Professional Documents
Culture Documents
1
محمد المصري رواية /فخ الموت
إهداء
أهديك ما كتبت علك تشعر وتقبض أروا ًحا ربما فاسدة ً،
*******
محمد المصري
2
محمد المصري رواية /فخ الموت
() 1
كً فبضًة .أن يجعً المًرم مًن هسًدئ ما ًدة ً يأكً منهًا وعليهًا وال يشًب أبًدًا ،بً
ويزورئ ك صباح كمًا يًزور السًاح الشًجرة ليقطًف الامًار التًي فضًجت؛ كً ذلًك
وأكار يشعر به أيوب اآلن وهو مضطج علًى أريًية مكتبًه المتواهًد بيسًار مًدل
قصًًرئ السًً،م ،والًًذي يط ً علًًى الحديقًًة مبا ًًرةً .واي ًعًا قدميًًه علًًى األريكًًة ف ًي
ذلًًك النًًوم كًًالبحر المسًًجور يسًًم لًًك أن تسًًب بداللًًه كمًًا تشًًاء ،ولكًًن ال ياًًور
ويمنحك الغرق إال حينما تتعرى من ك آالمك ،وتستسلم لًه بكامً إرادتًك أو يستسًلم
هسدك رغ ًما عنك من وطًأة المشًقةة والوصً .فًي هًذئ الليلًة واللًيات الكايًرة التًي
سبقتها قد استحوذ الموت على تسكيرئ ،لم يسم له بالغرق في بحر النوم إال ً
قليا .فإذا
التلست النظر إلى قلبه ستجدئ مرهق كعاهرة ًربت ال،مًر حتًى افتشًت ،عًم اعتلًت
المسرح وظلت ترقص وترقص وتتلوى ب،صرها حتى سقطت من فرط الامالة .بينمًا
العق ككأس فام بما فيه من ال،مر فبات ال يقب ولو قطرة ً واحدة ً؛ هًو يريًد فقًأ أن
الجسد برمته هزي كعجوز تجاوز الما ة عًام وكلمًا م ةًر مًن أمامًه مًرم رحبًت بًه
المناعة ب واصطحبته حيث يريد الولوج وأسًكنته الًدم ،وسًاهمت فًي فضًوهه حتًى
يتسنى للجسد أن يتألم أكاًر .القلً والعقً والجسًد همًيعهم ينًاهون المًوت ،والمًوت
وقًًف لهًًم كمسًًجد يًأبى أن يركً فيًًه مسًًلم ولًًو ركعًةً واحًًدة ً .يقعًًد ككنيسًًة تًأبى أن
3
محمد المصري رواية /فخ الموت
يمارس فيها قداس عيًد المًياد .كصًومعة أغلقًت أبوابهًا فًي وهًه كً معتكًف؛ فقًأ
أدار ظهرئ وتمن .بات الموت يتلذذ بويعه على أرهوحة كاألطسال؛ الحيًاة تقًف مًن
ال،لف وتًدف الًروح إلًى موتهًا المشًتهى ،والمًوت يصًس الًروح بكً قًوة مسًتمتعًا
مذ أيام راودته فكرة كتابة قصة حياته .لمعت السكرة في ذهنه اآلن واستأفس بهًا .قًرر
في هذئ اللحظة أن يترك يئًا لهذا العًالم المقًزز قبً أن يسًقأ الجسًد فًي فًخ المًوت
الموت روحه وترك الجسد ينظر لها من بعيد ،كأفةها عدوئ السرمدي .ذلك الذي طعنته
الحيًًاة ب،نجًًر مسًًموم ،ووقًًف المًًوت يشًًاهد الطعنًًة بسرحًًة عارمًًة .مًًن أهً موتًًه
المتكرر هذا قرر أن يشرع في كتابًة مذكراتًه ،فذكرياتًه وآالمًه وكً أيامًه المايًية
حاول أن ينهض ولكن هسًدئ النحيً يًأبى النهًوم .مًا أقسًى علًى اسفسًان أن يًأمر
الجسًًد فيًًرفض تلبيًًة األمًًر .عين ًائ البنيتًًان تبحاًًان عًًن أقًًرب ًًيء لإلمسًًاك بًًه أو
االستناد عليه .زحف بيديه المتيبستين حتى وصً إلًى األريكًة واسًتند بظهًرئ عليهًا.
تحسر على فسسه عندما رأى يديه التي تط منها الشرايين بارزة ً والعظًام تنًتسض مًن
بين الجلًد واللحًم ،بالكًاد يوهًد هنًاك لحًم أو بقايًا منًه؛ ربمًا هًو أقًرب إلًى الهياكً
4
محمد المصري رواية /فخ الموت
سًتعرا كالنًار
ً وتتراقص .وي يدئ اليمنى على وههه وأغمًض عينيًه وكًان الوهًه م
استند على حواف المكت واتجه إلى المقعد ،عم قعد وأمسك بالقلم.
استه المذكرات بكتابة التاريخ والوقت في الصسحة األولى ،وفي الصسحة الاافيًة مًن
-أفًًًا أيًًًوب داوود السًًًيد عمًًًري عاعًًًة وأربعًًًون عا ًمًًًا مًًًريض بًًًال....
قاطعته بسمة ابنته واقتحمت للوته مً القلًم .صًسقت البًاب فًارتطم بالحًا أ ،ووقسًت
تتكئ عليه بظهرها .فظرت له بحنق معلنةً عن توقف الكتابة حتًى إ ًعار آلًر .بسًمة
ليسًًت مجًًرد اسًًم ب ً هًًي ابتسًًامة تراهًًا أمًًام عينيًًك ،فمًًا أن تنظًًر إلًًى وهههًًا إال
وتجزم أفةه ال يجوز أن يًرى هًذا الوهًه إال مبتسً ًما .فوهههًا المتبسًم ،كأفةًه القمًر فًي
ليلًًة ال فجًًوم فيهًًا .ورعًًت تلًًك االبتسًًامة العذبًًة مًًن والًًدتها المتوفًًاة باسيًًافة إلًًى
الكاير مًن مامحهًا الساتنًة ،كعينيهًا الزرقًاوتين و ًعرها األصًسر النًاعم ،زد علًيهم
بشرتها الشقراء وطاب الحسن في ذقنها ،منذ أن تراها ومن الوهلة األولًى تشًعر أفةهًا
هنوفه ،وتعلمت علًى يًدئ العنًاد ،وسًرعة الغضً .تعشًق الصًسقات فًإن أردت منهًا
ً
أوال ،أو تقط ً وع ًدًا بالتنسيًًذ .حتًًى أي ًوب فسسًًه ال ًًيئًا؛ يج ً عليًًك تقًًديم المقاب ً
فهض أيوب بتع واالبتسامة تكسو وههه ،واتجه إليها؛ ما زالًت تقًف بجًوار البًاب.
أ ًًارت لًًه أفةهًًا بحاًًت عنًًه بحجرتًًه وبالحديقًًة ولًًم تجًًدئ .ابتسًًم لهًًا وافحنًًى راكعًًًا
5
محمد المصري رواية /فخ الموت
عتذرا .قد فسي أفةها ستذه بعد قلي إلى المدرسًة وال بًدة
وأمسك بيدها اليمنى وقبلها م ً
لها من قبلة الصباح وعناق دافئ يتكسً أن تًذه واالبتسًامة تكسًو وهنتيهًا .أمسًكت
بلحيته وأ ًارت لًه أن ال يكًرر فعلتًه هًذئ مًرة ً ألًرى ،وي،برهًا فيمًا بعًد أيًن تجًدئ
دون أن تتكبد عناء البحث عنه هنا وهناك .قبلًت يًدئ وتعافقًا ،عًم ذهبًا سًويا إلًى بًاب
القصر .تركها تصعد السيارة متمنيا لها يو ًما را عًا .ظ ة يلوح لهًا بيًدئ وهًي تنظًر لًه
من الزهاج ال،لسي وترس له القًبات ،كأفةهمًا عا ًقان فًي بدايًة عشًقهما ،ويودعًان
بعضهما البعض بتل ُّهف؛ رغم أفةهما سيلتقيان بعد ساعات! إن كان في العمر ع ً
مرا.
عًاد أيًًوب إلًًى المكتً مًًرة ألًًرى .فًت الًدفتر وأمسًًك بًًالقلم ،وقبً أن يكتً سًًم
رفين الهًاتف فنظًر إلًى الشا ًة فًإذ بالمتصً الًدكتور وليًد صًديقه المقًرب ،وفا ً
يتكرر يوميا بمجرد استيقاظه من النوم .فأول األ ياء التًي يسعلهًا هًو االطمئنًان علًى
صحته؛ ليجبه كعادته بس،رية وي،برئ أفه مًا زال يتًنسس والمًوت يًأبى أن يقطً تلًك
األفساس.
التحديًًد هًًذا الطبي ً الًًذي ال يكًًف عًًن النُّص ً .لًًذلك افتظًًر حتًًى ينتهًًي الًًرفين عًًم
ما أن عاد ليمسك القلم فإذ بالبًاب يطًرق ،والطًارق هًو وهيًه مسًاعدئ الً،اص وبئًر
أسرارئ ،أيف إلى ذلك أفةه ذراعه اليمنى التي يسع من لالها أغلً مًا يريًد .سًم
كأن القدر يعافدئ بشًدة وي،بًرئ بأفةًه لًن يكتً اليًوم ًيئ ًا .دفًا منًه وحيًائ
له بالدلول ،ة
6
محمد المصري رواية /فخ الموت
فرد أيوب التحية .كان وهيه متأفقًا كعادته ،ال يسم للصًل الًذي بًدأ يأكً مًن مقدمًة
رأسًًه أن يهًًز عقتًًه بنسسًًه .ب ً تشًًعر أفةًه ره ً ال تشًًوبه ًًا بة كشًًاب فًًي ال،امسًًة
والعشرين برغم أفةه قد ت،طى األربعين ب،مس سنوات .له فظرة عاقبًة فًي عًالم المًال
واألعمال .رب أيوب مايين كايرة ً منذ أن بدأ في العم معه مًن سًبعة أعًوام ويزيًد.
دفا منه وألقى تحية الصباح .رد أيوب التحية ودعائ للقعود.
ارتسمت عامات األلم الممًزوج بالشًسقة علًى وهًه وهيًه ،وسًأل أيًوب عًن صًحته
بعد أن رأى عامات اسرهاق تعتًري قسًمات وههًه .فأهابًه بإيمًاءة فيمًا معناهًا أفةًه
ب،ير ،عم طل منه أن يجل له كوب ماء فلبى الطل على السور .ألذ الكوب مًن يًدئ
بسًأ أيًًوب ورقًةً علًًى سًًط المكتً بهًًا رسًًمة تشًًبه رسًًوم األطسًًال ،وبًدأ يشًًرح
لوهيًًه مًًا تحويًًه .طل ً منًًه أن يطبقهًًا علًًى أرم الواق ً .اتسًًعت عينًًا وهي ًه مًًن
سالرا وأمرئ بتنسيًذ مًا طلً منًه ،وعلًى السًور لًرج وهيًه كًي يلبًى إحًدى
ً يحك
7
محمد المصري رواية /فخ الموت
مرر أيوب أفامله على وههه و عر ببعض الراحة .وي يدئ اليمنى علًى المكتً عًم
وي ً اليسًًرى علًًى اليمنًًى وسًًم لرأسًًه أن تسًًتلقي علًًي يديًًه فًًي محاولًًة هديًًدة
ظ بضعة دقا ق في البداية ما بين اسرهاق والتسكير واآلالم التي تتعارك فًي أطًراف
هسدئ .كان يبحث عن فكرة يستطي من لالها أن يرغم عقله بالتوقف عن التسكير!
فًًي فهايًًة األمًًر تًً،در هسًًدئ وهمًًد ،فعنًًدما يشًًرب الجسًًد لمًًر األلًًم تام ً الًًروح
وتركً قا لًةً ال يسً األلًًم سًًوى األلًًم .رزق النًًوم بعًًد أن سًًأم العقً التسكيًًر ،وتعً
الجسد من النحي ،وسقأ في عالم األحام .هذا العالم الذي يحكمه ًيطان لعًين ،ومًا
فحن إال عبيدئ الم،لصًون ،يحركنًا كمًا يشًاء ،ويسًتبي دمنًا ويقبلنًا ويعافقنًا؛ يجلًدفا
في البداية وهد أيوب فسسًه يجلًس علًى طًرف ممًر لرسًافي ممتًد مًن الشًاطئ إلًى
البحر ممس ًكا بصنارة ويصطاد .كان السًمك يطسًو علًى سًط المًاء راف ً
ضًا أن يبتلً
الطعم ،عم بدأ السمك يلع ويتقافز إلى لارج الماء فًي فشًوة وسًعادة؛ فقًرر أن يلقًى
بصنارته في البحر ويمسك السمك بيديًه .اسًتلقى علًى بطنًه ومًد يديًه باتجًائ البحًر،
عر بالسعادة لوهلًة حتًى هرحًت السًمكة يًدئ اليمنًى فصًرخ عاليًا ،وفظًر إلًى يًدئ
8
محمد المصري رواية /فخ الموت
اعتدل في هلسته واستدار فاحية الشاطئ ،وقب أن يهم بالرحي أبصر ره ًا أسود في
بداية الممًر ال،رسًافي؛ لًم تكًن بشًرته سًوداء ،بً كًان هنًاك سًا أسًود كًالبترول
يسًًي مًًن رأس ًه كنهًًر يجًًرى فًًي مجًًريين م،تلس ًين .المجًًرى األول يسًًي فًًي لًًأ
األسًود ويحتسظًان بًه فًي داللهمًا .والمجًرى كأفةهما بئرين واسعين يستقبان السًا
الاًًافي يتقًًاطر مًًن الًًرأس علًًى الكتًًف ويسًًي باتجًًائ يًًدئ التًًي تمسًًك بعصًًا غليظًًة
مستديرة لها مقبض حديدي ،يوهد بنهايتهًا مسًامير بطًول عشًرة سًنتيمترات .لمسًة
سًًنتيمترات فًًي بطًًن العصًًا ،وال،مسًًة األلًًرى وهًًي الجًًزء المسًًنن يبًًرزن مًًن
لارههًًا ،ووزعًًن بشًًك دا ًًري متجًًاور كأ ًًواك القنسًًذ .فًًي مجملهًًا تشًًبه كايً ًًرا
مصدر الصرلة التي سمعها منذ قلي ومن الواي أفةه قًد أتًى ليقًتص مًن صًاحبها.
ظ الره يدفو منه وهو ال يدرى ماذا يسع بعدما توقف عقله عًن العمً وهًو ينظًر
بنسسه فًي البحًر ،وظً يعًوم حتًى قً منسًوب المًاء واسًتطاع أن يسًير علًى قدميًه
بتااق ،والرهً مًا زال متجمًدًا فًي مكافًه .مًا أن وطًأت أقًدام أيًوب رمًال الشًاطئ
حتى ركض ب،وف وهزع وهو يتحا ى النظًر إليًه .بيًد أن عينيًه تسًترق النظًر مًن
آن آللر رافضةً أن تطيً أوامًرئ بعًدم النظًر إليًه .تحًرك الرهً باتجاهًه والمسًافة
بينهم ليست بالبعيدة .هو يركض بجزع ،والره يركض للسه حتًى وصً إلًى كومًة
كبيًًرة مًًن القًًاذورات واألكيًًاس النتنًًة ،تشًًبه الشًًك الهرمًًي .صًًعد الكومًًة سًًريعًا
9
محمد المصري رواية /فخ الموت
وتمكن الره من اللحاق به ،وأصبحت المسًافة بيًنهم بالكًاد بضًعة لطًوات .اسًتغ
افعدام رؤية الره وتعمد أن يسقأ بعض األكياس بأقدامًه وتعجً بشًدة عنًدما وهًد
الره يضحك!
بعًًد أن وصً إلًًى قمًًة الكومًًة وهًًد فسسًًه أمًًام منًًزل لًًه سًًور حديًًدي .ارتسًًاع ذلًًك
السور يص إلى الااعة أمتار .قسًز عًدة قسًزات مًن أعلًى الكومًة باتجًائ هًذا المنًزل
عله يجد مكافًا آمنًا ي،تبئ فيه .بعد أن لصًق فًي السًور حًاول تسًلقه علًى السًور دون
التسكير بالبحث عن باب أو فافًذة يًدل مًن لالهًم .كافًت يًدئ مًا زالًت تؤلمًه ،لكنًه
أليًرا إلًى
ً تحام على فسسًه وفسًي األلًم تما ًمًا بعًد أن وهًد الرهً فًي أعًرئ .وصً
أعلًى السًور ،فوهًد امًرأة ً حبلًى تقعًد ،ويقعًد قبالتهًا رهً ،حًاول أن يتبًين مامحًًه
وفش .أصاخ السم فلم يسًم لًه صًوت .كافًت المًرأة الحبلًى وه ًهًا لوهًه معًه ،قًد
عرفها من الوهلة األولى إفةها كوعر زوهته .صرخ مناديا باسمها ،فلم تكترث له .وهًد
قدمه تسح إلى األسس ،فلقد تسلق الره من للسه دون أن يشعر به.
عا وهناك يد حنطيًة فاعمًة تهًزئ لتوقظًه وتنتشًله مًن ذلًك الحلًم المًزع .
استيقظ فز ً
كافت الرؤية مشو ةً فظنها يد الره الًذي كًان يطًاردئ فًافتسض واقسًًا .رغًم أن تلًك
اليًًد تملكهًًا ليلًًى زوهتًًه .فظًًر لعينيهًًا العسًًليتين بغض ً فايًًطربت .قًًال وصًًوته
10
محمد المصري رواية /فخ الموت
صمتت وحاولت أن تستجم ما هاءت من أه قوله .وقست لاوان تراق أفساسه وهًي
تعلو وتهبأ ،كأفةه في مسابقة للركض واآلن قد وص لأ النهاية .افتظرت حتًى هًدأ،
ألمر هام
قالت تلك الجملة عم فعتته بالحقير في فسسها ،واتجهت إلى الباب كمًا أمرهًا .لًم يعرهًا
ي افتبًًًائ فقًًًد كًًًان قلبًًًه ينًًًتسض كبلًًًدة أصًًًابها زلًًًزال فتصًًًدعت بيوتهًًًا وتشًًًققت
أ ة
أرايًًيها ،ومًًا زالًًت البلًًدة علًًى قيًًد الحيًًاة لكنهًًا أيًًحت لرب ًةً .وي ً يديًًه علًًى
المكت ومن فوقهم رأسه في محاولة مستميتة الستكمال الحلم ربما يعرف النهاية فهًو
من فوعية البشر التي غالبًا ما تتحقق أحامهم .لكن هيهات هيهات أن يكتم حلًم أراد
لًًه الشًًيطان النهايًًة .ظ ً لسًًاعة أو أكاًًر يكت ً بم،يلتًًه سًًيناريوهات لتكملًًة الحلًًم،
وحين فشلت همي السيناريوهات التي ت،يلها كًان النهًار قًد أو ًك علًى االفتصًاف،
ولم يظسر سوى بساعتين فقأ من النوم .تلكما الساعتان اللتان رأى فيهما الحلم قبً أن
-ه افتهيت؟
ً
اتصاال بعد ساعتين -حسنًا سأفتظر منك
11
محمد المصري رواية /فخ الموت
أغلق االتصًال ،واتجًه إلًى حجًرة فومًه كًي يغتسً وي،مًد النيًران التًي تشًتع فًي
هسدئ من آن آللر بسب مريه .وعندما افتهى من االغتسًال أمًر السًا ق باالفتظًار
أمًًام البًًاب؛ فعليًًه الًً،روج قبً عًًودة بسًًمة .سًًيذه للًًدكتور وليًًد ً
أوال ،وبعًًد ذلًًك
سيتحدى الموت.
12
محمد المصري رواية /فخ الموت
()2
بدأت السماء تتلون بألوان الغسًق إيًذافًا بمًياد ليً هديًد .علًى سًط إحًدى البنايًات
الجديدة التي تق على كورفيش الني بالمعًادي .قًد اكتمً بناؤهًا حتًى الطًابق السًاب
والعشرون باسيافة إلى عاعة طوابق تجارية .أفظر من األسس ستجد أيًوب يقعًد فًي
الهواء أو علًى وهًه الدقًة سًترى قدميًه متًدليتين مًن علًى طًرف لًوح لشًبي صًن
صًًا كمًًا أمًًر .لمسًًة أمتًًار وفصًًف المتًًر معلقًًة فًًي الهًًواء كمًًا رسًًمهم فًًي
لصي ً
الورقة ،ومترين وفصف المتر على سط البنايًة ويً علًيهم كتلتًين حديًديتين وزن
ك كتلة منهما ما تي كيلو هرام ،وبنهاية الجزء المعلق في الهواء توهًد قطعًة لشًبية
مابتة من أسس اللوح حتى يتم وي دعامة كًي ال يًرقص اللًوح مترف ًحًا عنًدما تطًأئ
ي أقدام .إن تواهدت أعناء سيرئ على اللًوح منًذ قليً سًتظن ة
أن الرهً يسعلهًا للمًرة أ ُّ
الما ة وليس للمرة األولى ،فهو لم يترف سوى مرة واحدة عنًدما فظًر لفسًس ،وفيمًا
عدا هذئ المرة ظ عابتًا بكً لطواتًه حتًى أمسًك بيًدئ المقعًد الطبًي المتواهًد بنهايًة
اللًًوح .ص ًسةق أحًًد الرهًًال بحًًرارة عنًًدما وص ً أيًًوب للمقعًًد ،وقع ًد والتً ة
ًف للجهًًة
األلرى ليكون هو والنيً وه ًهًا لوهًه ،كأفةًه ًاهد أحًد البهلوافًات يًؤدى حركًة مًن
فلقد فعلها ،فعم فعلها وتحدى إحدى قًوى الطبيعًة "الريًاح" علةهًا تسًاعد المًوت علًى
أن يظسر بهذا الجسد الوعير الذي دأب المرم منًذ سًنون .اسًتطاع بكً عقًة أن يًرب
الموت للمرة األولى دون أن يقتنصه المًوت .هًؤالء األغنيًاء مًن فوعيًة أيًوب الًذين
يء .يجدون متعتهم في المراهنات وعلى وهه التحديًد مكنتهم أموالهم من تجربة ك
13
محمد المصري رواية /فخ الموت
المراهنة بحياتهم! بعًد افقضًاء مًا يقًرب مًن النصًف سًاعة قًرر أن يسًتدير بالمقعًد
استعدادًا للنهوم ،بعدما أطلق سراح الكل المقيد في رأسه .إفةها الذكريات مالها ما
الكل المسعور الًذي يًنهش لحًم الًرأس ويتركهًا فارغًةً مًن الًدال كًالكرة الممتلئًة
بالهواء ،تركلها الذكريات المؤلمًة بكً قًوة لبعضًها الًبعض لتحًرز فًي النهايًة هًدفًا
يسقأ من بكة العين على هيئة دموع .فيجد يالته في قليً مًن البكًاء؛ هًذا المسًكن
قلي الحيلة ،ال يستغرق تسكينه لفلم بض عوان وربما يزيد على األلم أل ًما .لم يكسكًف
قب أن تطأ قدميه اللوح ال،شبي سأله وهيه ووههه يعتريه القلق والجزع:
سا لن ينسائ طيلة حياته .تعلم بأ ةن الموت ال يطل مًن يشًتهيه؛ رغًم ة
أن أيًوب تلقن در ً
تارة ً يشتهي الموت وتارة ً يتمسك بالحياة بك قوته .فهناك بسمة التي تمنحه النًور بًين
الظلمات؛ تعطيه إكسًير الحيًاة بنظًرة؛ تجعلًه يتًنسس الهًواء النقًي بابتسًامتها العذبًة.
بينما هو ال ينسى ة
أن أيامه في الدفيا قد ارفت على االفتهاء .الموت يقتله ويسًسك دمًه
14
محمد المصري رواية /فخ الموت
سار أيوب على اللوح عا دًا إلى سط البناية .دفا منه وهيًه ،ومًن للسًه أربعًة رهًال
ممن يشبهون الايران في قوة الجسد ،والمكلسين بحراسته .على رأسهم حبشي الحارس
الًً،اص بًًه .كًًافوا فًًي افتظًًارئ علًًى سًًط البنايًًة كمًًا أمًًر سًًلسًا .مًًا أن تقًًدم حبشًًي
من هذا التصرف ،يتسرس في وههه والسضول يأك مًن رأسًه كمًا يأكً السًأر الجًبن
المعلق بدال المصيدة ليسًد رمًق معدتًه ال،اويًة .فًي فسًس الوقًت يحًاول هاهًدًا أال
يسًًقأ فًًي السًًخ وإال سًًيتم اصًًطيادئ .فًًأول الشًًروط التًًي وافًًق عليهًًا سًًلسًا .األسًًئلة
تسسًيرا لًم
ً ممنوعة ،فقأ فسذ ما تؤمر به .ك ما في األمر ة
أن عقلًه يريًد فقًأ أن يضً
يحدث ،ويجيبه على بعض األسئلة التي يسألها لنسسه بعد أن حرم سؤال اآللرين:
-لماذا يض أغل الوقت كمامةً على فمه وينزعها فقأ حين تتواهد
ابنته وزوهته؟!
-ما الذي يسعله هذا المجنون وما االستسادة التي تعود عليه من التعلق هكذا
في الهواء؟!
حلةقت األسئلة من عقً الرهً بعيًدًا بعًد أول لطًوة للسًيد أيًوب علًى سًط البنايًة.
اقترب منه وهيه بابتسامته المعتادة .أراد أن ينسض لًه الغبًار الملتصًق ببزتًه ،فأ ًار
له بالرفض .فلقد فسةض عن رأسه غبًار الًذكريات وهًذا هًو المهًم .فسًض أي ً
ضًا غبًار
كايرا لو حدعت .كرؤيتًه لًوالدة بسًمة .تسًعة أ ًهر لًم يقبً فًيهم بطًن
أمنيات ا تهى ً
كوعر زوهته .ما يقرب من العام لم يرى فيه طسلته إال مرات قليلة .ككلمة أبي التًي لًم
يسًًمعها إلًًى اآلن ،وذكريًًات التلطًًت بأمنيًًات كلهًًا تتكالً وتتجمً عليًًه ،وتًًود لًًو
15
محمد المصري رواية /فخ الموت
تنهشًًه فه ً
ش ًا .هًًو فقًًأ أراد أن يطلًًق سًًراح الغربًًان التًًي تسًًكن صًًدرئ بعًًدما بنًًت
أعشا ها وألقت ببيضاتها وات،ذت منه وطن .بالكاد أطلق بعضًها والًبعض اآللًر مًا
ش آمنًا.
زال ينعق من فرط السعادة ببقاء الع ُّ
*******
عاد أيوب إلى قصًرئ ،وتر ةهً مًن السًيارة .صًعد بضًعة درهًات إلًى بًاب القصًر،
وقب أن يدل سم صوت يحكات ليلى .اتجهت عينًائ إلًى مصًدر الصًوت ليراهًا
تتحدث فًي الهًاتف ،ومًن الوايً أفةهًا لًم تًرائ بعًد .ظً واقسًًا لدقيقًة دون أن تلحًظ
وهودئ .التقت عيناها بعينيه فأ ار لها بيدئ واتةجه للًدال .قعًد ببهًو القصًر ينتظرهًا،
أتًًت مسًًرعةً وصًًوت حًًذا ها علًًى أريًًية القصًًر تصًًطك منًًه األسًًنان .هًًز علًًى
أسًًًنافه فًًًي غضًًً ،وهًًًي تقتًًًرب منًًًه وقًًًد تسًًًلحت بابتسًًًامتين مًًًزيستين ،أطلقًًًت
االبتسامة األولى من فوهة الشسائ في محاولة لتغيير عبوس وههه .رمقها بنظًرة اللًوم
ماتت االبتسامة األولى فأطلقت الاافية سًريعًا فًي محاولًة لتجنً غضًبه .زادت علًى
16
محمد المصري رواية /فخ الموت
قاطعهًًا بحنًًق ًًديد وأ ًًار لهًًا بالصًًمت ،عًًم فهًًض ودف ًا منهًًا ووقًًف أمامهًًا وه ًهًًا
لوهه:
اتجه لفعلى وتركها تغلًي كإفًاء ملًئ بالمًاء وويً علًى النًار عًم ظً يغلًي ويغلًي
صعد الدرج سريعًا واتجه إلًى حجًرة بسًمة .طًرق البًاب عًم دلً وظً يبحًث عنهًا
بعينيه فلم يجدها .الحجرة ممتلئة على آلرها باأللعاب والعرا س القطنية الكبيرة .سار
بضًًًعة لطًًًوات وحًًًرك بعًًًض العًًًرا س علهًًًا ت،تبًًًئ للًًًف واحًًًدة مًًً ة
نهن .وقًًًف
لم تجبه العروس بالطب وفي فسس اللحظة كتمت بسًمة يًحكاتها حتًى ال يعًرف أيًن
ت،تبئ .اتجه صوب السرير مصطنعًا التستًيش عنهًا .تحا ًى النظًر للًف البًاب ألفةًه
كان أيوب يمارس معها فسس اللعبة تقريبًا ك يوم أو يومين دون أن يشعر مًرة واحًدة
بالمل .اقتربًت بسًمة مًن للسًه وهًـي تمسًك بورقًة ،عًم فاهأتًه وأصًطن بًدورئ أفةًه
تساهئ .عافقته بشوق ولهسة وقبةلها كعادته على أطراف ًستيها حتًى يتسًنى لشًستيه أن
تتلذذ ببعض الريق .قبةلته متعمدة من ستيه فضحك .فظر للورقًة التًي تمسًكها وافتابًه
السضًًول حًًول مًًا تحويًًه مًًن كلمًًات .ابنتًًه بكمًًاء وبًًرغم أفةًه تعلًًم لغًًة اس ًًارة مًًن
17
محمد المصري رواية /فخ الموت
أهلها ،إال أفةها تتواصً معًه بالكتابًة مًن حًين آللًر ،زد علًى ذلًك أفةهًا بكمًاء فقًأ،
فحاسة السم لديها هيدة .سألها مبتس ًما وهو ينظر للورقة:
أ ارت له بأن يض يديه على عينيه وال يستحهم فافصاع لفمر .كشست عن محتوى
الورقة ،وما زال هو مغمض العينين .صاحت بصوتها المكتوم فاستجاب لصيحاتها
وفت عينيه .ألذ منها الورقة وقرأ"i love you daddy" :
وهد هملة احبك يا أبي باللغة االفجليزيًة فًرقص قلبًه مًن السًعادة ودمعًت عينًائ مًن
ذهبت لتعيد القلم إلى مويعه .فبكى بكاء األطسال الصغار عندما يشتهون يئًا بجنًون
وال يصمتون إال حينما تجلبه لهم .بكى كأي طس ي طريقه وال يشتهي أن يًرى مًن
ك وهوئ البشر سوى وهه أمه وأبيه .اقتربًت منًه لتجًدئ يبكًي ،فسًقطت الًدموع مًن
لًًم يكًًذب عليهًًا ،فبقًًدر الحًًزن الًًذي افتابًًه ،قًًد ًًعر بكايًًر مًًن السًًعادة بسًًب تلًًك
المساهأة الصغيرة التي صنعتها له .وبرغم أفةها طسلة لكنهًا فطنًت بأفةًه يبكًي ال ًتها ه
سماع كلمة أبي بصوتها هـي .يشتهي أن يسمعها ،ال أن يقرأها .فلًو كتبًت تلًك الكلمًة
18
محمد المصري رواية /فخ الموت
ًس بًًاأللم
بك ً لغًًات العًًالم لًًن يشًًعر بواحًًد بالما ًًة مًًن سًًعادة أن تتًًذوقها أذفيًًه .حً ة
يعتصر قلبه ما حبة طماطم تًرفض أن تتقطً بعًد رؤيًة إلوتهًا يعصًرون ،تحًاول
فقأ الهروب ،وعندما تدحرهت في محاولة للسرار وهدت فسسًها تتًدحرج وتسًقأ فًي
الً،اط .حًًاول هاهًدًا أن يلهًو معهًًا أطًًول وقًت ممكًًن ،متناسًًيا هًذا الكًًم مًًن اآلالم
التًًي يكابًًدها وحًًدئ .فهًًو دا ًمًًا مًًا يمنحهًًا الح ً والًًدفء بقًًدر مًًا يسًًوق اسًًتطاعته
لدرهة أفةه يظ يلع ويلهو معها حتًى تنًام مًن التعً واسرهًاق .ال يكتًرث لصًحته
وال لمريه ،بينما هًو فًي الحقيقًة ينسًى المًرم بً ينسًى العًالم برمتًه فًي صًحبة
بسمة.
وأفصحت عن هذا االفزعاج عندما كافت تقعد أمام المرآة ،ولرج هو مًن الحمًام بعًد
تجاه كلماتها ورف الغطاء ودس هسدئ المجهد أسسله .فهضت واتجهت فحًوئ .كافًت
الًدافتي بًاللون الًذي يحبًه األسًود .تعمًدت أن يكًون قد ارتدت لًه قمًيص مًن قمًا
صًًديقاتها ،وظلًًت مًًا يقًًرب مًًن النصًًف سًًاعة تصًًسف ًًعرها النًًاعم كًًي ينسًًاب
كافسياب الماء من بين أصاب الكف .حاولت هاهدة أن تكون فًي أبهًى صًورة لتسًم
19
محمد المصري رواية /فخ الموت
ة
مًنهن مًن رهلهًا كلمًة أفًت يكن في أبهى صًورة ة
لهًن كًي تسًم الواحًدة هدهن أن ة
ة ه
ًطرا ً
قلًيا مًن السًعادة .ليلًى هًـي األلًرى ً ي كلمة تمنحهًا ولًو
فاتنة ،أو را عة أو أ ة
تمني فسسها بليلة صالبة ،أو على أق تقدير تنًام بًين ذراعيًه ،فلًن يًذه هًذا الوقًت
والجهد أمام المرآة هبا ًء .اتجهًت إليًه ورفعًت رايًة الحًرب بعًد أن تسًلحت بمساتنهًا.
رفعًًًت عنًًًه الغطًًًاء ،وألصًًًقت هسًًًدها بجسًًًدئ عنًًًوة ً .ويًًًعت يًًًدها اليمنًًًى بًًًين
غطى رأسه لينام فلم تستط أن تكًتم غيظهًا مًن فعلتًه البًاردة .مًا أقسًى علًى المًرأة
قالت تلك الجملة وهـي تحاول السًيطرة علًى فسسًها المتمًردة بكً مًا أوتيًت مًن قًوة
كي ال ت،رج كلمًات تحسً عليهًا .فًي فسًس الوقًت ت،بًرئ أفةهًا تتًألم ،فقًأ تتًألم كًي
يشعر بها .رف الغطاء وأهابها بغض وقد ارتسعت فبرة صوته:
-هذا الحديث يتكرر للمرة األلف .تذكري هيدًا لماذا تزوهت بك
20
محمد المصري رواية /فخ الموت
فهضت غايبةً وهلبت علبة سجا رها .اتجهًت إلًى المستشًرف أو كمًا يسًميه أغلً
العامًًة الشًرفة .أ ًًعلت سًًيجارة ،وفساًًت الًًدلان بكً حنًًق وهًًو ينظًًر لهًًا .أ ًًاحت
بوههها عنه وهـي تلعن في فسسًها اليًوم الًذي رأتًه فيًه ،واليًوم الًذي قًررت الًزواج
منه .عادت ببصرها بعد قلي وفظرت إليه علها تجدئ قًد فهًض وأتًى إليهًا أو مًا زال
يراقبها ،لكنها وهدته قد غطى رأسه مرة ألرى وعاد لينام .تمتمت بكلمًات تعبًر فيهًا
عًًن أسًًسها الشًًديد علًًى األلطًًاء الشًًنيعة التًًي ارتكبتهًًا فًًي حًًق فسسًًها .أعظًًم تلًًك
األلطاء يوم وافقت بالتنازل عن أمومتها لتربى طسلةً لم تحب بهًا .لًم تتمًدد أعضًا ها
وتتذوق اآلم المً،ام .لًم تريًعها مًن عًدييها .لكًم كافًت تشًتاق لقضًمة مًن طسلتهًا
تقضم حلمة الادي فتتأوئ ،وتشعر بذلك ال،در اللذيذ الذي تعشًقه كً أم .دمعًت عينيهًا
رعا ًء لحالتها ،وت،درت أعصابها ليسقأ هسدها ملتصقًا بسًور المستشًرف .أغمضًت
عينيها ،وسمحت للروح بال،روج مًن الجسًد ،والسًباحة مً الًزمن والصًعود علًى
بساطه لتعود لل،لف عمافية أعًوام إال لمسًة أيًام .فًي ذلًك اليًوم طلً منهًا أيًوب أن
تأتي إليه ة
ألن هناك أمر هام للغاية ال بدة أن يتناقشًا فيًه قبً إتمًام الزفًاف .كافًا حينهًا
يقعدان في مطعم فالر ،وأيوب ذلك م،تلف تما ًما عًن أيًوب بعًد الًزواج .حينهًا كًان
من أبسأ عاداته عدم مسارقته ال،مر له إال لماما .فأغل األوقات تجدئ عم ًا ،وفي هًذا
اليوم تحديدًا كافت عمالته من فوع آلر .لقد رأت في عينيه عمالةً لم تراها من قب .ة
كًأن
عينيه هـي من كافت تزودئ بال،مر "الًدموع" لكًن يًأبى ذلًك ال،مًر أن يسًي ويشًق
طريقه إلى الشسائ ،لتشرب الشسائ الدموع وتكتم الامالة .اقتربت روح ليلى مًن أيًوب
21
محمد المصري رواية /فخ الموت
اآللًًر الًًذي يقعًًد معهًًا ،والًًذي سًًأرمز ل ًه باسًًم "أيًًوب ص" وفيمًًا بعًًد سيكتشًًف
القارئ العزيز لماذا الترت هذا االسم ،وحرف الصاد هو رمز أليوب الصغير.
اقتربًًت روح ليلًًى ووقسًًت للًًف "أيًًوب ص" عنًًدما كًًان يحًًاول هاه ًدًا التحًًدث،
لم ي،رج عن صمته وينطق إال حينما ه ةمت بالًذهاب فًنهض سًريعًا وهًذبها مًن يًدها
برفق وقال:
-حسنًا سألبرك
-أعلم ة
أن ما سألبرك به صع أن تتقبليه ،ولكن عليك معرفته
ألقى بتلك القنبلًة ولكنًه لًم يبتعًد ،ظً يرقً االفسجًار عًن قًرب .ران الصًمت علًى
ليلى والدم بدأ يترقرق في عينيها .كبحت هيجان الدم بابتسامة سالرة ،وقالت:
-لم يكن هكذا كامك منذ أيام وأفت ت،برفي أفك تنتظر اللحظة التي
22
محمد المصري رواية /فخ الموت
غف ،وكنت تريد .تريد أن تتعام معي كزوهة، سنتزوج فيها بك
افساب ليأ من الدم على لديها رغ ًمًا عنهًاً ،ق طريقًه سًريعًا ليصً إلًى الشًسائ
ومن عم سقأ في كأس البرتقال المتواهًد أمامهًا .اسًتجمعت قواهًا وقالًت وهًـي غيًر
-لهذئ الدرهة؟
-فعم لهذئ الدرهة ،لو أردت أن فكم ال بدة من موافقتك على هذا الشرط،
صمت أيوب ولم يج عن سؤالها وظ ينظر لها بكً بًرود كأفةًه متًيقن مًن إهابتهًا.
اقتربت روح ليلى من ليلى ،والروح تعلًم هيًدًا أفةهًا بعًد أقً مًن دقيقًة سًوف توافًق.
ظلت الروح تردد هذئ الجملة قب أن تتسوئ ليلى بكلمة واحدة فلقًد كًان عقلهًا المحًدود
يوحي لها أفةه ي،شى تجربة الزواج للمرة الاالاة ،وبأفةها تستطي تغييًر هًذا األمًر بعًد
األه ً واألصًًدقاء الًًذين سًًي،تلقون الكايًًر مًًن األ ًًياء متًً،ذين منهًًا مًًادة لصًًبة
23
محمد المصري رواية /فخ الموت
سًًقطت الًًروح وتبًً،رت ،وعًًادت ليلًًى مًًن ًرودها .وهًًدت السًًيجارة التًًي كافًًت
تشًًًربها قًًًد افطسًًًأت دون أن تكملهًًًا للنهايًًًة .وهًًًدتها كأفةهًًًا التًًًارت االفتحًًًار كمًًًا
افتحرت روحهًا مًن قبً وأكملًت مً هًذا الًذي يًدعى زوج .عمافيًة أعًوام ال تعًرف
كيًًف مًًروا عليهًًا وهًًـي تمًًن فسسًًها الصًًبر علًًى هًًذا الره ً وابنتًًه .عمافيًًة أعًًوام
تنازلت فيهم عن كرامتها وأمومتها ومشاعرها وارتضت أن تكون زوهة لرهً يحًدد
لها متى يحين موعد اللقًاء الجنسًي .رهً بالكًاد يمنحهًا قبلًةً علًى غيًر موعًدها .لًم
يحًًدث أن أرادت االلتصًًاق بجسًًدئ وطاوعهًًا .كًًأ ةن هنًًاك طقًًوس معينًًة يج ً عليًًه
ممارستها قب أن يتقرب إليها .هناك ًعا ر يجً أن يؤديهًا قبً أن يًدفو منهًا .دا ًمًا
هناك حاهز ،فهـي إلى اآلن لم تتذوق مًاءئ علًى اسطًاق .هنًاك ًيء مًا يمنً مًاءئ
فهضت ليلى ولم تلقي بالسيجارة ب عادت س عالها من هديد ،كأفةها تمن فسسها األم
بأفةها قادرة على العودة من الموت الذي ألقًت فيًه بعمرهًا المنقضًي كسًيجارتها التًي
أعًًادت إ ًًعالها اآلن .فظًًرت للحديقًًة وأطالًًت النظًًر إلًًى األ ًًجار التًًي تًًرقص مً
24
محمد المصري رواية /فخ الموت
-السجــا ر أفض كايـــ ًرا مــن البشــر فهـي تسـمعني بإصـغاء؛ أحرقــها
ي اعترام
وتحرقني ،وفــي النهـــاية أيعها تحــت قدمي دون أن تبدي أ ة
قالت الكلمتين األليرتين وهًـي تضً السًيجارة أسًس قًدمها وتجًز علًى أسًنافها .دفًا
ًذكرا أيامًًه
منهًا ومًًد يًًدئ اليمنًًى مًًن للًًف ًًعرها ،وفًي ومضًًة عًًين هًًذبها إليًه متً ً
الً،والي عنًًدما كًًان يأسًًر النسًًاء بكلمتًًين ،أو عنًاق ،أو قبلًة يسعلهًًم علًًى حًًين غًًرة
ودون إذن مسبق .ظلت تردد كلمتي أتركني وأبتعد عني بصوت لسيض بالكاد تسًمعه
هـي ،كمحاولة منها سبعادئ وفي فسس الوقت هسدها يصًرخ ها عًًا لًه ،ويقًول اقتًرب
وافع ما تشتهي .مرر أفامله على فحرها وبيًدئ اليسًرى أمسًك يًدها اليمنًى وبحركًة
لاطسة كًادت تسًقأ علًى أعرهًا ،لسهًا للجهًة األلًرى وألصًق ظهرهًا بالحًا أ .أبعًد
يدها اليمنى التي كافًت تحًاول اسفًات منًه مًن لالهًا فًي محاولًة لعًدم االستسًام.
اقتربًًت ًًستيه مًًن فحرهًًا فأغمضًًت عينيهًًا معلن ًةً عًًن افهيًًار آلًًر حصًًوفها أمًًام
هجماته السريعة .دفا برأسه أكار وأزاح بأفسه لصلتين من الشعر سًقطوا علًى الشًسائ
سًًا عميقًًًا مًًن أعلًًى الشًًسائ ،كأفة ًه يستنشًًق الهًًواء مًًنهم عًًم
كحارسًًين عليهًًا .ألًًذ فس ً
تنتظر المزيد .لم تعرف بعد بأفةه اكتسًى بهًذئ القبلًة فقًأ .فظًر لهًا وقًال بصًوت بًارد
25
محمد المصري رواية /فخ الموت
أتب هملته بابتسامة باردة قابلتها بضحكة سالرة ،فهـي تظن أفةًه اسًتيقظ ليمنحهًا ليلًةً
تطم ً فيهًًا إلًًى الكايًًر ولًًيس مجًًرد قبل ًة .زرت عينيهًًا وهًًـي تتطل ً إلًًى ابتسًًامته
عًا
صدم كصدمة العام السابق وما قبله من األعوام ،وبًرغم أن ذاكرتًه كافًت قويًة فو ً
ما ،إال أفةه قد فسي عيد زواههم للمرة الاالاة على التوالي .هو ال يتعمد النسيان .ك ما
في األمر أفةه بات ينسى أغل ما يتعلق بها .حتى مًا يتعلًق بنسسًه أصًب ينسًائ .عقلًه
بالكاد يتس للذكريات المريرة وبعًض األ ًياء ال،اصًة ببسًمة والعمً .بينمًا زوهتًه
وغازلها:
ً
هماال على همالك -كنت أ عر أن هناك يئًا ما يزيدك
لم تؤتي الكلمات عمارهًا فلقًد تركتًه واتجهًت للسًرير وقعًدت .ذهً للسهًا فهًو يعلًم
هيدًا أفةه ال يمنحها ما تستحق من الح واالهتمام ،ويحاول تعويض ذلك بالهًدايا التًي
ة
إن بعًًض النسًًاء يعب ًدن المًًال ويتويًًأن بًًه .يصًًلين ويًًركعن ويسًًجدن أسًًس أقًًدام
الرهال من أهله .عم يبررن أفعاله ةن بأفه ةن يحتجن للمًال وبشًدة .ليلًى ممًن يقسًن علًى
الحياد .تح المًال وتعشًقه ولكًن ال تعبًدئ كًالكايرات .حتًى أيًوب يعًرف هًذا هيًدًا،
فهو يعلم أفةها تحبه ،لكن بالطب تعشق المال .اقترب منها فأ ًاحت بوهههًا عنًه فهًـي
ما زالت غايبةً .است،دم الطريقة التي يدرك هيدًا بأفها ستؤتي عمارها ،وقال:
26
محمد المصري رواية /فخ الموت
-أعلم أفةي قد فسيت كالمعتاد ،لكن هذا العام سأتركك ت،تارين هديتك
بنسسك
ًًعر بابتسًًامتها حتًًى دون أن يراهًًا ،اسًًتدارت بوهههًًا بعًًد أن أمسًًك بيًًدها وقبلهًًا
ًًيئًا فهًًو يسعلًًه .تركهًًا ًكرته كايً ًًرا فهًًـي تعلًًم أن زوههًًا عنًًدما يقًًول بأفةًه سًًيسع
وفهض ،وذه إلى حجرة بسمة ليطمًئن عليهًا .لًم تنتظًر بًدورها للصًباح واتصًلت
بعد بضعة دقا ق وهدت الجرس الذي ويًعه بًالحجرة يًرن .كًان قًد ويً مًا يشًبه
ي
هرس إفذار في حجرة بسمة ومتص بحجرته حتى يتسًنى لبسًمة أن تسًتدعيه فًي أ ة
وقت عرت بالحاهة إليه .أغلقت االتصال عندما وهدت الجرس ال يكف عن الًرفين.
إلًًى الحجًًرة وهدتًًه مس ًجى علًًى األرم ،وبسًًمة تًًرن الج ًرس بجنًًون .ركضًًت
باتجاههًًا وحاولًًت أن تهًًدئ مًًن روعهًًا فلًًم تسًًتط ،فعًًادت سًًريعًا إلًًى حجرتهًًا
واتصلت بالدكتور وليد .طلبت منه أن يرس سيارة إسعاف على وهه السًرعة فًأيوب
راقد على األرم وهـي ال تدرى ماذا تسع .بعد أقً مًن عشًرين دقيقًة كافًت سًيارة
إسًًعاف تابعًًة لمستشًًسى الشًًساء الًً،اص الًًذي يملكًًه الًًدكتور وليًًد موهًًودة ً فًًي فنًًاء
27
محمد المصري رواية /فخ الموت
القصر .لرج منها طبي وبصحبته ممريين ،واتجهًا علًى السًور إلًى بًاب القصًر.
كًًان أحًًد الًً،دم بافتظًًارهم فأ ًًار لهًًم أن يتبعًًوئ .وصًً الًً،ادم بصًًحبة الطبيًًً
والممريين إلى حجرة بسمة .طل منهم الطبيً أن يحملًوئ برفًق فسعلًوا ،عًم طمًأن
بأن حالته به مستقرة وأفةها مجرد إغماءة بسيطة بسب اسرهاق ،وأسًتأذن منهًا
ليلى ة
وذه .
اتجهت ليلى إلًى بسًمة التًي كافًت تقعًد فًي زاويًة الحجًرة وتراقً الموقًف بجًزع،
لًًم تتوقًًف دموعهًًا عًًن االفسًًكاب .كافًًت مستسًًلمةً تما ًمًًا وليلًًى تجردهًًا مًًن مابًًس
النًًوم وتلبسًًها عوبً ًا آلًًر ،وبعًًدما افتهًًت ذهبًًت إلًًى حجرتهًًا لترتًًدي هًًـي األلًًرى
مابس لل،روج .ظلت بسمة تراقبها وهـي تض يديها على عينيها في لج ،فهًـي لًم
ترى مًن قبً امًرأة ًبه عاريًة .التلطًت مشًاعر ال،جً بمشًاعر الجًزع والً،وف
علًى أبيهًاً .كرت هللا حينمًًا افتهًت ليلًى مًن ارتًًداء المابًس ،ولرهًا سًويا للحًًاق
بسيارة اسسعاف.
في الطريق إلى المستشسى ظلت بسمة تحاها وتشير لها بأن تسرع لدرهة أفةها فوهئًت
بوصولها إلى سرعة ما ة كم فًي السًاعة ،فشًهقت بصًوت عًال! فهًـي لًم تصً إلًى
تلك السرعة من قب رغم أفةها من محبي السيارات الريايية! وهـي تقًود اآلن سًيارة
28
محمد المصري رواية /فخ الموت
مراقبة عداد السرعة لدرهة أفةها كافت ستصدم أحد الواقسين بجاف الرصيف فلم تنتبه
أفةها تسير بمحاذاتًه إال عنًدما عًاد الرهً فًي عًوان إلًى أعلًى الرصًيف وهًو يلعنهًا
هـي وأمها وأبيها والعا لة الكريمة .أ ارت لها بسمة بأن تهدئ السرعة ً
قليا ،فقالت:
فظرت بسمة بالمرآة الجافية وتذكرت اليوم الذي اهدت فيه سباقًا للسيارات ،وطلبًت
من أبيها أن يصًطحبها فًي السًيارة ويقودهًا بأقصًى سًرعة ممكنًة .بعًد عنًاء طويً
معه ًا تمكًًن أن يقنعهًًا بًًأن "سًًرعة ما ًة ولمسًًون كًًم فًًي السًًاعة" هًًـي السًًرعة
القصًًوى للسًًيارة فًًي مصًًر! فوافقًًت علًًى مضًًض ،وقًًررت حينهًًا أن ت،تبًًر قًًدرة
متًألرا
ً أبيها الذي لم ي،ي ظنها .التار لها طريقًا مناسًبًا لهًذئ المهمًة الشًاقة ،ووقت ً ا
ليبتعد عن الزحام ال،افق؛ ك ذلك مًن أهً بضًعة دقًا ق! ذهبًا ستمًام األمًر وظلًت
بسمة تراق العداد وهـي متحمسة للغاية و عرها يتطاير بقوة وهًي تنظًر لنسسًها فًي
المرآة الجافبيًة فشًعرت للحظًة كأفةهًا تحلًق كطيًر فًي السًماء ،رغًم أفةهًا تقعًد للًف
حزام األمان.
افتهًت ومضًة الًذكرى فًي فسًس اللحظًًة التًي وصًلوا فيهًا إلًى المستشًسى ،ف،رهًًت
بسمة من السًيارة فًور وقوفهًا وركضًت إلًى الًدال دون أن تًدرك إلًى أيًن تًذه .
للعت ليلى حذا ها لتلحق بها ،وأمسًكتها بالسعً قبً بًاب المصًعد .اتصًلت بالًدكتور
بعد أن ألبرها اتجهوا إلى هناك وعندما وصا .فظرت بسمة ألبيها من لال الزهاج
المتواهًًد كبًًدي للجًًدران ال،رسًًافية حتًًى يتسًًنى لًًذوي المريًًى النظًًر لمريًًاهم
29
محمد المصري رواية /فخ الموت
باسًًتمرار واالطمئنًًان علًًيهم دون الحاهًًة إلًًى الًًدلول والمكًًوث بجًًوار المًًريض
كايرا لحالتًه التًي يرعًى لهًا ،وليلًى لًم تتًألم! فًإن كنًت تنظًر
وإزعاهه .تألمت بسمة ً
إلًًى وهههًًا منًًذ قًًدومها ورؤيتهًًا أليًًوب علًًى هًًذا الحًًال ،سًًتجد ة
أن هنًًاك ابتسًًامة
عافقت ستيها ولم تذه إال عندما أتى الدكتور وليًد ،وألقًى التحيًة عليهًا .عًم دفًا مًن
ً
مستغا قوته الجامافية وطول قامته .عندما يسير بجاف أيًوب بسمة وحملها على يديه
تشًًعر أن أيًًوب والًًدئ ،بًًرغم أفةًه يكبًر أيًًوب بحًًوالي عاعًًة أعًًوام ،فهًًو مًًن الرهًًال
القا ً الًًذين يهتمًًون بصًًحتهم الجسًًدية .همًًس لبسًًمة ببضًًعة كلمًًات فهًًدأت تما ًمًًا
بعدما كافت تبكي مذ قلي .دلا إلى الحجرة سويا فلقد عقد صسقةً معها.
أ ار للممرية للذهاب إلى ال،ارج ف،رهت .اقتربت بسًمة مًن أيًوب ودفًت بشًستيها
من يدئ اليمنى وقبةلت راحتها ،عم أمسكت بها وويعتها على لدها وسال الدم وسًقأ
على يدئ .آعر الدكتور وليد أن ال يجعلها تطي البقاء بجوارئ ،فحملها واتجه لل،ارج.
ما أن لرج مًن الحجًرة وهًو يحمً بسًمة إال وافهالًت ليلًى عليًه باألسًئلة ،وكعادتًه
األليرة ،فأصب ك فترة بسيطة يمًرم .وبًرغم أفةهًا مًن النًوع الًذي يجيًد الكتمًان
بداللًًه وقلً ً
ًيا مًًا ينتابهًًا السضًًول ،إال أفةهًًا هًًذئ المًًرة أفصًًحت عًًن قلقهًًا بً أرادت
ي
معرفًًة الويً الحقيقًًي لحالتًًه الصًًحية .قالًًت وهًًـي تنظًًر فًًي عينيًًه ربمًًا تقًًرأ أ ة
إهابةً بداللهم:
ً
محاوال طمأفتها: أهابها دون توتر أو تردد
30
محمد المصري رواية /فخ الموت
يء فور ظهور فتا -ال أظن ذلك ،ولكن أعدك أفةني سألبرك ك
-بسمة سترفض
فظر لبسمة ورك ووي راحة يدئ على وههها وذكرها باالتساق الذي عقدئ معها منًذ
رآها تنظر إلى أيوب مًن للًف الزهًاج أفةهًا تريًد الولًوج إليًه ،والمكًوث بقربًه ولًو
لدقيقة مهما كان المقاب .عقد معهًا الصًسقة وعلًى السًور وافقًت وكًان ًرطه الوحيًد
أن تذه إلًى القصًر فًور لروههًا .افصًاعت بسًمة علًى مضًض فقبةلهًا وأوصًلهم
إلى المصعد .عاد ليطمئن على أيوب الذي كان في عالم آلر.
كان في عالم حالك السواد افباق منه فجأة ً فور مصباح من األعلى ،لينظر حولًه ويجًد
فسسه في حجرة عماقة فارغة تما ًمًا باسًتاناء مقعًد لشًبي موهًود بالمنتصًف؛ تشًبه
كايرا م،ازن ركاته العماقة .اتجه للمقعد وهو يتسرس فيه ،فوهدئ فسس المقعد الًذي
ً
كايرا وقعد عليه عله يعرف النهاية .أتًى فسًس الشً،ص الًذي كًان يتحًدث دون
فسرح ً
صًوت يسًًم ،ولكًًن هًًذئ المًًرة يقعًًد علًى كرسًًي متحًًرك ،وهنًًاك ًً،ص مًًا يًًدف
الكرسي من ال،لف .حاول النهوم كي يًذه إلًيهم ويًدقق النظًر فًي وهًوههم ،فلًم
يستط فهناك من قيد يديه بالمقعد دون أن يدرك .افتظًرهم بترقً كمًا ينتظًر الصًياد
فريسته حتى تأتي إليًه ،وعنًدما أتًوا وفظًر فًي وههًه .ذهً مًن هًول الصًدمة ،فهًو
31
محمد المصري رواية /فخ الموت
يعًًرف هًًذا الشًً،ص هي ًدًا .يعرفًًه بقصًًر قامتًًه وبشًًرته التًًي تمي ً للسًًمار .بشًًعرئ
األبًًيض وبنيافًًه النحيًًف .بالسًًواد الكايًًف المتواهًًد أسًًس عينيًًه .صًًرخ فًًي وههًًه
وقال:
ً
محًاوال لسًت فظًرئ لمًن يقًف للسًه وكًان ابتسم داوود في لبث وفظًر لفعلًى ً
قلًيا،
ً
ذهًوال وتعجبًًا ،فلقًد وهًد "أيًوب يدف الكرسًي .بالسعً فظًر إليًه وزاد علًى الًذهول
ص" يقف للف داوود .وهد فسسه ولكن قب تس سنوات أو يزيًد ،كأفةًه ينظًر لمرآتًه
ولكن الصورة التي بالمرآة أكار صحة و بابًا؛ لم تكن الصورة واهنةً ومريضًةً كهًو.
وسًأ كً هًًذا الًذهول أ ًًار لًه "أيًوب ص" بًًالنظر ألحًدى زوايًًا الحجًرة العماقًًة
والتي ظهرت منها امرأة قراء بشعر أصسر فاعم وكافت حبلى .فظر في عينيهًا التًي
كايرا لدفء فظراتها .ابتسم لها و عر ببعض األمان فهًـي الكًا ن الوحيًد الًذي
ا تاق ً
منحه الح دون مقاب .هـي كوعر تلك المرأة التي منحته بسمة التي بدورها قد منحتًه
اقتربًًت كًًوعر منًًه ومًًن للسهًًا داوود ومًًن للسهًًم "أيًًوب ص" و ًًك الااعًًة حلق ًةً
دا ريًًًةً ،وبًًًدءوا يطوفًًًون حولًًًه كأفةًًًه الكعبًًًة وهًًًم الحجًًًاج يًًًؤدون مراسًًًم الحًًً ،
-توقسوا ،توقسوا
32
محمد المصري رواية /فخ الموت
ارتسً صًًوت صًًراله مناهيًا إيًًاهم بًًالتوقف عًًن الطوفًًان .ووسًًأ معمعًًة الطوفًًان
األسود وكًان يًركض والصراخ أتى فسس الش،ص الذي يسي من أعلى رأسه السا
يجرهًا علًى
للسه على اطئ البحر .وما زالت في يدئ الهراوة التي يمسًك بهًا وكًان ة
هرا فيصدر منها صوت يجع األسنان تصطك .ما أن أقب عليه حتًى توقًف
األرم ً
ة
الطوفان وافسضوا الااعة من حوله .رف الرهً هراوتًه وهً ةم لينًزل بهًا علًى رأسًه،
ف ًأغمض أيًًوب عينيًًه مستسًًل ًما ،لكًًن تعمًًد الره ً أن ي،طًًئ التصًًوي .التصًًقت
الهراوة باألرم فتركها دون أن ينزعها وابتسم .رأى أيوب فمًه دون أسًنان أو لسًان
أفساسه األليرة.
*******
بالكاد استطاعت الممرية أن ت،لص يدا أيوب من على رقبته وهو ي،نق فسسه بنسسًه
ويتمًًتم بكلمًًات غيًًر مسهومًًة ،وبعًًد عنًًاء تمكنًًت مًًن إبعًًاد يديًًه عًًن رقبتًًه وهًًذبتها
إليهًًا .ظلًًت تجًًذبها حتًًى اسًًتيقظ أليً ًًرا مًًن فومًًه وابتعًًد عًًن الظًًام وعًًن كابوسًًه
وتمتم قا ًا:
هلبت له كوب ماء وأسندت رأسه على يدها .أمسًكت لًه الكًوب حتًى ًرب واطمًأن
أفةه ال يزال علًى قيًد الحيًاة .اطمأفًت الممريًة علًى صًحته وتحًدعت معًه ً
قلًيا .لًم
33
محمد المصري رواية /فخ الموت
ت،برئ أفةها طلبت استدعاء الدكتور وليد على السور .طل منها أن تست ستا ر الحجًرة
ليتنسس فسيم الصباح .كان النهار على و ك أن ينسلخ من اللي كما ينسلخ الجلد كا سًا
عًًن لحًًم الشًًائ .طلً منهًًا المسًًاعدة للنهًًوم ليقًًف فًًي ًًباك الحجًًرة .فًًي البدايًًة
رفضًًت لوفًًًا عليًًه وعلًًى وظيستهًًا ،وم ً إلحاحًًه الشًًديد افصًًاعت ألوامًًرئ .وقًًف
يرق ً النًًور وهًًو يًًزي الظًًام تًًدريجياًً .عر بًًبعض التسًًاؤل يًًزي بعًًض اليًًأس
المستوطن قلبه .دل الدكتور وليد وأمر الممرية بال،روج .وقف بجاف أيوب الذي
لًًم يلحًًظ وهًًودئ فقًًد كًًان منسًًج ًما يراقً قاربًًا بًًدال النيً وهنًًاك فتًًى أو فتًًاة مً
الصياد .حاول هاهدًا تمييز النوع وفش .ربت الدكتور وليًد علًى كتسًه وسًأله عًن مًا
ًيئًا .هًو قًد أتًى فقًأ للتحًذير ويتحدث كأفةه صاح المنزل عًم يً،رج دون أن يسعً
والتذكير .م وعد في المرة القادمة ربما يألذ معًه الًروح ويتًرك لهًم الجسًد يسعلًون
به كما علمهم الغراب .حاول الدكتور وليد الت،سيف من متاعبه التي طست علًى وههًه
كمًًا يطسًًو ة
الزبًًد علًًى سًًط البحًًر .فظًًر باتجًًائ زهًًاج الحجًًرة عنًًدما سًًم صًًوت
دون أن ينتبهًًوا لهًًا ،وطرقًًت علًًى الزهًًاج لتسًًاهئهم .كافًًت االبتسًًامة تملًًئ وهههًًا
34
محمد المصري رواية /فخ الموت
قالها الدكتور وليد ماز ًحا وهو يراق بسمة التًي اتجهًت سًريعًا إلًى أبيهًا ولًم تمنحًه
فرصة أن يسير لطوتين باتجاههًا .عافقتًه ومنحتًه السًعادة ،و ًرحت صًدرئ للحيًاة
من هديد .قعًدت بجًوارئ علًى السًرير وظلًت تشًير لًه بأفةهًا لًم تسًتط النًوم .ظلًت
طيلة اللي تنظر للسماء وافتظرت حتى بزغ فور الشمس ،وما أن بدأت السًماء تتلًون
بالشسق حتى ركضًت إلًى حجرتهًا .ارتًدت بمسردهًا مابًس ألًرى غيًر التًي كافًت
ذه الدكتور وليد بصحبة ليلى إلى مكتبه ليتحدعا ب،صًوص الحالًة الصًحية أليًوب.
وعكة صحية يأتي على إعرها للمستشسى يجعله يقسم أكاًر مًن مًرة بعًدم التسًوئ بكلمًة
واحدة مهما حاولت استدراهه أو استعطافه .ذهبوا وتركًوا أيًوب مً بسًمة لتنسًرد بًه
ب علًى العكًس تما ًمًا اسًتمت وهًو يراهًا تتًرف كالسًكارى وهًـي تحًاول المقاومًة.
وفًًي النهايًًة لًًم تسًًتط واستسًًلمت رغ ًمًًا عنهًًا .اي ًطج بجوارهًًا متكئ ًًا علًًى يًًدئ
اليسًًرى ،وتًًرك يًًدئ اليمنًًى تسًًب بًًين لصًًات ًًعرها لتمنحهًًا الًًدفء والسًًكينة.
غرقًًت بسًًمة فًًي عًًالم النًًوم سًًريعًا .تركهًًا وهلًًس علًًى الكرسًًي المتواهًًد بجًًوار
النافذة.
دللت الممرية وهـي تحم الطعام .أك بقدر استطاعته كي يتجنً ويً المحاليً
الطبية عم طل منها أن تحم الصحاف وتترك الطاولة فارغةً فهًو بحاهًة إليهًا .كًان
وهيه قًد هلً لًه المًذكرات التًي تركهًا علًى مكتبًه ،وذهً ليبا ًر بعًض األعمًال
35
محمد المصري رواية /فخ الموت
التي أمرئ بها .قرر أن يستكم المذكرات فًالموت بًات و ًي ًكا لدرهًة أفًه كلمًا طًرق
فت الصسحة األولى ،وكت بجوار كلمة مريض التًي قاطعتًه بسًمة عنًدما افتهًى مًن
-أفا أيوب داوود السيد عمري عاعة وأربعون عا ًما مريض باسيدز
طوى الصسحة األولى وكت في الاافية بسطرها األول التًاريخ والوقًت ،وفًي السًطر
الاافي كت :
-بًًاألمس ًًرعت فًًي كتابًًة مًًذكراتي وأفًًا كلًًي إصًًرار أن يعًًرف العًًالم
أهم قصتي .إن كنت تقرأ المكتوب هنا فلتتيقن أفةني اآلن ميت ،فأفًا مًريض باسيًدز.
ال أقوى على دف ر وة للمرم كي يبتعد ويتركني أفعم بحيًاة طبيعيًة كًاآللرين .لًم
كايرا في اآلوفة األليرة ،وهو الذي كان كالحوت إن ذرف بعض الًدم فهنًاك البحًر
ً
هاهدًا أن يًذرف الًدم كًي يسًتطي النجًاة بعًد أن يسًب فًي دمعًه المًذروف قبً أن
تقتله اليابسة! لم يعد يكترث لمن يرى الدموع أو حتى يسً،ر منهًا .فظًر باتجًائ بسًمة
التًًي تغًًأ فًًي فًًوم عميًًق ،أعًًاد فًًت المًًذكرات ،فأمنيتًًه مًًا قب ً األليًًرة أن يسًًتسيد
36
محمد المصري رواية /فخ الموت
اآللرون من معافاته وتجربته م هذا المرم اللعًين .تبً،رت فكًرة اسًتكمال الكتابًة
عندما دل الًدكتور وليًد الحجًرة ،وذهً باتجًائ بسًمة وقبةلهًا علًى هبينهًا ،عًم فظًر
بطرف عينه إلى أيوب الذي كان يتاب ما يحدث مبتس ًما ،وهو يحاول أن يطمًئن فسسًه
سا لها:
هام ً
كايرا
-لن أهد أفض من وليد ليهتم ببسمة ويحافظ عليها فهو يحبها ً
النسوس
قاط الدكتور وليد الحوار القا م بين أيوب وفسسه بعد أن رف رأس بسًمة قلًياً وأزاح
تكررت تلك الجملة علًى لسًافه أكاًر مًن مًرة عنًدما يجتمً عاعًتهم معًًا وهًـي علًى
لماييه الذي يشًبه كًيس القمامًة الممتلًئ علًى آلًرئ بالسضًات النتنًة والتًي يحملهًا
على ظهرئ ،كأفةها عوبه الذي تدعةر به بعد أن اغتس بماء العسن:
إفسان
37
محمد المصري رواية /فخ الموت
ي افتبًائ فعينيًه كافًت ترتكًز علًى بسًمة ،وتراقبهًا بتًؤدة كمًا يراقً
لم يعًرئ أيًوب أ ة
الليث لبؤته الصغيرة وهـي تترف في أولى مراحلها للسير على األقدام .بًرغم أفةهًا لًم
عا .دفا منها ،ووي يدئ على صدرها فوهد هسدها ينتسض بقوة.
هزات ،وازدادت تبا ً
سا فًي أذفيهًا وهًو يمًرر يديًه علًى هسًدها حتًى ال تسًتيقظ
ظ يردد تلك الجملة هام ً
فزعةً .هو على يقين بأفةها تعافي أحد الكوابيس الم،يسة ،فازداد لوفه بزيًادة الرعشًة.
لم يكن بيديه حيلًةً سًوى أن يوقظهًا عنًوة ،وبحنًان األب وعطسًه وهًد أن العنًاق فًي
هذئ اللحظة رصاصة سيطلقها حت ًما في قل ذاك الكابوس .دفا منها أكار ووي يديًه
أسس ظهرها ،ويمها إليه ودسها في صدرئ كما تدس أفاى الكنغر وليدها فًي هرابهًا
اللحمي .ظ يقبةلها من هبينهًا ويمسً علًى ًعرها .تًارة ً كًان يقًرأ المعًوذتين وتًارة ً
سًًا .كً ذلًًك يحًًدث أمًًام مًًرأى ومسًًم الًًدكتور وليًًد الًًذي يراقً
ينًًادي عليهًًا هام ً
الموقف ،كأفةًه يتس ةًرج علًى مشًهد مًن أحًد األفًام الرومافسًية الدراميًة .كافًت عينيًه
تتأ ةه في افتظار اللحظًة األليًرة مًن المشًهد لتصًسق الجسًون وتًذرف العًين بعًض
الواق .لم تبكي هذئ المرة فلقد استيقظت في أكاًر األمًاكن أمافًًا علًى األرم بالنسًبة
لها .تركها لدقيقتين أو أكار بًين أحضًافه حتًى هًدأت .عًم أفلتًت هًـي يًديها مًن حًول
38
محمد المصري رواية /فخ الموت
رقبته .فظرت له فوهدت االبتسامة تنتظرها ،أتب ابتسًامته بقبلًة علًى الً،د ،فشًعرت
أكاًًر باألمًًان .ق ًاطعهم الًًدكتور وليًًد ماز ًحًًا وربمًًا هًًذئ المًًرة أهًًاد التيًًار الوقًًت
المناس :
يحك أيوب ،وابتسمت بسمة التي ددت يديها على رقبته أكار عنًدما ًعرت بنهايًة
هًًذا العن ًاق الحنًًون .سًًألها عمًًا حًًدث وه ً هًًو الكًًابوس الًًذي يراودهًًا بًًين الحًًين
واآللر ،أومأت برأسها بنعم .كافًت بسًمة قًد عافًت منًذ مهًدها مًن الصًدمات القويًة
والتي تسب فيها أيوب دون قصد منه .أ رس تلًك الصًدمات يًوم كافًت تحبًو وتلهًو
بجًًوارئ ،وبًًدأت تبكًًي مًًن الضًًجر .أعطاهًًا مساتيحًًه لتلهًًو وتصًًمت ،فويًًعت أحًًد
المسًًاتي فًًي القًًابس الكهربًًا ي لتصًًعقها الكهربًًاء وهًًـي فًًي عمًًر العشًًرة أ ًًهر،
وليد الذي رد لها النظرة بابتسامة عم اسًتأذن مًن الجميً واتجًه للً،روج .وفًي لحظًة
لروهًًه أوقسًًه ره ً ذو بشًًرة سًًمراء ،بنيتًًه الجامافيًًة يًًعيسةً إلًًى حًًد مًًا .طولًًه
متوسأ ،ولًه أفًف غلًيظ يقبً أسًس منًه ًارب مهًذب بعنايًة ،يشًبه العصًا ال،شًبية
التي كافت توهد على أكتاف فساء قبا ً الصًحراء قًدي ًما لتضً فًي فهايًة كً طًرف
دلوا ممتلئ ًا بالماء .ألقى التحية على الجميً وأولهًم الًدكتور وليًد الًذي قابً تلًك
منها ً
التحية بحرارة عم تركه ولرج .تساهئ أيوب بقدومه فهو لم ي،برئ بأفةه فًي المستشًسى،
وسأله متعجبًا:
39
محمد المصري رواية /فخ الموت
-أفا من ألبرته
لم يستط أيوب أن ي،سًي امتعايًه مًن مقاطعًة زوهتًه لًه .بيًد أن صًاح قًد أفقًذها
بالسؤال عن صحته فشعر ببعض السًعادة مًن االهتمًام الًذي أبًدائ الصًديق ،فصًاح
أحد أفض أصدقاءئ ،ورغم أ ةن تلك الصداقة ما زالت فًي مهًدها ،إال أفةهًا قًد توطًدت
كايً ًًرا بسضً إلاصًًه فًًي العمً المشًًترك بيًًنهم .فلقًًد أزاح عًًن كاهً أيًًوب همًًوم
سلسًًلة معًًارم السًًيارات التًًي يًًديرها فياب ًةً عنًًه ،بًًالطب مقاب ً فسًًبة هيًًدة مًًن
األرباح.
ران الصمت على الجميً .افشًغ صًاح وليلًى بهًواتسهم ،وبسًمة مسًتلقية علًى قًدم
والًًدها الًًذي كافًًت أصًًابعه تت،لً لصًًات ًًعرها فًًي حً .قطً أيًًوب الصًًمت،
وقال:
افتبه صاح له وفهض دون أن يتسوئ بكلمًة واحًدة .فقًأ ابتسًم وهًز رأسًه باسيجًاب.
أبدت بسمة افزعاهها الشديد من رغبة أبيها ،فهمس إليها بصًسقة كافًت را عًة بالنسًبة
لها فوافقت.
40
محمد المصري رواية /فخ الموت
()3
ليس ك غني سعيد وال ك فقير تعيس .فًي الغالً مًن ينظًر إلًى أيًوب يحسًدئ علًى
النعمة التي تغدقه .أغل من يتعاملون معه ،صيا يمنون أفسسهم باروة كًالتي يملكهًا
رغم معرفتهم بأفةه قد أبتلي بابنته البكماء التي لم تنطق بحرف واحد منذ ولدت ،والتًي
أهم األطباء ة
بأن السب لًيس عضًويا .وبًالطب هًو لًم ي،بًرهم بكًم الصًدمات التًي
ضا بأفةه هلً لهًا مربيًة بكمًاء! علمتهًا الصًمت فًي وقًت
تلقتها بسببه ولم ي،برهم أي ً
كافت تحتاج فيه إلى من يعلمها الكلم .وهناك ،صين فقأ يعرفون أفةًه ابتلًي بمًرم
ال ساء منه "اسيدز" ،أصب هسدئ منذ ذاك الوقت أرم لصبة ترت فيها األمرام
كيسمًا ا ًتهت .فمناعتًه قًد قتلًًت وسًسك دمهًا كمًا تسًسك فئًًة مًن البشًر دمًاء بعضًها
الًًبعض دون ًًسقة وال رحمًًة .لًًم يتوقًًف األمًًر علًًى هًًذا فحسً ،فهًًو فًًي المرحلًًة
الاالاة من المرم ،أي أفةه قد وي إحدى قدميه في القبر ولال ًهور أو ربمًا أيًام
كافت ليلى طوال الطريق اردة ً في حديث الدكتور وليد المًبهم؛ حتًى أفهًا لًم تسًتط
أن ت،رج منه بجملة واحدة مسيدة ،لكنها على يقين في ذاتهًا ة
أن أيًوب قًد ًارف علًى
الموت ،فربما بضًعة ًهور أو سًنة علًى أقً تقًدير وتنتهًي أيامًه فًي الًدفيا .افشًغ
ذهنها في حساب الاروة التي ستجنيها في حالة موته ،وماذا سًتسع فًي حالًة أفةًه تًرك
الاروة بأكملها لبسًمة ولًم يتًرك لهًا سًوى الستًات .كافًت ًاردة ً لدرهًة أفةهًا لًم تنتبًه
41
محمد المصري رواية /فخ الموت
-لم أفتبه
-ماذا بك؟
-ال يء
ي يء.
تجاهلته ليلى تما ًما فلم تكن بمزاج هيد يسم لها بالتحدث في أ ُّ
فظر لبسمة من مرآة السيارة التي كافت عالقةً بإحدى إ ارات المرور .لم يتعج
كايرا حين رأى بسمة تشير إلى فتاة صغيرة تبي المنادي .ركضت با عة المنادي
ً
باتجائ بسمة التي طلبت من ليلى بعض النقود فأعطتها ما تريد لتعطيه بدورها للستاة
لم يتعج صاح من هذا األمر فلقد اهدئ من قب فهذئ إحدى تعاليم أيوب التي س،ر
منها من قب .
ليةم الصمت على الجمي حتى وصلوا إلى القصر .لرهت بسمة سريعًا من السيارة
عندما وهدت الدادة فعيمة المربية ال،اصة بها بافتظارها على الباب فاصطحبتها
قعدت بسمة ببهو القصر وهـي تمسك بكوب الماء فسقأ الكوب من يدها وافكسر
بالتزامن م دلول ليلى ومرورها من أمامها .رمقتها ليلى بنظرات االستياء بسب
كايرا عندما تكسر بسمة يئًا ما؛ كأفةها كسرت أحدى ساقيها
هذا السع .فهـي تشمئز ً
الناعمتين.
طلبت الدادة فعيمة من بسمة أن تظ كما هـي ال تتحرك حتى يتم تنظيف األريية
تما ًما من الزهاج المكسور فافصاعت لفمر ،وظلت تراق ليلى التي كافت تسير
42
محمد المصري رواية /فخ الموت
بتل ُّكؤ باتجائ حجرة فومها .دللت ليلى الحجرة وتركت هسدها يسقأ على السرير
كسقوط حجر ألقائ أحدهم في النهر فأحدث يجي ًجا عم اتجه بك هدوء فحو القاع
وترك الماء من األعلى يتموج؛ الموهة تركض للف الموهة وتتبعها إلى الموت على
تتحدث م هنينها الساكن أحشا ها .بعد فسحة من الوقت توقست يدها عن الحركة
وافسرهت ابتسامتها عندما سمعت صوت أيوب ينادي عليها من الحديقة .فظرت له
من المستشرف ولوحت له بيديها تعلن عن قدومها إليه على وهه السرعة .كان أيوب
يقعد في الحديقة ينتظرها .أتت هـي من للسه وويعت يديها على كتسه ،وقالت:
أمسك بيدها اليمنى عم قبةلها بمودة .فهض وهذب لها المقعد المجاور:
-تسضلي بالجلوس ً
أوال يا ملكتي
قالت والسعادة تغمرها كما يغمر الماء الحسرة فيملئها على آلرها ويسيض:
-أفا حبلى
يمها إلى صدرئ لاوان عم عاد لينظر لها بح وأمسك بيدها و دد عليها وأردف:
ي
يء وأ ة -من اآلن ال أريدك أن تتحركي من السرير ،أفا سأفع ك
يء من أهلك
43
محمد المصري رواية /فخ الموت
أ تهي أن أفج منك فتاة ً تشبهني في المام ،وتألًذ مًن ،صًيتك أهمً
ما فيها
وي يدئ علًى بطنهًا كمًا طلبًت ،وظً يمررهًا حتًى افتشًت مًن السرحًة .فظًر فًي
سالرا وقال:
ً عينيها ،ويحك
ي لحظة
-لكن هذا مجرد حلم سوف ينتهي في أ ة
أصاب الذهول مامحهًا .برقًت ورعًدت سًماء عينيهًا وأو ًك الًدم علًى الهطًول.
تحولًًت فظراتهًًا باتجًًائ بسًًمة التًًي كافًًت تًًدفو مًًنهم وتمسًًك بيًًدها بًًالون وتلهًًو بًًه،
فاداهًًا أيًًوب فأتًًت إليًًه مسًًرعةًًً .ح وهًًه ليلًًى أكاًًر عنًًدما رأتهًًا تضًًحك وتلهًًو
بالبالون الذي تمسكه بيدها اليسرى ،وبيدها اليمنى كافت تمسك قل ًما.
كان أيوب ما زال يمرر يًدئ علًى بطنهًا التًي افتسً،ت بالسعً ،كأفةهًا حبلًى تًتم،ض!
44
محمد المصري رواية /فخ الموت
وقف أيوب بجوار بسمة ،وظ االعنان يضحكان بهستيريا بًالتزامن مً صًراخ ليلًى.
أ ارت بسمة للبالون في يًدها ،عًم أ ًارت لًبطن ليلًى ،فسطًن علًى السًور وأهًاد فهًم
أ ارت له ليشاهد ما ستسعله ،فأومأ لها بابتسامة .ويعت بسمة سن القلم علًى البًالون
الذي في يدها ،ويغطت عليه حتى افسجر البًالون .ألرهًت لسًافها لتايًر حنًق ليلًى،
عم يغطت بسن القلم على بطًن ليلًى حتًى م ةًر السًن مًن أسًس الايًاب وبعًد أقً مًن
عافية كان صوت افسجار آلر .ظ أيوب وبسمة يضحكان بشدة وليلى تصرخ بجنون:
-لماذا تسعلون معي هذئ األفاعي ،لم أعد قادرة ً على التحم بعد ،باهلل
ازدادت يحكات بسمة وأيوب وتحولت للص ، ،كأفةهما سكيران يضحكان مًن فًرط
ظلًت تصًًرخ بكلمًًة كسًًى حتًى اسًًتساقت مًًن فومهًًا والًدم يسًًي علًًى لًًديها .تشًًن
هسدها وأ تد البكاء وتحول لنواح طسلة صغيرة ،وما زالت تصرخ وتردد كلمة كسى.
كًًان أول ًًيء تًًرائ بجوارهًًا حًًين اسًًتساقت هًًـي حقيبتهًًا التًًي أمسًًكتها وألقًًت بهًًا
باتجائ المًرآة .تحركًت مًن السًرير وكً مًا أمسًكته يًديها حطمتًه وهشًمته .حطمًت
الصور التي تجمعها بأيوب .أفرغت محتويات ال،زافة ومزقتها بيديها ،وما لم تسًتط
تمزيقه أتى أسس أسنافها وتمزق عنوة ً .أفرغت التسريحة مًن أدوات التجميً ،وألقًت
45
محمد المصري رواية /فخ الموت
النصي األكبر من كاًرة التحطًيم .كً ذلًك كًان يحًدث ،وبسًمة ت،تبًئ فًي حجرتهًا
تًًدرك بأفةهًًا ليسًًت بهًًذا الغبًًاء الًًذي يجعلهًًا تصًًدق أفةهًًا تلهًًو بًًالتحطيم والصًًراخ
والسًًباب وصً اللعنًًات علًًى رأسًها ورأس أبيهًًاًً .عرت بًًين لحظًًة وألًًرى أفةهًًا
ستقتحم الحجرة وتضعها هـي والًدادة فًي فمهًا كمًا تضً القطًة أطسالهًا ،ولكًن ليلًى
لم تجد بسمة مكافًا ت،تبئ به سوى حضن مربيتها التي كذبت عليها منًذ قليً وهًـي ال
تح الكذب إطاقًا .ولكنها ايط ةرت لذلك فلم يكن هناك مكان آلر ت،تبئ فيه.
بعد بضعة دقا ق أتى طوق فجاتها ،وسًمعت صًوت أبيهًا يطلً مًن المربيًة أن تسًت
الباب الذي أغلقته بالمستاح بنا ًء على أوامرئ التي تلقتها عبر الهاتف .كافًت قًد ألبرتًه
ي
بما يحدث فطل منهًا إغًاق البًاب لشًية أن يجًن هنًون ليلًى أكاًر وتسعً بهمًا أ ة
سوء .فت الباب وهرعت بسمة باتجائ أبيهًا الًذي حملهًا بًين يديًه ويًمها إليًه بقًوة.
فأفصاع لرغبتها وقعد بها على السرير .روت لًه الًدادة فعيمًة كً مًا حًدث تسصًيليا.
يريها صورة قديمة ألبيهًا وهًو يرتًدي مابًس السًباحة .تًركهم أيًوب واتجًه صًوب
الحجرة التي ربحتها هـي بالطب وتركت أ ياءها مجرد ركام .كافت تقعد فًي األرم
46
محمد المصري رواية /فخ الموت
ممسكة بجزء مكسور من المرآة تتأم فيه عرها المبعار ومامحها الغارقة في بًرك
الدم .دل أيوب وهلس على السرير ،وظلت عينيه تجوب الحجرة في ذهول.
لم يحدث أن عارت هكذا مًن قبً ،لًم تنهًار فًي يًوم مًن األيًام كمًا افهًارت اليًوم .لًم
ي،طر بباله بأفةها مالها ما أغل البشًر المكلًومين ،قلًوبهم كالبًالون .والسًرق الوحيًد
بينهمًًا ة
أن البًًًالون ينًًًتسخ بًًًالهواء والقلًًًوب تنًًتسخ بًًًاأللم وال،يبـًًًـات ،وعنًًًدما ينًًًتسخ
أهابت بأعصاب هامدة ً كأفةهًا تسعً هًذا الشًيء كً يًوم .افسعً وأعًاد تكًرار السًؤال
-للمرة األولى واألليرة الني ستتصرفين بها هكذا وبسمة موهودة هنا
فهض وبأعصاب باردة اتجه إليها ووقف أمامها ومد لها يدئ كي تنهض ،وقال:
-من الواي ة
أن الجنون قد أصابك
47
محمد المصري رواية /فخ الموت
سح يدئ التي كان يمدها ،وأ ار بنسس تلك اليد بجوار أذفه ،بإ ارة تعبًر عًن هنًون
،ص ما.
فهضت ووقست في تلك اللحظة أمامه وه ًها لوهه .عر أيوب بًالتوتر الشًديد وكًاد أن
ي،برهًًا ،لكنًًه أمسًًك علًًى لسًًافه فًًي اللحظًًة األليًًرة .عًًاد القهقًًرى مترف ًحًًا باتجًًائ
السرير ،وسقأ مغشيا عليه .م ةًرت دقًا ق وهًو علًى هًذئ الحالًة .حًاول الًدكتور وليًد
إفاقته دون هدوى .بدأت ليلى تعًود إلًى عقلهًا ،وتصًنعت بعًض االهتمًام لمعرفًة مًا
أليرا
ً -ليته مات
وتارة ً ألرى يستيقظ الضمير معلنًا عن وهودئ فتشعر بالًذف ألفةهًا تشًتهي موتًه إلًى
هذا الحد .عرت باالفقسام بينها وبين يميرها .طمئنها الًدكتور وليًد وطلً منهًا أن
تأمر أحد ال،دم بجل حقيبته من السيارة .وما أن لرهت من الباب ،إال وفهض أيًوب
مًًن غسوتًًه .ابتسًًم ال ًدكتور وليًًد وهًًز رأسًًه غيًًر مصًًدق ل ًم يًًرى ،وأفة ًه كًًان يقًًوم
مستسسرا:
ً بالتماي ولم يكن مغشيا عليه ،فسأله
-لماذا؟
48
محمد المصري رواية /فخ الموت
-أفت هبار ،أفا ال استطي أن ألسي عن زوهتي يئًا لمدة يوم واحد
-ت،ي كيف سيكون عور زوهتك عندما تقترب منها وأفت تحم هذا
طل أيوب من الدكتور وليًد االفتقًال إلًى مويًوع آلًر حًين سًم صًوت لطًوات
تقترب من الباب ،فأذعن لرغبته وإن كافت لاطئة ،وغير مجرى الحوار تما ًما:
دلل ًت ليلًًى قب ً أن ينه ًي كلماتًًه تلًًك ،وتصًًنعت الشًًكر هلل بأفة ًه قًًد فهًًض وحالتًًه
-إن كنت مازلت تريدين معرفة السب سألبرك ،ولكن بعد هر
-لن أللف وعدي .سأذه اآلن ألقعد في الحديقة ،وسأرس أحد ال،دم
لتنظيف الحجرة
تركها وذه للحديقًة وفًي يًدئ دفتًر المًذكرات .كافًت بسًمة تلهًو مً الًدكتور وليًد
ويلعبًًان بًًالكرة .قعًًد علًًى طاولًًة قريبًًة مًًن حمًًام السًًباحة وفظًًر لبسًًمة لاًًوان وبًًدأ
49
محمد المصري رواية /فخ الموت
يكت .بعد فسحة من الزمن أتت إليه واستجدته للنهًوم كًي يلعً معهًم .طلً منهًا
أن تترك اللع وتذه للدادة فعيمة لتصن له وللدكتور وليد بعض العصير.
-أين ليلى؟
-وه ألبرتها؟
-ولماذا هر؟
أهابه باستياء:
تذوب وتذوب حتى تنطسئ يوم فموت .وأفا معتي كما ترى ارفت
على االفتهاء.
افدهش الصديق من فلسًسة صًديقه للعمًر ،وفسًي أفةًه قًد تً،رج مًن كليًة اآلداب قسًم
فلسسة قب أن يتجه للعم م والدئ .ملئ أيوب ر تيه بًنسس عميًق وطلً منًه القعًود،
وقال:
50
محمد المصري رواية /فخ الموت
-ألبرفي إيائ
األعلى هـي العمر ،والحجرة من األسس هـي األيام التي تنقضي منه ،والممًر الضًيق
بينهما هو الوقت الذي يسم بافقضاء العمر من لال األيًام المتتابعًة .بعضًنا يراقً
سًًاعته "بمعنًًى أدق عمًًرئ" كمًًا أفعً أفًًا بً وافتظًًر فهًًايتي فًًي كً يًًوم .والًًبعض
اآللر يغس عنه تما ًما وينسائ حتى يباغته الموت على حين غرة ،فيموت وهًو يحسً
أفةه م،لد.
اتسعت عينا الدكتور وليد من الدهشًة ممًا قًرأ .زادت دهشًته عنًدما ألبًرئ أفةًه ًرع
في كتابة مذكراته ،واتسق م وهيه أن يقًوم بنشًر مًا كتً منهًا بعًد أن يعطيهًا ألحًد
الكتاب ليقومها ويرتبها حس سياق القصة التي سي،برئ بهًا .وإن مًات قبً اكتمالهًا،
فعلى ذلك الكات أن يكملها بصورة هيدة بنا ًء على ما سي،برئ به وهيه.
-إذًا لو عاد بك الزمن لن تقيم عاقةً م تلك الستاة التي ألبرتني أفةها في
51
محمد المصري رواية /فخ الموت
-م األسف عجلة الوقت ال تدور إال باتجائ المستقب ،لكن إن عاد بي
52
محمد المصري رواية /فخ الموت
()4
البعض اآللر يشربها ويشعر بالنُّعاس! أ ةما البعض الاالث فيرى أفةها كًاألفاى بنكهاتهًا
المتعًًددة وأمزهتهًًا المتغيًًرة يتسقًًان فًًي الكايًًر مًًن األ ًًياء فيجًً عليًًك تًًدليلهما
وتقليبهمًا هيًدًا عًم تضًًعهما علًى النًًار ،وإيًًاك أن تتًركهم للغليًًان ينهشًهم كمًًا تًًنهش
اللبًًؤات الجا عًًة فريسًًتها دون رحمًًة وال ًًسقة ،عًًم بعًًد ذلًًك تحتس ًيهما سًًالنتين ال
ة
منهن ازداد فشاطك .أ ةما الًبعض الرابً يًرى فيهن ر سةً واحدة ً ،وكلما ارتشست
ة تترك
أفةها عًادة سًيئة إن أسًرفت فًي تناولهًا .وهنًاك مًن يًرون بأفةهًا تًرتبأ ارتبا ً
طًا وعيقًًا
بًًالعمق والقًًراءة والاقافًًة! كأفةهًا تضًًخ فًًي عقًًولهم األفكًًار الجامحًًة .والقهًًوة بريئًًة
تتعدد الزوايا التي يرى البشر منها القهوة ،ووهيه كان مًن الًبعض الرابً الًذي يًرى
أن القهوة مجرد عادة ً سيئةً يحاول هاهدًا الت،لص منها .هلبت له زوهته هنًاء فنجًان
ب ة
ً
منشًغا بتصًس إحًدى الصًحف فويًعت السنجًان أمامًه قهوة بنا ًء على رغبته .كًان
وسألته عن رأيه في القميص البني الذي يشبه لون قهوتًه والًذي ارتدتًه قبً قليً مًن
أهله ،فربما يتًرك ارتشًاف القهًوة ويبًدأ بارتشًافها هًـي .قًال وهًو يكمً قًراءة أحًد
-را للغاية
53
محمد المصري رواية /فخ الموت
معركة بينهم اليوم .قل الصسحة و رع في قراءة العناوين .هذبه عنوان في منتصًف
ي هنون هذا؟
-أ ُّ
-ماذا هناك؟
ابتسمت سالرة ً ،وويعت يدها على رأسه لتطمئن على حرارتًه ،وهًـي تسًأل فسسًها
ه ً يعق ً ة
أن لبًًر واحًًد يسًًاوي مايًًين الًًدوالرات! أمسًًك بيًًدها و قبةلهًًا والسًًعادة
-لقد هن زوهي
قالتها وهـي تصسق على يديها وعامات التعج تعتري مام وههها.
54
محمد المصري رواية /فخ الموت
لم ينتظر وهيه المصعد حتى يأتي وركًض علًى السًلم كطسً ألبًروئ ة
أن أبًائ قًد أتًى
من السسر للتو ،فسر إليًه ليكًون أول المسًتقبلين .علًى السًور صًعد سًيارته ،وفًي أقً
من فصف ساعة كان في القصر يهرول باتجائ أيًوب الًذي مًا زال يقعًد فًي الحديقًة،
وبسًًمة بًًين ذراعيًًه يًًداعبها .اقتًًرب مًًنهم ووههًًه متضًًمخ بًًالعرق ،أ ًًارت بسًًمة
ألبيهًًا كًًي ينظًًر باتجًًائ وهيًًه الًًذي يقتًًرب مًًنهم .تعجً أيًًوب فًًي البدايًًة عًًم تحًًول
التعج لتوتر وقلق عندما وقف وهيه أمامه وطل منه أن يجع بسمة تذه للًدال .
صوته بعض الشيء في المرة الاالاة ،فافصاعت لفمًر وذهبًت غايًبةً .افتظًر حتًى
ابتعدت وز ةم ستيه غايبًا لغض ابنته .كافت فظرة ً واحدة كافية لجعً وهيًه يتحًدث
في الحال:
لم يستط أيوب أن ي،سي تأعرئ بتلك الجملًة فوهيًه مًن الش،صًيات التًي تًزن الكًام
هيدًا قب أن ينطق به ،فهو ال يض،م األمور ويمنحها أكبر من حجمها .قًال والسضًول
كًان السضًًول يعتمً فًي فسًًس أيًًوب .أول مًا لطًًر ببالًًه أفةهًم اكتشًًسوا عا ًهًًا هديًدًا
لإليدز بإمكافه أن يشسيه تما ًما .فت وهيه الصحيسة وبدأ يقرأ:
-أعلنًًت وكالًًة فاسًًا السضًًا ية عًًن فجًًاح تجربتهًًا األولًًى فًًي السًًسر عبًًر
الزمن بعد فجاحها في تصني مركبة يو ية تزيد سرعتها عن سًرعة الضًوء ،وهًـي
55
محمد المصري رواية /فخ الموت
السرعة المطلوبة لكسر حاهز الزمن والسسر عبرئ ،وعلى ك من يرغً فًي لًوم
الوكالة.
-لًك عاقًة قويًًة بًه؛ أفًًت بإمكافًك أن تبًدل مًًا حًدث بالمايًًي ،كأفةًك لًًم
تصاب بالمرم من األساس .لقد ألبرتني أفةك تتذكر الستًاة التًي فقلًت إليًك المًرم،
-إذًا ستعود بالزمن ،وتمن فسسك من معا رة تلك الستاة ،وبالتالي لن يكون
لمعًًت السكًًرة وتبلًًورت فًًي عقً أيًًوب رغًًم عًًدم اسًًتيعابه الكامً لهًًا .تًًذكر بعًًض
األفًًام التًًي تًًدور فكرتهًًا حًًول السًًسر عبًًر الًًزمن وكيًًف يلتقًًي الشًً،ص بنسسًًه
األلرى من المايي .ك ذلك كان يرائ في األفام السًينما ية ،بينمًا لًم يت،يً للحظًة
واحدة أن يصب األمر حقيقةً .اصًطدمت السكًرة بجًدار القًدر الصًل ،فهًو يًؤمن ة
أن
أقدار البشر تكت منذ مياد الش،ص وحتى يوم وفاته؛ لقد قضًي األمًر ،وال يسًتطي
56
محمد المصري رواية /فخ الموت
ابتل ريقه وويً يًدئ علًى صًدرئ بعًد أن اسًتدعى عقلًه تلًك الًذكرى ،كأفةًه يضًرم
النار لتلتهم عقلة الهش .لشي أن تحول الذكرى عقله إلى رماد ،وهو في أمس الحاهة
-فحن قد ارفنا على فهاية الرب األول من القرن الواحد والعشرين .لم
ستحدث ستقول هذا محض هراء .ترى ما هـي الحكمة اسلهيةة من قراءتي لهًذا ال،بًر
اليوم على وهه التحديد؟ عم أفةني في أق من لحظة استنتجت أفةك قد تغير مًا حًدث فًي
المايي
-لم أقتن
-لماذا ال تقتن .أفت لن تحيي الموتى أو تقت األحياء ،سوف تنقذ فسسك
57
محمد المصري رواية /فخ الموت
فهض وهيه وترك الصحيسة على الطاولًة وذهً .راقً أيًوب لطواتًه وهًـي تسًير
على العش بتوان .لم يكترث للحزن الذي اعتًرى مامً وههًه وهًو يرحً .افشًغ
ًارا
عقلًًه بتلًًك الًًذكرى العسنًة فلقًًد راودتًًه بكً تساصًًيلها .بًًالطب وقتهًًا كافًًت افتصً ً
لشهوته الذكوريًة ،أ ةمًا اآلن فهًـي مًرم؛ مًرم قًذر يحملًه فًي هسًدئ أينمًا ذهً ،
قًًبض بيًًدئ علًًى الصًًحيسة ولملًًم أ ًًياءئ واتجًًه للًًدال ،بالكًًاد قًًد تًًذكر بً ة
ًأن بسًًمة
بافتظًًًارئ ،ولًًًن تنًًًام حتًًًى يًًًذه إليهًًًا .دلًًً مكتبًًًه وويًًً الصًًًحيسة والهًًًاتف
والًًذكريات والسًًسر عبًًر الًًزمن ومًًا إلًًى ذلًًك ،تسًًرغ تما ًمًًا البتسًًامته التًًي بًًاألعلى.
دل الحجرة ووهد الًدادة فعيمًة تطعمهًا .مًا أن رأتًه بسًمة إال وفظًرت لًه بحنًق عًم
التسةت بوههها للجهة األلرى .أمر الدادة بال،روج ،ودفا منهم وقعد قبالتهًا وابتسًم لهًا
فتبسمت له حين مد يدئ ليطعمها وأبى أن تعود تلك اليد إال وهـي فارغة من الطعام.
إ ةن أعظم الصدقات هـي لقمة يضعها الره في فم زوهته ،فمًا هًزاء الرهً الًذي ال
يك وال يم من وي الطعام في فائ ابنته .أكاد أقسم أفةًه لًو كًان هنًاك هوايًة محببًة
إلى قلبه فلن تكون أعظم من هواية وي الطعًام فًي فًائ بسًمة ،وهًـي بًالطب تعشًق
ذلك .ب أكار األوقات التي تأك فيها حتًى مًا بعًد الشًب عنًدما تأكً مًن يًدئ .طلبًت
بعًًض المًًاء فس ًقاها ورفًًض أن تش ًرب بمسردهًًا و ًًرب مًًن بعًًدها ويًًحك حت ًى
تضًًحك .يًًدللها ويمنحهًًا السًًعادة ،كأفةهمًًا زوهًًين .آلًر زوهًًين عا ًًقين علًًى ظهًًر
األرم ،كاهما يود أن يمن اآللر ك ما يملك من الح والمودة والعشق الً،الص.
58
محمد المصري رواية /فخ الموت
امتفت معدتها تما ًما فكست يد أبيها عن الطعام ،عم فهضت لتجل ورقةً وقل ًما وكتبت:
كايرا فلقد فسي للحظة أفةها تركتًه غايًبةً عنًدما ارتسً صًوته
قرأ ما كتبت ،ويحك ً
ضا؟
-وماذا أي ً
أعطته الورقة وألقت بنسسها بين ذراعيه ليحملها .كان التع واسرهاق قد فال منه فلًم
يستط حملها .أ ار لها أفةها لو تمكنت من أن تسبقه إلى السرير سًيروي لهًا قصًةً لًم
يرويهًًا لهًًا مًًن قب ً .تحمسًًت وركضًًت علًًى السًًور ،وافتظرتًًه هنًًاك ،ب ً وفامًًت
ودست فسسها أسس الغطاء ،ورفعت الطرف الجًافبي للغطًاء بافتظًار قدومًه .كًان قًد
تمكًًن مًًن النهًًوم وذهً إليهًًا واسًًتلقى بجوارهًًا .فظ ًرت لًًه وكلهًًا ًًغف للقصًًة
-كًًان يًًا مًًا كًًان ،يًًا سًًادة يًًا كًًرام وال يحلًًو الكًًام إال بًًذكر النبًًي عليًًه
الصًًاة والسًًام .كًًان هنًًاك ره ً لديًًه فتًًاة را عًًة يعشًًقها كايً ًًرا كايً ًًرا .لكنًًه كًًان
59
محمد المصري رواية /فخ الموت
كرارا في أحامه ،وفي ك مرة ينجو منًه بأعجوبًة. تلك الهراوة ،وبأفةه يرائ م ً
رارا وت ً
-كان هذا الره في البداية وقب أن تأتى ابنته إلى الدفيا يمقتها بشدة ألفةه
سالرا ،فضحكت وهـي تتااءب .مًرر أصًابعه علًى ًعرها كمًا تحً
ً قالها ويحك
أن يسع .كافت تنام على ظهرها فبدلت فومتها واعتدلت على الجاف األيمن باتجاهًه،
ولدته ،وزوهته التي ترقًد بجًوارئ كً ليلًة؛ زوهتًه الاالاًة التًي ال تشًعر بًه إطاقًًا.
بينما زوهته الاافية ليست مجرد امًرأة ،بً هًـي مًاك قًد أفجً لًه ما ًكًا .لًن أكًذب
عليك وسألبرك ة
بأن ذلك الره في بداية حياته كان يعشق النساء وبشدة ،وعلى وهًه
الدقة الجميات من ة
هن ،ستقولين اآلن وه تبًدل كً ذلًك؟ سًأهيبك بًنعم وسًأروي لًك
كافًًت بسًًمة تغًًأ فًًي فًًوم عميًًق ولكنًًه كًًان يًًروي لنسسًًه .روى لهًًا مًًن قب ً مئًًات
القصص ولم تكن من بيًنهم قصًته التًي يرويهًا اآلن بكً مًا يحملًه قلبًه وصًوته مًن
60
محمد المصري رواية /فخ الموت
تهدج و جن .لم يشعر حتى بالدم السالن الذي سال علًى وههًه .تًاب غيًر مكتًرث
ألي يء:
-عندما علم الره أفةًه مًريض ومريًه ال ًساء منًه ،ر ةق قلبًه إلًى ابنتًه
أكار .ك ما فعله أفةه زرع فيها بعض الح فجنى العشًق والسًعادة .بًات أسًعد رهً
علًًى وهًًه األرم بسضًًلها .كًًان قبً أن تًًأتي للًًدفيا يمقتهًًا وال يبتغًًي رؤيتهًًا ،بينمًًا
اآلن يعشق الدفيا من أهلها .أدرك معها قيمة ومعنى الح الطاهر النقي ،ب هًـي مًن
علمته الح .وطهرت قلبه من اآلعام وفظسته من الكراهية التي كافت تملئه.
هسف دمعه ،وفظر إليها ليطمئن ه الماك فام أم ال ؟ فوهدها غارقًةً فًي بحًر النًوم.
قبةلهًا قبلًةً عميقًةً علًًى هبهتهًًا ورفً الغطًًاء عنًًه وفهًًض .أعًًاد ترتيً الغطًًاء مًًرة ً
ألرى ،وقال:
-اعتذر يا ابنتي لقد كنت السب في أن تكوفي بكماء .أتمنى أن تغسري لي
ه لطر ببالك مرة أن تعاقً فسسًك قبً أن يعاقبهًا هللا؟! أيًوب يسعً ذلًك ،ويعاقً
فسسه بتلك الذكريات المريًرة كمًرارة الحصًرم .أ ًد تلًك الًذكريات مًرارة ً يًوم وفًاة
والدة بسمة .فمنذ ما يقرب من تسً سًنوات .حينهًا كافًت بسًمة بعمًر الشًهرين فقًأ،
وكافًًت كًًوعر تهدهًًدها كًًي تنًًام .دل ً أيًًوب فًًي الرابعًًة صًًبا ًحا وهًًو عم ً ،وسًًم
قلبه لها فهو لم يراها سوى مرتين أو عاث منذ ولدت .تحدث إليها غايبًا ألفةها هلبًت
سرير بسمة في حجرة فومًه وهًو ال يسًتطي النًوم بجًوار األطسًال .لًم تجبًه كعادتهًا
61
محمد المصري رواية /فخ الموت
وصًًًمتت ،وتركتًًًه يسًًًرغ ًًًحنة الغضًًً إلًًًى آلرهًًًا .ازداد بكًًًاء بسًًًمة مًًًن حًًًدة
ًف عًًن الكًًام ،وحملًًت بسًًمة واتجهًًت للحمًًام .رق قلبًًه للحظًًة عنًًدما بًًات
حتًًى كً ة
صًًوت بكًًاء كًًوعر أعلًًى مًًن صًًوت بكًًاء الطسلًًة .ومًًا أن دفًًا مًًن البًًاب حتًًى سًًم
صوت يء يرتطم بأريية الحمام وبقوة .هًرول باتجًائ الحمًام وفًت البًاب سًريعًا.
وهد كوعر تقعد وقدماها مستوحتان ،وتسًتند بظهرهًا علًى حًوم االسًتحمام ،وبسًمة
التي كافت تحملها قًد افسرطًت مًن يًدها اليسًرى وسًقطت علًى أريًية الحمًام ،وقًد
تحول بكاءها لصراخ ديد .رك سريعًا وحم الطسلة وويعها في السرير وعاد إلًى
كًًوعر .عًًاد ليجًًدها صًًامتةً تما ًمًًا! حًًاول هاه ًدًا أن يوقظهًًا ولكًًن دون هًًدوى .لقًًد
صمتت حتى تحول الصمت إلى مًوت .ماتًت بعًد أن ألًذت حبتًين مًن المهًدئ الًذي
يعينها على تحملك أيها األبله .كافًت قًد دللًت الحمًام حافيًة القًدمين ،وألًذت حبتًين
تهدأ ب بكت كما تبكي طسلتها وأكار .أمسكت الطسلة بيدها اليسرى واليد اليمنًى كافًت
تغسً بهًًا وهههًًا كًي تكًًب همًوح الًدم .سًًقأ بعًًض المًاء أسًًس قًًدميها ،فافزلقًًت
عندما تحركت لتجل منشسة وتجسًف الًدم .مًن رحمًة هللا بالطسلًة أفةهًا افسرطًت مًن
يدها ولم تتأعر بالسقطة .بينما سقطت كوعر على ظهرها ،وتا سقوطها علًى األرم،
السقوط في فخ الموت .اصطدم رأسها بحافة حوم االسًتحمام فًأدى ذلًك إلًى فزيًف
داللي بالمخ توفيت على أعرئ .اكتسى حينها بدف مبلغ كبيًر للطبيً الًذي كتً تقريًر
الوفاة .كتبه كما أراد هو ،وإلى اآلن يشعر بالذف فهو من تسب في هذا الجرم.
62
محمد المصري رواية /فخ الموت
ما زال يميرئ يؤرقه فلًم يمًت الضًمير بعًد ،ال سًيما أفةًه مًا زال يتًنسس .ظلًت تلًك
الًًذف تقً الًًنسس فًًي فًًخ الضًًمير ،إ ةمًا أن تسًًتلم وتعتًًرف فيرتًًاح الضًًمير ويطمًًئن
ويستكين ،وإ ةما أن ت،تبئ للف أغوار الكذب وتتجًرع الكايًر مًن المبًررات سسًكات
يشعر بالطمأفينًة والسًكينة .فتلًك الًذكرى تًراودئ بًين حًين وآلًر بتساصًيلها الدقيقًة،
وبك ما تحمله من ألم ،وكالعادة يسأل فسسه السؤال الذي يازم هذئ الذكرى:
لم يجرؤ أن يذه لزيارة قبرها كي يطل الصس منها؛ حتى أفةه ي،شى االقتراب مًن
هناك .ذهً عًاث مًرات فقًأ .المًرة األولًى عنًدما اسًتجدته أن يًذه معهًا لزيًارة
أمها وأبيها ،والاافية عند دفنها ،والاالاة عندما أتى ألوها من السسر فذه معه تكري ًما
راودته فسسه أن يذه إليها في الصباح ويطل منها المغسرة علها تغسًر .لكًن النُّعًاس
أحيافًا تشعر أفك فمًت لًدقيقتين أو عًاث عنًدما ال تًرى أيًة أحًام أو ال تسًتيقظ أعنًاء
فومك .هكذا عر عندما استيقظ وفظر في الساعة فوهدها السًابعة صًبا ًحا .لًرج مًن
الحجرة وترك بسمة فا مة .اتص بسا قه وأيقظًه ليًأتي .ذهً ليطمًئن علًى ليلًى ً
أوال
فوهدها ما زالت فا مةً أو بصورة أدق كافت تتصن النوم حتى ال تتحدث إليه.
63
محمد المصري رواية /فخ الموت
استيقظ ك ال،دم في القصر فور استيقاظه وعلى رأسهم الدادة فعيمة التي ذهبًت لتنًام
تعج السا ق ً
قليا فلم يذه معًه إلًى ذلًك المكًان مًن قبً .اسًتغرق األمًر سًاعتين
ليصا إلى المقبرة بعد أن يا الطريق أكار من مرة ،وبمسًاعدة أحًد سًاكني المقًابر
تمكنا مًن الوصًول إليهًا .وقًف أمًام القبًر المقسًر ،والًذي ال توهًد عليًه فبتًة واحًدة.
حاول الدلول فلم يستط فالبًاب موصًد .عًرم عليًه سًاكن المقًابر أن يحطًم القسً
فرفض.
ألًرج مًن حافظًًة فقًودئ ورقًة بقيمًًة ما تًان هنيًًه وأعطاهًا للرهً و ًكرئ .م ةًر مًًن
للسًًه ًًاب فًًي منتصًًف العشًًرينات يقًًود دراه ًةً فاري ًةً ،وكًًان يحم ً عليهًًا بعًًض
تضًًرع أيًًوب بالًًدعاء لكًًوعر وقًًرأ كً مًًا يحسًًظ مًًن قًًرآن حتًًى تعبًًت قًًدمائ فقعًًد.
وعدها أن يوصًي السًا ق بجعً هًذئ المقبًرة ممتلئًةً بالنباتًات والًورود .فربمًا أدرك
اآلن حكمتها عندما سمعها تقول ألبيه بأفةها تتمنى أن تدفن بجوار عا لتهًا ،فلقًد أرادت
أن تستأفس بهم من وحشة القبر فنسذ رغبتها إكرا ًمًا لهًا .افتابًه السضًول وذهً ليًرى
64
محمد المصري رواية /فخ الموت
اسًًتغرقت المسًًافة أربعًًة لط ًوات كًًي يص ً إلًًى هنًًاك .هكًًذا هًًـي مقًًابر السقًًراء
تلتصق هنبًا إلى هن كما تلتصق األهساد في الدفيا كذلك تلتصق بعد الموت.
ًيئًا مًا .لًم يحًاول أن يلسًت افتباهًه وتركًه حتًى فظر من البًاب فوهًد الشًاب يكتً
ينتهًًًي ممًًًا يكتًًً .سًًًم لعينيًًًه أن تجًًًوب المقبًًًرة الصًًًغيرة الممتلئًًًة بالنباتًًًات
ال،ضًًراء ،وهًًو يانًًي عليًًه .افتبًًه الشًًاب لًًه وابتسًًم حًًين وهًًد عينيًًه ترتكًًز عليًًه.
يئًا لا ً
صا؟ -ه كنت تكت
والقها بالدال
فهض الشاب وتحرك باتجاهه .أعطائ الورقة وأغلق المقبرة ورح ،وتركه يقرأ:
-عندما تشيخ قبً والًدك وتشًعر أفةًك علًى حافًة المًوت ،عليًك أن تًذه
للمقًًابر كًًي تجهًًز قبًًرك بيًًديك! أكتً قا مًًة المغسًًلين لجسًًدك ولًًيكن كهً ًًا يًًاقت
عينيه وتهدل الجلد من فوق هسنيه، .ص واحًد يكسًي ليسًتر عورتًك المسًتباحة بعًد
موتك .التر النساء التي ستنوح عليك هيدًا .يج أن تكون فبرة الصًوت قويًةً ومليئًةً
65
محمد المصري رواية /فخ الموت
بًًالحزن والشًًجن كًًي تًًذرف بعًًض األعًًين المتصًًلبة قطًًرات دم ً سًًالنة! أو مًًن
األفض لك أن ال تأتي النساء للسك إلى المقابر حتى ال تتعذب بعد موتك ،فهم يقولًون
فليبكي عليك من يبكي ،ويتألم من يتألم فسًي النهايًة هًو حًزن مؤقًت فلًن تًرزق بأحًد
يحزن عليك حزفًا سرمديا سوى أفت في حالة أفةك كنت من أصًحاب الً،واتيم السًيئة.
ادةلر بعض النقود ألصدقا ك الذين سيحملون فعشك حتى يركضًوا بًه ،سًيظن الجمً
ادف ً أهًًرة المقًًرئ والمكسًًن وحًًارس القبًًر وصًًاف القهًًوة وحام ً القهًًوة ،أوصًًي
سدد ك ديوفك حتى الشتا م التي كافت دينًًا عليًك سًددها ،سًدد كً بصًقة كافًت دينًًا
يء إال الدين؛ لذلك كن دا نًا وال تكن مدينًا" عليك ألحدهم "يغسر للميت ك
النقود حتى تدعوا لك بعد موتك؛ "ال تنسى الجنة أسس أقدام األمهات!"
اقتني ساعة ولبئها عند القبر ترى ما هـي أطول مدة زمنيًة سًيمكث فيهًا أحًدهم عنًد
قبرك! كم من األعوام ستنقضي بين الزيارة والزيارة .ا تري ساعةً تعًيش لمًدة قًرن
ال ت،بئ فقودًا في القبر فالديدان ال تقب الر وة! فجسدك سيكون لير ر وة.
66
محمد المصري رواية /فخ الموت
حسنًا مت؛ مت اآلن بسام؛ لروحك السعادة .دع لهم الدفيا يحترقون بجنتها المزيسة!
للص من القراءة وسقأ الدم مًن عينيًه كسًقوط المًاء مًن الصًنبور لحظًة إغاقًه،
ة
كأن دمعه على و ك أن ينض .بحث هنًا وهنًاك عًن الشًاب فلًم يجًدئ بًالمرة .فظًر
إلى األعلى ليجد يافطةً تحم اسم المقبرة؛ مدفن عا لة الحاج أحمد المصري.
أعاد قراءة الورقة مرتين وافتبًه لوهًود بعًض الحًروف مرسًومةً باللغًة اسفجليزيًة؛
" "Ex Piredوهًدها بنهايًة الورقًة .لًف الورقًة بحجًر وألقاهًا بالًدال وهًو يبتسًم
ويقول لنسسه:
أدرك أيوب فعليا وللمرة األولى أفةه ليس الجاة الوحيدة التي تقف على قدميها
وما زالت تتنسس .فهناك آالف وربما مايين الجاًث السًا رة فيمًا بيننًا .يظًنهم النًاظر
67
محمد المصري رواية /فخ الموت
()5
أفةاقًًات ،ال عهًًد له ً ةن وال مياًًاق .يتلًًو ةن كالحربًًاء مًًن أه ً أن يصًًلن إلًًى غًًايته ةن
ويتركنًك مبتًور القلً ،منقسًم الوهًدان ،تا ًهًا فًي فًًاة الًذات ،زاهًدًا لكً الًنعم مًًن
حولك .يتركنك غير مكترعات لك ولوهعك .تلقي الواحدة منه ةن عليًك باقلهًا مًن أفوعًة
وكبرياء و موخ وكيد وتودد وهنون .تلقيهم كما يلقي اسلطبوط بأذرعه الامافية علًى
فريسًًته .يظهًًرن لًًك بمظهًًر الشًًب والجًًوع يًًنهش فًًي قلًًوبه ةن وأهسًًاده ةن .ت،بًًرك
منهن أفةها اكتست وهـي أبدًا أبدًا ال تكتسي .يلتسسن حول قلبك كما تلتًف المشًافق
ة الواحدة
حول الرقاب لتكسرها وت،نقها وتقط عنها الهًواء لتمنحهًا فًي النهايًة المًوت .كًذلك
يسعلن في قلبك .يلبسن عوب التقوى والورع والاقافًة والكياسًة واأللًاق العظيمًة مًن
أه أن يصلن إلى غايته ةن .أغلبه ةن يتعطرن بعطر ال،يافة ،وتلًك الوديعًة التًي تتلًوى
من الحزن وتقول أفةها ستموت م أول لحظات الهجًر والسقًد ،ال تقلًق سًتعيش وتنًتقم
لًذاتها ،فقًأ تحتًاج إلًى ال،بًرة التًي ستكتسًبها مًن الوحًدة والًدموع وبقيًة المتملقًات
أماالها.
أيوب ال،ا ن اكتشف اليوم أفةًه مً،ان .كمًا تًدين تًدان تلًك المقولًة التًي ينسًبوفها إلًى
حديث فبوي ريف .افطبقت عليه ولكن تبًدلت الكلمًات وأصًبحت كمًا تً،ون تً،ان.
الزوهة والصديق؛ صسعة مزدوهة .هما االعنًان وههًان لعملًة واحًدة ،عملًة ال،يافًة.
بات يشعر اآلن أفةه ماله ما الطس الذي وي أبوئ في فمه قطعة لحًم كبيًرة ،فوقسًت
في حلقه ،ال هو قادر على أن يبتلعها ،وال قادر على أن يلسظها.
68
محمد المصري رواية /فخ الموت
مذ ساعة علًى وهًه التحديًد وقبً أن يكتشًف ال،يافًة .اهتمً مجلًس اسدارة بر اسًة
أيوب اللتيار الر يس الجديد بنا ًء على رغبتًه .كًان المر ً األول للر اسًة هًو فا بًه
الدكتور وليًد والًذي قربًه منًه الستًرة المايًية مًن أهً تلًك الغايًة .افتهًى االهتمًاع
ضًا بمغامرتًه
بالموافقة ،عم ذهبا سًويا إلًى مكتبًه لمناقشًة بعًض التساصًي وي،بًرئ أي ً
عاعة أيام قد م ةرت مذ قدوم وهيه بذلك ال،بر المجنون ،كافت كسيلًةً بجعً أيًوب يتً،ذ
حزمةً من القرارات من أه لوم تلك التجربة .أبدى الًدكتور وليًد اعترايًه علًى
هذا السسر وعبر عن أسسه على هًذا القًرار الًذي أتً،ذئ وتركًه وذهً ! رغًم أفةًه منًذ
عاعة أيام عندما كافا يجلسان في الحديقة سأله لو عاد بًك الًزمن مًاذا سًتسع ،وحينهًا
قال أيًوب أفةًه يتمنًى أن يقتً تلًك الستًاة .أسًف اآلن أ ًد األسًف لسكًرة تغييًر القًدر،
-أسترح ً
أوال
-أفت تعلم أفةنا لسنا مجرد ركاء عم ،ب فحن أصدقاء وصداقتنا
يء أهم من ك
69
محمد المصري رواية /فخ الموت
عر صاح للحظة بالقلق والتوتر ولكنه لم يقاطعه وتركه يتاب :
-تلك الصداقة هعلتك تعلم أ يا ًء كايرة ً عني ،لكن يتبقى أهم يء لم
تعلمه بعد
-ما هو؟
-سألبرك ال تتعج
،صًًت عينًًا صًًاح وطسًًق لًًون وههًًه وأصًًب م ًا ًا للسًًواد .تلعًًام وتًًوتر ،وفًًي
اللحظة التي تلعام فيها سقأ في السخ الذي فص له .قال وهًو يجسًف العًرق مًن علًى
وههه:
هنًًا ص ًمت تما ًمًًا واستشًًعر ال،طًًأ الجسًًيم الًًذي سًًقأ فيًًه .لًًرج أيًًوب م ًن حجًًرة
المكت وأ ًار لحبشًي قا ًد الحًرس الً،اص بًه الًذي كًان ينتظًر علًى مقربًة .عًوان
وكًًان حبشًًي يقًًف أمامًًه ينتظًًر األوامًًر ،وكافًًت األوامًًر أن يًً،رج مًًن الشًًركة
70
محمد المصري رواية /فخ الموت
ليًذهبا هميعًًًا إلًًى فيلتًًه الصًًغيرة بًًالتجم الًً،امس ،والتًًي كًًان يمًًارس فيهًًا هريمًًة
ال،يافة كما اعتًرف منًذ قليً .طبةًق حبشًي األوامًر حرفيًا ،وفًي الطريًق رن هًاتف
أيوب وكافت ليلى هـي المتصًلة .ألبرتًه أفةهًا سًتذه لتشًتري بعًض األ ًياء فسًم
لهًًا بًًذلك بعًًدما اطمًًئن علًًى بسًًمة .وص ًلت السًًيارة إلًًى السًًيا ،واتجًًه الجميً إلًًى
حجرة النوم بنا ًء على رغبة أيوب .هل حبشي مقعدًا وقيد صًاح بًه وكمًم فمًه .بعًد
فصف ساعة تقريبًا كان هرس الباب يرن .فت حبشي البًاب واصًطح الضًيف إلًى
-لقد أتت ال،ا نة لتشتري من ال،ا ن ،ترى ماذا يبي ،ه يبي لك المتعة؟!
قال أيوب تلًك الكلمًات ،وهًـي غيًر مصًدقة لًم يحًدث .مًا زالًت تهًز رأسًها كببغًاء
محبوس في قسص وقد هًن هنوفًه مًن الشًمس الحارقًة .قيًد حبشًي السًيدة ليلًى التًي
أ ار أيوب لحبشي أن يكمم لها فمها .افتظرئ حتى فسةذ األمر ،عًم أمًرئ بًال،روج .فظًر
لم يكن السض لعق أيوب في رسم هذا السخ ،ب كان السض األول للدكتور وليًد الًذي
ألبرئ ة
أن السيدة ليلى طلبت رؤيته ألمر هام دون أن ي،بر أيوب بهذا اللقًاء .كافًت قًد
استشست من بعض أحاديث أيوب أفةه سيترك الميراث برمته لبسًمة ،وسًيمن الًدكتور
71
محمد المصري رواية /فخ الموت
وليد الوصاية على الشركات والممتلكات حتى تكبر .لن يترك لها سًوى بعًض الستًات
يء. والبقية ستذه إلى ابنته ،فأرادت أن تلقى بأفوعتها عليه علها تظسر بك
ظنت أفةه فريسةً سهلة االصطياد ،وما أهم أن تكون فريسة أحدهم فيمكنك عقلًك مًن
أن تصًًب الصًًياد .تعامً معهًًا بًًذكاء ًًديد .فصً لهًًا السًًخ الًًذي يسًًقأ فيًًه أغلً
إلى الكاير من المال فهو يمر بضا قة مالية .سيتسقان سويا ،وسيقتسمان التركًة بعًد أن
تسًًاعدئ هًًـي بًًأن يجعلًًه أيًًوب الوصًًي علًًى الطسلًًة .لكنًًه ي،شًًى أن يمًًن الوصًًاية
وأ ارت إلى حقيبتها .تأكدت على السور كوكه بوهود عاقة تربطها م صاح فلقًد
اهدهما أكار من مرة وهما يمزحًان مزا ًحًا يتعًدى حًدود الصًديق وزوهًة صًديقه.
ألبر أيوب بك ذلك ،وأسدى لًه النصًيحة بًأن يبًدأ بصًاح .ينصً لًه السًخ وي،بًرئ
كافت على عاقة بًه سًيجد فًي هاتسًه بعًض الًدال فالنسًاء ذكيًات للغايًة فًي إلسًاء
وهد أيوب في هاتف صاح لاف الرسًا النصًية والمكالمًات بعًض الصًور التًي
يحتسظ بها لزوهتًه وهًـي بمابًس ًبه عاريًة التقطًت دون معرفتهًا .فهًو ي،شًى أن
تغًًدر بًًه فقًًرر االحتسًًاظ بًًبعض الصًًور ال،اصًًة التًًي يسًًتطي تهديًًدها مًًن لالهًًا.
إحقاقًا للحق كان أيوب ذكيا بعًض الشًيء فًي فصً السًخ لزوهتًه .عنًدما أرسً لهًا
72
محمد المصري رواية /فخ الموت
رسالةً فصيةً من هاتف صاح يطل منها أن تلحق به على فيا التجم ،فأتت كالكلبًة
التي تلهث وراء أحد الكاب من أه أن يتم،ض هسدها بالمتعة .أتت بعد أن اتصلت
بصًًاح ً
أوال فلًًم يجي ً ،فهاتسًًه كًًان بحًًوزة أيًًوب ،عًًم اتصًًلت ب ًأيوب لت،بًًرئ أفةهًًا
ست،رج لتشتري بعض األ ياء ،وكان هو بافتظارها لتدف عمن ال،يافًة التًي ا ًترتها.
سينتاب السضول بعض القراء ويسألون ،وه رأيت ما كة القبر تحاسً المًوتى مًن
قب ؟ سأريي فضولك عزيزي السا ،وألبًرك أفةنًي بًالطب لًم أراهًم ،فجسًدي مًا
زال على قيًد الحيًاة ،وكً الًذين مًاتوا لًم يً،رج أحًدهم ويًروي لًي كيًف فصً لًه
الموت السخ كي يسسك دمه كما يشتهي! فه سي،برفي ماذا تسع معه الما كة؟!
على ك حال لم يسق أيوب بعد من تلك الصسعة التي فالها علًى يًد الصًديق والزوهًة.
زد على ذلك أفةه كان يشعر باأللم لدرهة ال تحتم ،ة
كأن هناك ديًدان تأكً مًن رأسًه.
ك ما في األمر أفةه أراد أن يجعلهم يشًعرون بمًا يشًعر؛ يتًألمون كمًا يتًألم .فأصًع
ما يمر على اسفسان في حياته هو أن يجتم األلم الجسدي والنسسًي معًًا .أحًدهم يأكً
الجسد كما تأك الديدان الجاث ،واآللر يلتهم الروح كمًا النًار التًي ا ًتعلت فًي قلً
الحط .
ظ أيوب يتأملهم بغرابة .ال تعلم ه يودعهم أم يحًاول أن يصًدق أفةًه سًقأ فًي فسًس
األلم الذي ظن أفةه لن يسقأ فيه أبدًا .ه ما استطاع أن يقوله في تلًك اللحظًة هًـي أن
-لماذا؟
73
محمد المصري رواية /فخ الموت
كررها أكار من مرة وهو يشير بيديًه ،ويهًز رأسًه ،ويجًز علًى أسًنافه .العجيً فًي
ًؤاال بسًًي ً
طا للغايًًة .هًًو فسسًًه يجي ً عليًًه بًًأكار مًًن إهابًًة ،علًًى األمًًر أفة ًه يسًًأل سً ً
ما زالت ليلى تقسم بصوتها المكتوم أفةها لم ت،نه .توسلت إليًه أن ينًزع الكمامًة وهًـي
ي يء
-أقسم بمن للقني أفك أسأت السهم ،ليس بيني وبينه أ ة
قص عليها كيف علم بأمر ليافتها من البداية للنهاية ،ب وهعلها تشاهد بعًض الصًور
لها وهـي في حجًرة النًوم التًي تقعًد فيهًا اآلن .فظًرت لصًاح وبصًقت عليًه بعًدما
عرت باسهافة من ذلك السع ! بصقت عليه للمرة الاافية بعد أن قالت:
بربك يا امرأة ،صديق ي،ون صديقه معك ولًم تنتقصًي مًن رهولتًه! وتنتقصًي منهًا
ي يء.
ألفه صورك بمابس النوم! آلم تتوقعي من ال،ا ن أ ة
أتعج حقًا ة
ألن هناك العديد من مايات ليلى ك ما يعرفوفه عن الرهولًة أفةهًا مجًرد
أهساد تريي هواته ةن وتروي أراييه ةن حتى وإن كافت أزواههم ترويها!
ة
كأن الكهرباء مستها .ظلًت تنظًر لًه بباهًة ًديدة ،وهًـي تتوسً الصًس والغسًران.
ظلت تستجديه بحياة بسمة وحياة ك من يحبهم ،ب أفةها تتمنى لًو تمنحًه بعًض العمًر
74
محمد المصري رواية /فخ الموت
أو يعاقبها بنسس المرم .ك ما تبتغيه اآلن أن يتركها على قيًد الحيًاة .كمًم فمهًا كًي
تكف عن الكلم فلًم تصًمت ،وظلًت تمًوء كالقطًة التًي حبسًت بًدال حجًرة وحجً
عنها النًور والمًاء والطعًام فأصًبحت ال تًرى سًوى السًواد .تًاب أيًوب كامًه وهًو
-ه ً تعلًًم يًًا مًًن تعشًًقين المًًال وتعبدينًًه أفةنًًي فًًي المرحلًًة الاالاًًة مًًن
المًًرم .أي أفةنًًي قًًد أو ًًكت علًًى المًًوت ،وكنًًت أفتًًوي أن أتًًرك لًًك فسًًبةً ليسًًت
بالقليلة من عروتي
ظ يتحدث ويأتي بجم غير مرتبة حتًى أفًرغ بعًض مًا فًي هعبتًه ،ولًم يتبقًى اآلن
لرج من الحجرة وتركهم بمسردهم .يًود كً ًا منهمًا لًو يضً اآللًر أسًس فكيًه .عقًد
صسقة م حبشي حارسه الش،صي ،وطلً منًه التكًتم علًى األمًر مًن بدايتًه إلًى أن
ينتهي لقاء مبلغ كان بماابة الحلم بالنسبة للره "فصف مليون هنيه" ألبرئ أيوب بمًا
الحظ هنا أفه استبدل حرف األلف بحرف النون وهم الره معه حتًى يكًون ًري ًكا
أساسيا في الجريمة؛ لكي يضمن أفةه سيكتم األمر ولن يتسوئ بكلمة ألي م،لوق.
75
محمد المصري رواية /فخ الموت
لم يستوع حبشي الكلم هيدًا فعقله مشًغول بًالمبلغ الًذي سًيجنيه ،وعلًى اسًتعداد أن
ي يء من أه ذلك المال.
يسع أ ة
حبشي ماله ما الكاير من البشر على أتم االستعداد للقت والذب وفعً أغلً األفعًال
ألرج أيًوب هاتسًه واتصً بوهيًه وأمًرئ بًإلراج العمًال علًى السًور وإفًراغ البنايًة
التي طل منه من قب أن يض بها اللوح ال،شبي كي يقعًد فًي الهًواء .لًم يجًد وهيًه
ي مسر سًوى تلبيًة رغبًة صًاح المكًان والعمً بعًد أن سًأل عًن السًب ولًم يجًد
أ ة
إهابةً.
ً،درا ويضًعه
الحراس تم منحهم عطلة كما أمر .كًان قًد طلً مًن حبشًي أن يبتًاع م ً
ً
فعًا إفسًافيا .بًالطب هًم بًأمس الحاهًة في زهاهة ماء عم يدل ويسًقيهم ،كأفًه يسعً
إلى ماء يروى حلوقهم التي باتت كالساة رمالها تغلي من دة القيظ.
ة
وغطا في فًوم عميًق .اسًتيقظا مًن غسًوتهم ووهًدا أفسسًهما أعلًى البنايًة ربا كليهما
يرقدان على سطحها الملته وهلودهم تنز عرقًا من حرارة السط برغم ة
أن الليً قًد
هل حبشي بعض الحبال وتأكد من متافتها؛ الطرف األول مًن الحبً تسًنن أيًوب فًي
هعله عقدة ً كالمشنقة وويعه حول رقبة صاح ،وما زال يسأله:
76
محمد المصري رواية /فخ الموت
ترى ما هو ذف الشيطان في ليافتكم أيها ال،ا نون ،كلمًا ارتكبًتم إع ًمًا ألقيًتم بًه علًى
ظ صاح يهرطًق بًالكام ،ويًأتي بكلمًة مًن هنًا وكلمًة مًن هنًاك حتًى سًأم أيًوب
كامه وأمر حبشي أن يضعه على اللوح ،حتى بعد أن سًجد وقبةً حذا ًه ،وهًو ينظًر
إليه بعيون متوسلة تطل الصس والمغسرة .ركله أيوب في وههه وهو يقول:
-ال،نازير ال ترف رأسها للسماء ،وأفت مجرد لنزير ظننته في يوم من
األيام كل وفي
افتهًًًى حبشًًًي مًًًن فًًًزع المقعًًًد الطبًًًي المتواهًًًد بطًًًرف اللًًًوح ،وعًًًاد وحمًًً
ال،نزير"صاح" أوقسه على اللوح وربأ طرف الحب في المسامير التي كافت تمسك
المعقًًود فًًي اللًًوح مسًًافة المتًًران حتًًى ال يتسًًنى لًًه التحًًرك إال بمقًًدار لطًًوة أو
األسس فظرة ً واحدة ً فارتع وهز رأسه بهستيريا وهو يناهي أيوب من للًف الكمامًة
77
محمد المصري رواية /فخ الموت
-لماذا؟
ال،ا نة ت،تلف بعًض الشًيء عًن الً،ا ن فهًـي تملًك بعًض اسهابًات .قالًت والوهً
-لقد حرمتني من األمومة ،وأفت لديك ابنتك ،وأفا ماذا لدي .ال يء.
-أفدم بشدة ألفي لم أفج منه .ب أفدم أ د الندم أفةني لم أهعلك تشعر
بالقهر والذل
تسل ببرودة األعصاب كي يجعلها ت،رج ك ما بجعبتها .عله يلتمس لها أي عذر:
-لماذا لم تتطلبي الطاق بما أفك تودين اسفجاب إلى هذا الحد؟
-ألفةني أحبك
-ال أحبك أفت ،ال تكًن أحمقًًا .أفًت ال تسًتحق الحً ،بً علًى العكًس أفًا
أمقُّتك وأبغضك ،لكنني أحً مالًك الكايًر ،أحبًه بشًدة .كنًت أعلًم أفًك ًارفت علًى
الموت ،وافتظر حتى تموت ألرث ك مالك ،عم ألقي بابنتك البكماء في أي ملجأ
-أليس كذلك يا صاح ،كنا قد اتسقنا أن فنتظرئ حتى يموت وفرعه سويا،
78
محمد المصري رواية /فخ الموت
-كنت تظن أفةني أتحم ك هذا من أهلك أفت!! حقًا أحمق .أفت مجرد
قالت الكلمتان األليرتان وهـي تجًز علًى أسًنافها وه ةمًت لتبصًق فًي وههًه ،ومًا أن
تحركت الحنجرة لتلبية األمر حتى تلقت صسعةً قويةً اهتز لها الجسد برمته.
أ ار أيوب لحبشي أن يحملها ويضعها بجوار رفيق السرير .كاد حبشي أن يسقأ هًذئ
المرة ،فلقد كافت تتلوى كاألفعى بعكس صاح الًذي كًان مشًدو ًها ممًا يحًدث ،وكًان
ي،شًًى السًًقوط فلًًم يتحًًرك .بالكًًاد اسًًتطاع حبشًًي أن يًًربأ الحب ً فًًي اللًًوح فقًًد
افشًًغلت ليلًًى لاًًوان بًًالنظر إلًًى صًًاح .عًًاد حبشًًي سًًريعًا ول ًم يًًتمكن مًًن وي ً
الكمامة.
المال را فعم ،لكنه ال يشتري العمر .وقف أيوب على طرف اللوح ،وقال:
هًًو يعًًرف مسًًبقًا أفه ًم لًًن يتمكنًًوا مًًن الصًًمود ل ًدقا ق .أراد فقًًأ أن يم ًن يًًميرئ
بعض المهد ات ،وي،برئ أفةه قد منحهم فرصةً للنجاة ،فمن أراد النجاة عليه التح ُّم .
فظرت ليلى أليوب بتسحص وهـي تلًوي وهههًا ،تلًك النظًرة التًي يقشًعر بًدفك منهًا
وتشعر أفك معدوم القيمة عند هذا الش،ص ،فأفت بالنسبة له مجرد حاالة.
79
محمد المصري رواية /فخ الموت
حياتي
افتهت من هملتها وكافت قد افتقلت بقدميها المقيدتين مقدار لطوة ههًة اليمًين لتصًب
على حافة اللوح .استغرقت في تلك ال،طوة حوالي لمسًةً وعشًرون عافيًة ،عًم عشًرة
سنتيمترات ألرى أو أكار استغرقت فيهم عاث عوان .عًم تمايً الجسًد بعًدها بالكامً
باتجائ الجاف األيمن لتسقأ كسباحة ماهرة تقف علًى لًوح لشًبي وتقًوم باسًتعرام
أمام لجنة التحكًيم والجمهًور ،وكلمًا افدهشًت اللجنًة مًن االسًتعرام منحتهًا درهًةً
عاليةً .لجنًة التحكًيم هنًا تتًألف مًن أيًوب فقًأ ،والجمهًور كًان صًاح الًذي ي،شًى
ً
مشًغوال بمحاولًة التًًوازن فهًو اآلن يتًرف علًى اللًوح إعًر سًًقوطها، النظًر فقًد كًان
سقطت ليلًى فًي فًخ المًوت بنصًف إرادتهًا ،والسضً يعًود أليًوب بالنصًف اآللًر.
سقطت وظلت تترف ،والجسد يدور ميتًا كما كان يدور حيًا .افًدهش أيًوب للغايًة مًن
لقًًد فعلًًت ذلًًك ألفةهًًا أيقنًًت أفةهًًا ميتًة ال محالًًة ،وعنًًدما تعلًًم اليًًوم أفةًك ميًًت ميًًت،
فاألمر سيان بالنسًبة لًك ،أن تمًوت بعًد فصًف سًاعة أو تمًوت بعًد سًاعة أو تمًوت
للموت عندما تعلم أفك ستموت بعًد لحظًات ،أو بمعنًى أدق عنًدما تًذه لًه بقًدميك.
80
محمد المصري رواية /فخ الموت
ت،يً ة
أن هنًًاك ًً،ص يتًًربص بًًك ويتحًًين اللحظًًة المناسًًبة ليساهئًًك ،فتباغتًًه أفًًت
وتقل ً الطاولًًة وت ًذه لًًه بقًًدميك حت ًمًًا سًًيساهئ .هكًًذا هًًـي فعلًًت فاهًًأت المًًوت
وسًًقطت فًًي فًً،ه بمًً ء إرادتهًًا .المًًوت صًًاف أكبًًر مساهًًأة فًًي تًًاريخ البشًًرية
وصاح السخ الذي يسقأ فيه ك البشر على حد سواء .أحيافًا يساهئ بالمنتحرين!
لًًم يسًًتط صًًاح أن يتماسًًك ،فًًال،وف والرع ً مًًن المًًوت هعلًًه يمًًوت .التمسًًك
بالحياة هعله يسقًدها .عنًدما تتمسًك بشًيء بشًدة وتسعً كً المسًتحيات مًن أهً أن
تنًًال هًًذا الشًًيء فتأكًًد هي ًدًا أفة ًك فًًي الغال ً فاقًًدئ .هكًًذا فق ًد صًًاح حياتًًه بمنتهًًى
االفسيابية.
لم تمر دقيقة على األكار بعد موت ليلى ظ فيها يتوس ويتوس .بدأ في أولهًا يحًاول
النظر لجاة ليلى المعلقة معه فًي اللًوح .حًاول التحًرك باتجًائ أيًوب ،فتعاًرت إحًدى
قدميه باأللرى وهو يحاول أن يركض لوفًا مًن السًقوط ،فسًقأ بوههًه علًى اللًوح.
تلك السقطة ألذته للسقطة األليرة .لًيطن فسًس صًوت كسًر الرقبًة ويسًقأ فًي فسًس
السخ .ظلتا الجاتًان تلتسًان وترتطمًان وتت،بطًان بً وتتعافقًان بسعً الريًاح والحبًال؛
تنسس أيوب الصعداء بعدما عر ببعض الراحة لموتهما! أمًر حبشًي باالسًتعافة بأحًد
81
محمد المصري رواية /فخ الموت
بهم إلى مكان آمن ليتم دفنهم ،والمال يكمم األفوائ ،فلن يهتم أحد بالسؤال
عن يء
-حسنا ً دع صديقك هذا ي،تار مقبرة ال يزورها أحد ،وإن سأل وسوف
افسرهت أسارير حبشي وهم بالعم سريعًا بعد مضاعسة المبلغ .تركه أيوب وهبأ مًن
البنايًًة ،وقع ًد ينتظًًرئ فًًي السًًيارةً .عر بًًالكاير مًًن التع ً واسههًًاد لقلبًًه وعقلًًه
ً
قلًيا وظً يسكًر فًي األدلًة التًي وهسدئ .الجسد برمته كان مجهدًا .بالكاد فشًأ العقً
ربما قًد للةسهًا مًن بعًد الجريمًة .أراد أن يطمًئن هً هنًاك عغًرة تدينًه أم ال؛ الحبًال
الاغرة الوحيدة التي اكتشسها عندما لطر ببالًه أفةًه ربمًا راءئ ً،ص مًا مًن البنايًات
ي ً،ص ينظًر
المجاورة أو المراك النيلية وأبلغ الشرطة ،فارتسًاع البنايًة يسًم أل ة
لفعلى أن يرى ما يحدث في الواههة .لم يستسيغ الاغًرة فلًم يحًدث ًيء حتًى اآلن،
واألمر تم سريعًا للغاية .السيارة التي أتى بها سيارة صاح وسوف يًتم الًت،لص منهًا
بالطب األمر ال ينطبق على الش،صيات المرموقة من الهيئًات السًيادية وكبًار رهًال
األعمال ،وصاح بًالطب لًم يكًن واحًدًا مًنهم ،وحتًى إن اكتشًست الشًرطة هريمتًه،
فسي تلك اللحظة سيكون لارج الًباد كمًا رسًم لطتًه .افطلًق حبشًي بسًيارة صًاح
82
محمد المصري رواية /فخ الموت
تركه أيوب يذه بمسردئ ،واستق هو سًيارة أهًرة ،وظً يتابعًه بالهًاتف .طلً مًن
السا ق الوقوف قب مقًر الشًركة بما ًة متًر أو أكاًر .ارتجً مًن السًيارة ،واسًتدعى
سا قه ،ومن هناك ذه إلى القصر .دل مكتبه بصحبة السا ق وأعطًائ حقيبًةً ممتلئًةً
بالنقود المتسق عليها .طل منه أن يذه بها للعنوان الذي ألبرئ به حبشي.
ً
اتصًاال هاتسيًا مًن حبشًي تكون فا مةً هكذا ظن .بعد ساعتين مًن قدومًه للقصًر تلقًى
سًًا ي،بًرئ ة
أن األمًر قًًد تًم علًى ليًًر مًا يًرام ،بالتأكيًًد بعًد قًدوم المًًال .ألًذ أيًوب فس ً
-الحمد هلل!
كر هللا ة
أن األمر افتهى حتى اآلن على لير!
هناك الكاير مًن القتلًة واللصًوص وغيًرهم ممًن يرتكبًون المعاصًي واآلعًام أغلًبهم
التاف دوافعهم ومدى لطورة الجريمة التًي يرتكبوفهًا .بينمًا قًد ينقضًي األمًر فًي
الدفيا ويسترهم هللا ،ولكن ماذا عن اآللرة .وترى هً سًتر هللا وحًدئ هًو مًن يجعلهًم
على ك حال م ةرت األمور بسام حتى اآلن .هدأ عقله وارتاح قلبًه عنًدما أتًى حبشًي
83
محمد المصري رواية /فخ الموت
-هذئ المرأة تح هذا الرهً ولًم يوافًق أبوهًا علًى زواههًم ،لًذلك قًررا
االفتحار سويا فًي منًزل هًذا الرهً ،وعنًدما عًرف أبوهًا بًاألمر قًرر التسًتر علًى
ابتسم أيوب سهابة حبشي وأعنى عليه بالذكاء والسطنة ،قا ًا:
أ ار حبشي على صدرئ كأفةه يرف غطاء حسرة لي،بئ بها يئًا ما .بعدما افتهى أيًوب
منه أمرئ بال،روج .عاد بالذاكرة ليبحث عن ذكرى هيًدة تجمعًه بليلًى فلًم يجًد سًوى
النوع المتسلق .كنبات وهد عيدان ال،ش التي يتسًلقها كًي يتسًرع ويتوسً بأغصًافه
وأوراقه وعمارئ .صسةى رأسه من ماء الذكريات العكر ،وتًذكر المسًتقب ومًا عليًه أن
يسعله .اتص بوهيه وأمًرئ بالقًدوم إلًى القصًر .بًين زحمًة اليًوم الشًديد فسًي أفةًه لًم
يعطه األوامر لتجهيز رحلته المنتظرة .لمسة وعاعون دقيقًةً كافًت كافيًةً ليقًف وهيًه
84
محمد المصري رواية /فخ الموت
-ماذا تقصد؟
-في فهاية ال،بر ستجد أفةه كًان هنًاك عًدد محًدود مًن المقاعًد ،وإن كنًت
يقول ة
أن المركبة سوف تنطلق لال بضعة أيام
ابتسم أيًوب ابتسًامة ريًا مبطنًةً بالسً،رية مًن ترتيبًات القًدر ،وكيًف يتاعً بًه.
منحه ً
أما في الحياة عم عاد وقت ذلك األم في ومضة عين ،لكن األم إن مًات فبًت
قالها وهيه وافتظر ردة السع على وههًه الًذي علقًت مامحًه فًي المنتصًف مًا بًين
السعادة والحزن .باأللير افتصر الوهه سعيدًا ،فلقد قت له األم الوحيد ،عم عاد وفسًخ
-كيف ذلك؟
قًًص عليًًه وهيًًه كيًًف اتص ً بالسًًسارة األمريكيًًة بًًاليوم الاًًافي مًًن رؤيتًًه لل،بًًر،
وألبًًرهم ة
أن السًًيد أيًًوب يريًًد لًًوم التجربًًة مهمًًا كلستًًه مًًن مًًال ،عًًم أرس ً ك ً
البيافات المطلوبًة وافقضًى األمًر عنًدما ألبًروئ أفةًه تًم حجًز المقعًد وأرسًلوا بريًدًا
إلكتروفيا يؤكد ذلًك .واليًوم أرسًلوا بريًدًا آلًر ي،بًروئ بأفةًه يجً تحويً المبلًغ قبً
افقضاء يوم غد ،وأفةه قد حجز له مقعد بطا رة بعد غًد المتجهًة إلًى وا ًنطن ،وحجًز
85
محمد المصري رواية /فخ الموت
له هنا ًحا في أف،م فنادقها حتى يكون بجًوار وكالًة فاسًا .كً ذلًك وأيًوب ينصًت لًه.
يء عمن يا سيدي ،هذئ هملتك المعهودة التي تعلمتها منك -لك
-سأطل ،ولكن بعد أن ت،برفي لماذا طلبت مني اليوم إفراغ البناية من
فظرات أحد
إن كنًًت غيًًر قًًادر علًًى اسهابًًة فعليًًك بطًًرح األسًًئلة ،هك ًذا فع ً حتًًى يتسًًنى لًًه
ف عن طرحها:
الهروب من أسئلة وهيه التي ال يك ُّ
-دعك من هذا األمر ،ألبرفي كيف علمت أفةني سأقرر الذهاب لدرهة أفةك
يء؟ أعددت ك
-لقد أصبت يا وهيه ،رغم أفةك لاطرت بسع ك ذلك دون علمي ،لكن
ليرا ما فعلت
ً
86
محمد المصري رواية /فخ الموت
لم ينتبه أيوب هيدًا للكلمات التي قيلت للتو ،فقد كًان يسكًر أفةًه ربمًا لًن يعًود مًن تلًك
فًًت دفتًًر المًًذكرات ،وبًًدأ يًًروي لًًه قصًًة المًًرم مًًن بدايًًة الًًذكرى األولًًى للستًًاة
األهنبية التي تحم المرم والتي ياهعها قب والدة بسًمة بيًومين ،وهًـي آلًر مًن
لفلًًرى كًًي ترقًًد بسًًام ،عًًم مًًوت كًًوعر بعًًد ًًهرين مًًن والدتهًًا لبسًًمة ،وبعًًدها
حينها كان الحنين قد بدأ يجذبه لبسمة ،كأفةها مغناطيس وهو قطعًة الحديًد التًي تجًذب
دون إرادة منها .طل من لالد صديقه أن يذه معه ليشتري بعض األ ياء لهًا ،فهًو
ال يسقه يئًا عن حاهيات األطسال .ذهبا بسيارة لالد ،وعندما افتهيةا من الشًراء ،وكافًا
يعبران الطريًق .وقًف هًو علًى الرصًيف فًي المنتصًف بعًدما افشًغ بهاتسًه وعبًر
لالًًد الطريًًق فصًًدمته حمقًًاء بسًًيارتها .ذه ً بًًه سًًريعًا ألقًًرب مستشًًسى ،وكًًان
المستشسى حكومي م األسًف ،والطريًق كًان مزدح ًمًا للغايًة ،وقًد فًزف الكايًر مًن
ة
أن دمًاءئ ال تعطي هميً السصًا .ألًذوا مًن دمًه عينًةً وبعًد التحليً ،قًال الطبيً
87
محمد المصري رواية /فخ الموت
ًيء بصًًدق ،لكنًًه فسًًي بعًًض األحًًداث والتساصًًي رغًًم أفة ًه أراد أن ي ًروي ك ً
المهمة .على رأسهم أفه لم يقترب مًن زوهتًه كًوعر مًن بعًد مضًاهعة األهنبيًة تلًك،
وهو يحمد هللا في ك يوم أفةه لًم يسعً ذلًك ،فلًو حملًت كًوعر المًرم ،كافًت سًتنقله
بدورها لبسمة عن طريق الريًاعة .توقًف عًن الكلًم بعًدما أصًي لسًافه بنوبًة مًن
الصًًمت ،وعنًًدما يصًًاب اللسًًان بهًًذئ النوبًًة يطلًًق العن ًان لعشًًرات األلسًًنة بًًدال
الًًنسس البشًًرية ،كلهًًا تتحًًدث فًًي آن واحًًد .كًًأفهم ألسًًنة فسًًاء تصًًرخ وتنحً علًًى
فقيدهم الميت.
يحك أيوب من تلك الطرفًة ،وبًدأ يسً،ر هًو اآللًر مًن بعًض األ ًياء التًي تحسًر
على فعلها في المايي .استمرا على هذئ الحال لدقا ق .أراد أيوب الصعود لاطمئنان
على بسمة .فأمر وهيه باالفصراف بعدما طل منه أن يألذ دفتر المذكرات وينقً مًا
العقًًاري ،وافتًًداب أحًًد المًًوظسين مًًن هنًًاك .أراد كتابًًة توكي ً عًًام بًًاسدارة باسًًم
الدكتور وليد وهـي الورقة األليرة في فعش الوصية التي أبلغ المحامى بتساصيلها قب
للمرة األولى منذ سنوات يشعر بتلك الراحة فقد أزاح بعض الحجارة من على صدرئ،
وهش األغربة التي ما زالًت تعشًش بالًدال .سًم لر تيًه أن تمتلئًا بًالهواء دون أن
تتألمًا كعًادتهم .تعاًر فقًأ بعقبًًة إبًاغ بسًمة بالسًسر لمًدة قًًد تتجًاوز السًبعة أيًام .لًًم
88
محمد المصري رواية /فخ الموت
يحدث أن فارقها هكذا من قب .يأسف ك األسف أفةًه لًن يًتمكن مًن اصًطحابها معًه.
صعد الدرج ،ووص إلى بًاب الحجًرة ،طًرق البًاب عًم فتحًه ليساهئهًا ،لكنًه وهًدها
-كما تأمر
لرهًًت الًًدادة فعيمًًة مًًن الحجًًرة .ومشًًى أيًًوب لطًًوتين باتجًًائ السًًرير ليض ًطج
قبةلها على لدها ووي يًدئ علًى رأسًها ،وت،للًت أصًابعه لصًات ًعرها النًاعم.
ظ يؤف فسسًه ألفًه لًم يتكبًد عنًاء السًؤال؛ هً يجًوز اصًطحاب طسلًة أم ال؟ رغًم
إدراكه الكام ة
أن اسهابة ستكون الرفض.
قطعت بسمة األفكار السوداء وتأفي الضًمير عنًدما ابتسًمت فمنحتًه ابتسًامةً أعلجًت
ً
هميا. قلبه .عر أفها تحلم حل ًما
ايطج بجوارها وي ةمها إلى صدرئ برقة حتى ال تستيقظ .أرلى هسنيًه فًي محاولًة
مستميتة للنوم .حاول طرد ك األفكار وذكريات هذا اليوم السيئ للغاية.
89
محمد المصري رواية /فخ الموت
استغرق ساعةً وأكار ليسقأ في بحر النوم .بالكاد قد افتهى مًن لوازيًق الواقً واآلن
في بادئ األمر عر أفةه يًذب ،وبعًد عًوان تحًول الشًعور إلًى رؤيًة وايًحة وهليًة،
ورأى فسسه يذب كالشائ .أربعة ،وص من المقًربين إليًه كً واحًد مًنهم يمسًك فًي
يًًدئ سًًكينًا ،ويقط ً هًًز ًءا مًًن هسًًدئ المس ًجى علًًى األرم .لًًم يسًًتط فًًي البدايًًة
تمييًزهم ،لكنًه تأكًد أفةهًم رهلًين وامًرأتين .تركًوا السًكاكين مًن أيًاديهم وأمسًك كً
واحًًد مًًنهم بقطعًًة منًًه .هًًذا أمسًًك بالًًذراعين واآللًًر بالق ًدمين ،وأحًًدهم قًًد ظسًًر
بالرأس ،ك واحًد مًنهم أمسًك هًز ًءا منًه مًا عًدا القلً تركًوئ .وحًدها بسًمة كافًت
تقًًف وتراق ً مًًا يحًًدث مًًن بعيًًد ،وعنًًدما اقتربًًت التسًًى الجميً وتركًًوا مًًا كًًافوا
يمسكوفه .فظرت للقل ،وأمسكته بيدها ويمته لصدرها؛ ما زال القل ينبض! قبةلًت
ًلوا ،حتًًى
ًلوا ً ً
القلً وويًًعته علًى األرم .عًًم ذهبًت ولملمًًت أ ًاءئ المبعاًًرة ً
تحولًًت مابسًًها البيضًًاء للًًون األحمًًر القًًافي بسع ً الًًدماء .فظًًرت للجسًًد مبتسًًمةً
استيقظ من فومه ليجد بسمة بجًوارئ علًى السًرير تقبةلًه علًى لًدئ ،وابتسًمت لًه فًور
استيقاظه .كافت الشمس قد فهضت للتو وأفًارت الًدفيا حولًه .عافقهًا وكلًه سًعادة مًن
الحلم الذي رآئ رغًم بشًاعته ،فنهايًة الحلًم كافًت كسيلًةً بمنحًه السًعادة؛ رغًم أن تلًك
90
محمد المصري رواية /فخ الموت
ألبرهًا أفًه قًًد رأى حل ًمًا را عًًا يشًًبه قصًة سًًيدفا إبًًراهيم ،وكيًًف ألًًذ الطيًًر ليًًرى
كيف يحيي هللا الموتى .طلبت منه أن يقص عليها القصة كاملةً ،فأهاب مبتس ًما:
هزت رأسها رافضًةً تما ًمًا مًا قيً لهًا .تحركًت لل،لًف لطًوة فأمسًكها وهًذبها مًن
-أعدك أفةني سأعود يوم عيد ميادك؛ أفا أعلم هيدًا أفةها فترة طويلة للغايًة،
لكن أقسم لك رغ ًما عني سأيطر للغياب طًوال هًذئ األيًام .ال أعلًم كيًف سًتمر تلًك
ستشًًتاقين لًًي؛ وهنًًاك حً را ً كلمًًا ا ًًتقت لًًي أكتبًًي؛ أكتبًي كً مًًا تريًًدين علًًى
اتجهت إلى زاوية بالحجرة وظلت تبكي .ذه إليها وكسكف دمعها ،عم حملها على يًدئ
واتجًًه بهًًا إلًًى لزافًًة المابًًس ليلبسًًها عًًوب المدرسًًة .ظً أكاًًر مًًن فصًًف سًًاعة
المدرسة وقاب بعض المدرسات ،ب وقضى معها أكاًر مًن سًاعة فًي السنًاء بصًحبة
بعًًض األطسًًال اآللًًرين .عًًم تركهًًا وذه ً لينه ًي بقيًًة األوراق ،وعًًاد فًًي منتصًًف
لم يتركها دقيقةً واحدة فهذئ هـي الليلة األليرة التي سيقضيها معها قب السسر ً
فجرا.
91
محمد المصري رواية /فخ الموت
النحات لمنحوتته .رأسه كافًت الصً،رة التًي ينحًت عليهًا ،وعينيًه هًـي أدواتًه التًي
ينحًت بهًا .الجسًون تحضًًن الجسًون والشًسائ تحضًًن الشًسائ .هنًاك مًًا يزيًد عًن ما ًًة
تنتصً كغصًن عرة تتدلى على وههها ،وال،دين متوردين بعض الشًيء .الرمًو
أوراقًًه مصًًسوفة بطريقًًة ما لًًة ،والحًًاهبين كًًأرم زرعًًت بأزهًًار عبًًاد الشًًمس،
وهنًًاك فراغًًات صًًغيرة للغايًًة بًًين ك ً زهًًرة وزهًًرة .ظ ً ينظًًر لمامحهًًا ،وك ً
تسصًًيلة مًًن تساصًًيلها لتكتم ً منحوتتًًه فًًي م،يلتًًه .لًًم ينسًًى أن يلًًتقأ بهاتسًًه بعًًض
الصور لتنضم إلى مئات الصور التي يحتسظ بها في هاتسه لتكون رفيقة الرحلة.
فجرا أتى وهيه إلى القصر ،وهلس بًالبهو ينتظًر أيًوب الًذي كًان
ً في الساعة الاالاة
يوصًًي الًًدادة فعيمًًة للمًًرة الما ًًة وأكاًًر علًًى بسًًمة .ألبرهًًا أفة ًه قًًام بتعيًًين مربيًًة
ألرى لتعينها عليها بعًد أن سًافرت السًيدة ليلًى ألمًر هًام ولًن تكًون موهًودة لتهًتم
ببسمة.
ي طًارئ
أوصى وهيه أن يطمئن عليها يوميا ويجلً لهًا كً متطلباتهًا ،وإن حًدث أ ة
تتص بوهيه أو الدكتور وليد على السور ،فقالت بصوت يرتعش من ال،وف:
-ألشى أن تستيقظ وتظ تبكي ،وأفت تعلم هيدًا يا سيدي أفةها حين ال
طمأفها أفةها لن تبكي ،فلقد اتسقا سويا ووعدها رزمة وعًود حتًى تعًدئ بعًدم البكًاء فًي
غيابه ،وفي النهاية ظسر بالوعد .ابتسم ووي يدئ على هيً سًترته المتواهًد بداللًه
الوعد الذي قطعته بسمة على فسسًها كتابيًا .لًرج مًن القصًر بصًحبة وهيًه وتوههًا
92
محمد المصري رواية /فخ الموت
إلى المطار ،وفي غضون ساعة كافا بًدال صًالة االفتظًار .ألًرج أيًوب مًن حقيبًة
-ما هذا؟
-مستاح لزفة في البنك باسم بسمة .أريدك أن تحافظ عليه حتى تكبر،
ي يا سيدي
-هذئ أمافة كبيرة عل ة
ينادى على الرحلًة المتجهًة إلًى مطًار داالس بوا ًنطن .فهًض وهيًه وافتظًرئ حتًى
فهًًض وعافقًًه كصًًديق يًًودع صًًديقه .حًًاول أن يطمئنًًه ويشًًد مًًن أزرئ .ألبًًرئ أفةًه
سًًيجد فًًور وصًًوله أحًًد المتًًرهمين ينتظًًرئ .فقًًأ عليًًه أن يتب ً التعليمًًات حرفي ًا،
كرئ وهيه ،عم ودعه مرة ألرى قب أن يتجه إلى مدرج الطا رات.
ص ًعد الطًًا رة ،وأوصًًلته المضًًيسة إلًًى مقعًًدئ بدرهًًة رهًًال األعمًًال؛ هًًو أقًًرب
للسرير منه إلى المقعد .ألقى بجسدئ عليه بعد عورئ المتواص بالنعاس .تناول بعض
الطعام وقرص من دوا ًه وفًام حتًى أيقظتًه المضًيسة بالمطًار اآللًر .فًام طًوال مًدة
الرحلًًة كاملًًة! افتهًًى مًًن اسهًًراءات ووهًًد رهً ًًا أسًًمر البشًًرة ذو قامًًة متوسًًطة
ينتظرئ:
93
محمد المصري رواية /فخ الموت
رد أيًوب التحيًة ،ولرهًا مًن المطًار معًًا وتوههًا إلًى فنًدق ""The Watergate
ووترغيت التاري،ي الذي يق على يساف فهر بوتوماك مال غرب وا نطن .صًعد
أيوب إلى هناحه ال،اص بصحبة فادر .وي لًادم السنًدق الحقا ً وافصًرف .سًأله
فادر ،وقال:
ووا ًًنطن .اصًًطحبه فًًادر إلًًى حديقًًة )) United States Botanic Garden
قعد أيوب على إحًدى المصًاط وألًرج دفتًر مذكراتًه وهً ةم ليكتً ،فلًم يًتمكن مًن
ي يء .القلم يرفض الحركة واألوراق ترقص من تحت يديه كراقصًة عاريًة
كتابة أ ة
المابس ترتدي فقأ على هلدها الماء فا يمكنه اسمسًاك بهًا .حًاول هاهًدًا أن يجعً
قلمه ينزف بعض الحبر ولكن دون هدوى .استسلم وأغلق الدفتر .ألذ مًن فًادر هاتسًه
ال،اص ليتص منه ويرى بسمة .أفهى االتصال والدم يتساقأ من عينيًه بعًدما رآهًا
عدم بكاءها في غيابًه .تااقلًت الهمًوم عليًه كأفةهًا حجًر ويً علًى صًدرئ العًاري،
94
محمد المصري رواية /فخ الموت
عاد إلى السندق بصحبة فادر الذي حاول الت،سيف عنه عندما رآئ حزينًا .روى له كيف
أتًًى إلًًى أمريكًًا منًًذ بض ً سًًنوات ،وكيًًف يتعام ً معًًه معظًًم هيرافًًه مًًن الشًًع
األمريكًًي معاملًةً سًًيئةً فقًًأ ألفةًه مسًًلم ذو أصً عربًًي ,علًًى الًرغم مًًن أفةًه تًًزوج
أمريكية ودف لها فصف ما استطاع تحصيله في سنوات إقامته مقاب حصوله
-هذا الشع يعبد المال ،فأحيافًا أ عر أفهم بشر آلية تتحرك وفق إحداعيات
-أظن أفك م،طئ في حكمك ،لقد أتيت أمريكا مًرتين مًن قبً ،ورأيًت ة
أن
ًًيء حقًًه .أفًًت أردت الجنسًًية وكًًان عليًًك دف ً أغل ً األ ًً،اص هنًًا يعطًًي ك ً
الامن ،لك ة يء عمن ،فلو لم يدف لك المال من أه العم معي ما كنت تطوعًت مًن
-بالتأكيد
افتهى الجدال بينهم ،بشعور بالسً،أ والغضً مًن المتًرهم الشًاب ،و ًعور بالشًسقة
من أيوب عليه ألفةه يمقًت الشًع األمريكًي لرؤيتًه بعًض األمالًة التًي تعاملًت معًه
لًًرج فًًادر وتًًرك أيًًوب بنًًا ًء علًًى رغبتًًه .ألًًرج بعًًض المابًًس ودل ً ليسًًتحم.
استغرق حوالي عاعًون دقيقًةً فًي أحضًان المًاء ،حتًى تً،در الجسًد .وبعًد أن افتهًى
95
محمد المصري رواية /فخ الموت
استيقظ في الصباح على رفين الهاتف ،وعندما أهاب ألبرئ فادر باالسًتعداد السًتقبال
مًًوظسي الوكالًًة .فهًًض وغسً وههًًه وطلً السطًًور وتناولًًه .بعًًد سًًاعة أتًًى فًًادر
ومعه اعنًان مًن وكالًة السضًاء ،أحًدهم فًي يًدئ حقيبًة سًوداء ،فتحهًا بعًد أن صًافحه
أيوب وطل منه القعود .ألرج الره منها ملسًا به بضًعة أوراق وقًرأ منهًا الشًروط
والقيود واالمتيازات التي تضعها الوكالة لك من سيصعد على متن المركبًة فًي الغًد.
ظ يقرأ لعشر دقا ق كاملة وفادر يترهم له .لسق قلبه و عر لوهلة ة
أن القلً قًد سًقأ
من بين الضلوع وقسز لارج الجسد وابتسم له عم عاد للدال مرة ألرى عنًدما ألبًرئ
قالها واالبتسامة تملئ وههه .لًم يكمً الرهً بقيًة االمتيًازات ،ووقً أيًوب األوراق
ومًًن يًًمنهم ورقًًة محتواهًًا أن الوكالًًة غيًًر مسًًئولة بًًالمرة فًًي حالًًة موتًًه بًًأي
صراعات تحدث معه طوال المدة التي سيغيبها في المايي وهـي أربعة أيام؛
"ستة وتسعون ساعة" دون دقيقة إيًافية .والوكالًة مسًئولة فقًأ عًن يًمان سًامته
دال المركبة الضو ية .تأكد أكاًر مًن مًرة أفةهًم قًد كتبًوا التًاريخ الًذي أراد الًذهاب
إليًًه وهًًو قب ً والدة بسًًمة بأربعًًة أيًًام وقب ً أن يلتقًًي الستًًاة األهنبيًًة بيًًومين .لًًرج
الرهان بعدما افتهيا من مهمتهما .أرس بعض الصور من هاتسه لهًاتف فًادر وطلً
الرحلة .لرج فادر ليقوم بمهمته ،وهبأ الوحي على أيوب وبدأ يكت :
96
محمد المصري رواية /فخ الموت
-منًًذ دقًًا ق علمًًت أفةنًًي سأسًًافر غًًدًا للمايًًي ،ووقعًًت علًًى الوعًًا ق
والشروط التي طلبتها الوكالة .ال اسًتطي أن أصًف حجًم سًعادتي بعًدما علمًت أفةنًي
ما قب تس سنوات عندما تعرفت على الستاة األهنبيًة ومارسًت معهًا الجًنس .ألشًى
أن أكون م،طئ ًا وتكًون ليسًت هًـي مًن تسًببت فًي مريًي .ولكًن أتمنًى مًن هللا أن
ً
سؤاال لم يسكر فيًه أغلق المذكرات وذه الوحي إلى حال سبيله بعدما لطر على باله
سوى اآلن:
97
محمد المصري رواية /فخ الموت
()6
مسجيا على وههه كأفةه يري التًراب مًن عًدي األرم ،حتًى األرم الفًت وحنًت
أتى من للسه صوت يرتعش كرعشة هسد صاحبه العجوز ،وهو يسأل بجزع:
افتسض أيوب من أسئلة الره الكايرة والتي تعبر عن لوفه وهزعه مًن وهًودئ بهًذا
المكًًان .حًًاول أن يرفً وههًًه عًًن األرم فلًًم يسلً .وفًًي فسًًس اللحظًًة التًًي حًًاول
التحدث فيها ألرج لسافه مًن فمًه فامًس اللسًان التًراب دون قصًد منًه .ألًذ يسًع
لدقيقتين حتى بدأ يستسيق ،وافزاحت الغشاوة من على عينيه .ه ةم الرهً ليسًاعدئ علًى
ض ًا وهً ً
ًزيا وال يقًًوى علًًى الح ًراك فلًًم يسل ً فًًي مسًًاعدته القعًًود بعًًدما وهًًدئ مري ً
قال هملته بصوت لسيض ،كأفةه يهمس لنسسه .حاول النهوم فلم يستط .
األرم كي تدعم هسدئ وتمنعه من السقوط ،وترك يًدئ اليمنًى تًتسحص هيًوب بزتًه.
لمسًًة صًًور فوتوغرافيًًة لبسًًمة وبيًًنهم الوعًًد الًًذي كتبتًًه لًًه ،باسيًًافة إلًًى دوا ًًه
المويوع دال علبة دواء قديمة .بضًعة فقًود أمريكيًة بتًاريخ مًا قبً تًاريخ عودتًه
إلى المايي ،وساعة في يدئ اليمنى .زد عليهم ورقة مقطوعة من دفتر المذكرات بعًد
98
محمد المصري رواية /فخ الموت
أن تًًم تمزيًًق الجًًزء الموهًًود بًًه التًًاريخ .هًًذئ األ ًًياء هًًـي كً مًًا يملكًًه اآلن مًًن
مًًن أصًًع مًًا يواههًه اسفسًًان فًًي الحًًرب هًًو أن يحًًارب ًًيئًا مجهً ً
ًوال ال يعًًرف
مقدار قوتًه أو عتًادئ ،كأفةًه يحًارب ًب ًحا ال يعًرف متًى وأيًن سًيتلقى الضًربة ،فمًا
فظر للساعة في يدئ وهدها تتكون من عاث لافات متجاورة .لافة الساعات وأرقامهًا
لمسًًة وتسًًًعون سًًًاعةً /لافًًة الًًًدقا ق عاعًًًة عشًًًرة دقيقًًةً /لافًًًة الاًًًوافي تتنًًًاقص
باستمرار .أيقن أفةها ساعة تنازلية لتذكرئ بالوقت المتبقي لًه فًي رحلتًه إلًى المايًي.
هذئ الساعة غير قابلة للنزع ،فهـي مرتبطة بكبسولة صغيرة ويعت بجافً الشًريان
األورطي .في حالة افتهاء الوقت وعدم العودة لنسس المكان الًذي اسًتيقظ فيًه سًتنسجر
الكبسًًولة بجاف ً الشًًريان بعًًد توقًًف السًًاعة بمًًدة قًًدرها دقيقًًة واحًًدة ليمًًوت علًًى
ً
قليا وعاد بذكرياته قب بضعة سًاعات مًن اآلن .كًان يقعًد بجناحًه بالكاد فشأ العق
بال،يوط التي ستجل له فسسًه األلًرى مًن المايًي ،وبضًعة ً،وص آلًرين علًى
99
محمد المصري رواية /فخ الموت
فيها ليتداركها اآلن فلم يجد .في المرة السادسة التي قرر أن يتوقف بعدها عًن القًراءة
أتى المترهم فادر بصحبة رهان آلران من الوكالًة يحمًان حقيبتًين لوفهمًا أبًيض.
سا بيضاء .تحدعوا معًه لًدقا ق عًن التًدابير األمنيًة التًي عليًه أن
ضا ماب ً
ويرتدون أي ً
مستقبلية وهذا فًي األسًاس مًا يبتغيًه .ألبًروئ بًأفةهم سيضًعون لًه كبسًولةً فًي هسًدئ
مرتبطةً بساعة فًي يًدئ وحًذروئ أن ال ينًزع السًاعة مطلقًًا ،ويجً عليًه العًودة إلًى
فسس المكان الذي سيستيقظ فيه قبلما تلسظ الساعة آلر دقا قهًا ،عًم ألًرج أحًدهم حقنًةً
صغيرة وحقنه في ريان ساعدئ ،ويخ ك ما تحتويه من م،در فًي دمًه ليجًد فسسًه
عاد من رودئ سريعًا ،وحاول أن يطمأن فسسًه بأفًه ال يعنيًه مًا حًدث ،ومًا ويًعوئ
في هسدئ ،يجً عليًه أن يطمًئن أفةهًم كًافوا علًى حًق عنًدما ألبًروئ قبً أن يتً،در
عاد العجوز وهو يحم قنينة ماء وأعطاها أليوب .ألذها منه و رب حتى ارتًوى عًم
عاد العجوز ليطرح األسئلة ولكن هذئ المًرة بنبًرة حافيًة وعطوفًة .تًذكر أيًوب هيًدًا
-أين دللت؟
100
محمد المصري رواية /فخ الموت
-دعك من مالك األرم ،وألبرفي كيف دللت إلى هنا؟ وماذا تريد؟ ال
لقد ألتار أيوب البناية التي ًنق علًى سًطحها ليلًى وصًاح ،ولكًن عنًد عودتًه إلًى
غمرته السعادة ماله ما السًمكة التًي تتً،بأ فًي إفًاء زهًاهي فًارغ وقبً أن تمًوت
وهدت الماء يملًئ اسفًاء لتمتلًئ هًـي بالحيًاة .تًاب العجًوز وهًو يتسًرس فًي وههًه،
امًًتعض العجًًوز مًًن هًًذا الكًًام الغريً .صًًمت كأفةًه هًًاتف وقًًد هعلًًه أيًًوب علًًى
ويعية الصامت .تركه أيوب ومضى باتجائ الباب الكبير المستًوح .حًاول العجًوز أن
يستوع ما يحدث فلم يستط .فا يوهد يء يسرق من هذئ األرم القسًراء ،فتركًه
يمضي إلى حال سبيله .سار أيوب ما يزيد عن العشًرة أمتًار حتًى وصً إلًى البًاب،
عم لرج ليصب على أحد أطراف طريق كورفيش الني .
101
محمد المصري رواية /فخ الموت
متسولين يسيرون بجاف السيارات ،بعضهم يبي المنادي الورقية ،واآللر يشًحذ مًن
ي
السا قين بعد أن يقوم بتلمي الزهاج بسوطة متس،ة! واآللر يمًد يًدئ دون أن يسعً أ ة
ًيء .تمنًى لًو ي،بًرهم أفةًه بعًد تسًعة أعًوام سًيكون الويً كمًا هًو عليًه اآلن بً
سيتساقم وبشدة .زحام مروري لافق ،وطرق تمتلئ بالباعة الجا لين والمتسًولين .لكنًه
اكتسى باالبتسامة السالرة .أ ًار لسًيارة أهًرة فوقسًت ،اسًتقلها ،وقعًد بجًوار السًا ق
دل أيوب سيارة األهرة وما أن تحركت حتى طل من السا ق هاتسه من أه إهًراء
مكالمةً فأعطائ السا ق الهاتف .هو لم يكن يريد إهراء مكالمًة ،أراد فقًأ أن يتأكًد مًن
التاريخ فما زال الشك ي،امرئ .فظر في ا ة الهاتف ،و عر بالسعادة عندما تأكًد أفةًه
موهود بالسع في التاريخ الذي قام بتحديدئ سلسًا .أعاد الهاتف للسا ق الذي تعجً مًن
هذا السع الغريً ،وازداد التعجً لديًه عنًدما ًاهدئ ينظًر بًالمرآة الجافبيًة ويبتسًم
لنسسه! ب وظ على هذئ الحالة حتى وص إلى المكان المنشود .ظنه السا ق مجنوفًًا،
وأصب على يقًين بجنوفًه عنًدما أعطًائ ورقًة فئًة ما ًة دوالر وتركًه ودلً الملهًى
الليلي.
102
محمد المصري رواية /فخ الموت
علًًى يمينًًه البًًار الًًذي اعتًًاد أن يقعًًد عليًًه ويشًًرب ال،مًًر مًًن يًًد السًًاقي ويسًًتمت
بإسقاط الال في قلً ال،مًر كًي تً،رج بضًعة قطًرات لًارج الكًأس منتحًرة ً .علًى
من لًارج الملهًى أو مًن داللًه .أمامًه بالضًبأ المسًرح الًذي لطالمًا امتلًئ بأموالًه
التي يلقيها على الراقصًة التًي تبًدع فًي رقصًتها ،ومًن آلًر البًار علًى اليمًين بًاب
يؤدي إلى الدرج للطابق الاافي حيًث مكتً حسًن عشًماوي صًديق السًوء وصًاح
في وكر الملذات كما كان يلقبًه فيمًا مضًى .أتًى إليًه ً،ص لًه وهًه حًزين ،طويً
القامة .عينيه بنية واسًعة تمتلًئ بالًدموع كجًرو صًغير يً طريقًه عًن أمًه .مهنتًه
ستسسرا:
ً تحتم عليه رسم االبتسامة أغل الوقت .تدافى منه وسأله م
-الحمد هلل ب،ير .ه أفت من زبا ن الملهى؟ أ عر أفةي رأيتك من
سار ألقرب طاولة وقعد .ملئ ر تيه بالهواء عم زفرئ مرة ألرى:
-كما تأمر
103
محمد المصري رواية /فخ الموت
س،ر من فسسه بعض الشيء فمنًذ أن وطًأت أقدامًه هًذا المكًان ،وهًو يشًرب ال،مًر
بشتى صنوفه من السودكا والبرافدي والويسكي والنبيذ السرفسًي المعتًق ،والًذي يجلبًه
مالك الملهًى بنًا ًء علًى رغبتًه .قًاط مرعًي سً،ريته وويً لًه المشًروب .مً ةر مًا
ضًا
يزيد عن الساعتين .رب فيهما فنجافين من القهوة باسيافة إلى الليمون ،وقًام أي ً
بنق ل ة
طته التي في الورقًة بًدال دفتًر مًذكرات هديًد هلبًه مرعًي بنًا ًء علًى طلً
منًًه .دللًًت الملهًًى بعًًض النسًًوة ه ً ةن هنًًود الشًًيطان فًًي األرم .العًًاهرات ومًًا
أدراك مًًًا العًًًاهرات .هًًًؤالء هًًً ةن السئًًًة الاتًًًي تقعًًًد بجًًًوار الزبًًًا ن ومهمًًًته ةن أن
م ً دلًًول أول الزبًًا ن للملهًًى كًًان مًًن للسهًًم ره ً يرتًًدى بًًزة ً بنيًًة اللًًون ،بلًًون
عينيه .عرئ من النوع ال،شن ولكنه يتما ًى مً لًون بشًرته السًمراء وطًول قامتًه.
أ ار له باتجائ أيوب ،فاتجه إليه على السًور .حسًن عشًماوي مالًك الملهًى رهً مًن
النوعيًة التًًي تحتًرم كً مًًن يًدف المًًال ومًًن تًأتي مًن للسهًم المصًال .وصً إلًًى
104
محمد المصري رواية /فخ الموت
سؤال حسن لم يكن سوى فخ فجا منه أيوب بسض ذاكرته التي فشطت منذ دلوله لهذا
المكان:
-بلى أعرف ،أفا أطمئن فقأ عليه ،آلم تق بأفةك قادم من طرفه؟
فكًًر أيًًوب أن يمًًزق الشًًكوك التًًي تًً،امر هًًذا العشًًماوي ويجع ً قلبًًه يطمًًئن ليبًًدأ
ببضعة هور ،وكان الشاهد على العقد صديقه أيوب والمستشًار محمًود عًدلي مالًك
روى له أفه يشتغ روا يا وهو يكتً روايًة أبطالهًا مًن ماً هًذا المكًان ،وأفةًه يريًد
المكوث هنا بضًعة أيًام حتًى يتسًنى لًه التحًدث مًن آن آللًر لمًن يعملًون بًالملهى،
عليه أن يمكث بالحجرة التي تجاور حجرة مكتبًه ،وهًو المبتغًى الًذي أتًى مًن أهلًه،
105
محمد المصري رواية /فخ الموت
مًًن يقولًًون بًًأن الم ًال آلًًر ًًيء يكترع ًون لًًه ،يكًًون المًًال بالنسًًبة لهًًم كًًالهواء
يتنسسوفه .ظ حسن عشماوي يحاول هاهدًا تذكر هذا الوهه وأين قد رآئ من قب :
رغم أفةه بدأ يسأم هملة لقد رأيتك من قب هذئ ،إال أفةهًا قًد فتحًت لًه قلًوب مًن تحًدث
استمر الحديث بينهما على هذا المنوال حتى بعد أن صعدا الحجرة معًا .استطاع أيًوب
من لال مجريات الحديث أن يحول هذا العشماوي إلى إفسان آلي يسع مًا يًؤمر بًه.
فلقد تمكن من إسقاطه في بكته العنكبوتية ،وهو فريسته األولى التًي تسًقأ فًي فً،ه.
عا.
اآلن افتهى من صيد السريسة األولى ،والبقية تأتي تبا ً
م ةرت األمور على لير ما يرام .لرج حسًن وتركًه فًي الحجًرة ليكتً وبالسعً كًان
-السعادة تغمرفي لذلك قررت فشر المذكرات مهمًا حًدث .أ ًعر أفنًي فًي
حلم أفا من يكت ك أحداعه .ال أعلم هً سأفتصًر علًى القًدر وأعًود للمسًتقب سًلي ًما
106
محمد المصري رواية /فخ الموت
أغلق دفتًر المًذكرات بعًدما سًم صًوت طرقًات علًى البًاب ،وكًان الطًارق حسًن
عشماوي فسم له بالدلول .دل ومن للسه دللت فتاة لعًوب .فظًر العشًماوي للستًاة
بشسقة ،وقال:
لًًرج حسًًن مًًن الحجًًرة يجًًر ليبتًًه ،وسًًح الستًًاة مًًن للسًًه كمًًا يسًًح الحمًًار
م ةر الوقت سريعًا وافتصف اللي ودقت أهراس الاافية عشر .لرج أيًوب مًن الحجًرة
وذه لحسن بالحجرة المجاورة .تحدث معه لدقيقتين وطل منه أن يهبأ معًه لصًالة
الملهى لكنًه اعتًذر الفشًغاله بًبعض األعمًال المهمًة للغايًة .فشًلت حيلتًه بعًدما أراد
بك مكر أن يتوسًأ حسًن فًي تعًارف بسًيأ بينًه وبًين أيًوب اآللًر الًذي دلً منًذ
قلي من باب الملهى والذي سأرمز له باسم "أيوب ص" كما ألبرتكم سلسًا.
دل "أيوب ص" الملهى وقعد على البار .احتسى أول كأس لمر ،عم أتًت إليًه إحًدى
الستيات وسألته:
قالتها متصنعة االهتمام بصحته عندما فظرت إلى يدئ ووهًدت الصًقة طبيًة ،فأهابهًا
مبتس ًما:
107
محمد المصري رواية /فخ الموت
-ال لست أفا ،أفا ب،ير .إفةها زوهتي حبلى ،وعلى و ك الوالدة
-فعم رأيت
يحكت الستاة بص ،عندما دفا منها ودقق النظر إلى فهًديها الممتلئًين كحبتًي رمًان
يعًًرف العًًاهرة هيًدًا سًًي،برفا أفةهًًا ادلًًرت الكايًًر مًًن المًًال لحقًًنهم بالسًًيلكون كًًي
تجذب المزيد من الرهال الع ةهار .اقترب أيوب من "أيوب ص" وقعد بالمقعد المجًاور
له .صعد أحد المطربين المسرح ،وبدأ بغناء أغنية تتحدث عن الح وال،مًر ،وأيهمًا
يام أكار من اآللر ،وهـي األغنية المسضلة لًه .فقًال أيًوب بصًوت عًال متعمًدًا أن
التست "أيوب ص" لتلك الكلمات وفظر للوهًه الًذي فطًق بهًا ،رأى فسسًه كأفةًه ينظًر
أن يكًًون هًًذا الشًً،ص علًًى درايًًة كاملًًة بتصًًرفاتك .يجيًًد معرفًًة بًًواطن أمًًورك
يتسرس في وههه:
108
محمد المصري رواية /فخ الموت
كايرا يا ره !
-أفت تشبهني ً
عقبت الستاة وهـي تتنق بعينيها فيما بينهما متعجبةً .فظرت "أليوب ص" وأردفت:
-ال ال ليس هناك إزعاج ،يسرفي التعرف إليك .أيوب داوود ره أعمال
مد "أيوب ص" يدئ مصاف ًحا ،فصافحه أيوب مبتس ًما:
-فبيذ أم ويسكي؟
-وإن عملت سوف يسرقون مالك .أفت ابن داوود با ا السيد صاح
-ه تعرفه؟
109
محمد المصري رواية /فخ الموت
-م األسف لقد أصي أبي منذ أيام بجلطة دماغية أقعدته عن الحركة
وحرمته من النطق
تصن أيوب االهتمام والتعج ،وألفةه يعًرف فسسًه حًق المعرفًة تمكًن بكً حنكًة أن
يسقأ السريسة الاافية في ف،ه بعد أن استمر الحديث بينهما ما يقرب من الساعة .تحدعا
عن أ ياء كايرة تجم فيما بينهم وعلًى رأسًها الحً المطلًق للحريًة واعتبًار البشًر
ابتسم "أيوب ص" عنًدما سًم هًذئ المقولًة فهًو يعًرف قا لهًا هيًدًا وتًأعر لستًرة بًه،
وهو السيلسوف األلمافي فريدريك فيتشه .سأله ليتأكًد مًن اعتقًادئ هًذا فربمًا قًد لافتًه
الذاكرة:
-فعم هو .أح الكاير من أقوال هذا الره وعلى وهه التحديد مقولته
ظ ً ينتق ً معًًه مًًن مويًًوع آللًًر ،وألف ًه يعًًرف فسسًًه هي ًدًا اسًًتطاع التنبًًؤ بك ً
تصرفاته .يلقي عليه بالسؤال وينتظر اسهابة التي يريد .تمكن من تحويله لمجرد كلً
وبينما هما يارعران ويضحكان بصًوت صًال ،اقتربًت فتًاة أوكرافيًة تًدعى أفجلًي
110
محمد المصري رواية /فخ الموت
كافت را عة الجمال كعروس في ليلة زفافها .أمسك "أيوب ص" بيًدها وفظًر لمساتنهًا
البارزة ،وقال:
-ما هذئ الستنة والجمال .ألبريني يا أفجلي لماذا الستاة األوكرافية أهم من
الستاة المصرية
زأرت كاللبؤة وهـي تنطق الكلمتين األليرتين .ابتسم أيوب من كلمات الستاة .هو يعلم
هيدًا بأفها تنافق من أه المال ،ولو تحدعت فيتها لقالًت أفهًا تجيًد تجويً الكًاب مًن
أمااله بعد إلبارهم بأفةهم سيأكلون لح ًمًا ًهيا لًم يًأكلوئ مًن قبً ،وفًي النهايًة ال تجًد
الكاب سوى اللحم الساسد الذي اعتادت أن تأكله ،سوا ًء كان من مصر أو تم اسًتيرادئ
من ال،ارج.
ربت الستاة عاعة كئوس من ال،مًر علًى حسًاب الكلً ،أو األسًد كمًا كافًت تناديًه.
دعته للذهاب إلى صالة القمار فرح بالدعوة ،وفظر أليوب وسأله:
111
محمد المصري رواية /فخ الموت
لًًرج األيًًوبين بصًًحبة الستًًاة األوكرافيًًة التًًي تعًًيش فًًي مصًًر منًًذ مًًا يقًًرب مًًن
العامين .تمكنت فيهم مًن تطًوير لكنتهًا والتحًدث باللغًة العربيًة هيًدًا ،وهمعًت فًيهم
م ًاال طا ًا من لال العم بصاالت القمار ،والتعرف إلى الرهال أماال "أيوب ص"
في مصر ممنوع أن يلع المصريون القمار؛ اللع لفهاف فقأ؛ مسًموح بممارسًة
الميسًًر لفهنبًًي علًًى أريًًك ،وغيًًر مسًًموح بممارسًًتك لًًه إال سً ًًرا! أو باسًًت،دام
هًًواز سًًسر مًًزور كالًًذي بيًًد "أيًًوب ص" وال ًذي مكًًنهم مًًن دلًًول الصًًالة بعًًدما
اسًًتغا الشًًبه الكبيًًر بينهمًًا ،واسًًت،دما فسًًس هًًواز السًًسر المًًزور .ذهبًًا لطاولًًة
الروليًًت الممتلئًًة بزبًًا ن الشًًيطان .افتظًًرا لمًًس دقًًا ق أو أكاًًر حتًًى وهًًدا مقاعًًد
طلً "أيًًوب ص" مًًن أفجلًي أن ت،تًًار رق ًم ًا فهًًو يتسًًاءل به ًا .التًًارت رقًًم أربعًًة
عشًًر ،وألتًًار هًًو رق ًمًًا آلًًر فًًي فسسًًه .وقبً أن يضً السًًيش علًًى الًًرقمين تًًدل
أيوب ،وقال:
كايًرا
ً فظر له "أيوب ص" بدهشة فهذا الرقم الذي ألتارئ في قرارة فسسه ،فهو يتساءل
بهذا الرقم ،وغالبًا ما ي،تارئ في بداية اللع ألفةه يحم عًام مًيادئ .أدار الًديلر البليًة
التي ظلًت تًدور وتًدور ،واألعًين تراقبهًا حتًى اسًتقرت علًى الًرقم المنشًود والًذي
التارئ األيوبين .تعجبت أفجلي بعض الشًيء ،وتصًاعدت األمًور إلًى حًد مًا .أيًوب
ي،تًًار أكاًًر مًًن رقًًم ،وتًًدور البليًًة وتقًًف عنًًد أحًًد األرقًًام التًًي ألتارهًًا .عًًم بًًدأت
ال،سارة تتوالى بعدما فسذ حظه وحظ أرقامه المميزة .ارتسمت عامات التعجً علًى
112
محمد المصري رواية /فخ الموت
وهًًه أفجلًي؛ لقًًد ًًعرت أفةًه يتعمًًد ال،سًًارة .ظلًًت تراقبًًه وتراقً فظًًرات عينيًًه،
وحركة اليد وهـي تداع اللحية من آن آللر حتى لرهوا هميعهم من الصالة.
-أ عر ة
أن هناك لط ما في هذا الره ،لقد تعمد لسارتك!
قالت كلماتها وهـي متعجبةً للغاية ،فأهابها ولسافه بالكاد يتحرك من كارة ال،مر الذي
ملئ معدته:
-كيف ذلك؟
تركته وعادت للدال .ذه باتجائ السيارة التي ينتظرئ أيوب بجوارها .فت له الباب
وقعدا بالدال .فظر في هاتسه فوهد عاعة عشر مكالمًةً لًم يجً عليهًا ،وهمًيعهم مًن
عتذرا:
كوعر .قال أيوب م ً
-حقًا لم ت،سر؟!
-فعم ،فأفا أ تري السيش وألع ،إن لسرت ما ا تريته أرح ،وإن
ربحت أحتسظ بضعف السيش ،حتى أسأم اللع .إذًا في ك الحاالت أرب
افسرهت ابتسامة على وهه "أيوب ص" من هذا الاناء .ويً المستًاح بالسًيارة و ًدد
بقدمه على دواسة الوقود .لرهت السيارة للشارع السارغ إال مًن الم،مًورين ،أو مًن
113
محمد المصري رواية /فخ الموت
يصطحبه إليه:
-أين تقطن؟
راوغه أيًوب فًي اسهابًة علًى السًؤال .وتعمًد تغييًر المويًوع ،ووهًد يًالته فًي
أحيافًا يقوم اسفسان بأفعال لاطئة في حق من يحبوفه ،وهو يعلم هيدًا أفةًه يقًوم بأفعًال
تؤذيهم ،ويستمر في ممارسة هذئ األفعال حتى وأن علم أفةها حت ًما لاطئًةً .ولكًن ربمًا
تنتشله فصيحة من صديق وتذكرئ بهذئ األلطاء التي اعتاد ممارستها .أو يًأتي المًوت
على حين غرة يألذ أفض ما فيهم ليتركه يندب هذئ األيًام التًي تًركهم فيهًا يشًتعلون
"أيوب ص" ال يعرف القيمة الحقيقية لكوعر التي ال يراها سوى زوهة لنًوع تزعجًه
كايرا باهتمامها .بينما أيوب يعرف مًا هًـي قيمًة أن تكًون لًك زوهًة كًالماك تحمً
ً
114
محمد المصري رواية /فخ الموت
وص "أيوب ص" بالسيارة أمام الملهى .لرج منها أيوب وودعه متمنيًا لًه السًامة.
ذه بعدما ودع أيًوب إلًى فًيا داوود العتيقًة الموهًودة بحًي الزمالًك ،والتًي عًا
فيهًًا حتًًى مًًات أبيًًه فباعهًًا ،وأ ًًترى القصًًر الًًذي يقطًن فيًًه فًًي المسًًتقب بصًًحبة
بسمة .دل حجرة النوم وفظر إلى كوعر التًي تسًتند بظهرهًا علًى السًرير ،وتتحًدث
إلى بطنها المنتس،ة .لم يتسوئ بكلمة واحدة أو حتى يبًرر تًألرئ إلًى هًذا الوقًت .تمنًت
كايرا أن يكون هذا التألير رهين عم ما ،أو أمر طارئ يتكرر ك بضعة أيام ولًيس
ً
كنف ره على أق تقدير ال يشرب ال،مر وال يلع الميسر .ههزت الكاير مًن الكلًم
كًًي تقولًًه ،ومًًا أن دفًًا منهًًا حتًًى دس هسًًدئ أسًًس الغطًًاء دون أن يطمًًئن عليهًًا أو
على الطسلة .تب،ر ك ما أرادت قوله ،وصمتت لشية أن ترهقًه بحًدياها ،أو ربمًا لًو
ابتلعت الكلم في هوفها وصمتت .اكتست بسك بعض الدموع وهـي تًدعوا لًه بالهًدى
والصاح .تدعوا له دون أن تلعن اليوم الذي تزوهته فيه .لم تلعن حظها األسًود الًذي
المهم ! كافت تشعر في قرارة فسسها أفةه سًيأتي يًوم مًا ويتغيًر لففضً ،وتًدعوا هللا
115
محمد المصري رواية /فخ الموت
بسمة.
-بدأت ذاكرتي تنشأ بقًوة مً رؤيتًي لفمًاكن الرديئًة التًي كنًت أرتادهًا
عرت حقًا بالتقزز من فسسي ،كأفةني أفظر فًي مًرآة تظهًر لًي كً سًوءاتي .تًذكرت
أيام الحمق والجه والامالة والمجون .ألرج من البيت وأذه للملهى ،أ ًرب بعًض
العسيسة تنتظرفي .تتركني أفام وتتحًين الوقًت المناسً لتًذكرفي بربًي وابنتًي القادمًة
للحياة .كافت ال تم أبدًا من فصحي بابتسامتها العذبة ،وصوتها الدافئ .وعندما أذهً
كنت ال أم ُّ من تعرية فسسي في الوقت الذي تصمم هًـي فيًه علًى عًدم تركًي عاريًا.
هلك من الكتابة؛ ألول مرة يكت هذا الكم من الكلم دفعةً واحًدة ً .فظًر للسًاعة فًي يًدئ
عر بالنُّعاس فتناول قرص دواء ،وألذ صور بسمة فًي أحضًافه وألقًى بجسًدئ علًى
السرير وفام.
ًًيئًا اليًًوم سًًوى االفتظًًار، اسًًتيقظ فًًي حًًوالي الاافيًًة ظهً ًًرا .لًًيس عليًًه أن يسع ً
فالكارعًًة سًًتبدأ الليلًًة .فكًر أن يسًًتغ هًًذا الوقًًت ويًًذه لرؤيًًة كًًوعر وأبيًًه القعيًًد.
116
محمد المصري رواية /فخ الموت
لرج من الملهى واستق سًيارة أهًرة ً وذهً .وقًف علًى بعًد عاعًون ً
متًرا أو أكاًر،
وهو يراق حديقة السًيا المكشًوفة مًن للًف السًياج .بعًد فسًحةً مًن الوقًت لرهًت
كًًوعر وهًًـي تًًدف كرسًًي داوود المتحًًرك حتًًى وص ًلت إلًًى طاولًًة بجًًوار السًًياج
تظللها جرة توت من أ عة الشًمس .أزاحًت أحًد المقاعًد الموهًودة ودفعًت كرسًي
داوود وقعدت بجوارئ .دفا أيوب من السياج أكار وظ يحوم بجوارئ كما يحًوم النحً
وقف على بعد أمتار من كوعر ،وهو يحاول هاهدًا استراق السًم ،وهًـي تتحًدث إلًى
داوود وتقول:
أن أيوب غاي للغاية مذ أن علم أفةني أحم في رحمًي فتًاة .ال
-أفا أعلم ة
أعلم ما الذف الذي اقترفته كي يعاقبني أفا وابنتي عليه .لقد ذهً معًي بًاألمس للمًرة
حتى بالسؤال عن صحة الطسلة .أرهوك يا أبًت أن تًدعوا لًه بالهدايًة ،وأن يًزرع هللا
افتهت من كلماتها وبكت .لًم تجًد يًدًا حافيًةً تربًت علًى كتسهًا وتواسًيها وتطمئنهًا ة
أن
القادم ربما سيكون أفض .حتى أيوب القادم من المستقب لم يتسًنى لًه سًماع مًا قالتًه
هيدًا بسب يجي السيارات والمارة من للسه .وفي اللحظة التي قرر أن يناديهًا فيهًا
كما فع في الحلم أتى ره من للسه ولكنه لم يكن الره ذو السا األسًود ،بً كًان
تحدث هذا العدوي بنبرة لشنة للغاية ،أفزعت أيوب وهعلته ينتسض:
117
محمد المصري رواية /فخ الموت
-أفا" .عم صمت لاوان وبعدها تاب " أفا حسام صديق للسيد أيوب
لم يكترث هذا العدوي األبله لمام أيًوب ،وال للتشًابه الكبيًر بينًه وبًين سًيدئ! فقًال
بحنق:
قال عدوي الكلمًة األليًرة ،وويً يًدئ اليمنًى علًى كتًف أيًوب ودفعًه ،فعًاد أيًوب
القهقرى لل،لف لطوة ً .حاول أن يسيطر على فسًور غضًبه فلًم يسًتط ،فتقًدم لطًوة
فهضت كوعر من مقعدها وتًدللت حتًى ال تتسًاقم األمًور أكاًر مًن ذلًك .وقسًت للًف
السًًياج الحديًًدي وفظًًرت إلًًى أيًًوب عًًن قًًرب .الحظًًت الشًًبه العجي ً بينًًه وبًًين
كتمها أيوب في فسسه ،وآعر الصمت في حضرة كوعر .لم يشًأ أن ي،سًر هًذئ اللحظًة،
118
محمد المصري رواية /فخ الموت
-أفا صديق أليوب ووالدي صديق للسيد داوود .وكنت أسير بالقرب من
تركها وذه وعينيها ما زالت تراقبه .وحدها كوعر من عرت بهًذا التطًابق العجيً
إليها بما هذئ النبرة سوى بضعة مرات فقأ! كافًت أولهًم يًوم زفًافهم عنًدما اكتسًى
وههها بحمرة ال،ج والاافية عندما ألبرته أفةها حبلى ،واستمر علًى هًذا الحًال حتًى
علم بنوع الجنين .تلك المرات طبعت فًي رأسًها وتمنًت لًو تسًتمر فبًرة صًوته هكًذا
مًًدى الحيًًاة .أصًًي رأسًًها بال ًدوار مًًن كاًًرة التسكيًًر بهًًذا األمًًر .ظلًًت تسًًتره
األحًًداث كأفةهًًا تعيًًد مشًًهدًا سًًينما يا دون ملً .تمنًًت لًًو يعًًود وتسًًأله مًًن أفًًت لعً
رأسها يهدأ ً
قليا من التسكير ،لكنه ذه .ذه وعاد إلى الملهى مرة ً ألرى.
كان اللي قد أرلى حبًال الظًام لتمتلًئ السًماء بالسًواد إال مًن يًوء القمًر وبعًض
النجوم المبعارة .قعد أيوب في حجرته وافشغ بالتسكير في كوعرً .عر بالنًدم ألفةًه لًم
يتحدث إليها كما كان يشتهي .أمسك بصورة بسمة وظ يقبةلها ويقص عليها مًا حًدث.
-تسض
119
محمد المصري رواية /فخ الموت
لًًم يسًًاهئ أيًًوب عنًًدما دل ً "أيًًوب ص" الحجًًرة دون اسًًتئذان ،ب ً فهًًض وحيًًائ،
وطل ً منًًه القعًًود فلًًم يلبًًي الطل ً ،ب ً اتجًًه إلًًى البًًار الصًًغير المتواهًًد بزاويًًة
-ألبرتني زوهتي أفةك كنت تقف بجوار السيا ،وودت االطمئنان على أبي
-فعم كنت أسير بالجوار فأردت االطمئنان على صحته ،وعندما علمت
-دعك من ك هذا وتعال معي إلى صالة القمار ،أريد أن أرى تنبؤاتك اليوم
ألرقام الروليت
رأى "أيوب ص" الصورة في يدئ فأفتابه السضول ليعرف أهميتها لديه:
تمنى لو ي،برئ أفةه سيعشقها يو ًما ما .ب إن ص التعبير سيتنسسها ،لكنًه آعًر الصًمت.
لرها من الحجرة واتجها إلى صالة القمار" ،وأيوب ص" مًتحمس للغايًة .قعًدا علًى
طاولًًة الروليًًت .أتًًت أفجلًي وتمنًًت لهًًم الحًًظ السًًعيد .بًًدأ الًًرب يًًزداد ًًيئًا فشًًيئا
120
محمد المصري رواية /فخ الموت
فالحظ كًان حلًيسهم األول ،ومًن كًان الحًظ حليسًه فليسًير بجًوار فوهًة البركًان وهًو
على يقين أفةه لن ياور .م ةرت فتاة قراء ذات هسد ماير من أمام "أيًوب ص" هًذبت
كايرا رغم أفةه لم يتبين مامحها هيدًا .همس له أيوب بجوار أذفه:
اهتمامه ً
-كيف علمت أفةها ستأتي إلى هنا؟ الحسناوات من هذا النوع ال يذهبن
إلى أحد
أن الحسناوات لسن هكذا ،فأغلبه ةن يعبدن المال ويسجدن أسًس أقًدام
أيوب أدرك هيدًا ة
األغنياء بسب اعتياده ةن على الدالل واالهتمًام الزا ًد عًن الحًد .ران الصًمت لدقيقًة
أو أكاًًر .كافًًت الطاولًًة فارغ ًةً باسًًتاناء األيًًوبين وحًًدهما مًًا زاال هالسًًين ،أحًًدهما
أتت الشقراء لتقط الصمت وتله الطاولة ،وقعدت بجًوار "أيًوب ص" مًا أن رآهًا
عن قرب حتى ،صت عينائ من فرط الحسًن والجمًال .هسًد كأفةًه للًق مًن حليً .
لو ظ أمهر النحاتين يحاول فحته بهذئ الكيسية التي عليها ما تمكن من ذلًك أبًداً .سائ
وردية فاعمة تشتهي لو كافت ما دة عشا ك ك يوم ،ب وتكون الشًسائ السًسلية محرابًًا
تعتكًًف فيًًه لفبًًد .فهًًدين مسًًتديرين يبًًرز منهمًًا النصًًف العلًًوي يجعلن ًك تطم ً أن
يكوفا وسادة ً لرأسك ولو لدقا ق .تتمنى لو صال عليهم لسافك وهًال .فًي اللحظًة التًي
121
محمد المصري رواية /فخ الموت
رآها فيها "أيوب ص" ،ألذته م،يلته بها على السور إلى السرير ،وبالرغم من همالها
الرهًًال يعشًًقون العًًاهرات! مًًدت الستًًاة يًًدها مًًن أمًًام أيًًوب ،وطلبًًت منًًه أن يضً
السيش على أحد األرقام .بالطب لم ينتظر لحظة ليلبي رغبتهًا .ألتًار هًو أحًد األرقًام
الرابحًًة ووي ً السًًيش علًًى الًًرقمين .لعنًًت الستًًاة حظهًًا بلغًًة غيًًر مسهومًًة لكًًا
األيوبين رغم أفةها تسهم اللغة العربيًة وتتحًدث بهًا قلًيا .ه ةمًت بًالنهوم فطلً منهًا
أيًًوب أن تقعًًد ومنحهًًا بعًًض السًًيش لتلع ً مًًرة ً ألًًرى فشًًكرته .فصًًحها أن ت،تًًار
بعًًض األرقًًام وكًًان أحًًدهم هًًو السًًا ز .فهضًًت مًًن هًًوار "أيًًوب ص" واتجهًًت
لفيوب اآللر عندما فطنت بأفةه صاح الحظ السعيد ،وصاح االلتيًارات الموفقًة.
غض "أيوب ص" من هذا التصرف وأتت أفجلي وهًدأت مًن غضًبه قلًيا .ألبرتًه
أن الشًًقراء وتًًدعى ريتًًا هديًًدة ً فًًي هًًذا المكًًان وال تعًًرف مًًن هًًوًً .عر أيًًوب
ة
بًًالحرارة تتًًدفق فًًي هسًًدئ مًًن حسًًنها األلًًاذ .تجاه ً المًًرم والًًزمن والسًًخ وك ً
يء .مدت له كأس لمر فارتشسه ،فنظر له "أيوب ص" ،وقال بحنق:
فكر بعدم الرفض حتى يجع الستاة تسقأ في ف،ه وتذه معه ،وهو األمر الذي حًدث
سالرا:
ً يحك "أيوب ص"
122
محمد المصري رواية /فخ الموت
ط ً ةوق أيًًوب لصًًر الستًًاة ،ولرهًًا مًًن الصًالة وتوههًًا إلًًى الحجًًرة التًًي ينًًام فيهًًا
على القدر .بينمًا المشًهد يتكًرر مًرة ألًرى مً الًتاف المكًان؛ تًذكر المشًهد بكً
تساصيله.
فسًي هًذا اليًوم وهًًذا الوقًت كًان "أيًًوب ص" يطً ةوق الستًاة مًًن لصًرها ويًدل بهًًا
قته بحي مصر الجديدة ،والتي ورعها عن والدتًه وكافًت النيًة بًالطب أن يضًاهعها.
بينمًًا فيتًًه اآلن أن يقتلهًًا أو ربمًًا يتنًًازل عًًن قتً هًًذا الجمًًال ويكتسًًي بإبعادهًًا عًًن
طريًًق "أيًًوب ص" والطًًرق ال حصًًر لهًًا لسعًً هًًذا األمًًر .دلًًا الملهًًى سًًويا
واألعين تراقبهم وعلى رأسهم عينًي مرعًي التًي ظلًت تًراقبهم حتًى دلًا الحجًرة.
رأت الستاة عاعة زهاهات من ال،مر على البًار الصًغير والكئًوس مصًسوفة بجًافبهم.
سًا .بًدأ أيًوب يعًد العًدة كًي يواهههًا ويتأكًد أفهًا هًـي
ذهبت إليهم وصبت لنسسًها كأ ً
الستاة المنشودة فالشك مًا زال يً،امرئ وإن كافًت فسًبته يًئيلة للغايًة .سًار لطًوتين
باتجاهها ووقف أمامها وه ًها لوهه .سقطت عينيه على فهًديها فهًز رأسًه كًي يسًتسيق
قب أن يسقأ في فخ الشهوة .مدت الستاة يدها بالكأس علًى فمًه فًأدار وههًه فأسًقطت
الكأس متعمدة ً من يدها أسس قدميها ،فكسر الكأس وتبعار ال،مر علًيهم .فظًر لفسًس
فأبصر ساقيها البضتين اللتين ت،ضلن باللون األحمًر .مًا أن رفً عينيًه ليعيًدهم إلًى
مويًًعهم الطبيعًًي ويبًًدأ االسًًتجواب ،حتًًى سًًبقته هًًـي وبًًدأت تمًًارس مهنتهًًا بك ً
حرفيةًة .ألصًقت هسًدها بجسًدئ ،وهذبتًه مًن ياقًة القمًيص ودفًت بشًستيها مًن ًستيه
123
محمد المصري رواية /فخ الموت
ولا ةمتهم .فزعت هاكت البزة وفكت ربطًة العنًق ،باسيًافة إلًى زريًن مًن القمًيص.
مًًررت أصًًابعها علًًى صًًدرئ وهًًو مستسًًلم تما ًمًًا ،فالرعشًًة كافًًت ق ًد سًًرت فًًي
أوصاله .م ةرت الشسائ مًن علًى ًستيه إلًى األذن وفسً،ت فيهًا بعًض الهًواء السًالن،
وهـي تتصن التأوئ فعاد القهقرى للسرير بمقدار لطوتين وسقأ عليه .مالًت بجسًدها
عليه كما تميً اللبًؤة علًى فريسًتها .سًألته كيًف يعًرف األرقًام الرابحًة وهًـي تقبةلًه
على أطراف ستيه .حاول أن يستجم اسهابة فلم يتمكن من التسوئ بكلمة واحدة ،رغم
أفةه كان سيجي في هذئ اللحظة بك صراحة ،فالستاة قوة فتنتها أ د وأقًوى مًن ههًاز
السال بالموه ،وسقأ في فسس السخ الذي أتى من أه أن ينجى فسسه منه!!
مً ةًر الليً سًًريعًا وهسًًدئ متضًًمخ بال،طيئًًة ،واسعًًم الكبيًًر .فامًًا سًًويا بعًًد أن ًًعرا
بال،مول.
حدث ما هو إال محض كابوس مزع ،لكنه اصطدم برؤية الجسد النًا م علًى السًرير
ليًًدرك أفةًه لًًيس بكًًابوس وبأفًه سًًقأ ًًر سًًقطة .احمً ةرت عينيًًه وبًًدأت بقايًًا الًدماء
المتواهدة في عروقه بالغليان .مد يدئ وهًذب الستًاة مًن ًعرها فسًقأ الجسًد العًاري
إال مًًن قطع ًة واحًًدة ،واصًًطدم الًًرأس بًًاألرم .صًًرلت الستًًاة بصًً ، ،فتركهًًا
تصًًرخ وذه ً باتجًًائ البًًار وهل ً إحًًدى زهاه ًات ال،مًًر وكسًًرها .اسًًت،دم رقبًًة
الزهاهًًة كسًًاح وهًًددها بتمزيًًق وهههًًا إن لًًم تكًًف عًًن الصًًراخ واسهابًًة علًًى
124
محمد المصري رواية /فخ الموت
-أفا أعلم أفةك تسهمين بعض الكلمات باللغة العربية ،أليس كذلك؟
أول ما فعلته أفةها هًزت رأسًها المتًورم مًن أعًر السًقطة ،وأقسًمت بكً اللغًات التًي
تجيًد التحًدث بهًا أفةهًًا ال تعًرف ًيئًا عًًن هًذا المًرم ،واعترفًت أفهًًا قًد أتًت إلًًى
مصر لجم المال من بعض األغنياء كماياتها من األهنبيات ممن يجدن يًالته ةن فًي
الكاب التي تمتلئ هيوب مؤلراتها بًالنقود ،وتلهًث للًف اللحًم األبًيض؛ بًالطب لًم
يصدق حرفًا واحدًا مما قالت .ألقى رقبة الزهاهة بجوارها علًى األرم ومًال عليهًا
وصسعها على وههها .لم تصرخ بص ،كما فعلت سًابقًا ،بً ادعًت البكًاء وحاولًت
است،دام أفوعتها لغوايته مرة ألرى فهـي فاعمة للحد الذي تشبه فيًه أفعًى تتعًارك مً
ة
وألن األفعى ذكية للغاية هعلًت الاًور الهزيً الهًا عور لو داس عليها بقدمه لماتت،
هًًذا يشًًعر بقوتًًه وهبروتًًه عنًًدما أظهًًرت هًًـي يًًعسها .فهضًًت واقتربًًت منًًه كًًي
تلتف على رقبته وتسقطه صري سمها القات ،لكنه أبتعد سًريعًا لشًية السًقوط للمًرة
الاالاة في ف،ها .سم لها أن ترتدي مابسها وتركهًا تًذه بعًدما أقسًمت لًه بكً مًا
لرهت الستاة من الحجرة ،وأول ما ا تهائ في هًذئ اللحظًة هًو المًوت .تمنًى لًو كًان
125
محمد المصري رواية /فخ الموت
لقد كان سًاذ ًها للغايًة عنًدما هلً الحليً وظًن أن الطسً الجًا بداللًه لًن يشًرب
ويرتوي وهو الظمآن منذ سنين .ترك فسسه للضمير يذب فيها بسكين صدئ.
فًًي وحً األلًًم فقًًرر أن يكتً .عنًًدما تشًًعر أفةًك تصًًرخ مًًن الًًدال واأللسًًنة التًًي
بداللك كلها تتحًدث فًي آن واحًد ،وتحًاول هاهًدًا أن تجعً اللسًان القًاطن فًي فمًك
كايًرا.
ً ينطق وال تًتمكن مًن النطًق ،فالكتابًة ليًر لسًان .أمسًك بًالقلم ويديًه ترتجًف
رب بعض الماء م قرص دواء ،وافتظر دقا ق حتى هدأ وعاد يكت :
-ال أعلم كيف سقطت في فسًس السًخ مًرتين ،ومً فسًس الستًاة التًي تسًببت
في مريي .لقد بًات قلبًي منقسً ًما لنصًسين ،تًارة ً يصًدقها وتًارة ً يكًذبها .بينمًا عقلًي
ضًًا لشًًرب
ي،برفًًي أفهًًا تكًًذب وبالتأكيًًد هًًـي مًًن تسًًببت فًًي مريًًي .لقًًد عًًدت أي ً
ي أن أ رب في سبي غواية الستًاة وإسًقاطها فًي السًخ ال،مر .كنت أبرر لنسسي ة
أن عل ة
الذي فصبته لها حتى تبتعد عن أيوب اآللر الذي كان يتربص بها فسقطت أفًا فًي فًخ
للسقوط في أف،اخ الشيطان ومسًتنقعات الرذيلًة .لقًد كنًت غبيًا حًين ظننًت ة
أن هنًاك
التواهًًد فًًي مكًًان يمتلًًئ بًًالكاير مًًن الشًًهوات ينبًًئ حت ًمًًا بالس ًقوط فًًي ًًهوة ،و ة
أن
اسفسان ال بدة أن يبتعد عن أي مكان يع بالنسًاء وعلًى وهًه التحديًد العًاهرات حتًى
تزداد عزيمته على إلضاع فسسه والسيطرة عليها وإبعادها عن الشهوات .لقد حشًرت
126
محمد المصري رواية /فخ الموت
يطافة بديعة الجمًال ،وظننًت أفةنًي حجًر ال يمكًن غوايتًه .وهللا فسسي في حجرة م
أ عر ة
أن الحجر في كف الحسناوات سيذوب ،فما بالك إن راودوئ عن فسسه!
عنه ،وغاص هو في مستنق المرم بقدميه أكار .لم يكن يكترث لنسسًه بقًدر مًا كًان
يكترث سفقاذ "أيوب ص" .ارتدى مابسه ولرج من الحجًرة وافشًغ عقلًه بًالتسكير
في كوعر العسيسة ،وكيف سيطل منها المغسرة .كان الملهى فار ً
غا إال من مرعًي الًذي
كان يقوم بترتي الطاوالت وتجهيزها .ق أيوب طريقه مًن بًين الطًاوالت وقبً أن
-أستاذ حسام
-ماذا حدث؟
-عندما أتيت الملهى منذ ساعةً تقريبًا .رأيت الستاة التي كافت معك
127
محمد المصري رواية /فخ الموت
باألمس تصعد سيارة السيد أيوب الذي تجلس معه منذ قدومك
لرج أيوب من الملهى يهرول .استق أول سيارة أهًرة ،وأمًر السًا ق باسسًراع قًدر
ظن فيها ة
أن القدر قد سقأ في ف،ه. اسمكان .تذكر تلك اللحظة التي ة
وص إلى قته بمصر الجديدة ،ولم ينتظًر المصًعد وصًعد علًى الًدرج بكً طاقتًه.
ظ يطرق الباب بقوة حتى فت "أيوب ص" فأزاحه هافبًا والجنون يعتريه ،وقال:
-أين الستاة؟
لًًم يجبًًه وظً يبتسًم .فطًًن أيًًوب سًًر االبتسًًامة وأدرك أفةهًًا ابتسًًامة النصًًر عنًًدما
لًًم يجي ً "أيًًوب ص" فتركًًه أيًًوب وذه ً يبحًًث عًًن الستًًاة فًًي حجًًرة النًًوم التًًي
يعرف الطريق إليها هيدًا ،فلم يجدها .عاد ووقف أمامه وه ًها لوهه:
128
محمد المصري رواية /فخ الموت
عاد "أيوب ص" ال،طوتين ،ودف أيوب بقًوة فسًقأ علًى األرم ،فنظًر لًه بغضً
ديد ،وقال:
زحف أيوب بمقدار عاعًة لطًوات حتًى التصًق ظهًرئ بالجًدار .كافًت الحسًرة تطً
من عينيه وقد كلت على ستيه ابتسامةً سالرة ً ،أتبعها بضحكات استهزاء تعلًو ًيئًا
رددها أكار مًن مًرة" ،وأيًوب ص" ينظًر لًه ،ويتًاب بصًمت كً ردود أفعالًه التًي
بات يدرك هيدًا أفةها تطابق ردود أفعاله هو .لرج عن صمته غايبًا ،وقال:
بصق على األرم بجوارئ وا تهى لو كان يستطي أن يبصق على وههه هًو ،ولكًن
أي وهه سيبصق عليه .كيف يحاس فسسه على هريمة قد ارتكبها بًاألمس وهًو الًذي
129
محمد المصري رواية /فخ الموت
على يقين ة
أن الستاة مريضة .تحرك "أيوب ص" واتجه إلًى الهًاتف المنزلًي ،وويً
السماعة على أذفه ويغأ عاعة أزرار ،وبعد عوان بدأ الهاتف بالرفين:
-أفا أيوب داوود السيد ت،رهت من كليًة السلسًسة هامعًة القًاهرة عًام ألًف
وتسًعما ة وتسًًعة وتسًعون بدرهًًة مقبًًول .بعًدما ت،رهًًت تزوهًًت مًن فهًًاد محمًًود
الملقبة بحسناء الجامعة وتطلقنا بعد أق من عام ألفةها لم تتحم أفعالي .بعدها طاقًي
لها بسترة ليست بالقليلة تزوهت بكًوعر رزق ،وبالسعً كافًت ليًر رزق .وتحمً اآلن
في أحشا ها فتاة ً ستنجبها غدًا .أبًي هًو داوود السًيد رهً األعمًال الشًهير الًذي كًان
يتصًًيد األرايًًي ويشًًتريها بًًامن بًً،س؛ سًًوا ًء كافًًت مًًن أرايًًي الدولًًة أو أرام
ً
سًتغا ظًروفهم الماديًة .ظً علًى هًذئ الحالًة لش،وص يضطرون لبيعها فيشًتريها م
حتى تكوفت إمبراطوريته العقارية .أول كأس لمر ارتشًسته عنًدما أكملًت سًتة عشًر
ضا تذوقت ألول مرة هسد امرأة .ه تريًد أن ألبًرك بالمزيًد
عا ًما ،وفي تلك الليلة أي ً
تجمد "أيوب ص" في مكافه كأفةه صنم .وظلت سًماعة الهًاتف علًى أذفًه حتًى بعًدما
ضا أيوب؟!
ي هنون هذا ،ه هذا يعني أفك أفت أي ً
-أ ُّ
يًًحك "أيًًوب ص" بسًً،رية ،وقًًرر أن يتجًًاوب معًًه فًًي الحًًديث ظنًًًا منًًه ة
أن هًًذا
130
محمد المصري رواية /فخ الموت
-ألفها مريضة باسيدز ،أفت اآلن ال تعرف سوى معلومات بسيطة للغاية
الممكن أن تكون عاهرة ً ألرى سبقتها ،أو ربما عاهرة ستأتي من بعدها
-يا رهً تعلًم أفةهًا مريضًة باسيًدز وتصًطحبها معًك للملهًى؛ تضًاهعها
لنًًق الحًًزن صًًوت أيًًوب ،وهًًو يحًًاول أن يًً،رج الكلمًًات مًًن فمًًه ،حتًًى الكلمًًات
-لقد فعلت ،لقد فعلت ذلك من أه أن تبتعد عنها .ظننت أفةني افتصرت
على القدر عندما منعتك من لقا ها ،حتى لو كان ذلك مقاب مضاهعتي لها
-حقًا من أفت؟ ه أفت بالسع أفا أم أفك أحد المحتالين ممن يبحاون عن
بيننا؟
131
محمد المصري رواية /فخ الموت
لرج أيوب وترك "أيوب ص" للسه يكاد يجن هنوفه مما سم .تًذكر مًا قالًه "أيًوب
بعًًدم ارتكًًاب الزفًًا والعًًاهرة تصًًرخ أسًًس هسًًدئ .فًًي بًًادئ األمًًر وعنًًد قدومًًه
أن هناك برز ًلا يحًول بينًه وبًين فسسًه .يمنً هًذئ الًنسس أن تبغًي علًى
ظن ة
للمايي ة
األلرى ،وم مرور الوقًت بًدأ البًرزخ يتا ًى حتًى أصًبحا االعنًين ككسًين طًالتهم
النار .أحدهما تشوئ بدرهة أكبًر مًن الاًافي ،وبًالطب مًن تشًوئ أكاًر تًألم أكاًر .رفً
أيوب عار اليد التًي احترقًت بالنًار لًن يؤلمهًا يًرب العصًا .فلًم يعًد هنًاك ًيء
ي،سرئ بعد .عليه اآلن أن يصل ما أفسًدئ قًدي ًما .لًرج مًن الشًقة علًى السًور وذهً
إلى كوعر وداوود .هناك الكاير مًن الكلًم يريًد أن يبًوح بًه ،فأحًدهم سًيمنحه المغسًرة
-أعلم
-ابتعد عن طريقي اآلن وإال سألبر زوهتك التي في الصعيد أفةك تزوهت
يسع ذلك حتى ال تقتله تلك الزوهة .حاول هاهدًا معرفة كيف علم هًذا المجنًون بًأمر
ال يعرفه سوى سًيدئ "أيًوب ص" وزميً عمً يحًرس السًيا المجًاورة .أمًرئ أيًوب
132
محمد المصري رواية /فخ الموت
بالصمت فكف علًى السًور عًن الحًديث ،وقعًد بمكافًه يسكًر كيًف سًتئول األمًور فًي
دلً أيًًوب السًًيا وظلًًت عينيًًه تجًًوب المكًًان بحا ًًا عًًن أي ًً،ص مًًن الممكًًن أن
يرائ .لم يجد بالمكان سوى لادمةً تطهو الطعام وممريًةً تارعًر معهًا ولًم ينتبهًوا لًه
فصعد إلى الطابق الاافي سريعًا .فت حجرة كوعر ولم يجدها.
ذهً إلًًى حجًًرة السًًيد داوود ودلً وتًًرك البًًاب دون أن يغلقًًه .وهًًدئ يقعًًد وحي ًدًا
يتأم ً الجًًدران؛ حتًًى الجًًدران كافًًت تشًًسق عليًًه مًًن الوحًًدة .مًًا أقس ًى أن تنتظًًر
السقوط في فخ الموت فيًأبى صًاف السًخ أن يمنحًك السًقوط .المًوت سًيء فعًم ولكًن
األسًًوأ مًًن المًًوت هًًو افتظًًارئ .ويًً فسسًًه مكًًان داوود للحظًًة وفكًًر لًًو سًًافر
للمستقب ووهد فسسه وحيدًا هكذا .ربما أول يء سيسعله حين يعود من سسرئ أن يقتً
فسسه حتى ال يشيخ ويشعر بالوحدة المميتة التي يراها اآلن .اقترب منه ب،طًى حاياًة،
حتى تحركت عينًا داوود وبًدأت تراقبًه .قعًد القرفصًاء حتًى يكوفًا بًنسس المسًتوى،
تحولًًت فبًًرة صًًوته للغض ً والشًًعور بالكراهيًًة واالفتقًًام مًًن ًً،ص سًًاهم فًًي
مريه ،ب يظن أحيافًا أفةه السب الر يسي في المرم ،وما وص إليه من دفًاءة فًي
133
محمد المصري رواية /فخ الموت
كايًرا
ً -بالتأكيد قلبك الممتلئ بالجساء والقسوة سيعرف من أفا .كنًت أ ًتهي
أن ت،برفي لماذا هدمتني هكذا؟ لماذا كنت تهدم ما تبنيه أمي وطلقتها وحرمتنًي منهًا؟
أتعلًًم ًًعرت بالسًًعادة تغمرفًًي عنًًدما أصًًابتك الجلطًًة .لكًًم تمنيًًت أن تكًًون هكًًذا
مجًًرد قعيًًد ال حًًول لًًك وال قًًوة .تصًًب هكًًذا وحيًًد؛ وحيًًد كطس ً ال أب لًًه وال أم
أيوب واحد من أولئك الذين قلوبهم ما وعاء الطين ويتصًرفون بسًوداوية وهسًاء ،ال
كايرا ب لوموا من ويً الطًين فًي الوعًاء .بكًى داوود ،وافسًاب الًدم مًن
تلوموئ ً
عينيه كأب عاد إليه ابنه الضال ،وعندما فت يديه ليضمه صسعه االبن على وههه ًر
صسعة.
بكًًى أيًًوب هًًو اآللًًر ،وبًًدأت الًًذكريات تتقًًاذف كمنجنيًًق يقًًذف الكًًرات المشًًتعلة
الواحدة تلو األلًرى .أولهًم عنًدما أهبًرئ داوود أن يحتسًي أول كًأس لمًر فًي حسلًة
يوم مولدئ بعد أن أتم السادسة عشر من عمرئ ،ب واألدهى من ذلك أفةًه دبًر لًه امًرأة ً
ليحتسً ببلوغًًه! تحًًول داوود فًًي ذلًًك اليًًوم إلًًى هًًزار وهعً طسلًًه يمسًًك بالسًًكين
عنوة ً ،وكي يابت الطس رهولته عليه أن يذب الشائ .رح لًه طريقًة الًذب ومًن أيًن
تنحر الذبيحة؛ فحرهًا الطسً ورفً السًكين ليرفً رأس أبيًه .تمنًى الطسً البكًاء فًي
تعبت قدميًه مًن قعًود القرفصًاء ووقًف يحًوم حولًه بصًمت يحًاول لملمًة المشًاعر
134
محمد المصري رواية /فخ الموت
-تمنيت كايًرا ً أن ت،برفًي ،لمًاذا أسًميتني أيًوب ولًم تعلمنًي الصًبر علًى
الحال؟ لماذا كنت تساعدفي على فع ك ما هو لطأ ،وكً مًا هًو حًرام؟ هً كنًت
أصبحت كلبًا يلهث وراء اللحم كما كنت تسع .ساعدتني بنقودك وفسًوذك أن أفعً كً
مًًا هًًو لطًًأ فًًي حًًق البشًًر مًًن حًًولي ،ومًًا هًًـي قيمًًة البشًًر إن لًًم يكوفًًوا عبي ًدًا
ي،دموفك! ه تذكر من قال هذئ الجملة ومن علمها لي .ألبرفي ماذا فعلًت لًك النقًود
وأفت هكذا قعيد ال تستطي حتى أن تجل لنسسك كوب ماء .ماذا فع لك النسوذ وكارة
المتملقين والمتسلقين من حولك وقد غدوت اليوم وحيدًا .سأطلعك على سر يًا أبًي لقًد
أيحيت كلبًا لسترة من الزمن ،ولكن الكل أفج ما ًكا .ابنتًي بسًمة زرعًت بًداللي
الح واألم .هًـي الوحيًدة التًي طلًت هًدران قلبًي بًاللون األبًيض بعًد أن طمسًت
أليًرا صًمت
ً صمت وطال الصمت لًدقا ق .بعًد أن اسًتجاب هللا لًدعاء داوود ورزق
لقد قت أيوب ما تبقى من روح داوود ،وافتقم منه ر افتقام ،وتحول مًن هًؤالء الًذين
يسسكون دم الروح دون أي سقة .فك ما يعرفوفه عن "الروح" هـي أفةها كلمة تتكًون
من لمسة أحرف بعد حسًبة بسًيطة علًى األصًاب .فًالنزيف بالنسًبة لهًم عبًارة عًن
ليوط من الدم تسي في طرق متعرهة بحسً افحنًاء العضًو الًذي تسًي منًه ،أكًان
135
محمد المصري رواية /فخ الموت
اليد أو الرأس أو القدم أو ما تبقى من بقية الجسد .فهًم ال يؤمنًون بنزيًف الًروح ،فقًأ
األلم أيحى بالنسبة لهم مجرد تأوهًات وصًرلات صًالبة فاتجًة عًن ألًم ال يحتمً .
ووحدئ من يعرف مذاق األلم .لقد هع فسس داوود مجرد دمية وويعها علًى قضًبان
كلماته الصارلة عم م ةر عليها بعجات قطًار الًذكريات ،وبًالطب الًدمى ال تبكًي ،وال
بعًد أن فعً مًا فعلًه ،وقًال مًا أراد أن يقولًه .ذهً ليجلً م ً
نًديا ليجسًف الًدم مًن
عينًًي داوود! بًًرغم الكراهيًًة الشًًديدة التًًي سًًكنت كلماتًًه ،إال أفة ًه مًًا زال يحم ً لًًه
بعض الح .هسف له دمعه ،وأمسك يدئ و قبةلها بعد أن عر بالشسقة عليه ،وقال:
-اعتذر حقًا ألفةي قلت ك هذا الكلم ،وددت فقأ أن أتقيئ ك الوه
وأتمنى أن ......
صمت أيوب فجأة ً عندما سم صًوت أفًين بكًاء يًأتي مًن للسًه .اسًتدار بوههًه ليجًد
كًًوعر واقس ًةً وتض ً يًًدها علًًى فمهًًا لتكًًتم بكاءهًًا .مًًا أن رأتًًه حتًًى ركضًًت إلًًى
حجرتها وأغلقت عليها الباب .ذه للسها على السور ،وظً يطًرق البًاب ويسًتجديها
أن تست .بعد أن فش استجدا ه ألرج صورة ً لبسمة وفظر إليها بك ح ،وقال:
-أفا أعلم أفةك غير مصدقة بأفةني أيوب ،ولكن بحوزتي صورة لبسمة بعد أن
أكملت عامها الاامن .ستكوفين األم الوحيدة التي ترى ابنتها قب أن....
136
محمد المصري رواية /فخ الموت
أصابه الصمت عندما وهد الباب يست وهـي تكسكف دمعها .مدت يدها من للف الباب
وطلبت منه الصورة .أعطاها إياها ،فألذتها وأغلقت الباب مًرة ً ألًرى .ظنًت لًدقا ق
أفها تحلم وهـي تنظر للصورة التي تشبهها للغاية .ويعت يدها علًى بطنهًا ،وحًدعتها
وهـي تبكي:
ي اهتمًام
فاداها من ال،ارج فلم تستج وظلت تتحدث للصورة ولبطنها معًا .لم تعرئ أ ة
صورا ألرى.
ً إال عندما ألبرها أفةه يملك
-لقد غسرت وسأغسر لك ما حييت .يكسي أفةك كنت السب في أن أكون أما
-حقًا!!
بكى من قوة قلبها في العسًو والغسًران .وحًدها القلًوب القويًة مًن تغسًر هكًذا .لًم يكًن
يدرك ة
أن قلبها طاهر لدرهة أن يغسر دون حساب أو عتاب .بطريقًة ال إراديًة سًقطت
يء .فروى لها مًا م ةًر بًه مًن بدايًة هذبت يدها سريعًا وطلبت منه أن يشرح لها ك
137
محمد المصري رواية /فخ الموت
ضا كيف ماتت ومن تسب في موتها .لاف أن يمنحهًا القًدر ميتًةً أ ًد وأعنًف مًن
أي ً
هذئ في حالة أفةها حاولت أن تتا ى الموت في ذلك اليًوم المنكًود .لًاف عليهًا بشًدة
من بطش القدر ،فما بين البشر وما بين القدر لعبة يربحها القدر دا ًمًا ،كأفةًه بحًر ومًا
فحن سوى أسماك فعيش بداللًه ،إن لرهنًا مًن مًاءئ لليابسًة قتلنًا ًر قتلًة .أو ربمًا
القًًدمين ،وفتًًف الًًريش وويًًعه أعلًًى قمًًة هبليًًة لتسًًتمت الشًًمس بوي ً أ ًًعتها
كايًرا
ً كايرا بالحكاية المجنوفة التي سمعت فصسها أو أق .فهـي لًم تهًتم
لم تقتن كوعر ً
بما قي أو سيقال ،فسعادتها برؤية بسمة هعلتها تام .قبةلًت الصًور عشًرات المًرات
وهـي تضحك من فرط السعادة التي غمرتها .افتهى من حدياه الذي لم تستم لغالبيتًه.
عر بالحنين البتسامتها العسوية ،والح الذي يض،ه قلبهًا كمًا تضًخ السًماء الغيًث.
هذبه الحنًين إليهًا بشًعور ال إرادي ،فيًدئ قًد تحركًت دون أمًر منًه وأمسًكت بيًدها.
-أفا زوهك!
ي هنون
-يا هللا كيف يكون لي زوهين والزوهين هما فسس الش،ص ،أ ة
138
محمد المصري رواية /فخ الموت
وق الكلمة على أذفها هعلتها تبتسم في لج .افص ة ك اهتمامها بالمستقب بما تسعلًه
ي مدرسة اآلن ،وكم صديقةً لديها .كم سورة ً مًن القًرآن تحسًظ .هً تغسً
بسمة .في أ ة
وما فوع الموسيقى التي تسضلها .األفًام المسضًلة لهًا ،وكًم سًاعةً تنًام .افهالًت عليًه
باألسئلة عن بسمة حتى أيقن أن اهتمامًه بهًا لًم يكًن ليضًاهي عشًر اهتمًام كًوعر إن
ظلت على قيد الحياة .أو ًك أكاًر مًن مًرة أن ي،طًئ وي،برهًا بموتهًا المبكًر بًرغم
أفها لم تهتم بالسؤال عن فسسًها وال مًرة .أو علًى أقً تقًدير تسًأل هً هًـي علًى قيًد
الحيًاة أم فًي عًداد المًوتى؟ هً مًا زالًت فًي عصًًمته أم سًأمها وتركهًا؟ .هكًذا هً ةن
األمهات ممن يملكن إفكار ذات غير عادي تجائ أطساله ةن.
امتًًدت الارعًًرة بينهمًًا حتًًى منتصًًف الليًً ،وقبًً أن يًً،رج ويتركهًًا اسًًتجدته أن
يطمئنها على "أيوب ص" فهاتسه مغلق .وعًدها بأفًه سًيهاتسها حالمًا يجًدئ .لًرج هًذا
للتو وهًو يشًعر بالسً،أ علًى هًذا العًالم ويتمنًى لًو كًان للعًالم مًؤلرة ً حتًى يمسًك
بعصا ويظ يضربه عليها حتى تتورم وتتحًول لقطعًة مًن الجلًد األحمًر .اتجًه للبًار
سا كعادته ب أمسك بزهاهة لمر ورفعهًا علًى فمًه وبًدأ يتجرعهًا
وقعد ،لم يطل كأ ً
دفعةً واحدة ،كأفةه يا في الساة منذ يومين ووهد هذئ الزهاهة أمامه فأمسكها كأفةهًا
زهاهة ماء .عافقها بيدئ ورفعها على فمه ليرتوي ،و ًرب مًا يقًرب مًن الربً دفعًةً
واحدة ً .اقتربت منه إحدى عاهرات الملهًى بعًدما رأتًه فأ ًسقت عليًه .ويًعت راحًة
139
محمد المصري رواية /فخ الموت
رف الزهاهة مرة ً ألرى على فمه ،وتجرع منها الكاير؛ لم يتبقًى فيهًا سًوى النصًف
أو أق .فظرت له الستًاة وحاولًت أن تجًد كلمًات ترعًي بهًا حالتًه ،لكنًه كًان يضًحك
بجنون فربتت على كتسه حتى يهدأ .تاب هو الحديث بصوت صال وهو يسع :
ضا
-أتعلمين لقد قابلت اليوم أيوب اآللر ،وألبرفي بموتي القري .قال أي ً
ًرب مًًا تبقًًى مًًن الزهاهًًة دفعًةً واحًًدةً .أمسًًك بيًًد العًًاهرة ،ويًًغأ عليهًًا بقًًوة،
وقال:
-أترك يدي
تأوهت العاهرة من قبضة يدئ عليها ،فأرلى قبضًته وأفلًت يًدها .فظًرت بدهشًة لليًد
ذهبًًت العًًاهرة بعي ًدًا وهًًـي تهرطًًق بًًالكام وتنظًًر ليًًدها بأسًًى فمًًن علًًى ًًاكلتها
هسدهم هو مصدر رزقهم الوحيد لًذلك يغضًبن بشًدة حًين يمًس هًذا الجسًد بالسًوء.
فهذا الجسد متاح مباح فقأ للمتعة بالطب مقاب المال .وأحيافًا مقاب المتعة.
أتى مرعي وحاول تهد ته ،ص له كأس لمر وأعطائ له:
140
محمد المصري رواية /فخ الموت
رب ما به من لمر ورف الكأس السارغ إلى مسًتوى عينيًه وفظًر مًن للًف الكًأس
سقطت عينيه على عاهرة كافت تتأوئ مذ مدة أسس هسدئ ،فدقق النظر إليهًا ،ويًحك
ازدادت الضحكات الصالبة ،وازدادت األعين التي تنظر إليه ،حتى غًدا كً مًن فًي
الملهى ينظرون إليه .دد يدئ على الكأس بك قوته حتى افكسر في يدئ.
أتى حسن عشماوي سريعًا بعدما استدعائ مرعي .دفا مًن أيًوب وأبصًر الًدماء تسًي
العاهر الكبير؟
141
محمد المصري رواية /فخ الموت
بعد أكار من محاولة تمكن من إقناعه بالصعود لفعلى ،فهو محتًرف فًي التعامً مً
ماً هكًًذا مواقًًف .بًًرغم أفةًه لًًم يتوقً رؤيًًة "أيًًوب ص" منهً ً
ًارا كالسًًكارى الًًذين
أقعدئ حسن عشًماوي علًى الكرسًي ويًمد هًروح يًدئ وفًزع بعًض الزهًاج الغًا ر
بدال اللحم .حًاول باسًتماتة أن يعًرف مًا حًدث ليصً إلًى هًذئ الحالًة .وبًرغم أفةًه
ألبرئ بالحقيقة إال أفةه ظنها ليال علمًي مًن تًأليف السًكير ،ورغًم ذلًك راودئ بعًض
عاد أيوب إلى الملهى ،فألبرئ مرعى بما حدث فًركض علًى السًور إلًى مكتً حسًن
عشماوي .سأله ماذا حدث فقص عليه ما دار بينهما ،وبأفةًه ويً لًه قًرص منًوم فًي
ليرا ما فعلت
-ال داعي لاعتذارً ،
142
محمد المصري رواية /فخ الموت
صا بًا .تركه أيًوب ودلً ليطمًئن علًى "أيًوب ص" المسًجى علًى السًرير ،والًذي
يغأ في فوم عميق .ايًطج بجًوارئ واسًتند بظهًرئ علًى السًرير وظً يارعًر ً
قلًيا
م الصورة الوحيدة المتبقية من صور بسمة بعدما ألذت كوعر بقية الصور .لم ينسًى
أن يتصً بهًًا ويطمئنهًًا عليًًه كمًًا وعًًدها .أغلًًق الهًًاتف وويً الصًًورة علًًى قلبًًه
ليهدأ وينتظم النبض الذي افتسض بًالحنين إلًى كًوعر .سًم لعقلًه أن يسًتره أحًداث
أيوب واحد ممن قدر لهًم أن يموتًوا أكاًر مًن مًرة فًي كً يًوم دون أن يقبًرهم أحًد.
وبًًالرغم مًًن موتًًه المتواصً مًًا زال هسًًدئ يتمسًًك بالحيًًاة ويًًأبى المًًوت أن يضً
فهض الجسد المتهالك وقرر أن يكت .هل دفتًر المًذكرات مًن الم،بًأ الًذي ويًعه
فيه و رع في الكتابة:
بإمكافهًًا أن تقتً فًًي ومضًًة عًًين ،وأحيافًًًا تكًًون كالمًًاء للظمًًآن تسًتطي أن تمنحًًه
الحياة .قد قتلته بك حرف في البداية ،وفي النهايًة منحًت روحًه الغسًران والً،اص.
ًيء ويًا ليًت البشًر قلًوبهم فقيًة مالهًا .أريًد أن أفصً كً مًن غسرت لي كوعر ك
سيقرأ هذئ المذكرات فصيحةً (حاول أن تجع من حايرك ماييا تست،ر بًه وال تنًدم
عليه أبدا ،فأفت ال تعرف ه ستنال فرصةً للعودة إلى المايي وتطلً الغسًران ممًن
143
محمد المصري رواية /فخ الموت
أسأت إليهم ر إسًاءة أم ال .لًذلك السرصًة أمامًك ،فالحايًر والمسًتقب سًيأتي يو ًمًا
ويصبحون مايي ،فأصن من حايرك اآلن يئًا تست،ر به عندما يصب ماييا).
فظر للساعة في يدئ فلم يجد سوى لمسة عشر ساعة وبضعة دقا ق متبقية.
المايي.
قرر أن يمن النوم بعض الوقت .فالجسد مرهق ويستحق بعض الراحة.
ة
غأ سريعًا في فوم عميق وفي المرة األولى التي استيقظ فيها قرر أن يرح .
كافًًت السًًاعة قًد اقتربًًت مًًن الحاديًًة عشًًر صًًبا ًحا .تًًرك "أيًًوب ص" فا ًم ًا ولملًًم
أ يا ه ولرج من الملهى .لم يحتسظ سوى بالدواء ودفتر المذكرات وصورة بسمة ومًا
تبقى مًن فقًود .ومًا دون ذلًك كًان مًن فصًي صًندوق القمامًة .اسًتق سًيارة أهًرة
وبعد أق من ساعة كان في حجرة داوود يعافقه ،ويتحدث معه .وألفةه يعرف أبيه هيًدًا
قص عليه ما وصلت إليه مجموعة ركاته وكيف أصب رصيدئ في البنوك المصرية
واألهنبيًًة .قاطعًًت كًًوعر بابتسًًامتها العذبًًة الحًًديث الشًًيق مًًن وههًًة فظًًر داوود.
اطمأفت في البداية على "أيًوب ص" عًم تبعًت السًؤال بعشًرات األسًئلة التًي تً،ص
فًًدمعت عينيهًًا مًًن السًًعادة .للمًًرة األولًًى منًًذ زواههًًا مًًن أيًًوب تبكًًي مًًن فًًرط
السعادة.
144
محمد المصري رواية /فخ الموت
غريبة حقًا هـي العاقة الوطيًدة بًين الًدموع والنسًاء ،فعنًدما يسًرحن يبكًين ،وعنًدما
أمسك بيدها وقبةلها .لًم تقًاوم هًذئ المًرة وتسًحبها كمًا فعلًت بًاألمس بً ابتسًمت لًه،
وقالت:
-لقد أصبحت حنوفًا للغاية ،ليتك تبقى معنا دا ًما ،ولكن دون أن تقب يدي
مرة ً ألرى
رأته على هذئ الحالة .صسةق "أيوب ص" كتلميذ ألذتًه الحماسًة فًي طًابور الصًباح.
دفا من كوعر التي عرت أفةها ارتكبت إع ًما بكلماتها تلك ،وقال وهو ينظر أليوب:
-تقول أفك أصبحت حنوفًا ،ما رأيك أيها الحنون أن فلع لعبةً سويا؟
-ماذا تريد؟!
-سنغير فقأ قدري وقدرك .أفت ستظ هنا م داوود وكوعر وأفا سأذه
إلى المستقب
145
محمد المصري رواية /فخ الموت
حتًًًى يتسًًً ،وتبًًًدأ أولًًًى صًًًرلات المًًً،ام .طلبًًًت مًًًن "أيًًًوب ص" أن يتصًًً
باسسًًعاف مًًن الهًًاتف المنزلًًي ،وركًًض إلًًى األسًًس وهل ً لهًًا ممريًًة داوود.
اصطحبتها الممرية إلى حجرتها لتنتظر قدوم اسسعاف .لم يترك "أيوب ص" أيًوب
وحاول إقناعه بك السب الممكنة أن يتبادال األدوار فيما بينهما .قص عليًه أيًوب أمًر
الساعة في يدئ والكبسولة التي بجوار قلبه فلم يقتن ولم يصدق:
يحك "أيوب ص" بجنون ،حتى كاد يسقأ من فرط الضحك ،وقال:
-م األسف فحن فشترك في فسس الروح حتى وإن التلست الجاة ،فه
سأقت فسسي!؟
افتبه أيوب لصوت اسسعاف .حاول التملص منه ليذه م كوعر فلم يتمكن مًن ذلًك،
فلقد هذبه "أيوب ص" من هاكت البزة بقًوة .ظًا يتعاركًان ،وداوود يراقً الموقًف
146
محمد المصري رواية /فخ الموت
المسًًعسين وهًًـي تسًًير علًًى أقًًدامها بتااقً .فظًًرت للسهًًا باتجًًائ حجًًرة داوود علةهًًا
ما أن هبطت الدرج حتى لرج أيًوب يهًرول للسهًا ولًرج "أيًوب ص" مًن وراءئ،
دفعه باتجائ الحا أ ولنقه بيديه .حاول أيوب التملص من قبضته وفش :
قالها "أيوب ص" وهو يحملق في عينيه متحديا إيائ .حاول أيوب أن يسًتجم مًا تبقًى
من قوائ ليذه للف كوعر ،ويظسر بما ياع منه قدي ًما .هز على أسنافه بشدة وقال:
أن روحه تذه منه وهو ينطق تلك الكلمًات ،كأفةًه ينسًذ فيًه حكًم اسعًدام ًنقًا.
عر ة
ألرج قلمه من هي سرواله وبظسر إبهامه فزع الغطًاء .أمسًك بمًؤلرة القلًم ،وبكً
قوته غرس السن في يد "أيوب ص" الذي صرخ متأو ًها وعًاد القهقًرى لل،لًف وكًاد
فقًض عليًه
ة المحكوم عليه بالشنق وتمكن من السًرار بسضً قلمًه .عًار "أيًوب ص" وا
كًًذ ،وأيًًوب الغًًزال الًًذي ال ي،شًًى المًًوت .لقًًد تقًًدم وسًًار باتجاهًًه ً
بًًدال مًًن
التراه ،وفي اللحظة التي مدة فيها قدمًه اليمنًى ،ت،بطًت أقًدام "أيًوب ص" بعضًها
بًًبعض فحًًاول التماسًًك وتا ًي السًًقوط ،ولكنًًه تهًًاوى وسًًقأ .اصًًطدم رأسًًه فًًي
الجدار وتًدحرج الجسًد علًى الًدرج حتًى وصً إلًى بدايتًه مًن األسًس .هًبأ أيًوب
147
محمد المصري رواية /فخ الموت
سريعًا للسه ،وفي فسس اللحظًة دلً عًدوي مًن بًاب السًيا ،ورأى الًدماء تسًي مًن
وي عدوي الجاكت على رأس "أيوب ص" وحاول إيقاف النزيف كما كلةف .اتصً
أيوب باسسعاف وهو يرعي حال فسسه األلًرى المسًجية علًى األرم .لقًد رفًض أن
يعيش لحظة من أفض اللحظات التي تمر في حياة الرهً ،وهًـي أن يولًد طسلًه أمًام
عينيه ويحتضنه فور لروهه من الرحم الضيق في بطن أمه إلى الرحم الواس الًدفيا.
عا للف كوعر وتمكن من اللحاق بها قًرب حجًرة الًوالدة .سًم صًرلاتها
ذه مسر ً
فًت بًاب الحجًرة وقبً أن يشًير لًه الطبيً بًال،روج أ ًار إليًه هًو بالصًمت التًام.
اتجًًه إل ًى كًًوعر وأمسًًك بيًًدها وابتسًًم لهًًا لتشًًد تلًًك االبتسًًامة مًًن أزرهًًا .بعًًض
اللحظات تشتهي فيها المرأة أن ترى رهلها فقأ بًالقرب منهًا .تًرائ صًامتًا /واقسًًا /أو
كايرا لحالته .فقأ تشتهي لو ترائ حتى تمر مًن أصًع ألًم فًي
حتى هامدًا /ال تكترث ً
منحها وهودئ بجافبها الشجاعة ألن تدف بك قوتها حتى تتمكن من رؤيًة بسًمة للمًرة
-هيةا يا كوعر ادفعي ،أال تودين رؤية بسمة ويمها بين يديك
148
محمد المصري رواية /فخ الموت
التلطت مشًاعر كًوعر بًين السًعادة التًي منحهًا لهًا أيًوب بعًدم ت،ليًه عنهًا فًي هًذئ
اللحظة العصيبة ،وبًين األلًم الًذي تعايشًه مًن تمًدد أعضًا ها واتسًاع رحمهًا ،وبًين
وكايرا ما بكت ولم تجد يدًا حافيةً تكسكف دمعها ،وتمنحهًا الحً والصًبر
ً بكت كوعر،
على األلم ،لكن في هًذئ اللحظًة وهًـي تتضًرع للًدعاء إلًى هللا بًأن ي،لصًها مًن هًذا
األلم ،كافت تشكرئ ألفةه رزقها يدًا أتت من المستقب لتمنحها ك هذا الح بً وتمسً
العرق من على وههها لتمنحها الدفء الذي طالما تاقت إليه .ظلت كوعر تصرخ حتًى
فوهًًدها ب،يًًر .أعطاهًًا سحًًدى الممريًًات التًًي ويًًعتها علًًى مًًا يشًًبه السًًرير
الصغير وظلت تنظف الجسد من بقايا الدماء .لرج الطبي بعد أن أطمئن على صحة
كوعر التي كافت على ليًر مًا يًرام ،وتنتظًر فقًأ أن تحتضًن بسًمة بًين يًديها .قبةلهًا
فعم أحام أغل النساء بسيطة للغاية .ح صادق ،واهتمام غير متكلف ،ورهً يجيًد
امتطاء العق ،عم القل ،عم الجسد ،ويظ بجوارهم حتًى الممًات وعلًى وهًه التحديًد
149
محمد المصري رواية /فخ الموت
وألن أبسأ األ ياء أصعبها ،فقلمًا تجًد امًرأة رهً ًا كهًذا .ابتسًم لهًا
ة في أوقات كهذئ.
وطمئنها قا ًا:
ذهً ولًًم يهًًتم حتًًى بًًالعودة إلًًى السًًيا لمعرفًًة مًًا حًًدث "أليًًوب ص" ،فطالمًًا هًًو
أتت الممرية تحم بسمة إليها لتنتشلها من هذا األلم .إفهم األطسال الصغار ببًراءتهم
عاد أيوب بعد مرور ما يقرب من النصف ساعة ومعًه ً،ص يحمً فًي يًدئ كًاميرا
فوتوغرافية .ترك الره واقسًا على الباب ودل الحجرة ليجد بسًمة فا مًةً فًي حضًن
والدتها التي افشرح صدرها فور رؤيته .ركض إليها وحمً بسًمة علًى يديًه ،وعينًائ
-أكاًًر ًًيء فًًدمت عليًًه أفةنًًي لًًم أرى بسًًمة لحظ ًة والدتهًًا ،ولًًم ألًًتقأ
صورة لنا تجمعنا فحن الااعة معًًا ،كًأفةني عًدت إلًى المايًي ألرى سًعادتك وأهعً
حلةقت كوعر من السعادة كعصسورة تطير للمرة األولى بعد أن كبرت أهنحتها التي
فسجتها كلمات أيوب الممزوهة بالصدق والح .زادت على سعادتها سعادة ً بعد أن
التقأ لهم المصور الكاير من الصور ورأت الح يمف عيني أيوب لها ولبسمة.
ستسسرا:
ً فرغ المصور من التصوير ولملم أ ياءئ وهم بال،روج فنادائ أيوب وسأله م
150
محمد المصري رواية /فخ الموت
فظر في ساعته التنازلية التي لم يتبقى فيها سوى عاث ساعات وبضعة دقا ق:
أعطًائ ورقًةً بما ًًة دوالر وهًـي كسيلًةً بجعً المصًور ينتهًي مًًنهم فًي دقًا ق .لًًرج
المصور ،وحم أيوب بسمة على يديًه وكلمًا اسًتيقظت هدهًدها وغنًا لهًا حتًى تهًدأ
وتنًًام .ك ً ذلًًك وكًًوعر تراقبًًه بدهشًًة وغرابًًة ،كأفةهًًا تشًًاهد رهً ًًا آلًًر غيًًر الًًذي
تزوهته:
أدرك أيًًوب ال،طًًأ الًًذي وق ً فيًًه فأ ًًاح بوههًًه عنهًًا عنًدما بًًدأ الًًدم يًً،ال مقلتًًا
فظر إليها والدم يترقرق في عينيًه .للمًرة األولًى يسًم لعينيًه أن تًذرف الًدم فًي
بالضعف وال،نوع ،وفي الغال يكون هذا السع صًا بًا فهًـي مجًرد زوهًة لًم ترتقًي
حتى للحبيبة .بينما إن كافت الزوهة حبيبةً وعا ًقةً وأ ةمًا ً فحينهًا لًن ي،جً الرهً أن
151
محمد المصري رواية /فخ الموت
يظهر الطس الساكن بدالله .لن ي،ج من البكًاء .بكًى أيًوب أمامهًا كالطسً الًذي ال
يريًًدها أن ترحً أبًًدا ،وهًًـي بحنًًان األم ابتسًًمت لًًه وطمأفتًه دون أن تنطًًق بكلمًًة.
اقترب منها ،ووي بسمة بجوارها وأمسك بيدها وقبة راحتها ،وقال:
صًًمت أيًًوب وألًًف لسًًان ولسًًان بداللًًه يتحًًدعون .همًًيعهم يريًًدون تحًًذيرها مًًن
المصًًير الًًذي ينتظرهًًا ،وكيًًف س ًيلتهم المًًوت روحهًًا دون أن يشًًسق عليهًًا وعلًًى
طسلتها.
م ةر الوقت سريعًا واقتربت لحظة الرحي والسسر .ظ يقبة طسلته بنهم ،وكًوعر تراقبًه
مبتسًًمةً تريًًدئ أن يرحً ويعًًود مًًن المكًًان الًًذي أتًًى منًًه فلًم تعتًًاد ماً هكًًذا حً
وحنان وفي فسس اللحظة مدت يدها والمست يدئ بطريقًة ال إراديًة ،وعنًدما فظًر لهًا
قالت:
-سر!
152
محمد المصري رواية /فخ الموت
وبالطب أيوب لم ي،برها أفةها ايط ةرت إلى ذلًك ألفةهًا الوسًيلة الوحيًدة التًي تسًتطي
بدأت كوعر تكت ما لجلت من النطق به ،وعندما افتهت كان قًد افقضًى الوقًت الًذي
لصصه للقعًود بصًحبتها هًـي وبسًمة .لًرج بعًد أن ودةعهًا وألًذت منًه وعًدًا بًأن
يقرأ ما كتبت حين يعود للمستقب .وألذ هًو وعًدًا منهًا أن ال تبكًي بعًد رحيلًه! كًرر
ظًن ة
أن الوعًد كسيً بًأن ال تبكًي فًي غيابًه ال،طأ ذاته الذي وق فيه م بسمة عنًدما ة
المرأة عندما تعشق تغدو كالطسلة من الممكن أن تبكي في أي لحظة ا ًتياقًا لمًن تحً
حتى وإن كان أمام عينيها .فإياك أن تطل وعدًا من امرأة تعشقك بأن ال تًذرف عليًك
عًا فًًي لحظًًات الرحيً .فالنسًًاء عيًًوفهن متعلقًًة بقلًًوبه ةن ،فلًًو
دمًًوع ا ًًتياق أو دمو ً
بعًًد دقًًا ق مًًن لًًروج أيًًوب دل ً أحًًد الض ًباط حجًًرة كًًوعر التًًي تعجبًًت كايً ًًرا،
فاستأذفها الضابأ أن يطرح عليها بعض األسئلة فأومأت بالموافقة ،فسألها وقال:
-من هو الش،ص الذي يتردد على السيا منذ بضعة أيام ولرج منها مرة ً
-إفةه زوهي
153
محمد المصري رواية /فخ الموت
-ماذا تقول؟!
ألبرها ة
أن "أيوب ص" في حجرة العنايًة المركًزة يصًارع مًن أهً البقًاء علًى قيًد
كان يتردد على السيا ولرج باألمس منها بعد منتصف اللي ،وعاد لتكرار السؤال:
لرج الضابأ وتركها بعدما يأس من الحديث معها ،ومًن قصًتها ال،رافيًة مًن وههًة
فظًرئ .عًًاد إلًًى موقً األحًًداث ربمًًا يجًًد أي لًًيأ يدلًُّه علًًى طريًًق هًًذا القًًادم مًًن
المستقب كما أفًادت الزوهًة .زادت الحيًرة لديًه بعًد اعتًراف عًدوي ة
أن هًذا الرهً
154
محمد المصري رواية /فخ الموت
يعلم أ يا ًء ال يعرفها أحد سوى السيد "أيوب ص" وعلًى رأسًهم زواهًه الاًافي .وفًي
اللحظة التي كاد يجن فيها هنون الضابأ ويحًاول بشًتى الطًرق إيجًاد هًذا القًادم مًن
المسًًتقب .كًًان أيًًوب يتعًًارك مًً حًًارس األرم الًًذي اسًًتيقظ فيهًًا عنًًد قدومًًه
فظر للساعة التنازلية في يدئ ،لم يتبقى سًوى لمسًة عشًرة دقيقًة .لشًي أن يكًون قًد
ت،لف عن الموعد ،أو أفةهم لن يأتوا في موعدهم فينتهي الوقت ويموت .أو يظً عالقًًا
مً ةًرت بضًًعة دقًًا ق وهًًو يحًًاول باسًًتماتة أن يقن ً هًًذا الحًًارس بألًًذ النقًًود مقاب ً
الصمت ،فأغلق الحارس الباب في وههه وتركه ودلً .هذبًه رهً مًن يًدئ ،وطلً
منًًه الصًًعود إلًًى السًًيارة التًًي تقًًف علًًى بعًًد بضًًعة أمتًًار ،صًعد السًًيارة وحقنًًوئ
155
محمد المصري رواية /فخ الموت
()7
يا ليت بعض السنون تم ُّر كاللحظة وبعًض اللحظًات تغًدو سًرمديةً ،فالسًعادة ال تجًد
سبيلها إال بالمرور كوميض البرق ،والحزن يجًد يًالته فًي الكسً والجمًود وإيقًاف
عقارب الساعة عن التحرك .لقد م ةرت الساعات مً كًوعر بسًرعة رهً ينظًر أمامًه
فسم صوت ًا يأتي من ال،لف فنظر إليه فلم يجًد ًيئًا فعًاد بًالنظر لفمًام مًرة ً ألًرى.
كافت النظرة لل،لف هـي السرعة التي م ةرت بها األيام في المايي.
استغرق أيوب في النوم بضعة ساعات من أعر الم،در .اسًتيقظ ليجًد فسسًه فا ًمًا علًى
السرير بًدال السنًدق ،وكً حاهياتًه بجًوارئ .كافًت أول األ ًياء التًي اطمًأن عليهًا
قب ً أن يطمً ة
ًئن علًًى التًًاريخ الموهًًود بًًه اآلن هًًي الصًًور التًًي التقطهًًا م ً بسًًمة
وكوعر؛ وهدها بجوار هاتسه المغلق م دفتري مذكراتًه القًديم والجديًد والورقًة التًي
فرك عينيه ،وذه ليغس وههه ،وعاد وهسسه .قعد وفت الورقة و رع في القراءة:
-كنًت علًى و ًك أن ألبًرك أكاًر مًًن مًرة ولكًن لًم تسًن فرصًة لًًذلك.
ًورا
حتًى المًًرة التًًي قًًررت وصًًممت علًًى أن ألبًًرك فيهًًا أتيًًت فجً ًًرا وكنًًت م،مً ً
وظللت تتحدث ألبيك وتسبه وتلعنه فقررت أن ال ألبرك أبدًا وال أعلم حقًا هً علمًت
بمريًًه أم ال .ك ً مًًا أعلم ًه اآلن أف ًك تكرهًًه لدرهًًة أفنًًي رأيًًت السًًعادة تقسًًز مًًن
عيني ًك عنًًدما أصًًابته الجلطًًة .لًًم تهًًتم حتًًى برؤيتًًه سًًوى مًًرتين بعًًد عودتًًه مًًن
156
محمد المصري رواية /فخ الموت
سًًقطت الورقًًة مًًن يًًدئ وظ ً ينظًًر لهًًا ويضًًحك بهسًًتيريا غريبًًة .تعالًًت صًًوت
الضحكات وامتزهت بالدموع الطسولية .اتجهت عينائ صوب الحًا أ الًذي تحًول إلًى
ا ة تعرم له صور من تسب في مريه .لقد كًان هًو المتسًب فًي مريًه حقًن
فسسه بنسسه.
فرط ما رب .ظ يس،ر من عجز أبيه ومن مريه .طرقت الممريًة البًاب فسًم
لها بالدلول .أعطت داوود حقنة المسكن ولرهت ،فأمسًك بالحقنًة مًن بعًد لروههًا
وظً يضًًحك ويلهًو بهًًا حتًى حقًن فسسًه دون قصًًد منًه .امتزهًًت دما ًه الم،مًًورة
بدماء أبيه المريضة .س،ر من أبيه فس،ر القدر منه ،وظ ما يقرب من التسعة أعًوام
يظن أفةه يحم المرم من األهنبية التي ياهعها ،والتي عاد بًالزمن مًن أهلهًا .فًا
الزمن أسعسه ليعود معافى وال الموت افتشله مما يكابدئ اآلن من آالم.
م ةرت عليه الساعات بطيئةً كسلحساة تحاول عبور فهر من الضسة إلًى الضًسة .مًا زال
يحاول أن يستجم مًا تبقًى مًن عقلًه ،وبًاأللير مًدة يًدئ وفًت الهًاتف ليألًذ المسًكن
ال،اص به ،فطسلته الغالية وحدها مًن تسًتطي تسًكين آالمًه فًي هًذئ اللحظًة .يشًتهي
فسًخ رقًًم وهيًه علًًى هًاتف السنًًدق واتصً بًًه ،وعنًدما أهابًًه سًأله عًًن بسًمة التًًي
ا تاق لها كا تياق المغترب لوطنه الذي تركه مًذ سًنون وهًا هًـي تًأتي لحظًة رؤيًة
وطنه الصًغير .طمأفًه عليهًا أكاًر مًن مًرة ،فطلً منًه أن يلًتقأ لهًا بعًض الصًور
157
محمد المصري رواية /فخ الموت
دون أن تدرك ،ويرسلهم له فور التقاطهم .سأله وهيًه عمًا فعلًه فًي المايًي ،فأهابًه
وقال:
كايًرا
ً مبا رة ً لحجرة بسمة ،فوهدها تسًتند بظهرهًا علًى السًرير وتكتً .لًم ينًدهش
حينما وهد األرم قد امتفت بقصاصات الورق فلقد كان هنا بًاألمس ،ووهًد الكايًر
فكلما ا تاقت كتبت .كلما رغبًت بعنًاق كتبًت .كلمًا ا ًتهت قبلًةً كتبًت .هنًاك الكايًر
ة
داللهًن ة
بًداللهن" .إن كًان من مايات بسمة ال يملكن سوى الكتابة للتعبير عما يدور
فعم هـي تحترق ا تياقًا له ولذاك الصدر الذي للق من أهلها .لقد علمهًا أن ال تعًرف
ًيء ،للدرهًة التًي أحدًا سوائ .هو بماابة األب واألم والصًديقة واألخ واأللًت وكً
هعلته يشًتهي لًو كًان لًه فهًد ليريًعها وهًـي صًغيرة! الًتقأ وهيًه بعًض الصًور
وهًًـي منغمسًًة فًًي الكتابًًة فلًًم تنتبًًه لًه عًم أرسًًلهم أليًًوب عبًًر تطبيًًق مًًن تطبيقًًات
ظلًًت بسًًمة تكت ً وتكت ً حتًًى ًًعرت باسرهًًاق والتع ً .أطعمتهًًا الًًدادة فعيمًًة،
استيقظت في اليوم التالي لتجد وهيه ومعه صديقاتها من المدرسة ،وبعض المدرسًات
على رأسهم ميس ملك المحببة لقلبها يحملون كعكة عيد المياد التي تألرت يو ًمًا عًن
158
محمد المصري رواية /فخ الموت
موعًًًدها .أتًًًى مًًًن بعًًًدهم الًًًدكتور وليًًًد ومعًًًه زوهتًًًه وأطسالًًًه وامًًًتفت الحجًًًرة
باألطسًًال .ظلًًت بسًًمة تحًًاول بشًًتى الطًًرق أن ال تجع ً أحًًدهم يمس ًك بقصاصًًات
الًًورق وبالتأكيًًد لًًم تًًنج .تعاركًًت م ً أحًًد األطسًًال الًًذي أراد أن يض ً قصاصًًة
بدال هيبه ،وأعناء افشغالها بالتعارك م الطس كان يقف على باب الحجًرة الشً،ص
المنوط بقراءة ك هذئ القصاصات .اقتربت منها مًيس ملًك وأ ًارت لهًا بًالنظر إلًى
بًًاب الحجًًرة فرفضًًت .أعًًادت تكًًرار الطلً أكاًًر مًًن مًًرة فوافقًًت علًًى مضًًض.
فظرت لترى أيوب يقف على باب الحجرة والدم ينساب من عينيًه مًن هًول المنظًر
الذي رآئ.
كاهما وقف هامدًا كالتماعي ،فقًأ دمًوع كً منهمًا تًتكلم وتقًول بًاهلل عليًك قً أفًك
حقيق ًةً أراهًًا اآلن .بًًاهلل عليًًك ألبرفًًي أفة ًك هنًًا أمًًام عينًًي ،بإمكًًافي أن أتًًنسس فًًي
ي يء منًه يجعً
صدرك ،وفتشارك معًا فسس الهواء ولو لاوان .كافت بسمة تنتظر أ ة
التماال يتحرك .مال بجسدئ وفت ذراعيه فركضًت إليًه كمًا يًركض القطًيأ إلًى أمًه
هلعًا ولوفًا من الكاب التي تتكال عليه وتريد أن تنهشه .ظلت تموء وتمًوء وتبكًي،
وكلما زاد البكاء يمها إلى صدرئ أكار .لكم تمنًى أن يعافقهًا ذات مًرة حتًى ت،تًرق
ظلت بسمة على هذئ الحال لدقا ق فلًم تتركًه ولًو لاافيًة .حتًى الهديًة التًي هلبهًا مًن
المايي رأتها وهـي بين ذراعيه .بًدأ اسرهًاق ينًال منًه ،فأومًأ برأسًه لوهيًه وفظًر
159
محمد المصري رواية /فخ الموت
باتجائ مقعد فجلبه وقعد عليه ،وبسمة ال تزال في حضًنه .اتجهًت عينًائ للًدادة بًأوامر
يعدون الشم الواحدة تلو األلًرى ،حتًى وصًلوا للًرقم تسًعة .أغلقًت سًتا ر الحجًرة
فهض أيوب وأومأ لبسمة أن تقف بجوارئ حتى تطسئ الشم م األطسال فوقست وهًـي
تمسك بيدئ:
إلى المساعدة
ردد األطسًًال مًًن بعًًدها م ً أيًًوب ووهي ًه والًًدكتور وليًًد وك ً م ًن بًًالحجرة وظلًًوا
يهتسًًون لبسًًمة التًًي تحمسًًت كايً ًًرا وألًًذت ًًهيقًا وزفرتًًه لتنطسًًئ ك ً الش ًمعات،
ة
أن "أيوب ص" قًد توقًف في فسس اللحظة التي ركضت فيها الممرية لت،بر الطبي
قلبه عن النبض .دل الطبيً سًريعًا وصًدمه بالكهربًاء أكاًر مًن مًرة فلًم يسًتجي
القل للصدمات .سقأ األيوب الصغير في فخ الموت فأتبعًه األيًوب الكبيًر بالسًقوط.
تحققت أمنيته األليرة بالموت وبين يديه طسلته .حقق له الموت أمنيته ،ولكن مًاذا عًن
160
محمد المصري رواية /فخ الموت
ولرج أم ما زال هنا يراقبها وقد الحظ أفةهًا أصًيبت بالصًمت المطبًق فًوق صًمتها؟
ه سيتراه ويعيد لها روح أبيها التي قبضها منذ قلي !؟
وال،ضًًروات مًًن السًًوق .تنتقًًي البضًًاعة الجيًًدة وتتلًًذذ بأكلهًًا وتتًًرك العسًن لينشًًر
العسن .ورغم ة
أن أيوب قد أصابه بعض العسن ،لكن من يرى حالة بسمة اآلن يتمنى لًو
تحسًس الًدكتور وليًد فبضًًه ليتأكًد أفةًه قًًد بًات فًي عًًداد المًوتى أم ة
أن مًا زال هنًًاك
أم ،وبعًد أن تأكًد مًن موتًه ومًوت األمً بحًث بعينيًه عًن بسًمة التًي عنًدما سًقأ
أبوها في فخ الموت اتجهت إلي زاوية ،و ،صت عيناها باتجائ الجاة المسجاة.
وتنصاع أحايينًا ألرى إن أراد هو ذلك .كً مًا تمنتًه فًي هًذئ اللحظًة هًو أن يًنهض
ويقرأ ما كتبت ،وي،برها بأفه سيموت اآلن! لسافها يصرخ من الدال ويناهيه ويقًول
"أبي افهض وألبرفي أفةك قد مت" تذكرت تلك اللحظة عندما ألبرها ة
أن المًوت أفاًى
تأتي للرهال وتألذ األهساد إلى أسس األرم عم تصعد بًالروح إلًى عليًاء الًرب .لًم
ي يء سوى ة
أن هناك أفاى قد أتت وألذت منها أبيها ،ولكنها م،تسيًة تستوع اآلن أ ة
ال ترى بالعين المجردة .تسأل فسسها أين هـي تلك الملعوفة ألقتلها ،ولسان حالهًا يقًول
فعم ستتحول أصابعي إلى سكاكين ستمزقها إربًا إربًا ،عم تقوم بسرم ما تبقى من الجسًد
161
محمد المصري رواية /فخ الموت
تسأل أين روح أبي التي ذهبت إلى الرب ،وأين يقطن هذا الرب؟ طافًت بعينيهًا علًى
كً الموهًًودين .وهًًدت الجميً ينًًوح عليًًه وحًًالتهم يرعًًى لهًًا .تقوقعًًت علًًى فسسًًها
أكاًًر ويًًمت قًًدميها إلًًى صًًدرها ،وأبعًًدت عنهًًا يًًد الًًدكتور وليًًد الًًذي حًًاول أن
يمسكها ويحملها لارج الحجرة؛ فظرت له كقطة مسعورة فارتع منها مبتعدًا وتجمًد
دققت النظر على أبيها وامتدت يديها وارتكزت علًى األرم لتحبًوا كالصًغارً .قت
طريقها فحوئ ،والجمي يراقبها ولم يتجرأ أحدهم على أن يتحرك لطوة ً واحدة ً؛
مررت يديها من أسس الاياب حتى وصلت األصاب إلى موي القلً الهامد.غرسًت
أظافرهًًا بالجلًًد الميًًت كذ بًًة صًًغيرة ال تقًًوى علًًى كشًًأ الجلًًد السًًميك .أرادت أن
ة
أن ك ما تسعله بات دون هدوى.
افقطعت األصوات من حولها فجأة ً ،فالقل بالكاد كان ينًبض بستًور ،ة
كًأن المًوت ألًذ
وزن هًًذا الجسًًد الميًًت وويًًعه علًًى صًًدرها .تًًذكرت كلمًًات أبيهًًا وكيًًف يًًذه
الناس إلًى الًرب ،وأيًن يقطًن ذلًك الًرب .تجمًد عقلهًا فًي البحًث عًن إهابًة لسًؤال
واحد:
162
محمد المصري رواية /فخ الموت
تجمد عقلهًا فًي البحًث عًن السًؤال الًذي لًم تًدرك بعًد إهابتًه .رفعًت طًرف عينهًا
وحامًًت ببصًًرها علًًى كً مًًن فًًي الحجًًرة .وهًًدت الجميً هامًًدين كتماعيً الشًًم
وحدها هـي من فزعت الغشاوة من على عينيها؛ لقد وهدت إهابة السؤال الكبيًر حًين
فتحت لها النافذة على مصراعيها ،ورأت روح أبيها معلقةً في الهواء والموت يمسًكها
"ملحوظة"
فًًي الغال ً أو ربمًًا دا ًمًًا سًًنجد قصًًص بعًًض األفًًام أو المسلسًًات مًًألوذة عًًن
رواية لكذا أو كذا .ولكن م األسف لقد كسرت هًذئ القاعًدة مرغ ًمًا علًى ذلًك بعًد أن
كتبت سيناريو لسيلم باسم "فاقص عمر" وهذئ الرواية مألوذة كاملةً غير منقوصة مًن
هًًذا السًًيناريو ،ولع ً ة السكًًرة كافًًت ال تصًًل ألن تنًًت أو ربمًًا ال تحم ً الكايًًر مًًن
*****
163
محمد المصري رواية /فخ الموت
ًًكر لًًاص ه ًدًا ومًًن القل ً لك ً مًًن سًًاهم ولًًو بحًًرف واحًًد أو تعًًدي بسًًيأ أو
*******
للصديق الطي /محمد عمارئ /إبراهيم فًاهي /محمًد صًابر /عمًرو فهمًي /آسًية
وك الشكر والتقدير للصديقة /إيمان عبد الغني التي كافت تقًوم بعمً مصًح لغًوي
للرواية.
https://www.facebook.com/mohamed.elmasry.77.2727
01115501200
ex.pired2050@gmail.com
164
محمد المصري رواية /فخ الموت
165