Professional Documents
Culture Documents
•
•
فكل قراءة هي ترجمة وكل نقد هو بداية للترجمة ،ولكن القـراءة هي ترجمـة
داخل نفس اللغة ،والنقد هو ترجمة حرة للقصيدة أو أكثر تــدقيقا هــو (عمليــة
النقل) للناقد ،فالقصـيدةـ هي نقطـة االنطالق نحــو نص آخــر ،نصـه هــو ،بينمــا
المترجم في لغــة أخــرى وبعالمــات مخالفــة ،عليــه أن ينظم قصــيدةـ مشــابهة
لألصل.
ههموو خوێندنهوهیهك وهرگێڕانێكه و ههموو ڕهخنهیهكیش س ـهرهتایهكه بــۆ
وهرگــێڕان .بهڵام خوێنــدنهوه وهرگــێڕانه له نێــو ههمــان زمانــدا .ڕهخنهش
وهرگــێڕانێكی ئــازادی قهســیدهیه ،یــان وردتــر( ،پرۆس ـهی گواســتنهوهیه) بــۆ
ڕهخنه .قهسیده خاڵی دهسپێكردنه بهره و تێكستێكی تر ،تێكستهكهی ئهو ،له
كاتێكــدا وهرگــێڕ له زمــانێكی تــر و به نیشــانهی جیــاواز ،دهبێت قهســیدهیهك
بنووسێتهوه هاوشێوهی ئهسڵهكه بێت.
إن تعلم الكالم يشـبه الترجمـة ،فعنـدما يسـأل الطفـل أمـه عن مـدلول هـذه
الكلمــة أو تلــك ،فهــو في الحقيقــة يطلب من أمــه أن تــترجم إلى لغتــه تلــك
الكلمة التي يجهلها ،إن الترجمـة ضـمن لغـة واحـدة ليسـت ترجمـة جوهريـة،
وعلى هذا األساس فهي ال تختلــف في هــذا المعــنى عن الترجمــة بين لغــتين،
وتاريخ كل الشعوب يكرر التجربة الصبيانية ،بل وحتى القبائل المعزولة عليهــا
أن تواجه في وقت من األوقات لغة شعب غريب عنها .إن الدهشــة والغضــب
والرعب أو الحيرة المسلية التي نشعر بها أمام أصوات اللغة الــتي نجهلهــا ،ال
تلبث أن تتحول إلى شك حول اللغة التي نتحدثها ،وعندئذ تفقد اللغة عالميتهــا
وتنكشف لنا في تعددية اللغات ،كلهــا غريبــة وغامضــة يصــعب التعــرف عليهــا
كلها .في القديم كانت الترجمــة تبــدد هــذا االرتيــاب مــا دامت اللغــة العالميــة
منعدمة ،فاللغات جميعها تكون مجتمعا عالميا يصــبح فيــه الجميــع بعــد التغلب
على بعض الصــعوبات يتفــاهمون ويســتوعبون ،ويــدركون أن النــاس يقولــون
دائما نفس األشياء رغم تعدد اللغات .إن الجواب عن هذا الغموض والبلبلة هو
عالمية المضمون.
هناك لغات كثيرة ولكن معنى واحـد ،إن باسـكال وجـد في تعـدد األديـان دليال
قويــا على صــدق المســيحية ،فالترجمــة تتجــاوب مــع الفكــر القائلــة بســهولة
العالمية على تعدد اللغات .وهكذا لم تكن الترجمة تجربة إضافية فحسب ،بــل
ضـمانة قويـة على وحـدة النفس .إن العصـر الحـديثـ حطم ذلـك اليقين حين
أعــاد اكتشــاف التنــوع الالنهــائي لألمزجــة والميــول ،وأمــام المنظــر المتعــدد
للعادات واألنظمة بدا اإلنسان الهمجي استثناء يجب إلغاؤه عن طريق اعتناقه
للدين أو إبادته بالتنصيرـ أو السيف ،إن الهمجي الذي كان يظهر في صــالونات
القرن الثامن عشر هو مخلوق جديد حتى وإن تكلم بإتقان لغة مضيفه ،يجسد
استغرابا ال يمكن اختزاله ،إنه ليس ذات العتناق الدين ،وإنما هو ذاتية للجــدل
والنقد-أصالة رأيــه ،وبســاطة عاداتــه وحــتى عنــف عواطفــه هي دليــل جنونــه
وزهوه ،إذا لم يكن هناك عار التنصير واعتناقه المسيحية.
تغيير االتجاه:
من خالل البحث الديني عن ذاتية عالمية ،يليه فضول فكري مرهون باكتشاف
اختالفــات ليســت أقــل عالميــة .إن الغرابــة تتوقــف عن كونهــا تضــليال لتصــبح
نموذجا ،نموذجيتها المفارقة ،والمكاشفة = الهمجي هو الحنين الذي يحس به
المتحضر،ـ األنا اآلخر ،نصفه ضــائع .والترجمــة تعكس هــذه التحــوالت ،إنهــا لم
تنزع إلى توضيح الهوية النهائيــة لإلنســان .وإنمــا هي وســيلة اتصــال لفرادتــه،
وظيفتها كانت تقتضي الكشف عن التشــابه الــذي يعلــو عن االختالفــات ،ومن
اآلن فصاعدا يظهر أن تلــك االختالفــات ال يمكن تجاوزهــا ،ســواء تعلــق األمــر
بغرابة الهمجي أو بجارنا القريب .هنـاك فكـرة للـدكتور "جونسـون" من خالل
حديثي معه في رحلة ،إذ عبر جيدا عن الموقف الجديد قائال "إن ورقة واحــدة
من العشب هي دائما ورقـة العشـب ،كيـف مـا كـانت البالد الـتي توجـد بهـا..
الرجال والنساء هما موضوع أبحاثي الدراسية = لنر كيف يختلفون عن أولئك
الذين تركناهم وراءها".
إن عبارة الدكتور جونسون تحمل مدلولين من خاللهمــا يعطينــا تصــورا ســابقا
عن الطريق المضاعف الذي كان على العصر الحديثـ أن ينهجه.
األول :يتعلق بالفصل بين اإلنسان والطبيعة ،الفصل الذي تحول إلى معارضــة
وصراع ،فالمهمة الجديــدةـ لإلنســان ليســت عي اإلنقــاذ وإنمــا الســيطرة على
الطبيعة.
والثاني :يتعلق بالفصــل بين اإلنســان وأخيــه اإلنســان .فالعــالم لم يعــد عالمــا
واحدا إنه كلية غير قابلة للتقســيم .وينفصــل في الطبيعــة والثقافــة ،والثقافــة
نفسها توزعت إلى قطع ثقافات.
تعدد اللغات والمجتمعات:
إن كل لغة تمثل رؤية للعالم ،وكل حضارة هي عالم مستقل بذاته ،فالشمس
التي يتغنى بها الشعر األثــتيكي (من أهــالي المكســيك األصــليين) تختلــف عن
شمس النشيد المصري ،رغم أن الكوكب هو نفسه.
خالل أكــثر من قــرنين من الــزمن ،أوال كــان الفالســفة والمؤرخــون واآلن
األنــثروبولوجيون واللغويــون قــد جمعــوا الحجج عن االختالفــات الــتي ال يمكن
حصرها بين األفراد والمجتمعات والعصور ،إن االنقسام الكبيرـ األقل عمقا من
ذلــك القــائم بين الطبيعــة والثقافــة هــو الــذي يفصــل بين األفــراد البــدائيين
والمتحضرين ،وبالتالي التعــدد وعــدم التجــانس بين الحضــارات .وبــداخل كــل
حضارة تولــدت االختالفــات = فاللغــات الــتي تســاعدنا على االتصــال ببعضــنا
تحجزنا كذلك في شبكة غير مرئية من األصوات والمــدلوالت بشــكل أصــبحت
معها األمم سجينةـ اللغات التي تتكلمها .وبداخل كل لغة تتوالد االنقسامات =
الحقب التاريخية ،الطبقات االجتماعية ،األجيال.
أمــا بالنســبة للعالقــات بين األفــراد المعــزولين والــذين ينتمــون إلى نفس
الجماعة ،فإن كل واحد هو سجين حي في أناه.
كل هذا كان بإمكانه أن يفقد حماسة المـترجمين ،ولكن العكس ،فعـبر حركـة
متناقضة وإضافية يترجم أكثر وأكثر ،وسـبب هـذه المفارقـة التاليـة ،من جهـة
فإن الترجمة تلغي التباين بين لغة وأخرى ،ومن جهة أخــرى تكشــفها بالتمـام.
وبفضل الترجمة نتعرف على أن جيراننا يتكلمـون ويفكـرون بطريقـة مختلفـة
عن طريقتنا .في طرف يبدو لنــا العــالم كأنــه مجموعــة من المختــارات ،وفي
الطرف اآلخــر كأنــه مواقــع فوقيــة من نصــوص ،كــل واحــد منهــا مغــاير بعض
الشيء عن سابقه = ترجمات لترجمات .وكل نص هو وحيد ويقوم بنشــاطين
في نفس الوقت ،إنه ترجمــة لنص آخــر ،وال يوجــد نص أصــيل في كليتــه ،ألن
اللغة نفسها في جوهرها ترجمة = أوال للعالم الالمنطوق وبعــد ذلــك ألن كــل
عالقة وكل جملة هي ترجمة عالمة أخرى وجملــة أخــرى .ولكن هــذا التعليــل،
يمكن استثماره دون أن يفقد صالحيته .كل النصــوصـ هي نصــوص أصــلية ألن
كل ترجمة هي مغايرة ألخرى ،وكل ترجمة هي بدرجة ما ابتكار وهكــذا تكــون
النص الوحيد.
إن االكتشــافات األنتروبولوجيــة واللســانية ال تــدين وال تحكم على الترجمــة،
ولكن تدين الفكرة الساذجة عن الترجمـة ،أي الترجمـة الحرفيــة الـتي نطلــق
عليها في اللغة اإلسبانية (الخديم) [ .]SERVILـ ال أقول إن الترجمــة الحرفيــة
غير مستحيلة وإنما هي ليست ترجمة ،بل هي جهاز يتكون غالبا من صـف من
الحروف ليساعدنا على قراءة النص في لغته األصلية .إنــه شــيء أكــثر قرابــة
إلى القاموس منه إلى الترجمة التي تعتبر دائما عملية أدبية ،في كل الحاالت،
وبدون استثناء تلك النصوص التي تحتاج إلى ترجمة المعــنى ،كمــا هــو الشــأن
في األعمال العلمية ،فالترجمة تقتضي تحويل األصــل ،ذلــك التحويــل الــذي ال
يمكن أن يكون غير أدبي ألن كــل الترجمــات هي عمليــات تخــدم شــكلين من
التعبير حسب "رومان جاكسون" تختزل جميعها اإلجــراءات األدبيــة = الكنايــة
والمجاز.
إن النص األصلي ال يظهر مرة ثانية أبدا (وسيكون مســتحيال) في لغــة أخــرى،
ومع ذلك فهو حاضر دائما ألن الترجمة وبدون أن نقولهــا تــذكره باســتمرار أو
تحوله إلى شيء شــفاهي أو نــاطق وإن كــان مختلفــا يعيــد إنتاجــه = الكنايــة
والمجاز ،وفي اختالفهما عن الترجمات التفسيرية وتكـرار نفس الجمـل ،وهي
أشــكال صــارمة وليســت جمال بالضــبط = األولى هي عبــارة عن وصــف غــير
مباشر والثانية معادلة كالمية.
إن الحكم الكبير حول إمكانية الترجمة ســقط على الشــعر ،وهــو حكم فريــد،
وإذا تذكرنا بأن الكثير من األشعار الممتازة في كل لغة من لغات الغــرب هي
ترجمات ،وإن الكثير من تلك الترجمات هي أعمال لشعراء كبار .منذ ســنوات
حدد الناقد واللغوي الفرنسي (جورج مونان) في كتابه الذي عـالج فيـه قضـية
الترجمة أنه بصفة عامة ،وإن كان ممكنا ترجمة المدلوالت الدالــة للنص ،غــير
أنه يكاد يكون اإلجماع حول الرأي الذي يحكم على استحالة ترجمة المدلوالت
التي تدل على أكثر من معنى.
إن واقع األصداء واالنعكاسات والعالقات بين الصــوت والمعــنى ،فالشــعر هــو
نسيج من الدالالت ،إذا فهو ال يترجم .أشـمئز من هـذا الـرأي ليس فقـط ألنـه
يتعارض مع الصورة التي رسمتها عن عالمية الشعر بـل يتأسـس ويقــوم على
مفهوم خاطئ عن ماهية الترجمة ،الكثير ال يشاركني هذا الــرأي ،والكثــير من
الشعراء المعاصرين يؤكدون باستحالة ترجمة الشعر ،أحيانـا يهـزهم حب غـير
معتدل للمادة الشفاهية أو ألنهم وقعوا في فخ الذاتية.
فتح قاتل كمــا ينــذرنا (الشــاعر اإلســباني فرانسيســكو كيبيــدو )1645-1580
قائال :مياه الهاويــة/حيث أعشــق نفســي .ومثــال آخــر من هــذا الولــع اللفظي
نجده عند شاعر إسباني آخر هو (ميغل دي أونامونو )1939-1864في إحدى
انطالقاته الغنائية الوطنية يقول:
آبلة ،مالقا ،كاتيريس
شاطبة ،ميريدا ،سيبولبيداـ
أوبيدا ،أريبالو ،فروميستا
توماراكا ،سالمنكا،
تورنيكانو ،سرقسطة،
ليريدا ،تامرا ماال
إنكم أسماء جسم سليم،
أحرار ،حقيقية من بيان،
الرمام التي ال تترجم
في لغتنا اإلسبانية.
إن الرمــام غــير القابلــة للترجمــة في اللغــة اإلســبانية هي اســتعارة غريبــة
(الرمــام ،واللغــة) ولكنهــا تــترجم تمامــا وتلمح إلى ترجمــة عامــة .الكثــير من
الشعراء استخدمواـ نفس األسلوب البالغي ،كما توجد في لغــات أخــرى لــوائح
من الكلمات المختلفة ولكن القــرائن والتــأثر والمعــنى هي قياســية .إنــه أمــر
عجيب بالنسبة لآلخرين على عــدم ترجمــة ذات إســبانيا المتكونــة من مــيراث
أســماء رومانيــة وعربيــة وســلنية إيبيريــة وباســكية .ونفس الشــيء فعلــه
(أونــامونو) حين تــرجم إلى اللغــة الفشــتالية مدينــة قطالنية ()LIEIDAـ إلى (
)LERIDAـ واألكثر غرابة وبــدون قصــد فإنــه يفنــد مــزاعم عــدم ترجمــة هــذه
األسماء = لنقرأ هذه األبيات للشاعر الفرنسي (فيكتور هوجو) والتي نقتبسها
من قصيدة له:
Et tout tremble, IRUN, coimbre
,Santander, Almodovar
Sitot qu'on entend le timbre
Des Cymbals de Bivar
في اإلسبانية كما في الفرنسية المعنى والتأثر هما نفسهما كاألسماء الخاصة،
غير قابلين للترجمة بدقة .إن "هوجـو" يقتصـر على تكرارهمـا باإلسـبانية دون
أن يحاول فرنستهما .هذا التكرار هو فعال ألن هذه الكلمــات مجــردة من كــل
مــدلول دقيــق وقابــل للتحــول إلى أصــوات شــفاهية حقيقيــة تــرن في النص
الفرنسي باستغرابأكثر لميعد حتى في اللغة الفشتالية (اإلســبانية) .فالترجمــة
صعبة جدا ولكنها ليست أقل صعوبة من كتابة النصوصـ تقريبا .ولكنهــا ليســت
مستحيلة.
إن أشعار "هوجو" و"أونامونو" توضح أن المدلوالت الــتي تــدل على أكــثر من
معنى يمكنهــا أن تحفــظ كمــا هي ،إذا حقــق الشــاعر المــترجم تكــرار الحالــة
الشفاهية للنص الشعري الذي رصعه .إن الشاعر (والس ستيفنسـ Wallace
)Stevensقد منحنا حظا من الخيال المثالي في فقرة عجيبة حيث يقول:
The hart hidage
Lives in the mountainous character of is speech
And in that mountainous mirror spain acquires
The knowledge of spain of the hidalgo’s hat
,A seeming of the spaniard, a style of lif
…The invention of a nation a frase
إن اللغة تصير منظرا طبيعيا ،وهــذا المنظــر هــو ذاتــه ابتكــار مجــازي ألمــة أو
شخص الطبوغرافية الشفاهية حيث الكل يتواصل ،كل هذا ترجمــة = الجمــل
عبارة عن سلسلة جبلية وهذه الجبال عبارة عن عالمات ،إنها رمــوز لحضــارة
ما .ولكن لعبة اإلصدار والمراسالت الشفاهية سريعة جدا تخف خطرا حقيقيا.
إننا نحاط بالكلمات من جميع الجهات ،وثمة لحظــة نحس فيهــا بالمفاجــآت =
حرج الغرابة في العيش بين األسماء وليس بين األشياء أن تكون لنا أسماء.
بين األسلة وحلول المساء..
يا للغرابة أن ينادوني فيديريكو
كذلك هذه التجربة هي عالمية = إن غارسيا لوركا كان سيحسـ بنفس الغرابة
لو أنه كان يدعى (توم) أو (جان) أو (شوانكترو).
وفقدان اسمنا يشبه فقدان ظلنــا أو يختزلنــا إلى ظــل .إن غيــاب العالقــة بين
األشياء وأسمائها هي عدم االحتمال المضاعف .إما أن المعــنى تبخــر وإمــا أن
األشياء تتالشى .إن عالما من المعاني الصرفة هو عالم قاحــل كعـالم األشــياء
بدون معــنى ..بــدون أســماء .فاللغــة تعيــد العــالم قــابال للتعمــير .وفي لحظــة
الحيرةـ أمام غرابة أن يدعى "فيديركو"ـ و"شوبى" يحدث مباشرة ابتكار اســم
آخر ،االسم الذي يترجم بطريقة ما االسم القديم = مجازا أو كناية دون قوله.
في السنوات األخيرة ربما يرجع ذلك إلى أن اإلمبريالية اللســانية تــنزع أحيانــا
إلى تصغير الطبيعة الرفيعة األدبية للترجمــة .ال ،ولن يكــون هنــاك علم خــاص
بالترجمة ،رغم أن هذه األخيرة يمكن بل يجب دراسـتها علميـا .كمـا أن األدب
نفسه بطريقة ما هو وظيفة متخصصةـ في اللغة ،فالترجمــة الحقيقيــة ،ســوف
تنجز عملية أدبية ،ولن نقوم بشيء مخالف لما يقوم به المترجمون.
الترجمة هي المهمة التي تطرح فيها العلوم اللغوية الضرورية ،والحاسم فيهــا
هو مبادرة المترجم ،فليكن هــذا آلــة مبرمجــة من طــرف اإلنســان ،أو إنســان
محاط بالقواميس/وحتى نقتنع لنستمع إلى (أرثور فــاليي :)Arthur Walley
إنهم يختفــون وراء النصــوص ،وإذا عــرف قصــدهم ،يبــدأون في الحــديثـ عن
أنفسهم باستثناء الحالة الغريبــة للتعــابير المحــددةـ والمبســطة كهــذه الجملــة
(القط يصطاد الفأر) وقليلة هي الجمل التي تملك المرادف الحرفي التام في
لغة أخرى .إن المشكل يتجلى في االختيار بين مختلــف التقاربــات .قــد يكــون
من الصعب أن تضيف كلمة أكثر من هذا التصريح .نظريا ،الشعراء يمكن لهم
ترجمــة الشــعر ،وفي الواقــع إنهــا مــرات قليلــة فقــط يكــون فيهــا الشــعراء
مــترجمين ممتــازين ،وليســوا كــذلك ألنهم في كثــير من األحيــان يســتعملون
قصيدة الغير كنقطة انطالق لكتابة أشعارهم .إن المــترجم الكفء يتحــركـ في
اتجــاه معــاكس :نقطــة وصــوله هي القصــيدة المشــابهة مــا دامت ال تطــابق
القصــيدةـ األصــل ،إنــه ال يبتعــد عن القصــيدةـ وإنمــا يتابعهــا عن قــرب أكــثر.
والمترجم الكفء للشعر هو مترجم زيادة على أنه شاعر مثل (أرثور فــاليي)،
فهو شاعر عالوة على أنه مترجم متضــلع .وفي حــاالت أخــرى قــام (نبيريــال)
بمحاكاة تستحق اإلعجاب ،والحقيقة هي أنها قصــائد أصــلية للشــاعر "غوتــه"،
و(جان بول) وشعراء آخرين ألمان .إن المحاكاة هي أخت للترجمة :تتشــابهان
ويجب أن نميز بينهما .إن سبب عجز كثير من الشــعراء عن ترجمــة الشــعر ال
يترتب عن عملية نفسانية خالصة ،رغم أن الذاتية لها دورها هنا إذا لم تتحرك:ـ
فالترجمة الشعرية حســب مــا ســأبين هي عمليــة مشــابهة لإلبــداع الشــعري،
وتظهر فقط في معنى عكسي.
إن كل كلمة تتضمن تعددية المعاني المضمرة ،وفي لحظــة التــداعي تشــترك
الكلمة مع الكلمات األخرى لتكون جملة ،فإن أحد هــذه المعــاني يصــبح راهنــا
ويسيطر ،أما في النثر فإن المعنى يصبح عامــا بينمــا هــو –وكمــا قيــل مــرارا-
واحد من مميزات الشعر ،ربما ألن األصل هو الحفــاظ على تعدديــة المعــاني.
في الحقيقة يتعلق األمر بالخاصية العامة للغة ،والشــعر يبرزهــا ولكن بليونــة،
وتظهر كذلك في لغة التخاطب العادي وحتى في النثر .لقد وقــف النقــاد على
هذه الخاصية المركبة للشعر ،مع عدم تحديـد المـدلول الـذي يناسـب خاصـية
أخرى كذلك باهرة –عدم حركيــة العالمــات .الشــعر يحــول اللغــة جــذريا وفي
اتجاه معاكس التجاه النثر .إن حركة العالمات تقابلها النزعة لتثــبيت المــدلول
الواحد ،وفي حالة أخرى تتم مقابلة حركة تعدد المدلول الــذي لــه تطــابق مــع
تثبيت العالمات.
إن اللغة هي منظومة من العالمات الحركية .إنها تستطيع إلى حد ما أن تكون
قابلة للمقايضة ،والكلمة يمكن أن تعوض بأخرى ،وكل جملــة يمكن أن تكــون
منطوقة (مترجمة) بأخرى (الباروديــا) عنــد "بــيريس" Peirceويمكن القــول
بأن مدلول أية كلمة هو دائما كلمة أخرى ،وللتأكد من ذلك يكفي التذكير كمــا
تساءلنا ما تعــني هــذه الجملــة؟ فيكــون الجــواب بجملــة أخــرى .إذن فال نكــاد
ندخل ميدان الشعر حتى نجد الكلمات تفقد حركيتهــا والتبــادل الــداخلي فيمــا
بينها .إن معاني القصيدةـ متعددة ومتغيرة وكلمات نفس القصــيدةـ هي وحيــدة
بها وغير قابلة لتعويضها بكلمات أخرى وتغييرها يعني هدم القصيدة.
فالشعر ،دون أن يتخلى عن كونه لغة ،شيء أكثر من اللغة ،والشاعر الغــارق
في حركية اللغة متواصل ذهابا وإيابا بتعبيره الشفاهي ،ينتقي بعض الكلمــات،
أو ينتقى من طرفها ،وعند تنسيقها يكون قصيدته .الموضوع الشفاهي لمكون
من العالمات ال يعوض وغير قابل للحركة .إن نقــط انطالق المــترجم ال تكمن
في حركية اللغة (المادة األولية) للشاعر ،وأغاني اللغة الثابتــة للقصــيدة .لغــة
مجهدة ومع ذلك فهي حية تامة ،وعمليتها معاكســة للشــاعر ،وال يتعلــق األمــر
ببنـاء نص غـير قابــل للحركــة بعالمــات حركيــة وإنمـا فـك عناصــر ذلــك النص
ووضعه من جديد في تداول العالمات وإرجاعه إلى لغة.
إلى هنا يبقى نشاط المترجم أشبه بنشاط القــارئ والناقــد ،فكــل قــراءة هي
ترجمة وكل نقــد هــو بدايــة للترجمــة ،ولكن القــراءة هي ترجمــة داخــل نفس
اللغة ،والنقد هو ترجمة حرة للقصيدة أو أكثر تدقيقا هو (عملية النقل) للناقد،
فالقصيدة هي نقطة االنطالق نحو نص آخر ،نصه هو ،بينمــا المــترجم في لغــة
أخرى وبعالمــات مخالفــة ،عليــه أن ينظم قصــيدةـ مشــابهة لألصــل .هكــذا في
لحظته الثانية ،فنشاط المترجم مـواز لعمـل الشـاعر مـع فـارق رئيسـي عنـد
الكتابة ،الشاعر ال يعرف كيف ستكون قصيدتهـ عند الترجمة ،والمترجم يعرف
أن قصيدته يجب أن تنتج من جديد القصيدةـ الــتي بين يديــه ،وفي كال لحظــتي
الترجمة هي عملية موازية وإن كانت في المعنى العكســي لإلبــداع الشــعري،
نتيجته هي أن الترجمــة تعلم أن قصــيدتها يجب أن تعيــد إنتــاج القصــيدة ،كمــا
سبق القول إنها ليست نسخة مطابقة لألصل بهذا القــدر .إن مثاليــة الترجمــة
حسب تعريف (فاليري) بطريقــة غــير قابلــة للتجــاوز تكمن في إنتــاج مفعــول
شبيه بوسائل مختلفة.
الترجمة واإلبداع عمليتان توأمتان:
فمن جهة كما توضح حاالت (بودلير) و(باوند) الترجمة ال تختلــف في كثــير من
األحيان عن اإلبداع ،ومن جهة أخرى يكــون هنــاك مــد وجــزر بينهمــا متواصــل
وتلقيح متبادل.
إن المراحل الكبيرةـ لإلبداع الشعري في الغرب ومنــذ فجــره في (بروفــانس)
وإلى يومنــا هــذا كــانت مســبوقة أو مصــحوبةـ بتــداخالت بين مختلفــة التقاليــد
الشعرية ،تلك التداخالت التي كانت تتبــنى أحيانــا شــكل المحاكمــات ،وأحيانــا
أخرى طابع الترجمة.
وانطالقا من وجهة نظــر تـاريخ الشــعر األوروبي ،يمكن أن ننظــر إليــه كتــاريخ
االقتران في مختلف التقاليد التي تشكل مــا يســمى بــاألدب الغــربي ،حــتى ال
نتحــدث عن الحضــور العــربي في الشــعر الغنــائي البروفانســي أو عن تــأثير
الهايكو أو الشعر الصيني في الشعر الحديث.
يدرس النقاد هذه التأثيرات ولكن ذلك المعنى فيه التبــاس ،وأكــثر صــحوة إذا
اعتبرنا األدب الغربي وحدة متكاملــة ،حيث أن الشخصــيات المركزيــة ليســت
هي التقاليد القومية –الشعر اإلنجليزي والفرنسي والبرتغالي واأللماني -وإنما
األساليب واالتجاهات.
ليســت هنــاك نزعــة وليس هنــاك أســلوب بالقوميــة ،وحــتى مــا يطلــق عليــه
(بالقومية الفنية).
إن جميع األســاليب فــوق اللغــات .إن الشــاعر دون )Donne (1572-1631
أقرب للشاعر "كبيدو" منــه إلى "وورد زووت" وبين كونغــورا و مــارينو يوجــد
تشابه واضح في كل شيء باستثناء اللغــة .ويجمــع بين "كونغــورا" و"قســيس
هينا" الذي يجعلنا في نفس الوقت نفكر لحظة في "شــاوثير ."chaucerإن
األساليب هي جماعة وتنتقل من لغة إلى أخرى ،واآلثار اإلبداعية كلها متجذرة
في أرضية شفاهية وحيدة ،إنها وحيدة ولكنها ليست منعزلة ،وكل واحدة منهــا
تولد وتحيا في عالقة مع األعمال األدبية األخرى وفي لغات مختلفــة .وهكــذا ال
تعددية اللغــات وال فــرادة األعمــال تــدل على تناســق غــير قابــل لالخــتزال أو
غمــوض ،بــل العكس عــالم من العالقــات مصــنوع من تناقضــات وتجاوبــات
واتحادات وانفصاالت.
في كل فــترة يكتب الشــعراء األوروبيــون –واآلن كــذلك حــتى شــعراء القــارة
األمريكية في شطريها -نفس القصيدة بلغات متعــددة،ـ وكــل واحــدة من هــذه
القصائد هي في حد ذاتها قصيدة أصلية ومختلفة .حقــا إن الــتزامن ليس تامــا
ولكن يكفي االبتعاد قليال لنتبين أننا في حفل موسيقي يؤلف فيه الموسيقيون
بآالتهم المختلفة دون االمتثال لقائــد األوركســترا ودون تجســم للنغمــات عمال
موســيقيا جماعيــا حيث يكــون االرتجــال هــو المالزم للترجمــة واالبتكــار في
المحاكاة وفي بعض األحيان يطلــق أحـد الموسـيقيين إلهامـا فيتبعـه اآلخــرون
بعده مباشرة دون تدخل المتغيرات فيصبح معها الحافز األصلي غير معروف.
في نهاية القرن الماضي أدهش الشعر الفرنسي أوروبا وأثار استغرابها بــذلك
الــذي بــدأه فقــط "بودلــير" وختمــه "مالرمي" .وكــان الشــعراء المحــدثون
األمريكيون اإلسبانيون من األوائل في إدراك هذه الموســيقى الجديــدة،ـ وعنــد
محاكاتها تبنوها وغيروها وأرسلوهاإلى إسبانيا ،الــتي في نفس الــوقت أعــادت
إبداعها .وبعـد ذلــك بقليــل حقـق شـعراء اللغــة اإلنجليزيــة شــيئا ممـاثال ولكن
بأدوات مختلفة ومتنوعة النغمات والزمن .هناك تفسير مقنع ونقدي يحتل فيه
ال فورغ La forgueوليس فيرلين Verlaineمركزا رئيسيا.
إن المكانة الفردية "لالفورغ" في الحداثــة األنجلــو أمريكيــة ســاهم في شــرح
طابو تلك الحركــة الــتي أصــبحت تقــوم بنشــاطين في نفس الــوقت الرمزيــة
والالمرزية "باونــد" و"اليــوت" يتعــافى هــذا "الفــورغ" أدخال في الرمزيــة نقــد
الرمزية ،إنه السخرية من الــذي يســميه "باونــد" نفسه Funy symobolist
.troppings
هذا الموقف النقدي هيأهما بعد ذلك بقليل لكتابــة قصــيدة ليســت حداثيــة بــل
عصرية .وهكذا بدأ مع "واالس ستيبن" Wallaceووليــام كــارلوس وليــامس
William carles Williamوآخــرين عــزف جديــد .عــزف الشــعر األنجلــو
أمريكي المعاصر.
إن حظ الفورغ في الشعر اإلنجليزي وفي اللغة القشتالية هــو نمــوذج التبعيــة
الداخليــة بين اإلبــداع والمحاكــاة ،الترجمــة والنص األصــلي .فتــأثير الشــاعر
الفرنسي في "اليوت" و"باوند" معروف جدا ولكن ال يكاد يعرف التأثير الــذي
مارسه على الشعراء اإلسبان واألمريكيين.
وفي سنة 1905نشر الشــاعر األرجنتيــني "ليوبولــدو لوكــونيس" Leopoldo
lugonesمجلدا شعريا عنوانه "شفق الحديقة" وهو واحــد من كبــار شــعراء
لغتنا اإلسبانية واألقل اهتماما من طرف الدارسين .وقد ظهر في شــعره ألول
مرة باللغــة اإلســبانية بعض مالمح "الفورنجيــة"،ـ ســخرية االصــطدام بين لغــة
الحديثـ اليومي واللغة األدبية ،الصور العنيفة التي تقابل العبثي الحضــري إلى
طبيعة محولة إلى سخرية القابلة الساخرة الخشنة .بعض قصائد هــذا الكتــاب
ظهرت مكتوبة في واحدة من تلك "أيام األحاد البورجوازية اإلسبانو-األمريكية
لنهاية القــرن .وفي ســنة 1909نشــر "لوكــونيس" يوميــات قمريــة عاطفيــة.
وفضــال عن كونــه محاكــاة لالفــورغ ،كــان ذلــك الكتــاب واحــدا من اإلبــداعات
األصلية في عصــره وإلى حــد اآلن يمكن قراءتــه بإعجــاب ولــذة .إن أثــر هــذا
الكتاب كان عظيما بين الشعراء اإلســبان واألمريكــيين ولم يكن في أي واحــد
منهم خيريــــا ومحقــــرا أكــــثر إال في المكســــيكي-لــــوبيب فيالردي Lopez
.Velarde
وفي ســنة 1919نشــر هــذا األخــير كتــاب القلق ZOZOBRAوهــو الكتــاب
الرئيسي لمرحلة ما بعد الحداثة اإلسبانية األمريكية بمعــنى رمزيتهــا المضــادة
للرمزيـــة .ســـنتان من قبـــل نشـــر اليـــوت كتابه Pufrock and other
observationsفي بوسطون حيث كــان التخــرج من جامعــة هــارفرد ،وهــو
الفروغ آخــر بروتســتاني في "تاكاتكــاس Zacatecasالمختفي في مدرســة
إكليريكية .الفورغ الكاثوليكي العاشق ،التدنيس،ـ الفكاهة ،وكمــا قــال "لــوبيت
فيالردي" حزن حيمي رجعي .الشــاعر المكســيكي تــوفي بعــد ذلــك في ســنة
1921م وهو في الثالثة والثالثين من عمره .وعمله ينتهي من حيث يبدأ عمــل
اليوت بوسطون وتاكاتيكاس .االتحاد بين شخصين يجعلنا نبتســم وكــأن األمــر
يتعلق بإحدى تداعيات الخواطر المغايرة والتي كان يجــد فيهــا إحــدى ملذاتــه.
شاعران يكتبــان في نفس الســنوات تقريبــا وبلغــات مختلفــة وبــدون أن يعلم
أحدهما بوجود اآلخر على األقـل .كأنهـا نسـخ مختلفـة وأصـيلة للقصـائد كتبهـا
شاعر ثالث في لغة أخرى سبقهم إلى ذلك منذ سنوات.
عن كتاب سلسلة:
Cuadernos Marginales ° 18 «La traduction : Literatura,
.» Literatidad
http://www.anfasse.org/2010-12-29-18-25-49/2010-12-30-
15-59-04/6756-%D8%A7%D9%84%D8%AA
%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9-
%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8-
%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF
%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%80-
%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%AA
%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D9%88-
%D8%A8%D8%A7%D8%AB-%D9%80-%D8%AA
%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9-%D8%A5%D8%AF
%D8%B1%D9%8A%D8%B3-
%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D9%85%D9%88%D8
%AF%D9%8A-%D9%88%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-
%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B6%D9%8A