You are on page 1of 7

‫بيع المرابحة للمآر بالشراء‬

‫"دراسة اجتماعية نفسية"‬


‫يكتسب بيع المرابحة للمآر بالشراء أهمية قصوى في مآعامآلتا‬
‫المصارف السإلمآية‪ ،‬إذا قد يبلغ ‪ %95‬مآن تلك المعامآلتا في قطاع‬
‫عريض مآن تلك المصارف‪ ،‬ولشاك أن هذا له دللتا اجتماعية‬
‫ونفسية‪ ،‬وذلك لن كل نشاط بشري يعببر عن مآجموعة مآن القيم‬
‫والمبادئ التي توجهه وتديره‪ ،‬ومآن ثم كان مآن الهمية بمكان‬
‫تحليل هذه المعامآلة الماليةالشائعة‪ ،‬والتي دار حولها اخلف كبير‬
‫بين مآبيح ومآانع وإن كانت الفتوى الن تصدر عن جمهور الفقهاء‬
‫المعاصرين بالباحة بشرط أل تتحول إلى حيلة إلى الربا‪.‬‬
‫والذي يهمنا في هذا المقام هو بيان مآا تعكسه هذه المعامآلة مآن‬
‫قيم ومآبادئ تسود المجتمع المسلم التي سإمحت بأن تحتل هذه‬
‫المعامآلة المرتبة الولى بين مآعامآلتا المصارف السإلمآية‪.‬‬
‫وقبل الشروع في هذا فإنه مآن المستحسن أن أأعطي صورة‬
‫مآبسطة عن هذه المعامآلة كما تجرى في المصارف السإلمآية‪:‬‬
‫‪ (1‬تقوم هذه العملية على أن هناك شاخصاا يحتاج إلى تمويل‬
‫"مآبلغ مآن المال" ليشتري سإلعة مآا‪ ،‬كالسيارة والجهزة الطبية‬
‫ونحو ذلك وهو في الغالب ليس مآعه ثمن هذه السلعة‪.‬‬
‫‪ (2‬يذهب إلى المصرف السإلمآي فيخبره برغبته في شاراء هذه‬
‫السلعة‪.‬‬
‫‪ (3‬يقوم المصرف بدراسإة عن هذه السلعة وعن هامآش الربح الذي‬
‫يكسبه مآن وراء شارائها ثم بيعها لطالبها‪.‬‬
‫‪ (4‬إذا وافق المصرف على الشراء يعد ورقة مآتضمنة وعداا مآن‬
‫المآر بالشراء أنه مآتى اشاترى المصرف السلعة فإنه مآلزم‬
‫بشرائها مآن المصرف وإل تحمل الضرر الناتج عن ذلك‪.‬‬
‫‪ (5‬يقوم المصرف بشراء السلعة نقداا ثم يقوم ببيعها إلى المآر‬
‫بالشراء بالجل )بالتقسيط(‪ ،‬ويكون ربح المصرف هو الفرق‬
‫بين السعرين النقدي الذي دفعه والجل الذي يدفعه المآر‬
‫بالشراء‪.‬‬
‫هذه هي صورة مآبسطة عن بيع المرابحة‪ ،‬أمآا عن الملحظاتا‬
‫الجتماعية على هذا البيع فإنه يمكن ذكر مآا يلي‪:‬‬
‫‪-1‬الرغبة في أن يأحفظ على المجتمع هويته السإلمآية‪ :‬لشاك أن‬
‫المصارف السإلمآية هي نتاج مآن نتاجاتا الصحوة السإلمآية التي‬
‫نادتا بالخروج مآن حالة النهزام الحضاري الذي وقع للمآة‬
‫السإلمآية‪ ,‬نتيجةا حتمية لتخلفها وتأخرها الذين مآكنبا القوى‬
‫الغربية مآن احتلل أراضيها وتقسيمها فيما بينها‪ ,‬مآما مآهبد لن‬
‫تنتقل نظمها وتشريعاتها إلى العالم السإلمآي‪ ،‬ومآن هذه النظم‬
‫التنظيماتا القتصادية التي مآن أبرزها البنوك والسإواق المالية‪،‬‬
‫فانتقلت إلى العالم السإلمآي كما هي في الغرب دون مآحاولة‬
‫إخضاعها للشريعة السإلمآية‪ ،‬فتقبر مآا يتوافق مآعها وترفض مآا‬
‫يخالفها‪ .‬إذن وقعت الواقعة وأصبحت النظم القتصادية في بلد‬
‫المسلمين غربية في مآنطلقاتها وغاياتها‪ ،‬واسإتمر ذلك فترة‬
‫ليست بالقصيرة حتى تمكنت الصحوة السإلمآية مآن إيجاد بديل‬
‫للبنوك الربوية‪ ،‬وقد تمثل ذلك في المصارف السإلمآية وقد‬

‫‪2‬‬
‫تأسإس أول مآصرف إسإلمآي سإنة ‪1975‬م وهو بنك دبي‬
‫السإلمآي‪ ،‬وقد سإبقته مآحاولتا وخاصة في مآصر‪.‬‬
‫وقد بحثت هذه المصارف عن صيغ مآن المعامآلتا المالية تتوافق‬
‫مآع الشريعة‪ ،‬فكان أهمها بيع المرابحة للمآر بالشراء‪.‬‬
‫‪-2‬هذه الصيغة مآن التعامآل تدل على عدم بذل الوسإع مآن قبل‬
‫المنظرين والقائمين على تطبيق الفكر القتصادي السإلمآي‪ -‬في‬
‫تجاوز المتاح والكتفاء بما هو مآوجود دون مآحاولة الوصول‬
‫إلى مآا هو أفضل وأصدق تعبيراا عن تميز الفكر القتصادي‬
‫السإلمآي‪ ،‬فكثيرة جداا تلك الكتب التي تتحدث عن فضائل الفكر‬
‫القتصادي السإلمآي وبيان تميزه على الفكر القتصادي‬
‫الرأسإمالي والفكر القتصادي الشاتراكي‪ .‬ولكن عند التطبيق لم‬
‫يكن هناك مآن صيغ المعامآلتا المالية مآا يبرز هذا التميز‬
‫الفكري‪ .‬وإنما سإارعت المصارف إلى تبني هذه المرابحة‪ ،‬التي‬
‫تتشابه مآع التمويل الذي يجري في البنوك التقليدية‪ ،‬مآع الوضع‬
‫في العتبار أن الحكم الشرعي يختلف في الحكم على هاتين‬
‫المعامآلتين‪ :‬فالتمويل الذي يجري في البنوك التقليدية ربا‬
‫مآحض بخلف بيع المرابحة للمآر بالشراء‪ ،‬فجمهور أهل العلم‬
‫على إباحته كما ذكرنا سإابقا‪.‬‬
‫ومآن الجدير بالملحظة أن فقه المعامآلتا المالية في السإلم‬
‫مآليء بصيغ تستطيع أن تبرز هذا التميز‪ ،‬وخاصة المضاربة التي‬
‫تعتبر هدية السإلم إلى الفكر القتصادي البشري‪ ،‬لكن ظلب‬
‫التطبيق يدور في فلك هذه المعامآلة بالرغم مآن الطول النسبي‬
‫لتجربة المصارف السإلمآية التي تزيد الن عن الثلثين عامآاا‪،‬‬

‫‪3‬‬
‫مآما قد ل يكون مآن اللئق مآعه أن تظل المصارف السإلمآية‬
‫حبيسة هذه المعامآلة دون مآحاولة التقدم جدياا نحو صيغ أخرى‬
‫توضح تميز الفكر القتصادي في السإلم‪.‬‬
‫‪-3‬هذه المرابحة سإاعدتا على انتشار القتصاد السإتهلكي بين‬
‫جموع المتعامآلين مآع المصارف‪ ،‬وذلك لن هذه المرابحة‬
‫تستخدم غالباا في تمويل شاراء المساكن والسياراتا والجهزة‬
‫المنزلية ونحو ذلك‪ ،‬مآما يكشف عن ازدياد الرغبة الجتماعية‬
‫في السإتهلك والنفاق والشراء وضمور الرغبة السإتثمارية‬
‫النتاجية‪ ،‬وهذا بدوره يمنع مآن أن يكون لمآوال المصارف‬
‫السإلمآية ‪-‬على ضخامآتها‪ -‬مآردود إيجابي في السوق النتاجية‪،‬‬
‫أعني اسإتخدام هذه المآوال في إقامآة مآشاريع مآنتجة تفيد الفرد‬
‫والمجتمع وتسد احتياجاتهما المهمة والسإتراتيجية‪ ،‬ومآما‬
‫لشاك فيه أن هذا القتصاد السإتهلكي يدفع بنمط الحياة في‬
‫المجتمعاتا السإلمآية‪ ،‬إلى أن يكون قريباا مآن أسإلوب الحياة في‬
‫الغرب مآن ناحية الترفه والبذاخة والسإراف وخاصة لبعض‬
‫شارائح المجتمع ذاتا الملءة المالية المعقولة‪.‬‬
‫أمآا تحليل المرابحة مآن الناحية النفسية فإنه يمكن ذكر مآا‬
‫يلي‪:‬‬
‫قلة الثقة المشاعة بين فئاتا المجتمع المختلفة‪ :‬لن مآن‬ ‫‪-1‬‬
‫أسإباب دفع المصارف السإلمآية إلى القبال على المرابحة‬
‫وإهمال تفعيل صيغة المضاربة أنها أصيبت بخسائر مآن وراء‬
‫تقديمها المال إلى أهل الخبرة لسإتثماره مآضاربة‪ ،‬وبعض أهل‬
‫الخبرة لم يكونوا على المستوى المطلوب مآن المآانة‪ ،‬فكانوا‬

‫‪4‬‬
‫يقدمآون مآعلومآاتا خلف الواقع‪ ،‬فيدبدعون أن ناتج المضاربة هو‬
‫الخسارة‪ ،‬وذلك اعتماداا على أن الخسارة في المضاربة‬
‫يتحملها رأس المال‪ ،‬أمآا المضارب فقد خسر جهده‪.‬‬
‫فوجدتا المصارف نفسها تتعرض للخسارة بسبب ثقتها في‬
‫هؤلء المضاربين فعمدتا إلى صيغة ل يكون للثقة فيها وجود‬
‫أو تأثير‪ ،‬ففعبلت المرابحة‪.‬‬
‫ومآن ناحية أخرى فإن بعض القطاعاتا المنتجة خاصة‬
‫الحرفيين وصغار الصناع ل تحبذ المضاربة؛ نظراا لما يتطلبه‬
‫ذلك مآن تقديمهم بياناتا وافية عن نشاطهم وأسإرار عملهم‪،‬‬
‫وهذا قد يشكل هاجساا لهم‪ ،‬مآن كون هذه المعلومآاتا قد تأنقل‬
‫إلى الجهاتا الحكومآية فتفرض عليهم أعباء أكبر كالضرائب‬
‫ونحو ذلك‪ .‬أو تأنقل إلى مآنافسيهم في السوق مآما قد‬
‫يعرضهم إلى الخسارة‪ .‬فكان الحلب المآثل لهم هو التعامآل‬
‫بصيغة المرابحة التي تعكس قلة الثقة المتبادلة بين أطراف‬
‫المجتمع المختلفة وازدياد الهوبأة بين تلك الطراف؛ مآما أدى‬
‫إلى رواجها وانتشارها‪.‬‬
‫قلة روح المخاطرة والمغامآرة المقبولة‪ :‬وأعني بالمقبولة‬ ‫‪-2‬‬
‫تلك التي يحتاجها الفرد لتحقيق أهدافه وغاياته‪ ،‬ففي بعض‬
‫الحيان يكون التغيير الكبير والتطور الواسإع للفرد والمجتمع‬
‫ناتجاا عن هذه المخاطرة وتلك المغامآرة‪ .‬أمآا في المرابحة‬
‫فقد حصر المصرف ‪-‬وهو عبارة عن مآجموعة مآن الفراد‬
‫القائمين على إدارته‪-‬حصر المصرف نفسه في عملية ربحها‬
‫مآضمون دون مآخاطرة حقيقية‪ ،‬ودون أن يحاول طرق صيغ‬

‫‪5‬‬
‫أخرى مآن المعامآلتا تكون أرباحها أضعاف ربح المرابحة‪ ،‬لكنها‬
‫تحتوي على قدر مآقبول مآن المخاطرة‪ ،‬فكان الربح على قدر‬
‫المخاطرة‪.‬‬
‫لقد فعبلت بعض المصارف السإلمآية في أول نشاطها‪ ،‬فعبلت‬
‫المضاربة وحققت أرباحاا هائلة تفوق بمراحل مآا تحققه‬
‫المرابحة‪ ،‬لكنها سإرعان مآا تقوقعت في قوقعة المرابحة نظراا‬
‫لقلة مآخاطرها – أو انعدامآها‪-‬وضمان الربح فيها‪.‬‬
‫إن اللعب على المضمون – وهو التعبير الشائع الدارج‪-‬أصبح في‬
‫كثير مآن الحيان هو المظهر الواضح جداا في مآعظم تعامآلتنا‬
‫ولشاك أن هذا يقيد إبداعنا وطموحنا وأفكارنا وإنجازاتنا‬
‫ويجعلنا نتكل على إنجازاتا السابقين والسحب مآنها بدلا مآن أن‬
‫نضيف إليها‪.‬‬
‫إن عدم مآغادرة خانة اللعب على المضمون يصب في النهاية في‬
‫خسارة المجتمع لنه يجعل الطاقاتا مآعطلة والفكار مآقيدة‪،‬‬
‫مآما يجعل المجتمع كأنه بحر راكد ل تجري فيه مآياه‬
‫جديدة‪.‬‬
‫على أنه ينبغي التنبيه أنه ل تعد المضاربة في سإوق السإهم مآن‬
‫نوع المخاطرة المحمودة‪ .‬وذلك لعدم اعتمادها في الغلب‬
‫العمب على قواعد مآنطقية وأسإس واضحة؛ لن الرغبة‬
‫المحمومآة في الربح هي التي تقود هذه المضاربة‪ ،‬مآما يفتح‬
‫المجال واسإعاا للشائعاتا وغيرها مآن السإاليب الملتوية في أن‬
‫تؤثر في المضارباتا الواقعة في سإوق السإهم‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫والخلصة أن مآعامآلة بيع المرابحة للمآر بالشراء تعكس قيماا‬
‫اجتماعية تعيش بين الناس وتؤثر في نشاطاتهم وأعمالهم‪ ،‬كما‬
‫تعكس أيضاا نواحي نفسية تدور في نفوس المتعامآلين‪ ،‬ولها تأثير في‬
‫توجهاتهم واتجاهاتهم‪.‬‬
‫ومآما هو جدير بالذكر أن جمهور الفقهاء والمجامآع الفقهية‬
‫أصدروا نداءاتا وتوجيها مآتكررة إلى المصارف السإلمآية بالخروج‬
‫مآن قوقعة هذه المرابحة وعدم الكثار مآنها وإلى تفعيل صيغ مآن‬
‫المعامآلتا الخرى ذاتا النفع العميم والفائدة الكبيرة للفرد‬
‫والمجتمع‪ ،‬والتي تميز المصارف السإلمآية تميزاا واضحاا وجلياا عن‬
‫غيرها مآن المصارف‪ .‬وهذا يؤكد صدق التحليل الجتماعي والنفسي‬
‫الذي سإقناه لهذه المعامآلة‪.‬‬

‫‪7‬‬

You might also like