقريش؛ وبه
سيمي عمرو بين ود .وفيي الصيحاح :والود (بالفتيح) الوتيد فيي لغية أهيل ،نجيد؛ كأنهيم سيكنوا التاء
وأدغموها في الدال .والود في قول امرئ القيس:
وتواريه إذا ما تعتكر تظهر الود إذا ما أشجذت
قال ابين درييد :هيو اسيم جبيل :وود صينم كان لقوم نوح علييه السيلم ثيم صيار لكلب وكان بدومية
الجندل؛ ومنيه سيموه عبيد ود وقال" :ل تذرن آلهتكيم" ثيم قال" :ول تذرون ودا ول سيواعا" اليية.
خصييها بالذكيير؛ لقوله تعالى" :وإذ أخذنيا مين النييبيين ميثاقهيم ومنيك ومين نوح" [الحزاب.]7 :
"وقيد أضلوا كثيرا" هذا مين قول نوح؛ أي أضيل كيبراؤهم كثيرا مين أتباعهيم؛ فهيو عطيف على
قوله" :ومكروا مكرا كبارا" .وقيل :إن الصنام "أضلوا كثيرا" أي ضل بسببها كثير؛ نظيره قول
إبراهييم" :رب إنهين أضللن كثيرا مين الناس" [إبراهييم ]36 :فأجرى عليهيم وصيف ميا يعقيل؛
لعتقاد الكفار فيهيم ذلك" .ول تزد الظالميين إل ضلل" أي عذابيا؛ قاله ابين بحير .واسيتشهد بقوله
تعالى" :إن المجرميين فيي ضلل وسيعر" [القمير .]47 :وقييل إل خسيرانا .وقييل إل فتنية بالمال
والولد .وهو محتمل.
**3الية{ 25 :مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون ال أنصارا}
@قوله تعالى" :مميا خطيئاتهيم أغرقوا" "ميا" صيلة مؤكدة؛ والمعنيى مين خطاياهيم وقال الفراء:
المعنيى مين أجيل خطاياهيم؛ فأدت "ميا" هذا المعنيى .قال :و"ميا" تدل على المجازاة .وقراءة أبيي
عمرو "خطاياهييم" على جمييع التكسييير؛ الواحدة خطييية .وكان الصييل فييي الجمييع خطائي على
فعائل؛ فلميا اجتمعيت الهمزتان قلبيت الثانيية ياء ،لن قبلهيا كسيرة ثيم اسيتثقلت والجميع ثقييل ،وهيو
معتل مع ذلك؛ فقلبت الياء ألفا ثم قلبت الهمزة الولى ياء لخفائها بين اللفين .الباقون "خطيئاتهم"
على جمع السلمة .قال أبو عمرو :قوم كفروا ألف سنة فلم يكن لهم إل خطيات؛ يريد أن الخطايا
أكثيير ميين الخطيات .وقال قوم :خطايييا وخطيات واحييد؛ جمعان مسييتعملن فييي الكثرة والقلة؛
واستدلوا بقوله تعالى" :ما نفدت كلمات ال" [لقمان ]27 :وقال الشاعر:
وأسيافنا يقطرن من نجدة دما لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى
وقرئ "خطيئاتهييم" و"خطياتهييم" بقلب الهمزة ياء وإدغامهييا .وعيين الجحدري وعمرو بيين عبيييد
والعميش وأبيي حيوة وأشهيب العقيلي "خطيئتهيم" على التوحييد ،والمراد الشرك" .فأدخلوا نارا"
أي بعيد إغراقهيم .قال القشيري :وهذا يدل على عذاب القيبر .ومنكروه يقولون :صياروا مسيتحقين
دخول النار ،أو عرض عليهييم أماكنهييم ميين النار؛ كمييا قال تعالى" :النار يعرضون عليهييا غدوا
وعشيا" [غافر .]46 :وقيل :أشاروا إلى ما في الخبر من قوله( :البحر نار في نار) .وروى أبو
روق عين الضحاك فيي قوله تعالى" :أغرقوا فأدخلوا نارا" قال :يعنيي عذبوا بالنار فيي الدنييا ميع
الغرق فيي الدنييا فيي حالة واحدة؛ كانوا يغرقون فيي جانيب ويحترقون فيي الماء مين جانيب .ذكره
الثعلبيي قال :أنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال أنشدنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح قال أنشدنيي
أبو بكر بن النباري:
والحادثات فنون ذات أطوار الخلق مجتمع طورا ومفترق
فال يجمع بين الماء والنار ل تعجبن لضداد إن اجتمعت
"فلم يجدوا لهم من دون ال أنصارا" أي من يدفع عنهم العذاب.
**3الية{ 27 - 26 :وقال نوح رب ل تذر على الرض من الكافرين ديارا ،إنك إن تذرهم
يضلوا عبادك ول يلدوا إل فاجرا كفارا}
@قوله تعالى" :وقال نوح رب ل تذر على الرض مين الكافريين" دعيا عليهيم حيين يئس مين
أتباعهم إياه .وقال قتادة :دعا عليهم بعد أن أوحى ال إليه" :أنه لن يؤمن من قومك إل من قد آمن"
[هود ]36 :فأجاب ال دعوته وأغرق أمته؛ وهذا كقول النبي صلى ال عليه وسلم( :اللهم منزل
الكتاب سيريع الحسياب وهازم الحزاب أهزمهيم وزلزلهيم) .وقييل :سيبب دعائه أن رجل مين قومه
حمل ولدا صغيرا على كتفه فمر بنوح فقال( :احذر هذا فإنه يضلك) .فقال :يا أبت أنزلني؛ فأنزله
فرماه فشجه؛ فحينئذ غضب ودعا عليهم .وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع وعطية وابن زيد:
إنمييا قال هذا حينمييا أخرج ال كييل مؤميين ميين أصييلبهم وأرحام نسييائهم .وأعقييم أرحام النسيياء
وأصيلب الرجال قبيل العذاب بسيبعين سينة .وقييل :بأربعيين .قال قتادة :ولم يكين فيهيم صيبي وقيت
العذاب .وقال الحسين وأبيو العاليية :لو أهلك ال أطفالهيم معهيم كان عذابيا مين ال لهيم وعدل فيهيم؛
ولكين ال أهلك أطفالهيم وذريتهيم بغيير عذاب ،ثيم أهلكهيم بالعذاب؛ بدلييل قوله تعالى" :وقوم نوح
لما كذبوا الرسل أغرقناهم" [الفرقان.]37 :
@ قال ابن العربي" :دعا نوح على الكافرين أجمعين ،ودعا النبي صلى ال عليه وسلم على من
تحزب على المؤمنييين وألب عليهييم .وكان هذا أصييل فييي الدعاء على الكافرييين فييي الجملة ،فأمييا
كافير معيين لم تعلم خاتمتيه فل يدعيى علييه؛ لن مآله عندنيا مجهول ،وربميا كان عنيد ال معلوم
الخاتمة بالسعادة .وإنما خص النبي صلى ال عليه وسلم بالدعاء عتبة وشيبة وأصحابهما؛ لعلمه
بمآلهم وما كشف له من الغطاء عن حالهم .وال أعلم".
قلت :قد مضت هذه المسألة مجودة في سورة "البقرة" والحمد ل .الثالثة :قال ابن العربي" :إن
قييل لم جعيل نوح دعوتيه على قوميه سيببا لتوقفيه عين طلب الشفاعية للخلق مين ال فيي الخرة؟ قلنيا
قال الناس في ذلك وجهان :أحدهما :أن تلك الدعوة نشأت عن غضب وقسوة؛ والشفاعة تكون عن
رضا ورقة ،فخاف أن يعاتب ويقال :دعوت على الكفار بالمس وتشفع لهم اليوم .الثاني :أنه دعا
غضبيا بغيير نيص ول إذن صيريح فيي ذلك؛ فخاف الدرك فييه يوم القيامية؛ كميا قال موسيى علييه
السلم( :إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها) .قال :وبهذا أقول".
قلت :وإن كان لم يؤمير بالدعاء نصيا فقيد قييل له" :أنيه لن يؤمين مين قوميك إل مين قيد آمين"
[هود .]36 :فأعلم عواقبهيم فدعيا عليهيم بالهلك؛ كميا دعيا نبينيا صيلي ال علييه وسيلم على شيبية
وعتبيية ونظرائهييم فقال( :اللهييم عليييك بهييم) لمييا أعلم عواقبهييم؛ وعلى هذا يكون فيييه معنييى الم
بالدعاء .وال أعلم.
@قوله تعالى" :ديارا" أي من يسكن الديار؛ قاله السدي .وأصله ديوار على فيعال من دار يدور؛
فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الخرى .مثل القيام؛ أصله قيوام .ولو كان فعال لكان دوارا.
وقال القتبي :أصله من الدار؛ أي نازل بالدار .يقال :ما بالدار ديار؛ أي أحد .وقيل :الديار صاحب
الدار.
**3اليية{ 28 :رب اغفير لي ولوالدي ولمين دخيل بيتيي مؤمنيا وللمؤمنيين والمؤمنات ول تزد
الظالمين إل تبارا}
@قوله تعالى" :رب اغفيير لي ولوالدي" دعييا لنفسييه ولوالديييه وكانييا مؤمنييين .وهمييا :لمييك بيين
متوشلخ وشمخى بنت أنوش؛ ذكره القشيري والثعلبي .وحكى الماوردي في اسم أمه منجل .وقال
سيعيد بين جيبير :أراد بوالدييه أباه وجده .وقرأ سيعيد بين جيبير "لوالدي" بكسير الدال على الواحيد.
قال الكلبيي :كان بينيه وبيين آدم عشرة آباء كلهيم مؤمنون .وقال ابين عباس :لم يكفير لنوح والد فيميا
بينه وبين آدم عليهما السلم" .ولمن دخل بيتي مؤمنا" أي مسجدي ومصلي مصليا صدقا بال.
وكان إنميا يدخيل بيوت النيبياء مين آمين منهيم فجعيل المسيجد سيببا للدعاء بالغفرة .وقيد قال النيبي.
صلي ال عليه وسلم( :الملئكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلي فيه ما لم يحدث
فييه تقول اللهيم اغفير له اللهيم أرحميه) الحدييث .وقيد تقدم .وهذا قول ابين عباس" :بيتيي" مسيجدي؛
حكاه الثعلبيي وقاله الضحاك .وعين ابين عباس أيضيا :أي ولمين دخيل دينيي؛ فالبييت بمعنيى الديين؛
حكاه القشيري وقاله جويييبر .وعيين ابيين عباس أيضييا :يعنييي صييديقي الداخييل إلى منزلي؛ حكاه
الماوردي .وقييل :أراد داري .وقييل سيفينتي" .وللمؤمنيين والمؤمنات" عامية إلى يوم القيامية؛ قال
الضحاك .وقال الكلبي :من أمة محمد صلى ال عليه وسلم .وقيل :من قومه؛ والول أظهر" .ول
تزد الظالميين" أي الكافريين" .إل تبارا" إل هلكيا؛ فهيي عامية فيي كيل كافير ومشرك .وقييل :أراد
مشركيي قوميه .والتبار :الهلك .وقييل :الخسيران؛ حكاهميا السيدي .ومنيه قوله تعالى" :إن هؤلء
متيبر ميا هيم فييه" [العراف .]139 :وقييل :التبار الدمار؛ والمعنيى واحيد .وال أعلم بذلك .وهيو
الموفق للصواب.