Professional Documents
Culture Documents
*
بـوزيـان أوراغ
هل التنوع واالختالف حكمة أم نقمة؟ لعل اإلجابة المثلى على هذا السؤال اإلشكالي تقتضي
درجة من الوعي ،ويا حبذا لو يكون وعيا حضاريا ،أي التسليم أوال والقبول بمفهوم التنوع الثقافي الذي
أقره برنامج األمم المتحدة للتنمية البشرية الصادر إعالنه األول العام ،†2001وما على القارئ إال
تتبع خط سير هذا المقال وصوالا إلى الغاية المنشودة ،المقال الذي يأخذ أوال في محاولة إيجاد صلة
بين التنوع العرقي ومفهوم الثقافة ،أو التحضر ،أو التقدم ،أمام ما يقف عائقا دونها ،من خالل إعطاء
لمحة تاريخية عن البربر ،ثم تبيان الفرق بين البربر‡ واألمازيغ وأخي ار العودة إلى الثقافة من خالل
األنموذج عروش قبيلة مطماطة .فالبحث ليس ببحث في اإلثنولوجيا وال في اإلثنوجرافيا ـ ـ العلم
الميداني لإلثنولوجيا ـ ـ بقدر ما هو انفتاح منقب له عن صلة بالدراسات الثقافية واإلعالمية.
ولعل اإلجابة على السؤال أعاله كامنة في سرد الوقائع وضرب األمثلةُ ،خذ على سبيل المثال
مجال اإلعالم غير الحصري المتمثل في اإلعالم اإللكتروني ،بما فيه الشعبي غير النخبوي الراهن،
أتُراه سيكون ا
قادر على إثبات وجوده ضمن زخم هائل من فضاءات ما يسمى باإلعالم الجديد؟ لوال
قيامه ثم حرصه على مبدأ االختالف ،بل وجعله منهجا معرفيا ومهنيا ،فباالختالف في الرأي يبلغ
العمل اإلعالمي ذروة تقدمه؛ فبحرية التعبير والفكر بين الحداثي والمحافظ ،وبين الحداثي العلماني
الليبرالي ،واآلخر الحداثي العلماني الثوري ،وبين المحافظ الديمقراطي ،والمحافظ األصيل وهلم جر.
وفي الحقيقة هذ المبدأ هو المكرس لدى الغرب واقعا سوسيوـ ـ ثقافيا قبل الواقع الجيو ـ سياسي أو
.دمج الثقافة في برامج وسياسات التنمية المستدامة وتعزيز حقوق اإلنسان والحريات األساسية .هي من البنود األساسية الذي جاء في †
له "األمازيغ" مثال؟ لعل الجواب يكمن في عدم اتفاق عام عند شعوب وقبائل يقطنون مناطق واسعة جدا في شمال إفريقيا والصحراء الكبرى
ازْي َس ْس ( )Mazicesأصبح يشير إلى القبائل في شرق العاصمة الجزائر، على اسم جامع ،ناهيك أن اسم "األمازيغ" المنحوت من قبل القائد َم ِ
والبربر قبائل كثيرة وشعوب جمة وطوائف متفرقة ينتشرون في كامل الجزائر وشمال إفريقيا ،إضافة إلى أن اسم البربر فيه معاني إيجابية مقابلة
للمعاني السلبية أيضا وهي االختالف والشدة ،فشعوب البربر غير منقادة مثل الفرس والجرمان الذين كانوا يسمون بالبربر أيضا ،أما نحن فنفضل
عليه اسم النوميديين نسبة إلى دولتهم نوميديا ،ونفضل اطالق اسم قبيلة مطماطة النوميدية على اسم قبيلة مطماطة البربرية .مع العلم أن شمال
إفريقيا قبل الفتح كانت تحت حكم نوميديا الشرقية والغربية ،واليوم غدا هذا االسم يشير إلى قبائل الصحراء الكبرى البربر فقط.
1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجيو ـ ـ استراتيجي ،فال توجد طائفية في هذه المجتمعات الرأسمالية؛ ال بين الهندي األصول واليهودي
األصول ،وال بين األمريكي اإلفريقي والبروتستانتي وال بين الحر الال منتمي والشيوعي وهكذا ،ال
فرق بينهم في الحقوق والواجبات وفي العدالة والمساواة.
هذا المبدأ تطلعت إلى تحقيقه الشعوب العربية بعد صراعات مريرة ،بل ودموية أحيانا ،وهو لألسف
تكرس فقط لدى دول عربية تعد اليوم على أصابع اليد ،وهي لبنان والجزائر وفلسطين والعراق ،أما
المغرب ذو األعراق المختلفة فمستثنى بالنظر إلى نظامه الملكي .فلبنان بعد حرب أهلية
ضروس ( 1975ـ )1990يشهد تنمية سياسية وثقافية ملحوظة ،بفضل تجربة الحرب وتجربة الحرص
على نعمة االختالف فالتنوع اإلثني والمذهبي الطائفي§ له آثاره اإليجابية ،وفعال هو ما انجر عنه
فضاء أيديولوجي وسياسي ديمقراطي محل إشادة واحترام دوليين ،وبقي محصنا بفضل تجربته من
ش اررات الربيع العربي الكثيرة في أيامنا ،والذي يقال عن لبنان يقال عن الضفة والقطاع ،بين العرب
الكنعانيين والدروز والمسيحيين والغجر والشركس القبرديون ،التنوع اإلثني الذي ساهم في تبلور حركة
ثقافية قوامها تعدد وحرية النقاشات الفكرية ،بل وحدتها وسمة الملكة في اإلبداع األدبي والفني ،كل
ذلك بدأت مالمحه في الظهور مع عودة ياسر عرفات وإقامته في رام هللا ،وقد خلق عرب 48ـ ـ أكثر
من مليون نسمة ـ ـ برأينا جوا منافسا سياسيا وثقافياﹰ طبعه انسجام يشبه ما هو عليه المشهد العراقي
مع بداية نهاية حرب أهلية وطائفية مدمرة استغلها الخوارج الداعشيون ومن شابههم؛ انسجام سياسي
وثقافي متطلع نحو االستثمار في التنوع العرقي بين العرب واألكراد والتركمان والشركس واألقلية
المسيحية ،لخلق جو من المنافسة العراقية األصيلة الثقافة ،وهو ما لمسنا أثره حقاﹰ خالل الرد على
مناداة أنصار فريق نادي اتحاد العاصمة الجزائري بحياة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين رحمه
هللا ،هذا األخير الذي يمثله السنة المعارضين لحكم الشيعة والصدريين ،ولمسناه أيضا في االنفتاح
السياسي والثقافي للعراق اليوم في منطقة الشرق األوسط لم نعهدهما من قبل ،وعدم وجود اليوم
عداوات للعراق مع أي أحد دليل على أن التنوع الثقافي داخل العراق قد أتى أكله.
لكن هناك حقيقة خافية عن العراقيين وهي أنه ال توجد طائفية وال عنصرية على أساس ديني في
الجزائر ،بل توجد على أساس أ ثني ،ناهيك عن تجذر سنة االختالف على أسس ثقافية في وعيهم
ال إراديا ،أهمجا كانوا كجماهير كرة القدم بالمالعب العاصمية ،أم مثقفين واعيين ،فالجزائريون يقفون
على مسافة واحدة بين الشيعة والسنة ،والجزائريون المسلمون أكثر من 92بالمئة سنة مالكية والثمانية
§ .هذا المقال يعرض بالتحليل فقط لالختالف على أساس عرقي أو اثني أما االختالف الطائفي بين السنة والشيعة العلويين فمستبعد.
2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالمئة إباضية ،أما التيجانية فأضحت سلوكا وليس طائفة ،ألن كل الجزائريون بمقدورهم ممارسة
التصوف متى أرادوا ،وقد فشلت نعرات الربيع العربي مؤخ ار في إذكاء الطائفية بين اإلباظيين والسنة
في غرداية ،ونتيجة هذا التصور فإن ما اصطلح عليه "بالمناداة" كان شيئا أو سلوك عاديا إن على
جميع المستويات ،كون الطائفية كثقافة شعبية غير موجودة عندنا ،بل موجود بدلها بقايا الممارسات
العنصرية العرقية بين األمازيغ والعرب والبربر التي نحن بصددها في هذه الوقفة ،وكذلك الموجود
هو إرهاب الجماعة اإلسالمية المسلحة ،وإرهاب القاعدة (داعش وقاعدة المغرب اإلسالمي) ولعلي
سأكون صادقا وجازما مئة بالمئة إن قلت أن غالبية الجزائريين يعتقدون أن الحرب المشتعلة في
العراق هي بين الجيش العراقي وداعش ال أكثر وال أقل.
األمازيغي le Printemps Berbèresعام 1980 ففي سنوات التي سبقت الحراك المعروف بالربيع
كان للجزائر أعداء كثيرون بخاصة في أوروبا ،أما اليوم فإنه بعد بروز َ
وطوفان مشكلة التعدد الثقافي
على سطح ألحداث مع العشرية السوداء غير ما مرة ،فإن حركة كحركة التجمع من أجل الثقافة
والديمقراطية الـ RCDوالحركة من أجل الحكم الذاتي لمنطقة القبائل MNKاألمازغيتين ،مثال ،قد
لعبتا دو ار بار از في الدفع بالديمقراطية والوحدة بدل االنشقاق ثقافيا وسياسيا جزائريا ،بمعونة أفكار
وثقافة غربية غير أصيلة لديهم (لكنها تشبه ثقافتهم في أصالتها مثل عدم التدخل في شؤون اآلخرين
أقوياء أو ضعافا) وذلك من خالل بحثهما عن الوصول إلى العكس ،أي إلى زرع الشقاق
ا سواء كانوا
بالتمايز واالختالف الثقافي مع العرب! ولعبته الـ MNKمع فرنسا بتجاوز تاريخها االستعماري في
الجزائر عكس شقيقاتهما حركة ال FFSفساهمت في نوع من التقارب ،واليوم ال نجد من أعداء
حقيقيين للجزائر سوى إسرائيل ،لكن ال أحد ينكر أن انفتاح السلطة في الجزائر بعد التسعينات
وانقيادها إلى مطالب البربر واألمازيغ واالعتراف بحقوقهما الثقافية جاء لدرء خطر التفكك والتقسيم؛
فكل طرف قدم تنازالت وتم احتواء الوضع ،ونفس التجربة الجزائرية عاشها وتجاوزها بنجاح العراق
ال
والسودان عن طريق تكريس التسامح الديني والتعدد الثقافي بين اإلثنيات والعرقيات دستوريا ،وصو ﹰ
إلى الحق الذي ما فتئت منظمات حقوق اإلنسان المدنية العالمية تركز عليه ،وهو إحقاق لكل مواطن
ولألجانب ممارسة حريتهم الدينية بكل شفافية ،وتثار هذه الحقوق باعتبار أن أغلب مسيحيو الجزائر
اليوم هم من األمازيغ ليتحقق مع الدستور المعدل ،فأدى ذلك ومثل ما يقول المثل « تحريك وحل
البحيرة سيجعل مياهها تصفى أكثر من ذي قبل » فالذي حدث مع التعدد العرقي بالجزائر هو تنوع
خالق ،مفضي إلى صراع تنافسي بنيوي بين األطياف المختلفة وليس تاريخيا هداما ،وباتجاه داللة
واحدة هي تعكير األجواء كي تصفى وتتجلى « الديمقراطية » شفافة ومن دون قصد أحيانا.
3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.1.1التمايز التارخيي:
لو رجعنا إلى تاريخ البربر/النوميديين نسبة إلى دولة نوميديا الشرقية والغربية في شمال إفريقيا
وجدناه ضارب الجذور في عمق التاريخ ،يرجع إلى اإلنسان البدائي قبل 9إلى 15ألف سنة ،بتقويم
فلكي خاص يرجع إلى 2968سنة وهو تقويم فالحي ،وحسب المؤرخ الفرنسي غابرييل كامبس
Gabriel Campsالمتخصص في تاريخ البربر فإن علماء األجناس يؤكدون أن الجماعات
البيضاء بشمال إفريقيا سواء أكانت ناطقة بالبربرية أو بالعربية ،تنحدر في معظمها من جماعات
بحر متوسطية جاءت من الشرق في األلف الثامنة قبل الميالد بل ربما قبلها ،وراحت تنتشر
بهدوء بالمغرب العربي والصحراء ،1وال أدل من ذلك معنى كلمة " البربر" نفسها :البربر أو البرابرة
اسم ال تيني ،ويعني المتوحشون أو الهمجيون البدائيون الذين يتحدثون لغة غير التينية .أطلق
الرومان هذا االسم على كل األجانب وبينهم األمازيغ حين غزواتهم ،ومنذ ذلك الحين وبعد ِعلمهم
كجيران طبيعيين لسكان الشمال اإلفريقي بما يكون أطلقه على نفسه ذلك الشعب الغير متحضر أي
« أمازيغ » وهي الكلمة التي تُجمع على "إيمازيغن" ومؤنثها " تمازيغت" وتجمع " ِتمازيغين" وتعني
بربارس » و تنحدر
في اللغة األمازيغية اإلنسان الحر النبيل" ،وكلمة « بربر» أصلها التيني ُ « :
هي األخرى من اللغة اإلغريقية " :برباروس" ،هذه الكلمة تعني في الحقيقة "أعجمي" ،أي الذي
اء عدائيا بينهم وبين
يتحدث لغة غير مفهومة" ،فلم يهدأ للرومان بال ولم يطمأنوا غيرة ،واستشر ا
2
البربر واألمازيغ ،تحكمه نزعة العنصرية قبل الندية ،حيث راحوا ينعتونهم بكل األوصاف واألسماء
المشينة؛ هم (الرومان) مع ال ـوندال الذين أنهو مسيرتهم الحضارية ،وكانت قريبة من أن تكون على
أيدي جيوش القائدان هانيبال في ( 247ـ )182ق.م ويوغرطة في 130قبل الميالد الذي أشرف
على بيع روما لوال الخيانة التي لحقت بهما ،وهذا يرجع برأينا لحرصهم على نظام حكم ناجح قبلي
جهوي مقابل النظام الملكي المركزي ،ثم كان صدام تاريخيا يتلو صداما بينهم وبين َ
آخ َرهم وبالتراشق
الذي جوهره أصل ومدى صحة البديهية⸨ :تقدم البربر ثقافيا /حضاريا مرهون بحرصهم على ثقافتهم
المختلفة عن ثقافة األجناس الغازية⸩ أولهم المسلمين الفاتحين والهالليين عربا أو شيعة ،وإلى اآلن
مازالت آثارها مستمرة ،حتى وإن لم يفعل العرب كسابقيهم ،لكنهم تفلسفوا في إيجاد رابط الرحم بينهم
وبين البربر لحاجة في أنفسهم هم أيضا.
لكن لما استند بعض المؤرخين إلى كشوفات علم اآلثار والفنون القديمة ،وجدوا أن أول إنسان في
التاريخ اكتشف في شمال أفريقيا نحو مليون سنة في منطقة عين الحنش بوالية سطيف ،وبالتالي
4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاإلنسان األمازيغي لم يهاجر إلى شمال أفريقيا ،ولكنه وجد فيها منذ البداية .غير أن العالم
الفرنسي المختص في تاريخ شمال إفريقيا القديم من خالل أبحاثه العلمية رأى أن "البربر ال يشكلون
شعبا منسجما من حيث األنثروبولوجيا ( )..فهم نتاج خليط من قبائل وشعوب متعددة" 3وهذا الكالم
العبر" و حتى ابن حزم األندلسي فييعضد فكرة أهل مكة أدرى بشعابها البن خلدون في كتابه " ِ
كتاب المفقود "نسب البربر ،أحرق" أن أغلبيتهم من أصول رومانية وندالية أوروبية وفينيقية أما
من نسبهم إلى قبائل مضر وحمير بن سبأ ـ ـ بربر بن قيس ـ ـ ومن قبائل عدنان المستعربة فهم
غير مختصين في تاريخ الممالك والشعوب كابن قتيبة وغيره ،وهو افتراء مخطط له أول بأول ،ألجل
االحتواء وشرعنة الغزو /الفتح باعتبار استمرار جيوب المقاومة لهم في القرون الثالثة األولى له
ملتبسة عمدا بالصراعات بين الدويالت الناشئة وليس بين البربر والعرب ،ثم جاء نيل المكاسب
المادية قسمة بين األطراف المتصارعة (في مغرب إسالمي شاسع ومثمر بخيراته) ولتخفيف الصراع
وتحقيق نوعا من أنواع الطاعة والوالء.
أما الفرق في التسمية بين "البربر" و" األمازيغ" لغويا فال يوجد من فرق يذكر؛ فالبربر هم األمازيغ
واألمازيغ هم البربر ،والتسمية تبقى نسبية الفهم من قبل األمم المجاورة للبربر أو البعيدة عنهم؛
سمي بالشعب المسعتمر لشمال إفريقيا ،سواء كانوا يفوقونهم في التطور ناتجة عن عالقة الم ِ
ُ
الحضاري كالرومان .أو مساوين لهم كالعرب؛ فالخليفة عمر بن الخطاب الذي دفن بنته حية في
الجاهلية انهزمت جيوش قواده أمام قائدة أمازيغية بدرجة ملكة تدعى كاهنة بنت ديهيا ،ولم يفكر أباها
إطالقا في دفنها حية! غير معقول بأن يصف البربر بغير أنهم بربرا ،فقد عكس معنى التسمية من
حيث دالالتها على حمل معنى "األحرار" أو "الهمج" درجة وعي المرحلة التاريخية واألجناسية على
السواء ،أما معاص ار فقد اختلفت التسمية ذاتيا بين قبائل البربر وقبائل األمازيغ ،وتبعا لذلك تمايز
"البربر" عن "األمازيغ" واختلفوا؛ حيث لمدة عقود من الزمن مند أن وقعت مدرسة جزائر االستقالل
تحت سلطة إيديولوجية خلقت ورعت في أذهان التالميذ والطلبة الجزائريين صورة عنصرية عن
األمازيغ وهي أن "البربر" هم سكان الجزائر األقدمين الذين سكنوا األكواخ والكهوف.
أما في االصطالح فهناك فرق واضح بين التسميتين ،وهو يختلف باختالف البلد المغاربي ،حيث
بدأ البربر في التمايز و التباعد عن بعضهم بعضا كقبائل متعددة منذ الحرب العالمية الثانية ،أي
مع حداثة المجتمعات المغاربية La Modernitéعندما ُجند األالف منهم في الجيش الفرنسي و
هجر عددا مماثل منهم للعمل هناك إثر المجاعة الناجمة عن الحرب العالمية والظروف القاسية
5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جراء استمرار المقاومات الشعبية ـ ـ وأنا أسرد ها هنا االختالف االصطالحي بين تبلور مصطلحي
ال ْقبايل/األمازيغ والـبربر ،والذي تكون مرحليا في الجزائر من منطلق معايشتي للواقع السياسي
واالجتماعي أي اإلثنوجرافي ـ ـ وعندما عادوا عاد هؤالء المهاجرون ال ْقبايل كانت قد تكونت لديم
درجة من الوعي السياسي والثقافي ،وهذا ال يعني أنه أثناء وقبل حرب التحرير لم يكن لديهم هذا
الوعي ولكن كما يرى المفكر المغربي عبد هللا العروي ،كانت اليد االستعمارية كونت مجموعة
منهم انضمت إلى الثورة التحريرية الكبرى لتقف ضد خط االنتماء العربي اإلسالمي وتطالب
بجزائر بربرية ،وقد قامت كما أوضح الباحث أحمد بن نعمان عالقة بينهم وبين المخابرات الفرنسية
واألكاديمية البربرية بباريس التي أنشئت عام ( (1967لخلق تيار معارض للعربية وبث الفرقة
والشكوك والنعرات العنصرية بين أبناء الوطن الواحد ،وكانت لهم مطالب خطيرة في المؤتمر األول
المنعقد عام ( (1980بفرنسا تمثلت في ترقية اللهجات البربرية وتوحيدها وتدريسها ،وأعقبوه
،
4
بملتقى ثان في الجزائر العاصمة عام ( )1999وأنشأوا حزبا يتبنى هذه المطالب و ينادي بها
وبعد استقالل الجزائر تغيرت المفاهيم كثي ار ،نتيجة نشأة طبقية وتراتبية غير معهودة في المدن
بدء بتغير مفهوم مصطلحي البربر واألمازيغ؛ حيث اسم األمازيغ أصبح الكبرى بالجزائر قاطبة ا
ينطبق على قبائل بربرية معينة في الجزائر ،وهي القبائل الكبرى بتيزي وزو والصغرى ببجاية وإلى
حد ما منطقة بني ميزاب بغرداية وحتى الطوارق إلى حد ما بتمنراست وجانت في الجزائر ،ألنها
أصبحت تحرص على نقاء الجنس بعدم الزواج من غير األمازيغ الذين يتكلمون اللغة األمازيغية
(تاقفيليث ،تمزابيث وثجانايت على التوالي) ولهم عادات وثقافة يحرصون عليها من الضياع،
فاألحداث الدامية في غرداية مؤخ ار كان سببها الغير المباشر الحرص على التراث األمازيغي
الميزابي ،حيث بعد اضمحالل أيديولوجيا الحزب الواحد ظهرت الحركة اإلسالمية ليس لتصحيح
القدح ،بل أضافت لتلك الصورة المشينة عن البربر عبادتهم ،فقالت أنهم كانوا ضالون كالغجر
ويعبدون التيوس! ونتيجة ذلك الوصف والسلوك أصبح أهل القبائل الكبرى والصغرى يشددون على
أنهم أمازيغا وليس بربرا ،وفي نفس االتجاه سار البربر حيث اعتبروا تسمية األمازيغ ال تليق بهم
ألنه ال يوجد عربا بين أمازيغ تيزي وزو وبجاية ،العرب الذين هم عبيدا هلل وليسوا أحرار ،وعدم
التواجد هذا مخطط له حسبهم بنية بقاء نقاوة العرق ،والبربر ليس من صفاتهم عدم االختالط بالعرب.
6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمناطق األخرى التي بقيت "قبائل بربرية" واتصفت بها تسمية البربر هي نتيجة من نتائج عدم
فقط ،أي أن البربر هم **
الحرص على نقاوة تراثها حرصا جماعيا فألمر متروك عندهم لألفراد
بالضرورة أمازيغ إذا ارتكزنا على الطابع الثقافي الفردي ال الطابع الجماعي (السياسي) أما العكس
فليس صحيح ،أي أن اليوم األمازيغ ليس هم البربر ،ولعل انتفاضة الربيع األمازيغي واقتصارها على
مناطق القبايل دليل آخر حاسم على ما نقول ،مع التحفظ الدائم لنقص المراجع والحوار حول
الموضوع لحساسيته لدى جميع األطراف :األمازيغ والبربر والسلطة ،ثم لهذا االعتبار ،أعدادا من
القبائل األمازيغية النقية النسب في مناطق نطاق حدود العاصمة (بومرداس وبوفاريك حتى شرشال
مرو ار بموزاية ومليانة) تكاثرت واختلط نسبها فأصبحت توصف بأنها أمم أو شعوب بربرية وليست
قبائل أمازيغية ،اختلطوا بباقي إقليم وسط الجزائر من غير تيزي وزو وبجاية الذي يحوي بربرا :في
شناوة تيبازة وعروش مطماطة بوالية عين الدفلى مثال ،وكذلك الشاوية في شرق الجزائر ،والشلحة
في األبيض سيد الشيخ .وفي بعضها اآلخر تناقصت أعدادهم أو تعربوا خاصة في منطقة الغرب
الجزائري (ما يفسر أن أفصح الناطقين بالعربية اليوم في الجزائر نسبتهم أعلى في جهة الغرب) وذلك
تعرب القبائل األمازيغية القديمة ودخولها في حقل مفهوم "البربر" االصطالحي المعاصر،
بسبب ُّ
ولعل الوصف ينطبق تماما على بقايا قبائل زناتة وصنهاجة وأوربة ومطماطة وغيرها من القبائل
المتشتتة اليوم بين إقليم الوسط والغرب الجزائري كذلك.
ثم هذه الحساسية التي قد تصل إلى العصبية اتجاه اللغة األمازيغية ،بالحرص على نقاوة الجنس
األمازيغي والنضال من أجل التراث األمازيغي التي تفجرت في تيزي وزو وانتقلت إلى غرداية! هي
في الحقيقة ثقافة تشكلت نتيجة الطبقية والبورجوازية العربفونية والف ارنكفونية الليبرالية معا في فترة
الستينات والسبعينات ،أين كان األمازيغي الذي ال يحرص على طابعه الديني ال يوظف وال يتمتع
بمزايا العربي الذي يحرص عليه! فإذا كانت القراءات المتعلقة باإلسالم بعد هزيمة 1967خلقت ما
يعرف بالصهيونية اإلسالمية والتي و ارءها من يدعون أنهم يدافعون عن عزة ومجد اإلسالم وقتال
النصارى مطبقين نبوءة العهد القديم ـ ـ الصهيونية اليهودية التي جارت النبوءات القديمة في طروحاتها
السياسية بضرورة فناء الشر على األراضي المقدسة ـ ـ وعلى هذا النهج اهتمت بجلب اآلخر الكافر
** .أي أن البربري المقيم في منطقة البربر يرجع له الخيار الحر بالزواج من البربريات مثله ،من عدمه ،ويرجع له الخيار في تعليم أبنائه اللغة
البربرية من عدمها ،وكنت أنا بصفتي مطماطيا قد ولدت ألبوين يتحدثان اللغة الزناتية لكنهما لم يشاءا تعليمها لي وألخوتي ألسباب ال متسع
لذكرها ،لكن تعلمت بعض أساسياتها من أبناء العمومة .ولو نأتي لنتائج هذا الخيار أجدني مدينا ألبي ألنه لم يعلمني الزناتية ومن ناحيتين:
أولها أن جينات األجداد فينا بقيت شاغرة ومألت فراغاتها اللغة العربية ،وبالتالي طاقتنا اللغوية مع العربية أضحت طاقة زائدة حتى عن العربي
الصافي في جبلته للعربية .وثانيا أنه وَفر لنا داخل البيت كتب مشرقية تراثية عربية وتربوية بخاصة من نوع األسلوب الصحيح اللبناني والنحو
العربي من خالل النصوص وغيرهما ،والتي كبرنا على مطالعتها فوجدنا أنفسنا ننام ملء جفوننا عن شواردها عندما يبيت جراها غيرنا ويختصم.
7
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى العالم اإلسالمي لقتاله على أرض اإلسالم .نفس الشيء بدأت تتضح معالمه مع أمازيغ تيزي
وزو وبجاية الذين يسمون محليا في الجزائر بال ْقبايل Kabyliensبعدا أن خاب مسعاهم في تعميم
لغتهم وثقافتهم على كامل ربوع الجزائر ،فخلقوا نزعة صهيونية ْقبايلية أو"الصهيونية األمازيغية".
فالمطالبة بالحقوق اإلثنية بخاصة ما تعلق باللغة قد طفت إلى السطح كرد فعل على الممارسة
العنصرية الثقافية ضد البربر بشكل عام وعلى السلطوية االجتماعية ،من ثمة دخلت الخطابات
السياسية معركة اإلثنية ،وهو الفعل األيديولوجي الغير ديمقراطي مع بدايات سقوط األنظمة االشتراكية
ثم العولمة ،تبعه بالضرورة رد الفعل الثقافي ،والذي أظهر ،بل مايز وباين أكثر بين مصطلح
األمازيغ والـبربر .بالرغم من أن غابرييل كامب يقول أن "في الواقع ،ال توجد اليوم لغة بربرية،
بالمفهوم الذي تكون فيه انعكاسا لمجموعة تحس بانتماء موحد ،وال شعب بربري وال عرق بربري.
على هذه األوجه السلبية كل الخبراء متفقون" 5وقوله هذا جد عملي ،لذلكم يقول أهل القبائل ـ ـ تيزي
وزو وبجاية ـ ـ اليوم (المتحضرون) بين قوسين الذين تمرسوا على األفكار السياسية والثقافية التي
تأتيهم من وراء البحار (من ذلك المطالبة بالحقوق الثانوية كتعليم األمازيغية في الجامعة وكتابتها
بالحرف الفرنسي) فيقولون أن تسمية "البربر" هي فضيحة عنصرية للشعوب المجاورة لشمال إفريقيا
مع شعوب شمال إفريقيا ويرفضون تسميتهم بها؛ من هذا المنطلق تكون مفهوم الـبربر مختلف تماما
عن المفهوم السابق قبل استقالل الجزائر ،وهي القبائل التي لم تطالب بحقوقها الثقافية عكس القبايل،
ونتيجة عدم هذه المطالبة أصبح عروش تيزي وزو وبجاية عنصريين اتجاه البربر اآلخرين ،أي
أصبحوا عنصريين مع بعضهم البعض كأمازيغ بربر ـ ـ مع بربر :تيبازة والبرج والبليدة والبويرة ـ ـ
مفتقدين كليا أو متخلين عن األصالة العربية اإلسالمية نتيجة تأثرهم بالمعاصرة الغربية/الهجرة إلى
فرنسا ،سويس ار وكندا ،معتقدين أنهم ضحايا للعنصرية من حيث أنهم سبب نشوء لعنصرية
جديدة! ويذهبون في عنصريتهم بعيدا ،ربما جاز لنا أن نطلق عليها صهيونية تيزي وزو وبجاية
ال ْقبايليةُ ،مدعين أن أصل ال ـبربر من غير القبائل الكبرى والصغرى البد وأن يكونوا من السالالت
القادمة من أعراق جاهلية عربية ،وأصل أمازيغ تيزي وزو البد لِزاما أن يكون من الساللة األعرق
الهندو أوروبية (القادمة من أوروبا)! لذا البد من استدراج كل الجزائريين من غير األمازيغ إلى منطقة
القبائل ثم التفنن في قتلهم ثقافيا ،أي رفض مذل للسانهم العربي وسلوكهم الديني ،وهو الحاصل
فعال؛ إذا كنت في تيزي وزو وطلبت قهوة بالعربية ال ينفذ لك طلبا ،وإذا سجلت الحكومة مشروع
بناء مسجد فيها ال يخرج إلى النور أبدا ،بل أن بعضهم ممن يتكلمون العربية وقد التقيت بهم أثناء
دراستي الجامعية بالعاصمة الجزائر يتطيرون من العرب ،ويشكرون هللا على أن خلقهم من جنس
8
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غير عربي! هذه الصهيونية تماثل صهيونية للوبيات اليهودية في الواليات المتحدة التي تزعم أن
اليهود ساميون والعرب ال ساميون.
أما عروش قبيلة مطماطة فهم عينتنا من القبائل البربرية التي تمقت "الصهيونية ال ْقبايلية
" بالضرورة بالرغم من أنها تفقد يوميا من تراثها المطماطي البربري الشيء الكثير ،ناهيك عن اإلرث
اللغوي (منها اللغة الـزناتـية) الذي يكاد ينقرض ،وهم بالكاد يكادون يأمنون قوت عوائلهم في
كالقبايل تماما،
َ بؤر تجمعاتهم المنحصرة جيل بعد جيل؛ عندما كانت قبيلة مطماطة قديما قبيلة كبيرة
لكن االختالط والمصاهرة والفرار الجماعي إلى الجبال إثر التمييز االجتماعي في تحصيل مورد
††
الرزق حتى من القبايل أنفسهم في مدن طارق ابن زياد أو د ارﭭـ أو مدينة برج األمير عبد القادر
حتى أصبح عددهم اليسير اليوم ال يكاد يذكر إال في والية عين الدفلى ،في عين األشياخ ووادي
جمعة ،وبين هذه المدن الثالثة تقع مرتفعات جبلية ،هي ما يسميها عرب المنطقة بـبالد
مطماطة ،على أن عرش مطماطة الذي هو أكبر العروش (عرشي مطماطة وه اروات وعرش أوالد
مهدي ،وجميعهم يتحدثون لغة واحدة هي زناتية ويدعون مطماطة) وتسبب إرهاب التسعينيات
مؤخ ار في تركهم مناطق نفوذهم في مداشر :دوار تيغزرت ودوار أغبال ورويفية والشاون حتى
بلعتاريس وغنامة شمال تازا ،نازلين إلى مدن دراق وطارق ابن زياد وتا از على التوالي ،وإن لم ُيعرف
المطماطيين بلسانهم المطماطي (إمظماظن ْإزناتين) فإنهم يعرفون برطانة عربيتهم المختلفة عن
رطانة ال ْقبايل والشاوية ،وتقدر نسبة مطماطة الذين يتكلمون الزناتية والذين ال يـتكلمونها في بلدة
برج األمير عبد القادر حسب تقديرنا الشخصي بعد وأثناء العشرية السوداء حوالي % 25ونسبة
األمازيغ (ال ْقبايل) %15والباقي عرب .وقد تراجعت العنصرية بين هذه العرقيات الثالث طبيعيا مع
انخفاض معدالت األمية وازدياد التنمية المحلية.
كانوا يأملون بل ُيمنون النفس أيما َمن بإقامة أسس مجتمع الشمال إفريقي الحر ،والمتنوع الثقافات
حتى قبل التداول السياسي لهذا المفهوم؛ مجتمع العدالة والتقدم ،لكن هيهات ،لذا تراهم اليوم كما
األمس من أشد الشعوب حرصا على حريتهم ،تحدوهم إرادة وعزيمة فطريتين إليها ،وقد اختلط هؤالء
†† .اخترناها كذلك ألن صاحب المقال يعتز ويفخر أيما فخر بكونه مطماطيا زناتيا ،وله من التجارب المدونة في ذاكرته ما له ،وقد حفل بها
صباه ،منها المعاملة العنصرية من األمازيغ ال ْقبايل أنفسهم والعرب كذلك :فالقبايل في البلدتين المذكورتين على سبيل المثال متحكمين في قطاع
التجارة وكان والدي يرسلني ألتبضع من عندهم وألتقي في حوانيتهم مع أبناء الموظفين ،فيحادثونهم ويضاحكونهم وال يفعلون معي نفس الشيء
ويقدمونهم علي بالرغم من أنني دخلت حانوتهم أوال ،وربما ال يرجعون لي الباقي إال بعد أيام بدعوى نقص السيولة.
9
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المطماطيون كغيرهم من البربر بعرب شمال إفريقيا القادمين من كل مكان عبر التاريخ ،سواء أولئك
العرب المقيمون في الغرب الجزائري الذين يدعون بالموريسكيين أو المور 6أوالهالليين المنتشرين
ولما تميز ‡‡
بالسهوب وأطراف الصحراء الكبرى أو المقيمين في حوض المتيجة من أمازيغ وكراغلة
هؤالء المطماطيون بالتوق إلى الحرية والدفاع عنها كان من الطبيعي أن تتضاعف الممارسات
العنصرية اتجاههم بخاصة في النقل والتوظيف في القطاع الحكومي.
ولعل الفرق واضح بينهم وبين جيرانهم التاريخيين العرب الموريسكيين ـ ـ ـ جل الموريسكيين الذي
دخلوا الجزائر قطنوا الغرب الجزائري تعربوا طوعا ولم يتمزغو ،وهم الذين كان أجدادهم متمدنين في
الجزيرة اإلبيرية ُمعايشين بل خاضعين للسالالت اإلسبانية ،إن كانت أقوى منها ـ ـ ـ وهو عدم االستسالم
للشهوب واألعراق األخرى بسهولة ،بل يحبذون عيش معيشة الحيوانات في مناطقهم الجبلية المعزولة
على االستسالم لغالة المستعمرين وحلفائهم الذين استقووا على مناطقهم وأخضعوها لحكمهم
بعد ،1834فعندما استسلم األمير عبد القادر ابن محي الدين لهم بعد 17عام من مقاومة
الكــر و الف ــر ،كان هؤالء المطماطيون يصارعون الحياة القاسية في شرق جبال الونشريس بعد أن
رحلوا إليها من المنخفضات الخصبة التي صادرها المستعمرون الفرنسيون ـ ـ ـ تماما مثلما صادر
اإلنجليز أراضي الهنود الحمر الخصبة في منطقة الماهيكان Mahicansضواحي نيويوك وطردوا
أصحابها إلى الجنوب ـ ـ لصالح مستوطنيهم ولصالح البشاوات وال ُقياد من أحفاد الكراغلة ،ومن أحفاد
الموريسكيين الذين يقومون على خدمتهم معا ،وانتقلوا إلى مرتفعات الونشريس الشرقية آلمانها وبعدها
نسبيا عن الشريط الساحلي 140-100كلم.
إن تاريخ مطماطة كقبيلة كبيرة يرجع آللف السنين وهي من أشرس القبائل دعوة إلى السالم وإال
ما كان يذكر ابن خلدون بالذات (موطن ابن منداس) في كتابه "تاريخ ابن خلدون" قائالﹰ ":وهذا ما
األخباريين من البربر و وقفت على
ّ تلقيناه من أخبار مطماطة (وأما موطن منداس) فزعم بعض
سمي بمنداس بن مغر بن أوريغ بن لهرر بن المساو وهو هوارة" 7فقبيلة
كتابه في ذلك أنه ّ
مطماطة كانت قبيلة كبيرة في عهد ابن خلدون ـ ـ القرن 15ميالدي ـ ـ أما حاليا تفتتت إلى عروش
ضاع منها تراثها اللغوي بنسب مفجعة تشمل وياليتين متجاورتين :شناوة (إيشنوين) بوالية
تيبازة ومطماطة (إمظماظن) بعين الدفلى و فيها ثالث عروش كبيرة ( والعروش األخرى يقال أنها
موجودة في شرق عين الدفلى لكن غير معروفة وبعيدة عن الجبال! ) وُذكرت مطماطة في كتب
10
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التاريخ أنها لواتة أو هراوة 8ككتاب "القبائل األمازيغية" للبوزياني ،أي أنها من عروش قبيلة جندل
أو خميس مليانة مصاهرةﹰ؛ وهنا ال بد من اإلشارة إلى نقص الوثائق والمراجع.
أما العروش التي نحن بصددها موطنها التاريخي شرق المدية وجنوب خميس مليانة ومازالوا يكنون
بمطماطة ،ومنطقتهم تسمى بالد مطماطة على المرتفعات وسفوح جبال الونشريس الشرقية القريبة،
في شكل اختالط عرش ه اروات بعرش مطماطة لكن الناس ال يعرفونهم إال باسم واحد وهو مطماطة،
ويقطن أغلبهم حاليا في مدينة طارق ابن زياد وحواضرها حتى مدينة برج األمير عبد القادر جنوبا،
وهم منقسمون محليا إلى عرشين ه اروات ومطماطة ،وهناك أيضا عرش أوالد مهدي بواد جمعة بين
جندل و طارق بن زياد ،كما نجد الشريف اإلدريسي يذكر قبل ابن خلدون أن موقع مطماطة منداس
من شلف غربا إلى المدية شرقا إلى حدود مهدية جنوبا ،وما كانت لتكبر لوال التحاق زناتة ابن توجبن
من تاهرت (تيارت حاليا) ليؤكدها المؤرخ المعاصر حماه ولد السالم ذلك " :لحقوا بنو توجين من
زناتة على منداس وصاروا في عداد قبائل الغارمة" ، 9يقول اإلدريسي في كتابه "نزهة المشتاق في
اختراق اآلفاق" كانت مملكة بن توجين ـ ـ مملكة الونشريس ـ ـ تحوي مطماطة الكبرى أنذاك ،فقال في
التعريف بجبل الونشريس :وبنو أبي خليل وكتامة ومطماطة وطوله أربعة أيام ينتهي إلى قرب
تاهرت/تيارت .وفي هذه المملكة التي كانت تشمل أربع قالع أو حصون :المدية (أغلب الظن هي
مطماطة الحالية في والية عين الدفلى) تاو غزوت ،تاقدمت ،وتافرقينت .بقيت قلعة المدية وهي
المدينة التي بناها بلقين بن زيري في عهد الدولة الفاطمية بعد تأسيسه لمدينة الجزائر الحالية ومدينة
مليانة.
لم ُيعرف عن قبيلة مطماطة التاريخية منذ القرون الوسطى إلى أيامنا الشيء الكثير ،وما بالك
بالعروش المنقسمة عنها ،المنجرة عن التشتت بالمصاهرة في تاريخنا المعاصر ،وكنتيجة حتمية
لسقوط مناطق المغرب اإلسالمي القليلة الساكنة والغير استراتيجية بالنسبة لطرق التجارة سقطت في
التخلف الحضاري قديما وحديثا ـ ـ ولعل مطماطة إحداها لعدم وقوعها ضمن خط سير القوافل ـ ـ
سقوطها في العزلة والتهميش بسقوط دويالت المغرب األوسط :الدولة الرستمية فالدولة المهدية
الفاطمية ثم دولة الموحدين ،ومنذ ذلك الحين بضياع األراضي السهلية منها لعبت بداوة المرتفعات
دورها السلبي في التعود على ثقافة الال تمدن مثل قبائل النيبال تماما.
ولكنهم غالبوه وتغلبوا عليه ،غالبوا حياة الق ــر الشديد في الجبال والذي يمتد لثالثة أشهر بالتفنن
في تجفيف األطعمة وتخزينها لهم ولماشيتهم ،وحياة الحــر األشد الذي يماثله مراوحة .وفي تلكم
11
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
§§
الفترة ،فترة التخلي عن األراضي المنبسطة بدأت المعاناة والقساوة .وكان األمير عبد القادر الجزائري
تحول منفيا إلى دمشق الفيحاء مؤلفا كتابه "المواقف" متغافال عن اتخاذ موقف من المقاومة الشعبية
المستمرة في كامل ربوع الجزائر؛ حيث كان فيها المقاومون األشاوس من الـمور الذين ذكرنا بالسهوب
ُيذبحون بكل وحشية ويقتلون أشر القتل بل يشنقون على مرأى من العالم المتمدن ،على أنهم بربر
خارجون عن القانون Berbères hors de la loisفيما كان سيادة األمير يهادن غالة المستعمرين
ويعايش النصارى واليهود ،بل يتفنن وهو في حل من أمره في الفيحاء دمشق التمكين لمذهب محي
الدين ابن عربي الصوفي في كتابه المواقف الصوفية ـ ـ ـ ليس ليقتدي بها أحفاده وال يعودون للمقاومة
ثانية ،بل كي يقنن ما أقبل عليه من استسالم ويشرعنه كي يستسيغ االستسالم كل المسلمون األمازيغ
الذين مازالوا مرابطين الذين أروا فيه "استسالما مهينا" لهم ،وعمل األمير هذا أشبه ما كان بعمل
السلطات السعودية اليوم مع المقاومة الفلسطينية ـ ـ ـ
أجل ،كان الزعيم البطل الشيخ بوزيان القلعي ُيجلد ويعذب ثم يقاد ليشنق على المأل في ساحة
حسين داي بالجزائر .والشيخ بوزيان القلعي ال ترجع أصوله للمورسكيين (في غالبيتهم خليط زيجات
بني أمية حفدة عبد الرحمن الداخل باإلس ــبان والمرابطين األدارسة) مثل األمير عبد القادر الجزائري،
وإنما ترجع أصوله لفخذ من قبيلة مطماطة في غليزان القريبة من عين الدفلى ،ولم ُيلتفت إلى نسبه
إلى أيامنا لما قاوم االستعمار في منطقة شبه صحراوية مختلطة األعراق تجمع بين الم ــور والعرب
ال هالليين الذين استوطنوا في سهوب الحضنة وأوالد نايل :المسيلة ،الجلفة واألغواط حاليا ،وبين
البربر "الشلحة" في األبيض سيدي الشيخ وكتامة وصنهاجة تاهرت المنحدرة منها قبيلة مطماطة كما
يذكره ابن خلدون؛ وكلهم مقرهم في المغرب األوسط بين التيطري ووهران أو بين تاهرت ووهران،
فالشيخ بوزيان القلعي رحمه هللا في سلوكه الشهم غير المهادن تُعزه وتكرمه أصوله البربرية القحة،
فيخلد في األدب الشعبي بقصيدة و إال ما كان ُليضرب به المثل بعد استشهاده بتلك الطريقةُ ،
تحمل اسمه. 10
ملحمة
وبالرجوع إلى قبيلة مطماطة وما تحمله من خصائص ثقافية أصيلة مقابلة ألخالق األمير آنذاك،
والذي رابط غير بعيد عن منطقة نفوذها ،أي رابط بين قصره المحصن في تــا از ( برج األمير عبد
القادر والية تيسمسيلت حاليا) وعاصمته المتحركة طاﭭين (زمالة األمير عبد القادر والية تيارت
حاليا) ،العاصمة التي قوامها والشك فرسان وجنود مطماطيون أيضا ،سنجد أن التقابل حقيقي غير
§§ .يقول المؤرخون أن في هذه الفترة التي قام فيها األمير في دمشق تغير لقبه من األمير عبد القادر ابن محي الدين إلى األمير عبد القادر
الجزائري.
12
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متخيل وهو الذي يتجلى أول ما يتجلى في شعار المقاومة « النصر أو االستشهاد » لدى المطماطة
وأبطالها التي تربطهم روابط نسب ،كالشيخ بوزيان القلعي والشيخ الحداد والشيخ المقراني بالمغرب
استثناء مقاومة الشيخ بوعمامة نوعا ما بغرب المغرب األوسط (البيض والنعامة حاليا)
ا األوسط ،و
والشيخ ابن زلماط بالشاوية ،وشعار مقاومة األمير « النصر أو االنسحاب /الكر والفر» في الغرب
الجزائري (من تيارت وغليزان حتى الحدود المغربية) وال نريد هنا الدخول في متاهات أخرى نتيجة
هذا الحكم ألن الموضوع ال يسمح :هذا الرأي أو الموقف تدعمه مشاركة عروش مطماطة البطولية
الحركة ممن
في الثورة التحريرية؛ إذ ال تخلو عائلة من عوائلهم اليوم من شهيد ،بينما نجد عدد ْ
***
خانوا الثورة وخدموا أسيادهم أكثرهم من منطقة الغرب الجزائري ،منطقة الموريسكيين!
باألحرى الثقافة هي أولى الخطوات التي البد منها لوضع القدم على السكة الصحيحة أو على
قدر التحول إلى المجتمعالمسار الصحيح للتقدم ،فعندما يدخل في فكر المجتمع الديني اقتناعا ب َ
المدني ،فإنها خطوة ثقافية وال شك نب َذ من خاللها األيديولوجيا التي شكلها الدين إلى ارتباط طبيعي
فطري (ال أيديولوجي) بين العبد وربه بعيدا عن اإلكراهات والمنفعية ،ثم تأتي العملية العكسية التي
هي مآل المجتمع المدني وهي الديمقراطية للحفاظ على ذلك التقدم ،وبالتالي يصبح التقدم ثقافة.
ولعل الال انسجام بين البربر والسلطة الحاكمة اليوم يعود للمرجعيات السياسية والقومية األيديولوجية
أكثر منها إلى المرجعية الدينية ،حتى أضحت بالعادة والتقادم تبدوا وكأنها مشكلة ثقافية؛ أحدهم
يرنوا إلى قيم التقدم التي ال تتأتى دون هوية أصيلة ،واآلخر يحن إلى قيم التخلف والرجعية.
فإذا كان أمازيغ القبائل بتعصبهم الجديد إزاء الثقافة ـ ـ ربما غير مقصودة العنصرية المنجرة عن
هذا التعصب ـ ـ أرادوها أن تكون مشكلة حدود التقدم االقتصادي والسياسي الذي هو الحد األدنى
من الديمقراطية والعلمانية الغربية ،أي الممارسة الحرة للثقافة بالحكم الذاتي في القبائل الكبرى
(تيزي وزو) والصغرى (بجاية) ،وقد مهد لهذه الرؤية تقليدهم للممارسة االختالفية السياسية في أكثر
من قطر أوروبي؛ فرنسا مع مونتي كارلوا وإسبانيا مع الباسك ،لكن الديمقراطية الغربية والتي يريد
أن يتبناها الـ MNKوتطلع إليها حزب األرسيدي أيضا ،تعترف على األقل بحقوق األقليات اإلثنية
التي لها إرث ثقافي مختلف ،إذن فالبون شاسع حول القيم الديمقراطية وثقافتها بين الدول الغربية
وبين من حاول تقليدها فيها من عرب مور وبربر وأكراد وفرس ،من ذلك لجوئهم إلى ممارسة العنف
*** .وأنا بالذات محرر هذا المقال ،كان جدي شهيدا ،وأبناء عمومتي أباءهم وأجدادهم كلهم شهداء ،مع هذا كلنا نعاني ومازلنا من الفقر
وشظف العيش جراء البطالة وغيرها!
13
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيما بينهما ومع الحكومة ،بل ولجوء الحركتين إلى تعبئة سكان المنطقتين من أجل االستقالل ثقافيا
عن البلد ،بإحالل شامل وكامل للغة األمازيغية محل اللغة العربية ،يعني حتى اللغة العربية تدرس
باللغة األمازيغية ،وبالال مباالت باالحتفاالت واألعياد الوطنية ،واالحتفال مكانها بكل ما له صلة
بالتراث األمازيغي في المنطقة فقط ،أي أن يصبح تميز الكيان القبائلي عن غيره ملموس من خالل
الثقافة والتقدم يبدأ بهذه الخطوة األولى كما يعتقدون.
و ِ
فطنت السلطات لذلك بسرعة واتخذت تدابير فورية مضادة .ولعل البربر عامة نخبتهم ودهمائهم
ـ ـ ِمن غير ال ْقبايل ـ ـ مع السلطة الحاكمة اليوم في الج ازئر ال يريدون للمشكلة أن تخرج عن
إطار مشكلة العدالة بين مختلف جهات الوطن؛ حتى بين البربر في جميع مناطق القطر ومع
قبائل تيزي وزو وبجاية ،والقطيعة مع ممارسات الماضي ،مع وجود السلوك المفارق لكليهما برب ار
أو أمازيغا ،حين يقول كليهما أن كل الجزائريين أمازيغ ،لكن الكيفية حول جعلهم كذلك مختلف
حولها بينهما البربر واألمازيغ من جهة ،والحكومة من جهة أخرى .لعل أحد تلك الكيفيات هو :فيمن
يحق لهم االحتفال بالرموز الثقافية البربرية وجعلها احتفاالت وطنية دائمة!؟ أيعقل مثال بأن تحيي
وهران سنويا مهرجان التراث البربري الترقي أو الميزابي! وكيفية تعميم تعليم األمازيغية؟ فالحكومة
تقول بتعلم اللغة األمازيغية لمن أرادها ،بينما يقول سائر البربر بأن اللغة األمازيغية لغات عدة أو
أمازيغيات عدة لذلك يجب أن َي ُحل تعليم اللغة األمازيغية الموجودة في كل منطقة محل اللغة الفرنسية
واللغة الفرنسية محل اللغة اإلنجليزية وهكذا ..وفي المقررات الدراسية من اإلعدادي حتى الدكتوراه.
وعلى ذكر المحلية البد من مالحظة أن المتأمل للساحة السياسية األمازيغية القبائلية وحتى الشاوية
سيرى أن جل قادة الحزب المنادي بالحكم الذاتي الـ MNKوكل المناضلين والنشطاء في األرسيدي،
وفي ميادين حقوق اإلنسان المحلية بال ْقبايل (العروش) ،منذ أحداث الربيع األمازيغي الثاني
في 2001هم فنانين محليين أو مهتمين بتراثهم المحلي ،وولجوا السياسة من باب الفن والموسيقى،
بعدما نجحوا محليا ولم ينجحوا وطنيا ،لعل نجاحهم محليا وعدم نجاحهم وطنيا راجع للقاعدة الشعبية
ذات المرجعية االجتماعيةـ ـ الثقافية المختلفة من قبيلة ألخرى ،وفي نظرتها للفن والدين واألخالق
ولعلمانية الدولة نظرة مختلفة ،وقد انتبه السياسيون واإلعالميون في المشرق العربي لهذا المعطى
فوصفوا أصحابه من قيادة حزب الحكم الذاتي بالبربريون حقا!
وقد فطن السعيد سعدي المناضل القبائلي التاريخي الثاني بعد الحسين آيت أحمد بعد خروجه
المخزي في انتخابات الرئاسة عام 1995أمام األمين زروال ومحفوظ نحناح ِمن أن غالبية الشعب
ُ
الجزائري صم بكم عمي أمام طروحاته ومعتقداته السياسية ،بخاصة ما تعلق بإقامة محافظات ال
14
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مركزية ببرلمانات محلية بدل الواليات وإبعاد الجيش عن بيت المرادية ،فاتجه إلى حل آخر وهو
تكريس الثقافة والديمقراطية ضمن المجال الحيوي فقط ،وهو منطقة القبائل ،والتنازل عن دوره
البرلماني ومسؤولياته الوطنية متحوالﹰ إلى حزب جهوي ،حيث سيتحول مقصود «الثقافة» اللغة والتراث
األمازيغي بمنطقة تيزي وزو وبجاية وليس كافة مناطق البربر بعدما كان يحمل بعدا وطنيا ومغاربيا،
وبرغم سهولة إنشاء األحزاب السياسية في الفترة األخيرة بالجزائر غير أن المناطق البربرية األخرى
لم تشهد إنشاء أحزاب على شاكلة حزب األرسيدي ،كمطلب من مطالب العدالة في الثقافة ،وهذا إن
دل على شيء دل أوال على اختالف األمازيغ عن البربر اليوم بسبب دخول مصطلح العنصرية أو
الصهيونية القبايلية الذي أشرنا إليه سابقا إلى اللعبة السياسية ،وثانيا كون "القبايل" أصبحوا يختلفون
اليوم حقا عن بقية البربر والمعيار هو المكون الثقافي – االجتماعي األصيل من عدمه ،بتفتحهم
على التيارات السياسية والعلمانية والديمقراطية والعولمة ،والمتسامحة دينيا ،ال عجب أن يعترفوا
ب َح ْركة فرنسا ،العدو التاريخي للشعب الجزائري وثورته؛ ولعل المشاركة بقوة والتحالف التاريخي ـ
حتى ولو لم يكن منظما ـ لألمازيغ ال ْقبايل مع إخوانهم العرب في حرب التحرير الوطني كان تحالفا
استراتيجيا من أجل التحرر ،ثم ما يأتي بعد االستقالل سيأتي بعد االستقالل ،وهو فعال ما حصل،
ورويدا رويدا تطور النضال الحركة ال ْقبايلية من التحالف قبل 1962إلى االنشقاقات سنة 1963
والعام 1970الذي أُغتيل فيه عبان رمضان ،بل إلى الصراع أثناء ربيع العام ،1980أما بعض
بربر غرداية والطاسيلي وكل الشاوية ومطماطة والشلحة ،فأحزابهم السياسية هي تلكم األحزاب
المعروفة المحتكرة للساحة اليوم ،وهي حمس واألفالن واألرندي ألن مقوماتهم الدينية أصيلة تجعلهم
ينسجمون مع االتجاه الثقافي والسياسي لهذه األحزاب ،وهم يمتحون هويتهم من قيم الزوايا والطرق
الصوفية السمحة المنتشرة بكثرة في شمال إفريقيا ،وال يقيمون وزنا للثقافة التي تأتي من وراء البحار
المطلع على شؤون وقضايا اإلثنيات في العالم سيقول أنها قبائل
وال لعلمانية الدولة ،ولعل المالحظ ُ
البربر جسدت بربريتها في الواقع؛ براضاها ورضوخها ،وتفريطها في حقوقها .ولهؤالء نقول لهم كال
وهللا ،بل واعية كل الوعي ،لكنهم ال يبتغون مبادلة عنصرية بعنصرية وال صهيونية بصهيونية جديدة.
والدليل أوال هو في تقوقعهم في أشد المناطق وعورة تضاريسيا حفاظا على تراثهم ولغاتهم ،وثانيا أال
يكفي البربر والنوميديون في الصحراء ما ذاقوه عبر تاريخهم الطويل ،من ويالت وحروب ومن
عصبيات شد وجذب حتى يزيدوا عليها عصبيات و"نضاالت" أخرى هم في غنى عنها! بعد أن
اعترف العالم اليوم بما أصبح يعرف بحقوق اإلثنيات في التنوع واالختالف الثقافي وبتراثها اإلنساني
تراثا عالميا .ولعل من بينها هذه القبائل البربرية قطعا ما بقي منها في الجنوب الشرقي لوالية عين
الدفلى ،بالتحديد في مطماطة وه اروات.
15
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما تضع اإليديولوجيا سواء كانت دينية أو سياسية نفسها كمقابل وجودي للحرية فإن حتمية
صراع اإلنسان مع نفسه ألجل العيش الكريم تزداد وتتعقد ،والدليل البين أمامنا هو الصراع على
السلطة في الجزائر ،منذ استقاللها عن فرنسا إلى يومنا ،مازال النظام غير الديمقراطي الذي يحكم
باسم أيديولوجيا هي أيديولوجيا «الشرعية الثورية» أي تمجيد المكاسب التحررية المحققة في خمسينات
وستينات القرن الماضي وتجديدها باالستثمار في المرتكزات الهوياتية الثالث للشعب التي أبعدها
هو نفسه عن التالعب السياسي .صحيح أن المجتمع الديني في اإلسالم ال يعترف بآخر غيره (إال
من كونه آخر كافر متخبط في االنحالل والقيم المادية) إذن ال يعترف بالديمقراطية ،ويصبح وجود
النظام العسكري ِمن وجوده .وصحيح أيضا أن الشعور القومي الوطني إلى العروبة يكاد أن يكون
شعو ار ِ
مقدس قداسة تاريخ الفتح العربي (الممجد) ألجل صهر الهوية األمازيغية في المغرب األوسط
/الجزائر فيه .غير أن هذا النظام ال بديل له في الوقت الحالي على األقل (باعتبار التيار الديمقراطي
المتبلور في منطقة القبائل بالخصوص ما انفك يكرس ُعقمه بجهويته) غير استدعاء سياسي
للمكونات الثالث :الدين والعروبة واألمزغة لدرء كل األخطار المحدقة به ،المكونات التي سبق له
أن شرع لعدم تسييسها دستوريا بنفسه! وفي ظل هذه العصبية بين الطرفين؛ الدولة عن طريق
حكومتها وأحزابها التي تحصي أيضا الوعاء البربري مع جل قطاعات الشعب غير الواعية ،وبين
األحزاب الراديكالية اتجاه الثقافة كالحزبين األمازيغيين RCDو ،MNKمن المفروض حسب فرضيتنا
السابقة حول مزايا التعدد الثقافي أن تنضج الممارسة الديمقراطية ،وتعي الجماهير لتلعب أدوارها
نحو التقدم ال أن يحدث العكس .بيد أن في األمر مسألة وقت متروك البث فيه للمستقبل.
ولعل أحد مزايا التعدد الثقافي هو استحالة صعود التيار الذي يحكم باسم الدين برغم قاعدته
الشعبية ،ناهيك عن عدم إمكانية تبلور بنية مصالح طبقية أو فردية (فساد) خفية تتقاسم الوالءات
والمكاسب بين بعضها البعض ،يعني عدم إمكانية أن تقوم التيارات السياسية الثالثة بتجاوز الصراع
المثمر (لما عبد الطريق لثقافة التقدم) إلى التحالف االستراتيجي غير المثمر لثقافة التقدم (على
حساب قيم الحرية وقيم اإلنسان) وهو فعال ما ُلمس مع خيانة العروش ،عندما عملت السلطة
اإليديولوجية والمجتمع المتدين ،والعروش التي مثلت العرق األمازيغي ال ْقبايلي تمثيال غير سياسي،
على التحالف االستراتيجي بينها ،فبعد عشرية من الدم اضطر الرئيس بمعاونة "النظام" الذي ُركنه
الركين الجيش ـ ـ الذي يقول أنه سليل جيش التحرير الوطني ـ ـ إلى شراء السلم واألمن مقابل المال
في ظل بحبوحة ريعية نفطية ،ثم جاءت انتفاضة الربيع األمازيغي بعد مقتل المطرب
16
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القبائلي "معطوب الوناس" على أيدي المخابرات ،لتزعزعه (النظام) من قلب العاصمة متخذة شكل
ثورة أيديولوجية مضادة لعنف اإلسالم السياسي ،ومضادة لمحاوالت نظام الرئيس العفو بدفع األموال،
ثم استرضاء اإلسالم السياسي بمقولة ارجعوا إلى مساجدكم تسلمون أو دعه يصلي دعه يمر!
نحن نحتاج في مجتمعنا الجزائري إلى حالة من تكافؤ الفرص ال تكافؤ األيديولوجيات ،أي الكف
عن استعمال الدين كمبدأ إلقصاء هذا أو ذاك ،والتغطية عن حالة الضعف مع فقدان القواعد
والمرجعيات التي تجعل من الدين اإلسالمي ال يعوق حركة التقدم الثقافي .وتلكم هي اإلشكالية
العويصة إشكالية المجتمع الديني التي دفعت إلى تفككات ال حد لها ،وإلى تعددات ال رتابة لها حتى
على مستوى ذلك المجتمع المنغلق المتقوقع على نفسه بزهو ،بالتحديد في ما يعرف بفقه السنة وفقه
العبادات قبل فقه الشريعة/العقيدة؛ إنها اإلشكالية التي خولت أو منحت الضوء األخضر لإلسالم
السياسي بأن يتصهين اتجاه أمازيغ تيزي وزو وبجاية (يخترق غاباتها كي يهزمهم في عقر دارهم)،
وهؤالء األمازيغ القبايل يتصهينون أيضا كرد فعل ،لكن على كامل الجزائريين دون تفرقة بين شاوي،
وشنوي ،وعروبي ،ومطماطي ،كما تقول به النبوءة القديمة .فالخوف كل الخوف الذي تنبه له النظام
هو ترعرع الصهيونية األمازيغية ال ْقبايلية بعد تبلورها الفعلي ،كمقابل موضوعي للصهيونية
اإلسالمية ،بالتالي تتفكك األمة وتتشرذم الجزائر القارة ،فاضطر مرة ثانية هذا التحالف االستراتيجي
المكون للنظام من شراء السلم والوحدة الوطنية مع فئة بربرية ال تمثل جميع البربر ،بل تمثل فقط
بعض األمازيغ (بعض بربر منطقة القبائل) بالمال ،يقودها مجتمعها المدني "العروش" كما يسمي
نفسه (ِبمنح المنطقة شيك تنموي ضخم وتجبير خاطر أعضاء العروش فردا فردا) وبعض المكاسب
السياسية الطفيفة كتعليم األمازيغية ،ودسترة األمازيغية لغة وطنية ثانية بعد العربية.
لقد بقي البربر مجتمعا بدون كيان وهوية ثابتة نتيجة تاريخه الطويل في شمال إفريقيا على هذه
الشاكلة ،نضاالت ونضاالت حماسية غير كافية كونها ُت َلبى فقط بجبر خاطر أفرادها كممثلين
لعوائلهم وأحيائهم البربرية قبل تمثيل قبائلهم؛ سرعان ما ُيشترون ثم تعود األمور مثلما كانت،
القبايل أعطوا نموذجا ،بأن األمازيغ كغيرهم من األقليات اإلثنية تتحالف أو
َ والعروش في منطقة
تتفاوض استراتيجيا ألجل مصالحها ،وهي بذلك ليست بأفضل من باقي القبائل البربرية قوة وال حزما
في التعصب لمبادئ هويتها الثقافية ،بل وتفقد كثير من االمتيازات جراء هذا التفاوض ،ما يؤكد
غياب التمثيل الحقيقي للمجتمع المدني والشعبي في هذه المنطقة ،كمجتمع يتوق للتحرر من
االستغالل المادي والديني ،لكنه غير قادر على ذلك ،ولعل الدين كان وال زال هو المحك والعائق
الحقيقي في سبيل عدم المقدرة هذه عندما دخل كثير من األمازيغ المتدينون (وهم من أبناء المنطقة)
17
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ُيزرعون في المنطقة لمراقبة الوضع وهداية الناس مقابل المكاسب المادية ،ولعله هنا يكمن سبب
التعصب الصهيوني من الطرفين ،طرف يحاول كسر وفك شعار "شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة
ينتسب" ،الذي هو شعار سلفي تبناه النظام ،بالمقاطعة الثقافية ،لكنه يجد من يحاول تكسير محاولة
التكسير هذه نفسها ،عن طريق إيجاد شكل من أشكال الوفاق والتحالف وبتقسيم المكاسب ،وهكذا
تكرست دولة الوفاق السياسي االقتصادي في المغرب األوسط تاريخيا على حساب الوفاق االجتماعي
الثقافي ،لذا يبقى تكريس التنوع الثقافي هش محدود وهو مكسب للجزائر لو أحسنت جميع مكونات
المجتمع الجزائري استغالله.
ولعل تراجع نسبة قبائل البربر المطرد منذ بداية الفتح (645م 709-م) ال يفسره إال االندماج ثم
ذوبان خصائص كل قبيلة في الخصائص العامة لمجتمعات الدويالت القائمة ضمن مجال سيادتها
الحيوي آنذاك ،فقد كانت هناك قبائل كثيرة موزعة على كامل تراب المغرب األوسط قبل بداية قوافل
الفاتحين العرب األوائل ثم الغازين الهالليين فالمطرودين الموريكسيين ،وما اختيار قواد من البربر،
وهم قواد متواضعين عسكريا وسياسيا ،وغير مشهود لهم بالكفاءة وال بالخبرة ليكونوا على رأس هذه
القوافل/السرايا الفاتحة إال دليل على كثرة عدد البربر آنذاك ،وال يمكن بأي حال من األحوال أن
يفسر التراجع الكبير في أعداد البربر بعد غزوة الهالليين التقوقع أو الفرار لالنزواء الطوعي في
الجبال الداخلية الوعرة ،ألن قبائل الهنود الحمر في أمريكا الشمالية كان لهم السلوك نفسه تقريبا وفي
نفس الفترة التاريخية ،غير أن الفرق كامن في جانب حقوق اإلنسان ،حيث كان القوي يأكل الضعيف
بدء
بكل اعتيادية والمؤشر على ذلك سقوط الحضارة العربية اإلسالمية وسطوع نجم الحضارة الغربية ا
من اكتشاف أمريكا ،ولعل محاوالت تذويب األقليات اإلثنية األصيلة عن طريق محو لغتها كانت
استراتيجية ومازالت خاطئة؛ إذ أن ما يميز العروش كعروش قبيلة مطماطة ليس اللغة وال حتى
المظاهر الثقافية من لباس ومأكل وطريقة حياة ،بل إن هناك خصائص بيولوجية متوارثة محمولة
في الجينات تحافظ على الساللة ،وتجعل احتمال انبعاث خصائصها اللغوية والثقافية وارد في أي
وقت مهما طال الزمن ،إن هناك من أسر تنتمي إلى هذه اإلثنية في خصائصها الجينية لم نشعر
أنها فقد هويتها أبدا ،وهي مندمجة اليوم ضمن أغلبية عربية في مدينة دراق ومدينة برج األمير عبد
القادر اندماجا اجتماعيا فقط.
وعجينة القول ،ربما لو كان لها هجرة إلى الصحراء مثل ما فعل أبناء بنو عبد الواد ،وبنو توجين،
وبنو زردال ،وهم زناتة كما ذكر ابن خلدون في كتابه العبر وديوان المبتدأ والخبر ،لحافظت مطماطة
على كيانها كما حافظت عليها زناتة بنو عبد الواد ،كون أن الواحات بعيدة عن منطقة التل ال يمكن
18
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن تبتلعهم قيم دينية ومذهبية منافية لخصائص البربري في العيش بكرامة وحرية ( كالتحالف أعيان
العرب ومشايخهم الكثيرة في التل ضدهم ،بالوالء المطلق للدولة والجهاد وغيرها) ،كما حصل مع
الميزابيين المنتسبين لقبائل ابن توجين الرستمية في تاريخ المغرب األوسط اإلسالمي من حروب بين
(مصاب) مع بنو توجين ،فاضطروهم إلى المغادرةاألعيان ذوي األنساب المختلفة :بنو مصعب ُ
واالنعزال بعيدا في أغوار الصحراء الكبرى ،وفي جميع األحوال فإن االنحطاط الحضاري في المغرب
اإلسالمي آنذاك كان من أسباب تخلف قبائل البربر إلى مواقع جبلية محصنة أو ضمورهم ثقافيا
الممهد لتبدد شبه
أكثر فأكثر في مناطق غير محصنة ،لكن مع ذلك فاالنقسام والتفتت الحقيقيين ُ
تام لقبائل البربر في منطقة بالد مطماطة وغيرها من مناطق تاريخية للبربر كان مع مجيئ
االستعمار الفرنسي ،وظهور مقاومات الكـر والـفر الشعبية في كل بوادي وجبال الجزائر وأريافها التي
تشكل موطن البربر ،كمقاومة األمير عبد القادر ،حيث انضم مجاهدون محليون بربر إلى تلك
المقاومات بعفوية طلبا للرزق ،المقاومات التي تُنسب إلى قواد بربريون معلومو النسب ،كالشيخين
البطلين بوزيان القلعي والحداد ،وبرغم من أن مجال مقاومة األمير عبد القادر الجغرافي ضم بالد
مطماطة ،فلم يكن أعداد منتسبي "المجاهدين" من بربر مطماطة وه اروات كبي ار فيها ،كأعداد
المنتسبين منهم إلى مقاومة الشيخ بوزيان القلعي من جنوب التيطري حتى األغواط؛ لذلكم تميزت
الشرسة مقابل مقاومة األمير ،كمقاومة عن اإلرث من جهة ،وعن األرض
مقاومة هذا األخير ب ا
وحدود الدولة من جهة أخرى ،واستمرت بعد انقطاع دام نحو نصف قرن ،مع البطل الشاوي أب
ثورة التحرير مصطفى بن بولعيد ،وعديد األبطال البربريون من أمثاله كأسود منطقة مطماطة ،لكن
لم يشتهروا مثله ألنهم لم يكونوا قوادا ،بل كانوا في سبيل التحرر من نير االستعمار مجرد جنودا
أشاوس..
.1غابرييل ،كامبس ،الـبربـر ذاكرة وهوية ،باريس :بابل للنشر ،2005 ،ص.11
Herman Obdeijn, Geschiedenis Van Marokko, Bulaaq Uitgeverij, Ed 2, 2002, p22. .2
.3غابرييل ،كامبس ،البـربر ذاكرة وهوية ،ص.11
.4شحاتة الخوري ،القضية اللغوية في الجزائر ،وانتصار اللغة العربية ،دمشق :مطبعة الكتاب العربي ،1991 ،ص 20ـ.21
.5غابرييل ،كامبس ،البربر ذاكرة وهوية ،المغرب :طبعة إفريقيا الشرق ،2014 ،ص.16
.6مصطلح المور :ويقصد به السكان األمازيغ القدماء الخارجين عن سلطة الرومان الذين اختلط نسبهم بالقبائل اإلفريقية ومن
كلمة المور اشتق اسم موريتانيا الحالية .تواجد أحفاد الالجئين األندلسيين الذين يرجع أصولهم إلى األرغون والكاستيليون الموريسكيون
الذين ظلوا يتحدثون اللغة اإلسبانية في الجزائر العاصمة والبليدة وتلمسان وغيرها من المدن السحلية .والمريسكيون أو الموريسكوس
بالقشتالية هم المسلمون الذين بقوا في إسبانيا تحت الحكم المسيحي بعد سقوط المملكة اإلسالميةُ ،
وخيروا بين اعتناق المسيحية أو
ترك إسبانيا إلى شمال إفريقيا بين 1510و 1610تقريبا.
.7عبد الرحمن ،ابن خلدون ،تاريخ ابن خلدون ،الجزء ،6بيروت :دار الفكر ،2000 ،ص.164
19
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.8بوزياني ،الدراجي ،القبائل األمازيغية ،الجزائر :دار الكتاب العربي ،2007 ،ص .109
.9حماه هللا ،ولد السالم ،تاريخ األمازيغ والهجرة الهاللية ،جزء ،1مصر :دار الكتب العلمية ،1991 ،ص .79
.10ينظر قصيدة بوزيان القلعي على الرابطhttp://beitibda3.eb2a.com/2016/11/252// :
20