You are on page 1of 165

‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪1‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫إهداء‬

‫إلى الموت صديقي‪ ،‬يا من تقبض األرواح الطيبة بنهم‪،‬‬

‫أهديك ما كتبت علك تشعر وتقبض أروا ًحا ربما فاسدة ً‪،‬‬

‫ولكنها حقًا لطالما تاقت إليك‪.‬‬

‫*******‬

‫ال يستوي من ينزف بمن يشاهد النزيف‪.‬‬

‫محمد المصري‬

‫‪2‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫(‪) 1‬‬

‫أن يضخ قلبه الذل والهوان والقهر ً‬


‫بدال من أن يضخ د ًمًا‪ ،‬بً ويشًنق القلً فسسًه مً‬

‫كً فبضًة‪ .‬أن يجعً المًرم مًن هسًدئ ما ًدة ً يأكً منهًا وعليهًا وال يشًب أبًدًا‪ ،‬بً‬

‫ويزورئ ك صباح كمًا يًزور السًاح الشًجرة ليقطًف الامًار التًي فضًجت؛ كً ذلًك‬

‫وأكار يشعر به أيوب اآلن وهو مضطج علًى أريًية مكتبًه المتواهًد بيسًار مًدل‬

‫قصًًرئ الس‪ًً،‬م‪ ،‬والًًذي يط ً علًًى الحديقًًة مبا ًًرةً‪ .‬واي ًعًا قدميًًه علًًى األريكًًة ف ًي‬

‫محاولة هديدة للنوم‪ ،‬والتي غالبًا ما ستبوء بالسش ‪.‬‬

‫ذلًًك النًًوم كًًالبحر المسًًجور يسًًم لًًك أن تسًًب بداللًًه كمًًا تشًًاء‪ ،‬ولكًًن ال ياًًور‬

‫ويمنحك الغرق إال حينما تتعرى من ك آالمك‪ ،‬وتستسلم لًه بكامً إرادتًك أو يستسًلم‬

‫هسدك رغ ًما عنك من وطًأة المشًقةة والوصً ‪ .‬فًي هًذئ الليلًة واللًيات الكايًرة التًي‬

‫سبقتها قد استحوذ الموت على تسكيرئ‪ ،‬لم يسم له بالغرق في بحر النوم إال ً‬
‫قليا‪ .‬فإذا‬

‫التلست النظر إلى قلبه ستجدئ مرهق كعاهرة ًربت ال‪،‬مًر حتًى افتشًت‪ ،‬عًم اعتلًت‬

‫المسرح وظلت ترقص وترقص وتتلوى ب‪،‬صرها حتى سقطت من فرط الامالة‪ .‬بينمًا‬

‫العق ككأس فام بما فيه من ال‪،‬مر فبات ال يقب ولو قطرة ً واحدة ً؛ هًو يريًد فقًأ أن‬

‫يلسظ ك ما فيه عله يمتلئ بماء طاهر‪.‬‬

‫الجسد برمته هزي كعجوز تجاوز الما ة عًام وكلمًا م ةًر مًن أمامًه مًرم رحبًت بًه‬

‫المناعة ب واصطحبته حيث يريد الولوج وأسًكنته الًدم‪ ،‬وسًاهمت فًي فضًوهه حتًى‬

‫يتسنى للجسد أن يتألم أكاًر‪ .‬القلً والعقً والجسًد همًيعهم ينًاهون المًوت‪ ،‬والمًوت‬

‫وقًًف لهًًم كمسًًجد يًأبى أن يركً فيًًه مسًًلم ولًًو ركعًةً واحًًدة ً‪ .‬يقعًًد ككنيسًًة تًأبى أن‬

‫‪3‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫يمارس فيها قداس عيًد المًياد‪ .‬كصًومعة أغلقًت أبوابهًا فًي وهًه كً معتكًف؛ فقًأ‬

‫أدار ظهرئ وتمن ‪ .‬بات الموت يتلذذ بويعه على أرهوحة كاألطسال؛ الحيًاة تقًف مًن‬

‫ال‪،‬لف وتًدف الًروح إلًى موتهًا المشًتهى‪ ،‬والمًوت يصًس الًروح بكً قًوة مسًتمتعًا‬

‫بصرلاتها النا حة‪.‬‬

‫مذ أيام راودته فكرة كتابة قصة حياته‪ .‬لمعت السكرة في ذهنه اآلن واستأفس بهًا‪ .‬قًرر‬

‫في هذئ اللحظة أن يترك يئًا لهذا العًالم المقًزز قبً أن يسًقأ الجسًد فًي فًخ المًوت‬

‫إلى يوم البعث‪.‬‬

‫كايرا وما زالًت هاتًه تتًنسس‪ .‬مًن دهًس‬ ‫ة‬


‫إن أصدق من يكت عن الموت هو من مات ً‬

‫الموت روحه وترك الجسد ينظر لها من بعيد‪ ،‬كأفةها عدوئ السرمدي‪ .‬ذلك الذي طعنته‬

‫الحيًًاة ب‪،‬نجًًر مسًًموم‪ ،‬ووقًًف المًًوت يشًًاهد الطعنًًة بسرحًًة عارمًًة‪ .‬مًًن أهً موتًًه‬

‫المتكرر هذا قرر أن يشرع في كتابًة مذكراتًه‪ ،‬فذكرياتًه وآالمًه وكً أيامًه المايًية‬

‫من وههة فظرئ في هذئ اللحظة يج أن تؤرخ‪.‬‬

‫حاول أن ينهض ولكن هسًدئ النحيً يًأبى النهًوم‪ .‬مًا أقسًى علًى اسفسًان أن يًأمر‬

‫الجسًًد فيًًرفض تلبيًًة األمًًر‪ .‬عين ًائ البنيتًًان تبحاًًان عًًن أقًًرب ًًيء لإلمسًًاك بًًه أو‬

‫االستناد عليه‪ .‬زحف بيديه المتيبستين حتى وصً إلًى األريكًة واسًتند بظهًرئ عليهًا‪.‬‬

‫تحسر على فسسه عندما رأى يديه التي تط منها الشرايين بارزة ً والعظًام تنًتسض مًن‬

‫بين الجلًد واللحًم‪ ،‬بالكًاد يوهًد هنًاك لحًم أو بقايًا منًه؛ ربمًا هًو أقًرب إلًى الهياكً‬

‫ًس كالعًادة بًدوار لسيًف ة‬


‫كًأن الجًدران مًن حولًه تتلًوى‬ ‫العظمية منًه إلًى البشًر‪ .‬أح ة‬

‫‪4‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫سًتعرا كالنًار‬
‫ً‬ ‫وتتراقص‪ .‬وي يدئ اليمنى على وههه وأغمًض عينيًه وكًان الوهًه م‬

‫المشبوبة‪ .‬ظ ما يقرب من الدقيقتين قاعدًا حتى استجم قوائ وفهض‪.‬‬

‫استند على حواف المكت واتجه إلى المقعد‪ ،‬عم قعد وأمسك بالقلم‪.‬‬

‫استه المذكرات بكتابة التاريخ والوقت في الصسحة األولى‪ ،‬وفي الصسحة الاافيًة مًن‬

‫بداية السطر األول كت ‪:‬‬

‫‪ -‬أفًًًا أيًًًوب داوود السًًًيد عمًًًري عاعًًًة وأربعًًًون عا ًمًًًا مًًًريض بًًًال‪....‬‬

‫قاطعته بسمة ابنته واقتحمت للوته مً القلًم‪ .‬صًسقت البًاب فًارتطم بالحًا أ‪ ،‬ووقسًت‬

‫تتكئ عليه بظهرها‪ .‬فظرت له بحنق معلنةً عن توقف الكتابة حتًى إ ًعار آلًر‪ .‬بسًمة‬

‫ليسًًت مجًًرد اسًًم ب ً هًًي ابتسًًامة تراهًًا أمًًام عينيًًك‪ ،‬فمًًا أن تنظًًر إلًًى وهههًًا إال‬

‫وتجزم أفةه ال يجوز أن يًرى هًذا الوهًه إال مبتسً ًما‪ .‬فوهههًا المتبسًم‪ ،‬كأفةًه القمًر فًي‬

‫ليلًًة ال فجًًوم فيهًًا‪ .‬ورعًًت تلًًك االبتسًًامة العذبًًة مًًن والًًدتها المتوفًًاة باسيًًافة إلًًى‬

‫الكاير مًن مامحهًا الساتنًة‪ ،‬كعينيهًا الزرقًاوتين و ًعرها األصًسر النًاعم‪ ،‬زد علًيهم‬

‫بشرتها الشقراء وطاب الحسن في ذقنها‪ ،‬منذ أن تراها ومن الوهلة األولًى تشًعر أفةهًا‬

‫ضًا مًن‬ ‫أن ‪،‬صيتها سيئةً فو ً‬


‫عا ما‪ .‬فلقًد ورعًت مًن أبيهًا بع ً‬ ‫طسلة بنكهة ما كية‪ ،‬بيد ة‬

‫هنوفه‪ ،‬وتعلمت علًى يًدئ العنًاد‪ ،‬وسًرعة الغضً ‪ .‬تعشًق الصًسقات فًإن أردت منهًا‬

‫ً‬
‫أوال‪ ،‬أو تقط ً وع ًدًا بالتنسيًًذ‪ .‬حتًًى أي ًوب فسسًًه ال‬ ‫ًًيئًا؛ يج ً عليًًك تقًًديم المقاب ً‬

‫يستطي أن يتنص من تلك الصسقات‪.‬‬

‫فهض أيوب بتع واالبتسامة تكسو وههه‪ ،‬واتجه إليها؛ ما زالًت تقًف بجًوار البًاب‪.‬‬

‫أ ًًارت لًًه أفةهًًا بحاًًت عنًًه بحجرتًًه وبالحديقًًة ولًًم تجًًدئ‪ .‬ابتسًًم لهًًا وافحنًًى راكعًًًا‬

‫‪5‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫عتذرا‪ .‬قد فسي أفةها ستذه بعد قلي إلى المدرسًة وال بًدة‬
‫وأمسك بيدها اليمنى وقبلها م ً‬

‫لها من قبلة الصباح وعناق دافئ يتكسً أن تًذه واالبتسًامة تكسًو وهنتيهًا‪ .‬أمسًكت‬

‫بلحيته وأ ًارت لًه أن ال يكًرر فعلتًه هًذئ مًرة ً ألًرى‪ ،‬وي‪،‬برهًا فيمًا بعًد أيًن تجًدئ‬

‫دون أن تتكبد عناء البحث عنه هنا وهناك‪ .‬قبلًت يًدئ وتعافقًا‪ ،‬عًم ذهبًا سًويا إلًى بًاب‬

‫القصر‪ .‬تركها تصعد السيارة متمنيا لها يو ًما را عًا‪ .‬ظ ة يلوح لهًا بيًدئ وهًي تنظًر لًه‬

‫من الزهاج ال‪،‬لسي وترس له القًبات‪ ،‬كأفةهمًا عا ًقان فًي بدايًة عشًقهما‪ ،‬ويودعًان‬

‫بعضهما البعض بتل ُّهف؛ رغم أفةهما سيلتقيان بعد ساعات! إن كان في العمر ع ً‬
‫مرا‪.‬‬

‫عًاد أيًًوب إلًًى المكتً مًًرة ألًًرى‪ .‬فًت الًدفتر وأمسًًك بًًالقلم‪ ،‬وقبً أن يكتً سًًم‬

‫رفين الهًاتف فنظًر إلًى الشا ًة فًإذ بالمتصً الًدكتور وليًد صًديقه المقًرب‪ ،‬وفا ً‬

‫ضا أفةه طبيبه ال‪،‬اص واتصًاله هًذا‬


‫ر يس مجلس إدارة مجموعة ركاته‪ .‬باسيافة أي ً‬

‫يتكرر يوميا بمجرد استيقاظه من النوم‪ .‬فأول األ ياء التًي يسعلهًا هًو االطمئنًان علًى‬

‫صحته؛ ليجبه كعادته بس‪،‬رية وي‪،‬برئ أفه مًا زال يتًنسس والمًوت يًأبى أن يقطً تلًك‬

‫األفساس‪.‬‬

‫ي م‪،‬لًوق‪ ،‬وعلًى وهًه‬


‫مًن أ ة‬ ‫بينما اليوم لم يكن بمزاج هيد ليجي أو ليسًتم لنصًا‬

‫التحديًًد هًًذا الطبي ً الًًذي ال يكًًف عًًن النُّص ً ‪ .‬لًًذلك افتظًًر حتًًى ينتهًًي الًًرفين عًًم‬

‫يغأ على زر إغاق الهاتف‪.‬‬

‫ما أن عاد ليمسك القلم فإذ بالبًاب يطًرق‪ ،‬والطًارق هًو وهيًه مسًاعدئ ال‪ً،‬اص وبئًر‬

‫أسرارئ‪ ،‬أيف إلى ذلك أفةه ذراعه اليمنى التي يسع من لالها أغلً مًا يريًد‪ .‬سًم‬

‫كأن القدر يعافدئ بشًدة وي‪،‬بًرئ بأفةًه لًن يكتً اليًوم ًيئ ًا‪ .‬دفًا منًه وحيًائ‬
‫له بالدلول‪ ،‬ة‬

‫‪6‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫فرد أيوب التحية‪ .‬كان وهيه متأفقًا كعادته‪ ،‬ال يسم للصًل الًذي بًدأ يأكً مًن مقدمًة‬

‫رأسًًه أن يهًًز عقتًًه بنسسًًه‪ .‬ب ً تشًًعر أفةًه ره ً ال تشًًوبه ًًا بة كشًًاب فًًي ال‪،‬امسًًة‬

‫والعشرين برغم أفةه قد ت‪،‬طى األربعين ب‪،‬مس سنوات‪ .‬له فظرة عاقبًة فًي عًالم المًال‬

‫واألعمال‪ .‬رب أيوب مايين كايرة ً منذ أن بدأ في العم معه مًن سًبعة أعًوام ويزيًد‪.‬‬

‫دفا منه وألقى تحية الصباح‪ .‬رد أيوب التحية ودعائ للقعود‪.‬‬

‫ارتسمت عامات األلم الممًزوج بالشًسقة علًى وهًه وهيًه‪ ،‬وسًأل أيًوب عًن صًحته‬

‫بعد أن رأى عامات اسرهاق تعتًري قسًمات وههًه‪ .‬فأهابًه بإيمًاءة فيمًا معناهًا أفةًه‬

‫ب‪،‬ير‪ ،‬عم طل منه أن يجل له كوب ماء فلبى الطل على السور‪ .‬ألذ الكوب مًن يًدئ‬

‫ضًا مًن النيًران التًي تسًتعر بًدال حلقًه‪ .‬ويً‬


‫و رب حتى ارتوى فألمد المًاء بع ً‬

‫الكوب على المكت ‪ ،‬وفظر له وقال‪:‬‬

‫‪ -‬هناك يء أود منك تنسيذئ اليوم وعلى وهه السرعة‬

‫بسًأ أيًًوب ورقًةً علًًى سًًط المكتً بهًًا رسًًمة تشًًبه رسًًوم األطسًًال‪ ،‬وبًدأ يشًًرح‬

‫لوهيًًه مًًا تحويًًه‪ .‬طل ً منًًه أن يطبقهًًا علًًى أرم الواق ً ‪ .‬اتسًًعت عينًًا وهي ًه مًًن‬

‫الدهشة‪ ،‬وافتظر حتى ينتهي من الشرح وحملق في وههه‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬ه ستقت فسسك !!؟‬

‫سالرا وأمرئ بتنسيًذ مًا طلً منًه‪ ،‬وعلًى السًور لًرج وهيًه كًي يلبًى إحًدى‬
‫ً‬ ‫يحك‬

‫رغبات أيوب المجنوفة والتي بدأت تظهر في اآلوفة األليرة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫مرر أيوب أفامله على وههه و عر ببعض الراحة‪ .‬وي يدئ اليمنى علًى المكتً عًم‬

‫وي ً اليسًًرى علًًى اليمنًًى وسًًم لرأسًًه أن تسًًتلقي علًًي يديًًه فًًي محاولًًة هديًًدة‬

‫للنوم؛ تعافقت فيها الجسون وح الظام على العين ييسًا‪.‬‬

‫ظ بضعة دقا ق في البداية ما بين اسرهاق والتسكير واآلالم التي تتعارك فًي أطًراف‬

‫هسدئ‪ .‬كان يبحث عن فكرة يستطي من لالها أن يرغم عقله بالتوقف عن التسكير!‬

‫فًًي فهايًًة األمًًر ت‪ًً،‬در هسًًدئ وهمًًد‪ ،‬فعنًًدما يشًًرب الجسًًد لمًًر األلًًم تام ً الًًروح‬

‫وتركً قا لًةً ال يسً األلًًم سًًوى األلًًم‪ .‬رزق النًًوم بعًًد أن سًًأم العقً التسكيًًر‪ ،‬وتعً‬

‫الجسد من النحي ‪ ،‬وسقأ في عالم األحام‪ .‬هذا العالم الذي يحكمه ًيطان لعًين‪ ،‬ومًا‬

‫فحن إال عبيدئ الم‪،‬لصًون‪ ،‬يحركنًا كمًا يشًاء‪ ،‬ويسًتبي دمنًا ويقبلنًا ويعافقنًا؛ يجلًدفا‬

‫أن ك ما يحدث حقيقةً هليًةً‪ ،‬عًم‬


‫ويبكينا ويسعدفا‪ ،‬ويسع بنا ك األفاعي ‪ .‬يجعلنا فوقن ة‬

‫ي يء لنستيقظ‪ ،‬وفجد في النهاية ة‬


‫أن ما حدث ما هو إال محض حلم!‬ ‫يرس لنا أ ة‬

‫في البداية وهد أيوب فسسًه يجلًس علًى طًرف ممًر لرسًافي ممتًد مًن الشًاطئ إلًى‬

‫البحر ممس ًكا بصنارة ويصطاد‪ .‬كان السًمك يطسًو علًى سًط المًاء راف ً‬
‫ضًا أن يبتلً‬

‫الطعم‪ ،‬عم بدأ السمك يلع ويتقافز إلى لارج الماء فًي فشًوة وسًعادة؛ فقًرر أن يلقًى‬

‫بصنارته في البحر ويمسك السمك بيديًه‪ .‬اسًتلقى علًى بطنًه ومًد يديًه باتجًائ البحًر‪،‬‬

‫ومن المحاولة األولى تمكن من اسمساك بسمكة‪.‬‬

‫عر بالسعادة لوهلًة حتًى هرحًت السًمكة يًدئ اليمنًى فصًرخ عاليًا‪ ،‬وفظًر إلًى يًدئ‬

‫أن هناك يئًا يسي منها!‬


‫ي دماء رغم عورئ ة‬
‫التي لم تنزف أ ة‬

‫‪8‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫اعتدل في هلسته واستدار فاحية الشاطئ‪ ،‬وقب أن يهم بالرحي أبصر ره ًا أسود في‬

‫بداية الممًر ال‪،‬رسًافي؛ لًم تكًن بشًرته سًوداء‪ ،‬بً كًان هنًاك سًا أسًود كًالبترول‬

‫يسًًي مًًن رأس ًه كنهًًر يجًًرى فًًي مجًًريين م‪،‬تلس ًين‪ .‬المجًًرى األول يسًًي فًًي لًًأ‬

‫عا واسًتدارة ً‪،‬‬


‫متعرج إلى عينيه الغيًر موهًودتين‪ ،‬والًذي أصًب تجويسهمًا أكاًر أتسًا ً‬

‫األسًود ويحتسظًان بًه فًي داللهمًا‪ .‬والمجًرى‬ ‫كأفةهما بئرين واسعين يستقبان السًا‬

‫الاًًافي يتقًًاطر مًًن الًًرأس علًًى الكتًًف ويسًًي باتجًًائ يًًدئ التًًي تمسًًك بعصًًا غليظًًة‬

‫مستديرة لها مقبض حديدي‪ ،‬يوهد بنهايتهًا مسًامير بطًول عشًرة سًنتيمترات‪ .‬لمسًة‬

‫سًًنتيمترات فًًي بطًًن العصًًا‪ ،‬وال‪،‬مسًًة األلًًرى وهًًي الجًًزء المسًًنن يبًًرزن مًًن‬

‫لارههًًا‪ ،‬ووزعًًن بشًًك دا ًًري متجًًاور كأ ًًواك القنسًًذ‪ .‬فًًي مجملهًًا تشًًبه كايً ًًرا‬

‫فاغرا فمه‪ .‬كان الرهً يبحًث عًن‬


‫ً‬ ‫الهراوة‪ .‬صعق أيوب من منظر الره وحملق فيه‬

‫مصدر الصرلة التي سمعها منذ قلي ومن الواي أفةه قًد أتًى ليقًتص مًن صًاحبها‪.‬‬

‫ظ الره يدفو منه وهو ال يدرى ماذا يسع بعدما توقف عقله عًن العمً وهًو ينظًر‬

‫ويسارا‪ ،‬وهو ما زال يدفو أكاًر فًأكار‪ .‬ألقًى أيًوب‬


‫ً‬ ‫للهراوة التي يلوح بها الره يمينًا‬

‫بنسسه فًي البحًر‪ ،‬وظً يعًوم حتًى قً منسًوب المًاء واسًتطاع أن يسًير علًى قدميًه‬

‫بتااق ‪ ،‬والرهً مًا زال متجمًدًا فًي مكافًه‪ .‬مًا أن وطًأت أقًدام أيًوب رمًال الشًاطئ‬

‫حتى ركض ب‪،‬وف وهزع وهو يتحا ى النظًر إليًه‪ .‬بيًد أن عينيًه تسًترق النظًر مًن‬

‫آن آللر رافضةً أن تطيً أوامًرئ بعًدم النظًر إليًه‪ .‬تحًرك الرهً باتجاهًه والمسًافة‬

‫بينهم ليست بالبعيدة‪ .‬هو يركض بجزع‪ ،‬والره يركض للسه حتًى وصً إلًى كومًة‬

‫كبيًًرة مًًن القًًاذورات واألكيًًاس النتنًًة‪ ،‬تشًًبه الشًًك الهرمًًي‪ .‬صًًعد الكومًًة سًًريعًا‬

‫‪9‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫وتمكن الره من اللحاق به‪ ،‬وأصبحت المسًافة بيًنهم بالكًاد بضًعة لطًوات‪ .‬اسًتغ‬

‫افعدام رؤية الره وتعمد أن يسقأ بعض األكياس بأقدامًه وتعجً بشًدة عنًدما وهًد‬

‫الره يضحك!‬

‫بعًًد أن وصً إلًًى قمًًة الكومًًة وهًًد فسسًًه أمًًام منًًزل لًًه سًًور حديًًدي‪ .‬ارتسًًاع ذلًًك‬

‫السور يص إلى الااعة أمتار‪ .‬قسًز عًدة قسًزات مًن أعلًى الكومًة باتجًائ هًذا المنًزل‬

‫عله يجد مكافًا آمنًا ي‪،‬تبئ فيه‪ .‬بعد أن لصًق فًي السًور حًاول تسًلقه علًى السًور دون‬

‫التسكير بالبحث عن باب أو فافًذة يًدل مًن لالهًم‪ .‬كافًت يًدئ مًا زالًت تؤلمًه‪ ،‬لكنًه‬

‫أليًرا إلًى‬
‫ً‬ ‫تحام على فسسًه وفسًي األلًم تما ًمًا بعًد أن وهًد الرهً فًي أعًرئ‪ .‬وصً‬

‫أعلًى السًور‪ ،‬فوهًد امًرأة ً حبلًى تقعًد‪ ،‬ويقعًد قبالتهًا رهً ‪ ،‬حًاول أن يتبًين مامحًًه‬

‫وفش ‪ .‬أصاخ السم فلم يسًم لًه صًوت‪ .‬كافًت المًرأة الحبلًى وه ًهًا لوهًه معًه‪ ،‬قًد‬

‫عرفها من الوهلة األولى إفةها كوعر زوهته‪ .‬صرخ مناديا باسمها‪ ،‬فلم تكترث له‪ .‬وهًد‬

‫قدمه تسح إلى األسس ‪ ،‬فلقد تسلق الره من للسه دون أن يشعر به‪.‬‬

‫عا وهناك يد حنطيًة فاعمًة تهًزئ لتوقظًه وتنتشًله مًن ذلًك الحلًم المًزع ‪.‬‬
‫استيقظ فز ً‬

‫كافت الرؤية مشو ةً فظنها يد الره الًذي كًان يطًاردئ فًافتسض واقسًًا‪ .‬رغًم أن تلًك‬

‫اليًًد تملكهًًا ليلًًى زوهتًًه‪ .‬فظًًر لعينيهًًا العسًًليتين بغض ً فايًًطربت‪ .‬قًًال وصًًوته‬

‫يتهدج ويدئ تشير باتجائ الباب‪:‬‬

‫‪ -‬الرهي اآلن وال توقظيني عافيةً‬

‫‪10‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫صمتت وحاولت أن تستجم ما هاءت من أه قوله‪ .‬وقست لاوان تراق أفساسه وهًي‬

‫تعلو وتهبأ‪ ،‬كأفةه في مسابقة للركض واآلن قد وص لأ النهاية‪ .‬افتظرت حتًى هًدأ‪،‬‬

‫واستعاد لسافها حيويته‪:‬‬

‫‪ -‬أردت فقأ أن ألبرك ة‬


‫بأن الدكتور وليد اتص بي‪ ،‬ويريدك أن تتص به‬

‫ألمر هام‬

‫قالت تلك الجملة عم فعتته بالحقير في فسسها‪ ،‬واتجهت إلى الباب كمًا أمرهًا‪ .‬لًم يعرهًا‬

‫ي افتبًًًائ فقًًًد كًًًان قلبًًًه ينًًًتسض كبلًًًدة أصًًًابها زلًًًزال فتصًًًدعت بيوتهًًًا وتشًًًققت‬
‫أ ة‬

‫أرايًًيها‪ ،‬ومًًا زالًًت البلًًدة علًًى قيًًد الحيًًاة لكنهًًا أيًًحت لرب ًةً‪ .‬وي ً يديًًه علًًى‬

‫المكت ومن فوقهم رأسه في محاولة مستميتة الستكمال الحلم ربما يعرف النهاية فهًو‬

‫من فوعية البشر التي غالبًا ما تتحقق أحامهم‪ .‬لكن هيهات هيهات أن يكتم حلًم أراد‬

‫لًًه الشًًيطان النهايًًة‪ .‬ظ ً لسًًاعة أو أكاًًر يكت ً بم‪،‬يلتًًه سًًيناريوهات لتكملًًة الحلًًم‪،‬‬

‫وحين فشلت همي السيناريوهات التي ت‪،‬يلها كًان النهًار قًد أو ًك علًى االفتصًاف‪،‬‬

‫ولم يظسر سوى بساعتين فقأ من النوم‪ .‬تلكما الساعتان اللتان رأى فيهما الحلم قبً أن‬

‫توقظه ليلًى‪ .‬أعًاد تشًغي هاتسًه وافتظًر ً‬


‫قلًيا حتًى يسًتجم الهًاتف بيافاتًه‪ ،‬واتصً‬

‫بوهيه الذي أهاب على السور‪ ،‬فسأله قا ًا‪:‬‬

‫‪ -‬ه افتهيت؟‬

‫‪ -‬الشيء الذي طلبته ليس هيةنًا‪ ،‬أمامنا ما يقرب من الساعتين‬

‫ً‬
‫اتصاال بعد ساعتين‬ ‫‪ -‬حسنًا سأفتظر منك‬

‫‪11‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫أغلق االتصًال‪ ،‬واتجًه إلًى حجًرة فومًه كًي يغتسً وي‪،‬مًد النيًران التًي تشًتع فًي‬

‫هسدئ من آن آللر بسب مريه‪ .‬وعندما افتهى من االغتسًال أمًر السًا ق باالفتظًار‬

‫أمًًام البًًاب؛ فعليًًه ال‪ًً،‬روج قبً عًًودة بسًًمة‪ .‬سًًيذه للًًدكتور وليًًد ً‬
‫أوال‪ ،‬وبعًًد ذلًًك‬

‫سيتحدى الموت‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫(‪)2‬‬

‫بدأت السماء تتلون بألوان الغسًق إيًذافًا بمًياد ليً هديًد‪ .‬علًى سًط إحًدى البنايًات‬

‫الجديدة التي تق على كورفيش الني بالمعًادي‪ .‬قًد اكتمً بناؤهًا حتًى الطًابق السًاب‬

‫والعشرون باسيافة إلى عاعة طوابق تجارية‪ .‬أفظر من األسس ستجد أيًوب يقعًد فًي‬

‫الهواء أو علًى وهًه الدقًة سًترى قدميًه متًدليتين مًن علًى طًرف لًوح لشًبي صًن‬

‫صًًا كمًًا أمًًر‪ .‬لمسًًة أمتًًار وفصًًف المتًًر معلقًًة فًًي الهًًواء كمًًا رسًًمهم فًًي‬
‫لصي ً‬

‫الورقة‪ ،‬ومترين وفصف المتر على سط البنايًة ويً علًيهم كتلتًين حديًديتين وزن‬

‫ك كتلة منهما ما تي كيلو هرام‪ ،‬وبنهاية الجزء المعلق في الهواء توهًد قطعًة لشًبية‬

‫مابتة من أسس اللوح حتى يتم وي دعامة كًي ال يًرقص اللًوح مترف ًحًا عنًدما تطًأئ‬

‫ي أقدام‪ .‬إن تواهدت أعناء سيرئ على اللًوح منًذ قليً سًتظن ة‬
‫أن الرهً يسعلهًا للمًرة‬ ‫أ ُّ‬

‫الما ة وليس للمرة األولى‪ ،‬فهو لم يترف سوى مرة واحدة عنًدما فظًر لفسًس ‪ ،‬وفيمًا‬

‫عدا هذئ المرة ظ عابتًا بكً لطواتًه حتًى أمسًك بيًدئ المقعًد الطبًي المتواهًد بنهايًة‬

‫اللًًوح‪ .‬ص ًسةق أحًًد الرهًًال بحًًرارة عنًًدما وص ً أيًًوب للمقعًًد‪ ،‬وقع ًد والتً ة‬
‫ًف للجهًًة‬

‫األلرى ليكون هو والنيً وه ًهًا لوهًه‪ ،‬كأفةًه ًاهد أحًد البهلوافًات يًؤدى حركًة مًن‬

‫الحركات الصعبة على الحبال المعلقة في الهواء‪.‬‬

‫فلقد فعلها‪ ،‬فعم فعلها وتحدى إحدى قًوى الطبيعًة "الريًاح" علةهًا تسًاعد المًوت علًى‬

‫أن يظسر بهذا الجسد الوعير الذي دأب المرم منًذ سًنون‪ .‬اسًتطاع بكً عقًة أن يًرب‬

‫الموت للمرة األولى دون أن يقتنصه المًوت‪ .‬هًؤالء األغنيًاء مًن فوعيًة أيًوب الًذين‬

‫يء‪ .‬يجدون متعتهم في المراهنات وعلى وهه التحديًد‬ ‫مكنتهم أموالهم من تجربة ك‬

‫‪13‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫المراهنة بحياتهم! بعًد افقضًاء مًا يقًرب مًن النصًف سًاعة قًرر أن يسًتدير بالمقعًد‬

‫استعدادًا للنهوم‪ ،‬بعدما أطلق سراح الكل المقيد في رأسه‪ .‬إفةها الذكريات مالها ما‬

‫الكل المسعور الًذي يًنهش لحًم الًرأس ويتركهًا فارغًةً مًن الًدال كًالكرة الممتلئًة‬

‫بالهواء‪ ،‬تركلها الذكريات المؤلمًة بكً قًوة لبعضًها الًبعض لتحًرز فًي النهايًة هًدفًا‬

‫يسقأ من بكة العين على هيئة دموع‪ .‬فيجد يالته في قليً مًن البكًاء؛ هًذا المسًكن‬

‫قلي الحيلة‪ ،‬ال يستغرق تسكينه لفلم بض عوان وربما يزيد على األلم أل ًما‪ .‬لم يكسكًف‬

‫دمعه ب ترك الرياح تحمله بين طياتها‪.‬‬

‫قب أن تطأ قدميه اللوح ال‪،‬شبي سأله وهيه ووههه يعتريه القلق والجزع‪:‬‬

‫‪ -‬أال ت‪،‬شى الموت؟‬

‫‪ -‬الميت ال ي‪،‬شى الموت!‬

‫كافت اسهابة قاطعةً‪ .‬لدرهة ة‬


‫أن الجملة ظلت تتردد علًى مسًام وهيًه لسًاعات‪ ،‬فلقًد‬

‫سا لن ينسائ طيلة حياته‪ .‬تعلم بأ ةن الموت ال يطل مًن يشًتهيه؛ رغًم ة‬
‫أن أيًوب‬ ‫تلقن در ً‬

‫تارة ً يشتهي الموت وتارة ً يتمسك بالحياة بك قوته‪ .‬فهناك بسمة التي تمنحه النًور بًين‬

‫الظلمات؛ تعطيه إكسًير الحيًاة بنظًرة؛ تجعلًه يتًنسس الهًواء النقًي بابتسًامتها العذبًة‪.‬‬

‫بينما هو ال ينسى ة‬
‫أن أيامه في الدفيا قد ارفت على االفتهاء‪ .‬الموت يقتله ويسًسك دمًه‬

‫ضًا بموتًه القريً‬


‫دون المساس بجسدئ‪ ،‬فرؤية بسمة بقدر مًا تمنحًه الحيًاة‪ ،‬تًذكرئ أي ً‬

‫والسؤالين الر يسيين اللذين اعتاد سؤالهما لنسسه‪:‬‬

‫‪ -‬لمن سأتركك يا بسمة؟‬

‫‪ -‬لماذا ال يشتري المال القلي من العمر ألحيائ من أهلك؟‬

‫‪14‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫سار أيوب على اللوح عا دًا إلى سط البناية‪ .‬دفا منه وهيًه‪ ،‬ومًن للسًه أربعًة رهًال‬

‫ممن يشبهون الايران في قوة الجسد‪ ،‬والمكلسين بحراسته‪ .‬على رأسهم حبشي الحارس‬

‫ال‪ًً،‬اص بًًه‪ .‬كًًافوا فًًي افتظًًارئ علًًى سًًط البنايًًة كمًًا أمًًر سًًلسًا‪ .‬مًًا أن تقًًدم حبشًًي‬

‫ي مسًاعدة‪ .‬ظً أحًد الرهًال مشًدو ًها بشًدة‬


‫ضا أ ة‬
‫لفمام إال ووهد أيوب يشير بيدئ راف ً‬

‫من هذا التصرف‪ ،‬يتسرس في وههه والسضول يأك مًن رأسًه كمًا يأكً السًأر الجًبن‬

‫المعلق بدال المصيدة ليسًد رمًق معدتًه ال‪،‬اويًة‪ .‬فًي فسًس الوقًت يحًاول هاهًدًا أال‬

‫يسًًقأ فًًي السًًخ وإال سًًيتم اصًًطيادئ‪ .‬فًًأول الشًًروط التًًي وافًًق عليهًًا سًًلسًا‪ .‬األسًًئلة‬

‫تسسًيرا لًم‬
‫ً‬ ‫ممنوعة‪ ،‬فقأ فسذ ما تؤمر به‪ .‬ك ما في األمر ة‬
‫أن عقلًه يريًد فقًأ أن يضً‬

‫يحدث‪ ،‬ويجيبه على بعض األسئلة التي يسألها لنسسه بعد أن حرم سؤال اآللرين‪:‬‬

‫‪ -‬لماذا يض أغل الوقت كمامةً على فمه وينزعها فقأ حين تتواهد‬

‫ابنته وزوهته؟!‬

‫‪ -‬ما الذي يسعله هذا المجنون وما االستسادة التي تعود عليه من التعلق هكذا‬

‫في الهواء؟!‬

‫حلةقت األسئلة من عقً الرهً بعيًدًا بعًد أول لطًوة للسًيد أيًوب علًى سًط البنايًة‪.‬‬

‫اقترب منه وهيه بابتسامته المعتادة‪ .‬أراد أن ينسض لًه الغبًار الملتصًق ببزتًه‪ ،‬فأ ًار‬

‫له بالرفض‪ .‬فلقد فسةض عن رأسه غبًار الًذكريات وهًذا هًو المهًم‪ .‬فسًض أي ً‬
‫ضًا غبًار‬

‫كايرا لو حدعت‪ .‬كرؤيتًه لًوالدة بسًمة‪ .‬تسًعة أ ًهر لًم يقبً فًيهم بطًن‬
‫أمنيات ا تهى ً‬

‫كوعر زوهته‪ .‬ما يقرب من العام لم يرى فيه طسلته إال مرات قليلة‪ .‬ككلمة أبي التًي لًم‬

‫يسًًمعها إلًًى اآلن‪ ،‬وذكريًًات التلطًًت بأمنيًًات كلهًًا تتكالً وتتجمً عليًًه‪ ،‬وتًًود لًًو‬

‫‪15‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫تنهشًًه فه ً‬
‫ش ًا‪ .‬هًًو فقًًأ أراد أن يطلًًق سًًراح الغربًًان التًًي تسًًكن صًًدرئ بعًًدما بنًًت‬

‫أعشا ها وألقت ببيضاتها وات‪،‬ذت منه وطن‪ .‬بالكاد أطلق بعضًها والًبعض اآللًر مًا‬

‫ش آمنًا‪.‬‬
‫زال ينعق من فرط السعادة ببقاء الع ُّ‬

‫*******‬

‫عاد أيوب إلى قصًرئ‪ ،‬وتر ةهً مًن السًيارة‪ .‬صًعد بضًعة درهًات إلًى بًاب القصًر‪،‬‬

‫وقب أن يدل سم صوت يحكات ليلى‪ .‬اتجهت عينًائ إلًى مصًدر الصًوت ليراهًا‬

‫تتحدث فًي الهًاتف‪ ،‬ومًن الوايً أفةهًا لًم تًرائ بعًد‪ .‬ظً واقسًًا لدقيقًة دون أن تلحًظ‬

‫وهودئ‪ .‬التقت عيناها بعينيه فأ ار لها بيدئ واتةجه للًدال ‪ .‬قعًد ببهًو القصًر ينتظرهًا‪،‬‬

‫أتًًت مسًًرعةً وصًًوت حًًذا ها علًًى أريًًية القصًًر تصًًطك منًًه األسًًنان‪ .‬هًًز علًًى‬

‫أسًًًنافه فًًًي غضًًً ‪ ،‬وهًًًي تقتًًًرب منًًًه وقًًًد تسًًًلحت بابتسًًًامتين مًًًزيستين‪ ،‬أطلقًًًت‬

‫االبتسامة األولى من فوهة الشسائ في محاولة لتغيير عبوس وههه‪ .‬رمقها بنظًرة اللًوم‬

‫فباغتته بالحديث قا لة‪:‬‬

‫‪ -‬كنت أظنك ستتألر‬

‫‪ -‬ا تقت لبسمة‬

‫‪ -‬وليلى ألم تشتاق لها؟‬

‫تعمد تجاه السؤال وأكم با مباالة‪:‬‬

‫‪ -‬ألم ألبرك أن ال تترك بسمة بمسردها واليوم مربيتها في راحة‬

‫ماتت االبتسامة األولى فأطلقت الاافية سًريعًا فًي محاولًة لتجنً غضًبه‪ .‬زادت علًى‬

‫االبتسامة بأفها طأطأت رأسها لفسس بافكسار‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬اعتذر كنت أتحدث في الهاتف م ‪....‬‬

‫قاطعهًًا بحنًًق ًًديد وأ ًًار لهًًا بالصًًمت‪ ،‬عًًم فهًًض ودف ًا منهًًا ووقًًف أمامهًًا وه ًهًًا‬

‫لوهه‪:‬‬

‫‪ -‬أتمنى أن تتذكري هيدًا لماذا تزوهت بك‬

‫اتجه لفعلى وتركها تغلًي كإفًاء ملًئ بالمًاء وويً علًى النًار عًم ظً يغلًي ويغلًي‬

‫حتى تب‪،‬ر ك ماءئ‪.‬‬

‫صعد الدرج سريعًا واتجه إلًى حجًرة بسًمة‪ .‬طًرق البًاب عًم دلً وظً يبحًث عنهًا‬

‫بعينيه فلم يجدها‪ .‬الحجرة ممتلئة على آلرها باأللعاب والعرا س القطنية الكبيرة‪ .‬سار‬

‫بضًًًعة لطًًًوات وحًًًرك بعًًًض العًًًرا س علهًًًا ت‪،‬تبًًًئ للًًًف واحًًًدة مًًً ة‬
‫نهن‪ .‬وقًًًف‬

‫بمنتصف الحجرة وتحدث إلى إحدى العرا س وسألها‪:‬‬

‫‪ -‬ترى أين هـي ابنتي المشاغبة؟‬

‫لم تجبه العروس بالطب وفي فسس اللحظة كتمت بسًمة يًحكاتها حتًى ال يعًرف أيًن‬

‫ت‪،‬تبئ‪ .‬اتجه صوب السرير مصطنعًا التستًيش عنهًا‪ .‬تحا ًى النظًر للًف البًاب ألفةًه‬

‫يعرف مسبقًا أفةها ت‪،‬تبًئ هنًاك‪ .‬وماً أ ة‬


‫ي لعبًة يحبهًا الطسً وال يمً مًن ممارسًتها‪،‬‬

‫كان أيوب يمارس معها فسس اللعبة تقريبًا ك يوم أو يومين دون أن يشعر مًرة واحًدة‬

‫بالمل ‪ .‬اقتربًت بسًمة مًن للسًه وهًـي تمسًك بورقًة‪ ،‬عًم فاهأتًه وأصًطن بًدورئ أفةًه‬

‫تساهئ‪ .‬عافقته بشوق ولهسة وقبةلها كعادته على أطراف ًستيها حتًى يتسًنى لشًستيه أن‬

‫تتلذذ ببعض الريق‪ .‬قبةلته متعمدة من ستيه فضحك‪ .‬فظر للورقًة التًي تمسًكها وافتابًه‬

‫السضًًول حًًول مًًا تحويًًه مًًن كلمًًات‪ .‬ابنتًًه بكمًًاء وبًًرغم أفةًه تعلًًم لغًًة اس ًًارة مًًن‬

‫‪17‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫أهلها‪ ،‬إال أفةها تتواصً معًه بالكتابًة مًن حًين آللًر‪ ،‬زد علًى ذلًك أفةهًا بكمًاء فقًأ‪،‬‬

‫فحاسة السم لديها هيدة‪ .‬سألها مبتس ًما وهو ينظر للورقة‪:‬‬

‫‪ -‬ترى ماذا كتبت لي طسلتي اليوم؟‬

‫أ ارت له بأن يض يديه على عينيه وال يستحهم فافصاع لفمر‪ .‬كشست عن محتوى‬

‫الورقة‪ ،‬وما زال هو مغمض العينين‪ .‬صاحت بصوتها المكتوم فاستجاب لصيحاتها‬

‫وفت عينيه‪ .‬ألذ منها الورقة وقرأ‪"i love you daddy" :‬‬

‫وهد هملة احبك يا أبي باللغة االفجليزيًة فًرقص قلبًه مًن السًعادة ودمعًت عينًائ مًن‬

‫السرحة‪ .‬عافقها بشدة وظ يقبةلها بنهم‪ ،‬وسألها قا ًا‪:‬‬

‫‪ -‬من علمك كتابة هذئ الجملة الرا عة؟‬

‫اتجهًًت لتجل ً ورق ًةً وقل ًم ًا مًًن محتوياتهًًا‪ ،‬كتبًًت لًًه ة‬


‫أن مًًيس ملًًك مدرسًًة اللغًًة‬

‫كايًرا‪ ،‬كافًت قًد‬


‫ً‬ ‫االفجليزية هـي من علمتها‪ .‬فًي الوقًت الًذي أعًاد فيًه قًراءة الجملًة‬

‫ذهبت لتعيد القلم إلى مويعه‪ .‬فبكى بكاء األطسال الصغار عندما يشتهون يئًا بجنًون‬

‫وال يصمتون إال حينما تجلبه لهم‪ .‬بكى كأي طس ي طريقه وال يشتهي أن يًرى مًن‬

‫ك وهوئ البشر سوى وهه أمه وأبيه‪ .‬اقتربًت منًه لتجًدئ يبكًي‪ ،‬فسًقطت الًدموع مًن‬

‫عينيها رغ ًما عنها‪ .‬أ ارت له مستسسرة عن سب بكاءئ فأهاب‪:‬‬

‫‪ -‬أبكي من السعادة يا طسلتي‬

‫لًًم يكًًذب عليهًًا‪ ،‬فبقًًدر الحًًزن الًًذي افتابًًه‪ ،‬قًًد ًًعر بكايًًر مًًن السًًعادة بسًًب تلًًك‬

‫المساهأة الصغيرة التي صنعتها له‪ .‬وبرغم أفةها طسلة لكنهًا فطنًت بأفةًه يبكًي ال ًتها ه‬

‫سماع كلمة أبي بصوتها هـي‪ .‬يشتهي أن يسمعها‪ ،‬ال أن يقرأها‪ .‬فلًو كتبًت تلًك الكلمًة‬

‫‪18‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ًس بًًاأللم‬
‫بك ً لغًًات العًًالم لًًن يشًًعر بواحًًد بالما ًًة مًًن سًًعادة أن تتًًذوقها أذفيًًه‪ .‬حً ة‬

‫يعتصر قلبه ما حبة طماطم تًرفض أن تتقطً بعًد رؤيًة إلوتهًا يعصًرون‪ ،‬تحًاول‬

‫فقأ الهروب‪ ،‬وعندما تدحرهت في محاولة للسرار وهدت فسسًها تتًدحرج وتسًقأ فًي‬

‫ال‪ً،‬اط‪ .‬حًًاول هاهًدًا أن يلهًو معهًًا أطًًول وقًت ممكًًن‪ ،‬متناسًًيا هًذا الكًًم مًًن اآلالم‬

‫التًًي يكابًًدها وحًًدئ‪ .‬فهًًو دا ًمًًا مًًا يمنحهًًا الح ً والًًدفء بقًًدر مًًا يسًًوق اسًًتطاعته‬

‫لدرهة أفةه يظ يلع ويلهو معها حتًى تنًام مًن التعً واسرهًاق‪ .‬ال يكتًرث لصًحته‬

‫وال لمريه‪ ،‬بينما هًو فًي الحقيقًة ينسًى المًرم بً ينسًى العًالم برمتًه فًي صًحبة‬

‫بسمة‪.‬‬

‫كايًرا مًن يًحكات أيًوب مً بسًمة‪،‬‬


‫ً‬ ‫في هذئ الليلة الصالبة التي افزعجت ليلى فيهًا‬

‫وأفصحت عن هذا االفزعاج عندما كافت تقعد أمام المرآة‪ ،‬ولرج هو مًن الحمًام بعًد‬

‫االغتسال‪ .‬فظرت إليه وقالت بحنق‪:‬‬

‫طرا من السعادة التي تمنحها البنتك‬


‫ً‬ ‫‪ -‬كان بإمكافك أن تمنحني ولو‬

‫عم تنهدت وأردفت‪:‬‬

‫‪ -‬أو على أق تقدير تمنحني بعض االهتمام‬

‫تجاه كلماتها ورف الغطاء ودس هسدئ المجهد أسسله‪ .‬فهضت واتجهت فحًوئ‪ .‬كافًت‬

‫الًدافتي بًاللون الًذي يحبًه األسًود‪ .‬تعمًدت أن يكًون‬ ‫قد ارتدت لًه قمًيص مًن قمًا‬

‫كايًًرا مًًا تباهًًت به ًم أمًًام‬


‫ً‬ ‫القمًًيص مستو ًح ًا مًًن األعلًًى لتبًًرز فهًًر فهًًديها اللًًذين‬

‫صًًديقاتها‪ ،‬وظلًًت مًًا يقًًرب مًًن النصًًف سًًاعة تصًًسف ًًعرها النًًاعم كًًي ينسًًاب‬

‫كافسياب الماء من بين أصاب الكف‪ .‬حاولت هاهدة أن تكون فًي أبهًى صًورة لتسًم‬

‫‪19‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫منًًه كلم ًةً تمس ً الحًًزن مًًن علًًى قلبهًًا‪ .‬فعًًم ة‬


‫إن أغل ً النسًًاء يتً ة‬
‫ًزين ويحًًاولن بك ً‬

‫ة‬
‫مًنهن مًن رهلهًا كلمًة أفًت‬ ‫يكن في أبهى صًورة ة‬
‫لهًن كًي تسًم الواحًدة‬ ‫هدهن أن ة‬
‫ة‬ ‫ه‬

‫ًطرا ً‬
‫قلًيا مًن السًعادة‪ .‬ليلًى هًـي األلًرى‬ ‫ً‬ ‫ي كلمة تمنحهًا ولًو‬
‫فاتنة‪ ،‬أو را عة أو أ ة‬

‫تمني فسسها بليلة صالبة‪ ،‬أو على أق تقدير تنًام بًين ذراعيًه‪ ،‬فلًن يًذه هًذا الوقًت‬

‫والجهد أمام المرآة هبا ًء‪ .‬اتجهًت إليًه ورفعًت رايًة الحًرب بعًد أن تسًلحت بمساتنهًا‪.‬‬

‫رفعًًًت عنًًًه الغطًًًاء‪ ،‬وألصًًًقت هسًًًدها بجسًًًدئ عنًًًوة ً‪ .‬ويًًًعت يًًًدها اليمنًًًى بًًًين‬

‫لصات عرئ‪ ،‬وداعبته وقالت‪:‬‬

‫‪ -‬لن تنام وتتركني اليوم أليس كذلك؟‬

‫‪ -‬اليوم أفا منهك للغاية‪ ،‬دعيني أفام‬

‫غطى رأسه لينام فلم تستط أن تكًتم غيظهًا مًن فعلتًه البًاردة‪ .‬مًا أقسًى علًى المًرأة‬

‫من أن تشعر بالرفض من ره قد تزينت له‪:‬‬

‫‪ -‬بالطب ال بدة أن تنهك بعد اللع لساعات م ابنتك‬

‫قالت تلك الجملة وهـي تحاول السًيطرة علًى فسسًها المتمًردة بكً مًا أوتيًت مًن قًوة‬

‫كي ال ت‪،‬رج كلمًات تحسً عليهًا‪ .‬فًي فسًس الوقًت ت‪،‬بًرئ أفةهًا تتًألم‪ ،‬فقًأ تتًألم كًي‬

‫يشعر بها‪ .‬رف الغطاء وأهابها بغض وقد ارتسعت فبرة صوته‪:‬‬

‫يء‪ ،‬كساك غيرة‬ ‫‪ -‬ال تحشري ابنتي في ك‬

‫‪ -‬أفت تعلم هيدًا أفةني لن أكف عن الغيرة‬

‫‪ -‬هذا الحديث يتكرر للمرة األلف‪ .‬تذكري هيدًا لماذا تزوهت بك‬

‫‪ -‬تزوهتني من أه تربية ابنتك‪ ،‬أعرف ذلك هيدًا‬

‫‪20‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫فهضت غايبةً وهلبت علبة سجا رها‪ .‬اتجهًت إلًى المستشًرف أو كمًا يسًميه أغلً‬

‫العامًًة الشًرفة‪ .‬أ ًًعلت سًًيجارة‪ ،‬وفساًًت الًًدلان بكً حنًًق وهًًو ينظًًر لهًًا‪ .‬أ ًًاحت‬

‫بوههها عنه وهـي تلعن في فسسًها اليًوم الًذي رأتًه فيًه‪ ،‬واليًوم الًذي قًررت الًزواج‬

‫منه‪ .‬عادت ببصرها بعد قلي وفظرت إليه علها تجدئ قًد فهًض وأتًى إليهًا أو مًا زال‬

‫يراقبها‪ ،‬لكنها وهدته قد غطى رأسه مرة ألرى وعاد لينام‪ .‬تمتمت بكلمًات تعبًر فيهًا‬

‫عًًن أسًًسها الشًًديد علًًى األلطًًاء الشًًنيعة التًًي ارتكبتهًًا فًًي حًًق فسسًًها‪ .‬أعظًًم تلًًك‬

‫األلطاء يوم وافقت بالتنازل عن أمومتها لتربى طسلةً لم تحب بهًا‪ .‬لًم تتمًدد أعضًا ها‬

‫وتتذوق اآلم الم‪ً،‬ام‪ .‬لًم تريًعها مًن عًدييها‪ .‬لكًم كافًت تشًتاق لقضًمة مًن طسلتهًا‬

‫تقضم حلمة الادي فتتأوئ‪ ،‬وتشعر بذلك ال‪،‬در اللذيذ الذي تعشًقه كً أم‪ .‬دمعًت عينيهًا‬

‫رعا ًء لحالتها‪ ،‬وت‪،‬درت أعصابها ليسقأ هسدها ملتصقًا بسًور المستشًرف‪ .‬أغمضًت‬

‫عينيها‪ ،‬وسمحت للروح بال‪،‬روج مًن الجسًد‪ ،‬والسًباحة مً الًزمن والصًعود علًى‬

‫بساطه لتعود لل‪،‬لف عمافية أعًوام إال لمسًة أيًام‪ .‬فًي ذلًك اليًوم طلً منهًا أيًوب أن‬

‫تأتي إليه ة‬
‫ألن هناك أمر هام للغاية ال بدة أن يتناقشًا فيًه قبً إتمًام الزفًاف‪ .‬كافًا حينهًا‬

‫يقعدان في مطعم فالر‪ ،‬وأيوب ذلك م‪،‬تلف تما ًما عًن أيًوب بعًد الًزواج‪ .‬حينهًا كًان‬

‫من أبسأ عاداته عدم مسارقته ال‪،‬مر له إال لماما‪ .‬فأغل األوقات تجدئ عم ًا‪ ،‬وفي هًذا‬

‫اليوم تحديدًا كافت عمالته من فوع آلر‪ .‬لقد رأت في عينيه عمالةً لم تراها من قب ‪ .‬ة‬
‫كًأن‬

‫عينيه هـي من كافت تزودئ بال‪،‬مر "الًدموع" لكًن يًأبى ذلًك ال‪،‬مًر أن يسًي ويشًق‬

‫طريقه إلى الشسائ‪ ،‬لتشرب الشسائ الدموع وتكتم الامالة‪ .‬اقتربت روح ليلى مًن أيًوب‬

‫‪21‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫اآللًًر الًًذي يقعًًد معهًًا‪ ،‬والًًذي سًًأرمز ل ًه باسًًم "أيًًوب ص" وفيمًًا بعًًد سيكتشًًف‬

‫القارئ العزيز لماذا الترت هذا االسم‪ ،‬وحرف الصاد هو رمز أليوب الصغير‪.‬‬

‫اقتربًًت روح ليلًًى ووقسًًت للًًف "أيًًوب ص" عنًًدما كًًان يحًًاول هاه ًدًا التحًًدث‪،‬‬

‫والكلمات تأبى ال‪،‬روج‪ .‬ة‬


‫كأن لسافه قًد قطً للتًو‪ ،‬أو ليطًت ًستيه فمًا اسًتطاعت أن‬

‫ي كلمة‪ .‬استجدته للحديث فظ على صمته‪ .‬فهضت من مقعدها بعًد‬


‫تتحرك أو تتسوئ بأ ة‬

‫أن سئمت صمته المطبق‪ ،‬وقالت‪:‬‬

‫‪ -‬إن لم تتحدث اآلن أقسم أفةني سأرح‬

‫لم ي‪،‬رج عن صمته وينطق إال حينما ه ةمت بالًذهاب فًنهض سًريعًا وهًذبها مًن يًدها‬

‫برفق وقال‪:‬‬

‫‪ -‬حسنًا سألبرك‬

‫وقست هامدة ً‪ ،‬فدمدم متأفسًا بعد أن أ ار لها بالقعود‪:‬‬

‫‪ -‬أعلم ة‬
‫أن ما سألبرك به صع أن تتقبليه‪ ،‬ولكن عليك معرفته‬

‫‪ -‬فقأ ألبرفي ما هو؟‬

‫‪ -‬سألبرك‪ .‬وددت أن أقول أفةني ال أريد أن أفج مرة ً ألرى‬

‫ألقى بتلك القنبلًة ولكنًه لًم يبتعًد‪ ،‬ظً يرقً االفسجًار عًن قًرب‪ .‬ران الصًمت علًى‬

‫ليلى والدم بدأ يترقرق في عينيها‪ .‬كبحت هيجان الدم بابتسامة سالرة‪ ،‬وقالت‪:‬‬

‫‪ -‬لماذا افتظرت قب الزفاف بأيام لت‪،‬برفي؟‬

‫‪ -‬األمر عا د لك‪ ،‬إن رفضت بإمكافي إلغاء الزفاف‬

‫‪ -‬لم يكن هكذا كامك منذ أيام وأفت ت‪،‬برفي أفك تنتظر اللحظة التي‬

‫‪22‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫غف‪ ،‬وكنت تريد‪ .‬تريد أن تتعام معي كزوهة‪،‬‬ ‫سنتزوج فيها بك‬

‫ولكن آعرت أفا أن افتظر حتى يتم الزفاف‬

‫‪ -‬أ كر هللا بشدة ألفةه لم يحدث يء بيننا‬

‫افساب ليأ من الدم على لديها رغ ًمًا عنهًا‪ً ،‬ق طريقًه سًريعًا ليصً إلًى الشًسائ‬

‫ومن عم سقأ في كأس البرتقال المتواهًد أمامهًا‪ .‬اسًتجمعت قواهًا وقالًت وهًـي غيًر‬

‫مصدقه لم تسم ‪:‬‬

‫‪ -‬لهذئ الدرهة؟‬

‫‪ -‬فعم لهذئ الدرهة‪ ،‬لو أردت أن فكم ال بدة من موافقتك على هذا الشرط‪،‬‬

‫ي سلغاء الزواج برمته‬


‫وإن أردت الرفض ال ماف لد ة‬

‫‪ -‬ستتزوهني إذن من أه أن أرعى ابنتك؟‬

‫صمت أيوب ولم يج عن سؤالها وظ ينظر لها بكً بًرود كأفةًه متًيقن مًن إهابتهًا‪.‬‬

‫اقتربت روح ليلى من ليلى‪ ،‬والروح تعلًم هيًدًا أفةهًا بعًد أقً مًن دقيقًة سًوف توافًق‪.‬‬

‫همست في أذفها وقالت‪:‬‬

‫‪ -‬أرهوك ال تقبلي‪ .‬ال تنطقيها‪ ،‬ال تقولي فعم‪ .‬ال تقوليها‬

‫ظلت الروح تردد هذئ الجملة قب أن تتسوئ ليلى بكلمة واحدة فلقًد كًان عقلهًا المحًدود‬

‫يوحي لها أفةه ي‪،‬شى تجربة الزواج للمرة الاالاة‪ ،‬وبأفةها تستطي تغييًر هًذا األمًر بعًد‬

‫الزواج‪ .‬بالطب كافًت تنظًر لحجًم عروتًه آفًذاك‪ ،‬وأفةهًا أي ً‬


‫ضًا ال تريًد أن تسضً أمًام‬

‫األه ً واألصًًدقاء الًًذين سًًي‪،‬تلقون الكايًًر مًًن األ ًًياء مت‪ًً،‬ذين منهًًا مًًادة لصًًبة‬

‫‪23‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ي هحًيم سًتدلله بقًدميها وبإرادتهًا ال‪،‬الصًة‪ .‬كسكسًت دمعهًا‬


‫للنميمة‪ .‬لًم تكًن تًدرك أ ة‬

‫سريعًا وفظرت له وقالت بافكسار‪:‬‬

‫‪ -‬حسنًا قبلت‪ ،‬قبلت أن أتزوهك ألربي لك ابنتك‬

‫سًًقطت الًًروح وتب‪ًً،‬رت‪ ،‬وعًًادت ليلًًى مًًن ًرودها‪ .‬وهًًدت السًًيجارة التًًي كافًًت‬

‫تشًًًربها قًًًد افطسًًًأت دون أن تكملهًًًا للنهايًًًة‪ .‬وهًًًدتها كأفةهًًًا التًًًارت االفتحًًًار كمًًًا‬

‫افتحرت روحهًا مًن قبً وأكملًت مً هًذا الًذي يًدعى زوج‪ .‬عمافيًة أعًوام ال تعًرف‬

‫كيًًف مًًروا عليهًًا وهًًـي تمًًن فسسًًها الصًًبر علًًى هًًذا الره ً وابنتًًه‪ .‬عمافيًًة أعًًوام‬

‫تنازلت فيهم عن كرامتها وأمومتها ومشاعرها وارتضت أن تكون زوهة لرهً يحًدد‬

‫لها متى يحين موعد اللقًاء الجنسًي‪ .‬رهً بالكًاد يمنحهًا قبلًةً علًى غيًر موعًدها‪ .‬لًم‬

‫يحًًدث أن أرادت االلتصًًاق بجسًًدئ وطاوعهًًا‪ .‬كًًأ ةن هنًًاك طقًًوس معينًًة يج ً عليًًه‬

‫ممارستها قب أن يتقرب إليها‪ .‬هناك ًعا ر يجً أن يؤديهًا قبً أن يًدفو منهًا‪ .‬دا ًمًا‬

‫هناك حاهز‪ ،‬فهـي إلى اآلن لم تتذوق مًاءئ علًى اسطًاق‪ .‬هنًاك ًيء مًا يمنً مًاءئ‬

‫من أن يتسرب إلى أراييها العطشى؛ إفةه الواقي الذكري‪.‬‬

‫فهضت ليلى ولم تلقي بالسيجارة ب عادت س عالها من هديد‪ ،‬كأفةها تمن فسسها األم‬

‫بأفةها قادرة على العودة من الموت الذي ألقًت فيًه بعمرهًا المنقضًي كسًيجارتها التًي‬

‫أعًًادت إ ًًعالها اآلن‪ .‬فظًًرت للحديقًًة وأطالًًت النظًًر إلًًى األ ًًجار التًًي تًًرقص مً‬

‫سا عميقًا من السيجارة عم فساته‪ ،‬وفظرت للسيجارة وقالت‪:‬‬


‫الري ‪ .‬ألذت فس ً‬

‫‪ -‬ألشى أن ينتهي عمري كما تنتهي أفت!‬

‫‪ -‬ه هننت‪ ،‬تتحدعين إلى السجا ر!‬

‫‪24‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫استدارت بوههها لتجد أيوب يقف من للسها فابتسمت سالرة ً وقالت‪:‬‬

‫‪ -‬السجــا ر أفض كايـــ ًرا مــن البشــر فهـي تسـمعني بإصـغاء؛ أحرقــها‬

‫ي اعترام‬
‫وتحرقني‪ ،‬وفــي النهـــاية أيعها تحــت قدمي دون أن تبدي أ ة‬

‫قالت الكلمتين األليرتين وهًـي تضً السًيجارة أسًس قًدمها وتجًز علًى أسًنافها‪ .‬دفًا‬

‫ًذكرا أيامًًه‬
‫منهًا ومًًد يًًدئ اليمنًًى مًًن للًًف ًًعرها‪ ،‬وفًي ومضًًة عًًين هًًذبها إليًه متً ً‬

‫ال‪ً،‬والي عنًًدما كًًان يأسًًر النسًًاء بكلمتًًين‪ ،‬أو عنًاق‪ ،‬أو قبلًة يسعلهًًم علًًى حًًين غًًرة‬

‫ودون إذن مسبق‪ .‬ظلت تردد كلمتي أتركني وأبتعد عني بصوت لسيض بالكاد تسًمعه‬

‫هـي‪ ،‬كمحاولة منها سبعادئ وفي فسس الوقت هسدها يصًرخ ها عًًا لًه‪ ،‬ويقًول اقتًرب‬

‫وافع ما تشتهي‪ .‬مرر أفامله على فحرها وبيًدئ اليسًرى أمسًك يًدها اليمنًى وبحركًة‬

‫لاطسة كًادت تسًقأ علًى أعرهًا‪ ،‬لسهًا للجهًة األلًرى وألصًق ظهرهًا بالحًا أ‪ .‬أبعًد‬

‫يدها اليمنى التي كافًت تحًاول اسفًات منًه مًن لالهًا فًي محاولًة لعًدم االستسًام‪.‬‬

‫اقتربًًت ًًستيه مًًن فحرهًًا فأغمضًًت عينيهًًا معلن ًةً عًًن افهيًًار آلًًر حصًًوفها أمًًام‬

‫هجماته السريعة‪ .‬دفا برأسه أكار وأزاح بأفسه لصلتين من الشعر سًقطوا علًى الشًسائ‬

‫سًًا عميقًًًا مًًن أعلًًى الشًًسائ‪ ،‬كأفة ًه يستنشًًق الهًًواء مًًنهم عًًم‬
‫كحارسًًين عليهًًا‪ .‬ألًًذ فس ً‬

‫كايرا‪ .‬عاد لل‪،‬لف وتركها ملتصقةً بالحًا أ‬ ‫اف‪،‬سض ً‬


‫قليا بشستيه ليمنحها قبلة تاقت لها ً‬

‫تنتظر المزيد‪ .‬لم تعرف بعد بأفةه اكتسًى بهًذئ القبلًة فقًأ‪ .‬فظًر لهًا وقًال بصًوت بًارد‬

‫كأفةه يؤدي واه ما‪:‬‬

‫‪ -‬ها هو أيوب يستيقظ ليسمعك‬

‫‪25‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫أتب هملته بابتسامة باردة قابلتها بضحكة سالرة‪ ،‬فهـي تظن أفةًه اسًتيقظ ليمنحهًا ليلًةً‬

‫تطم ً فيهًًا إلًًى الكايًًر ولًًيس مجًًرد قبل ًة‪ .‬زرت عينيهًًا وهًًـي تتطل ً إلًًى ابتسًًامته‬

‫الرتيبة‪ ،‬وقالت بس‪،‬رية الذعة‪:‬‬

‫‪ -‬ك عام وأفت ب‪،‬ير؛ اليوم عيد زواهنا الاامن‬

‫عًا‬
‫صدم كصدمة العام السابق وما قبله من األعوام‪ ،‬وبًرغم أن ذاكرتًه كافًت قويًة فو ً‬

‫ما‪ ،‬إال أفةه قد فسي عيد زواههم للمرة الاالاة على التوالي‪ .‬هو ال يتعمد النسيان‪ .‬ك ما‬

‫في األمر أفةه بات ينسى أغل ما يتعلق بها‪ .‬حتى مًا يتعلًق بنسسًه أصًب ينسًائ‪ .‬عقلًه‬

‫بالكاد يتس للذكريات المريرة وبعًض األ ًياء ال‪،‬اصًة ببسًمة والعمً ‪ .‬بينمًا زوهتًه‬

‫ي اهتمًام‪ .‬حًاول أن يمًتص غضًبها‪ ،‬فتصًن بعًض الحً‬


‫فتساصيلها لم يعًد يعيرهًا أ ة‬

‫وغازلها‪:‬‬

‫ً‬
‫هماال على همالك‬ ‫‪ -‬كنت أ عر أن هناك يئًا ما يزيدك‬

‫لم تؤتي الكلمات عمارهًا فلقًد تركتًه واتجهًت للسًرير وقعًدت‪ .‬ذهً للسهًا فهًو يعلًم‬

‫هيدًا أفةه ال يمنحها ما تستحق من الح واالهتمام‪ ،‬ويحاول تعويض ذلك بالهًدايا التًي‬

‫تسع بها األفاعي ‪ ،‬وتنسيها حماقاته‪.‬‬

‫ة‬
‫إن بعًًض النسًًاء يعب ًدن المًًال ويتويًًأن بًًه‪ .‬يصًًلين ويًًركعن ويسًًجدن أسًًس أقًًدام‬

‫الرهال من أهله‪ .‬عم يبررن أفعاله ةن بأفه ةن يحتجن للمًال وبشًدة‪ .‬ليلًى ممًن يقسًن علًى‬

‫الحياد‪ .‬تح المًال وتعشًقه ولكًن ال تعبًدئ كًالكايرات‪ .‬حتًى أيًوب يعًرف هًذا هيًدًا‪،‬‬

‫فهو يعلم أفةها تحبه‪ ،‬لكن بالطب تعشق المال‪ .‬اقترب منها فأ ًاحت بوهههًا عنًه فهًـي‬

‫ما زالت غايبةً‪ .‬است‪،‬دم الطريقة التي يدرك هيدًا بأفها ستؤتي عمارها‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪26‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬أعلم أفةي قد فسيت كالمعتاد‪ ،‬لكن هذا العام سأتركك ت‪،‬تارين هديتك‬

‫بنسسك‬

‫ًًعر بابتسًًامتها حتًًى دون أن يراهًًا‪ ،‬اسًًتدارت بوهههًًا بعًًد أن أمسًًك بيًًدها وقبلهًًا‬

‫معتذرا‪ ،‬فارتسمت مام الريا على وههها‪ ،‬وقالت‪:‬‬


‫ً‬

‫‪ -‬كنت أتحدث اليوم م صاح عن سيارة أود اقتنا ها بشدة‪ ،‬ولكنها‬

‫ليست موهودة ً في مصر‬

‫‪ -‬غدًا سألبر صاح أن يجلبها لك‬

‫ًًيئًا فهًًو يسعلًًه‪ .‬تركهًًا‬ ‫ًكرته كايً ًًرا فهًًـي تعلًًم أن زوههًًا عنًًدما يقًًول بأفةًه سًًيسع‬

‫وفهض‪ ،‬وذه إلى حجرة بسمة ليطمًئن عليهًا‪ .‬لًم تنتظًر بًدورها للصًباح واتصًلت‬

‫بصاح لت‪،‬برئ بأمر السيارة‪.‬‬

‫بعد بضعة دقا ق وهدت الجرس الذي ويًعه بًالحجرة يًرن‪ .‬كًان قًد ويً مًا يشًبه‬

‫ي‬
‫هرس إفذار في حجرة بسمة ومتص بحجرته حتى يتسًنى لبسًمة أن تسًتدعيه فًي أ ة‬

‫وقت عرت بالحاهة إليه‪ .‬أغلقت االتصال عندما وهدت الجرس ال يكف عن الًرفين‪.‬‬

‫ذهبت إلى هناك على عجً ‪ ،‬فلقًد ظنًت ة‬


‫أن أيًوب هًو مًن يسًتدعيها‪ ،‬وعنًدما وصًلت‬

‫إلًًى الحجًًرة وهدتًًه مس ًجى علًًى األرم‪ ،‬وبسًًمة تًًرن الج ًرس بجنًًون‪ .‬ركضًًت‬

‫باتجاههًًا وحاولًًت أن تهًًدئ مًًن روعهًًا فلًًم تسًًتط ‪ ،‬فعًًادت سًًريعًا إلًًى حجرتهًًا‬

‫واتصلت بالدكتور وليد‪ .‬طلبت منه أن يرس سيارة إسعاف على وهه السًرعة فًأيوب‬

‫راقد على األرم وهـي ال تدرى ماذا تسع ‪ .‬بعد أقً مًن عشًرين دقيقًة كافًت سًيارة‬

‫إسًًعاف تابعًًة لمستشًًسى الشًًساء ال‪ًً،‬اص الًًذي يملكًًه الًًدكتور وليًًد موهًًودة ً فًًي فنًًاء‬

‫‪27‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫القصر‪ .‬لرج منها طبي وبصحبته ممريين‪ ،‬واتجهًا علًى السًور إلًى بًاب القصًر‪.‬‬

‫كًًان أحًًد ال‪ًً،‬دم بافتظًًارهم فأ ًًار لهًًم أن يتبعًًوئ‪ .‬وصًً ال‪ًً،‬ادم بصًًحبة الطبيًًً‬

‫والممريين إلى حجرة بسمة‪ .‬طل منهم الطبيً أن يحملًوئ برفًق فسعلًوا‪ ،‬عًم طمًأن‬

‫بأن حالته به مستقرة وأفةها مجرد إغماءة بسيطة بسب اسرهاق‪ ،‬وأسًتأذن منهًا‬
‫ليلى ة‬

‫وذه ‪.‬‬

‫اتجهت ليلى إلًى بسًمة التًي كافًت تقعًد فًي زاويًة الحجًرة وتراقً الموقًف بجًزع‪،‬‬

‫فابتسمت لها وحاولت أن تطمئنها قا لة‪:‬‬

‫‪ -‬لقد ألبرفي الطبي أن أبيك ب‪،‬ير‪ ،‬وسنذه للسه اآلن‬

‫لًًم تتوقًًف دموعهًًا عًًن االفسًًكاب‪ .‬كافًًت مستسًًلمةً تما ًمًًا وليلًًى تجردهًًا مًًن مابًًس‬

‫النًًوم وتلبسًًها عوبً ًا آلًًر‪ ،‬وبعًًدما افتهًًت ذهبًًت إلًًى حجرتهًًا لترتًًدي هًًـي األلًًرى‬

‫مابس لل‪،‬روج‪ .‬ظلت بسمة تراقبها وهـي تض يديها على عينيها في لج ‪ ،‬فهًـي لًم‬

‫ترى مًن قبً امًرأة ًبه عاريًة‪ .‬التلطًت مشًاعر ال‪،‬جً بمشًاعر الجًزع وال‪ً،‬وف‬

‫علًى أبيهًا‪ً .‬كرت هللا حينمًًا افتهًت ليلًى مًن ارتًًداء المابًس‪ ،‬ولرهًا سًويا للحًًاق‬

‫بسيارة اسسعاف‪.‬‬

‫في الطريق إلى المستشسى ظلت بسمة تحاها وتشير لها بأن تسرع لدرهة أفةها فوهئًت‬

‫بوصولها إلى سرعة ما ة كم فًي السًاعة‪ ،‬فشًهقت بصًوت عًال! فهًـي لًم تصً إلًى‬

‫تلك السرعة من قب رغم أفةها من محبي السيارات الريايية! وهـي تقًود اآلن سًيارة‬

‫كايرا فلًم تسًن‬


‫"فورد موستن هي تي"‪ ،‬مودي ألسين ولمسة عشر! عرت باسعارة ً‬

‫لها فرصة كهذئ‪ .‬الشوارع فارغة وبإمكافها أن تزيد السرعة ً‬


‫قليا‪ .‬لم تكف عينيها عًن‬

‫‪28‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫مراقبة عداد السرعة لدرهة أفةها كافت ستصدم أحد الواقسين بجاف الرصيف فلم تنتبه‬

‫أفةها تسير بمحاذاتًه إال عنًدما عًاد الرهً فًي عًوان إلًى أعلًى الرصًيف وهًو يلعنهًا‬

‫هـي وأمها وأبيها والعا لة الكريمة‪ .‬أ ارت لها بسمة بأن تهدئ السرعة ً‬
‫قليا‪ ،‬فقالت‪:‬‬

‫‪ -‬احترت في أمرك‪ ،‬ه أزيد السرعة أم ألسضها؟‬

‫فظرت بسمة بالمرآة الجافية وتذكرت اليوم الذي اهدت فيه سباقًا للسيارات‪ ،‬وطلبًت‬

‫من أبيها أن يصًطحبها فًي السًيارة ويقودهًا بأقصًى سًرعة ممكنًة‪ .‬بعًد عنًاء طويً‬

‫معه ًا تمكًًن أن يقنعهًًا بًًأن "سًًرعة ما ًة ولمسًًون كًًم فًًي السًًاعة" هًًـي السًًرعة‬

‫القصًًوى للسًًيارة فًًي مصًًر! فوافقًًت علًًى مضًًض‪ ،‬وقًًررت حينهًًا أن ت‪،‬تبًًر قًًدرة‬

‫متًألرا‬
‫ً‬ ‫أبيها الذي لم ي‪،‬ي ظنها‪ .‬التار لها طريقًا مناسًبًا لهًذئ المهمًة الشًاقة‪ ،‬ووقت ً ا‬

‫ليبتعد عن الزحام ال‪،‬افق؛ ك ذلك مًن أهً بضًعة دقًا ق! ذهبًا ستمًام األمًر وظلًت‬

‫بسمة تراق العداد وهـي متحمسة للغاية و عرها يتطاير بقوة وهًي تنظًر لنسسًها فًي‬

‫المرآة الجافبيًة فشًعرت للحظًة كأفةهًا تحلًق كطيًر فًي السًماء‪ ،‬رغًم أفةهًا تقعًد للًف‬

‫حزام األمان‪.‬‬

‫افتهًت ومضًة الًذكرى فًي فسًس اللحظًًة التًي وصًلوا فيهًا إلًى المستشًسى‪ ،‬ف‪،‬رهًًت‬

‫بسمة من السًيارة فًور وقوفهًا وركضًت إلًى الًدال دون أن تًدرك إلًى أيًن تًذه ‪.‬‬

‫للعت ليلى حذا ها لتلحق بها‪ ،‬وأمسًكتها بالسعً قبً بًاب المصًعد‪ .‬اتصًلت بالًدكتور‬

‫وليد لي‪،‬برها برقم الحجرة والطابق‪.‬‬

‫بعد أن ألبرها اتجهوا إلى هناك وعندما وصا‪ .‬فظرت بسمة ألبيها من لال الزهاج‬

‫المتواهًًد كبًًدي للجًًدران ال‪،‬رسًًافية حتًًى يتسًًنى لًًذوي المريًًى النظًًر لمريًًاهم‬

‫‪29‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫باسًًتمرار واالطمئنًًان علًًيهم دون الحاهًًة إلًًى الًًدلول والمكًًوث بجًًوار المًًريض‬

‫كايرا لحالتًه التًي يرعًى لهًا‪ ،‬وليلًى لًم تتًألم! فًإن كنًت تنظًر‬
‫وإزعاهه‪ .‬تألمت بسمة ً‬

‫إلًًى وهههًًا منًًذ قًًدومها ورؤيتهًًا أليًًوب علًًى هًًذا الحًًال‪ ،‬سًًتجد ة‬
‫أن هنًًاك ابتسًًامة‬

‫عافقت ستيها ولم تذه إال عندما أتى الدكتور وليًد‪ ،‬وألقًى التحيًة عليهًا‪ .‬عًم دفًا مًن‬

‫ً‬
‫مستغا قوته الجامافية وطول قامته‪ .‬عندما يسير بجاف أيًوب‬ ‫بسمة وحملها على يديه‬

‫تشًًعر أن أيًًوب والًًدئ‪ ،‬بًًرغم أفةًه يكبًر أيًًوب بحًًوالي عاعًًة أعًًوام‪ ،‬فهًًو مًًن الرهًًال‬

‫القا ً الًًذين يهتمًًون بصًًحتهم الجسًًدية‪ .‬همًًس لبسًًمة ببضًًعة كلمًًات فهًًدأت تما ًمًًا‬

‫بعدما كافت تبكي مذ قلي ‪ .‬دلا إلى الحجرة سويا فلقد عقد صسقةً معها‪.‬‬

‫أ ار للممرية للذهاب إلى ال‪،‬ارج ف‪،‬رهت‪ .‬اقتربت بسًمة مًن أيًوب ودفًت بشًستيها‬

‫من يدئ اليمنى وقبةلت راحتها‪ ،‬عم أمسكت بها وويعتها على لدها وسال الدم وسًقأ‬

‫على يدئ‪ .‬آعر الدكتور وليد أن ال يجعلها تطي البقاء بجوارئ‪ ،‬فحملها واتجه لل‪،‬ارج‪.‬‬

‫ما أن لرج مًن الحجًرة وهًو يحمً بسًمة إال وافهالًت ليلًى عليًه باألسًئلة‪ ،‬وكعادتًه‬

‫كايرا فًي اآلوفًة‬


‫طمئنها‪ .‬أعربت له عن قلقها الشديد فحالة أيوب الصحية قد تدهورت ً‬

‫األليرة‪ ،‬فأصب ك فترة بسيطة يمًرم‪ .‬وبًرغم أفةهًا مًن النًوع الًذي يجيًد الكتمًان‬

‫بداللًًه وقلً ً‬
‫ًيا مًًا ينتابهًًا السضًًول‪ ،‬إال أفةهًًا هًًذئ المًًرة أفصًًحت عًًن قلقهًًا بً أرادت‬

‫ي‬
‫معرفًًة الويً الحقيقًًي لحالتًًه الصًًحية‪ .‬قالًًت وهًًـي تنظًًر فًًي عينيًًه ربمًًا تقًًرأ أ ة‬

‫إهابةً بداللهم‪:‬‬

‫‪ -‬أظن أ ةن أيوب ي‪،‬بئ عني يئًا ما‬

‫ً‬
‫محاوال طمأفتها‪:‬‬ ‫أهابها دون توتر أو تردد‬

‫‪30‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫يء فور ظهور فتا‬ ‫‪ -‬ال أظن ذلك‪ ،‬ولكن أعدك أفةني سألبرك ك‬

‫التحالي ‪ .‬فقأ عليكم الذهاب اآلن وبإمكافكم العودة في الصباح‬

‫‪ -‬بسمة سترفض‬

‫فظر لبسمة ورك ووي راحة يدئ على وههها وذكرها باالتساق الذي عقدئ معها منًذ‬

‫كايرا المقايضات‪ ،‬فإذا كافت تريد ًيئًا مًا وبشًدة‪،‬‬


‫ً‬ ‫دقا ق‪ .‬فلقد فطن منذ مدة أفةها تح‬

‫يطل هًو فًي المقابً عًدة أ ًياء مس ً‬


‫ًتغا حاهتهًا لهًذا الشًيء‪ ،‬وكًان قًد أدرك حًين‬

‫رآها تنظر إلى أيوب مًن للًف الزهًاج أفةهًا تريًد الولًوج إليًه‪ ،‬والمكًوث بقربًه ولًو‬

‫لدقيقة مهما كان المقاب ‪ .‬عقد معهًا الصًسقة وعلًى السًور وافقًت وكًان ًرطه الوحيًد‬

‫أن تذه إلًى القصًر فًور لروههًا‪ .‬افصًاعت بسًمة علًى مضًض فقبةلهًا وأوصًلهم‬

‫إلى المصعد‪ .‬عاد ليطمئن على أيوب الذي كان في عالم آلر‪.‬‬

‫كان في عالم حالك السواد افباق منه فجأة ً فور مصباح من األعلى‪ ،‬لينظر حولًه ويجًد‬

‫فسسه في حجرة عماقة فارغة تما ًمًا باسًتاناء مقعًد لشًبي موهًود بالمنتصًف؛ تشًبه‬

‫كايرا م‪،‬ازن ركاته العماقة‪ .‬اتجه للمقعد وهو يتسرس فيه‪ ،‬فوهدئ فسس المقعد الًذي‬
‫ً‬

‫ظًن أفةهًا تكملًة للحلًم األول‬


‫كان يقعد عليه على الشًاطئ فًي حلمًه المًزع بًاألمس‪ ،‬ة‬

‫كايرا وقعد عليه عله يعرف النهاية‪ .‬أتًى فسًس الشً‪،‬ص الًذي كًان يتحًدث دون‬
‫فسرح ً‬

‫صًوت يسًًم ‪ ،‬ولكًًن هًًذئ المًًرة يقعًًد علًى كرسًًي متحًًرك‪ ،‬وهنًًاك ًً‪،‬ص مًًا يًًدف‬

‫الكرسي من ال‪،‬لف‪ .‬حاول النهوم كي يًذه إلًيهم ويًدقق النظًر فًي وهًوههم‪ ،‬فلًم‬

‫يستط فهناك من قيد يديه بالمقعد دون أن يدرك‪ .‬افتظًرهم بترقً كمًا ينتظًر الصًياد‬

‫فريسته حتى تأتي إليًه‪ ،‬وعنًدما أتًوا وفظًر فًي وههًه‪ .‬ذهً مًن هًول الصًدمة‪ ،‬فهًو‬

‫‪31‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫يعًًرف هًًذا الشًً‪،‬ص هي ًدًا‪ .‬يعرفًًه بقصًًر قامتًًه وبشًًرته التًًي تمي ً للسًًمار‪ .‬بشًًعرئ‬

‫األبًًيض وبنيافًًه النحيًًف‪ .‬بالسًًواد الكايًًف المتواهًًد أسًًس عينيًًه‪ .‬صًًرخ فًًي وههًًه‬

‫وقال‪:‬‬

‫‪ -‬أفا أعرفك هيدًا‪ ،‬أفت أبي؛ أفت من رأيتك باألمس في الحلم‬

‫ً‬
‫محًاوال لسًت فظًرئ لمًن يقًف للسًه وكًان‬ ‫ابتسم داوود في لبث وفظًر لفعلًى ً‬
‫قلًيا‪،‬‬

‫ً‬
‫ذهًوال وتعجبًًا‪ ،‬فلقًد وهًد "أيًوب‬ ‫يدف الكرسًي‪ .‬بالسعً فظًر إليًه وزاد علًى الًذهول‬

‫ص" يقف للف داوود‪ .‬وهد فسسه ولكن قب تس سنوات أو يزيًد‪ ،‬كأفةًه ينظًر لمرآتًه‬

‫ولكن الصورة التي بالمرآة أكار صحة و بابًا؛ لم تكن الصورة واهنةً ومريضًةً كهًو‪.‬‬

‫وسًأ كً هًًذا الًذهول أ ًًار لًه "أيًوب ص" بًًالنظر ألحًدى زوايًًا الحجًرة العماقًًة‬

‫والتي ظهرت منها امرأة قراء بشعر أصسر فاعم وكافت حبلى‪ .‬فظر في عينيهًا التًي‬

‫كايرا لدفء فظراتها‪ .‬ابتسم لها و عر ببعض األمان فهًـي الكًا ن الوحيًد الًذي‬
‫ا تاق ً‬

‫منحه الح دون مقاب ‪ .‬هـي كوعر تلك المرأة التي منحته بسمة التي بدورها قد منحتًه‬

‫الحياة‪ .‬فظر لها بعينين ممتلئتين بالرهاء‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬ألبريني بربك ما الذي يحدث؟‬

‫اقتربًًت كًًوعر منًًه ومًًن للسهًًا داوود ومًًن للسهًًم "أيًًوب ص" و ًًك الااعًًة حلق ًةً‬

‫دا ريًًًةً‪ ،‬وبًًًدءوا يطوفًًًون حولًًًه كأفةًًًه الكعبًًًة وهًًًم الحجًًًاج يًًًؤدون مراسًًًم الحًًً ‪،‬‬

‫ويرددون "الموت‪ ،‬الموت‪ .‬الموت‪ ،‬الموت"‬

‫تسارع الطوفان من حوله فصرخ بصوت عال‪:‬‬

‫‪ -‬توقسوا‪ ،‬توقسوا‬

‫‪32‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ارتسً صًًوت صًًراله مناهيًا إيًًاهم بًًالتوقف عًًن الطوفًًان‪ .‬ووسًًأ معمعًًة الطوفًًان‬

‫األسود وكًان يًركض‬ ‫والصراخ أتى فسس الش‪،‬ص الذي يسي من أعلى رأسه السا‬

‫يجرهًا علًى‬
‫للسه على اطئ البحر‪ .‬وما زالت في يدئ الهراوة التي يمسًك بهًا وكًان ة‬

‫هرا فيصدر منها صوت يجع األسنان تصطك‪ .‬ما أن أقب عليه حتًى توقًف‬
‫األرم ً‬

‫ة‬
‫الطوفان وافسضوا الااعة من حوله‪ .‬رف الرهً هراوتًه وهً ةم لينًزل بهًا علًى رأسًه‪،‬‬

‫ف ًأغمض أيًًوب عينيًًه مستسًًل ًما‪ ،‬لكًًن تعمًًد الره ً أن ي‪،‬طًًئ التصًًوي ‪ .‬التصًًقت‬

‫الهراوة باألرم فتركها دون أن ينزعها وابتسم‪ .‬رأى أيوب فمًه دون أسًنان أو لسًان‬

‫فأ مئز من منظرئ المقزز‪.‬‬

‫س للحظة بأفها النهاية وها هًو يلسًظ‬


‫دفا الره من أيوب وقبض بيديه على رقبته‪ ،‬فأح ة‬

‫أفساسه األليرة‪.‬‬

‫*******‬

‫بالكاد استطاعت الممرية أن ت‪،‬لص يدا أيوب من على رقبته وهو ي‪،‬نق فسسه بنسسًه‬

‫ويتمًًتم بكلمًًات غيًًر مسهومًًة‪ ،‬وبعًًد عنًًاء تمكنًًت مًًن إبعًًاد يديًًه عًًن رقبتًًه وهًًذبتها‬

‫إليهًًا‪ .‬ظلًًت تجًًذبها حتًًى اسًًتيقظ أليً ًًرا مًًن فومًًه وابتعًًد عًًن الظًًام وعًًن كابوسًًه‬

‫المزع ‪ ،‬وهو يسع ‪ .‬طلبًت منًه أن يًردد الشًهادة حتًى يهًدأ ً‬


‫قلًيا‪ ،‬فأفصًاع لرغبتهًا‬

‫وتمتم قا ًا‪:‬‬

‫‪ -‬أ هد أن ال إله إال هللا وأ هد ة‬


‫أن محمد رسول هللا‬

‫هلبت له كوب ماء وأسندت رأسه على يدها‪ .‬أمسًكت لًه الكًوب حتًى ًرب واطمًأن‬

‫أفةه ال يزال علًى قيًد الحيًاة‪ .‬اطمأفًت الممريًة علًى صًحته وتحًدعت معًه ً‬
‫قلًيا‪ .‬لًم‬

‫‪33‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ت‪،‬برئ أفةها طلبت استدعاء الدكتور وليد على السور‪ .‬طل منها أن تست ستا ر الحجًرة‬

‫ليتنسس فسيم الصباح‪ .‬كان النهار على و ك أن ينسلخ من اللي كما ينسلخ الجلد كا سًا‬

‫عًًن لحًًم الشًًائ‪ .‬طلً منهًًا المسًًاعدة للنهًًوم ليقًًف فًًي ًًباك الحجًًرة‪ .‬فًًي البدايًًة‬

‫رفضًًت لوفًًًا عليًًه وعلًًى وظيستهًًا‪ ،‬وم ً إلحاحًًه الشًًديد افصًًاعت ألوامًًرئ‪ .‬وقًًف‬

‫يرق ً النًًور وهًًو يًًزي الظًًام تًًدريجيا‪ًً .‬عر بًًبعض التسًًاؤل يًًزي بعًًض اليًًأس‬

‫المستوطن قلبه‪ .‬دل الدكتور وليد وأمر الممرية بال‪،‬روج‪ .‬وقف بجاف أيوب الذي‬

‫لًًم يلحًًظ وهًًودئ فقًًد كًًان منسًًج ًما يراقً قاربًًا بًًدال النيً وهنًًاك فتًًى أو فتًًاة مً‬

‫الصياد‪ .‬حاول هاهدًا تمييز النوع وفش ‪ .‬ربت الدكتور وليًد علًى كتسًه وسًأله عًن مًا‬

‫اعرا بالريًا‪ ،‬فهًو يعًرف هيًدًا تسسًير‬


‫ً‬ ‫حدث فروى له الحلم بالتسصي ‪ .‬ابتسم أيوب‬

‫هًًذئ النوعيًًة مًًن األحًًام‪ .‬يًًدرك ة‬


‫أن المًًوت يقًًتحم بابًًه وي ًدل دون اسًًتئذان‪ .‬يقع ًد‬

‫ًيئًا‪ .‬هًو قًد أتًى فقًأ للتحًذير‬ ‫ويتحدث كأفةه صاح المنزل عًم ي‪ً،‬رج دون أن يسعً‬

‫والتذكير‪ .‬م وعد في المرة القادمة ربما يألذ معًه الًروح ويتًرك لهًم الجسًد يسعلًون‬

‫به كما علمهم الغراب‪ .‬حاول الدكتور وليد الت‪،‬سيف من متاعبه التي طست علًى وههًه‬

‫كمًًا يطسًًو ة‬
‫الزبًًد علًًى سًًط البحًًر‪ .‬فظًًر باتجًًائ زهًًاج الحجًًرة عنًًدما سًًم صًًوت‬

‫كايرا عندما وهد بسمة قد تسللت للًدال‬


‫أحدهم يطرق عليه بصوت لسيض‪ .‬كر هللا ً‬

‫دون أن ينتبهًًوا لهًًا‪ ،‬وطرقًًت علًًى الزهًًاج لتسًًاهئهم‪ .‬كافًًت االبتسًًامة تملًًئ وهههًًا‬

‫بعدما وهدت أبيها بصحة هيدة‪:‬‬

‫‪ -‬ها قد أتت زوهتك الصغيرة‬

‫‪34‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫قالها الدكتور وليد ماز ًحا وهو يراق بسمة التًي اتجهًت سًريعًا إلًى أبيهًا ولًم تمنحًه‬

‫فرصة أن يسير لطوتين باتجاههًا‪ .‬عافقتًه ومنحتًه السًعادة‪ ،‬و ًرحت صًدرئ للحيًاة‬

‫من هديد‪ .‬قعًدت بجًوارئ علًى السًرير وظلًت تشًير لًه بأفةهًا لًم تسًتط النًوم‪ .‬ظلًت‬

‫طيلة اللي تنظر للسماء وافتظرت حتى بزغ فور الشمس‪ ،‬وما أن بدأت السًماء تتلًون‬

‫بالشسق حتى ركضًت إلًى حجرتهًا‪ .‬ارتًدت بمسردهًا مابًس ألًرى غيًر التًي كافًت‬

‫ترتديها‪ ،‬عم أتت بصحبة ليلى فور أن علمت بأفةه استيقظ‪.‬‬

‫ذه الدكتور وليد بصحبة ليلى إلى مكتبه ليتحدعا ب‪،‬صًوص الحالًة الصًحية أليًوب‪.‬‬

‫ي كلمة ت‪،‬ص حالته الصًحية‪ .‬فمً كً‬


‫بالطب قد تلقى تعليمات صريحة بعدم التسوئ بأ ة‬

‫وعكة صحية يأتي على إعرها للمستشسى يجعله يقسم أكاًر مًن مًرة بعًدم التسًوئ بكلمًة‬

‫واحدة مهما حاولت استدراهه أو استعطافه‪ .‬ذهبوا وتركًوا أيًوب مً بسًمة لتنسًرد بًه‬

‫كايًرا عنًدما غلبهًا النُّعًاس أكاًر مًن مًرة‪،‬‬


‫ً‬ ‫طرا ً‬
‫قليا من السعادة‪ .‬لم يأسف‬ ‫ً‬ ‫وتمنحه‬

‫ب علًى العكًس تما ًمًا اسًتمت وهًو يراهًا تتًرف كالسًكارى وهًـي تحًاول المقاومًة‪.‬‬

‫وفًًي النهايًًة لًًم تسًًتط واستسًًلمت رغ ًمًًا عنهًًا‪ .‬اي ًطج بجوارهًًا متكئ ًًا علًًى يًًدئ‬

‫اليسًًرى‪ ،‬وتًًرك يًًدئ اليمنًًى تسًًب بًًين لصًًات ًًعرها لتمنحهًًا الًًدفء والسًًكينة‪.‬‬

‫غرقًًت بسًًمة فًًي عًًالم النًًوم سًًريعًا‪ .‬تركهًًا وهلًًس علًًى الكرسًًي المتواهًًد بجًًوار‬

‫النافذة‪.‬‬

‫دللت الممرية وهـي تحم الطعام‪ .‬أك بقدر استطاعته كي يتجنً ويً المحاليً‬

‫الطبية عم طل منها أن تحم الصحاف وتترك الطاولة فارغةً فهًو بحاهًة إليهًا‪ .‬كًان‬

‫وهيه قًد هلً لًه المًذكرات التًي تركهًا علًى مكتبًه‪ ،‬وذهً ليبا ًر بعًض األعمًال‬

‫‪35‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫التي أمرئ بها‪ .‬قرر أن يستكم المذكرات فًالموت بًات و ًي ًكا لدرهًة أفًه كلمًا طًرق‬

‫ظن أن الموت طارقه‪ .‬قد فسي ة‬


‫أن الموت ال يستأذن وال يطرق األبواب‪.‬‬ ‫أحدهم الباب ة‬

‫فت الصسحة األولى‪ ،‬وكت بجوار كلمة مريض التًي قاطعتًه بسًمة عنًدما افتهًى مًن‬

‫كتابتها‪ ،‬كت كلمة (باسيدز) اآلن اكتملت الجملة‪:‬‬

‫‪ -‬أفا أيوب داوود السيد عمري عاعة وأربعون عا ًما مريض باسيدز‬

‫طوى الصسحة األولى وكت في الاافية بسطرها األول التًاريخ والوقًت‪ ،‬وفًي السًطر‬

‫الاافي كت ‪:‬‬

‫‪ -‬بًًاألمس ًًرعت فًًي كتابًًة مًًذكراتي وأفًًا كلًًي إصًًرار أن يعًًرف العًًالم‬

‫أهم قصتي‪ .‬إن كنت تقرأ المكتوب هنا فلتتيقن أفةني اآلن ميت‪ ،‬فأفًا مًريض باسيًدز‪.‬‬

‫ًيء‪ .‬لكًن‬ ‫ي ًيء وكً‬


‫ي من المال ما يشترى أ ة‬
‫وفي المرحلة الاالاة من المرم‪ .‬لد ة‬

‫ال أقوى على دف ر وة للمرم كي يبتعد ويتركني أفعم بحيًاة طبيعيًة كًاآللرين‪ .‬لًم‬

‫أتمكن حتى من راء القلي من العمر ألمنحه البنتي‪.‬‬

‫ضًا الكلمًات‪ ،‬ة‬


‫كًأن الكلمًات‬ ‫كت الجملة األليرة وسًقأ الًدم لتبتً األوراق وتبتً أي ً‬

‫ًالرا فلقًًد أصًًب يبكًًي‬


‫أرادت أن تسًًتحم وتتطهًًر بالًًدم ‪ .‬أغلًًق المًًذكرات وابتسًًم سً ً‬

‫كايرا في اآلوفة األليرة‪ ،‬وهو الذي كان كالحوت إن ذرف بعض الًدم فهنًاك البحًر‬
‫ً‬

‫ًف البحًًر‪ ،‬والحًًوت يحًًاول‬


‫ي م‪،‬لًًوق بًًذلك‪ ،‬أ ةم ًا اآلن فقًًد هً ة‬
‫يبتلعًًه دون أن يشًًعر أ ة‬

‫هاهدًا أن يًذرف الًدم كًي يسًتطي النجًاة بعًد أن يسًب فًي دمعًه المًذروف قبً أن‬

‫تقتله اليابسة! لم يعد يكترث لمن يرى الدموع أو حتى يسً‪،‬ر منهًا‪ .‬فظًر باتجًائ بسًمة‬

‫التًًي تغًًأ فًًي فًًوم عميًًق‪ ،‬أعًًاد فًًت المًًذكرات‪ ،‬فأمنيتًًه مًًا قب ً األليًًرة أن يسًًتسيد‬

‫‪36‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫اآللرون من معافاته وتجربته م هذا المرم اللعًين‪ .‬تب‪ً،‬رت فكًرة اسًتكمال الكتابًة‬

‫عندما دل الًدكتور وليًد الحجًرة‪ ،‬وذهً باتجًائ بسًمة وقبةلهًا علًى هبينهًا‪ ،‬عًم فظًر‬

‫بطرف عينه إلى أيوب الذي كان يتاب ما يحدث مبتس ًما‪ ،‬وهو يحاول أن يطمًئن فسسًه‬

‫سا لها‪:‬‬
‫هام ً‬

‫كايرا‬
‫‪ -‬لن أهد أفض من وليد ليهتم ببسمة ويحافظ عليها فهو يحبها ً‬

‫ويجيد التعام معها‬

‫‪ -‬لكن من الممكن أن يطم في المال الذي سأتركه‪ .‬المال الكاير يغير‬

‫النسوس‬

‫هكذا أهابته فسسه األمارة بالسوء‪ ،‬فأسكتها قا ًا‪:‬‬

‫‪ -‬ال ال‪ ،‬الره لديه من المال الكاير‪ ،‬عم أفةه‪..‬‬

‫قاط الدكتور وليد الحوار القا م بين أيوب وفسسه بعد أن رف رأس بسًمة قلًياً وأزاح‬

‫بعض الشعر من على ف ُّمها كي تتنسس بحرية‪ .‬قاطعه قا ًا‪:‬‬

‫‪ -‬ال أعلم كيف لشيطان مالك أن ينج ما ًكا كبسمة!‬

‫تكررت تلك الجملة علًى لسًافه أكاًر مًن مًرة عنًدما يجتمً عاعًتهم معًًا وهًـي علًى‬

‫سًًبي المًًزاح الًًذي قلً ً‬


‫ًيا مًًا يجيًًد التيًًار أوقاتًًه‪ .‬فأهاب ًه أيًًوب بعًًد أن أس ًف كايً ًًرا‬

‫لماييه الذي يشًبه كًيس القمامًة الممتلًئ علًى آلًرئ بالسضًات النتنًة والتًي يحملهًا‬

‫على ظهرئ‪ ،‬كأفةها عوبه الذي تدعةر به بعد أن اغتس بماء العسن‪:‬‬

‫‪ -‬كنت في المايي كذلك‪ ،‬إفةما اآلن أحاول بقدر استطاعتي أن أصب‬

‫إفسان‬

‫‪37‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬أعلم يا صديقي‪ ،‬أفا فقأ كنت أمزح‬

‫ي افتبًائ فعينيًه كافًت ترتكًز علًى بسًمة‪ ،‬وتراقبهًا بتًؤدة كمًا يراقً‬
‫لم يعًرئ أيًوب أ ة‬

‫الليث لبؤته الصغيرة وهـي تترف في أولى مراحلها للسير على األقدام‪ .‬بًرغم أفةهًا لًم‬

‫تكًًن تسًًير ب ً كًًان هسًًدها فًًي بًًادئ األمًًر يًًرتعش قلً ً‬


‫ًيا‪ .‬عًًم تحولًًت الرعش ًة إلًًى‬

‫عا‪ .‬دفا منها‪ ،‬ووي يدئ على صدرها فوهد هسدها ينتسض بقوة‪.‬‬
‫هزات‪ ،‬وازدادت تبا ً‬

‫ظ يناديها وصوته يتهدج من الجزع والقلق عليها‪:‬‬

‫‪ -‬بسمة‪ ،‬بسمة‪ ،‬استيقظي يا ماك الصغير‬

‫سا فًي أذفيهًا وهًو يمًرر يديًه علًى هسًدها حتًى ال تسًتيقظ‬
‫ظ يردد تلك الجملة هام ً‬

‫فزعةً‪ .‬هو على يقين بأفةها تعافي أحد الكوابيس الم‪،‬يسة‪ ،‬فازداد لوفه بزيًادة الرعشًة‪.‬‬

‫لم يكن بيديه حيلًةً سًوى أن يوقظهًا عنًوة‪ ،‬وبحنًان األب وعطسًه وهًد أن العنًاق فًي‬

‫هذئ اللحظة رصاصة سيطلقها حت ًما في قل ذاك الكابوس‪ .‬دفا منها أكار ووي يديًه‬

‫أسس ظهرها‪ ،‬ويمها إليه ودسها في صدرئ كما تدس أفاى الكنغر وليدها فًي هرابهًا‬

‫اللحمي‪ .‬ظ يقبةلها من هبينهًا ويمسً علًى ًعرها‪ .‬تًارة ً كًان يقًرأ المعًوذتين وتًارة ً‬

‫سًًا‪ .‬كً ذلًًك يحًًدث أمًًام مًًرأى ومسًًم الًًدكتور وليًًد الًًذي يراقً‬
‫ينًًادي عليهًًا هام ً‬

‫الموقف‪ ،‬كأفةًه يتس ةًرج علًى مشًهد مًن أحًد األفًام الرومافسًية الدراميًة‪ .‬كافًت عينيًه‬

‫تتأ ةه في افتظار اللحظًة األليًرة مًن المشًهد لتصًسق الجسًون وتًذرف العًين بعًض‬

‫الًًدم ‪ .‬هًًدأت بسًًمة قلً ً‬


‫ًيا و ًًددت يًًديها حًًول رقبتًًه معلنًًة عًًن عودتهًًا إلًًى أرم‬

‫الواق ‪ .‬لم تبكي هذئ المرة فلقد استيقظت في أكاًر األمًاكن أمافًًا علًى األرم بالنسًبة‬

‫لها‪ .‬تركها لدقيقتين أو أكار بًين أحضًافه حتًى هًدأت‪ .‬عًم أفلتًت هًـي يًديها مًن حًول‬

‫‪38‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫رقبته‪ .‬فظرت له فوهدت االبتسامة تنتظرها‪ ،‬أتب ابتسًامته بقبلًة علًى ال‪ً،‬د‪ ،‬فشًعرت‬

‫أكاًًر باألمًًان‪ .‬ق ًاطعهم الًًدكتور وليًًد ماز ًحًًا وربمًًا هًًذئ المًًرة أهًًاد التيًًار الوقًًت‬

‫المناس ‪:‬‬

‫‪ -‬ما رأيكم أن فأتي بالمأذون وتتزوها اآلن؟‬

‫يحك أيوب‪ ،‬وابتسمت بسمة التي ددت يديها على رقبته أكار عنًدما ًعرت بنهايًة‬

‫هًًذا العن ًاق الحنًًون‪ .‬سًًألها عمًًا حًًدث وه ً هًًو الكًًابوس الًًذي يراودهًًا بًًين الحًًين‬

‫واآللر‪ ،‬أومأت برأسها بنعم‪ .‬كافًت بسًمة قًد عافًت منًذ مهًدها مًن الصًدمات القويًة‬

‫والتي تسب فيها أيوب دون قصد منه‪ .‬أ رس تلًك الصًدمات يًوم كافًت تحبًو وتلهًو‬

‫بجًًوارئ‪ ،‬وبًًدأت تبكًًي مًًن الضًًجر‪ .‬أعطاهًًا مساتيحًًه لتلهًًو وتصًًمت‪ ،‬فويًًعت أحًًد‬

‫المسًًاتي فًًي القًًابس الكهربًًا ي لتصًًعقها الكهربًًاء وهًًـي فًًي عمًًر العشًًرة أ ًًهر‪،‬‬

‫لتصب الكهرباء لعنةً عليها‪ ،‬صعقتها عاث مرات بسب إهماله!‬

‫طرقًًت ليلًًى بًًاب الحجًًرة ودللًًت‪ ،‬وهدتًًه منشً ً‬


‫ًغا بمشًًاغبة بسًًمة‪ .‬فظًًرت للًًدكتور‬

‫وليد الذي رد لها النظرة بابتسامة عم اسًتأذن مًن الجميً واتجًه لل‪ً،‬روج‪ .‬وفًي لحظًة‬

‫لروهًًه أوقسًًه ره ً ذو بشًًرة سًًمراء‪ ،‬بنيتًًه الجامافيًًة يًًعيسةً إلًًى حًًد مًًا‪ .‬طولًًه‬

‫متوسأ‪ ،‬ولًه أفًف غلًيظ يقبً أسًس منًه ًارب مهًذب بعنايًة‪ ،‬يشًبه العصًا ال‪،‬شًبية‬

‫التي كافت توهد على أكتاف فساء قبا ً الصًحراء قًدي ًما لتضً فًي فهايًة كً طًرف‬

‫دلوا ممتلئ ًا بالماء‪ .‬ألقى التحية على الجميً وأولهًم الًدكتور وليًد الًذي قابً تلًك‬
‫منها ً‬

‫التحية بحرارة عم تركه ولرج‪ .‬تساهئ أيوب بقدومه فهو لم ي‪،‬برئ بأفةه فًي المستشًسى‪،‬‬

‫وسأله متعجبًا‪:‬‬

‫‪39‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬صاح! من ألبرك أفةني ‪...‬؟‬

‫قاطعته ليلى سريعًا لتنتشله من التوتر الذي أصابه‪:‬‬

‫‪ -‬أفا من ألبرته‬

‫لم يستط أيوب أن ي‪،‬سًي امتعايًه مًن مقاطعًة زوهتًه لًه‪ .‬بيًد أن صًاح قًد أفقًذها‬

‫بالسؤال عن صحته فشعر ببعض السًعادة مًن االهتمًام الًذي أبًدائ الصًديق‪ ،‬فصًاح‬

‫أحد أفض أصدقاءئ‪ ،‬ورغم أ ةن تلك الصداقة ما زالت فًي مهًدها‪ ،‬إال أفةهًا قًد توطًدت‬

‫كايً ًًرا بسضً إلاصًًه فًًي العمً المشًًترك بيًًنهم‪ .‬فلقًًد أزاح عًًن كاهً أيًًوب همًًوم‬

‫سلسًًلة معًًارم السًًيارات التًًي يًًديرها فياب ًةً عنًًه‪ ،‬بًًالطب مقاب ً فسًًبة هيًًدة مًًن‬

‫األرباح‪.‬‬

‫ران الصمت على الجميً ‪ .‬افشًغ صًاح وليلًى بهًواتسهم‪ ،‬وبسًمة مسًتلقية علًى قًدم‬

‫والًًدها الًًذي كافًًت أصًًابعه تت‪،‬لً لصًًات ًًعرها فًًي حً ‪ .‬قطً أيًًوب الصًًمت‪،‬‬

‫وقال‪:‬‬

‫‪ -‬صاح‪ ،‬أريدك أن تصطح ليلى وبسمة إلى القصر‬

‫افتبه صاح له وفهض دون أن يتسوئ بكلمًة واحًدة‪ .‬فقًأ ابتسًم وهًز رأسًه باسيجًاب‪.‬‬

‫أبدت بسمة افزعاهها الشديد من رغبة أبيها‪ ،‬فهمس إليها بصًسقة كافًت را عًة بالنسًبة‬

‫لها فوافقت‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫(‪)3‬‬

‫ليس ك غني سعيد وال ك فقير تعيس‪ .‬فًي الغالً مًن ينظًر إلًى أيًوب يحسًدئ علًى‬

‫النعمة التي تغدقه‪ .‬أغل من يتعاملون معه ‪،‬صيا يمنون أفسسهم باروة كًالتي يملكهًا‬

‫رغم معرفتهم بأفةه قد أبتلي بابنته البكماء التي لم تنطق بحرف واحد منذ ولدت‪ ،‬والتًي‬

‫أهم األطباء ة‬
‫بأن السب لًيس عضًويا‪ .‬وبًالطب هًو لًم ي‪،‬بًرهم بكًم الصًدمات التًي‬

‫ضا بأفةه هلً لهًا مربيًة بكمًاء! علمتهًا الصًمت فًي وقًت‬
‫تلقتها بسببه ولم ي‪،‬برهم أي ً‬

‫كافت تحتاج فيه إلى من يعلمها الكلم‪ .‬وهناك ‪،‬صين فقأ يعرفون أفةًه ابتلًي بمًرم‬

‫ال ساء منه "اسيدز"‪ ،‬أصب هسدئ منذ ذاك الوقت أرم لصبة ترت فيها األمرام‬

‫كيسمًا ا ًتهت‪ .‬فمناعتًه قًد قتلًًت وسًسك دمهًا كمًا تسًسك فئًًة مًن البشًر دمًاء بعضًها‬

‫الًًبعض دون ًًسقة وال رحمًًة‪ .‬لًًم يتوقًًف األمًًر علًًى هًًذا فحسً ‪ ،‬فهًًو فًًي المرحلًًة‬

‫الاالاة من المرم‪ ،‬أي أفةه قد وي إحدى قدميه في القبر ولال ًهور أو ربمًا أيًام‬

‫سينتق بقية الجسد بصحبة القدم األلرى‪.‬‬

‫كافت ليلى طوال الطريق اردة ً في حديث الدكتور وليد المًبهم؛ حتًى أفهًا لًم تسًتط‬

‫أن ت‪،‬رج منه بجملة واحدة مسيدة‪ ،‬لكنها على يقين في ذاتهًا ة‬
‫أن أيًوب قًد ًارف علًى‬

‫الموت‪ ،‬فربما بضًعة ًهور أو سًنة علًى أقً تقًدير وتنتهًي أيامًه فًي الًدفيا‪ .‬افشًغ‬

‫ذهنها في حساب الاروة التي ستجنيها في حالة موته‪ ،‬وماذا سًتسع فًي حالًة أفةًه تًرك‬

‫الاروة بأكملها لبسًمة ولًم يتًرك لهًا سًوى الستًات‪ .‬كافًت ًاردة ً لدرهًة أفةهًا لًم تنتبًه‬

‫لطل صاح بالذهاب معًا لمكان هادئ‪ ،‬فنادها بصوت عال‪:‬‬

‫‪ -‬ليلى‪ ،‬ألم تسمعيني؟‬

‫‪41‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬لم أفتبه‬

‫‪ -‬ماذا بك؟‬

‫‪ -‬ال يء‬

‫ي يء‪.‬‬
‫تجاهلته ليلى تما ًما فلم تكن بمزاج هيد يسم لها بالتحدث في أ ُّ‬

‫فظر لبسمة من مرآة السيارة التي كافت عالقةً بإحدى إ ارات المرور‪ .‬لم يتعج‬

‫كايرا حين رأى بسمة تشير إلى فتاة صغيرة تبي المنادي ‪ .‬ركضت با عة المنادي‬
‫ً‬

‫باتجائ بسمة التي طلبت من ليلى بعض النقود فأعطتها ما تريد لتعطيه بدورها للستاة‬

‫كايرا وظلت تدعو لها بالستر وطول العمر‪.‬‬


‫التي كرتها ً‬

‫لم يتعج صاح من هذا األمر فلقد اهدئ من قب فهذئ إحدى تعاليم أيوب التي س‪،‬ر‬

‫منها من قب ‪.‬‬

‫ليةم الصمت على الجمي حتى وصلوا إلى القصر‪ .‬لرهت بسمة سريعًا من السيارة‬

‫عندما وهدت الدادة فعيمة المربية ال‪،‬اصة بها بافتظارها على الباب فاصطحبتها‬

‫ورا إلى الدال بعد أن طلبت منها بعض الماء‪.‬‬


‫ف ً‬

‫قعدت بسمة ببهو القصر وهـي تمسك بكوب الماء فسقأ الكوب من يدها وافكسر‬

‫بالتزامن م دلول ليلى ومرورها من أمامها‪ .‬رمقتها ليلى بنظرات االستياء بسب‬

‫كايرا عندما تكسر بسمة يئًا ما؛ كأفةها كسرت أحدى ساقيها‬
‫هذا السع ‪ .‬فهـي تشمئز ً‬

‫الناعمتين‪.‬‬

‫طلبت الدادة فعيمة من بسمة أن تظ كما هـي ال تتحرك حتى يتم تنظيف األريية‬

‫تما ًما من الزهاج المكسور فافصاعت لفمر‪ ،‬وظلت تراق ليلى التي كافت تسير‬

‫‪42‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫بتل ُّكؤ باتجائ حجرة فومها‪ .‬دللت ليلى الحجرة وتركت هسدها يسقأ على السرير‬

‫كسقوط حجر ألقائ أحدهم في النهر فأحدث يجي ًجا عم اتجه بك هدوء فحو القاع‬

‫وترك الماء من األعلى يتموج؛ الموهة تركض للف الموهة وتتبعها إلى الموت على‬

‫وتكرارا‪ ،‬كأفةها حبلى‬


‫ً‬ ‫مرارا‬
‫ً‬ ‫الشاطئ‪ .‬أغمضت عينيها وظلت تمرر يدها على بطنها‬

‫تتحدث م هنينها الساكن أحشا ها‪ .‬بعد فسحة من الوقت توقست يدها عن الحركة‬

‫وافسرهت ابتسامتها عندما سمعت صوت أيوب ينادي عليها من الحديقة‪ .‬فظرت له‬

‫من المستشرف ولوحت له بيديها تعلن عن قدومها إليه على وهه السرعة‪ .‬كان أيوب‬

‫يقعد في الحديقة ينتظرها‪ .‬أتت هـي من للسه وويعت يديها على كتسه‪ ،‬وقالت‪:‬‬

‫‪ -‬هناك لبر را أودُّ أن ألبرك به‬

‫أمسك بيدها اليمنى عم قبةلها بمودة‪ .‬فهض وهذب لها المقعد المجاور‪:‬‬

‫‪ -‬تسضلي بالجلوس ً‬
‫أوال يا ملكتي‬

‫ابتسمت في لج عم قعدت‪ ،‬فتاب حدياه وهو ينظر في عينيها‪:‬‬

‫‪ -‬ألبريني إذًا ما هو ال‪،‬بر الرا ؟‬

‫قالت والسعادة تغمرها كما يغمر الماء الحسرة فيملئها على آلرها ويسيض‪:‬‬

‫‪ -‬أفا حبلى‬

‫‪ -‬حقًا‪ .‬هذا أهم لبر سمعته في حياتي‬

‫يمها إلى صدرئ لاوان عم عاد لينظر لها بح وأمسك بيدها و دد عليها وأردف‪:‬‬

‫ي‬
‫يء وأ ة‬ ‫‪ -‬من اآلن ال أريدك أن تتحركي من السرير‪ ،‬أفا سأفع ك‬

‫يء من أهلك‬

‫‪43‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫أمسكت بيدئ و قبةلتها‪:‬‬

‫‪ -‬هذا أهم يوم في حياتي‪ .‬أ عر ة‬


‫أن في رحمي فتاة‪ ،‬فمنذ أن أحببتك وأفا‬

‫أ تهي أن أفج منك فتاة ً تشبهني في المام ‪ ،‬وتألًذ مًن ‪،‬صًيتك أهمً‬

‫ما فيها‬

‫امتلئ وههه باالبتسامة‪ ،‬وأمسك برأسها وقب هبينها‪:‬‬

‫ي ليلتان‪ ،‬ليلى الكبرى زوهتي الجميلة‪ ،‬وليلى‬


‫‪ -‬سأسميها ليلى‪ ،‬فيكون لد ة‬

‫ابنتي الصورة المصغرة منك‬

‫أمسكت بيدئ وويعتها على بطنها‪:‬‬

‫‪ -‬ي يدك هنا حتى تكبر الستاة سريعًا‬

‫وي يدئ علًى بطنهًا كمًا طلبًت‪ ،‬وظً يمررهًا حتًى افتشًت مًن السرحًة‪ .‬فظًر فًي‬

‫سالرا وقال‪:‬‬
‫ً‬ ‫عينيها‪ ،‬ويحك‬

‫ي لحظة‬
‫‪ -‬لكن هذا مجرد حلم سوف ينتهي في أ ة‬

‫أصاب الذهول مامحهًا‪ .‬برقًت ورعًدت سًماء عينيهًا وأو ًك الًدم علًى الهطًول‪.‬‬

‫تحولًًت فظراتهًًا باتجًًائ بسًًمة التًًي كافًًت تًًدفو مًًنهم وتمسًًك بيًًدها بًًالون وتلهًًو بًًه‪،‬‬

‫فاداهًًا أيًًوب فأتًًت إليًًه مسًًرعةً‪ًً .‬ح وهًًه ليلًًى أكاًًر عنًًدما رأتهًًا تضًًحك وتلهًًو‬

‫بالبالون الذي تمسكه بيدها اليسرى‪ ،‬وبيدها اليمنى كافت تمسك قل ًما‪.‬‬

‫كان أيوب ما زال يمرر يًدئ علًى بطنهًا التًي افتس‪ً،‬ت بالسعً ‪ ،‬كأفةهًا حبلًى تًتم‪،‬ض!‬

‫صرلت بشدة‪ ،‬وقالت‪:‬‬

‫‪ -‬أيوب‪ ،‬اتص بالطبي أ عر أفةني سأي الطسلة اآلن‬

‫‪44‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫وقف أيوب بجوار بسمة‪ ،‬وظ االعنان يضحكان بهستيريا بًالتزامن مً صًراخ ليلًى‪.‬‬

‫أ ارت بسمة للبالون في يًدها‪ ،‬عًم أ ًارت لًبطن ليلًى‪ ،‬فسطًن علًى السًور وأهًاد فهًم‬

‫المغزى الذي ترمي إليه‪:‬‬

‫‪ -‬بالسع البالون وبطنها يشبهان بعضهما البعض؛ كاهما فارغ من الدال‬

‫أ ارت له ليشاهد ما ستسعله‪ ،‬فأومأ لها بابتسامة‪ .‬ويعت بسمة سن القلم علًى البًالون‬

‫الذي في يدها‪ ،‬ويغطت عليه حتى افسجر البًالون‪ .‬ألرهًت لسًافها لتايًر حنًق ليلًى‪،‬‬

‫عم يغطت بسن القلم على بطًن ليلًى حتًى م ةًر السًن مًن أسًس الايًاب وبعًد أقً مًن‬

‫عافية كان صوت افسجار آلر‪ .‬ظ أيوب وبسمة يضحكان بشدة وليلى تصرخ بجنون‪:‬‬

‫‪ -‬لماذا تسعلون معي هذئ األفاعي ‪ ،‬لم أعد قادرة ً على التحم بعد‪ ،‬باهلل‬

‫عليكم دعوفي و أفي‪ ،‬باهلل عليكم كسى‪ ،‬كسى‬

‫ازدادت يحكات بسمة وأيوب وتحولت للص‪ ، ،‬كأفةهما سكيران يضحكان مًن فًرط‬

‫ما ربا من لمر‪ ،‬وليلى ما زالت تصرخ وهـي تردد‪:‬‬

‫‪ -‬باهلل عليكم ابتعدوا من هنا‪ .‬باهلل عليكم كسى‪ ،‬كسى‬

‫ظلًت تصًًرخ بكلمًًة كسًًى حتًى اسًًتساقت مًًن فومهًًا والًدم يسًًي علًًى لًًديها‪ .‬تشًًن‬

‫هسدها وأ تد البكاء وتحول لنواح طسلة صغيرة‪ ،‬وما زالت تصرخ وتردد كلمة كسى‪.‬‬

‫كًًان أول ًًيء تًًرائ بجوارهًًا حًًين اسًًتساقت هًًـي حقيبتهًًا التًًي أمسًًكتها وألقًًت بهًًا‬

‫باتجائ المًرآة‪ .‬تحركًت مًن السًرير وكً مًا أمسًكته يًديها حطمتًه وهشًمته‪ .‬حطمًت‬

‫الصور التي تجمعها بأيوب‪ .‬أفرغت محتويات ال‪،‬زافة ومزقتها بيديها‪ ،‬وما لم تسًتط‬

‫تمزيقه أتى أسس أسنافها وتمزق عنوة ً‪ .‬أفرغت التسريحة مًن أدوات التجميً ‪ ،‬وألقًت‬

‫‪45‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ضًًا إلًًى الجًًرس ال‪ًً،‬اص بحجًًرة بسًًمة الًًذي كًًان لًًه‬


‫بهًًا أسًًس قًًدميها‪ ،‬باسيًًافة أي ً‬

‫النصي األكبر من كاًرة التحطًيم‪ .‬كً ذلًك كًان يحًدث‪ ،‬وبسًمة ت‪،‬تبًئ فًي حجرتهًا‬

‫وبجوارها الدادة فعيمة التي تحاول أن تهدئ من روعها‪ .‬وألبرتها ة‬


‫بًأن ليلًى تلهًو! لًم‬

‫تًًدرك بأفةهًًا ليسًًت بهًًذا الغبًًاء الًًذي يجعلهًًا تصًًدق أفةهًًا تلهًًو بًًالتحطيم والصًًراخ‬

‫والسًًباب وصً اللعنًًات علًًى رأسًها ورأس أبيهًًا‪ًً .‬عرت بًًين لحظًًة وألًًرى أفةهًًا‬

‫ستقتحم الحجرة وتضعها هـي والًدادة فًي فمهًا كمًا تضً القطًة أطسالهًا‪ ،‬ولكًن ليلًى‬

‫سوف تبدأ بمضغ لحمهما سريعًا‪.‬‬

‫لم تجد بسمة مكافًا ت‪،‬تبئ به سوى حضن مربيتها التي كذبت عليها منًذ قليً وهًـي ال‬

‫تح الكذب إطاقًا‪ .‬ولكنها ايط ةرت لذلك فلم يكن هناك مكان آلر ت‪،‬تبئ فيه‪.‬‬

‫بعد بضعة دقا ق أتى طوق فجاتها‪ ،‬وسًمعت صًوت أبيهًا يطلً مًن المربيًة أن تسًت‬

‫الباب الذي أغلقته بالمستاح بنا ًء على أوامرئ التي تلقتها عبر الهاتف‪ .‬كافًت قًد ألبرتًه‬

‫ي‬
‫بما يحدث فطل منهًا إغًاق البًاب لشًية أن يجًن هنًون ليلًى أكاًر وتسعً بهمًا أ ة‬

‫سوء‪ .‬فت الباب وهرعت بسمة باتجائ أبيهًا الًذي حملهًا بًين يديًه ويًمها إليًه بقًوة‪.‬‬

‫ضًًا قاطعًًًا أن تتركًًه‬


‫كًًان الًًدكتور وليًًد قًًد أتًًى بصًًحبته فأعطاهًًا لًًه فرفضًًت رف ً‬

‫فأفصاع لرغبتها وقعد بها على السرير‪ .‬روت لًه الًدادة فعيمًة كً مًا حًدث تسصًيليا‪.‬‬

‫افتظًًر حتًًى هًًدأت بسًًمة قلً ً‬


‫ًيا ووافقًًت بًًالقعود مً الًًدكتور وليًًد بعًًدما أغراهًًا بًًأن‬

‫يريها صورة قديمة ألبيهًا وهًو يرتًدي مابًس السًباحة‪ .‬تًركهم أيًوب واتجًه صًوب‬

‫ليلى التي هدأت ً‬


‫قليا وت‪،‬در هسًدها بعًد مبًاراة تحطيميًة مايًرة بينهًا وبًين حاهيًات‬

‫الحجرة التي ربحتها هـي بالطب وتركت أ ياءها مجرد ركام‪ .‬كافت تقعد فًي األرم‬

‫‪46‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ممسكة بجزء مكسور من المرآة تتأم فيه عرها المبعار ومامحها الغارقة في بًرك‬

‫الدم ‪ .‬دل أيوب وهلس على السرير‪ ،‬وظلت عينيه تجوب الحجرة في ذهول‪.‬‬

‫لم يحدث أن عارت هكذا مًن قبً ‪ ،‬لًم تنهًار فًي يًوم مًن األيًام كمًا افهًارت اليًوم‪ .‬لًم‬

‫ي‪،‬طر بباله بأفةها مالها ما أغل البشًر المكلًومين‪ ،‬قلًوبهم كالبًالون‪ .‬والسًرق الوحيًد‬

‫بينهمًًا ة‬
‫أن البًًًالون ينًًًتسخ بًًًالهواء والقلًًًوب تنًًتسخ بًًًاأللم وال‪،‬يبـًًًـات‪ ،‬وعنًًًدما ينًًًتسخ‬

‫أحـدهما أكار من الازم ال بدة له أن ينسجر‪ ،‬سألها وقال‪:‬‬

‫‪ -‬لماذا حطمت محتويات الحجرة بهذا المنظر البش ؟‬

‫‪ -‬بدون أسباب‪ ،‬فقأ كنت غايبة‬

‫أهابت بأعصاب هامدة ً كأفةهًا تسعً هًذا الشًيء كً يًوم‪ .‬افسعً وأعًاد تكًرار السًؤال‬

‫مرة ألرى ولكن بصوت أعلى‪:‬‬

‫‪ -‬للمرة األولى واألليرة الني ستتصرفين بها هكذا وبسمة موهودة هنا‬

‫‪ -‬للمرة األولى واألليرة أريدك أن ت‪،‬برفي لماذا ال تريدفي أن أفج منك؟‬

‫ه ت‪،‬شى أن أح ابنتي أو ابني أكار من ابنتك؟ أم هناك سب آلر؟‬

‫ي امرأة؟ أردفت بصوت عال‪:‬‬


‫لماذا حرمتني من أكار يء تشتهيه أ ة‬

‫‪ -‬لماذا حرمتني من األمومة؟ تحدث‪ ،‬هيةا ألبرفي لماذا؟‬

‫فهض وبأعصاب باردة اتجه إليها ووقف أمامها ومد لها يدئ كي تنهض‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬لقد تعاهدفا أن ال تسألي هذا السؤال أليس كذلك‬

‫‪ -‬سحقًا للمعاهدة‪ ،‬وسحقًا لك أي ً‬


‫ضا‪ ،‬فلتذه أفت وعهدك للجحيم‬

‫‪ -‬من الواي ة‬
‫أن الجنون قد أصابك‬

‫‪47‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫سح يدئ التي كان يمدها‪ ،‬وأ ار بنسس تلك اليد بجوار أذفه‪ ،‬بإ ارة تعبًر عًن هنًون‬

‫‪،‬ص ما‪.‬‬

‫‪ -‬فعم أصابني الجنون‪ ،‬والسض يعود لك‪ ،‬ولجنوفك بابنتك‬

‫ضا بنسس اس ارة وأردفت‪:‬‬


‫قالتها وأ ارت أي ً‬

‫‪ -‬أريدك أن ت‪،‬برفي اآلن لماذا ترفض اسفجاب مني؟‬

‫فهضت ووقست في تلك اللحظة أمامه وه ًها لوهه‪ .‬عر أيوب بًالتوتر الشًديد وكًاد أن‬

‫ي‪،‬برهًًا‪ ،‬لكنًًه أمسًًك علًًى لسًًافه فًًي اللحظًًة األليًًرة‪ .‬عًًاد القهقًًرى مترف ًحًًا باتجًًائ‬

‫السرير‪ ،‬وسقأ مغشيا عليه‪ .‬م ةًرت دقًا ق وهًو علًى هًذئ الحالًة‪ .‬حًاول الًدكتور وليًد‬

‫إفاقته دون هدوى‪ .‬بدأت ليلى تعًود إلًى عقلهًا‪ ،‬وتصًنعت بعًض االهتمًام لمعرفًة مًا‬

‫يحدث‪ ،‬وبداللها تمني فسسها وتقول‪:‬‬

‫أليرا‬
‫ً‬ ‫‪ -‬ليته مات‬

‫وتارة ً ألرى يستيقظ الضمير معلنًا عن وهودئ فتشعر بالًذف ألفةهًا تشًتهي موتًه إلًى‬

‫هذا الحد‪ .‬عرت باالفقسام بينها وبين يميرها‪ .‬طمئنها الًدكتور وليًد وطلً منهًا أن‬

‫تأمر أحد ال‪،‬دم بجل حقيبته من السيارة‪ .‬وما أن لرهت من الباب‪ ،‬إال وفهض أيًوب‬

‫مًًن غسوتًًه‪ .‬ابتسًًم ال ًدكتور وليًًد وهًًز رأسًًه غيًًر مصًًدق ل ًم يًًرى‪ ،‬وأفة ًه كًًان يقًًوم‬

‫مستسسرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫بالتماي ولم يكن مغشيا عليه‪ ،‬فسأله‬

‫‪ -‬لماذا؟‬

‫‪ -‬كنت على و ك أن ألبرها‬

‫‪ -‬ولماذا لم ت‪،‬برها وتزي هذا الهم من على صدرك؟!‬

‫‪48‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬عمافية أعوام ال تعرف يء وتريدفي اآلن أن ألبرها!‬

‫‪ -‬أفت هبار‪ ،‬أفا ال استطي أن ألسي عن زوهتي يئًا لمدة يوم واحد‬

‫‪ -‬ت‪،‬ي كيف سيكون عور زوهتك عندما تقترب منها وأفت تحم هذا‬

‫المرم‪ ،‬هذا لو ارتضت من األساس أن تظ زوهتك‬

‫‪ -‬مهما كافت العواق كان ال بد أن ت‪،‬برها من البداية‬

‫طل أيوب من الدكتور وليًد االفتقًال إلًى مويًوع آلًر حًين سًم صًوت لطًوات‬

‫تقترب من الباب‪ ،‬فأذعن لرغبته وإن كافت لاطئة‪ ،‬وغير مجرى الحوار تما ًما‪:‬‬

‫‪ -‬من الجيد أن تجلس في الحديقة ً‬


‫قليا‪ ،‬وتبتعد عن األماكن المغلقة‬

‫دلل ًت ليلًًى قب ً أن ينه ًي كلماتًًه تلًًك‪ ،‬وتصًًنعت الشًًكر هلل بأفة ًه قًًد فهًًض وحالتًًه‬

‫الصحية هيدة‪ .‬لرج الدكتور وليد وتركهم‪ .‬فهض أيوب وقال‪:‬‬

‫‪ -‬إن كنت مازلت تريدين معرفة السب سألبرك‪ ،‬ولكن بعد هر‬

‫‪ -‬ولماذا ال يكون اآلن؟‬

‫‪ -‬قد افتظرت عمافية أعوام‪ ،‬فلن يض ُّرك يء من افتظار هر آلر‬

‫‪ -‬حسناً‪ ،‬ولكن هر واحد فقأ دون ساعة إيافية‬

‫‪ -‬لن أللف وعدي‪ .‬سأذه اآلن ألقعد في الحديقة‪ ،‬وسأرس أحد ال‪،‬دم‬

‫لتنظيف الحجرة‬

‫تركها وذه للحديقًة وفًي يًدئ دفتًر المًذكرات‪ .‬كافًت بسًمة تلهًو مً الًدكتور وليًد‬

‫ويلعبًًان بًًالكرة‪ .‬قعًًد علًًى طاولًًة قريبًًة مًًن حمًًام السًًباحة وفظًًر لبسًًمة لاًًوان وبًًدأ‬

‫‪49‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫يكت ‪ .‬بعد فسحة من الزمن أتت إليه واستجدته للنهًوم كًي يلعً معهًم‪ .‬طلً منهًا‬

‫أن تترك اللع وتذه للدادة فعيمة لتصن له وللدكتور وليد بعض العصير‪.‬‬

‫كايرا وركضت للدال ‪ .‬اقترب الدكتور وليد وسأله‪:‬‬


‫فرحت بسمة ً‬

‫‪ -‬أين ليلى؟‬

‫‪ -‬ألذت مهد ًا‪ ،‬وأظنها فامت‬

‫‪ -‬وه ألبرتها؟‬

‫‪ -‬اتسقنا أن ألبرها بعد هر‬

‫‪ -‬ولماذا هر؟‬

‫‪ -‬من الوارد هدًا أن أموت قب افقضاء الشهر‬

‫أهابه باستياء‪:‬‬

‫‪ -‬يا ره ال يعلم اسفسان أين ومتى سيموت؛ األعمار بيد هللا‬

‫ضا أن العمر كالشمعة؛ تشتع عند والدتنا‪ ،‬وتظ‬


‫‪ -‬أعلم ذلك وأعلم أي ً‬

‫تذوب وتذوب حتى تنطسئ يوم فموت‪ .‬وأفا معتي كما ترى ارفت‬

‫على االفتهاء‪.‬‬

‫افدهش الصديق من فلسًسة صًديقه للعمًر‪ ،‬وفسًي أفةًه قًد ت‪ً،‬رج مًن كليًة اآلداب قسًم‬

‫فلسسة قب أن يتجه للعم م والدئ‪ .‬ملئ أيوب ر تيه بًنسس عميًق وطلً منًه القعًود‪،‬‬

‫وقال‪:‬‬

‫‪ -‬اهلس يا صديقي‪ ،‬إفةي أرى عامات التعج تملئ وههك‬

‫‪ -‬فظرتك للحياة غريبة‬

‫‪50‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬هناك تشبيه أغرب وأقرب للحياة والعمر‬

‫‪ -‬ألبرفي إيائ‬

‫‪ -‬سأهعلك تقرأئ بنسسك‬

‫فت أيوب المذكرات وأعطائ ليقرأ‪:‬‬

‫كايرا الساعة الرملية‪ ،‬الحجرة الممتلئة بالرمال من‬ ‫‪ -‬ة‬


‫إن الحياة الدفيا تشبه ً‬

‫األعلى هـي العمر‪ ،‬والحجرة من األسس هـي األيام التي تنقضي منه‪ ،‬والممًر الضًيق‬

‫بينهما هو الوقت الذي يسم بافقضاء العمر من لال األيًام المتتابعًة‪ .‬بعضًنا يراقً‬

‫سًًاعته "بمعنًًى أدق عمًًرئ" كمًًا أفعً أفًًا بً وافتظًًر فهًًايتي فًًي كً يًًوم‪ .‬والًًبعض‬

‫اآللر يغس عنه تما ًما وينسائ حتى يباغته الموت على حين غرة‪ ،‬فيموت وهًو يحسً‬

‫أفةه م‪،‬لد‪.‬‬

‫اتسعت عينا الدكتور وليد من الدهشًة ممًا قًرأ‪ .‬زادت دهشًته عنًدما ألبًرئ أفةًه ًرع‬

‫في كتابة مذكراته‪ ،‬واتسق م وهيه أن يقًوم بنشًر مًا كتً منهًا بعًد أن يعطيهًا ألحًد‬

‫الكتاب ليقومها ويرتبها حس سياق القصة التي سي‪،‬برئ بهًا‪ .‬وإن مًات قبً اكتمالهًا‪،‬‬

‫فعلى ذلك الكات أن يكملها بصورة هيدة بنا ًء على ما سي‪،‬برئ به وهيه‪.‬‬

‫بالكاد استطاع الدكتور وليد أن يستجم عقله‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬ما السا دة التي ستعود عليك من هذا العم ‪ ،‬ستسض فسسك!‬

‫‪ -‬أود أن أحذر ك قارئ من مرم ال يعرف الرحمة‪ .‬أريدهم أن ال‬

‫ينساقوا للف الجنس‪ ،‬وعلى وهه التحديد م األهنبيات‬

‫‪ -‬إذًا لو عاد بك الزمن لن تقيم عاقةً م تلك الستاة التي ألبرتني أفةها في‬

‫‪51‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫قد تسببت في مريك؟‬

‫‪ -‬م األسف عجلة الوقت ال تدور إال باتجائ المستقب ‪ ،‬لكن إن عاد بي‬

‫الزمن سأقتلها‪ ،‬ب سأ نقها بيدي هذئ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫(‪)4‬‬

‫بعض البشر يؤمنون ة‬


‫أن القهوة ما هـي إال منبه للعقً يسًاعد علًى االسًتيقاظ ال أكاًر‪.‬‬

‫البعض اآللر يشربها ويشعر بالنُّعاس! أ ةما البعض الاالث فيرى أفةها كًاألفاى بنكهاتهًا‬

‫المتعًًددة وأمزهتهًًا المتغيًًرة يتسقًًان فًًي الكايًًر مًًن األ ًًياء فيجًً عليًًك تًًدليلهما‬

‫وتقليبهمًا هيًدًا عًم تضًًعهما علًى النًًار‪ ،‬وإيًًاك أن تتًركهم للغليًًان ينهشًهم كمًًا تًًنهش‬

‫اللبًًؤات الجا عًًة فريسًًتها دون رحمًًة وال ًًسقة‪ ،‬عًًم بعًًد ذلًًك تحتس ًيهما سًًالنتين ال‬

‫ة‬
‫منهن ازداد فشاطك‪ .‬أ ةما الًبعض الرابً يًرى‬ ‫فيهن ر سةً واحدة ً‪ ،‬وكلما ارتشست‬
‫ة‬ ‫تترك‬

‫أفةها عًادة سًيئة إن أسًرفت فًي تناولهًا‪ .‬وهنًاك مًن يًرون بأفةهًا تًرتبأ ارتبا ً‬
‫طًا وعيقًًا‬

‫بًًالعمق والقًًراءة والاقافًًة! كأفةهًا تضًًخ فًًي عقًًولهم األفكًًار الجامحًًة‪ .‬والقهًًوة بريئًًة‬

‫منهم ومن حماقتهم‪.‬‬

‫تتعدد الزوايا التي يرى البشر منها القهوة‪ ،‬ووهيه كان مًن الًبعض الرابً الًذي يًرى‬

‫أن القهوة مجرد عادة ً سيئةً يحاول هاهدًا الت‪،‬لص منها‪ .‬هلبت له زوهته هنًاء فنجًان‬
‫ب ة‬

‫ً‬
‫منشًغا بتصًس إحًدى الصًحف فويًعت السنجًان أمامًه‬ ‫قهوة بنا ًء على رغبته‪ .‬كًان‬

‫وسألته عن رأيه في القميص البني الذي يشبه لون قهوتًه والًذي ارتدتًه قبً قليً مًن‬

‫أهله‪ ،‬فربما يتًرك ارتشًاف القهًوة ويبًدأ بارتشًافها هًـي‪ .‬قًال وهًو يكمً قًراءة أحًد‬

‫العناوين دون أن ينظر لها‪:‬‬

‫‪ -‬را للغاية‬

‫‪ -‬يا ره دعك من الصحيسة وتسرغ لي‬

‫‪ -‬افتظري حتى افتهي من قراءتها وأتسرغ لك‬

‫‪53‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬لقد ألطأت عندما تركت األوالد لدى والدتي من أهلك‬

‫‪ -‬تركتيهم من أهلي أفا!‬

‫قالها ويحك‪ .‬تذمرت هناء ق ً‬


‫ليا وفظرت له فظرة فيما معناهًا أفةهًا ال تريًد أن تنشً‬

‫معركة بينهم اليوم‪ .‬قل الصسحة و رع في قراءة العناوين‪ .‬هذبه عنوان في منتصًف‬

‫الصسحة‪ .‬فافتسض واقسًا‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫ي هنون هذا؟‬
‫‪ -‬أ ُّ‬

‫افتبهت هناء لم حدث‪ ،‬وسألته باهتمام‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا هناك؟‬

‫‪ -‬هناك لبر بمايين الجنيهات‪ ،‬ال ب بمايين الدوالرات!‬

‫ابتسمت سالرة ً‪ ،‬وويعت يدها على رأسه لتطمئن على حرارتًه‪ ،‬وهًـي تسًأل فسسًها‬

‫ه ً يعق ً ة‬
‫أن لبًًر واحًًد يسًًاوي مايًًين الًًدوالرات! أمسًًك بيًًدها و قبةلهًًا والسًًعادة‬

‫تغمرئ‪ .‬ألذ مساتيحه وويعها في هي السروال والصحيسة ما زالت في يدئ‪ ،‬وركًض‬

‫باتجائ الباب‪ .‬فظر لها قب أن ي‪،‬رج‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬إياك أن تنام‪ ،‬سأعود على السور‬

‫‪ -‬افتظر‪ ،‬إلى أين تذه بمابس المنزل هكذا!‬

‫ي اهتمام‪ ،‬فلقد لرج وصسق الباب للسه‪:‬‬


‫لم يعرها أ ة‬

‫‪ -‬لقد هن زوهي‬

‫قالتها وهـي تصسق على يديها وعامات التعج تعتري مام وههها‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫لم ينتظر وهيه المصعد حتى يأتي وركًض علًى السًلم كطسً ألبًروئ ة‬
‫أن أبًائ قًد أتًى‬

‫من السسر للتو‪ ،‬فسر إليًه ليكًون أول المسًتقبلين‪ .‬علًى السًور صًعد سًيارته‪ ،‬وفًي أقً‬

‫من فصف ساعة كان في القصر يهرول باتجائ أيًوب الًذي مًا زال يقعًد فًي الحديقًة‪،‬‬

‫وبسًًمة بًًين ذراعيًًه يًًداعبها‪ .‬اقتًًرب مًًنهم ووههًًه متضًًمخ بًًالعرق‪ ،‬أ ًًارت بسًًمة‬

‫ألبيهًًا كًًي ينظًًر باتجًًائ وهيًًه الًًذي يقتًًرب مًًنهم‪ .‬تعجً أيًًوب فًًي البدايًًة عًًم تحًًول‬

‫التعج لتوتر وقلق عندما وقف وهيه أمامه وطل منه أن يجع بسمة تذه للًدال ‪.‬‬

‫ضًًا بًًالرفض‪ .‬ارتس ً‬


‫طل ً منهًًا الًًذهاب فرفضًًت‪ ،‬فأعًًاد تكًًرار الطل ً فأومًًأت أي ً‬

‫صوته بعض الشيء في المرة الاالاة‪ ،‬فافصاعت لفمًر وذهبًت غايًبةً‪ .‬افتظًر حتًى‬

‫ابتعدت وز ةم ستيه غايبًا لغض ابنته‪ .‬كافت فظرة ً واحدة كافية لجعً وهيًه يتحًدث‬

‫في الحال‪:‬‬

‫‪ -‬هناك لبر يساوي مايين الدوالرات‬

‫لم يستط أيوب أن ي‪،‬سي تأعرئ بتلك الجملًة فوهيًه مًن الش‪،‬صًيات التًي تًزن الكًام‬

‫هيدًا قب أن ينطق به‪ ،‬فهو ال يض‪،‬م األمور ويمنحها أكبر من حجمها‪ .‬قًال والسضًول‬

‫قد أك على مامحه و رب‪:‬‬

‫‪ -‬مايين الدوالرات! ق ال‪،‬بر يا وهيه؟‬

‫كًان السضًًول يعتمً فًي فسًًس أيًًوب‪ .‬أول مًا لطًًر ببالًًه أفةهًم اكتشًًسوا عا ًهًًا هديًدًا‬

‫لإليدز بإمكافه أن يشسيه تما ًما‪ .‬فت وهيه الصحيسة وبدأ يقرأ‪:‬‬

‫‪ -‬أعلنًًت وكالًًة فاسًًا السضًًا ية عًًن فجًًاح تجربتهًًا األولًًى فًًي السًًسر عبًًر‬

‫الزمن بعد فجاحها في تصني مركبة يو ية تزيد سرعتها عن سًرعة الضًوء‪ ،‬وهًـي‬

‫‪55‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫السرعة المطلوبة لكسر حاهز الزمن والسسر عبرئ‪ ،‬وعلى ك من يرغً فًي لًوم‬

‫دوالرا وااللتزام بالشًروط والقيًود التًي تضًعها‬


‫ً‬ ‫التجربة دف مبلغ لمسة عشر مليون‬

‫الوكالة‪.‬‬

‫امتعض أيوب‪ ،‬وقال بحنق ديد‪:‬‬

‫‪ -‬وما عاقتي أفا بالسسر عبر الزمن والمركبات الضو ية؟‬

‫‪ -‬لًك عاقًة قويًًة بًه؛ أفًًت بإمكافًك أن تبًدل مًًا حًدث بالمايًًي‪ ،‬كأفةًك لًًم‬

‫تصاب بالمرم من األساس‪ .‬لقد ألبرتني أفةك تتذكر الستًاة التًي فقلًت إليًك المًرم‪،‬‬

‫وتتذكر متى التقيتما‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫يء‬ ‫‪ -‬فعم أتذكر ك‬

‫‪ -‬إذًا ستعود بالزمن‪ ،‬وتمن فسسك من معا رة تلك الستاة‪ ،‬وبالتالي لن يكون‬

‫هناك مرم من األساس‬

‫تحمس وهيه وابتسم من مجرد ت‪،‬ي هذا األمر‪ ،‬وأردف‪:‬‬

‫‪ -‬هكذا هـي السكرة‪ ،‬أن تعود للمايي وتمنعها من لقا ك‬

‫لمعًًت السكًًرة وتبلًًورت فًًي عقً أيًًوب رغًًم عًًدم اسًًتيعابه الكامً لهًًا‪ .‬تًًذكر بعًًض‬

‫األفًًام التًًي تًًدور فكرتهًًا حًًول السًًسر عبًًر الًًزمن وكيًًف يلتقًًي الشًً‪،‬ص بنسسًًه‬

‫األلرى من المايي‪ .‬ك ذلك كان يرائ في األفام السًينما ية‪ ،‬بينمًا لًم يت‪،‬يً للحظًة‬

‫واحدة أن يصب األمر حقيقةً‪ .‬اصًطدمت السكًرة بجًدار القًدر الصًل ‪ ،‬فهًو يًؤمن ة‬
‫أن‬

‫أقدار البشر تكت منذ مياد الش‪،‬ص وحتى يوم وفاته؛ لقد قضًي األمًر‪ ،‬وال يسًتطي‬

‫ي م‪،‬لوق المساس بهذين اليومين وتغيير ما سيحدث فيهما‪.‬‬


‫أ ُّ‬

‫‪56‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ابتل ريقه وويً يًدئ علًى صًدرئ بعًد أن اسًتدعى عقلًه تلًك الًذكرى‪ ،‬كأفةًه يضًرم‬

‫النار لتلتهم عقلة الهش‪ .‬لشي أن تحول الذكرى عقله إلى رماد‪ ،‬وهو في أمس الحاهة‬

‫إليه اآلن فطردها سريعًا‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬هذا قدر‪ ،‬والقدر ال يتغير‬

‫كافت اسهابة على لسان وهيه‪ ،‬هو فقأ ينتظر السؤال‪:‬‬

‫‪ -‬فحن قد ارفنا على فهاية الرب األول من القرن الواحد والعشرين‪ .‬لم‬

‫يكن يصدق أحد أن فرى بعضنا البعض من لال قطعة حديد‬

‫أ ار إلى الهاتف الملقى على الطاولة‪ ،‬وأردف‪:‬‬

‫‪ -‬ابتكًًارات والتراعًًات ال حصًًر لهًًا‪ ،‬لًًو ألبرتًًك مًًن بض ً سًًنين أفةهًًا‬

‫ستحدث ستقول هذا محض هراء‪ .‬ترى ما هـي الحكمة اسلهيةة من قراءتي لهًذا ال‪،‬بًر‬

‫اليوم على وهه التحديد؟ عم أفةني في أق من لحظة استنتجت أفةك قد تغير مًا حًدث فًي‬

‫المايي‬

‫‪ -‬لم أقتن‬

‫‪ -‬لماذا ال تقتن ‪ .‬أفت لن تحيي الموتى أو تقت األحياء‪ ،‬سوف تنقذ فسسك‬

‫من لطأ قد ارتكبته‬

‫‪ -‬حسنًا سأفكر في األمر وألبرك بقراري فيما بعد‬

‫‪ -‬الوقت قد أزف‪ ،‬أتمنى أن تت‪،‬ذ قرارك سريعًا‬

‫‪ -‬اذه اآلن يا وهيه‪ ،‬قلت لك أفةني سأفكر باألمر‬

‫‪ -‬كما تأمر يا سيدي‬

‫‪57‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫فهض وهيه وترك الصحيسة على الطاولًة وذهً ‪ .‬راقً أيًوب لطواتًه وهًـي تسًير‬

‫على العش بتوان‪ .‬لم يكترث للحزن الذي اعتًرى مامً وههًه وهًو يرحً ‪ .‬افشًغ‬

‫ًارا‬
‫عقلًًه بتلًًك الًًذكرى العسنًة فلقًًد راودتًًه بكً تساصًًيلها‪ .‬بًًالطب وقتهًًا كافًًت افتصً ً‬

‫لشهوته الذكوريًة‪ ،‬أ ةمًا اآلن فهًـي مًرم؛ مًرم قًذر يحملًه فًي هسًدئ أينمًا ذهً ‪،‬‬

‫حتى في موته األصغر النوم ال يتركه بمسردئ‪.‬‬

‫قًًبض بيًًدئ علًًى الصًًحيسة ولملًًم أ ًًياءئ واتجًًه للًًدال ‪ ،‬بالكًًاد قًًد تًًذكر بً ة‬
‫ًأن بسًًمة‬

‫بافتظًًًارئ‪ ،‬ولًًًن تنًًًام حتًًًى يًًًذه إليهًًًا‪ .‬دلًًً مكتبًًًه وويًًً الصًًًحيسة والهًًًاتف‬

‫والًًذكريات والسًًسر عبًًر الًًزمن ومًًا إلًًى ذلًًك‪ ،‬تسًًرغ تما ًمًًا البتسًًامته التًًي بًًاألعلى‪.‬‬

‫دل الحجرة ووهد الًدادة فعيمًة تطعمهًا‪ .‬مًا أن رأتًه بسًمة إال وفظًرت لًه بحنًق عًم‬

‫التسةت بوههها للجهة األلرى‪ .‬أمر الدادة بال‪،‬روج‪ ،‬ودفا منهم وقعد قبالتهًا وابتسًم لهًا‬

‫فتبسمت له حين مد يدئ ليطعمها وأبى أن تعود تلك اليد إال وهـي فارغة من الطعام‪.‬‬

‫إ ةن أعظم الصدقات هـي لقمة يضعها الره في فم زوهته‪ ،‬فمًا هًزاء الرهً الًذي ال‬

‫يك وال يم من وي الطعام في فائ ابنته‪ .‬أكاد أقسم أفةًه لًو كًان هنًاك هوايًة محببًة‬

‫إلى قلبه فلن تكون أعظم من هواية وي الطعًام فًي فًائ بسًمة‪ ،‬وهًـي بًالطب تعشًق‬

‫ذلك‪ .‬ب أكار األوقات التي تأك فيها حتًى مًا بعًد الشًب عنًدما تأكً مًن يًدئ‪ .‬طلبًت‬

‫بعًًض المًًاء فس ًقاها ورفًًض أن تش ًرب بمسردهًًا و ًًرب مًًن بعًًدها ويًًحك حت ًى‬

‫تضًًحك‪ .‬يًًدللها ويمنحهًًا السًًعادة‪ ،‬كأفةهمًًا زوهًًين‪ .‬آلًر زوهًًين عا ًًقين علًًى ظهًًر‬

‫األرم‪ ،‬كاهما يود أن يمن اآللر ك ما يملك من الح والمودة والعشق ال‪ً،‬الص‪.‬‬

‫كاهما ال يبتغي سوى سعادة اآللر‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫امتفت معدتها تما ًما فكست يد أبيها عن الطعام‪ ،‬عم فهضت لتجل ورقةً وقل ًما وكتبت‪:‬‬

‫‪ -‬أفا فتاة رقيقة فتحدث معي بصوت رقيق مالي‬

‫كايرا فلقد فسي للحظة أفةها تركتًه غايًبةً عنًدما ارتسً صًوته‬
‫قرأ ما كتبت‪ ،‬ويحك ً‬

‫في الحديقة‪ .‬ألذ القلم من يدها وكت ‪:‬‬

‫ضا؟‬
‫‪ -‬وماذا أي ً‬

‫ألذت الورقة والقلم وكتبت‪:‬‬

‫‪ -‬أريد قصة ما قب النوم‬

‫أعطته الورقة وألقت بنسسها بين ذراعيه ليحملها‪ .‬كان التع واسرهاق قد فال منه فلًم‬

‫يستط حملها‪ .‬أ ار لها أفةها لو تمكنت من أن تسبقه إلى السرير سًيروي لهًا قصًةً لًم‬

‫يرويهًًا لهًًا مًًن قب ً ‪ .‬تحمسًًت وركضًًت علًًى السًًور‪ ،‬وافتظرتًًه هنًًاك‪ ،‬ب ً وفامًًت‬

‫ودست فسسها أسس الغطاء‪ ،‬ورفعت الطرف الجًافبي للغطًاء بافتظًار قدومًه‪ .‬كًان قًد‬

‫تمكًًن مًًن النهًًوم وذهً إليهًًا واسًًتلقى بجوارهًًا‪ .‬فظ ًرت لًًه وكلهًًا ًًغف للقصًًة‬

‫الجديدة‪ .‬استه ة الراوي قصته‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬كًًان يًًا مًًا كًًان‪ ،‬يًًا سًًادة يًًا كًًرام وال يحلًًو الكًًام إال بًًذكر النبًًي عليًًه‬

‫الصًًاة والسًًام‪ .‬كًًان هنًًاك ره ً لديًًه فتًًاة را عًًة يعشًًقها كايً ًًرا كايً ًًرا‪ .‬لكنًًه كًًان‬

‫ضا وقد اقترب موعد ذهابه إلى الرب‪.‬‬


‫مري ً‬

‫قاطعته مستسسرة ً عن كيسية ذهابه إلى الرب‪ ،‬فأهابها‪:‬‬

‫‪ -‬ستأتي امرأة هميلة وتمسكه من يدئ وتذه به إلى الرب‬

‫‪59‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫أن الموت ره يمسك هراوة ً بيدئ‪ ،‬وهناك سًا‬


‫للمرة األولى يكذب عليها‪ .‬لم ي‪،‬برها ة‬

‫ضًا علًى يًدئ التًي يمسًك بهًا‬


‫أسود يسي بتجويف عينيًه الغيًر موهًودتين‪ ،‬ويسًي أي ً‬

‫كرارا في أحامه‪ ،‬وفي ك مرة ينجو منًه بأعجوبًة‪.‬‬ ‫تلك الهراوة‪ ،‬وبأفةه يرائ م ً‬
‫رارا وت ً‬

‫أن الموت أفاى‪ ،‬وأومأت برأسها أفةها قد فطنًت األمًر‪ .‬طلبًت‬


‫صدةقت الكذبة واعتقدت ة‬

‫منه أن يكم القصة بعدما علق في فخ الصمت لدقيقة أو أكار‪:‬‬

‫‪ -‬كان هذا الره في البداية وقب أن تأتى ابنته إلى الدفيا يمقتها بشدة ألفةه‬

‫ا تهى أن تكون ولدًا؛ لقد كان غبيا‬

‫سالرا‪ ،‬فضحكت وهـي تتااءب‪ .‬مًرر أصًابعه علًى ًعرها كمًا تحً‬
‫ً‬ ‫قالها ويحك‬

‫أن يسع ‪ .‬كافت تنام على ظهرها فبدلت فومتها واعتدلت على الجاف األيمن باتجاهًه‪،‬‬

‫وهذبته من سترته ليتاب ‪:‬‬

‫‪ -‬كًان غبيًا للغايًة‪ ،‬لًم يكًن يعلًم ة‬


‫أن الستًًاة سًتكون أحًن عليًه مًن أمًه التًًي‬

‫ولدته‪ ،‬وزوهته التي ترقًد بجًوارئ كً ليلًة؛ زوهتًه الاالاًة التًي ال تشًعر بًه إطاقًًا‪.‬‬

‫بينما زوهته الاافية ليست مجرد امًرأة‪ ،‬بً هًـي مًاك قًد أفجً لًه ما ًكًا‪ .‬لًن أكًذب‬

‫عليك وسألبرك ة‬
‫بأن ذلك الره في بداية حياته كان يعشق النساء وبشدة‪ ،‬وعلى وهًه‬

‫الدقة الجميات من ة‬
‫هن‪ ،‬ستقولين اآلن وه تبًدل كً ذلًك؟ سًأهيبك بًنعم وسًأروي لًك‬

‫كيف تبدلت األمور‪.‬‬

‫كافًًت بسًًمة تغًًأ فًًي فًًوم عميًًق ولكنًًه كًًان يًًروي لنسسًًه‪ .‬روى لهًًا مًًن قب ً مئًًات‬

‫القصص ولم تكن من بيًنهم قصًته التًي يرويهًا اآلن بكً مًا يحملًه قلبًه وصًوته مًن‬

‫‪60‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫تهدج و جن‪ .‬لم يشعر حتى بالدم السالن الذي سال علًى وههًه‪ .‬تًاب غيًر مكتًرث‬

‫ألي يء‪:‬‬

‫‪ -‬عندما علم الره أفةًه مًريض ومريًه ال ًساء منًه‪ ،‬ر ةق قلبًه إلًى ابنتًه‬

‫أكار‪ .‬ك ما فعله أفةه زرع فيها بعض الح فجنى العشًق والسًعادة‪ .‬بًات أسًعد رهً‬

‫علًًى وهًًه األرم بسضًًلها‪ .‬كًًان قبً أن تًًأتي للًًدفيا يمقتهًًا وال يبتغًًي رؤيتهًًا‪ ،‬بينمًًا‬

‫اآلن يعشق الدفيا من أهلها‪ .‬أدرك معها قيمة ومعنى الح الطاهر النقي‪ ،‬ب هًـي مًن‬

‫علمته الح ‪ .‬وطهرت قلبه من اآلعام وفظسته من الكراهية التي كافت تملئه‪.‬‬

‫هسف دمعه‪ ،‬وفظر إليها ليطمئن ه الماك فام أم ال ؟ فوهدها غارقًةً فًي بحًر النًوم‪.‬‬

‫قبةلهًا قبلًةً عميقًةً علًًى هبهتهًًا ورفً الغطًًاء عنًًه وفهًًض‪ .‬أعًًاد ترتيً الغطًًاء مًًرة ً‬

‫ألرى‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬اعتذر يا ابنتي لقد كنت السب في أن تكوفي بكماء‪ .‬أتمنى أن تغسري لي‬

‫ما اقترفته في حقك‪.‬‬

‫ه لطر ببالك مرة أن تعاقً فسسًك قبً أن يعاقبهًا هللا؟! أيًوب يسعً ذلًك‪ ،‬ويعاقً‬

‫فسسه بتلك الذكريات المريًرة كمًرارة الحصًرم‪ .‬أ ًد تلًك الًذكريات مًرارة ً يًوم وفًاة‬

‫والدة بسمة‪ .‬فمنذ ما يقرب من تسً سًنوات‪ .‬حينهًا كافًت بسًمة بعمًر الشًهرين فقًأ‪،‬‬

‫وكافًًت كًًوعر تهدهًًدها كًًي تنًًام‪ .‬دل ً أيًًوب فًًي الرابعًًة صًًبا ًحا وهًًو عم ً ‪ ،‬وسًًم‬

‫كايرا‪ .‬حملتها كوعر من السرير‪ ،‬وفادته لينظر إليها ربمًا ي ُّ‬


‫حًن‬ ‫ً‬ ‫صوت بكاءها فغض‬

‫قلبه لها فهو لم يراها سوى مرتين أو عاث منذ ولدت‪ .‬تحدث إليها غايبًا ألفةها هلبًت‬

‫سرير بسمة في حجرة فومًه وهًو ال يسًتطي النًوم بجًوار األطسًال‪ .‬لًم تجبًه كعادتهًا‬

‫‪61‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫وصًًًمتت‪ ،‬وتركتًًًه يسًًًرغ ًًًحنة الغضًًً إلًًًى آلرهًًًا‪ .‬ازداد بكًًًاء بسًًًمة مًًًن حًًًدة‬

‫ي حساب لهًذا البكًاء‪ ،‬وظً يتحًدث بًنسس النبًرة‪ .‬تركتًه كًوعر‬


‫الصوت‪ ،‬فلم يحس أ ة‬

‫ًف عًًن الكًًام‪ ،‬وحملًًت بسًًمة واتجهًًت للحمًًام‪ .‬رق قلبًًه للحظًًة عنًًدما بًًات‬
‫حتًًى كً ة‬

‫صًًوت بكًًاء كًًوعر أعلًًى مًًن صًًوت بكًًاء الطسلًًة‪ .‬ومًًا أن دفًًا مًًن البًًاب حتًًى سًًم‬

‫صوت يء يرتطم بأريية الحمام وبقوة‪ .‬هًرول باتجًائ الحمًام وفًت البًاب سًريعًا‪.‬‬

‫وهد كوعر تقعد وقدماها مستوحتان‪ ،‬وتسًتند بظهرهًا علًى حًوم االسًتحمام‪ ،‬وبسًمة‬

‫التي كافت تحملها قًد افسرطًت مًن يًدها اليسًرى وسًقطت علًى أريًية الحمًام‪ ،‬وقًد‬

‫تحول بكاءها لصراخ ديد‪ .‬رك سريعًا وحم الطسلة وويعها في السرير وعاد إلًى‬

‫كًًوعر‪ .‬عًًاد ليجًًدها صًًامتةً تما ًمًًا! حًًاول هاه ًدًا أن يوقظهًًا ولكًًن دون هًًدوى‪ .‬لقًًد‬

‫صمتت حتى تحول الصمت إلى مًوت‪ .‬ماتًت بعًد أن ألًذت حبتًين مًن المهًدئ الًذي‬

‫يعينها على تحملك أيها األبله‪ .‬كافًت قًد دللًت الحمًام حافيًة القًدمين‪ ،‬وألًذت حبتًين‬

‫من المهدئ بعد أن ارتسً صًوت بكاءهًا ً‬


‫قلًيا ظنًًا منهًا أفةهًا سًتهدأ سًريعًا‪ ،‬لكنهًا لًم‬

‫تهدأ ب بكت كما تبكي طسلتها وأكار‪ .‬أمسكت الطسلة بيدها اليسرى واليد اليمنًى كافًت‬

‫تغسً بهًًا وهههًًا كًي تكًًب همًوح الًدم ‪ .‬سًًقأ بعًًض المًاء أسًًس قًًدميها‪ ،‬فافزلقًًت‬

‫عندما تحركت لتجل منشسة وتجسًف الًدم ‪ .‬مًن رحمًة هللا بالطسلًة أفةهًا افسرطًت مًن‬

‫يدها ولم تتأعر بالسقطة‪ .‬بينما سقطت كوعر على ظهرها‪ ،‬وتا سقوطها علًى األرم‪،‬‬

‫السقوط في فخ الموت‪ .‬اصطدم رأسها بحافة حوم االسًتحمام فًأدى ذلًك إلًى فزيًف‬

‫داللي بالمخ توفيت على أعرئ‪ .‬اكتسى حينها بدف مبلغ كبيًر للطبيً الًذي كتً تقريًر‬

‫الوفاة‪ .‬كتبه كما أراد هو‪ ،‬وإلى اآلن يشعر بالذف فهو من تسب في هذا الجرم‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ما زال يميرئ يؤرقه فلًم يمًت الضًمير بعًد‪ ،‬ال سًيما أفةًه مًا زال يتًنسس‪ .‬ظلًت تلًك‬

‫الذكرى بتساصيلها تغمس النسس في هحيم الضمير‪ .‬فهو أدرك هيدًا ة‬


‫أن ما بعًد اقتًراف‬

‫الًًذف تقً الًًنسس فًًي فًًخ الضًًمير‪ ،‬إ ةمًا أن تسًًتلم وتعتًًرف فيرتًًاح الضًًمير ويطمًًئن‬

‫ويستكين‪ ،‬وإ ةما أن ت‪،‬تبئ للف أغوار الكذب وتتجًرع الكايًر مًن المبًررات سسًكات‬

‫عا‪ .‬هو فقًأ سًيحاول أن يعتًرف مًن لًال مذكراتًه علًه‬


‫ذاك المزع حتى يموت تبا ً‬

‫يشعر بالطمأفينًة والسًكينة‪ .‬فتلًك الًذكرى تًراودئ بًين حًين وآلًر بتساصًيلها الدقيقًة‪،‬‬

‫وبك ما تحمله من ألم‪ ،‬وكالعادة يسأل فسسه السؤال الذي يازم هذئ الذكرى‪:‬‬

‫‪ -‬ترى لو طلبت منها المغسرة ستغسر؟‬

‫لم يجرؤ أن يذه لزيارة قبرها كي يطل الصس منها؛ حتى أفةه ي‪،‬شى االقتراب مًن‬

‫هناك‪ .‬ذهً عًاث مًرات فقًأ‪ .‬المًرة األولًى عنًدما اسًتجدته أن يًذه معهًا لزيًارة‬

‫أمها وأبيها‪ ،‬والاافية عند دفنها‪ ،‬والاالاة عندما أتى ألوها من السسر فذه معه تكري ًما‬

‫له وأللته التي لم يكن لها في الدفيا سوى هذا األخ‪.‬‬

‫راودته فسسه أن يذه إليها في الصباح ويطل منها المغسرة علها تغسًر‪ .‬لكًن النُّعًاس‬

‫قد غلبه اآلن وال بدة أن ينام‪.‬‬

‫أحيافًا تشعر أفك فمًت لًدقيقتين أو عًاث عنًدما ال تًرى أيًة أحًام أو ال تسًتيقظ أعنًاء‬

‫فومك‪ .‬هكذا عر عندما استيقظ وفظر في الساعة فوهدها السًابعة صًبا ًحا‪ .‬لًرج مًن‬

‫الحجرة وترك بسمة فا مة‪ .‬اتص بسا قه وأيقظًه ليًأتي‪ .‬ذهً ليطمًئن علًى ليلًى ً‬
‫أوال‬

‫فوهدها ما زالت فا مةً أو بصورة أدق كافت تتصن النوم حتى ال تتحدث إليه‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫استيقظ ك ال‪،‬دم في القصر فور استيقاظه وعلى رأسهم الدادة فعيمة التي ذهبًت لتنًام‬

‫بجوار سرير بسمة كما أمرها قب أن ي‪،‬رج ويتجه للسيارة‪.‬‬

‫‪ -‬إلى أين يا سيدي؟‬

‫سأله السا ق فور أن قعد في السيارة‪ ،‬فأهابه‪:‬‬

‫‪ -‬إلى مقابر السيدة عا شة‬

‫تعج السا ق ً‬
‫قليا فلم يذه معًه إلًى ذلًك المكًان مًن قبً ‪ .‬اسًتغرق األمًر سًاعتين‬

‫ليصا إلى المقبرة بعد أن يا الطريق أكار من مرة‪ ،‬وبمسًاعدة أحًد سًاكني المقًابر‬

‫تمكنا مًن الوصًول إليهًا‪ .‬وقًف أمًام القبًر المقسًر‪ ،‬والًذي ال توهًد عليًه فبتًة واحًدة‪.‬‬

‫حاول الدلول فلم يستط فالبًاب موصًد‪ .‬عًرم عليًه سًاكن المقًابر أن يحطًم القسً‬

‫فرفض‪.‬‬

‫ألًرج مًن حافظًًة فقًودئ ورقًة بقيمًًة ما تًان هنيًًه وأعطاهًا للرهً و ًكرئ‪ .‬م ةًر مًًن‬

‫للسًًه ًًاب فًًي منتصًًف العشًًرينات يقًًود دراه ًةً فاري ًةً‪ ،‬وكًًان يحم ً عليهًًا بعًًض‬

‫النباتات؛ وقف أمام المقبرة المجاورة لمقبرة كوعر ودللها‪.‬‬

‫تضًًرع أيًًوب بالًًدعاء لكًًوعر وقًًرأ كً مًًا يحسًًظ مًًن قًًرآن حتًًى تعبًًت قًًدمائ فقعًًد‪.‬‬

‫وعدها أن يوصًي السًا ق بجعً هًذئ المقبًرة ممتلئًةً بالنباتًات والًورود‪ .‬فربمًا أدرك‬

‫اآلن حكمتها عندما سمعها تقول ألبيه بأفةها تتمنى أن تدفن بجوار عا لتهًا‪ ،‬فلقًد أرادت‬

‫أن تستأفس بهم من وحشة القبر فنسذ رغبتها إكرا ًمًا لهًا‪ .‬افتابًه السضًول وذهً ليًرى‬

‫ذلك الشاب العشريني الذي فت المقبرة المجاورة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫اسًًتغرقت المسًًافة أربعًًة لط ًوات كًًي يص ً إلًًى هنًًاك‪ .‬هكًًذا هًًـي مقًًابر السقًًراء‬

‫تلتصق هنبًا إلى هن كما تلتصق األهساد في الدفيا كذلك تلتصق بعد الموت‪.‬‬

‫ًيئًا مًا‪ .‬لًم يحًاول أن يلسًت افتباهًه وتركًه حتًى‬ ‫فظر من البًاب فوهًد الشًاب يكتً‬

‫ينتهًًًي ممًًًا يكتًًً ‪ .‬سًًًم لعينيًًًه أن تجًًًوب المقبًًًرة الصًًًغيرة الممتلئًًًة بالنباتًًًات‬

‫ال‪،‬ضًًراء‪ ،‬وهًًو يانًًي عليًًه‪ .‬افتبًًه الشًًاب لًًه وابتسًًم حًًين وهًًد عينيًًه ترتكًًز عليًًه‪.‬‬

‫تعج أيوب ألفةه لم يجزع منه‪ ،‬فقرر أن يبادرئ بالسؤال‪:‬‬

‫يئًا لا ً‬
‫صا؟‬ ‫‪ -‬ه كنت تكت‬

‫تعبيًرا عًن عًدم االسًتماع لًم قيً ‪ ،‬فأعًاد‬


‫ً‬ ‫لم ينصت الشًاب هيًدًا للسًؤال‪ ،‬فهًز رأسًه‬

‫أيوب طرح السؤال مرة ً ألرى‪ ،‬فأهابه الشاب‪:‬‬

‫‪ -‬ال‪ ،‬ب كنت أكت لنسسي‬

‫‪ -‬أريد أن أقرأ ما كتبت‬

‫باغته بهذا الطل ‪ ،‬فارتبك الشاب ً‬


‫قليا‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬تسض ‪ ،‬لذ الورقة بأكملها وعندما تنتهي من القراءة يعها في حجر‬

‫والقها بالدال‬

‫فهض الشاب وتحرك باتجاهه‪ .‬أعطائ الورقة وأغلق المقبرة ورح ‪ ،‬وتركه يقرأ‪:‬‬

‫‪ -‬عندما تشيخ قبً والًدك وتشًعر أفةًك علًى حافًة المًوت‪ ،‬عليًك أن تًذه‬

‫للمقًًابر كًًي تجهًًز قبًًرك بيًًديك! أكتً قا مًًة المغسًًلين لجسًًدك ولًًيكن كهً ًًا يًًاقت‬

‫عينيه وتهدل الجلد من فوق هسنيه‪، .‬ص واحًد يكسًي ليسًتر عورتًك المسًتباحة بعًد‬

‫موتك‪ .‬التر النساء التي ستنوح عليك هيدًا‪ .‬يج أن تكون فبرة الصًوت قويًةً ومليئًةً‬

‫‪65‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫بًًالحزن والشًًجن كًًي تًًذرف بعًًض األعًًين المتصًًلبة قطًًرات دم ً سًًالنة! أو مًًن‬

‫األفض لك أن ال تأتي النساء للسك إلى المقابر حتى ال تتعذب بعد موتك‪ ،‬فهم يقولًون‬

‫أن النواح يعذب الميت "ال أعلم حقًا ما ذف الميت!!"‬


‫ة‬

‫فليبكي عليك من يبكي‪ ،‬ويتألم من يتألم فسًي النهايًة هًو حًزن مؤقًت فلًن تًرزق بأحًد‬

‫يحزن عليك حزفًا سرمديا سوى أفت في حالة أفةك كنت من أصًحاب ال‪ً،‬واتيم السًيئة‪.‬‬

‫ادةلر بعض النقود ألصدقا ك الذين سيحملون فعشك حتى يركضًوا بًه‪ ،‬سًيظن الجمً‬

‫أفةك ‪،‬ص تقي "النعش يركض وحدئ!"‬

‫ادف ً أهًًرة المقًًرئ والمكسًًن وحًًارس القبًًر وصًًاف القهًًوة وحام ً القهًًوة‪ ،‬أوصًًي‬

‫سكر حتى ال ينعتًك الجالسًون فًي العًزاء‬


‫صاف القهوة هذا‪ .‬أوصه بجل الكاير من ال ُّ‬

‫بالب‪ ،‬؛ "ادف بس‪،‬اء"‬

‫سدد ك ديوفك حتى الشتا م التي كافت دينًًا عليًك سًددها‪ ،‬سًدد كً بصًقة كافًت دينًًا‬

‫يء إال الدين؛ لذلك كن دا نًا وال تكن مدينًا"‬ ‫عليك ألحدهم "يغسر للميت ك‬

‫ًاال طًًا ًا علًًى‬


‫أتًًرك بضًًعة فقًًود ألبيًًك‪ ،‬ب ً الكايًًر والكايًًر مًًن النقًًود فهًًو ينسًًق مً ً‬

‫ضًًا بًًالكاير مًًن‬


‫المنشًًطات الجنسًًية والم‪ًً،‬درات التًًي يشًًربها سً ًرا‪ .‬أمًك ال تنسًًها أي ً‬

‫النقود حتى تدعوا لك بعد موتك؛ "ال تنسى الجنة أسس أقدام األمهات!"‬

‫اقتني ساعة ولبئها عند القبر ترى ما هـي أطول مدة زمنيًة سًيمكث فيهًا أحًدهم عنًد‬

‫قبرك! كم من األعوام ستنقضي بين الزيارة والزيارة‪ .‬ا تري ساعةً تعًيش لمًدة قًرن‬

‫أو تكس أفت بحساب األيام تحت التراب!‬

‫ال ت‪،‬بئ فقودًا في القبر فالديدان ال تقب الر وة! فجسدك سيكون لير ر وة‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫حسنًا ه ادةلرت المال الكافي‪ .‬غدوت ابًا بدرهة كه ودفوت من الموت‪.‬‬

‫حسنًا مت؛ مت اآلن بسام؛ لروحك السعادة‪ .‬دع لهم الدفيا يحترقون بجنتها المزيسة!‬

‫للص من القراءة وسقأ الدم مًن عينيًه كسًقوط المًاء مًن الصًنبور لحظًة إغاقًه‪،‬‬

‫ة‬
‫كأن دمعه على و ك أن ينض ‪ .‬بحث هنًا وهنًاك عًن الشًاب فلًم يجًدئ بًالمرة‪ .‬فظًر‬

‫إلى األعلى ليجد يافطةً تحم اسم المقبرة؛ مدفن عا لة الحاج أحمد المصري‪.‬‬

‫أعاد قراءة الورقة مرتين وافتبًه لوهًود بعًض الحًروف مرسًومةً باللغًة اسفجليزيًة؛‬

‫"‪ "Ex Pired‬وهًدها بنهايًة الورقًة‪ .‬لًف الورقًة بحجًر وألقاهًا بالًدال وهًو يبتسًم‬

‫ويقول لنسسه‪:‬‬

‫‪ -‬لست وحدي من يتألم فهناك من يشاركني فسس األلم وربما أكار‬

‫أدرك أيوب فعليا وللمرة األولى أفةه ليس الجاة الوحيدة التي تقف على قدميها‬

‫وما زالت تتنسس‪ .‬فهناك آالف وربما مايين الجاًث السًا رة فيمًا بيننًا‪ .‬يظًنهم النًاظر‬

‫إليهم أحيا ًء وهم أموات ينتظرون من يقبرهم‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫(‪)5‬‬

‫كيف آمنت لها طوال تلك السنون‪ .‬إفةها ما الغالبية العظمى مً ة‬


‫نهن‪ ،‬كاذبًات م‪،‬ادعًات‬

‫أفةاقًًات‪ ،‬ال عهًًد له ً ةن وال مياًًاق‪ .‬يتلًًو ةن كالحربًًاء مًًن أه ً أن يصًًلن إلًًى غًًايته ةن‬

‫ويتركنًك مبتًور القلً ‪ ،‬منقسًم الوهًدان‪ ،‬تا ًهًا فًي فًًاة الًذات‪ ،‬زاهًدًا لكً الًنعم مًًن‬

‫حولك‪ .‬يتركنك غير مكترعات لك ولوهعك‪ .‬تلقي الواحدة منه ةن عليًك باقلهًا مًن أفوعًة‬

‫وكبرياء و موخ وكيد وتودد وهنون‪ .‬تلقيهم كما يلقي اسلطبوط بأذرعه الامافية علًى‬

‫فريسًًته‪ .‬يظهًًرن لًًك بمظهًًر الشًًب والجًًوع يًًنهش فًًي قلًًوبه ةن وأهسًًاده ةن‪ .‬ت‪،‬بًًرك‬

‫منهن أفةها اكتست وهـي أبدًا أبدًا ال تكتسي‪ .‬يلتسسن حول قلبك كما تلتًف المشًافق‬
‫ة‬ ‫الواحدة‬

‫حول الرقاب لتكسرها وت‪،‬نقها وتقط عنها الهًواء لتمنحهًا فًي النهايًة المًوت‪ .‬كًذلك‬

‫يسعلن في قلبك‪ .‬يلبسن عوب التقوى والورع والاقافًة والكياسًة واأللًاق العظيمًة مًن‬

‫أه أن يصلن إلى غايته ةن‪ .‬أغلبه ةن يتعطرن بعطر ال‪،‬يافة‪ ،‬وتلًك الوديعًة التًي تتلًوى‬

‫من الحزن وتقول أفةها ستموت م أول لحظات الهجًر والسقًد‪ ،‬ال تقلًق سًتعيش وتنًتقم‬

‫لًذاتها‪ ،‬فقًأ تحتًاج إلًى ال‪،‬بًرة التًي ستكتسًبها مًن الوحًدة والًدموع وبقيًة المتملقًات‬

‫أماالها‪.‬‬

‫أيوب ال‪،‬ا ن اكتشف اليوم أفةًه م‪ً،‬ان‪ .‬كمًا تًدين تًدان تلًك المقولًة التًي ينسًبوفها إلًى‬

‫حديث فبوي ريف‪ .‬افطبقت عليه ولكن تبًدلت الكلمًات وأصًبحت كمًا ت‪ً،‬ون ت‪ً،‬ان‪.‬‬

‫الزوهة والصديق؛ صسعة مزدوهة‪ .‬هما االعنًان وههًان لعملًة واحًدة‪ ،‬عملًة ال‪،‬يافًة‪.‬‬

‫بات يشعر اآلن أفةه ماله ما الطس الذي وي أبوئ في فمه قطعة لحًم كبيًرة‪ ،‬فوقسًت‬

‫في حلقه‪ ،‬ال هو قادر على أن يبتلعها‪ ،‬وال قادر على أن يلسظها‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫مذ ساعة علًى وهًه التحديًد وقبً أن يكتشًف ال‪،‬يافًة‪ .‬اهتمً مجلًس اسدارة بر اسًة‬

‫أيوب اللتيار الر يس الجديد بنا ًء على رغبتًه‪ .‬كًان المر ً األول للر اسًة هًو فا بًه‬

‫الدكتور وليًد والًذي قربًه منًه الستًرة المايًية مًن أهً تلًك الغايًة‪ .‬افتهًى االهتمًاع‬

‫ضًا بمغامرتًه‬
‫بالموافقة‪ ،‬عم ذهبا سًويا إلًى مكتبًه لمناقشًة بعًض التساصًي وي‪،‬بًرئ أي ً‬

‫التي قرر أن ي‪،‬ويها بعد تسكير طال عاعة أيام‪.‬‬

‫عاعة أيام قد م ةرت مذ قدوم وهيه بذلك ال‪،‬بر المجنون‪ ،‬كافت كسيلًةً بجعً أيًوب يت‪ً،‬ذ‬

‫حزمةً من القرارات من أه لوم تلك التجربة‪ .‬أبدى الًدكتور وليًد اعترايًه علًى‬

‫هذا السسر وعبر عن أسسه على هًذا القًرار الًذي أت‪ً،‬ذئ وتركًه وذهً ! رغًم أفةًه منًذ‬

‫عاعة أيام عندما كافا يجلسان في الحديقة سأله لو عاد بًك الًزمن مًاذا سًتسع ‪ ،‬وحينهًا‬

‫قال أيًوب أفةًه يتمنًى أن يقتً تلًك الستًاة‪ .‬أسًف اآلن أ ًد األسًف لسكًرة تغييًر القًدر‪،‬‬

‫وتركه دون أن يتناقش معه في األمر على أق تقدير!‬

‫دللت السكرتيرة لت‪،‬برئ ة‬


‫أن األستاذ صاح ينتظرئ بال‪،‬ارج منًذ لمًس دقًا ق‪ .‬أمرهًا‬

‫ي م‪،‬لوق يقاطعهم‪ .‬فادت السًكرتيرة صًاح وأغلقًت‬


‫أن تدلله على السور وال تجع أ ة‬

‫الباب بعد دلوله‪ .‬ألقى التحية وأردف مبتس ًما‪:‬‬

‫‪ -‬ترى ما هو األمر العاه الذي استدعيتني من أهله؟‬

‫‪ -‬أسترح ً‬
‫أوال‬

‫قعد صاح‪ ،‬وفهض أيوب من مقعدئ واتجه ليقعد قبالته‪:‬‬

‫‪ -‬أفت تعلم أفةنا لسنا مجرد ركاء عم ‪ ،‬ب فحن أصدقاء وصداقتنا‬

‫يء‬ ‫أهم من ك‬

‫‪69‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫عر صاح للحظة بالقلق والتوتر ولكنه لم يقاطعه وتركه يتاب ‪:‬‬

‫‪ -‬تلك الصداقة هعلتك تعلم أ يا ًء كايرة ً عني‪ ،‬لكن يتبقى أهم يء لم‬

‫تعلمه بعد‬

‫هنا قاطعه‪ ،‬وتحرك اللسان عم من بعدئ الشسائ دون إرادته‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬ما هو؟‬

‫‪ -‬سألبرك ال تتعج‬

‫‪ -‬ألبرفي إذًا ال تتركني في حيرة‬

‫‪ -‬ما سألبرك به سر عليك أن تبتلعه في هوفك‪ ،‬هذا السر ال يعلمه سوى‬

‫أعنين فقأ وأفت ستصب الاالث‬

‫تغيرت مام الصديق فأردف أيوب سريعًا‪:‬‬

‫‪ -‬أفا مريض باسيدز‬

‫‪،‬صًًت عينًًا صًًاح وطسًًق لًًون وههًًه وأصًًب م ًا ًا للسًًواد‪ .‬تلعًًام وتًًوتر‪ ،‬وفًًي‬

‫اللحظة التي تلعام فيها سقأ في السخ الذي فص له‪ .‬قال وهًو يجسًف العًرق مًن علًى‬

‫وههه‪:‬‬

‫ضا باسيدز فليلى هـي األلرى‬


‫‪ -‬ال‪ ،‬اسيدز‪ .‬كيف ذلك‪ ،‬إن كنت أفت مري ً‬

‫مريضة‪ ،‬وأفا مري*‪.‬‬

‫هنًًا ص ًمت تما ًمًًا واستشًًعر ال‪،‬طًًأ الجسًًيم الًًذي سًًقأ فيًًه‪ .‬لًًرج أيًًوب م ًن حجًًرة‬

‫المكت وأ ًار لحبشًي قا ًد الحًرس ال‪ً،‬اص بًه الًذي كًان ينتظًر علًى مقربًة‪ .‬عًوان‬

‫وكًًان حبشًًي يقًًف أمامًًه ينتظًًر األوامًًر‪ ،‬وكافًًت األوامًًر أن ي‪ًً،‬رج مًًن الشًًركة‬

‫‪70‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ي موظف من الموظسين‪ ،‬عم ينتظرئ في السًيارة‬


‫بصحبة السيد صاح دون أن يرتاب أ ة‬

‫ليًذهبا هميعًًًا إلًًى فيلتًًه الصًًغيرة بًًالتجم ال‪ًً،‬امس‪ ،‬والتًًي كًًان يمًًارس فيهًًا هريمًًة‬

‫ال‪،‬يافة كما اعتًرف منًذ قليً ‪ .‬طبةًق حبشًي األوامًر حرفيًا‪ ،‬وفًي الطريًق رن هًاتف‬

‫أيوب وكافت ليلى هـي المتصًلة‪ .‬ألبرتًه أفةهًا سًتذه لتشًتري بعًض األ ًياء فسًم‬

‫لهًًا بًًذلك بعًًدما اطمًًئن علًًى بسًًمة‪ .‬وص ًلت السًًيارة إلًًى السًًيا‪ ،‬واتجًًه الجميً إلًًى‬

‫حجرة النوم بنا ًء على رغبة أيوب‪ .‬هل حبشي مقعدًا وقيد صًاح بًه وكمًم فمًه‪ .‬بعًد‬

‫فصف ساعة تقريبًا كان هرس الباب يرن‪ .‬فت حبشي البًاب واصًطح الضًيف إلًى‬

‫حجرة النوم‪ .‬كافت الزوهة هـي الضيف‪:‬‬

‫‪ -‬لقد أتت ال‪،‬ا نة لتشتري من ال‪،‬ا ن‪ ،‬ترى ماذا يبي ‪ ،‬ه يبي لك المتعة؟!‬

‫قال أيوب تلًك الكلمًات‪ ،‬وهًـي غيًر مصًدقة لًم يحًدث‪ .‬مًا زالًت تهًز رأسًها كببغًاء‬

‫محبوس في قسص وقد هًن هنوفًه مًن الشًمس الحارقًة‪ .‬قيًد حبشًي السًيدة ليلًى التًي‬

‫ظلت مشدوهة لبعض الوقت‪ ،‬واستساقت من دهشتها على الكذب‪:‬‬

‫‪ -‬أقسم لك أفةني لم ألنك أبدًا‬

‫أ ار أيوب لحبشي أن يكمم لها فمها‪ .‬افتظرئ حتى فسةذ األمر‪ ،‬عًم أمًرئ بًال‪،‬روج‪ .‬فظًر‬

‫إليهم بعد أن عافقت ستيه ابتسامة سالرة‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬ما رأيكم في هذا السخ‪ ،‬أال يستحق التصسيق؟‬

‫لم يكن السض لعق أيوب في رسم هذا السخ‪ ،‬ب كان السض األول للدكتور وليًد الًذي‬

‫ألبرئ ة‬
‫أن السيدة ليلى طلبت رؤيته ألمر هام دون أن ي‪،‬بر أيوب بهذا اللقًاء‪ .‬كافًت قًد‬

‫استشست من بعض أحاديث أيوب أفةه سيترك الميراث برمته لبسًمة‪ ،‬وسًيمن الًدكتور‬

‫‪71‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫وليد الوصاية على الشركات والممتلكات حتى تكبر‪ .‬لن يترك لها سًوى بعًض الستًات‬

‫يء‪.‬‬ ‫والبقية ستذه إلى ابنته‪ ،‬فأرادت أن تلقى بأفوعتها عليه علها تظسر بك‬

‫ظنت أفةه فريسةً سهلة االصطياد‪ ،‬وما أهم أن تكون فريسة أحدهم فيمكنك عقلًك مًن‬

‫أن تصًًب الصًًياد‪ .‬تعامً معهًًا بًًذكاء ًًديد‪ .‬فصً لهًًا السًًخ الًًذي يسًًقأ فيًًه أغلً‬

‫البشر على حد سواء؛ فخ الطم ‪ .‬ألبرها ة‬


‫أن أيوب قد ارف على الموت وهو يحتاج‬

‫إلى الكاير من المال فهو يمر بضا قة مالية‪ .‬سيتسقان سويا‪ ،‬وسيقتسمان التركًة بعًد أن‬

‫تسًًاعدئ هًًـي بًًأن يجعلًًه أيًًوب الوصًًي علًًى الطسلًًة‪ .‬لكنًًه ي‪،‬شًًى أن يمًًن الوصًًاية‬

‫لصاح‪ ،‬فهو من أصدقا ه المقربين‪ .‬يحكت ليلى وقالت‪:‬‬

‫‪ -‬ال تقلق صاح هنا‬

‫وأ ارت إلى حقيبتها‪ .‬تأكدت على السور كوكه بوهود عاقة تربطها م صاح فلقًد‬

‫اهدهما أكار من مرة وهما يمزحًان مزا ًحًا يتعًدى حًدود الصًديق وزوهًة صًديقه‪.‬‬

‫ألبر أيوب بك ذلك‪ ،‬وأسدى لًه النصًيحة بًأن يبًدأ بصًاح‪ .‬ينصً لًه السًخ وي‪،‬بًرئ‬

‫أفةه مريض باسيدز عم ينتظر ردة السع ‪ ،‬وإن لم يتأعر ً‬


‫كايرا‪ ،‬ينظر في هاتسه وحت ًمًا إن‬

‫كافت على عاقة بًه سًيجد فًي هاتسًه بعًض الًدال فالنسًاء ذكيًات للغايًة فًي إلسًاء‬

‫ي يء حتى ال تمسك عليه ةن أ ة‬


‫ي دلي ‪.‬‬ ‫الدال ‪ .‬من الممكن أن يسعلن أ ُّ‬

‫وهد أيوب في هاتف صاح لاف الرسًا النصًية والمكالمًات بعًض الصًور التًي‬

‫يحتسظ بها لزوهتًه وهًـي بمابًس ًبه عاريًة التقطًت دون معرفتهًا‪ .‬فهًو ي‪،‬شًى أن‬

‫تغًًدر بًًه فقًًرر االحتسًًاظ بًًبعض الصًًور ال‪،‬اصًًة التًًي يسًًتطي تهديًًدها مًًن لالهًًا‪.‬‬

‫إحقاقًا للحق كان أيوب ذكيا بعًض الشًيء فًي فصً السًخ لزوهتًه‪ .‬عنًدما أرسً لهًا‬

‫‪72‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫رسالةً فصيةً من هاتف صاح يطل منها أن تلحق به على فيا التجم ‪ ،‬فأتت كالكلبًة‬

‫التي تلهث وراء أحد الكاب من أه أن يتم‪،‬ض هسدها بالمتعة‪ .‬أتت بعد أن اتصلت‬

‫بصًًاح ً‬
‫أوال فلًًم يجي ً ‪ ،‬فهاتسًًه كًًان بحًًوزة أيًًوب‪ ،‬عًًم اتصًًلت ب ًأيوب لت‪،‬بًًرئ أفةهًًا‬

‫ست‪،‬رج لتشتري بعض األ ياء‪ ،‬وكان هو بافتظارها لتدف عمن ال‪،‬يافًة التًي ا ًترتها‪.‬‬

‫وقف أيوب على رأسهم يحاسبهم كما تحاس ما كة القبر الموتى‪.‬‬

‫سينتاب السضول بعض القراء ويسألون‪ ،‬وه رأيت ما كة القبر تحاسً المًوتى مًن‬

‫قب ؟ سأريي فضولك عزيزي السا ‪ ،‬وألبًرك أفةنًي بًالطب لًم أراهًم‪ ،‬فجسًدي مًا‬

‫زال على قيًد الحيًاة‪ ،‬وكً الًذين مًاتوا لًم ي‪ً،‬رج أحًدهم ويًروي لًي كيًف فصً لًه‬

‫الموت السخ كي يسسك دمه كما يشتهي! فه سي‪،‬برفي ماذا تسع معه الما كة؟!‬

‫على ك حال لم يسق أيوب بعد من تلك الصسعة التي فالها علًى يًد الصًديق والزوهًة‪.‬‬

‫زد على ذلك أفةه كان يشعر باأللم لدرهة ال تحتم ‪ ،‬ة‬
‫كأن هناك ديًدان تأكً مًن رأسًه‪.‬‬

‫ك ما في األمر أفةه أراد أن يجعلهم يشًعرون بمًا يشًعر؛ يتًألمون كمًا يتًألم‪ .‬فأصًع‬

‫ما يمر على اسفسان في حياته هو أن يجتم األلم الجسدي والنسسًي معًًا‪ .‬أحًدهم يأكً‬

‫الجسد كما تأك الديدان الجاث‪ ،‬واآللر يلتهم الروح كمًا النًار التًي ا ًتعلت فًي قلً‬

‫الحط ‪.‬‬

‫ظ أيوب يتأملهم بغرابة‪ .‬ال تعلم ه يودعهم أم يحًاول أن يصًدق أفةًه سًقأ فًي فسًس‬

‫األلم الذي ظن أفةه لن يسقأ فيه أبدًا‪ .‬ه ما استطاع أن يقوله في تلًك اللحظًة هًـي أن‬

‫يقول كلمةً واحدة ً‪:‬‬

‫‪ -‬لماذا؟‬

‫‪73‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫كررها أكار من مرة وهو يشير بيديًه‪ ،‬ويهًز رأسًه‪ ،‬ويجًز علًى أسًنافه‪ .‬العجيً فًي‬

‫ًؤاال بسًًي ً‬
‫طا للغايًًة‪ .‬هًًو فسسًًه يجي ً عليًًه بًًأكار مًًن إهابًًة‪ ،‬علًًى‬ ‫األمًًر أفة ًه يسًًأل سً ً‬

‫رأسهم المال والمتعة‪.‬‬

‫ما زالت ليلى تقسم بصوتها المكتوم أفةها لم ت‪،‬نه‪ .‬توسلت إليًه أن ينًزع الكمامًة وهًـي‬

‫تشًًير برأسًًها وتهرطًًق بكًًام غيًًر مسهًًوم‪ .‬تركهًًا تسًًتجديه قلً ً‬


‫ًيا‪ ،‬عًًم فًًزع الكمامًًة‪،‬‬

‫فنظرت له باستجداء وقالت بتضرع‪:‬‬

‫ي يء‬
‫‪ -‬أقسم بمن للقني أفك أسأت السهم‪ ،‬ليس بيني وبينه أ ة‬

‫‪ -‬ال تحشري ال‪،‬الق في قذارتك‬

‫قص عليها كيف علم بأمر ليافتها من البداية للنهاية‪ ،‬ب وهعلها تشاهد بعًض الصًور‬

‫لها وهـي في حجًرة النًوم التًي تقعًد فيهًا اآلن‪ .‬فظًرت لصًاح وبصًقت عليًه بعًدما‬

‫عرت باسهافة من ذلك السع ! بصقت عليه للمرة الاافية بعد أن قالت‪:‬‬

‫‪ -‬كنت أظنك ره ًا!‬

‫بربك يا امرأة‪ ،‬صديق ي‪،‬ون صديقه معك ولًم تنتقصًي مًن رهولتًه! وتنتقصًي منهًا‬

‫ي يء‪.‬‬
‫ألفه صورك بمابس النوم! آلم تتوقعي من ال‪،‬ا ن أ ة‬

‫أتعج حقًا ة‬
‫ألن هناك العديد من مايات ليلى ك ما يعرفوفه عن الرهولًة أفةهًا مجًرد‬

‫أهساد تريي هواته ةن وتروي أراييه ةن حتى وإن كافت أزواههم ترويها!‬

‫افدهشت ليلى عنًدما علمًت ة‬


‫أن أيًوب مًريض باسيًدز‪ ،‬بً وإن صً التعبيًر صًعقت‬

‫ة‬
‫كأن الكهرباء مستها‪ .‬ظلًت تنظًر لًه بباهًة ًديدة‪ ،‬وهًـي تتوسً الصًس والغسًران‪.‬‬

‫ظلت تستجديه بحياة بسمة وحياة ك من يحبهم‪ ،‬ب أفةها تتمنى لًو تمنحًه بعًض العمًر‬

‫‪74‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫أو يعاقبها بنسس المرم‪ .‬ك ما تبتغيه اآلن أن يتركها على قيًد الحيًاة‪ .‬كمًم فمهًا كًي‬

‫تكف عن الكلم فلًم تصًمت‪ ،‬وظلًت تمًوء كالقطًة التًي حبسًت بًدال حجًرة وحجً‬

‫عنها النًور والمًاء والطعًام فأصًبحت ال تًرى سًوى السًواد‪ .‬تًاب أيًوب كامًه وهًو‬

‫ينظر في عينيها التي تس ُّ الدم سحا‪:‬‬

‫‪ -‬ه ً تعلًًم يًًا مًًن تعشًًقين المًًال وتعبدينًًه أفةنًًي فًًي المرحلًًة الاالاًًة مًًن‬

‫المًًرم‪ .‬أي أفةنًًي قًًد أو ًًكت علًًى المًًوت‪ ،‬وكنًًت أفتًًوي أن أتًًرك لًًك فسًًبةً ليسًًت‬

‫بالقليلة من عروتي‬

‫ظ يتحدث ويأتي بجم غير مرتبة حتًى أفًرغ بعًض مًا فًي هعبتًه‪ ،‬ولًم يتبقًى اآلن‬

‫سوى أن ي‪،‬برهم بمصا رهم التي تنتظرهم‪:‬‬

‫‪ -‬لك فع عمن‪ ،‬وعمن ال‪،‬يافة الموت‬

‫لرج من الحجرة وتركهم بمسردهم‪ .‬يًود كً ًا منهمًا لًو يضً اآللًر أسًس فكيًه‪ .‬عقًد‬

‫صسقة م حبشي حارسه الش‪،‬صي‪ ،‬وطلً منًه التكًتم علًى األمًر مًن بدايتًه إلًى أن‬

‫ينتهي لقاء مبلغ كان بماابة الحلم بالنسبة للره "فصف مليون هنيه" ألبرئ أيوب بمًا‬

‫ينتوي فعله عم سأله‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا ستسع لو كنت في موقسي هذا؟‬

‫‪ -‬سأقتلهم وألقي بأهسادهم للكاب تأكلها‬

‫‪ -‬وهذا ما سوف فسعله‬

‫الحظ هنا أفه استبدل حرف األلف بحرف النون وهم الره معه حتًى يكًون ًري ًكا‬

‫أساسيا في الجريمة؛ لكي يضمن أفةه سيكتم األمر ولن يتسوئ بكلمة ألي م‪،‬لوق‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫لم يستوع حبشي الكلم هيدًا فعقله مشًغول بًالمبلغ الًذي سًيجنيه‪ ،‬وعلًى اسًتعداد أن‬

‫ي يء من أه ذلك المال‪.‬‬
‫يسع أ ة‬

‫حبشي ماله ما الكاير من البشر على أتم االستعداد للقت والذب وفعً أغلً األفعًال‬

‫الحيوافية ولكن إن كان هناك فرصة سافحة ومقاب معقول‪.‬‬

‫ألرج أيًوب هاتسًه واتصً بوهيًه وأمًرئ بًإلراج العمًال علًى السًور وإفًراغ البنايًة‬

‫التي طل منه من قب أن يض بها اللوح ال‪،‬شبي كي يقعًد فًي الهًواء‪ .‬لًم يجًد وهيًه‬

‫ي مسر سًوى تلبيًة رغبًة صًاح المكًان والعمً بعًد أن سًأل عًن السًب ولًم يجًد‬
‫أ ة‬

‫إهابةً‪.‬‬

‫أن البنايًة باتًت فارغًةً‪ ،‬حتًى‬


‫افتظر ما يقرب من الساعة حتى رن هاتسًه وتًم إعامًه ة‬

‫‪ً،‬درا ويضًعه‬
‫الحراس تم منحهم عطلة كما أمر‪ .‬كًان قًد طلً مًن حبشًي أن يبتًاع م ً‬

‫ً‬
‫فعًا إفسًافيا‪ .‬بًالطب هًم بًأمس الحاهًة‬ ‫في زهاهة ماء عم يدل ويسًقيهم‪ ،‬كأفًه يسعً‬

‫إلى ماء يروى حلوقهم التي باتت كالساة رمالها تغلي من دة القيظ‪.‬‬

‫ة‬
‫وغطا في فًوم عميًق‪ .‬اسًتيقظا مًن غسًوتهم ووهًدا أفسسًهما أعلًى البنايًة‬ ‫ربا كليهما‬

‫يرقدان على سطحها الملته وهلودهم تنز عرقًا من حرارة السط برغم ة‬
‫أن الليً قًد‬

‫أو ك على النهوم من قيلولته‪.‬‬

‫ي إفسان بًأي ًيء‪ .‬همًا أفسسًهما لًم يشًعرا سًوى بًاأللم‬


‫لقد تم فقلهما دون أن يشعر أ ة‬

‫الذي تسببت به الحبال والكمامات التي فزعت للتو‪.‬‬

‫هل حبشي بعض الحبال وتأكد من متافتها؛ الطرف األول مًن الحبً تسًنن أيًوب فًي‬

‫هعله عقدة ً كالمشنقة وويعه حول رقبة صاح‪ ،‬وما زال يسأله‪:‬‬

‫‪76‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬لماذا تأتي ال‪،‬يافة منك أفت يا من ظننتك صديقًا‪ ،‬لماذا؟‬

‫رف صاح طرف عينه وقال باستجداء‪:‬‬

‫‪ -‬أرهوك أن تغسر لي‪ ،‬لقد غوافي الشيطان!‬

‫ترى ما هو ذف الشيطان في ليافتكم أيها ال‪،‬ا نون‪ ،‬كلمًا ارتكبًتم إع ًمًا ألقيًتم بًه علًى‬

‫عاتق الشيطان‪ ،‬ب ويصب هو المتسب األول ل‪،‬طاياكم!‬

‫ظ صاح يهرطًق بًالكام‪ ،‬ويًأتي بكلمًة مًن هنًا وكلمًة مًن هنًاك حتًى سًأم أيًوب‬

‫كامه وأمر حبشي أن يضعه على اللوح‪ ،‬حتى بعد أن سًجد وقبةً حذا ًه‪ ،‬وهًو ينظًر‬

‫إليه بعيون متوسلة تطل الصس والمغسرة‪ .‬ركله أيوب في وههه وهو يقول‪:‬‬

‫‪ -‬ال‪،‬نازير ال ترف رأسها للسماء‪ ،‬وأفت مجرد لنزير ظننته في يوم من‬

‫األيام كل وفي‬

‫افتهًًًى حبشًًًي مًًًن فًًًزع المقعًًًد الطبًًًي المتواهًًًد بطًًًرف اللًًًوح‪ ،‬وعًًًاد وحمًًً‬

‫ال‪،‬نزير"صاح" أوقسه على اللوح وربأ طرف الحب في المسامير التي كافت تمسك‬

‫بالمقعد عم لف الحب على اللًوح‪ .‬تأكًد ة‬


‫أن المسًافة بًين الحبً المعقًود فًي عنقًه وبًين‬

‫المعقًًود فًًي اللًًوح مسًًافة المتًًران حتًًى ال يتسًًنى لًًه التحًًرك إال بمقًًدار لطًًوة أو‬

‫لطوتين‪ .‬لم ينسى أن يض له الكمامة قب أن يتركه ويعود لسط البناية‪.‬‬

‫س ًا أو إفسًًافًا ب ً هًًو عًًور بمام ً بشًًرية‪ .‬لقًًد حم ً‬


‫تشًًعر أن حبشًًي هًًذا لًًيس حار ً‬

‫صًًاح وويًًعه علًًى اللًًوح‪ ،‬كأفًه يحمً طسً ًًا صً ً‬


‫ًغيرا بًًين يديًًه‪ .‬فظًًر صًًاح إلًًى‬

‫األسس فظرة ً واحدة ً فارتع وهز رأسه بهستيريا وهو يناهي أيوب من للًف الكمامًة‬

‫‪77‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ي افتبًًائ فلقًًد كًًان مشًًغول بوي ً المشًًنقة حًًول رقب ًة‬


‫أن يرحمًًه‪ .‬لًًم يعًًرئ أيًًوب أ ة‬

‫ال‪،‬ا نة‪ .‬فزع الكمامة وسألها هـي األلرى‪:‬‬

‫‪ -‬لماذا؟‬

‫ال‪،‬ا نة ت‪،‬تلف بعًض الشًيء عًن ال‪ً،‬ا ن فهًـي تملًك بعًض اسهابًات‪ .‬قالًت والوهً‬

‫يعتم في صدرها والحسرة تسقأ من عينيها على هيئة دم ‪:‬‬

‫‪ -‬لقد حرمتني من األمومة‪ ،‬وأفت لديك ابنتك‪ ،‬وأفا ماذا لدي‪ .‬ال يء‪.‬‬

‫ال يء حقًا سوى بقايا ره ‪ ،‬وابنته التي تمقتني‬

‫‪ -‬وه أفجبت من ال‪،‬يافة؟‬

‫‪ -‬أفدم بشدة ألفي لم أفج منه‪ .‬ب أفدم أ د الندم أفةني لم أهعلك تشعر‬

‫بالقهر والذل‬

‫تسل ببرودة األعصاب كي يجعلها ت‪،‬رج ك ما بجعبتها‪ .‬عله يلتمس لها أي عذر‪:‬‬

‫‪ -‬لماذا لم تتطلبي الطاق بما أفك تودين اسفجاب إلى هذا الحد؟‬

‫‪ -‬ألفةني أحبك‬

‫سالرا ويحكت هـي األلرى بهستيريا وهنون‪ ،‬وأردفت‪:‬‬


‫ً‬ ‫يحك‬

‫‪ -‬ال أحبك أفت‪ ،‬ال تكًن أحمقًًا‪ .‬أفًت ال تسًتحق الحً ‪ ،‬بً علًى العكًس أفًا‬

‫أمقُّتك وأبغضك‪ ،‬لكنني أحً مالًك الكايًر‪ ،‬أحبًه بشًدة‪ .‬كنًت أعلًم أفًك ًارفت علًى‬

‫الموت‪ ،‬وافتظر حتى تموت ألرث ك مالك‪ ،‬عم ألقي بابنتك البكماء في أي ملجأ‬

‫فظرت باتجائ صاح وأردفت‪:‬‬

‫‪ -‬أليس كذلك يا صاح‪ ،‬كنا قد اتسقنا أن فنتظرئ حتى يموت وفرعه سويا‪،‬‬

‫‪78‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ألبرئ وال ت‪،‬شائ إفةه مجرد هبان‪ ،‬حشرة ال قيمة لها‬

‫‪ -‬ك هذا من أه المال؟!‬

‫‪ -‬كنت تظن أفةني أتحم ك هذا من أهلك أفت!! حقًا أحمق‪ .‬أفت مجرد‬

‫هاة متعسنة كنت أفتظر أن ألطو عليها بقدمي عندما أدفنها‬

‫قالت الكلمتان األليرتان وهـي تجًز علًى أسًنافها وه ةمًت لتبصًق فًي وههًه‪ ،‬ومًا أن‬

‫تحركت الحنجرة لتلبية األمر حتى تلقت صسعةً قويةً اهتز لها الجسد برمته‪.‬‬

‫أ ار أيوب لحبشي أن يحملها ويضعها بجوار رفيق السرير‪ .‬كاد حبشي أن يسقأ هًذئ‬

‫المرة‪ ،‬فلقد كافت تتلوى كاألفعى بعكس صاح الًذي كًان مشًدو ًها ممًا يحًدث‪ ،‬وكًان‬

‫ي‪،‬شًًى السًًقوط فلًًم يتحًًرك‪ .‬بالكًًاد اسًًتطاع حبشًًي أن يًًربأ الحب ً فًًي اللًًوح فقًًد‬

‫افشًًغلت ليلًًى لاًًوان بًًالنظر إلًًى صًًاح‪ .‬عًًاد حبشًًي سًًريعًا ول ًم يًًتمكن مًًن وي ً‬

‫الكمامة‪.‬‬

‫كايرا بعد أن المست أقدامه سط البناية‪ .‬كان سيسقد عمرئ من أه المًال‪.‬‬


‫كر الرب ً‬

‫المال را فعم‪ ،‬لكنه ال يشتري العمر‪ .‬وقف أيوب على طرف اللوح‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬من سيصمد منكم لساعتين سأتركه يعيش‬

‫هًًو يعًًرف مسًًبقًا أفه ًم لًًن يتمكنًًوا مًًن الصًًمود ل ًدقا ق‪ .‬أراد فقًًأ أن يم ًن يًًميرئ‬

‫بعض المهد ات‪ ،‬وي‪،‬برئ أفةه قد منحهم فرصةً للنجاة‪ ،‬فمن أراد النجاة عليه التح ُّم ‪.‬‬

‫فظرت ليلى أليوب بتسحص وهـي تلًوي وهههًا‪ ،‬تلًك النظًرة التًي يقشًعر بًدفك منهًا‬

‫وتشعر أفك معدوم القيمة عند هذا الش‪،‬ص‪ ،‬فأفت بالنسبة له مجرد حاالة‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫دقةقت النظر في عينيه عم بصقت عليه‪ .‬لحسن حظه لم يناله أ ة‬


‫ي رذاذ مًن البصًقة‪ ،‬فلقًد‬

‫حملتها الرياح بين طياتها‪.‬‬

‫ي من أن يتحكم حقير مالك في‬


‫‪ -‬لن أظ تحت رحمتك‪ ،‬الموت أهون عل ة‬

‫حياتي‬

‫افتهت من هملتها وكافت قد افتقلت بقدميها المقيدتين مقدار لطوة ههًة اليمًين لتصًب‬

‫على حافة اللوح‪ .‬استغرقت في تلك ال‪،‬طوة حوالي لمسًةً وعشًرون عافيًة‪ ،‬عًم عشًرة‬

‫سنتيمترات ألرى أو أكار استغرقت فيهم عاث عوان‪ .‬عًم تمايً الجسًد بعًدها بالكامً‬

‫باتجائ الجاف األيمن لتسقأ كسباحة ماهرة تقف علًى لًوح لشًبي وتقًوم باسًتعرام‬

‫أمام لجنة التحكًيم والجمهًور‪ ،‬وكلمًا افدهشًت اللجنًة مًن االسًتعرام منحتهًا درهًةً‬

‫عاليةً‪ .‬لجنًة التحكًيم هنًا تتًألف مًن أيًوب فقًأ‪ ،‬والجمهًور كًان صًاح الًذي ي‪،‬شًى‬

‫ً‬
‫مشًغوال بمحاولًة التًًوازن فهًو اآلن يتًرف علًى اللًوح إعًر سًًقوطها‪،‬‬ ‫النظًر فقًد كًان‬

‫باسيافة إلى حبشي الذي فظر ألريية السط و عر بالغايان‪.‬‬

‫سقطت ليلًى فًي فًخ المًوت بنصًف إرادتهًا‪ ،‬والسضً يعًود أليًوب بالنصًف اآللًر‪.‬‬

‫سقطت وظلت تترف ‪ ،‬والجسد يدور ميتًا كما كان يدور حيًا‪ .‬افًدهش أيًوب للغايًة مًن‬

‫فعلتها‪ ،‬ب وما زال صوت الرقبة المكسورة يطن في أذفيه‪.‬‬

‫لقًًد فعلًًت ذلًًك ألفةهًًا أيقنًًت أفةهًًا ميتًة ال محالًًة‪ ،‬وعنًًدما تعلًًم اليًًوم أفةًك ميًًت ميًًت‪،‬‬

‫فاألمر سيان بالنسًبة لًك‪ ،‬أن تمًوت بعًد فصًف سًاعة أو تمًوت بعًد سًاعة أو تمًوت‬

‫ي تسكير مسبق؛ العق هنا تم حج الرؤية عنًه‪ .‬ال قيمًة‬


‫اآلن‪ .‬هكذا هـي فعلت ودون أ ة‬

‫للموت عندما تعلم أفك ستموت بعًد لحظًات‪ ،‬أو بمعنًى أدق عنًدما تًذه لًه بقًدميك‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ت‪،‬يً ة‬
‫أن هنًًاك ًً‪،‬ص يتًًربص بًًك ويتحًًين اللحظًًة المناسًًبة ليساهئًًك‪ ،‬فتباغتًًه أفًًت‬

‫وتقل ً الطاولًًة وت ًذه لًًه بقًًدميك حت ًمًًا سًًيساهئ‪ .‬هكًًذا هًًـي فعلًًت فاهًًأت المًًوت‬

‫وسًًقطت فًًي ف‪ًً،‬ه بمًً ء إرادتهًًا‪ .‬المًًوت صًًاف أكبًًر مساهًًأة فًًي تًًاريخ البشًًرية‬

‫وصاح السخ الذي يسقأ فيه ك البشر على حد سواء‪ .‬أحيافًا يساهئ بالمنتحرين!‬

‫لًًم يسًًتط صًًاح أن يتماسًًك‪ ،‬فًًال‪،‬وف والرع ً مًًن المًًوت هعلًًه يمًًوت‪ .‬التمسًًك‬

‫بالحياة هعله يسقًدها‪ .‬عنًدما تتمسًك بشًيء بشًدة وتسعً كً المسًتحيات مًن أهً أن‬

‫تنًًال هًًذا الشًًيء فتأكًًد هي ًدًا أفة ًك فًًي الغال ً فاقًًدئ‪ .‬هكًًذا فق ًد صًًاح حياتًًه بمنتهًًى‬

‫االفسيابية‪.‬‬

‫لم تمر دقيقة على األكار بعد موت ليلى ظ فيها يتوس ويتوس ‪ .‬بدأ في أولهًا يحًاول‬

‫النظر لجاة ليلى المعلقة معه فًي اللًوح‪ .‬حًاول التحًرك باتجًائ أيًوب‪ ،‬فتعاًرت إحًدى‬

‫قدميه باأللرى وهو يحاول أن يركض لوفًا مًن السًقوط‪ ،‬فسًقأ بوههًه علًى اللًوح‪.‬‬

‫تلك السقطة ألذته للسقطة األليرة‪ .‬لًيطن فسًس صًوت كسًر الرقبًة ويسًقأ فًي فسًس‬

‫السخ‪ .‬ظلتا الجاتًان تلتسًان وترتطمًان وتت‪،‬بطًان بً وتتعافقًان بسعً الريًاح والحبًال؛‬

‫هنيئًا لهما تعافقا لا نين‪ ،‬وماتا متعافقين‪.‬‬

‫تنسس أيوب الصعداء بعدما عر ببعض الراحة لموتهما! أمًر حبشًي باالسًتعافة بأحًد‬

‫األ ‪،‬اص المعنيين بدفن الموتى؛ بالطب يكون ً‬


‫قابا للشراء‪ .‬فأهاب حبشي وقال‪:‬‬

‫‪ -‬لدي صديق بماابة األخ يعرف الكاير من حافري القبور‬

‫‪ -‬ال أريد لفمر أن ينتشر بين هذا وذاك‬

‫‪ -‬ال تقلق يا سيدي سأحم الجاتين اآلن‪ ،‬وسأيعهم في السيارة وأذه‬

‫‪81‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫بهم إلى مكان آمن ليتم دفنهم‪ ،‬والمال يكمم األفوائ‪ ،‬فلن يهتم أحد بالسؤال‬

‫عن يء‬

‫‪ -‬حسنا ً دع صديقك هذا ي‪،‬تار مقبرة ال يزورها أحد‪ ،‬وإن سأل وسوف‬

‫يسأل التلق له قصة هيدة‪ ،‬وسوف أياعف لك المبلغ‬

‫‪ -‬كما تأمر يا سيدي‪ ،‬كما تأمر‬

‫افسرهت أسارير حبشي وهم بالعم سريعًا بعد مضاعسة المبلغ‪ .‬تركه أيوب وهبأ مًن‬

‫البنايًًة‪ ،‬وقع ًد ينتظًًرئ فًًي السًًيارة‪ً .‬عر بًًالكاير مًًن التع ً واسههًًاد لقلبًًه وعقلًًه‬

‫ً‬
‫قلًيا وظً يسكًر فًي األدلًة التًي‬ ‫وهسدئ‪ .‬الجسد برمته كان مجهدًا‪ .‬بالكاد فشًأ العقً‬

‫ربما قًد للةسهًا مًن بعًد الجريمًة‪ .‬أراد أن يطمًئن هً هنًاك عغًرة تدينًه أم ال؛ الحبًال‬

‫ي دماء؛ سيتم مس ك البصمات‪.‬‬


‫تشتع اآلن؛ لم يكن هناك أ ة‬

‫الاغرة الوحيدة التي اكتشسها عندما لطر ببالًه أفةًه ربمًا راءئ ً‪،‬ص مًا مًن البنايًات‬

‫ي ً‪،‬ص ينظًر‬
‫المجاورة أو المراك النيلية وأبلغ الشرطة‪ ،‬فارتسًاع البنايًة يسًم أل ة‬

‫لفعلى أن يرى ما يحدث في الواههة‪ .‬لم يستسيغ الاغًرة فلًم يحًدث ًيء حتًى اآلن‪،‬‬

‫واألمر تم سريعًا للغاية‪ .‬السيارة التي أتى بها سيارة صاح وسوف يًتم الًت‪،‬لص منهًا‬

‫كجاته‪ ،‬واألمر في مصر يحتاج أليام وربما هور سعبات يء كهذا‪.‬‬

‫بالطب األمر ال ينطبق على الش‪،‬صيات المرموقة من الهيئًات السًيادية وكبًار رهًال‬

‫األعمال‪ ،‬وصاح بًالطب لًم يكًن واحًدًا مًنهم‪ ،‬وحتًى إن اكتشًست الشًرطة هريمتًه‪،‬‬

‫فسي تلك اللحظة سيكون لارج الًباد كمًا رسًم لطتًه‪ .‬افطلًق حبشًي بسًيارة صًاح‬

‫بعد أن وي الجاتين بداللها‪ .‬أقعدهما كأفةهما على قيد الحياة‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫تركه أيوب يذه بمسردئ‪ ،‬واستق هو سًيارة أهًرة‪ ،‬وظً يتابعًه بالهًاتف‪ .‬طلً مًن‬

‫السا ق الوقوف قب مقًر الشًركة بما ًة متًر أو أكاًر‪ .‬ارتجً مًن السًيارة‪ ،‬واسًتدعى‬

‫سا قه‪ ،‬ومن هناك ذه إلى القصر‪ .‬دل مكتبه بصحبة السا ق وأعطًائ حقيبًةً ممتلئًةً‬

‫بالنقود المتسق عليها‪ .‬طل منه أن يذه بها للعنوان الذي ألبرئ به حبشي‪.‬‬

‫ذه السا ق‪ ،‬وأغلق أيوب باب المكت بعدما تأكد ة‬


‫أن بسمة لًم تلحًظ قدومًه‪ ،‬أو ربمًا‬

‫ً‬
‫اتصًاال هاتسيًا مًن حبشًي‬ ‫تكون فا مةً هكذا ظن‪ .‬بعد ساعتين مًن قدومًه للقصًر تلقًى‬

‫سًًا‬ ‫ي‪،‬بًرئ ة‬
‫أن األمًر قًًد تًم علًى ليًًر مًا يًرام‪ ،‬بالتأكيًًد بعًد قًدوم المًًال‪ .‬ألًذ أيًوب فس ً‬

‫عميقًا أتبعه بتنهيدة طويلة‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬الحمد هلل!‬

‫كر هللا ة‬
‫أن األمر افتهى حتى اآلن على لير!‬

‫هناك الكاير مًن القتلًة واللصًوص وغيًرهم ممًن يرتكبًون المعاصًي واآلعًام أغلًبهم‬

‫يدعون هللا أن يستر عليهم ويشكروفه بعدما يطمئنوا ة‬


‫أن فعلتهم لم تنكشًف! بًالطب مً‬

‫التاف دوافعهم ومدى لطورة الجريمة التًي يرتكبوفهًا‪ .‬بينمًا قًد ينقضًي األمًر فًي‬

‫الدفيا ويسترهم هللا‪ ،‬ولكن ماذا عن اآللرة‪ .‬وترى هً سًتر هللا وحًدئ هًو مًن يجعلهًم‬

‫ضًا وهًو ذكًا هم فًي إلسًاء البًراهين وعًدم‬


‫يسلتون بأفعالهم؟ أم هناك عام مشترك أي ً‬

‫ي هود؟! األمور من هذئ النوعية معقدة للغاية‪.‬‬


‫وهود أ ة‬

‫على ك حال م ةرت األمور بسام حتى اآلن‪ .‬هدأ عقله وارتاح قلبًه عنًدما أتًى حبشًي‬

‫يء تم تنسيذئ على أكم وهه‪:‬‬ ‫وألبرئ بنسسه أن ك‬

‫‪83‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬هذئ المرأة تح هذا الرهً ولًم يوافًق أبوهًا علًى زواههًم‪ ،‬لًذلك قًررا‬

‫االفتحار سويا فًي منًزل هًذا الرهً ‪ ،‬وعنًدما عًرف أبوهًا بًاألمر قًرر التسًتر علًى‬

‫السضيحة فهو أحد رهال الدولة المرموقين‬

‫كافت تلك إهابة حبشي على سؤال أيوب‪:‬‬

‫‪ -‬بماذا أهبت عندما سألك من هؤالء؟‬

‫ابتسم أيوب سهابة حبشي وأعنى عليه بالذكاء والسطنة‪ ،‬قا ًا‪:‬‬

‫‪ -‬لك مستقب هيد في اسهرام يا حبشي‬

‫اكتسى حبشي باالبتسامة من إطراء أيوب الذي تاب حدياه‪:‬‬

‫‪ -‬لن أفسى لك هذا المعروف ما حييت‬

‫ي‪ ،‬وال تقلق سرك هنا‬


‫‪ -‬سيدي‪ ،‬أفت صاح فض كبير عل ة‬

‫أ ار حبشي على صدرئ كأفةه يرف غطاء حسرة لي‪،‬بئ بها يئًا ما‪ .‬بعدما افتهى أيًوب‬

‫منه أمرئ بال‪،‬روج‪ .‬عاد بالذاكرة ليبحث عن ذكرى هيًدة تجمعًه بليلًى فلًم يجًد سًوى‬

‫ضًًا بعًًض الًًذكريات لصًًاح‪ ،‬ووهًًد أفةًه مًًن‬


‫ذكريًًات قليلًًة تسًًتحق الرعًًاء‪ .‬تًًذكر أي ً‬

‫النوع المتسلق‪ .‬كنبات وهد عيدان ال‪،‬ش التي يتسًلقها كًي يتسًرع ويتوسً بأغصًافه‬

‫وأوراقه وعمارئ‪ .‬صسةى رأسه من ماء الذكريات العكر‪ ،‬وتًذكر المسًتقب ومًا عليًه أن‬

‫يسعله‪ .‬اتص بوهيه وأمًرئ بالقًدوم إلًى القصًر‪ .‬بًين زحمًة اليًوم الشًديد فسًي أفةًه لًم‬

‫يعطه األوامر لتجهيز رحلته المنتظرة‪ .‬لمسة وعاعون دقيقًةً كافًت كافيًةً ليقًف وهيًه‬

‫أمامه‪ ،‬ويصدمه قا ًا‪:‬‬

‫‪ -‬من الواي يا سيدي أفك لم تقرأ تساصي ال‪،‬بر هيدًا‬

‫‪84‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬ماذا تقصد؟‬

‫‪ -‬في فهاية ال‪،‬بر ستجد أفةه كًان هنًاك عًدد محًدود مًن المقاعًد‪ ،‬وإن كنًت‬

‫لبًرا يعلًن عًن اكتمًال العًدد‪ ،‬واليًوم هنًاك لبًر هديًد‬


‫ً‬ ‫قرأت صحف األمًس‪ ،‬سًتجد‬

‫يقول ة‬
‫أن المركبة سوف تنطلق لال بضعة أيام‬

‫ابتسم أيًوب ابتسًامة ريًا مبطنًةً بالسً‪،‬رية مًن ترتيبًات القًدر‪ ،‬وكيًف يتاعً بًه‪.‬‬

‫منحه ً‬
‫أما في الحياة عم عاد وقت ذلك األم في ومضة عين‪ ،‬لكن األم إن مًات فبًت‬

‫من موته أم هديد‪:‬‬

‫‪ -‬ستسافر بعد غد إن اء هللا‬

‫قالها وهيه وافتظر ردة السع على وههًه الًذي علقًت مامحًه فًي المنتصًف مًا بًين‬

‫السعادة والحزن‪ .‬باأللير افتصر الوهه سعيدًا‪ ،‬فلقد قت له األم الوحيد‪ ،‬عم عاد وفسًخ‬

‫فيه الروح من هديد‪:‬‬

‫‪ -‬آلم تق منذ قلي ة‬


‫أن األمر قد افتهى والمقاعد اكتملت!؟‬

‫‪ -‬فعم األمر قد افتهى واكتملت المقاعد‪ ،‬لكنك صاح مقعد منهم‬

‫‪ -‬كيف ذلك؟‬

‫قًًص عليًًه وهيًًه كيًًف اتص ً بالسًًسارة األمريكيًًة بًًاليوم الاًًافي مًًن رؤيتًًه لل‪،‬بًًر‪،‬‬

‫وألبًًرهم ة‬
‫أن السًًيد أيًًوب يريًًد لًًوم التجربًًة مهمًًا كلستًًه مًًن مًًال‪ ،‬عًًم أرس ً ك ً‬

‫البيافات المطلوبًة وافقضًى األمًر عنًدما ألبًروئ أفةًه تًم حجًز المقعًد وأرسًلوا بريًدًا‬

‫إلكتروفيا يؤكد ذلًك‪ .‬واليًوم أرسًلوا بريًدًا آلًر ي‪،‬بًروئ بأفةًه يجً تحويً المبلًغ قبً‬

‫افقضاء يوم غد‪ ،‬وأفةه قد حجز له مقعد بطا رة بعد غًد المتجهًة إلًى وا ًنطن‪ ،‬وحجًز‬

‫‪85‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫له هنا ًحا في أف‪،‬م فنادقها حتى يكون بجًوار وكالًة فاسًا‪ .‬كً ذلًك وأيًوب ينصًت لًه‪.‬‬

‫يء‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫افتظرئ حتى قص عليه ك‬

‫‪ -‬أسديت لي معروفًا غاليا يا وهيه‬

‫يء عمن يا سيدي‪ ،‬هذئ هملتك المعهودة التي تعلمتها منك‬ ‫‪ -‬لك‬

‫‪ -‬سأعطيك ما تطلبه وأكار‬

‫‪ -‬سأطل ‪ ،‬ولكن بعد أن ت‪،‬برفي لماذا طلبت مني اليوم إفراغ البناية من‬

‫العاملين فيها حتى الحراس؟!‬

‫‪ -‬ال يء وددت القعود في الهواء كما المرة السابقة‪ ،‬دون أن تزعجني‬

‫فظرات أحد‬

‫‪ -‬ولماذا لم تصطحبني معك؟!‬

‫ضا تزعجني بنظرات ال‪،‬وف والقلق‬


‫‪ -‬أفت أي ً‬

‫إن كنًًت غيًًر قًًادر علًًى اسهابًًة فعليًًك بطًًرح األسًًئلة‪ ،‬هك ًذا فع ً حتًًى يتسًًنى لًًه‬

‫ف عن طرحها‪:‬‬
‫الهروب من أسئلة وهيه التي ال يك ُّ‬

‫‪ -‬دعك من هذا األمر‪ ،‬ألبرفي كيف علمت أفةني سأقرر الذهاب لدرهة أفةك‬

‫يء؟‬ ‫أعددت ك‬

‫ترك وهيه أمر إفراغ البناية‪ ،‬وامتلئ وههه باالبتسامة‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬ألفةك تح الم‪،‬اطرة‪ ،‬وأعتذر منك لم يعد لديك طوق فجاة آلر‬

‫‪ -‬لقد أصبت يا وهيه‪ ،‬رغم أفةك لاطرت بسع ك ذلك دون علمي‪ ،‬لكن‬

‫ليرا ما فعلت‬
‫ً‬

‫‪86‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬لقد فعلت ك ذلك من أه أن أفاهئك‪ ،‬والحمد هلل ة‬


‫أن المساهأة أسعدتك‬

‫لم ينتبه أيوب هيدًا للكلمات التي قيلت للتو‪ ،‬فقد كًان يسكًر أفةًه ربمًا لًن يعًود مًن تلًك‬

‫الرحلة وعليه أن يقص على وهيه ك ما ي‪،‬ص هذا المرم‪.‬‬

‫فًًت دفتًًر المًًذكرات‪ ،‬وبًًدأ يًًروي لًًه قصًًة المًًرم مًًن بدايًًة الًًذكرى األولًًى للستًًاة‬

‫األهنبية التي تحم المرم والتي ياهعها قب والدة بسًمة بيًومين‪ ،‬وهًـي آلًر مًن‬

‫مًرورا بًوالدة بسًمة‪ ،‬ومًوت والًدئ بعًدها‬


‫ً‬ ‫مارس معهم الجًنس قبً أن يتًزوج بليلًى‪.‬‬

‫بااعة أيام فقأ من قدوم بسمة إلى الًدفيا‪ ،‬ة‬


‫كًأن رو ًحًا قًد أتًت إلًى الًدفيا لتعطًي اسذن‬

‫لفلًًرى كًًي ترقًًد بسًًام‪ ،‬عًًم مًًوت كًًوعر بعًًد ًًهرين مًًن والدتهًًا لبسًًمة‪ ،‬وبعًًدها‬

‫ببضعة هور كافت الكارعة‪.‬‬

‫حينها كان الحنين قد بدأ يجذبه لبسمة‪ ،‬كأفةها مغناطيس وهو قطعًة الحديًد التًي تجًذب‬

‫دون إرادة منها‪ .‬طل من لالد صديقه أن يذه معه ليشتري بعض األ ياء لهًا‪ ،‬فهًو‬

‫ال يسقه يئًا عن حاهيات األطسال‪ .‬ذهبا بسيارة لالد‪ ،‬وعندما افتهيةا من الشًراء‪ ،‬وكافًا‬

‫يعبران الطريًق‪ .‬وقًف هًو علًى الرصًيف فًي المنتصًف بعًدما افشًغ بهاتسًه وعبًر‬

‫لالًًد الطريًًق فصًًدمته حمقًًاء بسًًيارتها‪ .‬ذه ً بًًه سًًريعًا ألقًًرب مستشًًسى‪ ،‬وكًًان‬

‫المستشسى حكومي م األسًف‪ ،‬والطريًق كًان مزدح ًمًا للغايًة‪ ،‬وقًد فًزف الكايًر مًن‬

‫الدماء‪ .‬ألبروئ أفةه ال توهد أكياس دم وعليه أن يجد متبر ً‬


‫عا‪ ،‬فًألبرهم ة‬
‫أن فصًيلة دمًه‬

‫ة‬
‫أن دمًاءئ ال‬ ‫تعطي هميً السصًا ‪ .‬ألًذوا مًن دمًه عينًةً وبعًد التحليً ‪ ،‬قًال الطبيً‬

‫تصل ‪ ،‬وازداد عدد مريى اسيدز مريض هديد‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ًيء بصًًدق‪ ،‬لكنًًه فسًًي بعًًض األحًًداث والتساصًًي‬ ‫رغًًم أفة ًه أراد أن ي ًروي ك ً‬

‫المهمة‪ .‬على رأسهم أفه لم يقترب مًن زوهتًه كًوعر مًن بعًد مضًاهعة األهنبيًة تلًك‪،‬‬

‫وهو يحمد هللا في ك يوم أفةه لًم يسعً ذلًك‪ ،‬فلًو حملًت كًوعر المًرم‪ ،‬كافًت سًتنقله‬

‫بدورها لبسمة عن طريق الريًاعة‪ .‬توقًف عًن الكلًم بعًدما أصًي لسًافه بنوبًة مًن‬

‫الصًًمت‪ ،‬وعنًًدما يصًًاب اللسًًان بهًًذئ النوبًًة يطلًًق العن ًان لعشًًرات األلسًًنة بًًدال‬

‫الًًنسس البشًًرية‪ ،‬كلهًًا تتحًًدث فًًي آن واحًًد‪ .‬كًًأفهم ألسًًنة فسًًاء تصًًرخ وتنحً علًًى‬

‫فقيدهم الميت‪.‬‬

‫قط وهيه الصمت ماز ًحا‪:‬‬

‫‪ -‬سيدي إذا رأيتني في المايي‪ ،‬فباهلل عليك افصحني بعدم الزواج‬

‫يحك أيوب من تلك الطرفًة‪ ،‬وبًدأ يسً‪،‬ر هًو اآللًر مًن بعًض األ ًياء التًي تحسًر‬

‫على فعلها في المايي‪ .‬استمرا على هذئ الحال لدقا ق‪ .‬أراد أيوب الصعود لاطمئنان‬

‫على بسمة‪ .‬فأمر وهيه باالفصراف بعدما طل منه أن يألذ دفتر المذكرات وينقً مًا‬

‫بًاكرا إلًى مصًلحة الشًهر‬


‫ً‬ ‫ضا الًذهاب‬
‫فيه بنسسه على حاسوبه الش‪،‬صي‪ .‬طل منه أي ً‬

‫العقًًاري‪ ،‬وافتًًداب أحًًد المًًوظسين مًًن هنًًاك‪ .‬أراد كتابًًة توكي ً عًًام بًًاسدارة باسًًم‬

‫الدكتور وليد وهـي الورقة األليرة في فعش الوصية التي أبلغ المحامى بتساصيلها قب‬

‫قدوم وهيه‪ ،‬وتنتظر فقأ إمضاءئ‪.‬‬

‫للمرة األولى منذ سنوات يشعر بتلك الراحة فقد أزاح بعض الحجارة من على صدرئ‪،‬‬

‫وهش األغربة التي ما زالًت تعشًش بالًدال ‪ .‬سًم لر تيًه أن تمتلئًا بًالهواء دون أن‬

‫تتألمًا كعًادتهم‪ .‬تعاًر فقًأ بعقبًًة إبًاغ بسًمة بالسًسر لمًدة قًًد تتجًاوز السًبعة أيًام‪ .‬لًًم‬

‫‪88‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫يحدث أن فارقها هكذا من قب ‪ .‬يأسف ك األسف أفةًه لًن يًتمكن مًن اصًطحابها معًه‪.‬‬

‫هالت ب‪،‬اطرئ أ ياء كايرة‪ .‬أهمها كيف سي‪،‬برها بهذا األمر‪.‬‬

‫صعد الدرج‪ ،‬ووص إلى بًاب الحجًرة‪ ،‬طًرق البًاب عًم فتحًه ليساهئهًا‪ ،‬لكنًه وهًدها‬

‫فا مة‪ ،‬والدادة فعيمة تشاهد التلساز‪ ،‬فسألها‪:‬‬

‫‪ -‬منذ متى وهـي فا مة؟‬

‫‪ -‬منذ ساعة تقريبًا‬

‫‪ -‬حسنًا‪ ،‬اذهبي أفت وسأفام أفا بجوارها الليلة‬

‫‪ -‬كما تأمر‬

‫لرهًًت الًًدادة فعيمًًة مًًن الحجًًرة‪ .‬ومشًًى أيًًوب لطًًوتين باتجًًائ السًًرير ليض ًطج‬

‫بجوار بسمة‪ .‬دفا منها وهمس في أذفها قا ًا‪:‬‬

‫‪ -‬آئ يا طسلتي لو كان من الممكن أن أصطحبك معي‪ ،‬ورأيت والدتك‪،‬‬

‫واستشعرت دفئ ذراعيها‪ ،‬أقسم أفك ما كنت لتتركيها لحظةً واحدة‬

‫قبةلها على لدها ووي يًدئ علًى رأسًها‪ ،‬وت‪،‬للًت أصًابعه لصًات ًعرها النًاعم‪.‬‬

‫ظ يؤف فسسًه ألفًه لًم يتكبًد عنًاء السًؤال؛ هً يجًوز اصًطحاب طسلًة أم ال؟ رغًم‬

‫إدراكه الكام ة‬
‫أن اسهابة ستكون الرفض‪.‬‬

‫قطعت بسمة األفكار السوداء وتأفي الضًمير عنًدما ابتسًمت فمنحتًه ابتسًامةً أعلجًت‬

‫ً‬
‫هميا‪.‬‬ ‫قلبه‪ .‬عر أفها تحلم حل ًما‬

‫ايطج بجوارها وي ةمها إلى صدرئ برقة حتى ال تستيقظ‪ .‬أرلى هسنيًه فًي محاولًة‬

‫مستميتة للنوم‪ .‬حاول طرد ك األفكار وذكريات هذا اليوم السيئ للغاية‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫استغرق ساعةً وأكار ليسقأ في بحر النوم‪ .‬بالكاد قد افتهى مًن لوازيًق الواقً واآلن‬

‫سقأ فريسة الكوابيس‪.‬‬

‫في بادئ األمر عر أفةه يًذب ‪ ،‬وبعًد عًوان تحًول الشًعور إلًى رؤيًة وايًحة وهليًة‪،‬‬

‫ورأى فسسه يذب كالشائ‪ .‬أربعة ‪،‬وص من المقًربين إليًه كً واحًد مًنهم يمسًك فًي‬

‫يًًدئ سًًكينًا‪ ،‬ويقط ً هًًز ًءا مًًن هسًًدئ المس ًجى علًًى األرم‪ .‬لًًم يسًًتط فًًي البدايًًة‬

‫تمييًزهم‪ ،‬لكنًه تأكًد أفةهًم رهلًين وامًرأتين‪ .‬تركًوا السًكاكين مًن أيًاديهم وأمسًك كً‬

‫واحًًد مًًنهم بقطعًًة منًًه‪ .‬هًًذا أمسًًك بالًًذراعين واآللًًر بالق ًدمين‪ ،‬وأحًًدهم قًًد ظسًًر‬

‫بالرأس‪ ،‬ك واحًد مًنهم أمسًك هًز ًءا منًه مًا عًدا القلً تركًوئ‪ .‬وحًدها بسًمة كافًت‬

‫تقًًف وتراق ً مًًا يحًًدث مًًن بعيًًد‪ ،‬وعنًًدما اقتربًًت التسًًى الجميً وتركًًوا مًًا كًًافوا‬

‫يمسكوفه‪ .‬فظرت للقل ‪ ،‬وأمسكته بيدها ويمته لصدرها؛ ما زال القل ينبض! قبةلًت‬

‫ًلوا‪ ،‬حتًًى‬
‫ًلوا ً ً‬
‫القلً وويًًعته علًى األرم‪ .‬عًًم ذهبًت ولملمًًت أ ًاءئ المبعاًًرة ً‬
‫تحولًًت مابسًًها البيضًًاء للًًون األحمًًر القًًافي بسع ً الًًدماء‪ .‬فظًًرت للجسًًد مبتسًًمةً‬

‫وصرلت بصوتها األبكم مشيرة ً له أن يأتيها‪ ،‬فأتى الجسد للحياة من هديد‪.‬‬

‫استيقظ من فومه ليجد بسمة بجًوارئ علًى السًرير تقبةلًه علًى لًدئ‪ ،‬وابتسًمت لًه فًور‬

‫استيقاظه‪ .‬كافت الشمس قد فهضت للتو وأفًارت الًدفيا حولًه‪ .‬عافقهًا وكلًه سًعادة مًن‬

‫الحلم الذي رآئ رغًم بشًاعته‪ ،‬فنهايًة الحلًم كافًت كسيلًةً بمنحًه السًعادة؛ رغًم أن تلًك‬

‫السعادة لم تكتم ‪ ،‬فحتى في حلمه لم يسم صوتًا البنته‪ ،‬ة‬


‫كأن الحلًم كالعسً الممًزوج‬

‫بالليمون! عر بحاوته ولكن لم يتحم مذاقه الاذع!‬

‫‪90‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ألبرهًا أفًه قًًد رأى حل ًمًا را عًًا يشًًبه قصًة سًًيدفا إبًًراهيم‪ ،‬وكيًًف ألًًذ الطيًًر ليًًرى‬

‫كيف يحيي هللا الموتى‪ .‬طلبت منه أن يقص عليها القصة كاملةً‪ ،‬فأهاب مبتس ًما‪:‬‬

‫‪ -‬عندما أعود من السسر سوف أقصها لك‬

‫أبدت افزعاهها مما سمعت‪ ،‬وأ ارت له كم يو ًما سيغي ‪:‬‬

‫‪ -‬ربما سبعة أيام‬

‫هزت رأسها رافضًةً تما ًمًا مًا قيً لهًا‪ .‬تحركًت لل‪،‬لًف لطًوة فأمسًكها وهًذبها مًن‬

‫يدها‪ ،‬ويمها إليه بشدة‪:‬‬

‫‪ -‬أعدك أفةني سأعود يوم عيد ميادك؛ أفا أعلم هيدًا أفةها فترة طويلة للغايًة‪،‬‬

‫لكن أقسم لك رغ ًما عني سأيطر للغياب طًوال هًذئ األيًام‪ .‬ال أعلًم كيًف سًتمر تلًك‬

‫كايًرا‪ ،‬وأعًرف هيًدًا أفةًك‬


‫ً‬ ‫األيام دوفك‪ ،‬ولكن كً مًا أعرفًه هيًدًا أفةنًي سأ ًتاق إليًك‬

‫ستشًًتاقين لًًي؛ وهنًًاك حً را ً كلمًًا ا ًًتقت لًًي أكتبًًي؛ أكتبًي كً مًًا تريًًدين علًًى‬

‫الورق وأفا سأقرأ ما ك ة كت حين أعود‪ ،‬ه اتسقنا؟‬

‫اتجهت إلى زاوية بالحجرة وظلت تبكي‪ .‬ذه إليها وكسكف دمعها‪ ،‬عم حملها على يًدئ‬

‫واتجًًه بهًًا إلًًى لزافًًة المابًًس ليلبسًًها عًًوب المدرسًًة‪ .‬ظً أكاًًر مًًن فصًًف سًًاعة‬

‫أليرا من ذلك‪ .‬ذه معها إلًى‬


‫ً‬ ‫يحاول هاهدًا أن يظسر بابتسامة واحدة منها حتى تمكن‬

‫المدرسة وقاب بعض المدرسات‪ ،‬ب وقضى معها أكاًر مًن سًاعة فًي السنًاء بصًحبة‬

‫بعًًض األطسًًال اآللًًرين‪ .‬عًًم تركهًًا وذه ً لينه ًي بقيًًة األوراق‪ ،‬وعًًاد فًًي منتصًًف‬

‫اليوم كي يصطحبها للقصر‪.‬‬

‫لم يتركها دقيقةً واحدة فهذئ هـي الليلة األليرة التي سيقضيها معها قب السسر ً‬
‫فجرا‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫فامت بسمة مًن ًدة اسرهًاق وظً بجوارهًا مسًتيق ً‬


‫ظا‪ .‬كًان ينظًر إليهًا مالمًا ينظًر‬

‫النحات لمنحوتته‪ .‬رأسه كافًت الصً‪،‬رة التًي ينحًت عليهًا‪ ،‬وعينيًه هًـي أدواتًه التًي‬

‫ينحًت بهًا‪ .‬الجسًون تحضًًن الجسًون والشًسائ تحضًًن الشًسائ‪ .‬هنًاك مًًا يزيًد عًن ما ًًة‬

‫تنتصً كغصًن‬ ‫عرة تتدلى على وههها‪ ،‬وال‪،‬دين متوردين بعض الشًيء‪ .‬الرمًو‬

‫أوراقًًه مصًًسوفة بطريقًًة ما لًًة‪ ،‬والحًًاهبين كًًأرم زرعًًت بأزهًًار عبًًاد الشًًمس‪،‬‬

‫وهنًًاك فراغًًات صًًغيرة للغايًًة بًًين ك ً زهًًرة وزهًًرة‪ .‬ظ ً ينظًًر لمامحهًًا‪ ،‬وك ً‬

‫تسصًًيلة مًًن تساصًًيلها لتكتم ً منحوتتًًه فًًي م‪،‬يلتًًه‪ .‬لًًم ينسًًى أن يلًًتقأ بهاتسًًه بعًًض‬

‫الصور لتنضم إلى مئات الصور التي يحتسظ بها في هاتسه لتكون رفيقة الرحلة‪.‬‬

‫فجرا أتى وهيه إلى القصر‪ ،‬وهلس بًالبهو ينتظًر أيًوب الًذي كًان‬
‫ً‬ ‫في الساعة الاالاة‬

‫يوصًًي الًًدادة فعيمًًة للمًًرة الما ًًة وأكاًًر علًًى بسًًمة‪ .‬ألبرهًًا أفة ًه قًًام بتعيًًين مربيًًة‬

‫ألرى لتعينها عليها بعًد أن سًافرت السًيدة ليلًى ألمًر هًام ولًن تكًون موهًودة لتهًتم‬

‫ببسمة‪.‬‬

‫ي طًارئ‬
‫أوصى وهيه أن يطمئن عليها يوميا ويجلً لهًا كً متطلباتهًا‪ ،‬وإن حًدث أ ة‬

‫تتص بوهيه أو الدكتور وليد على السور‪ ،‬فقالت بصوت يرتعش من ال‪،‬وف‪:‬‬

‫‪ -‬ألشى أن تستيقظ وتظ تبكي‪ ،‬وأفت تعلم هيدًا يا سيدي أفةها حين ال‬

‫تبكي ال يستطي أحد أن يكسكف دمعها سواك‬

‫طمأفها أفةها لن تبكي‪ ،‬فلقد اتسقا سويا ووعدها رزمة وعًود حتًى تعًدئ بعًدم البكًاء فًي‬

‫غيابه‪ ،‬وفي النهاية ظسر بالوعد‪ .‬ابتسم ووي يدئ على هيً سًترته المتواهًد بداللًه‬

‫الوعد الذي قطعته بسمة على فسسًها كتابيًا‪ .‬لًرج مًن القصًر بصًحبة وهيًه وتوههًا‬

‫‪92‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫إلى المطار‪ ،‬وفي غضون ساعة كافا بًدال صًالة االفتظًار‪ .‬ألًرج أيًوب مًن حقيبًة‬

‫يدئ مستا ًحا وأعطائ لوهيه الذي سأله متعجبًا‪:‬‬

‫‪ -‬ما هذا؟‬

‫‪ -‬مستاح لزفة في البنك باسم بسمة‪ .‬أريدك أن تحافظ عليه حتى تكبر‪،‬‬

‫وتكم السن القافوفي وتعطيه لها‬

‫ي يا سيدي‬
‫‪ -‬هذئ أمافة كبيرة عل ة‬

‫‪ -‬ليست كبيرة ً عليكـ‪ ،‬ال تقلق أفت لها‬

‫ينادى على الرحلًة المتجهًة إلًى مطًار داالس بوا ًنطن‪ .‬فهًض وهيًه وافتظًرئ حتًى‬

‫فهًًض وعافقًًه كصًًديق يًًودع صًًديقه‪ .‬حًًاول أن يطمئنًًه ويشًًد مًًن أزرئ‪ .‬ألبًًرئ أفةًه‬

‫سًًيجد فًًور وصًًوله أحًًد المتًًرهمين ينتظًًرئ‪ .‬فقًًأ عليًًه أن يتب ً التعليمًًات حرفي ًا‪،‬‬

‫وستمر األمور بسام‪:‬‬

‫‪ -‬لقد ويعت مكافأتك في البنك كما وعدتك‬

‫كرئ وهيه ‪ ،‬عم ودعه مرة ألرى قب أن يتجه إلى مدرج الطا رات‪.‬‬

‫ص ًعد الطًًا رة‪ ،‬وأوصًًلته المضًًيسة إلًًى مقعًًدئ بدرهًًة رهًًال األعمًًال؛ هًًو أقًًرب‬

‫للسرير منه إلى المقعد‪ .‬ألقى بجسدئ عليه بعد عورئ المتواص بالنعاس‪ .‬تناول بعض‬

‫الطعام وقرص من دوا ًه وفًام حتًى أيقظتًه المضًيسة بالمطًار اآللًر‪ .‬فًام طًوال مًدة‬

‫الرحلًًة كاملًًة! افتهًًى مًًن اسهًًراءات ووهًًد رهً ًًا أسًًمر البشًًرة ذو قامًًة متوسًًطة‬

‫ينتظرئ‪:‬‬

‫‪ -‬مرحبًا بك في وا نطن مستر أيوب‪ ،‬أفا فادر المترهم‬

‫‪93‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫رد أيًوب التحيًة‪ ،‬ولرهًا مًن المطًار معًًا وتوههًا إلًى فنًدق "‪"The Watergate‬‬

‫ووترغيت التاري‪،‬ي الذي يق على يساف فهر بوتوماك مال غرب وا نطن‪ .‬صًعد‬

‫أيوب إلى هناحه ال‪،‬اص بصحبة فادر‪ .‬وي لًادم السنًدق الحقا ً وافصًرف‪ .‬سًأله‬

‫فادر‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬ه تسض الراحة أم الذهاب في هولة لرؤية وا نطن؟‬

‫‪ -‬لقد كنت طوال الرحلة فا ًما‪ ،‬فلنذه في هولة‬

‫ظهًرا‪ ،‬فهنًاك فًرق سًتة سًاعات بًين القًاهرة‬


‫ً‬ ‫كافت الساعة في وا نطن الاافية عشًر‬

‫ووا ًًنطن‪ .‬اصًًطحبه فًًادر إلًًى حديقًًة )‪) United States Botanic Garden‬‬

‫حديقة الواليات المتحدة النباتية‪ .‬تشعر ة‬


‫أن الحديقًة عبًارة عًن مئًات اللوحًات ال‪،‬ابًة‬

‫المسعمة باأللوان النابضة بالحياة‪.‬‬

‫قعد أيوب على إحًدى المصًاط وألًرج دفتًر مذكراتًه وهً ةم ليكتً ‪ ،‬فلًم يًتمكن مًن‬

‫ي يء‪ .‬القلم يرفض الحركة واألوراق ترقص من تحت يديه كراقصًة عاريًة‬
‫كتابة أ ة‬

‫المابس ترتدي فقأ على هلدها الماء فا يمكنه اسمسًاك بهًا‪ .‬حًاول هاهًدًا أن يجعً‬

‫قلمه ينزف بعض الحبر ولكن دون هدوى‪ .‬استسلم وأغلق الدفتر‪ .‬ألذ مًن فًادر هاتسًه‬

‫ال‪،‬اص ليتص منه ويرى بسمة‪ .‬أفهى االتصال والدم يتساقأ من عينيًه بعًدما رآهًا‬

‫وهـي تبكي‪ .‬تأكد ب وأصب على يقين ة‬


‫أن ابنته تستطي أن تسًي بكً الوعًود باسًتاناء‬

‫عدم بكاءها في غيابًه‪ .‬تااقلًت الهمًوم عليًه كأفةهًا حجًر ويً علًى صًدرئ العًاري‪،‬‬

‫فبات قلبه كقل الحوت ينبض ك دقيقة مرة‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫عاد إلى السندق بصحبة فادر الذي حاول الت‪،‬سيف عنه عندما رآئ حزينًا‪ .‬روى له كيف‬

‫أتًًى إلًًى أمريكًًا منًًذ بض ً سًًنوات‪ ،‬وكيًًف يتعام ً معًًه معظًًم هيرافًًه مًًن الشًًع‬

‫األمريكًًي معاملًةً سًًيئةً فقًًأ ألفةًه مسًًلم ذو أصً عربًًي‪ ,‬علًًى الًرغم مًًن أفةًه تًًزوج‬

‫أمريكية ودف لها فصف ما استطاع تحصيله في سنوات إقامته مقاب حصوله‬

‫على الجنسية لدرهة أفةه بههم بعبدة المال‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬هذا الشع يعبد المال‪ ،‬فأحيافًا أ عر أفهم بشر آلية تتحرك وفق إحداعيات‬

‫قد برمجت عليها مسبقًا‬

‫‪ -‬أظن أفك م‪،‬طئ في حكمك‪ ،‬لقد أتيت أمريكا مًرتين مًن قبً ‪ ،‬ورأيًت ة‬
‫أن‬

‫ًًيء حقًًه‪ .‬أفًًت أردت الجنسًًية وكًًان عليًًك دف ً‬ ‫أغل ً األ ًً‪،‬اص هنًًا يعطًًي ك ً‬

‫الامن‪ ،‬لك ة يء عمن‪ ،‬فلو لم يدف لك المال من أه العم معي ما كنت تطوعًت مًن‬

‫تلقاء فسسك وأتيت‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫‪ -‬بالتأكيد‬

‫افتهى الجدال بينهم‪ ،‬بشعور بالسً‪،‬أ والغضً مًن المتًرهم الشًاب‪ ،‬و ًعور بالشًسقة‬

‫من أيوب عليه ألفةه يمقًت الشًع األمريكًي لرؤيتًه بعًض األمالًة التًي تعاملًت معًه‬

‫بمادية ديدة وعنصرية بسب دينه وأصله العربي‪.‬‬

‫لًًرج فًًادر وتًًرك أيًًوب بنًًا ًء علًًى رغبتًًه‪ .‬ألًًرج بعًًض المابًًس ودل ً ليسًًتحم‪.‬‬

‫استغرق حوالي عاعًون دقيقًةً فًي أحضًان المًاء‪ ،‬حتًى ت‪ً،‬در الجسًد‪ .‬وبعًد أن افتهًى‬

‫استلقى على السرير وغلبه النُّعاس وفام‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫استيقظ في الصباح على رفين الهاتف‪ ،‬وعندما أهاب ألبرئ فادر باالسًتعداد السًتقبال‬

‫مًًوظسي الوكالًًة‪ .‬فهًًض وغسً وههًًه وطلً السطًًور وتناولًًه‪ .‬بعًًد سًًاعة أتًًى فًًادر‬

‫ومعه اعنًان مًن وكالًة السضًاء‪ ،‬أحًدهم فًي يًدئ حقيبًة سًوداء‪ ،‬فتحهًا بعًد أن صًافحه‬

‫أيوب وطل منه القعود‪ .‬ألرج الره منها ملسًا به بضًعة أوراق وقًرأ منهًا الشًروط‬

‫والقيود واالمتيازات التي تضعها الوكالة لك من سيصعد على متن المركبًة فًي الغًد‪.‬‬

‫ظ يقرأ لعشر دقا ق كاملة وفادر يترهم له‪ .‬لسق قلبه و عر لوهلة ة‬
‫أن القلً قًد سًقأ‬

‫من بين الضلوع وقسز لارج الجسد وابتسم له عم عاد للدال مرة ألرى عنًدما ألبًرئ‬

‫أفه يستطي التيار الوقت الذي يريد السسر إليه‪:‬‬

‫‪ -‬هذا ما أريدئ ولتذه بقية االمتيازات للجحيم‬

‫قالها واالبتسامة تملئ وههه‪ .‬لًم يكمً الرهً بقيًة االمتيًازات‪ ،‬ووقً أيًوب األوراق‬

‫ومًًن يًًمنهم ورقًًة محتواهًًا أن الوكالًًة غيًًر مسًًئولة بًًالمرة فًًي حالًًة موتًًه بًًأي‬

‫صراعات تحدث معه طوال المدة التي سيغيبها في المايي وهـي أربعة أيام؛‬

‫"ستة وتسعون ساعة" دون دقيقة إيًافية‪ .‬والوكالًة مسًئولة فقًأ عًن يًمان سًامته‬

‫دال المركبة الضو ية‪ .‬تأكد أكاًر مًن مًرة أفةهًم قًد كتبًوا التًاريخ الًذي أراد الًذهاب‬

‫إليًًه وهًًو قب ً والدة بسًًمة بأربعًًة أيًًام وقب ً أن يلتقًًي الستًًاة األهنبيًًة بيًًومين‪ .‬لًًرج‬

‫الرهان بعدما افتهيا من مهمتهما‪ .‬أرس بعض الصور من هاتسه لهًاتف فًادر وطلً‬

‫منًًه طبًًاعتهم بعًًدما علًًم ة‬


‫أن الهًًاتف وكً مًًا هًًو مًًن المسًًتقب غيًًر مسًًموح بًًه فًًي‬

‫الرحلة‪ .‬لرج فادر ليقوم بمهمته‪ ،‬وهبأ الوحي على أيوب وبدأ يكت ‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬منًًذ دقًًا ق علمًًت أفةنًًي سأسًًافر غًًدًا للمايًًي‪ ،‬ووقعًًت علًًى الوعًًا ق‬

‫والشروط التي طلبتها الوكالة‪ .‬ال اسًتطي أن أصًف حجًم سًعادتي بعًدما علمًت أفةنًي‬

‫ضا إلى المكان‪ .‬لقًد التًرت الًذهاب إلًى‬


‫سألتار الوقت الذي سأذه إليه باسيافة أي ً‬

‫ما قب تس سنوات عندما تعرفت على الستاة األهنبيًة ومارسًت معهًا الجًنس‪ .‬ألشًى‬

‫أن أكون م‪،‬طئ ًا وتكًون ليسًت هًـي مًن تسًببت فًي مريًي‪ .‬ولكًن أتمنًى مًن هللا أن‬

‫أعود سلي ًما معافى من هذا المرم اللعين‪.‬‬

‫ً‬
‫سؤاال لم يسكر فيًه‬ ‫أغلق المذكرات وذه الوحي إلى حال سبيله بعدما لطر على باله‬

‫سوى اآلن‪:‬‬

‫‪ -‬ترى ما مصير المذكرات لو سيت من المرم؟!‬

‫‪97‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫(‪)6‬‬

‫مسجيا على وههه كأفةه يري التًراب مًن عًدي األرم‪ ،‬حتًى األرم الفًت وحنًت‬

‫عليه كما تحنو األم على رييعها‪.‬‬

‫أتى من للسه صوت يرتعش كرعشة هسد صاحبه العجوز‪ ،‬وهو يسأل بجزع‪:‬‬

‫‪ -‬من أفت؟ وكيف دللت هذا المكان؟ ولماذا ترقد هكذا؟‬

‫افتسض أيوب من أسئلة الره الكايرة والتي تعبر عن لوفه وهزعه مًن وهًودئ بهًذا‬

‫المكًًان‪ .‬حًًاول أن يرفً وههًًه عًًن األرم فلًًم يسلً ‪ .‬وفًًي فسًًس اللحظًًة التًًي حًًاول‬

‫التحدث فيها ألرج لسافه مًن فمًه فامًس اللسًان التًراب دون قصًد منًه‪ .‬ألًذ يسًع‬

‫لدقيقتين حتى بدأ يستسيق‪ ،‬وافزاحت الغشاوة من على عينيه‪ .‬ه ةم الرهً ليسًاعدئ علًى‬

‫ض ًا وهً ً‬
‫ًزيا وال يقًًوى علًًى الح ًراك فلًًم يسل ً فًًي مسًًاعدته‬ ‫القعًًود بعًًدما وهًًدئ مري ً‬

‫فتركه وذه ‪ ،‬فنادائ أيوب‪:‬‬

‫‪ -‬إلى أين أفت ذاه ؟‬

‫قال هملته بصوت لسيض‪ ،‬كأفةه يهمس لنسسه‪ .‬حاول النهوم فلم يستط ‪.‬‬

‫قدمائ كأفةهما أصيبتا بال ة‬


‫شل ‪ .‬استند على ذراعيه وبالكًاد قعًد‪ .‬ويً يًدئ اليسًرى علًى‬

‫األرم كي تدعم هسدئ وتمنعه من السقوط‪ ،‬وترك يًدئ اليمنًى تًتسحص هيًوب بزتًه‪.‬‬

‫لمسًًة صًًور فوتوغرافيًًة لبسًًمة وبيًًنهم الوعًًد الًًذي كتبتًًه لًًه‪ ،‬باسيًًافة إلًًى دوا ًًه‬

‫المويوع دال علبة دواء قديمة‪ .‬بضًعة فقًود أمريكيًة بتًاريخ مًا قبً تًاريخ عودتًه‬

‫إلى المايي‪ ،‬وساعة في يدئ اليمنى‪ .‬زد عليهم ورقة مقطوعة من دفتر المذكرات بعًد‬

‫‪98‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫أن تًًم تمزيًًق الجًًزء الموهًًود بًًه التًًاريخ‪ .‬هًًذئ األ ًًياء هًًـي كً مًًا يملكًًه اآلن مًًن‬

‫أسلحة ليحارب بها القدر‪.‬‬

‫مًًن أصًًع مًًا يواههًه اسفسًًان فًًي الحًًرب هًًو أن يحًًارب ًًيئًا مجهً ً‬
‫ًوال ال يعًًرف‬

‫مقدار قوتًه أو عتًادئ‪ ،‬كأفةًه يحًارب ًب ًحا ال يعًرف متًى وأيًن سًيتلقى الضًربة‪ ،‬فمًا‬

‫بالك بمن يحارب القدر!‬

‫فظر للساعة في يدئ وهدها تتكون من عاث لافات متجاورة‪ .‬لافة الساعات وأرقامهًا‬

‫لمسًًة وتسًًًعون سًًًاعةً‪ /‬لافًًة الًًًدقا ق عاعًًًة عشًًًرة دقيقًًةً‪ /‬لافًًًة الاًًًوافي تتنًًًاقص‬

‫باستمرار‪ .‬أيقن أفةها ساعة تنازلية لتذكرئ بالوقت المتبقي لًه فًي رحلتًه إلًى المايًي‪.‬‬

‫هذئ الساعة غير قابلة للنزع‪ ،‬فهـي مرتبطة بكبسولة صغيرة ويعت بجافً الشًريان‬

‫األورطي‪ .‬في حالة افتهاء الوقت وعدم العودة لنسس المكان الًذي اسًتيقظ فيًه سًتنسجر‬

‫الكبسًًولة بجاف ً الشًًريان بعًًد توقًًف السًًاعة بمًًدة قًًدرها دقيقًًة واحًًدة ليمًًوت علًًى‬

‫السور‪ .‬أو في حالة فزع الساعة عنوة ً ستنسجر الكبسولة ويموت أي ً‬


‫ضا‪ .‬حاول أن يتًذكر‬

‫متى ويعوا له هذئ الساعة‪.‬‬

‫ً‬
‫قليا وعاد بذكرياته قب بضعة سًاعات مًن اآلن‪ .‬كًان يقعًد بجناحًه‬ ‫بالكاد فشأ العق‬

‫في السندق يكت ل ة‬


‫طته التي سينتهجها في األيام المقبلًة‪ .‬بًالطب فًي حالًة فجًاح سًسرئ‬

‫عبًر الًًزمن‪ .‬افتهًًى مًن رسًًم ال‪ ،‬ة‬


‫طًًة التًي كافًًت تشًًبه ف ً‪ً،‬ا كس‪ً،‬اخ العنكبًًوت‪ .‬سًًيلقي‬

‫بال‪،‬يوط التي ستجل له فسسًه األلًرى مًن المايًي‪ ،‬وبضًعة ً‪،‬وص آلًرين علًى‬

‫رأسهم الستاة التي تسببت في مريه‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ي عغًرة‬ ‫بعدما افتهى من كتابة ال‪ ،‬ة‬


‫طة‪ ،‬ظ يقرأها أكار من مًرة وهًو يحًاول أن يجًد أ ة‬

‫فيها ليتداركها اآلن فلم يجد‪ .‬في المرة السادسة التي قرر أن يتوقف بعدها عًن القًراءة‬

‫أتى المترهم فادر بصحبة رهان آلران من الوكالًة يحمًان حقيبتًين لوفهمًا أبًيض‪.‬‬

‫سا بيضاء‪ .‬تحدعوا معًه لًدقا ق عًن التًدابير األمنيًة التًي عليًه أن‬
‫ضا ماب ً‬
‫ويرتدون أي ً‬

‫يت‪،‬ذها لال رحلته‪ .‬حذروئ ة‬


‫أن ك ما سيسعله في المايي ربما يترت عليه تغييًرات‬

‫مستقبلية وهذا فًي األسًاس مًا يبتغيًه‪ .‬ألبًروئ بًأفةهم سيضًعون لًه كبسًولةً فًي هسًدئ‬

‫مرتبطةً بساعة فًي يًدئ وحًذروئ أن ال ينًزع السًاعة مطلقًًا‪ ،‬ويجً عليًه العًودة إلًى‬

‫فسس المكان الذي سيستيقظ فيه قبلما تلسظ الساعة آلر دقا قهًا‪ ،‬عًم ألًرج أحًدهم حقنًةً‬

‫صغيرة وحقنه في ريان ساعدئ‪ ،‬ويخ ك ما تحتويه من م‪،‬در فًي دمًه ليجًد فسسًه‬

‫يترف عم يسقأ في فخ من الاوعي‪.‬‬

‫عاد من رودئ سريعًا‪ ،‬وحاول أن يطمأن فسسًه بأفًه ال يعنيًه مًا حًدث‪ ،‬ومًا ويًعوئ‬

‫في هسدئ‪ ،‬يجً عليًه أن يطمًئن أفةهًم كًافوا علًى حًق عنًدما ألبًروئ قبً أن يت‪ً،‬در‬

‫هسدئ أفةه سيستيقظ ليجد فسسه في الزمان والمكان اللذين التارهما‪.‬‬

‫عاد العجوز وهو يحم قنينة ماء وأعطاها أليوب‪ .‬ألذها منه و رب حتى ارتًوى عًم‬

‫طف وههه المتضمخ بالتراب وتنسس الصعداء‪:‬‬

‫‪ -‬كيف دللت إلى هنا يا بني؟‬

‫عاد العجوز ليطرح األسئلة ولكن هذئ المًرة بنبًرة حافيًة وعطوفًة‪ .‬تًذكر أيًوب هيًدًا‬

‫أين هو عندما سأله العجوز‪ ،‬ولكنه تعمد المراوغة‪:‬‬

‫‪ -‬أين دللت؟‬

‫‪100‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬دللت هذئ األرم‬

‫‪ -‬ومن يملك هذئ األرم؟‬

‫‪ -‬دعك من مالك األرم‪ ،‬وألبرفي كيف دللت إلى هنا؟ وماذا تريد؟ ال‬

‫تتسب في قط مصدر رزقي‬

‫‪ -‬هذئ األرم ملك السيد داوود أليس كذلك؟‬

‫‪ -‬فعم هكذا تقول اليافطة‬

‫وأ ار إلى يافطة كبيرة موهودة بواههة األرم‪.‬‬

‫لقد ألتار أيوب البناية التي ًنق علًى سًطحها ليلًى وصًاح‪ ،‬ولكًن عنًد عودتًه إلًى‬

‫المايي لم تكن البناية قد بنيت‪.‬‬

‫غمرته السعادة ماله ما السًمكة التًي تت‪ً،‬بأ فًي إفًاء زهًاهي فًارغ وقبً أن تمًوت‬

‫وهدت الماء يملًئ اسفًاء لتمتلًئ هًـي بالحيًاة‪ .‬تًاب العجًوز وهًو يتسًرس فًي وههًه‪،‬‬

‫ويحاول تذكر أين التقى هذا الوهه من قب ‪:‬‬

‫ي‪ ،‬ألبرفي من أفت؟‬


‫‪ -‬مامحك ليست بالغريبة عل ة‬

‫‪ -‬أفا الميت الذي هاء يلتمس بعض الحياة من هنا‬

‫امًًتعض العجًًوز مًًن هًًذا الكًًام الغريً ‪ .‬صًًمت كأفةًه هًًاتف وقًًد هعلًًه أيًًوب علًًى‬

‫ويعية الصامت‪ .‬تركه أيوب ومضى باتجائ الباب الكبير المستًوح‪ .‬حًاول العجًوز أن‬

‫يستوع ما يحدث فلم يستط ‪ .‬فا يوهد يء يسرق من هذئ األرم القسًراء‪ ،‬فتركًه‬

‫يمضي إلى حال سبيله‪ .‬سار أيوب ما يزيد عن العشًرة أمتًار حتًى وصً إلًى البًاب‪،‬‬

‫عم لرج ليصب على أحد أطراف طريق كورفيش الني ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫سًالرا عنًدما وهًد بضًعة‬


‫ً‬ ‫عصرا والزحام في ذروتًه‪ .‬ابتسًم‬
‫ً‬ ‫كان الوقت قرابة الاالاة‬

‫متسولين يسيرون بجاف السيارات‪ ،‬بعضهم يبي المنادي الورقية‪ ،‬واآللر يشًحذ مًن‬

‫ي‬
‫السا قين بعد أن يقوم بتلمي الزهاج بسوطة متس‪،‬ة! واآللر يمًد يًدئ دون أن يسعً أ ة‬

‫ًيء‪ .‬تمنًى لًو ي‪،‬بًرهم أفةًه بعًد تسًعة أعًوام سًيكون الويً كمًا هًو عليًه اآلن بً‬

‫سيتساقم وبشدة‪ .‬زحام مروري لافق‪ ،‬وطرق تمتلئ بالباعة الجا لين والمتسًولين‪ .‬لكنًه‬

‫اكتسى باالبتسامة السالرة‪ .‬أ ًار لسًيارة أهًرة فوقسًت‪ ،‬اسًتقلها‪ ،‬وقعًد بجًوار السًا ق‬

‫الذي سأله قا ًا‪:‬‬

‫‪ -‬إلى أين يا سيدي؟‬

‫‪ -‬ملهى الحلم بشارع األهرام‬

‫دل أيوب سيارة األهرة وما أن تحركت حتى طل من السا ق هاتسه من أه إهًراء‬

‫مكالمةً فأعطائ السا ق الهاتف‪ .‬هو لم يكن يريد إهراء مكالمًة‪ ،‬أراد فقًأ أن يتأكًد مًن‬

‫التاريخ فما زال الشك ي‪،‬امرئ‪ .‬فظر في ا ة الهاتف‪ ،‬و عر بالسعادة عندما تأكًد أفةًه‬

‫موهود بالسع في التاريخ الذي قام بتحديدئ سلسًا‪ .‬أعاد الهاتف للسا ق الذي تعجً مًن‬

‫هذا السع الغريً ‪ ،‬وازداد التعجً لديًه عنًدما ًاهدئ ينظًر بًالمرآة الجافبيًة ويبتسًم‬

‫لنسسه! ب وظ على هذئ الحالة حتى وص إلى المكان المنشود‪ .‬ظنه السا ق مجنوفًًا‪،‬‬

‫وأصب على يقًين بجنوفًه عنًدما أعطًائ ورقًة فئًة ما ًة دوالر وتركًه ودلً الملهًى‬

‫الليلي‪.‬‬

‫غا‪ ،‬فزبا ن هذئ األماكن كال‪،‬سافيش تمارس أفشًطتها ً‬


‫لًيا‪ .‬ظلًت عينيًه‬ ‫كان المكان فار ً‬

‫تجوب المكان وتتسحصه بتمعن‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫علًًى يمينًًه البًًار الًًذي اعتًًاد أن يقعًًد عليًًه ويشًًرب ال‪،‬مًًر مًًن يًًد السًًاقي ويسًًتمت‬

‫بإسقاط الال في قلً ال‪،‬مًر كًي ت‪ً،‬رج بضًعة قطًرات لًارج الكًأس منتحًرة ً‪ .‬علًى‬

‫كايًرا مًا امًتفت بالحسًناوات سًوا ًء‬


‫ً‬ ‫يسارئ من زاوية الملهى طاولتًه المسضًلة والتًي‬

‫من لًارج الملهًى أو مًن داللًه‪ .‬أمامًه بالضًبأ المسًرح الًذي لطالمًا امتلًئ بأموالًه‬

‫التي يلقيها على الراقصًة التًي تبًدع فًي رقصًتها‪ ،‬ومًن آلًر البًار علًى اليمًين بًاب‬

‫يؤدي إلى الدرج للطابق الاافي حيًث مكتً حسًن عشًماوي صًديق السًوء وصًاح‬

‫كايرا كأفةه كان هنًا بًاألمس‬


‫الملهى‪ .‬وقف يتأم المكان لدقيقة أو أكار‪ .‬فشطت ذاكرته ً‬

‫في وكر الملذات كما كان يلقبًه فيمًا مضًى‪ .‬أتًى إليًه ً‪،‬ص لًه وهًه حًزين‪ ،‬طويً‬

‫القامة‪ .‬عينيه بنية واسًعة تمتلًئ بالًدموع كجًرو صًغير يً طريقًه عًن أمًه‪ .‬مهنتًه‬

‫ستسسرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫تحتم عليه رسم االبتسامة أغل الوقت‪ .‬تدافى منه وسأله م‬

‫‪ -‬بماذا تح أن ألدمك يا سيدي؟‬

‫‪ -‬كيف حالك يا مرعي‪ ،‬منذ زمن لم أراك‬

‫‪ -‬الحمد هلل ب‪،‬ير‪ .‬ه أفت من زبا ن الملهى؟ أ عر أفةي رأيتك من‬

‫قب ‪ ،‬ولكن ال أعلم أين‬

‫‪ -‬ربما التقينا هنا‪ .‬ه تماف أن أفتظر األستاذ حسن؟‬

‫‪ -‬بالطب تسض ‪ .‬ه تح أن تشرب يئًا اآلن؟‬

‫سار ألقرب طاولة وقعد‪ .‬ملئ ر تيه بالهواء عم زفرئ مرة ألرى‪:‬‬

‫‪ -‬ليمون‪ ،‬سأ رب عصير ليمون‬

‫‪ -‬كما تأمر‬

‫‪103‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫س‪،‬ر من فسسه بعض الشيء فمنًذ أن وطًأت أقدامًه هًذا المكًان‪ ،‬وهًو يشًرب ال‪،‬مًر‬

‫بشتى صنوفه من السودكا والبرافدي والويسكي والنبيذ السرفسًي المعتًق‪ ،‬والًذي يجلبًه‬

‫مالك الملهًى بنًا ًء علًى رغبتًه‪ .‬قًاط مرعًي سً‪،‬ريته وويً لًه المشًروب‪ .‬مً ةر مًا‬

‫ضًا‬
‫يزيد عن الساعتين‪ .‬رب فيهما فنجافين من القهوة باسيافة إلى الليمون‪ ،‬وقًام أي ً‬

‫بنق ل ة‬
‫طته التي في الورقًة بًدال دفتًر مًذكرات هديًد هلبًه مرعًي بنًا ًء علًى طلً‬

‫منًًه‪ .‬دللًًت الملهًًى بعًًض النسًًوة ه ً ةن هنًًود الشًًيطان فًًي األرم‪ .‬العًًاهرات ومًًا‬

‫أدراك مًًًا العًًًاهرات‪ .‬هًًًؤالء هًًً ةن السئًًًة الاتًًًي تقعًًًد بجًًًوار الزبًًًا ن ومهمًًًته ةن أن‬

‫ضا من السعادة والنشوة ليسًكروا ويسًكروا‪ ،‬ويشًربوا ال‪،‬مًر حتًى تمتلًئ‬


‫يمنحوهم بع ً‬

‫المعد على آلرها ليحظى الملهى بساتورة قيةمة‪.‬‬

‫م ً دلًًول أول الزبًًا ن للملهًًى كًًان مًًن للسهًًم ره ً يرتًًدى بًًزة ً بنيًًة اللًًون‪ ،‬بلًًون‬

‫عينيه‪ .‬عرئ من النوع ال‪،‬شن ولكنه يتما ًى مً لًون بشًرته السًمراء وطًول قامتًه‪.‬‬

‫يعتني بلحيته ويهذبها دا ًما‪ .‬فادائ مرعي فالتست إليه‪:‬‬

‫‪ -‬حسن با ا‪ ،‬هذا الره ينتظرك‬

‫أ ار له باتجائ أيوب‪ ،‬فاتجه إليه على السًور‪ .‬حسًن عشًماوي مالًك الملهًى رهً مًن‬

‫النوعيًة التًًي تحتًرم كً مًًن يًدف المًًال ومًًن تًأتي مًن للسهًم المصًال ‪ .‬وصً إلًًى‬

‫الطاولة فنهض أيوب وحيائ‪ ،‬وطل منه القعود‪:‬‬

‫‪ -‬ألبرفي مرعي أفةك تنتظرفي‪ ،‬بماذا تأمر؟‬

‫‪ -‬أفا قادم من طرف عزمي با ا حافظ مالك الملهى األسبق‬

‫‪ -‬حقًا! مرحبًا بك‪ ،‬وكيف هـي أحواله؟‬

‫‪104‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬هيدة‪ ،‬أال تعرف أفةه سجين منذ ما يقرب من العام؟!‬

‫سؤال حسن لم يكن سوى فخ فجا منه أيوب بسض ذاكرته التي فشطت منذ دلوله لهذا‬

‫المكان‪:‬‬

‫‪ -‬بلى أعرف‪ ،‬أفا أطمئن فقأ عليه‪ ،‬آلم تق بأفةك قادم من طرفه؟‬

‫فكًًر أيًًوب أن يمًًزق الشًًكوك التًًي ت‪ًً،‬امر هًًذا العشًًماوي ويجع ً قلبًًه يطمًًئن ليبًًدأ‬

‫بالتجًًاوب معًًه‪ .‬ألبًًرئ بً ة‬


‫أن عزمًًي با ًًا قًًد بًًاع لًًه هًًذا الملهًًى قبي ً دلولًًه السًًجن‬

‫ببضعة هور‪ ،‬وكان الشاهد على العقد صديقه أيوب والمستشًار محمًود عًدلي مالًك‬

‫العقار‪ ،‬وبالسع بدأ يتجاوب ويتحدث معه بطمأفينة‪:‬‬

‫‪ -‬لم أتشرف باسمك بعد‬

‫‪ -‬حسام‪ ،‬حسام الشاذلي مؤلف روا ي‬

‫‪ -‬بماذا تح أن ألدمك يا أستاذ حسام؟‬

‫روى له أفه يشتغ روا يا وهو يكتً روايًة أبطالهًا مًن ماً هًذا المكًان‪ ،‬وأفةًه يريًد‬

‫المكوث هنا بضًعة أيًام حتًى يتسًنى لًه التحًدث مًن آن آللًر لمًن يعملًون بًالملهى‪،‬‬

‫وهو يتمنى أن يساعدئ كي ي‪،‬رج العم للنور في أقرب وقت ممكن‪.‬‬

‫كايرا للسكرة و عر للحظة أفةه سيساهم في عمً هليً ‪ .‬عًرم‬


‫تشج حسن عشماوي ً‬

‫عليه أن يمكث بالحجرة التي تجاور حجرة مكتبًه‪ ،‬وهًو المبتغًى الًذي أتًى مًن أهلًه‪،‬‬

‫فوافق أيوب على السور‪:‬‬

‫‪ -‬أ كرك حقًا‪ ،‬وال تقلق سأعطيك المال الذي تريدئ‬

‫‪ -‬ال تق ما هذا الكام‪ ،‬دعك من المال‪ ،‬فهو آلر يء أكترث له‬

‫‪105‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫سالرا فهو يعرف هيدًا ة‬


‫أن المال من أولوياتًه القصًوى‪ .‬وفًي الغالً كً‬ ‫ً‬ ‫ابتسم أيوب‬

‫مًًن يقولًًون بًًأن الم ًال آلًًر ًًيء يكترع ًون لًًه‪ ،‬يكًًون المًًال بالنسًًبة لهًًم كًًالهواء‬

‫يتنسسوفه‪ .‬ظ حسن عشماوي يحاول هاهدًا تذكر هذا الوهه وأين قد رآئ من قب ‪:‬‬

‫‪ -‬أظن أفةني رأيتك هنا من قب ‪ ،‬أو أفةني أعرفك من مكان ما‬

‫رغم أفةه بدأ يسأم هملة لقد رأيتك من قب هذئ‪ ،‬إال أفةهًا قًد فتحًت لًه قلًوب مًن تحًدث‬

‫معهم حتى اآلن‪:‬‬

‫‪ -‬ال أظن أفةك رأيتني من قب ‪ ،‬ربما أ به ‪ً ،‬‬


‫صا تعرفه‬

‫‪ -‬فعم فعم‪ ،‬أفت تشبه أيوب صديقي‬

‫استمر الحديث بينهما على هذا المنوال حتى بعد أن صعدا الحجرة معًا‪ .‬استطاع أيًوب‬

‫من لال مجريات الحديث أن يحول هذا العشماوي إلى إفسان آلي يسع مًا يًؤمر بًه‪.‬‬

‫فلقد تمكن من إسقاطه في بكته العنكبوتية‪ ،‬وهو فريسته األولى التًي تسًقأ فًي ف‪ً،‬ه‪.‬‬

‫عا‪.‬‬
‫اآلن افتهى من صيد السريسة األولى‪ ،‬والبقية تأتي تبا ً‬

‫م ةرت األمور على لير ما يرام‪ .‬لرج حسًن وتركًه فًي الحجًرة ليكتً وبالسعً كًان‬

‫الره يكت ‪ .‬فت دفتر المذكرات الجديد و رع في يخ الحبر على الورق‪:‬‬

‫‪ -‬السعادة تغمرفي لذلك قررت فشر المذكرات مهمًا حًدث‪ .‬أ ًعر أفنًي فًي‬

‫حلم أفا من يكت ك أحداعه‪ .‬ال أعلم هً سأفتصًر علًى القًدر وأعًود للمسًتقب سًلي ًما‬

‫معافى أم سأموت هنا‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫أغلق دفتًر المًذكرات بعًدما سًم صًوت طرقًات علًى البًاب‪ ،‬وكًان الطًارق حسًن‬

‫عشماوي فسم له بالدلول‪ .‬دل ومن للسه دللت فتاة لعًوب‪ .‬فظًر العشًماوي للستًاة‬

‫بشسقة‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬هذئ الستاة قصتها حزينة وبشدة؛ أريدك أن تسمعها‬

‫‪ -‬ال داعي لذلك اآلن ربما فيما بعد‬

‫لًًرج حسًًن مًًن الحجًًرة يجًًر ليبتًًه‪ ،‬وسًًح الستًًاة مًًن للسًًه كمًًا يسًًح الحمًًار‬

‫العربة‪ .‬أراد أن يقدم أليوب هديةً فرفضت هديته‪.‬‬

‫م ةر الوقت سريعًا وافتصف اللي ودقت أهراس الاافية عشر‪ .‬لرج أيًوب مًن الحجًرة‬

‫وذه لحسن بالحجرة المجاورة‪ .‬تحدث معه لدقيقتين وطل منه أن يهبأ معًه لصًالة‬

‫الملهى لكنًه اعتًذر الفشًغاله بًبعض األعمًال المهمًة للغايًة‪ .‬فشًلت حيلتًه بعًدما أراد‬

‫بك مكر أن يتوسًأ حسًن فًي تعًارف بسًيأ بينًه وبًين أيًوب اآللًر الًذي دلً منًذ‬

‫قلي من باب الملهى والذي سأرمز له باسم "أيوب ص" كما ألبرتكم سلسًا‪.‬‬

‫دل "أيوب ص" الملهى وقعد على البار‪ .‬احتسى أول كأس لمر‪ ،‬عم أتًت إليًه إحًدى‬

‫الستيات وسألته‪:‬‬

‫‪ -‬لماذا تألرت اليوم؟‬

‫‪ -‬ذهبت لرؤية الطبي‬

‫‪ -‬من ماذا تشتكي؟‬

‫قالتها متصنعة االهتمام بصحته عندما فظرت إلى يدئ ووهًدت الصًقة طبيًة‪ ،‬فأهابهًا‬

‫مبتس ًما‪:‬‬

‫‪107‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬ال لست أفا‪ ،‬أفا ب‪،‬ير‪ .‬إفةها زوهتي حبلى‪ ،‬وعلى و ك الوالدة‬

‫‪ -‬وبالتأكيد ال تستطي النوم منها‬

‫‪ -‬ه رأيت كم المعافاة التي أعافيها؟‬

‫أهابت الستاة ب‪،‬اعة‪:‬‬

‫‪ -‬فعم رأيت‬

‫‪ -‬وأفا أ تهى أن أرى‬

‫يحكت الستاة بص‪ ،‬عندما دفا منها ودقق النظر إلى فهًديها الممتلئًين كحبتًي رمًان‬

‫فايجتين يظنهما الناظر ة‬


‫أن الطبيعة قد تسننًت فًي فحًتهم بهًذا الشًك المسًتدير‪ ،‬ومًن‬

‫يعًًرف العًًاهرة هيًدًا سًًي‪،‬برفا أفةهًًا ادلًًرت الكايًًر مًًن المًًال لحقًًنهم بالسًًيلكون كًًي‬

‫تجذب المزيد من الرهال الع ةهار‪ .‬اقترب أيوب من "أيوب ص" وقعد بالمقعد المجًاور‬

‫له‪ .‬صعد أحد المطربين المسرح‪ ،‬وبدأ بغناء أغنية تتحدث عن الح وال‪،‬مًر‪ ،‬وأيهمًا‬

‫يام أكار من اآللر‪ ،‬وهـي األغنية المسضلة لًه‪ .‬فقًال أيًوب بصًوت عًال متعمًدًا أن‬

‫يجع "أيوب ص" يستم لما يقوله‪:‬‬

‫‪ -‬هذا الموال يجع القل يام ‪ ،‬ة‬


‫كأن ال‪،‬مر يتقاطر من فائ قا له‬

‫التست "أيوب ص" لتلك الكلمات وفظر للوهًه الًذي فطًق بهًا‪ ،‬رأى فسسًه كأفةًه ينظًر‬

‫صا يشبهك لهذئ الدرهًة فًي المامً ‪ ،‬واألعجً‬


‫في المرآة‪ .‬يء عجي أن ترى ‪ً ،‬‬

‫أن يكًًون هًًذا الشًً‪،‬ص علًًى درايًًة كاملًًة بتصًًرفاتك‪ .‬يجيًًد معرفًًة بًًواطن أمًًورك‬

‫كًرا‪ .‬قًال وهًو‬ ‫ً‬


‫ًكا وف ً‬ ‫الم‪،‬تبئة في حنايا صدرك‪ ،‬ة‬
‫كأن روحك عارية أمامًه‪ً ،‬بيهك‬

‫يتسرس في وههه‪:‬‬

‫‪108‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫كايرا يا ره !‬
‫‪ -‬أفت تشبهني ً‬

‫‪ -‬حقًا تشابه غري‬

‫عقبت الستاة وهـي تتنق بعينيها فيما بينهما متعجبةً‪ .‬فظرت "أليوب ص" وأردفت‪:‬‬

‫‪ -‬لو لم أكن على علم أفةك ليس لديك إلوة ً‪ ،‬لقلت ة‬


‫أن هذا الره توأمك‪،‬‬

‫رغم أفةه يكبرك ببضعة أعوام‬

‫‪ -‬بالسع يشبهني لدرهة مريبة‬

‫لرج أيوب عن صمته‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬لو كنت أزعجتك سأذه‬

‫‪ -‬ال ال ليس هناك إزعاج‪ ،‬يسرفي التعرف إليك‪ .‬أيوب داوود ره أعمال‬

‫مد "أيوب ص" يدئ مصاف ًحا‪ ،‬فصافحه أيوب مبتس ًما‪:‬‬

‫‪ -‬حسام الشاذلي؛ ره بدون أعمال‬

‫يحك "أيوب ص" لهذئ الطرفة‪ ،‬وسأله‪:‬‬

‫‪ -‬فبيذ أم ويسكي؟‬

‫‪ -‬ال هذا وال ذاك‪ ،‬لقد اعتزلت ال‪،‬مر من مدة‬

‫‪ -‬لو ظللت بعقلك سوف تتع‬

‫‪ -‬وإن عملت سوف يسرقون مالك‪ .‬أفت ابن داوود با ا السيد صاح‬

‫ركة المقاوالت أليس كذلك؟‬

‫‪ -‬ه تعرفه؟‬

‫‪ -‬ربما إن رآفي يتذكرفي‪ ،‬فلقد التقينا من قب‬

‫‪109‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬م األسف لقد أصي أبي منذ أيام بجلطة دماغية أقعدته عن الحركة‬

‫وحرمته من النطق‬

‫‪ -‬يا هللا كيف حدث هذا؟!‬

‫تصن أيوب االهتمام والتعج ‪ ،‬وألفةه يعًرف فسسًه حًق المعرفًة تمكًن بكً حنكًة أن‬

‫يسقأ السريسة الاافية في ف‪،‬ه بعد أن استمر الحديث بينهما ما يقرب من الساعة‪ .‬تحدعا‬

‫عن أ ياء كايرة تجم فيما بينهم وعلًى رأسًها الحً المطلًق للحريًة واعتبًار البشًر‬

‫مجرد تماعي ال تؤعر بالسل أو اسيجاب في تصرفاتهم‪:‬‬

‫‪" -‬أن أحيا كما أريد أو ال أحيا إطاقًا"‬

‫ابتسم "أيوب ص" عنًدما سًم هًذئ المقولًة فهًو يعًرف قا لهًا هيًدًا وتًأعر لستًرة بًه‪،‬‬

‫وهو السيلسوف األلمافي فريدريك فيتشه‪ .‬سأله ليتأكًد مًن اعتقًادئ هًذا فربمًا قًد لافتًه‬

‫الذاكرة‪:‬‬

‫‪ -‬هذا فيتشه أليس كذلك؟‬

‫‪ -‬فعم هو‪ .‬أح الكاير من أقوال هذا الره وعلى وهه التحديد مقولته‬

‫إن اسفسان حقًا أل د الحيوافات فظاعةً"‬


‫المسضلة لي " ة‬

‫ظ ً ينتق ً معًًه مًًن مويًًوع آللًًر‪ ،‬وألف ًه يعًًرف فسسًًه هي ًدًا اسًًتطاع التنبًًؤ بك ً‬

‫تصرفاته‪ .‬يلقي عليه بالسؤال وينتظر اسهابة التي يريد‪ .‬تمكن من تحويله لمجرد كلً‬

‫يلقي له الكرة فيلهث للسها ويجلبها من أهله‪.‬‬

‫وبينما هما يارعران ويضحكان بصًوت صًال ‪ ،‬اقتربًت فتًاة أوكرافيًة تًدعى أفجلًي‬

‫من "أيوب ص" و ط ةوقته بذراعيها وقبلته على لدئ‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫كافت را عة الجمال كعروس في ليلة زفافها‪ .‬أمسك "أيوب ص" بيًدها وفظًر لمساتنهًا‬

‫البارزة‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬ما هذئ الستنة والجمال‪ .‬ألبريني يا أفجلي لماذا الستاة األوكرافية أهم من‬

‫الستاة المصرية‬

‫أهابًًت بلكنًًة عربيًًة فصًًيحة تجعلًًك تظًًن ة‬


‫أن هًًذئ الستًًاة ولًًدت وترعرعًًت علًًى يًًد‬

‫مدرس لغة عربية‪:‬‬

‫‪ -‬الستاة المصرية باردة‪ ،‬بينما األوكرافية سالنة‪ ،‬وملتهبة‪ .‬تجيد حث اآلساد‬

‫على افتراس اللبؤات أماالنا‬

‫زأرت كاللبؤة وهـي تنطق الكلمتين األليرتين‪ .‬ابتسم أيوب من كلمات الستاة‪ .‬هو يعلم‬

‫هيدًا بأفها تنافق من أه المال‪ ،‬ولو تحدعت فيتها لقالًت أفهًا تجيًد تجويً الكًاب مًن‬

‫أمااله بعد إلبارهم بأفةهم سيأكلون لح ًمًا ًهيا لًم يًأكلوئ مًن قبً ‪ ،‬وفًي النهايًة ال تجًد‬

‫الكاب سوى اللحم الساسد الذي اعتادت أن تأكله‪ ،‬سوا ًء كان من مصر أو تم اسًتيرادئ‬

‫من ال‪،‬ارج‪.‬‬

‫ربت الستاة عاعة كئوس من ال‪،‬مًر علًى حسًاب الكلً ‪ ،‬أو األسًد كمًا كافًت تناديًه‪.‬‬

‫دعته للذهاب إلى صالة القمار فرح بالدعوة‪ ،‬وفظر أليوب وسأله‪:‬‬

‫‪ -‬ه تجيد لع الروليت؟‬

‫‪ -‬إفها اللعبة المسضلة لي‬

‫‪111‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫لًًرج األيًًوبين بصًًحبة الستًًاة األوكرافيًًة التًًي تعًًيش فًًي مصًًر منًًذ مًًا يقًًرب مًًن‬

‫العامين‪ .‬تمكنت فيهم مًن تطًوير لكنتهًا والتحًدث باللغًة العربيًة هيًدًا‪ ،‬وهمعًت فًيهم‬

‫م ًاال طا ًا من لال العم بصاالت القمار‪ ،‬والتعرف إلى الرهال أماال "أيوب ص"‬

‫في مصر ممنوع أن يلع المصريون القمار؛ اللع لفهاف فقأ؛ مسًموح بممارسًة‬

‫الميسًًر لفهنبًًي علًًى أريًًك‪ ،‬وغيًًر مسًًموح بممارسًًتك لًًه إال سً ًًرا! أو باسًًت‪،‬دام‬

‫هًًواز سًًسر مًًزور كالًًذي بيًًد "أيًًوب ص" وال ًذي مكًًنهم مًًن دلًًول الصًًالة بعًًدما‬

‫اسًًتغا الشًًبه الكبيًًر بينهمًًا‪ ،‬واسًًت‪،‬دما فسًًس هًًواز السًًسر المًًزور‪ .‬ذهبًًا لطاولًًة‬

‫الروليًًت الممتلئًًة بزبًًا ن الشًًيطان‪ .‬افتظًًرا لمًًس دقًًا ق أو أكاًًر حتًًى وهًًدا مقاعًًد‬

‫اغرة ً‪ .‬قعدت أفجلي بجوارهم بالطب للتشجي ‪.‬‬

‫طلً "أيًًوب ص" مًًن أفجلًي أن ت‪،‬تًًار رق ًم ًا فهًًو يتسًًاءل به ًا‪ .‬التًًارت رقًًم أربعًًة‬

‫عشًًر‪ ،‬وألتًًار هًًو رق ًمًًا آلًًر فًًي فسسًًه‪ .‬وقبً أن يضً السًًيش علًًى الًًرقمين تًًدل‬

‫أيوب‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬ي السيش على رقم أربعة وسبعون‬

‫كايًرا‬
‫ً‬ ‫فظر له "أيوب ص" بدهشة فهذا الرقم الذي ألتارئ في قرارة فسسه‪ ،‬فهو يتساءل‬

‫بهذا الرقم‪ ،‬وغالبًا ما ي‪،‬تارئ في بداية اللع ألفةه يحم عًام مًيادئ‪ .‬أدار الًديلر البليًة‬

‫التي ظلًت تًدور وتًدور‪ ،‬واألعًين تراقبهًا حتًى اسًتقرت علًى الًرقم المنشًود والًذي‬

‫التارئ األيوبين‪ .‬تعجبت أفجلي بعض الشًيء‪ ،‬وتصًاعدت األمًور إلًى حًد مًا‪ .‬أيًوب‬

‫ي‪،‬تًًار أكاًًر مًًن رقًًم‪ ،‬وتًًدور البليًًة وتقًًف عنًًد أحًًد األرقًًام التًًي ألتارهًًا‪ .‬عًًم بًًدأت‬

‫ال‪،‬سارة تتوالى بعدما فسذ حظه وحظ أرقامه المميزة‪ .‬ارتسمت عامات التعجً علًى‬

‫‪112‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫وهًًه أفجلًي؛ لقًًد ًًعرت أفةًه يتعمًًد ال‪،‬سًًارة‪ .‬ظلًًت تراقبًًه وتراقً فظًًرات عينيًًه‪،‬‬

‫وحركة اليد وهـي تداع اللحية من آن آللر حتى لرهوا هميعهم من الصالة‪.‬‬

‫فادت "أيوب ص" واصطحبته بعيدًا عن أيوب‪ ،‬وهمست له‪:‬‬

‫‪ -‬أ عر ة‬
‫أن هناك لط ما في هذا الره ‪ ،‬لقد تعمد لسارتك!‬

‫قالت كلماتها وهـي متعجبةً للغاية‪ ،‬فأهابها ولسافه بالكاد يتحرك من كارة ال‪،‬مر الذي‬

‫ملئ معدته‪:‬‬

‫‪ -‬كيف ذلك؟‬

‫‪ -‬ال أعلم ولكن احذر منه‬

‫تركته وعادت للدال ‪ .‬ذه باتجائ السيارة التي ينتظرئ أيوب بجوارها‪ .‬فت له الباب‬

‫وقعدا بالدال ‪ .‬فظر في هاتسه فوهد عاعة عشر مكالمًةً لًم يجً عليهًا‪ ،‬وهمًيعهم مًن‬

‫عتذرا‪:‬‬
‫كوعر‪ .‬قال أيوب م ً‬

‫‪ -‬اعتذر لقد كنت سب لسارتك‬

‫‪ -‬ومن قال أفةني لسرت‪ ،‬أفا ال ألسر‬

‫‪ -‬حقًا لم ت‪،‬سر؟!‬

‫‪ -‬فعم‪ ،‬فأفا أ تري السيش وألع ‪ ،‬إن لسرت ما ا تريته أرح ‪ ،‬وإن‬

‫ربحت أحتسظ بضعف السيش‪ ،‬حتى أسأم اللع ‪ .‬إذًا في ك الحاالت أرب‬

‫‪ -‬أفت ذكي للغاية‬

‫افسرهت ابتسامة على وهه "أيوب ص" من هذا الاناء‪ .‬ويً المستًاح بالسًيارة و ًدد‬

‫بقدمه على دواسة الوقود‪ .‬لرهت السيارة للشارع السارغ إال مًن الم‪،‬مًورين‪ ،‬أو مًن‬

‫‪113‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ًًن "أيًًًوب ص" ة‬


‫أن للصًًًديق الجديًًًد بيتًًًا فًًًأراد أن‬ ‫ًًرا‪ .‬ظً ة‬
‫يًًًذهبون إلًًًى أعمًًًالهم فجً ً‬

‫يصطحبه إليه‪:‬‬

‫‪ -‬أين تقطن؟‬

‫‪ -‬في حجرة بأعلى الملهى‬

‫‪ -‬كيف ذلك! لم ي‪،‬برفي حسن عنك من قب !‬

‫راوغه أيًوب فًي اسهابًة علًى السًؤال‪ .‬وتعمًد تغييًر المويًوع ‪ ،‬ووهًد يًالته فًي‬

‫هاتسه الذي ال يكف عن الرفين‪:‬‬

‫‪ -‬أه على الهاتف ربما يكون هناك لط ما‬

‫‪ -‬إفها زوهتي ال تكف عن القلق واسزعاج‬

‫‪ -‬أه عليها‪ ،‬وطمئنها عليك‬

‫عر بالحرج فأهاب عليها‪ ،‬وطمأفها أفه قادم إلى البيت‪.‬‬

‫أحيافًا يقوم اسفسان بأفعال لاطئة في حق من يحبوفه‪ ،‬وهو يعلم هيدًا أفةًه يقًوم بأفعًال‬

‫تؤذيهم‪ ،‬ويستمر في ممارسة هذئ األفعال حتى وأن علم أفةها حت ًما لاطئًةً‪ .‬ولكًن ربمًا‬

‫تنتشله فصيحة من صديق وتذكرئ بهذئ األلطاء التي اعتاد ممارستها‪ .‬أو يًأتي المًوت‬

‫على حين غرة يألذ أفض ما فيهم ليتركه يندب هذئ األيًام التًي تًركهم فيهًا يشًتعلون‬

‫بمنتصف فار حطبها القلق والتوتر‪.‬‬

‫"أيوب ص" ال يعرف القيمة الحقيقية لكوعر التي ال يراها سوى زوهة لنًوع تزعجًه‬

‫كايرا باهتمامها‪ .‬بينما أيوب يعرف مًا هًـي قيمًة أن تكًون لًك زوهًة كًالماك تحمً‬
‫ً‬

‫في أحشا ها ما ًكا؛ ال يغمض لها هسن حتى تطمئن عليه‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫وص "أيوب ص" بالسيارة أمام الملهى‪ .‬لرج منها أيوب وودعه متمنيًا لًه السًامة‪.‬‬

‫ذه بعدما ودع أيًوب إلًى فًيا داوود العتيقًة الموهًودة بحًي الزمالًك‪ ،‬والتًي عًا‬

‫فيهًًا حتًًى مًًات أبيًًه فباعهًًا‪ ،‬وأ ًًترى القصًًر الًًذي يقطًن فيًًه فًًي المسًًتقب بصًًحبة‬

‫بسمة‪ .‬دل حجرة النوم وفظر إلى كوعر التًي تسًتند بظهرهًا علًى السًرير‪ ،‬وتتحًدث‬

‫إلى بطنها المنتس‪،‬ة‪ .‬لم يتسوئ بكلمة واحدة أو حتى يبًرر تًألرئ إلًى هًذا الوقًت‪ .‬تمنًت‬

‫كايرا أن يكون هذا التألير رهين عم ما‪ ،‬أو أمر طارئ يتكرر ك بضعة أيام ولًيس‬
‫ً‬

‫به يومي‪ .‬افتظرت لروهه من الحمًام لتًذكرئ ة‬


‫أن هنًاك طسلًة مًن حقهًا أن تولًد فًي‬

‫كنف ره على أق تقدير ال يشرب ال‪،‬مر وال يلع الميسر‪ .‬ههزت الكاير مًن الكلًم‬

‫كًًي تقولًًه‪ ،‬ومًًا أن دفًًا منهًًا حتًًى دس هسًًدئ أسًًس الغطًًاء دون أن يطمًًئن عليهًًا أو‬

‫على الطسلة‪ .‬تب‪،‬ر ك ما أرادت قوله‪ ،‬وصمتت لشية أن ترهقًه بحًدياها‪ ،‬أو ربمًا لًو‬

‫حدعته اآلن يقول في فسسه أفةها امرأة فكداء كسا ر النساء‪.‬‬

‫ابتلعت الكلم في هوفها وصمتت‪ .‬اكتست بسك بعض الدموع وهـي تًدعوا لًه بالهًدى‬

‫والصاح‪ .‬تدعوا له دون أن تلعن اليوم الذي تزوهته فيه‪ .‬لم تلعن حظها األسًود الًذي‬

‫كايًرا وال تمً أبًدًا مًن اسحسًان لهًذا الًزوج‬


‫ً‬ ‫همعها بره كهذا‪ ،‬بً كافًت تحمًد هللا‬

‫المهم ! كافت تشعر في قرارة فسسها أفةه سًيأتي يًوم مًا ويتغيًر لففضً ‪ ،‬وتًدعوا هللا‬

‫أن يأتي هذا اليوم وهـي على قيد الحياة‪.‬‬

‫ضًا‬ ‫فام هذا األيوب بينما األيًوب اآللًر ال يًزال مسًتيق ً‬


‫ظا‪ ،‬والقلًم ودفتًر المًذكرات أي ً‬

‫مسًًتيقظون ينتظًًرون أوامًًرئ ليتضًًاه الحبًًر مً الًًورق‪ ،‬وينجبًًون بضًًعة كلمًًات‪،‬‬

‫‪115‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ي ًًيء سًًوى النظًًر إلًًى صًًور‬


‫فمنًًذ دلولًًه الحجًًرة وهًًو يمسًًك بًًالقلم وال يسع ً أ ة‬

‫بسمة‪.‬‬

‫وي الصور بجافبه بعد أن قبةلهم‪ ،‬وبدأ يكت ‪:‬‬

‫‪ -‬بدأت ذاكرتي تنشأ بقًوة مً رؤيتًي لفمًاكن الرديئًة التًي كنًت أرتادهًا‬

‫ضا لًبعض الشً‪،‬وص مًن رفقًاء ال‪،‬مًر والمتعًة الزا سًة‪.‬‬


‫في المايي‪ ،‬وم رؤيتي أي ً‬

‫عرت حقًا بالتقزز من فسسي‪ ،‬كأفةني أفظر فًي مًرآة تظهًر لًي كً سًوءاتي‪ .‬تًذكرت‬

‫أيام الحمق والجه والامالة والمجون‪ .‬ألرج من البيت وأذه للملهى‪ ،‬أ ًرب بعًض‬

‫ًورا ألهًًد زوهتًًي‬


‫ال‪،‬مًًر وربمًًا أذه ً للع ً القمًًار‪ .‬افتهًًي مًًن اللع ً وأعًًود م‪،‬مً ً‬

‫العسيسة تنتظرفي‪ .‬تتركني أفام وتتحًين الوقًت المناسً لتًذكرفي بربًي وابنتًي القادمًة‬

‫للحياة‪ .‬كافت ال تم أبدًا من فصحي بابتسامتها العذبة‪ ،‬وصوتها الدافئ‪ .‬وعندما أذهً‬

‫للنوم‪ ،‬وأعري فسسي؛ تعيد هـي الغطاء على هسدي بك ح وحنان‪.‬‬

‫كنت ال أم ُّ من تعرية فسسي في الوقت الذي تصمم هًـي فيًه علًى عًدم تركًي عاريًا‪.‬‬

‫ليس أعناء النوم فقأ ولكن في تى أمور الحياة‪.‬‬

‫هلك من الكتابة؛ ألول مرة يكت هذا الكم من الكلم دفعةً واحًدة ً‪ .‬فظًر للسًاعة فًي يًدئ‬

‫والتي تناقص منها أكار من اعنتي عشرة ساعةً‪.‬‬

‫عر بالنُّعاس فتناول قرص دواء‪ ،‬وألذ صور بسمة فًي أحضًافه وألقًى بجسًدئ علًى‬

‫السرير وفام‪.‬‬

‫ًًيئًا اليًًوم سًًوى االفتظًًار‪،‬‬ ‫اسًًتيقظ فًًي حًًوالي الاافيًًة ظهً ًًرا‪ .‬لًًيس عليًًه أن يسع ً‬

‫فالكارعًًة سًًتبدأ الليلًًة‪ .‬فكًر أن يسًًتغ هًًذا الوقًًت ويًًذه لرؤيًًة كًًوعر وأبيًًه القعيًًد‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫لرج من الملهى واستق سًيارة أهًرة ً وذهً ‪ .‬وقًف علًى بعًد عاعًون ً‬
‫متًرا أو أكاًر‪،‬‬

‫وهو يراق حديقة السًيا المكشًوفة مًن للًف السًياج‪ .‬بعًد فسًحةً مًن الوقًت لرهًت‬

‫كًًوعر وهًًـي تًًدف كرسًًي داوود المتحًًرك حتًًى وص ًلت إلًًى طاولًًة بجًًوار السًًياج‬

‫تظللها جرة توت من أ عة الشًمس‪ .‬أزاحًت أحًد المقاعًد الموهًودة ودفعًت كرسًي‬

‫داوود وقعدت بجوارئ‪ .‬دفا أيوب من السياج أكار وظ يحوم بجوارئ كما يحًوم النحً‬

‫حول الزهرة دون كل أو مل ‪.‬‬

‫وقف على بعد أمتار من كوعر‪ ،‬وهو يحاول هاهدًا استراق السًم ‪ ،‬وهًـي تتحًدث إلًى‬

‫داوود وتقول‪:‬‬

‫أن أيوب غاي للغاية مذ أن علم أفةني أحم في رحمًي فتًاة‪ .‬ال‬
‫‪ -‬أفا أعلم ة‬

‫أعلم ما الذف الذي اقترفته كي يعاقبني أفا وابنتي عليه‪ .‬لقد ذهً معًي بًاألمس للمًرة‬

‫ي حًين رآفًي ذاهبًة بمسًردي‪ .‬لًم يهًتم‬


‫الاالاة فقأ عند الطبي بعًدما ًعر بالشًسقة علً ة‬

‫حتى بالسؤال عن صحة الطسلة‪ .‬أرهوك يا أبًت أن تًدعوا لًه بالهدايًة‪ ،‬وأن يًزرع هللا‬

‫في قلبه ح ابنته‪ ،‬فهـي ال ذف لها في كوفها فتاة!‬

‫افتهت من كلماتها وبكت‪ .‬لًم تجًد يًدًا حافيًةً تربًت علًى كتسهًا وتواسًيها وتطمئنهًا ة‬
‫أن‬

‫القادم ربما سيكون أفض ‪ .‬حتى أيوب القادم من المستقب لم يتسًنى لًه سًماع مًا قالتًه‬

‫هيدًا بسب يجي السيارات والمارة من للسه‪ .‬وفي اللحظة التي قرر أن يناديهًا فيهًا‬

‫كما فع في الحلم أتى ره من للسه ولكنه لم يكن الره ذو السا األسًود‪ ،‬بً كًان‬

‫حارس السيا ويدعى عدوي‪.‬‬

‫تحدث هذا العدوي بنبرة لشنة للغاية‪ ،‬أفزعت أيوب وهعلته ينتسض‪:‬‬

‫‪117‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬من أفت وماذا تريد؟‬

‫أهابه متلعا ًما‪:‬‬

‫‪ -‬أفا‪" .‬عم صمت لاوان وبعدها تاب " أفا حسام صديق للسيد أيوب‬

‫افتبهت كوعر وبدأت تتاب الموقف بصمت‪.‬‬

‫لم يكترث هذا العدوي األبله لمام أيًوب‪ ،‬وال للتشًابه الكبيًر بينًه وبًين سًيدئ! فقًال‬

‫بحنق‪:‬‬

‫‪ -‬كيف ذلك‪ ،‬أفا لم أراك من قب ‪ ،‬عم ة‬


‫أن السيد أيوب في العم فما الذي أتى‬

‫بك أعناء غيابه؟ هيةا اذه من هنا‪ ،‬هيةا‬

‫قال عدوي الكلمًة األليًرة‪ ،‬وويً يًدئ اليمنًى علًى كتًف أيًوب ودفعًه‪ ،‬فعًاد أيًوب‬

‫القهقرى لل‪،‬لف لطوة ً‪ .‬حاول أن يسيطر على فسًور غضًبه فلًم يسًتط ‪ ،‬فتقًدم لطًوة‬

‫لفمام ودف عدوي بقوة‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬ه أفت مجنون‪ ،‬كيف تدفعني أفا هكذا؟‬

‫فهضت كوعر من مقعدها وتًدللت حتًى ال تتسًاقم األمًور أكاًر مًن ذلًك‪ .‬وقسًت للًف‬

‫السًًياج الحديًًدي وفظًًرت إلًًى أيًًوب عًًن قًًرب‪ .‬الحظًًت الشًًبه العجي ً بينًًه وبًًين‬

‫زوهها‪ .‬لشيت التحدث معه ووههت حدياها إلى عدوي‪:‬‬

‫‪ -‬ما األمر يا عدوي؟‬

‫‪ -‬هذا الره كان يدور حول السياج‪ ،‬وأظن أفه لص‬

‫كتمها أيوب في فسسه‪ ،‬وآعر الصمت في حضرة كوعر‪ .‬لم يشًأ أن ي‪،‬سًر هًذئ اللحظًة‪،‬‬

‫أو تتطور األمور وت‪،‬رج عن فسقها‪ .‬فظر في عينيها بك ح ‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪118‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬أفا صديق أليوب ووالدي صديق للسيد داوود‪ .‬وكنت أسير بالقرب من‬

‫هنا فأردت أن أطمئن على صحة السيد داوود فحس‬

‫‪ -‬أعتذر ال أستطي استقبالك فزوهي في العم‬

‫‪ -‬أعلم‪ ،‬ولذلك اكتسيت باالطمئنان عليه من هنا كي ال أزعجكم‬

‫‪ -‬أعتذر مرة ً ألرى للطريقة التي تعام بها عدوي معك‬

‫‪ -‬ال عليك‪ ،‬ب أفا من عليه االعتذار‬

‫تركها وذه وعينيها ما زالت تراقبه‪ .‬وحدها كوعر من عرت بهًذا التطًابق العجيً‬

‫بينه وبين زوهها حتى في فبرة الصوت الحافية الدافئة‪ .‬رغم ة‬


‫أن هذا الزوج لًم يتحًدث‬

‫إليها بما هذئ النبرة سوى بضعة مرات فقأ! كافًت أولهًم يًوم زفًافهم عنًدما اكتسًى‬

‫وههها بحمرة ال‪،‬ج والاافية عندما ألبرته أفةها حبلى‪ ،‬واستمر علًى هًذا الحًال حتًى‬

‫علم بنوع الجنين‪ .‬تلك المرات طبعت فًي رأسًها وتمنًت لًو تسًتمر فبًرة صًوته هكًذا‬

‫مًًدى الحيًًاة‪ .‬أصًًي رأسًًها بال ًدوار مًًن كاًًرة التسكيًًر بهًًذا األمًًر‪ .‬ظلًًت تسًًتره‬

‫األحًًداث كأفةهًًا تعيًًد مشًًهدًا سًًينما يا دون ملً ‪ .‬تمنًًت لًًو يعًًود وتسًًأله مًًن أفًًت لعً‬

‫رأسها يهدأ ً‬
‫قليا من التسكير‪ ،‬لكنه ذه ‪ .‬ذه وعاد إلى الملهى مرة ً ألرى‪.‬‬

‫كان اللي قد أرلى حبًال الظًام لتمتلًئ السًماء بالسًواد إال مًن يًوء القمًر وبعًض‬

‫النجوم المبعارة‪ .‬قعد أيوب في حجرته وافشغ بالتسكير في كوعر‪ً .‬عر بالنًدم ألفةًه لًم‬

‫يتحدث إليها كما كان يشتهي‪ .‬أمسك بصورة بسمة وظ يقبةلها ويقص عليها مًا حًدث‪.‬‬

‫قاطعه صوت طرقات الباب فسم للطارق بالدلول‪:‬‬

‫‪ -‬تسض‬

‫‪119‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬كيف حالك يا صديقي الجديد؟‬

‫‪ -‬الحمد هلل ب‪،‬ير‬

‫لًًم يسًًاهئ أيًًوب عنًًدما دل ً "أيًًوب ص" الحجًًرة دون اسًًتئذان‪ ،‬ب ً فهًًض وحيًًائ‪،‬‬

‫وطل ً منًًه القعًًود فلًًم يلبًًي الطل ً ‪ ،‬ب ً اتجًًه إلًًى البًًار الصًًغير المتواهًًد بزاويًًة‬

‫الحجرة‪ .‬ص لنسسه كأس لمر وأرتشسه سريعًا‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬ألبرتني زوهتي أفةك كنت تقف بجوار السيا‪ ،‬وودت االطمئنان على أبي‬

‫‪ -‬فعم كنت أسير بالجوار فأردت االطمئنان على صحته‪ ،‬وعندما علمت‬

‫أفةك غير موهود رحلت‬

‫‪ -‬لقد ألبرتني بك ما حدث‬

‫‪ -‬لقد أزعجتهم أليس كذلك؟‬

‫‪ -‬دعك من ك هذا وتعال معي إلى صالة القمار‪ ،‬أريد أن أرى تنبؤاتك اليوم‬

‫ألرقام الروليت‬

‫رأى "أيوب ص" الصورة في يدئ فأفتابه السضول ليعرف أهميتها لديه‪:‬‬

‫‪ -‬ه لي أن أتطس عليك وأسألك لمن هذئ الصورة؟‬

‫‪ -‬إفةها صورة ابنتي وقرة عيني‪ ،‬ه تود أن تراها؟‬

‫‪ -‬ال تغض مني‪ ،‬ولكن حقًا أفا أمقت الستيات‬

‫تمنى لو ي‪،‬برئ أفةه سيعشقها يو ًما ما‪ .‬ب إن ص التعبير سيتنسسها‪ ،‬لكنًه آعًر الصًمت‪.‬‬

‫لرها من الحجرة واتجها إلى صالة القمار‪" ،‬وأيوب ص" مًتحمس للغايًة‪ .‬قعًدا علًى‬

‫طاولًًة الروليًًت‪ .‬أتًًت أفجلًي وتمنًًت لهًًم الحًًظ السًًعيد‪ .‬بًًدأ الًًرب يًًزداد ًًيئًا فشًًيئا‬

‫‪120‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫فالحظ كًان حلًيسهم األول‪ ،‬ومًن كًان الحًظ حليسًه فليسًير بجًوار فوهًة البركًان وهًو‬

‫على يقين أفةه لن ياور‪ .‬م ةرت فتاة قراء ذات هسد ماير من أمام "أيًوب ص" هًذبت‬

‫كايرا رغم أفةه لم يتبين مامحها هيدًا‪ .‬همس له أيوب بجوار أذفه‪:‬‬
‫اهتمامه ً‬

‫‪ -‬ال تتعج ستأتي إلى هنا بعد قلي‬

‫‪ -‬من التي ستأتي؟‬

‫‪ -‬الستاة التي لطست عينيك للتو‬

‫‪ -‬كيف علمت أفةها ستأتي إلى هنا؟ الحسناوات من هذا النوع ال يذهبن‬

‫إلى أحد‬

‫أن الحسناوات لسن هكذا‪ ،‬فأغلبه ةن يعبدن المال ويسجدن أسًس أقًدام‬
‫أيوب أدرك هيدًا ة‬

‫األغنياء بسب اعتياده ةن على الدالل واالهتمًام الزا ًد عًن الحًد‪ .‬ران الصًمت لدقيقًة‬

‫أو أكاًًر‪ .‬كافًًت الطاولًًة فارغ ًةً باسًًتاناء األيًًوبين وحًًدهما مًًا زاال هالسًًين‪ ،‬أحًًدهما‬

‫افشغ بالشقراء واآللر رد م المايي‪.‬‬

‫أتت الشقراء لتقط الصمت وتله الطاولة‪ ،‬وقعدت بجًوار "أيًوب ص" مًا أن رآهًا‬

‫عن قرب حتى ‪،‬صت عينائ من فرط الحسًن والجمًال‪ .‬هسًد كأفةًه للًق مًن حليً ‪.‬‬

‫عينيها الرمادية الواسعة كبندقية بإمكافها أن ترديك ً‬


‫قتيا بنظرة أو فظرتين‪ .‬أفف دقيًق‬

‫لو ظ أمهر النحاتين يحاول فحته بهذئ الكيسية التي عليها ما تمكن من ذلًك أبًدا‪ً .‬سائ‬

‫وردية فاعمة تشتهي لو كافت ما دة عشا ك ك يوم‪ ،‬ب وتكون الشًسائ السًسلية محرابًًا‬

‫تعتكًًف فيًًه لفبًًد‪ .‬فهًًدين مسًًتديرين يبًًرز منهمًًا النصًًف العلًًوي يجعلن ًك تطم ً أن‬

‫يكوفا وسادة ً لرأسك ولو لدقا ق‪ .‬تتمنى لو صال عليهم لسافك وهًال‪ .‬فًي اللحظًة التًي‬

‫‪121‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫رآها فيها "أيوب ص"‪ ،‬ألذته م‪،‬يلته بها على السور إلى السرير‪ ،‬وبالرغم من همالها‬

‫الطًًاغي إال أن كًًوعر تضًًاهيها همً ً‬


‫ًاال ولكًًن هًًذئ عًًاهرة واأللًًرى زوهًًة‪ ،‬وأغل ً‬

‫الرهًًال يعشًًقون العًًاهرات! مًًدت الستًًاة يًًدها مًًن أمًًام أيًًوب‪ ،‬وطلبًًت منًًه أن يضً‬

‫السيش على أحد األرقام‪ .‬بالطب لم ينتظر لحظة ليلبي رغبتهًا‪ .‬ألتًار هًو أحًد األرقًام‬

‫الرابحًًة ووي ً السًًيش علًًى الًًرقمين‪ .‬لعنًًت الستًًاة حظهًًا بلغًًة غيًًر مسهومًًة لكًًا‬

‫األيوبين رغم أفةها تسهم اللغة العربيًة وتتحًدث بهًا قلًيا‪ .‬ه ةمًت بًالنهوم فطلً منهًا‬

‫أيًًوب أن تقعًًد ومنحهًًا بعًًض السًًيش لتلع ً مًًرة ً ألًًرى فشًًكرته‪ .‬فصًًحها أن ت‪،‬تًًار‬

‫بعًًض األرقًًام وكًًان أحًًدهم هًًو السًًا ز‪ .‬فهضًًت مًًن هًًوار "أيًًوب ص" واتجهًًت‬

‫لفيوب اآللر عندما فطنت بأفةه صاح الحظ السعيد‪ ،‬وصاح االلتيًارات الموفقًة‪.‬‬

‫غض "أيوب ص" من هذا التصرف وأتت أفجلي وهًدأت مًن غضًبه قلًيا‪ .‬ألبرتًه‬

‫أن الشًًقراء وتًًدعى ريتًًا هديًًدة ً فًًي هًًذا المكًًان وال تعًًرف مًًن هًًو‪ًً .‬عر أيًًوب‬
‫ة‬

‫بًًالحرارة تتًًدفق فًًي هسًًدئ مًًن حسًًنها األلًًاذ‪ .‬تجاه ً المًًرم والًًزمن والسًًخ وك ً‬

‫يء‪ .‬مدت له كأس لمر فارتشسه‪ ،‬فنظر له "أيوب ص"‪ ،‬وقال بحنق‪:‬‬

‫‪ -‬اآلن عدت تشرب ال‪،‬مر!!‬

‫‪ -‬الكأس من هذئ اليد لها مذاق آلر‬

‫فكر بعدم الرفض حتى يجع الستاة تسقأ في ف‪،‬ه وتذه معه‪ ،‬وهو األمر الذي حًدث‬

‫بعدما فهض الجمي من على الطاولة‪:‬‬

‫‪ -‬استأذن منك يا صديقي‬

‫سالرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫يحك "أيوب ص"‬

‫‪122‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬صديقك! وفعم الصداقة‬

‫ط ً ةوق أيًًوب لصًًر الستًًاة‪ ،‬ولرهًًا مًًن الصًالة وتوههًًا إلًًى الحجًًرة التًًي ينًًام فيهًًا‬

‫أن ال‪ ،‬ة‬


‫طة تسير على أكم وهه‪ ،‬وبأفةًه اقتًرب مًن االفتصًار‬ ‫بالملهى‪ .‬قلبه كان يحدعه ة‬

‫على القدر‪ .‬بينمًا المشًهد يتكًرر مًرة ألًرى مً الًتاف المكًان؛ تًذكر المشًهد بكً‬

‫تساصيله‪.‬‬

‫فسًي هًذا اليًوم وهًًذا الوقًت كًان "أيًًوب ص" يطً ةوق الستًاة مًًن لصًرها ويًدل بهًًا‬

‫قته بحي مصر الجديدة‪ ،‬والتي ورعها عن والدتًه وكافًت النيًة بًالطب أن يضًاهعها‪.‬‬

‫بينمًًا فيتًًه اآلن أن يقتلهًًا أو ربمًًا يتنًًازل عًًن قتً هًًذا الجمًًال ويكتسًًي بإبعادهًًا عًًن‬

‫طريًًق "أيًًوب ص" والطًًرق ال حصًًر لهًًا لسعًً هًًذا األمًًر‪ .‬دلًًا الملهًًى سًًويا‬

‫واألعين تراقبهم وعلى رأسهم عينًي مرعًي التًي ظلًت تًراقبهم حتًى دلًا الحجًرة‪.‬‬

‫رأت الستاة عاعة زهاهات من ال‪،‬مر على البًار الصًغير والكئًوس مصًسوفة بجًافبهم‪.‬‬

‫سًا‪ .‬بًدأ أيًوب يعًد العًدة كًي يواهههًا ويتأكًد أفهًا هًـي‬
‫ذهبت إليهم وصبت لنسسًها كأ ً‬

‫الستاة المنشودة فالشك مًا زال ي‪ً،‬امرئ وإن كافًت فسًبته يًئيلة للغايًة‪ .‬سًار لطًوتين‬

‫باتجاهها ووقف أمامها وه ًها لوهه‪ .‬سقطت عينيه على فهًديها فهًز رأسًه كًي يسًتسيق‬

‫قب أن يسقأ في فخ الشهوة‪ .‬مدت الستاة يدها بالكأس علًى فمًه فًأدار وههًه فأسًقطت‬

‫الكأس متعمدة ً من يدها أسس قدميها‪ ،‬فكسر الكأس وتبعار ال‪،‬مر علًيهم‪ .‬فظًر لفسًس‬

‫فأبصر ساقيها البضتين اللتين ت‪،‬ضلن باللون األحمًر‪ .‬مًا أن رفً عينيًه ليعيًدهم إلًى‬

‫مويًًعهم الطبيعًًي ويبًًدأ االسًًتجواب‪ ،‬حتًًى سًًبقته هًًـي وبًًدأت تمًًارس مهنتهًًا بك ً‬

‫حرفيةًة‪ .‬ألصًقت هسًدها بجسًدئ‪ ،‬وهذبتًه مًن ياقًة القمًيص ودفًت بشًستيها مًن ًستيه‬

‫‪123‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ولا ةمتهم‪ .‬فزعت هاكت البزة وفكت ربطًة العنًق‪ ،‬باسيًافة إلًى زريًن مًن القمًيص‪.‬‬

‫مًًررت أصًًابعها علًًى صًًدرئ وهًًو مستسًًلم تما ًمًًا‪ ،‬فالرعشًًة كافًًت ق ًد سًًرت فًًي‬

‫أوصاله‪ .‬م ةرت الشسائ مًن علًى ًستيه إلًى األذن وفس‪ً،‬ت فيهًا بعًض الهًواء السًالن‪،‬‬

‫وهـي تتصن التأوئ فعاد القهقرى للسرير بمقدار لطوتين وسقأ عليه‪ .‬مالًت بجسًدها‬

‫عليه كما تميً اللبًؤة علًى فريسًتها‪ .‬سًألته كيًف يعًرف األرقًام الرابحًة وهًـي تقبةلًه‬

‫على أطراف ستيه‪ .‬حاول أن يستجم اسهابة فلم يتمكن من التسوئ بكلمة واحدة‪ ،‬رغم‬

‫أفةه كان سيجي في هذئ اللحظة بك صراحة‪ ،‬فالستاة قوة فتنتها أ د وأقًوى مًن ههًاز‬

‫ضًًا‪ .‬توحًًدت األهسًًاد‪ ،‬والتقًًى‬


‫كشًًف الك ًذب‪ .‬فزعًًت عنًًه مابسًًه وفزعًًت عنهًًا أي ً‬

‫السال بالموه ‪ ،‬وسقأ في فسس السخ الذي أتى من أه أن ينجى فسسه منه!!‬

‫مً ةًر الليً سًًريعًا وهسًًدئ متضًًمخ بال‪،‬طيئًًة‪ ،‬واسعًًم الكبيًًر‪ .‬فامًًا سًًويا بعًًد أن ًًعرا‬

‫بال‪،‬مول‪.‬‬

‫أن كً مًا‬ ‫ظهًرا أهراسًها‪ ،‬اسًتيقظ هًو ً‬


‫أوال وظًن ة‬ ‫ً‬ ‫وقب أن تدق السًاعة الاافيًة عشًر‬

‫حدث ما هو إال محض كابوس مزع ‪ ،‬لكنه اصطدم برؤية الجسد النًا م علًى السًرير‬

‫ليًًدرك أفةًه لًًيس بكًًابوس وبأفًه سًًقأ ًًر سًًقطة‪ .‬احمً ةرت عينيًًه وبًًدأت بقايًًا الًدماء‬

‫المتواهدة في عروقه بالغليان‪ .‬مد يدئ وهًذب الستًاة مًن ًعرها فسًقأ الجسًد العًاري‬

‫إال مًًن قطع ًة واحًًدة‪ ،‬واصًًطدم الًًرأس بًًاألرم‪ .‬صًًرلت الستًًاة بصًً‪ ، ،‬فتركهًًا‬

‫تصًًرخ وذه ً باتجًًائ البًًار وهل ً إحًًدى زهاه ًات ال‪،‬مًًر وكسًًرها‪ .‬اسًًت‪،‬دم رقبًًة‬

‫الزهاهًًة كسًًاح وهًًددها بتمزيًًق وهههًًا إن لًًم تكًًف عًًن الصًًراخ واسهابًًة علًًى‬

‫أسئلته‪ .‬صمتت لافعةً وهـي تستم إليه بإذعان‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬

‫‪124‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬أفا أعلم أفةك تسهمين بعض الكلمات باللغة العربية‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫هزت رأسها باسهابة‪ ،‬فتاب ‪:‬‬

‫‪ -‬أفت مريضة باسيدز؛ أليس كذلك؟‬

‫تات عقلها‪.‬‬ ‫اتسعت عينيها من الدهشة وحاولت أن تستجم‬

‫أول ما فعلته أفةها هًزت رأسًها المتًورم مًن أعًر السًقطة‪ ،‬وأقسًمت بكً اللغًات التًي‬

‫تجيًد التحًدث بهًا أفةهًًا ال تعًرف ًيئًا عًًن هًذا المًرم‪ ،‬واعترفًت أفهًًا قًد أتًت إلًًى‬

‫مصر لجم المال من بعض األغنياء كماياتها من األهنبيات ممن يجدن يًالته ةن فًي‬

‫الكاب التي تمتلئ هيوب مؤلراتها بًالنقود‪ ،‬وتلهًث للًف اللحًم األبًيض؛ بًالطب لًم‬

‫يصدق حرفًا واحدًا مما قالت‪ .‬ألقى رقبة الزهاهة بجوارها علًى األرم ومًال عليهًا‬

‫وصسعها على وههها‪ .‬لم تصرخ بص‪ ،‬كما فعلت سًابقًا‪ ،‬بً ادعًت البكًاء وحاولًت‬

‫است‪،‬دام أفوعتها لغوايته مرة ألرى فهـي فاعمة للحد الذي تشبه فيًه أفعًى تتعًارك مً‬

‫ة‬
‫وألن األفعى ذكية للغاية هعلًت الاًور الهزيً الهًا‬ ‫عور لو داس عليها بقدمه لماتت‪،‬‬

‫هًًذا يشًًعر بقوتًًه وهبروتًًه عنًًدما أظهًًرت هًًـي يًًعسها‪ .‬فهضًًت واقتربًًت منًًه كًًي‬

‫تلتف على رقبته وتسقطه صري سمها القات ‪ ،‬لكنه أبتعد سًريعًا لشًية السًقوط للمًرة‬

‫الاالاة في ف‪،‬ها‪ .‬سم لها أن ترتدي مابسها وتركهًا تًذه بعًدما أقسًمت لًه بكً مًا‬

‫تعرفه من آلهة أفها سترح على السور من مصر‪.‬‬

‫لرهت الستاة من الحجرة‪ ،‬وأول ما ا تهائ في هًذئ اللحظًة هًو المًوت‪ .‬تمنًى لًو كًان‬

‫ميت ًا قب هذئ الليلة حتى ال يسقأ في الساحشة من هديد‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫لقد كان سًاذ ًها للغايًة عنًدما هلً الحليً وظًن أن الطسً الجًا بداللًه لًن يشًرب‬

‫ويرتوي وهو الظمآن منذ سنين‪ .‬ترك فسسه للضمير يذب فيها بسكين صدئ‪.‬‬

‫كايًرا وبكًى‪ .‬وهًد فسسًه سًيغرق أكاًر وأكاًر‬


‫ً‬ ‫هل صورة بسمة وأمسكها وفظر إليها‬

‫فًًي وحً األلًًم فقًًرر أن يكتً ‪ .‬عنًًدما تشًًعر أفةًك تصًًرخ مًًن الًًدال واأللسًًنة التًًي‬

‫بداللك كلها تتحًدث فًي آن واحًد‪ ،‬وتحًاول هاهًدًا أن تجعً اللسًان القًاطن فًي فمًك‬

‫كايًرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ينطق وال تًتمكن مًن النطًق‪ ،‬فالكتابًة ليًر لسًان‪ .‬أمسًك بًالقلم ويديًه ترتجًف‬

‫رب بعض الماء م قرص دواء‪ ،‬وافتظر دقا ق حتى هدأ وعاد يكت ‪:‬‬

‫‪ -‬ال أعلم كيف سقطت في فسًس السًخ مًرتين‪ ،‬ومً فسًس الستًاة التًي تسًببت‬

‫في مريي‪ .‬لقد بًات قلبًي منقسً ًما لنصًسين‪ ،‬تًارة ً يصًدقها وتًارة ً يكًذبها‪ .‬بينمًا عقلًي‬

‫ضًًا لشًًرب‬
‫ي‪،‬برفًًي أفهًًا تكًًذب وبالتأكيًًد هًًـي مًًن تسًًببت فًًي مريًًي‪ .‬لقًًد عًًدت أي ً‬

‫ي أن أ رب في سبي غواية الستًاة وإسًقاطها فًي السًخ‬ ‫ال‪،‬مر‪ .‬كنت أبرر لنسسي ة‬
‫أن عل ة‬

‫الذي فصبته لها حتى تبتعد عن أيوب اآللر الذي كان يتربص بها فسقطت أفًا فًي فًخ‬

‫الشهوة وفخ حسنها‪ .‬لقد أيقنت ة‬


‫أن فسس اسفسان يعيسة للغاية تتحين السرصًة الما مًة‬

‫للسقوط في أف‪،‬اخ الشيطان ومسًتنقعات الرذيلًة‪ .‬لقًد كنًت غبيًا حًين ظننًت ة‬
‫أن هنًاك‬

‫ضًًا مًًذ اسًًتيقاظي وبجًًواري الستًًاة ة‬


‫أن‬ ‫حجًًاب يسص ً بينًًي وبًًين الًًذفوب‪ .‬أيقنًًت أي ً‬

‫التواهًًد فًًي مكًًان يمتلًًئ بًًالكاير مًًن الشًًهوات ينبًًئ حت ًمًًا بالس ًقوط فًًي ًًهوة‪ ،‬و ة‬
‫أن‬

‫اسفسان ال بدة أن يبتعد عن أي مكان يع بالنسًاء وعلًى وهًه التحديًد العًاهرات حتًى‬

‫تزداد عزيمته على إلضاع فسسه والسيطرة عليها وإبعادها عن الشهوات‪ .‬لقد حشًرت‬

‫‪126‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫يطافة بديعة الجمًال‪ ،‬وظننًت أفةنًي حجًر ال يمكًن غوايتًه‪ .‬وهللا‬ ‫فسسي في حجرة م‬

‫أ عر ة‬
‫أن الحجر في كف الحسناوات سيذوب‪ ،‬فما بالك إن راودوئ عن فسسه!‬

‫ًس بًًبعض الريًًا عنًًدما اعتًًرف بذفبًًه الجديًًد‪،‬‬


‫ًف مًًن الارعًًرة علًًى الًًورق‪ ،‬أحً ة‬
‫كً ة‬

‫سًالرا مًن سًقوط القًدر فًي‬


‫ً‬ ‫ومن "أيوب ص" من لقاء الستاة وهذئ هـي منيته‪ .‬يحك‬

‫ضا في فخ القدر‪ .‬من الستاة من اللقاء بًأيوب اآللًر وحجً المًرم‬


‫ف‪،‬ه! وسقوطه أي ً‬

‫عنه‪ ،‬وغاص هو في مستنق المرم بقدميه أكار‪ .‬لم يكن يكترث لنسسًه بقًدر مًا كًان‬

‫يكترث سفقاذ "أيوب ص"‪ .‬ارتدى مابسه ولرج من الحجًرة وافشًغ عقلًه بًالتسكير‬

‫في كوعر العسيسة‪ ،‬وكيف سيطل منها المغسرة‪ .‬كان الملهى فار ً‬
‫غا إال من مرعًي الًذي‬

‫كان يقوم بترتي الطاوالت وتجهيزها‪ .‬ق أيوب طريقه مًن بًين الطًاوالت وقبً أن‬

‫ي‪،‬رج فادائ مرعي‪:‬‬

‫‪ -‬أستاذ حسام‬

‫أليًرا بأفًه ادعًى منًذ قدومًه‬


‫ً‬ ‫لم يلبي النداء وتاب طريقًه‪ .‬كًرر مرعًي النًداء‪ ،‬فتًذكر‬

‫المكان أن اسمه حسام‪ ،‬فعاد إليه سريعًا‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا هناك يا مرعي؟‬

‫‪ -‬ال أريدك أن تغض مما سألبرك به فك النساء عاهرات‬

‫‪ -‬ليس كله ةن يا ره ال تقسو عليه ةن‬

‫قالها أيوب وابتسم عم أردف‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا حدث؟‬

‫‪ -‬عندما أتيت الملهى منذ ساعةً تقريبًا‪ .‬رأيت الستاة التي كافت معك‬

‫‪127‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫باألمس تصعد سيارة السيد أيوب الذي تجلس معه منذ قدومك‬

‫ه ةن هنون أيوب وأمسك مرعي من يديه وهزئ بقوة‪:‬‬

‫‪ -‬بماذا تهذي يا ره ؟!‬

‫‪ -‬أقسم أفةني رأيتها بأم عيني‬

‫لرج أيوب من الملهى يهرول‪ .‬استق أول سيارة أهًرة‪ ،‬وأمًر السًا ق باسسًراع قًدر‬

‫ظن فيها ة‬
‫أن القدر قد سقأ في ف‪،‬ه‪.‬‬ ‫اسمكان‪ .‬تذكر تلك اللحظة التي ة‬

‫لًًم يكًًن يعلًًم ة‬


‫أن القًًدر وحًًدئ مًًن يصًًن الس‪ًً،‬اخ للبشًًر‪ ،‬ويسًًقطهم فيهًًا المًًرة تلًًو‬

‫األلرى‪ ،‬وال يسقأ في فخ من صن البشر إطاقًا‪.‬‬

‫وص إلى قته بمصر الجديدة‪ ،‬ولم ينتظًر المصًعد وصًعد علًى الًدرج بكً طاقتًه‪.‬‬

‫ظ يطرق الباب بقوة حتى فت "أيوب ص" فأزاحه هافبًا والجنون يعتريه‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬أين الستاة؟‬

‫لًًم يجبًًه وظً يبتسًم‪ .‬فطًًن أيًًوب سًًر االبتسًًامة وأدرك أفةهًًا ابتسًًامة النصًًر عنًًدما‬

‫يظسر ره بستاة ره آلر‪:‬‬

‫‪ -‬ه ياهعتها؟ ألبرفي باهلل عليك أفةك لم تسع‬

‫لًًم يجي ً "أيًًوب ص" فتركًًه أيًًوب وذه ً يبحًًث عًًن الستًًاة فًًي حجًًرة النًًوم التًًي‬

‫يعرف الطريق إليها هيدًا‪ ،‬فلم يجدها‪ .‬عاد ووقف أمامه وه ًها لوهه‪:‬‬

‫‪ -‬ألبرفي ماذا حدث بينكما؟‪ ،‬هيةا ألبرفي‬

‫دفعه أيوب بيديه‪ ،‬فعاد "أيوب ص" القهقرى دون أن يسقأ‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫عاد "أيوب ص" ال‪،‬طوتين‪ ،‬ودف أيوب بقًوة فسًقأ علًى األرم‪ ،‬فنظًر لًه بغضً‬

‫ديد‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬من الواي أفةك مجنون؛ بالسع هناك يء غري بك منذ البداية‪.‬‬

‫ألبرفي من أفت‪ ،‬ومن ألبرك بهذا المكان‬

‫‪ -‬ه تريد حقًا أن تعرف من أفا‪ ،‬سألبرك ولكن عليك ً‬


‫أوال أن ت‪،‬برفي ه‬

‫ياهعت الستاة أم ال؟‬

‫‪ -‬فعم فعلت‪ ،‬فعلت‪ .‬ه تريد أن أروي لك كيف كنت أياهعها؟‬

‫‪ -‬ال داعي لذلك‬

‫زحف أيوب بمقدار عاعًة لطًوات حتًى التصًق ظهًرئ بالجًدار‪ .‬كافًت الحسًرة تطً‬

‫من عينيه وقد كلت على ستيه ابتسامةً سالرة ً‪ ،‬أتبعها بضحكات استهزاء تعلًو ًيئًا‬

‫فشيئا‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬

‫‪ -‬لقد سقأ العنكبوت في السخ الذي صنعه‬

‫رددها أكار مًن مًرة‪" ،‬وأيًوب ص" ينظًر لًه‪ ،‬ويتًاب بصًمت كً ردود أفعالًه التًي‬

‫بات يدرك هيدًا أفةها تطابق ردود أفعاله هو‪ .‬لرج عن صمته غايبًا‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬من أفت؟‪ ،‬أقسم إن لم ت‪،‬برفي اآلن سأستدعي الشرطة‬

‫‪ -‬ال تتعج سألبرك‬

‫بصق على األرم بجوارئ وا تهى لو كان يستطي أن يبصق على وههه هًو‪ ،‬ولكًن‬

‫أي وهه سيبصق عليه‪ .‬كيف يحاس فسسه على هريمة قد ارتكبها بًاألمس وهًو الًذي‬

‫‪129‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫على يقين ة‬
‫أن الستاة مريضة‪ .‬تحرك "أيوب ص" واتجه إلًى الهًاتف المنزلًي‪ ،‬وويً‬

‫السماعة على أذفه ويغأ عاعة أزرار‪ ،‬وبعد عوان بدأ الهاتف بالرفين‪:‬‬

‫‪ -‬أفا أيوب داوود السيد ت‪،‬رهت من كليًة السلسًسة هامعًة القًاهرة عًام ألًف‬

‫وتسًعما ة وتسًًعة وتسًعون بدرهًًة مقبًًول‪ .‬بعًدما ت‪،‬رهًًت تزوهًًت مًن فهًًاد محمًًود‬

‫الملقبة بحسناء الجامعة وتطلقنا بعد أق من عام ألفةها لم تتحم أفعالي‪ .‬بعدها طاقًي‬

‫لها بسترة ليست بالقليلة تزوهت بكًوعر رزق‪ ،‬وبالسعً كافًت ليًر رزق‪ .‬وتحمً اآلن‬

‫في أحشا ها فتاة ً ستنجبها غدًا‪ .‬أبًي هًو داوود السًيد رهً األعمًال الشًهير الًذي كًان‬

‫يتصًًيد األرايًًي ويشًًتريها بًًامن ب‪ًً،‬س؛ سًًوا ًء كافًًت مًًن أرايًًي الدولًًة أو أرام‬

‫ً‬
‫سًتغا ظًروفهم الماديًة‪ .‬ظً علًى هًذئ الحالًة‬ ‫لش‪،‬وص يضطرون لبيعها فيشًتريها م‬

‫حتى تكوفت إمبراطوريته العقارية‪ .‬أول كأس لمر ارتشًسته عنًدما أكملًت سًتة عشًر‬

‫ضا تذوقت ألول مرة هسد امرأة‪ .‬ه تريًد أن ألبًرك بالمزيًد‬
‫عا ًما‪ ،‬وفي تلك الليلة أي ً‬

‫أم يكسي هكذا!‬

‫تجمد "أيوب ص" في مكافه كأفةه صنم‪ .‬وظلت سًماعة الهًاتف علًى أذفًه حتًى بعًدما‬

‫ي تسسًير منطقًي لهًذا الجنًون الًذي قيً ومًا‬


‫أغلق الطرف اآللًر المكالمًة‪ .‬لًم يجًد أ ة‬

‫زال يتردد على مسامعه‪:‬‬

‫ضا أيوب؟!‬
‫ي هنون هذا‪ ،‬ه هذا يعني أفك أفت أي ً‬
‫‪ -‬أ ُّ‬

‫‪ -‬فعم أفا أيوب‪ ،‬ولقد أتيت من المستقب ألفقذك من هذئ الستاة‬

‫يًًحك "أيًًوب ص" بسًً‪،‬رية‪ ،‬وقًًرر أن يتجًًاوب معًًه فًًي الحًًديث ظنًًًا منًًه ة‬
‫أن هًًذا‬

‫يء‪ ،‬فسأله وقال‪:‬‬ ‫الش‪،‬ص مجنون أو ربما محتال يعرف عن حياته ك‬

‫‪130‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬ولماذا هذئ الستاة تحديدًا؟‬

‫‪ -‬ألفها مريضة باسيدز‪ ،‬أفت اآلن ال تعرف سوى معلومات بسيطة للغاية‬

‫عن هذا المرم‪ ،‬بينما أفا عا رته تسعة سنوات كاملة‬

‫‪ -‬وما الذي هعلك متيقن ة‬


‫أن ريتا هـي من تسببت في هذا المرم؟! من‬

‫الممكن أن تكون عاهرة ً ألرى سبقتها‪ ،‬أو ربما عاهرة ستأتي من بعدها‬

‫‪ -‬هذئ آلر عاهرة ستضاهعها‬

‫‪ -‬يا رهً تعلًم أفةهًا مريضًة باسيًدز وتصًطحبها معًك للملهًى؛ تضًاهعها‬

‫ي ألفني فعلت ما فعلته أفت!‬


‫وتسع معها ك ما تريد‪ ،‬عم تأتي سلقاء اللوم عل ة‬

‫لنًًق الحًًزن صًًوت أيًًوب‪ ،‬وهًًو يحًًاول أن ي‪ًً،‬رج الكلمًًات مًًن فمًًه‪ ،‬حتًًى الكلمًًات‬

‫عندما لرهت كافت كالسياط تلس حنجرته لس ًحا‪:‬‬

‫‪ -‬لقد فعلت‪ ،‬لقد فعلت ذلك من أه أن تبتعد عنها‪ .‬ظننت أفةني افتصرت‬

‫على القدر عندما منعتك من لقا ها‪ ،‬حتى لو كان ذلك مقاب مضاهعتي لها‬

‫‪ -‬أفت حقير مالي ب أحقر مني‪ ،‬فا تدعي القداسة‬

‫‪ -‬معك حق أفا بالسع حقير‬

‫‪ -‬حقًا من أفت؟ ه أفت بالسع أفا أم أفك أحد المحتالين ممن يبحاون عن‬

‫المال وهمعت بعض المعلومات عني‪ ،‬وتريد أن تستغ التشابه الكبير‬

‫بيننا؟‬

‫‪ -‬كلماتك هذئ تؤكد كم الحماقة التي كنت عليها في المايي‬

‫‪131‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫لرج أيوب وترك "أيوب ص" للسه يكاد يجن هنوفه مما سم ‪ .‬تًذكر مًا قالًه "أيًوب‬

‫احتقًارا لنسسًه الدفيئًة‪ .‬فلقًد أصًب كمًن ينصً صًديقه‬


‫ً‬ ‫ص" له بأفه حقير وزادئ ذلك‬

‫بعًًدم ارتكًًاب الزفًًا والعًًاهرة تصًًرخ أسًًس هسًًدئ‪ .‬فًًي بًًادئ األمًًر وعنًًد قدومًًه‬

‫أن هناك برز ًلا يحًول بينًه وبًين فسسًه‪ .‬يمنً هًذئ الًنسس أن تبغًي علًى‬
‫ظن ة‬
‫للمايي ة‬

‫األلرى‪ ،‬وم مرور الوقًت بًدأ البًرزخ يتا ًى حتًى أصًبحا االعنًين ككسًين طًالتهم‬

‫النار‪ .‬أحدهما تشوئ بدرهة أكبًر مًن الاًافي‪ ،‬وبًالطب مًن تشًوئ أكاًر تًألم أكاًر‪ .‬رفً‬

‫أيوب عار اليد التًي احترقًت بالنًار لًن يؤلمهًا يًرب العصًا‪ .‬فلًم يعًد هنًاك ًيء‬

‫ي‪،‬سرئ بعد‪ .‬عليه اآلن أن يصل ما أفسًدئ قًدي ًما‪ .‬لًرج مًن الشًقة علًى السًور وذهً‬

‫إلى كوعر وداوود‪ .‬هناك الكاير مًن الكلًم يريًد أن يبًوح بًه‪ ،‬فأحًدهم سًيمنحه المغسًرة‬

‫واآللر سيطلبها منه‪.‬‬

‫وص إلى السيا وأوقسه عدوي على الباب‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬السيد أيوب ليس هنا‬

‫‪ -‬أعلم‬

‫‪ -‬إلى من تريد الدلول إذًا؟!‬

‫‪ -‬ابتعد عن طريقي اآلن وإال سألبر زوهتك التي في الصعيد أفةك تزوهت‬

‫عليها لادمةً كافت تعم هنا‬

‫ًعر عًًدوى للحظًًة ة‬


‫أن مابسًًه قًًد تبللًًت‪ .‬ظً يارعًًر وينًًوح كالنسًًاء‪ ،‬ويسًًتجديه أال‬

‫يسع ذلك حتى ال تقتله تلك الزوهة‪ .‬حاول هاهدًا معرفة كيف علم هًذا المجنًون بًأمر‬

‫ال يعرفه سوى سًيدئ "أيًوب ص" وزميً عمً يحًرس السًيا المجًاورة‪ .‬أمًرئ أيًوب‬

‫‪132‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫بالصمت فكف علًى السًور عًن الحًديث‪ ،‬وقعًد بمكافًه يسكًر كيًف سًتئول األمًور فًي‬

‫حالة معرفة زوهته باألمر‪ ،‬كأفةه ارتك كبيرة من الكبا ر!!‬

‫دلً أيًًوب السًًيا وظلًًت عينيًًه تجًًوب المكًًان بحا ًًا عًًن أي ًً‪،‬ص مًًن الممكًًن أن‬

‫يرائ‪ .‬لم يجد بالمكان سوى لادمةً تطهو الطعام وممريًةً تارعًر معهًا ولًم ينتبهًوا لًه‬

‫فصعد إلى الطابق الاافي سريعًا‪ .‬فت حجرة كوعر ولم يجدها‪.‬‬

‫ذهً إلًًى حجًًرة السًًيد داوود ودلً وتًًرك البًًاب دون أن يغلقًًه‪ .‬وهًًدئ يقعًًد وحي ًدًا‬

‫يتأم ً الجًًدران؛ حتًًى الجًًدران كافًًت تشًًسق عليًًه مًًن الوحًًدة‪ .‬مًًا أقس ًى أن تنتظًًر‬

‫السقوط في فخ الموت فيًأبى صًاف السًخ أن يمنحًك السًقوط‪ .‬المًوت سًيء فعًم ولكًن‬

‫األسًًوأ مًًن المًًوت هًًو افتظًًارئ‪ .‬ويًً فسسًًه مكًًان داوود للحظًًة وفكًًر لًًو سًًافر‬

‫للمستقب ووهد فسسه وحيدًا هكذا‪ .‬ربما أول يء سيسعله حين يعود من سسرئ أن يقتً‬

‫فسسه حتى ال يشيخ ويشعر بالوحدة المميتة التي يراها اآلن‪ .‬اقترب منه ب‪،‬طًى حاياًة‪،‬‬

‫حتى تحركت عينًا داوود وبًدأت تراقبًه‪ .‬قعًد القرفصًاء حتًى يكوفًا بًنسس المسًتوى‪،‬‬

‫وبنبرة يملئها الشجن والحنين‪ ،‬قال‪:‬‬

‫‪ -‬ال أصدق حقًا أفةني أراك مرة ً ألرى‪ .‬من الجيد ة‬


‫أن كوعر ليست هنا حتى‬

‫أتحدث معك بك حرية‪ .‬ه تعلم من أفا؟ بالتأكيد قلبك‪..‬‬

‫تحولًًت فبًًرة صًًوته للغض ً والشًًعور بالكراهيًًة واالفتقًًام مًًن ًً‪،‬ص سًًاهم فًًي‬

‫مريه‪ ،‬ب يظن أحيافًا أفةه السب الر يسي في المرم‪ ،‬وما وص إليه من دفًاءة فًي‬

‫التعام م البشر‪ .‬هز على أسنافه وأردف‪:‬‬

‫‪133‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫كايًرا‬
‫ً‬ ‫‪ -‬بالتأكيد قلبك الممتلئ بالجساء والقسوة سيعرف من أفا‪ .‬كنًت أ ًتهي‬

‫أن ت‪،‬برفي لماذا هدمتني هكذا؟ لماذا كنت تهدم ما تبنيه أمي وطلقتها وحرمتنًي منهًا؟‬

‫أتعلًًم ًًعرت بالسًًعادة تغمرفًًي عنًًدما أصًًابتك الجلطًًة‪ .‬لكًًم تمنيًًت أن تكًًون هكًًذا‬

‫مجًًرد قعيًًد ال حًًول لًًك وال قًًوة‪ .‬تصًًب هكًًذا وحيًًد؛ وحيًًد كطس ً ال أب لًًه وال أم‬

‫وحين أرادوا منحه السعادة احتسلوا معه بيوم اليتيم!‬

‫أيوب واحد من أولئك الذين قلوبهم ما وعاء الطين ويتصًرفون بسًوداوية وهسًاء‪ ،‬ال‬

‫كايرا ب لوموا من ويً الطًين فًي الوعًاء‪ .‬بكًى داوود‪ ،‬وافسًاب الًدم مًن‬
‫تلوموئ ً‬

‫عينيه كأب عاد إليه ابنه الضال‪ ،‬وعندما فت يديه ليضمه صسعه االبن على وههه ًر‬

‫صسعة‪.‬‬

‫بكًًى أيًًوب هًًو اآللًًر‪ ،‬وبًًدأت الًًذكريات تتقًًاذف كمنجنيًًق يقًًذف الكًًرات المشًًتعلة‬

‫الواحدة تلو األلًرى‪ .‬أولهًم عنًدما أهبًرئ داوود أن يحتسًي أول كًأس لمًر فًي حسلًة‬

‫يوم مولدئ بعد أن أتم السادسة عشر من عمرئ‪ ،‬ب واألدهى من ذلك أفةًه دبًر لًه امًرأة ً‬

‫ليحتسً ببلوغًًه! تحًًول داوود فًًي ذلًًك اليًًوم إلًًى هًًزار وهعً طسلًًه يمسًًك بالسًًكين‬

‫عنوة ً‪ ،‬وكي يابت الطس رهولته عليه أن يذب الشائ‪ .‬رح لًه طريقًة الًذب ومًن أيًن‬

‫تنحر الذبيحة؛ فحرهًا الطسً ورفً السًكين ليرفً رأس أبيًه‪ .‬تمنًى الطسً البكًاء فًي‬

‫أن الرهال ال تبكي! بكت السكين فيابةً عنه د ًما‪.‬‬


‫تلك اللحظة‪ ،‬وألفةه ألبرئ ة‬

‫تبعت تلك الذكريات ذكريات ألرى أغلبها مريرة‪.‬‬

‫تعبت قدميًه مًن قعًود القرفصًاء ووقًف يحًوم حولًه بصًمت يحًاول لملمًة المشًاعر‬

‫كايرا إهابتها‪ ،‬فسأله‪:‬‬


‫والكلمات‪ .‬لطرت على قلبه أسئلة ا تهى ً‬

‫‪134‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬تمنيت كايًرا ً أن ت‪،‬برفًي‪ ،‬لمًاذا أسًميتني أيًوب ولًم تعلمنًي الصًبر علًى‬

‫الحال؟ لماذا كنت تساعدفي على فع ك ما هو لطأ‪ ،‬وكً مًا هًو حًرام؟ هً كنًت‬

‫تريًًد فسًً‪،‬ةً طبًق األصً منًًك؟ حقًًًا ال أعلًًم‪ .‬هً إيمافًًك ة‬


‫أن أبنًًاء الملًًوك يصًًبحون‬

‫ملو ًكا هعلك تظن ة‬


‫أن الكاب من البشر ال تنج سوى كاب! إليك البشرى يا أبًي لقًد‬

‫أصبحت كلبًا يلهث وراء اللحم كما كنت تسع ‪ .‬ساعدتني بنقودك وفسًوذك أن أفعً كً‬

‫مًًا هًًو لطًًأ فًًي حًًق البشًًر مًًن حًًولي‪ ،‬ومًًا هًًـي قيمًًة البشًًر إن لًًم يكوفًًوا عبي ًدًا‬

‫ي‪،‬دموفك! ه تذكر من قال هذئ الجملة ومن علمها لي‪ .‬ألبرفي ماذا فعلًت لًك النقًود‬

‫وأفت هكذا قعيد ال تستطي حتى أن تجل لنسسك كوب ماء‪ .‬ماذا فع لك النسوذ وكارة‬

‫المتملقين والمتسلقين من حولك وقد غدوت اليوم وحيدًا‪ .‬سأطلعك على سر يًا أبًي لقًد‬

‫أيحيت كلبًا لسترة من الزمن‪ ،‬ولكن الكل أفج ما ًكا‪ .‬ابنتًي بسًمة زرعًت بًداللي‬

‫الح واألم ‪ .‬هًـي الوحيًدة التًي طلًت هًدران قلبًي بًاللون األبًيض بعًد أن طمسًت‬

‫بر فيها بالسواد‪.‬‬ ‫بيديك ك‬

‫أليًرا صًمت‬
‫ً‬ ‫صمت وطال الصمت لًدقا ق‪ .‬بعًد أن اسًتجاب هللا لًدعاء داوود ورزق‬

‫لسان ابنه الذي بات كالمنشار وهسد داوود ال‪،‬ش الجاف‪.‬‬

‫لقد قت أيوب ما تبقى من روح داوود‪ ،‬وافتقم منه ر افتقام‪ ،‬وتحول مًن هًؤالء الًذين‬

‫يسسكون دم الروح دون أي سقة‪ .‬فك ما يعرفوفه عن "الروح" هـي أفةها كلمة تتكًون‬

‫من لمسة أحرف بعد حسًبة بسًيطة علًى األصًاب ‪ .‬فًالنزيف بالنسًبة لهًم عبًارة عًن‬

‫ليوط من الدم تسي في طرق متعرهة بحسً افحنًاء العضًو الًذي تسًي منًه‪ ،‬أكًان‬

‫‪135‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫اليد أو الرأس أو القدم أو ما تبقى من بقية الجسد‪ .‬فهًم ال يؤمنًون بنزيًف الًروح‪ ،‬فقًأ‬

‫أرواحهم هـي من تنزف‪.‬‬

‫األلم أيحى بالنسبة لهم مجرد تأوهًات وصًرلات صًالبة فاتجًة عًن ألًم ال يحتمً ‪.‬‬

‫إن داوود اآلن ال يستطي الصراخ‪ ،‬بعكًس أيًوب الًذي يظًن ة‬


‫أن العًالم بأكملًه ال يتًألم‬ ‫ة‬

‫ووحدئ من يعرف مذاق األلم‪ .‬لقد هع فسس داوود مجرد دمية وويعها علًى قضًبان‬

‫كلماته الصارلة عم م ةر عليها بعجات قطًار الًذكريات‪ ،‬وبًالطب الًدمى ال تبكًي‪ ،‬وال‬

‫تتألم وال تصرخ‪ .‬ال تنوح وال تشتكي‪.‬‬

‫بعًد أن فعً مًا فعلًه‪ ،‬وقًال مًا أراد أن يقولًه‪ .‬ذهً ليجلً م ً‬
‫نًديا ليجسًف الًدم مًن‬

‫عينًًي داوود! بًًرغم الكراهيًًة الشًًديدة التًًي سًًكنت كلماتًًه‪ ،‬إال أفة ًه مًًا زال يحم ً لًًه‬

‫بعض الح ‪ .‬هسف له دمعه‪ ،‬وأمسك يدئ و قبةلها بعد أن عر بالشسقة عليه‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬اعتذر حقًا ألفةي قلت ك هذا الكلم‪ ،‬وددت فقأ أن أتقيئ ك الوه‬

‫الساكن قلبي‪ .‬وبرغم ك ذلك أسامحك على ك ما اقترفته في حقي‪،‬‬

‫وأتمنى أن ‪......‬‬

‫صمت أيوب فجأة ً عندما سم صًوت أفًين بكًاء يًأتي مًن للسًه‪ .‬اسًتدار بوههًه ليجًد‬

‫كًًوعر واقس ًةً وتض ً يًًدها علًًى فمهًًا لتكًًتم بكاءهًًا‪ .‬مًًا أن رأتًًه حتًًى ركضًًت إلًًى‬

‫حجرتها وأغلقت عليها الباب‪ .‬ذه للسها على السور‪ ،‬وظً يطًرق البًاب ويسًتجديها‬

‫أن تست ‪ .‬بعد أن فش استجدا ه ألرج صورة ً لبسمة وفظر إليها بك ح ‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬أفا أعلم أفةك غير مصدقة بأفةني أيوب‪ ،‬ولكن بحوزتي صورة لبسمة بعد أن‬

‫أكملت عامها الاامن‪ .‬ستكوفين األم الوحيدة التي ترى ابنتها قب أن‪....‬‬

‫‪136‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫أصابه الصمت عندما وهد الباب يست وهـي تكسكف دمعها‪ .‬مدت يدها من للف الباب‬

‫وطلبت منه الصورة‪ .‬أعطاها إياها‪ ،‬فألذتها وأغلقت الباب مًرة ً ألًرى‪ .‬ظنًت لًدقا ق‬

‫أفها تحلم وهـي تنظر للصورة التي تشبهها للغاية‪ .‬ويعت يدها علًى بطنهًا‪ ،‬وحًدعتها‬

‫وهـي تبكي‪:‬‬

‫ي حلم هذا الذي يحدث‬


‫‪ -‬أفظري يا بسمة إفني أراك اآلن‪ ،‬يا هللا أ ُّ‬

‫‪ -‬كوعر‪ ،‬أريد التحدث معك‬

‫ي اهتمًام‬
‫فاداها من ال‪،‬ارج فلم تستج وظلت تتحدث للصورة ولبطنها معًا‪ .‬لم تعرئ أ ة‬

‫صورا ألرى‪.‬‬
‫ً‬ ‫إال عندما ألبرها أفةه يملك‬

‫فتحًت البًًاب واطمأفًًت لًه قلً ً‬


‫ًيا‪ .‬ألًًرج الصًور المتبقيًًة معًًه وقايضًها أن تسًًتم لًًه‬

‫حتى ترى الصور‪ ،‬فوافقت على مضض‪:‬‬

‫ي يء أرهوك أن تغسري لي ك ما اقترفته في حقك‬


‫‪ -‬قب أ ة‬

‫‪ -‬لقد غسرت وسأغسر لك ما حييت‪ .‬يكسي أفةك كنت السب في أن أكون أما‬

‫‪ -‬حقًا!!‬

‫بكى من قوة قلبها في العسًو والغسًران‪ .‬وحًدها القلًوب القويًة مًن تغسًر هكًذا‪ .‬لًم يكًن‬

‫يدرك ة‬
‫أن قلبها طاهر لدرهة أن يغسر دون حساب أو عتاب‪ .‬بطريقًة ال إراديًة سًقطت‬

‫الصور من يدئ وأمسك يدها وقبةلها‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫ي كلمات أ كرك بها‬


‫‪ -‬ال أهد أ ة‬

‫يء‪ .‬فروى لها مًا م ةًر بًه مًن بدايًة‬ ‫هذبت يدها سريعًا وطلبت منه أن يشرح لها ك‬

‫مريًًه حتًًى عودتًًه إلًًى المايًًي‪ .‬بًًالطب لًًم ي‪،‬برهًًا ة‬


‫أن بسًًمة بكمًًاء‪ ،‬ولًًم ي‪،‬برهًًا‬

‫‪137‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ضا كيف ماتت ومن تسب في موتها‪ .‬لاف أن يمنحهًا القًدر ميتًةً أ ًد وأعنًف مًن‬
‫أي ً‬

‫هذئ في حالة أفةها حاولت أن تتا ى الموت في ذلك اليًوم المنكًود‪ .‬لًاف عليهًا بشًدة‬

‫من بطش القدر‪ ،‬فما بين البشر وما بين القدر لعبة يربحها القدر دا ًمًا‪ ،‬كأفةًه بحًر ومًا‬

‫فحن سوى أسماك فعيش بداللًه‪ ،‬إن لرهنًا مًن مًاءئ لليابسًة قتلنًا ًر قتلًة‪ .‬أو ربمًا‬

‫ي قًافون لًه عاقبًه بقصقصًة الجنًاحين‪ ،‬وبتًر‬


‫كنا مجرد طيور من يحًاول منًا كسًر أ ة‬

‫القًًدمين‪ ،‬وفتًًف الًًريش وويًًعه أعلًًى قمًًة هبليًًة لتسًًتمت الشًًمس بوي ً أ ًًعتها‬

‫الحارقة على لحمه العاري‪.‬‬

‫كايًرا‬
‫ً‬ ‫كايرا بالحكاية المجنوفة التي سمعت فصسها أو أق ‪ .‬فهـي لًم تهًتم‬
‫لم تقتن كوعر ً‬

‫بما قي أو سيقال‪ ،‬فسعادتها برؤية بسمة هعلتها تام ‪ .‬قبةلًت الصًور عشًرات المًرات‬

‫وهـي تضحك من فرط السعادة التي غمرتها‪ .‬افتهى من حدياه الذي لم تستم لغالبيتًه‪.‬‬

‫عر بالحنين البتسامتها العسوية‪ ،‬والح الذي يض‪،‬ه قلبهًا كمًا تضًخ السًماء الغيًث‪.‬‬

‫هذبه الحنًين إليهًا بشًعور ال إرادي‪ ،‬فيًدئ قًد تحركًت دون أمًر منًه وأمسًكت بيًدها‪.‬‬

‫سالرا من عستها‪ ،‬وقال‪:‬‬


‫ً‬ ‫هذبت يدها سريعًا فضحك‬

‫‪ -‬أفا زوهك!‬

‫رفعت رأسها لفعلى ووههت حدياها للرب‪ ،‬وقالت متعجبة‪:‬‬

‫ي هنون‬
‫‪ -‬يا هللا كيف يكون لي زوهين والزوهين هما فسس الش‪،‬ص‪ ،‬أ ة‬

‫هذا الذي يحدث!‬

‫‪ -‬هذا هنون المستقب يا زوهتي‬

‫‪138‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫وق الكلمة على أذفها هعلتها تبتسم في لج ‪ .‬افص ة ك اهتمامها بالمستقب بما تسعلًه‬

‫ي مدرسة اآلن‪ ،‬وكم صديقةً لديها‪ .‬كم سورة ً مًن القًرآن تحسًظ‪ .‬هً تغسً‬
‫بسمة‪ .‬في أ ة‬

‫أسنافها هيدًا ك يوم‪ .‬كم وهبةً تأك وأ ُّ‬


‫ي الطعام تسض ‪ .‬ما هًـي العصًا ر التًي تحبهًا‬

‫وما فوع الموسيقى التي تسضلها‪ .‬األفًام المسضًلة لهًا‪ ،‬وكًم سًاعةً تنًام‪ .‬افهالًت عليًه‬

‫باألسئلة عن بسمة حتى أيقن أن اهتمامًه بهًا لًم يكًن ليضًاهي عشًر اهتمًام كًوعر إن‬

‫ظلت على قيد الحياة‪ .‬أو ًك أكاًر مًن مًرة أن ي‪،‬طًئ وي‪،‬برهًا بموتهًا المبكًر بًرغم‬

‫أفها لم تهتم بالسؤال عن فسسًها وال مًرة‪ .‬أو علًى أقً تقًدير تسًأل هً هًـي علًى قيًد‬

‫الحيًاة أم فًي عًداد المًوتى؟ هً مًا زالًت فًي عصًًمته أم سًأمها وتركهًا؟‪ .‬هكًذا هً ةن‬

‫األمهات ممن يملكن إفكار ذات غير عادي تجائ أطساله ةن‪.‬‬

‫امتًًدت الارعًًرة بينهمًًا حتًًى منتصًًف الليًً ‪ ،‬وقبًً أن ي‪ًً،‬رج ويتركهًًا اسًًتجدته أن‬

‫يطمئنها على "أيوب ص" فهاتسه مغلق‪ .‬وعًدها بأفًه سًيهاتسها حالمًا يجًدئ‪ .‬لًرج هًذا‬

‫اعرا بالريا والسكينة يملئان قلبه‪ .‬بينما دل "أيوب ص" الملهًى‬


‫ً‬ ‫األيوب من السيا‬

‫للتو وهًو يشًعر بالسً‪،‬أ علًى هًذا العًالم ويتمنًى لًو كًان للعًالم مًؤلرة ً حتًى يمسًك‬

‫بعصا ويظ يضربه عليها حتى تتورم وتتحًول لقطعًة مًن الجلًد األحمًر‪ .‬اتجًه للبًار‬

‫سا كعادته ب أمسك بزهاهة لمر ورفعهًا علًى فمًه وبًدأ يتجرعهًا‬
‫وقعد‪ ،‬لم يطل كأ ً‬

‫دفعةً واحدة‪ ،‬كأفةه يا في الساة منذ يومين ووهد هذئ الزهاهة أمامه فأمسكها كأفةهًا‬

‫زهاهة ماء‪ .‬عافقها بيدئ ورفعها على فمه ليرتوي‪ ،‬و ًرب مًا يقًرب مًن الربً دفعًةً‬

‫واحدة ً‪ .‬اقتربت منه إحدى عاهرات الملهًى بعًدما رأتًه فأ ًسقت عليًه‪ .‬ويًعت راحًة‬

‫يدها على كتسه‪ ،‬وقالت‪:‬‬

‫‪139‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬ال تقسو على فسسك‪ ،‬ستموت هكذا‬

‫‪ -‬في ك الحاالت أفا ميت‬

‫رف الزهاهة مرة ً ألرى على فمه‪ ،‬وتجرع منها الكاير؛ لم يتبقًى فيهًا سًوى النصًف‬

‫أو أق ‪ .‬فظرت له الستًاة وحاولًت أن تجًد كلمًات ترعًي بهًا حالتًه‪ ،‬لكنًه كًان يضًحك‬

‫بجنون فربتت على كتسه حتى يهدأ‪ .‬تاب هو الحديث بصوت صال وهو يسع ‪:‬‬

‫ضا‬
‫‪ -‬أتعلمين لقد قابلت اليوم أيوب اآللر‪ ،‬وألبرفي بموتي القري ‪ .‬قال أي ً‬

‫أفةني لن أياه بعد اليوم عاهرة‬

‫ًرب مًًا تبقًًى مًًن الزهاهًًة دفعًةً واحًًدةً‪ .‬أمسًًك بيًًد العًًاهرة‪ ،‬ويًًغأ عليهًًا بقًًوة‪،‬‬

‫وقال‪:‬‬

‫‪ -‬سأعبت له أفةه م‪،‬طئ‪ .‬هيةا تعال معي إلى الشقة‬

‫هذبت الستاة يدها وحاولت اسفات من قبضته‪ ،‬وقالت بحنق‪:‬‬

‫‪ -‬أترك يدي‬

‫تأوهت العاهرة من قبضة يدئ عليها‪ ،‬فأرلى قبضًته وأفلًت يًدها‪ .‬فظًرت بدهشًة لليًد‬

‫التي صبغت باللون األحمر‪ ،‬وصرلت في وههه‪ ،‬وقالت‪:‬‬

‫‪ -‬لقد أصابك ال‪،‬مر بالجنون‬

‫ذهبًًت العًًاهرة بعي ًدًا وهًًـي تهرطًًق بًًالكام وتنظًًر ليًًدها بأسًًى فمًًن علًًى ًًاكلتها‬

‫هسدهم هو مصدر رزقهم الوحيد لًذلك يغضًبن بشًدة حًين يمًس هًذا الجسًد بالسًوء‪.‬‬

‫فهذا الجسد متاح مباح فقأ للمتعة بالطب مقاب المال‪ .‬وأحيافًا مقاب المتعة‪.‬‬

‫أتى مرعي وحاول تهد ته‪ ،‬ص له كأس لمر وأعطائ له‪:‬‬

‫‪140‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬ال تغض يا سيدي من عاهرة كهذئ‬

‫رب ما به من لمر ورف الكأس السارغ إلى مسًتوى عينيًه وفظًر مًن للًف الكًأس‬

‫إلى مرعي‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬ب أفت العاهر‬

‫وفظر سحدى العاهرات‪ ،‬وأردف‪:‬‬

‫‪ -‬وهذئ عاهرة‪ ،‬والساقي عاهر‪ ،‬وك من في هذا المكان عاهرون‬

‫سقطت عينيه على عاهرة كافت تتأوئ مذ مدة أسس هسدئ‪ ،‬فدقق النظر إليهًا‪ ،‬ويًحك‬

‫سالرا‪ ،‬وأ ار لها بيدئ‪ ،‬وقال‪:‬‬


‫ً‬

‫‪ -‬باستاناء هذئ الطاهرة التي يوهد على ظهرها من األسس و م فسر‬

‫يحك بصوت عال عم أردف‪:‬‬

‫‪ -‬ألبريني ه حلةق النسر أم ما زال يري من حلي الرهال كما قلت‬

‫ازدادت الضحكات الصالبة‪ ،‬وازدادت األعين التي تنظر إليه‪ ،‬حتى غًدا كً مًن فًي‬

‫الملهى ينظرون إليه‪ .‬دد يدئ على الكأس بك قوته حتى افكسر في يدئ‪.‬‬

‫أتى حسن عشماوي سريعًا بعدما استدعائ مرعي‪ .‬دفا مًن أيًوب وأبصًر الًدماء تسًي‬

‫من يدئ‪ ،‬فجذبه وقال‪:‬‬

‫‪ -‬تعال أليمد لك يدك‬

‫‪ -‬دعك من يدي وألبرفي‪ ،‬أليس ك من في المكان عاهرون‪ ،‬وأفت‬

‫العاهر الكبير؟‬

‫‪ -‬فعم أفا كذلك‪ .‬هيةا اصعد معي اآلن وق ما تشاء باألعلى‬

‫‪141‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫بعد أكار من محاولة تمكن من إقناعه بالصعود لفعلى‪ ،‬فهو محتًرف فًي التعامً مً‬

‫ماً هكًًذا مواقًًف‪ .‬بًًرغم أفةًه لًًم يتوقً رؤيًًة "أيًًوب ص" منهً ً‬
‫ًارا كالسًًكارى الًًذين‬

‫يلوذون إلى ال‪،‬مر ويستترون للسه للهروب من الواق ‪.‬‬

‫أقعدئ حسن عشًماوي علًى الكرسًي ويًمد هًروح يًدئ وفًزع بعًض الزهًاج الغًا ر‬

‫بدال اللحم‪ .‬حًاول باسًتماتة أن يعًرف مًا حًدث ليصً إلًى هًذئ الحالًة‪ .‬وبًرغم أفةًه‬

‫ألبرئ بالحقيقة إال أفةه ظنها ليال علمًي مًن تًأليف السًكير‪ ،‬ورغًم ذلًك راودئ بعًض‬

‫منهارا هكذا من قب ‪.‬‬


‫ً‬ ‫الشك ألفةه لم ير "أيوب ص"‬

‫عاد أيوب إلى الملهى‪ ،‬فألبرئ مرعى بما حدث فًركض علًى السًور إلًى مكتً حسًن‬

‫عشماوي‪ .‬سأله ماذا حدث فقص عليه ما دار بينهما‪ ،‬وبأفةًه ويً لًه قًرص منًوم فًي‬

‫الماء دون أن يعلم‪ ،‬كي يهدأ ويكف عن رب ال‪،‬مر‪:‬‬

‫‪ -‬اعتذر ستنام اليوم بجوارئ‬

‫ليرا ما فعلت‬
‫‪ -‬ال داعي لاعتذار‪ً ،‬‬

‫‪ -‬ه أفت حقًا قادم من المستقب ؟!‬

‫بعد صمت لدقيقة أو أكار ممزوج بابتسامة سالرة أهابه أيوب‪:‬‬

‫‪ -‬بالطب يا ره أفا قادم من المستقب ‪ ،‬وقد تمكن أحد الجهابذة من ابتكار‬

‫عاج لسيروس سي واسيدز "يألذ من المريض المرم‪ ،‬ويعيدئ إليه على‬

‫ك صوباع كسته ليتغذى عليه"!!!!!!!‬

‫‪ -‬ما هذا الهراء يا ره !؟‬

‫‪142‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫يًًحك حسًًن لسًً‪،‬رية السًًؤال الًًذي طرحًًه؛ رغًًم ة‬


‫أن القسًًم األول مًًن اسهابًًة كًًان‬

‫صا بًا‪ .‬تركه أيًوب ودلً ليطمًئن علًى "أيًوب ص" المسًجى علًى السًرير‪ ،‬والًذي‬

‫يغأ في فوم عميق‪ .‬ايًطج بجًوارئ واسًتند بظهًرئ علًى السًرير وظً يارعًر ً‬
‫قلًيا‬

‫م الصورة الوحيدة المتبقية من صور بسمة بعدما ألذت كوعر بقية الصور‪ .‬لم ينسًى‬

‫أن يتصً بهًًا ويطمئنهًًا عليًًه كمًًا وعًًدها‪ .‬أغلًًق الهًًاتف وويً الصًًورة علًًى قلبًًه‬

‫ليهدأ وينتظم النبض الذي افتسض بًالحنين إلًى كًوعر‪ .‬سًم لعقلًه أن يسًتره أحًداث‬

‫اليوم ويتسكر فيما هو قادم وعلى رأسهم الموت‪.‬‬

‫أيوب واحد ممن قدر لهًم أن يموتًوا أكاًر مًن مًرة فًي كً يًوم دون أن يقبًرهم أحًد‪.‬‬

‫وبًًالرغم مًًن موتًًه المتواصً مًًا زال هسًًدئ يتمسًًك بالحيًًاة ويًًأبى المًًوت أن يضً‬

‫لمسته األليرة على هذا الجسد المتهالك‪.‬‬

‫فهض الجسد المتهالك وقرر أن يكت ‪ .‬هل دفتًر المًذكرات مًن الم‪،‬بًأ الًذي ويًعه‬

‫فيه و رع في الكتابة‪:‬‬

‫أن الكلمًًات أحيافًًًا كالسًًيف‬


‫‪ -‬اليًًوم ذهبًًت إلًًى أبًًي وهعلتًًه يعًًرف هي ًدًا ة‬

‫بإمكافهًًا أن تقتً فًًي ومضًًة عًًين‪ ،‬وأحيافًًًا تكًًون كالمًًاء للظمًًآن تسًتطي أن تمنحًًه‬

‫الحياة‪ .‬قد قتلته بك حرف في البداية‪ ،‬وفي النهايًة منحًت روحًه الغسًران وال‪ً،‬اص‪.‬‬

‫ًيء ويًا ليًت البشًر قلًوبهم فقيًة مالهًا‪ .‬أريًد أن أفصً كً مًن‬ ‫غسرت لي كوعر ك‬

‫سيقرأ هذئ المذكرات فصيحةً (حاول أن تجع من حايرك ماييا تست‪،‬ر بًه وال تنًدم‬

‫عليه أبدا‪ ،‬فأفت ال تعرف ه ستنال فرصةً للعودة إلى المايي وتطلً الغسًران ممًن‬

‫‪143‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫أسأت إليهم ر إسًاءة أم ال‪ .‬لًذلك السرصًة أمامًك‪ ،‬فالحايًر والمسًتقب سًيأتي يو ًمًا‬

‫ويصبحون مايي‪ ،‬فأصن من حايرك اآلن يئًا تست‪،‬ر به عندما يصب ماييا)‪.‬‬

‫فظر للساعة في يدئ فلم يجد سوى لمسة عشر ساعة وبضعة دقا ق متبقية‪.‬‬

‫فظًًر للتًًاريخ ليتأكًًد ة‬


‫أن اليًًوم هًًو يًًوم والدة بسًًمة‪ ،‬وآلًًر بضًًعة سًًاعات لًًه فًًي‬

‫المايي‪.‬‬

‫قرر أن يمن النوم بعض الوقت‪ .‬فالجسد مرهق ويستحق بعض الراحة‪.‬‬

‫ة‬
‫غأ سريعًا في فوم عميق وفي المرة األولى التي استيقظ فيها قرر أن يرح ‪.‬‬

‫كافًًت السًًاعة قًد اقتربًًت مًًن الحاديًًة عشًًر صًًبا ًحا‪ .‬تًًرك "أيًًوب ص" فا ًم ًا ولملًًم‬

‫أ يا ه ولرج من الملهى‪ .‬لم يحتسظ سوى بالدواء ودفتر المذكرات وصورة بسمة ومًا‬

‫تبقى مًن فقًود‪ .‬ومًا دون ذلًك كًان مًن فصًي صًندوق القمامًة‪ .‬اسًتق سًيارة أهًرة‬

‫وبعد أق من ساعة كان في حجرة داوود يعافقه‪ ،‬ويتحدث معه‪ .‬وألفةه يعرف أبيه هيًدًا‬

‫قص عليه ما وصلت إليه مجموعة ركاته وكيف أصب رصيدئ في البنوك المصرية‬

‫واألهنبيًًة‪ .‬قاطعًًت كًًوعر بابتسًًامتها العذبًًة الحًًديث الشًًيق مًًن وههًًة فظًًر داوود‪.‬‬

‫اطمأفت في البداية على "أيًوب ص" عًم تبعًت السًؤال بعشًرات األسًئلة التًي ت‪ً،‬ص‬

‫ضا منها باألمس‪ .‬ألبرها أفةها ستض بسمة اليًوم‬


‫بسمة من هديد برغم أفةها طرحت بع ً‬

‫فًًدمعت عينيهًًا مًًن السًًعادة‪ .‬للمًًرة األولًًى منًًذ زواههًًا مًًن أيًًوب تبكًًي مًًن فًًرط‬

‫السعادة‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫غريبة حقًا هـي العاقة الوطيًدة بًين الًدموع والنسًاء‪ ،‬فعنًدما يسًرحن يبكًين‪ ،‬وعنًدما‬

‫ضًًا يبكًًين‪ .‬مشًًاعر كايًًرة للغايًًة تًًرتبأ معهً ة‬


‫ًن‬ ‫يحًًز ةن يبكًًين‪ .‬عنًًدما يشًًتقن بصًًدق أي ً‬

‫بالدموع‪ .‬كسكست دمعها وسألته‪:‬‬

‫‪ -‬ه سيكون بجواري أعناء الوالدة؟‬

‫فظر باتجائ الجدار وفكر ً‬


‫قليا قب أن يجي ‪ ،‬وفي النهاية قرر أن يكذب‪:‬‬

‫‪ -‬من الواي أفةه لن يتمكن من ذلك بسب ما حدث باألمس‬

‫س دا ًما أفةه لن يأتي‬


‫‪ -‬ال تكذب؛ كنت أح ُّ‬

‫‪ -‬أفا سأكون بجوارك‬

‫أمسك بيدها وقبةلها‪ .‬لًم تقًاوم هًذئ المًرة وتسًحبها كمًا فعلًت بًاألمس بً ابتسًمت لًه‪،‬‬

‫وقالت‪:‬‬

‫‪ -‬لقد أصبحت حنوفًا للغاية‪ ،‬ليتك تبقى معنا دا ًما‪ ،‬ولكن دون أن تقب يدي‬

‫مرة ً ألرى‬

‫دل "أيوب ص" الحجرة في هذئ اللحظًة وكًان ً‬


‫عمًا‪ .‬رحلًت ابتسًامة كًوعر فًور أن‬

‫رأته على هذئ الحالة‪ .‬صسةق "أيوب ص" كتلميذ ألذتًه الحماسًة فًي طًابور الصًباح‪.‬‬

‫دفا من كوعر التي عرت أفةها ارتكبت إع ًما بكلماتها تلك‪ ،‬وقال وهو ينظر أليوب‪:‬‬

‫‪ -‬تقول أفك أصبحت حنوفًا‪ ،‬ما رأيك أيها الحنون أن فلع لعبةً سويا؟‬

‫‪ -‬ماذا تريد؟!‬

‫‪ -‬سنغير فقأ قدري وقدرك‪ .‬أفت ستظ هنا م داوود وكوعر وأفا سأذه‬

‫إلى المستقب‬

‫‪145‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫هز أيوب رأسه وأهاب‪:‬‬

‫‪ -‬مستحي ‪ ،‬القدر ال يتغير‪ ،‬أفت عم وال تدرك ما تقول‬

‫‪ -‬على العكس تما ًما‪ ،‬أفا في كام قواي العقلية‬

‫قاطعت صرلات كوعر حدياهم المشحون‪ ،‬ة‬


‫كأن رحمها افتظًر أن يجتمً األيًوبين معًًا‬

‫حتًًًى يتسًًً ‪ ،‬وتبًًًدأ أولًًًى صًًًرلات الم‪ًًً،‬ام‪ .‬طلبًًًت مًًًن "أيًًًوب ص" أن يتصًًً‬

‫ًالرا ولًًم يعرهًًا أي افتبًًائ! تحًًرك أيًًوب علًًى السًًور واتص ً‬


‫بالطبي ً فنظًًر لهًًا سً ً‬

‫باسسًًعاف مًًن الهًًاتف المنزلًًي‪ ،‬وركًًض إلًًى األسًًس وهل ً لهًًا ممريًًة داوود‪.‬‬

‫اصطحبتها الممرية إلى حجرتها لتنتظر قدوم اسسعاف‪ .‬لم يترك "أيوب ص" أيًوب‬

‫وحاول إقناعه بك السب الممكنة أن يتبادال األدوار فيما بينهما‪ .‬قص عليًه أيًوب أمًر‬

‫الساعة في يدئ والكبسولة التي بجوار قلبه فلم يقتن ولم يصدق‪:‬‬

‫‪ -‬سأذه أفا للمستقب ‪ ،‬وست‪،‬برفي رغ ًما عنك عن كيسية الذهاب‬

‫‪ -‬ستذه فقأ في حالة أفةني أصبحت هاة‬

‫يحك "أيوب ص" بجنون‪ ،‬حتى كاد يسقأ من فرط الضحك‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬م األسف فحن فشترك في فسس الروح حتى وإن التلست الجاة‪ ،‬فه‬

‫سأقت فسسي!؟‬

‫افتبه أيوب لصوت اسسعاف‪ .‬حاول التملص منه ليذه م كوعر فلم يتمكن مًن ذلًك‪،‬‬

‫فلقد هذبه "أيوب ص" من هاكت البزة بقًوة‪ .‬ظًا يتعاركًان‪ ،‬وداوود يراقً الموقًف‬

‫ي ًًًيء‪ .‬لرهًًًت كًًًوعر مًًًن حجرتهًًًا مًًً‬


‫بعجًًًز فًًًوق عجًًًزئ وال يملًًًك أن يسعًًً أ ة‬

‫‪146‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫المسًًعسين وهًًـي تسًًير علًًى أقًًدامها بتااقً ‪ .‬فظًًرت للسهًًا باتجًًائ حجًًرة داوود علةهًًا‬

‫ترى ما يحدث ليطمئن قلبها ولو ً‬


‫قليا‪.‬‬

‫ما أن هبطت الدرج حتى لرج أيًوب يهًرول للسهًا ولًرج "أيًوب ص" مًن وراءئ‪،‬‬

‫وهذبه مرة ً ألرى‪ ،‬وأوقسه عند الدرج‪.‬‬

‫دفعه باتجائ الحا أ ولنقه بيديه‪ .‬حاول أيوب التملص من قبضته وفش ‪:‬‬

‫‪ -‬لن أتركك تذه‬

‫قالها "أيوب ص" وهو يحملق في عينيه متحديا إيائ‪ .‬حاول أيوب أن يسًتجم مًا تبقًى‬

‫من قوائ ليذه للف كوعر‪ ،‬ويظسر بما ياع منه قدي ًما‪ .‬هز على أسنافه بشدة وقال‪:‬‬

‫‪ -‬لن أترك هذئ اللحظة تمر حتى لو كان الامن حياتي‬

‫أن روحه تذه منه وهو ينطق تلك الكلمًات‪ ،‬كأفةًه ينسًذ فيًه حكًم اسعًدام ًنقًا‪.‬‬
‫عر ة‬

‫ألرج قلمه من هي سرواله وبظسر إبهامه فزع الغطًاء‪ .‬أمسًك بمًؤلرة القلًم‪ ،‬وبكً‬

‫قوته غرس السن في يد "أيوب ص" الذي صرخ متأو ًها وعًاد القهقًرى لل‪،‬لًف وكًاد‬

‫عا‪ .‬الًتقأ أيًوب أفساسًه وهًو‬


‫أن يسقأ‪ .‬فظر لموي األلم فوهد بقعة دمًاء تًزداد اتسًا ً‬

‫فقًض عليًه‬
‫ة‬ ‫المحكوم عليه بالشنق وتمكن من السًرار بسضً قلمًه‪ .‬عًار "أيًوب ص" وا‬

‫كًًذ ‪ ،‬وأيًًوب الغًًزال الًًذي ال ي‪،‬شًًى المًًوت‪ .‬لقًًد تقًًدم وسًًار باتجاهًًه ً‬
‫بًًدال مًًن‬

‫التراه ‪ ،‬وفي اللحظة التي مدة فيها قدمًه اليمنًى‪ ،‬ت‪،‬بطًت أقًدام "أيًوب ص" بعضًها‬

‫بًًبعض فحًًاول التماسًًك وتا ًي السًًقوط‪ ،‬ولكنًًه تهًًاوى وسًًقأ‪ .‬اصًًطدم رأسًًه فًًي‬

‫الجدار وتًدحرج الجسًد علًى الًدرج حتًى وصً إلًى بدايتًه مًن األسًس ‪ .‬هًبأ أيًوب‬

‫‪147‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫سريعًا للسه‪ ،‬وفي فسس اللحظًة دلً عًدوي مًن بًاب السًيا‪ ،‬ورأى الًدماء تسًي مًن‬

‫رأس سيدئ‪ .‬فزع أيوب هاكت البزة وأعطائ لعدوي‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬حاول إيقاف النزيف وسأتص أفا باسسعاف‬

‫وي عدوي الجاكت على رأس "أيوب ص" وحاول إيقاف النزيف كما كلةف‪ .‬اتصً‬

‫أيوب باسسعاف وهو يرعي حال فسسه األلًرى المسًجية علًى األرم‪ .‬لقًد رفًض أن‬

‫يعيش لحظة من أفض اللحظات التي تمر في حياة الرهً ‪ ،‬وهًـي أن يولًد طسلًه أمًام‬

‫عينيه ويحتضنه فور لروهه من الرحم الضيق في بطن أمه إلى الرحم الواس الًدفيا‪.‬‬

‫عا للف كوعر وتمكن من اللحاق بها قًرب حجًرة الًوالدة‪ .‬سًم صًرلاتها‬
‫ذه مسر ً‬

‫يئًا‪.‬‬ ‫ولم يتمكن من الوقوف دون أن يسع‬

‫فًت بًاب الحجًرة وقبً أن يشًير لًه الطبيً بًال‪،‬روج أ ًار إليًه هًو بالصًمت التًام‪.‬‬

‫اتجًًه إل ًى كًًوعر وأمسًًك بيًًدها وابتسًًم لهًًا لتشًًد تلًًك االبتسًًامة مًًن أزرهًًا‪ .‬بعًًض‬

‫اللحظات تشتهي فيها المرأة أن ترى رهلها فقأ بًالقرب منهًا‪ .‬تًرائ صًامتًا‪ /‬واقسًًا‪ /‬أو‬

‫كايرا لحالته‪ .‬فقأ تشتهي لو ترائ حتى تمر مًن أصًع ألًم فًي‬
‫حتى هامدًا‪ /‬ال تكترث ً‬

‫حياتها؛ ألم الوالدة‪.‬‬

‫منحها وهودئ بجافبها الشجاعة ألن تدف بك قوتها حتى تتمكن من رؤيًة بسًمة للمًرة‬

‫األولى فلقد ظ يشجعها وهو يقول‪:‬‬

‫‪ -‬هيةا يا كوعر ادفعي‪ ،‬أال تودين رؤية بسمة ويمها بين يديك‬

‫‪148‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫التلطت مشًاعر كًوعر بًين السًعادة التًي منحهًا لهًا أيًوب بعًدم ت‪،‬ليًه عنهًا فًي هًذئ‬

‫اللحظة العصيبة‪ ،‬وبًين األلًم الًذي تعايشًه مًن تمًدد أعضًا ها واتسًاع رحمهًا‪ ،‬وبًين‬

‫السعادة المرتقبة بقدوم بسمة إلى الدفيا‪.‬‬

‫وكايرا ما بكت ولم تجد يدًا حافيةً تكسكف دمعها‪ ،‬وتمنحهًا الحً والصًبر‬
‫ً‬ ‫بكت كوعر‪،‬‬

‫على األلم‪ ،‬لكن في هًذئ اللحظًة وهًـي تتضًرع للًدعاء إلًى هللا بًأن ي‪،‬لصًها مًن هًذا‬

‫األلم‪ ،‬كافت تشكرئ ألفةه رزقها يدًا أتت من المستقب لتمنحها ك هذا الح بً وتمسً‬

‫العرق من على وههها لتمنحها الدفء الذي طالما تاقت إليه‪ .‬ظلت كوعر تصرخ حتًى‬

‫أليرا للنًور بعًدما سًحبها الطبيً ‪ ،‬وقطً حبلهًا‬


‫ً‬ ‫بدأت بسمة بالصراخ‪ .‬لرهت بسمة‬

‫السًًري ووي ً مشًًب ًكا علًًى ال ُّ‬


‫س ً ةرة‪ .‬رفعهًًا لفعلًًى واطمًًئن علًًى حالتهًًا الصًًحية‬

‫فوهًًدها ب‪،‬يًًر‪ .‬أعطاهًًا سحًًدى الممريًًات التًًي ويًًعتها علًًى مًًا يشًًبه السًًرير‬

‫الصغير وظلت تنظف الجسد من بقايا الدماء‪ .‬لرج الطبي بعد أن أطمئن على صحة‬

‫كوعر التي كافت على ليًر مًا يًرام‪ ،‬وتنتظًر فقًأ أن تحتضًن بسًمة بًين يًديها‪ .‬قبةلهًا‬

‫أيوب على هبينها‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬سأذه ألههز هدية صغيرة لبسمة وسأعود على السور‬

‫‪ -‬بسمة ال تريد سوى أن تبقى بجوارها‬

‫‪ -‬ليست بسمة هذئ‪ ،‬ب قصدت بسمة التي تنتظر عودتي‬

‫‪ -‬أيوب ال أريد لهذا الحلم الجمي أن ينتهي سريعًا‬

‫فعم أحام أغل النساء بسيطة للغاية‪ .‬ح صادق‪ ،‬واهتمام غير متكلف‪ ،‬ورهً يجيًد‬

‫امتطاء العق ‪ ،‬عم القل ‪ ،‬عم الجسد‪ ،‬ويظ بجوارهم حتًى الممًات وعلًى وهًه التحديًد‬

‫‪149‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫وألن أبسأ األ ياء أصعبها‪ ،‬فقلمًا تجًد امًرأة رهً ًا كهًذا‪ .‬ابتسًم لهًا‬
‫ة‬ ‫في أوقات كهذئ‪.‬‬

‫وطمئنها قا ًا‪:‬‬

‫‪ -‬أعدك أفةني سأعود سريعًا‬

‫ذهً ولًًم يهًًتم حتًًى بًًالعودة إلًًى السًًيا لمعرفًًة مًًا حًًدث "أليًًوب ص"‪ ،‬فطالمًًا هًًو‬

‫يتنسس فاآللر ما زال على قيد الحياة‪ .‬تألمت كوعر لذهابه‪.‬‬

‫أتت الممرية تحم بسمة إليها لتنتشلها من هذا األلم‪ .‬إفهم األطسال الصغار ببًراءتهم‬

‫وطهرهم قادرون حتى على افتشال الموتى من فك الموت‪.‬‬

‫عاد أيوب بعد مرور ما يقرب من النصف ساعة ومعًه ً‪،‬ص يحمً فًي يًدئ كًاميرا‬

‫فوتوغرافية‪ .‬ترك الره واقسًا على الباب ودل الحجرة ليجد بسًمة فا مًةً فًي حضًن‬

‫والدتها التي افشرح صدرها فور رؤيته‪ .‬ركض إليها وحمً بسًمة علًى يديًه‪ ،‬وعينًائ‬

‫تنظر إلى عيني كوعر التي اتسعت من السعادة‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬أكاًًر ًًيء فًًدمت عليًًه أفةنًًي لًًم أرى بسًًمة لحظ ًة والدتهًًا‪ ،‬ولًًم ألًًتقأ‬

‫صورة لنا تجمعنا فحن الااعة معًًا‪ ،‬كًأفةني عًدت إلًى المايًي ألرى سًعادتك وأهعً‬

‫بسمة ترى فسسها يوم والدتها‬

‫حلةقت كوعر من السعادة كعصسورة تطير للمرة األولى بعد أن كبرت أهنحتها التي‬

‫فسجتها كلمات أيوب الممزوهة بالصدق والح ‪ .‬زادت على سعادتها سعادة ً بعد أن‬

‫التقأ لهم المصور الكاير من الصور ورأت الح يمف عيني أيوب لها ولبسمة‪.‬‬

‫ستسسرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫فرغ المصور من التصوير ولملم أ ياءئ وهم بال‪،‬روج فنادائ أيوب وسأله م‬

‫‪ -‬متى ستنتهي من طباعتهم؟‬

‫‪150‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬ربما ساعةً أو ساعتين‬

‫فظر في ساعته التنازلية التي لم يتبقى فيها سوى عاث ساعات وبضعة دقا ق‪:‬‬

‫‪ -‬أمامك ساعة واحدة لتنتهي من طباعتهم‬

‫أعطًائ ورقًةً بما ًًة دوالر وهًـي كسيلًةً بجعً المصًور ينتهًي مًًنهم فًي دقًا ق‪ .‬لًًرج‬

‫المصور‪ ،‬وحم أيوب بسمة على يديًه وكلمًا اسًتيقظت هدهًدها وغنًا لهًا حتًى تهًدأ‬

‫وتنًًام‪ .‬ك ً ذلًًك وكًًوعر تراقبًًه بدهشًًة وغرابًًة‪ ،‬كأفةهًًا تشًًاهد رهً ًًا آلًًر غيًًر الًًذي‬

‫تزوهته‪:‬‬

‫‪ -‬ال أصدق أفةك أصبحت تح بسمة هكذا!‬

‫كايرا‪ .‬أتعلمين أفةني كلما‬


‫‪ -‬السض لك‪ ،‬ولبسمة‪ .‬أفظري لها إفةها تشبهك ً‬

‫ا تقت إليك كنت أفظر في وههها ألراك بمامحها‬

‫تحولت مام كوعر للعبوس‪ ،‬وسألته قا لة‪:‬‬

‫‪ -‬كلما ا تقت! ه سأموت قب أن تكم بسمة تس سنوات‪ ،‬أم ستطلقني؟‬

‫أدرك أيًًوب ال‪،‬طًًأ الًًذي وق ً فيًًه فأ ًًاح بوههًًه عنهًًا عنًدما بًًدأ الًًدم ي‪ًً،‬ال مقلتًًا‬

‫عينيه‪ .‬عرت هـي ببكا ه فأردفت سريعًا‪:‬‬

‫‪ -‬ال ال‪ ،‬أرهوك ال تج ‪ .‬أعتذر حقًا لطرحي هذا السؤال‬

‫فظر إليها والدم يترقرق في عينيًه‪ .‬للمًرة األولًى يسًم لعينيًه أن تًذرف الًدم فًي‬

‫حضرة الزوهة‪ .‬ة‬


‫إن الكايًر مًن الرهًال ي‪،‬شًون البكًاء أمًام زوهًاتهم حتًى ال يتهمًوا‬

‫بالضعف وال‪،‬نوع‪ ،‬وفي الغال يكون هذا السع صًا بًا فهًـي مجًرد زوهًة لًم ترتقًي‬

‫حتى للحبيبة‪ .‬بينما إن كافت الزوهة حبيبةً وعا ًقةً وأ ةمًا ً فحينهًا لًن ي‪،‬جً الرهً أن‬

‫‪151‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫يظهر الطس الساكن بدالله‪ .‬لن ي‪،‬ج من البكًاء‪ .‬بكًى أيًوب أمامهًا كالطسً الًذي ال‬

‫يريًًدها أن ترحً أبًًدا‪ ،‬وهًًـي بحنًًان األم ابتسًًمت لًًه وطمأفتًه دون أن تنطًًق بكلمًًة‪.‬‬

‫اقترب منها‪ ،‬ووي بسمة بجوارها وأمسك بيدها وقبة راحتها‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬أريدك أن تعديني بشيء‬

‫‪ -‬أعدك بك ما تريد حتى من قب أن تقول‬

‫‪ -‬ال تعودي إلى السيا مرة ً ألرى؛ ستموتين يوم‪..‬‬

‫ويعت يدها على فمه وطلبت منه التوقف عن الحديث‪:‬‬

‫‪ -‬ال راد لقضاء هللا وقدرئ‬

‫صًًمت أيًًوب وألًًف لسًًان ولسًًان بداللًًه يتحًًدعون‪ .‬همًًيعهم يريًًدون تحًًذيرها مًًن‬

‫المصًًير الًًذي ينتظرهًًا‪ ،‬وكيًًف س ًيلتهم المًًوت روحهًًا دون أن يشًًسق عليهًًا وعلًًى‬

‫طسلتها‪.‬‬

‫م ةر الوقت سريعًا واقتربت لحظة الرحي والسسر‪ .‬ظ يقبة طسلته بنهم‪ ،‬وكًوعر تراقبًه‬

‫مبتسًًمةً تريًًدئ أن يرحً ويعًًود مًًن المكًًان الًًذي أتًًى منًًه فلًم تعتًًاد ماً هكًًذا حً‬

‫وحنان وفي فسس اللحظة مدت يدها والمست يدئ بطريقًة ال إراديًة‪ ،‬وعنًدما فظًر لهًا‬

‫قالت‪:‬‬

‫‪ -‬هناك يء ال تعرفه وأود أن ألبرك به‬

‫‪ -‬سر!‬

‫قالها وابتسم‪ ،‬فابتسمت له وقالت‪:‬‬

‫سرا‪ ،‬ولكن لسافي لم يقدر على التسوئ به أليوب اآللر‬


‫‪ -‬ربما يكون ً‬

‫‪152‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫كايرا الكتابة على الورق‬


‫ً‬ ‫‪ -‬حسنًا اكتبي كما تسع بسمة فهـي تح‬

‫دمعًت عينًا كًوعر مًًن السرحًة فقًد اكتشًست بالصًًدفة ة‬


‫أن ابنتهًا تحً أن تكتً مالهًًا‪،‬‬

‫وبالطب أيوب لم ي‪،‬برها أفةها ايط ةرت إلى ذلًك ألفةهًا الوسًيلة الوحيًدة التًي تسًتطي‬

‫أن تعبر بها عن ك ما تشتهي قوله‪.‬‬

‫بدأت كوعر تكت ما لجلت من النطق به‪ ،‬وعندما افتهت كان قًد افقضًى الوقًت الًذي‬

‫لصصه للقعًود بصًحبتها هًـي وبسًمة‪ .‬لًرج بعًد أن ودةعهًا وألًذت منًه وعًدًا بًأن‬

‫يقرأ ما كتبت حين يعود للمستقب ‪ .‬وألذ هًو وعًدًا منهًا أن ال تبكًي بعًد رحيلًه! كًرر‬

‫ظًن ة‬
‫أن الوعًد كسيً بًأن ال تبكًي فًي غيابًه‬ ‫ال‪،‬طأ ذاته الذي وق فيه م بسمة عنًدما ة‬

‫وبكت‪ ،‬كذلك كوعر فور لروهه بكت‪.‬‬

‫وظن أفهًا طسلًة ال تسًتطي تحمً آالم السًراق‪ .‬ال يعلًم ة‬


‫أن‬ ‫ة‬ ‫لم يتعلم مما حدث م بسمة‬

‫المرأة عندما تعشق تغدو كالطسلة من الممكن أن تبكي في أي لحظة ا ًتياقًا لمًن تحً‬

‫حتى وإن كان أمام عينيها‪ .‬فإياك أن تطل وعدًا من امرأة تعشقك بأن ال تًذرف عليًك‬

‫عًا فًًي لحظًًات الرحيً ‪ .‬فالنسًًاء عيًًوفهن متعلقًًة بقلًًوبه ةن‪ ،‬فلًًو‬
‫دمًًوع ا ًًتياق أو دمو ً‬

‫دموعهن تعبئ في قنان وتباع ألصبحن بنو ًكا متحركةً!‬


‫ة‬ ‫كافت‬

‫بعًًد دقًًا ق مًًن لًًروج أيًًوب دل ً أحًًد الض ًباط حجًًرة كًًوعر التًًي تعجبًًت كايً ًًرا‪،‬‬

‫فاستأذفها الضابأ أن يطرح عليها بعض األسئلة فأومأت بالموافقة‪ ،‬فسألها وقال‪:‬‬

‫‪ -‬من هو الش‪،‬ص الذي يتردد على السيا منذ بضعة أيام ولرج منها مرة ً‬

‫بعد منتصف اللي ‪ ،‬وكان متواهدًا فيها منذ ساعات؟‬

‫‪ -‬إفةه زوهي‬

‫‪153‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪ -‬زوهك في المستشسى يصارع الموت‬

‫‪ -‬ماذا تقول؟!‬

‫ألبرها ة‬
‫أن "أيوب ص" في حجرة العنايًة المركًزة يصًارع مًن أهً البقًاء علًى قيًد‬

‫الحياة‪ ،‬وبأفةه قد تلقى با ً‬


‫غا من حارس السيا يسيد ة‬
‫أن أحد األ ‪،‬اص كان موهودًا أعنًاء‬

‫سقوطه من علًى الًدرج‪ ،‬وعنًد التحقيًق مً الحًارس‪ ،‬أفًاد ة‬


‫أن هنًاك ً‪،‬ص مجهًول‬

‫كان يتردد على السيا ولرج باألمس منها بعد منتصف اللي ‪ ،‬وعاد لتكرار السؤال‪:‬‬

‫‪ -‬من هذا الش‪،‬ص إذًا؟‬

‫‪ -‬ألبرتك أفةه زوهي‬

‫قصت عليه ك ما تعرفه بصدق وأمافة‪ ،‬فظنها قد هنت‪:‬‬

‫‪ -‬ما هذا الهراء يا امرأة؟‬

‫‪ -‬هذئ هـي الحقيقة‬

‫‪ -‬إذًا أفت متزوهةً من ‪،‬صين والش‪،‬صين هما فسس الش‪،‬ص؟!‬

‫‪ -‬فعم أحدهما قادم من المستقب‬

‫‪ -‬وأين هذا الذي أتى من المستقب ؟‬

‫‪ -‬ذه ليعود إليه‬

‫‪ -‬يا هللا على هذا الجنون‬

‫لرج الضابأ وتركها بعدما يأس من الحديث معها‪ ،‬ومًن قصًتها ال‪،‬رافيًة مًن وههًة‬

‫فظًرئ‪ .‬عًًاد إلًًى موقً األحًًداث ربمًًا يجًًد أي لًًيأ يدلًُّه علًًى طريًًق هًًذا القًًادم مًًن‬

‫المستقب كما أفًادت الزوهًة‪ .‬زادت الحيًرة لديًه بعًد اعتًراف عًدوي ة‬
‫أن هًذا الرهً‬

‫‪154‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫يعلم أ يا ًء ال يعرفها أحد سوى السيد "أيوب ص" وعلًى رأسًهم زواهًه الاًافي‪ .‬وفًي‬

‫اللحظة التي كاد يجن فيها هنون الضابأ ويحًاول بشًتى الطًرق إيجًاد هًذا القًادم مًن‬

‫المسًًتقب ‪ .‬كًًان أيًًوب يتعًًارك مًً حًًارس األرم الًًذي اسًًتيقظ فيهًًا عنًًد قدومًًه‬

‫للمايي؛ هو يريد الدلول واالفتظار والحارس يرفض‪:‬‬

‫‪ -‬أعدك أفةني سألتسي من هنا بعد دقا ق‬

‫ظ يستجديه‪ ،‬وألرج ك ما يحمله من فقود وأعطاها للره الذي رفضها‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬يا سيدي ال أريد مالك‪ ،‬أرهوك ارح اآلن‬

‫فظر للساعة التنازلية في يدئ‪ ،‬لم يتبقى سًوى لمسًة عشًرة دقيقًة‪ .‬لشًي أن يكًون قًد‬

‫ت‪،‬لف عن الموعد‪ ،‬أو أفةهم لن يأتوا في موعدهم فينتهي الوقت ويموت‪ .‬أو يظً عالقًًا‬

‫هكذا في المايي إذا كافت الساعة التنازلية والكبسولة مجرد لدعة‪.‬‬

‫مً ةًرت بضًًعة دقًًا ق وهًًو يحًًاول باسًًتماتة أن يقن ً هًًذا الحًًارس بألًًذ النقًًود مقاب ً‬

‫الصمت‪ ،‬فأغلق الحارس الباب في وههه وتركه ودلً ‪ .‬هذبًه رهً مًن يًدئ‪ ،‬وطلً‬

‫منًًه الصًًعود إلًًى السًًيارة التًًي تقًًف علًًى بعًًد بضًًعة أمتًًار‪ ،‬صًعد السًًيارة وحقنًًوئ‬

‫بنسس المادة التي حقنوئ بها في السندق‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫(‪)7‬‬

‫يا ليت بعض السنون تم ُّر كاللحظة وبعًض اللحظًات تغًدو سًرمديةً‪ ،‬فالسًعادة ال تجًد‬

‫سبيلها إال بالمرور كوميض البرق‪ ،‬والحزن يجًد يًالته فًي الكسً والجمًود وإيقًاف‬

‫عقارب الساعة عن التحرك‪ .‬لقد م ةرت الساعات مً كًوعر بسًرعة رهً ينظًر أمامًه‬

‫فسم صوت ًا يأتي من ال‪،‬لف فنظر إليه فلم يجًد ًيئًا فعًاد بًالنظر لفمًام مًرة ً ألًرى‪.‬‬

‫كافت النظرة لل‪،‬لف هـي السرعة التي م ةرت بها األيام في المايي‪.‬‬

‫استغرق أيوب في النوم بضعة ساعات من أعر الم‪،‬در‪ .‬اسًتيقظ ليجًد فسسًه فا ًمًا علًى‬

‫السرير بًدال السنًدق‪ ،‬وكً حاهياتًه بجًوارئ‪ .‬كافًت أول األ ًياء التًي اطمًأن عليهًا‬

‫قب ً أن يطمً ة‬
‫ًئن علًًى التًًاريخ الموهًًود بًًه اآلن هًًي الصًًور التًًي التقطهًًا م ً بسًًمة‬

‫وكوعر؛ وهدها بجوار هاتسه المغلق م دفتري مذكراتًه القًديم والجديًد والورقًة التًي‬

‫تركتها له كوعر‪ ،‬ودفتر المذكرات‪.‬‬

‫فرك عينيه‪ ،‬وذه ليغس وههه‪ ،‬وعاد وهسسه‪ .‬قعد وفت الورقة و رع في القراءة‪:‬‬

‫‪ -‬كنًت علًى و ًك أن ألبًرك أكاًر مًًن مًرة ولكًن لًم تسًن فرصًة لًًذلك‪.‬‬

‫ًورا‬
‫حتًى المًًرة التًًي قًًررت وصًًممت علًًى أن ألبًًرك فيهًًا أتيًًت فجً ًًرا وكنًًت م‪،‬مً ً‬

‫وظللت تتحدث ألبيك وتسبه وتلعنه فقررت أن ال ألبرك أبدًا وال أعلم حقًا هً علمًت‬

‫بمريًًه أم ال‪ .‬ك ً مًًا أعلم ًه اآلن أف ًك تكرهًًه لدرهًًة أفنًًي رأيًًت السًًعادة تقسًًز مًًن‬

‫عيني ًك عنًًدما أصًًابته الجلطًًة‪ .‬لًًم تهًًتم حتًًى برؤيتًًه سًًوى مًًرتين بعًًد عودتًًه مًًن‬

‫المستشسى‪ .‬أردت أن ألبرك ة‬


‫أن أبيك مريض باسيدز‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫سًًقطت الورقًًة مًًن يًًدئ وظ ً ينظًًر لهًًا ويضًًحك بهسًًتيريا غريبًًة‪ .‬تعالًًت صًًوت‬

‫الضحكات وامتزهت بالدموع الطسولية‪ .‬اتجهت عينائ صوب الحًا أ الًذي تحًول إلًى‬

‫ا ة تعرم له صور من تسب في مريه‪ .‬لقد كًان هًو المتسًب فًي مريًه حقًن‬

‫فسسه بنسسه‪.‬‬

‫م‪،‬مًورا يتًرف مًن‬


‫ً‬ ‫في تلك الليلة التي تحدعت عنها كوعر دل أيوب إلى داوود وكًان‬

‫فرط ما رب‪ .‬ظ يس‪،‬ر من عجز أبيه ومن مريه‪ .‬طرقت الممريًة البًاب فسًم‬

‫لها بالدلول‪ .‬أعطت داوود حقنة المسكن ولرهت‪ ،‬فأمسًك بالحقنًة مًن بعًد لروههًا‬

‫وظً يضًًحك ويلهًو بهًًا حتًى حقًن فسسًه دون قصًًد منًه‪ .‬امتزهًًت دما ًه الم‪،‬مًًورة‬

‫بدماء أبيه المريضة‪ .‬س‪،‬ر من أبيه فس‪،‬ر القدر منه‪ ،‬وظ ما يقرب من التسعة أعًوام‬

‫يظن أفةه يحم المرم من األهنبية التي ياهعها‪ ،‬والتي عاد بًالزمن مًن أهلهًا‪ .‬فًا‬

‫الزمن أسعسه ليعود معافى وال الموت افتشله مما يكابدئ اآلن من آالم‪.‬‬

‫م ةرت عليه الساعات بطيئةً كسلحساة تحاول عبور فهر من الضسة إلًى الضًسة‪ .‬مًا زال‬

‫يحاول أن يستجم مًا تبقًى مًن عقلًه‪ ،‬وبًاأللير مًدة يًدئ وفًت الهًاتف ليألًذ المسًكن‬

‫ال‪،‬اص به‪ ،‬فطسلته الغالية وحدها مًن تسًتطي تسًكين آالمًه فًي هًذئ اللحظًة‪ .‬يشًتهي‬

‫فقأ أن يرى ماذا تسع اآلن‪.‬‬

‫فسًخ رقًًم وهيًه علًًى هًاتف السنًًدق واتصً بًًه‪ ،‬وعنًدما أهابًًه سًأله عًًن بسًمة التًًي‬

‫ا تاق لها كا تياق المغترب لوطنه الذي تركه مًذ سًنون وهًا هًـي تًأتي لحظًة رؤيًة‬

‫وطنه الصًغير‪ .‬طمأفًه عليهًا أكاًر مًن مًرة‪ ،‬فطلً منًه أن يلًتقأ لهًا بعًض الصًور‬

‫‪157‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫دون أن تدرك‪ ،‬ويرسلهم له فور التقاطهم‪ .‬سأله وهيًه عمًا فعلًه فًي المايًي‪ ،‬فأهابًه‬

‫وقال‪:‬‬

‫يء‬ ‫‪ -‬عندما أعود سألبرك بك‬

‫عا باتجًائ القصًر‪ ،‬وعنًدما وصً إليًه ذهً‬


‫أغلق وهيه االتصال‪ ،‬وقًاد سًيارته مسًر ً‬

‫كايًرا‬
‫ً‬ ‫مبا رة ً لحجرة بسمة‪ ،‬فوهدها تسًتند بظهرهًا علًى السًرير وتكتً ‪ .‬لًم ينًدهش‬

‫حينما وهد األرم قد امتفت بقصاصات الورق فلقد كان هنا بًاألمس‪ ،‬ووهًد الكايًر‬

‫من األوراق فهـي فسةذت فصيحة أبيها‪.‬‬

‫فكلما ا تاقت كتبت‪ .‬كلما رغبًت بعنًاق كتبًت‪ .‬كلمًا ا ًتهت قبلًةً كتبًت‪ .‬هنًاك الكايًر‬

‫ة‬
‫داللهًن‬ ‫ة‬
‫بًداللهن‪" .‬إن كًان‬ ‫من مايات بسمة ال يملكن سوى الكتابة للتعبير عما يدور‬

‫يحترق‪ ،‬فستكون أحمقًا حقًا إن لم تشتم را حة الدلان تسوح من الكلمات"‬

‫فعم هـي تحترق ا تياقًا له ولذاك الصدر الذي للق من أهلها‪ .‬لقد علمهًا أن ال تعًرف‬

‫ًيء‪ ،‬للدرهًة التًي‬ ‫أحدًا سوائ‪ .‬هو بماابة األب واألم والصًديقة واألخ واأللًت وكً‬

‫هعلته يشًتهي لًو كًان لًه فهًد ليريًعها وهًـي صًغيرة! الًتقأ وهيًه بعًض الصًور‬

‫وهًًـي منغمسًًة فًًي الكتابًًة فلًًم تنتبًًه لًه عًم أرسًًلهم أليًًوب عبًًر تطبيًًق مًًن تطبيقًًات‬

‫مواق التواص االهتماعية‪.‬‬

‫ظلًًت بسًًمة تكت ً وتكت ً حتًًى ًًعرت باسرهًًاق والتع ً ‪ .‬أطعمتهًًا الًًدادة فعيمًًة‪،‬‬

‫وروت لها ك ما تعرفه من قصص حتى فامت باأللير‪.‬‬

‫استيقظت في اليوم التالي لتجد وهيه ومعه صديقاتها من المدرسة‪ ،‬وبعض المدرسًات‬

‫على رأسهم ميس ملك المحببة لقلبها يحملون كعكة عيد المياد التي تألرت يو ًمًا عًن‬

‫‪158‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫موعًًًدها‪ .‬أتًًًى مًًًن بعًًًدهم الًًًدكتور وليًًًد ومعًًًه زوهتًًًه وأطسالًًًه وامًًًتفت الحجًًًرة‬

‫باألطسًًال‪ .‬ظلًًت بسًًمة تحًًاول بشًًتى الطًًرق أن ال تجع ً أحًًدهم يمس ًك بقصاصًًات‬

‫الًًورق وبالتأكيًًد لًًم تًًنج ‪ .‬تعاركًًت م ً أحًًد األطسًًال الًًذي أراد أن يض ً قصاصًًة‬

‫بدال هيبه‪ ،‬وأعناء افشغالها بالتعارك م الطس كان يقف على باب الحجًرة الشً‪،‬ص‬

‫المنوط بقراءة ك هذئ القصاصات‪ .‬اقتربت منها مًيس ملًك وأ ًارت لهًا بًالنظر إلًى‬

‫بًًاب الحجًًرة فرفضًًت‪ .‬أعًًادت تكًًرار الطلً أكاًًر مًًن مًًرة فوافقًًت علًًى مضًًض‪.‬‬

‫فظرت لترى أيوب يقف على باب الحجرة والدم ينساب من عينيًه مًن هًول المنظًر‬

‫الذي رآئ‪.‬‬

‫كاهما وقف هامدًا كالتماعي ‪ ،‬فقًأ دمًوع كً منهمًا تًتكلم وتقًول بًاهلل عليًك قً أفًك‬

‫حقيق ًةً أراهًًا اآلن‪ .‬بًًاهلل عليًًك ألبرفًًي أفة ًك هنًًا أمًًام عينًًي‪ ،‬بإمكًًافي أن أتًًنسس فًًي‬

‫ي يء منًه يجعً‬
‫صدرك‪ ،‬وفتشارك معًا فسس الهواء ولو لاوان‪ .‬كافت بسمة تنتظر أ ة‬

‫التماال يتحرك‪ .‬مال بجسدئ وفت ذراعيه فركضًت إليًه كمًا يًركض القطًيأ إلًى أمًه‬

‫هلعًا ولوفًا من الكاب التي تتكال عليه وتريد أن تنهشه‪ .‬ظلت تموء وتمًوء وتبكًي‪،‬‬

‫وكلما زاد البكاء يمها إلى صدرئ أكار‪ .‬لكم تمنًى أن يعافقهًا ذات مًرة حتًى ت‪،‬تًرق‬

‫سريرا من الضلوع‪ ،‬ويقص عليهًا مًا تيسًر مًن القصًص المحببًة‬


‫ً‬ ‫هسدئ‪ ،‬ويصن لها‬

‫إلى قلبها وعندما تغسو يغطيها بجلدئ‪.‬‬

‫ظلت بسمة على هذئ الحال لدقا ق فلًم تتركًه ولًو لاافيًة‪ .‬حتًى الهديًة التًي هلبهًا مًن‬

‫المايي رأتها وهـي بين ذراعيه‪ .‬بًدأ اسرهًاق ينًال منًه‪ ،‬فأومًأ برأسًه لوهيًه وفظًر‬

‫‪159‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫باتجائ مقعد فجلبه وقعد عليه‪ ،‬وبسمة ال تزال في حضًنه‪ .‬اتجهًت عينًائ للًدادة بًأوامر‬

‫بدء حسلة عيد المياد‪.‬‬

‫عًا‪ ،‬واألطسًال بصًحبة مًيس ملًك‬


‫ويعت الدادة تسعة ًمعات بالكعكًة‪ ،‬وأ ًعلتها تبا ً‬

‫يعدون الشم الواحدة تلو األلًرى‪ ،‬حتًى وصًلوا للًرقم تسًعة‪ .‬أغلقًت سًتا ر الحجًرة‬

‫وأطسأت النور‪ ،‬لينباق فور الشموع فقأ‪.‬‬

‫فهض أيوب وأومأ لبسمة أن تقف بجوارئ حتى تطسئ الشم م األطسال فوقست وهًـي‬

‫تمسك بيدئ‪:‬‬

‫‪ -‬لنرى يا أطسال ه بسمة تستطي أن تطسئ الشموع بمسردها أم ستحتاج‬

‫إلى المساعدة‬

‫قالت ميس ملك تلك الكلمات وظلت تهتف‪ ،‬وتقول‪:‬‬

‫‪ -‬بسمة‪ ،‬بسمة‪ ،‬بسمة‬

‫ردد األطسًًال مًًن بعًًدها م ً أيًًوب ووهي ًه والًًدكتور وليًًد وك ً م ًن بًًالحجرة وظلًًوا‬

‫يهتسًًون لبسًًمة التًًي تحمسًًت كايً ًًرا وألًًذت ًًهيقًا وزفرتًًه لتنطسًًئ ك ً الش ًمعات‪،‬‬

‫ويسقأ أيوب على األرم‪.‬‬

‫ة‬
‫أن "أيوب ص" قًد توقًف‬ ‫في فسس اللحظة التي ركضت فيها الممرية لت‪،‬بر الطبي‬

‫قلبه عن النبض‪ .‬دل الطبيً سًريعًا وصًدمه بالكهربًاء أكاًر مًن مًرة فلًم يسًتجي‬

‫القل للصدمات‪ .‬سقأ األيوب الصغير في فخ الموت فأتبعًه األيًوب الكبيًر بالسًقوط‪.‬‬

‫تحققت أمنيته األليرة بالموت وبين يديه طسلته‪ .‬حقق له الموت أمنيته‪ ،‬ولكن مًاذا عًن‬

‫الطسلة! ترى هً هًذا المًوت علًى علًم ة‬


‫أن أيًوب يماً لهًا الحيًاة؟ هً قًبض الًروح‬

‫‪160‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ولرج أم ما زال هنا يراقبها وقد الحظ أفةهًا أصًيبت بالصًمت المطبًق فًوق صًمتها؟‬

‫ه سيتراه ويعيد لها روح أبيها التي قبضها منذ قلي !؟‬

‫ال أظًًًن ذلًًًك‪ ،‬فًًًالموت يشًًًبه المًًًرأة ال ة‬


‫شًًًمطاء المحنكًًًة التًًًي تبتًًًاع يوميًًًا الساكهًًًة‬

‫وال‪،‬ضًًروات مًًن السًًوق‪ .‬تنتقًًي البضًًاعة الجيًًدة وتتلًًذذ بأكلهًًا وتتًًرك العسًن لينشًًر‬

‫العسن‪ .‬ورغم ة‬
‫أن أيوب قد أصابه بعض العسن‪ ،‬لكن من يرى حالة بسمة اآلن يتمنى لًو‬

‫ملك معجزة إحياء الموتى فيحييه من أهلها‪.‬‬

‫تحسًس الًدكتور وليًد فبضًًه ليتأكًد أفةًه قًًد بًات فًي عًًداد المًوتى أم ة‬
‫أن مًا زال هنًًاك‬

‫أم ‪ ،‬وبعًد أن تأكًد مًن موتًه ومًوت األمً بحًث بعينيًه عًن بسًمة التًي عنًدما سًقأ‬

‫أبوها في فخ الموت اتجهت إلي زاوية‪ ،‬و ‪،‬صت عيناها باتجائ الجاة المسجاة‪.‬‬

‫ي يء ب ويتناقش معها‪ ،‬وتًرفض رغبتًه أحيافًًا‪،‬‬


‫لقد اعتاد أن ي‪،‬برها قب أن يسع أ ة‬

‫وتنصاع أحايينًا ألرى إن أراد هو ذلك‪ .‬كً مًا تمنتًه فًي هًذئ اللحظًة هًو أن يًنهض‬

‫ويقرأ ما كتبت‪ ،‬وي‪،‬برها بأفه سيموت اآلن! لسافها يصرخ من الدال ويناهيه ويقًول‬

‫"أبي افهض وألبرفي أفةك قد مت" تذكرت تلك اللحظة عندما ألبرها ة‬
‫أن المًوت أفاًى‬

‫تأتي للرهال وتألذ األهساد إلى أسس األرم عم تصعد بًالروح إلًى عليًاء الًرب‪ .‬لًم‬

‫ي يء سوى ة‬
‫أن هناك أفاى قد أتت وألذت منها أبيها‪ ،‬ولكنها م‪،‬تسيًة‬ ‫تستوع اآلن أ ة‬

‫ال ترى بالعين المجردة‪ .‬تسأل فسسها أين هـي تلك الملعوفة ألقتلها‪ ،‬ولسان حالهًا يقًول‬

‫فعم ستتحول أصابعي إلى سكاكين ستمزقها إربًا إربًا‪ ،‬عم تقوم بسرم ما تبقى من الجسًد‬

‫إن كان لها هسد‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫تسأل أين روح أبي التي ذهبت إلى الرب‪ ،‬وأين يقطن هذا الرب؟ طافًت بعينيهًا علًى‬

‫كً الموهًًودين‪ .‬وهًًدت الجميً ينًًوح عليًًه وحًًالتهم يرعًًى لهًًا‪ .‬تقوقعًًت علًًى فسسًًها‬

‫أكاًًر ويًًمت قًًدميها إلًًى صًًدرها‪ ،‬وأبعًًدت عنهًًا يًًد الًًدكتور وليًًد الًًذي حًًاول أن‬

‫يمسكها ويحملها لارج الحجرة؛ فظرت له كقطة مسعورة فارتع منها مبتعدًا وتجمًد‬

‫ليراق ما تسعله من بعيد!‬

‫دققت النظر على أبيها وامتدت يديها وارتكزت علًى األرم لتحبًوا كالصًغار‪ً .‬قت‬

‫طريقها فحوئ‪ ،‬والجمي يراقبها ولم يتجرأ أحدهم على أن يتحرك لطوة ً واحدة ً؛‬

‫ي اهتمام ال لمن ينظًر وال لمًن‬


‫فقأ كافوا يراقبوفها ويسسحون لها الطريق‪ .‬لم تعرهم أ ة‬

‫يراق ‪ .‬فقأ زحست باتجائ هاة أبيها حتى وصلت إليها‪.‬‬

‫مررت يديها من أسس الاياب حتى وصلت األصاب إلى موي القلً الهامد‪.‬غرسًت‬

‫أظافرهًًا بالجلًًد الميًًت كذ بًًة صًًغيرة ال تقًًوى علًًى كشًًأ الجلًًد السًًميك‪ .‬أرادت أن‬

‫ضا من فبضًها‪ ،‬ولكنهًا أيقنًت مًن صًراخ مربيتهًا‬


‫ضا من بعضها أو فب ً‬
‫تمن القل بع ً‬

‫ة‬
‫أن ك ما تسعله بات دون هدوى‪.‬‬

‫افقطعت األصوات من حولها فجأة ً‪ ،‬فالقل بالكاد كان ينًبض بستًور‪ ،‬ة‬
‫كًأن المًوت ألًذ‬

‫وزن هًًذا الجسًًد الميًًت وويًًعه علًًى صًًدرها‪ .‬تًًذكرت كلمًًات أبيهًًا وكيًًف يًًذه‬

‫الناس إلًى الًرب‪ ،‬وأيًن يقطًن ذلًك الًرب‪ .‬تجمًد عقلهًا فًي البحًث عًن إهابًة لسًؤال‬

‫واحد‪:‬‬

‫"ترى أي الطرق سأسلك ألص إلى ذلك الرب؟"‬

‫‪162‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫تجمد عقلهًا فًي البحًث عًن السًؤال الًذي لًم تًدرك بعًد إهابتًه‪ .‬رفعًت طًرف عينهًا‬

‫وحامًًت ببصًًرها علًًى كً مًًن فًًي الحجًًرة‪ .‬وهًًدت الجميً هامًًدين كتماعيً الشًًم‬

‫المصبوب‪ .‬عيوفهم الصة تحدق في الا يء‪.‬‬

‫وحدها هـي من فزعت الغشاوة من على عينيها؛ لقد وهدت إهابة السؤال الكبيًر حًين‬

‫فتحت لها النافذة على مصراعيها‪ ،‬ورأت روح أبيها معلقةً في الهواء والموت يمسًكها‬

‫بحب غليظ فركضت لتعافق أبيها‪.‬‬

‫تمت بحمد هللا‬

‫"ملحوظة"‬

‫فًًي الغال ً أو ربمًًا دا ًمًًا سًًنجد قصًًص بعًًض األفًًام أو المسلسًًات مًًألوذة عًًن‬

‫رواية لكذا أو كذا‪ .‬ولكن م األسف لقد كسرت هًذئ القاعًدة مرغ ًمًا علًى ذلًك بعًد أن‬

‫كتبت سيناريو لسيلم باسم "فاقص عمر" وهذئ الرواية مألوذة كاملةً غير منقوصة مًن‬

‫هًًذا السًًيناريو‪ ،‬ولع ً ة السكًًرة كافًًت ال تصًًل ألن تنًًت أو ربمًًا ال تحم ً الكايًًر مًًن‬

‫اسسساف لذلك ما زالت حبيسة أدراج المصنسات السنية‪.‬‬

‫*****‬

‫‪163‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫ًًكر لًًاص ه ًدًا ومًًن القل ً لك ً مًًن سًًاهم ولًًو بحًًرف واحًًد أو تعًًدي بسًًيأ أو‬

‫تصحي ل‪،‬طأ لت‪،‬رج الرواية بهذئ القوة على حد تعبير ك من قرأها‪.‬‬

‫*******‬

‫للصديق الطي ‪ /‬محمد عمارئ ‪ /‬إبراهيم فًاهي ‪ /‬محمًد صًابر ‪ /‬عمًرو فهمًي ‪ /‬آسًية‬

‫الرچراچي ‪ /‬أميرة عيسى‪.‬‬

‫وك الشكر والتقدير للصديقة ‪ /‬إيمان عبد الغني التي كافت تقًوم بعمً مصًح لغًوي‬

‫للرواية‪.‬‬

‫للتواص م الكات ‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/mohamed.elmasry.77.2727‬‬

‫‪01115501200‬‬

‫‪ex.pired2050@gmail.com‬‬

‫‪164‬‬
‫محمد المصري‬ ‫رواية ‪ /‬فخ الموت‬

‫‪165‬‬

You might also like