Professional Documents
Culture Documents
حكم التصوير الفوتوغرافي PDF
حكم التصوير الفوتوغرافي PDF
ws
مت إعداد هذا امللف آليا بواسطة املكتبة الشاملة
أتليف
وليد بن راشد السعيدان
اعتىن به وخرج أحاديثة
سامل بن انصر القريين
إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ،ونعوذ ابهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
،من يهده هللا فال مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له
،وأشهد أن حممداً عبده ورسوله صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثرياَ أما بعد - :
فإن من املسائل اليت كثر النزاع فيها يف هذه األزمنة مسألة " التصوير الفوتوغرايف " وذلك أن بعض
العلماء رفع هللا له الدرجة ،وأجزل له األجر واملثوبة ،وغفر مليتهم ،وثبت أحياءهم قد اختار –
اجتهاداً – جوازه أبدلة ذكرها .وهو ما اختار ذلك إال بعد بذل الوسع والطاقة يف النظر يف األدلة ،
وقد تقرر يف القواعد أن من بذل ما يف وسعه فإنه يكتب له – فضالً – متام سعيه ،وأن اجملتهد دائر
بني األجرين أو األجر ،فلله َد ُّر هذه الشريعة ،ما أعدهلا ،وما أعظم شأهنا ،فرحم هللا العلماء رمحة
واسعة ،ورفع نزهلم ،فكم هلم من األثر الطيب علينا ،إال أنه ينبغي التنبيه على أن الكمال املطلق
هلل تعاىل ،وللبشر مطلق الكمال ،وفوق كل ذي علم عليم ،واحلق يقبل ممن جاء به ،والباطل يرد
ممن جاء به ،والرجال يوزنون مبا معهم من احلق ،ال أن احلق يوزن ابلرجال ،واحلر تكفيه اإلشارة ،
وسواه يدعى ابلنداء العايل .
وإن هذه املسألة اليت حنن بصدد شرحها هي مما جاءت به الشريعة ابلبيان الواضح ،والنص اجللي ،
وهللا أعلم .
( فصل )
()1/1
وقد دلت الشريعة على وجوب رد األمر املتنازع فيه إىل الكتاب والسنة ملعرفة احلق ،فقال تعاىل {
از ْعتم ِيف َشي ٍء فَردُّوه إِ َىل َِّ ِ اَّلل وأ ِ ِ َّ ِ
اَّلل ْ ُ ُ ول َوأ ُْوِيل األ َْم ِر م ْن ُك ْم فَِإ ْن تَ نَ َ ُ ْالر ُس َ
َطي ُعوا َّ يعوا ََّ َآمنُوا أَط ُ ين َ ََي أَيُّ َها الذ َ
َّلل والْي وِم ِ
اآلخ ِر ذَلِ َ ِ ِ الر ُس ِ
س ُن َأتْ ِويالً } سورة النساء [ آية ] 59 : َح َ
ك َخ ْريٌ َوأ ْ ول إِ ْن ُكنتُ ْم تُ ْؤمنُو َن ِاب َّ َ َ ْ َو َّ
.
والكالم عليها من وجوه - :
از ْعتُ ْم } هذا شرط وقوله { ِيف َش ْي ٍء } نكرة وقد تقرر يف األصول أن النكرة يف
األول :قوله { فَِإ ْن تَنَ َ
سياق الشرط تعم ،فهذا يقضي أبن أي مسألة تنازعنا فيها فإننا مأمورون بردها إىل الكتاب والسنة ،
ومن أخرج مسألة من املسائل وقال ال نردها للكتاب والسنة ،فقد أخرجنا من هذا العموم ،وقد
تقرر يف القواعد أن األصل هو البقاء على العموم حىت يرد الناقل .
الثاين :يف قوله { فَ ُردُّوهُ } فإن هذا صيغة أم ٍر ،وقد تقرر يف األصول أن األمر املطلق عن القرائن
يفيد الوجوب إال بقرينة صارفة ،وال قرينة هنا ،فالواجب هو البقاء على األصل ويف ذلك دليل
على وجوب هذا الرد ،فليس هو أمراً اختيارَيً إن شئت فرد ،وإن شئت فال ترد ،فإن هذا هو
حمض اهلوى ،والعياذ ابهلل ،وهللا أعلم .
َّلل والْي وِم ِ
ِ ِ
اآلخ ِر } فعلق اإلميان هبذا الرد ،وقد تقرر يف القواعد الثالث :قوله { إِ ْن ُكنتُ ْم تُ ْؤمنُو َن ِاب َّ َ َ ْ
أن كل فعل نفى هللا اإلميان عن فاعله فلحرمته ،وكل فعل نفي هللا اإلميان عن اتركه فلوجوبه ،فدل
ك الذلك على أنه ال يتحقق كمال اإلميان الواجب إال هبذا الرد ،ويؤيده قوله تعاىل { فَال َوَربِ َ
يما }ِ ت وي ِ
سل ُموا تَ ْسل ً يما َش َج َر بَ ْي نَ ُه ْم ُُثَّ ال ََِي ُدوا ِيف أَن ُف ِس ِه ْم َح َر ًجا ِممَّا قَ َ
ض ْي َ َ ُ َ
ي ْؤِمنُو َن ح َّىت ُُي ِكم َ ِ
وك ف َ َ َ ُ ُ
سورة النساء [ آية . ] 65 :
()2/1
فقضية رد األمور املتنازع فيها إىل هللا ورسوله -صلى هللا عليه وسلم -قضية فاصلة بني املؤمنني
واملنافقني ،فإن املنافقني ال يريدون التحاكم إىل هللا ورسوله ،وإن زعموا أهنم آمنوا مبا أنزل إىل النيب
-صلى هللا عليه وسلم ، -وما أنزل من قبله ،وإمنا هم يريدون أن يتحاكموا إىل الطاغوت ،كما
قال تعاىل فاضحاً مقاصدهم ،ومظهراً خفاَي نفوسهم ،وخبث ما انطوت عليه قلوهبم { أََملْ تَ َر إِ َىل
ك ي ِري ُدو َن أَ ْن ي تَحا َكموا إِ َىل الطَّاغُ ِ ِ ِ َّ ِ
وت َوقَ ْد َ َ ُ ك َوَما أُن ِز َل م ْن قَ ْبل َ ُ ين يَ ْز ُع ُمو َن أ ََّهنُ ْم َ
آمنُوا ِمبَا أُن ِز َل إِلَْي َ الذ َ
اَّللُ َوإِ َىل
يل َهلُ ْم تَ َعالَ ْوا إِ َىل َما أَ َنز َل َّ ِ ِ ِ
ضالالً بَعي ًدا * َوإذَا ق َ ضلَّ ُه ْم َ الش ْيطَا ُن أَ ْن ي ِ
ُ أ ُِم ُروا أَ ْن يَ ْك ُف ُروا بِ ِه َويُ ِري ُد َّ
ودا } سورة النساء [ اآليتان . ] 60،61 : ص ُد ً ِِ الر ُس ِ
ك ُ صدُّو َن َع ْن َ ني يَ ُ
ت ال ُْمنَافق َ ول َرأَيْ َ َّ
الر ُس ِ از ْعتم ِيف َشي ٍء فَردُّوه إِ َىل َِّ
ول } .وحقيقة اَّلل َو َّ ْ ُ ُ فحقيقة اإلميان هو يف قوله تعاىل { :فَِإ ْن تَنَ َ ُ ْ
وت } . النفاق هي يف قوله { ي ِري ُدو َن أَ ْن ي تَحا َكموا إِ َىل الطَّاغُ ِ
َ َ ُ ُ
فأي الفريقني أحب إليك ؟ فإن هللا هو الغين احلميد ،وحنن الفقراء إليه جل وعال ،فلما ثبت
وجوب الرد إىل الكتاب والسنة علمنا يقيناً أن فيها األمر الفاصل فيما تنازعنا فيه ،وهللا أعلم .
واملقصود أن مسألة التصوير الفوتوغرايف من هذه املسائل اليت َيب أن ترد للكتاب والسنة حىت
يعرف حكم هللا فيها .
س ُن َأتْ ِويالً } .فهذا فيه إخبار أبن هذا الرد هو اخلري كل
َح َ
ري َوأ ْ الرابع :يف قوله تعاىل { ذَلِ َ
ك َخ ٌْ
اخلري ،والسالمة كل السالمة ،وهو أحسن عاقبة ،وهذا أمر حمسوس جمرب ،فإن الضالل إمنا هو
يف اتباع السبل املعوجة املخالفة للصراط املستقيم ،واملنهج القومي .
()3/1
وهذه املسألة اليت حنن بصدد الكالم عليها إن كنا نريد اخلري وحسن العاقبة فيها ،فلنردها للكتاب
والسنة .
وفقنا هللا وإَيك لكل خري ،وجعل عواقبنا آيلة إىل خري ونسأله جل وعال أن يبصران ابحلق ،ويوفقنا
التباعه ،إنه خري مسئول وهو حسبنا ونعم الوكيل ،وهللا أعلم .
وقد أمجع العلماء – رمحهم هللا تعاىل – على أن الرد هلل هو الرد لكتابه ،وأن الرد للرسول -صلى
هللا عليه وسلم -هو الرد إليه نفسه يف حياته ،والرد إىل سنته الصحيحة بعد مماته ،وهللا أعلم .
( فصل )
فإن قلت :إن التصوير الفوتوغرايف مل يكن معروفاً يف عهد النيب -صلى هللا عليه وسلم -وال يف
عهد الصحابة ،وال القرون املفضلة ،وال تكلم عليه السلف ،وإمنا هو قضية جديدة ،فكيف تقول
:نردها للكتاب والسنة ؟
فأقول :هذا هو مفرتق الطرق بني أصحاب الفروع ،وأصحاب القواعد واألصول ،فإنين ويف
ٍ
مناسبات كثرية أنبه دائماً أن طلب العلم على طريقة معرفة األصول والقواعد أبدلتها وإجادة التفريع
عليها أهنا هي الطريقة السليمة ؛ ألهنا طريقة القرآن ،وأن حفظ الفروع الفقهية املتناثرة اليت ال
َيمعها أصل ،أو قاعدة ،أو ضابط ،أنه قصور يف الطالب ،فإنك إن أخرجته عن فروعه اليت
حفظها ،فَ غَ َر فاه ،وطأطأ رأسه ،ومل أيت فيها بشيء ،وهذا قصور واضح ،وأما من طلب
األصول والقواعد ،وحفظها وعرف أدلتها ،وأجاد التفريع عليها ،فإنه ال يقف يف وجهه – بتوفيق
هللا وفضله – شيء من الوقائع اجلديدة ؛ ألن األصول معه .
فنصيحيت لطالب العلم أن ُيرصوا على القواعد األصولية احلرص الكامل ،فبقواعد األصول نيل
املأمول ،فاهلل هللا ب " ختريج الفروع على األصول " لإلمام الزجناين ،و " التمهيد يف ختريج الفروع
على األصول " لإلمام األسنوي ،و " القواعد والفوائد " لإلمام ابن اللحام .
()4/1
وأن علم األصول يف الدَير النجدية يشكو شيئاً من اهلجر ،وعزوف الطلبة عنه ،وذلك مرجعه
ألسباب ذكرهتا يف كتايب " حترير القواعد وجمموع الفرائد " ٍ
ْت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوأ َْمتَ ْم ُ
ت َعلَْي ُك ْم نِ ْع َم ِيت واملقصود - :أن الشريعة كاملة ؛ لقوله تعاىل { الْيَ ْوَم أَ ْك َمل ُ
الم ِدينًا } سورة املائدة [ آية . ] 3 : يت لَ ُك ُم ا ِإل ْس َ
ض ُور ِ
ََ
اب ِم ْن َش ْي ٍء } سورة األنعام [ آية . ] 38 : وقال تعاىل { ما فَ َّرطْنَا ِيف ال ِ
ْكتَ ِ َ
وقد فسر الكتاب أبنه القرآن ،وفسر أبنه اللوح احملفوظ ،وال تناقض بني القولني ،فيحمل عليهما،
وقد تقرر يف األصول أن اللفظ إذا فسر بتفسريين ال تنايف بينهما محل عليهما .
فقوله { ِم ْن َش ْي ٍء } نكرة جاءت يف سياق النفي ،وقد تقرر يف األصول أن النكرة يف سياق النفي
تعم .فكل شيء ففي القرآن حكمه ،إما نصاً ،وإما تضمناً ،وإما التزاماً .
فالقرآن أعطاان القواعد العامة ،واألصول اجلامعة ،فال خترج مسألة من املسائل عنه ،ويعرف ذلك
من تدبره .
فمسألة التصوير الفوتوغرايف داخلة يف هذا العموم ،فحكمها يف الشريعة واضح جلي ابلدليل
الصحيح الصريح كما سرتاه إن شاء هللا تعاىل وإمنا اإلشكال يقوم يف ذهن اجملتهد الذي ينظر يف
األدلة ،فضالً عن أن بعض اجملتهدين قد يثري من اإلشكاالت والشبه ما يكون مكدراً صفو األدلة .
وعلى كل حال فمسألة التصوير الفوتوغرايف وإن كانت جديدة الوقوع ،إال أهنا قدمية التأصيل ،
فالشريعة صاحلة لكل زمان ومكان ،واملوفق من وفقه هللا تعاىل للعلم النافع والعمل الصاحل .جعلنا
هللا وإَيك منهم ،وهو أعلى وأعلم .
( فصل )
إذا علمت هذا وفهمته فهماً جيداً فإليك التفصيل يف مسألة التصوير الفوتوغرايف ،فأقول وابهلل
التوفيق ،ومنه أستمد الفضل حبسن التحقيق :
اعلم – أرشد هللا لطاعته – أن التصوير ال خيلو من حالتني :
()5/1
إما تصوير شيء ال روح فيه كالشجر واملاء والثمار واجلبال والبيوت وحنوها ،وإما تصوير شيء له
روح كاإلنسان أو احليوان .
فأما األول :فال كالم لنا فيه إذ هو كلمة عموم أهل العلم ،وال أعلم فيه خالفاً ،إال خالفاً شاذاً .
والذي يدل على جواز تصوير ما ال روح فيه عدة أمور:
منها :قوله -صلى هللا عليه وسلم (( -من صور صورة يف الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها
الروح وليس بنافخ ))( . )1فدل ذلك على أن ما ال روح فيه أصالً ال أبس بتصويره ،وإمنا الوعيد
منصب على ما له روح .
ومنها :قوله -صلى هللا عليه وسلم (( -إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال
هلم :أحيوا ما خلقتم ))( . )2فدل ذلك على أن ما ال حياة فيه ال يدخل يف هذا الوعيد ،وإمنا
الوعيد منصب على ما حتله احلياة احليوانية.
ومنها :قول جربيل عليه والصالة السالم للنيب -صلى هللا عليه وسلم (( -فمر برأس التمثال
يقطع فيصري كهيئة الشجرة ))( . )3رواه أبو داود ،وأصله يف مسلم فدل ذلك على أن الصورة
على هيئة الشجرة ال حمظور فيها ،والعلة يف ذلك أهنا ليست بذات روح ،فقسنا عليها مجيع ما ال
روح فيه .
ومنها :أن تصوير ما ال روح فيه ال يؤدي إىل احملظور الذي من أجله حرمت الصورة .
__________
( )1أخرجة البخاري رقم ( ، )5963ومسلم ( )5541من حديث النضر بن أنس .
( )2أخرجة البخاري رقم ( )5951من حديث ابن عمر .
( )3أخرجة أبو داود رقم ( ، )4158والرتمذي رقم ( ، )2806وأصله يف مسلم رقم ()5511
دون قوله :فمر برأس التمثال يقطع فيصري كهيئة الشجرة .
()6/1
ومنها :حديث ابن عباس رضي هللا عنهما أنه جاءه رجل يسأله فقال " :إين رجل أصور هذه الصور
،فأفتين فيها " فقال له :ادن مين ،فدان منه حىت وضع يده على رأسه ،وقال " أنبئك مبا مسعت
من رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم ، -مسعت من رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -يقول ((
كل مصور يف النار َيعل له بكل صورة صورها نفس يعذب هبا يف جهنم )) ُ ،ث قال ابن عباس رضي
هللا عنهما " فإن كنت البد فاعالً فاصنع الشجر وما ال نفس له "( )1متفق عليه .ووجه الشاهد منه
أمران :األول :أنه قال " َيعل له بكل صورة صورها نفس " فدل ذلك على أن الوعيد مقصور
على ما له نفس .
ويبينه الوجه الثاين :وهو قول ابن عباس رضي هللا عنهما " :فاصنع الشجر وما ال نفس له " ،وهو
قول صحايب مل خيالف نصاً ،ومل خيالفه صحايب آخر ،فهو حجة على القول الراجح كما تقرر يف
األصول .
فدلت هذه األدلة على جواز تصوير ما ال روح فيه ،كما هو قول مجاهري أهل العلم وهو اختيار
شيخ اإلسالم أيب العباس ابن تيمية رمحه هللا ،وهللا أعلم .
وأما إذا كانت الصورة ملا له روح فهذا ال خيلو من ثالث حاالت :
احلالة األوىل :إما أن تكون من الصورة اليت هلا ظل ،وذلك كأن أييت اإلنسان إىل حج ٍر مثالً ،أو
زجاج وحنوه ُ ،ث يصيغه على هيئة شيء له روح ،فهذا النوع حمرم ابإلمجاع ٍ
صلصال ،أو ٍ ٍ
خشبة ،أو
فيما أعلم ،وهللا أعلم ،وذلك كما يفعله املشركون أبصنامهم ،فإن أصلها كانت صخوراً ال تشكيل
فيها ُ ،ث أخرجوها على هيئة اآلدميني ،وكما فعله عبَّاد العجل ،فإهنم عمدوا إىل الذهب والفضة
واجلواهر ،فصاغوها على هيئة عجل له خوار ،ففتنوا به أمة الثريان .
فهذا النوع ال يتوقف أحد يف حترميه ،بل هو أساس شرك العامل .
__________
( )1أخرجة البخاري رقم ( ، )2225ومسلم رقم ()5540
()7/1
ففي الصحيح عن ابن عباس رضي هللا عنهما يف قول هللا تعاىل { وقَالُوا ال تَ َذر َّن ِ
آهلَتَ ُك ْم َوال تَ َذ ُر َّن ُ َ
وث َويَ ُعو َق َونَ ْس ًرا } سورة نوح [ آية . ] 23 :قال " :هذه أمساء رجال اعا َوال يَغُ َ
َودًّا َوال ُس َو ً
صاحلني من قوم نوح ،فلما هلكوا أوحى الشيطان إىل قومهم :أن انصبوا إىل جمالسهم اليت كانوا
َيلسون فيها أنصاابً ،ومسوها أبمسائهم ففعلوا ،ومل تعبد ،حىت إذا هلك أولئك ونُسي العلم عبدت
"( . )1وقال ابن جرير :حدثنا ابن محيد قال :حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن حممد بن
قيس :أن يغوث ويعوق ونسراً كانوا قوماً صاحلني من بين آدم ،وكان هلم أتباع يقتدون هبم ،فلما
ماتوا قال أصحاهبم :لو صورانهم كان أشوق لنا إىل العبادة ،فصوروهم ،فلما ماتوا وجاء آخرون
ب إليهم إبليس فقال :إمنا كانوا يعبدوهنم ،وهبم يستسقون املطر ،فعبدوهم "(. )2
َد َّ
ويف الصحيح أيضاً من حديث عائشة رضي هللا عنها أن أم سلمة رضي هللا عنها ذكرت لرسول هللا
-صلى هللا عليه وسلم -كنيسة رأهتا أبرض احلبشة وما فيها من الصور ،فقال عليه الصالة
والسالم (( أولئك إذا مات فيهم الرجل أو العبد الصاحل بنوا على قربه مسجداً ،وصوروا فيه تلك
الصور ،أولئك شرار اخللق عند هللا عز وجل يوم القيامة ))(. )3
قال أبو العباس ابن تيمية رمحه هللا تعاىل " :فهؤالء مجعوا بني فتنتني فتنة القبور ،وفتنة التماثيل "
اه .
قلت :بل وسائر األدلة اآلتية – إن شاء هللا – يدخل فيها هذا النوع دخوالً أولياً ،فال نطيل فيه ،
وذلك لعدم املخالف فيه ،وهللا أعلم .
( فصل )
__________
( )1أخرجة البخاري رقم (. )4940
( )2أخرجة الطربي ( . ) 638/23
( )3أخرجة البخاري رقم ()427و()474و()1341و( ، )3873ومسلم رقم (. )528
()8/1
واحلالة الثانية :ما يسمى اليوم بتصوير الرسم ،وهو أن يعمد اإلنسان إىل ٍ
خرقة ،أو جدا ٍر ،أو
ٍ
ورقة وحنوها ،فريسم بيده صورة من ذوات األرواح ،وهذا النوع من الصور ال ظل له ،فهذا النوع
أيضاً حمرم لكنه أخف حترمياً من النوع قبله ،لكن يشرتكان يف أن كالً منهما حمرم ،والدليل على
حترميه مجيع األدلة اآلتية – إن شاء هللا – يف احلالة الثالثة ،فإنه يدخل فيها دخوالً أولياً .
ومن أدلته النصية :ما رواه مسلم – رمحه هللا – يف صحيحه عن عائشة رضي هللا عنها أهنا قالت :
كان لنا سرت فيه متثال طائر ،وكان الداخل إذا دخل استقبله فقال يل رسول هللا -صلى هللا عليه
وسلم (( -حويل هذا ))(. )1
علي رسول هللا -صلى هللا
ومثله ما يف صحيح البخاري عنها رضي هللا عنها أهنا قالت (( :دخل َّ
عليه وسلم -وقد سرتت سهو ًة يل بقرام فيه متثال فلما رآه هتكه وتلون وجهه ،وقال َي عائشة :
أشد الناس عذاابً يوم القيامة الذي يضاهون خبلق هللا ))( ، )2ومن املعلوم أن هذا التمثال الذي كان
يف القرام مل يكن له ظل ،وإمنا هو مما ُخط ابليد ،وقد فعل به النيب -صلى هللا عليه وسلم -ذلك،
ُث أخرب بوعيد من فعل ذلك ،فهذا يدل على حرمة تصوير ذوات األرواح ابلرسم ابليد .
ومن األدلة النصية أيضاً :أنه -صلى هللا عليه وسلم -ملا فتح هللا عليه مكة دخل الكعبة فرأى
فيها صوراً ،ومن هذه الصور صورة إبراهيم وإمساعيل عليهما السالم ،ومها يستقسمان ابألزالم ،
فقال عليه الصالة والسالم (( :قاتلهم هللا لقد علموا أهنما ما استقسما هبا قط )) رواه هبذا اللفظ
اإلمام أمحد يف مسنده ،وزاد اهليثمي يف اجملمع (( فجعل يبل ثوابً ابملاء وميحو تلك الصور ))(، )3
وصححه األلباين – رمحه هللا تعاىل – وأصله يف الصحيح .
__________
( )1أخرجة مسلم رقم (. )5521
( )2أخرجة البخاري رقم ( ، )5954ومسلم رقم (. )5525
( )3أخرجة أمحد رقم (. )3093
()9/1
فلم يقرها -صلى هللا عليه وسلم -مما يدل على عدم جوازها ،وهي مما رسم ابليد وال ظل هلا ،
وعلى كل حال فهذا النوع حمرم يف قول مجاهري أهل العلم ،وال عربة ابملخالف ،بل وينكر عليه
خالفه هذا ؛ ألن املسألة هنا خالفية قد نصر الدليل الصحيح أحد طرفيها ،وليست هي من
املسائل اليت يسوغ فيها اخلالف – أعين املسائل االجتهادية – ذلك أن املسائل عندان ثالثة أقسام :
مسائل اتفاقية ،ومسائل خالفية ،ومسائل اجتهادية .
فأما األوىل والثانية ،فينكر على املخالف فيها ،وأما الثالثة فال ،وهي املرادة بقول البعض " ال
إنكار يف مسائل اخلالف " فإهنم يعنون هبا القسم الثالث ،وللمسألة موضع آخر .
واملقصود :أن هذا النوع من التصوير حمرم يف قول غالب أهل العلم وهللا أعلم .
( فصل )
احلالة الثالثة :التصوير ابآللة ،وهو املعروف ابلتصوير الفوتوغرايف ،وهو بيت القصيد من هذه
الكتابة فأقول - :
قبل أن نبدأ يف سياق األدلة املبينة حلكمه ينبغي أن ننتبه ألم ٍر مهم جداً وهو أن الصورة الفوتوغرافية
تدخل يف مسمى الصورة لغةً وعرفاً .
فأما تسميتها صورة لغةً فألن الصورة يف اللغة هي الشكل ،والصورة الفوتوغرافية يقال هلا :شكل ،
فإذاً هي صورة لغة .
وأما عرفاً :فألن هذا هو ما تعارف عليه الناس فيما بينهم من غري نكري ،فالكل يطلق على الصورة
الفوتوغرافية " صورة " ويسمي آخذها " مصوراً " ،بل ويقول أهل العرف :ذهبنا للمصور ،فأخذ
لنا صورة ،ويقول أصحاب الدوائر احلكومية يف شروطهم للمقبولني :البد من صورة مشسية أو ملونة
مقاسها كذا يف كذا ،وهذا أمر مشهور معروف ال ينكره – إن شاء هللا أحد . -فثبت بذلك أن
الصورة الفوتوغرافية تدخل يف مسمى الصورة لغة وعرفاً .
فإذا علمت ذلك فاعلم أهنا أيضاً تدخل يف مسمى الصورة شرعاً ،وبيان ذلك أييت يف األدلة إن شاء
هللا تعاىل ،فأقول - :
اختلف العلماء يف هذا النوع من التصوير على قولني :
()10/1
فمنهم من منعها ،وهم األكثر ،وعلى رأسهم مساحة الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ ،ومساحة
الوالد الشيخ عبد العزيز بن ابز ،والشيخ احملدث العالمة حممد بن انصر الدين األلباين ،رمحهم هللا
تعاىل ،وأعال نزهلم ،ومجعنا هبم يف اجلنة ،وهذا القول هو الذي عليه الفتوى يف هذه الدَير
سوء ٍ
وبالء ،ووفق قادهتا لكل خري وصالح ،وسدد السعودية زادها هللا شرفاً ورفعة ،ومحاها من كل ٍ
خطاهم .
والقول الثاين - :أن التصوير الفوتوغرايف جائز ،وممن قال هبذا القول مساحة الوالد الشيخ حممد بن
صاحل العثيمني – رمحه هللا تعاىل – وبعض العلماء ،ولكل أدلته اليت ستأيت إن شاء هللا تعاىل .
إال أن الراجح هو القول األول ،ورجحان هذا القول عندي مما الشك فيه ،وال اضطراب ،بل هو
يف مرتبة غلبة الظن املنزلة منزلة اليقني وذلك لتوافر األدلة الشرعية الصحيحة الصرُية على رجحانه
وتوافقه مع مقاصد الشريعة ،والقواعد األصولية .
وإليك تفصيل األدلة خمرجة على قواعدها ،فأقول وابهلل التوفيق - :
من األدلة على ذلك :ما يف الصحيحني عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال :مسعت رسول هللا -
صلى هللا عليه وسلم -يقول (( كل مصور يف النار َيعل له بكل صورةٍ صورها نفس يعذب هبا يف
جهنم ))(. )1
فعندان يف احلديث عدة أمور - :
األول :لفظة ( كل ) فإهنا من أقوى صيغ العموم ،فيدخل حتتها كل املصورين ،وقد تقرر يف
األصول :أن األصل هو البقاء على العموم حىت يرد املخصص ،فيدخل يف هذا الوعيد الشديد كل
مصور سواء ابلنوع األول ،أو الثاين ،أو الثالث ،فإننا قد تقرر عندان أن القط الصورة الفوتوغرافية
يسمى مصوراً عرفاً ،ومن أخرجه من هذا العموم فعليه الدليل ؛ ألنه خمالف لألصل ،وقد تقرر يف
القواعد أن الدليل يطلب من الناقل عن األصل ال من الثابت عليه .
__________
( )1سبق خترَية ص(. )6
()11/1
الثاين - :قوله ( َيعل له ) فإن هذا إثبات ،وقوله ( صورة ) نكرة ،وقد تقرر يف القواعد أن النكرة
يف سياق اإلثبات مطلقة ،وتقرر أيضاً أن املطلق َيرى على إطالقه وال يقيد إال بدليل .
فالذي يقيد هذا ابلنوع األول والثاين فقط دون الثالث فإننا نقول له :قد قيدت املطلق فما دليلك
على هذا التقييد ؟
فالصورة الفوتوغرافية تدخل يف مسمى الصورة لغة وعرفاً ،فلماذا أخرجتها من هذا اإلطالق ؟
الثالث :قوله ( َيعل له بكل صورة ) فإن قوله ( كل صورة ) أيضاً يفيد العموم ،فالعموم األول يف
املصورين ،والعموم الثاين يف الصور ،فيدخل حتتها الصور الفوتوغرافية ،ومن أخرجها من هذا
العموم فعليه الدليل ،وهللا أعلم .
ومن األدلة أيضاً :ما رواه مسلم رمحه هللا تعاىل يف صحيحه من حديث أيب اهلياج األسدي أنه قال :
قال يل علي بن أيب طالب -رضي هللا عنه : -أال أبعثك على ما بعثين به رسول هللا -صلى هللا
عليه وسلم (( -أن ال تدع صورة إال طمستها ،وال قرباً مشرفاً إال سويته ))( ، )1فقوله ( ال تدع )
هني أو نفي كالمها مبعىن واحد ،وقوله ( صورة ) نكرة ،وقد تقرر يف القواعد أن النكرة يف سياق
النهي والنفي تعم ،فيدخل حتت هذا العموم ما يطلق عليه مسمى الصورة ،وقد تقرر لنا أن الصورة
الفوتوغرافية تدخل يف مسمى الصورة لغة وعرفاً ،فتدخل يف هذا النوع شرعاً ،ومن أخرجها منه
فعليه الدليل ،وال أعلم دليالً شرعياً خيرجها من هذا العموم ،وإمنا هو قياسات ال أصل هلا ،مع
مصادمتها للنصوص الصحيحة الصرُية ،فحيث ال دليل فالواجب هو البقاء على األصل حىت يرد
الناقل وهللا أعلم .فحق الصور الفوتوغرافية أن تطمس إال ما سيأيت استثناؤه إن شاء هللا تعاىل وهللا
أعلم.
__________
( )1أخرجة مسلم رقم (. )969
()12/1
ومن األدلة أيضاً :قوله -صلى هللا عليه وسلم (( -إن من أشد الناس عذاابً يوم القيامة املصورين
))( )1رواه مسلم ،فقوله ( املصورين ) مجع دخلت عليه األلف والالم االستغراقية ،وقد تقرر يف
القواعد أن األلف والالم االستغراقية إذا دخلت على اجلمع أو املفرد أفادت العموم ،فيدخل يف
ذلك كل املصورين ،ومن ذلك آخذ الصور الفوتوغرافية فإنه من مجلة املصورين ،وذلك هو مقتضى
اللغة والعرف والشرع ،والذي خيرجه من هذا العموم عليه الدليل وال دليل .إذاً فالبقاء على العموم
هو املتعني تعظيماً لكالم هللا تعاىل ،وهللا أعلم .
ومن األدلة أيضاً :ما رواه اإلمام البخاري رمحه هللا تعاىل (( أن النيب -صلى هللا عليه وسلم -هنى
عن مثن الدم ،ومثن الكلب ،وكسب البغي ،ولعن آكل الراب وموكله ،والوامشة واملستومشة ،ولعن
املصور ))(. )2
والشاهد يف قول الراوي ( ولعن املصور ) ،فهو مفرد دخلت عليه األلف والالم االستغراقية املفيدة
للعموم ،فيدخل حتت هذا العموم كل مصور ،فهم ملعونون بلعنة النيب -صلى هللا عليه وسلم ، -
ومن أخرج مصوراً من هذا العموم فعليه الدليل .فاملسألة إذاً خطرية ،فالواجب الرجوع إىل هللا تعاىل
ابلتوبة النصوح املستجمعة لشروطها من اإلقالع عن الذنب فوراً ،والعزم على عدم العودة ،والندم
على ما فات ،واإلخالص ،وأن تكون يف زمن اإلمكان ،وكل أوقات العمر زمن صاحل للتوبة ما مل
مين على اجلميع ابلتوبة الصادقة ،فكلنا
تطلع الشمس من مغرهبا ،أو تغرغر الروح ،نسأل هللا أن َّ
ذوو خطأ ،وهللا أعلم .
__________
( )1أخرجة مسلم رقم (. )5539-5538
( )2أخرجة البخاري رقم (. )5962
()13/1
ومن األدلة أيضاً :قوله -صلى هللا عليه وسلم (( -إن املالئكة ال تدخل بيتاً فيه متثال أو صورة
))( )1فقوله ( ال تدخل ) نفي ،وقوله ( صورة ) نكرة ،وقد تقرر أن النكرة يف سياق النفي تعم ،
فيدخل يف ذلك كل صورة ،والصورة الفوتوغرافية تسمى صورة لغة وعرفاً وشرعاً ؛ ألهنا داخلة حتت
هذا العموم ،والعام َيب أن يبقى على عمومه ،وال يتعرض له بتخصيص بعض أفراده إال بدليل ،
فأين الدليل الدال على إخراج الصور الفوتوغرافية من هذا العموم ؟ هذا ما ال سبيل إليه ،وال دليل
عليه ،فحيث ال دليل ،فالبقاء على العموم هو املتعني ،واحلمد هلل على السالمة فلماذا نتكلف
التنقل وقد أراحنا هللا منه ،وهللا أعلم .
ومن األدلة أيضاً :قوله عليه أفضل الصالة وأمت التسليم (( إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون
يوم القيامة ،يقال هلم :أحيوا ما خلقتم ))( . )2واملراد ابلصورة هنا العموم ؛ ألهنا – أي الصور –
مجع دخلت عليه األلف والالم االستغراقية ،فيدخل يف هذا العموم كل الصور سواءً كان هلا ظل ،
ٌ
أو مل يكن ،ومن ذلك الصور الفوتوغرافية .
فباهلل عليك ما الذي أخرجها من هذا العموم حىت نقول إهنا جائزة ؟
وقد كنت يف جملس بعض الفضالء ،واألحبة الكرماء النبالء ،الذين حنسبهم من العلماء ،وهللا
حسيبهم ،وال نزكي على هللا أحداً ،فقال كلمة َي ليته ما قاهلا ،لكن أظن أهنا سبقة لسان غري
مقصودة ؛ ألن اجمللس كان مزدمحاً ،والسائلني كثري ،واإلنسان خيطئ ويصيب ،واملعصوم من
عصمه هللا ،واملقصود أنه قال :إن األصل يف التصوير احلل واإلابحة ،ألن األصل يف األشياء احلل
واإلابحة .
__________
( )1أخرجة مسلم رقم (. )5545
( )2أخرجة البخاري رقم ( ، )5961ومسلم رقم (. )5535
()14/1
قلت :أما قوله " :األصل يف األشياء احلل واإلابحة " فإنه كالم ال غبار عليه ،لكن ُيتاج إىل قيد
مهم جداً يتضح به الكالم ،وهو قول العلماء " :إال بدليل " ،أي أن األصل يف كل األشياء أهنا
حالل ومباحة إال ما دل الدليل على إخراجه من احلل واإلابحة إىل احلرمة ،ومن ذلك ابب التصوير
أبنواعه ،فإن األدلة الشرعية السابقة والالحقة إن شاء هللا تعاىل تدل داللة صرُية على حترميه ،
كل
والتشديد فيه ،والتوعد على فعله ،فكيف نقول :إن األصل يف التصوير احلل واإلابحة ،لكن ٌ
يؤخذ من قوله ويُرتك إال قول صاحب الشريعة -صلى هللا عليه وسلم . -
فأسأل هللا تعاىل أن يهدينا وإخواننا سواء السبيل ،وأن يوفقنا للحق وقبوله ،إنه خري مسئول ،وهللا
أعلم .
ومن األدلة أيضاً :ما رواه اإلمام أمحد والرتمذي عن النيب -صلى هللا عليه وسلم -أنه قال يف
العنق الذي خيرج من النار يوم القيامة أنه يقول (( إين وكلت اليوم بثالثة ،بكل جبا ٍر عنيد ،وبكل
من دعا مع هللا إهلاً آخر ،وابملصورين ))( )1قال الرتمذي :حديث حسن غريب صحيح ،وله
شاهد عند اإلمام أمحد من حديث عطية العويف .ووجه الداللة منه :أنه جعل هذا الوعيد عاماً على
كل مصور ،ومل يستثن أي مصور ،وال نوعاً من الصور ؛ ألن األلف والالم الداخلة على اجلمع
تفيد العموم ما مل تتقدم قرينة عهد ،وال قرينة هنا ،واألصل هو البقاء على العموم حىت يرد
التخصيص .
والالقط للصور الفوتوغرافية مصور لغة وعرفاً ،فيدخل يف هذا العموم شرعاً ،ومن أخرجه فعليه
الدليل ،وهللا يتوالان وإَيك .
__________
( )1أخرجة الرتمذي رقم ( )2574وصححه األلباين .
()15/1
ومن األدلة أيضاً :ما يف الصحيحني من حديث عائشة رضي هللا عنها قالت :قال رسول هللا -
صلى هللا عليه وسلم (( -أشد الناس عذاابً يوم القيامة الذين يضاهئون خبلق هللا ))( ، )1وفيهما
أيضاً من حديث أيب هريرة -رضي هللا عنه -قال :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم : -قال
هللا تعاىل (( ومن أظلم ممن ذهب خيلق كخلقي فليخلقوا ذرة ،أو ليخلقوا حبة ،أو ليخلقوا شعرية
))( ، )2ومن املعلوم أن ما خيرج يف الصورة الفوتوغرافية مطابق متاماً ملا هو الواقع ففيه املضاهاة
ظاهرة ،بل أظهر من املضاهاة ابلتصوير ابلنحت ،أو الرسم ابليد ،فإن هذه قد ختتلف يف أشياء عن
احلقيقة .
أما الصورة الفوتوغرافية فإن املضاهاة فيها واضحة ظاهرة ،فتكون أوىل ابلنهي .
وإن مل يسلم لنا ذلك فنقول :إن التصوير ليس حترميه من أجل املضاهاة فقط ،بل ٍ
لعلل أخرى
سيأيت بياهنا إن شاء هللا تعاىل ،وهي متحققة يف الصور الفوتوغرافية ،وهللا أعلم .
ومن األدلة أيضاً :قوله -صلى هللا عليه وسلم (( -الصورة الرأس ،فإذا قطع فال صورة ))()3
أخرجه البيهقي ،وصححه اإلمام األلباين رمحهما هللا تعاىل .
فهذا بيان نبوي فاصل حلقيقة الصورة ،فقال ( الصورة ) وهذا لفظ عام ُ ،ث بينها بقوله ( الرأس ) ،
والصور الفوتوغرافية داخلة يف هذا العموم ؛ ألهنا يظهر فيها الرأس ،فاملعترب يف الصورة الرأس .
فانظر َي رعاك هللا إىل الصور الفوتوغرافية املنتشرة يف هذا الزمن هل فيها رأس أو ال ؟
اجلواب :هذا مما الشك فيه ،فإذاً هي صورة هلذا احلديث الصحيح.
فمن قال :ليست هي بصورة مع وجود الرأس فيها .
فنقول له :شفاك هللا وعافاك من كل ٍ
سوء ومكروه ،وال أبس عليك كفارة وطهور إن شاء هللا ،وهللا
أعلى وأعلم .
__________
( )1أخرجة البخاري رقم ( ، )5954ومسلم رقم (. )5528
( )2أخرجة البخاري رقم ()5953و( ، )7559ومسلم رقم (. )2111
( )3أخرجة البيهقي رقم (. )270/7
()16/1
ومن األدلة أيضاً :قول جربيل للنيب -صلى هللا عليه وسلم (( -إان – أي املالئكة – ال ندخل بيتاً
فيه كلب أو صورة ))( )1وهذا العموم يدخل فيه الصورة الفوتوغرافية ؛ ألهنا صورة لغة وعرفاً ،فهي
صورة شرعاً ،والعام يبقى على عمومه إال بدليل ،وهللا أعلم .
فهذه األدلة تفيد إفادة قطعية إن شاء هللا تعاىل حرمةَ الصور الفوتوغرافية إال ما استثناه الدليل كما
سيأيت إن شاء هللا تعاىل ،وال حول وال قوة إال ابهلل العلي العظيم .
( فصل )
وقد دلت القواعد الشرعية العامة على صحة هذا القول وبياهنا كما يلي - :
القاعدة األوىل :قاعدة سد الذرائع املفضية إىل املمنوع.
فإن املنهيات يف الشريعة قسمان :منهي عنه لذاته ،ومنهي عنه ألنه وسيلة إىل احملرم ،فتصوير
النحت والرسم حمرم لذاته ،والتصوير الفوتوغرايف حمرم أيضاً ،لكن هل هو حمرم لذاته كصاحبيه ؟ أو
هو حمرم ألنه وسيلة إىل احملرم ؟ وعلى كال القولني فهو حرام ،فإنك إذا نظرت إىل هذه الصور
الفوتوغرافية بعني العدل واإلنصاف وجدت أن الناس قد توسعوا فيها توسعاً بعيداً ،بل بعضها بلغ
مرتبة التعظيم ،كصور امللوك ورؤساء البلد يف بعض األقطار ،فإهنا قد وضعت يف كل مكان يف
الوزارات ،واإلدارات احلكومية ،واملؤسسات العامة واخلاصة ،وكأهنا أصبحت شعاراً لتعظيم الوالة ،
وأن من ال يعلقها فإنه مغموز عليه ،متهم يف والئه لوالة األمر ،وهذا ليس هو امليزان الشرعي يف
تعامل الرعية مع الراعي ،فإن طاعة الوالة أمر عقدي مهم قد سطره أهل السنة واجلماعة يف كتبهم ،
وليس من ذلك تعظيم صورهم .
__________
( )1أخرجة البخاري رقم ( ، )5949ومسلم رقم (. )5511
()17/1
ومن ذلك صور األموات فإن بعض الناس إذا مات له أب ،أو أخ ،أو صاحب ،علق صورته ،
وجعل عليها شيئاً من السواد ،فكلما رآها جتددت أحزانه ،بل وبعضهم إذا وقع يف مصيبة فإنه
يقف أمام الصورة خياطبها وكأهنا تراه وتسمعه ،وهذه طامة ال خمرج منها إال بسد هذا الباب سداً
حمكماً كما اقتضته األدلة ،فالقول بتحرمي التصوير اآليل متوافق متاماً مع قاعدة سد الذرائع املفضية
إىل ما هو ممنوع ،وهللا أعلم .
القاعدة الثانية :اتقاء املتشاهبات .
ففي حديث النعمان بن بشري رضي هللا عنهما قال :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم (( -
احلالل ِبني ،واحلرام ِبني ،وبينهما أمور مشتبهات ،فمن اتقى الشبهات فقد استربأ لدينه وعرضه ،
ومن وقع يف الشبهات فقد وقع يف احلرام … احلديث))( )1متفق عليه .فالقاعدة يف املتشاهبات
هو اتقاؤها مبعىن تركها واجتناهبا ،والتصوير الفوتوغرايف إن سلمنا أنه ليس من احلرام ِ
البني فال أقل
اء لديننا
من أن يكون من قسم املتشاهبات اليت ندبنا نبينا -صلى هللا عليه وسلم -إىل اتقائها استرب ً
وعرضنا ،وهذا ال يكون إال ابلقول ابملنع من الصور الفوتوغرافية ،فإن كانت من احلرام ِ
البني فال
كالم ،وإن كانت من قسم املتشابه ،فقد اتضح حكمها وهلل احلمد واملنة .
إذاً القول ابملنع من الصور اآللية متوافق مع قاعدة اتقاء املتشاهبات أمت موافقة ،وهللا أعلم .
القاعدة الثالثة :اخلروج من خالف العلماء .
فإنه قد تقرر أن فعل ما اتفق عليه العلماء أوىل من فعل ما انفرد به أحدهم ما أمكن ،وهذا ال يتم
إال إذا قلنا ابملنع من الصور الفوتوغرافية ،ففي تركها مطلقاً خروج من خالف العلماء ،وهللا أعلم .
القاعدة الرابعة :قاعدة حفظ املال :
__________
( )1أخرجة البخاري رقم ()52و( ، )2051ومسلم رقم (. )1599
()18/1
فإن الشريعة اإلسالمية جاءت حبفظ الضرورَيت اخلمس وهي :الدين ،والعقل ،والنسل ،واملال ،
والنفس .وقد دلت األدلة على أن إنفاق املال فيما ال طائل من ورائه ،وال فائدة جتىن منه ،ال َيوز
.
وهذه الصور الفوتوغرافية ال ختلو من حاالت :
أما أن تتخذ للتعظيم فهي حمرمة ،وإما أن تتخذ للذكري فهي كذلك وإما أن تدعو إليها الضرورة ،
فيجوز زمنها ما تندفع به الضرورة ،وإما أن ال يكون مثة مقصد ملتخذها .
فنقول :هذا تضييع للمال فيما ال طائل من ورائه ،وال فائدة حتته ،وقد دلت األدلة على أنه ال
َيوز ،فرتكه واجب وال يتم ذلك إال ابلقول مبنع هذه الصور ؛ ألنه قد تقرر يف القواعد أن ما ال يتم
ترك احلرام إال به ،فرتكه واجب ،وفعله حمرم .
فالقول مبنع مثل هذه الصور متوافق مع قاعدة حفظ املال كل املوافقة وهللا أعلم .
واخلالصة :أن القول الراجح يف الصور ابآللة التحرمي ،إما حترمي مقاصد ،وإما حترمي وسائل ،وهللا
ربنا أعلى وأعلم .
( فصل )
وبعد استقراء األدلة وجدان أن الشريعة اإلسالمية – زادها هللا شرفاً ورفعةً – حرمت التصوير لذوات
األرواح أبنواعه لعدة أمور - :
منها :كون تصوير ذوات األرواح ٍ
مفض إىل تعظيمها ،والغلو فيها ورمبا جر ذلك إىل عبادهتا ،
سواء كان ذلك التعظيم تعظيم علم ودَينة
والسيما إذا كانت الصور ملن ُيبهم الناس ،ويعظموهنم ً ،
ٍ
سلطان ورَيسة ،أو تعظيم صداقة وقرابة ،فمثل هؤالء تكون الفتنة بتعليق ،أو نصب ،أو تعظيم
صورهم يف اجملالس وحنوها من أعظم وسائل الشرك والضالل .
ومنها :أن فيها مضاهاة خللق هللا تعاىل ،وتشبيه فعل املخلوق بفعل اخلالق سبحانه .
()19/1
ومنها :أن صناعة صور ذوات الروح احملرمة واختاذها فيه مشاهبة واضحة بفعل من كانوا يصنعون
سواء كان املصور قاصداً التشبه أبولئك أم ال ،فمجرد صناعته للصورة ،أو
الصور والتماثيل ً ،
ٍ
بنصب ،أو تعليق ،أو حنو ذلك يكون حاله شبيهاً حبال املشركني ومقلديهم وجه ٍ
حمرم استعماهلا على ٍ
الذين كانوا يصنعون الصور ويضعوهنا يف معابدهم تقديساً وتعظيماً هلا .ومعلوم أن من مقاصد
الشريعة قطع دابر املشاهبة ابلكفار واملشركني فيما كان من عبادهتم وعاداهتم .
واألحاديث يف ذلك متواترة تواتراً معنوَيً ،وقد استوفاها الشيخ تقي الدين أبو العباس يف كتابه
الكبري " اقتضاء الصراط املستقيم " وهللا أعلم .
ومنها :كون صور ذوات الروح مانعة من دخول املالئكة ،وفيها تبذير ،وإضاعة للمال إال فيما
أخرجته الضرورة ،فهذا مما يبني لك جلياً إن شاء هللا تعاىل رجحان القول ابلتحرمي ،وهللا أعلم .
( فصل )
إذا ثبت لك ذلك فأقول :إنه مما عمت به البلوى يف هذه األزمنة تصوير ما تدعو إليه ضرورة
التعريف ابلنفس ،كبطاقة األحوال ،والرخصة والشهادة ،وحنوها ،فهذا مما عمت به البلوى ،وال
ٍ
فحينئذ تقدر الضرورة بقدرها ،فيباح منها القدر الذي تندفع به الضرورة وقد خمرج لإلنسان منه ،
كتب يل بعض األحبة أنه يوجد يف بالد الغرب التعريف ابلنفس عن طريق البصمة ،وأهنا أضبط من
التعريف ابلصورة .
فقلت :إذا ثبت هذا فهو شيء حسن ،لكين ال أعلمه مستخدماً يف دَيران ،فإذا أثبته ويل األمر ،
ٍ
حينئذ إىل التصوير مندفعة ،لكن إذا مل يقر يف البالد ،ومل أيذن به ويل األمر ،فنبقى على فالضرورة
التصوير اآليل إىل ارتفاع الضرورة ،وهللا يرفعها عاجالً ال آجالً ،وهو حسبنا ونعم الوكيل.
()20/1
ومن مجلة الضرورات أيضاً :التصوير اجلنائي ،وهو استخدام الصورة يف حمال اجلرمية ،والكشف
عن مرتكبيها ،وهذا داخل حتت قاعدة " الضرورات تبيح احملظورات " ،وقاعدة " ال حمرم مع
الضرورة " وقاعدة " الضرورات تقدر بقدرها " ،بل إن استخدام هذه الصور يف بعض احلاالت
اجلنائية واجب ؛ ألنه ال تكشف اجلرمية ،وتؤخذ احلقوق ألصحاهبا إال بذلك ،وقد تقرر يف القواعد
أن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب .
وعلى ذلك فقس ،فما دعت إليه الضرورة أو احلاجة املنزلة منزلة الضرورة من هذه الصور اآللية
فإنه َيوز منها ما تندفع به الضرورة ،وهللا ربنا أعلى وأعلم .
( فصل )
اعلم – رمحك هللا تعاىل – أن الذين قالوا جبواز التصوير الفوتوغرايف قد استدلوا أبدلة خالية من
االستدالل الشرعي ،وإمنا هي استنباطات وقياسات ،ومن ابب العدل أذكرها مع اإلجابة عليها
فأقول - :
قالوا – رمحهم هللا تعاىل – :إن التصوير الفوتوغرايف ليس يف حقيقته تصويراً مبعىن أنه ليس هو
صور ) و ( ِ
مصور ) التصوير الذي جاءت األدلة ابلنهي عنه والوعيد عليه ،فإن األدلة فيها لفظ ( َّ
صور ) تقتضي أن يكون هناك فعل يف
ابلتشديد أي جعل هذا الشيء على صورة معينة ،فمادة ( َّ
نفس الصورة ،ومعلوم أن نقل الصورة ابآللة مل ُيصل فيه من املصور أي عمل يف هذه الصورة ،فلم
ُيصل منه ختطيط فيها ،وال رسم ،وال زَيدة وال نقص حىت يكون مضاهياً خلق هللا ،وإمنا هو سلط
املصور فانطبع ابلصورة خلق هللا على الصفة اليت خلقها هللا عليها ،فهو إذاً حبس للظل
اآللة على َّ
،وعكس له ليس إال ،فال يكون داخالً يف عموم أدلة التحرمي – كذا قالوا . -
واجلواب عن ذلك من وجوه :
منها :أنه اجتهاد يف مورد النص والقاعدة تقول :ال اجتهاد مع النص ،فداللة النصوص السابقة
واضحة ال حتتاج إىل اجتهاد ،وعمومها يقضي بدخول الصور الفوتوغرافية ،ومثل هذا الكالم ال
يكون خمصصاً هلا .
()21/1
ومنها :أنه قياس صادم عموم النص ،وقد تقرر يف القواعد أن كل قياس صادم النص فهو ابطل .
ِ
املصور هلا مل يعمل شيئاً ،بل هو قد صدرت منه أعمال كثرية قد تفوق ومنها :أننا ال نسلم أن
أعمال من يرسم ،وال عربة ابملباشرة ،أي ليس التحرمي مرتبطاً مبباشرة اليد للصورة نفسها ،فإن
توجيه اآللة ،وضغط الزر ،وإخراج الصورة سوداء ُ ،ث وضعها يف سائل التحميض ُ ،ث خضخضتها
ِ
املصور للصور اآللية ،فيكيف نقول أنه مل يعمل شيئاُ . ُ ،ث تنشيفها كل ذلك عمل يعمله
ومنها :سلمنا أنه مل يصدر منه أي عمل ،فإنه ال أثر لالختالف يف وسيلة التصوير وآلته يف احلكم ،
وإمنا العربة بوجود الصورة فقط ،فمىت وجدت وكانت لذات الروح ،وجد احلكم وهو التحرمي ما مل
تدع لذلك ضرورة كما مضى ،وكذلك ال أثر للجهد املبذول يف إخراج الصورة يف احلكم فسواء بذل
ِ
املصور جهداً شاقاً ،أو مل يبذل جهداً أصالً فإن هذا ال أتثري له يف احلكم ،وإمنا املعترب يف ذلك كله
وجود الصورة لذات الروح وإن اختلف وسيلة إنتاجها ،واجلهد الذي يبذل فيها ،وقد تقرر يف
القواعد أن احلكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
ومنها :سلمنا أن علة املضاهاة يف الصورة الفوتوغرافية قد انتفت فهل ابهلل عليك قد انتفت العلل
األخرى اليت تقدم ذكرها .فإن كل علة منها تقتضي التحرمي مبفردها ،فكيف وقد اجتمعت كلها ،
فاللهم إان نسألك هداك والعمل مبا يرضيك ،والتوفيق ملا هو احلق والصواب ،وهو أعلى وأعلم .
وقالوا أيضاً – رمحهم هللا ،وعفا عنهم وغفر هلم : -إن التصوير الفوتوغرايف شبيه متاماً ابلصورة اليت
تظهر يف املرآة أو املاء أو أي سطح المع ،وال يستطيع أحد أن يقول إن ما يظهر على املرآة واملاء
وحنوها حرام ؛ ألنه صورة ،وأن من فعل ذلك مصوراً ،فكذلك التصوير الفوتوغرايف ،كذا قالوا .
()22/1
فنقول - :إن القياس يفتقر إىل االتفاق يف العلة لالتفاق يف احلكم ،وأنه قد تقرر يف األصول أن
القياس مع الفارق ابطل ،والصور اليت تظهر على املاء أو املرآة وحنوها شيء غري مستقر ،وإمنا يرى
ويظهر ابشرتاط املقابلة ،فإذا ذهبت املقابلة زالت الصورة متاماً ،وأما الصور الفوتوغرافية فإهنا اثبتة
ومستقرة يف األوراق اليت تطبع عليها ،فقياس ما هو مستقر اثبت على ما ليس كذلك قياس مع
الفارق .
وأيضاً يقال :إنه ال يعرف عن ٍ
أحد من الناس تسمية الواقف أمام املرآة وحنوها أنه مصور ؛ ألن
ذلك أصالً ليس بتصوير ال لغةً وال عرفاً ،فليس بتصوير شرعاً ،وأما اآلخذ للصورة الفوتوغرافية
فإنه مصور لغةً وعرفاً وشرعاً ،فقياس من هو مصور لغةً وعرفاً على من ليس مبصوٍر لغةً وعرفاً قياس
مع الفارق .
وأيضاً يقال - :إن الواقف أمام املرآة وحنوها خترج صورته يف املرآة بال عمل منه إال الوقوف فقط ،
فيده مل تباشر شيئاً يف هذه الصورة ،وأما اآلخذ للصورة الفوتوغرافية فإن يده تباشر الصورة بعمل
زائد ،كتوجيه اآللة ،وضغط الزر ،وسحب الصورة ،ووضعها يف سائل التحميض ،أو حتريكها يف
املسوي بينهما ٍ
مسو ملا فرق هللا بينه . اهلواء حىت خترج الصورة ،فأين هذا من هذا ،فإن ِ
وأيضاً يقال - :إن صورة الواقف أمام املرآة ال حتمل علة من العلل املذكورة يف فصل بيان العلل ،
فليس فيها مضاهاة ،وال تعظيم ،وال إنفاق للمال ،وال متنع من دخول املالئكة ،وليس فيها تشبه
ابلكفار ،خبالف الصورة الفوتوغرافية فإهنا حاملة هلذه العلل أو لبعضها .
وأيضاً يقال - :إن صورة الواقف أمام املرآة وحنوها تتحرك بتحركه خبالف الصورة اآللية فإهنا بعد
أخذها ال تتحرك بتحرك صاحبها.
فهذه الفوارق بينهما متنع القياس ؛ ألنه قد تقرر يف األصول أن القياس مع الفارق ابطل ،وتقرر
أيضاً أن الشريعة ال جتمع بني خمتلفني ،كما أهنا ال تفرق بني متماثلني ،وهللا أعلم .
()23/1
وقالوا أيضاً - :إنه تقرر يف القواعد أن األصل يف األشياء احلل واإلابحة حىت يقوم دليل املنع .
فقلنا - :نعم هو كذلك ،وقد قام دليل املنع ،وهو ما مضى من األدلة الكثرية ،فإهنا تدل داللة
صرُية على أن األصل يف ابب التصوير احلرمة ،فال يرخص منه إال ما دعت الضرورة أو احلاجة
املنزلة منزلة الضرورة إليه ،وهللا أعلم .
وهبذا يتبني لك جلياً إن شاء هللا تعاىل أن القول الراجح حسب الصناعة احلديثية واألصولية هو
القول بتحرمي التصوير الفوتوغرايف ،أو اآليل ،وهذا القول هو الذي تراتح له النفس ،وتطمئن إليه
اطمئناانً اتماً.
رزقنا هللا وإَيك لذة احلق قبوالً واتباعاً ،وعصمنا وإَيك من الباطل ،فاللهم اهدان للحق وارزقنا
اتباعه ،وأهلمنا رشدان إنك أنت ربنا ،وال حول وال قوة إال بك .
وهذا ما توصلت إليه ابلنظر القاصر ،والبضاعة املزجاة على عجرها وجبرها ،فإن وجدت فيها
صواابً فهو حمض توفيق من هللا تعاىل ،وإن وجدت غري ذلك فهو من تقصريي وزللي ،فهذا ما
حضرين إمالؤه على غاية من اإلعجال ،وهللا ربنا أعلى وأعلم ،وصلى هللا على نبينا حممد ،وعلى
آله وصحبه وسلم .
وقد مت الفراغ منه يوم السابع من شهر ربيع الثاين
عام اثنني وعشرين وأربعمائة وألف
من هجرة احلبيب صلى هللا عليه وسلم
وهللا أعلى وأعلم
()24/1