You are on page 1of 19

‫‪- 186 -‬‬

‫القاف والهمزة في اللهجات العربية *‬


‫) (‬

‫للدكتور رمضان عبد التواب‬


‫خب‬
‫ير بلجنة اللهجات‬

‫يعد صوت القاف من الصوات التي عانت كثيًرا من التغييرات‬


‫التاريخية)‪ ،(1‬في اللغة العربية فإن مقارنة اللغات السامية‪ ،‬تدل على أنه‬
‫صوت شديد مهموس‪ ،‬ينطق برفع مؤخرة اللسان‪ ،‬وإلصاقها باللهاة‪ ،‬لكي‬
‫ينحبس الهواء عند نقطة هذا اللتصاق‪ ،‬ثم يزول هذا السد فجأة‪ ،‬مع‬
‫عدم حدوث اهتزازات في الوتار الصوتية‪ ،‬ففي العبرية مثل‪ُ :‬قول‬
‫ل ‪ ،kāl‬بمعنى‪:‬‬ ‫‪ ، Kōl‬وفي الرامية‪ :‬قال ‪ ، kàlà‬وفي الحبشية‪َ :‬قا ْ‬
‫"صوت"؛ في الجميع‪ ،‬وهو يقابل في العربية‪َ" :‬قْول"‪ ،‬وفي الشورية‪:‬‬
‫ل ‪ kulu‬بمعنى "صراخ")‪.(2‬‬ ‫ُقو ُ‬
‫)‬
‫وقد عد قدماء اللغويين العرب " القاف " من الصوات المجهورة‬
‫‪ (3‬في العربية الفصحى‪ ،‬فإن صدق وصفهم إياها بالجهر‪ ،‬كان ذلك النطق‬
‫من التغييرات التاريخية في العربية القديمة‪.‬‬
‫وقد بقي هذا النطق المجهور في أغلب البوادي‪ ،‬في اللهجات‬
‫ل وأصبح كالكاف‬ ‫العربية المعاصرة)‪ . (4‬وإن تقدم مخرجه إلى المام قلي ً‬
‫الفارسية ‪.‬‬
‫غير أن هناك تغييرات أخرى كثيرة‪ ،‬طرأت على هذا‬
‫الصييوت فييي البلد العربييية‪ ،‬فهييو ينطييق صييوًتا مزجي ّييا )‬
‫‪ ( affricate‬كييالجيم الفصيييحة‪ ،‬فييي بعييض بلييدان الخليييج‬
‫العربي كييالبحرين‪ ،‬فقييد سييمعت بعييض أهلهييا يقولييون‪":‬‬
‫جْبلة " بدل من‪ " :‬الِقْبلة "‪.‬‬ ‫ال ِ‬
‫ييييييييييي‬
‫البحث في الدورة الخامسة والربعين‪ ،‬في الجلسة الثانية والثلثين للمجلس في ‪ 19‬من‬ ‫)*( عرض‬
‫فبراير سنة ‪ ،1979‬كما عرض بالجلسة الثامنة للمؤتمر‪ ،‬في ‪ 28‬من مايو سنة ‪. 1979‬‬
‫)( لمعرفة الفرق بين التغييرات التاريخية والتركيبية للصوات‪ ،‬انظر مقالتنا ‪ ":‬التطور اللغوي‬
‫وقوانينه " في مجلة كلية اللغة العربية بالرياض العدد الخامس ) ‪ ( 1975‬ص ‪. 107‬‬
‫)‪ (2‬انظر كتابنا ‪ :‬اللغة العبرية‪ ،‬قواعد ونصوص ومقارنات باللغات السامية ص ‪. 128‬‬
‫)‪ (3‬انظر‪ :‬كتاب سيبويه ‪ ، 2/405‬وسر صناعة العراب ‪ ، 1/278‬شرح ابن يعيش للمفصل‬
‫‪.10/129‬‬
‫‪- 187 -‬‬

‫‪. Spuler, Handbuch der Orientalistik‬‬ ‫‪3/236، 237‬‬ ‫)‪ (4‬انظر كتاب شيولر ‪:‬‬
‫كما ينطق في مدينة " الرياض " ونواحيها‪ ،‬في الجزيرة العربية‪،‬‬
‫صوًتا مزجّيا كذلك‪ ،‬غير أنه مكون من الدال والزاي ) ‪ ( dz‬في مثل‬
‫قولهم ‪ْ " :‬دِزْبلة " في " ِقبلة " و" دزليب " في " قليب " وغير ذلك مما‬
‫سمعته بنفسي هناك ‪.‬‬
‫وفي السودان‪ ،‬وجنوبي العراق‪ ،‬تحول نطق القيياف‬
‫إلى غين‪ ،‬ففي حديث إذاعي مع أحد السودانيين‪ ،‬وفييي‬
‫إذعة ركن السودان بالقيياهرة‪ ،‬فييي شييهر مييارس ‪1978‬‬
‫وردت الكلمييييات التالييييية‪ :‬لغيييياء‪ ،‬وغنيييياة‪ ،‬ويغييييدر‪،‬‬
‫والديموغراطييييية‪ ،‬وعلغيييية‪ ،‬واغتصييييادي‪ ،‬وانتغلييييت‪،‬‬
‫والستغلل بدل ً من‪ :‬لقاء‪ ،‬وقناة‪ ،‬ويقدر‪ ،‬والديموقراطية‪،‬‬
‫وعلقة‪ ،‬واقتصادي‪ ،‬وانتقلت‪ ،‬والستقلل ‪ ...‬وفي اللهجة‬
‫المصرية كلمتان قلبت فيهما القاف غيًنا على هذا النحو‬
‫هما‪ " :‬يغدر" ومشتقاتها‪ ،‬بدل ً من‪ " :‬يقدر "‪ .‬و " زغزغ "‬
‫بمعنى‪ :‬حرك يده في خاصرة الصبي ليضييحكه‪ .‬والصييل‬
‫فيها في العربية الفصحى‪ " :‬زقزق " )‪.(1‬‬
‫كمييا تطييورت القيياف إلييى " كيياف " فييي نطييق‬
‫ل‪ " :‬كييان "‬ ‫الفلسطينيين في المدن)‪ ،(2‬فهم يقولييون مث ً‬
‫في " قال " و " برتكان " في‪ " :‬برتقال " و " كتلته كتل‬
‫في‪ " :‬قتله قتل "‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫"‬
‫والتعليل الصوتي لكل هذه النقلبات‪ ،‬سهل ويسير‪،‬‬
‫فتأثير " قانون الصوات الحنكييية ")‪ (3‬واضييح فييي انقلب‬
‫القيياف إلييى نطييق مزجييي‪ ،‬فييي بعييض بلييدان الخليييج‬
‫) كالجيم الفصيييحة (‪ ،‬وفييي الرييياض وضييواحيها ) دز ( ‪.‬‬
‫القاف ل تعاني من هذا القلب‪،‬‬ ‫والدليل على ذلك أن‬
‫ما كما يتطلب هذا القانون)‪. (4‬‬ ‫إل إذا وليتها كسرة‪ ،‬تما ً‬
‫‪ ()1‬انظر مقالتنا ‪ :‬اللهجة العامية المصرية في القرن الحادي عشر " حوليات دار العلوم ‪1970‬م "‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الطلس اللغوي لبرجشتراسر ‪ Bergsträsser, Sprachatlas :‬الفقرة ‪. 7‬‬
‫‪ ()3‬انظر في شرح هذا القانون مقالتنا ‪ ":‬التطور اللغوي وقوانينه " ‪. 164 – 163‬‬
‫‪ ()4‬انظر كذلك ‪ :‬دراسات في لهجات " شرقي الجزيرة " لجونستون – ترجمة أحمد الضبيب ‪– 54‬‬
‫‪. 55‬‬
‫‪- 188 -‬‬

‫كما أن ضياع النفجار من القاف‪ ،‬وتزحزح مخرجهييا‬


‫ل‪ ،‬هو المسئول عن انقلبها غيًنا في نطييق‬ ‫إلى المام قلي ً‬
‫أهالي السودان وجنييوبي العييراق ‪ .‬وكييذلك انقلبهييا كافًييا‬
‫حييا فييي مخرجهييا‬ ‫في نطق الفلسييطينيين ليييس إل ّ تزحز ً‬
‫قليل ً إلى المام‪ ،‬مع ترقيقهييا‪ ،‬واحتفاظهييا بصييفة الشييدة‬
‫في نطقها‪.‬‬
‫هذه هي بعض التغييييرات التاريخييية لصييوت القيياف‬
‫فييي اللهجييات العربييية المعاصييرة‪ ،‬والتعليييل الصييوتي‬
‫لحدوثها‪ ،‬غير أن ما يهمنا هنا هو انقلب القاف همزة في‬
‫لهجة القاهرة‪ ،‬وبعييض اللهجييات الخييرى‪ .‬ويبييدو أن هييذا‬
‫النوع من التطور في القاف قديم في اللغييات السييامية‪،‬‬
‫فقييد نقييل ) بروكلمييان ()‪ (1‬عيين ) ليتمييان ()‪ (2‬أن القيياف‬
‫تحولت في أعلم " الفينيقية " فييي بعييض الحيييان إلييى‬
‫همزة‪ ،‬ثم سقطت‪ ،‬كما سقطت الهمييزات الصييلية فييي‬
‫مل َْقييْرت "‬‫ح َ‬ ‫الفينيقية‪ ،‬فمث ً‬
‫ل‪ :‬العلم الفينيقي‪ِ " Himalkart :‬‬
‫ملْر "‪.‬‬
‫ح َ‬
‫تحول إلى ‪ِ " Himalar‬‬
‫والعلة الصييوتية فييي هييذا التطييور‪ ،‬تتلخييص فييي أن‬
‫مخرج القاف‪ ،‬انتقل إلييى الخلييف " باحث ًييا عيين أقييرب‬
‫الصوات شبًها به ميين الناحييية الصييوتية‪ ،‬فتعمييق القيياف‬
‫في الحلق عند المصريين‪ ،‬ل يصادف من أصوات الحلييق‬
‫ما يشبه القاف‪ ،‬إل الهمزة‪ ،‬لوجود صفة الشدة في كييل‬
‫منهما ")‪.(3‬‬
‫ولعييل هييذا التطييور كييانت لييه بييداياته‪ ،‬فييي عصييور‬
‫الفصاحة‪ ،‬فقيد أوردت المعياجم العربيية‪ ،‬وكتييب اللغيية ‪،‬‬
‫مجموعة من اللفاظ‪ ،‬رويييت لنييا مييرة بالقيياف‪ ،‬وأخييرى‬
‫بالهمزة‪ ،‬والمعنيى فيهميا واحيد‪ ،‬وفيميا يليي بعيض هيذه‬
‫اللفاظ‪:‬‬

‫‪ ()1‬في كتابه ‪. Brockelmann, Grundriss 1/125 :‬‬


‫‪ ()2‬في مجلة ‪. American Journal of theology :‬‬
‫‪ ()3‬الصوات اللغوية‪ ،‬لبراهيم أنيس ‪. 69‬‬
‫‪- 189 -‬‬

‫شَبه به‪ ،‬يعني‪ :‬لمه وعابه )‬ ‫شَبه بشّر‪ ،‬وأ َ َ‬


‫‪ -1‬يقال‪ :‬قَ َ‬
‫ما اختلفت ألفاظه للصمعي ‪ ،19 – 18‬والبييدال لبييي‬
‫الطيب ‪.( 2/561‬‬
‫‪ -2‬الَقْفييز‪ ،‬والفْ يْز‪ ،‬بمعنييى‪ :‬الييوثب ) البييدال لبييي‬
‫الطيب ‪.( 2/562‬‬
‫‪ -3‬القوم ُزهاق مييائة‪ ،‬وُزهيياء مييائة‪ ،‬أي قريييب ميين‬
‫ذلك ) البدال لبي الطيب ‪ ،2/562‬ويرى ابن فارس في‬
‫المقاييس ‪ 3/33‬أن الهمزة هنا هي التي أبدلت قاًفا (‪.‬‬
‫‪ -4‬يقال‪َ :‬زن ّيقَ علييى عييياله‪ ،‬وَزن ّيأ َ عليهييم‪ ،‬إذا ضيييق‬
‫عليهم فقيًرا أو بخل ً ) لسييان العييرب – زنييق ‪ 12/11‬زنييأ‬
‫‪.( 1/84‬‬
‫مييا‪ ،‬إذا أكييل‬‫‪ -5‬روى ابيين السييكيت‪ :‬قَيَرم يْقييرم قر ً‬
‫‪ ،( 15/373‬وهو قريب ممييا‬ ‫ضعيًفا ) اللسان‪ /‬قرم‬
‫ْ‬
‫م ميييا عليييى الميييائدة ييييأِرمه‪ ،‬أي أكليييه‬ ‫رواه ثعليييب‪ :‬أَر َ‬
‫)اللسان‪ /‬أرم ‪.( 14/279‬‬
‫صر‪ :‬الحبس ) اللسان‪ /‬قصيير ‪ ( 6/407‬وروى‬ ‫‪ -6‬الَق ْ‬
‫صَرني الشيء يأصرني‪ :‬حبسييني‪ .‬وأصييْرت‬ ‫الكسائي‪ ":‬أ َ‬
‫أصيير‬ ‫الرجل على ذلك الميير‪ :‬أي حبسييته ) اللسييان‪/‬‬
‫‪.( 5/82‬‬
‫‪ -7‬يقال ‪ :‬تأّبض وتقّبض‪ ،‬يعني شد رجليه ) اللسييان‬
‫– أبض ‪.( 279 – 8‬‬
‫‪ -8‬روت المعاجم ‪ ":‬الوَْقبة‪ :‬نقرة في الصخر يجتمع‬
‫فيها الماء " ) اللسان – وقب‪ .( 2/301/‬وهو قريب من‬
‫ضا‪ " :‬الوأبة‪ :‬النقرة في الصخرة تمسييك الميياء"‬ ‫قولها أي ً‬
‫) اللسان‪ /‬وأب – ‪.( 2/290‬‬
‫شييق‪ :‬انتشييار‬ ‫‪ -9‬روى أبييو عمييرو الشيييباني " الَف َ‬
‫النفس من الحرص " )الصحاح‪ /‬فشق ‪ ،( 4/1544‬ولعل‬
‫لهيييذا علقييية بقيييولهم‪ " :‬تفشيييأ الشييييء‪ ،‬أي انتشييير "‬
‫)الصحاح‪/‬فشأ ‪ ( 1/63‬وقد تكون الصيغة الخيييرة ناتجيية‬
‫‪- 190 -‬‬

‫( ميين "‬ ‫)‪Hyperurbanismus‬‬ ‫حذ ْل ََقيية فييي اللغيية‬


‫بسييبب ال َ‬
‫شى " بل همز!!‬ ‫ت ََف ّ‬
‫‪ -10‬قفخته على الرأس ) الصحاح‪ /‬قفخ ‪( 1/429/‬‬
‫ويقييال‪ " :‬أفختييه‪ :‬ضييربت يييافوخه‪ ،‬وهييو الموضييع الييذي‬
‫يتحرك من رأس الطفل " ) الصحاح ‪ /‬أفح ‪.(1/419‬‬
‫أمييا انتشييار هييذه الظيياهرة فييي اللهجييات العربييية‬
‫الحديثيية‪ ،‬فيييذكر المستشييرق ) شيييتا ( فييي كتييابه عيين‬
‫اللهجيية المصييرية)‪ ، (1‬أن " القيياف قلبييت همييزة فييي‬
‫القاهرة وضييواحيها‪ ،‬وفييي القليوبييية‪ ،‬والواسييطى وجييزء‬
‫كبير ميين الفيييوم‪ ،‬وبعييض البلد العربييية الخييرى‪ ،‬وعلييى‬
‫الخص في سوريا "‪.‬‬
‫ويزيييد عيييه بروكلمييان)‪ ، (2‬أن ذلييك " التحييول فييي‬
‫صوت القيياف إلييى همييزة‪ ،‬يوجييد كييذلك فييي‪ :‬تلمسييان‪،‬‬
‫وشمالي مراكييش)‪ ،(3‬وعنييد اليهييود فييي شييمال إفريقيييا‪،‬‬
‫وكذلك في اللغة المالطية‪ ،‬في معظم الحوال"‪.‬‬
‫وإن كان الشيخ محمد علي الدسييوقي يتعجييب ميين‬
‫أن " أهييل جزيييرة مالطيية ينطقييون بالقيياف فييي جميييع‬
‫كلماتهم‪ ،‬التي ورثوها عن العرب الفاتحين‪ ،‬مييع أن أهييل‬
‫مصر يستنكفون عن النطق بها " )‪. (4‬‬
‫ويخبرنا ) برجشتراسر ( في الطلس اللغييوي الييذي‬
‫عملييه لسييوريا وفلسييطين سيينة ‪1915‬م بييأن " نطييق‬
‫القاف همزة‪ ،‬يسود معظم مدن سوريا وفلسطين‪ ،‬فيمييا‬
‫عدا القليل‪ ،‬ومه ذلك يوجد نطق القاف في المدن أحياًنا‬
‫) ليتمييان (‬ ‫بين غير المتعلمييين"‪ ،‬كمييا ينقييل عيين‬
‫قوله‪ " :‬إن المسيحيين في حلب ل ينطقييون إل الهمييزة‪،‬‬
‫على العكس من المسيلمين اليذين ل ينطقيون هنياك إل‬

‫ص ‪. 12‬‬ ‫‪Spltta, Grammatik des arab. Vulgärdialektes Von Ägypten‬‬ ‫‪()1‬‬


‫‪ ()2‬في كتابه ‪. Grundriss 1-121 :‬‬
‫‪ ()3‬انظر كذلك ‪ :‬لهجة المغرب‪ ،‬تطوان وما حولها‪ ،‬لعبد المنعم سيد عبد العال ص ‪.81‬‬
‫‪ ()4‬تهذيب اللفاظ العامية‪ ،‬للشيخ محمد علي الدسوقي ‪. 47‬‬
‫‪- 191 -‬‬

‫القاف " كما يقول ليتمان‪ " :‬وقييد سييمعت الهمييزة ميين‬
‫يهودي متعّلم‪ ،‬والقاف من مسلم غير مثقف ")‪. (1‬‬
‫هذا ‪ ..‬ومما يلفت النظر أن كثيًرا من اللهجات التي‬
‫قلبت فيها القيياف همييزة‪ ،‬ل تحتفييظ بنطييق الهمييزات‬
‫الصلية في اللغة‪ .‬ويبدو أن ترك هذه الهمزات الصييلية‪،‬‬
‫تييم فييي فييترة قديميية‪ ،‬ولييم يكيين إل امتييداًدا للهجييات‬
‫تم توقف هييذا‬ ‫الحجازية القديمة في تسهيل الهمزة‪.‬‬
‫التغير بعد فترة فما دام التغير قد أصاب جميع الكلمات‪،‬‬
‫تحت طائلته‪ ،‬يصبح القييانون الييذي يفسييره‬ ‫التي تقع‬
‫وكأنه قد نسخ‪ ،‬ويمكن للغيية أن تخلييق مركبييات صييوتية‬
‫جديدة‪ ،‬مشابهة كل الشييبه للمركبييات الييتي كييان التغييير‬
‫يعمييل فيهييا سييابًقا‪ ،‬فهييذه المركبييات تبقييى دون تغييير‪،‬‬
‫القانون‪.‬‬ ‫فيقال إنها لم تعد واقعة تحت سلطة‬
‫وهكذا بعد أن توقفت ظاهرة التخلص ميين الهمييزة‪،‬‬
‫ومضت فترة من الزمن‪ ،‬أخذ صوت القاف يتحييول إلييى‬
‫جييا‪.‬‬
‫الهمزة‪ ،‬دون أن تجد لهجات الخطيياب فييي ذلييك حر ً‬
‫والله أعلم ‪،،‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الفقرة ‪. 10‬‬ ‫‪Sprachatlas‬‬ ‫‪()1‬‬


‫‪- 192 -‬‬

‫القاف في العامية المصرية *‬


‫) (‬

‫للدكتور عبد الصبور شاهين‬


‫خبير بلجنة‬
‫اللهجات‬

‫تتميز العامية المصرية بإبدال صوت الهمزة بصييوت‬


‫القاف‪ ،‬بصفة عامة‪ ،‬وهذه الظاهرة شييائعة فييي العامييية‬
‫القاهرية‪ ،‬وما تأثر بها من لهجييات الريييف القريييب منهييا‪،‬‬
‫في القليوبية والدلتا‪ ،‬وجزء كبير من الفيوم‪ ،‬وتوجد هييذه‬
‫الظاهرة خارج مصر في معظم المناطق السورية‪ ،‬وفي‬
‫بعض جهييات المغييرب العربييي مثييل بلييدة تلمسييان فييي‬
‫أغادير‪.‬‬
‫هذا علييى حييين يشيييع نطييق القيياف مجهييورة ) أي‪:‬‬
‫ما قاهرية ( فييي أغلييب اللهجييات العربييية‪ ،‬بلد صييعيد‬
‫جي ً‬
‫مصر وكثير من أقاليم الوجه البحري‪ :‬الشرقية والبحيرة‬
‫وغيرهما ‪.‬‬
‫ويلحظ أن صوت الهمزة قد حل محيل القياف كميا‬
‫قلنا بصفة عامة‪ ،‬باسييتثناء بعييض اللفيياظ ذات المفهييوم‬
‫الديني أو ذات المستوى الثقافي‪ ،‬مثييل كلمييات‪ :‬القييرآن‬
‫والثقافة والقلية‪ ،‬ومن صفات الليه‪ :‬القيوم‪ ،‬والقدوس‪..‬‬
‫‪- 193 -‬‬

‫إلخ فقد احتفظت العامية بنطق القيياف بصييورة مييا فييي‬


‫الكلمات وأشباهها غالًبا‪.‬‬
‫وقييد لييوحظ فييي العامييية المصييرية سييقوط صييوت‬
‫الهمزة غالًبا فييي وسييط الكلميية أو فييي آخرهييا‪ ،‬مثييل‪:‬‬
‫راس‪ ،‬وابتدا‪ ،‬وجه‪ .‬وقد تسقط في أول الكلمة مثل‪ :‬كل‬
‫وخد‪ ،‬لكن هذا لييس مطيرًدا‪ ،‬وهيو يحتياج إليى دراسية‬
‫مفردة‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن هذا الصوت النفجاري الحنجري قييد‬
‫أخذ موقعية جديدة فييي العامييية المصييرية واختلييف فييي‬
‫تييوزيعه عيين الفصييحى‪ ،‬بحيييث زاد تييردده فييي الكلم‬
‫العامي‪ ،‬أكثر من تردده في الفصيييح؛ إذ هيو يشييمل فيي‬
‫دا‪.‬‬
‫العامية موقعين‪ ،‬ل موقًعا واح ً‬
‫وقييد ذكيير المستشييرق ) إّنييو ليتمييان ( فييي بحثييه‬
‫المنشور في ) مجلة كلية الداب‪ /‬المجلد العاشر‪ /‬مييايو‬
‫‪ 1958‬ص ‪ " :( 27‬إن ذلك النطييق قييديم‪ ،‬ويوجييد فييي‬
‫أسماء العلم‬
‫يييييييييييييي‬
‫عرض البحث في الدورة الخامسة والربعين‪ ،‬بالجلسة الثانييية والثلثي ين‬ ‫)*(‬
‫للمجلس‪.19/2/1979 ،‬‬
‫الفينيقية "‪ .‬كما ذكيير الييدكتور خليييل يحيييى نييامي ) فييي‬
‫بعض محاضراته في معهد اللغات الشرقية عام ‪( 1951‬‬
‫" أن القاف تقلب همزة في شمال مراكييش وكييل يهييود‬
‫شمال إفريقيا يبدلونها همزة‪ ،‬كما أنها كييذلك فييي اللغيية‬
‫المالطية وهي أصل ً لهجة عربية "‪.‬‬
‫على أننيا إذا أردنيا التأرييخ لهيذه الظياهرة النطقيية‬
‫فقد نجد لها جذوًرا فييي بعييض مفييردات اللغيية الفصييحى‬
‫المروية بوجهين أحدهما القاف‪ ،‬والخر الهمزة في مثل‪:‬‬
‫زهيياق فييي زهيياء مييائة‪ ،‬والقفييز والفييز بمعنييى الييوثب‪،‬‬
‫لبدال لبي الطيييب‬ ‫ه وأشَبه بمعنى‪ :‬عابه ) ا ِ‬ ‫ويقال قَ َ‬
‫شب َ ُ‬
‫‪ 2/561‬و ‪ ( 562‬وأّر وَقَّر‪ :‬أحدث صوًتا‪ .‬ويقال‪َ :‬زّنأ وَزّنق‬
‫ضّيق‪ ،‬ويقال‪ :‬أَرم على الشيييء يييأِرم‪ ،‬بالكسيير‪:‬‬ ‫بمعنى‪َ :‬‬
‫‪- 194 -‬‬

‫ما بمعنى‪ :‬أكل الطفل أكل ً‬ ‫أي عض عليه‪ ،‬ومثله‪ :‬قََرم قَْر ً‬
‫ضعيًفا‪.‬‬
‫ويقييال ‪ :‬رزأ ورزق ‪ ،‬وأبييض وقبييض‪ ،‬وقسيير وأسيير‪،‬‬
‫وقصيير وأصيير بمعنييى حبييس ويقييال كييذلك وأبييه ووقبييه‬
‫وره ) عيين‬ ‫بمعنى‪ :‬النقرة في الصييخرة‪ ،‬وأّوب الديييم‪ :‬قَي ّ‬
‫وب الرض تقويب ًييا حفيير بهييا شييبه التقييوير‬ ‫ثعلييب (‪َ ،‬وق ي ّ‬
‫) اللسان (‪.‬‬
‫وقد تكون في معاجم اللغة أمثلة أخرى لم يتثن لنييا‬
‫دا ميين الييرواة لييم ينسييب هييذه‬ ‫العثور عليها‪ ،‬غير أن أح ي ً‬
‫الظاهرة إلى قبيلة بعينها‪ ،‬وإنما يوجييد ذلييك مروي ّييا علييى‬
‫أنه من الفصيح المستعمل بوجهيه كليهما‪.‬‬
‫ثم ننتقل نقلة أخرى بقدر ما ساعدتنا المراجع فنجد‬
‫أن هذه الظاهرة كانت قد وجدت في لسييان أهييل مصيير‬
‫منذ القرن السابع الهجري‪ ،‬وربما عرفها أهل مصير قبيل‬
‫ذلك بقرن أو قرنين فقد ورد في تاريييخ ابيين إييياس فييي‬
‫حوادث عام سنة ‪713‬هي ما نصه‪:‬‬
‫" وحضر نائب غزة‪ ،‬وجماعيية ميين الخيييار الشييامية‬
‫والغزاويييية‪ ،‬وتكلميييوا فيييي ذليييك‪ ،‬وكتبيييوا المئالت‬
‫والمناشييير "‪ .‬ويغلييب علييى الظيين أن المقصييود بكلميية‬
‫)المئالت(‪ :‬هو‪ ) :‬المقييالت ( كمييا جيياء فييي ديييوان ابيين‬
‫التاسييع‬ ‫سييودون ميين شييعراء العامييية فييي القييرن‬
‫الهجييري ص ‪ " 36‬مييتى آل در بهييذا القصيير " أي‪ :‬مييتى‬
‫قال در بهذا القصر ‪.‬‬
‫ضيا ) ص ‪ " :( 99‬ميع قيد بيدا آل جيوم‬ ‫وجاء فييه أي ً‬
‫العييب ‪ ،‬أي ‪ :‬قييال ‪ :‬قييوم ‪ ..‬وفيييه ) ص ‪ " :( 60‬يييا رب‬
‫ألبها ‪ ،‬وقد يكون المراد ‪ :‬قلبها "‪.‬‬
‫وواضح من هذه النصوص أن صوت الهمزة قييد ورد‬
‫فييي كلميية )قييال(‪ ،‬ومشييتقها‪ ) :‬المقييالت ( وفييي كلميية‬
‫)قلب(‪ ،‬ولعل ذلك لكييثرة اسييتعمال هييذه الكلمييات فييي‬
‫‪- 195 -‬‬

‫درج الكلم‪ ،‬دون بقييية الكلمييات المشييتملة علييى قيياف‪،‬‬


‫ومن ذلك كلمة )جيوم( بالقياف المجهيورة ) فيي النصير‬
‫السابق (‪.‬‬
‫ولبييد أن نسييلم بييافتراض أن هييذه الظياهرة ظلييت‬
‫مستمرة ومطردة في العامية المصرية حتى عهييدنا هييذا‬
‫دون انقطاع ‪ .‬وهو أمر يدعونا إلى أن نتساءل ‪:‬‬
‫لميياذا كييان هييذا البييدال فييي ألسيينة أهييل مصيير‬
‫باعتبارهم سواد الناطقين به بين الشعوب العربية؟ وأمييا‬
‫من عداهم فل يتجاوزون مساحة الجزر وسط المحيط‪.‬‬
‫لقييد جهييدت أن أجييد إجابيية عيين هييذا السييؤال‪،‬‬
‫وافترضت أحد فرضين‪:‬‬
‫إما أن المصريين كرهوا صوت القاف حييين وجييدوه‬
‫مثل ً بييين أصييوات التييراك الييذين عايشييوهم‪ ،‬فوجييدوهم‬
‫ينطقون بالصوت متقعًرا‪ ،‬فتجنبوه‪.‬‬
‫وإما أن هذا البييدال ميين أنميياط النطييق فييي اللغيية‬
‫القبطية‪.‬‬
‫وكل الفتراضين ل أصل له فييي الواقييع؛ لن القيياف‬
‫ليسييت ميين الصييوات المعروفيية فييي التركييية أو فييي‬
‫القبطية ‪.‬‬
‫وبقي أن نبحث عن تعليل هذه الظاهرة فييي مجييال‬
‫اللغة العربية وحده‪.‬‬
‫وقييد أعثرنييا البحييث علييى مقييال للعلميية ) ابيين‬
‫خليييدون ( فيييي المقدمييية ) ص ‪ 558‬طبعييية مصيييطفى‬
‫محمد ( يذكر لمعاصريه ) أواخر القييرن الثييامن الهجييري‬
‫وأوائل التاسع ( أنهم ينطقون ثلث قافات‪:‬‬
‫‪ -3‬قاف أهل المصار‪ :‬من أقصى اللسان وما‬
‫فوقه من الحنك العلى ‪.‬‬
‫‪ -2‬مييا ينطقييون بييه ميين مخييرج الكيياف‪ ،‬وإن كييان‬
‫أسفل من موضع القاف وما يليه من الحنك العلى ‪.‬‬
‫‪- 196 -‬‬

‫‪ -3‬قاف متوسطة بين الكاف والقاف ‪.‬‬


‫ويذكر ) ابيين خلييدون ( أن هييذه القيياف المتوسييطة‬
‫هي الشائعة‪ ،‬وهي علمة علييى الجيييل العربييي لعهييده‪،‬‬
‫من بين المم والجيال‪ ،‬وبها يتميز العربييي الصييريح ميين‬
‫الدخيل في العربية والحضري‪.‬‬
‫ثم يستنتج ) ابن خلدون ( أنها لغة مضر بعينها‪ ،‬فلييم‬
‫يبتدعها هذا الجيييل‪ ،‬بييل هييي متوارثيية فيهييم متعاقبيية "‬
‫وهي لغة مضر الولين " ويزيييد " إنهييا لغيية النييبي صييلى‬
‫الليه عليه وسلم بعينها‪ ،‬وقد ادعى ذلك فقهاء أهل البيت‬
‫"‪.‬‬
‫ثم يستدرك ) ابن خلدون ( على هذا الدعاء‪" :‬ولييم‬
‫ضييا – يقصييد‬‫أدر من أين جاء هييذا‪ ،‬فييإن لغيية المصييار أي ً‬
‫القاف الولى – لم يستحدثوها‪ ،‬وإنما تناقلوهييا ميين لييدن‬
‫سلفهم‪ .‬وكان أكثرهم من مصر‪ ،‬لما نزلييوا المصيار مين‬
‫ضييا لييم يسييتحدثوها" يقصييد‬ ‫لدن الفتح‪ ،‬وأهل الجيييل أي ً‬
‫القاف المتوسطة‪ ،‬ولكن )ابين خليدون( ليم ييذكر وجيود‬
‫)الهمييزة( مكييان القيياف فييي ألسيينة أهييل زمييانه فييي‬
‫المغرب‪ ،‬مع أنها كييانت موجييودة فييي مصيير‪ ،‬ميين عهييد‬
‫سابق عليه ‪.‬‬
‫وإذن فالصوتان – الول والثالث – متوارثان قديمان‬
‫‪.‬‬
‫وأمييا الصييوت الثيياني فقييد كييان غييير مقبييول عنييد‬
‫الفصحاء‪ ) ،‬وهو نطق القاف من مخرج الكاف وإن كييان‬
‫أسفل من موضع القاف ومييا يليييه ميين الحنييك العلييى(‪،‬‬
‫ضا عبارة نقلها ابيين خلييدون تقريب ًييا ميين سيييبويه‬
‫وهي أي ً‬
‫‪.( 343 /4‬‬ ‫في حديثه عن الكاف ) الكتاب‬
‫ولنييا أن نتسيياءل عيين ماهييية القيياف الولييى‪ ،‬وعيين‬
‫ماهية القاف الثالثة‪ ،‬الييتي وصيفها )ابين خليدون( بأنهيا‬
‫) متوسييطة بييين الكيياف القيياف ( وكمييا وصييفها بأنهييا‬
‫‪- 197 -‬‬

‫" لغة مضر بعينها‪ ،‬ولغة النبي صييلى الليييه عليييه وسييلم‪،‬‬
‫البيت "‪.‬‬ ‫على ما ادعى فقهاء أهل‬
‫ضييا‬
‫والواقع أن )ابن خلدون( نقل وصف )سيبويه( أي ً‬
‫لمخرج القاف الفصحى‪ ،‬وهي هذه القاف الولى‪ " :‬ميين‬
‫أقصى اللسان وما فوقه من الحنييك العلييى " ) الكتيياب‬
‫‪ 433 / 4‬طبعة الستاذ عبد السلم هارون (‪.‬‬
‫وإذا كيييانت القييياف فيييي اعتبيييار )سييييبويه( بيييين‬
‫المجهورات‪ ،‬فإن )ابيين خلييدون( قييد سييكت عيين وصييف‬
‫الجهر أو الهمس‪ ،‬فلم يتعرض له بنفييي أو إثبييات‪ ،‬ولكيين‬
‫فحوى الحديث تدل على أنه يتفق مع )سيبويه( في هييذا‬
‫الجانب‪ ،‬وللقاف المجهورة بقية في ألسنة أكثر الشعوب‬
‫ما قاهرية‪ ،‬وللقاف المهموسة‬ ‫العربية‪ ،‬حيث ينطقونها جي ً‬
‫ضا في ألسنة المثقفييين‪ ،‬وقييراء القييرآن فييي كييل‬ ‫بقية أي ً‬
‫العالم الناطق بالقرآن‪.‬‬
‫ونأتي إلى القاف الولى وكيفية نطقها‪ ،‬ول شك أنها‬
‫كيانت عميقية المخيرج مين اللهياة‪ ،‬وهيي حيرف عسيير‬
‫النطق على غير المتمرس به‪ ،‬حييتى إن القييراء اعتييبروه‬
‫أصييل حييروف القلقليية‪ ،‬قييال ابيين الجييزري‪" :‬لشييدة‬
‫استعلئه" )النشر ‪ 1/203‬تحقيق محمد أحمد وهمان(‪.‬‬
‫وقد دعا الحفاظ علييى صييوت القيياف بعييض القييراء‬
‫إلى المبالغة في أدائه حتى بلغوا في ذلك صورة منفييرة‬
‫جعلت )ابن الجزري( يتوجه إليهم بقوله ) ص ‪" :( 213‬‬
‫ليس التجويد‪ ،‬بتمضيغ اللسان‪ ،‬ول بتقعير الفم " إلخ ‪.‬‬
‫وهو يقصييد قطعًييا هييذه المبالغيية فييي نطييق القيياف‬
‫المتقعرة‪.‬‬
‫ثم يأتي بعد ذلييك نطييق العييرب المصييريين بالقيياف‬
‫متوسييطة بييين الكيياف والقيياف‪ ،‬وهييذا التوسييط يجعلهييا‬
‫أقرب إلييى القيياف الييتي ينطقهييا الن أهييل التقييان فييي‬
‫اللغة والقرآن‪ ،‬من الذين ل يتقعرون مع فارق واحييد هييو‬
‫اختفاء صيغة الجهر منها‪ ،‬نتيجة تطور صوتي تعرضت لييه‬
‫فييي بعييض المجتمعييات‪ ،‬ونظييامه أنييه هييروب ميين تقعيير‬
‫‪- 198 -‬‬

‫المبييالغين فيهييا‪ ،‬أدى إلييى رد فعييل هييو الجييور عليهييا‬


‫بالهمس‪.‬‬
‫ول غرابة أن يدعى بعض فقهاء أهل البيت أنها لغيية‬
‫النبي صلى الليه عليييه وسييلم‪ ،‬فقييد كييان صييلوات الليييه‬
‫عليييه يتحييرى فييي نطقييه أقييوم طريقيية وأوسييطها؛ لنييه‬
‫كان يحب التوسط في المر كله‪.‬‬
‫ضييا‬
‫غير أن هذه القيياف المتوسييطة قييد اعتاصييت أي ً‬
‫علييى العاميية فهييرب كييثير منهييم إلييى تقييديم مخرجهييا‬
‫بالترخيص في نطقها كاًفا‪ ،‬وهرب آخرون إلى نطقها من‬
‫ما قاهرييية‪ ،‬وهييرب غيرهييم إلييى تييأخير‬‫مخرج الكاف‪ ،‬جي ً‬
‫صييا ميين شييروط القلقليية‪ ،‬أو‬‫مخرجها بنطقها همزة‪ ،‬تخل ً‬
‫التقعيير‪ ،‬ومسييايرة لبعييض مييا روي عيين الفصييحاء ميين‬
‫استعمالهم الهمزة في موضع القاف‪ ،‬دون أن يجدوا في‬
‫ذلك منكًرا‪ ،‬وهكذا شاعت الهمزة في موقع القاف في‬
‫العامية المصرية‪ ،‬والسورية والمغربية منذ زمن بعيد‪ ،‬قد‬
‫يصل إلى القرن الخامس الهجري‪ ،‬ولكن ذلييك بييدأ فييي‬
‫تقدير مصر بشهادة النصوص السابقة من القرن السييابع‬
‫الهجري‪ ،‬ثييم نشييأ منهييا فييي القطييار الخييرى‪ ،‬كسييورية‬
‫والمغرب‪ ،‬الذي لم يكن أهله يعرفون هييذا البييدال حييتى‬
‫عهد )ابن خلدون( في القرن التاسع الهجري‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪- 199 -‬‬

‫اللفاظ الفارسية والتركية في اللغة‬


‫العامية المصرية *‬
‫) (‬

‫للدكتور عبد الوهاب عزام‬


‫عضو المجمع‬
‫‪ -1‬هذه كلمة أقدمها إلى مؤتمر المجمييع‪ ،‬ل أحيياول‬
‫أكتفييي بالتمثيييل‪ ،‬وسأنشيير بحث ًييا‬ ‫فيها الستقصاء‪ ،‬بل‬
‫الكلمييات‬ ‫مفصل ً مستوعًبا كل ما أهتدي إليه من‬
‫الفارسية والتركية في اللغيية العامييية المصييرية‪ ،‬أنشييره‬
‫شاء الليه ‪.‬‬ ‫في مجلة المجمع إن‬
‫‪ -2‬وينبغييي أن أقييدم قبييل ذكيير هييذه الكلمييات أن‬
‫الفارسية منها دخلييت إلييى العامييية المصييرية فييي ثنايييا‬
‫اللغة التركية‪ .‬ومعلييوم أن التركييية تشييتمل علييى ألفيياظ‬
‫عربييية وفارسييية كييثيرة‪ .‬ثييم بعييض اللفيياظ التركييية‬
‫والفارسييية تسييربت إلييى لغيية المصييريين قبييل تسييلط‬
‫التراك العثمييانيين علييى مصيير أي فييي عهييد المماليييك‪،‬‬
‫وتاريخ ابن إياس فيه كثير من هذه اللفاظ ‪.‬‬
‫‪ -3‬تكثر هذه اللفاظ في اصطلحات الجيييش وفييي‬
‫أسماء الطعمة ‪ .‬مثل ‪ :‬جاويش‪ ،‬أون باشي‪ ،‬يوز باشييي‪،‬‬
‫بيك باشي ‪ ،‬صاغ ‪ ،‬صول‪.‬‬
‫) ومثل جويرمة ‪ ،‬قاورمة ‪ ،‬دوندورمة ‪ ،‬كلش (‪.‬‬
‫‪ -4‬من اللفاظ التي أخذت ميين التركييية والفارسييية‬
‫ألفيياظ عربييية اسييتعملت علييى الطريقيية العجمييية مثييل‬
‫الكلمات المنتهية بتاء التأنيث في العربية‪ .‬فقد استعملت‬
‫بتاء مفتوحة تشييبه تيياء التييأنيث فييي الفعييل‪ ،‬وفييي جمييع‬
‫المؤنث السالم مثل‪ :‬رحمييت‪ ،‬حكمييت‪ ،‬رأفييت ‪ ،‬عفييت ‪،‬‬
‫نشأت إلخ ‪.‬‬
‫‪- 200 -‬‬

‫وبعض هذه الكلمات توهم المصييريون فيهييا الجمييع؛‬


‫فييي السييماء المفييردة‪.‬‬ ‫لنهييم لييم يييألفوا هييذه التيياء‬
‫فقالوا في السماء‪ :‬عنايات‪ ،‬جنات‪ ،‬فييي عنييايت وجنييت‪.‬‬
‫وقالوا شربات وأصلها شربت من الكلمة العربية شربة‪.‬‬
‫ـــــــــــــــهذا البحث في الجلسة الحادية عشرة لمؤتمر الدورة السابعة عشرة ) ‪ 24‬من يناير‬
‫)*( ألقي‬
‫‪ . ( 1951‬ونشر بمجلة المجمع‪ ،‬الجزء الثامن‪ ،‬ص ‪.362‬‬
‫وكذلك جمعت بعييض صيييغ الجمييع اتباع ًييا للسييلوب‬
‫ل يييدركون صيييغ الجمييوع‬ ‫الييتركي‪ .‬فييالتراك‬
‫العربييية فيجمعييون صيييغ الجمييع العربييية كمييا قييالوا –‬
‫اللوازميييات العفونيييات وقييياس عليهيييا المصيييريون –‬
‫الشحومات والزيوتات والفحومات‪.‬‬
‫ويقابل هذا أن المصريين ‪ ،‬وهم يفرقييون بييين صيييغ‬
‫الجمييع والمفييرد فييي العربييية‪ ،‬أخييذوا عيين الييترك كلميية‬
‫غروش أو قروش‪ ،‬وهييو مفييرد فييي التركييية مييأخوذ ميين‬
‫إحدى اللغييات الوربييية‪ ،‬فلمييا وجييدها المصييريون صيييغة‬
‫جمع توهموا لها مفرًدا فقالوا غرش أو غروش ‪.‬‬
‫‪ -5‬بعض الكلمات التي نبحييث عنهييا دخلييت العامييية‬
‫وبقيت دون تغيير‪ ،‬أو مع تغيير يسير‪ ،‬وبعضها لحقه تغيير‬
‫كييبير‪ ،‬وبعضييها اشييتق منييه علييى الطريقيية العربييية‪،‬‬
‫وبعضها توهم أنه عربي فألحق بأقرب الكلمييات العربييية‬
‫إليه ‪.‬‬
‫)أ( فمن النوع الذي لم يلحقه تغيييير أو لحقييه تغيييير‬
‫يسير " تختة " وهي في التركية لوح ميين الخشييب‪ ،‬و "‬
‫تختة بييوش "‪ ،‬وهييي المكييان المغشييي بالخشييب‪ ،‬وهييي‬
‫مستعملة في بعض البلد المصرية‪ ،‬وهو تركيب من تختة‬
‫وبوش‪ ،‬وهذه فارسية معناها المغشي أو اللبس‪ .‬ومعنى‬
‫التركيب ‪ ،‬المغشي بالخشب ‪.‬‬
‫وميين هييذا‪ " :‬سييبية " وهييي فارسييية معناهييا ثلثيية‬
‫أرجل‪ ،‬وهي مسييتعملة فييي مصيير عنييد الييوزانين‪ ،‬تقييال‬
‫‪- 201 -‬‬

‫للقوائم الثلث التي يعلق فيها الميزان‪ ،‬وعنييد الجزارييين‬


‫تقال للقوائم التي يعلق فيها اللحم‪.‬‬
‫وميين هييذا‪ :‬أوطيية وطييوغري وطولميية ‪ ،‬ومعناهييا‬
‫بالتركية المملييوء‪ ،‬ويييالنجي طولميية‪ ،‬ومعناهييا المحشييو‬
‫الكاذب أي الييذي ل لحييم فيييه‪ ،‬فييإن النيياس حييين يييرون‬
‫ما فإن لييم يكيين فيييه لحييم فقييد‬‫المحشي يظنون فيه لح ً‬
‫كذب‪.‬‬
‫ومنه‪ " :‬بفتة " وهي فارسية معناها النسيج‪.‬‬
‫دوش ‪ :‬وهيييو الكتيييف بالفارسيييية وهيييو مييين لغييية‬
‫الجزارين‪.‬‬
‫شكمبة‪ :‬فارسية‪ ،‬وهي الكييرش ويطلييق فييي مصيير‬
‫على الكرش المحشو‪.‬‬
‫جنكييل‪ :‬شيينكل‪ ،‬وهييي كلميية تركييية معناهييا مشييبك‬
‫الباب أو الشباك‪.‬‬
‫شيشة‪ :‬فارسية معناها الزجيياج‪ ،‬وتخييص فييي مصيير‬
‫بزجاجة التمباك‪.‬‬
‫كليم‪ :‬فارسية‪ ،‬نوع من البسط ‪.‬‬
‫أورمة‪ :‬تركية‪ ،‬وهي الوضم بالعربييية – أي الخشييبة‬
‫التي يدق عليها اللحم‪.‬‬
‫خانة‪ :‬فارسية‪ ،‬تستعمل مركبة في مثييل‪ :‬أجزخانيية‪،‬‬
‫كتبخانة‪،‬عربخانة‪ ،‬شفخانة‪.‬‬
‫أتك‪ :‬تركييية ‪ ،‬معناهييا الحجيير‪ ،‬وهييي مسييتعملة عنييد‬
‫الخياطين‪.‬‬
‫أورمان‪ :‬تركية‪ ،‬وهي مستعملة في حديقة الورمان‬
‫في الجيزة‪.‬‬
‫خييردة‪ :‬وهييي فييي الفارسييية الصييغير ميين الشييياء‪،‬‬
‫من السييكة ) النقييود( ‪،‬‬ ‫واستعملت في مصر للصغير‬
‫وللصغير من السلع‪ ،‬وقالوا حديد خردة‪ ،‬وجمعوهييا علييى‬
‫خردوات‪.‬‬
‫‪- 202 -‬‬

‫بارة‪ :‬وهي فارسية معناها القطعة‪ ،‬واستعملت فييي‬


‫مصر في أجزاء القرش‪ ،‬فقالوا عشيير بييارات‪ ،‬وعشييرين‬
‫بارة‪ .‬والقرش أربعون بارة‪.‬‬
‫جنييزير‪ :‬أصييلها بالفارسييية زنجييير‪ .‬وهييو السلسييلة‪.‬‬
‫وجمعت في مصر على جنازير‪.‬‬
‫روشن‪ :‬فارسية معناهييا المنييور‪ .‬وقييد سييمعتها فييي‬
‫إحدى القرى تستعمل لكوة في السقف تجعل للضوء‪.‬‬
‫ماهية‪ :‬من الفارسية‪ " ،‬ماه " معناه الشهر‪ .‬وينسب‬
‫إليه " ما هي " بمعنيى شيهرية وقيد غييرت إليى ماهيية‪،‬‬
‫وهي غير ماهية العربية التي تقال لحقيقة الشيييء فتلييك‬
‫منسوبة إلى " ما هي "؟‬
‫)ب( ومن الكلمات التي لحقها تغيييير كييبير‪ .‬كلمييات‬
‫مبدوءة بهمزة مفخميية فييي الفارسييية أو التركييية قلبييت‬
‫همزتها عيًنا في العامية مثل‪:‬‬
‫عطشجي‪ :‬مركبة من آتش ومعناها بالفارسية النار‪،‬‬
‫وجي‪ ،‬وهي من علمييات النسييب فييي التركييية‪ .‬فمعناهييا‬
‫عامل النار أي الوقاد‪.‬‬
‫عرض‪ :‬وهي مستعملة في بعض البلد للجيش‪ ،‬وبها‬
‫سميت قرية جنوبي القاهرة قرب طرة‪ ،‬وأصلها بالتركية‬
‫" أوردو " أي الجيش‪ .‬وتسييتعمل فييي الجيييش المصييري‬
‫" أورطة "‪.‬‬
‫عنتري‪ :‬صدار معروف " وهي في التركية أنتري "‪.‬‬
‫عنييبر‪ :‬أصييله بالفارسييية أنبييار أي مخييزن‪ .‬وهييي‬
‫مسييتعملة فييي الجيييش وفييي المييدارس وغيرهييا‪ .‬ومنهييا‬
‫عنابر السكة الحديدية في القاهرة‪.‬‬
‫عربية‪ :‬أصلها بالتركية آرابة‪ ،‬وينسب إليها آرابة جييي‬
‫أي عربجي‪.‬‬
‫ومن الكلمات المغيرة كثيًرا غير ذوات الهمز‪:‬‬
‫شراب‪ :‬وهو بالفارسية جورب‪.‬‬
‫‪- 203 -‬‬

‫طرشي‪ :‬بالفارسية ترش أي حامض‪.‬‬


‫بشأة ‪ :‬يقال في العامية‪ " :‬دا بشأة ودا بشييأة " أي‬
‫هذان شيييئان مختلفييان‪ ،‬وهييي ميين بشييقة ومعناهييا فييي‬
‫التركية غير ‪.‬‬
‫)ج( ومن اللفاظ الفارسية والتركية ألفيياظ جمعييت‬
‫أو صييرفت علييى القواعييد العربييية أو قربييت إلييى كلميية‬
‫عربية لتوهم أنها من العربية مثل‪:‬‬
‫طسله‪ :‬أصلها بالتركية طاسلق‪ ،‬وهو الشيء الييذي‬
‫لم يحكييم عملييه أو اليذي لييم يكمييل‪ .‬يقييال فييي العامييية‬
‫المصرية‪ :‬طسله‪ ،‬للعمل غير المحكييم الييذي لييه صييورة‬
‫وليس له حقيقة‪.‬‬
‫باظ – باظ الشيء ‪ :‬فسد أو بطل‪ ،‬وبوظه ‪ :‬أفسده‬
‫مين بوزميق فييي التركيية أي‬ ‫أو أبطليه‪ ،‬وهييي‬
‫الفسيياد أو البطييال‪ ،‬ومنييه بييوزوق بمعنييى الفاسييد أو‬
‫الباطل‪.‬‬
‫شييرك‪ :‬سييمعت كييثيرا ً قييول العاميية فيميين يفحييص‬
‫للجندية فل يقبل‪ :‬شركوه‪ .‬وأصله في التركييية جييوروك‪.‬‬
‫وهو ضد صاغ أي سليم‪ .‬يقال للشيء العفن أو المكسور‬
‫جوروك‪.‬‬
‫ما‪ :‬فتله‪ .‬وهو من التركية‬ ‫برم‪ :‬برم الشيء يبرمه بر ً‬
‫بورمه أي مفتول‪ ،‬وبوومك الفتييل‪ .‬ويقييال فييي المصييرية‬
‫ضا خيط برمه‪ .‬وميين هييذا الفعييل البوريييك وهييو طعييام‬ ‫أي ً‬
‫يصنع من عجين يرقق ويلف‪.‬‬
‫رنوك‪ :‬هو رنييك بالفارسييية ومعنيياه اللييون‪ ،‬ويطلييق‬
‫على الشارات في بعض المصالح المصرية‪.‬‬
‫بركييات وارثيية‪ :‬وتلفييظ بركييات وارسييه‪ .‬وأصييلها‬
‫بالتركيييية بركيييت ويرسيييون‪ .‬ومعناهيييا ليعيييط البركييية‪،‬‬
‫وتستعمل في مقام الحمد لليه‪ .‬فتوهم العاميية أنهييا ميين‬
‫‪- 204 -‬‬

‫الميراث أي شيييء يييورث البركيية‪ .‬فقييالوا وارسييه علييى‬


‫انبهام معناها عندهم‪.‬‬
‫بشييرف‪ :‬ميين اصييطلحات الموسيييقى‪ ،‬وهييو ميين‬
‫الفارسية يبش رو بمعنى أمام أو متقدم إلخ‪ .‬وقد عرب‬
‫على هذه الصيغة‪.‬‬
‫‪ -6‬هكذا يستطيع الباحث أن يتبع ألفا ً‬
‫ظا كييثيرة فييي‬
‫العامييية المصييرية أصييلها فارسييي أو تركييي‪ .‬ويسييتطيع‬
‫التمثيل بها لما يلحق الكلمات الدخيلة من تغيير وتعريب‬
‫في البلد العربية عامة ومصر خاصة‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

You might also like