You are on page 1of 71

‫‪Dalam upaya memperkaya bacaan tafsir, pesantren Syifaush Shudur memandang perlu meng-‬‬

‫‪Upload- Tafsir “Kitabu Al-A’jij wa I’robihi”. Semoga bermanfaat. Amin.‬‬


‫‪Hubungi kami: https://sites.google.com/site/pesantrensifausudur/home‬‬
‫تفسير الكتاب العزيز وإعرابه‬
‫لأبي الحسين عبيد الله بن أبي جعفر بن أحمد بن أبي الربيع القرشي الأموي الأندلسي الإشبيلى‬
‫(أ) بين يدي تفسير الكتاب العزيز وإعرابه‬
‫الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإن أبا الحسن عبيد الله بن أبي الربيع الأشبيلي الأندلسي كان إمام عصره في بلاد الأندلس‪ ،‬اشتهر‬
‫بدروسه في مدينة إشبيلية قبل سقوطها في أيدي الفرنجة‪ ،‬وفي مدينة سبتة بعد هجرته إليها‪ .‬وقد امتد الزمن‬
‫بدروسه أكثر من نصف قرن وقصده الد ّارسون من كل أوب وفج يقيدون عنه ويفيدون منه‪ ،‬ويروون‬
‫ويحملون ما يجيزهم روايته وحمله‪ .‬وقد تخرج به الجمع الغفير من العلماء الذين صاروا به أئمة في مختلف‬
‫الفنون‪ ،‬وكان لبعض منهم مؤلفات لا يحصرها ديوان‪ ،‬ويعز جمعها على ذي البحث والتنقير والافتنان‪ ،‬وقد‬
‫كان لانقطاعه للعلم والدرس ومباعدته أهل الدنيا أثر واضح في تمكنه العلمي ورسوخه في مختلف الفنون التي‬
‫كانت شغل الدارسين وحديثهم‪ ،‬ولئن انحصر نشاطه العلمي في التأليف والشرح والت ّقي ْيد على النحو‬
‫ُّ‬
‫التخُص‪ 9‬ص‬ ‫والصرف‪ ،‬وما يتصل بهما إن له لقدما ً راسخة في مختلف العلوم لكنّ علوم العربية كانت تُمَِث ‪ُ ِّ9‬‬
‫ل‬
‫الدقيق الذي تأكد فيه رسوخه وأحاط به معرفة وفهماً‪ ،‬لذلك خصه بالتأليف والشرح والتقييد على أمهات‬
‫المصادر والأصول‪ ،‬إسعافا ً للدارسين‪ ،‬وإثراء ً لجوانب من هذا العلم بالتحقيق المستقصي والبحث الموفّي لما‬
‫بدأه السلف من أئمة هذا الشأن‪ ،‬وقد أراد أن يختم نشاطه العلمي في آخر أي ّام ِه بمؤلف يجمع فيه ما كان‬
‫حصله في رحلته الطويلة مع الدرس والمراجعة فكان هذا الكتاب الموسوم بتفسير الكتاب العزيز وإعرابه‬
‫ل‬
‫الذي شرع في إملائه في الأيام الأخيرة من حياته‪ ،‬وسلك فيه النهج الوسط م ُتحاميا ً الإطناب المُمِ ّ‬
‫لكَن‪ 9‬القدر لم يُم ْهل ابن أبي الربيع كثيرا ً من الوقت ليت َّ‬
‫َسَن ‪9‬ى له إتمام هذا التفسير بل عاقته‬ ‫َّ‬ ‫والإيجاز المخل‪،‬‬

‫الَل ‪9‬ه ُ‬
‫المنية وهو مازال يملي على طلابه ما أع ّده ُ من تفسير وبيان وإعراب على آية المائدة ( ‪( : )١٠٩‬يَوْم َ يَجْم َ ُع َّ‬
‫ُوب) فرحم الله ابن أبي الربيع وأجزله مثوبته‪.‬‬ ‫ك أَ ن ْتَ عَلَاّم ُ ال ْغ ُي ِ‬ ‫ل م َاذ َا ُأ ِ‬
‫جب ْتُم ْ قَالُوا لا عِل ْم َ لَنَا ِإ ََّن ‪َ 9‬‬ ‫ل فَيَق ُو ُ‬
‫س َ‬ ‫ُّ‬
‫الُر ‪ُ 9‬‬
‫أما العمل في هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه فيتلخص فيما يلي‪:‬‬
‫أولا‪ :‬التعريف بمؤلفه تعريفا ً موجزا ً امت ّد إلى شيوخه وما حمله ورواه عنهم‪ ،‬أمّا تلاميذه فقد اقتصر البحثُ‬
‫َن العدد الحاصر لطلابه ليس بُمِتَأت جمع ُه ُ‪ ،‬فعالم تمت ُّ ‪ُ9‬د حلقته للدرس‬
‫على بعض المشاهير من تلاميذه‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫والإقراء واِلإجازة المروية أكثر من نصف قرن‪ ،‬وفي مدينتين من أعظم المدن الأندلسية‪ ،‬ويقصده أفواج‬
‫الدارسين من الأندلس والمغرب يتعذر حصر طلابه بعد فقد الكثير من المصادر وكتب الفهارس والبرامج‬
‫التي يظن أن بها الجمع الغفير من طلابه الذين لم يُهتد إليهم بعد‪ ،‬ولذلك فما ذكر له في دراسة كتابه الملخص‬
‫في ضبط قوانين العربية عدد ٌ تقريبي‪ ،‬وكذا ما توصل إليه الزميل الدكتور عياد الثبيتي فيما أعدّه على كتاب‬
‫البسيط هو عدد تقريبي أيضا ً وليس حاصرا ً لهم‪ .‬وقد كان في ذكر ما سبق في هذين الكتابين غ ُني َة عن هذا‬
‫الت ّعريف لولا خشية أن يقع هذا البحث بين أيدي من لم يكن لديهم الكتابان السابقان‪ ،‬فيكون في ذلك‬
‫ِف إليه هذا التعريف‪.‬‬
‫نقص بالغرض الذي يَهد ُ‬
‫ٌ‬
‫ثانياً‪ :‬دراسة النص الذ ّي عثر عليه من تفسير ابن أبي الربيع وتوثيق نسبته إليه‪ ،‬وتصحيح ما وقع فيه بعض‬
‫الباحثين عن حجم هذا التفسير أو كمه‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬تحقيق النص وفق المنهج الذي ترسمه أئمة التحقيق‪ ،‬والضوابط التي وضعوها ما أمكن‪ ،‬ولا ادّعي أني‬
‫وفيته حقه‪ ،‬لكن حرصت على ذلك جهد الطاقة‪ ،‬وقد وجدت صعوبة بالغة في قراءة النص وردّ شوا رده‬
‫مما أضيف إليه في المقابلة التي ذهب جزء ٌ كبير منها بسبب الرطوبة وتقادم النسخ لهذا الكتاب‪.‬‬
‫هذا والله أسأل أن يعظم الأجر لأبي الحسين عبيد الله بن أبي الربيع وأن يتقبل منه عمله في خدمة العلم‬
‫وطلابه‪.‬‬
‫‌‌ابن الربيع‪ :‬حياته وآثاره‬
‫‌‌اسمه ونسبه ونشأته‬
‫الفصل الأول‪ :‬ابن أبي الربيع‪ :‬حياته وآثاره‪ ،‬وفيه مباحث‪:‬‬
‫المبحث الأول‪ :‬اسمه ونسبه ونشأته‪:‬‬
‫هو أبو الحسين عبيد الله بن أبي جعفر بن أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله بن أبي الربيع القرشي‬
‫ال ُأم َويّ ثم العثماني الأندلسي الإشبيلي‪ ،‬يتصل في سلسلة نسبه بالخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله‬
‫عنه‪.‬‬
‫كان موطن أجداده قرطبة إبان أزدهارها واستقرار الأمن فيها‪ ،‬فلم ّا اجتاحها الصليبيون خرج جده فيمن‬
‫خرج من أهل قرطبة فقصد لبلة حيث أقام بها فترة هو وبنوه‪ ،‬ثم ما لبث أ ْن غادرها إلى مدينة إشبيلية‬
‫قاعدة دولة الموحدين يومئذ‪ ،‬وفي مدينة إشبيلية كانت ولادة ابن أبي الربيع سنة ‪٥٩٩‬هـ ولا تذكر المصادر‬
‫شيئا ً عن كيفية نشأته الأولى‪ ،‬ولا يبعد أن يكون قد أخذ من حداثة سنه قدرا ً كبيرا ً من حفظ القرآن‬
‫الكريم وتجويده أو حفظه كاملا‪ ،‬ثم امتد به الدرس إلى العلوم الأولية التي تع ّد الدارس لما بعدها من‬
‫َّ‬
‫الموَس‪ 9‬عة في أمهات الكتب والمصادر المبسوطة في مختلف الفنون التي كانت مقصد الدارسين في‬ ‫الدراسة‬
‫الأندلس وشغلهم الشاغل‪.‬‬
‫وقد قدر لابن أبي الربيع الاتصال بنخبة لامعة من أئمة العلم البارزين في الأندلس وأن يأخذ عنهم ويحمل ما‬
‫أجازوه حمله وروايته من مصن ّفاتهم وسائر الكتب التي رووها عن أشياخهم ودرسوها في مجالسهم‬
‫وحلقات دروسهم العامة‪ ،‬وقد ساعده على جودة التحصيل طموح قاده إلى الت ّفوق العلمي‪ ،‬وكفاءة سمت‬
‫به إلى ذروة المجد يوم خلف شيخه أبا علي الشلوبين على درسه في الجامع الأعظم بإشبيلية بتوجيه من شيخه‬
‫أبي علي فوصل درسه بدرس شيخه وسنده بسنده في كفاءة نادرة لا يجارى فيها وبراعة فائقة لا يشق له‬
‫غبار‪ ،‬وأداء ما يتقاصر فيه عن شيخه أبي علي الشلوبين‪ ،‬إن لم يكن فاقة في رجاحة العقل ونباهة الضمير‬
‫وحسن الممالحة‪ ،‬في مقابل الغفلة والبَلَه الل ّذين نحس حظ أبي علي الشلوبين بهما‪ ،‬وغيرهما من الصّ فات‬
‫المنغصة في حياة أبي علي الشلوبين رحمه الله‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ ‌:‬شيوخه‬
‫حفل برنامج ابن أبي الربيع الذي رواه عن شيوخه‪ ،‬وأملاه على تلميذه أبي القاسم ابن الشاط الأنصاري ‪-‬‬
‫بأسماء نخبة من العلماء الّذين التقى بهم وصحبهم وقرأ عليهم‪ ،‬أو سمع ما يُقرأ في مجالسهم‪ ،‬أو أجازوه رواية ما‬
‫رو َوه عن أشياخهم أو أذنوا له برواية مصنفاتهم وغير ذلك من طرق الأداء والتحمل وفيما يلي تعريف‬
‫ل شيخ منهم‪.‬‬
‫موجز بأشياخه الذين ورَد َ ذِك ْر ُهم في برنامجه بحسب الكنية التي تصدرت اسم ك ّ‬
‫‪ -١‬أبو بكر محمد بن عبد الله الأنصاري الإشبيلي المعروف بالقرطبي المقري ‪.١‬‬
‫كان عالما ً مقرئا ً مجو ّدا ً ورعا ً م ُتَق َل ّلا م ِن ال ُُّد ‪9‬نيا عاكفا ً على التقييد‪ ،‬حريصا ً على استفادة العلم‪..‬‬
‫قال ابن أبي الربيع فيما أخذ عنه‪ :‬لزمت ُه وحضرتُ مجلَسَه ُ وقرأتُ عليه بعض كتاب‬

‫‪ ١‬ينظر ترجمته في الذيل والتكملة ‪ ،٢٤٠ /٦‬وبرنامج شيوخ الرعيني‪.١٤ -١١ :‬‬
‫الموطّ أ‪ ،‬وسمعتُ عليه بعض تأليفه في التفسير‪ ،‬وأجازني جميع ما رواه عن جميع شيوخه ‪ .١‬توفى سنة‬
‫‪٦٢٨‬هـ‪.‬‬
‫َّ‬
‫وفرضَي ‪9‬ا مقصودا ً في درسه‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أبوبكر ‪٢‬محمد بن نبيل الغافقي الإشبيلي‪٦٣٠ -..( .‬هـ) كان قاضيا ً‬
‫قال ابن أبي الر ّبيع‪ :‬تَعلّمتُ عليه الفرائض ‪.٢ )٠٠‬‬
‫‪ -٣‬أبو الحسن علي بن جابر ال ّلخمي الإشبيلي المعروف بابن الدب ّاج‪ ٦٤٦-٥٥٦( .٣‬هـ) ‪ .‬كان إماما ً في‬
‫ج به عدد كبير ٌ من العلماء‪.‬‬
‫النحو‪ ،‬حُ ج ّة في الن ّقل م ُسدّدا ً في البحث‪ ،‬تخ َر ّ َ‬
‫عض كتاب سيبويه‪ ،‬وأجازني في جميع‬ ‫الَر ‪9‬بيع‪" :‬حضرت مجلَسه في جامع العد َ ََّب ‪ْ 9‬‬
‫س وسمعتُ عليه ب َ َ‬ ‫ن أبي َّ‬
‫قال اب ْ ُ‬
‫ما رواه عن شيوخه"‪.٤‬‬
‫‪ -٤‬أبو العب ّاس أحمد بن محمد ال ّلخمي الع َزَفي ال َّ ‪9‬‬
‫َسبتي‪ ٦٣٣-٥٥٧( ٥‬هـ) عالم بالسنة والفقه‪ ،‬لزم التدريس‬
‫بجامع سَب ّت َة طيلة حياته‪ ،‬وق َصدَه ُ ال ََّد ‪9‬ارسون يفيدون منه ويقيدون عنه‪.‬‬
‫قال عنه ابن أبي الربيع‪( :‬كَت َبَ إل ََّي‪ 9‬بإجازة‪ ،‬ما رواه عن جميع شيوخه) ‪.٦‬‬
‫‪ -٥‬أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن خلفون الأزدي الأندلسي الأون ْبي‬
‫(‪ ٥٥٥‬ـ ‪ ٦٣٣‬هـ) ‪ ٧‬كان عالما ً حافظا ً ناقدا ً بصيرا ً بالحديث ورجاله‪ ،‬وله فيه مصنفات‬

‫‪ ١‬برنامج ابن أبى الربيع ‪.٢٥٧ -٢٥٦‬‬


‫‪ ٢‬برنامج ابن أبى الربيع ‪.٢٦٢‬‬
‫‪ ٣‬ينظر‪ :‬صلة الصلة ‪ ،١٣٧‬واختصار القدح المعلى ‪ ،١٥٥‬والعبر للذهبي‪ ،١٩٠ /٥‬وسير أعلام النبلاء‬
‫‪ ،٢٣/٢٠٩‬وغاية النهاية‪ ،٥٢٨ /١‬ونفح الطي ّب ‪.٤٧٨-٤٦ ١ /٣‬‬
‫‪ ٤‬برنامج ابن أبي الربيع ‪.٢٥٨ -٢٥٧‬‬
‫‪ ٥‬برنامج أبن أبي الربيع ‪.٢٦١‬‬
‫‪ ٦‬برنامج أبن أبي الربيع ‪.٢٦١‬‬
‫‪ ٧‬ينظر‪ :‬التكملة‪،٦٤٣ /٢‬والذيل والتكملة‪ ،١٢٩ -٦/١٢٨‬وشيوخ الرعينى ‪.٥٥ -٥٤‬‬
‫مشهورة‪ ،‬منها المنتقى في الرجال‪ ،‬والمفهم في شيوخ البخاري ومسلم‪ ،‬وكتاب علوم الحديث‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫قال ابن أبي الربيع‪" :‬لقيته بإشبيلية‪ ،‬وأجازني في جميع ما رواه عن شيوخه"‪.١‬‬
‫‪ -٦‬أبو علي الشلوبين عمر بن محمد الأزدي‪ ٦٤٦-٥٦٢( ٢‬هـ) كان إماما ً في علوم العربية‪ ،‬تصدّر للتدريس‬
‫سنِىّ حياته‪ ،‬له العديد من المصنفات والشروحات‪.‬‬
‫ِ‬
‫قال ابن أبي الربيع‪" :‬لزمت مجلسه وقرأت عليه جميع كتاب الإيضاح وأكثر كتاب سيبويه‪ ،‬وسمعت بعضه‬
‫بقراءة غيري‪ ،‬وقرأت عليه بعض الحماسة الأعلمية‪ ،‬وبعض الأمثال لأبي عبيد‪ ،‬وسمعت عليه بقراءة غيري‬
‫بعض شعر حبيب‪ ،‬وبعض الأمالي للبغدادي‪ ،‬وبعض المفصل للزمخشري ‪ ...‬إلى أن يقول‪ :‬وكانت‬
‫الجزولية تقرأ عليه وأنا أسمعُ‪ ،‬وأجازني جميع ما رواه عن شيوخه"‪.٣‬‬
‫‪ -٧‬أبو عمر محمد بن إبراهيم الإشبيلي المعروف بابن زغلل‪ .٤‬كان فقيها ً حاف ِظاً‪ ،‬عارفا ً بالنوازل‪ ،‬فرضياً‪.‬‬
‫قال ابن أبي الربيع‪ :‬فيما حمله عنه‪" :‬حملتُ عنه إجازة كتاب ابن القاسم الحوفي في الفرائض‪ ،‬وحدّثني به‬
‫عن القاضي أبي القاسم المذكور) ‪.٥‬‬
‫‪ -٨‬أبو عمر محمد بن أحمد بن هارون التميمي الإشبيلي‪ .٦‬أخذ عن أبيه أبي القاسم‪ ،‬وأبي الحسن بن خروف‪،‬‬
‫وابن طلحة‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال ابن أبي الربيع فيما قرأه وسمعه عليه وأجازه روايته‪" :‬قرأت عليه الكتاب‬

‫‪ ١‬برنامج ابن أبي الربيع ‪.٢٦٢‬‬


‫‪ ٢‬ينظر اختصار القدح المعلى ‪ ،١ ٥ ٢‬وصلة الصلة ‪ ،٧ ١ -٧ ٠‬وشيوخ الرعينى ‪ ،٨٣‬وإنباه الرواة‬
‫‪ ،٢/٣٣٢‬ووفيات الأعيان ‪ ،٤٥ ٢ -٤٥ ١ /٣‬وسير أعلام النبلاء‪.٢ ٠ ٨ -٢ ٠ ٧ /٢٣‬‬
‫‪ ٣‬برنامج ابن أبى الربيع ‪.٢٥٩ -٢٥٨‬‬
‫‪ ٤‬ينظر الذيل والتكملة ‪.١٠٥ /٦‬‬
‫‪ ٥‬برنامج أبن أبى الربيع ‪.٢٦٢‬‬
‫‪ ٦‬ينظر‪ :‬الذيل والتكملة ‪ ،٣٢ /٦‬وغاية النهاية ‪.٩٠ /٢‬‬
‫العزيز بقراءات السّبعة حسب ما تض ََّم‪9‬ن َه ُ كتاب الكافي‪ ،‬وبالإدغام الكبير‪ ،‬وبقراءة يعقوب‪ ،‬وسمعت منه‬
‫كتاب الكافي لأبي عبد الله بن شريح‪ ،‬وقرأت عليه كتاب المفردات من تأليفه وتأليف ابنه شريح‪ ،‬والجمل‬
‫م َّرتين‪ ،‬والت ّبصرة للصّ يمري والأشعار السّتة َ والفصيح وعرضتها عليه‪ ،‬وأدب الكاتب وعرضته عليه من أوله‬
‫إلى (إقامة الهجاء) ‪ ،‬وإصْ لاح المنطق‪ ،‬وعرضته عليه دولا‪ ،‬والحماسة الأعلمي ّة وعرضتها عليه دولا إل َا ّ يسيرا ً‬
‫من آخرها‪ ،‬وأجازني جميع مما رواه عن جميع شيوخه"‪.١‬‬
‫‪ -٩‬أبو الفتوح عمر بن فاخر العبدري‪ ٦٣٦ - ... ( ٢‬هـ) كان فقيها ً أصولياً‪ ،‬عالما ً بالنحو‪.‬‬
‫قالت ابن أبي الربيع‪ .." :‬أخذت عنه المستصفى بين قراءة وسماع‪ ،‬وسمعت عليه أبعاضا ً من كتب الفقه"‪.٣‬‬
‫‪ -١٠‬أبو القاسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن القرطبي الأموي قاضي الجماعة المعروف بابن بقي (‪-٥٣٧‬‬
‫‪ ٦٢٥‬هـ) ‪.‬‬
‫معروف بالعلم والن ّباهة‪ ،‬لم تزل خ َّ ‪9‬‬
‫َطة القضاء متداولة في سلفه ‪.٤"٠٠‬‬ ‫ٌ‬ ‫قال الرعيني في برنامجه‪" :‬بيته بقرطبة‬
‫ن شيَء ٍ في بابه‪.٥‬‬
‫وكان عالما ً باللغة العربية‪ ،‬ألف كتابا ً في الآيات المتشابهات أحس ُ‬
‫خ كبير فسمعت عليه بعض كتاب الكافي لأبي عبد الله بن‬
‫قال ابن أبي الربيع‪" :‬قدم َ علينا إشبيلية وهو شي ٌ‬
‫شريح‪ ،‬وبعض كتاب الموطأ رواية يحيى بن يحيى وأجاز لي جميع ما رواه عن جميع شيوخه‪.٦".. .‬‬

‫‪ ١‬ينظر‪ :‬برنامج ابن أبى الربيع ‪.٢٥٦‬‬


‫‪ ٢‬ينظر‪ :‬صلة الصلة ‪ ،٢١٩‬وبغية الوعاه ‪.٢٤٤ /٢٥‬‬
‫‪ ٣‬ينظر‪ :‬برنامج ابن أبى الربيع ‪.٢٦٢‬‬
‫‪ ٤‬برنامج شيوخ الرعينى ‪.٥٣ -٥٠‬‬
‫‪ ٥‬تاريخ قضاة الأندلس ‪.١٧‬‬
‫‪ ٦‬برنامج ابن أبى الربيع ‪.٢٦٠‬‬
‫ل من خيار المسلمين‬
‫‪ -١١‬أبو محمد عبد الله بن محمد الجذامي الشّلطيشي‪ .‬قال عنه الرعيني‪" :‬هذا رج ٌ‬
‫وصلحائهم"‪.١‬‬
‫كان عالما ً بالفقه المالكي‪ ،‬محصلَا له حفظا ً وإتقاناً‪ ،‬مجودا ً لتوجيه أقوال أصحابه‪ ،‬مستقلا ً بترجيح ما يجري‬
‫على أصوله‪.٢"..‬‬
‫قال ابن أبي الربيع‪" :‬قرأت عليه بعضا ً من كتاب المختصر لأبي محمد بن زيد‪ ،‬وسمعت منه بعضا ً ولم أكمله‪،‬‬
‫وسمعت عليه بعضا ً من كتب الفقه"‪.٣‬‬
‫‪ -١٢‬أبو محمد عبيد الله بن علي بن محمد الأنصاري الأشجعي المعروف بابن سناري (‪ ٦٤٧-٥٧٦‬هـ) ‪.‬‬
‫يعد من أهل النباهة والفهم والتيقظ والاستنباط الحسن‪ ،‬له جوابات فيما سئل عنه تدل على متانة علمه‪.٤‬‬
‫قال ابن أبي الربيع‪" :‬سمعت عليه المستصفى وأبعاضا ً من كتب فقهي ّة‪ ،‬وأجازني كتاب البراذعي‪ ،‬ح َّ ‪َ9‬دثني به‬
‫عن أبي الحسن الأبياري"‪.٥‬‬

‫‪ ١‬برنامج شيوخ الرعينى ‪.٤٢‬‬


‫‪ ٢‬المصدر السابق‪ ،‬والتكملة ‪.٩٠٨ /٢‬‬
‫‪ ٣‬برنامج أبن أبى الربيع ‪.٢٦٣‬‬
‫‪ ٤‬ينظر‪ :‬التكملة ‪.٥/٩٠٨‬‬
‫‪ ٥‬برنامج ابن أبى الربيع ‪.٢٩٢ -٢٦١‬‬
‫المبحث الثالث‪ ‌:‬تلاميذه‬
‫امتدّت الحياة بابن أبي الربيع نحوا ً من تسعين سنة قضاها أو قضى جُل ّها في ميدان العلم الواسع‪ ،‬تحصيلا ً له‬
‫في مرحلة التحصيل وبذلا ً له في مجال التعليم والتدريس "معانا ً على علمه بما جبل عليه من انقباض عن‬
‫س ومباعدة أهل الدنيا وقل ّة العيال وشغل البال‪ ،‬منعكفا ً على التدريس والتعليم"‪.٦‬‬
‫النا ِ‬

‫‪ ١‬برنامج شيوخ الرعينى ‪.٤٢‬‬


‫‪ ٢‬المصدر السابق‪ ،‬والتكملة ‪.٩٠٨ /٢‬‬
‫‪ ٣‬برنامج أبن أبى الربيع ‪.٢٦٣‬‬
‫‪ ٤‬ينظر‪ :‬التكملة ‪.٥/٩٠٨‬‬
‫‪ ٥‬برنامج ابن أبى الربيع ‪.٢٩٢ -٢٦١‬‬
‫‪ ٦‬برنامج أبن أبى الربيع مقدمة ابن الشاط ‪.٢٥٥‬‬
‫وهذا العمر الطويل في ميدان العلم لعالم كابن الربيع قد هيأ الفرصة لجمع غفير من الطلاب والدارسين الذين‬
‫قصدوا مجلسه وحلقة دروسه في مدينة إشبيلية قبل انتقاله منها‪ ،‬وفي مدينة سبتة بعد هجرته إليها‪ ،‬لكنّ العدد‬
‫ل بكثير مم ّا يتوقع‪ ،‬وربما كان له طلاب‬
‫الذي أوردته بعض المصادر وكتب البرامج والفهارس الأندلسية أق ّ‬
‫غير من ذكروا‪ .‬وقد سبق لي حديث عن تلاميذه الذين وقفت عليهم في دراسة السفر الأولى من كتاب‬
‫الملخص في ضبط قوانين العربية‪ ،١‬واكتفي بذكر بعض مشاهير طلابه الذين عرفوا بعلمهم وخلدوا بآثارهم‬
‫الباقية من بعدهم‪.‬‬
‫أبو إسحاق الغافقي الإشبيلي (‪ ٧١٦ - ٦٤١‬هـ) ‪:٢‬‬
‫الإشبيلي يكنى بأبي إسحاق‪ ،‬خرجت به أسرته من إشبيلية بعد سقوطها‬
‫هو إبراهيم بن أحمد بن عيسى الغافقي ِ‬
‫في أيدي الصليبيين‪ ،‬فقصدت به سبتة مهاجر الأندلسيين أيام المحنة‪ ،‬وفي سبتة قدر له الاتصال بابن أبي‬
‫الربيع وملازمته والأخذ عنه حتى استكمل تحصيله في مختلف العلوم التي واظب على تحصيلها‪ ،‬وقد خلف‬
‫ابن أبي الربيع للتدريس‪ ،‬فكان منه مكان ابن أبي الربيع من شيخه أبي علي الشلوبين يوم خلفه على كرسي‬
‫الدرس في جامع إشبيلية‪ ،‬أخذ عنه أبو عبد الله محمد البيري‪ ،٣‬وشمس الدين محمد بن جابر الوادي آشي‪،٤‬‬
‫ويوجد الجزء الرابع من الكافي في الإفصاح عن مسائل كتاب الإيضاح بخط إبراهيم الغافقي هذا بالخزانة‬
‫العامة بالرباط تحت الرقم ‪ ٣٧٩‬ك‪.‬‬
‫أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي الأندلسي‪ ٧٠٨-٦٢٧( ٥‬هـ) ‪ :‬قال عنه ابن جابر في‬
‫برنامجه‪" :‬أشهر من أن يعرف به‪ ،‬ذو التواليف الجمة‪ ،‬والعلم الغزير‪ ،‬أستاذ بلده"‪.٦‬‬

‫‪ ١‬ينظر الملخص ‪ ،٣٧-٢٦‬والبسيط ‪.٦٧-٥ ١ /١‬‬


‫‪ ٢‬برنامج الوادي آشي ‪ ،١٦٦‬وغاية النهاية ‪ ،١/٨‬وبغية الوعاة ‪ ،٤ ٠ ٥ /١‬ودرة الحجال ‪..١/١٧٦‬‬
‫‪ ٣‬برنامج المجاري ‪.١٠٣ ،١٠١ ،١٠٠ ،٩٨‬‬
‫‪ ٤‬برنامج الوادي آشي ‪.١١٦‬‬
‫‪ ٥‬المصدر السابق ‪ ،١ ٠ ٤ -١ ٠٣‬الديباج المذهب ا‪٨٨ /‬ا‪ ،‬غاية النهاية ‪.١/٣٢‬‬
‫‪ ٦‬المصدر السابق ‪ ،١ ٠ ٤ -١ ٠٣‬الديباج المذهب ا‪٨٨ /‬ا‪ ،‬غاية النهاية ‪.١/٣٢‬‬
‫أخذ عن جماعة من العلماء‪ ،‬فيهم ابن أبي الربيع‪ ،‬وأبو الحجاج يوسف بن إبراهي المالقي‪ ،‬وأبو عبد الله محمد بن‬
‫يوسف المالقى‪ ،‬وابن سيد الناس‪ ،‬ومن تلاميذه ابن جابر الوادي آشي‪.‬‬
‫ابن الشاط (‪ ٧٢٣ -٦٤٣‬هـ) ‪:١‬‬
‫هو قاسم بن محمد الأنصاري السبتي المعروف بابن الشاط‪ ،‬صحب ابن أبي الربيع وأخذ عنه‪ ،‬صنف مصنفات‬
‫منها كتاب الإشراف على الشرف برجال سند البخاري‪.‬‬
‫التجيبي (‪ ٧٣٠ -‬هـ) ‪:٢‬‬
‫هو القاسم بن يوسف بن محمد التجيبي البلنسي السبتي‪ .‬كان عالما ً ضابطاً‪ ،‬أخذ عن طائفة من أئمة العلم في‬
‫عصره‪ ،‬ولازم ابن أبي الربيع أخذا ً عنه‪ ،‬وراويا ً أو سامعاً‪ ،‬وهو آخر من درسوا في حلقة ابن أبي الربيع‪،‬‬
‫وروى عنه تفسير الكتاب العزيز وإعرابه‪ ،‬قال يا صفة أخذه‪" :‬سمعت طائفة ً منه من لفظه‪ ،‬وأجازني‬
‫جميعه"‪.‬‬
‫ابن رشيد (‪ ٧٢١ -٦٥٧‬هـ) ‪:٣‬‬
‫هو محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن إدريس الفهري أبو عبد الله المشهور بابن رشيد‪ ،‬أخذ العلم عن أئمة‬
‫عصره‪ ،‬فأخذ عن أبي الربيع النحو والقراءات‪ ،‬وقيد تقييدا ً حسنا ً على سيبويه‪ ،‬له مؤلفات نافعة‪ ،‬من‬
‫أشهرها ملء العيبة‪ ،‬وتقييد على سيبويه‪ ،‬والسنن الأبينَ في السند المعَنْع َنْ ‪.‬‬

‫‪ ١‬ينظر برنامج ابن جابر الوادى آشي ‪ ،١ ٧ ٠‬والاحاطة ‪ ،٢ ٥ ٩ /٢‬ودرة الحجال ‪.٣٧ ٠ /٣‬‬
‫‪ ٢‬ينظر الدرر الكامنة ‪ ،٣٤٠ /٣‬وفهرس الفهارس والأثبات ‪.١٩ /١‬‬
‫‪ ٣‬الوافي بالوفيات ‪ ،٢٨٤ /٤‬والاحاطة ‪ ،١٥٣ /٣‬وأزهار الرياض ‪.٣٤٧ /٢‬‬
‫المبحث الرّابع‪ ‌:‬مكانته العلمية‬
‫ح َّ ‪َ9‬ق ْ‬
‫قت له طموحه في الت ّحصيل العلمي‪ ،‬والاطلاع الواسع على موارد‬ ‫ق ُ ‪ِ9‬دِّر َ لابن أبي الربيع نشأة علمية متمي ّزة َ‬
‫العلم المختلفة‪ ،‬والإحاطة بأكثر العلوم العقلية والنقلية التي كانت شغل العالمين والدارسين في عصره‪ .‬ولذا‬
‫نجده ينعت باللغوي والنحوي‪ ،‬والفرضي‪ ،‬وإمام المقرئين‪ ،‬الحافظ‪ ،‬الحسابي المتقن‪.‬‬
‫وهذه النعوت تدل على تمكنه من أكثر الفنون وتحقيقه فيها‪ ،‬و َلَئن كانت السمة الغالبة على آثاره الموجودة‬
‫والمذكورة في مصادر ترجمته تنحصر في علم النحو والتصريف وما يتصل بهما إ َّ ‪9‬‬
‫َن له مشاركة وتمكنا ً في أكثر‬
‫العلوم التي واظب على دراستها طالبا ً َّ‬
‫يتلقَى‪ ، 9‬وعالما ً يُعطى ثمرة تحصيله العلمي ونتيجة نشاطه وعصارة فكره‬
‫لطلابه في الحديث وفقه ورجاله إسناده‪ ،‬والفقه وأصوله‪ ،‬وفي القراءات والتفسير‪ ،‬والفرائض‪ ،‬بله النحو‬
‫والصرف وعلوم اللغة العربية وقد أفاضت كتب التراجم والفهارس والبرامج بابن أبي الربيع وأبانت عن‬
‫مكانته بين علماء عصره‪ ،‬فتلميذه ابن الشاط يقول‪ :‬في شأنه‪" :‬أعلم م َن لقيناه‪ ،‬وأعظم م َنْ روينا عنه العلم‬
‫ولقن ّاه‪ ،‬وأج ُّ ‪9‬‬
‫ُل م َنْ نظم بين يديه اجتماعنا وعظم بما لديه انتفاعنا"‪.١‬‬
‫ويقول تلميذه التجيبي‪" :‬شيخ الأستاذين‪ ،‬وإمام المقرئين‪ ،‬وخاتمة المعربين العلامة الأوحد‪ ،‬الحافظ النحوي‬
‫اللغوي الحسابي‪ ،‬الفرضي"‪.٢‬‬
‫وقال السيوطي‪" :‬إمام أهل النحو في زمانه‪ ،‬ولم يكن في طلبة الشلوبين أنجب منه"‪.٣‬‬
‫وقال ابن القاضي‪" :‬كان إليه المفزع في المشكلات بصيرا ً بالفقه وأصوله والقراءات والحساب‪ ،‬والفرائض‪،‬‬
‫وإمام الناس في النحو‪.٤".‬‬

‫‪ ١‬مقدمة برنامج ابن أبى الربيع ‪.٢٥٥‬‬


‫‪ ٢‬برنامج التجيبى ‪.١٦‬‬
‫‪ ٣‬بغية الوعاة ‪.١٢٥ /٢‬‬
‫‪ ٤‬درة الحجال ‪.٧١ /٣‬‬
‫هذه أمثلة من شهادات بعض العلماء الذين ات ّصلوا به وقيدوا عنه‪ ،‬والذين رووا طرفا ً من سيرته العلمية‪ ،‬و َهِي‬
‫ل على ما بلغه ق َ ْدرُه ُ‪ ،‬وما انتهت إليه شهرتُه ُ في العلم والتدريس والإجازة‪ ،‬فقد كان مقصد الدارسين من‬
‫تد ّ‬
‫كل فج‪ ،‬وحديث العلماء في المشرق والمغرب‪ ،‬الذين تناقلوا أخباره وتداولوا كتبه يفيدون منها ويتدارسونها‬
‫ويفزعون إليها في مواطن الاختلاف وتحرير المسائل‪ ،‬وحسبه أن ي َسْتخلفه شيخه أبو علي الشلوبين على كرسيه‬
‫في الجامع الأعظم بإشبيلية ليقوم بدرسه من بعده‪ ،‬فقام به خير قيام وأدّى أداءه ُ في توجيه المسائل‬
‫الدقيقة‪ ،‬باستقصاء أطرافها واستجلاء غوامضها‪ ،‬م ِ َّمَا ‪ 9‬أعلى قدره يومئذٍ بين الدارسين فاشرأبت إليه الأعناق‪،‬‬
‫وتزاحمت في حلقة دروسه مناكب طلاب العلم على مختلف مراحلهم ودرجاتهم‪ ،‬وحسبه أن كان من آخر‬
‫المقرئين لكتاب سيبويه العارفين بغوامضه الفاتحين مغاليقه المقربين ما تناء من مسائله‪ ،‬العالمين بعويصه‬
‫ومشكله‪ ،‬وقد ُأعين على ذلك بالانقطاع إلى العلم ومباعدة أهل الدنيا وقلة الصوارف والعيال‪.١‬‬

‫‪ ١‬صلة الصلة ‪.٨٣‬‬


‫المبحث الخامس‪ ‌:‬وفاة ابن أبي الربيع وآثاره‬
‫أ‪ -‬وفاته‪ :‬كان ابن أبي الربيع م ِم ّنْ نسأ الله له في الأجل وبارك له في حسن العمل‪ ،‬فقد أمضى سِنيّ حياته‪-‬‬
‫التي قاربت التسعين عاما ً في محراب العلم‪ ،‬طالبا ً يتلقىّ وعالما ً يعطى ثمار ما ح َََّص‪ 9‬لَه من العلم لطلاب العلم‬
‫والد ّارسين علما ً منظما ً ورواية م ُسن َدة ً‪ ،‬وإجازة ً باقية ً‪ ،‬وكان آخر عمل أراد أ ْن يَطْوي به رحلته الطويلة في‬
‫الدرس والتأليف‪ ،‬ويختم به نشاطه العلمي هو تفسير الكتاب العزيز وإعرابه‪ ،‬فقد شرع في إملاء ما أَ ع َّ ‪َ9‬ده ُ في‬
‫وقراءات على القرآن الكريم‪ ،‬وفيما كان يتوجه هذا العمل بين يديه أتاه اليقين‬
‫ٍ‬ ‫وإعراب‬
‫ِ‬ ‫آخر أيامه من تفسير‬
‫صبيحة َ يوم الجمعة السّادس عشر من شهر صفر من سنة ‪ ٦٨٨‬هـ‪.‬‬
‫شروحات على بعض كتب المتقدمين‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ب‪ -‬آثاره‪ :‬يكاد نشاط ابن أبي الربيع في التأليف‪ ،‬وما أع َّ ‪َ9‬ده من‬
‫ل بهما‪ ،‬أمّا في مجال التدريس فقد امتدّت دروسه إلى‬
‫وتقييدات ينحصر في مجال النحو والصرف وما يتص ُ‬
‫العلوم العقلية والنقلية فكان له دروس في القراءات‪ ،‬وفي الحديث ورجاله‪ ،‬والفقه وأصوله‪ ،‬وفي التفسير‪،‬‬
‫والفرائض‪ ،‬وغيرها‪ .‬ولكن دروسه في النحو والصرف كانت تستأثر باهتمام أكبر منه‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن هذا الميدان‬
‫كان ميدان تخصصه‪ ،‬فقد حققّ العلم بهذا الفن وأحاط بشوارده‪ ،‬لذلك كان نشاطه في التأليف والشروح‬
‫منحصرا ً فيهما‪ ،‬ولا يبعد أن تكون له آثار في بعض الفنون التي أفسح لها في حلقات دروسه‪ ،‬وأعطى فيها‬
‫إجازة باقية ورواية متصلة لأ َّ ‪9‬‬
‫َن المصادر التي بين أيدينا‪ ،‬وكتب البرامج الموجودة لا تنفي أن يكون له نشاط‬
‫علمي في غير النحو والصرف ولكنها غير صريحة في ما تعزو إليه فيما عدا الرواية وإجازته ُ لبعض العلوم‪،‬‬
‫في ْبقى البحث مع ما ذكر له من الآثار الباقية والمفقودة‪ ،‬المطبوعة والمخطوطة‪ ،‬وق ْد سبق لنا دراسة هذه‬
‫الإعادة والتكرار لما تطر ّق إليه‬ ‫الآَثار في السفر الأ ََّو‪9‬ل من كتابه َّ‬
‫الملَخ‪ 9‬ص في ضبط قوانين العربية بما يغني عن ِ‬
‫البحث هناك‪ ،‬وإنما نُشير في البحث هنا إشارة موجوزة إلى هذه الآثار‪ ،‬ونتوجه بالدراسة لكتابه (تفسير‬
‫الكتاب العزيز وإعرابه) موضوع هذه الدراسة‪ ،‬وبخاصة ما يتعلق بالقضايا النحوية والصرفية في السفر‬
‫الموجود من هذا الكتاب‪ .‬والسمة الغالبة على ابن أبي الربيع في أعماله وآثاره الموجودة أو المفقودة هي الشرح‬
‫والتقييد على كتب المتقدمين التي كانت تقرأ عليه في حلقة دروسه‪ ،‬ولذا تعددت شروحاته عليها‪ ،‬حسب ما‬
‫الإيجاز والبيان والتفصيل‪ ،‬ونعرض هنا لآثار ابن أبي الربيع وفق ما أوردته‬
‫يقتضيه حال الدارسين في ِ‬
‫المصادر التي وقفنا عليها‪:‬‬
‫ح على كتاب الجمل للزجاجي‪ ،‬وله على هذا الكتاب عِدّة شروحات فيها المختصر‬
‫كتاب البسيط‪ :‬وهو شر ٌ‬
‫والمبسوط‪ ،‬وقد أورده بهذا الاسم غير واحد من علماء عصره ومم ّن جاء من بعده‪ ،‬قال تلميذه القاسم بن‬
‫يوسف التجيبي في برنامجه‪( :‬وله على كتاب الجمل المذكور عدة شروحات أعظمها الكتاب الموسوم بالبسيط‪،‬‬
‫ظه َر َ ف ِيه ِ حفظ ُه ُ وتبريزه‪.‬‬
‫مجلّدات َ‬
‫و َه ُو في عدّة ُ‬
‫محقّق الكتاب‬
‫ويبدو أنه شرع في هذا الش ّرح وهو في مدينة إشبيلية‪ ،‬وأتّمه ُ في مدينة سبته‪ ،‬هذا ما توصل إليه ُ‬
‫الزميل الدكتور عياد الثبيتي لقول ابن أبي الربيع في مقدمة الكتاب‪..( :‬وكان الذ ّي أعانني على إكماله وتتميمه‬
‫ل لسان‪ ،‬الّذي ع َم ّت‬
‫الذ ّي اتفق الأنام على فضله وتقديمه‪ ،‬فخر الز ّمان المذكور بكل مكان‪ ،‬المشكور على ك ّ‬
‫فضائله‪ ،‬وانتشرت في الورى فواضله‪ ..‬الفقيه الأوحد‪ ،‬الأسنى الأفضل أبو القاسم محمد ابن الإمام العلامة‬
‫المحدث الراوية أبو العباس أحمد ‪. ) ...‬‬
‫وأبو القاسم هذا هو أمير سبتة وطنجة إب ّان قدوم ابن أبي الربيع إليها‪ ،‬ولا يبعد ُ ما ذ ُك ِر في زمن تأليف هذا‬
‫الشرح عن الصواب‪ ،‬فإن الفترة التي أمضاها ابن أبي الربيع في مدينة إشبيلية أكثر من الفترة التي قضاها في‬
‫ن حياته في مجال التدريس في مدينة إشبيلية لا تقل عن خمس وعشرين سنة‪ ،‬وهي‬
‫مدينة سبتة‪ ،‬والمظنون أ ّ‬
‫فترة حافلة بالحيوية وحسن الأداء في الدرس والتأليف والشرح والتقييد‪.‬‬
‫يُوجد ُ من هذا الكتاب السفر الأول يبدأ بالكلام على قول الزجاجي‪( :‬أقسام الكلام ثلاثة) (‪ )١‬وينتهي‬
‫ل‬
‫بالكلام على قول الزجاجي في الصفة المشبهة (والوجه الحاد عشر أجازه سيبويه‪ ،‬وهو قولك‪ :‬مررت برج ٍ‬
‫ن وجهه ِ ‪( . )٢( )٠٠‬وقد قام بتحقيقه ونال به درجة الدكتوراه الزميل عياد الثبتي وهو مطبوع في‬
‫حس ٍ‬
‫دار العرب الإسلامي في مجلدين) ‪.‬‬
‫الشرح الأوسط على كتاب الجمل‪:‬‬
‫أورده التجيبي في برنامجه (‪ )٣‬ويوجد الجزء الأول منه في المغرب بخزانة ابن يوسف بمراكش‪ ،‬تحت الرقم‬
‫(‪ )١٠٠‬كتب سنة ‪ ٧٢٤‬هـ بخط أندلسي‪ ،‬واسم الناسخ محمد بن أحمد بن مخلوف‪ ،‬وعليها تملك باسم إبراهيم‬
‫الرشيد بن عبد الله بن محمد (‪. )٤‬‬

‫(‪ )١‬البسيط ‪ )٢( .١/١٥٧‬البسيط ‪.١٠ ١١ -٢/١٠٩٩‬‬


‫(‪ )٣‬برنامج التجيبى ‪ )٤( .٢٨٠‬ينظر البسيط ‪.٧٠ /١‬‬
‫الإفصاح عن مسائل كتاب الإيضاح (‪: )١‬‬
‫كتاب الكافي في ِ‬
‫هذا هو عنوان الكتاب وفق ما أثبته ابن أبي الربيع في المقدمة التي استهل العمل بها في هذا الشرح‪ ،‬وس ََّم ‪9‬اه‬
‫الإيضاح ( ‪ ، )٢‬وفي بعض المصادر‬
‫القاسم بن يوسف التجيبي في برنامجه الكافي في الإفصاح عن نكت ِ‬
‫الإيضاح في أكثر المصادر التي تورده أو تورد نقلا ً عنه‪ ،‬والكتاب‬
‫ي بالإفصاح (‪ ، )٣‬وربّما س ُم ّي شرح ِ‬
‫س ُِم ‪َ ِّ9‬‬
‫ي‬
‫من أوسع الشروحات التي قدمت على كتاب الإيضاح وأفضلها في ع َْرض المادة العلمية ومناقشتها وتَقص ِ ّ‬
‫مسائل الخلاف‪ ،‬وتحرير القول فيه بالدليل وبالقياس‪.‬‬
‫وقد سبق لي حديث عنه فيما كتبته على الملخص في ضبط قوانين العربية (‪. )٤‬‬
‫توجد لهذا الكتاب نسخ مفرقة في مكتبات وخزائن المغرب‪ ،‬وهي تكمل الكتاب بأجزائه الأربعة‪.‬‬
‫فيوجد منه الجزء الأول في خزائن القرويين تحت الرقم (‪ ، )٥١٣‬وله نسخة ثانية في الخزائن الحمزية تحت‬
‫الرقم (‪ ، )١٧‬وله نسخة ثالثة في مكتبة الجامع الكبير بمكناس تحت الرقم (‪. )٤١١‬‬
‫الجزء الثاني‪ .‬توجد له نسختان‪ :‬الأولى بالخزانة الملكية تحت الرقم (‪ ، )٥٢٩٨‬والثانية بالزاوية الحمزية تحت‬
‫الرقم (‪. )١٧‬‬
‫الجزء الثالث‪ ،‬توجد له نسخة نادرة بخط ابن آجروم‪ .‬بفاس‪.‬‬
‫وله نسخة ثانية بالخزانة الحمزية تحت الرقم (‪ ، )٤١‬وبها خرم ٌ من أولها وآخرها‪.‬‬
‫الجزء الرابع‪ ،‬توجد له نسخة نادرة كتب بخط أحمد بن إبراهيم الغافقي تلميذ ابن أبي الربيع كتبت في شهر‬
‫شوال سنة ‪ ٦٥٨‬هـ‪ .‬توجد في صدر هذا الجزء إجازة لأبي مروان‬

‫(‪ )١‬اللوحة ‪ ٤‬من الكافى السفر الأول‪.‬‬


‫(‪ )٢‬برنامج التجيبى ‪.٢٨٧‬‬
‫الإسلام للذهبى حوادث سنة ‪٦٨٨‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )٣‬تاريخ ِ‬
‫(‪ )٤‬الملخص ‪.١/٥١‬‬
‫عبد الملك بن شعيب القشتالي بخط ابن أبي الربيع نفسه‪ .‬والنسخة بالخزانة العامة بالمغرب تحت الرقم (‬
‫‪)٣٧٩‬‬
‫وله نسخة ثانية بالخزانة الحمزية تحت الرقم (‪. )٤١‬‬
‫كتاب الملخص في ضبط القوانين العربية‪:‬‬
‫خ في المغرب وأسبانيا ويقع في جزء ين‪ ،‬الأول خاص بالنحو‪ ،‬والثاني خاص بالصرف‪ ،‬وقد حقق‬
‫وله نس ُ‬
‫الأول لدرجة علمية وطبع في عالم الكتب سنة ‪ ١٤٠٥‬هـ‪.‬‬
‫وحقق الثاني وطبع في الباكستان طباعة مشوهة تداخلت فيها نصوص الكتاب بالحواشي والتعليقات مما دعا‬
‫إلى إيقاف توزيع الكتاب‪.‬‬
‫تقييد على كتاب سيبويه‪:‬‬
‫تذكره بعض المصادر بهذا العنوان (‪ ، )١‬وبعض منها يذكر أ ََّن ‪9‬ه تعليق على سيبويه (‪ ، )٢‬وبعض منها يورده‬
‫ل القول بأنه تقييد على كتاب سيبويه هو الأقرب إلى الصحة من سائر‬
‫بعنوان شرح سيبويه (‪ ، )٣‬ولع ّ‬
‫العنوانان التي ذكرت‪ ،‬ولم يرد نقل عن هذا الكتاب في المصادر والكتب التي تورد أقوال ابن أبي الربيع‪ ،‬مم ّا‬
‫ل على اختفاء هذا التقييد في فترة متقدمة من التاريخ قبل أن تتداوله أيدي ُّ‬
‫الُن ‪9‬ساخ والوراقين وربما يوجد‬ ‫يد ّ‬
‫تحت غير هذا العنوان من الشروح والتقييدات المجهولة المؤلف‪.‬‬
‫كان ماذا‪:‬‬
‫هذا كتاب ردّ به ابن أبي الر ّبيع على مالك ابن المرحل لورود هذا التركيب في قول م َال ِك هذا‪:‬‬
‫وإذا عشقت يكون ماذا‪ ،‬هل لّه ‪ ...‬دين عل ََّى‪ 9‬فيفتدى ويرو ُ‬
‫ح‬

‫(‪ )١‬ينظر الإحاطة ‪.١٤٦ /٣‬‬


‫(‪ )٢‬ينظر تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة ‪ ٦٨٨‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )٣‬بغية الوعاة ‪.١٢٥ /٢‬‬
‫فأنكر ابن أبي الربيع هذا التركيب بقوله‪ :‬لحن هذا الناظم‪ ،‬لا يقال كان ماذا‪ ،‬ولا يكون ماذا‪ ،‬ولا أفعل‬
‫ماذا‪ ،‬ولا يجوز ما كان على هذه الطريقة (‪. )١‬‬
‫وهذا الكتاب مفقود مع باقي آثار ابن أبي الربيع المفقودة ومن المحتمل يكون هذا الرد رسالة صغيرة الحجم لا‬
‫كتابا ً مبسوطاً‪.‬‬
‫الإيضاح‪:‬‬
‫الشرح الصّ غير على كتاب ِ‬
‫ل الله أن يظهره للباحثين والد ّارسين‪ ،‬ويبدو‬
‫هذا الكتاب من آثار ابن أبي الربيع التي مازالت مفقودة‪ ،‬ولع ّ‬
‫أنه من كتبه التي لم يجر تداولها كثيرا ً بين العلماء بدليل عدم ذكره في أكثر الكتب التي أوردت كتب ابن‬
‫أبي الربيع‪ ،‬كما لم يرد عنه نقل كما نقل عن غيره‪ ،‬ويكاد القاسم بن يوسف التجيبي ينفرد بذكره فقد أورده‬
‫لا مقام الاستدراك على شيخه أبي الحسن بن أبي الربيع في ع ّده ِ عبد الله بن مسعود من العبادلة‪ ،‬وهو ليس‬
‫منهم‪ ،‬ومما قاله التجيبي‪:‬‬
‫(وقد سها شيخنا الإمام أبو الحسن بن أبي الربيع‪ -‬رحمه الله‪ -‬في ذلك فعدّه فيهم في شرحه الصغير لكتاب‬
‫إيضاح الفارسي وفي غيره من تآلفه ‪. )٢( )٠٠‬‬
‫تفسير الكتاب العزيز وإعرابه‪:‬‬
‫وهو آخر أعمال ابن أبي الربيع العلمية‪ ،‬وخاتمة نشاطه العلمي في الدرس والمراجعة والتأليف‪ ،‬وسيفرد ببحث‬
‫في هذه الدراسة إن شاء الله‪ ،‬يتناول توثيق نسبته والقدر الذي انتهى إليه فيه ابن أبي الربيع‪ ،‬ودراسة‬
‫المسائل النحوية والصرفية في الجزء الموجود منه‪.‬‬

‫(‪ )١‬النبوغ المغربي ‪.٦٤‬‬


‫(‪ )٢‬برنامج التجيبي ‪.٢٨٠‬‬
‫‌‌دراسة المسائل العربية في تفسير الكتاب العزيز وإعرابه‬
‫‌‌توثيق نسبة الكتاب لمؤلفه ابن أبي الربيع‬
‫‪...‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫دراسة المسائل العربية في تفسير الكتاب العزيز وإعرابه‪ ،‬وفيه مباحث‬
‫المبحث الأول‪ :‬توثيق نسبة الكتاب لمؤلفه ابن أبي الربيع‬
‫هذا الكتاب هو آخر أعمال ابن أبي الربيع‪ ،‬وخاتمة نشاطه العلمي في الدرس والمراجعة والتصنيف‪ ،‬وهو من‬
‫م ُصن ّفات ابن أبي الربيع التي لم يرد لها ذكر في أكثر كتب التراجم والبرامج التي ترجمت ابن أبي الربيع‬
‫وأوردت أسماء مؤلفاته أو شروحا ته على كتب المتقدمين‪ ،‬كما لم يرد عنه نقل في المصادر التي أوردت‬
‫أقوالا ونقولات عن كتب ابن أبي الربيع‪ ،‬وإنما أورده تلميذه القاسم بن يوسف التجيبي في برنامجه‪ ،‬وقد وثق‬
‫نسبته إلى شيخه توثيقا ً لا يأفكه ارتياب ولا تسنح فيه شبهة‪ ،‬فذكر عنوان هذا التفسير وبدايته ونهايته‪،‬‬
‫والقدر الذي سمعه من إملاء شيخه‪ ،‬ثم إجازته له رواة جميع تفسيره وجميع ما رواه وألفه‪ ،‬وفيما يلي نص‬
‫كلام التجيبي عن هذا التفسير‪ ..( :‬ما تسنى لشيخنا العلامة أبي الحسن القرشي المذكور‪ -‬رحمه الله‪ -‬تعالى‬
‫من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه‪ ،‬وذلك من فاتحته إلى قوله تعالى في سورة المائدة (‪( : )١٠٩‬ويَوْم َ يَجْم َ ُع‬
‫ل م َاذ َا ُأ ِ‬
‫جب ْتُم ْ‪ ،‬قَالُوا لا عِل ْم َ لَنا ِإ ََّن ‪َ 9‬‬
‫ك أَ نتَ عَلَاّم ُ ال ْغ ُي ُوب) وعاقته المنية عن إتمامه‪ -‬رحمه الله‪-‬‬ ‫ل فَيَق ُو ُ‬
‫س َ‬ ‫الَل ‪9‬ه ُ ُّ‬
‫الُر ‪ُ 9‬‬ ‫َّ‬
‫ورضى عنه وقدس روحه وبرد ضريحه‪ .‬وهو َ آخر ُ ما ألف‪ .‬سمعت طائفة منه م ِن لفظه في الإملاء وأجازني‬
‫في جميعه‪. )..‬‬
‫كاف في نسبة هذا التفسير لابن أبي الربيع‪ ،‬وهناك من الأدلة التي توثق هذه‬
‫ٍ‬ ‫ن هذا النص‬
‫وأحسب أ ّ‬
‫النسبة وتؤكدها ما يلي‪ :‬أولا‪ :‬ورود اسم هذا التفسير في اللوحة الأخيرة من هذا الكتاب‪ ،‬ونصها‪ :‬الأول من‬
‫تفسير القرآن لابن أبي الربيع‪ -‬رحمه الله‪ -‬وإن كان في هذه قصور في البيان ونقص في العنوان فمرده إلى‬
‫الاختصار أو إلى معلومات الناسخ عن العنوان الحقيقي للكتاب‪.‬‬
‫ثائياً‪ :‬بعض الأقوال والآراء التي ناقشتها في هذا التفسير نجدها بنصها أو بنص مقارب في كتبه السابقة على‬
‫هذا التفسير‪ ،‬ومن الأمثلة التي تؤكد ما أسلفناه ما يلي‪:‬‬
‫أولا‪ :‬ما قرره في إضافة الوصف‪ -‬اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال والاستقبال وأضيف إلى المعرفة‪ ،‬كانت‬
‫إضافة على التعريف َّ‬
‫والَت ‪9‬خفيف‪ ،‬وهذا القول أورده في كتابه البسيط بعرض أشمل‪ ،‬وبيان مفصل‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬إضافة اسم الفاعل إلى الضّ مير‪.‬‬
‫ك ل ِ َّلَن ‪َ 9‬‬
‫اس ِإم َاماَ) وهذا الخلاف‬ ‫ل ِإِن ِّ ‪9‬ي ج َاع ِل ُ َ‬ ‫ِ‬
‫موضع الضمير عند الكلام على قوله تعالى‪( :‬قَا َ‬ ‫أورد الخلاف في‬
‫أورده في كتابه البسيط (‪ ، )١٠٤٩-٢/١٠٤٨/٢‬والملخص (‪. )١/١٩٢‬‬
‫الَل ‪9‬ه ُ بنِ ُورِه ِم) على أنها بمعنى الهمزة‪ ،‬قال‪ :‬والمعنى‪ :‬أذهب الله نورهم‪،‬‬
‫ج الباء في قوله تعالى‪( :‬ذ َه َبَ َّ‬
‫ثالثا ً‪ :‬خَرّ َ‬
‫وأورد شاهدين على مجيء الباء بمعنى الهمزة‪ ،‬ونقل عن ثعلب قوله‪ :‬ذهبت به وأذهبته‪ ،‬ودخلت به الدار‬
‫وأدخلته‪ ..‬إلى أن يقول‪ :‬ولا أَ عل َم ُ خلافا ً بين النحويين خلافا ً في أ َّ ‪9‬‬
‫َن الباء تكون بمعنى الهمزة إلا المبر‪ ،‬قال‬
‫ذاهب‬
‫ٍ‬ ‫بين الهمزة والباء هنا فرق‪ ،‬وذلك أنك إذا قلت‪ :‬أذهبت زيداً‪ ،‬المعنى جعلته يذهب وإن كنت غير‬
‫معه‪ ،‬وإذا قلت‪ :‬ذهبت بزيدٍ فلا تقوله حت ّى تذهب معه‪.‬‬
‫وهذا القول والتوجيه أورده ابن أبي الربيع في كتاب البسيط (‪ )١/٤١٧‬و (‪. )٢/٩٩٥‬‬
‫الَل ‪9‬ه ُ عَلى قُلُوبه ِ ْم و َعَلَى سَم ْعِه ِ ْم و َعَلَى أَ بْصَارِه ِ ْم‬
‫رابعاً‪ :‬وجّه قراءة النصب في "غشاوة" من قوله تعالى‪( :‬خَتَم َ َّ‬
‫َن الختم في القلب والعين نظير جعل‬ ‫ل عليه وختم‪ ،‬قال‪ :‬لأ ِ َّ ‪9‬‬ ‫لد ّ‬ ‫َاب ع َظ ِيم ٌ) على إضمار فع ٍ‬
‫غِشَاوَة ٌ و َل َه ُ ْم عَذ ٌ‬
‫الغشاوة على العين‪ )..‬واحتج لذلك بقول امرئ القيس‪:‬‬
‫خص بمفروك من المسك أذفرا المعنى‪ :‬ويضمّخْ ن ريح سنا‪ ،‬وحذف ي ُض ََّم‪9‬خْ نَ‪،‬‬
‫وريح سنا في حقّة حمير ّية ‪ ...‬ت ّ‬
‫ل عليه‪.‬‬
‫لأَ ن ما قبله وهو يُحلّي ْن يَد ُ ّ‬
‫وهذا التوجيه للشاهد أورده في كتاب الملخص (‪ )٣٨٥ /١‬في احْ ت ِجاجه به على نصب "شركاءهم " من‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قوله تعالى‪( :‬ف َأَ جْمع ُوا أَ مْرَك ْم و َشُرَك َآءكمْ) حيث جعل النصب هنا على إضمار فعل تقديره‪ ،‬وأَ جمعوا شركاء َ‬
‫كم بوصل الألف‪ ،‬ويكون بمنزلة قول امرئ القيس‪:‬‬
‫ريح سنا في حقّة حميرية ‪ ...‬البيت‬
‫ضِم‪ِّ9‬خْ ن ر ِْيح َ سَنَا‪ ،‬وحذف لدلالة ما قبلها عليه‪.‬‬
‫قال في توجيه البيت‪ :‬التقدير‪ :‬وي َ‬
‫تلك أهم الأدلة التي تثبت نسبة هذا التفسير لابن أبي الربيع إضافة إلى ما أورده القاسم بن يوسف التجيبي‬
‫تلميذ ابن أبي الربيع‪ ،‬وقد أفاد نص التجيبي بالإضافة إلى ن ِسْبَِه ‪ ِّ9‬الكتاب أمرين مُه َمي ْن في التوثيق‪:‬‬
‫الأول‪ :‬أن هذا التفسير كان آخر ما ألفه ابن أبي الربيع‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬تحديد القدر الذي انتهى إليه في هذا التفسير‪ ،‬فهو لم يتمكّن من إتمامه‪ ،‬بل وقف به الجهد عند آية (‬
‫‪ )١٠٩‬من سورة المائدة كما سبق في نص التجيبي‪ ،‬ورأيت بحثا ً للدكتور محمد حجي بعنوان (ابن أبي الربيع‬
‫السبتي إمام أهل النحو في زمانه) يُق َ ّدر ُ هذا التفسير بما ي َنيف عن ثلاثين جزءا ً ( ‪ ، )١‬ويبدو أنه لم يطلع‬
‫على ما أورده التجيبي في‬

‫(‪ )١‬مجلة المناهل العدد ‪ ٢٢‬الصادرة في عام ‪ ١٤٠٢‬هـ عن وزارة الشؤون الثقافية المغربية‪.‬‬
‫برنامجه عن هذا التفسير‪ ،‬وإنما ب َن َى ح ُكَم ُه ُ على ال َّ ‪9‬‬
‫َظنّ والت ّخمين وليس على الحقيقة واليقين‪ ،‬فهذا الت ّقدير الذي‬
‫انتهى إليه الدكتور محمد حجي مَب ْن ُُّي‪ 9‬على تفسير القرآن كاملَاَ‪ ،‬والّذي ثبت أ ّ‬
‫ن ابن أبي الربيع لم يكمل الجزء‬
‫السّابع من أَ جزاء القرآن الكريم لل َّ ‪9‬‬
‫َسبب الّذي أورده التجيبي‪ ،‬وهو ثقة فيما أخبر به‪ ،‬وعليه يُعَو ّل فيما يَت َعل ّق‬
‫بهذا التفسير‪ ،‬و َصفا ً وتوثيقاً‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ ‌:‬منهج ابن أبي الربيع في عرض مادة الكتاب‬
‫تناول ابن أبي الربيع في هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه العلوم المساعدة على فهم نصوص‬
‫ن‬
‫َرف وبلاغة‪ ،‬لأن تحصيل هذه العلوم م ُعي ٌ‬
‫الكتاب الحكيم وبيان مقاصده‪ ،‬وهي علوم العربية من نحو وص ٍ‬
‫على فهم آيات الكتاب الحكيم‪ ،‬وعلى فهم سائر النصوص العربي ّة نثرا ً وشعراً‪ ،‬ويبي ّن فحواها ومنطوقها‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن‬
‫المعاني تبقى م ُستكِن ّة في النص حتى تكشف بأنه البيان من تفسير الغريب‪ ،‬وتحليل التراكيب‪ ،‬وتوجيه‬
‫النص على مقتضى العربي ّة في وضوح العبارة وسلامة التراكيب وحسن البيان‪ ،‬ولما كانت مُهِمّة العربي ّة هي‬
‫فهم النصوص وتحرير معانيها أهتم بها سلفنا من العلماء‪ ،‬وأوصوا ال ََّد ‪9‬ارسين بالنظر في علوم العربي ّة قبل غيرها‬
‫ن نظره في علوم العربية توجه له النظر‬
‫حسُ َ‬
‫من العلوم ليتأتى لهم فهم العلوم الشرعية فهما ً سليماً‪ ،‬لأن م َنْ َ‬
‫في غيرها‪ ،‬وجرى في تحصيله على وجه السداد‪ ،‬وأخذ في المعرفة مأخذ أهل الت ّحقيق والاجتهاد ومن هذا‬
‫التوجه عند المتقدمين ينطلق عمل ابن أبي الربيع في هذا السفر من تفسيره فقد رأى أنها وسيلة الفهم في‬
‫ل عنايته‪ ،‬وناقش أكثر‬
‫تجلية معاني النصوص وكشف مكنونها‪ ،‬فأولى القضايا النحوية والصرفية واللغوية ج ّ‬
‫برزت شخصيته العلمي ّة في‬
‫ْ‬ ‫المسائل مناقشة تنم عن علم ٍ وَسِعة اطّ لاع على مصادر التراث في مختلف فنونه‪ ،‬كما‬
‫المناقشة ونقد الأقوال التي لا تقف مع منهج المتقدمين في الاحتكام إلى الأصول المعت َبرة من السماع‬
‫ل على وجه في القياس‪.‬‬
‫والقياس الصحيح أو الاتساع فيما لم يرد به سماع موثوق ولا ي ُحم ُ‬
‫وقد تنو ّع أسلوب ابن أبي الربيع في عرض المادة العلمية التي أوردها في تفسيره‪ ،‬وبخاصة ٍ ما يتعل ّق بالعربي ّة‬
‫أداة ِ الفهم والبيان‪ ،‬فتارة ً يستهل الكلام على الآية بتفسير غريبها وما يتبع ذلك من توجيه المعنى‪ ،‬وتارة‬
‫يأخذ في تفصيل المسائل النحوية والصرفية معرجا ً على ما فيها من خلاف أو م ُت َوخّيا ً له ليحكم فيه بما يراه‬
‫وتارة ً تتوارد ُ القضايا النحوية والصرفية‪ ،‬والبلاغية على النص فيأخذ في بيان كل قضية منها‪ ،‬وغرضه من‬
‫التنو ّع في العرض تقريب المعنى بما يُعينُ على استنباط الحكم الذي تحتمله الآية أو تد ُّ ‪9‬‬
‫ُل عليه وقد كان هذا‬
‫الكتاب‪ -‬أعني تفسير الكتاب العزيز وإعرابه ‪-‬خاتمة أعمال ابن أبي الربيع في الدرس والتأليف ونتيجة نشاطه‬
‫الطويل في هذا الميدان‪ ،‬فهو يمثل قمة ُّ‬
‫الُن ‪9‬ضج العلمي الذي انتهى إليه في تحرير المسائل العلمية وتوجيه أقوال‬
‫المتقدمين وتقويمها وفق منهجه الذي تر َ َّ ‪َ9‬سم َه ُ في دروسه وتواليفه‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ ‌:‬دراسة المسائل النحوية وأثر الإعراب في توجيه المعنى‬
‫أ‪ -‬المسائل النحوية‪:‬‬
‫يتناول هذا المبحث َّ‬
‫قضَي ‪9‬تين‪ :‬الأولى‪ :‬المسائل النحوية التي تَعر ّض لها ابن أبي الربيع في هذا السفر من تفسير‬
‫الكتاب العزيز وإعرابه‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬الإعراب وأثره في توجيه المعنى‪ ،‬وهذه المسألة أساس في تفسير ابن أبي الربيع كما هو واضح من‬
‫العنوان‪.‬‬
‫فأمّا المسائل النحوي ّة التي تطرق لها ابن أبي الربيع فكثيرة في هذا السفر وليس من غرض هذا البحث‬
‫حصرها‪ ،‬ولكني أقف عند مسائل بعينها‪ ،‬منها السهلة التي لا يختلف في فهمها حذاق العربية وعامة‬
‫الد ّارسين لعلم العربية‪ ،‬ومنها ال ََّد ‪9‬قيقة التي كانت معترك الاقتران‪ ،‬وقد عرض ابن الربيع كل ذلك بشيء ٍ من‬
‫موقف من كل ما عرضه‪ ،‬إمّا الترجيح لمذهب ورد ما‬
‫ٌ‬ ‫البسط تارة وأوجز القول تارة أخرى‪ ،‬وكان له‬
‫يعارضه‪ ،‬وإمّا ردّ القول واختيار ما يراه متوجها ً نحو الصحة‪ ،‬وذلك بعد مراجعة طويلة للمسألة أفضت به‬
‫ويعرض البحث فيما يلي بعضا ً من المسائل التي‬
‫ُ‬ ‫إلى ما انْت َهى إليه في ترجيح ما رجحه واختيار ما اختاره‪،‬‬
‫تناولها ابن أبي الربيع في هذا السفر من تفسيره‪.‬‬
‫ل ابن أبي الربيع تفسير الكتاب العزيز وإعرابه بذكر الخلاف‬
‫أولا ً‪ :‬الخلاف في م ُت َعل ّق الجار والمجرور‪ :‬اسْ ته ّ‬
‫ق الجار والمجرور بين البصريين والكوفيين في "ب ِس ْ ِم " ث ُ ََّم ‪ 9‬أورد قَو ْلا ً ثالثا ً في المسألة نسبة لبعض‬ ‫َّ‬
‫متعَل ‪ِ 9‬‬ ‫في‬
‫ل من الأقوال الثلاثة مأخذا ً‬
‫ل قو ٍ‬
‫المتأخرين ظاهر الموطأة لمذهب الكوفيين‪ ،‬وقد أبدى ابن أبي الربيع على ك ِ ّ‬
‫لكَن ‪9‬ه ُ مال إلى ما ذهب إليه البصريون‪ ،‬وَو َ ََّه ‪9‬ن ما ذهبَ إليه الكوفيون‪ ،‬وردّ قول بعض المتأخرين ووجّه‬
‫َّ‬
‫ردّه لذلك القول بما أسعفه به فقهه للمسألة ودق ّة فهمه‪ ،‬وم ََِّم ‪9‬ا قاله في المسألة ‪(:‬ذهبَ الب َصر ِ ُُّي ‪9‬ون إلى أ ََّن ‪9‬ه في‬
‫ُوف‪.‬‬ ‫الَل ‪9‬ه ِ عِند َه ُم خ َبَرْ مُب ْتَد َأ ٍ َ‬
‫محذ ٍ‬ ‫الَل ‪9‬هِ‪ ،‬فبسم َّ‬
‫تقدير‪ :‬اب ْتدائي ب ِس ْ ِم َّ‬
‫ْف الجر ّ ي َضْ ع ُُف‬
‫ل إل َا ّ ِبحر ِ‬
‫ل الّذي لا يَصِ ُ‬ ‫وذهب الكُوف ِ ُُّي ‪9‬ونَ إلى أ ََّن ‪9‬ه في ت َ ْقدِي ْر‪ُ :‬أبْد َأ ً ب ِسم َّ‬
‫الَل ‪9‬ه ِ (‪ )١‬والفع ُ‬
‫ل تَد ُ ُّ ‪9‬‬
‫ُل‬ ‫ن وذ َه َبَ إلى أنه يَج ُوز ُ أن يكونَ المجرور م ُتعِل ‪ِّ9‬قا ً بفع ٍ‬
‫ِخرِي َ‬
‫بعض المَتأَ ِّ‪9‬‬
‫ُ‬ ‫حَذْفه ُ‪ ،‬وق َ ْد جاء َ لكن ّه ُ قليلٌ‪ .‬وجاء‬
‫ل عَليه ِ‪.‬‬
‫َف الفعل لِدل َالَة ِ الحا َ‬
‫عليه ِ الحال‪ ،‬ت َ ْقدِيرُه ُ‪ :‬أقرأ بهذا‪ ،‬وأكتب بهذا‪ ،‬على معنى مُسْتعيناً‪ .‬ويُحذ ُ‬
‫مر بزيد وإن كان معك‬
‫وهذا لا يصح لأن الحال لا تدل على الفعل حتى يصل بنفسه لا تقول‪ :‬بزيد‪ ،‬تريد‪ّ ،‬‬
‫من الحال ما يدل على ذلك تقول لمن شال سوطا أو أشهر سيفاً‪ :‬زيداً‪ ،‬على معنى‪ :‬اضرب زيدا‪ ،‬فالحال لا‬
‫تدل على الفعل حتى يكون الفعل يصل بنفسه‪ ،‬ولا يتصرفون في الضعيف تصرفهم في القوى من الإضمار‬
‫والإظهار‪ ،‬إلا إنهم يقولون‪ :‬بمن تمر أو بمن مررت؟ فيقول المسؤول‪ :‬بزيد‪ ،‬وهو على تقدير‪ :‬مررت بزيد‪،‬‬
‫لأن هذا وإن كان محذوفا ً فكأنه ظاهر لأنه مكنون في السؤال‪ ،‬وليس هذا بمنزلة ما استعملته الأحوال‪،‬‬
‫ولا بمنزلة ما ُأ ِ‬
‫خذ َ لِيفَسّر َ‪.‬‬

‫(‪ )١‬ينظر تفسير الطبري ‪ ،١١٥ /١‬ومعاني القرآن وإعرابه ‪ ،٣٦ /١‬وإعراب القرآن للنحاس ‪،١١٦ /١‬‬
‫وإعراب ثلاثين سورة لابن خالويه ص ‪ ،٩‬والبيان في غريب إعراب القرآن ‪ ،٣٢ -٣١ /١‬والكشاف‬
‫‪.٣٢ -٢٦ /١‬‬
‫س ۤو ْء ٍ ۙ ف ِ ْي ت ِس ِْع اٰي ٍٰت ا ِل ٰى فِرْعَوْنَ و َقَوْم ِ ٖه ۚ ا َِ ّنه ُ ْم ك َانُو ْا‬
‫ض ۤا ء َ م ِنْ غَيْر ِ ُ‬
‫تخ ْر ُجْ بَي ْ َ‬
‫ك َ‬
‫جي ْب ِ َ‬
‫وأما قوله‪ :‬و َا َ ْدخِلْ يَد َك َ ف ِ ْي َ‬
‫أي هذه الآيات في تسع آيات‪،‬‬ ‫قَوْم ًا فٰسِق ِيْنَ ﴿النمل ‪﴾۱۲ :‬فقوله‪" :‬في ت ِس ِْع آيات " خبر لمبتدأ محذوف‪ْ ،‬‬
‫فقد نزل هذه منزلة قد أرسلت أو ترسل‪ ،‬فجاز حذف الفعل هنا وإن كان لا يصل إلا بحرف الجر‪ ،‬لأنه‬
‫ل لا‬
‫تنزل منزلة بمن مررت؟ فنقول‪ :‬بزيد‪ .‬ومع هذا لا ينكر حذف الفعل الواصل بحرف الجر لكنه قلي ٌ‬
‫ل عليه ما ق ُ ‪ِ9‬دِّر على غيره (‪. )٢‬‬
‫ي ُحم ُ‬
‫ثانيا ً متعلق الظرف (إذا) أورد ابن أبي الربيع الخلاف في متعلق الظرف إذا المتضمنة معنى الشرط‪ ،‬ورجح‬
‫أن يكون متعلقها جواب الشرط‪ ،‬وهو قول أبي على الفارسي في المسألة‪ ،‬ومما ذكره ابن أبي الربيع في‬
‫المسألة‪ ..( :‬وإذا اختلف الناس في الفعل الذي تتعلق به على ثلاثة مذاهب) ‪:‬فمنهم من قال تتعلق بفعل‬
‫الشرط‪ ،‬لأن فيها معنى السبب‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬إذا جئتني جئتك فإذا تتعلق بجئتني‪ ،‬وهي بمنزلة أن لو قلت‪ :‬متى‬
‫جئتني جئتك‪ .‬ومنهم من قال هي متعلقة بالجواب‪ ،‬والجملة التي بعدها في موضع خفض بإذا‪ ،‬إلا إنها لا‬
‫يقع بعدها إلا جملة فعلية‪ ،‬لأجل ما فيها من السبب‪ ،‬ولا يقع بعدها المبتدأ أو الخبر إلا في ضرورة الشعر‪..‬‬
‫إلى أن يقول‪:‬‬
‫ن إذا في الأصل ظرف‪ ،‬والظرف يطلب ما يضاف إليه‪ ،‬والسببية تطلب مرد‬
‫وعلى هذا أكثر النحويين؛ لأ ّ‬
‫الكلام‪ ،‬فيلزم لهذا أن يكون جوابها مؤخراً‪ ،‬فإن جاء‪ :‬أكرم ُك إذا جئتني فجوابها محذوف‪ ،‬تقديره‪ :‬أكرمك‬
‫إذا جئتني يكون ذلك‪ ،‬ولا تتعلق بأكرمك‪ ،‬كما أنك إذا قلت‪ :‬أكرمك إن أكرمتني‪ ،‬فجواب إن محذوف‪،‬‬
‫تقديره‪ :‬أكرمك إن أكرمتني يكن ذلك‪ ،‬فالفعل الأول دل على الجواب لا هو الجواب‪.‬‬

‫(‪ )١‬سورة النمل آية‪.١٢ :‬‬


‫(‪ )٢‬من قوله‪ :‬وجاء بعض المتأخرين‪ ،‬وما تعقب به على هذا القول إلى هنا المعنى بهذا الزمخشرى‪ ،‬فالقول‬
‫قوله في المسألة كما في الكشاف ‪.٣٢-١/٢٦‬‬
‫وتقول العرب‪ :‬إن زيد قام فأكرمه‪ ،‬فزيد فاعل بفعل مضمر دلت عليه قام الظاهر‪ ،‬ويكون هذا بمنزلة قوله‬
‫ج ْره ُ حَت ّٰى ي َ ْسم َ َع ك َل ٰم َ الل ّٰه ِ ث َُم ّ اَبْلِغْه ُ م َأْ م َن َه ٗ ۗذٰل ِ َ‬
‫ك ب ِا َ ّنه ُ ْم قَوْم ٌ َلّا يَعْلَمُوْنَ‬ ‫تعالى‪ :‬و َا ِ ْن اَحَدٌ مّ ِ َ‬
‫ن ال ْمُشْرِكِيْنَ اسْ ت َج َار َك َ فَا َ ِ‬
‫َت‪،‬‬ ‫َت‪ ،‬و َإذ َا ُّ‬
‫الُن ‪9‬جُوم ُ انكَدَر ْ‬ ‫كِوِّ ‪9‬ر ْ‬
‫ْس ُ‬ ‫﴿التوبة ‪﴾6 :‬فأحد فاعل بفعل مضمر‪ ،‬وكذلك قوله تعالى‪( :‬إذ َا ال َّ ‪9‬‬
‫َشم ُ‬
‫َت) ﴿التكوير ‪﴾1،2،3 :‬‬
‫سِي‪ِّ9‬ر ْ‬
‫ل ُ‬
‫و َإذ َا الْج ِبَا ُ‬
‫فهذه كلها مرفوعات بفعل محذوف دلت عليه هذه الظواهر‪ ،‬فتعرب الشمس كورت مفعولا ً لم يسم فاعله‬
‫لا مبتدأ‪ ،‬لأن السببية تمنع من ذلك‪ ،‬وقد نص أبو على في الإيضاح (‪ )٣‬على هذا وهو الصواب‪.‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬إذا تضاف إلى الجملة الفعلية وإلى الجملة الاسمية‪ ،‬وتتعلق بما قبلها وبما بعدها لأنها ظرف‪،‬‬
‫والظرف يتعلق بما قبله وبما بعده‪ ،‬فجعل "إذا الشمس كورت " الشمس‪ :‬مبتدأ‪ ،‬كورت خبره‪ ،‬وفي هذا‬
‫بعد‪ ،‬إذا لو كان كما قيل لجاز‪ :‬إذا زيد قائم ٌ‪ .‬أكرمك‪ ،‬وهذا لا يقع إلا في ضرورة الشعر‪ ،‬وهو قليل في‬
‫الضرورة والذي ذهب إليه أبو على (‪ )٤‬أصح الأقوال الثلاثة‪ -‬والله أعلم‪. )٥٤( .‬‬
‫ثانياً‪ :‬مجيء ُ نائب الفاعل والمفعول به جملة ‪ :‬خرّج ابن أبي الربيع الجمل الواقعة بعد أفعال القول المبنية‬
‫للمجهول على أنها بلفظها نائب فاعل وليست جملة في موضع رفع نائب فاعل‪ ،‬قال في توجيه الآية الكريمة‪:‬‬
‫حوْنَ ﴿البقرة ‪ ..( ﴾۱۱ :‬لا ت ُ ْفسِدوا) في موضع‬
‫ن م ُصْ ل ِ ُ‬ ‫ض ۙ قَال ُْٓوا ا ِ َن ّمَا َ‬
‫نح ْ ُ‬ ‫سدُوْا ف ِى الْا َ ْر ِ‬ ‫و َاِذ َا قِي ْ َ‬
‫ل ل َه ُ ْم ل َا ت ُ ْف ِ‬
‫م فاعله بقيل‪،‬‬
‫المفعول الذي لم ي ُس ّ‬

‫(‪ )١‬سورة التوبة آية‪.٦ :‬‬


‫(‪ )٢‬سورة التكوير آية‪.٣ ،٢ ،١ :‬‬
‫(‪ )٤ ،٣‬ينظر ال ِإيضاح العضدي ‪.٣٠‬‬
‫(‪ )٥‬سورة البقرة الآية‪.١٣ :‬‬
‫تفسير الكتاب العزيز وإعرابه(ص‪)٣٢٦ :‬‬
‫الَل ‪9‬ه ِ تَم ْلأ الميزان " (‪ )١‬ومجرى‪ :‬زعموا َّ‬
‫مطَي ‪9‬ة الكذب‪ .‬وليس في‬ ‫سب ْحانَ َّ‬
‫ل ِأَ نَه ُ ع َـيْنُ المفعول فيجري مجرى‪ُ " :‬‬
‫َم فاعله ُ؛ لأ َّ ‪9‬‬
‫َن هذا لا يكون في المبتدأ ولا في الفاعل ولا في المفعول‬ ‫موضع مفردٍ هو المفعول الذي لم ي ُس َّ ‪9‬‬
‫الذي لم ي ُس َّ ‪9‬‬
‫َم فاعله ُ ويكون في الأخبار‪ ،‬وقد مضى الكلام على هذا في‪( :‬أأَ نذ َ ْرتَه ُ ْم أَ ْم ل َ ْم تُنذِرْهُمْ‪( )٢( )..‬‬
‫‪. )٣٦‬‬
‫اس‪: )..‬‬ ‫ن َّ‬
‫الَن ‪ُ 9‬‬ ‫ل ل َه ُ ْم آم ِن ُوا كَم َا َ آم َ َ‬
‫وقال في توجيه الآية الكريمة‪( :‬و َإذ َا ق ِي َ‬
‫(‪ ..‬و (آم ِنوا) هو المفعول الذي لم ي ُس َّ ‪9‬‬
‫َم فاعله بقيل‪. )٦١( )..‬‬
‫ن مصلحون) في موضع المفعول به لـ"قالوا"‬ ‫(إ ََّن ‪9‬مَا نَح ُ‬
‫ن م ُصْ لِحُونَ)‪( :‬إنما نح ُ‬ ‫وقال في توجيه الآية الكريمة‪ِ :‬‬
‫ن قالوا أخذ عمدته بخلاف "لا تفسدوا‪ ،‬موضعه رفع‪ ،‬لأنه عمدة قيل "‪.‬‬
‫وموضعه نصب لأ ّ‬
‫ن ال ُّ ‪9‬‬
‫ُسفَه َاء) فقال‪" :‬أنؤمن"‪ :‬هي مفعول "قالوا"‬ ‫ن كَما آم َ َ‬
‫وبمثل هذا التوجيه عرض لقوله تعالى‪( :‬قَالُوا أنُؤْم ِ ُ‬
‫بنفسه وليس موضوعا ً موضع المفعول به على حسب ما تقدم في قول العرب‪ :‬زعموا مطية الكذب‪ ،‬وكما قال‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬الحمد ُ لِلّه ِ تَمل ُأ الميزان وسبحان َّ‬
‫الَل ‪9‬ه تملأ أو تملَان ما بين السماء والأرض‪." ..‬‬
‫سد ُوا فِي‬
‫ل ل َه ُ ْم ل َا ت ُ ْف ِ‬
‫وقد سبق إلى قريب من هذا القول الزمخشري‪ ،‬قال توجيه الآية الكريمة‪( :‬و َإذ َا ق ِي َ‬
‫اَلأ ْرضِ‪( :)..‬وإذا قلت‪ :‬كيف صح أن ي ُسند "قيل " إلى "لا تفسدوا" و"آمنوا" وإسناد ُ الفعل إلى الفعل لا‬
‫يصح؟‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الذي لا يصح إسناد الفعل إلى معنى الفعل‪ ،‬وهذا إسناد ُ إلى لفظة‪ ،‬كأنه قيل‪ :‬لهم هذا القول أو هذا‬
‫الكلام‪ .‬فهو نحو‪ :‬أل ٌِف ضرب من ثلاثة أحرف‪ ،‬ومنه‪ :‬زعموا مطية الكذب (‪. )٣‬‬

‫(‪ )١‬الحديث بتمامه في صحيح مسلم كتاب الطهارة ‪ ٥٠٠ /١‬هـ‪.‬‬


‫(‪ )٢‬سورة البقرة آية‪.٦ :‬‬
‫(‪ )٣‬ينظر الكشاف ‪.١٨١ /١‬‬
‫وقد رد العكبري ما ذهب إليه الزمخشري وجعل القائم مقام الفعل مضمر يفسره سوق الكلام‪ ،‬وتابعه أبو‬
‫حيان مع زيادة في البيان وتوجيه الرد على الزمخشري (‪. )١‬‬
‫رابعاً‪ :‬تَعدي الفعل "زاد" ولزومه‪:‬‬
‫َّ‬
‫ولكَن‪ 9‬ابن أبي الربيع‬ ‫يأتي الفعل "ز َاد َ" م ُتعديا ً ولازماً‪ ،‬والأكثر في المتَع َ ‪ِ9‬دِّي أ ْن يأتي من باب كسا وأعطى‪،‬‬
‫ل واحد‪ ..‬وهذا التقسيم قلم ّا ر ُوعي في تصانيف المتقدمين‬
‫أورد قسما ً ثالثا ً يكون فيه هذا الفعل م ُتعدي ّا ً لمفعو ٍ‬
‫سلف فيما ذهب إليه لكنه لم يشتهر به‪ ،‬وأكثر‬
‫ٌ‬ ‫وتفاسير المفسرين ولا أظنّ ابن أبي الربيع انفرد به‪ ،‬وإنما له‬
‫ل ابن أبي الربيع أفاد منها وأخذ عنها ما أضافه هنا‪ .‬قال في توجيه‬
‫ما يرد هذا التقسيم في كتب اللغة فلع ّ‬
‫الَل ‪9‬ه ُ م َرَضاً) (‪: )٢‬‬
‫الآية الكريمة‪( :‬ف َزَادهم ُ َّ‬
‫ل بمعنى كثُر َ‪ ،‬هذه لا‬
‫ن زاد يأتي على ثلاثة أقسام‪ :‬أحد ُها‪ :‬أن يكون غـير م ُتَعَدٍ‪ ،‬فنقول‪ :‬زاد الما ُ‬
‫اع ْلم أ ّ‬
‫ل درهما فالدّرْهم ُ‬ ‫تتع َّ ‪َ9‬دى كما أ َّ ‪9‬‬
‫َن كثُر َ لا تتعدى‪ ،‬ومن هذا زاد إيمانُ زيد على إيمان عمرو‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬زاد الما ُ‬
‫شي ْأًـ ۗ﴿آل عمران ‪:‬‬
‫اسمٌ في موضع المصدر بمنزلة قوله‪ :‬ضربت سوطاً‪ ،‬وبمنزلة قوله تعالى‪ :‬فَلَنْ َي ّض ُ َر ّ الل ّٰه َ َ‬
‫ض َع موض َع المصدر‪ ،‬والمعنى‪ :‬لَنْ ي َض ُ ََّر ‪ 9‬ضررا ً قليلا ً ولا كثيراً‪ ،‬وم ِنْ هذا‪ :‬ما زدته‬
‫‪ ﴾۱44‬فشيء ٌ على هذا و ُ ِ‬
‫زيالاً‪ ،‬والزيال ما تحمله النملة في فيها‪ .‬هذه كلها أسماء ٌ وضعت موضع المصدر‪.‬‬
‫ل واحدٍ‪ ،‬فتقول!‪ :‬زدت المال‪ ،‬أيّ جعلت ُه ُ يزيد ُ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن تكون متعدية إلى مفعو ٍ‬
‫ل أَ ََّي ‪9‬ك ُ ْم ز َاد َت ْه ُ ه َذه ِ ِإيمَاناً‪،‬‬ ‫الثالث‪ :‬أن تتعدى إلى مفعولين‪ ،‬قال تعالى‪( :‬و َإذ َا م َا ُأنز ِل َ ْ‬
‫ت سُوَرَة ٌ فم َِنْه ُم ََّم‪9‬ن يَق ُو ُ‬
‫ن فِي قُلُوبِه ِم ََّم‪9‬رَ ٌ‬
‫ض ف َزَاد َتْه ُ ْم رِجْ سا ً ِإلى رِجْ س ِه ِ ْم‬ ‫ن آم َن ُوا ف َزَا ْدتُه ْم إيمَانا ً و َه ُ ْم ي َسْتَبْشِر ُونَ‪ .‬و َأَ ََّم‪9‬ا اَل َّ ‪9‬ذ ِي َ‬
‫ف َأَ ََّم‪9‬ا اَل َّ ‪9‬ذ ِي َ‬
‫وَم َاتُوا و َه ُ ْم ك َاف ِر ُونَ) (‪. )٣‬‬

‫(‪ )١‬ينظر إملاء ما من به الرحمن ‪ ،١/١٨‬والبحر المحيط‪ ،١/١٠٦‬والدر المصون‪.١/١٣٦‬‬


‫(‪ )٢‬سورة البقرة آية‪.١٠ :‬‬
‫(‪ )٣‬سورة التوبة آية‪.١٢٥ ،١٢٤ :‬‬
‫الَل ‪9‬ه ُ م َرَضاً) تتعدى إلى مفعولين (‪. )١‬‬
‫فزاد في هذه الآية تتعدى إلى مفعولين‪ ،‬وكذلك (ف َزَادهم ُ َّ‬
‫خامساً‪ :‬مجيء الباء بمعنى الهمزة‪:‬‬
‫ذهب ابن أبي الربيع إلى أ َّ ‪9‬‬
‫َن الباء الجارة بعد الفعل اللازم تكون بمعنى الهمزة في إيصال الفعل اللازم إلى‬
‫المفعول به‪ ،‬واحتج بالسّماع وإجماع النحويين‪ ،‬ور ََّد‪ 9‬ما ذهب إليه المبرد والزمخشري في القول بالفرق بين‬
‫الَل ‪9‬ه ُ بن ُورِهِمْ) ‪:‬‬
‫حو ْلَه ُ ذ َه َبَ َّ‬ ‫الحرفين‪ .‬قال في توجيه الآية الكريمة‪( :‬فَل َََّم ‪9‬ا أَ ضَاء َ ْ‬
‫ت م َا َ‬
‫الَل ‪9‬ه ُ نُوره ُم‪ ،‬والباء ُ بمعنى الهمزة جاء كثيراً‪ ،‬قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫(‪ ..‬الباء ُ بمعنى الهمزة َ‪ ،‬والمعنى‪ :‬أذْهب َّ‬
‫ت َّ‬
‫الَص‪ 9‬فْواء ُ بالمت َنَزّلِ‪.‬‬ ‫كما ز َ ََّل ‪ِ 9‬‬
‫وأنشد أبو على‪:‬‬
‫الَر ‪9‬كائ ِِب‬ ‫ُ‬ ‫ن على م ِن ًى ‪ ...‬تَح ُ ُّ ‪9‬‬
‫ُل بنا لَولا نَجاء َّ‬ ‫َت ونَح ُ‬ ‫دِيار ُ َّ‬
‫الَت ‪9‬ي كاد ْ‬
‫يح ُ ّ‬
‫ِب الْفَرِحِيْنَ‬ ‫ل لَه ٗ قَوْم ُه ٗ ل َا تَفْر َحْ ا ِ َ ّ‬
‫ن الل ّٰه َ ل َا ُ‬ ‫َاتح َه ٗ لَتَن ُْۤۤو ْا ُ ب ِال ْع ُصْ بَة ِ اُول ِى الْق ُ َو ّة ِ ا ِ ْذ قَا َ‬
‫ن مَف ِ‬‫وقال تعالى‪ :‬م َٓا ا ِ َ ّ‬
‫﴿القصص ‪. ﴾۷6 :‬‬
‫وقال ثعلبُ ‪ :‬ذهبتُ به وأذهَب ْت ُه ُ‪ ،‬و َدخ َل ْتُ به الد ّار َ وأَ دْخل ْت ُه ُ‪ ..‬إلى أَ ْن يَق ُول‪:‬‬
‫ولا أعلم بين النحويين خلافا ً في أن الباء تكون على معنى الهمزة إلا ّ الم ُبِر ‪ِّ9‬د قال‪ :‬بين الهمزة والباء هنا فرق‪.‬‬
‫ِب؛ وإذا قلت‪ :‬ذهبت بزيدٍ‪،‬‬
‫جعَل ْت َه ُ ي َذْهبُ وإ ْن كُنتَ غير ذاه ٍ‬
‫وذلك أنك إذا قلت‪ :‬أَ ذْهَب ْتُ زيداً‪ ،‬المعنى‪َ :‬‬
‫ل حتى تذهب معه (‪ ، )٢‬وت َبعه ُ على ذلك الزمخشري (‪ . )٣‬واعْتلال محمد بن يزيد لما سَبقَ‪ -‬حُ َّ َج ‪9‬ة َ‬
‫فلا تقو ُ‬
‫ل بعيدٌ؛ لأ َّ ‪9‬‬
‫َن القلبَ قليلٌ‪ ،‬وهذا كثير‪ ،‬فقد جاء في القرآن في مواضع‬ ‫عَلَيْه ِ‪ -‬أ ََّن ‪9‬ه على الق َل ِ‬
‫ْب‪ ،‬وهذا اعْت ِلَا ٌ‬
‫ع ّدة ٍ‪)٧٧( .‬‬

‫(‪ )١‬ينظر معاني القرآن للأخفش ‪ ،٣٩ /١‬ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ‪ ،٨٦/١‬وإعراب القرآن‬
‫للنحاس ‪ ،١/١٣٦‬والحجة لأبى على الفارسي ‪.١/٣٢٥‬‬
‫(‪ ١ )٢‬أقف على ما نسب للمبرد في المقتضب ولا يى الكامل‪ ،‬لكنّ ذكر له هذا القول في البحر المحيط ‪/١‬‬
‫‪ ،١٣٠‬والجنى الدانى ‪ ،١٠٧‬وقد تابعه الس ّهيلي في روض الأنف ‪.٤١٣ -٣/٤١٢‬‬
‫(‪ )٣‬ينظر الكشاف ‪.٢٠١ -٢٠٠ /١‬‬
‫الإعراب ثمرة الدروس النحوية ونتيجة ضوابطها‪ ،‬وخلاصة ما ي ُنتهي إليه في تحرير المعنى‬
‫الإعراب‪ِ :‬‬
‫ب‪ِ -‬‬
‫عند الخلاف‪ .‬فليس الإعراب نشاطا ً ذهنيا ً يُقصد به شحذ أذهان المتعلمين وإيقاظ الوسنانين‪ ،‬بل هو وسِيلة ٌ‬
‫ماضية في توجيه النصوص وبيان المراد منها‪ ،‬وَر ُبّما يصبح غاية في إيضاح ما في الكتاب العزيز من البيان‬
‫وفصل الخطاب‪.‬‬
‫وقد حث المتقدمون من أئمة العلم على الأخذ بالإعراب والتبصّر َ فيه والوقوف على أثره في توجيه المعاني‬
‫وتحرير النصوص من اللبس والغموض‪.‬‬
‫وفي هذا السفر من تفسير ابن أبي الربيع نجد اهتماما ً بالإعراب‪ ،‬وإبرازا ً لأثره أحيانا ً في توجيه النصوص‬
‫الإعراب أقرب الوجوه وأعدل الأقوال‪ ،‬ولم يوغل لا المسائل المشكلة من‬
‫واستنباط الحكم‪ ،‬وقد توخى في ِ‬
‫دقائق الإعراب وعويصه‪ ،‬بل اعتام السهولة حتى فيما أشكل إعرابه توخى له أقرب الوجوه وأسلمها من‬
‫الغموض‪ ،‬وفيما يلي نورد نماذج مما أعربه من الآيات‪ ،‬ومما وجه به ِلإبراز معنى أو استنباطِ حكم‪.‬‬
‫ك الْكِتَابُ ل َا رَي ْبَ ف ِيه ِ هُدًى ِل ‪ِّ 9‬لم ْت َُّ ‪َ9‬قينَ) (‪: )١‬‬
‫قال‪ -‬رحمه الله في توجيه الآية الكريمة‪( :‬ذَل ِ َ‬
‫َت هنا باسم‪ ،‬إ ْذ لو كانت اسما ً‬
‫"ذا" إشارة و َهو الاسم المبتدأ‪ ،‬واللاّم ُ زائدة‪ ،‬والكاف حرف خطاب‪ ،‬و َل َيْس ْ‬
‫لكانت في موضع خفض أو نصب‪ ،‬ولا خافض لها ولا ن َاصِب‪ ،‬فهي حرف خطاب‪ ،‬ونظير هذه التاء ُ من‬
‫كنت و َأَ نت‪ ،‬والضمير أ ْن خاصة‪ ،‬وكذلك رأيتك‪ ،‬الكاف حرف خطاب‪ ،‬والضمير التاء‪ ،‬وكذلك‬
‫ر ُويدك‪ ،‬الضمير مستتر والكاف حرف خطاب‪.‬‬
‫ن فيها ما ذكرتُ لك‪.‬‬
‫وهذا يكمل في كتب العربية‪ .‬وللنحويين في هذا كله خلاف‪ ،‬والأحس ُ‬
‫(‪ )١‬سورة البقرة آية‪.٢ :‬‬
‫ك " إشارة ٌ ل ِلمت ْلُو ّ‪ ،‬والكتاب عهدٌ في المت ْلُو ّ‪..‬‬
‫والكتاب‪ :‬ع َ ْهدٌ في المتلُِو ِّ‪ 9‬أو بالعكس‪ ،‬ي ُريد عهدٌ في الموع ُود و"ذل ِ َ‬
‫والكتابُ على هذين الوجْ ه َي ْن خبر "ذلك " وقد يكونُ ذلك الكتابُ الذي تقرؤونه وتتلُونه ُ ه ُدىً للمت ّقين‪،‬‬
‫ل‬
‫ك " ويكونُ العهد ُ في الإشارة‪ ،‬ويكون هذا بمنزلة قولِكَ‪ :‬هذا الر ّج ُ ُ‬
‫ويكونُ على هذا الكتاب نعتا ً لـ"ذل ِ َ‬
‫الصّ الح ُ ‪...‬‬
‫ل م ِنْ ‪ ،‬وَم ِنْ عاملة ٌ في النكرة‪،‬‬ ‫"ل َا رَي ْبَ "‪ :‬ر ‪ُِ9‬كِّب َْت "لا" مع "رَي ْبَ " وأصلُها أن تكون ناصبة ً كأ َّ ‪9‬‬
‫َن لأ ِنها تقاب ُ‬
‫ل م َنْ قال‪ ِ :‬لم َ ل َ ْم‬
‫ل بينها وبين معمولها‪ .‬ف َقو ُ‬
‫ولا ت ُركّ بُ "لا" مع المنصوب بها إل َا ّ إذا كان مفرداً‪ ،‬ولا يُفص ُ‬
‫ل بين لا ومعمولها‪،‬‬
‫ن التقديم جائز وليس بجائز؛ لأنه لا يفص ُ‬
‫يُقدم "فيه" على "رَي ْبَ " ضع َُف كأنه توهم أ ّ‬
‫كما لا يفصل بين "م ِنْ " ومعمولها‪ ،‬ولا خلاف في هذا بين النحويين‪.‬‬
‫صف َتَي ْن أو حالي ْن يتعلقان‬
‫"فيه" خبر "لا" فيتعلق بمحذوف‪ ،‬وكذلك المجرور والظرف إذا وقعا خبَرْين أو ِ‬
‫بمحذوف لا ي َظه َر ُ‪.‬‬
‫"ه ُدىً ل ِلمت ّقين" ه ُدىً ‪ :‬مصدر هديت وهو خبر مبتدأ محذوف أي هو ه ُدىً إذا جعلت "الكتاب" نعتا ً‬
‫َّ‬
‫و"للمَت ‪9‬قين " من صِلَة ِ "ه ُدىً " فيتعل ّق بمحذوف‪.‬‬ ‫لـ"ذلك " فقد يكون "ه ُدىً " خبرا ً عنه‪،‬‬
‫وقال في إعراب‪( :‬سَوَآء ٌ عَلَيْه ِ ْم أَ أَ نذ َ ْرتَه ُ ْم أَ ْم ل َ ْم تُنذِرْهُمْ) (‪: )١‬‬
‫ل سواء ه ُو َ والع َدم ُ‪،‬‬
‫"سَواء ٌ " في الأكثر لا ترفع الظاهر إلا أن يكون معطوفا ً على المضمر‪ ،‬نحو‪ :‬مررت برج ٍ‬
‫ولاتجد ُ صِفة ً هكذا‪ ،‬وهو هنا مبتدأ و"عَلَيهم" من صلته و (أَ أَ نذ َ ْرتَه ُ ْم أَ ْم ل َ ْم تُنذِرْهُمْ) في موضع خبره‪ ،‬ويكون‬
‫بمنزلة إ ْن خير ٌ منك زيد ٌ! ان مثل ُك عمرو‪.‬‬
‫وكان الأصل أن يكون "خَي ْر ُ" ه ُو َ الخبر ُ وعمرو ٌ المبتدأ‪ ،‬لأن عمرا ً المخبر ُ عنه ُ في المعنى لكنهم ل ََّم ‪9‬ا أرادوا تقديم‬
‫خير للاعتناء به وخبر إن لا يتقدم على اسمها قلبوا فجعلوا (خيرا َ مِن ْكَ) مبتدأ وعمرو الخبر‪ ،‬وكذلك الآية؛‬
‫لأ َّ ‪9‬‬
‫َن الإنذار وعدم الإنذار هو المخبر عنه لا‬

‫(‪ )١‬سورة البقرة آية‪.٦ :‬‬


‫"سواء" فلما أرادوا أن يضعوا الإنذار وعدم الإنذار موضع ذلك (أَ أَ ن ْذ َرتَه ُ ْم أَ ْم ل َ ْم تُنْذِرْه ُم) قلب ُوا وجعلُوا‬
‫المخبر عنه خبرا ً لأ َّ ‪9‬‬
‫َن الجملة لا تق ُع موقع المبتدأ وتقع موقع الخبر‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬قد جاء‪" :‬الحمد ُ ل ََِّل ‪9‬ه ِ تَم ْلأ الميزانَ‪ " ..‬وما أشْ ب َه َ هذا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الحمد ُ ل ََِّل ‪9‬ه ِ ه ُنا هو المخبر ُ عنه ُ وليست جملة و ُضِعت موضع المخبر عنه كما في (أأنذرتهم أ ْم ل َ ْم تنذرهم) ‪.‬‬
‫ن "أأنذرتهم" في موضع المبتدأ و"سَوَاءٌ" خبر فقد قال ما لا نظير له‪ .‬وكذلك من قال‪" :‬إ َّ ‪9‬‬
‫َن‬ ‫ومن قال‪ :‬إ ّ‬
‫ْس في هذا‬ ‫ن مقدم ٌ فقد أخطأ‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن الجملة لا تقع موقع الفاعل فل َي َ‬ ‫أأنذرتَه ُم" فاعل بـ"سَواء" و"سواء" خبر "إ ّ‬
‫جهِة ِ الاتساع‪ ،‬فتكون بمنزلة‪ :‬إ ْن خْيرا ً م ِنك‬
‫إلا ما ذكرته م ِنْ جعل الخبر م ُبتدأ وجعل المخبر عنه خبرا ً على َ‬
‫زَيد ٌ وا ْن م ِث ْل َك عمرو ٌ‪ ،‬ول ََّم ‪9‬ا لم يكن الخبر ُ يحتا ُ‬
‫ج إلى ضمير يعود إليه من المبتدأ لم يكن في هذه الجملة ضمير ٌ يعود ُ‬
‫ج‬
‫الإنذار وعدم الإنذار هو المبتدأ في الأصل و"سَواء ٌ عَلَيهم " هو الخبر في الأصل فلا يحتا ُ‬
‫َن ِ‬‫إلى "سواء"‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫"سَواء" إلى ضمير يعود إليه من المبتدأ‪ ،‬وهذا بَيّن‪. )٣٦( ..‬‬
‫الإعراب للفعل المضارع المقرون بالفاء‬
‫ترجيح العطف على التوهم‪ :‬أورد ابن أبي الربيع وجهين من ِ‬
‫َظال ِمِينَ) (‪ )١‬وَر َّ ‪ََ9‬جح َ َّ‬
‫الَن ‪9‬صبَ عَطْفا ً على‬ ‫ن ال َّ ‪9‬‬ ‫"فَتكُونا" من الآية الكريمة‪( :‬ول َا تَقْر َبَا هذِه ِ ال َّ ‪9‬‬
‫َشجَرَة َ فَتَكُونا م ِ َ‬
‫الَن ‪9‬صب في الآية‪ ،‬على أ ََّن ‪9‬ه بحرف أ ْن م ُضمرة لا بالفاء‪ ،‬ومما قاله هنا‪..( :‬‬
‫الَت ‪9‬وه ِ ّم على العطف بالجزم‪ ،‬وَو َ ََّج‪9‬ه َّ‬
‫َّ‬
‫منصوب بالفاء ِ في جواب النّهي كما تقول‪ :‬لا ت َ ْدنُ من الأ َ‬
‫سدِ فَيأْ َ ك ُلكَ‪ ،‬والعطف في هذا‬ ‫ٌ‬ ‫فقوله "فتكونا"‬
‫الموضع جائز (‪ ، )٢‬ويكون مثل قول امرئ القيس‪:‬‬
‫ق‬
‫ِّب ولا تجهدنه ‪ ...‬في ُ ْذرِك َ من أخرى القطاه فتزل ْ ٍ‬
‫صِو ‪ْ 9‬‬
‫فَق ُل ْتُ له‪َ :‬‬

‫(‪ )١‬سورة البقرة آية‪.٣٥ :‬‬


‫(‪ )٢‬يريد العطف بالجزم على "تقربا" وله استشهد ببيت امرئ القيس‪.‬‬
‫والأحسن ما ذكرته أولاً‪ ،‬ويكونا منصوب بإضمارِ أنْ‪ ..‬وا َ ْن مع الفعل في تأويل المصدر‪ ،‬وهو معطوف على‬
‫ل الفاء هِي الن ّاصبة‪ ،‬هذا يريد‬
‫جع َ َ‬
‫المصدر المتوهم من الفعل المقدم‪ ،‬والفاء هنا عاطفة‪ ،‬وأن لا تظهر‪ ،‬وم َنْ َ‬
‫أنها قامت مقام الناصب‪ ،‬فصارت كأنها الناصبة‪ ،‬وإن لم ير هذا فهو قول فاسد‪. )١٤٦( ..‬‬
‫ما اسْ تَشْكل إعرابه‬
‫اس اعْبُد ُوا ر َ ََّب ‪9‬ك ُم ُ اَل َّ ‪9‬ذ ِي خ َلَق َك ُ ْم وَاَل َّ ‪9‬ذ ِي َ‬
‫ن م ِن‬ ‫أورد ابن أبي الربيع قراءة غير سبعيه في الآية الكريمة‪( :‬يا َ أيّها َّ‬
‫الَن ‪ُ 9‬‬
‫قَب ْ ِلك ُمْ) بفتح الميم في "م َنْ " اسما ً موصولا ً وقبلها "الذين " فالموصولان تواردا على صلة واحدة‪ ،‬هي شبه‬
‫الجملة "قَب ْ ِلك ُم ل" وقد أورد هذا الإشكال أبو القاسم الزمخشري في كشافه عند تعرضه للقراءة المذكورة آنفاً‪،‬‬
‫فقرر أن هذا من باب االإقحام‪ ،‬فقد ُأقْح ِم الموصو ُ‬
‫ل الثاني بين الموصول الأول "الذين" وصلته "قبلكم "‪:‬‬
‫تأكيداً‪ ،‬كما أَ قْحم جرير ٌ في قوله‪:‬‬
‫َدٍى لا أيا لكم‬
‫يا تيم‪ -‬تيم َ‪ -‬ع ‪ٍّ 9‬‬
‫ت َيم ْا ً الثاني بين الأول وما أضيف إليه (‪. )١‬‬
‫ولم يسلم هذا التوجيه للزمخشري‪ ،‬بل رده أبو حيان لمخالفته القياس‪ ،‬إذ القياس تكرار الموصول مع صِلَتِه ِ‬
‫لأنها من كماله‪ ..‬وخرج الآية على جعل "قبلكم" صلة ً للموصول الثاني "م َنْ " و"م َنْ " خبر ُ مبتدأ ٍ محذوف‪،‬‬
‫ن "‪ ،‬والتقدير‪ :‬والذين هم م َن قبلكم (‪. )٢‬‬
‫وذلك المبتدأ وخبره صلة للموصول الأول‪ ،‬وهو " الّذي َ‬
‫أما ابن أبي الربيع فقد قرر الإشكال على مقتضى ظاهر القراءة‪ ،‬لكن ّه خرجها على وجه أقرب مأخذ‬
‫َت‬
‫ن م َنْ قبلكم) فمشكلة‪ ،‬وهي عندي بمنزلة قول زهير‪ :‬لَد َى حيثُ أَ لْق ْ‬
‫ن في الحمل‪ ،‬فقال‪ :‬وأمّا (والذي َ‬
‫وأحس َ‬
‫رحْلَها أ ُُّم‪ 9‬قشعم‬

‫(‪ )١‬ينظر الكشاف ‪.١/٢٢٨‬‬


‫(‪ )٢‬ينظر البحر المحيط ‪ ،١٥٤ /١‬والدر المصون‪.١/١٨٧‬‬
‫المعنى‪ -‬والله أعُل َم ُ‪ -‬لَد َى إلقاء ِ أم قَشْعِمِ‪ ،‬فأتى بلدى وحيثُ والمعنى واحدٌ‪ ،‬ثم جاء بعد َ حيثُ بجملة ٍ في‬
‫ض‪ ،‬فأتى‬ ‫ض لَدى‪ ،‬ولد َى تطلبُ مخفوضاً‪ ،‬وحيثُ تطلبُ جُملة في موضع خف ٍ‬ ‫مَو ْض ِِع خفضٍ دل ّت على مخفو ِ‬
‫ض لد َى‪ ،‬فقولك‪( :‬والّذين م َنْ قبلكم) الّذين وم َنْ معناهما واحدٌ‪ ،‬فكأ َّ ‪9‬‬
‫َن م َنْ‬ ‫ل على مخفو ِ‬
‫بالجملة ِ لحيثُ ود َ ّ‬
‫الِصلة ُ إذا عُل ِم َْت‪.‬‬
‫حذف ‪ِّ9‬‬
‫الِصلَة فأتوا بالصلة ِ لم َِنْ فَد َل ّت على صِلة ِ الّذين‪ .‬وقد ت ُ‬
‫ل م ِن الّذين‪ ،‬وك ِلاهما يَطْلبُ ‪ِّ9‬‬
‫بد ٌ‬
‫ل بالقياس‪ ،‬وإذا تَت َََّب ‪9‬عْتَ م َا قَل ْتُ ل َ‬
‫ك وجَدْتَه ُ‪.‬‬ ‫ل ما س ُم ِ َع ولا يُقا ُ‬
‫وهذا تعلي ٌ‬
‫المبحث الرابع‬
‫‌‌المسائل الص ّرفي ّة‬
‫أورد ابن أبي الربي ِع في هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه مسائل في التصريف‪ ،‬تناول بعضا َ منها‬
‫بشيء ٍ من الإيجاز وبسط القول في بعضٍ بسطا ً قلم ّا و ُجد َ عند غيره في كتب التفاسير وإعراب القرآن‪،‬‬
‫ووقف عند دقائق من التصريف فجَلَّ ‪9‬ى مبهمها وفص َ‬
‫ل مجملها تفصيلا ً يعز ّ وجوده في غير الكتب المتخصصة‪،‬‬
‫وعزا الأقوال والآراء التي تذكر في بعض القضايا الص ّرفية إلى أصحابها ليمكن للباحث والدارس من‬
‫المراجعة والنظر على ضوء ما ناقشه من المسائل في هذا السفر‪ ،‬وفيما يلي نورد ُ بعضا ً من المسائل الصرفية‬
‫التي تناولها ابن أبي الربيع بالمناقشة والتحليل في هذا السفر من تفسيره‪.‬‬
‫َِب" من الآية (ا ْلحم َْد ُ ل ََِّل ‪9‬ه ِ ر ِّ‪9‬‬
‫َِب الْع َالمي ِنَ) ‪:‬‬ ‫قال في تصريف كلمة "ر ِّ‪9‬‬
‫ن الع َينَ‪ ،‬لأنهم قالوا في‬ ‫ل بكسر ِ الع َين‪ ،‬والأصلُ‪ :‬ر َب ُبَ ‪ ،‬ث ُ ََّم ‪ 9‬أدغم‪ ،‬ولي َ‬
‫ْس فعلا ً بسكو ِ‬ ‫َب " وَزْنُه ُ ف َع ِ ٌ‬
‫(‪ ..‬ر ّ‬
‫ل والش ّرر َ لم يُدغما‪،‬‬
‫ل فعلا ً بفتح العين‪ ،‬إذ لو كان كذلك لم ي ُدغَمْ‪ ،‬ألا ترى الطّل َ‬
‫وليس الأص ُ‬
‫َ‬ ‫ْباب‪،‬‬
‫الجمع‪ :‬أر ٌ‬
‫ل بكسر العين يكث ُر ُ فيه‪ .‬قالوا‪ :‬حَذِراً‪،‬‬
‫الِصفات‪ ،‬وفع ِ ٌ‬ ‫ل بضم العين؛ لأن هذا يَق ُّ ‪9‬‬
‫ُل في ‪ِّ9‬‬ ‫ل فع ُ َ‬
‫وليس الأص ُ‬
‫وبَط ِراً‪ ،‬وأشرا ً‬
‫ولم يدغم (‪ ، )١‬وعثرا ً وهو كثير ولا ينبغي أن ي ُحمل على الأقل ما قدّرا على الأكثر‪.‬‬
‫ف بالمصدر (‪ )٢‬فيه بُعْدٌ‪ ،‬إذّ لو كان كذلك لم ي ُث َ ّن ولم يُجْمع‪ ،‬وم َنْ ثن ّى مثل هذا في‬
‫وقول من قال‪ :‬إن ّه وصْ ٌ‬
‫ْباب يدل على‬ ‫كِف وأك ‪ٌّ 9‬‬
‫ٌُف‪ ،‬فكونه قد جمع على أر ٍ‬ ‫‪ِّ 9‬‬ ‫ل نحو‬
‫والقياس في فَعْل أف ْع ُ ُ‬
‫ُ‬ ‫المصادر ثن ّاه على القياس‪،‬‬
‫بُعدِ هذا القول‪. )٧( .‬‬
‫الإعلال في "ن َسْت َع ِين "‬
‫قال في توجيه الإعلال في كلمة "نستعين" من الآية‪( :‬إ ََّي ‪9‬اك َ نَعْبُد ُ و َِإ ََّي ‪9‬اك َ نستعين)‬
‫ل بالحمل على الثلاث وأصله ُ ن َسْتَعْوِن ثم اعت ُل بنقل حركة العين إلى الفاء‪،‬‬ ‫َل‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن ماضِيه ُ اعت ْ ّ‬ ‫ون َسْت َعين اعت ْ َّ ‪9‬‬
‫ِط ِّرد ٌ وقياسيٌ في هذا النوع وما جرى مجراه‪ .‬فإن جاء‬
‫ل مُ ‪9‬‬
‫وتقلبُ الواو ياء للكسر َة التي قبلها‪ ،‬وهذا الإعلا ُ‬
‫صحيحا ً فعلى غير قياس‪ ،‬نحو‪ :‬اسْ تَن ْو َقَ الجملُ‪ ،‬واستَت ْي َست الشاة‪ ،‬فهذا يحفظ ولا يقاس عليه‪. )٤( .‬‬
‫الإعلال في " بالغيب "‬
‫وقال في بيان ال ِإعلال في كلمة "الغيب لما من الآية الكريمة‪( :‬اَل َّ ‪9‬ذي َ‬
‫ن يؤمون بالغيب) (‪: )٣‬‬
‫ن أن يكون وزْنُه ُ فَعْلاً‪ ،‬ويكونُ م َصدرا ً ل ِغابَ يغيبُ غيباً‪ ،‬ولذلك يقال للمُطْئ ِ ُّ ‪ُ9‬ن م ِن الأرض غيبا ً‬
‫الغيب يُمك ُ‬
‫وميت فحذفت الياء ُ المتحركة طلبا ً للتخفيف وإن‬
‫ٌ‬ ‫ل بمنزلة سَيّدٌ‬
‫لانخفاضه‪ ،‬ويمكن أن يكون الغيبُ وَزْنه ً فَيع َ ٌ‬
‫ل بعد فتحة‪ ،‬وهذا مستثقلٌ‪،‬‬ ‫كانت أصلاً‪ ،‬لأنك لو ْ ح َذف ْتَ الساكنة الزائدة لبقيت الياء المتحركة بالأصْ ِ‬
‫يد ُّ ‪9‬‬
‫ُل على ذلك أن سي ّدا ً وميتا ً وزنهما فيعلٌ‪ ،‬وليس وزنهما فعلا ً أن عْينهما واو ٌ‪ ،‬وانقلبت الواو ياء ً في فيعل‬
‫لاجتماع الواو والياء وسبق الياء بالسكون (‪)٢٧/٢٨‬‬

‫(‪ )١‬لأنه لا وجه للإدغام‪.‬‬


‫(‪ )٢‬القول هنا للزمخشرى كما في الكشاف ‪.١/٥٣‬‬
‫(‪ )٣‬سورة البقرة آية‪.٣:‬‬
‫الإعلال في "صَي ّب "‬
‫ِ‬
‫َسم َاءِ) (‪: )١‬‬
‫ن ال َّ ‪9‬‬
‫كصَِي ‪ٍِّ 9‬ب م َ‬
‫الإعلال في كلمة "صيب" من قوله تعالى‪( :‬أَ ْو َ‬
‫أورد ابن أبي الربيع نوعين من ِ‬
‫الأول في إبدال الواو ياء‪ ،‬والثاني إبدالهما همزة‪ ،‬قال مفصلا ً ذلك‪:‬‬
‫صي ْوب‪ ،‬ومتى اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء ً إذا كانت الواو‬ ‫والأصل‪َ :‬‬
‫ْوت‪ ،‬ومثال المتقدمة‪ :‬طَويت طيا ّ‪،‬‬
‫متق ‪ِ9‬دِّم َة ً أو متأخرة‪ ،‬فمثال المتأخرة‪ :‬سي ّد ومي ّت‪ ،‬والأصل‪ :‬سَيود‪ ،‬مَي ِ‬
‫ولَويت َّلَي ‪9‬ا والأصل َطو ْيا ً ولَو ْياً‪ .‬وإنّما قلبوا ياء ً م ُتق ‪ِ9‬دِّمة كانت أو م ُتأخّرة ً‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن الياء عندهم أخف من الواو‬
‫وقلبت ياء ً ليصح الإدغام‪ ،‬وأدغمت الواو في الياء والياء في الواو (‪ )٢‬وإ ْن بَعدتا في المخرج لِقُر ْبهما في‬
‫ن‬
‫ّدف فيأتي َ العير مع المور ولا يأتيا ِ‬
‫ن في الر ِ‬
‫الصفة‪ ،‬والواو حرف م ّد ولين والياء كذلك‪ .‬ألا تراهما ي ًترادفا ِ‬
‫مع العار لزيادة م َ ّدة ِ الألف‪ ،‬واستيعاب هذا في موضعه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إبدال الواو همزة في جمع "صيب "‪.‬‬
‫الإبدال‪( :‬وجمع "صيب " صيائب بالهمزة‪ ،‬والأصل‪ :‬صياوب‪ ،‬وألف الجمع إذا اكتنفها‬
‫قال في بيان هذا ِ‬
‫ياءان أو واوان‪ ،‬أو ياء وواو‪ ،‬والأخيرة تلي الطّرف وجودا ً وحكما ً تقلبُ الأخيرة همزة‪ ،‬نحو‪ :‬أوائل وحيائر‬
‫وصيائب‪ ،‬وأما قوله‪:‬‬
‫‪ ... ........................‬وكَحل العينين بالعواور‬

‫(‪ )١‬سورة البقرة آية‪.١٩ :‬‬


‫(‪ )٢‬هكذا جاء في الأصل‪ ،‬والأظهر ُ هنا أن لا وجه للإدغام؛ لأن قلب الواو ياء جاء لهذا الغرض‪،‬‬
‫الإدغام‪ ،‬فهذا من الاتساع عند ابن أبى الربيع‪.‬‬
‫والتعليل بقرب الصفة مع تباعد المخرج ليس مسوغا َ لهذا ِ‬
‫فالأصل‪ :‬عواوير‪ ،‬وحذفت الياء للقافية‪ ،‬فلم تل الواو الطّرف على هذا في الحكم‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن حذف الياء للضرورة؛‬
‫لأَ ََّن ‪9‬ه جمع ع ُ ََّو ‪9‬ا ٍر وعلى هذا جمهور النحويين‪ ،‬وقد نقل عن الأخفش خلاف هذا ولم يتابع على ذلك‪ ،‬ووافق‬
‫ن العرب قالت‪ :‬أوائل‪ ،‬والأصل‪ :‬اَواوِل‪. )٧٩( .‬‬
‫في الواوين؛ لأ ّ‬
‫الإعلال في "يستحي " من الآية الكريمة‬
‫َن ا ْ َّلَل ‪9‬ه َ ل َا يستحي أَ ن ي َضْر ِبَ م َثَلا ً ََّم‪9‬ا بَع ُوضَة ً) (‪: )١‬‬
‫(إ َّ ‪9‬‬
‫أورد ابن أبي الربيع قولين في المسألة‪ :‬أحدهما لسيبويه والآخر للخليل‪ ،‬ودور ابن أبي الربيع هو النقل ولم يرجح‬
‫أحد القولين‪ ،‬وإنما وجه ال ِإعلال يا قول الخليل‪ ،‬بنحو ما وجه به قول سيبويه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ن الياءين استثقلتا مع الكسرة فحذفت‬
‫(وحكى سيبويه‪ :‬استحيت فأنا استحي‪ .‬وذهب فيه سيبويه إلى أ ّ‬
‫المكسورة‪ ،‬وجعلت حركتها على الحاء للاستثقال مع كثرة الاستعمال (‪. )٢‬‬
‫ن "يستحي " جاء على إعلال العين وترك اللام‪ ،‬كما جاء استقمْتُ ِلإعلال قام‪،‬‬
‫وذهب الخليل إلى أ ّ‬
‫واعتلال العين واللام يتطلب بالاعتلال‪ ،‬ولم يثبت من كلام العرب متى اجتمعت العين مع اللام في‬
‫طلب الاعتلال أعل ّوا اللا ّم وتركوا العين‪ ،‬نحو الهوى والحيا‪ ،‬ولا تقول حاى ولا هاى (‪ ، )٢‬فيعلون العين‬
‫ويتركون اللام‪. )١١٩( ..‬‬
‫خطَاي َاك ُمْ) (‪: )٣‬‬ ‫ح َّ ‪9‬‬
‫َطة ٌ نغْفِر ْ ل َك ُ ْم َ‬ ‫الإبدال في "خطاياكم " من الآية‪( :‬و َقُولُوا ِ‬
‫ل صورة بالصفة التي أفضت بها إليها من‬
‫تناول ابن أبي الربيع صور الإبدال في كلمة خطايا واصفا ً ك ّ‬
‫القلب‪ ،‬وختم المسألة بالعلة التي قلبت بها الهمزة ياء ولم تقلب واواً‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫(‪ )١‬سورة البقرة آية‪.٢٦ :‬‬


‫(‪ )٢‬ينظر الكتاب ‪ ،٣٩٩ /٤‬والأصول ‪ ،٢٥ ٠-٢٤٩ /٣‬وإعراب القرآن للنحاس ‪ ،١/١٥٢‬والمنصف‬
‫‪.٢٠٥-٢/٢٠٤‬‬
‫(‪ )٣‬سورة البقرة آية‪.٥٨ :‬‬
‫(وهي جمع خطيئة‪ ،‬والأصل خطائى ُ بمنزلة قرائى ُ فاجتمع همزتان يا كلمة واحدة ٍ قلبت الأخيرة ياء ً للكسرة‬
‫قبلها فصار خطائى‪ ،‬استثقلت الياء بعد الكسرة في جمع لا نظير له في الآحاد ففتحت الهمزة فصار‬
‫خطاءَي‪ ،‬تحركت الياء وقبلها فتحة فقلبت ألفا ً فصار خطاءا‪ ،‬جاءت الهمزة بين الفين والألف قريبة من‬
‫الهمزة فقلبت ياءً‪ ،‬ولم تقلب واوا ً؛ لأ َّ ‪9‬‬
‫َن الياء أنس َبُ إلى الألف وأقرب من الواو‪ ،‬فصار خطايا‪. )١٧٨( .‬‬
‫ك م ِنك ُ ْم ِإل َا ّ خزي في الْحيََاة ِ ال ُُّد ‪9‬ن ْيَا) (‪: )١‬‬
‫ل ذَل ِ َ‬
‫أصل الياء في الدنيا من الآية الكريمة‪( :‬ف َمَا جزاء م َن ي َ ْفع َ ُ‬
‫قال في بيان أصل الياء في كلمة الدنيا وما طرأ عليها من قلب‪:‬‬
‫(والياء في الد ّنيا منقلبة ُ عن وا ٍو ليفرق بين الصفة الجارية مجرى الاسم والصفة التي لم تجر مجرى االاسم؛‬
‫لأ َّ ‪9‬‬
‫َن الصفة التي لم تجر مجرى الاسم لا تقلبُ فيها الواو ياءً‪ ،‬والصفة التي جرت مجرى الاسم قلبت فيها الواو‬
‫أبدا‪ ،‬كذلك نص عليه أبو علي في الإيضاح (‪ . )٢‬واختلف في فعلى إذا كانت اسما ً هل تقلب واوها ياء ً أو‬
‫لا تقلب‪ ،‬فعلى ما ذكره أبو علي ينبغي ألا تقلب‪ ،‬ويقوى قول أبي علي قولهم‪ :‬حزوى وهو اسم مكان ولم‬
‫يقل فيه حزيا‪.‬‬
‫والقياس أن تُقلب في الاسم‪ ،‬وكذلك قلبت في الصفة الجارية مجرى الاسم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ومنهم من قال‪ :‬حزوى شاذ‪،‬‬
‫والذي يظهر أنها لا تقلب في الاسم ولا في الصفة التي لم تجر مجرى الاسم‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬سيبويه‪ -‬رحمه الله‪ -‬قال‪ :‬تُقْل َبُ في الاسم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قيل بالصفة الجارية مجرى الاسم‪ ،‬قال ذلك‪ ،‬على أنه أطلق الاسم وهو يريد الصفة الجارية مجرى‬
‫الاسم‪ -‬والله أعلم‪.-‬‬

‫(‪ )١‬سورة البقرة آية‪.٨٥ :‬‬


‫(‪ )٢‬التكملة ‪.٢٦٩‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫"‌ الاشتقاق "‬
‫تناول ابن أبي الربيع طائفة من الكلمات في آي القرآن الكريم بشيء من التحليل والمناقشة والتحقيق في‬
‫أصولها في الاشتقاق‪ ،‬وعرض للخلاف الوارد في اشتقاق بعض الأسماء‪ ،‬وناقش ذلك مناقشة علمي ّة مدركة‬
‫مساقط الخلل وجوانب الصحة والصواب‪ ،‬فضعف ما رآه ضعيفا ً ورجح ما استقر عنده رجحانه‪ ،‬مبينا ً سبب‬
‫الضعف وحجته فيما ضع ّفه‪ ،‬ووجه الصواب فيما رجحه‪ ،‬وفيما يلي أمثلة ونماذج من مسائل الاشتقاق التي‬
‫أوردها ابن أبي الربيع‪.‬‬
‫اشتقاق الاسم‬
‫ل كلامه على (بسم) اختلف البصريون والكوفيون فيه‪:‬‬
‫ستَه َ ّ‬
‫قال في بيان اشتقاق الاسم في م ُ ْ‬
‫ن اللا ّم فيه محذوفة‪ ،‬وهو بمنزلة ابن واسْ ت‪ ،‬واستدل ّوا على ذلك‬
‫فذهب البصري ّون إلى أنه من سَما ي َسْمو‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن اللا ّم‬
‫ل على أ ّ‬
‫بالجمع والتصغير‪ ،‬قالوا في الجمع‪ :‬أسماء وفي الت ّصغير سمىّ‪ ،‬وقالوا‪ :‬سميت فردوا اللا ّم فيها فد َ ّ‬
‫هي المحذوفة‪.‬‬
‫وذهب الكوفيون إلى أنه من الوسم‪ ،‬وهو العلامة‪ ،‬وأ َّ ‪9‬‬
‫َن فيه تقديما ً وتأخيراً‪ .‬وأمّا أسماء وس ُم َ ّي فهو مقلوب‪،‬‬
‫ِخِّرت الفاء ُ وجُعِلَت مكان اللا ّم‪ ،‬وقالوا‪ :‬أسماء‪ ،‬وقالوا‪ :‬س ُم ِي‪ ،‬وقول الكوفيون أقربُ م ِن‬
‫وأصله ُ وسم ثم ّ أ ‪9‬‬
‫جهة الاشتقاق‪ ،‬وهو مع ذلك أضعف م ِن جهة القلب‪ ،‬وقول البصريون أقرب؛ لأنه ليس عندهم فيه‬
‫قلب‪ ،‬والاسم يظهر م ُسمّاه ُ ويصيره بحيث تراه‪ ،‬فالاشتقاق فيه قريب‪ ،‬وإن كان اشتقاق الكوفيين أقرب‬
‫ن هذا القرب م ِن إدْعاء القلب‪. )٤( .‬‬
‫إلى إ ّ‬
‫اشتقاق لفظ الجلالة‬
‫"الَل ‪9‬ه " ولم يعز تلك الأقوال‪ ،‬وإنما عرض في شيء‬
‫أورد ابن أبي الربيع ثلاثة أقوال في اشتقاق لفظ الجلالة‪َّ :‬‬
‫الإيجاز لما في بعض من النقل والقلب‪ ،‬وبي ّن القول الأقرب إلى الاشتقاق وجهة القلب ومما قاله‪:‬‬
‫من ِ‬

‫ت الفاء ُ‬
‫سب ْحانه وتعالى ثم ّ جُعِل َ ْ‬
‫ل تتحير عن إدْراكه ِ ُ‬
‫(ومنهم من ذهب إلى أن ّه م ِن الوله‪ ،‬وهو التّح ّير‪ ،‬فالعقو ُ‬
‫عينا ً ث ُ ََّم ‪ 9‬تحر ّكت الياء وقَبْلَها فتحة انقلبت ألفاً‪.‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬هو أله إذا تحّير‪ ،‬و َه ُو َ أق ْر َبُ ‪ ،‬لأنه ل َي ْس فيه قلب‪.‬‬
‫ل يَتأَ لّه ُ مشتق م ِن هذا‪. )٤( .‬‬
‫ويمكن أن يكون لاه يليه إذا استتر‪ ،‬قالوا ت َأَ لّه الر ّج ُ‬
‫اشتقاق " الْع َالمي ِنَ "‬
‫قال في توجيه الاشتقاق في كلمة "العالمين " من الآية‪( :‬الحمد ل ََِّل ‪9‬ه ِ ر ّ‬
‫َب العالمين) ‪:‬‬
‫فات ويكونُ في الأسماء قليلاً‪ ،‬وأكثر ما يوجد هذا البناء في الفعل إذا‬
‫فاعل بفتح العين لا يكُون في الصّ ِ‬
‫أرادوا أنه فعل بك مثل ما فعلته‪ ،‬نحو‪ :‬ضاربني زيد ٌ وضاربت زيداً‪ ،‬وقد يأتي على غير ذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬عافاك‬
‫الَل ‪9‬هُ‪ ،‬وداينت زيداً‪ ،‬هذا قليل وإذا صح ما ذكرته فالعالم اسم لا صفة‪ ،‬وهو اسم لكل مخلوق‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن المخلوق‬ ‫َّ‬
‫ل على خالقه‪ ،‬فصار علامة تدل عليه سبحانه‪ ،‬فاشتقاقه ُ من هذا وقد قيل‪ :‬إنه مشتق من العلم‪ ،‬لأن من‬ ‫يد ّ‬
‫نظر فيه تحصل له العلم‪ ..‬والاشتقاق الأول أقرب‪. )٨( .‬‬
‫اشتقاق كلمة َّ‬
‫الَن ‪9‬اس‬
‫ل آم َ ََّن ‪9‬ا بالله) وأصلها في‬
‫س م َن يَق ُو ُ‬ ‫ن َّ‬
‫الَن ‪9‬ا ِ‬ ‫تناول ابن أبي الربيع مادة "الناس " الواردة في الآية الكريمة‪( :‬وَم ِ َ‬
‫الاشتقاق وما حذف منها‪ ،‬ثم عرض للخلاف في تصغيرها‪.‬‬
‫والغرض هنا بيان الاشتقاق‪ ،‬فقد قالت ابن أبي الربيع في أصل كلمة الناس واشتقاقها‪( :‬وناس أَ صْ لُه ُ‬
‫‪ٌّ 9‬‬
‫مشتٌق من الإنس‪ ،‬ويقال‪ :‬أنس وآنس‪ ،‬وتحذف الهمزة كثيرا ً مع الألف واللام‪ ،‬وقد جاءت‬ ‫أناس‪ ،‬وهو‬
‫غير محذوفة قال‪:‬‬
‫س الآمنينا‬ ‫ن المنَاي َا ي َّ ‪9‬‬
‫َطل ِعـ ‪ ...‬ـن على الأنُا ِ‬ ‫إ ّ‬
‫تداخل الاشتقاق مع القلب والإعلال‪.‬‬
‫وقد تَت َوارد المسائل التصريفية في كلمة واحدة‪ ،‬فيأتي الاشتقاق مع القلب والإعلال‪ ،‬وذلك لِقُو ّة الارتباط‬
‫والتلازم ب َي ْنها‪ ،‬وهذا ما نراه في تصريف كلمة الن ّار الواردة في الآية الكريمة‪( :‬ف َِإن ََّل ‪9‬مْ ت َ ْفع َلُوا و َلَن ت َ ْفع َلُوا‬
‫فاتقوا َّ‬
‫الَن ‪9‬ار َ‪ )..‬فقد تناول ابن الربيع مسائل التصريف الواردة فيها بشيء من الإيجاز فقال‪ ..( :‬والن ّار عينها‬
‫ل نور‪ ،‬فانقلبت الواو ألفا ً لتحركها وانفتاح ما قبلها‪ ،‬يدلك على ذلك في الجمع أنوار إلى أن‬
‫واو‪ ،‬والأص ُ‬
‫يقول‪ :‬واشتقاق الن ّار من نارت تنور نور ونياراً‪ ،‬والأصل في نيار نوار لكنها اعتلت لاعتلالها في الماضي‪،‬‬
‫ولو لم تعتل في الماضي لم تعتل في المصدر‪ ،‬قالوا‪ :‬لاوذ لواذا ً فلم تعتل في (لواذاً) ل ِصحتها في الماضي‪ ،‬وقالوا‬
‫قام قياما اعتلت في فعال لاعتلالها في الماضي‪.‬‬
‫ن‬ ‫الاشتقاق في كلمة شيطان الواردة في الآية الكريمة‪( :‬و َِإذ َا خ َلَوْا إلى شَيَاطِينِه ِ ْم قَالُوا ِإ ََّن ‪9‬ا مَع َك ُ ْم ِإ ََّن ‪9‬مَا َ‬
‫نح ْ ُ‬
‫مستهزئون) ‪:‬‬
‫ل منهما وما يقوى به كل منهما‬
‫أورد ابن أبي الربيع اشتقاقين مختلفين في كلمة شيطان وبين ما يرد على ك ّ‬
‫ل في الاشتقاق‪ ،‬ثم ختم الحديث بذكر المصدر لهذين الاشتقاقين‪ ،‬قال في تفصيل ما أجمل هنا‪:‬‬
‫ومادة ك ّ‬
‫(‪ ..‬اختلف النحو ََّي ‪9‬ون في الشيطان‪ ،‬فمنهم م َنْ جعله مشتقا ً م ِنْ َ‬
‫شطَن إذا أبعد َ‪ ،‬فيكون وزنه فيعالا ً بمنزلة‬
‫ْس م ِن‬
‫ن لي َ‬ ‫ل يَقْوى بقولهم‪ :‬شيطن الر ّجل إذا تمرد؛لأ َّ ‪9‬‬
‫َن تَفْع ِيل م ِن كلام العرب وتَفَعْل َ َ‬ ‫بيطار‪ ،‬وهذا القو ُ‬
‫مخَتلِف َتين فبعيدٌ‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن معنى تشَيْطَن‬ ‫ك َلامه ِم‪ ،‬وجعلهما من مادة ٍ واحدة ٍ ه ُو َ البين‪ ،‬وأ ََّم‪9‬ا جعلهما من ما ََّد‪9‬تَي ْن ُ‬
‫ل في تشيطن‪ ،‬والزوائد هي الزوائد في تشيطن‪.‬‬
‫شي ْطان هي الأصو ُ‬
‫ل في َ‬
‫شي ْطانا ً فالأصو ُ‬
‫صار َ‬
‫ِض‬
‫ن وجعل الياء َ أصْ لية‪ ،‬وجعله ُ من شاط يشيط إذا احترق‪ ،‬فإذا اع ُتر َ‬ ‫ومنهم من قال‪ :‬إ َّ ‪9‬‬
‫َن شيطانا فعلا ٌ‬
‫جعَلَهما من مادتين مختلفتين‪.‬‬
‫ن إذا أب ْعد َ و َ‬
‫شطَ َ‬
‫ن من َ‬
‫عليه‪ ،‬بتشيطن قال‪ :‬ت َشَي ْط َ‬
‫ِف وقبلها ثلاثة‬
‫ن النون إذا كانت طرفا ً بعد أل ٍ‬ ‫ل يقوى؛ لأ َّ ‪9‬‬
‫َن بناء فعلان أكثر من بناء فيعال‪ ،‬لأ ّ‬ ‫وهذا القو ُ‬
‫أحرف فأكثر فالغالب عليها أن تكون زائدة‪.‬‬
‫ن في شيطان م ُزجّ حان‪ ،‬فيعال أكثر ترجيح بتشيطن‪ ،‬وفعلان ترجّ ح بأ َّ ‪9‬‬
‫َن الزيادة على الن ّون في هذا‬ ‫فهذان قولا ِ‬
‫ن لِما ذ َك َر ْتُه ُ وبناء فعلان أكثر من بناء فيعالٍ‪ ،‬والقولان‬
‫ن م ُتساوِيا ِ‬
‫الموطن أغَلبُ من الأصالة ِ‪ ،‬فهُم َا قَوْل َا ِ‬
‫لسيبويه في الكتاب ‪. )٦٣( )١( ١‬‬
‫الاشتقاق في "ذُِر‪ِّ9‬يّه ْ "‬
‫ل ع َ ْهدِي ال َّ ‪9‬‬
‫َظاِلمي ِنَ) (‪:٣ )٢‬‬ ‫ل ل َا يَنَا ُ‬
‫ل وَم ِن ذريتي قَا َ‬
‫من قوله عز وجل‪( :‬قَا َ‬
‫أورد ابن أبي الربيع ثلاثة أقوال في اشتقاق "ذُِر‪ِّ9‬ي ّه " رجح الأ ََّو‪9‬ل منها‪ ،‬واستبعد الأخير منها مع ما أورده له‬
‫من توجيه‪ ،‬وجعل الثاني في درجة القلة لكونه موجودا ً في كلام العرب‪ ،‬ومما قاله في هذا الصدد‪:‬‬
‫ن أ ْن تكُونَ من ذ ََّر‪ 9‬كما تقول‪ :‬ك ُ ََّل ‪9‬ما ذ َ ََّر‪ 9‬شارف‪ ،‬أَ يّ طَلعَ‪ ،‬وهذا البيّن‪ ،‬فتكون ال ُُّذ ‪9‬رية مُشْتقّة ُ‬
‫‪ ..‬وال ًًّذ ‪9‬رية يمك ُ‬
‫ّسب والمعنى على‬
‫فظ الن ِ‬
‫فظ ل َ َ‬ ‫من هذا‪ ،‬فتكون الياءان لِلن ّسب‪ ،‬ويكون كأحمري وك ُر ْسيّ‪ ،‬ودوارِيّ َّ‬
‫الَل ‪ُ 9‬‬
‫الن ّسب‪.‬‬
‫ويمكن أ ْن يكونَ م ِن ذرا يذرو‪ ،‬تَقولُ‪ :‬ذ ََّر‪9‬ت الر ّيح الح َ َّ ‪9‬‬
‫َب إذا أزالت عنْها الت ّبْنَ‪ ،‬فيكون وزنه على هذا فعيلة‪،‬‬
‫ق ( ‪ ، )١‬فتكون الياء ُ الأخيرة ُ مُنْق َلِبة ً‬ ‫وفعيل موجود في كلام العرب لك ََِّن ‪9‬ه ُ قليلٌ‪ ،‬فيكون بمنزلة ِ دُِر‪ِّ 9 9‬‬
‫ِِّي وم ‪ُِ9‬ر ِّي ٌ‬
‫عن واوٍ‪.‬‬

‫(‪ )١‬ينظر الكتاب ‪.٢٨٦ ،٢٦٠ /٤‬‬


‫(‪ )٢‬سورة البقرة آ (ي) ة‪.١٢٤ :‬‬
‫ت الهمزة ياء ً للتسهيل‪ ،‬كما‬ ‫ل ذُرْئيِ ّة بهمزة ٍ ثم أبْدِل َ ْ‬
‫ويمكن أن يكون م ِن ذرأ يذرأ إذا خ َل َقَ‪ ،‬ويكون الأصْ ُ‬
‫قالوا‪ :‬في الن ّبىء‪ ،‬والن ّبيّ‪ ،‬فجاء ف ُرّية فأدغمت الياء في الياء الأخيرة‪ ،‬وهذا الأخير عندي أبعد ُ الثلاثة ة لأن ّه ُ‬
‫قضى فيه! بالهمزة‪ ،‬ولو كان من الهمزة لنطق به‪ ،‬ففي هذا زيادة على فعيل‪. )٢٨٧-٢٨٦( .‬‬

‫‪ ١‬ينظر الكتاب ‪.٤/٢٦٨‬‬


‫المبحث ال َّ ‪9‬‬
‫َسادس‬
‫‌‌موقف ابن أبي الربيع من النحويين البصريين والكوفيين وبعض المتأخرين أورد ابن أبي الربيع في هذا السفر‬
‫من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه أقوالا لبعض أئمة النحو المتقدمين كالخليل‪ ،‬ويونس وسيبويه والكسائي‬
‫والأخفش والفراء‪ ،‬والمازني‪ ،‬وغيرهم ممن وصفهم بالمتأخرين كالزمخشري‪ ،‬وقد تبي ّن من مناقشاته ونقده‬
‫لبعض الأقوال التي أوردها أ َّ ‪9‬‬
‫َن له منهجا ً وأسلوبا ً في المراجعة والترجيح والاختيار ينفرد به‪ ،‬ولا يمنع أن‬
‫يكون في كثير مما رجّ ح َ واختار قد تأثر بمذهب أئمة البصريين‪ ،‬وبخاصة سيبويه‪ ،‬فكثيرا ً ما نراه يُغل ّب قول‬
‫سيبويه ويقدمه في الترجيح والاختيار في مقابل أقوال الأخفش الذي يقف في كثيرٍ من آرائه موقف‬
‫المعارض للبصريين أو المخالف‪ ،‬فضلا ً عن أقوال الكوفيين التي تقف في مقابل أقوال منافسيهم من‬
‫البصريين‪.‬‬
‫وأما بعض المتأخرين الذين لم يصرح بأسمائهم إ ََّل‪9‬ا في موضع واحد‪ ،‬وهو الزمخشري فقد كان نقده له شديداً‪،‬‬
‫ل لا يقبل‬
‫ف لا يحمد ُ‪ ،‬وتحم ّ ٌ‬ ‫وحجته في أكثر المآخذ التي أخذها عليه دامغة‪ ،‬وإن شابه في بعض المآخذ تَع ُّ ‪9‬‬
‫ُس ٌ‬
‫ل لما أجملته هذه التوطئة‪ :‬أولاً‪ :‬ما خالف فيه سيبويه الأخفش وغيره‬
‫في ميزان النقد العلمي‪ ،‬وفيما يلي تفصي ٌ‬
‫من النحويين‪ .‬تناول ابن أبي الربيع طائفة من المسائل جرى فيها الخلاف بين النحويين سيبويه والأخفش‪،‬‬
‫وغيرهما‪ ،‬وقد كان موقف ابن أبي الربيع إلى جانب سيبويه‪ ،‬وبالأخص في المسائل التي كان طرف‬
‫الخلاف فيها الأخفش‪ ،‬فقد رجح مذهب سيبويه مبينا ً سبب الترجيح غالباً‪ ،‬وضعف مذهب الأخفش‬
‫مبينا ً سبب الضعف وجهته‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪ :‬أولاً‪ :‬الخلاف في تسهيل الهمزة في "مُسْتهزئ ِون" الواردة في‬
‫ستَهْزِئُونَ) أورد ابن أبي الربيع ثلاثة أقوال في هذه الهمزة‪ ،‬هي‪ :‬إبدالها ياءً‪ ،‬وجعلها‬
‫ن مُ ْ‬ ‫(إ ََّن ‪9‬مَا َ‬
‫نح ْ ُ‬ ‫قوله تعالى‪ِ :‬‬
‫بين الهمزة والياء‪ ،‬وبين الهمزة والواو‪ ،‬ثم رجح ما قرره سيبويه في المسألة‪ ،‬ومما قاله في المسألة‪:‬‬
‫ستَهزِيون " ‪٢‬وهذا ليس من كلام‬
‫ل الهمزة ياء َ عند التسهيل‪ ،‬فيقول‪" :‬م ُ ْ‬
‫(ونقل عن الأخفش أنه يبد ُ‬
‫العرب)‬
‫وأمّا سيبويه فجعلها بين الهمزة والواو‪ ،٣‬ومنهم م َنْ جعلها بين الهمزة والياء‪ ،٤‬وهذا منقول عن العرب‪،‬‬
‫وعلى مذهب سيبويه أكثر النحويين (‪)٦٥‬‬
‫المضاف إليه بعد اسم الفاعل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫خلاف في م ِ‬
‫َوضع الضّ مير ِ‬ ‫ثانياً‪ :‬ال ُ‬
‫اختلف َّ‬
‫الَن ‪9‬حوي ّونَ في موضع الضمير المضاف إليه بعد الوصف في قوله تعالى‪:‬‬
‫س إم َاماً‪٥ )..‬وكذا ما شابهه من كل وصف أضيف إلى معموله الضمير المتصل‪،‬‬ ‫ك َّ‬
‫للَن ‪9‬ا ِ‬ ‫ل إني ج َاع ِل ُ َ‬
‫(قَا َ‬
‫وأظهر صور الخلاف وأقدمها ما كان بين سيبويه والأخفش‪ ،‬التي أوردها ابن أبي الربيع بشيء من ال ِإيجاز‬
‫في كلامه على الآية السابقة‪ ،‬وقد ر َّجح ما ذهب إليه سيبويه‪ ،‬ولم يبين وجّه الضعف لا مذهب الأخفش في‬
‫المسألة‪ .‬ومما قاله‪ -‬رحمه الله‪:‬‬

‫‪ ١‬سورة البقرة آية‪١ ١٤ :‬‬


‫‪ ٢‬ينظر معاني القرآن للأخفش‪ ،١/٤٤‬والمقتضب ‪ ،١/٢٦٤‬والحجة لأبى على الفارسي ‪ -١/٣٥٨‬ا ‪.٣٦‬‬
‫‪ ٣‬ينظر الكتاب‪.٥٤٤-٣/٥٤٣‬‬
‫‪ ٤‬المصادر السابقة‪.‬‬
‫‪ ٥‬سورة البقرة آية‪.١٢٤ :‬‬
‫(‪ ..‬والكاف م ِن ْ (إن ّي ج َاع ِلكَ) مخف ُوضَة بالإضافة‪ ،‬والأخفش جعلها مُفّع ُولة ‪ .١‬وسيبويه اعْتَدّها بالظّاهر‬
‫الألف واللام‪٢‬وهو الصواب إن شاء الله‪. )٢٨٥( .‬‬
‫ِ‬ ‫العاري عن‬
‫قياس ما ي ُج َم ُع عليه فَع َل جمع تكسير‪:‬‬
‫تناولت في كلامه على قوله تعالى‪ ..( :‬فَا ََّت ‪9‬ق ُوا َّ‬
‫الَن ‪9‬ار َ التي و َقُود ُه َا الناس و َالْ ح ِجَارَة ُ‪٣ )..‬ما يجمع عليه فَع َل بفتح‬
‫َن هذا الجمع هو اَل َّ ‪9‬ذي‬
‫الفاء والعين‪ ،‬نحو جمل‪ ،‬وحجر‪ ،‬وجبل‪ ،‬وقرر أن القياس فيه أن يجمع على فعال‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫رجحه سيبويه‪ ،‬ومما أورده في المسألة‪ ..( :‬والحجارة جاءت بالتاء على تأنيث الكلمة‪ ،‬والأكثر ُ والأقيس في‬
‫ل أ ْن ي ُجمع على فعال بغير تاء ٍ‪ ،‬قال سيبويه‪ :‬وقد جاءت حجارة قليلاً‪ ،‬وجاء في الشعر ضرورة‪ ،‬وأنشد‪:‬‬
‫فَع َ ٍ‬
‫كأنها من حجار النيل ألَب َسها ‪ ...‬مضارِبُ الماء لَو ْن ال َّ ‪9‬‬
‫َطحْلب اللزب ‪٤‬‬
‫ورأيتُ بعض المتأخرين يقول‪ :‬إ َّ ‪9‬‬
‫َن حجارة بغير تاء لم يأت إل َا ّ في الشّعر للض ّرورة‪ ،‬وقال سيبويه ما ذكرته أنها‬
‫جاءت في القليل من الكلام (‪ ، )٤‬وهو بلا شك أعرف‪ ،‬لأنه ناشد العرب وعلم م ِن كلامها ما لم يَعلَمه‬
‫غيره‪. )١٠٧( .‬‬

‫‪١‬ينظر معاني القرآن للأخفش‪ ١/٨٣‬ـ ‪٨٧‬‬


‫‪٢‬ينظر الكتاب‪.١/١٨٧‬‬
‫‪٣‬سورة البقرة آية‪.٢٤ :‬‬
‫‪٤‬ينظر الكتاب ‪.٥٧٢-٥٧٠ /٣‬‬
‫‪ ٥‬رجح سيبويه أن ما جاء على فعل كجمل وجبل وحجر وذكر أن يجمع على فعال فيقال‪ :‬جمال‪ ،‬وجبال‪،‬‬
‫وحجار‪ ،‬ثم ذكر أنهم يلحقونه الهاء‪ ،‬نحو جمل‪ :‬جمالة‪ ،‬وحجر‪ :‬حجارة‪ ،‬وذكر ذكاره وذلك قليل‪ ،‬والقياس ما‬
‫ذكر أولا‪ .‬المصدر السابق بتصرف‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬حذف حرف الجرو بقاء عمله‪:‬‬
‫ن المشدة وما دخلت عليه في قوله تعالى‪( :‬و َب َِش ِّ ‪9‬ر ِ اَل َّ ‪9‬ذ ِي َ‬
‫ن آم َن ُوا و َعَم ِلُوا الصالحات‬ ‫اختلف النحويون في موضع أ ّ‬
‫ن وما دخلت عليه النصب‪،‬‬ ‫َن ل َه ُ ْم ج َََّن ‪ٍ 9‬‬
‫ات‪١ )١( )..‬بعد سقوط حرف الجر‪ ،‬فمنهم ذهب إلى أن موضع أ ّ‬ ‫أَ َّ ‪9‬‬
‫ومنهم ذهب إلى أن الموضع جر‪ ،‬وهو سيبويه‪ ،‬وقد رجح ابن أبي الربيع ما ذهب إليه سيبويه ولم يذكر‬
‫أصحاب القول المعارض لقول سيبويه‪ ،‬وقد ذكر سيبويه أن ّه قول الخليل‪ ،‬ومما قاله ابن أبي الربيع في المسألة‪:‬‬
‫سق ََط حرف الجر أتكون في موضع نصب؟ أو تكون في موضع جر؟‪.‬‬ ‫(‪ ..‬اختلف النحوي ّون في أ َّ ‪9‬‬
‫َن إذا َ‬
‫فذهب سيبويه إلى أ َّ ‪َ9‬نها في موضع جر‪ ،‬وأن حرف الجر وإ ْن حُذِف بقى عمله‪ ،‬كما بقي عمل "ر َّ ‪9‬‬
‫َُب " بعد‬
‫ل ع َرَف ْتُ ‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن‬ ‫ل أتيتُ ‪ ،‬ولا تقول‪ :‬لأنك فاض ٌ‬
‫ك فاض ٌ‬
‫ل العربُ لأن َ‬
‫حذفها‪ ،‬وحمله على هذا الحكم تقو ُ‬
‫ل على أن ّه في‬
‫ُذف دلي ٌ‬
‫ْف الجر وإ ْن ح َ‬ ‫المفتوحة لاب ََّد‪ 9‬أ ْن تعتمد على ما قبلها فاعتمادها على (أ َّ ‪9‬‬
‫َن) هنا على حَر ِ‬
‫حكم الموجود‪ ،‬وإذا كان كذلك فعمله باقٍ ‪.٢‬‬
‫ومنهم من ذهب إلى أ َّ ‪9‬‬
‫َن حرف الجر إذا حذف صار الموض ُع موضع نصب ( ‪٣ )٣‬وبكون بِم َن ْزلة‪ :‬أمرتك‬
‫الخير‪.‬‬
‫وكلاهما له وجه‪ ،‬وما ذكر سيبويه عندي أَ ق ْوى‪ -‬والله أعلم‪.-‬‬

‫‪١‬سورة البقرة آية‪٢٥ :‬‬


‫‪٢‬ينظر الكتاب ‪ ،١ ٢٨/٣‬والبسيط لابن أبى الربيع ‪ ،٢/١٠٤٨‬والكافي ‪١‬ق ‪.٣١ ٤-٣١٣‬‬
‫‪٣‬هذأ القول للخليل بن أحمد كما في الكتاب ‪ ،١٢٧/٣‬وقد اضطرب نقل العلماء لهذه المسألة‪ ،‬حتى قال في‬
‫ذلك بن هشام في المغنى ‪ :٢٨٢‬وأمّا نقل جماعة منهم ابن مالك أن الخليل يرى أن الموضع جر‪ ،‬وأنَ سيبويه‬
‫ل أبو حيان في البحر ‪ ١٨١ /١‬فعزا إلى الخليل‬
‫الإضطراب نق ُ‬
‫يرى أن ّه نصب فهو سهو‪ ..‬ومما وقع فيه ِ‬
‫ن موضعه نصب‪ ،‬لكنه في النهر‬ ‫والكسائي أن موضع "أ َّ ‪9‬‬
‫َن لهم جنات "جر‪ ،‬وعزا إلى سيبويه والفراء أ ّ‬
‫‪ ١١٢/١‬عزا النصب إلى الخليل فقال‪ :‬قوله‪" :‬أن لهم جنات " وحذف منه الحرف‪ ،‬وهوفي موضع نصب‬
‫على مذهب الخليل خلافا ً لمن قال‪ :‬مذهب الخليل أنه في موضع جر‪ ،‬وهو أبن مالك‪ ،‬قاله في التسهيل‪ :‬وهو‬
‫كان قليل إلمام بكتاب سيبويه ‪...‬‬
‫َن الله لا يستحي أَ ن ي َضْر ِبَ م َثَلًا ََّم‪9‬ا‬
‫وتكرر هذا التوجيه في أن المصدرية الناصبة للمضارع في قوله تعالى‪( :‬وإ َّ ‪9‬‬
‫بَع ُوضَة ً) فقال‪:‬‬
‫ن "ي َضْر ِبَ " على إسقاط حرف الجر‪ ،‬وأصله إ َّ ‪9‬‬
‫َن لا ي َسْتحي من أن ي َضْر ِبَ ‪ ،‬ثم ح ُذفت م ِنْ ‪ ،‬وقد‬ ‫(‪ ..‬إ ّ‬
‫قياس‪ ،‬واختلف الناس في بقاء عمله وزواله‪ ،‬كما اختلفوا في أنْ‪ ،‬وكلا‬
‫ٌ‬ ‫تقدم أن حذفها في هذا الموطن‬
‫حذفت وبقى‬
‫ْ‬ ‫رب‪ ،‬فإنها‬
‫القولين له وجه‪ .‬والأظهر عندي أن يبقى العمل فيما حذفه كثير‪ ،‬ويجرى مجرى ّ‬
‫عملها (‪)١٢٠‬‬
‫ثانياً‪ :‬تصغير كلمة " ناس "‬
‫عرض ابن أبي الربيع لتصغير بعض الأسماء والأعلام التي جرى فيها خلاف بين أئمة النحو المتقدّمين وقد‬
‫ر َّجح ما ذهب إليه سيبويه‪ ،‬لأن عليه أكثر النحويين‪ ،‬ومن أمثلة ذلك تصغير كلمة الن ّاس الواردة في قوله عز‬
‫ل آم َ ََّن ‪9‬ا بالله‪١ )..‬قال في تصغيرها‪:‬‬ ‫ن َّ‬
‫الَن ‪9‬اس م َن يَق ُو ُ‬ ‫وجل‪( :‬وَم ِ َ‬
‫ل في تَصْ غ ِيرِه ِ نُو َي ْْس‪ ،‬ولا ت ُر َ ُُّد‪ 9‬الهمزة ُ للتصغير؛ لأ َّ ‪9‬‬
‫َن بناء التصغير يقوم ُ‬ ‫ناس قليلا ً بغير ِ هَم ْزة ٍ‪ ،‬ويقا ُ‬
‫(‪ ..‬يقالُ‪ٌ :‬‬
‫حذوف‪ ،‬كقوله‪ :‬د ُمٌَي‪ ٌّ 9‬و ُيد ‪ٌّ 9‬‬
‫ٌَي‬ ‫َ‬ ‫ُوف ر ُ ََّد‪ 9‬الم‬
‫م ََِّم ‪9‬ا بقي من الحروف‪ ،‬فإن لم يكن بناء ُ التصغير يقوم ُ م ََِّم ‪9‬ا بق َي من الحر ِ‬
‫حذوف من المكَبّر ِ سَواء كان بناء ُ التصغير يقوم ُ م ََِّم ‪9‬ا‬
‫ِ‬ ‫س يذهبُ إلى رَِد‪ ِّ9‬الم‬ ‫هذا هو مذهب سيبويه والخليل‪ .‬ويون ُ ُ‬
‫س‪ ،‬وعلى مذهب سيبويه‬
‫س‪ :‬أني ٍ‬
‫ل في نا ٍ‬
‫ل في هار‪ :‬ه ُوَي ْئِر ٌ‪ ،‬فيلزم أ ْن يقو َ‬
‫بقي فن الحروف أو لا يقوم ُ‪ ،‬فيقو ُ‬
‫أكثر ُ النحويين‪ ،‬وهو أصح‪ ،‬وبيانُ هذا في كُت ُبهم‪. )٤٣( ٢‬‬

‫‪١‬سورة البقرة آية‪.٨ :‬‬


‫‪٢‬ينظر الكتاب ‪ ،٤٥٦ /٣‬والأصول لابن السهل ‪ ،٦١ /٣‬وشرح السيرافي ‪ ،٦٢ !٦٢٧/٢‬وشرح الشافية‬
‫‪ ،٢٢٤/١‬والملخص ‪.٢/١٥٣‬‬
‫تصغير إبراهيم وإسماعيل‬
‫أورد ابن أبي الربيع في تصغير إبراهيم‪ ،‬وإسماعيل خلافا ً بين المتقدمين ورجح ما ق َ ََّر ‪9‬رَه ُ سيبويه في تصغيرهما‬
‫م ُب ّينا ً وجه الترجيح‪ ،‬ومما قاله في تفسيره للآية الكريمة‪( :‬واتخذوا م ِن ََّم‪9‬ق َام ِإب ْر َاه ِيم َ مُصًَلًّ ‪9‬ى وَعَهِدْن َا إل َى ِإب ْر َاه ِيم َ‬
‫والُر ‪ََّ 9‬ك‪ِ 9‬ع السجود) ‪.١‬‬
‫َطائ ِف ِينَ والعاكفين ُّ‬
‫ل أَ ن َطِه‪ِّ 9‬رَا بيتي لِل َّ ‪9‬‬
‫و َإسْمَاعي َ‬
‫(‪ ..‬ح ُكي في تَصْ غير ِ إبراهيم وإسماعيل‪ :‬ب ُرَيْه ٍ وس ُمَي ٍْع‪ ،‬ذكر ذلك سيبويه‪ ،٢‬فالهمز ُة والميم ُ زائِدتانِ‪ ،‬وكذلك‬
‫صغ ّرتَه ُ على غير ال ّترخيم لقلت‪:‬‬
‫ترخيم ه ُو َ على حذف الزائد‪ ،‬فَلَوْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ل الهمز ُة واللام ُ زائدتان‪ .‬وتصغير ال ّ‬
‫إسماعي ُ‬
‫ُل على المكُبّر ِة لأنه يمكن أ ْن‬ ‫سيْم ِع‪ ،٤‬والأول أد ُّ ‪9‬‬
‫ب ُر َيْهيم وس ُمَيعيل ‪ ٣‬وحذفت الهمزة‪ .‬وقال المبُِر ِّ‪9‬د ُ‪ :‬أبَيْر ِه وا ُ َ‬
‫يكونَ ُأبَيْر ِه واسيْمع تصغير إب ْره واسمع‪ ،‬وبالقول ال َأوّ ِ‬
‫ل قال سيبويه وعليه أكثر ُ الن ّحويين لما ذكرتُه ُ م ِن الد ّلالَة ِ‬
‫على المكَ ََّب ‪9‬ر ِ‪ .‬أ‪.،‬‬
‫موقفه من الفراء أورد ابن أبي الربيع توجيها ً للفراء لكلمة (م َثَلًا ما بع ُوضة ً) هو الواردة في قوله عز وجل‪:‬‬
‫ل يدخله‬‫َن ا ْ َّلَل ‪9‬ه ِ ل َا يستحي أَ ن ي َضْر ِبَ م َثَلا ً ََّم‪9‬ا بَع ُوضَة ً فَما فَو ْقَه َا‪ ٥ )..‬وَرَدّ ما استدّل به؛ لأنه دلي ُ‬
‫(إ َّ ‪9‬‬
‫ِ‬
‫الاحتمال م ِم ّا يقتضي بُطْلان الاسْ تِدْلال به‪ ،‬ومما قاله في رده‪( .‬وأما ما ذهب إليه الفراء‪ ،‬وهو أ َّ ‪9‬‬
‫َن المعنى‪ :‬ما‬
‫َف و ُيقام ُ م َقامه ُ مخفوضُه ُ‪ ،‬لا‬
‫ّرف لا يُحذ ُ‬ ‫ج عن طريق كلام العرب؛ لأ َّ ‪9‬‬
‫َن الظ َ‬ ‫بين بَع ُوضَة ً فما فوقها خارِ ٌ‬
‫تقول‪ :‬جلستُ زَيدا ً تريد ج َلَسْتُ عند زيدٍ‪ ،‬هذا ليس من كلا ِم العرب‪ ،‬واستدلا له بقول العرب‪ :‬له‬
‫عشرون‬

‫‪١‬سورة البقرة آية‪.١٢٥ :‬‬


‫‪٢‬ينظر الكتاب ‪ ،٤٧٦ /٣‬وشرح السيرافي ‪.٦٦٨/٢‬‬
‫‪٣‬المصدر السابق ‪ ،٤٤٦ /٣‬وشرح السيرافي ‪.٦١٠ /٢‬‬
‫‪٤‬ينظر شرح السيرافي ‪ ،٦ ١ ٠ /٢‬وشرح الشافية ‪ ،٢٦٣/١‬وارتشاف الضرب ‪.١٩ ١/١‬‬
‫‪ ٥‬سورة البقرة آية‪.٢٦ :‬‬
‫جاءت‬
‫ْ‬ ‫ن ما هنا زائدة‪ ،‬والأصل له عشرون ناقة ً فجملاً‪ ،‬والفاء ُ‬
‫ضعيف‪ ،‬فإ ّ‬
‫ٌ‬ ‫ما ناقة ً فجملا ً (‪١ )١‬استدلالا‬
‫ل أحدٌ ج َلَسْتُ‬
‫ل ِترت ْيب الأخبار‪ ،‬وإل َا ّ فكي َْف تأتي الفاء مع بينَ؟ لا تقل ج َلَسْتُ بَيْنَ زيد فعمرو ٌ‪ ،‬ولا يقو ُ‬
‫ل قوله‪ .‬ولا يَصِ ُُّح‪ 9‬الاستدلال على القواعد إل َا ّ بغير‬
‫ل هذا كل ّه ُ بطَ َ‬
‫القوم َ زيدٍ جَلستُ بين القوم‪ ،‬فإذا بَطَ َ‬
‫ل بطل الاستِدْلال (‪. )١٢١‬‬
‫محتَم َل‪ ،‬ومتى احتم َ‬
‫ُ‬
‫موقفه في المازني‬
‫تناول ابن أبي الربيع علة البناء في تابع أيّ المقترنة بأل في النداء عند كلامه على الآية الكريمة‪( :‬ي َا أَ ُّ ‪ُ9‬يهَا‬
‫اس اعْب ُدوا ر َ ََّب ‪9‬ك ُم ُ‪٢ )..‬وتطرق به الحديث إلى رأْ ِ‬
‫ي المازني في المسألة‪ ،‬وردّه ُ لعدم الدليل على القياس‬ ‫َّ‬
‫الَن ‪ُ 9‬‬
‫ص ََّو ‪9‬غ له ما ذهب إليه‪ ،‬ومما قاله ابن أبي الربيع في المسألة في الرد على المازني ‪...‬‬
‫الذي َ‬
‫(‪ ..‬يا التي للنداء إذا وقع بعدها اسم مبني على الضم على أنه معرفة فهي مع ضمتها كالألف واللام يفهم‬
‫ضمنها التعريف‪ ،‬إلى أن يقول‪:‬‬
‫فإذا قلت‪ :‬يا أ َّ ‪َ9‬يها الرجلُ‪َّ ،‬‬
‫فأَى‪ 9‬هنا هي الر ّجلُ‪ ،‬وإذا قلت‪ :‬يا أيها الناس‪ ،‬فأيّ واقعة على شيء مبهم يَتَبَيّن‬
‫بما يجرى عليها‪ ،‬وأي مفردة بنيت على الضم؛ لذلك يكون المبين لها مرفوعا ً ولم يسمع فيه النصب‪ ،‬لأن‬
‫المنادى بالحقيقة إنما هو الاسم الذي فيه الألف واللام التابع لها‪ ،‬وأنت لو ناديت ذلك الاسم لم يكن إلا ّ‬
‫مبنيا ً على الضم‪ ،‬فلم تكن أي وتابعها إل َا مرفوعين‪.‬‬
‫وأجاز أبو عثمان المازني النصب في أي تابع‪ ،٣‬ولم ينقله وإنما أجازه قياساً‪.‬‬
‫وبما ذكرته يمتنع القياس‪ ،‬لأنك إذا قلت‪ ،‬يازيد ُ الظريف‪ ،‬فزيد المقصود بالنداء‬

‫‪١‬ينظر معاني القرآن ‪.٢٣-٢٢/١‬‬


‫‪٢‬سورة البقرة آية‪.٢١ :‬‬
‫‪ ٣‬ينظر المقتصد ‪ ،٢/٧٧٨‬وارتشاف الض ّرب ‪.٣/١٢٧‬‬
‫لا الظريف‪ ،‬وإذا قلت‪ :‬يا أيّها الرجلُ‪ ،‬فالرجل هو المقصود بالنداء‪ ،‬وأيّ صلة‪)١٨٩( .١‬‬
‫مخ ْش َريّ‬ ‫موقِف ُه ُ م ِن َّ‬
‫الَز ‪َ 9‬‬
‫وقف ابن أبي الربيع على كتاب الكشاف لجار الله الزمخشري‪ ،‬وأفاد منه‪ ،‬وترسم نهجه في المناقشة‬
‫َّ‬
‫لكَن‪ 9‬إفادته من كشاف الزمخشري لم تكن مانعت ُه ُ من الأخذ‬ ‫واستجلاء المعاني البلاغي ّة والصّ ور البيانية‪،‬‬
‫عليه والنقد لبعض أقواله التي نثرها في كتاب الكشاف‪ ،‬وأكثر المسائل التي تناولها ابن أبي الربيع في اللغة‬
‫والنحو والتصريف‪ ،‬ولم يصرح باسم الزمخشري إلا في مواضع قليلة من هذا السفر في تفسير الكتاب‪ ،‬وإنما‬
‫َت الأقوال موضع الملاحظة على مواطنها في كتاب‬
‫ورد نقده له تحت قوله‪ :‬بعض المتأخرين‪ ،‬ولمّا عُر ِض ْ‬
‫الكشاف تبي ّن أنه المقصود بذلك‪ ،‬فالأقوال أقوال الزمخشري إن لم تكن بلفظها فهي بلفظ مقارب‪ ،‬أما‬
‫المعنى فواحد‪ ،‬ونورد فيما يلي أهم المسائل التي تناولها ابن أبي الر ّبيع في تعقبه على الزمخشري‪:‬‬
‫لم كان الر ّحمن أبلغ من الر ّحيم؟‬
‫قال ابن أبي الربيع في بيان ال َّ ‪9‬‬
‫َسبب الذي صار به الرحمن أبلغ من الرحيم في قول الله عز وجل‪( :‬الرحمن‬
‫سب ْحانه لا يق ُع على غيره وفعلان يأتي عند الامتلاء‪ ،‬نحو غضبان‪،‬‬
‫ن) اسم خاص به ُ‬
‫ِيم) ‪( ..(:‬الرّحَم ِ‬ ‫َّ‬
‫الَر ‪9‬ح ِ‬
‫وسكران‪ ،‬وحيران‪ ،‬وكذلك الر ّحمن‪.‬‬
‫ل ر َحمن ال ُُّد ‪9‬ن ْيا والآخرة‪ ،‬و َلم ْ يُقلْ في‬ ‫ن على ه َذا أبْل َ ُغ م ِن َّ‬
‫الَر ‪9‬حيم‪ ،‬ولذلك يُقا ُ‬ ‫والر ّحيم ُ مبالغة ٌ في ر َاح ٍم‪ ،‬والر ّحم ُ‬
‫الِصفة وجريانه على غيره‪،‬‬
‫ق على ‪ِّ9‬‬ ‫َن الرحمن جر ِى مجرى الأسماء‪َّ ،‬‬
‫والَر ‪9‬حيم ليس كذلك‪ ،‬بل هو با ٍ‬ ‫الرحيم‪،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫فلذلك ق ‪ِ9‬دِّم على َّ‬
‫الَر ‪9‬حيم‪.‬‬

‫‪١‬نفس المصدر السابق‪.‬‬


‫شقُن ْداف‪.١‬‬
‫وجاء أبو القاسم الزّمخشري وقال‪ :‬هو اكثر حروفا ً من الر ّحيم‪ ،‬فهو لذلك أبلغ كالشقدف وال ّ‬
‫وهذا كلام ليس م ِن طريق كلام العرب‪ ،‬ألا ترى ف َع ِلاً‪ ،‬نحو‪ :‬حَذِر أبل َ ُغ من حاذِرٍ‪ ،‬وإن كان أق َّ ‪9‬‬
‫َل م ِنه ُ‬
‫حروفاً‪ ،‬وإنّما الأمرُ على ما ذكرت لك‪. )٥( .‬‬
‫وصف بالمصْ دَرِ‬
‫ٌ‬ ‫َب "‬
‫ن "ر ّ‬ ‫رَدّ ابن أبي َّ‬
‫الَر ‪9‬بيع القول بأ ّ‬
‫ل‬
‫َب وَزْنُه ُ ف َع ِ ٌ‬
‫َب العالمين "‪ :‬ر ّ‬
‫"رب " من "ر ّ‬
‫ّ‬ ‫و َمم ّا رَدّ به على َّ‬
‫الَز ‪9‬مخشري ولم يُصَر ّح باسْمِه ِ قوله في تَصْر ِيف‬
‫بكسر العين‪ ،‬والأصل ر َببَ ث ُ ََّم ‪ُ 9‬أدغم‪ ،‬وليس أصله ُ فعْلا ً بسكون العين؛ لأ َّ ‪َ9‬نهم قالوا في الجمع‪ :‬أرْب ٌ‬
‫َاب‪ ..‬إلى َ‬
‫أن يقول‪:‬‬
‫وصف بالمصدَرِ‪ ٢‬فيه بُعدٌ‪ ،‬إذّ لو كان كذلك لم يث َّ ‪َ9‬ن ولم يجمع‪ ،‬وم َنْ َّثَن ‪9‬ى مثل هذا في‬
‫ٌ‬ ‫ل من قال‪ :‬إن ّه‬
‫وقو ُ‬
‫ٍَف‪ ،‬و َأَ كُف‪ ،‬فكونُه قد جُم ِ َع على أرباب يَد ُ ُّ ‪9‬‬
‫ُل على‬ ‫ل أفعل‪ ،‬وذلك نحو‪ :‬ك ‪ٍّ 9‬‬
‫المصادر ثن ّاه ُ على القياس في فع ِ‬
‫بعد هذا القول‪. )٧( .‬‬
‫إضافة اسم الفاعل إلى معموله في "مالك يوم الدين "‬
‫ك يَو ْم الِد ‪ِّ9‬ينِ) إضافة ً محضة واسم الفاعل‬
‫ذهب ابن أبي الربيع إلى أن إضافة اسم الفاعل في قوله تعالى‪( :‬م َال ِ ِ‬
‫ن اسم الفاعل إذ أضيف إلى معرفة‬ ‫بمعنى الحال والاستقبال‪ ،‬وأ َّ ‪9‬‬
‫َن هذه الإضافة إلى َ معرفة تفيد التعريف‪ ،‬لأ ّ‬
‫كان على وجهين‪ :‬على التعريف وعلى التخفيف‪ ،‬ور ََّد‪ 9‬قول الزمخشري في جعله ِ‬
‫الإضافة هنا غير محضة وأنّها‬
‫لمجرد التخفيف‪ ،‬ومما أورده في تقرير المسألة والرد على الزمخشري قوله‪:‬‬
‫واسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي وأضيف إلى المعرفة تعر ّف‪ ،‬وإذا كان بمعنى الحال والاستقبال وأضيف‬
‫إلى المعرفة كان على وجهين‪ :‬على الت ّعريف وعلى التخفيف‪ ،‬وتكون هنا الإضافة على التعريف‪ ،‬لأن ّه جا ٍر‬
‫على المعرفة‪.‬‬

‫‪١‬ينظر الكشاف ‪.١/٤٢‬‬


‫‪٢‬المصدر السابق ‪.١/٥٣‬‬
‫ن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال والاستقبال فلا تكون إضافته إل َا ّ غير‬
‫وجاء بعض المتأخرين‪ ،‬وقال‪ :‬إ ّ‬
‫معرفة‪ ،‬وتكون غير محضة‪ ،‬وإنما تكون للتخفيف‪.١‬‬
‫وهذا القول فاسد‪ ،‬والصحيح ما ذكرته أولاً‪ ،‬وهو أن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال والاستقبال فله‬
‫بالإضافة الصفة المشبهة باسم‬
‫إضافتان‪ :‬إضافة تعريف وإضافة تخفيف‪ ،‬والذي يضاف ولا يتعرف أبدا ً ِ‬
‫ك يوم الد ّين) على طريقة نهار ُه صائم وليله قائم في‬
‫الفاعل خاصة ولا يتعرف إل َا ّ بالألف وال ّلام‪ .‬وجاء (مال ِ ِ‬
‫الات ّساع لمّا كان فيه ن ُسِبَ إليه إمّا بالفاعلية وإمّا بالمفعولية‪ .‬على جِهة ِ الات ِساع‪. )١٠( .‬‬
‫إعراب كلمة "سواء" وجملة " أأنذرتهم "‬
‫أورد ابن أبي الربيع إعرابا ً لكلمة "سواء" وجملة "أأنذرتهم " من الآية الكريمة‪( :‬سَوَآء ٌ عَلَيْه ِ ْم أَ أَ نذ َ ْرتَه ُ ْم أَ ْم ل َ ْم‬
‫تُنذِرْه ُ ْم لا يُؤْم ِن ُونَ) لم يعزه إلى قائله بل طوى ذكره لَعلّه تك َر ّه التشهير به وآثر توجيه النقد إلى فحوى القول‬
‫ومنطوقه‪ ،‬وهو نهج التزمه كثيرا ً في نقده وتعقباته على بعض العلماء‪ .‬ومما قاله هنا بعد إيراده الإعراب الذي‬
‫ن (أأنذرتهم) في موضع المبتدأ و (سواء) خبر فقد قال مالا نظير له‪ .‬وكذلك م َنْ‬
‫ارتضاه‪( :‬وم َنْ قال‪ :‬إ ّ‬
‫ن مقدم فقد أخطأ (‪٢ )٢‬؛ لأ َّ ‪9‬‬
‫َن الجملة لا تقع موقع‬ ‫ن (أأنذرتهم) فاعل (سواء) و (سواء) خبر إ ّ‬
‫قال إ ّ‬
‫الفاعل فليس في هذا إلّا ما ذكرته‪ ،‬من جعل الخبر مبتدأ والمخبر عنه خبرا ً على جهة الاِت ‪ِّ9‬ساع‪ ،‬فيكون‬
‫ن مثلك عمرو‪)٣٦( .‬‬ ‫بمنزلة‪ :‬إ َّ ‪9‬‬
‫َن خيرا ً منك زيد ٌ‪ ،‬وإ ّ‬

‫‪١‬ينظر الكشاف ا‪.٥٨-٥٧/‬‬


‫‪٢‬والقولان هنا لأبى القاسم الزمخشرى‪ ،‬قال في الكشاف‪ :‬وسواء بمعنى الاستواء‪ ..‬وارتفاعه على أنه خبر‬
‫ِلإنّ‪ ،‬وأأنذرتهم أم لم تنذرهم في موضع المرتفع به على الفاعلية‪ ،‬أو يكون أأنذرتهم في موضع الابتداء‪،‬‬
‫وسواء خبر مقدم‪ .‬بمعنى سواء عليهم الإنذار وعدم الإنذار‪ ..‬بتصرف من الكشاف ‪١ /١‬هـ ا‪،١٥٢-‬‬
‫وينظر التبيان في غريب إعراب القرآن ‪ ،٥٠ /١‬وإملاء ما منّ به الرحمن ‪ ،٢٠ /١‬والدر المصون‬
‫‪.١/١٠٥‬‬
‫مجيء م ِنْ لبيان الجنس عند الزمخشري و َردّ ابن أبي الربيع ذلك‬
‫ات رِزْقا ً َّ ‪َ9‬لك ُمْ) ‪١‬‬
‫ن ال ََّثم‪َ9‬ر َ ِ‬
‫ج بِه ِ م ِ َ‬
‫خر َ َ‬ ‫ن ال َّ ‪9‬‬
‫َسماء م َاء ً ف َأَ ْ‬ ‫ل مِ َ‬
‫ن "م ِنْ " في قوله تعالى‪( :‬و َأَ نز َ َ‬
‫ذهب الزمخشري إلى أ ّ‬
‫كقَو ْلِكَ‪ :‬أنفقت م ِن ال ََّد ‪9‬راهم ألفا ً‪.٢‬‬
‫تُف ِيد ُ الت ّبعْيض‪ ،‬وقد تكُونُ لِل ْبَيان‪َ ،‬‬
‫ولم يرتض ابن أبي الربيع معنى البيان في "م ِنْ " وأثبت لها معنى التبعيض‪ ،‬وزاد ابتداء الغاية‪ ،‬واستند فيما‬
‫ذهب إليه في ابتداء الغاية إلى سيبويه وأبي علي الفارسي‪ ،‬ومما قاله في المسألة‪:‬‬
‫َل بقولهم‪ :‬أنفقت من ال ََّد ‪9‬راهم ألفاً‪ ،‬لا‬
‫(‪ ..‬وجاء بعض المتأخرين وقال في "م ِنْ " هنا إنها للبيان‪ ،‬واسْ تَد َ َّ ‪9‬‬
‫فرق بينه وبين الآية‪.‬‬
‫التبعيض فيها هو البي ّن‪ ،‬ولم يذكر سيبويه ولا أبو علي في "م ِنْ " أَ َّ ‪َ9‬نها توجد لِل ْبيان‪ ،‬وإنما هي موجودة لابتداء‬
‫ن الأَ وْث َانِ)‬
‫س مِ َ‬
‫ل بقوله سبحانه‪( :‬فاجْ ت َن ِب ُوا الِر ‪ِّ9‬جْ َ‬
‫الغاية أو للتبعيض‪ ،٣‬وم َنْ قال‪ :‬إنّها تكون للبيان اسْ تَد َ ّ‬
‫‪٤‬وهذا التبعيض فيه بينّ‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن الوثن لا يجتنب فيه إلا ّ العبادة والتعظيم وهذا هو الر ّجس‪ ،‬وأمّا أَ ْن يؤخذ‬
‫الوثن إذا كان ذهبا ً أو فضة فيعمل به ما يجوز أن يعمل فلا يجتنب‪ ،‬وهذا ليس برجس‪. )٩٥( ٥ .‬‬

‫‪ ١‬سورة البقرة آية‪٢٢ :‬‬


‫‪٢‬ينظر الكشاف ‪.٢٣٥ /١‬‬
‫‪ ٣‬ينظر الكتاب ‪ ،٢٢٥-٢٢٤ /٤‬والإيضاح ‪.٢٥١‬‬
‫‪ ٤‬سورة الحج آية‪.٣٠ :‬‬
‫‪ ٥‬هذا التخريج الذي أورده ابن أبى الربيع لا يمنع مجيء من لبيان الجنس‪ ،‬وكون سيبويه أيقل به لا يلزم‬
‫منه النفي لهذا المعنى فقد ذهب إليه غير واحد من العلماء كالهروي في الأزهية ‪ ،٢٣٣‬وابن مالك في شرح‬
‫التسهيل ‪\.٣/١٣٤‬‬
‫ل من أجله‬
‫إعراب " رِزْقا ً " مفعو ٌ‬
‫ات رِزْقا ً َّ ‪َ9‬لك ُمْ) مفعولا ً من أجله‪،‬‬
‫ن ال ََّثم‪َ9‬ر َ ِ‬
‫ج بِه ِ م ِ َ‬
‫خر َ َ‬ ‫أعربَ الزم ُّ‬
‫خشرُي‪ 9‬كلمة (رِزْقاً) من الآية الكريمة‪( :‬ف َأَ ْ‬ ‫ْ‬
‫ض‪ ،‬ولم يَرْتض ابن أبي الربيع هذا الإعراب و"م ِن " للتبعيض‪ ،‬وإنمّا خرجه على أن ّه‬ ‫وم ِن الجارّة َّ‬
‫للَت ‪9‬بعْي ِ‬
‫مفعول به؛ لأنه الأظهر في الصورة والأقرب في البيان‪ ،‬قال في تعقبه على إعراب الزمخشري‪:‬‬
‫ض فيكونُ "رِزْقا ً"‬
‫مرات " للت ّبعي ِ‬
‫بعض المتأخرين قال‪ :‬وإ ْن كانت "م ِنْ " م ِن قوله سبحانه "من الث ّ ِ‬
‫َ‬ ‫(‪ ..‬ورأيتُ‬
‫مفعولا ً من أجله‪١‬؛ ولا أ ْدرِي ما حَمَلُه على هذا؟ وإلا ّ فقد يقولُ‪ :‬أك َل ْتُ م ِن َّ‬
‫الَر ‪9‬غيف ثلثه‪ ،‬وأخرجت من‬
‫ل الرّز َق هنا مفعولا ً م ِن أجله َّإَن ‪9‬ما‬ ‫ص ََّو ‪9‬ر ُ أ ْن يكونَ مُفْع ُولا ً من أجْله ِ‪ .‬و َ‬
‫جع َ ُ‬ ‫ل به ولا يُت َ َ‬
‫س زيداً‪ ،‬وَزَيد ٌ مفعو ٌ‬
‫الن ّا ِ‬
‫وشرط المصْ درِ إذا كانَ مفعول ًا من أجله أل َا ّ يُنصبَ حت ّى يكُونَ فاعلا ً‬
‫ُ‬ ‫يكونُ بعد جعل الرّزْقَ م َصْ د َراً‪،‬‬
‫ن واحدٍ‪ ،‬نحو‪ :‬جئتك ابتغاء الخير‪ ،‬فأنا الجائي‪ ،‬وأنا المبتغي‬
‫ل الفعل المعلل ومع الفعل المعل ّل في زما ٍ‬
‫ل ِفاع ِ ِ‬
‫ن الز ّمان مختلف‪ ،‬إلا ّ أن‬
‫والز ّمانُ واحد‪ ،‬فالر ّزق على هذا هو من الله تعالى‪ ،‬والإخراج منه سبحانه إلا ّ إ ّ‬
‫يكون المعنى‪ :‬إعدادا ً لرِزْقكم‪ ،‬وفيه اتساع‪.‬‬
‫ن جعلت ((م ِن)) للبيان كان "رِزْقا ً " مفعول به‪ ،‬وقد جعل "من " للبيان وجعل الرزق مفعولا ً‬
‫وقال‪ :‬وإ ّ‬
‫به‪ ،‬و"من " للتبعيض أبين من جعله مفعو ًلا مع من التي للبيان عند من يثبت ذلك‪. )٩٦( .‬‬
‫رَدّ ابن أبي الربيع إعراب كلمة "لكم " مفعولا ً لأجله‬
‫ق ل َك ُم ََّم‪9‬ا في الأَ ْر ِ‬
‫ض جَميعاً) على أن اللام‬ ‫خرج ابن أبي الربيع كلمة (لكم) الواردة في الآية الكريمة‪( :‬خ َل َ َ‬
‫لتعدية الفعل قبلها‪ ،‬فهي بمنزلة‪ :‬جئت لك‪ ،‬فجاء تتعدى بال َلام وليست على معنى جئت لأجلك؛ لأنه لا‬
‫ْس المعنى لأجلكم‪ .‬وبعد أن قرر هذا الوجه‬
‫يعلم الذي جيء َ لأجْلِه‪ ،‬وكذلك (خلق لكم) تتعدى باللا ّم‪ ،‬ول َي َ‬
‫عرض لقول الزمخشري في المسألة دون أ ْن يصرح باسمه أو يعزو إلى المصدر‪ ،‬فقال‪ ..( :‬ورأيت بعض‬
‫المتأخرين ذهب إلى أن "لكم " مفعولا ً لأجله‪ ،١‬وهذا ليس بصحيح لما ذكرته‪)..‬‬

‫‪١‬ينظر الكشاف ‪.١٣٥ /١‬‬


‫وما ذهب إليه الزمخشري هو الأظهر في كلمة (لكم) لما فيه من معنى السبب‪ ،‬وقد أخذ به غير ُ واحد من‬
‫معربي القرآن‪ ،٢‬حتى قال أبو حيان إن (الأحسن حمله على السبب فيكون مفعولا ً من أجله؛ لأنه بما يا‬
‫ل الانتفاع الديني والدنيوي‪ .٣‬أعرب الزمخشري في (سبع سماوات) الواردة في الآية الكريمة‪:‬‬
‫الأرض يحص ُ‬
‫َوات‪ ٤ )..‬علما أنها تفسير للضمير المبهم "ه ََُّن‪ " 9‬وأمّا ابن أبي الربيع فقد خَرّجها على‬
‫سب ْ َع سَم ٍ‬
‫(فسواهن َ‬
‫وجهين هما‪ :‬البدلية والحالية‪ ،‬ثم رد قول الزمخشري‪ ،‬ومم ّا قاله في المسألة‪:‬‬
‫ل من "ه ََُّن‪ " 9‬والتقدير‪ :‬فَسَو ّى َ‬
‫سب ْ َع سموات‪ ،‬ويمكن أ ْن يكون حالا ً على تقدير‪ :‬مقدرا ً أن‬ ‫سب ْ َع بد ٌ‬
‫(‪ ..‬و َ‬
‫سك َناً) أي مقدرا ً أن يكون سَكناً‪ ،‬وهذا بمنزلة قول‬
‫ل َ‬ ‫ل َّ‬
‫الَل ‪9‬ي ْ َ‬ ‫جع َ َ‬
‫يكون سبع سماوات‪ ،‬كما قال سبحانه‪( :‬و َ‬
‫ل معه صقر ٌ صائد به غداً‪ ،‬أي مقدرا به الصّ يدِ غداً‪ ،‬والبدل عندي أحسن‪ .‬ورأيت‬
‫العرب‪ :‬مررت برج ٍ‬
‫بعض المتأخرين يذهب في (سبع سموات) إلى أنه بمنزلة‪ :‬ربه رجلاً‪ ،‬أضمر على شريطة التفسير (‪.٥ )٥‬‬
‫ل لا يُعَو ّل! عليه ث لأ َّ ‪9‬‬
‫َن الضمير على شريطة التفسير يحفظ ولا يقاس عليه‪ ،‬ولا يقال منه إلّا ما‬ ‫وهذا قو ٌ‬
‫ج عن القياس‪ ،‬والأصل في الضمير الغائب أنه يأتي بعد الظاهر لفظا ً أو مرتبة ً‪ ،‬أما‬
‫قالت العرب ة لأنه خار ٌ‬
‫إتيانُه قبل الظاهر المفِس ‪ِّ9‬ر له لفظا ً وم َّرت َبة ً فَل َ ْم يَق َعْ إلّا في أرْبعة ِ أبواب‪ ،‬وبَيانُها في كُت ُب العربية‪ ،‬وليس هذا‬
‫مِنْهَا‪. )١٣١( .‬‬

‫‪١‬ينظر الكشاف ‪.٢٧٠ /١‬‬


‫‪ ٢‬ينظر الفريد في إعراب القرآن المجيد ‪.٢٦٢/١‬‬
‫‪٢‬ينظر البحر المحيط ‪.٢١٥/١‬‬
‫‪٢‬سورة البقرة آية‪.٢٩ :‬‬
‫‪٣‬ينظر البحر المحيط ‪.٢١٥/١‬‬
‫‪٤‬سورة البقرة آية‪.٢٩ :‬‬
‫‪٥‬ينظر الكشاف ‪ ،٢٧٠ /١‬والفريد في إعراب القرآن المجيد ‪ ،٢٦٣/١‬والبحر المحيط ‪ ،٢ ١٨/١‬وقد رجح‬
‫أبو حيان فيه البدلية على التفسير‪ ،‬وبقية الإعرابات التي أوردها‪.‬‬
‫مخ ْشر ُُِّي‪ 9‬كلمة "أع ْلَم " من قوله تعالى‪( :‬و َأع ْل َم ُ م َال َا تَعْلَم ُونَ) ‪١‬على معنى التفضيل‪ ،‬أ ََّم‪9‬ا ابن أبي الربيع‬
‫خرج الز ّ َ‬
‫فجعل "اعل َم ُ " هنا فعل مضارع واسْ تَبْعَد َ ما ذهب إليه الزمخشري‪ ،‬ومما قاله‪:‬‬
‫ل المسْتَمِر ّة و"ما" مفعول بأع ْل َم ُ‪ ،‬والتقدير‪ :‬بما تَعْم َلون أبداً‪،‬‬
‫ل مضارعٌ ي ُراد به الحا ُ‬
‫(‪" ..‬اع ْل َم ُ " ه ُنا فِعْ ٌ‬
‫ل أحسَنهُا عندي ما ذكرته‪.‬‬
‫ل في هذا أقوا ٌ‬
‫ت لا هنا لنفي المستقبل‪ ،‬وق ْد ق ِي َ‬
‫ودخل َ ْ‬
‫ل‪ ،٢‬وه ُو َ شيء ٌ بعيدٌ‪ ،‬مقصُود ُه م ُتَعَذّر‪( .‬‬
‫ل تفْضي ٍ‬ ‫ن وذهبَ إلى أ َّ ‪9‬‬
‫َن "اعلم ُ " ه ُنا أفع َ‬ ‫بعض المتأخّري َ‬
‫وجاء َ ُ‬
‫‪)١٣٥‬‬
‫ل وَم ِن‬ ‫ك ل ِ َّلَن ‪9‬ا ِ‬
‫س إم َاماً‪ ،‬قَا َ‬ ‫ل ِإن ّ ِى ج َاع ِل ُ َ‬
‫أعربَ الزمخشريّ كل ِمة "وَم ِنْ ذُِر‪ِّ9‬ي ّتي " من الآية الكريمة‪( :‬قَا َ‬
‫ْض ذُِر‪ِّ9‬ي ّتي‪..‬‬ ‫ذُِر‪ََّ ِّ9‬ي ‪9‬تِى‪ )..‬وهو معط ُوفة ً على الكاف من "جاع ِل ُك" كأنه قال‪ :‬جاع ٌ‬
‫ل بَع َ‬
‫الإعرابية‪ ،‬والقاعدة النحوية‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫الِصناعة ِ‬
‫وقد ردّ ابن أبي الربيع هذا التوجيه بمقتضى ‪ِّ9‬‬
‫ْس‬
‫الكاف م ِن (جاع ِلُكَ) ‪ .٣‬ول َي َ‬
‫ِ‬ ‫ُوف على‬
‫أي (وَم ِنْ ذُِر‪ِّ9‬يتي‪ )..‬مَعْط ٌ‬
‫خرِين إلى أن ّه‪ْ ،‬‬
‫بعض المتأ ّ‬
‫ُ‬ ‫(‪ ..‬وذهبَ‬
‫هذا بالبيّنَ؛ إ ْذ لو كانَ (وَم ِنْ ذُِر‪ََّ ِّ9‬ي ‪9‬تي) منصوبا ً لكانَ وَذُِر‪ِّ9‬ي ّتي‪ ،‬لأن الكاف مفعولُه ُ فهو يص ُ‬
‫ل إليها بنفسه‪،‬‬
‫(وَم ِنْ ذُِر‪ََّ ِّ9‬ي ‪9‬تي) مجرور فكيف ي ُ ُ‬
‫عطف المجرور ُ على المنصوب‪. )٢٥٦( .‬‬
‫َب اجْ ع َلْ هَذ َا‬
‫ل ِإب ْر َاه ِيم ُ ر ّ‬
‫كف َر) معطوفة على (م َنْ آمن) في قوله تعالى‪( :‬و َإ ْذ قَا َ‬
‫أعرب الزمخشريّ (وم َنْ َ‬
‫كف َر َ ف َُأمَِت ‪ِّ9‬ع ُه ُ قَلِيلاً‪.٤ )..‬‬ ‫ن مِنْه ُم ب َِّالَل ‪9‬ه ِ و َال ْيَو ْم الآَ ِ‬
‫خر ِ‪ ،‬قَال وَم َن َ‬ ‫ن ال ََّثم‪َ9‬ر َ ِ‬
‫ات م َنْ آم َ َ‬ ‫بلََدا ً آم ِنا ً و َا ْرز ُْق أَ ه ْلَه ُ م ِ َ‬

‫‪ ١‬سورة البقرة آية‪.٣٠ :‬‬


‫‪ ٢‬ينظر الكشاف ‪.١/٢٧١‬‬
‫‪ ٣‬المصدر نفسه ‪.٣٠٩‬‬
‫‪ ٤‬سورة البقرة آية‪.١٢٦ :‬‬
‫ولم يرتض ابن أبي الربيع هذا الإعراب‪ ،‬بل رَدّه ُ بقوله‪:‬‬
‫ُوف أ ْن‬ ‫ُّ‬
‫وحُق‪ 9‬المعْط ِ‬ ‫معطوف على (وم َنْ آمن) ‪،١‬‬
‫ٌ‬ ‫كف َر َ)‬
‫ن (وَم َنْ َ‬
‫ن يذهبُ إلى أ ّ‬
‫بعض المتأخّري َ‬
‫َ‬ ‫(ورأَ يتُ‬
‫َن الأ ََّو‪9‬ل دعاء ٌ‪ ،‬والثاني إخبار ٌ عن الأصل‪. )٩٨( .٢‬‬
‫ل‪ ،‬والت ّشريك ه ُنا م ُمْت ْنعٌ؛ لأ َّ ‪9‬‬
‫يكونَ م ُشَر ّكا ً في العام ِ ِ‬

‫‪ ١‬ينظر الكشاف ‪.٣١٠ /١‬‬


‫‪ ٢‬ينظر البحر المحيط ‪ ٦٠٣/١‬فقد ردّ بارد به ابن أبى الربيع هنا‪ ،‬وزاد في البيان وتوجيه المعنى على مقتضى‬
‫الإعراب‪.‬‬
‫المبحث السابع‬
‫‌‌عناية ابن أبي الربيع بالقراءات‬
‫أورد ابن أبي الربيع في هذا السفر من تفسيره قراءات مختلفة‪ ،‬فيها المتواترة‪ ،‬والشاذة‪ ،‬وقد تناول الكثير من‬
‫هذه القراءات بشيء من البيان والتوجيه على مقتضى قواعد العربية‪ ،‬ونب ّه على ما خرج من القراءات الشاذة‬
‫عن أصول العربية والقياس الصحيح‪.‬‬
‫ومنهجه في الاحتجاج بالقراءات يقوم على تقديم المتواتر والتعويل عليه‪ ،‬وتَو ْجيه القراءات الشاذة غالبا ً على‬
‫الأوجه المحتملة في العربية‪ ،‬فإذا لم يجد لها وجها ً في العربية خرجها على قاعدة الاتساع‪.‬‬
‫وتارة يورد القراءات متواترة كانت أو شاذة دون أن يتبعها بتوجيه أو بيان‪ ،‬كقوله‪ :‬لم يقرأ في السبع إلا ّ‬
‫بالتخفيف‪ ،٣‬وأمّا في غير السّبع فقد حكى فيه قراءات (‪ ،٤ )٤‬وقد قرىء في غير السبع (‪ ،٥ )٥‬ومن‬
‫أمثلة القراءات الموجه ما يلي‪:‬‬

‫‪٣‬ص ‪ ٣٣‬من تفسير ابن أبى الربيع‪.‬‬


‫‪٤‬ص ‪ ٤٧‬من تفسير ابن أبى الربيع‪.‬‬
‫‪٥‬ص ‪ ٦٤‬من تفسير ابن أبى الربيع‪.‬‬
‫قال في توجيه القراءة الشاذة في قوله تعالى‪( :‬أَ أَ نذ َ ْرتَه ُ ْم أَ ْم ل َ ْم تُنذِرْهُمْ) ق ُرىء َ في الشّاذّ (أنذرتهم) وهو على‬
‫ل اجتماع الهمزتين‪ ،‬وهذا لا‬ ‫َن أم طالبة بالاسْ تفهام‪ ،‬ثم ثَق ُ َ‬ ‫حذف همزة الاستفهام‪ ،‬اسْ تغنوا عنها بأم‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫يَكاد ُ يُعْر َُف‪ ،‬ولم يجئ في السبع‪ .١‬وقال في توجيه قراءة (غِشَاو َة) من قوله تعالى‪( :‬عَلَى أَ بْصَارِه ِ ْم غِشَاوَة ٌ)‬
‫‪ ..( ٢‬لم يقرأ هذا في السّبع إل َا ّ بالر ّفع‪ ،‬وقُرِىء َ في غير السبع بنصب "غَشِاو َة " ورُوِيَ ذلك عن عاصم في‬
‫ل عليه (وخَت َم َ) ‪ ،٣‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن الختم في القلب‬ ‫روايته المشهورة عنه لها وجه‪ ،‬وهو أن يكون منصوبا ً بإضمار فعل د َ ّ‬
‫و َالسّمع نظير جعل الغشاوة على العين‪ ،‬فيكون هذا بمنزلة قول امرئ القيس‪:‬‬
‫‪ ... ... ... ... ...‬يُحَلّين ياقوتا ً وشذرا ً مُف َ َّ ‪َ9‬قرا‬
‫ح ‪ِ9‬قِّه ِ حِمَيرية ٍ ‪... ... ... ... ...‬‬
‫وَر َيَ ح َ سَنا ً في ِ‬
‫يح َيّن يَد ُ ُّ ‪9‬‬
‫ُل عليه‪.‬‬ ‫ن ريح سنا‪ ،‬وحذف يضمخْ ن؛ لأ َّ ‪9‬‬
‫َن ما قبله وهو ُ‬ ‫ضمّخْ َ‬
‫المعنى‪ :‬و ُ ي َ‬
‫وجاء في غير السّبع "غَشْوَة ٌ " والمعنى تغطية‪ ،‬وهو مصدر‪ .‬و"غ ُشاوة" يضم العين‪ ،‬وبالعين غير المعجمة‪ .‬والواو‬
‫في عشاوة أصل‪ ،‬لأنّهم قالوا‪ :‬عشا يعشو‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ضو ْء ِ نارِه ‪ ...‬تجد‪.‬‬
‫متى تأته تعشو إلى َ‬
‫وأ ََّم‪9‬ا م َنْ ق َرأَ َ ه ُ بالغ َيْنِ فالواو مُن ْقلبة ٌ ع َنْ ي َاء ٍ‪ ،‬لأنّهم قالوا‪ :‬الغشيان‪ .‬وقالوا‪ :‬غ َشي َة وق ُرىء َ "غِشْوَة َ "بكسر ِ الغين‬
‫قراءات لم تثبت في السبع‪ ،‬والثابت في ال َّ ‪9‬‬
‫َسبع (غِشاوة) بكسر الغين وفتح الواو‬ ‫ٌ‬ ‫والواو منقلبة ع َنْ ياء‪ ،‬وهذه‬
‫الإمارة‪ ،‬والحياكة‪ ،‬والكتابة‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن في‬ ‫ورفع التاء‪ .‬وف ِعالة بكسر أوّله يأتي في المصادر إذا كان فيها ولاية‪ ،‬نحو ِ‬
‫هذه كل ّها شبها ً بالولاية‪.٣٠ -٢٩.‬‬
‫‪١‬ص ‪ ٣٣‬من تفسير ابن أبى الربيع‪.‬‬
‫‪ ٢‬سورة البقرة آية‪.٧ :‬‬
‫‪٣‬ينظر التذكرة في القراءات لابن غليون ‪ ،٣٠٩/٢‬والمحرر الوجيز ‪١٥٦-١٥٥ /١‬‬
‫تضعيف القراءة ِ ال َّ ‪9‬‬
‫َشاذًة ِ أو تخريجها على وجه الاتساع‬ ‫ُ‬
‫وتارة ً يُورِد ُ القراءة َ الشّاذة ويخرجها على مقتضى الصنعة الإعرابية ليظهر وجه الضعف فيها‪ ،‬من ذلك ما‬
‫الَل ‪9‬ه َ ل َا يستحي أَ ن ي َضْر ِبَ م َثَلا ً ََّم‪9‬ا‬ ‫(إ َّ ‪9‬‬
‫َن َّ‬ ‫ِ‬
‫الرفع لكلمة (بَع ُوضَة ً) من قوله عز وجل‪ِ :‬‬ ‫أورده في توجيه قراءة‬
‫بَع ُوضة ً ف َمَا فَو ْقَه َا) قال توجيه رفع (بَع ُوضة) ‪:‬‬
‫(‪ ..‬لم يَقْر َُأ السبعة إلا ّ بنصب "بَع ُوضة ً"‪ ،‬و َقرِىء في غير السّبع بالر ّفع ول َي َ‬
‫ْس بالقويّ ‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن (ما) هنا بمعنى‬
‫الّذي وَصِلَتُها "بعوضة " ولاب ََّد‪ 9‬م ِن ضميرٍ محذوف تقديره‪ :‬الّذي ه ُو َ بعوضة‪ ،‬وهذا الضّ مير يَق ِ ُّ ‪9‬‬
‫ُل حذف ُه ُ‪ ،‬وإنّما‬
‫ه ُو َ في الأفْصَح ظاهِرِّ ‪ 9‬كما قال تعالى‪( :‬وَر َاو َدت ْه ُ ا ََّل ‪9‬تِى ه ُو َ فِي ب َيْتِهَا) ‪.١‬‬
‫سنُ) من قوله تعالى‪( :‬تَمَاما ً عَلَى الذي أَ حْ سَنَ) ‪.٢‬‬
‫ح ّ‬
‫وكذا وجه الرفع في كلمة (أ َ‬
‫وم ِم ّا قال هنا‪ .." :‬قرىء في الشاذ بالرفع وهو على تقدير‪ :‬الّذي هو أحسنُ‪ ،‬وحذف الضمير العائد من الصّ لة‬
‫ن إذا طال الكلام‪. )١٢١( .‬‬
‫س ٍ‬
‫ح ْ‬
‫ن بعض ُ‬
‫حس ُ َ‬
‫ِي‪ ،‬وقد َ‬
‫ضعيف إلا في أَ ‪ِّ 9‬‬
‫ٌ‬ ‫إلى الموصول إذ كان م ُبتدأ ً‬

‫ص ‪ِ9‬دِّقٌ ) من الآية الكريمة‪:‬‬


‫وقال عن توجيه قراءتي الرفع والنصب في كلمة (م ُ َ‬
‫ص ‪ِ9‬دِّقٌ لم َِا مَعَهُمْ) ‪.٣‬‬ ‫(ول ََّم ‪9‬ا ج َاءَه ُ ْم ك ِت َ ٌ‬
‫اب منْ عِندِ الله م ُ َ‬
‫ص ‪ِ9‬دِّقٌ ) في السبع إلا ّ بالرفع‪ ،‬وهو صفة للكتاب‪ ،‬وق ُرىء َ في غير السبع (مصدقاً) بالن ّصب‪،‬‬ ‫(‪ ..‬لم يقرأ (م ُ َ‬
‫الَل ‪9‬هِ) ‪ ،‬لأنه نائب مناب مُسْتَقٌِر ‪ ،ٌّ 9‬فيكون المعنى‪ :‬وَل ََّم ‪9‬ا‬
‫ل من الضمير الّذي في (من عندِ َّ‬
‫وه ُو عِندي حا ٌ‬
‫أي موافقا ً لما في َّ‬
‫الَت ‪9‬و ْراة‪. )٢٣٣( .‬‬ ‫جاءَه ُم اسْ تقر من عند الله في حال أنه مصدق بالتوراة؛ ْ‬

‫‪١‬سورة يوسف آية‪.٢٣ :‬‬


‫‪٢‬سورة الأنعام آية‪.١٥٤ :‬‬
‫‪ ٣‬سورة البقرة آية‪.٨٩ :‬‬
‫ومما خرج فيه ابن أبي الربيع القراءة السبعية على خلاف القياس والقراءة غير السبعية على مقتضى القياس‬
‫كلمة (م َ ُُّث ‪9‬وبة) من قوله عز وجل‪( :‬و َلَو ْ أَ َّ ‪َ9‬نه ْم آم َن ُوا وَا ََّت ‪9‬قَو ْا ل َمَث ُوبَة ٌ منْ عِندِ الله خَيْر ٌ لو ْ ك َانُوا يَعْلَم ُونَ) ‪ ،١‬قال‬
‫في بيان القياس في (م َثوبة ٌ)‬
‫القياس في مثوبة مثابة‪ ،‬ولم يقرأ به في السّبع‪ ،‬وقُرِىء في غير ِ السّبع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ل مثوبة‪ ،‬ومعناه ُ َّ‬
‫الَث ‪9‬واب‪ ،‬وكان‬ ‫(‪ ..‬يقا ُ‬
‫لأ َّ ‪9‬‬
‫َن الفعل معتل فينبغي أن يكون المصدر ُ كذلِكَ‪ ،‬مثل المنابة والمقامة والمقالة والمثابة‪ ،‬لكن ّه ُ جاء مصححا ً‬
‫على الأصل كما جاء الق ُصْ و َى والق َود‪. )٢٦٢-٢٦١( .‬‬
‫(إن ّا أ ْرسَل ْنَاك َ‬
‫وتارة يوجّه المعنى و َف ْق القراءة الواردة في الآية‪ ،‬كقوله في كلمة (تسأل) من الآية الكريمة ِ‬
‫اب الجحيم) ‪.٢‬‬
‫صح َ ِ‬
‫ل ع َنْ أَ ْ‬
‫بالحق بَشِيرا ً و َن َذِيرا ً وَل َا ت ُسْأ ُ‬
‫بالَر ‪ِ 9‬‬
‫فع وبناء الفعل للمفعول‪.‬‬ ‫قُرِىء (تسْأل) بالجزم‪ ،‬ولا نَهْ ي ٌ‪ ،‬وق ُرىء (ولا تسألُ) َّ‬
‫فمنْ قرأَ ه ُ بالرفع عطفة ُ على (بشيراً) والمعنى‪ :‬إ ََّن ‪9‬ا أرْسلناك مبشرا ً ونذيرا ً وغير َ سائل عن أصحاب الجحيم‪ْ ،‬‬
‫أي م َنْ‬
‫كف َر َ لا تسأل عن كفره‪.‬‬
‫َ‬
‫وم َنْ قرأ "ولا تسألْ " بالجزم‪ ،‬ففيه تعظيم الجهة‪ ،‬أي‪ :‬لا تسأل عن هؤلاء‪ ،‬أي إ َّ ‪9‬‬
‫َن أمْرَه ُم أكبر من ذلك‪.‬‬
‫(‪. )٢٨٣‬‬
‫وتارة يخرج القراءة على قاعدة الاتساع‪ ،‬كقوله في توجيه قراءة الضم في (و ُقُودها) من الآية الكريمة‪( :‬ف َِإن‬
‫ََّل ‪9‬مْ ت َ ْفع َلُوا و َلَن ت َ ْفع َلُوا فَا ََّت ‪9‬ق ُوا َّ‬
‫الَن ‪9‬ار َ التي و َقُود ُه َا الناس والحجارة‪٣. )..‬‬
‫(‪ ..‬وقرأ جماعة في الشاذ‪( :‬و ُقُود ُها) بضم الواو‪ ،‬والو ُقود بضم الواو المصدر فالإخبار عنه َّ‬
‫بالَن ‪9‬اس والحجارة فيه‬
‫اتساع م ِنْ و َجْ ه َين‪:‬‬

‫‪١‬سورة البقرة آية‪.١٠٣ :‬‬


‫‪٢‬سورة البقرة آية‪.١١٩ :‬‬
‫‪٣‬سورة البقرة الآية‪.٢٤ :‬‬
‫أحدهما‪ :‬أ ْن يكون على حذف مضاف‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون جعل َّ‬
‫الَن ‪9‬اس والحجارة وقودا ً لمّا كان الات ّقاد بهما‪ ،‬كما تقول‪ :‬زيد زين الكلمة‪ ،‬وأطلق الزّين‬
‫عليه وهو في الأصل مصدر‪ ،‬كما تقول‪ :‬حياة المصباح السّليط‪ ،‬و ُيسم ّى الشيء باسم ملازمه‪ ،‬وقد مضى‬
‫الكلام في الات ّساع‪ ،‬وأن ّه يكونُ على وجوه ٍ‪ ،‬هذا أحدها‪ ،‬وهو ت َ ْسمِية الشيء ِ بما يلازِم ُه ُ‪. )١٠٦( .‬‬
‫المبحث الثامن‬
‫‌‌الاحتجاج بالشعر‬
‫ّت العربية بأفصح التراكيب وأبلغها‪ ،‬وأحسن الأساليب وأجزل‬
‫يُع ّد الشعر أحد المصادر السماعية التي أمد ْ‬
‫المعاني‪ ،‬وأثره في ترسيخ أصول العربية وقواعدها وضبط أقيستها معروف لدى أهل الصنعة‪ ،‬وقد صُن ّف في‬
‫حسْب ُه ُ شرفا ً وغاية ً أن كان‬
‫مصادر تثقيف اللسان وتقويمها بعد القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف‪ .‬و َ‬
‫ِيف هذين ال ْو َحْ يَين في حسن البيان‪ ،‬وفصاحة التراكيب والمفردات‪ .‬وقد عَلا باللغة العربية إب ّان ع ُصورِ‬
‫رَد َ‬
‫الاحتجاج إلى السماكين‪ ،‬ونأبها بعيدا ً عن اللحن في البيان والتسكع في الخطأ الذي تفضله سقطات‬
‫الصّ مت‪..‬‬
‫واحتجاج ابن أبي الربيع بهذا الرافد يلتزم فيه نهج الر ّعيل الأول من أرباب الصنعة فهو لا يحتج إل َا ّ بما‬
‫صَ ح ّت لغته ُ وتقادمت روايته‪ .‬وقد سلك في الاحتجاج طرائق شتى‪ ،‬فتارة يحت َُُّج‪ 9‬بالبيت لبيان مفردة ٍ من‬
‫غريب القرآن‪ ،‬وتارة ً يأتي به لتوجيه قراءة من القراءات التي احتجّ بها‪ ،‬وتارة ً ي ُّ‬
‫حتُج‪ 9‬به على ق َضِ يّة ٍ نحَوِ ََّي ‪9‬ة ٍ أ ْو‬
‫ص َرف ِيّة ٍ‪ ..‬وفيما يلي يُورِد ُ البحثُ أمثلة ً ت ُبي ُّ ‪ُ9‬ن ما ألمحت إليه هذه التوطئة‪.‬‬
‫قال في تفسير كلمة "الصّ لاة " من قوله تعالى‪( :‬الذين يُؤْم ِن ُونَ بال َْغَي ْب و َيُق ِيم ُونَ َّ‬
‫الَص‪ 9‬لاة َ) ‪.١‬‬

‫‪١‬سورة البقرة آية‪.٣ :‬‬


‫(‪ ..‬الصّ لاة‪ :‬الدعاء‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ن لجنب المرء ِ م ُضطّجعا‬
‫ّيت فاغْتَمِضي ‪ ...‬يوما ً فإ ّ‬
‫عَليكِ مثل الّذي صَل ِ‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ح الد ّهر ب َيْتَها ‪ ...‬و َإ ْن ذ ُبِ ح َْت صََلَّ ‪9‬ى عَلَي ْه م َا وز َم َْزما (‪)٢٨‬‬
‫لها ح َار ٌِس لا ي َبر ُ ُ‬
‫وقال في تفسير المفلحون من الآية‪ُ ( :‬أوْل َئ ِ َ‬
‫ك هُم ُ ال ْمُفْلِحُونَ) ‪:١‬‬
‫ح والف َل َحُ‪ :‬البقاء‪ ،‬قال الأعشى‪ ،‬وأنشدَه ُ يعقوب‪:‬‬
‫الفلا ُ‬
‫و َلئَ ِ ْن كُنتُ كَقو ٍم ه َلكوا ‪ ...‬ما لِ ح ْ ّي يالَقو ِم م ِنْ فلح‬
‫أي من بقاء‪.‬‬
‫وقال عدي بن زيد‪:‬‬
‫ثم ّ بعد الف َلَاح والملكِ والأ ْمر ِ ‪ ...‬ة ِ و َار َتْه ُم ه ُناك الق ُب ُورِ‬
‫وقال غيره‪:‬‬
‫ح م َعه‪. )٣٤( ..‬‬ ‫ح والمس ِ ُّ ‪9‬‬
‫ُى ‪ ...‬ل َا فَلا َ‬ ‫والصّ ب ُ‬
‫المعنى‪ :‬لا بقاء معه‪.‬‬
‫ن و َجه الإشكال في‬ ‫واحتجّ لقراءة فتح الميم في (م َن) من قوله عز وجل‪( :‬وَاَل َّ ‪9‬ذ ِي َ‬
‫ن م ِن قَب ْ ِلك ُمْ) ‪،٢‬لبيا ِ‬
‫إعراب "م َنْ " قال في توجيه الإعراب الذي تحتمله "م َنْ "‪:‬‬
‫(‪ .‬وأمّا (والذين م َنْ قَب ْ ِلك ُم) فمشكلة و َهِي َ عِندي بمنزلة قول ز ُهير‪:‬‬
‫َت رَحْلَها ُأ ُُّم‪ 9‬قشع َ ِم‬
‫حي ْثُ أَ لْق ْ‬
‫‪ ... ... ... ... ... ... ...‬لَد َى َ‬
‫ِ‬
‫موضع‬ ‫المعنى لدى إلق َاء أ ََّم‪ 9‬قشعم‪ ،‬فأتى بلدى وحيثُ ‪ ،‬وهما لمعنى واحدٍ‪ ،‬ثم جاء بعد حيثُ بجملة في‬
‫مخْف ُوضاً‪ ،‬وحيثُ تطلب جملة ً في‬
‫ل م ِن لَد َى‪ ،‬ولَد َى تطلبُ َ‬
‫خفض ودل ّتَ على مخفوض لدى‪ ،‬فكأنّها‪ .‬بد ٌ‬
‫ن م َنْ قبلكم‪،‬‬
‫ض لَدى كما ذ َك َر ْتُ لَكَ‪ ،‬فقولك‪ :‬والّذي َ‬
‫ل على مخفو ِ‬
‫خفَضِ‪ ،‬فأتى بالجملة لحيثُ ‪ ،‬ود َ ّ‬
‫موضع َ‬
‫ن م َنْ بدلْ من الذين‪ ،‬وكلاهما تطلبان الصّ لة‪ ،‬فأتوا بالصّ لة ِ لم َِنْ فد َل ّت على‬
‫والّذين وم َنْ معناهما واحد‪ ،‬فكأ ّ‬
‫صِلَة ِ الذين‪. )٩٢( ..‬‬

‫‪١‬سورة البقرة آية‪.٥ :‬‬


‫‪٢‬سورة البقرة آية‪.٢١ :‬‬
‫ل المضُارِع على الماضي في قوله تعالى‪( :‬فَل ِم َ تَقْتُلُونَ أَ نبيَاء َ الله م ِن قَبْلُ) ‪١‬فقال‪:‬‬
‫واحتجّ ِلحم ْ ِ‬
‫ض َع الماضي إذا كان معنا ما يد ُ ُّ ‪9‬‬
‫ُل على ذلك‪ ،‬قال امرؤ‬ ‫ض ُع مو ِ‬
‫ض َع موض َع قَتَل ْتُم والمضارع ُ يُو َ‬
‫(وتقتلون و ُ ِ‬
‫القيس‪:‬‬
‫ْس فيهُم ُ ‪ ...‬م َرابط للأمْهَارِ والع َك َر ِ ال ََّد ‪9‬ثر ُ ‪.٢‬‬
‫لَعمري لَقَوْم ٌ ق َ ْد ن َرى الأم َ‬
‫َل على أ ََّن ‪9‬ه ُ ماض‪.‬‬
‫ل " في الآية يَد ُ َّ ‪9‬‬ ‫س يَد ُ ُّ ‪9‬‬
‫ُل على أن ن َرى في معنى رأينا‪ ،‬وكذلك "م ِنْ قَب ْ ُ‬ ‫فقوله‪ :‬الأ ْم ِ‬
‫ٌم ٌّ ب ُ ْكمٌ عُم ْ ٌ‬
‫ى فَه ُ ْم ل َا يَرْ جِع ُونَ‪٣ )..‬فقال‪:‬‬ ‫َّ‬
‫واحتَج‪ 9‬لترجيح الاستعارة على الت ّشبيه في الآية الكريمة‪( :‬ص ُ ‪9‬‬
‫والأنسب الاسْ ت ِعارَة ُ‪ ،‬و َِإ ََّن ‪9‬ما ت ُسم َّ ‪َ9‬ى الاستعارة ُ إذا لم ي ُترك المشبه وطوى ذك ْرُه ُ‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫مقذف ‪... ... ... ... ... ... ...‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّلاح‬‫لدى أسدٍ شاكي الس ِ‬

‫وعرض للإلتفات في الآية الكريمة‪( :‬إ ََّي ‪9‬اك َ نَعْبُد ُ و َِإ ََّي ‪9‬اك َ ن َسْت َع ِينُ) ‪.‬‬
‫وبين صُورَه ُ التي يأتي عليها واحتج لكل منها واصفا ً ذلك بما له من الفصاحة وحسن البيان فقال‪:‬‬
‫ل الكلام لكان إ ََّي ‪9‬اه ُ‪.‬‬
‫ج من الغيبة إلى الخطاب‪ ،‬ولو جرى على أوّ ِ‬
‫وفي هذا الخرو ُ‬

‫‪١‬سورة البقرة آية‪.٩١ :‬‬


‫‪ ٢‬البيت في ديوانه‪ ،١١٢ :‬والع َك َر ُ جمع عكرة‪ ،‬والمراد القطيع من الإبل‪ ،‬الد ّثر‪ :‬الكثير من الإبل وغيرها من‬
‫أصناف المال‪..‬‬
‫‪٣‬سورة البقرة آية‪.١٨ :‬‬
‫وهذا م ِنْ فصيح كلام العرب‪ ،‬قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫ل ليل ُكِ بالاثمُدِ ‪ ...‬فنام الخليّ ولم تَرْقُدِ‬
‫تطاو َ‬
‫وبات وباتت له ليلة ‪ ...‬كليلة ذي العائر الأرمدِ‬
‫فانتقل من الخطاب إلى الغيبة‪ ،‬ثم قال في البيت الثالث‪:‬‬
‫ك م ِن ن َبأ ٍ جاَءني ‪ ...‬وَخ ُِب ‪ِّ9‬رتُه ُ ع َنْ أبي الأسودِ‬
‫و َذل ِ َ‬
‫انتقل إلى التكلم‪ ،‬ويسمى هذا الالتفات‪ ،‬وهو كثير في القرآن‪ ،‬وهذا من فصيح كلام العرب ‪...‬‬
‫المبحث َّ‬
‫الَت ‪9‬اسع‬
‫‌‌القياس عند ابن أبي الربيع‬
‫ل غير ُ المنق ُول على المنقول إذا كان في معناه) ‪.‬‬
‫ع َّرفه ابن الأنباري بأنه‪( :‬حم ُ‬
‫وقال السيوطي‪( :‬وهو معظم أدلة النحو‪ ،‬والمعول في غالب مسائله عليه‪ ،‬كما قيل‪ :‬إنما النحو قياس يتبع) ‪.‬‬
‫ومن يُقل ّب صفحات كتب النحو يجد أ َّ ‪9‬‬
‫َن القياس كان أحد الركائز التي قام عليها صرح علم النحو وب ُسطت‬
‫به مسائله وأحكمت قواعده‪ ،‬واسْ تق َام به الدرس الن ُّ‬
‫ّحوُي‪ ، 9‬وكان أحد الروافد المعينة لأئمة النحو في توجيه‬
‫ل من نقل فحملوها بمقتضى القياس على ما يماثلها م ِم ّا استقام نهجها على مجاري‬
‫المسائل التي لم يكن لها دلي ٌ‬
‫كلام العرب‪ .‬وابن أبي الربيع في مؤلفاته النحوية‪ ،‬وفي هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز ينزع منزع السلف‬
‫من أئمة النحو في َّ‬
‫الَت ‪9‬عويل على القياس في المسائل التي لا مستند لها من النقل أو السماع الموثوق به‪ ،‬وم ِم ّا‬
‫وجهه في هذا الجزء من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه على مقتضى القياس ما يلي‪:‬‬
‫(رب) قال في توجيه الآية الكريمة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ن أو أن وذلك قياسا ً على‬
‫الجر بحرف الجر المحذوف إذا كان مجروره أ ّ‬
‫َن الله ل َا ي َسْت َحْ ى أَ ن ي َضْر ِبَ م َثَلا ً ََّم‪9‬ا بَع ُوضَة ً‪( )..‬أن ي َضْر ِبَ ) على إسقاط حرف الجر‪ ،‬وأصله‪ :‬إ َّ ‪9‬‬
‫َن الله لا‬ ‫(إ َّ ‪9‬‬
‫ِ‬
‫يستحي من أن يضرب ثم حذف م ِنْ ‪ ..‬واختلف الناس في بقاء عمله أو زوال عمله كما اختلفوا في (أنّ)‬
‫ُب‪ ،‬فإنها‬
‫وكلا الوجهين له وجه‪ ،‬والأظهر عندي أن يبقى العمل فيما حَذْف ُه كثير‪ ،‬ويجرى مجرِى ر ّ‬
‫حُذِف َْت وبقى عملها ‪. )١٢٠( . )٠٠‬‬
‫المصدر الموضوع موضع الحال القياس أن يكون مفعولا ً لأجله‬
‫ل الله بَغْياً) ‪.١.‬‬
‫قال في توجيه إعراب (بغياً) من الآية الكريمة‪( :‬بئْسَم َا اشتر َوا به ِ أَ نف ُس َه ُ ْم أَ ن ي َ ْكف ُر ُوا بِمَا أَ نز َ َ‬
‫ل أ ْن ينِز ّل الله من فضله ِ‪ ،‬أو يكونَ مفعولا ً لأجله ِ‪،‬‬
‫أي باغين لأج ِ‬
‫(‪( ..‬وبَغْياً) مصدر ٌ في موضع الحالِ‪ْ ،‬‬
‫لأ َّ ‪9‬‬
‫َن المصدَر َ الموضوع موضع الحال يُحفظُ ولا يقاس عليه‪ ،‬والمفعول من أجله قياس‪. )١٣٥( .‬‬
‫اب لَو ْ‬ ‫ويتكرر ُ هذا بتفصيل أدق في المصدر (حسداً) الواردة في قوله عز وجل‪( :‬و َ ََّد‪ 9‬كَث ِير ٌ منْ أَ ه ْ ِ‬
‫ل الْكِت َ ِ‬
‫ك َّ ‪َ9‬فارا ً َ‬
‫حسَداً) ‪.٢‬‬ ‫ي َر ُدون َك ُم ِم‪ِّ 9‬ن بَعْدِ ِإيمَان ِك ُ ْم ُ‬
‫قال في توجيه إعراب (حسدا) ‪:‬‬
‫ل أن يكون "حسدا ً"‬
‫سدِه ِم‪ ،‬ويُحتم ُ‬
‫أي ودوا بح َ ْ‬
‫(‪ ..‬و (حسداً) هو يحتمل أن يكون مفعولا ً من أجله‪ْ ،‬‬
‫ُحفظ ولا‬
‫مصدرا ً في موضع الحالِ‪ ،‬والمعنى‪ :‬حاسدين لكم‪ .‬والأوّل أحسنُ‪ ،‬لأن المصدر في موضع الحال ي ُ‬
‫ل‪ ،‬وهو معه‬
‫قياس إذا صحت شروطه‪ ،‬لأن ّه مصدر ٌ لفاعل الفعل المعل ّ ِ‬
‫ٌ‬ ‫يقاس عليه‪ ،‬والمفعول من أجله مطرد ٌ‬
‫ُ‬
‫في ز َمن واحدٍ) ‪. )٢٧٢( .‬‬

‫‪١‬سورة البقرة آية‪.٩٠ :‬‬


‫‪٢‬سورة البقرة آية‪.١٠٩ :‬‬
‫ن م َْري َم‬
‫القياس في وز ِ‬
‫ُ‬
‫ن م َْري َم َ) ‪:١‬‬
‫قال فيما يقاس عليه وزن مريم من قوله تعالى‪( :‬و َآت َي ْنَا ع ِيس َى أب ْ َ‬
‫ن الميم أصلية‪ ،‬لأن‬
‫(‪ ..‬ووزن مريم‪ :‬م َ ْفع َل‪ ،‬وش ّذ في الصحيح‪ ،‬وكان قياسه ُ‪ :‬مراما ً ولا ي ُدعى أنه فعيل‪ ،‬وأ ّ‬
‫الأكثر على الميم إذ كانت أولا ً أن تكون زائدة‪ ،‬ولأن ف َعيلا بفتح الفاء معدوم من كلام العرب‪ ،‬وإنما‬
‫يوجد ف ِعيل وف ُعيل‪ ،‬قالوا عثير للتراب‪ ،‬وقالوا ضُمَيد اسم وادٍ‪ .‬فتجن ّبُ العرب فعيلا دليل على أنه مرفوض‬
‫من كلامهم‪ ،‬فكأنه منقول من رام يريم‪ ،‬تقول العرب‪ :‬ما يريم‪ ،‬أي ما يزال ما يبرح ‪. )٢٣١( . )...‬‬

‫‪١‬سورة البقرة آية‪.٨٧ :‬‬


‫المبحث العاشر‬
‫‌‌الاتساع‬
‫المضاف وإقامة المضاف‬
‫ِ‬ ‫حذف‬
‫حذف عند سيبويه وغيره من أئمة ِ النحو المتقدمين‪ ،‬ك ِ‬
‫ضرب من ال ِ‬
‫ٌ‬ ‫الاِت ‪ِّ9‬ساع ُ‬
‫الإعراب‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قوله تعالى‪( :‬واسأل القرية‪ )..‬فإنه‬
‫إليه مقامه‪ ،‬وكإقامة الظرف مقام الاسم في ِ‬
‫على تقدير‪" :‬واسألْ أهل القرية" ومن أمثلة إقامة الظرف مقام الاسم قولهم‪ :‬صيد عليه يَو ْمانِ‪ ،‬وإنما المعنى‪:‬‬
‫صيد عليه الوحش في يومين‪ ،‬ولكنه اتسع فيه واختصر‪.٢ )..‬‬
‫ل‬
‫الإعراب والت ّصريف لم يكن لها دلي ٌ‬‫أمّا الاتساع عند ابن أبي الربيع فيشمل ما ذكر ويمتد إلى مسائل من ِ‬
‫س ْفرِ من‬ ‫ٍ‬
‫سماع أو قياسٍ تحمل عليه لذلك نراه يحملها على قاعدة الاتساع‪ ،‬ومن أمثلة الاتساع في هذا ال ّ‬ ‫من‬
‫تفسير ابن أبي الربيع ما يلي‪:‬‬
‫ك يَو ْ ِم الدين) على المفعولية في قراءة عاصم والكسائي‪ ،‬قال‬
‫أوّلاً‪ :‬نصبَ (يَوم َ الد ّين) من قوله تعالى‪( :‬م َال ِ ِ‬
‫في بيان هذا الوجه‪:‬‬

‫‪ ٢‬ينظر الكتاب ‪ ،٢١٢ ،٢١١ /١‬والأصول ‪.٢٥٥ /٣‬‬


‫ن أ ْن يكونَ (ملك) بمعنى مالك كما قالوا‪ :‬حذر بمعنى حاذر‪،‬‬
‫ك ُ‬
‫قرأ عاصم والكسائي‪( :‬م َلك يوم الدين) فَي ُم ِ‬
‫ويكون من الملِك بكسر الميم‪ ،‬ويكون قد أضيف إلى يوم الد ّين بعدما انتصب يوم َ الدين نَصْ ب المفعول على‬
‫جهة الا ّتساع‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫‪ ... ... ... ... ... ... ... ...‬طب ّاخ ساعات الكرى ز َاد َ الكسل‬
‫على نصب (زاد َ) إلى أن يقول‪:‬‬
‫ل به على الاِت ‪ِّ9‬ساع كما ذكرت‬ ‫ي في يوم الد ّين َّ‬
‫ثَم ‪ 9‬انتصبت على أن ّه ُ مفعو ٌ‬ ‫ويكونُ الأصلُ‪ :‬مالكا ً يوم َ الد ّين‪ ،‬أَ ْ‬
‫لك‪. )٩-٨( .‬‬
‫ثانياً‪ :‬نصب (رِزْقاً) لا يكون إلا على الاتساع‪:‬‬
‫ن ال ََّثم‪َ9‬ر َ ِ‬
‫ات رِزْقا ً‬ ‫ج بِه ِ م ِ َ‬
‫عز وجل‪( :‬ف َأَ خ َ ْر َ‬
‫قال في رده على بعض المتأخرين في إعراب (رِزقاً) من قوله ّ‬
‫َّ ‪َ9‬لك ُمْ) ‪:١‬‬
‫(‪ ..‬وجعل "رزقا" مفعولا ً لأجله إنما يكون بعد جعل الرزق مصدراً‪ ،‬وم ِن شرط المصدر إذا كان مفعولا ً‬
‫ن واحدٍ‪ ،‬والر ّزق على هذا هو من الله‪،‬‬ ‫ل للفعل المع ََُّل ‪ِ 9‬‬
‫ل في زما ٍ‬ ‫من أجله ألا ينصب حتى يكون الفاع ُ‬
‫ختلف‪ ،‬إلا ّ أن يكون المعنى‪ :‬إعداد الرزق فيكون فيه اتساع‪. )٩٦( .‬‬
‫ن الزمانَ م ٌ‬
‫والإخراج منه سبحانه إلا ّ إ ّ‬
‫س والحجارة فيه اتساع‪ ،‬قال في‬
‫اس و َالْ ح ِجَارَة ُ‪٢ )..‬بالنا ِ‬ ‫ثالثاً‪ :‬الإخبار عن المصدر في قوله تعالى‪( :‬و َقُود ُه َا َّ‬
‫الَن ‪ُ 9‬‬
‫س والحجارة فيه ات ّسِاعٌ من و َجْ ه َين‪:‬‬
‫توجيه الآية السابقة‪ :‬وال ْو ُقُود ُ بضم الواو المصدر‪ ،‬والإخبار عنه بالن ّا ِ‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون على حذف مضاف‪.‬‬
‫الناس والحجارة وقودا ً لمكان الإت ّقاد‪ ،‬كما تقول‪ :‬زيد ٌ زَي ْن الكلمة‪ ،‬وأطلق الزّين عليه‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫والثاني‪ :‬أن يكون جع َ‬
‫وهو في الأصل مصدر ٌ‪ ،‬كما تقول‪ :‬حياة ُ المصباح السليط‪. )١٠٦( .‬‬

‫‪١‬سورة البقرة آية‪.٢٢ :‬‬


‫‪٢‬سورة البقرة آية‪.٢٤ :‬‬
‫جعَل ْنَا الْب َي ْتَ م َثَابَة ً ِل ‪َّ ِّ 9‬لَن ‪9‬ا ِ‬
‫س و َأَ مْناً) (‪.١ )١‬‬ ‫رابعاً‪ :‬الاتساع في المصدر (مثابة ً) من الآية الكريمة‪( :‬و َإ ْذ َ‬
‫ن أن يكونَ (مثابة) مصدرا ً يقع على المكان على جهة‬
‫قال في توجيه كلمة (مثابة) من الآية السابقة‪ :‬ويمك ُ‬
‫الات ّساع‪. )٢٨٧( .‬‬

‫‪١‬سورة البقرة آية‪.١٢٥ :‬‬


‫المبحث الحادي عشر‬
‫‌‌مذهب ابن أبي الربيع النحوي‬
‫لم يصرح ابن أبي الربيع بالانتماء إلى مذهب بعينه من مذاهب النحويين لكنه في عرض المادة العلمي ّة‬
‫ومناقشة المسائل التي جرى فيها الخلاف يختار مذهب البصريين و ُير َجّ حه على مذهب الكوفيين‪ ،‬وكثيرا ً ما‬
‫عَو ّل على ما قرّرَه ُ سيبويه‪ ،‬وهذا التوجه عند ابن أبي الربيع لا يقف به عند مسائل بعينها بل يمتد على أكثر‬
‫المسائل التي كان لسيبويه فيها أثر من اختيار أو قول‪ ،‬ويظهر هذا أكثر ما يظهر في شروحات ابن أبي الربيع‬
‫ومصنفاته في العربية‪ ،‬ويوجد له في هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز بعض الاختيارات والترجحات‬
‫ن أبا علي الفارسي عَو ّل‬
‫لمذهب سيبويه ومذهب البصريين‪ ،‬وقد يرجح قولا ً أو اختيارا ً لأبي علي الفارسي‪ ،‬لأ ّ‬
‫على مذهب سيبويه كثيرا َ وترسم نهجه في أكثر المسائل التي كانت موطن الخلاف بين البصريين‪ ،‬واكتفى‬
‫هنا بعرض نموذج مما يظهر فيه تأثر ابن أبي الربيع بمذهب البصريين‪ ،‬واختياره له‪ ،‬في مجال الترجيح‪.‬‬
‫العطف ضمير الرفع المتصل‬
‫ك الْج ََّنَ ‪9‬ة َ) ففصل القول في المسألة على‬
‫عرض لهذه المسألة عند تفسيره للآية الكريمة‪( :‬اسْ كُنْ أَ نتَ وَز َ ْوج ُ َ‬
‫َن محَِلَّ ‪9‬ه كُت ُبُ العربية‪،‬‬
‫مذهب البصريين ولم يشر إلى مذهب الكوفيين فيها‪ ،‬إمّا لأنه لا يرى مساغا ً لذكره لأ َّ ‪9‬‬
‫ل ب حث وموازنة لاشتهاره بين المعربين فاقتصر على ما يراه في المسألة‬
‫مح ِ ّ‬
‫ن قولهم في المسألة لم يكن َ‬
‫وإمّا لأ ّ‬
‫راجحاً‪ ،‬ومما قاله في توجيه الآية‪:‬‬
‫(‪( ..‬أنت) توكيد للضمير في اسكن بدليل قولهم في الت ّثنية‪ :‬اسْ كنا أنتما‪ ،‬وفي الجمع‪ :‬اسْ كنوا أنتم‪( .‬وَزَوْج ُكَ)‬
‫الَض‪ 9‬مِير المُسْت ّتر في اسْ كُن لا على (أن ْتَ ) لأ َّ ‪9‬‬
‫َن (أن ْتَ ) توكيد للضّ مير فيجبُ أ ْن يكونَ‬ ‫ُوف على َّ‬
‫مَعْط ٌ‬
‫معطوف على الضمير المس ُت َتر ِ نفسه‪ ،‬ولا‬
‫ٌ‬ ‫ْس بتوكيد له ولا معنى فيه للتوكيد‪ ،‬فهو‬
‫المعْط ُوف عَليه ِ توكيدا ً ول َي َ‬
‫ل بفاصِل يَت َن َََّز ‪ُ 9‬‬
‫ل منزلة التوكيد‪ ،‬نحو قوله سبحانه َ‪:‬‬ ‫المَت ‪9‬صل َّ‬
‫حَت ‪9‬ى يُؤكد أو يُفص ُ‬ ‫َف على الضمير المرفوع َّ‬
‫يُعط ُ‬
‫(ولَو ْ شاء الله ما أَ شْر َكْناَ وَل َا أَ ب َآؤ ُن َا) ‪. )١٤٤( .١‬‬
‫وما ذكره ابن أبي الربيع هنا هو مذهب البصريين في المسألة أ ََّم‪9‬ا الكوفيون فَمذهبهم جواز العطف دون‬
‫فاصل‪ ،‬ولهم شواهد نظما ً ونثراً‪ ،‬وقد أخذ بمذهبهم ابن مالك في التسهيل (‪ ، )٣٧٤/٣‬وشواهد التوضيح (‬
‫‪ ، )١١ ٢‬ومن الشواهد على العطف دون فاصل التي أوردها ابن مالك قول عمر رضي الله عنه‪( :‬كنت‬
‫وجا ٍر لي من الأنصار ‪ ،٢‬وقول علي رضي الله عنه فيما حدث به‪ ..( :‬كنت وأبو بكر وعمر ولما ‪.٣ )٠٠‬‬
‫الجزم على جواب الأمر‬
‫قالت في توجيه الآية الكريمة‪ ..( :‬و َأَ وْفُوا بِع َ ْهدِي ُأ ِ‬
‫وف بِع َ ْهدِك ُمْ) ‪:٤‬‬
‫ن الشرط محذوف‪ ،‬والتقدير‪:‬‬
‫(‪ ..‬أوف مجزوم على جواب الأمر‪ ،‬وأبو علي يرى أ ّ‬
‫ادرس تَحف ِْظ‪ ،‬التقدير‪ :‬إ ْن ت َ ْدر ُْس تحفظ‪ ،‬وهذا‬
‫ْ‬ ‫إ ْن وفيتم أوف بعَهِدِكُم‪ ،‬كما تقولُ‪:‬‬

‫‪١‬سورة الأنعام آية‪.١٤٨ :‬‬


‫‪٢‬ينظر فتح الباري ‪ ١١٤/٦‬كتاب المظالم‪.‬‬
‫‪٣‬المصدر السابق ‪ ٢٢ /٧‬كتاب فضائل الصحابة‪.‬‬
‫‪٤‬سورة البقرة آية‪.٤٠ :‬‬
‫ل مرفوعاً‪.‬‬ ‫الجزم جائز في جواب الجملة إذا لم تكُنْ خبراً‪ ،‬فإن كانت خبرا ً ًّ‬
‫منفًي ‪9‬ا أو موجبا ً لم تجزم وبقَ َي الفع ُ‬
‫وإذا كان جوابا ً للنهي فلا يكون مجزوما ً حت ّى يكونَ جوابا ً لعدم النقل‪ .‬فإن كان جوابا ً للواجب لم يجزم‪،‬‬
‫سدِ يأك ُل ْك‪.‬‬
‫سدِ ت َسْل َمْ‪ ،‬لأن السّلامة مُسَب ّبة ٌ عن عدم الدنو ولا تقول‪ :‬لا تدنُ من الأ َ‬
‫فتقول‪ :‬لا تدن من الأ َ‬
‫والرف ُع في هذا كله هو كلام العرب‪.‬‬
‫ِّب بعضكم رِقاب بعض " ‪ ١‬إدْغَام ٌ وليس بجزم‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل َا تَرْجِع ُوا بعدي كفارا ً يضِر ‪ْ 9‬‬
‫الإدغام الكبير‪ ..‬وفي هذين الفصلين خالف‬ ‫يجْع َل ََّل ‪َ 9‬‬
‫ك قُصُور َا) ‪ ٢‬في قراءة أبي عمرو في ِ‬ ‫بمنزلة‪( :‬و َ َ‬
‫الكوفيون‪ ،‬فأجازوا الجزم‪ ،‬والصحيح ما ذكرته لك‪. )١٥٣( .‬‬
‫والذي صححه هنا أهو قول البصريين في المسألة‪ ،‬وقد نبه عليه في كتابه الملخص (‪ ، )١٥٧-١/١٥٦‬وذكره‬
‫غيره من النحويين‪.‬‬
‫وقد سبق القول في متعلق الجار والمجرور في بسم حيث ظهر ميله إلى مذهب البصريين فيه‪ ،‬وكذلك القول‬
‫في اشتقاق الاسم‪ ،‬إذ يظهر من مناقشته للمذهبين توجيه قول البصريين في مقابل توهين قول الكوفيين ‪٣٠‬‬
‫(‪. )١٥٣‬‬

‫‪١‬ينظر الحديث في قح الباري كتاب المظالم باب الإنصات للعلماء ‪.٤٣/٣‬‬


‫‪٢‬سورة الفرقان آية‪ ،١٠ :‬وينظر القراءة المعزوة لأبى عمرو في كتاب السبعة ‪.٤٦٢‬‬
‫‪٣‬ينظر ص ‪.٣٧١ ،٣٤٦‬‬
‫المبحث الثاني عشر‬
‫‌‌مصادر ابن أبي الربيع في تفسير الكتاب العزيز وإعرابه‬
‫يعد هذا الكتاب خاتمة أعمال ابن أبي الربيع العلمية في الدرس والمراجعة والت ّصنيف‪ ،‬ونتيجة نشاطه في هذا‬
‫الميدان وخلاصة ما انتهى إليه‪ ،‬ولذا جاءت مصادره م ُتعدّدة‪ ،‬وفي فنون مختلفة‪ ،‬منها ما صرح بذكره وهو‬
‫القليلُ‪ ،‬ومنها ما طوى ذكره واكتفى بالإحالة المسندة إلى مؤلفه تارة‪ ،‬وبال ِإحالة غير المسندة تارة ً أخرى‪،‬‬
‫الإحالات المرسلة ترد بصيغ‪ :‬قال بعضهم‪ ،‬ومنهم من قال‪ ،‬وقال بعض المتأخرين‪ ،‬ورأيت بعض‬
‫وأغلب ِ‬
‫المتأخرين‪ ،‬ومنهم من ذهب‪ ،‬فهي تتفاوت قوة وضعفاً‪.‬‬
‫وتتلخص مصادره التي أفاد منها في الكتب التالية‪:‬‬
‫‪ -١‬كتب التفسير‪ :‬وأهم هذه الكتب التي أمعن النظر فيها وأفاد منها‪ ،‬تفسير ابن عطية‪ ،‬فقد وقف على هذا‬
‫ض منها بذكر ابن عطية‬
‫التفسير وأدام النظر فيه وأفاد منه كثيرا ً وكانت له عليه تعقبات صَر ّح في بع ِ‬
‫وتفسيره‪ ،‬ولوح إليه في بعض المواضع تلويحا كعادته في التأدب مع أهل العلم‪ .‬ويلي هذا المصدر تفسير‬
‫الكشاف للزم خشري‪ ،‬فقد أفاد من هذا المصدر يا المنافسة والتحليل ودقة النظر في توجيه المعاني‪ ،‬وكانت‬
‫بعض‬
‫ُ‬ ‫له عليه تعقبات في مواطن م ختلفة من الكتاب‪ ،‬وعلى مسائل في النحو والتصريف واللغة والبلاغة ذ ُك ِر‬
‫منها في هذه الدراسة‪.‬‬
‫ومن المصادر التي أفاد منها في التفسير كتاب أحكام القرآن لأبي بكر محمد بن العربي‪ ،‬وتظهر فائدة هذا‬
‫الكتاب في الأحكام وحسن استنباطها‪.‬‬
‫وهناك تفسير آخر أفاد منه في المسائل الفقهية هو تفسير القرطبي لكنه طوى ذكره فلم يأت له على ذكرٍ في‬
‫هذا الجزء من تفسيره‪.‬‬
‫‪ -٢‬كتب الحديث‪ :‬يتردد ذكر الموطأ وصحيح مسلم في هذا الجزء من تفسيره في الاستدلال على حكم فقهي‬
‫أو حادثة مروية أو استشهاد على مسائل في النحو‪ ،‬ولا يبعد أن يكون قد أفاد من بعض المسانيد أو كتب‬
‫السنن الأخرى‪.‬‬
‫‪ -٣‬كتب الفقه وأصوله‪ :‬وردت مسائل فقهية وأصُولي ّة عزا بعضا ً منها إلى كتاب التلقين لعبد الوهاب‬
‫المالكي في الفقه‪ ،‬ولم يذكر كتابا ً بعينه في أصول الفقه لكنه عزا إلى علماء الأصول في الجملة‪ ،‬وأورد مسائل‬
‫أصولية في مواضع مختلفة من تفسيره‪.‬‬
‫‪ -٤‬كتب النحو والتصريف‪ :‬يزدد في هذا السفر من تفسير ابن أبي الربيع سيبويه وكتابه وأبو علي الفارسي‬
‫وإيضاحه‪ ،‬وصاحب الكراسة‪ ،‬والخليل ويونس والأخفش والمازني والفراء‪ ،‬والزجاجي‪ ،‬وغيرهم من أئمة‬
‫النحو‪ ،‬لكنه لم يذكر من مصادر هؤلاء إلا القليل مما تناهى إليه نظره واطلاعه الواسع في هذا المجال‪ ،‬الذي‬
‫ل عنايته‪.‬‬
‫أولاه ج ّ‬
‫‪ -٥‬كتب اللغة‪ :‬لم يُصرح إلا بالقليل النادر ومما يغلب عليه الجانب الصرفي‪ ،‬ولكنه من خلال شرح الغريب‬
‫يتبي ّن رجوعه إلى أمات المصادر فيها‪ ،‬فقد أورد إصلاح المنطق‪ ،‬ونسب إلى ثعلب في أكثر موضع‪ ،‬وقد‬
‫تبين للبحث أنه أفاد من فصيح ثعلب ومجالسه وغيرهما‪.‬‬
‫‪ -٦‬وهناك مصادر هامة أفاد منها ابن أبي الربيع هو كتب القراءات المتواترة والشاذة‪ ،‬لكنه لم يعز إلى‬
‫مصدر بعينه‪ ،‬وإنما عزا إلى أئمة القراءة المشهورين‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬ويعقوب‪ ،‬وعاصم‪ ،‬وحمزة‪ ،‬والكسائي‪ ،‬ونافع‪،‬‬
‫وقالون وورش‪ ،‬وغيرهم وتارة يكتفي بال ِإحالات غير المسندة‪ ،‬كقوله ة وقرء في السبع‪ ،‬ولم يقرأ في السبع‬
‫ل السبب الذي حجب أكثر مصادره التي أفاد منها أنه كان يملي هذا‬
‫إلا بكذا‪ ،‬وقرء في غير السبع‪ ،‬ولع ّ‬
‫التفسير من ذاكرته‪ ،‬وقد عاجلته المنية قبل إتمام هذا التفسير وتوثيق ما فيه من نقولات مرسلة وأقوال غير‬
‫مسندة‪.‬‬
‫حتى تكون المقدمة مفصلة لما احتواه التفسير‪ ،‬شارحة للنهج الذي ترسمه فيه‪ ،‬وما يتبع ذلك من ذكر‬
‫الأهداف التي قصَد إليها ابن أبي الربيع من هذا التفسير‪.‬‬
‫تبدأ اللوحة الأولى بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪ .‬ثم ي َشْرَعُ بعد‬
‫ابن أبي الربيع في ال ِإعراب‪ ،‬مبتدأ بالخلاف بين البصريين والكوفيين في متعلق الجار والمجرور‪ ..‬وتختم هذه‬
‫ك وَم ِن ذُِر‪ََِّّ 9‬ي ‪9‬ت ِنَا ُأ ََّم‪9‬ة ً‬
‫النسخة‪ -‬وهي الجزء الأول من الكتاب‪ -‬بالكلام على قوله تعالى‪( :‬ر َ ََّب ‪9‬نَا و َاجْ عَل ْنَا مُسْل ِمَيْنِ ل َ َ‬
‫ُُّم‪9‬سْل ِم َة ً ََّل ‪9‬كَ) ‪( .‬من الآية ‪ ١٢٨‬في سورة البقرة) ‪ .‬وتنتهي الصفحة (‪ )٢٩٨‬بقوله‪:‬‬
‫ل بين حرف العطف والمعطوف لا بالظرف ولا بالجار‬
‫ن (أمة) معطوفة على (نا) ‪ ،‬لأنه لا يفص ُ‬
‫(ولم نقل إ ّ‬
‫والمجرور إلا في الشعر‪ ،‬فوجه الكلام أن يقال‪ :‬إنه منصوب بإضمارٍ‪. )..‬‬
‫‌‌الن ُّ ‪ُّ9‬ص المحقّقّ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫سل ّم‪..‬‬
‫وَصَلّى الله على سَي ّدنا محمد وعلى آلِه ِ وصحبه و َ َ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫ن التقدير‪ :‬ابتدائي بسم الله‪ ،‬فبسم عندهم خبر مبتدأ ٍ محذوف ‪.١‬‬
‫ذهب البصريون إلى أ ّ‬
‫عف حَذْف ُه ُ‬
‫ل إلا ّ بحرف الجر ي َضْ ُ‬
‫الكوفُي ‪9‬ون إلى أنه في تقدير‪ :‬أبدأ بسم الله ‪ ،٢‬والفعل الّذي لا يَص ُ‬ ‫ُّ‬ ‫وذهب‬
‫حذوف فكثير‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ل المج ِرورِ خبر َ مبتدأ ٍ م‬ ‫ل ‪ ،٣‬وأ ََّم‪9‬ا َ‬
‫جع ْ ُ‬ ‫َّ‬
‫ولكَن ‪9‬ه قلي ٌ‬ ‫وق َ ْد جاء‬
‫ل عليه الحال‪ ،‬تقديره‪ :‬أقرأ‬ ‫ن وذ َه َبَ إلى أ ََّن ‪9‬ه ُ يجوز ُ أن يكون المج ِرور م ُتعل ّقا ً بفع ٍ‬
‫ل تد ّ‬ ‫خرِي َ‬
‫بعض المتأ ّ‬
‫ُ‬ ‫وقد جاء‬
‫بهذا (‪٤ )٤‬وأكتب بهذا‪ ،‬على معنى مُسْتعينا ً به‪ ،‬وقد يحذف الفعل لدلالة الحال عليه‪.‬‬
‫مر بزيدٍ‪ ،‬وإن كان‬
‫ل بنفسه‪ ،‬لا تقولُ‪ :‬بزيد‪ ،‬تريد ُ ّ‬ ‫ل حت ّى يَص َ‬
‫ُل على الفِعْ ِ‬‫ل لا تد ُ ُّ ‪9‬‬
‫ن الحا َ‬
‫وهذا لا يصحّ ؟ لأ ّ‬
‫ِب زيداً‪.‬‬
‫سي ْفاً‪ :‬زَي ْداً‪ ،‬على معنى‪ :‬اضْر ْ‬
‫سو ْطاً‪ ،‬أو أش َه َر َ َ‬
‫ل َ‬
‫ل لم َِنْ أشا َ‬
‫ل على ذلك‪ ،‬وتقو ُ‬ ‫معك من الحال ما يد ّ‬
‫ل حت ّى يكون‬ ‫ل لا تَد ُ ُّ ‪9‬‬
‫ُل على الف ِع ِ‬ ‫فالحا ُ‬

‫‪ .1‬ينظر‪ :‬إعراب القرآن للنحاس ‪ ،١٢٦ /١‬ومشكل إعراب القرآن ‪ ،٦ /١‬والتبيان في غريب إعراب‬
‫القرآن ‪ ،٣٢-٣١/١‬لإملاء ما منّ به الرحمن ‪.٤/١‬‬
‫‪ .2‬ينظر المصادر السابقة‪ ،‬وتفسير الطبري ‪.١١٤ /١‬‬
‫‪ .3‬هذا توهن من أبى الربيع لمذهب الكوفيين في المسألة‪ ،‬وترجيح لما قرره البصريون‪ ،‬وقد رد مكى ابن أبى‬
‫ن تعليق الباء بالمصدر الذي هو‬
‫طالب قول البصريين‪ ،‬وقرر ما فصب إليه الكوفيون‪ ،‬فقال‪ :‬لأنه لا يحس ُ‬
‫مضمر؛ لأنه داخل في صلته فبقى الابتداء بدون خبر‪ ..‬ينظر مشكل إعراب القرآن ‪.٦/١‬‬
‫‪ .٤‬قريب من هذا القول ما أصرفه الزمخشرى في الكشاف ‪ ٢٧-٢٦/١‬ويغلب أنه المعني بهذا الرد بدليل‬
‫ما ورد بعده من تفصيل في بيان متعلق الجار والمجرور في آية النمل (في تسع آيات إلى فرعون) وتوجيه ابن‬
‫أبى الربيع لذلك‪.‬‬
‫ل‬
‫ص ِ‬
‫ل الوا ِ‬
‫ْف الفع ِ‬ ‫سه ِ‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن حذ َ‬ ‫ل لاب ُ ََّد‪ 9‬للفعل أ ْن يصِ َ‬
‫ل بنف ِ‬ ‫ك في باب الاشْ ت ِغا ِ‬
‫سه ِ‪ ،‬وكذل ِ َ‬
‫ل بنف ِ‬
‫ل يَصِ ُ‬
‫الفع ُ‬
‫القوِي من‬
‫‪ِّ 9‬‬ ‫عيف تَص َ ُُّر ‪9‬فهم في‬
‫ِ‬ ‫سه ِ‪ ،‬ولا يَتص ََّر ‪9‬فونَ لا الضّ‬
‫ل بن ْف ِ‬ ‫بحرف الجِرِّ ‪ 9‬قليلٌ‪ ،‬لأ ََّن ‪9‬ه ُ ل َي َ‬
‫ْس بقُوّة ِ ما يَصِ ُ‬
‫ل المسؤولُ‪ :‬بزيدٍ‪ ،‬وهو على تقدير‪ :‬مررْتُ بزيدٍ‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن‬ ‫الإضْ مارِ‪ ،‬لأنّه ُم يق َولُون‪ :‬بمَنْ تَمر ّ؟ وبمَنْ م َررْتَ ؟ فَيقو ُ‬
‫ْس هذا بمنزلة ما اسْ تعملته الأحوال‪ ،‬ولا‬ ‫ه َذا وإن كا ْن محذوفا ً كأ ََّن ‪9‬ه ُ ظاهر‪ ،‬لأن ّه ُ مَكْن ُونُ في ال ُّ ‪9‬‬
‫ُسؤالِ‪ ،‬و َل َي َ‬
‫ِف لي ُفسّر ِ‪.‬‬
‫بِم ْنزلَة ِ ما حُذ َ‬
‫أي هذه‬ ‫حذوف‪ْ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫آيات " خبر ٌ (‪ )٣‬لمبتدأ ٍ م‬
‫ٍ‬ ‫َات إل َى فِرْعَوْنَ) ‪ ١‬فَق َولُه ُ "في ت ِس ِْع‬
‫وأمّا‪ /‬قوله تعالى‪( :‬ف ِى ت ِس ِْع آي ٍ‬
‫ل إل َا ّ‬
‫ل ه ُنا وإ ْن كانَ لا يَص ُ‬
‫حذف الفع ِ‬
‫ُ‬ ‫سلُ‪ ،‬فجاز َ‬ ‫ل منزلة قد أ ْرسَل ْتُ أو تُرْ ِ‬ ‫آيات‪ ،‬ف َق ْد نز ّ َ‬
‫ٍ‬ ‫الآيات في ت ِس ِْع‬
‫ل بحرف‬
‫ل الواص ِ‬
‫حذف الفع ِ‬
‫ُ‬ ‫حرف الجر ّ‪ ،‬لأ ََّن ‪9‬ه ُ بمنزلة‪ :‬بمَنْ م َرَرْت؟ فَتَق ُولُ‪ :‬بزيدٍ‪ ،‬وم َع هذا ك ُِل‪ِّ9‬ه ِ لا يُنك َر ُ‬
‫ب ِ‬
‫ل عَليه ما ق ُ ‪ِ9‬دِّر على غيرِه ِ‪.‬‬
‫ل ولا ي ُحم ُ‬ ‫الجر‪ ،‬لكَن ّه قلي ٌ‬
‫ق لفظ ُها ع َملَها ووضْ ع َها‪،‬‬
‫كسِر َت ليواف َ‬
‫كنّها ُ‬
‫والباء‪ :‬مَعْناها الإلصاق ‪ ،٢‬وكانَ أصْ لُها أ ْن تكونَ مَفْت ُوحة ً ل ِ‬
‫ل فَه ُو خ َاف ٌِض‪ ،‬وأ ََّم‪9‬ا كاف الت ّشبيه فقد تُوجَد ُ‬
‫ْف م َوصُو ٍ‬ ‫فَعَم َلُها ال ُّجُر ‪ 9‬وَو َضْ ع ُها أ ْن تكُو َن مَوْصُولَة ً‪ ،‬وَك ُ َّ ‪9‬‬
‫َل حَر ٍ‬
‫جن ْس ما تَخف ِض‪..‬‬
‫َاف م ُلَازِمة ً أن تكُون م ِن ِ‬‫َت الك ُ‬ ‫ْس من شَرْطِ الاس ْ ِم أ ْن يكُونَ خ َاف ِضاً‪ ،‬فَل َيْس ِ‬ ‫اسماً‪ ،‬ل َي َ‬
‫ن‪:‬‬‫ِرت لِيُف َر ّقَ ب َيْنَها وبيْنَ ل َا ِم الاب ْتِداء ِ في أرْبَعَة ِ م َواطِ ٍ‬
‫وأ ََّم‪9‬ا ل َام ُ الجِرِّ ‪ 9‬فَكُس ْ‬
‫أحَد ُه َا‪ :‬الأسماء المبنيان‪ ،‬نحو‪ :‬ل َهذا زيد ٌ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الأسماء المقصوراتُ ‪ ،‬نحو‪ :‬لموسى عمرو‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الأسماء المنق ُوصَاتُ للقاضي زيد ٌ‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬عند ال ِإضافة ِ إلى ياء المتك َِل ‪ِّ9‬م‪ ،‬نحو‪ :‬ل ِكأبي عمرو‪.‬‬

‫‪١‬سورة النمل آية‪.١٢ :‬‬


‫‪٢‬ينظر الكتاب ‪.٢١٧ /٤‬‬
‫فَلم ّا ر َأَ وْها م ُل ْتب ِسة ً لو ب ُن ِي َْت على الفتح بلام الاب ْتدِاء ِ كَسَر ُوه َا مُطْلَقا ً إذا دخ َل َ ْ‬
‫ت عَلى الظّاهِرِ ليجريَ مجرىً‬
‫واحداً‪.‬‬
‫ف البَصْر ِي ّون والكُوفي ّونَ فيه‪:‬‬
‫اسم‪ :‬اخْ تل َ َ‬
‫مح ُذوف َة ٌ‪ ،‬و َه ُو َ بم َن ْزلَة ِ ابن واست‪ ،‬واسْ تَد َ ُُّل ‪9‬وا على‬
‫فذ َه َبَ البُصْر ُُّي ‪9‬ونَ إلى أ ََّن ‪9‬ه ُ م ِنْ سَما ي َسْمو ‪ ،١‬وأن اللام َ فيه َ‬
‫ك على‬ ‫ك بالجمع والت ّصْ غير‪ ،‬قالُوا في الجمع‪ :‬أسْماء ُ وفي َ الَت ّصْ غير س ُم َ ‪ٌ9‬يٌّ‪ ،‬وقَالُوا‪ :‬سَ ََّم ‪9‬ي ْت ف َر َدوا اللام َ فيها فَد َ َّ ‪9‬‬
‫َل ذل ِ َ‬ ‫ذل ِ َ‬
‫أ َّ ‪9‬‬
‫َن الل ّام َ هي المحذوفة ُ‪.‬‬
‫َن فيه تقديما ً وتأخيراً‪ ،‬وأ ََّم‪9‬ا أسماء وس ُم ِ ‪ٌ9‬يٌّ فه ُو َ مَقْل ُ ٌ‬
‫وب‪،‬‬ ‫وَذ َه َبَ الكُوف ِ ًًّي ‪9‬ونَ إلى أ ََّن ‪9‬ه ُ م ِن ال ْو َس ْ ِم‪ ،٢‬و َه ُو الع َلامة‪ ،‬وأ َّ ‪9‬‬
‫جعَل ِْت م َكانَ الا ِم‪ ،‬فقالوا‪ :‬أسماء ٌ ‪/‬فق َالُوا‪ :‬س ُمَيّ‪)٤( ....‬‬
‫َت الْف َاء ُ و َ ُ‬ ‫وأصْ لًهُ‪ :‬و َس ْمٌ ث ََّم ‪ُ 9‬أ ّ‬
‫خر ِ‬
‫ْب‪.‬‬
‫ِيف من جهَة ِ الْق َل ِ‬
‫جه َة الاشْ ت ِقاقِ‪ ،‬و َه ُو مع ذلك ضَع ٌ‬
‫ل الكوف ِيي ‪ٍ9‬نٍّ أَ ق ْر َبُ م ِن ِ‬
‫و َقَو ْ ُ‬
‫ْب والاس ْم ُ ي ُظْهر ُ مسماة و َيصِ ير بحيث ت َراه ُ فالاشت ِقاق فيه‬
‫ْس عِنْد َهم فيه قَل ٌ‬ ‫ل البَص ْريّينَ أق ْر َب‪ ،‬لأ ََّن ‪9‬ه ُ ل َي َ‬
‫و َقَو ْ ُ‬
‫ْب‪.‬‬‫ًن هذا الق ُربَ م ِن ادعاء ِ الق َل ِ‬
‫ق َريب و َإ ْن كانَ اشْ ت ِقاقُ الكوفيين أق ْر َبَ ‪ ،‬إلا ّ إ ًّ ‪9‬‬
‫ل أ ْن‬ ‫الَل ‪9‬هِ‪ ،‬لأَ َّ ‪َ9‬نهُم ُ بَنَوْه ُ على الاتصال‪ ،‬فَف َعلُوا ذَل ِك لِكَثرة ِ الاسْ تعمال ‪ ،٣‬والأصْ ُ‬ ‫ف من ب ِس ْ ِم َّ‬ ‫وَحَذ َفُوا الأل َ َ‬
‫سب ْحانه ُ‪( :‬سَِب ‪ِِّ 9‬ح اس ْم َ‬
‫ْف‪ ،‬ألا ت َرىَ قَو ْلُه ُ ُ‬ ‫ل على ح ُ ْكم ِ الاب ْتِد َاءِ‪ ،‬وتُكْت َبُ الأوا ِ‬
‫خر ُ على ح ُ ْكم ِ ال ْو َق ِ‬ ‫تُكْت َبَ الأوائ ِ ُ‬
‫ْتب على َ الات ّصالِ؛ لأ ََّن ‪9‬ه ُ لم يَكّثُر َ فيه‬
‫ل و َل َ ْم تُك ْ‬ ‫ر َب ّكَ‪( ،‬اق ْرَأ باسم ر َب ّكَ) فهذا ك ُُُّل ‪9‬ه ُ مَكْت ٌ‬
‫ُوب بالألف على الأصْ ِ‬
‫الاسْ ت ِعمالُ‪.‬‬

‫‪ ١،٢‬ينظر‪ :‬معاني القرآن وإعرابه ‪ ،٤٠ /١‬واشتقاق أسماء الله ‪ ،٢٥٥‬والإنصات ‪ -٦‬ا‪ ،‬والتبيين‬
‫‪.١٣٢/١٣٨‬‬
‫‪٣‬حذفت الألف من اللفظ لقيام الياء مقامها‪ ،‬أمّا حذفها خطّا فلل ِسّب َب الذي أورثه ابن أبى الربيع وغيره‪.‬‬
‫ينظر معاني القرآن للفراء‪ ،٢/١‬ومعاني القرآن وإعرابه ‪ ،٤ .-٣٩/١‬وإعراب القرآن للنحاس ‪،١ ١ ٤ /١‬‬
‫وإعراب ثلاثين سورة ‪.٤٤‬‬
‫‪٣‬يعزى هذا القول ليونس والكسائي والفراء وقطرب والأخفش‪ .‬ينظر‪ :‬اشتقاق أسماء الله الحسنى ‪.٢٣‬‬
‫يج ِبُ أ ْن تُكْتبَ ‪ .‬وَمِنْه ُم م َنْ ل َ ْم يَمُدّ‪.‬‬
‫ِف التي َ‬ ‫ك الم َّ ‪َ9‬دة َ عِو ٌ‬
‫َض م ِن الأل ِ‬ ‫وَم ِن الك ُ ََّت ‪9‬ابَ م َنْ يَم ُ ّد الباء‪ ،‬كأ ّ‬
‫ن تِل ْ َ‬
‫ل‪،‬‬
‫ِق وال ْبَاطِ ِ‬
‫ل في الْح َ ‪ِّ 9‬‬ ‫سب ْحانُه ُ؟ فإ َّ ‪9‬‬
‫َن لاها يُقا ُ‬ ‫"الله‪ ،‬أصله‪ :‬الإله (‪١ )١‬فحذفت الهمزة ليختص الاسم به ُ‬
‫سب ْحانه ُ و َه ُو َ المعبود ُ حقاً‪.‬‬ ‫‪ٌّ 9‬‬
‫فمختٌص به ُ‬ ‫ك الإلَه‪ ،‬وأ ََّم‪9‬ا الله‬
‫و َكذل ِ َ‬
‫سب ْحانُه ُ ثم جُعل ِْت الفاء ُ عَي ْنا ً ث ُ ََّم ‪9‬‬ ‫وَم ِنه ُم م َنْ ذه َبَ إلى أ ََّن ‪9‬ه ُ م ِن ال ْوُلَه ِ ‪ ،٢‬و َهو التّح ّير فالعُق ُو ُ‬
‫ل ت َتَح ّير ُ عن إدراكه ُ‬
‫انقلبت ألفاً‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َت وقَبْلَها فتحة‬ ‫َّ‬
‫تََح ‪9‬رك ْ‬
‫ن أ ْن يكُونَ م ِن‬
‫ك ُ‬
‫ْب‪ .‬و ُيم ِ‬
‫ْس عِنْد َه ُم فيه قَل ٌ‬ ‫وَم ِنهم م َنْ قال‪ :‬ه ُو َ م ِن أَ لِه َ ‪٣‬إذا َ َّ‬
‫تَح‪9‬ير َ‪ ،‬و َه ُو َ أق ْر َبُ ‪ ،‬لأن ّه ُ ل َي َ‬
‫ل واسْ تعاذ‪.‬‬
‫ق م ِن هذا‪ ،‬كما قالوا‪ :‬ب َ ْسم َ َ‬
‫ل يَتأَ له مُشَت َ ٌ‬
‫(لاه َ) ‪ ٤‬يلَِيه ُ إذا اسْ تتر َ‪ ،‬وقالوا ت َأَ لّه ْ الر ّج ُ‬
‫الألف واللا ِم لأنّه ُم اضطر ّوا إلى الن ْداء ِ و َلَم يكن إسقاط الأل ِ‬
‫ِف واللا ِم لأنّهما‬ ‫ِ‬ ‫وقالوا‪ :‬يا ألله ُ وا ْدخ َلُوا يا على‬
‫سب ْحانُه ُ إلا‬ ‫يخ َّ ‪9‬‬
‫ْتَص به ُ‬ ‫َن هذا الاس ْم َ ل َا َ‬‫ل الإله‪ ،‬ولأ َّ ‪9‬‬
‫ل الأص َ‬ ‫َض من الهمزة ِ عِند م َنْ جَع َ‬ ‫ن الاس ْم َ عو ٌ‬
‫لازِم َتا ِ‬
‫ل الميم عَوِضَا ً من حرف النداء‪،‬‬ ‫الألف واللا ِم‪ .‬وَم ِن الع َر َب‪ -‬وه ُو َ الأكْ ثر ُ‪ -‬م َنْ ي ُ ْسق ُِط حرف الن ّداء ِ ويَجع ُ‬
‫ِ‬ ‫م َ َع‬
‫فيقول‪ :‬ال ّلهُمّ‪ ،‬و َلَم يجئ في القرآن إل َا ّ هكذا‪)٥( .‬‬
‫ولا في ال ُّ ‪9‬‬
‫ُسنة ِ إلا ه َك َذا‪ ،‬و َه ُو َ الأكْ ثر ُ في ك َلا ِم العرب‪.‬‬
‫أناس‪ ،‬قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫الألف واللا ِم عِو َضاً‪ :‬الن ّاس‪ ،‬أصْ لُه ُ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫ونظير ُ إسْ ق َاطِ الهمزة ِ وَجَع ِ‬

‫‪١‬يعزى هذا القول ليونس والكسائي والفراء وقطرب والأخفش‪ .‬ينظر‪ :‬اشتقاق أسماء الله الحسنى ‪.٢٣‬‬
‫‪٢‬أنكر الزجاج هذا القول في اشتقاق لفظ الجلالة‪ ،‬و َممَا قاله في رفه‪ :‬ولا تعر ّج على قول م َنْ ذهب إلى أن‬
‫م ُشتق م ِن وَلِه َ يو ْله‪ ..‬ينظر تفسير أسماء الله ّ الحسنى‪.٢٥ :‬‬
‫‪ ٤ ،٣‬هذا لقول سيبويه كما في الكتاب ‪ ،٤٩٨/٣ ،٥٩/٢‬قال الزجاجي في اشتقاق أسماء الله‪ :‬والمذهب‬
‫الثالث مذهب سيبويه بعد أن وافق الجماعة الأوّلين‪ ،‬قال‪ :‬وجائز أن يكون أصله‪ :‬لاه على وزن فعل‪ ،‬ثم‬
‫دخلت عليه الألف واللام للتعريف‪ ،‬فقيل‪ :‬الله‪ .‬ينظر ص ‪ ٢٧‬من اشتقاق أسماء الله‪.‬‬
‫ل‪١‬‬ ‫كبير أناس في بجادٍ م َُز ََّم‪ِ 9‬‬
‫ّاس‪ ،‬و َلا تق ُلْ‬
‫الألف واللام ُ قُلتَ ‪ :‬الن َ‬
‫ُ‬ ‫َاس إل َا قليلاً‪ ،‬فإذا دَخ َلَت‬
‫ْف الهمزة ه ُنا‪ ،‬لا تَق ُول‪ :‬ن َ‬ ‫و َيق ُّ ‪9‬‬
‫ُل حَذ ُ‬
‫الأناس إلا قليلاً‪ ،‬قال الشاعر ‪:٢‬‬
‫ن المنايا َ ي َ َّ ‪9‬‬
‫َطلِعْـ ‪ ...‬ـن على الأناس الأمنينا‬ ‫إ ّ‬
‫س‬ ‫ُوط الهمزة‪ ،‬والأكثر في َّ‬
‫الَن ‪9‬ا ِ‬ ‫سق ُ‬‫الألف واللام ُ‬
‫ِ‬ ‫س مع‬ ‫وهذا قَليلٌ‪ .‬الأكْ ث َر ُ في َّ‬
‫الَن ‪9‬ا ِ‬
‫ِوض م ِن الهمزة ِ في الأكثر‪.‬‬ ‫الألف وال َلام َ ع ٌ‬
‫َ‬ ‫الألف واللا ِم ثبوتُ الهمزة‪ ،‬كأ َّ ‪9‬‬
‫َن‬ ‫ِ‬ ‫م َ َع ع َد ِم‬
‫سب ْحانُه ُ لا يَق َ ُع على غَيْرِه ِ‪ ،‬وفُعْلانُ يأتي عِند َ الامْت ِلاءِ‪ ،‬نحو‪ :‬غِضْ بان و َ‬
‫سك ْرا َ‬
‫ن‬ ‫خاص به ُ‬
‫ٌ‬ ‫(الِر ‪ِّ9‬حمن) ‪ :‬اس ْمٌ‬
‫ك رحمن‪..‬‬
‫وَحَي ْرانَ وكذل ِ َ‬
‫ن الد ّنيا والآخرة‪ ،‬و َل َ ْم‬ ‫ن على هذا أبل ُغ م ِن الر ّح ََّي ‪ِ 9‬م وَلِذل ِ َ‬
‫ك يُقالُ‪ :‬رَحْم َ ُ‬ ‫(الر ّحيم) ‪ :‬مبالغة ٌ في راح ٍم‪ ،‬والر ّحم ُ‬
‫ْس كذلِكَ‪،‬‬ ‫مج ْرى الأسماء‪ ،‬والر ّحيم ُ ل َي َ‬ ‫ن جَر َى َ‬ ‫َن َّ‬
‫الَر ‪9‬حْم َ َ‬ ‫جع َلُوا الرّحِيم تاب ِعا َ للرحمن؛ لأ َّ ‪9‬‬ ‫يُق َلْ هذا في َّ‬
‫الَر ‪9‬حِيم‪ ،‬و َ َ‬
‫ن على َّ‬
‫الَر ‪9‬حيم‪.‬‬ ‫ك ق ُ ‪ِ9‬دِّم َ الرّحْم َ ُ‬
‫بل ه ُو َ باقٍ على صِفتِه ِ وَجَر َيانِه ِ عَلَى غيره ِ فلَِذَل ِ َ‬
‫ْداف‬ ‫كالشقدف و َال ُّ ‪9‬‬
‫ُشقُن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك أبْل َ ُغ فَه ُو َ‬
‫ِيم‪ ،‬فَه ُو َ لذ ِل ِ َ‬
‫الَر ‪9‬ح ِ‬ ‫الَز ‪9‬م ُّ‬
‫خشرُي‪ 9‬وقال‪ :‬ه ُو َ أكْ ث َر ُ حُر ُوفا ً م ِن َّ‬ ‫و َج َاء أبو القاس ِم َّ‬
‫َ‬
‫‪.٣‬‬

‫ن أبانا في أفانينَ و َدق‪.‬‬


‫‪٤‬صدره‪ :‬كأ ّ‬
‫ل في البيت مجرورا لمجاورته لكلمة ٍ مجرورة هي "بجاد"‬
‫ِفف‪ .‬وجاء المزَمّ ُ‬
‫ط مخطّط‪ .‬المزَمّل‪ :‬الملت ُ‬
‫البجاد‪ :‬كِساء ُ َ‬
‫خرب بجر خرب لمجاورته لضب‪ ،‬ومقتضى سوق الكلام أن يكون مزمّل بالرفع لأنه‬ ‫ٍ‬ ‫كما قالوا‪ :‬هذا جحر ضب‬
‫صفة لكبير‪ ،‬وكبير مرفوع لأًنه خبر كأنّ‪ .‬والبيت في ديوان امرئ القيس ‪ ،٢٥‬والكامل ‪ ،٨١٥/٣‬وشرح‬
‫القصائد السبع الطفل الجاهليات ‪ ،١٠٦‬والإفصاح ‪.٣١٨‬‬
‫‪ ٢‬هو الملك ذو جدين الحميري كما في المعمرين ‪ ،٣٣‬وخزانة الأدب ‪ ،٢٨٧/٢‬وشرح شواهد الشافية ‪.٢٩٦‬‬
‫والبيت في مجالس العلماء ‪ ٧‬غير منسوب‪ ،‬والخصَائص ‪ ،١٥ ١ /٣‬وأمالى ابن الشجري ا‪.١٩٣/٢ /‬‬
‫والشاهد إثبات الهمزة في كلمة الأناس مع الألف واللام وهو قليل‪.‬‬
‫‪٣‬النص في الكشاف‪ ١/٤١‬بتصرف ي َسير‪ ..‬والشقدف مركب مراكب العرب‪ ،‬وهو الحمار‪ ،‬أمّا‬
‫الشقنداف فليس بعربي‪ .‬ينظر القاموس ش‪ .‬دف والمعجم الوسيط ‪٤٨٨ /١‬‬
‫َن ف َعِلٌ‪ ،‬نحو‪ :‬حَذِر أَ بْل َ ُغ م ِن حاذر و َإ ْن كانَ أق َّ ‪9‬‬
‫َل م ِنه ُ‬ ‫ق ك َلام الع َر َب؟ ألا ت َرى أ َّ ‪9‬‬
‫ْس م ِنْ َطرِي ِ‬
‫و َه َذا ك ُل ّه ُ ل َي َ‬
‫حُر ُوفاً‪َّ ،‬‬
‫وإَن ‪9‬ما َ الأمرُ على ما ذكرت لَكَ‪ -‬والله أعلم‪.-‬‬
‫َن لَه ُ م َعنى ً زائدا ً على‬‫الَل ‪9‬هُ‪ ،‬فهذا ه ُو َ اسْم ُه ُ وَم َا عَد َاه ُ جا ٍر عَلَيْه ِ؟ لأَ َّ ‪9‬‬ ‫وهذِه الصّ فاتُ ج َارِية ٌ على اسْمِه ِ تَعال َى و َه ُو َ َّ‬
‫ُل على الع ِزّة ِ‪ ،‬والق َاه ِر ُ‬ ‫ُل على الك َرَم َ والعزيز يَد ُ ُّ ‪9‬‬ ‫ُل على ال ْعِل ْم والك َر ِيم ُ يَد ُ ُّ ‪9‬‬ ‫الَر ‪9‬حْم َة ُ‪ ،‬والْعَل ِيم ُ يَد ُ ُّ ‪9‬‬
‫ن ف ِيه ِ َّ‬
‫ّات‪ ،‬فالرّحْم ُ‬
‫الذ ِ‬
‫صفات‪ .‬جارية على الاس ْمِ‪ ،‬وهو ما ذ َك َر ْتُه ُ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يَد ُ ُّ ‪9‬‬
‫ُل على الق َ ْهرِ‪ ،‬فهذه‬
‫سب ْحانَه ُ إذا أَ ردْتَ العظم َة َ‪ ،‬فإ ْن أرَدْتَ بالألف‬ ‫(الحمْد ُ ل ََِّل ‪9‬هِ) ‪ :‬قال سيبويه‪ :‬هذا لا ي ُستعْم َ ُ‬
‫ل إلا في حقّه ُ‬
‫مخْصُوصا ً كما تقول‪ :‬هذا الث ّناء ُ على فلان إذا سمِعْتَ شَ خ ْصا ً ي ُث ْني َ عَلَيْه ِ‪ ،‬فهذا يكَونُ في غيره‬ ‫واللام شيئا ً َ‬
‫ّت‬‫تج ِ ْده ُ لِب َعض الموِل ِّ ‪9‬د ِين فَه ُو َ تعن ٌ‬ ‫ل في غيره‪ .‬وما َ‬ ‫ختص به ولا يقا َُ‬
‫سبحانَه ُ‪ ،‬فإ ْن أرَدْت معنى العظمة فهو م ٌ‬
‫وإجراء ٌ لِلشيء ِ على غير ما أجرته العرب‪.‬‬
‫ضي ْت ُه ُ ح َّ ‪َ9‬قه ُ‪.‬‬
‫ل إذا شكرت له صنيعه‪ ،‬وقال سيبويه وقالوا‪ ::‬حمدِتُه ُ جزي ْت ُه ُ وق َ‬‫ثعلب‪ :‬حمدِت الر ّج َ‬ ‫ٌ‬ ‫قال‬
‫ْح ولا يكونُ‬ ‫ص الحمد بالمد ِ‬ ‫شك ْر َ معناهُما واحد في أصل اللغة‪ ،‬إلا إن العرف خصّ َ‬ ‫ن الحمْد َ وال ّ‬
‫ل على أ ّ‬ ‫فهذا يَد ُ ّ‬
‫إلا بالل ّسانِ‪ ،‬والشكر خصّ صَه ُ بالجزاء‪ ،‬فيقال على ثلاثة أوجه‪:‬‬
‫تقول‪ :‬شكرت الر ّجل إذا شكرته بلسانك‪.‬‬
‫وتقول‪ :‬شكرت الرجل إذا خدمته بإعطائك‪.‬‬
‫وتقول‪ :‬شكرت الرجل إذا اعتقدت أنه قد أحسن إليك‪ ،‬قال الشاعر‪:١‬‬
‫والَض‪ 9‬مِيْر َ المحُ َ ََّج‪ 9‬با‬
‫أفادتك ُم ُ الن ّعماء م ِن ّي ثلاثة ً ‪ ...‬ي َدي و َل ِساني َّ‬
‫ُ‬
‫‪١‬البيت من شواهد الزمخشري في الكشاف ‪ ٤٧/١‬ولم يعزه‪ ،‬وأورده السمين الحلبي في الدر المصون ‪٣٦/١‬‬
‫ولم يعزه‪ ،‬والشاهد فيه قوله يدي ولساني والضمير حيث أفادت هذه الكلمات الثلاث معنى الشكر في معانيه‬
‫الثلاثة‪ ،‬فاليد كناية عن العطاء‪ ،‬ولساني كن ّى بها عن الشكر‪ ،‬والضمير كناية عن الاعتقاد‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫شك ْراً) ‪ ١‬فتراه واقعا ً على العم َ ِ‬
‫ل د َاوُد َ ُ‬
‫وقال تعالى‪( :‬اعْمَلُوا آ َ‬
‫ن وغَيْرِه ِ والحمد ُ لا يكون إلا بالل ّسانِ‪ ،‬والحمد ُ أَ ع َ ُّ ‪ُ9‬م م ِن ِ‬
‫جهَة ٍ‬ ‫شك ْر ُ على هذا أع َ ُّ ‪ُ9‬م م ِن الحمْدِ‪ ،‬لأن ّه ُ يكون بالل ّسا ِ‬
‫فال ّ‬
‫ل م َعكَ‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن‬ ‫خاص بما فُع ِ َ‬
‫ٌ‬ ‫ل م َ َع غَير ِك َ‪ ،‬وال ُّ ‪9‬‬
‫ُشكر ُ َّإَن ‪9‬ما ه ُو‬ ‫ك وعلى ما ف ُع ِ َ‬ ‫ُأخْرى‪ ،‬لَأ ََّن ‪9‬ك تحمَد ُ على ما ف ُع ِ َ‬
‫ل م َع َ‬
‫ل الحمد والشّكر في الل ّغة أ ْن يَكونا لشيء ٍ واحدٍ كما ذكر ْتُ لك عن‬ ‫شَك َر ْتُ بمعنى جازَي ْتُ في العرف‪ .‬وأص ُ‬
‫حذوف لا ي َظَهر ُ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫سيبويه وثعلب‪ ،‬وهو م ُبتدأ ٌ "ل ََِّل ‪9‬ه ِ" هو الخبر‪ ،‬والمجرور إذا وق َع خبرا ً أ ْو صفة ً أ ْو صلة تَعل ّق بم‬
‫وسيأتي الكلام ُ في قوله تعالى‪( :‬فَل َََّم ‪9‬ا رآه مُسْت َق ِ ًًّر ‪9‬ا عِندَه ُ) ‪ ٢‬إ ْن شَاء الله ‪.٣‬‬
‫الَر ‪9‬فعُ؛ لأ ََّن ‪9‬ه مَعْرف َة ٌ‪ ،‬ويَجوز ُ الن ّصبُ ‪ ،‬وإذا كانَ نكرة ً فالأكْ ثر ُ فيه الن ّصبُ ‪ ،‬وجاء على طريقة‬
‫والأكثر ُ في الحمدِ َّ‬
‫كتاب سيبويه‪ ،‬إ ََّل‪9‬ا أ ّ‬
‫ن الق ُراء لم يقرأه إلا‬ ‫ِ‬ ‫الإخبار كأَ ًّ ‪9‬‬
‫ًن الشيّء قد و َق َ َع والمراد به بالإنشاء وهذا مذكور ٌ في‬
‫بالرفع‪ ،‬لأن ّه ُ كل ّه ُ يصحّ ‪.‬‬
‫ل ‪ ،٥‬ومنها النصبُ ‪٦‬في‬
‫ل اللام َ ‪ ،٤‬واتباع اللا ّم للد ّا ِ‬
‫وه ُناك قراءة ٌ نق ُلَت‪ ،‬وهي شاذة فيها الاتباع‪ ،‬اتباع الد ّا ِ‬
‫ن‬
‫ْس أصْ لُه ُ فَعْلا ً بسكُو ِ‬ ‫ل بِكَسْر ِ الْع َين‪ ،‬و َالأصْ لُ‪ :‬ر َببَ ثم ُأ ْدغِ ِم و َل َي َ‬
‫َب وَزْنُه ُ ف َع ِ ٌ‬ ‫الحمد ل ََِّل ‪9‬هِ‪" .‬ر ّ‬
‫َب العالمين"‪ :‬ر ّ‬
‫ك لم يُدْغم أَ لا ترى‬ ‫بفتح العين؛ إذ لو كان كذل ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫الع َين‪ ،‬لأَ نّهم قالوا في الجم ِْع أَ رْبابُ ‪ ،‬و َل َيس الأصْ ُ‬
‫ل فَع َلا‬
‫ل بكَسْر ِ الْع َين يَكْث ُر ُ‬
‫فات‪ ،‬وف َع ِ ٌ‬ ‫ل ف َع ُلَا بضم العن‪ ،‬لأن هذا يَق ِ ُّ ‪9‬‬
‫ُل في الصّ ِ‬ ‫ْس الأصْ ُ‬
‫ل والشّرَر َ لم يًدْغما‪ ،‬و َل َي َ‬
‫الطّل َ َ‬
‫ل على الأق َ َ ‪ِّ 9‬‬
‫َِل ما قدرت على الأكْ ثَر ِ‪.‬‬ ‫فيها‪ ،‬قالوا‪ :‬حَذِرا ً وبَط ِراً‪ ،‬وأشِرا ً وعُث ِراً‪ ،‬وهو كثير ٌ‪ ،‬ولا ينبغي أن يُحْم َ َ‬

‫‪١‬سورة سبأ آية‪.١٣١ :‬‬


‫‪ ٢‬سورة النمل آية‪.٤٠ :‬‬
‫َّ‬
‫لكَن‪ 9‬المنية عاقته قبل إتمامه‪ ،‬فقد وقف به العمل‬ ‫‪ ٣‬هذا ما كان يأمله ابن أبى الربيع في إكمال هذا التفسير‪،‬‬
‫عند آية المائدة ‪ ١٠٩-‬يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم‪. ..‬‬
‫‪٤‬هي قراءة زيد بن على‪ ،‬والحسن البصري‪ .‬ينظر المحتسب ا‪٣٧ /‬كل‪ ،‬ومختصر شواذ القراءات‪ :‬ا‪.‬‬
‫‪٥‬قرأ بها إبراهيم بن عبلة‪ ،‬المصدران السابقان‪ ،‬وإعراب شواذ القراءات ق‪.٣ :‬‬
‫‪٦‬قرأ به رؤية كما في شواذ القراآت لابن خالويه‪.١:‬‬
‫ن قالَ‪ :‬إ ََّن ‪9‬ه و َصْ ٌ‬
‫ف بالمصْ دَرِ (‪ ،١ )١‬فيه بُعْدٌ‪ ،‬إذ لو كان كذلك لم ي ُث ّن ولم يُجْم َعْ ‪ ،‬وَم َنْ ثن ّى مثل هذا‬ ‫لم َ‬
‫وق َو ُ‬
‫َأكَف‪ ،‬فكونُه ُ ق َ ْد جُم ِ َع على أرْباب يَد ُ ُّ ‪9‬‬
‫ُل على‬ ‫ٍَف و َّ ‪9‬‬
‫ك نحو‪ :‬ك ‪ٍّ 9‬‬ ‫في المصَادر ث ََّن ‪9‬اه ُ على القيا ِ‬
‫س في فعل أفعل‪ ،‬وذل ِ َ‬
‫بُعْدِ هذا القول‪.‬‬
‫ح في ر َّ ‪9‬‬
‫ََب ه ُنا أ ْن يكُون معناه الصّ لاح ومعناه‬ ‫و ُيقالُ‪ :‬ر َب ّه ُ ي َرُب ّه إذا م َلكه ُ‪ ،‬ويقال‪ :‬ر َ ََّب ‪9‬ه ُ ي َرُب ّه ُ إذا أصْ لُح َه‪ .‬و ًيصْ ل ُ ُ‬
‫ح العالم‪.‬‬
‫ك الع َالم َ والّذي يُصْ ل ُ‬
‫سب ْحانُه ُ الّذي يَمْل ِ ُ‬
‫الملك‪ ،‬لأن ّه ُ ُ‬
‫يش خ َير ٌ م ِنْ أ ْن ي ُر ُ ََّب ‪9‬نِي ر َج ٌ‬
‫ل من هوازن" ‪.٢‬‬ ‫ل من ق ُر َ ٍ‬
‫وقد نُقِلَ‪" :‬لأن ي َر ُب ّني رج ُ ٌ‬
‫ل الصّ لاح‪ ،‬ويكُونُ صِفة ً‪ ،‬وَيَجوز ُ أن يَكُونَ بدلا ً لأ ََّن ‪9‬ه ُ اسْ تُعْمِ َ‬
‫ل‬ ‫ك ويُحتَم َ ُ‬
‫فَي ُحت َمل المل ُ‬
‫ل الأسماء‪.‬‬
‫استِعْم َا َ‬
‫َب الأ ْرضِ‪،‬‬ ‫مخت ‪ٌٌَّ 9‬ص به تَعالى‪ ،‬و َِإذا أطْ لَق ُوه ُ على غيرِه ِ أطْ لَق ُوه ُ م ُقي ّداً‪ ،‬نحو‪ :‬ر ِّ‪9‬‬
‫َِب الد ّارِ‪ ،‬وَر ّ‬ ‫ُب بالإضافة ِ ُ‬ ‫والَر ‪9 ُّ 9‬‬
‫َّ‬
‫ق عليه تعالى مُطْلَقا ً وم ُقي َدا ً ومضافاً‪.‬‬
‫وما أشب َه َ ذَلِكَ‪ ،‬و ُيطْل َ ُ‬
‫فات و َيَكُونُ في الأسماء قليلاً‪ ،‬وأكثر ما يوجد هذا البناء ُ في‬
‫‪( /‬الع َاَلمِين) ‪ :‬فَاع َل بفتح العين لا يكُونُ في الصّ ِ‬
‫ك مثل ما فعَل ْت َه ُ به‪ ،‬نحو‪ :‬ضَار َب َني زيد ٌ وضارَب ْتُ زيداً‪ ،‬وقاتلَ ْت ُه ُ‪ .‬و َق َ ْد يأتي على غَيْر ِ‬ ‫الفعل إذا أردت أ ََّن ‪9‬ه ُ ف ُع ِ َ‬
‫لب َ‬
‫الَل ‪9‬هُ‪ ،‬وَد َاين ْت زَي ْداً‪ ،‬وهذا قَليلٌ‪.‬‬
‫ذلك‪ ،‬قالوا‪ :‬عَافَاك َ َّ‬
‫َن المخ ْلُوقَ يَد ُ ًّ ‪9‬‬
‫ًل على خالقِه ِ‪ ،‬فَق َ ْد صار َ‬ ‫ق‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫مخ ْلُو ٍ‬
‫ِل َ‬ ‫وإذا صَ ح ّ ما ذ َك ْرتُه ُ فالْع َال َم ُ اس ْمٌ لا ِ‬
‫صف َة ٌ‪ ،‬و َه ُو َ اس ْمٌ ل ِك ‪ِّ 9‬‬
‫سب ْحانُه ُ‪ ،‬فاشْ ت ِقاق ُه ُ م ِنْ ه َذا (‪ .٣ )٣‬و َق َ ْد قيلَ‪ :‬إ ََّن ‪9‬ه ُ‬ ‫عَلام َة ً تَد ُ ُّ ‪9‬‬
‫ُل عَلَيْه ِ ُ‬

‫‪١‬القول للزمخثري كما في الكشاف ‪.٥٣ /١‬‬


‫‪٢‬القائل صفوان بن أمية يوم حنين لأخيه أبى سفيان‪ ،‬حين قال أبو سفيان‪ :‬غلبت‪ -‬والله‪ -‬هوازن‪ ..‬فأجابه‬
‫صفوان بفيك الكثك‪ ،‬لأن يربني ر َجل‪ ..‬وقريب من هذا ما قاله ابن عباس في ضأن ابن الزبير وعبد الملك‬
‫أحب إلىّ من أن يرب ّني غيره‪ .‬ينظر فتح الباري ‪/٨‬‬
‫ّ‬ ‫بن مروان‪ :‬وإن كان لابدّ لأن ي َُّرُب ‪9‬ني ر َجل من بني عمى‬
‫‪ ،٣٢٦‬والمحرر الوجيز ‪ ٠٤ /١‬ا‪ ،١٠٥-‬وتهذيب اللغة المضعف من حرت الراء‪ ٧٦ /١٥‬ا(‪.١٧ ٨‬‬
‫ن المراد بالعالم جميع ما خلق الله‪ ،‬لظهورهم وظهور أثر الصنعة فيهم‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫‪٣‬يريد أنه م ُشتق من العلامة‪ ،‬لأ ّ‬
‫اشتقاق أسماء الله ‪ ،٥٩-٥٨‬والمحرر الوجيز ‪ ،١٠٥ /١‬والفريد في إعراب القرآن المجيد ‪.١٦٥ /١‬‬
‫َن م َنْ ن َظَر َ ف ِيه ِ تَح َََّص‪َ 9‬‬
‫ل لَه ُ ال ْع ِلم ُ بحُد ُوثِه ِ وافتقاره إلى موجده‪ ،‬والاشتقاق الأوّل أقرب‪.‬‬ ‫ق م ِن العِل ْم‪ ،١‬لأ َّ ‪9‬‬
‫مُشْت َ ٌ‬
‫ل الأوّل أشهر‪.‬‬
‫ن العالم إنما هو لأهل العلم من الملائ ِكة ِ والث ّقلَين‪ :‬الجن والإنس‪ ،‬والقو ُ‬
‫وقد قيل‪ :‬إ ّ‬
‫ف؟‬
‫وليس بِع َلم ٍ في الأصل و َلا و َصْ ٍ‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫فكيف ج ُم َع بالوَاوِ والن ّو ِ‬
‫َ‬ ‫فإن قُل ْتَ ‪:‬‬
‫ف‪ ،‬ويمكن عندي أن يكون عالم ٌ علماً‪ ،‬وتكون عَلَم ََِّي ‪9‬ت ُة ُ علمي ّة‬
‫قُل ْتُ ‪ :‬هو وإ ْن لم يَكُنْ و َصْ فا ً ففيه م َعنى الوصْ ِ‬
‫الجنس‪ ،‬ث ََّم ‪ 9‬ن ُِك ‪ِّ9‬ر َ ودَخ َلَت ْه ُ الألف واللام عند الجمع والتثنية‪ ،‬كما قالوا‪ :‬الزيدان‪ ،‬وجمع بالواو والنون وإن كان‬
‫حدث ة وأَ ََّم‪9‬ا م َنْ جَعلُه ُ‬
‫م ِ‬ ‫ل ُ‬
‫ل على م َنْ لا يعقلُ‪ ،‬وهذا على م َنْ جَعلَه ُ اسما ً لك ّ‬
‫فيه مالا يعقل‪ ،‬غَل ّبوا م َنْ يَعق ُ‬
‫مختصا ً بأهل العلم فلا سؤال فيه‪.‬‬
‫َدث عاقلا كان أو غَيْر ِ عاقل‪.‬‬
‫مح ٍ‬ ‫َن الأ ََّو‪َ 9‬‬
‫ل ه ُو المشهور ُ‪ ،‬وهو الوقوع ُ على ِك‪ِّ 9‬ل ُ‬ ‫وقد تق ّدم َ أ َّ ‪9‬‬
‫ن أ ْن (م َلكِ ) بمعنى مال ِك‪ ،‬كما قالوا‪:‬‬
‫ك ُ‬
‫ك يَوم الد ّينِ) ‪٢ .‬فَيم ِ‬
‫ك يَو ْ ِم الِد ‪ِّ9‬ينِ) ‪ :‬قرأ عاص ِمٌ والكسائي (مال ِ ِ‬
‫(مال ِ ِ‬
‫حَذِر ٌ بمعنى حاذِر ٌ‪ ،‬ويكو َن م ِن المل ِْكِ بكسر الميم‪ ،‬ويكونُ قد أضيف إلى يوم الد ّين بعد ما انتصب يوم َ الد ّين‬
‫نَصْ بَ المفعول به على جهة الات ّساع كما قال‪:‬‬
‫َاعات الك َر َى زاد الكَسَلْ ‪٣‬‬ ‫َّ‬
‫طَب ‪9‬اخ س ِ‬

‫‪١‬على هذا يكون المقصود ذوى العلم من الملائكة والثقلين‪ .‬ينظر المصادر السابقة‪.‬‬
‫‪٢‬القراء هنا بألف بعد الميم على وزن فاعل‪ ،‬وقول ابن أبى الربيع‪ :‬ويمكن أن يكوِن "م َلك‪ ،‬بمعنى مالك‪.-‬‬
‫يريد أنه صيغة مبالغة ليسوغ معه نصب المفعول به‪ .‬ينظر القراءة المذكورة وتوجيها َ لها في السبعة في‬
‫القراءات ‪ ،١ ٥ ٤‬والحجة لأبى على ‪ ،١ ٥-٧ /١‬والحجة لابن زنجله ‪.٧٩-٧٧‬‬
‫‪٣‬البيت لجبارة بن جزء بن ضرار كما في شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي ‪ ،١٢ /١‬ويشرح أبيات الإيضاح‬
‫لابن برى ‪ ،١٦٨‬ونسبه سيبويه في الكتاب ‪ ،١٧٧/١‬والمبرد في الكامل للشيخ ‪ ،١٩٩ /١‬وكذا نسب في‬
‫ديوان الشك ‪.١٠٩‬‬
‫المضاف‬
‫ِ‬ ‫ل بين‬ ‫على نصب "ز َاد َ"‪ ،‬و َأَ ََّم‪9‬ا‪ /‬م َنْ خفض (زادِ الكسل) فَيكونُ سَاعاتُ َ‬
‫ظر ْفا ً على أصْ لِه ِ‪ ،‬و َف ُصِ َ‬
‫شعْرِ‪ ،‬كما قال‪١ :‬‬
‫والمضاف إليه في ال ّ‬
‫ِ‬
‫‪ ... ... ... ... ............‬لِلّه ِ د َ ُُّر‪ 9‬ال ْيَوْم َ م َنْ لامَهَا ‪٢‬‬
‫أي في يَو ْم الد ّينِ‪ ،‬ثم انت ُصِ بَ على أ ََّن ‪9‬ه ُ مَفْع ُو ٌ‬
‫ل به على الاِت ‪ِّ9‬ساع كَما ذ َك َر ْتُ‬ ‫ويكونُ الأصْ لُ‪ :‬مال ِكا ً يَوْم َ الد ّينِ‪ْ ،‬‬
‫لَكَ‪.‬‬
‫ْف في ت َ ْقدِير ِ حرف الجِر‪ ،ِّ9‬أَ لا ت َراه ُ إذا ُأضْ م ِر َ عَاد َ إليه ِ‬
‫ظر َ‬ ‫ص ََّو ‪9‬ر ُ ال ِإضافَة ِ و َه ُو باقٍ على أصْ لِه ِ‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن ال ّ‬ ‫و َلا تُت َ َ‬
‫ْف الجِرِّ ‪ 9‬فكأن حرف الجِرِّ ‪ 9‬م ُوُجُود ٌ‪.‬‬
‫حَر ُ‬
‫صة في بابين‪ :‬باب ‪٣‬النداء وباب الن ّفي بلا‬
‫حرف الجزِ إلا باللام خ َا ّ‬
‫ل بين المضاف والمضاف إليه ب ِ‬
‫ص ُ‬
‫ولا يُف َ‬
‫‪.٤‬‬
‫ك من المُلكِ في مالك‪ ،‬ل َأن ف َع ِلَا َ من أَ مْثلَة المُبالَغ َة‪.‬‬
‫ن أ ْن يكونَ م َل ِ َ‬
‫ك ُ‬
‫و ُيم ِ‬
‫ك‬
‫ن أن يكونَ م َلِك من المُلكِ ومالكا ً م ِن المِلك بكسر الميم‪ ،‬ف َقيلَ‪ :‬م ِلكِ يوم الد ّين والمراد م َلِك أَ ْو مال ِ َ‬
‫ك ُ‬
‫و ُيم ِ‬
‫الن ّاسِ‪.‬‬
‫صوّر ُ هذا إذا كان م َلِك‬
‫ك من المل ِْكِ ‪ ،‬وإنّما يُت َ‬
‫صو ّر أ ْن يكون يوْم َ الد ّين قد نُصِ بَ نَصبَ المفعول به وم َل َ‬
‫ولا يُت َ‬
‫الإضَاف َة ُ على ت َ ْقدِير ِ‪:‬‬
‫ل و َأَ مْثِلَة المُبَالَغَة ِ‪ ،‬وتكونُ ِ‬
‫فات كاس ِم الفاع ِ‬
‫ل به تنصبه الصّ ِ‬ ‫مبالغة في مالك ث لأ َّ ‪9‬‬
‫َن المفعو َ‬
‫ك م ُبالغة في مال ِك‪ ،‬و َتَكُونُ القراءتان ‪٥‬مت ّفقتينِ‪،‬‬ ‫أصحابَ يوم الد ّين واَل َّ ‪9‬ذي ي َ ْظه َر ُ‪ -‬والله أع ْل َم ُ‪ -‬أ َّ ‪9‬‬
‫َن م َل ِ َ‬ ‫م َلِك ْ‬
‫واسم ُ‬

‫‪١‬هو عمرو بن قم َِيئة كما في ديوانه ‪ ١٨٢‬والكتاب ‪ ،١٧٨ /١‬وشرح أبيات سيبويه ‪.٣٦٨ /١‬‬
‫َرت‪..‬‬
‫رأت ساتيدَم َ اسْ تعْب ْ‬
‫ْ‬ ‫‪ ٢‬صدر البيت‪ :‬لما‬
‫ّرف اليوم بين المضاف درّ والمضاف إليه م َنْ ‪،‬‬
‫‪٢‬والشاهد قوله‪" :‬در اليوم َ م َنْ لامها" حيث فصل بالظ ِ‬
‫وتركيب الكلام قبل الفصل لله درّ م َنْ لامها‪.‬‬
‫‪٣‬وقد استشهد له ببيت النابغة‪:‬‬
‫قالت بنو عامر ِ خالوا بنى أسد ‪ ...‬يا يؤس للجهل ضرارا ً لأقوام‬
‫‪٤‬كقولهم‪ :‬لا أبا لك‪ .‬لا أم َ لك‪.‬‬
‫‪٥‬في الأصل‪ :‬القراءتين‪.‬‬
‫ضيف إلى‬
‫َ‬ ‫ل إذا كان بمعنى الماضي و ُأضيف إلى المعرفة تعر ّف‪ ،‬وإذا كان بمعنى الحال والاستقبال و ُأ‬
‫الفاع ِ‬
‫المعرفة كان على وجهين‪ :‬على الت ّعريف‪ ،‬وعلى الت ّخفيف‪ ،‬وتكون هناك ال ِإضافة ُ على الت ّعريف ة لأ ََّن ‪9‬ه ُ جا ٍر‬
‫على المعرفة‪.‬‬
‫ل فلا تكونُ إضَافَت ُه ُ إ ََّل‪9‬ا غَير َ‬
‫ل والاسْ تِقْبا ِ‬
‫ل إذا كان بمعنى الحا ِ‬
‫ن اس ْم َ الفاع ِ ِ‬
‫ن و َقَالَ‪ :‬إ ّ‬
‫ِخِّري َ‬
‫عض المتأ ‪9‬‬
‫وج َاء َ ب َ ُ‬
‫مح ْضَة و َإنّما تَكُونُ للتخفيف ‪.١‬‬ ‫مُع َر ّفة‪ ،‬و َتَكُونُ غير َ َ‬
‫ل والاستقبال فلََه ُ‬ ‫ح ما ذ َك َر ْتُه أ ََّو‪9‬ل ًا‪ ،‬وهو أ َّ ‪9‬‬
‫َن اسم َ الفاع ِل إذا كانَ بمعنى الحا ِ‬ ‫َّ‬
‫والَص‪ 9‬حِي ُ‬ ‫سدٌ‪،‬‬
‫ل فا ِ‬
‫وهذا القَو ْ ُ‬
‫ّف أبدا ً بال ِإضافة الصفة ُ المشبهة باس ْ ِم‬
‫ضاف و َلا يَتعر ُ‬
‫ْريف وإضاف َة ُ تخفيف ‪ .٢‬والّذي ي ُ ُ‬
‫إضافتان‪ ،‬إضافة تَع ٍ‬
‫صة ً و َلا يَتع َر ّف إلّا بالألف واللام‪.‬‬
‫ل خا ّ‬
‫الفاع ِ‬
‫وج ًاء َ (م َلِك يوم الد ّين) على طريقة‪ :‬نهارُه ُ صائِم ٌ و َلَيْلُه ُ قائم في الاِت ‪ِّ9‬ساع ل َم ّا كان فيه ن ُسِبَ إليْه ِ إ ََّم‪9‬ا بالفاع ِلي ّة‬
‫جهَة ِ الاِت ‪ِ 9‬‬
‫ِّساع‪.‬‬ ‫وإ ََّم‪9‬ا بالمفع ُولِي ّة على ِ‬
‫كس ْرة ً لمكان ال ْياءِ‪.‬‬ ‫(الد ّين) ‪ :‬الجَزاء‪ ،‬وَو َزنُه ُ فِعْلٌ‪ ،‬ويمكن عند سيبويه أَ ْن يكُونَ وزْنُه ُ ف ُعلا وَر ُ ََّد‪9‬ت الضّ م َة ُ َ‬
‫ن ت ُدانُ‪ ،‬و َكَما تُجازِي تُجاز َي‪.‬‬
‫يُقالُ‪ :‬دِن ْت ُه ُ بما صَن َ َع إذا جازيت ُه ُ‪ ،‬و ُيق َالُ‪ :‬كَما تْدِي ُ‬
‫والَر ‪9‬ف ِْع على القَطْع ‪ ،٤‬تنصب ُه ُ بإضمار فِعْ ٍ‬
‫ل أو‬ ‫َسب ِْع إ ََّل‪9‬ا بالخ ْفضِ‪ ،‬و َق َ ْد قُرِىء في الشّاذ بالن ّصب ‪َّ ٣‬‬ ‫و َل َ ْم يُقْرأْ في ال َّ ‪9‬‬
‫ل ولا المبتدأ‪،‬‬
‫تَرْف َع ُه ُ بإضمار المبِ ْت َدأ‪ ،‬وَل َا ي َ ْظه َر ُ الفِعْ ُ‬

‫‪١‬ما ذكره ابن أبى الربيع هو ما ذهب إليه الزمخشرى في الكشاف ‪ ،٥.٥٧ /١‬وقد أخذ به كثر المتأخرين‪،‬‬
‫قال ابن مالك في الخلاصة‪:‬‬
‫ل‬
‫ل ‪ ...‬وصفا ً فعن تنكيره لايُع َز ُ‬
‫و َِإ ْن يُشابه ِ المضاف يفع ُ‬
‫‪٢‬هذا ما قدره ابن أبى الربيع في البسيط ‪ ،١٠ ٤٠ /٢‬والكافي ‪ ،٣٠٦ /١‬وفي الكتاب لسيبويه ‪ ٤٢٨ /١‬ما‬
‫يدل على ما ذهب إليه ابن أبى الربيع فيما نقل عن الخليل ويونس في الصفات المضافة‪..‬‬
‫ك " وبدون ألف "ملك " قراءة أبى‬
‫‪٣‬قرأ بالنصب أبو هريرة‪ ،‬وعمر بن عبد العزيز وبألف بعد الميم "مال ِ َ‬
‫حيوة‪ ،‬وَخُر ِخت الأولى على النداء‪ ،‬يا مالكَ‪ ،‬وأمّا الثانية فخرجت على إضمار فعل‪ .‬ينظر مختصر شواذ القرآن‬
‫لابن خالوية‪ :‬ا‪ ،‬والمحرر الوجيز ‪ ٠٦ /١‬ا‪ ،١٠٧-‬والبحر المحيط ‪.٣٧ -٣٦ /١‬‬
‫‪٤‬ينظر المصادر السابقة‪ ،‬وإعراب القراءات الشاذة ‪.٣٤ /١‬‬
‫حسْبما‬
‫َشاِذ‪ ِّ9‬بالر ّف ْع والنصب (‪١ )١‬على َ‬‫الَر ‪9‬حيم) قُرِىء في ال َّ ‪9‬‬
‫ن َّ‬ ‫ك َّ‬
‫(الَر ‪9‬حم ُ‬ ‫ْح والت ّعظيم‪ ،‬وكذل ِ َ‬ ‫َن الصف َة َ ل ِل ْمَد ِ‬
‫لأ َّ ‪9‬‬
‫َِب العالمين) قُرِىء في الشّاِذ‪ ِّ9‬بالر ّفع والن ّصب‪ ،‬ولم يُقْرأْ َ في الس ِ‬
‫ّبع إلا بالخفض‪.‬‬ ‫ك (ر ِّ‪9‬‬‫ذ َك َرتُ ل َك‪ .‬وَك َذل ِ َ‬
‫ق يوم َ الد ّين‪ ،‬وَم َل َك الأمْرَ يوم َ‬
‫ك الخل ْ ِ‬
‫جعَلَه ُ فِعْلا ‪ .٢‬والمعنى في هذا ك ُِل‪ِّ9‬ه ِ م َل َ‬‫و َقد قُرِئ (م َل َك يوم َ الد ّين) َ‬
‫جهَة ِ الاِت ‪ِ 9‬‬
‫ِّساع‪.‬‬ ‫ل الد ّين ه ُو المملُوك ً على ِ‬
‫جع َ َ‬
‫الد ّين لَكِن ّه ُ َ‬
‫ل أبْيَنُ‪.‬‬
‫ن أن يكون معنى م َلِك يوم َ الد ّي ِن وم َال ِك يوم الد ّي ِن على مَع َنى أب َرزَه ُ و َأَ وْجده‪ ،‬والأو َ ُ‬
‫و َق َ ْد يمك ُ‬
‫َاف في‬
‫مج ْر َى الك ِ‬
‫ُوف تَجرِي َ‬ ‫سي ْب َويه ِ‪ :‬إي ّا ه ُو َ الم ُضْ م َر ُ المنْصُوبُ المنف َصِ لُ‪ ،‬وما يلَ ْحق ُه ُ حُر ٌ‬
‫(إي ّاك َ نَعْبُد ُ) ‪ :‬قال ِ‬
‫ِ‬
‫ُوب مج ْرى الضمير‬‫حي ْثُ ك َان َْت ضم ِير َ منْص ِ‬ ‫ِميع الأحْ وال‪ ،‬فجرى إي ّاك َ م ِنْ َ‬ ‫ر ُويد َك َ ة إذ الضمير مُسْت َتر ٌ في ج ِ‬

‫ل بًين المذ َِك ‪ِّ9‬ر والمؤ َ ََّن ‪ِ 9‬‬


‫ث والمفْرَدِ والمثن ّى‬ ‫ِالكاف يَق َ ُع الفص ُ‬
‫ِ‬ ‫بالكاف وب‬ ‫ِ‬ ‫المسْت َتر في رُوْيد َك َ ل َََّم ‪9‬ا احْ ت ِي َ َ‬
‫ج إلى بَيَانِه ِ‬
‫َب إذا‬ ‫ث والمفْرَدِ والمثنى والجم ِْع والغائ ِب والمتكلّم والمخاط ِ‬ ‫لمَا ‪ 9‬كان َْت تقع ل ِلم ُذك ّر ِ والمؤ َ ََّن ‪ِ 9‬‬ ‫ك إ ََّي ‪9‬ا‪َّ ،‬‬ ‫والجم ِْع‪ ،‬وك َذل ِ َ‬
‫بالكاف وال ْهَاء ِ وال ْيَاء ِ ليزيل الإشْ ك ًال ‪ ،٣‬وفيها ه ُنا معنى الاختصاص‪ ،‬أَ ْ‬
‫ي ل َا أعْبُد ُ‬ ‫ِ‬ ‫كان مَنْصُوبا ً ق َرَنوا إ ََّي ‪9‬ا‬
‫ن الع َر َب‪:‬‬
‫غير َك َ‪ ،‬كما ح ُكِى َ ع ِ‬
‫ك أعني واسْم َعي يا ج َار َه ‪٤‬‬
‫ِإي ّا ِ‬
‫والمعنى لا أ ْعنِي غيره‪.‬‬
‫(إ ََّن ‪9‬ه ُ ه ُو َ ي ُبْدِىء ُ و َيُع ِيد ُ) ‪ْ ٥‬‬
‫أي لا ي ُبْدِىء ُ غَي ْره ُ‪ ،‬ولا‬ ‫سب ْحانُه ُ‪ِ :‬‬
‫والت ّ ْقدِيْم ُ يكونُ على هذا اْلمع َنى في المبتدأ‪ ،‬قال ُ‬
‫يُعيْد ُ‪ ،‬أي ه ُو َ الّذي اخْ ت َّ ‪ََ9‬ص بهذا‪.‬‬

‫‪١‬ينظر المصادر السابقة‪ ،‬وإعراب القراءات الشاذة ‪.٣٤ /١‬‬


‫‪ ٢‬تعزى هذه القراءة لعلى بن أبى طالب‪ ،‬وأنا بن مالك‪ ،‬ويحيى بن يعمر‪ ..‬ينظر المصادر السابقة‪.‬‬
‫‪٣‬هذا توضيح لما أجمله سيبويه في الضمير إيا وليس الكلام هنا هو نص سيبويه كما يفهم من صنيع ابن أبى‬
‫الربيع في هذا الإسناد‪ ،‬ينظر الكتاب ‪.٣٦ .-٣٥٦/٢‬‬
‫‪٤‬هذا توضيح لما أجمله سيبويه في الضمير إيا وليس الكلام هنا هو نص سيبويه كما يفهم من صنيع ابن أبى‬
‫الربيع في هذا الإسناد‪ ،‬ينظر الكتاب ‪.٣٦ .-٣٥٦/٢‬‬
‫‪٥‬سورة البروز آية‪.١٣ :‬‬
‫ن ق ََّو ‪9‬ة ِ الع َام ِ ِ‬
‫ل‪ ،‬و َق َ ْد‬ ‫ِيم‪ ،‬و َق َ ْد يكُونُ للاعْتناءِ‪ ،‬وقد يَكُون للت ّصر ِ‬
‫ّف‪ ،‬وبَيا ِ‬ ‫ل الت ّقديم ُ أ ْن يكُونَ َّ‬
‫للَت ‪9‬عْظ ِ‬ ‫و َق ْد ي ُحم َ ُ‬
‫ناب إلا شر ٌ‪،‬‬ ‫ناب‪ ،‬أي ما أه َ ََّر ‪ 9‬ذا ِ‬ ‫يتمحض في الن ّك ِرة‪ ،‬تَق ُولُ‪ :‬شر ٌ أَ ه َر َ ذا ٍ‬
‫ّ‬ ‫يكُونُ للاخت ِصاصِ‪ ،‬وهذا المعنى‬
‫ك إلا شيء‪ .‬والت ّقدْيم ُ هُن ْا ل َا يَكونُ إلا على هذا المَعْنى َ‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن المبَتدأَ‬ ‫و َتَق ُولُ‪ :‬شئ ما ج َاء َ بكَ‪ ،‬م َعناه ُ ما جاء َ ب َ‬
‫نك ِرة ٌ و َلا يبتدأ ب َالن ّك ِر ِة إلا في م َواضِع‪ ،‬مِنْها الاخْ ت ِصاص‪.‬‬
‫ل الْك َلا ِم لَكان أي ّاه ُ نَعبًد ُ وإ ََّي ‪9‬اه ُ ن َسْت َع ِين‪ ،‬لَكِن ّه ُ‬
‫وفي هذا الخروج من الغيبة إلى الخِطَاب‪ ،‬و َلَو ْ جَر َى على أ ََّو‪ِ 9‬‬
‫س‪:‬‬
‫يح ك َلا ِم الع َر َب‪ ،‬قال امْرُؤ ُ القي ِ‬ ‫ل من الغيَبة إلى الخطاب‪ ،‬وهذا من ف َصِ ِ‬ ‫انتق َ‬
‫تَطاو َل ليلك يالإثْمِدِ ‪ ...‬و َنام َ الخل ِ ُُّي‪ 9‬و َلم ترقدِ ‪١‬‬
‫َاب‪ ،‬ث ُ ََّم ‪ 9‬قال في البيت الثاني‪:‬‬
‫ف َهذ َا عَلى الخِط ِ‬
‫وباتَ وب َات َتَ لَه ُ لَيْلة ٌ ‪ ...‬ك َلَيْلَة ذي العائر الأرمد‬
‫فانتقل من الخطاب إلى الغيبة‪ ،‬ثم قال في البيت الثالث‪:‬‬
‫ك من نبأ ٍ جاءني ‪ ...‬و َخب ّرتُه ُ عن أبي الأسود ‪٢‬‬
‫وذل ِ َ‬
‫‪ /‬انتقل إلى المتكلم‪ ،‬و ُيسم َّ ‪َ9‬ى هذا الالتفات‪ ،‬و َه ُو َ كَث ِير ٌ في القرآنِ‪.‬‬
‫قال تعالى‪( :‬ح َََّت ‪9‬ى ِإذ َا كُنتُم ْ في الْفُل ْكِ وَجَرَي ْ َ‬
‫ن به ِم) ‪ ،٣‬انتقل من الخطَاب إلى الغيبة‪ ،‬و َه ُو كث ِير في القرآنِ‪،‬‬
‫صف َاتُه ُ‪ُ ،‬أعبد ُ لأ ََِّن ‪9‬ه ُ‬
‫ن أ ْن يَكُونَ على إ ََّي ‪9‬اك َ يا م َنْ هذه ِ‬
‫ك ُ‬
‫وهذا من فصيح كلام العر َب كما ذ َك َر ْتُ ذَلِكَ‪ ،‬و ُيم ِ‬
‫صف َاتُه ُ تعالى لا يشارك ُ فيها‪ ،‬قالت بعده‪ :‬إ ََّي ‪9‬اك َ ي َا م َنْ هذه ِ‬
‫صف َاتُه ُ أعْبُد ُ‪.‬‬ ‫ل َََّم ‪9‬ا ذ َك َر َ الصّ فات‪ ،‬و َهِي ِ‬

‫‪ ١،٢‬بيت الشاهد مع ما تلاه في ديوانه ‪ ،١٨٥‬والكشاف ‪ ،٦٤/١‬والبحر المحيط ‪ ،٤٣/١‬والدر المصون‬


‫‪.٥٨-٥٧/١‬‬
‫والخلى‪ :‬م َن خلا باله من الهموم‪ ،‬والعائر‪ :‬قذى في العين‪ ،‬تمج ّه ُ العين عند شدة الألم‪ ،‬وربما يكون الر ّمد‬
‫المعروف‪ ..‬ومراده بالنبأ هو مقتل أبيه‬
‫‪٣‬سورة يونس آية‪.٢٢ :‬‬
‫وفي "إياك" قراءات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ل من الهمزة هاء ٌ ‪.١‬‬
‫هي ّاك أبد َ َ‬
‫ومنها‪ :‬أي َاك بفتح الهمزة ‪.٢‬‬
‫ومنها‪ :‬إي َاك‪ ،‬بكسر الهمزة والت ّخفيف ‪٣‬؛ وهذه ك ُُّل ‪9‬ها لم يُقرَأ بها في السّبع‪.‬‬
‫َل ذك ْرُه ُ‪( :‬و َِإ ََّي ‪9‬اك َ‬
‫ل ج َّ ‪9‬‬ ‫ق مُع َ ََّب ‪9‬دة إذا كان يسار عَلَيْها كثيراً‪ ،‬والمعنى‪ :‬مُذ َل ّ ٌ‬
‫ل ثم قا َ‬ ‫ل َطرِي ْ ُ‬
‫ومعنى نَعْبُد ُ‪ :‬نَتَذ َل ّلُ‪ ،‬يُقا ُ‬
‫ن َسْت َع ِينَ) ‪.‬‬
‫ن الاسْ تِع َانَة َ يُت َو َََّس‪ُ 9‬‬
‫ل بها إلى‬ ‫ن على عباد َت ِك‪ ،‬وق ُ ‪ِ9‬دِّمت العبادة ُ على الاسْ تِع َانة‪ِ ،‬لأ ّ‬ ‫معنى نستعين نَطْل ُبُ العَو ْ َ‬
‫حرف المضارع منه‬ ‫َ‬ ‫ل ل َك أَ ْن ت ْكسِر َ‬‫لف و َصْ ٍ‬‫ل ماضِيه أَ ِ‬‫ل م ُضار ٍِع أَ ََّو‪َ 9‬‬ ‫ي أَ وْل َى بالت ّقديم‪ ،‬وَك ُ َّ ‪9‬‬
‫َل فِعْ ٍ‬ ‫العبادة فَه ِ َ‬
‫ك‬
‫ل هذا في الياء‪ ،‬وكذل ِ َ‬
‫ن ننْطَل ِق‪ ،‬وَل َا تَقو ُ‬
‫عَد َى الياء فإنها لا تُكسر ُ‪ ،‬فتقولُ‪ :‬أنا ِإنطَل ِق‪ ،‬وأَ ن ْتَ تنِْطَل ِق‪ ،‬وَنح ُ‬
‫ل المضارع منه عدا الياء‪ ،‬وبيان علة ذلك في العربية ‪.٤‬‬ ‫ل م ُضَار ٍِع ماضيه على ف َعل لك أن تكسر أَ وّ َ‬ ‫ل فع ُ‬‫ك ّ‬
‫(ون َسْت َع ِين) ‪ :‬اعتل لأ ِن ماضيه قد اعتل بالحمل على الثلاثي‪ ،‬وأصله‪" ،‬ن َسْتَعْوِن" ثم أعل بنقل حركة العين‬
‫ٌي ٌّ في هذا الن ّوع وما جرى مجراه‪ ،‬فإ ْن‬
‫إلى الفاء وانقلبت الواو للكسرة التي قبلها‪ ،‬وهذا الاعتلال مُطّرد ٌ قياس ‪9‬‬
‫تنوق الجمل‪ ،‬واسْ تَسْيَسَت الشّاة‪ ،‬فهذا يحفظ ولا يقاس عليه‪ ،‬وسيأتي‬
‫جاء صحيحا ً فعلى غير قياس‪ ،‬نحو‪ :‬اسْ ْ‬
‫الكلام في مصدر نستعين وفي اعت ِلاله وفي المحذوف بعد إن شاء الله‪.‬‬

‫‪١‬القراءة لأبى الثوار الغتوى كما في المحتسب ‪ ،٣٩/١‬ومختصر شواذ القراءات‪ :‬ا‪ ،‬والمحرر الوجيز ‪.١١٧/١‬‬
‫‪٢‬قرأ بها الفضل بن زياد الرقاشي‪ .‬المصادر السابقة‪.‬‬
‫‪٣‬هذه القراءة تعزى لعمرو بن فائد في المحتسب ‪ ،٤٠ /١‬ومختصر شواذ القراءات‪ :‬ا‪.‬‬
‫‪ ٤‬العلة في ذلك هي ثقل الابتداء بالياء مكسورة في الفعل المضارع‪ ،‬ومع هذا فقد أورده سيبويه على أنّها‬
‫حب‪ :‬ي ًّ ‪9‬‬
‫حًب‪ ،‬حق علم يعلم ُ وأكثر ما جاء هذا في المثال الواوي الذي ماضيه على فع ِل بكسر‬ ‫ّ‬ ‫لغة‪ ،‬قالوا في‬
‫العين‪ ،‬نحو‪ :‬وجع يجع‪ ،‬ووجع يجع‪ ،‬ومنه قول متم بن نويره‪:‬‬
‫قعيدك ألا تسمعيني ملامة ‪ ...‬ولا تنكىء جرح الفوءاد فَييجعا‬
‫ينظر الكتاب ‪٠٩ /٤‬ا‪ ،١٢٠-‬والمصنف ‪ ٢٠٥ /١‬ط ‪ ،٢٠‬وشرح عيون سيبويه ‪.٢٦٢‬‬
‫(إ ََّي ‪9‬اك َ نَعْب ُد) والع ِبادة تحتاج إلى وجوه ٍ أربعة بها تكتمل العبادة‪:‬‬
‫‪ /‬قوله (إهْدِنا) ‪ :‬لمّا قال سبحانه ِ‬
‫أحدها‪ :‬اعتقاد صحيح غير فاسد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون على مقتضى الشرع‪ ،‬لأن العبادة لا تؤخذ بالعقل‪.‬‬
‫مخ ْل ِصيِنَ لَه ُ الدين) ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬حسن النية فيها فالصدق وال ِإخلاص‪ ،‬قال تعالى‪ُ ( :‬‬
‫الرابع‪ :‬الدوام والبقاء عليها وألّا ينتقل و َيتغْير‪ ،‬وهذه الأربعة لا قدرة لأحدِ عليها إلّا به‪ ،‬فجاء بعد هذا‬
‫(إياك نستعين) ومعنى "ن َسْتعين" نطلبُ عونك على العبادة بهذه الوجوه الأربعة‪ .‬وهذا ِإ ََّن ‪9‬ما يكُونُ بهدايته‬
‫شدْنا و َبَيَّ ‪9‬ن لنا‪،‬‬
‫سب ْحانُه ُ‪ ،،‬فم َ ِنْ أجْل هذا جاء‪( :‬اهْدِن َا) بَعْد َ (ن َسْتعين) ‪ ،‬فعَلى هذا يكُونُ‪( :‬اهْدِن َا) بمعنى أر ِ‬
‫ُ‬
‫ن أَ ْن يَكُونَ (اهْدِن َا)‬
‫ك ُ‬
‫ف‪ ،‬و ُيم ِ‬ ‫ن ال َّ ‪9‬‬
‫َسل َ ِ‬ ‫ويكُونُ‪ :‬أو اهْدِن َا! هو بمعنى‪ :‬ثَبّت ْنا‪ .‬و َق َ ْد ج َاء َ ه َذا وه َذا مَنْق ُولَين ع َ ِ‬
‫شدْنا‪ ،‬وثَِب‪ِّ9‬ت ْنا‪ -‬والله أَ عَل َم ُ‪.-‬‬ ‫ر َاجعا ً لهَا ك ُ ََّل ‪9‬ه َا‪ْ ،‬‬
‫أي بَي ّن لَنا وأ ْر ِ‬
‫حرف يكُونُ إلى وهو ال َأكْ ثر ُ‪ ،‬ويكونُ‬
‫ك ال ُ‬
‫ْف الجرِ‪ ،‬وذل ِ َ‬ ‫ل يَت َع َّ ‪َ9‬دى إلى و َا ِ‬
‫حدٍ بَنِفْسه ِ وإلى آخَر َ بحر ِ‬ ‫وهَد َى ف ِع ٌ‬
‫ل الله يَهْدِى ل ِلْحَقِ) (‪)٢‬‬ ‫ل ج َّ ‪9‬‬
‫َل ذِك ُره (ق ِ‬ ‫الل ّام ُ‪ ،‬قال تعالى‪( :‬و َِإ ََّن ‪َ 9‬‬
‫ك لَتَهْدِى إلى صِر َاطٍ مسْت َق ٍِيم) ( ‪ ،١ )١‬و َقَا َ‬
‫ل الفعل ل ِأ َّ ‪9‬‬
‫َن‬ ‫َرف الجر ّف َظَهر َع َم َ ُ‬
‫ِف ح ُ‬ ‫َن هذاالقرأن يَهْدِى للتي هي أق ْوَم ُ) (‪ ٣ )٣‬ث ُ ََّم ‪ 9‬حُذ َ‬ ‫سب ْحانه (إ َّ ‪9‬‬
‫ل ُ‬
‫‪ ،٢‬و َقا َ‬
‫َف‬
‫ل الحر ِ‬ ‫َّ‬
‫لكَن‪ 9‬الن ّصبَ لم ي َ ْظه َره ل ِأج ِ‬ ‫ب‪ ،‬لِأ ََّن ‪9‬ه ُ جاء بعد عمدتِه ِ فَه ُو َ ف َضْ لَة ٌ ِفإعرابُه ُ َّ‬
‫الَن ‪9‬صبُ‬ ‫ل يَطْلُب ُه بالن ّصْ ِ‬
‫الفع َ‬
‫َظه ُورِ‪ ،‬لِأ ََّن ‪9‬ه ُ‬
‫ْف أوْل َى بال َّ ‪9‬‬
‫ل الحَر ِ‬
‫الإضافة‪ ،‬و َكان ع َم َ ُ‬ ‫ال َّ ‪9‬‬
‫َطال ِب بالخفض‪ ،‬ل ِأن ّه ُ يَطْل ُبُ بال ِإضَاف َة‪ ،‬والخفض مع ِ‬
‫ل وَو ُجد َ في الأسْماء ِ قَليلَاَ‪ ،‬و ً لم ْ يُوج َ ْد في‬
‫ق قد و ُجد َ في الأف ْعا ِ‬ ‫ل‪ ،‬وَل َأ َّ ‪9‬‬
‫َن التّعْلِي َ‬ ‫أقربُ إلى الاس ْ ِم م ِن الفِعْ ِ‬
‫ُوب‬ ‫خفوض في َّ‬
‫الَل ‪9‬فْظِ مَنْص ٌ‬ ‫ْف س‪ ،٤‬فالمجر ُور ُ م ٌ‬
‫الحر ِ‬

‫‪ ١‬سورة الشورى آية‪.٥٢ :‬‬


‫‪ ٢‬سورة يونس آية‪.٣٥ :‬‬
‫‪ ٣‬سورة الإسراء آية‪.٩ :‬‬
‫ن الحروف لا ت ُ َّ‬
‫عَل ‪9‬ق عن العمل فيما بَعْد َها‬ ‫‪ ٤‬لأ ّ‬
‫ل الفعل فجاء "اهدنا الصراط "‪ ،‬والأصل إلى الص ّراط‪ ،‬أ ْو‬
‫في الموضع‪ ،‬فإذا زال الحرف من اللفظ ظهر عم ُ‬
‫لِلصّر َاط بِم َنْز ِلَة ِ أمرتُ الر ّجال عَم ْراً‪ ،‬وأَ م َْرتُ زيدا ً الخيْر َ‪.‬‬
‫َطرِيْقُ‪ ،‬و ُيذ َك ّر ُ و ُيؤ َ ََّن ‪9‬ثُ ‪ ،‬إلا إن َّ‬
‫الَت ‪9‬ذكِير َ في الِص ‪ِّ9‬راط أش ْه َر ُ ‪ ،١‬و َل َ ْم يجئ في الْقْرآ ِ‬
‫ن إلا‬ ‫(الصّر َاط) ‪ :‬ه ُو َ ال َّ ‪9‬‬
‫طرِيق يَب ْتَل ُع م َنْ ي َسِير ُ فيه‪ ،‬ألا تر َى أ ََّن ‪9‬ه ُ ق َ ْد س ُم ّي‬
‫ن ال ّ‬ ‫مُذ َك ّراً‪ ،‬و َه ُو َ م ِن سر َطْ تُ الش َّ ‪9‬‬
‫َيء أَ سْر ُطه ُ إذا ابتَلَعْت ُه ُ ل ِأ ّ‬
‫والقاف والْخَاءُ‪ ،‬هذه الأرْبَع َة ُ خاصة فإ َّ ‪َ9‬نها يجوز ُ فيها‬ ‫ُ‬ ‫الَل ‪9‬قم كأن ّه ُ يلَ ْتَقِم ُ‪ ،‬والسّينُ إذ َا و َق ِع بَعْد َها الطّاء ُ والغ َين‬‫َّ‬
‫مجْه ُورَة ٌ فَل َََّم ‪9‬ا تناف َر َْت أَ بْد َلُوا م ِن‬
‫ن مَهْم ُوسَة ٌ والطّاء َ َ‬‫س َ‬ ‫ن غَير َ مُطْب َق‪ ،‬وال َّ ‪9‬‬
‫َطاء َ مُطْب َقة ٌ‪ ،‬وال ّ‬ ‫َن ال َّ ‪9‬‬
‫َس َ‬ ‫ل صَادا َ؛ لأَ َّ ‪9‬‬
‫أن ت ُبْد َ َ‬
‫الإطْ باق ‪.٢‬‬
‫ق الطّاء في ِ‬
‫س و ُيواف ُ‬
‫ق السّينَ في ال ْه َم ِ‬
‫السّينِ حَرْفا ً يُواف ِ ُ‬
‫صو ْت لزّاي لأَ َّ ‪9‬‬
‫َن‬ ‫مجْه ُورة ٌ َّ‬
‫والَص‪ 9‬اد َ مَهْم ُوسَة فاشْرَبوها َ‬ ‫وَم ِن الع َرب م َنْ ي ُش ْربُ الصّ اد َ صَوتَ الزّاي‪ِ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن الطّاء َ َ‬
‫ك قَليلٌ‪ ،‬وَذ َك َر َ سِيَبَو ْيه ُ الوجْ ه َين اَلأ ََّو‪9‬لَين‪ ،‬و َلم يذك ُر ْ إبدالها‬
‫اي مجهورة‪ ،‬و َمنه ُم م َنْ ي ُبْدِل ُهَا زايا ً خالِصَة ً وَذَل ِ َ‬
‫الز ّ ْ‬
‫ك ‪.٣‬‬
‫زايا ً خالصة ً ل ِقلّة ِ ذل ِ َ‬
‫ن في الكتاب‪٤.‬‬
‫ك سي ْب َويه ُ‪ ،‬والفَر ْقُ بينهُم َا بَي ّ ٌ‬
‫نَص ذل ِ َ‬ ‫و َأَ ََّم‪9‬ا إذا وق َ َع بعد السّين الطّاء ِ والضّ ادِ فَلا ت ُبْد َ ُ‬
‫ل صاداً‪9 َّ ،‬‬
‫ل وق َرأَ َ ه ُ يَعْق ُوبُ ‪ ٥‬أيضاً‪.‬‬
‫ِسِّين‪ ،‬ق َرأَ َ ه ُ قُن ْب ُ ُ‬
‫ِّراط بال ‪9‬‬
‫و َق َ ْد قُرِىء َ الِس ‪َ 9‬‬
‫صو ْتَ َّ‬
‫الَز ‪9‬اي‪ ،‬ق َرأَ ه ُ حمزة ‪ ،٦‬وقُرِىء َ بالصّ ادِ خالِصَة ً‪ ،‬قرأه ُ الباقون‪٧.‬‬ ‫و َقُرِىء َّ‬
‫بالَص‪ 9‬ادِ مُشْرَبة ً َ‬

‫‪١‬التأنيث لغة أهل الحجاز‪ ،‬والتذكير لغة تميم‪ .‬ينظر إعراب القرآن للنحاس ‪ ،١٢٣/١‬والدر المصون ‪٦٥/١‬‬
‫‪٢‬ينظر كتاب السبعة في القراءات ‪ ،١٠٧‬والحجة لأبى على الفارسي ‪.٥٠-١/٤٩‬‬
‫‪٣‬ينظر الكتاب ‪.٤٧٩-٤٧٦ /٤‬‬
‫‪٤‬ينظر ما سبق في المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪٥‬ينظر‪ :‬التذكرة في القراءات ‪ ،٨٥ /١‬والتيسير‪ ،١٨ :‬والتبصرة‪ ،٥٥ :‬والكشف ‪.٤٦/١‬‬
‫‪٦‬ينظر كتاب السبعة ‪ ،١٠٦‬والتذكرة في القراءات ‪ ،٨٥ /١‬وبقية المصادر السابقة‪.‬‬
‫‪ ٧‬المصادر السابقة‪.‬‬
‫الَص‪ 9‬اد زايا ً خال ِصة ً فَل َ ْم يُقْرأْ بها في الس ِ‬
‫ّبع وذلك لَقِل ّتِه ِ‪ ،‬وقد رُوِىَ في هذا الموضع قراءات شاذة‪.‬‬ ‫أ ََّم‪9‬ا قَل ْبُ َّ‬
‫بالإضافة‪١.‬‬
‫منها‪ :‬صِر َاط المستقيم ِ‬
‫ومنها‪ :‬ص ِراطا ً مستقيما‪٢.‬‬
‫ومنها‪ :‬بصّرْنا الص ّراط‪٣.‬‬
‫بع فلا يعتني بِها‪.‬‬ ‫َس ِ‬‫وهذه ِ كلها خارِجة عِن ال َّ ‪9‬‬
‫ِتاب وَكُت ٍُب‪ ،‬وَحِمَا ٍر وَح ُمُرٍ‪.‬‬
‫ل المذك ّر‪ ،‬نحو‪ :‬ك ٍ‬ ‫وَح ُكِي َ في جَم ِْع ص ِراطٍ صُر ٌُط‪ ،‬و َه ُو َ الْق ُ‬
‫ِياس في فعا ٍ‬
‫ل في المعتل اللام ولا في المضع ّف‪.‬‬
‫ولا يكون فُع َ ٌ‬
‫ْس فيه عِوَجٌ‪،‬‬
‫حدَة ٍ‪ ،‬تقولُ‪ :‬اسْ ت َقام َ‪ ،‬اَلأمْر؛ أي ل َي َ‬
‫ِراف‪ ،‬وهو على َطرِيْق َة و َا ِ‬ ‫‪( /‬اْلمُسْت َق ِيم ْ) اَل َّ ‪9‬ذ ِي ل َي َ‬
‫ْس ف ِيه ِ انْ ح ٌ‬
‫ل ه ُنا يَعْت َ ُّ ‪9‬‬
‫ُل وهو ي َسْتقيم‪،‬‬ ‫َاف فانْق َلَب َْت ال ْوَاو ُ ياءً‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن الفِعْ َ‬ ‫ل حَرَك َة ِ الْع َن إلى الْق ِ‬ ‫و َأَ صْ لُة مُسْت َقوم‪ ،‬فأع َ ََّل ‪9‬وْه ُ بنق ِ ِ‬
‫ل على غير الزّائِدِ و َه ُو َ قام َ‪.‬‬ ‫ل هنا بالحم ِ‬ ‫ل الف ِع ُ‬‫واعْت ُ ّ‬
‫وهذا يتبَيّنُ في كُت ُِب الع َرَبي ّة‪.‬‬
‫َاط المسْت َقيم َ ل َا يقدر ُ عَلَيْه ِ إلا م َنْ أنْعَم َ‬ ‫ل مِن ْه ُ لِيُعْل َم َ أ َّ ‪9‬‬
‫َن الِص‪ِّ9‬ر َ‬ ‫ن الِص‪ِّ9‬ر َاطِ الأَ وّلِ‪ ،‬و َأبْدِ َ‬
‫ل مِ َ‬
‫َاط الّذ ِيْنَ) ‪ :‬بَد َ ٌ‬
‫(صِر َ‬
‫سه ِ لا يمْش ِي عَلَيْه ِ‪..‬‬
‫ل إلى ن َ ْف ِ‬
‫الله عَلَيْه ِ‪ ،‬وَم َنْ و ُك ِ َ‬
‫ل ق َ ْد أَ خَذ َ عمْد َتَه ُ‪ ،‬و َجاء َ بعد ذلك ف َضْ له ُ‬
‫ن ال ْفِعْ َ‬
‫ب لـ (أنْعَمْتَ ) لأَ ّ‬
‫(أَ نْعَمْتَ عَلَيْه ِم) ‪( :‬عليهم) ‪ :‬في موضِع نَصْ ِ‬
‫فَيَل ْز َم أ ْن يَكون مَنْصُوب َاً‪٤.‬‬
‫ض الرّاء ِ و َل َ ْم‬ ‫ْضوب عَلَيْه ِم وَل َا الضّ الِين) ‪ :‬اجْم َ َع الق ََُّر ‪9‬اء ُ لل َّ ‪9‬‬
‫َسب ْ ُع على خ ْف ِ‬ ‫ِ‬ ‫(غير المغ‬

‫‪١‬تعزى هذه القراءة لجعفر بن محمد الصادق‪ .‬ينظر المحرر الوجيز ‪.١١٣/١‬‬
‫‪٢‬هذه القراءة تعزى للحسن والضحاك‪ .‬ينظر المحتسب ‪ ،٤١ /١‬والمحرر الوجيز ‪.١٢٢/١‬‬
‫‪٣‬هي قراءة ثابت بن اسلم البنانى كما في المحرر الوجيز ‪.١٢٣/١‬‬
‫س الذي لحق أطراف المخطوط من جراء الرطوبة‪.‬‬ ‫‪٤‬أورد الناسخ بعد هذا كلاما في الحاشية لم أتبينه للط ْم ِ‬
‫ك جِيء بلَا في وَل َا‬
‫ن على مَعْن َى اْلمَغْضُوب عَلَيْه ِم وَل َا الضالين‪ ،‬وَلِذَل ِ َ‬
‫ْت لِل ّذي ْ َ‬ ‫يُقْرأْ َ بالْف ِ‬
‫َتح إلا في الشّاذ‪١ ،‬و َه ُو َ نَع ٌ‬
‫ل لا مُسْلم ً وَل َا ك َافِرٍ‪.‬‬ ‫الضّ الِين ك َأ َّ ‪َ9‬نها ك ُرّر ْ‬
‫َت‪ ،‬فَق َ ْد صَار َ هذا بم َنْز ِلَة ِ قَو ْلِكَ‪ :‬م َرَرْتُ ب ِر َج ُ ً‬
‫ك م َنْ‬
‫ْس بمنع َمٍ عَلَيْه ِ‪ ،‬وكذل ِ َ‬ ‫ن المنْعَم َ عليه ِم خَرَجَوا عِن الغ َضَب والضّ لالِ‪ ،‬فم َنْ غ َضِ بَ الله عَلَيْه ِ فَل َي َ‬ ‫والمعنى‪ :‬إ ّ‬
‫الَت ‪9‬ك ْرار‪ ،‬وَك َأَ َّ ‪َ9‬نها ج ٌ َ‬
‫َواب لمَنْ قالَ‪:‬‬ ‫الِصفة ِ أو الحال فلاب ُ ََّد‪ 9‬فيها م ِن َّ‬
‫ت على ‪ِّ9‬‬
‫ْس بمُنْع َمٍ عًلَيْه ِ‪ ،‬وَل َا إذا دخ َل َ ْ‬ ‫ض َّ ‪9‬‬
‫َل ل َي َ‬ ‫َ‬
‫أكذا أم كذا‪..‬‬
‫جواب لم َِنْ قالَ‪ :‬أَ ساك ِتا ً ك َانَ أَ ْم ِك‪ِّ 9‬لماً‪ ،‬فَيَق ُولُ‪ :‬لا‬
‫ٌ‬ ‫َاكت و َلا م ُتَك َلّم ٍ‪ ،‬كأ ََّن ‪9‬ه ُ‬
‫ل لا س ٍ‬
‫فَإذا قُل ْتُ ‪ :‬م َررْتُ برج ٍ‬
‫أي ل َم َ يأْ ِ‬
‫ت في ك َلامِه ِ بِف َائِدَة ٍ‪.‬‬ ‫ِت ولا متكلم ٌ‪ْ ،‬‬
‫سَاك ٌ‬
‫َت الت ّك ْرار َ َّإَن ‪9‬ما تلَ ْزم ُ الت ّك ْرار َ على هذا ال ْو َجْه َ‪ ،‬و َق َ ْد يُقا ُ‬
‫ل غيرُه ُ في هذا اْلمَعنى‪ ،‬فتقولُ‪ :‬مررت‬ ‫ك لا م َتى لَزِم ْ‬
‫وَك َذل ِ َ‬
‫ِت و َلا م ُتكلم‪٢.‬‬
‫ِت وغير َ م ُت َكلّم‪ ،‬على مَعْنى‪ :‬لا سَاك ِ‬
‫ل غير َ سَاك ٍ‬
‫بر َج ُ ٍ‬
‫ِت‬ ‫ن تَق َ ُع مَو ْق ِ َع لا صَ َّ َح ‪ 9‬أَ ْن تأتي بغيرٍ و َت َأْ تي بلا فتقولَ‪ ،:‬مررت ب ِر َج ً ٍ‬
‫ل غَي ْر ُ سَاك ٍ‬ ‫فإذا صَ َّ َح ‪ 9‬أ ّ‬
‫ن غير َ في هذا اْلموَطِ ِ‬
‫ُوب عَلَيْه ِم و َلا َّ‬
‫الَض‪ 9‬الِين‪.‬‬ ‫و َلا م ُتك َ ََّل ‪9‬م ٍ‪ ،‬و َعَلَيْه ِ جاء‪ :‬غير ِ اْلمَغْض ِ َ‬
‫ك عن عمر وعلي وأبيّ ‪ ،٣‬و َهِي َ ق ِرَاءَة ٌ جيدة‬
‫َشاِذ‪ :ِّ9‬غير المغضوب عَلَيْه ِم و َغير الضَالِين‪ .‬نقل ذل ِ َ‬ ‫ل في ال َّ ‪9‬‬ ‫و َق َ ْد نُق ِ َ‬
‫َسب ِْع‪.‬‬
‫إلا إنّها ل َ ْم يُقْرأْ َ بها في ال َّ ‪9‬‬
‫َت للت ّعريف؟‬
‫ن إضافتَها ل َيْس ْ‬
‫كي َْف تكونُ غير ُ نعتا ً للمعرفة وهي نكرة‪ ،‬لأ ّ‬
‫فإ ْن قلتَ ‪َ :‬‬
‫ك‬
‫ّكرات وعلى المعارِف بالألف واللا ِم إذا كان ذل ِ َ‬
‫ِ‬ ‫تعريف تَجرِي على الن‬
‫ٍ‬ ‫ضف إضاف َة‬
‫قلتُ ‪ :‬غي ْر ُ ه ُنا إذا لم ت ُ ْ‬
‫جنس عام ٌ‪ ،‬ولا يتع َي ّن ما يق ُع عَليه ِ فجرى لذلك مجرى النكرة في هذا‪.‬‬ ‫على طريق الجنس‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن ال َ‬

‫‪١‬هذه القراءة لابن كثير‪ ،‬قال الخليل‪ :‬وهى جائزة على وجه الصفة لل ّذين على القطع من الجر إلى الن ّصب‬
‫بفعل مقدر‪ .‬ينظر السبعة‪ ،١١٢ :‬ومختصر شواذ القراءات‪ ،١ :‬وإعراب القراءات ق‪.٣٦ :‬‬
‫‪٢‬ينظر معاني القرآن وإعرابه ‪.٥٤ /١‬‬
‫‪٣‬ينظر المحرر الوجيز ‪ ،١٣١ /١‬وفتح الباري كتاب التفسير ‪.١٥٩ /٨‬‬
‫ن (غير ِ المغْضُوب) هم المنْعَم ُ عَلَيْه ِم‪ ١ .‬فقد صار على هذا بهذه الملاحظة غير معرفة‪،‬‬
‫ج إلى أ ّ‬
‫وذهب الز ّجا ُ‬
‫َعت غَير ُ‬
‫ل هذا و َق ْ‬
‫ج ِ‬ ‫ف لأ ََّن ‪9‬ه ماعدا الصّ الحين‪ ،‬ف َ َ‬
‫لأ ْ‬ ‫َطالح قد تَع َ ََّر ‪َ 9‬‬
‫رأيت الصّ الح غير َ ال َّ ‪9‬‬
‫ْ‬ ‫أَ لا ترى أ ََّن ‪9‬ك إذا قلتَ ‪:‬‬
‫ل ابن عَط ِي ّة ‪٢‬عن‬ ‫ض َّ ‪َ9‬د الأوّل فوقع بذلك الت ُ‬
‫ّعريف‪ .‬وذ َك َر هذا القو َ‬ ‫صفة ً للمعرفة بالألف واللام‪ ،‬لأ ِ َّ ‪9‬‬
‫َن الث ّاني ِ‬
‫راج‪ ٣،‬وكان الأستاذ أبو علي ي َر ُُّد‪ 9‬هذا القولَ‪ ،‬ويقولُ‪ :‬ق َ ْد جاء في ك ِتاب الله ع َّ ‪ََ9‬ز وجَلّ‪( :‬نَعْم َلْ‬ ‫الَس ‪ِ 9‬‬ ‫ابن َّ‬
‫َن هذا‬ ‫َن الث ّاني ض ّد الأوّلَ‪ ،‬و َقد جرى على الن ّك ِرة فكيف يقول‪ :‬إ َّ ‪9‬‬
‫صَالِ حا ً غَيْر َ الذي ك ُ ََّن ‪9‬ا نَعْمَلُ) ‪٤‬وبلا شَك أ َّ ‪9‬‬
‫يُوجَد ُ للت ّعريف؟‪.‬‬
‫ْس بمقصودٍ قصْ دَه ُ‪ .‬و َق َد يُعاق ِبُ الن ّكرة‬
‫ْس بالقَوِيّ ة لأن ّه ُ ل َي َ‬
‫س ل َي َ‬
‫ن تعريف الجن ِ‬
‫ح ما ذكرتُه ُ أوّلا ً أ ّ‬
‫والصّ حي ُ‬
‫ل هذا فيكون على معنى‬
‫ك أَ ْن يفع َ‬
‫ل مِثْل ِ َ‬ ‫ض َع ‪ ٥‬على معنى واحدٍ‪ ،‬ألا ترى أ ََّن ‪9‬ك تَقْولُ‪ :‬ما يَصْ ل ُ ُ‬
‫ح بالر ّج ِ‬ ‫فيما و ُ ِ‬
‫ل هذا‪ ،‬ومعناهما واحد‪.‬‬
‫ك أ ْن ي َ ْفع َ َ‬
‫ل الّذي هو م ِثل ُ ُ‬
‫ح بالر ّج ِ‬
‫م َا يصل ُ ُ‬
‫ل‬ ‫وهذا ك ُُُّل ‪9‬ه ُ إنّما يحتا ُ‬
‫ج إليه عند جعل (غير) نعتا ً لـ"الّذين" فإ ْن جعلت َه ُ بدلا ً فلا يحتاج إلى هذا‪ ،‬لأن ّه ُ يجوز ُ بد ُ‬
‫الن ّكر َة من المعرفة واَلمعرفة من النكرة‪..‬‬
‫أ ََّم‪9‬ا الن ّصبُ وهي قراءة شاذة لم تثبت في الس ِ‬
‫ّبع ‪ ،٦‬والظاهر عندي فيها أ َّ ‪َ9‬نها استثناء‬

‫‪١‬ينظر معاني القرآن وإعرابه ‪.٥٧/١‬‬


‫‪٢‬ينظر المحرر الوجيز ‪.١٢٤ /١‬‬
‫‪٣‬كلام ابن السراج في المسألة أورد أبو علي في الحجة ‪ ١٤٣/١‬بشيء من البيان والتمثيل والتنظير‪.‬‬
‫‪٤‬سورة فاطر آية‪.٣٧ :‬‬
‫‪٥‬في الأصل‪ :‬في مواضع‪.‬‬
‫‪٦‬قرأ بها ابن كثير كما في كتاب السبعة في القراءات ‪ ،١١٢‬ومختصر شهاذ القراءات ا‪ ،‬وإعراب القراءات‬
‫‪ ،٣٦‬وإعراب القراءات الشواذ ق ‪.٧‬‬
‫منقطع ‪ ،١‬و"لا" في (ولا الضّ الِين) زائدة كزيادة لا في قولهم‪ :‬ليس زيد ولا عمرو‪ ..‬وذهب بعض‬
‫َت عَلَيْه ِم في هذه ِ الْحا َلِ‪ .‬وه َذا مَعْلُوم ٌ أَ َّ ‪9‬‬
‫َن المنعَم َ‬ ‫ن المعنى أَ نعم ْ‬
‫ِخِّرين إلى الحال‪ ٢ ..‬وفيه عندي بعد؛ لأ ّ‬
‫المتأَ ‪9‬‬
‫ل م ُؤِك‪ِّ9‬دَة ٌ‪.‬‬
‫عَلَيْه ِم لا يكُونُ إل َا في هذه الحالِ‪ِ ،‬إلا أَ ْن يَق ُولَ‪ :‬هِي َ ح َا ٌ‬
‫ج إلى بَيانٍ‪.‬‬
‫يح ْتا ُ‬
‫المغضوب هذا بَعْد ُ أبْينُ لا َ‬
‫ِ‬ ‫ل ت َ ْقدِيرُه ُ‪ :‬أَ عْني ‪ ٣‬غَيْر َ‬
‫ُوب ِبإضمَارِ فِعْ ٍ‬
‫وَم َنْ ذه َبَ إلى أنه م َنص ٌ‬
‫ْيف يُقالُ‪ :‬أعني هذا‪.‬‬ ‫ض َّ ‪9‬‬
‫َل‪ ،‬فَك َ‬ ‫مَعْلُوم ٌ أ َّ ‪9‬‬
‫َن المنعَم َ عَلَيْه ِم ل َيْس ُوا م َنْ غ َضِ بَ الله عَلَيْه ِم‪ ،‬و َل َي ْسوا م َنْ َ‬

‫ق ك َلا ِم الْع َر َِب‪ ،‬و َأَ بْينُ عندي م َا فيه أَ ْن يكونَ استثناء ً‬‫ج ع َنْ طَري ِ‬
‫َن هذا يعني هذا بعيدٌ و َخارِ ٌ‬ ‫ن أ َّ ‪9‬‬ ‫و َالأَ مْرُ بَي ّ ٌ‬
‫ُوب لم ي ُذكر فاعله‪ .‬فَيكُونُ م َْرفوعا ً كما تَق ُولُ‪ :‬م َّ ‪َُ9‬ر بزيدٍ‬
‫ل بمغض ِ‬ ‫ض َع ر َف ِع‪ ،‬لأ ََِّن ‪9‬ه ُ مفعو ٌ‬
‫منقطعاً‪ ،‬و َعَلَيْه ِم في مَو ْ ِ‬
‫ك لا‬
‫جعَلَها حَرْفا ً‪ -‬و َه ُو َ الصّ حيحُ‪ ،‬لأن ّ َ‬
‫جعَلَها اسْماً‪ ،‬وَم َنْ َ‬
‫والهاء ُ والميم ُ م ِنْ عَلَيْه ِم تَعوُد ُ إلى الأَ ل َِف واللا ّم فِيْم َنْ َ‬
‫ن ‪ -‬فَيَكُون الضمير عائدا ً على‬ ‫َرف و َاحدٍ ساك ٍ‬
‫تجَد ُ اسما ً لا ظاه ِرا ً و َلا م ُضم َرا ً لا م ُت ّصِ لا ً و َلا مُنْف َصِ لَا علي ح ٍ‬
‫ك‬
‫س َ‬ ‫ل أبو عليّ في الإي ْض ِ‬
‫َاح‪ :‬إذا أخبرتَ ع َنْ ن َ ْف ِ‬ ‫ك قا َ‬
‫ن غضِ بَ عَلَيْه ِم‪ ،‬وكذل ِ َ‬ ‫ُوب اَل َّ ‪9‬ذ ِي َ‬ ‫الذين‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫َن معنى اْلمغْض ِ‬
‫ِ‬
‫ِب ذِك ْر ٌ يعوُد ُ إلى‬ ‫َب و َّ‬
‫َالَض‪ 9‬ار ِ‬ ‫حدٍ من ضَر ٍ‬ ‫ِف واللَا ّم قُل ْتَ ‪َّ :‬‬
‫الَض‪ 9‬ارِبُ زيدا ً أنا‪ ،‬ففي كل وا ِ‬ ‫م ِن ضرب زيدٍ بالأَ ل ِ‬
‫الذي ‪٤‬‬
‫والمغضُوبُ عَلَيْه ِم ه ُ ْم الْيَه ُود ُ وَم َنْ شَاك َلَه ُم في ُّ‬
‫تعُن ‪9‬تِه ِم وتبديلهم الحقّ م َ َع مَعْرِفَتِه ِ‪،‬‬

‫الإعراب الأول لأبي الحسن الأخفش كما في كتابه معاني القرآن ‪ ،١٨/١‬والسبعة في القراءات‬
‫‪١‬هذا هو ِ‬
‫‪ ،١١٢‬وبقية المصادر السابقة‪.‬‬
‫الإعراب الثاني للأخفش‪ .‬ينظر المصادر السابقة‪ ،‬وإعراب القرآن للنحاس ‪ .١٢٥ /١‬وذهب‬
‫‪٢‬هذا هو ِ‬
‫إليه الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ‪ ،٥٣/١‬وابن السهل فيما نقل عنه أبو على في الحجة ‪ ٤٢/١‬ا‪،١٤٣-‬‬
‫وبه قال الزمخشرى في الكشاف ‪ ،٧١ /١‬وهو المعنى في قول ابن أبى الربيع‪ :‬وذهب بعض المتأخرين‪..‬‬
‫ويبدو أن ابن أبى الربيع أيقف على إعراب الأخفش‪ ،‬أو لم يثبت عنده‪ ،‬وبعيد أن يكون قصده ببعض‬
‫المتأخرين الأخفش‪.‬‬
‫‪ ٣‬ينظر مشكل إعراب القرآن ‪ ،١٣/١‬والتبيان في غريب إعراب القرآن ‪ ،٤٠ /١‬والفريد في إعراب‬
‫القرآن المجيد ‪.١٧٦/١‬‬
‫‪٤‬ينظر الإيضاح ‪.٥٨/١‬‬
‫َن فَرِيقا ً ِم‪ِّ9‬نْهُمْ‪ /‬لَيَكْتُم ُونَ ألْح َََّق‪ 9‬و َه ُ ْم يَعْلَم ُون) ‪..١‬‬
‫قال تعالى‪( :‬يَعْرِفُونَه ُ كَم َا يَعْرِفونَ أَ ب ْنَاءَهُمْ‪ ،‬و َِإ َّ ‪9‬‬
‫والضالُون‪ :‬هُم ُ الن ّصارى‪ ،‬لأ ِنّهم ض َُُّل ‪9‬وا بنظَرِه ِم الفاسد‪ ،‬قال تعالى‪( :‬لا تَغْلُوا في دين ِك ُ ْم غَيْر َ الحق وَل َا ت َََّت ‪9‬ب ِع ُوا‬
‫ل) ‪.٢‬‬ ‫ل و َأَ ض َُُّل ‪9‬وا كَث ِيرا ً و َض ًًَّل ‪9‬وا ع َن سَوَآء ِ ال َّ ‪9‬‬
‫َسب ِي ِ‬ ‫أَ ه ْوَاء َ قَو ْ ٍم ق َ ْد ض ًُُّل ‪9‬وا م ِن قَب ْ ُ‬
‫ل ه ُو َ‬ ‫ن ع ِي ْسى عليه السّلام حيِنَ تك َل ّم َ أخَذ َوا في الك َلام فيه‪ ،‬فم َِنْه ُ ْم م َنْ قالَ‪ :‬ه ُو َ ابن الله‪ ،‬وَمِنْهم م َنْ قا َ‬ ‫لأ ِ ّ‬
‫الله‪ ،‬وهذا ك َُُّل ‪9‬ه ُ فساد ٌ في َّ‬
‫الَن ‪9‬ظَرِ‪ -‬و َالله أعلم‪ -‬وهو عبد مكرم ُ من عبيد الله المكرمين‪.‬‬
‫ن‬
‫يجْعَلْه َا اسْما ً أعَاد َ الضمير َ عَلى الّذي ْ َ‬
‫جعَلها اسماً‪ ،‬و َمن لم َ‬
‫الألف و َاللام عَلى م َنْ َ‬
‫ِ‬ ‫وفي (الضالين) ضَم ِير ٌ يَعوُد ُ على‬
‫حسْبما تَق َ َّ ‪َ9‬دم َ في (المغْض ِ‬
‫ُوب عَلَيْه ِم) ‪.‬‬ ‫الم َ ْفه ُو ِم م ِن و (لا َّ‬
‫الَض‪ 9‬الِي ْن) على َ‬
‫ح وبه جاء القرآن‪.‬‬
‫و ُيقال‪ :‬ضَل َل ْتُ و َضَلل ِ ْتُ بفتح اللام وكسرها‪ ،‬والفتح أفص ُ‬
‫و َقُرِىء َ في الشّاِذ‪ ِّ9‬و (ل َا الضّ ألِينَ) ‪ ٣‬بَفتح الهمزة‪ ،‬لأ َِّ ‪َ9‬نهم ك َر ِه ُوا الت ِقاء الساكنين‪ .‬وَح ُكِي‪ :‬د َأب ّه وشَأب ّه ‪٤‬على‬
‫هذا‪.‬‬
‫و َقرأَ ابن كثير‪( :‬عَلَيْه ُم) ‪ ،‬و"به ُم "‪ ،‬و"له ُم "‪ ،‬و"إليْه ُم "‪ ،‬و"لديه ُ ْم " وما أشبه ذلك بضمير الجمع مخاطبا ً كان‬
‫أو غائبا ً بض َم الهاء والكاف موصولة ‪ ٥‬بالواو‪ .‬ما لَم يكُنْ قبل الهاء ياء أو كسرة‪ ،‬فإن كان قبل الهاء ياء‬
‫ساكنة أو كسرة‪ ،‬كسر الهاء اتباعا ً لما قبلها وإبقاء الميم على أصْ ل ِها ولم يتبعها الهاءَ‪ ،‬لأ ْن كسرة َ الهاء ِ عارضة ٌ‪.‬‬

‫‪ ١‬سورة البقرة آية‪.١٤٦ :‬‬


‫‪ ٢‬سورة المائدة آية‪.٧٧ :‬‬
‫‪ ٣‬قرأ بها أبو أيوب السجّ ستانى كما في المحتسب ‪ ،٣٧/٣٩‬والمحرر الوجيز‪ ١/١٢٦‬وإعراب القراءات لابن‬
‫خالويه ق ‪ ،٣٨‬وإعراب القراءات الشواذ للعكبرى ق ‪.٧‬‬
‫‪ ٤‬ينظر المحتسب ‪ ،٤٧/١‬والخصائص ‪ ،٤٥ /٣‬والمحرر الوجيز ‪.١٣٢/١‬‬
‫‪ ٥‬ينظر السبعة في القراءات ‪ ،١٠٨‬والحجة لأبى على الفارسي ‪ ،٣٧/١‬والتذكرة في القراءات ‪.٨٥ /١‬‬
‫وقرأ الباقون بسكون الميم وضم الهاء ما لم يكن قبلها ياء ٌ ساكنة ٌ أو كسرة ٌ‪ ،‬إلا حمزة َ فإنه ض َّ ‪9‬‬
‫َم الهاء َ من‬
‫(عَليهم) و"لديهم "‪" ،‬إليهم " خاصة ‪.١‬‬
‫ق‬
‫ن من الن ّ ْط ِ‬
‫ك َ‬
‫سكّن فيما عدا ذلك‪ ،‬وإنما فعل ذلك ليتم ّ‬
‫ِم الميم إذا لقيتها همزة القطع ‪ ٢‬و َ‬
‫وقرأ ورش بض ِّ ‪9‬‬
‫بالهمزة ِ لثقل ِها‪ ،‬والأصل في هذه الهاء الض ّ ُّ ‪9‬‬
‫ُم لأن ّه ُ المطّرد ُ والكَسْر ُ إنّما هو حيث يَكُونُ قَبْلَها ياء ٌ سَاكِن َة ٌ أ ْو‬
‫ك لَو ْ ا ََّد‪9‬عَي ْتَ أ َّ ‪9‬‬
‫َن الكَسْر َ كانَ‬ ‫َن الم ْكس ُور َ َّإَن ‪9‬ما ج َاء َ تابعا ِ ً لما قَبْلَه ُ‪ ،‬و َلأ ََِّن ‪َ 9‬‬
‫ل وأ َّ ‪9‬‬ ‫َن الم َّ ‪9‬‬
‫َطرِد َ ه ُو َ الأصْ ُ‬ ‫كسْرَة ٌ فع َلِم ْنا أ َّ ‪9‬‬
‫َ‬
‫ل و َجَدْت ل ِلكَسْر ِ م ُوجباً‪.‬‬
‫َم ه ُو َ الأَ صْ ُ‬ ‫ن الض َ َّ ‪9‬‬
‫ل لم تَج ْد ل ِلكَسْر ِ م ُوجباً‪ ،‬وإذ َا ا ََّد‪9‬عَي ْت أ ّ‬
‫الأَ صْ َ‬
‫ض الع َر َِب‪ :‬مِنْه ِم‪ ٣‬بكسر ال ْهَاء ِ و َل َ ْم يُعْت َ ّد بالسّكوُنِ‪ ،‬و َهذا لا يَكاد ُ يُع َر َف ل ِقِلّة المتكلمين‬ ‫سي ْبَو ْيه ع َن بع ِ‬ ‫وح َك َى ِ‬
‫ك إذا ا ََّد‪9‬عيتَ أ ّ‬
‫ن‬ ‫طرِدٍ‪ ،‬و َلأَ ن ّ َ‬ ‫َن الض َّ ‪9‬‬
‫َم مُطّرد ٌ والكسر ُ غير ُ م ُ ّ‬ ‫م والكسر اتباع‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫به‪ .‬وكذلك الميم أصْ لُها الض ّ‬
‫ل لم تجد لل ََّض ‪ّ 9‬‬
‫م موجباً‪،‬‬ ‫ل الض َّ ‪9‬‬
‫َم وجدت أن للكَسْر ِ موجَبَا ً هو الاتباع‪ ،‬و َلَو ْ جَعل الكَسْر َ ه ُو َ الأصْ ُ‬ ‫الأص َ‬
‫ك إذا‬
‫وحذف الم ّدة ِ وسكونُ الميم كان ثانيا ً ‪ ،٤‬لأن ّ َ‬
‫ُ‬ ‫وكذلك الض َّ ‪9‬‬
‫َم في الميم والإتيان بالواو بعدها هو الأصلُ‪،‬‬
‫ل ه ُو َ الحَرَك َة ُ والم ّدة ُ‬
‫ن الأَ صْ َ‬ ‫ن ال ُّ ‪9‬‬
‫ُسكون هو الأصل لم تجد للحركة والم َّ ‪َ9‬دة ِ م ُوجِباً‪ ،‬وإذا ادّعَي ْتَ أ ّ‬ ‫ادّعيت أ ّ‬
‫ل توَالي خمس متحركات ألا ترى أ َّ ‪َ9‬نها لا تُوجد في أَ وْزا ِ‬
‫ن‬ ‫ك أ َّ ‪9‬‬
‫َن الع َر َبَ ت َسْتَث ْق ِ ُ‬ ‫ن م ُوجباً‪ ،‬وَذَل ِ َ‬ ‫و َجَدْتَ لِل ُّ ‪9‬‬
‫ُسكُو ِ‬
‫ل ‪ ،٦‬ولأ َّ ‪9‬‬
‫َن‬ ‫الشعر‪ ،‬فسكنوا مثل ضَرَبَهم لتوالي ‪ ٥‬خمس متحركات‪ ،‬ثم جرى غيره ُ مجراه ليجرى على مثا ٍ‬
‫يجْرِىَ على ح ُ ْ‬
‫كم ِهما‪.‬‬ ‫المؤنث والمثنى بعد الهاء فيهما حرفان‪ ،‬فيجبُ للمذك ّر أ ْن َ‬

‫‪١‬ينظر المصادر السابقة‪ ،‬والكشف ‪ ،٣٩ ،١/٣٧‬والمحرر الوجيز ‪.١٢٦ /١‬‬


‫‪٢‬ينظر التيسير ‪ ،١ ٩‬والكشف ‪ ،٣٩ /١‬والتذكرة ‪ ،٨٦ /١‬والإقناع في القراءات السبع ‪.٥٩ ٥ /٢‬‬
‫ن الساكن حبر غير ُ حصين‬
‫‪٣‬هذه لغة لقوم من ربيعة يتبعون الهاء الميم ولا يعتدون بالون الساكنة بينهما‪ ،‬لأ ّ‬
‫عندهم‪ ،‬وهى لغة رديئة عند سيبويه‪ .‬ينظر الكتاب ‪ ٩٦/٤‬ا‪.١٩٧-‬‬
‫‪ ٤‬في الأصل‪ :‬ثانٍ‪ ،‬وهو هنا خبر لكان والمنقوص في النصب يعرب بحركة ظاهرة على يائه‪ .‬لا يحذفها‬
‫والتنوين‪ ،‬فلعل هذا من غفلة الناسخ‪.‬‬
‫‪٥‬في الأصل‪ :‬ولتول ّى‪.‬‬
‫‪ ٦‬في الأصل‪ :‬فال‪ ،‬وهو تحريف‪.‬‬
‫ن من كلمة ُأخْرى و َالهاء قبلها مكسورة‪ ،‬فقرأ أبو عمرو بكسر الميم‪ ،‬نحو‪:‬‬
‫سكّنت الميم ولقيهَا ساك ٌ‬
‫وإذا ُ‬
‫ات) ‪.٢ ،‬‬ ‫(عَلَيْهِم ُ الِذ‪َِّ9‬ل َّ ‪9‬ة ُ) ‪( ،١‬و َقِهِم ُ ال َّ ‪9‬‬
‫َسِي ‪ِّ9‬ئ َ ِ‬
‫َّ‬
‫اضطَر ‪9‬ا ‪٤‬إلى الت ّحريكِ‬ ‫ل فلم ّا‬ ‫َن الض َّ ‪9‬‬
‫َم فيها هو الأص ُ‬ ‫وق َرأَ حمزة ُ والكسائي بضم الهاء والميم ة ض َََّم ‪9‬ا الميم َ ‪ ،٣‬لأ َّ ‪9‬‬
‫ح َ ََّر‪9‬كا ‪ ٥‬بحرك َة ِ الأصْ ِ‬
‫ل وات ْب َعا ‪ ٦‬الهاء الميم‪.‬‬
‫م الميم ‪ ،٧‬نحو‪ :‬عَلَيْهِم ُ الّذَّل َّ ‪9‬ة ُ‪ ،‬حَرّكوا الميم عند الاضْ ط ِرارِ إلى الت ّحرِي ْكِ بحركة‬
‫وقرأَ الباقون بكسر الهاء و َض َ ّ‬
‫َساكنين فلا يُعْت ُّ ‪ُ9‬د بها‪.‬‬ ‫َرضت لالتقاء ال َّ ‪9‬‬
‫ْ‬ ‫َن الحركة في الميم‪ ،‬ع‬ ‫ل‪ ،‬ولم يُت ْب ِعوا الهاء َ الميم َ‪ ،‬لأ َّ ‪9‬‬
‫الأصْ ِ‬
‫ِم‬ ‫ل ال ْهاء ِ غَير ُ ما ذ َك َر ْته ُ فَلاب ُ ََّد‪ 9‬م ِ َ‬
‫ن ض َ ِّ ‪9‬‬ ‫ل الهاء ِ ياء ٌ سَاكِنة ٌ أ ْو َ‬
‫كسْرَة ٌ و َِإذا كانَ قَب ْ َ‬ ‫وهذا كل ّه ُ جائز ٌ إذا كان قَب َ‬
‫اف‬ ‫ال ْهَاء ِ واْلميم‪ ،‬نحو‪( :‬ج َآءتهم البينات) ‪ ٨‬و (ل َهُم ُ ال ََّد ‪9‬ر َج َاتُ ) ‪( ٩‬وَمِنْهُم ُ الذين يُؤْذ ُونَ النبي) ‪ ١٠‬لا خِل َ َ‬
‫َن ق ِرَاءَة ُ أبي عمرو‪ -‬والله أعلم ُ‪ -‬م ِم ّنْ يَق ُولُ‪( :‬عَلَيْهُم ُ) إذا ل َمْ يَكُنْ بَعْد َه َا سَاكنٌ‪ .‬و َق َ ْد تَكُونُ قراءة ُ‬ ‫في ه َذا‪ .‬وك َأَ َّ ‪9‬‬
‫ك ح َ ََّر‪9‬ك َ ات ْباعا ً لِل ْهاءِ‪ ،‬و َكانَ هذا أَ ن ْس َب؛‬
‫سكّن الميم َ م ِن "ه ُم" فَل َََّم ‪9‬ا اضط ََّّر ‪ 9‬إلى التحرِي ْ َ‬
‫أَ بي ع َمرو م ََِّم ‪9‬نْ َ‬
‫كنٌ‪.‬‬
‫لأَ ن ّه ُ لم يُن ْقلْ ع َنه ُ عليهم إذا لم يكن بَعدَه ُ سَا ِ‬
‫ل هِي‬ ‫ك أ َّ ‪9‬‬
‫َن ال َأصْ َ‬ ‫ِم ال ْهَاء ِ هذه الث ّلاثة َ خا ّ‬
‫صة ً‪ ،‬ف َو َجْه ُ ذل ِ َ‬ ‫و َّ‬
‫َأمَا ‪ 9‬ق ِرَاءَة ُ حَم ْزَة َ‪( :‬عَلَيْه ُم) و َِ"إلَيْه ُم" و َ"لَد َيْه ُم " بض َ ِّ ‪9‬‬
‫كه َا‬
‫ِض فَل َ ْم يُعْت َ ّد به ِ و َتَرْ ُ‬ ‫الأَ ل ُِف على وَلَد َى و َإلى‪ ،‬والانقلاب َّإَن ‪9‬ما د َخ َ‬
‫ل عند الضّ مير‪ ،‬فالانق ِلابُ عَار ٌ‬
‫ِف‪.‬‬
‫م َضْ م ُوم َة ٌ كَما ك َان َْت تكون مع الأل ِ‬

‫‪١‬سورة البقرة آية‪.٦١ :‬‬


‫‪٢‬سورة غافر آية‪.٩ :‬‬
‫‪٣‬في الأصل‪ :‬ضموا‪.‬‬
‫‪ ٤‬في الأصل‪ :‬اضطروا‪.‬‬
‫‪ ٦،٥‬في الأصل‪ :‬حركوا واتبعوا‪.‬‬
‫‪٧‬ينظر الحجة لابن زنجلة ‪ ،٨٢‬والتذكرة في القراءات ‪.٨٧/١‬‬
‫‪٨‬سورة البقرة آية‪.٢١٣ :‬‬
‫‪ ٩‬سورة طه آية‪٧٥ :‬‬
‫‪ ١٠‬سورة التوبة آية‪٦١ :‬‬
‫ل ث ُ ََّم ‪ 9‬ات ْب َعا‬
‫يم حَرّك َاه َا بح َر َكة الأَ صْ ِ‬‫َط ََّر ‪ 9‬إلى تحري ْكِ اْلم ِ ِ‬
‫ات) ‪ ١‬كما اض َّ ‪9‬‬ ‫كسَائي في (و َقِهِم ُ ال َّ ‪9‬‬
‫َسِي ‪ِّ9‬ئ َ ِ‬ ‫و َق ِراءَة ُ حمزة َ وال ِ‬
‫كسْر ِ ال ْهاء ِ إلى ض َ ِّ ‪9‬‬
‫ِم اْلم ِيم َ‪ ،‬لأ َّ ‪َ9‬نه ُما م ُتَلَازِمتان‪.‬‬ ‫ج م ِن َ‬ ‫الهاء الميم وإ ْن كانت ح َركته ُما عَارِضة ً لأ ِنّهما ك َر ِها الخرُو ُ َ‬
‫ل َّإَن ‪9‬ما يتبيّنُ م ُك َ ََّم ‪9‬لا ً في كُتب الع َرَب ََّي ‪9‬ة‪ ،‬و َفيها تَتَبي ُّ ‪ُ9‬ن لُغ َاتُها ‪ ٢‬م ُك َ ََّم ‪9‬لا ً إ ْن شَاء‪.‬‬
‫ص ُ‬
‫وهذا الف َ‬
‫ق ذِك ْر ُها هنا‪.‬‬
‫اءات لا يلَِي ُ‬ ‫وفي ال َّ ‪9‬‬
‫َشاِذ‪ ِّ9‬ق ِر َ ٌ‬
‫جب ْريل صلى الله عليه وسلم قال ل ِرسُول الله صلى الله عليه وسلم قلْ آم ِي ْن ‪ ٣‬بعد قراءته أمّ‬
‫ن ِ‬
‫(آمينَ) ‪ :‬رُوِيَ أ ّ‬
‫ْس فيها‪ ،‬وب ُني َت على الفتح لالتقاء‬
‫الإعراب ل َي َ‬ ‫ل مَب ْن ِي ّة ٌ؛ لأ ِ َّ ‪9‬‬
‫َن م ُوجبَ ِ‬ ‫القُر ْآن‪ ،‬و َهِي َ اسم ُ فعل‪ ،‬وأسماء الأَ ف ْعا ِ‬
‫َب‪.‬‬ ‫ال َّ ‪9‬‬
‫َساكِنَي ْن‪ ،‬وفيها لُغتانِ‪ :‬تُم َ ّد و َتُقْصَرْ‪ ،‬ذك َرهمَا ثعلب ‪ ،٤‬ومعناها اسْ ت َجِب وأجب يا ر ّ‬
‫ن معناها‪ :‬أفعلُ‪٥.‬‬
‫ل ع َن النبيّ صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أ ّ‬
‫و َق َد نُق ِ َ‬

‫‪ ١‬سورة غافر آية‪.٩ :‬‬


‫‪ ٢‬ينظر الكتاب ‪.١٩٨-٤/١٩٥‬‬
‫‪٣‬ينظر الموطأ ‪ ،١ ٨ ١ /١‬وسنن الترمذي ‪ -٢٨/٢‬ا ‪ ،٣‬وفتح الباري ‪ ،١ ٥٩/٨‬والمحرر الوجيز ‪١٣٣/١‬‬
‫والحديث بألفاظ مختلفة عما هنا‬
‫‪٤‬ينظر فصيح ثعلب ‪٨ ٦‬ـ ‪.٨٧‬‬
‫‪٥‬لم أقف على الحديث بهذا اللفظ‪.‬‬

You might also like