You are on page 1of 26

‫أحكام االعتكاف]‪[1‬‬

‫المقصود باالعتكاف‪:‬‬
‫االعتكاف في اللغة‪ :‬الحبس والمكث‬
‫ِ‬
‫ِه‬ ‫ما َ‬
‫هذ‬ ‫واللزم ‪[2] .‬قال تعالى ﴿ َ‬
‫﴾‬ ‫ُوَ‬
‫ن‬ ‫ِف‬‫َاك‬ ‫ْ َلَ‬
‫ها ع‬ ‫ُم‬ ‫َْ‬
‫نت‬‫ِي أ‬ ‫ُ َّ‬
‫الت‬ ‫ِيل‬ ‫َّم‬
‫َاث‬ ‫الت‬
‫ولو على‬ ‫ً‬
‫[األنبياء‪]52 :‬فسمى فعلهم عكوفا‬
‫أصنام‪.‬‬

‫و في الشرع ‪:‬قيل‪ :‬لبث صائم في مسجد‬


‫جماعة‪ ،‬بنية‪[3].‬‬

‫وقيل لزم مسجد لطاعة هللا تعالى من شخص‬


‫مخصوص على صفة مخصوصة‪.‬‬

‫قال ابن تيمية" ‪:‬لو قيل‪ :‬لعبادة هللا تعالى‬


‫كان أحسن ‪ -‬أي بدالً من طاعة هللا ‪ -‬فإن‬
‫الطاعة موافقة األمر‪ ،‬وهذا يكون بما هو‬
‫في األصل عبادة كالصالة‪ ،‬وبما هو في األصل‬
‫غير عبادة‪ ،‬وإنما يصير عبادة بالنية‪،‬‬
‫كالمباحات كلها بخالف العبادة فإنها‬
‫التذلل لإلله سبحانه وتعالى‪"[4].‬‬

‫حكمه‪:‬‬
‫االعتكاف سنة ال يجب إال بالنذر‪ ،‬واألدلة‬
‫على ذلك ثابتة بالكتاب‪ ،‬والسنة‪،‬‬
‫واإلجماع‪:‬‬
‫َْ‬
‫ن‬‫أما الكتاب؛فلقوله تعالى إلبراهيم ﴿ أ‬
‫َّع‬
‫ِ‬ ‫َالر‬
‫ُّك‬ ‫َ و‬ ‫ِف‬
‫ِين‬ ‫َاك‬ ‫َ ْ‬
‫الع‬‫َ و‬ ‫ِين‬ ‫َّائ‬
‫ِف‬ ‫ِلط‬ ‫ْت‬
‫ِيَ ل‬ ‫بي‬‫َا َ‬‫ِر‬ ‫َه‬
‫ط‬
‫ِ ﴾ [البقرة‪] [5]125 :‬؛ ولقوله‬ ‫ُود‬‫السُّج‬
‫ِي‬
‫ن ف‬ ‫ُوَ‬
‫ِف‬‫َاك‬ ‫ُم‬
‫ْ ع‬ ‫نت‬‫َ‬
‫َأْ‬‫َّ و‬
‫هن‬ ‫ُوُ‬
‫ِر‬‫َاش‬‫تب‬ ‫ََ‬
‫ال ُ‬‫تعالى ‪ ﴿:‬و‬
‫ِ ﴾ [البقرة‪].187 :‬‬ ‫َسَاجِد‬
‫الم‬‫ْ‬

‫وأما السنة؛ فألحاديث الكثيرة‪ ،‬ومنها ما‬


‫يأتي‪:‬‬
‫•عن أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي هللا عنه ‪-‬‬
‫‪،‬قال‪:‬إن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫َّل من رمضان‪،‬ثم اعتكف‬ ‫اعتكف العشر األَو‬
‫َّة تركية ]‪[6‬على سَُّ‬
‫دتها‬ ‫ُب‬
‫العشر األوسط في ق‬
‫َّاها في‬‫حصير‪ ،‬قال‪ :‬فأخذ الحصير بيده فنح‬
‫َّ‬
‫فكلم الناس‬ ‫َ رأسه‬
‫لع‬‫َْ‬
‫ناحية القبة‪ ،‬ثم أط‬
‫فدنوا منه‪ ،‬فقال(( ‪:‬إني أعتكف العشر‬
‫ُ‬
‫َّل ألتمس هذه الليلة‪ ،‬ثم اعتكفت‬ ‫األو‬
‫ُ فقيل لي‪ :‬إنها‬‫ُتيت‬‫َّ أ‬
‫ثم‬ ‫العشر األوسط‪ُ ،‬‬
‫َّ منكم أن‬
‫في العشر األواخر‪ ،‬فمن أحب‬
‫يعتكف‪ ،‬فليعتكف))‪ ،‬فاعتكف الناس معه‪.‬‬

‫•حديث أبي هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ ،-‬قال ‪:‬‬


‫((كان النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يعتكف‬
‫ّا كان‬‫َلم‬
‫ِ رمضان عشرة أيام ف‬ ‫في كل‬
‫العام الذي ُقبض فيه اعتكف عشرين‬
‫يوما ))وغير ذلك من األحاديث الكثيرة‬
‫َّة االعتكاف‪.‬‬
‫ِي‬ ‫التي تدل على سُن‬
‫وأما اإلجماع‪ :‬فحكاه الكثير‪.‬‬

‫قال النووي‪( :‬االعتكاف سنة باإلجماع‪ ،‬وال‬


‫يجب إال بالنذر باإلجماع‪)[7].‬‬

‫وبالنسبة للمرأة فجمهور العلماء على أن‬


‫االعتكاف مشروع لها أي مسنون إال ما روي‬
‫عن القاضي من الحنابلة أنه كره اعتكاف‬
‫المرأة الشابة‪.‬‬

‫مقصود االعتكاف‪:‬‬
‫ُ القلب‪،‬‬ ‫قال ابن القيم( ‪ :‬لما كان صالح‬
‫واستقامته‪ ،‬على طريق سيره إلى هللا تعالى‪،‬‬
‫ِ شعثه‬ ‫ِ على هللا‪ ،‬ولم‬ ‫ً على جمعي‬
‫َّته‬ ‫متوقفا‬
‫بإقباله بالكلية على هللا تعالى؛ فإن شعث‬
‫ه إال اإلقبال على هللا تعالى‪،‬‬ ‫ُُّ‬
‫القلب ال يلم‬
‫ل الطعام والشراب‪ ،‬وفضول مخالطة‬ ‫ُوُ‬‫وكان فض‬
‫األنام‪ ،‬وفضول الكالم‪ ،‬وفضول المنام مما‬
‫ٍ‪ ،‬ويقطعه‬ ‫ِ واد‬‫ه في كل‬ ‫ِتُ‬‫ً‪ ،‬ويشت‬ ‫يزيده شَع‬
‫َثا‬
‫عن سيره إلى هللا تعالى‪ ،‬أو يضعفه‪ ،‬أو‬
‫يعوقه‪ ،‬ويوقفه‪ :‬اقتضت رحمة العزيز‬
‫الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما‬
‫يذهب فضول الطعام والشراب‪ ،‬ويستفرغ من‬
‫ِقة له عن سيره‬ ‫القلب أخالط الشهوات المعو‬
‫إلى هللا تعالى‪ ،‬وشرعه بقدر المصلحة بحيث‬
‫ينتفع به العبد في دنياه وأخراه‪ ،‬وال‬
‫ُّه‪ ،‬وال يقطعه من مصالحه العاجلة‬ ‫يضر‬
‫واآلجلة‪ ،‬وشرع لهم االعتكاف الذي مقصوده‬
‫ُه‬‫َّت‬
‫وروحه عكوف القلب على هللا تعالى‪ ،‬وجمعي‬
‫عليه‪ ،‬والخلوة به‪ ،‬واالنقطاع عن االشتغال‬
‫بالخلق واالشتغال به وحده سبحانه‪ ،‬بحيث‬
‫يصير ذكره‪ ،‬وحبه‪ ،‬واإلقبال عليه‪ ،‬في محل‬
‫ِ‬
‫هموم القلب وخطراته‪ ،‬فيستولي عليه‬
‫كله به‪ ،‬والخطرات‬ ‫ُّ ُّ‬
‫ُ الهم‬ ‫بدلها‪ ،‬ويصير‬
‫كلها بذكره‪ ،‬والتفكر في تحصيل مراضيه‪،‬‬
‫ُنسه باهلل بدالً من‬
‫ِب منه‪ ،‬فيصير أ‬ ‫وما يقر‬
‫ِده بذلك ألُنسه به يوم‬ ‫َع‬
‫ِ بالخلق‪ ،‬في‬
‫ِه‬ ‫ُْ‬
‫نس‬‫أ‬
‫الوحشة في القبور حين ال أنيس له وال ما‬
‫يفرح به سواه‪ ،‬فهذا مقصود االعتكاف‬
‫األعظم‪))[8].‬‬

‫وقت االعتكاف‪:‬‬
‫جمهور العلماء على أنه في كل وقت مسنون‬
‫في رمضان وفي غيره‪ ،‬وأفضله في رمضان‬
‫وآكده في العشر األواخر من رمضان‪.‬‬

‫قال ابن تيمية( ‪:‬أنه يستحب أن ال يدع أحد‬


‫االعتكاف في العشر األواخر من شهر‬
‫رمضان؛ألن النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬داوم‬
‫عليه وقضاه لما فاته‪،‬وكل ما واظب عليه‬
‫رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬كان من السُّنن‬
‫المؤكدة‪ ،‬كقيام الليل‪)[9].‬‬

‫ماهو أقل االعتكاف؟‬


‫اختلف العلماء في أقل زمن لالعتكاف على‬
‫أقوال‪:‬‬
‫األول ‪:‬أن أقل مدته يوم‪.‬وهو رواية عن أبي‬
‫حنيفة‪ ،‬وبه قال بعض المالكية‪ ،‬ووجه عند‬
‫الشافعية‪[10].‬‬

‫الثاني ‪:‬أن أقل مدته يوم وليلة‪ .‬وهو‬


‫مذهب المالكية‪ .‬وعشرة أيام في رواية‬
‫أخرى‪.‬‬

‫الثالث ‪:‬أن أقل مدته لحظة‪.‬وهو قول أكثر‬


‫العلماء‪.‬‬

‫والقول أن أقله يوم أو ليلة أوفق لألدلة‬


‫فلم يأت في السنة أقل من ذلك‪ ،‬ويناسب‬
‫مناقشة السلف اشتراط الصوم‪ ،‬والقول أن‬
‫أقله لحظة هو أقرب للعموم اللغوي ولو صح‬
‫كعبادة بهذا المعنى لورد في السنة‪،‬‬
‫والثابت أنه لم ُ‬
‫ينقل أقل من يوم أو‬
‫ليلة‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫متى يدخل المعتكف؟‬

‫اختلفوا على قولين‪:‬‬


‫األول ‪:‬أنه من قبل غروب شمس ليلة الحادي‬
‫والعشرين‪ .‬وبه قال جمهور أهل العلم‪.‬‬
‫الثاني ‪:‬أنه بعد صالة الصبح من يوم‬
‫الحادي والعشرين‪.‬وهو رواية عن اإلمام‬
‫أحمد‪ ،‬وبه قال األوزاعي‪ ،‬ورواية عن‬
‫الليث‪ ،‬ومال إليه الصنائعي‪.‬‬

‫ودليل القول األول حديث أبي سعيد الخدري‬


‫‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أن النبي ‪ e‬قال" ‪:‬إني‬
‫اعتكف العشر األول ألتمس هذه الليلة‪،‬‬
‫ثم أعتكف العشر األوسط‪ ،‬ثم أتيت فقيل‬
‫لي‪ :‬إنها في العشر األواخر‪ ،‬فمن أحب‬
‫منكم أن يعتكف فليعتكف‪ ،‬فاعتكف الناس‬
‫معه ‪".‬قال ابن تيمية عن هذا الحديث‪:‬‬
‫َّن أن من اعتكف العشر األواخر فإنه‬
‫(فقد بي‬
‫يعتكف ليلة إحدى وعشرين‪)[11].‬‬

‫ودليل القول الثاني‪:‬حديث عائشة ل‬


‫قالت((‪:‬كان رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫إذا أراد أن يعتكف َّ‬
‫صلى الفجر ثم دخل‬
‫معتكفه]‪،))[12‬ولكن حمل الجمهور هذا‬
‫الحديث‪( :‬على أنه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫َّ‬
‫وتخلى بنفسه‬ ‫دخل المعتكف وانقطع فيه‪،‬‬
‫أن ذلك وقت ابتداء‬‫بعد صالة الصبح‪ ،‬ال َّ‬
‫ً‬
‫االعتكاف‪ ،‬بل كان من قبل المغرب معتكفا‬
‫ً في جملة المسجد فلما َّ‬
‫صلى الصبح‬ ‫البثا‬
‫ٌ للفظ عن‬‫انفرد]‪ ،)[13‬وأجيب‪ :‬بأنه صرف‬
‫ً فإن عادته ‪ -‬صلى هللا‬ ‫ظاهره بال دليل‪ ،‬وأيضا‬
‫عليه وسلم ‪-‬أنه ال يخرج من بيته إال عند‬
‫اإلقامة]‪ ،[14‬ورجح القول الثاني علماء‬
‫اللجنة الدائمة (‪ ،)411/10‬و ابن باز‬
‫(‪ )442/15‬لظاهر الحديث‪ ،‬ورأي الجمهور‬
‫أحوط لكي ال تفوت ليلة الحادي والعشرين‪،‬‬
‫وهللا أعلم‪.‬‬

‫متى يخرج من المعتكف؟‬


‫يجوز عند جمهور أهل العلم من بعد غروب‬
‫شمس ليلة العيد‪ ،‬ورأى بعض أهل العلم أن‬
‫األفضل له أن يمكث في معتكفه إلى أن يخرج‬
‫إلى صالة العيد‪.‬‬

‫ركن االعتكاف‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في تعداد أركان‬
‫االعتكاف‪،‬واألقرب‪ :‬ما ذهب عليه الحنفية‪،‬‬
‫وأن ركن االعتكاف اللبث في المسجد ؛ إذ‬
‫هو جزء العبادة وماهيتها‪ ،‬وما عدا ذلك‬
‫شروط خارجة عن ماهية االعتكاف‪.‬‬

‫شروط صحة االعتكاف‪:‬‬


‫ً راجحة‬
‫ً عليها وشروطا‬
‫ً متفقا‬‫سأذكر شروطا‬
‫ً مرجوحة‪:‬‬
‫وشروطا‬
‫أوال ‪:‬ركن االعتكاف شيء واحد‪ ،‬بعض‬
‫العلماء جعل األركان أربعة أو خمسة‪،‬‬
‫والصحيح أن ركن االعتكاف ركن واحد‪ ،‬وهو‬
‫اللبث في المسجد‪ ،‬أي لزوم المسجد لطاعة‬
‫هللا جل وعال‪ ،‬ولعبادته‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬أما شروط االعتكاف المتفق عليه‪،‬‬
‫فأذكر اآلن حسب ما لدي خمسة شروط‪ :‬وهي‬
‫(اإلسالم‪ ،‬والعقل‪ ،‬والتمييز‪ ،‬والنية‪ ،‬وأن‬
‫يكون في مسجد‪).‬‬

‫أما المختلف فيها والراجح‬


‫اشتراطها فهي‪ :‬الطهارة من الحيض والنفاس‬
‫والجنابة‪.‬‬

‫ً إذن السيد‬
‫هذا شرط على الراجح وأيضا‬
‫للرقيق وإذن الزوج للزوجة هذه شروط‬
‫راجحة‪.‬‬

‫ثالثا ‪:‬المختلف فيها وهي مرجوحة ‪:‬‬


‫فالصوم أي ال يصح االعتكاف إال بصوم‪)[15].‬‬

‫و اشتراط الصوم لصحة االعتكاف على أقوال‪:‬‬


‫األول‪:‬عدم االشتراط الصوم‪ .‬وبه قال بعض‬
‫المالكية‪ ،‬وهو مذهب الشافعية‪،‬‬
‫والحنابلة‪ ،‬وابن حزم‪.‬‬

‫الثاني ‪:‬أنه شرط لصحة االعتكاف الواجب‬


‫دون التطوع‪ .‬وهو مذهب الحنفية‪.‬‬

‫ً‪.‬وهو‬
‫الثالث ‪:‬أنه شرط لصحة االعتكاف مطلقا‬
‫مذهب المالكية‪ ،‬وبه قال بعض الشافعية‪،‬‬
‫ورواية عن أحمد اختارها ابن تيمية وابن‬
‫القيم‪[16].‬‬
‫قال ابن رشد‪( :‬والسبب في اختالفهم أن‬
‫اعتكاف رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬إنما‬
‫وقع في رمضان‪ ،‬فمن رأى أن الصوم المقترن‬
‫باعتكافه هو شرط في االعتكاف‪،‬وإن لم يكن‬
‫الصوم لالعتكاف قاال‪:‬البد من الصوم مع‬
‫االعتكاف‪ ،‬ومن رأى أنه إنما اتفق ذلك‬
‫ً ل‪-‬ه‬ ‫ً ال على أن ذلك كان مقصودا‬ ‫اتفاقا‬
‫عليه الصالة والسالم في االعتكاف‪ ،‬قال‪:‬ليس‬
‫ً سبب آخر‬ ‫من الصوم من شرطه‪،‬ولذلك أيضا‬
‫وهو اقترانه مع الصوم في آية‬
‫واحدة ]‪)[17‬ولعل ذكر االعتكاف في آيات‬
‫الصيام له داللة ولكن ال يكفي الشتراطه‪،‬‬
‫فقد تكون لالستحباب‪ ،‬فالراجح ‪ -‬وهللا أعلم ‪-‬‬
‫ما ذهب إليه أهل القول األول من عدم‬
‫اشتراط الصوم لصحة االعتكاف‪ ،‬مع تأكد‬
‫استحبابه‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫مكان االعتكاف‪:‬‬
‫•قال ابن قدامة ‪ ( :‬ال يجوز االعتكاف إال‬
‫في مسجد تقام الجماعة فيه‪ ،‬ألن الجماعة‬
‫واجبة واعتكاف الرجل في مسجد التقام فيه‬
‫الجماعة يفضي إلى أحد أمرين‪ :‬إما ترك‬
‫الجماعة الواجبة وإما خروجه إليها‬
‫ً مع إمكان التحرز‬ ‫فيتكرر ذلك منه كثيرا‬
‫منه وذلك مناف لالعتكاف إذ هو لزوم‬
‫ُعتكف واإلقامة على طاعة هللا‪) [18].‬‬
‫الم‬
‫•وقد اشترط بعض العلماء أن يكون المسجد‬
‫ً إن كان يتخلل أيام اعتكافه صالة‬
‫جامعا‬
‫جمعة‪.‬‬

‫•أفضلها المسجد الحرام‪ ،‬ثم المسجد‬


‫النبوي‪ ،‬ثم المسجد األقصى‪ ،‬فهذه أفضل‬
‫المساجد بالترتيب‪ ،‬ثم مسجد جامع‪ ،‬ثم‬
‫مسجد غير جامع أكثر جماعة‪ ،‬قالوا‪:‬ثم ما‬
‫ال يحوجه لكثرة الخروج أو طول الخروج‪.‬‬

‫•ويصح االعتكاف في المصلى الذي يصلي فيه‬


‫الناس‪ ،‬ويصح في سطح المسجد‪ ،‬ويصح في‬
‫رحبة المسجد‪ ،‬ويصح في منارات المسجد‪،‬‬
‫ويصح في الغرف الملحقة بالمسجد وتعد‬
‫داخل حوش المسجد‪ ،‬وتصح كذلك في مكتبة‬
‫المسجد أو مستودع المسجد مادام داخل سور‬
‫المسجد وملحق بالمسجد وليس منفصالً عنه‪،‬‬
‫فكل هذه يصح فيها االعتكاف‪ ،‬وال شك أن‬
‫أفضلها هو في داخل المسجد إال إن كان‬
‫يحول دون ذلك حائل‪ ،‬أو ال يستطيع أن‬
‫يعتكف اإلنسان االعتكاف الصحيح في داخل‬
‫ً من الخالف‪،‬‬‫المسجد‪ ،‬وإال فهو أفضلها خروجا‬
‫وباقي األماكن مشروعة مع أن في بعضها‬
‫ً‪.‬‬
‫خالفا‬

‫الخروج من المسجد‪:‬‬
‫•إذا أخرج المعتكف بعض بدنه لم يبطل‬
‫اعتكافه وال يترتب عليه شيء باتفاق‬
‫األئمة‪ ،‬ودليل ذلك حديث عائشة ل‪.‬‬

‫•أما (إن كان خروجه بجميع بدنه فهو‬


‫ثالثة أقسام‪:‬‬
‫ً‬
‫ً أو شرعا‬ ‫ٍ ال بد منه طبعا‬ ‫األول ‪:‬الخروج ألمر‬
‫كقضاء حاجة البول والغائط والوضوء‬
‫ِ الواجِب لجنابة أو غيرها‬ ‫الواجبِ والغسل‬
‫ٌ إذا لم ُ‬
‫يمكن‬ ‫ِ والشربِ فهذا جائز‬ ‫واألكل‬
‫ِ‬
‫له في المسجد‬ ‫ُُ‬
‫ِع‬‫ِ فإن أمكن ف‬ ‫ه في المسجد‬ ‫ُ‬
‫فعلُ‬
‫ُه‬
‫ٌ يمكن‬‫َّام‬
‫َم‬ ‫ِ ح‬‫ن في المسجد‬ ‫ُ أن يكوَ‬‫فالَ‪ .‬مثل‬
‫َ فيه‪ ،‬أو‬ ‫َه فيه وأن يغتسل‬ ‫أن يقضيَ حاجت‬
‫ِل والشربِ فال يخرج‬
‫ُ‬ ‫ِ باألك‬
‫ِيه‬‫ن له من يأت‬‫يكوَ‬ ‫َ‬
‫ِ الحاجة إليه‪.‬‬ ‫ٍ لعدم‬‫حينئذ‬

‫ُ عليه‬
‫ِ‬ ‫الثاني ‪:‬الخروج ألمر طاعة‬
‫ِ ال تجب‬
‫ٍ ونحو ذلك فال‬‫ِ جنازة‬ ‫ِ مريٍ‬
‫ض وشهود‬ ‫كعيادة‬
‫َ ذلك في ابتداء‬ ‫يفعله إالَّ أن يشترط‬
‫ِه مثل أن يكون عنده مريض يحب أن‬ ‫اعتكاف‬
‫ده أو يخشى من موته فيشترط في ابتداء‬ ‫يعوَ‬
‫ِذلك فال بأسَ به‪.‬‬
‫اعتكافه خروجه ل‬

‫ٍ ينافي االعتكاف‬ ‫الثالث ‪:‬الخروج‬


‫ُ ألمر‬
‫ِ‬
‫ِه‬‫ِ أهل‬
‫ِ والشراء وجماع‬ ‫كالخروج للبيع‬
‫ٍ وال‬
‫ِهم ونحو ذلك‪ ،‬فال يفعله ال بشرط‬ ‫ومباشرت‬
‫ٍ‪ ،‬ألنه يناقضُ االعتكاف وينافي‬
‫ِ شرط‬‫بغير‬
‫المقصود منه‪) [19].‬‬
‫مسائل متعلقة بالخروج‪:‬‬
‫•إن طال مكثه بعد حاجته فسد‬
‫اعتكافه ‪ [20].‬وال يكلف الذي خرج لحاجته‬
‫اإلسراع‪ ،‬بل ل‪-‬ه المشي على عادته‪[21].‬‬

‫•إن احتاج إلى الخروج لألكل لعدم من‬


‫يأتيه به‪ ،‬فله الخروج‪ ،‬وإال فليس ل‪-‬ه‬
‫ذلك‪ ،.‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫•الخروج لعذر غير معتاد ‪ :‬قال ابن‬


‫تيمية ‪( ::‬وفي معنى ذلك كل ما يحتاج إلى‬
‫ً في‬
‫الخروج له‪ ،‬وهو ما يخاف من تركه ضررا‬
‫دينه أو دنياه‪ ،‬فيدخل في ذلك الخروج‬
‫لفعل واجب وترك محرم‪ ،‬وإزالة ضرر‪ ،‬مثل‬
‫الحيض والنفاس‪ ،‬وغسل الجنابة‪ ،‬وأداء‬
‫شهادة تعينت عليه‪ ،‬وإطفاء حريق‪ ،‬ومرض‬
‫شديد‪ ،‬وخوف على نفسه من فتنة وقعت‪،‬‬
‫وجهاد تعين‪ ،‬وشهود جمعة‪ ،‬وسلطان أحضره‪،‬‬
‫ْم‪ ...،‬وغير ذلك؛ فإنه يجوز‬ ‫ُك‬
‫وحضور مجلس ح‬
‫له الخروج ألجله وال يبطل اعتكافه‪،‬لكن منه‬
‫ما يكون في حكم المعتكف إذا خرج بحيث‬
‫يحسب له من مدة االعتكاف وال يقضيه‪:‬وهو ما‬
‫ال يطول زمانه‪ ،‬ومنه ما ليس كذلك‪:‬وهو ما‬
‫يطول زمانه‪)[22].‬‬

‫•وليس له الخروج لقربة من القرب ‪ :‬إال‬


‫بالشرط‪ ،‬إال إن تعينت عليه صالة الجنازة‬
‫أو تغسيله أو دفنه وهذا مذهب الحنابلة‪،‬‬
‫وعن عائشة ل أنها قالت ‪ " :‬السنة‬
‫ً ‪ ,‬وال يشهد‬
‫للمعتكف أن ال يعود مريضا‬
‫جنازة ‪ ,‬وال يمس امرأة وال يباشرها ‪ ,‬وال‬
‫يخرج لحاجة إال لما بد منه " رواه أبو‬
‫داود‪.‬‬

‫ً‪.‬أو أن يكون‬
‫االشتراط ‪:‬إما أن يكون عاما‬
‫ً‪.‬‬
‫خاصا‬

‫•االشتراط العام‪ ،‬كأن يقول ‪ :‬إذا عرض‬


‫لي عارض‪ ،‬أو شغل‪ ،‬أو مرض ونحو ذلك خرجت‪.‬‬
‫فمذهب الشافعية والحنابلة صحة هذا الشرط‬
‫ً‪،‬وبه‬
‫ً أو تطوعا‬
‫سواء كان االعتكاف واجبا‬
‫قال ابن حزم‪.‬‬

‫•االشتراط الخاص‪ ،‬فإن كان قربة كعيادة‬


‫مريض فجائز عند أبي حنيفة‪ ،‬والشافعية‪،‬‬
‫والحنابلة‪.‬‬

‫وإن كان غير قربة فعند الحنابلة يشترط‬


‫أن يحتاجه وال ينافي االعتكاف‪.‬‬
‫ً‬
‫و عند الشافعية ‪ :‬يشترط أن يكون مباحا‬
‫ً غير مناف لالعتكاف‪.‬‬
‫مقصودا‬

‫مبطالت االعتكاف‪:‬‬
‫أوال ‪:‬الجماع وهذا محل إجماع كما ذكر ابن‬
‫المنذر وابن حزم وابن هبيرة ذكروا‬
‫اإلجماع في ذلك‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬مباشرة الزوجة واألمة بشهوة‪ ،‬فإن‬


‫كان لغير شهوة لم يبطل اعتكافه باتفاق‬
‫األئمة‪.‬‬

‫ثالثا ‪:‬إنزال المني بالمباشرة أو‬


‫تكرار النظر أو االستمناء‪.‬‬

‫رابعا ‪:‬الحيض والنفاس‪.‬‬

‫خامسا ‪:‬ذهاب العقل بسبب شرب مسكر‪.‬‬

‫سادسا ‪:‬الردة‪.‬‬

‫سابعا ‪:‬قطع نية االعتكاف بال تردد فيه‪،‬‬


‫ولو بقي في المسجد بطل اعتكافه‪،‬لكن لو‬
‫َّ‬
‫علقها فقال ‪ -‬مثالً ‪ :-‬سأخرج إن شاء هللا بعد‬
‫المغرب لكن لم يخرج فال يبطل اعتكافه‪.‬‬

‫ثامنا‪:‬الخروج لغير حاجة‪ :‬قال ابن حزم‬


‫‪( ::‬واتفقوا على أن من خرج من معتكفه في‬
‫َ به‬
‫ِر‬‫ُم‬
‫ٍ أ‬
‫ٍ‪ ،‬وال ضرورة‪ ،‬وبر‬
‫المسجد لغير حاجة‬
‫َّ‬
‫فإن اعتكافه قد بطل‪)[23].‬‬ ‫ِب إليه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وند‬
‫وال يبطل االعتكاف باالحتالم‪ ،‬أو اإلنزال‬
‫بسبب التفكر‪ ،‬والغيبة والنميمة مع‬
‫تبطل االعتكاف ولكن‬‫إثمهما وعظم جرمهما ال ُ‬
‫تنقص قدره ويأثم صاحبها‪.‬‬

‫وشروط هذه المبطالت ‪ -‬كالصيام ‪ : -‬أن‬


‫ً‪.‬‬
‫ً مختارا‬
‫ً ذاكرا‬
‫يكون عالما‬

‫مباحات االعتكاف‪:‬‬
‫•يباح للمعتكف أن يأكل ويشرب داخل‬
‫المسجد باتفاق الفقهاء‪.‬‬

‫ً للمعتكف أن ينام في المسجد‬


‫•يباح أيضا‬
‫باتفاق الفقهاء‪.‬‬

‫•للمعتكف أن يلزم بقعة بعينها‪،‬قال‬


‫نافع‪ :‬وقد أراني عبدهللا ‪ -‬رضي هللا عنه ‪-‬‬
‫المكان الذي كان يعتكف فيه رسول هللا ‪ -‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ -‬من المسجد‪"[24].‬‬

‫•لبس الثياب الحسنة والطيب‪ :‬على قولين‪:‬‬


‫األول‪ :‬اإلباحة وهو قول الجمهور‪.‬‬

‫•غسل الرأس وتسريحه ودهنه‪ .‬وفي معناه‬


‫أخذ سنن الفطرة‪:‬من قص شارب‪ ،‬ونتف إبط‪،‬‬
‫وحلق عانة‪ ،‬وتقليم ظفر‪،‬إذ هي في معنى‬
‫الغسل والترجيل وألن هذا من باب النظافة‬
‫والطهارة‪،‬ويشترط ‪ :‬عدم تلويث المسجد لما‬
‫روته عائشة ل قالت‪" :‬اعتكف مع رسول هللا ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬امرأة من أزواجه‬
‫مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة‪،‬‬
‫فربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي‪" [25].‬‬

‫•عيادة المريض والصالة على الجنازة‪،‬إن‬


‫كانت داخل المسجد ‪ -‬وهو قول الجمهور‪-‬‬
‫‪،‬أما إن كان خارج المسجدفكما تقدم ال‬
‫يخرج لقربة من القرب إال بالشرط‪.‬‬

‫•إذا خرج من المسجد لعذر من األعذار فله‬


‫عيادة المريض والصالة على الجنازة ما لم‬
‫يقف النتظارها أو يعدل عن طريقه‬
‫إليها‪.‬وهو قول جمهور أهل العلم‪ ،‬جاء في‬
‫بدائع الصنائع ‪" :‬وال يخرج لعيادة مريض‬
‫وال لصالة جنازة ويجوز أن تحمل الرخصة على‬
‫ما إذا خرج المعتكف لوجه مباح كحاجة‬
‫ً‪ ،‬أو صلى‬
‫اإلنسان أو للجمعة‪ ،‬ثم عاد مريضا‬
‫على جنازة من غير أن يكون خروجه لذلك‬
‫ً وذلك جائز‪" [26].‬‬‫قصدا‬

‫•يباح للمعتكف أن يزوره أهله‪ ،‬وغيرهم‬


‫ممن يريد زيارته‪ ،‬وأن يتحدثوا معه‪.‬وبوب‬
‫البخاري ‪ :‬باب زيارة المرأة زوجها في‬
‫اعتكافه‪ ([27]).‬ودليل ذلك‪ :‬ما تقدم من‬
‫حديث صفية‪ ،‬وفيه زيارة نسائه له ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪،-‬وحديثه ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫معهن‪.‬‬
‫•يباح للمعتكف أن يتزوج في المسجد‪ ،‬وأن‬
‫يشهد النكاح‪ ،‬ويؤذن ويقيم ويهني ويعزي‬
‫ويصلح بين القوم كل ذلك في المسجد‪ ،‬وهذا‬
‫قول الجمهور‪.‬‬

‫•للمعتكف أن يأمر بحاجته كإحضار طعام‬


‫وشراب ولباس أو شيء من ذلك‪.‬‬

‫ما ُ‬
‫يكره للمعتكف‪:‬‬
‫•كل ما يؤدي إلى إبطال االعتكاف بال‬
‫عذر‪.‬‬

‫ُخل بمقصود االعتكاف ويخرج به‬


‫•كل ما ي‬
‫عن مقصوده وحكمته‪،‬ومن ذلك‪:‬الخلطة مع‬
‫الناس إال في الصالة وما البد منه‪ ،‬االسراف‬
‫في الطعام والشراب‪،‬طول النوم فهدي ‪ -‬صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪-‬تقليله فكان يترك النوم في‬
‫العشر األواخر‪ ،‬الكالم إال فيما يعني فكان‬
‫النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬وهو الذي‬
‫تحتاجه األمة ‪ -‬يعتذر حتى عن أصحابه‪،‬‬
‫البعد عن الهزل والضحك وماال‬
‫ينفعه‪،‬وتضييع األوقات في غير الطاعات‪.‬‬

‫•عقود المعاوضات ‪:‬كالبيع والشراء‬


‫واإلجارة والصرف والرهن وعقد الشركة‪،‬‬
‫وحكمها في المسجد‪ :‬التحريم وعدم‬
‫الصحة‪.‬وهو مذهب الحنابلة فإن عقدها صح‬
‫ً]‪ ، [28‬مع اإلثم لحديث عبدهللا‬ ‫العقد إجماعا‬
‫بن عمرو بن العاص م أن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم" ‪ -‬نهى عن تناشد األشعار في‬
‫المسجد وعن البيع والشراء‬
‫فيه]‪،" [29‬وحديث أبي هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه‬
‫" ‪- :‬من رأيتموه يبيع أو يبتاع في‬
‫المسجد فقولوا ال أربح هللا‬
‫تجارتك ]‪" [30‬أما خارج المسجد ‪ :‬فيجوز‬
‫للمعتكف أن يخرج ويشتري ماال بدله منه‬
‫كقوته وقوت عياله إذا لم يكن أحد يقوم‬
‫به غيره‪.‬واشترط الحنابلة ‪ :‬أن يكون ذلك‬
‫في طريقه من غير أن يقف أو يعرج‪.‬‬

‫•التكسب بالصنائع في المسجد ‪:‬يحرم‬


‫ً‪ .‬وهو‬
‫التكسب بالصنائع في المسجد مطلقا‬
‫مذهب الحنفية‪ ،‬والحنابلة‪،‬و إباحة ذلك‬
‫يؤدي إلى إخراج المسجد عن مقصوده‪ ،‬ويخل‬
‫بحرمته‪ .‬لكن إذا لم يقصد التكسب وكان‬
‫ً ل‪-‬ه أو لغيره فال بأس كما لو خصف‬
‫يسيرا‬
‫نعله أو رقع ثوبه‪[31].‬واستثنى بعض‬
‫العلماء‪ :‬ما كان مصلحته عامة للمسلمين‬
‫كإصالح آالت الجهاد فأجازه في‬
‫المسجد‪[32].‬‬

‫•إخراج الريح في المسجد ‪ :‬اختلف‬


‫العلماء على قولين‪:‬األول التحريم وهو وجه‬
‫عند الشافعية‪ ،‬ووجه عند‬
‫الحنابلة‪.‬والثاني‪:‬الكراهة‪.‬وهو قول جمهور‬
‫أهل العلم‪ ،‬وهو الراجح لحديث أبي هريرة‬
‫‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال" ‪ :‬المالئكة تصلي على أحدكم‬
‫ما دام في مصاله الذي صلى فيه ما لم‬
‫يحدث تقول‪ :‬اللهم اغفر ل‪-‬ه اللهم‬
‫ارحمه]‪ ،"[33‬وحديث" ال يزال العبد في‬
‫صالة ما كان في مصاله ينتظر الصالة‪،‬‬
‫وتقول المالئكة‪ :‬اللهم اغفر ل‪-‬ه اللهم‬
‫ارحمه حتى ينصرف أو يحدث ؟ قلت‪ :‬ما‬
‫يحدث؟ قال‪ :‬يفسو أو يضرط ‪"[34].‬فقوله‬
‫‪-‬صلى هللا عليه وسلم" ‪-:‬ما لم يحدث "فيه‬
‫جواز إخراج الريح في المسجد‪ ،‬لكن ينهى‬
‫عنه لحرمة المسجد‪.‬وقياسا على أكل الثوم‬
‫والبصل فإنه يكره حضوره المسجد لرائحته‪.‬‬

‫•الحجامة ]‪[35‬والفصد ]‪[36‬في المسجد ‪:‬‬


‫اختلفوا والراجح تحريم الحجامة والفصد‬
‫في المسجد‪ ،‬وإن كان في إناء فيكره‪.‬وهذا‬
‫مذهب الشافعية‪.‬‬

‫•البصاق في المسجد‪:‬‬
‫ً‪،‬‬
‫اختلفوا على أقوال‪ :‬منها التحريم مطلقا‬
‫وكفارتها دفنها‪ .‬وهو ظاهر مذهب الحنفية‪،‬‬
‫وبه قال النووي]‪ ،[37‬وهو مذهب الحنابلة‪،‬‬
‫ومنها أنها تجوز للمحتاج‪ ،‬وال تجوز لغير‬
‫المحتاج‪.‬وبه قال بعض الشافعية‪.‬‬
‫ومن أدلة الكراهة‪:‬ما رواه أنس ‪ -‬رضي هللا‬
‫عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال" ‪:‬البزاق في المسجد خطيئة‪،‬‬
‫وكفارتها دفنها‪"[38].‬‬

‫وما رواه أبو هريرة ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أن‬


‫النبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ -‬رأى نخامة في‬
‫المسجد في قبلة المسجد فأقبل على الناس‬
‫فقال" ‪:‬ما بال أحدكم يقوم يستقبل ربه‬
‫فيتنخع أمامه‪ ،‬أيحب أحدكم أن يستقبل‬
‫فينخع في وجهه؟ فإذا انتخع أحدكم‬
‫فليتنخع عن يساره تحت قدمه‪ ،‬فإن لم‬
‫يجد فليفعل هكذا‪".‬‬

‫وظاهر حديث أبي هريرة جوازه في المسجد‬


‫للمحتاج حال العذر؛ ألن المصلي ال يتمكن‬
‫من الخروج من المسجد إال بالحركة‬
‫الكثيرة‪.‬‬

‫•التعبد بالصمت‪،‬على أقوال أصحها ما‬


‫قال به ابن تيمية ‪ ::‬إن طال الصمت حتى‬
‫ً‪ ،‬وكذا‬
‫تضمن ترك الكالم الواجب صار حراما‬
‫إن تعبد بالصمت عن الكالم المستحب‪،‬‬
‫والكالم المحرم يجب الصمت عنه‪ ،‬وفضول‬
‫الكالم ينبغي الصمت عنها‪. [39].‬‬
‫قضاء االعتكاف‪:‬‬
‫الراجح عدم وجوب قضاء االعتكاف المسنون‬
‫ء قطعه لعذر أو لغير عذر‪ ،‬ولكن يستحب‬ ‫سواً‬
‫لقضاء رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬وهو‬
‫اختيار ابن تيمية و جمهور من العلماء‪.‬‬

‫مسائل‪:‬‬
‫مسألة‪ :‬استحباب الخباء‪:‬‬
‫يستحب للمعتكف رجالً كان أو امرأة أن‬
‫يستتر بشيء‪.‬وعليه بوب البخاري ‪ :‬باب‬
‫األخبية في المسجد ‪[40].‬لما روى أبو سعيد‬
‫الخدري ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬أن رسول هللا ‪ -‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪" : -‬اعتكف في قبة تركية على‬
‫سدتهاقطعة حصير‪ ،‬وألنه أخفى لعمله‪.‬‬

‫ويتأكد في حق المرأة إذا اعتكفت في مسجد‬


‫الجماعة؛ لكيال يراها الرجال‪ ،‬فخير لهم‬
‫ً‪[41].‬‬
‫وللنساء أن ال يرى بعضهم بعضا‬

‫وعند المالكية‪ :‬يضرب خباءه في عجز‬


‫َيِق‪ ،‬وألنه أخلى‬
‫يض‬‫المسجد‪ ،‬أو رحابه؛ لئال ُ‬
‫له‪.‬‬

‫يحضر آنية‬‫مسألة‪ :‬هل يجوز للمعتكف أن ُ‬


‫ً في معتكفه ؟‬ ‫وفرشا‬
‫عن أبي سعيد ت قال‪ (( :‬اعتكفنا مع رسول‬
‫هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬العشر األوسط‪ ،‬فلما‬
‫كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا‪ ،‬فأتانا‬
‫رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪-‬فقال‪ :‬من كان‬
‫اعتكف فليرجع إلى معتكفه‪ ،‬فإني رأيت هذه‬
‫ء وطين ))‪.‬‬‫الليلة‪ ،‬ورأيتني أسجد في ماٍ‬
‫قال ابن حجر‪ ( ::‬وحمله المهلب على نقل‬
‫أثاثهم وما يحتاجون إليه من آلة األكل‬
‫والشرب والنوم‪... )[42].‬‬

‫مسألة‪ :‬اعتكاف المستحاضة‪:‬‬


‫اختلفوا فيه والصحيح جواز اعتكاف‬
‫المستحاضة فقد ثبت عن عائشة ل (( اعتكفت‬
‫مع رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬امرأة من‬
‫أزواجه مستحاضة فكانت ترى الصفرة‬
‫والحمرة فربما وضعت الطست تحتها وهي‬
‫تصلي ))أي حتى ال تلوث المسجد‪ ،‬إذن‬
‫المستحاضة كما أنه يجوز لها الصالة ويجوز‬
‫لها الصيام ويجوز أن يقربها زوجها فكذلك‬
‫يجوز لها أن تعتكف بشرط أن تتحفظ‪ ،‬حتى ال‬
‫تؤذي و ال تلوث المسجد‪ ،‬ويلحق بالمستحاضة‬
‫ما في معناها كمن به سلس البول والمذي‬
‫والودي ومن به جرح يسيل‪ ،‬لكن يشترط لكل‬
‫هؤالء أن ال يلوثوا المسجد‪.‬‬

‫مسألة‪ :‬قضاء حوائج المسلمين‪:‬‬


‫يجوز للمعتكف أن يتصل بالهاتف لقضاء بعض‬
‫حوائج المسلمين إذا كان الهاتف في‬
‫المسجد الذي هو معتكف فيه ؛ ألنه لم يخرج‬
‫من المسجد‪ ،‬أما إذا كان خارج المسجد فال‬
‫يخرج لذلك‪ ،‬وقضاء حوائج المسلمين إذا‬
‫ً بها ال يعتكف ؛ ألن‬
‫كان هذا الرجل معنيا‬
‫قضاء حوائج المسلمين أهم من االعتكاف ألن‬
‫ٍ‪ ،‬والنفع المتعدي أفضل من‬ ‫نفعها متعد‬
‫النفع القاصر إال إذا كان النفع القاصر‬
‫من مهمات اإلسالم وواجباته‪[43].‬‬

‫مسألة‪ :‬من نذر االعتكاف في المسجد‬


‫المفضول‪:‬‬
‫من نذر أن يعتكف في أي مسجد غير المساجد‬
‫الثالثة جاز له أن يوفي باعتكافه في أي‬
‫مسجد آخر؛ ألن البقاع كلها سواء‪ ،‬وكذلك‬
‫من نذر أن يعتكف في مسجد في البلدة‬
‫الفالنية‪ ،‬جاز له أن يوفي باعتكافه في أي‬
‫بلد‪ ،‬وهناك قاعدة في هذا‪ :‬وهو أنه إذا‬
‫عين األفضل تعين ولم يجز فيما دونه‪ ،‬فمن‬
‫نذر أن يعتكف في المسجد الحرام لزمه‬
‫االعتكاف فيه‪ ،‬ولم يجز فيما دونه؛ ألن كل‬
‫المساجد دونه في الفضل‪ ،‬وإذا عين‬
‫المفضول جاز في الفاضل؛ دليل ذلك أن رجال‬
‫قال للنبي ‪ -‬صلى هللا عليه وسلم ‪ « :-‬إني‬
‫نذرت إن فتح هللا عليك مكة أن أصلي في مسجد‬
‫بيت المقدس قال ‪ :‬صل هاهنا ‪.‬قال‪ :‬إني‬
‫نذرت أن أصلي في ذلك المسجد‪ .‬قال‪:‬صل‬
‫ً قال ‪:‬شأنك إذا »‬ ‫هاهنا‪ ،‬فلما رآه مصرا‬
‫رواه أبو داود والحاكم وصححه‪.) [44].‬‬
‫]‪[1‬لالستزادة ‪:‬فقه االعتكاف ‪ -‬د‪.‬خالد‬
‫المشيقيح‪ ،‬مختصر فقه االعتكاف ‪ -‬د‪.‬ناصر‬
‫العمر‪ ،‬أحكام الصيام ‪ -‬د‪.‬سعيد القحطاني‪.‬‬
‫]‪[2‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.315/8 ،‬‬
‫]‪[3‬التعريفات للجرجاني‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫]‪[4‬شرح العمدة ‪.708/2‬‬
‫( ‪[5].‬وهذه اآلية دليل على مشروعية‬
‫االعتكاف حتى في األمم السابقة )الشرح‬
‫الممتع البن عثيمين‪506 /6 ،‬‬
‫]‪[6‬قبة تركية‪ :‬أي قبة صغيرة‪ ،‬من لبود‪،‬‬
‫[شرح النووي على صحيح مسلم‪].311 /8 ،‬‬
‫]‪[7‬المجموع لإلمام النووي‪.407/6 ،‬‬
‫]‪[8‬زاد المعاد‪.87/2 ،‬‬
‫]‪[9‬كتاب الصيام‪ ،‬من شرح العمدة‪ ،‬البن‬
‫تيمية‪.715/2 ،‬‬
‫]‪[10‬روضة الطالبين ‪.391/2‬‬
‫]‪[11‬كتاب الصيام من شرح عمدة األحكام‪،‬‬
‫‪.779/2‬‬
‫]‪[12‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬برقم ‪،2041‬‬
‫ومسلم‪ ،‬برقم ‪.1173‬‬
‫]‪[13‬شرح النووي على صحيح مسلم‪-317/8 ،‬‬
‫‪.318‬‬
‫]‪[14‬سبل السالم (‪).174/2‬‬
‫]‪[15‬مختصر في فقه االعتكاف ‪ -‬العمر‪.‬‬
‫]‪[16‬زاد المعاد ‪.88/2‬‬
‫]‪[17‬بداية المجتهد ‪.317/1‬‬
‫]‪[18‬المغني ‪.156/2‬‬
‫]‪[19‬مجالس شهر رمضان‪ ،‬البن عثيمين‪،‬‬
‫ص‪]..246 -245‬‬
‫]‪[20‬فتح القدير ‪ ،396/2‬والمجموع ‪،502/6‬‬
‫وشرح العمدة ‪.835/2‬‬
‫]‪[21‬حاشية ابن عابدين ‪ ،445/2‬وشرح‬
‫العمدة ‪.829/2‬‬
‫]‪[22‬كتاب الصيام من شرح العمدة‪ ،‬البن‬
‫تيمية‪.842 -802/2 ،‬‬
‫]‪[23‬مراتب اإلجماع البن حزم‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫]‪[24‬أخرجه مسلم في االعتكاف‪ ،‬باب اعتكاف‬
‫العشر األواخر من رمضان (ح‪).1171‬‬
‫]‪[25‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫]‪[26‬بدائع الصنائع ‪.114/2‬‬
‫]‪[27‬صحيح البخاري مع شرح عمدة القاري‬
‫‪.152/12‬‬
‫]‪[28‬تحفة الراكع والساجد ص‪ ،208‬وتحفة‬
‫األحوذي ‪ ،267/1‬ونيل األوطار ‪.158/2‬‬
‫]‪[29‬أخرجه أحمد ‪ ،179/2‬وأبو داود‬
‫ح‪ ،1079‬والترمذي ح‪ ،722‬والنسائي ‪،47/2‬‬
‫وابن ماجه ح‪ ،748‬وحسنه الترمذي‪ ،‬وقال‬
‫الحافظ في الفتح ‪" :549/1‬وإسناده صحيح‬
‫إلى عمرو فمن يصحح نسخته يصححه" وصححه‬
‫أحمد شاكر في تحقيق المسند (ح‪،6676‬‬
‫‪).6991‬‬
‫]‪[30‬الترمذي ح‪ ،1321‬والنسائي ح‪،176‬‬
‫وابن خزيمة ‪ 1305‬وحسنه الترمذي‪ ،‬وصححه‬
‫الحاكم‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫]‪[31‬تحفة الراكع والساجد ص‪.209‬‬
‫]‪[32‬شرح صحيح مسلم للنووي ‪.55/5‬‬
‫]‪[33‬أخرجه البخاري في الصالة‪( ،‬ح‪،)445‬‬
‫ومسلم (ح‪).649‬‬
‫]‪[34‬أخرجه مسلم (ح‪).274 ،649‬‬
‫ً‪ ،‬إلخراج‬
‫]‪[35‬شرط ظاهر الجلد المتصل قصدا‬
‫الدم من الجسم دون العروق‪.‬‬
‫]‪[36‬شق العرق إلخراج الدم‪( .‬حاشية ابن‬
‫قاسم ‪).399 ،397/3‬‬
‫]‪[37‬فتح القدير ‪ ،422/1‬والفتاوى‬
‫الهندية ‪.110/1‬‬
‫]‪[38‬أخرجه مسلم في المساجد‪ ،‬باب النهي‬
‫عن البصاق في المسجد (ح‪).552‬‬
‫]‪[39‬االختيارات الفقهية ص‪.114‬‬
‫]‪[40‬صحيح البخاري مع عمدة القاري‬
‫‪.150/12‬‬
‫]‪[41‬الشرح الكبير مع اإلنصاف ‪.582/7‬‬
‫]‪[42‬الفتح ‪..356/4‬‬
‫[ ]‪[43‬مجموع فتاوى ابن عثيمين]‬
‫[ ]‪[44‬ابن جبرين ‪ -‬فتاوى الصيام]‬

‫رابط‬
‫الموضوع‬
‫‪: https://www.alukah.net/sharia/0/4325‬‬
‫‪1/#ixzz5olcrInFt‬‬

You might also like