Professional Documents
Culture Documents
تمهيد:
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على سيدنا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد…
فإن أحسن القول الدعوة إلى هللا تعالى ،وأفضل األعمال ما يؤدي إلى فهم الدين ،وتطبيقه،
صا ِلحا ً َوقَا َل ِإنَّ ِني
ع ِم َل َ عا ِإلَى َّ
َّللاِ َو َ وتبليغه للناس وصدق هللا تعالى{ َو َم ْن أ َ ْح َ
س ُن قَ ْوالً ِم َّم ْن دَ َ
ِمنَ ْال ُم ْس ِل ِمينَ }.
ولهذا كان مؤتمر الدعوة اإلسالمية من األعمال الفاضلة التي تبعث الرضى في نفوس
المسلمين الصادقين حيث يرون أمتهم وهي تخطط لنشر دينها وتدرس المشاكل التي تعترض
طريقها ،وتضع الحلول المناسبة لقضاياها ،وتتصدى بواقعية لكيد الكائدين وانحراف
المبطلين.
وقد سعدت باشتراكي في هذا المؤتمر ،وبرغم قصر المدة فإني استعنت باهلل تعالى ،وأعددت
هذا البحث في موضوع :
كيفية إعداد الدعي
لما للداعي من أهمية في تبليغ اإلسالم ،ولحاجة الدعوة إلى دعاة أكفاء قادرين على القيام
بالواجب المنوط بهم.
وسوف يتناول البحث ـ بمشيئة هللا تعالى ـ النقاط التالية:
1ـ وجوب تبليغ الدعوة وإعداد الداعي.
2ـ أهم الصفات الواجبة للداعي.
3ـ كيفية إعداد الداعي.
وذلك بإيجاز وتركيز ،ولي أمل في هللا أن أتمكن من بحثها مستفيضة وافية في مجال يسمح
بذلك .وهللا ولي التوفيق
أ ـ اإليمان العميق
اإليمان هو الركيزة األساسية للداعية وهو القاعدة التي يقوم عليها كيانه كله ،والواجب أن
تكون صلته باهلل أوثق ،ومعرفته به أوضح وشعوره بجالله أقوى ،وارتباطه بمنهجه أشد.
إن هذا اإليمان يعني التسليم التام هلل ألنه النافع الضار ،المعز المذل ،وأنه ال معطي لما منع،
وال مانع لما أعطى .كما ينبغي التيقن بأن دين هللا حق كله ال يحتاج لجدل ،وال يقبل شكا ً
ومراجعة ومن ثم يثبت هذا اإليمان عنده وال يتزعزع مهما كانت الشدائد .ومهما قوي
األعداء ،وكثر الخصوم.
ويجب أن يكون إيمان الداعية إيمانا ً تفصيليا ً على األدلة والحجة ،وأقرب طريق لتأكيد هذا
اإليمان مداومة النظر في القرآن الكريم ،والعكوف على تالوته وحفظه وتدبر معانيه وتنفيذ
تعاليمه .وتبيين أحكامه من خالل دراسته للسنة المطهرة.
ونتائج هذا اإليمان تفيد الداعية وتعينه على الدعوة ،ألنه به يحب هللا ،ويصير محبوبا ُ من
شدُّ ُحبا ً ِ َّلِلِ}وقال{ ي ُِحبُّ ُه ْم َوي ُِحبُّونَهُ}وحب المؤمن هلل عبارة مواله .قال تعالى{ َوالَّذِينَ آ َمنُوا أ َ َ
عن استغراق مطلق في الطاعة ،وتسليم تام بكل ما يجد ويحدث وحب هللا للمؤمن يكسبه
إعانته ،وهدايته ،واألخذ بيده نحو الحق والخير ،وهذا الحب يستتبع الثقة بالضرورة ،ألن
الداعية ما دام اعتقد الحق وآمن به ،والتزم في كل حياته أوامر هللا ونواهيه فإنه يثق حينئذ أن
كل ما يحدث له ومعه جزء من الحكمة اإللهية الشاملة.
واإليمان يعين على الدعوة أيضا ً حيث يندفع الداعية نحو اإلخالص والعمل ودعوة الناس بال
انتظار أجر مالي ،أو الحصول على كسب دنيوي ،وكل القصد هو طاعة هللا وكسب رضاه
بالدعوة ألنه يؤمن بأن أحسن األقوال وأفضل األعمال ما كان للدعوة وفي سبيلها.
وإن حدث وجوبه الداعية بمعوقات تقف بينه وبين النجاح في الدعوة فإن اإليمان يمده بطاقة
من التحمل والصبر تجعله يستصغر كثرة الخبيث ،ويستهين بقوة األعداء ،وال يخشى في هللا
َّللا أ َ ْب ِغي َربا ً
لومة الئم ،أو جور ظالم ،ويرفع في الناس شعاره وهو قوله تعالى{ قُ ْل أ َ َغي َْر َّ ِ
علَ ْي َها َوال ت َ ِز ُر َو ِاز َرة ٌ ِو ْز َر أ ُ ْخ َرى ث ُ َّم ِإلَى َر ِب ُك ْم
ِب ُك ُّل نَ ْف ٍس ِإال َ
ش ْيءٍ َوال تَ ْكس ُ َو ُه َو َربُّ ُك ِل َ
َم ْر ِجعُ ُك ْم فَيُن َِبئ ُ ُك ْم ِب َما ُك ْنت ُ ْم فِي ِه تَ ْخت َ ِلفُونَ }هكذا اإليمان الصادق يوجد الحب والثقة .ويحقق
اإلخالص والتحمل ،وعلى الداعية أن يتصف به.
ب ـ العلم الدقيق
دور الداعية يحتاج إلى العلم الوافر واألفق الواسع ،ألنه يوضح الدين ويبين للناس سمو
مبادئه ونظمه ،ويرد الشبهات التي تثار أمامه ،ومن هنا كانت حاجته إلى التحصيل الدائم.
والمعرفة الشاملة.
وطبيعة اإلسالم تتطلب من الدعاة أن يكونوا علماء فاقهين ألنه دين يؤخذ من القرآن الكريم،
والسنة النبوية ،وكالهما يحتاج إلى القراءة المستمرة ،والتدبر الواعي ،والفهم السليم ،كما أن
تبليغ اإلسالم يحتاج إلى معرفة الناس ومعرفة أمثل الطرق لتوجه إليهم وإقناعهم وأهم
جوانب علم الداعية ما يلي:-
1ـ العلم بالدعوة :عمل الداعية نشر الدعوة ،ولذا كان العلم بها من أساسيات علم الداعية ألن
فاقد الشيء ال يعطيه .والدعوة بكافة جوانبها تعرف بمعرفة القرآن الكريم والسنة النبوية
وعلى الدعاة أن يتخذوها زادا لهما فيعيشون مع القرآن تالوة وحفظاً ،وفهما ،ومع السنة
قراءة وتدبراً ،وحفظاً ،ومع سائر العلوم اإلسالمية التي قدم فيها سلفنا الصالح الدراسات
العديدة كعلوم القرآن والسنة والفقه والعقيدة ..وبذلك يفهمون الدعوة ويتمكنون من تبليغها
للناس.
2ـ العلم بالمدعوين :يتنوع المدعوون تنوعا ً واضحا ً بسبب ما بينهم من اختالف ،ومخاطبة
كل نوع يحتاج لطريقة معينةـ ألن ما يؤثر في جماعة ال يؤثر في غيرها .ولذا وجب على
الداعية أن يعلم خصائص من سيدعوهم من ناحية العادات والتقاليد والمذاهب واالتجاهات
السائدة فيهم.
ويعتبر العلم بالمدعوين من أهم جوانب علم الداعية في العصر الحديث لكثرة المذاهب
الوضعية وانتشارها ونشاط دعاتها ،وتطاولهم على الواقع وادعاءاتهم الكاذبة في أنهم يمثلون
الحق والمستقبل السعيد للناس ،وألن الداعية بهذا العلم يمكنه من مجابهته الباطل ودحضه
ورد مفترياته بما في دعوته من حق .ووضوح ويساعد الداعية في هذا الجانب بعض العلوم
الحديثة كعلم النفس وعلم االجتماع والخدمة االجتماعية وعلم مقارنة األديان وعلم الجغرافية
البشرية وتاريخ العمران والحضارة .إلخ.
3ـ العلم بوسائل الخطاب :وسائل تبليغ الدعوة عديدة .ولكل منها منهج ،وال بد للداعية من
معرفة هذه الوسائل ،وعليه أن يتقن الطريقة المثلى لتطبيق كل وسيلة مع المخاطبين بعد
إعدادها وتنظيمها.
إن وسائل الدعوة عديدة وقد أضاف العلم الحديث إليها العديد من الوسائل حتى عدت
المسرحية الهادفة ،والتمثيلية المعبرة والراديو والصحف وسائل يمكن بواسطتها تبليغ الدعوة
إلى الناس.
وبهذا العلم المحتوي على معرفة الدعوة ومعرفة المدعوين ومعرفة وسائل الخطاب يكتمل
للداعية الجانب المعرفي الذي يحتاج إليه ألداء الواجب.
ومساهمة في رسم الخطة المثلى لكيفية إعداد الدعاة أقترح ما يلي :-
)1اإلشراف المنظم:
أدى التطور الحديث إلى كثرة المؤثرات وتداخل عمليات التغيير االجتماعي ،والداعية في
مجمل عمله يقوم بعملية اجتماعية هدفه منها هداية اإلنسان وإخراجه من عالم الضالل إلى
عالم النور والهدى ،وتثبيت عقيدته وسلوكه على الحق وفق تعاليم اإلسالم الحنيف .والداعية
بذلك يقوم بمهمة عظيمة ودقيقة يحتاج خاللها العون والمساعدة والتخطيط ،ولذا كان ال بد
من اإلشراف على الداعية وإمداده بما يعينه على النجاح .وهذا اإلشراف يجب أن يكون
موحدا ً تقوم به هيئة واحدة في كل بلد إسالمي ألن تعدد جهات اإلشراف يؤدي إلى التضارب
واختالف األهداف ويجب أن يكون هذا اإلشراف كامالً بأن يشمل الجوانب التالية:-
أ ـ دراسة التيارات المختلفة التي توجد بين المدعوين ،للوقوف على حقيقتها ومعرفة أسبابها،
وقياس مدى قوتها ،وتحليلها تحليالً يبين موقعها من الدعوة وبهذه الدراسة يسهل وضع
المنهج األمثل لتبليغ الدعوة.
ب ـ وضع الخطة المناسبة لنجاح الدعوة على ضوء ما يسود المدعوين من تيارات ،وما
يكتنفهم من اتجاهات ولكل بيئة ،ألن االختالف بين األفراد تقتضي االختالف في أسلوب
الدعوة ،وذلك االختالف ضروري في فن الدعوة ،وإيراده ليس بدعا ً أمام الدعاة ،ألن تعدد
أساليب الخطاب في القرآن الكريم راعت اختالف المخاطبين ،فمن يناسبه الترغيب قد ال
يناسبه الترهيب ومن يتأثر بالسور واآليات القصيرة قد ال يتأثر باآليات الطوال ،والمنكر
المعاند يحتاج لتأكيد الخبر بعكس العاقل المصدق .وهكذا.
يقول صاحب كتاب القرآن وعلم النفس ،واألسلوب المكي يغاير األسلوب المدني ألن المكي
قصير الجمل كثير التكرار ،ملئ بالقصص واألقسام فيه مناسبة الفواصل ،ورنين السجع ،أما
المدني فقل أن تجد فيه شيئا ً من هذا ،والعامل النفسي في ذلك أن القوم في مكة كانوا غير
مستقرين ،بل كانوا مطاردين قلقة نفوسهم ،غير مستعدين لتشريع أو تفصيل ،والمشركون
أيضا ً كانوا منصرفين عن سماع القرآن متأثرة نفوسهم بأدبهم وخطبهم ومنافراتهم ،كما أن
التشريع يحتاج إلى هدوء ورزانة في العقل ،وترو في المنطق ،وتقبل لإلرشاد ،ورغبة في
التطور واإلصالح وطاعة لألمر واستجابة للداعي ،وكل هذه الحاالت غير متوفرة في الحياة
المكية مما جعل األسلوب المكي ينزل مناسبا ً ألهل مكة ،فلما غايرت الحياة المدنية الحياة في
مكة جاء األسلوب المدني مناسبا ً للحياة المدنية ،وبذلك تغاير األسلوبان في القرآن الكريم
وثبت أنه صلى هللا عليه وسلم كان يخاطب كل قبيلة بلسانها ،ألن ذلك التناسب من أهم
أسباب بيان الدعوة واتضاحها أمام المخاطبين.
جـ توجيه الداعية بين الحين واآلخر نحو ما يجب عليه عمله للدعوة وخاصة كيفية استخدامه
للوسائل الحديثة في تبليغ الدعوة كعقد الندوات المفتوحة ،وتقديم التمثيليات الهادفة وهكذا.
د ـ مراجعة أعمال الدعاة .ومالحظة مستوى أدائهم ومتابعة قدراتهم العلمية واألخالقية
لإلبقاء على من يرجى صالحه ووضع غيرهم في أعمال تناسب استعداداتهم.
هـ ـ تنظيم الدراسات التي تقدم للدعاة ،ووضع الخطة التفصيلية لها ،سواء كانت هذه
الدراسات في دورات للعاملين أو في مدارس الدعوة وكلياتها والهدف من هذا التنظيم هو
تنسيق المقررات واختيارها لتتجه جميعا ً إلى اإلعداد المطلوب في انسجام وتكامل.
إن اإلشراف بهذا العموم من أسباب نجاح الدعاة في عالجهم أمراض المجتمع بمنهج
اإلسالم ،وفي تصديهم لما يجابههم من شبه وتحديات ،ومن أجل أدائه على صورة مثلى فإني
أقترح أن تقوم به المؤسسات الرسمية باالشتراك مع الجامعات اإلسالمية المتخصصة ،ألن
المؤسسا ت يغلب عليها الطابع التنظيمي ،والجامعات يغلب عليها طابع البحث العلمي،
وبإيجاد التفاعل بين المؤسسة والجامعة في أي إقليم يمكن الوصول إلى إشراف دقيق يثري
كافة الجوانب المطلوبة ويتابع ما يجد بالبحث والتخطيط.
ولعل في هذا المؤتمر مؤشرا ً على جدوى هذا االقتراح الذي نرجو له االستمرار والعموم.
ـ إختيار األساتذة الذين يدرسون في هذه الدورات إختيارا معينا فهم أسوة للدارسين ،وقدوة
لهم في كافة المجاالت ،ومن المعلوم أن الطالب يتأثر كثيرا بأستاذه ،وهناك العديد من
األعالم تربوا على يد أشياخهم وأخذوا منهم العلم والعمل معا ويجب أن يكون األساتذة
مؤهلين لهذه القدوة حتى يفيدوا ويستفيدوا.
ـ توجيه الدارسين إلى الخلق المتين .والسلوك الحميد مع إبراز األمثلة الموحية من خالل
سيرة النبي الكريم وسيرة الصحابة والتابعين.
ـ العناية بتقديم الدراسات اإلسالمية في ثوب قشيب يوجه إلى النظر والتعمق واإلخالص مع
ضرورة الدراسة المقارنة وخاصة في مجال األديان والمذاهب المعاصرة وغيرها
ـ التركيز على بيان صورة المجتمع بنظمه وتقاليده في اإلسالم مع بيان موقف اإلسالم من
مشاكل الحضارة.
ـ مراقبة الجانب العملي للدعاة ،واإلشراف على حياتهم اليومية للتأكد من محافظتهم على
الفرائض والتمسك بالحالل ،والبعد عن الحرام في كافة القضايا وجميع األنشطة.
القيام برحالت للدراسة واإلعتبار كزيارة مناطق الوحي وأماكن الغزوات ومواطن األحداث
التاريخية ،للدراسة واإلتعاظ بالنتائج.
إن إيمان الدعاة شرط أساسي لنجاح الدعوة ،ويجب أن ينتهي من حياة الناس وإلى األبد
صورة الداعية الذي يعيش حياته العملية بعيدا عن تعاليم اإلسالم بصورة كلية أو جزئية ،ألن
إختالف عمل الداعية عن قوله يضر وال يفيد ،فهو يدعو الناس بقوله ،وينفرهم عن الطاعة
بعمله وكأنه يقول لهم ال تصدقوني فيما أدعوكم.
إن الناس عامة جبلوا على إحترام الشخصية القائدة التي تتحد قوال وعمال ،ويتاثرون بها،
يقول اإلمام الشاطبي " :إن المفتي أمر مثال بالصمت عما ال يعني فإن كان صامتا عما ال
يعني ففتواه صادقة وإن كان من الخاطئين فيما ال يعني فهي غير صادقة ،وإن دلك على
المحافظة على الصالة وكان محافضا عليها صدقت فتياه ،وإن ال فال وعلى هذا سائر أحكام
الشريعة .ألن عالمة صدق القول مطابقة العمل ،بل هو الصدق في الحقيقة عند العلماء،
علَ ْي ِه}وقال في ضده{ َو ِم ْن ُه ْم صدَقُوا َما َ
عا َهد ُوا َّ
َّللاَ َ ولذلك قال هللا تعالى{ ِمنَ ْال ُمؤْ ِمنِينَ ِر َجا ٌل َ
ض ِل ِه َب ِخلُوا
صا ِل ِحينَ فَلَ َّما آتَا ُه ْم ِم ْن فَ ْ
صدَّقَ َّن َولَنَ ُكون ََّن ِمنَ ال َّ
ض ِل ِه لَنَ َّ
َّللاَ لَئِ ْن آتَانَا ِم ْن فَ ْ َم ْن َ
عا َهدَ َّ
ض ِل ِه َب ِخلُوا ِب ِه َوت َ َولَّ ْوا َو ُه ْم ُم ْع ِرضُونَ }فاعتبر في ِب ِه َوتَ َولَّ ْوا َو ُه ْم ُم ْع ِرضُونَ فَلَ َّما آتَا ُه ْم ِم ْن فَ ْ
الصدق مطابقة القول العمل وفي الكذب مخالفته .وحسب الناظر أن أفعال النبي صلى هللا
عليه وسلم كانت مع أقواله على الوفاء والتمام فحينما نهى النبي عن الربا ووضع الدماء لم
يكتفي بالقول بل قرن نهيه بالفعل والتطبيق على نفسه وأهل بيته حيث قال صلى هللا عليه
وسلم " إن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب ،وإن
دماء الجاهلية موضوعة وأول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب
"وقال صلى هللا عليه وسلم حين جاءه أسامة بن زيد يستشفعه في حد " أتشفع في حد من
حدود هللا تعالى والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
إن الداعية إذا كان على مستوى الدعوة وتطابق قوله وعمله ،فهو أدى إلى النجاح وأقرب
إلى التوفيق.
الوسائل المعنوية :ونريد بها جميع ما يعين الداعية على دعوته من أمور قلبية ،أو فكرية ،كالصفات الحميدة ،والتفكير والتخطيط 1.
.وما إلى ذلك من أمور ال ت ُحس وال ت ُلمس ،وإنما تعرف بآثارها
الوسائل المادية :وهي جميع ما يعين الداعية من أمور محسوسة أو ملموسة ،وذلك كالقول ،والحركة ،واألدوات ،واألعمال ،ويمكن 2.
:تقسيم الوسائل المادية إلى ثالثة أنواع
.أ .الفطرية :وهي الوسائل الموجودة في فطرة اإلنسان وجبلته ،كالقول والحركة
.ب .الفنية :وهي الوسائل التي يكتسبها اإلنسان كسبا ،ويتعلمها ويتفنن في إيجادها وتطويرها ،كالكتابة ،واإلذاعة والتلفاز
.ج .التطبيقية :وهي ما يقابل الوسائل النظرية من :إعمار المساجد ،وإنشاء المؤسسات الدعوية ،وما إلى ذلك
:ضوابط مشروعية الوسائل الدعوية
النص على مشروعية الوسيلة في الكتاب أو السنة أو طلبها بوجه من أوجه الطلب :فإن أي وسيلة نص الشارع على مشروعيتها 1.
بأن أمر بها وباستخدامها على سبيل الوجوب أو الندب ،أو صرح بإباحتها وجواز استخدامها ،فهي وسيلة مشروعة بحسب نوع
َّللاُ :مشروعيتها من وجوب أو ندب أو إباحة ،يلتزم الداعية باستخدامها ،وقد وردت نصوص شرعية كثيرة منها :قال تعالى ﴿ ق ُ ْل ه َُو ه
أَحَد ُور :سورة اإلخالص آية ،)1 :وقال( ﴾
مِن ِر ْزقِ ِه َوإِلَ ْي ِه النُّش ُ ).سورة الملك آية ﴿ ﴾ (15 :فَ ْ
امشُوا فِي َمنَا ِكبِهَا َو ُكلُوا ْ
النص على تحريم الوسيلة في الكتاب أو السنة أو النهي عنها بوجه من أوجه النهي :فإن أي وسيلة نص الشارع على النهي عنها 2.
بوجه من أوجه النهي فهي وسيلة ممنوعة بحسب نوع النهي تحريما كان أو كراهية ،وعلى الداعية أن يتجنبها ،ويتنزه عن استخدامها،
وقد وردت نصوص شرعية تنهى عن بعض الوسائل المعنوية أو المادية ،من ذلك :ما ورد عن الكذب ،والكبر ،والحلف ،وإخالف
ين * َه هم ٍاز َمشهاءٍ بِنَمِ ٍيم :الوعد ،ورفع الصوت وما إلى ذلك ،قال تعالى َو َال تُطِ ْع ُك هل ح هَال ٍ
ف َم ِه ٍ ﴿ َو هَّللاُ :سورة القلم آية )11 :وقال( ﴾ ﴿
ش َه ُد ِإنه ا ْل ُمنَا ِف ِقينَ لَكَا ِذبُونَ
يَ ْ ).سورة المنافقون آية﴾ (1 :
دخول الوسيلة في دائرة المباح :إن أي وسيلة دعوية لم ينص الشارع على مشروعيتها ،ولم يأت بالنهي عنها ،وإنما سكت عنها3. ،
فتدخل في دائرة اإلباحة بنا ًء على أن األصل في األشياء اإلباحة ،فيسع الداعية استخدامها في دعوته ،ذلك ألن النصوص الشرعية
محدودة مهما كثرت ،والوسائل متجددة متطورة مع تعاقب األزمان ،فال يمكن أن تستوعب النصوصُ الحديث عنها ،كما هو الشأن في
.وسيلة مكبر الصوت ،والمذياع وغيره من المخترعات الحديثة
.فاألصل في هذا النوع من الوسائل اإلباحة ما لم يعرض له عارض يخرجه عن ذلك األصل
شعارا لكافر :فقد ثبت نهي رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -عن التشبه بالكفار ،وأمرهُ بمخالفتهم وال 4.
ً خروج الوسيلة عن كونها
شعارا لهم يعرفون به ،فقد جاء في الحديث الشريف
ً :سيما فيما كان
شعارا ( ليس منا من تشبه بغيرنا) ،:وجاء أيضًا( من تشبه بقوم فهو منهم)
ً ،فعلى الداعية أن يتجنب في دعوته أي وسيلة ت ُعد
للكفار ،مهما كان نوعها ،كما فعل -صلى هللا عليه وسلم -لما عُرضت عليه مثل هذه الوسائل للدعوة إلى الصالة ،ففي الحديث عن ابن
كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات ،وليس ينادي بها أحد ،فتكلموا يو ًما ) :عمر -رضي هللا عنه -أنه قال
سا مثل ناقوس النصارى ،وقال بعضهم :قرنًا مثل قرن اليهود ،فقال عمر :أوال تبعثون رجال يناديفي ذلك ،فقال بعضهم :اتخذوا ناقو ً
،ومن هنا :جعلنا من ضوابط مشروعية الوسيلة أن ال تكون ( بالصالة؟ قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم :-يا بالل قم فناد بالصالة
شعارا لهم ،كما
ً شعارا لكافر ،ثم خرجت عن هذا الوصف ،ألنها لم تعد ً شعارا لكافر ،ليشمل اللفظ حكم جواز استعمال الوسيلة التي كانت
ً
.وضح وبين هذا القول عدد من العلماء
الترخيص في استعمال بعض الوسائل الممنوعة في بعض األحوال :لما كان الدين اإلسالمي دينًا عمليًّا يصلح للتطبيق في كل زمان 5.
ومكان ،جاء فيه الترخيص باستعمال الممنوع منه دفعًا للحرج وتحقيقًا للضرورات والحاجات ،وكان هذا الترخيص على نوعين
:أساسيين هما
أ .الترخيص ببعض الوسائل الخاصة في بعض األحوال تغليبًا لجانب درء المفاسد على تحقيق المصالح ،أو موازنة بين المفاسد إذا
.اجتمعت ،وتقديم أخف المفسدتين ،كما جرى في الترخيص في الكذب في عدة مواطن
:ب .الترخيص بفعل المحظورات بسبب الضرورات أو الحاجات الملحة :وقد قعد العلماء في هذا قاعدتين
.الضرورات تبيح المحظورات 1.
.الضرورات ت ُقدر بقدرها 2.
ض ُ
ط ِر ْرت ُ ْم إِلَ ْي ِه :ويدل لهذا قوله تعالى علَ ْي ُك ْم إِ هال َما ا ْ سورة األنعام آية ،)119 :فيجوز للداعية في حاالت ( ﴾ ﴿ َوقَ ْد فَ ه
ص َل لَ ُك ْم َما ح هَر َم َ
.االضطرار وما شابهها أن يستخدم الوسيلة المحرمة بالقدر الذي تدفع فيه تلك الضرورة الملجئة ،والحاجة الملحة
:الخصائص العامة للوسائل الدعوية
خصيصة الشرعية :ونعني بها انضباط جميع الوسائل الدعوية بحكم الشرع ،فال يجوز للداعية الخروج على أحكام الشرع في 1.
مناهجه وأساليبه ووسائله ،ألن الدعوة في حقيقتها طريقةُ تطبيق الشريعة ،ومنهجها الذي رسمه هللا لها ،فال يصح الخروج عليه في
.أي جانب من جوانبه
خصيصة التطور :األصل في الوسائل واألساليب التطور والتجدد ،تبعًا لتطور عادات الناس وأعرافهم ،ولتقدم العلوم والفنون ،فإن 2.
لكل عصر أساليبه ووسائله في جميع نواحي الحياة ،وإن هذه الوسائل المعاصرة قد تشترك مع وسائل عصر سابق ،وقد تختلف عنها،
.فالداعية الحكيم هو الذي يختار لكل عصر وسائله المناسبة له ،والموجودة فيه
خصيصة التكافؤ :ونريد بها التماثل والموازنة بين الوسيلة والغاية التي تستعمل من أجلها ،فالوسيلة القاصرة عن الغاية والضعيفة 3.
ال يمكن أن توصل إلى الغاية في الوقت المناسب ،وال بالكيفية المطلوبة ،فعلى الدعاة واجب كبير في هذا المجال ،وهو سهل على من
.يسره هللا عليه ،إذا فهم هذه الخصيصة ،ووضع لها خطتها ،وتوكل على هللا