You are on page 1of 4

‫االشتقاق‬

‫أوال ‪ -‬تعريف االشتقاق‬


‫‪-‬لغة ‪ :‬االشتقاق من الشق وهو أخذ الشيء من الشيء أو أخذ شقه ؛ أي نصفه‪ ،‬و اشتقاق الكالم األخذ فيه يمينا وشماال ‪،‬‬
‫و اشتقاق الحرف من الحرف أخذه منه ‪ .‬ويقال شقق الكالم إذا أخرجه أحسن مخرج‪.‬‬
‫‪-‬اصطالحا ‪ :‬له تعاريف متعددة ال تبتعد كثيرا عن المعنى اللغوي ونورد بعضها‪:‬‬
‫‪1 -‬اقتطاع فرع من أصل يدور في تصاريفه حروف ذلك األصل‪.‬‬
‫‪2 -‬أخذ كلمة من أخرى بتغيير ما ‪ ،‬مع التناسب في المعنى‪.‬‬
‫‪3 -‬نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معنى وتركيبا‪ ،‬ومغايرته في الصيغة‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬شروط االشتقاق‪:‬‬
‫إن علماء النحو و الصرف وضعوا شروطا لصحة االشتقاق نذكر منها‪:‬‬
‫‪ 1 -‬البد في المشتق اسما كان أو فعال من أن يكون له أصل ‪ ،‬فإن المشتق فرع مأخوذ من لفظ آخر‪ ،‬كما رأينا في التعاريف ولو‬
‫كان أصال في الوضع غير مأخوذ من غيره لم يكن مشتقا ‪ ،‬ولكن ما هو هذا األصل المشتق منه ؟ أهو المصدر أم الفعل ‪ ،‬أم‬
‫شيء آخر‪ .‬في ذلك خالف بين العلماء‪.‬‬
‫‪ 2-‬ال بد أن يناسب المشتق األصل في الحروف من حيث عددها وترتيبها ‪ ،‬والمعتبر المناسبة في جميع الحروف األصلية‪ ،‬فإن‬
‫االستباق من السبق مثال يناسب االستعجال من العجل في حروفه الزائدة و المعنى وليس مشتقا منه بل من السبق‪.‬‬
‫‪ 3-‬يجب أن يوافق المشتق األصل في المعنى إما مع زيادة " كالضرب " فإنه للحدث المخصوص والضارب فإنه لذات ما له ذلك‬
‫الحدث ‪ ،‬وإما بدون زيادة كاشتقاق الضرب من ضرب على مذهب الكوفيين‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬األصل في االشتقاق‬
‫اختلف البصريون و الكو فيون في أصل االشتقاق‪ ،‬فذهب البصريون إلى أن أصله هو المصدر في حين يرى الكوفيون أن الفعل‬
‫أصل االشتقاق‪ .‬واحتج كل فريق بجملة من األدلة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬حجج البصريين‪:‬‬
‫‪1 -‬إن المصدر إنما سمي كذلك لصدور الفعل عنه‪.‬‬
‫‪2 -‬إن المصدر يدل على شيء واحد وهو الحدث ‪ ،‬أما الفعل فيدل بصيغته على شيئين الحدث و الزمان المحصل‪ ،‬وكما أن‬
‫الواحد أصل االثنين فكذلك المصدر أصل الفعل‪.‬‬
‫‪ 3 -‬إن المصدر يدل على زمان مطلق أما الفعل فيدل على زمان معين وكما أن المطلق أصل للمقيد ‪ ،‬فكذلك المصدر أصل‬
‫للفعل‪.‬‬
‫‪4 -‬إن المصدر اسم واالسم يقوم بنفسه ويستغنى عن الفعل لكن الفعل ال يقوم بنفسه بل يفتقر إلى االسم وال يستغني‬
‫بنفسه‪ ،‬وما ال يفتقر إلى غيره أولى بأن يكون أصال مما ال يقوم بنفسه‪.‬‬
‫‪5 -‬إن المصدر مثال واحد نحو ‪ :‬الضرب" و "القتل" و الفعل له أمثلة مختلفة‬
‫ب ‪ -‬حجج الكوفيين ‪:‬‬
‫‪1 -‬إن المصدر يذكر تأكيدا للفعل نحو ‪ :‬ضربت ضربا ‪ ،‬ورتبة المؤكد (بفتح الكاف) قبل رتبة المؤكد (بكسر الكاف‪).‬‬
‫‪ 2 -‬إن هناك أفعاال ال مصادر لها وهي ‪ :‬نعم ‪ ،‬بئس ‪ ،‬حبذا ‪ ،‬عسى ‪ ،‬ليس ‪ ...‬فلو كان المصدر أصال لما خال من هذه األفعال‬
‫الستحالة وجود الفرع من غير أصل‪.‬‬
‫‪ 3 -‬إن الفعل يعمل في المصدر نحو ‪ :‬ضربت ضربا ‪ ،‬وبما أن رتبة العامل قبل رتبة المعمول وجب أن يكون المصدر فرعا عن الفعل‬
‫‪.‬‬
‫‪4 -‬إن المصدر يصح لصحة الفعل ويعتل العتالله مثل‪ :‬ذهب ذهابا ‪ ،‬رمى رميا‪.‬‬
‫و الراجح أن أصل االشتقاق ليس واحدا بل الصحيح أن العرب اشتقت من األسماء واألفعال و الحروف لكن بدرجات متفاوتة‪،‬‬
‫فأكثر ما اشتق منه األفعال ثم األسماء ثم الحروف‪ ،‬وهذا ما يراه عدد من الباحثين المحدثين‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬فوائد االشتقاق وأغراضه‬
‫إن االشتقاق يكتسب أهمية بالغة في اللغة العربية ‪ ،‬بل ذهب بعضهم إلى وجوب تقدم تعلمه على علم النحو؛ أي علم‬
‫التصريف ‪ ،‬وهو نوع من أنواع االشتقاق بل هو أهمها وأكثرها ورودا ‪ .‬وفي ذلك يقول ابن جني‪":‬فالتصريف إنما هو لمعرفة أنفس‬
‫ببكر فإنك إنما خالفت‬
‫ٍ‬ ‫الكلم الثابتة‪ ،‬والنحو إنما هو لمعرفة أحواله المتنقلة‪ ،‬أال ترى أنك إذا قلت ‪ :‬قام بكر‪ ،‬ورأيت بكرًا‪ ،‬ومررت‬
‫بين حركا ت حروف اإلعراب الختالف العامل ولم تعرض لباقي لكلمة وإذا كان كذلك فقد كان من الواجب على من أراد معرفة‬
‫النحو أن يبدأ بمعرفة التصريف؛ ألن معرفة ذات الشيء الثابتة ينبغي أن يكون أصال لمعرفة حاله المتنقلة‪ ،‬إال أن هذا الضرب من‬
‫العلم لما كان عويصا صعبا بدئ قبله بمعرفة النحو ثم جيء به بعد ليكون االرتياض في النحو موطئا للدخول فيه‪ ،‬ومعينا على‬
‫معرفة أغراضه ومعانيه وعلى تصرف الحال‪".‬‬
‫ولالشتقاق فوائد كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ 1 -‬إنه وسع كالم العرب فتمكن الشعراء من التسلط على قوافيهم ‪ ،‬كما تمكن الخطباء من التوسع في خطبهم ‪ ،‬فكثر عندهم‬
‫السجع ‪ .‬ولواله لما وجد في الكالم صفة لموصوف وال فعل لفاعل‪.‬‬
‫‪2 -‬تمكن النحويون والصرفيون من معرفة الزائد من األصل ومعرفة المجرد من المزيد‪.‬‬
‫‪ 3 -‬ساعد في تحديد أصالة الكلم‪ ،‬وكان سبيال إلى معرفة األصيل من الدخيل؛ ألن الكلمة الدخيلة ال نجد لها أصال من ناحية‬
‫اللف ظ‪ ،‬وال من ناحية الداللة‪ ،‬فالصراط والفردوس" وغيرهما من األلفاظ المعربة ال نجد لها أصال في لعربية؛ إذ ال توجد مادة‬
‫"صراط"‪ ،‬وال مادة " فردوس " فوجود سلسلة من المشتقات ينبئ بأصالة الكلمة في العربية‪.‬‬
‫أنواع االشتقاق‬
‫أ ‪-‬االشتقاق األصغر ( الصغير ) أو العام ‪ :‬هو نزع لفظ من آخر أصل له بشرط اشتراكهما في المعنى واألحرف األصول‬
‫وترتيبها‪ ،‬كاشتقاقك اسم الفاعل (ضارب) واسم المفعول (مضروب) و الفعل (تضارب) وغيرها من المصدر (الضرب) على رأي‬
‫ضرَبَ ) على رأي الكوفيين‪.‬‬‫البصريين أو من الفعل ( َ‬
‫وهذا النوع من االشتقاق هو أكثر أنواع االشتقاق ورودا في العربية‪ ،‬وأكثرها أهمية‪ ،‬وإذا أطلقت كلمة (االشتقاق) فإنها تنصرف‬
‫إليه ‪ ،‬وال تنصرف إلى غيره إال بتقييد‪.‬‬
‫وقد تناوله الصرفيون و اللغويون على حد سواء ‪ ،‬إال أن علماء الصرف يتناولونه بالبحث من حيث هيئات الكلمات وصورها في‬
‫االشتقاق‬
‫أما علماء اللغة فيبحثون فيه من جهة أخرى؛ أي من حيث اشتراك الكلمتين في الحروف وفي المناسبة بينهما في المعنى‬
‫دون التفات إلى حركات و سكون ‪ .‬هذا وقد تباينت أراء العلماء في حجم الدائرة التي يشملها االشتقاق من الكلم‪:‬‬
‫أ ‪-‬فبعضهم قال ‪ :‬الكلم بعضه مشتق وبعضه غير مشتق‪ .‬فقال الدكتور صبحي الصالح‪ :‬أما الرأي العلمي الجدير بأن ننتصر له‬
‫فهو ما ذهب إليه المؤلفون في االشتقاق ( يقصد قطرب واألصمعي وأبا الحسن األخفش وابن دريد والزجاج والرماني وابن‬
‫خالويه ) من أن بعض الكلم مشتق وبعضه غير مشتق‪.‬‬
‫ب‪ -‬وقالت طائفة أخرى من متأخري أهل اللغة‪ :‬الكلم كله مشتق‪ ،‬ونسب هذا إلى الزجاج‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬وطائفة قليلة من الباحثين القدامى قالوا ‪ :‬الكلم كله أصل و ليس منه شيء اشتق من غيره‪.‬‬
‫ب ‪ -‬االشتقاق الكبير‪ ،‬أو القلب اللغوي ‪ ،‬أو المكاني‬
‫‪1 -‬تعريفه‪:‬‬
‫هو نوع من أنواع االشتقاق ولع به ابن جني‪ ،‬ولنتركه يبين لنا معناه بنفسه ‪" :‬وأما االشتقاق األكبر فهو أن تأخذ أصال من‬
‫األصول الثالثية فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحدا تجتمع التراكيب الستة ‪ ،‬وما يتصرف من كل واحد منها عليه ‪ ،‬وإن‬
‫تباعد شيء من ذلك رد بلطف الصنعة و التأويل إليه‪ ،‬كما يفعل االشتقاقيون ذلك في التركيب الواحد‪" .‬‬
‫وقد انفرد ابن جني بتسمية هذا االشتقاق باألكبر‪.‬‬
‫‪2 -‬مثاله ‪ :‬أورد ابن جني بعض الشواهد على هذا النوع نختار واحدا منها‪:‬‬
‫قال ابن جني " ج ب ر" أين وقعت للقوة و الشدة‬
‫‪-‬منها ‪ :‬جبرت العظم و الفقير إذا قريتهما وشددت منهما‪.‬‬
‫‪-‬و الجبر‪ :‬الملك لقوته وتقويته لغيره‪.‬‬
‫‪-‬ومنها ‪ :‬رجل مجرب إذا جرسته األمور ونجدته‪ ،‬فقويت منته واشتدت شكيمته‪.‬‬
‫‪-‬ومنها ‪ :‬الجراب ألنه يحفظ ما فيه‪.‬‬
‫‪-‬ومنها ‪ :‬األبجر و البجرة وهو القوي السرة‪.‬‬
‫‪-‬ومنه‪ :‬البرج لقوته في نفسه وقوة ما يليه به‪.‬‬
‫‪-‬ومنها‪ :‬رجبت الرجل إذا عظمته وقريت أمره‪.‬‬
‫‪-‬ومنه ‪َ :‬رج ٌ‬
‫َب لتعظيمهم إياه عن القتال فيه‪.‬‬
‫‪-‬وإذا كرمت النخلة على أهلها فمالت دعموها بالرجبة وهو شيء تسند إليه لتقوى به‪.‬‬
‫‪-‬و الراجبة أحد فصوص األصابع وهي مقوية لها‪.‬‬
‫‪-‬ولعل ابن جني وجد صعوبة بل استحالة في تعميم فكرته على األلفاظ الرباعية األصولية أو ما يلحق بها فقصر أمثلته على‬
‫األصول الثالثية‪.‬‬
‫‪ -‬وفكرة التقاليب تعود إلى الخليل الذي حاول بعبقريته الفذة حصر كل المستعمل من كلمات اللغة العربية معتمدا على تقليب‬
‫اللفظ إلى كل االحتماالت الممكنة ومبينا المستعمل من هذه التقاليب من غير المستعمل‪.‬‬
‫وعلى نهج الخليل سار ابن دريد وغيره‪ -‬وعلى أساس فكرة التقاليب هذه رتب معجمه (العين) لكن الخليل لم ير أن التقاليب‬
‫الستة للكلمة الثالثية تدخل في باب اشتقاق واحد وترجع إلى أصل واحد يجمعها بسبب اشتراكها في الحروف الثالثة مهما‬
‫يكن موقعها وترتيبها‪.‬‬
‫في ترتيب معاجمهم‪ ،‬ويظهر أن أستاذ ابن جني أبا علي الفارسي قد استهوته هذه الفكرة‪ ،‬كما يذكر ابن جني نفسه‪،‬‬
‫وتعسف ابن جني واضح كل الوضوح في المذهب الذي ذهبه وحتى في األمثلة التي استشهد بها ( ) إذ كيف يستطيع المرء‬
‫أن يجد صلة بين القول و القلو وهو حمار الوحش ‪ ،‬أم كيف يجدها في اللوقة(الزبدة ) واللقوة (العقاب) ؟‬
‫‪ -‬وقد شعر ابن جني نفسه بهذا التكلف حينما تحدث عنه بشيء من الضعف وعدم الجزم ‪ .‬وقد وقف الباحثون إزاء هذا النوع‬
‫الذي تحمس له ابن جني ثالثة مواقف بين مؤيد ومنكر وواقف موقف وسط‪.‬‬
‫‪ -‬فقد أيده الزجاج وأنكره السيوطي قائال ‪ " :‬وهذا مما ابتدعه اإلمام أبو الفتح ابن جني‪ ،‬وكان شيخه أبو علي الفارسي يأنس‬
‫به يسيرا ‪ ،‬وليس معتمدا في اللغة‪ ،‬وال يصح أن يستنبط به اشتقاق في لغة العرب ‪ ،‬وإنما جعله أبو الفتح بيانا لقوة ساعده ورد‬
‫المختلفات إلى قدر مشترك‪.‬‬
‫‪ -‬أما الذي وقف موقفا وسطا فهو صبحي الصالح لكونه تحفظ على بعض األمثلة التي ذكرها ابن جني في هذا الباب‪ ،‬وانتهى‬
‫في بعض األحيان إلى التعمق لكنه مع تحفظه رأى بأن االشتقاق الكبير لم يعرف اللغويون العرب أعظم منه‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬االشتقاق األكبر أو اإلبدال اللغوي‬
‫‪-‬تعريفه ‪ :‬هو ما اتحدت فيه أكثر الحروف مع التناسب في الباقي مثل نهق ونعق‪.‬‬
‫ويتميز اإلبدال اللغوي ( االشتقاق األكبر) عن اإلبدال الصرفي الذي يقع لضرورة صوتية‪ ،‬فاإلبدال الصرفي هو إبدال صوت من‬
‫كلمة بصوت آخر‪ ،‬يقع عادة بين األصوات المتقاربة في الحيز والمخرج كإبدال الواو ألفا في صام وأصلها من صوم ‪ ،‬والتاء طاء في‬
‫اصطلح و أصلها اصطلح واختلف النحاة في عدد حروفه‪.‬‬
‫أما اإلبدال اللغوي فهو أوسع من حيث الحروف حيث أنه يشمل حروفا غير موجودة في األول‪ ،‬واختلفوا في القدر‪ ،‬فمنهم من‬
‫قال‪ :‬يشمل جميع حروف الهجاء ‪ ،‬وضيق مجاله آخرون بأن تكون الحروف متعاقبة متقاربة المخرج‪.‬‬
‫‪-‬أراء العلماء فيه‪:‬‬
‫‪-‬اعتبره بعضهم نوعا خاصا من أنواع االشتقاق كابن جني و السيوطي‪.‬‬
‫‪ -‬في حين ذهب آخرون إلى إنكاره‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬إن اإلبدال يتنافى وطبيعة االشتقاق‪ ،‬واعتبروه ليس إال ظاهرة صوتية تقوم‬
‫على استبدال بعض الحروف ببعضها ألسباب‪:‬‬
‫‪-‬الخطأ في السمع‪.‬‬
‫‪-‬التطور الصوتي في الحرف المبدل‪.‬‬
‫‪-‬التصحيف الناتج عن قلة االعجام قديما‪.‬‬
‫ومن أمثلة االشتقاق األكبر ‪ :‬صهل – زأر – سعل ‪ .‬فهذه األفعال الثالثة كل منها يدل على صوت‪ ،‬األول صوت الحصان‪ ،‬و الثاني‬
‫صوت األسد‪ ،‬و الثالث صوت اإلنسان ‪.‬‬
‫وبالمقارنة بين كل وما يقابله نالحظ أن (ص ‪ .‬ز ‪ .‬س ) أحرف صفيرية و(الهاء ‪،‬والهمزة ‪ ،‬والعين ) أحرف حلقية‪ ،‬والالم المشتركة‬
‫في فعلين أخت الراء في الفعل الثالث (زأر) فهي انحرافية‪.‬‬
‫نص تطبيقي حول االشتقاق‪:‬‬
‫يقول ابن جني ‪":‬هذا موضع لم يسمه أحد من أصحابنا ‪ ،‬غير أن أبا علي كان يستعين به ويخلد اليه ‪ ،‬مع اعواز االشتقاق‬
‫األصغر ‪ ،‬لكنه مع هذا لم يسمه ‪ .‬وانما كان يعتاده عند الضرورة ‪ ،‬ويستودع اليه ويتعلل به ‪ ،‬وانما هذا التقليب لنا نحن ‪ ،‬وستراه‬
‫‪ ،‬فتعلم أنه لقب مستحسن‬
‫وذلك أن االشتقاق عندي على ضربين ‪ ،‬كبير وصغير ‪ ،‬فالصغير ما في أيدي الناس وكتبهم كأن تأخذ أصال من األصول فتتقراه ‪،‬‬
‫فتجمع بين معانيه وان اختلفت صيغه ومبانيه ‪ ،‬وذلك كتركيب ( س ل م) فانك تأخذ منه معنى السالمة في تصرفه ‪ ،‬نحو سلم‪،‬‬
‫يسلم‪ ،‬سالم سلمان ‪ ،‬سلمى‪ ،‬السالمة والسليم أطلق عليه تفاؤال بالسالمة‪ ،‬وعلى ذلك بقية الباب اذا تأولته‪...‬‬
‫أما االشتقاق األكبر فهو أن تأخذ أصال من األصول الثالثية فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحدا تجتمع التراكيب الستة‬
‫و ما يتصرف من كل واحد منها عليه ‪ ،‬وان تباعد شيء من ذلك (عنه) رد بلطف الصنعة والتأويل اليه كما يفعل االشتقاقيون ذلك‬
‫في التركيب الواحد ‪ ،‬وقد كنا قدمنا ذكر طرف من هذا الضرب من االشتقاق في أول هذا الكتاب ‪ ،‬عند ذكرنا أصل الكالم والقول‬
‫وما يجيء من تقليب تراكيبهما نحو ‪( :‬ق س و)‪( ،‬ق و س) ‪(،‬و ق س) ‪( ،‬و س ق) ‪( ،‬س و ق) وأهمل (س ق و) وجميع ذلك‬
‫الى القوة واالجتماع منها القسوة وهي شدة القلب واجتماعه ‪ ،‬ومنها القوس لشدتها واجتماع طرفيها ‪ ،‬ومنها الوقس البتداء‬
‫الجرب و ذلك ألنه يجمع الجلد ويقحله ‪ ،‬ومنه الوسق للحمل ذلك الجتماعه وشدته"‪...‬‬
‫الخصائص ج ‪2‬‬
‫التحليل‪:‬‬
‫يتحدث ابن جني في نصه عن ظاهرة لغوية تحدث نتيجة التصاريف المتنوعة للكلمة وتقليباتها المختلفة و هي تعتبر احدى‬
‫خصائص اللغة العربية وعامال هاما‬
‫‪-‬ان لم نقل أساسيا ـ من عوامل زيادة الثروة االفرادية في هذه اللغة ونعني بها‪ :‬االشتقاق‪.‬‬
‫فذكر لنا أنواعه ‪ :‬الصغير والكبير معرفا كل واحد منهما ومبتدئا بالصغير الذي حدده انطالقا من أربعة عناصر أساسية تدخل في‬
‫تكوينه ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪-‬الحروف األصلية ‪ :‬المثال الذي قدمه ‪ ،‬الجذر( س ل م)‬
‫‪-‬ترتيب هذه الحروف ‪ :‬ألن تغيير ترتيب الحروف يؤدي الى تغيير الجذر‪.‬‬
‫‪-‬المعنى األصلي للجذر ‪ :‬وهو معنى السالمة‪.‬‬
‫‪-‬االختالف في الصيغة ‪ :‬فصيغة سليم هي فعيل ‪ ،‬وصيغة السالمة الفعالة وصيغة سلمى فعلى‪...‬‬
‫وهي العناصر التي اعتمد عليها معظم علماء اللغة العربية في تحديدهم لالشتقاق الصغيرفقالوا أنه ‪ ":‬أخذ صيغة من أخرى مع‬
‫اتفاقهما معنى ومادة أصلية و هيئة تركيب لها ليدل بالثانية على معنى األصل بزيادة مفيدة"‬
‫ونستخلص وجود عالقة في هذ ا النوع من االشتقاق بين المشتق والمشتق منه أو بين الكلمة األصلية والكلمة المشتقة‪،‬‬
‫وتناسبا بينهما في اللفظ والمعنى‪.‬‬
‫من المعلوم أن أصل المشتقات هو المصدر‪ -‬وهو رأي علماء المدرسة البصرية ‪ -‬وأن المشتقات هي الفعل الماضي ‪ ،‬الفعل‬
‫المضارع ‪ ،‬فعل األمر ‪ ،‬اسم الفاعل ‪ ،‬اسم المفعول ‪ ،‬الصفة المشبهة باسم الفاعل ‪ ،‬اسم التفضيل‪ ،‬صيغ المبالغة ‪ ،‬اسم‬
‫المكان ‪ ،‬اسم الزمان ‪ ،‬اسم اآللة‪.‬‬
‫ولقد ضبط النحاة في هذا النوع من االشتقاق مقاييس دقيقة للحصول على المشتقات المختلفة التي تتولد وتتفرع من األصل‬
‫المشتق منه و ذلك بالتقيد بمجموع العناصر التي ذكرت سالفا‪.‬‬
‫‪-‬أما النوع الثاني لالشتقاق ‪ ،‬المسمى االشتقاق الكبير وهي تسمية يذكر ابن جني أنه أول من وضعها ‪ ،‬لكن الفكرة كانت‬
‫معروفة عند شيوخه ‪ ،‬وأول من ابتدعها الخليل بن أحمد الفراهيدي حين عمد الى حصر الكلمات في اللغة العربية ‪ .‬يعتمد في‬
‫االشتقاق الكبير على‪:‬‬
‫‪ -‬تقليب األصول الثالثية و هي عملية تنتج ست تقاليب والمثال الذي قدمه هو ( ق س و)‪ ( ،‬ق و س ) ‪ ( ،‬و ق س ) ‪ ( ،‬و س‬
‫ق ) ‪ ( ،‬س ق و ) ‪ ( ،‬س و ق)‬
‫‪-‬التمييز بين المهمل والمستعمل من هذه األصول ‪ ،‬حيث أهمل ابن جني الجذر ( س ق و)‬
‫‪-‬اشتر اك كل التقاليب مع ما يشتق من كل تقليب ‪ ،‬باالشتقاق الصغير‪ ،‬في المعنى العام ‪ .‬وذكر لنا ابن جني المعنى العام‬
‫الذي تشترك فيه تقاليب‬
‫(ق س و) وهو القوة واالجتماع‪.‬‬
‫في األخير نقول أن االشتقاق الصغير وسيلة لغوية هامة لوضع الكلمات في اللغة العربية واثراء القاموس اللغوي العربي خاصة‬
‫بالمصطلحات العلمية العربية للتعبير عن المفاهيم العلمية في مختلف العلوم والفنون و التي تفد الينا يوميا باآلالف من الدول‬
‫المتطورة و بلغاتها‪ .‬خاصة اذا علمنا أن عدد الجذور في اللغة العربية يصل الى ستة آالف جذر ‪ ،‬اضافة الى عدد الصيغ التي‬
‫تملك ها للفعل الواحد ‪ ،‬حيث تنص كتب اللغة أن فعال واحدا يمكن أن يحمل عدة صيغ وهي فعل ‪ ،‬أفعل ‪ ،‬فاعل ‪ ،‬استفعل ‪ ،‬افعل‬
‫(بتشديد الالم ) افعال ( بتشديد الالم ) ‪ ،‬افعوعل ‪ ،‬افعول ( بتشديد الواو ) ‪ ،‬انفعل ‪ ،‬افتعل ‪ ،‬تفعل ‪ ،‬تفاعل ‪ ،‬فعلل ‪ ،‬تفعلل ‪.‬‬
‫ويمكن أن نشتق من كل صيغة عدة صيغ أخرى ‪ .‬في حين يبقى االشتقاق الكبير وسيلة هامة الحصاء الكلمات في اللغة‬
‫العربية وتوجد أنواع أخرى من االشتقاق‪ ،‬منها‪ :‬االشتقاق الكبار (النحت) ‪ -‬سنفرد له درسا خاصا ‪ -‬واالشتقاق االبدالي‪.‬‬
‫‪-‬االشتقاق االبدالي‪ :‬وهو أن يتفق المشتق والمشتق منه في بعض الحروف ويختلفان في بعضها لكن يشترط في الحرفين‬
‫الذين يختلفان فيه أن يكونا من مخرج واحد في الجهاز الصوتي ـ وهو شرط لم يأخذ به كل العلماء ـ مثل ‪ :‬نعق الغراب ونهق‬
‫الحمار اذ يختلفان في حرفي العين والغين‬
‫ويدالن على معنى متقارب‪.‬‬
‫المركز الجامعي ميلة ‪ ::‬قسم اللغة العربية وآدابها‬

You might also like