You are on page 1of 29

‫الدورة التاسعة عشرة‬

‫إمارة الشارقة‬
‫دولة اإلمارات العربية المتحدة‬

‫اإلسالم والبيئة‬

‫إعداد‬
‫أ‪.‬د‪ /‬محمد فتح هللا الزيادي‬
‫عميد كلية الدعوة اإلسالمية‬
‫طرابلس ‪ /‬ليبيا‬
‫تمهيـــــــد‬
‫أصبح موض وع البيئة منذ مطلع الس تينات من الق رن الماضي يش غل ب ال‬
‫الع الم أجمع بمختلف اتجاهاته الفكرية والقومية والدينية وذلك لما ب رز من‬
‫مخاطر متعددة أصبحت تهدد الحياة البش رية ج راء التعامل غ ير الط بيعي مع‬
‫مكون ات البيئة المختلف ة‪ ،‬وقد تش كلت إثر ذلك جمعي ات علمية وحرك ات‬
‫سياس ية ‪ ،‬ومنظم ات اجتماعية ‪ ،‬لالهتم ام بالبيئة والمحافظة عليها من الفس اد‬
‫والتل وث‪ ،‬ونظمت العديد من الم ؤتمرات الدولية واإلقليمية ال تي نبهت إلى‬
‫خطورة التعامل المعاصر مع البيئة وض رورة اإلس راع في معالجة التص دعات‬
‫الكبرى للمكونات البيئية ونتج عن ذلك ظهور مواثيق دولية وتشريعات إقليمية‬
‫تحد من مخاطر اإلهمال العالمي للمحافظة على البيئ ة‪ ،‬وال نك اد نجد بل دا في‬
‫العالم إال وأصبح يش ارك في ه ذه الحملة العالمية للمحافظة على البيئة ال تي‬
‫استدعى لها المفكرون والعلماء ورجال األديان وأصحاب القرار السياسي وكافة‬
‫الشرائح الفاعلة في المجتمعات المتحضرة وكل ذلك إنما كان بسبب الش عور‬
‫العالمي بخطورة مستقبل الحياة على هذه األرض وما يمكن أن ينتج من تداعيات‬
‫تسبب سرعة فناء هذا الكوكب بفعل ما يقوم به اإلنس ان من تص رفات ال يق در‬
‫عواقبها ‪.‬‬
‫ولعل أقوى األس باب في ه ذه المخ اطر هو طمع اإلنس ان وأنانيته وع دم‬
‫قدرته على ضبط غرائ زه ومحاولته الدائمة للس يطرة على الم وارد البش رية‬
‫واستغاللها لصالحه فرداً كان أو مجتمعاً دون مراعاة لحق وق اآلخ رين ودون‬
‫وعي لمحدودية الموارد أحيانا‪ ،‬ومن هنا ندرك أن النظ ام األخالقي في المجتمع‬
‫البشري يعتبر الضامن األول للمحافظة على مكونات الحياة البش رية ‪ ،‬فم تى ما‬
‫سما هذا النظام واستمد مقوماته من مصادر إيمانية عليا ك ان ذلك ع امالً في‬
‫رقي الحي اة اإلنس انية وس موها‪ ،‬وم تى ما انفلت اإلنس ان من س يطرة العوامل‬
‫الروحية كان ذلك سبباً في دخوله في أزمات متعددة من ش أنها أن تس اهم في‬
‫إنهاء دوره على هذه األرض ‪.‬‬
‫إن اإلسالم وهو الدين الخاتم الذي ارتضاه اهلل دستوراً نهائياً للبشرية عامة‬
‫وع البيئة وأكد على المحافظة على كل مكوناتها ذلك أن‬ ‫قد اهتم بموض‬
‫نهائية هذه الرسالة وعموميتها صفتان ض منتا لإلس الم ش موليته لكل من احي‬
‫الحياة مادية ومعنوية‪ ،‬وشموليته لكل ما ي ؤدي به إلى الس عادة األخروي ة‪ ،‬وال‬
‫شك أن البيئة بكل جوانبها تقع ض من ه ذه الش مولية إن لم نقل إنها المرتكز‬
‫فيه ا‪ ،‬وذلك ألن البيئة هي مس رح تحقيق الخالفة ال تي خلق اهلل اإلنس ان من‬
‫أجلها‪ ،‬فمالم تتحقق شروط السالمة الكاملة للبيئة ال تتحقق الخالفة ال تي دعي‬
‫اإلنسان لتحقيقها ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫إن المتمعن في آيات القرآن الكريم يجد أن موضوع البيئة يتردد صداه فيما‬
‫يقترب من مائتي آية في سور كثيرة تتن اول عناصر البيئة المختلفة من أرض‬
‫وما تضمه من مكونات حية وغ ير حية وما يحيط بها من غالف غ ازي وغ يره‪،‬‬
‫وبحار وما تحتويه من عوالم يصعب إدراك عظمتها‪ ،‬وكلها تــــدل على ق درة‬
‫اهلل وعظيم صنعـه " صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ "‪ ، 1‬وعلى اهتمام‬
‫هذه الرسالة الخاتمة بتبيان كل ما له صلة بتحقيق السعادة لإلنس ان وتس هيل‬
‫مهمته التي أوكلها اهلل إليه وهي إعمار األرض وتسخير كل ما فيها لخدمته ‪.‬‬
‫إن اهتم ام اإلس الم بالبيئة من حيث ذكر مكوناتها ودقة ص نعها وتنوعها‬
‫وبيان سحرها وروعتها يرتقي إلى أعلى الدرجات حتى يصل إلى أن يس تخدمها‬
‫القرآن كأحد الوسائل الموصلة إلى متانة البناء العقدي لإلنسان المسلم وذلك‬
‫حين طالب اإلنسان ب النظر فيها والتفكر في ص نعها والوص ول من خالل ذلك‬
‫إلى إدراك عظمة الخالق سبحانه وتع الى ومن ثم اإليم ان به والتس ليم بقدرته‬
‫وتفرده في صنع هذا الكون " قُلِ انْظُرُوا مَ اذَا فِي السَّ مَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‬
‫‪2‬‬
‫وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ "‬
‫"أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْ فَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا‬
‫وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (‪ )6‬وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِ يَ‬
‫وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (‪ )7‬تَبْصِ رَةً وَذِكْ رَى لِكُ لِّ‬
‫عَبْ دٍ مُنِيبٍ (‪ )8‬وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّ مَاءِ مَ اءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِ هِ‬
‫جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (‪ )9‬وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (‪)10‬‬
‫رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُ رُوجُ (‪" 3")11‬‬
‫فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (‪ )24‬أَنَّا صَبَبْنَا الْمَ اءَ صَ بًّا (‪)25‬‬
‫ثُمَّ شَ قَقْنَا الْأَرْضَ شَ قًّا (‪ )26‬فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (‪ )27‬وَعِنَبًا‬
‫وَقَضْبًا (‪ )28‬وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (‪ )29‬وَحَدَائِقَ غُلْبًا (‪ )30‬وَفَاكِهَةً‬
‫وَأَبًّا (‪ )31‬مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (‪. 4)32‬‬
‫مفهوم البيئة (‪)INVIORONMENT‬‬
‫بعي داً عن الغ وص في جدلية المص طلحات وما ينتج عنها من تفريع ات‬
‫متنوعة تتع دد بتن وع اإلض افات واختالف المف اهيم‪ ،‬ودون حاجة إلى إي راد‬
‫االجتهادات الكثيرة في تعريف مصطلح البيئة أقول إنها عرفت بتعريفات كثيرة‬
‫تأخذ مناحي متنوعة غير أن ما يربطها جميعاً هو أنها تدور حول مح ور واحد‬
‫هو الكائن الحي وما يحيط به ‪ ،‬ولذلك عرفها البعض بأنها المجال الذي تح دث‬
‫فيه اإلثارة والتفاعل لكل وحدة حية ‪ ،‬أوهي كل ما يحيط باإلنس ان من م وارد‬
‫سورة النمل اآلية ‪.88‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة يونس اآلية ‪.106‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة ق اآلية ‪.11-6‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة عبس اآلية ‪.32-24‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪2‬‬
‫طبيعية ومجتمعات بشرية ونظم اجتماعية‪ ، 5‬وقد عرف مؤتمر البيئة الذي عقد‬
‫تحت رعــاية األمم المتحدة في استكهولم بالسويد سنة ‪ ، 1972‬البيئة بأنها ‪:‬‬
‫" رصيد الموارد المادية و االجتماعية المتاحة في وقت ما وفي مكان ما إلش باع‬
‫حاج ات اإلنس ان وتطلعاته "‪ ، 2‬وقد ح اول بعض الب احثين أن يح دد مفهوما‬
‫إسالمياً للبيئة غير أنه في تصوري ال يخرج عن التعاريف األخرى التي ذك رت‬
‫لمفهوم البيئة ‪.‬‬
‫إن دراسة مفه وم البيئة وتص وراتها المختلفة قد يق ود حتما إلى ذكر‬
‫نقطتين أساسيتين ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬أن مفهوم البيئة قد يضيق ليحدد نشاطاً خاصاً يتعلق بمجال واحد دون‬
‫غيره وذلك حين نقول مثالً ‪ :‬البيئة الصحية‪ ،‬البيئة الزراعية‪ ،‬البيئة الثقافي ة‪،‬‬
‫البيئة السياسية الخ ونعني بذلك النشاط البشري والصناعي الذي يتعلق بمجال‬
‫محدد ال يتعداه لغيره ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬أن البيئة تقسم في معظم المصادر إلى قسمين رئيسيين‪:‬‬
‫البيئة الطبيعي ة‪ :‬ويقصد بها المكون ات البيئية ال تي ال دخل لإلنس ان في‬
‫إيجادها كالبحار واألنهار والصحاري والجبال والمناخ ‪ ....‬الخ ‪.‬‬
‫البيئة الصناعية ‪ :‬ويقصد بها المظاهر الحياتية التي شيدها اإلنسان وأنتجها‬
‫لصالحه وتشمل مظ اهر البن اء والتش ييد واس تغالل الم وارد المائية والنباتية‬
‫والنظم االجتماعية والحضارية‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫األصول اإلسالمية للبيئة‬
‫يمكن حوصلة موضوع البيئة في اإلسالم في ثالثة أصول رئيسة هي‪:‬‬
‫اإلنسان ‪ :‬الماء ‪ :‬الهواء‬
‫األصل األول ‪ :‬اإلنسان‬
‫فاإلنسان الذي هو محور الرسالة اإلسالمية قد وضح القرآن أموراً كثيرة‬
‫تتعلق به يمكن أن تصاغ كلها في أمرين رئيسيين هما‪:‬‬
‫‪ ‬أنه مستخلف في األرض ‪.‬‬
‫‪ ‬أن الكون كله مسخر له‪.‬‬
‫وناتج الربط بين هاتين الحقيق تين هو إعم ار الك ون وص الحيته للحي اة‬
‫واستمراريتها فوق هذا الكوكب ‪ ،‬ولتوضيح هذه القضية المحورية في موضوع‬
‫البيئة نذكر نظرة القرآن إلى هذين العنصرين وهما ‪:‬‬
‫خالفة اإلنسان في األرض ‪:‬‬

‫مصطفى العلواني ‪/‬التلوث جريمة الجشعين ‪/‬مجلة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫محمد الفقي ‪/‬البيئة ‪/‬مكتبة ابن سينا ‪ /‬مصر ‪ /1993‬ص‪.18‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫استخلف اهلل اإلنسان في الكون لي دير م وارده ويعم ره ويظهر أس رار اهلل‬
‫وقدرته في خلق ه‪ ،‬وهي مهمة عظيمة أرادت المالئكة أن تختص بها وأرادها اهلل‬
‫لإلنس ان تكريم اً له " وَإِذْ قَ الَ رَبُّ كَ لِلْمَلَائِكَ ةِ إِنِّي جَاعِ لٌ فِي‬
‫الْأَرْضِ خَلِيفَ ةً قَ الُوا أَتَجْعَ لُ فِيهَا مَنْ يُفْسِ دُ فِيهَا وَيَسْ فِكُ‬
‫الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا‬
‫تَعْلَمُونَ "‪" 1‬وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَ عَ بَعْضَ كُمْ‬
‫فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُ وَكُمْ فِي مَا آَتَ اكُمْ "‪ ، 2‬وقد ذكر ص احب‬
‫التحرير والتنوير أن ‪ ":‬المراد من الخليفة المعني المجازى وهو ال ذي يت ولى‬
‫عمال يريده المستخلف مثل الوكيل والوصي أي جاعل في األرض م دبراً يعمل‬
‫ما نريده في األرض فهو استعارة أو مج از مرسل وليس بحقيقة ألن اهلل تع الى‬
‫لم يكن ح االً في األرض وال ع امال فيها العمل ال ذي أودعه في اإلنس ان وهو‬
‫الس لطة على موج ودات األرض‪ ،‬وألن اهلل تع الى لم ي ترك عمال ك ان يعمله‬
‫فوكله إلى اإلنسان بل التدبير األعظم لم يزل هلل تعالى فاإلنس ان هو الموج ود‬
‫الوحيد الذي اس تطاع بما أودع اهلل في خلقه أن يتص رف في مخلوق ات األرض‬
‫بوجوه عظيمة ال تنتهي خالف غيره من الحي وان " ‪ 3‬ومن هنا ف إن الخالفة هي‬
‫تكليف بمهمة االنتفاع بموجودات الكون يك ون اإلنس ان فيها س يدا في الك ون ال‬
‫سيدا للكون فسيد الكون وحاكمه ومالك أم ره هو اهلل س بحانه وتع الي‪ ،‬وألن‬
‫اإلنس ان هو أحد مخلوقاته قد تم يز بالعقل فقد كرمه اهلل وأنعم عليه بنعمة‬
‫االستخالف تمييزاً له عن غيره من المخلوقات ‪ ":‬وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ‬
‫وَحَمَلْنَ اهُمْ فِي الْبَ رِّ وَالْبَحْ رِ وَرَزَقْنَ اهُمْ مِنَ الطَّيِّبَ اتِ‬
‫وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"‪ 4‬فاالس تخالف معن اه‬
‫أن اإلنس ان وصى على ه ذه األرض بكل ما فيها وليس مالك اً لها فهو م دبر‬
‫لمواردها ومستغل لخيراتها " هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ‬
‫فِيهَا "‪. 5‬‬
‫وقد أث ارت مس ألة الخالفة قض ية مهمة تتعلق بملكية اإلنس ان للم وارد‬
‫الطبيعية هل هي ملكية رقبة أم ملكية انتفاع ودارت مناقشات كث يرة م ال فيها‬
‫الكثير من الباحثين إلى أنها ملكية انتفاع وذلك لألسباب التالية ‪:‬‬
‫أن كثيراً من نصوص القرآن الكريم تضيف الملكية إلى اهلل سبحانه‬ ‫‪-1‬‬
‫وتع الى ‪ ":‬آَمِنُ وا بِاللَّ هِ وَرَسُ ولِهِ وَأَنْفِقُ وا مِمَّا جَعَلَكُمْ‬

‫سورة البقرة اآلية ‪.30‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة األنعام اآلية ‪.165‬‬ ‫‪2‬‬

‫محمد الطاهر بن عاشور ‪ /‬التحرير والتنوير ‪ /‬ج‪/1‬ص ‪ /398‬الدار التونسية‬ ‫‪3‬‬

‫للنشر ‪.1984 /‬‬


‫سورة اإلسراء اآلية ‪.70‬‬ ‫‪4‬‬

‫سورة هود اآلية ‪.61‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪4‬‬
‫‪2‬‬
‫مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ "‪" 6‬وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ "‬
‫" لَهُ مَا فِي السَّ مَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ‬
‫الثَّرَى "‪ " 3‬لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ "‪. 4‬‬
‫يقول الشيخ شلتوت ‪ ":‬إذا كان المال مال اهلل‪ ،‬وكان الناس جميعاً‬
‫عباد اهلل‪ ،‬وكانت الحياة التي يعمل ون فيها ويعمرونها بم ال اهلل وهي هلل‪،‬‬
‫ك ان من الض روري أن يك ون الم ال – وإن ربط باسم ش خص معين –‬
‫لجميع عباد اهلل‪ ،‬يحافظ عليه الجميع وينتفع به المجتمع"‪. 5‬‬
‫‪ -2‬أن وجود اإلنسان في هذه الحياة مؤقت واستخالفه فيها مؤقت أيضاً ولذلك‬
‫كان انتفاعه بمواردها مؤقت " وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ‬
‫إِلَى حِينٍ "‪ 6‬وه ذا التحديد الزم ني للبق اء ي ترتب عليه تحديد‬
‫لالستخالف واالنتفاع ومن هنا تبرز أحقية األجيال المتعددة في االنتف اع‬
‫ب الموارد الطبيعية وض رورة أن يعي اإلنس ان ه ذه الحقيقة لكي يحفظ‬
‫لألجيال التي بعده حقها في االنتفاع بما خلق اهلل في هذا الكون ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن شعور اإلنسان بملكيته الدائمة للم وارد يث ير فيه ن وازع األنانية ويدفعه‬
‫إلى الفساد المؤدي إلى نضوب الموارد البيئية أو تدميرها وهو ما تش هده‬
‫بيئتنا المعاصرة‪ ،‬ول ذلك ك انت تع اليم الق رآن واض حة في النهي عن‬
‫الفس اد في األرض" وَلَا تَبْ غِ الْفَسَ ادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّ هَ لَا‬
‫يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ "‪ " 7‬وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا‬
‫"‪ " 8‬وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي‬
‫الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُ هُولِهَا قُصُ ورًا وَتَنْحِتُ ونَ الْجِبَ الَ‬
‫بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ "‪.9‬‬
‫من أجل ذلك ع بر أحد الب احثين بقوله ‪ ":‬وال نتج اوز روح التش ريع‬
‫اإلسالمي إذا قلنا ‪ :‬إن القواعد والمبادئ اإلسالمية المنظمة الس تخالف اإلنس ان‬
‫في األرض ومض مونها‪ ،‬ت نزل " حق اإلنس ان " على م وارد الطبيعة من " حق‬
‫الملكية" " إلى مرتبة" حق االنتفاع" فقط‪ ،‬والذي تقل فيه سلطات ص احبه عن‬
‫سلطات المالك‪ ،‬وال يبدو هذا القول غريب اً إذا عرفنا أن بعض فقه اء الم ذهب‬
‫المالكي يرون أن الملكية بوجه عام ال ترد إال على المنافع فقط‪ ،‬أما األعي ان‪ ،‬أي‬
‫سورة الحديد اآلية ‪.7‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النور اآلية ‪.33‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة طه اآلية ‪.6‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة المائدة اآلية ‪.120‬‬ ‫‪4‬‬

‫محمود شلتوت‪/‬اإلسالم عقيدة وشريعة‪/‬ص‪.257‬‬ ‫‪5‬‬

‫سورة البقرة اآلية ‪.36‬‬ ‫‪6‬‬

‫سورة القصص اآلية ‪.77‬‬ ‫‪7‬‬

‫سورة األعراف اآلية ‪.56‬‬ ‫‪8‬‬

‫سورة األعراف اآلية‪.74‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪5‬‬
‫موارد وثروات البيئة والكون ال ذي خلقه اهلل فملكيتها هلل س بحانه وتع الي وال‬
‫ملك لإلنسان فيها في الحقيقة والواقع فهم يقولون أن سلطان اإلنسان ال يك ون‬
‫على المادة‪ ،‬وإنما محله منافعها فقط وفكرة حق االنتفاع تبدو أكثر مالءمة إذا‬
‫روعيت القواعد الش رعية في أعمال ه‪ ،‬حيث تؤكد من ناحية أن م وارد البيئة‬
‫وثرواتها هي عطاء من اهلل للبشر وفضل‪ ،‬وبالتالي لن يكون االنتفاع قاصراً على‬
‫ش خص دون آخر ومن ناحية أن المنتفع ال يج وز له إه دار أو ت دمير أصل أو‬
‫عين المال ال ذي ينتفع ب ه‪ ،‬ألن س لطة التص رف الش رعي في الم ادة ال تك ون‬
‫للمنتفع بل لمالك العين أو الرقبة "‪. 1‬‬
‫تسخير الكون لإلنسان‬
‫تشير آيات كثيرة في القرآن الكريم إلى أن الكون قد س خره اهلل س بحانه‬
‫لإلنسان أي طوعه وذهلل ليس تطيع االنتف اع به والتص رف فيه والس يطرة على‬
‫موارده ليحقق من خالله الخالفة التي خلقه اهلل من أجله ا‪ ،‬يق ول اهلل تع الى‪":‬‬
‫هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ‬
‫تُسِ يمُونَ (‪ )10‬يُنْبِتُ لَكُمْ بِ هِ ال زَّرْعَ وَالزَّيْتُ ونَ وَالنَّخِي لَ‬
‫وَالْأَعْنَ ابَ وَمِنْ كُ لِّ الثَّمَ رَاتِ إِنَّ فِي ذَلِ كَ لَآَيَ ةً لِقَ وْمٍ‬
‫يَتَفَكَّرُونَ (‪ )11‬وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ‬
‫وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (‬
‫‪ )12‬وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً‬
‫لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (‪ )13‬وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَ أْكُلُوا مِنْ هُ‬
‫لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُ ونَهَا وَتَ رَى الْفُلْ كَ‬
‫مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "‪" .2‬أَلَمْ تَرَ‬
‫أَنَّ اللَّهَ سَ خَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْ كَ تَجْ رِي فِي الْبَحْ رِ‬
‫بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ‬
‫بِالنَّ اسِ لَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "‪" 3‬إِنَّ فِي خَلْ قِ السَّ مَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‬
‫وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَ ارِ وَالْفُلْ كِ الَّتِي تَجْ رِي فِي الْبَحْ رِ بِمَا‬
‫يَنْفَ عُ النَّ اسَ وَمَا أَنْ زَلَ اللَّ هُ مِنَ السَّ مَاءِ مِنْ مَ اءٍ فَأَحْيَا بِ هِ‬
‫الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْ رِيفِ الرِّيَ احِ‬
‫وَالسَّ حَابِ الْمُسَ خَّرِ بَيْنَ السَّ مَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَ اتٍ لِقَ وْمٍ‬
‫يَعْقِلُونَ"‪ 4‬وهكذا تتوالى آيات القرآن الكريم في ذكر ما سخره اهلل لإلنس ان‬
‫في الكون حتى تكاد تذكر كل شئ فيه ع دا ما اختص اهلل به مخلوق ات أخ رى‬
‫ليس لإلنسان سيطرة عليه ا‪ ،‬وه ذا التس خير نعمة من نعم اهلل على اإلنس ان إذ‬
‫أحمد سالمة ‪ /‬حماية البيئة في الفقه اإلسالمي ‪ /‬مجلة االحمدية ‪ /‬مايو ‪/ 1998‬‬ ‫‪1‬‬

‫دبي ‪ /‬ص ‪.295‬‬


‫سورة النحل اآلية ‪.14 -10‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الحج اآلية ‪.65‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة البقرة اآلية ‪.164‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪6‬‬
‫لواله لما استطاع أن يستفيد من كث ير مما خلقه اهلل على ه ذه األرض‪ ،‬يق ول‬
‫صاحب الظالل " إن األرض كلها ال تبلغ أن تكون ذرة ص غيرة في بن اء الك ون‬
‫واإلنسان في هذه األرض خليقة صغيرة هزيلة ضعيفة بالقي اس إلى حجم ه ذه‬
‫األرض وبالقي اس إلى ما فيها من ق وى ومن خالئق حية وغ ير حية ال يعد‬
‫اإلنس ان من ناحية حجمه ووزنه وقدرته المادية ش يئاً إلى جوارها ولكن فضل‬
‫اهلل على ه ذا اإلنس ان ونفخته فيه من روحه وتكريمه له على كث ير من خلقه‬
‫هذا الفضل وحده قد اقتضى أن يكون لهذا المخلوق وزن في نظام الكون وحساب‬
‫‪ ،‬وأن يهيئ اهلل له القدرة على استخدام الكثير من طاقات هذا الكون وق واه ومن‬
‫ذخائره وخيراته وهذا هو التسخير المشار إليه في اآليـة‪. 1‬‬
‫ولبيان كيفية التسخير التي هيأها اهلل لإلنسان يذكر اإلمام ال رازي أنه‬
‫لكي يستطيع اإلنسان استعمال البحر واس تغالله البد له من ثالثة أش ياء لم تكن‬
‫لتحصل لوال تسخير اهلل سبحانه وتعالى لها ‪ :‬األولى الري اح ال تي تج ري على‬
‫وفق المراد‪ ،‬والثانية ‪ :‬خلق وجه الماء على المالمسة ال تي تج ري عليها الفلك‬
‫والثالثة ‪ :‬خلق الخشبة على وجه تبقي طافية على وجه الم اء وال تغ وص في ه‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وهذه األحوال الثالثة ليس لها من موجد إال اهلل سبحانه وتعالى‬
‫إن نظرة في آيات التسخير الواردة في القرآن الك ريم عامة ك انت أو مفص لة‬
‫تنبؤنا بأمور عدة منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن هذا التسخير المذكور في اآليات محدود بإرادة اهلل وال يستطيع اإلنسان‬
‫مهما أوتى من قوة مادية أو علمية وتقنية أن يصل إلى االستفادة منها إال إذا‬
‫أراد اهلل له ذل ك‪ ":‬يَا مَعْشَ رَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْ تَطَعْتُمْ أَنْ‬
‫تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّ مَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُ ذُوا لَا تَنْفُ ذُونَ‬
‫إِلَّا بِسُ لْطَانٍ "‪ " 3‬اللَّ هُ الَّ ذِي سَ خَّرَ لَكُمُ الْبَحْ رَ لِتَجْ رِيَ‬
‫الْفُلْكُ فِيهِ بِ أَمْرِهِ "‪ .4‬وإدراك ه ذا المع نى يحد من أنانية اإلنس ان‬
‫واستكباره في األرض وادعائه التأله فيه ا‪ ،‬وكث ير من أم ور الحي اة يقف‬
‫اإلنسان عاجزاً عن حل معضالتها ومن ذلك الماء مثال الذي أص بح مش كلة‬
‫العالم المستقبلية نظراً لنضوب موارده وع دم ق درة اإلنس ان على ص نعه‪،‬‬
‫ولذلك يستخدمه اهلل سبحانه وتعالى في تحدى اإلنسان إذا أمعن في كفره‬
‫وعناده ‪ ":‬أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ‬
‫الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَ وْ نَشَ اءُ جَعَلْنَ اهُ أُجَاجًا فَلَ وْلَا‬

‫سيد قطب ‪ :‬في ظالل القرآن ‪ /‬ط ‪ / 6‬مج ‪ / 5‬ص ‪.223‬‬ ‫‪1‬‬

‫تفسير الفخر الرازي ‪ :‬محمد بن عمر الرازي ‪ /‬دار إحياء التراث العربى ‪ /‬ج ‪/ 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪. 4023‬‬
‫سورة الرحمن اآلية ‪.33‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة الجاثية اآلية ‪.12‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪7‬‬
‫تَشْ كُرُونَ "‪ ،5‬وذلك بعد أن جعل اهلل الم اء نعمة مس خرة لإلنس ان "‬
‫وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَ اءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِ هِ جَنَّ اتٍ وَحَبَّ‬
‫الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ "‪. 2‬‬
‫‪ -2‬أنه على ال رغم من التس خير ال ذي حفلت به آي ات الق رآن الك ريم إال أن‬
‫اإلنسان يجب أن يدرك أن هن اك ع والم في ه ذا الك ون ليس له س بيل إلى‬
‫معرفتها وتظل مخفية عنه وخارجة عن س يطرته ك الجن وغيرها من‬
‫المخلوقات التي ال يستطيع اإلنس ان إدراكها وك ذلك بعض الفيروس ات‬
‫والظواهر الطبيعية التي لم يسخر اهلل لإلنسان طريق اً للتعامل معها ‪ ،‬وهنا‬
‫نشير إلى أن مسألة التسخير فضل من اهلل سبحانه وتعالى على اإلنس ان فما‬
‫سخره له استطاع أن يستفيد منه وأن يعمر الكون من خالله وما لم يس خر‬
‫له كان عليه أن يقف أمامه مؤمناً بقدرة اهلل وعظيم صنعه ‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا كان التسخير اإللهي لمظاهر الكون لإلنس ان نعمة فهي إذا حق من حقوقه‬
‫ال تي منحه اهلل إياها يس تطيع من خالله االنتف اع بكل ما فيها لص الح بن اء‬
‫مجتمعه ويعمر من خاللها الكون الذي يعيش فيه ويفيد اإلنسان والمخلوق ات‬
‫التي تعيش معه على هذا الكون‪ ،‬كما أن هذا الحق يمتد ليش مل البحث العلمي‬
‫عن خواصها وأس رارها وكل ما يس تطيعه لتط وير مواردها لخدمة اإلنس ان‬
‫ولعل النظر في آيات التسخير التفصيلية توضح هذه الحقوق بجالء إذ يق ول‬
‫الحق تبارك وتعالى ‪ ":‬فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَ انُ إِلَى طَعَامِ هِ أَنَّا صَ بَبْنَا‬
‫الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَ قَقْنَا الْأَرْضَ شَ قًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا‬
‫وَقَضْ بًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَ دَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَ ةً وَأَبًّا مَتَاعًا‬
‫لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ "‪" 3‬وَالْأَرْضَ مَ دَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِ يَ‬
‫وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُ لِّ عَبْ دٍ‬
‫مُنِيبٍ "‪ " 4‬وَمَا أَنْ زَلَ اللَّ هُ مِنَ السَّ مَاءِ مِنْ مَ اءٍ فَأَحْيَا بِ هِ‬
‫الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ‬
‫وَالسَّ حَابِ الْمُسَ خَّرِ بَيْنَ السَّ مَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَ اتٍ لِقَ وْمٍ‬
‫يَعْقِلُونَ "‪ " 5‬أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْ زَلَ مِنَ السَّ مَاءِ مَ اءً فَسَ لَكَهُ‬
‫يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ "‪. 6‬‬
‫األصل الثاني ‪ :‬الماء‬

‫سورة الواقعة اآلية ‪.70-68‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة ق اآلية ‪.10-9‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة عبس اآلية ‪.30-24‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة ق اآلية ‪. 9-8‬‬ ‫‪4‬‬

‫سورة البقرة اآلية ‪.164‬‬ ‫‪5‬‬

‫سورة الزمر اآلية ‪.21‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪8‬‬
‫وهو معجزة إلهية عجز البشر حتى ه ذه اللحظة عن الوص ول إلى ص نعها‬
‫على الرغم من أنها أساس الحي اة في كل شئ " وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَ اءِ كُ لَّ‬
‫شَ يْءٍ حَي "‪ 1‬وألهميته في الحي اة ودوره في كافة مكون ات البيئة فقد‬
‫اس تخدمه الق رآن أداة في المح اورة العقدية فق ال‪ ":‬الَّ ذِي جَعَ لَ لَكُمُ‬
‫الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِ هِ‬
‫مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْ دَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُ ونَ‬
‫"‪ 2‬كما استخدمه القرآن في تحدى البشر وردعهم عن تجاوز ق درة اهلل وع دم‬
‫االعتراف بنعمته فقال ‪ ":‬قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْ بَحَ مَ اؤُكُمْ غَ وْرًا فَمَنْ‬
‫يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ "‪ " 3‬أَفَرَأَيْتُمُ الْمَ اءَ الَّ ذِي تَشْ رَبُونَ أَأَنْتُمْ‬
‫أَنْزَلْتُمُ وهُ مِنَ الْمُ زْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُ ونَ لَ وْ نَشَ اءُ جَعَلْنَ اهُ‬
‫أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ "‪ 4‬وألنه أس اس الحي اة فقد منع اإلس الم احتك اره‬
‫وجعله مشاعاً بين الناس ففي الس نة ‪ ":‬الن اس ش ركاء في ثالث الم اء والكأل‬
‫والنار "‪ 5‬كما نهى اإلس الم عن تلويثه واألض رار بم وارده ‪ ،‬روى ابن ماجه أن‬
‫النبي ‪ ‬مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال له ‪ :‬ال تس رف‪ ،‬فق ال‪ :‬أو في‬
‫الماء إسراف ؟! قال ‪ :‬نعم وإن كنت على نهر جار "‪ 6‬ونهى رس ول اهلل ‪ " ‬أن‬
‫يبال في الماء الجاري "‪.7‬‬
‫وقد أشار القرآن الكريم إلى كثير من القضايا التي تتعلق بالماء والتي لها‬
‫ارتباط بحياة اإلنسان وخالفته في األرض نذكر منها ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه أساس‪8‬في حي اة كل ك ائن حي ‪ ":‬وجعلنا من الم اء كل شئ حي أفال‬
‫يؤمنون " تقول الدراسات " أن نسبته في أجسام األحياء النشطة تصل إلى‬
‫‪ %90‬فهو الذي يحمل الغذاء والهواء إلى هذه األجسام وهو في ذات ال وقت‬
‫المخلص لها من النفايات الضارة "‪. 9‬‬
‫‪ -2‬أن نزوله إنما يكون بقدر بحيث يحدث الت وازن ال ذي ال يضر الكائن ات الحية‬
‫فلو زاد نزوله لغرقت األرض وأتلفت النباتات وصار مشهد الحياة مض طربا‬
‫كما هو الحال في الفيضانات واألعاصير المدمرة التي يشهدها الع الم اآلن‪،‬‬
‫ولو قل نزوله لشحب وجه األرض وتشقق وماتت النباتات والحيوان ات كما‬
‫سورة األنبياء اآلية ‪.30‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة البقرة اآلية ‪.22‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الملك اآلية ‪.30‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة الواقعة اآلية ‪.68‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه ابوداوود‪/‬ج‪/2‬ص‪.53‬‬ ‫‪5‬‬

‫رواه ابن ماجه‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫رواه الطبراني بإسناد حسن‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫سورة األنبياء اآلية ‪.30‬‬ ‫‪8‬‬

‫د‪.‬محمد منير حجاب ‪/‬قضايا البيئة من منظور اسالمي ‪ /‬دار الفجر‪ /‬القاهرة‪/‬ص‬ ‫‪9‬‬

‫‪.57‬‬
‫‪9‬‬
‫يحدث في المن اطق ال تي تص اب بالجف اف والتص حر ول ذلك فحكمة اهلل‬
‫وإرادته اقتضت أن يكون نزوله بقدر حيث قال‪ ":‬وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّ مَاءِ‬
‫مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَ ادِرُونَ‬
‫"‪ " 1‬أَنْ زَلَ مِنَ السَّ مَاءِ مَ اءً فَسَ الَتْ أَوْدِيَ ةٌ بِقَ دَرِهَا "‪" "2‬‬
‫‪3‬‬
‫وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا "‬
‫‪.‬‬
‫‪ -3‬يشير القرآن إلى أن الماء قد يكون عقوبة لمن كفر بآيات اهلل وأع رض عن‬
‫إيمانه وتحدى قدرته ‪ ":‬فَفَتَحْنَا أَبْ وَابَ السَّ مَاءِ بِمَ اءٍ مُنْهَمِ رٍ‬
‫‪4‬‬
‫وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَ دْ قُ دِرَ "‬
‫وقد يكون مكافأة لإلنس ان إذا ال تزم ب أوامر اهلل واتبع تعاليمه ‪ " .‬وَأَنْ‬
‫لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا "‪. 5‬‬
‫‪ -4‬يذكر القرآن الم اء كأحد المعج زات الك برى ال تي خلقها اهلل س بحانه‬
‫وتعالى ويقرنها مع دالئل أخرى تشير إلى عظيم صنعه فيقول ‪ ":‬خَلَ قَ‬
‫السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ‬
‫تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُ لِّ دَابَّ ةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّ مَاءِ‬
‫مَ اءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُ لِّ زَوْجٍ كَ رِيمٍ هَ ذَا خَلْ قُ اللَّ هِ‬
‫فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَ لَالٍ‬
‫مُبِينٍ "‪. 6‬‬

‫سورة المؤمنون اآلية ‪.18‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الرعد اآلية ‪.17‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الزخرف اآلية‪. 11‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة القمر اآلية ‪.12‬‬ ‫‪4‬‬

‫سورة الجن ‪.16‬‬ ‫‪5‬‬

‫سورة لقمان اآلية ‪.10‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪10‬‬
‫األصل الثالث ‪ :‬الهواء‬
‫ال نريد التع رض للتركيبة العلمية لله واء وما يتضح فيها من دقة في‬
‫الخلق وت وازن في العناصر ت دل على عظمة الخ الق وعظيم ص نعه‪ ،‬وال نريد‬
‫التح دث عن الغ ازات والعناصر والمركب ات الكيميائية وكيفية تناغمها ح تى‬
‫تنتج هــواء نقياً ال تس تقيم الحي اة وال توجد بدونه في كل مكون ات البيئة "‬
‫صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ "‪ 1‬ولكن ال ذي تجب اإلش ارة إليه هو‬
‫أن المخلوط الغازي المسمى بالهواء عنصر أساس في حياة الكائن الحي كالم اء‬
‫ال يمكن أن يحيا اإلنسان أو الحيوان أو النبات بدون ه‪ ،‬وهو عرضة للتل وث بفعل‬
‫التعامل البشري الخاطئ بما يستعمله اإلنسان أو ينتجه من غازات وأبخرة تجعله‬
‫غير صالح للحي اة وم ؤثر فيها س لباً وهو ما يه دد الحي اة على وجه األرض‪،‬‬
‫ويشهد العالم المعاصر مشكالت كبرى ناتجة عن تلوث الهواء بسبب عدم ق درة‬
‫اإلنس ان على ض بط تعامله مع محيطه وهو ما أش ار إليه الق رآن حين ق ال ‪":‬‬
‫ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ"‪ 2‬ول ذلك‬
‫وحماية من اإلس الم للبيئة فقد أمر باالعت دال في الس لوك حين التعامل مع‬
‫الطبيعة خاصة "كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَ وْا فِي الْأَرْضِ‬
‫مُفْسِدِينَ "‪. 3‬‬
‫والناظر للتركيبة العلمية للغالف الجوي المحيط ب األرض ي درك مع نى‬
‫قوله تع الى " وَجَعَلْنَا السَّ مَاءَ سَ قْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا‬
‫مُعْرِضُ ونَ "‪ 4‬فاهلل س بحانه وتع الى خلق له ذا الك وكب ما يحفظه من‬
‫‪5‬‬
‫المؤثرات التي لو أصابته النتهت الحياة فوقه " خلق كل شئ فقدره تقديراً "‬
‫" رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ "‪ 6‬وما يشهده عالمنا من أخط ار‬
‫طبقة األوزون دليل على ذلك‪ ،‬والتي يلعب اإلنسان دوراً رئيساً فيها بما يحدثه‬
‫من تدمير للبيئة وتلويث لمكوناتها مما يتسبب عن تصاعد أبخرة ودخان ي دمر‬
‫توازنات العناصر الهوائية‪ ،‬ولذلك جعل القرآن ال دخان من الع ذاب األليم حين‬
‫قال ‪ ":‬فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَ ذَا‬
‫عَذَابٌ أَلِيمٌ "‪. 7‬‬
‫وهك ذا نجد أن البيئة بأص ولها ومكوناتها المختلفة حاض رة في الق رآن‬
‫الكريم للداللة على قدرة الخالق وبديع صنعه وإلثبات ض عف المخل وق وع دم‬
‫قدرته ح تى على المحافظة عليه ا‪ ،‬وحاض رة في ص ون الق رآن لها ب األوامر‬
‫سورة النمل اآلية ‪.88‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الروم اآلية ‪.41‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة البقرة اآلية ‪.60‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة األنبياء اآلية ‪.32‬‬ ‫‪4‬‬

‫سورة الفرقان اآلية ‪.2‬‬ ‫‪5‬‬

‫سورة آل عمران اآلية ‪.191‬‬ ‫‪6‬‬

‫سورة الدخان اآلية ‪.11-10‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪11‬‬
‫والنواهي التي تحفظها من أنانية اإلنسان واستغالله السيئ له ا‪ ،‬ومن هنا يت بين‬
‫الم قد اهتم بالبيئة من خالل منظومة فكرية متكاملة تجمع مختلف‬ ‫أن اإلس‬
‫الجوانب العقدية واالقتصادية واالجتماعية ‪.‬‬
‫الديانات والبيئة‬
‫إذا ك ان ما قدمته س ابقاً يؤكد على اهتم ام اإلس الم بالبيئة ونظرته إلى‬
‫سالمتها والمحافظة عليها نظرته للحياة ذاته ا‪ ،‬ف إن الس ؤال ال ذي يتب ادر إلى‬
‫الذهن هو هل كل أصحاب الديانات األخرى كانت لديهم هذه النظرة وهل كان‬
‫لهم دور في المحافظة على البيئة انطالقاً من عقائدهم وقيمهم كما هو الح ال‬
‫في اإلسالم ؟ العالم المعاصر كله يمثل إجابة لهذا السؤال فمعظم ملوثات البيئة‬
‫في عالمنا مصدرها العالم الغربي وهو الذي يمثل افتراضاً العالم المسيحي فهل‬
‫انفصل المس يحيون عن ثق افتهم الدينية فلم يعد ل ديهم وازع دي ني يحكم‬
‫س لوكياتهم ؟ أم أن المس يحية ذاتها لم تتض من ما يحد من تطلع ات اإلنس ان‬
‫النفعية والتي وصل مداها إلى دمار البش رية وأص بحت الك رة األرض ية كلها‬
‫مهددة بأخطار التلوث الناتج عن اآللة الغربية ال تي أطلق العلم الح ديث م داها‬
‫حتى طالت قضايا لم تكن نتصور أنها ستخرج من عالم الخيال إلى عالم الواقع ‪.‬‬
‫يدور جدل كبير حول هذه القضية في األوساط الثقافية العالمي ة‪ ،‬فهن اك‬
‫من علماء البيئة العلم انيون من يق ول ‪ ":‬إن م ؤرخين وفالس فة وعلم اء بيئة‬
‫يتجادلون في قضية أن المسيحية هي ال تي ت تزعم جناية الع الم المعاصر على‬
‫البيئة بتسويغها خراب األرض "‪ 1‬وهناك منيقول إنالعلماء الغربيين تتبعوا"‬
‫جذور أزمتنا البيئية وأرجعوها إلى الموقف اليهودي المسيحي من الطبيعة ف إن‬
‫هذاالموقف وما يصاحبه منم يراثتقلي دي وثق افيهو المس ئول عناألخط ار‬
‫الموضوعية التي تهدد المستقبل اإلنساني أال وهي‪:‬‬
‫‪ )1‬انطالق التكنولوجيا الموجهة إنتاجياً والذي أدى بدوره إلى نضوب‬
‫موارد األرض الطبيعية‪.‬‬
‫‪ )2‬الضغط الكلي والفردي على األرض والبيئة ‪.‬‬
‫‪ )3‬الزيادة المستمرة في المخلفات ‪.‬‬
‫‪ )4‬المخزون من األسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية الذي يكفي‬
‫لتدمير األرض بضع مرات ‪.‬‬
‫إن كل اتجاه من تلك االتجاهات يمثل خطراً رئيسياً يهدد رخاءنا الجم اعي‬
‫بل وبقاءنا‪ ،‬ويحاول علماء أمثال فرايزر دارلنج وثيودور روزال وجوفرى نيكرز‬
‫ولين وايت الصغير أن يبرهنوا أن هذه المخاطر ما هي إال نت اج النظ ام األخالقي‬
‫الغ ربي‪ ،‬وج ذور أزمتنا األيكلوجية بديهية فهي تكمن في معتق داتنا وكياناتنا‬

‫‪1‬‬
‫‪Mennonite Central Committee Worldly Spirituality (Harper and‬‬
‫)‪Row.1984‬‬
‫‪12‬‬
‫بالطبيعة وعالقة كل منا ب اآلخر وك ذلك‬
‫‪1‬‬
‫القيمية التي تشكل بدورها عالقاتنا‬
‫تشكل األنماط الحياتية التي نعيشها " ‪.‬‬
‫وفي المقابل فإن هناك من رجال ال دين اليه ود والمس يحيين من ي رى أن‬
‫األديان جميع اً قد احت وت ما يوجه اإلنس ان إلى المحافظة على البيئة وأن دور‬
‫األديان في حماية البيئة المعاصرة مهم جداً كما جاء في ورقة الحاخام داني ال‬
‫برن ير المقدمة إلى م ؤتمر الدوحة الرابع لح وار األدي ان وال تي ط الب فيها‬
‫بالتصدي الفوري للمخ اطر البيئية ال تي تحيط ب األرض وض رورة اس تخدام‬
‫التكنولوجيا من أجل خير البشر مش يراً أن اهلل قد دعا المؤم نين إلى االهتم ام‬
‫باألرض‪ ،‬وأن الزعماء الدينيين مطالبون بالضغط على الحكومات لدرء الحروب‬
‫التي تدمر البيئة وفي نفس السياق وفي ذات المؤتمر أش ار ال دكتور‪ /‬م رون‬
‫عازار أمين سر كلية الالهوت الحبرية في جامعة روح القدس بلبنان إلى أهمية‬
‫بناء اإلنسان لحماية البيئة مذكرا بما قاله البابا ب ولس الس ادس س نة ‪1972‬‬
‫مسيحي‪ ،‬من ضرورة احترام الطبيعية والتش ديد على المس ئولية الجماعية في‬
‫حماية البيئة "‪.2‬‬
‫وإذا كانت اإلش ارات الس ابقة قد انطلقت من الواقع رابطة بينه وبين القيم‬
‫الدينية لإلنسان الغربي‪ ،‬ف إن هن اك تحليالً أعمق يح اول فيه العالمة ( محمد‬
‫باقر الصدر ) أن يقارن بين اإلنس ان الش رقي واألوروبي من حيث تغلغل القيم‬
‫الدينية في كل منهما وأثر ذلك في تعاملهما مع المكون ات الحياتية المختلفة‬
‫فيق ول ‪ ":‬يختلف اإلنس ان األوروبي عن اإلنس ان الش رقي اختالف اً كب يراً‬
‫فاإلنس ان األوروبي بطبيعته ينظر إلى األرض دائم اً ال إلى المس اء وح تى‬
‫المسيحية – بوصفها الدين الذي آمن به هذا اإلنسان مئات السنين – لم تس تطع‬
‫أن تتغلب على النزعة األرضية في اإلنسان األوروبي بل بدال عن أن ترفع نظ ره‬
‫إلى السماء استطاع هو أن يستنزل إله المسيحية من السماء إلى األرض ويجسده‬
‫في كائن أرضي " "ولقد استطاعت النظرة إلى األرض لدى اإلنس ان األوروبي‬
‫أن تفجر طاقاته في البناء وأدت أيضاً إلى ألوان التنافس المحم وم على األرض‬
‫وخيراتها ونشأت أشكال من استغالل اإلنسان ألخيه اإلنسان ألن تعلق هذا الك ائن‬
‫ب األرض وثرواتها جعله يض حي بأخيه ويحوله من ش ريك إلى أداة ‪ ،‬وأما‬
‫الشرقيون فأخالقياتهم تختلف عن أخالقيات اإلنسان األوروبي نتيجة لتاريخهم‬
‫الديني فإن اإلنسان الش رقي ال ذي ربته رس االت الس ماء وعاشت في بالده ومر‬
‫بتربية دينية على يد اإلسالم ينظر بطبيعته إلى السماء قبل أن ينظر إلى األرض‬
‫ويأخذ بعالم الغيب قبل أن يأخذ بالمادة والمحس وس وه ذه الغيبية العميقة في‬
‫مزاج اإلنسان الشرقي المسلم حدت من قوة إغراء المادة وقابليتها إلثارته "‪. 3‬‬
‫ضياء الدين سردار ‪/‬نحو نظرية إسالمية عن البيئة ‪/‬ترجمة سمية البطراوي ‪/‬مجلة‬ ‫‪1‬‬

‫المسلم المعاصر ‪/‬س‪/15‬ع‪/59/1991‬ص‪.78-77‬‬


‫مؤتمر الدوحة الرابع لحواراالديان ‪/27-25/‬ابريل‪ 2006/ /‬قطر‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد باقر الصر ‪ /‬منابع القدرة في الدولة اإلسالمية ‪ /‬دار التعارف ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫إن ما قدمته سابقاً ال يعنى على اإلطالق خلو األديان األخرى غ ير اإلس الم‬
‫من قيم ونصوص تحترم البيئة وتدعو إلى المحافظة عليه ا‪ ،‬فالعه دين الجديد‬
‫والقديم يحتويان الكثير مما يشير إلى ض رورة المحافظة على مكون ات البيئة‬
‫ودور اإلنسان في حمايتها‪ ،‬واألدعية الزرادشتية مش حونة بالثن اء على الجب ال‬
‫واألنهار والمحيطات وجميع األرض ومخلوقاتها‪ ،‬ومن بين تعاليم الزرادش تيين‬
‫المعاص رين أن كل ب ذرة وردة تختص بمالك‪ ،‬كما أن الطبيعة في ال ديانتين‬
‫الهندوسية والزرادشتية تأخذ شكل االحترام الكامل الذي يتح ول في النهاية إلى‬
‫تطرف ليصل إلى العبادة‪. 1‬‬
‫إن اإلش كالية البيئية المعاص رة ليست في النص وص الدينية عند مختلف‬
‫األديان وإنما اإلشكالية مرتبطة بانفصال اإلنسان الغربي – المتهم األول بتدمير‬
‫البيئة – عن ثقافته الدينية وعدم التزامه بعقائد وأخالق المسيحية واليهودي ة‪،‬‬
‫وهذا ما تناوله المؤتمر الكبير الذي نظمه الصندوق الع المي لحماية البيئة في‬
‫مدينة ( باكتابور ) القديمة في نيبال والذي حض ره ممثل ون إلح دى عش رة‬
‫ديانة كبيرة في العالم‪ ،‬وقد أكد األمين العام لمنظمة تحالف الدين والحف اظ‬
‫على البيئة أن جميع الديانات بها تعاليم بيئية أبرزها المؤتمر وقد تعهد ممثل وا‬
‫الديانات المشاركة باتخاذ إجراءات مناسبة من أجل حماية الكرة األرضية ‪.2‬‬
‫إننا ونحن نعرض هذه الص ورة عن نظ رة ال ديانات إلى البيئة نش عر ب أن‬
‫اإلسالم من خالل عقائ ده وقيمه ومثله وثقافته الم أخوذة من الق رآن الك ريم‬
‫والسنة النبوية المطهرة أكثر احتراما للبيئة وأكثر محافظة عليها وذلك ألن‬
‫اإلسالم دين إنساني يحترم اإلنسان ويقدسه ويسهل له كل ما يؤدي إلى استغالل‬
‫الموارد البيئية دون تفريط أو إه دار له ذه الم وارد‪ ،‬وه ذا ي رتب علينا مهمة‬
‫كبيرة في التبشير به وبدوره في حل مشكالت البشرية المعاصرة ‪.‬‬
‫صدي البيئة في الحضارة اإلسالمية‬
‫أوالً ‪ :‬البيئة في منظور السنة النبوية‬
‫اهتمت السنة النبوية كثيراً بموضوع البيئة‪ ،‬وتردد ص داها في كث ير من‬
‫األحاديث التي حثت المسلمين على احترام الك ائن الحي وما يحيط به من نب ات‬
‫وأشجار ومص ادر مي اه متنوع ة‪ ،‬ويمكن تقس يم موض وعات البيئة في الس نة‬
‫النبوية إلى القضايا التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬المسئولية الجماعية والمشتركة في المحافظة على التوازن البي ئي وع دم‬
‫العبث ب الموارد الطبيعية وحفظ حق األجي ال في اس تغاللها واعتب ار أن‬
‫الحي اة مس ئولية عامة إذا أخل بها نفر س ار ض رره على الب اقين‪ ،‬فعن‬
‫النعمان بن بشير أن النبي ‪ ‬قال " مثل القائم على حدود اهلل والواقع فيها‬

‫د‪.‬مصطفى المحقق‪/‬مسؤلية الحاكم المسلم ازاء المحافظة على البيئة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫رجال الدين يتعهدون بالحفاظ على البيئة ‪ /‬بي بي سي أونالين‬ ‫‪2‬‬

‫‪14‬‬
‫كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعالها وبعضهم أسفلها إذا‬
‫استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا‬
‫ولم نؤذ من فوقنا‪ ،‬فإن يتركوهم وما أرادوا هلك وا جميع اً‪ ،‬وإن أخ ذوا‬
‫على أيديهم نجوا جميعاً‪. " 1‬‬
‫وهذا الحديث يوضح مبدأ مهما في الشريعة اإلسالمية وهو أن حرية الف رد‬
‫مرهونة بما يلحق اآلخرين من ممارستها فم تى ما لحق ب اآلخرين ض رر منع‬
‫الفرد من مزاولة ما يريده وانعكاسات ذلك في مجال البيئة كثيرة ف المزارع‬
‫ممنوع من أن يستعمل األدوية والمبيدات الضارة بصحة اإلنسان والحيوان ح تى‬
‫ولو كانت هذه تمكنه من زيادة إنتاجيته ودخله‪ ،‬وكذلك الص انع وغ يره من‬
‫الحرف التي تستغل الموارد الطبيعية‪ ،‬وه ذا التوجيه النب وي يش رع أخالقي ات‬
‫س امية في التعامل مع الطبيعية ومواردها وفي الحف اظ عليها ومنع أنانية‬
‫األفراد من تملكها والعبث بها ‪.‬‬
‫‪ -2‬الحث على الغرس واستغالل األرض‪:‬‬
‫أمر الرسول ‪ ‬المؤمنين في أح اديث كث يرة باالهتم ام بغ رس األش جار‬
‫واستغالل األرض وجعل ذلك من القربات التي يتق رب بها العبد إلى رب ه‪ ،‬فعن‬
‫أنس ابن مالك عن النبي ‪ ‬قال‪ ":‬ما من مسلم غرس غرساً فأكل منه إنسان أو‬
‫دابة إال كان له صدقة "‪. 2‬‬
‫وفي الح ديث أن الرس ول ‪ ‬ق ال‪ ":‬من نصب ش جرة فص بر على حفظها‬
‫والقيام عليها حتى تثمر فإن له في كل شئ يصاب من ثمرها صدقة عند اهلل عز‬
‫وجل "‪. 3‬‬
‫وتعتبر السنة النبوية أن مهمة الغرس والزرع واستغالل األرض من المه ام‬
‫المستديمة لإلنس ان ح تى ولو أش رفت ه ذه ال دنيا على النهاي ة‪ ،‬فعن أنس بن‬
‫مالك أن رسول اهلل ‪ ‬ق ال‪ ":‬إن ق امت الس اعة وفي يد أح دكم فس يلة ف إن‬
‫اس تطاع أن ال يق وم ح تى يغرس ها فليغرس ها"‪ 4‬وه ذا الح ديث وغ يره من‬
‫األح اديث ال تي وردت في ذات الموض وع توضح أن غراسة األرض وزراعتها‬
‫واستغالل الم وارد الطبيعية مب دأ من مب ادئ التش ريع اإلس المي المؤدية إلى‬
‫المحافظة على البيئة إذ كما نعلم أن اخض رار األرض بأش جارها وزروعها‬
‫مصدر من مصادر المحافظة على بيئة صحية ونظيفة ‪.‬‬
‫‪ -3‬االهتمام بموارد المياه‪:‬‬
‫من الموضوعات الب ارزة في الس نة النبوية المحافظة على مص ادر المي اه‬
‫خاصة من التلوث‪ ،‬وعدم اإلسراف في اس تعمال المي اه‪ ،‬فقد نهى الرس ول ‪ ‬عن‬
‫رواه البخاري في كتاب الشركة تحت رقم ‪.2493‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه البخاري في كتاب األدب ح ‪. 5666‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه أحمد‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪4‬‬
‫رواه ابن حميد في مسنده ج‪ / 1‬ص‪ / 366‬ح ‪. 6216‬‬
‫‪15‬‬
‫تلويث المياه في الحديث الذي رواه أبو هريرة أنه س مع رس ‪1‬ول ‪ ‬يق ول ‪ ":‬ال‬
‫يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي ال يجري ثم يغتسل فيه " ‪ ،‬وأمر الرس ول‬
‫‪ ‬بالمحافظة على مياه الشرب في أوانيها حتى ال يصيبها ما يلوثه ا‪ ،‬فعن ج ابر‬
‫بن عبد اهلل قال سمعت رسول اهلل ‪ ‬يقول ‪ ":‬غطوا اإلناء وأوكوا السقاء فإن في‬
‫السنة ليلة ينزل فيها وباء ال يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء‬
‫إال نزل فيه من ذلك الوباء "‪. 2‬‬
‫‪ -4‬المحافظة على الحيوان‪:‬‬
‫للحي وان حرمة في التش ريع اإلس المي باعتب اره كائن اً حي اً خلقه اهلل‬
‫وسخره لخدمة اإلنسان فال يجوز أن يعبث به أو أن يسئ معاملته إال في أح وال‬
‫نادرة كما إذا مثل الحيوان ضرراً على حياة اإلنسان‪ ،‬وقد تناولت الس نة النبوية‬
‫موضوع حماية الحيوان في أح اديث كث يرة ن ذكر منها الح ديث ال ذي رواه‬
‫المغيرة أن النبي ‪ ‬مر على نفر من األنصار يرمون حمامة فق ال‪ ":‬ال تتخ ذوا‬
‫الروح غرضاً "‪. 3‬وروى أن النبي ‪ ‬ق ال ‪ ":‬من قتل عص فور عبث اً عج إلى اهلل‬
‫يوم القيامة يقول ي ارب إن فالنا قتل ني عبث اً ولم يقتل ني منفعة "‪ ، 4‬وترسم‬
‫السنة النبوية صورتين للتعامل البشري مع الحيوان في جانبين أح دهما س لبي‬
‫واآلخر إيجابي وتوضح جزاء كال الصورتين عند اهلل سبحانه وتعالى حث اً على‬
‫اتباع الصورة اإليجابية ونهيا عن الوقوع في الصورة السلبية‪ ،‬ففي الحديث الذي‬
‫رواه أبو هريرة أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪ ":‬بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل‬
‫بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثري من العطش فقال لقد‬
‫بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فمأل خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقى فسقى الكلب فش كر‬
‫اهلل له فغفر له ‪ .‬قالوا يا رس ول اهلل وإن لنا في البه ائم ألج راً ؟ ق ال في كل‬
‫كبد رطبة أجر "‪ ، 5‬وفي الصورة المعاكسة ي روي عبد اهلل بن عمر رضي اهلل‬
‫عنهما عن النبي ‪ ‬أنه قال‪ ":‬عذبت امرأة في ه رة حبس تها ح تى م اتت جوع اً‬
‫فدخلت فيها النار‪ .‬قال‪ ":‬فقال واهلل أعلم ال هي أطعمتها وال سقتها حين حبستها‬
‫وال هي أرس لتها تأكل من خش اش األرض"‪ ، 6‬وهك ذا ت بين الس نة النبوية أن‬
‫التعامل مع الحيوان يمكن أن يفتح طريقاً إلى الجنة ويمكن أن يوقع صاحبه في‬
‫النار ‪.‬‬

‫أخرجه البخاري في كتاب الوضوء ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه مسلم في باب االشربة ح‪.53742‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه الطبراني في معجمه الكبير ج‪ 20‬ص‪386‬ح‪.905‬‬ ‫‪3‬‬

‫رواه النسائي وابن حبان‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه البخاري في باب المساقاة‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫رواه البخاري في باب المساقاة ‪/‬ح‪.2236‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ -5‬العناية بالنظافة العامة‪:‬‬
‫حثت السنة النبوية المؤمن على أن يكون نظيف اً ط اهراً وأن يهتم بنظافة‬
‫محيطه مس كناً ك ان أو ش ارعاً وربطت ذلك كله ب األجر العظيم عند اهلل‬
‫سبحانه وتعالى ‪ :‬ففي الحديث الذي رواه أبو هري رة رضي اهلل عنه ق ال‪ :‬ق ال‬
‫رسول اهلل ‪ ": ‬األيمان بضع وستون – أو سبعون – شعبة‪ ،‬أدناها إماطة األذى عن‬
‫الطريق وأرفعها قول ال إله إال اهلل"‪ ،1‬ويق ول ‪ " ‬إنه خلق كل إنس ان من ب ني‬
‫آدم على ستين وثالث مائة مفصل فمن كبر اهلل وحمد اهلل وهلل اهلل وس بح اهلل‬
‫واستغفر اهلل وعزل حجرا عن طريق الناس أو شوكة أو عظما عن طريق الناس‬
‫وأمر بمع روف أو نهى عن منكر ع دد تلك الس تين والثالثمائة الس المي فإنه‬
‫يمشى يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار "‪ 2‬ويقول ‪ ": ‬البص اق على المس جد‬
‫خطيئة وكفارتها دفنها "‪ 3‬ويقول ‪ ": ‬السواك مطهرة للفم مرضاة للرب "‪. 4‬‬
‫‪ -6‬الوقاية من األمراض ‪:‬‬
‫على الرغم من أن األمراض واألوبئة هي قض اء وق در يص يب المجتمع ات‬
‫واألف راد إال أن الرس ول ‪ ‬نبه المؤم نين إلى ض رورة المحافظة على وقاية‬
‫أنفسهم من خطورة األم راض وخاصة المعدية منه ا‪ ،‬وأن سياسة الع زل واجبة‬
‫االتباع في المجتمعات اإلسالمية إذا تعرضت ألخطار األوبئة وفي ذلك يق ول ‪‬‬
‫‪ ":‬ال يورد ممرض على مصح"‪ ، 5‬ويقول أيضاً ‪ ":‬إذا سمعتم بالوباء ب أرض فال‬
‫تقدموا إليه فإذا وقع بأرض وأنتم فيها فال تخرجوا فراراً منه "‪. 6‬‬
‫هذه نم اذج فقط من التوجيه ات النبوية الكث يرة ال تي تمتلئ بتفص يالتها‬
‫كتب الحديث والتي تناولت أموراً غاية في الدقة مما له عالقة بتوجيه المس لم‬
‫إلى العناية بنفسه ومحيطه وإرشاده إلى أن المحافظة على نعم اهلل التي أنعم بها‬
‫على خلقه هي جزء من مرضاة اهلل سبحانه وتعالى ولذلك ف إن الم اء واله واء‬
‫واألشجار والحيوان هي مصادر مهمة للحياة يستخدمها اإلنسان في حياته وينفذ‬
‫من خاللها إلى مرضاة ربه إن هو حافظ عليها وحافظ على حقوق اآلخرين فيها‪،‬‬
‫وينال سخط اهلل وغضبه إن عبث بها ومنع اآلخرين من االستفادة منها ‪.‬‬
‫االجتهاد الفقهي في مجال البيئة‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح مسلم ‪ :‬مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري ‪ /‬دار إحياء‬ ‫‪2‬‬

‫التراث العربي – بيروت ‪ /‬تحق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ /‬ج ‪ / 2‬ص ‪ / 698‬ح‬
‫‪.1007‬‬
‫صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان ‪ :‬محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي‬ ‫‪3‬‬

‫البستي ‪ /‬تحق‪ :‬شعيب األرنؤوط ‪ /‬مؤسسة الرسالة – بيروت ‪ /‬الطبعة الثانية ‪/‬‬
‫‪ / 1993 – 1414‬ج ‪ / 4‬ص ‪ / 516‬ح ‪.1637‬‬
‫رواه احمد في مسنده‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫صحيح البخاري ح ‪.5437‬‬ ‫‪5‬‬

‫صحيح البخاري ح ‪.5397‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪17‬‬
‫أولى فقهاؤنا الق دامى البيئة اهتمام اً كب يراً ت رجم ما أمر به الق رآن‬
‫الكريم في نصوص تشريعية تناولت قضايا متعددة ذات صلة باألرض واستغاللها‬
‫والحيوان ات وحمايتها وغ ير ذلك من األم ور ال تي تحقق كل نفع لإلنس ان‬
‫وتمنع عنه كل ضرر‪ ،‬وإذا جاز لنا أن نذكر أمثلة لذلك فإننا نذكر ما ص اغه‬
‫اإلمام مالك واإلم ام أبو حنيفة من مب ادئ ح ول ع دم ش رعية ممارسة الحق‬
‫المؤدي إلى ضرر وخاصة فيما يتعلق بمالك األراضي واس تعماالتهم لها المؤدية‬
‫إلى اإلضرار ب اآلخرين‪ ،‬وك ذلك ما وض عه أبو يوسف من قي ود على حق وق‬
‫األفراد والسلطات في زراعة األرض البكر حين تسفر عن ضرر بالغ‪ ،‬ومثل ذلك‬
‫ما وضعه ابن قدامة من قيود على استخراج المياه الجوفية إذ ليس لإلنسان الحق‬
‫في أن يؤثر على بئر جاره تأثيراً ســــيئاً عن طريق خفض النطاق الم ائي أو‬
‫تلويث الطبقــــة الصخرية المائية "‪، 1‬وتحدث الفقه اء بتفص يالت دقيقة عن‬
‫المي اه والطه ارة بجميع أنواعها شخص ية ك انت أو بيئي ة‪ ،‬كما تح دثوا عن‬
‫النباتات والزروع وما يتعلق بها من أحكام تحميها من القطع واإلفساد‪ ،‬وتحدثوا‬
‫عن إحياء األرض الموات وما يؤدي إلى ذلك من حماية للنظام البيئي وتوازن ه‪،‬‬
‫وتناولوا أيضاً الكثير من القضايا التي تع الج مس ألة التل وث وآثارها الض ارة‬
‫باإلنسان والمجتمع ومن ذلك مثالً التلوث السمعي الذي عالجه الفقه اء كأحد‬
‫األضرار التي يجب أن تدفع عن اإلنس ان حيث يق ول أحد الب احثين في ذلك ‪":‬‬
‫وقد قسم الفقهاء الضرر الن اتج عن األص وات إلى قس مين ‪ :‬ض رر يجب درؤه‪،‬‬
‫وض رر يمكن احتماله ‪ ،‬ومث ال القسم األول‪ :‬األص وات والذب ذبات الناتجة عن‬
‫حركة البوابات إذ إنها ت ؤثر على س المة المب اني المج اورة له ا‪ .‬ي روى ابن‬
‫ال رامي ( ت وفي ع ام ‪ 179‬هـ ) في كتابه ( اإلعالن بأحك ام البني ان ) أن‬
‫مجموعة من الن اس أق اموا بوابة لح ارتهم‪ ،‬يفتح بابها على حائط ج ار لهم‪،‬‬
‫فقاضاهم هذا الرجل بدعوى أن فتح الباب وغلقه المستمرين قد أض را به وأقلقا‬
‫راحته‪ ،‬فتحري ابن ال رامي األمر ووجد الحائط يتذب ذب من ج راء فتح الب اب‬
‫وغلقه فأمر القاضي به دم البوابة وإزالة بابه ا‪ .‬أما القسم الث اني‪ :‬من الض رر‬
‫فينتج عن األصوات ال تي تس بب الض يق دون الض رر‪ .‬وقد اختلف الفقه اء في‬
‫حكمهم عليه ‪ .‬فلم يعتبره الفقه اء األوائل ض رراً يجب درؤه‪ .‬ف المطرف وابن‬
‫الماجيشون واألصبغ رأوا ع دم إيق اف الغس ال والض راب لمج رد أن ضوض اء‬
‫عملهما تقلق الجيران‪ ،‬بل ذهب ابن القطان إلى ع دم ج واز منع أحد من ض رب‬
‫الحديد في منزله وإن كان يفعله ليل نهار بش رط أن يعتمد معاشه على ذل ك‪،‬‬
‫أما من لحقهم من الفقهاء فقد كان لهم رأي مغاير‪ ،‬فاعتبروا الصوت والص دى‬
‫ضوضاء ومصدراً للض رر يجب درؤه‪ .‬فقد وضع قض اة طليطلة – حسب رواية‬
‫ابن الرامي – قواعد صارمة لمنع وجود الكمادين لمايس ببون من ض رر وض يق‬
‫للجيران بما يص در عنهم من أص وات‪ .‬كما أع رب القاضي ابن عبد الرافع في‬

‫‪1‬‬
‫ضياء الدين سيدار ‪ /‬نحو نظرية إسالمية عن البيئة ‪ /‬تزكية البطراوي ‪ /‬مج المسلم المعاصر ‪ /‬س ‪ / 15‬ع‪59‬‬
‫‪ / 1994‬ص ‪ 87‬وما بعدها ‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫حركة‬
‫‪2‬‬
‫تونس عن تفضيله منع بناء حظائر الحيوانات متاخمة للمباني لما تسببه‬
‫الحيوانات الدائمة أثناء الليل والنهار من إزعاج قد يمنع الجيران من النوم "‪.‬‬
‫لقد تأسس االجتهاد الفقهي في مجمله وفي موض وع البيئة بص ورة خاصة‬
‫على جملة من القواعد التي احتواها علم أصول الفقه والذي بين فيه األصوليون‬
‫أن أحكام الشريعة إنما ج اءت لتحقيق مص الح العب اد في الحي اة وبعد المم ات‬
‫وذلك انطالقاً مما قررته آيات القرآن الك ريم وبينته س نة الرس ول األمين ‪،‬‬
‫ويمكن أن نشير هنا إلى قضيتين أساسيتين لهما صلة بموضوع البيئة‪:‬‬
‫األول ‪ :‬بين األصوليون أن الشريعة اإلسالمية ج اءت لتحقيق الض روريات‬
‫الخمس‪ :‬حفظ النفس‪ ،‬حفظ النس ل‪ ،‬حفظ الم ال‪ ،‬حفظ العقل ‪ ،‬حفظ ال دين‪،‬‬
‫وتحقيق هذه الضروريات يحدث أث را مهما في خلق بيئة س ليمة تحقق الخالفة‬
‫التي خلق اهلل اإلنسان ألجلها‪ ،‬فمن اختلت عقيدته ال يستطيع كبح جماح شهواته‬
‫في االستئثار بالموارد الطبيعية واستغاللها لصالحه ومنع اآلخرين من استغاللها‪،‬‬
‫وكذلك سيكون أداة إفساد في األرض لعدم وجود ال وازع ال ديني ال ذي يوقف‬
‫س يطرته وأنانيته كما هو حاصل في عالمنا المعاصر ال ذي يمتلئ بالش واهد‬
‫الحية على ذلك‪ ،‬ومثل ذلك المحافظة على النفس التي ح رم اهلل قتلها وجعله‬
‫قتل للبشرية كلها فالشريعة اإلسالمية تأمر باحترام النفس اإلنس انية وتكرمها‬
‫وتجعل المحافظة عليها قاعدة أساسية في التشريع اإلسالمي‪ ،‬على عكس ما نرى‬
‫في عالمنا المعاصر من استهانة ب النفس حيث تق ذف المص انع كل ي وم آالف‬
‫األطنان من المواد التي تجلب الكوارث على النفس البشرية في مج االت الزراعة‬
‫والصناعة وغيرها من المجاالت الخدمية المختلف ة‪ ،‬ومثل ما قيل في المحافظة‬
‫على النفس يق ال في المحافظة على النسل ال ذي بينت نص وص كث يرة أن‬
‫المحافظة على األجيال القادمة هو محافظة على النوع اإلنس اني‪ ،‬وأن حق ه ذه‬
‫األجيال في الموارد الطبيعية ثابت ال يحق ألحد العبث به‪ ،‬ولكننا ن رى في ع الم‬
‫اليوم أن اآلخرين الذين افتقدوا الوازع الديني قد اعت دوا على األجي ال القادمة‬
‫إما بصب أطنان من القنابل مختلفة األنواع واألحجام على عدد من بلدان الع الم‬
‫في حروب مدمرة سيكون أحد نتائجها وجود أجيال مشوهة ومصابة بالعديد من‬
‫األمراض الفتاكة‪ ،‬وإما بتدمير الموارد الطبيعية واستنزافها بما يحرم األجي ال‬
‫القادمة منها ويجعلها في أزمات ال مخرج منها ‪.‬‬
‫ويص دق كل ذلك على حفظ العقل ال ذي أم رت الش ريعة اإلس المية‬
‫بالمحافظة عليه ليحقق لإلنسان السعادة بما ينتجه من من افع لص الح البش رية‬
‫حين يحلق في أجواء العلم والمعرفة بأخالقيات تبع ده عن أن يك ون أداة فس اد‬
‫وعبث بمقدرات البش رية ولس نا نع دم ش واهد لما تنتجه عق ول معاص رة من‬

‫محمد عبد القادر الفقهي مكتبة ابن سينا القاهرة ‪/‬البيئة مشاكلها‬ ‫م‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقضاياها وحمايتها من التلوث ( رؤية إسالمية ) ‪ /‬ص ‪. 86‬‬

‫‪19‬‬
‫مخترعات أضرت بالجنس البشري ألنها افتقدت التوجيه الديني السليم‪ ،‬وتتكامل‬
‫منظومة الضروريات الخمس هذه بالمحافظة على المال ال ذي جعله اهلل وس يلة‬
‫للحياة ينتقل بين األف راد تنقل انتف اع بما يجعله مش اعا بين مختلف األجي ال‪،‬‬
‫ويشمل المال كل ما خلق اهلل من موارد سخرها اهلل لإلنس ان لالنتف اع بها وقد‬
‫حددت الشريعة اإلسالمية كافة الضوابط التي تمكن اإلنسان من المحافظة على‬
‫المال وتسخيره لمصلحة اإلنسان ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن كثيراً من األحكام الفقهية في مج ال البيئة خاصة وفي معظم‬
‫القضايا الحياتية بصورة عامة قد أسست على قاعدة " الض رر والض رار" وهي‬
‫م أخوذة من نص ح ديث مش هور عن الن بي ‪ ‬ق ال عنه أبو داود إنه أحد خمسة‬
‫أحاديث يدور عليها الفقه‪ ،‬ومع نى الح ديث ‪ :‬أن تس تعمل حقك بحيث ال تضر‬
‫باآلخرين‪ ،‬وهو ما يمكن أن ينعكس في أحكام كثيرة تتعلق بالبيئة‪ ،‬وقد تفرعت‬
‫عن هذه القاعدة قواعد أخرى ذكرها العلماء ومنها ‪:‬‬
‫‪ イ‬الضرر يزال بقدر اإلمكان‪.‬‬
‫‪ ロ‬الضرر ال يزال بضرر مثله‪.‬‬
‫‪ ハ‬يتحمل الضرر األدنى لدفع الضرر األعلى ‪.‬‬
‫‪ ニ‬درء المفاسد أولى من جلب المنافع ‪.‬‬
‫‪ ホ‬إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما‪. 1‬‬
‫وه ذه القواعد كلها قد أسست عليها أحك ام كث يرة في مج االت الحي اة‬
‫المختلفة منعت المسلم من اإلس اءة إلى اآلخ رين وقي دت أنانيته في اس تغالل‬
‫الموارد وفي التمتع بالخيرات‪ ،‬والمتتبع لهذه القضايا في الفقه اإلس المي يمكن‬
‫أن يكون منها موسوعة فقهية بيئية تشمل الكثير من المعالجات للقض ايا البيئية‬
‫المعاصرة ‪.‬‬
‫إن الباحث في الموس وعة الفقهية اإلس المية على مختلف مدارس ها س وف‬
‫يجد إس هاماً كب يراً لفقهائنا ينظم العالئق بين اإلنس ان ومحيطه البي ئي بما‬
‫يتناسب وبساطة البيئة التي عاشها ه ؤالء الفقه اء ول ذلك ف إن بيئة الت دوين‬
‫الفقهي التي لم تشهد معاناة بيئة اليوم من التلوث والفساد البيئي المتنوع ال ذي‬
‫خلفته أنانية اإلنس ان قد ش هدت اجته اداً فقهي اً يل بي حاجة تلك البيئة مما‬
‫يجعلنا نؤكد أن االجتهاد في مجال البيئة كان س مة ب ارزة من س مات الثقافة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وأن فقهائنا قد أولوا البيئة اهتم امهم مما انعكس في ص ورة أحك ام‬
‫تأخذ في اعتبارها حتى االفتراضي الذي يتوقع أن يمارسه اإلنسان ج راء أنانيته‬
‫وسيطرة الحياة المادية عليه ‪.‬‬

‫د‪ .‬يوسف القرضاوي ‪ /‬رعاية البيئة في شريعة اإلسالم ‪ /‬دار الشروق ‪ /‬ط ‪/ 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ / 2006‬ص ‪. 40‬‬
‫‪20‬‬
‫أما إذا نظرنا إلى ع الم الي وم وما فيه من تعقي دات الحي اة وأثر ذلك في‬
‫اإلضرار بالبيئة فإننا ال نجد ما يلبي حاجتنا من اجتهادات فقهية تح رم أو تحلل‬
‫الكثير من الممارسات اإلنسانية الضارة بالبيئة حتى تلك التي يعتقد أنها لصالح‬
‫اإلنسان ذاته‪ ،‬أي بمعنى أن االجتهاد المعاصر لم يرق إلى مستوى تط ور الحي اة‬
‫وتنوعها وتعقيداتها في معظم المجاالت والبيئة واح دة منه ا‪ ،‬ول ذلك ص ارت‬
‫الكثير من القضايا المعاصرة تمثل تحدياً لفقهائنا ال ذين لم يس تطيعوا تق ديم‬
‫الحلول الناجحة لها ألسباب متعددة نذكر منها‪:‬‬
‫الموقف من االجته اد ذاته بفتحه أو غلقه كما يع بر الكث يرون مما أثر‬ ‫‪-1‬‬
‫سلباً على كثير من العلماء الذين ألجموا عن الولوج في ميدان االجته اد‬
‫بمبررات متعددة األمر ال ذي ض يق التفك ير الفقهي وجعله ال ينفك عن‬
‫المسائل التي تناولها أئمة المدارس الفقهية مما عطل الكثير من القض ايا‬
‫التي ينتظر الشارع المسلم رأيا شرعياً فيها ‪.‬‬
‫عدم تجدد منهجية االجتهاد عند أولئك ال ذين ش عروا بأهمية االجته اد‬ ‫‪-2‬‬
‫ولم يهتموا بمن يم ارس الوص اية عليه ويق ول بغلق ه‪ ،‬فالمنهجية ال تي‬
‫اتبعوها ال تخ رج عن قي اس المس ائل المعاص رة على أق رب ص ورها‬
‫المذكورة في كتب الفقه مما يعني أن النوازل المعاصرة التي ال يت وافر‬
‫لها مقاربات تقاس عليها ستظل مشكالت فقهية معاصرة تنبئ عن مشكالت‬
‫اجتماعية وتنبئ عن قصور فقهي ال نرتضيه لشريعتنا ال تي نف اخر بأنها‬
‫تملك أعظم موسوعة فقهية شهدها التاريخ البش ري‪ ،‬ولس نا نع دم أمثلة‬
‫لهذه المشكالت فمجتمع األقليات المسلمة يعاني الكثير‪ ،‬والظواهر العلمية‬
‫الجديدة تغرقنا في بحر من الجدليات التي تظهر بوض وح م دى الحاجة‬
‫إلى تحديد منهجية االجتهاد المعاصر بما يالئم تحديات العصر ‪.‬‬
‫االجتهاد في مجال البيئة – وخاصة المعاصرة – يحت اج إلى ثقافة علمية‬ ‫‪-3‬‬
‫تش مل علوم اً تقنية متع ددة وذلك ح تى يس تطيع المجتهد أن ي درك‬
‫حقيقة الواقعات أو النوازل التي يريد أن يفتي فيها‪ ،‬وال أعتقد أن كلي ات‬
‫الش ريعة في عالمنا اإلس المي قد أدرجت في مناهجها ما يؤهل المتخ رج‬
‫منها ألن يؤدي دوره في مجال االجتهاد المعاصر‪ ،‬وح تى المؤلف ات ال تي‬
‫بينت ش روط المجتهد لم تجعل من بينها ( معرفة الواقع ) وقد تنبه إلى‬
‫ذلك عدد من فقهائنا القدامى والمعاص رين ال ذين أش اروا إلى خط ورة‬
‫جهل المجتهد بالواقع ومعرفة أحوال الناس‪ ،‬ومن هنا نق ول إننا ال نتوقع‬
‫لمجتهد معاصر أن يدرك أخطار التلوث ال ذي ينشأ في اله واء الخ ارجي‬
‫نتيجة غازات تصدر من مصنع لمسلم يظن أنه يرتزق حالال من خالل هذا‬
‫المصنع‪ ،‬وال يمكن لمجتهد معاصر أن يدرك أخطاراً ت ترتب على أس مدة‬
‫يض عها فالح مس لم يظن أنه يصل بها إلى مس توى من اإلنت اج يخ دم به‬

‫‪21‬‬
‫مجتمعه‪ ،‬وذلك ألن هذا المجتهد لم يدرس ه ذه القض ايا وتقييمه لها ال‬
‫يزيد على تقييم مثقف عادي ‪.‬‬
‫ع دم ش يوع مؤسس ات لالجته اد الفقهي الجم اعي – كمجمع الفقه‬ ‫‪-4‬‬
‫اإلس المي مثالً وال تي تغطي العجز الن اتج في إع داد الك وادر الفقهية‬
‫وذلك بما تنتجه من انض مام مختص ين في مج االت العل وم المختلف ة‪،‬‬
‫يوضحون حقائق القض ايا المعروضة لالجته اد وبص ورة علمية دقيق ة‪،‬‬
‫وتتحقق من خاللهم ومن الفقهاء معهم شوري االجتهاد الفقهي ال تي نحن‬
‫في أمس الحاجة إليها في عالمنا المعاصر‪.‬‬
‫نخلص من ذلك كله إلى أن االجتهاد الفقهي المعاصر في مجال البيئة ال‬ ‫‪-5‬‬
‫يتناسب مع حجم التحديات الكبرى ال تي تحتويها البيئة المعاص رة وأننا‬
‫بحاجة إلى التأكيد على أننا ق ادرون على ه ذا االجته اد بما نملكه من‬
‫قاعدة نصية واسعة يحتويها كتاب اهلل وسنة رسوله ‪ ‬وتراثنا الحض اري‪،‬‬
‫والحاجة فقط إلى تط وير مناهجنا بما يمكننا من النظر في المش كالت‬
‫المعاصرة بعلمية وسعة أفق ‪.‬‬
‫ولعله من المناسب أن أشير هنا إلى أمرين مهمين يكمالن جهود الفقهاء‬
‫في معالجة قضايا البيئة وهما ‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬أن هناك جهوداً كب يرة ق ام بها ع دد من األطب اء والعلم اء‬
‫المسلمين إليضاح كثير من المش كالت البيئية خاصة من حيث التل وث البي ئي‬
‫وأسبابه ونتائجه ‪ ،‬واألوبئة وما تحتاجه من معالجات وقائية وعالجية‪ ،‬ون ذكر‬
‫على سبيل المثال الكندي ورس الته في األدوية المش فية من ال روائح المؤذية ‪،‬‬
‫وابن سينا وحديثه عن تلوث المياه بشكل ع ام ‪ ،‬وال رازي وحديثه عن ع دد من‬
‫األوبئة ‪ ،‬وابن م روان األندلسي وبيانه لموض وع فس اد اله واء ‪ ،‬والمط ران‬
‫الدمشقي وتأكيده على ضرورة مراعاة ت أثير البيئة في الم رض ‪ ،‬ومحمد بن‬
‫احمد التميمي وكتابه الكامل عن التل وث ‪ ،‬ون ذكر أيض اً الزه راوي وبيانه‬
‫للعالقة بين المستنقعات وانتشار األوبئة ‪ ،‬وابن خلدون واعتب اره إفس اد اله واء‬
‫من أسباب كثرة الوفاة ‪ ،‬وأختم هذه األمثلة بابن القيم والفصل الذي عق ده عن‬
‫الطاعون وكيفية التعامل معه وفق الهدي النبوي ودور تلوث الهواء في وجوده‬
‫حيث يق ول ‪" :‬إن فس اد اله واء ج زء من أج زاء الس بب الت ام والعلة الفاعلة‬
‫للطاعون وأن فس اد ج وهر اله واء الم وجب لح دوث الوب اء ‪ ،‬وفس اده يك ون‬
‫الستمالة جوهره إلى الرداءة ‪ ،‬لغلبة إحدى الكيفي ات عليه ‪ ،‬كالعفونة ‪ ،‬والنتن ‪،‬‬
‫والسمية في أي وقت كان من أوقات السنة وإن ك ان أك ثر حدوثه في أواخر‬
‫فصل الصيف وفي الخريف غالب اً ‪ ،‬لك ثرة اجتم اع الفض الت المرارية الح ادة‬
‫وغيرها في فصل الص يف وع دم تحللها في آخ ره ‪ ،‬وفي الخريف ل برد الجو‬
‫وردغة األبخ رة والفض الت ال تي ك انت تتحلل في زمن الص يف فتنحص ر‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫تعداً‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫فتسخن‪ ،‬وتعفن‪ ،‬فتحدث األمراض العفنة‪ ،‬وال سيما إذا ص ادفت الب دن مس‬
‫قابالً‪ ،‬رهِالً‪ ،‬قليل الحركة‪ ،‬كثيرَ المواد‪ ،‬فهذا ال يكاد يُفْلِت مِن العطب" ‪.‬‬
‫وهكذا نجد أن التراث اإلسالمي احتوى مساهمات كبيرة لعلم اء المس لمين‬
‫فقهاء وأطباء ومفك رين ق دموا من خاللها الكث ير من المعالج ات الفقهية في‬
‫كتب ورسائل وأبواب نذكر منها على سبيل المثال ‪ :‬األدوية للكندي‪ ،‬والتيسير‬
‫في الم داواة والت دبير ألبي م روان األندلسي ‪ ،‬والذريعة إلى مك ارم الش ريعة‬
‫لألصفهاني ‪ ،‬واألبخرة المصلحة للجو من األوبئة للكندي ‪ ،‬واألش باه والنظ ائر‬
‫للس يوطي ‪ ،‬والحي وان للجاحظ ‪ ،‬والمقدمة الين خل دون ‪ ،‬والق انون في الطب‬
‫البن س ينا ‪ ،‬والحيلة في دفع مض ار األب دان البن رض وان ‪.. ،‬الخ تلك القائمة‬
‫الطويلة من المؤلف ات المتخصصة في ه ذا الموض وع أو تلك ال تي احت وت‬
‫إشارات عارضة في مسائل ذات عالقة بموضوعات عامة ‪.‬‬
‫األمر الثاني ‪:‬ـ نظام الحسبة في اإلسالم ودوره في معالجة القضايا البيئية‬
‫‪.‬‬
‫الحسبة نظام إسالمي رقابي يعتمد على األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬
‫وإسداء النصح لمختلف شرائح المجتمع في كل القضايا التي لها عالقة بسالمة‬
‫المجتمع وأمنه ‪ ،‬والمحتسب هو الرقيب الذي يتابع سير التعامل بين الن اس في‬
‫أسواقهم ومصانعهم ودور عبادتهم ومساكنهم وطرقاتهم ‪ ،‬وهو ع ارف بأحك ام‬
‫الشريعة قاصداً في حسبته وجه اهلل تعالى ‪ ،‬ملتزم بما يأمر به ‪ ،‬متواضع مت ودد‬
‫ومتقرب من الناس لين القول ‪ ،‬طلق الوجه ‪ ،‬حسن الخلق ‪ ،‬وقد عرفت للمحتسب‬
‫تدخالت كثيرة في شؤون المجتمع منها الكثير مما يتعلق بالبيئة ‪ ،‬ن ذكر منه‬
‫التالي ‪:‬ـ‬
‫ففي الطرقات يتدخل المحتسب لمنع الس كان من إض رار الس الكين بمي اه‬
‫األمطار الساقطة من الحيطان ‪ ،‬ومنع مجاري األوس اخ الخارجة من ال دور في‬
‫زمن الصيف ‪ ،‬ويتدخل المحتسب في مراقبة صانعي الدقيق بأمرهم بغربلة الغلة‬
‫من التراب وتنظيفها من الغب ار قبل طحنها ‪ ،‬وي أمر الخب ازين بفتح منافذ في‬
‫سقوف األفران لئال يضر الن اس ببقائه في الخ بز ‪ ،‬وأن يهتم الخب از بتنظيف‬
‫الفرن قبل استعماله ‪ ،‬ويدقق على الخبازين في نظافة األوعية وتغطية الخ بز ‪،‬‬
‫ويهتم بنظافة الخب از ويمنعه من ممارسة مهنته إذا لم يقم بتغطية ش عره‬
‫وتنظيف جسمه ‪ ،‬ويم ارس المحتسب دوره في منع محالت األطعمة والص يادلة‬
‫والعطارين وغيرهم من ممارسة الغش في ص نائعهم وما ي ترتب على ذلك من‬
‫ضرر بأجسام الناس ‪ ،‬كما أنه يتدخل في توجيه أصحاب الحمام ات إلى تنظيف‬

‫ابن القيم ‪/‬الطب النبوي تحقيق‪ /‬د‪.‬عبد المعطي قلعجي‪ /‬دار الوعي حلب‪/‬ط‬ ‫‪1‬‬

‫‪/14‬محرم‪.141/‬‬
‫‪23‬‬
‫المياه واألحواض واألواني كل مس اء لمنع ما يلحقها من تل وث قد ي ؤدى إلى‬
‫انتقال العدوى بين الناس ‪.‬‬
‫وهكذا عمل نظام الحسبة في اإلس الم على وقاية المجتمع من كث ير من‬
‫مظاهر الفساد التي تنتج عن أنانية األفراد أو جهلهم وتسبب في تلويث البيئة أو‬
‫نشر األمراض ‪ ،‬وقد أدى ه ذا النظ ام دوراً مهم اً في توجيه المجتمع وض بط‬
‫سلوكياته بمنطق الشرع واألخالق أوال ثم بمنطق القانون ثانياً حيث كان هذا‬
‫النظام مدعوما من السلطة الحاكمة في المجتمع‪. 1‬‬
‫اإلسالم في مواجهة مشكلة العصر‪:‬‬
‫التلوث‬
‫لعل ني قد أش رت في ثنايا ه ذا البحث إلى نعم اهلل س بحانه وتع الى على‬
‫اإلنسان بتكريمه له وجعله خليفته في األرض وتسخير اهلل كل ما في هذا الكون‬
‫ليستغله ويستفيد منه في تحقيق خالفته وفي العمل على ض مان حي اة أخروية‬
‫سعيدة ‪ ،‬وقد تناولت آيات القرآن الكريم شرحاً مفصالً لمخلوقات اهلل الكث يرة‬
‫والعظيمة التي سخرها لخدمة اإلنسان وتكفلت سنة الرس ول ‪ ‬ش رح وتفص يل‬
‫الكثير من هذه النعم ‪ ،‬ونبه القرآن الكريم والرس ول ‪ ‬على أن ه ذا االس تغالل‬
‫اإلنساني لمصادر الطبيعة ومكوناتها قد يتحول الى تدمير لهذه المصادر وإفساد‬
‫لها إن لم ي راع اإلنس ان فيها أوامر اهلل ونواهيه وذلك حين تتحكم فيه الغرائز‬
‫والشهوات ويضعف اإليمان في قلبه وتهتز المع ايير األخالقية واإلنس انية ال تي‬
‫أمر اإلنسان بمراعاتها ‪ " :‬ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَ بَتْ‬
‫أَيْدِي النَّاسِ"‪ 2‬ولقد تنبأت المالئكة بإمكانية إفساد اإلنسان حين ق الت " وَإِذْ‬
‫قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَ الُوا أَتَجْعَ لُ‬
‫فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ "‪ 3‬ولكن إرادة اهلل سبحانه وتع الى‬
‫اقتضت ذلك لحكمة يعلمها حيث قال تعالى " إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ "‪. 4‬‬
‫لقد بدأ اإلنسان في استغالل المصادر الطبيعية منذ بدء الخليقة وح اول أن‬
‫يسخرها لمعيشته بدرجات تتناسب وطبيعة الظروف التي ع اش فيها ‪ ،‬وتوس عت‬
‫طموحاته في اكتشاف هذا الكون براً وبحراً وجواً بمرور الزمن وبتقدم العلم‬
‫لديه حتى وصلنا إلى عالم اليوم الذي استطاع فيه اإلنسان استغالل كل شيء في‬
‫أعم اق البح ار أو في مجاهل الفض اء أو في ب اطن األرض ‪ ،‬ووص لنا إلى ه ذه‬
‫الحالة واإلنس ان قد تح رر كث يراً من س يطرة النزعة اإلنس انية واستس لم‬
‫لنوازعه الفردية ‪ ،‬وتح رر من قي ود الض وابط األخالقية وتح ول إلى عبد‬

‫الشيرزي‪/‬نهاية الرتبة في طلب الحسبة ‪/‬دار الثقافة ‪/‬بيروت ‪ /‬تحقيق د‪ .‬السيد‬ ‫‪1‬‬

‫العريني ‪/‬ط‪.2/1981‬‬
‫سورة الروم اآلية ‪.41‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة البقرة اآلية ‪.30‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة البقرة اآلية ‪.30‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪24‬‬
‫للشهوات والمصالح اإلنسانية ‪ ،‬وتحرر من كثير من االلتزام بالتوجيهات اإللهية‬
‫في تم رد واضح على الرس االت وتوجيهاتها وأص بح عب داً للم ذاهب المادية‬
‫واإللحادية ‪ ،‬وظهر أثر ذلك واض حاً في مظ اهر البيئة ومكوناتها مما جعل‬
‫العالم المعاصر يواجه مشكالت التلوث التي تهدد مستقبل الحياة البشرية بأسرها‬
‫‪.‬‬
‫لقد عرف التلوث بتعريف ات كث يرة تش ير معظمها إلى انه التغ ير ال ذي‬
‫يحدثه اإلنسان في المكونات البيئية فيحولها من مكونات مفيدة إلى أخرى ضارة‬
‫مما يفقدها خاصيتها الطبيعية ويحرم اإلنسان من االس تمتاع بها ويجعلها ته دد‬
‫وجوده ‪ ،‬ويحدث ذلك في الماء والهواء والتربة والنبات وفي أعماق البحار وفي‬
‫طبقات الجو العليا ‪......‬الخ ‪ ،‬ولقد تكفلت كتب وأبحاث كثيرة تن اولت أن واع‬
‫التل وث ونتائجه وأقيمت م ؤتمرات محلية ودولية لمعالجة آث اره بل وتك ونت‬
‫جمعيات ومنظمات دولية لمحاربته وتحذير البشرية من خطورته ‪.‬‬
‫ولعل سعة البحث في ه ذه المش كلة وش دة تعقي داتها وض خامة ما كتب‬
‫حولها ‪ ،‬وكثرة المهتمين بها وتوزعهم في كل مكان من العالم ‪ ،‬يجعل ني أقفز‬
‫فوق كل ذلك ألبين أن التلوث نتج عن سببين رئيسيين كما أتصور ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬األنانية الفردية لإلنسان وجهله بما ينتج عن تصرفاته ‪ ،‬وه ذه ربما‬
‫تكون مضارها أقل خطورة من السبب الثاني ‪ ،‬فاإلنس ان في س بيل تحقيق معاشه‬
‫الي ومي اض طر أحيانا إلى قطع األش جار وحرقها ‪ ،‬والى ص يد الحيوان ات‬
‫واالستمتاع بها ‪ ،‬والى استغالل مصادر المي اه س قاية ونظافة له ولحيواناته إلى‬
‫غير ذلك من األعمال التي كانت سبباً في إهدار الكث ير من الم وارد الطبيعية‬
‫ولكنه كان جزئياً وبسيطاً لم يصل إلى مستوى التلوث الحقيقي ال ذي أحدثته‬
‫مجتمعات بكاملها في عصور متأخرة‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ظهور النزعات التسلطية لدى بعض المجتمع ات البش رية مما أدى‬
‫بها إلى غزو مجتمعات أخ رى بح روب م دمرة نتج عنها الكث ير من الملوث ات‬
‫البيئية سواء كان بتدمير موارد بيئية أو اس تغاللها اس تغالالً س يئاً ولعلي هنا‬
‫سأركز على ظاهرة الحروب في تاريخ البش رية وما نتج عنها من مض ار بيئية‬
‫ك ان اإلنس ان فيها متح رراً من إنس انيته ومنفلت اً من كل القي ود الدينية‬
‫واألخالقية فأضر بالبيئة والكون وما عليه من إنسان وحيوان ونب ات ومن ذلك‬
‫األمثلة التالية ‪:‬‬
‫في مواجهة االنجليز مع روسيا استخدموا طريقة إلق اء الجثث في اآلب ار‬ ‫‪-1‬‬
‫لتتلوث وتتحول إلى مصادر فناء للجيش المضاد ‪.‬‬
‫استخدم الفرنسيون في احتاللهم ألمريكا الشمالية وكن دا وس يلة توزيع‬ ‫‪-2‬‬
‫األغطية الملوثة بداء الجدري إلفناء الهنود الجمر ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫استخدم األلمان نشر حمى الكربون في الحرب العالمية األولى في قطع ان‬ ‫‪-3‬‬
‫الماشية في األرجنتين لتحويلها إلى مصادر لنشر داء الجم رة الخبيثة في‬
‫األعداء ‪.‬‬
‫ألقت القاذفات البريطانية س نة ‪1943‬مس يحي ‪ 2417‬طن اً من القنابل‬ ‫‪-4‬‬
‫المحرقة على مدينة هامبرغ بألمانيا مما سبب في حرائق غطت مس احات‬
‫شاسعة وأدت إلى ارتفاع الحرارة إلى ‪ 1450‬درجة فهرنهايت ‪.‬‬
‫ألقت القاذف ات األمريكية قنابلها النووية على هيروش يما وناج ازاكي‬ ‫‪-5‬‬
‫فخلفت دماراً بشرياً وبيئياً الزالت آثاره حتى اآلن ‪.‬‬
‫العدوان اإلسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني أدى إلى دمار بيئي ال‬ ‫‪-6‬‬
‫مثيل له حيث يعمل الصهاينة ليل نهار على تلويث مصادر المي اه وحقنها‬
‫بأمراض فيروسية ذات أثر كبير في نمو األجيال القادمة ‪.‬‬
‫ما شهدته الساحتين العراقية واألفغانية من تدمير بشري وبي ئي كب ير‬ ‫‪-7‬‬
‫في الح روب ال تي مارس تها وال ت زال الوالي ات المتح دة األمريكية‬
‫وحلفاؤها والتي أدت إلى قطع ماليين األشجار مما أدى إلى تدمير ث روة‬
‫النخيل العراقية وتلويث مياه األنهار وقذف البشر ب اليورانيوم المخصب‬
‫والذي سيصيب األجيال القادمة بتشوهات يصعب تصورها‪.‬‬
‫إن هذه األمثلة وغيرها من األمثلة الكثيرة التي تعم دت ع دم الخ وض في‬
‫تفصيالتها خشية اإلطالة إنما تدل على وجود انحراف في مس يرة البش رية أدى‬
‫إلى طغيان وفساد كبير مارسته كثير من المجتمعات البش رية بحجج مختلفة‬
‫أدت بها إلى التخلي عن إنس انيتها وأخالقياتها في مقابل إرض اء النزع ات‬
‫السلطوية وتحقيق المصالح االقتصادية من اجل سلب خيرات الشعوب واالعت داء‬
‫على ثرواتها ‪.‬‬
‫وهنا يجب أن نذكر أن عظمة مبادئ اإلس الم ‪ ،‬ال تي اس تطاعت أن تض بط‬
‫سلوك المسلمين حتى في حالة الحرب التي مارس ها المس لمون ألس باب تتعلق‬
‫بالمحافظة على اإلنس ان وال دفاع عن دينه وقيمه وحض ارته ‪ ،‬فها هو اب وبكر‬
‫الصديق ‪ ‬يوجه جنده إلى أخالقيات الحرب وهو يجه زهم الى مواجهة ع دوهم‬
‫في إحدى المعارك فيقول ‪ ":‬يأيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها ع ني ‪:‬‬
‫ال تخونوا وال تغلوا وال تغدروا وال تمثلوا وال تقتلوا طفالً ص غيراً وال ش يخاً‬
‫كبيراً وال امرأة وال تعقروا نخالً وال تحرقوه ‪ ،‬وال تقطعوا شجرة مثم رة وال‬
‫تذبحوا شاة وال بقرة وال بعيراً إال لمأكلة وس وف تم رون ب أقوام قد فرغ وا‬
‫أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له "‪ 1‬ه ذه هي أخالق اإلس الم‬

‫محمد بن جرير ‪ /‬تاريخ الطبري ‪ /‬تحقيق محمد أبو الفضل ‪ /‬ط‪ 2‬ج‪ /2‬دار‬ ‫‪1‬‬

‫المعارف ‪ /‬ص ‪.227-226‬‬


‫‪26‬‬
‫في الح رب نهى عن اإلفس اد في األرض تطبيق اً لقوله تع ‪2‬الى ‪ " :‬وَلَا تَبْ غِ‬
‫الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " ‪.‬‬
‫أما في حالة السلم فال ضرر وال ضرار ‪ ،‬والضرر يزال ‪ ،‬والنهي عن اإلي ذاء‬
‫للغير وإتباع الهوى ‪ ،‬والنهي عن الغلو واإلسراف في اس تعمال الم اء والنهي عن‬
‫تلويثه ‪ ،‬والنهي عن إيذاء الحي وان إال لمنفعة أحلها اهلل ‪ ،‬والنظافة مظهر يتجلى‬
‫في كل يوم خمس مرات جسداً وثوباً ومسكناً وش ارعاً ‪ ،‬وقد ق دمت ال دالئل‬
‫الكثيرة من النصوص قرآناً وسنة ما يؤكد ذلك ‪ ،‬ومن هذا المنطلق فإني أقول‬
‫ب اعتزاز إن اإلس الم هو الرس الة ال تي تص لح أن تك ون دواء ألم راض العصر‬
‫المختلفة وفي مقدمتها المشكالت البيئية ‪ ،‬فمتى ما عرف العالم هذه المعالجات‬
‫القرآنية استطاع أن يتعرف على حقيقة اإلسالم وصالحيته للحياة البشرية ديناً‬
‫يخلصها من جميع أمراضها ومشكالتها‪.‬‬
‫إن الع الم المعاصر وهو يواجه خطر التل وث البي ئي والت دمير المتعمد‬
‫المعاصر للمص ادر الطبيعية قد اتجه إلى سن الق وانين والمعاه دات اإلقليمية‬
‫والدولية التي تجرم وتحرم اإلضرار بالبيئة في شتى مكوناتها وت دعوا ال دول‬
‫إلى التكاتف من اجل حماية البيئة والموارد الطبيعية ‪ ،‬ولكن ذلك غير مفيد في‬
‫كثير من األحيان نظراً الصطدامه بمصالح الدول واألفراد التي ال تقيم وزن اً‬
‫له ذه المعاه دات إما بتجاهلها أو االنس حاب منها كما فعلت أمريكا بمعاه دة‬
‫كيوتو ‪ ،‬وهذا األمر أدى إلى تفاقم وأخطار التلوث وتدمير المصادر الطبيعية ‪،‬‬
‫فاإلشعاع النووي وما يخلفه من آثار مدمرة الزال يهدد البش رية بفعل إص رار‬
‫الدول الكبرى على امتالك التقنية النووية واستعمالها بالصورة التي تتناسب مع‬
‫مصالحها حتى ولو أدى ذلك إلى اإلضرار بالشعوب كما هو الحال في موضوع‬
‫التخلص من النفاي ات الذرية ‪ ،‬وك ذلك إح راق الغاب ات وتحويل األراضي‬
‫والمساحات الخضراء إلى مستوطنات متعددة األغراض الزال خطراً يهدد الحياة‬
‫على هذه األرض لم تفلح القوانين في كبح جماحه ‪ ،‬أما الخطر األك بر ال ذي‬
‫يتمثل في تدمير طبقة األوزون بفعل التلوث الجوي الناتج من تصاعد النفاي ات‬
‫المختلفة وهذه المشكلة األعقد التي بدأت البشرية تواجه أخطارها والذي يعتقد‬
‫العلماء أنه يمثل نهاية الحياة على هذه األرض ‪ ،‬وهذا الموضوع على ال رغم من‬
‫خطورته إال أن الق وانين الدولية لم تفلح في معالجة أس بابه نظ راً الن ذلك‬
‫يتطلب تضحيات كبيرة من الدول مجتمعة والكبرى منها بشكل خاص ‪ ،‬ولذلك‬
‫ف إني أق ول إن الض وابط الدينية واألخالقية هي الكفيل بتوجيه الش عوب إلى‬
‫المحافظة على بيئتها ‪ ،‬ول ذلك س ارعت بعض المنظم ات إلى دع وة الق ادة‬
‫الدينيين لاللتق اء والتب احث ح ول دور ال ديانات في معالجة أخط ار التل وث‬
‫والفساد البيئي ‪ ،‬وهذا يدل على خطورة العامل الديني في معالجة هذه المشكلة ‪،‬‬
‫ولكن الدول الصناعية ال يروق لها ذلك فهي تهتم بمصالحها االقتصادية فق ط‪،‬‬

‫سورة القصص اآلية ‪.77‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪27‬‬
‫ولذلك يضعف دور القيادات الدينية لعدم القدرة على مواجهة أص حاب الق رار‬
‫السياسي وهو األمر الذي يعقد المشكلة ويزيدها تفاقماً‪.‬‬
‫إننا ندعوا رجال األديان جميعاً وفي مقدمتهم علماء المس لمين أن يهتم وا‬
‫بالتوعية الدينية في هذا المجال في خطبهم ومواعظهم ومحاضراتهم ‪ ،‬ون دعوا‬
‫المسئولين عن التعليم في بالدنا وفي العالم أجمع أن ي دخلوا الثقافة البيئية في‬
‫مناهج التعليم من المراحل الدراسية األولى ‪ ،‬وذلك ح تى نض من تك وين جيل‬
‫يتشرب ثقافة المحافظة على البيئة منذ الصغر ‪ ،‬ويتفهم أخطار ع دم المحافظة‬
‫عليها ‪ ،‬فالتعويل على األجيال القادمة هو ص مام األم ان ‪ ،‬وال وعي بالمش كالت‬
‫البيئية منذ الصغر كفيل بتقويم السلوك البشري نحو البيئة ‪.‬‬
‫وختاماً لهذه الورقة فإني اقترح التوصيات التالية ‪:‬‬
‫تق ديم الرؤية اإلس المية لمش كالت البيئية إلى الع الم اآلخر وذلك عن‬ ‫‪-1‬‬
‫طريق ترجمة األعمال الرائدة في هذا المجال إلى اللغات العالمية ليتعرف‬
‫العالم على هذه الرؤية التي هي تع الج أس اس المش كالت البيئية وتق دم‬
‫حلوالً ناجحة لها ‪.‬‬
‫نشر ثقافة المحافظة على البيئة لدى الناش ئة وذلك عن طريق تض مين‬ ‫‪-2‬‬
‫المناهج الدراسية في المدارس والجامعات موضوعات تع رف بالمش كالت‬
‫البيئية وطرق الوقاية منها ‪.‬‬
‫التأكيد على دور المنظمات والهيئات المدنية في رفع درجة الوعي البيئي‬ ‫‪-3‬‬
‫ودفع الناس للمساهمة في المحافظة على البيئة ‪.‬‬
‫تدريس مواد علمية في كلي ات الش ريعة تس اعد المتخ رج منها في فهم‬ ‫‪-4‬‬
‫الوقائع البيئية والحكم على قضاياها بصورة علمية ‪.‬‬
‫المس اهمة في تفعيل دور االتفاقي ات الدولية وحشد الجه ود على كافة‬ ‫‪-5‬‬
‫المستويات لتنفيذ بنودها‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‬

‫أ‪.‬د محمد فتح هللا الزيادي‬


‫عميد كلية الدعوة اإلسالمية‬

‫‪28‬‬

You might also like