You are on page 1of 20

‫‪1440/4/13‬‬ ‫التنوع اإلثني بالجزائر‪ ،‬عروش قبيلة مطماطة أنموذجا‬ ‫حقوق النشر محفوظة‬

‫التنوع الثني باجلزائر‪ ،‬عروش قبيلة "مـطماطة" أمنوذجا‬

‫*‬
‫بـوزيـان أوراغ‬

‫هل التنوع واالختالف حكمة أم نقمة؟ لعل اإلجابة المثلى على هذا السؤال اإلشكالي تقتضي‬
‫درجة من الوعي‪ ،‬ويا حبذا لو يكون وعيا حضاريا‪ ،‬أي التسليم أوال والقبول بمفهوم التنوع الثقافي الذي‬
‫أقره برنامج األمم المتحدة للتنمية البشرية الصادر إعالنه األول العام ‪ ،†2001‬وما على القارئ إال‬
‫تتبع خط سير هذا المقال وصوالا إلى الغاية المنشودة‪ ،‬المقال الذي يأخذ أوال في محاولة إيجاد صلة‬
‫بين التنوع العرقي ومفهوم الثقافة‪ ،‬أو التحضر‪ ،‬أو التقدم‪ ،‬أمام ما يقف عائقا دونها‪ ،‬من خالل إعطاء‬
‫لمحة تاريخية عن البربر‪ ،‬ثم تبيان الفرق بين البربر‡ واألمازيغ وأخي ار العودة إلى الثقافة من خالل‬
‫األنموذج عروش قبيلة مطماطة‪ .‬فالبحث ليس ببحث في اإلثنولوجيا وال في اإلثنوجرافيا ـ ـ العلم‬
‫الميداني لإلثنولوجيا ـ ـ بقدر ما هو انفتاح منقب له عن صلة بالدراسات الثقافية واإلعالمية‪.‬‬

‫ولعل اإلجابة على السؤال أعاله كامنة في سرد الوقائع وضرب األمثلة‪ُ ،‬خذ على سبيل المثال‬
‫مجال اإلعالم غير الحصري المتمثل في اإلعالم اإللكتروني‪ ،‬بما فيه الشعبي غير النخبوي الراهن‪،‬‬
‫أتُراه سيكون ا‬
‫قادر على إثبات وجوده ضمن زخم هائل من فضاءات ما يسمى باإلعالم الجديد؟ لوال‬
‫قيامه ثم حرصه على مبدأ االختالف‪ ،‬بل وجعله منهجا معرفيا ومهنيا‪ ،‬فباالختالف في الرأي يبلغ‬
‫العمل اإلعالمي ذروة تقدمه؛ فبحرية التعبير والفكر بين الحداثي والمحافظ‪ ،‬وبين الحداثي العلماني‬
‫الليبرالي‪ ،‬واآلخر الحداثي العلماني الثوري‪ ،‬وبين المحافظ الديمقراطي‪ ،‬والمحافظ األصيل وهلم جر‪.‬‬
‫وفي الحقيقة هذ المبدأ هو المكرس لدى الغرب واقعا سوسيوـ ـ ثقافيا قبل الواقع الجيو ـ سياسي أو‬

‫‪ .‬باحث من الجزائر‪.‬‬ ‫*‬

‫‪ .‬دمج الثقافة في برامج وسياسات التنمية المستدامة وتعزيز حقوق اإلنسان والحريات األساسية‪ .‬هي من البنود األساسية الذي جاء في‬ ‫†‬

‫اإلعالن العالمي للتنوع الثقافي لـ ‪ 2001‬موجود على الرابط‬


‫‪http://www.un.org/ar/events/culturaldiversityday/assets/pdf/CulturalDiversityDeclartion.pdf :‬‬
‫‪ .‬يطرح اسم " البربر" تساؤال مفاده لماذا لم يغيره أصحابه ما دام اسم محقر‪ ،‬كونه يوحي أول ما يوحي إلى التخلف والال تمدن ويختارون بدال‬ ‫‡‬

‫له "األمازيغ" مثال؟ لعل الجواب يكمن في عدم اتفاق عام عند شعوب وقبائل يقطنون مناطق واسعة جدا في شمال إفريقيا والصحراء الكبرى‬
‫ازْي َس ْس (‪ )Mazices‬أصبح يشير إلى القبائل في شرق العاصمة الجزائر‪،‬‬ ‫على اسم جامع‪ ،‬ناهيك أن اسم "األمازيغ" المنحوت من قبل القائد َم ِ‬
‫والبربر قبائل كثيرة وشعوب جمة وطوائف متفرقة ينتشرون في كامل الجزائر وشمال إفريقيا‪ ،‬إضافة إلى أن اسم البربر فيه معاني إيجابية مقابلة‬
‫للمعاني السلبية أيضا وهي االختالف والشدة‪ ،‬فشعوب البربر غير منقادة مثل الفرس والجرمان الذين كانوا يسمون بالبربر أيضا‪ ،‬أما نحن فنفضل‬
‫عليه اسم النوميديين نسبة إلى دولتهم نوميديا‪ ،‬ونفضل اطالق اسم قبيلة مطماطة النوميدية على اسم قبيلة مطماطة البربرية‪ .‬مع العلم أن شمال‬
‫إفريقيا قبل الفتح كانت تحت حكم نوميديا الشرقية والغربية‪ ،‬واليوم غدا هذا االسم يشير إلى قبائل الصحراء الكبرى البربر فقط‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الجيو ـ ـ استراتيجي‪ ،‬فال توجد طائفية في هذه المجتمعات الرأسمالية؛ ال بين الهندي األصول واليهودي‬
‫األصول‪ ،‬وال بين األمريكي اإلفريقي والبروتستانتي وال بين الحر الال منتمي والشيوعي وهكذا‪ ،‬ال‬
‫فرق بينهم في الحقوق والواجبات وفي العدالة والمساواة‪.‬‬

‫هذا المبدأ تطلعت إلى تحقيقه الشعوب العربية بعد صراعات مريرة‪ ،‬بل ودموية أحيانا‪ ،‬وهو لألسف‬
‫تكرس فقط لدى دول عربية تعد اليوم على أصابع اليد‪ ،‬وهي لبنان والجزائر وفلسطين والعراق‪ ،‬أما‬
‫المغرب ذو األعراق المختلفة فمستثنى بالنظر إلى نظامه الملكي‪ .‬فلبنان بعد حرب أهلية‬
‫ضروس (‪ 1975‬ـ ‪ )1990‬يشهد تنمية سياسية وثقافية ملحوظة‪ ،‬بفضل تجربة الحرب وتجربة الحرص‬
‫على نعمة االختالف فالتنوع اإلثني والمذهبي الطائفي§ له آثاره اإليجابية‪ ،‬وفعال هو ما انجر عنه‬
‫فضاء أيديولوجي وسياسي ديمقراطي محل إشادة واحترام دوليين‪ ،‬وبقي محصنا بفضل تجربته من‬
‫ش اررات الربيع العربي الكثيرة في أيامنا‪ ،‬والذي يقال عن لبنان يقال عن الضفة والقطاع‪ ،‬بين العرب‬
‫الكنعانيين والدروز والمسيحيين والغجر والشركس القبرديون‪ ،‬التنوع اإلثني الذي ساهم في تبلور حركة‬
‫ثقافية قوامها تعدد وحرية النقاشات الفكرية‪ ،‬بل وحدتها وسمة الملكة في اإلبداع األدبي والفني‪ ،‬كل‬
‫ذلك بدأت مالمحه في الظهور مع عودة ياسر عرفات وإقامته في رام هللا‪ ،‬وقد خلق عرب ‪ 48‬ـ ـ أكثر‬
‫من مليون نسمة ـ ـ برأينا جوا منافسا سياسيا وثقافياﹰ طبعه انسجام يشبه ما هو عليه المشهد العراقي‬
‫مع بداية نهاية حرب أهلية وطائفية مدمرة استغلها الخوارج الداعشيون ومن شابههم؛ انسجام سياسي‬
‫وثقافي متطلع نحو االستثمار في التنوع العرقي بين العرب واألكراد والتركمان والشركس واألقلية‬
‫المسيحية‪ ،‬لخلق جو من المنافسة العراقية األصيلة الثقافة‪ ،‬وهو ما لمسنا أثره حقاﹰ خالل الرد على‬
‫مناداة أنصار فريق نادي اتحاد العاصمة الجزائري بحياة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين رحمه‬
‫هللا‪ ،‬هذا األخير الذي يمثله السنة المعارضين لحكم الشيعة والصدريين‪ ،‬ولمسناه أيضا في االنفتاح‬
‫السياسي والثقافي للعراق اليوم في منطقة الشرق األوسط لم نعهدهما من قبل‪ ،‬وعدم وجود اليوم‬
‫عداوات للعراق مع أي أحد دليل على أن التنوع الثقافي داخل العراق قد أتى أكله‪.‬‬

‫لكن هناك حقيقة خافية عن العراقيين وهي أنه ال توجد طائفية وال عنصرية على أساس ديني في‬
‫الجزائر‪ ،‬بل توجد على أساس أ ثني‪ ،‬ناهيك عن تجذر سنة االختالف على أسس ثقافية في وعيهم‬
‫ال إراديا‪ ،‬أهمجا كانوا كجماهير كرة القدم بالمالعب العاصمية‪ ،‬أم مثقفين واعيين‪ ،‬فالجزائريون يقفون‬
‫على مسافة واحدة بين الشيعة والسنة‪ ،‬والجزائريون المسلمون أكثر من ‪ 92‬بالمئة سنة مالكية والثمانية‬

‫§‪ .‬هذا المقال يعرض بالتحليل فقط لالختالف على أساس عرقي أو اثني أما االختالف الطائفي بين السنة والشيعة العلويين فمستبعد‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بالمئة إباضية‪ ،‬أما التيجانية فأضحت سلوكا وليس طائفة‪ ،‬ألن كل الجزائريون بمقدورهم ممارسة‬
‫التصوف متى أرادوا‪ ،‬وقد فشلت نعرات الربيع العربي مؤخ ار في إذكاء الطائفية بين اإلباظيين والسنة‬
‫في غرداية‪ ،‬ونتيجة هذا التصور فإن ما اصطلح عليه "بالمناداة" كان شيئا أو سلوك عاديا إن على‬
‫جميع المستويات‪ ،‬كون الطائفية كثقافة شعبية غير موجودة عندنا‪ ،‬بل موجود بدلها بقايا الممارسات‬
‫العنصرية العرقية بين األمازيغ والعرب والبربر التي نحن بصددها في هذه الوقفة‪ ،‬وكذلك الموجود‬
‫هو إرهاب الجماعة اإلسالمية المسلحة‪ ،‬وإرهاب القاعدة (داعش وقاعدة المغرب اإلسالمي) ولعلي‬
‫سأكون صادقا وجازما مئة بالمئة إن قلت أن غالبية الجزائريين يعتقدون أن الحرب المشتعلة في‬
‫العراق هي بين الجيش العراقي وداعش ال أكثر وال أقل‪.‬‬

‫األمازيغي ‪ le Printemps Berbères‬عام ‪1980‬‬ ‫ففي سنوات التي سبقت الحراك المعروف بالربيع‬

‫كان للجزائر أعداء كثيرون بخاصة في أوروبا‪ ،‬أما اليوم فإنه بعد بروز َ‬
‫وطوفان مشكلة التعدد الثقافي‬
‫على سطح ألحداث مع العشرية السوداء غير ما مرة‪ ،‬فإن حركة كحركة التجمع من أجل الثقافة‬
‫والديمقراطية الـ ‪ RCD‬والحركة من أجل الحكم الذاتي لمنطقة القبائل ‪ MNK‬األمازغيتين‪ ،‬مثال‪ ،‬قد‬
‫لعبتا دو ار بار از في الدفع بالديمقراطية والوحدة بدل االنشقاق ثقافيا وسياسيا جزائريا‪ ،‬بمعونة أفكار‬
‫وثقافة غربية غير أصيلة لديهم (لكنها تشبه ثقافتهم في أصالتها مثل عدم التدخل في شؤون اآلخرين‬
‫أقوياء أو ضعافا) وذلك من خالل بحثهما عن الوصول إلى العكس‪ ،‬أي إلى زرع الشقاق‬
‫ا‬ ‫سواء كانوا‬
‫بالتمايز واالختالف الثقافي مع العرب! ولعبته الـ ‪ MNK‬مع فرنسا بتجاوز تاريخها االستعماري في‬
‫الجزائر عكس شقيقاتهما حركة ال ‪ FFS‬فساهمت في نوع من التقارب‪ ،‬واليوم ال نجد من أعداء‬
‫حقيقيين للجزائر سوى إسرائيل‪ ،‬لكن ال أحد ينكر أن انفتاح السلطة في الجزائر بعد التسعينات‬
‫وانقيادها إلى مطالب البربر واألمازيغ واالعتراف بحقوقهما الثقافية جاء لدرء خطر التفكك والتقسيم؛‬
‫فكل طرف قدم تنازالت وتم احتواء الوضع‪ ،‬ونفس التجربة الجزائرية عاشها وتجاوزها بنجاح العراق‬
‫ال‬
‫والسودان عن طريق تكريس التسامح الديني والتعدد الثقافي بين اإلثنيات والعرقيات دستوريا‪ ،‬وصو ﹰ‬
‫إلى الحق الذي ما فتئت منظمات حقوق اإلنسان المدنية العالمية تركز عليه‪ ،‬وهو إحقاق لكل مواطن‬
‫ولألجانب ممارسة حريتهم الدينية بكل شفافية‪ ،‬وتثار هذه الحقوق باعتبار أن أغلب مسيحيو الجزائر‬
‫اليوم هم من األمازيغ ليتحقق مع الدستور المعدل‪ ،‬فأدى ذلك ومثل ما يقول المثل « تحريك وحل‬
‫البحيرة سيجعل مياهها تصفى أكثر من ذي قبل » فالذي حدث مع التعدد العرقي بالجزائر هو تنوع‬
‫خالق‪ ،‬مفضي إلى صراع تنافسي بنيوي بين األطياف المختلفة وليس تاريخيا هداما‪ ،‬وباتجاه داللة‬
‫واحدة هي تعكير األجواء كي تصفى وتتجلى « الديمقراطية » شفافة ومن دون قصد أحيانا‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫(القبايل) عن الرببر ف اجلزائر؟‪:‬‬


‫‪1‬ـ كيف متيز األمازيغ ْ‬

‫‪ .1.1‬التمايز التارخيي‪:‬‬

‫لو رجعنا إلى تاريخ البربر‪/‬النوميديين نسبة إلى دولة نوميديا الشرقية والغربية في شمال إفريقيا‬
‫وجدناه ضارب الجذور في عمق التاريخ‪ ،‬يرجع إلى اإلنسان البدائي قبل ‪ 9‬إلى ‪ 15‬ألف سنة‪ ،‬بتقويم‬
‫فلكي خاص يرجع إلى ‪ 2968‬سنة وهو تقويم فالحي‪ ،‬وحسب المؤرخ الفرنسي غابرييل كامبس‬
‫‪ Gabriel Camps‬المتخصص في تاريخ البربر فإن علماء األجناس يؤكدون أن الجماعات‬
‫البيضاء بشمال إفريقيا سواء أكانت ناطقة بالبربرية أو بالعربية‪ ،‬تنحدر في معظمها من جماعات‬
‫بحر متوسطية جاءت من الشرق في األلف الثامنة قبل الميالد بل ربما قبلها‪ ،‬وراحت تنتشر‬
‫بهدوء بالمغرب العربي والصحراء‪ ،1‬وال أدل من ذلك معنى كلمة " البربر" نفسها‪ :‬البربر أو البرابرة‬
‫اسم ال تيني‪ ،‬ويعني المتوحشون أو الهمجيون البدائيون الذين يتحدثون لغة غير التينية‪ .‬أطلق‬
‫الرومان هذا االسم على كل األجانب وبينهم األمازيغ حين غزواتهم‪ ،‬ومنذ ذلك الحين وبعد ِعلمهم‬
‫كجيران طبيعيين لسكان الشمال اإلفريقي بما يكون أطلقه على نفسه ذلك الشعب الغير متحضر أي‬
‫« أمازيغ » وهي الكلمة التي تُجمع على "إيمازيغن" ومؤنثها " تمازيغت" وتجمع " ِتمازيغين" وتعني‬
‫بربارس » و تنحدر‬
‫في اللغة األمازيغية اإلنسان الحر النبيل‪" ،‬وكلمة « بربر» أصلها التيني ‪ُ « :‬‬
‫هي األخرى من اللغة اإلغريقية ‪ " :‬برباروس"‪ ،‬هذه الكلمة تعني في الحقيقة "أعجمي"‪ ،‬أي الذي‬
‫اء عدائيا بينهم وبين‬
‫يتحدث لغة غير مفهومة" ‪ ،‬فلم يهدأ للرومان بال ولم يطمأنوا غيرة‪ ،‬واستشر ا‬
‫‪2‬‬

‫البربر واألمازيغ‪ ،‬تحكمه نزعة العنصرية قبل الندية‪ ،‬حيث راحوا ينعتونهم بكل األوصاف واألسماء‬
‫المشينة؛ هم (الرومان) مع ال ـوندال الذين أنهو مسيرتهم الحضارية‪ ،‬وكانت قريبة من أن تكون على‬
‫أيدي جيوش القائدان هانيبال في (‪ 247‬ـ ‪ )182‬ق‪.‬م ويوغرطة في ‪ 130‬قبل الميالد الذي أشرف‬
‫على بيع روما لوال الخيانة التي لحقت بهما‪ ،‬وهذا يرجع برأينا لحرصهم على نظام حكم ناجح قبلي‬
‫جهوي مقابل النظام الملكي المركزي‪ ،‬ثم كان صدام تاريخيا يتلو صداما بينهم وبين َ‬
‫آخ َرهم وبالتراشق‬
‫الذي جوهره أصل ومدى صحة البديهية‪⸨ :‬تقدم البربر ثقافيا‪ /‬حضاريا مرهون بحرصهم على ثقافتهم‬
‫المختلفة عن ثقافة األجناس الغازية⸩ أولهم المسلمين الفاتحين والهالليين عربا أو شيعة‪ ،‬وإلى اآلن‬
‫مازالت آثارها مستمرة‪ ،‬حتى وإن لم يفعل العرب كسابقيهم‪ ،‬لكنهم تفلسفوا في إيجاد رابط الرحم بينهم‬
‫وبين البربر لحاجة في أنفسهم هم أيضا‪.‬‬

‫لكن لما استند بعض المؤرخين إلى كشوفات علم اآلثار والفنون القديمة‪ ،‬وجدوا أن أول إنسان في‬
‫التاريخ اكتشف في شمال أفريقيا نحو مليون سنة في منطقة عين الحنش بوالية سطيف‪ ،‬وبالتالي‬
‫‪4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فاإلنسان األمازيغي لم يهاجر إلى شمال أفريقيا‪ ،‬ولكنه وجد فيها منذ البداية‪ .‬غير أن العالم‬
‫الفرنسي المختص في تاريخ شمال إفريقيا القديم من خالل أبحاثه العلمية رأى أن "البربر ال يشكلون‬
‫شعبا منسجما من حيث األنثروبولوجيا (‪ )..‬فهم نتاج خليط من قبائل وشعوب متعددة"‪ 3‬وهذا الكالم‬
‫العبر" و حتى ابن حزم األندلسي في‬‫يعضد فكرة أهل مكة أدرى بشعابها البن خلدون في كتابه " ِ‬
‫كتاب المفقود "نسب البربر‪ ،‬أحرق" أن أغلبيتهم من أصول رومانية وندالية أوروبية وفينيقية أما‬
‫من نسبهم إلى قبائل مضر وحمير بن سبأ ـ ـ بربر بن قيس ـ ـ ومن قبائل عدنان المستعربة فهم‬
‫غير مختصين في تاريخ الممالك والشعوب كابن قتيبة وغيره‪ ،‬وهو افتراء مخطط له أول بأول‪ ،‬ألجل‬
‫االحتواء وشرعنة الغزو‪ /‬الفتح باعتبار استمرار جيوب المقاومة لهم في القرون الثالثة األولى له‬
‫ملتبسة عمدا بالصراعات بين الدويالت الناشئة وليس بين البربر والعرب‪ ،‬ثم جاء نيل المكاسب‬
‫المادية قسمة بين األطراف المتصارعة (في مغرب إسالمي شاسع ومثمر بخيراته) ولتخفيف الصراع‬
‫وتحقيق نوعا من أنواع الطاعة والوالء‪.‬‬

‫‪ .2.1‬التمايز اجلغراف والثقاف‪:‬‬

‫أما الفرق في التسمية بين "البربر" و" األمازيغ" لغويا فال يوجد من فرق يذكر؛ فالبربر هم األمازيغ‬
‫واألمازيغ هم البربر‪ ،‬والتسمية تبقى نسبية الفهم من قبل األمم المجاورة للبربر أو البعيدة عنهم؛‬
‫سمي بالشعب المسعتمر لشمال إفريقيا‪ ،‬سواء كانوا يفوقونهم في التطور‬ ‫ناتجة عن عالقة الم ِ‬
‫ُ‬
‫الحضاري كالرومان‪ .‬أو مساوين لهم كالعرب؛ فالخليفة عمر بن الخطاب الذي دفن بنته حية في‬
‫الجاهلية انهزمت جيوش قواده أمام قائدة أمازيغية بدرجة ملكة تدعى كاهنة بنت ديهيا‪ ،‬ولم يفكر أباها‬
‫إطالقا في دفنها حية! غير معقول بأن يصف البربر بغير أنهم بربرا‪ ،‬فقد عكس معنى التسمية من‬
‫حيث دالالتها على حمل معنى "األحرار" أو "الهمج" درجة وعي المرحلة التاريخية واألجناسية على‬
‫السواء‪ ،‬أما معاص ار فقد اختلفت التسمية ذاتيا بين قبائل البربر وقبائل األمازيغ‪ ،‬وتبعا لذلك تمايز‬
‫"البربر" عن "األمازيغ" واختلفوا؛ حيث لمدة عقود من الزمن مند أن وقعت مدرسة جزائر االستقالل‬
‫تحت سلطة إيديولوجية خلقت ورعت في أذهان التالميذ والطلبة الجزائريين صورة عنصرية عن‬
‫األمازيغ وهي أن "البربر" هم سكان الجزائر األقدمين الذين سكنوا األكواخ والكهوف‪.‬‬

‫أما في االصطالح فهناك فرق واضح بين التسميتين‪ ،‬وهو يختلف باختالف البلد المغاربي‪ ،‬حيث‬
‫بدأ البربر في التمايز و التباعد عن بعضهم بعضا كقبائل متعددة منذ الحرب العالمية الثانية‪ ،‬أي‬
‫مع حداثة المجتمعات المغاربية ‪ La Modernité‬عندما ُجند األالف منهم في الجيش الفرنسي و‬
‫هجر عددا مماثل منهم للعمل هناك إثر المجاعة الناجمة عن الحرب العالمية والظروف القاسية‬
‫‪5‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫جراء استمرار المقاومات الشعبية ـ ـ وأنا أسرد ها هنا االختالف االصطالحي بين تبلور مصطلحي‬
‫ال ْقبايل‪/‬األمازيغ والـبربر‪ ،‬والذي تكون مرحليا في الجزائر من منطلق معايشتي للواقع السياسي‬
‫واالجتماعي أي اإلثنوجرافي ـ ـ وعندما عادوا عاد هؤالء المهاجرون ال ْقبايل كانت قد تكونت لديم‬
‫درجة من الوعي السياسي والثقافي‪ ،‬وهذا ال يعني أنه أثناء وقبل حرب التحرير لم يكن لديهم هذا‬
‫الوعي ولكن كما يرى المفكر المغربي عبد هللا العروي‪ ،‬كانت اليد االستعمارية كونت مجموعة‬
‫منهم انضمت إلى الثورة التحريرية الكبرى لتقف ضد خط االنتماء العربي اإلسالمي وتطالب‬
‫بجزائر بربرية‪ ،‬وقد قامت كما أوضح الباحث أحمد بن نعمان عالقة بينهم وبين المخابرات الفرنسية‬
‫واألكاديمية البربرية بباريس التي أنشئت عام (‪ (1967‬لخلق تيار معارض للعربية وبث الفرقة‬
‫والشكوك والنعرات العنصرية بين أبناء الوطن الواحد‪ ،‬وكانت لهم مطالب خطيرة في المؤتمر األول‬
‫المنعقد عام (‪ (1980‬بفرنسا تمثلت في ترقية اللهجات البربرية وتوحيدها وتدريسها‪ ،‬وأعقبوه‬
‫‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫بملتقى ثان في الجزائر العاصمة عام (‪ )1999‬وأنشأوا حزبا يتبنى هذه المطالب و ينادي بها‬
‫وبعد استقالل الجزائر تغيرت المفاهيم كثي ار‪ ،‬نتيجة نشأة طبقية وتراتبية غير معهودة في المدن‬
‫بدء بتغير مفهوم مصطلحي البربر واألمازيغ؛ حيث اسم األمازيغ أصبح‬ ‫الكبرى بالجزائر قاطبة ا‬
‫ينطبق على قبائل بربرية معينة في الجزائر‪ ،‬وهي القبائل الكبرى بتيزي وزو والصغرى ببجاية وإلى‬
‫حد ما منطقة بني ميزاب بغرداية وحتى الطوارق إلى حد ما بتمنراست وجانت في الجزائر‪ ،‬ألنها‬
‫أصبحت تحرص على نقاء الجنس بعدم الزواج من غير األمازيغ الذين يتكلمون اللغة األمازيغية‬
‫(تاقفيليث‪ ،‬تمزابيث وثجانايت على التوالي) ولهم عادات وثقافة يحرصون عليها من الضياع‪،‬‬
‫فاألحداث الدامية في غرداية مؤخ ار كان سببها الغير المباشر الحرص على التراث األمازيغي‬
‫الميزابي‪ ،‬حيث بعد اضمحالل أيديولوجيا الحزب الواحد ظهرت الحركة اإلسالمية ليس لتصحيح‬
‫القدح‪ ،‬بل أضافت لتلك الصورة المشينة عن البربر عبادتهم‪ ،‬فقالت أنهم كانوا ضالون كالغجر‬
‫ويعبدون التيوس! ونتيجة ذلك الوصف والسلوك أصبح أهل القبائل الكبرى والصغرى يشددون على‬
‫أنهم أمازيغا وليس بربرا‪ ،‬وفي نفس االتجاه سار البربر حيث اعتبروا تسمية األمازيغ ال تليق بهم‬
‫ألنه ال يوجد عربا بين أمازيغ تيزي وزو وبجاية‪ ،‬العرب الذين هم عبيدا هلل وليسوا أحرار‪ ،‬وعدم‬
‫التواجد هذا مخطط له حسبهم بنية بقاء نقاوة العرق‪ ،‬والبربر ليس من صفاتهم عدم االختالط بالعرب‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والمناطق األخرى التي بقيت "قبائل بربرية" واتصفت بها تسمية البربر هي نتيجة من نتائج عدم‬
‫فقط‪ ،‬أي أن البربر هم‬ ‫**‬
‫الحرص على نقاوة تراثها حرصا جماعيا فألمر متروك عندهم لألفراد‬
‫بالضرورة أمازيغ إذا ارتكزنا على الطابع الثقافي الفردي ال الطابع الجماعي (السياسي) أما العكس‬
‫فليس صحيح‪ ،‬أي أن اليوم األمازيغ ليس هم البربر‪ ،‬ولعل انتفاضة الربيع األمازيغي واقتصارها على‬
‫مناطق القبايل دليل آخر حاسم على ما نقول‪ ،‬مع التحفظ الدائم لنقص المراجع والحوار حول‬
‫الموضوع لحساسيته لدى جميع األطراف‪ :‬األمازيغ والبربر والسلطة‪ ،‬ثم لهذا االعتبار‪ ،‬أعدادا من‬
‫القبائل األمازيغية النقية النسب في مناطق نطاق حدود العاصمة (بومرداس وبوفاريك حتى شرشال‬
‫مرو ار بموزاية ومليانة) تكاثرت واختلط نسبها فأصبحت توصف بأنها أمم أو شعوب بربرية وليست‬
‫قبائل أمازيغية‪ ،‬اختلطوا بباقي إقليم وسط الجزائر من غير تيزي وزو وبجاية الذي يحوي بربرا‪ :‬في‬
‫شناوة تيبازة وعروش مطماطة بوالية عين الدفلى مثال‪ ،‬وكذلك الشاوية في شرق الجزائر‪ ،‬والشلحة‬
‫في األبيض سيد الشيخ‪ .‬وفي بعضها اآلخر تناقصت أعدادهم أو تعربوا خاصة في منطقة الغرب‬
‫الجزائري (ما يفسر أن أفصح الناطقين بالعربية اليوم في الجزائر نسبتهم أعلى في جهة الغرب) وذلك‬
‫تعرب القبائل األمازيغية القديمة ودخولها في حقل مفهوم "البربر" االصطالحي المعاصر‪،‬‬
‫بسبب ُّ‬
‫ولعل الوصف ينطبق تماما على بقايا قبائل زناتة وصنهاجة وأوربة ومطماطة وغيرها من القبائل‬
‫المتشتتة اليوم بين إقليم الوسط والغرب الجزائري كذلك‪.‬‬

‫ثم هذه الحساسية التي قد تصل إلى العصبية اتجاه اللغة األمازيغية‪ ،‬بالحرص على نقاوة الجنس‬
‫األمازيغي والنضال من أجل التراث األمازيغي التي تفجرت في تيزي وزو وانتقلت إلى غرداية! هي‬
‫في الحقيقة ثقافة تشكلت نتيجة الطبقية والبورجوازية العربفونية والف ارنكفونية الليبرالية معا في فترة‬
‫الستينات والسبعينات‪ ،‬أين كان األمازيغي الذي ال يحرص على طابعه الديني ال يوظف وال يتمتع‬
‫بمزايا العربي الذي يحرص عليه! فإذا كانت القراءات المتعلقة باإلسالم بعد هزيمة ‪ 1967‬خلقت ما‬
‫يعرف بالصهيونية اإلسالمية والتي و ارءها من يدعون أنهم يدافعون عن عزة ومجد اإلسالم وقتال‬
‫النصارى مطبقين نبوءة العهد القديم ـ ـ الصهيونية اليهودية التي جارت النبوءات القديمة في طروحاتها‬
‫السياسية بضرورة فناء الشر على األراضي المقدسة ـ ـ وعلى هذا النهج اهتمت بجلب اآلخر الكافر‬

‫**‪ .‬أي أن البربري المقيم في منطقة البربر يرجع له الخيار الحر بالزواج من البربريات مثله‪ ،‬من عدمه‪ ،‬ويرجع له الخيار في تعليم أبنائه اللغة‬
‫البربرية من عدمها‪ ،‬وكنت أنا بصفتي مطماطيا قد ولدت ألبوين يتحدثان اللغة الزناتية لكنهما لم يشاءا تعليمها لي وألخوتي ألسباب ال متسع‬
‫لذكرها‪ ،‬لكن تعلمت بعض أساسياتها من أبناء العمومة‪ .‬ولو نأتي لنتائج هذا الخيار أجدني مدينا ألبي ألنه لم يعلمني الزناتية ومن ناحيتين‪:‬‬
‫أولها أن جينات األجداد فينا بقيت شاغرة ومألت فراغاتها اللغة العربية‪ ،‬وبالتالي طاقتنا اللغوية مع العربية أضحت طاقة زائدة حتى عن العربي‬
‫الصافي في جبلته للعربية‪ .‬وثانيا أنه وَفر لنا داخل البيت كتب مشرقية تراثية عربية وتربوية بخاصة من نوع األسلوب الصحيح اللبناني والنحو‬
‫العربي من خالل النصوص وغيرهما‪ ،‬والتي كبرنا على مطالعتها فوجدنا أنفسنا ننام ملء جفوننا عن شواردها عندما يبيت جراها غيرنا ويختصم‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫إلى العالم اإلسالمي لقتاله على أرض اإلسالم‪ .‬نفس الشيء بدأت تتضح معالمه مع أمازيغ تيزي‬
‫وزو وبجاية الذين يسمون محليا في الجزائر بال ْقبايل ‪ Kabyliens‬بعدا أن خاب مسعاهم في تعميم‬
‫لغتهم وثقافتهم على كامل ربوع الجزائر‪ ،‬فخلقوا نزعة صهيونية ْقبايلية أو"الصهيونية األمازيغية"‪.‬‬

‫فالمطالبة بالحقوق اإلثنية بخاصة ما تعلق باللغة قد طفت إلى السطح كرد فعل على الممارسة‬
‫العنصرية الثقافية ضد البربر بشكل عام وعلى السلطوية االجتماعية‪ ،‬من ثمة دخلت الخطابات‬
‫السياسية معركة اإلثنية‪ ،‬وهو الفعل األيديولوجي الغير ديمقراطي مع بدايات سقوط األنظمة االشتراكية‬
‫ثم العولمة‪ ،‬تبعه بالضرورة رد الفعل الثقافي‪ ،‬والذي أظهر‪ ،‬بل مايز وباين أكثر بين مصطلح‬
‫األمازيغ والـبربر‪ .‬بالرغم من أن غابرييل كامب يقول أن "في الواقع‪ ،‬ال توجد اليوم لغة بربرية‪،‬‬
‫بالمفهوم الذي تكون فيه انعكاسا لمجموعة تحس بانتماء موحد‪ ،‬وال شعب بربري وال عرق بربري‪.‬‬
‫على هذه األوجه السلبية كل الخبراء متفقون"‪ 5‬وقوله هذا جد عملي‪ ،‬لذلكم يقول أهل القبائل ـ ـ تيزي‬
‫وزو وبجاية ـ ـ اليوم (المتحضرون) بين قوسين الذين تمرسوا على األفكار السياسية والثقافية التي‬
‫تأتيهم من وراء البحار (من ذلك المطالبة بالحقوق الثانوية كتعليم األمازيغية في الجامعة وكتابتها‬
‫بالحرف الفرنسي) فيقولون أن تسمية "البربر" هي فضيحة عنصرية للشعوب المجاورة لشمال إفريقيا‬
‫مع شعوب شمال إفريقيا ويرفضون تسميتهم بها؛ من هذا المنطلق تكون مفهوم الـبربر مختلف تماما‬
‫عن المفهوم السابق قبل استقالل الجزائر‪ ،‬وهي القبائل التي لم تطالب بحقوقها الثقافية عكس القبايل‪،‬‬
‫ونتيجة عدم هذه المطالبة أصبح عروش تيزي وزو وبجاية عنصريين اتجاه البربر اآلخرين‪ ،‬أي‬
‫أصبحوا عنصريين مع بعضهم البعض كأمازيغ بربر ـ ـ مع بربر‪ :‬تيبازة والبرج والبليدة والبويرة ـ ـ‬
‫مفتقدين كليا أو متخلين عن األصالة العربية اإلسالمية نتيجة تأثرهم بالمعاصرة الغربية‪/‬الهجرة إلى‬
‫فرنسا‪ ،‬سويس ار وكندا‪ ،‬معتقدين أنهم ضحايا للعنصرية من حيث أنهم سبب نشوء لعنصرية‬
‫جديدة! ويذهبون في عنصريتهم بعيدا‪ ،‬ربما جاز لنا أن نطلق عليها صهيونية تيزي وزو وبجاية‬
‫ال ْقبايلية‪ُ ،‬مدعين أن أصل ال ـبربر من غير القبائل الكبرى والصغرى البد وأن يكونوا من السالالت‬
‫القادمة من أعراق جاهلية عربية‪ ،‬وأصل أمازيغ تيزي وزو البد لِزاما أن يكون من الساللة األعرق‬
‫الهندو أوروبية (القادمة من أوروبا)! لذا البد من استدراج كل الجزائريين من غير األمازيغ إلى منطقة‬
‫القبائل ثم التفنن في قتلهم ثقافيا‪ ،‬أي رفض مذل للسانهم العربي وسلوكهم الديني‪ ،‬وهو الحاصل‬
‫فعال؛ إذا كنت في تيزي وزو وطلبت قهوة بالعربية ال ينفذ لك طلبا‪ ،‬وإذا سجلت الحكومة مشروع‬
‫بناء مسجد فيها ال يخرج إلى النور أبدا‪ ،‬بل أن بعضهم ممن يتكلمون العربية وقد التقيت بهم أثناء‬
‫دراستي الجامعية بالعاصمة الجزائر يتطيرون من العرب‪ ،‬ويشكرون هللا على أن خلقهم من جنس‬

‫‪8‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫غير عربي! هذه الصهيونية تماثل صهيونية للوبيات اليهودية في الواليات المتحدة التي تزعم أن‬
‫اليهود ساميون والعرب ال ساميون‪.‬‬

‫‪ .3.1‬مطماطة األمنوذج الرببري األصيل الثقافة‪:‬‬

‫أما عروش قبيلة مطماطة فهم عينتنا من القبائل البربرية التي تمقت "الصهيونية ال ْقبايلية‬
‫" بالضرورة بالرغم من أنها تفقد يوميا من تراثها المطماطي البربري الشيء الكثير‪ ،‬ناهيك عن اإلرث‬
‫اللغوي (منها اللغة الـزناتـية) الذي يكاد ينقرض‪ ،‬وهم بالكاد يكادون يأمنون قوت عوائلهم في‬
‫كالقبايل تماما‪،‬‬
‫َ‬ ‫بؤر تجمعاتهم المنحصرة جيل بعد جيل؛ عندما كانت قبيلة مطماطة قديما قبيلة كبيرة‬
‫لكن االختالط والمصاهرة والفرار الجماعي إلى الجبال إثر التمييز االجتماعي في تحصيل مورد‬
‫††‬
‫الرزق حتى من القبايل أنفسهم في مدن طارق ابن زياد أو د ارﭭـ أو مدينة برج األمير عبد القادر‬
‫حتى أصبح عددهم اليسير اليوم ال يكاد يذكر إال في والية عين الدفلى‪ ،‬في عين األشياخ ووادي‬
‫جمعة‪ ،‬وبين هذه المدن الثالثة تقع مرتفعات جبلية‪ ،‬هي ما يسميها عرب المنطقة بـبالد‬
‫مطماطة‪ ،‬على أن عرش مطماطة الذي هو أكبر العروش (عرشي مطماطة وه اروات وعرش أوالد‬
‫مهدي‪ ،‬وجميعهم يتحدثون لغة واحدة هي زناتية ويدعون مطماطة) وتسبب إرهاب التسعينيات‬
‫مؤخ ار في تركهم مناطق نفوذهم في مداشر‪ :‬دوار تيغزرت ودوار أغبال ورويفية والشاون حتى‬
‫بلعتاريس وغنامة شمال تازا‪ ،‬نازلين إلى مدن دراق وطارق ابن زياد وتا از على التوالي‪ ،‬وإن لم ُيعرف‬
‫المطماطيين بلسانهم المطماطي (إمظماظن ْإزناتين) فإنهم يعرفون برطانة عربيتهم المختلفة عن‬
‫رطانة ال ْقبايل والشاوية‪ ،‬وتقدر نسبة مطماطة الذين يتكلمون الزناتية والذين ال يـتكلمونها في بلدة‬
‫برج األمير عبد القادر حسب تقديرنا الشخصي بعد وأثناء العشرية السوداء حوالي ‪ % 25‬ونسبة‬
‫األمازيغ (ال ْقبايل) ‪ %15‬والباقي عرب‪ .‬وقد تراجعت العنصرية بين هذه العرقيات الثالث طبيعيا مع‬
‫انخفاض معدالت األمية وازدياد التنمية المحلية‪.‬‬

‫كانوا يأملون بل ُيمنون النفس أيما َمن بإقامة أسس مجتمع الشمال إفريقي الحر‪ ،‬والمتنوع الثقافات‬
‫حتى قبل التداول السياسي لهذا المفهوم؛ مجتمع العدالة والتقدم‪ ،‬لكن هيهات‪ ،‬لذا تراهم اليوم كما‬
‫األمس من أشد الشعوب حرصا على حريتهم‪ ،‬تحدوهم إرادة وعزيمة فطريتين إليها‪ ،‬وقد اختلط هؤالء‬

‫††‪ .‬اخترناها كذلك ألن صاحب المقال يعتز ويفخر أيما فخر بكونه مطماطيا زناتيا‪ ،‬وله من التجارب المدونة في ذاكرته ما له‪ ،‬وقد حفل بها‬
‫صباه‪ ،‬منها المعاملة العنصرية من األمازيغ ال ْقبايل أنفسهم والعرب كذلك‪ :‬فالقبايل في البلدتين المذكورتين على سبيل المثال متحكمين في قطاع‬
‫التجارة وكان والدي يرسلني ألتبضع من عندهم وألتقي في حوانيتهم مع أبناء الموظفين‪ ،‬فيحادثونهم ويضاحكونهم وال يفعلون معي نفس الشيء‬
‫ويقدمونهم علي بالرغم من أنني دخلت حانوتهم أوال‪ ،‬وربما ال يرجعون لي الباقي إال بعد أيام بدعوى نقص السيولة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫المطماطيون كغيرهم من البربر بعرب شمال إفريقيا القادمين من كل مكان عبر التاريخ‪ ،‬سواء أولئك‬
‫العرب المقيمون في الغرب الجزائري الذين يدعون بالموريسكيين أو المور‪ 6‬أوالهالليين المنتشرين‬
‫ولما تميز‬ ‫‡‡‬
‫بالسهوب وأطراف الصحراء الكبرى أو المقيمين في حوض المتيجة من أمازيغ وكراغلة‬
‫هؤالء المطماطيون بالتوق إلى الحرية والدفاع عنها كان من الطبيعي أن تتضاعف الممارسات‬
‫العنصرية اتجاههم بخاصة في النقل والتوظيف في القطاع الحكومي‪.‬‬

‫ولعل الفرق واضح بينهم وبين جيرانهم التاريخيين العرب الموريسكيين ـ ـ ـ جل الموريسكيين الذي‬
‫دخلوا الجزائر قطنوا الغرب الجزائري تعربوا طوعا ولم يتمزغو‪ ،‬وهم الذين كان أجدادهم متمدنين في‬
‫الجزيرة اإلبيرية ُمعايشين بل خاضعين للسالالت اإلسبانية‪ ،‬إن كانت أقوى منها ـ ـ ـ وهو عدم االستسالم‬
‫للشهوب واألعراق األخرى بسهولة‪ ،‬بل يحبذون عيش معيشة الحيوانات في مناطقهم الجبلية المعزولة‬
‫على االستسالم لغالة المستعمرين وحلفائهم الذين استقووا على مناطقهم وأخضعوها لحكمهم‬
‫بعد ‪ ،1834‬فعندما استسلم األمير عبد القادر ابن محي الدين لهم بعد ‪ 17‬عام من مقاومة‬
‫الكــر و الف ــر‪ ،‬كان هؤالء المطماطيون يصارعون الحياة القاسية في شرق جبال الونشريس بعد أن‬
‫رحلوا إليها من المنخفضات الخصبة التي صادرها المستعمرون الفرنسيون ـ ـ ـ تماما مثلما صادر‬
‫اإلنجليز أراضي الهنود الحمر الخصبة في منطقة الماهيكان ‪ Mahicans‬ضواحي نيويوك وطردوا‬
‫أصحابها إلى الجنوب ـ ـ لصالح مستوطنيهم ولصالح البشاوات وال ُقياد من أحفاد الكراغلة‪ ،‬ومن أحفاد‬
‫الموريسكيين الذين يقومون على خدمتهم معا‪ ،‬وانتقلوا إلى مرتفعات الونشريس الشرقية آلمانها وبعدها‬
‫نسبيا عن الشريط الساحلي ‪ 140-100‬كلم‪.‬‬

‫إن تاريخ مطماطة كقبيلة كبيرة يرجع آللف السنين وهي من أشرس القبائل دعوة إلى السالم وإال‬
‫ما كان يذكر ابن خلدون بالذات (موطن ابن منداس) في كتابه "تاريخ ابن خلدون" قائالﹰ ‪ ":‬وهذا ما‬
‫األخباريين من البربر و وقفت على‬
‫ّ‬ ‫تلقيناه من أخبار مطماطة (وأما موطن منداس) فزعم بعض‬
‫سمي بمنداس بن مغر بن أوريغ بن لهرر بن المساو وهو هوارة"‪ 7‬فقبيلة‬
‫كتابه في ذلك أنه ّ‬
‫مطماطة كانت قبيلة كبيرة في عهد ابن خلدون ـ ـ القرن ‪ 15‬ميالدي ـ ـ أما حاليا تفتتت إلى عروش‬
‫ضاع منها تراثها اللغوي بنسب مفجعة تشمل وياليتين متجاورتين‪ :‬شناوة (إيشنوين) بوالية‬
‫تيبازة ومطماطة (إمظماظن) بعين الدفلى و فيها ثالث عروش كبيرة ( والعروش األخرى يقال أنها‬
‫موجودة في شرق عين الدفلى لكن غير معروفة وبعيدة عن الجبال! ) وُذكرت مطماطة في كتب‬

‫‡‡‪ .‬الكراغلة أحفاد األتراك الباقين في الجزائر والمختلطون النسب مع الجزائريين‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫التاريخ أنها لواتة أو هراوة‪ 8‬ككتاب "القبائل األمازيغية" للبوزياني‪ ،‬أي أنها من عروش قبيلة جندل‬
‫أو خميس مليانة مصاهرةﹰ؛ وهنا ال بد من اإلشارة إلى نقص الوثائق والمراجع‪.‬‬

‫أما العروش التي نحن بصددها موطنها التاريخي شرق المدية وجنوب خميس مليانة ومازالوا يكنون‬
‫بمطماطة‪ ،‬ومنطقتهم تسمى بالد مطماطة على المرتفعات وسفوح جبال الونشريس الشرقية القريبة‪،‬‬
‫في شكل اختالط عرش ه اروات بعرش مطماطة لكن الناس ال يعرفونهم إال باسم واحد وهو مطماطة‪،‬‬
‫ويقطن أغلبهم حاليا في مدينة طارق ابن زياد وحواضرها حتى مدينة برج األمير عبد القادر جنوبا‪،‬‬
‫وهم منقسمون محليا إلى عرشين ه اروات ومطماطة‪ ،‬وهناك أيضا عرش أوالد مهدي بواد جمعة بين‬
‫جندل و طارق بن زياد‪ ،‬كما نجد الشريف اإلدريسي يذكر قبل ابن خلدون أن موقع مطماطة منداس‬
‫من شلف غربا إلى المدية شرقا إلى حدود مهدية جنوبا‪ ،‬وما كانت لتكبر لوال التحاق زناتة ابن توجبن‬
‫من تاهرت (تيارت حاليا) ليؤكدها المؤرخ المعاصر حماه ولد السالم ذلك‪ " :‬لحقوا بنو توجين من‬
‫زناتة على منداس وصاروا في عداد قبائل الغارمة"‪ ، 9‬يقول اإلدريسي في كتابه "نزهة المشتاق في‬
‫اختراق اآلفاق" كانت مملكة بن توجين ـ ـ مملكة الونشريس ـ ـ تحوي مطماطة الكبرى أنذاك‪ ،‬فقال في‬
‫التعريف بجبل الونشريس‪ :‬وبنو أبي خليل وكتامة ومطماطة وطوله أربعة أيام ينتهي إلى قرب‬
‫تاهرت‪/‬تيارت‪ .‬وفي هذه المملكة التي كانت تشمل أربع قالع أو حصون‪ :‬المدية (أغلب الظن هي‬
‫مطماطة الحالية في والية عين الدفلى) تاو غزوت‪ ،‬تاقدمت‪ ،‬وتافرقينت‪ .‬بقيت قلعة المدية وهي‬
‫المدينة التي بناها بلقين بن زيري في عهد الدولة الفاطمية بعد تأسيسه لمدينة الجزائر الحالية ومدينة‬
‫مليانة‪.‬‬

‫لم ُيعرف عن قبيلة مطماطة التاريخية منذ القرون الوسطى إلى أيامنا الشيء الكثير‪ ،‬وما بالك‬
‫بالعروش المنقسمة عنها‪ ،‬المنجرة عن التشتت بالمصاهرة في تاريخنا المعاصر‪ ،‬وكنتيجة حتمية‬
‫لسقوط مناطق المغرب اإلسالمي القليلة الساكنة والغير استراتيجية بالنسبة لطرق التجارة سقطت في‬
‫التخلف الحضاري قديما وحديثا ـ ـ ولعل مطماطة إحداها لعدم وقوعها ضمن خط سير القوافل ـ ـ‬
‫سقوطها في العزلة والتهميش بسقوط دويالت المغرب األوسط‪ :‬الدولة الرستمية فالدولة المهدية‬
‫الفاطمية ثم دولة الموحدين‪ ،‬ومنذ ذلك الحين بضياع األراضي السهلية منها لعبت بداوة المرتفعات‬
‫دورها السلبي في التعود على ثقافة الال تمدن مثل قبائل النيبال تماما‪.‬‬

‫ولكنهم غالبوه وتغلبوا عليه‪ ،‬غالبوا حياة الق ــر الشديد في الجبال والذي يمتد لثالثة أشهر بالتفنن‬
‫في تجفيف األطعمة وتخزينها لهم ولماشيتهم‪ ،‬وحياة الحــر األشد الذي يماثله مراوحة‪ .‬وفي تلكم‬

‫‪11‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫§§‬
‫الفترة‪ ،‬فترة التخلي عن األراضي المنبسطة بدأت المعاناة والقساوة‪ .‬وكان األمير عبد القادر الجزائري‬
‫تحول منفيا إلى دمشق الفيحاء مؤلفا كتابه "المواقف" متغافال عن اتخاذ موقف من المقاومة الشعبية‬
‫المستمرة في كامل ربوع الجزائر؛ حيث كان فيها المقاومون األشاوس من الـمور الذين ذكرنا بالسهوب‬
‫ُيذبحون بكل وحشية ويقتلون أشر القتل بل يشنقون على مرأى من العالم المتمدن‪ ،‬على أنهم بربر‬
‫خارجون عن القانون ‪ Berbères hors de la lois‬فيما كان سيادة األمير يهادن غالة المستعمرين‬
‫ويعايش النصارى واليهود‪ ،‬بل يتفنن وهو في حل من أمره في الفيحاء دمشق التمكين لمذهب محي‬
‫الدين ابن عربي الصوفي في كتابه المواقف الصوفية ـ ـ ـ ليس ليقتدي بها أحفاده وال يعودون للمقاومة‬
‫ثانية‪ ،‬بل كي يقنن ما أقبل عليه من استسالم ويشرعنه كي يستسيغ االستسالم كل المسلمون األمازيغ‬
‫الذين مازالوا مرابطين الذين أروا فيه "استسالما مهينا" لهم‪ ،‬وعمل األمير هذا أشبه ما كان بعمل‬
‫السلطات السعودية اليوم مع المقاومة الفلسطينية ـ ـ ـ‬

‫أجل‪ ،‬كان الزعيم البطل الشيخ بوزيان القلعي ُيجلد ويعذب ثم يقاد ليشنق على المأل في ساحة‬
‫حسين داي بالجزائر‪ .‬والشيخ بوزيان القلعي ال ترجع أصوله للمورسكيين (في غالبيتهم خليط زيجات‬
‫بني أمية حفدة عبد الرحمن الداخل باإلس ــبان والمرابطين األدارسة) مثل األمير عبد القادر الجزائري‪،‬‬
‫وإنما ترجع أصوله لفخذ من قبيلة مطماطة في غليزان القريبة من عين الدفلى‪ ،‬ولم ُيلتفت إلى نسبه‬
‫إلى أيامنا لما قاوم االستعمار في منطقة شبه صحراوية مختلطة األعراق تجمع بين الم ــور والعرب‬
‫ال هالليين الذين استوطنوا في سهوب الحضنة وأوالد نايل‪ :‬المسيلة‪ ،‬الجلفة واألغواط حاليا‪ ،‬وبين‬
‫البربر "الشلحة" في األبيض سيدي الشيخ وكتامة وصنهاجة تاهرت المنحدرة منها قبيلة مطماطة كما‬
‫يذكره ابن خلدون؛ وكلهم مقرهم في المغرب األوسط بين التيطري ووهران أو بين تاهرت ووهران‪،‬‬
‫فالشيخ بوزيان القلعي رحمه هللا في سلوكه الشهم غير المهادن تُعزه وتكرمه أصوله البربرية القحة‪،‬‬
‫فيخلد في األدب الشعبي بقصيدة‬ ‫و إال ما كان ُليضرب به المثل بعد استشهاده بتلك الطريقة‪ُ ،‬‬
‫تحمل اسمه‪.‬‬ ‫‪10‬‬
‫ملحمة‬

‫وبالرجوع إلى قبيلة مطماطة وما تحمله من خصائص ثقافية أصيلة مقابلة ألخالق األمير آنذاك‪،‬‬
‫والذي رابط غير بعيد عن منطقة نفوذها‪ ،‬أي رابط بين قصره المحصن في تــا از ( برج األمير عبد‬
‫القادر والية تيسمسيلت حاليا) وعاصمته المتحركة طاﭭين (زمالة األمير عبد القادر والية تيارت‬
‫حاليا)‪ ،‬العاصمة التي قوامها والشك فرسان وجنود مطماطيون أيضا‪ ،‬سنجد أن التقابل حقيقي غير‬

‫§§‪ .‬يقول المؤرخون أن في هذه الفترة التي قام فيها األمير في دمشق تغير لقبه من األمير عبد القادر ابن محي الدين إلى األمير عبد القادر‬
‫الجزائري‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫متخيل وهو الذي يتجلى أول ما يتجلى في شعار المقاومة « النصر أو االستشهاد » لدى المطماطة‬
‫وأبطالها التي تربطهم روابط نسب‪ ،‬كالشيخ بوزيان القلعي والشيخ الحداد والشيخ المقراني بالمغرب‬
‫استثناء مقاومة الشيخ بوعمامة نوعا ما بغرب المغرب األوسط (البيض والنعامة حاليا)‬
‫ا‬ ‫األوسط‪ ،‬و‬
‫والشيخ ابن زلماط بالشاوية‪ ،‬وشعار مقاومة األمير « النصر أو االنسحاب‪ /‬الكر والفر» في الغرب‬
‫الجزائري (من تيارت وغليزان حتى الحدود المغربية) وال نريد هنا الدخول في متاهات أخرى نتيجة‬
‫هذا الحكم ألن الموضوع ال يسمح‪ :‬هذا الرأي أو الموقف تدعمه مشاركة عروش مطماطة البطولية‬
‫الحركة ممن‬
‫في الثورة التحريرية؛ إذ ال تخلو عائلة من عوائلهم اليوم من شهيد ‪ ،‬بينما نجد عدد ْ‬
‫***‬

‫خانوا الثورة وخدموا أسيادهم أكثرهم من منطقة الغرب الجزائري‪ ،‬منطقة الموريسكيين!‬

‫‪ .2‬الثنية ف اجلزائر تكريس ملقولة "التــقــدم ثقــــافــة"‪:‬‬

‫باألحرى الثقافة هي أولى الخطوات التي البد منها لوضع القدم على السكة الصحيحة أو على‬
‫قدر التحول إلى المجتمع‬‫المسار الصحيح للتقدم‪ ،‬فعندما يدخل في فكر المجتمع الديني اقتناعا ب َ‬
‫المدني‪ ،‬فإنها خطوة ثقافية وال شك نب َذ من خاللها األيديولوجيا التي شكلها الدين إلى ارتباط طبيعي‬
‫فطري (ال أيديولوجي) بين العبد وربه بعيدا عن اإلكراهات والمنفعية‪ ،‬ثم تأتي العملية العكسية التي‬
‫هي مآل المجتمع المدني وهي الديمقراطية للحفاظ على ذلك التقدم‪ ،‬وبالتالي يصبح التقدم ثقافة‪.‬‬
‫ولعل الال انسجام بين البربر والسلطة الحاكمة اليوم يعود للمرجعيات السياسية والقومية األيديولوجية‬
‫أكثر منها إلى المرجعية الدينية‪ ،‬حتى أضحت بالعادة والتقادم تبدوا وكأنها مشكلة ثقافية؛ أحدهم‬
‫يرنوا إلى قيم التقدم التي ال تتأتى دون هوية أصيلة‪ ،‬واآلخر يحن إلى قيم التخلف والرجعية‪.‬‬

‫فإذا كان أمازيغ القبائل بتعصبهم الجديد إزاء الثقافة ـ ـ ربما غير مقصودة العنصرية المنجرة عن‬
‫هذا التعصب ـ ـ أرادوها أن تكون مشكلة حدود التقدم االقتصادي والسياسي الذي هو الحد األدنى‬
‫من الديمقراطية والعلمانية الغربية‪ ،‬أي الممارسة الحرة للثقافة بالحكم الذاتي في القبائل الكبرى‬
‫(تيزي وزو) والصغرى (بجاية)‪ ،‬وقد مهد لهذه الرؤية تقليدهم للممارسة االختالفية السياسية في أكثر‬
‫من قطر أوروبي؛ فرنسا مع مونتي كارلوا وإسبانيا مع الباسك‪ ،‬لكن الديمقراطية الغربية والتي يريد‬
‫أن يتبناها الـ ‪ MNK‬وتطلع إليها حزب األرسيدي أيضا‪ ،‬تعترف على األقل بحقوق األقليات اإلثنية‬
‫التي لها إرث ثقافي مختلف‪ ،‬إذن فالبون شاسع حول القيم الديمقراطية وثقافتها بين الدول الغربية‬
‫وبين من حاول تقليدها فيها من عرب مور وبربر وأكراد وفرس‪ ،‬من ذلك لجوئهم إلى ممارسة العنف‬

‫***‪ .‬وأنا بالذات محرر هذا المقال‪ ،‬كان جدي شهيدا‪ ،‬وأبناء عمومتي أباءهم وأجدادهم كلهم شهداء‪ ،‬مع هذا كلنا نعاني ومازلنا من الفقر‬
‫وشظف العيش جراء البطالة وغيرها!‬

‫‪13‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فيما بينهما ومع الحكومة‪ ،‬بل ولجوء الحركتين إلى تعبئة سكان المنطقتين من أجل االستقالل ثقافيا‬
‫عن البلد‪ ،‬بإحالل شامل وكامل للغة األمازيغية محل اللغة العربية‪ ،‬يعني حتى اللغة العربية تدرس‬
‫باللغة األمازيغية‪ ،‬وبالال مباالت باالحتفاالت واألعياد الوطنية‪ ،‬واالحتفال مكانها بكل ما له صلة‬
‫بالتراث األمازيغي في المنطقة فقط‪ ،‬أي أن يصبح تميز الكيان القبائلي عن غيره ملموس من خالل‬
‫الثقافة والتقدم يبدأ بهذه الخطوة األولى كما يعتقدون‪.‬‬

‫و ِ‬
‫فطنت السلطات لذلك بسرعة واتخذت تدابير فورية مضادة‪ .‬ولعل البربر عامة نخبتهم ودهمائهم‬
‫ـ ـ ِمن غير ال ْقبايل ـ ـ مع السلطة الحاكمة اليوم في الج ازئر ال يريدون للمشكلة أن تخرج عن‬
‫إطار مشكلة العدالة بين مختلف جهات الوطن؛ حتى بين البربر في جميع مناطق القطر ومع‬
‫قبائل تيزي وزو وبجاية‪ ،‬والقطيعة مع ممارسات الماضي‪ ،‬مع وجود السلوك المفارق لكليهما برب ار‬
‫أو أمازيغا‪ ،‬حين يقول كليهما أن كل الجزائريين أمازيغ‪ ،‬لكن الكيفية حول جعلهم كذلك مختلف‬
‫حولها بينهما البربر واألمازيغ من جهة‪ ،‬والحكومة من جهة أخرى‪ .‬لعل أحد تلك الكيفيات هو‪ :‬فيمن‬
‫يحق لهم االحتفال بالرموز الثقافية البربرية وجعلها احتفاالت وطنية دائمة!؟ أيعقل مثال بأن تحيي‬
‫وهران سنويا مهرجان التراث البربري الترقي أو الميزابي! وكيفية تعميم تعليم األمازيغية؟ فالحكومة‬
‫تقول بتعلم اللغة األمازيغية لمن أرادها‪ ،‬بينما يقول سائر البربر بأن اللغة األمازيغية لغات عدة أو‬
‫أمازيغيات عدة لذلك يجب أن َي ُحل تعليم اللغة األمازيغية الموجودة في كل منطقة محل اللغة الفرنسية‬
‫واللغة الفرنسية محل اللغة اإلنجليزية وهكذا‪ ..‬وفي المقررات الدراسية من اإلعدادي حتى الدكتوراه‪.‬‬

‫وعلى ذكر المحلية البد من مالحظة أن المتأمل للساحة السياسية األمازيغية القبائلية وحتى الشاوية‬
‫سيرى أن جل قادة الحزب المنادي بالحكم الذاتي الـ ‪ MNK‬وكل المناضلين والنشطاء في األرسيدي‪،‬‬
‫وفي ميادين حقوق اإلنسان المحلية بال ْقبايل (العروش)‪ ،‬منذ أحداث الربيع األمازيغي الثاني‬
‫في ‪ 2001‬هم فنانين محليين أو مهتمين بتراثهم المحلي‪ ،‬وولجوا السياسة من باب الفن والموسيقى‪،‬‬
‫بعدما نجحوا محليا ولم ينجحوا وطنيا‪ ،‬لعل نجاحهم محليا وعدم نجاحهم وطنيا راجع للقاعدة الشعبية‬
‫ذات المرجعية االجتماعيةـ ـ الثقافية المختلفة من قبيلة ألخرى‪ ،‬وفي نظرتها للفن والدين واألخالق‬
‫ولعلمانية الدولة نظرة مختلفة‪ ،‬وقد انتبه السياسيون واإلعالميون في المشرق العربي لهذا المعطى‬
‫فوصفوا أصحابه من قيادة حزب الحكم الذاتي بالبربريون حقا!‬

‫وقد فطن السعيد سعدي المناضل القبائلي التاريخي الثاني بعد الحسين آيت أحمد بعد خروجه‬
‫المخزي في انتخابات الرئاسة عام ‪ 1995‬أمام األمين زروال ومحفوظ نحناح ِمن أن غالبية الشعب‬
‫ُ‬
‫الجزائري صم بكم عمي أمام طروحاته ومعتقداته السياسية‪ ،‬بخاصة ما تعلق بإقامة محافظات ال‬

‫‪14‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مركزية ببرلمانات محلية بدل الواليات وإبعاد الجيش عن بيت المرادية‪ ،‬فاتجه إلى حل آخر وهو‬
‫تكريس الثقافة والديمقراطية ضمن المجال الحيوي فقط‪ ،‬وهو منطقة القبائل‪ ،‬والتنازل عن دوره‬
‫البرلماني ومسؤولياته الوطنية متحوالﹰ إلى حزب جهوي‪ ،‬حيث سيتحول مقصود «الثقافة» اللغة والتراث‬
‫األمازيغي بمنطقة تيزي وزو وبجاية وليس كافة مناطق البربر بعدما كان يحمل بعدا وطنيا ومغاربيا‪،‬‬
‫وبرغم سهولة إنشاء األحزاب السياسية في الفترة األخيرة بالجزائر غير أن المناطق البربرية األخرى‬
‫لم تشهد إنشاء أحزاب على شاكلة حزب األرسيدي‪ ،‬كمطلب من مطالب العدالة في الثقافة‪ ،‬وهذا إن‬
‫دل على شيء دل أوال على اختالف األمازيغ عن البربر اليوم بسبب دخول مصطلح العنصرية أو‬
‫الصهيونية القبايلية الذي أشرنا إليه سابقا إلى اللعبة السياسية‪ ،‬وثانيا كون "القبايل" أصبحوا يختلفون‬
‫اليوم حقا عن بقية البربر والمعيار هو المكون الثقافي – االجتماعي األصيل من عدمه‪ ،‬بتفتحهم‬
‫على التيارات السياسية والعلمانية والديمقراطية والعولمة‪ ،‬والمتسامحة دينيا‪ ،‬ال عجب أن يعترفوا‬
‫ب َح ْركة فرنسا‪ ،‬العدو التاريخي للشعب الجزائري وثورته؛ ولعل المشاركة بقوة والتحالف التاريخي ـ‬
‫حتى ولو لم يكن منظما ـ لألمازيغ ال ْقبايل مع إخوانهم العرب في حرب التحرير الوطني كان تحالفا‬
‫استراتيجيا من أجل التحرر‪ ،‬ثم ما يأتي بعد االستقالل سيأتي بعد االستقالل‪ ،‬وهو فعال ما حصل‪،‬‬
‫ورويدا رويدا تطور النضال الحركة ال ْقبايلية من التحالف قبل ‪ 1962‬إلى االنشقاقات سنة ‪1963‬‬
‫والعام ‪ 1970‬الذي أُغتيل فيه عبان رمضان‪ ،‬بل إلى الصراع أثناء ربيع العام ‪ ،1980‬أما بعض‬
‫بربر غرداية والطاسيلي وكل الشاوية ومطماطة والشلحة‪ ،‬فأحزابهم السياسية هي تلكم األحزاب‬
‫المعروفة المحتكرة للساحة اليوم‪ ،‬وهي حمس واألفالن واألرندي ألن مقوماتهم الدينية أصيلة تجعلهم‬
‫ينسجمون مع االتجاه الثقافي والسياسي لهذه األحزاب‪ ،‬وهم يمتحون هويتهم من قيم الزوايا والطرق‬
‫الصوفية السمحة المنتشرة بكثرة في شمال إفريقيا‪ ،‬وال يقيمون وزنا للثقافة التي تأتي من وراء البحار‬
‫المطلع على شؤون وقضايا اإلثنيات في العالم سيقول أنها قبائل‬
‫وال لعلمانية الدولة‪ ،‬ولعل المالحظ ُ‬
‫البربر جسدت بربريتها في الواقع؛ براضاها ورضوخها‪ ،‬وتفريطها في حقوقها‪ .‬ولهؤالء نقول لهم كال‬
‫وهللا‪ ،‬بل واعية كل الوعي‪ ،‬لكنهم ال يبتغون مبادلة عنصرية بعنصرية وال صهيونية بصهيونية جديدة‪.‬‬
‫والدليل أوال هو في تقوقعهم في أشد المناطق وعورة تضاريسيا حفاظا على تراثهم ولغاتهم‪ ،‬وثانيا أال‬
‫يكفي البربر والنوميديون في الصحراء ما ذاقوه عبر تاريخهم الطويل‪ ،‬من ويالت وحروب ومن‬
‫عصبيات شد وجذب حتى يزيدوا عليها عصبيات و"نضاالت" أخرى هم في غنى عنها! بعد أن‬
‫اعترف العالم اليوم بما أصبح يعرف بحقوق اإلثنيات في التنوع واالختالف الثقافي وبتراثها اإلنساني‬
‫تراثا عالميا‪ .‬ولعل من بينها هذه القبائل البربرية قطعا ما بقي منها في الجنوب الشرقي لوالية عين‬
‫الدفلى‪ ،‬بالتحديد في مطماطة وه اروات‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ .2‬التعصب (األيديولوجي ـ ـ ـ الثني) ومقولة دعـه يصلي دعه يـمـر‪:‬‬

‫عندما تضع اإليديولوجيا سواء كانت دينية أو سياسية نفسها كمقابل وجودي للحرية فإن حتمية‬
‫صراع اإلنسان مع نفسه ألجل العيش الكريم تزداد وتتعقد‪ ،‬والدليل البين أمامنا هو الصراع على‬
‫السلطة في الجزائر‪ ،‬منذ استقاللها عن فرنسا إلى يومنا‪ ،‬مازال النظام غير الديمقراطي الذي يحكم‬
‫باسم أيديولوجيا هي أيديولوجيا «الشرعية الثورية» أي تمجيد المكاسب التحررية المحققة في خمسينات‬
‫وستينات القرن الماضي وتجديدها باالستثمار في المرتكزات الهوياتية الثالث للشعب التي أبعدها‬
‫هو نفسه عن التالعب السياسي‪ .‬صحيح أن المجتمع الديني في اإلسالم ال يعترف بآخر غيره (إال‬
‫من كونه آخر كافر متخبط في االنحالل والقيم المادية) إذن ال يعترف بالديمقراطية‪ ،‬ويصبح وجود‬
‫النظام العسكري ِمن وجوده‪ .‬وصحيح أيضا أن الشعور القومي الوطني إلى العروبة يكاد أن يكون‬
‫شعو ار ِ‬
‫مقدس قداسة تاريخ الفتح العربي (الممجد) ألجل صهر الهوية األمازيغية في المغرب األوسط‬
‫‪/‬الجزائر فيه‪ .‬غير أن هذا النظام ال بديل له في الوقت الحالي على األقل (باعتبار التيار الديمقراطي‬
‫المتبلور في منطقة القبائل بالخصوص ما انفك يكرس ُعقمه بجهويته) غير استدعاء سياسي‬
‫للمكونات الثالث‪ :‬الدين والعروبة واألمزغة لدرء كل األخطار المحدقة به‪ ،‬المكونات التي سبق له‬
‫أن شرع لعدم تسييسها دستوريا بنفسه! وفي ظل هذه العصبية بين الطرفين؛ الدولة عن طريق‬
‫حكومتها وأحزابها التي تحصي أيضا الوعاء البربري مع جل قطاعات الشعب غير الواعية‪ ،‬وبين‬
‫األحزاب الراديكالية اتجاه الثقافة كالحزبين األمازيغيين ‪ RCD‬و‪ ،MNK‬من المفروض حسب فرضيتنا‬
‫السابقة حول مزايا التعدد الثقافي أن تنضج الممارسة الديمقراطية‪ ،‬وتعي الجماهير لتلعب أدوارها‬
‫نحو التقدم ال أن يحدث العكس‪ .‬بيد أن في األمر مسألة وقت متروك البث فيه للمستقبل‪.‬‬

‫ولعل أحد مزايا التعدد الثقافي هو استحالة صعود التيار الذي يحكم باسم الدين برغم قاعدته‬
‫الشعبية‪ ،‬ناهيك عن عدم إمكانية تبلور بنية مصالح طبقية أو فردية (فساد) خفية تتقاسم الوالءات‬
‫والمكاسب بين بعضها البعض‪ ،‬يعني عدم إمكانية أن تقوم التيارات السياسية الثالثة بتجاوز الصراع‬
‫المثمر (لما عبد الطريق لثقافة التقدم) إلى التحالف االستراتيجي غير المثمر لثقافة التقدم (على‬
‫حساب قيم الحرية وقيم اإلنسان) وهو فعال ما ُلمس مع خيانة العروش‪ ،‬عندما عملت السلطة‬
‫اإليديولوجية والمجتمع المتدين‪ ،‬والعروش التي مثلت العرق األمازيغي ال ْقبايلي تمثيال غير سياسي‪،‬‬
‫على التحالف االستراتيجي بينها‪ ،‬فبعد عشرية من الدم اضطر الرئيس بمعاونة "النظام" الذي ُركنه‬
‫الركين الجيش ـ ـ الذي يقول أنه سليل جيش التحرير الوطني ـ ـ إلى شراء السلم واألمن مقابل المال‬
‫في ظل بحبوحة ريعية نفطية‪ ،‬ثم جاءت انتفاضة الربيع األمازيغي بعد مقتل المطرب‬

‫‪16‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫القبائلي "معطوب الوناس" على أيدي المخابرات‪ ،‬لتزعزعه (النظام) من قلب العاصمة متخذة شكل‬
‫ثورة أيديولوجية مضادة لعنف اإلسالم السياسي‪ ،‬ومضادة لمحاوالت نظام الرئيس العفو بدفع األموال‪،‬‬
‫ثم استرضاء اإلسالم السياسي بمقولة ارجعوا إلى مساجدكم تسلمون أو دعه يصلي دعه يمر!‬

‫نحن نحتاج في مجتمعنا الجزائري إلى حالة من تكافؤ الفرص ال تكافؤ األيديولوجيات‪ ،‬أي الكف‬
‫عن استعمال الدين كمبدأ إلقصاء هذا أو ذاك‪ ،‬والتغطية عن حالة الضعف مع فقدان القواعد‬
‫والمرجعيات التي تجعل من الدين اإلسالمي ال يعوق حركة التقدم الثقافي‪ .‬وتلكم هي اإلشكالية‬
‫العويصة إشكالية المجتمع الديني التي دفعت إلى تفككات ال حد لها‪ ،‬وإلى تعددات ال رتابة لها حتى‬
‫على مستوى ذلك المجتمع المنغلق المتقوقع على نفسه بزهو‪ ،‬بالتحديد في ما يعرف بفقه السنة وفقه‬
‫العبادات قبل فقه الشريعة‪/‬العقيدة؛ إنها اإلشكالية التي خولت أو منحت الضوء األخضر لإلسالم‬
‫السياسي بأن يتصهين اتجاه أمازيغ تيزي وزو وبجاية (يخترق غاباتها كي يهزمهم في عقر دارهم)‪،‬‬
‫وهؤالء األمازيغ القبايل يتصهينون أيضا كرد فعل‪ ،‬لكن على كامل الجزائريين دون تفرقة بين شاوي‪،‬‬
‫وشنوي‪ ،‬وعروبي‪ ،‬ومطماطي‪ ،‬كما تقول به النبوءة القديمة‪ .‬فالخوف كل الخوف الذي تنبه له النظام‬
‫هو ترعرع الصهيونية األمازيغية ال ْقبايلية بعد تبلورها الفعلي‪ ،‬كمقابل موضوعي للصهيونية‬
‫اإلسالمية‪ ،‬بالتالي تتفكك األمة وتتشرذم الجزائر القارة‪ ،‬فاضطر مرة ثانية هذا التحالف االستراتيجي‬
‫المكون للنظام من شراء السلم والوحدة الوطنية مع فئة بربرية ال تمثل جميع البربر‪ ،‬بل تمثل فقط‬
‫بعض األمازيغ (بعض بربر منطقة القبائل) بالمال‪ ،‬يقودها مجتمعها المدني "العروش" كما يسمي‬
‫نفسه (ِبمنح المنطقة شيك تنموي ضخم وتجبير خاطر أعضاء العروش فردا فردا) وبعض المكاسب‬
‫السياسية الطفيفة كتعليم األمازيغية‪ ،‬ودسترة األمازيغية لغة وطنية ثانية بعد العربية‪.‬‬

‫لقد بقي البربر مجتمعا بدون كيان وهوية ثابتة نتيجة تاريخه الطويل في شمال إفريقيا على هذه‬
‫الشاكلة‪ ،‬نضاالت ونضاالت حماسية غير كافية كونها ُت َلبى فقط بجبر خاطر أفرادها كممثلين‬
‫لعوائلهم وأحيائهم البربرية قبل تمثيل قبائلهم؛ سرعان ما ُيشترون ثم تعود األمور مثلما كانت‪،‬‬
‫القبايل أعطوا نموذجا‪ ،‬بأن األمازيغ كغيرهم من األقليات اإلثنية تتحالف أو‬
‫َ‬ ‫والعروش في منطقة‬
‫تتفاوض استراتيجيا ألجل مصالحها‪ ،‬وهي بذلك ليست بأفضل من باقي القبائل البربرية قوة وال حزما‬
‫في التعصب لمبادئ هويتها الثقافية‪ ،‬بل وتفقد كثير من االمتيازات جراء هذا التفاوض‪ ،‬ما يؤكد‬
‫غياب التمثيل الحقيقي للمجتمع المدني والشعبي في هذه المنطقة‪ ،‬كمجتمع يتوق للتحرر من‬
‫االستغالل المادي والديني‪ ،‬لكنه غير قادر على ذلك‪ ،‬ولعل الدين كان وال زال هو المحك والعائق‬
‫الحقيقي في سبيل عدم المقدرة هذه عندما دخل كثير من األمازيغ المتدينون (وهم من أبناء المنطقة)‬

‫‪17‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ُيزرعون في المنطقة لمراقبة الوضع وهداية الناس مقابل المكاسب المادية‪ ،‬ولعله هنا يكمن سبب‬
‫التعصب الصهيوني من الطرفين‪ ،‬طرف يحاول كسر وفك شعار "شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة‬
‫ينتسب"‪ ،‬الذي هو شعار سلفي تبناه النظام‪ ،‬بالمقاطعة الثقافية‪ ،‬لكنه يجد من يحاول تكسير محاولة‬
‫التكسير هذه نفسها‪ ،‬عن طريق إيجاد شكل من أشكال الوفاق والتحالف وبتقسيم المكاسب‪ ،‬وهكذا‬
‫تكرست دولة الوفاق السياسي االقتصادي في المغرب األوسط تاريخيا على حساب الوفاق االجتماعي‬
‫الثقافي‪ ،‬لذا يبقى تكريس التنوع الثقافي هش محدود وهو مكسب للجزائر لو أحسنت جميع مكونات‬
‫المجتمع الجزائري استغالله‪.‬‬

‫ولعل تراجع نسبة قبائل البربر المطرد منذ بداية الفتح (‪645‬م‪ 709-‬م) ال يفسره إال االندماج ثم‬
‫ذوبان خصائص كل قبيلة في الخصائص العامة لمجتمعات الدويالت القائمة ضمن مجال سيادتها‬
‫الحيوي آنذاك‪ ،‬فقد كانت هناك قبائل كثيرة موزعة على كامل تراب المغرب األوسط قبل بداية قوافل‬
‫الفاتحين العرب األوائل ثم الغازين الهالليين فالمطرودين الموريكسيين‪ ،‬وما اختيار قواد من البربر‪،‬‬
‫وهم قواد متواضعين عسكريا وسياسيا‪ ،‬وغير مشهود لهم بالكفاءة وال بالخبرة ليكونوا على رأس هذه‬
‫القوافل‪/‬السرايا الفاتحة إال دليل على كثرة عدد البربر آنذاك‪ ،‬وال يمكن بأي حال من األحوال أن‬
‫يفسر التراجع الكبير في أعداد البربر بعد غزوة الهالليين التقوقع أو الفرار لالنزواء الطوعي في‬
‫الجبال الداخلية الوعرة‪ ،‬ألن قبائل الهنود الحمر في أمريكا الشمالية كان لهم السلوك نفسه تقريبا وفي‬
‫نفس الفترة التاريخية‪ ،‬غير أن الفرق كامن في جانب حقوق اإلنسان‪ ،‬حيث كان القوي يأكل الضعيف‬
‫بدء‬
‫بكل اعتيادية والمؤشر على ذلك سقوط الحضارة العربية اإلسالمية وسطوع نجم الحضارة الغربية ا‬
‫من اكتشاف أمريكا‪ ،‬ولعل محاوالت تذويب األقليات اإلثنية األصيلة عن طريق محو لغتها كانت‬
‫استراتيجية ومازالت خاطئة؛ إذ أن ما يميز العروش كعروش قبيلة مطماطة ليس اللغة وال حتى‬
‫المظاهر الثقافية من لباس ومأكل وطريقة حياة‪ ،‬بل إن هناك خصائص بيولوجية متوارثة محمولة‬
‫في الجينات تحافظ على الساللة‪ ،‬وتجعل احتمال انبعاث خصائصها اللغوية والثقافية وارد في أي‬
‫وقت مهما طال الزمن‪ ،‬إن هناك من أسر تنتمي إلى هذه اإلثنية في خصائصها الجينية لم نشعر‬
‫أنها فقد هويتها أبدا‪ ،‬وهي مندمجة اليوم ضمن أغلبية عربية في مدينة دراق ومدينة برج األمير عبد‬
‫القادر اندماجا اجتماعيا فقط‪.‬‬

‫وعجينة القول‪ ،‬ربما لو كان لها هجرة إلى الصحراء مثل ما فعل أبناء بنو عبد الواد‪ ،‬وبنو توجين‪،‬‬
‫وبنو زردال‪ ،‬وهم زناتة كما ذكر ابن خلدون في كتابه العبر وديوان المبتدأ والخبر‪ ،‬لحافظت مطماطة‬
‫على كيانها كما حافظت عليها زناتة بنو عبد الواد‪ ،‬كون أن الواحات بعيدة عن منطقة التل ال يمكن‬

‫‪18‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أن تبتلعهم قيم دينية ومذهبية منافية لخصائص البربري في العيش بكرامة وحرية ( كالتحالف أعيان‬
‫العرب ومشايخهم الكثيرة في التل ضدهم‪ ،‬بالوالء المطلق للدولة والجهاد وغيرها)‪ ،‬كما حصل مع‬
‫الميزابيين المنتسبين لقبائل ابن توجين الرستمية في تاريخ المغرب األوسط اإلسالمي من حروب بين‬
‫(مصاب) مع بنو توجين‪ ،‬فاضطروهم إلى المغادرة‬‫األعيان ذوي األنساب المختلفة‪ :‬بنو مصعب ُ‬
‫واالنعزال بعيدا في أغوار الصحراء الكبرى‪ ،‬وفي جميع األحوال فإن االنحطاط الحضاري في المغرب‬
‫اإلسالمي آنذاك كان من أسباب تخلف قبائل البربر إلى مواقع جبلية محصنة أو ضمورهم ثقافيا‬
‫الممهد لتبدد شبه‬
‫أكثر فأكثر في مناطق غير محصنة‪ ،‬لكن مع ذلك فاالنقسام والتفتت الحقيقيين ُ‬
‫تام لقبائل البربر في منطقة بالد مطماطة وغيرها من مناطق تاريخية للبربر كان مع مجيئ‬
‫االستعمار الفرنسي‪ ،‬وظهور مقاومات الكـر والـفر الشعبية في كل بوادي وجبال الجزائر وأريافها التي‬
‫تشكل موطن البربر‪ ،‬كمقاومة األمير عبد القادر‪ ،‬حيث انضم مجاهدون محليون بربر إلى تلك‬
‫المقاومات بعفوية طلبا للرزق‪ ،‬المقاومات التي تُنسب إلى قواد بربريون معلومو النسب‪ ،‬كالشيخين‬
‫البطلين بوزيان القلعي والحداد‪ ،‬وبرغم من أن مجال مقاومة األمير عبد القادر الجغرافي ضم بالد‬
‫مطماطة‪ ،‬فلم يكن أعداد منتسبي "المجاهدين" من بربر مطماطة وه اروات كبي ار فيها‪ ،‬كأعداد‬
‫المنتسبين منهم إلى مقاومة الشيخ بوزيان القلعي من جنوب التيطري حتى األغواط؛ لذلكم تميزت‬
‫الشرسة مقابل مقاومة األمير‪ ،‬كمقاومة عن اإلرث من جهة‪ ،‬وعن األرض‬
‫مقاومة هذا األخير ب ا‬
‫وحدود الدولة من جهة أخرى‪ ،‬واستمرت بعد انقطاع دام نحو نصف قرن‪ ،‬مع البطل الشاوي أب‬
‫ثورة التحرير مصطفى بن بولعيد‪ ،‬وعديد األبطال البربريون من أمثاله كأسود منطقة مطماطة‪ ،‬لكن‬
‫لم يشتهروا مثله ألنهم لم يكونوا قوادا‪ ،‬بل كانوا في سبيل التحرر من نير االستعمار مجرد جنودا‬
‫أشاوس‪..‬‬

‫‪ .1‬غابرييل‪ ،‬كامبس‪ ،‬الـبربـر ذاكرة وهوية‪ ،‬باريس‪ :‬بابل للنشر‪ ،2005 ،‬ص‪.11‬‬
‫‪Herman Obdeijn, Geschiedenis Van Marokko, Bulaaq Uitgeverij, Ed 2, 2002, p22. .2‬‬
‫‪ .3‬غابرييل‪ ،‬كامبس‪ ،‬البـربر ذاكرة وهوية‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ .4‬شحاتة الخوري‪ ،‬القضية اللغوية في الجزائر‪ ،‬وانتصار اللغة العربية‪ ،‬دمشق‪ :‬مطبعة الكتاب العربي‪ ،1991 ،‬ص‪ 20‬ـ‪.21‬‬
‫‪ .5‬غابرييل‪ ،‬كامبس‪ ،‬البربر ذاكرة وهوية‪ ،‬المغرب‪ :‬طبعة إفريقيا الشرق‪ ،2014 ،‬ص‪.16‬‬
‫‪ .6‬مصطلح المور‪ :‬ويقصد به السكان األمازيغ القدماء الخارجين عن سلطة الرومان الذين اختلط نسبهم بالقبائل اإلفريقية ومن‬
‫كلمة المور اشتق اسم موريتانيا الحالية‪ .‬تواجد أحفاد الالجئين األندلسيين الذين يرجع أصولهم إلى األرغون والكاستيليون الموريسكيون‬
‫الذين ظلوا يتحدثون اللغة اإلسبانية في الجزائر العاصمة والبليدة وتلمسان وغيرها من المدن السحلية‪ .‬والمريسكيون أو الموريسكوس‬
‫بالقشتالية هم المسلمون الذين بقوا في إسبانيا تحت الحكم المسيحي بعد سقوط المملكة اإلسالمية‪ُ ،‬‬
‫وخيروا بين اعتناق المسيحية أو‬
‫ترك إسبانيا إلى شمال إفريقيا بين ‪ 1510‬و‪ 1610‬تقريبا‪.‬‬
‫‪ .7‬عبد الرحمن‪ ،‬ابن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون‪ ،‬الجزء ‪ ،6‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪ ،2000 ،‬ص‪.164‬‬

‫‪19‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ .8‬بوزياني‪ ،‬الدراجي‪ ،‬القبائل األمازيغية‪ ،‬الجزائر‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،2007 ،‬ص ‪.109‬‬
‫‪ .9‬حماه هللا‪ ،‬ولد السالم‪ ،‬تاريخ األمازيغ والهجرة الهاللية‪ ،‬جزء ‪ ،1‬مصر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،1991 ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ .10‬ينظر قصيدة بوزيان القلعي على الرابط‪http://beitibda3.eb2a.com/2016/11/252// :‬‬

‫‪20‬‬

You might also like