You are on page 1of 9

‫حفظ اللسان‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأن محمدًا عبده ورسوله‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬
‫شفَتَيْن ﴾ [البلد‪:‬‬ ‫سانًا َو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فإن من نعم هللا العظيمة على اإلنسان‪ ،‬نعمة اللسان‪ ،‬قال تعالى ‪ ﴿:‬أل ْم نَجْ عَ ْل لهُ َ‬
‫ع ْينَيْن * َول َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عليْه ْم ألسنَت ُ ُه ْم‬‫وباال على صاحبه‪ ،‬قال تعالى ‪ ﴿:‬يَ ْو َم ت َ ْش َهدُ َ‬ ‫‪ ،]9 ،8‬وهذا اللسان إن لم يستخدم في طاعة هللا‪ ،‬كان ً‬
‫َوأَيْديه ْم َوأ َ ْر ُجلُ ُه ْم ب َما َكانُوا يَ ْع َملُونَ ﴾ [النور‪].24 :‬‬

‫وقد وردت نصوص شرعية كثيرة تحث على حفظ اللسان‪ ،‬قال تعالى ‪َ ﴿:‬ما يَ ْلف ُ‬
‫ظ م ْن قَ ْو ٍل إ اال لَدَيْه َرقيبٌ َ‬
‫عتيدٌ ﴾‬
‫[ق‪].18 :‬‬

‫َّللا ْال َكذ َ‬


‫ب إ ان الاذينَ يَ ْفت َُرونَ‬ ‫علَى ا‬ ‫ف أ َ ْلسنَت ُ ُك ُم ْال َكذ َ‬
‫ب َهذَا َح َال ٌل َو َهذَا َح َرا ٌم لت َ ْفت َُروا َ‬ ‫وقال تعالى ‪َ ﴿:‬و َال تَقُولُوا ل َما ت َص ُ‬
‫ب َال يُ ْفل ُحونَ ﴾ [النحل‪].116 :‬‬ ‫َّللا ْال َكذ َ‬
‫علَى ا‬
‫َ‬

‫روى الترمذي في سننه من حديث معاذ ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ :-‬أنه سأل النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬عن عمل‬
‫يقربه إلى الجنة ويباعده من النار؟ فأخبره النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬برأس األمر وعموده وذروة سنامه‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬أال أخبرك بمالك ذلك كله؟ قلت‪ :‬بلى يا نبي هللا‪ ،‬قال‪ :‬فأخذ بلسانه وقال‪ :‬كف عليك هذا‪ ،‬فقلت‪ :‬يا نبي‬
‫هللا! و إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال‪ :‬ثكلتك أمك يا معاذ! و هل يكب الناس في النار على وجوههم ‪ -‬أو‪ :‬على‬
‫مناخرهم ‪-‬إال حصائد ألسنتهم؟‪!"[1].‬‬

‫وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ :-‬أن النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬إن‬
‫العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها‪ ،‬يهوى بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب‪"[2].‬‬

‫قوله" ‪:‬ما يتبين فيها"‪ ،‬أي ال يدري هل هي في طاعة هللا أو معصيته؟‬


‫وروى البخاري في صحيحه من حديث سهل بن سعد‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬من يضمن لي‬
‫ما بين لحييه‪ ،‬وما بين رجليه‪ ،‬أضمن له الجنة‪"[3].‬‬

‫وروى الترمذي في سننه من حديث عقبة بن عامر ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬ما النجاة؟ قال‪:‬‬
‫"أمسك عليك لسانك‪ ،‬وليسعك بيتك‪ ،‬وابك على خطيئتك‪"[4].‬‬

‫وروى الترمذي في سننه من حديث سفيان الثقفي قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬حدثني بأمر أعتصم به؟ قال‪" :‬قل‪:‬‬
‫ربي هللا‪ ،‬ثم استقم"‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه‪ ،‬ثم قال‪" :‬هذا‪"[5].‬‬

‫وقال عبد هللا بن مسعود‪" :‬أنذرتكم فضول الكالم‪ ،‬بحسب أحدكم ما بلغ حاجته‪"[6].‬‬

‫قال محمد بن واسع لمالك بن دينار‪" :‬يا أبا يحيى‪ ،‬حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم‪"[7].‬‬
‫وقال األوزاعي" ‪:‬كتب إلينا عمر بن عبد العزيز ‪ -‬رحمه هللا ‪ -‬برسالة لم يحفظها غيري وغير مكحول‪ :‬أما‬
‫بعد‪ ،‬فإنه من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير‪ ،‬ومن عد كالمه من عمله قل كالمه فيما ال ينفعه‪"[8].‬‬

‫وقال عبد هللا بن مسعود" ‪:‬وهللا الذي ال إله إال هو‪ ،‬ما شيء أحوج إلى طول سجن من هذا اللسان‪"[9].‬‬

‫قال اإلمام النووي ‪ -‬رحمه هللا ‪ :-‬اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكالم إال كال ًما تظهر‬
‫المصلحة فيه‪ ،‬ومتى استوى الكالم وتركه في المصلحة فالسنة اإلمساك عنه؛ ألنه قد ينجر الكالم المباح إلى‬
‫حرام أو مكروه‪ ،‬بل هذا كثير أو غالب في العادة‪ ،‬والسالمة ال يعدلها شيء‪ .‬اهـ‪[10].‬‬

‫وشر حركات الجوارح حركة اللسان‪ ،‬وهي أضر ما يكون على العبد‪.‬‬

‫قال ابن القيم ‪:‬ومن العجب أن اإلنسان يهون عليه التحفظ واالحتراز من أكل الحرام‪ ،‬والظلم‪ ،‬والزنا‪ ،‬والسرقة‪،‬‬
‫وشرب الخمر‪ ،‬ومن النظر الحرام‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬ويصعب عليه التحفظ واالحتراز من حركة لسانه‪ ،‬حتى ترى‬
‫الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة‪ ،‬وهو يتكلم بالكلمة من سخط هللا‪ ،‬ال يلقي لها ً‬
‫باال‪ ،‬ينزل في النار بالكلمة‬
‫الواحدة أبعد ما بين المشرق والمغرب‪ ،‬وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم‪ ،‬ولسانه يقطع ويذبح‬
‫في أعراض األحياء واألموات‪ ،‬وال يبالي بما يقول‪ .‬اهـ‪[11].‬‬

‫وإذا أردت أن تعرف ذلك فتأمل ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جندب بن عبد هللا‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى هللا‬
‫ي أال أغفر‬ ‫ً‬
‫رجال قال‪" :‬وهللا ال يغفر هللا لفالن‪ ،‬وإن هللا تعالى قال‪ :‬من ذا الذي يتألى عل ّ‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬حداث ا‬
‫أن‬
‫لفالن؟ فإني قد غفرت لفالن‪ ،‬وأحبطت عملك ‪"[12].‬أو كما قال‪.‬‬

‫قال أبو هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ :-‬تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته‪ ،‬وتكلم رجل في حق رجل‪ ،‬فقال له صاحبه‪:‬‬
‫أغزوت الروم؟ قال‪ :‬لم أفعل‪ .‬قال‪ :‬سلم منك النصارى ولم يسلم منك أخوك المسلم!‬

‫وقال بعضهم ‪:‬تسعة أعشار الذنوب من اللسان‪.‬‬

‫قال الشاعر‪:‬‬
‫احفظ لسانك أيها اإلنسان‬
‫ال يلدغنك إنه ثعبان‬
‫كم في المقابر من قتيل لسانه‬
‫كانت تهاب لقاءه الشجعان‬

‫قال بعض أهل العلم‪:‬‬


‫في اللسان آفتان عظيمتان‪ ،‬إن خلص من إحداهما لم يخلص من األخرى آفة السكوت عن الحق‪ ،‬أو آفة الكالم‬
‫بالباطل‪ ،‬وقد تكون كل منهما أعظم من األخرى في وقتها‪ ،‬فالساكت عن الحق شيطان أخرس عاص هلل‪ ،‬مراء‪،‬‬
‫مداهن‪ ،‬إذا لم يخف على نفسه مثل من يرى المنكرات أمام عينيه مع قدرته على التغيير وال يفعل‪.‬‬

‫روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ :-‬أن النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬قال‪:‬‬
‫منكرا فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اإليمان‪"[13].‬‬
‫ً‬ ‫"من رأى منكم‬
‫اآلفة الثانية ‪:‬التكلم بالباطل‪ ،‬وهو شيطان ناطق عاص هلل‪ ،‬وأكثر الخلق منحرف في كالمه وسكوته‪ ،‬فهم بين‬
‫هذين النوعين‪ ،‬وأهل الوسط هم أهل الصراط المستقيم‪ ،‬كفوا ألسنتهم عن الباطل‪ ،‬وأطلقوها فيما يعود عليهم‬
‫ً‬
‫فضال عن أنها تضره في آخرته يوم‬ ‫نفعه في اآلخرة‪ ،‬فال يرى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بال منفعة‪،‬‬
‫القيامة‪ ،‬عندما يأتي بحسنات أمثال الجبال‪ ،‬فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها‪ ،‬ويأتي بسيئات أمثال الجبال‪ ،‬فيجد‬
‫لسانه قد هدمها من كثرة ذكره هللا وما اتصل به‪ .‬اهـ‪[14].‬‬

‫آفات اللسان‬

‫عبد هللا بن راضي المعيدي الشمري‬

‫الحمد هللا رب العالمين والصالة والسالم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪ :‬أما بعد ‪...‬‬

‫فأيها المحب ‪ ...‬اللسان وما أدراك ما اللسان ‪ ...‬هو نعمة من نعم هللا العظيمة ولطائف صنعه الغريبة ‪ ..‬صغير‬
‫جرمه عظيم طاعته وجرمه ‪ ..‬إذ باللسان يستبان الكفر واإليمان ‪...‬‬
‫اللسان رحب الميدان ‪ ..‬واسع المجال ‪ ..‬هو ترجمان القلوب واألفكار ‪ ..‬آلة البيان وطريق الخطاب ‪ ..‬له في‬
‫الخير مجال كبير وله في الشر باع طويل ‪ ..‬فمن استعمله للحكمة والقول النافع ‪ ..‬وقضاء الحوائج ‪ ..‬وقيده‬
‫بلجام الشرع ‪ ..‬فقد اقر بالنعمة ووضع الشيء في موضعه ‪ ..‬وهو بالنجاة جدير‪ ..‬ومن أطلق لسانه وأهمله ‪..‬‬
‫سلك به الشيطان كل طريق ‪ ..‬وال يكب الناس في النار على مناخرهم إال حصائد ألسنتهم ‪ ...‬بل أن جوارح‬
‫اإلنسان كلها مرتبطة باللسان في االستقامة واالعوجاج ‪ ..‬روى األمام الترمذي وحسنه األلباني عن أبى سعيد‬
‫الخدري رضي هللا عنه إن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ " :‬إذا اصبح ابن أدم فان األعضاء كلها تكفر‬
‫اللسان ـ أي تخضع له ـ فتقول ‪ :‬اتق هللا فينا فإنما نحن بك فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا "‬

‫تأ ّمل يرعاك هللا في هذا الحديث العظيم ‪ ...‬في "الصحيحين " من حديث أبى هريرة عن النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان هللا ال يلقي لها باال يرفعه هللا بها درجات وان العبد ليتكلم بالكلمة‬
‫من سخط هللا ال يلقي لها باال يهوي بها في نار جهنم "‬
‫ومن هنا جاء التأكيد العظيم على حفظ اللسان ‪ "..‬ما يلفظ من قول إالّ لديه رقيب عتيد" ومن هنا أيضا جأت‬
‫تلك الوصية العظيمة ‪ " ...‬يا معاذ كف عنك هذا وأخذ بلسانه ‪ ..‬وهل يكب الناس ا في النار على مناخرهم إال‬
‫حصائد ألسنتهم " ‪.....‬‬

‫ولعظم هذا اآلمر فقد ضرب السلف أروع األمثلة في حفظهم أللسنتهم ‪ :‬فهذا أبو بكر صديق هذه األمة رضي‬
‫هللا عنه يمسك بلسانه ويقول ‪ ":‬هذا أوردني الموارد " ‪ ..‬وقال ابن بريده ‪ :‬رأيت ابن عباس أخذا بلسانه وهو‬
‫يقول ‪ :‬ويحك قل خيرا تغنم أو اسكت عن سوء تسلم وأال فاعلم انك ستندم قال ‪ :‬فقيل له ‪ :‬يابا عباس لم تقول‬
‫هذا ؟ قال ‪ :‬انه بلغني أن اإلنسان ـ أراه قال ـ ليس علي شيء من جسده اشد حنقا أو غيظا يوم القيامة منه على‬
‫لسانه إال ما قال به خيرا أو أملى به خيرا ‪...‬‬
‫وكان ابن مسعود يحلف باهلل الذي الاله إال هو ‪ :‬ماعلى األرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان ‪..‬‬

‫أيها المحب ‪ ..‬الكالم أسيرك ‪ ..‬فإذا خرج من فيك صرت أنت اسيره ‪ ..‬وهللا عند لسان كل قائل " ما يلفظ من‬
‫قول إال لديه رقيب عتيد " ‪ ..‬وإذا أردت أن تستدل على مافي القلب فاستدل عليه بحركة اللسان فانه يطلعك‬
‫على مافي القلب شاء صاحبه أم آبى ‪ ..‬قال يحي بن معاذ ‪ " :‬القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها‬
‫فانظر إلى الرجل حين يتكلم فان لسانه يغترف لك مما في قلبه حلو وحامض وعذب وأجاج وغير ذلك ويبين‬
‫لك طعم قلبه اغتراف لسانه " ‪...‬‬
‫ومن العجب إن اإلنسان يهون عليه التحفظ واالحتراز من أكل الحرام والظلم والزنى والسرقة وشرب الخمر‬
‫ومن النظر المحرم وغير ذلك ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ؟!!‬
‫فان معصية النطق يدخل فيها الشرك وهي اعظم الذنوب عند هللا عز وجل ويدخل فيها القول على هللا بغير‬
‫علم وهو قرين الشرك ‪.‬‬

‫وحاصل ذلك ّ‬
‫أن اللسان سالح ذو حدين ‪ ..‬فهو عند اللبيب المهتدي آلة من آالت الخير والبر ‪ ..‬ومركب من‬
‫مراكب البلوغ والنجاح ‪ ..‬ورأب صدع الفلك الماخر‪ ..‬وهو عند الوقح السفيه عقرب خبيثة ‪ ..‬ودود علق‬
‫يالصق لحم من ينال ‪ ..‬ولهذا فهذه وقفات يسيرات مع أهم واشد آفات اللسان فأليك إياها مختصرة ‪ ...‬ويكفي‬
‫من القالدة ما أحاط بالعنق ‪..‬‬
‫اآلفة األولى ‪ :‬الشرك باهلل تعالى ‪ :‬يقول الحافظ ابن رجب ‪ " :‬فإن معصية النطق يدخل فيها الشرك وهو‬
‫أعظم الذنوب عند هللا عز وجل ويدخل فيها القول على هللا بغير علم "‬

‫اآلفة الثانية ‪ :‬القول على هللا بغير علم ‪ :‬إن القول على هللا تعالى بغير علم هومن اعظم الذنوب ‪ ..‬بل هو أعظم‬
‫من الشرك كما قرر ذلك ابن القيم رحمه هللا ‪ ..‬وما ذاك إالّ ألنه هو السبب حتى في الشرك فان السبب فيه هو‬
‫القول على هللا بغير علم ‪..‬‬
‫إن المفتي موقع من رب العالمين ومخبر عما يعتقد انه حكم هللا تعالى ورسوله صلى هللا عليه وسلم في مسألة‬
‫معينة أو نازلة أو موضوع ‪ ..‬ومن هذا المنطلق يقول اإلمام ابن القيم ‪ ":‬إذا كان منصب التوقيع عن الملوك‬
‫بالمحل الذي ال ينكر فضله وال يجهل قدره وهو من أعلى المراتب السنيات فكيف بمنصب التوقيع عن رب‬
‫األرض والسماوات ؟!‬
‫ولذلك كان السلف يدرؤون الفتيا عن أنفسهم ما استطاعوا ويحاولون أن يتخلصوا منها ويسندوها إلى غيرهم‬
‫‪ ...‬ومن ذلك ما ذكره األمام الدار مي في السنن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ وهو من التابعين الثقاة‬
‫المعروفين ـ قال ‪ ":‬لقد أدركت بهذا المسجد عشرين ومائة من األنصار ما منهم من أحد يحدث بحديث إال ود‬
‫أن أخاه كفاه الحديث وال يسال عن فتيا إال ود أن أخاه كفاه الفتيا "‬
‫ومن صور القول على هللا بغير علم ‪ )1 :‬التسرع باإلفتاء بغير علم ‪ )2 .‬االعتراض على النصوص بالعقل‬
‫‪ )3 .‬ذكر الحديث دون معرفة صحته أو ضعفه ‪ )4 .‬تسفيه أراء أئمة اإلسالم ‪ )5 .‬الكالم بالدين على حسب‬
‫الهوى والظن ‪ .‬لذلك كان حريا وجديرا بالمسلم أن يحذر كل الحذر من القول على هللا تعالى بغير علم ‪ ..‬وان‬
‫يرد األمر إلى أهله ـ وهم أهل العلم ـ " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال تعلمون "‬

‫اآلفة الثالثة الغيبة ‪:‬‬


‫نعم إنها الغيبة يا عبد هللا إنها ذكر العيب بظهر الغيب ذكرك أخاك بما يكره سواء أكان فيه ما تقول أم لم يكن‬
‫هكذا بينها رسولها محمد صلى هللا عليه وسلم يقول ربكم عز وجل في محكم تنزيله‪ ":‬وال يغتب بعضكم بعضا‬
‫أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ‪"...‬‬
‫الغيبة ـ يا محب ـ ذات أسماء ثالثة كلها في كتاب هللا عز وجل ـ الغيبة واإلفك والبهتان ‪ .‬فإذا كان في أخيك ما‬
‫تقول فهي الغيبة وإذا قلت فيه ما بلغك عنه فهو اإلفك وإذا قلت فيه ما ليس فيه فهو البهتان هكذا بين أهل العلم‬
‫رحمهم هللا الغيبة تشمل كل ما يفهم منه مقصود الذم سواء أكان بكالم أم بغمزة أم إشارة أم كتابة وان القلم‬
‫الحد اللسانين ‪ .‬والغيبة تكون في انتقاص الرجل في دينه وخلقه و ُخلقه وفي حسبه ونسبه ومن عاب صنعه‬
‫فإنما عاب صانعها ‪ ..‬يقول الحسن رحمه هللا ‪ ":‬وهللا للغيبة أسرع في دين الرجل من األكلة في الجسد "‬
‫عجبا لمن ينتسب الهل الحق واإليمان كيف يركب مركب الغيبة وقد علم أن المبتلى لها ذو قلب متقلب وفؤاد‬
‫مظلم ‪..‬‬

‫أيها األخ الحبيب ‪ :‬ويشتد القبح والجرم ‪ ..‬ويتعاظم الذنب والذم ‪ ..‬حينما تصدر الغيبة ممن ينتسبون إلى العلم‬
‫والصالح ويتزينون بسيما أهل الزهد والورع فيجمعون في غيبتهم بين تزكية أنفسهم وذم غيرهم ‪..‬وقد يزيد‬
‫البعض خبثه فيقدم المدح لمن يغتابه حتى يظهر تنصله من الغيبة فيقول ‪ :‬كان مجتهدا في العبادة والعلم‬
‫والنزاهة واألمانة ولكنه فتر وابتلي بما ابتلينا به كلنا ومن ذلك أن يقول ‪ :‬ساء ني ما وقع لصديقنا من كذا وكذا‬
‫فنسأل هللا أن يثبته وهو كاذب في ذلك ‪..‬ولهذا يقول ابن القيم وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم‬
‫ولسانه يفري في أعراض األحياء واألموات وال يبالي بما يقول!!‪..‬‬

‫اآلفة الرابعة الكذب ‪:‬‬


‫في خبر البخاري عن النبي صلى هللا عليه وسلم يما حدث به مما رآه من أنواع عذاب أهل النار فكان مما قال‬
‫عليه الصالة والسالم ‪ ":‬أما الذي رايته يشق شدقه فكذاب يكذب الكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ اآلفاق فيصنع به‬
‫ما رأيت إلى يوم القيامة"‪ ..‬من لطخ لسانه برجس الكذب وخبيث الكلم ‪ ..‬البد أن تبدو سريرته ‪ ..‬وينكشف‬
‫أمره ‪ ..‬فال يلقى من الناس إال االزدراء والمنقصة ‪ ..‬أما أهل الحق واإليمان فيهديهم ربهم إلى الطيب من‬
‫القول ‪ ..‬ويهديهم إلى صراط الحميد ‪ ..‬يقول علي رضي هللا عنه ‪ :‬من كانت له عند الناس ثالث وجبت له‬
‫عليهم ثالث ‪ :‬من إذا حدثهم صدقهم وإذا ائتمنوه لم يخنهم وإذا وعدهم وفي لهم ‪ ..‬وجبة عليهم أن تحبه قلوبهم‬
‫وتنطلق بالثناء عليه ألسنتهم وتظهر له معونتهم ‪ ..‬ياعبدهللا ‪ّ ..‬‬
‫إن الصدق يهدي إلى البر وان البر يهدي إلى‬
‫الجنة وان الرجل ليصدق حتى يكون صديقا وان الكذب يهدي إلى الفجور وان الفجور يهدي إلى النار وان‬
‫الرجل ليكذب حتى يكتب عند هللا كذابا "هكذا اخبر نبيك صلى هللا عليه وسلم‬
‫* النكت ‪ :‬لقد انتشر بين الناس اليوم نوع من أنواع الكذب وهو ما يسمى " بالنكت" حيث يقوم بعض الناس‬
‫باصطناع حكايات ال اصل لها عن جنسيات أو انساب أو بالد القوام ‪ ..‬وما ذاك أال من اجل إضحاك الناس ‪..‬‬
‫وهذا أمر محرم جمع بين الغيبة لهؤالء والكذب ‪ ..‬وقد ورد الوعيد الشديد عليه يقول النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ ":‬ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له ويل له "‬
‫ما يباح من الكذب ‪ :‬في الصحيح يقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ":‬ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس‬
‫فينمي خيرا أو يقول خيرا "‬
‫وفيه عن الزهري قال ‪ " :‬ولم اسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إال في ثالث ‪ :‬الحرب ‪،‬‬
‫واإلصالح بين الناس‪ ،‬وحديث الرجل امرأته ‪ ،‬وحديث المرأة زوجها "‬

‫اآلفة الخامسة الكالم بالباطل أو السكوت عن الحق ‪:‬‬


‫يقول ابن القيم رحمه هللا ‪ " :‬وفي اللسان آفتان عظيمتان أن خلص من إحداهما لم يخلص من األخرى ‪ :‬آفة‬
‫الكالم وآفة السكوت وقد يكون كل منهما اعظم إثما من األخرى في وقتها فالساكت عن الحق شيطان اخرس‬
‫عاص هللا مراء مداهن إذا لم يخف على نفسه والمتكلم بالباطل شيطان ناطق عاص هللا واكثر الخلق منحرف‬
‫في كالمه وسكوته فهم بين هذين النوعين ‪..‬‬
‫وأهل الوسط ـ وهم أهل الصراط المستقيم ـ كفوا ألسنتهم عن الباطل وأطلقوها فيما يعود عليهم نفعة في‬
‫اآلخرة "‬

‫اآلفة السادسة شهادة الزور ‪:‬‬


‫قال سبحانه مثنيا ً على صنف من عباده " والذين ال يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما "‬
‫وقال سبحانه وتعالى " وال تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه ءاثم قلبه وهللا بما تعلمون عليم "‬
‫وقد ترجم البخاري " رحمه هللا " في صحيحه بابا قال فيه ‪ ":‬باب ال يشهد على شهادة جور إذا اشهد "‬
‫وعن عبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنهما قال ‪ :‬جاء إعرابي إلى النبي صلى هللا عليه وسلم فقال يا‬
‫رسول هللا ما الكبائر ؟ قال ‪ ":‬اإلشراك باهلل" قال ثم ماذا ؟ " ثم عقوق الوالدين " قال ثم ماذا؟ قال ‪ " :‬اليمين‬
‫الغموس " قلت وما اليمين الغموس ؟ قال ‪ ":‬الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب"‬
‫واليمين الغموس سميت بذلك ألنها تغمس صاحبها في اإلثم ثم في النار وال كفارة فيها ‪.‬‬

‫اآلفة السابعة القذف ‪:‬‬


‫قال هللا تعالى ‪ ":‬والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمنين جلدة وال تقبلوا لهم‬
‫شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون " وهذه آفة ال يكاد يسلم منها اليوم إال موفق من كثرة من يقع فيها ‪ ..‬إن قذف‬
‫المؤمنين والمؤمنات في أعراضهم أو دينهم أو اتهامهم بما هم منه براء ‪ ..‬كل ذلك باب من الذنب عظيم ‪..‬‬
‫وهو من الكبائر كما صح في ذلك الخبر عن المصطفى عليه الصالة والسالم ‪ ..‬وقد بلينا اليوم بألسنه صارت‬
‫ترى تجريح المسلمين خاصة العلماء ومنهم الدعاة دين تدين هللا به ‪ ..‬ومن هذا المنطلق الواهي اتهامهم في‬
‫عقائدهم وسلوكهم ودوا خل أعمالهم وخلجات قلوبهم وتفسير مقاصدهم ونيا تهم ‪..‬‬
‫فترى وتسمع رمي ذاك أو هذا بأنه ‪ :‬خارجي ‪ ،‬معتزلي ‪ ،‬اشعري ‪ُ ،‬‬
‫طرقي ‪ ،‬إخواني ‪ ،‬تبليغي ‪ ،‬مقلد متعصب‬
‫‪ ،‬متطرف ‪ ،‬متزمت ‪ ،‬رجعي ‪ ،‬أصولي ‪ ،‬مداهن ‪،‬مراء ‪ ،‬من علماء السلطان ‪ ،‬من علماء الوضوء والغسل ‪،‬‬
‫ماسوني ‪ ،‬علماني ‪ ،‬شيوعي ‪ ،‬اشتراكي ‪ ،‬بعثي ‪ ،‬قومي ‪ ،‬عميل ‪..‬كل هذا يقال من غير بينة وال برهان ‪ ..‬إنما‬
‫بالهوى والظن ‪ ..‬اخرج عبد الرزاق في تفسيره عن قتادة في تفسير قوله تعالى وممن حولك من األعراب‬
‫منافقون ‪ ...‬اآلية " قال قتادة ‪ :‬ما بال أقوام يتكلفون علم الناس ؟‪ 1‬فالن في الجنة وفالن في النار فإذا سالت‬
‫أحدهم عن نفسه قال ال ادري !! لعمري أنت بنفسك اعلم منك بأحوال الناس ولقد تكلفت شيء ما تكلفه األنبياء‬
‫قبلك قال نبيه هللا نوح ‪ ":‬قال وما علمي بما كانوا يعملون " وقال نبي هللا شعيب ‪ " :‬بقيت هللا خير لكم إن كنتم‬
‫مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ " وقال هللا لنبيه صلى هللا عليه وسلم ‪ ":‬التعلمهم نحن نعلمهم " [ انظر تفسير‬
‫عبد الرزاق ‪ 253 /1‬وعنه ابن كثير ‪] 204/4‬‬

‫اآلفة الثامنة الحلف بغير هللا تعالى ‪:‬‬


‫كالحلف باألمانة والذمة والوالد والولد والشرف والقبيلة وبحياتك وحياة النبي وعند أحمد " من حلف باألمانة‬
‫فليس منا " وفي الصحيح " من كان حالفا فليحلف باهلل أو ليصمت "‬

‫اآلفة التاسعة السب والشتم والسخرية بالمؤمنين ‪:‬‬


‫قال هللا تعالى ‪ ":‬يأيها الذين ءامنوا ال يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم وال نساء من نساء عسى‬
‫أن يكن خيرا منهن وال تلمزوا أنفسكم وال تنابزوا باأللقاب بئس االسم الفسوق بعد اإليمان ومن لم يتب فأولئك‬
‫هم الظالمون " فإياك ثم إياك أن تشتم مسلما أو تغمزه أو تلمزه ‪ ..‬مهما كانت مكانته أو جنسيته ‪ ..‬فأن عقد‬
‫اإلسالم يحرم عليك ذلك ‪..‬‬

‫اآلفة العاشرة اللعن ‪:‬‬


‫عن أبي الدر داء رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ":‬ال يكون اللعانون شفعاء وال‬
‫شهداء يوم القيامة "‬
‫وعن أبي الدر داء رضي هللا عنه قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ":‬أن العبد إذا لعن شيئا صعدت‬
‫اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى األرض فتغلق أبو أبها دونها ثم تأخذ يمينا وشماال‬
‫فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فان كان كذلك أهال وأال رجعت إلى قائلها "‬

‫ال يزال لسانك رطبا ً بذكر هللا ‪..‬‬


‫في " الصحيحين " أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال " من قال حين يصبح وحين يمسي ‪ :‬سبحان هللا وبحمده‬
‫مائة مرة حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر " وعند مسلم انه صلى هللا عليه وسلم قال " أيعجز أحدكم‬
‫أن يكسب كل يوم ألف حسنة ؟ فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال ‪ :‬يسبح مائة تسبيحه‬
‫فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة " وعند احمد واصحاب السنن أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‬
‫" من قال‪ :‬سبحان هللا وبحمده غرست له نخلة في الجنة " فانظر يا رعاك هللا ألي هذه الحسنات الهائلة والى‬
‫ما يقابلها من العمل اليسير حسنات يعب منها اإلنسان عبا ال غالء وال كلفة غير توفيق هللا لمن بادر آال فليت‬
‫شعري أترون نخيل الجنة كنخيل الدنيا هلل بكم يشتري أطيب النخيل في دنيانا ؟! أال فاهلل اكبر وال اله إال هللا‬
‫نخلة في الجنة ثمنها سبحان هللا وبحمده !! أوه تاهلل لقد فرطنا في نخيل كثيرة فاهلل المستعان‬

‫وأمر آ خر أيها المحب البد من التنبه أليه في هذا المقام ذلك انه ينبغي للمؤمنين إذا ضمهم مجلس إال يخلو من‬
‫ذكر هللا فان نبيكم محمدا صلى هللا عليه وسلم يقول ‪ ":‬مامن قوم يقومون من مجلس ال يذكرون هللا فيه إال‬
‫أقاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة " أخرجه اإلمام احمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة‬
‫رضي هللا عنه ‪.‬‬
‫ولفظ الترمذي ‪ ":‬ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا هللا فيه ولم يصلوا على نبيهم صلى هللا عليه وسلم إال كان‬
‫عليهم تره"‪.‬‬
‫ولهذه المجالس كفارة ارشد أليها النبي صلى هللا عليه وسلم في قوله ‪ :‬من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال‬
‫قبل أن يقوم من مجلسه ‪ ":‬سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أال اله إال أنت استغفرك وأتوب إليك إال غفر له ماكان‬
‫في مجلسه ذلك " [رواه أبو داود والد ارمي وقال الحافظ في الفتح ‪ :‬سنده قوي ]‬
‫وصلى هللا على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين ‪،،،‬‬

You might also like