Professional Documents
Culture Documents
عام: تقديم
يشير الفعل الحزبي داخل المنظومة السياسة العربية عامة والمغرب على وجه
الخصوص مندد موجة االستقالل والتخلص من االستعمار المباشر العديد من
التساؤالت عن أزمة السلطة ومت استتبعها من إشكاالت على مستوى التعامل
مع مؤسسات الدولة ومكونات المجتمع.
فقد دهب العديد من الباحثين إلى القول بأن ما أل إليه المشهد الحزبي بالمغرب
ناتج أساسا عن اختالف التصور لدى زعماء هذه االحزاب بين مرحلة التواجد
المباشر للمستعمر ومرحلة االستقالل فنجد هذه التنظيمات في بداياتها أتت بغية
مناهضة االستعمار ووضع عد لعقد الحماية لكن سرعان ما ستتغير الرؤية
وتصبح هي التي تتحمل المسؤولية التاريخية في األزمة التي يتخبط في
مستنقعاتها الشعب المغربي مند عقود.
لقد قامت األحزاب السياسية بالمغرب كمثيالتها في بلدان العالم الثالث< والدول
المستعمر هادفة إلى االنعتاق من قيود االستعمار والتمتع باالستقالل والسير في
خطى ثابتة نحو مقاربة وطرد كل خطر يهدد أمن وسلم المنطقة .وكان تأزم
الوضع الناتج أساسا عن سياسية االستغالل االستعماري ووضوح الغاية وراء
فخ الحماية المدروس من طرف صانعي القرار في السياسة االمبريالية من بين
العوامل التي حركت عروق الفئة الواعية في المجتمع المغربي أندالك خاصة
بعد ما تم إخماد نيران المقاومة المسلحة في البوادي والجبال.
فالعمل السياسي في الحواضر الذي شكل الدعامة االساسية لألحزاب السياسية
بالمغرب قام بين حطام المقاومة المسلحة مع تفاوت واختالف سبل ووسائل
العمل ،فظهر كمحاولة للدخول في مناورات ومحادثات مع المستعمر قصد إيجاد
صيغة توافقية في سبيل تحسين مستوى عيش الشعب المغربي ،وذلك عبر تقديم
مذكرة تضم مجموعة من المطالب االصالحية في بداية االمر الشعب الذي كان
يعاني من ويالت االستغالل في أقصى درجاته خصوصا بعد ما دخلت الدول
الرأسمالية في دوامة األزمة .1923
فلتجاوزها البد للرفع من حدة االستغالل لتعويض العجز واالزمة.
لقد ظهرت األحزاب السياسية بالمغرب في أجواء مشحونة سواء على الصعيد
الخارجي< أو الداخلي بهدف تأطير الجماهير الشعبية والعمل على توجيه ضربات
إلى المستعمر وإ رغامه على فسخ عقد الحماية ،فزعماء هذه التنظيمات في
بداياتها أخدوا في سبيل تحقيق الهدف المنشود أساليب وأدوات انبتت على اسس
دينية باألساس أهمها المذهب السلفي الذي ينص على تنفيد النص وعدم تجاوزه،
والرغبة في االقتداء بالرسول ومحاسبة أتباعهم في االصول والفروع واالخالف
والقيم وطاعة أئمة المؤمنين وترك الجدل والخشنة ،والسعي وراء الجمع
والوحدة.
كانت معاهدة الحماية مؤشرا خطيرا على تنازل خطير عن كل مظاهر السيادة
الداخلية والخارجية وغير خاف على أحد ما ترتب جراء ذلك من تشريعات
استعمارية تضمن حرمان الشعب من أبسط الحقوق الديمقراطية ،وكانت النتيجة
المباشرة النعدام الديمقراطية في ظل االستعمار المباشر واحساس الشعب
المغربي بالخطر الذي يهدده ،انطالق ثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم
الخطابي الذي أنشأ جمعية وطنية كم رجال القبائل والمشايخ والقادة المقاومين
أخدت مسؤولياتهما في تنظيم الكفاح والمقاومة وإ دارة شؤون الحكم في المناطق
المحررة ،وكان أول قرار للجمعية هو إعالن استغالل البالد وتأسيس حكومة
دستورية بل أنها وضعت دستورا يقوم على مبدأ سلطة الشعب ،غير أن ذلك لم
يستمر بين إجهاض الثورة عام .26
لقد تلمس المغاربة بعد إخفاض ثورة الريف نتائج الهيمنة االستعمارية على
البالد ،وكانت مواجهة االستعمار هي الحافز األكثر فعالية في نشأة الحركة
الوطنية في الشمال والجنوب ،التي سرعان ما تحولت إلى أحزاب< سياسية يكاد
يجمعها شعور وطني واحد نحو وحدة البالد وتحريرها.
كما كان لتنامي وتصاعد حركة تصفية االستعمار من العوامل الرئيسية في
ظهورها كأحزاب سياسية لهذا فهي أحزاب نشأة خارج العملية االنتاجية
والبرلمان.
إن نشأة االحزاب في المغرب وتطورها وتنامي دورها ،واجب صعوبات
وعقبات عديدة وعلى مستويات مختلفة نظرا لظروف وأوضاع المغرب
السياسية أثناء مرحلة االستعمار ،فقد تعاقبت مجموعة من الوقائع واألحداث
والتنظيمات الحزبية المغربية مند نشأتها حتى اليوم.
فمند نشأتها أخدت تحتك بالسلطات االستعمارية بين أخد ورد وتماشيا مع
مستجدات العصر إلى حيث ثم إنهاء عقد الحماية لتدخل هذه االحزاب مرحلة
حديدة من تاريخها تميزت في غالبيتها باحتدام التنافس والصراع حول موطئ
االقدام إذ ظهر االختالف جليا على منطلقات تأسيس مغرب ما بعد الحماية
سواء داخل مكونات االحزاب وفي طليعتها حزب االستقالل ،أو بين هذه
االحزاب والمؤسسة الملكية التي راهنت على استثمار شرعيتها لما قبل الحماية
وشرعيتها السياسة في عهد الحماية للتموقع كفاعل مركزي ومتحكم في السلطة
السياسية.
انطالقا من هذه التوطئة التي تعالج وضعية االحزاب السياسية في المغرب فإن
الدافع وراء تناول الموضوع كان ألسباب ذاتين وموضوعية؛ فالذاتية نابعة عن
الميل وجب االطالع واالهتمام بالقضايا السياسية والحزبية على وجه
الخصوص ،أما الموضوعية فتعود إلى كون الدراسة تعالج موضوعا حيويا من
صميم الساحة السياسية يتمثل في تحديد مركز االحزاب السياسية في القرار
السياسي ،ومحلها من االعراب داخل المنظومة السياسية ككل.
ويحتم الخوض في ذلك التعاطي مع الذاكرة والنبش في أحداث التاريخ
واستحضار محطاته ومتعطفاته بشكل يشير العديد من التساؤالت تسير بالقارئ
إلى وضع صورة أولية حول مضمون الظاهرة الحزبية بالمغرب ،ولهذا الغرض
ارتأينا إلى تناول الموضوع على الشكل التالي:
يتضمن تقديم حول الموضوع ،وفصلين مركزين باإلضافة إلى خاتمة.
فالفصل األول حاولنا بإيجاز دراسة السياق التاريخي العام لبروز التنظيمات
الحزبية بالمغرب خاصة إبان المواجهة المباشرة مع االستعمار ،وأهم التطورات
السياسية التي طرأت عليها في تداخل مجموعة من العوامل والظروف ساهمت
في نشأتها وتطورها ،والدور الدي لعبته في النضال من أجل االستقالل.
أما الفصل الثاني حصصناه لتناول مرحلة مهمة في تاريخ المغرب ،عرفت
تطورات وانعطافات< نوعية كان لها انعكاس كبير على الحياة العامة للشعب
المغربي ،اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ،نظرا للدور الذي لعبته المنظومة السياسية
بالمغرب خاصة وأن ظروف القمع المسلط على رقاب شعبنا هي التي أنتجتها
وما االنشقاقات التي عرفتها األحزاب السياسية مع نهاية الخمسينات وبداية
الستينات إال دليل حي على ما نقول مما جعل هذه االنشقاقات< تكون بمثابة قاعدة
أساسية بالنسبة لكل االحزاب ،حيث نجد انشقاق فالن أو فالن في كل فترة من
فترات مغرب اليوم وما عدد األحزاب بالمغرب حاليا إال حقيقة على هذا.
لقد كانت أهداف حكومة بالفريج والتي حددها الملك في خطاب األمة هو ما
يعرف تاريخيا بالعهد الملكي ،الذي وضع اإلطار العام للتعدية ،تصحيح اقتصاد
البالد ،فتم وضع التصميم الثالثي هدفه إعطاء األولوية للقطاعيين الفالحي أي
سياسة حرث مليون هكتار ،والصناعي من أجل ادخار صناعي والمحافظة على
الصناعة المحلية وتشجيعها ،لكن كل األولويات لهذا التصميم باءت بالفشل ألنها
لقيت صعوبة في التأطير وفي قلة رؤوس األموال وفي وجود تعصبات سياسية
متطرفة]63[.
إن اإلصالحات االقتصادية هذه تمثلت في قانون تشجيع االدخار وإ صالح
التعرفة الجمركية لحماية الصناعة المحلية ،لكن لم يتم من هذه اإلصالحات
سوق قانون االستثمار رغم المحاوالت التي بدلت في سبيل تصميم مخطط
حماسي]64[.
إن ما يبرز أن المغرب قد دخل فعال في مرحلة جديدة مع تولي أحمد بالفريج
رئاسة الحكومة هو ما ذكرناه أعاله في كون زعامات األحزاب التاريخية بدأت
تدق ناقوس الخطر في وجه الملكية والمصالح األجنبية القائمة ،فقد وصلت
تحركاتها إلى حد التفكير العميق في إصالح المنظومة االقتصادية باألساس،
سعيا منهم إلى تنمية مشاريع ذات الدخل الوفير تعود بالنفع على الشعب
المغربي في نظرهم.
ولهذا فعهد حكومة بالفريج لم يعرف الهدوء والسكينة في النسق السياسي
المغربي ،ولوال وجود رمزية األمة النطلقت فتنة بين المدن والقرى ،ففي المدن
كان االضطراب السياسي قد وصل أوجه حيث كانت مواجهة إيديولوجية حادة
بين نزعتين واضحتين في حزب االستقالل على وجه الخصوص]65[.
كما ظهرت نزاعات للرفض والعصيان في الريف وجبال األطلس المتوسط،
فأصبحت< البالد عرضة للخطر االنهيار نتيجة لرفض الريف وكذا حزب
االستقالل بالمدن االنصياع لسلطات الحكومة ،فقدم عبد الرحيم بوعبيد استقالته
في 10نونبر ،كما كان بالفريج قد اتخذ موقفا جذريا حازما في مسألة اختيار
وزير الداخلية ،وبذلك تأجل إيجاد حل للحكومة وازدادت معه الثورات في
المناطق الريفية]66[.
واجهت الحكومة الثالثة برئاسة أحمد بالفريج التي كان معظم وزرائها
استقالليين باستثناء ثالثة منهم ،عدة اضطرابات اجتماعية باألساس كما عرفت
العديد من التطورات نتجت في غالبيتها عن الشرخ الذي حدث في الجسم
الحزبي ،فقد ذهب العديد العديد من الباحثين إلى القول بأن ما حدث في
األحزاب آنذاك يعود إلى االنقسام الذي الح في األفق بين الطاقات الشابة التي
سعت إلى تركيز السلطة في يد الشعب ،والزعامات التقليدية التي أرادت العمل
في نطاق المحافظة على دواليب السياسة كما كانت عليه ،وعلى أنقاض هذا
الوضع سيعرف مغرب ما بعد 1956بالضبط في 24دجنبر 1958تشكيل
حكومة رابعة برئاسة « عبد اهلل إبراهيم ،» التي ستستمر إلى غاية ماي 1960
حيث أقالها الملك.
إن مسألة إقامة نوع من أنواع الحكومة النيابية في قطر مستقل حديثا تثير
تحديات صعبة كثيرة في النظام السياسي كما تتطلب مجموعة من القوانين ،وإ ذا
نظرنا إلى مدى ارتباط هذه القوانين بالمفهوم العام للحكومة الديمقراطية النيابية
فإننا نرى أن النظام السياسي في حد ذاته على وضع القوانين.
فبعد استقالة الوزير بالفريج بدأ في البحث وزير آخر فكلف عالل الفاسي
بتشكيل حكومة ،إالّ أنها قوبلت بمعارضة شباب الحزب< وربما بمعارضة
بالفريج أيضا ،اقترح الملك أسماء أخرى لتقليد هذا المنصب إال أنها لم تكن
مناسبة للمهام المطروحة ،توجه الملك بعد ذلك الختيار عبد اهلل إبراهيم فقبل هذا
األخير منصب الوزير األول على شريط أن تتمتع الكومة بالسلطات الكافية
لتحرير اقتصاد البالد من الهيمنة الفرنسية وتهيئ الجو النتخابات محلية ،وتلبية
المطالب المشروعة للقبائل الريفية ،فهنأت القيادة الجديدة الوزير األول الجديد[.
]67
تكلف عبد اهلل إبراهيم الذي عينه الملك محمد الخامس ،رئيس الحكومة بأن يدافع
عن حقوق الطبقة العاملة وعن المحرومين بصفة عامة ثم أراد أن يصفي
امتيازات المعمرين وذلك بتوزيعها بصفة عادلة على مختلف طبقات المجتمع
المغربي ،كما قدم الئحة الوزراء الجدد يمثلون الطبقة العاملة وقدماء
المقاومة،فطالب بسلطات كاملة وواسعة لتمكنه بالقيام بمسؤولياته ،لكن الئحته
الوزارية غيرها الملك في آخر لحظة لتأخذ بعين االعتبار هدفين اثنين؛ أولهما:
تحديد مهمة عبد اهلل إبراهيم ،وهي تختص في أن يحضر االنتخابات المغربية
األولى على مستوى المدن والقرى والبلديات ثم إصالح قوى األمن والقضاء
على البطالة وتحسين اإلدارة واتخذ كذلك معيار الكفاءة في تعيين الوزراء.
ثانيهما :االحتفاظ بشخصيات< وافية للقصر وذلك في مناصب مهمة باإلخوان
باحنيني محمد وأحمد]68[.
لقد ورد في خطاب ألقاه ع اهلل إبراهيم أمام طلبة حزب االستقالل قبل أن يتسلم
مهامه حيث قال « :إن الثروة في البالد موزعة توزيعا غير عادل بين السكان
إذ أن %1من السكان بما فيهم األوروبيين يمتلكون %20من أراضي المغرب
وأن الرأسمال األوروبي يدير اقتصادنا بشكل ال يستفيد منه الشعب المغربي،
وأننا نرغب في أن نراجع اتجاهنا االجتماعي والقتصادي عاملين لصالح
الجماهير وأن برنامجنا يجب أن يكون واقعيا وتقدميا وقد لوحظ في البرنامج
االجتماعي األول للحكومة مدى حدة المشاكل التي ستواجهها ،تمثلت في كيفية
وضع حد لالضطرابات في البادية وكيفية تكييف الفرنك المغربي مع سعر
العملة في فرنسا ثم أهمية الخطوات الواضحة لرسم تصميم االنتخابات]69[.
وفي الوقت الذي تشكلت فيه الحكومة كان عالل الفاسي في طنجة فانتقل إلى
الرباط ليعبر عن مساندته لرئيسها الجديد ،كما طلب من ع .اهلل إبراهيم اإلدالء
بتصريح حول انعقاد المؤتمر بل فرض عليه ذلك .وتصلب موقف كل منهما
فدخال في مواجهة في اجتماع خاص بأطر الحزب بالرباط ،وهكذا ظلت اللجنة
التنفيذية جامدة منذ هذه األزمة كما توقفت المفاوضات بسبب تباين المواقف كما
ظهر موقف آخر تمثل في ضرورة تعيين ما يقارب من مائة من األعيان]70[.
لقد عارض بالفريج وأصدقائه حكومة عبد اهلل إبراهيم قبل انشقاق الحزب حيث
بدل الحزب< جهدا كبيرا لكي يوضح أن عبد اهلل إبراهيم تسلم زمام مهمته دون
مساندة حزب االستقالل له ،كما انتقدوا سياسته االقتصادية وفشل سياسته
الخارجية <،واإلهمال في الدبلوماسية وفي مواجهة المشكالت الوطنية الهامة مثل
مشكلة الحدود ،واالرتباط المالي واالقتصاد في المغرب بفرنسا]71[.
وقد صاحب ذلك أحداثا مهمة في تاريخ المغرب المعاصر <،أبرزها افتتاح
محاكمة عامل إقليم تافياللت عدي أبيهي ،وعزل الحسن اليوسي من منصبه
كوزير لمجلس العرش عندما فضحه عالنية عدي أوبيهي بصفته كان مشجعا
للتمرد.
تقديم الرئيس البارزين للحركة أحرضان والخطيب أمام محكمة قضائية بفاس
بتهمة إحداث الشعب واالضطراب في بعض الجهات< الجبلية والقروية]72[.
إن المشكل األول الذي انعطفت عليه حكومة ع اهلل إبراهيم بتعاون مع رئيس
أركان الجيش الملكي التي يتوالها ولي العهد الحسن الثاني هي تهدئة الريف،
فرغم تحرير زعماء الحركة الشعبية فإن الحالة بقيت غامضة في الريف حيث
أن بعض رؤساء التمرد ،استمروا في مزاولة االضطراب وهم في منفاهم
بمدينتي مليلية وملقا بإسبانيا وكان يعتبر التدخل اإلسباني في تمرد الريف
كإجراء معاكس للعمل الذي كان بقوم به جيش التحرير المغربي بسيدي إفني
لتحريره من االحتالل اإلسباني]73[.
إلى جانب أن خصوم ع اهلل إبراهيم السياسيين اتهموه بالفشل الدبلوماسي خاصة
في التعاطي مع القضايا< الخارجية أبرزها القضية الجزائرية بعد قيام الثورة
الجزائرية حيث وقف بين مطرقة مساندة الحركة التحررية وسندان التزام الحياد
وعدم إثارة نزعات القوات< الفرنسية ،فرغم أنه لم يكن مساندا في مهامه حيث
أن جميع أطر الدبلوماسية العليا كانت تابعة لنزعة العالين خاصة الرئيس
اإلداري الكاتب العام الطيب بن هيمة الذي كان يقترب كذلك إلى القصر أثناء
زيارة عبد اهلل إبراهيم مجموعة من الدول العربية كمصر وسوريا والعراق،
وكان يطالب بالوحدة العربية وتوثيق أوامر االتحاد وقد اغتنم الفرصة أثناء
إقامته بالشرق ليتنصل في القاهرة بزعيم الثورة الريفية محمد بن عبد الكريم
الخطابي ،فطلب منه الدخول إلى المغرب بعد 34سنة من المنفى وعند وصوله
لسوريا عين رشيد الخطابي ابن الزعيم سفير المغرب بها كمكافئة ألبيه الذي
قضى شبابه في سبيل شرف المغرب]74[.
كما كان من بين أوجه االختالف المؤدي إلى الصراع ،وعند نهاية زيارته
للمشرق تطرق لقضية صراعه مع عالل الفاسي فقال « :إن عالل يضيع الوقت
للمغاربة فهو ال يعمل إال على التأكيد إلى المحافظين المغاربة ألقدمية المملكة
الباهرة وبنصوص القرآن ،عوض أن يعمل على تكوينهم لالستعداد للكفاح
السياسي واالجتماعي المتوقع في المغرب]75[.
فعالل الفاسي كان يعتبر أن هذه الحكومة ال تغير أي اهتمام إلى مشاكل الحدود
المغربية ،في الوقت نفسه انعقد مؤتمر االتحاد الوطني لطلبة المغرب بأكادير
يوم 21غشت 1959وندد المؤتمرون بعناصر الجيش بأنها ال تصلح إال
لحضور السهرات والزينة ال للتشيد والبناء .ثم بعد ذلك استقل القبطان محمد
المذبوح من منصبه كوزير للبريد من حكومة عبد اهلل إبراهيم والتحق بالجيش،
وتكونت جماعة من الضباط يرأسها ولي العهد وأركان الجيش كما ذهب للقصر
لالحتجاج على مقررات المؤتمر فلقي مساندة من محمد الخامس ضد من يطعن
في شرف الجيش ودشن بنفسه الدخول في معمعة سياسية]76[.
فلما شعر عبد اهلل إبراهيم أن وضعية تماثل الوضعية التي كان يعاني منها
بالفريج وأنه يستعرض بدوره للهجومات من طرف باقي األحزاب القائمة آنذاك
وألول مرة تبادرت إلى ذهنه وبعض أنصاره إلى إمكانية نشود حزب جديد
وتجسدت الفكرة في اإلعالن عن تأسيس الجامعات< المستقلة لحزب االستقالل
في 25يناير 59ولم يكن في مقدرة عبد اهلل إبراهيم وبوعبيد أن ينضافا علينا
إلى الحزب الجديد بسبب مشاركتهما في الحكومة في حين كان المهدي بن بركة
محط األنظار ألنه قطع عالقته بالقيادة القديمة وبمجرد تأسيس الجامعات عاد
عالل الفاسي من طنجة ووضع يده على الجهاز اإلقليمي للحزب وطرد المتمرد
من الحزب فكلما حاولت الجامعات< فتح مكتب بنفس االسم إال ورفع القضية
للمحاكم وعلى سلسلة من الحوادث قرر بن بركة و عبد اهلل إبراهيم وأنصارهما
تأسيس حزب حديث سيكون نصيبه التأثير على مجريات الساحة السياسية في
قادم المواعيد ،كما أن الفترة الممتدة من 58إلى 59هي فترة التحالفات
واالختيارات]77[<.
يمكن القول بأن حكومة عبد اهلل ابراهيم شكلت منعطفا خطيرا في سيرورة
تاريخ المغرب بعد ، 1956فقد عاشت البالد عدة أحداث و تحوالت سياسية و
يكفي أن نعلم بأن عبد الرحيم بوعبيد قدم استقالته من حكومة بال فريج بهدف
إخراج المغرب من حالة الجمود السياسي و الال مباالة تجاه ما كان يجري في
منطقة الريف ،عصيان خطير ساهم الخطيب و أحرضان في إشعال نيرانه
حسب بعض الباحثين و أصبح تمردا يهدد البالد.
تم تنصيب حكومة عبد اهلل ابراهيم في 24دجنبر ، 1958وعامة الناس ال علم
لهم بما يجري في دهاليز الحياة السياسية ،المهم أن الحكومة حلت حكومة بال
فريج ،القاسم المشترك بينهما أن بوعبيد ضل نائبا لرئيس الحكومة ووزيرا
لإلقتصاد و المالية ،كانت بداية هذه الحكومة اإلعالن عن فصل الفرنك
المغربي عن الفرنك الفرنسي و سينحول البنك المخزني إلى بنك المغرب ،
وسيتم إنشاء صندوق اإليداع و التدبير ،والبنك المغربي للتجارة الخارجية ،
البنك الوطني لإلنماء اإلقتصادي ،المكتب الوطني للري ،الصندوق الوطني
للضمان اإلجتماعي ،مكتب األبحاث و المساهمات الصناعية ،كما تم اإلتفاق
مع اإليطاليين لبناء مصنع لتكرير البترول » ال سمير » وغير ذلك من
القرارات< التي مهدت لإلعالن عن إجراءات< كان الهدف منها تحرير اإلقتصاد
الوطني من التبعية الخارجية و إجراءات< بقرارات 22أكتوبر 1959وهي
قرارات تزامنت مع صدور ظهير شريف أعلن عن تأسيس الدرهم كعملة وطنية
غير قابلة للتحويل أي ممنوع تداولها خارج الوطن.
لقد عبر اكديرة في كتابه ( مغرب الحسن الثاني ) بأن األمير اعتبر تأسيس
حكومة عبد اهلل ابراهيم تولى فيها عبد الرحيم بوعبيد نائب رئيس الوزراء
خطرا ،في منتصف الثمانينات شرح اكديرة الخطر الذي يكمن في حكومة عبد
اهلل ابرراهيم على أن األمر يتعلق بحدث من أحداث عالم الخمسينات و
الستينيات الذي كان خاضعا لقوة اليسار ،فقد عبرت تدابير هذه الحكومة على
الصعيد اإلقتصادي نوايا أصحاب< هذه التدابير وحوافزهم مما جعل الحسن الثاني
يشكل مجموعة قوية حوله تتكون من الشخصيات األكثر تمثيلية وهي عناصر
منتمية أو غير منتمية ألحزاب كانت قائمة و أخرى دفع إلى تأسيسها نظمت
معارضة حقيقية لسقوط حكومة عبد اهلل ابراهيم.
هذا فيما يخص الشق اإلقتصادي للحكومة ،أما فيما يخص الشق السياسي فيقول
اكديرة في كتابه بأن التيار اليساري بالذات لم يكن سوى شكل من أشكال رد
الفعل ضد اإلمبريالية.
عموما لقد أولينا اهتماما كبيرا لحكومة عبد اهلل ابراهيم ليس عبثا و إنما لما كان
لها من أدوار على مجموع التحوالت التي عرفها المغرب أنذاك ،فقد صادفت
العديد من األحداث كانت تصب في مجملها في بحر اإلتجاه بالبالد نحو مستقبل
مجهول.
لقد عاصرت هذه الحكومة وقائع قد ال يجود الزمان بمثلها نذكر أحداث الريف
التي عبرت من خاللها ساكنة المنطقة عن إدانتها لإلهمال الذي طالها ،
اإلنشقاق الذي عرفه حزب اإلستقالل حيث خرج الجناح< اليساري بقيادة المهدي
بن بركة و إعالنهم عن نهج سياسة من الشعب إلى الشعب ،نجاح ثورة
الضباظ األحرار بمصر ،مما ولد شعورا لدى القصر بفقدان مكانته و حقه
التاريخي جعله يسرع من خطواته في خلق جو متوازن عبر دعم تأسيس
األحزاب تحت غطاء التعددية الحزبية قصد تقوية جبهته و الحفاظ على مكانته
مما أغنى المشهد الحزبي بالبالد بالمزيد من األلوان زادت الخريطة الحزبية
تنوعا في البرامج يظهر أنها رسمت بيد واحدة ،فمنذ ذلك الحين لم تعرف
الساحة الحزبية ميالد تنظيم قوي قادر على مصارعة البرامج القائمة.
المبحث الثالث :األحزاب السياسية في ما بعد االستقالل:
تثير ظاهرة األحزاب السياسية جدال واسعا في اآلونة األخيرة لما لها من إسهام
في إغناء الساحة السياسية ال سواء على المستوى الدولي أو اإلقليمي أو المحلي،
وتدرج المصنفات السياسية على تناول ظاهرة األحزاب السياسية كظاهرة حديثة
لم تتبلور إال في منتصف القرن التاسع عشر.
ولقد سبق وأن أشرنا إلى أن األحزاب< السياسية في المغرب ظهرت في أولى
تنظيماتها في سنة 1934في شخص « كتلة العمل الوطني ،» أي إبان
المواجهة المباشرة مع المستعمر األجنبي خالل فترة الحماية ()1956-1912
لكن المراد هنا هو تسليط الضوء على األحزاب السياسية في مرحلة ما بعد
،1956إذا أخذت الحركة السياسية المغربية تعيش ميالد تنظيمات جديدة قناتين:
األولى كانت التنظيمات السياسية التي أقيمت بمساعدة القيصر <،وهي التنظيمات
المسماة بـ « أحزاب< اإلدارة » والثانية االنقسامات التي أخذت تظهر في صفوف
حزب االستغالل وتكرست التنظيمات المنشقة عنه ،وعموما فإن ذلك لم يخرج
بالحركة السياسية عن الحيز األساسي والدور المطلوب في السلطة والمعارضة
في اللعبة السياسية المغربية ،والتي كان أضيف إليها مجموعة التنظيمات
األخرى من جميع االتجاهات< المتعددة ،وسنقتصر في الحديث على تجربة تعتبر
رائدة في الميدان حيث لن يختلف اثنان على أنها ساهمت في اغتناء الساحة
السياسية بالمغرب وسنلحقها بإطاللة خفيفة عن أحزاب< سياسية أخرى ،كلها
تجارب بالرغم من أنها لم تحظى بالنصيب األوفر من الكتابات والدراسات ،إال
أنه كان لها دور ووقع كبير في تطوير المشهد الحزبي بالمغرب وتغير المشهد
السياسي العام ببالدنا وما صاحبها سياسة كبيرة منذ بروزها.
لقد شكل 6شتنبر 1959حدث بارز في المشهد الحزبي بالمغرب قامت له كل
األطراف السياسية ولم تقعد ،وهو بروز االتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي
انشق من رحم حزب االستقالل نتيجة الصراع الدائر داخل هذا األخير آنذاك
تمثلت في جولة من الصراعات العنيفة في مستويات مختلفة من قياداته وهيئاته،
وفي السادس من شتنبر أعلن عن تشكيل حزب االتحاد الوطني للقوات الشعبية
نتيجة الفرز اإليديولوجي والسياسي والشخصي بين قادة حزب االستقالل.
ولما شعر عبد اهلل إبراهيم أن وضعيته تماثل الوضعية التي كان يعاني منها
بالفريج وأنه سيتعرض بدوره لهجومات عمومية من طرف الحزب وألول مرة
تبادر إلى ذهنه وبعض أنصاره إلى إمكانية إنشاء حزب جديد وتجسدت الفكرة
في اإلعالن عن الجامعات< المتحدة المستقلة لحزب االستقالل في 25يناير
1959ولم يكن في استطاعة عبد اهلل إبراهيم وبوعبيد أن ينضما للحزب بسبب
مشاركتهما في الحكومة.
وكان المهدي بن بركة محطة إنذار ألنه قطع عالقته بالقيادة القديمة وبمجرد
تأسيس الجامعات المتحدة عاد عالل الفاسي من طنجة ووضع يده على الجهاز<
اإلقليمي للحزب< وطرد القادة المخالفين وعلى رأسهم بن بركة وشرع في منع
الجناح< المتمرد من الحزب فكلما حاولت الجتمعات< فتح مكتب بنفس االسم إال
ورفع القضية للمحاكم وعلى سلسلة من الحوادث قرر بن بركة و إبراهيم
وأنصارهما تأسيس حزب حديث تحت اسم « االتحاد الوطني للقوات< الشعبية»
في 6شتنبر 1959والفترة الممتدة من 1958إلى 1959هي فترة االختيارات
والتحالفات]78[<.
ولقد انعقد المؤتمر التأسيسي لالتحاد الوطني للقوات الشعبية بسينما الكواكب في
الدار البيضاء ،شارك فيه كتاب اللجان الفدرالية للجامعات< المتحدة لحزب
االستقالل مع ممثلي الجماهير المنضوية تحت لواء حزب الشورى واالستقالل،
وحزب الحركة الشعبية ،وحزب األحرار المستقلين ،واالتحاد المغربي للشغل
واالتحاد المغربي للشباب واالتحاد الوطني لطلبة المغرب]79[.
ويصعب تحديد أسباب االنشقاق أو تحديد نصيب األشخاص الذين لعبوا فيه
دورا ما ولهذا فأسباب االنشقاق تتعدد ويتعدد المسؤولين عنه ،وال يجوز استبعاد
الخالفات اإليديولوجية وصراعات األجيال وال يجب أن نهمل أيضا أهمية
النزاعات الشخصية واألحداث العارضة]80[.
صحيح أن قادة الجيل القديم لم يكونوا مهيئين لمشاكل االستقالل إذ لم يكن لها
أي برنامج سياسي ملموس ورغم ذلك ضلت أطر الحزب مطمئنة وبين
1959-1956أصبحت مراقبة الحزب< بين ائتالفين هشين فظهرت الجماعات<
المتميزة داخل حزب االستقالل خالل اجتماعات مدريد 1956-1955والتي
شارك فيها قادة المقاومة واالتحاد المغربي للشغل وجيش التحرير أول مرة أتيح
لهذه المجموعات أن قوتها من أجل إعداد برنامج يحظى بموافقة كل االتجاهات<
كي يقدم للمؤتمر األول للحزب <،إال أن قرارات المؤتمر لم تكن سوى تدابير
للتراضي وقد أدت تلك المواجهات< إلى نشوء جو األزمة داخل الحزب واتخذ
هذا األخير طابع ائتالفي سياسي وأصبحوا يشهرون بأنهم ينتمون لحزب آخر
هذا من جهة.
ومن جهة أخرى تعود فايز سارة في كتابها « األحزاب والقوى السياسية في
المغرب ،» إلى أصول االتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى التيارات اليسارية في
حزب االستقالل ،والتي شهدت نموا واسعا في نهاية األربعينيات وحتى منتصف
الخمسينيات ،إذ نشطت مجموعات شابة وتقدمية من رموز حزب االستقالل في
األوساط الشعبية ،وخصوصا في أوساط صغار الفالحين والعمال الزراعيين
وعمال المدن وسكان أحياء القصدير في المدن المغربية ،واستطاعت هذه
المجموعات النشيطة أن تقيم نفوذا لالتجاهات اليسارية في حزب االستقالل ،وقد
ترسخ تيار يساري رئيسي في لحزب عند تشكيل التحاد المغربي للشغل ،والذي
حسب قياداته عموما انشقاق حزب االستقالل على التيارات اليسارية]81[.
ويمكن إضافة معطى آخر في هذا الصدد وهو العالقات< بين المقاومة المسلحة
في المدن المغربية وجيش التحرير في الريف من جهة مع حزب االستقالل
غالبا ما تمت من خالل رموز التيارات اليسارية في الحزب بسبب كون عالل
الفاسي الذي كلفه الحزب< في إقامة هذه العالقات واإلشراف عليها ،خارج
المغرب لفترة طويلة وهذا ما يفسر انشقاق رموز من قيادات المقاومة إلى جانب
« الجامعات< المتحدة لحزب االستقالل » التي انشقت عن الحزب< في يناير
1959وشكلت فيما بعد االتحاد الوطني ،وجدير بالذكر على أن « الجامعات<
المتحدة المستقلة » قامت خالل الفترة الفاصلة بين يناير وشتنبر 1959صالت
وحوار في األوساط السياسية المغربية وكانت المحصلة تشكيل االتحاد الوطني
للقوات الشعبية بمشاركة مختلف العناصر والمجموعات من األحزاب التي تم
ذكرها في السابق.
وفي ميثاق المؤتمر التأسيسي الصادر في شتنبر 1959جرى التأكيد على؛
« أن الهيئات السياسية -المغربية في شكلها الحاضر< أصيبت بالتعفن ،ولم تعد
صالحة للقيام بتربي الجماهير وتجنيدها للمهام البنائية ،بل صارت أداة للتفرقة
ووسيلة الكتساب مراكز شخصية أو لالحتفاظ بها]82[.»
واستنادا للميثاق التأسيسي فقد الحظ أن المشاركين قرروا « التخلي عن صفاتهم
الحزبية وألوانهم السياسية » وتأسيس االتحاد الوطني للقوات الشعبية المغربي،
وقد انبثقت قيادة للحزب تمثل جميع األطراف المشاركة في الحزب الجديد وبرز
في مقدمتها كل من ع .اهلل إبراهيم ،عبد الرحيم بوعبيد ،المهدي بم بركة ،الفقيه
محمد البصري وغيرهم من الرموز ،وتمت صياغة مطالب الحزب< الجديد
تمثلت في خمسة مطالب أساسية وهي:
الدفاع عن االستقالل والوحدة الكاملة للتراب الوطني.
واالقتصادية.
مواصلة سياسة التحرر االقتصادي لضمان التشغيل الشامل والعدالة
االجتماعية.
تحقيق اإلصالح الزراعي وانتهاج سياسة التصنيع.
ففي الفترة األولى مثل الحزب قوة المعارضة المغربية األساسية في مواجهة
سياسات القصر والسياسات اليمينية لقيادة حزب االستقالل بزعامة أحمد بالفريج
وعالل الفاسي فيما بعد ،وقد انعكست قوة الحزب ليس في تأييد قطاعات شعبية
واسعة من الطلبة والعمال وفقراء المدن ورموز المقاومة فحسب ،وإ نما في
انخراط عدد من أعضاء وقياديين من قوى سياسية أخرى في صفوفه عند
تشكيله عام 1959بعد أن تخلو عن تنظيماتهم السابقة هذا من جهة .ومن جهة
أخرى نجده في الفترة الثانية قد ساهم كل من التوجه االقتصادي للقيادة النقابية
« االتحاد المغربي للشغل » والذي بدأ منذ عام 1963وهجمات السلطة على
الحزب وخصوصا بعد أحداث مدينة الدار البيضاء عام 1965واغتيال بن
بركة في العام ذاته ،إلى نمو صراعات بين قادة الحزب ،وإ لى شل فاعلية
الحزب< وتمزقه الداخلي <،األمر الذي حوله إلى « حزب أقلية » يعيش على
ذكريات الماضي التي تشير إليها بعض مطبوعاته وخصوصا جريدته المسماع
« االتحاد الوطني]87[.»
وهكذا يمكن اعتبار تأسيس االتحاد الوطني عام 1959أول عملية فرز على
مستوى الجماهير الشعبية ،فقد كانت الحركة الوطنية قبل ذلك تضم جميع فئات
الشعب ،وكان هدفها التحرر من االستعمارين الفرنسي واإلسباني .وبعد سنة
،1956ستواجه الحركة الوطنية مرحلة جديدة تستلزم تحديد مواقف ثابتة في
الميادين االقتصادية والسياسية واالجتماعية مما أدى إلى ظهور التناقضات<
وبالتالي استحالة استمرار اإلجماع القديم ضد االستعمار في مرحلة البناء،
وهكذا تأسس االتحاد الوطني للقوات< الشعبية سنة 1959وجاء نهاية المخاض
داخل الحركة الوطنية.
وكما تمت اإلشارة في السابق من هذا على المبحث على أننا سنقتصر الحديث
عن قوة سياسية كان لها وزنها الكبير في إضافة نوعية للمشهد الحزبي بالمغرب
والمتمثلة في االتحاد الوطني للقوات الشعبية وسنشير ولو بشكل موجز إلى
أحزاب< أخرى كان لها أيضا الفضل الكبير في إغناء الساحة السياسية المغربية
وسنتناول هنا حزب آخر أقيم بدعم خاص من القصر لمواجهة النفوذ المتزايد
لحزب االستقالل خاصة مع نهاية الخمسينيات من القرن الماضي <.لقد تأسست
الحركة الشعبية في المغرب في أكتوبر سنة 1957بعد ما يزيد عام من خروج
االحتالل األجنبي بالد المغرب من قبل حد وأبرقاش خريج جامعة القرويين،
تأسست وحظيت بدعم من ولي العهد آنذاك (الحسن )II لخلق معادالت جديدة في
الساحة السياسية.
وقد صرح المحجوبي أحرضان أحد زعماء ومؤسسي الحركة قائال « :نحن لم
نكافح من أجل االستقالل كي نفقد حريتنا ،» وذلك في معرض تعليقه على
محاولة حزب االستقالل االنفراد بالساحة السياسية المغربية]88[.
وإ ذا كنا قد أشرنا إلى أن األحزاب التي أقيمت بمساعدة القصر< تسمى بأحزاب
اإلدارة المغربية فإن الحركة الشعبية تدخل ضمن هذا الصنف من األحزاب
كونها كانت قد حظيت بدعم من (ولي العهد الحسن الثاني) <،ونظرا إلى كون
قانون الحريات< العامة لم يكن قد صدر بعد قد تعرض قادة الحركة الشعبية
للمالحقة واالعتقال برغم تعاطف (ولي العهد معهم) ،ولكن األمر الذي لم يدم
طويال إذ نالت الحركة الشعبية رعامة من الملك محمد الخامس وولي عهده،
توج باعتراف قانوني بها في فبراير 1959بعد صدور قانون الحريات العامة
الذي فنن التعددية الحزبية]89[.
وتعود أصول معظم قادة الحركة الشعبية إلى مناطق الريف وسوس واألطلس،
وهي مناطق بربرية ،وقد حصلت الحركة على بعض التأييد هناك األمر الذي
أدى إلى وصف الحركة بأنها « حركة اثنية » بربرية على رغم نفي قادة
الحركة لهذه الصفة.
عقد المؤتمر التأسيسي للحركة في أكتوبر 1959ولكن « األمية السياسية»
التي كان يغرق فيها قادتها ،منعت من صياغة وإ قرار برنامج سياسي للحركة.
حتى انعقاد مؤتمرها الوطني الثاني في أكتوبر سنة ،1962حيث تبنت الحركة
الشعبية « االشتراكية اإلسالمية » كقاعدة لبرنامجها السياسي ،والحظ البرنامج
السياسي الذي أقره المؤتمر أن الهدف األساسي للحركة يتمثل في بناء
« اشتراكية في إطار االشتراكية اإلسالمية ،ووفق ميول الشعب المغربي الذي
تشكل األراضي الجماعية والتويزة بقايا بليغة لها.»
ومن هنا جاءت مطالبة الحركة بتوزيع أراضي الدولة ،وأراضي األحباس على
القبائل والجماعات المحلية كما طالبت بتشجيع تعليم اللهجات< البربرية المحلية[.
]90
وقد قيم الدكتور عبد الكريم الخطيب الزعيم الثاني للحركة الشعبية برنامجها،
وشعار « االشتراكية اإلسالمية » بأنه يهدف إلى :أن نمنع عن شعبنا االتجاه
إلى المادية ،وخاصة الماركسية ،فنحن نريد أن نبني دولة على الرغم من
عصريتها تقف جذورها ثابتة على اإلسالم .ونحن ال نعتقد أن في وسعنا أن
نتقدم بالنسبة لصبائعنا ودخائل نفوسنا بدون الدين]91[.
وفي السنوات التالية تكرر عقد المؤتمرات الوطنية للحركة ،وسط خالفات على
الزعامة في صفوف قيادتها ،وخصوصا بين المحجوبي أحرضان والدكتور عبد
الكريم الخطيب ،وقد تفجر هذا الخالف خالل المؤتمر الوطني الخامس للحركة
عام ،1966وانقسمت الحركة إلى اتجاهين :االتجاه األول تقليدي بقيادة
المحجوبي أحرضان ،والذي حافظ على اسم الحركة بزعامته ،واالتجاه الثاني
مناهض بقيادة عبد الكريم الخطيب <،الذي شكل حزبا جديدا باسم « الحركة
الشعبية الدستورية الديمقراطية » سنة .1967وقد أكد الخطيب أن السبب
الجوهري للخالف تمثل في تأييد زعيم الحركة أحرضان لحالة االستنفار
(الطوارئ) في البالد ،والتي أعقبت اندالع أحداث مدينة الدار البيضاء سنة
]92[.1965وهكذا اتصف حزب الحركة الشعبية بأنه حزب اإلدارة كونه كان
شيارك في الحكومات المغربية منذ عام 1961وحتى اآلن حيث شارك أمينة
العام في عدة وزارات]93[.
وكإضافة إلى ما سبق ذكره نجد في المشهد الحزبي بالمغرب ظهور قوى
سياسية أخرى ساهمت بدورها في إغناء المشهد الحزبي وانطالقا من كون
المشهد الحزبي وانطالقا من كون المشهد السياسي بالمغرب عرف منذ ظهوره
إلى اآلن ظهور أحزاب< وقوى سياسية جديدة منها من ساهم من موقعه باإليجاب
وعاد له الفضل< الكبير في تطوير الحياة السياسية ببالد المغرب ،ومنه من ساهم
في تكريس األزمات السياسية التي عاشها المغرب طيلة مرحلة ما بعد 1956
إلى حدود سنة ،1975وما تشكله هذه السنة في الذاكرة الحية للمشهد الحزبي
بالمغرب حيث المؤتمر االستثنائي لالتحاد الوطني للقوات الشعبية باعتباره
منعطف نوعي ال سواء في مسار الحزب ذاته أو مجموع القوى السياسية التي
كانت مرتبطة به آنذاك ،فإنه – المشهد الحزبي بالمغرب -يشبه لوحة الفسيفساء
المغربية كما جاء على لسان العرب « فايز سارة » فمنها أحزاب< الحركة
االستقاللية ومنها أحزاب اإلدارة ،ومنها القوى السياسية اليسارية حال منظمة
إلى اإلمام الماركسية اللينينية ،ومنها القوى السياسية الدينية والمتمثلة باألساس
في منظمة الشبيه اإلسالمية والذي يعتبر عبد الكريم مطيع أحد مؤسسيها.
وقد ارتأينا عدم تناول كل من القوى السياسية ال سواء اليسارية خاصة منها التي
ظهرت بداية السبعينيات ،وال سواء الحركة الدينية كون مبحث فقط في هذا
البحث المتواضع ال يكفي إلعطائها حقها في الدراسة التاريخية بالرغم من أنها
أضافت< إضافات< مهمة ونوعية الزالت انعكاساتها إلى يومنا هذا وبهذا اكتفينا
بدراسة بمعنى األحزاب التي صنفت حسب الدراسات ضمن أحزاب الحركة
االستقاللية والبعض اآلخر صنف ضمن أحزاب اإلدارة والتي هي من أقيمت
بمساعدة القصر أو كان له الفضل الكبير في تأسيسها.
خاتمة:
بالعربية:
عالل الفاسي ،الحركات< االستقاللية في المغرب العربي ،الطبعة السابعة.
أبو بكر القادري ،مذكراتي في تاريخ الحركة الوطنية ،الجزء< األول.
محمد ضريف :األحزاب السياسية المغربية ،مطابع إفريقيا الشرق ،الدار
البيضاء.1988 ،
وليام هوينسطن ،الحماية الفرنسية بالمغرب بين األوج واألفول تحت قيادة
السادس.
عبد الكريم غالب ،الحركة الوطنية بالمغرب مع نهاية حرب الريف إلى
إعالن االستقالل.
عبد الرحيم برادة ،إسبانيا والمنطقة الشمالية المغربية 1956-1931
الجزء الثاني.
جزن واترابوري ،أمير المؤمنين ،الملكية والنخبة السياسية.
عبد الهادي بوطالب <،نصف قرن السياسة مطبعة النجاح الجديدة الدار
سليمان عارف والدكتور أحمد مصطفى بوحاكمة دار الطباعة والنشر بيروت،
نيويورك .1963
أحمد عيسى المعجزة المغربية دار القلم للطباعة األولى 1975بيروت
لبنان.
روم الندو ،تاريخ المغرب في القرن العشرين.
مصطفى العلوي ،األغلبية الصامتة بالمغرب ،مطابع دار الكتاب الدار
البيضاء.1977 ،
المهدي بنونة ،المغرب السنوات الحرجة الطبعة األولى .1989
ستار محمد عالوي ،أطروحة الدكتوراه تحت عنوان محمد حسن الوزاني
والنشر.
مجلة وجهة نظر ،عدد مزدوج .40/41
األجنبية:
Mohamed Kenbib La Grande Encyclopédie Du Maroc
الفهرس
تقديم عام2 :
الفصل األول :البوادر االولى لبروز األحزاب السياسية في المغرب6 ..
المبحث األول :ظروف نشأة التنظيمات السياسية بالمغرب8 .
– المبحث الثاني :تطور التنظيمات السياسية المغربية13 .
– المبحث الثالث :العمل السياسي واالستقالل16 .
الفصل الثاني :المشهد الحزبي بالمغرب بعد االستقالل25 .
المبحث األول :الصراع على السلطة28 :
المبحث الثاني :حكومة « عبد اهلل إبراهيم » منعطف نوعي في تاريخ الفعل الحزبي بالمغرب36 :
المبحث الثالث :األحزاب السياسية في ما بعد االستقالل43 :
خاتمة53 :
المصادر والمراجع56 :
الفهرس58 ..