You are on page 1of 13

‫كيفية إعداد الداعي‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫وبعد…‬
‫فإن أحسن القول الدعوة إلى هللا تعالى‪ ،‬وأفضل األعمال ما يؤدي إلى فهم الدين‪ ،‬وتطبيقه‪،‬‬
‫صا ِلحا ً َوقَا َل ِإنَّ ِني‬
‫ع ِم َل َ‬ ‫عا ِإلَى َّ‬
‫َّللاِ َو َ‬ ‫وتبليغه للناس وصدق هللا تعالى{ َو َم ْن أ َ ْح َ‬
‫س ُن قَ ْوالً ِم َّم ْن دَ َ‬
‫ِمنَ ْال ُم ْس ِل ِمينَ ‪}.‬‬
‫ولهذا كان مؤتمر الدعوة اإلسالمية من األعمال الفاضلة التي تبعث الرضى في نفوس‬
‫المسلمين الصادقين حيث يرون أمتهم وهي تخطط لنشر دينها وتدرس المشاكل التي تعترض‬
‫طريقها‪ ،‬وتضع الحلول المناسبة لقضاياها‪ ،‬وتتصدى بواقعية لكيد الكائدين وانحراف‬
‫المبطلين‪.‬‬
‫وقد سعدت باشتراكي في هذا المؤتمر‪ ،‬وبرغم قصر المدة فإني استعنت باهلل تعالى‪ ،‬وأعددت‬
‫هذا البحث في موضوع ‪:‬‬
‫كيفية إعداد الدعي‬
‫لما للداعي من أهمية في تبليغ اإلسالم‪ ،‬ولحاجة الدعوة إلى دعاة أكفاء قادرين على القيام‬
‫بالواجب المنوط بهم‪.‬‬
‫وسوف يتناول البحث ـ بمشيئة هللا تعالى ـ النقاط التالية‪:‬‬
‫‪1‬ـ وجوب تبليغ الدعوة وإعداد الداعي‪.‬‬
‫‪2‬ـ أهم الصفات الواجبة للداعي‪.‬‬
‫‪3‬ـ كيفية إعداد الداعي‪.‬‬
‫وذلك بإيجاز وتركيز‪ ،‬ولي أمل في هللا أن أتمكن من بحثها مستفيضة وافية في مجال يسمح‬
‫بذلك‪ .‬وهللا ولي التوفيق‬

‫وجوب تبليغ الدعوة وإعداد الدعاة‬


‫كان من رحمة هللا بالناس أن جاءتهم الدعوة اإللهية بما اشتملت عليه من أسس صالحة‪،‬‬
‫ونظم كاملة لكافة جوانب الحياة‪.‬‬
‫وقد أوجب هللا تعالى تبليغ دعوته للناس حيث أمر رسوله محمدا صلى هللا عليه وسلم بذلك‬
‫سنَ ِة َو َجاد ِْل ُه ْم بِالَّتِي ِه َ‬
‫ي‬ ‫ظ ِة ْال َح َ‬
‫سبِي ِل َر ِب َك بِ ْال ِح ْك َم ِة َو ْال َم ْو ِع َ‬
‫في قوله تعالى{ ا ْدعُ إِلَى َ‬
‫س ُن ]‪}[1‬واألمر يفيد الوجوب ومن المعلوم األصل في خطاب هللا لرسوله دخول أمته فيه‬ ‫أ َ ْح َ‬
‫إال ما استثنى وليس في هذا المستثنى أمر هللا تبارك وتعالى بالدعوة لدينه‪ ،‬فبقى وجوب تبليغ‬
‫الدعوة على المسلمين كما وجب على رسوله صلى هللا عليه وسلم وقد وجه الرسول صلى‬
‫هللا عليه وسلم أصحابه إلى هذا الواجب حيث أمرهم وقال‪:‬‬
‫"ليبلغ الشاهد منكم الغائب[" كما أن طبيعة اإلسالم تؤكد هذا الواجب ألنه دين عام خالد‬
‫يستلزم استمرار الدعوة إليه وتبليغه للناس‪.‬‬
‫وواجب تبليغ الدعوة جدير في الحقيقة برسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومواهبه وإيمانه‪،‬‬
‫وإخالصه‪ ،‬وبعده يجب أن يستمر على نمطه بواسطة دعاة يعدون لحمل األمانة‪ ،‬وأداء‬
‫الواجب المطلوب‪.‬‬
‫وإعداد هؤالء الدعاة واجب حيث أمر هللا بذلك في قوله تعالى{ َو َما َكانَ ْال ُمؤْ ِمنُونَ ِل َي ْن ِف ُروا‬
‫طا ِئفَةٌ ِل َيتَفَقَّ ُهوا ِفي الد ِ‬
‫ِين َو ِليُ ْنذ ُِروا قَ ْو َم ُه ْم ِإذَا َر َجعُوا ِإلَ ْي ِه ْم‬ ‫َكافَّةً فَلَ ْوال َنفَ َر ِم ْن ُك ِل ِف ْرقَ ٍة ِم ْن ُه ْم َ‬
‫لَعَلَّ ُه ْم َي ْحذَ ُرونَ }فبان بذلك أن على المسلمين أن ال يخرجوا جميعا للجهاد في سبيل هللا‪ ،‬وإنما‬
‫عليهم أن يخصصوا من كل جماعة نفرا يخرجون للدعوة‪ ،‬يتحملون المشقة في فقهها‪،‬‬
‫ومعرفة طرق اإلنذار بها‪ ،‬قاصدين من هذا اإلعداد إرشاد غيرهم والنصيحة لهم أمال في‬
‫هدايتهم وإيمانهم‪.‬‬
‫ع ِن ْال ُم ْن َك ِر‬
‫وف َويَ ْن َه ْونَ َ‬‫وقال تعالى{ ‪َ :‬و ْلت َ ُك ْن ِم ْن ُك ْم أ ُ َّمةٌ يَ ْدعُونَ ِإلَى ْال َخي ِْر َويَأ ْ ُم ُرونَ ِب ْال َم ْع ُر ِ‬
‫َوأُولَئِ َك ُه ُم ْال ُم ْف ِل ُحونَ }واألمة هي طائفة عالمة حيث أمر هللا المسلمين من بينهم جماعة‬
‫تتخصص في الدعوة إلى الخير إذ تعلم المعروف وتأمر به‪ ،‬وتدرك المنكر وتنهى عنه‪،‬‬
‫وتصدير اآلية بالم األمر يفيد وجوب ايجاد هذه الفئة العالمة لتبليغ الدعوة‪.‬‬
‫وقد ربى الرسول أصحابه على الحق واختار منهم من يصلح للدعوة وبعثهم إلى عدد من‬
‫الشعوب يدعونهم إلى هللا تعالى‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن واجب تبليغ الدعوة ال يتم إال بواسطة الدعاة‪ ،‬وهذا دليل على وجوب‬
‫إعدادهم ألن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪ ،‬كما أن سؤال هللا للناس في اآلخرة يقتضي‬
‫تبليغ دين هللا إليهم والدعوة ال تبلغ وحدها فلزم وجود دعاة يحملونها ويبلغونها للعالمين‪.‬‬
‫وهكذا وجب تبليغ الدعوة‪ ،‬ووجب إعداد الدعاة‪ .‬ولئن كانت الحاجة إلى الدعاة األكفاء ملحة‬
‫دائما فإن هذه الحاجة اآلن أشد ليتعلم المسلمون ما جهلوا من دينهم‪ ،‬وحتى يمكن مواجهة‬
‫خطر التيارات المادية التي إتسع نشاطها بواسطة دعاة المذاهب البشرية‪ ،‬والنحل المحرفة‬
‫الذين دربوا على الترويج لباطلهم في ذكاء واضح‪ ،‬وخطة مدروسة وهدف محدد‪.‬‬
‫وليس بجائز أبدا أن يضعف صوت الحق أمام الهوى‪ ،‬وتذاع الشبهات الملحدة في الناس وال‬
‫تجد من يتصدى لها ويهدمها بالحجة والبيان‪ ،‬إن إعداد الدعاة واجب يلتزم به المسلمون‪،‬‬
‫وعلى األمة أن تقوم به أداء لواجب الدعوة‪ ،‬ووفاء لألمانة التي لزمتهم‪.‬‬

‫الصفات الواجبة للدعاة‬


‫تهدف عملية إعداد الدعاة إيجاد نفر من المسلمين متميز بصفات خاصة تمكنه من القيام‬
‫بالواجب الذي أنيط وهو تبليغ الدعوة‪.‬‬
‫وهذا النفر ملتزم بتقويم الصلة باهلل وبالدعوة والمدعوين‪ ،‬ولذا كانت أهم الصفات التي يجب‬
‫أن يتمتع الدعاة بها هي‪:-‬‬

‫أ ـ اإليمان العميق‬
‫اإليمان هو الركيزة األساسية للداعية وهو القاعدة التي يقوم عليها كيانه كله‪ ،‬والواجب أن‬
‫تكون صلته باهلل أوثق‪ ،‬ومعرفته به أوضح وشعوره بجالله أقوى‪ ،‬وارتباطه بمنهجه أشد‪.‬‬
‫إن هذا اإليمان يعني التسليم التام هلل ألنه النافع الضار‪ ،‬المعز المذل‪ ،‬وأنه ال معطي لما منع‪،‬‬
‫وال مانع لما أعطى‪ .‬كما ينبغي التيقن بأن دين هللا حق كله ال يحتاج لجدل‪ ،‬وال يقبل شكا ً‬
‫ومراجعة ومن ثم يثبت هذا اإليمان عنده وال يتزعزع مهما كانت الشدائد‪ .‬ومهما قوي‬
‫األعداء‪ ،‬وكثر الخصوم‪.‬‬
‫ويجب أن يكون إيمان الداعية إيمانا ً تفصيليا ً على األدلة والحجة‪ ،‬وأقرب طريق لتأكيد هذا‬
‫اإليمان مداومة النظر في القرآن الكريم‪ ،‬والعكوف على تالوته وحفظه وتدبر معانيه وتنفيذ‬
‫تعاليمه‪ .‬وتبيين أحكامه من خالل دراسته للسنة المطهرة‪.‬‬
‫ونتائج هذا اإليمان تفيد الداعية وتعينه على الدعوة‪ ،‬ألنه به يحب هللا‪ ،‬ويصير محبوبا ُ من‬
‫شدُّ ُحبا ً ِ َّلِلِ}وقال{ ي ُِحبُّ ُه ْم َوي ُِحبُّونَهُ}وحب المؤمن هلل عبارة‬ ‫مواله‪ .‬قال تعالى{ َوالَّذِينَ آ َمنُوا أ َ َ‬
‫عن استغراق مطلق في الطاعة‪ ،‬وتسليم تام بكل ما يجد ويحدث وحب هللا للمؤمن يكسبه‬
‫إعانته‪ ،‬وهدايته‪ ،‬واألخذ بيده نحو الحق والخير‪ ،‬وهذا الحب يستتبع الثقة بالضرورة‪ ،‬ألن‬
‫الداعية ما دام اعتقد الحق وآمن به‪ ،‬والتزم في كل حياته أوامر هللا ونواهيه فإنه يثق حينئذ أن‬
‫كل ما يحدث له ومعه جزء من الحكمة اإللهية الشاملة‪.‬‬
‫واإليمان يعين على الدعوة أيضا ً حيث يندفع الداعية نحو اإلخالص والعمل ودعوة الناس بال‬
‫انتظار أجر مالي‪ ،‬أو الحصول على كسب دنيوي‪ ،‬وكل القصد هو طاعة هللا وكسب رضاه‬
‫بالدعوة ألنه يؤمن بأن أحسن األقوال وأفضل األعمال ما كان للدعوة وفي سبيلها‪.‬‬
‫وإن حدث وجوبه الداعية بمعوقات تقف بينه وبين النجاح في الدعوة فإن اإليمان يمده بطاقة‬
‫من التحمل والصبر تجعله يستصغر كثرة الخبيث‪ ،‬ويستهين بقوة األعداء‪ ،‬وال يخشى في هللا‬
‫َّللا أ َ ْب ِغي َربا ً‬
‫لومة الئم‪ ،‬أو جور ظالم‪ ،‬ويرفع في الناس شعاره وهو قوله تعالى{ قُ ْل أ َ َغي َْر َّ ِ‬
‫علَ ْي َها َوال ت َ ِز ُر َو ِاز َرة ٌ ِو ْز َر أ ُ ْخ َرى ث ُ َّم ِإلَى َر ِب ُك ْم‬
‫ِب ُك ُّل نَ ْف ٍس ِإال َ‬
‫ش ْيءٍ َوال تَ ْكس ُ‬ ‫َو ُه َو َربُّ ُك ِل َ‬
‫َم ْر ِجعُ ُك ْم فَيُن َِبئ ُ ُك ْم ِب َما ُك ْنت ُ ْم فِي ِه تَ ْخت َ ِلفُونَ }هكذا اإليمان الصادق يوجد الحب والثقة‪ .‬ويحقق‬
‫اإلخالص والتحمل‪ ،‬وعلى الداعية أن يتصف به‪.‬‬

‫ب ـ العلم الدقيق‬
‫دور الداعية يحتاج إلى العلم الوافر واألفق الواسع‪ ،‬ألنه يوضح الدين ويبين للناس سمو‬
‫مبادئه ونظمه‪ ،‬ويرد الشبهات التي تثار أمامه‪ ،‬ومن هنا كانت حاجته إلى التحصيل الدائم‪.‬‬
‫والمعرفة الشاملة‪.‬‬
‫وطبيعة اإلسالم تتطلب من الدعاة أن يكونوا علماء فاقهين ألنه دين يؤخذ من القرآن الكريم‪،‬‬
‫والسنة النبوية‪ ،‬وكالهما يحتاج إلى القراءة المستمرة‪ ،‬والتدبر الواعي‪ ،‬والفهم السليم‪ ،‬كما أن‬
‫تبليغ اإلسالم يحتاج إلى معرفة الناس ومعرفة أمثل الطرق لتوجه إليهم وإقناعهم وأهم‬
‫جوانب علم الداعية ما يلي‪:-‬‬

‫‪1‬ـ العلم بالدعوة ‪:‬عمل الداعية نشر الدعوة‪ ،‬ولذا كان العلم بها من أساسيات علم الداعية ألن‬
‫فاقد الشيء ال يعطيه‪ .‬والدعوة بكافة جوانبها تعرف بمعرفة القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫وعلى الدعاة أن يتخذوها زادا لهما فيعيشون مع القرآن تالوة وحفظاً‪ ،‬وفهما‪ ،‬ومع السنة‬
‫قراءة وتدبراً‪ ،‬وحفظاً‪ ،‬ومع سائر العلوم اإلسالمية التي قدم فيها سلفنا الصالح الدراسات‬
‫العديدة كعلوم القرآن والسنة والفقه والعقيدة ‪ ..‬وبذلك يفهمون الدعوة ويتمكنون من تبليغها‬
‫للناس‪.‬‬

‫‪2‬ـ العلم بالمدعوين ‪:‬يتنوع المدعوون تنوعا ً واضحا ً بسبب ما بينهم من اختالف‪ ،‬ومخاطبة‬
‫كل نوع يحتاج لطريقة معينةـ ألن ما يؤثر في جماعة ال يؤثر في غيرها‪ .‬ولذا وجب على‬
‫الداعية أن يعلم خصائص من سيدعوهم من ناحية العادات والتقاليد والمذاهب واالتجاهات‬
‫السائدة فيهم‪.‬‬
‫ويعتبر العلم بالمدعوين من أهم جوانب علم الداعية في العصر الحديث لكثرة المذاهب‬
‫الوضعية وانتشارها ونشاط دعاتها‪ ،‬وتطاولهم على الواقع وادعاءاتهم الكاذبة في أنهم يمثلون‬
‫الحق والمستقبل السعيد للناس‪ ،‬وألن الداعية بهذا العلم يمكنه من مجابهته الباطل ودحضه‬
‫ورد مفترياته بما في دعوته من حق‪ .‬ووضوح ويساعد الداعية في هذا الجانب بعض العلوم‬
‫الحديثة كعلم النفس وعلم االجتماع والخدمة االجتماعية وعلم مقارنة األديان وعلم الجغرافية‬
‫البشرية وتاريخ العمران والحضارة‪ .‬إلخ‪.‬‬

‫‪3‬ـ العلم بوسائل الخطاب ‪:‬وسائل تبليغ الدعوة عديدة‪ .‬ولكل منها منهج‪ ،‬وال بد للداعية من‬
‫معرفة هذه الوسائل‪ ،‬وعليه أن يتقن الطريقة المثلى لتطبيق كل وسيلة مع المخاطبين بعد‬
‫إعدادها وتنظيمها‪.‬‬
‫إن وسائل الدعوة عديدة وقد أضاف العلم الحديث إليها العديد من الوسائل حتى عدت‬
‫المسرحية الهادفة‪ ،‬والتمثيلية المعبرة والراديو والصحف وسائل يمكن بواسطتها تبليغ الدعوة‬
‫إلى الناس‪.‬‬
‫وبهذا العلم المحتوي على معرفة الدعوة ومعرفة المدعوين ومعرفة وسائل الخطاب يكتمل‬
‫للداعية الجانب المعرفي الذي يحتاج إليه ألداء الواجب‪.‬‬

‫جـ ـ الخلق المتين‬


‫الداعية أخ للمدعوين استظهر عليهم بالنصح والتوجيه‪ ،‬وحاجته إلى تقديرهم له‪ ،‬وثقتهم فيه‬
‫واضحة‪ .‬وال يمكنه ذلك إال بالخلق الكريم البادي من احترامه للناس‪ ،‬وتقديرهم والصدق‬
‫معهم‪ ،‬والكرم في معاملتهم‪ ،‬واألمانة الشاملة في سائر ما يكون معهم‪ .‬وصدق رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم في قوله" ‪:‬إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخالقكم‪".‬‬
‫إن األخالق فوق أنها كمال ذاتي للداعية فهي مدعاة لتبوئه قيادة الناس وتوجيههم وللدعاة في‬
‫ذلك أسوة برسول هللا صلى هللا عليه وسلم لقد تمتع بالخلق واشتهر في الناس بالصدق‬
‫واألمانة‪ ،‬والحلم والعفو والكرم وحب الخير للناس‪ ،‬وصدق هللا تعالى وهو يقول{ ‪َ :‬و ِإنَّ َك‬
‫ع ِظ ٍيم }وهكذا يجب أن يكون الدعاة‪.‬‬ ‫لَ َعلَى ُخلُ ٍ‬
‫ق َ‬

‫كيفية إعداد الدعاة‬


‫يحتاج الدعاة الحاليون إلى اإلعداد والمساندة سواء في ذلك من يعملون داخل الوطن‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ومن يعملون خارجه‪ ،‬ألن مستوى األداء في عملهم ليس على الصورة المطلوبة‪،‬‬
‫والكثير منهم يعتبر عبئا ً على الدعوة ال عونا ً لها‪ ،‬مما يؤدي إلى عكس المطلوب‪ ،‬وهذا‬
‫الواقع يحتم إعداد الدعاة تالفيا لهذا القصور الواضح‪ ،‬على أن يكون شامالً للعاملين حاليا ً‬
‫ولمن يعد للدعوة مستقبالً‪.‬‬
‫وعملية اإلعداد دقيقة وهامة ال بد لها من جهد كبير‪ ،‬وتخطيط سليم‪ ،‬وإمكانيات واسعة حتى‬
‫تصل إلى هدفها‪.‬‬
‫ومؤتمرنا هذا )) مؤتمر توجيه الدعوة وإعداد الدعاة (( خطوة صحيحة على الطريق نرجو‬
‫له التوفيق والسداد‪.‬‬

‫ومساهمة في رسم الخطة المثلى لكيفية إعداد الدعاة أقترح ما يلي ‪:-‬‬
‫)‪1‬اإلشراف المنظم‪:‬‬
‫أدى التطور الحديث إلى كثرة المؤثرات وتداخل عمليات التغيير االجتماعي‪ ،‬والداعية في‬
‫مجمل عمله يقوم بعملية اجتماعية هدفه منها هداية اإلنسان وإخراجه من عالم الضالل إلى‬
‫عالم النور والهدى‪ ،‬وتثبيت عقيدته وسلوكه على الحق وفق تعاليم اإلسالم الحنيف‪ .‬والداعية‬
‫بذلك يقوم بمهمة عظيمة ودقيقة يحتاج خاللها العون والمساعدة والتخطيط‪ ،‬ولذا كان ال بد‬
‫من اإلشراف على الداعية وإمداده بما يعينه على النجاح‪ .‬وهذا اإلشراف يجب أن يكون‬
‫موحدا ً تقوم به هيئة واحدة في كل بلد إسالمي ألن تعدد جهات اإلشراف يؤدي إلى التضارب‬
‫واختالف األهداف ويجب أن يكون هذا اإلشراف كامالً بأن يشمل الجوانب التالية‪:-‬‬

‫أ ـ دراسة التيارات المختلفة التي توجد بين المدعوين‪ ،‬للوقوف على حقيقتها ومعرفة أسبابها‪،‬‬
‫وقياس مدى قوتها‪ ،‬وتحليلها تحليالً يبين موقعها من الدعوة وبهذه الدراسة يسهل وضع‬
‫المنهج األمثل لتبليغ الدعوة‪.‬‬
‫ب ـ وضع الخطة المناسبة لنجاح الدعوة على ضوء ما يسود المدعوين من تيارات‪ ،‬وما‬
‫يكتنفهم من اتجاهات ولكل بيئة‪ ،‬ألن االختالف بين األفراد تقتضي االختالف في أسلوب‬
‫الدعوة‪ ،‬وذلك االختالف ضروري في فن الدعوة‪ ،‬وإيراده ليس بدعا ً أمام الدعاة‪ ،‬ألن تعدد‬
‫أساليب الخطاب في القرآن الكريم راعت اختالف المخاطبين‪ ،‬فمن يناسبه الترغيب قد ال‬
‫يناسبه الترهيب ومن يتأثر بالسور واآليات القصيرة قد ال يتأثر باآليات الطوال‪ ،‬والمنكر‬
‫المعاند يحتاج لتأكيد الخبر بعكس العاقل المصدق‪ .‬وهكذا‪.‬‬
‫يقول صاحب كتاب القرآن وعلم النفس‪ ،‬واألسلوب المكي يغاير األسلوب المدني ألن المكي‬
‫قصير الجمل كثير التكرار‪ ،‬ملئ بالقصص واألقسام فيه مناسبة الفواصل‪ ،‬ورنين السجع‪ ،‬أما‬
‫المدني فقل أن تجد فيه شيئا ً من هذا‪ ،‬والعامل النفسي في ذلك أن القوم في مكة كانوا غير‬
‫مستقرين‪ ،‬بل كانوا مطاردين قلقة نفوسهم‪ ،‬غير مستعدين لتشريع أو تفصيل‪ ،‬والمشركون‬
‫أيضا ً كانوا منصرفين عن سماع القرآن متأثرة نفوسهم بأدبهم وخطبهم ومنافراتهم‪ ،‬كما أن‬
‫التشريع يحتاج إلى هدوء ورزانة في العقل‪ ،‬وترو في المنطق‪ ،‬وتقبل لإلرشاد‪ ،‬ورغبة في‬
‫التطور واإلصالح وطاعة لألمر واستجابة للداعي‪ ،‬وكل هذه الحاالت غير متوفرة في الحياة‬
‫المكية مما جعل األسلوب المكي ينزل مناسبا ً ألهل مكة‪ ،‬فلما غايرت الحياة المدنية الحياة في‬
‫مكة جاء األسلوب المدني مناسبا ً للحياة المدنية‪ ،‬وبذلك تغاير األسلوبان في القرآن الكريم‬
‫وثبت أنه صلى هللا عليه وسلم كان يخاطب كل قبيلة بلسانها ‪ ،‬ألن ذلك التناسب من أهم‬
‫أسباب بيان الدعوة واتضاحها أمام المخاطبين‪.‬‬
‫جـ توجيه الداعية بين الحين واآلخر نحو ما يجب عليه عمله للدعوة وخاصة كيفية استخدامه‬
‫للوسائل الحديثة في تبليغ الدعوة كعقد الندوات المفتوحة‪ ،‬وتقديم التمثيليات الهادفة وهكذا‪.‬‬
‫د ـ مراجعة أعمال الدعاة‪ .‬ومالحظة مستوى أدائهم ومتابعة قدراتهم العلمية واألخالقية‬
‫لإلبقاء على من يرجى صالحه ووضع غيرهم في أعمال تناسب استعداداتهم‪.‬‬
‫هـ ـ تنظيم الدراسات التي تقدم للدعاة‪ ،‬ووضع الخطة التفصيلية لها‪ ،‬سواء كانت هذه‬
‫الدراسات في دورات للعاملين أو في مدارس الدعوة وكلياتها والهدف من هذا التنظيم هو‬
‫تنسيق المقررات واختيارها لتتجه جميعا ً إلى اإلعداد المطلوب في انسجام وتكامل‪.‬‬
‫إن اإلشراف بهذا العموم من أسباب نجاح الدعاة في عالجهم أمراض المجتمع بمنهج‬
‫اإلسالم‪ ،‬وفي تصديهم لما يجابههم من شبه وتحديات‪ ،‬ومن أجل أدائه على صورة مثلى فإني‬
‫أقترح أن تقوم به المؤسسات الرسمية باالشتراك مع الجامعات اإلسالمية المتخصصة‪ ،‬ألن‬
‫المؤسسا ت يغلب عليها الطابع التنظيمي‪ ،‬والجامعات يغلب عليها طابع البحث العلمي‪،‬‬
‫وبإيجاد التفاعل بين المؤسسة والجامعة في أي إقليم يمكن الوصول إلى إشراف دقيق يثري‬
‫كافة الجوانب المطلوبة ويتابع ما يجد بالبحث والتخطيط‪.‬‬
‫ولعل في هذا المؤتمر مؤشرا ً على جدوى هذا االقتراح الذي نرجو له االستمرار والعموم‪.‬‬

‫‪2‬ـ إقامة دورات للتعليم والتدريب‪:‬‬


‫يجب إقامة دورات تعليمية للدعاة‪ ،‬تأكيدا ً لما علموا‪ ،‬وتأسيسا ً لما لم يعلموا ألن العلم يحتاج‬
‫إلى المحافظة‪ ،‬وحياته مدارسته‪ ،‬كما أن التربية تعتمد في كثير على الخبرة والممارسة‬
‫وللمسلمين في ذلك أسوة برسول هللا صلى هللا عليه وسلم فلقد كان شديد الحرص على حفظ‬
‫ما يوحى إليه حتى طمأنه هللا على أن حفظ القرآن الكريم وبيانه متحققان بأمر هللا تعالى‬
‫علَ ْينَا َج ْم َعهُ َوقُ ْرآنَه فَإِذَا قَ َرأْنَاهُ فَات َّ ِب ْع قُ ْرآنَهُ ث ُ َّم ِإ َّن َ‬
‫علَ ْينَا َب َيانَهُ ‪ ،‬وتأكيدا ً‬ ‫وذلك في قوله{ ِإ َّن َ‬
‫الستمرار الحفظ والفهم والبيان كان جبريل عليه السالم يأتي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫ليدارسه ما نزل من القرآن مرة‪ ،‬وفي العام األخير من حياته صلى هللا عليه وسلم دارسه‬
‫القرآن مرتين](( ‪ ،‬وكان عليه الصالة والسالم يتعهد أصحابه بالتربية والتدريب وال يكتفي‬
‫بأنهم علموا فلقد جاء مرة إلى ابن مسعود وقال له" ‪:‬اقرأ علي شيئا ً من القرآن‪ ،‬فقال له ابن‬
‫مسعود‪ :‬أأقرأه عليك وعليك أنزل؟! فقال له‪ :‬نعم‪ .‬إني أحب أن أسمعه من غيري[ "‬
‫ومر صلى هللا عليه وسلم على بالل وهو يقرأ من هذه السورة وهذه السورة‪ .‬فقال "‪:‬يا بالل‬
‫مررت بك وأنت تقرأ من هذه السورة وهذه السورة‪ .‬فقال‪ :‬أخلط الطيب بالطيب‪ .‬فقال له‪:‬‬
‫أقرأ السورة على وجهها‪.‬‬
‫وهكذا كان النبي صلى هللا عليه وسلم يربي أصحابه‪ ،‬ويؤكد لهم ما علموا ويوجههم نحو‬
‫الخير فيما علموا‪ ،‬ويدرهم على القراءة والحفظ أمامه مرة ومرة حتى يتأكد من إتقانهم‬
‫وقرائتهم وفهمهم للقرآن الكريم‪.‬‬
‫إن تدريب الدعاة مدارسة لفقههم الدعوة وعلومها‪ ،‬وممارسة عملية على الوسائل الحديثة في‬
‫فن الدعوة‪ .‬ومن المستحسن أن ينظم هذا التدريب من خالل دورات تعليمية ينقطع الداعية لها‬
‫فترة زمنية كافية‪ ،‬ونقترح لهذه الدورات ما يلي‪:-‬‬
‫أ ـ تنظيم هذه الدورات من قبل كليات الدعوة وأصول الدين في الجامعات اإلسالمية بعد أن‬
‫يوضع للدراسة بها خطة متكاملة تهدف إعداد الدارس كداعية هلل تعالى في المجالين النظري‬
‫والعملي‪.‬‬
‫إن كليات التربية تقوم باإلشراف على التربية العملية وتقوم بعقد دورات منتظمة للمعلمين‬
‫تستمر فترات طويلة‪ ،‬وليس هناك ما يمنع تنظيم مثل هذه الدورات للدعاة مع استمرار‬
‫الدراسة فيها فترة مناسبة على أن يعقد في نهايتها امتحانات نظرية وعملية يحصل الناجح‬
‫فيها على شهادة معينة تحدد لها المزايا المالئمة تشجيعا ً على الدراسة والتحصيل والعناية‪.‬‬
‫ب ـ يالحظ تنوع الدراسة كما ً وكيفا ً تبعا ً لمستوى الدعاة وقدراتهم ومستوى األشخاص‬
‫الموجهة إليهم الدعوة‪ ،‬واختالف المهام الموكولة للدعاة‪ .‬ومن السهل تحديد مستوى الدراسة‬
‫وذلك بواسطة المشرفين على الدعاة‪.‬‬
‫جـ ـ تقوم الدراسة النظرية في هذه الدورات على األساسيات التي يحتاجها الداعية كعلوم‬
‫القرآن‪ ،‬وعلوم السنة وعلوم العقيدة وأساليب الخطاب وأنواعه‪ ،‬ومما يعمق االستفادة بدراسة‬
‫هذه المواد تكليف الدارسين يعمل أبحاث مختصرة في الدراسات الموضوعية من الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬كما أن هذا النوع من األبحاث يعلم الداعية كيفية اإلعداد والتنسيق وجمع المعلومات‬
‫وهذا ينفعه في مجال الدعوة‪.‬‬
‫د ـ ال تكتفي هذه الدورات بالدراسة النظرية‪ ،‬بل إنها تعتمد على الدراسة العملية كعقد‬
‫الندوات وإقامة حلقات المناقشة وإلقاء الخطب والمحاضرات والتدريب على اإلخراج‬
‫المسرحي واإللقاء التمثيلي‪ .‬على أن تتم هذه الدراسة تحت إشراف األساتذة المتخصصين‬
‫إلصالح األخطاء وإتمام القصور‪ ،‬والتعليق المفيد على مستوى آداء الدارس لما كلف به‬
‫وبذلك يلتقي الجانب النظري مع الجانب العملي‪ .‬ومن الممكن إقامة الدراسة العملية في تجمع‬
‫حقيقي للناس كأن تقام في المسجد وفي النادي وفي المصنع ‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫هـ يهتم برنامج هذه الدورات بدراسة العادات والتقاليد السائدة بين المدعوين‪ ،‬واألديان‬
‫والمذاهب المنتشرة فيهم‪ ،‬والطبائع واألفكار المسيطرة عليهم‪.‬‬
‫إن دراسة هذه النواحي تساعد الداعية على فهم المدعوين‪ ،‬وتحدد له طرق مخاطبتهم‪،‬‬
‫ووسائل إقناعهم‪ ،‬كما أنها تجعله يواجههم ويدعوهم بالحكمة المطلوبة‪ ،‬والمجادلة الحسنة‬
‫‪،‬فيأتيهم من حيث حاجتهم وقناعتهم متخيرا ً المناسب لحالهم‪ ،‬وبذلك ينال ثقتهم ويفوز بهديهم‪،‬‬
‫الذ ْك َرى}ونفعها يتم بمالحظة هذه النواحي‬
‫ت ِ‬‫ويكون ممتثالً قول هللا تعالى{ فَذَ ِك ْر إِ ْن نَ َفعَ ِ‬
‫وأمثالها‪.‬‬
‫وـ يجب اإلهتمام في هذه الدورات بالتركيز على الجانب اإليماني لتعميقه عند الدعاة فهو‬
‫الركيزة األساسية لنجاح الدعوة ألن الداعية يظهر للناس ويؤثر فيهم بقوله وعمله وبكل‬
‫أنشطته وهذا التركيز يتم بما يلي‪:‬ـ‬

‫ـ إختيار األساتذة الذين يدرسون في هذه الدورات إختيارا معينا فهم أسوة للدارسين‪ ،‬وقدوة‬
‫لهم في كافة المجاالت‪ ،‬ومن المعلوم أن الطالب يتأثر كثيرا بأستاذه‪ ،‬وهناك العديد من‬
‫األعالم تربوا على يد أشياخهم وأخذوا منهم العلم والعمل معا ويجب أن يكون األساتذة‬
‫مؤهلين لهذه القدوة حتى يفيدوا ويستفيدوا‪.‬‬
‫ـ توجيه الدارسين إلى الخلق المتين‪ .‬والسلوك الحميد مع إبراز األمثلة الموحية من خالل‬
‫سيرة النبي الكريم وسيرة الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫ـ العناية بتقديم الدراسات اإلسالمية في ثوب قشيب يوجه إلى النظر والتعمق واإلخالص مع‬
‫ضرورة الدراسة المقارنة وخاصة في مجال األديان والمذاهب المعاصرة وغيرها‬
‫ـ التركيز على بيان صورة المجتمع بنظمه وتقاليده في اإلسالم مع بيان موقف اإلسالم من‬
‫مشاكل الحضارة‪.‬‬
‫ـ مراقبة الجانب العملي للدعاة‪ ،‬واإلشراف على حياتهم اليومية للتأكد من محافظتهم على‬
‫الفرائض والتمسك بالحالل‪ ،‬والبعد عن الحرام في كافة القضايا وجميع األنشطة‪.‬‬
‫القيام برحالت للدراسة واإلعتبار كزيارة مناطق الوحي وأماكن الغزوات ومواطن األحداث‬
‫التاريخية‪ ،‬للدراسة واإلتعاظ بالنتائج‪.‬‬
‫إن إيمان الدعاة شرط أساسي لنجاح الدعوة‪ ،‬ويجب أن ينتهي من حياة الناس وإلى األبد‬
‫صورة الداعية الذي يعيش حياته العملية بعيدا عن تعاليم اإلسالم بصورة كلية أو جزئية‪ ،‬ألن‬
‫إختالف عمل الداعية عن قوله يضر وال يفيد‪ ،‬فهو يدعو الناس بقوله‪ ،‬وينفرهم عن الطاعة‬
‫بعمله وكأنه يقول لهم ال تصدقوني فيما أدعوكم‪.‬‬
‫إن الناس عامة جبلوا على إحترام الشخصية القائدة التي تتحد قوال وعمال‪ ،‬ويتاثرون بها‪،‬‬
‫يقول اإلمام الشاطبي‪ " :‬إن المفتي أمر مثال بالصمت عما ال يعني فإن كان صامتا عما ال‬
‫يعني ففتواه صادقة وإن كان من الخاطئين فيما ال يعني فهي غير صادقة‪ ،‬وإن دلك على‬
‫المحافظة على الصالة وكان محافضا عليها صدقت فتياه‪ ،‬وإن ال فال وعلى هذا سائر أحكام‬
‫الشريعة‪ .‬ألن عالمة صدق القول مطابقة العمل‪ ،‬بل هو الصدق في الحقيقة عند العلماء‪،‬‬
‫علَ ْي ِه}وقال في ضده{ َو ِم ْن ُه ْم‬ ‫صدَقُوا َما َ‬
‫عا َهد ُوا َّ‬
‫َّللاَ َ‬ ‫ولذلك قال هللا تعالى{ ِمنَ ْال ُمؤْ ِمنِينَ ِر َجا ٌل َ‬
‫ض ِل ِه َب ِخلُوا‬
‫صا ِل ِحينَ فَلَ َّما آتَا ُه ْم ِم ْن فَ ْ‬
‫صدَّقَ َّن َولَنَ ُكون ََّن ِمنَ ال َّ‬
‫ض ِل ِه لَنَ َّ‬
‫َّللاَ لَئِ ْن آتَانَا ِم ْن فَ ْ‬ ‫َم ْن َ‬
‫عا َهدَ َّ‬
‫ض ِل ِه َب ِخلُوا ِب ِه َوت َ َولَّ ْوا َو ُه ْم ُم ْع ِرضُونَ }فاعتبر في‬ ‫ِب ِه َوتَ َولَّ ْوا َو ُه ْم ُم ْع ِرضُونَ فَلَ َّما آتَا ُه ْم ِم ْن فَ ْ‬
‫الصدق مطابقة القول العمل وفي الكذب مخالفته‪ .‬وحسب الناظر أن أفعال النبي صلى هللا‬
‫عليه وسلم كانت مع أقواله على الوفاء والتمام فحينما نهى النبي عن الربا ووضع الدماء لم‬
‫يكتفي بالقول بل قرن نهيه بالفعل والتطبيق على نفسه وأهل بيته حيث قال صلى هللا عليه‬
‫وسلم " إن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب‪ ،‬وإن‬
‫دماء الجاهلية موضوعة وأول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب‬
‫"وقال صلى هللا عليه وسلم حين جاءه أسامة بن زيد يستشفعه في حد " أتشفع في حد من‬
‫حدود هللا تعالى والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها‪.‬‬
‫إن الداعية إذا كان على مستوى الدعوة وتطابق قوله وعمله‪ ،‬فهو أدى إلى النجاح وأقرب‬
‫إلى التوفيق‪.‬‬

‫‪3‬ـ مكتبة الداعية‪:‬‬


‫ال يستغني الداعية عن القراءة المستمرة واإلطالع الدائم ولذلك فإني أقترح إمداد الداعية‬
‫بمكتبة إسالمية مناسبة تحوي أهم المراجع في العلوم اإلسالمية كالتفسير والحديث والسيرة‬
‫والفقه والعقيدة‪ ،‬وبذلك يجد الداعية بين يده ما يسهل له إعداد مقوالته وتوجيهاته بصورة‬
‫حسنة الئقة‪.‬‬

‫‪4‬ـ المؤلفات الموضوعية‪:‬‬


‫يجد في محيط الدعوة بين الحين والحين قضايا معينة تحتاج إلى بيان موقف اإلسالم منها‪،‬‬
‫ولذلك يستحسن تكليف المتخصصين من العلماء بوضع مؤلفات في هذه القضايا على هيئة‬
‫أبحاث موجزة نافعة للدعاة ليتمكنوا بواسطتها من التصدي للقضايا الجديدة‪ ،‬وبذلك يتضح‬
‫سمو اإلسالم وشموله لكافة جوانب الحياة‪ ،‬ويسهل للدعاة معايشة الواقع بإيجابية‬
‫وموضوعية‪ ،‬وقدرة‪.‬‬
‫وتبدو أهمية هذه المؤلفات إذا علمنا كثرة هذه القضايا الجديدة كموضوع تحديد النسل‪،‬‬
‫وشهادات اإلستثمار‪ ،‬والسندات‪ ،‬وعمل المرآة… وهكذا‪ .‬وكلها قضايا تحتاج إلى نظر‬
‫وتفحص كما أن أعداء اإلسالم يتخذونها مدخال ألنشطتهم ويقدمون فيها حلوال مادية مبتورة‪.‬‬
‫فلو عجز الداعية عن تقديم الحل اإلسالمي في صورته المتكاملة المشرقة ألضر وما أفاد‪،‬‬
‫ولذلك كانت ضرورة هذه المؤلفات للدعوة والدعاة‪.‬‬

‫‪5‬ـ المجلة المتخصصة‪:‬‬


‫يستحسن إصدار مجالت للدعاة شهرية أو موسمية تضم المقاالت اإلسالمية وأخبار الدعوة‬
‫والمقترحات المفيدة المتصلة بالدعوة والدعاة‪ ،‬ويمكن لهذه المجالت أن تتصدى لحركات‬
‫الغزو الفكري الهدام الذي تتراءى صوره وأنشطته داخل المجتمع المسلم وخارجه‪.‬‬
‫إن الصحف والمجالت من الوسائل اإلعالمية الحديثة‪ ،‬وليس هناك ما يمنع من إستفادة‬
‫الدعوة بهذا األسلوب من زاويته الخيرة وفق خطة مدروسة‪ ،‬وتنسيق معين‪ .‬وتبدو أهمية هذا‬
‫المقترح من اإلقبال الشديد الذي توليه الجماهير اإلسالمية للمجالت اإلسالمية الجادة مما‬
‫يجعلنا إلى أن المجالت الصادقة تعتبر من أنجح وسائل الدعوة في الوقت الذي تفيد فيه‬
‫الداعية وتعده لعمله الكبير‪.‬‬
‫إن الهيئات العلمية والمؤسسات الجماهيرية تصدر المجاالت الخاصة بها ألهميتها‪ ،‬ومن‬
‫األولى للدعاة أن يكونوا من أول المستفدين بهذه الوسيلة شريطة أن يقصدوا بها وجه هللا‬
‫تعالى‪ ،‬ويبتعدوا عن تناول القضايا الجانبية التي تشغلهم عن هدفهم األصيل‪ ،‬ويجعلوها نبيلة‬
‫سامية كسمو اإلسالم ونبله وعظمته وحكمته‪.‬‬

‫‪6‬ـ تحسين المستوى اإلجتماعي للدعاة‪:‬‬


‫يقوم الدعاة بأسمى عمل يؤديه بشر‪ ،‬ويقصدون أنبل غاية وهدف‪ ،‬فهم يحملون دين هللا‬
‫للناس‪ ،‬ويرجون الهدى والخير للعالمين‪ ،‬إنهم رسل سعادة‪ ،‬وحماة أمن‪ ،‬ورجال حقوق‪،‬‬
‫يحاربون الفوضى‪ ،‬ويعادون الفساد‪ ،‬ويقفون في الخط األول أمام أعداء هللا يتصدون لكيدهم‪،‬‬
‫ويهزمون مكرهم‪ ،‬ويردونهم على أعقابهم خائبين‪.‬‬
‫إنهم بذلك رواد عظماء‪ ،‬ورجال أفذاذ‪ ،‬يفتون في كل فعل‪ ،‬ويوجهون كل حال‪ ،‬يسمع رأيهم‪،‬‬
‫ويقتدى بهم‪ ،‬وينالون ما يستحقون من إحترام وتقدير‪.‬‬
‫ذلك هو الواجب‪.‬‬
‫لكن أعدائهم من البشر تكالبوا عليهم وعملوا على إبعادهم عن منزلتهم اإلجتماعية السامية‬
‫آملين من ذلك اإلساءة إلى أشخاصهم وإلى دعوتهم‪ .‬وكان لهم بعض ما أرادوا‪ .‬إن نظرة‬
‫واقعية لحال الدعاة اليوم في المجتمع المسلم تؤكد أنهم أصبحوا في مؤخرة الصف‬
‫اإلجتماعي‪ .‬فدخلهم المادي ضئيل‪ ،‬ومركزهم بين الناس هين‪ ،‬وليس لهم من الجاه والسلطان‬
‫ما يذكر‪ ،‬وحري بمن هذا وضعه أن ال يسمع قوله‪ ،‬وال تؤثر توجيهاته ومواعظه‪ ..‬إن الناس‬
‫قد جبلوا على إحترام ذي المظهر الغني وصاحب الجاه والسلطان‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫وبعد‪..‬‬
‫فكل ما أرجوه من هللا تعالى أن يوفق العاملين المخلصين إلنجاح الدعوة وتبليغها للناس‪ ،‬كما‬
‫أسأله أن يجعل عملي هذا خالصا ً لوجهه فإليه سبحانه يرجع األمر كله‪.‬‬
‫وهو نعم المولى ونعم النصير‪.‬‬
‫====================‬

‫]‪[1‬ـ سورة النحل من آية ‪125‬‬


‫]‪[2‬ـ صحيح البخاري‪ .‬كتاب العلم باب ليبلغ الشاهد الغائب‪.‬‬
‫]‪[3‬ـ سورة التوبة آية ‪122‬‬
‫]‪[4‬ـ سورة آل عمران آية ‪104‬‬
‫]‪[5‬سورة البقرة من آية‪.165‬‬
‫]‪[6‬سورة المائدة من آية ‪.54‬‬
‫]‪[7‬القرآن وعلم النفس للشيخ خالف ص ‪.21‬‬
‫]‪[8‬الشفا للقاضي عياض جـ ‪ 1‬ص ‪ 278‬وقد أورد القاضي عياض أمثلة عدبدة على هذا في‬
‫كتابه المذكور‪.‬‬
‫]‪[9‬سورة القيامة آية ‪.19 ،18 ،17‬‬
‫]‪[10‬صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن جـ ‪ 6‬ص ‪.229‬‬
‫]‪[11‬االتقان جـ ‪ 1‬ص ‪.109‬‬
‫]‪[12‬المصدر السابق جـ ‪ 1‬ص ‪.109‬‬
‫]‪[13‬ـ سورة األعلى آية ‪9‬‬
‫]‪[14‬سورة األحزاب من آية ‪23‬‬
‫]‪[15‬سورة التوبة آيات ‪75‬ـ‪77‬‬
‫]‪[16‬الموافقات ج‪4‬ص‪252‬بتصرف‬
‫]‪[17‬العقد الفريد ج‪2‬ص‪130‬‬
‫]‪[18‬صحيح مسلم كتاب الحدود باب قطع يد الشريف‬
‫]‪[19‬التربية عند علماء المسلمين ص ‪ 17‬المقدمة‪.‬‬
‫]‪[20‬سورة إبراهيم من آية ‪.4‬‬
‫]‪[21‬سورة فصلت من آية ‪.44‬‬
‫]‪[22‬سورة فصلت من آية ‪.44‬‬
‫]‪[23‬الفتح الرباني ‪ ..‬كتاب العلم باب فضل العلوم والعلماء‪.‬‬

‫أنواع الوسائل الدعوية‪:‬‬

‫الوسائل المعنوية‪ :‬ونريد بها جميع ما يعين الداعية على دعوته من أمور قلبية‪ ،‬أو فكرية‪ ،‬كالصفات الحميدة‪ ،‬والتفكير والتخطيط ‪1.‬‬
‫‪.‬وما إلى ذلك من أمور ال ت ُحس وال ت ُلمس‪ ،‬وإنما تعرف بآثارها‬
‫الوسائل المادية‪ :‬وهي جميع ما يعين الداعية من أمور محسوسة أو ملموسة‪ ،‬وذلك كالقول‪ ،‬والحركة‪ ،‬واألدوات‪ ،‬واألعمال‪ ،‬ويمكن ‪2.‬‬
‫‪:‬تقسيم الوسائل المادية إلى ثالثة أنواع‬
‫‪.‬أ‪ .‬الفطرية‪ :‬وهي الوسائل الموجودة في فطرة اإلنسان وجبلته‪ ،‬كالقول والحركة‬
‫‪.‬ب‪ .‬الفنية‪ :‬وهي الوسائل التي يكتسبها اإلنسان كسبا‪ ،‬ويتعلمها ويتفنن في إيجادها وتطويرها‪ ،‬كالكتابة‪ ،‬واإلذاعة والتلفاز‬
‫‪.‬ج‪ .‬التطبيقية‪ :‬وهي ما يقابل الوسائل النظرية من‪ :‬إعمار المساجد‪ ،‬وإنشاء المؤسسات الدعوية‪ ،‬وما إلى ذلك‬
‫‪:‬ضوابط مشروعية الوسائل الدعوية‬
‫النص على مشروعية الوسيلة في الكتاب أو السنة أو طلبها بوجه من أوجه الطلب‪ :‬فإن أي وسيلة نص الشارع على مشروعيتها ‪1.‬‬
‫بأن أمر بها وباستخدامها على سبيل الوجوب أو الندب‪ ،‬أو صرح بإباحتها وجواز استخدامها‪ ،‬فهي وسيلة مشروعة بحسب نوع‬
‫َّللاُ ‪:‬مشروعيتها من وجوب أو ندب أو إباحة‪ ،‬يلتزم الداعية باستخدامها‪ ،‬وقد وردت نصوص شرعية كثيرة منها‪ :‬قال تعالى‬ ‫﴿ ق ُ ْل ه َُو ه‬
‫أَحَد‬ ‫ُور ‪:‬سورة اإلخالص آية‪ ،)1 :‬وقال( ﴾‬
‫مِن ِر ْزقِ ِه َوإِلَ ْي ِه النُّش ُ‬ ‫‪).‬سورة الملك آية‪ ﴿ ﴾ (15 :‬فَ ْ‬
‫امشُوا فِي َمنَا ِكبِهَا َو ُكلُوا ْ‬
‫النص على تحريم الوسيلة في الكتاب أو السنة أو النهي عنها بوجه من أوجه النهي‪ :‬فإن أي وسيلة نص الشارع على النهي عنها ‪2.‬‬
‫بوجه من أوجه النهي فهي وسيلة ممنوعة بحسب نوع النهي تحريما كان أو كراهية‪ ،‬وعلى الداعية أن يتجنبها‪ ،‬ويتنزه عن استخدامها‪،‬‬
‫وقد وردت نصوص شرعية تنهى عن بعض الوسائل المعنوية أو المادية‪ ،‬من ذلك‪ :‬ما ورد عن الكذب‪ ،‬والكبر‪ ،‬والحلف‪ ،‬وإخالف‬
‫ين * َه هم ٍاز َمشهاءٍ بِنَمِ ٍيم ‪:‬الوعد‪ ،‬ورفع الصوت وما إلى ذلك‪ ،‬قال تعالى‬ ‫َو َال تُطِ ْع ُك هل ح هَال ٍ‬
‫ف َم ِه ٍ‬ ‫﴿ َو هَّللاُ ‪:‬سورة القلم آية‪ )11 :‬وقال( ﴾ ﴿‬
‫ش َه ُد ِإنه ا ْل ُمنَا ِف ِقينَ لَكَا ِذبُونَ‬
‫يَ ْ‬ ‫‪).‬سورة المنافقون آية‪﴾ (1 :‬‬
‫دخول الوسيلة في دائرة المباح‪ :‬إن أي وسيلة دعوية لم ينص الشارع على مشروعيتها‪ ،‬ولم يأت بالنهي عنها‪ ،‬وإنما سكت عنها‪3. ،‬‬
‫فتدخل في دائرة اإلباحة بنا ًء على أن األصل في األشياء اإلباحة‪ ،‬فيسع الداعية استخدامها في دعوته‪ ،‬ذلك ألن النصوص الشرعية‬
‫محدودة مهما كثرت‪ ،‬والوسائل متجددة متطورة مع تعاقب األزمان‪ ،‬فال يمكن أن تستوعب النصوصُ الحديث عنها‪ ،‬كما هو الشأن في‬
‫‪.‬وسيلة مكبر الصوت‪ ،‬والمذياع وغيره من المخترعات الحديثة‬
‫‪.‬فاألصل في هذا النوع من الوسائل اإلباحة ما لم يعرض له عارض يخرجه عن ذلك األصل‬
‫شعارا لكافر‪ :‬فقد ثبت نهي رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬عن التشبه بالكفار‪ ،‬وأمرهُ بمخالفتهم وال ‪4.‬‬
‫ً‬ ‫خروج الوسيلة عن كونها‬
‫شعارا لهم يعرفون به‪ ،‬فقد جاء في الحديث الشريف‬
‫ً‬ ‫‪:‬سيما فيما كان‬
‫شعارا ( ليس منا من تشبه بغيرنا) ‪ ،:‬وجاء أيضًا( من تشبه بقوم فهو منهم)‬
‫ً‬ ‫‪ ،‬فعلى الداعية أن يتجنب في دعوته أي وسيلة ت ُعد‬
‫للكفار‪ ،‬مهما كان نوعها‪ ،‬كما فعل ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬لما عُرضت عليه مثل هذه الوسائل للدعوة إلى الصالة‪ ،‬ففي الحديث عن ابن‬
‫كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات‪ ،‬وليس ينادي بها أحد‪ ،‬فتكلموا يو ًما ) ‪:‬عمر ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أنه قال‬
‫سا مثل ناقوس النصارى‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬قرنًا مثل قرن اليهود‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أوال تبعثون رجال ينادي‬‫في ذلك‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬اتخذوا ناقو ً‬
‫‪ ،‬ومن هنا‪ :‬جعلنا من ضوابط مشروعية الوسيلة أن ال تكون ( بالصالة؟ قال رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ :-‬يا بالل قم فناد بالصالة‬
‫شعارا لهم‪ ،‬كما‬
‫ً‬ ‫شعارا لكافر‪ ،‬ثم خرجت عن هذا الوصف‪ ،‬ألنها لم تعد‬ ‫ً‬ ‫شعارا لكافر‪ ،‬ليشمل اللفظ حكم جواز استعمال الوسيلة التي كانت‬
‫ً‬
‫‪.‬وضح وبين هذا القول عدد من العلماء‬
‫الترخيص في استعمال بعض الوسائل الممنوعة في بعض األحوال‪ :‬لما كان الدين اإلسالمي دينًا عمليًّا يصلح للتطبيق في كل زمان ‪5.‬‬
‫ومكان‪ ،‬جاء فيه الترخيص باستعمال الممنوع منه دفعًا للحرج وتحقيقًا للضرورات والحاجات‪ ،‬وكان هذا الترخيص على نوعين‬
‫‪:‬أساسيين هما‬
‫أ‪ .‬الترخيص ببعض الوسائل الخاصة في بعض األحوال تغليبًا لجانب درء المفاسد على تحقيق المصالح‪ ،‬أو موازنة بين المفاسد إذا‬
‫‪.‬اجتمعت‪ ،‬وتقديم أخف المفسدتين‪ ،‬كما جرى في الترخيص في الكذب في عدة مواطن‬
‫‪:‬ب‪ .‬الترخيص بفعل المحظورات بسبب الضرورات أو الحاجات الملحة‪ :‬وقد قعد العلماء في هذا قاعدتين‬
‫‪.‬الضرورات تبيح المحظورات ‪1.‬‬
‫‪.‬الضرورات ت ُقدر بقدرها ‪2.‬‬
‫ض ُ‬
‫ط ِر ْرت ُ ْم إِلَ ْي ِه ‪:‬ويدل لهذا قوله تعالى‬ ‫علَ ْي ُك ْم إِ هال َما ا ْ‬ ‫سورة األنعام آية‪ ،)119 :‬فيجوز للداعية في حاالت ( ﴾ ﴿ َوقَ ْد فَ ه‬
‫ص َل لَ ُك ْم َما ح هَر َم َ‬
‫‪.‬االضطرار وما شابهها أن يستخدم الوسيلة المحرمة بالقدر الذي تدفع فيه تلك الضرورة الملجئة‪ ،‬والحاجة الملحة‬
‫‪:‬الخصائص العامة للوسائل الدعوية‬
‫خصيصة الشرعية‪ :‬ونعني بها انضباط جميع الوسائل الدعوية بحكم الشرع‪ ،‬فال يجوز للداعية الخروج على أحكام الشرع في ‪1.‬‬
‫مناهجه وأساليبه ووسائله‪ ،‬ألن الدعوة في حقيقتها طريقةُ تطبيق الشريعة‪ ،‬ومنهجها الذي رسمه هللا لها‪ ،‬فال يصح الخروج عليه في‬
‫‪.‬أي جانب من جوانبه‬
‫خصيصة التطور‪ :‬األصل في الوسائل واألساليب التطور والتجدد‪ ،‬تبعًا لتطور عادات الناس وأعرافهم‪ ،‬ولتقدم العلوم والفنون‪ ،‬فإن ‪2.‬‬
‫لكل عصر أساليبه ووسائله في جميع نواحي الحياة‪ ،‬وإن هذه الوسائل المعاصرة قد تشترك مع وسائل عصر سابق‪ ،‬وقد تختلف عنها‪،‬‬
‫‪.‬فالداعية الحكيم هو الذي يختار لكل عصر وسائله المناسبة له‪ ،‬والموجودة فيه‬
‫خصيصة التكافؤ‪ :‬ونريد بها التماثل والموازنة بين الوسيلة والغاية التي تستعمل من أجلها‪ ،‬فالوسيلة القاصرة عن الغاية والضعيفة ‪3.‬‬
‫ال يمكن أن توصل إلى الغاية في الوقت المناسب‪ ،‬وال بالكيفية المطلوبة‪ ،‬فعلى الدعاة واجب كبير في هذا المجال‪ ،‬وهو سهل على من‬
‫‪.‬يسره هللا عليه‪ ،‬إذا فهم هذه الخصيصة‪ ،‬ووضع لها خطتها‪ ،‬وتوكل على هللا‬

You might also like