You are on page 1of 208

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫‪ .69‬العالم‪ ،‬إسماعيل أحمد )‪2000‬م(‪" .‬الصور الحركية ومجالتها في شعر‬


‫الخطل"‪ .‬المجلة العربية للعلوم النسانية‪ ،‬العدد )‪ .(71‬جامعة الكويت‪،‬‬
‫الكويت‪.‬‬
‫‪ .70‬عبد الخالق‪ ،‬أحمد محمد وعويد سلطان المشعان )‪1419‬هـ(‪" .‬المخاوف‬
‫الشائعة لدى الطفال والمراهقين الكويتيين ومدى تأثرها بالعدوان العراقي"‪.‬‬
‫مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية‪ .‬العدد )‪ .(89‬جامعة الكويت‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ .71‬ابن عبدالسلم‪ ،‬أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلم السلمي‬
‫)د‪ .‬ت(‪ .‬قواعد الحكام في مصالح النام‪ .‬تحقيق محمود التلميد الشنقيطي‪.‬‬
‫)د‪ .‬ط(‪ .‬بيروت‪ :‬دار المعرفة‪.‬‬
‫‪ .72‬عبد العال‪ ،‬جمال عبد المحسن )‪1418‬هـ(‪" .‬الحوادث المرورية‬
‫والعناصر الحاكمة لها"‪ .‬الندوة العلمية الربعون بعنوان‪ :‬أساليب ووسائل‬
‫الحد من حوادث المرور ـ الرياض ‪1417‬هـ‪ .‬أكاديمية نايف العربية للعلوم‬
‫المنية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ .73‬عبد الفتاح‪ ،‬فاطمة )‪1414‬هـ(‪ .‬الحياة الجتماعية في الشعر الجاهلي‪.‬‬
‫)د‪ .‬ط(‪ .‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ .74‬العريني‪ ،‬محمد ناصر )‪1420‬هـ(‪ .‬المرأة بين تكريم السلم ودعاوي‬
‫التحرير‪ .‬ط ‪ .2‬الرياض‪ :‬مطبعة سفير‪.‬‬
‫‪ .75‬علي‪ ،‬بدر الدين )‪1410‬هـ(‪ .‬قضاء وقت الفراغ لدى الشباب العربي‪) .‬د‪.‬‬
‫ط(‪ .‬المركز العربي للدراسات المنية والتدريب‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ .76‬عياض‪ ،‬أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي )‪1419‬هـ(‪.‬‬
‫إكمال المعلم بفوائد مسلم‪ .‬تحقيق يحيى إسماعيل‪ ،‬المنصورة‪ :‬دار الوفاء‪.‬‬
‫‪ .77‬العيسوي‪ ،‬عبد الرحمن )‪1419‬هـ(‪ .‬علم نفس الشواذ والصحة النفسية‪.‬‬
‫بيروت‪ :‬دار الراتب الجامعية‪.‬‬
‫‪ .78‬عيسى‪ ،‬مصباح الحاج )‪1407‬هـ(‪" .‬استخدام الهاتف والشاشة‬
‫اللكترونية في التعليم عن بعد بدول الخليج العربية"‪ .‬المجلة العربية لبحوث‬
‫التعليم العالي‪ .‬العدد )‪ .(6‬المركز العربي لبحوث التعليم العالي‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ .79‬الغامدي‪ ،‬علي سعيد )‪1418‬هـ(‪" .‬تقنية المستقبل في مواجهة مشكلة‬
‫المرور"‪ .‬الندوة العلمية الربعون بعنوان‪ :‬أساليب ووسائل الحد من حوادث‬
‫المرور ـ الرياض ‪1417‬هـ‪ .‬أكاديمية نايف العربية للعلوم المنية‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ .80‬فهيم‪ ،‬محمد عيسى وآخران )‪1405‬هـ(‪ .‬السلوك المزعج الصادر عن‬
‫السائقين أثناء القيادة ـ دراسة ميدانية بمدينة مكة المكرمة‪) .‬د‪ .‬ط(‪ .‬مركز‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البحوث التربوية والنفسية‪ ،‬كلية التربية‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬مكة المكرمة‪.‬‬


‫‪ .81‬القاري‪ ،‬نور الدين علي بن سلطان الهروي )د‪ .‬ت( شرح عين العلم‬
‫وزين الحلم‪) .‬د‪ .‬ط(‪ .‬القاهرة‪ .‬مكتبة الثقافة الدينية‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫)]‪ ([1‬انظر‪ :‬المحرر‪ .‬قطوف رمضان ‪1422‬هـ‪ .‬ص ‪ 6‬ـ ‪.10‬‬
‫)]‪ ([2‬الدراسات مرتبة حسب سنة النشر‪.‬‬
‫)]‪ ([3‬انظر‪ :‬أ ـ الحسيني‪ ،‬عائشة‪ .‬إعداد وتنمية القيادات الدارية النسائية في‬
‫قطاع التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية‪ .‬ص ‪.113‬‬
‫ب ـ الحسيني‪ ،‬عائشة‪" .‬التخطيط للحتياجات من الكفاءات الدارية النسائية‬
‫في المملكة العربية السعودية ـ دراسة نظرية ميدانية" ج ‪ ،1‬ص ‪.406‬‬
‫ج ـ المحرر‪ .‬قطوف شعبان ‪1421‬هـ ‪ .‬ص ‪.95‬‬
‫)]‪ ([4‬أسعد‪ ،‬يوسف ميخائيل‪ .‬الشخصية القوية‪ .‬ص ‪.218‬‬
‫)]‪ ([5‬انظر‪ :‬البرهاني‪ ،‬محمد هشام‪ .‬سد الذرائع في الشريعة السلمية‪ .‬ص‬
‫‪.334‬‬
‫)]‪ ([6‬انظر‪ :‬علي‪ ،‬بدر الدين‪ .‬قضاء وقت الفراغ لدى الشباب العربي‪ .‬ص‬
‫‪ 85‬و ‪.158‬‬
‫)]‪ ([7‬انظر‪ :‬المطير‪ ،‬عامر ناصر‪" .‬قيادة التلميذ للسيارات وأثرها على‬
‫الحركة المرورية في المملكة العربية السعودية" ص ‪ 49‬و ‪.54‬‬
‫)]‪ ([8‬انظر‪ :‬الدربندي‪ ،‬عبد الرحمن سليمان‪ .‬المرأة العراقية المعاصرة‪ .‬ج‬
‫‪ ،1‬ص ‪ 184‬ـ ‪.185‬‬
‫)]‪ ([9‬انظر‪ :‬تيس‪ ،‬سي‪ .‬و د‪ .‬بيركس‪" .‬دور المرأة في الريف العماني" ص‬
‫‪ 106‬ـ ‪.107‬‬
‫)]‪ ([10‬تبقى للضرورة حدودها التي ُتقدر بقدرها للنساء المضطرات للقيادة‬
‫في بعض البلد‪.‬‬
‫)]‪ ([11‬المقصود بالمبرر الفقهي هنا‪ :‬هو المعنى الصطلحي الخاص لكلمة‬
‫"الفقه" وهو الجانب العملي التطبيقي من الشريعة السلمية المنزلة‪ ،‬وحكم‬
‫الفقهاء في مسألة قيادة المرأة للمركبات بناء على المصادر الفقهية‪.‬‬
‫)]‪ ([12‬البرديسي‪ ،‬محمد زكريا‪ .‬أصول الفقه‪ .‬ص ‪.308‬‬
‫)]‪ ([13‬انظر‪ :‬ابن تيمية‪ .‬مجموع الفتاوى‪ .‬ج ‪ ،1‬ص ‪.265‬‬
‫)]‪ ([14‬ابن عبد السلم‪ .‬قواعد الحكام في مصالح النام‪ .‬ج ‪ .1‬ص ‪.12‬‬
‫)]‪ ([15‬الوكيل‪ ،‬محمد‪ .‬فقه الولويات ـ دراسة في الضوابط‪ .‬ص ‪.225‬‬
‫)]‪ ([16‬الشاطبي‪ .‬الموافقات‪ .‬ج ‪ ،4‬ص ‪.199‬‬
‫)]‪ ([17‬الزرقاء‪ ،‬مصطفى أحمد‪ .‬الستصلح والمصالح المرسلة في الشريعة‬
‫السلمية وأصول فقهها‪ .‬ص ‪.45‬‬
‫)]‪ ([18‬منظمة المؤتمر السلمي‪ .‬قرارات وتوصيات مجمع الفقه السلمي‪.‬‬
‫ص ‪) 209‬بتصرف(‪.‬‬
‫)]‪ ([19‬ابن القيم‪ .‬إعلم الموقعين عن رب العالمين‪ .‬ج ‪ .3‬ص ‪.135‬‬
‫)]‪ ([20‬الدريسي‪ ،‬عبدالواحد‪ .‬القواعد الفقهية من خلل كتاب المغني لبن‬
‫قدامة‪ .‬ص ‪.428‬‬
‫)]‪ ([21‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.430‬‬
‫)]‪ ([22‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.430‬‬
‫)]‪ ([23‬القاري‪ .‬شرح عين العلم وزين الحلم‪ .‬ج ‪ ،1‬ص ‪.47‬‬
‫)]‪ ([24‬الدريسي‪ ،‬عبدالواحد‪ .‬القواعد الفقهية من خلل كتاب المغني لبن‬
‫قدامة‪ .‬ص ‪.427‬‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫)]‪ ([25‬انظر‪ :‬ولي‪ ،‬نور بيكم محمد‪ .‬دراسة استطلعية عن كيفية ودواعي‬
‫اعتماد السرة السعودية على السائقين المستقدمين ص ‪ 158 ،68‬ـ ‪.159‬‬
‫)]‪ ([26‬انظر‪ :‬البورنو‪ ،‬محمد صدقي‪ .‬الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية‪.‬‬
‫ص ‪.206‬‬
‫)]‪ ([27‬البرهاني‪ ،‬محمد هشام‪ .‬سد الذرائع في الشريعة السلمية‪ .‬ص ‪.210‬‬
‫)]‪ ([28‬إدريس‪ ،‬عبد الفتاح محمود‪ .‬أحكام العورة في الفقه السلمي ـ بحث‬
‫مقارن‪ .‬ج ‪ ،2‬ص ‪.569‬‬
‫)]‪ ([29‬قلعه جي‪ ،‬محمد رواس وحامد صادق قنيبي‪ .‬معجم لغة الفقهاء‪ .‬ص‬
‫‪.200‬‬
‫)]‪ ([30‬السفاريني‪ .‬غذاء اللباب‪ .‬ج ‪ ،2‬ص ‪.22‬‬
‫)]‪ ([31‬انظر‪ :‬أ ـ عياض‪ .‬إكمال المعلم بفوائد مسلم‪ .‬ج ‪ ,8‬ص ‪ 287‬ـ ‪.288‬‬
‫ب ـ ابن بطال‪ .‬شرح صحيح البخاري‪ .‬ج ‪ ،8‬ص ‪.39‬‬
‫)]‪ ([32‬مثل‪ :‬ابن إبراهيم‪ .‬فتاوى ابن إبراهيم‪ .‬ج ‪ ، 10‬ص ‪.54 – 52‬‬
‫)]‪ ([33‬خلف‪ ،‬سليمان نجم‪" .‬العولمة والهوية الثقافية ـ تصور نظري لدراسة‬
‫نموذج مجتمع الخليج والجزيرة العربية" ص ‪.75‬‬
‫)]‪ ([34‬انظر‪ :‬أ ـ ابن باز‪ ،‬عبد العزيز عبد الله‪ .‬مجموع فتاوى ومقالت‬
‫متنوعة‪ .‬ج ‪ ،3‬ص ‪ 351‬ـ ‪.353‬‬
‫ب ـ المسند‪ ،‬محمد‪ .‬فتاوى المرأة‪ .‬ص ‪ 192‬ـ ‪.194‬‬
‫جـ ـ المجدوب‪ ،‬أحمد علي‪ .‬اغتصاب النساء في المجتمعات القديمة‬
‫والمعاصرة‪ .‬ص ‪ 201‬ـ ‪.202‬‬
‫د ـ العريني‪ ،‬محمد ناصر‪ .‬المرأة بين تكريم السلم ودعاة التحرير‪ .‬ص ‪ 65‬ـ‬
‫‪.78‬‬
‫بوحجي‪ ،‬هناء‪" .‬البحرين تمنع المنقبات من قيادة السيارات" ص ‪.28‬‬
‫)]‪ ([35‬الموسى‪ ،‬عبد الرسول‪" .‬الوظيفة كأحد إفرازات التحضر في‬
‫الكويت" ص ‪.128‬‬
‫)]‪ ([36‬الحسيني‪ ،‬عائشة‪ .‬إعداد وتنمية القيادات الدارية النسائية في قطاع‬
‫التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية‪ .‬ص ‪.113‬‬
‫)]‪ ([37‬انظر‪ :‬شعبان‪ ،‬زكي الدين‪ .‬أصول الفقه السلمي‪ .‬ص ‪ 386‬ـ ‪.387‬‬
‫)]‪ ([38‬انظر‪ :‬المحرر‪ .‬قطوف جمادى الولى ‪1419‬هـ‪ .‬ص ‪.9‬‬
‫)]‪ ([39‬المحرر‪" .‬سياقة المرأة للسيارة تقصر العمر" ص ‪.1‬‬
‫)]‪ ([40‬انظر‪ :‬أ‪ .‬النافع‪ ،‬عبد الله وخالد السيف‪ .‬تحليل الخصائص النفسية‬
‫والجتماعية المتعلقة بسلوك قيادات السيارات بالمملكة‪ .‬ص ‪ 49‬ـ ‪.60 ،50‬‬
‫ب ـ الصالح‪ ،‬ناصر عبد الله‪ .‬حوادث المرور بمدينة مكة المكرمة ـ العلقات‬
‫المكانية والتجاهات الزمانية‪ .‬ص ‪.35‬‬
‫جـ ـ دياب‪ ،‬عبد العزيز أحمد‪" .‬الحوادث المرورية في المملكة العربية‬
‫السعودية ـ دراسة اقتصادية للمحددات وطرق العلج" ص ‪ 6‬ـ ‪.7‬‬
‫)]‪ ([41‬المحرر‪ .‬قطوف صفر ‪1419‬هـ‪ .‬ص ‪.123‬‬
‫)]‪ ([42‬الغامدي‪ ،‬علي سعيد‪" .‬تقنية المستقبل في مواجهة مشكلة المرور"‬
‫ص ‪.70‬‬
‫)]‪ ([43‬انظر‪ :‬أ ـ الصنيع‪ ،‬عبد الله علي‪ .‬دراسات في قضايا المدن المعاصرة‬
‫والتحضر بأقلم نخبة من العلماء الفاضل‪ .‬ص ‪.217‬‬
‫ب ـ المحرر‪ .‬قطوف ربيع الثاني ‪1423‬هـ‪ .‬ص ‪.123‬‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([44‬المحرر‪ .‬قطوف ربيع الثاني ‪1422‬هـ‪ .‬ص ‪.112‬‬


‫)]‪ ([45‬الرازي‪ .‬الحاوي في الطب‪ .‬ج ‪ ،3‬ص ‪.1456‬‬
‫)]‪ ([46‬بكار‪ ،‬عبد الكريم‪ .‬مدخل إلى التنمية المتكاملة ـ رؤية إسلمية ص‬
‫‪.355‬‬
‫)]‪ ([47‬انظر‪ :‬المحرر‪ .‬قطوف شعبان ‪1421‬هـ‪ .‬ص ‪.96‬‬
‫)]‪ ([48‬انظر‪ :‬أ ـ دياب‪ ،‬عبد العزيز أحمد‪" .‬الحوادث المرورية في المملكة‬
‫العربية السعودية ـ دراسة اقتصادية للمحددات وطرق العلج" ص ‪ 10‬ـ ‪.11‬‬
‫ب ـ عبد العال‪ ،‬جمال عبد المحسن‪" .‬الحوادث المرورية والعناصر الحاكمة‬
‫لها" ص ‪.22‬‬
‫)]‪ ([49‬العيسوي‪ ،‬عبد الرحمن‪ .‬علم نفس الشواذ والصحة النفسية ص‬
‫‪.269‬‬
‫)]‪ ([50‬باشا‪ ،‬حسان شمسي‪ .‬النوم والرق والحلم بين الطب والقرآن‪ .‬ص‬
‫‪.48‬‬
‫)]‪ ([51‬انظر‪ :‬أ ـ حسون‪ ،‬تماضر زهري‪ .‬تأثير عمل المرأة على تماسك‬
‫السرة في المجتمع العربي‪ .‬ص ‪ 66‬ـ ‪ 152 ،67‬ـ ‪.153‬‬
‫ب ـ يونس‪ ،‬منى‪" .‬اعتراضات المرأة العاملة على العمل ـ بحث استطلعي"‬
‫ص ‪ 209‬ـ ‪.211‬‬
‫)]‪ ([52‬عبد العال‪ ،‬جمال عبد المحسن‪" .‬الحوادث المرورية والعناصر‬
‫الحاكمة لها" ص ‪.28‬‬
‫)]‪ ([53‬انظر‪ :‬كحالة‪ ،‬عمر رضا‪ .‬المرأة في القديم والحديث‪ .‬ج ‪ ،3‬ص ‪.62‬‬
‫)]‪ ([54‬الصوفي‪ ،‬محمد سالم‪" .‬الشباب الباحث عن الموت" ص ‪.10‬‬
‫)]‪ ([55‬انظر‪ :‬عبد الخالق‪ ،‬أحمد ومحمد وعويد سلطان المشعان‪" .‬المخاوف‬
‫الشائعة لدى الطفال والمراهقين الكويتيين ومدى تأثرها بالعدوان العراقي"‬
‫ص ‪.328‬‬
‫)]‪ ([56‬محمد‪ ،‬عادل شكري وفريح عويد العنزي‪" .‬دراسة إنمائية لبعض‬
‫المتغيرات الباثولوجية لدى فئات عمرية متباينة" ص ‪.115‬‬
‫)]‪ ([57‬النابلسي‪ ،‬محمد أحمد‪" .‬رهاب الساح ـ دراسة حالة واستراتيجية‬
‫علج" ص ‪.186‬‬
‫)]‪ ([58‬انظر‪ :‬أ ـ الجراية‪ ،‬أنور‪" .‬الشخصية" ص ‪.50‬‬
‫ب ـ السالم‪ .‬زغلولة‪ .‬صورة المرأة العربية في الدراما المتلفزة‪ .‬ص ‪ 66‬و‬
‫‪.70‬‬
‫جـ ـ بكار‪ ،‬نادية أحمد‪" .‬مدى وعي معلمات الجغرافيا بقضية سوء فهم‬
‫المناهج الجغرافية"ص ‪.88 ،67‬‬
‫د ـ باول‪ ،‬دوغلس‪ .‬تسع خرافات عن الشيخوخة‪ .‬ص ‪.102‬‬
‫)]‪ ([59‬انظر‪ :‬أ ـ الدباغ ‪ ،‬فخري‪ .‬أصول الطب النفساني‪ .‬ص ‪ 214‬و ‪ 253‬و‬
‫‪.346‬‬
‫ب ـ المالكي‪ ،‬موزة‪" .‬علم النفس حول العالم العدد )‪ ."(31‬ص ‪.17‬‬
‫)]‪ ([60‬النابلسي‪ ،‬محمد أحمد‪" ،‬الضطرابات النفسية لدى المرأة" ص ‪ 64‬و‬
‫‪ 66‬ـ ‪.67‬‬
‫)]‪ ([61‬انظر‪ :‬أ ـ البار‪ ،‬محمد علي‪ .‬خلق النسان بين الطب والقرآن‪ .‬ص‬
‫‪.103‬‬
‫ب ـ رشاد‪ ،‬نادية محمد‪ .‬التربية الصحية والمان‪ .‬ص ‪.73‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([62‬الحنفي‪ ،‬عبد المنعم‪ .‬الموسوعة النفسية الجنسية‪ .‬ص ‪.809‬‬


‫)]‪ ([63‬انظر‪ :‬أ ـ دياب‪ ،‬عبد العزيز أحمد‪" .‬الحوادث المرورية في المملكة‬
‫العربية السعودية ـ دراسة اقتصادية للمحددات وطرق العلج" ص ‪ 4‬و ‪.6‬‬
‫ب ـ قربة‪ ،‬جهاد محمد‪" .‬طبيعة العلقات المجالية للحوادث المرورية داخل‬
‫الوسط الحضري لمدينة الشارقة ـ دراسة تحليلية لفترة التوسع ‪ 1987‬ـ‬
‫‪1992‬م"‪ .‬ص ‪ 103‬ـ ‪.104‬‬
‫)]‪ ([64‬أ ‪ -‬الحفني‪ ،‬عبد المنعم‪ .‬الموسوعة النفسية‪ -‬علم النفس والطب‬
‫النفسي‪ .‬ص ‪.138 – 136‬‬
‫ب‪ -‬الحفني‪ ،‬عبد المنعم‪ .‬الموسوعة النفسية‪ -‬علم النفس والطب النفسي‪.‬‬
‫ص ‪.140‬‬
‫)]‪ ([65‬معلومة غير موثقة بالمراجع منقولة من بعض أهل الخبرة ممن عاش‬
‫في بعض الدول الغربية‪.‬‬
‫)]‪ ([66‬انظر‪ :‬المسيري‪ ،‬عبد الوهاب‪" .‬الفكر الغربي ـ مشروع رؤية نقدية" ‪.‬‬
‫ص ‪.133‬‬
‫)]‪ ([67‬انظر‪ :‬أ ـ ابن حزم‪ .‬المحلى بالثار‪ .‬ج ‪ ،11‬ص ‪ 273‬ـ ‪.276‬‬
‫ب ـ الكاساني‪ .‬بدائع الصنائع‪ .‬ج ‪ ،7‬ص ‪ 255‬ـ ‪.257‬‬
‫ج ـ النووي‪ .‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ .‬ج ‪ ،11‬ص ‪ 176‬ـ ‪.177‬‬
‫د ـ الشربيني‪ .‬مغني المحتاج‪ .‬ج ‪ ،4‬ص ‪.95‬‬
‫هـ ـ المرداوي‪ .‬النصاف‪ .‬ج ‪ ،10‬ص ‪.124‬‬
‫و ـ القرطبي‪ .‬الجامع لحكام القرآن‪ .‬ج ‪ .5‬ص ‪.326‬‬
‫ز ـ ابن حجر‪ .‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ .‬ج ‪ ،26‬ص ‪ 80‬ـ ‪.81‬‬
‫حـ ـ ابن عابدين‪ .‬حاشية رد المختار‪ .‬ج ‪ ،6‬ص ‪ 564‬و ‪ 642‬ـ ‪.643‬‬
‫ط ـ البهوتي‪ .‬كشاف القناع‪ .‬ج ‪ ،6‬ص ‪.61‬‬
‫ي ـ زحيلي‪ ،‬وهبة‪ .‬الفقه السلمي وأدلته‪ .‬ج ‪ ،6‬ص ‪ 322‬ـ ‪.323‬‬
‫ك ـ أبو جيب‪ ،‬سعدي‪ .‬موسوعة الجماع في الفقه السلمي‪ .‬ج ‪ ،1‬ص ‪.426‬‬
‫ل ـ الحربي‪ ،‬سعد شارع‪ .‬الحكام الخاصة بالمرأة ص ‪.421‬‬
‫)]‪ ([68‬انظر‪ :‬الترمذي‪ .‬الجامع الصحيح‪ .‬رقم )‪ .(2110‬ج ‪ ،4‬ص ‪ 425‬ـ‬
‫‪) .426‬حديث حسن صحيح(‪.‬‬
‫)]‪ ([69‬انظر‪ :‬أ ـ السعدي‪ ،‬عبد الرحمن ناصر‪ .‬الفتاوى السعدية‪ .‬ص ‪.83‬‬
‫ب ـ أبو سنة‪ ،‬أحمد فهمي‪ .‬العرف والعادة في رأي الفقهاء‪ .‬ص ‪ 242‬ـ ‪.244‬‬
‫)]‪ ([70‬انظر‪ :‬منظمة المؤتمر السلمي‪ .‬قرارات وتوصيات مجمع الفقه‬
‫السلمي‪ .‬ص ‪.20‬‬
‫)]‪ ([71‬أدى ظهور التأمين اللزامي على رخص القيادة في المملكة إلى‬
‫إحجام كثير من أفراد القبائل عن السهام المالي المعتاد في صناديقهم‬
‫التعاونية‪ ،‬مما أثار جدل ً مع رؤساء قبائلهم‪ .‬انظر‪ :‬المحرر‪ .‬قطوف ذو الحجة‬
‫‪1423‬هـ‪ .‬ص ‪.124‬‬
‫)]‪ ([72‬انظر‪ :‬أ ـ الصنيع‪ ،‬عبد الله علي‪ .‬دراسات في قضايا المدن المعاصرة‬
‫والتحضر بأقلم نخبة من العلماء الفاضل‪ .‬ص ‪ 267‬ـ ‪.272‬‬
‫ب ـ عبد العال‪ ،‬جمال عبد المحسن‪" .‬الحوادث المرورية والعناصر الحاكمة‬
‫لها"‪ .‬ص ‪.14‬‬
‫ج ـ شريف‪ ،‬سعيدة‪" .‬حوادث السير‪ ..‬حرب صامتة في المغرب" ص ‪.15‬‬
‫د ‪ -‬المحرر‪" .‬حوادث السير تقتل ثلثة أشخاص كل يوم في لبنان"‪ .‬ص ‪.15‬‬
‫)]‪ ([73‬دياب‪ ،‬عبد العزيز أحمد‪" .‬الحوادث المرورية في المملكة العربية‬
‫السعودية ـ دراسة اقتصادية للمحددات وطرق العلج"‪ .‬ص ‪.8‬‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([74‬انظر‪ :‬النافع‪ ،‬عبد الله وخالد السيف‪ .‬تحليل الخصائص النفسية‬
‫والجتماعية المتعلقة بسلوك قيادات السيارات في المملكة‪ .‬ص ‪.4‬‬
‫)]‪ ([75‬عبد العال‪ ،‬جمال عبد المحسن‪" .‬الحوادث المرورية والعناصر‬
‫الحاكمة لها" ص ‪ 17‬ـ ‪.19‬‬
‫)]‪ ([76‬فهيم‪ ،‬محمد عيسى وآخران‪" :‬السلوك المزعج الصادر عن السائقين‬
‫أثناء القيادة ـ دراسة ميدانية بمدينة مكة المكرمة"‪ .‬ص ‪) .6‬بتصرف(‪.‬‬
‫)]‪ ([77‬الوهيد‪ ،‬محمد سليمان‪" .‬القيم الجتماعية وأثرها في مشكلة‬
‫المرور"‪ .‬ص ‪.43‬‬
‫)]‪ ([78‬أ ـ المجرن‪ ،‬عباس علي "محددات الطلب العالمي على الجازولين"‬
‫ص ‪ 96‬ـ ‪.97‬‬
‫ب ـ مارتن‪ ،‬هانس بيتر وهارالد شومان‪ .‬فخ العولمة‪ .‬ص ‪ 73‬ـ ‪.74‬‬
‫)]‪ ([79‬القدسي‪ ،‬سليمان‪ .‬سياسات أسواق العمالة في دول مجلس التعاون‬
‫لدول الخليج العربية‪ .‬ص ‪ 19‬ـ ‪.20‬‬
‫)]‪ ([80‬انظر‪ :‬أ ـ السرخسي‪ .‬شرح كتاب السير الكبير‪ .‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 136‬ـ‬
‫‪.137‬‬
‫ب ـ قطب‪ ،‬سيد‪ .‬في ظلل القرآن‪ .‬ج ‪ ،1‬ص ‪.580‬‬
‫جـ ـ هامرتن‪ ،‬جون وآخرون‪ .‬تاريخ العالم‪ .‬ج ‪ ،5‬ص ‪ 377‬ـ ‪.398‬‬
‫)]‪ ([81‬انظر‪ :‬أشكناني‪ ،‬زبيدة علي‪" .‬مذكرات أميرة عربية‪ -‬الثنوغرافيا‬
‫والسيرة الذاتية"‪ .‬ص ‪.132‬‬
‫)]‪ ([82‬الدويك‪ ،‬يوسف راتب‪" .‬الرياضة في السلم" ص ‪.121‬‬
‫)]‪ ([83‬انظر‪ :‬معاليقي‪ ،‬عبد اللطيف‪ .‬المراهقة ـ أزمة هوية أم أزمة حضارية‪.‬‬
‫ص ‪ 146‬ـ ‪.147‬‬
‫)]‪ ([84‬انظر‪ :‬أ ـ الجاحظ‪ .‬البغال‪ .‬ص ‪.24‬‬
‫ب ـ ابن جزي‪ .‬الخيل‪ .‬ص ‪ 296‬ـ ‪.302‬‬
‫جـ ـ السود‪ .‬أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها‪ .‬ص ‪ 15‬ـ ‪ 20‬و ‪291‬‬
‫ـ ‪.319‬‬
‫)]‪ ([85‬انظر‪ :‬الجوهري‪ ،‬محمد فائق‪ .‬العادة السرية عند الرجال والمرأة‪ .‬ص‬
‫‪.25‬‬
‫)]‪ ([86‬انظر‪ :‬أ ـ ابن شّبه‪ .‬تاريخ المدينة المنورة‪ .‬ج ‪ ،4‬ص ‪ 1311‬ـ ‪.1313‬‬
‫ب ـ الجاحظ‪ .‬البغال‪ .‬ص ‪ 26‬و ‪ 31‬و ‪ 47‬ـ ‪.52‬‬
‫جـ ـ الشيباني‪ .‬فضائل عثمان بن عفان‪ .‬ص ‪.136‬‬
‫)]‪ ([87‬انظر‪ :‬أ ـ البخاري‪ .‬صحيح البخاري‪ .‬ص )‪ .(3251‬ج ‪ ،3‬ص ‪1266‬‬
‫ورقم )‪ .(3910‬ج ‪،4‬‬
‫ص ‪.1517‬‬
‫ب ـ الحاكم‪ .‬المستدرك‪ .‬ج ‪ ،4‬ص ‪ 42‬ـ ‪) .43‬حديث فيه إرسال‪ ...‬وقد ُروي‬
‫بإسناد صحيح‪ ...‬مختصًرا(‪.‬‬
‫جـ ـ البيهقي‪ .‬السنن الكبرى‪ .‬ج ‪ ،4‬ص ‪ 34‬ـ ‪.35‬‬
‫د ـ المقريزي‪ .‬إمتاع السماع‪ .‬ص ‪.114‬‬
‫هـ ـ ابن منظور‪ .‬لسان العرب‪ .‬ج ‪ ،2‬ص ‪) .389‬هدج(‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫و ـ ابن حجر‪ .‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ .‬ج ‪ ،19‬ص ‪.150‬‬
‫ز ـ الزركلي‪ .‬العلم‪ .‬ج ‪ ،3‬ص ‪ 114‬ـ ‪.115‬‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([88‬انظر‪ :‬أ ـ النسائي‪ .‬سنن النسائي‪ .‬ج ‪ ،5‬ص ‪) .120‬صحيح( اللباني‪،‬‬
‫محمد ناصر الدين‪ .‬صحيح سنن النسائي‪ .‬ج ‪ ،2‬ص ‪.560‬‬
‫ب ـ عياض‪ .‬إكمال المعلم بفوائد مسلم‪ .‬ج ‪ ،4‬ص ‪.369‬‬
‫جـ ـ محمد‪ ،‬طارق عوض الله‪ .‬الجمع والتوضيح لمرويات المام البخاري‬
‫وأحكامه في غير الجامع الصحيح‪ .‬ج ‪ ،1‬ص ‪.514‬‬
‫د ـ عبد الفتاح‪ ،‬فاطمة‪ .‬الحياة الجتماعية في الشعر الجاهلي‪ .‬ص ‪.104‬‬
‫)]‪ ([89‬انظر‪ :‬أ ـ ابن منظور‪ .‬لسان العرب‪ .‬ج ‪ ،2‬ص ‪) .389‬هدج(‪.‬‬
‫ب ـ قلعه جي‪ ،‬محمد رواس وحامد صادق قنيبي‪ .‬معجم لغة الفقهاء‪ .‬ص‬
‫‪.496‬‬
‫)]‪ ([90‬انظر‪ :‬النابلسي‪ .‬تعطير النام في تعبير المنام‪ .‬ص ‪.466‬‬
‫)]‪ ([91‬المرزبان‪ .‬المروءة‪ .‬ص ‪.58‬‬
‫)]‪ ([92‬انظر‪ :‬ابن بطال‪ .‬شرح صحيح البخاري‪ .‬ج ‪ ،5‬ص ‪.147‬‬
‫)]‪ ([93‬انظر‪ :‬عياض‪ .‬إكمال المعلم بفوائد مسلم‪ .‬ج ‪ ،7‬ص ‪.287‬‬
‫)]‪ ([94‬مسلم‪ .‬صحيح مسلم‪ .‬رقم )‪ .(2323‬ج ‪ ،4‬ص ‪.1811‬‬
‫)]‪ ([95‬ابن منظور‪ .‬لسان العرب‪ .‬ج ‪ ،5‬ص ‪) .87‬قرر(‪.‬‬
‫)]‪ ([96‬ابن شّبه‪ .‬تاريخ المدينة المنورة‪ .‬ج ‪ ،1‬ص ‪.329‬‬
‫)]‪ ([97‬نفسه‪ .‬ج ‪ ،1‬ص ‪.330‬‬
‫)]‪ ([98‬ترجمة الخطل غياث بن غوث‪ .‬انظر‪ :‬الزركلي‪ .‬العلم‪ .‬ج ‪ ،5‬ص‬
‫‪.123‬‬
‫)]‪ ([99‬العالم‪ ،‬إسماعيل أحمد‪" .‬الصور الحركية ومجالتها في شعر الخطل"‬
‫ص ‪ 189‬ـ ‪.190‬‬
‫)]‪ ([100‬انظر‪ :‬المحرر‪" .‬علم النفس حول العالم العدد )‪ ."(17‬ص ‪.20‬‬
‫)]‪ ([101‬شيخاني‪ ،‬سمير‪ .‬سجل اليام‪ .‬ج ‪ ،3‬ص ‪.229‬‬
‫)]‪ ([102‬انظر‪ :‬أ ـ المجدوب‪ ،‬أحمد علي‪ .‬اغتصاب النساء في المجتمعات‬
‫القديمة والمعاصرة‪ .‬ص ‪.54‬‬
‫ب ـ أيوب‪ ،‬ياسر‪ .‬النفجار الجنسي في مصر‪ .‬ص ‪.179‬‬
‫جـ ـ حمود‪ ،‬رفيقة سليم‪ .‬المرأة المصرية ـ مشكلت الحاضر وتحديات‬
‫المستقبل‪ .‬ص ‪.72‬‬
‫)]‪ ([103‬أحمد‪ ،‬عبد الرحمن يسري‪ .‬تنمية الصناعات الصغيرة ومشكلت‬
‫تمويلها‪ .‬ص ‪.25‬‬
‫)]‪ ([104‬انظر‪ :‬أ ـ المحرر‪" .‬تعويم أفكار في الكويت لرفع معدل تشغيل‬
‫النساء"‪ .‬ص ‪.11‬‬
‫ب ـ المحرر‪" .‬فرص وظيفية للمرأة بأسلوب العمل من بعد"‪ .‬ص ‪.17‬‬
‫)]‪ ([105‬انظر‪ :‬أ ـ البدر‪ ،‬محمد عبد العزيز‪" .‬العلم التربوي في دول الخليج‬
‫العربية"‪ .‬ص ‪.49‬‬
‫ب ـ عيسى‪ ،‬مصباح الحاج‪" .‬استخدام الهاتف والشاشة اللكترونية في‬
‫التعليم عن بعد بدول الخليج العربية"‪ .‬ص ‪ 51‬ـ ‪.54‬‬
‫جـ ـ جبر‪ ،‬يحيى عبد الرؤوف‪" .‬مشروع تلفزة اليام الدراسية"‪ .‬ص ‪ 30‬ـ ‪.31‬‬
‫)]‪ ([106‬عبد العال‪ ،‬جمال عبد المحسن‪" .‬الحوادث المرورية والعناصر‬
‫الحاكمة لها" ص ‪ 22‬ـ ‪.24‬‬
‫)]‪ ([107‬المطير‪ ،‬عامر ناصر‪" .‬قيادة التلميذ للسيارات وأثرها على الحركة‬
‫المرورية في المملكة العربية السعودية"‪.‬‬
‫ص ‪.49‬‬
‫)]‪ ([108‬بيوشامب‪ ،‬إدوارد‪ .‬التعليم الياباني والتعليم المريكي ـ دراسة‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مقارنة‪ .‬ص ‪.28‬‬


‫)]‪ ([109‬المجرن‪ ،‬عباس علي‪" .‬محددات الطلب العالمي على الجازولين"‪.‬‬
‫ص ‪ 110‬ـ ‪.111‬‬
‫)]‪ ([110‬أكاديمية نايف العربية للعلوم المنية‪" .‬توصيات الندوة العلمية‬
‫الربعين"‪ .‬ص ‪.156‬‬
‫)]‪ ([111‬الظفيري‪ ،‬عبد الوهاب محمد‪" .‬النساء المعيلت للسرة في حالة‬
‫غياب الب ـ نموذج أسر الشهداء"‪ .‬ص ‪.34‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫مبشرات بانتصار المة السلمية‬


‫إن المة السلمية القائمة على الدين السلمي قادرة على اقتحام التحديات‬
‫التي تحول دون نهضتها‪ ،‬كما انها قادرة على الصمود في مواجهة الثقافة‬
‫الغربية‪ ،‬فالجبال الراسيات يمكن أن تزول وهذه المة ل يمكن أن تزول‪ ،‬لنها‬
‫محفوظة بهذا الدين‪ ،‬فقد تكفل الله بحفظ هذا الدين‪ ،‬ومن حفظه حفظ‬
‫المة الخذة به‪.‬‬
‫ويدل على قدرة هذه المة على الصمود والمواجهة ما يأتي‪:‬‬
‫ل‪ :‬النصوص من الكتاب والسنة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫هنالك الكثير من اليات والخبار الصحيحة تدل على أن السلم سيبقى‬
‫ظاهرا ً منصورا ً إلى أن تقوم الساعة‪ ،‬وانه سيبقى قوة عالمية تزاحم القوى‬
‫َ‬
‫سول َ ُ‬
‫ه‬ ‫ل َر ُ‬‫س َ‬‫ذي أْر َ‬ ‫المضادة له مهما كانت متجبرة‪ ،‬يقول الله تعالى‪)) :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن((‪ ،‬فهذه الية‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ك ُل ّهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ‬‫دي ِ‬‫حقّ ل ِي ُظ ْهَِرهُ عََلى ال ّ‬‫ن ال ْ َ‬‫دى وَِدي ِ‬‫ِبال ْهُ َ‬
‫الكريمة تبشرنا بأن المستقبل للسلم بسيطرته وظهوره وحكمه على‬
‫الديان كلها‪ ،‬وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده صلى الله‬
‫عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين ‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬فالذي‬
‫تحقق انما هو جزء من هذا الوعد الصادق‪ ،‬كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بقوله‪) :‬ل يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللت والعزى‪ ،‬فقالت‬
‫هَ‬ ‫َ‬
‫سول ُ‬ ‫ل َر ُ‬‫س َ‬‫ذي أْر َ‬ ‫عائشة‪ :‬يا رسول الله ان كنت لظن حين أنزل الله‪)) :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن(( ان ذلك‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ك ُل ّهِ وَل َوْ ك َرِهَ ال ْ ُ‬‫دي ِ‬‫حقّ ل ِي ُظ ْهَِرهُ عََلى ال ّ‬‫ن ال ْ َ‬‫دى وَِدي ِ‬‫ِبال ْهُ َ‬
‫تمامًا‪ ،‬قال‪ :‬انه سيكون من ذلك ما شاء الله‪ (....‬رواه مسلم‪.‬‬
‫واوضح منه واعم قوله عليه الصلة والسلم‪) :‬ليبلغن المر ما بلغ الليل‬
‫والنهار‪ ،‬ول يترك الله بيت مدر ول وبر ال وادخله الله هذا الدين‪ ،‬بعز عزيز‪،‬‬
‫او بذل ذليل‪ ،‬عزا ً يعز الله به السلم‪ ،‬وذل ً يذل به الكفر(‪.‬‬
‫وهناك نصوص كثيرة منها ما اخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم عن‬
‫المهدي‪ ،‬وما عنده من قوة وجيوش عظيمة ومنها ان المسلمين عند خروج‬
‫الدجال يكونون قوة هائلة‪ ،‬وان تلك الجيوش تكون محاصرة للقسطنطينية‪،‬‬
‫وهذا هو الفتح الثاني لتلك المدينة‪ ،‬ومنها ان عيسى ابن مريم عليه السلم‬
‫سينزل في آخر الزمان‪ ،‬وسيحكم بالسلم‪ ،‬وسيدخل النصارى في الدين‬
‫السلمي‪ ،‬فل يقبل منهم ال أن يدخلوا السلم أو القتل‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬خصائص السلم‪:‬‬
‫السلم وحده هو الدين الذي يملك الخصائص التي تؤهله للبقاء فهو الدين‬
‫اللهي الرباني الذي يصلح النفوس والقلوب والعقول والعمال‪ ،‬وهو الصالح‬
‫لن يأخذ دوره في إصلح العالم‪ ،‬وقد ادرك هذه الحقيقة بعض علماء الغرب‪،‬‬
‫مهم )باول شتمز(‪ ،‬ومما قاله في كتابه )السلم قوة الغد العالمية(‪) :‬سيعيد‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التأريخ نفسه مبتدئا ً من الشرق‪ ،‬عودا ً على بدء‪ ،‬من المنطقة التي قامت فيها‬
‫القوة العالمية السلمية في الصدر الول للسلم‪ ،‬وستظهر هذه القوة التي‬
‫تكمن في تماسك السلم ووحدته العسكرية وستثبت هذه القوة وجودها‪،‬‬
‫واذا ما ادرك المسلمون كيفية استخراجها والستفادة منها‪ ،‬وستقلب موازين‬
‫القوى‪،‬لنها قائمة على أسس ل تتوافر في غيرها من تيارات القوى العالمية‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬عودة المسلمين إلى دينهم‪:‬‬
‫لقد اغتاظ الغرب كما اغتاظ المستغربون من عودة المسلمين إلى السلم‪،‬‬
‫فالسلم بدأ حيا من جديد في النفوس‪ ،‬وطلئع المد السلمي بدأت تطل هنا‬
‫وهناك من الجامعات والمعاهد والمدارس‪ ،‬وبدأت الصوات تتعالى منادية‬
‫بالسلم عقيدة وشريعة ومنهج حياة‪.‬‬
‫وبدأ المثقفون في ديار السلم ينحازون إلى السلم‪ ،‬ويرفضون الكفر‪،‬‬
‫وبدأوا يدرسون حضارة الغرب وثقافته في ضوء تعاليم السلم‪ ،‬وبدأت‬
‫تتكشف لهم عورات هذه الحضارة وتلك الثقافة‪ ،‬وفاض سيل من الكتب‬
‫والصحف والمجلت يوضح السلم ويشرح اهدافه ومقاصده‪.‬‬
‫وكما نما السلم اول مرة سينمو مرة أخرى‪ ،‬وسيكتمل بناؤه‪ ،‬على الرغم‬
‫من كيد اعداء السلم وكيد اذنابهم في ديار المسلمين‪.‬‬
‫ويمكننا أن نجمل مظاهر الصحوة المباركة التي يعيشها المسلمون اليوم في‬
‫النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬توجه الشباب إلى المنهج السلمي والحماس للسلم والدعوة إليه‪،‬‬
‫وعمارتهم للمساجد‪ ،‬ومحاولتهم اللتزام بشعائر السلم وشعاراته‪.‬‬
‫‪ -2‬عودة نسبة كبيرة من النساء إلى اللتزام بالسلم فكرا ً وسلوكا‪ً.‬‬
‫‪ -3‬تردد اصداء الدعوة إلى السلم في مختلف ديار السلم‪.‬‬
‫‪ -4‬الدعوة إلى إصدار تشريعات وقوانين مستوحاه من الشريعة السلمية او‬
‫مستمدة منها‪.‬‬
‫‪ -5‬النشاطات والمجامع العلمية ومعاهد العلم التي تقام في كل مكان‪،‬‬
‫كالمؤتمرات والتجمعات والمدارس والكليات السلمية التي نراها تنتشر في‬
‫كل مكان‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬انتشار السلم في عالم الغرب‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أصبح للسلم وجود هائل في عالم الغرب في أمريكا وبريطانيا وفرنسا‬


‫وهولندا وغيرها من الدول‪ ،‬وهو في نمو مطرد‪ ،‬ويكسب السلم في كل يوم‬
‫مسلمين جددا ً من أهل تلك الديار‪ ،‬بل دخل في السلم علماء مبرزون في‬
‫تخصصاتهم‪ ،‬ومفكرون مشهورون لهم نظرات ونظريات في الجتماع‬
‫والقتصاد والسياسة‪ ،‬وعلى الرغم من كثرة المغريات التي يمكن ان تبعد‬
‫المسلمين عن دينهم‪ ،‬ال ان المسلمين في تلك الديار اقاموا كيانات تحفظ‬
‫على المسلمين دينهم‪ ،‬ومن ذلك بناء المساجد‪ ،‬وانشاء المدارس والجامعات‪،‬‬
‫وإقامة المراكز السلمية التي تعنى بشؤون المسلمين في تلك الديار‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الفول الحضاري للغرب‪:‬‬
‫اراد الغرب من خلل علمائه ومفكريه ونظرياته وإعلمه ان يغرس في اذهاننا‬
‫انه ل تقدم للمسلمين ول للمة السلمية ال باتباعنا له في مذاهبه وافكاره‬
‫وثقافته وحضارته‪ ،‬حتى زينوا لنا ان الحضارة وتعاليم الغرب وثقافته صنوان ل‬
‫يفترقان‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد بدأت نذر سقوط الحضارة الغربية تلوح في الفق‪ ،‬فالعيوب والفات‬
‫بدأت تسري في كيانها‪ ،‬وتحدث به صدوعا ً وتشققات‪ ،‬واصبحت عاجزة عن‬
‫إخفاء آثار التآكل التي شدت اليها انظار العقلء من ابناء تلك الحضارة‪ ،‬فعلت‬
‫اصواتهم معلنة ان نجمها بدأ يهوي‪ ،‬وان الحضارة الغربية التي خيل للبعض‬
‫خلودها آيلة للسقوط بعد ان اصبحت تنوء بمشكلت لقبل لصناع تلك‬
‫الحضارة بمعالجتها‪.‬‬
‫فهذا )الكسيس كاريل( في كتابه )النسان ذلك المجهول( يدين الحضارة‬
‫المادية‪ ،‬ويرى انها وليدة خيالت الكتشافات العلمية وشهوات الناس‬
‫وأوهامهم‪ ،‬وان التقدم الهائل الذي احرزته علوم الجماد لم تجن منه البشرية‬
‫سوى القلق والهموم وفي ذلك يقول‪) :‬حقيقة المر ان مدنيتنا مثل المدنيات‬
‫التي سبقتها اوجدت احوال ً معينة لحياة من شأنها ان تجعل الحياة نفسها‬
‫مستحيلة‪ ،‬وذلك لسباب ل تزال غامضة‪ ،‬ان القلق والهموم التي يعاني منها‬
‫سكان المدن العصرية تتولد عن نظمهم السياسية والقتصادية والجتماعية(‪.‬‬
‫نعم ان المستقبل للسلم ولكن السؤال هو ما هو دورك في تحقيق ذلك؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫مبيت المرأة في بيت بعض محارمها غير أبيها‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫ة أو أكثر في بيت بعض محارمها كبيت خالها أو‬ ‫هل يجوز للمرأة أن تبيت ليل َ‬
‫مها مع أن في ذلك البيت بعض الشّبان غير المحّرمين عليها ‪ ،‬و لكّنها‬ ‫ع ّ‬
‫تحتاط لنفسها من الحرام أثناء مبيتها عندهم ‪.‬‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫ً‬
‫أقول مستعينا بالله تعالى ‪:‬‬
‫مع ما يبدو لي من صعوبة التزام المرأة المسلمة بالحكام و الداب الشرعّية‬
‫ت طويلة خارج بيتها ) سواًء كان بيت أبيها‬ ‫في حال المبيت أو المكث لوقا ٍ‬
‫الذي تعيش فيه ‪ ،‬أو بيت الزوجّية ( من التزام الحجاب ‪ ،‬و مجانبة الختلط ‪،‬‬
‫كنها من ذلك فل بأس فيه ‪.‬‬ ‫و ما إلى ذلك ؛ فعلى افتراض تم ّ‬
‫و ل أعلم دليل ً يمنع المرأة من المبيت في بيت محارمها ما لم يكن في ذلك‬
‫ة إليه فيحُرم لجله ‪.‬‬ ‫ب لمحّرم أو ذريعة مفضي ٌ‬ ‫ارتكا ٌ‬
‫ة للتعّري أو التجّرد من‬ ‫و لكن النهي ثابت في حالة ما إذا كانت المرأة عرض ٌ‬
‫سنه ) و هو كما قال (‬ ‫ثيابها خارج بيت زوجها ‪ ،‬فقد روى الترمذيّ بإسناد ٍ ح ّ‬
‫م المؤمنين عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬أّنها قالت ‪ :‬سمعت رسول الله‬ ‫عن أ ّ‬
‫صلى الله عليه و سلم يقول ‪ ) :‬ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها‬
‫إل هتكت الستر بينها و بين ربها ( ‪.‬‬
‫و قد عّلل المباركفوري شارح سنن الترمذي هذا النهي بقوله ‪ ) :‬لنها – أي‬
‫المرأة ‪ -‬مأمورة بالتستر و التحفظ من أن يراها أجنبي حتى ل ينبغي لهن أن‬
‫يكشفن عورتهن في الخلوة أيضا إل عند أزواجهن فإذا كشفت أعضاءها في‬
‫الحمام من غير ضرورة فقد هتكت الستر الذي أمرها الله تعالى به ( ‪.‬‬
‫م أو‬
‫و الخلصة أن الصل فيما ورد السؤال عنه الباحة ‪ ،‬ما لم يكن فيه محّر ٌ‬
‫يؤدي إلى محّرم ٍ ‪ ،‬و الله أعلم ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل من زوٍج مفارق‬ ‫متاعٌ قلي ٌ‬


‫فوزية الخليوي ‪6/1/1426‬‬
‫ّ‬
‫فها الهدوء ويتوشحها السواد كانت تعابير‬ ‫كانت الغرفة ممتلئة بالنساء ويل ّ‬
‫ددة في الفراش‪ ،‬وقد بدا من‬ ‫ّ‬ ‫مم‬ ‫امرأة‬ ‫على‬ ‫ة‬
‫مسلط ٌ‬ ‫الوجوه خالية القسمات ُ‬
‫ن!!‬‫ف لديه ّ‬ ‫ن أن المنظر مألو ٌ‬ ‫نظراته ّ‬
‫طان من الدموع ل‬ ‫وكانت المرأة شبه غائبة عن الوعي ينساب من عينْيها خ ّ‬
‫جع!!‬ ‫مف ّ‬
‫هب جسدها لهذا الحادث المؤلم والفقد ال ُ‬ ‫يتوقفان وكأنما تأ ّ‬
‫دين مدراُر‬ ‫ل على الخ ّ‬ ‫ض يسي ُ‬‫ت ‪ ...‬في ٌ‬ ‫ن عيني لذكراه إذا خطر ْ‬ ‫كأ ّ‬
‫ن هذه النتقالية في المشاعر من جزع وحزن وحسرة لتترجم ‪-‬وبكل صدق‪-‬‬ ‫إ ّ‬
‫ب وشوق و شفقة!!‬ ‫ما عليه المرأة الوفّية لزوجها من ح ّ‬
‫وقد تختلف ترجمة هذا الزخم الهائل من امرأةٍ لخرى في بعض التجافي‬
‫والصدود ولكنه كما قيل‪:‬‬
‫ً‬
‫إني لمنحك الصدود َ وإنني ‪ ...‬قسما إليك مع الصدود لمي ُ‬
‫ل‬
‫فالمرأة منذ أن تخطو خطواتها الولى في الحياة وقد وضعت ُنصب عينيها‬
‫في كنف زوج كريم‪.‬‬
‫وض بنيانها في لحظة واحدة بموت زوجها وأنيس‬ ‫فما ظنك بعدها بمن يتق ّ‬
‫وحشتها!!‬
‫دهوُر‬‫اصبْر لدهرٍ نال منك فهكذا مضت ال ّ‬
‫ن دام ول اّلسروُر‬ ‫حز ُ‬ ‫ن مّرة ً ل ال ُ‬ ‫حز ٌ‬ ‫حو ُ‬
‫فر ٌ‬
‫إنها الفضيلة التي قصرت طرف المرأة في زوجها وجعلتها تحيا بحياته وتموت‬
‫بمماته!!‬
‫ل تنظر للعالم إل بمنظاره!‬
‫ول تعيش إل بين أسواره!‬
‫ً‬
‫وة ول وجبروتا‪ ،‬وسلطة!!‬ ‫ول ترى بذلك ق ّ‬
‫كما يحلو للبعض التسمية!!‬
‫ً‬
‫عزةً وشرفا!!‬ ‫بل ترى فيه ُأنسا ً و ِ‬
‫وهذه خولة الفزارية عندما نام زوجها الحسن بن علي فوق سطح عمدت إلى‬
‫رجله فربطت رجله بخمارها إلى خلخالها!! فلما استيقظ قال لها‪ :‬ماهذا؟‬
‫دة النوم فتسقط فأكون أشأم سخلة على‬ ‫فقالت‪ :‬خشيت أن تقوم من ش ّ‬
‫العرب فأعجبه ذلك منها!!‬
‫فهي ترقبه في حال حياته وتندبه في حال مماته!!‬
‫ول تجد من ملذات الدنيا ما يؤنسها إل كما حكت زوجة عبيد الله بن زياد‬
‫سئلت عنه بعد مماته فقالت‪ :‬ودِْدت أن القيامة قامت لراه وأشتفي‬ ‫عندما ُ‬
‫من حديثه!!‬
‫ولعلي ل أحيد عن الحق عندما أقول‪ :‬إن هذا التقدير والتبجيل من المرأة‬
‫لزوجها إنما ينبع من تربية ونشأة ُتساق إليها!!‬
‫فهذا البيت النبوي‪ :‬قد بلغ الوج وط ُّهر من كل عوج‪ ،‬فإليك حال الم وهى‬
‫جدا ً شديدا ً‬ ‫ُ‬
‫جدت عليه وَ ْ‬ ‫الرباب بنت أنيف زوجة الحسين لما ُقتل بكربلء وَ َ‬
‫كر أنها بكت عليه سنة ثم أنشدت‬ ‫وذ ُ ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إلى الحول ثم اسم السلم عليكما ومن يبك حول كامل فقد اعتذر‬
‫دة فقالت‪ :‬ما كنت لتخذ صهرا ً بعد رسول الله ووالله ل يؤويني‬ ‫ع ّ‬ ‫وقد خطبها ِ‬
‫مدةً حتى ماتت!‬ ‫َ‬
‫ف أبدا ولم تزل عليه ك ِ‬ ‫ً‬ ‫ورجل ً بعد الحسين سق ٌ‬
‫أما ابنتها سكينة زوجة مصعب بن عمير فكانت معه لما ُقتل فطلبته في‬
‫ده فقالت‪ :‬نعم بْعل المرأة المسلمة كنت!!‬ ‫القتلى حتى عرفته بشامة في خ ّ‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أدركك والله ما قال عنتر‪:‬‬


‫ً‬
‫ل غانيةٍ تركت مجندل ‪ ...‬بالقاع لم يعهد ولم يتلثم ِ‬ ‫وخلي ُ‬
‫م على القنا بمحّرم ِ‬ ‫فهتكت بالرمِح الطويل إهابه ليس الكري ُ‬
‫صة والتي ذكرها ابن كثير في‬ ‫ّ‬ ‫الق‬ ‫ض دون القريض بهذه‬ ‫وهنا يحول الجري ُ‬
‫البداية والنهاية عن عمرو بن الحمق الذي ُقتل وُبعث برأسه إلى زوجته آمنة‬
‫حجرها!! فوضعت كفها على جبينه‬ ‫ُ‬
‫بنت الشريد وكانت في السجن فألقي في ِ‬
‫ولثمت فمه وقالت‪:‬‬
‫ي قتيل ً‬‫غّيبتموه عني طويل ً ‪ ...‬ثم أهديتموه إل ّ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫متانة الفكر السلمي وحيويته‬


‫د‪ .‬عبدالحكيم الفيتوري ‪13/8/1424‬‬
‫‪09/10/2003‬‬
‫السلم يختلف عن باقي الديان في أّنه دين ينفذ إلى كافة شؤون الحياة‬
‫ويتدخل في جميع قضايا النسان صغيرها وكبيرها‪ ..‬فهو ليس كاليهودية‬
‫ب تتبلور على شكل طقوس‬ ‫والمسيحية مجرد علقة ثنائية بين العبد والر ّ‬
‫وعبادات وشعائر دينية ل غير‪ ،‬بل هو نظام إلهي للحياة بجميع صورها‬
‫وأشكالها يراد من خلله تحقيق العدالة وفق النظرة اللهية‪ .‬وقد اعترف‬
‫الكثيرون من مفكري الغرب الموضوعيين بهذه الحقيقة‪ ،‬وأعربوا عن قدرة‬
‫ل المشاكل الجتماعية وتوفير حياة صحيحة ل مجال فيها‬ ‫السلم على ح ّ‬
‫لغمط الحقوق وانتهاكها‪ .‬كما أقروا أيضا ً بحيوية القوانين السلمية واتسامها‬
‫بالتلؤم مع عملية التطور الزمني‪.‬‬
‫ً‬
‫ن الحترام دائما للدين‬ ‫يقول الكاتب النجليزي المعروف برناردشو‪" :‬إّنني أك ّ‬
‫دين من ديمومة وخلود عجيب ‪ ،‬وبرأيي‬ ‫مد‪ ،‬لما يمتلكه هذا ال ّ‬ ‫اّلذي جاء به مح ّ‬
‫دين الوحيد اّلذي يتميز بالستعداد للنسجام مع مختلف‬ ‫أن السلم هو ال ّ‬
‫حالت الحياة وصورها المتغيرة والتحكم فيها‪ ،...‬وأتوقع أن أوروبا ستعتنق‬
‫مد‪ ،‬وقد ظهرت آثار ذلك منذ الن‪ ،...‬فبدافع من الجهل أو‬ ‫غدا ً إسلم مح ّ‬
‫دين في القرون الوسطى صورا ً مظلمة عن دين‬ ‫التعصب رسم رجال ال ّ‬
‫مد )صلى الله عليه وسلم( فصوروه ـ بدافع من الحقد والعصبية ـ أّنه ضد‬ ‫مح ّ‬
‫المسيحية ‪ ،‬غير أّنني بحثت حول هذا الرجل ـ الرجل الفريد ـ وتوصلت إلى‬
‫أّنه لم يكن ضد ّ المسيح في يوم ما‪ ،‬بل ويجب أن ندعوه منقذ البشرية أيضًا‪.‬‬
‫وبرأيي لو ملك رجل مثله العالم الجديد؛ فإّنه سيوفق إلى حل القضايا‬
‫والمشاكل العالمية بالشكل اّلذي يعمل على استتباب السلم والسعادة‬
‫الّلذين تطمح إليهما البشرية"‪.‬‬
‫فالسلم دين ينسجم مع مقتضيات الزمان والمكان والنسان‪ ،‬ويّتسع التطور‬
‫في الوضاع والحاجات ليواجهها بمفاهيمه الواقعية وتشريعاته المرنة‪ ،‬ولكنه‬
‫غير مجبر في النهاية على ملحقة أية عملية تغير تحدث هنا وهناك واستيعاب‬
‫تلك العملية والنسجام معها!‪.‬‬
‫ً‬
‫لن هناك من يعتقد أّنه مادامت وسائل الحياة وأدواتها تتغير يوما بعد آخر‪،‬‬
‫فيجب أن تكون كافة التغييرات اّلتي تطرأ على حياة النسان نوعا ً من‬
‫ور والرقي‪ ،‬ول بد ّ أن تشق طريقها إلى الحياة الجتماعية شئنا ً أم أبينا!‪.‬‬ ‫التط ّ‬
‫فأولئك الذين يتحدثون عن التغيرات والتحولت الزمنية ووجوب النقياد لكل‬ ‫ّ‬
‫تغير وتحول دون تروّ وتفحص‪ ،‬فهم يلغون في الحقيقة دور النسان الفاعل‪،‬‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويجعلون منه مجرد فارس أبله قد وضع نفسه بين يدي جواد جموح قد يلقي‬
‫به من على ظهره في هوة عميقة!‪.‬‬
‫وإزاء هذا التقويم بنوعيه اليجابي والسلبي يبرز موقفان متعارضان ولكنهما‬
‫غير سليمين؛ فالموقف الول ‪ :‬مرضى التحجر‪ ،‬والموقف الثاني ‪ :‬مرضى‬
‫الجهل ‪ ،‬فينجم عن الموقف الول ‪ :‬التوقف والتخلف ‪ ،‬وعن الثاني ‪:‬‬
‫النحراف والسقوط !‪.‬‬
‫فالمتحجر عادة ل يستقبل أي شيء جديد ويشعر بالنفور تجاه أية حالة جديدة‬
‫م اّتخاذ‬ ‫مهما كانت دون أن يحاول دراسة تلك الحالة وتمحيصها‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫الموقف المناسب تجاهها!!‬
‫سرها‬‫ل ظاهرة جديدة إلى الرقي والتطور‪ ،‬ويف ّ‬ ‫أما الجاهل فيحاول أن يعزو ك ّ‬
‫على أّنها ضرورة من ضرورات الّزمن وطفرة زمنية لبد ّ منها باتجاه‬
‫المستقبل!‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ل جديد فسادا وانحرافا‪ ،‬والجاهل‬ ‫ن المتحجر يطلق على ك ّ‬ ‫وبعبارة أخرى "إ ّ‬
‫يعتبره جزًءا من عملية التطور والتقدم!‪.‬‬
‫وأمام هذين الموقفين المتطرفين من العملية التغييرية يقف الفكر السلمي‬
‫موقفا ً آخر يّتسم بالعقلنية والرؤية النابعة من الشعور بالمسؤولية ‪ ،‬فهو‬
‫يعارض التحجر ويرفض الجهل‪ ،‬بل يعتبر الثنين معا ً جزًءا من الخطار اّلتي‬
‫تتهدده وتعترض سبيله!‪.‬‬
‫ل حالة جديدة بعين التفحص والتحقيق ‪ ،‬ويعرض تلك‬ ‫فالسلم ينظر إلى ك ّ‬
‫الحالة على ثوابته؛ فيأخذ ما توافق معها ويرفض ما اختلف معها‪ .‬فهو ل‬
‫ل جديد‪ ،‬ول يأخذ أيضا ً بكل جديد‪ ،‬بل يرفض ما تعارض مع قواعده‬ ‫يرفض ك ّ‬
‫وكلياته ويستقبل ما اّتفق منها مع تلك القواعد والكليات‪.‬‬
‫حيوية الفكر السلمي‬
‫الفكر السلمي فكر رصين متين يستمد قوته من القوة المطلقة‪ ،‬ويحمل‬
‫معه قابلية التأثير السريع على العقول والقلوب بمجرد أن يلمسها‪ ،‬وهذه‬
‫خصوصية أخرى ينفرد بها هذا الفكر ويتميز بها على كافة الفكار الخرى‪،‬‬
‫جلها التاريخ له بأحرف من نور ‪ ،‬بل يكاد المؤرخون يجمعون على أن ما‬ ‫وس ّ‬
‫ّ‬
‫تركه الحتلل الروماني الذي احتل البلد نحو ستة قرون لم يصمد للفتح‬
‫لتينية اّلتي بدا أّنها سادت الشمال الفريقي زمانًا‪ ،‬صفيت‬ ‫ن ال ّ‬
‫السلمي‪ ،‬وأ ّ‬
‫في القرن الهجري الول ‪ ،‬وكذلك قبائل المازيغ التي عصت في أول أمرها؛‬
‫أصبحت بعد برهة من الزمان حامية حمى الدين والدعوة في شمال أفريقيا‬
‫والندلس وجنوب فرنسا!‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وليس من ميزات الفكر السلمي سرعة التأثير والنفوذ إلى قلوب وضمائر‬
‫المم الخرى وتحويلها إلى عناصر إسلمية مؤمنة تدافع عنه وتذود عن بيضته‬
‫وحماه‪ ،‬وترفع لواء تحرير الشعوب المستضعفة فحسب‪ ،‬بل يحمل أيضا ً‬
‫قابلية كبيرة على مقاومة كاّفة أنواع الغزو وعلى جميع الصعدة والحتفاظ‬
‫بقوته وصلبته وتحديه لكافة الخطار اّلتي تحدق به والتاريخ والواقع خير‬
‫شاهد على ذلك!‪.‬‬
‫ّ‬
‫كذلك تمّيز الفكر السلمي بخصوصية سرعة التأثير التي تمتد حّتى إلى‬
‫الغزاة أنفسهم ‪ -‬ولعل عدد من أسلم من جنود المريكان في حرب الخليج‬
‫الولى خير شاهد على ذلك ‪ ،-‬وقابليته العجيبة على إحداث التغيير في‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتبنيات الفكرية والعقائدية للخرين ‪ ،‬يعود في الواقع إلى انسجامه الكامل‬


‫مع الفطرة النسانية‪ ،‬تلك الفطرة اّلتي فطر الله الّناس عليها‪ ،‬ومواءمته‬
‫للطبيعة البشرية‪ ،‬وهذا يعني أن الفكار والثقافة السلمية والحلول السلمية‬
‫للمشاكل الجتماعية ليست غريبة على العقل النساني كي يرفضها أو يقف‬
‫منها موقفا ً معاندا ً متصلبا ً ‪ ،‬ل سّيما إذا أخذنا بنظر العتبار أيضا ً السلوك‬
‫السلمي والصورة النسانية الرائعة اّلتي تتم بها نقل هذه الفكار‪ ،‬ومن هنا‬
‫جاء تأكيد المصطفى ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬على أن ‪" :‬الدين المعاملة"‬
‫السلوك والخلق ‪.‬‬
‫فرصيد الفكر السلمي من القوة يعود بالدرجة الولى إلى اّتساقه مع النظام‬
‫الفطري النساني ‪ ،‬وانسجامه مع متطلبات النسان وحاجاته الفطرية‬
‫الصيلة ‪ ،‬وصياغته بشكل يلبي تلك الحاجات وينظمها وفق إطار سليم صحيح‬
‫ل يسمح للغرائز بالستفحال والتحول إلى خطر عظيم رّبما يهدد الوجود‬
‫البشري بأسره‪.‬‬
‫ومن هنا كان لزاما على أهل العقول والفكر في السلم خاصة في هذا‬
‫العصر أن يعيدوا للفكر السلمي دوره ومكانته المرموقة في قيادة المة‬
‫والبشرية جمعاء ‪ ،‬وذلك بإعادة قراءة قضايا كثيرة في التراث السلمي وفق‬
‫متغيرات الزمان والمكان والنسان‪ ،‬ونظم منظومة فكرية جديدة تخدم‬
‫الناس كافة وفي القضايا المطروحة كافة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫متشرد‬
‫شعر‪ :‬سليم عبد القادر‬
‫ل الربيعُ على الوجودِ فأشرقا‬ ‫ح ّ‬
‫وتبرجت فيه الطبيعة ‪ii‬واكتست‬
‫فها‬‫ة( إل ُ‬ ‫وتبسمت بغداد‪) ،‬دجل ُ‬
‫ويطوف حول )الجادرّية( ‪ii‬ساكبا ً‬
‫و)الجادرّية( تزدهي ‪ii‬ببناتها‬
‫الجامعات ‪ ،‬وصار فيها ‪ii‬للهوى‬
‫بنت يجاورها فتى في ‪ii‬مقعد‬
‫صبا ‪ii‬وبريقه‬ ‫ل مع ال ّ‬‫إن الجما َ‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫وأنا هنا في غير وقتي ‪ii‬قادم‬
‫متشرد‪ ،‬أهفو إلى وطني ‪ii‬الذي‬
‫متوحد بين الجموع ‪ii‬كأنني‬
‫ن كأنما‬ ‫حسا ِ‬ ‫أرنو إلى الغيد ال ِ‬
‫همي تنوء به الجبال ول ‪ii‬أرى‬
‫صور السجون مع الخيال ‪ii‬تشابكت‬
‫إخواننا فيها انتظار ‪ii‬جارح ‪ ... ...‬وتدفقت فيه الحياة ُ ‪ii‬تدُفقا‬
‫وردا ً وزهرًا‪ ،‬ياسمين ‪ii‬وزنبقا‬
‫يجري ويبقى بالصبابة ‪ii‬موَثقا‬
‫سحرا ً بهيا ً أو جلل ً ‪ii‬شّيقا‬
‫وشبابها المتبخترين ‪ii‬تأّنقا‬
‫والعلم آفاق رحاب ‪ii ،‬ملتقى‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هل يستطيع الجيل أل ‪ii‬يعشقا!؟‬


‫مطِبقا‬‫ُيغري به حتى الجماد ال ُ‬
‫* * ‪*ii‬‬
‫أسترجع الماضي ‪ ،‬وأرقى ‪ii‬مرتقى‬
‫فيه درجت‪ ،‬وفيه عمري ‪ii‬أورقا‬
‫ح على أمر البرية ‪ii‬أشفقا‬ ‫شب ٌ‬
‫أرنو إلى حجر ‪ ،‬وأمضي ‪ii‬مطرقا‬
‫في طرحه حل ً ‪ ،‬ول أن ‪ُii‬يخنقا‬
‫حتى أبى من نيرها أن ‪ُii‬يعتقا‬
‫مشرقا ‪!ii‬؟‬ ‫ح ال ُ‬
‫ن الصبا َ‬
‫فمتى ُيلقو َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫متطلبات الدعوة السلمية ومستلزماتها‬


‫يتناول الدرس مفاهيم في المؤسسة الدعوية‪ ،‬وما تستلزمه من متطلبات‪،‬‬
‫ضح ضرورة الدعوة إلى الله‪ ،‬ومكانة النصيحة في الدين‪ .‬وتحدث عن‬ ‫وو ّ‬
‫التربية الفردية والوعظ العام‪ ،‬ونبه على فهم كتاب الله‪ ،‬وسنة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والعمل بالحديث الصحيح وإن خالف بعض أقوال‬
‫الفقهاء ‪.‬‬
‫‪] -1‬يسع العمل الفردي ما ل يسع العمل المؤسسي[‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن دعا‬
‫بدعوته وسار على نهجه إلى يوم الدين‪،‬أما بعد‪،،،‬‬
‫فأضع بين يدي كل داعية مسلم؛ بعض المفاهيم في المؤسسة الدعوية‬
‫ضحت ضرورة الدعوة إلى الله‪،‬‬ ‫السلمية وما تستلزمه من متطلبات‪ ،‬وو ّ‬
‫ومكانة النصيحة في الدين ‪ .‬وإنني أشد على يد كل داعية أن يجعل رصيده ل‬
‫ينفد‪ ،‬ومعينه ل ينضب‪ ،‬وذلك بتعمقه في فهم كتاب الله‪ ،‬وسنة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وليعمل بالحديث الصحيح وإن خالف بعض أقوال‬
‫الفقهاء ‪.‬‬
‫ويتحدث موضوعنا هذا عن مفاهيم في المؤسسة الدعوية السلمية‪ ،‬حيث إن‬
‫العمل المؤسس له قيوده وحدوده التي ل يستطيع بعض أصحاب العمال‬
‫الفردية أن يلزموها‪ .‬وتحدثت فيه عن التربية الفردية والوعظ العام‪.‬ولما كان‬
‫الوعظ فيه نصح وعظة وإن الدين النصيحة؛ فلقد قال رسول الله صلى الله‬
‫َ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫ل‪ ] :‬ل ِل ّهِ وَل ِك َِتاب ِهِ وَل َِر ُ‬
‫سول ِهِ وَِلئ ِ ّ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ة” قُل َْنا ل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ح ُ‬
‫صي َ‬
‫ن الن ّ ِ‬‫دي ُ‬ ‫عليه وسلم‪] :‬ال ّ‬
‫م[ رواه مسلم والترمذي وأبوداود والنسائي والدارمي‬ ‫مت ِهِ ْ‬‫عا ّ‬
‫ن وَ َ‬
‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫وأحمد‪ .‬وهذه فصول تشتمل على‪:‬‬
‫فقه الداعية وأثره في غيره‪.‬‬
‫مفاهيم في المؤسسة الدعوية‪.‬‬
‫بين الدعوة الفردية والعمل العام‪.‬‬
‫النصيحة‪.‬‬
‫الخذ بالحديث الصحيح وإن خالف بعض أقوال الفقهاء‪.‬‬
‫يسع العمل الفردي ما ل يسع العمل المؤسسي‪:‬‬
‫دعاة السلم اليوم بحاجة إلى فقه دقيق لهذه الدعوة‪ ،‬ووعي كامل‬
‫لمتطلباتها ومستلزماتها‪ ،‬ول يكون ذلك إل بالقراءة‪ ،‬وبالثقافة وباستغلل‬
‫الوقت‪ ،‬حيث إن الوقت هو الحياة‪ .‬وهم كذلك بأمس الحاجة إلى تكوين صف‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫آخر لهذه الدعوة‪ ،‬تبنى عليه المال المستقبلية لهم‪ ،‬وأينما وجدوا يجب أن‬
‫يتركوا أثًرا لوجودهم‪ ،‬أثًرا تعيش عليه الجيال القادمة‪ ،‬فهو بمثابة الشعلة لهم‬
‫في ظلمة الحياة الدنيا‪ ،‬وهذا يستلزم وضوح المفاهيم السلمية عند رجل‬
‫الدعوة من أجل حماية المؤسسة الدعوية من الفتن والنشقاق والتمزق‪،‬‬
‫مٌر‬ ‫وهذا النضباط يوجهنا إليه القرآن الكريم في قوله تعالى‪ {:‬وإَذا جاَءهُ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َِ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ف أ ََذا ُ‬ ‫ن أ َوِ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ل وَإ َِلى أوِلي ا ْ ِ ِ ْ ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬‫م‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫سو ِ‬ ‫عوا ب ِهِ وَل َوْ َرّدوه ُ إ َِلى الّر ُ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫ه لت ّب َعْت ُُ‬
‫مت ُُ‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫م‬
‫ْ ْ ََ ْ َ‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬
‫ُ ْ َ ْ‬‫م‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫طو‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬
‫َ َ ْ ِ‬‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لَ َ َ ُ‬
‫ه‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫ن إ ِّل قَِليًل]‪“ }[83‬سورة النساء”‪.‬‬ ‫طا َ‬ ‫شي ْ َ‬‫ال ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ن‬ ‫مد ِ ب ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫وقصة النضباط ُيسطرها لنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه‪ ،‬عَ ْ‬
‫ل فًَتى‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫ي َقا َ‬ ‫قَرظ ِ ّ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ن ك َعْ ٍ‬ ‫م َد ِ ب ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن زَِياد ٍ عَ ْ‬ ‫زيد ُ ب ْ ُ‬ ‫حد ّث َِني ي َ ِ‬ ‫حاقَ قال‪َ :‬‬ ‫س َ‬ ‫إِ ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صلى‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ن‪َ :‬يا أَبا عَب ْدِ اللهِ َرأي ْت ُ ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن الي َ َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫حذ َي ْ َ‬ ‫ل الكوفَةِ ل ِ ُ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مّنا ِ‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ل فَكي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫خي[ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫موه ُ ! َقا َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صن َُعو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ف كن ْت ُ ْ‬ ‫نأ ِ‬ ‫م َيا اب ْ َ‬ ‫ل‪] :‬ن َعَ ْ‬ ‫حب ْت ُ ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ُ‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫د[ قا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َقا َ‬
‫شي عَلى الْر ِ‬ ‫م ِ‬
‫َ‬
‫ما ت ََركَناه ُ ي َ ْ‬ ‫ل َواللهِ لوْ أد َْركَناه ُ َ‬
‫َ‬
‫جهَ ُ‬ ‫قد ْ كّنا ن َ ْ‬
‫َ‬
‫ل‪َ] :‬واللهِ ل َ‬
‫ل‬‫سو ِ‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫قد ْ َرأي ْت َُنا َ‬ ‫خي َوالل ّهِ ل َ َ‬ ‫نأ ِ‬ ‫ة‪َ] :‬يا اب ْ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫حذ َي ْ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قا َ‬ ‫جعَل َْناه ُ عََلى أعَْناقَِنا فَ َ‬ ‫وَل َ َ‬
‫م‬‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫صّلى َر ُ‬ ‫ق وَ َ‬ ‫خن ْد َ ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫ل‬ ‫ما فَعَ َ‬ ‫م فَي َن ْظ َُر ل ََنا َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ل يَ ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ ] :‬‬ ‫قا َ‬ ‫ت إ ِل َي َْنا فَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫م ال ْت َ َ‬ ‫ل هَوِّيا ث ُ ّ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ه‬‫ه الل ُّ‬ ‫خل َُ‬ ‫جعُ ]أد ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ّ‬ ‫ص‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫سو‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ط‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ْ ِ َ َ َ ّ ُ َْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ا ْ ُ َ َ ِ‬
‫ر‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫[‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ل‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م هَوِّيا ِ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫صّلى َر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل ثُ ّ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ة[ فَ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ع”‬ ‫ج ُ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫قو ْ ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ما فَعَ َ‬ ‫م فَي َن ْظ َُر ل ََنا َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ل يَ ُ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل‪َ ]:‬‬ ‫قا َ‬ ‫ت إ ِل َي َْنا فَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫م ال ْت َ َ‬ ‫ل ثُ ّ‬ ‫الل ّي ْ ِ‬
‫ن‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سأ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫كو َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ل الل َ‬ ‫ة “أ ْ‬ ‫جعَ َ‬ ‫م الّر ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫شرِط ل ُ‬
‫جوِع‬ ‫شد ّةِ ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ف وَ ِ‬ ‫خو ْ ِ‬ ‫شد ّةِ ال َ‬ ‫ْ‬ ‫مع َ ِ‬ ‫قوْم ِ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م َر ُ‬ ‫ما َقا َ‬ ‫ة[ فَ َ‬ ‫جن ّ ِ‬ ‫قي ِفي ال َ‬ ‫ْ‬ ‫َرِفي ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬ ‫م فَل ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫عاِني َر ُ‬ ‫حد ٌ د َ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ما ل ْ‬ ‫شد ّةِ الب َْردِ فَل ّ‬ ‫وَ ِ‬
‫ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ب َفاد ْ ُ‬ ‫ة َفاذ ْهَ ْ‬ ‫حذ َي ْ َ‬ ‫قا َ‬ ‫عاِني فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ي َك ُ ْ‬
‫قوْم ِ‬ ‫ل ِفي ال َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ل‪َ ]:‬يا ُ‬
‫ْ‬
‫ن دَ َ‬ ‫حي َ‬ ‫قَيام ِ ِ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِلي ب ُد ّ ِ‬
‫قوْم ِ‬ ‫ت ِفي ال ْ َ‬ ‫خل ْ ُ‬ ‫ت فَد َ َ‬ ‫ل فَذ َهَب ْ ُ‬ ‫حّتى ت َأت ِي ََنا[ َقا َ‬ ‫شي ًْئا َ‬ ‫ن َ‬ ‫حدِث َ ّ‬ ‫ن وََل ت ُ ْ‬ ‫فعَُلو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫َفان ْظ ُْر َ‬
‫َ‬ ‫م قِد ٌْر وََل َناٌر وََل ب َِناٌء فَ َ‬
‫م أُبو‬ ‫قا َ‬ ‫قّر ل َهُ ْ‬ ‫ل َل ت َ ِ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫جُنود ُ الل ّهِ ت َ ْ‬ ‫ح وَ ُ‬ ‫َوالّري ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫ت ب ِي َدِ‬ ‫خذ ْ ُ‬ ‫ه فأ َ‬ ‫س ُ‬ ‫جِلي ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مُرؤ ٌ َ‬ ‫ش ل ِي َن ْظْر ا ْ‬ ‫شَر ق ََري ْ ٍ‬ ‫معْ َ‬ ‫ل‪َ :‬يا َ‬ ‫بف َ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫فَيا َ‬ ‫س ْ‬ ‫ُ‬
‫م قال أُبو‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫نث ّ‬ ‫ن فل ٍ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫ت قال‪ :‬أَنا فل ُ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫قل ُ‬ ‫جن ِْبي ف ُ‬ ‫ذي إ ِلى َ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫الّر ُ‬
‫قد ْ هَلك الكَراعُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قام ٍ ل َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫معْ َ‬
‫دارِ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حت ُ ْ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫م َواللهِ َ‬ ‫ش إ ِن ّك ْ‬ ‫شَر قَري ْ ٍ‬ ‫ن‪َ :‬يا َ‬ ‫فَيا َ‬ ‫س ْ‬ ‫ُ‬
‫ن َوالل ِّ‬
‫ه‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫ح‬ ‫ري‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫قي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫نا‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫نو‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ َ َ ُ َ ِ َ ِ ْ َ ِ ِ ّ ِ َ ََ ْ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ِ ُْ ْ‬ ‫وَأ ْ ْ َ َ ُ‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫ح ٌ‬
‫ل‬ ‫مْرت َ ِ‬ ‫حُلوا فَإ ِّني ُ‬ ‫ك ل ََنا ب َِناٌء َفاْرت َ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫م ل ََنا َناٌر وََل ي َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ن ل ََنا قِد ٌْر وََل ت َ ُ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫ما ت َط ْ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ث‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ْ ِ ّ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫س‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫َ َ ِ ِ َ ُ َ َ ْ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ثُ ّ‬
‫م َل‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫م وَل َوَْل عَهْد ُ َر ُ‬ ‫ه إ ِّل وَهُوَ َقائ ِ ٌ‬ ‫قال َ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫أ َط ْل َقَ ِ‬
‫ْ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ِ‬ ‫ت إ َِلى َر ُ‬ ‫جعْ ُ‬ ‫م َر َ‬ ‫سهْم ٍ ث ُ ّ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫قت َل ْت ُ ُ‬ ‫ت لَ َ‬ ‫شئ ْ ُ‬ ‫حّتى ت َأت ِي َِني وَل َوْ ِ‬ ‫شي ًْئا َ‬ ‫ث َ‬ ‫حد ِ ْ‬ ‫تُ ْ‬
‫ما‬ ‫ل فَل ّ‬ ‫َ‬ ‫ح ٍ‬ ‫مَر ّ‬ ‫سائ ِهِ ُ‬ ‫ض نِ َ‬ ‫ّ‬ ‫م وَهُوَ َقائ ِ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ط ل ِب َعْ ِ‬ ‫مْر ٍ‬ ‫صلي ِفي ِ‬ ‫م يُ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫صلى الل ُ‬
‫رآِني أ َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫في ِ‬ ‫هل ِ‬ ‫َ‬ ‫جد َ وَإ ِن ُّ‬ ‫س َ‬ ‫َ َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ّ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ط‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ح‬
‫ْ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ ِ‬ ‫إ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫مُروا إ َِلى‬ ‫َ‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫وا‬ ‫ٌ َ‬ ‫ش‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ما‬ ‫ِ َ‬ ‫ب‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫س‬‫َ‬ ‫و‬
‫َ َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬
‫ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫س‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫م 'رواه أحمد وأصله في مسلم‪.‬‬ ‫ب َِلدِهِ ْ‬
‫حذيفة بن اليمان رضي الله عنه سائًبا غير منتظم‪ ،‬بل كان في جماعة‬ ‫ما كان ُ‬
‫المسلمين تضبطه ضوابط‪ ،‬وتقيده قيود الجماعة‪ ،‬والمر الكبر من ذلك‪،‬‬
‫والدعى إلى العجب‪ ،‬أنه لم يقتل أبا سفيان مع العلم بأن الحالة كانت حالة‬
‫حرب وجهاد‪ ،‬والمعروف أنه بقتل الكافر؛ يؤجر المسلم‪ ،‬ومع ذلك نجد أن‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طا‪ ،‬مطيًعا لمر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ما‪ ،‬منضب ً‬
‫حذيفة كان ملتز ً‬
‫ْ‬
‫حّتى ت َأت ِي ََنا[‪.‬وهذا الحديث هو محور‬ ‫ً‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شي ْئا َ‬ ‫حدِث ّ‬
‫حين قيده وألزمه بقوله‪] :‬وَل ت ُ ْ‬
‫حديثنا في هذا الفصل‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫]يسع العمل الفردي ما ل يسع العمل المؤسسي[‬

‫)‪(2 /‬‬

‫طا‪ ،‬وبمقدار التزامه هو وإخوانه؛ استطاع‬ ‫إن حذيفة بن اليمان كان منضب ً‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أن ينجو من أكبر مؤامرة ومعركة واجهها‬
‫المجتمع السلمي في المدينة‪ ،‬فالدخول في مؤسسة واضحة الهداف بينة‬
‫متطلبات وقيود لبد من اللتزام بها حتى ل‬ ‫الخطى‪ ،‬يجعل هناك مستلزمات و ُ‬
‫ً‬
‫تقع هذه المؤسسة بمطبات لم تحسب لها حسابا‪ ،‬وهذا المر ل يعني عدم‬
‫وجود بعض العمال الفردية الحسنة التي يقوم بها بعض الفراد خارج إطار‬
‫المجموعة كما في قصة أبي بصير وجماعته بعد إبرام صلح الحديبية بيد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعوث قريش سهيل بن عمرو‪ .‬والذي‬
‫كانت تنص أحد بنوده على أن يلتزم النبي صلى الله عليه وسلم بعدم إيواء‬
‫ما‪ -‬ما لم يكن ذلك‬
‫أحد في المدينة من أبناء قريش‪ -‬حتى وإن جاء مسل ً‬
‫بموافقة وليه‪ .‬وأن على الرسول عليه الصلة والسلم أن يعيده إلى أهله إذا‬
‫هم طلبوا منه ذلك‪ ،‬وبعد عودته صلى الله عليه وسلم إلى المدنية أتاه لجئ‬
‫هو‪' :‬أبو بصير عتبة بن أسيد الزهري' فاًرا من سجون مكة‪ ،‬ولما علمت‬
‫قريش بذلك؛ أرسلت في طلبه من رسول الله‪ ،‬وبعثت رجلين ليأتيا به‪ ،‬فغادر‬
‫أبو بصير المدينة مع الحارسين‪ ،‬وفي مكان يقال له ذو الحليفة‪-‬أبيار علي‬
‫اليوم‪ -‬استطاع أبو بصير أن يقتل أحد حراسه‪ ،‬ويلحق بالخر الذي فر إلى‬
‫المدينة طالًبا النجاة‪ ،‬عند ذلك لم يجبره رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫على العودة إلى مكة‪ ،‬ولكنه في الوقت نفسه لم يسمح له بالقامة في‬
‫خمس غنيمة الرجل المقتول‪ ،‬لكيل تفسر قريش ذلك‬ ‫المدينة‪ ،‬ول أن يأخذ ُ‬
‫بأن رسول الله قد نقض العهد‪ ،‬فالتجأ أبو بصير رضي الله عنه إلى العيص‬
‫على ساحل البحر الحمر‪ ،‬ولما علم المسلمون السجناء في مكة بذلك لحقوا‬
‫بأبي بصير‪ ،‬وقاموا بقطع الطريق على قوافل قريش والستيلء عليها‪ ،‬حتى‬
‫بلغ عدد المسلمين الفارين من سجون مكة إلى أبي بصير ثلثمائة رجل‪ .‬وهنا‬
‫دا مسلمين غير منتظمين بجماعة المسلمين يعملون أعمال ً جليلة‬ ‫نرى أفرا ً‬
‫تعود على جماعة المسلمين في المدينة بالنفع ! وجائز لهم ما فعلوا من‬
‫مقاومة الكفر بالقوة‪ ،‬بينما لم يكن هذا الفعل جائًزا لغيرهم من جماعة‬
‫دا‬
‫المسلمين في المدينة بحكم صلح الحديبية‪ ،‬وإن كان الفعل بنفسه مفي ً‬
‫للمسلمين‪ .‬وقد فقه المسلمون هذا المعنى فلم يطلبوا من رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أن يشتركوا مع أبي بصير في عمله النافع؛ لنهم أفراد في‬
‫جماعة المسلمين يلتزمون بما تلتزم به الجماعة‪ ،‬بينما كان أبو بصير رضي‬
‫قا‪ ،‬ولكنه كان خارج نطاق صفوف جماعة المسلمين‪ .‬ومثل‬ ‫ما ح ً‬
‫الله عنه مسل ً‬
‫هذا الفرد في وسعه أن يعمل ما ليس في وسع غيره”أصول الدعوة”‪.‬‬
‫لماذا سعة الفرد ‪ ..‬وعجز المؤسسة ؟‬
‫ولبد من الجابة على هذا السؤال قبل الخوض في مثل هذا البحث‪ ،‬وذلك‬
‫كي تتهيأ نفوسنا لفهم دور كل من الفرد والمؤسسة وحدود عملهما‪ ،‬وما‬
‫يمكن لحدهما أن يصنعه مما يعجز عنه الخر‪.‬‬
‫فالحركة السلمية التي تتبع خطوات الرسول عليه الصلة والسلم في‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طريقة دعوته‪ ،‬والتي تسير وفق منهجه في الحركة‪ ،‬إنما تتبع وسائل محددة‬
‫لتحقيق أهداف ثابتة‪ .‬فليست هي التي تضع الهداف‪ ،‬وإنما تسعى هي‬
‫لتحقيقها‪ .‬كما أنها ليست هي التي تصنع الوسائل وإنما تجدد فيها‪ ،‬بما‬
‫يتناسب وظروف العصر الذي نعيش فيه‪ ،‬إضافة إلى ما تجتهده من أساليب‬
‫ل تتعارض مع النصوص الشرعية‪ ،‬ول مع سيرة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ .‬وفي الطرف الخر تجد تسابق الحداث وتوالي الضغوط‪ .‬وتقف‬
‫المؤسسة الدعوية في هذا الوسط مشدودة إلى هذا وذاك ‪ ..‬ل هي قادرة‬
‫على تجاهل ما يجري ويدور من حولها؛ لن في ذلك ما يعيقها عن مسيرتها أو‬
‫يباعدها من أهدافها‪ ،‬ول هي مؤهلة لمجابهتها والتصدي لها خشية أن تتعرض‬
‫المؤسسة بكاملها لخطر محدق‪ .‬ويبرز هنا دور الفرد السائب‪ ،‬و'يسع العمل‬
‫الفردي ما ل يسع العمل المؤسسي'‪ ،‬وبهذا تكون النظرة إلى دور الفرد على‬
‫أنه وسيلة من وسائل الدعوة‪ ،‬وجزء من منهجها في إطار من التكامل‪ ،‬ل‬
‫على أساس أنهما منهجان مختلفان للدعوة‪ .‬إذا ً فدور الفرد يكون حينما تعجز‬
‫الجماعة عن أدائه‪ ،‬أو حين تتعارض مصالح المؤسسة بين التزامها بمنهجها‬
‫الحركي‪ ،‬واستجابتها للظروف الملحة‪ ،‬هذا بالنسبة للفرد الذي تملك‬
‫المؤسسة توجيهه لداء ما تعجز هي عن أدائه‪ .‬أما الفرد السائب الذي ل‬
‫سلطة للمؤسسة عليه ول علقة لها به‪ ،‬فإنه يخدم الدعوة بدافع من إيمان‪،‬‬
‫أو من هوى شخصي‪ ،‬أو من نخوة فيه‪ ،‬أو غير ذلك مما تنتفع الدعوة منه‪،‬‬
‫ولكل امرئ ما نوى‪.‬‬
‫العوامل المنشئة للقاعدة‪:‬‬
‫لبد لنا من التعرض لهم العوامل التي تجعل العمل الفردي يسعه ما ل يسع‬
‫المؤسسة المنظمة‪ ،‬وهي في جملتها تنقسم إلى قسمين رئيسين‪:‬‬
‫العوامل الداخلية ‪ :‬وتتمثل في طبيعة المنهج الحركي الذي تسير عليه‬
‫الدعوة‪ ،‬ومن أهم ملمح هذا المنهج التي لها أثر بارز في موضوعنا‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫المرحلية‪:‬وهي سمة أساسية في هذا المنهج‪ .‬ولما كانت مستلزمات العمل‬


‫المؤسسي تتبع منهج التربية اليمانية‪ ،‬وتأخذ بطريقة التغيير القاعدي وتكوين‬
‫القاعدة الصلبة من مراحلها الولى‪ ،‬وبأسلوب النتشار والنفتاح التدريجي‬
‫في المراحل الولى‪ ،‬فإنها كثيًرا ما تتعرض لدوافع وجواذب خارجية تستحثها‬
‫في استعجال الطريق‪ ،‬وتدفعها لستباق مرحلتها التي تمر بها ‪ .‬وينبغي أن‬
‫قا‪ ،‬كما تفهم ظروف الواقع‬ ‫ما عمي ً‬
‫ُتفهم المراحل التي تمر بها الدعوة فه ً‬
‫الذي نعيش فيه‪ ،‬فل تكون مرحلية تلك التي تتجمد على وسائل ثابتة ل‬
‫تتجاوزها‪ ،‬كما ل تكون مرحلية طائشة تتحكم فيها العادات‪ ،‬أو تنساق مع‬
‫الهواء ‪ .‬ويتضح دور العمل الفردي السائب في هذا الجانب‪ ،‬حينما يعرض‬
‫للمؤسسة حدث تحرص على دفعه أو جلبه‪ ،‬ولكن مرحلتها التي تمر بها قد ل‬
‫تعينها‪ ،‬أو تسمح لها بذلك‪ .‬وقد يتمكن عمل فردي سائب من دفع الضر أو‬
‫جلب النفع بمفرده؛ فيكون بعمله هذا قد حقق الخيرين مًعا‪ :‬فالمؤسسة ل‬
‫تضطر لتخاذ موقف ل يتناسب مع مرحلتها‪ ،‬كما أن المنفعة التي حرصت‬
‫جلبت‪ ،‬والمضرة التي خشيت منها ُدفعت‪.‬‬ ‫عليها ُ‬
‫العمل الجماهيري‪:‬كما تعتمد المؤسسة الدعوية على التربية الهادئة‬
‫العميقة ‪ ..‬تعمد كذلك إلى العمل الجماهيري الذي له دوره في تهيئة جو‬
‫صالح للتربية ‪ ..‬ودفع عجلة الفساد للوراء‪ .‬والعمل الجماهيري يخضع لمرحلة‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدعوة وطاقتها‪ .‬ففي المراحل الولى يكون هناك تركيز على الجانب‬
‫التربوي‪ .‬وكلما تقدمت الدعوة في مراحلها كان للعمل الجماهيري دور أكبر‬
‫وأشد‪ .‬ويبرز دور الفرد السائب في هذا الجانب من العمل الجماهيري في‬
‫المرحلة الولى‪.‬‬
‫العوامل الخارجية ‪:‬وهي جملة الضغوط التي يتعرض لها العمل السلمي من‬
‫خلل الحداث التي تصادفه في حركته ومن أهمها‪:‬‬
‫تفشي النحلل والفساد‪ ،‬وتفكك الصرح الخلقي للمجتمع‪ :‬نتيجة الدعوات‬
‫المكثفة للتفسخ‪ ،‬وخاصة من مراكز التوجيه والعلم مما يعيق تقدم الدعوة‬
‫وحركتها‪.‬‬
‫تردي الوضاع السياسية والجتماعية‪ :‬نتيجة حركة الدعوات المنحرفة‪.‬‬
‫الشبهات التي يبثها أعداء العمل السلمي ويتداولها الجمهور‪ :‬مما قد يجعل‬
‫قا أمام قبول الناس للدعوة‪.‬‬
‫منها عائ ً‬
‫مجالت تطبيق القاعدة‬
‫ونقصد بذلك الحالت المختلفة التي قد يكون عليها العمل الفردي السائب‪.‬‬
‫ل‪ :‬فرد المؤسسة الدعوية السائب ‪ :‬وهو الفرد الذي منعه ظرف ما من‬ ‫أو ً‬
‫النخراط في سلك المؤسسة‪ ،‬أو زهدت المؤسسة في انتسابه إليها لسبب‬
‫من السباب‪ ،‬أو لم ينتسب هو إليها ‪ .‬ولقد حفظت السيرة النبوية لنا حوادث‬
‫متفرقة في هذا الجانب‪.‬‬
‫ثانيًا‪:‬فرد المؤسسة الدعوية المجهول‪ :‬وهو من لم يعرف انتسابه للمؤسسة‬
‫أو لم تكشف عن علقته بها‪ .‬ويستدل على هذا بقصة نعيم بن مسعود في‬
‫غزوة الحزاب‪ ،‬فإنه حينما جاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحزاب‬
‫ما؛ أمره أن يكتم إسلمه‪ ،‬ورده على المشركين كي يوقع بينهم‪ ،‬وقال‬ ‫مسل ً‬
‫له‪] :‬إنما أنت فينا رجل واحد‪ ،‬فخذل عنا إن استطعت‪ ،‬فإن الحرب خدعة[‬
‫شا فغطفان‪ ،‬حتى‬ ‫فخرج 'نعيم' حتى أتى بني قريظة فكلمهم‪ ،‬ثم أتى قري ً‬
‫أشعل فيهم الفتنة؛ فخذلهم الله‪.‬هكذا ذكرها ابن إسحاق بدون إسناد‪ ،‬قال‬
‫اللباني‪ :‬لكن قوله‪] :‬الحرب خدعة[ صحيح متواتر عنه صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وحاجة المؤسسة إلى الفرد المجهول تزيد عن حاجتها إلى غيره؛ ذلك أن‬
‫ظروًفا قد تواجهها تدعوها الحاجة فيها إلى تنفيذ مهمة محددة من فرد‬
‫مجهول الصلة بها‪ ،‬أو اتخاذ موقف حاسم في وقت عصيب‪ ،‬أو كشف‬
‫لمؤامرة أو امتثال لخطة‪ .‬كل ذلك يستلزم فرًدا ذا شروط خاصة‪ ،‬موثوق به‪،‬‬
‫وغير معروف الصلة بها‪ .‬ويحقق الفرد المجهول في مثل هذه الحوال ما ل‬
‫يحققه الجمع من التباع‪.‬‬
‫صا في حساب الدعوة هو‬ ‫ن مما يجعل لهذا الصنف من الفراد شأًنا خا ً‬ ‫كما أ ّ‬
‫انتسابهم إليها وإن لم يدل ظاهر أمرهم على ذلك‪ .‬فهم بذلك قوى تحسب‬
‫في رصيد المؤسسة خلًفا للفرد السائب‪ -‬ممن ل سلطة عليه‪ ،‬ول قدرة لها‬
‫على توجيهه متى شاءت‪ ،‬وكيف تشاء‪ -‬والفرق كبير بين من يتخذ مواقف‬
‫فردية بأمر من المؤسسة‪ ،‬ومن يتخذها لجتهاد شخصي أو لهوى ذاتي‪.‬‬
‫قا لهدافها‪ ،‬بينما ل يأتي الخير ‪-‬‬ ‫ما مع خط المؤسسة محق ً‬ ‫فالول يأتي منسج ً‬
‫في كثير من الحيان‪ -‬إل بعض أهدافها‪ .‬وقد يفسد جانًبا حين يعمل لصلح‬
‫آخر‪.‬‬
‫ثالثًا‪:‬فرد من خارج الطار العام للعمل السلمي ‪ :‬وهو الشخص الفاجر‪ ،‬وقد‬
‫ل‬
‫ج ِ‬‫ن ِبالّر ُ‬
‫دي َ‬ ‫ه ل َي ُؤَي ّد ُ هَ َ‬
‫ذا ال ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪]َ :‬إ ِ ّ‬
‫ر[ رواه البخاري ومسلم والدارمي وأحمد‪ .‬ووجوه التأييد من هذا الفرد‬ ‫ج ِ‬‫فا ِ‬‫ال ْ َ‬
‫تتعدد وتختلف حسب الظروف والعصور؛ فلقد طلب رسول الله صلى الله‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم نصرة عمه أبي طالب‪ ،‬وهو رجل مشرك‪ .‬ول يخفى ما بذله‬
‫أبوطالب من نفسه وماله في نصرة الدعوة‪ ،‬ورد كيد المشركين عنها‪ ،‬وكذلك‬
‫موقفه من دور قريش حين أجمعت على حرب الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم وإيذائه‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وقد تتخذ النصرة شكل الستعانة بالمشركين‪ -‬بالشروط التي ذكرها الفقهاء‪-‬‬
‫يدل على ذلك ما نقله المام الشوكاني في كتابه 'نيل الوطار'‪':‬وحكى أبو‬
‫حنيفة وأصحابه أنه يجوز الستعانة بالكفار والفساق حيث يستقيمون على‬
‫أوامره ونواهيه‪ ،‬واستدلوا باستعانته صلى الله عليه وسلم بناس من اليهود‪،‬‬
‫واستعانته بصفوان بن أمية‪ ،‬وبإخباره بأنها ستنفع المسلمين مصالحة الروم‪،‬‬
‫ويغزون جميًعا عدًوا من وراء المسلمين'“نيل الوطار ‪.”8/44‬كما أورد‬
‫ّ‬ ‫الشوكاني‪ ] :‬عَ َ‬
‫م‬
‫سل َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ث َر ُ‬ ‫ل‪ :‬ب َعَ َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫س بْ‬ ‫ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ن[ رواه مسلم وأبوداود وأحمد‪.‬‬ ‫فَيا َ‬ ‫س ْ‬‫عيُر أِبي ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫صن َعَ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ة عَي ًْنا ي َن ْظ ُُر َ‬ ‫س َ‬ ‫سي ْ َ‬‫بُ َ‬
‫قبل غزوة بدر وهو رجل مشرك[‪.‬‬
‫وقد تكون نصرة الكافر أو الفاجر إجارة للدعوة أو حماية لها‪..‬على أنه يجب‬
‫في كل الحوال اتقاء الشبهات‪ ،‬والترفع عما قد يفسر على غير وجهه‪ ،‬أو‬
‫يفتح على الدعوة باًبا لطعن أو نقد‪ ،‬كالتحالف مع حزب ظاهر النحراف‪ ،‬أو‬
‫الستعانة بكافر أو فاجر غير ظاهر سبب الستعانة به أو غير ذلك‪.‬‬
‫‪”-2‬التحرك الدعوي بين الدعوة الفردية والعمل العام”‪:‬‬
‫أ‪ -‬الدعوة الفردية‬
‫التحرك الدعوي بين الدعوة الفردية والعمل العام‪:‬‬
‫لقد تعالت صيحات كصيحات المستغيث‪ ،‬وارتفع عويل كعويل المكروب‪،‬‬
‫حا إل‬ ‫قا إل أسكتته‪ ،‬ول صال ً‬ ‫فالمؤسسات الكافرة تعمل على أن ل تر ح ً‬
‫ً‬
‫أهلكته‪ ،‬ول خيًرا إل طمسته‪ ،‬ول شًرا إل زينته‪ ،‬ول باطل إل رفعته‪ ،‬إنها لم‬
‫تترك زاوية إل ولها نصيب فيها وغنيمة !! وهنا تبرز ضرورة دعوة الناس إلى‬
‫الله‪ ،‬وقد وضح سبحانه وتعالى لنا طريق الدعوة في كتابه الكريم حيث‬
‫ْ‬ ‫قال‪ {:‬ول ْتك ُن منك ُ ُ‬
‫ن‬‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬‫مُرو َ‬ ‫خي ْرِ وَي َأ ُ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫مأ ّ‬ ‫َ َ ْ ِ ْ ْ‬
‫ن]‪“ }[104‬سورة آل عمران”‪ ،‬وعلى ذلك يجب‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫من ْك َرِ وَُأول َئ ِ َ‬
‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫عو إ َِلى الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سِبيِلي أد ْ ُ‬ ‫ل هَذِهِ َ‬ ‫العمل في مؤسسة دعوية إسلمية شعارها‪{ :‬قُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪[108‬‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما أَنا ِ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ن ات ّب َعَِني وَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫صيَرةٍ أَنا وَ َ‬ ‫عََلى ب َ ِ‬
‫}“سورة يوسف”‪.‬فالدعوة إلى السلم ضرورة شرعية وضرورة بشرية‪ ،‬وقد‬
‫علم ذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فانطلقوا للدعوة إلى الله‬
‫يفتحون البلد باسم السلم ويدعون أهلها إلى السلم‪ .‬فالدعاة يقومون‬
‫بمهمة النبياء رضوان الله عليهم‪ ..‬فاجتهد أيها الداعية المسلم في تصحيح‬
‫النية قبل أن تبدأ عملك ورسالتك‪ ،‬ثم اجعل شعارك العمل الدائب مع الصبر‬
‫الجميل‪ ،‬واجعل هدفك {وم َ‬
‫حا‬‫صال ِ ً‬‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫عا إ َِلى الل ّهِ وَعَ ِ‬ ‫ن دَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ن قَوًْل ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫جي‬
‫ْ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ني‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫‪{.‬‬ ‫فصلت”‬ ‫}“سورة‬ ‫[‬ ‫‪33‬‬ ‫ن]‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل إ ِن ِّني ِ‬ ‫وََقا َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سالت ِهِ ]‪[23‬‬ ‫ن اللهِ وَرِ َ‬ ‫م َ‬ ‫غا ِ‬ ‫دا]‪[22‬إ ِل ب َل ً‬ ‫ح ً‬‫ملت َ َ‬ ‫ن ُدون ِهِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جد َ ِ‬ ‫نأ ِ‬ ‫حد ٌ وَل ْ‬ ‫الل ّهِ أ َ‬
‫} “سورة الجن” ‪.‬وتذكر قول المام ابن القيم رحمه الله حيث يقول‪] :‬مقام‬
‫الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد[‪.‬‬
‫انطلقة الدعوة المباركة ‪:‬‬
‫لقد كانت اللحظة التي أنزل بها وحيه على رسوله المين أول مرة‪ ،‬كانت من‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللحظات الحاسمة في التاريخ البشري‪ ،‬حيث أحدثت انقلًبا جذرًيا في حياة‬


‫خا‪ ،‬يحمل النور‬ ‫ما‪ ،‬شام ً‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وجعلته داعًيا عظي ً‬
‫والضياء في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ العرب الجاهلي ‪ ..‬ومن هنا كانت‬
‫انطلقة الدعوة ‪ ..‬وكان الصراع والمواجهة‪ ،‬وإذا بهذا الداعية الكرم يواجه‬
‫ما‪ ،‬مترامي الطراف‪ ،‬ولكنه كان يعلم يقيًنا أن ذلك السواد العظيم‬ ‫ما مظل ً‬ ‫عال ً‬
‫إنما هو غثاء كغثاء السيل‪ ،‬وأن دعوته التي يحملها هي الحق المبين‪ ،‬فضرب‬
‫للبشرية أروع المثل في اللتزام التام بهذه الدعوة المباركة‪ .‬ولقد كان بثباته‬
‫على دعوة الحق بل مواراة ول مواربة‪ ،‬وبمطالبة النفس البشرية بواجباتها‬
‫كاملة وصبره على ذلك‪ ،‬وتحمله كل شيء في هذا السبيل مرضاة لله‪ ،‬كل‬
‫هذا كان دليل ً على الصدق والخلص لله وللدعوة المكلف بها‪ ،‬فكان أن خّرج‬
‫ل َل‬
‫جا ٌ‬‫لهذه البشرية رجال ً حملوا راية الحق من بعده‪ ،‬يصفهم الله بقوله‪{ :‬رِ َ‬
‫ن ذِك ْرِ الل ّهِ ]‪“ }[37‬سورة النور”‪ .‬فواجهوا المحن‬
‫جاَرة ٌ وََل ب َي ْعٌ عَ ْ‬ ‫ت ُل ِْهيهِ ْ‬
‫م تِ َ‬
‫والشدائد والفتن كضريبة لهذه الدعوة المباركة‪ ،‬ولكنهم صمدوا وثبتوا ثبوت‬
‫دا في‬ ‫الشم الرواسي‪ ،‬إحقاًقا للحق‪ ،‬وإزهاًقا للباطل‪ ،‬فسقط من سقط شهي ً‬
‫طريق الدعوة‪ ،‬وأكملت البقية الباقية سيرها إلى الله حتى ظفرت بالنصر‬
‫المبين‪.‬‬
‫واقع الدعوة اليوم ‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ولقد شاء الله أن يظل صراع الحق والباطل ما دامت السموات والرض‪ ،‬وما‬
‫ل فَبعِّزت ِ َ ُ‬
‫م‬‫ك َلغْوِي َن ّهُ ْ‬ ‫دام هناك شيطان جحد بنعمة الله وقال في عناد ‪َ{ :‬قا َ ِ‬
‫َ‬
‫ن]‪“ }[83‬سورة ص” ومن هنا كان‬ ‫خل َ ِ‬
‫صي َ‬ ‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬
‫من ْهُ ُ‬
‫ك ِ‬ ‫ن]‪[82‬إ ِّل ِ‬
‫عَباد َ َ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬‫أ ْ‬
‫دعاة الحق في صراع دائم مع الشيطان وجنده‪ ،‬يدعون إلى الله فل يلقون إل‬
‫العنف والعناد‪ ،‬وأمامنا في وقتنا الحاضر أمثلة من نور‪ ،‬لمن لقوا ربهم‪ ،‬إما‬
‫محاربين ذائدين عن حوض السلم‪ ،‬استشهدوا وهم يرددون‪' :‬أل هبي ريح‬
‫الجنة على رهبان الليل فرسان النهار' وإما على حبل المشنقة وأحدهم‬
‫يقول‪':‬إني ل أخشى الموت ولكني أحب لقاء الله' أو في مواجهة الطاغوت‬
‫وجنوده في غيابة السجن وهو يقول للطاغوت‪' :‬ل' بملء فيه ‪ ..‬هؤلء هم‬
‫المؤمنون الصادقون‪ ،‬منهم من قضى نحبه‪ ،‬ومنهم من ينتظر ليكمل الشوط‪،‬‬
‫ويسير على المنهج صابًرا محتسًبا ظلم قومه‪ ،‬وهو يدعوهم إلى النجاة‬
‫ما‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫متاحة‪{:‬‬ ‫ويدعونه إلى النار‪ ..‬لقد بايعوا الله على الدعوة إليه بكل وسيلة‬
‫َ‬
‫ب‬‫ح ّ‬ ‫كاُنوا َوالل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫ست َ َ‬
‫ما ا ْ‬
‫فوا وَ َ‬
‫ضعُ ُ‬
‫ما َ‬ ‫ل الل ّهِ وَ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫صاب َهُ ْ‬
‫ما أ َ‬‫وَهَُنوا ل ِ َ‬
‫ن]‪“} [146‬سورة آل عمران”‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬‫ال ّ‬
‫وسائل تبليغ الدعوة ‪:‬‬
‫وللدعوة فن في التبليغ‪ ،‬ووسائل في إيصال موضوع الدعوة إلى الناس‪،‬‬
‫دا أن الناس اليوم بحاجة إلى من يلفت انتباههم إلى السلم أول ً‬ ‫وبديهي ج ً‬
‫ويشعرهم بوجوده كمنهج حياة ‪ ..‬كإمامة ‪ ..‬كقيادة ‪ ..‬كريادة ‪ ..‬وسط التيارات‬
‫والقوى العالمية المتصارعة‪ ،‬وبديهي كذلك أن عملية اللفت هذه خطوة‬
‫تمهيدية‪ ،‬تسبق عملية القناع‪ ،‬بل هي أشبه بخطوة أولية لتحضير عقول‬
‫الناس ونفوسهم للتلقي والنفعال‪ ،‬ولهذا تعددت أساليب ووسائل تبليغ‬
‫الدعوة وفق المنهج الصحيح والحدود الشرعية‪ ،‬وما ذلك إل دليل على سعة‬
‫هذا العلم‪ ،‬ومرونته‪ ،‬وتكيفه مع متطلبات هذا الدين‪ .‬وهناك وسائل كثيرة‬
‫نذكر منها للهمية منهجين أساسيين هما‪ :‬منهج الدعوة الفردية‪ ،‬ومنهج‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدعوة العامة‪ ،‬أو الوعظ العام‪ .‬ولكل من هذين المنهجين أساليب وخطط‬
‫ومراحل وفنون في الدعوة‪ ،‬وسنتناول هذين المنهجين بشيء من التفصيل ‪.‬‬
‫ل‪:‬التربية الفردية ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫مفهومها ‪ :‬هو قيام كل فرد من أفراد العمل السلمي بواجب الحتكاك‬
‫المقصود‪ ،‬الهادف بعناصر جديدة‪ ،‬ومحاولة جذبها إلى الفكرة أول ً عن طريق‬
‫التربية والتكوين‪ ،‬ثم إلى الدعوة أخيًرا‪ .‬وحريٌ بصاحب الفكرة أن يحاول‬
‫الستفادة من كافة العلقات والظروف لطرح أفكاره ومحاولة إقناع الخرين‬
‫بها “كيف ندعو إلى السلم”‪.‬‬
‫أهميتها ‪ :‬لقد عمد الرسل عليهم الصلة والسلم في تربية مجموعة على‬
‫حقيقة هذا الدين‪ ،‬تتحرك به حتى يقضي الله أمره‪ ،‬أو يأتي بنصره‪ .‬ومن صيغ‬
‫المخاطبة الفردية التي ورد بها التكليف القرآني والنبوي نرى تأكيد المسئولية‬
‫عا إ َِلى‬ ‫الشخصية في حمل أعباء الدعوة السلمية‪ {:‬وم َ‬
‫ن دَ َ‬‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫ن قَوًْل ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ن]‪“ }[33‬سورة فصلت” { فَل ِذ َل ِكَ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ل إ ِن ِّني ِ‬ ‫حا وََقا َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫الل ّهِ وَعَ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ]‪“ }[15‬سورة الشورى” ‪ {.‬اد ْعُ‬ ‫واَءهُ ْ‬ ‫ت وََل ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫َفاد ْع ُ َوا ْ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن إِ ّ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫م ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫جادِل ْهُ ْ‬ ‫سن َةِ وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫عظ َةِ ال ْ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫مةِ َوال ْ َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ك ِبال ْ ِ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫إ َِلى َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪“ } [125‬سورة‬ ‫دي َ‬ ‫مهْت َ ِ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬‫سِبيل ِهِ وَهُوَ أعْل َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ك هُوَ أعْل َ ُ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫َ‬
‫من ْك ًَرا فَل ْي ُغَي ّْره ُ ب ِي َدِهِ فَإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫م ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن َرأى ِ‬ ‫م ْ‬ ‫النحل” وقوله صلى الله عليه وسلم‪َ ] :‬‬
‫َ‬
‫ن[ رواه مسلم‬ ‫ما ِ‬ ‫فا ِْ‬
‫لي َ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫قل ْب ِهِ وَذ َل ِ َ‬ ‫ست َط ِعْ فَب ِ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬‫سان ِهِ فَإ ِ ْ‬ ‫ست َط ِعْ فَب ِل ِ َ‬ ‫م يَ ْ‬‫لَ ْ‬
‫والترمذي وأبوداود وابن ماجه والنسائي وأحمد ‪.‬‬
‫متطلباتها ‪:‬‬
‫المنهج السليم الذي يملك تخريج الفرد المسلم والجيل المسلم‪ :‬المنهج الذي‬
‫تتكامل فيه جوانب التربية كلها‪ :‬الفكرية‪ ،‬والروحية‪ ،‬والخلقية‪ ،‬مما يحقق‬
‫التكامل والتوازن في بناء الشخصية السلمية‪.‬‬
‫عا‪ ،‬عامل ً بعلمه‪.‬‬ ‫القدوة الحسنة‪ :‬أن يكون تقًيا‪ ،‬ور ً‬
‫البيئة الصالحة‪ :‬يجب تهيئة المناخات والجواء المناسبة للفراد‪ ،‬وبخاصة أثناء‬
‫مرحلة التكوين الولى‪.‬‬
‫التجرد‪ :‬تجرد المربي الذي يحمل رسالة الدعوة إلى بناء شخصية الفرد‬
‫المسلم وتجرده عن الغرض الشخصي‪.‬‬
‫تدرج المربي في المور المنطقية‪ :‬فيبدأ بالعقيدة قبل العبادة‪ ،‬وبالعبادة قبل‬
‫منهاج الحياة‪ ،‬وبالكليات قبل الجزئيات‪.‬‬
‫اتخاذ وسائل الرفق واللين في التربية‪ :‬الصبر على الزلت والخطاء حتى‬
‫يأتي اليوم الذي تظهر فيه ثمرة هذا الصبر في نفس هذا الفرد‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وسائلها ‪ :‬متعددة وهي تتدرج مع تدرج المربي في تربيته للفرد المدعو‪ ،‬فهي‬
‫دائرة في اللقاءات التي يحددها المربي مع مدعوه‪ ،‬والتي يتدارس معه فيها‬
‫قراءة القرآن الكريم‪ ،‬والحاديث الشريفة‪ ،‬والسيرة النبوية‪ ،‬ويعمل على‬
‫اختيار الوقات والماكن المناسبة‪ ،‬وأخذه إلى حلقة المسجد‪ ،‬والسمر‬
‫الثقافي‪ ،‬والدعوة إلى الطعام‪ ،‬وإهداء كتاب لتبليغ الفكار السلمية بشكل‬
‫جيد‪.‬‬
‫أثرها في الفرد ‪ُ :‬تعتبر من أنجح وسائل الدعوة‪ ،‬وأقواها أثًرا‪ ،‬وأضمنها نتيجة‪،‬‬
‫فتتميز بالتركيز على المدعو‪ ،‬وقوة التأثير فيه؛ مما يعطي فرصة أكبر للنجاح‬
‫في الدعوة والقدرة على إيصالها إلى ذلك المدعو‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلصة التربية الفردية ونتيجتها ‪:‬‬


‫تهدف الجماعات النسانية في جميع الزمنة وعلى مر العصور إلى تحقيق‬
‫بقائها واستمرارها على هذه الرض‪ ،‬وإلى بقاء قيمها ونظمها وعاداتها ‪ ..‬ولما‬
‫كانت الحياة النسانية قصيرة‪ ،‬كان على الجيل القديم أن يصل أسباب بقائه‬
‫واستمراره‪ ،‬ببقاء عاداته‪ ،‬ونظمه السياسية‪ ،‬والجتماعية‪ ،‬والقتصادية‪ ،‬بقاء‬
‫يتحقق بالجيل الصاعد‪ ..‬وعلى هذا كان الجيل الصاعد هو سيولة المجتمعات‬
‫ما‪ ،‬والتربية هي الوسيلة التي‬ ‫ما‪ ،‬وعادات‪ ،‬واتجاهات‪ ،‬ونظ ً‬ ‫لدامة بقائها قي ً‬
‫يتحقق بها هذا البقاء والستمرار ‪ ..‬ومعنى هذا‪ :‬أن التربية تعنى بالسلوك‬
‫النساني‪ ،‬وتهذيبه‪:‬تطويًرا وتغييًرا‪ ..‬والتربية ليست شيًئا يمتلكه الفراد‪ ،‬ولكنها‬
‫عملية لها مراحلها وأهدافها‪ ،‬فالمعرفة أو المهارة أو الخلق الحسنة ليست‬
‫في ذاتها تربية‪ ،‬ولكنها تدل فقط على أن الفرد قد تربى‪.‬‬
‫وخلصة القول أن التربية هي‪ ':‬مجموعة متكاملة من العمال المبذولة بهدف‬
‫إنماء سلوك أو اتجاه معين في شخص ما‪ ،‬أو مجموعة معينة من الشخاص'‪.‬‬
‫الصفات التي تؤهل الداعية للعمل بالدعوة الفردية ‪:‬‬
‫‪ -1‬الفهم الشامل الكامل لملمح السلم ومعالمه‪ ،‬وإلى ما يدعو إليه ‪:‬‬
‫ما‪ ،‬وهذا النسان يقتبس من‬ ‫فالداعية يربي إنساًنا يملك عقل ً وح ً‬
‫سا وفه ً‬
‫مربيه كل ما يسمعه منه أو يلحظه عليه‪ ،‬فإذا لم يتمتع الداعية المربي‬
‫بالمستوى اللئق من الثقافة والمعرفة بأصول الدين‪ ،‬والفهم الكامل لجميع‬
‫المفاهيم العملية؛ أدى ذلك إلى انتقال عدوى الجهل إلى المدعو نفسه‪ ،‬مما‬
‫يسبب خلل ً في جانب من جوانب الشخصية السلمية للمدعو‪ .‬وهناك نفر من‬
‫قا‬
‫الشباب المتحمسين توفرت فيهم صفة اليمان‪ ،‬فترى إيمان أحدهم عمي ً‬
‫إلى أبعد حد‪ ،‬ويحسب أنه بذلك يستطيع أن يكون داعية مربًيا على قلة‬
‫بضاعته في العلم‪ ،‬وضآلة معرفته بدينه المعرفة الحقة‪ ،‬وهو في هذا‬
‫مخطئ ‪ ..‬وقد يذهب البعض إلى تعطيل الدعوة بحجة أن المتصدي لها لم‬
‫يحصل المعرفة المطلوبة التي تتيح له أن يقوم بواجب الدعوة ‪ ..‬وكل‬
‫الطرفين مخطئ في رأيه‪ ،‬والصواب أن المعرفة وحدها ل تصنع من صاحبها‬
‫داعية قط‪ ،‬ولكنها شرط لزم لبد منه في الداعية المربي الذي توفرت له‬
‫الصفات الخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬سلوك إيماني ‪ :‬ولبد بعد الفهم الشامل من واقع عملي يتجلى في سلوك‬
‫الداعية وفي حركاته وسكناته‪ ،‬وكلمه وصمته‪ ،‬وسمته ونظراته‪ ،‬وعبراته ‪..‬‬
‫دلئل تدل على أثر اليمان والفهم في حياة الداعية‪ ،‬فتجعله في محل القدوة‬
‫الصالحة‪ ،‬وفي محل الصدارة بين أفراد مجتمعة‪ ،‬ولنقرأ مًعا كلمات المام‬
‫البنا رحمه الله وهو يصف الداعية المجاهد بأنه‪':‬شخص قد أعد عدته‪ ،‬وأخذ‬
‫أهبته‪ ،‬وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه‪ ،‬فهو دائم‬
‫ما' ‪ ..‬وهكذا يجب أن يكون‬ ‫التفكير‪ ،‬عظيم الهتمام‪ ،‬على قدم الستعداد دائ ً‬
‫كا وعم ً‬
‫ل‪.‬‬ ‫ما‪ :‬يتمثل اليمان واليقين سلو ً‬ ‫الداعية دائ ً‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وتأتي أهمية التطبيق العملي لليمان والفهم الشامل في حياة الداعية على‬
‫أنه في محل القدوة لغيره ممن يدعوهم بدعوته‪ ،‬ويرشدهم إلى الصراط‬
‫المستقيم‪ .‬ويلحظ في سير الدعاة أنهم كانوا أكثر تأثيًرا في الناس بسلوكهم‬
‫وثبات أخلقهم على كل الحوال ‪ ..‬فعين الجمهور فاحصة‪ ،‬ومنطق الفعال‬
‫قا‪' :‬من لم تهذبك رؤيته فاعلم أنه غير‬‫أقوى من منطق القوال‪ ،‬وقد قيل ساب ً‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مهذب'‪ ،‬ويقول المام الشافعي رحمه الله‪' :‬من وعظ أخاه بفعله كان هادًيا'‪.‬‬
‫دا‪ ،‬ويجب أل يوضع فيه إل من كان يغلب‬ ‫ومركز القدوة حساس ودقيق ج ً‬
‫عليه الجد والزهد والتجرد‪ ،‬ويشتاق إلى التعب والبذل؛ لنه إمام لمن حوله‬
‫يقلدونه‪ ،‬ولبد أن يكون فعله أبلغ في التعبير عن عقيدته ومعاني دعوته من‬
‫قوله؛ لن المنظر أعظم تأثيًرا من القول‪ .‬سئلت عائشة رضي الله عنها عن‬
‫ن[رواه مسلم‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫ق ُ‬‫خل ُ ُ‬
‫ن ُ‬ ‫ت‪َ ] :‬‬
‫كا َ‬ ‫خلق الرسول صلى الله عليه وسلم ‪َ :‬قال َ ْ‬
‫ن[!!‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ْ‬
‫ه ال ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ُ‬
‫خل ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫وأبوداود وأحمد‪ .‬إجابة دقيقة عجيبة مختصرة شاملة‪َ ] :‬‬
‫كان الترجمة الحّية لروح القرآن وحقائقه وتوجيهاته ‪..‬كان قدوة للناس في‬
‫واقع الرض ‪ ..‬يرونه وهو بشر منهم ‪ ..‬تتمثل فيه تلك الصفات والطاقات ‪..‬‬
‫فيصدقون هذه المبادئ الحية؛ لنهم يرونها رأي العين‪ ،‬ول يقرءونها في‬
‫كتاب ‪ ..‬ويرونها في بشر فتتحرك لها نفوسهم وتهفوا لها مشاعرهم ‪..‬‬
‫ما مترًفا لذي ً‬
‫ذا‬ ‫ويحاولون أن يقتبسوا قبسات من الرسول ‪ ..‬ول يدعونه حل ً‬
‫ً‬
‫يطوف بالفهام‪ ،‬لنهم يرونه واقًعا يتحرك على الرض‪ ،‬ويرونه سلوكا عملًيا ل‬
‫أماني في الخيال‪ ،‬هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فأحرى‬
‫بالدعاة أن يلتزموا نهجه ويسيروا على خطاه‪.‬‬
‫‪ -3‬الخبرة بالنفوس ‪ :‬إن ميدان عمل المربي إنما هو النفوس فتعامله معها‪،‬‬
‫وهي هدفه الول والخير في التربية‪ ،‬والنفوس ليست كأسنان المشط‪ ،‬ولكن‬
‫منها الضعيف والقوي‪ ،‬ومنها الحساس والرقيق سريع التأثر‪ ،‬ومنها القاسي‬
‫بطيء التأثر‪ ،‬وهكذا ‪..‬ولذا كان على المربي إعطاء كل نفس حقها‪ ،‬والحذر‬
‫في التعامل معها‪ ،‬فل يلجأ إلى الشدة مع صاحب النفس الحساسة‪ ،‬ولكن‬
‫عليه باللين‪ ،‬ول يلجأ إلى اللين مع صاحب النفس القاسية‪ ،‬ولكن يشعره‬
‫بعظم المسئولية الملقاة على عاتقه‪ :‬إن هو فّرط أو قعد ‪ .‬وقد كان الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم المربي الول خبيًرا بالنفوس‪ ،‬ول يتعامل مع صحابته‬
‫كتعامله مع رجل واحد‪ ،‬ولكن لكل حقه‪ ،‬وقد كان عارًفا بطبائع البشر‬
‫ُ‬
‫خوّلَنا‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬‫سُعودٍ َقالَ‪َ ] :‬‬‫م ْ‬ ‫ن َ‬
‫ن ا َب ْ ِ‬ ‫ونفوسهم‪ ،‬فعَ ْ‬
‫مةِ عَلي َْنا[ رواه البخاري ومسلم والترمذي‬ ‫َ‬ ‫سآ َ‬ ‫عظ َةِ ِفي الّيام ِ كَراهَ َ‬
‫ة ال ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫مو ْ ِ‬
‫وأحمد ‪ .‬الموعظة‪ :‬هي النصح والتذكير‪ ،‬ويتخولنا‪ :‬أي يتعهدنا ‪ ..‬والمعنى‪ :‬كان‬
‫يراعي الوقات في تذكيرنا‪ ،‬ول يفعل ذلك كل يوم لئل نمل ‪.‬‬
‫أسلوب التربية الفردية‪:‬‬
‫التربية الفردية فن‪ ،‬ولهذا الفن خطوط عريضة وحدود شرعية يرسمها‬
‫السلم‪ ،‬ثم تأتي المؤسسة الدعوية‪ ،‬فتضع النقاط على الحروف بما يتوافق‬
‫مع متطلبات الدعوة والظروف المحيطة بها‪ ،‬ومن ثم يصوغ الداعية المربي‬
‫تلك الخطوات العريضة وذلك السلوب واقًعا عملًيا بما يملك من قدرات‬
‫وخبرة سابقة‪ ..‬والن كيف نبدأ؟ ومن أين نبدأ؟ وكيف نعمل؟ ومتى ننتهي؟‬
‫أسئلة كثيرة نحاول الجابة عليها في سبيل تحقيق منهج متكامل في الدعوة‬
‫الفردية وأسلوب العمل فيها‪.‬‬
‫أولى خطوات الطريق‪ :‬هي التصال بالشخص الذي يرغب الداعية أن يدعوه‪،‬‬
‫ويحاول التعرف عليه ‪ ..‬يتعرف إلى أفكاره ومفاهيمه وتصوراته‪ ،‬ويكتشف‬
‫علله ومشكلته‪.‬‬
‫ما إلى معرفة المنافذ التي يمكن أن ينفذ من خللها إلى‬ ‫وهو بذلك سيصل حت ً‬
‫نفسه‪ ،‬وهذا من شأنه أن يوفر للداعية التشخيص والمعالجة الناجحين‪،‬‬
‫وبالتالي ُيكسب إلقاءاته وتوجيهاته وإيحاءاته قابلية التأثير والتفاعل‪.‬‬
‫وبعد التعرف والتأكد من صلحية الشخص المراد دعوته يبدأ الداعية معه‬
‫رحلة اليمان‪ ،‬وفي خلل هذه الرحلة يمر بمدعوه في أطوار ثلثة‪ ،‬يبني‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خللها فيه الشخصية السلمية‪ ،‬والسمت اليماني المطلوب ‪ ..‬وهذه الطوار‬


‫ضا عن بعض‪ -‬إل أن‬‫الثلثة‪ -‬وإن لم توجد حدود واضحة المعالم تفصل بع ً‬
‫ترتيبها عامل أساسي في بناء الشخصية السلمية المتكاملة‪ ،‬وتجنب الخلط‬
‫في التلقي‪ ،‬وهذه الطوار الثلثة هي ‪:‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫طور بناء العقيدة ‪ :‬أي إيجاد الفكر الصحيح عن ارتباط النسان بربه وعلقته‬
‫مع مخلوقات الله ولسنا نقصد بالعقيدة الجانب العلمي فقط ولكنا نريد مع‬
‫ذلك ما ذكره الستاذ سيد قطب رحمه الله عن عملية التربية العقيدية بقوله‪:‬‬
‫]هكذا ينبغي أن تطول مرحلة بناء العقيدة‪ ،‬وأن تتم خطوات البناء على مهل‪،‬‬
‫وفي عمق وتثبيت ‪ ..‬ثم هكذا ينبغي أل تكون مرحلة دراسة نظرية‬
‫للعقيدة ‪..‬ولكن مرحلة ترجمة لهذه العقيدة ـ أول ً بأول ـ في صورة حية‬
‫متمثلة في ضمائر متكيفة بهذه العقيدة‪ ،‬ومتمثلة في بناء جماعي وتجمع‬
‫حركي يعبر نموه من داخله وخارجه عن نمو العقيدة ذاتها ‪ ..‬وخطأ أي خطأ‬
‫أن تتبلور العقيدة في صورة 'نظرية'‪ ،‬مجردة للدراسة الذهنية المعرفية‬
‫الثقافية ‪ ..‬بل خطر أي خطر كذلك[‪.‬‬
‫طور التطبيق ‪:‬إذا ما رسخت العقيدة في نفس المدعو‪ ،‬وأحس أنه متصل‬
‫بالله‪ ،‬وأن علقته بربه أصبحت أقوى من قبل‪ ،‬يأتي دور التطبيق‪ ،‬وهو‬
‫انعكاس طبيعي لمعتقد المدعو يتمثل في سلوكه وتصرفاته وحركاته‬
‫وسكناته‪ ،‬وذلك أن الخلق والعبادات والمعاملت السلمية هي مظهر من‬
‫خا‬‫مظاهر الوجود العقائدي وأثر من آثاره ‪ ..‬وبقدر ما يكون هذا متيًنا راس ً‬
‫بقدر ما يتحقق التوافق والتلزم بين المظهر والجوهر ‪ ..‬ولذلك كان من‬
‫مقتضيات هذا الطور دعوة المرء إلى أخذ نفسه بما يوافق عقيدته‪ ،‬وينسجم‬
‫ما كلًيا مع التشريعات المنبعثة عن هذه العقيدة‪.‬‬ ‫انسجا ً‬
‫طور النخراط في العمل السلمي ‪:‬إذا ما رسخت عقيدة المدعو‪ ،‬وتكامل‬
‫دا للنخراط في‬ ‫فهمه للسلم‪ ،‬وحسن عمله بمقتضى الشرع‪ ،‬أصبح مع ً‬
‫العمل السلمي المؤسسي‪ ،‬وهنا يبدأ الداعية المربي بربطه بالعمل‬
‫المؤسسي‪ ،‬مع بيان الدلة في شرعية هذا العمل وعدم البتعاد عنه شبًرا‬
‫دا‪ ،‬فإذا ما تكاملت المفاهيم الساسية عند المدعو‪ ،‬أصبح على أبواب‬ ‫واح ً‬
‫اشتراكه في العمل السلمي واندماجه فيه‪ ،‬وتلحمه معه‪.‬‬
‫قواعد أساسية في التربية ‪:‬‬
‫وهناك بعض القواعد الساسية في التربية يجب على المربي النتباه لها‪،‬‬
‫والخذ بها خلل عمله مع مدعوه‪ ،‬ومن هذه القواعد‪:‬‬
‫ك ]‪“ }[159‬سورة‬ ‫حوْل ِ َ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫ضوا ِ‬ ‫ب َلن ْ َ‬
‫ف ّ‬ ‫قل ْ ِ‬
‫ظ ال ْ َ‬
‫ظا غَِلي َ‬
‫ت فَ ّ‬
‫‪ -1‬الرفق ‪ {:‬وَل َوْ ك ُن ْ َ‬
‫آل عمران”‪.‬فالرفق أساس المعاملة‪ ،‬والداعية ل يكسب قلب مدعوه إل إذا‬
‫عامله بالرفق واللين حتى يسهل امتلك قلبه‪.‬‬
‫‪ -2‬البتعاد عن الذم والتعاتب ‪ :‬فالدعوة إلى الله ل تقوم على العتاب والذم‬
‫والتوبيخ‪ ،‬إنما بالتناصح والتغافر والرشاد بالحسنى‪ ،‬وهذا هو الزاهد ابن‬
‫دا نتعاتب' فقال له ابن‬ ‫السماك لما قال له صديق‪' :‬الميعاد بيني وبينك غ ً‬
‫دا نتغافر'‪.‬‬ ‫السماك رحمه الله‪ ':‬بل بيني وبينك غ ً‬
‫‪ -3‬التربية تمهيد وتشويق ‪ :‬وهذه قاعدة ثابتة‪ ،‬فالتربية ل تكون بالجبار ول‬
‫يمكن جبر إنسان على سلوك مسلك معين‪ ،‬بل يجب استبدال أسلوب الجبار‬
‫بأسلوب التمهيد والتشويق‪ ،‬وهذا السلوب يستدعي من الداعية شيًئا من‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصبر؛ لنه الثمرة قد تتأخر‪ ،‬وقد يطول على الداعية موسم قطفها‪،‬فليصبر‪.‬‬
‫عا‬
‫‪ -4‬التشجيع ‪:‬فتشجيع الداعية المربي لمدعوه يزيده حماسة واندفا ً‬
‫للعمل ‪ ..‬وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من المواقف ما يؤيد‬
‫هذه القاعدة في التربية‪ :‬كموقفه مع صهيب حين قدم إلى المدينة مهاجًرا‬
‫بعد أن تنازل عن ماله كله للمشركين‪ ،‬ونجا بدينه منهم‪ ،‬فقابله الرسول صلى‬
‫ب[ رواه الحاكم والطبراني‬ ‫صهَي ْ ٌ‬
‫ح ُ‬ ‫ب ‪َ ..‬رب ِ َ‬
‫صهَي ْ ٌ‬‫ح ُ‬‫الله عليه وسلم بقوله‪َ] :‬رب ِ َ‬
‫وأبونعيم في الحلية‪ .‬ومواقف أخرى كثيرة تبين قيام الرسول بهذه القاعدة‬
‫في تربية صحابته الكرام رضوان الله عليهم‪.‬‬
‫المؤسسة الدعوية السلمية ومنهج التربية ‪:‬‬
‫لبد لكل دعوة تقوم من قاعدة صلبة تبني عليها صرحها‪ ،‬وكلما قويت هذه‬
‫القاعدة؛ كان البناء أثبت وأشد قوة‪ ،‬والتوسع الفقي قبل قيام هذه القاعدة‬
‫خطر ماحق يهدد وجود أية حركة ل تسلك طريق الدعوة الولى من هذه‬
‫الناحية‪.‬والدعوة وهي تتصل بالسواد العظم من الناس بحاجة إلى رجال‬
‫ونون القاعدة الصلبة التي تحمل بناءها‪ ،‬وتقوم على‬ ‫أكفاء يحملون أمرها‪ ،‬ويك ّ‬
‫أكتافهم مسئوليات الدعوة وتبعاتها الثقيلة‪ .‬وما التربية والتركيز إل أسلوب‬
‫من أساليب تكوين تلك العناصر القوية الصلبة التي تحتاجها المؤسسة‬
‫الدعوية‪.‬‬
‫‪”-2‬التحرك الدعوي بين الدعوة الفردية والعمل العام”‪:‬‬
‫ب‪ -‬العمل العام‬
‫‪-1‬الموعظة‬
‫ثانيًا‪ :‬منهج الوعظ العام‪:‬‬
‫منهج آخر من مناهج الدعوة‪ ،‬وهو منهج الوعظ العام‪ ،‬وهذا المنهج يختلف‬
‫جا‪ ،‬ولكل منهما مجاله الذي‬ ‫بطبيعة الحال عن منهج التربية أسلوًبا وتأثيًرا ونتا ً‬
‫يصلح فيه‪ ،‬وسنتكلم بشيء من التفصيل عن هذا المنهج‪:‬‬
‫كره ما يحمله على التوبة‪.‬‬ ‫معنى الوعظ ‪:‬لغة‪ :‬نصح له‪ ..‬ذ ّ‬
‫حا‪ :‬الوعظ هو ما كان الخطاب فيه موجًها إلى جماعة من الناس بقصد‬ ‫اصطل ً‬
‫التأثير فيهم‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫طبيعة هذا المنهج ‪:‬ل شك أن 'الوعظ والرشاد وسيلة هامة من وسائل‬


‫الدعوة إلى الله تعالى‪ ،‬ل يستغنى عنها بحال ول يجوز التهوين من تأثيرها‬
‫على الكثير من الناس‪ ،‬ولسيما إذا قام بها داعية ذو قلب حي‪ ،‬وعقل نّير‪،‬‬
‫فإن الله يهدي به اللوف من الناس ‪ ..‬وقد كان الرشاد والوعظ جزًءا من‬
‫مهمة النبياء والمرسلين‪ ،‬الذين بعثهم الله مبشرين ومنذرين'“الحل‬
‫السلمي للقرضاوي”‪.‬وتأتي أهمية الوعظ والرشاد في أن الناس تصيبهم‬
‫غفلة ونسيان‪ ،‬فينغمسون في الدنيا وينسون الخرة والعمل لها ‪ ..‬وهنا تأتي‬
‫مهمة الواعظ في أن ينبه الناس‪ ،‬ويوقظهم من غفلتهم‪ ،‬ويربطهم بربهم من‬
‫جديد‪ .‬ولكن هذه الوسيلة وحدها ـ برغم جللها وتأثيرها ـ ل تكفي لتحقيق‬
‫الهدف المراد‪ ،‬وذلك لسباب‪:‬‬
‫أن الوعظ والرشاد ل يتعدى جدران المساجد وروادها‪ ،‬أما الملحدة‪،‬‬
‫والباحيون‪ ،‬وحملة الفكار الهدامة فهؤلء ل يحضرون أماكن الوعظ أصل‪ً،‬‬
‫وحتى لو حضروها ما انتفعوا بها؛ لن خراب عقولهم أعمق من أن تؤثر فيه‬
‫كلمة‪ ،‬أو خطبة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن تأثير الموعظة محدود الزمان‪ ،‬فالمستمعون قد يتأثرون بالمواعظ أشد‬


‫التأثر‪ ،‬وقد تذرف أعينهم الدمع‪ ،‬ولكن ما إن ينصرفوا حتى يعود كل منهم إلى‬
‫حاله‪ ،‬وسرعان ما يتبخر أثر الوعظ إذا ما دخلوا في لجة الحياة‪.‬‬
‫أن الوعظ والرشاد وسيلة يقصد بها التأثير على الفراد‪ ،‬أما تغيير المجتمعات‬
‫بتبديل مفاهيمها وقيمها وتقاليدها وقوانينها‪ ،‬فهذا أمر فوق قدرة الواعظ‬
‫وطاقته‪ ،‬فتلك القوانين والوضاع مسنودة من قبل رجالت المجتمع‬
‫ومؤسساته‪ ،‬والكلمة ل تحرك فيهم ساكًنا‪.‬‬
‫أن أجهزة العلم المضادة للمنبر باتت أعظم أثًرا‪ ،‬وأكبر خطًرا منه‪،‬‬
‫فالصحف والمجلت‪ ،‬والراديو والتلفاز والسينما كلها تهدم ما يبنيه الواعظ‪،‬‬
‫فليكاد يظهر لكلمه أثر في مستمعيه‪ ،‬وقد قال الشاعر‪:‬‬
‫ما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟!‬ ‫متى يبلغ البنيان يو ً‬
‫ن خلفه ألف هادم؟!‬ ‫ن خلفهم هادم كفى فكيف ببا ٍ‬ ‫ولو ألف با ٍ‬
‫أن الواعظ قد ل يجد الحرية الكافية لبداء حكم الله‪ ،‬خاصة إذا كان في‬
‫ل‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإن كلمته مقيدة محدودة الثر‪.‬‬ ‫مجتمع يحارب السلم أص ً‬
‫هذه بعض السباب التي تجعل أسلوب الوعظ والرشاد محدود الثر‬
‫والنتاج ‪ ..‬فهو قد ينبه غافل ً أو يصحح خطأ‪ ،‬ولكنه ل يبني مجتمًعا‪.‬‬
‫صفات الواعظ ‪:‬من المعروف أنه ما خرج من اللسان‪ ،‬ل يتجاوز الذان‪ ،‬وما‬
‫خرج من القلب‪ ،‬وصل إلى القلب؛ فحرك دم الصلح فيه‪ ،‬وهذه قاعدة لبد‬
‫لكل واعظ أن يمر عليها قبل أني يقف على المنبر ‪..‬ونستطيع وصف الواعظ‬
‫أو المرشد بأنه‪' :‬شخص كملت نفسه‪ ،‬وتهذب خلقه‪ ،‬ورشد عقله‪ ،‬عامل بما‬
‫علم‪ ،‬واقف عند ما رسمه له الشارع‪ ،‬مليء قلبه بخشية الله ‪ ..‬بصير بأحوال‬
‫ل‪ ،‬عليم بالطريق الذي يسوسهم‬ ‫الناس‪ ،‬خبير بأمورهم‪ ،‬وليس خًبا ول مغف ً‬
‫ل‪ ،‬وكيف يتسرب اليأس إلى نفسه وما عليه‬ ‫منه ‪ ..‬ل يعرف اليأس إليه سبي ً‬
‫إل البلغ المبين ‪ ..‬يعرف القرآن جد المعرفة‪ ،‬ويعرف أعمال الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم وهديه ‪ ..‬وسياسي حكيم يأتي للناس من وجهة ما يعرفون‪،‬‬
‫ه يستطيع أن يعظ كل‬ ‫ليصل بهم إلى ما ينكرون من حيث ل يشعرون‪ .‬ن َِبي ٌ‬
‫صنف من الناس‪ ،‬فهو بذكائه يستطيع أن يرد ّ شاردهم‪ ،‬ويكبح جامحهم إلى‬
‫حيث يسمعون عظته البليغة‪ ،‬وقولته الساحرة'“إصلح الوعظ الديني لمحمد‬
‫البهي”‪.‬‬
‫ومن أهم الصفات التي يجب على الواعظ التمسك بها حتى تكون له كلمة‬
‫مسموعة وكلم مفيد‪ :‬عمله بما يقول‪ ،‬وتطبيقه لما يرشد إليه الناس‪ ،‬بل‬
‫يجب أن يكون أول من يقدم على العمل؛ فهو في محل قدوة‪ ،‬يقول مالك بن‬
‫ن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما‬ ‫دينار رحمه الله‪] :‬إ ّ‬
‫تزل القطرة عن الصفا[”المنطلق لمحمد الراشد”‪.‬‬
‫من آداب الوعظ العام ‪:‬‬
‫حسن الختيار ‪ :‬على الواعظ أن يراعي حسن الختيار في العناصر التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬الموضوع ‪ :‬فالموضوع يعتمد على نوعية المخاطبين‪ ،‬ومستواهم الفكري‬
‫والثقافي‪ ،‬وعليه التجديد في توضيح فكرته كلما أمكن‪.‬‬
‫‪ -2‬اختيار اللفظ والعبارة ‪ :‬فل يأتي بالهجين السوقي‪ ،‬والغريب المتشابه‪،‬‬
‫ولكن يجب عليه تسهيل الكلمات واللفاظ‪.‬‬
‫‪ -3‬اختيار الوقت المناسب ‪ :‬فل يعظ في وقت يشق فيه على السامعين‪،‬‬
‫كوعظ في حرٍ شديد‪ ،‬أو برد قارس‪.‬‬
‫‪ -4‬اختيار المكان المناسب ‪ :‬يجب اختيار المكان المناسب الذي يرتاح إليه‬
‫المستمعون‪ ،‬ويكون عامل ً في حسن إصغائهم‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عدم الطالة ‪:‬فالطالة هي آفة الوعاظ‪ ،‬وهو مخالف لهدي السلم والطاقة‬
‫الذهنية محدودة‪.‬‬
‫حسن الداء ‪:‬ومنه البدء باسم الله تعالى وحمده والثناء عليه‪ ،‬واستحضار‬
‫المادة والتشويق‪ ،‬والوقار وحسن السمت‪.‬‬
‫طرق الوعظ العام ‪:‬‬
‫الخطابة ‪:‬وهي أشد طرق الوعظ أثًرا في النفوس إذا كانت صادرة من قلوب‬
‫مخلصة‪ ،‬طاهرة طيبة‪ ،‬كان لصاحبها من طلقة اللسان ما يحسن التعبير عما‬
‫يكّنه الفؤاد”إصلح الوعظ الديني لمحمد الخولي”‪ .‬والخطابة ل تقتصر على‬
‫خطب الجمع فحسب‪ ،‬بل تتعداها إلى الخطب العامة في الميادين‬
‫والمنتديات‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫حا لية من القرآن‪ ،‬أو لحديث رسول‬ ‫الدرس ‪':‬والدرس في الغالب يكون شر ً‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو بياًنا لمسألة أو مسائل من الفقه ‪ ..‬ويشترط‬
‫دا‪ ،‬وأل ّ يستطرد كثيًرا‬‫قا تحضيًرا جي ً‬‫ضر مادته مسب ً‬‫للواعظ في درسه أن ُيح ّ‬
‫وهو يلقي موضوعه؛ لن الستطراد يبعد السامع عن أصل الموضوع'“أصول‬
‫الدعوة لعبد الكريم زيدان”‪.‬‬
‫الكتابة ‪':‬المقصود بالكتابة في مجال الوعظ والرشاد هي 'الكتابة الخطابية‬
‫التي يقصد فيها إلى تحريك أوتار القلوب‪ ،‬والتأثير في العصاب'“أصول‬
‫الدعوة لعبد الكريم زيدان”‪ .‬والكتابة إما أن تكون عن طريق الرسائل ـ كما‬
‫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب إلى حكام البلد غير السلمية‬
‫يدعوهم فيها إلى السلم ـ أو تكون بتأليف الكتب والبحاث والمقالت‪،‬‬
‫'ويلحظ في كتابة الرسائل والبحاث والكتب أنها توجه إلى العموم ويقرؤها‬
‫كثير من الناس على اختلف مستوياتهم‪ ،‬فيجب على الداعية كتابتها بأسلوب‬
‫بسيط مفهوم'“أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان”‪.‬‬
‫بين التربية الفردية والوعظ العام ‪:‬‬
‫مما ل شك فيه أن المنهجين السابقين ـ منهج التربية الفردية والوعظ العام ـ‬
‫هما الساس الول الذي تعتمد عليه كل مؤسسة في تبليغ دعوتها إلى الناس‪،‬‬
‫فبالرغم من عظمة أهمية التربية الفردية بالنسبة إلى المؤسسة الدعوية‬
‫لتكوين قواعد صلبة يقوم عليها بنيانها‪ ،‬وإعداد قيادات تحرك الجماعة وتشد‬
‫من أزرها ‪ ..‬بالرغم من هذا كله‪ ،‬فإن ذلك ل يقلل من قيمة الوعظ العام‬
‫كمنهج في نشر الوعي وبث الفكار الصحيحة بين جموع الناس لكسب الراء‬
‫وتمهيد السبيل أمام المربين لعداد الفراد القادرين على تحمل مسئولية‬
‫الدعوة والنهوض بها‪.‬وبهذا تكون المؤسسة الدعوية قد نزلت إلى الميدان‬
‫مستعدة بثقلها متبعة في ذلك أسلوب التوعية والتذكير يلحقه المتابعة‬
‫والعداد‪ .‬ولكن تلك الخطوات السابقة يجب أن تتم بحذر واتزان وتخطيط‬
‫مسبق‪ ،‬والسير وفق مراحل ثابتة‪ .‬يدعمها عدم الغترار بالسواد والكثرة‪ ،‬فإن‬
‫التكاثر على حساب التربية والتركيز قاسم للجماعة والدعوة‪.‬‬
‫أضواء على الطريق ‪:‬‬
‫بعد النتهاء من هذا الفصل لبد من ذكر الملحظات التالية ‪:‬‬
‫جل وتحكيم شرعه في كل نواحي الحياة‪.‬‬ ‫ضرورة الدعوة إلى الله عّز و ّ‬
‫والشبهات التي يثيرها الناس حول السلم كثيرة‪ ،‬فيجب على الداعية أل يتأثر‬
‫بها‪ ،‬وأن يحس بأن هؤلء الذين يثيرون هذه الشبهات إما مرضى أو جهلة‪،‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكل من الصناف علج خاص ‪ .‬وعصرنا الحاضر عصر التجمعات‪ ،‬فلبد من‬
‫مؤسسات تقوم بمهام الدعوة إلى السلم‪.‬‬
‫تعدد المؤسسات السلمية ليس شًرا‪ ،‬بل إذا خلصت النوايا فإن التقارب هو‬
‫مصير جميع هذه المؤسسات‪.‬‬
‫ويجب أن تأخذ المؤسسات السلمية بالتربية الفردية إلى جانب الوعظ العام‬
‫في إطار العمل السلمي وضروراته‪.‬‬
‫‪”-2‬التحرك الدعوي بين الدعوة الفردية والعمل العام”‪:‬‬
‫ب‪ -‬العمل العام‬
‫‪-2‬النصيحة‬
‫النصيحة ‪:‬‬
‫ب نصيحة من‬ ‫قوام ديننا على النصيحة‪ ،‬فبها تسدد الخطى ويتضح الطريق‪ ،‬وُر ّ‬
‫شخص كانت خيًرا وبركة على صاحبها‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬
‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫مةِ ال ْ ُ‬ ‫ل‪ ”:‬ل ِل ّهِ وَل ِك َِتاب ِهِ وَل َِر ُ‬
‫سول ِهِ وَِلئ ِ ّ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ة” قُل َْنا ل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ح ُ‬
‫صي َ‬
‫ن الن ّ ِ‬‫دي ُ‬
‫‪” :‬ال ّ‬
‫م”رواه مسلم والترمذي وأبوداود والنسائي والدارمي وأحمد‪.‬‬ ‫مت ِهِ ْ‬
‫عا ّ‬
‫وَ َ‬

‫)‪(11 /‬‬

‫هذا الحديث يبّين منهج هذا الدين الذي يقوم عليه المجتمع السلمي‪ ،‬فهذا‬
‫المجتمع حين يقوم على دعائم وأسس قوية من اليمان بالله عز وجل‬
‫ويها‪ ،‬فشرعت‬ ‫والتآخي‪ ،‬لبد وأن يحاط بأسوار تحفظ هذه الدعائم وتق ّ‬
‫النصيحة لكي تكون ذلك الجدار الذي يصد نزغات الشيطان ومحاولته للنيل‬
‫من قوة الصف‪ ،‬فالنصيحة تنفي الخطاء‪ ،‬وتعين على السير في الطريق‬
‫المستقيم‪ .‬وهي بمثابة المصحح للمسار المعوج‪ ،‬الذي تجنح إليه النفس‬
‫البشرية أحياًنا‪ ،‬فمن هنا جاءت مبالغة الرسول صلى الله عليه وسلم في‬
‫تعريف الدين بأنه النصيحة‪ ،‬أي‪ :‬أن عماد الدين وقوامه قائم على النصيحة‪،‬‬
‫ر]‪[2‬إ ِّل‬ ‫س ٍ‬ ‫خ ْ‬ ‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫سا َ‬ ‫ن اْل ِن ْ َ‬ ‫ر]‪[1‬إ ِ ّ‬ ‫ص ِ‬ ‫ل في سورة العصر‪َ{ :‬وال ْعَ ْ‬ ‫يقول عّز وج ّ‬
‫ر]‪“}[3‬سورة‬ ‫صب ْ ِ‬ ‫وا ِبال ّ‬ ‫ص ْ‬‫وا َ‬ ‫حقّ وَت َ َ‬ ‫ْ‬
‫وا ِبال َ‬ ‫ص ْ‬‫وا َ‬‫ت وَت َ َ‬‫حا ِ‬
‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫العصر”‪ .‬فالتواصي بالحق والصبر والتناصح على التماسك بهما هو سبب‬
‫الفلح في الدنيا والخرة وبدونه تحل الخسارة بالمجتمع المسلم‪ ،‬ولم يكن‬
‫الرسل في بعثتهم إلى قومهم إل مجرد ناصحين لهم بالخروج من الضلل‬
‫الذي هم فيه‪ ،‬فلما أصروا على باطلهم وعصوا وتجبروا وأبوا إل الضلل؛ بّين‬
‫لهم الرسل أنهم ل يبغون سوى إبلغ كلمة الحق‪ ،‬فهم ل يطمعون في عرض‬
‫من دنيا‪ ،‬أو مال‪ ،‬وما يريدون إل النصح‪ .‬فهذا نوح عليه السلم يقول لقومه {‬
‫ُ‬
‫م‬‫ن]‪ [61‬أب َل ّغُك ُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ن َر ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬‫سو ٌ‬ ‫ة وَل َك ِّني َر ُ‬ ‫ضَلل َ ٌ‬ ‫س ِبي َ‬ ‫ل َياقَوْم ِ ل َي ْ َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬
‫م ]‪“}[62‬سورة العراف”‪.‬وقال صالح عليه السلم‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬‫ص ُ‬
‫ت َرّبي وَأن ْ َ‬ ‫ساَل ِ‬ ‫رِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫حّبو َ‬ ‫ن ل تُ ِ‬ ‫م وَلك ِ ْ‬ ‫ت لك ُ ْ‬ ‫ح ُ‬‫ص ْ‬ ‫ة َرّبي وَن َ َ‬ ‫سال َ‬ ‫قد ْ أب ْلغْت ُك ُ ْ‬
‫م رِ َ‬ ‫لقومه‪َ {:‬ياقَوْم ِ ل َ‬
‫ن]‪“} [79‬سورة العراف”‪.‬‬ ‫حي َ‬‫ص ِ‬ ‫الّنا ِ‬
‫المراد بالنصيحة ‪:‬قال الخطابي رحمه الله‪ ':‬النصيحة كلمة جامعة‪ ،‬معناها‪:‬‬
‫حيازة الحظ للمنصوح له‪ ..‬ومعناها‪ :‬أن الناصح ل يترك باب خير ول سبب‬
‫فلح إل وبّينه للمنصوح له‪ .‬وقيل‪ :‬النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوَبه إذا‬
‫خاطه‪ ،‬فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلح المنصوح له بما يسدده‬
‫من خلل الثوب فهو يسد له نواحي النقص ويحاول إصلحها‪..‬وقيل‪ :‬إنها‬
‫مأخوذة من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع فشبهوا تخليص قول الناصح‬
‫من الغش بتخليص العسل من الخلط‪ .‬وعلى هذا يكون المراد بالنصيحة‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ابتغاء الخير والصلح للمنصوح له‪.‬‬


‫النصيحة من حقوق الخوة‪ :‬من ألزم حقوق الخوة‪ :‬إسداء الخ النصيحة لخيه‬
‫المسلم‪ ،‬فما أكثر ما ينتفع الخ بأخيه مما يوضح له من زلته وعثراته ويقيله‬
‫منها‪ ،‬فإن الخ إذا رأى من أخيه خطأ فسكت عنه‪ ،‬ولم يرشده إلى الصواب؛‬
‫فقد غشه‪ ،‬وكثيرون يعتقدون أن السكوت عن أخطاء الخوة من مستلزمات‬
‫الخوة ولقد أخطأوا‪ ،‬فإن الساكت عن إسداء النصيحة ساكت عن قول الحق‪،‬‬
‫يلحقه إثم بذلك‪ ،‬وآخرون يمتنعون عن إسداء النصيحة خشية أن يغضب‬
‫المنصوح‪ ،‬وكأنهم ل يقولون النصيحة إل طلًبا لحب الناس ل لرضى الله عز‬
‫وجل‪ ،‬فإن من طلب رضى الله لم يهتم بغضب الناس‪.‬‬
‫فمن التقصير في حق الخوة إهمال جانب النصيحة‬
‫ّ‬
‫وقد أطنب السلف رحمهم الله في بيان هذا المر وأكدوا عليه وبّينوا أن من‬
‫ألزم حقوق الخوة إسداء النصح للخ المسلم فهم خير الخوان كما يقول أبو‬
‫حاتم البستي رحمه الله‪] :‬خير الخوان أشدهم مبالغة في النصيحة‪ ،‬كما أن‬
‫صا‪ ،‬وضرب الناصح خير من تحية‬ ‫خير العمال أحمدها عاقبة وأحسنها إخل ً‬
‫الشانئ[‪.‬‬
‫ومها كما قال الحسن‬ ‫والمؤمن مرآة أخيه يرى فيه عيوبه؛ فيصححها ويق ّ‬
‫البصري رحمه الله‪] :‬المؤمن شعبة من المؤمن وهو مرآة أخيه‪ ،‬إن رأى منه‬
‫ومه ونصحه بالسر والعلنية[‪.‬‬ ‫ما ل يعجبه؛ سدده وق ّ‬
‫وكما أن المؤمن من يصل أخاه بالزيارة تلو الزيارة‪ ،‬أو بهدية يرطب بها‬
‫علقات المحبة بينهما‪ ،‬فكذلك عليه أن يصله بنصيحة تفيده في دنياه وآخرته‪،‬‬
‫يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله‪':‬من وصل أخاه بنصيحة في دينه‪ ،‬ونظر‬
‫له في صلح دنياه‪ ،‬فقد أحسن صلته وأّدى واجب حقه'‪..‬وجعله الحارث‬
‫المحاسبي دليل الحب‪ ،‬فقال‪' :‬واعلم أن من نصحك فقد أحبك‪ ،‬ومن داهنك‬
‫فقد غشك‪ ،‬ومن لم يقبل نصيحتك فليس بأخ لك'‪.‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫وهكذا ترى أخي المسلم أن أمر النصيحة واجب عليك تجاه أخيك المسلم‪،‬‬
‫إن قصرت فيه فقد بينت عن عيب فيك‪ ،‬وعدم إدراك ووفاء لحق الخوة‪،‬‬
‫ووقعت في مسمى من حق عليهم الخسران الذي ذكره الله عز وجل في‬
‫سورة العصر‪ .‬وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم يتحرجون من ذلك‬
‫فيسارعون في إبداء النصيحة ل يخشون في الله لومة لئم‪ ،‬يتذكرون أنهم‬
‫بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم فلبد من‬
‫صر لحقه الثم‪ ،‬وما أكثر ما كانوا يسارعون إلى‬ ‫الوفاء بالبيعة‪ ،‬فإن من ق ّ‬
‫ن عَب ْدِ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ريرِ ب ْ ِ‬ ‫ج ِ‬‫الخيرات‪ ،‬وإلى تطبيق الواجبات واجتناب المنهيات‪ .‬فعن َ‬
‫م' رواه‬ ‫سل ِ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫صِح ل ِك ُ ّ‬ ‫م عََلى الن ّ ْ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫ل‪َ ' :‬باي َعْ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫مسلم‪ .‬ولم ينس رضي الله عنه شروط البيعة بل ظلت عالقة في ذهنه‬
‫صا شرط النصح لكل مسلم فتراه في كل أحواله‬ ‫يحرص على تطبيقها‪ ،‬خصو ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سا‬‫ه فََر ً‬ ‫شت ََرى ل ُ‬ ‫سا َفا ْ‬ ‫ه فََر ً‬ ‫شت َرِيَ ل ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫موْله ُ أ ْ‬ ‫مَر َ‬ ‫حا للمسلمين‪ ،‬فقد أ َ‬ ‫ناص ً‬
‫ب‬ ‫ح ِ‬‫صا ِ‬ ‫رير ل ِ َ‬ ‫ج ِ‬‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن ‪ ,‬فَ َ‬ ‫م َ‬ ‫قد َهُ الث ّ َ‬ ‫حب ِهِ ل ِي َن ْ ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫جاَء ب ِهِ وَب ِ َ‬ ‫هم ‪ ,‬وَ َ‬ ‫مائ َةِ دِْر َ‬ ‫ب ِث َل َث ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪ :‬ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫هم ؟' َقا َ‬ ‫مائ َةِ دِْر َ‬ ‫ه ب ِأْرب َعِ ِ‬ ‫هم ‪ .‬أت َِبيعُ ُ‬ ‫مائ َةِ دِْر َ‬ ‫ن ث ََلث ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫سك َ‬ ‫فَرس ‪ ' :‬فََر ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مائ َةِ دِْر َ‬ ‫َ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫إ ِل َْيك َيا أَبا عَْبد الّله ‪ .‬فَ َ‬
‫هم ؟'‬ ‫س ِ‬ ‫م ِ‬ ‫خ ْ‬
‫ه بِ َ‬ ‫ك ‪ .‬أت َِبيعُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫خْير ِ‬ ‫سك َ‬ ‫ل ‪ ':‬فََر ُ‬ ‫قا َ‬
‫خْير‬ ‫سك َ‬ ‫قول ‪ ':‬فََر َ‬ ‫ريٌر ي َ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ضى ‪ ,‬وَ َ‬ ‫حبه ي َْر َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ماَئة ‪ ,‬وَ َ‬ ‫ماَئة ‪ ,‬فَ ِ‬ ‫زيد ُه ُ ِ‬ ‫ل يَ ِ‬ ‫م ي َُز ْ‬‫م لَ ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال ‪ ' :‬إ ِّني‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه ِفي ذ َل ِك ‪ ,‬ف َ‬ ‫قيل ل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شت ََراه ُ ب َِها' ‪ .‬ف ِ‬ ‫َ‬
‫هم ‪ .‬فا ْ‬ ‫َ‬
‫مائةِ دِْر َ‬ ‫مان ِ‬ ‫َ‬
‫ن ب َلغَ ث َ‬ ‫إ َِلى أ ْ‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سِلم'هذه القصة‬ ‫م ْ‬
‫ل ُ‬‫صح ل ِك ُ ّ‬ ‫م عََلى الن ّ ْ‬ ‫سل ّ َ‬
‫صّلى الّله عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫سول الّله َ‬ ‫َباي َْعت َر ُ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي‪.‬‬ ‫سم الطب ََران ِ ّ‬ ‫قا ِ‬ ‫حاِفظ أُبو ال َ‬ ‫ها ال ْ َ‬
‫َرَوا َ‬
‫طلب النصيحة ‪ :‬وقلة أولئك الذين يطلبون النصيحة‪ ،‬فإن الكثيرين يرون في‬
‫النصيحة إظهار معايبهم فتأبى عليهم عّزة نفوسهم أن يتقبلوها‪ ،‬ويرون فيها‬
‫إهانة لنفسهم فيترفعون عنها‪ ،‬أما السلف الصالح رحمهم الله فكانوا في‬
‫درجة أعلى من قبول النصيحة أو إسدائها‪ ،‬حيث إنهم كانوا يطلبونها‬
‫ويحرصون عليها‪ ،‬ويوصون إخوانهم بمراقبة زلتهم والتنبيه عليهم؛ فالمؤمن‬
‫مرآة أخيه‪ .‬كان عمر بن عبد العزيز يقول لموله مزاحم‪] :‬إن الولة جعلوا‬
‫العيون على العوام وأنا أجعلك عيني على نفسي‪ ،‬فإن سمعت مني كلمة تربأ‬
‫بي عنها أو ِفعال ً ل تحبه‪ ،‬فعظني عنده وانهني عنه[‪.‬‬
‫واعلم أخي وفقك الله أن الحرص على النصيحة وطلبها يورث أموًرا كثيرة‬
‫حسنة في قلب المسلم‪:‬‬
‫فهو ابتداًء لم يغفل عن نفسه وشرورها وشحها‪ ،‬فعلم أن فيها معايب يجب‬
‫أن تعالج‪.‬‬
‫ما‪.‬‬‫وهو ثانًيا مستعد لن يغّير ما يعلمها من عيب في نفسه مادام مقًرا به عال ً‬
‫ل بنفسه عن النظر إلى عيوب الناس‪ ،‬ومن شغل بنفسه نجا‪ ،‬ومن‬ ‫شغِ َ‬‫ثم إنه ُ‬
‫اشتغل بالنظر إلى معايب الناس هلك وكان على شفا حفرة من‬
‫الضلل‪..‬يقول السري السقطي رحمه الله‪] :‬من علمة الستدراج للعبد عماه‬
‫عن عيبه واطلعه على عيوب الناس[‪.‬‬
‫ثم تراه يرى عيوب الناس ول يرى عيبه وإن كان كبيًرا كما قال النبي صلى‬
‫جذ ْع َ ِفي‬
‫سى ال ِ‬ ‫ن أَ ِ‬
‫خيهِ وَي َن ْ َ‬ ‫ذاة َ ِفي عَي ْ ِ‬‫ق َ‬
‫م ال َ‬ ‫حد َك ُ ْ‬
‫َ‬
‫صُر أ َ‬‫الله عليه وسلم‪ ” :‬ي ُب ْ ِ‬
‫ه” رواه ابن حبان وأبونعيم في الحلية والبيهقي في الشعب‪ ،‬وصححه‬ ‫عَي ْن ِ ِ‬
‫اللباني ‪.‬وقد سلم من وجد في نفسه شغل ً في النظر إلى معايبها‪ ،‬وطلب‬
‫النصيحة من الخرين ليدلوه على معايب نفسه ‪.‬‬
‫خلق طلب النصيحة يوجب على النسان أن ينتقي من يصاحب ويحرص‬ ‫و ُ‬
‫على مجالسة الخلء الذين يعدون عليه معايبه بستر الناصح المين‪ ،‬والذين ل‬
‫يغشونه بسكوتهم عنه‪ ،‬وترضيتهم له على حساب عوج في نفسه‪ ،‬وإن كان‬
‫دعي فعليه أن يكثر من سؤالهم عن معايب نفسه ل أن ينتظر‬ ‫صادًقا فيما ي ّ‬
‫ي شيًئا‬ ‫منهم أن يذكروها له‪ ،‬فيبادرهم بالسؤال بين فينة وأخرى هل ترون ف ّ‬
‫كما كان سّيد تابعي الشام بلل بن سعد رحمه الله تعالى يقول لصاحبه عبد‬
‫الرحمن بن يزيد‪] :‬بلغني أن المؤمن مرآة أخيه‪ ،‬فهل تستريب من أمري‬
‫شيًئا[‪.‬‬
‫قبول النصيحة ‪ :‬وطلب النصيحة إنما يكون لقبولها‪ ،‬بل هو الثمرة والستجابة‬
‫لحرص النفس على معالجة عيوبها‪ ،‬فمن عرف نفسه واشتغل بالنظر إليها‬
‫عن النظر إلى عيوب الناس؛ أدرك أن فيه من المعايب ما يجعله يصرف همه‬
‫للبحث عن النصحاء؛ ليدلوه عليها ويعينوه على تلفيها‪.‬‬
‫والصادق يفرح بالنصيحة ويأنس بها ويحس كأنه حاز على كنز ثمين‪ ،‬أما‬
‫الكاذب فيبغض النصيحة‪.‬‬
‫ن في‬ ‫فمن الناس من إذا نصحته كان لك عدًوا‪ ،‬واعتبرك عدوه‪ ،‬ويظن أ ّ‬
‫صا له وإهانة لكرامته‪ ،‬فأمثال هؤلء الذين يلجون في الخصومة‬ ‫النصيحة إنقا ً‬
‫ً‬
‫إن نصحوا ليسوا أهل لها‪.‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ول رفض أحد نصيحة إل لكبر في نفسه‪ ،‬أو عزة تأبى عليه أن يقبل نصيحة‬
‫الناصح‪ ،‬ويرد كلمة الحق‪ ،‬وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في‬
‫ن‬
‫سُعودٍ عَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬ ‫كبر‪ ،‬فَعَ ْ‬
‫ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫الحديث أن رد الحق وعدم قبوله هو ال ِ‬
‫قا ُ‬
‫ل‬ ‫مث ْ َ‬
‫ِ ِ ِ‬‫ه‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫في‬
‫َ ِ‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ ّ َ َ ْ‬‫ة‬ ‫ن‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ل‪َ ” :‬ل ي َد ْ ُ‬
‫خ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫ه َ‬ ‫سًنا وَن َعْل ُ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ث َوْب ُ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل يُ ِ‬‫ج َ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ج ٌ‬‫ل َر ُ‬ ‫ر” َقا َ‬ ‫ن ك ِب ْ ٍ‬ ‫م ْ‬‫ذ َّرةٍ ِ‬
‫س”رواه مسلم‬ ‫حقّ وَغَ ْ ُ‬ ‫ل ال ْك ِب ُْر ب َط َُر ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫َقا َ‬
‫مط الّنا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل يُ ِ‬ ‫ج ِ‬
‫ه َ‬ ‫ل‪ ”:‬إ ِ ّ‬
‫‪ .‬وبطر الحق أي دفعه ورده فإن المتكبر يترفع عن قبول الحق لنه يرى فيه‬
‫استصغاًرا لنفسه‪.‬‬
‫آداب النصيحة ‪:‬‬
‫السلوب المتأدب وعدم إظهار الستاذية‪ :‬فيتأدب معه في النصيحة فيأتي له‬
‫بصورة الباش في وجهه‪ ،‬المترفق به‪ ،‬وعليه أل يظهر الستاذية فيضطره‬
‫ل‪ ،‬ثم انصحه تجد قبول ً لديه‪ ،‬وإن لجأت‬ ‫للعراض ورد ّ النصيحة‪ ،‬فاملك قلبه أو ً‬
‫إلى التعريض من بعيد فافعل‪ .‬فكلما كان النقد غير مباشر كان أسلم‪،‬‬
‫صا لمن هو أكبر منك سًنا‪ ،‬فإن كبير السن إن أردت نصحه‪ ،‬فالفضل‬ ‫خصو ً‬
‫بالتعريض‪ ،‬أو طرق الموضوع بصورة غير مباشرة‪ .‬كذلك من الساليب‬
‫الفضل اتباعها مع من هم أكبر سًنا‪ :‬أن تخبر بذلك من تحس أنه يستطيع‬
‫إقناعه وكلمته مسموعة لديه‪ ،‬فإن المقصود الول والخير بالنصيحة هو‬
‫الصلح‪ ،‬والدال على الخير كفاعله‪.‬‬
‫السرار بالنصيحة‪ :‬تواترت أقوال السلف بالتشديد على السرار بالنصيحة‪،‬‬
‫م أجر‬ ‫حَر ُ‬ ‫دوا من أعلن بنصيحته أنه قد جاوز الحد وأخطأ خطأ كبيًرا‪ ،‬وقد ي ُ ْ‬ ‫وع ّ‬
‫النصيحة فيقول أبو حاتم البستي رحمه الله‪] :‬كان الرجل إذا رأى من أخيه ما‬
‫يكره؛ أمره في ستر‪ ،‬ونهاه في ستر؛ فيؤجر في ستره‪ ،‬ويؤجر في نهيه‪ ،‬أما‬
‫اليوم فإذا رأى أحد من أحد ما يكره؛ استغضب أخاه وهتك ستره[‪.‬‬
‫ما ستره الله يوم القيامة‪ ،‬أما‬ ‫وصفة المؤمن أنه يستر لن من ستر مسل ً‬
‫الفاجر فيفضح‪ ،‬كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله‪] :‬المؤمن يستر‬
‫والفاجر يهتك وُيعّير[‪.‬ومن نصح أخاه في مل فقد فضحه‪ ،‬وكان السلف إذا‬
‫أرادوا نصيحة أحد وعظوه سًرا حتى قال بعضهم‪] :‬من وعظ أخاه فيما بينه‬
‫وبينه‪ ،‬فهي نصيحة‪ ،‬ومن وعظه على رءوس الناس فإنما وبخه[‪ .‬وكان‬
‫السلف يأبى أحدهم أن يبّين له عيوبه في المل‪ ،‬حدث سفيان قال‪] :‬قلت‬
‫لمسعر‪ :‬تحب أن يخبرك رجل بعيوبك؟ قال‪ :‬أما أن يجيء إنسان فيوبخني بها‬
‫حا فنعم[‪.‬‬ ‫فل‪ ،‬وأما أن يجيء ناص ً‬
‫ن أولئك الذين يكثرون من فضح الناس بنصحهم في المل ل يقصدون بذلك‬ ‫وإ ّ‬
‫إل إظهار معايبهم‪ ،‬وليس مقصدهم الصلح أو الخلص في النصيحة‪،‬‬
‫فالخلص في النصيحة أمر ضروري لنماء بركتها‪ ،‬ولتوفر وقعها الحسن في‬
‫نفوس الناس‪ ،‬ومما ينافي الخلص إظهارها وإعلنها‪ ،‬فإن في ذلك مظّنة‬
‫الرياء‪ ،‬ومن لم يكن قصده ذلك فإن استمراره في العلن بالنصيحة قد يؤدي‬
‫صد إظهار عيوب الناس وفضحهم؛ فيفضحه الله تعالى‪.‬‬ ‫به إلى الرياء أو تق ّ‬
‫التثبت في معرفة الخطاء‪:‬وعلى الناصح أن يتثبت في معرفة أخطاء الناس‪،‬‬
‫وُيحسن الظن في أفعالهم قبل أن يأخذها المأخذ السيئ فيقع في الثم‬
‫والخطأ‪ ،‬فلكي تكون النصيحة في محلها ويكون الناصح موضع ثقة في نصحه‪،‬‬
‫فليحرص على التثبت في معرفة عيوب الناس وأخطائهم‪ ،‬فتكون النصيحة‬
‫في أبهى صورها وأحسنها‪ ،‬ويثق الناس بنصح الناصح‪.‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرفق واللين في النصيحة‪ :‬الرفق في ديننا مطلوب‪ ،‬وكل أمر فيه رفق فهو‬
‫م‪:‬‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫سو ُ‬ ‫زين‪ ،‬وكل أمر جانبه الرفق فهو شين كما بّين الَر ُ‬
‫ه”رواه‬ ‫َ‬
‫يٍء إ ِل شان َ ُ‬ ‫ّ‬ ‫نش ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه وََل ي ُن َْزع ُ ِ‬ ‫يٍء إ ِّل َزان َ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫كو ُ‬ ‫ن الّرفْقَ َل ي َ ُ‬ ‫” إِ ّ‬
‫مسلم وأبوداود وأحمد‪ .‬وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الذي فقد‬
‫خي َْر”رواه مسلم‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حَر ْ‬ ‫م الّرفْقَ ي ُ ْ‬ ‫حَر ْ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬‫الرفق؛ فقد كل الخير‪ ،‬فقال‪َ ” :‬‬
‫وأبوداود وابن ماجه وأحمد‪ .‬فقاصد النصيحة عليه أول ما يقدم على إسدائها‬
‫بالرفق واللين‪ ،‬فإن المور ل تؤخذ بالشدة وإنما تملك القلوب بالرفق واللين‪،‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ضوا ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب َلن ْ َ‬ ‫قل ْ ِ‬ ‫ظ ال ْ َ‬ ‫ظا غَِلي َ‬ ‫ت فَ ّ‬ ‫فالله عز وجل يقول في كتابه‪ {:‬وَل َوْ ك ُن ْ َ‬
‫ك‪“} [159]...‬سورة آل عمران” فالفظاظة والغلظة تبعد الناس عن‬ ‫حوْل ِ َ‬ ‫َ‬
‫الناصح وتجعلهم يرفضون نصيحته ويردونها عليه‪ ،‬وفيها مخالفة لسنة الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم في الرفق واللين في النصح والرشاد‪ ،‬وما نجح الدعاة‬
‫في عملهم إل بالرفق واللين والمسح بتؤدة على أخطاء الناس‪ .‬ورسولنا‬
‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫القدوة صلى الله عليه وسلم‪ ،‬الذي قال الله عز وجل فيه‪ {:‬ل َ َ‬
‫ُ‬
‫ة…]‪“} [21‬سورة الحزاب” لخير مثال يستشهد‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫ِفي َر ُ‬
‫به في هذا المقام في اللطف واللين‪ ،‬وهو يعالج أخطاء صحابته؛ يصف‬
‫الصحابي معاوية بن الحكم السلمي هذا السلوب في حادثة وقعت معه‬
‫فيقول‪ :‬بينا أ َنا أ ُ‬
‫ج ٌ‬
‫ل‬ ‫س َر ُ‬ ‫م إ ِذ ْ عَط َ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬
‫قوم بأ َ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ّهِ‬ ‫ِ‬ ‫سو‬ ‫معَ َر ُ‬ ‫صّلي َ‬ ‫َ‬ ‫ََْ َ‬
‫ما‬ ‫ه‬ ‫يا‬ ‫م‬ ‫ل أُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫صا‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ني‬ ‫ما‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫قوْم ِ فَ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ّ َ ْ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ ُ ِ ْ َ ِ ِ ْ‬ ‫ُ َ َ ِ‬ ‫ق ُ َْ َ ُ‬
‫ح‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ر‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ذ‬ ‫خا‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫دي‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫بو‬ ‫ر‬ ‫ض‬ ‫ي‬ ‫لوا‬‫ُ‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ش‬ ‫َ‬
‫ُْ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ُِ َ ِ ْ ِ ْ‬ ‫ُ ْ َْ ُ َ ِ ّ َ َ‬
‫ل ِالل ّه صّلى الل ّه عل َيه وس َل ّم ُفَبأ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫و‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫بي‬ ‫ْ َ َ َ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫سو‬ ‫َ ُ‬ ‫ر‬ ‫لى‬ ‫ت فَ ّ َ‬
‫ص‬ ‫ما‬ ‫ل‬ ‫سك َ ّ‬ ‫مُتون َِني ل َك ِّني َ‬ ‫ص ّ‬ ‫يُ َ‬
‫ما ك َهََرِني وَلَ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫واللهِ َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ت َعِْلي ً‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه وَل ب َعْد َه ُ أ ْ‬ ‫ما قَب ْل ُ‬ ‫معَل ً‬ ‫ت ُ‬ ‫ما َرأي ْ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫وَأ ّ‬
‫م ْ َ‬ ‫صل ُ ُ‬ ‫صَلة َ َل ي َ ْ‬ ‫ضَرب َِني وََل َ‬
‫ن ك َلم ِ الّنا ِ‬
‫س‬ ‫يٌء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ح ِفيَها َ‬ ‫ن هَذِهِ ال ّ‬ ‫ل‪”:‬إ ِ ّ‬ ‫مِني َقا َ‬ ‫شت َ َ‬ ‫َ‬
‫ن”رواه مسلم وأبوداود والنسائي‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ْ‬
‫ح َوالت ّكِبيُر وَقَِراَءةُ ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫سِبي ُ‬ ‫ما هُوَ الت ّ ْ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫والدارمي وأحمد‪.‬‬
‫فإذا هي كلمات الخير الرطبة اللينة الرفيقة تأسر بها القلوب‪ ،‬ثم تعالجها كما‬
‫تريد وما ُيقابل استعمال أسلوب الشدة والغلظة إل بمثله من الشدة‬
‫والعراض‪ ،‬وقد يكون سبًبا في تنكب الخرين عن طريق الحق؛ فيأثم لذلك‪،‬‬
‫يقول عمر بن أبي رواد‪] :‬كان من كان قبلكم‪ ،‬إذا رأى الرجل من أخيه شيًئا‪،‬‬
‫بأمره في رفق فيؤجر في أمره ونهيه‪ ،‬وإن أحد هؤلء يخرق بصاحبه‬
‫فيستغضب أخاه ويهتك ستره'‪.‬‬
‫فإن أردت الجر والحصول على الغنيمة فانصح بستر ولين ورفق‪ ،‬تجد من‬
‫الخرين سمًعا واستجابة وطاعة‪ ،‬وإل فإن العراض والستكبار والتعنت‪ ،‬وأنت‬
‫سببه‪.‬‬
‫عدم تصيد الخطاء‪:‬إن هناك كثيرين يبحثون عن أخطاء الناس ويتصيدونها‪،‬‬
‫وينصرف همهم إلى ذلك؛ فيحق فيهم الوعيد من الله عز وجل بهتك سترهم‬
‫وفضحهم‪ ،‬علوة على ما يقعون فيه من الثم والمعصية‪ ،‬فالمسلم ل يود أن‬
‫ما على الطريق‬ ‫يقع الناس في المعصية وفي الخطأ‪ ،‬ويود أن يكونوا دائ ً‬
‫المستقيم‪ ،‬بخلف الحاسد المبغض فإنه يتمنى ذلك‪ ،‬فمن كانت فيه هذه‬
‫ن نصحه مردود عليه‪ ،‬وعمله باطل‪ ،‬فليس من خلق المسلم تصيد‬ ‫الصفة فإ ّ‬
‫ب أني يقعوا في الخطأ‪ ،‬وفرح لذلك‪،‬‬ ‫ن من تصيد أخطاء الناس أح ّ‬ ‫الخطاء؛ ل ّ‬
‫وهذا حال سيئ‪ ،‬وقد يلبس الشيطان على المسلم أمره‪ ،‬فيظن أنه ينصح‬
‫ويبحث عن الخير وهو يقع في الثم‪ ،‬إنما الحال الصحيحة أن المسلم إن رأى‬
‫خطأ وقع فيه الناس دون بحث منه وتنقيب‪ ،‬فليبادر إلى النصيحة ابتغاء‬
‫ما ما عدا ذلك فليستر الناس بما ستر الله عز وجل عليهم‬ ‫الصلح والجر‪ ،‬أ ّ‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وليحفظ حرماتهم‪ ..‬وبهذه الداب التي يتأدب بها الناصح تبلغ النصيحة أثرها‪،‬‬
‫وتؤدي غرضها‪ ،‬ويحصل للناصح كامل أجرها دون نقص‪ ،‬ويأتيه من أجر‬
‫المنصوح حين يعمل بنصيحته ما يزيد من كفة حسناته ‪.‬‬
‫من سلسلة رسائل فتيان الدعوة‪':‬كيف يكون الداعية شخصية محبوبة'‬
‫بإشراف ‪ /‬الشيخ ‪ /‬جاسم بن محمد بن مهلهل الياسين‪ ..‬الشيخ ‪ /‬أحمد بن‬
‫عبد العزيز القطان ‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫متى القتصار على واحدة؟‬


‫قالت إحدى الزوجات‪:‬‬
‫ي بثانية‪ ,‬فهل هذا يصح عرًفا‬ ‫ت على زوجي في العقد عدم التزوج عل ّ‬ ‫اشترط ُ‬
‫عا؟‬
‫وشر ً‬
‫وماذا لو رجعت الزوجة في شرطها بعد سنوات من الزواج؟‬
‫ي بن‬‫وماذا عن موقف رسولنا صلي الله عليه وسلم عندما رفض زواج عل ّ‬
‫أبي طالب ببنت أبي جهل على فاطمة؟‬
‫وما أسباب القتصار على زوجة واحدة؟‬
‫عزيزي القارئ‬
‫هناك دوافع وأسباب للقتصار على زوجة واحدة منها‪:‬‬
‫‪-1‬اشتراط المرأة عند العقد عدم التزوج عليها‪.‬‬
‫روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عقبة بي عامر رضي الله عنه أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال‪' :‬أحق الشروط أن يوّفى به ما استحللتم به‬
‫الفروج'‪.‬‬
‫فلو اشترطت المرأة أو وليها على الرجل أل يتزوج عليها بأخرى‪ ,‬عند العقد‬
‫ف به ُفسخ النكاح ولقول النبي صلى الله عليه‬ ‫لزمه الوفاء بالشرط فإذا لم ي ِ‬
‫وسلم‪' :‬المسلمون عند شروطهم' ومن المعلوم أنه يلزم الوفاء بالشروط‬
‫المتفق عليها في البيع‪ ,‬فالوفاء بها في الزواج من باب أولى‪.‬‬
‫ومن الشروط ما يجب الوفاء به وهي التي لم تتضمن تغييًرا لحكم الله‬
‫ورسوله كاشتراط العشرة بالمعروف والنفاق عليها وكسوتها ‪ ...‬وغير ذلك‬
‫مما تضمنه الشرع‪.‬‬
‫ومن الشروط ما ل يجب الوفاء به مع صحة العقد‪ ،‬وهو ما كان منافًيا‬
‫لمقتضى العقد ومقتضى الشرع مثل اشتراط ترك النفاق والوطء ‪ ،‬أو‬
‫اشتراط أن ُتنفق عليه ‪ ...‬وغير ذلك مما ل يجب الوفاء به‪.‬‬
‫وهنا سؤال يطرح نفسه وهو ما الفرق بين اشتراط المرأة طلق ضرتها‪,‬‬
‫وبين اشتراط المرأة أن ل يتزوج عليها عند العقد؟‬
‫أجاب ابن القيم رحمه الله عن هذا فقال‪' :‬قيل‪ :‬الفرق بينهما أن في اشتراط‬
‫طلق الزوجة من الضرار بها وكسر قلبها وخراب بيتها وشماتة أعدائها ما‬
‫ليس في اشتراط عدم نكاح غيرها'‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬إن النبي صلى الله عليه وسلم‪' :‬نهى‬
‫أن يخطب الرجل على خطبة أخيه‪ ،‬أو أن يبيع على بيعه‪ ,‬ول تسأل المرأة‬
‫طلق أختها لتكفئ ما في صفحتها أو إنائها فإنما رزقها على الله تعالى'‪ ,‬وفي‬
‫رواية‪' :‬هي أن تشترط المرأة طلق أختها' وعن عبيد الله بن عمرو رضي‬
‫الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‪' :‬ل يحل أن تنكح امرأة‬
‫بطلق أخرى'‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومعنى الحديث‪ :‬نهي المرأة الجنبية أن تسأل رجل ًَ طلق زوجته‪ ،‬وأن‬
‫يتزوجها فيصير لها من نفقته ومعونته ومعاشرته ما كان للمطلقة‪.‬‬
‫‪ -2‬جريان عرف أمثالها بأل يتزوج عليها الرجل‪:‬‬
‫صا من نصوص الشريعة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ن‬ ‫يخالف‬ ‫وقد اشترط العلماء في صحة العرف أل‬
‫ونأخذ مثال ً على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما رفض زواج عل ّ‬
‫ي ابنة‬
‫أبي جهل على السيدة فاطمة ابنته رضي الله عنها‪.‬‬
‫فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن أبي مليكة أن المسور بن مخرمة‬
‫حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر‪:‬‬
‫ي بن أبي‬ ‫'إن بني هشام بن مغيرة استأذنوني في أن ُينكحوا ابنتهم من عل ّ‬
‫طالب‪ ،‬فل آذن‪ ,‬ثم ل آذن‪ ,‬ثم ل آذن إل أن يريد ابن أبي طالب أن ُيطلق‬
‫ابنتي وينكح ابنتهم‪ ,‬فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها'‬
‫وفي رواية‪' :‬إن فاطمة مني وأنا أخاف أن ُتفتن في دينها' ثم ذكر صهًرا له‬
‫من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن قال‪' :‬حدثني‬
‫ما‪ ,‬ولكن‬ ‫ل‪ ,‬ول أحل حرا ً‬ ‫فصدقني ووعدني فوّفى لي‪ ,‬وإني لست أحرم حل ً‬
‫والله ل تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله في مكان واحدٍ أبدًا'‬
‫قال ابن القيم رحمه الله‪ :‬فتضمن هذا الحكم أموًرا‪' :‬أن الرجل إذا اشترط‬
‫لزوجته أل يتزوج عليها لزمه الوفاء بالشرط‪ ،‬ومتى تزوج عليها فلها الفسخ‪،‬‬
‫ووجه تضمن الحديث لذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن ذلك يؤذي‬
‫فاطمة ويريبها‪ ،‬وأنه يؤذيه صلى الله عليه وسلم ويريبه' ‪.‬‬
‫وقد ذكر المام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح المام مسلم‪ ،‬أن النبي‬
‫ي الهلكة إن هو آذاه بزواجه ابنة أبي‬ ‫وف على عل ّ‬ ‫صلى الله عليه وسلم تخ ّ‬
‫جهل على السيدة فاطمة رضي الله عنها؛ لن أذى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ليس كأذى بقية الخلق‪.‬‬
‫ولكن لو تغير الحال ووافق صاحب الحق على التعدد‪ ،‬وتنازل عن هذا الشرط‬
‫جاز ذلك‪ ،‬بشرط أن يتم ذلك برضاه وبمحض اختياره‪ ,‬كما يجوز لصاحب‬
‫الميراث أن يتنازل عن ميراثه‪.‬‬
‫‪ -3‬من أسباب القتصار على واحدة خوف الجور وعدم العدل‪:‬‬
‫إذا خاف الرجل عدم العدل بين نسائه لزمه القتصار على واحدة كما قال‬
‫فت َ‬
‫ة{ ]النساء‪ ،[3 :‬وهذا يتعلق بالعدل‬ ‫حد َ ً‬
‫وا ِ‬‫م أل ّ ت َعْدُِلوا فَ َ‬‫خ ْ ُ ْ‬ ‫تعالى‪} :‬فَإ ِ ْ‬
‫ن ِ‬
‫الواجب المستطاع كالنفقة والسكنى والمبيت‪ ,‬أما ما ل يملكه العبد كالميل‬
‫القلبي تجاه زوجة من زوجاته فل يدخل في ذلك‪ ,‬وهو الذي عناه الله عز‬
‫َ‬
‫م{ ]النساء‪:‬‬ ‫صت ُ ْ‬ ‫ساِء وَل َوْ َ‬
‫حَر ْ‬ ‫ن ت َعْدُِلوا ب َي ْ َ‬
‫ن الن ّ َ‬ ‫طيُعوا أ ْ‬‫ست َ ِ‬ ‫ن تَ ْ‬‫وجل بقوله‪} :‬وَل َ ْ‬
‫‪.[129‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وخلصة القول‪ :‬أنه قد نمنع البعض من تعدد الزوجات لجريان الشرط‬


‫اللفظي أو العرفي‪ ،‬وقد يمتنع البعض لشتراط المرأة عند العقد عدم تزوج‬
‫الزوج عليها‪ ,‬وقد يمتنع البعض لخوفه الجور وعدم العدل بين الزوجات‪.‬‬
‫وليس ذلك إبطال ً لحكم التعدد فهو باق على الباحة‪ ,‬ويجوز لمن خل من مثل‬
‫هذه الموانع‪ ,‬فيجب علينا أن نعرف الشرع ونتفهم الواقع حتى يكون الزواج‬
‫سبب مودة ورحمة ل مبعث شقاء ونقمة‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫متى تعلن اللغة العربية استقالتها؟‬


‫د‪ .‬عبد العزيز المقالح‬
‫يشكو أحد الكتاب البارزين من غياب الكلمات الملئمة للتعبير عن الواقع‬
‫العربي‪ ،‬او بعبارته هو العراء العربي الذي يثقل القلوب والصدور معًا‪ ،‬وهي‬
‫شكوي في محلها‪ ،‬فلم تعد الكلمات المتداولة‪ ،‬سيما تلك التي يفسدها‬
‫العلم العربي‪ ،‬قادرة علي وصف معاني الهوان والمذلة العربية‪ ،‬فضل عن‬
‫وضع معالم للخروج من هذه المتاهة التي انهكت كل شيء‪ ،‬حتى اللغة‬
‫صارت منهكة ومتعثرة‪ ،‬تعلن في كل وقت عجزها عن استيعاب ما وصلت‬
‫اليه المة‪ ،‬وما يترتب علي هذه الحال من هوان جديد يقود الي هوان أجد‪،‬‬
‫وهكذا يتناسل الهوان العربي‪ ،‬ويتناسخ في واقعنا دون توقف‪ ،‬إلي درجة‬
‫تصعب معها القدرة علي التعبير بلغة كانت‪ ،‬وما تزال من اكثر لغات الدنيا‬
‫غني بمفرداتها ومرادفاتها‪.‬‬
‫لماذا كل هذا العجز الذي يرافق مواقف النسان العربي ولغته؟ وما ذنب‬
‫اللغة؟ حتي يصب عليها البعض جام غضبهم‪ ،‬بدل من أن يصبوا هذا الغضب‬
‫علي انفسهم‪ ،‬وعلي تقصيرهم تجاه هذا التراجع والهوان‪ .‬وبالنسبة للغة‪ ،‬فان‬
‫هذا النسان هو الذي اذلها‪ ،‬واضعفها‪ ،‬وجعلها عاجزة عن تصور واقعها‬
‫المخجل والمذل‪ .‬وليت للغة العربية‬
‫ـ لساننا العربي ـ ليت لها لسان لكي تعبر به عن سخطها‪ ،‬وعن شقائها بيننا‪،‬‬
‫وتعاستها بواقعنا‪ ،‬فبعد ان كانت‪ ،‬لغة الحضارة والتطور‪ ،‬لغة العلوم والفلسفة‬
‫والفنون والداب‪ ،‬صارت اما لغة ردح وسباب‪ ،‬او لغة بكاء ونواح‪ .‬اللغة ـ كل‬
‫لغة ـ هي الناطقون بها‪ ،‬هي صوت نهوضهم او جمودهم‪ ،‬صوت كرامتهم او‬
‫هوانهم‪ ،‬وليس لها ذنب فيما وصلنا اليه‪ .‬الذنب كله ذنبنا نحن الذين ركعنا‪،‬‬
‫وفتحنا بضعفنا البواب والنوافذ للعداء لكي يدخلوا متي شاءوا‪ ،‬دون ان‬
‫يكلفوا انفسهم عناء الستئذان‪.‬‬
‫لقد تعلمت الشعوب من التجارب التي مرت بها أو مرت بشعوبهم اخري‪،‬‬
‫لكن شعبنا الكبير العظيم ل يستفيد من تجاربه وفيها المرير والفادح‪ ،‬ول‬
‫يستفيد من تجارب الخرين‪ ،‬أو تهديه غريزته ـ ول نقول عقله ـ الي بناء‬
‫استراتيجية يحمي بها نفسه‪ ،‬ويعمل من خللها علي تحسين ما تدمر من‬
‫اوضاعه السياسة‪ ،‬والقتصادية‪،‬ويدخل اصلحات كبيرة‪ ،‬وملموسة تحد من‬
‫الزمات‪ ،‬وتخفف من وطأة القلق العام الذي يتحول بمرور السنين الي حالة‬
‫تذمر شامل مصحوب بحالة شديدة من الحباط‪ ،‬وغيره من الثار السلبية‬
‫التي تجعل ابناء الشعب الكبير العظيم يلقون باللوم علي الغبار والضباب‪،‬‬
‫ويدفعهم انفعالهم السطحي الي توجيه التهام الي الحيوان والجماد‪ ،‬ال ان‬
‫يتهموا انفسهم‪ ،‬ويعترفوا بان اخطاءهم القاتلة وراء كل شيء حدث‪ ،‬ويحدث‬
‫لهم بما في ذلك العجز الحقيقي الذي منيت به لغتهم‪ ،‬والقصور الذي اصابها‬
‫تجاه الحداث اللحقة‪.‬‬
‫لقد افسد النسان العربي بحماقاته‪ ،‬واطماعه‪ ،‬وبطموحاته الهزيلة كل شيء‬
‫معه أو حوله‪ ،‬ولفرط ما افسد من أشياء انقلبت وبال عليه بما فيها اللغة‬
‫التي يتكلمها ويكتب بها‪ ،‬بعد أن كان يعتبرها وسيلة استقبال‪ ،‬واتصال صار‬
‫يعتبرها عائقا في الحالتين‪ .‬ولشاعر النيل المرحوم حافظ إبراهيم ـ طيب الله‬
‫ثراه ـ قصيدة جعل فيها اللغة العربية‪ ،‬تتحدث عن نفسها‪ ،‬وتشكو بمرارة ما‬
‫كانت قد وصلت إليه في مطلع القرن العشرين من إهمال‪ ،‬ولو عاد الشاعر‬
‫الي الحياة مع بداية هذا القرن الجديد ثانية‪ ،‬لما تردد عن كتابة قصيدة‪ ،‬أو‬
‫مجموعة قصائد علي لسان اللغة العربية تشكو فيها حالها‪ ،‬واتهامات‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الناطقين بها الذين ل يكفون عن تحميلها أسباب ما وصلوا اليه في حياتهم‬


‫السياسية‪ ،‬والقتصادية‪ ،‬وما نالهم من هزائم العداء وخيانات الصدقاء‪.‬‬
‫وبما ان المهازل العربية تتطور وتتكاثر‪ ،‬فقد صار علي اللغة العربية ان تقدم‬
‫استقالتها‪ ،‬وان تعترف بعجزها عن رصد هموم العرب‪ ،‬واحزانهم‪ ،‬ومشكلتهم‬
‫بعد ان تعلن براءتها عن كل خطيئة ارتكبها الناطقون باسمها سواء في‬
‫محافلهم المحلية‪ ،‬أو المحافل الدولية‬

‫)‪(1 /‬‬

‫متى ولد النبي صلى الله عليه وسلم و ما حكم الحتفال بمولده؟‬
‫د‪ .‬عبد الحي يوسف السؤال‬
‫ً‬
‫متى ولد النبي صلى الله عليه وسلم تحديدا؟ وما حكم الحتفال بيوم مولده؟‬
‫الجابة‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم على أشرف المرسلين‪ ،‬وبعد‬
‫أول‪ :‬الثابت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الثنين‪،‬‬
‫فعن أبي قتادة النصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫سئل عن صيام يوم الثنين فقال‪ :‬ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت فيه أو أنزل‬
‫على فيه‪ .‬رواه مسلم‪ ..‬والمشهور عن أهل السير أن مولده صلوات الله‬
‫وسلمه عليه كان في ربيع الول من عام الفيل‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الحتفال بمولده على الصورة التي نراها في بلد المسلمين ليس سائغا ً‬
‫ول مشروعا ً بل هو بدعة مقيته ومعصية ظاهره حيث يختلط الرجال بالنساء‬
‫ويكثر الصخب إلى ما بعد نصف الليل‪ ،‬والحتفال بهذه الصورة أقرب إلى‬
‫أعياد الجاهلية منه إلى هدي السلم‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بريئ من هذا كله‪ .‬فليتق الله أقوام شغلوا المسلمين بهذا حتى ظنوه دينا‪ً.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الحتفال بالمولد –حال خلوه من المعاصي والمنكرات‪ -‬لم يفعله‬
‫السلف مع قيام المقتضى وعدم المانع‪ ،‬فهو – بهذا العتبار‪ -‬بدعة‪ ،‬لكن لو‬
‫رأى بعض الدعاة أن يشغلوا الناس بالنافع عن الضار فاستغلوا تجمعهم في‬
‫هذه المناسبة لتذكيرهم بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم وشمائله فل حرج‬
‫إن شاء الله‪ .‬والعلم عند الله تعالى‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫متى يكون الب سببا ل نحرف ابنه ؟؟‬


‫إن من نعمة الله على الباء ) أن يرزقهم الله أبناء صالحين (‪ ,‬ولكن بعض‬
‫الباء قد‬
‫ل يشعربهذه النعمة وقد يغفل عنها ‪ ,‬بل قد يكون سببا في ضياع ابنه وعودته‬
‫إلى‬
‫الذنوب السابقة‪.‬‬
‫فيا ترى متى يكون الب سببا في انحراف ابنه ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫‪ -1‬الستهزاء بالبن لجل استقامته وهدايته كقول بعض الباء )ابني مطوع‬
‫متشدد (‬
‫أو) وش هذه اللحية يا فلن ( أو )وش سويت في ثوبك( لن البن قد رفع‬
‫إزاره إلى‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فوق الكعب ‪ ,‬والعبارات التي فيها السخرية كثيرة ‪.‬‬


‫فليعلم الب أنه عندما يسخر بولد ه أنه بذلك يضع عقبة كبيرة في ) استمرار‬
‫استقامة‬
‫البن على الدين ( ومن ناحية أخرى فإن الب قد وقع في مصيبة عظيمه أل‬
‫وهي)‬
‫الستهزاء بأمور الشريعة ( وهذا من) الطامات الكبار( كما قال تعالى ) قل‬
‫أبالله‬
‫وآياته ورسوله كنتم تستهزءون * ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم (‪.‬‬
‫‪ -2‬وقد يكون الب سببا لنحراف ابنه عندما يمنعه من مجالس الخير مثل‬
‫) حلقات‬
‫التحفيظ ‪ ,‬الدروس العلمية والمحاضرات ‪ ,‬الطلعات البرية ‪ ,‬الخروج‬
‫للستراحات (‬
‫وغيرها ‪ ,‬وهنا لبد للب أن يعلم أن البن يريد ) بيئة( صالحة يعيش بينها‬
‫ليقوى‬
‫دينه ‪ ,‬ويشتد ثباته وتمسكه بهذا الدين ‪ ,‬وعندما يمارس الب منع البن فإنه‬
‫بذلك‬
‫يحرم ابنه من الستمتاع بمجالسة الصالحين الذين هم أقوى وسيلة للثبات‬
‫وخاصة في هذا‬
‫العصر ومن جهة أخرى فإن الشاب بحاجة إلى الزملء الصالحين لنه يعاني‬
‫من الفتن‬
‫والمصائب وجلوسه مع الزملء يحفظه من تلك الفتن ‪ .....‬ولكن للسف ‪...‬‬
‫فإن أكثر‬
‫الباء ل يشعرون بذلك ‪.‬‬
‫‪ -3‬وقد يكون الب سببا لنحراف البن عندما يعامله بالقسوة والغلظة‬
‫والشدة ‪ ,‬فذلك‬
‫البن ل يسمع من أبيه إل ) ألفاظ السب والشتم ( ول يرى من والده إل‬
‫)العبوس‬
‫والجفاء ( ‪ ,‬فحينها يصاب البن ) بأزمة نفسية ( ويبدأ يعاني من ) الهموم‬
‫التي‬
‫يراها في بيته ( ويصبح يكره البيت ويكره والده ‪ ,‬ويحاول الهروب من البيت ‪,‬‬
‫ويبدأ‬
‫في البحث عن البديل لذلك البيت )بيت الجحيم (‬
‫فيا ترى أين سيذهب ؟ ومع من سيجلس؟‬
‫‪ -4‬وبعض الباء يحرم ابناه من المال مما يترتب على ذلك ) الضياع والبحث‬
‫عن المال‬
‫بطرق غير شرعية(‪.‬‬
‫‪ - 5‬وبعض الباء يريد من ابنه أن يبقى ملزما للبيت ل يخرج للترفيه عن‬
‫نفسه ‪ ,‬ول‬
‫لحضور مجالس الخير مما يترتب على ذلك )الكتئاب والملل( وبعد ذلك‬
‫) النحراف‬
‫التدريجي(‪.‬‬
‫‪ -6‬وأحيانا يريد الب من البن أن يسلك وظيفة معينة أو دراسة معينة ‪,‬‬
‫والبن ل‬
‫يريد ذلك التخصص ول تلك الوظيفة ‪,‬بل قد تكون في تلك الدراسة أو تلك‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوظيفة بعض‬
‫ً‬
‫المنكرات التي تكون سببا في )الضياع والنحراف (‪.‬‬
‫‪ -7‬وبعض الباء يأتي بالمنكرات إلي البيت كالقنوات ويسمح بالنظر لها‬
‫) بدون ضوابط‬
‫وبل رقيب ( والقنوات فيها من) الفساد والنحلل الشيء الكثير ( والضحية‬
‫هم )‬
‫البناء ( فيبدأ ذلك البن بالتساهل في النظر للقنوات ويبدأ في التراجع عن‬
‫) مبادئ‬
‫الستقامة ( وتظهر عليه ) علمات الفتور( والسبب هي تلك القنوات‬
‫الفاسدة‪.‬‬
‫‪ - 8‬والب عندما يتساهل في ) مبدأ السفر للخارج ( قد يترتب على ذلك‬
‫) انحراف ابنه‬
‫( عن طريق الستقامة ‪ ,‬لن الب إذا اخذ ابنه إلى تلك البلد فإنه سيرى‬
‫)الصور‬
‫العارية ( والملبس الفاضحة ‪ ,‬ول يخفي فتنة النساء وشدة خطرها وخاصة‬
‫في البلد‬
‫الباحية ‪ ,‬والنتيجة ) يرى البن المناظر التي تثير الشهوة وتحرك الغريزة (‬
‫وبعد‬
‫ذلك ) النتكاسة ( والرجوع إلى ) الماضي (‪.‬‬
‫‪ -9‬وبعض الباء يأتي بـ) الخادمة ( إلى البيت لجل بعض الظروف ‪ .....‬ولكنه‬
‫ينسى‬
‫أن هناك في البيت )أبناء ( يتأثرون ولهم شهوة وغريزة وقد) تكون الخادمة‬
‫ممن‬
‫يتساهل في الحجاب ومخالطة الرجال ( ويترتب على ذلك ) كثرة النظر لها (‬
‫و) حب‬
‫الخلوة بها( والنتيجة؟؟‬
‫م الب هو ) البحث‬ ‫ً‬
‫‪ -10‬وقد يكون الب سببا لنحراف البن عندما يكون ه ّ‬
‫عن الرزق (‬
‫ويترتب على ذلك الغفلة عن البيت فالب عنده ) عمل في النهار وفي‬
‫الليل ( ويغيب عن‬
‫البيت ) ساعات طويلة( مما يكون سببا ً ) للنحراف التدريجي( عند البناء‬
‫والبنات ‪,‬‬
‫والحل هنا هو ) التوازن ( في الحضور إلى البيت وعدم الغياب الدائم ‪,‬‬
‫والحرص على‬
‫تكوين علقة مودة ورحمة مع السرة ‪ ,‬والحرص على تفقد البناء والنظر في‬
‫) دينهم‬
‫وديناهم(‪.‬‬
‫‪ –11‬والجهل بطرق التربية الصحيحة من أكبر أسباب انحراف البناء ‪ ,‬فبعض‬
‫الباء يجهل‬
‫مبادئ التربية الصحيحة ول يعرف وسائل التأثير في أبناءه ‪ ,‬ول يدري ما هي‬
‫الفرو‬
‫قات التربوية والنفسية بين البناء والبنات ‪,‬ويترتب على ذلك الفعال الخاطئة‬
‫‪ ,‬مما‬
‫يسبب المشاكل والمصائب ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحل هنا ‪:‬هو القراءة والسماع والثقافة في أمور التربية حتى يمكن لك أيها‬
‫الب من‬
‫زيادة الثقافة في المورالتربوية لتعرف كيف تربي أبناءك وبناتك ‪ ,‬واعلم أيها‬
‫الب‬
‫أن ذلك ليس عيبا ً فيك ‪ ,‬بل هذا والله من الكمال ‪ ,‬لن بعض الباء ناجح في‬
‫أمور دينه‬

‫)‪(1 /‬‬

‫أو دنياه وتجارته ‪ ,‬ولكنه فاشل في إدارة بيته وتربية أسرته‪.‬‬


‫‪ -12‬والدعاء على البناء من اكبر أسباب انحرافهم ‪ ,‬فبعض الباء يدعو على‬
‫أبناءه أو‬
‫بناته ‪ ,‬وقد يستجيب الله له ‪ ,‬فيترتب على ذلك الخسارة العظمى ‪ ,‬ولهذا‬
‫ثبت في الحديث‬
‫\" ل تدعوا على أموالكم ولعلى أولدكم ل توافقوا من الله ساعة فيستجيب‬
‫لكم \"‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫أيها الب ‪ :‬قبل أن تدعو على أبناءك تذكر أن هذا الدعاء قد يستجاب ‪ ,‬وبعد‬
‫ذلك قد‬
‫يكون الضياع والنحراف لبناءك ‪.‬‬
‫أيها الب عود لسانك الدعاء ل بناءك وبناتك ‪ ,‬بأمور الخير والصلح ‪ ,‬لعل هذا‬
‫يكون‬
‫ً‬
‫مفتاح خير لهم ‪ "\ ),‬ل تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا\"(‪.‬‬
‫‪ -13‬وكثرة المشاكل الزوجية سبب لنحراف البناء ‪ ,‬نعم إن وجود الخلفات‬
‫الزوجية ‪,‬‬
‫وخاصة أمام البناء ‪ ,‬سبب كبير لنحراف البناء ‪ ,‬والقصص كثيرة في هذا‬
‫الباب ‪.‬‬
‫فوصيتي للوالدين ‪ :‬ل يكون الخلف والحوار أمام البناء ‪ ,‬بل ل بد أن يكون‬
‫في غرفة‬
‫خاصة حتى ل يشعر البناء بشيء‪.‬‬
‫إن رفع الصوات بين الزوج وزوجته عند الحوار أمام البناء له اثر سلبي كبير‬
‫على‬
‫نفسية البناء ويزداد المر خطورة إذا ضرب الرجل زوجته أمام أبناءه ‪ ,‬حينها‬
‫تبدأ‬
‫الخواطر والفكار تتسلل إلى عقول البناء ‪ ,‬ويترتب وراء ذلك ألوانا من‬
‫الهموم‬
‫والحزان‪.‬‬
‫‪ -14‬وعدم المساواة بين البناء ‪ ,‬من أسباب انحراف البناء ‪ ,‬وهذا نوع من‬
‫الظلم في‬
‫التربية ‪ ,‬ونتائجه وخيمة ‪.‬‬
‫‪ -15‬ومن أسباب النحراف ‪ :‬تأخير زواج البناء والبنات مما يترتب عليه‬
‫الضياع والبحث‬
‫عن طرق محرمة في قضاء الشهوة‪.‬‬
‫أيها الب ‪ :‬إن ابنك محتاج إلى العفاف وهذا العفاف ل يكون إل بالوقوف معه‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في‬
‫ترغيبه في الزواج وتيسيره ‪.‬‬
‫إن الشباب يعانون من تسلط القنوات ‪ ,,‬والصور في المجلت وقد لعبت‬
‫بعقولهم ‪ ,‬مما‬
‫جعلت بعضا ً منهم يمارس العادة السرية لجل تفريغ الشهوة الكامنة في‬
‫جسده ‪ ,‬وبعضهم‬
‫بدأ يبحث عن الحب المحرم عن طريق المعاكسات وتصيد الفتيات ‪.‬‬
‫وبعض الشباب تجرأ على العراض ‪ ,‬وارتكب جريمة الزنا عياذا ً بالله منها ‪,‬‬
‫وبعضهم‬
‫انسلخ من فطرته وتخلى عن رجولته ‪ ,‬وقام بجريمة اللواط ‪ ,‬ول حول ول‬
‫قوة إل بالله‬
‫أيها الب ‪:‬‬
‫إن الشهوة قنبلة في جسد ابنك ‪ ,‬وقد تنفجر في أقرب وقت ‪ ,‬وإن سعيك‬
‫لتزويج ابنك‬
‫يزيل أثر تلك القنبلة ‪.‬‬
‫أيها الب ‪:‬‬
‫لماذا ل تقف مع ولدك لكي تعينه على إكمال نصف دينه وهو الزواج ؟ قد‬
‫تحتج ببعض‬
‫المور فأقول لك ‪ :‬كن صادقا ً مع الله في إعفاؤه وستجد العون من الله‬
‫تعالى ‪ ,‬واعلم‬
‫بأنه ثبت في الحديث \" ثلثة حق على الله عونهم ‪ .....‬والناكح يريد‬
‫العفاف \"‪.‬‬
‫أيها الب ‪:‬‬
‫لن أنسى موضوع ابنتك فهي بحاجة إلى أن تعيش في عالم الزواج وتذوق‬
‫لذته وسعادته ‪..‬‬
‫فأنا أرسل لك رسالة محب ‪ :‬تأكد أن ابنتك تحتاج إلى زوج صادق وصاحب‬
‫دين وخلق أعظم‬
‫من حاجتها إلى وجودك أنت أيها الب ‪.‬‬
‫جرم عظيم عندما تساهل في تزويج بناته‪ ,‬فهاهم‬ ‫وإن بعض الباء وقع في ُ‬
‫بعض بناته قد‬
‫قاربن الثلثين وهو إلى الن لم يفكر في تزويجهن ‪.‬‬
‫وبعض الباء قد زوج ابنته التي في العشرين من رجل عجوز تجاوز‬
‫الخمسين ‪ ,‬بل والستين‬
‫‪ ,‬فيا ترى ‪ ,‬كيف ستكون حياتهم ؟ وهل سينجحون في تكوين أسرة سعيدة ؟‬
‫هذه خواطر حول أسباب تجعل الب سببا لنحراف ابنه أو ابنته‬

‫)‪(2 /‬‬

‫مثل الحق والباطل‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫ة بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما‬ ‫}أنزل من السماء ماًء فسالت أودي ً‬
‫ق‬
‫يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الح ّ‬
‫ما ما ينفع الناس فيمكث في الرض كذلك‬ ‫ما الزبد فيذهب جفاًء وأ ّ‬
‫والباطل فأ ّ‬
‫يضرب الله المثال{]الرعد‪[17:‬‬
‫كان من قدر الله تعالى‪ ،‬وفتنته لخلقه‪ ،‬ابتلء لهم وامتحانا‪ ،‬أن يكون الزبد‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فخا صورّيا‪ ،‬ويشمخر على‬ ‫رابيا )أي عاليا(‪ ،‬متعاظما في نفسه‪ ،‬منتفخا تن ّ‬
‫غيره‪ ،‬مع أّنه فارغ الجوف‪ ،‬ساقط القيمة‪ ،‬ل روح له‪ ،‬ول حياة‪ ،‬فبوضعه هذا‬
‫يفتتن به أقوام‪ ،‬ويسرق عيونهم وأنظارهم‪ ،‬فيذّلون ويخضعون له‪ ،‬طمعا في‬
‫أن يكون لهم الرفعة الظاهرة معه‪ ،‬ورجاء أن يعلوا بهم كما عل وربى‪.‬‬
‫ب العالمين والصلة والسلم على رسول الله‪.‬‬ ‫الحمد لله ر ّ‬
‫سورة الرعد امتلت بذكر اليات الكونّية‪ ،‬فذكرت رفع السماء‪ ،‬وتسخير‬
‫الشمس والقمر‪ ،‬ومد ّ الرض‪ ،‬وذكرت الجبال والنهار‪ ،‬ونّبهت إ لى عظمة‬
‫وع الثمار مع أّنها ُتسقى‬ ‫وع الخلق مع وحدة المصدر‪ ،‬وذلك في تن ّ‬ ‫الله في تن ّ‬
‫وفت بهما‪،‬‬ ‫بماء واحد‪ ،‬وأقامت أمام ناظر ال نسان شاهدي البرق والرعد فخ ّ‬
‫ت هذه اليات الكونية بقوله }ولله يسجد من‬ ‫م ْ‬ ‫ن الله عليه بالسحاب‪ ،‬وخت َ‬ ‫وم ّ‬
‫في السموات والرض طوعا وكرها وظللهم بالغدو والصال{]الرعد‪.[15:‬‬
‫ض هما‬ ‫ما كان المر القدريّ بالتكوين والخلق‪ ،‬والمر الشرعي بالنهي والح ّ‬ ‫ول ّ‬
‫من مصدر واحد هو الله تعالى‪ ،‬كان ل بد ّ من تذكير النسان بما غاب عنه أو‬
‫سه ويشهده‪ ،‬ليكون له فيه العبرة‪ ،‬وليكون عليه‬ ‫جهله أو عاداه بما يراه ويح ّ‬
‫جة‪ .‬فكان المثل القرآني العظيم‪} :‬أنزل من السماء ماء‪ ..‬كذلك‬ ‫شاهدا وح ّ‬
‫يضرب الله المثال{‪.‬‬
‫والمثل والمثال‪:‬‬
‫"هي وشي الكلم‪ ،‬وجوهر اللفظ‪ ،‬وحلي المعاني"]العقد الفريد لبن عبد رّبه‪،‬‬
‫‪.[3/63‬‬
‫ن التمثيل إذا جاء‬ ‫ن مما اّتفق العقلء عليه‪ :‬أ ّ‬ ‫قال المام الجرجاني‪" :‬واعلم أ ّ‬
‫في أعقاب المعاني‪ ،‬أو برزت هي باختصار في معرضه‪ ،‬ونقلت عن صورها‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫الصلّية إلى صورته‪ ،‬كساها أب َّهة‪ ،‬وأكسبها منقبة‪ ،‬ورفع من أقدارها‪ ،‬وش ّ‬
‫من نارها‪ ،‬وضاعف قواها في تحريك النفوس لها‪ ،‬ودعا القلوب إليها‪ ،‬واستثار‬
‫سَر الطباع على أن تعطيها محّبة‬ ‫لها من أقاصي البلد الف‍ئدة صبابة وكلفا‪ ،‬وق َ‬
‫وشغفا‪ ..‬وإن كان وعظا كان أشفى للصدر‪ ،‬وأدعى للفكر‪ ،‬وأبلغ في التنبيه‬
‫والزجر‪ ،‬وأجدر بأن يجلي الغََياَية )أي الحجب( ويبصر الغاية‪ ،‬ويبرئ العليل‬
‫ويشفي الغليل"]أسرار البلغة‪.[96-92،‬‬
‫دت لها نورا وضياًء‪ ،‬ووالله لو‬ ‫وهذه الية القرآنية دّرة تتلل‪ ،‬أّنى جئتها وج ّ‬
‫خْلقا في هذه الدنيا لبصرها الناس جوهرة لشية فيها‪ ،‬وجهها صاف‪،‬‬ ‫ت َ‬‫مثل ْ‬
‫وكذا جوفها‪ ،‬لها ألف وجه‪ ،‬تبهرك كيف جئت إليها‪ ،‬ومن أي الوجوه نظرت‬
‫إليها‪ .‬ول أذكر أّني وقفت في تمّثل المعاني مع أيّ كلم كما تمّثلت في هذه‬
‫الية وهذا المثال‪ ،‬فسبحانه ما أعظم كلمه وما أحسنه‪.‬‬
‫وع الخلق من أجل الفتنة‬ ‫ب في خلقه‪ ،‬وذلك بتن ّ‬ ‫في الية دليل على حكمة الر ّ‬
‫والبتلء‪.‬‬
‫سنن في هذه الدنيا سواء كان إسناد الفعل إلى‬ ‫وفي الية دليل على جريان ال ّ‬
‫ب }وأنزل{ أو كان إسناد الفعل إلى الخلق }يوقدون{ وفي قراءة‬ ‫الر ّ‬
‫ّ‬
‫مشهورة }توقدون{ فسّنته لن تتخلف‪.‬‬
‫ن الخير ل يأتي بالشّر‪ ،‬ولكن الشّر هو قدر ل انفكاك لهذه الحياة‬ ‫وفي الية‪ :‬أ ّ‬
‫ور الحياة بدونه‪} :‬وأنزل من السماء ماء فاحتمل السيل زبدا‬ ‫عنه‪ ،‬ول يتص ّ‬
‫رابيا{‪.‬‬
‫ن هناك من المنافع للناس ل تقع على أساس الفطرة القدرية كما‬ ‫وفيها‪ :‬أ ّ‬
‫ما‬
‫قق له مقصوده }وم ّ‬ ‫في أصل خلقتها‪ ،‬بل ل بد ّ لعمل النسان فيها ليتح ّ‬
‫يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع{‪ .‬وما حادثة تأبير النخل في زمن‬
‫رسول الله? عن ذاكرتنا ببعيدة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دد‪،‬‬‫ل على وحدة الخالق‪ ،‬حّتى لو اختلف الخلق وتع ّ‬ ‫ن وحدة الخلق تد ّ‬ ‫وفيها‪ :‬أ ّ‬
‫فالمثل الّول‪ :‬مائي‪ ،‬والثاني‪ :‬ناري‪.‬‬
‫وفيها‪ ...‬وفيها‪.‬‬
‫ن أعظم ما فيها }كذلك يضرب الله الحقّ والباطل{‪.‬‬ ‫ولك ّ‬
‫ق‪ ،‬ومثل الحقّ مع الباطل‪..‬‬ ‫موقع الحقّ من الباطل‪ ،‬وموقع الباطل من الح ّ‬
‫ولمن الغلبة؟‬
‫الباطل هو زبد رابي‪ :‬كان من قدر الله تعالى‪ ،‬وفتنته لخلقه‪ ،‬ابتلء لهم‬
‫فخا‬
‫وامتحانا‪ ،‬أن يكون الزبد رابيا )أي عاليا(‪ ،‬متعاظما في نفسه‪ ،‬منتفخا تن ّ‬
‫صورّيا‪ ،‬ويشمخر على غيره‪ ،‬مع أّنه فارغ الجوف‪ ،‬ساقط القيمة‪ ،‬ل روح له‪،‬‬
‫ول حياة‪ ،‬فبوضعه هذا يفتتن به أقوام‪ ،‬ويسرق عيونهم وأنظارهم‪ ،‬فيذّلون‬
‫ويخضعون له‪ ،‬طمعا في أن يكون لهم الرفعة الظاهرة معه‪ ،‬ورجاء أن يعلوا‬
‫بهم كما عل وربى‪.‬‬
‫هذا الزبد هو حطام الشيء وفارغه‪ ،‬وأوساخ الرض وقمامتها‪ ،‬وسقط المتاع‬
‫المرذول المطروح‪.‬‬
‫ش رخيص‪ ،‬ونتف الشيء الزائد‪ ،‬مما ل فائدة منه ول قيمة له‪ ،‬زاد‬ ‫هذا الزبد ق ّ‬
‫ُ‬
‫فوا من قني َت ِهِ فرموه في قارعة الطريق ينتظرون رحمة‬ ‫َ‬
‫عن حوائج الناس فأن ِ ُ‬
‫الله أن تخّلصهم منه‪.‬‬
‫إي والله هذا هو الباطل وهؤلء أهله ورجاله‪.‬‬
‫ولكن أّنى للنفوس الجاهلة أن تبصر الحقائق‪ ،‬وتخرق بصيرتها حجب الظواهر‬
‫الخادعة فتقف على حقيقة الوجود‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ظ عظيم‪.‬‬ ‫ألم يقل الناس‪ :‬يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إّنه لذو ح ّ‬
‫ما أضعف الخلق‪ ،‬وما أسرع سقوطهم أمام الظواهر الكاذبة‪.‬‬
‫في زماننا هذا‪ :‬تعاظم الشّر وانتفخ‪ ،‬وصار يمل أماكن الرض وزمن الحياة‪،‬‬
‫وصوره تمل أعين الناس وقلوبهم‪.‬‬
‫فالشر صار ملكا وحاكما‪ ،‬له سحرة يزّينونه للناس ويملؤون قلوبهم خوفا منه‬
‫ومحّبة له‪:‬‬
‫يقولون‪ :‬حاكمنا ‪-‬أبقى الله حاكمنا!!‪ -‬لوله ما ولدنا‪ ،‬فلنمت في سبيل‬
‫حاكمنا‪ .‬وحاكمنا ‪-‬أبقى الله حاكمنا!!‪ -‬لوله ما أكلنا ول شربنا‪ ،‬ول طابت‬
‫مطاعمنا‪ ،‬ول ساغت مشاربنا‪.‬‬
‫وحاكمنا ‪-‬أبقى الله حاكمنا!!‪ :-‬هو الذي وهبنا الحّرية والكرامة‪.‬‬
‫وحاكمنا ‪-‬أبقى الله حاكمنا!!‪ :-‬ببركته زاد نسل نسائنا‪.‬‬
‫وحاكمنا‪ ..‬وحاكمنا‪ ..‬أل لعنة الله على حاكمنا‪ .‬والله ما هو إل }زبدا رابيا{‪.‬‬
‫وادا‪ :‬ولكّنه عل فصار بطل ونجما‪ ،‬وقدوة ومثل‪ ،‬يحفظ‬ ‫والباطل صار عاهرة وق ّ‬
‫ذة بالق ّ‬
‫ذة‪..‬‬ ‫ّ‬
‫الناس سيرته‪ ،‬وينقّبون عن شمائله وصفاته‪ ،‬ويقلدونه حذو الق ّ‬
‫حّتى لو نبح كالكلب لنبح عبيده مثله‪.‬‬
‫قّلب نظرك‪ ،‬واسرح بفكرك‪ :‬فماذا ترى أخي الغريب‪ ...‬إّنها فقاعات الهواء‬
‫فخا يوما بعد يوم‪.‬‬‫التي تزداد تن ّ‬
‫ما تعّلق المسلمون بهذا الزبد‪ ،‬تعلقوا بحقويه ماذا آل حالهم‪ ،‬وكيف انتهى‬
‫ّ‬ ‫ول ّ‬
‫أمرهم‪" ...،‬غثاء كغثاء السيل"‪.‬‬
‫نعم‪ :‬إّنهم غثاء يتعّلقون بزبد رخيص مهين‪ ،‬يصرخون ويرطنون‪ :‬نحن‬
‫ل شيء‪ ،‬ونأكل من‬ ‫العلى‪ ...‬ألسنا فوق‪ ،‬ألسنا في الربى تجبى إلينا ثمرات ك ّ‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خيرات الرض‪ ،‬بأموالنا وبترولنا وذهبنا نشتري الخيرات من أي جهة شئنا‪ ،‬فها‬
‫نحن نركب المركوب الهّين‪ ،‬ونأكل الطعام الهنيء‪ ،‬ونلبس اللباس الناعم‪.‬‬
‫ولذلك فأنت ل ترى أقواما في جهّنم وهم يظّنون أّنهم في الجّنة كما هو حال‬
‫أهل السلم هذه الّيام‪ ،‬وهناك من السحرة "رجال إعلم‪ ،‬ودعاة زندقة‪،‬‬
‫وعمائم شيوخ" يمارسون التزوير وإفساد العقول‪ ،‬فهم يصرخون ليل نهار‪:‬‬
‫بلدنا بخير‪ ،‬وحالنا »ليس في المكان أبدع مما كان«‪ ،‬وحاكمنا مؤمن بصير‬
‫إلى مشاشه‪ ،‬وبلدنا آمنة‪ ،‬فماذا تريدون غير هذا؟!!‬
‫الحقّ هو البقى والقوى‪:‬‬
‫ل }له دعوة الحقّ والذين يدعون من دونه ل يستجيبون لهم‬ ‫الله عّز وج ّ‬
‫فيه إلى الماء ليبلغ فاه ‪-‬وما هو ببالغه‪ -‬وما دعاء الكافرين‬ ‫بشيء إل ّ كباسط ك ّ‬
‫إل في ضلل{]الرعد‪ .[14:‬وتابع الحقّ وصاحبه }وجد الله عنده فوفاه‬
‫ل }هو الحقّ المبين{‪.‬‬ ‫حسابه{‪ .‬والله عّز وج ّ‬
‫من السباب التي تجعل أهل الجهل من الناس ُيعرضون عن الحقّ ول يّتبعوه‬
‫ظّنهم أن الحقّ ضعيف‪ ،‬وأّنه قليل غناؤه‪ ،‬ومن تعّلق به لم يكن له إل طريق‬
‫الخسارة والبوار‪ ،‬فيستعظمون تبعة الخذ به‪ ،‬والتعّلق بواجباته‪ ،‬ويقبلون على‬
‫ن من جهل النفوس التعّلق‬ ‫و‪ ،‬ل ّ‬‫وة‪ ،‬والرتفاع والعل ّ‬ ‫ما ظاهره الكثرة والق ّ‬
‫بالعاجلة‪ ،‬والغترار بالظاهر‪ ،‬وعدم الغوص إلى المعاني والحقائق الباطنة‪،‬‬
‫ن باطلهم ل روح له‪،‬‬ ‫فما هي إل لحظات حّتى تنجلي الحقيقة فيكتشفون أ ّ‬
‫وته الهادرة‬ ‫زاهق ضعيف‪ ،‬وأن كثرته ما هي إل فقاعات ماء‪ ،‬وتجّلى الحقّ بق ّ‬
‫يكتسح سدود الباطل كالطوفان‪ ،‬ويرتفع بعّزة النتساب إلى الله تعالى‪،‬‬
‫ذره في قلوب أهله‪ ،‬فل يتخّلون عنه حّتى‬ ‫وة بتج ّ‬
‫وبوفاء المؤمنين به‪ ،‬ويزداد ق ّ‬
‫لو رماهم الناس عن قوس واحدة‪ ،‬فل يذهب من قلوبهم حّتى يذهبوا هم إلى‬
‫أجداثهم‪ ،‬ول يزالون عنه حّتى تزول أرواحهم من أجسادهم‪ ،‬اختلط بهم وفي‬
‫ذر في‬ ‫حشاشة قلوبهم حّتى صار منهم موضع الروح من الجسد‪ ،‬فهو متج ّ‬
‫صدورهم وعقولهم‪.‬‬
‫والحق سيل جارف هادر ل يعيقه شيء‪ ،‬إذا أقبل فهو كسيف الفجر ضياء‪،‬‬
‫طي‬‫يفلق هامة الظلمة وينحرها‪ ،‬وما يملك الباطل إل تلك المحاولة أن يغ ّ‬
‫م نوره‬ ‫النور بغرباله }يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إل أن يت ّ‬
‫ولو كره الكافرون{‪..‬‬
‫فالحقّ هو الضياء الذي ينير الحياة‪ ،‬وهو الماء الذي يسقي الرض‪ ،‬فتنبت‬
‫ما‬
‫خيراتها‪ ،‬ويحيي النفوس‪ ،‬ويشفي أمراضها‪ ،‬فالحقّ هو الذي له البقاء }وأ ّ‬
‫ما ينفع الناس فيمكث في الرض{ فل ينبغي لهل الحقّ أن يحتقروا شأنه‪ ،‬أو‬
‫يستصغروا أمره لقّلة التابع وضعفه‪ ،‬بل عليهم أن يعتّزوا به‪ ،‬ويرتفعوا عن‬
‫ن القليل مع الحقّ هو الكثير كما قال تعالى }كم من فئة قليلة‬ ‫الباطل‪ ،‬فإ ّ‬
‫غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين{‪ .‬وقال‪ } :‬فإن يكن منكم مائة‬
‫مة ل ينبغي لهل البصيرة إغفالها‪،‬‬ ‫صابرة يغلبوا ما‍ئتين{‪ ،‬وها هنا نقطة مه ّ‬
‫ن الشيطان وجنده يحاولون أن ينفخوا في مظاهرهم الكاذبة وزبدهم‬ ‫وهي أ ّ‬
‫ي النس ‪-‬أي الخطباء والبلغاء‪-‬‬ ‫حال ّ‬
‫س َ‬
‫العالي وذلك لشغل الناس به عن طريق ِ‬
‫قهم‪ ،‬فها أنت ترى العلم‬ ‫من رجال العلم حتى يلتبس على أهل الحقّ ح ّ‬
‫ي يمل أعين الناس وآذانهم وعقولهم وقلوبهم بالحداث‬ ‫المقروء والمرئ ّ‬
‫الباطلة‪ ،‬والتي ل قيمة لها‪ :‬فموت فاجرة يشغل الناس ويمل الدنيا‪ ،‬وولدة‬
‫طة أو كلب تكون على صفحات الصحف‪ ،‬وتزّوج عاهر وعاهرة يدخل خبره‬ ‫ق ّ‬
‫إلى بيوت الناس وخدرهم‪...‬‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ما إن جئت إلى الخبار الجليلة العظيمة‪ ،‬والحداث اليمانية العالية‪ ،‬سواء‬ ‫أ ّ‬
‫كانت من أخبار الجهاد والمجاهدين‪ ،‬أو موت العلماء والصالحين‪ ،‬أو سجن‬
‫س لهم خبرا‪ ،‬أو يسمع لهم أنينا‪،‬‬ ‫الدعاة والمؤمنين‪ ،‬فإّنك قّلما تجد من يح ّ‬
‫حّتى أّنك تجد إعراض المسلمين عن هذه الخبار بل استصغارها لّنها ليست‬
‫ن‬
‫قفها صحف وشاشات الغرب‪ ،‬وكأ ّ‬ ‫بالخبار العالمية كما يزعمون‪ ،‬ولم تتل ّ‬
‫مقياس العالمية والقوة هو ما يشغل أهل الزندقة والشرك‪ .‬فحسبنا الله‬
‫ونعم الوكيل‪ .‬فالواجب على المسلم أن ل ينشغل إل بأهل الحقّ وأعمالهم‬
‫وأخبارهم ول يقيم شأنا لموت فرعون }فما بكت عليهم السماء والرض وما‬
‫ظرين{‪ .‬فانظر بالله عليك إلى قيمة فرعون هذا!! وهذا كّله أدب‬ ‫من َ‬
‫كانوا ُ‬
‫مة وحده‪ ،‬وليس على‬ ‫قرآني وسبيل إيماني‪ ،‬فإبراهيم عليه السلم كان أ ّ‬
‫مة وحده‪ ،‬وبقّية‬ ‫الرض مؤمن سواه مع زوجه عليهما السلم‪ ،‬ومع ذلك هو أ ّ‬
‫مية‪.‬‬‫الناس غثاء وزبد ل قيمة له ول أه ّ‬
‫ّ‬
‫هذا هو قدر الله تعالى‪ ،‬وهذا سبيله‪ ،‬فمن تعلق بالحقّ كان ثقيل في ميزان‬
‫الله‪ ،‬ومن تركه كان ميتا ل قيمة له‪ ،‬وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ي والمّيت"‪.‬‬‫حيث قال‪" :‬مثل الذي يذكر رّبه والذي ل يذكره مثل الح ّ‬
‫ب العالمين‬
‫والحمد لله ر ّ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫مثل من ثبات الصحابة على دينهم واعتزازهم به‬


‫)خبر سعد بن أبي وقاص وأصحابه (‬
‫ّ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا‬
‫وا بصلتهم‪ ,‬فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من‬ ‫ف ْ‬‫خ َ‬
‫ذهبوا في الشعاب فاست َ ْ‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب من شعاب مكة ‪ ,‬إذ‬
‫ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون ‪ ,‬فناكروهم ‪ ,‬وعابوا عليهم‬
‫مايصنعون حتى قاتلوهم‪ ,‬فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجل ً من‬
‫هريق في السلم )]‪.([1‬‬ ‫ل دم ُ‬ ‫جه ‪ ,‬فكان أو َ‬ ‫ي بعير فش ّ‬ ‫المشركين بل َ ْ‬
‫ح ِ‬
‫هذا الخبر يدل على مقدار ما واجهه الصحابة رضي الله عنهم في مبدأ‬
‫السلم من محاصرة المشركين ومتابعتهم إياهم حتى اضطروهم إلى‬
‫الستخفاء بصلتهم في الشعاب النائية ‪ ,‬ومع ذلك وصل إليهم المشركون‬
‫فناكروهم وعابوهم وقاتلوهم ‪.‬‬
‫إن محافظة هؤلء الصحابة على دينهم وحماسهم في الدعوة إليه مع ذلك‬
‫الضطهاد الشديد من أعدائهم دليل على قوة إيمانهم وهو موقف جليل يكتب‬
‫في سجلهم الحافل بالمواقف العالية ‪.‬‬
‫وهكذا رأينا هؤلء العظماء البطال قد اضطروا إلى الستخفاء بأبرز شعائر‬
‫دينهم وهي الصلة‪ ,‬فأصبحوا يقيمونها في الشعاب والودية خوفا من سخرية‬
‫المشركين وبطشهم ‪ ,‬ومع ذلك لم يتركوا الصلة ‪ ,‬فكيف بالمسلمين الذين‬
‫أقيمت لهم المساجد العامرة بالمصلين المزودة بكل وسائل الراحة والنشاط‬
‫دا فيها وإيثاًرا لمتاع الدنيا ولهوها؟!‬
‫ومع ذلك يهجرها طائفة من المسلمين زه ً‬
‫إنه أمر منكر عجيب يدل على البون الشاسع بين مستوى إيمان الصحابة‬
‫رضي الله عنهم وإيمان من جاء بعدهم والتفوق الواضح للصحابة في مجال‬
‫الفهم والتطبيق ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما أن هذا النص يدلنا على مستوى العزة التي ارتفع إليها المسلمون آنذاك‬
‫على الرغم من ضعفهم وقلتهم حيث قام أولئك النفر بمدافعة من داهمهم‬
‫من المشركين ولم يستخذوا لهم وفي ذلك إعزاز ظاهر للسلم وتثبيت‬
‫لوجوده في الرض ‪.‬‬
‫مثل من الثبات على الشدائد‬
‫) إسلم خالد بن سعيد بن العاص (‬
‫أخرج المام البيهقي بإسناده عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان‬
‫ما ‪ ,‬وكان أول أخوته‬ ‫قال ‪ :‬كان إسلم خالد – يعني ابن سعيد بن العاص – قدي ً‬
‫أسلم ‪ ,‬وكان بدء إسلمه أنه رأى في النوم أنه ُوقف به على شفير النار ‪,‬‬
‫فذكر من سعتها ما الله أعلم به ‪ ,‬ويرى في النوم كأن أباه يدفعه فيها‪ ,‬ويرى‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بحقويه ليقع ‪ ,‬ففزع من نومه فقال ‪:‬‬
‫أحلف بالله إن هذه لرؤيا حق‪.‬‬
‫فلقي أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه فذكر ذلك له فقال أبو بكر ‪ :‬أريد‬
‫بك خير ‪ ,‬هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه ‪ ,‬فإنك ستتبعه وتدخل‬
‫معه في السلم ‪ ,‬والسلم يحجزك أن تدخل فيها وأبوك واقع فيها ‪.‬‬
‫فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد فقال ‪ :‬يامحمد إلم‬
‫دا عبده ورسوله ‪,‬‬ ‫تدعو ؟ فقال‪ :‬أدعو إلى الله وحده لشريك له وأن محم ً‬
‫وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر ليسمع وليبصر ولينفع وليدري من عبده‬
‫ممن لم يعبده ‪.‬‬
‫سّر رسول الله‬ ‫فقال خالد ‪ :‬فإني أشهد أن ل إله إل الله وأنك رسول الله ‪ ,‬ف ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم بإسلمه ‪ ,‬وتغيب خالد ‪ ,‬وعلم أبوه بإسلمه فأرسل في‬
‫طلبه ‪ ,‬فأتي به فأّنبه وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه ‪,‬‬
‫وقال ‪ :‬والله لمنعنك من القوت ‪ ,‬فقال خالد ‪ :‬إن منعتني فإن الله يرزقني‬
‫ما أعيش به‪ ,‬وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يلزمه‬
‫ويكون معه )]‪.([2‬‬
‫وهكذا هدى الله تعالى خالد بن سعيد بن العاص بتلك الرؤيا المباركة ‪,‬‬
‫فأخرجه بها من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد ‪ ,‬وكان يقينه بالسلم قوّيا‬
‫حيث لم يتزعزع إيمانه لما وبخه أبوه وضربه وهدده بقطع رزقه مع أن أباه‬
‫كان من سادة أهل مكة الكبار ‪ ,‬بل أعلن خالد استغناءه عن أبيه واعتماده‬
‫الكامل على الله تعالى وحده ‪ ,‬وثبت رضي الله عنه على حياة الفقر لنه‬
‫أحس بأن السلم هو سعادة الروح ‪ ,‬وأيقن بأن الحياة الدنيا لتساوي شيًئا‬
‫أمام الخرة ‪ ,‬فلتكن الدنيا كما يريد الكفار المتسلطون حياة بؤس وفاقة‬
‫على المسلمين فإن الموازين ستتبدل في الخرة فيصبح المسلمون هم‬
‫أصحاب الحياة السعيدة الخالدة ‪ ,‬وقد تتبدل في الدنيا حينما ينتصر‬
‫المسلمون وتكون لهم الدولة والهيمنة في الرض ‪.‬‬
‫مثل من الدعوة الناجحة والتضحية الخالدة‬
‫سَلمي (‬
‫) إسلم عمرو بن عبسة ال ّ‬
‫أخرج المام مسلم بإسناده عن أبي أمامة قال ‪ :‬قال عمرو بن عبسة‬
‫السلمي ‪ :‬كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضللة ‪ ,‬وأنهم ليسوا‬
‫على شيء وهم يعبدون الوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخباًرا ‪ ,‬فقعدت‬
‫على راحلتي ‪ ,‬فقدمت عليه ‪ ,‬فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفًيا‬
‫جَرَءاٌء عليه قومه ‪.‬‬
‫‪ُ ,‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له ‪ :‬ما أنت ؟ قال ‪" :‬أنا نبي" فقلت ‪:‬‬
‫ومانبي ؟ قال‪" :‬أرسلني الله " فقلت ‪ :‬وبأي شيء أرسلك؟ قال‪ " :‬أرسلني‬
‫بصلة الرحام وكسر الوثان وأن يوحد الله ليشرك به شيء " قلت له ‪ :‬فمن‬
‫معك على هذا ؟ قال‪ " :‬حر وعبد" قال‪ :‬ومعه يومئذ أبو بكر وبلل ممن آمن‬
‫به فقلت ‪ :‬إني متبعك ‪ .‬قال‪ " :‬إنك لتستطيع ذلك يومك هذا ‪ ,‬أل ترى حالي‬
‫وحال الناس ؟ ولكن ارجع إلى أهلك ‪ ,‬فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني " ‪.‬‬
‫قال فذهبت إلى أهلي ‪ ,‬وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ‪,‬‬
‫وكنت في أهلي ‪ ,‬فجعلت أتخبر الخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة ‪ ,‬حتى‬
‫ي نفر من أهل يثرب من أهل المدينة ‪ ,‬فقلت‪ :‬مافعل هذا الرجل‬ ‫قدم عل ّ‬
‫سَراعٌ ‪ .‬وقد أراد قومه قتله فلم‬‫الذي قدم المدينة ؟ فقالوا ‪ :‬الناس إليه ِ‬
‫يستطيعوا ذلك ‪.‬‬
‫فقدمت المدينة فدخلت عليه ‪ ,‬فقلت ‪ :‬يارسول الله ! أتعرفني ؟ قال‪" :‬‬
‫نعم ‪ .‬أنت الذي لقيتني بمكة؟ " ‪.‬‬
‫وذكر بقية الحديث وفيه أنه سأله عن الصلة والوضوء )]‪.([3‬‬
‫ففي هذا الخبر موقف يذكر لعمرو بن عبسة حيث آمن بالنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في أوائل دعوة السلم وفي حال قلة المسلمين وكثرة أعدائهم ‪ ,‬ولم‬
‫يقتصر على ذلك ‪ ,‬بل أبدى رغبته في مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫والبقاء معه في ذلك الظرف العصيب ‪ ,‬ولكن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قبل منه إسلمه ‪ ,‬وأبان له بأنه ليستطيع أن يتحمل مشقة الصحبة والتباع‬
‫في ذلك الوقت ‪ ,‬لما سيتعرض له من الذى الشديد على يد الكفار ولكون‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ليستطيع حمايته ‪.‬‬
‫وقد جاء في هذا الخبر أن عمرو بن عبسة سأل النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عن السلم بعد أن علم بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فقال ‪ :‬وبأي‬
‫شيء أرسلك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬أرسلني بصلة الرحام‬
‫وكسر الوثان وأن يوحد الله ليشرك به شيء " وفي هذا دليل على أهمية‬
‫صلة الرحام حيث كان هذا الخلق العظيم من أوليات دعوة السلم ‪ ,‬مع‬
‫اقترانه بالدعوة إلى التوحيد ‪.‬‬
‫وقد ظهر في هذا البيان الهجوم على الوثان بقوة مع أنها كانت أقدس شيء‬
‫عند العرب ‪ ,‬وفي هذا دللة على أهمية إزالة معالم الجاهلية ‪ ,‬وأن دعوة‬
‫التوحيد لتستقر ولتنتشر إلبزوال هذه المعالم ‪.‬‬
‫وفي اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم المبكر بإزالة الوثان مع عدم قدرته‬
‫على تنفيذ ذلك في ذلك الوقت دللة على أن أمور الدين ليجوز تأخير بيانها‬
‫للناس بحجة عدم القدرة على تطبيقها ‪ ,‬فالذين يبينون للناس من أمور الدين‬
‫مايستطيعون تطبيقه بسهولة وأمن ‪ ,‬ويحجمون عن بيان أمور الدين التي‬
‫يحتاج تطبيقها إلى شيء من المواجهة والجهاد ‪ ..‬هؤلء دعوتهم ناقصة ‪ ,‬ولم‬
‫يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي واجه الجاهلية وطغاتها وهو‬
‫في قلة من أنصاره ‪ ,‬والسيادة في بلده لعدائه ‪.‬‬
‫وجاء في هذا الخبر أن عمرو بن عبسة سأل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عن أتباعه فقال " حر وعبد" وقد فسر ذلك عمرو بأن المراد أبو بكر‬
‫وبلل‪ ,‬وهذا يحتمل أمرين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن الكلم على ظاهره وأنه لم يسلم في ذلك الوقت خارج بيت النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم إل أبو بكر وبلل‪ ,‬وبناء على ماسبق من أن أبا بكر هو‬
‫أول من أسلم يكون بلل ثاني رجل أسلم خارج البيت النبوي ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن هناك مسلمين آخرين ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أخفى‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذكرهم لكونهم يخفون إسلمهم عن قومهم‪ ,‬بينما كان أبو بكر ظاهر‬
‫السلم ‪ ,‬وبلل قد ظهر إسلمه ‪ ,‬فذكرهما لكونهما ليتضرران بهذا الذكر ‪,‬‬
‫وهذا هو الظاهر لن عمرو بن عبسة علم عن السلم وهو في بلده ‪ ,‬وظهور‬
‫السلم خارج مكة وعلم القبائل به كان بعد الجهر بالدعوة بينما كان‬
‫المسلمون الوائل قد دخلوا في السلم قبل الجهر بالدعوة كما سبق في‬
‫إسلم الخمسة على يد أبي بكر ‪.‬‬
‫ومما يدل على تأخر وفادة عمرو بن عبسة قوله في وصف النبي صلى الله‬
‫جرءاء عليه قومه" ‪ ,‬وقول النبي صلى الله عليه وسلم " أل ترى‬ ‫عليه وسلم " ُ‬
‫حالي وحال الناس؟ " فهذا يدل على أن وفادته كانت بعد حدوث الخلف‬
‫والعداء من المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬وذلك بعد أن جهر‬
‫بنقد الجاهلية التي كان عليها قومه ‪ ,‬وهذا النقد كان بعد الجهر بالدعوة ‪ ,‬بل‬
‫إنه قد جاء في هذا الخبر التصريح بكسر الوثان وهذا كان بعد الجهر‬
‫بالدعوة ‪.‬‬
‫‪-------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬سيرة ابن هشام ‪ , 1/261‬وتاريخ السلم للذهبي ‪. 1/147‬‬
‫)]‪ ([2‬دلئل النبوة للبيهقي ‪ , 2/172‬وأخرجه أبو عبد الله الحاكم من هذا‬
‫الطريق وذكر مثله – المستدرك ‪. 3/248‬‬
‫وذكره الحافظ ابن كثير من رواية البيهقي بإسناده – البداية والنهاية ‪. 3/248‬‬
‫)]‪ ([3‬صحيح مسلم ‪ 569‬رقم ‪ , 832‬كتاب صلة المسافرين‬

‫)‪(2 /‬‬

‫مثل من ثبات النبي صلى الله عليه وسلم‬


‫)شكوى قريش لبي طالب الولى(‬
‫لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله سّرا في بداية بعثته‬
‫إلى أن اجتمع حوله عدد من أصحابه‪ ،‬فأمره الله تعالى بأن يجهر بالدعوة‬
‫َ‬
‫ن( )الحجر ‪(94 :‬‬ ‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬ ‫ض عَ‬ ‫ما ت ُؤْ َ‬
‫مُر وَأعْرِ ْ‬ ‫)َفا ْ‬
‫صد َع ْ ب ِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن( )الشعراء ‪( 214 :‬‬ ‫شيَرت َك القَْرِبي َ‬‫وأمره بأن يبدأ بإنذار أقاربه )وَأنذِْر عَ ِ‬
‫فأنذر وبشر وجمع بين الدعوة إلى المعروف والنهي عن المنكر ‪ ,‬الدعوة إلى‬
‫عبادة الله وحده والتخلق بمكارم الخلق‪ ,‬والدعوة إلى نبذ عبادة الصنام‬
‫التي هي أعظم المنكر وكذلك التخلي عن مساويء الخلق ‪.‬‬
‫قى على‬ ‫فلما عاب أصنام المشركين وسفه أحلمهم بعبادتها عرفوا أنه لن ي َب ْ َ‬
‫ماهو عليه من دينه ويتركهم على ماهم عليه من المنكر فناصبوه العداء‬
‫وحاولوا تفريق المؤمنين بدعوته بكل ماأوتوا من قوة وحيلة ‪.‬‬
‫ولما رأوا صلبة إيمان أتباعه وأن أمره صار ينتشر بين جميع طبقات المجتمع‬
‫بسرعة وقوة حاولوا التأثير عليه ليترك دعوته أو يغير من أسلوبها في النكير‬
‫عليهم وتسفيه أحلمهم ‪ ..‬حاولوا ذلك بالترغيب أحياًنا وبالترهيب أحياًنا أخرى‬
‫ولكن حال دون وصولهم إلى أغراضهم صلبته في إيمانه وعطف عمه أبي‬
‫طالب عليه ودفاعه عنه وتهديده لقريش إن وصلوا إليه بالذى ‪.‬‬
‫دا صلى الله عليه وسلم لن يهون أمام‬ ‫فلما رأى كفار قريش أن محم ً‬
‫تهديداتهم ولن يلين أمام إغراءاتهم وأن عمه أبا طالب قد قام دونه وحماه ‪,‬‬
‫وأن أتباعه يتمسكون بدعوته بقوة ويزيد عددهم بسرعة ذهب بعض أشرافهم‬
‫إلى عمه أبي طالب لبيان أمره والشكوى منه ‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق رحمه الله ‪ :‬فلما بادى رسول الله صلى الله عليه‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم قومه بالسلم وصدع به كما أمره الله لم يبعد منه قومه ولم يردوا‬
‫عليه – فيما بلغني – حتى ذكر آلهتهم وعابها ‪ ,‬فلمافعل ذلك أعظموه )]‪([1‬‬
‫وناكروه وأجمعوا خلفه وعداوته إل من عصم الله تعالى منهم بالسلم وهم‬
‫قليل مستخفون ‪.‬‬
‫دب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب ومنعه وقام‬ ‫ح ِ‬
‫و َ‬
‫دونه ‪ ,‬ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله مظهًرا لمره‬
‫ليرده عنه شيء ‪,‬فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لُيعتبهم )]‪([2‬من شيء أنكروه من فراقهم وعيب آلهتهم ورأوا أن عمه أبا‬
‫ب عليه وقام دونه فلم يسلمه لهم مشى رجال من أشراف‬ ‫حد َ‬ ‫طالب قد َ‬
‫قريش إلى أبي طالب–وذكر أسماءهم – فقالوا ‪ :‬ياأبا طالب إن ابن أخيك قد‬
‫سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلمنا وضلل آباءنا ‪ ,‬فإما أن تكفه عنا وإما أن‬
‫تخلي بيننا وبينه فإنك على مثل مانحن عليه من خلفه فنكفيكه ‪ ,‬فقال لهم‬
‫قا وردهم رّدا جميل ً فانصرفوا عنه ‪.‬‬ ‫أبو طالب قول ً رقي ً‬
‫قال ‪ :‬ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ماهو عليه يظهر دين‬
‫الله ويدعو إليه ‪ ,‬ثم شرى المر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا ‪,‬‬
‫وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها فتذامروا فيه‪,‬‬
‫ضا عليه ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا له ‪:‬‬ ‫وحض بعضهم بع ً‬
‫يا أبا طالب إن لك سّنا وشرًفا ومنزلة فينا ‪ ,‬وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك‬
‫فلم تنهه عنا ‪ ,‬وإنا والله لنصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلمنا‬
‫وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى َيهَلك أحد الفريقين –‬
‫أو كما قالوا – ثم انصرفوا عنه فعظم على أبي طالب فراق قومه‬
‫سا بإسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ول‬ ‫وعداوتهم ‪ ,‬ولم يطب نف ً‬
‫خذلنه‪.‬‬
‫دث‬ ‫ح ّ‬‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الخنس أنه ُ‬
‫شا حين قالوا لبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله‬ ‫أن قري ً‬
‫عليه وسلم فقال له ‪ :‬ياابن أخي إن قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا ‪,‬‬
‫َ‬
‫ملني من المر مال أطيق‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫ي وعلى نفسك ولت ُ َ‬ ‫ق عل ّ‬ ‫للذي كانوا قالوا له فَأب ْ ِ‬
‫داء )]‪([3‬‬ ‫قال ‪ :‬فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه ب َ َ‬
‫سِلمه وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه ‪ ,‬فقال له رسول‬ ‫م ْ‬‫وأنه خاذله و ُ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ياعم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر‬
‫في يساري على أن أترك هذا المر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ماتركته ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ‪ ,‬ثم قام ‪ ,‬فلما وّلى‬
‫ناداه أبو طالب فقال‪ :‬أقبل يا ابن أخي ‪ ,‬قال‪:‬فأقبل عليه رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال‪ :‬اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فو الله لأسلمك‬
‫دا )]‪. ([4‬‬ ‫لشيء أب ً‬
‫وأخرجه الئمة البخاري في التاريخ الكبير والحاكم والبيهقي ‪ ,‬وذكره الهيثمي‬
‫من رواية الطبراني وأبي يعلى بنحوه ‪ ,‬كلهم من حديث عقيل بن أبي طالب‬
‫رضي الله عنه وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم حّلق ببصره إلى السماء‬
‫فقال ‪ :‬فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك منكم على أن تستشعلوا منها شعلة‪,‬‬
‫ت ابن اخي قط فارجعوا ‪.‬‬ ‫ذب ُ‬‫فقال أبو طالب ‪ :‬والله ماك ّ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال الحافظ الهيثمي ‪ :‬ورجال أبي يعلى رجال الصحيح )]‪ ([5‬وذكره الحافظ‬
‫ابن حجر وقال‪ :‬هذا إسناد صحيح )]‪. ([6‬‬
‫في هذا الخبر بيان لشدة المواجهة وعنف المقاومة التي كان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم يلقاها من قومه ‪ ,‬حيث استخدم أشراف قومه مختلف‬
‫كروه بشرف‬ ‫الوسائل للتأثير على عمه أبي طالب ليرفع عنه حمايته ‪ ,‬فذ ّ‬
‫الباء والجداد وهو من المقتنعين بالتمسك بما عليه السلف وذكروه بقدسية‬
‫اللهة وهو ممن يعظمونها ‪ ,‬ثم هددوه بالحرب بينهم وبينه وهو ممن يكره‬
‫ذلك ‪ ,‬كما حاولوا التلطف معه بالثناء عليه فذكروا شرفه ومنزلته فيهم‬
‫ليؤثروا عليه فيستجيب لشكايتهم ‪.‬‬
‫جا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوقع‬ ‫فا صعًبا ومحر ً‬ ‫ولقد كان موق ً‬
‫عمه الذي ناصره وحماه في هذا المأزق المحرج ‪ ,‬حيث بقي أبو طالب في‬
‫سلم‬‫ضا ليريد أن ي ُ ْ‬
‫حيرة من أمره فهو ليريد أن يبادىَ قومه بالعداء ولكنه أي ً‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ول أن يخذله ‪ ,‬ولكن إخراج عمه من‬
‫هذا المأزق يقتضي أن يتنازل عن دعوته وأن يوافق الكفار على تعظيم‬
‫الصنام وتفخيم ميراث الباء وهذا أمر مستحيل ‪ ,‬لذلك كان موقف النبي‬
‫ما حينما استدعاه عمه وفاوضه في التنازل‬ ‫ما وحاس ً‬ ‫صلى الله عليه وسلم حاز ً‬
‫عن دعوته الكاملة إبقاء عليه وعلى نفسه ‪ ,‬حيث بين لعمه أن هذا مستحيل‬
‫كاستحالة إنزال الشمس والقمر ووضعهما في يديه صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وإن هذا لموقف عظيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث وقف وهو‬
‫في قلة من أنصاره يتحدى زعماء قريش وهم في عزهم وغناهم ومكانتهم‬
‫العالية في العرب ‪ ,‬وقد بين صلبته في التمسك بهذا الدين ودعوة الناس‬
‫إليه مهما تكن الظروف ‪ ,‬ومهما ُوضع في طريقه من عقبات ‪ ,‬وأنه على‬
‫دم نفسه رخيصة في سبيل هذا الدين ‪ ,‬فضرب بذلك‬ ‫استعداد كامل لن يق ّ‬
‫المثل العالي لمته والقدوةَ الكاملة للدعاة إلى الله تعالى في تسخير نفسه‬
‫بكل طاقاتها لخدمة دعوته ولو أدى ذلك إلى هلكها‪.‬‬
‫فليسر على دربه المؤمنون المتقون في بذل الجهد في الدعوة وتحمل كل‬
‫مايواجههم من صعوبات ونكبات فإن لهم فيه صلى الله عليه وسلم أسوة‬
‫حسنة ‪.‬‬
‫هذا وإن تلك الدموع الغالية التي تحدرت من عيني رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم تبين لنا خطورة الموقف وصعوبة المر عليه ‪ ,‬حيث كان بين‬
‫أمرين كل واحد منهما شاق على نفسه ‪ ,‬لكن إيقاع عمه في الحرج أهون‬
‫عليه كثيًرا من التنازل عن دعوته ‪ ,‬بل لمقارنة بين المرين لن أحدهما‬
‫صعب والخر مستحيل ‪.‬‬
‫وإنه من أجل الخروج من هذا المأزق وإصدار القرار السامي الذي لخيار له‬
‫فيه فإنه لبد لصاحب النفس الكريمة التي بلغت نهاية الكمال البشري في‬
‫السمو الخلقي أن يعبر عن أساه واسفه لصاحب المعروف الكبير عليه أن‬
‫أوقعه في حرج كبير وأدخله في معركة حامية مع قومه‪ ,‬في الوقت الذي كان‬
‫يتوسل إليه أن ليوقعه في ذلك ‪ ,‬فكانت الدموع الزكية أبلغ تعبير عن ذلك‬
‫السى والسف ‪.‬‬
‫إن دموع فحول الرجال الشداء غالية ‪ ,‬وتكون أشد غلء حينما تنحدر من‬
‫عيني من بلغ الكمال في كل معاني الرجولة ‪ ,‬وإن غلء تلك الدموع ليصور لنا‬
‫جسامة المسؤولية التي تحملها رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهان‬
‫من أجلها بكل ما تعارف عليه البشر من الخلق والعمال التي تتعارض معها‬
‫‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪------------------------‬‬
‫)]‪ ( [1‬أي شق ذلك عليهم ‪.‬‬
‫)]‪ ( [2‬أي ليزيل عتبهم بالرجوع عما أنكروه ‪.‬‬
‫)]‪ ( [3‬أي ظهر له فيه رأي جديد ‪.‬‬
‫)]‪ ( [4‬السيرة النبوية لبن هشام ‪. 264 – 1/261‬‬
‫)]‪ ( [5‬التاريخ الكبير ‪ 7/51‬رقم ‪ , 230‬المستدرك ‪ ,3/577‬دلئل النبوة‬
‫للبيهقي‪,187 – 2/186,‬مجمع الزوائد ‪.6/14‬‬
‫)]‪ ( [6‬المطالب العالية ‪ 4/192‬رقم ‪. 4278‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫مثل من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤثرة‬


‫) إسلم ضماد الزدي ورجل من بني عامر(‬
‫لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم النجاح في دعوته ‪ ,‬بليًغا في‬
‫التأثير على من خاطبه‪ ,‬حيث يؤثر على من جالسه بهيئته وسمته ووقاره قبل‬
‫أن يتكلم ‪ ,‬ثم إذا تحدث أسر سامعيه بمنطقه البليغ المتمثل من العقل‬
‫السليم والعاطفة الجياشة بالحب والصفاء والنية الخالصة في هداية المة‬
‫بوحي الله تعالى ‪.‬‬
‫وإن من أبرز المثلة على قوته في التأثير بالكلمة المعبرة والخلق الكريمة ‪,‬‬
‫ماكان من موقفه مع ضماد الزدي الذي وفد إلى مكة وتأثر بدعاوى‬
‫المشركين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقر في نفسه أنه‬
‫مصاب بالجنون كما يتهمه بذلك قومه ‪.‬‬
‫وقد أخرج المام مسلم رحمه الله من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن‬
‫ضماًدا الزدي قدم مكة وكان من أزد شنوءه ‪ ,‬وكان يرقي من هذه الريح –‬
‫دا مجنون‬‫يعني يعالج من الجنون – فسمع سفهاء مكة يقولون إن محم ً‬
‫فقال ‪ :‬لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي ‪.‬‬
‫قال فلقيه فقال ‪ :‬يامحمد إني أرقي من هذه الريح ‪ ,‬وإن الله يشفي على‬
‫يدي من شاء فهل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إن الحمد‬
‫الله نحمده ونستعينه ‪ ,‬من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له ‪,‬‬
‫دا عبده ورسوله ‪ ,‬أما‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده لشريك له وأن محم ً‬
‫بعد" ‪.‬‬
‫قال فقال ‪ :‬أعد علي كلماتك هؤلء ‪ ,‬فأعادهن عليه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ثلث مرات‪ ,‬قال فقال‪ :‬لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة‬
‫وقول الشعراء ‪ ,‬فما سمعت مثل كلماتك هؤلء‪ ,‬ولقد بلغن قاموس البحر )]‬
‫‪. ([1‬‬
‫قال فقال ‪ :‬هات يدك أبايعك على السلم قال‪ :‬فبايعه ‪ ,‬فقال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬وعلى قومك ‪ ,‬قال‪:‬وعلى قومي‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية )]‪ ([2‬فمروا بقومه‬
‫فقال صاحب السرية للجيش‪ :‬هل أصبتم من هؤلء شيًئا ؟فقال رجل من‬
‫القوم ‪ :‬أصبت منهم مطهرة‪,‬فقال‪:‬ردوها فإن هؤلء قوم ضماد)]‪.([3‬‬
‫في هذا الخبر بيان أن المشركين كانوا يتهمون رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بالجنون ‪ ,‬فهل كان وصفه بذلك مجرد تهمة ألصقها به أعداؤه من غير‬
‫أن يسوغوها بأسباب يتوقعون أنها مقنعة ؟‬
‫قد تكون هذه التهمة غير مسوغة بذلك ‪ ,‬وإنما هي مجرد رأي خطر لبعض‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫زعمائهم لينفروا الناس من سماع دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فتبعهم على ذلك عامتهم ‪.‬‬
‫وقد تكون مسوغة بمخالفة ما عليه جمهور الناس ‪ ,‬والقيام بتحدي من‬
‫يملكون القوة والهيمنة‪ ,‬والتضحية من أجل المبدأ بالمال والنفس ‪ .‬فيرى‬
‫ب السلمة في النفس‬ ‫بعض الناس أن العقل يقتضي مسايرة الناس وطل َ‬
‫والمال ‪ ,‬وأن إهدار ذلك وتعريض النفس للهلك ‪ ,‬والمال للضياع من أجل‬
‫المحافظة على مبدأ يخالف ماعليه الناس نوع من الجنون ‪.‬‬
‫ومن هذا الباب اتهام المشركين أبا بكر بالجنون حينما عّرض نفسه للذى‬
‫وهو يدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي ‪.‬‬
‫ولذلك ترتفع نغمات بعض المنافقين في كل زمن فيتهمون دعاة السلم‬
‫الذين يقاومون الباطل‪ ,‬ويتعرضون من أجل رفع دعوة الحق لضياع الموال‬
‫والتشرد والسجون والقتل أحياًنا ‪ ..‬يتهمونهم بالجنون ‪ ..‬ل على أنهم قد‬
‫عا من العقول يراها هؤلء‬ ‫فقدوا عقولهم بالكلية ‪ ,‬ولكن على أنهم فقدوا نو ً‬
‫المنافقون وأشباههم من ضعفاء اليمان هي العقول السليمة الجديرة بحمل‬
‫هذا السم ‪ ..‬هذه العقول هي التي ترعى مصالحها الدنيوية ‪ ,‬وتساير جميع‬
‫الوضاع التي تعيش فيها سواء كانت الهيمنة لهل الحق أو كانت لهل الباطل‬
‫‪.‬‬
‫فالتخلي عن المال من أجل الحفاظ على المبدأ السامي يعد ّ عند هؤلء ضرًبا‬
‫من الجنون‪.‬‬
‫والنظر إلى الدنيا والتفكير الدائم في تدبير الموال وسياسة تشغيلها وصرفها‬
‫هو عين العقل عند هؤلء ‪ ,‬ويستوي عندهم من يبعثر أمواله في الطيش‬
‫والتهور ‪ ,‬ومن ينفق أمواله في سبيل الله تعالى ‪ ,‬فكلهما عند هؤلء سفيه‬
‫قاصر العقل ‪ ,‬بينما يكون الحكم في السلم على الول بأنه قاصر العقل‬
‫سفيه يجب الحجر عليه‪ ,‬أما الثاني فإنه كامل العقل حيث قدم ماله ليكسب‬
‫في الخرة أضعاًفا مضاعفة من الجر ‪ ,‬ويستحق الثناء والشكر بما قدم من‬
‫ماله لخدمة دينه وإخوانه المسلمين‪.‬‬
‫هذا وقد وجدت من كلم علماء التفسير ما يؤيد هذا التوجيه وذلك فيما ُروي‬
‫عن الحسن البصري رحمه الله أنه فسر اتهام المشركين ذلك لرسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم بالضلل قال ‪ :‬وذلك أنهم لم يريدوا بالمجنون الذي‬
‫يخرق ثيابه ويهذي ‪ ,‬بل لن النبي صلى الله عليه وسلم خالف أهل العقل في‬
‫قل )]‪.([4‬‬
‫نظرهم ‪ ,‬كما يقال‪ :‬ما لفلن ع ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ضا في هذا المعنى ‪ :‬لقد رأيت رجال ً لو رأيتموهم لقلتم‬


‫وقال الحسن أي ً‬
‫مجانين )]‪ . ([5‬يخاطب بذلك أهل الدنيا في عصره من المسلمين ‪ ,‬ويريد‬
‫بالرجال من رآهم من الصحابة رضي الله عنهم‪ ,‬ويقصد بهذا الكلم أن أهل‬
‫الدنيا في عصره لو رأوا الصحابة في زهدهم في الدنيا وإقبالهم على الخرة‬
‫وتنافسهم في الجهاد وطلب الشهادة والنفاق في سبيل الله تعالى لتهموهم‬
‫بالجنون ‪.‬‬
‫وفي هذا الخبر بيان اتصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفتي الصبر‬
‫والحلم وهما من أهم الصفات اللزمة للنجاح في الدعوة ‪ ,‬فهذا الرجل وهو‬
‫ضماد الزدي قد قدم مكة وهو يعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫مجنون ‪ ,‬وذلك لكثرة مايبث قومه عنه من دعاوى كاذبة في القبائل ‪ ,‬وحيث‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إن ضماًدا يعالج من ابتلي بالجنون فإنه قد عرض على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أن يعالجه من ذلك ‪.‬‬
‫وهذا موقف يثير غضب من اتهم بذلك عادة ‪ ,‬ويتبع ذلك توبيخ المتكلم به إن‬
‫لم يحصل ماهو أشد من ذلك ‪ ,‬ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي‬
‫جبله الله تعالى على مكارم الخلق قد استقبل المر بحلم وهدوء مما أثار‬
‫إعجاب ذلك الرجل وجعله مهيًئا لقبول ماسيدعوه إليه ‪ ,‬ولذلك ما إن بدأ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم كلمه بالمقدمة التي يستفتح بها بعض خطبه‬
‫حتى أعلن ذلك الرجل أن الكلم الذي سمعه ليشبهه وليدانيه كلم الشعراء‬
‫ول كلم الكهان والسحرة فأسلم في تلك الساعة ‪.‬‬
‫وهذا شاهد على فصاحة النبي صلى الله عليه وسلم وقوة بيانه ‪ ,‬وانبعاث‬
‫غرر بيانه‬ ‫مليَء إيماًنا ويقيًنا وحكمة ‪ ,‬حيث فاض ذلك على ُ‬ ‫كلمه من قلب ُ‬
‫فأصبح آسًرا لسامعيه ‪ ,‬وجاذًبا لصحاب القلوب المتجردة إلى اتباعه ‪.‬‬
‫ولئن كان كثير من الناس اليوم ل يتأثر بهذا الكلم وأمثاله ‪ ,‬فهذا ليس لعيب‬
‫في الكلم‪ ,‬وإنما هو لتدني مستوى المتلقي في الذوق والوجدان وفهم اللغة‬
‫العربية ‪ ,‬أو لعدم صدور ذلك الكلم من قلب متأثر به أو لهما جميًعا ‪.‬‬
‫وفي سرعة إسلم ذلك الرجل دللة على أن السلم هو دين الفطرة وأن‬
‫النفوس إذا تجردت من الضغوط الداخلية التي يحمل عليها اتباع الهوى ‪,‬‬
‫والضغوط الخارجية التي من أبرزها هيمنة الطغاة من الكابر الذين يرسخون‬
‫في النفوس رهبتهم وتقديس مبادئهم الضالة في قلوب الناس من غير أن‬
‫يكون لهم اختيار وتفكير ‪ ..‬إذا خلت النفوس من ذلك فإنها غالًبا تتأثر‬
‫وتستجيب ‪ ,‬إما بسماع قول مؤثر ‪ ,‬أو العجاب بسلوك قويم ‪.‬‬
‫وفي طلب النبي صلى الله عليه وسلم البيعة من ضماد لقومه دللة على‬
‫مبلغ اهتمامه صلى الله عليه وسلم بدعوته ‪ ,‬وذلك باغتنام كل فرصة ينتج‬
‫عنها تقدم في هذه الدعوة ‪ ,‬فقد لحظ سرعة إقبال ذلك الرجل على السلم‬
‫وقوة قناعته به ‪ ,‬فدفعه ذلك إلى أخذ البيعة منه لقومه ‪ ,‬وذلك وعد مؤكد منه‬
‫بحمل قومه على السلم ‪ ,‬ولشك أن من بايع النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫نيابة عن قومه سيبذل كل ما يملك من طاقة في جذب قومه إلى هذا‬
‫الدين ‪.‬‬
‫وفي هذا بيان واضح لهمية الدعوة إلى الله تعالى ‪ ,‬حيث جعلها النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قرينة اللتزام الشخصي ‪ ,‬فقد بايع ضماد رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم على اللتزام بالدين ‪ ,‬فلم يكتف رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم بذلك بل أخذ منه البيعة على دعوة قومه إلى السلم لن دعوتهم‬
‫متعينة عليه ‪.‬‬
‫فالدعوة فرض كفاية ‪ ,‬إذا قام بها من يكفي سقط الوجوب عن بقية المة ‪,‬‬
‫وإذا لم يتم ذلك أثم كل من كان أهل ً لهذا المر ‪ ,‬وإذا تعينت على واحد بعينه‬
‫كانت فرض عين كما هو الحال في هذا الخبر ‪.‬‬
‫حاني قوي ‪ ,‬ويدفعه‬ ‫ومن المعلوم أن من دخل في السلم يكون في جو َروْ َ‬
‫الندم على مافات من أيامه – وهو في ضلل – على مضاعفة الجهد في‬
‫خدمة هذا الدين الذي هداه الله إليه ‪ ,‬فيكون لديه استعداد قوي لبذل الجهد‬
‫في هذا المجال ‪.‬‬
‫ويشبه هؤلء المسلمين الجدد في هذه الحيوية والندفاع نحو العمل‬
‫ن الله عليهم بالتوبة والهداية فإنهم‬ ‫المنحرفون من المسلمين الذين م ّ‬
‫ليشعرون بانتمائهم الحقيقي للسلم إل بعد استنارة قلوبهم بالهدى ‪ ,‬ولذلك‬
‫فإنهم يندفعون بقوة نحو العمل الصالح والدعوة إلى السلم ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صى به مجالسة التائبين لكتساب قوة اليمان والحيوية الدافعة‬ ‫وإن مما ي ُوْ َ‬
‫إلى العمل الصالح‪ ,‬وفي ذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‪ :‬جالسوا‬
‫التوابين فإنهم أرقّ شيء أفئدة )]‪. ([6‬‬
‫وهنا تأتي براعة الموجهين في الدعوة حيث يحاولون جهدهم الفادة من هذه‬
‫الطاقات المتدفقة وتوجيهها نحو اللتزام الصحيح بالسلم وبذل الجهد في‬
‫دعوة الناس إليه ‪ ,‬وخاصة في مجتمع القران الذين كانوا قبل ذلك تجمعهم‬
‫الزمالة والصداقة ‪.‬‬
‫وهم في كل ذلك إنما يتأسون برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان‬
‫يوجه الطاقات ويغتنم كل الفرص المتاحة للدعوة ‪.‬‬
‫فهل يفهم المسلمون هذا المعنى الجليل فيسارعوا إلى بذل جهدهم في‬
‫الدعوة إلى هذا الدين والدفاع عنه ؟‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويشبه خبر ضماد الزدي من بعض الجوانب ماأخرجه ابن حبان رحمه الله‬
‫من طريق سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ‪" :‬جاء‬
‫رجل من بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يداوي ويعالج‬
‫فقال ‪ :‬يامحمد ‪ ,‬إنك تقول أشياء هل لك أن أداويك ؟‬
‫قال فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله ثم قال له ‪ :‬هل لك أن‬
‫أريك آية ؟ وعنده نخل وشجر‪ ,‬فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عذًقا‬
‫منها فأقبل إليه وهو يسجد ويرفع رأسه ويسجد ويرفع رأسه حتى انتهى إليه‬
‫صلى الله عليه وسلم فقام بين يديه ثم قال له رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬ارجع إلى مكانك ‪ ,‬فرجع إلى مكانه ‪ .‬فقال العامري‪ :‬والله ل أكذبك‬
‫دا ‪ .‬ثم قال ‪ :‬يا آل عامر ابن صعصعة ‪ ,‬والله ل أكذبه بشيء‬ ‫بشيء تقوله أب ً‬
‫يقوله " قال ‪ :‬والعذق ‪ :‬النخلة )]‪. ([7‬‬
‫فهذا الرجل العامري يتطبب ويعالج المرضى ‪ ,‬ولما سمع أهل مكة يتهمون‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون تقدم إليه وعرض عليه أن يداويه‬
‫من ذلك ولكن جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم للعامري اختلف عن‬
‫جوابه لضماد الزدي ‪ ,‬فقد كان جوابه لضماد يقوم على الفصاحة والبيان‬
‫وجزالة المعاني ‪ ,‬وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في حال‬
‫ضماد أنه ممن يؤثر فيهم الدب الرفيع والمعاني السامية فبادره بذلك‬
‫الجواب الذي هز كيانه وأخضع جنانه ‪ ,‬وأمثال ضماد هم الكثرون في حياة‬
‫ما على‬ ‫ل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قائ ً‬ ‫ج ّ‬
‫العرب آنذاك ولذلك كان ُ‬
‫البداع في هذا المجال ‪.‬‬
‫أما ذلك العامري ‪ ,‬فقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم من حاله أنه من أهل‬
‫العاطفة القوية والخضوع للمور الحسية ‪ ,‬فعرض عليه آية مشاهدة ُتخضع‬
‫من رآها – ممن تجرد من الهوى – إلى الذعان لها والتسليم لصاحبها بأنه‬
‫ليس من البشر العاديين ‪.‬‬
‫وهكذا تتنوع أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة حسب فهمه‬
‫لمداخل النفوس وطرق التأثير عليها ‪ ,‬فهو القدوة العليا في ذلك ‪ ,‬ومنه يجب‬
‫أن تؤخذ مناهج الدعوة وأساليبها ‪.‬‬
‫‪---------------‬‬
‫)]‪ ([1‬ذكر المام النووي أنه ضبط هذه الكلمة من وجهين ‪ :‬أولهما ناعوس‬
‫والثاني قاموس ‪ ,‬وذكر أن هذا هو الشهر عند غير مسلم ‪ ,‬وعليه سار أبو‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مسعود الدمشقي في أطراف الصحيحين والحميدي في الجمع بين‬


‫الصحيحين ‪ ,‬وذكر أن هذا هو الموافق لكلم أهل اللغة وأن معناه وسط البحر‬
‫وقعره ولجته – شرح النووي على صحيح مسلم ‪. - 6/157‬‬
‫)]‪ ( [2‬يعني بعد الهجرة ‪.‬‬
‫)]‪ ( [3‬صحيح مسلم ص ‪ , 593‬رقم ‪. 868‬‬
‫)]‪ ( [4‬فتاوى ابن تيمية ‪. 72/ 16‬‬
‫)]‪ ( [5‬فتاوى ابن تيمية ‪. 16/72‬‬
‫)]‪ ( [6‬الزهد للمام أحمد بن حنبل ‪. 120/‬‬
‫)]‪ ( [7‬موارد الظمآن ‪ , 520‬وذكره الحافظ الهيثمي وقال ‪ :‬رواه أبو يعلى ‪,‬‬
‫ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن الحجاج الشامي وهو ثقة – مجمع‬
‫الزوائد ‪. 9/10‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫مثل من قدرة النبي صلى الله عليه وسلم على اختراق حصار العداء‬
‫)إسلم الطفيل بن عمرو الدوسي(‬
‫ما ‪ ,‬حيث لم يكتفوا بتنفير‬ ‫دا محك ً‬ ‫لقد كان حصار العداء لدعوة السلم شدي ً‬
‫ساكني مكة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشويه سمعته عندهم بل‬
‫مموا أفكارهم وليحولوا بينهم وبين سماع‬ ‫صاروا يتلقون الوافدين إليهم ليس ّ‬
‫كلمه والتأثر بدعوته ‪.‬‬
‫وإن من أبرز المثلة على ذلك ماجرى منهم مع الطفيل بن عمرو الدوسي ‪,‬‬
‫وقد أخرج خبره محمد بن إسحاق رحمه الله حيث قال‪ :‬وكان رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم على مايرى من قومه )]‪ ([1‬يبذل لهم النصيحة‬
‫ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه وجعلت قريش – حين منعه الله منهم –‬
‫ذرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب ‪.‬‬ ‫يح ّ‬
‫دث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله‬ ‫وكان الطفيل بن عمرو الدوسي يح ّ‬
‫فا‬ ‫ً‬
‫عليه وسلم بها فمشى إليه رجال من قريش‪ ,‬وكان الطفيل رجل شري ً‬
‫ت )]‪ ([2‬بلدنا ‪ ,‬وهذا الرجل الذي‬ ‫شاعًرا لبيًبا ‪ ,‬فقالوا له ‪ :‬ياطفيل إنك َقد ْ‬
‫م َ‬
‫بين أظهرنا قد أعضل بنا ‪ ,‬وقد فرق جماعتنا ‪ ,‬وشتت أمرنا ‪ ,‬وإنما أمره‬
‫كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه ‪ ,‬وبين الرجل وبين أخيه ‪ ,‬وبين الرجل‬
‫وبين زوجته ‪ ,‬وإنا نخشى عليك وعلى قومك ماقد دخل علينا فل تكلمّنه ول‬
‫ن منه شيًئا ‪.‬‬
‫تسمع ّ‬
‫قال ‪ :‬فو الله مازالوا بي حتى أجمعت أن ل أسمع منه شيًئا ول أكلمه ‪ ,‬حتى‬
‫فا فرًقا )]‪ ([3‬من أن يبلغني‬ ‫ي حين غدوت إلى المسجد ك ُْرس ً‬ ‫حشوت في أذن ّ‬
‫شيء من قوله ‪ ,‬وأنا ل أريد أن أسمعه‪ .‬قال‪ :‬فغدوت إلى المسجد فإذا‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة ‪ .‬قال‪ :‬فقمت منه‬
‫ما حسًنا ‪ ,‬قال‪:‬‬ ‫قريًبا‪ ,‬فأبى الله إل أن يسمعني بعض قوله‪ ,‬قال‪ :‬فسمعت كل ً‬
‫ي‬‫فقلت في نفسي‪ :‬واُثكل أمي؛ والله إني لرجل لبيب شاعر وما يخفى عل ّ‬
‫الحسن من القبيح ‪ ,‬فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول! فإن كان‬
‫حا تركته ‪.‬‬ ‫الذي يأتي به حسًنا قبلته ‪ ,‬وإن كان قبي ً‬
‫قال ‪ :‬فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاّتبعته‬
‫حتى إذا دخل بيته دخلت عليه‪ ,‬فقلت‪ :‬يامحمد ‪ ,‬إن قومك قد قالوا لي كذا‬
‫وكذا ‪ ,‬للذي قالوا ‪ ,‬فو الله مابرحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني‬
‫بكرسف لئل أسمع قولك ‪ ,‬ثم أبى الله إل أن يسمعني قولك‪ ,‬فسمعته قول ً‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي أمرك ‪.‬‬ ‫حسًنا‪ ,‬فاعرض عل ّ‬


‫ي القرآن‬ ‫ي رسول الله صلى الله عليه وسلم السلم ‪ ,‬وتل عل ّ‬ ‫قال فعرض عل ّ‬
‫‪ ,‬فل والله ماسمعت قول قط أحسن منه ول أمًرا أعدل منه ‪ .‬قال ‪ :‬فأسلمت‬ ‫ً‬
‫وشهدت شهادة الحق ‪ ,‬وقلت‪ :‬يانبي الله ‪ ,‬إني امرؤ مطاع في قومي ‪ ,‬وأنا‬
‫راجع إليهم ‪ ,‬وداعيهم إلى السلم ‪ ,‬فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عوًنا‬
‫عليهم فيما أدعوهم إليه ‪ ,‬فقال ‪ :‬اللهم اجعل له آية ‪.‬‬
‫ْ‬
‫قال ‪ :‬فخرجت إلى قومي ‪ ,‬حتى إذا كنت بَثنّية )]‪ ([4‬ت ُطلُعني على الحاضر )]‬
‫‪ ([5‬وقع نور بين عيني مثل المصباح ‪ ,‬فقلت‪ :‬اللهم في غير وجهي ‪ ,‬إني‬
‫أخشى أن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم ‪ .‬قال ‪ :‬فتحول‬
‫فوقع في رأسي سوطي ‪ ,‬قال‪ :‬فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في‬
‫سوطي كالقنديل المعلق ‪ ,‬وأنا أهبط إليهم من الثنية ‪ ,‬قال ‪ :‬حتى جئتهم‬
‫فأصبحت فيهم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فلما نزلت أتاني أبي ‪ ,‬وكان شيخا كبيرا ‪ ,‬قال‪ :‬فقلت ‪ :‬إليك عني يا‬
‫م يابني ؟ قال‪ :‬قلت ‪ :‬أسلمت وتابعت‬ ‫أبت ‪ ,‬فلست منك ولست مني قال‪ :‬ول َ‬
‫دين محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬قال‪ :‬أي بني ‪ ,‬فديني دينك ‪ ,‬قال‪ :‬فقلت ‪:‬‬
‫ل حتى أعَّلمك ماعُّلمت‪ .‬قال‪ :‬فذهب‬ ‫فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ‪ ,‬ثم ت ََعا َ‬
‫فاغتسل ‪ ,‬وطهر ثيابه ‪ ,‬قال ‪ :‬ثم جاء فعرضت عليه السلم فأسلم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أتتني صاحبتي )]‪ , ([6‬فقلت ‪ :‬إليك عني ‪ ,‬فلست منك ولست مني ‪,‬‬
‫قالت‪ :‬لم ؟ بأبي أنت وأمي ‪ ,‬قال‪ :‬قلت ‪ :‬قد فَّرق بيني وبينك السلم ‪,‬‬
‫وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬قالت‪ :‬فديني دينك ‪ ,‬قال ‪ :‬قلت ‪:‬‬
‫شَرى فتطهري منه )]‪. ([7‬‬ ‫فاذهبي إلى حنا ذي ال ّ‬
‫شل‬ ‫ى حموه له ‪ ,‬وبه وَ َ‬ ‫ما ل ِد َْوس ‪ ,‬وكان الحمى حم ً‬ ‫قال ‪ :‬وكان ذو الشرى صن ً‬
‫من ماٍء يهبط من جبل ‪.‬‬
‫شرى شيًئا ؟‬ ‫صب َْية من ذي ال ّ‬‫قال ‪ :‬فقالت ‪ :‬بأبي أنت وأمي ‪ ,‬أتخشى على ال ّ‬
‫ت عليها‬ ‫ت ‪ ,‬ثم جاءت فعرض ُ‬ ‫ت فاغتسل ْ‬ ‫ن لذلك ‪ ,‬فذهب ْ‬ ‫قال‪ :‬قلت ‪ :‬ل أنا ضام ٌ‬
‫السلم ‪ ,‬فأسلمت ‪.‬‬
‫ل الله صلى الله‬ ‫ت رسو َ‬ ‫ي ‪ ,‬ثم جئ ُ‬ ‫ت د َْوسا إلى السلم فأبطأوا عل ّ‬ ‫ثم دعو ُ‬
‫عليه وسلم بمكة فقلت له ‪ :‬يانبي الله‪ ,‬إنه قد غلبني على د َْوس الزنى )]‪([8‬‬
‫سا ‪ ,‬إرجع إلى قومك َفاد ْعُُهم وارفق‬ ‫هد َدو ً‬ ‫‪ ,‬فادع الله عليهم ‪ ,‬فقال ‪ :‬اللهم ا ْ‬
‫بهم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فلم أزل بأرض د َْوس أدعوهم إلى السلم ‪ ,‬حتى هاجر رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ‪ ,‬ومضى بدر وأحد والخندق ‪ ,‬ثم قدمت‬
‫سَلم معي من قومي ‪ ,‬ورسول الله صلى الله عليه‬ ‫على رسول الله بمن أ ْ‬
‫ت المدينة بسبعين أو ثمانين بيًتا من َدوس ‪ ,‬ثم لحقنا‬ ‫وسلم بخيبر ‪ ,‬حتى نزل ُ‬
‫برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ‪ ,‬فأسهم لنا مع المسلمين ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثم لم أَزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬حتى إذا فتح الله عليه مكة‬
‫مة‬
‫م َ‬
‫ح َ‬
‫‪ ,‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يارسول الله ‪ ,‬ابعثني إلى ذي الكفين ‪ ,‬صنم عمرو بن ُ‬
‫حتى أحرَِقه ‪.‬‬
‫ُ‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فخرج إليه فجعل طفيل يوقد عليه النار ويقول ‪:‬‬
‫م من ميلدكا‬
‫ت من عُّبادكا***ميلُدنا أقد ُ‬‫فْين َلس ُ‬‫ياذا الك َ َ‬
‫ؤاد َ‬
‫كا‬ ‫ت النار في فُ َ‬
‫إني حشو ُ‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فكان معه بالمدينة حتى‬
‫ب خرج مع‬ ‫قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ .‬فلما ارتدت العر ُ‬
‫ّ‬
‫المسلمين ‪ ,‬فسار معهم حتى فرغوا من طليحة ‪ ,‬ومن أرض نجد كلها ‪.‬‬
‫طفيل ‪ ,‬فرأى رؤيا‬ ‫مرو بن ال ّ‬ ‫ه عَ ْ‬
‫ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ‪ ,‬ومعه ابن ُ ُ‬
‫جه إلى اليمامة ‪ ,‬فقال لصحابه ‪ :‬إني قد رأيت رؤيا فاعْب ُُروها لي ‪,‬‬ ‫وهو متو ّ‬
‫حلق ‪ ,‬وأنه خرج من فمي طائٌر ‪ ,‬وأنه لقيْتني امرأة فأدخلتني‬ ‫رأيت أن رأسي ُ‬
‫حبس عني‪ ,‬قالوا ‪ :‬خيًرا ‪.‬‬ ‫في فَْرجها ‪ ,‬وأرى ابني يطلبني طلًبا حثيًثا ثم رأيته ُ‬
‫ضعه ‪,‬‬ ‫حلق رأسي َفو ْ‬ ‫ْ‬ ‫ما َ‬
‫ما أنا والله فقد أّولتها ‪ ,‬قالوا ‪ :‬ماذا ؟ قال ‪ :‬أ ّ‬ ‫قال ‪ :‬أ ّ‬
‫وأما الطائر الذي خرج من فمي فَُروحي ‪ ,‬وأما المرأة التي أدخلتني في‬
‫حْبسه‬ ‫ب ابني إياي ثم َ‬ ‫ب فيها‪ ,‬وأما طل ُ‬ ‫فُر لي ‪ ,‬فأغَي ّ ُ‬ ‫ح َ‬‫فرجها فالرض ‪ ,‬ت ُ ْ‬
‫جَهد أن يصيبه ما أصابني ‪.‬‬ ‫عني ‪ ,‬فإني أراه سي َ ْ‬
‫ل منها ‪,‬‬ ‫جرح ابنه جراحة شديدة ‪ ,‬ثم استب َ ّ‬ ‫دا باليمامة ‪ ,‬و ُ‬ ‫فقتل رحمه الله شهي ً‬
‫دا )]‪. ([9‬‬‫ثم قتل عام اليرموك في زمن عمر رضي الله عنه شهي ً‬
‫وقد ذكر الحافظ ابن كثير هذه الرواية وقال ‪ :‬ولخبره شاهد في الحديث‬
‫الصحيح ‪ ,‬ثم ذكر حديث أبي هريرة الذي أخرجه المامان أحمد والبخاري أن‬
‫سا وائت بهم" )]‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ ":‬اللهم اهد دو ً‬
‫‪. ([10‬‬
‫يعني بذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي قال فيه " قدم طفيل بن‬
‫عمرو الدوسي وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ‪ :‬يارسول‬
‫سا عصت وأبت فادع الله عليها ‪ ,‬فقيل ‪ :‬هلكت دوس ‪ ,‬فقال ‪:‬‬ ‫الله إن دو ً‬
‫سا وائت بهم " )]‪. ([11‬‬ ‫اللهم اهد دو ً‬
‫حا للحجر الفكري الذي كان الكفار يمارسونه مع الدعوة‬ ‫وهكذا رأينا مثال ً واض ً‬
‫السلمية في بداية عهدها ‪ ,‬وقد استخدموا للتأثير على الناس ليصدوهم عنها‬
‫مختلف الوسائل ‪ ,‬فنجدهم كما في هذا المثال يتلقون الوافدين إلى مكة‬
‫المكرمة ‪ ,‬ويقومون بمحاولة تسميم أفكارهم وملئها بالباطل ليحول ذلك دون‬
‫وصولها إلى الحق ‪.‬‬
‫ونجدهم يخاطبون الناس بالساليب المؤثرة عليهم كما في قولهم في إحدى‬
‫روايات هذا الخبر للطفيل بن عمرو ‪ :‬إنك امرؤ شاعر سيد ‪ ,‬فقد وصفوه‬
‫بصفتين يعتز بهما العرب كثيًرا وكأن لسان حالهم يقول ‪ :‬لقد تبوأت في‬
‫عقولنا مكانة كبيرة لهذه المؤهلت فل ُتنزل نفسك من هذه المكانة الرفيعة‬
‫ن ليس في مستوى عقلك وتفكيرك ‪ ,‬وحيث إن الطفيل‬ ‫م ْ‬ ‫بسماع مايقوله َ‬
‫فا آخر ينطلي عليه وعلى أمثاله وهو‬ ‫عالم بالشعر والكهانة فقد اختاروا وص ً‬
‫السحر وسوغوا ذلك بكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرق بين الحبة‬
‫على حد زعمهم ‪.‬‬
‫وهكذا نجد دعاة الباطل في كل زمن يصورون دعاة الحق على أنهم إرهابيون‬
‫معات‬ ‫وعواصف مدمرة‪ ,‬ليكسبوا الناس إلى صفهم ‪ ,‬فما يزال البسطاء وال ّ‬
‫الذين ألفوا التبعية والتقليد وعطلوا جانًبا كبيًرا من عقولهم ‪ ..‬ما يزالون‬
‫يرددون كلمهم وينفرون الناس من دعاة الحق ‪.‬‬
‫ولقد تأثر الطفيل بن عمرو بكلم زعماء الكفار في مكة لما سبق أن استقر‬
‫لهم من مكانة وسمعة عالية بين العرب باعتبار أنهم جيران الحرم وحراس‬
‫المشاعر المقدسة حتى بلغ به الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫حد أنه سد أُذنيه بالقطن حتى ليسمع نداء الحق ‪.‬‬
‫وإذا كان الطفيل قد سد أذنيه حقيقة فما أكثر من فتحوا آذانهم ولكنهم سدوا‬
‫منافذ فكرهم وعطلوا عقولهم فأصبحوا يسمعون صوت الحق ليل نهار فما‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حيي فيهم مواًتا ‪.‬‬‫يوقظ فيهم ضمائر ولي ُ ْ‬


‫ولكن هل استطاع الكفار أن يحولوا بين الناس وسماع دعوة الحق ؟‬
‫إنهم لم يستطيعوا ذلك لن صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان‬
‫أقوى من أصواتهم ‪ ,‬ووسائَله في التبليغ كانت أبلغ من وسائلهم ‪ ,‬وثباَته على‬
‫مبدئه السامي كان أعلى بكثير مما كان يتوقعه أعداؤه‪.‬‬
‫فالشيء الذي يجب أن يفكر به الدعاة وأن يجابهوا به العداء هو تطوير‬
‫وسائلهم في التبليغ إلى الحد الذي يفوق وسائل العداء في صد هذا التبليغ ‪,‬‬
‫لن الحيلولة بين العداء والوصول إلى الناس بالتضليل أمر غير ممكن غالًبا ‪,‬‬
‫وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تمكن من رفع صوت‬
‫السلم‪ ,‬على الرغم من قوة أعدائه وكثرتهم ‪.‬‬
‫فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبع في بيته ‪ ,‬ولم ينزو في زاوية من‬
‫زوايا المسجد الحرام‪ ,‬ليستخفي بدعوته‪ ,‬وليقي نفسه من سهام أعدائه‬
‫المسمومة ‪ ,‬بل إنه غامر بنفسه فكان يخرج إلى مضارب العرب قبل أن‬
‫يفدوا إلى مكة ‪ ,‬وكان يجهر بتلوة القرآن في المسجد الحرام ليسمع من‬
‫كان في قلبه بقية من حياة‪ ,‬وأثارة من حرية وإباء ‪ ,‬فيتسّرب الهدى إلى‬
‫مجامع لبه ‪ ,‬وسويداء قلبه ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ب هذه القصة الطفيل بن عمرو الدوسي الذي أدرك‬ ‫وكان من هؤلء صاح ُ‬
‫حال سماعه أن ماتله النبي صلى الله عليه وسلم هو الحقّ فأعلن إسلمه ‪,‬‬
‫وقد هيأ له ذلك كونه متجرًدا من اتباع الهوى ومتحرًرا من ضغط السادة‬
‫والزعماء ‪.‬‬
‫فكم من إنسان في مكة آنذاك يدرك أن مايدعو إليه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم هو الحقّ الذي لمرية فيه‪ ,‬ولكن يمنعه من اتباعه وقوعه تحت‬
‫ضغط الطغاة الذين يهددونه في حياته أو في مصالحه الدنيوية ‪.‬‬
‫وكان إيمان الطفيل قوّيا إلى الحد الذي تخطى به مجرد اللتزام الشخصي‬
‫بتطبيق السلم ‪ ,‬إلى النطلق به ودعوة قومه إليه فاستأذن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم في الرجوع إلى قومه ليدعوهم إلى السلم ‪.‬‬
‫وكم من مسلم يظل عمره كله في مرحلة اللتزام الخاص وليتحول إلى‬
‫الدعوة ‪ ,‬وهذا مظهر من مظاهر ضعف اليمان إذا كان ممن تعينت عليهم‬
‫الدعوة ‪ ,‬ويكون الوضع منكًرا ومزرًيا حينما يتخلى عن الدعوة من ينتسبون‬
‫إلى العلم الديني مع احتياج الساحة السلمية إليهم ‪ ,‬بل إن تخصصهم في‬
‫دون بواقعهم‬ ‫هذا المجال وبعدهم عن الدعوة فيه شيء من التناقض ‪ ,‬وقد ُيع ّ‬
‫هذا فتنة للناس ومدعاة للصدود عن الدعوة ‪.‬‬
‫أما حينما تكون الدعوة فرض كفاية على المسلم فإنه حينما يتخلى عنها‬
‫يكون قد حرم نفسه من باب كبير من أبواب الخير ‪.‬‬
‫وإن ما أجرى الله تعالى على يدي الطفيل من هذه الكرامة حيث أضاء له‬
‫ف سوطه واستجاب الله دعاءه يعد ّ كرامة لهذا الولي رضي الله عنه‬ ‫طر ُ‬
‫ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم الذي دعا له بذلك‪ ,‬وقد قدر الله تعالى‬
‫وقوع ذلك لدعم الدعوة السلمية وتثبيت الدعاة ‪.‬‬
‫وحين مارس الطفيل دعوته فلم يستجب له غالبية قومه أصابه شيء من‬
‫اليأس منهم ‪ ,‬فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكوهم ويطلب منه أن‬
‫يدعو عليهم ‪ ,‬ولما كان ذلك من التعجل في الحكم على المدعوين واستظهار‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نتائج الدعوة المنافي لما تتطلبه الدعوة من الصبر والناة فإن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم قد أجابه بضد ماطلب حيث دعا لهم بالهداية ‪ ,‬وهذا يعد ّ من‬
‫أمثلة اتصاف النبي صلى الله عليه وسلم بالتأني والصبر إلى جانب اتصافه‬
‫بالشفقة والرحمة والرغبة العظيمة في هداية الناس ‪.‬‬
‫كما أن في عدم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على أولئك الكفار ودعائه‬
‫لهم بالهداية دليل ً على أن الصل في هذا الموضوع هو تغليب جانب الرحمة‬
‫بالكفار والدعاء لهم بالهداية ‪ ,‬وأن الدعاء على الكفار إنما يكون على‬
‫المحاربين منهم إذا حصل منهم الذى على المسلمين ‪ .‬فيكون الدعاء عليهم‬
‫لينقطع أذاهم عن المسلمين ‪ ,‬ل لنهم كفار ‪ ,‬أما المسالمون من الكفار فل‬
‫يشرع الدعاء عليهم ‪ ,‬لن مصلحة المسلمين في إسلمهم لفي إصابتهم في‬
‫دنياهم ‪ ,‬وإذا كانت حكومات الكفار محاربة للمسلمين وشعوبها مسالمة فإن‬
‫الدعاء يكون على تلك الحكومات وجيوشها ومن لهم إعانة على أذى‬
‫المسلمين فقط ‪.‬‬
‫وإن ماذكره الطفيل من توغل قومه في الزنى والربا ‪ ,‬وأن ذلك منعهم من‬
‫سا في حياة الناس ‪ ,‬حيث إن الوقوع في‬ ‫الدخول في السلم يعد ّ واقًعا ملمو ً‬
‫الشهوات المحرمة يترتب عليه قسوة القلوب وانغلق منافذ الفكر أحياًنا‬
‫بحيث ليحب المصاب ذلك سماع دعوة الحق التي ستحول بينه وبين‬
‫الستمرار فيما هو متوغل فيه من المعاصي ‪.‬‬
‫ولذا فإن مما يختصر الطريق على الدعاة ويعينهم كثيًرا على الوصول إلى‬
‫ذل جهود مكثفة للحيلولة بين الشباب والوصول إلى مواقع‬ ‫قلوب الناس أن ُتب َ‬
‫دور البغاء والملهي المحرمة ‪,‬‬ ‫الفتنة ‪ ,‬وذلك بإزالة معالم الجاهلية المتمثلة ب ُ‬
‫وحانات الخمور ومعاقل الربا ونحو ذلك من مظاهر الجاهلية ‪.‬‬
‫ن امتناع قوم الطفيل عن السلم لنه يمنعهم من الربا والزنى دليل‬ ‫هذا وإ ّ‬
‫على أنه كان في حس أهل الجاهلية وشعورهم أن دخول النسان في‬
‫السلم يعني التزامه حال ً بأحكامه ‪ ,‬وامتناعه من المنكرات المحرمة ‪ ,‬ولم‬
‫يكن في مفهومهم أن يدخل النسان في السلم ثم يستمر في ممارسة ما‬
‫ما للسلم من‬ ‫كان يمارسه من الشهوات المحرمة ‪ ,‬وإنهم بذلك أعظم فه ً‬
‫عصاة المسلمين الذين يجمعون بين إعلن السلم والصرار على المنكرات‬
‫التي نهى الله تعالى عنها ‪.‬‬
‫وحينما كثر المؤمنون من قوم الطفيل ورأى أنه قادر على إزالة الرمز الكبر‬
‫فين" استأذن النبي صلى الله عليه‬ ‫للجاهلية في بلده وهو صنم "ذي الك ّ‬
‫وسلم في أن يزيله فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بما يبين أهمية ذلك‬
‫وضرورته‪.‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫)]‪ ( [1‬يعني من العداوة واليذاء ‪.‬‬
‫)]‪ ( [2‬وفي رواية أنهم قالوا ‪" :‬إنك امرؤ شاعر سيد " – سير أعلم النبلء‬
‫‪. 1/345‬‬
‫فا ‪ :‬يعني قطنا ‪ ,‬وفرًقا ‪ :‬بفتح الراء يعني خوًفا ‪.‬‬ ‫)]‪ ( [3‬كرس ً‬
‫)]‪ ( [4‬الثنية ‪ :‬المكان المرتفع ‪.‬‬
‫)]‪ ( [5‬يعني أهل بلده ‪.‬‬
‫)]‪ ( [6‬يعني زوجته ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (1‬قال ابن هشام ‪ :‬ويقال حمى ذي الشرى ‪ ,‬وقال السهيلي ‪ :‬وهو موضع‬
‫حموه لصنمهم ذي الشرى ‪ ,‬فإن صحت رواية ابن إسحاق فالنون قد تبدل‬
‫حلن وحلم للجدي ‪ ,‬ويجوز أن يكون من حنوت العود ‪,‬‬ ‫من الميم كما قالوا ‪ُ :‬‬
‫محن ِّية الوادي وهو ما انحنى منه – الروض النف ‪. - 3/376‬‬ ‫ومن َ‬
‫)]‪ ( [8‬وفي رواية أخرى " الزنى والربا " – سير أعلم النبلء ‪. 1/346‬‬
‫)]‪ ( [9‬سيرة ابن هشام ‪. 1/401‬‬
‫)]‪ ([10‬البداية والنهاية ‪. 3/98‬‬
‫)]‪ ([11‬صحيح البخاري رقم ‪ (6/107 ) 2937‬كتاب الجهاد ‪ ,‬صحيح مسلم ‪,‬‬
‫فضائل الصحابة ‪ ,‬رقم ‪ 2524‬ص ‪ , 1957‬مسند أحمد ‪.2/243‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫مثل من مساومة أهل الباطل وإصرار أهل الحق‬


‫لقد حرص زعماء الكفار على التأثير على النبي صلى الله عليه وسلم ليترك‬
‫دعوته أو ليتنازل عن بعضها مما يريدون منه ‪ ,‬فمارسوا معه من أجل ذلك‬
‫عا من الذى ‪ ,‬وجربوا معه ومع أتباعه فتنة التخويف‪ ,‬فلما لم ينجحوا في‬ ‫أنوا ً‬
‫التأثير عليه تحولوا إلى فتنة التأليف فحاولوا مساومته بأنواع من المغريات‬
‫الدنيوية في مقابل التنازل منه عما يغيظهم من دعوته‪.‬‬
‫ما فتشاوروا في أمره ‪ ,‬واستقر رأيهم على إرسال واحد منهم‬ ‫وقد اجتمعوا يو ً‬
‫لمحاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإغرائه بالمغريات المادية التي‬
‫يتنافس الناس عليها عادة من أجل أن يتنازل عن تصلبه في دعوته ‪ ,‬وأن‬
‫يترك التعرض لصنامهم وما استقر عليه أمرهم مما ورثوه عن آبائهم‬
‫وأجدادهم ‪.‬‬
‫وقد انتدب لهذا المر عتبة بن ربيعة ‪ ,‬وهو معروف عندهم بالحلم والتعقل ‪.‬‬
‫أخرج المام البيهقي من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‪ :‬قال‬
‫أبو جهل والمل من قريش ‪ :‬لقد انتشر علينا أمر محمد فلو التمستم رجل ً‬
‫ما بالسحر والكهانة والشعر فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره ‪.‬‬ ‫عال ً‬
‫فقال عتبة ‪ :‬لقد سمعت بقول السحرة والكهانة والشعر وعلمت من ذلك‬
‫ما ‪ ,‬ومايخفى علي إن كان كذلك ‪ ,‬فأتاه ‪ ,‬فلما أتاه قال له عتبة ‪ :‬يامحمد‬ ‫عل ً‬
‫أنت خير أم هاشم‪ ,‬أنت خير أم عبد المطلب ‪ ,‬أنت خير أم عبد الله ؟ فلم‬
‫يجبه ‪.‬‬
‫قال‪ :‬فبم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا ؟ فإن كنت إنما بك الرئاسة عقدنا ألويتنا‬
‫لك فكنت رأسنا مابقيت ‪ ,‬وإن كانت بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من‬
‫أي أبيات قريش شئت‪ ,‬وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ماتستغني‬
‫بها أنت وعقبك من بعدك ‪ ,‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت ليتكلم‬
‫‪.‬‬
‫حيم ِ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫حم ِ‬ ‫سم ِ اللهِ الّر ْ‬ ‫فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪:‬ب ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ه قُْرآنا عََرب ِي ّا ل َ‬ ‫صل َ ْ‬ ‫ب فُ ّ‬ ‫زي ٌ‬
‫قوْم ٍ‬ ‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫م()ك َِتا ٌ‬
‫َ‬ ‫حي ِ‬ ‫ن الّر ِ‬
‫َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن الّر ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ّ‬ ‫)حم()َتن ِ‬
‫ُ‬
‫ن()وََقالوا قُلوب َُنا ِفي‬ ‫ُ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬‫م ل يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫م فَهُ ْ‬ ‫ض أكث َُرهُ ْ‬‫ْ‬ ‫ذيرا فَأعَْر َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫شيرا وَن َ ِ‬ ‫ن()ب َ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫َ‬
‫ل إ ِن َّنا‬ ‫م ْ‬ ‫ب َفاعْ َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ك ِ‬ ‫من ب َي ْن َِنا وَب َي ْن ِ َ‬ ‫عوَنا إ ِل َي ْهِ وَِفي آَذان َِنا وَقٌْر وَ ِ‬ ‫ما ت َد ْ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫أك ِن ّةٍ ّ‬
‫شر مث ْل ُك ُم يوحى إل َ َ‬ ‫َ‬
‫موا‬ ‫قي ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫حد ٌ َفا ْ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬ ‫ما إ ِل َهُك ُ ْ‬ ‫ي أن ّ َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ما أَنا ب َ َ ٌ ّ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ن()قُ ْ‬ ‫مُلو َ‬ ‫عا ِ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫خَرةِ هُ ْ‬ ‫هم ِبال ِ‬‫ْ‬ ‫ن الّزكاةَ وَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ل ي ُؤُْتو َ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن()ال ِ‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ل لل ُ‬ ‫ّ‬ ‫فُروه ُ وَوَي ْ ٌ‬ ‫ست َغْ ِ‬‫إ ِلي ْهِ َوا ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن()ق ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل أئ ِن ّك ْ‬ ‫مُنو ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫جٌر غي ُْر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ت لهُ ْ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ن()إ ِ ّ‬ ‫كافُِرو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن(‬‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫ك َر ّ‬ ‫دادا ً ذ َل ِ َ‬ ‫ه أن َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫جعَُلو َ‬ ‫ن وَت َ ْ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫ض ِفي ي َوْ َ‬ ‫خل َقَ اْلْر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬ ‫فُرو َ‬ ‫ل َت َك ْ ُ‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫من فَوْقَِها وََباَر َ‬
‫وات ََها ِفي َأْرب َعَةِ أّيام ٍ‬ ‫ك ِفيَها وَقَد َّر ِفيَها أقْ َ‬ ‫ي ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ِفيَها َرَوا ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫)وَ َ‬
‫ْ‬
‫ض ا ِئت َِيا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫قال لَها وَل ِلْر ِ‬ ‫نف َ‬ ‫خا ٌ‬ ‫ي دُ َ‬ ‫ماء وَهِ َ‬ ‫س َ‬ ‫وى إ ِلى ال ّ‬ ‫ست َ َ‬‫ما ْ‬
‫َ‬
‫ن()ث ّ‬ ‫سائ ِِلي َ‬ ‫واء لل ّ‬
‫َ‬
‫س َ‬ ‫َ‬
‫حى‬ ‫ن وَأوْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫ت ِفي ي َوْ َ‬ ‫ماَوا ٍ‬ ‫س َ‬‫سب ْعَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضاهُ ّ‬ ‫ق َ‬ ‫ن()ف َ‬ ‫وعا أوْ كْرها قالَتا أت َي َْنا طائ ِِعي َ‬
‫َ‬
‫ط ْ‬
‫ز‬ ‫زي‬ ‫ع‬
‫ِ َ ِ ُ َ ِ ِ‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫دي‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ً‬ ‫ا‬‫فظ‬ ‫ْ‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫بي‬
‫َّْ ِ َ َ ِ َ َ ِ‬ ‫صا‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫يا‬‫ن‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ماء‬ ‫ّ َ‬‫س‬ ‫ال‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫و‬
‫ْ َ َ ََ ّّ‬ ‫ها‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ماء‬ ‫َ َ‬ ‫س‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِفي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫موَد( ]فصلت‬ ‫عاد ٍ وَث َ ُ‬ ‫قةِ َ‬ ‫ع َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ة ّ‬ ‫ق ً‬ ‫ع َ‬
‫صا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل أنذ َْرت ُك ُ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ضوا فَ ُ‬ ‫ن أعَْر ُ‬ ‫م()فَإ ِ ْ‬ ‫العَِلي ِ‬
‫‪[13 -1‬‬
‫فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه ‪ ,‬ولم يخرج إلى أهله‬
‫واحتبس عنهم ‪.‬‬
‫فقال أبو جهل ‪ :‬يامعشر قريش والله مانرى عتبة إل قد صبأ إلى محمد‬
‫وأعجبه طعامه‪ ,‬وماذاك إل من حاجة أصابته ‪ ,‬انطلقوا بنا إليه ‪ ,‬فأتوه فقال‬
‫أبو جهل‪ :‬والله ياعتبة ماحسبنا إل أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره ‪ ,‬فإن‬
‫كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا مايغنيك عن طعام محمد ‪,‬فغضب‬
‫دا ‪.‬‬ ‫دا أب ً‬ ‫وأقسم بالله ليكلم محم ً‬
‫قال ‪ :‬ولقد علمتم أني من أكثر قريش مال ‪ ,‬ولكني أتيته – فقص عليهم‬ ‫ً‬
‫ه‬
‫سم ِ الل ِ‬ ‫القصة – فأجابني بشيء والله ماهو بسحر ول شعر ولكهانة ‪ ,‬قرأ )ب ِ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ن(حتى بلغ – )فإ ِ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْل َ ُ‬ ‫ه قُْرآنا ً عََرب ِي ّا ً ل ّ َ‬ ‫ت آَيات ُ ُ‬ ‫صل َ ْ‬ ‫ب فُ ّ‬ ‫م()ك َِتا ٌ‬ ‫حي َ ِ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫حم ِ‬ ‫الّر ْ‬
‫موَد(‬ ‫عاد ٍ وَث َُ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫صا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ة‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫صا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫أن‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ضوا‬ ‫َ‬
‫َ ِ ِ َ‬ ‫ْ ُ ْ َ ِ ً ّ‬ ‫أعَْر ُ‬
‫دا إذا قال شيًئا‬ ‫فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف ‪ ,‬وقد علمتم أن محم ً‬
‫لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب )]‪. ([1‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وأخرج ابن إسحاق في السيرة من خبر محمد بن كعب القرظي وذكر نحوه ‪,‬‬
‫وجاء في آخره‪ :‬فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض ‪ :‬نحلف بالله لقد‬
‫جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ‪ ,‬فلما جلس إليهم قالوا ‪ :‬ماوراءك‬
‫يا أبا الوليد ؟ قال‪ :‬ورائي أني قد سمعت قول ً والله ماسمعت مثله قط ‪,‬‬
‫والله ماهو بالشعر ول بالسحر ول بالكهانة ‪ ,‬يامعشر قريش أطيعوني‬
‫واجعلوها بي‪ ,‬خلوا بين هذا الرجل وبين ماهو فيه فاعتزلوه فو الله ليكونن‬
‫لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم ‪ ,‬فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ‪,‬‬
‫وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به ‪,‬‬
‫قالوا ‪ :‬سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ‪ ,‬قال‪ : :‬هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا‬
‫لكم )]‪. ([2‬‬
‫وهكذا قام عتبة بمحاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤثر عليه في‬
‫التخلي عن دعوته أو ليخفف منها‪ ,‬فأتاه وناقشه وأراد أن يحرجه بالمفاضلة‬
‫بينه وبين آبائه فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم لنه يريد هدايته كما أن‬
‫عتبة يريد إضلله ‪ ,‬فلو أجابه بالحكم على آبائه بالضلل لنفر منه ‪ ,‬فكانت‬
‫الحكمة تقتضي عدم الجابة على سؤاله ‪.‬‬
‫لقد كان بإمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لعتبة ‪ :‬بل أنا أفضل‬
‫من أبي وسائر أجدادي‪ ,‬ولو قال ذلك لم ي َعْد ُ الحقيقة لنه سيد الخلق أجمعين‬
‫‪ ,‬ولكنه بانشغاله بهذا الحوار الجانبي يتيح لعتبة فرصة الهجوم المضاد الذي‬
‫يدفع إليه ماتوارثه المشركون من تقديس الباء والجداد ‪ ,‬وبذلك تضيع‬
‫الفرصة الذهبية التي قصد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم من محاولة‬
‫صا وأنه قد جاء وحده وكّله رغبة في الوصول إلى تغيير‬ ‫هداية عتبة ‪ ,‬خصو ً‬
‫الوضع القائم آنذاك ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولو أنه صلى الله عليه وسلم أثنى على آبائه بما فيهم من صفات الخير من‬
‫غير أن يفضلهم على نفسه لم يكن قد جاوز الحقيقة ‪ ,‬ولكنه في ذلك يتيح‬
‫الفرصة لعتبة للزامه بما يترتب على ذلك من اتباع دينهم‪ ,‬وهذا هو المر‬
‫الذي استبعده النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬فكان يريد إغلق هذا الباب‬
‫لينتقل إلى ما أراده من دعوته إلى الهداية ‪.‬‬
‫وقد يقال ‪ :‬إن عدم الجابة يعد ّ اعتراًفا بالعجز ‪ ,‬ولكنه في الحقيقة غير ذلك‬
‫لن عدم الجابة في مثل هذا الحوار يعني أن السؤال ليستحق الجابة لنه‬
‫ما أعرض عن متابعة لوازم‬ ‫ليس في صميم الموضوع ‪ ,‬وهكذا فهم عتبة ل ّ‬
‫ذلك السؤال وانتقل إلى سؤال آخر ‪.‬‬
‫وفي هذا توجيه حكيم للداعية الذي يبتلى بالحوار مع الكفار وأشباههم ممن‬
‫ينتسبون إلى السلم وهم يحاربون دعوته ودعاته ‪ ,‬وذلك بأنه يشرع له أن ل‬
‫حا معهم في إجاباته كلها‪ ,‬وأن ليلتزم بيان الحقيقة في المور‬ ‫يكون صري ً‬
‫الجانبية التي لتشتمل على كتمان الحق ‪ ,‬وهي في الوقت نفسه تؤثر على‬
‫حواره معهم ومستقبل دعوته ‪ ,‬بل ُيطلب منه أن يتجاوز هذه المور بما‬
‫تقتضيه الحكمة وتقديُر الموقف ‪ ,‬ليخلص إلى صلب الموضوع الذي انبثق عنه‬
‫الخلف وعقد من أجله الحوار‪.‬‬
‫بل إن في هذا توجيًها للدعاة في الحوار الذي يجري بينهم حيث يتجه بعض‬
‫قصار النظر إلى إشغال ساحة الدعوة بالمفاضلة بين قادة الدعوة ‪ ,‬فينتج‬
‫عن ذلك تتبع لخطائهم وتشويه لسمعتهم‪ ,‬مما يزيد من شقة الخلف الدائر‬
‫بين أتباع أولئك القادة ‪ ,‬وُيشِغل عن بحث أمور المسلمين المهمة التي يجب‬
‫أن يجتمع عليها الدعاة ‪.‬‬
‫ن‬
‫ض النظر عن الفارق الجوهري بين المشبه والمشبه به من حيث كو ُ‬ ‫وِبغ ّ‬
‫ن أحد الطرفين في‬ ‫طرفي المفاضلة في المشبه من المسلمين ‪ ,‬وكو ُ‬
‫المشبه به من الكفار ‪ ,‬فإن النتائج المترتبة على انتقاص بعض قادة الدعوة‬
‫تؤدي إلي مايشبه النتائج التي أرادها عتبة بن ربيعة في حواره المذكور ‪.‬‬
‫ولما أمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجابة عتبة على السئلة‬
‫المذكورة أدرك عتبة أنه قد أساء الدب بإحراج النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫في ذلك ‪ ,‬وعتبة إنما جاء سفيًرا عن قريش ليصل إلى أي حل يخفف من‬
‫ه بالصمت من رسول‬ ‫ج ُ‬
‫شدة الخلف الدائر بينهم وبين المسلمين ‪ ,‬وكونه يوا َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يعد ّ هزيمة له أمام المل من قريش ‪ ,‬فلهذا ضرب‬
‫حا عن ذلك الحوار ‪ ,‬ولم يحاول إلزام النبي صلى الله عليه وسلم بنتيجته‬ ‫صف ً‬
‫مع مالح في الفق من مظاهر نجاحه المتخيلة ‪.‬‬
‫وانتقل عتبة حال ً إلى عرض مافي جعبته من تلك العروض المغرية من المال‬
‫والرئاسة وماشاء من الشهوات في مقابل أن يتخلى النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم عن دعوته أو أن يفاوض المشركين في البقاء على دعوة لتؤثر على‬
‫دينهم الذي يقدسونه ‪.‬‬
‫وهكذا عرض عتبة بن ربيعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك‬
‫العروض المغرية ‪ ,‬فماذا كان جوابه عليه؟‬
‫لقد كان جوابه بتلوة آيات من كتاب الله تعالى كان لها الثر الحاسم في‬
‫إنهاء الحوار لصالح السلم ‪.‬‬
‫وقد كان عتبة موصوًفا بالحلم والحكمة فكان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يؤمل في إسلمه بعد سماع اليات القرآنية ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولقد تأثر عبتة من سماع كلم الله تعالى حيث وصف القرآن الذي سمعه‬
‫بقوله "قد سمعت قول ً ماسمعت مثله قط ‪ ,‬والله ماهو بالشعر ول بالسحر‬
‫ول بالكهانة" فأثبت أن القرآن لمثيل له‪ ,‬وهذا اعتراف منه بأنه ليس من‬
‫كلم البشر ‪ ,‬ثم نفى التهم الثلث التي ألصقها قومه برسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ووصفوا القرآن بها ‪.‬‬
‫وكان في كمال عقله وإدراكه حينما أشار على قومه بترك رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وشأنه في الدعوة‪ ,‬وإثبات أن عزه يعد ّ عّزا لقريش فيما إذا‬
‫نجح في دعوته وساد العرب ‪.‬‬
‫وهكذا حينما كان عقلء قريش يرجعون إلى عقولهم يدركون عظمة هذا‬
‫الدين وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتميز ماجاء به من الوحي‬
‫على كلم البشر ‪ ,‬ولكنهم سرعان ماتغلبهم عواطفهم وأهواؤهم المنحرفة‬
‫فينطقون بكلم ليعتقدون بقلوبهم محتواه ‪ ,‬وإنما يدفعهم إليه الحسد والهوى‬
‫المنحرف ‪.‬‬
‫وفي هذا الخبر مثل من نجاح النبي صلى الله عليه وسلم في اختيار اليات‬
‫المناسبة للمقام ‪ ,‬كما أنه مثال لقدرته الفائقة في التأثير على السامعين‬
‫بتلوته كتاب الله تعالى حيث يتلوه بكل مشاعره وأحاسيسه وهو يستحضر‬
‫عظمة الله تعالى الذي خاطبه وأمته بهذا القرآن العظيم ‪.‬‬
‫وهكذا ينبغي للدعاة أن يهتموا باختيار النصوص المناسبة وأن يعرضوها‬
‫بقلوبهم مع ألسنتهم مستحضرين عظمة الله تعالى وجلله حتى يكون أبلغ‬
‫في التأثير على المخاطبين ‪.‬‬
‫لقد تأثر عتبة بسماع القرآن ومال إلى السلم ولكن أبا جهل عرف كيف يؤثر‬
‫عليه بلمزه من الجانب الذي ينفره من السلم ‪ ,‬فهو ممن يعتز بسمعته‬
‫وجاهه ‪ ,‬فاتهمه أبو جهل بأنه مال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫أجل أن يصيب من طعامه ‪ ,‬وكان ذلك كافًيا لحداث أثر مضاد للثر الول‪,‬‬
‫مّية وأقسم أن ليكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬ ‫ح ِ‬
‫فأخذته ال َ‬
‫ً‬
‫وهكذا رأينا في تصرف أبي جهل مثل من أمثلة الكيد والمكر التي يتقنها‬
‫أعداء السلم ويخططون لها ‪ ,‬حيث إنهم يقومون بدراسات دقيقة لمعرفة‬
‫مداخل النفوس وإدراك مواطن الضعف فيها ليدخلوا إلى النسان من هذه‬
‫المواطن ‪.‬‬
‫جد محاولة عتبة بن ربيعة ولم تصنع شيًئا مما أراده زعماء مكة من‬ ‫ولما لم ت ُ ْ‬
‫صرف النبي صلى الله عليه وسلم عن دعوته بتلك المغريات اتفق رأيهم‬
‫على عقد اجتماع لمجموعة منهم ليقوموا جميعا بحوار النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في هذا الموضوع ‪.‬‬
‫ذكر ذلك محمد بن إسحاق ثم قال ‪ :‬فبعثوا إليه ‪ :‬إن أشراف قومك قد‬
‫اجتمعوا لك ليكلموك ‪ ,‬فأِتهم ‪.‬‬
‫دا لهم‬ ‫فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريًعا ‪ ,‬وهو يظن أن قد ب َ َ‬
‫دهم ويعّز عليه‬ ‫صا يحب رش َ‬ ‫داٌء )]‪ , ([3‬وكان عليهم حري ً‬ ‫فيما كّلمهم فيه ب َ َ‬
‫عَن َُتهم )]‪ ([4‬حتى جلس إليهم ‪ ,‬فقالوا له ‪ :‬يامحمد ‪ ,‬إنا قد بعثنا إليك لنكّلمك‬
‫ت على‬ ‫ل ما أدخل َ‬‫‪ ,‬وإنا والله مانعلم رجل ً من العرب أْدخل على قومه مث َ‬
‫فهت الحلم ‪,‬‬ ‫قومك‪ ,‬لقد شتمت الباء ‪ ,‬وعبت الدين ‪ ,‬وشتمت اللهة ‪ ,‬وس ّ‬
‫وفّرقت الجماعة‪ ,‬فما بقي أمٌر قبيح إل قد جئ َْته فيما بيننا وبينك – أو كما‬
‫قالوا له – فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مال ً جمعنا لك من‬
‫أموالنا حتى تكون أكثرنا مال ً ‪ ,‬وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن‬
‫كا مّلكناك علينا ‪ ,‬وإن كان هذا الذي‬ ‫مل ْ ً‬
‫ودك علينا )]‪ , ([5‬وإن كنت تريد به ُ‬ ‫نس ّ‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يأتيك َرئ ِّيا تراه قد غلب عليك – وكانوا يسمون التابع من الجن رئّيا – فربما‬
‫ذر‬‫كان ذلك بذلنا لك من أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه ‪ .‬أو ُنع ِ‬
‫فيك )]‪. ([6‬‬
‫فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬مابي ماتقولون ‪ ,‬ماجئت بما‬
‫جئتكم به أطلب أموالكم ول الشرف فيكم ول الملك عليكم ولكن الله بعثني‬
‫إليكم رسول ً ‪ ,‬وأنزل عل ّ‬
‫ي كتاًبا ‪ ,‬وأمرني أن أكون لكم بشيًرا ونذيًرا ‪,‬‬
‫فبل ّغُْتكم رسالت ربي ونصحت لكم ‪ ,‬فإن تقبلوا مّني ماجئتكم به فهو حظكم‬
‫ي أصبر لمر الله حتى يحكم الله بيني‬ ‫في الدنيا والخرة ‪ ,‬وإن تردوه عل ّ‬
‫وبينكم – أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.([7]) -‬‬
‫هذا وإنا لنجد في هذا النص مثل ً من حرص النبي صلى الله عليه وسلم على‬
‫إسلم قومه حيث علم باجتماع أشرافهم فسارع إليهم ليجدد دعوتهم إلى‬
‫الدين الذي فيه سعادتهم في الدنيا والخرة على الرغم مما نالوا منه من‬
‫الذى ‪ ,‬وفي هذا دللة على لزوم استصحاب الرغبة في هداية الناس وإن‬
‫سبقت منهم مواقف مؤذية لصاحب الدعوة أو لتباعه ‪ ,‬لن دعوة السلم‬
‫لتقوم على الرغبة في النتقام من العداء ‪ ,‬وإنما تقوم على الرحمة الشاملة‬
‫بجميع الناس ‪ ,‬والرغبة الملحة في هداية الضالين‪ ,‬وانتشالهم من الدرك‬
‫السحيق الذي أوقعوا أنفسهم فيه ‪.‬‬
‫فالداعية الحق ينظر إلى من يقومون بأذيته وتعذيبه نظرة إشفاق ورحمة ‪,‬‬
‫ويتمنى من قرارة قلبه أن ينقذهم من الهلك الذي تردوا فيه وأن يحميهم من‬
‫السلوك الذميم الذي ساروا فيه‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إن الداعية وهو يتلقى الذى من المدعوين يشعر بأنه يكتسب عمل ً صال ً‬
‫حا‬
‫ضا أن يشعر بأن الذين يقومون بإيذائه وصد ّ‬ ‫بالصبر على أذاهم‪ ,‬ولكن عليه أي ً‬
‫دعوته يكتسبون عمل ً سيًئا وسيحاسبون عليه يوم القيامة ‪ ,‬وأن يعلم أن‬
‫محاولة هدايتهم عمل صالح يضاف إلى العمل السابق‪ ,‬فإذا صبر على أذاهم‬
‫ثم قام بمحاولة هدايتهم يكون قد جمع بين عملين صالحين ‪.‬‬
‫ونجد في هذا النص أن المشركين بدؤوا حوارهم مع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بالهجوم عليه في دعوته حيث اتهموه بشتم آبائهم وعيب دينهم ‪,‬‬
‫وتسفيه أحلمهم ‪ ,‬وشتم آلهتهم وتفريق جماعتهم ‪ ,‬وأنه اقترف معهم كل‬
‫قبيح ‪.‬‬
‫وهذا الهجوم يقصدون من ورائه إضعاف شخصيته وإرباك موقفه حتى يقبل‬
‫دا من عروضهم التي سيعرضونها عليه ‪.‬‬ ‫منهم واح ً‬
‫خَرين يتعلقان‬‫وقد عرضوا عليه أموًرا ثلثة ‪ :‬أحدها يتعلق بحب المال ‪ ,‬وال َ‬
‫بحب الجاه‪ ,‬فعرضوا عليه أول ً أن يجمعوا له من أموالهم حتى يكون أكثرهم‬
‫مال ً إن كان من الذين يستهويهم جمع المال واقتناؤه ‪ ,‬أو أن يسودوه عليهم‬
‫كا عليهم إن كان ممن يستهويهم‬ ‫فيكون سيد قبيلتهم ‪ ,‬أو أن ينصبوه مل ً‬
‫الشرف والجاه ‪.‬‬
‫وبهذا يكونون قد حققوا أعلى درجات الشرف والجاه له إن كان ممن يحبون‬
‫المسؤولية‪ ,‬أو الغنى الكبير بدون نصب وعناء بجمع المال إن كان ممن‬
‫ليحبون تحمل المسؤولية ‪.‬‬
‫قا لصحاب الدنيا لن الهدف العلى الذي يسعى له‬ ‫وهذه عروض مغرية ح ّ‬
‫طلب الدنيا يتلخص في طلب المال أو الجاه أو طلبهما مًعا ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي هذا العرض الثاني والثالث يبدي زعماء قريش استعدادهم للتنازل عن‬
‫منهجهم في الحكم والسيادة من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن‬
‫وافق على طلبهم ‪ ,‬وذلك أن قبائل العرب عامة لتعرف الحكم الذي يقوم‬
‫ودون رجل ً‬ ‫على الملك كما هو الحال في دولة الفرس والروم ‪ ,‬وإنما كانوا يس ّ‬
‫ودون أكثر من‬ ‫منهم تجتمع له خصال الشرف التي اتفقوا عليها ‪ ,‬وقد يس ّ‬
‫واحد كما هو الحال في مجتمع مكة آنذاك ‪.‬‬
‫وقد عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمعوا له السيادة‬
‫دا على جميع فروع القبيلة بدل ً من أن يكون لكل فرع منها سيد ‪,‬‬ ‫فيكون سي ً‬
‫وإذا كان هذا ليقنعه وليرضي طموحه فل مانع لديهم من تمليكه عليهم‬
‫بحيث يحكمهم كما يحكم ملوك الفرس والروم ‪ ,‬وذلك أقوى في التمكين‬
‫وأبلغ في الزعامة من مجرد السيادة ‪.‬‬
‫هذا وإن استعداد زعماء قريش على تحمل هذا المر الذي يخالف ما تعارف‬
‫عليه العرب آنذاك يدلنا على بعد الشقة بينهم وبين رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم وأن انقيادهم إليه بشكل جماعي على أنه رسول من عند الله‬
‫تعالى وتغيير دينهم أمر بعيد الحتمال ‪.‬‬
‫وقد سبق عرض تلك العروض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من‬
‫دا على رسول الله صلى‬ ‫ضا جدي ً‬
‫عتبة بن ربيعة ‪ ,‬وإن كان عتبة قد أضاف عر ً‬
‫الله عليه وسلم وهو أن يزوجوه عشر نسوة يختارهن من قريش ‪ ,‬وهذا‬
‫العرض في الحقيقة داخل في عرض تمليك المال حتى يكون أغنى رجل في‬
‫قومه لن صاحب الغنى يستطيع أن يحصل على مايريد من الشهوات ‪.‬‬
‫هذا وإن في إعادة عرض هذه المغريات من زعماء قريش دليل ً على أنهم لم‬
‫سا‬
‫يفهموا بعد ُ حقيقة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تقوم أسا ً‬
‫على الزهد في الدنيا والعمل للخرة ‪ ,‬فإذا كان باستطاعة أولئك القوم أن‬
‫َيعدوا المسلمين بالحياة السعيدة في الخرة القائمة على الظفر بالجنة‬
‫والنجاة من النار فإنهم يستطيعون التأثير عليهم ‪.‬‬
‫ولكن أّنى ذلك للمسلمين أنفسهم ‪ ,‬بل أني ذلك للنبياء عليهم السلم ! لن‬
‫الذي يملك ذلك الفضل الكبير هو الله تعالى وحده ‪ ,‬وإنما مهمة النبياء عليهم‬
‫السلم ومن اقتدى بهم من الدعاة هي أن يهدوا الناس إلى الطريق الموصل‬
‫إلى هذه السعادة ‪.‬‬
‫وهكذا يحاول عبًثا دعاة الباطل على مر الزمان ‪ ,‬حيث يكررون عروضهم‬
‫المغرية على الدعاة الصادقين في دعوتهم ‪ ,‬فيخسروا بذلك وقتهم وجهدهم ‪.‬‬
‫وقد ُيطمعهم في الستمرار على هذا المنهج مايرونه من سقوط بعض الدعاة‬
‫في أثناء المعركة الدائرة بينهم وبين أعداء السلم ‪ ,‬حيث ينجح العداء في‬
‫تحجيم هؤلء الدعاة وتجميد نشاطهم‪ ,‬أو تحويل هذا النشاط إلى عمل مضاد‬
‫لتجاه الدعوة السلمية ‪.‬‬
‫ومما يلحظ هنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفض أن يكون ملكاً‬
‫على أهل مكة‪ ,‬وقد يتعلق بذلك من يرى عدم ضرورة قيام الدولة السلمية ‪,‬‬
‫صا مع ملحظة أن النبي صلى الله عليه وسلم لو تولى زعامة قريش‬ ‫خصو ً‬
‫وحلفائها لكان أعظم قدرة على بث دعوته لنه والحال هذه يستطيع أن‬
‫يفرضها من خلل سلطته وهيمنته على البلد ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والجواب على ذلك أن زعماء قريش لم يتنازلوا لرسول الله صلى الله عليه‬
‫قا ‪ ,‬وإنما أرادوا منه أن يتنازل عن دعوته إلى التوحيد‬ ‫وسلم عن زعامتهم ح ّ‬
‫في مقابل زعامة وهمية يخضعونه بها لمبادئهم الجاهلية بينما هم ليخضعون‬
‫لدعوته ‪ ,‬والحقيقة أن الذي يحكم هي المبادئ ‪ ,‬والرجال من وراء تلك‬
‫المبادئ منفذون ‪ ,‬فإذا بقيت مبادئهم الجاهلية – وهو المطلب الذي أصروا‬
‫صب في ظلل تلك المبادئ فإنه يكون‬ ‫عليه – فهي التي تحكم‪ ,‬وأي زعيم ين ّ‬
‫خاضًعا لها ‪ ,‬وهذا يعني أن يتنازل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دعوة‬
‫التوحيد في مقابل قبوله هذا العرض السخي في نظر أهل الدنيا ‪ ,‬ولذلك‬
‫كانت استجابة النبي صلى الله عليه وسلم لهم أمًرا مستحيل ً ‪.‬‬
‫لقد كانت تصريحات زعماء المشركين تبين استحالة أن يسندوا زعامتهم‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع بقائه على كامل دعوته ‪ ,‬ومن ذلك‬
‫ماسبق في خبر أبي جهل من قوله ‪":‬تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ‪,‬‬
‫أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا ‪ ,‬حتى إذا تحاذينا على‬
‫سي رهان قالوا ‪ :‬منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى‬ ‫فر َ‬
‫الركب وكنا ك َ‬
‫ندرك مثل هذه ؟ " ‪.‬‬
‫فهذا دليل على أن المطلب الكبير الذي يتنافسون عليه هو السيادة على مكة‬
‫‪ ,‬ولكنهم مع هذا أبدوا استعدادهم للتنازل عنها لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لو تخلى عن دعوته أو بعض مايدعو إليه ‪ ,‬أما في حال إصراره على‬
‫دعوته إلى التوحيد فإن تنازلهم له عن ذلك يكون أمًرا مستحيل ً ‪.‬‬
‫أما قيام الدولة السلمية فإنه أمر ضروري لقيام الدين عند القدرة على‬
‫ذلك ‪ ,‬ولهذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم دولة السلم في المدينة يوم‬
‫أن هاجر إليها وأصبح قادًرا على ذلك ‪ ,‬وكونه رفض السلطة الوهمية التي‬
‫عرضها عليه زعماء مكة ليعني عدم اهتمامه بإقامة دولة السلم ‪ ,‬وإنما كان‬
‫ما ثاقًبا منه لمقاصد الكفار‬ ‫دا من الله تعالى له ‪ ,‬وفه ً‬‫هذا السلوك منه تسدي ً‬
‫الماكرة التي أرادوا بها أن يقضوا على دعوته ‪.‬‬
‫ثم إنهم بعد هذه العروض الثلثة عرضوا عليه أن يبذلوا المال في طلب‬
‫الطب له إن كان الذي حمله على مخالفة قومه والصرار على ذلك تأثر‬
‫ضاغط بسبب هيمنة الجن عليه ‪.‬‬
‫وكأنهم يقولون له إن لم تكن أهدافك من هذه المخالفة أن تصبح أغنى رجل‬
‫في قومك ‪ ,‬أو أن تكون لك السيادة المنفردة عليهم جميًعا فإنه ليتصور أن‬
‫يدفعك إلى دعوتك تلك إل النقياد القسري لصحاب الهيمنة من الجن ‪ ,‬ومن‬
‫هذا المنطلق اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون كما سبق ‪.‬‬
‫دا خاصة العرض‬ ‫هذا وعلى الرغم من كون تلك العروض الثلثة مغرية ج ّ‬
‫الثالث الذي سيجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الملك الوحيد في بلد‬
‫العرب ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من كون المقابل لذلك فيما إذا رفض تلك العروض أن يكون‬
‫ما بين قومه بالجنون فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد رفض بكل إباء‬ ‫مته ً‬
‫وعزة جميع تلك العروض المغرية وأصر على لزوم دعوته التي اجتمع أولئك‬
‫الزعماء من أجل القضاء عليها ‪.‬‬
‫لقد كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم جواب المستسلم لمر الله‬
‫تعالى الثابت على مبدئه السامي حيث قال لهم ‪" :‬مابي ماتقولون وماجئتكم‬
‫بما جئتكم به أطلب أموالكم ول الشرف فيكم ول الملك عليكم ‪ ,‬ولكن الله‬
‫بعثني إليكم رسول ً وأنزل علي كتاًبا ‪ ,‬وأمرني أن أكون لكم بشيًرا ونذيًرا ‪,‬‬
‫فبّلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ‪ ,‬فإن تقبلوا مني ماجئتكم به فهو حظكم‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي أصبر لمر الله حتى يحكم الله بيني‬ ‫في الدنيا والخرة ‪ ,‬وإن تردوه عل ّ‬
‫وبينكم " ‪.‬‬
‫وهذا الكلم يعد ّ نهاية الستسلم لله عز وجل وغاية التوحيد ‪ ,‬حيث أشعرهم‬
‫بأنهم إن أظهروا شيًئا من التحدي والتعجيز فإنما يواجهون الله تعالى بذلك ‪,‬‬
‫ة قائمة بينهم وبين الله تعالى ‪ ,‬ولن يفلح من جعل نفسه في‬ ‫فالحرب حقيق ً‬
‫مواجهة مع الله جل وعل ‪ ,‬فالمر لله تعالى وحده من قبل ومن بعد ‪ ,‬وإنما‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم مبّلغ عن الله تعالى ومنفذ لشريعته على‬
‫الوجه الكمل‪ ,‬فليس طالب دنيا ول طالب جاه ‪ ,‬وليملك أن يتنازل عن‬
‫ل من ذلك‪ ,‬لنه ليس مستقل ً‬ ‫دعوته ول بمعشار ماطلبوه منه ول بما هو أق ّ‬
‫بهذا المر حتى يفاوض عليه حسب مايمليه عليه اجتهاده المصلحي ‪ ,‬وإنما‬
‫هو رسول مبلغ عن الله تعالى منفذ لشريعته ‪.‬‬
‫جُهون بشيء من التحدي‬ ‫وفي هذا درس بليغ لهل العلم الديني الذين يوا َ‬
‫والعداء من الكفار والمنافقين ‪ ,‬والذين يضع المسلمون ثقتهم بهم في فهم‬
‫هذا الدين وتبليغه ‪ ,‬ليكون شعورهم وتفكيرهم حاضًرا مع الله تعالى حينما‬
‫دلون ‪ ,‬وليكون فهمهم مقصوًرا على كونهم مبلغين عن رسول‬ ‫ُيسألون ويجا َ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ومشرفين على تنفيذ شريعة الله تعالى كما‬
‫شرع ‪ ,‬وأن ليداخلهم شيء من حب الظهور والتفوق الفكري غير المنضبط‬
‫بشريعة الله جل وعل ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فإذا كانوا مع الله تعالى وتصوروا أن الله معهم في معركتهم مع العداء ‪,‬‬
‫وأنه مطلع على مكنونات ضمائرهم فإن ذلك يعصمهم بإذن الله تعالى من‬
‫الزلل ‪ ,‬ويمنحهم د ُُفعات من القوة والصمود في وجه العداء ‪.‬‬
‫لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحاور العداء موصول ً حبله‬
‫بالله عز وجل ‪ ,‬ولم يكن في قلبه شعور بأي قوة في الرض ‪ ,‬وكان يستلهم‬
‫من الله تعالى الثبات والقوة بقدر ماكان يتلقى الوحي اللهي الذي يحاور‬
‫المخالفين على قبسات أنواره ‪.‬‬
‫ص بالوحي كسائر النبياء عليهم‬ ‫وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد اخت ُ ّ‬
‫الصلة والسلم فإن ممثلي العلم الديني لم ي َْعدموا هذا النور الذي سار على‬
‫ضوئه الساطع ورثة النبي صلى الله عليه وسلم على مر العصور ‪ ,‬بل هو بين‬
‫حاق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق العلى‬ ‫أيديهم قد اكتمل قبل ل َ َ‬
‫كما في قوله تعالى‪:‬‬
‫م ِدينا ً‬ ‫َ‬ ‫)ال ْيو َ‬
‫سل َ َ‬
‫م ال ِ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬‫ضي ُ‬ ‫مِتي وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ُ ْ‬‫ت ل َك ُ ْ‬‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬
‫َ ْ َ‬
‫م( )المائدة‬ ‫حي‬ ‫ر‬ ‫ر‬‫فو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫جا‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ة‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫في‬ ‫ُ‬
‫ن ْ ّ ِ‬
‫ر‬ ‫ط‬ ‫ض‬ ‫ا‬ ‫فَ َ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ ّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ ِ ٍ ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ ٍ َْ ُ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫م ِ‬
‫‪:‬من الية ‪.( 3‬‬
‫فما عليهم إل أن يلتزموا بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ‪,‬‬
‫شُعروا بحضوره معهم بعلمه في‬ ‫بعد أن يوثقوا صلتهم بالله عز وجل ‪ ,‬وأن ي َ ْ‬
‫كل ندواتهم وجلساتهم ‪ ,‬بل في كل همساتهم وخطرات قلوبهم ‪.‬‬
‫ة‬
‫هذا وإن في رفض النبي صلى الله عليه وسلم من الكفار عروضهم المغري َ‬
‫من الملك والمال رّدا بليًغا على أعداء السلم الذين فسروا الدعوة السلمية‬
‫بأنها ثورة من الفقراء على الغنياء الكبراء فلو كانت كما زعموا لكان في‬
‫ل الكامل للمقاصد والهداف التي دفعت‬ ‫تحقق هذه العروض المغرية الوصو ُ‬
‫إلى تلك الثورة ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولو كانت كما زعموا لما رأينا في تلك الفئة المسلمة أغنياء في غاية الغنى‬
‫والترف كعثمان بن عفان ومصعب بن عمير ‪ ,‬ومن هم دونهم في الغني‬
‫ولكنهم يفوقونهم في الشهرة والمكانة كأبي بكر وعمر ‪ ,‬إذ أن المنطق‬
‫ف أهل الغنى‬ ‫الصحيح – لو كان المر كما زعموا – أن يكون هؤلء في ص ّ‬
‫والزعامة القبلية ‪.‬‬
‫ت أحداث الهجرة بعد ذلك الهدف السامي الذي ضحى من أجله‬ ‫ولقد ب َي ّن َ ْ‬
‫المسلمون حيث تركوا أموالهم بمكة وهاجروا إلى المدينة ابتغاء رضوان الله‬
‫تعالى والدار الخرة رضي الله عنهم أجمعين ‪.‬‬
‫هذا ولقد بدأ الكفار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتنة الذى‬
‫دا في دعوته ‪,‬‬‫والتخويف كما سبق ‪ ,‬فلم يثنه ذلك عن عزيمته ‪ ,‬وظل صام ً‬
‫جد معه هذا النوع من الفتنة تحولوا إلى فتنة التأليف ‪ ,‬فعرضوا عليه‬ ‫فلما لم ي ُ ْ‬
‫هذه العروض الكبيرة ‪.‬‬
‫وهكذا الكفار في كل زمن يحاولون فتنة دعاة السلم بهذين النوعين‬
‫قَبلوا المداهنة ‪ ,‬وذلك بالتنازل عن بعض مايدعون‬ ‫ليتحولوا عن دعوتهم ‪ ,‬أو لي ْ‬
‫إليه حسب مايريده العداء ‪.‬‬
‫وإن للدعاة إلى الله تعالى لسوة حسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫حيث لم يخضع لفتنة الكفار ‪ ,‬سواء في مجال التأليف أو في مجال‬
‫التخويف ‪.‬‬
‫كا على قومه كما عرض على رسول الله‬ ‫عرض على داعية أن يكون مل ً‬ ‫وهل ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم ؟!‬
‫ة من الدنيا فسارعوا إليها وتخلوا عن‬‫عرض على بعض الدعاة لعاع ٌ‬ ‫لقد ُ‬
‫دعوتهم‪ ,‬أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ظل ثابًتا على طريقه‬
‫المستقيم ولم تخطر له الدنيا ببال‪.‬‬
‫‪-------------------------------------‬‬
‫)‪ (1‬دلئل النبوة للبيهقي ‪ , 2/203‬ورواه الحاكم بنحوه وقال ‪ :‬هذا حديث‬
‫صحيح السناد ولم يخرجاه ‪ ,‬وأقره الذهبي – المستدرك ‪, 254 – 2/253‬‬
‫وذكره الهيثمي من حديث جابر رضي الله عنه بنحوه وقال ‪ :‬رواه أبو يعلى‬
‫وفيه الجلح الكندي وثقه ابن معين وغيره وضعفه النسائي وغيره وبقية‬
‫رجاله ثقات – مجمع الزوائد ‪ – 6/19‬وحسن الشيخ اللباني إسناده – هامش‬
‫فقه السيرة للغزالي ‪. 113/‬‬
‫)‪ (2‬سيرة ابن هشام ‪. 1/293‬‬
‫)‪ (3‬أي ظهر لهم في شأنه أمر ‪.‬‬
‫)‪ (4‬يعني مشقتهم ‪.‬‬
‫دا ‪.‬‬
‫)‪ (5‬نجعلك سي ً‬
‫)‪ (6‬أي تبلغ منك العذر ‪.‬‬
‫)‪ (7‬سيرة ابن هشام ‪. 1/295‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫مجابهة الفغان في القرن التاسع عشر‬


‫________________________________________‬
‫في هذا المقال يقوم بروس كولينز ‪ Bruce Collins‬بدراسة الصفات المميزة‬
‫للنشاط البريطاني في أفغانستان إبان حكم الملكة فيكتوريا‪ ،‬وهذه الصفات‬
‫هي‪ :‬روح المغامرة‪ ،‬وإنزال الكارثة بالشعب الفغاني‪ ،‬والنتقام المميت‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫________________________________________‬
‫إن أحد الفكار التاريخية السائدة من القرن التاسع عشر هو السلم‬
‫البريطاني‪ .‬فقد ساد السلم الطويل المد الذي امتد من عام ‪ 1815‬إلى عام‬
‫‪ – 1914‬مع توقف هذا السلم مرة واحدة خلل اندلع حرب كريمان في‬
‫أواسط عام ‪ -1850‬روح أواصر العلقات البريطانية مع قوى البلدان‬
‫الوروبية الرئيسية‪ .‬أما بالنسبة للبلد غير الوروبية فقد شهدت في تلك‬
‫الفترة سلسلة تدخلت بريطانية عسكرية وبحرية ليمكن الصفح عنها‪ ،‬اذ‬
‫امتدت إلى كل جزء من أجزاء العالم‪ .‬وقد أكد الجنرالت البريطانيون وقادة‬
‫البحرية أن هذه التدخلت كانت ناجحة في معظم أرجاء العالم‪ ،‬أو على القل‬
‫كان يبدو عليها سمة النتصار‪ .‬كانت الخبرة العسكرية البريطانية لها طابع‬
‫خاص‪ .‬اذ تتطلب التدخل الول الذي حدث بدءا من عام ‪ 1838‬إلى ‪1842‬‬
‫إظهار درجة عالية من الكفاءة لدارة هذا التدخل ومن أجل إحراز النجاح‬
‫الباهر‪ ،‬في حين أثبت التدخل الذي حدث منذ عام ‪ 1878‬إلى عام ‪ 1881‬أنه‬
‫مكلف‪ ،‬على الرغم من إنجازه للهدف المنشود في نهاية المر‪ .‬وفي كلتا‬
‫المناسبتين تم الثأر للهزائم العسكرية التي حدثت‪ ،‬إل أن إدارة السياسة في‬
‫أفغانستان بقيت صعبة للغاية‪.‬‬
‫في عام ‪ ،1837‬قدم رئيس أركان الجيش البنغالي السير هنري فين ‪Henry‬‬
‫‪ Fane‬تحليل ً رسميا مفاده أن الحدود الغربية والشمالية الغربية للهند‬
‫البريطانية كانت آمنة بشكل تام ‪ ،‬وتغطي الصحراء الهندية الكبرى أو صحراء‬
‫الثار جزًء منها ابتداء من البحر إلى فيروزبور ‪ Firuzpur‬على نهر سوتليج‬
‫‪ .Sutlej‬وتقف جبال الهيماليا التي ليمكن اختراقها في نهاية الطرف الخر‪.‬‬
‫أما الجهة الوحيدة المكشوفة لتلك الجبال فهي تمتد على مسافة ‪ 120‬ميل ً‬
‫ابتداء من فيروزبور وحتى أعالي نهر سوتليج‪.‬‬
‫وعلى الرغم من صعوبة انقضاء عقد من القرن التاسع عشر دون حدوث‬
‫بعض الحملت على الحدود التي كان لها تأثير على الجهات المتاخمة للهند‬
‫البريطانية‪ ،‬إل أن حاميات الحدود المنيعة قد ضمنت المان لهذه الحدود‬
‫وأدت إلى تحسين قنوات التصال للقواعد الرئيسية للهند البريطانية وعملت‬
‫على إقامة علقة ودية مع البنجاب عبر نهر سوتليج‪ ،‬إل أن هذا النطباع قد‬
‫تلشى في غضون سنة‪.‬‬
‫لقد نشأ التدخل البريطاني في أفغانستان من جراء المخاوف البريطانية‬
‫المتزايدة من الطماع الروسية في آسيا الوسطى‪ ،‬فقد قامت روسيا خلل‬
‫القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بالتوسع السريع لمبراطوريتها في آسيا‬
‫الوسطى‪ ،‬وبحلول عام ‪ 1830‬قامت روسيا بالستيلء على أورال سك و‬
‫تورغي وأجزاء من أكمولنسك‪ .‬وقبيل حلول عام ‪ 1878‬تجاوز الروس في‬
‫استيلئهم على الراضي ووصلوا إلى جنوب تركستان حيث استولوا على‬
‫سمرقند وبخارى وسيميرشي‪ .‬لقد كان تهديد النفوذ الروسي في آسيا‬
‫الوسطى وما يمكن أن يكون له من تأثير على الرأي السياسي الهندي من‬
‫ضمن المخاوف البريطانية الرئيسية‪ .‬إذ قامت بريطانيا بإحكام إغلق الهند‬
‫بشكل فعال لمنع أي تغلغل بحري من قبل الخصوم الجانب‪ ،‬ولكن هل من‬
‫الممكن أن تكون الحدود الشمالية الغربية عرضة لحداث من المحتمل أن‬
‫تشجع المراء الهنود على تحدي الحكم البريطاني؟ أدرك معظم صناع‬
‫السياسة أنه مهما أنجز خلل التطورات التجارية والتأسيسية‪ ،‬ومن خلل‬
‫التحسينات النسانية والتعليمية والدينية‪ ،‬أن الحكم البريطاني اعتمد بصورة‬
‫كلية على القوة العسكرية‪ .‬لقد تنامى الستياء إزاء الحكم البريطاني تحت‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حكم الراجا‪ .‬وقررت الحكومة في الهند أن بذل روسيا لي جهد سياسي في‬
‫أفغانستان يشكل تهديدا غير مباشر حيال وحدة الدولة النجليزية‪-‬الهندية‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لقد تطلبت عملية إذعان الحكام الهنود للحكم البريطاني‪-‬ابتداء من أواخر‬


‫القرن الثامن عشر وما بعده‪ -‬وكذلك تحويلهم إلى رعايا أرستقراطيين‪،‬تطلب‬
‫اللجوء إلى عمليتي القسر وشن الحرب للقيام بذلك‪ .‬وعلوة على هذا‪ ،‬يعتقد‬
‫البريطانيون أنهم يمكنهم – وبشكل متكرر‪ -‬إعادة تعيين الحكام السيويين‬
‫بكل سهولة‪ .‬فقد حاولوا التدخل بالشؤون الفغانية وهم يجهلون تجاهل نسبيا‬
‫أحوال الفغان‪ .‬وقد أجري في عام ‪ 1830‬أول اتصال بريطاني شبه رسمي‬
‫بالمدن الفغانية الشرقية الرئيسية‪ .‬ففي مطلع القرن التاسع عشر تركزت‬
‫الهتمامات الدبلوماسية على العلقات الفارسية مع منطقة الحدود الغربية‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1838‬بدا واضحا ً أن أمير أفغانستان دوست محمد يتلعب بفكرة‬
‫النحياز إلى روسيا‪ ،‬فقررت بريطانيا حينئذ إبداله‪ .‬وكان في مخيلتهم المير‬
‫الفغاني العجوز السابق شجاع الملك الذي أمضى ثلثين عاما ً منفيا ً في‬
‫الهند‪ .‬وكانت المبراطورية الفغانية خلل القرن الثامن عشر قد تكونت من‬
‫كبار السياد الرئيسيين‪ .‬وكانت حركة تطور القتصاد ضعيفة للغاية‪ ،‬وتميزت‬
‫تلك الفترة بوضع تجاري محدد نسبيًا‪ ،‬إذ غالبا ً ما كان الحكام الفغانيون‬
‫يعتمدون على الغارات العسكرية التي يشنونها على الراضي المجاورة‬
‫وبالخص الراضي الواقعة شمال غرب الهند وذلك من أجل الحصول على‬
‫غنائم عينية جاهزة من خلل عمليات السلب المنتظمة‪ .‬وفي بداية القرن‬
‫التاسع عشر نشأت منافسة حادة حول السلطة بين عشيرتين متنازعتين‬
‫وهما سودسي و ركوزي اللتان تنحدران من قبيلة الدورانية]‪ [1‬التي كان‬
‫أميرها أحمد شاه‪ .‬وقد ادعى العشرات من الحكام المتخاصمين من أتباع كلتا‬
‫العشيرتين الحق لتولي السلطة‪ .‬وقد استطاع اشجاع الملك أن يضع يده‬
‫على الحكم وذلك عندما قام بالغارة على بلده في عام ‪ ،1834‬إل أنه هزم‬
‫في معركة بالقرب من قندهار من قبل دوست محمد‪.‬‬
‫كان الحاكم العام اللورد أوكلند يرى بأنه يمكن تغيير الحكم بسهولة في‬
‫كابل‪ ،‬فل شيء يخيف من القيام بذلك‪.‬‬
‫وقد افترض البريطانيون خطأ بأن وجود حليف محلي يمكن أن يكون بمثابة‬
‫المساعد لهم لدى القيام بأي عمل عسكري قد ينشأ من جراء تدخلهم‪.‬‬
‫وخلل صيف عام ‪ 1838‬كان متوقعا ً من حاكم البنجاب السيخي رانجيت سنج‬
‫أن يقدم دعما ً كبيرا ً للقوات التي ستدخل إلى أفغانستان ‪ ،‬إل أن رانجيت‬
‫رفض المشاركة في تقديم الدعم‪ .‬وبدل ً من أن تزود بريطانيا الجيش‬
‫السيخي بـ ‪ 5000‬جندي كمساعدة لهم‪ ،‬وجدت نفسها أنها ملزمة بإرسال‬
‫‪ 1400‬جندي من الهند البريطانية نفسها‪.‬‬
‫وعوضا عن عبور نهر سوتلج ومن ثم البنجاب والتوجه إلى كابل من بيشاور‬
‫من خلل ممر خيبر‪ ،‬أجِبرت القوات البريطانية إلى سلوك طريق غير مباشر‬
‫إلى قندهار‪ .‬وللبدء في القيام بالحملة في ديسمبر عام ‪ ،1838‬قامت القوات‬
‫البريطانية الرئيسية‪ ،‬والتي كانت مرابطة في فيروزبور‪ ،‬بقطع مسافة ‪1000‬‬
‫ميل وذلك في مدة ‪ 135‬يومًا‪ ،‬ولم تحدث أية معارك في طريقهم إلى‬
‫قندهار‪ ،‬إل أن القوات كانت تصارع أوضاع الصحراء القاسية ‪،‬ومعابر الجبال‬
‫مد تلويثه‪ ،‬وكذلك‬ ‫الوعرة‪ ،‬ونقص الطعام‪ ،‬والحرارة الشديدة والماء الذي تع ّ‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التهديد المستمر لغارات رجال القبائل الجبلية‪ .‬وقد تحدث أحد الضباط عن‬
‫الحرارة والغبار‪ ،‬ورياح الصحراء‪ ،‬وأسراب الذباب الكبيرة والرائحة النتنة‬
‫للبعير النافقة‪ .‬كانت رائحة المعسكر تماثل رائحة المقبرة‪ ،‬فل يستطيع أحد‬
‫أن يمشي ثلث خطوات داخل المعسكر دون أن يرى رجل ميتا ً أو حيوانا ً‬
‫نافقا ً أو على وشك الهلك‪.‬‬
‫ولدى وصولها إلى قندهار أمضت القوات البريطانية حوالي شهرين‪ ،‬وذلك‬
‫بالتعاون مع قوات شجاع الملك‪ ،‬بالضافة إلى حوالي ‪ 38000‬من أتباع‬
‫ة استجماع قواتها أثناء حشد المدادات العسكرية‪.‬‬ ‫المعسكر والخدم‪ ،‬محاول ً‬
‫وقد جرى تنصيب شجاع الملك كأمير‪ .‬وكانت المرحلة التالية عبارة عن‬
‫التوجه من قندهار إلى كابل لمسافة قدرها ‪ 310‬أميال‪ .‬وقد جرت في‬
‫الطريق المعركة الوحيدة للحملة العسكرية التي دامت ثمانية أشهر‪ ،‬وذلك‬
‫في المدينة المحصنة غزنة‪ .‬وقد استمرت المعركة أكثر من ساعة بقليل‪.‬‬
‫وكان لزاما على البريطانيين الذين لم يجلبوا معهم أسلحة ثقيلة أثناء زحفهم‬
‫عبر الوادي الرئيسي لشرق أفغانستان‪ ،‬أن يشقوا طريقهم إلى غزنة عن‬
‫طريق القيام بهجوم جريء حدث في الفجر‪ .‬ثم قاموا بتفجير إحدى بوابات‬
‫المدينة بواسطة ‪ 300‬ليبرة من مسحوق الرصاص‪ ،‬وبعد ذلك أرسل فريق‬
‫هجومي مؤلف من عدد قليل من فرقة المشاة الوروبية ‪ .‬وقد حصل هذا‬
‫الفريق على الدعم اللزم في الوقت المناسب‪ .‬وكما هو الحال في مسألة‬
‫الحملت الستعمارية‪ ،‬فقد اعتمد نجاح العملية على السرعة والجرأة‬
‫وارتجالية وتحمل المخاطر الكبيرة للقلية المميزة في القوات الموجودة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وفي نهاية عام ‪ 1839‬كانت بريطانيا واثقة بأن أهدافها السياسية قد تحققت‪،‬‬
‫فقد نصب شجاع الملك أميرا ً للبلد وهرب دوست محمد‪ ،‬وانسحبت قوات‬
‫الحملة‪ ،‬إل أنه بقي وجود بريطاني هام فيها‪ .‬ومع ذلك تزايدت صعوبة تحدي‬
‫إيجاد وإبقاء حكم مستقر في أفغانستان‪ .‬فزعماء القبائل المستقلون لم‬
‫يقبلوا بحكم شجاع الملك‪ .‬وقد أدى حماس الناصحين البريطانيين‪ ،‬بشأن‬
‫القيام بإصلحات إدارية وسياسية‪ ،‬إلى حدوث تغييرات في زيادة اليرادات‬
‫والمتيازات و النفوذ الممنوحة للزعماء المحليين في كابل‪ ،‬وأدى هذا إلى‬
‫إثارة المعارضة‪ .‬وبحلول شهر أيار‪/‬مايو من عام ‪ ،1841‬نشرت بريطانيا ستة‬
‫عشر ألف جندي في أفغانستان وفي الطرق المؤدية إليها مباشرة‪ ،‬كما‬
‫نشرت تسعة آلف جندي في الطريق الممتد من كراتشي إلى كويتا‪.‬‬
‫وازدادت حدة العداء حيث امتعض الزعماء المحليون من شن الغارات‬
‫البريطانية على الوديان المستقلة‪ ،‬حيث ساهمت تلك الغارات في القضاء‬
‫على المحاصيل الزراعية ومهاجمة الحصون الصغيرة‪ .‬وامتعض الزعماء‬
‫المحليون كذلك من النتشار الواسع للقوات الهندية في بلد مسلم‪ ،‬ل سيما‬
‫أن الفغان كانوا بمثابة الوسيط بشأن مصير هندوستان في القرن الثامن‬
‫عشر‪.‬‬
‫كذلك برز مزيد من النزاعات نتيجة الزيادة الحادة في أسعار السلع الساسية‬
‫و وجود أعداد كبيرة من الجيوش الجنبية‪ ،‬ورغبتها في شراء البضائع‪ .‬وقد‬
‫أدت الصلحات في تنظيم الجيش الفغاني إلى تخفيض هائل في نسبة‬
‫المدفوعات السنوية التي تقدم إلى قبائل غيلزاي المسيطرة على الطريق ما‬
‫بين جلل آباد وكابل‪ .‬فكانت ردة فعل هذه القبائل أن قامت بمهاجمة قافلة‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كبيرة كانت متجهة من جلل آباد إلى كابل وذلك في أكتوبر عام ‪ .1841‬وقد‬
‫حدث هذا الهجوم عندما كان البريطانيون يخططون للنسحاب الرئيسي‪.‬‬
‫وخلل فصل الخريف‪ ،‬قاد اللواء السير روبرت سيل ‪ Robert Sale‬قائد جبهة‬
‫القتال في غزنة في السنتين الخيرتين الفريق العسكري البريطاني متجها ً‬
‫من كابل إلى جلل آباد حيث مكان المعارضة‪ ،‬لفتح الطريق المباشر‬
‫للنسحاب‪ .‬إل أن البريطانيين في مطلع شهر تشرين الثاني‪/‬نوفمبر من عام‬
‫‪ 1841‬فقدوا السيطرة على سير الحداث في كابل‪ .‬فقد هاجمت جماعة من‬
‫الغوغائيين المقيم البريطاني السير الكسندر بيرنز ‪ Alexander Burnes‬وأردته‬
‫ل‪ .‬ثم قامت القوات القبلية المجندة بالستيلء على حصن المفوضية‪.‬‬ ‫قتي ً‬
‫وخلل تردد البريطانيين في ردة فعلهم إزاء هذا الهجوم ‪ ،‬انضم عدد من‬
‫زعماء القبائل إلى التمرد‪.‬ووصل المير المخلوع محمد أكبر نجل دوست‬
‫محمد إلى العاصمة وتولى قيادة فرق التمرد‪ .‬وحاول المبعوث البريطاني‬
‫المتقاعد السير وليام ماكنوغتين ‪ William Macnaughten‬إجراء مفاوضات‬
‫تسوية معه إل أنه قتل وقطعت أوصاله في الثالث والعشرين من شهر كانون‬
‫الول‪/‬ديسمبر‪ .‬وإزاء هذا الضطراب المتزايد‪ ،‬توصل القائد البريطاني اللواء‬
‫وليام إيلفنستون ‪ William Elphinstone‬إلى عقد اتفاق مع ثمانية عشر زعيم‬
‫قبيلة أفغانية بارزين‪ ،‬ونصت هذه التفاقية على أن يضمن زعماء القبائل‬
‫سلمة الحاميات البريطانية‪ .‬وفي السادس عشر من شهر كانون الثاني‪/‬يناير‬
‫عام ‪ ،1842‬غادرت كابل القوات البريطانية المؤلفة من ‪ 4500‬جندي‬
‫معظمهم من الجنود الهنود )السباهيين(]‪ [2‬الذين كانوا يخدمون في الجيش‬
‫البريطاني‪ ،‬ومعهم كذلك أكثر من ‪ 12000‬من الموالين والخدم وأتباع‬
‫المعسكر‪ ،‬وقام روبرت سيل وقتئذ بتأسيس موقع دفاعي في جلل آباد عبر‬
‫الطريق المؤدي إلى البنجاب‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إن النسحاب البريطاني من كابل إلى جلل آباد قد أدى إلى وقوعهم في‬
‫أسوء نكسة مرعبة في تاريخ حروب المبراطورية البريطانية‪ .‬وخلل أيام‬
‫عديدة دق ناقوس الخطر على القوات المنسحبة بسبب شدة البرد‪ ،‬الذي‬
‫كان مهلكا ً ومميتًا‪ ،‬و نفاذ الطعام والمؤن ‪،‬وكذلك بسبب كمائن رجال القبائل‬
‫المسيطرة على أعالي الممرات الجبلية الصخرية الضيقة‪ .‬وقد أدت الصابة‬
‫بالعمى الثلجي وقضمة الصقيع إلى عدم مقدرة المقاتلين من استخدام‬
‫أسلحتهم‪ ،‬وأخذ الجوع ينخر بجميع القوات‪ .‬وفي صبيحة اليوم الخامس ازداد‬
‫عدد الجنود الذين كان بإمكانهم الحركة إلى عشر العدد الصلي للجنود وهو‬
‫‪ 4500‬جندي‪ .‬وفي اليوم الثاني عشر من شهر كانون الثاني‪/‬يناير‪ ،‬هاجم‬
‫الفغان بقوة عددا ً قليل ً من الجنود البريطانيين في ممر جاكدولك‬
‫واستطاعوا في اليوم التالي من خلل نصب كمين القيام بعملية مزعجة في‬
‫ممر كوندامك‪ .‬وتم سجن الكثير من البريطانيين‪ ،‬أما البقية فقد قتلوا ومن‬
‫ضمنهم ‪ 18‬ضابطًا‪ ..‬وكان من بين الذين نجوا من هذه المحنة من القوة‬
‫الرئيسية أوروبي واحد نفذ بجلده وهو الطبيب الجراح وليام برايدون ‪William‬‬
‫‪ Braydon‬الذي وصل إلى جلل آباد وهو يعرج‪ ،‬وذلك في الثالث عشر من‬
‫كانون الثاني‪/‬يناير‪ .‬وقام ]الجنود[ في حامية سيل بالنفخ بالبوق طوال تلك‬
‫الليلة معلنين ضرورة الحضور إلى الحامية آملين من وراء ذلك أن يأتي‬
‫الناجون إليها‪ ،‬إل أنه لم يأت أحد‪ ،‬ولم يعرف بالتحديد عدد الذين قتلوا ‪ ،‬إل أن‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عددا كبيرا من قوات الحامية وأتباعها قد هلكوا‪ .‬فالبعض منهم كان على قيد‬
‫الحياة لفراره أو لنه أصبح سجينًا‪ .‬ولربما تجاوزت حصيلة المفقودين أكثر‬
‫من اثني عشر ألف جندي‪.‬‬
‫وعلى الرغم من الكارثة النسانية المروعة التي حلت بالبريطانيين‪ ،‬إل أنهم‬
‫استطاعوا الحفاظ على بعض القوى العسكرية الرئيسية‪ .‬فقد بقيت قوة‬
‫قوامها سبعة آلف وخمسمائة جندي في قندهار ) وهو عدد فاق كثيرا عدد‬
‫الجنود المفقودين خلل النسحاب من كابل(‪ .‬وقد وصلت إمدادات عسكرية‬
‫ضخمة إلى بيشاور في مملكة السيخ وذلك في مطلع شهر فبراير ‪.1842‬‬
‫وقد صمدت قوات الحامية سيل في جلل آباد ونجت من كارثة نقص الغذاء‬
‫ومن هجمات الفغان إلى أن وصلت قوات بيشاور للغاثة‪ -‬التي قدمت عبر‬
‫ممر خيبر – للبلدة في ‪ 16‬نيسان‪/‬أبريل ومعها ‪ 15‬ألف جندي بريطاني‪.‬‬
‫إن الدفاع عن جلل آباد قدم رمزا ً بطوليا ً للمرونة والمقاومة البريطانية‪،‬‬
‫وكان بمثابة المقاومة الساسية إزاء عدم الكفاءة العسكرية التي أدت إلى‬
‫دمار كابل‪ .‬كما أنها عملت على إيجاد الدافع إلى إرسال حملة تأديبية إلى‬
‫عاصمة أفغانستان‪ .‬فقد انتشرت قوات بريطانية من جلل آباد إلى الودية‬
‫المجاورة لمعاقبة القبائل المحلية‪ .‬وقام البريطانيون بهدم القلع‪ ،‬وحرق‬
‫القرى‪ ،‬واقتلع جذور الشجار )التي هي عنصر هام للتقاء من حرارة الصيف‬
‫الشديدة (‪ ،‬حتى تذبل الشجار وتموت‪ .‬وجرى تبرير هذا الفعل البريطاني‬
‫بأنه رد على دهاء الشعب الفغاني‪ .‬وقد كتب فيما بعد ضابط يدعى توماس‬
‫سياتون أن‪« :‬كل جريمة‪ ،‬وكل خطيئة يمكن أن تقترفها الطبيعة النسانية هي‬
‫أمر مألوف وواضح وضوح الشمس في أفغانستان»‪.‬‬
‫***‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كان البريطانيون ملزمين بالنسحاب من أفغانستان سياسيا واستراتيجيا‪ ،‬إل‬
‫أنهم الن يأخذون بعين العتبار عدة مقاييس عسكرية لمعاقبة الفغان‪ .‬وهذا‬
‫ما كتبه دوق ولنغتن ‪– Duke of Willington‬وهو عضو في مجلس الوزراء‪ -‬إلى‬
‫ل‪« :‬من المستحيل أن‬ ‫الحاكم العام وذلك في ‪ 30‬آذار‪/‬مارس عام ‪ 1842‬قائ ً‬
‫نطبع في نفوسكم بشدة فكرة استعادة سمعتنا في الشرق»‪.‬‬
‫لقد تم إعادة العتبار لبريطانيا بعدة طرق مختلفة‪ .‬فقد توجهت قوات‬
‫الحامية في قندهار إلى كابل‪ ،‬وتقدم عدد كبير من القوات في جلل آباد غربا ً‬
‫لملقاة قوات الحامية‪ .‬وصل الجيشان إلى العاصمة في ‪ 17-16‬من‬
‫أيلول‪/‬سبتمبر عام ‪ 1842‬وأجريا مفاوضات لطلق سراح ‪ 95‬سجينا ً‬
‫بريطانيًا‪ .‬وقامت هذه القوات بعد ذلك رسميا ً بنسف الساحات الربع الكبيرة‬
‫أو السواق في مركز المدينة‪ .‬وأخذ البريطانيون يكررون عملية الهدم‬
‫الرسمي للبنية الرئيسية ويطبقونها كلما أرادوا إثبات قوتهم‪ ،‬بحجة أنه لم‬
‫يكن لديهم الوقت الكافي للقيام بذلك‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قام الحاكم العام اللورد إيلنبورو ‪ Ellenborough‬في منتصف شهر كانون‬


‫الول‪ /‬ديسمبر بإجراء عرض رسمي ضخم في فيروزبور وذلك للترحيب‬
‫بعودة القوات إلى الهند البريطانية‪ .‬وكان قد تجمع حوالي ‪ 25000‬جندي‬
‫إضافي على هيئة صف للترحيب بهم‪ ،‬وقد بلغ طول هذا الصف ميلين ونصف‪،‬‬
‫وكانت الفرق والمآدب التي أقيمت والحفلت الراقصة وطلقات الترحيب‬
‫كلها تنادي بالنصر ونهاية الحملة وليس بالنسحاب والفشل‪ .‬وقد أعاد‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫البريطانيون بوابات سومنوث إلى الهند‪ ،‬بعد أن استيلء الفغان عليها منذ‬
‫وقت طويل‪ ،‬وذلك بإقامة حفل مهيب سار عبر شمال وسط الهند‪ .‬وقد انتقد‬
‫العديد من المعلقين البريطانيين هذا النصر الفارغ‪ ،‬إل أن هذا النصر شكل‬
‫عنصرا ً رئيسيا ً لسياسة ايلنبورو في إعادة بناء الثقة في الجيش الهندي‪.‬‬
‫انتهز البريطانيون الفرصة أخيرا في عدم الستقرار السياسي والتنافس‬
‫القبلي في منطقة السند حيث فتحوها وجرى ضمها إلى جنوب وجنوب شرق‬
‫أفغانستان وذلك في مطلع عام ‪ .1843‬وقد أشار ايلنبورو لدى اتخاذه القرار‬
‫ل‪« :‬ينبغي علينا استعادة سمعتنا‬ ‫بتولي السلطة في مارس عام ‪ 1843‬قائ ً‬
‫التي فقدناها في الهند‪ ،‬وذلك عن طريق الستيلء على القاليم‪ ،‬وزيادة عملية‬
‫الصلح التي ينبغي تطبيقها في إدارة المنطقة الجديدة»‪ .‬وقد دفع أمراء‬
‫السند الثمن باهظا ً فيما يتعلق بالنكسات البريطانية في أفغانستان‪.‬‬
‫وبعد فترة النسحاب التي تمت في عام ‪ ،1842‬أثبتت العلقات البريطانية‬
‫مع المير دوست محمد الذي أعيد إلى الحكم‪ ،‬أنها غير مرضية بشكل كبير‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد تغير الوضع في القليم الشمالي الغربي بأكمله لدى الستيلء‬
‫البريطاني على البنجاب عام ‪ .1840‬وكانت القوات البريطانية قادرة على‬
‫السيطرة على البنجاب خلل فترة الضطرابات الناتجة عن التمرد الهندي‬
‫الذي حدث عام ‪ .1857‬فلم يكن هناك أية تهديدات من أفغانستان ‪،‬إل أنه‬
‫في عام ‪ 1870‬عادت من جديد المخاوف من التوسع الروسي‪ ،‬وازدادت حدة‬
‫الستياء من أمير كابل الجديد‪ .‬فقد بلغت الصراعات الطويلة المد أوجها عام‬
‫‪ ،1878‬وتفاقمت بسبب صلبة الحاكم العام اللورد ليتون ‪ Lytton‬وعدم‬
‫حذاقته السياسية‪ ،‬فنشأت حرب قصيرة ونتج عنها مكاسب دبلوماسية‬
‫بريطانية وهو احتلل وادي ك َُرم الواقع بين البنجاب وجبال أفغانستان‪ ،‬ونتج‬
‫عن ذلك أيضا تنصيب ممثل دائم بريطاني في كابل‪.‬‬
‫وبالخضوع ظاهريا ً إلى الضغوط البريطانية نجح حكم المير فقط في إثارة‬
‫مشاعر الكره القبلي‪ ،‬وقام الجنود الفغان المنشقون بحرق دار المقيمية‬
‫البريطانية في أيلول‪/‬سبتمبر عام ‪ 1879‬وقتلوا جميع من فيها ومن ضمنهم‬
‫المبعوث البريطاني السير لويس كافاجنري ‪ ،Louis Cavagnari‬وكان هناك‬
‫وقتئذ عدد كاف من القوات البريطانية قريبة من موقع الحادث كي يعمدوا‬
‫إلى اتخاذ رد فعل بريطاني سريع‪.‬‬
‫وعقب الهجوم بشهر تقريبًا‪ ،‬توجه اللواء فردريك روبرت )الذي أطلق عليه‬
‫فيما بعد اللورد روبرتس( إلى كابل‪ .‬من الواضح أن اللورد ليتون قد رسم‬
‫لروبرتس خطة بريطانيا‪ .‬لقد وجد ليتون أنه من الهمية بمكان إنزال عقاب‬
‫عاجل لتحقيق النتائج المرجوة‪ ،‬وذلك قبل أن تلين المواقف السياسية‬
‫البريطانية إزاء أفغانستان‪ .‬فقد كان يود أن يلقن الفغان درسا ً سريعا ً‬
‫ومؤثرًا‪ .‬وأكد ليتون أن جميع الشعب الفغاني قد شارك في «جريمة عظيمة‬
‫قومية‪ ،‬وأن أي أفغاني يقتل بيد القوة البريطانية المنتقمة فإنني سأعتبره‬
‫وغدا ً وأقل منزلة في عالم النذالة»‪ .‬وبينما كان الرأي العام البريطاني يطلب‬
‫اتخاذ بعض الجراءات القضائية‪ ،‬كان نائب الملك يشعر بأن هناك حاجة إلى‬
‫اتخاذ إجراءات عاجلة و أشد قسوة‪ .‬وقد استطاع روبرتس إنزال العقاب‬
‫بالفغان لدى وصوله إلى كابل وبشكل غير عادل‪ .‬وقام البريطانيون في‬
‫غضون الربعة أسابيع التالية بإعدام حوالي ‪ 100‬أفغاني‪ ،‬بغض النظر عما إذا‬
‫كانوا قد شاركوا في الهجوم على دار المقيمية أم ل‪ .‬وأشار ضابط كبير‬
‫«إنهم يكرهوننا بكل معنى الكلمة ول يهابون منا بشكل كاف»‪.‬‬
‫ومن أجل دعم ذلك الوجود العسكري الكبير خلل فصل الشتاء‪ ،‬أرسل‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫روبرتس فرقا ً كبيرة من الجنود للبحث عن الطعام في مناطق الريف‬


‫المحيطة‪ ،‬وعندما واجهت تلك الفرق مقاومة‪ ،‬نشبت مصادمات كانت متوقعة‬
‫في المنحدرات‪ ،‬وقد تم نهب المواد الغذائية وحرق القرى التي كانوا‬
‫يدخلونها‪.‬وقد هاجمت القوات القبلية الموقع البريطاني خارج كابل في نهاية‬
‫شهر كانون الول‪/‬ديسمبر‪ .‬ثم قامت بريطانيا في مطلع عام ‪ 1880‬بتحويل‬
‫أعداد كبيرة من قواتها المرابطة في بيشاور إلى كابل لتأمين خطوط التصال‬
‫وبناء قاعدة هناك للمراقبة والتعزيزات‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وجد البريطانيون أنفسهم وسط تنافسات عنيفة بين القبائل والعشائر وداخل‬
‫السرة الحاكمة‪ .‬ففي أحد الصراعات المحلية حول السلطة بالقرب من‬
‫قندهار‪ ،‬واجهت قوة بريطانية قوامها ‪ 2600‬جندي الهزيمة في ميواند في‬
‫شهر تموز‪/‬يوليو ‪ ،1880‬كما لحقت بالقوات البريطانية هزيمة نكراء ومخزية‪،‬‬
‫إذ قتل أو جرح ‪ %43‬من جنودها وهي نسبة عالية من الجرحى تفوق‬
‫التصور‪ .‬كان ذلك مشهدا ً تقليديا ً لما حدث لقوة بريطانية صغيرة نسبيا والتي‬
‫ً‬
‫تعرضت إلى قوة خصم عظيمة من حيث عدد الجنود وسلح المدفعية‪ .‬وفي‬
‫كثير من الحيان تثبت المقولة القائلة بأن الدارة البريطانية تفشل أمام‬
‫النزاعات الكبيرة ‪،‬إذ تفتقر إلى تحمل المسؤولية‪ .‬فعندما كان خصمهم‬
‫مدججا ً بالسلح بشكل جيد‪-‬كما هو الحال بالنسبة للفغان‪ -‬لم يستطع‬
‫البريطانيون التقدم بشكل ملموس أمام تلك العداد الكبيرة‪ .‬بل على العكس‬
‫من ذلك وكما حدث في ميواند كانوا قد تلقوا الهزيمة‪.‬‬
‫إل أن البريطانيين كان يتوفر لديهم قوة بشرية كافية لتعويضهم عما فقدوه‪.‬‬
‫إذ قاد روبرتس ‪ 10000‬جندي كانوا على بعد ‪ 300‬ميل من كابل إلى قندهار‪،‬‬
‫ولدى وصوله إلى هناك هاجم جيشه الفغان خارج قندهار وذلك في الول من‬
‫أيلول‪/‬سبتمبر من عام ‪ ،1880‬واستطاع روبرتس تفادي الخطاء التي‬
‫ارتكبت في ميواند‪ ،‬فقد كان يمتلك أسلحة تماثل أسلحة خصمه‪ ،‬وكذلك‬
‫بالنسبة لعدد جنوده‪ .‬ثم قام برد ّ خصمه إلى الوراء وذلك على مراحل وبحركة‬
‫جانبية موفقة‪ .‬واستولت قواته على جميع أسلحة الفغان‪ .‬وقد أدت هذه‬
‫الهزيمة إلى تقسيم الجيش الفغاني إلى أقسام‪ .‬إذ قامت القوات البريطانية‬
‫النظامية بالعودة إلى شمال غرب المدينة وإلى قواعدها الصلية في هراة‪.‬‬
‫أما رجال القبائل المنشقون فقد لحقت بهم الهزيمة في ميدان المعركة‬
‫وجرى تشتيتهم‪ ،‬إل أنه لم يتم بالضرورة القضاء عليهم تمامًا‪ ،‬فقد أشار بعض‬
‫الخبراء العسكريين ومن ضمنهم روبيرتس أنه ينبغي احتلل قندهار وذلك من‬
‫أجل استتباب المن للحكم الموالي لبريطانيا‪ .‬وكان مجلس الوزراء قد رفض‬
‫هذا المشروع والمناقشات من أجل القضاء على أفغانستان‪ .‬وعقب حدوث‬
‫عدد من المناوشات الرئيسية بين المراء المتنافسين في عام ‪ ،1881‬تم‬
‫إيجاد حكم جديد في نهاية السنة وانسحب البريطانيون من المدينة‪ .‬وقد‬
‫احتاجت بريطانيا في أوج تدخلها إلى وجود ما يقرب ‪ 48000‬جندي في مدن‬
‫الهند البريطانية وفي خطوط التصالت‪ ،‬وقتل حوالي ‪ 10000‬جندي وأصيب‬
‫عدد منهم بالمرض‪.‬‬
‫ويبرز سؤال واضح وهو إلى أي مدى استطاع البريطانيون أن يتكيفوا‬
‫بخبرتهم الحربية مع الحرب في الجبال؟‪ .‬ففي عام ‪ 1842-1841‬هاجم‬
‫الفغان بشدة القوات البريطانية المرابطة في أعالي التلل‪ .‬وقام روبرتس‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلل فترة ‪ 1879-1878‬بضمان انتشار قوات على درجة عالية من الكفاءة‬


‫استعدادا ً للتنقل من أجل تسلق قمم الجبال كي تستطيع إطلق النار على‬
‫المواقع الفغانية‪ ،‬وكذلك ضمن انتشار تلك القوات في الطريق باتجاه الغرب‬
‫من ممر خيبر وجلل آباد إلى كابل –وهو الطريق الذي تتحرك فيه القوات‬
‫البريطانية والذي كان معظمه عرضة للمناوشات الجبلية‪ -‬حيث كانت فيه‬
‫الحراسة كاملة وتمت السيطرة عليه في ‪ .1881-1879‬ولدى وصول‬
‫البريطانيين إلى المدينتين الرئيسيتين قندهار و كابل شعروا أنهم في أمان‬
‫لن الفغان ل يملكون أسلحة الحصار الثقيلة لنشرها في المواقع المحصنة‬
‫جيدًا‪ .‬وقد بذل البريطانيون جهودا حثيثة للسيطرة على المناطق حول المدن‬
‫الرئيسية‪ .‬وكان السلوب الفغاني في القتال في المناطق الخلفية المتاخمة‬
‫قد سبب مشاكل للغزاة‪ .‬وكانت حماية قراهم وأوديتهم من ضمن الولويات‬
‫لديهم‪ ،‬ومع ذلك استطاع البريطانيون التوغل بصعوبة إلى تلك الودية‬
‫العميقة والمقسمة‪ ،‬وذلك عن طريق نشر قواتهم‪ .‬وأصر روبرتس على تزويد‬
‫كتائب المشاة بستة عشر جندي مشاة ليكون هناك مجال للتحرك‪ ،‬إل أن‬
‫القدرة على التحرك السريع إلى أبعد حد بقي عائقا ً بسبب مشاكل‬
‫المواصلت‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وقد زادت الحرب الفغانية الثانية من فكرة اللتزام العسكري ومن وجود‬
‫التنافس العسكري بين البريطانيين )السكوتلنديين( ‪ ،‬وبين الهنود‬
‫البريطانيين )السيخيين والغورسيين(‪ .‬وأراد روبرتس ضمان تحلي قوات‬
‫الغاثة‪ -‬التي غادرت كابل متوجهة إلى قندهار في أغسطس عام ‪– 1880‬‬
‫بالخبرة واللتزام‪ .‬إن الخذ بفكرة أنه ربما يكون الجنود الذين كانوا في‬
‫الخدمة العسكرية الفعلية لفترة حوالي سنتين منهكين جعل روبرتس‬
‫يستشير قواد الكتائب عن مدى استعداد رجالهم لخوض المعركة‪ .‬وقد أفاد‬
‫ثلثة من القواد أن قواتهم قد ل تتحمل الجهاد الذي يرافق عادة الحملة‪.‬‬
‫ولرفع معنويات الجنود وعد روبرتس –الذي كان يأمل أن تنتهي الحملة‬
‫سريعا‪ -‬الجنود َ بالسماح لهم بالعودة فورا ً إلى الهند بعد انتهاء القتال‪ .‬وتم‬
‫نقل هؤلء الجنود الذين لم يعتادوا على الزحف العسكري‪ ،‬وحفظت المعدات‬
‫من تم نقلهم‬ ‫بعناية فائقة‪ .‬وأشار روبرتس أن القوات بحاجة إلى خبرات َ‬
‫للنهوض بأعباء تحميل أمتعة الجيش على الحيوانات لن السائقين أو‬
‫المساعدين الفغان قد تركوا البريطانيين في شهر آب‪/‬أغسطس أثناء الزحف‬
‫من كابل إلى قندهار‪.‬‬
‫لقد كان قادة هذه القوات على دراية تامة بقوة وضعف تحمل كل فرد من‬
‫أفراد قواتهم‪ .‬إذ كانت تتمتع هذه القوات بخبرة عظيمة‪ ،‬ثم قامت بعد ذلك‬
‫بالسفر في وضح النهار‪ .‬وكعادة الحملت الستعمارية‪ ،‬يتعمد البريطانيون إلى‬
‫ن‬
‫دمج الوحدات المتوفرة لديهم لعتقادهم أن الجنود –على الغلب‪َ -‬يفو َ‬
‫بالتزاماتهم أكثر إذا لم يتم دمجهم بعضهم ببعض‪ .‬وبلغ عدد البريطانيين‬
‫حوالي ‪ 2562‬جنديا من إجمالي القوات البالغ عددها ‪ 9713‬جنديا )ما عدا‬
‫الضباط( أثناء توجههم إلى قندهار‪ .‬وكان لدى كل فرقة من فرق المشاة‬
‫الثلث أربع كتائب قوامها مابين ‪ 700-500‬جندي‪ ،‬وكان هناك كتيبة بريطانية‬
‫واحدة ‪ ،‬وأخرى من جورخا في كل فرقة من فرق المشاة الثلث‪ .‬أما باقي‬
‫الكتائب في الجيش فقد كانت تتألف من السيخيين والبنجابيين‪ .‬وهكذا تم‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نشر القوات البريطانية والجورخية لشعال حدة المنافسة بين الوحدات‬


‫المختلفة ولبراز أهمية القوة العسكرية لكل فرقة‪.‬‬
‫لقد جرت معركة حامية الوطيس في الول من أيلول‪/‬سبتمبر‪ ،‬إذ كانت‬
‫الطراف المتصارعة في الساس تتألف من القوات البريطانية التي كانت‬
‫تدفع أحد جانبي القوة الفغانية من مواقعها الدفاعية‪ ،‬وتطوق نقطة الدفاع‬
‫الفغاني الرئيسية للستيلء على معسكر الجيش‪ .‬وادعى البريطانيون كالعادة‬
‫بأن محصلة عدد الجرحى كبير جدًا‪ ،‬إل أن عدد الفغان المقتولين بلغ حوالي‬
‫‪ 600‬أفغاني‪ ،‬ولم يكن هذا العدد عاليا مقارنة بحجم الجيش البريطاني‬
‫والعدد الحقيقي لطلقات البنادق والمدفعية الموجهة إلى الفغان‪ .‬وأكثر ما‬
‫استطاع البريطانيون قتله هو أفغاني واحد لكل مئة طلقة أطلقت‪ ،‬وقد‬
‫افترض خطأ أنه لم يقتل أحد بالحراب‪ .‬ولم تكن مطاردة الفرسان عقب‬
‫در أنه قتل حوالي مئة أفغاني في عملية مطاردة أدت‬ ‫الحرب فعالة‪ ،‬فقد ق ّ‬
‫ً‬
‫إلى إبعاد الفرسان الفغان بحوالي خمسة عشر ميل عن ميدان المعركة‪.‬‬
‫وهذا يؤكد أن القليل منهم قد جرح‪ ،‬وأن هؤلء الجنود قد تخلفوا وتعرضوا‬
‫للخطر حتى في مطاردة متأخرة للفرسان‪ .‬لذا فالمعركة لم توجه ضربة‬
‫عسكرية ساحقة للفغان‪ ،‬ولكنها أحدثت انقلبا ً قويا ً أدى إلى تقسيم الجيش‬
‫الفغاني وتشتيت زعماء القبائل في مواطنهم المختلفة‪.‬‬
‫لقد عامل قادة الهند البريطانية –في كل الحملتين‪ -‬الفغان كرهائن على‬
‫خلف عسكري‪ ،‬وذلك من أجل المحافظة على مركز بريطانيا في الهند‬
‫ومكانتها كقوة عسكرية‪ .‬وارتكزت كلتا الحملتين على الحاجة لتحقيق‬
‫انتصارات سريعة وواضحة وانسحاب لحق سريع‪ .‬وانتهت كلتا الحملتين‬
‫بإلحاق الذى بالفغان‪ ،‬وبإظهار أن العقاب يتفوق على العدالة في ردة الفعل‬
‫على المقاومة الفغانية العنيفة لوجودهم العسكري‪.‬‬
‫وترك البريطانيون أفغانستان كما وجدوها‪ .‬ومنذ مئة سنة وصف الكتاب‬
‫السنوي للبريد اليومي الشعب الفغاني بأنه شعب مكون من ‪ 4‬مليين نسمة‬
‫‪ ،‬وكان يعاني من نقص شديد في الغذاء ‪ ،‬كما كان يعاني من ظلم النبلء‬
‫والجشعين‪.‬‬
‫وقدمت الهند البريطانية إلى المير معونة مالية حيث أنه يعتمد على قواته‬
‫المسلحة التي هي تحت إمرته‪ ،‬أما المطالبون بالحكم –ومن ضمنهم أؤلئك‬
‫الذين تورطوا في أحداث ‪ -1881-1880‬فقد كانوا يتحينون الفرصة من‬
‫منفاهم في روسيا والهند لخوض عملية التحدي‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫‪Bruce Collins, “Fighting the Afghans in the 19th Century,” History Today,‬‬
‫‪vol. 51 (12) Dec. 2001‬‬
‫خدمات الفسطاط للترجمة‬
‫________________________________________‬
‫]‪ [1‬الدورانية أسرة تنسب إلى مؤسسها أحمد خان الذي تولى حكم‬
‫أفغانستان عام ‪1747‬م والذي كان يدعى بـ«دري دورانية» أي درة العصر‪،‬‬
‫وكانت قندهار مركز حكمه‪) .‬الفسطاط(‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [2‬سباهي ‪ sipahi‬كلمة أصلها تركي‪ ،‬وهي تطلق على الفارس الذي يقطعه‬
‫السلطان أرضا ً مقابل خدماته العسكرية‪ ،‬وقد استخدمها كاتب المقال هنا‬
‫بمعنى «سلح الفرسان»‪) .‬الفسطاط(‬

‫)‪(8 /‬‬

‫مجالس الضرار‬
‫تتملكني الدهشة‪ ،‬ويستبد بي العجب من صنيع ل يقره الشرع‪ ،‬ول يقلبه عقل‬
‫عرف‪ ،‬ول ترضى به نفس سوية ول فطرة نقية‪ ،‬ومع كل هذا يمارسه بل‬ ‫ول ُ‬
‫يدمنه ويتفرغ له‪ ،‬ويجتهد فيه فئة قليلة ‪ -‬ل كثرها الله‪ -‬من الشباب الذين‬
‫ظاهرهم اللتزام‪ ،‬وسيماؤهم الصلح لكنهم نذروا أنفسهم لحرب العمل‬
‫السلمي‪ ،‬والنيل من أعراض العلماء‪ ،‬وتشويه صورة الدعاة‪ ،‬فل هم لهم إل‬
‫كل ملتزم عامل ‪ ،‬أما المسلمون المقصرون أو المفرطون‪ ،‬أو المعارضون‬
‫للسلم منهاج حياة فل اهتمام لنصحهم وإرشادهم‪ ،‬أو لفضحهم وتفنيد‬
‫دعاواهم‪ ،‬والدهى من ذلك أنهم ل وقت لديهم ليعرفوا مكائد اليهود‪ ،‬وجرائم‬
‫النصارى‪ ،‬وفظائع الهندوس فضل عن أن يبذلوا من وقتهم أو جهدهم شيئا ً‬
‫مذكورا ً لصد تلك الهجمات الشرسة‪ ،‬والممارسات الدنسة‪.‬‬
‫ومجالس هؤلء يمكن أن يطلق عليها ))مجالس الضرار(( لن دورها وأثرها‬
‫يشبه‪ -‬مع الفراق‪ -‬مسجد الضرار الذي بناه أهل النفاق } والذين اتخذوا‬
‫مسجد ضرارا ً وكفروا وتفريقا ً بين المؤمنين وإرصادا ً لمن حارب الله ورسوله‬
‫من قبل {‪ ،‬ذلك أن مجالسهم وما تشتمل عليه من غيبة ونميمة‪ ،‬وهتك‬
‫للحرمات‪ ،‬وتتبع للعثرات‪ ،‬وهجوم على الشخاص والهيئات‪ ،‬والتنفير من‬
‫معظم الدروس والمحاضرات ل يكاد يخلو مجلس من مجالسهم من هذه‬
‫المور متفرقة أو مجتمعة‪،‬مع عنايتهم الفائقة‪ ،‬وتتبعهم الدقيق‪ ،‬وتأويلهم‬
‫للقوال بما ل تحتمله الكلمات‪ ،‬بل واتهامهم للنيات وجزمهم بالمقاصد كأنها‬
‫شقوا الصدور‪ ،‬واطلعوا على ما في القلوب‪ ،‬مع أن هذا ل يعلمه ول يقدر‬
‫عليه إل الله ‪.‬‬
‫هذه المجالس مجالس ضرار‪ ،‬ولنتأمل النتيجة ما عساها تكون؟‬
‫أليس من الثمرات فرقة الصفوف واختلف القلوب؟ أليس من النتائج‬
‫أضعاف القوة وذهاب الخوة؟ أليس من الثار تمكين العداء‪ ،‬وتسليط‬
‫الدعياء؟ أليس من الفرازات التنفير من الدعوة‪ ،‬والتشويه للدعاة؟ أليس‬
‫من المصائب عرقلة العمل للسلم وإعاقة الجهاد في سبيل الله؟ أنها ثمار‬
‫مرة‪ ،‬ونتائج تجلب السى والحسرة‪ ،‬يضيع معها ما يزعمون من إحقاق‬
‫الحق‪،‬ولم تكن هناك نصيحة مباشرة‪ ،‬ول دعوة بالحكمة ظاهرة‪ ،‬ول مشاركة‬
‫عملية صادقة‪ ،‬ول إعانة على تقويم العوجاج‪ ،‬وتصحيح الخطاء‪ ،‬وتدارك‬
‫النقص‪ ،‬وأين إحقاق الحق ول مكان لخوة اليمان‪ ،‬وإحسان الظن‪ ،‬والتماس‬
‫العذر‪ ،‬وأن يحب المرء لخيه ما يحب لنفسه؟ أفهذا إحقاق للحق أم إزهاق‬
‫للحق؟‬
‫أن الخطورة تتزايد عندما نبصر واقع المسلمين فنرى الهجمة الشرسة التي‬
‫ينظمها العداء ضد السلم ل في أحكامه وقواعده الكلية بل في فروعه‬
‫وأحكامه في أدق مجالت الحياة‪،‬ونرى الفتك المستمر الذي لم يعد يفرق بين‬
‫مسلم ومسلم بين عالم وجاهل‪ ،‬بين قاعد وعامل‪ ،‬الكل عندهم سواء } وما‬
‫نقموا منهم إل أن آمنوا بالله العزيز الحميد{ فاليهود في فلسطين‪،‬‬
‫والهندوس في الهند والبوذيون في بورما‪ ،‬وبقايا الشيوعيين في الجمهوريات‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلمية‪،‬في كل مكان دماء تسيل‪ ،‬وأرواح تزهق وعيون تسمل‪ ،‬وبطون‬


‫تبقر‪ ،‬وبيوت تهدم‪ ،‬وأعراض تنتهك‪ ،‬وأراض تغتصب‪ ،‬ومع ذلك نأتي هذه‬
‫المجالس بما فيها من المثالب كطعنة نجلء وراء الظهر‪.‬‬
‫وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهند‬
‫وهذا الصنيع له أسباب قد تجتمع كلها أو ينفرد بعضها‪ ،‬ومنها‪ :‬الجهل الذي‬
‫يغيب به ما جاء في الكتاب والسنة من عظم حرمة المسلم في دمه‬
‫وماله‪،‬وعرضه‪ ،‬ومنها‪ :‬عدم الدراك بالواقع العصيب للمة المسلمة ومنها‬
‫أمراض النفوس كالحسد لكل من وفقه الله وأنعم عليه بعلم غزير أو لسان‬
‫فصيح أو وعظ مؤثر أو كتابة نافعة أو غير ذلك‪ ،‬ومنها‪ :‬الرغبة أو الرهبة التي‬
‫ل يخفى أثرها‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد قال الله تعالى عن مسجد الضرار }ل تقم فيه أبدا{ ولعل عدم شهود‬
‫هذه المجالس أول أسباب العلج حتى يشعر أصحابها بقلتهم ويفكروا‬
‫ليكتشفوا أخطاءهم‪ ،‬ولهؤلء علينا حقوق أخوة السلم ل ننساها وإن تجاهلتها‬
‫أفعالهم‪ ،‬بل تدفعنا الخوة لداء الواجب نحوهم من محبة ما هم عليه من‬
‫خير‪ ،‬والحسان إليهم لنتزاع ما قد يكون في قلوبهم من شحناء أو بغض‬
‫والنصح لهم والتماس العذر‪ -‬ما أمكن‪ -‬لهم إذ قد يعذر بعضهم بجهل‪ ،‬وآخرون‬
‫بانتصار للنفس‪ ،‬وقد يكون بعضهم مريضا ً بداء العظمة أو الشعور بالنقص‬
‫وكل ذلك أمراض تحتاج منا إلى علج الطبيب الحاذق الرفيق‪ ،‬وأخيرا ً ندعو لنا‬
‫ولهم بالهداية‪ ،‬ونقول ‪ ) :‬اللهم أهد قومي فإنهم ل يعلمون (‪.‬‬
‫كاتب المقال‪ :‬د‪ .‬علي بادحدح‬
‫المصدر‪ :‬إسلميات‬

‫)‪(1 /‬‬

‫مجزرة قانا "‬


‫مجزرة " قانا "‬
‫تقع " قانا " في الجنوب اللبناني ‪ .‬وقعت هذه الجريمة الكبيرة من خلل‬
‫غارات جوية قامت بها إسرائيل على جنوب لبنان َيوم الخميس‬
‫ً‬
‫‪1/12/1416‬هـ الموافق ‪18/4/1996‬م ‪ ،‬وجاء هذا التوقيت موافقا لعيد‬
‫الضحى المبارك واليام العشر الولى من شهر ذي الحجة ‪.‬‬
‫لجأ كثير من اللبنانيين إلى " قانا " التي كانت تحت حماية جنود هيئة المم‬
‫المتحدة الموجودين للشراف على عدم اعتداء أيّ من الطرفين على الخر ‪.‬‬
‫فقامت إسرائيل بالغارة الوحشية على " قانا " حيث اجتمع اللجئون يرجون‬
‫ي الجديد ‪ ،‬وجنودهم ‪ .‬وكان‬ ‫الحماية من هيئة المم المتحدة ‪ ،‬والنظام العالم ّ‬
‫عدد القتلى أكثر من )‪ (230‬قتيل ً ‪ ،‬وكان هنالك عدد أكبر من الجرحى ‪،‬‬
‫وتشّرد أكثر من ) ‪ (400‬ألف لجئ ‪.‬‬
‫تمّثل هذه المجزرة الوحشّية امتدادا ً لمجازر سابقة قام بها اليهود بأساليب‬
‫مختلفة ‪ :‬دير ياسين ‪ ،‬قبية ‪ ،‬كفر قاسم ‪ ،‬صبرا ‪ ،‬شاتيل ‪ ،‬المسجد البراهيمي‬
‫وغيرها كثير ‪.‬مما يسّبب اللم الكبير أن دول العالم ل تحّرك ساكنا ً ضد إجرام‬
‫ضهم أيد صراحة هذه المجازر ‪ ،‬مثل إنجلترا التي أطلق‬ ‫َ‬
‫اليهود ‪ ،‬وربما أّيد بع ُ‬
‫بعض المسؤولين فيها ‪ :‬مثل وزير الخارجية مالكولم ريفكند ورئيس الوزراء‬
‫جون ميجر ‪ ،‬تصريحات تدعم اليهود وجرائمهم ‪ .‬والتحاد البريطاني الدولي‬
‫قد في استانبول في ) ‪4/1996/ (12 -5‬م شارك فيه )‪ (133‬دولة ‪،‬‬ ‫الذي عُ ِ‬
‫رفض إدخال هذه الجريمة في جدول أعماله ‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جت ‪! ...‬‬
‫والدول العربية السلمية شجبت هذه الجريمة واحت ّ‬
‫بقلم الدكتورعدنان علي رضا النحوي‬
‫ن ! َيا عََبقا ً من التاريخ ما‬ ‫لْبنا ُ‬
‫ك ي ُِعيد ُ من أخباِر‬ ‫ُ ِ‬ ‫ربا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ج عَ‬ ‫َ‬
‫ت على رباك غّنية‬ ‫ُ‬ ‫الذكريا‬
‫ن وزهوة غاِر‬ ‫ٍ‬ ‫إيما‬ ‫أمجاد ِ‬
‫صغِْتها‬ ‫عليك فَ ُ‬ ‫ت لل ُِئها َ‬ ‫ن ُِثر ْ‬
‫حَر قلئدٍ وسوار‬ ‫س ْ‬ ‫قدا و ِ‬ ‫ً‬ ‫ع ْ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ة الوْرد الّنديّ َتفّتح ْ‬ ‫فت َ َ‬ ‫َ‬
‫يا ل ْ‬
‫َ‬
‫ة الّنواِر‬ ‫سم َ‬ ‫مه ! يا ب َ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫أك ْ َ‬
‫جه‬ ‫ي أري ُ‬ ‫يا بهجة الروض الَغن ّ‬
‫هزار‬ ‫ن َ‬ ‫حني ُ‬ ‫ه َ‬ ‫جعُ ُ‬ ‫شد ْوٌ ي َُر ّ‬ ‫َ‬
‫هر الّند‬ ‫ب والّز َ‬ ‫ك غا َ‬ ‫َ‬ ‫دو ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ما با ُ‬
‫داِر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يّ ذ ََوى ‪ ،‬و ِ‬
‫عطر ال ّ‬ ‫عطُرك ! أين ِ‬
‫سوُدها‬ ‫سود الليالي ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫غشا ِ‬ ‫و َ‬
‫ل فواجٍع وَدمار‬ ‫هو ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ما ِ‬ ‫وَر َ‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫ْ ُ َ َ ّ ٍ‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ساح‬ ‫ن‬ ‫بنا‬ ‫ل‬ ‫يا‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫كن‬ ‫قَد ْ‬
‫عرا ً وصدقَ ِذماِر‬ ‫موصولةٍ و ُ‬
‫**‬
‫**‬
‫ة‬
‫ون ً‬ ‫ديار مص َ‬ ‫سبُتك في ال ّ‬ ‫ح ِ‬ ‫" قانا " ! َ‬
‫ن أقْطار‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ْ‬ ‫مم ٍ و ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫بالعَْهد ِ‬
‫ة‬
‫صب َ ٍ‬ ‫ومن النظام العالمي وعُ ْ‬
‫شعار‬ ‫ف دعوة و ِ‬ ‫خُر ِ‬ ‫ت بُز ْ‬ ‫ط َل َعَ ْ‬
‫شعاره‬ ‫ف ِ‬ ‫م َزي ْ َ‬ ‫ب الّنظام ول ّ‬ ‫غا َ‬
‫مكاِر‬ ‫ّ‬ ‫ورمى بكي ْد ٍ صارٍخ َ‬ ‫َ‬
‫ةّ‬
‫مذ َل ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫وا َ‬ ‫فرين ل ََنا هَ َ‬ ‫هل ت َغْ ِ‬
‫ك في المنازل جاري‬ ‫معُ ِ‬ ‫" قانا " ! ود ْ‬
‫ة‬
‫خ ٍ‬‫ن و صر َ‬ ‫دم والني ِ‬ ‫جري مع ال ّ‬ ‫ي ْ‬
‫شلء و الثاِر‬ ‫وتطاي ُرِ ال َ ْ‬
‫ت على‬ ‫ُ‬ ‫هَ ْ‬
‫م ْ‬ ‫مة نا َ‬ ‫ل تغفرين ل ّ‬
‫ت في متاهةِ عاِر‬ ‫ل وأغ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ذ ّ‬
‫ف ْ‬
‫عها‬ ‫ديار ُربو ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ت وخل َ‬ ‫غف َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ة البواب والستاِر‬ ‫مفتوح ُ‬
‫ق‬ ‫ّ‬ ‫ت لك ُ ّ‬ ‫سماؤها ! فُت ِ َ‬
‫محل ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫و َ‬
‫دوّيه الجّباِر‬ ‫باٍغ هوى ب َ‬
‫ت‬ ‫خل ْ‬ ‫َ‬ ‫وبحارها ! يا للِبحارِ ِإذا َ‬
‫من حاميات مواقٍِع و ديار‬
‫ت قلوب الناس قْبـ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل تعجبي ! فُت ِ َ‬
‫م عقار‬ ‫س ّ‬ ‫فت ْن َةٍ تسري و ُ‬ ‫ل لِ ِ‬ ‫ـ ُ‬
‫ل وسكرةً‬ ‫ش ّ‬ ‫درا ي َ ُ‬ ‫ً‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫سري ِبه ْ‬ ‫ت ْ‬
‫ه مذ َلةٍ وُدواِر‬ ‫ّ‬ ‫ت َطوِيْ وَت ِت ْ َ‬ ‫ْ‬
‫**‬
‫**‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ة‬
‫ح ً‬ ‫ل سما َ‬ ‫دك ! ما أج ّ‬ ‫" قانا " ! ُروَي ْ َ‬
‫ريم ِبداِر‬ ‫حلى ك ِ‬ ‫َ‬ ‫ت وما أ ْ‬ ‫ط َل َعَ ْ‬
‫ت أنداًء وظل ً وارفا ً‬ ‫شْر ِ‬ ‫فَن َ َ‬
‫ن لفح أواِر‬ ‫ُ‬
‫ب َْين الَهجير وب َي ْ َ‬
‫ن مرابعا ً‬ ‫حنا ِ‬ ‫ق ال َ‬ ‫وفَت َ ْ‬
‫عب ِ‬ ‫ت من َ‬ ‫ح ِ‬
‫ومن الوفاء عزيمة اليثاِر‬
‫ك والضلوع وأك ُْبدا ً‬ ‫ت قل َب َ ِ‬ ‫وفَتح ِ‬
‫ة شارد ٍ أو جاِر‬ ‫لتضم لْهف َ‬
‫هر الطفولة باقَ ً‬
‫ة‬ ‫م من ز َ‬ ‫ونض ّ‬
‫فة البكار‬ ‫ومن الشيوخ وع ّ‬
‫ه‬
‫س ِ‬ ‫ت حْيرةَ يأ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ب َ‬ ‫شبا ِ‬ ‫ومن ال ّ‬
‫خةِ ثاِر‬ ‫ت ! َيا لصر َ‬ ‫ف َ‬ ‫َلما َتل ّ‬
‫س بقّية‬ ‫ك َوفي النفو ِ‬ ‫عوا إلي ِ‬ ‫هُرِ ُ‬
‫ى وخشيةِ عاِر‬ ‫ل وأس ً‬ ‫م ٍ‬ ‫من مأ َ‬
‫م‬
‫هوى الجحيم عليه ُ‬ ‫عوا وقد أ ْ‬ ‫َ‬ ‫هُرِ ُ‬
‫صاِر‬ ‫ح َ‬ ‫ضيق ِ‬ ‫مو ِ‬ ‫مور ب ِهِ ْ‬ ‫هَوْل ي َ ُ‬ ‫ً‬
‫ة‬
‫ً‬ ‫عصاب‬ ‫لديك‬ ‫َ‬ ‫حسبوا‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫عوا‬ ‫هُرِ ُ‬
‫ُ‬
‫سلِح الواري‬ ‫أمما ً مزّودة ال ّ‬
‫ن الّردى‬ ‫ك وما دروا أ ّ‬ ‫عوا ِإلي ِ‬ ‫هُرِ ُ‬
‫صد ُ الخطوات والثاِر‬ ‫مَتر ّ‬ ‫ُ‬
‫**‬
‫**‬
‫ة‬
‫وام ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫عليك في َ‬ ‫ط ََلع الَيهود ُ َ‬
‫ي وفي إعصاِر‬ ‫مجنون َةِ ت َْهو ِ‬
‫ة‬
‫ل فجيع ٍ‬ ‫ضاُء بِها بك ّ‬ ‫ف َ‬ ‫ي َْهوي ال َ‬
‫ة ناِر‬ ‫ف َ‬ ‫خط َ‬ ‫ْ‬ ‫سو َ‬ ‫صدا ً لنفا ُ‬ ‫ح ْ‬
‫مة‬ ‫جري َ‬ ‫ل َ‬ ‫معوا من التاريخ ك ّ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ت وكل خديعة وشناِر‬ ‫ّ‬ ‫رف ْ‬ ‫عُ ِ‬
‫جوَر إذا طغى‬ ‫ف ُ‬ ‫وأتوك ! ما أقسى ال ُ‬ ‫ْ‬
‫فاِر‬ ‫رم ك ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫وَبغى بشهوة م ْ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫د ََفعوا الَهلك عواصفا ً د َّوا َ‬
‫َ‬
‫في الرض في الفاق في الْبحاِر‬
‫جم ب َْينها‬ ‫جما ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫كوا ُ‬ ‫ك ُت َل ً ! وأ َ ْ‬
‫َ‬
‫صة َداِر‬ ‫ى وغُ ّ‬ ‫ى بأس ً‬ ‫ت أس ً‬ ‫صل ْ‬ ‫و َ‬
‫ة‬‫موت ! إ ِل ّ َبسم ً‬ ‫سكون ال ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫سكن ْ‬
‫ي‬ ‫عار ِ‬ ‫ى َ‬ ‫م ً‬ ‫مد ّ‬ ‫فل ُ‬ ‫ت على ط ِ ْ‬ ‫َبقي ْ‬
‫فتان ُيشرقُ مْنهما‬ ‫ش َ‬ ‫ت له َ‬ ‫بقي َ ْ‬
‫واِر‬ ‫م ٌ‬ ‫َ‬
‫دم الف ّ‬ ‫مخ بال ّ‬ ‫ل ُيض ّ‬ ‫أ َ‬
‫على غَدٍ‬ ‫ل َ‬ ‫سمته ُيط ّ‬ ‫ل ب ِب َ ْ‬ ‫َأم ٌ‬
‫خ ّ‬
‫طاِر‬ ‫س َ‬ ‫هو َبوث ْب َةِ َفارِ ٍ‬ ‫ي َْز ُ‬
‫ّ‬
‫من ذا يغيثك واليادي كلها‬‫ُ‬
‫ة َبهوى وطول ِإساِر‬ ‫مْغلول َ ٌ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ثأ ّ‬ ‫صبرا لعل الله ي َب ْعَ ُ‬
‫من حمى ودَِياِر‬ ‫يوما ً لتنقذ َ ِ‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وا " ِلبيرَِز " فالّليالي د ُوْل َ ٌ‬


‫ة‬ ‫قُوْل ُ ْ‬
‫جلُء َنهاِر‬
‫قُبها َ‬ ‫مهْل ً ! َ‬
‫سي َعْ ُ‬ ‫َ‬
‫قب ِل ً‬‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حفا يهولك ُ‬‫ً‬ ‫ً‬
‫فََغدا ت ََرى ز ْ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ة البراِر‬ ‫شرِقُ ط َل ْعَ ُ‬ ‫بالحقّ ت ُ ْ‬


‫**‬
‫**‬
‫عها‬ ‫مو ِ‬ ‫ند ُ‬ ‫ت " قانا " ! وبي ْ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫وت َل َ ّ‬
‫عاِر‬‫سَرةُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫كرى و َ‬ ‫ن الذ ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫غُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صى لها‬ ‫جُعها ُربى القْ َ‬ ‫ص ت َُر ّ‬ ‫ص ٌ‬ ‫غُ َ‬
‫خباِر‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫لت ُِعيد َ ما في الدارِ ِ‬
‫مجازرا ً‬ ‫ت َ‬ ‫ك ! هل َذكْر ِ‬ ‫مهْل َ ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫قو َ‬ ‫وت َ ُ‬
‫واِر‬ ‫من د َم ٍ ف ّ‬ ‫ً‬
‫ت ودْفقا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫سب َ َ‬ ‫َ‬
‫فجع‬ ‫ثم ْ‬ ‫في " دير ياسين " حدي ٌ‬
‫ة للثاِر‬ ‫ضب َ ً‬ ‫ي َْرثى ! ويد ْفَعُ غَ ْ‬
‫َ‬
‫ة للّنزال ك َأن ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن قِب ْي َ َ‬ ‫حني ُ‬ ‫و َ‬
‫ن ب ِل َي ْل ِهِ وَنهاِر‬ ‫َ‬ ‫زما‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫مل‬ ‫َ‬
‫م ي ََز ْ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫"‬ ‫برا‬ ‫َ ْ‬ ‫ص‬ ‫"‬ ‫و‬ ‫"شاتيل"‬ ‫ن‬ ‫ِ ُ‬ ‫ني‬ ‫وأ‬
‫ماِر‬ ‫ذ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫صد‬ ‫ن‬ ‫أي‬‫ويحي ! يدوي ‪َ :‬‬
‫ِ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ُ َ ّ‬
‫ل أّيامها‬ ‫م ت ََز ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫!‬ ‫خليل‬ ‫وُربى ال َ‬
‫واِر‬ ‫شرقَ الن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ى ُ‬ ‫ً‬ ‫م‬
‫مد ّ‬ ‫جرا ً ُ‬ ‫فَ ْ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫جرا ي ُد َّوي بالذان وأ ّ‬ ‫ف ْ‬
‫ن في الداِر‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت ِليوِقظ ك ّ‬ ‫شعَ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫م ت ََز ْ‬
‫ل‬ ‫دنيا هناِلك ل ْ‬ ‫وكأّنما ال ّ‬
‫سجودِ وطلَعة الْبراِر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫عَب َقَ ال ّ‬
‫ة‬
‫جرَِيم ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫جزَرةٍ وهو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شهود َ َ‬ ‫و ُ‬
‫حمةٍ ل ِي َوْم ِ َبداِر‬ ‫مل َ‬ ‫ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حِني َ‬ ‫و َ‬
‫**‬
‫**‬
‫ت‬ ‫م‬ ‫و‬
‫ٌ َ ّ َ ْ‬‫ح‬ ‫ف‬ ‫طيو‬ ‫دامي‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫المسجد‬ ‫في‬
‫لندائه وطلئعُ الحراِر‬
‫سلم ِ ُيو‬ ‫م بال ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ونداُء إْبرا ِ‬
‫ليثاِر‬ ‫ُ‬
‫لسلم وا ِ‬ ‫مة ا ِ‬ ‫ِقظ أ ّ‬
‫ت‬
‫مَيادين ارتو ْ‬ ‫دك ! فال َ‬ ‫" قانا " ! ُروَي ْ َ‬
‫واِر‬ ‫ن مطالعَ الن ّ ّ‬ ‫أفل َتري ْ َ‬
‫ت‬ ‫ح ْ‬ ‫ن فُت ّ َ‬ ‫جنا ٌ‬ ‫حي َةٍ ِ‬ ‫ل نا ِ‬ ‫في ك ّ‬
‫صد ْقُ ِنفاِر‬ ‫تو ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫م َنه َ‬ ‫وعزائ ِ ٌ‬
‫جم ٍ‬ ‫جما ِ‬ ‫ن َ‬ ‫شلِء وَب َي ْ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حراِر‬ ‫حرارِ إلى أ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫وَثبا ُ‬
‫**‬
‫**‬
‫الرياض‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪22/12/1418‬هـ‬
‫‪19/4/1998‬م ‪... ... ...‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫· ديوان عبر وعبرات ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫مجمع الفقه السلمي في السودان يفتي بمخالفة أراء الترابي لصول الدين‬
‫الخرطوم ‪24/03/1427‬‬
‫أفتى مجمع الفقه السلمي في السودان بمخالفة زعيم حزب المؤتمر‬
‫الشعبي 'حسن عبد الله الترابي' للكتاب والسنة بفتاواه القائلة بجواز زواج‬
‫المسلمة من الكتابي وجواز إمامة المرأة للرجال ومساواة شهادة المرأة‬
‫للرجل وإنكار نزول المسيح عليه السلم في آخر الزمان‪.‬‬
‫وحسب بعض الصحف ‪ ،‬دعا المجمع للتعامل مع الترابي بما يقضي بالحق‬
‫ويوقف الشر والضرر ‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال البيان الذي أصدره مجمع الفقه ردا علي فتاوى الترابي‪ :‬إن النظر في‬
‫هذا الفتاوى تم في ضوء أحكام الشريعة السلمية والجماع‪.‬‬
‫وأكد البيان على أن 'الترابي مخالف للكتاب والسنة وما استقر عليه عمل‬
‫أهل السلم قديما ً وحديثًا‪ ،‬والواجب عليه التوبة إلى الله تعالى من القول‬
‫عليه بغير علم وتضليل جماهير المسلمين'‪.‬‬
‫وقال بيان مجمع الفقه ‪':‬إن الرد جاء في سياق أسئلة كثيرة وردت إليه من‬
‫الناس تتعلق بفتاوى وآراء صدرت عن' حسن الترابي'‪.‬‬
‫و كانت الرابطة الشرعية للعلماء و الدعاة في السودان قد أصدرت كتيبا‬
‫ردت فيه على آراء الترابي و فندتها ‪ ,‬و دعت إلى تقديمه للمحاكمة على‬
‫غرار محمود محمد طه ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫محاذير وأخطاء في مواجهة إحياء التراث والترجمة‬


‫الستاذ أنور الجندي‬
‫يهدد الفكر السلمي خطران مزدوجان هما خطر إحياء التراث السلمي‬
‫على ذلك النحو الذي تزيفه قوى التغريب والغزو الثقافي وتشارك فيه‬
‫مفاهيم الفكر المادي والوثني والباحي لتخرجه من مفاهيمه وأصوله أو‬
‫تحجب أصالته وتذهب بضوئه الناصع ونوره الساطع‪.‬‬
‫وتلك الخطة المسمومة التي قامت عليها الترجمة من الداب الجنبية والفكر‬
‫الغربي قد نقلت إلى آفاق الفكر السلمي واللغة العربية حصيلة ضخمة من‬
‫الترجمات القصصية المكشوفة والمفاهيم المادية الملحدة ولذلك فقد حق‬
‫على كل باحث مسلم أن يواجه هذين التيارين مواجهة صحيحة ليكشف عن‬
‫أخطارهما ومحاذيرهما‪.‬‬
‫التراث السلمي‬
‫إن محاولة احتواء التراث السلمي تجرى في ثلثة ميادين‪:‬‬
‫في نوعية بعثه‪.‬‬
‫في طريقة إحيائه‪.‬‬
‫في أسلوب تفسيره‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهي ل تترك حركة إحياء التراث على وجهها الصحيح ولكنها ترفض انبعاث‬
‫جوانب معينة منه‪ ،‬ليست هي بالطبع أجودها‪ ،‬ولكنها أشدها سوءًا‪ ،‬إن‬
‫محاولت النبعاث التي يقوم بها )التغريب والغزو الثقافي( يستهدف انبعاث‬
‫تراث الفلسفات والفكر الباطني والوثني والمذاهب المنحرفة والمتحللة‬
‫وخاصة ما يتعلق بالشعر الباحي والفكر الفلسفي الصوفي وتتجاهل عامدة‬
‫مختلف الجوانب الصيلة‪ .‬كذلك فهي تحاول إحياءه بإعادة كتابته على نحو‬
‫يغاير تمام المغايرة ما استهدفه أصحابه أول ً وما هو في حقيقته وذلك‬
‫باستخدام أسلوب التكاء على بعض النصوص واستخدامها استخداما ً خاصا ً‬
‫لكي تحقق شيئا ً ليس هو في الحقيقة واقع المر‪ ،‬كما تغضي إغضاء شديدا ً‬
‫عن جوانب هامة لنها ل تتفق مع الوجهة التي يقصد إليها المتطلعون إلى‬
‫الحياء‪.‬‬
‫ً‬
‫)ويبدو ذلك واضحا في كتابات طه حسين للفتنة الكبرى(‬
‫أما أسلوب تفسير التراث فإن هناك محاولت لخضاعه لغير مذهب من‬
‫المذاهب المطروحة في أفق البحث العلمي وكلها غريبة عنه‪ ،‬ومنها المنهج‬
‫المادي والمنهج القتصادي والمنهج الماركسي والصهيوني‪ .‬وكلها مذاهب‬
‫تقف من تاريخ السلم ومن تراثه موقف خصومه‪ ،‬وتهدف إلى تزييفه والدالة‬
‫منه )تفسيرات عبد الرحمن الشرقاوي وأحمد عباس صالح ومحمد عمارة(‪.‬‬
‫كان الغرب يعرف عظمة هذا التراث ويعرف الثار البعيدة التي تقدمه لهذه‬
‫المة إذا ما تحقق إحياؤه على الوجه الصحيح وعرف المسلمون ما هي‬
‫الجوانب التي تبعث‪ ،‬لقد شارك التراث في مختلف ميادين الدب والفقه‬
‫والعلوم التجريبية والكلم والفلسفات والتربية والقتصاد والجتماع‬
‫والسياسة‪.‬‬
‫ولن الغرب استطاع أن يسيطر على هذا التراث وأن ينقل ذخائره إلى‬
‫مكتبات الغرب فلقد استطاع أن يقول أن المسلمين ليس لهم منهج في‬
‫العلوم وكذلك استطاع الغرب أن يحيي تراث الباحيين من الشعراء‬
‫والمنحرفين من رجال التصوف والغلة من الفلسفة والباطنيين بينما لم يكن‬
‫هذا هو التراث الذي ينشده المسلمون ليدفعهم إلى المام‪.‬‬
‫وهناك تلك المحاولة التي يرمي بها الغرب إلى إحياء تراث الوثنية اليونانية‬
‫والجاهلية العربية والمجوسية الفارسية والساطير والخرافات‪ ،‬ومع هذه‬
‫المحاولى ينكر التغريبيون تراث السلم الذي هو أقرب زمنا ً وأكثر أصالة‬
‫وأصدق استجابة للنفس السلمية وللفطرة النسانية‪.‬‬
‫وإذا تحدثوا عن التراث قالوا قولتهم الظالمة إن الموات يتحكمون في‬
‫الحياء غير مفرقين بين تراث الميراث القائم بالحق‪ :‬والقرآن والسنة‪ ،‬وبين‬
‫عمل البشر الذي جاء تفسيرا ً لهذين النيرين‪.‬‬
‫وما كان المسلمون يوما ً عبيدا ً لتراثهم ولكنهم كانوا يستهدفون به ويأخذون‬
‫هذه التفرقة بين الميراث الرباني وبين التراث الذي صنعه البشر من حيث‬
‫أن تراثهم كله بشري‪ ،‬ولكنا نحن المسلمين نفرق بين التراث والميراث أما‬
‫الميراث الذي قدمته لنا رسالة السماء بالوحي وسنة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم فهو ليس موضع بحث‪ ،‬وأنما هو الساس المكين والمنابع الصيلة‬
‫والقيم الساسية للكيان السلمي في وجوده كله‪ ،‬ويجيء التراث الذي كتبه‬
‫علماء المسلمين كاشفا ً ومفسرا ً وموضحا ً لذلك الميراث ؤفي مواجهة‬
‫تغيرات العصور واختلف البيئات فهو ضوء كاشف نأخذ منه ونترك‪ ،‬فضل ً عن‬
‫أن هذا التراث قد دخلته دخائل كثيرة نتيجة ما كتبه الزنادقة والملحدة‬
‫وأصحاب الهواء ودعاة الفرق‪ ،‬فهذا نحن ننظر فيه في ضوء الميراث الصيل‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإن وافقه قبلناه وإن عارضه نبذناه ولدينا في هذا الميراث والتراث كل‬
‫خصائص أمتنا وحاجاتنا في مجال التشريع والسياسة والجتماع والتربية‪،‬‬
‫فلسنا في حاجة إلى المناهج الوافدة لتقدم لنا في منهج الحياة ونظام‬
‫المجتمع شيئًا‪ ،‬ذلك أن خلفا ً عميقا ً واقعا ً في الساس بين المجتمع السلمي‬
‫والمجتمع الغربي من ناحية العقائد والخلق والقيم والمفاهيم النسانية‬
‫والبشرية‪ ،‬ونحن في هذا نؤمن بما جاء به كتاب الله‪} :‬يريد الله أن يبين لكم‬
‫ويهديكم سنن الذين من قبلكم{‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولريب أن هذه القيم الساسية في مجال المجتمع والخلق التي صنعها‬


‫السلم وربى عليها الجيال‪ :‬جيل ً بعد جيل ل تزال حية في النفوس وفي‬
‫أعماق القلوب يتلقاها البناء عن الباء عن طريق القدوة والمثل‪ ،‬وهي تحكم‬
‫سلوكنا ‪0‬وتنظم حياتنا قوامها هذه اللغة وهذه العقيدة وصلت البوة والبنوة‬
‫الزوجية والقيم الخلقية ومفاهيم الحلل والحرام كلها تضرب جذورها في‬
‫ماضي سحيق‪ ،‬هذا هو التراث الحي الذي يريد الغزو الفكري أن يقتلعه‪،‬‬
‫ويريد خصوم السلم والمسلمين أن نتخلى عنه‪ ،‬بينما هو من أساس البناء‬
‫"وقد بقي حيا ً لنه صالح للحياة ولن يستطيع الحاضر أن يحكم عليه بالموت‬
‫لنه ل يجد ما هو خير منه ولنه متقبل من الفطرة والعقل‪ ،‬سائر مع الحياة"‪.‬‬
‫وليس في هذا معنى السلطان المطلق للماضي على الحاضر فليس كل‬
‫الماضي سوءا ً وليس الماضي بهذه الصالة معوقا ً عن النهضة بل إن المم‬
‫التي تفقد موروثاتها الثرية ومنابعها الصيلة ل تستطيع أن تبني بديل ً منها‬
‫مهما استطال بها الزمان وتظل عاجزة عن اللحاق بركب النهضة أو اقتعاد‬
‫مكانها في موكب الحياة‪.‬‬
‫وليس أدل على أصالة تراثنا من شهادة الجانب والعداء له‪:‬‬
‫حيث يقول هاملتون جب‪ :‬إنه ليس في وسع العرب أن يتحرروا من ماضيهم‬
‫كما فعل التراك وسيظل السلم أهم صفحة في هذا السجل الحافل إلى‬
‫درجة ل يمكن أن يغفل عنها الساعون إلى إنشاء مثل عربية عليا‪.‬‬
‫ويقول مفماير‪ :‬لن ينفصل العرب عن الماضي المجيد في التاريخ السلمي‪،‬‬
‫وليس من الممكن أن يحدث في هذه القطار شيء يشبه ما حدث في تركيا‪.‬‬
‫بل إن استعادة هذا الماضي وتجدد الحديث عنه هو أحد العوامل في حركة‬
‫البعث الوطني والديني‪ .‬إن حركة بعث السلم ل يمكن أن تنقطع أو توقف‬
‫لن الناس في حاجة إليها فهي أحد مقومات نهضتهم الحقيقية‪.‬‬
‫ويؤكد هذا المعنى كثيرون يؤمنون بأن الشرقيين ل يمكن أن تصبح لهم حياة‬
‫عقلية من غير ثراثهم الذي ينتمي إليهم ويصطبغ بصبغتهم‪ ،‬فقد يمكن أن‬
‫نجعل العلم الطبيعي تراثا ً شرقيا ً أو غربيا ً بأية صفة من الصفات وغير ممكن‬
‫كذلك‪ :‬إن نجعل العلم الرياضي تراثا ً ينتسب إلى الشرقيين أو إلى الغربيين‬
‫وإنما يقوم تراثهم على مالهم من أشعار ومواعظ وأمثال وآداب وقواعد‬
‫سلوك وفي طليعة روح العقائد وما يصاحب ذلك من فقه وشريعة ودين‪.‬‬
‫ولقد كانت القيم الصيلة دوما وفي كل مكان من بلد المشرق عامل ً على‬
‫حفظ الشخصية الوطنية من الذوبان والنهيار‪.‬‬
‫ولقد ظل ما يجري تجديده من الفلسفات والفكر الباطني والتراث الصوفي‬
‫الفلسفي وكتب العصور المعاصرة والنحلل الجتماعي )كألف ليلة والغاني(‬
‫وكتب المذاهب الهدامة والحلول والتحاد من التراث الموفوض‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فنحن ل نقبل بمفهوم الباعثين للتراث الشعوبي تحت اسم الدب أو الوجد‬
‫الفني أو أي مفهوم من مفاهيم الهواء المضلة ومقياسنا هو السلم وحده‬
‫وهو الحكم في مختلف مجالت البحث فكل ما يختلف عنه فهو من الشعوبية‬
‫مهما حاول الدعاة إلى بعثه وزخرفته وتزيينه وتصويره على أنه فن أو شعر‬
‫أو أدب ولريب أن كل المعتقدات الفاسدة التي أخذت طريقها إلى الشعراء‬
‫أو النثر أمثال ابن الفارض أو نثر ابن عربي أو الحلج أو السهر وردي أو غيره‬
‫فهي كتابات باطلة ليست من تراث السلم الصيل‪.‬‬
‫ولقد كانت كتابات زكي مبارك في التصوف وزكي نجيب محمود في أدب‬
‫الباطنية وتراث الزنادقة والشعوبية وإحياء طه حسين لتاريخ الساطير‬
‫الجاهلية وإضافتها إلى السيرة أو كتابته عن علي ومعاوية وما تل ذلك من‬
‫كتابات عبد الرحمن الشرقاوي وغيره‪ ،‬كل هذا من إحياء التراث الفاسد‬
‫المضلل الذي يراد به الهوى والذي يحقق غايات بعيدة ترمي إلى إقامة‬
‫الساطير مرة أخرى أو إشاعة السرائيليات وتجديدها في الفكر السلمي‬
‫الحديث‪.‬‬
‫ونحن ننكر الدعوة القائمة على الفصل بين ماضي هذه المة وحاضرها تحت‬
‫اسم الفكر العربي الحديث‪ ،‬أو الفكر المصري الحديث‪ .‬وهي كلمات زائفة‪،‬‬
‫فلقد قام الفكر السلمي المعاصر على امتداده الطبيعي منذ نشأة السلم‪،‬‬
‫وكذلك قام الفكر الغربي المعاصر على أساس التراث الروماني واليوناني‬
‫مستمدا ً منه أبرز قيمة ودعائمه محاول ً الرتباط به والتصال بالرغم من أنه‬
‫انفصل عن هذا التراث الغريقي ألف عام‪ ،‬أما العرب والمسلمون فإنهم لم‬
‫ينفصلوا عن تراثهم وقيمهم يوما ً واحدا ً ولم يزل حاضرهم استمدادا ً لماضيهم‪،‬‬
‫وقد انتهى الغريق والرومان ومع ذلك فقد أحيا الغرب تراثهم‪ ،‬أما التراث‬
‫السلمي فإنه ممتد ومتصل فهو تراث أمة لم تنته ولم تذهب لغتها إلى‬
‫المتحف وما زال فكرها حيا ً متفاعل ً في وجود أمتها وفي البشرية كلها ولم‬
‫يتوقف تفاعلها مع فكرها لحظة واحدة ولذلك فنحن حين نؤكد حقيقة المتداد‬
‫التاريخي للتراث السلمي مع واقع المسلمين والعرب ننكر ذلك الزيف‬
‫والدخيل الذي أدخله المجوس والباطنية ومترجمو الفلسفات اليونانية‬
‫والفارسية والهندية‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وكل ما يتأكد بالصول القرآنية والحديث الصحيح فهو من التراث الصحيح‪،‬‬


‫ولقد واجهت أصالة التراث هزة شديدة بعد نكسة ‪1967‬م حيث علن أصوات‬
‫المارقين من دعاة التغريب إلى القول بأن التراث السلمي هو مصدر‬
‫الهزيمة وكذبوا فإن التراث السلمي لم يكن مطابقا ً ول معمول ً به في ذلك‬
‫العالم الذي شاهد الهزيمة‪ ،‬بل إن الذين هزموا العرب كانوا هم الذين أحيوا‬
‫تراثهم الزائف‪ .‬بينما حجبوا المسلمين عن تطبيق مفاهيم تراثهم وقيم‬
‫فكرهم الصيل‪.‬‬
‫ول تزال النظرة إلى الرتباط بالتراث نظرة أصيلة وثابتة عن حقيقة أساسية‬
‫هي أننا لم نكن نصدر – إذ ذاك عن قيمنا الصيلة‪ ،‬وإننا مغرقين في تبعية‬
‫وافدة كانت بعيدة الثر في شخصيتنا وقد تبين لنا أن كل ما تقع المم فيه‬
‫من أخطاء إنما يعود إلى التفريط في التراث والنسحاب من قيمه والتحرك‬
‫خارج دائرة الصالة كما تبين أن الذين دعوا هذه المة إلى أن تنفصل من‬
‫التراث ومن الماضي – وهم من أبناء جلدتنا – كانوا غاشين لنا وسوف‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يحملهم التاريخ مسئولية الهزائم والنكسات وإثمها وتبعتها ولقد تبين لنا أننا‬
‫عندما عدنا والتمسنا أصالتنا وتراثنا وبدأنا نتجه صوب المنابع تحول الموقف‬
‫واستطعنا أن نكون على طريق صحيح‪.‬‬
‫ومن هنا وجب علينا اليقظة إزاء محاولت التغريبيين )شعوبيين وماركسيين‬
‫وغربيين( لحياء التراث ونقده وتفسيره وخاصة أولئك الذين يريدون أن‬
‫يجعلوا من الزيوف والركام والرواسب الفلسفية والفكرية التي نفاها الفكر‬
‫السلمي وتخلص منها وألقاها بعيدة عنه‪ ،‬يريدون أن يجعلوا منها تراثا ً وأن‬
‫يعيدوها مرة أخرى ليلقوها في النهر الناصع لتسممه وتسوده كما فعل طه‬
‫حسين وعلي عبد الرازق وزكي نجيب محمود ولويس عوش وحسين فوزي‬
‫وتوفيق الحكيم وعبد الرحمن الشرقاوي فقد حاول هؤلء وغيرهم عدة‬
‫محاولت‪:‬‬
‫إفساد التراث وتزييف التراث وتسميم النظرة إلى التراث وعلينا أن نعي‬
‫تماما ً تلك التفسيرات الخاطئة والمفاهيم المسمومة التي طرحتها هذه‬
‫الكتابات في محاولة لجعلها من مفهوم السلم أو من تاريخه حتى تصبح بين‬
‫أيدي الجيال القادمة وكأنها من المسلمات‪.‬‬
‫فعلينا إمعان النظر في تلك الساليب الدخيلة والزائفة والمحرفة التي طرأت‬
‫في السنوات الخمسين الخيرة منذ الشعر الجاهلي لطه حسين إلى تجديد‬
‫الفكر العربي لزكي نجيب محمود‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن التغريب والغزو الثقافي ليس قاصرا ً على إدخال الوافد‬
‫المسموم بل هو أيضا ً يرمي إلى تزييف التراث الصيل‪.‬‬
‫محاذير الترجمة‬
‫في مواجهة تلك الظاهرة الضخمة في الفكر السلمي الحديث وعن طريق‬
‫الدب العربي في الغلب ندرس ظاهرة الترجمة من الفكر الغربي‪ :‬سواء‬
‫الفكر اليوناني القديم أو الفكر الغربي الحديث‪.‬‬
‫وهي ظاهرة شبيهة بسابقتها في القرن الثالث الهجري وإن كانت تختلف في‬
‫أمر واحد هو مفتاح كل المور‪ :‬ذلك هو امتلك الرادة التي كان يتميز بها‬
‫منهج الترجمة في العصر الول ومع ذلك فقد ترجمت كتب الفلسفات‬
‫والوثنيات وأحدثت شرخا ً هائل ً وصدعا ً ضخما ً لم تستطع حركة الصالة جبره‬
‫إل بعد معركة طويلة استمرت مدى قرنين من الزمان‪.‬‬
‫أما معركة الترجمة المعاصرة فإنها أشد خطرا ً وأبعد أثرا ً فقد جاءت على‬
‫حين فترة من الزمن لم يكن المسلمون والعرب يمتلكون إرادة الختيار فيها‬
‫ترجم لهم واستطاعت حركة التغريب والغزو الثقافي أن تسيطر وأن تترجم‬
‫لهم ما ليسوا في حاجة إليه أصل ً ونحت عنهم ما هم في حاجة إليه وكانت‬
‫حفية بأن تترجم لهم الفكر الوقني والفلسفات والمذاهب المادية‬
‫واليديولوجيات المتضاربة في حين أنها حالت بينهم وبين ترجمة العلوم‬
‫والتكنولوجيا بل حالت بينهم وبين إحياء تراثهم الصيل ولذلك فإن آثار هذه‬
‫المعركة ستظل إلى مدى بعيد عميقة الثر في النتائج الفكري المعاصر تاركة‬
‫ظللها السوداء على كثير من صفحاته‪.‬‬
‫إن معركة الترجمة لم تبدأ من منهج صحيح مدروس ينظم مدى ما نحتاجه‬
‫وما لسنا في حاجة إليه‪ ،‬وإنما أخذ التغريب والغزو الثقافي بالمبادرة ومضى‬
‫يقدم لنا على مدى قرن كامل نتاجا ً سيئا ً غاية السوء‪ ،‬قوامه ترجمة القصة‬
‫المكشوفة الجنبية‪ ،‬والتراث اليوناني الوثني‪ ،‬والمفاهيم المادية والباحية في‬
‫مجالت النفس والجتماع والخلق والتربية وقد قدمت لنا هذه الثار على أنها‬
‫علوم أصيلة وليست فروضا ً قابلة للخطأ والصواب أو وجهات نظر تمثل‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أممها وأصحابها‪ ،‬ولم تسبق هذه الدراسات أو تلحق بما يكشف أمام القارئ‬
‫العربي والمسلم مكانها من فكر أمتها وموقفنا كفكر له منهج متكامل جامع‬
‫منها وبذلك زيفت هذه الترجمات كثيرا ً من للعقول وأفسدت كثيرا ً من‬
‫النفوس وخلقت أجيال ً مضطربة لنها استطاعت أن تقرأ الفكر الغربي‬
‫)القائم على عقائد ومفاهيم وقيم وإيديولوجيات( تختلف عن فكرنا السلمي‬
‫العربي وكان القائمون على هذه العمال في الغلب من خصوم هذه المة‬
‫وفكرها ومن الراغبين إلى اتخاذ سلح الترجمة سبيل ً إلى هدم هذه‬
‫المقومات‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولقد كانت الترجمة في أول أمرها في عصر محمد علي على النحو الذي قام‬
‫به رفاعة الطهطاوي ومدرسة الترجمة الولى بالغ الصالة فقد عمد إلى‬
‫تقديم نتاجه مدروسا ً وجادا ً ومغطيا ً لجوانب كثيرة فقيرة وخاصة في لمجال‬
‫العلوم التجريبية والطبيعية وغيرها‪ ،‬غير أن النفوذ الجنبي لم يلبث أن سيطر‬
‫من بعد على هذه الحركة وحولها إلى ترجمات القصص المكشوف وفنونا ً‬
‫مختلفة من أهواء النفس وضللت الفكر البشري‪.‬‬
‫وهكذا استطاع التغريب والغزو الثقافي أن يحجب عن المسلمين والعرب ما‬
‫كانوا في حاجة إلى ترجمته من الفكر الغربي )وهي مجالت العلوم التجريبية‬
‫والطبيعية وغيرها( وطرح في أفق الترجمات ركاما ً مضطربا ً عاصفا ً يرمي‬
‫إلى هدم ذلك الحائط النفسي المرتفع القائم في النفس المسلمة بالحق‬
‫والتقوى والكرامة والفضيلة والعفاف ويصور الباحيات الجنسية على أنها‬
‫شرعة المجتمع المباحة كما يصور الجريمة على أنها ظاهرة طبيعية ويصل‬
‫تأثير هذه المترجمات المسمومة إلى جمع مقررات العقائد والخلق والجماع‬
‫والتدين حيث يوجد تباين واضح وخلف عميق بين مفاهيم الغرب والسلم‬
‫حيث تقوم الحياة الجتماعية على عبادة الجسد وتقديس الجمال والنظر إلى‬
‫العلقات الجنسية نظرة حرة بعيدة عن القداسة والعفاف واليمان بالبكارة‪،‬‬
‫وحيث تختلط الصور في هذه الترجمات المطروحة فتحدث آثارها الخطيرة‬
‫في النفس العربية السلمية حتى تصل إلى صميم العقيدة نفسها‪.‬‬
‫ولقد كان لهذه الترجمات آثارها البعيدة في هدم طبائع المة التي تختلف‬
‫تمامًا‪ ،‬وفي التمرد على وجودنا وطبيعتنا تحت تأثير النبهار بهذا الجانب من‬
‫مدينة الغرب القائم على الزخرف والضواء والرقص والفنون‪.‬‬
‫كذلك كان من أسوأ آثار الترجمة ذلك الخلط الشائن بين المذاهب المتعارضة‬
‫والنظريات المضادة‪ ،‬وهي نظريات متفاوتة‪ ،‬ولكنها حين نقلت إلى فكرنا‬
‫السلمي أريد طرحها جملة باضطرابها واختلفها لتكون عامل ً شديد التأثير‬
‫في إفساد هذا الفكر والدالة منه‪.‬‬
‫ومن العجب أن ننقل ونترجم آثار الفكر الغربي اليوم وهو يمر بمرحلة الزمة‬
‫والنهيار والهزيمة‪ ،‬ثوقد أحيط به واحتوته مقررات التلمودية وبروتوكولت‬
‫صهيون وآوى أهله إلى ذلك الحساس الرهيب بالغربة والقلق والتمرد‬
‫والغثيان فنقل مسرح العبث والل معقول والل أدب والل فن ومثل هذه‬
‫الفنون المهومة المضطربة التي لسنا في حاجة إليها ول هي تستطيع أن‬
‫تعطينا شيئا ً يعيننا على بناء أنفسنا أو فكرنا أو أمتنا وخاصة ما كتبه سارتر‬
‫وكامي ومالرو من أحاسيس بالرعب والفزع والضطراب نتيجة ذلك‬
‫النفصال الشائن عن العقيدة والدين والخلق وهي في مجموعها الفطرة‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي ل تستطيع النفس النسانية أن تتجاهلها أو تحتويها‪.‬‬


‫كذلك فإن هذه الترجمات تصور الفرد الغربي وهو يحتقر الخلق ويسخر من‬
‫الرحمة والصدف والعفة والشرف ويحتقر الوطنية ويضحك من الخلص‬
‫للمجتمع ويستخف بفكرة السرة والعائلة‪.‬‬
‫وتجد مثل هذه الترجمات تحمل ذلك المثل الرديء بأن ل يحب النسان أحدا ً‬
‫ول يخدم أي مثل أو دين أو مبدأ‪ ،‬ويعتبر ذلك تقييدا ً لحريته وما يتصل بهذا من‬
‫إنكار لله تبارك وتعالى وتهجم بالعبارات الرديئة عليه على النحو الذي عرف‬
‫عن نيتشه وسارتر وبيراندللو وفضل ً عن إحياء الساطير واتخاذها أساسا ً‬
‫لنظريات في علم النفس والخلق والجتماع أو مصادر لمفاهيم‬
‫النثروبولوجيا وغيرها من المفاهيم‪.‬‬
‫هذه السموم جميعها تترجم إلى لغتنا العربية إلى أدبنا وفكرنا دون أن يقول‬
‫لنا مترجموها ما هو الحق فيها وما هو الزيف‪ ،‬وما موقفنا منها كأمة لها‬
‫عقيدتها وفكرها ومفاهيمها وقيمها‪.‬‬
‫وبذلك يطرحون في أفق مجتمعنا السلمي موجة زائفة من اليأس والتشاؤم‬
‫والملل وازدراء الحياة مما ل يتفق مع طبيعتنا المتفائلة المؤمنة بالله التي ل‬
‫تخاف شيئا ً والتي تعتصم دائما ً برضوان الله ورحمته‪.‬‬
‫ولعل هذه السموم التي تطرحها حركة الترجمة من أخطر ما يواجه حركة‬
‫اليقظة السلمية اليوم ويضع أمامها صخورا ً تحول بينها وبين إكمال المسيرة‬
‫إلى الحق وتحجب كثيرا ً من حقائق السلم وتفسد العقول والقلوب في‬
‫أعماق شبابنا وأجيالنا الجديدة وحسبما تقول الدكتورة نازك الملئكة‪ :‬ما من‬
‫شيء يستطيع أن يفسد علينا جهودنا مثل تبنينا لهذا الفكر الغربي المريض‬
‫فإذا اتخذ شبابنا نماذجه الدبية والفكرية من أعلم الغرب المعاصر مثل‬
‫سارتر ومورافيا وكافكا فالي أين سينتهي؟‪.‬‬
‫ونحن نقول أننا أشد ما نكون حاجة إلى أن نتنبه ونحذر مثل هذا الفكر الوافد‬
‫وأن نقف منه موقف التحفظ وأن نكشف حقيقته لبنائنا ونقدمه في صراحة‬
‫ووضوح ونقول لهم إن هذه المفاهيم ليست مفاهيم المجتمع السلمي‬
‫العربي ولن تكون للختلف العميق في السس والمصادر والمقومات والقيم‬
‫والعقائد بين فكرنا وبين هذا الفكر وبيننا وبين الغرب‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وتقول نازك الملئكة‪ :‬إن اتجاهات الكتب المترجمة عن الغرب تقلقنا حتى‬
‫أصبحنا نخشى على نفسية القارئ العربي من رشائش هذه الموجة التي‬
‫تأتينا رافضة هو صفتها من وجهة نظر المة العربية‪ .‬إن لنا حاجاتنا العربية‬
‫وهي تملي علينا أحكامنا الجتماعية وينبغي أن تمليها‪.‬‬
‫ولقد أعلن كثير من الباحثين الغيورين تخوفهم من موجة الترجمة التي‬
‫انطلقت خلل تلك السنوات الطويلة بغير ضابط لها وغير مراجع يدفع عن‬
‫الفكر السلمي شرها ويذود عن المجتمع السلمي آثارها وسمومها وقد حق‬
‫اليوم وقد بلغ الفكر السلمي مرحلة الرشد والصالة والقدرة على التحرر‬
‫من التبعية معاودة هذا الفكر كله بالنظر والدحض وخاصة ما كتبه‬
‫المستشرقون عن الرسول والسلم والقرآن واللغة العربية وتاريخ السلم‬
‫مما يحمل بذور الشكوك والتخرصات الضالة المضلة‪.‬‬
‫وفي يقيني أن مترجمي هذه الكنب لم يكونوا حسنى النية في نقلها ولم‬
‫يكونوا يحاولون تقديم الجديد الذي يطمعون به في بناء أممهم‪ ،‬ولكنهم كانوا‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضالين في محيط دقيق للغرب والغزو الثقافي وإل لحالوا دون ترجمة‬
‫السموم ولردفوا ما ترجموه بوجهة نظر الفكر السلمي العربي فيما قدموه‪.‬‬
‫ول يمكن أن يكون الكاتب الغيور على أمته المؤمن بحقها في الوجود الحافظ‬
‫لكيانها هو ذلك الذي يترجم لها ما يذلها وما يستبعدها وما يوردها مورد الهوان‬
‫والخيبة والعبودية حين يحطم لها قيمها ويدمر لها تقاليدها وأصولها بما‬
‫يحرضها عليه من إثم وفسوق‪.‬‬
‫إن اختلف الذوق واختلف العقيدة واختلف القيم والتقاليد يجب أن يكون‬
‫حاجزا ً أصيل ً في مجال الترجمة فما يجوز لنا أن ننقل إلى بناء أمتنا ترجمة‬
‫لقصة مستهجنة أو مسرحية آثمة أو كتاب فاحش مكشوف فما أعتقد أنه‬
‫ينفع أمتنا على أي نحو من النحاء‪.‬‬
‫ً‬
‫ومهما يكن من تقدير الغربيين له فإنه ل حاجة لنا به مطلقا‪ ،‬وإنما نحتاج إلى‬
‫ترجمة ما يهذب الذواق ويجدد النفس ويخلق صورة طيبة للتعامل الجتماعي‬
‫بين الرجل والمرأة‪ ،‬وهو ما يفتقده الدب الغربي في مراحله الخيرة هذه‬
‫بعد أن خضع خضوعا ً خطيرا ً لنزعات الجنس والباحيات والفحش والعرى‬
‫ومذاهب الغربة والقلق والتمزق‪ .‬ولعله يوجد في الدب الغربي كثير من‬
‫الداب ما يرقى الذوق ويهذب النفس ولكن مترجمينا ل يطلبون هذا ول‬
‫يرضون ترجمته وإنما يترجمون تلك الثام وتلك السموم لنها تروج في سوق‬
‫التجارة فيكسبون منها مال ً ويتركون شرورها في عقول المسلمين والعرب‬
‫وفي قلوبهم ولقد كان واضحا ً تماما ً أن حاجتنا إلى الترجمة من الغرب هي‬
‫في مجال العلوم التجريبية والطبيعية والطب والجغرافيا والفلك والتنولوجيا‬
‫فهذه هي الميادين التي تقدم لنا ما يدفعنا إلى النهضة والقوة وامتلك إرادة‬
‫الحياة‪ ،‬أما ما يتصل بالمفاهيم النفسية والجتماعية والخلقية وما يتصل‬
‫بالفنون والقصص والداب فذلك ما لسنا في حاجة إليه لن لكل أمة آدابها‬
‫وقيمها‪.‬‬
‫ً‬
‫ولقد كان لنا دائما نظرتنا في مجال نقد الدب وفي مجال الفنون ولنا‬
‫مفاهيمنا الجتماعية والخلقية في مجا القتصاد والسياسة والتربية ولنا‬
‫مفهوم متكامل جامع هو بمثابة نظام مجتمع ومنهج حياة فلماذا تحاول حركة‬
‫الترجمة‪ ،‬والقائمون عليها تدمير هذا النظام والتشكيك فيه وذلك بترجمة كل‬
‫ما يعارضه وما يختلف معه‪ ،‬بل وما رماه به المستشرقون من اتهامات‬
‫وشبهات‪ .‬الحق أن خطة الترجمة آثمة أشد الثم‪ ،‬وعملية وخاطئة‪.‬‬
‫والواقع أننا يجب أن نعرف الفكر الغربي ونرد عليه‪ ،‬نعرفه على أنه فكر أمة‬
‫أخرى غير أمتنا وأنه يحمل وجهة نظر أخرى تختلف كثيرا ً عن وجهة نظرنا‬
‫وقد نلتقي في بعض الجزئيات ولكنا يجب أن نكون مؤمنين أشد اليمان‬
‫بمنهجنا الرباني المصدر النساني التجاه الجامع المتكامل الذي يستهدف بناء‬
‫الحياة من أجل الخير والعدل والحق واستخلف النسان في الرض من أجل‬
‫إسعاد البشرية كلها‪ ،‬وأن نقف موقف المعارضة لكل ما يحاول أن يفسد هذا‬
‫المفهوم أو يزيفه أو ينقلنا إلى طوابع تغلب عليها النانية أو الباحية أو‬
‫الستعلء العنصري أو الظلم أو الستبداد او تملك مفاتيح العلوم والتكنولوجيا‬
‫وقصرها على أمة لعبثها وحرمان البشرية كلها منها‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫وإننا يجب أن نحرص على حماية شخصيتنا السلمية وذاتيتنا القرآنية من أن‬
‫تنصهر في العالمية أو تندمج في الممية أو يحتوي في ذلك الركام البشري‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الزائف ولما كنا في مرحلة من مراحل حياتنا ل تزال قوى الستعمار‬


‫والصهيونية والماركسية تحيط بنا وتحاول احتواءنا والسيطرة علينا وما زلنا‬
‫في جهاد عنيف لكل قوى الغزو فإننا أشد ما نكون في حاجة إلى أن نقف‬
‫من الفكر الوافد موقف الحيطة والحذر فإن أغلب ما يكتب عنا فيه مكتوب‬
‫بروح التعصب والحقد والرغبة في إزالتنا وتدميرنا وأغلب ما يكتب عن أهله‬
‫يمثل مرحلة متأخرة من مراحل الحضارة الغاربة المعزولة في مفاهيمها‬
‫وقيمها البعيدة عن روح الله‪ ،‬المعزولة عن دين الله المنكرة للقيم الربانية‬
‫الهازئة بالخلق الدينية ولنضع تجربة المسلمين الولى أمامنا‪ ،‬هؤلء الذين‬
‫رفضوا أن ينقلوا الوثنيات والماديات والباحيات ورفضوها رفضا ً تاما ً والذين‬
‫واجهوا ما ترجم من الفلسفات مواجهة صارمة فكشفوا زيفها وأجلوها‬
‫وخلصوا المجتمع السلمي من الفرق الضالة والمذاهب الهدامة وأقاموا‬
‫المنهج السلمي الصيل‪ :‬منهج أهل السنة والجماعة‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫محاسن السلم‬
‫إن دين السلم الذي جاء به محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أكمل الديان‬
‫وأفضلها‪ ،‬وأعلها وأجّلها‪ ،‬وقد حوى من المحاسن و الكمال والصلح والرحمة‬
‫والعدل والحكمة ما لم يشتمل عليه غيره‪.‬‬
‫ومن هذه المحاسن‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التكافل الجتماعي‪:‬‬
‫التكافل في السلم شامل للتعاون على الدعوة إلى الخير و إزالة المنكر‬
‫وحماية الضعفاء‪ ،‬ورزق الفقراء والمعوزين بما يكفيهم‪ ،‬والحساس الدقيق‬
‫بكل ما يصيب الجماعة‪.‬‬
‫ن{‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وى َول ت ََعاوَُنوا عَلى ال ِث ْم ِ َوالعُد َْوا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال تعالى‪} :‬وَت ََعاوَُنوا عَلى الب ِّر َوالت ّ ْ‬
‫سورة المائدة‪.2 :‬‬
‫ومن أنواع التكافل الجتماعي‪:‬‬
‫‪ (1‬الزكاة‪:‬‬
‫ً‬
‫وسيلة رئيسية لتحقيق العدالة الجتماعية في السلم وقد جعلها ركنا من‬
‫أركان الدين وضرورة من ضرورات اليمان ولهميتها قرنت بالصلة في‬
‫عشرات المواضع من القرآن والحديث‬
‫ن{ سورة‬ ‫عي‬ ‫ك‬ ‫را‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫عوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ ّ ِِ َ‬ ‫صلة َ وََءاُتوا الّز َ َ ْ ُ‬
‫ك‬‫ر‬ ‫وا‬ ‫ة‬ ‫كا‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَأِقي ُ‬
‫البقرة ‪43 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫صَلة َ وََءات َ ُ‬
‫وا‬ ‫موا ال ّ‬ ‫ض أَقا ُ‬ ‫ْ‬
‫م ِفي الْر ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن إِ ْ‬
‫ذي َ‬ ‫وقال سبحانه وتعالى‪} :‬ال ّ ِ‬
‫ة{سورة الحج ‪.41 :‬‬ ‫الّز َ‬
‫كا َ‬
‫والزكاة وسيلة من وسائل الضمان الجتماعي الذي جاء به السلم‪ ،‬فإن‬
‫السلم يأبى أن يوجد في مجتمعه من ل يجد القوت الذي يكفيه‪ ،‬والثوب‬
‫الذي يزينه ويواريه‪ ،‬والمسكن الذي يؤويه‪ ،‬فهذه ضرورات يجب أن تتوافر‬
‫لكل من يعيش في ظل السلم‪.‬‬
‫‪ (2‬الصدقة‪:‬‬
‫زيادة على الزكاة يوجه السلم إلى الصدقة والبر ويحبب في النفاق طوعا ً‬
‫وانتظارا ً لرضى الله وعوضه في الدنيا ولثوابه في الخرة‪ ،‬واجتنابا ً لغضبه‬
‫ونقمته وعذابه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫جٌر‬ ‫هأ ْ‬‫ه وَل ُ‬ ‫هل ُ‬ ‫ف ُ‬
‫ع َ‬‫ضا ِ‬ ‫سًنا في ُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ضا َ‬‫ه قْر ً‬ ‫ض الل َ‬ ‫قرِ ُ‬ ‫ذي ي ُ ْ‬ ‫ن َذا ال ِ‬‫م ْ‬ ‫قال تعالى‪َ } :‬‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م{ سورة الحديد‪11:‬‬ ‫ري ٌ‬‫كَ ِ‬


‫وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪": -‬ما من يوم يصبح العباد فيه إل ملكان ينزلن‬
‫فيقول أحدهما‪ :‬اللهم أعط منفقا ً خلفًا‪ ،‬ويقول الخر‪ :‬اللهم أعط ممسكا ً‬
‫تلفًا" رواه مسلم‪.‬‬
‫وقد رغب السلم ترغيبا ً يشرح صدر الكريم‪ ،‬ويدفع البخيل إلى العطاء‪ ،‬فالله‬
‫تعالى يتقبل الصدقة بيمينه ويربيها لصاحبها كما يربي أحدنا مهره حتى تصير‬
‫الثمرة مثل جبل أحد‪.‬‬
‫‪ (3‬النفقات‪:‬‬
‫ً‬
‫أوجب السلم على رب السرة أنواعا من النفقات كالنفقة على الزوجة‪،‬‬
‫والنفقة على الولد‪ ،‬والنفقة على من ولي أمرهم من والدين عاجزين أو‬
‫عبيد تحت يده‪ .‬وله مع ذلك الحق الذي يؤديه صدقة وأجرا ً إذا هو احتسب‬
‫ذلك‬
‫قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" : -‬إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو‬
‫يحتسبها كانت له صدقة" رواه البخاري‪.‬‬
‫وقال أيضًا‪" :‬خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول" رواه‬
‫البخاري‪.‬‬
‫‪ (4‬حقوق المسلمين‪:‬‬
‫الزكاة ليست هي الحق الوحيد في المال بل هي الحق الدوري الثابت الذي‬
‫وصل به السلم إلى أعلى درجات اللزام‪ ،‬ثم هناك حقوق أخرى تقتضيها‬
‫الظروف‪ ،‬وتجوبها الحاجات‪ ،‬وتوكل في الغالب إلى ضمير المسلم ومشاعره‬
‫الزكية التي رباها السلم‪ ،‬فليس لها قدر محدد ول زمن معين‪.‬‬
‫فإذا لم تقم حصيلة الزكاة بتحقيق تمام الكفاية للفقراء والمساكين‪ ،‬وجب‬
‫على أغنياء كل بلد أن يقوموا بكفاية فقرائهم‪ ،‬وإن لم يفعلوا ذلك من تلقاء‬
‫أنفسهم‪ ،‬ألزمهم السلطان بذلك باسم الشرع الذي أوجب التكافل بين‬
‫المسلمين‪ ،‬واعتبرهم كالبنيان المرصوص أو كالجسد الواحد‪ ،‬وليس بمؤمن‬
‫من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع‪.‬‬
‫ب‪ -‬حب العمل‪:‬‬
‫‪ 1‬الدلة على شرف العمل وفضله‪:‬‬
‫العمل نوع من العبادة بمعناها العام‪ ،‬فقد خلق النسان ليعمر هذه الرض‬
‫بالخير وللخير‬
‫َ‬
‫مَناك ِب َِها‬
‫شوا ِفي َ‬‫م ُ‬ ‫ض ذ َُلول َفا ْ‬ ‫م الْر َ‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬‫جعَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ه{ سورة الملك ‪15 :‬‬ ‫ن رِْزقِ ِ‬ ‫وَك ُُلوا ِ‬
‫م ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِفيَها{ سورة هود‪.61 :‬‬ ‫مَرك ُ ْ‬‫ست َعْ َ‬
‫ض َوا ْ‬‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫شأك ُ ْ‬ ‫وقال سبحانه‪} :‬هُوَ أن ْ َ‬
‫وقد رغب النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في العمل وحض عليه أصحابه‬
‫فقال‪" :‬لن يحتزم أحدكم حزمة من حطب‪ ،‬فيحملها على ظهره فيبيعها خير‬
‫له من أن يسأل رجل ً يعطيه أو يمنعه" رواه مسلم‪.‬‬
‫ول يترك المسلم العمل بحجة النقطاع الكامل لعبادة الله؛ لن سعي‬
‫النسان للحصول على الرزق‬
‫حتى يكفي نفسه وأهله نوع من العبادة‪.‬‬
‫ً‬
‫روي أن عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬رأى بعد الصلة قوما قابعين في المسجد‬
‫بدعوى التوكل على الله فعلهم بدرته‪ ،‬وقال كلمته المشهورة‪ :‬ل يقعدن‬
‫أحدكم عن طلب الرزق ويقول‪ :‬اللهم ارزقني‪ ،‬وقد علم أن السماء ل تمطر‬
‫ذهبا ً ول فضة‪.‬‬
‫‪ 2‬أحوال النبياء والصالحين وسعيهم في العمل‪:‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كان النبياء جميعا ً يعملون ويأكلون من كسب أيديهم بشهادة النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬حيث قال‪":‬ما بعث الله نبيا ً إل ورعى الغنم‪ .‬قالوا‪ :‬وأنت يا‬
‫رسول الله؟ قال‪ :‬كنت أرعاها على قراريط لهل مكة" رواه البخاري‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪": -‬ما أكل أحد طعاما ً قط خيرا ً من أن يأكل‬
‫من عمل يده‪ ،‬وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده"رواه البخاري‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫موا بالبزاز‬ ‫وهكذا كان شأن أئمة السلم وأعلمه والصالحين ولذلك س ّ‬
‫والقفال والزجاج والخراز والقطان والجصاص وغير ذلك‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الضرورات الخمس‪:‬‬
‫الضرورات الخمس هي‪:‬‬
‫حفظ الدين‪ ،‬وحفظ النفس‪ ،‬وحفظ العقل‪ ،‬وحفظ النسل والعرض‪ ،‬وحفظ‬
‫المال‪.‬‬
‫وهذه الضرورات هي أعلى مراتب المقاصد الشرعية بل هي الغاية الولى‬
‫من نزول التشريع‬
‫ولبد منها في قيام مصالح الدين والدنيا‪ ،‬فإذا فقدت اختلت الحياة النسانية‪.‬‬
‫‪ 1‬حفظ الدين‪:‬‬
‫والمراد به اليمان والنطق بالشهادتين والصلة والزكاة‪ ..‬وما أشبه ذلك من‬
‫أصول الدين التي إذا ذهبت لم يبق الدين بعد ذهابها‪.‬‬
‫ولذلك شرع السلم الكثير من التشريعات الهدف منها حفظ الدين من‬
‫الزوال‪ ،‬فمن ذلك الجهاد للدفاع عن الدين وحد الردة‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ه{ سورة النفال‪.39 :‬‬ ‫ه ل ِل ّ ِ‬
‫ن ك ُل ّ ُ‬
‫دي ُ‬ ‫ن ال ّ‬‫كو َ‬ ‫ة وَي َ ُ‬
‫ن فِت ْن َ ٌ‬ ‫حّتى َل ت َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫م َ‬‫}وََقات ُِلوهُ ْ‬
‫‪ 2‬حفظ النفس‪:‬‬
‫ومن أجل المحافظة على النفس جاءت آيات كثيرة تنذر بأشد العذاب على‬
‫هّ‬
‫م الل ُ‬
‫حّر َ‬‫س ال ِّتي َ‬
‫ف َ‬ ‫قت ُُلوا الن ّ ْ‬
‫من اعتدى على نفس بغير حق قال تعالى‪َ} :‬ول ت َ ْ‬
‫ق{ سورة النعام ‪151 :‬‬ ‫ح ّ‬‫ِإل ِبال ْ َ‬
‫وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪" : -‬ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحدى ثلث‪:‬‬
‫النفس بالنفس‪ ،‬والثيب الزاني‪ ،‬والتارك لدينه المفارق للجماعة" متفق عليه‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أجل المحافظة على النفس شرع السلم القصاص في القتل العمد‬
‫العدوان‬
‫قت َْلى{ سورة‬ ‫ص ِفي ال ْ َ‬ ‫صا‬ ‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫نوا‬ ‫م‬ ‫ءا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫يا‬‫}‬ ‫تعالى‪:‬‬ ‫قال‬
‫ِ َ َ ْ ُ ِ َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َّ‬
‫البقرة‪178 :‬‬
‫كما شرع الدية والكفارة في قتل الخطأ‪.‬‬
‫‪ 3‬حفظ العقل‪:‬‬
‫ومن أجل المحافظة على العقل حرم السلم تناول المسكرات والمخدرات‬
‫وأكل السموم‬
‫والنجاسات؛ لنها تؤدي إلى ذهاب العقل وفساده‪.‬‬
‫وجعل السلم عقوبة انتهاك حرمة العقل رادعة وزاجرة حتى يفكر المقدم‬
‫على هذه المفسدات‬
‫المهلكات في العاقبة فيتراجع ويجنب نفسه الهلك أو العقوبة‪.‬‬
‫‪ 4‬حفظ النسل والعرض‪:‬‬
‫إن حماية العراض وصيانة كرامات الناس‪ ،‬والمحافظة على حرماتهم لها في‬
‫السلم شأن كبير‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد أكد النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬على حرمة العرض وقرنها بحرمة‬
‫الدماء والموال حين‬
‫أعلن في حجة الوداع أمام الجموع المحتشدة في البلد الحرام‪" :‬إن الله‬
‫حرم عليكم دماءكم وأعراضكم وأموالكم" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ومن أجل المحافظة على النسل والعرض شرع السلم النكاح‪ ،‬وأقام حد‬
‫الزنا وحد القذف وحد اللعان‪.‬‬
‫‪ 5‬حفظ المال‪:‬‬
‫ومن أجل المحافظة على المال شرع السلم النتفاع بالعيان والمنافع‪،‬‬
‫وانتقالها بعضو أو بغير عوض‬
‫كما شرع حد السرقة وضمان قيم المتلفات‪..‬‬
‫أيضا ً شرع لصاحب المال الحق في أن يدافع عن ماله ولو قتل دونه قال ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪: -‬‬
‫"من قتل دون ماله فهو شهيد" رواه الترمذي وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫د ‪ -‬الحريات وحفظ الشريعة لها‪:‬‬
‫قرر السلم حقوقا ً للنسان بمقتضى فطرته النسانية وجعلها حقوقا ثابتة‬
‫ً‬
‫دائمة بحكم الطبيعة والشريعة ومن هذه الحقوق‪ :‬حق التملك‪ ،‬وحق إبداء‬
‫الرأي حق الحياة‪ ،‬حق الكرامة‪ ،‬حق التفكير‪ ،‬حق التدين والعتقاد‪ ،‬حق‬
‫التعلم‪ ،‬حق المن ‪ ..‬وغير ذلك‪.‬‬
‫حق التملك‪:‬‬
‫احترم السلم حق الملكية واعتبره حقا ً مقدسا ً ل يحل لحد أن يعتدي عليه‬
‫بأي وجه من الوجوه‬
‫ولهذا حرم السرقة والغضب والغش وتطفيف الكيل والوزن والرشوة‪..‬‬
‫ل أخذ بغير سبب مشروع أكل ً للمال بالباطل‪.‬‬ ‫واعتبر كل ما ٍ‬
‫وشرع للنسان أن يدفع عن ماله بكل قوة حتى وإن لزم المر إلى مقاتلة‬
‫من يريد أخذ ماله‪.‬‬
‫ً‬
‫عن أبي هريرة أن رجل قال‪":‬يارسول الله‪ ،‬أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ‬
‫مالي؟ قال‪ :‬ل تعطه‪ .‬قال‪ :‬أرأيت إن قاتلني؟ قال‪ :‬قاتله‪ .‬قال‪ :‬أرأيت إن‬
‫قتلني؟ قال‪ :‬فأنت شهيد‪ .‬قال‪ :‬أرأيت إن قتلته؟ قال‪ :‬هو في النار" رواه‬
‫مسلم‪.‬‬
‫حق إبداء الرأي‪:‬‬
‫من أهم القيم السلمية الحرية؛ لنها فطرة الله التي فطر النسان عليها‪،‬‬
‫وقد جاء السلم ليضمن الحرية للنسان حيث أعلن الحرية الدينية وكفلها‬
‫للناس بصورة لم تعهدها النسانية قديما ً أو حديثًا‪ ،‬فلم يكره أحدا ً على ترك‬
‫دينه والدخول في السلم‪ ،‬وترك الحرية لصحاب الديانات الخرى من أهل‬
‫الكتاب أن يمارسوا شعائرهم وعباداتهم في المجتمع السلمي‪ ،‬فلم تهدم‬
‫لهم كنيسة ولم يكسر لهم صليب‪ ،‬كما ترك لهم الحرية فيما أباحت لهم‬
‫أديانهم من الطعام وغيره وأعطاهم الحرية في قضايا الحوال الشخصية من‬
‫الزواج والطلق والنفقة وغيرها‪.‬‬
‫كذلك أطلق السلم حرية التعبير وإبداء الرأي سواء باللسان أو القلم‪ ،‬وحض‬
‫الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أصحابه على أن يقولوا الحق مهما كانت‬
‫الظروف وأن ل تأخذهم في ذلك لومة لئم‪ ،‬حيث قال ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪": -‬الساكت عن الحق شيطان أخرس"‪ )).‬ليس بحديث((‬
‫والشيء الوحيد الذي حرمه السلم هو حرية التكفير والدعوة إلى إضعاف‬
‫الدين والخلق أو الترويج لللحاد والزندقة فإنها دعوة خبيثة يجب مصادرتها‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحجز عليها‪.‬‬
‫اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك‬

‫)‪(2 /‬‬

‫محاصرة ال ّ‬
‫شرور‬
‫د‪ .‬عبد الكريم بكار ‪12/3/1426‬‬
‫‪21/04/2005‬‬
‫صراع مشتعل ً بين الحق وأهله‬ ‫مضت سنة الله –تعالى‪ -‬في الخليقة أن يظل ال ّ‬
‫من جهة وبين الباطل وأهله من جهة أخرى‪ .‬وحين هبط آدم ‪-‬عليه السلم‪-‬‬
‫وزوجه من الجنة هبط معهما إبليس بوصفه المسؤول الكبر عن إشاعة‬
‫الشرور‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إن وجود إمكانّية لقتراف الشر والوقوع في الرذيلة‪ ،‬يشكل مظهرا هاما من‬
‫مظاهر ابتلء الله تعالى لعباده‪ ،‬وكلما درجت البشرية في سبيل العمران‬
‫والتحضر اتسعت المكانات أمام أهل الخير وأمام أهل الشر؛ لكن بما أننا‬
‫نعيش في ظل حضارة مادّية إلحادّية فإن اكتشاف مساحات نشر الخير‬
‫تحتاج إلى نوع من البداع‪ ،‬على حين أن الشر يطرق البواب‪ ،‬وكثيرا ً ما‬
‫يدخل من غير استئذان!‬
‫الخبرة القديمة لدينا في مقاومة الشرور‪ ،‬كانت تعتمد على النهي والزجر‬
‫والتشنيع على المفسدين ومعاقبتهم‪ .‬وهذا السلوب سيظل مطلوبًا‪ ،‬لكن‬
‫ي إذا لم يصحبه تربية جّيدة‬ ‫التجربة التاريخية عّلمتنا أن الضغط الجتماع ّ‬
‫وتنمية أجود للوازع الداخلي‪ ،‬فإن آثاره ستكون أقرب إلى السلبّية منها إلى‬
‫اليجابّية‪ ،‬إنه يساعد على إخراج مجتمع ظاهره الصلح والستقامة والمتثال‬
‫لداب الشريعة‪ ،‬وباطنه المروق والفسوق‪.‬‬
‫إذا كنا نريد معالجة نظيفة للنحراف فإن هذا يتطلب معالجة تقوم على‬
‫النعومة والجاذبّية والتفاهم‪ ،‬واستخدام الحد الدنى من القوة والسلبّية‪.‬‬
‫سع مساحة الحرّية الشخصّية لكل واحد‬ ‫إن من شأن التقدم الحضاري أن يو ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫من الناس‪ ،‬وهكذا فما كان ُيظن شيئا عاما يؤثر في الحياة الجتماعّية ‪-‬ومن‬
‫ثم فإنه يمكن نقده –صار في جملة الخصوصّيات الفردّية‪.‬‬
‫وتتكون الن أعراف تجعل نصح الجار لجاره والرجل لحد أقربائه من المور‬
‫غير المستساغة‪ .‬ولهذا فإن مساحة القول في محاصرة الشر تضيق يوما ً بعد‬
‫يوم‪ .‬ومع هذا النكماش أخذ المبدأ السلمي العظيم )المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر( يذبل ويفقد منطقّيته وأنصاره على نحو مخيف ومخجل!‬
‫ول على الدولة في محاصرة‬ ‫في الماضي كان عدد كبير من المسلمين يع ّ‬
‫الفساد والحد من انتشار النحراف بوصفها الجهة الوحيدة التي تملك سلطة‬
‫رادعة ومنظمة معترفا ً بها‪ .‬وقد كانت الدولة تقوم فعل ً بشيء من ذلك‪ ،‬لكن‬
‫ل بد أن نلحظ عددا ً من المور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫إن الدولة حين تكون مشروعة‪ ،‬فإنها تستطيع الحد من صور انتشار السوء‬
‫كثيرًا‪ ،‬لكن كما أشرت قبل قليل فإن الردع من خلل القوة يكون قليل‬
‫ي‪.‬‬
‫ي إيجاب ّ‬ ‫الجدوى إذا لم ُيصحب بعمل توجيه ّ‬
‫ولوا إلى مجرمين كبار من خلل‬ ‫ونحن نعرف أن كثيرا ً من المنحرفين تح ّ‬
‫سجنهم مع فئة ضالعة في الجرام أو مع أشخاص من أصحاب السوابق‪ .‬أما‬
‫إذا كانت الدولة غير مشروعة أو كانت ل تخضع لرقابة شعبّية جيدة فإن‬
‫قدرتها على حماية الداب العامة وحفظ ظاهر المجتمع تكون شبه معدومة؛‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مة ل ننتبه في‬ ‫لنها هي نفسها تحتاج إلى الكثير من الصلح‪ .‬وهناك نقطة ها ّ‬
‫العادة إليها‪ ،‬وهي أن مطالبة الدولة بالمزيد من التدخل لحماية الخلق‬
‫والداب والعراف الحميدة‪ ،‬سيعني على نحو آلي منحها المزيد من الصلحّية‬
‫والنفوذ في التدخل في حياة الناس‪ ،‬وهذا يتطلب تضخم أجهزة الدولة‪ ،‬وهذا‬
‫ليس في صالحها ول في صالح شعبها‪ .‬إن الدولة مثل القلب ومثل الكبد إذا‬
‫تضخم فسد‪ ،‬وإذا فسد تضخم‪ .‬وقد صدق من قال‪ :‬الدولة وليدة عيوبنا‪،‬‬
‫والمجتمع وليد فضائلنا‪.‬‬
‫إن المجتمع الفاضل في الرؤية السلمية هو الذي يقوم بمعظم شؤونه دون‬
‫أن يطلب المعونة من أي دولة أو سلطة بسبب استغنائه بمبادراته‬
‫ومؤسساته وارتباطاته الهلّية والشعبّية‪ .‬وأعتقد أننا الن وصلنا إلى بيت‬
‫القصيد ومربط الفرس في مقالنا هذا‪ .‬إن العالم يعيش حالة فريدة من‬
‫ي‪ ،‬وفي حالة كهذه تتعاظم قيمة الفعل ويتضاءل‬ ‫التضاغط والتزاحم العمل ّ‬
‫وزن الكلم‪ ،‬كما أن كثرة المغريات والمحفزات على النخراط في الشأن‬
‫الدنيويّ أضعفت قدرة الناس على المقاومة للشهوات على مقدار ما أضعفت‬
‫فزعهم إلى الخرة وإلى عالم المعنى على نحو عام‪ .‬المستقبل في الحث‬
‫والتأثير والكف والزجر سيكون للبيئة والجو والسياق والحالة العامة‪.‬‬
‫إن البيئة الجيدة تؤثر في الشخصية عن طريق )اللوعي( وتقلل الميول إلى‬
‫الشرور بشكل سلس‪ .‬السياقات الحسنة ُتبنى من خلل اللوف من العمال‬
‫الخيرة والمبادرات الكبيرة‪ ،‬ومن هنا فإن على أهل الدعوة والغيرة على‬
‫دية وعملّية في كيفّية الحصول على‬ ‫مستقبل المة أن يفكروا بطريقة ج ّ‬
‫حضور متألق في كل المجالت وعلى كل المستويات‪ .‬إن الطبيعة –كما‬
‫يقولون‪ -‬تكره الفراغ‪.‬‬
‫ي أو تربويّ أو اقتصاديّ أو‬‫ن علينا أن نتوقع أن كل فراغ سياس ّ‬ ‫ومن ثم فإ ّ‬
‫ي‪ ..‬ل يقوم الصالحون بملئه فسيمل بسرعة هائلة من قبل غيرهم‪.‬‬ ‫إعلم ّ‬
‫)‪(1 /‬‬

‫ونستطيع أن نتعلم من حركة اليهود في العالم أكثر من درس بليغ‪ ،‬حيث‬


‫استطاعوا أن يتحولوا وبصمت عجيب ومن خلل العمل الدؤوب من أقلية‬
‫مضطهدة مكروهة إلى أقلية ساحقة ومهيبة ومسيطرة‪ ،‬ومهما قلنا عن‬
‫محاباة الغرب لهم فإن الصحيح أيضا ً أنهم قد أبد َْوا براعة نادرة في التنظيم‬
‫والتخطيط والجهد المتتابع وتلمس مكامن القوة ونقاط الرتكاز‪ ،‬بالضافة‬
‫إلى الحساس المبكر بأهمية العلم في تكوين النفوذ‪...‬‬
‫حين تكون على درجة عالية من الكفاءة تكثر أعداد الذين لهم مصلحة عندك‪،‬‬
‫وأعداد الذين يحتاجونك‪ .‬ومن خلل الحاجة إليك يمنحونك الفرصة تلو‬
‫ل‪ ،‬حتى أعداؤك فإنهم يضطرون إلى مصانعتك‬ ‫الفرصة‪ ،‬لن تكون مؤثرا ً وفاع ً‬
‫من أجل الستفادة منك‪.‬‬
‫ملء الفراغ وإحداث التأثير المتميز يحتاج إلى عدد من المور المهمة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬الكفاءة العالية‪ ،‬والتي يأتي كثير منها من وراء التعلم الجيد والتخصص‬
‫والتدرب الممتاز والمثابرة في اكتساب الخبرة‪.‬‬
‫‪ -2‬المانة والستقامة وشعور المرء بالمسؤولّية الخلقّية عن العمل الذي‬
‫بين يديه‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -3‬التضحية وجعل التبّرع والعطاء المجاني انتظارا للمثوبة من الله تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬فن التفريق بين الجوهري والهامشي وبين المرض وأعراضه‪ ،‬وأعتقد أن‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫انتشار الشرور في المجتمعات السلمّية يعود إلى عدد من السباب‬


‫ب الدنيا‪ ،‬ضعف التربية السرية‪ ،‬وهن اليمان‬ ‫الجوهرّية والتي منها‪ :‬ح ّ‬
‫والجانب الروحي‪ ،‬العراض عن القراءة والستمرار في التعلم‪ ،‬عدم كفاءة‬
‫القوانين والنظم الدارّية‪.‬‬
‫‪ -5‬الشعور بالمسؤولية الشرعّية عن انتشار المنكرات وشيوع الفواحش‪ ،‬ولنا‬
‫ل عََلى‬ ‫سرائي َ‬ ‫ن ب َِني إ ِ ْ‬ ‫م ْ‬‫فُروا ِ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫أن نتأمل قول الله –جل وعل‪):-‬ل ُعِ َ‬
‫ن‬ ‫ن* َ‬
‫كاُنوا ل ي َت ََناهَوْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫وا وَ َ‬
‫كاُنوا ي َعْت َ ُ‬ ‫ص ْ‬
‫ما عَ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬
‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬
‫ن َداوُد َ وَ ِ‬ ‫سا ِ‬‫لِ َ‬
‫ن( ]المائدة‪ .[79-78:‬وفي حديث‬ ‫ُ‬
‫فعَلو َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫من ْك َرٍ فَعَلوه ُ لب ِئ ْ َ‬
‫ن ُ‬ ‫عَ ْ‬
‫الشيخين أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬دخل على زينب بنت جحش –‬
‫رضي الله عنها‪ -‬فزعًا‪ ،‬يقول‪" :‬ل إله إل الله ويل للعرب من شر قد اقترب"‬
‫قالت زينب‪":‬يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟"‪ ،‬قال‪":‬نعم‪ ،‬إذا كثر‬
‫الخبث"‪.‬‬
‫أي زمان كزماننا غير المباشر أهم من المباشر‪ ،‬ويكون الردع عن طريق‬
‫الفعل أقوى من التأثير عن طريق الكلم‪ ،‬كما تكون الحركة اليجابّية أهم من‬
‫ي الشاحب والمحتج‪ .‬وللنية الحسنة والنشاط المستعر قيمة‬ ‫الموقف السلب ّ‬
‫في كل زمان‪ ،‬ول يكافئ فضيلة الخلص إل كرم التوفيق‬

‫)‪(2 /‬‬

‫محاضرات منوعة الدويش‬


‫يا سامعا‬
‫النقياء‬
‫الخفياء‬
‫المحرومون‬
‫السر العجيب‬
‫أثر التوحيد في النفوس‬
‫الفائزون في رمضان‬
‫روحانيات صائم‬
‫رمضان والرحيل المر‬
‫فن التعامل مع الزوجة‬
‫السحر الحلل‬
‫توجيهات وأفكار‬
‫الشباب ألم وأمل‬
‫الفتاة ألم وأمل‬
‫رسالة إلى معلمة‬
‫جاري العزيز‬
‫تعالى نتعاتب‬
‫‪40‬وسيلة لستغلل الجازة الصيفية‬
‫الرجل الصفر‬
‫غثاء اللسن‬
‫أفتش عن إنسان‬
‫بشائر ومبشرات‬
‫*****************‬
‫يا سامعا‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫الحمد لله الذي يطعم ول يطعم من علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلء‬
‫حسن أبلنا الحمد لله الذي أطعم من الطعام وسقى من الشراب وكسى من‬
‫العري وهدى من الضللة وبصر من عمى وفضل على كثير ممن خلق تفضيل‬
‫الحمد لله رب العالمين اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين أما بعد أيها الحبة في الله السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫هذه ليلة الحد الموافق للثامن من الشهر السادس للعام السابع عشر بعد‬
‫الربعمائة واللف وفي هذا الجامع المبارك جامع الملك فهد بمدينة <بريدة>‬
‫نلتقي بهذه الوجوه الطيبة المباركة وفي مجلس من مجالس الذكر يا سامعا‬
‫لكل شكوى يا خالقا الكوان أنت المرتجى وإليك وحدك ترتقي صلواتي يا‬
‫خالقي ماذا أقول وأنت تعلمني وأنت تعلمني وتعلم حاجتي وشكايتي يا‬
‫خالقي ماذا أقول يا خالقي ماذا أقول وأنت مطلع على شكواي والنات اللهم‬
‫يا موضع كل شكوى ويا سامع كل نجوى ويا شاهد كل بلوى ويا عالم كل‬
‫خفية ويا كاشف كل بلية يا من يملك حوائج السائلين ويعلم ضمائر الصامتين‬
‫ندعوك دعاء من اشتدت فاقته وضعفت قوته وقلت حيلته دعاء الغرباء‬
‫المضطرين الذين ل يجدون لكشف ما هم فيه إل أنت يا أرحم الراحمين‬
‫اكشف ما بنا وبالمسلمين من ضعف وفتور وذل وهوان يا سامعا لكل شكوى‬
‫أعن المساكين والمستضعفين وارحم النساء الثكالى والطفال اليتامى وذا‬
‫الشيبة الكبير إنك على كل شيء قدير معاشر الخوة والخوات إن في تقلب‬
‫الدهر عجائب وفي تغير الحوال مواعظ توالت العقبات وتكاثرت النكبات‬
‫وطغت الماديات على كثير من الخلق فتنكروا لربهم ووهنت صلتهم به‬
‫اعتمدوا على السباب المادية البحتة فسادت موجات القلق والضطراب‬
‫والضعف والهوان وعم الخوف والهلع من المستقبل بل وعلى المستقبل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قَراء إ َِلى الل ّهِ َوالل ُ‬
‫هّ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫س أنت ُ ُ‬
‫تخلوا عن ربهم فتخلى الله عنهم )َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ميد ُ ( جميع الخلق مفتقرون إلى الله مفتقرون إلى الله في كل‬ ‫ي ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫هُوَ ال ْغَن ِ ّ‬
‫شئونهم وأحوالهم وفي كل كبيرة وصغيرة وفي هذا العصر تعلق الناس‬
‫بالناس وشكا الناس إلى الناس ول بأس أن يستعان بالناس فيما يقدرون‬
‫عليه لكن أن يكون المعتمد عليهم والسؤال إليهم والتعلق بهم فهذا هو‬
‫الهلك بعينه فإن من تعلق بشيء وكل إليه نعتمد على أنفسنا وذكائنا بكل‬
‫غرور وعجب ‪....‬أما أن نسأل الله العون والتوفيق ونلح عليه بالدعاء ونحرص‬
‫خر ما يفكر‬ ‫على دوام الصلة بالله في كل الشياء وفي الشدة والرخاء فهذا آ ِ‬
‫فيه بعض الناس‬
‫فقيرا جئت بابك يا إلهي‬
‫ولست إلى عبادك بالفقير‬
‫غني عنهم بيقين قلبي‬
‫وأطمع منك بالفضل الكبير‬
‫إلهي ما سألت سواك عونا‬
‫فحسبي العون من رب قدير‬
‫إ لهي ما سألت سواك عفوا‬
‫فحسبي العفو من رب غفور‬
‫إلهي ما سألت سواك هديا‬
‫فحسبي الهدي من رب بصير‬
‫إذا لم أستعن بك يا إلهي‬
‫ر‬
‫ِ‬ ‫مجي‬ ‫فمن عوني سواك ومن‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أيها الخوة إن الفرار إلى الله واللجوء إليه في كل حال وفي كل كرب وهم‬
‫هو السبيل للتخلص من فتورنا وضعفنا وذلنا وهواننا إن في هذه الدنيا‬
‫مصائب ورزايا ومحن وبليا آلما تضيق بها النفوس ومزعجات تورث الخوف‬
‫والجزع كم في الدنيا من عين باكية وكم فيها من قلب حزين وكم فيها من‬
‫الضعفاء والمعدومين قلوبهم تشتعل ودموعهم تسيل هذا يشكو علة وسقما‬
‫وذاك حاجة وفقرا وآخر هما وقلقا عزيز قد ذل وغني افتقر وصحيح مرض‬
‫رجل يتبرم من زوجه وولده وآخر يشكو ويئن من ظلم سيده وثالث كسدت‬
‫وبارت تجارته شاب أو فتاة يبحث عن عروس وطالب يشكو كثرة المتحانات‬
‫والدروس هذا مسحور وذاك مدين وآخر ابتلي بالدمان والتدخين ورابع أصابه‬
‫الخوف ووسوسة الشياطين تلك هي الدنيا تضحك وتبكي وتجمع وتشتت‬
‫م وَلَ‬ ‫ْ‬
‫وا عََلى َ‬
‫ما َفات َك ُْ‬ ‫شدة ورخاء وسراء وضراء وصدق الله العظيم )ل ِك َي َْل ت َأ َ‬
‫س ْ‬
‫خورٍ ( أيها الخوة السؤال الذي‬ ‫ل فَ ُ‬
‫خَتا ٍ‬
‫م ْ‬ ‫ب كُ ّ‬
‫ل ُ‬ ‫ه َل ي ُ ِ‬
‫ح ّ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫ما آَتاك ُ ْ‬
‫حوا ب ِ َ‬
‫فَر ُ‬
‫تَ ْ‬
‫يجب أن يكون؛ هؤلء إلى من يشكون وأيديهم إلى من يمدون يجيبك واقع‬
‫الحال على بشر مثلهم يترددون وللعبيد يتملقون يسألون ويلحون وفي الثناء‬
‫والمديح يتقلبون وربما على السحرة والكهنة يتهافتون نعم والله تؤلمنا‬
‫شكاوي المستضعفين وزفرات المساكين وصرخات المنكوبين وتدمع أعيننا‬
‫يعلم الله لهات المتوجعين وأنات المظلومين وانكسار الملذوعين لكن أليس‬
‫إلى الله وحده المشتكي أليس إلى الله وحده المشتكي أين اليمان بالله أين‬
‫التوكل على الله أين الثقة واليقين بالله‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وإذا عرفت بلية فاصبر لها‬


‫صبر الكريم فإنه بك أرحم‬
‫وإذا شكوت إلى ابن أدم فإنما‬
‫تشكو الرحيم إلى الذي ل يرحم‬
‫ألم نسمع عن أناس كانوا يشكون إلى الله حتى انقطاع شسع نعلهم نعم‬
‫حتى سير النعل كانوا يشكون إلى الله بل كانوا يسألون الله حتى الملح يا‬
‫أصحاب الحاجات أيها المرضى أيها المدينون أيها المكروب والمظلوم أيها‬
‫المعسر والمهموم أيها الفقير والمحروم يا من يبحث عن السعادة الزوجية يا‬
‫من يشكو العقم ويبحث عن الذرية يا من يريد التوفيق في الدراسة‬
‫والوظيفة يا من يهتم لمر المسلمين يا كل محتاج يا من ضاقت عليه الرض‬
‫بما رحبت لماذا ل نشكو إلى الله أمرنا لماذا ل نشكو إلى الله أمرنا وهو‬
‫َ‬
‫م ( لماذا ل نرفع أكف الضراعة إلى الله وهو‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬
‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫القائل )ادعون أ ْ‬
‫ُ‬
‫ن ( لماذا ضعف الصلة بالله‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب د َعْوَة َ الداعي إ َِذا د َ َ‬
‫عا‬ ‫جي ُ‬ ‫بأ ِ‬ ‫ري ٌ‬ ‫القائل )فَإ ِّني قَ ِ‬
‫م(‬ ‫عاؤُك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ما ي َعْب َأ ب ِك ُ ْ‬
‫م َرّبي لوْل د ُ َ‬ ‫ل َ‬ ‫وقله في العتماد على الله وهو القائل )قُ ْ‬
‫لول دعاؤكم أيها المؤمنون أيها المسلمون يا أصحاب الحاجات ألم نقرأ في‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ضّراء ( لماذا ) ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ساء َوال ّ‬ ‫م ِبال ْب َأ َ‬ ‫القرآن قول الحق عز وجل )فَأ َ‬
‫خذ َْناهُ ْ‬
‫ن ( فأين نحن من الشكوى لله أين نحن من اللحاح والتضرع لله‬ ‫عو َ‬‫ضّر ُ‬
‫ي َت َ َ‬
‫سبحان الله ألسنا بحاجة لربنا أنعتمد على قوتنا وحولنا والله ثم والله ل حول‬
‫لنا ول قوة إل بالله والله ل شفاء إل بيد الله ول كاشف للبلوى إل الله ل‬
‫توفيق ول فلح ول سعادة ول نجاح إل من الله العجيب والغريب أيها الخوة‬
‫أن كل مسلم يعلم هذا ويعترف بهذا بل ويقسم على هذا فلماذا إذن تتعلق‬
‫القلوب بالضعفاء والعاجزين ولماذا نشكو إلى الناس ونلجأ للمخلوقين‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سل الله ربك ما عنده‬


‫ول تسأل الناس ما عندهم‬
‫ول تبتغي من سواه الغنى‬
‫وكن عبده ل تكن عبدهم‬
‫فيا من إذا بليت سلك أحبابك وهجرك أصحابك يا من نزلت به نازلة أو حلت‬
‫به كارثة يا من بليت بمصيبة أو بلء ارفع يديك إلى السماء وأكثر الدمع‬
‫والبكاء وألح على الله بالدعاء وقل يا سامعا لكل شكوى " إذا استعنت‬
‫فاستعن بالله وإذا سألت فاسأل الله " وقل يا سامعا لكل شكوى توكل على‬
‫الله وحده وأعلن بصدق أنك عبده واسجد لله بخشوع وردد بصوت مسموع يا‬
‫سامعا لكل شكوى ‪:‬‬
‫أنت الملذ إذا ما أزمة شملت‬
‫وأنت ملجأ من ضاقت به الحيل‬
‫أنت المنادى به في كل حادثة‬
‫أنت الله وأنت الذخر والمل‬
‫أنت الرجاء لمن سدت مذاهبه‬
‫أنت الدليل لمن ضلت به السبل‬
‫إنا قصدناك والمال واقعة‬
‫عليك والكل ملهوف ومبتهل‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إن النبياء والرسل وهم خير الخلق وأحب الناس إلى الله نزل بهم البلء‬
‫واشتد بهم الكرب فماذا فعلوا وإلى من لجئوا ؟ أخي الحبيب أختصر لك‬
‫الجابة إنه التضرع والدعاء والفتقار لرب الرض والسماء إنها الشكاية لله‬
‫وحسن الصلة بالله هذا نوح عليه السلم يشكو أمره إلى الله ويلجأ إلى‬
‫َ‬
‫ب‬‫ن ال ْكْر ِ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جي َْناه ُ وَأهْل َ ُ‬ ‫ن وَن َ ّ‬ ‫جيُبو َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ح فَل َن ِعْ َ‬ ‫قد ْ َناَداَنا ُنو ٌ‬ ‫موله قال تعالى )وَل َ َ‬
‫ظيم ِ ( كانت المناجاة كانت المناجاة فكانت الجابة من الرحمن الرحيم‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫َ‬
‫ظيم ِ (‬ ‫ب ال ْعَ ِ‬ ‫ن ال ْك َْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫جي َْناه ُ وَأهْل َ ُ‬ ‫ه فَن َ ّ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ل َفا ْ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫حا إ ِذ ْ َناَدى ِ‬ ‫وقال )وَُنو ً‬
‫ماء‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماء ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫وا َ‬ ‫حَنا أب ْ َ‬ ‫فت َ ْ‬ ‫صْر ف َ‬ ‫ب فانت َ ِ‬ ‫مغْلو ٌ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫عا َرب ّ ُ‬ ‫وقال عز من قائل )فد َ َ‬
‫مرٍ ( هذا أيوب عليه السلم ابتله الله بالمرض ثمانية عشر عاما حتى أن‬ ‫من ْهَ ِ‬
‫الناس ملوا زيارته لطول المدة فلم يبق معه إل رجلن من إخوانه يزورانه‬
‫لكنه لم ييئس عليه السلم بل صبر واحتسب وأثنى الله عليه فقال )إ ِّنا‬
‫ب ( أواب أي رجاع منيب إلى ربه ظل على‬ ‫وجدناه صابرا ن ِعم ال ْعبد إن َ‬
‫ه أّوا ٌ‬ ‫َ َ َْ ُ َ ِ ً ْ َ َ ْ ُ ِّ ُ‬
‫صلته بربه وثقته به ورضاه بما قسم له توجه إلى ربه بالشكوى ليرفع عنه‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الضر والبلوى قال تعالى )وأ َيوب إذ ْ نادى رب َ‬
‫ح ُ‬ ‫ت أْر َ‬ ‫ضّر وَأن َ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سن ِ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ه أّني َ‬ ‫َ ّ َ ِ َ َ َ ّ ُ‬
‫ن ( فماذا كانت النتيجة قال الحق عز وجل العليم البصير بعباده‬ ‫مي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫الّرا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه فَك َ َ‬ ‫َ‬
‫مث ْلُهم‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫ضّر َوآت َي َْناه ُ أهْل ُ‬ ‫من ُ‬ ‫ما ب ِهِ ِ‬ ‫فَنا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫جب َْنا ل ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫الرحمن الرحيم قال )َفا ْ‬
‫ن ( هذا يونس عليه السلم رفع الشكاية‬ ‫دي َ‬ ‫ْ‬
‫عندَِنا وَذِكَرى ل ِلَعاب ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ةم ْ‬‫م ً‬ ‫ح َ‬ ‫م َر ْ‬ ‫معَهُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أن‬ ‫ضًبا فَظ ّ‬ ‫مَغا ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫ن ِإذ ذهَ َ‬ ‫لله فلم يناج ولم يناد إل الله قال تعالى )وََذا الّنو ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ُ‬
‫حان َك إ ِّني كن ُ‬ ‫َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫ه ِإل أن َ‬ ‫ت أن ل إ ِل َ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫قدَِر عَل َي ْهِ فََناَدى ِفي الظ ّل ُ َ‬ ‫لن ن ْ‬
‫جي‬ ‫َ‬
‫م وَكذ َل ِك ُنن ِ‬ ‫َ‬ ‫ن الغَ ّ‬‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫جي َْناه ُ ِ‬ ‫ه وَن َ ّ‬ ‫َ‬
‫جب َْنا ل ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ن ( فماذا كانت النتيجة ) َفا ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ن ( وذكريا عليه السلم قال الحق عز وجل عنه )وذكريا إ ِذ ْ َناَدى َرب ّ ُ‬
‫ه‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ن ( الذين يشكون العقم وقلة الولد‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫خي ُْر ال ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ب َل ت َذ َْرِني فَْرًدا وَأن َ‬ ‫َر ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ( فماذا كانت‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫خي ُْر ال َ‬ ‫ت َ‬ ‫ب ل ت َذ َْرِني فْرًدا وَأن َ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫)وذكريا إ ِذ ْ َناَدى َرب ّ ُ‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫كاُنوا ي ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ه َزوْ َ‬ ‫حَنا ل َ ُ‬ ‫صل َ ْ‬‫حَيى وأ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ه وَوَهَب َْنا ل َ ُ‬ ‫جب َْنا ل َ ُ‬‫ست َ َ‬ ‫النتيجة ) َفا ْ‬
‫ن ( إذن لماذا استجاب الله‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫كاُنوا ل ََنا َ‬ ‫عون ََنا َرغًَبا وََرهًَبا وَ َ‬ ‫ت وَي َد ْ ُ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ِفي ال ْ َ‬
‫دعاءه لنهم كانوا يسارعون في الخيرات كانوا ل يملون الدعاء بل كان القلب‬
‫ن ؛ خاشعين متذللين‬ ‫شِعي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫كاُنوا ل ََنا َ‬ ‫متصل متعلقا بالله لذلك قال الله عنهم وَ َ‬
‫معترفين بالتقصير فالشكاية تخرج من القلب قبل اللسان يعقوب عليه‬
‫َ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫ن(‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حْزِني إ َِلى الل ّهِ وَأعْل َ ُ‬ ‫كو ب َّثي وَ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫السلم قال )إ ِن ّ َ‬
‫ما ل َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫انظروا إلى اليقين انظروا للمعرفة لرب العالمين )وَأعْل ُ‬
‫ن ( فاستجاب الله دعاه وشكواه ورد عليه يوسف وأخاه وهذا يوسف‬ ‫مو َ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫عليه السلم ابتله الله بكيد النساء فلجأ إلى الله وشكا إليه ودعاه فقال )وَإ ِل ّ‬
‫ف‬‫صَر َ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ه َرب ّ ُ‬ ‫ب لَ ُ‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ن َفا ْ‬ ‫جاهِِلي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫كن م َ‬ ‫ن وَأ َ ُ‬ ‫ب إ ِل َي ْهِ ّ‬‫ص ُ‬ ‫نأ ْ‬
‫ف عَني ك َيدهُ َ‬
‫ْ َ ّ‬ ‫صرِ ْ ّ‬ ‫تَ ْ‬
‫م ( وأخبر الله عن نبينا محمد صلى الله عليه‬ ‫ْ‬
‫ميعُ العَِلي ُ‬ ‫س ِ‬‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ه كي ْد َهُ ّ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫م ( استغاثة لجاءة إلى الله‬ ‫ُ‬
‫ن َرب ّك ْ‬ ‫ست َِغيُثو َ‬ ‫وسلم وأصحابه فقال تعالى )إ ِذ ْ ت َ ْ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م أّني‬ ‫ب لك ْ‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬‫م َفا ْ‬ ‫ن َرب ّك ْ‬ ‫ست َِغيُثو َ‬ ‫شكوى وصلة لله سبحانه وتعالى )إ ِذ ْ ت َ ْ‬
‫َ‬
‫ن ( وهكذا أيها الحبة إننا حينما نستعرض‬ ‫مْردِِفي َ‬ ‫ن الملئكة ُ‬ ‫فم َ‬ ‫كم ب ِأل ْ ٍ‬ ‫مد ّ ُ‬ ‫م ِ‬‫ُ‬
‫حياة الرسل جميعا كما قصها علينا القرآن الكريم نرى أن البتلء والمتحان‬
‫كانا مادتها وماؤها وأن الصبر وحسن الصلة بالله ودوام اللتجاء وكثرة الدعاء‬
‫وحلوة الشكوى كان قوامها وما أشرنا إليه إنما هي نماذج من الستجابة‬
‫للدعاء ومن نظر في كتب السير والتفاسير وقف على شدة البلء الذي‬
‫أصاب النبياء وعلم أن الستجابة جاءت بعد إلحاح ودعاء واستغاثة ونداء إنها‬
‫آيات بينات وبراهين واضحات وتقول بل وتعني أن من توكل واعتمد على الله‬
‫وأحسن الصلة بموله استجاب الله دعاءه وحفظه ورعاه فإن لم يكن ذلك‬
‫في الدنيا كان في الخرة وما عند الله خير وأبقى إنها صفحات من البتلء‬
‫والصبر معروضة للبشرية لتسجل أن ل اعتماد إل على الله وأن ل فارج للهم‬
‫ول كاشف للبلوى إل الله هذا هو طريق الستعلء أن ننظر إلى السماء وأن‬
‫نلح بالدعاء لن الشكوى إلى الله تشعرك بالقوة والسعادة وأنك تأوي إلى‬
‫ركن شديد أما الشكوى إلى الناس والنظر لما في أيدي الناس سيشعرك‬

‫)‪(3 /‬‬

‫بالضعف والذل والهانة والتبعية يا أخا التوحيد أليس هذا أصل من أصول‬
‫التوحيد إن من أصول التوحيد أن تتعلق القلوب بخالقها في وقت الشدة‬
‫والرخاء والخوف والمن والمرض والصحة بل وفي كل حال وزمان وما نراه‬
‫اليوم من تعلق القلوب بالمخلوقين وبالسباب وحدها دون اللجوء إلى الله‬
‫لهو والله نذير خطر لزعزعة عقيدة التوحيد في النفوس أيها الحبة إن‬
‫الشكوى لله والتضرع إلى الله وإظهار الحاجة إليه والعتراف بالفتقار إليه‬
‫من أعظم عرى اليمان وثوابت التوحيد وبرهان ذلك الدعاء واللحاح في‬
‫السؤال والثقة واليقين بالله في كل حال ولقد زخرت كتب السنة بأنواع من‬
‫الدعاء تجعل المسلم على صلة بربه وفي حرز من عدوه يقضي أمره‬
‫ويقضي همه في كل مناسبة دعاء في اليقظة والمنام والحركة والسكون‬
‫قياما وقعودا وعلى الجنوب ابتهال وتضرع في كل ما أهم العبد وهل إلى غير‬
‫الله مفر أم هل إلى غيره ملذ ففي المرض مثل الدعية كثيرة والحاديث‬
‫مستفيضة إليك على سبيل المثال ما أخرجه ]البخاري[ و]مسلم[ من حديث‬
‫]عائشة[ رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أو"‬
‫أن رسول الله كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث فلما اشتد‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عليه بيده رجاء بركتها" وأخرج البخاري ومسلم‬
‫أيضا من حديث عائشة قالت" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا‬
‫اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال ‪ :‬اذهب الباس رب الناس واشف‬
‫أنت الشافي ل شفاء إل شفاؤك شفاء ل يغادر سقما "أي ل يترك سقما وفي‬
‫صحيح مسلم وسنن أبي داود ]والترمذي[ عن ]عثمان بن أبي العاص[ رضي‬
‫الله تعالى عنه أنه شكي رسول الله أو شكي إلى رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم فقال له صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫انظروا لرسول الله لقدوتنا وحبيبنا يربي الناس يربي أصحابه على العتماد‬
‫واللجوء إلى الله فقال له صلى الله عليه وسلم ضع يدك على الذي تألم من‬
‫جسدك ضع يدك الرشاد أول لله التعلق أول بالله لم يرشده أول لطبيب‬
‫حاذق ول بأس بهذا لكن التعلق بالله هو أول " ضع يدك على الذي تألم من‬
‫جسدك وقل بسم الله بسم الله بسم الله ثم قل سبعا أعوذ بعزة الله‬
‫وقدرته من شر ما أجد وأحاذر " وفي رواية امسحه بيمينك سبع مرات وفي‬
‫رواية قال عثمان فقلت ذلك فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر بها أهلي‬
‫وغيرهم ‪.‬سبحان الله اسمعوا لحسن الصلة بالله والتوكل على الله فلم أزل‬
‫آمر بها أهلي وغيرهم أيها المريض اعلم أن من أعظم أسباب الشفاء التداوي‬
‫بالرقى الشرعية من القرآن والدعية النبوية ولها أثر عجيب في شفاء‬
‫المريض وزوال علته لكنها تريد قلبا صادقا وذل وخضوعا لله رددها أنت‬
‫بلسانك فرقيتك لنفسك أفضل وأنجى فأنت المريض وأنت صاحب الحاجة‬
‫وأنت المضطر وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة وما حك جلدك‬
‫مثل ظفرك فتوكل على الله بصدق وألح عليه بدون ملل وأظهر ضعفك‬
‫وعجزك وحالك وفقرك إليه وستجد النتيجة العجيبة إن شاء الله ثقة بالله‬
‫فإلى كل مريض مهما كان مرضه أقول أخي الحبيب شفاك الله وعافاك اعلم‬
‫أن المراض من جملة ما يبتلي الله به عباده والله عز وجل ل يقضي شيئا إل‬
‫وفيه الخير والرحمة بعباده وربما ربما كان مرضك لحكمة لحكمة خفيت‬
‫عليك أو خفيت على عقلك البشري الضعيف وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير‬
‫لكم أيها المحب شفاك الله هل علمت أن للمراض والسقام فوائد وحكم‬
‫أشار ]ابن القيم[ إلى أنه أحصاها فزادت على مائة فائدة وانظر كتاب شفاء‬
‫العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل صفحة خمسة وعشرين‬
‫وخمسمائة أيها المسلم أيها المسلم أسأل الله العظيم رب العرش العظيم‬
‫أن يشفيك ويعافيك هل سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما‬
‫من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إل حط الله به سيئاته كما تحط‬
‫الشجرة ورقها" والحديث متفق عليه من حديث ]ابن مسعود[ وهل سمعت‬
‫أنه صلى الله عليه وسلم زار أم العلء وهي مريضة فقال "لها ابشري يا أم‬
‫العلء فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما يذهب خبث الذهب‬
‫والفضة أو كما تذهب النار خبث الذهب والفضة" والحديث أخرجه ]أبو داود[‬
‫وحسنه ]المنذري[ وقال ]اللباني[ في صحيحه هذا سند جيد قال] ابن عبد‬
‫البر[ رحمه الله الذنوب تكفرها المصائب واللم والمراض والسقام وهذا‬
‫أمر مجتمع عليه ‪.‬انتهى كلمه رحمه الله والحاديث والثار في هذا مأثورة‬
‫ليس هذا مقام بسطها لكن المراد هنا أننا نرى حال بعض الناس إذا مرض‬
‫يفعل كل السباب المادية من ذهاب للطباء وأخذ للدواء وبذل للموال وسفر‬
‫للقريب والبعيد ول شك أن هذا مشروع محمود ولكن المر الغريب أن يطرق‬
‫كل البواب وينسى باب مسبب السباب بل ربما لجأ للسحرة والمشعوذين‬
‫نعوذ بالله من الشرك والمشركين ألم يقرأ في القرآن ) وإذا مرضت فهو‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يشفين ( أيها المريض اعلم أن الشافي الله ول شفاء إل شفاؤه أيها المريض‬
‫بل يا كل مصاب أيا كانت مصيبته هل سألت نفسك لماذا‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ابتلك الله بهذا المرض أو بهذه المصيبة ربما لخير كثير ولحكم ل تعلمها‬
‫ولكن الله يعلمها ألم يخطر ببالك أنه أصابك بهذا البلء ليسمع صوتك وأنت‬
‫تدعوه ويرى فقرك وأنت ترجوه فمن فوائد المصائب استخراج مكنون‬
‫عبودية الدعاء قال أحدهم سبحان من استخرج الدعاء بالبلء وفي الثر "أن‬
‫الله ابتلى عبدا صالحا من عباده وقال لملئكته لسمع صوته" يعني بالدعاء‬
‫واللحاح أيها المريض المرض يريك فقرك وحاجتك إلى الله وأنه ل غنى لك‬
‫عنه طرفة عين فيتعلق قلبك بالله وتقبل عليه بعد أن كنت غافل عنه وصدق‬
‫من قال فربما صحت الجسام بالعلل فارفع يديك ارفع يديك وأسل دمع‬
‫عينيك وأظهر فقرك وعجزك واعترف بذلك وضعفك في رواية عن ]سعيد بن‬
‫عنبسة[ قال بينما رجل جالس وهو يعبث بالحصى ويحذف به إذ رجعت حصاة‬
‫منها عليه فصارت في أذنه فجهدوا بكل حيلة فلم يقدروا على إخراجها‬
‫فبقيت الحصاة في أذنه مدة وهي تؤلمه فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع‬
‫قارئا يقرأ ) أم من يجيب المضطر إذا دعاه ( فقال الرجل يا رب يا رب أنت‬
‫المجيب وأنا المضطر فاكشف عني ضر ما أنا فيه فنزلت الحصاة من أذنه‬
‫في الحال ل تعجب إن ربي لسميع الدعاء إذا أراد شيئا قال له كن فيكون أيها‬
‫المريض إياك وسوء الظن بالله إن طال بك المرض فتعتقد أن الله أراد بك‬
‫سوءا أو أنه ل يريد معافاتك أو أنه ظالم لك فإنك إن ظننت ذلك إنك على‬
‫خطر عظيم أخرج ]المام أحمد[ بسند صحيح في السنة الصحيحة من حديث‬
‫]أبي هريرة[ أنه صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى يقول " أنا عند ظن‬
‫عبدي بي إن ظن خيرا فله وإن ظن شرا فله" يعني ما كان في ظنه فإني‬
‫فاعله به فأحسن الظن بالله تجد خيرا إن شاء الله ل تجزعن إذا نالتك‬
‫موجعة‬
‫ل تجزعن إذا نالتك موجعة‬
‫واضرع إلى الله مسرع نحوك الفرج‬
‫ثم استعن بجميل الصبر محتسبا‬
‫فصب يسرك بعد العسر ينثلج‬
‫فسوف يدرج عنك الهم مرتحل‬
‫وإن أقام قليل سوف يندلج‬
‫هذا في المرض وأطلت فيه لكثرة المرضى وحاجة الناس إلى مثل هذه‬
‫التوجيهات وهي تحتاج إلى دروس ومحاضرات لكن حسبي ما ذكرته الن لن‬
‫الموضوع عام في المصائب واللم ومن المصائب واللم التي يحتاج الناس‬
‫فيها الشكوى إلى الله تراكم الديون وكثرة المعسرين كم من مدين عجز عن‬
‫الوفاء وكم من معسر يعيش في شقاء هم في الليل وذل في النهار أحزان‬
‫وآلم ل يغمض في منام ول يهنأ في طعام طريد للغرماء أو مع السجناء صبية‬
‫صغار وبيت لليجار وزوجة مسكينة ل تدري أتطرق أبواب المحسنين أو‬
‫تسلك طريق الفاسقين هذه الرسالة رسالة مؤلمة من زوجة إلى زوجها في‬
‫السجن بسبب الديون جاء فيها تقول الزوجة ‪ :‬لم أتمتع معك في حياتنا‬
‫الزوجية إل فترة من الزمن حتى غيبوك في غياهب السجون كم سنة غبت‬
‫عني ل أدري ماذا فعل الله بك ول أدري عنك أحي فترجى أم ميت فتنعى‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليتك ترى حالي وحال أولدك ليتك ترى حال صغارك لست أدري هل أخون‬
‫أمانة الله وأمانتك وأطلب الرزق لهؤلء بطرق محرمة وأنا في ذمتك وعهدك‬
‫أم أطلب الطلق ويضيع أولدك إلى آخر الرسالة ذكرها صاحب كتاب نداء‬
‫إلى الدائنين والمدينين وأقول أيها الحبة تصوروا حال هذا الزوج كيف يكون‬
‫وهو يقرأ هذه الكلمات ديون وسجون وهموم وأولد ذل وخضوع للناس‬
‫واسمعوا لهذا الرجل وهو يشكو حاله فيقول أنا رجل سجين علي مبلغ من‬
‫المال وصار لي في السجن أكثر من سنة ونصف ول يقبل خصمي الكفيل‬
‫فأنا معسر وصاحب عائلة فهل يجوز سجني إلى هؤلء وأمثالهم أقول لماذا‬
‫طرقتم البواب كلها ونسيتم باب من" يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن‬
‫يردهما صفرا خائب اليدين "كما في ]أبي داود[ و]الترمذي[ وقال ] أبن حجر[‬
‫سنده جيد قال ] السريقسطي [ كن مثل الصبي إذا اشتهى على أبويه شهوة‬
‫فلم يمكناه قعد يبكي عليهما فكن أنت مثله فإذا سألت ربك ولم يعطك‬
‫فاقعد فابك عليه فاقعد فابكي عليه كما في شعب اليمان ] للبيهقي[ ‪:‬‬
‫ولرب نازلة يضيق بها الفتى‬
‫زرعا وعند الله منها مخرج‬
‫كملت فلما استحكمت حلقاتها ‪...‬‬
‫فرجت وكان يظنها ل تفرج‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ومن الدعية في قضاء الدين ما أخرجه أبي داود في سننه من حديث ]أبي‬
‫سعيد الخدري[ قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم فرأى‬
‫فيه رجل من النصار يقال له أبو أمامة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫إني أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلة قال هموم لزمتني وديون يا‬
‫رسول الله قال صلى الله عليه وسلم أفل أعلمك كلما يعلق القلوب يعلق‬
‫القلوب بالله صلوات الله وسلمه عليه "أفل أعلمك كلما إذا قلته أذهب الله‬
‫همك وقضى عنك دينك قال قلت بلى يا رسول الله قال قل إذا أصبحت وإذا‬
‫أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل‬
‫وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال قال‬
‫ففعلت ذلك فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى عني ديني" وروى‬
‫]البيهقي[ في فضائل العمال عن ]حماد بن سلمة[ عن ] عاصم بن أبي‬
‫إسحاق [ شيخ القراء في زمانه قال أصابتني خصاصة أي حاجة وفاقة فجئت‬
‫إلى بعض إخواني فأخبرته بأمري فرأيت في وجهه الكراهة فخرجت من‬
‫منزله إلى الجبانة أي إلى الصحراء فصليت ما شاء الله تعالى ثم وضعت‬
‫وجهي على الرض وقلت يا مسبب السباب ويا مفتح البواب ويا سامع‬
‫الصوات يا مجيب الدعوات يا قاضي الحاجات اكفني بحللك عن حرامك‬
‫وأغنني بفضلك عمن سواك يلح على الله بهذا الدعاء قال والله ما رفعت‬
‫رأسي حتى سمعت وقعة بقربي فرفعت رأسي فإذا بحدأة طرحت كيسا‬
‫أحمر فأخذت الكيس فإذا فيه ثمانين دينارا وجوهرا ملفوف في قطنه فبعت‬
‫الجواهر بمبلغ عظيم وأفضلت أي أبقيت الدنانير فاشتريت بها عقارا وحمدت‬
‫الله تعالى على ذلك ل نعجب أيها الخوة إن ربي لسميع الدعاء ومن يتوكل‬
‫على الله فهو حسبه ومن الدعية عند الهم والقلق ما أخرجه أحمد في‬
‫المسند من حديث ]عبد الله بن مسعود [ رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم " ما أصاب أحدا قط هم ول حزن فقال اللهم إني‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك‬
‫أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا‬
‫من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي‬
‫ونور صدري وجلء حزني وذهاب همي إل أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه‬
‫فرجا وفي رواية فرحا قال فقيل يا رسول الله أل نتعلمها فقال بلى ينبغي‬
‫لمن سمعها أن يتعلمها" صححه ابن حبان وحسنه ابن حجر كما في الفتوحات‬
‫الربانية أيها الخوة إن النسان منا ضعيف ضعيف فكيف إذا اجتمعت عليه‬
‫الهموم والحزان وشواغل الدنيا ومشاكلها فزادته ضعفا وجعلته فريسة للهم‬
‫والقلق والتمزق النفسي انظروا للعيادات النفسية وكثرة المراجعين لها‬
‫شباب وفتيات في أعمار الزهور أين هؤلء من العتصام بالله والتصال‬
‫والشكوى للذي يقدر أو للذي قدر الهموم والغموم وقضى بالمصائب‬
‫والحزان يتصل به متذلل معترفا بذنبه طارقا بابه مستعينا به مستيقنا بأنه هو‬
‫القادر على كشفها دون سواه وما سواه ؛السباب هو الذي يهيئها ويقدرها‬
‫للعبد إن الله تعالى يقول )خلق النسان ضعيفا( قال ] ابن القيم [ في طريق‬
‫الهجرتين فإنه أي النسان ضعيف البنية ضعيف القوة ضعيف الرادة ضعيف‬
‫العلم ضعيف الصبر‪ ،‬والفات إليه مع هذا أسرع من السيل في طيب الحدوق‬
‫فالضطرار ل بد له من حافظ معين يقويه ويعينه وينصره ويساعده فإن‬
‫تخلى عنه هذا المساعد المعين فالهلك أقرب إليه من نفسه إلى آخر كلمه‬
‫إذن فلنتعلم هذا الحديث كما نصحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن‬
‫فيه خضوعا لله فيه اعتراف بالذل والعبودية لله فيه توسل واستغاثة بجميع‬
‫أسماء الله ما يعرف منها وما ل يعرف ما كتب وما أخفى وأبشر أخي الحبيب‬
‫فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول " ما يصيب المسلم من نصب ول‬
‫وصب ول هم ول حزن ول أذى ول غم حتى الشوكة يشاكها إل كفر الله له بها‬
‫من خطاياه" كم في البخاري ومسلم‬
‫يا صاحب الهم إن الهم منفرج‬
‫أبشر بخير فإن الفارج الله‬
‫إذا بليت فثق بالله وارض به‬
‫إن الذي يكشف البلوى هو الله‬
‫ومن الدعية عند النوازل والفتن والخوف ما أخرجه ] أبو داود والنسائي [‬
‫عن ] أبي موسى [ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول أو كان إذا خاف‬
‫قوما قال " اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم "وكان يقول‬
‫صلى الله عليه وسلم عند لقاء العدو" اللهم أنت عضدي وأنت ناصري بك‬
‫أصول وبك أجول وبك أقاتل" كما عند أبي داود والترمذي وأحمد وفي صحيح‬
‫البخاري من حديث ]ابن عباس[ قال حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم‬
‫عليه السلم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال‬
‫له الناس إن الناس قد جمعوا لكم فإذا كان المحيي والمميت والرزاق هو‬
‫الله فلماذا التعلق بغير الله لماذا التعلق بغير الله ولماذا الخوف من الناس‬
‫وصلى الله عليه وسلم يقول " واعلم أن المة لو اجتمعوا على أن يضروك‬
‫بشيء لن يضروك إل بشيء قد كتبه الله عليك" أيها المسلم ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫أيها الخوة والخوات إن من أعظم البليا وأشد الرزايا ما يصيب المسلمين‬


‫كل يوم من غزو واجتياح وتعديات ومظالم وفقر وتجويع حتى أصاب بعض‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النفوس الضعيفة أصابها اليأس والقنوط والحباط وفقدان الثقة والمل لماذا‬
‫أيها الخوة أليس المر لله من قبل ومن بعد أليس حسبنا الله وكفى بالله‬
‫حسيبا أليس الله بقادر أليس الله أو أليس هو الناصر وكفى بالله نصيرا أل‬
‫يعلم الله مكرهم ألم يقل ) ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين (‬
‫)أليس الله بكاف عبده() أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد( ألم يقل‬
‫) إنا كفيناك المستهزئين ( ألم يقل ) فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم (‬
‫معاشر الخوة اسمعوا وعوا وأعلنوا واعلموا إن مصيبتنا ليست في قوة‬
‫عدونا إنما هي بضعف صلتنا بربنا وضعف ثقتنا وقلة اعتمادنا عليه لنفتش في‬
‫أنفسنا عند وقوعنا في الشدائد والمحن أين الضراعة والشكوى لله أين‬
‫اللجاءة والمناجاة لله ليس شيء أفضل عند الله من الدعاء لن فيه إظهار‬
‫الفقر والعجز والتذلل والعتراف بقوة الله وقدرته وغناه أيها المسلمون نريد‬
‫أن نتعلم فن الدعاء والتذلل والخضوع والبكاء لنعترف بالفقر إليه ولنظهر‬
‫العجز والضعف بين يديه أليس لنا في رسول الله قدوة أليس لنا أسوة أوذي‬
‫أشد الذى وكذب أشد التكذيب اتهم بعرضه وخدشت كرامته وطرد من بلده‬
‫عاش يتيما وافتقر ومن شدة الجوع ربط على بطنه الحجر قيل عنه كذاب‬
‫وساحر ومجنون وشاعر توضع العراقيل في طريقه وسلى الجزور على‬
‫ظهره يشج رأسه وتكسر ثنيته يقتل عمه جمعوا عليه الحزاب وحاصروه‬
‫المشركون والمنافقون واليهود يذهب إلى الطائف ليبلغ دعوته فيقابل‬
‫بالتكذيب والسب والشتم ويطرد ويلحق ويرمى بالحجارة فماذا فعل بأبي‬
‫وأمي صلوات الله وسلمه عليه أين ذهب من يسأل إلى من يشكو إلى ذي‬
‫الجبروت والملكوت إلى القوي العزيز فأعلن صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫الشكوى ورفع يديه بالنجوى دعا وألح وبكى وتظلم وتألم وشكا لكن اسمع‬
‫لفن الشكوى وإظهار الضعف والعجز والفتقار منه صلى الله عليه وسلم قال‬
‫" اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم‬
‫الراحمين إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري إن لم‬
‫تكن ساخطا علي فل أبالي غير أن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الكريم‬
‫الذي أضاءت له السماوات وأشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا‬
‫والخرة أن تحل علي غضبك أو تنزل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ول‬
‫حول ول قوة إل بك " هكذا كان صلى الله عليه وآله وسلم ضراعة ونجوى‬
‫لربه والحديث أخرجه ]الطبراني[ كما في الكبير وقال ]الهيثمي[ في المجمع‬
‫رواه الطبراني وفيه ]ابن إسحاق[ وهو مدلس ثقة ورجاله ثقات ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫أيها الخوة لماذا نشكو إلى الناس ونبث الضعف والهوان والهزيمة النفسية‬
‫في مجالسنا وننسى أو نتكاسل عن الشكوى لمن بيده المر من قبل ومن‬
‫بعد ) قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا‬
‫من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ( أليس‬
‫فينا من بينه وبين الله أسرار أليس فينا أيها الحبة أشعث أغبر ذي طمرين لو‬
‫أقسم على الله لبره أليس فينا من يرفع يديه إلى الله في ظلمة الليل‬
‫يسجد ويركع ينتحب إلى الله يرفع الشكوى إلى الله فلنشكو إلى الله ولنقوي‬
‫الصلة بالله والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس ل يعلمون ومن الدعية‬
‫في المصيبة والكرب والشدة والضيق ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث‬
‫ابن عباس رضي الله تعالى عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول عند الكرب ل إله إل الله العظيم الحليم ل إله إل الله رب العرش‬
‫العظيم ل إله إل الله رب السماوات ورب الرض رب العرش الكريم" وفي‬
‫رواية كان إذا أحزبه أمر قال ذلك قال] النووي[ في شرح مسلم هو حديث‬
‫جليل ينبغي العتناء به والكثار منه عند الكرب والمور العظيمة قال الطبري‬
‫كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب وأخرج] أبو داود[ و]أحمد [عن‬
‫]أبي بكرة [ رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "‬
‫دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو فل تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح‬
‫لي شأني كله ل إله إل أنت " حسنه ] ابن حجر[ كما في الفتوحات الربانية‬
‫و] اللباني [ كما في صحيح الجامع وأخرج ] الترمذي ] و] أحمد [ عن ] سعد‬
‫بن أبي وقاص[ رضي الله تعالى عنه قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم دعوة ]ذي النون [إذ دعا وهو في بطن الحوت ) ل إله إل أنت سبحانك‬
‫إني كنت من الظالمين ( فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إل‬
‫استجاب الله له حسنه ]ابن حجر[ كما في الفتوحات وصححه اللباني كما‬
‫في صحيح الجامع لما قالها ]يونس [عليه السلم وهو في بطن الحوت قال‬
‫الله عز وجل ) فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين( قال‬
‫]ابن كثير[ في تفسيره ) وكذلك ننجي المؤمنين (أي إذا كانوا في الشدائد‬
‫ودعونا منيبين إلينا ول سيما إذا دعوا بهذا الدعاء في حال البلء فقد جاء‬
‫الترغيب في الدعاء فيها عن سيد النبياء انتهى كلمه ‪.‬‬
‫وأخرج مسلم في صحيحه من حديث ] أم سلمة [ رضي الله تعالى عنها أنها‬
‫قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما من مسلم تصيبه‬
‫مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي‬
‫واخلف لي خيرا منها إل أخلف الله له خيرا منها قالت فلما مات أبو سلمة‬
‫قلت أي قالت في نفسها أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر‬
‫إلى رسول الله ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم " إذن فالسترجاع ملجأ وملذ لذوي المصائب ومعناه باختصار إن لله‬
‫توحيد وإقرار بالعبودية والملك وإنا لله وإنا إليه راجعون إقرار بأن الله‬
‫يمسكنا ثم يبعثنا إذا ً فالمر كله لله فل ملجأ منه إل إليه والله عز وجل يقول‬
‫) وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون‬
‫أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ( ‪.‬‬
‫وإليكم أيها الحبة إليكم أمثلة ومواقف للذين لجئوا إلى حصن اليمان وسلح‬
‫الدعاء وأدركوا أن المفزع بعد اليمان هو الدعاء؛ السلح الذي يستدفع به‬
‫البلء ويرد به شر القضاء عن ] أصبغ بن زيد [ قال مكثت أنا ومن عندي ثلثا‬
‫لم نطعم شيئا أي من الجوع فخرجت إلى ابنتي الصغيرة وقالت يا أبت‬
‫الجوع؛ تشكو الجوع قال فأتيت الميضأة انظروا إلى من اللجاءة انظروا إلى‬
‫من يلجئون فأتيت الميضأة وتوضأت وصليت ركعتين وألهمت دعاء دعوت به‬
‫في آخره اللهم افتح على منك رزقا ل تجعل علي لحد منة ول لك علي في‬
‫الخرة فيه تبعة برحمتك يا أرحم الراحمين ثم انصرفت إلى البيت فإذا بابنتي‬
‫الكبيرة قد قامت إلي وقالت يا أبه جاء رجل يقول إنه عمي بهذه الصرة من‬
‫الدراهم وبحمال عليه دقيق وحمال عليه من كل شيء في السوق وقال‬
‫أقرئوا أخي السلم وقولوا له إذا احتجت إلى شيء فادع بهذا الدعاء تأتك‬
‫حاجتك قال أصبغ بن زيد والله ما كان لي أخ قط ول أعرف من كان هذا‬
‫القائل ولكن الله على كل شيء قدير‬
‫فقلت للفكر لما صار مضطربا‬
‫وحارني الصبر والتفريط والجلد‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دعها سماوية تجري على قدر‬


‫ل تعترضها بأمر منك تنفسد‬
‫تحفني بخفي اللطف خالقنا‬
‫نعم الوكيل ونعم العون والمدد‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وعن ]شقيق[ ‪....‬قال كنت في بيتي قاعدا فقال لي أهلي قد ترى ما بهؤلء‬
‫الطفال من الجوع ول يحل لك أن تحمل عليهم ما ل طاقة لهم به قال‬
‫فتوضأت نرجع إلى السبب الذي كانوا يدورون حوله رضي الله تعالى عنهم‬
‫وتوضأت وكان لي صديق ل يزال يقسم علي بالله إن يكن لي حاجة أعلمه‬
‫بها ول أكتمها عنه فخطر ذكره ببالي فلما خرجت من المنزل مررت‬
‫بالمسجد فذكرت ما روي عن ]أبي جعفر[ قال من عرضت له حاجة إلى‬
‫مخلوق فليبدأ فيها بالله فليبدأ فيها بالله بالله عز وجل قال فدخلت المسجد‬
‫فصليت ركعتين فلما كنت في التشهد أفرغ علي النوم فرأيت في منامي أنه‬
‫قيل يا شقيق أتدل العباد على الله ثم تنساه يا شقيق أتدل العباد على الله‬
‫ثم تنساه قال فاستيقظت وعلمت أن ذلك تنبيه نبهني به ربي فلم أخرج من‬
‫المسجد حتى صليت العشاء الخرة ثم تركت الذهاب لصاحبي وتوكلت على‬
‫الله وانصرفت إلى المنزل فوجدت الذي أردت أن أقصد قد حركه الله‬
‫وأجرى لهلي على يديه ما أغناهم إن ربي لسميع الدعاء فل نعجب أيها الحبة‬
‫) ومن يتوكل على الله فهو حسبه ( واسمع لدعاء] ابن القيم [ بالفاتحة يقول‬
‫ومكثت بمكة مدة يعتريني أدواء ل أجد لها طبيبا ول دواء فكنت أعالج نفسي‬
‫بالفاتحة فأرى لها تأثيرا عجيبا فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألما فكان كثير‬
‫منهم يبرأ سريعا ذكر ذلك في الجواب الكافي وذكره أيضا في زاد المعاد‬
‫وفي حديث ]أبي سعيد الخدري[ المتفق عليه لما قرأ على سيد الحي الفاتحة‬
‫قال فكأنما نشط من عقال فهذا يشهد أيضا بفضل الفاتحة ‪.‬‬
‫ومن المواقف الجميلة في الدعاء المواقف الطريفة أنه كان ]لسعيد بن‬
‫جبير[ ديك كان يقوم من الليل لصياحه فلم يصح ليلة من الليالي حتى أصبح‬
‫ل قيام الليل فشق عليه ذلك فقال ما له‬ ‫ل سعيد تلك الليلة أي لم يص ّ‬
‫فلم يص ّ‬
‫قطع الله صوته يعني الديك وكان سعيد مجاب الدعوة فما سمع للديك صوت‬
‫بعد ذلك الدعاء فقالت أم سعيد يا بني ل تدع على شيء بعدها ذكر ذلك‬
‫]الذهبي[ في السير وذكر أحد الدعاة في بعض رسائله أن رجل من العباد‬
‫كان مع أهله في الصحراء في جهة البادية وكان عابدا قانتا ذاكرا منيبا لله‬
‫قال فانقطعت المياه المجاورة لنا وذهبت ألتمس ماء لهلي فوجدت أن‬
‫الغدير قد جف فعدت إليهم ثم التمسنا الماء يمنة ويسرة فلم نجد ولو قطرة‬
‫وأدركنا الظمأ واحتاج أطفالي إلى الماء فتذكرت رب العزة سبحانه القريب‬
‫المجيب فقمت فتيممت واستقبلت القبلة وصليت ركعتين ثم رفعت يدي‬
‫وبكيت وسالت دموعي وسألت الله بإلحاح وتذكرت قوله ) أم من يجيب‬
‫المضطر إذا دعاه ( قال والله وما هو أل أن قمت من مقامي وليس بالسماء‬
‫من سحاب ول غيم وإذا بسحابة قد توسطت مكاني ومنزلي في الصحراء‬
‫واحتكمت على المكان ثم أنزلت ماءها فامتلت الغدران من حولنا وعن‬
‫يميننا وعن يسارنا فشربنا واغتسلنا وتوضأنا وحمدنا الله سبحانه وتعالى ثم‬
‫ارتحلت قليل خلف هذا المكان وإذا الجدب والقحط فعلمت أن الله ساقها‬
‫طوا‬‫ما قَن َ ُ‬
‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ل ال ْغَي ْ َ‬
‫ث ِ‬ ‫ذي ي ُن َّز ُ‬
‫لي بدعائي فحمدت الله عز وجل )وَهُوَ ال ِ‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ميد ُ ( وذكر أيضا أن رجل مسلما ذهب إلى إحدى‬ ‫ي ال ْ َ‬


‫ح ِ‬ ‫ه وَهُوَ ال ْوَل ِ ّ‬
‫مت َ ُ‬
‫ح َ‬ ‫وََين ُ‬
‫شُر َر ْ‬
‫الدول والتجأ بأهله إليها وطلب بأن تمنحه الجنسية قال فأغلقت في وجهه‬
‫البواب وحاول هذا الرجل كل المحاولة قال واستفرغ جهده وعرض المر‬
‫على كل معارفه فبارت الحيل وسدت السبل ثم لقي عالما ورعا فشكا إليه‬
‫الحال قال له عليك بالثلث الخير من الليل ادع مولك فإنه الميسر سبحانه‬
‫وتعالى قال هذا الرجل فوالله لقد تركت الذهاب إلى الناس وطلب‬
‫الشفاعات وأخذت أداوم على الثلث الخير كما أخبرني ذلك العالم وكنت‬
‫أهتف لله في السحر وأدعوه فما هو إل بعد أيام وتقدمت بمعروض عادي‬
‫ولم أجعل بيني وبينهم واسطة فذهب هذا الخطاب وما هي إل أيام وفوجئت‬
‫بالبيت أني أدعى وأسلم الجنسية وكانت لي ظروف صعبة إن الله سميع‬
‫مجيب ولطيف قريب لكن التقصير منا ل بد أن نلح على الله وندعوه وأبشروا‬
‫إن ربي لسميع الدعاء ‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وأذكر أيها الخوة أذكر أن طالبا متميزا في دراسته حصل له ظرف في ليلة‬
‫امتحان إحدى المواد ولم يستطع أن يذاكر جميع المنهج المقرر للمادة إل‬
‫بقدر الثلث فاهتم واغتم وضاقت عليه نفسه ولم يستطع الفادة من باقي‬
‫الوقت لقتراب النفس وطول المنهج فما كان منه إل أن توضأ وصلى ركعتين‬
‫وألح على الله بأسمائه وصفاته وباسمه العظم يقول الطالب فدخلت قاعة‬
‫المتحان ووزعت أوراق السئلة وقبل أن أنظر فيها دعوت الله عز وجل‬
‫ورددت بعض الذكار ثم قلبت الورقة فإذا السئلة أكثرها من ذلك الثلث الذي‬
‫درسته فبدأت بالجابة ففتح الله علي فتحا عجيبا لم أكن أتصوره ولكن ربي‬
‫سميع مجيب فإلى كل الطلب والطالبات أقول لماذا غفلتم عن الدعاء‬
‫والشكوى لله وأنتم تشكون لبعضكم وتذكرون وتتوجعون لماذا يعتمد الكثير‬
‫منكم على نفسه وذكائه بل ربما اعتمد البعض على الغش والحتيال إن‬
‫النفس مهما بلغت من الكمال والذكاء فإنها ضعيفة وهي عرضة للغفلة‬
‫والنسيان نعم لنفعل السباب ولنحفظ ولنذاكر ونجتهد ولكنها كلها ل شيء إن‬
‫لم يعنك الله ويفتح عليك ول حول ول قوة إل بالله في كل شيء فهل طلبت‬
‫العون من الله توكل على الله وافعل السباب وارفع يديك إلى السماء وقل‬
‫يا سامعا لكل شكوى وأظهر ضعفك وفقرك لله وسترى النتائج بإذن الله‬
‫وأنت أيها المدرس والمدرسة بل يا كل داعية لماذا نعتمد على أنفسنا‬
‫الضعيفة في التوجيه والتعليم هب أننا أعددنا الدرس جيدا وفعلنا كل السباب‬
‫هل يكفي هذا لعلك تسأل ما بقي أقول هل سألت الله العون والتوفيق عند‬
‫تحضير الدرس هل سألت الله أن يفتح لك القلوب وأن يبارك في كلماتك‬
‫وأن ينفع بها هل سألت الله العون والتوفيق وأنت تلقي الدرس هل دعوت‬
‫لطلبك أن يبارك الله لهم وأن ينفع بهم وأن يصلحهم وأن ييسر عليهم هذه‬
‫بعض المثلة والمواقف وما يعرف ويحكى أكثر وأكثر ولكننا نريد العمل‬
‫والتطبيق ‪ ،‬تنبيه مهم فكثير من الناس إذا وقع في شدة عمد إلى الحرام‬
‫كمن يذهب للسحرة والكهان أو يتعامل بالربا والحرام فإذا نصح أو ذكر قال‬
‫إنه مضطر أو كما يقول البعض ليس من رجله في النار كمن رجله في الماء‬
‫ولعلي أيها الحبيب أذكرك بآية ربما أنك نسيتها في خضم المصيبة والشدة‬
‫التي وقعت فيها إن الله عز وجل يقول ) أم من يجيب المضطر إذا دعاه‬
‫ويكشف السوء ( والمضطر الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الدهر ؛إلى اللجوء والتضرع إلى الله كما يقول ]الزمخشري[ وأنت أيها الخ‬
‫أو أيتها الخت تذكر أنك مضطر والمضطر وعده الله بالجابة حتى وإن كان‬
‫فاسقا فإذا كان الله أجاب دعوة المشركين عند الضطرار فإن إجابته‬
‫للمسلمين مع تقصيرهم من باب أولى ‪.‬‬
‫جاء رجل إلى ]مالك بن دينار[ فقال أنا أسألك بالله أن تدعو لي فأنا مضطر‬
‫فقال له فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا دعاه فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا‬
‫دعاه إن الله عز وجل قد ذم من ل يستكين له ول يتضرع إليه عند الشدائد‬
‫وانتبهوا أيها الحبة ل بد من الضراعة والستكانة لله عند الشدة كما أخبر الله‬
‫فقال عز من قائل ) ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون‬
‫( أي لو استكانوا لربهم وتضرعوا لكان أمرا آخر فكيف بحال من يقع في‬
‫الشرك والحرام عند البلء والشدة فيزيد الطين بلة كيف يريد الشفاء أو‬
‫انكشاح البلء وهو يطلبه من مخلوقين مثله ضعفاء ‪.‬‬
‫قال بعض السلف قرأت في بعض الكتب المنزلة يقول الله عز وجل "يؤمل‬
‫غيري للشدائد والشدائد بيدي وأنا الحي القيوم ويرجى غيري ويطرق بابه‬
‫بالبكورات‬
‫وبيدي مفاتيح الخزائن وبابي مفتوح لمن دعاني من ذا الذي أملني لنائبة‬
‫فقطعت به أو من الذي رجاني لعظيم فقطعت رجاءه ومن ذا الذي طرق‬
‫بابي فلم أفتحه له أنا غاية المال فكيف تنقطع المال دوني أبخيل أنا‬
‫فيبخلني عبدي أليست الدنيا والخرة والكرم والفضل كله لي فما يمنع‬
‫المؤملون أن يؤملوني ولو جمعت أهل السماوات وأهل الرض ثم أعطيت‬
‫كل واحد منهم ما أعطيت الجميع وبلغت كل واحد منهم أمله لم ينقص ذلك‬
‫من ملكي عضو ذرة وكيف ينقص ملك أنا قيومه فيا بؤسا للقانطين من‬
‫رحمتي ويا بؤسا لمن عصاني ووثب على محارمي "ذكر ذلك ]ابن رجب[ في‬
‫نور القتباس والسرائيليات يعتبر بها ول يعتمد عليها كما يقول شيخ‬
‫السلم] ابن تيميه[ رحمه الله ‪.‬‬
‫أيها الخوة إن الله يحب أن يسأل ويغضب على من ل يسأله فإنه يريد من‬
‫عباده أن يرغبوا إليه ويسألوه ويدعوه ويفتقروا إليه ويحب الملحين في‬
‫الدعاء بل وينادي في كل ليلة هل من سائل فأعطيه وهل من داع فأستجيب‬
‫له فأين المضطرون أين أصحاب الحاجات أين من وقع في الشدائد والكربات‬
‫‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫معاشر الخوة والخوات اقرءوا وانظروا في حادث الفك وفي حديث الثلثة‬
‫أصحاب الغار وحديث المقترض الذي وضع المال في الخشبة وألقاها في‬
‫البحر وحديث الثلثة الذين خلفوا وغيرها من القصص النبوي في الصحاح‬
‫والسنن فرج عنهم لسؤالهم لله وإلحاحهم بالدعاء رفعوا أيديهم إلى الله‬
‫وأعلنوا الذل والخضوع لله وهذا الذل ل يصلح إل لله لحبيبه وموله‬
‫ذل الفتى في الحب مكرمة وخضوعه لحبيبه شرف‬
‫فالعبودية لله عز ورفعة ولغيره ذل ومهانة وفي سؤال الله عبودية عظيمة‬
‫لنها إظهار للفتقار إليه واعتراف بقدرته على قضاء الحوائج‬
‫فإذا ابتليت ببذل وجهك سائل‬
‫فابذله للمتكرم المفضال‬
‫كان ]يحيى بن معاذ[ يقول يا من يغضب على من ل يسأله ل تمنع من قد‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سألك وكان ]بكر المزني [يقول من مثلك يا ابن آدم متى شئت تطهرت ثم‬
‫ناجيت ربك ليس بينك وبينه حجاب ول ترجمان وسأل رجل بعض الصالحين‬
‫أن يشفع له في حاجة إلى بعض المخلوقين فقال له أنا ل أطرق بابا مفتوحا‬
‫وأذهب إلى باب مغلق هكذا فلتكن الثقة بالله والتوكل على الله وقبل الختام‬
‫وحتى نصل إلى ما نريد من فن الشكوى وحسن النجوى تنبه لهذه التوجيهات‬
‫‪:‬‬
‫أول ‪ :‬الدعاء له آداب وشروط ل بد من تعلمها والحرص عليها واسمع لهذا‬
‫الكلم الجميل النفيس ]لبن القيم[ رحمه الله قال وإذا جمع العبد مع الدعاء‬
‫حضور القلب وصادف وقتا من أوقات الجابة وخشوعا في القلب وانكسارا‬
‫بين يدي الرب وذل له وتضرعا ورقة واستقبل الداعي القبلة وكان على‬
‫طهارة ورفع يديه إلى الله وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنى بالصلة على‬
‫رسول الله ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والستغفار ثم دخل على الله وألح‬
‫عليه في المسألة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل إليه بأسمائه وصفاته‬
‫وتوحيده وقدم بين يدي دعاءه صدقة فإن هذا الدعاء ل يكاد يرد أبدا ول سيما‬
‫إذا صادف الدعية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها مظنة الجابة‬
‫وأنها متضمنة السم العظم انتهى بتصرف من الجواب الكافي لبن القيم‬
‫صفحة تسعة عشر ‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬الصدقة وقد أكد عليها ابن القيم في كلمه السابق ولها أثر عجيب في‬
‫قبول الدعاء بل وفعل المعروف أيا كان فصنائع المعروف تقي مصارع السوء‬
‫كما قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وبعضهم يرفعه إلى النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم والله عز وجل يقول عن يونس عليه السلم ) فلول أنه‬
‫كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ( ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬عليك بالصبر وإياك واليأس والقنوط وفي هذا توجيهات ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬أعلم أن الدعاء عبادة ولو لم يتوفر لك من دعاءك إل الجر على هذا‬
‫الدعاء بعد إخلصك لله عز وجل فيه لكفى ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن تعلم أن الله أعلم بمصلحتك منك فيعلم سبحانه أن مصلحتك بتأجيل‬
‫الجابة أو عدمها ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬ل تجزع من عدم الجابة فربما دفع عنك بهذا الدعاء شرا كان سينزل‬
‫بك فعن ]عبادة بن الصامت[ رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال "ما على الرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إل أتاه الله‬
‫إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم فقال رجل‬
‫من القوم إذن نكثر قال الله أكثر" رواه ]الترمذي[ وقال حديث حسن صحيح‬
‫ورواه ]الحاكم[ من رواية ]أبي سعيد[ وزاد فيه أو يدخر له من الجر مثلها ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬ربما كان عدم الجابة أو تأخيرها امتحان لصبرك وتحملك وجلدك هل‬
‫تستمر في الدعاء وفي هذه العبادة أم تستحسر وتمل وتترك الدعاء ففي‬
‫الحديث عن [أبي هريرة [ رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قال "يستجاب لحدكم ما لم يعجل أو ما لم يعجل يقول قد‬
‫دعوت ربي ولم يستجب لي "متفق عليه وفي جزء من رواية ابن مسلم قيل‬
‫يا رسول الله ما الستعجال قال يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب‬
‫لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬أن تلقي باللوم على نفسك وهي من أهمها أن تلقي باللوم على‬
‫نفسك فقد يكون سبب عدم الجابة وقوعك أنت في بعض المعاصي أو‬
‫التقصير أو إخللك في الدعاء أو تعديك فيه فمن أعظم المور أن تتهم نفسك‬
‫بالتقصير وتنسب عدم الجابة لنفسك فهذا من أعظم الذل والفتقار لله‪،‬‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واسمع أيضا لهذا الكلم الجميل النفيس ]لبن رجب[ رحمه الله في نور‬
‫القتباس يقول إن المؤمن إذا استبطأ الفرج ويئس منه ول سيما بعد كثرة‬
‫الدعاء وتضرعه ولم يظهر له أثر الجابة رجع إلى نفسه باللئمة يقول لها إنما‬
‫أوتيت من قبلك ولو كان فيك خير لجبت وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير‬
‫من الطاعات فإنه يوجب انكسار العبد لموله واعترافه له بأنه ليس بأهل‬
‫لجابة دعائه فلذلك يسرع إليه حينئذ بإجابة الدعاء وتفريج الكرب فإنه تعالى‬
‫عند المنكسرة قلوبهم من أجله وعلى قدر الكسر يكون الجبر انتهى كلمه‬
‫رحمه الله ‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫رابعا ‪ :‬من التوجيهات الساسية تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة‬
‫قال ]سلمان الفارسي[ ‪ :‬إذا كان للرجل دعاء في السراء فنزلت به ضراء‬
‫فدعا الله عز وجل قالت الملئكة صوت معروف فشفعوا له وإذا كان ليس‬
‫له دعاء في السراء فنزلت به ضراء فدعا الله عز وجل قالت الملئكة صوت‬
‫ليس بمعروف فل يشفعون له ذكر ذلك ابن رجب ‪.‬‬
‫أيها الخوة وأنا أتأمل في حديث الثلثة؛ أصحاب الغار وهم يدعون ويتوسلون‬
‫إلي الله بصالح أعمالهم وأخلصها لله أقول في نفسي وأفتش فيها أين ذلك‬
‫العمل الصالح الخالص لله الخالي من حظوظ النفس الذي سألجأ إلى الله‬
‫فيه عند الشدة فلنرجع إلى أنفسنا ولنسألها مثل هذا السؤال لنبحث في‬
‫أعمالنا وعن الخلص لله فيها ولنكن على صلة بالله في الرخاء وصدق من‬
‫قال‬
‫إذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ذخرا يكون كصالح العمال ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬إن اليمان بالقضاء والقدر ركن من أركان اليمان بالله تعالى وفيه‬
‫اطمئنان للنفس وراحة للقلب فاعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما‬
‫أخطأك لم يكن ليصيبك وتذكر دائما أن كل شيء بقضاء وقدر وأنه من عند‬
‫الله ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬احرص على أكل الحلل احرص على أكل الحلل فهو شرط من‬
‫شروط إجابة الدعاء وفي الحديث "ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر‬
‫يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه‬
‫حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له "أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة‬
‫فالله الله بالحلل فإن له أثرا عجيبا في إجابة الدعاء ربما قصرنا في وظائفنا‬
‫أي نوع من التقصير وكان ذلك التقصير سببا في رد الدعاء وإجابته فلنتنبه‬
‫إلى هذا أيها الحبة ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬وأخيرا في التوجيهات حتى تكون مجاب الدعوة إن شاء الله أكثر من‬
‫الستغفار في الليل والنهار فلو لم يكن فيه إل قول الحق عز وجل ) فقلت‬
‫استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال‬
‫وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ( فأين من يشكو الفقر والعقم‬
‫والقحط عن هذه الية هذه توجيهات سبع انتبه لها قبل أن ترفع يديك إلى‬
‫السماء لتكن إن شاء الله مجابا للدعاء‪.‬‬
‫إلى كل مصاب ومنكوب وإلى كل من وقع بشدة وضيق أقول اطمئنوا فقد‬
‫سبقكم أناس في هذا الطريق وما هي إل أيام سرعان ما تنقضي‪ .‬في الكتب‬
‫المصنفة في الفرج بعد الشدة ]للتنوخي[ و]ابن أبي الدنيا[ و]السيوطي[‬
‫وغيرهم مئات القصص لمن مرضوا أو افتقروا أو عذبوا أو شردوا أو حبسوا‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أو عذبوا فجاءهم الفرج ساقه لهم السميع المجيب فلك في المصابين أسوة‬
‫قال ابن القيم في زاد المعاد كلما جميل أيضا ً فاسمع قال ومن علج المصيبة‬
‫أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأصحاب المصائب وليعلم أنه في كل واد‬
‫بنو سعد ولينظر يمنة فهل يرى إل محنة ثم ليعطف يسرة فهل يرى إل‬
‫حسرة وأنه لو فتش العالم لن يرى فيهم إل مبتلى إما بفوت محبوب أو‬
‫حصول مكروه وأن سرور الدنيا أحلم نوم أو كظل زائل إن أضحكت قليل‬
‫أبكت كثيرا وإن سرت يوما ساءت دهرا وإن متعت قليل منعت طويل وما‬
‫ملئت دارا حبرة أي سعادة إل ملتها عبرة ول سرته في يوم بسرور إل خبأت‬
‫له يوم شرور انتهى كلمه رحمه الله‪.‬‬
‫فيا أيها الخوة والخوات أحصوا القرآن والحاديث في كتب السنة والقصص‬
‫والمواقف في كتب الفرج بعد الشدة والحداث والعبر في واقعنا المعاصر‬
‫جميعها تخبرنا أن الشدائد مهما طالت ل تدوم على أصحابها ‪.‬‬
‫إذا اشتملت على اليأس القلوب‬
‫وضاقت بها الصدر الرحيب‬
‫وأوطنت المكاره واطمئنت ‪...‬‬
‫وأرست في أماكنها الخطوب‬
‫ولن ترى لنكشاف الضر وجها‬
‫ول أغني بحيلته الريب‬
‫أتاك على قنوط منك غوث‬
‫‪ ...‬يجيئ به القريب المستجيب‬
‫وكل الحادثات إذا تناهت‬
‫فموصول بها الفرج القريب‬
‫ولو لم يكن في المصائب والبليا إل أنها سبب لتكفير الذنوب وكسر لجماح‬
‫النفس وغرورها ونيل للثواب بالصبر عليها وتذكير بالنعمة التي غفل عن‬
‫شكرها وهي تذكر العبد بذنوبه فربما تاب وأقلع عنها وهي تجلب عطف‬
‫الناس ووقوفهم مع المصاب بل من أعظم ثمار المصيبة أن يتوجه العبد بقلبه‬
‫إلى الله ويقف ببابه ويتضرع إليه فسبحان مستخلف الدعاء بالبلء فالبلء‬
‫يقطع قلب المؤمن عن اللتفات إلى المخلوقين ويوجب له القبال على‬
‫الخالق وحده وهذا هو الخلص والتوحيد فإذا علم العبد أن هذه من ثمار‬
‫المصيبة أنس بها وارتاح ولم ينزعج ولم يقنط فإلى ذوي المصائب والحاجات‬
‫والشدائد والكربات إن منهج القرآن يقول وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير‬
‫لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم بل اسمعوا لهذه الية العجيبة ففيها‬
‫عزاء وتطمين لكل المسلمين قال تعالى ‪ ) :‬فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل‬
‫الله فيه خيرا كثيرا ( فلماذا التسخط والجزع والشكوى والنين فلعل فيما‬
‫حصل خير لك فتفاءل وأبشر واعتمد على الله وارفع يديك إلى السماء وقل‬
‫يا سامعا لكل شكوى وأحسن الظن بالله وقل ‪:‬‬
‫صبرا جميل ما أسرع الفرج‬
‫من صدق الله في المور نجا‬
‫من خشي الله لم ينله أذى‬
‫ومن رجا الله كان حيث رجا‬

‫)‪(12 /‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الكلمات كلمات لتسلية المحزونين وتفريج كرب الملذوعين وهي عزاء‬
‫للمصابين وتطييب للمنكسرين أسأل الله أن ينفع بها المسلمين وأن يغفر لي‬
‫ولكم أجمعين ‪.‬‬
‫فيا سامعا لكل شكوى ويا عالما بكل نجوى يا سابغ النعم ويا دافع النقم ويا‬
‫فارج الغمم ويا كاشف الظلم ويا أعدل من حكم ويا حسيب من ظلم ويا ولي‬
‫من ظلم يا من ل تراه العيون ول تخالطه الظنون ول يصفه الواصفون ول‬
‫تغيره الحوادث ول الدهور يعلم مثاقيل الجبال ومكاييل البحار وعدد قطر‬
‫المطار وعدد ورق الشجار وعدد ما يظلم عليه الليل ويشرق عليه النهار كم‬
‫من نعمة أنعمت بها علينا قل لك عندها شكرنا وكم من بلية ابتليتنا بها قل‬
‫عندها صبرنا فيا من قل عند نعمته شكرنا فلم يحرمنا ويا من قل عند بلئه‬
‫صبرنا فلم يخذلنا اقذف في قلوبنا رجاءك اللهم اقذف في قلوبنا رجاءك‬
‫واقطع رجاءنا عمن سواك حتى ل نرجو أحدا غيرك‬
‫اللهم إنا نسألك إيمانا ثابتا ويقينا صادقا حتى نعلم أنه لن يصيبنا إل ما كتبت‬
‫لنا اللهم ل نهلك وأنت رجاؤنا احرسنا بعينك التي ل تنام وبركنك الذي ل يرام‬
‫يا سامعا لكل شكوى ويا عالما بكل نجوى يا كاشف كربتنا ويا مستمع دعوتنا‬
‫ويا راحم عبرتنا ويا مقيل عثرتنا يا رب البيت العتيق اكشف عنا وعن‬
‫المسلمين كل شدة وضيق واكفنا والمسلمين ما نطيق وما ل نطيق اللهم‬
‫فرج عنا وعن المسلمين كل هم وغم وأخرجنا والمسلمين من كل حزن‬
‫وكرب يا فارج الهم يا كاشف الغم يا منزل القطر يا مجيب دعوة المضطر يا‬
‫سامعا لكل شكوى احفظ إيماننا وأمن هذه البلد ووفق ولة المر لما فيه‬
‫صلح السلم والعباد يا كاشف كل ضر وبلية ويا عالم كل سر وخفية نسألك‬
‫فرجا قريبا للمسلمين وصبرا جميل للمستضعفين يا ذا المعروف الذي ل‬
‫ينقضي أبدا ويا ذا النعم التي ل تحصى عددا أسألك أن تصلي على محمد‬
‫وعلى آل محمد أبدا اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن ل إله إل أنت نستغفرك‬
‫ونتوب إليك ‪.‬‬
‫****************************‬
‫التقياء‬

‫)‪(13 /‬‬

‫من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادى له وأشهد أن ل إله إل الله‬
‫وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله‬
‫وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد السلم عليكم ورحمة الله وبركاته هذه‬
‫ليلة الحد الموافق الرابع من شهر ذي الحجة لعام ألف وأربعمائة وأربعة‬
‫عشر للهجرة وفى هذا المسجد المبارك في مدينة > الرس< وقبل أن أبدأ‬
‫في موضوعي الذي بين يدي أوجه الشكر الجزيل لجماعة هذا المسجد‬
‫والحقيقة أننا نعترف لهم بالعرفان الجميل ول يعرف الفضل لهل الفضل إل‬
‫ذوي الفضل فإننا نسمع عن نشاطاتهم وأعمالهم الخيرة ومنتدياتهم‬
‫وملتقياتهم فنسأل الله جل وعل أن يبارك فيها وأن يجمع قلوبهم وأن يوفقهم‬
‫ويسدد خطاهم ونتمنى من مساجد أحياء هذه المدينة وغيرها من المساجد‬
‫أن تحتذي بحذوهم شكر الله لهم سعيهم أيها الحبة عنوان هذا اللقاء وهذا‬
‫الموضوع هو النقياء أو إن شئت قل سلمة الصدر مثل ً وهذا الموضوع هو‬
‫ثالث ثلثة فقد سبقه درس بعنوان الخفياء وسبقهما درس آخر بعنوان‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التقياء وإن كان درسا التقياء والنقياء منبعهما هو حديث رسول الله صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه ]مسلم[ من حديث ]سعد بن أبي وقاص[‬
‫رضي الله تعالى عنه أن النبي قال " إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي"‬
‫ضا هو‬‫كما تقدم بيانه في الموضوعين السابقين فإن منبع هذا الموضوع أي ً‬
‫حديث أخرجه المام ]ابن ماجة[ في سننه في كتاب الزهد باب الورع والتقى‬
‫من حديث ]عبد الله بن عمرو[ رضي الله عنهما قال "قيل يا رسول الله أي‬
‫الناس أفضل قال صلى الله عليه وآله وسلم كل مخموم القلب صدوق‬
‫اللسان قالوا صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال صلى الله عليه‬
‫وسلم هو التقي النقي ل إثم فيه ول بغي ول غل ول حسد" وقال ]البصري[‬
‫في الزوائد بإسناد صحيح ورجاله ثقات والحديث الذي أخرجه ]الطبراني[ في‬
‫معجمه ]وأبو نعيم [ في الحلية و]البيهقي[ في اللعب وفيه زيادة وذكره‬
‫]اللباني[ في الصحيح الجامع ومعنى موم أممت البيت أي كنسته ولذلك بين‬
‫النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الحديث أن النقي هو الذي ل‬
‫إثم فيه ول بغي ول غل ول حسد فقلت في نفسي وأنا أتدبر هذا البيت ما‬
‫أحوجنا لمثل هذا النقي في مثل هذا الزمن في مثل هذا الزمن الذي اتصف‬
‫بكثرة النزاع والخلف والفرقة فامتلت النفوس وأوغرت الصدور فل تسمع‬
‫إل لكلمات التنقص والجراء وسؤ كم والدخول في النيات والمقاصد فما هي‬
‫النتيجة إن خوطبوا كذبوا أو طبوا غضبوا أو ضربوا هربوا أو أهبوا غدروا على‬
‫أرائكهم سبحان خالقهم عاشوا وشعروا ماتوا وما غروا إذا فالنتيجة أصبح‬
‫المسلمون أحزاب وكل حزب بما لديهم فرحون ل بل كل حزب من الخر‬
‫ينتقصون فل تسمع سوى تقسيم الناس وتصنيفهم ففرح الماكرون وهم لها‬
‫ناذرون وساقون وراعون وصدق عز وجل عندما قال ) أطيعوا الله ورسوله‬
‫ول تنازعوا فتفشلوا وتهذب ريحكم( )واصبروا إن الله مع الصابرين( وأستغفر‬
‫الله أن أعم ولكنها إثمة وبلء طمت وعمت أقول ما أحوجنا لمثل هذا البيت‬
‫فأخذت أطوي صفحات السير والتراجم للوقوف على حياة أولئك النقياء‬
‫وتتبع أحوالهم وصفاتهم فوجدت العجب ومن العجب الذي وقفت فيه أن من‬
‫صفاتهم أنهم حرصوا رضا الله عليهم على تصفيه قلوبهم من الحقد والحسد‬
‫فالنقياء ل يعرفون النتقام ول التشفي يتجاوزون عن الهفوات والخطاء‬
‫النقياء يتثبتون ل يتسرعون أنقياء سليمة قلوبهم نقية صدورهم النقياء‬
‫يحبون العفو والصفح وإن كان الحق معهم النقياء ألسنتهم نظيفة فلبون ول‬
‫يشتمون والنقياء بسطاء في السريرة ولهم في السيرة دعاهم اللهم قنا شح‬
‫أنفسنا )ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون( وسنرى كثيرا من‬
‫المواقف التي تبرهن لك على ما أقول ولكن خاطب النفس وقل لها‬

‫)‪(14 /‬‬

‫ويحك يا نفس احرصي على زياد واخلصي طاوعي وأخلصي واسمعي النصح‬
‫واعي واعتبري بمن مضى من القرون وانقضى واخشي مفاجأة القضا‬
‫وحذاري أن تفزعي ويحك يا نفس احرصي على استماع القصص وطاوعي‬
‫واخلصي للواحد الصمد لماذا الحديث عن النقياء ولماذا الحديث عن سلمة‬
‫الصدر أخي الحبيب أيها الخ المسلم يا من نلتقي وإياك على ل إله إل الله‬
‫أدعوك وأنت تسمع هذه الكلمات أدعوك إلى التجرد من الهوى وترك حظوظ‬
‫النفس تجرد من حب التصدر والزعامة تجرد من التعالي وتجرد من الكبرياء‬
‫والغرور ومن الحقد والحسد تجرد من كل المراض القلبية فإنني أريدك أن‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تسمع كلمي هذا بقلب سليم بقلب ذلك المسلم الطيب التقي النقي أنسيت‬
‫أنك خلقت لعبادة الله ومرضاته وطلبا لجنات الفردوس أيجوز يا أخي الحبيب‬
‫لمن كان هذا هو هدفه ومقصده من هذه الدنيا أن يغفل عن قلبه فيطلق‬
‫لهذه المضغة العنان في البغضاء والشحناء والحمل على الخرين والنتقام‬
‫والتشفي أخي الحبيب أيها المسلم لماذا أصبحنا نسمع كلمات الذم أكثر من‬
‫سماعنا كلمات الثناء أخي الحبيب لماذا أصبحنا نسمع كلمات التنقص أكثر‬
‫من سماعنا لكلمات التثبت إل ما شاء الله منا كيف غفلت عن هذه المضغة‬
‫التي إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله سلمة الصدر‬
‫طهارة القلب صفاء النفس كلمات نادرة الستعمال وعزيزة الذكر ل نكاد‬
‫نسمعها في مجالسنا ومنتدياتنا موضوعات كثيرة تلك التي نتحدث عنها لكنها‬
‫ل تخلوا من غيبة ملبسة بلباس النصيحة أو من حديث يشفي الغليل و يرضى‬
‫الخليل أو من هم فيه همز ولمز وانتصار للنفس في من في قلبك خوف من‬
‫الله جل وعل أننا نريد أن نسمع كلمات الحب والخاء والصدق والوفاء‬
‫والنصح والصفاء نريد أن نسمع كلمات الشكر والعرفان وذكر الفضل‬
‫والحسان نريد أن نسمع عن جمع القلوب وعن توحيد الكلمة وعن الصلح‬
‫بين الناس وكل ذلك وللسف في مجالسنا عزيز إنني أصغي سمعي لعلي‬
‫أسمع إلى التماس العذار وذكر محاسن البرار فيرتد سمعي خاسئا وهو‬
‫حسير إل ما شاء الله ولكني كلي أمل فيكم يا من تجلسون أمامي بل ولن‬
‫هذا الكلم يسمعه غيركم أقول وكلي أمل في كل من يسمع هذا الكلم بل‬
‫ومشايخي وأساتذتي وإخواني الدعاة وشباب الصحوة كلهم وكل من سمع‬
‫هذا الحديث كلي أمل أن نهضم أنفسنا ونعرف قدرها وأن نحمل على عاتقنا‬
‫نشر هذا الموضوع وإكثار الحديث عنه وتكراره في كل مكان وعلى كل‬
‫لسان ول نمل الحديث عنه أبدا بل ولنجعله شعارا لنا في كل ميدان في‬
‫ميدان العلم والعلماء وفى ميدان البيع والشراء وبين الرجال والنساء وبين‬
‫العامة والخاصة في مدارسنا في جامعاتنا في أسواقنا في مجالسنا وبيوتنا‬
‫فلنمل قلوبنا بخوف الله عز وجل ولتمتلئ نفوسنا بذكر الله عز وجل فإننا‬
‫نشعر بقسوة القلب وامتلء النفس وجفاف العين من الدمع وليكن هجير كل‬
‫واحد منا أيها الحبة اللهم إني أسألك قلبا سليما ونردد كثيرا وفى كل لحظة‬
‫بل وفى كل ساعة وفى كل سجدة وركعة ول تجعل في قلوبنا غل للذين‬
‫آمنوا ‪ .‬عناصر هذا الموضوع ثلثة قبل البداية القرآن يدعوك صور مشرقة‬
‫في عالم الصفاء والنقاء تكامل الشخصية في حياة السلف نتائج سلمة‬
‫الصدر ونقاوة القلب وآثاره أسباب امتلء الصدر وغل القلب كيف السبيل‬
‫لسلمة الصدر وتنقية القلب ثلثة قبل النهاية أما ثلثة قبل البداية فانتبه لها‬
‫جيدا وأعرني سمعك بارك الله فيك فالولى راجع نفسك بعد سماع هذه‬
‫الكلمات واعلم أن الكلم موجه إليك ل لغيرك وأرجوك أن ل تبرئ ساحة من‬
‫التقصير واحسب أن الخرين من المسلمين خير منك دائما احسب أن‬
‫الخرين من المسلمين خير منك عند الله تعالى فرب أشعث أغبر ذي تمرين‬
‫لو أقسم على الله لبره ل تنظر إلى نفسك بنظرة الزهو والفخر والرتفاع ل‬
‫وكم من مسكين منك عند الله وكم عامي أنت يا طالب العلم هو خير منك‬
‫عند الله جل وعل كم من إنسان استجاب الله دعاءه وفتح الله على قلبه‬
‫بينما أنت ما زلت تنظر لنفسك في خيلء وفى كبر والعياذ بالله فأقول يا أخي‬
‫الحبيب أما سمعت بقول ]بكر بن عبد الله المزني[ وهو واقف بعرفة رضى‬
‫الله عنه وأرضاه واقف بعرفه ينظر إلى الناس ثم يقول ل إله إل الله لول أنى‬
‫فيهم لقلت قد غفر الله لهم من القائل بكر ابن عبد الله المزني رحمه الله‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تعالى يقول الذهبي وهو ينقل هذه العبارة في السير يقول معلقا ومعقبا‬
‫كذلك ينبغي للعبد أن يزري على نفسه ويهضمها الزراء على النفس إذن‬
‫مطلب ‪.‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫المر الثاني ‪ :‬اعلم أنك كالصدر وتنقية القلب مطلب عزيز والحرص عليه‬
‫واجب وبذل السباب إليه وسلوك طريقه متعين ولكن ل تنس أن الناس بشر‬
‫ل تنس أنك تعامل بشرا وأن النفس ضعيفة فلبد من الخطأ ولبد للنفس أن‬
‫تتأثر فانتبه لهذا وعامل الخرين بحسب وبهذا يقول ]سعيد بن المسيب[‬
‫رحمه الله تعالى وانتبه لكلماته به يقول إنه ليس من شريف ول عالم ول ذي‬
‫فضل إل وفيه عيب ولكن من الناس من ل ينبغي أن تذكر عيوبه ولكن من‬
‫الناس من ل ينبغي أن تذكر عيوبه ومن كان فضله أكثر من نقصه وهب‬
‫نقصه لفضله سامح أخاك إذا خلط منه الصابة بالغلط وتجاف عن تعنيفه أن‬
‫زاغ يوما أو قسط واعلم بأنك إن طلبت مهذبا رمت الشطط من ذا الذي ما‬
‫ساء قط ومن له الحسنى فقط ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬لست بالخب ول الخب يخدعني هذا ل ينافي سلمة قط والخذ بالظاهر‬
‫ولكنه يعنى الحيطة والحذر فإن هناك من الناس من يستدرج الناس‬
‫ويستغفلهم ويلبس عليهم فعليك أن تكون فطنا منتبها فالله سبحانه وتعالى‬
‫يقول للمؤمنين ) خذوا حذركم ( ويقول سبحانه وتعالى ) ول يستخفنك الذين‬
‫ل يوقنون ( بعد هذه الثلثة والتي أرجو أن تنتبه لها جيدا لترجعها بنفسك‬
‫فكلنا في حاجة لها أقول يا أخي الحبيب إن القرآن يدعونا جميعا في أكثر من‬
‫سورة وفى أكثر من آية يدعونا لمثل هذا الموضوع متى أن تدبرنا القرآن‬
‫ونظرنا فيه إن قرآننا هو كلم ربنا وهو دستور حياتنا وهو منبع صفائنا وهو‬
‫الميزان الذي نحتكم إليه عند خلفنا بل وفى كل حياتنا وأمورنا فالقرآن يا‬
‫أخي الكريم يدعوك لبراءة القلب من الغل للذين أمنوا ) ربنا اغفر لنا‬
‫ولخواننا الذين سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غل للذين آمنوا( والقرآن‬
‫يدعوك فيقول )خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين( والقرآن‬
‫يدعوك فيقول‪) :‬فاعفوا واصفحوا حتى يقضي الله بأمره( والقرآن يدعوك‬
‫فيقول )فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين( والقرآن يدعوك فيقول‬
‫)وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم( والقرآن يدعوك فيقول‪:‬‬
‫) وإن الساعة لتية فاصفح الصفح الجميل( والقرآن يدعوك فيقول‪):‬قول‬
‫معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم( والقرآن يدعوك‬
‫فيقول‪) :‬والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين(‬
‫والقرآن يدعوك فيقول) يوم ل ينفع مال ول بنون إل من أتى الله بقلب‬
‫سليم( وأخيرا القرآن يا أخي الحبيب يدعوك فيقول )وليعفوا وليصفحوا أل‬
‫تحبون أن يغفر الله لكم( بلى والله إنا نحب أن تغفر لنا يا ربنا قالها أبو بكر‬
‫الصديق رضي الله عنه وأرضاه مع سخاء نفسه وسلمة صدره ونصحه للمة‬
‫ماذا نقول نحن وهذه حالنا مع قلوبنا أخي الحبيب هل وقفت مع هذه اليات‬
‫وتدبرتها جيدا إن القرآن يدعوك )أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها(‬
‫أسمعت جيدا لهذه اليات تدبرها بارك الله فيك اسمعها جيدا وارجع لها كثيرا‬
‫فكم من الخلف يقع بيننا وبين أصحابنا وكم من المشاجرات والخصومات‬
‫تقع بيننا وبين الناس وإن رجعنا للقرآن فوجدنا هذه اليات تحدونا بالعفو‬
‫والصفح عن المؤمنين وعن الناس ومن عفا وصفح فأجره على الله ونعم بل‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عظم هذا الجر عند الله سبحانه وتعالى صور مشرقة في عالم الصفاء‬
‫والنقاء قلبت صفحات التاريخ ونظرت في كتب السير والتراجم فوجدت عجبا‬
‫يا أخي الحبيب وجدت عجبا لرجال يعلم الله أن العين تدمع كثيرا والنسان‬
‫يقرأ مثل هذه المواقف ويتدبر ويقول يا للعجب أفهؤلء بشر؟ كيف كانت‬
‫هذه قلوبهم وأين قلوبنا من هذه القلوب؟ وقبل أن أبدأ وإياك بذكر هذه‬
‫الصور ل ننس أن من أراد فهم هذه الدرجة من تنقية القلب وسلمة الصدر‬
‫كما ينبغي فلينظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس يجدها‬
‫مليئة بل يجد هذه الدرجة بعينها ولم يكن كمال هذه الدرجة لحد الرواة صلى‬
‫الله عليه وآله وسلم ‪.‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫ثم تعال للصورة الولى وهى التي ل نطيق روى عن المام أحمد في مسنده‬
‫في حديث ]أنس[ قال "كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فقال يطلع عليكم الن رجل من أهل الجنة فطلع رجل من النصار تقطر‬
‫لحيته من وضوئه وقد عل نعليه بيده الشمال فلما كان الغد قال رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم مثل ذلك وطلع ذلك الرجل مثل المرة الولى فلما كان‬
‫اليوم الثالث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا فطلع‬
‫ذلك الرجل على مثل حاله الولى فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫تبعه ]عبد الله بن عمرو بن العاص[ فقال للرجل إني ل حيت أبي أي وقع‬
‫بيني وبين أبى خصومة فأقسمت أني ل أدخل عليه ثلثا فإن رأيت أن تأويني‬
‫إليك حتى تمضي فعلت قال الرجل نعم فحكى عبد الله أنه بات معه تلك‬
‫الليالي الثلث فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تقلب على فراشه‬
‫ذكر الله وكبر حتى يقوم لصلة الفجر قال عبد الله غير أنى لم أسمعه يقول‬
‫إل خيرا فلما مضت الليالي الثلث وكدت أن أحتقر عمله وقلت يا عبد الله لم‬
‫يكن بين أبي وبيني غضبة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقول لنا ثلث مرات يطلع عليكم الن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت‬
‫الثلث مرات فأردت أن آوي إليك لنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل‬
‫كثير عمل فما الذي بلغ ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم قال أي الرجل‬
‫ما هو إل ما رأيت قال عبد الله فلما وليت دعاني فقال الرجل ما هو إل ما‬
‫رأيت غير أني ل أجد في نفسي لحد من المسلمين غشا ول أحسد أحدا على‬
‫خير أعطاه الله إياه فقال عبد الله هذه التي بلغت بك وهي التي ل تطاق‬
‫وهي التي ل تطاق" رواه النسائي في اليوم والليلة عن] سويد بن نسر[ عن‬
‫ابن المبارك عن ]معمر[ به وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين لكن‬
‫رواه ]عقيل[ وغيره عن ]الزهري[ عن رجل عن أنس والله أعلم‪.‬‬
‫أقول إن قلب المؤمن المطمئن بذكر الله النابض بحلوة اليمان ل يحتمل‬
‫أبدا أن يحمل في جنباته حقدا على أحد من المسلمين إن من كان في قلبه‬
‫إيمانا صادقا ل يحتمل أبدا في هذا القلب الذي مليء باليمان أن يحمل حقدا‬
‫على أحد من إخوانه أرأيت يا أخي الحبيب كيف أن تنقية القلب وتنقية الصدر‬
‫من الغل والحقاد ومن الغش للسلمين كيف كان سببا لدخول الجنة هذا‬
‫الرجل لم يكن يقوم الليل ولم يكن له كثير عمل ولكن العمل الذي كان سببا‬
‫في دخوله الجنة هو أنه ل يجد في نفسه حسدا لحد وليس في قلبه غشا‬
‫على أحد من المسلين الله أكبر متى تتحقق هذه الصفة فالمسلم الذي يركع‬
‫ليله نهاره طالبا مرضاة الله وطالبا جنات الفردوس أين العباد أيها الحبة أين‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الزهاد من هذا الفعل كم نتعب أنفسنا في الصلوات وفي الصدقات وفى‬


‫الصيام وغيرها من العمال والعبادات ولكن المر ليس بكثرة صيام ول صلة‬
‫ول صدقة إنما بشيء وقر القلب فنالوه رحمهم الله تعالى ‪،‬سلمة الصدر‬
‫وتنقية هذا القلب من الغل والحقد والغش للمسلمين ‪.‬‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬أيعجز أحدكم أن يكون ]أبي ضمضم [ أخرج ]أبو داود[ في‬
‫الدب باب الرجل يحل الرجل قد اغتابه واسمع الترجمة باب الرجل يحل‬
‫الرجل قد اغتابه و]ابن أبي الدنيا[ في مكارم الخلق باب فضل كظم الغيظ‬
‫وأخرجه أيضا ]ابن السني[ في عمل اليوم والليلة باب ماذا يقول إذا اصبح‬
‫ثلثتهم من حديث قتادة عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد‬
‫قال لصحابه " أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم قالوا ومن أبو ضمضم يا‬
‫رسول الله قال رجل كان إذا أصبح يقول اللهم إني قد وهبت نفسي وعرضي‬
‫فل يشتم من شتمه ول يظلم من ظلمه ول يضرب من ضربه" هذا لفظ أبى‬
‫الدنيا وابن السني وهو ضعيف وأخرجه أبو داود من وجه آخر موقوف عن‬
‫]قتادة[ أخرجه أيضا البخاري في التاريخ في ترجمة ]محمد بن عبد الله‬
‫العجمي[ ثم قال أي البخاري قد أخرجه ]أبو بكر البزار[ في مسنده‬
‫و]العقيلي[ وقال في الضعفاء وكذلك ]التاجي[ و]البيهقي[ في الشعب‬
‫وقال ]اللباني[ في الرواء عن هذا الحديث والمحفوظ عن قتادة وإسناده‬
‫صحيح إلى قتادة ثم ذكره في صحيح أبي داود قال صحيح مقطوع ‪.‬‬
‫أرأيت صفة أبي ضمضم هذا اسمع ماذا قال عنه ابن القيم في كتابه مدارك‬
‫السالكين في صفحة ‪ 295‬قال والجود عشر مراتب ثم ذكرها فقال سابعة‬
‫الجود بالعرض كجود أبي ضمضم من الصحابة رضى الله تعالى عنهم كان إذا‬
‫أصبح قال اللهم ما لي مال أتصدق به على الناس وقد تصدقت عليهم‬
‫بعرضي فمن شتمني أو قذفني فهو في حل فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم من يستطيع منكم أن يكون كأبي ضمضم وفى هذا والكلم ما زال‬
‫لبن القيم يقول ابن القيم وفي هذا الجود من سلمة الصدر وراحة القلب‬
‫والتخلص من معاداة الخلق وما فيه انتهى كلمه رحمه الله تعالى ‪.‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫صورة ثالثة ‪ :‬من عندي إل عرضي وقد أخرج هذا الحديث كشف الستار في‬
‫كتاب الزكاة باب فيمن تصدق بعرضه انتبه أيضا للترجمة باب فيمن تصدق‬
‫بعرضه أخرجه ]محي الدين بن كثير بن عوف[ عن أبيه عن جده "أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم حث يوما على الصدقة فقال ]علبة بن زيد[ فقال‬
‫ما عندي إل عرضي فإني أشهدك يا رسول الله أنى تصدقت بعرضي على‬
‫من ظلمني ثم جلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين علبة بن زيد‬
‫قالها مرتين أو ثلثا قال فقام علبة فقال أنت المتصدق بعرضك قد قبل الله‬
‫منك " وقال ]الهيثمي[ رواه البزار وفيه كثير بن عبد الله وهو ضعيف أيضا‬
‫ذكره البزار من حديث ابن صالح على التؤامة* عن علبة ابن زيد قال "حث‬
‫رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على الصدقة فقام علبة فقال يا‬
‫رسول الله حدثت عن الصدقة وما عندي إل عرضي فقد تصدقت به على من‬
‫ظلمني قال فأعرض عنه فلما كان اليوم الثاني قال أين علبة ابن زيد أو أين‬
‫المتصدق بعرضه فإن الله تبارك وتعالى قبل ذلك منه" على نحو ذلك وهذا‬
‫أيضا قال ابن الهيثمي ورواه البزار وفيه محمد وقال ابن أحمد بن سليمان بن‬
‫مشوم وهو ضعيف عند مجمع الزوائد إذن فانظر إلى حال صحابة رسول الله‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم هذا أبى ضمضم وهذا علبة بن زيد وغيرهم كثير كانوا‬
‫يتصدقون بأعراضهم رضوان الله تعالى عليهم يعفوا ويصفحوا عمن سبهم‬
‫وشتمهم وضربهم واغتابهم أو ذكرهم في شيء ل يرضونه فماذا نقول نحن‬
‫لنفسنا أيها الحبة ‪.‬‬
‫الصورة الرابعة واسمحوا لي أن أتكلم وأسرد المواقف سردا في عجالة‬
‫المواقف كثيرة ولعلي أكتفي بالسرد وفى ذلك ل شك دروس كثيرة لمن كان‬
‫له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد من تدبر ونظر وسمع موقفه مثل هذه‬
‫المواقف علم كثيرا ضعف نفسه ونحن إذا نظرنا لمثل هذه المواقف نقارن‬
‫ذلك بأنفسنا الضعيفة أيها الحبة لعل الله يطلع علينا وعلى ضعفنا ويرحمنا‬
‫الله سبحانه وتعالى ويعيننا على هذه النفس الرابعة بئس ما قلت والله ما‬
‫نعلم إل خيرا هذا الموقف قاله ]كعب بن مالك[ في قصته أو في قصة تخلفه‬
‫عن غزوة تبوك ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم تبوك ذكرني وقال ما‬
‫فعل كعب النبي يسأل عن كعب وقال رجل من قومه خلفه يا نبي الله برداه‬
‫والنظر في عطفيه فقال ] معاذ بن جبل[ كان حاضرا فسمع واسمع ماذا‬
‫يقول معاذ فقام معاذ فقال بئس ما قلت والله ما نعلم إل خيرا أسمعت هذا‬
‫الموقف لقد كان بإمكان ابن معاذ رضى الله تعالى عنه السكوت تأدبا أمام‬
‫الرسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يعيب عليه النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم إل سكوته ولكنه أعلن الحق الذي امتلئ به قلبه لم يطق معاذ أن‬
‫يسمع هذه الكلمات في أخيه كعب فأعلن الحق الذي في قلبه انتصارا لكعب‬
‫بن مالك رضى الله تعالى عنهما جميعا إنه الدفاع والذب وصد عن عرض‬
‫أخيك أيها الحبيب متى ما سمعت في مجالس أحدا يتكلم بعرض من أعراض‬
‫إخوانك فمن منا وقف مثل هذا الموقف كم نسمع في مجالسنا وفى منتدياتنا‬
‫من يذكر فلنا وعلنا من إخواننا من المسلمين ممن يصلي ويصوم ويشهد أن‬
‫ل إله إل الله كم نسمع من الكلمات التي تذكر في عرضه فمن منا وقف مثل‬
‫هذا الموقف أقول بل ربما بعضنا والعياذ بالله يتلذذ ويسمع ويأنس بمثل هذه‬
‫الكلمات عياذا بالله ولكن صحابة رسول الله تربوا على هذا المنهج إنهم‬
‫سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" كل المسلم على المسلم‬
‫حرام عرضه ودمه وماله" فعلموا حرمة ذلك فعن أبى الدرداء أيضا عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال" من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار‬
‫يوم القيامة " كما أخرجه الترمذي في سننه في كتابه البر والصلة باب ما‬
‫جاء في الذب عن المسلم وإسناده صحيح واسمع هذا الموقف قال ]أحمد بن‬
‫إسحاق[ سمعت] ابن معين[ يقول رأيت عند ]مروان بن معاوية[ لوحا فيه‬
‫أسماء شيوخ فلن رافضي فلن كذا وفلن كذا ووكيع رافضي وكيع ابن‬
‫الجراح أحد الئمة العلم ووكيع رافضي يقول يحي ابن معين فقلت لمروان‬
‫وكيع خير منك انظر لنتصار الخ انظر للذب عن عرض المسلم وكيع خير‬
‫منك قال مروان مني يعني تعجب قلت قال نعم قال فسكت ولو قال لي‬
‫شيئا لوثب أصحاب الحديث عليه قال أي يحي فبلغ ذلك وكيعا فقال وكيع‬
‫يحي صاحبنا وكان بعد ذلك يعرف لي ويرحب‪ .‬أرأيت انظر أثر الدفاع عن‬
‫العرض في قلب وكيع رحمه الله تعالى أصبح يحي بن معين حبيبا إلى قلبه‬
‫أصبح يرحب به كثيرا هكذا يكون جمع القلوب هكذا إذا أردنا أن نحبب‬
‫النفوس بعضها لبعض هكذا إذا أردنا أن نرص الصفوف أيها الحبة في وجوه‬
‫أعدائنا لينصب كل فرد منا أنه محام عن أعراض المسلمين في كل مكان‬
‫في أي مجلس كان وأمام من كان مهما بلغ من المرتبة والشرف مادام أنه‬
‫تجرأ على عرض أخ من إخواننا المسلمين يجب أن أقف وأن أذب عن عرض‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذا المسلم هكذا يكون النسان محبوبا عند الناس ل بل هكذا يكون محبوبا‬
‫عند الله وعند رسوله قبل كل شيء ومن أحبه الله أحبه الناس‪.‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫الصورة الخامسة ‪:‬سررتني سرك الله ذكر الذهبي في السير قال بسنده إلى‬
‫]عوف بن الحارث[ أنه قال سمعت عائشة تقول دعتني أم حبيبة وهذه في‬
‫صف النساء هذا موقف نسوقه للنساء تقول عائشة رضى الله عنها دعتني أم‬
‫حبيبة أي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم دعتني أم حبية عند موتها‬
‫قالت قد يكون بيننا ما يكون بين الضرائر فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك‬
‫هذه أم حبيبة تقول لعائشة فقلت أي عائشة فقلت غفر الله لك كله وحللك‬
‫من ذلك فقالت أم حبيبة سررتني سرك الله تقول عائشة وأرسلت أم حبيبة‬
‫إلى أم سلمة فقالت لها مثل ذلك انظر انتصاف القلوب ـ قلوب النساء ـ ما‬
‫أحلى هذه القلوب إذا اجتمعت على المحبة وإذا حرصت على تنقيتها أو تنقية‬
‫هذا القلب من الغل والحقد والحسد أقول كم نسمع نساءنا يتحدثن في‬
‫المجالس عن فلنة وعلنة ولربما كالت لها كثيرا من الشتم والسب والعياذ‬
‫بالله وكأنها تتكلم عن كافرة من الكفار ل تشعر أنها تتكلم عن مسلمة وأن‬
‫عائشة رضي الله عنها لما أشارت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫بيدها فقط عن صفية أنها قصيرة قال" أل وأنك قلت كلمة وفعلت فعلة لو‬
‫مزجت بماء البحر لمزجته" بالماء فقط إنها تعني أنها قصيرة فهل عقل مثل‬
‫هذا المر نساؤنا وعلمن أنهن يخضن كثيرا في أعراض كثير من المسلمات‬
‫وكم من الحسنات تذهب في مثل هذه الكلمات ‪.‬‬
‫الصورة السادسة إذن تقع في الشغل صورة قصيرة لكنها كبيرة في المعنى‬
‫قال رجل لـ]عمرو بن العاص[ رضي الله تعالى عنه والله لتفرغن لك انظر‬
‫الرجل يهدد عمرو بن العاص والله لتفرغن لك يعني بالكيد والتشفي‬
‫والنتقام وغير ذلك فماذا كان رد عمرو بن العاص اسمع للعلم كيف ينير‬
‫القلوب اسمع للخوف من الله جل وعل كيف يرتبط بالله جل وعل فقال‬
‫عمرو بن العاص إذن تقع في الشغل نعم فإن الذي يتفرغ لينال من الناس‬
‫ويشتم الناس ل يكون فارغا أبدا إنما يشغله نفسه وحقده يشغله بالناس‬
‫فيضيع عمره فيما ل ينفع ول شك أن قول عمرو هنا هو الصواب ومن يؤتى‬
‫الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا كم نحب أن نسمع مثل هذه الكلمات فيمن وقع‬
‫بينه وبين أحد خصومة أو من هدده وتوعده إذن تقع في الشغل لن صاحب‬
‫القلب الذي تعلق بالناس والنتقام من الناس والتشفي منهم هذا القلب‬
‫مشغول دائما أما القلب الذي أخلى روحه من هذه المور وامتل بسلمة‬
‫الصدر وحب الناس وجمع القلوب أصبح قلبا سليما صافيا ل يفكر إل فيما‬
‫ينفعه فهو إما في علم أو في طلب علم أو في عمل خير أما السيئات‬
‫المضرات والشغل بالناس وبأعراض الناس فهو بريء منه لنه عاهد الله‬
‫على عدم فعل ذلك ‪.‬‬
‫والصورة السابعة ما عرفني إل أنت أيضا موقف قصير ولكنه كبير بمعانيه في‬
‫سيرة ] سالم بن عبد الله بن عمر[ رضى الله تعالى عنهم جميعا أن رجل‬
‫زاحمه في منى وأنتم تعلمون موقف الناس وموقف الحجاج كيف تكون‬
‫وكيف تبلغ النفوس مبلغها في مثل هذه المواقف والزحام الشديد أن رجل‬
‫زاحمه في منى فالتفت رجل مغضبا إلى سالم وسالم هذا علمة من التابعين‬
‫رضى الله تعالى عنه فقال الرجل لسالم إني لظنك رجل سوء بسبب‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الزحام بلغت نفس هذا الرجل مبلغها فقال هذه الكلمة فماذا أجاب سالم‬
‫رضى الله تعالى عنه قال كلمتين قال ما عرفني إل أنت سبحان الله هكذا‬
‫كان ازدراؤهم لنفسهم رضوان الله تعالى عليهم مع سعة علمهم وكثرة‬
‫عبادتهم وكثرة جهادهم وكثرة خوفهم وبكائهم من الله جل وعل إل أنهم‬
‫يحتقرون ذواتهم رضوان الله تعالى عليهم أين العجب والعنف والغرور الذي‬
‫يصيب أنفسنا إذا فعل النسان منا فعل أو عبادة أو قام بعمل خير؛ أعجبته‬
‫نفسه وأصبح عند نفسه زاهدا من الزهاد ل إله إل الله ما عرفني إل أنت‬
‫رحمك الله يا سالم‪.‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫الصورة الثامنة ول يحيق المكر السيئ إل بأهله ذكر الذهبي في السير ترجمة‬
‫المام البخاري ومحمد بن إسماعيل صاحب الصحيح رضوان الله عليه قال‬
‫الذهبي وكان كثير من أصحابه يقولون له أي البخاري إن بعض الناس يقع‬
‫فيك لو قيلت هذه الكلمة لحدنا يا أحبة ماذا سيقول سيقول ربما ل تكون‬
‫مباشرة ماذا يقولون ماذا قالوا اسمع للمام للبخاري رضوان الله عليه لما‬
‫قيل له هذه الكلمة إن بعض الناس يقع فيك فيقول أي البخاري إن كيد‬
‫الشيطان كان ضعيفا ويتلو أيضا قوله تعالى ) ول يحيق المكر السيئ إل بأهله‬
‫( هذا والله هو الفقه وهذه هي والله هي البصيرة والحكمة ولكن من يؤتى‬
‫هذه البصيرة من يؤتى هذه الحكمة ولذلك قلنا الناس تعلموا واقرءوا في‬
‫سير الرجال واستفيدوا منها رأينا كثيرا منهم يعرض عن هذا وما علم أولئك‬
‫المساكين أنه والله في النظر لحياتهم وترجمتهم وفى العلم نور لهذه القلوب‬
‫فإذا سمعت الناس يغتابونك أو يذكرونك بسوء فأنت أعلم بنفسك وأعلم ما‬
‫بينك وبين الله جل وعل فاعف عنهم واصفح وسترى أثر ذلك ومن كاد لك‬
‫فإن الله سبحانه وتعالى يكفيك ول يحيق المكر السيئ إل بأهله يقول فقال‬
‫له أي للبخاري عبد المجيد بن إبراهيم كيف ل تدعو الله على هؤلء الذين‬
‫يظلمونك ويتناولونك ويبهتونك أقل شيء الدعاء يا بخاري كيف ل تدعو الله‬
‫على هؤلء فقال أي البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم "اصبروا حتى‬
‫تلقوني على الحوض" رواه البخاري في سنده ومسلم في المارة وقال أيضا‬
‫قال صلى الله عليه وسلم " من دعا على ظالمه فقد انتصر " رواه الترمذي‬
‫في الدعوات وضعفه محقق السير إنه رحمه الله أي البخاري ل يدعو مجرد‬
‫الدعاء على من ظلمه ل يدعو عليهم دعاء فضل عن أن يشغل نفسه في‬
‫التقصي والنتقام والتشفي منهم ل يفكر في مجرد الدعاء على من ظلمه أو‬
‫بهته فضل على أن يهتم بقول أو فعل والنتقام منهم والتشفي رضي الله عن‬
‫هؤلء النقياء رحمهم الله رحمة واسعة ‪.‬‬
‫صورة تاسعة ‪ :‬إن كنت صادقا فغفر الله لي واسمع هذا الموقف جيدا فقد‬
‫ذكر الذهبي أيضا في السير قال عن ]أبى يعقوب المدني[ أنه قال بين‬
‫]حسن بن الحسن[ وبين ]علي بن الحسين[ يعني زين العابدين بعد المر‬
‫يعني كان بينهما بعض الشيء فجاء ابن حسن إلى علي بن الحسين وهو مع‬
‫أصحابه في المسجد جاء الحسن إلى زين العابدين وهو جالس مع أصحابه‬
‫في المسجد فما ترك حسن شيئا إل قاله له ما ترك سبا ول شتما إل قاله‬
‫لزين العابدين وهو جالس مع أصحابه قال أي أبي يعقوب المدني قال وعلى‬
‫ساكت وزين العابدين سهم أي يسمع كلم الحسن فيه وهو ساكت فانصرف‬
‫حسن فلما كان من الليل أتاه في منزله فقرع عليه بابه فخرج إليه فقال له‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علي زين العابدين ذهب إلى حسن ابن الحسن في الليل فقرع عليه بابه‬
‫فقال له زين العابدين يا أخي إن كنت صادقا فيما قلت لي فغفر الله لي وإن‬
‫كنت كاذبا فغفر الله لك السلم عليك هذا موقف هل انتهى الموقف انظر‬
‫قيمة حبس النفس وقيمة الصبر وقيمة حسن الخلق كيف يكون النسان‬
‫داعيا قدوة لغيره بدون أن يشعر الموقف ما انتهى حتى الن فإذا بالحسن‬
‫يتبعه ويلزمه من الخلف ويبكي بكاء شديدا حتى رثى زين العابدين لحاله‬
‫وكان يستسمح منه فقال زين العابدين له ل جرم ل عدت في أمر تكرهه أي‬
‫الحسن يقول لزين العابدين ل جرم ل عدت في أمر تكرهه ل أعود مثل هذا‬
‫المر فقال زين العابدين وأنت في حل مما قلت لي الله أكبر‬
‫إذا تشاجر في فؤادك مرة‬
‫أمران فاعمد للعف الجمل‬
‫فإذا هممت بأمر سوء فاتئد‬
‫وإذا هممت بأمر خير فافعل‬
‫إنه صبر أيها الحبة على أدنى الخلق إنه هوم النفس حتى ولو كان الحق معها‬
‫هكذا يتصف الرجال وهكذا من أراد العلياء ومن أراد معالي المور وعزة‬
‫النفس‬
‫طلقت تطليق الثلث رغائب‬
‫وكتبت للعلياء عقد نكاح‬

‫)‪(20 /‬‬

‫الصورة العاشرة ‪ :‬أو قبل الصورة العاشرة وكما يحدث خلف بين كثير من‬
‫الناس حتى وإن بلغوا ما بلغوا من العلم فهذه النفوس نفوس بشر ولذلك‬
‫هكذا وهذا ما كان بين الحسن وبين علي بن الحسين واسمع أيضا لنصاف‬
‫الذهبي رحمه الله لبن حزم عند ما ترجم له في السير قال الذهبي عن ابن‬
‫حزم قد أخذ المنطق أبعده الله من علمه عن ]محمد بن الحسن البلحجي[‬
‫وأمعن فيه فزلزله في أشياء ولي أنا كلم الذهبي عن ابن حزم ولى أنا ميل‬
‫إلى أبي محمد لمحبته في الحديث الصحيح ومعرفته به وإن كنت ل أوافقه‬
‫في كثير مما يقول في الرجال والعلل والمسائل البشعة في الصول والفروع‬
‫وأقطع بخطئه في غير ما مسألة ولكن ل أكفره ول أضلله وأرجو له العفو‬
‫والمسامحة وللمسلمين وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه إذن فيقول الذهبي‬
‫رحمه الله تعالى وإن كنت ل أوافقه في كثير مما يقول في الرجال والعلل‬
‫والمسائل البشعة والصول والفروع وأقطع بخطئه في غير ما مسألة ولكن ل‬
‫أكفره ول أضلله وأرجو له العفو والمسامحة انظر إلى النفوس الطيبة وأرجو‬
‫له العفو والمسامحة وللمسلمين وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه رحم الله‬
‫الذهبي وقد وجدت له كثيرا من النصاف في كتابه العظيم ) سير أعلم‬
‫النبلء للرجال ( وقد ينقل فلن كثيرا في من شدد على كثير من الرجال ومع‬
‫ذلك إذا روى أو نقل تطولته رجع رحمه الله تعالى وأنصف هؤلء الرجال بما‬
‫فيهم وهكذا يكون الرجل الحق هكذا الذي يأتمر بأمر الله وإذا قلتم فاعدلوا‬
‫فهل سمع شبابنا مثل هذا الموقف وهل اقتدى شبابنا غفر الله لنا ولهم‬
‫بسلفهم الصالح رضوان الله تعالى عليهم أيها الشباب أيها المسلمون ل‬
‫تبخسوا جهود بعضكم بعضا ل تحتقروا أعمال بعضكم بعضا فكل منكم على‬
‫ثغر وكل منكم على خير والميدان يتسع للجميع بل هو بأمس الحاجة لكل‬
‫عمل لكل كلمة طيبة لكل جهد أيا كان صاحبه فهل سمعنا وعقلنا واسمع لهذا‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الموقف أيضا وتدبره جيدا وكم نحن بحاجة إليه قال الذهبي قال الحافظ ]ابن‬
‫عبد البر[ في التمهيد هذا أكتبه من حفظي وغاب عن أصله أن ]عبد الله‬
‫القمري العابد[ كتب إلى مالك يحضه على النفراد والعمل فكتب إليه مالك‬
‫واسمع ‪ :‬إن الله قسم العمال كما قسم الرزاق فرب رجل فتح له في‬
‫الصلة ولم يفتح له في الصوم ولم يفتح له في الصدقة وآخر فتح له في‬
‫الصوم وآخر فتح له في الجهاد فنشر العلم من أفضل أعمال البر وقد رضيت‬
‫بما فتح لي فيه وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه وأرجو أن يكون كلنا‬
‫على خير وبر‪ .‬فيا شباب المة نحن بحاجة للجميع فهذا يحفظ القرآن ويعلمه‬
‫وهذا يطلب العلم وينشره وهذا يعظ الناس في المساجد والقرى وهذا ينكر‬
‫المنكرات في السواق وفى الماكن العامة وهذا على منبره وذاك بقلمه‬
‫والخر بماله وهذا بتوزيع الشريط والكتاب وذاك بتوزيع الطعام واللباس وهذا‬
‫بالرحلت والمخيمات وهذا بالدعوات الصادقات ول يخلوا الجميع أبدا من‬
‫خطأ وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فهذا يصحح لهذا وهذا يوجه‬
‫هذا وهذا يعين هذا بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة مع التماس العذار‬
‫والعفو والصفح هكذا يجب أن نكون هكذا يجب أن نتعامل أيها الحبة هكذا‬
‫يجب أن ننشر في مجالسنا وفى منتدياتنا مع إخواننا جميعا يجب أن ننشر‬
‫مثل هذه المفاهيم في قلوب الكبير والصغير الرجال والنساء حتى يشعر‬
‫أعداء السلم في هذا التراص في تراص هذه الصفوف جمع هذه القلوب‬
‫وبتوحيد هذه الكلمة هكذا يكون العمل وهكذا تكون الدعوة وهكذا يكون عباد‬
‫الله إذا أحبهم الله جل وعل فهل عملنا لمثل هذا المر أيها الحبة فإن قال‬
‫قائل ل فنقول على أقل تقدير فإن لم تكن من هؤلء فقل خيرا أو اصمت‬
‫واعلم يا أخي الحبيب أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده فكف‬
‫عنهم بارك الله فيك لسانك ويدك كفه عن المسلمين واترك المسلمين‬
‫يعملون كل فيما استطاع وكل لما قدم فإن الله جل وعل يطلع على عباده‬
‫وهو وحده سبحانه وتعالى يعلم ما تكنه القلوب ‪.‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫الصورة العاشرة والخيرة من هذه الصور لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة‬


‫قال ]أبو الربيع محمد بن الفضل البلخي[ سمعت ]أبا بكر محمد بن مهرويه[‬
‫الرازي قال سمعت ]عليا بن الحسين بن الجنيد[ قال سمعت يحي بن معين‬
‫يقول ماذا يقول الن يحي بن معين يقول إنا لنطعن على أقوام يقصد في‬
‫الجرح والتعديل في الحديث والطعن في الجرح والتعديل أمر مندوب إليه‬
‫ومأجور من يفعل ذلك فهو نصر لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فيقول يحي بن معين يقول إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في‬
‫الجنة من أكثر من مائتي سنة قال بن مهرويه فدخلت على ]عبد الرحمن بن‬
‫أبي حاتم[ صاحب كتاب الجرح والتعديل فدخلت على عبد الرحمن بن أبى‬
‫حاتم وهو يقرأ على الناس كتاب الجرح والتعديل فحدثته بهذا فبكى وارتعدت‬
‫يداه حتى سقط الكتاب وجعل يبكي ويستعيد في الحكاية سبحان الله والله‬
‫إن القلب ليقشعر أيها الحبة ونحن نسمع مثل هذه المواقف ومثل هذه‬
‫القلوب بكى رضى الله تعالى عنه وأرضاه وهو ماذا يفعل يقول الذهبي معلقا‬
‫على هذا الموقف أصابه على طريق الوجل وخوف العاقبة وإل فكلم الناقد‬
‫الورع في الضعفاء من النصح على دين الله والذب عن السنة وهو أمر‬
‫مطلوب منهم ومأجور عليه ومع ذلك ترتعد يداه ويبكي رضي الله تعالى عنه‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لنه تكلم في رجال في أمر واجب فماذا نقول نحن إذن أيها الحبة ماذا نقول‬
‫ونحن في المجلس بل ربما أو في الساعة الواحدة نتكلم عن عشرات الناس‬
‫عياذا بالله ماذا نقول ونحن نسمع من كثير من إخواننا عفاهم الله وصفح‬
‫عنهم وغفر لهم ما يذكرونه في كثير من المشايخ والعلماء وطلبة العلم بل‬
‫والصالحين سبحان الله ما وجدنا إل الصالحين إل العلماء نخوض في‬
‫أعراضهم ونتكلم عنهم عياذا بالله ما وجدنا إل هؤلء أين أنت من المنافقين‬
‫وأين أنت من اليهود من النصارى أين أنت من أعداء الدين من الذين يكيدون‬
‫للدين ليل نهار لم تجد إل أعراض إخوانك حتى تتكلم فيها سبحان الله ورحم‬
‫الله ابن المبارك يوم أن جاءه ذلك الرجل فذكر له قول في فلن وعلن فقال‬
‫له ابن المبارك واسمع الكلمات اسمع العلم كيف ينور قلوب أصحابه فيقول‬
‫ابن المبارك ذلك الرجل‪ :‬عجبا سلم منك اليهود والنصارى ولم يسلم منك‬
‫إخوانك كلمات تكتب بميزان الذهب‬
‫وإذا كانت النفوس كبارا‬
‫تعبت في مرادها الجسام‬
‫هكذا من يريد رضا الله جل وعل هكذا من يريد أن يحافظ على عمله الصالح‬
‫كم من العمال الصالحة يقوم بها كثير من الناس ثم يطلقون العنان‬
‫للسنتهم فتذهب بهذه العمال وتبريها بريا والعياذ بالله تكامل الشخصية في‬
‫حياة السلف رضوان الله عليهم في العنصر السابق تكلمنا عن صور ومواقف‬
‫متناثرة وإليك في هذا العنصر وقفة سريعة في حياة علمين فاضلين فإنك إذا‬
‫نظرت لحياة أولئك الرجال وجدت مدرسة في جميع الجوانب وهذا هو‬
‫العجب والله في حياتهم وأنا أقول نالوا ما نالوا رحمهم الله تعالى والله‬
‫بسخاء أنفسهم ونصحهم لهذه المة ليس بكثرة الصلة ول الصيام ول العلم‬
‫وإنما بسخاء هذه النفوس وطهارة هذه القلوب نالوا ما نالوا رحمهم الله‬
‫تعالى اسمع أقول مدرسة في جميع الجوانب في العلم في الجهاد في المر‬
‫بالمعروف والنهى عن المنكر في العبادة في الحرص على النوافل في‬
‫الخوف من الله في الزهد في الورع في التواضع في حسن الخلق في كل‬
‫شيء‬
‫حدث ما شئت من حلم ومن كرم‬
‫وانشر مآثرهم والباب متسع‬

‫)‪(22 /‬‬

‫أما اليوم فتعال وانظر لحالنا فإن ظاهرها الصلح وقد نحسب في القدوات‬
‫والسادات والله أعلم بسرائرنا مصارحة النفس وصلحها يعلم الله ما يريد‬
‫فإننا ننظر لقوالنا وأفعالنا وأحوالنا وانتصارنا لنفسنا وتسترنا وعجبنا لذاتنا‬
‫وإذا وقفت على حالنا مع النوافل والطاعات أصابتك الحسرات والهات وقل‬
‫مثل ذلك في طلبنا للعلم وقل مثل ذلك في أمرنا ونهينا عن المنكر ثم قل‬
‫مثل ذلك في إهمالنا لقلوبنا وحملنا على الخرين وجرحهم ونبذهم واستغفر‬
‫الله أن أعمم ولكن كل نفس أعلم بنفسه وكل نفس منا بما كسبت رهينة إن‬
‫أريد إل الصلح ما استطعت وما توفيقي إل بالله أقول لك يا أخي الحبيب‬
‫تعال أقف وإياك للنظر في جانب سلمة الصدر فقط وطهارة القلب في‬
‫حياة هذين الرجلين في أكثر من في حياتهما إنهما ]أحمد بن حنبل[ والمام‬
‫ابن تيميه رحمهما الله تعالى جميعا وفي حياتهما مثل أعلى للعاملين والدعاة‬
‫المصلحين والعباد المخلصين فمع كثرة الذى لهما والنيل منهما وسجنهما‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وجلدهما والتعرض للفتن بل والتكفير والتفسيق وللتدبير وللتبديع عياذا بالله‬


‫ومع ذلك كله فاسمع وتفكر لتعرف من أنت أيها المسكين اسمع فصارح‬
‫نفسك وكن لها من الناصحين أنت إذا رماك أحد تهمة أوغرت عليه وقلت ما‬
‫تركت صغيرة ول كبيرة إل وذكرتها في قائلك أما هؤلء فاسمع رعاك الله‬
‫ذكر ]عبد الغنى المقدسي[ في كتابه محنة المام أحمد في مسنده إلي أبى‬
‫على حنبل قال حضرت أبا عبيد الله إي أحمد بن حنبل وأتاه رجل في‬
‫مسجدنا وكان الرجل حسن الهيئة كأنه كان مع السلطان فجلسا حتى انصرفا‬
‫من كان عند عبد الله ثم دنا منه فرفع أبو عبد الله بما رأى من هيئته فقال له‬
‫يا أبا عبد الله اجعلني في حل الرجل يقول لحمد اجعلني في حل قال أحمد‬
‫من ماذا قال كنت حاضرا يوم ضربت وما أعنت ول تكلمت إل أنى حضرت‬
‫ذلك تأمل الرجل يستسمح فقط لنه حضر يوم ضرب أحمد فأطرق أبو عبد‬
‫الله ثم رفع رأسه إليه فقال أحدث لله توبة ول تعد إلى مثل ذلك الموقف‬
‫فقال له يا أبا عبد الله أنا تائب إلى الله تعالى من للسلطان قال له أبو عبد‬
‫الله فأنت في حل وكل من ذكرني إل مبتدع هذا كلم المام أحمد رحمه الله‬
‫قال أبو عبد الله وقد جعلت أبا إسحاق في حل من هو أبو إسحاق؟ المعتصم‬
‫الذي ضرب وآذى المام أحمد قال وقد جعلت أبا إسحاق في حل ورأيت الله‬
‫عز وجل يقول اسمع لمن تدبر القرآن )وليعفوا وليصفحوا أل تحبون أن يغفر‬
‫الله لكم( وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ـ هذا الكلم للمام أحمد ـ‬
‫بالعفو في قضية مسطح ثم قال أبو عبد الله‪ :‬العفو أفضل إذا دار في نفس‬
‫النسان النتقام والتشفي إذا حق عليك أحد أو سمعت أن أحدا قال فيك أو‬
‫حتى آذاك مهما كان هذا الذى ل شك أن النفس بطبعها كبشر تعمد إلى‬
‫النتقام تعمد إلى الغضب ولكن على النسان أن يرعى هذه النفس وأن‬
‫يحرص على تربيتها أن حسن الخلق ل يكون صاحب الخلق حسن الخلق إل‬
‫في المواقف العصيبة الشديدة أما في المواقف الهينة اللينة ل ل يمكن أن‬
‫يتضح حسن خلقه إل في المواقف العصيبة فلما فكر المام أحمد رحمة الله‬
‫تعالى وتذكر قول الله تعالى ) أل تحبون أن يغفر الله لكم ( من عفا الله عنه‬
‫فإذا به يقول‪ :‬العفو هو الفضل وما ينفعك أن يعذب أخوك المسلم بسببك‬
‫هذا كلم المام أحمد ولكن تعفو وتصفح عنه فيغفر الله لك كما وعدك انتهى‬
‫الموقف وأيضا ساق المقدسي رحمه الله بسنده إلى] أبى على عبد الله بن‬
‫الحسين بن عبد الله الخرقي[ وقد رأى أحمد بن حنبل قال بت مع أحمد بن‬
‫حنبل ليلة لم أره ينام إل يبكي إلى أن أصبح قال ذكرت فقلت يا أبا عبد الله‬
‫كثر بكاؤك الليلة فما السبب؟ قال أحمد واسمع قال أحمد ذكرت ضرب‬
‫المعتصم إياي ومر بي بالدرس قوله تعالى ) وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن‬
‫عفا وأصلح فأجره على الله ( فسجدت وأحللته من ضربي في السجود رحم‬
‫الله المام أحمد هكذا والله القلوب وهكذا والله هو التعلق بالله جل وعل‬
‫والتدبر لهذا الكتاب فمن منا يريد أن يعفو الله عنه ‪ ،‬ويصفح الله جل وعل‬
‫عنه أيها الحبة وذكر ]ابن رجب[ في طبقات الحنابلة عن ]أبى محمد خوزان[‬
‫قال جاء رجل إلى أحمد بن حنبل فقال له نكتب عن ]محمد بن منصور[ ؛‬
‫محمد بن منصور الطوسي فقال إذا لم تكتب عن محمد بن منصور فعن من‬
‫يكون ذلك قالها مرارا يكررها المام أحمد إلى الن المسألة ل شيء فيها‬
‫لكن أتعرف من هو محمد بن الطوسي هذا؟ قال الرجل إنه يتكلم فيك فماذا‬
‫قال المام أحمد مع أن المام أحمد يعلم عندما قال إذ لم تكتب عن محمد‬
‫بن منصور الطوسي فعن من تكتب يعلم أن محمدا يتكلم فيه فقال الرجل‬
‫إنه يتكلم فيك فقال أحمد رحمه الله تعالى رجل صالح ابتلي فينا فما نعمل‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وما أعجب مواقف المام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى اقرأ هذا الكتاب‬
‫محنة المام أحمد بن حنبل وانظر مواقفه مع من عاداه ومع من ضربه ومع‬
‫من سبه وشتمه فرحم الله المام أحمد‬
‫أضحى ابن حنبل محنة مأمومة‬
‫وبحبه يعرف المتنسك‬

‫)‪(23 /‬‬

‫فإذا رأيت لحمد منتقصا‬


‫فاعلم بأن ستوره ستهتك‬
‫ومن مواقف شيخ السلم أبى تيميه رحمه الله تعالى مع مخالفيه بالرغم من‬
‫إيذائهم له وتعديهم عليه بالباطل إل أنه لم يقابل ذلك رحمه الله إل بالحسان‬
‫فها هو يقول في الفتاوى في الجزء الثالث صفحة ‪ 271‬يقول وأنا والله من‬
‫أعظم الناس معاونة على إطفاء كل شر فيها وفى غيرها يقصد في الفتنة‬
‫التي حصلت في وقته وإقامة كل خير وابن مخلوف هذا ومن هو ابن مخلوف‬
‫ابن مخلوف هذا قال عن ابن تيميه قال عن شيخ السلم هو عدوي ولما بلغه‬
‫أن الناس يترددون إلى ابن تيميه في سجنه قال ابن مخلوف عن ابن تيميه‬
‫يجب التضييق عليه وإن لم يقبل وإل فقد ثبت كفره يعني وصل الحد والعياذ‬
‫بالله الحد عند ابن مخلوف أن يكفر ابن تيميه رحمه الله تعالى ومع ذلك‬
‫اسمع كلم ابن تيميه فيه أو ابن مخلوف فيه يقول ابن تيميه لو عمل مهما‬
‫عمل والله ما أقدر على خير إل وأعمله معه ول أعين عليه عدوه قط ول‬
‫حول ول قوة إل بالله هذه نيتي وعزمي مع علمي بجميع المور فأني أعلم أن‬
‫الشيطان ينزغ بين المؤمنين ولن أكون عونا للشيطان على إخواني‬
‫المسلمين انتهى كلمه رحمه الله ويقول أيضا في موضع آخر في الجزء‬
‫الثالث في صفحة ‪ 245‬هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني فإنه وإن تعدى‬
‫حدود الله في بتكفير أو تفسيق أو افتراء فالقضية ليست قضية كلم وشتم ل‬
‫بتكفير بتفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية فأنا ل أتعدى حدود الله فيه بل‬
‫أضبط ما أقوله وأفعل وأزنه بميزان العدل وأجعله مؤتما بالكتاب الذي أنزله‬
‫الله وأجعله هدى للناس حاكما فيما اختلفوا فيه وما كان لي ما اختلفوا فيه‬
‫ويقول رحمه الله أيضا الجزء الثاني والعشرون ص ‪ 55‬فل أحب أن ُينتصر‬
‫من أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه فإني قد أحللت كل مسلم وأنا‬
‫أحب الخير لكل المسلمين وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي‬
‫والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي وأما ما يتعلق بحقوق الله فإن‬
‫تابوا تاب الله عليهم وإل فحكم الله نافذ فيهم ولو كان الرجل مشكورا على‬
‫سوء عمل لكنت أشكر كل من كان سببا في هذه القضية لما يترتب عليه من‬
‫خيري الدنيا والخرة لكن الله هو المشكور على حسن نعمه وعلئه وأياديه‬
‫الذي ل يقضي للمؤمن قضاء إل كان خيرا له انتهى كلمه رحمه الله تعالى‬
‫ويقول ابن القيم في كتابه عن شيخه ابن تيميه رحمه الله تعالى وما رأيت قد‬
‫أجمع بمثل هذه الخصال يعني سلمة الصدر وتنقية القلب والعفو عن الناس‬
‫وما رأيت أحدا قد أجمع لهذه الخصال من شيخ السلم ابن تيميه قدس الله‬
‫روحه وكان بعض أصحابه الكابر يقول وددت أنى لصحابي مثله لعدائه‬
‫وخصومه وما رأيته يدعو على أحد منهم قط وكان يدعو لهم وجئته يوما‬
‫مبشرا له بموت أكبر أعدائه اسمع يقول وجئت يوما مبشرا له موت أكبر‬
‫أعدائه وأشدهم عداوة وأذى فنهرني وتنكر لي واسترجع ثم قام من فوره‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى بيت أهله وعزاهم وقال إني لكم مكانه ول يكون لكم أمر تحتاجون إلى‬
‫مساعدة إل وساعدتكم فيه على نحو هذا الكلم فسروا به وعظموا هذه‬
‫الحالة منه فرحمه الله ورضي الله عنه‬
‫فكرر علي حديثهم يا حادي‬
‫فحديثهم يجلي الفوائد الصادي‬

‫)‪(24 /‬‬

‫هكذا يكونون رضوان الله تعالى عليهم في مواقفهم وفى حياتهم وفى‬
‫أحوالهم مع من عاداهم أو حتى كفرهم أو فسقهم أو بدعهم أو آذاهم هكذا‬
‫تكون القلوب المؤمنة المتعلقة الخائفة الراجية من الله العفو والصفح والتي‬
‫تمضى إلى هذه الدنيا على أنها حياة أو دنيا ممر ودار مر ل دار مقر هكذا‬
‫التعلق بالله جل وعل وطلب العفو ومرضاته سبحانه وتعالى أخيرا نتائج‬
‫سلمة الصدر وآثاره ولو لم يكن من آثار سلمة الصدر وتنقية القلب إل أنه‬
‫سبب لدخوله الجنة كما ذكرنا في أول حديث ذكرناه من حديث أنس فإن‬
‫سلمة الصدر من أعظم أسباب دخول الجنة ولذلك اسمع ابن القيم أيضا‬
‫يقول في مدارك السالكين في الجزء الثالث ‪ 318‬يقول وها هنا للعبد إحدى‬
‫عشر مشهدا فيما يصيبه من الخلق وجنايتهم ويقول ثم قال في صفحة ‪319‬‬
‫المشهد الثالث مشهد العفو والصفح والحلم فإنه متى شهد ذلك وفضله‬
‫وحلوته وعزته لم يعدل عنه إل لعشي بصيرته فإنه "ما زاد الله عبدا بعفو إل‬
‫عزا "كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلم بالتجربة والوجود‬
‫وما انتقم أحد لنفسه إل ذل هذا وفى الصفح والعفو والحلم من الحلوة‬
‫والطمأنينة والسكينة وشرف النفس وعزها ورفعتها عن تشفيها بالنتقام ما‬
‫ليس شيء منه في المقابلة والنتقام ويقول أيضا رحمه الله تعالى‪ -‬ابن‬
‫القيم ‪ -‬في صفحة ‪ 311‬في المشهد السادس يقول نشر السلمة وبرد‬
‫القلب وهذا مشهد شريف جدا لمن عرفه وذاق حلوته وهو أن ل يشتغل قلبه‬
‫وسره بما له من الذى وطلب الوصول إلى ترك ثأره وشفاء نفسه بل يفرغ‬
‫قلبه من ذلك ويرى أن سلمته وبرده وخلوه منه أنفع له وأطيب وأعون على‬
‫مصالحه فإن القلب إذا اشتغل بشيء فاته ما هو أهم عنده وخير له منه‬
‫فيكون بذلك مغبونا والرشيد ل يرضى بذلك ويرى أنه من تصرفات السفيه‬
‫بين سلمة القلب من امتلئه بالغل والوقاس* وإعمال الفكر في إدراك‬
‫النتقام ثم أثرا آخر ونتيجة أخرى من نتائج تنقية القلب من الغل والحسد‬
‫وهي لو لم يكن في هذا القلب كما أشار ابن القيم رحمه الله إل الطمأنينة‬
‫منه وراحة البال لصاحب هذا القلب ولو لم يكن إل هذا المر لكفي به شرفا‬
‫ونتيجة فصاحب القلب الذي ل ينظر ول يتشفى ول يحقد ول يحسد مطمئنا‬
‫مرتاحا هادئا وذلك تجد أنه خال من الحقاد والظنون ول ينشغل إل بطاعة أو‬
‫بعمل خير فمتى نتحرر من هذا الثر أيها الخوة ولذلك اسمع لبن تيميه عن‬
‫الذهبي وهو يقول أو ينقل قول ]زيد بن أسلم[ يقول نقل عن ]أبي دجانة[‬
‫رضي الله تعالى عنه وهو مريض وكان وجهه يتهلل فقيل له ما لوجهك يتهلل‬
‫فقال ما من عمل شيء أوفي عندي من اثنتين كنت ل أتكلم إل فيما يعنيني‬
‫والخرى كان قلبي للمسلمين سليما ما أحلى أن تقابل الله جل وعل وقلبك‬
‫سليم ويقول أيضا ]سفيان بن الحارث[ قلت لبى بشر وكان من أصحاب‬
‫علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخبرنا عن أعمال من كان قبلنا قال كانوا‬
‫يعملون يسيرا ويأجرون كثيرا إذن ما ذكرت لك في البداية ليست بكثرة‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صيامهم وصلتهم وصدقاتهم فكانوا يعملون يسيرا ويأجرون كثيرا قال وقلت‬
‫ولما ذاك قال لسلمة صدورهم ويروى هذا الثر الذهبي في كتابه الزهد‪.‬‬
‫وأيضا ذكر ابن رجب في كتابه روضة السلم قال عن الفضيل بن عياض‬
‫رحمه الله تعالى قال لن يدرك عندنا من أدرك بكثرة صيام ول صلة وإنما‬
‫أدرك بسخاء النفس وسلمة الصدر والنصح للمة‪.‬‬
‫أخيرا السباب التي يجيء منها حقد القلب أو موته والسباب أسباب امتلء‬
‫الصدر وغل القلب تنقسم إلى قسمين‪:‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫أسباب مباشرة وأسباب غير مباشرة وانتبه لها لعل أل يكون أحد السباب‬
‫موجود في نفسك فمن السباب المباشرة على رأسها الشيطان إن الفرقة‬
‫والخلف وملء الصدور بالشحن وضيق الصدر غاية من غاياته كما في‬
‫الترمذي رواه مسلم كتاب صلة المنافقين تحريش الشيطان وبعثه سرياه‬
‫إلى فتنة الناس وأن مع كل إنسان قرينا وحديث ]جابر[ رضى الله عنه قال‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الشيطان قد آيس أن‬
‫يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم " أي بالخصومات‬
‫والحروب والفتن وغيرها ‪،‬انظروا لحوال المسلمين اليوم من جميع الجهات‬
‫تجدون أن الشيطان يقوم بالتحريش بين المسلمين في كل مكان إذن هذا‬
‫هو السبب الول المباشر وسبب غير مباشر هي أمراض القلب بأنواعها‬
‫سبب امتلء القلب والصدر بالغل والحقد والحسد والنتقام والتشفي سبب‬
‫مباشر وهو أمراض القلب بأنواعها بدءا بسوء الظن والحسد والنجوى‬
‫والغرور والهوى وحب التستر وغيرها كثير مما تعلمون من أمراض القلب‬
‫وجماع ذلك الغفلة عن القلب وإهماله ونشكو إلي الله جل وعل حالنا مع‬
‫قلوبنا وإطلق عنانها إننا نهتم بأنفسنا كثيرا نهتم بمظهرنا نهتم ببيوتنا بمراكبنا‬
‫بمأكولتنا بمشروباتنا ولكننا نغفل كثيرا عن قلوبنا أن نراقب هذا القلب أن‬
‫نرعاه أن نحفظ عليه نهمله كثيرا ونغفل عنه وبالتالي يمتلئ بغضا على فلن‬
‫وحقدا لفلن وحسدا لفلن وسوء ظن بعلن فتجتمع واليعاذ بالله نقط سود‬
‫نقطة نقطة حتى يصبح القلب أسودا **** ل يعرف معروفا ول ينكر منكرا‬
‫عياذا بالله ولذلك أقول إن المسلم لو اهتم بقلبه أكثر مما يهتم بمظهره وبيته‬
‫وأكله وشربه لوجد أن الله سبحانه وتعالى وفقه في كل صغيرة وكبيرة‬
‫سمعت حياة أولئك النقياء رحمهم الله تعالى كيف كان بمجرد سخاء‬
‫نفوسهم وسلمة قلوبهم وسخاء نفوسهم وصلوا إلى ما وصلوا إليه فخذ مثل‬
‫سوء الظن فسوء الظن هو ترجيح ما يخطر في النفس من تحميل سوء ويبدأ‬
‫سوء الظن بخافق يخفق به ثم ل يزال الشيطان ينفخ فيها حتى ينزلها منزلة‬
‫الحقيقة هذا هو سوء الظن فتكلمنا في المقاصد والنيات فنقول مثل فلن‬
‫يقول كذا ويقصد من كلمه كذا فأصبحنا نظن فيه النوايا واليعاذ بالله وإرادات‬
‫الناس فنتكلم فيما في قلوب الناس وكأننا أصبحنا نعلم الغيب وما يدور في‬
‫قلوب هؤلء وفى نفوسهم وما أجمل قول ]محمد بن سيرين[ رحمه الله‬
‫تعالى قال إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا فإن لم تجد فقل‬
‫ألتمس له عذرا ل أعمله ‪0‬‬
‫وأما السباب الغير مباشرة فأول الختلف في وجهات النظر وطريقة سير‬
‫العمل فقد يؤدى الخلف في الراء والتصورات إلي اختلف قلوبهم وجفوتهم‬
‫إليهم بالشحناء يعني ليس شرطا يا أخي الحبيب أن يوافقك الناس في كل ما‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تريد ليس معنى ذلك أن توافقني وإل أن تعدوني خطأ أن نأخذ هذه القاعدة‬
‫في حياتنا فاختلف وجهات النظر كل من الناس له وجهات نظر المهم الحمد‬
‫لله أن نتفق في الصول أما الفروع والختلف فيها واختلف وجهات النظر‬
‫وطريقة العمل هذا يدعو إلى كذا وذاك يدعو إلى ذاك المر فهذا ل يدعي أبدا‬
‫إلى أن تمتلئ قلوبنا بغضا وحقدا وشحناء على بعضنا واليعاذ بالله بل ننصح‬
‫أخانا وننبهه على ما وقع فيه من خطأ هذا هو واجبنا أما نبغضه ونحقد عليه‬
‫ونهجره ل ثم ‪.‬‬
‫ذكر الذهبي في السير قال قال ]يوسف السلفي[ قال ما رأيت أحدا أفضل‬
‫من الشافعي ناظرته يوما في مسألة وافترقنا ولقيني ثم أخذ بيدي ثم قال يا‬
‫أبا موسى أل يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة شف النفوس‬
‫أل يسعنا ما وسعهم يا اخوة قال ]أحمد بن حسن السعدي بن عدي[ سمعت‬
‫أحمد بن حنبل يقول لم يعبر الجسر إلى خرسان مثل إسحاق وإن كان‬
‫يخالفنا في أشياء وإن كان يخالفنا في أشياء فإن الناس لم يزل يخالف‬
‫بعضهم بعضا هكذا كان رحمهم الله تعالى إذن فالخلف في المسائل الفرعية‬
‫ل يفسد للود قضية أبدا أيها الحبة فقد كان يعذر بعضهم بعضا فيقول لعل له‬
‫تأويل ويقول لعل ذلك الحديث لم يبلغه أو لم يصله أو غير ذلك من العذار‬
‫التي كانوا يبحثونها لبعضهم رحمهم الله تعالى ولذلك قال الذهبي في السير‬
‫ما زال الئمة يخالف بعضهم بعضا ويرد هذا على هذا ولسنا ممن يذم العالم‬
‫بالهوى والجهل ‪.‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫المر الثاني من السباب الغير مباشرة لسبب امتلء الصدر غل وحقدا‬


‫التنافس ول شك أن التنافس أمر محمود ولكنه قد يتعدى ذلك إلى الحسد‬
‫والغل على الخرين خاصة بين القران ولذلك يقول الذهبي اسمع كلم‬
‫الذهبي في القران يقول استبق وجهك وسل ربك العافية فكلم القران هو‬
‫في بعض المر عجيب وقع فيهم سادة رحم الله الجميع ويقول أيضا كلم‬
‫القران يطوى ول يروى ويقول أيضا كلم القران هو في بعضهم يحتمل‬
‫وطيه أولى من بثه إل ما اتفق المعاصرون على جرح شيخ فيعتمد قوله إذن‬
‫فالتنافس مطلوب ولكن طبيعة البشر قد يصل إلى قلبك قرين لك أو زميل‬
‫فلن قد يصل إليه شيء من الحقد والبغض عليه فانتبه لمثل هذا المر ولكن‬
‫ليس هذا الكلم على أن ينطبق على أحبابنا فهناك من القران أيضا من يهتم‬
‫بقرينه بل هو يفضله على نفسه فاسمع فهذا ]هشام بن يوسف[ يقول كان‬
‫]أبو بزار[ أعلمنا وأحفظنا فهي صورة جميلة لحال القران المسلمين بل‬
‫هناك صور أخرى كثيرة ولله الحمد والمنة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬التناصح وكيف يكون التناصح سببا للحسد والحقد فبعض الناس ل‬
‫يحتمل النصيحة فيبدأ بالكيد للناصح والتفتيش عن عيوبه وبثها فإذا نصحت‬
‫أحدا فلنا من الناس وحرصت على وسائل النصيحة الصحيحة فإذا به يملئ‬
‫قلبه عليك حقدا ويبدأ يبحث عن عيوبك ليته يقبل النصيحة أو يأخذها ويسكت‬
‫ولكنه يحاول النتقام لنك ذكرت شيا من أخطائه مع أنك حرصت على أنها‬
‫تكون وسيلة صحيحة بانفراد بينه وبينك وباللفاظ الجميلة الطيبة وبالموعظة‬
‫الحسنة ومع ذلك وجد في نفسه حقدا عليك فما زال والعياذ بالله يحتمل أو‬
‫يبحث خطأك حتى يرد الصاع صاعين والسبب الرابع التجارة والبيع والشراء‬
‫والتعامل مع الخرين ورحم الله رجل سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ورواه البخاري في باب السهولة‬
‫والسماحة في البيع والشراء كيف السبيل إلى سلمة الصدر أعد عليك‬
‫وسائل إذا أردت أن تصل لسلمة الصدر باختصار ‪.‬‬
‫أول ‪ :‬تدعوا الله بصدق وإلحاح أن يرزقك قلبا سليما محبا للخرين فقد كان‬
‫في دعائه صلى الله عليه وسلم" اللهم أنى أسألك قلبا سليما" وردد يا أخي )‬
‫ربنا اغفر لنا ولخواننا الذين سبقونا باليمان ول تجعل في قلوبنا غل للذين‬
‫آمنوا ( واسأل الله حسن الخلق فإن العبد ليدرك بحسن الخلق الصائم‬
‫والقائم ‪،‬وما وصل أولئك الرجال إلى ما وصلوا إليه إل بسخاء النفس‬
‫وسلمة الصدر والنصح كما ذكرنا فاحرص على الدعاء لخوانك وما أجمل إذا‬
‫دعوت لخوانك بهذه الكلمات وقلت قبل منامك اللهم من سبني وشتمني‬
‫وضربني عند نومك اللهم إني عفوت عنه وصفحت عنه ما أجمل أن تردد‬
‫الكلمات بنفسك وفى كل ليلة فإذا أنت نمت بقلب سليم وإذا مت مت على‬
‫قلب سليم ولله الحمد ثم أتبع هذه الكلمات قول جميل قل وادع الله اللهم‬
‫إنك عفو تحب العفو فاعف عني أسألك بالله يا أخي الحبيب هل ستكون‬
‫أحلم من الله وهل ستكون أعظم من الله سبحانه وتعالى في عفوه عنك أيها‬
‫العبد فما عفوت عنه عن خلقه ل والله ثقة بالله ولذلك أقول لك يا أخي‬
‫الحبيب اعف عن عباد الله يعف الله عنك طهر قلبك من الحقد والغل على‬
‫الخرين تجد أن الله سبحانه وتعالى يحفظك ويعف عنك سبحانه وتعالى ثم‬
‫أيضا احذر الغفلة عن القلب وراقبها مراقبة جيدة واعلم أن تنقية القلب من‬
‫الغل والحقد يحتاج إلى ترويض نفس وطول مجاهدة ومراقبة فإذا وجدت في‬
‫قلبك على أحد فابحث عن السباب وصارح نفسك ول تستجب لبائع الهوى‬
‫فيها وعليك هضم النفس واسأل الله العون والتوفيق ‪.‬‬
‫ثم ثالثا أحسن الظن بالخرين والتمس لهم العذار فان لم تجد فقل لعلي‬
‫أجد لك عذرا ل أعلمه قيل أن أبا إسحاق نسى عمامته يوما وكانت بعشرين‬
‫دينارا عمامة وكانت جديدة وكانت بعشرين دينارا وتولى في دجلة أي جعلها‬
‫في نهر دجلة لكي يتوضأ فجاء لص فأخذها ترك عمامة رديئة بدلها فطلع‬
‫الشيخ فلبسها وما شعر حتى سألوه وهو يدرس في درسه فقال لعل الذي‬
‫أخذها محتاج لم يقل اللص الذي فيه وما لفيه ل وإنما قال لعل الذي أخذها‬
‫محتاج وانتهت القضية‬
‫أولئك آبائي فجئني بمثلهم‬
‫إذا جمعتنا يا جرير المجامع‬
‫فالرابع الصبر والتحمل فإن الحتمال مقبرة المتاعب فتمثل قول الشاعر‪:‬‬
‫إذا أمست قوارصة الفؤاد‬
‫صبرت على أذاهم وانطويت‬
‫وجئت إليكم ترك المحيا‬
‫كأني ما سمعت ول رأيت‬

‫)‪(27 /‬‬

‫ثم الخامس العفو والصفح فمن عفا وأصلح فأجره على الله ومن علمته كما‬
‫ذكرنا الدعاء لخوانك خاصة من كان بينك وبينه بغضاء أو من كان بينك وبينه‬
‫شحناء حاول أن تدعو له مع أنني أعلم أن هذا ل يطاق تدعو لنسان وفى‬
‫قلبك بغض عليه تدعو لنسان وفي قلبك بغض وشحناء وحقد عليه هذا ل‬
‫يطاق ولكن جرب وحاول أن تدعو لخوانك وارض النفس من الشيطان‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فالدعاء لهم بالرحمة والمغفرة والتوفيق والهداية كما يقول ]عبد الله بن‬
‫أحمد[ ربما سمعت أبي في السر يدعو لقوام بأسمائهم وإني لعجب أن ينام‬
‫المسلم ملء جفنيه وبينه وبين أخيه شحناء أو جفوة يقول لمن له قلب حي‬
‫قرار وقد نام وقد تأتيه المنية تلك الليلة وما أجمل قول ذلك الشاعر وهو‬
‫]مقنع الكندي[ عندما قال‪:‬‬
‫وإن الذي بيني وبين بني أبي‬
‫وبيني وبين ذي عمي لمختلف جدا‬
‫فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم‬
‫وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا‬
‫وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم‬
‫وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا‬
‫ل أحمل الحقد القديم عليهم‬
‫وليس ريم القوم من يحمل الحقدا‬
‫ثلثة قبل النهاية وآخر المطاف أيها الحبة أقول انتبه لهذه الثلث‬
‫أول‪ :‬إن ما تقدم ل يعني أننا ننهى عن كثرة الخطاء وعن التغاضي عن‬
‫الزلت وعدم التنبيه عليها وتقويم الراء فإننا نطالب بذلك ولكن الضوابط‬
‫الشرعية المقررة عند سلفنا الصالح وعلمائنا الفاضل رحمهم الله تعالى‬
‫الثانية هذا الموضوع رسالة ‪ .‬رسالة إليكم جميعا أيها الحبة وإلى العلماء‬
‫وإلى المشايخ وإلى طلب العلم والمدرسين والباء والمربين وجميع من‬
‫يسمع هذا المر تربية الشباب وتربية الجيال وتربية النفوس على صفاء‬
‫النفس وطهارة القلب وصدق العمل وتقدير العلماء والدعاة وإن من أساليب‬
‫التربية هي القدوة الحسنة‪.‬‬
‫وثالثا إن هذا الموضوع دعوة عامة لطهارة القلب وسلمة الصدر ووفاء‬
‫النفس فهو أمانة عند كل من سمعه نشره وبثه بين الناس في كل طبقاتهم‬
‫وفى مختلف أحوالهم إليكم مثل هذا الموضوع ولنتحدث به كثيرا ليحصل‬
‫الحب والمودة وجمع القلوب وتوحيد الكلمة بين المسلمين فيسقط بذلك‬
‫أعداء السلم من المنافقين وغيرهم فبادر بنشره وليكن حديث مجالسنا‬
‫ومدارسنا ورب مبلغ أوعى من سامع اللهم إني بلغت اللهم فاشهد اللهم إني‬
‫بلغت اللهم فاشهد اللهم إني بلغت عبادك يا أرحم الراحمين بحقيقة هذا‬
‫الموضوع وعظمته في نشره في قلوبهم وفى أنفسهم وبين صفوف الناس‬
‫أجمعين اللهم فاشهد ) ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من‬
‫الخاسرين ( )ربنا ل تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت‬
‫الوهاب( )ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين( )ربنا ل تجعلنا‬
‫مع القوم الظالمين( )ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين (‬
‫*********************‬
‫الخفياء‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له وأشهد أن‬
‫ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله‬
‫عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد السلم عليكم ورحمة‬
‫الله وبركاته وهذه ليلة الثنين الموافق للثالث والعشرين من الشهر العاشر‬
‫للعام الرابع عشر بعد الربعمائة واللف من الهجرة النبوية وعنوان هذا اللقاء‬
‫الخفياء ‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(28 /‬‬

‫ولقد كنت تأملت ونظرت في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫الذي أخرجه ]مسلم[ في صحيحه في كتاب الزهد قوله "إن الله يحب العبد‬
‫التقي الغني الخفي" ولقد تأملت قوله صلى الله عليه وآله وسلم الخفي فما‬
‫زالت تلك الهواجس والفكار والسئلة تدور في الخاطر المكدود من هو هذا‬
‫العبد الخفي؟ من هو هذا الخفي الذي أحبه الله سبحانه وتعالى فقلت فلربما‬
‫أنه أو أنهم الذين قد عرفوا ربهم وعرفهم سبحانه وتعالى فأحبوه وأحبهم‬
‫وحرصوا أن يكون بينهم وبين الله أسرار وأسرار والله سبحانه وتعالى يعلم‬
‫أسرارهم فكان خيرا لهم وقلت ولربما أنهم هم النقياء التقياء فما اجتهدوا‬
‫في إخفاء أعمالهم إل لخوفهم من ربهم وخوفهم من فساد أعمالهم بالعجب‬
‫والغرور وهجمات الرياء وطلب الثناء والمحمدة من الناس فقلت فلربما أنهم‬
‫هم الجنود المجهولون الناصحون العاملون الذين قامت على سواعدهم هذه‬
‫الصحوة المباركة فكم ناصح وكم من مرب وكم من داع للحق وكم من كلمة‬
‫وكم من رسالة وكم من شريط طار في كل مطار وصارت فيه الركبان كانت‬
‫خلفه أخفياء وأخفياء فهنيئا لهم ثم هنيئا لهم وقلت فلربما أنهم أيضا هم‬
‫الساجدون الراكعون في الخلوات فكم من دعوة في ظلمة الليل شقت عنان‬
‫السماء وكم من دمعة بللت الرض وبهذه الدمعات وبهذه السجدات حفظنا‬
‫وحفظ أمننا ُرزِقَْنا وسقانا ربنا وقلت فلربما أن الخفياء هم الذين يسعون في‬
‫ظلمة الليل ليتحسسوا أحوال الضعفاء والمساكين والرامل واليتام لطعام‬
‫الطعام وبذل المال ليفكوا بها كربة مكروب وليفرجوا بها هم أرملة ضعيفة‬
‫شديدة الحال كثيرة العيال وقلت فلربما أن الخفياء هم أولئك الذين ل‬
‫يعرفهم الناس هم أولئك الذين ل يعرفهم الناس أو الذين ل يعرف أعمالهم‬
‫الناس ولكن الله سبحانه وتعالى يعرفهم وكفي بالله شهيدا فهنيئا لهم ثم‬
‫قلت وما الذي يمنع أن يكونوا أولئك جميعا ما الذي يمنع أن تكون هذه‬
‫الصفات كلها صفات لولئك الخفياء ولذلك ترددت كثيرا في الحديث عن هذا‬
‫الموضوع فما كان لمثلي أن يتحدث عن مثلهم وأستغفر الله جل وعل ونحن‬
‫أعرف بأنفسنا من جرأتنا مع قصورنا وتقصيرنا وقد قالها ]عبد الله بن‬
‫المبارك[ ردد ذلك البيت عندما قال‬
‫ل تعرضن بذكرنا في ذكرهم‬
‫ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد‬
‫رحمك الله يا ابن المبارك عندما قلت هذا البيت تعني به نفسك فماذا نقول‬
‫نحن إذا ً عن أنفسنا ورحم الله القائل أحب الصالحين ولست منهم وأرجو أن‬
‫أنال بهم شفاعة وأكره من سجيته المعاصي وإن كنا سواء في الضاعة‬
‫ولماذا الحديث عن الخفياء؟ كان الحديث عن الخفياء لنني ولربما لنك أيضا‬
‫نظرت لحال أولئك الرجال الذين نسمع قصصهم بل ونري أثارهم ومصنفاتهم‬
‫ونري أنهم أحياء بذكرهم وبعلمهم وبنفعهم وإن كانوا في بطن الرض أموات‬
‫بتلك الجساد الطيبة الطاهرة فأسأل وتسأل معي ما هو السر في حياة‬
‫أولئك الرجال والسر هو توجه القلب كل القلب لله جل وعل توجهت قلوب‬
‫أولئك الرجال فنالوا ما نالوا ووصل سمعهم إلى عصرنا الحاضر فكان القلب‬
‫عمله وعلمه لله سبحانه وتعالى وكان حبه وبغضه لله وقوله وفعله لله‬
‫حركاته وثكناته لله دقه وجله لله سره وعلنيته لله يوم أن كانت اليات هي‬
‫الشعارات التي ترفع وهي الكلمات التي تتردد في القلب قبل اللسان وفي‬
‫كل مكان )قل إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين( هكذا‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كانت اليات ترفع فامتلت بها القلوب أما اليوم فتعال وانظر لحالنا يا أخي‬
‫الكريم انظر لحالنا كأفراد فقلوبنا شذر مدر ونفوسنا عجب وكبر وأفعالنا‬
‫تزين وإظهار وأقوالنا لربما كانت طلب الشتهار‪ ،‬همومنا في الملذات وحديثنا‬
‫في الشهوات وصدق صلى الله عليه وآله وسلم بقوله" كثرة سؤال وإضاعة‬
‫ل وقال" إل من رحم الله منا وانظر لحالنا كأمة ذل ومهانة وهوان‬ ‫للمال وقي ٍ‬
‫واحتقار ول داعي إلى أن أواصل الكلم عن حال هذه المة في هذا العصر‬
‫ولكني أسوق لك دليل قريبا في شهر رمضان ثلث مذابح للمسلمين ثلث‬
‫مذابح للمسلمين مذبحة السوق في <سراييفو> ومذبحة البراهيمي في‬
‫فلسطين ومذبحة في السودان أكان يكون ذلك يا أخي الحبيب لو كانت‬
‫القلوب متوجهة إلى الله بصدق ل والله أقولها ثقة بالله سبحانه وتعالى ل‬
‫والله ل يكون هذا الذل وهذا الحتقار لهذه المة لو توجهت قلوب أصحابها‬
‫وتوجهت قلوب المسلمين إلى الله جل وعل ‪ ،‬ربما معتصماهم قلقت‬
‫‪،‬لمست ملء أفواه الصبايا اليتامى‪،‬‬
‫لمست أسماعهم لكنها‬
‫‪ ...‬لم تلمس نخوة المعتصم‬

‫)‪(29 /‬‬

‫إذا ً فالسر في حياة أولئك هو التوحيد لله ليس التوحيد قول كلنا نقول ل إله‬
‫إل الله ولكنه التوحيد القلبي يوم أن تكون الفعال والقوال وحركات القلب‬
‫وثكناته كلها لله سبحانه وتعالى ‪،‬عرف هذا السر أولئك الخفياء فكانت الدنيا‬
‫لهم والخرة دارهم ثم أيضا سبب آخر ومهم جدا عن الحديث عن الخفياء فيا‬
‫أخي الحبيب ويا أختي المسلمة إن فقدت العمال والقوال أيا كان نوعها إن‬
‫فقدت خلوص النية لله جل وعل انتقلت من أفضل الطاعات إلى أحق‬
‫المخالفات والعياذ بالله ألم تسمع لذلك الحديث المفزع للقلوب الذي كلما‬
‫أراد ]أبو هريرة[ رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن يرويه لنا أو يرويه لصحابه‬
‫وقع مغشيا عليه يفعل ذلك ثلث مرات أو أربعة من هول ذلك الحديث‬
‫المفزع حديث "أول ثلث تسعر بهم النار يوم القيامة قارئ القرآن ‪ ،‬المجاهد‬
‫‪ ،‬المتصدق بماله" أفضل الطاعات وأفضل القربات إلى الله جل وعل يوم‬
‫صرفت لغير الله أصبحت أحق المخالفات بل أصبحت هي التي تقود أصحابها‬
‫إلى النار والعياذ بالله وهذا الحديث لما سمعه ]معاوية[ رضي الله تعالى عنه‬
‫وأرضاه قال قد فعل بهؤلء هذا فكيف بمن بعدهم فكيف بمن بعدهم أو‬
‫فكيف بمن بغي من الناس ثم بكي معاوية رضي الله تعالي عنه وأرضاه بكاًء‬
‫شديدا يقول الراوي حتى ظننا أنه هالك انظر صحابة رسول الله يغشون على‬
‫أنفسهم عندما يسمعون هذا الحديث فماذا نقول نحن عن أنفسنا يقول‬
‫الراوي حتى ظننا أنه هالك ثم أفاق معاوية ومسح وجهه ودمعه بيده رضي‬
‫الله تعالى عنه وقال صدق الله ورسوله صدق الله ورسوله )من كان يريد‬
‫الحياة الدنيا وزينتها نوفي إليهم أعمالهم بها وهم فيها ل يبخسون أولئك الذين‬
‫ليس لهم إل النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون( لنهم فعلوا‬
‫ذلك ليقال قارئ وليقال متصدق وليقال جريء ول شيء يحطم العمال مثل‬
‫الرياء ومثل التسميع بأن يقول فلن سمعت وعلمت وفعلت وجئت وذهبت‬
‫مسمعا للناس بأفعاله عياذا بالله فالتزم رعاك الله التزم التخلص من كل‬
‫الشوائب التي تشوب هذه النية كحب الظهور أو التفوق على القران أو‬
‫الوصول لغراض وأعراض من جاه أو مال أو سمعة أو طلب لمحمدة وثناء‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الناس فإن هذه وأمثالها قاصمة للظهر متي شابت النية ‪.‬ولذلك النظر لحياة‬
‫الخفياء ولحوالهم ومدارسة أمورهم من أعظم السباب للوصول إلى طريق‬
‫المخلصين جعلني الله وإياك منهم ثم سبب ثالث لهمية الخلص ولخطر‬
‫الرياء ولرجوع الناس إلى الله جل وعل ولكثرة أعمال البر والخير والدعوة‬
‫إلى الله من الرجال والنساء في حد سواء ولقبال الناس عموما على‬
‫العبادات وحرصهم على الخيرات والحمد لله مما نراه من الناس في هذه‬
‫الفترة المتأخرة كان ل بد من طرح هذا الموضوع لئل تذهب هذه العمال‬
‫سد َىً من حيث ل يشعرون كان لزاما أن نتحدث في‬ ‫وهذه العبادات عليهم ُ‬
‫مثل هذا الموضوع وقد كان أهل العلم يحبون أن يتخصص أناس للحديث عن‬
‫النية وبيانها للناس ولذلك تكلمنا عن هذا الموضوع تذكيرا وتنبيها وتحذيرا‬
‫لشدة الحاجة إليه‪ ،‬والخفياء منهج شرعي ولذلك اسمع أيها المحب لقول‬
‫الحق عز وجل وإن تخفوها ـ الصدقة ـ )وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير‬
‫لكم( فهو خير لكم فهذه الية كما يقول الحافظ ] ابن حجر[ رحمه الله تعالى‬
‫ظاهرة في تفويض صدقة السر وإخفائها ويقول سبحانه ) ادعوا ربكم تضرعا‬
‫وخفية إنه ل يحب المعتدين( ويقول المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم ل ظل إل ظله قال "ورجل‬
‫تصدق بصدقة فأخفاها حتى ل تعلم شماله ما صنعت يمينه" انظر لدقة‬
‫الخفاء في هذه الصدقة وقد أخرجه ]البخاري[ و]مسلم[ في حديث أبي‬
‫هريرة وقال أيضا الحافظ ابن حجر وهو من أقوى الدلة على أفضلية إخفاء‬
‫الصدقة وفي الحديث نفسه صورة أخري يذكرها صلى الله عليه وآله وسلم‬
‫"ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" ثم حديث الرجل الذي تصدق ليل على‬
‫سارق وعلى زانية وعلى غني وهو ل يعلم بحالهم والحديث أخرجه البخاري‬
‫ومسلم من حديث أبي هريرة ووجه الدللة من هذا الحديث على أن الخفياء‬
‫منهج شرعي أن الصدقة المذكورة وقعت بالليل لقوله صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم في الحديث فأصبحوا يتحدثون بل وقع رواية أو لفظا صريحا كما في‬
‫مسلم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم على لسان الرجل لتصدقن الليلة‬
‫لتصدقن الليلة فدل ذلك على أن صدقته كانت سرا في الليل إذ لو كانت‬
‫هذه الصدقة بالجهر نهارا لما خفي عنه حال من؟ حال من؟ حال الغني‬
‫بخلف حال الزانية وحال أيضا السارق فالغني ظاهرة حاله فلذلك كانت‬
‫الصدقة سرا ً في الليل وأيضا حديث النافلة صلة النافلة في البيوت فمن‬
‫حديث ]زيد بن ثابت[ رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم قال "صلوا أيها الناس في بيوتكم صلوا أيها الناس في بيوتكم‬
‫فإن أفضل صلة المرء في بيته إل المكتوبة" رواه ]النسائي[ و]ابن خزيمة[‬
‫في صحيحه وإسناده صحيح وروى ]البيهقي[ أيضا بإسناد جيد أنه صلى الله‬

‫)‪(30 /‬‬

‫عليه وآله وسلم قال "فضل صلة الرجل في بيته على صلته حيث يراه‬
‫الناس" انظر الشاهد حيث يراه الناس إذا فالختفاء عن أعين الناس في‬
‫صلة النافلة ل شك أنه أفضل يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم" فضل‬
‫صلة الرجل في بيته على صلته حيث يراه الناس كفضل الفريضة على‬
‫التطوع" كفضل الفريضة على التطوع ومن حديث ]جندب بن عبد الله[ رضي‬
‫الله تعالى عنه كما أخرج البخاري ومسلم قال قال النبي صلى الله عليه وآله‬
‫مع الله به" من سمع أي من سمع الناس بأعماله وأقواله‬‫وسلم "من سمع س ّ‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معَ‬‫س ّ‬
‫التي ل يراها الناس رؤيا وإنما يسمعها لهم تسميعا في قوله يقول "من َ‬
‫سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به" ومن حديث ]عبد الله بن عمر[ رضي‬
‫الله تعالى عنها قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول‬
‫"من سمع الناس بعمله سمع الله به مسامع خلقه وصغره وحقره " أخرجه‬
‫أحمد في مسنده والطبراني والبيهقي وإسناده صحيح وذكر الذهبي في‬
‫السير في ترجمة ]عبد الله بن داود الخريبي[ أنه رضي الله تعالى عنه قال‬
‫كانوا يستحبون أي السلف الصالح كانوا يستحبون أن يكون للرجل خبيئة كانوا‬
‫يستحبون أن يكون للرجل خبيئة من عمل صالح ل تعلم به زوجته ‪،‬ول غيرها‬
‫زوجته ول غيرها وذكر المام ]وكيع بن الجراحي في كتابه الزهد والمام‬
‫]النجم السري[ في كتاب الزهد أيضا أن ]الزبير بن العوام[ قال من استطاع‬
‫منكم أن يكون له خبأ ُ من عمل صالح فليفعله من استطاع منكم أن يكون‬
‫خبأ من عمل صالح فليفعله وسنذكر بمشيئة الله صور عديدة لحياة كثير من‬
‫السلف تدل على أن هذا المر كان منهجا لهم وكانوا يحرصون عليه‬
‫ويتمسكون به وهل العمال تخفي دائما قد يقول قائل بعد سماع ما تقدم‬
‫وهل نخفي أعمالنا دائما فل نظهر منها شيئا أبدا منها إذا الجابة على هذا‬
‫السؤال يتفضل بها شيخ السلم ]ابن القيم[ رحمه الله تعالى في كتابه‬
‫مدارج السالكين الجزء الثاني صفحة أربع وثمانين عندما قال ‪-‬فصل‪ -‬قوله‬
‫ول مشاهدا لحد فيكون متزينا بالمراءاة قال ابن القيم رحمه الله تعالى هذا‬
‫فيه تفصيل أيضا وهو أن المشاهدة والمشاهدة يقصد بها مشاهدة الناس لك‬
‫أثناء العمل وهو أن المشاهدة في العمل لغير الله نوعان انتبه جيدا أول‬
‫مشاهدة تبعث عليه أو تقوي باعثه تبعث على العمل أو تقويه على العمل‬
‫فهذه المراءاة خالصة أو مشوبة كما أن المشاهدة القاطعة عنه من الفات‬
‫والحجب كما أن المشاهدة تجعلك تقطع العمل بتاتا أيضا هي من الفات‬
‫والحجب ثم يقول ومشاهدة أي أخري ل تبعث عليه ول تعين الباعث بل ل‬
‫فرق عنده أي عند صاحبها بل ل فرق عنده بين وجودها وعدمها ل يهمه يراه‬
‫الناس أو ل يروه فهذه ل تدخله في التزين والمراءاة ‪،‬ولكنما عند المصلحة‬
‫الراجحة في المشاهدة إذا كان هناك مصلحة راجحة ما هي المصلحة؟ يقول‬
‫ابن القيم إما *** ورعاية كمشاهدة مريض أو مشرف على هلكة يخاف‬
‫وقوعه فيها أو مشاهدة عدو يخاف هجومه كصلة الخوف عند المواجهة أو‬
‫مشاهدة ناظر إليك يريد أن يتعلم منك يريد أن يتعلم منك فتكون محسنا إليه‬
‫بالتعليم وإلى نفسك بالخلص فتكون محسنا إليه بالتعليم وإلى نفسك‬
‫بالخلص أو قرب منك للقتداء وتعريف الجاهل يقول ابن القيم هذا رياء‬
‫محمود فهذا رياء محمود والله عنده أو والله عند نية القلب وقصده ثم يقول‬
‫رحمه الله تعالى فالرياء المذموم أي يكون الباعث قصد التعظيم والمدح أن‬
‫يكون الباعث قصد التعظيم والمدح والرغبة فيما عند من ترائيه أو الرهبة منه‬
‫وأما ما ذكرنا من قصد رعايته أو تعليمه أو إظهار السنة وملحظة هجوم‬
‫العدو ونحوا ذلك فليس في هذه المشاهد رياء بل قد يتصدق العبد رياء بل‬
‫قد يتصدق العبد رياء مثل وتكون صدقته فوق صدقة صاحب السر اسمع‬
‫الكلم العجيب بل قد يتصدق العبد رياء فتكون صدقته فوق صدقة صاحب‬
‫السر مثال ذلك يقول ابن القيم رجل مغرور سأل قوما ما هو محتاج إليه‬
‫فعلم رجل منهم أنه إن أعطاه سرا حيث ل يراه أحد لم يقتدي به أحد ولم‬
‫يحصل له سوي تلك العطية وأنه إن أعطاه جهرا اقتدي به واتبع وأنف‬
‫الحاضرون من تفرده عنهم بالعطية فجهر له بالعطاء وكان الباعث له على‬
‫الجهر إرادة سعة العطاء عليه من الحاضرين فهذه مراءاة محمودة حيث لم‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يكن الباعث عليها قصد التعظيم والثناء وصاحبها جدير بأن يحصل له مثل‬
‫أجور أولئك المعطيين انتهى كلمه الجميل رحمه الله تعالى وينقل لنا أيضا‬
‫الحافظ ابن حجر في فتح الباري لما تكلم عن صدقة الفرد وصدقة النفل‬
‫وهل الفضل إعلنهما أو إخفائهما قال رحمه الله تعالى ينقل عن] الزين[ في‬
‫المنير قال لو قيل إن ذلك يختلف ـ أي الخفاء أو الظهار ـ إن ذلك يختلف‬
‫باختلف الحوال لما كان بعيدا يختلف باختلف الحوال لما كان بعيدا فإذا‬
‫كان المام مثل جائرا ً ومال من وجبت عليه ـ أي الزكاة صدقة الفرد ـ ‪ ،‬ومال‬
‫من وجبت عليه مخفيا ً فالسرار أولى وإن كان المتبرع ممن يقتدى به ويتبع‬
‫وتنبعث الهمم على التطوع بالنفاق وسلم قصده فالظهار أولى…‬

‫)‪(31 /‬‬

‫انتهى كلمه رحمه الله تعالى ومن هنا نعلم أيها الحبة أنه ليس دائما تخفى‬
‫العمال بل قد يظهر النسان أعماله لمصلحة راجحة كما ذكر ذلك ابن القيم‬
‫رحمه الله تعالى أخفياء ولكن يكثر في هذا الزمن الخفياء ولكنهم أخفياء من‬
‫نوع آخر أخفياء يختفون عن أعين الناس ويحرصون كل الحرص أل يتطلع أحد‬
‫من الناس على أعمالهم هؤلء الخفياء هم الذين أخبر عنهم النبي صلي الله‬
‫عليه وآله وسلم بقوله "لعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات‬
‫أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا "أعوذ بالله أعوذ‬
‫بالله يقول راوي الحديث ]ثوبان[ رضي الله تعالى عنه يا رسول الله صفهم‬
‫جل ِّهم لنا أل نكون منهم ونحن ل نعلم اسمع ثوبان الصحابي الجليل والذي‬‫لنا َ‬
‫يقول أل نكون منهم ونحن ل نعلم فرحمك الله يا ثوبان رضي الله تعالى عنك‬
‫قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم‬
‫ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارب الله انتهكوها"‬
‫ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارب الله انتهكوها أخرجه ابن ماجة من حديث‬
‫ثوبان بسند صحيح وأخفياء من نوع آخر وهم المقصرون الفاترون أهل‬
‫الخمول والكسل فلو أنك نصحت أحدهم وصارحته بحاله وسألته عن أعماله‬
‫فقلت له مثل ماذا حفظت من القرآن؟ وهل تحرص على صيام النوافل أم‬
‫ل؟ أنت تريد الخير بنصحه وتريد مكاشفته بحاله حتى يري حاله على حقيقتها‬
‫فتسأله هذه السئلة ليجيب هو على نفسه وتقول له ماذا قدمت للسلم؟‬
‫وهل تنكر المنكرات؟ وهل وهل؟ إلى غيرها من السئلة التي تبين حقيقته‬
‫أمام نفسه لجابك هذا الشخص بقوله هذا بيني وبين الله ‪ ،‬هذا بيني وبين‬
‫الله وهل كل عمل أعمله ل بد أن أطلعك عليه انظر هو الن ماذا يخفي هو‬
‫يظهر لنا الخلص لكنه يخفي ما الذي يخفي؟ الحقيقة ما هي الحقيقة أنه‬
‫قصر في أعماله وإنه قد ل يكون عنده شيء قد ل يكون حفظ من القرآن‬
‫شيئا وإن حفظ فالقليل قد ل يكون قدم للسلم شيئا وإن قدم فالقليل‬
‫القليل وهو يستحي أن يصارح الخرين بهذه العمال التي هي ل شيء حقيقة‬
‫فبالتالي ل يملك حتى يبرئ ساحته في هذه اللحظة إل أن يقول لك هذا بيني‬
‫وبين الله ‪ ،‬وهل كل عمل أعمله ل بد أن تطلع عليه؟ فانظر كيف وقع هذا‬
‫المسكين أظهر الخلص وأخفي حقيقة النفس وتقصيرها فوقع في الرياء من‬
‫حيث ل يشعر وما أكثر أولئك وللسف وهذا ل شك خداع للنفس وتشبع بما‬
‫لم ُيعطى وهكذا التصنع والتزين والتظاهر أما الحقيقة التي أخفاها اليوم فإنه‬
‫ل يستطيع أبدا أن يخفيها )يومئذ تعرضون ل تخفي منكم خافية( يومئذ‬
‫تعرضون ل تخفي منكم خافية فنعوذ بالله من حالهم ونستغفر الله لحالنا‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويقول ]ابن عمر[ يقول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه اسمع لكلم‬
‫المحدث الملهم رضي الله تعالى عنه وأرضاه يقول فمن خلصت نيته في‬
‫الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين بما ليس فيه‬
‫شانه الله ‪ ،‬شانه الله وذكر ذلك ابن القيم في إعلم الموقعين عقبات في‬
‫طريق الخفياء عقبات في طريق الخفياء وانتبه لهذه العقبات والعقبات في‬
‫طريق الخفياء يا أخي الحبيب ويا أختي المسلمة كثيرة جدا فالحديث عن‬
‫جب وغيرهما مما ينال الخلص طويل جدا ولكني أسوق هنا‬ ‫الرياء والعُ ْ‬
‫عقبتان من هذه العقبات بالختصار العقبة الولي هو ما ذكره ]أبو حامد‬
‫الغزالي[ في كتابه الحياء رحمه الله تعالى حيث قال أثناء ذكره للرياء الخفي‬
‫قال وأخفى من ذلك أن يختفي العامل بطاعته بحيث ل يريد الطلع ولكنه‬
‫مع ذلك إذا رأى الناس ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يبدءوه بالسلم‬
‫وأن يقابلوه بالبشاشة والتوقير وأن يثنوا عليه وأن ينشطوا في قضاء حوائجه‬
‫وأن يسامحوه في البيع والشراء وأن يوسعوا له في المكان فإن قصر مقصر‬
‫ثقل ذلك على قلبه فإن قصر مقصر ثقل ذلك على قلبه ووجد لذلك استبعادا‬
‫لذي لنفسه كأنه يتقاضى الحترام مع الطاعة التي أخفاها كأنه يريد ثمن هذا‬
‫السر الذي بينه وبين الله احترام الناس ولم يظهر العمل والعمل خفي بينه‬
‫وبين ربه ولكنه يريد ما دام عمل نظر لنفسه فيريد أن يكسب هذه المور‬
‫من الناس فإن قصر الناس في هذه المور إذا ً استبعد نفسه ونظر لحاله ولو‬
‫لم يكن –يقول أبو حامد الغزالي‪ -‬ولو لم يكن قد سبقت منه تلك الطاعة لما‬
‫كان يستبعد تقصير الناس في حقه إلى آخر كلمه هذه صورة وصورة أخرى‬
‫من العقبات في طريق الخفياء وهي ما أشار إليها ]ابن رجب[ رحمه الله‬
‫تعالى في كتابه في شرح حديث ما ذئبان جائعان في صفحة ‪ 46‬قال رحمه‬
‫الله تعالى‪ :‬وهنا نقطة دقيقة وهي أن النسان قد يذم نفسه بين الناس يريد‬
‫بذلك أن يرى الناس أنه متواضع عند نفسه يريد بذلك أن يرى الناس أنه‬
‫متواضع عند نفسه فيرتفع بذلك عندهم ويمدحونه به وهذا من دقائق أبواب‬
‫الرياء وقد نبه عليه السلف الصالح قال ]مترف بن عبد الله بن الشخير[ كفي‬
‫بالنفس إطراًء أن تذمها أن تذمها على المل كأنك تريد بذمها زينتها وذلك عند‬

‫)‪(32 /‬‬

‫الله سفه وذلك عند الله سفه ‪ ،‬ما هو المعيار في الخلص والمعيار في‬
‫الرياء ول بد أن ننتبه لهذا المر ولعلكم تتساءلون إذا ً فالقضية حساسة‬
‫والقضية قد تصيب النفس بالخواطر والهواجيس وقد ينشغل النسان‬
‫بملحظة نفسه في هذا الباب إذا ً ما هو المعيار والميزان الدقيق والضابط‬
‫الصحيح في أن أعرف أنني مخلص أو غير مخلص ‪ ،‬ذكر ذلك أهل العلم‬
‫فبينوا أن الضابط في الخلص هو استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن‬
‫أن تستوي أعمالك في ظاهرك وباطنك هذا معيار الخلص وأما الضابط في‬
‫الرياء أن يكون ظاهرك خيٌر من باطنك وأما صفة الخلص أن يكون الباطن‬
‫خيرا من الظاهر ليست قضية سواء فقط ليست قضية في السوي الظاهر‬
‫والباطن هذا هو الخلص أما صدق الخلص أن يكون الباطن أفضل من‬
‫الظاهر وهنا تنبيه هام جدا ل بد أن ننتبه له عند الحديث أو الكلم عن‬
‫الخلص أو الرياء كما ذكرت لنه مسلك شائك ول ينبغي للنسان أن يترك‬
‫كثيرا من أعمال الخير بحجة الخوف من الرياء ‪ ،‬انتبه يا أخي الحبيب وانتبهي‬
‫أيتها الخت المسلمة ل ينبغي لكي ول ينبغي لك أن تترك كثير من العمال‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بحجة الخوف من الرياء أو حتى أن تفتح على نفسك باب الهواجس‬


‫والوساوس فيقع النسان فريسة لهذا المر فيدخل الشيطان على القلب‬
‫فيصبح النسان دائما في وسواس وهواجس حول هذا الباب ولذلك اسمع‬
‫للمام النووي رحمه الله تعالى وهو يقول كلم جميل جدا حول هذا المر‬
‫المهم في كتاب الذكار يقول في صفحة أو في الصفحة الثامنة والتاسعة‬
‫ل الذكر يكون بالقلب ‪ ،‬فصل الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان‬ ‫يقول فص ٌ‬
‫والفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعا فإن اقتصر على أحدهما فالقلب‬
‫أفضل ثم ل ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفا من أن يظن به‬
‫الرياء خوفا من أن يظن به الرياء اسمع لكلم النووي رحمه الله تعالى ثم ل‬
‫ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفا من أن يظن به الرياء بل يذكر‬
‫بهما جميعا ويقصد بها أو به وجه الله تعالى وقد قدمنا عن الفضيل رحمه الله‬
‫تعالى أن ترك العمل لجل الناس رياء ولو فتح النسان ـ اسمع لهذه الكلمات‬
‫واحفظها جيدا ـ احفظ هذه الكلمات كما تحفظ اسمك حتى تنجو من قضية‬
‫الوسواس والهواجس في الخلص والرياء ـ يقول ولو فتح النسان عليه باب‬
‫ملحظة الناس والحتراز من تفرق ظنونهم الباطلة لنسد عليه أكثر أبواب‬
‫الخير ‪ ،‬لنسد عليه أكثر أبواب الخير وضيع على نفسه وضيع على نفسه شيئا‬
‫عظيما من مهمات الدين وليس هذه أو وليس هذا طريقة العارفين انتهى‬
‫كلمه رحمه الله وهو كلم نفيس جدا واسمع لكلم ابن القيم كلم ابن تيميه‬
‫رحمه الله تعالى في الفتاوى في الجزء الثالث والعشرين صفح أربع وسبعين‬
‫ومائه عندما يقول ومن كان له ورد مشروع من صلة الضحى أو قيام ليل أو‬
‫غير ذلك فإنه يصليه حيث كان ول ينبغي له أن يدع ورده المشروع لجر كونه‬
‫بين الناس إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سرا أنه يفعله سرا لله مع اجتهاده‬
‫في سلمته من الرياء ‪ ،‬لله مع اجتهاده لسلمته من الرياء ومفسدات‬
‫الخلص إلى أن قال ومن نهي عن أمر مشروع ـ اسمع ـ إن بعض الناس‬
‫يدخل على بعض الناس من هذا الباب فينهاه عن أمر ل يفعله أمام الناس‬
‫لماذا؟ يقول خشية الرياء يقول ابن تيميه رحمه الله تعالى ومن نهى عن أمر‬
‫مشروع بمجرد زعمه أن ذلك رياء فنهيه مردود عليه من وجوه ‪ ،‬الول أن‬
‫العمال المشروعة ل ينهي عنها خوفا من الرياء بل يؤمر بها بالخلص فيها‬
‫بل يؤمر بها وبإخلص فيها فالفساد في ترك إظهار المشروع أعظم من‬
‫الفساد في إظهاره رياء وثانيهما أو الثاني لن النكار إنما يقع على ما أنكرته‬
‫الشريعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إني لم أؤمر أن‬
‫أنقي قلوب الناس ول أن أشق بطونهم" الثالث إن تسويغ مثل هذا يفضي‬
‫إلى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين إذا رأوا من‬
‫يظهر أمرا مشروعا قالوا هذا مراء فيترك أهل الصدق إظهار المور‬
‫المشروعة حذرا من لمزهم فيتعطل الخير فيتعطل الخير وهذه كلمات جميلة‬
‫جدا من ابن تيميه رحمه الله تعالى والرابع يقول إن مثل هذا إن مثل هذا‬
‫لنكار الناس على أمل مشروع بحجة أنه رياء يقول إن مثل هذا من شعائر‬
‫المنافقين وهو الطعن على من يظهر العمال المشروعة قال تعالى )الذين‬
‫يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين ل يجدون إل جهدهم‬
‫فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم( انتهي كلمه مختصرا من‬
‫الفتاوى‪.‬‬

‫)‪(33 /‬‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نأتي الن وبعد هذا المشوار للب هذا الدرس وهو صور من حياة الخفياء ‪،‬‬
‫صور من حياة الخفياء وأسوق إليكم أيها الحبة هذه الكوكبة وهذه المواقف‬
‫وهذه الحداث في حياة أولئك الخفياء وهي مليئة بالدروس والعبر لمن تفكر‬
‫ونظر وتدبر فسير الصالحين المخلصين مدرسة تخرج الرجال والجيال ولعلي‬
‫أكتفي بسرد هذه الصور طلبا للختصار وثانيا حتى ل أقطع عليك لذة هذه‬
‫المواقف والعيش معها برفعة إيمان وسمو روح ورقة في القلب فاسمع لهذه‬
‫القصص واسمع لهذه الحداث‪:‬‬
‫ل‪ :‬الخفياء والصدقة والقيام على الفقراء والمساكين ‪ ،‬خرج عمر بن‬ ‫أو ً‬
‫الخطاب يوما في سواد الليل وحيدا حتى ل يراه أحد دخل بيتا ثم دخل بيتا‬
‫آخر ورآه رجل لم يعلم عمر أن هذا الرجل رآه طلحة رضي الله تعالى عنه‬
‫وأرضاه فظن أن في المر شيئا أوجس طلحة في نفسه لماذا دخل عمر هذا‬
‫البيت ولماذا وحده ولماذا في الليل ولماذا يتسلل ولماذا ل يريد أن يراه‬
‫أحد ‪ ،‬ارتاب طلحة في المر والمر عند طلحة يدعو للريبة ولما كان الصباح‬
‫ذهب طلحة فدخل ذلك البيت فلم يجد إل عجوزا عمياء مقعدة فسألها ما بال‬
‫هذا الرجل يأتيك وكانت المرأة ل تعرف أن الرجل الذي يأتيها هو عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه قالت العجوز العمياء المقعدة إنه‬
‫يتعهدني منذ كذا وكذا بما يصلحني ويخرج الذى عن بيتي أي يكنس بيتها‬
‫ويقوم بحالها ويرعاها عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه ول نعجب ل نعجب‬
‫أن رئيس الدولة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يفعل ذلك فكم من‬
‫المرات فعل ذلك عمر رضي الله تعالى عنه فهذه المواقف ليست عجبا ً في‬
‫حياة عمر ولكننا نعجب من شدة إخفاء عمر لهذا العمل ‪ ،‬شدة إخفاء عمر‬
‫لهذا العمل حتى ل يراه أحد وفي الليل وفي سواد الليل ويمشي لواذا ً خشية‬
‫أن يراه أحد فيفسد عليه عمله الذي هو سر بينه وبين الله ومثل ذلك صار‬
‫عليه أيضا زين العابدين رضي الله تعالى عنه وأرضاه ]علي بن الحسين[ فقد‬
‫ذكر الذهبي في السير وابن الجوزي في صفة الصفوة أن عليا بن الحسين‬
‫كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول" إن صدقة‬
‫السر تطفئ غضب الرب عز وجل" وهذا الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم من طرق كثيرة ل يخلو أو ل تخلو أساليبها من مقال ولكنها‬
‫بمجموع الطرق صحيحة وقد صحح ذلك اللباني في الصحيحة وعن عمران‬
‫بن ثابت قال لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سود‬
‫جُرب الدقيق يعني أكياس الدقيق‬ ‫في ظهره فقالوا ما هذا فقالوا كان يحمل ُ‬
‫ليل على ظهره يعطيه الفقراء في المدينة ‪ ،‬يعطيه فقراء أهل المدينة ‪ ،‬وذكر‬
‫ابن عائشة قال قال أبي سمعت أهل المدينة يقولون ما فقدنا صدقة السر‬
‫حتى مات علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعن محمد بن‬
‫عيسى قال كان ]عبد الله بن المبارك[ كثير الختلف إلى >برسوس< وكان‬
‫ينزل >الّرقة< في خان أي في فندق فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه‬
‫ويسمع منه الحديث قال فقدم عبد الله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب وكان‬
‫مستعجل أي عبد الله بن المبارك فخرج في النفير أي في الجهاد فلما قفل‬
‫من غزوته ورجع إلى الرقة سأل عن الشاب فقالوا إنه محبوس لدين ركبه‬
‫فقال عبد الله وكم مبلغ دينه فقالوا عشرة آلف درهم فلم يزل يستقصي‬
‫ل على صاحب المال فدعي به ليل ووزن له عشرة آلف درهم وحلفه‬ ‫حتى د ُ ّ‬
‫ً‬
‫أل يخبر أحدا ما دام عبد الله حيا ما دام عبد الله حيا وقال إذا أصبحت فأخرج‬
‫ج الفتي من‬ ‫الرجل من الحبس وأدلج عبد الله أي سار في آخر الليل وأ ُ ْ‬
‫خرِ َ‬
‫الحبس وقيل له عبد الله بن المبارك كان هاهنا وكان يذكرك وقد خرج فخرج‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفتي في أثره فلحقه على مرحلتين أو ثلث من الرقة ‪ ،‬فقال يا فتي عبد‬
‫الله بن المبارك يقول للفتي أين كنت ـ شف ـ عبد الله يتصانع ـ رضي الله‬
‫عنه ـ أنه ما علم عن حال الفتى فقال عبد الله بن المبارك يا فتي أين كنت‬
‫لم أرك في الخان قال نعم يا أبا عبد الرحمن كنت محبوس بدين وقال وكيف‬
‫ت من‬‫ج ُ‬ ‫كان سبب خلصك قال جاء رجل وقضى ديني ولم أعلم به حتى أ ُ ْ‬
‫خرِ ْ‬
‫الحبس فقال له عبد الله يا فتى احمد الله على ما وفق إليك من قضاء دينك‬
‫فلم يخبر ذلك الرجل أحدا إل بعد موت عبد الله‪.‬‬

‫)‪(34 /‬‬

‫والخفياء والعبادة ؛ففي الصلة مثل قالت امرأة ]حسان بن سنان[ كان يجئ‬
‫أي حسان فيدخل معي في فراشي ثم يخادعني كما تخادع المرأة صبيها فإذا‬
‫علم أني نمت سل نفسه فخرج ثم يقوم يصلي ثم يقوم فيصلي قالت فقلت‬
‫له يا أبا عبد الله كم تعذب نفسك كم تعذب نفسك ارفق بنفسك فقال‬
‫اسكتي ويحك فيوشك أن أرقد رقدة ل أقوم منها زمانا وعن] بكر بن ماعز[‬
‫قال ما رؤي الربيع متطوعا في مسجد قومه قط إل مرة واحدة وفي الصيام‬
‫فمن أعجب المواقف ما ذكره الذهبي في السير قال قال الفلس سمعت‬
‫ابن أبي علي يقول صام ]داود بن أبي هند[ صام داود بن أبي هند أربعين سنة‬
‫ل يعلم به أهله ل يعلم به أهله كان خزازا يحمل معه غداءه فيتصدق به في‬
‫هن ومسح‬ ‫الطريق ‪ ،‬فيتصدق به في الطريق وكان بعضهم إذا أصبح صائما ا ِد ّ َ‬
‫شفتيه من دهنه حتى ينظر إليه الناظر فل يراه أنه صائم وفي قراءة القرآن‬
‫ذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة عن سفيان قال أخبرتني مرية ]الربيع بن‬
‫خذيم[ قالت كان عمل الربيع كله سرا إن كان ل يجيء الرجل وقد نشر‬
‫المصحف فيغطيه بثوبه إذا قدم الرجل على الربيع قام الربيع فغطى‬
‫المصحف بثوبه حتى ل يري الرجل أنه يقرأ القرآن‪.‬‬

‫)‪(35 /‬‬

‫أما الخفياء والبكاء ؛فقال ]محمد بن واسع[ لقد أدركت رجال كان الرجل‬
‫ل ما تحت خده من‬ ‫يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة قد ب َ ّ‬
‫دموعه ‪ ،‬قد بل ما تحت خده من دموعه ل تشعر به امرأته ويقول رحمه الله‬
‫تعالى إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه ل تعلم ولقد أدركت‬
‫رجال يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ول يشعر به الذي إلى‬
‫جنبه ول يشعر به الذي إلى جنبه وذكر الذهبي في السير عن ]حماد بن زيد[‬
‫رضي الله تعالى عنه ورحمه قال كان ]أيوب السختياني[ في مجلس فجاءته‬
‫عَب َْرة فجعل يمتخط ويقول ما أشد الزكام ما أشد الزكام يظهر رحمه الله‬
‫تعالى أنه مزكوم لخفاء البكاء هكذا كان حرصهم على هذه الصفة ‪ ،‬صفة‬
‫الخفاء في العمال تلك الصفة التي عشقوها رحمهم الله تعالى فإذا فشل‬
‫أحدهم في إخفاء دمعته أو بكائه أو اصطناع المرض لخفاء هذه الدمعة كان‬
‫يقوم من مجلسه مباشرة خشية أن يكشف أمره وذكر ذلك المام أحمد في‬
‫كتابه الزهد يوم قال إن كان الرجل ‪ ،‬إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه‬
‫عبرته فيردها فإذا خشي أن تسبقه قام ‪ ،‬فإذا خشي أن تسبقه قام واسمع‬
‫لهذه القصة العجيبة الغريبة ‪ ،‬ووالله لقد أدهشتني هذه القصة واسمع لها يا‬
‫أخي الحبيب وهي قصة طويلة فسر مع أحداثها وفصولها واسمع عن ]محمد‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بن المنكدر[ وقد ذكر هذه القصة ابن الجوزي في صفة الصفوة وذكرها أيضا‬
‫الذهبي في سير أعلم النبلء عن محمد بن المنكدر وفي ترجمته قال أي‬
‫محمد بن المنكدر كانت لي سارية في مسجد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم أجلس أصلي إليها الليل فقحط أهل المدينة سنة فخرجوا‬
‫يستسقون فلم يسقوا فلما كان من الليل صليت عشاء الخرة في مسجد‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئت فتساندت إلى ساريتي فجاء رجل‬
‫خَرةٍ متزر بكساء وعلى رقبته كساء أصغر منه فتقدم إلى‬ ‫ص ْ‬
‫أسود تعلوه ُ‬
‫السارية التي بين يدي وكنت خلفه فقام فصلى ركعتين ثم جلس فقال أي‬
‫رب أي رب خرج أهل حرم نبيك يستسقون فلم تسقهم فأنا أقسم عليك لما‬
‫سقيتهم فأنا أقسم عليك لما سقيتهم يعني إل أن تسقيهم يقول ابن المنكدر‬
‫فقلت مجنون فقلت مجنون قال فما وضع يده حتى سمعت الرعد ثم جاءت‬
‫السماء بشيء من المطر أهمني الرجوع إلى أهلي يعني كثرة المطر أهمني‬
‫الرجوع إلى أهلي فلما سمع المطر حمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها قط‬
‫قال ثم قال ومن أنا وما أنا حيث استجبت لي ولكن عدت بحمدك وعدت‬
‫بقولك ثم قام فتوشح بكسائه الذي كان متزرا به وألقى الكساء الخر الذي‬
‫كان على ظهره في رجليه ثم قام فلم يزل قائما يصلي حتى إذا أحس الصبح‬
‫سجد وأوتر وصلى ركعتين الصبح ثم أقيمت صلة الصبح فدخل في الصلة‬
‫مع الناس ودخلت معه فلما سلم المام قام فخرج وخرجت خلفه حتى انتهى‬
‫إلى باب فلما كانت الليلة الثانية صليت العشاء في مسجد رسول الله ثم‬
‫جئت إلى ساريتي فتوسدت إليها وجاء فقام فتوشح بكسائه وألقى الكساء‬
‫الخر الذي كان على ظهره في رجليه وقام يصلي فلم يزل قائما حتى إذا‬
‫خشي الصبح سجد ثم أوتر ثم صلى ركعتي الفجر وأقيمت الصلة فدخل مع‬
‫الناس في الصلة ودخلت معه فلما سلم المام خرج من المسجد وخرجت‬
‫خلفه فجعل يمشي وأتبعه حتى دخل دار عرفتها من دور المدينة ورجعت إلى‬
‫المسجد فلما طلعت الشمس وصليت خرجت حتى أتيت حتى أتيت الدار فإذا‬
‫أنا به قاعد يخبز وإذا هو إسكافي يعني يرقع الحذية فإذا هو إسكافي فلما‬
‫رآني عرفني وقال أبا عبد الله مرحبا أبا عبد الله مرحبا ألك حاجة تريد أن‬
‫فا ً تريد أن أعمل لك خفا فجلست فقلت ألست صاحبي بارحة‬ ‫خ ّ‬
‫أعمل لك ُ‬
‫الولي ألست صاحبي بارحة الولي فاسود وجهه فاسود وجهه وصاح بي‬
‫وقال ابن المنكدر ما أنت وذاك ما أنت وذاك قال وغضب قال وغضب قال‬
‫ففرقت والله منه أي خفت والله من غضبه وقلت أخرج من عنده الن أخرج‬
‫من عنده الن فلما كان في الليلة الثالثة صليت العشاء الخرة في مسجد‬
‫رسول الله ثم أتيت ساريتي فتساندت إليها فلم يجئ فلم يجئ فقلت إنا لله‬
‫ما صنعت إنا لله ما صنعت فلما أصبحت جلست في المسجد حتى طلعت‬
‫ح وإذا‬‫الشمس ثم خرجت حتى أتيت الدار التي كان فيها فإذا باب البيت مفتو ٌ‬
‫ليس في البيت شيء فقال لي أهل الدار يا أبا عبد الله ما كان بينك وبين ‪،‬‬
‫ما كان بينك وبين هذا أمس قلت ماله قالوا لما خرجت من عنده أمس بسط‬
‫كساءه في وسط البيت ثم لم يدع في بيته جلدا ثم لم يدع في بيته جلدا ول‬
‫قالبا إل وضعه في كساءه ثم حمله ثم خرج فلم ندر أين ذهب فلم ندر أين‬
‫ذهب يقول ابن المنكدر فما تركت في المدينة دارا أعلمها إل طلبته فيها فلم‬
‫أجده رحمه الله فلم أجده رحمه الله خشية أن يفتضح عمله ولجل أنه عرف‬
‫خرج من المدينة كلها فهو يريد أن يكون السر بينه وبين الله يا أخي الحبيب‬
‫يا أختي المسلمة أترك لكم هذه القصة العجيبة أتركها لكم لتعيشوا معها‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولتقفوا معها وانظروا إليها وانظروا إلى أنفسكم لنري من أنفسنا عجبا وذكر‬
‫الذهبي في السير بإسناده إلى ]جبير بن نفيل [أنه سمع أبي‬

‫)‪(36 /‬‬

‫الدرداء وهو في آخر صلته وقد فرغ من التشهد يتعوذ بالله من النفاق أبو‬
‫الدرداء يتعوذ بالله من النفاق فأكثر التعوذ فقال له جبير وما لك يا أبي‬
‫الدرداء أنت والنفاق وما لك يا أبي الدرداء أنت والنفاق فقال أبو الدرداء دعنا‬
‫عنك دعنا عنك فوالله إن الرجل ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع‬
‫منه فيخلع منه فقال الذهبي إسناده صحيح‪.‬‬
‫أما الخفياء والجهاد ؛فقد ذكر الذهبي أيضا عن ]أبي حاتم الرازي[ قال حدثنا‬
‫]عبدة بن سليمان المروزي[ قال كنا سرية كنا سرية مع ابن المبارك في بلد‬
‫الروم فصادفنا العدو فلما التقي الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى‬
‫الِبراز خرج رجل من العدو فدعا إلى الِبراز فرج إليه رجل فقتله ثم آخر‬
‫فقتله ثم آخر فقتله ثم دعا إلى الِبراز فخرج إليه رجل من المسلمين فطارده‬
‫ساعة فطعنه فقتله أي الرجل من المسلمين قتل وطعن الرجل من العدو‬
‫فقتله فازدحم إليه الناس فنظرت فإذا هو عبد الله بن المبارك فنظرت فإذا‬
‫هو عبد الله بن المبارك وإذا هو يكتم وجهه بكمه فأخذت بطرف كمه فمددته‬
‫فإذا هو هو فإذا هو هو فقال أي عبد الله بن المبارك لعبدة بن سليمان‬
‫المروزي وأنت يا أبا عمر ممن يشنع علينا وأنت يا أبا عمر ممن يشنع علينا‬
‫يعني يفضحنا ‪ ،‬وعن ]عبيد الله بن عبد الخالق[ قال سبى الروم نساء أو‬
‫نساء مسلمات فبلغ الخبر الرقة وبها ]هارون الرشيد [ أمير المؤمنين فقيل‬
‫]لمنصور بن عمار[ أحد العلماء لو اتخذت مجلسا بالقرب من أمير المؤمنين‬
‫فحرضت الناس على الغزو ففعل منصور بن عمار وبينما هو يذكر الناس‬
‫ويحرضهم يقول إذ نحن في خرقة مصرورة مختومة قد طرحت إلى منصور‬
‫بن عمار وإذ بكتاب مضموم إلى الصرة ففك الكتاب فقراءه فإذا فيه إني‬
‫امرأة من أهل البيوتات إني امرأة من أهل البيوتات من العرب بلغني ما فعل‬
‫الروم بالمسلمات وسمعت تحريضك الناس على الغزو وترغيبك في ذلك‬
‫فعمدت إلى أكرم شيء من بدني وهما ذؤابَتي يعني جديلَتي فعمدت إلى‬
‫أكرم شيء من بدني وهما ذؤابَتي فقطعتهما وصررتهما في هذه الخرقة‬
‫س غازٍ في سبيل الله‬ ‫المختومة وأناشدك بالله العظيم لما جعلتهما قيد فر ٍ‬
‫ي على تلك الحال فينظر إلي نظرة فيرحمني‬ ‫فلعل الله العظيم أن ينظر إل ّ‬
‫بها فيرحمني بها قال فبكى منصور بن عمار وأبكي الناس وأمر هارون أن‬
‫ينادي بالنفير فغزا بنفسه فأنكى بالروم وفتح الله عليهم وقد كان عبد الله بن‬
‫المبارك يردد هذه البيات دائما يقول‬
‫م‬
‫كيف القرار وكيف يهدأ مسل ٌ‬
‫والمسلمات مع العدو المعتدي‬
‫ة‬
‫الضاربات خدودهن برن ٍ‬
‫الدعيات نبيهن محمدِ‬
‫ة‬
‫القائلت إذا خشين فضيح ً‬
‫جهد المقالة ليتنا لم نولدِ‬
‫ما تستطيع وما لها من حيلة‬
‫إل التستر من أخيها باليد‬
‫أسوق هذا الموقف لنسائنا الصالحات لينظرن أن المرأة المسلمة إذا‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخلصت لله وكان همها العمل لله فإنها دائما ً تبحث عن العمل أيا ً كان هذا‬
‫العمل ل يقف أمامها ذلك السؤال ماذا أعمل وماذا أفعل وماذا بيدي أن أصنع‬
‫فإن من أهتم لمر عمل وفكر بالعمل ووجد ماذا يعمل هذه المرأة علمت‬
‫وسمعت واهتمت واحتار قلبها فما كان منها إل أن قدمت جديلتيها أكرم شيء‬
‫س غازٍ في سبيل الله‬‫في بدنها حتى يصنع من هاتين الجديلتين قيد لفر ٍ‬
‫وأقول ماذا قدمتي أيتها المسلمة للمسلمات وأنتي تسمعين الروم الن كيف‬
‫يفعلون بهن وماذا قدمت يا أخي الحبيب وماذا فعلنا وماذا فعلتي للمسلمين‬
‫في كل مكان والروم وغيرهم ترون وتسمعون بل وعلى مسامع العالم كله‬
‫ل بالمسلمات ‪.‬‬‫فعَ ُ‬
‫ماذا ي ُ ْ‬

‫)‪(37 /‬‬

‫والخفياء والعلم ؛فقد جاء في ترجمة ]المام الماوردي[ رحمه الله تعالى كما‬
‫ذكر ذلك ]ابن خلكان[ في كتاب وفيات العيان قال أن الماوردي لم يظهر‬
‫شيئا ً من تصانيفه في حياته لم يظهر شيئا ً من تصانيفه في حياته وإنما جمعها‬
‫كلها في موضع فلما دنت وفاته قال لشخص يثق إليه الكتب التي في المكان‬
‫الفلني كلها تصنيفي وإن عاينت الموت ووقعت في النزع فاجعل يدك في‬
‫دي فإن قبضت فإن قبضت عليها وعثرتها فاعلم أو فاعلم أنه لم‬ ‫ي َد َيّ أو في ي َ ِ‬
‫يقبل مني شيء منها فاعمد إلى الكتب وألقها في نهر دجلة ليل وألقها في‬
‫ت وإن بسطت يدي ولم أقبض على يدك فاعلم أنها‬ ‫سط ْ ُ‬
‫نهر دجلة ليل وإن ب َ َ‬
‫قبلت وإني قد ظفرت بما كنت أرجوه من النية الخالصة قال ذلك الشخص‬
‫فلما قارب الموت وضعت يدي في يده فبسطها ولم يقبض على يدي فعلمت‬
‫أنها علمة القبول فأظهرت كتبه بعده وقبله كان ]المام الشافعي[ رحمه الله‬
‫ي شيٌء منه أبدا‬ ‫تعالى يقول وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ول ينسب إل ّ‬
‫فأوجر عليه ول يحمدوني فأوجر عليه ول يحمدوني فالمام الشافعي رحمه‬
‫الله تعالى يظن أن حمد الناس له منقصة في الجر ونقصا في صفة الخفاء‬
‫تلك الصفة التي عشقت منهم رحمهم الله تعالى وينقل الذهبي أيضا في‬
‫السير قول ]هشام الدستوائي[ واسمع لهذا القول يقول هشام والله ما‬
‫أستطيع أن أقول إني ذهبت يوما ً قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز‬
‫وجل سبحان الله القائل هشام الدستوائي والله ما أستطيع أن أقول إني‬
‫ذهبت يوما ً قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل يقول الذهبي معلقا‬
‫على هذا الكلم والله ول أنا والله ول أنا فقد كان السلف يطلبون العلم لله‬
‫فنبلوا وصاروا أئمة يقتدى بهم وطلبه قوم منهم أول ل لله وحصلوه ثم‬
‫استفاقوا وحاسبوا أنفسهم فجرهم العلم إلى الخلص في أثناء الطريق إلى‬
‫آخر كلمه الجميل في السير في الجزء السابع صفحة ‪5‬اثنين وخمسين ومائة‬
‫لمن أراد أن يرجع إليه فإذا كان هذا كلم هشام وكلم الذهبي رحمهم الله‬
‫تعالى ورضي عنهما فماذا يقول إذا ً طلب العلم اليوم بل ماذا يقول‬
‫المتعالمون أمثالنا في مثل هذه المواقف منهم رحمهم الله تعالى ويصل‬
‫الخفاء منتهاه عند ]أبي عبد الله البخاري محمد بن إسماعيل البخاري[ رحمه‬
‫الله تعالى ورضي عنه قال ]محمد بن منصور[ كنا في مجلس أبي عبد الله‬
‫البخاري فرفع إنسان قذاة من لحيته وطرحها إلى الرض يعني في المسجد‬
‫وطرحها إلى الرض فرأيت البخاري ـ انظر لحركة البخاري ـ فرأيت البخاري‬
‫ينظر إليها إلى القذاة وينظر إلى الناس فلما غفل الناس عنه رأيته مد يده‬
‫فرفع القذاة من الرض فأدخلها في كمه فلما خرج من المسجد رأيته أخرجها‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وطرحها إلى الرض سبحان الله حتى القذاة وإخراجها من المسجد كانوا‬
‫يريدون إخفاءها بدقة رحمهم الله تعالى ورضي الله عنهم هذه المواقف‬
‫وهذه الصور من حياة أولئك العلم وحياة أولئك الخفياء الذين حرصوا أن‬
‫يكون لهم خبيئة من عمل‪ ،‬الذين حرصوا أن يكون بينهم وبين الله أسرار‬
‫وأسرار وتلك العمال هي المنجية يوم أن تقدم على الله جل وعل فتكشف‬
‫العمال وتكشف الصحف فإذا الصحف مليئة بتلك العمال وتلك السرار بينك‬
‫وبين الله عز وجل والقصص وهذه الصور ليست لمجرد القص أيها الخ‬
‫الصالح وليست لمجرد الحديث بل هي للعبرة والعظة يا أخي الحبيب أنت‬
‫تجلس في المجالس وتتحدث مع الخرين ما بال مجالسنا في هموم الدنيا‬
‫وملذاتها أو في الغيبة والنميمة والكلم عن فلن وعلن يا أختي المسلمة‬
‫لنعلم مثل هذه المواقف ولنحفظ شيئا منها وإن كان قليل ولنمل مجالسنا‬
‫بذكرها حتى يعلم الناس حقيقة هذه المور ويرتبط الناس وترتبط قلوبهم‬
‫بقلوب أولئك الرجال فيتخرج الجيال من مدارسهم رحمهم الله تعالى بالنظر‬
‫إلى سيرهم وأحوالهم ‪.‬‬

‫)‪(38 /‬‬

‫الخفياء في كلمات‪ :‬قال ابن المبارك رحمه الله تعالى ما رأيت أحدا ارتفع‬
‫مثل ]مالك[ ليس له كثير صلة ول صيام إل أن تكون له سريرة إل أن تكون‬
‫له سريرة إذا ً فالقضية ليست قضية كثرة صيام ول صلة وإنما بالخلص‬
‫والخفاء لهذه العمال وقال ]ابن وهب[ ما رأيت أحدا ً أشد استخفاء بعمله‬
‫من ]حيوة بن شريح[ وكان يعرف بالجابة أي بإجابة الدعاء وقال ]يوسف بن‬
‫الحسين[ أعز شيٍء في الدنيا الخلص وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن‬
‫قلبي فكأنه ينبت على لون آخر فكأنه ينبت على لون آخر واسمع لقوله رحمه‬
‫الله وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي فالجتهاد في البعد عن الرياء‬
‫والتسميع وقال لمحمدة الناس وثنائهم أمر كانوا يعانون منه رحمهم الله‬
‫تعالى وقال ابن القيم أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالخلص وعن‬
‫نفسك بشهود المنة فل ترى فيه نفسك ول ترى الخلق وقال الخفياء رحمهم‬
‫الله تعالى وصاحوا بملء أفواههم بملء أفواههم لمن ل يخلص نيته ولمن‬
‫غفل عن هذا المر صاحوا بقولهم كما يقول ] مالك بن دينار[ قولوا لمن لم‬
‫يكن صادقا قولوا لمن لم يكن صادقا ل يتأنى ل يتعنى فقولوا أيها الحبة لمن‬
‫لم يكن صادقا ً بعمله لله جل وعل ومخلصا ً لعمله لله سبحانه وتعالى ل يتعنى‬
‫ل يتعب نفسه قد رأيتم وسمعتم أولئك الثلثة وتلك الطاعات العظيمة التي‬
‫أصبحت وبان على أصحابها فكانوا أول ثلثة يسعر بهم النار يوم القيامة‬
‫والعياذ بالله فقولوا ورددوا وصيحوا بأعلى أصواتكم لمن لم يكن صادقا في‬
‫عمله وفي دعوته وفي أفعاله كلها ل يتعنى ‪ ،‬ل يتعب نفسه ثم أخيرا ً ‪:‬‬
‫ما هو الطريق للوصول إلى حياة الخفياء ما هو العلج والوصول لطريق‬
‫الخفياء رحمهم الله تعالى ألخصه بالنقاط السريعة التالية‪:‬‬
‫ل‪ :‬الدعاء واللحاح فيه ومواصلة هذا الدعاة وتحري ساعات الجابة وأهمه‬ ‫أو ً‬
‫الستمرار في الدعاء ‪،‬اللحاح والستمرار في الدعاء ل تمل ول تكل ولذلك‬
‫قال صلى الله عليه وآله وسلم وعلمنا بذلك الحديث الذي يذهب عنا كبار‬
‫الشرك وصغاره عندما قال "الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل وسأدلك‬
‫على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره تقول اللهم إني أعوذ‬
‫بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما ل أعلم" وأستغفرك لما ل أعلم‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫احفظ هذا الدعاء وكرره كثيرا واسأل الله بصدق أن يرزقنا الصدق والخلص‬
‫في القوال والفعال‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الكثار من مصاحبة المخلصين الناصحين الصادقين إن وجدت عليهم في‬
‫هذا الزمن فَِعض عليهم النواجذ وإن لم تجد فالجأ لحياة الخفياء والجأ‬
‫لمصاحبة المخلصين من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم بقراءة‬
‫أحوالهم والنظر في الكتب والتراجم للطلع على تلك الحوال ول شك أن‬
‫القلب فيه حياة بالنظر لحياة أولئك‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬معرفة عظمة الله تعالى معرفة الله من خلل أسماءه وصفاته أعرف‬
‫من تعبد واعرف لمن تعمل واعرف عظمة الله جل وعل وامل قلبك بتوحيد‬
‫السماء والصفات تطبيقا ً عمليا ً حتى تعظم الله وقديما قالوا من كان بالله‬
‫أعرف كان لله أخوف ومن عظم الناس خاف من الناس وعمل للناس وسمع‬
‫للناس وطلب ثناء الناس ومحمدة الناس ولكن الله هو الذي سيجازيك وهو‬
‫الذي يحاسبك‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أحرص أن يكون لك خبء من عمل أحرص دائما أن يكون لك سر بينك‬
‫وبين الله جل وعل ل يعلمه أحد من الناس إن استطعت حتى ول زوجك حتى‬
‫ول زوجك إن استطعت أن تفعل عمل بينك وبين الله ل يعلم عنه أقرب‬
‫القربين إليك فل شك أن هذه العمال هي المنجية يوم تسود وجوه وتبيض‬
‫وجوه‪.‬‬
‫ل ‪ ،‬دائما ً‬ ‫خامسا‪ :‬دائما ً كن خائفا من الله دائما كن خائفا ً على عملك أل ي ُ ْ‬
‫قب َ َ‬
‫ة مع النتباه لذلك التنبيه المهم‬ ‫كن خائفا ً أن يخالط هذا العمل رياًء أو سمع ً‬
‫الذي أشرنا إليه في أثناء الموضوع وقد تقدم الكلم عن ذلك وأخشى أن‬
‫تقدم على الله جل وعل بتلك العمال الكثيرة والقوال الكثيرة فتكون ممن‬
‫ل فجعلناه هباًء منثورا(‬ ‫قال الله عز وجل فيهم )وقدمنا إلى ما عملوا من عم ٍ‬
‫عافانا الله وإياك من حال أولئك‪.‬‬
‫وسادسا وأخيرًا‪ :‬تذكر ثمرات الخلص تذكر هذه الثمرات تذكر حلوة القلب‬
‫تذكر حب أهل السماء للمخلص تذكر ***القبول له في الرض وتذكر محبة‬
‫الناس له وطمأنينة القلب وحسن الخاتمة واستجابة دعائه والنعيم له في‬
‫القبر وفي الخرة نسأل الله جل وعل نعيم جنات الفردوس ونسأل الله‬
‫سبحانه وتعالى أن يرزقنا إخلصا ً يخلصنا يوم أن نقف أمام الله سبحانه‬
‫وتعالى ونستغفر الله ونتوب من أحوالنا ومن تقصيرنا واللهم إنا نعوذ بك أن‬
‫نشرك بك شيئا ً ونحن ل نعلم ونستغفرك ونحن نعلم ونستغفرك مما ل نعلم‬
‫وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أل إله إل أنت نستغفرك ونتوب إليك ‪.‬‬
‫**********************‬

‫)‪(39 /‬‬

‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‬
‫وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد‬
‫أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ـ صلى‬
‫الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ـ أما بعد …‬
‫أيها الحبة في الله …‪.‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته هذه أو ليلة السبت الموافق الحادي عشر‬
‫من الشهر السادس للعام السادس عشر بعد الربعمائة واللف وموضوع هذا‬
‫اللقاء بعنوان المحرومون وعفوا ً أيها الحبة‪ ،‬وأعتذر أيضا ً للخوات فل نجزع‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من كلمة محروم بالرغم من قسوتها فالكثير مّنا يشعر بالحرمان وينال‬
‫النسان من الحرمان بقدر بعده عن طاعة الله وسأوجه خطابي إلى‬
‫المحرومين وسأنادي المحرومين كثيرا ً ‪ ،‬فل نجزع فقد يكون المحروم أنا وقد‬
‫تكون أنت وقد يكون فلنا ً أو فلنة وقد نكون جميعا ً ‪ ،‬فالحرمان يتفاوت من‬
‫شخص لخر ويختلف باختلف الحوال والشخاص فقد تحرم الراحة والسعادة‬
‫وقد تحرم لذة السجود والركوع وقد تحرم قراءة القرآن أو تدبر آياته وقد‬
‫تحرم كثرة الذكر والستغفار وقد تحرم لذة الخشوع والبكاء من خشية الله‬
‫وقد تحرم بر الوالدين والنس بهما وقد تحرم لذة الخوة في الله وقد تحرم‬
‫السعادة الزوجية وقد تحرم أكل الحلل ولذته وقد تحرم التوبة والندم على‬
‫ما فات وقد تحرم حسن الخاتمة ‪.‬‬
‫فيا أخي الحبيب … ويا أختي الغالية قد نحرم هذه المور كلها وقد نحرم‬
‫الكثير منها وقد نحرم القليل‪ .‬والسعيد من جمعها ووفق إليها وقليل ما هم‬
‫فإن كنت منهم فاذكر نعمة الله عليك واشكره واعلم أن من تمام شكره‬
‫النصح والتوجيه للمسلمين فل تحرم نفسك أجر التبليغ فالدال على الخير‬
‫كفاعله ‪ ،‬إذن فقد يصيبك من الحرمان ولو القليل ‪ ،‬فاحتمل خطابي واحتمل‬
‫مناداتي لك بيا أيها المحروم فإنما قصدت بها الشفقة والرحمة والحب‬
‫والنصح وأعوذ بالله أن أكون من الشامخين فأنا أول المحرومين ‪ .‬أسأل الله‬
‫ـ عز وجل ـ أن يحيينا حياة طيبة وأن يتوب علينا توبة صادقة ‪.‬‬
‫كثير ممن ظاهرهم الصلح محرومون فهم لم يذوقوا حلوة اليمان ول حقيقة‬
‫الهداية والستقامة فليست الستقامة أشكال ً ومظاهر بل هي أعمال وسرائر‬
‫وأنتم أنتم أيضا ً يا أصحاب المناصب وأهل المال والتجارة ويا كل مهندس‬
‫وطبيب وكاتب أقول لكم جميعا ً أحسنتم يوم ساهمتم وعملتم ونجحتم ول‬
‫شك أنكم جميعا ً من صناع الحياة ومن أصحاب اليادي البيضاء لكن ما هو‬
‫رصيدكم من السعادة والراحة وانشراح الصدر ؛ ما حقيقة الصلة بينكم وبين‬
‫الله ‪ ،‬ما هو نصيبكم من حلوة اليمان ولذة السجود والمناجاة ولذة الدمعة‬
‫من خشية الله ـ عز وجل ـ إذن فقد يكون لكم نصيب من الحرمان فاسمعوا‬
‫يا رعاكم الله هذه الكلمات ‪ ،‬وإذا كان هذا هو واقع بعض الصالحين والجادين‬
‫العاملين فكيف بحال الغافلين اللهين؟ فمن الناس ‪ ،‬من كسب الدنيا‬
‫والخرة نسأل الله ـ عز وجل ـ أن نكون منهم ـ ومنهم من كسب الدنيا وضيع‬
‫الخرة ومنهم من ضيع الدنيا والخرة ـ‪ ،‬هؤلء هم المحرومون حقا يحدثني‬
‫أحدهم أنه لم يركع لله ركعة ولم يشعر بلذة الصيام يوما ً من اليام وأنه ل‬
‫يعرف عن رمضان سوى السهر والمعاكسات والنوم بالنهار ‪ ،‬ويهمس لي آخر‬
‫عن أحواله وأحوال أصحابه وجلساتهم في الليل وما يدور فيه من الخنا‬
‫والفساد والضياع ‪ ،‬وقال آخر إنه يجلس الساعات بل الليالي ينتقل من قناة‬
‫إلى قناة لقضاء الفراغ وقتل الوقت كما يقول عن نفسه والحق أنني أبحث‬
‫مارة فإذا انتهت شعرت بندم وضيق وهم‬ ‫عن الشهوة وتلبية رغبات النفس ال ّ‬
‫ل يعلمه إل الله ‪ ،‬ول أدري إلى متى سأظل على هذه الحال من قتل العمر‬
‫وتضييع اليام يقول أضعت نفسي ورجولتي وإيماني ووظيفتي وباختصار إنني‬
‫أعيش في دوامة التعاسة والشقاء ‪ ،‬وإن كنت في الظاهر في سعادة وهناء‬
‫إلى آخر ما قال‪..‬‬

‫)‪(40 /‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قلت في نفسي صدق الله يوم أن قال‪) :‬ومن أعرض عن ذكري فإن له‬
‫معيشة ضنكًا( ويصارحني آخر ودمعته تسيل على خده فيقول ‪ :‬إنكم‬
‫مسئولون عنا أمام الله أدركوا الشباب ؛مخدرات‪ ،‬أفلم‪ ،‬معاكسات ‪ ،‬سهر‬
‫وغنى ولواط وزنا ثم يجهش بالبكاء هذه حاله والله العظيم ثم يجهش بالبكاء‬
‫ويضع وجهه بين يديه و هو يقول لقد فكرت بالنتحار عددا ً من المرات وكتب‬
‫أحدهم إلي رسالة طويلة قال في مقدمتها‪ :‬قضية الشباب قضية كبيرة‬
‫ومهملة وللسف ‪ ،‬مهملة من الجميع ‪ ،‬إل ما شاء الله فل أدري من أين أبدأ‬
‫في مشاكلهم المعاصرة هل أبدأ بتضييعهم لوقاتهم أو لموالهم أو لنفسهم‬
‫أو لمتهم ثم عدد بعض أسرار الشباب إلى أن قال هذا فيض من غيض مما‬
‫يدور في أوساط الشباب من الفساد والفساد فضل ً عن حلق اللحى وسماع‬
‫الغناء وإسبال الثياب وتبادل الشرطة والفلم المدمرة وشرب الدخان ولعب‬
‫الورق وتبادل أرقام الهواتف وسباب ولعان وغيبة ونميمة وكذب ناهيك عن‬
‫ترك الصلة وإني لمقامي هذا ـ والكلم ما زال له ـ وإني لمقامي هذا بعد إذ‬
‫نجاني الله من شبكة أعداء السلم التي ينصبونها لبناء هذه المة وليس‬
‫الخبر كالمعاينة أقول هذا واقع الشباب فاذهبوا وشاهدوا العجائب إلى آخر‬
‫رسالته ‪.‬‬
‫وحدثتني بعض الخوات فتبين لي العجب من الضياع والحرمان الذي تعيشه‬
‫بعض بنات المسلمين وللسف تقول إحداهن وقد كانت غافلة عابدة بالهاتف‪:‬‬
‫أنا أعيش في محنة كبيرة شديدة ل يعلمها إل الله فأنام وأصحو وأنا أبكي‬
‫وقلبي يكاد يتقطع أحس أن الدنيا ضيقة أبكي في كل وقت وأخاف أن يكون‬
‫هذا الحساس بضيق الدنيا قنوطا ً أو يأسا ً من رحمة الله وأنا ل أريد ذلك ـ‬
‫تقول ـ فأنا أريد أن أحقق صدق توبتي بالصبر والثقة بالله والتوكل عليه‬
‫والستعانة به والثقة بأنه سينجيني من تلك المعصية ويغفر لي ويعوضني خيرا ً‬
‫‪ ،‬وحتى لحظة كتابتي هذه الكلمات أبكي من شدة ما أجد من ألم وتعب‬
‫وضيق لن كل شيء يذكرني بالماضي ول أجد الراحة والطمئنان إل في‬
‫الصلة والدعاء وتلوة القرآن ‪ ،‬وهذه من الصعوبات التي تواجهني في هذه‬
‫الفترة وأسأله تعالى أن يغفر ذنوبي فقد فرطت في جنب الله وتهاونت في‬
‫المعصية‪ ..‬إلى أن قالت‪ :‬كنت أقول في نفسي أمعقول أن يوجد من يتوب‬
‫ويرجع إلى الله بسبب محاضرة واحدة أو شريط واحد أو موقف بسيط ؟‬
‫فالحمد لله وأسأله أل يزيغ قلبي بعد إذ هداني‪.‬‬
‫وقد هداها الله بسبب حضورها لمحاضرة لحدى الخوات بكلياتها إلى آخر‬
‫قصتها من رسالة لطيفة بعنوان‪ :‬دموع ساخنة من فتاة عائدة‪ .‬فأهدي هذا‬
‫الموضوع المحرومون أهديه إلى المحرومين من نعمة اليمان الفاقدين‬
‫حلوته وُأنسه وطعمه أهديه إلى المحرومين من لذة الدمعة والبكاء خشية‬
‫وخوفا من الله أهديه إلى المحرومين من لذة السجود ومناجاة علم الغيوب‪،‬‬
‫إلى المحرومين من لذة قراءة القرآن وتدبر آياته وتذوق معانيه إلى‬
‫المحرمين من لذة الخوة والحب في الله ‪ ،‬إلى المحرمين من بركة الرزق‬
‫وأكل اللقمة الحلل إلى المحرومين من بركة العمر وضياعه في الشهوات‬
‫واللذات ‪ ،‬إلى المحرومين من انشراح الصدر وطمأنينته وسعادته إلى‬
‫المحرومين من بر الوالدين والنس بهما ‪ ،‬والجلوس إليهما وجماع ذلك كله‬
‫أقول أهدي هذا الموضوع إلى المحرومين من الستقامة والطاعة واللتزام‬
‫إلى أولئك الذين أصابهم اليأس والشكوك واستبد بهم السى والشقاء‬
‫واجتاحهم القلق والظلم ونزلت بهم الهموم والغموم إلى الذين حرموا زاد‬
‫اليمان ونور السلم إلى البائسين ولو عاشوا في الرغد والنعيم ‪ ،‬إلى الذين‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حرموا نعمة اليمان لقد فقدتم كل شيء وإن وجدتم المال والجاه إلى الذين‬
‫حرموا لذة الطمئنان وبرد الراحة لقد فقدتم كل شيء وإن ملكتم الدنيا‬
‫بأسرها إلى الذين حرموا السعادة والنس وأضاعوا الطريق ‪ ،‬إلى أولئك‬
‫جميعا ً أقول اسألوا التائبين يوم ذاقوا طعم اليمان يوم اعترفوا بالحقيقة‬
‫والله والله ثم والله ما رأيت تائبا ً إل وقالها ول نادما ً إل وأعلنها صرخات‬
‫مدوية وزفرات مذنب وآهات نادم اختصروها بكلمات قالوا نشعر بالسعادة‬
‫لحظات وقت الشهوة فقط وعند الوقوع بالمعصية واللذة وبعدها قلق وحيرة‬
‫عقد وأمراض‬ ‫وفزع واضطراب وضياع وظلم وشكوك وظنون وبكاء وشكوى ُ‬
‫نفسية ‪ ،‬وصدق الله ـ عز وجل ـ يوم قال‪) :‬فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع‬
‫هداي فل يضل ول يشقى( ‪ ،‬إذن فهو في أمان من الضلل والشقاء متى‬
‫بالهداية بالستقامة باتباع هدى الله‪.‬‬
‫ً‬
‫والشقاء ثمرة الضلل ولو كان صاحبه غارقا في متاع الدنيا بأسرها ‪ ،‬فما من‬
‫متاع حرام ‪ ،‬إل وله غصة تعقبه وضيق يتبعه ولذلك قال الله عز وجل ‪ ،‬بعد‬
‫هذه الية مباشرة )ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا( ‪ ،‬أي في‬
‫الدنيا فل طمأنينة له ول انشراح لصدره بل صدره ضيق حرج لضلله وإن‬
‫تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء فإن قلبه ما لم‬
‫يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك فل يزال في ريبة يتردد‬
‫فهذا من ضنك المعيشة انتهى كلمه رحمه الله ‪.‬‬

‫)‪(41 /‬‬

‫فإلى المحرومين ‪ ،‬لماذا أعرضتم عن ذكر الله لماذا حرمتم أنفسكم سماع‬
‫المواعظ ومجالس الذكر ‪ ،‬تدعون فل تأتون ‪ ،‬وتنصحون فل تسمعون تغفلون‬
‫أو تتغافلون بل ربما تسخرون وتهزءون ولكن اسمعوا النتيجة اسمع للنهاية‬
‫المرة اسمعي للنهاية التي لبد منها قال الحق ـ عز وجل ـ )ومن أعرض عن‬
‫ذكري فإن له معيشة ضنكًا( هذا في الدنيا أما في الخرة ‪) ،‬ونحشره يوم‬
‫القيامة أعمى قال ربي لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ً قال كذلك أتتك‬
‫آياتنا فننسيها وكذلك اليوم تنسى( فنسيتها أعرضت عنها أغفلتها تناسيتها إذن‬
‫فالجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان ‪ ،‬وكذلك اليوم تنسى ‪) ،‬فذوقوا بما‬
‫نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم( )نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم‬
‫الفاسقون(‪.‬‬
‫أيها المحرومون لماذا نسيتم لقاء ربكم ‪ ،‬لماذا هذا العراض العجيب ؟ إنكم‬
‫حرمتم أنفسكم فحرمتم السعادة والراحة والستقرار النفسي لماذا نسيتم‬
‫وتناسيتم ما قدمت أيديكم ‪ ،‬لماذا أغفلتم ولماذا غفلنا عن المعاصي‬
‫والذنوب ‪ ،‬اسمع لقول الحق ـ عز وجل ـ )ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه‬
‫فأعرض عنها ونسى ما قدمت يداه( ونسي ما قدمت يداه‪ ،‬أين النفس‬
‫اللوامة ؟ أين استشعار الذنب ‪ ،‬أين فطرة الخير ‪ ،‬أين القلب اللين الرقيق ‪،‬‬
‫أين الدمعة الحارة ؟ اسمعوا واعوا ‪) ،‬إنا أنذرناكم عذابا ً قريبا ً يوم ينظر المرء‬
‫ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابًا( ‪ ،‬يقسم بعض التائبين كما‬
‫أسلفت أنه ما ركع لله ركعة وما سجد لله سجدة فأي حرمان بعد هذا‬
‫الحرمان؟!‪.‬‬
‫عفوك اللهم عنا خير شيء نتمنى‬
‫رب إنا قد جهلنا في الذي قد كان منا‬
‫وخطينا وخطلنا ولهونا وأسأنا‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ... ... ...‬إن يكن ربي خطأنا ما أسأنا بك ظنا ً‬


‫فأنلنا الختم بالحسنى وإنعاما ً و َ‬
‫مّنا‬
‫أيها المحرمون ل راحة للقلب ول استقرار إل في رحاب الله إل في الهداية‬
‫إل في الستقامة واللتزام بأوامر الله يتصور بعض المحرومين والمحرومات‬
‫أن الراحة والسعادة في المال والمنصب والسفر إلى الخارج ‪ ،‬ذكرت جريدة‬
‫الشرق الوسط بتاريخ الحادي والعشرين من الشهر الرابع للعام الخامس‬
‫عشر بعد الربعمائة واللف نقل ً عن مذكرات زوجة الرئيس المريكي السابق‬
‫جورج بوش قالت إنها حاولت النتحار أكثر من مرة وقادت السيارة إلى‬
‫الهاوية تطلب الموت وحاولت أن تختنق للتخلص من همومها وغمومها‪.‬‬
‫ويذكر التاريخ لنا أن ]علي بن المأمون العباسي[ ابن الخليفة كان يسكن‬
‫قصرا ً فخما ً وعنده الدنيا مبذولة ميسرة فأطل ذات يوم من شرفة القصر‬
‫فرأى عامل ً يكدح طيلة النهار فإذا أضحى النهار توضأ وصلى ركعتين على‬
‫شاطئ دجلة فإذا اقترب الغروب ذهب إلى أهله فدعاه يوما ً من اليام فسأله‬
‫فأخبره أن له زوجة وأختين وأما يكدح لهن وأنه ل قوت له ول دخل إل ما‬
‫يكتسبه من السوق وأنه يصوم كل يوم ويفطر مع الغروب على ما يحصل‬
‫قال ابن الخليفة ‪ ،‬فهل تشكو من شيء ‪ ،‬قال العامل ‪ :‬ل والحمد لله رب‬
‫العالمين فترك ابن الخليفة القصر وترك المرة وهام على وجهه ووجد ميتا ً‬
‫بعد سنوات عديدة وكان يعمل في الخشب جهة خراسان‪.‬‬
‫فيا سبحان الله من المارة إلى النجارة لنه وجد السعادة في عمله هذا ولم‬
‫يجدها في القصر‪.‬‬
‫إن من المحرومين من قال الله عنهم ‪) :‬فخلف من بعدهم خلف أضاعوا‬
‫الصلة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًا( ‪ ،‬فأي حرمان بعد إضاعة‬
‫الصلة ‪ ،‬أقسم لي شاب أنه لم يسجد لله سجدة ‪ ،‬إل مجاملة أو حياء فأقول‬
‫أيها المرحوم إنه الكفر والضلل "إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلة فمن‬
‫تركها فقد كفر" كما روى الترمذي والنسائي وأحمد والحاكم وصححه ووافقه‬
‫الذهبي "إن بين الرجل وبين الكفر ترك الصلة" كما عند مسلم في صحيحه‪.‬‬
‫مسكين أنت أيها المحروم يوم أن قطعت الصلة بينك وبين الله إنها مفتاح‬
‫الكنز الذي يفيض سعادة وطمأنينة إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب‬
‫المكدود إنها زاد الطريق ومدد الروح وجلء القلوب إن ركعتين بوضوء‬
‫وخشوع وخضوع كفيلتان أن تنهي كل هذا الهم والغم والكدر والحباط‪.‬‬

‫)‪(42 /‬‬

‫إن من أسباب السعادة ‪ ،‬أو إن من أسباب سعادة المؤمنين ما أخبر الله عنه‬
‫بقوله )ويخرون للذقان يبكون ويزيدهم خشوعًا( وقوله ‪) :‬أمن هو قانت آناء‬
‫الليل ساجدا ً وقائما ً يحذر الخرة ويرجو رحمة ربه( ‪ ،‬من أجمل لحظات الدنيا‬
‫وأسعدها يوم أن يسجد العبد لموله يدعوه ويناجيه يخافه ويخشاه قيام‬
‫وسجود وبكاء وخشوع فيتنور القلب وينشرح الصدر وتشرق الوجوه قال عز‬
‫وجل‪) :‬سيماهم في وجوههم من أثر السجود( ‪ ،‬أما المحروم فظلم في‬
‫القلب وسواد في الوجه وقلق في النفس هذا في الدنيا ‪ ،‬وفي الخر ة يقول‬
‫الله عنهم )يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فل يستطيعون خاشعة‬
‫أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون( ‪ ،‬حرموا‬
‫من السجود في الخرة لنهم كانوا يدعون له في الدنيا فيتشاغلون ويتكبرون‬
‫ويسخرون أي فلح وأي رجاء و أي عيش لمن انقطعت صلته بالله ‪ ،‬أو قطع‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما بينه وبين وليه وموله الذي ل غنى عنه طرفة عين فل تعلم نفس ما في‬
‫هذا النقطاع من أنواع اللم وأنواع العذاب ‪ ،‬مسكين أيها المحروم كيف تريد‬
‫التوفيق والفلح والسعادة والنجاح وأنت ل تصلي وأنت قد قطعت ما بينك‬
‫وبين الله اسمع لقوله ـ عز وجل ـ )واستعينوا بالصبر والصلة وإنها لكبيرة إل‬
‫على الخاشعين(‪ ،‬اسمع لقول الحق ـ عز وجل ـ )قد أفلح المؤمنون الذين هم‬
‫في صلتهم خاشعون( سجود المحراب واستغفار السحار ودموع المناجاة‬
‫سيما يحتكرها المؤمنون ولئن توهم المحروم جناته في الدينار والنساء‬
‫والقصر المنيف فإن جنة المؤمن في محرابه إن من المحرومين من إذا ذكر‬
‫بالصلة سخر واستهزأ وفي هؤلء يقول الحق عز وجل )وإذا ناديتم إلى‬
‫الصلة اتخذوها هزوا ً ولعبًا( ويقول )إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا‬
‫يضحكون( أي في الدنيا )وإذا مروا بهم يتغامزون( ولكن السعيد من يضحك‬
‫في النهاية ولذلك قال الله )فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون( إن‬
‫المتهاون في الصلة حرم خيرا ً كثيرا ً فقد قال ـ صلى الله عليه وآله سلم ـ‬
‫"من حافظ عليها كانت له نورا ً وبرهانا ً ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ‬
‫عليها لم تكن له برهانا ول نورا ول نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وهامان‬
‫وفرعون وأبي من خلف" والحديث أخرجه أحمد والدارمي وقال الهيثمي في‬
‫المجمع رواه أحمد والطبراني في الكبير والوسط ورجال أحمد ثقات وقال‬
‫المنذري إسناده جيد قلت فيه رجل لم يوثقه إل ابن حبان ‪ ،‬أيها المحروم‬
‫حرمت نفسك أجمل لحظات الدنيا لحظات السجود وتمريغ الجبين للرب‬
‫المعبود حرمت نفسك أعظم اللذات لذة المناجاة لذة التذلل والخضوع‪.‬‬
‫إنك تملك أغلى شيء في هذا الوجود تملك كنزا ً من كنوز الدنيا الصلوات‬
‫الخمس الثلث الخير من الليل ساعات الستجابة اسأل المصلين الصادقين‬
‫اسألهم ماذا وجدوا اسألهم ول تتردد فسيجيبونك بنفوس مطمئنة بنفوس‬
‫راضية بنفوس ذاقت حلوة الدنيا وأجمل ما فيها سيقولون أكثر الناس هموما ً‬
‫وغموما ً وكدارا ً المتهاونون المضيعون للصلة ولكن أبشر أيها الخ الحبيب‬
‫فإن الله عز وجل يقول ‪) :‬إل من تاب وآمن وعمل عمل ً صالحا ً فأولئك يبدل‬
‫الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا ً رحيمًا(‪.‬‬
‫المحرومون من التوبة التائب أعتق نفسه من أسر الهوى وأطلق قلبه من‬
‫سجن المعصية التائب يجد للطاعة حلوة وللعبادة راحة ولليمان طعما ً‬
‫وللقبال لذة التائب يجد في قلبه حرقة وفي وجهه أسى وفي دمعه أسرار‬
‫التائب منكسر القلب غزير الدمعة رقيق المشاعر التائب صادق العبارة فهو‬
‫بين خوف وأمن وقلق وسكينة‬
‫اليوم ميلد جديد وما مضى‬
‫‪ ... ...‬موت بليت به بليل داج‬
‫أنا قد سريت إلى الهداية عارجا ً‬
‫‪ ...‬يا حسن ذا السراء والمعراج‬
‫أيها المحروم تب إلى الله ذق طعم التوبة ‪ ،‬ذق حلوة الدمعة اعتصر القلب‬
‫وتألم لتسيل دمعة على الخد تطفئ نيران المعاصي والذنوب اخل بنفسك‬
‫اعترف بذنبك ادع ربك وقل "اللهم أنت ربي ل إله إل أنت خلقتني وأنا عبدك‬
‫وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك‬
‫ي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه ل يغفر الذنوب إل أنت "‪ .‬اْبك على‬ ‫بنعمتك عل ّ‬
‫خطيئتك جرب لذة المناجاة اعترف بالذل والعبودية لله تب إلى الله بصدق‬
‫قل ناج ربك اللهم إني ظلمت نفسي ظلما ً كثيرا ً ول يغفر الذنوب إل أنت‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم جرب مثل هذه‬
‫الكلمات جربها كما كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرددها ‪.‬‬

‫)‪(43 /‬‬

‫أيها المحروم ‪" .‬ذاق طعم اليمان من رضي بالله ربا ً وبالسلم دينا ً وبمحمد ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ رسول ً " كما عند مسلم في صحيحه ‪ ،‬اسمع لملك‬
‫الملوك‪ ،‬اسمع لملك الملوك وهو يناديك أنت اسمع لجبار الرض والسموات‬
‫وهو يخاطبك أنت وأنت من أنت اسمع للغفور الودود للرحيم الرحمن وهو‬
‫يقول )قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة الله إن‬
‫الله يغفر الذنوب جميعا ً إنه هو الغفور الرحيم( ويقول سبحانه في الحديث‬
‫القدسي "يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا‬
‫فاستغفروني أغفر لكم" كما عند مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر ويقول‬
‫الله في حديث قدسي آخر "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني إل غفرت لك‬
‫على ما كان منك ول أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم‬
‫استغفرتني غفرت لك ول أبالي يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الرض خطايا ثم‬
‫لقيتني ل تشرك بي شيئا ً لتيتك بقرابها مغفرة" ‪ ،‬كما عند الترمذي من حديث‬
‫أنس وهو صحيح‪.‬‬
‫إذن فيا أيها المحروم ما هو عذرك ‪ ،‬وأنت تسمع هذه النداءات من رب‬
‫الرض والسموات إن أسعد لحظات الدنيا يوم أن تقف خاضعا ً ذليل ً خائفا ً‬
‫باكيا ً مستغفرا ً تائبا ً فكلمات التائبين صادقة ودموعهم حارة وهمومهم قوية‬
‫ذاقوا حلوة اليمان بعد مرارة الحرمان ووجدوا برد اليقين بعد نار الحيرة‬
‫وعاشوا حياة المن بعد مسيرة القلق والضطراب فلماذا تحرم نفسك هذا‬
‫الخير وهذه اللذة والسعادة فإن أذنبت فتب ‪ ،‬وإن أسأت فاستغفر وإن‬
‫أخطأت فأصلح فالرحمة واسعة والباب مفتوح‪.‬‬
‫قال ] ابن القيم[ في الفوائد‪ :‬ويحك ل تحقر نفسك فالتائب حبيب والمنكسر‬
‫صحيح إقرارك بالفلس عين الغنى تنكيس رأسك بالندم هو الرفعة اعترافك‬
‫بالخطأ نفس الصابة …‪ .‬انتهي كلمه رحمه الله‪.‬‬
‫إذن العبودية لله عزة ورفعة ولغيره ذل مهانة ‪ .‬أيها الحبيب أيتها الغالية إننا‬
‫نفرح بتوبتك ونسر لرجوعك إلى الله وليس لنا من المر شيء‬
‫عين تسر إذا رأتك وأختك‬
‫تبكي لطول تبعد وفراق‬
‫فاحفظ لواحدة دوام سرورها‬
‫‪ ... ...‬وعد التي أبكيتها بتلقي‬
‫عدنا للرجوع إلى الله ‪ ،‬عدنا بتوبة صادقة ونحن معك بكل ما تريد ‪ ،‬نسر‬
‫ونفرح نمدك بأموالنا وأيدينا ودعائنا وليس لنا من المر شيء ‪ ،‬إنما هو‬
‫لنفسك ‪.‬‬
‫ومن المحرومين ‪ ،‬من حرم لذة قراءة القرآن وتدبر آياته والبكاء من خشية‬
‫الله ‪ ،‬عن ]عطاء[ قال ‪ :‬دخلت أنا و]عبد بن عمير[ على عائشة رضي الله‬
‫تعالى عنها فقال عبد الله بن عمير حدثينا لعجب شيء رأيتيه من رسول‬
‫صلى الله عليه وسلم فبكت وقالت قام ليلة من الليالي فقال "يا عائشة‬
‫ذريني أتعبد لربي قالت ‪ :‬قلت والله إني لحب قربك وأحب ما يسرك قالت‬
‫ل حجره ثم بكى فلم يزل‬ ‫قام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى ب ّ‬
‫ل الرض وجاء بلل يؤذن للصلة فلما رآه يبكي قال يا رسول‬ ‫يبكي حتى ب ّ‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله ‪ ..‬تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ‪ ،‬فقال ـ صلى الله‬
‫ى الليلة آيات ويل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عليه وآله وسلم ـأفل أكون عبدا شكورا ‪ ،‬لقد نزلت عل ّ‬
‫لمن قرأها ولم يتفكر فيها )إن في خلق السموات والرض‪ "(.....‬آخر اليات‬
‫من سورة آل عمران ‪ .‬رواه أبو الشيخ ابن حيان في أخلق النبي ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وإسناده جيد وابن حبان في صحيحه وصححه اللباني‪.‬‬
‫إذن فمن المحرومين من لم يقرأ القرآن وربما قرأه في رمضان بدون تدبر‬
‫ول خشوع اسأل نفسك أيها المحب كم آية تقرأ في اليوم بل كم مرة تقرأ‬
‫في السبوع كم مرة دمعت عيناك وأنت تقرأ القرآن؟‬

‫)‪(44 /‬‬

‫إن من الناس من لم تدمع عينه مرة واحدة عند سماع أو قراءة آيات القرآن‬
‫وربما دمعت مرارا ً ومدرارا ً عند سماع كلمات الغناء في الحب والغرام‬
‫والهجر والحرام والعياذ بالله ‪ .‬مساكين الذين ظنوا الحياة كأسا ً ونغمة ووترا‬
‫مساكين الذين جعلوا وقتهم لهوا ولعبا وغرورا مساكين الذين حسبوا السعادة‬
‫أكل وشربا ولذة‪ ..‬ليل المحرومين غناء وبكاء‪ ،‬وليل الصالحين بكاء ودعاء ليل‬
‫المحرمين مجون وخنوع وليل الصالحين ذكر ودموع أيها المحروم من لذة‬
‫البكاء اعلم أنه متى أقحطت العين من البكاء من خشية الله فاعلم أن‬
‫قحطها من قسوة القلب وأبعد القلوب من الله القلب القاسي والعياذ بالله‬
‫فقل يا أيها المحروم قل لنفسك قل لها وآسفا واحسرتاه كيف ينقضي‬
‫الزمان وينفذ العمر والقلب محجوب محروم ما شم رائحة القرآن دخل الدنيا‬
‫وخرج وما ذاق أطيب ما فيها بل عاش فيها عيش البهائم وانتقل منها انتقال‬
‫المفاليس فكانت حياته عجزا ً وكسل ً وموته غبنا ً وكمدا ً ألم تسمع أيها‬
‫المحروم ‪ ،‬ألم تسمعي أيتها المحرومة ‪ ،‬لقول النبي ـ صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم ـ "والقرآن حجة لك أو عليك" فأيهما تختار وأيهما تختارين لك أو عليك‬
‫قال أحد الصالحين أحسست بغم ل يعلمه إل الله وبهم مخيم فأخذت‬
‫المصحف وبقيت أتلو فزال عني والله فجأة هذا الهم وأبدلني الله سرورا ً‬
‫وحبورا ً مكان ذلك الكدر فيا أيها الخ الحبيب ويا أيتها المسلمة إن هذا القرآن‬
‫رحمة وهو هدى ونور وشفاء لما في الصدور كما وصفه الله ـ سبحانه وتعالى‬
‫ـ فاسمع أيها المحروم من قراءة القرآن إن قراءة القرآن بتدبر وتمعن من‬
‫أعظم أسباب السعادة ومن أعظم أسباب انشراح الصدر في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ومن المحرومين من حرم لذة الخوة في الله حرم الرفقة الصالحة التي‬
‫تذكره الخير وتعينه عليه إن الجليس الصالح ل تسمع منه إل كلما ً طيبا ً أو‬
‫دعاء صالحا ً أو دفاعا عن عرضه فيا أيها المحروم من الخوة في الله إنك‬
‫بأمس الحاجة إلى دعوة صالحة وإلى كلمة طيبة إنك بأمس الحاجة إلى من‬
‫تبث له أشجانك وأحزانك إنك بأمس الحاجة إلى صادق أمين وناصح مخلص‬
‫إنك بأمس الحاجة إلى أخ يتصف بالرجولة والشهامة أتراك تجد هذه الصفات‬
‫في صديق الجلسات والضحكات والرحلت والمنكرات ‪ .‬أيها المحب أعد‬
‫النظر في صداقاتك استعرض أصدقائك واحدا ً بعد الخر اسأل نفسك ما نوع‬
‫الرابط بينكما أهي المصالح الدنيوية أو الشهوات الشيطانية أم هي الخوة‬
‫السلمية كل أخوة لغير الله هباء وفي النهاية هم أعداء ل شك مر بك قول‬
‫الحق – عز وجل ـ )الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين( ‪ ،‬أيها‬
‫المحروم من لذة الخوة في الله راجع صداقاتك قبل أن تقول يوم القيامة )يا‬
‫ويلتى ليتني لم أتخذ فلنا ً خليل ً ‪ ،‬لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل( ‪ ،‬راجع أحباءك وخلنك فإنك ستحشر معهم يوم‬ ‫الشيطان للنسان خذو ً‬
‫القيامة فقد قال حبيبك ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ "المرء مع من أحب"‬
‫فمن أي الفريقين أحباؤك ‪ ،‬من أي الفريقين أحبابك‪.‬‬
‫قرينك في الدنيا وفي الحشر بعدها فأنت قرين لي بكل مكان‬
‫فإن كنت في دار الشقاء فإنني‬
‫وأنت جميعا ً في شقاء وهوان‬
‫أيها المحروم كم كسبت من صفات ذميمة ‪ ،‬وكم خسرت من صفات حميدة ‪،‬‬
‫بسبب أصحابك تقول لماذا أقول لك لن الطبع سراق وقل لي من تصاحب‬
‫أقل لك من أنت والنبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول "الرجل على دين‬
‫خليله فلينظر أحدكم من يخالل"‬
‫أبل الرجال إذا أردت إخاءهم‬
‫وتوسمن أمورهم وتفقد‬
‫فإذا وجدت أخ المانة والتقى‬
‫فبه اليدين قرير عين فاسجد‬
‫إن للخوة في الله حلوة عجيبة ولذة غريبة ل يشعر بها إل من وجدها‪ ،‬وفي‬
‫الصحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال "ثلث من كن فيه وجد‬
‫بهن حلوة اليمان ‪ ،‬وذكر منها وأن يحب المرء ل يحبه إل لله" وفي الثر‬
‫المشهور لول ثلث ما أحببت البقاء في الدنيا‪ ،‬وذكر منها ومجالسة اخوة‬
‫ينتقون أطايب الكلم كما ينتقون أطايب الثمر‪.‬‬
‫ومن الناس من حرم أكل الحلل ومن ثم حرم إجابة الدعاء ففي صحيح‬
‫مسلم حديث أبي هريرة قال‪ ،‬قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "أيها‬
‫الناس إن الله طيب ل يقبل إل طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به‬
‫المرسلين فقال )يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما‬
‫تعملون عليم( وقال )يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم( ثم ذكر‬
‫الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه‬
‫حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له"!!‪.‬‬
‫كم من الناس حرموا لذة الكلة الحلل وحرموا بركة المال وحرموا صلح‬
‫العيال بسبب أكل الحرام من ربا وغش وخداع وسرقة وحلف كاذب‪.‬‬

‫)‪(45 /‬‬

‫مسكين أنت أيها المحروم ربما أنك تركع وتسجد وترفع يدك بالدعاء فأنى‬
‫يستجاب لك ‪ ،‬أيها الخوة أخشى أن نكون من المحرومين ونحن ل نشعر‬
‫فنحن نرفع أيدينا في الدعاء ونلح على الله فيه وربما سالت الدمعات على‬
‫الخدين انظر لحال المصلين ‪ ،‬انظر لحال المصلين ودعاء القنوت في رمضان‬
‫فربما ل نرى أثرا لدعائنا وبكائنا "إن الله ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما‬
‫بأنفسهم " وقال تعالى ‪) :‬وما أصابكم من مصيبة فبما كسب أيديكم ويعفو‬
‫عن كثير( لنراقب أموالنا ولنحرص على أكلنا وشربنا ولبسنا وربما دخلنا من‬
‫إهمالنا في أعمالنا ووظائفنا فيا أيها المحروم إن لكل الحلل أثرا ً عجيبا ً على‬
‫القلب وراحته وسعادته إن لكل الحلل أثرا ً كبيرا ً على صلح الولد وبرهم‬
‫بآبائهم بل إن لكل الحلل أثرا ً كبيرا ً على سعة الرزق ونماء المال فكم من‬
‫المحرومين بسبب المعاصي والذنوب‪ ،‬ففي المسند من حديث ]ثوبان[ قال ‪،‬‬
‫قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ " إن الرجل ليحرم الرزق‬
‫بالذنب يصيبه " والحديث أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة‪ -‬وابن حبان‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحاكم وصححه فكم من المحرمين بسبب المعاصي والذنوب وانتبه أيها‬


‫المحب فليس كثرة المال دليل ً على بركته ليس كثرة المال عند بعض الناس‬
‫دليل ً على بركته بل قد يكون شقاء على صاحبه وكم سمعنا عن من ملك‬
‫المال والقصور يعيش في تعاسة وهموم وقد قال ـ صلى الله عليه و آله‬
‫وسلم ـ "إذا رأيت الله ـ عز وجل ـ يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما‬
‫يحب فإنما هو استدراج ثم تل قوله عز وجل )فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا‬
‫عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم‬
‫مبلسون( "‪ ،‬والحديث أخرجه أحمد والطبري وابن أبي الدنيا في كتاب الشكر‬
‫وقال اللباني في المشكاة إسناده جيد واسمع لبن القيم رحمه الله وهو‬
‫يقول عن أثر الذنوب والمعاصي ومن عقوباتها أي المعاصي والذنوب أنها‬
‫تمحق بركة العمر وبركة الرزق وبركة العلم وبركة العمل وبركة الطاعة‬
‫وبالجملة تمحق بركة الدين والدنيا فل تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه‬
‫ممن عصى الله وما محقت البركة من الرض إل بمعاصي الخلق قال الله‬
‫تعالى )ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء‬
‫ً‬
‫والرض ( وقال تعالى ) وأن لو استقاموا على الطريقة لسقيانهم ماء غدقا (‬
‫فإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ‪...‬انتهى كلمه رحمه الله ومن الناس‬
‫من حرم كثرة ذكر الله تهليل ً وتسبيحا ً وتحميدا ً وتهليل ً فلسانه يابس من ذكر‬
‫الله رطب ببذيء الكلم والسباب واللعان والعياذ بالله إذا أردت أن تعرف‬
‫شدة الحرمان والخسارة للغافل عن ذكر الله فاسمع لهذه اليات فاسمع‬
‫لهذه الحاديث والربح العظيم فيها فعن أبي هريرة – رضى الله عنه "أن‬
‫فقراء المهاجرين أتوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا ذهب أهل‬
‫الدثور بالدرجات العل والنعيم المقيم يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم‬
‫ولهم فضل من أ موال يحجون ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون فقال ‪ :‬ـ‬
‫صلى الله عليه وآله و سلم ـ ‪ :‬أل أعلمكم شيئا ً تدركون به من سبقكم‬
‫وتسبقون به من بعدكم ول يكون أحد أفضل منكم إل من صنع مثلما صنعتم ‪،‬‬
‫قالوا بلى يا رسول الله قال ‪ :‬تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلة‬
‫ثلثا ً وثلثين "قال أبو صالح الراوي عن أبى هريرة لما سئل عن كيفية ذكرهن‬
‫قال يقول ‪ .‬سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلثا ً‬
‫وثلثين متفق عليه ‪ ،‬وزاد مسلم في روايته "فرجع فقراء المهاجرين إلى ر‬
‫سول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا سمع إخواننا أهل الموال بما فعلنا‬
‫ففعلوا مثله فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"‬
‫وأهل الدثور هم أهل المال الكثير عنه أبي عن أبي هريرة عن رسول ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ أنه قال "من سبح الله في دبر كل صلة ثلثا ً وثلثين وحمد‬
‫الله ثلثا وثلثين وكّبر الله ثلثا وثلثين وقال تمام المائة ل إله إل الله وحده ل‬
‫شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير غفرت خطاياه وإن‬
‫كانت مثل زبد البحر "والحديث أخرجه مسلم في صحيحه وعن ]سعد بن أبي‬
‫وقاص[ رضى الله عنه قال كنا عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫فقال "أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة فسأله سأل من‬
‫جلسائه كيف يكسب ألف حسنة قال يسبح مائة تسبيحه فيكتب له ألف‬
‫حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة" والحديث أخرجه مسلم في صحيحه‬
‫والحاديث في مثل هذه الفضائل كثيرة جدا ً ومستفيضة أسألك بالله أليس‬
‫محروما ً من ترك مثل هذه الذكار فمن منا ل يرغب أن تغفر خطاياه وإن‬
‫كانت مثل زبد البحر ومن منا ل يرغب أن يكسب ألف حسنة أو يحط عنه‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ألف خطيئة ولكن بعض الناس لم يسمع لهذه الحاديث قط فضل ً على أن‬
‫يحرص على فضلها أليس هذا من الحرمان ؟‬

‫)‪(46 /‬‬

‫إنها كلمات قصيرة في أوقات يسيرة مقابل فضائل كثيرة وهى سلح للمؤمن‬
‫تحفظه من شياطين النس والجن وهى اطمئنان للقلب وانشراح للصدر‬
‫والله ـ عز وجل ـ يقول ) والذاكرين الله كثيرا ً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة‬
‫وأجرا ً عظيما ً ( ولكن سبق المفردون وتأخر وخسر المحرومون والمفردون‬
‫هم الذاكرون الله كثيرا ً والذاكرات كما أخبر ـ صلى الله عليه و آله وسلم ـ‬
‫عند مسلم في صحيحه ‪ .‬فيا أيها المحروم من ذكر الله احرص على هذه‬
‫الذكار لعلها أن تمحو عنك السيئات وإياك إياك وبذاءة اللسان والسب‬
‫واللعان فتزيد الطين بّلة ومن الناس من حرم السعادة الزوجية والعيشة‬
‫الهنية فهو ل يجد السكن النفسي يعيش في قلق واضطراب وشجار وخصام‬
‫كم شكا هؤلء لنا كم شكوا حياتهم مع أزواجهم وفي بيوتهم يعيشوا بدون‬
‫مودة ول رحمة وبدون لذة ول متعة بينه وبين زوجه وحشة فلماذا كل هذا ؟‬
‫قال بعض السلف – اسمع يرعاك الله – قال بعض السلف إني لعصي الله‬
‫فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي ‪ .‬أيها الزوجان ربما تحرمان السعاة‬
‫الزوجية والراحة النفسية بسبب المعاصي والذنوب منكما أو من أحدكما‬
‫انظرا إلى البيت وما فيه من وسائل فساد تغضب رب العباد أنظرا إلى‬
‫حرصكما على الفرائض والطاعات والهتمام بها والصلة في أوقاتها قفا مع‬
‫بعضكما وستجدان أن السبب معصية الله ل شك قال الله تعالى ) وما‬
‫أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ( إنه ما من مشكلة ‪،‬‬
‫تقع بين الزوجين إل بمعصية أو ذنب فكم في البيوت من المحرومين بسبب‬
‫معصية رب العالمين وأقف هنا فقد سبق الحديث عن هذا الموضوع بدرسين‬
‫بعنوان السحر الحلل فمن أراد أن يرجع لهما ومن الناس من حرم بر‬
‫الوالدين والنس بهما والجلوس معهما وقضاء حوائجهما حرم المسكين من‬
‫فضل عبادة قرنت بتوحيد الله ـ عز وجل ـ فقد ثنى بهما فقال ) واعبدوا الله‬
‫ول تشركوا به شيئا ً وبالوالدين إحسانا ً وبذي القرب واليتامى والمساكين(‬
‫ويدل هذا على فضلهما وعظم القيام بهما اسمع يا من حرمت برهما قال ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ "الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك‬
‫الباب أو احفظه " ‪ ،‬والحديث في الترمذي وقال حسن صحيح ويروي عن‬
‫]عبد الله بن المبارك[ أنه بكى لما ماتت أمه فقيل له فقال إني لعلم أن‬
‫الموت حق ولكن كان لي بابان بالجنة مفتوحان ‪ ،‬كان لي بابان في الجنة‬
‫مفتوحان فأغلق أحدهما والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول" رغم أنف ثم‬
‫رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلهما فلم يدخل‬
‫الجنة" كما في مسلم‪ ،‬وقال ـ صلى الله عليه وآله وسلم" من أحب أن‬
‫يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" والحديث متفق عليه‬
‫فأي فضل حرمه بعض الناس بغفلته عن بر والديه ومن برهما ميتين الدعاء‬
‫لهما وزيارة صديقهما وإنفاذ وعدهما إن قصص العقوق التي نسمعها لينفطر‬
‫لها الفؤاد أسى وتذوب النفس لها حسرة أيها المحروم برهما إن العقوق من‬
‫الكبائر فل يدخل الجنة عاق ويحرم التوفيق في الدنيا وربما عجلت له العقوبة‬
‫وربما ابتلى بأولده ‪،‬الجزاء من جنس العمل أبو هريرة كان ل يخرج ول يدخل‬
‫حتى يسلم على أمه وكان يحملها وينزلها فقد كانت كبيرة مكفوفة و]ابن‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحنفية[ يغسل رأس أمه و وينشطها ويقبلها ويقبضها وكان ]على بن‬
‫الحسين[ من أبر الناس بأمه وكان ل يأكل معها فسئل فقال ‪ ،‬أخاف أن‬
‫تسبق عينها إلى شئ من الطعام وأنا ل أعلم به فآكله فأكون قد عققتها ‪،‬‬
‫وطلبت ]أم مسعر[ ماء في ليلة فجاء بالماء فوجدها نائمة فوقف بالماء عند‬
‫رأسها حتى أصبح‪ ،‬وسئل ]عمر بن ذر[ عن بر ولده به فقال ‪ :‬ما مشى معي‬
‫نهارا ً قط إل كان خلفي ول ليل ً إل كان أمامي ول رقى على سطح أنا تحته‬
‫فنستغفر الله حالنا مع آبائنا ونعوذ بالله من الحرمان ‪ ،‬إليك أيها السامع هذه‬
‫العناوين السريعة أنقلها لك من رسالة صغيرة بعنوان أبناء يعذبون آباءهم‬
‫قصص واقعية ‪،‬ابن يتهرب من المستشفى حتى ل يتسلم والده ‪ ،‬وآخر‬
‫يتخلص من أمه يرميها بجوار القمامة ‪ ،‬وآخر يأتي بأبيه الذي بلغ الثمانين إلى‬
‫دار النقاهة ويقول ‪ :‬خذوا أبي عندكم وإذا أردتم شيئا ً اتصلوا على ‪ ،‬وآخر‬
‫يبخل على أمه بمائة ريال ثمنا ً لخاتم أعجبها بل أخذ الخاتم من يدها ورماه‬
‫على طاولة البائع ‪ ،‬وابنة تطرد والدتها من منزلها وأخرى غضبت بعد أن‬
‫علمت أن والدتها ستعيش معها ‪ .‬هذه عناوين قصص واقعية وتفاصيلها تدمي‬
‫القلوب وتقرح الكباد فإنا لله وإنا إليه راجعون ‪ ،‬نعوذ بالله من حال هؤلء‬
‫محرومون ومعذبون في الدنيا والخرة اللهم اغفر لنا ولوالدينا ‪ ،‬اللهم اغفر‬
‫لنا ولوالدينا وأجزهم عنا خير الجزاء اللهم أعنا على برهما اللهم أعنا على‬
‫برهما اللهم ارفع درجتهم وأسكنهم الفردوس العلى برحمتك يا ارحم‬
‫الراحمين ‪.‬‬

‫)‪(47 /‬‬

‫ومن المحرومين من حرم حسن الخاتمة نسأل الله ـ عز وجل ـ حسنها‬


‫عجيب أمرك أيها المحروم إنك تعلم أن الموت حق وأنه نهاية الجميع ومع‬
‫ذلك تصر على حالك تصر على حالك وأنت تسمع هذه الكلمات مرارا ً وتكرارا ً‬
‫‪ ،‬أيها الخ ويا أيتها الخت ليس العيب أن نخطأ ولكن العيب الستمرار على‬
‫الخطأ أيهما تريد أن تموت على خير أو على شر أقول هذا لننا نرى ونسمع‬
‫نهاية بعض المحرومين نسأل الله حسن الخاتمة ‪ .‬قال ابن القيم في الجواب‬
‫الكافي ثم أمر أخوف من ذلك وأدهى وأمر وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند‬
‫الحتضار والنتقال إلى الله تعالى فربما تعذر عليه النطق بالشهادة كما‬
‫شاهد الناس كثيرا ً من المحتضرين ممن أصابهم ذلك ثم ذكر رحمه الله صورا ً‬
‫لبعضهم منها قيل لبعضهم قل ل إله إل الله فجعل يهذي بالغناء ويقول كانت‬
‫……وقيل الخر فقال كلما أردت أن أقولها فلساني يمسك عنها إلى آخر‬
‫الصور التي ذكرها رحمه الله تعالى ـ إلى قوله وسبحان الله كما شاهد الناس‬
‫من هذا عبرا ً والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم ونحن‬
‫اليوم نشاهد ونسمع ونقرأ صورا ً كثيرةً لسوء الخاتمة ومنها أن رجل ً ذهب‬
‫إلى أحد البلد المعروفة بالفساد وهناك في شقته شرب الخمر ـ أعزكم الله‬
‫ـ قارورة ثم الثانية ثم الثالثة هكذا حتى شعر بالغثيان فذهب إلى دورة المياه‬
‫ـ أعزكم الله ـ ليتقيىء أتدري أيها المحب ماذا حدث له ؟ مات في دورة‬
‫المياه ورأسه في المرحاض – أعزكم الله ومنها أن شابا ً كان ل يعرف من‬
‫السلم إل اسمه وكان ل يصلي أضاع طريق الهداية عندما نزلت به سكرات‬
‫الموت قيل له ‪ :‬قل ل إله إل الله يا لها من لحظات حرجة كربات وشدائد‬
‫وأهوال أتدرون ماذا قال؟ أخذ يردد أنه كافر بها نسأل الله حسن الخاتمة‬
‫ومنها أن شابا ً حصل له حادث على إحدى الطرق السريعة فتوقف بعض‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المارة لسعافه فوجدوه يحتضر والموسيقى الغربية تنبعث بقوة من مسجل‬


‫السيارة فأطفئوه وقالوا للشاب قل ل إله إل الله فأخذ يسب الدين فأخذ‬
‫يسب الدين ويقول ل أريد أن أصلي ل أريد أن أصوم ومات على ذلك والعياذ‬
‫بالله يقول أحد العاملين في مراقبة الطرق السريعة فجأة سمعنا صوت‬
‫ارتطام قوي فإذا سيارة مرتطمة بسيارة أخرى حادث ل يكاد يوصف‬
‫شخصان في السيارة في حالة خطيرة أخرجناهما ووضعناهما ممددين‬
‫أسرعنا لخراج صاحب السيارة الثانية فوجدناه قد فارق الحياة عدنا‬
‫للشخصين فإذا هما في حال الحتضار هب زميلي يلقنهما الشهادة ولكن‬
‫ألسنتهم ارتفعت بالغناء أرهبني الموقف وكان زميلي على عكسي يعرف‬
‫أحوال الموت أخذ يعيد عليهما الشهادة وهما يستمران في الغناء ل فائدة بدأ‬
‫صوت الغناء يخفت شيئا ً فشيئا ً سكت الول وتبعه الثاني فقد الحياة ل حراك‬
‫يقول لم أر في حياتي موقفا ً كهذا حملناهما في السيارة قال زميلي إن‬
‫النسان يختم له إما بخير أو شر بحسب ظاهره وباطنه قال فخفت من‬
‫الموت واتعظت من الحادثة وصليت ذلك اليوم صلة خاشعة قال وبعد مدة‬
‫حصل حادث عجيب شخص يسير بسيارته سيرا ً عاديا ً وتعطلت وتعطلت‬
‫سيارته في أحد النفاق المؤدية إلى المدينة ترجل من سيارته لصلح العطل‬
‫في أحد العجلت جاءت سيارة مسرعة فارتطمت به من الخلف سقط مصابا ً‬
‫بإصابات بالغة فحملناه معنا في السيارة وقمنا بالتصال بالمستشفى‬
‫لستقباله وسرنا شاب في متقبل العمر متدين يبدو ذلك من مظهره ‪ ،‬عندما‬
‫حملناه سمعناه يهمهم فلم نميز ما يقول ولكن عندما وضعناه في السيارة‬
‫وسرنا سمعنا صوتا ً مميزا ً إنه يقرأ القرآن وبصوت فلم نميز ما نادي سبحان‬
‫الله ل تقول هذا مصاب الدم قد غطى ثيابه وتكسرت عظامه بل هو على ما‬
‫يبدو على مشارف الموت استمر يقرأ بصوت جميل يرتل القرآن فجأة سكت‬
‫التفت إلى الخلف فإذا به رافع إصبع السبابة يتشهد ثم انحنى رأسه ‪ ،‬قفزت‬
‫إلى الخلف لمست يده قلبه أنفاسه ل شئ فارق الحياة نظرت إليه طويل ً‬
‫سقطت دمعة من عيني أخبرت زميلي أنه قد مات انطلق زميلي في البكاء‬
‫أما أنا فقد شهقت شهقة وأصبحت دموعي ل تقف أصبح منظرنا داخل‬
‫السيارة مؤثرا ً وصلنا إلى المستشفى وأخبرنا كل من قابلنا عن قصة الشاب‬
‫الكثير تأثروا ذرفت دموعهم أحدهم بعد ما سمع قصته ذهب وقّبل جبينه‬
‫الجميع أصروا على الجلوس حتى يصلي عليه اتصل أحد الموظفين بمنزل‬
‫المتوفى كان المتحدث أخوه قال عنه أنه يذهب كل أثنين لزيارة جدته‬
‫الوحيدة بالقرية كان يتفقد الرامل اليتام والمساكين كانت تلك القرية تعرفه‬
‫فهو يحضر لهم الكتب والشرطة وكان يذهب وسيارته مملوءة بالرز والسكر‬
‫لتوزيعها على المحتاجين حتى حلوى الطفال كان ل ينساها وكان يرد على‬
‫من يثنيه عن السفر ويذكر له طول الطريق كان يرد عليه بقوله إنني أستفيد‬
‫من طول الطريق بحفظ القرآن ومراجعته وسماع الشرطة النافعة وإنني‬
‫احتسب إلى الله كل خطوة أخطوها يقول ذلك العامل في مراقبة الطريق‬
‫كنت أعيش مرحلة متلطمة المواج تتقاذفني الحيرة في كل اتجاه لفترة‬
‫فراغي وقلة معارفي وكنت بعيد عن الله فلما‬

‫)‪(48 /‬‬

‫صلينا على الشاب ودفناه واستقبل أول أيام الخرة استقبلت أول أيام الدنيا‬
‫تبت إلى الله عسى أن يعفو عما سلف وأن يثبتني على طاعته وأن يختم لي‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بخير انتهت القصة بتصرف من رسالة لطيفة بعنوان الزمن القادم ‪ ،‬قلت‬
‫صدق ابن القيم رحمه الله بقوله وسبحان الله كم شاهد الناس من هذا عبرا ً‬
‫أي من سوء الخاتمة والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم‬
‫وأعظم أقول كيف يوفق لحسن الخاتمة من حرم نفسه الستقامة والطاعة‬
‫لله فقلبه بعيد عن الله غافل عنه عبد لشهوته وهواه اللهم اجعل خير أعمالنا‬
‫خواتيمها وتب علينا أنك أنت التواب الرحيم وهذا موقف آخر قال أبو عبد الله‬
‫ل أعرف كيف أروي قصتي التي عشتها منذ فترة والتي غيرت مجرى حياتي‬
‫كلها والحقيقة أنني لم أقرر الكشف عنها إل من خلل إحساسي بالمسئولية‬
‫تجاه الله ـ عز وجل ـ ولتحذير بعض الشباب الذي يعصي ربه وبعض الفتيات‬
‫اللتي يسعين وراء وهم زائف اسمه الحب يقول كنا ثلثة من الصدقاء يجمع‬
‫بيننا الطيش والعبث كل بل أربعة فقد كان الشيطان رابعنا فكنا نذهب‬
‫لصطياد الفتيات الساذجات بالكلم المعسول ونستدرجهن إلى المزارع‬
‫البعيدة وهناك يفاجئن بأننا قد تحولنا إلى ذئاب ل ترحم ل نرحم توسلتهن بعد‬
‫أن ماتت قلوبنا ومات فينا الحساس هكذا كانت أيامنا وليالينا في المزارع‬
‫وفي المخيمات وفي السيارات وعلى الشاطئ إلى أن جاء اليوم الذي لن‬
‫أنساه ذهبنا كالمعتاد إلى المزرعة كان كل شئ جاهز الفريسة لكل واحد منا‬
‫الشراب الملعون شئ واحد نسيناه هو الطعام وبعد قليل ذهب أحدنا لشراء‬
‫طعام العشاء بسيارته كانت الساعة الثالثة تقريبا ً عندما انطلق ومرت‬
‫الساعات دون أن يعود وفي العاشرة شعرت بالقلق عليه فانطلقت‬
‫بسياراتي أبحث عنه وفي الطريق شاهدت بعض ألسنة النار تندلع على‬
‫جانبي الطريق وعندما وصلت فوجئت بأنها سيارة صديقي والنار تلتهمها وهى‬
‫مقلوبة على أحد جانبيها يقول أسرعت كالمجنون أحاول إخراجه من السيارة‬
‫المشتعلة وذهلت عندما وجدت نصف جسده وقد تفحم تماما ً لكنه كان ل‬
‫يزال على قيد الحياة فنقلته إلى الرض وبعد دقائق فتح عينيه وأخذ يهذي‬
‫النار النار فقررت أن أحمله بسيارتي وأسرع به إلى المستشفى لكنه قال لي‬
‫بصوت باك ل فائدة لن أصل فخنقتني الدموع وأنا أرى صديقي يموت أمامي‬
‫وفوجئت به يصرخ ماذا أقول له ‪ ،‬ماذا أقول له ‪ ،‬فنظرت إليه بدهشة وسألته‬
‫من هو ‪ ،‬قال بصوت كأنه قادم من بعيد الله أحسست بالرعب يجتاح جسدي‬
‫ومشاعري وفجأة أطلق صديقي صرخة مدوية ولفظ آخر أنفاسه ومضت‬
‫اليام لكن صورة صديقي الراحل وهو يصرخ والنار تلتهمه ماذا أقول له‪ ،‬ماذا‬
‫أقول له ‪ ،‬وجدت نفسي أتساءل وأنا ماذا سأقول له‪ ،‬وليتساءل كل محروم‬
‫ماذا سيقول لله ‪ ،‬يقول ففاضت عيناي واعترتني رعشة غريبة وفي نفس‬
‫اللحظة سمعت المؤذن لصلة الفجر ينادي الله أكبر الله أكبر حي على‬
‫الصلة أحسست أنه نداء خاص بي يدعوني لسدل الستار على فترة مظلمة‬
‫من حياتي يدعوني إلى طريق النور والهداية فاغتسلت وتوضأت وطهرت‬
‫جسدي من الرذيلة التي غرقت فيها لسنوات وأديت الصلة ومن يومها لم‬
‫يفتني فرض ‪ ،‬لقد أصبحت إنسانا ً آخر فسبحان مغير الحوال انتهت من‬
‫رسالة لطيفة بعنوان ‪:‬للشباب فقط ‪،‬إذن فلعل كثيرا ً من المحرومين‬
‫يتساءلون أين الطريق وما هو العلج؟ أين الطريق ؟ وما هو العلج؟ وأقول‬
‫العلج ما قال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لـ]سفيان بن عبد الله‬
‫الثقفي[ لما قال له سفيان يا رسول الله قل لي في السلم قول ل أسأل‬
‫عنه أحدا ً غيرك فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ "قل آمنت بالله ثم استقم "‬
‫قيا أيها المحروم ويا أيتها المحرومة لنقل كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫آمنا بالله ثم لنستقم على طاعة الله لنؤدي ما طلب الله ـ عز وجل ـ منا‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لزوم الصراط المستقيم من غير ميل عنه يمنة ول يسرة يظن البعض يظن‬
‫البعض السامعين لهذا الكلم أن الستقامة أنها نفل فمن أرادها كان مستقيما‬
‫ومن لم يرد فل بأس عليه وهذا مفهوم خاطئ فإن كل مسلم مطالب‬
‫بالستقامة كل مسلم مطالب بالستقامة قال تعالى )فاستقم كما أمرت‬
‫ومن تاب معك ( ‪ ،‬وثمرات الستقامة ثمرات عظيمة تدفع سامعها إلى‬
‫اللتزام بشرع الله ومجاهدة النفس يقول الحق ـ عز وجل ـ )إن الذين قالوا‬
‫ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة أل تخافوا ول تحزنوا وأبشروا‬
‫بالجنة التي كنتم توعدون( ويقول عز وجل ) وأن لو استقاموا على الطريقة‬
‫لسقيانهم ماًء غدقا ً لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا ً صعدا(ً‬
‫فكم كم من المحرومين المعذبين كم من المحرومات المعذبات من شبابنا‬
‫ورجالنا وإخواننا وأخواتنا نسأل الله ـ عز وجل ـ لهم الهداية لقد كان العرب‬
‫في جوف الصحراء يعيشون في شظف حتى استقاموا على الطريقة ففتحت‬
‫لهم الرض التي يغدقون فيها الماء وتتدفق فيها الرزاق ثم حادوا عن‬
‫الطريق فاستلبت منهم الخيرات استلبا ً والله يقول )ولو أن أهل القرى آمنوا‬
‫واتقوا لفتحنا عليهم‬

‫)‪(49 /‬‬

‫بركات من السماء والرض ( ‪ ،‬وكل ما سبق أيها الخ الحبيب‪ ،‬كل ما سبق‬
‫أيها الخ الحبيب من صور الحرمان إنما هو بسبب البعد عن الستقامة وينال‬
‫النسان من الحرمان بقدر بعده عن طاعة الله ‪ ،‬أخي الحبيب أيتها الخت‬
‫الغالية قف مع نفسك لحظات بعيدا ً عن الدنيا بذهبها ومناصبها وقصورها‬
‫اجلس مع نفسك بعيدا ً عن الصحاب والولد وأخل بنفسك واسألها لماذا‬
‫أعيش وماذا أريد ‪ ،‬وما هي النهاية ؟ من أين أتيت؟ وأين سأذهب ؟ ولكن‬
‫إياك إياك أن تكون كذلك البائس المحروم الشاعر النصراني الذي يقول‪:‬‬
‫جئت ل أعلم من أين ولكن أتيت‬
‫ولقد أبصرت قدامى طريقا ً فمضيت‬
‫وسأبقي سائرا ً إن شئت هذا أم أبيت‬
‫كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي لست أدري‬
‫إلى آخر تلك الطلسم والسئلة التي يثيرها في قصيدته حيرة وتردد ذهول‬
‫يشعر به المحرومون من نعمة اليمان أما نحن المسلمون المؤمنون ل تقلقنا‬
‫هذه السئلة ولله الحمد والمنة ‪ ،‬فإننا نجد في ديننا الجابات المفصلة عليها‬
‫إننا نجد في قرآننا وفي أحاديث نبينا عليه الصلة والسلم الكلم الشافي‬
‫الصادق عنها إن قرآننا علمنا أننا نعيش لغاية وهدف ‪) ،‬وما خلقت الجن‬
‫والنس إل ليعبدون ( فهل أنت تعيش لهدف ؟ هل أنت تعيش لهدف أيها الخ‬
‫الحبيب وعلمنا أن كل شئ في حياتنا إنما هو لله )قل إن صلتي ونسكي‬
‫ومحياي ومماتي لله رب العالمين ل شريك له ( ‪ ،‬فهل كل شئ في حياتك‬
‫لله فل نعمل إل ما يرضي الله ول نتكلم إل بما يرضي الله ‪ ،‬فل نرضي إل‬
‫الله ولو سخط الناس كلهم فنحن نردد كل لحظة ل إله إل الله‪ ،‬ونعلم أن من‬
‫عاش عليها صادقا ً مخلصا ً عاش عزيزا سعيدا ً وأن من مات عليها صادقا ً‬
‫مخلصا ً مات شهيدا ً في جنة عرضها السموات والرض إذا فاسمع واعلم أيها‬
‫المحروم ‪:‬إن من يعيش لهدف ومبدأ يتحرك ويعمل ويركع ويسجد ويذهب‬
‫ويجئ ويحرص على وقته ول يجعل دقيقة للفراغ فإن الفراغ قاتل والعطالة‬
‫ما العاطلون الفارغون إنك يوم تفرغ يدخل‬ ‫بطالة وأكثر الناس هموما ً وغمو ً‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليك الهم والغم والوساوس والهواجس وتصبح ميدانا ً للعيب الشياطين أيها‬
‫الخ‪ ،‬أيتها الخت اجعل الهم هما ً واحدا ً هم الخرة هم لقاء الله ـ عز وجل ـ‬
‫هم الوقوف بين يديه )يومئذ تعرضون ل تخفى منكم خافية ( اجعل عملك‬
‫خالصا ً لوجه الله احرص على رضا الله ل تنتظر شكرا ً من أحد‪.‬‬

‫)‪(50 /‬‬

‫أيها الخ ويا أيتها الخت ماذا قدمت لنفسك ؟ وماذا قدمتي لنفسك ؟ والله‬
‫تعالى يقول )وقدموا لنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملقوه وبشر‬
‫المؤمنين( إن من ركب ظهر التفريط والتواني نزل به بدار العسرة والندامة‬
‫إذا فأول العلج التفكير الجاد في طريق الستقامة واللتزام فكن صاحب‬
‫هدف وكن صاحب مبدأ لتشعر بقيمة الحياة واجعل همك دائما ً رضا الله‬
‫وحده ل رضا غيره وطاعة الله ل طاعة غيره ومن العلج أيضا ً أو من أسباب‬
‫الستقامة إرادة الله الهداية للعبد قال تعالى ‪) :‬فمن يرد الله أن يهديه يشرح‬
‫صدره للسلم ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا ً حرجا ً كأنما يصعد في‬
‫السماء( وبعض الجهال والجاهلت يقولون ماذا أفعل إذا لم يرد الله هدايتي‬
‫وأقول هذه شبهة وحيدة نفسية ومدخل شيطاني لدى كثير من المحرومين‬
‫والجابة على هذا نقول لبد من فعل السباب فاطلب الهداية واسع لفعل‬
‫أسبابها وجاهد النفس وسترى بمشيئة الله النتائج وهكذا بكل أمر تريده لبد‬
‫من فعل السباب أتراك أيها المحروم إذا طلبت النجاح في المتحان تدرس‬
‫وتقرأ وتحفظ وتسهر لو قلنا لك مثل ً ل تدرس ول تقرأ ول تسهر وإن كان الله‬
‫أراد نجاحك فستنجح أتوافق على هذا ؟ أتوافقين على هذا ؟ بالطبع ل ‪ ،‬إذن‬
‫لبد من فعل السباب من ترك جلساء السوء وترك وسائل الفساد والحرص‬
‫على مجالس الصالحين وكثرة الذكر واللحاح بالدعاء أن يفتح الله على قلبك‬
‫وأن يثبتك على طريق الحق فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان‬
‫يكثر في سجوده من قوله " اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"‬
‫فكيف بي وبك وبمن شابهنا من ضعاف اليمان ادع الله بصدق ادع الله‬
‫بصدق وبإلحاح أن يرزقك طريق الستقامة وها أنت تدعو في اليوم أكثر من‬
‫سبعة عشر مرة إن كنت ممن يحافظ على الصلوات المفروضة تقول )اهدنا‬
‫الصراط المستقيم ( لكن وللسف بدون حضور قلب بدون تدبر للمعنى‬
‫فاصدق مع الله في طلب الهداية جاهد النفس جاهد النفس فإن الله ـ عز‬
‫وجل ـ يقول )والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين (‬
‫إذن فقبل مرحلة الهداية لبد من مرحلة المجاهدة وحبس النفس عن‬
‫شهواتها تذكر حلوة الصلة بينك وبين الله يهن عليك مر المجاهدة اعلم أن‬
‫شراب الهوى حلو ولكنه يورث الشرك فاطلب الهداية من الله بصدق‬
‫واحرص على فعل أسبابها لعلك أن تشعر بالسعادة والراحة في الدنيا‬
‫والخرة وأسباب الهداية كثيرة لعلي ألخصها لك في النقاط التالية لتحرص‬
‫على فعلها فكن صاحب هدف وعش لمبدأ واعلم لماذا خلقت ثانيا ً اعلم أن‬
‫إرادة الله فوق كل شئ لكنها في علم الغيب فما عليك إل أن تحرص على‬
‫الخير وفعل السباب للوصول إليه مع التنبه لحيل النفس ومداخل الشيطان‬
‫ثالثا ً اللحاح الشديد في الدعاء وكثرة ذكر الله رابعا ‪ :‬الحرص على مصاحبة‬
‫الصالحين ونبذ أهل الفسق والفجور فإنهم ل يهدءون حتى تكون مثلهم‬
‫وصدق من قال ودت الزانية أن النساء كلهم زواني‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(51 /‬‬

‫خامسا ً ‪ :‬مجاهدة النفس ومحاسبتها وهل أنت مستعد للموت أم ل ‪ .‬سادسا ً ‪:‬‬
‫اتبع السيئة الحسنة تمحها وكلما وقعت بذنب أو معصية أكثر من فعل‬
‫الخيرات تصدق أطعم المساكين ‪ ،‬صل ركعتين ‪ ،‬أحسن إلى الوالدين ‪،‬‬
‫احرص على كل خير فإن الله ـ عز وجل يقول) إن الحسنات يذهبن السيئات(‬
‫والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول ‪" :‬واتبع السيئة الحسنة تمحها "‬
‫سابعا ً ‪ :‬تب كلما وقعت بذنب أو معصية وإياك إياك والملل من التوبة إياك‬
‫إياك والملل من التوبة ولو تبت من الذنب الواحد ألف مرة أحذر من ضعف‬
‫النفس وحيل الشيطان فربما يحدثك أنك منافق أو أنك مخادع لله بكثرة‬
‫توبتك والمهم أن تكون صادقا ً في التوبة والندم والقلع وكلما رجعت للذنب‬
‫بضعف النفس ارجع للتوبة قال المام النووي باب قبول التوبة من الذنوب‬
‫وإن تكررت الذنوب والتوبة ‪،‬وأنصحك بقراءة كتاب التوبة في صحيح مسلم‬
‫لترى الحاديث في عظم رحمة الله وفرحته بتوبة عبده وهو غني عني وعنك‬
‫وعن العالمين جميعا ً ولكن إياك إياك والغترار بسعة رحمة الله إياك‬
‫والغترار بسعة رحمة الله مع الصرار على المعاصي واعلم أن الله شديد‬
‫العذاب كما أنه غفور رحيم فالخلصة؛ أكثر من الستغفار والتوبة واعلم أن‬
‫خير البشر حبيبنا وقدوتنا ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ صح عنه أنه كان‬
‫يستغفر الله في اليوم سبعين مرة وفي رواية مائة مرة فكيف بي وبك أيها‬
‫الحبيب على كثرة ذنوبنا وضعف نفوسنا فيا أيها المحب فيا أيها الخوة أيتها‬
‫الخوات لنكثر من التوبة مهما تكرر الذنب لنكثر من التوبة مهما تكرر الذنب‬
‫ففي الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة أن الله ـ عز وجل ـ قال‬
‫لذلك الرجل الذي تكرر منه الذنب فكرر التوبة قال الله له "علم عبدي أن له‬
‫ربا ً يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي غفرت لعبدي غفرت لعبدي فليعمل ما‬
‫شاء "والحديث متفق عليه وعن ]عقبة بن عامر[ "أن رجل ً أتى النبي ـ صلى‬
‫الله عليه وسلم ـ فقال يا رسول أحدنا يذنب قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫يكتب عليه قال ‪ :‬ثم يستغفر منه ويتوب قال ‪:‬ويغفر له ويتاب عليه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فيعود فيذنب قال ‪ :‬يكتب عليه ‪ .‬قال ‪ :‬ثم يستغفر منه ويتوب ‪ .‬قال ‪ :‬يغفر‬
‫له ويتاب عليه ‪ ،‬قال ‪ :‬فيعود فيذنب قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ :‬يكتب‬
‫عليه ول يمل الله حتى تملوا "‪ ،‬أخرجه الحاكم وقال هذا حديث صحيح على‬
‫شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وأخرجه الطبراني في الكبير‬
‫وقال في المجمع إسناده حسن ‪ .‬فيا أخي الكريم إياك وإهمال التوبة مهما‬
‫كانت معاصيك والمهم أن تكون جادا ً في التوبة صادقا ً فيها فاغلق الباب اغلق‬
‫أبواب الشيطان وسد المنافذ وافعل السباب وستجد أثر ذلك على قلبك‬
‫حفظك الله ورعاك من كل سوء وأعانك ووفقك للتوبة النصوح ‪ .‬أيها الخ‬
‫الحبيب ويا أيتها الخت الغالية لست بعيدة وإنك قريب جدا ً إن السعادة‬
‫والراحة في الستقامة وأنت قريب منها المهم أن يكون عندك العزم والهم‬
‫الصادق‪ ،‬قال ابن القيم في الفوائد اخرج بالعزم من هذا الفناء الضيق‬
‫المحشو بالفات إلى ذلك الفناء الرحب الذي فيه مال عين رأت فهناك ل‬
‫يتعذر مطلوب ول يفقد محبوب انتهى كلمه‪ -‬فيا أيها المحب ارجع إلى‬
‫فطرتك وإلي الخير في نفسك ستجد أنك قريب من الهداية والهداية قريبة‬
‫منك ؛‬
‫فإذا استقام على الهداية ركبنا‬
‫يخضر فوق هضابها القدام وترف أغصان السعادة فوقنا‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتزول من أصقاعنا السقام إن الدنيا بأموالها ومناصبها وقصورها ل تستأهل‬


‫قطرة دمع منك حتى ول هما أو زفرة من زفراتك فالرسول ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ يقول ‪ " :‬الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إل ذكر الله وما واله وعالما ً‬
‫ومتعلما ً " كما عند الترمذي والله ـ عز وجل ـ يقول ) وما هذه الحياة الدنيا إل‬
‫لهو ولعب ( فيا أيها المحب إن نفسك غالية وربما اليوم أو غدا ً أو بعد غد‬
‫قالوا مات فلن والموت حق ولكن شتان بين من مات على صلح وهداية‬
‫‪1*39582‬وبين من مات على فسق وغواية فإياك والغفلة وطول المل‬
‫والغترار بالصحة ؛‬
‫فكم من صحيح مات من غير علة‬
‫وكم من سقيم عاش حينا ً من الدهر‬
‫ربما تضحك وتسعد وتنام مسرورا ً وقد ل تصبح‬
‫يا راقد الليل مسرورا ً بأوله‬
‫إن الحوادث قد يطرقن أسحارا ً ‪.‬‬
‫فيا أيها الخ ويا أيتها الخت بادرا إلى الفضائل وسارعا إلى الصفات الحميدة‬
‫والفعال الجميلة و كل ذلك باليمان الصادق بالله ـ عز وجل ـ نسأل الله ـ‬
‫عز وجل ـ أن يتوب علينا جميعا ً ‪ ،‬وأن يغفر لنا جميعا ً وأن يجعلنا من‬
‫ة اللهم‬ ‫الصادقين الصالحين المصلحين‪ ،‬اللهم تب علينا توبة صادقة نصوح ً‬
‫اغفر لنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين سبحانك اللهم وبحمدك‬
‫نستغفرك ونتوب إليك نشهد أن ل إله إل أنت ‪.‬‬
‫وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرا ً ‪.‬‬

‫)‪(52 /‬‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله ‪ ،‬أما‬
‫بعد فعنوان هذا الدرس روحانية صائم وينعقد في يوم الثنين اليوم الثامن من‬
‫الشهر الثامن في العام ‪ 1418‬في هذا الجمع المبارك في مدينة < الرس >‬
‫أيها الخوة هذا الدرس هو فوائد وشرائد ومشاعر وأحاسيس جمعت من‬
‫العام الماضي من رمضان حرصت على طرحها هذه اليام لينتفع منها‬
‫الصائمون هذه اليام أسأل الله أن ينفع بها وأن يغفر لي الخطأ والذلل‬
‫والتقصير‪.‬‬
‫وهو ينقسم إلي قسمين‪:‬‬
‫ل‪ :‬كيف السبيل إلي هذه الروحانية وفيه حقيقة الروح وزادها وعلقتها‬ ‫أو ً‬
‫بالصيام‬
‫ثانيًا‪ :‬مشاعر هذه الروح وهي أحاسيس ومشاعر لمن ذاق حلوة اليمان في‬
‫شهر رمضان وعرف أن الصيام غذاء للروح وطعام‪.‬‬
‫وأقدم المقدمة في استقبال رمضان فأقول معاشر الخوة أقبل علينا رمضان‬
‫سيد الشهور فمرحبا ً به وأهل ً وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا دخل‬
‫رجب قال "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" كما في حديث‬
‫]أنس[ قال ]الهيثمي[ عنه رواه ]الطبراني[ في الوسط وفيه ]زائدة بن أبي‬
‫الرقاد[ وفيه كلم وقد وثق… انتهى ‪.‬‬
‫بعد أيام نستقبل شهرنا العظيم شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن شهر‬
‫الصيام والذكر شهر التوبة والغفران شهر العزة والكرامة اللهم بلغنا‬
‫مل أن يصوم هذا الشهر‬ ‫َ‬
‫رمضان ‪،‬اللهم بلغنا اللهم بلغنا رمضان فكم ممن أ ّ‬
‫فخانه أمله فسار قبله إلي ظلمة القبر كم من مستقبل يوما ً ل يستقبله‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومؤمل غدا ً ل يدركه‬


‫كم كنت تعرف ممن صام في سلف‬
‫من بين أهل وجيران وإخوان‬
‫أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حيا ً‬
‫فما أقرب القاصي من الداني‬
‫أيها الخوة والخوات أحد عشر شهرا ً ظلت تجري بسرعة عجيبة في دهشة‬
‫وذهول من العاقلين وغفلة ومجون من اللهين‪.‬‬
‫ً‬
‫)قال كم لبثتم في الرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل‬
‫العادين( هكذا تنقضى الليالي واليام وتنقضي الشهور والعوام والعاقل‬
‫اللبيب وهو من يفكر ويعتبر في تلك اليام التي عاشها والليالي التي قضاها‬
‫نعم هي ماضي تركه خلفه لن يعود لن يعود له مرة أخرى لكنها تسجل عليه‬
‫فالله تعالي يقول)هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم‬
‫تعملون( كل الناس يغدو يغدو في أهداف وآمال ورغبات وأماني ولكن أين‬
‫ت بعد أيام فكيف حال الناس؟ بل كيف حال‬ ‫الجادون أين الجادون فرمضان آ ٍ‬
‫المة هل من وقفة صادقة للمحاسبة وهل من وقوف جاد للتأمل وما هي‬
‫ت بعد أيام وفي‬ ‫مراسم الستقبال معاشر الصائمين والصائمات إن رمضان آ ٍ‬
‫المة تعساء يستقبلونه على أنه شهر الجوع النهاري والشبع الليلي نوم في‬
‫الفراش إلي ما بعد العصر وسمر في الليل إلي الفجر تراهم ذئابا ً في الليل‬
‫جيفا ً في النهار جعلوا من رمضان موسم طرب وسهر ودعايات وقنوات‪ ،‬إنهم‬
‫موا أنفسهم وغيرهم‬ ‫حَر ُ‬
‫موا و َ‬
‫حرِ ُ‬
‫يقتلون رمضان ويفسدون حلوته وطعمه ‪ُ ،‬‬
‫من جمال رمضان وروعة الحياة فيه عبادة للبدن والجسد بنزواته ولذاته‬
‫وأسر للروح والعقل مساكين هؤلء‬
‫ب فَم ٍ تمنع عن شراب أو طعام‬ ‫رمضان ُر ّ‬
‫ظن الصيام عن الغذاء هو الحقيقة في الصيام‬
‫وهوى على العراض ينهشها ويقطع كالحمام‬
‫يا ليته إذ صام صام عن النمائم والحرام‬
‫واستاك إذ يستاك عن كذب وزور وإجرام‬
‫وعن القيام لو أنه فيما يحاوله استقام‬
‫رمضان نجوى مخلص للمسلمين وللسلم‬
‫تسمو بها الصلوات والدعوات تضطرم اضطرام‬

‫)‪(53 /‬‬

‫قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأبي هو وأمي ـ فقد كان يبشر‬
‫أصحابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقدوم رمضان كما أخرجه ]أحمد[‬
‫و]النسائي[ عن ]أبي هريرة [ رضي الله عنه قال رسول الله ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ يبشر أصحابه "قد جاءكم شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه‬
‫يفتح فيه أبواب الجنة ويغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة‬
‫خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم" ‪ ،‬صححه ]اللباني[ كما في‬
‫معَل ّ بن الفضل[ عن السلف‪ :‬كانوا يدعون الله ستة‬‫صحيح النسائي وقال ] ُ‬
‫أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم وقال ]أبو‬
‫يحيى ابن كثير[ كان من دعائهم‪ :‬اللهم سلمني إلي رمضان وسلم لي رمضان‬
‫قّبل ‪ ،‬وباع قوم من السلف جارية فلما قرب شهر رمضان‬ ‫مت َ َ‬
‫وتسلمه مني ُ‬
‫رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالطعمة وغيرها فسألتهم فقالوا نتهيأ لصيام‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رمضان فقالت وأنتم ل تصومون إل رمضان!! لقد كنت عند قوم كل زمانهم‬
‫رمضان ردوني إليهم ‪ ،‬هكذا كان السلف استقبال لرمضان فرمضان له طعم‬
‫خاص ولذة عجيبة في نفوسهم رضوان الله عليهم فهو يبعث في نفوسهم‬
‫قوة اليمان والشجاعة والعزة والكرامة ولهذا كانت أكثر غزوات ومعارك‬
‫المسلمين في رمضان لماذا ؟ نعم لماذا ؟ اسمع للجابة إنها حياة الروح حتى‬
‫وإن كانت البطون خاوية والشفاه يابسة فالحياة حياة الروح حياة القلب حياة‬
‫النتصار على النفس والشهوات ومن انتصر على نفسه انتصر على العداء‬
‫من انتصر على نفسه انتصر على العداء إنها حياة الصلة والثقة بالله تعالي‬
‫وهنا يكمن جمال رمضان وروعة هذا الشهر بتلك الروحانية العجيبة التي‬
‫توقظ المشاعر وتؤثر في النفوس فرمضان له في نفوس الصالحين‬
‫الصادقين بهجة وفي قلوب المتعبدين المخلصين فرحة فهو شهر الطاعات‬
‫ولنا فيه جميل الذكريات إنه زاد الروح تتغلب الروح فيه على البدن والجسد‪.‬‬
‫وحتى ل أطيل عليكم فإلى الحديث عن تلك الروحانية وفيه حقيقة الروح‬
‫وزادها وعلقتها بالصيام ‪.‬‬
‫حقيقة الروح‪:‬‬
‫الروح والنفس واحد غير أن الروح مذكر والنفس مؤنث عند العرب ولما‬
‫سأل اليهود الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الروح نزل قوله تعالي‬
‫)يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي( ‪.‬‬
‫وروى ]الزهري[ بسنده عن ]ابن عباس[ في قوله )ويسألونك عن الروح(‬
‫قال إن الروح قد نزل في القرآن بمنازل ولكن قولوا كما قال الله جل وعل‬
‫)قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إل قليل( ‪ .‬قال ]ابن الثير[ وقد‬
‫ن‬
‫تكرر ذكر الروح في الحديث كما تكرر في القرآن ووردت فيه على معا ٍ‬
‫الغالب منها أن المراد بالروح الذي يقوم به الجسد وتكون به الحياة وقد‬
‫أطلق على القرآن والوحي والرحمة وعلى جبريل إلي آخر كلمه رحمه الله‬
‫والروح سماوية علوية والجسد أرضي سفلي وعند موت النسان كل يتجه‬
‫إلي أصله فالروح إلي السماء والجسد إلى الرض ومن الناس من همته في‬
‫الثرى ومنهم من همته في الثريا فمنهم من يسعى لحياة الروح ومنهم من‬
‫يسعى لحياة الجسد وحياة الروح باتصالها بالسماء بالخوف والخشية‬
‫والمراقبة والخلص لله عز وجل والروح والجسد ل غنى لحدهما عن الخر‬
‫إل إذا أصبح الجسد ل هم له إل شهوته وهواه وفيه قول الرسول ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ "تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس وانتكس وإذا شيك‬
‫فل انتفش"‬
‫دها لجسده وشهواته‬ ‫ومن الناس من نسي روحه وغفل عنها وعن حقوقها فَعَب ّ َ‬
‫فأصبحت حياته هموما ً وغموما ً وأكدارا ً وأحزانًا‪ ،‬ليس له هم إل أن يرضى‬
‫هواه مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها وأطيب ما فيها‬
‫حلوة اليمان ولذة الطاعة فالنسان جسد وروح وشهوة وعقل والجسد تتبع‬
‫له الشهوة والروح يتبع لها العقل والصراع دائم بين الفريقين الجسد‬
‫والشهوة معا ً والروح والعقل معا ً ومتى شبع البطن تحركت الشهوة وإذا خل‬
‫البطن هدأ الجسد وانطلقت الروح تنمو وتنشط ففي الصيام حلوة ل يدركها‬
‫إل من صام من أجل الله بصدق في الصيام حلوة ل يدركها إل من صام من‬
‫أجل الله بصدق ول يعرفها إل الذين خالطت بشاشة اليمان قلوبهم وهذه هي‬
‫الروحانية العجيبة التي نحياها في رمضان روحانية صائم بذرها بالجوع‬
‫وسقاها بالدموع وقواها بالركوع لتنبت الخشوع والخضوع روحانية صائم فيها‬
‫السعادة واللذة والفراح والشواق فيها ما ل يبثه لسان ول يصفه بيان ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫روحانية صائم فيها الرواح تهتز وترتاح وتطير بغير جناح فهي في أفراح‬
‫وأفراح ‪ ،‬روحانية صائم فيها من الحرير لجنات النعيم ما تورمت له أقدام‬
‫المتهجدين وبذر له الثمين وسمع النين ‪ ،‬روحانية صائم ل يعرفها العاشقون‬
‫ول المتصوفة الواجدون بل هي والله حكر على المحقين الصادقين‬
‫والمخلصين العارفين ‪ ،‬روحانية صائم تخلصت من أسر الهوى والشهوة وحيل‬
‫النفس والشيطان ‪ ،‬باختصار روحانية صائم عاش في جنة الدنيا ‪ ،‬وفي الدنيا‬
‫جنة من لم يدخلها ل يدخل جنة الخرة ‪.‬‬

‫)‪(54 /‬‬

‫مب ْد ٍ ‪ ،‬معاشر الصائمين‬


‫ولكن كم بين خلي وشجي وواجد وفاقد وكاتم و ُ‬
‫والصائمات هذه أفراح الروح عند انتصارها وفك أسرها من شهوات الجسد‬
‫ولذلك قال ]ابن القيم[ رحمه الله ‪ ،‬فللروح المطلقة من أسر الهوى ومن‬
‫أسر البدن وعلئقه وعوائقه من التصرف والقوة والنفاذ والهمة وسرعة‬
‫الصعود إلي الله والتعلق بالله ما ليس للروح المهينة المحبوسة في علئق‬
‫البدن وعوائقه انتهى كلمه رحمه الله‪.‬‬
‫أطلق الرواح من أصفادها‬
‫‪ ...‬في بهيج من رياض التقياء‬
‫غاديات رائحات كالسنا‬
‫سابحات بين آفاق الضياء‬
‫إنها يا شهر ظمأى فاسقها‬
‫مشتهاها من ينابيع الصفاء‬
‫شهوة الجساد قد ألقت بها‬
‫في قفارٍ ليس فيها من رواء‬
‫ما غذاء الجسم في ألوانه‬
‫فيه للرواح شيء من حباء‬
‫إنما الرواح تحيا بالذي‬
‫في صيام الجسم تسجيه السماء‬
‫يا ربيع الروح أقبل واعطها‬
‫صولجان الحكم في دنيا الشقاء‬
‫كي يعيش الناس من آلئها‬
‫في رفاٍء وازدهارٍ وارتقاء‬
‫هل درى أهل الحجا أن الذي‬
‫شيطن النسان في الرض اشتهاء‬
‫زورق الشيطان في وجدانه‬
‫‪ ...‬طعمة فيها من الفراط داء‬
‫ما ارتقت إل بزهد أنفس‬
‫في طعام عنه عاشت في غناء‬
‫واطمأنت في حياة الروح‬
‫‪ ...‬ل تبتغي إل لقيمات وماء‬
‫إنما سلطانها من دونه ‪... ...‬‬
‫كل سلطان به النسان باء‬
‫حسبه أن أخضع النفس التي‬
‫‪ ...‬تسترق الناس حتى القوياء‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أي سلطان يكف النفس عن‬


‫موبقات غير قيد كالوجاء‬
‫إنه الصوم الذي أوحى به‬
‫رحمة بالناس رب الحكماء‬
‫فيه ترويض لطبع جامح‬
‫فيه روح فيه للمرضي شفاء‬
‫فيه للحساس إرهاف فل‬
‫يأخذ الدنيا بعين الغبياء‬
‫أيها الحبة هذه الروحانية ل نعرف كنهها ول نستطيع وصفها حتى من ذاق‬
‫طعمها وعرف حلوتها من أولئك الفذاذ الذين تسعى بهم أعمالهم سوقا إلي‬
‫جنات سوق الخيل بالركبان صبروا قليل ً فاستراحوا دائما ً يا عزة التوفيق‬
‫للنسان رفعت له في السير أعلم السعادة والهدى يا ذلة الحيران أقول حتى‬
‫هؤلء والله حتى هؤلء الذين ذاقوا طعمها وعرفوا حلوتها ما استطاعوا‬
‫وصفها ول التعبير عن وجدها إل بألفاظ عامة لم تفصح عن حقيقة الشعور‬
‫واسمع بعضهم يقول إنه يمر في القلب لحظات أقول إن كان أهل الجنة في‬
‫مثل هذا إنهم لفي نعيم إنه شعور عام ل يستطيع وصفه بأكثر من هذا فإن‬
‫لم ترها العين فقد أبصرها القلب واسمع للخر يقول أنا جنتي وبستاني في‬
‫صدري فماذا يفعل أعدائي بي سجني خلوة ونفيي سياحة وقتلى في سبيل‬
‫الله شهادة وهذا ثالث لم يجد ما يعبر به عن السعادة واللذة التي يجدها إل‬
‫بقوله إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الخرة إنها حلوة اليمان‬
‫وطعم الصلة بالله إنها أفراح الروح ل تنقل بالكلمات إنما تسرى في القلب‬
‫فيستروحها ويهش لها ويندى بها وكأني بك أيها الصائم كأني بك تقول أيها‬
‫المتحدث ترفق فنفوسنا تشقق وقلوبنا تخرق ودموعنا تدفق فكيف السبيل‬
‫لهذا النعيم كيف نصوم؟ وكيف نقوم لنجد ما وجد أولئك الرجال؟‬
‫فأقول أما الكيفية فصم وقم كما كان يصوم ويقوم قدوتنا وحبيبنا محمد ـ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ )قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله( ولكن‬
‫الهم لماذا نصوم؟ نعم لماذا نصوم سؤال مهم يجب أن يسأله المسلم نفسه‬
‫خاصة في شهر رمضان وحتى ل يتحول هذا الشهر من عبادة لها أهداف‬
‫ومقاصد عظيمة إلي عادة ثقيلة كان لبد من الجابة على هذا السؤال فكثير‬
‫من الناس يصومون ولكن قليل أولئك الذين يعرفون لماذا يصومون؟ هذا هو‬
‫الفرق بين العادة والعبادة لماذا نصوم يحدد لك الهدف والغاية التي من أجلها‬
‫ل تقوم به‬‫فرض الصوم رمضان ووضوح الهدف وضوح الهدف في أي عم ٍ‬
‫يسهل عليك هذا العمل ويدفعك للجتهاد والمجاهدة للوصول إليه أي الهدف‪.‬‬
‫وفي رمضان أنت تمسك عن الطعام والشراب والجماع أكثر من نصف اليوم‬
‫لماذا؟ تجوع وتعطش لماذا ؟ تسهر وتتعب لماذا ؟‬
‫أصناف الطعام بين يديك والماء البارد أمام عينيك أنت جائع عطشان فل تمد‬
‫يدك إليها لماذا؟ ماذا تريد من كل هذا؟ ما هو الهدف؟ إلي أي شيء تريد أن‬
‫تصل؟ ربما حدثتك نفسك فقالت لماذا الله يأمرنا بالصيام؟ ولماذا فرض‬
‫علينا شهر رمضان؟ فأقول حاشى لله ـ عز وجل ـ أن يكون المراد تجويعنا‬
‫وتعطيشنا وإتعابنا وهو أرحم الراحمين وهو أرحم من الم بولدها بل إن الله‬
‫قال في آخر آيات الصيام )يريد الله بكم اليسر ول يريد بكم العسر( وربما‬
‫تقول أيها الخ إننا نصوم رمضان لن الله أمرنا بصيامه فتجب الطاعة‬
‫والستجابة لله بما أمر فأقول نعم إن الستجابة لله ورسوله واجب علي كل‬
‫مسلم ومسلمة ولو لم تتبين لنا الثمرة والحكمة من هذا المر فنحن أسلمنا‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫واستسلمنا لله جل وعل فيجب علينا طاعة الله فإن الخير كل الخير فيما أمر‬
‫الله ورسوله به لكن هناك ثمرة وغاية عظيمة بينها الله ـ عز وجل ـ من شهر‬
‫الصيام بقوله‪) :‬يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين‬
‫من قبلكم لعلكم تتقون(‬
‫رمضان قد يستبد الجوع بي‬
‫ويهدني ظمأ ويخفت في مداي كفاح‬
‫لكن تقوى الله تحفز همتي‬
‫ويشد من أزرى لديك صلح‬

‫)‪(55 /‬‬

‫وأراك يا رمضان رحلة مؤمن‬


‫ألف الطريق وآنسته بطاح‬
‫وأراك حين تجيء توقظ ما‬
‫غفا عاما ً بقلب أثخنته جراح‬
‫فإذا بآلء اليقين تظلني‬
‫وإذا المحبة غدوة ورواح‬
‫وإذا أنا روح تحلق في المدى‬
‫بسنا ً يلوح وللصفاء يتاح‬
‫إذا ً فالغاية الولي والهدف السمى من صيام رمضان هو إعداد القلوب‬
‫للتقوى ومراقبة إعداد القلوب للتقوى ومراقبة الله لخشية الله فالصوم‬
‫يجعل القلوب لينة رقيقة يجعلها ذات شفافية وحساسية يجعلها وجلة حية‬
‫فالصوم يوقظ القلوب فإذا فسد الناس في زمن من الزمان فإن صلحهم ل‬
‫يكون بالتشدد والتنطع بل يبدأ الصلح بإعداد القلوب وبث حرارة اليمان فيها‬
‫وخوف الله ومراقبته فالسلم‪ ،‬السلم ل يقود الناس بالسلسل إلي‬
‫الطاعات إنما يقودهم بالتقوى ومراقبة الله والخوف منه ومن أعظم ثمار‬
‫الصيام تربية القلوب على مراقبة الله وتعويدها على الخوف والحياء منه‬
‫يقول ]القسطلني[ رحمه الله معددا ً لثمرات الصوم يقول منها رقة القلب‬
‫وغزارة الدمع وذلك من أسباب السعادة فإن الشبع مما يذهب نور العرفان‬
‫ويقضي بالقسوة والحرمان انتهى كلمه رحمه الله إذا ً ما علقة الكل‬
‫والشراب بالتقوى فالكل والشرب للبطن والتقوى مكانها القلب فما دخل ذا‬
‫بذا اسمع رعاك الله اسمع للجابة أليس كثرة الطعام والشراب لها أثر كبير‬
‫على فساد القلب وغفلته فالبطنة تذهب الفطنة كما يقال والشبع يقسي‬
‫القلب ويعميه والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول "ما مل آدمي وعاء‬
‫شرا ً من بطنه" كما في الترمذي وحسنه وقال ]عمرو بن قيس[ إياكم‬
‫والبطنة فإنها تقسي القلب وقال ]الحارث بن كلدة[ الطبيب العربي‬
‫المشهور‪ :‬الحمية رأس الدواء والبطنة رأس الداء وقال ]سفيان الثوري[‪ :‬إن‬
‫أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فأقلل من الكل ولذلك فإن تقليل الطعام‬
‫والشراب ومباشرة النساء ينور القلب ويوجب رقته ويزيل قسوته فالصيام‬
‫فيه كسب للنفس وتخلية القلب للذكر والفكر والصيام يضيق مجارى الدم‬
‫التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم فإن الشيطان يجري من ابن آدم‬
‫مجرى الدم فتسكن بالصيام وساوس الشيطان وتنكسر ثورة الشهوة‬
‫والغضب واسمع لهل التجارب والخبرات ممن عاشوا في عالم الروحانيات‬
‫فقد روي عن ]ذي النون المصري[ رحمه الله وهو العبد الصالح أنه قال‪:‬‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جوّعْ بالنهار وقم بالسحار ترى عجبا ً من الملك الجبار وقال ]يحيى بن معاذ[‪:‬‬
‫تَ َ‬
‫من شبع من الطعام عجز عن القيام فعل عرفت أيها الخ الحبيب بعد هذا‬
‫كله علقة الشراب والطعام بالتقوى معاشر الصائمين والصائمات إن‬
‫المساك عن الطعام والشراب في رمضان ليس هدفا ً في ذاته بل هو وسيلة‬
‫لرقة القلب وانكساره وخشيته لله ولذلك قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪" :‬من‬
‫لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"‬
‫كما في البخاري وقال أيضا ً ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪" :‬ليس الصيام من‬
‫الطعام والشراب إنما الصيام من اللغو والرفث" رواه ]ابن خزيمة[ وابن‬
‫حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم فهل الهدف من صيام رمضان‬
‫واضح لك الن هذه حقيقة الصيام فل تحرم نفسك منها أيها الخ أما إن كان‬
‫المر ترك الشراب والطعام فما أهون الصيام ولكن إذا صمت فليصم سمعك‬
‫وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم وجماع ذلك خوف القلب من الله‬
‫ومراقبته وإل فتنبه واحذر فربما دخلت في قول الرسول الله ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ ‪":‬رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه‬
‫من قيامه السهر" نعوذ بالله من حال هؤلء والحديث أخرجه النسائي وابن‬
‫ماجة والحاكم وابن حبان وقال صحيح على شرط البخاري‪ ،‬إذا ً فليس رمضان‬
‫إمساكا ً عن الطعام والشراب فقط وسجودا ً أو ركوعا ً والقلب هو القلب‬
‫ص غافل عن الله الغناء يطرب الذان وللعينين أطلق العنان‬
‫س عا ٍ‬‫قا ٍ‬
‫واللسان كذب وغش وغيبة ونميمة وسب ولعان وصدق من قال إذا لم يكن‬
‫ض وفي منطقي صمت فحظي إذا ً من‬ ‫للسمع مني تصاون وفي البصر غ ٌ‬
‫ُ‬
‫م ُتف‬ ‫صومي الجوع والظمأ فإن قلت إني صمت يومي فما صمت فَأ ّ‬
‫ف ثُ ّ‬
‫لنفوس لم يهذبها الجوع ولم يدربها السجود والركوع فالصيام تدريب للنفوس‬
‫وتعويد لها على الصبر وترك الشهوات يدخل رمضان ويخرج وبعض النفوس‬
‫لم تتغير يجوع ويعطش وقلبه هو قلبه ومعاصيه هي معاصيه وربما يركع‬
‫ويسجد ويسهر ويتعب وحاله هي حاله ولسانه هو لسانه نعوذ بالله من حال‬
‫هؤلء فلو قيل لهل القبور تمنوا لتمنوا يوما ً من رمضان وهؤلء كلما خرجوا‬
‫من ذنب دخلوا في آخر بل ربما ل تحلو لهم الشهوات والتفنن في المعاصي‬
‫والسيئات إل في شهر رمضان والله المستعان يا هؤلء أنتم في رمضان شهر‬
‫التوبة والغفران يا هؤلء فيه تغلق أبواب النيران وتفتح الجنان وتصفد الجان‬
‫فدونك نفسك أيها النسان يا هؤلء أما تنفعكم العبر أما عصيتم وستر اعرفوا‬
‫قدر من قدر فقد آن الرحيل وأنتم على خطر لكن عند الممات يأتيكم الخبر‬
‫نعوذ بالله من طول المل فإنه يمنع خير العمل‪.‬‬

‫)‪(56 /‬‬

‫قال ]ابن رجب[ رحمه الله كل قيام ل ينهي عن الفحشاء والمنكر ل يزيد‬
‫صاحبه إل بعدا ً ‪ ،‬كل صيام ل يصان عن قول الزور والعمل به ل يورث صاحبه‬
‫إل مقتا ً وردا ً يا قوم أين آثار الصيام أين أنوار القيام‬
‫ن‬
‫إن كنت تنوح يا حمام البا ِ‬
‫ن‬
‫للبين أين شواهد الحزا ِ‬
‫أجفانك للدموع أم أجفاني‬
‫ن‬‫ل تقبل دعوة بل برها ِ‬
‫انتهي كلمه رحمه الله أيها الخوة والخوات ليس الصيام في السلم تعذيب‬
‫النفوس ل والله بل هو لتربيتها وتزكيتها ولينها ورقتها فالقرآن يعلمنا أن‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصوم إنما فرض لنذوق طعم اليمان ونشعر براحة القلب وسعادة النفس‬
‫ولذة الحياة وكل ذلك في مراقبة الله والخوف منه فتقوى الله تقوى الله‬
‫أعظم كنز يملكه العبد في الدنيا وليس أشقى والله على وجه الرض من‬
‫يحرمون طمأنينة النس بالله بتقوى الله ‪.‬‬
‫وقد يقول قائل كيف نصل للهدف أو كيف تحصل ثمرة الصيام؛ تقوى الله‬
‫فأقول ‪:‬‬
‫علقة الصيام بتقوى الله تظهر من وجوه كثيرة فأرعني سمعك وانتبه لهذه‬
‫السئلة أقول لك أل يمكن وأنت صائم في نهار رمضان أن تختفي عن أعين‬
‫الناس فتأكل وتشرب وتفعل ما تشاء ل يعلم بك أحد من الناس ول تطلع‬
‫عليك عين من عيون الخلق إذا ً اسأل نفسك ما الذي يمنعك ما الذي يردك؟‬
‫لنك تعلم أن الله يراك ومطلع عليك ويعلم ما تخفي وما تعلن‬
‫ً‬
‫أيها الخ الحبيب ايتها الخت أليس في هذا تربية للقلب وارتباطا بخالقه‬
‫وخوفه وخشيته منه أليس من صام بمثل هذه المعاني وبمثل هذه المشاعر‬
‫ازداد صلة بالله وخشية وخوفا ً من الله وازداد تذوقا ً لصيام رمضان وراحة‬
‫للنفس والبال وهذا أعظم زاد للروح فالصوم أمر موكول إلى نفس الصائم ل‬
‫رقيب عليه إل الله‪ ،‬فهو سر بينك وبين ربك سر بين العبد وربه ولول‬
‫استشعاره لرقابة الله وأنه يراه لما صبر عن هذه الشهوات‬
‫إذا ما خلوت الدهر يوما ً فل تقل‬
‫ي رقيب‬ ‫خلوت ولكن قل عل ّ‬
‫ول تحسبن الله يغفل ساعة‬
‫في عليه يغيب‬ ‫خ ِ‬
‫ول أن ما ت ُ ْ‬
‫لهونا لعمر الله حتى تتابعت‬
‫ذنوب على آثارهن ذنوب‬
‫فياليت أن الله يغفر ما مضى‬
‫ويأذن في توباتنا فنتوب‬
‫سؤال ثان‪ :‬عن الوضوء للصلة وفى المضمضة والستنشاق لماذا تحرص أيها‬
‫الخ الحبيب كل الحرص أل يفوت إلى حلقك قطرة ماء؟ لماذا كل هذا‬
‫الحرص مع أنه ل يطلع عليك أحد من الناس ول يعلم بك أحد ‪ ،‬لو أدخلت‬
‫جرعة ماء فكيف بقطرة كيف بقطرة سبحانه ‪،‬الله من علمك هذا الدب؟ من‬
‫علمك هذا الحرص العجيب ‪ ،‬إنها رقابة الله فأنت على يقين أنه يرى قطرة‬
‫الماء هذه لو سالت إلى حلقك فيا سبحان الله أي تربية عظيمة وأي أدب جم‬
‫مع الله هذا الذي أحدثه الصيام في قلبك‪.‬‬
‫تعالى لسؤال ثالث‪ :‬إنا لنرى المرأة في رمضان نراك أيتها الخت الكريمة‬
‫من بعد صلة الظهر إلى غروب الشمس وأنت في مطبخك تقفين أمام‬
‫أصناف المأكولت والمشروبات تراها بعينها وتشم روائحها المغرية بأنفها‬
‫وربما ذاقت ذلك بطرف لسانها فأخرجته بحركة سريعة عجيبة سبحان الله‬
‫تأملوا هذا الموقف تأمليه أيتها الخت هي جائعة وعطشى ولوحدها ل يراها‬
‫أحد من الناس فلماذا ل تمد يدها فتأكل وتشرب؟ من الذي يمنعها؟ من‬
‫يردها؟ إنها حلوة الروح حلوة الروح بصلتها بالله بخوفها من الله فهي تعلم‬
‫أن الله يراها ومطلع عليها ويعلم حالها فأي تهذيب وأي تأديب هذا الذي‬
‫وام هل عرفنا لماذا نصوم؟‬ ‫ص ّ‬
‫أحدثه الصيام في النفوس فما رأيكم أيها ال ُ‬

‫)‪(57 /‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إذا ً فخلصة المر نقول‪ :‬إن تجويع البطن والفرج لبضع ساعات فيه حياة‬
‫للروح فيه حياة للقلب وأنت أيها الخ إنسان بروحك وقلبك ل ببطنك وفرجك‬
‫فنحن نأكل لنعيش ولسنا نعيش لنأكل ومن ذاق حلوة الروح وراحة القلب‬
‫بان له الفرق فانكسار النفس وخلو البطن وتضييق مجارى الدم فوائد‬
‫للصيام مفادها حياة الروح المتمثلة برقة القلب ولينه وخوفه وخشيته من الله‬
‫جل وعل ‪ ،‬وإذا ملك العبد قلبا ً بهذه الصفات انضبط قوله وفعله وحاله إذ ل‬
‫يمكن أبدا ً أن يمتثل بترك هذه الشهوات الطعام والشراب والجماع وهى‬
‫حلل فيتعداها إلى الحرام من كذب وظلم وغش ومشاهدة للحرام وسماع‬
‫للغناء سواء كان في الليل أو النهار وسواء كان في رمضان أو غير رمضان‬
‫فالذي صلى وصام وترك الشراب والطعام في رمضان لعلمه أن الله رقيب‬
‫عليه مطلع عليه سيترك الحرام في غير رمضان ‪ ،‬في غير رمضان أيضا ً لن‬
‫الله ما يزال مطلعا ً عليه عليما بحاله وهنا هنا يشعر النسان بلذة الصيام ‪،‬‬
‫هنا تشعر أيها الخ الحبيب بلذة شهر رمضان تشعر بالمعاني الجميلة لشهر‬
‫رمضان فهو يصوم لبناء ذلك السد المنيع بين النفس وشهواتها وصدق ]بشر‬
‫ً‬
‫بن الحارث[ بقوله ل تجد حلوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات سدا ‪،‬‬
‫هذا السد هو خوف الله ومراقبته في السر والعلن هذا السد ‪ ،‬هذا السد‬
‫الذي جعلك تمسك في رمضان تمسك عن الطعام والشراب بهذه الدقة‬
‫العجيبة ‪ ،‬هو السد الذي جعل ذلك الرجل في غير رمضان والمرأة ذات‬
‫المنصب والجمال تدعوه فيقول لها بملء فيه إني أخاف الله إني أخاف الله‬
‫مع وجود المغريات فهي ذات منصب وذات جمال وهى التي تدعوه لكنها‬
‫تقوى القلوب لكنها حياة اليمان لكنه الخوف من الله الذي من أجله فرض‬
‫الصيام ‪ .‬فأين حال هذا الرجل أين حاله من حال هؤلء الذين ل يجدون‬
‫لملحقة النساء وبنات المسلمين لذة إل في شهر رمضان نعوذ بالله من حال‬
‫هؤلء هدانا الله وإياهم لما فيه الحق واتباع هذا الدين ‪ ،‬هذا السد هو الذي‬
‫جعلك تحرص على صلة الجماعة في رمضان هذا السد الذي جعلك تحرص‬
‫على صلة الجماعة في رمضان هو السد نفسه الذي جعل تلك الصغيرة في‬
‫غير رمضان تمتنع عن مزج اللبن بالماء وتقول كلمتها المشهورة إن كان عمر‬
‫ل يرانا فإن رب عمر يرانا وهذا السد الذي جعلك أيتها المرأة المسلمة‬
‫تحرصين كل الحرص على أل يفوت لحلقك شيء عند المذاق خوفا ً ومراقبة‬
‫لله في رمضان هو السد المنيع الذي جعل تلك المرأة تمتنع في غير رمضان‬
‫عن الوقوع في الزنا لما غاب عنها زوجها طويل ً مع جيش المسلمين وكانت‬
‫تردد هذه البيات‪:‬‬
‫تطاول هذا الليل واسود جانبه‬
‫وأرقني أل خليل ألعبه‬
‫فوالله لول الله أنى أراقبه‬
‫ك من هذا السرير جوانبه‬ ‫لَ ُ‬
‫حّر َ‬
‫ولكن تقوى الله عن ذا تصدني‬
‫وحفظا ً لبعلي أن تنال مراكبه‬
‫قال ]ابن القيم[‪ :‬بالحب والخوف والرجاء يذوق المسلم حلوة اليمان ومن‬
‫استطال الطريق ضعف مشيه انتهى كلمه رحمه الله‪.‬‬
‫إذا ً فلماذا نخاف الله ونراقب الله في رمضان فنصوم ونصلي ونفعل الخير‬
‫كله ونهمل بل ويترك البعض ذلك في غير رمضان عجيب أمر تلك النفوس‬
‫إن الله الذي يطلع عليك في رمضان يطلع عليك في رجب وشعبان وغيرهما‬
‫من الشهور فالله فرض الصيام ثلثين يوما ً تدريبا ً وتذكيرا للنفوس برقابة الله‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليها وصدق الله لعلكم تتقون أي من أجل أن تتقون ومن لم يصم بهذه‬
‫ب‬
‫المعاني فليتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم النف الذكر "ُر ّ‬
‫ب قائم حظه من قيامه السهر‬ ‫صائم حظه من صيامه الجوع والعطش وُر ّ‬
‫والتعب"‬
‫أيها الراجي ثمار الصوم أعطي الصوم حقه‬
‫من خشوع واصطبار والتزام بالمشقة‬
‫وانطلق في سبيل العيش في رفق ورقة‬
‫طارحا عن روحك المغلول بالشهوات ربقه‬
‫إن في هذا لعبد الجسم طول العام عتقه‬

‫)‪(58 /‬‬

‫أما القسم الثاني من هذا الدرس‪ :‬مشاعر هذه الروح وهو تصوير لمشاعر‬
‫وأحاسيس وروحانيات وأشجان لمن ذاق حلوة اليمان وطعم الصلة بالله في‬
‫رمضان وعرف حقيقة الصيام وهي للجميع فل يختص بها الرجال دون النساء‬
‫ول الكبار دون الصغار لعل الله أن ينفع بها الجميع فإن من ذاق طعم الشيء‬
‫حرص عليه وتمسك به ومن ذاق طعم اليمان بذل من أجله النفس والنفيس‬
‫وقد قيدت أيها الخوة قيدت هذه المشاعر والحاسيس في رمضان المنصرم‬
‫‪ ،‬تقبل الله من صيامنا وقيامنا وحرصت يعلم الله أن أنقلها لكم ونحن نترقب‬
‫حلول ضيفنا العزيز رمضان هذا العام تذكيرا ً وتشجيعا لنا جميعا ً وخاصة أولئك‬
‫المحرمون الذين لم يذوقوا لرمضان طعما ً وليس له في قلوبهم حلوة ول أثر‬
‫ل يرون في رمضان إل جوعا ً ل تتحمله أمعاؤهم وعطشا ً ل تقوى عليه‬
‫عروقهم فإلى هؤلء بل لنا جميعا ً أقول‪ :‬تعالوا لنسمع أفراح الروح وهى‬
‫تسري في القلب فتتلذذ بالصيام والقيام والصدقة وقراءة القرآن والتوبة‬
‫والغفران ‪ ،‬تعالوا لفراح الروح لنسمع أفراح الروح في شهر رمضان كيف‬
‫تعيش تلك الروح فهذا صائم يحاول التعبير عن هذه الروحانية فيقول في نهار‬
‫يوم من أيام رمضان اشتد بي الجوع فيبس اللسان وقرصت الشفتان وغارت‬
‫العينان فنظرت عن يميني فإذا أصناف الطعام وعن شمالي أنواع الشراب‬
‫فتذكرت قول الله في الحديث القدسي "ترك طعامه وشرابه من أجلي"‬
‫فرق قلبي ودمعت عيني وانتابني شعور جميل له حلوة وعليه طلوة ل‬
‫أستطيع وصفه ول بيانه قلت لعله أثر من آثار الخلص في هذه العبادة‬
‫العظيمة ‪،‬‬
‫ولكن من أنا عبد من عبيده فقير إليه ذليل بين يديه من أنا فيخاطبني وهو‬
‫العظيم الجليل ذو الجبروت والملكوت ترك طعامه وشرابه من أجلي من أنا‬
‫حتى يخاطبني بقوله من أجلي فتأمل قوله من أجلي رقة وشفافية عجيبة‬
‫بهذه الرقة وبهذه الشفافية وبهذا اليناس نسيت جوعي يعلم الله نسيت‬
‫جوعي وتعبي فأي مشقة في الصوم في ظل هذا الود والقرب من السيد‬
‫لعبده فشعرت بحرص واطمئنان ثقة ويقين بقربي من الله جل وعل‬
‫قَّلب فؤادك في محاسن شرعنا‬
‫تلقى جميع الحسن فيه مصورا‬
‫ن في صيام نبينا‬ ‫كم من معا ٍ‬
‫نفح أرق من النسيم إذا سرى‬
‫انظر لفرق صيامهم وصيامنا‬
‫نهرا ً تفجر أحمديا كوثرا‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فدهشت بين جماله وجلله‬


‫وغدا لسان الحال عني مخبرا‬
‫لو أن كل الحسن أكمل صورة‬
‫ورآه كان مهلل ومكبرا‬
‫وهذه مشاعر متصدق صائم قائم قال فيها‪ :‬في رمضان الصدقة لها طعم‬
‫خاص ولذة عجيبة ول غرو فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان‬
‫أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان‪ ،‬أخذت عهدا ً على نفسي أل يمر‬
‫يوم من رمضان إل ولي فيه نصيب من الصدقة والحسان فقليل دائم خير‬
‫من كثير منقطع وبعد صولت وجولت بين بيوت الرامل واليتامى والفقراء‬
‫والمحتاجين ل يعلم بي أحد إل الله شعرت برقة في قلبي ولذة عجيبة في‬
‫نفسي فعرفت حقيقة الصيام وأحسست بقرصة الجوع ولذة الحرمان وقفت‬
‫على أرملة لها صبية صغار وبيت باليجار ودموع غزار ربما عبث الهم بقلبها‬
‫ففضلت الموت على الحياة أو سلكت طريقة البغاة عندها تبين لي قول‬
‫الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ "القائم على الرملة والمسكين كالمجاهد‬
‫في سبيل الله" أو "القائم الليل الصائم النهار" كما في البخاري ومسلم‬
‫وجلست مع اليتيم فنظرت في عينيه فكأنه يسألني عن أبويه ولماذا هو ليس‬
‫كغيره من الصغار معهم اللعاب والحلوى والطعام وهل سأشتري له ثوبا ً‬
‫جديدا ً ليلبسه في العيد فمسحت بيدي على رأس اليتيم فإذا بقلبي يلين‬
‫ودمعي يسيل تذكرت قول الحبيب صلى الله عليه وسلم في المسند من‬
‫حديث أبى هريرة" أن رجل ً شكا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫قسوة قلبه فقال له ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن أردت تليين قلبك فأطعم‬
‫المسكين وامسح على رأس اليتيم"‬
‫هكذا رمضان فهو مدرسة يستثير الشفقة ويحث على الصدقة وهو شهر‬
‫يعلمنا الجود والحسان ليس فقط في رمضان بل والله على الدوام )وما‬
‫تنفقوا من خير فلنفسكم(‬

‫)‪(59 /‬‬

‫حدثني أحد الخوة بكلم عجيب كان له وقع في نفسي قال إنه قرأ] للشعبي[‬
‫ـ رحمه الله ـ كلما ً جميل ً قال فيه من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج‬
‫من الفقير إلى صدقته فقد أبطل صدقته وضرب بها وجهه فما تركت بعدها‬
‫الصدقة فما تركت الصدقة بعدها فأنا الفقير وأنا المحتاج نعم والله أنا الفقير‬
‫وأنا المحتاج أنا الفقير إلى عفو ربي وأنا المحتاج إلى غفران الله جل وعل‬
‫لنفسي كان ]ابن عمر[ يصوم ول يفطر إل مع المساكين فإذا منعه أهله عنهم‬
‫لم يتعش تلك الليلة وجاء سائل إلى ]المام أحمد[ فدفع إليه رغيفين كان‬
‫يعدهم لفطره ثم نام جائعا ً ثم أصبح صائما ً ‪ ،‬عائشة ـ رضي الله عنه ـ أم‬
‫المؤمنين أنفقت في يوم واحد مائة ألف درهم وهى صائمة فقالت لها‬
‫خادمتها لو أبقيت لنا ما نفطر به اليوم فقالت عائشة لو ذكرتني لفعلت ‪ ،‬لو‬
‫ذكرتني لفعلت سبحان الله ما هذه الروحانية العجيبة وما هذا السمو المذهل‬
‫في النفس الصائمة حتى إنها تنسى حاجاتها ومطالبها وكأنها ل تذكر إل أمتها‬
‫وحاجات الفقراء والمحتاجين ‪ ،‬ل إله إل الله ‪ ،‬أما حديث التائبين وخاصة في‬
‫شهر التوبة فهو عجيب غريب واسمع لهذا التائب في رمضان وهو يحاول أن‬
‫يصف فرحته وسعادته فيقول ما أجمل رمضان وما أحسن أيامه سبحان الله‬
‫كل هذه اللذة وهذه الحلوة ولم أذق طعمها إل هذا العام أين هي عني كل‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طه ومن بحث عن‬ ‫هذه السنوات إيهٍ بل أين أنا عنها فإن من تحرى الخير ي ُعْ َ‬
‫الطريق وجده ومن أقبل على الله أعانه وسدده صدق الله صدق الله في‬
‫الحديث القدسي "من تقرب مني شبرا ً تقربت منه ذراعًا" كما في‬
‫الصحيحين سبحان الله أشعر أن حمل ً ثقيل ً انزاح عن صدري وأشعر بانشراح‬
‫فسيح في نفسي ‪ ،‬أول مرة في حياتي أفهم تلك الية التي أسمعها تقرأ في‬
‫مساجدنا )فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للسلم ومن يرد أن يضله‬
‫يجعل صدره ضيقا ً حرجا كأنما يصعد في السماء(‬
‫أين ذلك الضيق أين ذلك الضيق وتلك الهموم التي كانت تكتم نفسي حتى‬
‫صَرع ‪ ،‬أين تلك الهواجس والفكار والوساوس ‪ ،‬أين شبح الموت الذي‬ ‫ُ‬
‫أكاد أ ْ‬
‫كان يلحقني فيفسد على المنام إنني أشعر بسرور عجيب وبصدر رحيب‬
‫وبقلب لين رقيق أريد أن أبكي أريد أن أنثر الدم ل أريد أن أرفع جبيني عن‬
‫الرض أريد أن أناجي ربى وأعترف له بذنبي لقد عصيت وأذنبت وصليت‬
‫وتركت وأسررت وجهرت وأبعدت وأقربت وشرقت وغربت وسمعت‬
‫وشاهدت‬
‫ويح قلبي من تناسيه مقامي يوم حشري‬
‫واشتغالي عن خطايا أثقلت والله ظهري‬
‫ليتني أقبل وعظي ليتني أسمع زجري‬
‫والله لول الحياء ممن بجواري لصرخت بأعلى صوتي‬
‫ي وأبوء بذنبي‬ ‫أبوء لك بنعمتك عل ّ‬
‫فاغفر لي فإنه ل يغفر الذنب إل أنت‬
‫ي حلوة المناجاة يا إمام لماذا‬ ‫لسان حالي يقول للمام لماذا قطعت عل ّ‬
‫رفعت من السجود فحرمتني من لذة العتراف والفتقار للواحد القهار يا‬
‫إمام أريد أن أبكى فأنا لم أبك منذ أعوام ‪ ،‬أل يا عين ويحك أسعفيني بطول‬
‫الدمع في ظ ُل َم ِ الليالي لعلك في القيامة أن تفوزي بخير الدهر في تلك‬
‫العللي‪ ،‬يا إمام أسمعني القرآن فقد مللت ملهي الشيطان يا إمام لماذا‬
‫يذهب رمضان وفيه عرفنا الرحمن وأقلعنا عن الذنب والعصيان‬
‫في صيام الشهر طب ليس يدريه طبيب‬
‫م حقا ً أريب‬ ‫فيه أسرار يعيها صائ ٌ‬
‫فيه غيث من صفاء ترتوي فيه القلوب‬
‫فيه للرواح شبع دونه الكون الرحيب‬
‫جِلي عنه الكروب‬ ‫وى ت َن ْ َ‬‫ق َ‬
‫صائم في دِْرِع ت َ ْ‬
‫ما أحلك يا رمضان وما أجملك سأستغل أيامك ولياليك بل ساعاتك وثوانيك‬
‫م أنف رجل دخل عليه‬ ‫كيف ل وقد وجدت نفسي فيك أليس في الحديث "َرِغ َ‬
‫رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له" كما في الترمذي وقال حسن غريب‬
‫إذا هجا عن د ُّوام أسبلت عورتي‬
‫وأنشدت بيتا ً وهو من ألطف الشعر‬
‫أليس من الخسران أن لياليا ً‬
‫تمر بل علم وتحسب من عمري‬
‫يا معشر العاصين ل يأس من قلب خل وجمد وقسي وتبلد فإنه يمكن أن‬
‫تدب فيه الحياة ويمكن أن يشرق فيه النور ويمكن أن يخشع لذكر الله فنحن‬
‫في شهر رمضان شهر التوبة والغفران شهر تصفيد الشياطين وفتح أبواب‬
‫الجنان وإغلق أبواب النيران والله يحيي الرض بعد موتها فتنبت وتزهر‪.‬‬
‫يا معشر التائبين‬
‫تعالوا كل من حضر لنطرق بابه سحرا ً‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونبكى كلنا أسفا على من بات قد هجر‬


‫كيف نصنع إذا نودي للرحيل وما تأهبنا ‪ ،‬ألسنا الذين بارزنا بالكبائر وما راقبنا‬
‫يا معشر المذنبين لنبسط لسان العتذار ولنظهر العجز والفتقار وليردد كل‬
‫واحد منا‬
‫إلهي لئن خبت وطردتني‬
‫فمن ذا الذي أرجو ومن ذا أشفع‬
‫إلهي لئن أعطيت نفسي سؤلها‬
‫منها أنا في روض الندامة أرتع‬
‫إلهي ترى حالي وفقري وفاقتي‬
‫وأنت مناجاتي الخفية تسمع‬
‫إلهي فل تقطع رجائي ول تزغ‬
‫فؤادي فلي في سيب جودك مطمع‬
‫إلهي أجرني من عذابك إنني‬
‫أسير ذليل ً خائفا لك أخضع‬
‫إلهي لن جلت وجمت خطيئتي‬
‫فعفوك من ذنبي أجل وأوسع‬
‫…‪ .‬انتهى كلمه‪.‬‬
‫فقلت سبحان الله في رمضان رياح السحار تحمل أنين المذنبين وأنفاس‬
‫المحبين وقصص التائبين ورحم الله مبرزا بقوله اللهم ارض عنا فإن لم ترض‬
‫عنا فاعف عنا‪.‬‬

‫)‪(60 /‬‬

‫وهذا مودع لرمضان ذاق طعمه وعرف حلوته وها هو ذا يتألم ويتحسر على‬
‫فراقه فيقول في اليام الخيرة من رمضان شعرت بتسارع النفاس وكثرة‬
‫الهاجس والوسواس أتمنى أن أمسك الشمس فل تزول ل أصدق أن رمضان‬
‫سيرحل بعد أيام لقد ذقت حلوة الصيام ولذة القيام لقد وقفت مع الصالحين‬
‫وركعت مع الراكعين وسجدت مع الساجدين ‪ ،‬بالمس كنت أذرف دموع‬
‫م‬
‫الفرح لستقباله واليوم تسيل دموع الحزن لرحيل هلله آه لرمضان فقد هَي ّ َ‬
‫م قلبي تلقينا وكأنها لحظات وتناجينا وكأنها همسات فمن منا ل‬ ‫نفسي وَّتي َ‬
‫تؤلمه ساعات الفراق ومن منا يحتمل لحظات العناق رمضان أيها الحبيب‬
‫ترفق دموع المحبين تدفق وقلوبهم من ألم الفراق تشقق ‪ ،‬رمضان أطفأت‬
‫أنوار المساجد وتفرق الراكع والساجد رمضان هل أنا مقبول أم مطرود وهل‬
‫تعود أيامك أول تعود وإن عادت هل أنا في الوجود أم في اللحود‪ ،‬سأعلن‬
‫الحزان وأبث الشجان وسأرسل العبرات والزفرات والهات ‪ ،‬فربما هذه‬
‫آخر ليلة منك يا رمضان ول أدري أنا رابح فيك أم خسران‬
‫يا ربي إن فراق الخل عذبني‬
‫وأورث النفس آلما وأحزانا‬
‫وأذهب العين حتى صار ناظرها‬
‫يقول ويحك قد تلقاه عميانا‬
‫ألقاه أعمى ولكن ل يفارقني‬
‫يبقى وتبقى معا ً في القلب سكنانا‬
‫يا رب رد غريبا ً في ظل وجهته‬
‫يقلب الطرف بين الناس حيرانا ً‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يبيت يبكى ويصحوا باكيا ً أبدا ً‬


‫قد جرب الحزن أشكال وألوانا ً‬
‫وأخيرا ً هذه مشاعر مسلم في صبيحة العيد فيقول تذكرت في صبيحة العيد‪-‬‬
‫وأنا أقبل أولدي ‪-‬يتامى ل يجدون من يقبلهم أو حتى يبتسم لهم ‪،‬تذكرت في‬
‫صبيحة العيد وأنا مع زوجي أيامي ل يجدن حنان الزوج ورقته‪ ،‬تذكرت في‬
‫صبيحة العيد ونحن على الطعام والطيب والشراب البارد الجموع التي تموت‬
‫من الجوع وتذكرت في صبيحة العيد وأنا ألبس الجديد ذلك الذي ل يجد ما‬
‫يستر به عورته وربما غطى بالوراق والجلود سوأته‪ ،‬تذكرت في صبيحة وقد‬
‫اجتمع شملنا وأنسنا بآبائنا وأمهاتنا إخوانا لنا شردتهم الحروب ل راحة ول‬
‫استقرار ول أمن ول أمان فعيدهم دموع وأحزان وذكريات وأشجان…‬
‫جالت في خاطري هذه الذكريات ومع ذلك لبست الجديد وزرت القريب‬
‫والبعيد وأكلت وشربت وابتسمت ومازحت لكن شعور الجسد الواحد وشعور‬
‫الخاء قوي في نفسي ل أنساهم في حديثي وأنسى وإن ضحكت تبدو مسحة‬
‫الحزن على وجهي‬
‫يلهج بالدعاء لهم لساني وأحدث عنهم أهلي وجيراني‬
‫وفى صحيح مسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد‬
‫إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر العضاء بالحمى والسهر"‬
‫ومن عمل صالحا فلنفسه ومن علت همته اتصف بكل جميل ‪ ،‬ومن دنت‬
‫همته اتصف بكل خلق رديء‪.‬‬
‫سأصرف همتي بالكل عما نهاني الله من أمر المزاح‬
‫إلى شهر الخضوع مع الخشوع إلى شهر العفاف مع الصلح‬
‫يجازي الصائمون إذا استقاموا بدار الخلد والحور الملح‬
‫وبالغفران من رب عظيم وبالملك الكبير بل براح‬
‫فيا أحبابا اجتهدوا وجدوا لهذا الشهر من قبل الرواح‬
‫عسى الرحمن أن يمحو ذنوبي ويغفر ذلتي قبل افتضاحي‬
‫أيها الحبة أيها الخوة والخوات ‪ ،‬هكذا نحيا رمضان عند ما نفهم حقيقة‬
‫الصيام ونشعر بحلوة اليمان ‪ ،‬هذه الحاسيس الجميلة والمشاعر النبيلة‬
‫هذه الروحانية الندية ما هي إل عاجل بشرى المؤمن‪ ،‬فسبحان من أشهد‬
‫عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل فآتاهم من روحها‬
‫ونسيمها وطيبها فاستفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها‪ ،‬أما الحلوة‬
‫الحقيقية فيكفي قول الحق عز وجل‪):‬فل تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة‬
‫أعين جزاء بما كانوا يعملون(‬
‫أيها الخوة هلموا إلى دار ل يموت سكانها نحن في رمضان ‪ ،‬نحن في‬
‫رمضان موسم الخيرات فهلموا إلى دار ل يموت سكانها ول يخرب بنيانها ول‬
‫يهرم شبانها ول يتغير حسنها وإحسانها هواؤها النسيم ماؤها التسنيم يتقلب‬
‫أهلها في رحمة أرحم الراحمين ‪ ،‬ويتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم كل حين‬
‫‪ ،‬دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلم ‪ ،‬وآخر دعواهم أن الحمد‬
‫لله رب العالمين ‪ ،‬طعامهم ما تشتهيه نفوسهم ولحوم طير ناعم وسمان‬
‫ة كملت لذي اليمان لحم وخمر والنساء‬ ‫وفواكه شتى بحسب مناهم يا شبع ً‬
‫وفواكه والطيب مع روح ومع ريحان وصحافهم ذهب تطوف عليهم بأكف‬
‫خدام من الولدان ‪ ،‬نسأل الله الكريم من فضله اللهم إنا نسألك جنة‬
‫الفردوس برحمتك يا أرحم الراحمين‪.‬‬
‫أيها الخوة أكرموا هذا الوافد العظيم استقبلوه بالتوبة الصادقة والرجوع إلى‬
‫الله أروا الله من أنفسكم في هذا الشهر المبارك فإن لله نفحات من حرمها‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حرم خيرا ً كثيرا ً جاهدوا أنفسكم أخلصوا النية لله في الستعداد له فربما‬
‫قطع هادم اللذات تلك الماني فبلغ صاحبها بنيته ما لم يبلغه بعمله ‪ ،‬كم ‪ ،‬كم‬
‫من إخواننا الذين كانوا يخططون لشهر رمضان وعمل الخيرات فيه وقد‬
‫حملناهم على الكتاف ودفناهم تحت الجداث لكنهم بلغوا إن شاء الله بنياتهم‬
‫‪ ،‬اللهم اجعل مواسم الخيرات لنا مربحا ً ومغنما ً ‪ ،‬اللهم بلغنا رمضان ووفقنا‬
‫لصيامه وقيامه ‪ ،‬واقبلنا فيه وتقبله منا‬

‫)‪(61 /‬‬

‫اللهم اجعلنا من الفائزين فيه اللهم اختمه لنا بالقبول والغفران ‪ ،‬اللهم إنا‬
‫نسألك رحمة من عندك تهدى بها قلوبنا ‪ ،‬وتجمع بها أمرنا وتلم بها شعثنا‬
‫وتصلح بها غائبنا ‪ ،‬وترفع بها شاهدنا وتزكى بها عملنا وتلهمنا بها رشدنا ‪ ،‬وترد‬
‫بها ألفتنا وتعصمنا بها من كل سوء اللهم أعطنا إيمانا ويقينا ً ليس بعده كفر‬
‫ورحمة ننال بها شرف كرامتك في الدنيا والخرة اللهم أنا نسألك الفوز في‬
‫العطاء ونزل الشهداء‬
‫وعيش السعداء والنصر على العداء اللهم إنا ننزل بك حاجاتنا وإن قصر رأينا‬
‫وضعف عملنا افتقرنا إلى رحمتك ‪ ،‬فنسألك يا قاضي المور ويا شافي‬
‫الصدور كما تجير بين البحور أن تجيرنا من عذاب السعير ومن دعوة الثبور‬
‫ومن فتنة القبور ‪ ،‬اللهم ما قصر عنه رأينا ولم تبلغه نيتنا ولم تبلغه مسألتنا‬
‫من خيرٍ وعدته أحدا ً من خلقك أو خيرا ً أنت معطيه أحدا من عبادك فإنا‬
‫نرغب إليك فيه برحمتك يا أرحم الراحمين ونسألك برحمتك يا رب العالمين‬
‫اللهم ذا الحبل الشديد والمر الرشيد نسألك المن يوم الوعيد والجنة يوم‬
‫الخلود مع المقربين الشهود والركع السجود الموفين بالعهود‪ ،‬إنك رحيم ودود‬
‫وأنت تفعل ما تريد اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم‬
‫انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان اللهم اشف مريضهم‬
‫واجبر كسيرهم اللهم ارحم الطفال اليتامى والنساء الثكالى وذي الشيبة‬
‫الكبير اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ول مضلين سلما لوليائك وعدوا‬
‫لعدائك نحب بحبك من أحبك ونعادي بعداوتك من خالفك اللهم عليك بأعداء‬
‫الدين ومن ناصرهم اللهم عليك بأعداء الدين ومن ناصرهم وأعانهم يا رب‬
‫العالمين اللهم يا حي يا قيوم أصلح ولة أمورنا وولة أمور المسلمين اللهم‬
‫وفقهم وأعنهم لما فيه صلح السلم والمسلمين اللهم يا ربي يا ذا الجلل‬
‫والكرام اجمع على التوحيد كلمة المسلمين وانصرهم على اليهود والنصارى‬
‫والمنافقين اللهم هذا الدعاء وعليك الجابة وهذا الجهد وعليك التكلن اللهم‬
‫اجعل لنا نورا في قلوبنا ونورا في قبورنا اللهم اجعل لنا نورا من بين أيدينا‬
‫ومن خلفنا ونورا عن أيماننا ونورا عن شمائلنا ونورا من فوقنا ونورا من تحتنا‬
‫ونورا في أسماعنا ونورا في أبصارنا ونورا في شعرنا ونورا في بشرتنا ونورا‬
‫في لحمنا ونورا في دمنا ونورا في عظامنا ‪.‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم ‪ ،‬إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ‬
‫بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فل مضل له ومن‬
‫يضلل فل هادي له وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأشهد أن‬
‫محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا‬
‫أما بعد أيها الحبة في الله السلم عليكم ورحمة الله وبركاته هذه ليلة الثلثاء‬
‫الموافق السادس عشر من شهر شوال للعام السادس عشر بعد الربعمائة‬
‫واللف وفي هذا الجامع المبارك في مدينة <الرس> ومع هذا الموضوع‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والذي هو بعنوان رمضان والرحيل المر وها هو نصف شهر أيها الحبة يمضي‬
‫بعد رحيل رمضان بعد رحيلك أيها الحبيب رمضان ويا لها من أيام مرة المذاق‬
‫ليسأل كل إنسان منا نفسه كيف حالك أيتها النفس بعد رمضان أيها الخوة‬
‫والخوات لقد تعمدت تأخير هذا الموضوع إلى هذه اليام لنقارن بين حالنا‬
‫في رمضان وحالنا بعد رمضان رغم أنه لم يمض عليه سوي أيام إيه أيتها‬
‫النفس كنت قبل أيام في صلة وقيام وتلوة وصيام وذكر ودعاء وصدقة‬
‫وإحسان وصلة للرحام قبل أيام كنا نشعر برقة القلوب واتصالها بعلم‬
‫الغيوب كانت تتلي علينا آيات القرآن فتخشع القلوب وتدمع العيون فنزداد‬
‫إيمانا وخشوعا وإخباتا لله سبحانه وتعالى ‪ ،‬ذقنا حلوة اليمان وعرفنا حقيقة‬
‫الصيام ذقنا لذة الدمعة ذقنا لذة الدمعة وحلوة المناجاة في السحر كنا‬
‫نصلي صلة من جعلت قرة عينه في الصلة وكنا نصوم صيام من ذاق حلوته‬
‫وعرف طعمه وكنا ننفق نفقة من ل يخشى الفقر كنا وكنا مما كنا نفعله في‬
‫هذا الشهر المبارك العظيم الذي رحل عنا كنا ننفق نفقة من ل يخشى الفقر‬
‫ت على هذه‬ ‫م ّ‬
‫وهكذا نتقلب في أعمال الخير وأبوابه حتى قال قائلنا يا ليتني ُ‬
‫الحال لما يشعر به من حلوة اليمان ولذة الطاعة فتذكرت حينها ]ابن‬
‫مسعود[ ـ رضي الله تعالى عنه ـ لما بكي في مرض موته فسئل ما الذي‬
‫يبكيك فقال رضي الله عنه إنما أبكي لنه أصابني في حال فترة أي الموت‬
‫أصابني في حال فترة ولم يصبني في حال اجتهاد كما في مجمع الزوائد‬
‫للهيثمي وهكذا مضت اليام ورحل رمضان ثم ماذا ؟‬
‫رحلت يا رمضان‬
‫ل وأيام ‪ ،‬ولربما رجع تارك الصلة لتركه ‪،‬‬ ‫ولم يمض على رحيلك سوى ليا ٍ‬
‫وآكل الربا لكله ‪ ،‬وسامع الغناء لسماعه‪ ،‬ومشاهد الفحش لفحشه ‪ ،‬وشارب‬
‫الدخان لشربه‬
‫ل و أيام ‪ ،‬وأيام ولربما‬‫رحلت يا رمضان ‪ ،‬ولم يمض على رحيلك سوي ليا ٍ‬
‫نسينا لذة الصيام ‪ ،‬فل الست من شوال ول الخميس و الثنين ول الثلثة‬
‫اليام ‪ ،‬رحلت يا رمضان ولم يمض على رحيلك سوي ليال وأيام ‪ ،‬ولربما لم‬
‫نذق فيها طعم القيام ‪.‬‬

‫)‪(62 /‬‬

‫سبحان الله أين ذلك الخشوع وتلك الدموع في السجود والركوع أين ذلك‬
‫التسبيح والستغفار وأين تلك المناجاة لله الواحد القهار رحلت يا رمضان ولم‬
‫ل وأيام ولربما هجرنا القرآن وقد كنا نقرأ بعد‬
‫يمض على رحيلك سوي ليا ٍ‬
‫الفجر وبعد الظهر وبعد العصر وفي الليل والنهار وها هو نصف شهر مضى‬
‫فكم قرأنا فيه من القرآن‬
‫مت مطاياه‬ ‫خِليل َ ّ‬
‫ي شهر الصوم ذ ُ ّ‬ ‫َ‬
‫‪ ...‬وسارت وفود العاشقين بمسراه‬
‫فيا شهر ل تبعد لك الخير كله‬
‫‪ ...‬وأنت ربيع الوصن يا طيب مرعاه‬
‫نشرق بدموع الفراق أيها الحبة فل نستطيع أن نبث المشاعر واللم‬
‫والحزان لما نجده من فقد لذة الطاعة وحلوة اليمان هكذا حال الدنيا‬
‫اجتماع وافتراق ومن منا ل تؤلمه لحظات الفراق ودموع العناق ‪ ،‬رمضان أيها‬
‫الصديق أيها الجليس الصالح وأيها الحبيب‬
‫س بجرحي يا صديقي كأنه‬ ‫ح ّ‬ ‫أُ ِ‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يدب إلى أعماق قلبي ويوغل‬


‫ونفسي أمام المغريات قوية‬
‫ولكنها عند الحبة تسهل‬
‫كأن فؤادي لو تأملت ما به‬
‫شّتى المشاعر معمل‬ ‫بما فيه من َ‬
‫رمضان كيف ترحل عنا وقد كنت خير جليس لنا بفضل ربنا كنت عونا لنا‬
‫كاء ودامع وداع وخاشع‬‫ونحن بين قارئ وصائم ومنفق وقائم ونحن بين ب َ ّ‬
‫رمضان فيك المساجد تعمر واليات تذكر والقلوب تجبر والذنوب تغفر كنت‬
‫للمتقين روضة وأنسا ً وللغافلين قيدا وحبسا كيف ترحل عنا وقد ألفناك‬
‫وعشقناك وأحببناك رمضان أل تسمع لنين العاشقين وأهات المحبين‬
‫اسمع أنين العاشقين‬
‫إن استطعت له سماعا‬
‫راح الحبيب فشيعته‬
‫مدامع انذرفت سراعا‬
‫لو كل كالجبل الصم‬
‫فرط إلث ما استطاعا‬
‫قال ]ابن رجب[ في وداع رمضان واسمعوا واسمعوا لقلوب السلف رضوان‬
‫الله عليهم كيف كانت تخرق لفراق هذا لشهر قال ابن رجب رحمه الله‬
‫يا شهر رمضان ترفق‬
‫دموع المحبين تدفق‬
‫قلوبهم من ألم الفراق تشقق‬
‫عسى وقفة الوداع تطفئ‬
‫من نار الشوك ما أحرق‬
‫عسى ساعة توبة وإقلع‬
‫ترقع من الصيام ما تخرق‬
‫عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق‬
‫عسى أسير الوزار يطلق‬
‫عسى من استوجب النار يعتق‬
‫عسى وعسى من قبل يوم التفرق‬
‫إلى كل ما نرجو من الخير نرتقي‬
‫فيجبر مكسور ويقبل تائب‬
‫ويعتق خطاء ويسعد من شقي‬
‫انتهي كلمه رحمه الله رحلت يا رمضان والرحيل مر على الصالحين فابكوا‬
‫عليه بالحزان وودعوه وأجروا لجر فراقه الدموع وشيعوه‬
‫دع البكاء على الطلل والدار‬
‫ل ومن جاِر‬ ‫من خ ّ‬ ‫واذكر لمن بان ِ‬
‫ف‬ ‫ً‬
‫وذر الدموع نحيبا وابك من أس ٍ‬
‫ل ذات أنوار‬ ‫على فراق ليا ٍ‬
‫ل لشهر الصوم ما جعلت‬ ‫على ليا ٍ‬
‫إل لتمحيص آثام ٍ وأوزاِر‬
‫يا لئمي في البكاء زدني به كلفا‬
‫واسمع غريب أحاديث وأخبار‬
‫ما كان أحسننا والشمل مجتمع‬
‫منا المصلي ومنا القانت القاري‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الناس بعد رمضان فريقان فائزون وخاسرون أيا ليت شعري من هذا الفائز‬
‫مٌر على الجميع الفائزين‬ ‫منا فنهنئه ومن هذا الخاسر فنعزيه ورحيله ُ‬
‫والخاسرين الرحيل مر على الفائزين لنهم فقدوا أيام ممتعة وليال جميلة‬
‫نهارها صدقة وصيام وليلها قراءة وقيام نسيمها الذكر والدعاء وطيبها الدموع‬
‫والبكاء شعروا بمرارة الفراق فأرسلوا العبرات والهات كيف ل وهو شهر‬
‫الرحمات وتكفير السيئات وإقالة العثرات كيف ل والدعاء فيه مسموع والضر‬
‫مدفوع والخير مجموع كيف ل نبكي على رحيله ونحن ل نعلم أمن المقبولين‬
‫نحن أم من المطرودين كيف ل نبكي على رحيله أيها الحبة ونحن ل ندري‬
‫أيعود ونحن في الوجود أم في اللحود ‪ ،‬الفائزون من خشية ربهم مشفقون‬
‫نعم هم فائزون ولكنهم من خشية ربهم مشفقون يؤتون ما آتوا وقلوبهم‬
‫وجلة على رغم أنهم في نهاره صيام وقراءة قرآن وإطعام وإحسان وفي ليله‬
‫سجود وركوع وبكاء وخشوع وفي الغروب والسحار تسبيح وتهليل وذكر‬
‫واستغفار ‪ ،‬الفائزون شمروا عن سواعد الجد فاجتهدوا واستغفروا وأنابوا‬
‫ورجعوا ما تركوا بابا من أبواب الخير إل ولجوا‪ ،‬ولكن مع ذلك كله قلوبهم‬
‫وجلة خائفة وجلة خائفة بعد رمضان أقبلت أعمالهم أم ل أكانت خالصة لله‬
‫أم ل أكانت على الوجه الذي ينبغي أم ل ‪ ،‬كان السلف الصالح رضوان الله‬
‫تعالى عليهم يحملون هم قبول العمل أكثر من القيام بالعمل نفسه قال ]عبد‬
‫العزيز ابن أبي رواد[ أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوا وقع‬
‫عليهم الهم أيقبل منهم أم ل ‪ ،‬ل يغفلون عن رمضان فإذا فعلوا وانتهوا يقع‬
‫ل منهم أم ل وقال على ـ رضي الله تعالى عنه ـ كونوا لقبول‬ ‫قب َ ُ‬
‫عليهم الهم أي ُ ْ‬
‫العمل أشد اهتماما منكم بالعمل ‪ ،‬ألم تسمعوا لقول الحق عز وجل "إنما‬
‫يتقبل الله من المتقين" وقال ]مالك ابن دينار[ الخوف على العمل أل يتقبل‬
‫أشد من العمل وروي عن علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه كان ينادي في‬
‫آخر رمضان يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه‬
‫من هذا المحروم‬ ‫من هذا المقبول منا فنهينه و َ‬
‫وعن ]ابن مسعود[ أنه قال ‪َ :‬‬
‫منا فنعزيه‬
‫أيها المقبول هنيئا لك أيها المردود جبر الله مصيبتك ليت شعري من فيه يقبل‬
‫منا فَي ُهَّنى يا خيبة المردود من تولي عنه بغير قبول‪ ،‬أرغم الله أنفه بخزي‬
‫شديد‬

‫)‪(63 /‬‬

‫من منا أشغله هذا الهاجس وقد‬ ‫فيا ليت شعري أيها الحبة بعد هذه اليام ‪َ ،‬‬
‫مضي نصف شهر على رحيل رمضان من منا أشغله هاجس هل قبلت أعماله‬
‫أم ل ؟ هل نحن من الفائزين في رمضان أم ل ؟ من منا لسانه يلهج بالدعاء‬
‫أن يقبل الله منه رمضان ؟ إننا نقرأ ونسمع أن سلفنا الصالح كانوا يدعون‬
‫الله ستة أشهر ستة أشهر أن يقبل الله منهم رمضان ونحن لم يمض على‬
‫رحيله سوى أيام فهل دعونا أم ل أم أننا نسينا رمضان وغفلنا عنه وكأننا أزحنا‬
‫حمل ثقيل كان كاتما على صدورنا ‪ ،‬نعم رحل رمضان لكن ماذا استفدنا من‬
‫رمضان وأين أثاره على نفوسنا وعلى سلوكنا وعلى أقوالنا وأفعالنا هكذا‬
‫حال الصالحين العاملين فهم في رمضان صيام وقيام وتقلب في أعمال البر‬
‫والحسان وبعد رمضان محاسبة للنفس وتقدير للربح والخسران وخوف من‬
‫عدم قبول العمال لذا فألسنتهم تلهج بالدعاء واللحاح بأن يقبل الله منهم‬
‫صروا فلم‬‫فّرطون نعوذ بالله من حالهم فهم نوعان أناس قَ ّ‬ ‫م َ‬
‫رمضان ‪ ،‬أما ال ُ‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعملوا إل القليل نعم صلى التراويح صلوا التراويح والقيام سراعا فهم لم‬
‫يقوموا إل القليل ولم يقرءوا من القرآن إل القليل ولم يقدموا من الصدقات‬
‫إل القليل الصلوات المفروضة تشكو من تخريقها ونقرها والصيام يئن من‬
‫ن‬
‫م ّ‬
‫تجريحه وتضييعه والقرآن يصرخ من هجره ونثره والصدقة ربما يتبعها َ‬
‫وأذى ‪ ،‬اللسن يابسة من ذكر الله غافلة عن الدعاء والستغفار فهم في‬
‫صراع مع الشهوات حتى في رمضان لكن فكرة الخير تجذبهم فتغلبهم تارة‬
‫ويغلبونها تارات فهم يصلون التراويح لكن قلوبهم معلقة بالرياضة ومشاهدة‬
‫المباريات ورمضان هذا العام يشهد بمثل ذلك سبحان الله حتى في رمضان‬
‫حتى في العشر الواخر أفضل اليام سبحان الله كيف أصبحت الرياضة تعبد‬
‫من دون الله ل حول ول قوة إل بالله هم يقرءون القرآن في النهار لكنهم‬
‫يصارعون النوم بعد سهر الليالي والتعب والرهاق من الدورات الرياضية‬
‫والجلسات الفضائية أما الصلة فصلة الظهر عليه السلم وربما صلة العصر‬
‫بل وربما الفجر كل ذلك بسبب التعب والرهاق كما يقولون فهؤلء لم ينتبهوا‬
‫إل والحبيب يرحل عنهم فتجرعوا مرارة الرحيل بكاء وندما حزنوا ولكن بعد‬
‫ماذا ؟ بعد فوات الوان بعد أن انقضت أفضل اليام أما النوع الثاني من‬
‫المفرطين هم الخاسرون نعوذ بالله من الخسران فهناك من لم يقم رمضان‬
‫ولم يقرأ القرآن وربما لم يصم في رمضان فنهاره ليل وليله ويل ل الواخر‬
‫عرفوها ول ليلة القدر قدروها متي يصلح من ل يصلح في رمضان متي يصح‬
‫من كان من داء الجهالة والغفلة مرضان متي من فرط في الزرع في وقت‬
‫البدار لم يحصد غير الندم والخسار مساكين هؤلء فاتهم رمضان وفاتهم خير‬
‫رمضان فأصابهم الحرمان وحلت عليهم الخيبة والخسران قلوب خلت من‬
‫التقوى فهي خراب بلقع ل صيام ينفع ول قيام يشفع قلوب كالحجارة أو أشد‬
‫قسوة حالها في رمضان كحال أهل الشقوة ‪،‬ل الشاب منهم ينتهي عن‬
‫الصبوة ول الشيخ ينذجر فيلحق بالصفوة ‪ ،‬أيها الخاسر رحل رمضان وهو‬
‫يشهد عليك بالخسران فأصبح لك خصما ً يوم القيامة رحل رمضان وهو يشهد‬
‫عليك بهجر القرآن فيا ويل من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان فيا من‬
‫فرط في عمره وأضاعه كيف ترجو الشفاعة أتعتذر برحمة الله أتقول لنا إن‬
‫الله غفور رحيم نعم لكن إن رحمة الله قريب من المحسنين العاملين‬
‫سئل ]ابن عباس [ عن رجل يصوم النهار‬ ‫بالسباب الخائفين المشفقين ُ‬
‫ويقوم الليل ول يشهد الجمعة والجماعات فقال ـ رضي الله تعالى عنه ـ هو‬
‫في النار وفي صحيح ]ابن حبان[ عن ]أبي هريرة[ ـ رضي الله تعالى عنه ـ‬
‫"أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صعد المنبر فقال آمين آمين آمين قيل يا‬
‫رسول الله إنك صعدت المنبر فقلت آمين آمين آمين فقال إن جبريل أتاني‬
‫فقال من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله" فأبعده‬
‫الله فكم أولئك المبعدين والعياذ بالله من رحمة الله قل آمين فقلت آمين‬
‫إلى آخر الحديث ‪ ،‬فيا أيها الخاسر نعم رحل رمضان وربما خسرت خسارة‬
‫عظيمة ولكن الحمد لله فمازال الباب مفتوحا والخير مفسوحا وقبل غرغرة‬
‫الروح ابك على نفسك وأكثر النوح وقل لها‪:‬‬
‫م‬‫ل الشهر وا لهفاه وانصر َ‬ ‫ح َ‬
‫ت ََر ّ‬
‫م‬
‫واختص بالخوض في الجنات من خد َ‬
‫وأصبح الغافل المسكين منكسرا‬
‫رم‬ ‫ح ِ‬
‫عظم ما ُ‬‫مثلي فيا ويحه يا ُ‬
‫من فاته الزرع في وقت البدار‬
‫م‬‫فما تراه يحصد إل الهم والند َ‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طوبى لمن كانت التقوى بضاعته‬


‫في شهره وبحبل الله معتصما‬
‫يا من بليت بالتفريط بصلة الجماعة ها هو نصف شهر يمضي بعد رحيل‬
‫رمضان‬

‫)‪(64 /‬‬

‫فما هو حالك والصلة يا من بليت بالتفريط في صلة الجماعة و بالفراط في‬


‫المعاصي والشهوات شهر كامل وأنت تحافظ على الصلة مع جماعة‬
‫المسلمين تركع مع الراكعين وتسجد مع الساجدين فما شعورك وأنت تري‬
‫المصلين عن يمينك ويسارك إنهم بشر مثلك اسأل نفسك يحرصون على‬
‫صلة الجماعة كل الشهور وأنت ل لماذا ؟ جاهدوا أنفسهم وتغلبوا عليها وأنت‬
‫ل لماذا ؟ يتقدمون وأنت تتأخر والله ل أشك أنك تحب الله كما يحبون‬
‫وترغب في الجنة كما يرغبون فلماذا يتقدمون وأنت تتأخر ويواظبون وأنت‬
‫تهمل ؟ حدثني عن الراحة والسعادة يوم وطئت قدماك عتبة المسجد حدثنا‬
‫عن اللذة والحلوة يوم سجدت مع الساجدين وركعت مع الراكعين تسلم‬
‫ذر المجاهد في سبيله‬ ‫عليهم ويسلمون عليك تحدثهم ويحدثوك إن الله لم يع ُ‬
‫في ترك الجماعة وهو في ساحة الجهاد يقاتل العدو ؛فقال الله سبحانه‬
‫ذر العمى فبيته بعيد‬ ‫وتعالى فليصلوا معك والنبي صلى الله عليه وسلم لم يع ُ‬
‫وبينه وبين المسجد واد فيه سباع وهوام وليس له قائد يقوده للمسجد كل‬
‫هذه الظروف ولم يعذره صلى الله عليه وسلم لنه يسمع النداء ‪ ،‬أجب فإني‬
‫ل أجد لك عذرا أجب فإني ل أجد لك عذرا ‪ ،‬فيا أيها المفرط في صلة‬
‫الجماعة هل تجد لك عذرا بعد هذا هل تجد لك عذرا بعد هذا نعوذ بالله من‬
‫العجز والكسل والخمول إذا ً فلتكن هذه اليام وليكن نصف الشهر هذا فرصة‬
‫وانطلقة للمحافظة على الصلة والجماعة وكل شيء يهون إل ترك الصلة‬
‫إل ترك الصلة فهو كفر وضلل كفر وضلل والعياذ بالله يا من بليت ببعض‬
‫الذنوب إياك إياك بعد رمضان أن تعود ‪ ،‬شهر كامل وأنت تجاهد النفس‬
‫وتصبرها وتجمع الحسنات وتحسبها فهل بعد هذا تراك تنقضها فالله عز وجل‬
‫يقول )ول تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا( ‪ .‬فيا من أعتقه‬
‫موله من النار إياك أن تعود إلى الوزار أيبعدك مولك من النار وأنت تتقرب‬
‫منها وينقذك منها وأنت توقع نفسك فيها ول تحيد عنها يا من بليت بالتدخين‬
‫شهر كامل وأنت تفارقه ساعات طويلة وإذا حدثناك عن أخطاره وحكمه قلت‬
‫لم أستطع تركه فمن أين لك هذه الرادة وهذه العزيمة في رمضان وقد‬
‫صبرت عنه حوالي اثنتي عشرة ساعة أو أكثر ‪ ،‬إذا ً فاعلم أن رمضان فرصة‬
‫للقلع عنه وفي رمضان في أخره جاءني أحد الخوة يبشرني بتركه التدخين‬
‫فقلت أخشى عليك من العودة قال ل فأنا تركته بعزيمتي وإرادتي قلت ابتعد‬
‫عن أسبابه وأهله قال والله إني أري المدخن يدخن وكأني لم أر الدخان في‬
‫حياتي فأنا تركته برغبتي وإرادتي إلى غير رجعة إن شاء الله قلت الحمد لله‬
‫وكنت أعلم أن خلفه زوجة صالحة تذكره تارة بالكلمة الطيبة وتارة بالكتاب‬
‫مب َْتلى رمضان فرصة ونصف‬ ‫والشريط وتارة بتخويفه بالله فيا كل مدخن و ُ‬
‫الشهر هذا فرصة لمقارنة الحال ولكنها الهزيمة النفسية والهمة الدنية يوم‬
‫يهزمك عود سيجارة قيل لبعض العباد من شر الناس قال من ل يبالي أن‬
‫يراه الناس مسيئا وربما أيها المدخن أشعلت سيجارتك أمام الناس فرأوك‬
‫مسيئا أيها المدخن إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلة‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ليرفض أن يمسك بعود سيجارة يعصي بها الله أيها المدخن أيها الحبيب هل‬
‫تعلم أن التدخين مفتاح لكل شر وفجور ل تقل ل فإن من رآك تدخن تجاسر‬
‫عليك في كل بلء وفتنة وربما يدعوك اللواط والزنا والمخدرات والربا إل من‬
‫عصم الله أسأل الله أن يحفظك ويرعاك من كل سوء أيها الحبيب اسأل‬
‫نفسك ما الفرق بين من في يده عود سواك ومن بيده عود هلك أجب بكل‬
‫صراحة أجب واترك الهوى واعلم أن هذه اليام فرصة ل تعوض لترك هذا‬
‫البلء وخاصة أنك نجحت في رمضان فاستعن بالله وتوكل عليه وكن صاحب‬
‫همة عالية وعزيمة صادقة أيها المسلم شهر كامل وأنت في ركوع وسجود‬
‫تصلي في الليلة ساعات ل تمل ول تكل ثم بعد رمضان تتغير أحوالنا وتنقطع‬
‫صلتنا‪ ،‬سبحان الله أنعجز أن نصلي ساعة أو نصف ساعة وقد كنا نصلي‬
‫الثلث والربع ساعات في رمضان ‪ ،‬أيها الصالح لست غريبا عن قيام الليل‬
‫حر في رمضان ولذة المناجاة وحلوة‬ ‫س َ‬
‫فقد ذقت حلوة الدمعة عند ال َ‬
‫السجود ورأيت كيف بنفسك استطعت أن تروض نفسك هذا الترويض‬
‫العجيب في رمضان همة وعزيمة وإصرار فيا سبحان الله أين هذا في غير‬
‫رمضان إنك قادر فقد حاولت ونجحت ل بل وشعرت بالثر العجيب والنس‬
‫الغريب وأنت تناجي الحبيب‪ ،‬فما الذي دهاك فما الذي دهاك وأنت ت ُذ َ ّ‬
‫كر‬
‫الغافلين بأن رب رمضان رب غيره من الشهور فلماذا تركت قيام الليل عاهد‬
‫نفسك عاهد نفسك أيها الحبيب أل تترك قيام الليل ليلة واحدة وإن حدثتك‬
‫بالتعب والرهاق فذكرها بلذة وحلوة القيام برمضان أيها المسلم شهر كامل‬
‫وأنت تقرأ وتبكر للصلة فتقرأ قبلها وتقرأ بعدها وتحرص على ختمه مرات‬
‫نعم خرج رمضان والقرآن هو القرآن والجر هو الجر والرب هو الرب فما‬
‫الذي حدث للنفوس أيها الحبة هجر غريب هجر عجيب لقراءة القرآن وختمه‬
‫ربما قرأ النسان منا في يومه أكثر من خمسة أجزاء في رمضان ويجلس‬
‫الساعات أفل نستطيع أن‬

‫)‪(65 /‬‬

‫نجلس ثلث ساعة في اليوم الواحد لقراءة جزء واحد فنختم القرآن كل شهر‬
‫مرة على القل إنها ثلث ساعة في غير رمضان فإذا ثقل ذلك تذكر الساعات‬
‫حقّ أن نبكي عليه‬ ‫التي تقرأها في رمضان أي شهر قد تولي يا عباد الله عنا ؟ ُ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫بدماء لو عقلنا كيف ل نبكي لشهر مر بالغفلة عنا ثم ل نعلم أنا قد قب ِلنا أو‬
‫ردنا ليت شعري من هو المحروم والمطرود منا ومن المقبول ممن صام‬ ‫طُ ِ‬
‫منا فَي ُهَّنى كان هذا الشهر نورا ً بيننا يزهر حسنا فاجعل اللهم لنا عقباه نورا‬
‫وحسنا‪ ،‬اللهم آمين ‪ ،‬أيها المسلم شهر كامل وأنت تدعو وتلح على الله‬
‫حر والغروب لماذا تسأل الله رضاه‬ ‫س َ‬
‫بالدعاء مرات بالسجود ومرات عند ال َ‬
‫والجنة ‪.‬وتعوذ به من سخطه والنار فهل ضمنت الجنة بعد ؛تركت الدعاء بعد‬
‫رمضان وتسأله العفو والغفران عن الذنوب والتقصير فهل ضمنت الغفران‬
‫أم انتهت الغفلة والتقصير يوم تركت الدعاء بعد رمضان أيها الحبة إن من‬
‫ندعوه في رمضان هو الذي في غير رمضان وإن من نسأله في رمضان هو‬
‫الذي نسأله في غير رمضان فما الذي حدث ولماذا نتوقف أو نفتر عن الدعاء‬
‫نعم رمضان وقت إجابة للدعاء لكن أدبار الصلوات وعند الغروب وآخر الليل‬
‫وساعة الجمعة وفي السجود وبين الذانين كلها أوقات إجابة بل ودعاء‬
‫المظلوم والمسافر والوالد لولده والخ لخيه بظهر الغيب كلها ل ترد بفضل‬
‫الله فما الذي جرى ما الذي دهانا والمدعو هو المدعو والحاجات هي‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحاجات والمسلمون بأمس الحاجة لدعواتك الصادقة التي ل تنقطع في كل‬


‫مكان كيف يقطع العبد صلته بالله واستعانته بموله وهو يعلم أن ل حول ول‬
‫قوة له إل بالله كيف يفتر العبد عن الدعاء وهو أكبر العبادة وربه يقول )أجيب‬
‫دعوة الداعي إذا دعان( ولم يقل في رمضان فقط بل في رمضان وغيره أما‬
‫الصيام أيها الحبة الصيام وما أدراك ما الصيام العبادة التي اختصها الله‬
‫لنفسه فقال "إل الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" فل يعلم جزاء الصائمين إل‬
‫الله وإن غفر لهم ما تقدم من الذنوب وإن اختصوا بالدخول للجنة من باب‬
‫الريان وإن باعد الله بينهم وبين النار سبعين خليفة وإن جاء الصيام شفيعا‬
‫لصحابه يوم القيامة فإن هذه وغيرها من ثمرات الصيام أما جزاء الصائمين‬
‫فل يعلمه إل الله ل يعلمه إل الله قال ابن حجر المراد بقوله وأنا أجزي به أي‪:‬‬
‫إني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته انتهي كلمه وقال ]المناوي[ وأنا‬
‫أجزي به إشارة إلى عظم الجزاء عليه وكثرة الثواب لن الكريم إذا أخبر بأنه‬
‫يعطي العطاء بل واسطة اقتضى سرعة العطاء وشرفه انتهي كلمه رحمه‬
‫الله قل هذه الفضائل للصوم وهي أخروية فما بالك بثمراته وفوائده الدنيوية‬
‫ومع ذلك فإن بعض الناس وخاصة من الصالحين والصالحات ل يعرف الصيام‬
‫إل في رمضان يعتذر لنفسه تارة بالعمل وتارة بالتعب وتارة بشده الحر‬
‫وهكذا تمضي اليام فإذا برمضان الخر أتى وهكذا تذهب اليام وتفنى العمار‬
‫أخي الحبيب صمت شهرا كامل متتابعا فهل تعجز عن صيام ثلثة أيام من كل‬
‫شهر أو يومي الثنين والخميس فاتق الله وكن حازما مع نفسك عارفا حيلها‬
‫م أن يسمو إلى المعالي ختم الشيطان على قلبه‬ ‫إن بعض الناس كل ما هَ ّ‬
‫ل طويل فارقد وكلما سعي في إقالة عثرته والرتقاء بهمته عادلته‬ ‫عليك لي ٌ‬
‫جيوش التسويف والبطالة والتمني وزعترته ونادته نفسه المارة بالسوء أنت‬
‫أكبر أم الواقع قال ]ابن القيم[ ‪ :‬والنفس كلما وسعت عليها ـ اسمع لهذه‬
‫الكلمة الجميلة ـ والنفس كلما وسعت عليها ضيقت على القلب حتى تصير‬
‫معيشته ضنكا وكلما ضيقت عليها وسعت على القلب حتى ينشرح وينفسح…‬
‫انتهي كلمه رحمه الله ‪.‬‬

‫)‪(66 /‬‬

‫ورمضان يشهد بهذا رمضان يشهد بهذا وما كنا نشعر به من رقة القلب‬
‫واتصاله بالله سبحانه وتعالى أما أنت أيتها المرأة فالكلم للرجال هو لكي‬
‫أيضا وإن كنت أعجب على حرصك في رمضان على التراويح وقراءة القرآن‬
‫وقيام الليل أسأل الله عز وجل أن يقبل منا ومنك ولكني أقول ما بالك إذا‬
‫ت بالولد وأعمال المنزل‬‫طلبنا منك هذه المور في غير رمضان اعتذر ِ‬
‫وغيرها من العمال مع أن كل هذه العذار لم تتغير في رمضان فالولد هم‬
‫الولد وأعمال المنزل هي أعمال المنزل بل ربما أكثر في رمضان فما الذي‬
‫يجعلك تحرصين على القيام وقراءة القرآن والصلة في وقتها والصيام في‬
‫رمضان وينقطع كل هذا في غير رمضان وتتعذرين بكثرة العذار إذا طلبنا‬
‫منك ذلك في غير رمضان هذا حال النساء وحال الرجال كما أسلفت في هذه‬
‫اليام القصيرة التي مضت بعد رحيل رمضان فما هو سر نشاطنا في رمضان‬
‫وما هو سر فتورنا وربما انقطاعنا في غيره أيها الحبة سألت هذا السؤال‬
‫واستنطقت الفواه لمعرفة السر قالوا رمضان له شعور غريب ولذة خاصة‬
‫قلت لماذا له هذا الشعور وهذه اللذة قالوا لن الناس من حولك كلهم‬
‫صائمون وقائمون ومتصدقون وقارئون ومستغفرون قلت أحسنتم إذا ً فالسر‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلح المجتمع من حولنا والمجتمع هو نحن هؤلء الفراد أنا وزوجتي وأولدي‬
‫وأبي وأمي وإخواني وأخواتي فلماذا ل يصلح هؤلء الفراد ؟ لماذا ل نربي‬
‫في أنفسهم استمرار الطاعة ومراقبة الله ؟ لماذا ل نربي في أنفسهم‬
‫استمرار الطاعة ومراقبة الله ؟ لماذا ل نشجعهم على صيام التطوع وقيام‬
‫الليل وقراءة القرآن ؟ فنصوم البيض مثل ونجتمع على الفطار ونوقظ بعضنا‬
‫ونجتمع على القيام ولو لوقت يسير ونخصص ساعات نجلس لقراءة القرآن‬
‫وهكذا في سائر العمال هنا أل تستشعرون أن السنة أصبحت كلها رمضان‬
‫وأن المجتمع يشجع بعضه بعضا وليس معني هذا أن نكون كما نحن في‬
‫رمضان مع أننا نتمنى هذا نحن ل نقول كونوا كما كنتم في رمضان من‬
‫الجتهاد والحرص على الخيرات فالنفس ل تطيق ذلك ورمضان له فضائل‬
‫وخصائص ولكنا نقول ل للنقطاع عن العمال الصالحة نعم ل للنقطاع عن‬
‫العمال الصالحة فلنحرص ولو على القليل من صيام النفل ونداوم ولو على‬
‫القليل من القيام ولنقرأ ولو كل يوم القليل من القرآن ولنتصدق ولو بالقليل‬
‫من المال والطعام وهكذا في سائر العمال ولنحيي بيوتنا ونشجع أولدنا‬
‫وأزواجنا وفي الحديث الصحيح المتفق عليه قال فيه النبي ـ صلى الله عليه‬
‫مها وإن قل وقد كان‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مها وإن قل" أد ْوَ ُ‬
‫وسلم ـ "أحب العمال إلى الله أد ْوَ ُ‬
‫عمله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ديمة كما كانت تقول ]عائشة[ رضي‬
‫الله تعالى عنها ‪ ،‬فهل تعلمنا من رمضان الصبر والمصابرة على الطاعة وعن‬
‫المعصية وهل عودنا أنفسنا على المجاهدة ضد الهوى والشهوات هل حصلنا‬
‫التقوى التي هي ثمرة القيام الكبرى واستمرت معنا حتى بعد رمضان فإن‬
‫الصلة بالله وخوف الله هي السر في حياة الصالحين والصالحات أيها المحب‬
‫جَبة والغرور بعد رمضان ربما حدثتك نفسك أن لديك الن رصيدا‬ ‫إياك والعُ ْ‬
‫كبيرا من الحسنات كأمثال جبال تهامة أو أن ذنوبك غفرت فرجعت كيوم‬
‫ولدتك أمك فما يزال الشيطان يغريك والنفس تلهيك حتى تكثر من المعاصي‬
‫والذنوب ربما تعجبك نفسك وما قدمته خلل رمضان فإياك إياك والدلل‬
‫على الله بالعمل فإن الله عز وجل يقول )ول تمنن تستكثر( ول تمنن تستكثر‬
‫فل تمن على الله بما قدمت وعملت فما الذي يدريك ما الذي يدريك أن‬
‫أعمالك قُب َِلت وهل قدمتها كما ينبغي وهل كانت لله أم ل ألم تسمع لقول‬
‫الحق عز وجل ‪) :‬وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون( وبدا لهم من الله‬
‫ما لم يكونوا يحتسبون فاحذر مفسدات العمال الخفية نعوذ بالله من‬
‫الشقاق والنفاق والرياء ومساوئ الخلق أيها الخوة والخوات إن من خالط‬
‫اليمان بشاشة قلبه ل يمكن أن يهجر الطاعات كيف وقد ذاق حلوتها‬
‫وطعمها وشعر بأنسها ولذتها في رمضان ‪ ،‬إن ]هرقل[ لما سأل ]أبا سفيان[‬
‫عن المسلمين أيرجعون عن دينهم أم ل قال أبو سفيان ل ‪ ،‬قال هرقل‬
‫وكذلك اليمان إذا خالطت بشاشته القلوب إن هرقل يعلم أن من ذاق حلوة‬
‫اليمان وعرف طعمه ل يمكن أن يرجع عن دينه أبدا مهما فعل به طعم‬
‫اليمان لذة الطاعة هي السر في الستمرار وعدم النقطاع نعم يفتر المسلم‬
‫شط وذلك مصداق‬ ‫ويتراخى ويمر به ضعف وكسل خاصة بعد عمل قام به ون َ ِ‬
‫شّرة إلى‬ ‫حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ "إن لكل عمل شّرة وال ِ‬
‫فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك‬
‫فقد ضل" والحديث أخرجه ]أحمد[ في مسنده وهو صحيح وإسناده صحيح‬
‫وقد صححه ]اللباني[ كما في *** وأيضا قال ]الهيثمي[ عنه رواه ]البزار[‬
‫ج من وجوه كما في ]الترمذي[ وقد قال عنه‬ ‫ورجاله رجال الصحيح وأيضا أ ُ ْ‬
‫خرِ َ‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ح غريب من هذا الوجه كما في صحيح الجامع اللباني؛‬‫ن صحي ٌ‬


‫الترمذي حس ٌ‬
‫إذا ً فالمسلم يفتر ويضعف لكنه ل ينقطع واسمع لهذا الكلم الجميل أيضا لـ‬

‫)‪(67 /‬‬

‫خّلل الفترات للسالكين أمر لبد منه ‪ ،‬تخلل‬ ‫]ابن القيم[ رحمه الله قال‪ :‬ت َ َ‬
‫الفترات أي الفترة والكسل للسالكين أمر ل بد منه فمن كانت فترته إلى‬
‫مقاربة وتسديد ولم تخرجه من كرب ولم تدخله في محرم رجي له أن يعود‬
‫خيرا مما كان رجي له أن يعود خيرا مما كان انتهي كلمه رحمه الله ‪ .‬فلعلنا‬
‫أيها الحبة لعلنا نقارن بين حالنا في رمضان بعد سماع هذا الكلم وبين حالنا‬
‫خلل هذه اليام لنشعر بما فقدناه من اللذة والطاعة وحلوة اليمان والله‬
‫المستعان ‪.‬‬
‫ّ‬
‫همسة لصناع الحياة يا صناع الحياة يا دعاة الهدي ويا د ُلل الخير رمضان‬
‫كشف عن الخير في نفوس الناس مهما تلطخ بعضهم بالمعاصي والسيئات‬
‫حتى الفاسق حتى الفاسق فكم من المرات رأيناه انتصر على نفسه فتخطى‬
‫عتبة المسجد ليركع مع الراكعين في صلة التراويح والقيام أي والله أي والله‬
‫رأينا ممن ظاهرهم الفسق رأيناهم يركعون ويسجدون وربما تدمع عيونهم‬
‫ويبكون وقد يصلون ساعات طويلة مع المسلمين في آخر الليل هذه دللت‬
‫دللت على كثرة الخير في نفوس الناس لكن أين من يحسن فن التعامل‬
‫معهم ‪ ،‬نعم يا شباب الصحوة نعم يا دعاة الخير نعم أيتها الفتيات كأني‬
‫ن وأخلق إن‬ ‫برمضان يصرخ هذا العام فينا فيقول إن الدعوة إلى الله ف ٌ‬
‫الدعوة إلى الله فن وأخلق إن الدعوة إلى الله فن وأخلق فيا ليت شعري‬
‫من يجيد هذا الفن ومن يتمثل هذه الخلق فلماذا نعتذر بصدود الناس‬
‫جلدَ‬
‫وغفلتهم لنبرر فتورنا وعجزنا وكسلنا ولكن ل أقول إل اللهم إنا نشكو لك َ‬
‫الفاسق وعجز الثقة اللهم إنا نشكو جلد الفاسق وعجز الثقة فكم من الثقات‬
‫فكم من الثقات استجابوا لخمولهم وكسلهم إنا لله وإنا إليه راجعون رمضان‬
‫والعيد ‪ ،‬انتهت أيام العيد أيها الحبة وللعيد فقه يجهله كثير من الناس حتى‬
‫من الصالحين فعيد رمضان عيد الفطر يوم فرح وحزن معا يوم فرح وحزن‬
‫معا ‪ ،‬فرح بتوفيق الله لنا بإكمال شهرنا وإتمام صيامنا وليس فرحا ً بإنهاء‬
‫الصيام وخروج رمضان كما يظن بعض الناس ويوم العيد يوم حزن أيضا يوم‬
‫حزن على فراق رمضان وأيامه الغُّر ولياليه الزاهرة ولكن من يتقن فن‬
‫الحزن والفرح معا فكيف كان عيدنا الذي مضي بعض الناس ربما قاده أو‬
‫قادته فرحته بالعيد إلى المعصية والغفلة والبعد عن الله عز وجل فليس العيد‬
‫لمن لبس الجديد إنما العيد لمن إيمانه يزيد وخاف يوم الوعيد وخاف يوم‬
‫الوعيد واتقى ذا العرش المجيد وهل تعلمون أيها الحبة أن العيد يحزن نعم‬
‫يحزن العيد خاصة إذا جاء هلل العيد في مثل هذا الواقع المرير للمة فمتي‬
‫يحزن العيد يحزن العيد عندما نلبس الجديد ونأكل الثريد ونطلب المزيد‬
‫ن لنا عراة في الجليد ودماء وجروح وصديد‬ ‫ونقول لبعضنا عيد سعيد وإخوا ٌ‬
‫طفل شريد وأب فقيد وأم تئن تحت فاجر عنيد ذي صراخ وتهديد ووعيد‬
‫ونحن نقول لبعضنا عيد سعيد ولسان حالهم يقول لماذا جئت يا عيد ؟‬
‫أقبلت يا عيد والحزان أحزان‬
‫وفي ضمير القوافي صار بركان‬
‫أقبلت يا عيد والظلماء كاشفة‬
‫عن رأسها وفؤاد البدر حيران‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أقبلت يا عيد والحزان نائمة‬


‫على فراشي وطرف الشوق سهران‬
‫من أين نفرح يا عيد الجراح وفي‬
‫قلوبنا من صنوف الهم ألوان‬
‫من أين نفرح والحداث عاصفة‬
‫دما مقل ترنو وآذان‬‫ولل ّ‬
‫من أين والمسجد القصى محطمة‬
‫آماله وفؤاد القدس ولهان‬
‫من أين نفرح يا عيد الجراح‬
‫وفي دروبنا جدر قامت وكثبان‬
‫من أين والمة الغراء نائمة‬
‫على سرير الهوى والليل نشوان‬
‫من أين والذل يبلي ألف منتجع‬
‫في أرض عزتنا والربح خسران‬
‫من أين نفرح والحباب ما اقتربوا‬
‫منا ول أصبحوا فينا كما كانوا‬
‫كيف حال إخواننا أيها الحبة كيف حال إخواننا في هذا العيد الذي مضي يا‬
‫تري ما هو شعورهم كيف كانت فرحتهم بالعيد هل كانوا يلبسون الجديد هل‬
‫كانوا يجلسون مع الباء والمهات هل كانت الزواج تجلس وتفرح بالهدايا من‬
‫الزواج لعلنا نكتفي لعلنا نكتفي بمشاعر هذه الطفلة المتشردة وهي تخاطب‬
‫هلل العيد وتتمنى أنه لم يأتي فتقول له‬
‫غب يا هلل‬
‫إني أخاف عليك من قهر الرجال‬
‫قف من وراء الغيم‬
‫ل تنشر ضياءك فوق أعناق التلل‬
‫غب يا هلل‬
‫خَبال‬
‫حنا ال َ‬
‫م ُ‬ ‫ْ‬
‫إني لخشى أن يصيبك حين ت َل َ‬
‫أنا يا هلل‬
‫أنا طفلة عربية فارقت أسرتنا الكريمة‬
‫لي قصة دموية الحداث باكية أليمة‬
‫أنا يا هلل‬
‫أنا من ضحايا الحتلل‬
‫أنا من ولدت وفي فمي ثدي الهزيمة‬
‫شاهدت يوما عند منزلنا كتيبة‬
‫في يومها‬
‫كان الظلم مكدسا من حول قريتنا الحبيبة‬
‫في يومها‬
‫ساق الجنود أبي وفي عينيه أنهار حبيسة‬
‫وتجمعت تلك الذئاب الغبر في طلب الفريسة‬
‫ورأيت جنديا ً يحاصر جسم والدتي بنظرته المريدة‬
‫ما زلت أسمع يا هلل‬
‫ما زلت أسمع صوت أمي‬
‫وهي تستجدي العروبة‬
‫ما زلت أبصر خنص خنجرها الكريم‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صانت به الشرف العظيم‬


‫مسكينة أمي فقد ماتت وما علمت بموتتها العروبة‬
‫إني لعجب يا هلل‬
‫يترنح المذياع من طرب‬
‫وينتعش القدح وتهيج موسيقي المرح‬
‫والمطربون يرددون على مسامعنا ترانيم الفرح‬
‫وبرامج التلفاز تعرض لوحة للتهنئة‬

‫)‪(68 /‬‬

‫عيد سعيد يا صغار والطفل في لبنان يجهل منشأه‬


‫وبراعم القصى عرايا جائعون‬
‫واللجئون يصارعون الوبئة‬
‫غب يا هلل غب يا هلل‬
‫قالوا ستجذب نحونا العيد السعيد‬
‫عيد سعيد‬
‫َ‬
‫والرض مازالت مبللة الثَرى بدم الشهيد‬
‫والحرب ملت نفسها‬
‫وتقززت ممن تبيد‬
‫عيد سعيد في قصور المترفين‬
‫عيد سعيد في قصور المترفين‬
‫عيد شقي في خيام اللجئين‬
‫حرمت خطانا يا هلل‬
‫ومدي السعادة لم يزل عنا بعيد‬
‫غب يا هلل‬
‫ل تأت بالعيد السعيد مع النين‬
‫ل تأت بالعيد السعيد مع النين‬
‫أنا ل أريد العيد مقطوع الوتين‬
‫أتظن أن العيد في حلوي وأثواب جديدة‬
‫أتظن أن العيد تهنئة تسطر في جريدة‬
‫غب يا هلل واطلع علينا حين يبتسم الزمن‬
‫وتموت نيران الفتن‬
‫واطلع علينا حين يورق بابتسامتنا المساء‬
‫ويذوب في طرقاتنا ثلج الشتاء‬
‫اطلع علينا بالشدى بالعز بالنصر المبين‬
‫اطلع علينا بالتئام الشمل بين المسلمين‬
‫هذا هو العيد السعيد وسواه ليس لنا بعيد‬
‫غب يا هلل‬
‫حتى تري رايات أمتنا ترفرف في شمم‬
‫فهناك عيد‬
‫أي عيد‬
‫وهناك يبتسم الشقي مع السعيد‬
‫اللهم ارحم المسلمين المستضعفين في كل مكان ‪ ،‬اللهم كن لهم ناصرا يوم‬
‫يتخلى عنهم الناصر ‪ ،‬وكن معينا لهم يوم تخلي عنهم المعين ‪ ،‬اللهم ارحم‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطفال اليتامى والنساء الثكالى وذي الشيبة الكبير ‪.‬‬


‫وهذه صورة مودع أيها الحبة وهو يودع رمضان في آخر ليلة من رمضان‬
‫كأني بمودع مفجوع وهو يراقب بعينيه رحيل الحبيب وقد تلشي خياله من‬
‫بعيد يصرخ فيقول شهر رمضان وأين هو شهر رمضان‬
‫ملء أبصارنا‪ ،‬ألم يكن‬ ‫ملء أسماعنا و ِ‬ ‫ألم يكن منذ أيام بين أيدينا ‪،‬ألم يكن ِ‬
‫هو حديث منابرنا ‪ ،‬ألم يكن هو زينة منائرنا ‪ ،‬ألم يكن هو بضاعة أسواقنا‬
‫فنا‬ ‫ّ‬
‫خل َ‬ ‫ومادة موائدنا وحياة مساجدنا ‪ ،‬فأين هو الن ؟ أين هو الن ؟ ارتحل و َ‬
‫كسيرة أنفسنا دامعة أعيننا ثم أخذ ينوح فيقول أي شهرنا الكريم أي شهرنا‬
‫الكريم وموسم خيرنا الوسيم أي شهر المكرمات تجاهد فيك الظلمات‬
‫وتضاعف فيك الحسنات وفتحت أبواب السماوات فآه ثم آه على الفراق ‪،‬‬
‫أي شهرنا الذي هيم نفوسنا وخرق قلوبنا وأدمع عيوننا ثم أجهش بالبكاء‬
‫وفاضت عيناه بالدموع فقلت سبحان الله لكل محب حبيب ورمضان حبيب‬
‫الصالحين ‪ ،‬تذكرت أياما مضت وليالي خلت فجرت من ذكرهن دموع ‪،‬‬
‫أل هل ليوم من الدهر عودة‬
‫وهل لي إلى يوم اليثار رجوع‬
‫وهل بعد إعراض الحبيب تواصل وهل لبذور قد أفلن طلوع‬
‫أيها المسلمون بعد شهركم أكثروا من الستغفار فإنه من العمال الصالحة‬
‫فقد كتب ]عمر بن عبد العزيز[ إلى النصار يأمرهم بختم رمضان بالستغفار‬
‫ويروي عن ]أبي هريرة[ رضي الله تعالى عنه أنه قال ‪ :‬الغيبة تخرق الصيام‬
‫والستغفار يرقعه ومن استطاع منكم أن يجئ بصوم مرقع فليفعل أكثروا من‬
‫الشكر لله فإن الله قال في آخر آية الصيام )ولتكبروا الله على ما هداكم‬
‫ولعلكم تشكرون( وقال )لئن شكرتم لزيدنكم( وقال )وسيجزى الله‬
‫الشاكرين( فاشكروا الله على إتمام رمضان وعلى حسن الصلة والقيام‬
‫وعلى الصحة والعافية في البدان وليس الشكر باللسان أيها الحبة وإنما هو‬
‫بالقوال والعمال معا ً فهل جزاء الحسان‬
‫سلم من الرحمن كل أوان‬
‫على خير شهر قد مضي وزمان‬
‫سلم على شهر الصيام فإنه‬
‫أمان من الرحمن ‪ ،‬أي أمان‬
‫ترحلت يا شهر الصيام بصومنا‬
‫وقد كنت أنوارا بكل مكان‬
‫ة‬
‫لئن فنيت أيامك الزهر بغت ً‬
‫فما الحزن من قلبي عليك بفان‬
‫عليك سلم الله كن شاهدا ً لنا‬
‫بخير رعاك الله من رمضان‬
‫رمضان كان نهارك صدقة وصياما وليلك قراءة وقياما فإليك منا تحية وسلما‬
‫أترى ستعود بعدها علينا أو يدركنا المنون فل تؤول إلينا ‪ ،‬رمضان سوق قام‬
‫ثم انفض ‪ ،‬ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر ‪ ،‬هاهو شهر رمضان رحل‬
‫عنا بعد أن قضت أيامه وتسربت لياليه ولسان حال الصائم منا يقول‪:‬‬
‫فيا شهر الصيام فدتك نفسي‬
‫تمهل بالرحيل والنتقال‬
‫ّ‬
‫فما أدري إذا ما الحول وَلى‬
‫وعدت بقابل في خير حال‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أتلقاني مع الحياء حيا‬


‫أو أنك تلقني في اللحد بال‬

‫)‪(69 /‬‬

‫أيها الحبة هذه نصائح وتوجيهات عن رحيل رمضان قصدت تأخيرها بعد‬
‫رمضان بأيام لنري ونشعر بالفرق الكبير بين حالنا في رمضان وحالنا هذه‬
‫اليام على قلتها فكيف يا تري بحالنا بعد شهر وشهرين وأكثر والعاقل اللبيب‬
‫من جعل عقله مدرسة لبقية الشهور رغم أنني أكرر وأؤكد أننا ل نطالب‬
‫النفوس أن تكون كما هي في رمضان ولكننا نطالبها بالستمرار والمداومة‬
‫على الطاعات والواجبات وتذكر الله والخوف بالله والصلة بالله ولو كانت‬
‫هذه الطاعات قليلة فقليل دائم خير من كثير منقطع ‪ ،‬اللهم يا حي يا قيوم‬
‫اللهم يا حي يا قيوم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في هذا الشهر‬
‫المبارك فلتجمعنا فيه يا حي يا قيوم وإن قضيت بقطع أجلنا وما يحول بيننا‬
‫وبينه فأحسن الخلفة على باقينا وأوسع الرحمة على ماضينا اللهم تقبل منا‬
‫ف عنا ما كان فيه‬ ‫رمضان اللهم تقبل منا رمضان اللهم تقبل منا رمضان واع ُ‬
‫من تقصير وغفلة اللهم اجعلنا فيه من الفائزين اللهم ارحم ضعفنا وتقصيرنا‬
‫وأعنا على ذكرك وشكرك وعلى حسن عبادتك ل حول لنا ول قوة لنا إل بك‬
‫اللهم ل حول لنا ول قوة لنا إل بك فل تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين اللهم ل‬
‫تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين اللهم ل تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين اللهم إنا‬
‫نسألك الهدي والتقى والعفاف والغنى اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي‬
‫الخرة حسنة وقنا عذاب النار سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن ل إله إل أنت‬
‫أستغفرك وأتوب إليك وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى أله‬
‫وصحبه وسلم تسليما كثيرا ‪.‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪ .‬في هذه الليلة الطيبة المباركة ليلة الثنين‬
‫الموافق الحادي والعشرين من شهر رجب لعام ألف وأربعمائة وأربعة عشر‬
‫للهجرة في جامع ابن عيد في مدينة >الدوائم< المباركة ألتقي وإياكم على‬
‫مائدة من موائد النبوة وعلى ذكر نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا به‬
‫جميعا‪.‬‬
‫أشكر الله جل وعل وأحمده على تيسير هذا اللقاء ثم أشكر أولئك الرجال‬
‫المجهولين الذين يعملون ليل نهار ل يرجون نحسبهم كذلك من الناس جزاء‬
‫ول شكورا وإنما رجاؤهم بالله جل وعل الخوة القائمين على مكتب الدعوة‬
‫في هذه المدينة فهم الذين تسببوا في هذا اللقاء فشكر الله سعيهم ووفقهم‬
‫وسدد خطاهم ورعانا وإياكم أجمعين‪.‬‬
‫أيها الحبة موضوع هذا اللقاء السر في حياة النبلء أو إن شئت فقل السر‬
‫العجيب فيا ترى ما هو هذا السر؟ إن حديثي هذه الليلة هو حديث للقلوب‬
‫ولعله أن يكون إن شاء الله حديث من القلب للقلب ولذلك يشترط أن يخلو‬
‫القلب من أمور الدنيا ومن زينتها جئتم وجلستم في بيت من بيوت الله‬
‫ليكون الحديث طيبا والقلب مصغيا ً يبعد الهواجس وملذات الدنيا خلل هذه‬
‫الساعة جرب مع نفسك أن تترك الدنيا خلف ظهرك هذه الساعة وتعال‬
‫واسمع ونحن نصول ونجول ونبحث في السر في حياة أولئك الرجال الذين‬
‫هم أموات في قبورهم ولكنهم أحياء في ذكرهم ونحن نسمع ليل نهار تلك‬
‫السماء على المنابر وعلى كل لسان وفى بطون الكتب وفى كل مكان فل‬
‫إله إل الله من أحيا هذه السماء وهذه هي والله الحياة الحقيقية أيها الخيار ‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أول عناصر هذا الموضوع السر العجيب يتحدث إلى القلب عذرا ً أيها القلب‬
‫أعرفتني ل تقل إنك ل تعرفني فقد وقفت على مشارف أسوارك وقرعت‬
‫أبوابك كثيرا ً كنت أحوم لجد منفذا ً أنفذ إليك منه إيه أيها القلب لقد أصبحت‬
‫أقسى من الحجر لماذا تحاول الهروب مني ولماذا هذا الصدود عني فكلما‬
‫هممت بأمر سوء حاولت الوقوف أمامك لتراني لتذكرني لترجع عن همك‬
‫لكنك تتجاهلني كأنك ل تراني ويحك أيها القلب إنني السر العجيب في حياة‬
‫القلوب ويحك إنني السر العجيب في ترك الفجور والهوان إنني أريدك أن‬
‫تحيا حياة السعداء أريدك أن تكون علما من العلم وصالحا من الصالحين‬
‫أريدك أن تكون مباركا أينما كنت في أعمالك وأقوالك‪.‬‬
‫تعال أيها القلب تعال واسمع لحياة النبلء وسير الرجال يوم أن كنت أتربع‬
‫على العرش في قلوبهم وأصول وأجول في صدورهم‪..‬‬
‫كانوا جبال ً في الجبال وربما‬
‫صاروا على موج البحار بحارا‬
‫لمعابد الفرنج كان أذانهم‬
‫قبل الكتائب يفتح المصارا‬
‫كانوا يروا الصنام من ذهب‬
‫فتهدم ويهزم فوقها الكفارا‬
‫لن تنسى أفريقيا ول صحراؤها‬
‫سجداتهم والرض تقذف نارا‬
‫اسمع أيها القلب يوم أن فتح لي أولئك الرجال قلوبهم فأصبحوا سادة في‬
‫كل شيء نعم في كل شيء ذكر] الذهبي [ في سير أعلم النبلء قال‪ :‬قال‬
‫]الحسن بن عيسى[ مولى ]ابن المبارك[ اجتمع جماعة فقالوا تعالوا نعد‬
‫خصال ابن المبارك من أبواب الخير فقالوا العلم والفقه والدب والنحو‬
‫واللغة والزهد والفصاحة والشعر وقيام الليل والعبادة والحج والغزو‬
‫والشجاعة والفروسية والقوة وترك الكلم في ما ل يعنيه والنصاف وقلة‬
‫الخلف على أصحابه والتجارة وسخاء النفس والتصديق والورع والتقى وكل‬
‫ذلك عنده وأكثر‬
‫إذا سار عبد الله من مرو ليلة‬
‫فقد سار منها نورها وجمالها‬
‫إذا ذكر الحبار في كل بلدة‬
‫فهم أنجم فيها وأنت هللها‬

‫)‪(70 /‬‬

‫أسمعت أيها القلب بفضل الله ثم بفضلي أنا السر العجيب كان كل ذلك‬
‫فهل عرفتني؟‬
‫بل تعال واسمع لعلم ثان من هؤلء النبلء إنه] أبو جعفر محمد بن جرير‬
‫الطبري[ مؤرخ مفسر محدث مقرئ فقيه أصولي من أكابر الئمة المجتهدين‬
‫قال ]الخطيب البغدادي[ فيه كان أحد أئمة العلماء ويحكم بقوله ويرجع إلى‬
‫رأيه لمعرفته وفضله وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من‬
‫أهل عصره وكان حافظا لكتاب الله عارفا بالقراءات وفيرا بالمعاني فقيها‬
‫في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها وصحيحها وسقيمها وناسخها‬
‫ومنسوخها عارفا بأقوال الصحابة وأقوال التابعين ومن بعدهم من المخالفين‬
‫في الحكام ومسائل الحلل والحرام عارفا بأيام الناس وأخبارهم وله الكتاب‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المشهور في تاريخ المم والملوك وكتاب في التفسير أو لم يصنف أحد مثله‬


‫انتهى كلم الخطيب ‪.‬‬
‫أسمعت أيها القلب أل تسأل ما هو السر في حياة النبلء إنه أنا السر العجيب‬
‫فأين أنت من أولئك قل لي هل ذكرت لي منقبة واحدة من تلك المناقب‬
‫واحدة فقط من كل منقبة واحدة من جل المناقب فيك أيها الخ مسكين أيها‬
‫القلب أنت غرقت في الشهوات والملذات أصابك الكسل والخمول أصبحت‬
‫عبدا ً للدنيا دون أن تشعر كل ذلك يوم هجرتني أيها القلب إن المثلة في‬
‫حياة النبلء كثيرة وطويلة ولكن خذ مثل ً ثالثا ً وأخيرا ً لتقنع أسمعت] بابن‬
‫تيميه[ ل شك نعم إذا فاسمع كلم ]ابن سيد الناس[ فيه قال عنه كاد‬
‫يستوعب السنن والثار حفظا إذا تكلم في التفسير فهو حامل رايته أو أفتى‬
‫في الفقه فهو مدرك غايته أو ذاكر في الحديث فهو صاحب علمه وروايته أو‬
‫حاضر في النحل والملل لم تر أوسع من مشيته في ذلك ول أرفع من درايته‬
‫برز في كل فن على أبناء جنسه ولم تر عين من رآه مثله إلى آخر ما قال‬
‫عنه‪.‬‬
‫وهو العالم المجاهد العابد المر بالمعروف الناهي عن المنكر فعجيب أمر‬
‫أولئك الرجال جمعوا الخير كله جمعوا الخير كله لكنه السر العجيب الذي‬
‫حولهم إلى أعلم وأبطال فافتح لي أبوابك أيها القلب وتذكرني جيدا ً واجعلني‬
‫ملزما لك في كل حال تنال الخير كله في الدنيا والخرة فهل عرفتني أيها‬
‫القلب أو ما زلت تجهلني ل شك أنك عرفتني فالن أتركك وسأرجع إليك بين‬
‫الحين والحين حتى تعد لي منزل في سويداك أيها القلب‪.‬‬
‫العنصر الثاني أهمية السر في طريق الصحوة‪:‬‬
‫ولعلى نسيت أن أقول لكم أن هذه المحاضرة هي المحاضرة الثالثة في‬
‫سلسلة تلقى بعنوان الصلح على طريق الصحوة كانت الولى بعنوان سلمة‬
‫الصدر مطلب وكانت في >الزلفى < والثانية تعال نتعاتب فكانت في‬
‫>الرس< وهذه هي الثالثة فتعال وانظر يا أخي الحبيب لهمية السر في‬
‫طريق الصحوة وأقصد به هذا السر العجيب‪.‬‬
‫إن الجميع بحاجة لهذا السر كبارا ً وصغارا ً نساء ورجال علماء ومتعلمين مع‬
‫شدة غفلتهم عنه ويعجبك أجسام أولئك الرجال رجال الصحوة وأشكالهم‬
‫وأحوالهم لكنك تبحث عنهم في الميدان لعمال لترى العمال فتجد الخمول‬
‫والكسل والهوان إن هذا السر مهم جدا ً ومؤثر فعال في حياة شباب الصحوة‬
‫والدعاة إلى الله جل وعل وما أكثرهم والحمد لله فنسأل عن السبب في هذا‬
‫الخمول والكسل والهوان فإذا هو هذا السر نقرأ اليات فل قلب يتأثر ونسمع‬
‫الحاديث والمواعظ فل عين تدمع ننظر للقصص والعبر فل جسد يقشعر‬
‫ويخشع نحمل الموتى وندخل المقابر ونخرج والقلب هو القلب ونسمع أنين‬
‫الثكالى وصرخات اليتامى والحداث في الشرق والغرب تتوالى والقلب هو‬
‫القلب ل إله إل الله‪ ،‬ل إله إل الله ماذا أصاب هذا القلب فنسأل عن السبب‬
‫ونبحث عن العلج فإذا هو أيضا في هذا السر‪.‬‬
‫أصبحنا نكذب وأصبحنا نغتاب وأصبحنا نأكل الشبهات وربما المحرمات فنسأل‬
‫عن السبب فإذا هو غيبة هذا السر‪ ،‬هذا السر أيقظ مضاجع الصالحين وأزعج‬
‫قلوبهم وأسال دموعهم فعرفوا حقيقة الحياة هذا السر يحفظ المن والمان‬
‫وتكثر الخيرات وتنزل البركات وبغيبته ينتشر الفساد ويعق الولد فهل‬
‫عرفتني أيها الخ الحبيب لبد أنك عرفتني إنني الحارث المين لقلبك‬
‫المسكين إنني المراقب ولكني لست المراقب الداري ولست المراقب‬
‫الصحي ل فأنا المراقب الشرعي إنني مراقبة الله‪ ،‬إنني مراقبة الله أو‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخوف من الله أو إن شئت فقل الخشية أو التقوى فل بأس فكلنا من عائلة‬


‫واحدة المهم أن تعرف أنك بحاجة في كل لحظة فاتق الله حيثما كنت وانتبه‬
‫لقوله جل وعز )وما ربك بغافل عما تعملون( )واعلموا أن الله يعلم ما في‬
‫أنفسكم فاحذروه( وردد يا أخي الحبيب في كل لحظة )وكان الله على كل‬
‫شيء رقيبا( وتذكر أنه )يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور( ويا أخي‬
‫الحبيب أين المفر )وهو معكم أينما كنتم( وويل لذلك العاصي )ألم يعلم بأن‬
‫الله يرى(‬
‫وداو ضمير القلب بالبر والتقى‬
‫فل يستوي قلبان قاس وخاشع‬
‫فاسمع لما يقال رعاك الله آثار هذا السر في حياة السلف‪:‬‬

‫)‪(71 /‬‬

‫وبعد أن تهيأت أيها القلب وسمعت لهذه التقدمة ولعلك لنت إن شاء الله‬
‫فتعال واسمع وانظر ما هي آثار هذا السر العجيب في حياة أولئك الرجال‬
‫كيف قلبها فأصبحت حياة حقيقية حياة ذات معنى وذات روح ؟‬
‫الثر الول‪ :‬استشعار عظم الذنب مهما كان صغيرا أو كبيرا نعم ما زال هذا‬
‫السر وهو مراقبة الله وخوف الله في قلوب الصالحين وقلوب أولئك الرجال‬
‫حتى جعلهم يستشعرون عظم الذنب مهما كان هذا الذنب كان صغيرا أو‬
‫كبيرا نعم فإن من يخاف الله ويراقب الله هو صاحب مبدأ وصاحب عقيدة‬
‫وصاحب ل إله إل الله ول يهمه الذنب إن كان كبيرا أو صغيرا المهم أنه أخطأ‬
‫ووقع في الذنب فإذا أخطأ فسرعان ما يرجع سرعان ما يتوب سرعان ما‬
‫يندم والبشر كلهم خطاءون وخير الخطاءين التوابون‪ .‬عن ]ابن مسعود[ قال‬
‫" إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر‬
‫يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا –فأشار ]أبو شهاب[ راوي‬
‫الحديث بيده‪ -‬فطار" أي طار ذلك الذباب أخرجه البخاري في كتاب الدعوات‬
‫باب التوبة وهذا شأن المسلم دائم الخوف والمراقبة يستغفر ويستصغر‬
‫عمله الصالح ويخشى من صغيرها السيئ والقبيح‪.‬‬
‫ً‬
‫تعال وخذ أمثلة تعال ننتقل لحياة أولئك النبلء لترى هذا الثر جليا واضحا في‬
‫حياتهم في سلوكهم وتصرفاتهم في أقوالهم وأفعالهم صغيرها وكبيرها‪.‬‬
‫رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدوتنا وحبيبنا روى البخاري في‬
‫صحيحه في كتاب اللقطة باب إذا وجد تمرة في الطريق من حديث أبي‬
‫هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إني لنقلب‬
‫إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة علي فراشي فأرفعها لكلها ـ الرسول يقول‬
‫ذلك ـ فأرفعها لكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها " سبحان الله هذه‬
‫هي المدرسة المحمدية التي تخرج منها أولئك النبلء فرسول الله يرسم‬
‫الخطوط العريضة بالتعامل مع الله بالتعامل في هذه الدنيا في أي أمر من‬
‫أمورها حتى ولو كانت تمرة حتى ولو كانت تمرة لم يأكلها صلى الله عليه‬
‫وآله وسلم لماذا ألنها من تمر الصدقة ؟ ل لنه خشي أن تكون من تمر‬
‫الصدقة خشي أن تكون من تمر الصدقة‪..‬‬
‫القضية عند رسول الله شبهة صلوات الله وسلمه عليه فلم يأكلها بأبي هو‬
‫وأمي رسول الله‪.‬‬
‫وفى حديث آخر وفي القصة نفسها وأخرجه أحمد من طريق ]عمرو بن‬
‫شعيب[ عن أبيه عن جده قال "تضور النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ـ‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أي توجع وتقلب ـ فقيل له ما أسهرك؟ قال ‪ :‬إني وجدت تمرة ساقطة‬
‫فأكلتها ثم ذكرت تمرا كان عندنا من تمر الصدقة فما أدري أمن ذلك كانت‬
‫التمرة أو من تمر أهلي فذلك أسهرني" فذلك أسهرني‪ ،‬الله أكبر هو السر‬
‫العجيب الذي تربى عليه أولئك الرجال تمرة تمنع صاحبها ‪،‬قد يقول قائلنا في‬
‫هذه الدنيا هي تمرة ولكنه المبدأ الذي يحمله صاحب ل إله إل الله في قلبه‬
‫يتعامل به مع الكبير والصغير مع العالم والمتواضع في أي مكان كان‪.‬‬
‫ومثل آخر لبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه أخرج البخاري في‬
‫صحيحه في مناقب النصار باب أيام الجاهلية من حديث عائشة رضي الله‬
‫تعالى عنها قالت كان لبي بكر غلم يخرج له الخراج أي يأتيه بما يكسبه من‬
‫بيعه وشرائه وكان أبو بكر يأكل من خراجه أي من كسب هذا الغلم فجاء‬
‫يوما ً بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلم أتدري ما هذا فقال أبو بكر وما‬
‫هو قال الغلم كنت تكهنت لنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إل أني‬
‫خدعته فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه فماذا فعل أبو بكر الصديق أيضا‬
‫القضية شبهة عند أبي بكر رضي الله عنه ثمن كهانة تكهنها غلمه في‬
‫الجاهلية ومع ذلك وهو قد أكل الطعام فماذا فعل الصديق رضي الله تعالى‬
‫عنه تقول عائشة فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه أدخل أبو بكر‬
‫يده في فيه فقاء كل شيء في بطنه هكذا الورع هكذا التقى هكذا مراقبة‬
‫الله جل وعل يا أخي الحبيب ل يريد أن يختلط في بطنه أو أن يبني جسده‬
‫على شيء من الشبهات فضل على شيء من المحرمات فأين الناس اليوم‬
‫من هؤلء‪.‬‬

‫)‪(72 /‬‬

‫مثل ثالث أو أثر ثان وهذا الثر هو بيوت تتربى على الورع ومراقبة الله نعم‬
‫إن مما أحدثه هذا السر العجيب أن جعل بيوتا كاملة رجالها ونساءها صغارها‬
‫وكبارها تتربى على الخشية والورع ومخافة الله ولذلك يذكر لنا ]القصطلني[‬
‫في إرشاد الساري يقول أن امرأة جاءت إلى ]المام أحمد[ والمام أحمد بن‬
‫حنبل إمام أهل السنة وناصر السنة وقامع البدعة رضي الله تعالى عنه‬
‫ورحمه صاحب الورع والتقى فقد ألف كتابا ً اسمه الورع جاءت المرأة لتسأل‬
‫المام أحمد سؤال جعل المام يبكي هذا السؤال جعل المام أحمد يبكي‬
‫فتقول المرأة واسمع للسؤال جيدا ً إننا نغزل على سطوحنا فيمر بنا مشاعل‬
‫الظاهرية ـ أي نور الحرس الذين يجوبون الطرقات بالليل ـ ويقع الشعاع‬
‫علينا ـ يعني لحظات ـ أفيجوز لنا الغزل في شعاعها أرأيت دقة المسألة‬
‫ويذكرها ابن المبارك في كتابه بلفظ آخر في كتابه الزهد والرقائق فيقول إن‬
‫المرأة قالت للمام أحمد يا إمام إنني أغزل في السطح على ضوء السراج‬
‫وربما انطفأ السراج فأغزل على ضوء القمر أفيجب علي يا إمام عند بيعي‬
‫لغزلي أن أبين للمشتري ما غزلته تحت السراج مما غزلته تحت ضوء القمر‬
‫سبحان الله!! إلى هذا الحد يبلغ الخوف من الله ومراقبة الجبار في قلوب‬
‫أولئك الرجال هذه امرأة فأين نساؤنا من هذه المرأة هكذا مراقبة الله‬
‫فيبكي المام أحمد رضي الله تعالى عنه من هذا السؤال ويقول لها من أنت‬
‫يا أمة الله من أنت عافاك الله فتذكر أنها أخت لـ]بشر الحافي[ فيبكي ويشتد‬
‫بكاؤه ويقول‪ :‬من بيتكم يخرج الورع الصادق‪.‬‬
‫نعم يوم أن كانت أمة المسلمين تتربى على الورع وعلى خشية الله وخوف‬
‫الله تعال وانظر لبيوت المسلمين على أي شيء تتربى اليوم‪...‬‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نعم أيها الولي ستسأل من الجبار ل من البشر ستسأل عن وسائل التربية‬


‫التي ربيت عليها قلوب أهل بيتك فبماذا ستجيب أبالتلفاز أم بالمجلت أم‬
‫بالفلم أم بأشرطة الغناء أم بماذا ستكون الجابة كيف تريد أن تكون المرأة‬
‫صالحة والفتاة خاشية لله والبن مراقب لله سبحانه وتعالى كيف تريد الصلح‬
‫وهذه هي وسائل التربية اسمع يقول سليمان بن حرب سمعت ]سلمان بن‬
‫زيد[ يقول كنت مع أبى فمررت من حائط فيه تبن وقد كنت صغيرا آنذاك‬
‫فأخذت عود تبن ـ أي من الحائط ـ فوقف أبي وقال لي لم أخذت كأنه‬
‫ينهرني فقلت إنما هي تبنه ببراءة الصغير أي ل تساوى شيئا فقال له أبوه يا‬
‫سلمان لو أن كل إنسان أخذ تبنة هل كان يبقى في الجدار تبن؟ هكذا يربون‬
‫أبناءهم وصغارهم على أحقر الشياء وأصغرها حتى إذا شب وعقل ل تمتد‬
‫يده علي أي شيء مهما كان كبيرا أو صغيرا هذه هي التربية بيوت تربت على‬
‫الخوف والورع‪.‬‬
‫بائعة اللبن وما أدراك ما بائعة اللبن قصة مشهورة معلومة معروفة عند‬
‫الجميع قرأناها عندما كنا صغارا تتكرر علينا كثيرا لكنها تبحث عن الموجه‬
‫ليوجه هذه القصة للناس وتبحث عن الب ليربي أبناءه علي هذه القصة‬
‫فيذكرها ويستخرج الدروس والعبر منها لزوجه لبنته لطفله لنفسه‪..‬‬
‫عمر بن الخطاب كان ليلة من الليالي يعس في شوارع المدينة فاتكأ على‬
‫أحد بيوتات المدينة فسمع الحوار التالي بين الم وابنتها‪:‬‬
‫تقول الم‪ :‬يا بنية أمزجت اللبن بالماء ؟‬
‫فتقول البنية‪ :‬يا أماه أما علمت أن أمير المؤمنين عمر قد نهى أن يمزج‬
‫اللبن بالماء‪ .‬فتقول الم التي تعلق قلبها بالدنيا وبشهواتها وملذاتها والقلب‬
‫يغفل والعين تغفل فتقول الم التي غفلت‪ :‬يا بنية وما يدري أمير المؤمنين‬
‫عمر بنا !!‬
‫نعم من كان يراقب الناس فإن الناس يغفلون وينامون والناس بشر وعرضة‬
‫للسهو والخطأ فتأتى الجابة من قلب تلك الفتاة الصغيرة البريئة التي تربت‬
‫على خشية الله وخوف الله تأتي لتصرخ وتقول لمها‪ :‬يا أماه إن كان عمر ل‬
‫يرانا فإن رب عمر يرانا‪..‬‬
‫الله أكبر على هذه القلوب التي تتربى في سرها وعلنها هكذا هي التربية‬
‫هكذا والله يا عزة السلم عندما يرتعد هذا القلب ويشعر بالحرية والعبودية‬
‫لله جل وعل‪.‬‬
‫قصة رابعة وما أكثر تلك البيوت التي تربت على خشية الله وخوف الله‬
‫ومراقبة الله عمر أيضا كان يعس كعادته رضي الله تعالى عنه وستأتي لنا‬
‫سيرة عمر إن شاء الله أو شيء منها كان يعس في شوارع المدينة وأيضا‬
‫يتكئ على جدار من بيوتاتها وفى ظلمة الليل يسمع أنين تلك المرأة التي‬
‫تخاطب نفسها وهي على فراشها وقد ذهب زوجها مع جيش المسلمين جنديا‬
‫في سبيل الله فغاب عنها طويل فإذا بالمرأة تتمثل هذه البيات فتقول‪:‬‬
‫تطاول هذا الليل واسود جانبه‬
‫وأرقني أل خليل ألعبه‬
‫فوالله لول الله ل شيء غيره‬
‫لحرك من هذا السرير جوانبه‬
‫يعني بالزنا والعياذ بالله‬
‫فو الله لول الله ل شيء غيره‬
‫لحرك من هذا السرير جوانبه ‪0‬‬
‫ولكن ما هو السر العجيب‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولكن تقوى الله عن ذا تصدني‬


‫وحفظي لبعلي أن تنال مراكبه‬

‫)‪(73 /‬‬

‫الله أكبر ما أحلى هذا البيت وما أكبر اطمئنان قلبك يا أخي الحبيب وأنت‬
‫تغادر باب المنزل وقد خلفت امرأة صالحة تخشى الله وطفل صغيرا يراقب‬
‫الله وذرية تدمع من خشية الله هكذا تكون بيوت المسلمين وهكذا يكون‬
‫الوجل والخوف من الله‬
‫الثر الثالث من آثار هذا السر العجيب في حياة النبلء كثرة الخلوة بالنفس‬
‫والدمعة المباركة كثرة الخلوة بالنفس نقرأ في سير أولئك الرجال في أولئك‬
‫سرا أو في حياة أولئك النبلء نجد كثرة خلوتهم بأنفسهم في ظلمة ليل أو‬
‫في قطع من خلء ثم سرعان ما تسيل الدموع على الخدود ما الذي أحدث‬
‫هذا الثر إنه السر العجيب رقابة الله وخشية الله جل وعل‪.‬‬
‫ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم ل ظل إل ظله كما في الحديث‬
‫الصحيح "رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" تأمل هذه الصورة جيدا أيها‬
‫القلب تفكر في هذه الصورة جيدا ذكر الله خاليا ففاضت عيناه هل مرت‬
‫عليك هذه اللحظة؟ هل شعرت يوما من اليام بهذا الموقف؟ هل وقفت ليلة‬
‫من الليالي وتمثلت هذه الصورة؟ إن الرجال الصالحين وشباب الصحوة‬
‫والدعاة من الرجال والنساء بحاجة شديدة لهذه الخلوة لننظر إلى أنفسنا‬
‫وفى عملنا وقولنا وننظر إلى حقيقة أمرنا وسلمة صدورنا إننا بحاجة لهذه‬
‫الصورة بحاجة لهذا الموقف نذكر نعمة الله ومنته علينا إننا أيها الخيار بحاجة‬
‫ماسة وصادقة وملحة لتلك الدمعة الغالية وتلك الدمعة الحارة التي تسيل‬
‫على الخد في لحظة خلوة بتذكر نعمة الله ثم تذكر عظم الذنب والتقصير‬
‫في حق الله فلعل الدمع أن يأتي ولعل القلب أن يلين فيترجم ذلك إلى‬
‫الدمعة الحارة الغالية ما أحوج قلوبنا لمثل هذه الدمعة التي فقدناها في مثل‬
‫هذا العصر‪.‬‬
‫إن عمر بن الخطاب وما أدراك ما عمر أمير المؤمنين ما قرأت يوما في‬
‫سيرة هذا الرجل وأخطأ دمع العين مجراه نعم ل تقل إنه رجل مشهور ل تقل‬
‫إن عمر رجل مشهور ل‪ ،‬اقرأ في سيرته فتجد العجب العجاب في حياة ابن‬
‫الخطاب رضى الله تعالى عنه عمر الذي كان في الجاهلية أقسى قلبا‬
‫وأغلظه كان يرعب المسلمين فيجلس لهم في الطرقات وفوق الشجار‬
‫فيرمي عليهم الشواك والحجار حتى وصل الحقد والجفاء في قلب عمر إلى‬
‫أن يحمل السيف مصلتا ليقتل به أعز البشر رسول الله صلى الله عليه وآله‬
‫وسلم وهل بعد هذا الحقد حقد ؟ ل ومع ذلك تدخل ل إله إل الله وتفعل‬
‫العاجيب في قلب هذا الرجل تدخل رقابة الله لتجعل هذا القلب من قلب‬
‫قاس غليظ كالحجر إلى قلب رقيق لين قريب الدمعة سريع الدقة رضى الله‬
‫تعالى عنه وأرضاه حتى أن عمر قال عنه صلى الله عليه وآله وسلم يا عمر‬
‫إذا رآك الشيطان من فج سلك فجا آخر تخاف منه الشياطين وبشره النبي‬
‫صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة فهو من العشرة المبشرين ومع ذلك هل‬
‫اتكل على هذا ل بل كان إمام الخاشعين والخائفين رضى الله تعالى عنه‬
‫وأرضاه‪.‬‬
‫ويروى ]ابن أبى شيبة[ في مصنفه أن عمر يأتي لـ]حذيفة[ ويقول له يا‬
‫حذيفة قل لي بالله أعدني رسول الله من المنافقين ؟ سبحان الله يتهم‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نفسه بالنفاق رضى الله عنه وأرضاه‪.‬‬


‫عمر كان يمر بالية في ورده فتخنقه فيبقى في البيت أياما يعاد يحسبونه‬
‫مريضا كما ذكر ذلك المام أحمد في كتاب الزهد‪.‬‬
‫وعمر يذكر الذهبي في السير من صفاته أنه كان في خديه خطان أسودان‬
‫من أثر البكاء من خشيته لله رضى الله عنه وأرضاه قرأ يوما )إذا الشمس‬
‫كورت( حتى انتهى إلى قوله تعالى )وإذا الصحف نشرت( فخر مغشيا عليه‬
‫رضى الله تعالى عنه وأرضاه هذا هو عمر يأخذ عود نبات فيقول يا ليتني كنت‬
‫هذا العود يا ليت أم عمر لم تلد عمر يا ليتني كنت شجرة تعضد أي تقطع‬
‫سبحان الله أهذا الخوف وهذه الخشية تخرج من عمر المبشر بالجنة فأين‬
‫نحن من أنفسنا أيها الخيار نراجع قلوبنا أيها الحبة‪..‬‬
‫فمن يبارى أبا حفص وسيرته‬
‫أو من يحاول للفاروق تشبيها‬
‫يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها‬
‫من أين لي ثمن الحلوى فأشريها‬
‫وهو أمير المؤمنين‬
‫يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها‬
‫من أين لي ثمن الحلوى فأشريها‬
‫ل تمطتي شهوات النفس جامحة‬
‫فكسرة الخبز عن حلواك تجزيها‬
‫وهل يفي بيت مال المسلمين بما‬
‫توحي إليك إذا طاوعت موحيها‬
‫أي طاوعت نفسك‬
‫قالت الزوجة‪:‬‬
‫قالت لك الله إني لست أرزؤه‬
‫مالي بحاجة نفس كنت أبغيها‬
‫يعني لم أكن أعتمد على بيت مال المسلمين إنما هو مال عندنا أي سأشتري‬
‫الحلوى من مال كان موجودا عندي‪.‬‬
‫قالت أي الزوجة‪:‬‬
‫قالت لك الله إني لست أرزؤه‬
‫مالي بحاجة نفس كنت أبغيها‬
‫يقول لها عمر‬
‫ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به أولى‬
‫فقومي لبيت المال رديها‬
‫سبحان الله وهو مالها‬
‫ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به أولى‬
‫فقومي لبيت المال رديها‬
‫قد فر شيطانها لما رأى عمر‬
‫إن الشياطين تخشى بأس مخزيها‬
‫هذى مناقبه في عهد دولته‬
‫للشاهدين وللعقاد أحكيها‬
‫في كل واحدة من هن نابلة‬
‫من الطبائع تغدو نفس راعيها‬
‫لعل في أمة السلم نابتة‬
‫تجلو لحاضرها مرآة ناظرها‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حتى ترى بعض ما شابت أوائلها‬


‫من الصروح وما عاناه بانيها‬
‫وحسبها أن ترى ما كان من عمر‬

‫)‪(74 /‬‬

‫حتى ينبه منها عين غافيها‬


‫رحمك الله يا عمر وفى الحديث عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم "ل يلج النار أحد بكى من‬
‫خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع" فبشراك يا أخي الحبيب‪..‬‬
‫أحمد بن حنبل رضى الله تعالى عنه وأرضاه وهو صاحب الورع والخشية يوما‬
‫من اليام كان جالسا مع تلميذه يحدثهم فاقشعر بدنه وشعر بحلوة اليمان‬
‫فقام وتأخر على التلميذ وذهب أحد التلميذ ليرى أين ذهب المام فاقترب‬
‫من باب الغرفة أو الحجرة فوجد وسمع المام أحمد يتمثل البيتين ويبكي بكاء‬
‫شديدا رضى الله تعالى عنه سمع المام أحمد يقول‪:‬‬
‫إذا ما خلوت الدهر يوما فل تقل‬
‫خلوت ولكن قل علي رقيب‬
‫ول تحسبن الله يغفل ساعة‬
‫ول أن ما تخفي عليه يغيب‬
‫المام أحمد يختلي بنفسه ويردد هذين البيتين ما أحوجنا أيها الحبة لترداد‬
‫هذين البيتين والخلوة بالنفس والدمعة المباركة في مثل هذا الوقت‪.‬‬
‫ذكر الذهبي في السير أن ]القاضي الحسين[ حكى عن ]القفال[ أستاذه أنه‬
‫كان في كثير من الوقات يقع عليه البكاء حالة الدرس يعني وهو يلقى‬
‫الدرس‬
‫أن القفال كان كثيرا من الوقات يقع عليه البكاء في حالة الدرس ثم يرفع‬
‫رأسه ويقول أي القفال ما أغفلنا عما يراد بنا فأين نحن من هذا وأين‬
‫المدرسون عن هذا أين المربون الذين يربون أبناء المسلمين على هذه‬
‫الخشية وعن هذا الورع إنك تجول ببصرك في مدارس المسلمين شرقها‬
‫وغربها وترى سمات الصلح والتقى والورع على كثير من المدرسين‬
‫والمدرسات فتسمع ذلك الذي يتناقله القريب والبعيد بوجود الصالحين‬
‫والصالحات ولكنك تتساءل دائما سبحان الله أين البركة أين الثر أين أثر‬
‫أولئك على أبناء المسلمين أين البصمات أين الطفال الذين تربوا على خشية‬
‫الله قليل أولئك‪.‬‬
‫فإذا كان كذلك فلماذا ل نسأل عن السبب ولماذا ل نحاسب النفس ولماذا ل‬
‫نبحث عن العلج ؟‬
‫في قصة تربوية يذكرها بعض علماء التربية أن شيخا قال لتلميذه الصغار يا‬
‫أبنائي ـ وهذه القصة رسالة للمدرسين والمدرسات ـ قال لهم يا أبنائي إذا‬
‫كان من الغد فل يأتي أحد منكم إل وقد جاء معه بدجاجة قد ذبحها في مكان‬
‫ل يراه فيه أحد فجاء التلميذ من الغد وكل منهم قد علق دجاجة في يده‬
‫اليمنى إل غلما واحدا فسأله الشيخ يا غلم أين الدجاجة ؟ فقال الغلم ـ‬
‫اسمعوا التربية ـ فقال الغلم يا شيخ إنك قلت أن أذبح الدجاجة في مكان ل‬
‫يراني فيه أحد وإنني دخلت الحجرة فوجدت أن أحدا يراني فصعدت السطح‬
‫فوجدت أن أحدا يراني وما طرقت مكانا إل وكان ذلك الحد يراني فقال‬
‫الشيخ من هذا الذي يراك فقال الصغير فقال القلب الخاشع لله إنه الله إن‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله معي في كل مكان يراني‪.‬‬


‫أرأيت التربية فأين أنت يا أخي الحبيب أين أنت أيها المدرس الفاضل أين‬
‫أنت أيها الداعية الصادق أين أنت يا أيتها المدرسة الصالحة أين أنتم من تربية‬
‫أبناء وبنات المسلمين على مثل هذا السر العجيب إننا نحتاج إلى وقفة‬
‫مراجعة ونظرة إلى النفس فإننا نسمع ونقرأ في حياة النبلء أنه إذا كان‬
‫الرجل الصالح لوحده في قريته ومدينته أصلح الله به أهل المدينة إذا فما‬
‫دهانا وما بالنا وأين أثرنا وأين نتائجنا ؟ والله المستعان وإليه المشتكى ول‬
‫حول ول قوة إل بالله‪.‬‬
‫الثر الرابع من آثار هذا السر العجيب في حياة النبلء حمل هم الخرة وتعلق‬
‫القلوب بها نعم إن هذا السر مراقبة الله ما زال يفعل الفاعيل في قلوب‬
‫الصالحين حتى جعل تلك القلوب تتعلق بالخرة فهمومها هي الخرة وأحاديثها‬
‫هي الخرة ودندنتها هي حول الخرة ولذلك أخرج ]ابن ماجة[ بسند صحيح أن‬
‫النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال "من كانت همه الخرة جمع الله شمله‬
‫وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا راغمة ومن كانت همه الدنيا فّرق الله عليه‬
‫أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إل ما كتب الله له" أخرجه ابن‬
‫ماجة بسند صحيح‪.‬‬
‫نسمع هذا الحديث ثم نرى المور الدنيوية هي حديث مجالسنا فتارة عن‬
‫المشاريع التجارية وتارة عن المعمارية وتارة عن الوظيفة ودرجاتها وأخرى‬
‫عن المركب وأخرى عن الملبس وأخرى عن المشرب وهكذا حتى الصالح‬
‫من الناس إن حمل الهم فإذا هو هذا همه‪.‬‬

‫)‪(75 /‬‬

‫ابن المبارك رضى الله تعالى عنه وأرضاه كان يوما من اليام جالسا مع‬
‫تلميذه ويروى هذه القصة ]القاسم بن محمد[ قال كنا نسافر مع ابن‬
‫المبارك فكثيرا ما كان يخطر ببالي ـ الذي كان يقول ذلك القاسم بن محمد ـ‬
‫فأقول في نفسي بأي شيء فضل هذا الرجل علينا وقد سمعتم قبل قليل‬
‫مناقب ابن مبارك في أي شئ فضل هذا الرجل علينا حتى اشتهر في الناس‬
‫بهذه الشهرة إن كان يصلى إنا لنصلى وإن كان يصوم إنا لنصوم وإن كان‬
‫يغزو فإنا لنغزو وإن كان يحج إنا لنحج قال وكنا في بعض مسيرنا في طريق‬
‫الشام ليلة نتعشى في بيت إذ انطفأ السراج فقام بعضنا لصلح السراج أي‬
‫خرج للسراج لصلحه فمكث هنيهة ـ لحظة من الزمن ـ ثم جاء السراج‬
‫فنظرت إلى وجه ابن المبارك ولحيته وقد ابتلت بكثرة الدموع فقلت في‬
‫نفسي بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا ولعله فقد السراج فصار إلى‬
‫الظلمة فذكر القيامة‪.‬‬
‫سبحان الله لحظة من لحظات هنيهة قد تعد دقائق أو ل تعد أو ثواني أو ل‬
‫تعد فيرجع السراج فإذا الدموع قد ملت وجه ولحية ابن المبارك رضى الله‬
‫تعالى عنه‪.‬‬
‫قلوب حملت هم الخرة تعلقت بالخرة فإذا رأت ظلمة تذكرت ظلمة القبر‬
‫وإذا رأت نارا تذكرت نار جهنم وإذا رأت نعيما وخضرة تذكرت جنان‬
‫الفردوس هكذا القلب متعلق بهموم الخرة يفكر في أحوال القيامة وكل أمر‬
‫يلحظه في دنياه ويمر على مخيلته ينتقل مباشرة تنتقل تلك الصورة إلى‬
‫مواقف القيامة وأحوال الخرة‪.‬‬
‫ذكر الذهبي في السير أن ]أشعب بن شعبة المصيصي[ قال قدم ]الرشيد[‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫>الرقة< فانجفل الناس خلف ابن المبارك وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة‬
‫فأشرفت أم ولد لمير المؤمنين من برج من قصر الخشب فقالت ما هذا‬
‫يعني ما هذه الغبرة وما هذا الجمع وهذا العدد من الناس قالوا عالم من أهل‬
‫>خراسان< قدم قالت هذا والله هو الملك ل ملك هارون الرشيد هذا والله‬
‫هو الملك ل ملك هارون الذي ل يجمع الناس إل بشرط وأعوان‪.‬‬
‫وهكذا الخشية هكذا نتائج الخشية ومراقبة الله تورث المحبة للعبد في قلوب‬
‫الناس وتضع له القبول في الرض بكلمته‪.‬‬
‫وذكر أحمد في الزهد أن ابن مسعود مر على هؤلء الذين ينفخون الكير‬
‫فوقع رضي الله تعالى عنه وأرضاه وأنه مر مرة أخرى على الحدادين فبصر‬
‫بحديدة قد أحميت فبكى رضى الله تعالى عنه وأرضاه‪ .‬أرأيت القلب كيف‬
‫يتعلق بالخرة وبهمومها‪.‬‬
‫وذكر ]ابن الجوزي[ في صفة الصفوة أن ]مطرا البّراق[ وصاحبه التابعي‬
‫]هرم بن حيان[ كانا يصطحبان أحيانا بالنهار فيأتيان صوب الرياحين أو‬
‫الريحان فيسألن الله الجنة ويدعوان ثم يأتيان الحدادين فيعوذان بالله من‬
‫النار ثم يتفرقان إلى منازلهما يخرجان لهذا المر تربية للقلب يعلمون أن‬
‫القلب يغفل ويسهى وتتراكم عليه الشهوات حتى يصبح والعياذ بالله أسود‬
‫مربادا كالكوز مجخيا ل يعرف معروفا ول ينكر منكرا هذا حال كثير من قلوب‬
‫الناس اليوم ونستثني الصالح إن شاء الله أمثالكم ونحسبكم كذلك نعم حتى‬
‫أصبحت قلوب كثير من الناس ل تعرف المعروف ول تنكر المنكر والعياذ‬
‫بالله‪.‬‬
‫ومثال رابع وأخير حول الثر الرابع وهو حمل هم الخرة وتعلق القلوب بها‬
‫وهو التابعي الجليل ]الحسن البصري[ رحمه الله تعالى وما أدراك ما الحسن‬
‫الحسن البصري صاحب الدمعة واقرأ في سيرته إن شئت تجد العجب في‬
‫خشيته وخوفه فقد كان يشتكي جيرانه من كثرة بكائه في الليل وكم من‬
‫المرات قرع بابه في الليل يظن جيرانه أن به أذى وما به إل خوف وخشية‬
‫لله‪.‬‬
‫اسمع هذه القصة لهذا الرجل يقول ]صالح بن حسان[ قال أمسى الحسن‬
‫صائما فجئناه بطعام عند إفطاره قال فلما قرب إليه قال عرضت له هذه‬
‫الية )إن لدينا أنكال وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما( قال فقرصت يده‬
‫عنه فقال ارفعوه فرفعناه قال فأصبح صائما فلما أراد أن يفطر ذكر الية أي‬
‫في اليوم الخر ذكر الية ففعل ذلك أيضا فلما كان اليوم الثالث انطلق ابنه‬
‫إلى ]ثابت البناني[ و]يحيى البكاء[ وأناس من أصحاب الحسن فقال أدركوا‬
‫أبي فإنه لم يذق طعاما منذ ثلثة أيام كلما قربنا إليه ذكر هذه الية )إن لدينا‬
‫أنكال وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما( قال فأتوه فلم يزالوا به حتى‬
‫أسقوه شربة من سويق‪.‬‬
‫إنه رضي الله تعالى عنه ل يتعمد ترك الطعام تزهدا وإنما غلبه هم الخرة‬
‫وتذكر أهوالها فجعله ل يشتهي الكل وتأباه نفسه إن هذه النماذج ليتعثر‬
‫اللسان وهو يتكلم عنها ويضطرب القلب وهو يفكر بها إجلل وهيبة لهم‬
‫رحمهم الله تعالى‪.‬‬
‫كنا قلدة جيد الدهر وانفرطت‬
‫وفى يمين العل كنا رياحينا‬
‫كانت منازلنا في العز شامخة‬
‫ل تشرق الشمس إل في مغانينا‬
‫فلم نزل لصروف الدهر ترمقنا‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شجرا وتخدعنا الدنيا وتلهينا‬


‫حتى غدونا ول جاه ول نصب‬
‫ول صديق ول خل يواسينا‬

‫)‪(76 /‬‬

‫الثر الخامس من آثار هذا السر في حياة النبلء وهو الخير من هذه الثار في‬
‫هذه المحاضرة وآثاره كثيرة هضم النفس والجراء عليها مهما بلغت من‬
‫الصلح نعم فإن خشية الله ومراقبة الله جعلت أولئك الرجال يهزمون‬
‫أنفسهم وجعلتهم يحتقرون هذه النفس فما زالوا في هضمها واحتقار شأنها‬
‫تربية لها ومحاسبة وإن كثيرا من أهل الخير والصلح غفل عن قلبه حتى ظن‬
‫أنه يذكر ول يذكر ويحدث ول يحدث وأنه ليس بحاجة إلى موعظة تذكره‬
‫بالجنة والنار والحساب والعذاب فل يسمع وإن سمع فللنتقاد والملحظات‬
‫ول يقرأ وإن قرأ فللتدريس والتعليم ول يصح هذا أبدا يا أخي الحبيب فمن‬
‫آثار استشعار مراقبة الله في حياة السلف أنهم عرفوا حقيقة أنفسهم‬
‫وحرصوا على تربيتها فاسمع لـ]سفيان الثوري[ أمير المؤمنين في الحديث‬
‫اسمع لهذا الرجل يقول عنه المام الذهبي هو شيخ السلم إمام الحفاظ سيد‬
‫العلماء العاملين في زمانه كان سفيان رضى الله عنه لشدة تعلقه بالخرة‬
‫واستيلء همها عليه لكأنه جاء منها فهو يحدثك عنها رأي العين يقول أبو نعيم‬
‫كان سفيان إذا ذكر الموت لم ينتفع به أياما‪،..‬ويقول ابن مهدي كنا نكون‬
‫عنده فكأنما وقف للحساب‪.‬‬
‫أرأيت هذه الصفات في هذا لرجل من شدة الخشية والورع‪ ،‬تعال واسمع‬
‫لهذه القصة العجيبة في حياته اسمع لهذا الموقف العجيب في حياة سفيان‬
‫يقول أحد تلمذته كنت أتتبع المام في خلواته وجلواته في سره وعلنه يقول‬
‫فرأيت عجبا ومن هذا العجب أنني رأيت أن المام سفيان يخرج رقعة من‬
‫جيبه فينظر إليها يفعل ذلك في اليوم مرارا يقول فعجبت لهذا الفعل وبت‬
‫إصرارا في معرفة السر فما زلت خلف المام أتبعه وألحظه حتى وقعت‬
‫الورقة في يدي يقول فنظرت إليها فإذا مكتوب فيها ما تتصور يا أخي الحبيب‬
‫ماذا كتب سفيان في هذه الورقة يقول‪ :‬فإذا مكتوب فيها يا سفيان اذكر‬
‫وقوفك بين يدي الله عز وجل ل إله إل الله سفيان الذي بلغ ما بلغ من‬
‫خشيته وخوفه لله علم أن نفسه تغفل وحرص على تربية هذه النفس فما‬
‫زال في هضمها وتربيتها حتى أنه كتب رقعة يذكر بها نفسه كلما حدثته‬
‫بمعصية‪ ،‬ل إله إل الله عجبا لهؤلء الرجال فنقول ما هو السر الذي جعلهم‬
‫يصلون لهذا نعم إنها رقابة الله وخشية الله نسأل الله جل وعل أن يمل قلوبنا‬
‫بخشيته وخوفه‪.‬‬
‫إذا يا أخي الحبيب يا أيها الصالح أيها الخير يا من تجلس أمامي ويا من تسمع‬
‫كلمي رب نفسك على صلحها ورب نفسك وقل لها وردد عليها في كل‬
‫لحظة قل لها يا نفس إني أخاف الله يا نفس اتقي الله في ربها على هذا‬
‫المبدأ تجد عجبا وتشعر بحلوة اليمان وأثر اللذة في الحياة الدنيا قبل الخرة‬
‫جرب هذا يا أخي الحبيب اسمع لهذا الموقف وهذه الصورة العظيمة التي‬
‫يرسمها لنا صلى الله عليه وآله وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله‬
‫في ظله يوم ل ظل إل ظله نسأل الله أن نكون وإياك وجميع المسلمين‬
‫منهم بمنه وفضله وكرمه وجوده يقول النبي في آخر هذه الصور ورجل دعته‬
‫امرأة ذات منصب وجمال فقال ما هي الجابة؟ انظر لتربية النفس انظر لثر‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخشية والمراقبة على العبد فقال إني أخاف الله أيضا تأمل هذه الصورة‬
‫جيدا فكر واسرح بخيالك معها امرأة وليست أية امرأة إنها امرأة ذات منصب‬
‫قادرة على أن تسوي المر إذا افتضح وهي ذات جمال وقلوب الرجال تهفو‬
‫للجمال وهى التي دعته ولم يذهب هو للبحث عنها كل هذه الحوال وهذا‬
‫الجو مهيأ للمور كلها ومع ذلك خوف الله وخشية الله تغطي على هذه المور‬
‫كلها تأتي الجابة من القلب الخائف الخاشع لله ليقول لتك المرأة إني أخاف‬
‫الله فرسالة نوجهها إلى أولئك الرجال الذين يركضون خلف النساء والذين‬
‫يسافرون لقصى الرض شرقا وغربا يبحثون عن اللذة نقول أليس لكم في‬
‫هذا الموقف وفي هذه الصورة عبرة بلى والله لكنها عبرة لمن كان له قلب‬
‫أو ألقى السمع وهو شهيد‪.‬‬
‫العنصر الخر كيف الوصول لهذا السر العجيب؟ لعلك يا أخي بسماعك لهذه‬
‫المواقف ولهذه الثار ولهذه القصص وأنت كأنك تقول لي‪:‬‬
‫كرر علي حديثهم يا حادي‬
‫فحديثهم يجلو الفؤاد الشادي‬

‫)‪(77 /‬‬

‫أقول لك إن المواقف كثيرة وتكرارها يزيد اليمان ويرفع حلوته ولكنما‬


‫الوقت قصير ولكني أيضا أقول أين أنتم من تكرارها على أنفسكم وأين أنتم‬
‫من عرضها على أهليكم وأولدكم ثم أين أنتم عنها من الحديث في مجالسكم‬
‫إنني لعجب من حديث الناس في مجالسهم حول القصص الغريبة وحول‬
‫فلن وعلن تارة غيبة وتارة نميمة وتارة كذب وتارة غش وهكذا هى‬
‫المجالس إل ما شاء الله منها فأقول هذه هي المواقف وهذه هي سير‬
‫الصالحين وهذه هي أحاديث رسول الله وهذه هي بضاعتنا أيها الخيار لماذا ل‬
‫تعرض في المجالس لماذا ل نحدث بها نساءنا وأولدنا وفتياتنا وأصحابنا في‬
‫مجالسنا ومنتدياتنا أسألك بالله ألم تحفظ قصة مما ذكر ل شك نعم إذا‬
‫فلماذا ل تحمل هذه القصة لعلها أن يكون لها أثر في قلب زميل من الزملء‬
‫أو ولد من الولد أو أنثى ممن يعيش في بيتك فتكون قد نلت الجر في‬
‫هداية شخص ولن يهدين الله بك رجل واحدا خير لك من حمر النعم فأقول‬
‫ولعلك تقول إذا قل بالله عليك وأسرع بالمقال كيف الوصول لهذه الخشية‬
‫كيف نربي قلوبنا على خشية الله إننا نتأثر ورقت قلوبنا ولنت ولكني أشعر‬
‫سرعان ما نخرج من هذا المكان وتلفنا الدنيا بشهواتها وملذاتها ننسى كثيرا‬
‫من هذه المبادئ أما صاحب المبدأ وصاحب العقيدة فل لن هذا هو همه دائما‬
‫فحديثه عن هذا المر وكلمه عن هذا المر وفعله لهذا المر وصفاته حول هذا‬
‫المر وحول مراقبة الله وخشية الله يدندن دائما‪.‬‬
‫أول المور للوصول لهذا السر أول المعرفة الحقيقية بالله سبحانه وتعالى‬
‫نعم إننا نقول دائما إننا نعرف الله ولكن هل هذا يكفي لو قلت لك من الله‬
‫ما هو صفاته ما هي أسماؤه ما هي عقيدتك وتوحيدك في أسماء الله وصفاته‬
‫لوقفت فاغرا فاك ل تعلم شيئا ولذلك وصل الناس إلى ما وصلوا إليه ولو‬
‫كان الله يعرف حقيقة لعظم في القلوب وقدر حق قدره سبحانه وتعالى‬
‫لذلك فأقول من أراد الخشية من الله والخوف من الله سبحانه وتعالى‬
‫فليتعرف على الله حقيقة المعرفة من خلل أسمائه وصفاته وذلك متمثل في‬
‫توحيد السماء والصفات أليس من أسماء الله عز وجل الرقيب ومن أسمائه‬
‫الحفيظ ومن أسمائه السميع والعليم والبصير فمن عقل هذه السماء وتعبد‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بمقتضاها حصلت له المراقبة فالمراقبة كما يعرفها أهل العلم قالوا هي ثمرة‬
‫علمك بأن الله سبحانه وتعالى رقيب عليك ناظر إليك سامع لقولك مطلع‬
‫على عملك كل وقت وفى كل نفس وكل لحظة وكل طرفة عين فكلما ازداد‬
‫العبد معرفة بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانه وقوي يقينه بالله وهذه المعرفة‬
‫تحصل بمراتب ثلث في توحيد السماء والصفات احفظها‪:‬‬
‫أول‪ :‬إحصاء هذه السماء بألفاظها وحفظها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬فهم معانيها ومدلولها دون تحريف ول تعطيل ول تشويه ول تتليف‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬دعاء الله بها وهو على نوعين دعاء الثناء ودعاء المسألة ومن عرف الله‬
‫عظمه وأجله ومن عظمه عظم حرماته وأتمر بأمره وانتهى عن نهيه )ومن‬
‫يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه( ودوام تأمل السماء والصفات بالله‬
‫يورث ذلك حقيقة )وما قدروا الله حق قدره والرض جميعا قبضته يوم‬
‫القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون( فلذلك‬
‫تعرف إلى الله حقيقة المعرفة‪.‬‬
‫المر الثاني للوصول لهذا السر الكثار من ذكر الموت وأحوال الخرة وأنا‬
‫أعرف يا أخي الحبيب أنني عندما أقول مثل هذا المر أنغص عليك عيشك‬
‫وأقطع عليك لذة حياتك وما بودي ذاك والله ولكنه المر الذي ل مفر منه إنه‬
‫الحقيقة الحق البرهان الموت الذي ل بد كل منا شاربه ولذلك فإن أردت‬
‫الخشية والخوف فتذكر الموت وسكراته وشدته تذكر القبر وسؤاله وعذابه‬
‫ونعيمه وضيقه وظلمته وضمته تذكر أهوال يوم القيامة وشدته وطوله‬
‫والعرض على الله سبحانه وتعالى وتذكر تطاير الصحف وتذكر الميزان‬
‫والصراط وتذكر حيرة الخلق وهم كالسكارى وزهول العباد يوم الحساب‬
‫تخيل انخراط الناس من الموقف فمنهم من يساق إلى الجحيم وتسحبهم‬
‫الملئكة إلى أبوابها عياذا بالله ومنهم من يدخل الجنة فتتلقاهم الملئكة هذا‬
‫يومكم الذي توعدون نسأل الله أن نكون من أولئك إن تذكر ذلك كله يدفع‬
‫النسان إلى العمل الجاد المتواصل فالبكاء والندم بتذكر هذه المور ل ينفعان‬
‫صاحبهما إذا لم يقرنا بالعمل ‪.‬‬

‫)‪(78 /‬‬

‫المر الثالث شهود المنة والفضل وهو أن تتذكر فضل الله سبحانه وتعالى‬
‫عليك ومنته ول يعرف الفضل لهل الفضل إل ذووا الفضل نعم إن الكرماء‬
‫هم الذين يعرفون الفضل لهله وأحسبك يا أخي الحبيب إن شاء الله من‬
‫أولئك الكرماء فانظر لنعمة الله عليك انظر لنعمة السلم وحدها انظر إليها‬
‫ويتضح ذلك عندما ترى أحوال الكفار والبدع وانظر لنعمة الهداية ويتضح ذلك‬
‫أيضا عندما ترى أحوال الفساق والفجار وانظر لنعمة العافية ويتضح ذلك‬
‫عندما ترى أحوال المرضى وأهل العاهات فاحمد الله واشكر الله جل وعل‬
‫على هذه النعم وهكذا نعم الله سبحانه وتعالى التي ل تحصي فتذكر أنه قادر‬
‫سبحانه وتعالى على سلبها بكلمة بكن فيكون وقادر سبحانه وتعالى فكن‬
‫ذاكرا شاكرا رعاك الله حتى تعبد الله كأنك تراه‪.‬‬
‫المر الرابع تقوية القلب بالجلوس للمؤمنين والصالحين أصحاب القلوب‬
‫الرقيقة والدمعة الدفيقة احرص على الجلوس مع أولئك الذين يخشون الله‬
‫ويهابونه وهذا على نوعين إما بمخالطة من بمجالسهم الحسية للصالحين‬
‫والتقياء وهم الذين قال عنهم )الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين(‬
‫الذين يخشون الله ويراقبونه أو تكون بالكثار من قراءة قصص الصالحين‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والنظر في سيرهم أكثر وأدمن في قراءة مثل هذه المواقف فإن النسان إذا‬
‫قرأ وأكثر حاول أن يحاكي تصرفات أولئك وحاول أن يتمثل أفعالهم ويتصف‬
‫بصفاتهم‪.‬‬
‫قيل لبن المبارك كما ذكر ذلك الذهبي في السير قال] شقيق البلخي[ قيل‬
‫لبن المبارك إذا أنت صليت لما لم تجلس معنا قال ابن المبارك أجلس مع‬
‫الصحابة والتابعين أنظر في كتبهم وآثارهم فما أصنع معكم أنتم تغتابون‬
‫الناس‪ .‬فعليك يا أخي الحبيب بالنظر في سير أولئك الرجال حتى يتعلق قلبك‬
‫بأحوالهم وصفاتهم‪ .‬وأخيرا اعلم أن الرقابة تتنوع أن رقابة الله عليك تتنوع‬
‫فل مفر لك يا أخي الحبيب إن كثيرا من الناس اليوم يتساءلون كيف نقاوم‬
‫هذا الفساد المنتشر في شرق البلد وغربها كيف نقاومه؟ يقول قائل إنني‬
‫أشكي نفسي ويقول قائل إنني أشكي ولدي وضعفه وربما فسقه ويقول‬
‫قائل أشكو حال زوجي وتمردها علي ويقول قائل أشكو المعاصي ويقول‬
‫قائل أشكو الشيطان ويقول قائل وهكذا يشكو الناس كثير أو كلهم من أشياء‬
‫تجمعت وتكالبت على قلوبهم فأين المفر ؟ ما هو العلج لمثل هذا المر؟‬
‫أقول إنه السر العجيب إنه تربية النفس سواء كانت نفسك أو نفس زوجك أو‬
‫ولدك أو بنتك أو غيرهم على رقابة الله فامل هذه القلوب برقابة الله ثم‬
‫انظر يا أخي الحبيب أسألك بالله أل تعجب في نهار رمضان من المرأة وهى‬
‫في مطبخها أمام أصناف الطعمة والمأكولت ومع ذلك هي جائعة وهي‬
‫عطشى وتريد أن تأكل ولو لقمة أو أن تشرب ولو شربة ومع ذلك ل تفعل‬
‫سبحان الله من الذي ردها من الذي منعها أن تأكل والطعام أمامها إنها رقابة‬
‫ل إله إل الله إنه الخوف من الله أل تعجب من الرجل في نهار رمضان وفى‬
‫القيلولة وشدة حر الشمس وهو جائع عطشان ومع ذلك يتوضأ ويتمضمض‬
‫ويستطيع أن يدخل إلى فيه شيئا من قطرات الماء وهو يتمضمض ويتوضأ‬
‫ولكنه يحرص كل الحرص على أن ل يدخل فيه أو حلقه شيء ولو كانت‬
‫قطرة واحدة سبحان الله من الذي رباه على هذا الحرص من الذي جعله‬
‫يحرص على هذا المر وعلى هذه الشدة وهذا الحال إنها رقابة الله أول‬
‫تعجب من المسافر وحده في الخلء وفى الطريق ينظر ساعته ثم يركن‬
‫سيارته ثم يتوضأ ثم يؤذن ثم يستقبل القبلة ثم يصلي سبحان الله ل يطلع‬
‫عليه أحد من الناس ولكنها خشية الله ورقابة الله إذا امتلت بها النفوس‬
‫والقلوب‪.‬‬
‫فإذا علمت ذلك فاعلم أن الرقابة تتنوع وهو آخر المطاف رقابة الله على‬
‫أشكال ول مفر لك فذكر بهذا نفسك وذكر بهذا أهل المعصية وأهل الشهوة‪.‬‬
‫أول هذه النواع رقابة الملئكة يقول جل وعز )أم يحسبون أنا ل نعلم سرهم‬
‫ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون( ويقول سبحانه وتعالى )وإن عليكم‬
‫لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون(‪.‬‬
‫الرقابة الثانية رقابة الكتب فلكل عبد كتاب فيه كل صغيرة وكبيرة قال تعالى‬
‫)وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه‬
‫منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا(‪.‬‬
‫رقابة ثالثة رقابة الجوارح )يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما‬
‫كانوا يعملون(‪.‬‬
‫رقابة رابعة‪ :‬رقابة الجلود )وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله‬
‫الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون‬
‫أن يشهد عليكم سمعكم ول أبصاركم ول جلودكم ولكن ظننتم أن الله ل يعلم‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من‬
‫الخاسرين(‪.‬‬

‫)‪(79 /‬‬

‫ورقابة خامسة وأخيرة رقابة الرض" قرأ صلى الله عليه وآله وسلم يوما‬
‫سورة الزلزلة فلما وصل إلى قوله تعالى )يومئذ تحدث أخبارها( قال‬
‫لصحابه أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا الله ورسوله أعلم‪ .‬قال إن أخبارها يوم‬
‫تحدث أو تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول عمل علي يوم‬
‫كذا كذا وكذا فهذه أخبارها‪ ".‬أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه والترمذي‬
‫في سننه وقال حسن صحيح وتعقب الذهبي الحاكم وقال فيه ]شريح بن‬
‫سليمان[ وهو منكر الحديث وكذلك أخرجه المام أحمد في مسنده وقال عنه‬
‫]اللباني[ في ضعيف الترمذي ضعيف أو ضعيف السناد‪.‬‬
‫هذه الرقابة المتنوعة أين المفر منها يا أخي الحبيب لعلك علمت إذا أنه ل‬
‫مفر إذا البواب موصدة فما بقي أمامك إل باب واحد مفتوح وهو باب تربية‬
‫النفس على خشية الله ومراقبة الله هذا هو السر العجيب الذي أردت أن‬
‫أطلعك عليه الذي قلب حياة أولئك الرجال فجعل حياة النبلء حياة ذات معنى‬
‫وذات لذة وذات حلوة فهل تريد يا أخي الحبيب هذه الحياة ؟ هل تريد أن‬
‫تشعر بمعنى قيمة الحياة جرب ذلك وحاول أن تتمثل هذا السر فستجد‬
‫العجب العجاب في حياتك كلها كبيرها وصغيرها‪.‬‬
‫نسأل الله جل وعل أن يرزقنا خشيته في السر والعلن اللهم آت نفوسنا‬
‫تقواها وزكها أنت خير من زكاها اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا‬
‫وبين معاصيك اللهم ألن قلوبنا يا حي يا قيوم اللهم وفقنا لما تحب وترضى‬
‫اللهم تقبل منا واغفر لنا أجمعين اللهم ل نقوم من مجلسنا هذا إل وقد قلت‬
‫لنا جميعا صغيرنا وكبيرنا ذكرنا وأنثانا قوموا مغفورا لكم أنت ولي ذلك‬
‫والقادر عليه برحمتك ومنك ولطفك يا أرحم الراحمين أستغفر الله وأتوب‬
‫إليه وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ل إله إل أنت أستغفرك وأتوب إليك‬
‫وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما‬
‫كثيرا‪.‬‬

‫)‪(80 /‬‬

‫أما بعد أيها الحبة في الله السلم عليكم ورحمة الله وبركاته هذه هي ليلة‬
‫الربعاء الموافق للرابع عشر من الشهر الثالث للعام التاسع عشر بعد‬
‫الربعمائة واللف وفي هذا المكان الطيب المبارك في الجامع الكبير في‬
‫مدينة >الطائف< نلتقي وإياكم في موضوع بعنوان التوحيد وأثره في‬
‫النفوس فاعلم رحمني الله وإياك أن التوحيد هو إفراد الله تعالى بالعبادة‬
‫وهو دين الرسل الذين أرسلهم الله به إلى عباده بل هو أعظم سلح يتسلح‬
‫به المسلم سلح العقيدة سلح التوحيد العقيدة الصحيحة المستمدة من‬
‫الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه المة فأصل ما تزكو به القلوب والرواح‬
‫هو التوحيد قال شيخ السلم ]ابن تيميه[ رحمه الله في الفتاوى‪ :‬ولهذا كان‬
‫رأس السلم شهادة أن ل إله إل الله وهي متضمنة عبادة الله وحده وترك‬
‫عبادة ما سواه وهو السلم العام الذي ل يقبل الله من الولين والخرين دينا‬
‫سواه انتهى كلمه رحمه الله ‪،‬فل إله إل الله كلمة التوحيد ؛الكلمة التي قامت‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بها الرض والسماوات‪ ،‬ل إله إل الله فطر الله عليها جميع المخلوقات ؛عليها‬
‫حطّ‬ ‫ض َ‬‫ح ُ‬ ‫م ْ‬
‫أسست الملة ونصبت القبلة وجردت سيوف الجهاد‪ .‬ل إله إل الله َ‬
‫الله على جميع العباد ‪،‬هي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه‬
‫الدار‪ ،‬هي المنجية من عذاب القبر ومن عذاب النار هي المنشور الذي ل‬
‫يدخل أحد الجنة إل به ل إله إل الله؛ الحبل الذي ل يصل إلى الله من لم‬
‫يتعلق بصدده‪ ،‬ل إله إل الله كلمة السلم ومفتاح دار السلم ينقسم بها‬
‫الناس إلى شقي وسعيد ومقبول وطريد انفصلت دار الكفر من دار اليمان‬
‫وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان بل إله إل الله ؛هي العمود الحامل‬
‫للفرض والسنة ومن كان آخر كلمه من الدنيا ل إله إل الله دخل الجنة ‪،‬‬
‫نسأل الله الكريم من فضله ‪ ،‬قال] ابن القيم[ كلما جميل عن التوحيد في‬
‫الفوائد قال رحمه الله‪ :‬التوحيد أشق شيء وأنزهه وأنظفه وأصفاه وأدنى‬
‫شيء يخدشه ويدنسه ويؤثر فيه فهو كأضيق ثوب يكون ‪ ،‬يؤثر فيه أدنى أثر‬
‫وكالمرآة الصافية جدا أدنى شيء يؤثر فيها ولهذا وتنبهوا لهذا تشوشه‬
‫اللحظة واللهفة والشهوة الخفية فإن بادر صاحبه وقلع ذلك الثر بوده وإل‬
‫استحكم وصار طبعا يتعثر عليه قلعه… إلى آخر كلمه رحمه الله وكثير من‬
‫الناس يغفل عن حقيقة التوحيد فيتصور أن التوحيد هو قول ل إله إل الله‬
‫فقط أو أنه العتراف بربوبية الله فقط يردد‪ :‬أن الله هو الخالق الرازق‬
‫المحيي المميت ويجهل شمولية هذه العقيدة جميع جوانب الحياة لذلك ربما‬
‫تزعزعت عقيدة التوحيد في نفوس كثير من المسلمين ‪،‬فل إله إل الله في‬
‫كل صغيرة وكبيرة‪ ،‬ل إله إل الله في كل حركة وسكنة ‪،‬ل إله إل الله في‬
‫البيت وفي المسجد وفي الوظيفة وفي الشارع وفي كل مكان ‪،‬هنا باختصار‬
‫يتبين لنا جميعا أثر ل إله إل الله على نفوسنا يا أهل التوحيد يا أهل التوحيد‬
‫إليكم أمثلة سريعة على أن العقيدة والتوحيد ربما تتزعزع في قلوب بعض‬
‫الناس فانظروا مثل إلى الحلف بغير الله والتوسل والستعانة بالمخلوقين‬
‫دون الله بل والحتكام إلى العراف والعادات والتقاليد وتقديمها على حكم‬
‫الله ورسوله عند البعض من الناس انظروا إلى تقديم القرابين والنذور‬
‫والهدايا للمزارات والقبور وتعظيمها بل انظروا إلى التشبه بالكافرين في‬
‫أخلقهم وعاداتهم السيئة وموالتهم انظروا إلى لجوء الناس عند الشدائد‬
‫للسباب المادية نعم تعلقهم بالسباب المادية فقط من دون الله عز وجل‬
‫انظروا لنتشار السحرة والمشعوذين والكهان والعرافين والتمائم والرقى‬
‫غير الشرعية بل انظروا إلى إدعاء علم الغيب في قراءة الكف والفنجان‬
‫والتنجيم وعالم البراج التي تمل صفحات بعض المجلت اليوم والذاعات‬
‫‪،‬انظروا إلى الحتفالت بالمناسبات الدينية كالسراء والمعراج والهجرة‬
‫النبوية وبدعة المولد وغيرها مما ل أصل له في الشرع انظروا إلى الستهزاء‬
‫بالدين ‪،‬إلى السخرية بأهله إلى الستهانة بحرماته وأنه تأخر ورجعية ووصف‬
‫أهله بالتطرف والتشدد انظروا إلى التمسك بأقوال الرجال ‪ ،‬حتى أصبحت‬
‫تفوق الكتاب والسنة عند كثير من الناس وللسف‪ ،‬بل انظروا إلى ضعف‬
‫اليقين نعم إلى ضعف اليقين بالله وإلى دخول اليأس والقنوط لقلوب كثير‬
‫ن ؟ من المخلوقين عند‬ ‫م ْ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫من المسلمين انظروا إلى الخوف والرعب ِ‬
‫حدوث الفتن والمصائب انظروا إلى تمجيد الغرب والخوف منه حتى وصف‬
‫ببعض الصفات اللهية كالقوة والقدرة وإدارة الكون كما نسمع ونقرأ انظروا‬
‫إلى نظرة الناس المادية للحياة مما ابتلي به المسلمون اليوم نظرة الناس‬
‫المادية للحياة تحصيل اللذات والشهوات تعليق أهداف المة واهتماماتها‬
‫بأشياء ل قيمة لها كاللهو والطرب والغناء والمتعة الحرام والله عز وجل‬

‫‪207‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول )أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا ل ترجعون( هذه من مظاهر‬
‫زعزعة التوحيد في قلوب الناس وتناقصه والمثلة كثيرة تلك التي توضح حال‬
‫عقيدة التوحيد في نفوس المسلمين اليوم‬

‫)‪(81 /‬‬

‫‪208‬‬

You might also like