Professional Documents
Culture Documents
والفنون والداب ،وصلت الحياة الفكرية فى مصر فى القرنين الثامن والتاسع الهجريين إلى قمة نضففجها
وازدهارها ،وعادت إلى البلد أمجادها التى غابت عنهففا منففذ عصففور الحضففارة المصففرية القديمففة ،وكففانت
القاهرة وكبرى مدن الدلتا والصعيد مقصدا لطلب العلم والباحثين عن المعرفففة يفففدون عليهففا مففن كففل
أنحاء العالم السلمى لينهلوا من علمائها ويدرسوا على أيديهم وفى أواخر عصر دولة المماليففك البحريففة
وأوائل عصر دولففة المماليففك الجراكسففة ،أى فففى القرنيففن الثففامن والتاسففع الهجرييففن عففاش فففى مصففر
مجموعفففففففففففففففففففففففففففففففففففة مفففففففففففففففففففففففففففففففففففن العلمفففففففففففففففففففففففففففففففففففاء العلم.
وكان من بين هؤلء العلم ثلثة من أصحاب المؤلفات الفذة فى ذلك العصر وهم :أحمد بن عبففدالوهاب
النويرى المتوفى سنة 732هجرية ،وأحمد بن فضل الله العمرى المتوفى سنة 749هجرية ،وأحمد أبففن
علفففففففففففففففففى القلقشفففففففففففففففففندى المتفففففففففففففففففوفى سفففففففففففففففففنة 821هجريفففففففففففففففففة.
ورغم تعدد مؤلفات الرجال الثلثة فإن لكل منهم كتابا عمدة من بين كتبففه ارتبففط اسففمه بففه وذاع صففيته
واشتهر بسببه ،وهذه الكتب الثلثة هى »نهاية الرب فى فنون الدب« للنويرى ،و»مسففالك البصففار فففى
ممالك المصار« لبن فضل الله العمرى ،و»صبح العشى فى صففناعة النشففا« للقلقشففندى ،وعففن هففذه
المؤلفففففات الثلثففففة يقففففول المففففؤرخ والمفكففففر المصففففرى الراحففففل محمففففد عبففففدالله عنففففان:
»إنه لمن التجاوز والتواضع أن نسمى هذه المؤلفات المدهشة كتبا ،فهى فى الواقع موسففوعات ضففخمة
شاسعة ،ل تدل أسماؤها على حقيقة محتوياتها ،ومن الصعب أن نصف مؤلفيها بأنهم كتفاب أو أدبفاء مفن
نوع معين ،فهم فى الواقع علماء موسوعات )انسكلوبيديون( ،امتففازوا بففالتمكن والتوسففع فففى كففثير مففن
علوم عصرهم ،واستطاعوا بكثير من الجهد والجلد أن يجمعوا أشففتاتها فففى أسفففار منظمففة متصففلة ،وأن
يجعلوا من هذا النوع من الكتابة ،فنا خاصا ،ل يستطيع أن يضطلع به سوى القليل من العلماء أو الكتففاب
الذين يتمتعون بمواهب خاصة ،وقد وجففدت فكففرة الموسففوعات العامففة فففى الدب العربففى قبففل القففرن
الثففامن ،ولكنهففا لففم تصففل مففن قبففل إلففى مثففل هففذا التوسففع فففى النففوع وهففذا التبسففط فففى المففادة«.
وسوف نتوقف اليوم عند واحدة من هذه الموسوعات وهى كتاب »صففبح العشففى فففى صففناعة النشففا«
لشفففففففففففففففهاب الفففففففففففففففدين أحمفففففففففففففففد بفففففففففففففففن علفففففففففففففففى القلقشفففففففففففففففندى.
ولد القلقشندى فى خمسينيات القرن الثامن الهجرى وتوفى فى سنة 821هجرية فأدرك بذلك عصففرين
من عصور التاريخ المصرى ،عصر دولة المماليك البحرية وعصر دولة المماليففك الجراكسففة ،وبيففن مولففد
القلقشندى فى خمسينيات القرن الثامن ووفاته فى عشرينيات القرن التاسع للهجرة عاش الرجل حيففاة
حافلففففففففففة غنيففففففففففة مكنففففففففففت لففففففففففه مففففففففففن تففففففففففأليف موسففففففففففوعته الكففففففففففبيرة.
ولد القاضى شهاب الدين أحمد بن على القلقشندى بقرية قلقشندة إحدى قرى القليوبية فى سففنة 759
هف ،وكان ينتمى إلى أسرة من أصول عربية من تلك السففرات الففتى هففاجرت إلففى مصففر واسففتقرت بهففا
ضمن عديد من الهجرات العربية إلى مصر ،وقد درس القلقشندى بالقفاهرة والسفكندرية علفى يفد كبفار
علماء عصره ،وتخصص فى الفقه الشافعى والدب وعلوم اللغة والبلغة ،وتولى بعض الوظائف الداريففة
فى الدولة ،وقد لفتت براعته فى النشاء نظر بعض رجال البلط إليه ،فرشح للعمل فففى ديففوان النشففاء
وكان من أهم دواوين الدولة فى ذلك العصففر ،وترقففى فففى العمففل فففى الففديوان ووصففل فيففه إلففى أرفففع
المناصب ،وقد بدأ عمله فى الديوان فى سنة 791هف فى زمن السلطان الظاهر برقففوق واسففتمر يعمففل
فففففففففففففففففى الففففففففففففففففديوان لكففففففففففففففففثر مففففففففففففففففن عشففففففففففففففففر سففففففففففففففففنوات.
وكان عمل القلقشندى فى ديوان النشاء وراء تأليفه لموسففوعته الضففخمة »صففبح العشففى فففى صففناعة
النشا« ،فقد أتاح له العمل فى الديوان التعرف على كل تفاصففيل النظففم السياسففية والداريففة لسففلطنة
المماليفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففك عفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففن قفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففرب.
ويبدو أن تأليف القلقشندى لموسوعته كان بناء على طلب من أحد كبففار المسففئولين فففى الدولففة وربمففا
كان السلطان نفسه ،وذلك بعد أن وضع مقامة صغيرة عن صناعة النشاء ،حيث يقففول القلقشففندى فففى
مقففففففففففففدمته لكتففففففففففففاب صففففففففففففبح العشففففففففففففى فففففففففففففى صففففففففففففناعة النشففففففففففففا:
»وكان فى حدود سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ،عنففد اسففتقرارى فففى كتابففة النشففاء بففالبواب الشففريفة
السلطانية ،عظم الله تعالى شأنها ،ورفففع قففدرها ،وأعفز سفلطانها ،أنشفأت مقامفة بنيتهففا علففى أنفه لبفد
للنسان من حرفة يتعلق بها ،ومعيشة يتمسك بسففببها ،وأن الكتابففة هففى الصففناعة الففتى ل يليففق بطففالب
العلم من المكاسب سواها ،ول يجوز له العدول عنها إلفى مففا عفداها ،ونبهففت إلففى مففا يحتفاج إليففه كفاتب
النشاء من المواد ،وما ينبغى أن يسففلكه مفن الجففواد ،وضفمنتها مفن أصفول الصففنعة مففا أربفت بفه علفى
المطولت وزادت ،وأودعتهفا مفن قفوانين الكتابففة مفا اسفتولت بفه علفى جميففع مقاصففدها أو كففادت«....
ويمضى القلقشندى فى مقدمته قائل» :إل إنها قد وقعت موقففع الففوحى والشففارة ،ومففالت إلففى اليجففاز،
فاكتفت بالتلويح عن واسع العبارة ،فعز بذلك مطلبها ،وفات على المجتبى ببعد التساؤل أطيبهففا ،فأشففار
من رأيه مقرون بالصواب ،ومشففورته عريففة عففن الرتيففاب ،أن أتبعتهففا بمصففنف مبسففوط ،يشففتمل علففى
أصولها وقواعدها ،ويتكفل بحفل رموزهففا وذكففر شففواهدها ،ليكففون كالشففرح عليهففا ،والبيففان لمففا أجملتففه،
والتيمة لما لم يسقه الفكر إليها ،فامتثلت أمره بالسمع والطاعة ،ولم أتلكأ وإن لففم أكففن مففن أهففل هففذه
الصناعة ،فشرعت فى ذلك بعد أن استخرت الله تعالى وما خاب من اسففتخار ،وراجعففت أهففل المشففورة
ومففففففففففففففففففففففففففففا نففففففففففففففففففففففففففففدم مففففففففففففففففففففففففففففن استشففففففففففففففففففففففففففففار«.
ورغم أن الهدف من تأليف القلقشندى لموسوعته »صبح العشى فى صناعة النشا« يبدو هففدفا تعليميففا
بحتا ،حيث قصد بها أن تكففون كتابففا جامعففا للمعففارف اللزمففة لكتففاب ديففوان النشففاء ،فإنهففا جففاءت عمل
موسوعيا فذا ،فكتاب صبح العشى يجمففع بيففن التاريففخ ،والجغرافيففا ،والنظففم السياسففية ،ونظففم الدارة،
والتنظيمات المالية والقتصادية ،فضل عما فيه من مواد ذات علقة وثيقة بالدب واللغة والخطوط ،وقففد
قسم القلقشندى كتابه إلى عشر مقالت استوعبت عند طباعتها فى أوائل القرن الماضففى أربعففة عشففر
مجلففففففففففففففففففففففففففدا مففففففففففففففففففففففففففن القطففففففففففففففففففففففففففع المتوسففففففففففففففففففففففففففط.
وقد جمع القلقشندى فى كتابه كل ما أتى به السابقون عليه من كتاب ديوان النشاء فى مؤلفففاتهم عففن
الكتابة الديوانية منذ عهد البعثة النبوية حتى القرن التاسع الهجرى ،ولكنففه أضففاف علففى هففذا الكففثير مففن
خبراته وابتكاراته ،كما ضمن القلقشندى كتابه نصوص مئات من الوثائق التى صدرت فى عصففور الدولففة
السلمية المختلفة والتى فقدت أصولها فحفظ لنا بذلك قسما كبيرا من تاريخنا الضائع ،كمففا عرفنففا مففن
خلل موسوعته تلك الكثير من المعلومات عن العلقات الخارجيففة لمصففر وصففلتها بغيرهففا مففن الممالففك
السففففففففففففففففففلمية ،وصففففففففففففففففففلتها أيضففففففففففففففففففا بالففففففففففففففففففدول الوروبيففففففففففففففففففة.
وقد استغرق تأليف هذا العمل الموسوعى عشر سنوات من القلقشندى حتى يتمفه ،ومففع ذلففك لففم يكففن
مؤلفه الوحيد ،بل وصلتنا من أعماله عدة مؤلفات أخرى فى التاريففخ والدب وأنسففاب القبففائل العربيففة.
لقد أثرى الرجل المكتبة العربية فى مصر فى عصره وخلدته أعماله عبر القرون.