You are on page 1of 66

‫دراسة في نشأة األحزاب السياسيةالمغربية‬

‫عام‪:‬‬ ‫تقديم‬
‫يشير الفعل الحزبي داخل المنظومة السياسة العربية عامة والمغرب على وجه‬
‫الخصوص مندد موجة االستقالل والتخلص من االستعمار المباشر العديد من‬
‫التساؤالت عن أزمة السلطة ومت استتبعها من إشكاالت على مستوى التعامل‬
‫مع مؤسسات الدولة ومكونات المجتمع‪.‬‬
‫فقد دهب العديد من الباحثين إلى القول بأن ما أل إليه المشهد الحزبي بالمغرب‬
‫ناتج أساسا عن اختالف التصور لدى زعماء هذه االحزاب بين مرحلة التواجد‬
‫المباشر للمستعمر ومرحلة االستقالل فنجد هذه التنظيمات في بداياتها أتت بغية‬
‫مناهضة االستعمار ووضع عد لعقد الحماية لكن سرعان ما ستتغير الرؤية‬
‫وتصبح هي التي تتحمل المسؤولية التاريخية في األزمة التي يتخبط في‬
‫مستنقعاتها الشعب المغربي مند عقود‪.‬‬
‫لقد قامت األحزاب السياسية بالمغرب كمثيالتها في بلدان العالم الثالث< والدول‬
‫المستعمر هادفة إلى االنعتاق من قيود االستعمار والتمتع باالستقالل والسير في‬
‫خطى ثابتة نحو مقاربة وطرد كل خطر يهدد أمن وسلم المنطقة‪ .‬وكان تأزم‬
‫الوضع الناتج أساسا عن سياسية االستغالل االستعماري ووضوح الغاية وراء‬
‫فخ الحماية المدروس من طرف صانعي القرار في السياسة االمبريالية من بين‬
‫العوامل التي حركت عروق الفئة الواعية في المجتمع المغربي أندالك خاصة‬
‫بعد ما تم إخماد نيران المقاومة المسلحة في البوادي والجبال‪.‬‬
‫فالعمل السياسي في الحواضر الذي شكل الدعامة االساسية لألحزاب السياسية‬
‫بالمغرب قام بين حطام المقاومة المسلحة مع تفاوت واختالف سبل ووسائل‬
‫العمل‪ ،‬فظهر كمحاولة للدخول في مناورات ومحادثات مع المستعمر قصد إيجاد‬
‫صيغة توافقية في سبيل تحسين مستوى عيش الشعب المغربي‪ ،‬وذلك عبر تقديم‬
‫مذكرة تضم مجموعة من المطالب االصالحية في بداية االمر الشعب الذي كان‬
‫يعاني من ويالت االستغالل في أقصى درجاته خصوصا بعد ما دخلت الدول‬
‫الرأسمالية في دوامة األزمة ‪.1923‬‬
‫فلتجاوزها البد للرفع من حدة االستغالل لتعويض العجز واالزمة‪.‬‬
‫لقد ظهرت األحزاب السياسية بالمغرب في أجواء مشحونة سواء على الصعيد‬
‫الخارجي< أو الداخلي بهدف تأطير الجماهير الشعبية والعمل على توجيه ضربات‬
‫إلى المستعمر وإ رغامه على فسخ عقد الحماية‪ ،‬فزعماء هذه‪  ‬التنظيمات في‬
‫بداياتها أخدوا في سبيل تحقيق الهدف المنشود أساليب وأدوات انبتت على اسس‬
‫دينية باألساس أهمها المذهب السلفي الذي ينص على تنفيد النص وعدم تجاوزه‪،‬‬
‫والرغبة في االقتداء بالرسول ومحاسبة أتباعهم في االصول والفروع واالخالف‬
‫والقيم وطاعة أئمة المؤمنين وترك الجدل والخشنة‪ ،‬والسعي وراء الجمع‬
‫والوحدة‪.‬‬
‫كانت معاهدة الحماية مؤشرا خطيرا على تنازل خطير عن كل مظاهر السيادة‬
‫الداخلية والخارجية وغير خاف‪  ‬على أحد ما ترتب جراء ذلك من تشريعات‬
‫استعمارية تضمن حرمان الشعب من أبسط الحقوق الديمقراطية‪ ،‬وكانت النتيجة‬
‫المباشرة النعدام الديمقراطية في ظل االستعمار المباشر واحساس الشعب‬
‫المغربي بالخطر الذي يهدده‪ ،‬انطالق ثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم‬
‫الخطابي الذي أنشأ جمعية وطنية كم رجال القبائل والمشايخ والقادة المقاومين‬
‫أخدت مسؤولياتهما في تنظيم الكفاح والمقاومة وإ دارة شؤون الحكم في المناطق‬
‫المحررة‪ ،‬وكان أول قرار للجمعية هو إعالن استغالل البالد وتأسيس حكومة‬
‫دستورية بل أنها وضعت دستورا يقوم على مبدأ سلطة الشعب‪ ،‬غير أن ذلك لم‬
‫يستمر بين إجهاض الثورة عام ‪.26‬‬
‫لقد تلمس المغاربة بعد إخفاض ثورة الريف نتائج الهيمنة االستعمارية على‬
‫البالد‪ ،‬وكانت مواجهة االستعمار هي الحافز األكثر فعالية في نشأة الحركة‬
‫الوطنية في الشمال والجنوب‪ ،‬التي سرعان ما تحولت إلى أحزاب< سياسية يكاد‬
‫يجمعها شعور وطني واحد نحو وحدة البالد وتحريرها‪.‬‬
‫كما كان لتنامي وتصاعد حركة تصفية االستعمار من العوامل الرئيسية في‬
‫ظهورها كأحزاب سياسية لهذا فهي أحزاب نشأة خارج العملية االنتاجية‬
‫والبرلمان‪.‬‬
‫إن نشأة االحزاب في المغرب وتطورها وتنامي دورها‪ ،‬واجب صعوبات‬
‫وعقبات عديدة وعلى مستويات مختلفة نظرا لظروف وأوضاع المغرب‬
‫السياسية أثناء مرحلة االستعمار‪ ،‬فقد تعاقبت مجموعة من الوقائع واألحداث‬
‫والتنظيمات الحزبية المغربية مند نشأتها حتى اليوم‪.‬‬
‫فمند نشأتها أخدت تحتك بالسلطات االستعمارية بين أخد ورد وتماشيا مع‬
‫مستجدات العصر إلى حيث ثم إنهاء عقد الحماية لتدخل هذه االحزاب مرحلة‬
‫حديدة من تاريخها تميزت في غالبيتها باحتدام التنافس والصراع حول موطئ‬
‫االقدام إذ ظهر االختالف جليا على منطلقات تأسيس مغرب ما بعد الحماية‬
‫سواء داخل مكونات االحزاب وفي طليعتها حزب االستقالل‪ ،‬أو بين هذه‬
‫االحزاب والمؤسسة الملكية التي راهنت على استثمار شرعيتها لما قبل الحماية‬
‫وشرعيتها السياسة في عهد الحماية للتموقع كفاعل مركزي ومتحكم في السلطة‬
‫السياسية‪.‬‬
‫انطالقا من هذه التوطئة التي تعالج وضعية االحزاب السياسية في المغرب فإن‬
‫الدافع وراء تناول الموضوع كان ألسباب ذاتين وموضوعية؛ فالذاتية نابعة عن‬
‫الميل وجب االطالع واالهتمام بالقضايا السياسية والحزبية على وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬أما الموضوعية فتعود إلى كون الدراسة تعالج موضوعا حيويا من‬
‫صميم الساحة السياسية يتمثل في تحديد مركز االحزاب السياسية في القرار‬
‫السياسي‪ ،‬ومحلها من االعراب داخل المنظومة السياسية ككل‪.‬‬
‫ويحتم الخوض في ذلك التعاطي مع الذاكرة والنبش في أحداث التاريخ‬
‫واستحضار محطاته ومتعطفاته بشكل يشير العديد من التساؤالت تسير بالقارئ‬
‫إلى وضع صورة أولية حول مضمون الظاهرة الحزبية بالمغرب‪ ،‬ولهذا الغرض‬
‫ارتأينا إلى تناول الموضوع على الشكل التالي‪:‬‬
‫يتضمن تقديم حول الموضوع‪ ،‬وفصلين مركزين باإلضافة إلى خاتمة‪.‬‬
‫فالفصل األول حاولنا بإيجاز دراسة السياق التاريخي العام لبروز التنظيمات‬
‫الحزبية بالمغرب خاصة إبان المواجهة المباشرة مع االستعمار‪ ،‬وأهم التطورات‬
‫السياسية التي طرأت عليها في تداخل مجموعة من العوامل والظروف ساهمت‬
‫في نشأتها وتطورها‪ ،‬والدور الدي لعبته في النضال من أجل االستقالل‪.‬‬
‫أما الفصل الثاني حصصناه لتناول مرحلة مهمة في تاريخ المغرب‪ ،‬عرفت‬
‫تطورات وانعطافات< نوعية كان لها انعكاس كبير على الحياة العامة للشعب‬
‫المغربي‪ ،‬اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا‪ ،‬نظرا للدور الذي لعبته المنظومة السياسية‬
‫بالمغرب خاصة وأن ظروف القمع المسلط على رقاب شعبنا هي التي أنتجتها‬
‫وما االنشقاقات التي عرفتها األحزاب السياسية مع نهاية الخمسينات وبداية‬
‫الستينات إال دليل حي على ما نقول مما جعل هذه االنشقاقات< تكون بمثابة قاعدة‬
‫أساسية بالنسبة لكل االحزاب‪ ،‬حيث‪  ‬نجد انشقاق فالن أو فالن في كل فترة من‬
‫فترات مغرب اليوم وما عدد األحزاب بالمغرب حاليا إال حقيقة على هذا‪.‬‬

‫الفصل األول ‪:‬البوادر‪  ‬االولى لبروز األحزاب السياسية في المغرب ‪.‬‬


‫يأتي في معرض الحديث عن المشهد الحربي بالمغرب بعد نهاية فترة الحماية‬
‫‪ ،1956‬االشارة إلى المالبسات والظروف التي ظهرت فيها هذه االحزاب‪ ،‬كما‬
‫وجب رصد اهم التحوالت التي واكبت نشأتها وتطورها كخلوة أولى نحو فهم‬
‫ميكانيزمات المشهد الحزبي في المغرب خالل الفترة المراد دراستها‪ .‬لقد أشرنا‬
‫في مستهل هذا البحث إلى ان االحزاب في المغرب ظهرت كمثيالتها في باقي‬
‫دول العالم الثالث< أو الدول المستعمرة في سياق المواجهة مع قوات االحتالل‬
‫االستعمارية من أجل استعادة االستقالل‪ ،‬فمند إعالن عقد الحماية المشؤوم‪ ،‬لم‬
‫يتردد المغاربة في إعالن رفضهم لمضامين المعاهدة عبر قيامهم بتفجير العديد‬
‫من المعارك على شكل مقاومة مسلحة في البوادي والجبال استمرت إلى حدود‬
‫الثالثينيات من القرن العشرين‪ ،‬وقد ذكر عالل الفاسي في كتابيه الحركات‬
‫االستقاللية في المغرب الغربي‪ »  ،‬إن العهد الذي يفصل بين ‪ 31‬مارس ‪9212‬‬
‫و‪ 16‬ماي ‪ 1930‬يكاد يكون عهد كفاح عسكري محض ألن األغلبية الساحقة‬
‫من سكان المغرب أعلنت الثورة بعد توقيع الحماية ولم يكن إخضاعها< لها إال‬
‫بعد جهود جبارة‪ ،‬وبصفة تدريجية‪ ،‬وألن …‪ .‬الجيل الذي سبق الحماية أو‬
‫عاصرها التجأت كلها إلى الجبال< تقود الثورة وتدبر الكفاح‪ ،‬والذين غلبتهم القوة‬
‫على امرهم أصيبوا بدهشة العسكري المغلوب الذي ال يستطيع أي عمل بعد‬
‫تجريدة من السالح فكان لزاما إلزالة هذه الدهشة العامة أن ينتظر نشوء جيل‬
‫جديد متشبع بروح المقاومة السلمية ينتظر نشوء جيل جديد متشبع بروح‬
‫المقاومة السلمية التي ال تعطي السالح المقام األول في كل معركة‪]1[.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬ظروف نشأة التنظيمات السياسية بالمغرب‪.‬‬


‫طبعا كانت بداية رد فعل المغاربة ضد سلطات الحماية ردا قويا كان هاجسه‬
‫حمل السالح والمواجهة الميدانية مع العدو قصد طرده يؤرخ لذلك مجموعة من‬
‫المعارك ظلت راسخة في سجل تاريخ نضال المغاربة مند االستعمار‪.‬‬
‫إنا ما يهمنا هو محاولة رصد البوادر االولى لقيام التنظيمات السياسية والتي‬
‫ستتطور بعد ذلك لتصبح أحزاب سياسية تقوم على تعبئة الجماهير المطالبة‬
‫باإلصالحات< ثم االستقالل‪ ،‬وقد تبين لنا أن العمل السياسي بالمغرب ظهر مند‬
‫إعالن عقد الحماية ولو بصورة لم تكن في مستوى السياسيين المحنكين القادرين‬
‫على قلب الموازين لصالح المغرب‪<.‬‬
‫ويظهر ذلك جليا في ما نقله أبو بكر القادري في كتابه مذكراتي في الحركة‬
‫الوطنية المغربية من ‪ 1930‬إلى ‪1940‬؛‪ » ‬إن االطالع على البيعة الحفيظية‬
‫والمذكرات والمشاريع التي كان يتقدم بها بعض المثقفين المخلصين‪ ،‬ومشروع‬
‫الدستور المنشور في لسان المغرب وبعض محاضر جلسات مجلس االعيان كل‬
‫ذلك يذل على أنه كانت ببالدنا ‪ .… ‬مذكرة وطنية ربما لم تكن لها من‬
‫االمكانيات والتنظيمات ما يعطيها قيمة حركة وطنية منظمة ولكنها على كل‬
‫حال كانت موجودة تقوم بواجباتها في دائرة إمكانياتها‪]2[» .‬‬
‫وفي هذا الباب< تجدر االشارة أيضا إلى تداخل مجموعة من العوامل في بروز‬
‫هاته التنظيمات السياسية في وضع محلي طابعه الخاص تمثل في التداخل‬
‫األجنبي بعد توقيع معاهدة الحماية المشؤمة سنة ‪ 1912‬مما ولد شعورا قويا‬
‫لدى المغاربة باالنتماء للوطن‪ ،‬وقد كان هذا اإلحساس السبب الرئيسي لتصدي‬
‫المغاربة لالحتالل األجنبي عن طريق المقاومة المسلحة والتي لم تستسلم إال بعد‬
‫أن استنفدت جميع الوسائل واإلمكانيات المتاحة لمواجهة العدو‪.‬‬
‫ويوضع تاريخ المغرب بعد توقيع معاهدة الحماية بفاس ‪ ،1912‬أن المغاربة لم‬
‫يتقبلوا أبدا حالة التبعية التي فرضت عليهم‪ ،‬فبعد المقاومة المسلحة للفالحين‬
‫والرعاة(‪ )1934-1912‬طهرت المعارضة السياسية(‪ )1942-1930‬غير ان‬
‫الحركة الوطنية اكتسبت طابعا عنيفا بعد انخراط الطبقة العاملة الحديثة التكوين‬
‫في الصراع (‪ )1955-1945‬ومن ناقلة القول أن سير األحداث بالمغرب تأثر‬
‫تأثيرا بينا بتطور الوضعية السياسية في فرنسا والمغرب‪]3[.‬‬
‫ويشير االستاذ عبد الكريم غالب أن انطالق العمل السياسي في المدن‪ ،‬يعني ام‬
‫المدينة أصبحت< ألول مرة تدافع عن الريف‪ ،‬بينما كان العكس هو طابع‬
‫الحركات< التحررية من قبل حيث كانت القرية هي السباقة للوقوف امام التدخل‬
‫االجنبي‪ ،‬ويوضح أن البرجوازية هي التي قامت بهذا العمل‪ .‬معال… الظاهرة‬
‫بعاملين؛ األول نفسي والثاني ثقافي‪ .‬وال نجد رابطا بينها إال حجم الصدمة التي‬
‫أحدثها االستعمار في نفوس الشباب سواء بتخاذل اآلباء وسلبيتهم فكان على‬
‫األبناء أن يفكروا عما حدث‪ ،‬أو حينما تمكنت الجيوش الغازية من هزيمة‬
‫بالمقاومة المسلحة‪ ،‬ويستنتج بالتالي أن الحركة السياسية قد تكون البديل للحركة‬
‫الوطنية المسلحة‪ ،‬ثم يعود ليعكس المسألة ويحسمها في عنوان جانبي قائال‪» :‬‬
‫الحركة السياسية ليست بديال للمقاومة المسلحة‪ ،‬بل هي حركة وجدت لتمتص‬
‫اليأس الذي كان يهيمن على عامة الناس‪]4[.‬‬
‫إضافة إلى ما سبق نجد أن هناك اتفاق بين الباحتين على كون سنة ‪ 1934‬هي‬
‫البداية الفعلية النطالق التنظيم الحزبي مع العلم أن هناك تنظيمات سبقت الحزب<‬
‫الوطني‪ ،‬فقد ثم تأسيس أول تنظيم سياسي عقب الحرب الريفية في غشت‬
‫‪ 1926‬وقد كان نشؤها نتيجة الهزيمة التي تلقها عبد الكريم الخطابي فحاولت‬
‫النخبة الحضرية تجاوز االختالف العسكري عبر العمل السياسي ولكن لم يكن‬
‫العمل السياسي ممكنا في غياب تنظيم سياسي يسهل عملية التواصل وإ مكانيات‬
‫التنسيق ومع حلول ‪ 1934‬انهزمت المقاومة المسلحة غير أن الضربة التي‬
‫وجهها عبد الكريم للجيوش اإلسبانيين والفرنسيين أدت ابتداء من ‪ 1925‬إلى‬
‫بروز المعارضة السياسية في المدن‪ ،‬وقد تبلورت هذه المعارضة حول‪» ‬‬
‫الظهير البربري‪ » ‬سنة ‪ 1930‬فأعد الشباب المثقف وهم محركوا هذه‬
‫المعارضة برنامجا لإلصالحات< وأسسوا أول حزب سياسي مغربي هو «‪ ‬كتلة‬
‫العمل الوطني‪ » ‬سنة ‪ ،1934‬ثم انقسموا ليكونوا حزب بينهما‪  ‬الحزب< الوطني‬
‫الذي تحول بعد أن منع سنة ‪ 1937‬إلى حزب االستقالل في ‪ 1943‬والحركة‬
‫القومية التي أصبحت< في ‪ 1946‬تحمل اسم الشورى واالستقالل‪]5[.‬‬
‫وفي نفس السياق وجب علينا عدم إهمال أن المنطقة الشمالية عرفت مند بزوغ‬
‫فجر الحماية تشكيل جماعات وطنية كان لها وقع كبير على تطور العمل‬
‫السياسي في المغرب‪ ،‬واستطاعت هذه التشكيالت ان تجد لنفسها موطئ قدم‬
‫داخل مقاومة الريف للنهوض بأوضاع التعليم عبر إنشاء مدارس حديثة وإ رسال‬
‫بعثات ضل بين إلى المشروف على أساس تكوين خير خلف لخير سلف‪ ،‬وساهم‬
‫ذلك في تطوير معارف الطلبة وربط اتصاالت بجمعيات الطبة من الدول الشقيقة‬
‫وبوطني الدول المجاورة وكذا بوطني المنطقة الفرنسية والمشاركة في بعض‬
‫الجمعيات< والعصب المناهضة لالستعمار‪]6[.‬‬
‫ومن جهة نجد ان عالل الفاسي في كتابه الحركات< االستعمارية بالمغرب‬
‫العربي يقول بأنه كان التأثير االيجابي للمقاومة الريفية في تنمية الحس الوطني‪ ‬‬
‫واالنفتاح الخارجي لدى قادة الحركة الوطنية المتمثلة في االتصال المبكر‬
‫بالمشرق والقرب من أوربا‪ ،‬وليونة المواقف اإلسبانية بالنظر إلى الموقف‬
‫المتشدد لالحتالل الفرنسي في المنطقة السلطانية كلها عوامل ساهمت في بروز‬
‫الحركة الوطنية وشكلت سنة ‪ 1936‬ميالد جزب اإلصالح الوطني بقيادة «‪ ‬ع‪.‬‬
‫الخالق الطريس‪ .» ‬وسنة ‪ 1937‬أنشأ ‪ » ‬المكي الناصري‪ » ‬حزب الوحدة‬
‫المغربية بدعم المنطقة الخليفية إليه‪ ،‬فنظم نفسه وفتح فروعه وأسس هيئة‬
‫للشبيبة‪]7[.» ‬‬
‫ويرجع جون واتر بوري إلى أن أصول الحركة الوطنية المغربية كمثيالتها في‬
‫الشرق االوسط تراجع إلى النهضة الدينية السلفية التي قيل عنها إنها مثال أخر‬
‫لنموذج تاريخي لكل كالسيكي أي نموذج الحركة المتزامنة التي‪  ‬تتحمس لها‬
‫الفئات‪  ‬الشعبية المضطهدة‪ ،‬ذات األوضاع المتدهورة أثناء مراحل االضطرابات‬
‫والتحوالت االجتماعية‪ ،‬سواء في المدن او البوادي‪]8[.‬‬
‫هكذا اذا اكتشف القادة الشباب للحركة الوطنية وهم يخطون أولى خطواتهم في‬
‫ميدان النضال؛< الواقع المرير بمختلف أبعاده فرأوا بكل وضوح األخطار التي‬
‫كانت تهدد مستقبل الشعب المغربي إزاء النظام االستعماري‪ ،‬وبالتالي استوجب‬
‫االمر تدارس الوسائل واألساليب التي قد تساهم في ايقاف المسلسل االستعماري‬
‫الخطير‪ ،‬في ذلك الصرف لم تكن الوسائل هي الرجوع إلى حمل السالح فقد‬
‫قامت المقاومة المسلحة كل ما كان في جعبتها أن تقدمه في الجبال والبوادي‬
‫طوال ثالثة عقود التي تلت الحماية‪ ،‬وفي صدد البحث عن سبل وأدلة تكون‬
‫مرشدا للعمل لم يكن أمامهم سوء األخذ بيد الوازع الديني وذلك راجع إلى أن‬
‫الثقافة التي كانت سائدة أنذلك ذات أبعاد دينية باألساس‪ ،‬كانت عبادة األولياء‪،‬‬
‫والممارسات الهرطقية وما إلى ذلك من أشكال البدع المختلفة منتشرة في أرجاء‬
‫المغرب‪ ،‬حيث الزوايا والطرق من أكبر الدعاة‪.‬‬
‫وكما أشرنا سابقا على ان الثقافة التي كانت سائدة أنذلك في أوساط المجتمع‬
‫المغربي هي الثقافة الدينية بحكم عدد الزوايا التي كانت موجودة ببالد المغرب‪،‬‬
‫فقد كانت التنظيمات الحزبية في بدايتها على شكل جماعات تضم مجموعة من‬
‫األفراد تجمعهم نظرة موحدة إلى الواقع‪ ،‬فإذا كان عملهم قبل ذلك يقتصر على‬
‫بعض األشغال االجتماعية واالقتصادية فإن الوضع حتم على هذه الجماعات‬
‫تنظيم نفسها وإ عطاء حيز كبير من التفكير حول ما آلت إليه األوضاع خصوصا‬
‫بعد وضوح النوايا االستعمارية‪ ،‬والتحرك في مدار توسيع دائرة الجماعات< عبر‬
‫فتح العديد من قنوات الجوار المباشر والغير المباشر مع مختلف الجهات< التي‬
‫وضعت يدها على جرح األزمة المغربية الداخلية منها والخارجية‪.‬‬
‫والواقع أن بداية تنظيماتنا الجديدة كانت عمليا وبإحكام أكبر قبل سنة ‪1943‬‬
‫عند ما بدأ تفكيرنا يتضاعف وعزمنا يتقوى للقيام بعمل حاسم تستفيد منه بالدنا‬
‫ونرفع به قيمة وطننا فصرنا نؤسس الخاليا الحزبية‪ ،‬وبدأ التفكير في الوقت‬
‫نفسه بتوسيع دائرة الطائفة وهي الجناح< السري في الحزب بتكوين خاليا خاصة‬
‫أدخلنا فيها بعض العناصر الشابة التي أبانت عن وطنيتها ونضجها وحماسها‪[.‬‬
‫‪]9‬‬
‫وفي نفس السياق ومحاولة من أعضاء الحركة الوطنية جعل الطائفة تلعب الدور‬
‫المنوط بها أندلك في مواجهة االحتالل والصراع من أجل استقالل الوطن‬
‫يضيف أبو بكر القادري في كتابه الحركات االستقاللية بالمغرب العربي‪ » ‬فقد‬
‫طورت الجماعات< نفسها عبر القيام بعدة تحركات همت باألساس إدخال تعديالت‬
‫على الطائفة؛ الدعامة األساسية للتنظيم واستقطاب طاقات تشابك وتكونت لجان‬
‫من الطلبة وغيرهم‪ ،‬خصصت لها مهمة كتابة المنشورات وتوزيعها على الدور‬
‫والحوانيت وتعليقها على الجدران تدعو الناس إلى الثبات واالستمرار في‬
‫التضامن والتمسك بالمطالبة باالستقالل‪]10[.‬‬
‫ومع بروز هذه التنظيمات ساهمت مختلف مكونات الشعب المغربي كل حسب‬
‫موقعه في أن تؤدي دورها كمساهمة في المسيرة التحررية للشعب المغربي من‬
‫نير االستعمار ومختلف أشكال العنف واالضطهاد التي مورست في حقه طيلت‬
‫مرحلة تاريخية هامة لها انعكاس على الحياة العامة للشعب مما فتح آفاق رحبة‬
‫أمام الحركة الوطنية التي ظهرت كحركة تحررية بديلة عن حمل السالح في‬
‫البوادي والجبال الذي اتخذه أعضاء المقاومة المسلحة إلى حدود بداية‬
‫الثالثينات‪ <،‬فلعبت الزوايا والطرق دورها‪ ،‬ولعبت الطائفة دورها والتنظيم‬
‫الحزبي في شخص كتلة العمل الوطن لعب دوره في هذا الباب‪  ‬ومختلف الفئات‬
‫المثقفة في الشعب المغربي مما سيطور من أداء هاته التنظيمات السياسية‬
‫الحزبية في مستقبل السنوات المقبلة‪.‬‬

‫–‪  ‬المبحث الثاني‪  :‬تطور التنظيمات السياسية المغربية‪.‬‬


‫نشأة كتلة العمل الوطني تبعا لرغبة الوطنيين المغاربة في االنتظام في دائرة‬
‫تعمل على تنسيق الحركة الوطنية وتوجهيها‪ ،‬فبصدور قانون إلحاق المغرب‬
‫بوزارة المستعمرات الفرنسية في فبراير ‪ 1934‬حيث ان هذا اإللحاق يفقد‬
‫المغرب شخصيته السياسية كما يمس سيادته المنصوص عليها في معاهدة‬
‫الحماية وفي هذا السياق عمات النخبة الوطنية على صياغة مطالب تتماشى‪  ‬مع‬
‫المرحلة الجديدة‪.‬‬
‫وفي هذه الفترة برز أول تنظيم حزبي علني باسم كتلة العمل الوطني يتجلى‬
‫نشاطه باألساس في وضع برنامج أثار العناية بالحركة الوطنية‪ ،‬المغرب أكثر‬
‫مما أثارتها المظاهرات< في الشوارع‪]11[.‬‬
‫وتعتبر مرحلة ما بعد ظهور حزب كتلة العمل الوطني البداية الفعلية للتحوالت‬
‫والتطورات الهامة التي عرفها مسار العمل السياسي بالمغرب بما هو تطور‬
‫هاته التنظيمات في نشاطها وعملها السياسيين‪ ،‬حيث رفعت كتلة العمل الوطني‬
‫يومي ‪ 16‬و‪ 17‬ديسمبر سنة ‪ 1935‬للسلطان والمقيم العام ووزير الخارجية‬
‫الفرنسي ورئيس الجمهورية ورئيس لجنتي الخارجية في مجلس الشيوخ عدة‬
‫برقيات تتضمن االحتجاجات الصارخة على هذه الحركات< الباطلة التي يقوم بها‬
‫المستعمرون والفرنسيون متناسين الشعب المغربي وحقوقه الطبيعية‪]12[.‬‬
‫وعلى كل حال فمهما تعددت أسباب انقسام الكتلة فإنه وكما يقول‪ » ‬العلوي‬
‫مصطفى‪ « » ‬لم يكن غربيا أن تنقسم الحركة الوطنية في سنواتها األولى‪ ،‬فقد‬
‫كان ضروريا وطبيعيا نتيجة التطور الذي عرفته المجموعة الوطنية في أولى‬
‫سنوات وجودها ألن االنقسام من سنن التطور وليس من سنن المصلحة الفردية‬
‫كما يدعي القائلون فرق تسد‪]13[.» ‬‬
‫وبعد انسحاب محمد حسان الوزاني ثم اختيار احمد فريج كأمين عام‪ ،‬ومن ثم‬
‫فقد تابعت اللجنة التنفيذية اعمالها ككتلة بإصدارها مجموعة من الصحف‬
‫كصحيفة «‪ ‬األطلس‪ » ‬في ‪ 19‬يناير ‪ 1937‬وجعلت من هذه الصحيفة لسانها‬
‫الناطق بالعربية ومن صحيفة ‪» ‬العمل الشعبي‪ » ‬كلسان ناطق بالفرنسية‪،‬‬
‫وعملت كل ذلك للتعبير عن موقفها وأخدت فاس مركزا عاما لها وهذا ما أدى‬
‫إلى تصاعد النضال الوطني وتجاوب الشعب معه في كل مناطق المغرب‬
‫سوآءا‪ ،‬وفي البوادي أو في المدن مع هذا النضال ودلك باالنخراط فيه‪ ،‬مباشرة‬
‫بعد صعود الجبهة الشعبية إلى الحكم في فرنسا‪ ،‬حدث تحول جذري في بنية‬
‫كتلة العمل الوطني التي عاشت مجموعة من التناقضات< نتيجة اإلجراءات‬
‫المتسامحة التي اتخذها المقيم العام الفرنسي نوجيس‪ ،‬وهكذا فقد أصبحت الكتلة‬
‫منفتحة على القواعد الشعبية‪ ،‬وتأسست فروع جديدة‪ ،‬لها في عدة مدن كمكناس‪،‬‬
‫صفروا‪  ،‬ووزان‪ ،‬قصبة تادلة وغيرها هذا االنفتاح سيفجر مجموعة من‬
‫الخالفات داخل الكتلة والتي كانت تضم تيارين مختلفين تماما في توجهاتها‪،‬‬
‫وهكذا سيشكل مشكل الفساد داخل الكتلة سببا رئيسيا في انشقاق هاته األخيرة‪،‬‬
‫وهذا ما أكده محمد ضريف حينما قال أن تحول بنية كتلة العمل الوطني من‬
‫حزب مغلق على نفسه إلى حزب منفتح على القواعد الشعبية سيطرح مشكل‬
‫القيادة داخل الحزب‪ <،‬إذ أن فكرة القيادة الجماعية لم تعد صالحة بعد هذا التحول‬
‫وكان هناك شخصان فقط مؤهلين لتزعم الحزب الذي أصبحت< له أصول الجبهة‬
‫الشعبية قدرة على تحريك الشارع هذه الشخصان هما عالل الفاسي‪  ‬ومحمد‬
‫وحسن الوزاني‪]14[.‬‬
‫وفي اكتوبر ‪ 1936‬عرفت كتلة العمل الوطني تحوالت في بنياتها‪ ،‬هذا التحول‬
‫سيدعو إلى بذل المزيد من الجهود قصد هيكلتها‪ ،‬وما االجتماع الذي انعقد في‬
‫يناير ‪ 1937‬واختيار لجنة تنفيذية جديدة للحزب‪ ،‬سوى نقطة من الخالفات< التي‬
‫كانت بين عالل الفاسي‪ ،‬ومحمد حسن الوزاني مما ادى بهذا األخير بعدم قبول‬
‫التركيبة الجديدة للجنة التنفيذية‪  ‬وانسحابه من كتلة العمل الوطني لتنفجر في‬
‫األخير‪ ،‬وقد ظهر عن هذا الخالف بروز حزبين في الساحة السياسية هما‪:‬‬
‫الحركة القومية‪ ،‬والحزب الوطني‪ ]15[.‬غير أنه سرعان ما تحول إلى‪ :‬حزب‬
‫الشورى واالستقالل بالنسبة للحركة القومية سنة ‪ 1946‬بزعامة محمد حسن‬
‫الوزاني‪ ،‬والحزب الوطني الذي تحول إلى االستقالل سنة ‪ 1944‬بزعامة احمد‬
‫بالفريج‪ ،‬وفي هذه السنة قامت رموز بارزة من الحركة الوطنية المغربية ومن‬
‫نشطاء‪ » ‬كتلة العمل الوطني‪ » ‬المنحلة بإعالن «‪ ‬وثيقة االستقالل‪ » ‬وثم تأسيس‬
‫حزب المغربي من طرف بالفريج لتحقيق مبادئ الوثيقة االستقاللين ومنها‬
‫استمد الحزب< اسمه‪ ،‬وفي العودة للحديث عن انشقاق حزب الشورى واالستقالل‬
‫عن كتلة العمل الوطني باعتباره من اهم األحزاب السياسية التي نشأت في مدة‬
‫األربعينيات من القرن العشرين للوقوف بوجه االستعمار الفرنسي‪ ،‬وحمل هذا‬
‫الحزب بداية تأسيس اسم الحركة القومية التي شكلها محمد حسن الوزاني‪ .‬وفي‬
‫العام نفسه تعرض الوزاني لالعتقال والنفي إلى جنوب المغرب مما اضعف من‬
‫تأثير الحزب في الساحة السياسية بالمغرب على الرغم من تقديمه وثيقة‬
‫االستقالل في الثالث< عشر من كانون الثاني ‪/‬يناير‪ 1944‬التي نافست وثيقة‬
‫االستقالل التي قدمها حزب االستقالل في الحادي عشر من كانون الثاني ‪ /‬يناير‬
‫‪]16[.1944‬‬
‫وفي نفس السياق وجب علينا عدم إهمال ان المنطقة الشمالية عرفت مند بزوغ‬
‫فجر الحماية تشكيل جماعات وطنية كان لها وقع كبير على تطور العمل‬
‫السياسي ببالد المغرب‪ <،‬واستطاعت هذه التشكيالت أن تجد لنفسها موطئ قدم‬
‫داخل النخبة السياسية‪ .‬وكان همهم األكبر خصوصا مع إخماد نيران المقاومة‬
‫بالريف للنهوض بأوضاع التعليم بإنشاء مدارس حديثة‪ ،‬وإ رسال بعثاث بين‬
‫المشرق على أساس تكوين خير خلف لخير سلف‪ ،‬وساهم ذلك في تطوير‬
‫معارف الطلبة وربط اتصاالت بجمعيات الطلبة من الدول الشقيقة وبوطن الدول‬
‫المجاورة‪ ،‬وكذا بوطن المنطقة الفرنسية والمشاركة في بعض الجمعيات<‬
‫والعصب المناهضة لالستعمار‪]17[.‬‬
‫هكذا إذا وقعت االنشقاقات< داخل التنظيمات السياسية في امس الحاجة إلى تعدد‬
‫األحزاب في تلك المرحلة خاصة مع تزايد إجرام المستعمر االجنبي الذي لم‬
‫يستثني أحد هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد ان هذه االنشقاقات ناتجة‬
‫باألساس في االختالف بين القادة والزعماء الوطنيين أندلك وهذا ما تؤكده‬
‫مجموعة من المصادر خاصة و…‪..‬على مقربي من تحقيق الهدف المنشود‬
‫أنداك أي طرد المستعمر االجنبي والدخول في مرحلة سياسية جديدة‪.‬‬

‫–‪  ‬المبحث الثالث‪ :‬العمل السياسي واالستقالل‪.‬‬


‫ستنصب جهودنا في المبحث حول أبرز المتغيرات التي عرفتها الساحة السياسية‬
‫المغربية‪ ،‬والحرص على إيصال صورة واضحة تعطي انطباعا أوليا للحالة‪ ‬‬
‫التي كانت عليها التنظيمات الحزبية بالمغرب في احتكاكها مع سلطات الحماية‪ ‬‬
‫حول مطلب االستقالل‪ ،‬مع الوقوف عند أهم المحطات< التاريخية التي تفاعلت‬
‫فيها هذه االحزاب مع االطراف السياسية القائمة أنداك مما يجعلنا أمام مهمة‬
‫صعبة‪  ‬تمكن في ندرة المصادر التي تناولت الموضوع من جهة وتباين‬
‫واختالف أراء أولئك الذين تناولوا الموضوع رغم قلتهم كل حسب مصلحته من‬
‫الدراسة بطبيعة الحال‪<.‬‬
‫لقد علمنا أن العمل السياسي بالمغرب تأسس في العشرينيات من القرن الماضي‬
‫بديال عن المقاومة المسلحة بغية االستقالل‪ ،‬وتماشيا مع الشروط الدولية‬
‫وتحوالت العصر‪ ،‬خاصتا بعد نهاية الحرب العالمية األولى وظهور آليات كهيئة‬
‫عصبة األمم وإ عطاء العمل السياسي أهمية كبيرة في حين تراجع العمل المسلح‬
‫كوسيلة لتحقيق الهدف‪ ،‬تغيرت معه تصورات المغاربة تجاه السبل المتخذة لطرد‬
‫المحتل واشتدت الرغبة إلى الجلوس على طاولة الحوار مع سلطات الحماية‬
‫لوضع حد لمعاهدة الحماية‪.‬‬
‫طبعا وكما سبقت اإلشارة فالتنظيمات السياسية بالمغرب ظهرت في بداياتها على‬
‫شكل تجمعات سرية تكونت في معظمها من الطليعة أبناء البرجوازية الصغرى‬
‫متأثرين بالنزعة الشرقية كمرجعية ومرشد العمل عبر بعث وإ حياء الماضي‬
‫واتباع السلف الصالح‪ ،‬كما تأثروا كذلك بالتجربة الفرنسية على مستوى التنظيم‪،‬‬
‫هذه االزدواجية في بنية هذه األحزاب سيكون لها قسط من التأثير على مجريات‬
‫األحداث التي ستعرفها الساحة السياسية عموما‪ ،‬سواء في الجنوب او في الشمال‬
‫و أخد العمل السياسي يترعرع وينمو في طريق ليس باليسير وال هو مفروش‬
‫بالورود‪.‬‬
‫قد عملت التنظيمات الحزبية في البداية على التفاوض مع سلطات الحماية قصد‬
‫المطالبة باإلصالحات وتطبيق ما جاء في معاهدة الحماية من بنود بعد ذلك‬
‫ستعرف هذه التنظيمات خاصة في المنطقة السلطانية تطورا سلبيا تمثل في‬
‫بروز ظاهرة االنشقاق أواخر الثالثينات ‪ ،‬ثم بعد ذلك نقل صراعها مع الحماية‬
‫من المطالبة باإلصالحات< إلى المطالبة باالستقالل مستغلة مجموعة من‬
‫المحددات أهمها تصاعد مؤشر المد التحرري واتساع رقعته‪ ،‬فقد ثم اإلعالن‬
‫بالمطالبة باالستقالل في وقت واحد تقريبا من األحزاب الوطنية في المنطقة‬
‫اإلسبانية( ديسمبر ‪ )1942‬والحزب الشيوعي المغربي (بداية ‪ ،)1943‬ومن‬
‫طرف حزب االستقالل (يناير ‪ )1944‬ويبدو ان الظروف كانت مالئمة‪]18[.‬‬
‫فقد انفتحت قضية تحرير الشعوب وتقرير مصيرها بنفسها والحرب العالمية‬
‫على أشدها وعندما ما صدر ميثاق األطلسي وانعقد مؤتمر أنفا سنة ‪1943‬‬
‫كانت قضايا تحرير الشعوب مسجلة في جدول أعمال ولقاءات< الكبار‪]19[.‬‬
‫كانت األربعينيات من القرن الماضي مرحلة حاسمة مشحونة بالكثير من‬
‫النزعات همت باألساس تداخل المصالح االقتصادية‪ ،‬لعبت فيها األحزاب‬
‫السياسية أدوارا طالئعية ساهمت في تقوية صفوفها بالمزيد من التنظيم‪ ،‬فنجد أن‬
‫قادة الحركة الوطنية اهتموا بخلق موارد مالية تضمن لهم السير العادي لعملهم‪،‬‬
‫لهذا نجد قيادة حزب االستقالل اهتمت باستقطاب البرجوازية الكبرى التي‬
‫اغتنت من بيع المخزونات الهامة التي أدخرتها قبل سنة ‪ ]20[.1939‬فالتوفر‬
‫على مؤهالت مالية مهمة واالعتماد على دعامات وركائز من هذا القبيل يزيد‬
‫العمل دفعة قوية نحو غايته‪ ،‬وهذا ما جعل بعض الباحثين يؤكدون ان السيولة‬
‫المادية التي اعتمد عليها حزب االستقالل جعلت منه حزبا قويا قادر على تحمل‬
‫المسؤولية‪.‬‬
‫ومند سنة ‪ 1944‬تغير اتجاه الحركة الوطنية بتأسيس حزب االستقالل والمطالبة‬
‫باالستقالل الكامل ألول مرة نحو تنظيم حزب جماهيري واسع وقررت‬
‫البورجوازية في الوقت نفسه تمويل نشاطه‪]21[.‬‬
‫كمت شهدت نهاية الحرب العالمية الثانية‪  ‬دخول الواليات المتحدة األمريكية‬
‫على الخط إذ أخدت المبادرة إلحداث تغيرات على الخريطة السياسية للعالم‬
‫نظرا لتضاعف ثروتها ومطامعها‪  ‬واالنهيار الشبه التام لمعظم البنيات‬
‫االقتصادية للنظام الرأسمالي في القارة العجوز فاضطرت لمساندة الحركات<‬
‫التحررية التي يمكن أن تسمح بإقامة سيطرتها االقتصادية بدل من سيطرة‬
‫منافسيها الذين تراجعوا فأخدت في مقاومتهم‪ ،‬فقبلوا بالخضوع على أساس ان‬
‫يحتفظوا بجزء من مستعمراتهم‪]22[.‬‬
‫لقد عرفت تحركات الواليات المتحدة االمريكية‪  ‬في هذا السبيل تصاعدا منقطع‬
‫النظير وشهد التاريخ أو رأسماليو و‪ .‬م‪ .‬أ‪  ‬قدموا مجموعة من المشاريع‬
‫االقتصادية على هذا النحو نذكر مشروع «‪ ‬مارشال‪ » ‬الرامي إلى إعادة إعمار‬
‫أوربا وإ حيائها خوفا من انتشار المد الشيوعي القادم من الشرق‪ ،‬ووجب القول‬
‫أن فهم السياق التاريخي لمطالبة األحزاب المغربية باالستقالل يرتبط ارتباطا‬
‫وثيقا باستيعاب الجو الدولي المحيط بهذا الحدث‪<.‬‬
‫وفي نفس السياق تميزت المرحلة التي تبدأ بعد سحق قوات المحور(‪-1944‬‬
‫‪( )1945‬إيطاليا‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬اليابان) بتقدم القوى الديمقراطية في العالم ‪ ،‬فقد كان‬
‫المعسكر االشتراكي حول االتحاد السوفياتي الذي حطمت جيوشه اآللة الهتلرية‪،‬‬
‫أما في بلدان أوربا الغربية فقد تراجعت القوى الرجعية التي أضعفتها الحرب<‬
‫وأذلها التواطئي‪ ،‬أمام تصاعد المد الشيعي وساهمت الشعوب المستعمرة في‬
‫الكفاح من أجل الحرية‪ ،‬كما أعطيت لها بعض الوعود وأعاد ميثاق األمم‬
‫المتحدة( يوليوز ‪ )1945‬بعد ميثاق األطلسي تأكيد حق الشعوب في تصريف‬
‫شؤونها بنفسها‪ .‬وطالب باحترام حقوق االنسان وانبعثت حركة االنعتاق والتحرر‬
‫في إفريقيا وأسيا‪ ،‬وقامت مجموعة من الدول مثل الهند وباكستان وإ ندونيسيا‬
‫برفض تير االستعمار االنجليزي والهولندي‪]23[.‬‬
‫فاالنتشار الواسع لشعارات االستقالل وصلت مداها إلى مسامح وأدهان‬
‫الزعامات الوطنين آنذاك فتسارعت خطواتهم وعرفت دينامية غير مسبوقة في‬
‫اتجاهات مختلفة كل حسب قناعته وأمليه أن يكون النجاح< من نصيبهم‪ ،‬فتباينت‬
‫آرائهم السياسية إلى القضايا< المطروحة أنداك أهمهما مطلب االستقالل‪.‬‬
‫فنشير إلى أن حزب االستقالل لم يكن يعارض سلطات الحماية ولم يقف عكس‬
‫مشاريعها ورغباتها االستعمارية‪ ،‬كما أعلنوا مؤازرتهم للحلفاء< في الحرب‬
‫العالمية الثانية ‪ ،‬وصرح قادة الحرب< في ‪ 19‬يناير ‪ 1944‬قائلين لم يكن هدفنا‬
‫إثارة أو طالق حركة عصيان داخل البالد ‪ ،‬يمكن ان يكون من نتائجها عرقلة‬
‫جهود الحلفاء في الحرب التي يجب أن يقوم بها كل واحد‪]24[.‬‬
‫هذا ما يوضح أن حزب االستقالل مند إعالنه وثيقة ‪ 1944‬كان مستعدا‬
‫للتفاوض مع كل األطراف التي دخلت على خط الزمة المغربية من أجل إيجاد‬
‫حل يرضي مصالح كل طرف‪  ‬مناديا فرنسا إلى اإلسراع بإعالن استقالل‬
‫المغرب‪  ‬ضمن حدوده الطبيعية‪  ‬وإ لغاء الحماية الفرنسية‪ ،‬فضال عن ضرورة‬
‫تمتع المواطن المغربي بحقوقه الوطنية كافة‪.‬‬
‫فقد جاء في كتاب الحركات< االستقاللية بالمشرق العربي أن قادة الوطنيين قدموا‬
‫مذكرة إلى الحكومة الفرنسية أواخر األربعينيات جاء فيها ان هؤالء يسعون إلى‬
‫استرجاع السيادة المغربية وتطبيقها تطبيقا تاما وتحقيق استقالل الوطن ضمن‬
‫نطاف وحدته الترابية والسياسية وفي دائرة ملكية دستورية‪ ،‬ثم االتجاه المغرب‬
‫في مرحلة انتقالية‪  ‬تسمح له بأن ينظم شؤونه تنظيما حرا وبأسرع‪  ‬الطرق نحو‬
‫مستقبله ومصيره الحر أي نحو سيادته التامة واستقالله المضمون بمعاهدة‬
‫تحالف وصداقة تبرم طوعا واختيارا‪]25[.‬‬
‫كما أكد ذاك عالل الفاسي يبدوا أن تنظيمه أبان عن نيته في مد يد العون إلى‬
‫السلطات الفرنسية‪ ،‬فالتركيز على معاهدة التحالف< والصداقة طوعا كانت أم‬
‫‪..‬اخيار< دليل على قيمة التنازالت التي كان يقدمها الحزب بالوريث التاريخي‬
‫لكتلة العمل الوطني‪  ‬لفرنسا‪ ،‬والسعي إلى كسب تأييدها والعمل على ان يكون‬
‫السلطان رقم في معاهدة االستقالل‪  ‬والضامن لوحده البالد في كلمة أدلى بها‬
‫عالل الفاسي لبعض الصحف الفرنسية إثر زيارته لباريس يقول ‪ » ‬لقد جئت‬
‫لفرنسا كي أواصل الجهود‪ ،‬وسأتصل بجميع األوساط الفرنسية التي أرجوا ان‬
‫أجد قبوال وتأييدا‪]26[.» ‬‬
‫فقد كانت خطتهم مبنية على أن يبقى الملك صلت وصل بين الشعب المغربي‬
‫وبين ممثلي فرنسا ومن صفته الرسمية وشخصيته التقليدية ما يخوله ان يكون‬
‫العامل على التقريب بين وجهتي النظر المغربية والفرنسية‪]27[.‬‬
‫يتضح مما سبق أن حزب االستقالل ألح ان تكون البالد تتمتع بكامل سيادتها‬
‫وبعد ذلك القيام بما يجب القيام به من إصالحات< دستورية وقوانين تنظيمية‬
‫توجه العمل السياسي بعد اإلستقالل‪ ،‬دون ذكر أي محاولة لالنتفاض ضد فرنسا‬
‫والمطالبة بجالء أخر فرنسي من داخل‪  ‬البالد‪ ،‬فيما رأى قادة حزب الشورى‬
‫واالستقالل أن ذلك ليس سوى مدخال للهيمنة ومعبرا الملكية رجعية تحكم من‬
‫قبل الحزب الواحد لذلك أكد الحزب على ضرورة أن تسير العملية السياسية‬
‫بالبالد وفق ملكية ديمقراطية مع مطلب االستقالل ونتيجة للضغط الشعبي‬
‫الواسع وقيام الثورة الجزائرية سنة ‪ 1954‬دفعت فرنسا من خالل األزمة‬
‫المغربية وكانت الحدث أيام ‪ 27-22‬بمؤتمر إكس ليبان‪.‬‬
‫أدركت فرنسا أنه ال مجال لكل األزمة المغربية سوء بالمفاوضات< مع قادة‬
‫الحركة الوطنية لذلك دعتهم لحضور مؤتمر إكس ليبان كما دعت بعض‬
‫المغاربة المتواطئين معها لحضور المؤتمر من األعيان والقواد وشيوخ القبائل<‬
‫كقوى ثالثة ترغب فرنسا في أن تجد لها مكانا في القائمة التي ستحل محل‬
‫اإلقامة العامة‪]28[.‬‬
‫يعتبروا كثير من المؤرخين الذين عايشوا هذه المرحلة أن سلطات باريس‬
‫استدعت الصف الوطني‪   ‬في وفد ‪ 37‬عنصر يضم ممثلي المصالح الفرنسية‬
‫بالمغرب‪ ،‬مما جعل نتائج المفاوضات< ال تخرج عن مرامي فرنسا المتطلعة إلى‬
‫رفع يدها عن المغرب برموزها السيادية دون أن تخرج عن مرامي فرنسا‬
‫المتطلبة إلى رفع يدها عن المغرب برموزها السيادية دون أن تفرط في‬
‫مصالحها< االقتصادية والثقافية واالستراتيجية بالبالد‪.‬‬
‫وفي هذا السياق يروي السياسي والكاتب الراحل ع ‪.‬الهادي بوطالب الذي كان‬
‫ضمن الوفد المغربي عن حزب الشورى واالستقالل‪ ،‬إن فرنسا كانت تريد أن‬
‫يكون مؤتمر حوار مغربي أي األحزاب والقوة الثالثة التي اصطنعتها اإلقامة‬
‫العامة ليصلوا إلى صيغة توافقية في موضوع مغرب ما بعد االستقالل على‬
‫أرضية مشتركة يمكن أن يستقر عليها الطرفان بالتراضي‪]29[.‬‬
‫لقد كانت «‪ ‬إكس ليبان‪ » ‬عبارة عن جلسات اجتماع دعيت إليها مختلف األطباق‬
‫السياسية المغربية لتقدم تصوراتها لحل األزمة المغربية أمام لجنة وزارية‬
‫فرنسية وعرض ممتلوا األحزاب< المغربية وجهات نظرهم‪ ،‬كما ال يمكن نفي‬
‫دور‪ » ‬إيكس ليبان‪ » ‬في مسار األحداث فهي محطة أساسية في رسم مالمح‬
‫مرور المغرب إلى مرحلة أخرى‪ .‬وكما أشار إلى ذلك العديد من الباحثين‪ ،‬لم‬
‫يخرج مؤتمر ‪ » ‬إيكس ليبان «‪ ‬بأي نتيجة او وثيقة تظهر المنحى الذي سيأخذه‬
‫العمل السياسي في البالد غير ما أكده؛ أن الوفد المغربي مرغم على تشكيل‬
‫حكومة تسهر على التفاوض على مطلب االستقالل‪.‬‬
‫كما شكلت مباحثات< إيكس ليبان‪  ‬محطة بالغة األهمية في تاريخ كفاح الشعب‬
‫المغربي السترجاع حريته واستقالل بالده‪ ،‬فهذه لمباحثات< في رأي بعض القادة‬
‫السياسيين ومن الذين شاركوا فيها أو تتبعوا أطوارها من بعيد‪ .‬لم تكن في واقع‬
‫األمر سوى مجرد مصيدة أو فخ سياسي سقطت فيه قيادات وطنية عن حسن‬
‫نية‪ ،‬أو حسي تحليالت خاطئة ومتسرعة فكانت‪  ‬من نتائجها الملموسة إجهاض‬
‫الثورة المغربية وهي في طور المخاض والتبلور‪ ،‬وحصول المغرب على‬
‫استقالل أطلق عليه عدة أطراف سياسية وطنية أو صافا ونعوتا من بينها‬
‫استقالل زائف‪ ،‬ممنوح‪ ،‬شكلي ‪ ،‬منقوص إلى غير ذلك من النعوت واألوصاف‪.‬‬
‫وقد حرصت السلطات الحكومية الفرنسية على عدم الدعوة لهذه المباحثات<‬
‫زعماء األحزاب الوطنية‪  ‬البارزين عالل الفاسي‪ ،‬محمح حسن الوزاني‪ ،‬واحمد‬
‫بالفريج كما حرصت على عدم دعوة ممثلي‪  ‬حركة المقاومة المسلحة باعتبارهم‬
‫ارهابيين ومتطرفين وقادة يتلقون الدعم من جهات خارجية معادية لفرنسا‪ ‬‬
‫وللعالم الحر‪]30[.‬ختاما‪ ،‬لقد شهد العمل السياسي بالمغرب مند بروز أحداثا‬
‫كثيرة أترث من قريب أو بعيد عي مساره حال دون تحقيق ما كان يصبو إليه‪،‬‬
‫ووقف عاجزا أمام إحداث حواجز قوية ومتينة تتصدى لكل األطماع التي تكالبت‬
‫على المغرب مند فجر النزعة االستعمارية‪ ،‬اتسم في معظمه بالركود نظرا لعدم‬
‫وضوح الرؤية إلى األمور مند البداية فنجد أنها نهجت أسلوب االعتدال في‬
‫مجمل احتكاكاتها بسلطات الحماية‪ ،‬ويتضح ذلك جليا في مذكرة االصالحات<‬
‫التي من ورائها المطالبة بإشراك المغاربة في تقليد المناصب< إلى جانب‬
‫الفرنسيين‪ ،‬وهي وجه من األوجه التي تتم عن حجم االنزالقات التي كانت‬
‫تعرفها وتتخبط في مستنقعاتها المنظومة الحزبية بالمغرب في سبيل لتفاوض مع‬
‫فرنسا‪ ،‬دون إهمال اإلطار التقليدي الذي تأسست عليه هذه األحزاب‪ <،‬بحيث‬
‫نجدها قامت في بداياتها على شكل طوائف يكون فيها الوالء للزعيم أهم القواعد‬
‫التي تقوم‪  ‬عليها الطائفة وهذا ما سيؤثر على قرارات هذه الجماعات< خصوصا‬
‫عندما تصل في طريق تطورها إلى تنظيمات حزبية قائمة‪ .‬هذه الصفة بطبيعة‬
‫الحال< تسهل على األعداء اختراق المجال< الداخلي للحزب ويعرضه لالنشطار‬
‫بين من يثقف من أراء الزعيم ومن يعارضها‪ <،‬كما كان اختالف‪  ‬اآلراء حول‬
‫االستقالب بين من يرى أن الظروف تستوجب الكفاح من اجل إنهاء عقد الحماية‬
‫ثم التفكير في سبيل مواجهة تحديات المرحلة القادمة‪ ،‬ومن يرى أنه وجب إرفاق‬
‫مطلب االستقالل باستراتيجية مواجهة التحديات‪<.‬‬
‫بل أن الملكية الديمقراطية كانت في رأيه مدخال أساسيا لالستقالل‪]31[.‬‬
‫في المقابل كان موقف فرنسا في هذه المفاوضات يتطلع إلى الحفاظ على‬
‫مصالحها< وفق أهدافها البعيدة المدى هادفة إلى إقامة نظام سياسي يضمن لهل‬
‫مصالحها‪ ،‬ويبرر الفرنسيون موقفهم بأن المغرب األقصى بالد غنية‪  ‬وذات‬
‫موقع عسكري ال يمكن االستغناء عنه في البحر األبيض المتوسط ولذلك فإن‬
‫ترك فرنسا له يعرضه حتما لالستيالء األمريكي أو الروسي وكالهما خطر عليه‬
‫وعلى فرنسا‪]32[.‬‬
‫وأمان تصاعد حدة المفاوضات< وتزايد نشاطها قادة العمل السياسي بالمغرب‪<،‬‬
‫رافق ذلك زيارة الملك محمد الخامس لمدينة طنجة في أبريل ‪ 1947‬وأكد في‬
‫هذه الزيارة على وحدة المغرب تحت سيادته وألقى خطابا تاريخيا أكد على‬
‫عروبة المغرب وإ سالميته مؤكدا سياسة البالد المستقبلية المرتبطة بجامعة الدول‬
‫العربية ورفض فكرة ضم المغرب إلى االتحاد الفرنسي ونادى بضرورة استعادة‬
‫المغرب وحدته واستقالله وبين عطفه على اآلمال القومية للمغرب لكي يتمكن‬
‫من النهوض والتقدم في ظل حياة ديمقراطية دستورية‪]33[.‬‬
‫يتبين إذن من اختالف اآلراء والتوجهات السياسية لإلقامة العامة الفرنسية‬
‫بالمغرب والملك واألحزاب السياسية الوطنية المغربية‪ ،‬فحاول كل طرف اثبات‬
‫نفسه على األخر دون جدوى وامام هذه الدينامية الوطنية الواسعة والمؤيدة من‬
‫قبل السلطات لجأت فرنسا للضغط عليه وإ رغامه سنة ‪ 1951‬باالختيار بين‬
‫التبرؤ من الحركة الوطنية أو التنازل عن العرش‪]34[.‬بين هذا وذاك ظلت‬
‫فرنسا تساوم وتفاوض كل األطراف‪ ،‬وتارة تسعى إلى كسب عطف أحدهم على‬
‫األخريين واألخريين على االخر وأحيانا التعامل بصرامة مع الجميع مع الحذر‬
‫من جميع األطراف‪.‬‬
‫عموما اضطر الملك الموافقة على الشرط األول لتجنب البالد ما يترتب عن‬
‫خاق فوضى وعدم االستقرار‪ ،‬إال أن الشعب المغربي عموما والحركة الوطنية‬
‫بوجه الخصوص لم تعد موافقة‪  ‬الملك وتوقيعه للمطالب الفرنسيين ذو أهمية‬
‫تذكر ألن‪  ‬الملك أجبر على ذلك‪ ]35[.‬وكونه كان يحتل مكانة المعة في مشاريع‬
‫وأهداف أغلب األحزاب القائمة أنذلك‪ ،‬سارعت إلى توحيد الجهود للقضاء< على‬
‫المناورات الفرنسية فقاموا بتأسيس الجبهة الوطنية المغربية في أبريل ‪1951‬‬
‫بمدينة طنجة ضمن الجبهة حزب االستقالل بزعامة عالل الفاسي‪ ،‬وحزب‬
‫الشورى واالستقالل بزعامة محمد حسن الوزاني‪ ،‬وحزب االصالح الوطني‬
‫بتطوان بزعامة‪ .‬ع‪ .‬الخالق الطريس‪ ،‬وحزب الوحدة الوطنية في طنجة بزعامة‬
‫المكي الناصري بتأسيس هذه الجبهة تمت الوحدة بين األحزاب< السابقة التي‬
‫قامت بنشاط مشترك‪]36[.‬‬
‫كان من بين أهم المبادئ التي قامت عليها الجبهة النضال في سبيل استقالل‬
‫المغرب ورفض االندماج مع االتحاد الفرنسي‪ ،‬وتحديد عالقات المغرب مع‬
‫فرنسا وفق معاهدة‪ ،‬مودة وصداقة جديدة واتباع منهج السلطان‪ ]37[.‬لقد سعت‬
‫الجبهة إلى العمل‪  ‬بالمقاومة والقيام باحتجاجات واضطرابات في المدن ثم‬
‫المطالبة بإدراج‪  ‬المشكلة المغربية في جدول أعمال الجمعية العامة لألمم‬
‫المتحدة كما عملت الجبهة بإرسال وفد لباريس الطالع الرأي العام الفرنسي‬
‫بالقضية المغربية‪]38[.‬‬
‫حاولت فرنسا فك االرتباط الذي كان بين الوطنين والملك محمد الخامس خاصة‬
‫بعد ما بارك جدول أعماله الجبهة‪ ،‬فلجأت< لتهديد الملك بخلعه ونفيه إن لم يوافق‬
‫على كل طلباتها المتمثلة بخضوعه التام لها‪ ،‬رفض الملك الشروط التي عرضت‬
‫عليه مقابل بقائه في السلطة‪ ،‬فما كان من سلطات الحماية إلى ان خلعته ونفيه‬
‫مع أسرته في غشت ‪ 1953‬وعينت مكانه محمد بن عرفة سلطانا جديدا‬
‫للمغرب‪ ]39[.‬لم تتكشف السلطات الفرنسية بذلك بل شنت في الوقت نفسه حملة‬
‫اعتقاالت واسعة في صفوف الحركة الوطنية وخيم تظاهر االرهاب البوليسي‬
‫على المغرب كله أنداك‪]40[.‬‬
‫أمام هذا الوضع فقد وصل حزب الشورى واالستقالل الستنتاج مفاده أن العمل‬
‫الوطني السياسي أصبح عقيما والوضع في المغرب يندر بالمخاطر فليفعل كل‬
‫واحد منكم ما يراه مناسبا وليستعمل الوسيلة التي يراها صالحة سواء كان عنيفا‬
‫أو فشل أو القيام باضطرابات وكل ما يؤدي إلى إزعاج الفرنسيين والعمالء‬
‫المغاربة ومضايقتهم‪ ]41[.‬أما حزب االستقالل فقد كان موقفه مند البداية مند‬
‫بدأ‪  ‬ازداد القيام بأعمال مسلحة باعتقاده أنه ال يؤدي إلى نتيجة وفق طبيعته‬
‫البرجوازية التي تراهن على التفاوض‪]42[.‬‬
‫وأعلن تأسيس وتشكيل حيش التحرير المغربي ‪ 1954‬فتصاعد نشاط الحركة‬
‫الوطنية واشتدت‪   ‬االضطرابات< وأعمال العنف وتكبدت فرنسا خسائر فادحة‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬المشهد الحزبي بالمغرب بعد االستقالل‬


‫نشأت األحزاب السياسية بالمغرب كرد فعل ضد السياسة االستعمارية الفرنسية‬
‫واإلسبانية فكان أول حزب سياسي مغربي ظهر متمثال في كتلة العمل الوطني‬
‫‪ 1934‬ردا على إلحاق المغرب بوزارة المستعمرات الفرنسية‪ .‬األمر الذي حكم‬
‫عليها موضوعيا وذاتيا بالدخول في مواجهة مفتوحة مع السلطات االستعمارية‬
‫التي عملت بدورها على تفكيكها والضغط عليها‪ .‬وإ بان هذه المواجهة سيعرف‬
‫الجسم الحزبي بالمغرب عدة نوبات حتمت عليه بعدم االستقرار‪ ،‬والدخول في‬
‫فترات غلب عليها طابع الغموض في التصور والممارسة‪ .‬لعل أبرز السمات‬
‫التي طبعت طريق هذه األحزاب منذ نشأتها حتى إعالن االستقالل هي‬
‫االختالف التي تأتي من داخل جماعة األفراد المكونة لها‪ ،‬فرغم أن الهدف كان‬
‫مشتركا إال أن معظم التنظيمات جعلت من اإلجراءات المتخذة مجاال لالختالف‬
‫دون إهمال تدخالت القوى الخارجية الطامعة في الطفر بقسط من الغنيمة‪ .‬لقد‬
‫وردنا في الفصل السابق بعض مالمح المشهد الحزبي إبان التواجد المباشر‬
‫للقوات االستعمارية‪ ،‬مقتصرين على بعض النماذج من التنظيمات دون أخرى‪،‬‬
‫وذلك لما كان لها من تأثير على التحوالت التي عرفها المغرب في هذه المرحلة‬
‫من تاريخه خصوصا في محطة المطالبة باالستقالل‪.‬‬
‫يشد دريمي لوفو وعبد اهلل العروي أن األحزاب في المغرب لم تأت نتيجة تطور‬
‫سياسي واجتماعي داخلي بقدر ما تحكمت في نشأتها عوامل خارجية وفي جميع‬
‫األحوال‪ ،‬ولدت األحزاب< السياسية في المغرب محملة برصيد العالقات<‬
‫االجتماعية بوسطها المطبوع بعصبية القبيلة القائمة على التبعية للزعيم أو القايد‬
‫أمغار باألمازيغية في مواجهة اآلخر‪ ،‬فقد قاد عملية التأطير والتوجيه نخبة‬
‫حضرية في المدن التقليدية‪ ،‬على خلفية ثقافة سياسية تقوم على عالقة الوالءات<‬
‫العائلية والحرفية وتراتبية الزاوية المطبوعة بخضوع المريد للشيخ‪.‬‬
‫لم يكن الهدف في المنطلق خوض الصراع السياسي ضد طرف مغربي آخر من‬
‫أجل الوصول إلى الحكم‪ ،‬بل انحصرت< المهمة الكبرى في حسم التناقض‬
‫األساسي أوال‪ ،‬بمقاومة االستعمار الذي شكل التناقض الرئيسي أمام أحزاب‬
‫الحركة الوطنية ثم بعد ذلك ستشهد المنظومة الحزبية عدة تغييرات‪ .‬ابتدأت‬
‫بحصول انشقاق في حزب االستقالل‪ ،‬فحدث السيخ في المشهد الحزبي بانفصال‬
‫االتحاد الوطني للقوات< الشعبية‪ ،‬كتنظيم يجمع ثلة من األشخاص المحسوبين‬
‫ضمن اإلطار التقدمي كالمهدي بن بركة و ع الرحيم بوعبيد‪ ،‬محمد الحبابي‪.‬‬
‫وغيرهم وذلك بعدما تعاقبت أربع حكومات على تسيير شؤون البالد كان آخرها‬
‫حكومة ع اهلل إبراهيم التي أثارت جدال واسعا بعد إقالتها‪ .‬كما شهد العصر على‬
‫ميالد أحزاب أخرى كان لها أثرها على مجريات تاريخ المغرب المعاصر كما‬
‫سنرى في الفصل< الثاني من هذا البحث المتواضع‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الصراع على السلطة‪:‬‬


‫شكل الحزب بالمفهوم الحديث مادة دسمة للبحث التاريخي والسوسيولوجي‬
‫باعتباره وسيلة للوصول إلى السلطة‪ .‬وبالتالي تطبيق مختلف اآلراء والنظريات‬
‫التي يؤمن بها أصحابه‪ .‬والتي تشكل رؤيتهم الخاصة إلصالح وبناء المجتمع‪،‬‬
‫ووفقا للموسوعة السياسية‪ ،‬فالحزب< هو مجموعة من الناس ذوي االتجاه‬
‫المشترك والنظرة المتماثلة‪ .‬والمبادئ المشتركة يحاولون أن يحققوا بها األهداف‬
‫التي يؤمنوا بها وهم يرتبطون ببعضهم وفقا لقاعدة أو قواعد تنظيمية مقبولة من‬
‫جانبهم تحدد عالقتهم وأسلوبهم في العمل فالمتتبع للتجربة الحزبية بالمغرب‬
‫يرى أنها خارجة عن هذه التصورات في احتكاكها مع الوضع السياسي‬
‫واالقتصادي واالجتماعي والثقافي القائم نظرا لكون األحزاب قامت على قواعد‬
‫مختلفة‪ .‬كل قاعدة سعت إلى العمل في نطاق يختلف عن األخرى‪ ،‬بشأن ذلك‪،‬‬
‫ما وقع في خضم المطالبة باالستقالل عندما أكد حزب االستقالل على فكرة‬
‫الحصول على االستقالل ثم بناء نظام سياسي يتماشى مع تحوالت العصر‪ ،‬فيما‬
‫كان حزب الشورى واالستقالل يرمي إلى العمل على إرساء دعائم نظام سياسي‬
‫ثم المطالبة باالستقالل‪ .‬وهذا ما يؤكد أن التنظيم الحزبي بالمغرب لم يكون بعد‬
‫قد حقق لديه الشرط لمباشرة التفاوض مع السلطات االستعمارية‪ ،‬وإ نما فرضت‬
‫عليه‪ ،‬واستقبلها بصدر واسع‪ ،‬عموما لقد أعلنت جلسات إكس ليبان على‬
‫ضرورة تشكيل حكومة تضم كل المتفاوضين المغاربة على االستقالل‪ .‬تكون‬
‫أولى مهامها استكمال المفاوضات مع السلطات الفرنسية حول صيغة االستقالل‬
‫وكيفية سير العالقات< بين البلدين بعد ذلك بعد خمسة أيام من عودة محمد‪ V ‬من‬
‫المنفى في ‪ 16‬نونبر ‪ 55‬أعلن عن إجراء< مشاورات مع وفود األحزاب‬
‫والهيئات السياسية حزب االستقالل حزب الشورى واالستقالل وكذلك بعض‬
‫الشخصيات< الوطنية لتشكيل حكومة مغربية تتولى إدارة المفاوضات< مع فرنسا‪[.‬‬
‫‪]43‬‬
‫كما كلف مبارك البكاي بإجراء اتصاالت مع األحزاب السياسية والشخصيات‬
‫المنسقة لتشكيل أول حكومة‪ ،‬أشرف الملك على تلك االتصاالت واستقبل وفود‬
‫األحزاب‪ .‬اشتد النزاع بين حزب االستقالل وحزب الشورى واالستقالل حول‬
‫المناصب< ومدى أهمية الوزارات التي سيتوالها كل حزب‪ .‬ولم يقبل حزب‬
‫االستقالل إشراك عدد من المستقلين في الحكومة‪ ،‬أدى ذلك إلى إطالة‬
‫المشاورات التي كان يجريها مبارك البكاي باشا إقليم صفرو وصديق الملك كما‬
‫كان ضمن الوفد الذي حضر إيكس ليبان‪ ،‬بعدما تم استدعاؤه من طرف فرنسا‬
‫لحضور الجلسات‪ ،‬فتم تشكيل حكومة احتل فيها أشخاص مستقلين مكانا المعا‬
‫بحصولهم على أكبر عدد من الحقائب رغم أنهم لم يلعبوا أدوارا حاسمة في فترة‬
‫الحماية‪ ،‬سيطرتهم هذه لم تأت عن محض الصدفة وإ نما من خالل تعلقهم‬
‫بالنظام الملكي‪ .‬فاستفادوا بزعامة أحمد رضا اكديرة ورشيد ملين بعدما تمكنوا‬
‫من الظفر بمقاعد في الحكومة برئاسة مبارك البكاي‪ ]44[.‬تكون المجلس‬
‫الحكومي الذي دعت إليه فرنسا بمباركة الملك محمد‪ v ‬في مجمله من وزراء‬
‫مستقلين على ثماني وزارات هي وزارة البريد ووزارة الدولة‪ ،‬وزارة التعليم‬
‫والصحة‪ ،‬ووزارة الداخلية والدفاع إلى جانب الوزارة األولى ونائبه‪ .‬فيما كان‬
‫من نصيب حزب االستقالل ست وزارات وهي وزارة الخارجية والعدل ووزارة‬
‫الزراعة‪ ،‬والتجارة والصناعة واألشغال العمومية ثم األنباء واألحباس‪.‬‬
‫أما حزب الشورى واالستقالل فقد كان أعضاؤه على رأس وزارة المالية‪،‬‬
‫وزارة السكن والتعمير‪ ،‬الشبيبة والرياضة ثم الشؤون الخارجية‪]45[<.‬‬
‫يتبين من خالل هذه التشكيلة حضور قوي لشخصيات مستقلة لم يكن لهم وقع‬
‫بارز في خضم المطالبة باالستقالل بقد ما كان عملهم يقتصر على مزاولة بعض‬
‫المهن المخزنية‪ .‬كما نالحظ أن الوزارات التي ترأسوها تعد من بين الوزارات‬
‫المؤثرة على الساحة السياسية على سبيل المثال وزارة البريد التي تتكلف في‬
‫غالب األحيان بمهام التجسس والترقب إلى جانب وزارات الداخلية والتعليم‬
‫والصحة التي تعتبر أهم الميادين التي تشغل الرأي العام‪.‬‬
‫كما يالحظ غياب قادة الحزب الشيوعي الذين قدموا تضحيات جسام في سبيل‬
‫تحرر الشعب المغربي‪ ،‬ولكونه كان من السباقين إلى تقديم وثيقة المطالبة‬
‫باالستقالل‪.‬‬
‫على أي حال لقد تسلم الوزراء المغاربة الجدد مهامهم من مديري األدوات‬
‫الفرنسية التابعة لإلقامة العامة وأصبح المديرون الفرنسيون بمثابة مستشارين‬
‫فنيين للوزراء المغاربة‪ .‬ولم يعد ممكنا االستغناء عنهم في مختلف الوظائف‬
‫نظرا لحاجة العمل الحكومي لهم بسبب قلة عدد المغاربة الذين يحملون مؤهالت‬
‫علمية وتقنية بحيث لم يكفي هؤالء لتعويض الموظفين الفرنسيين كما لم يسمح‬
‫الوقت لحكومة البكاي بإدخال تغييرات جذرية على الوظائف الحكومية‪]46[.‬‬
‫يتضح من أعاله أن أحزاب الحركة الوطنية قبلت أداء أدوار من اللعبة السياسية‬
‫التي انبثقت من قرارات المفاوضات مع مجموعة من األطراف أهمها اإلدارة‬
‫الفرنسية التي عملت كما يبدو على جر رؤوس الزعامة السياسية إلى قبول‬
‫مضامين المباحثات المشتركة بين الطرفين‪ .‬كما لعبت دورا هاما في كون الملك‬
‫أو الملكية تحتل درجة عالية في برامج هذه األحزاب‪ ،‬فقد اتخذت سياسة فرنسا‬
‫خصوصا في عهد ليوطي صناعة الوهم بأن ما يقدم نظريا هو الواقع فعال‬
‫لذلك‪ ،‬فجعلت تحركاتها مشروطة بالمرور عبر قناة السلطان وإ ال فإن الحماية‬
‫ستتدخل لمنعها باسم السلطان بقدر ما منحت للحماية طريقة جديدة في معارضة‬
‫النخبة بالسلطان ومعارضة السلطان بالنخبة‪]47[.‬‬
‫فقد غاب عن وعي النخبة ضمن إستراتيجيتها هذه هو أن عملها هذا جعلها‬
‫تتحرك لمدة طويلة في إطار إيديولوجي مخزني وهذا ما سينعكس عليها حتى‬
‫بعد االستقالل‪ .‬فحقل السياسة أصبح مجاال غير محدد المعالم وخاصيته األساسية‬
‫هي أنه حقل لتأكيد الخضوع الديني للسلطان‪]48[.‬‬
‫رغم ما حققته حكومة البكاي ورغم اتفاق األحزاب على إنهاء النزاعات إال أن‬
‫هذه النزاعات ما لبثت أن طغت على السطح مرة أخرى وكانت السبب في عدم‬
‫استمرار الحكومة هذه الخالفات< كانت بين حزب االستقالل وحزب الشورى‬
‫واالستقالل أكبر حزبين في البالد‪ ،‬وقد علق مبارك البكاي على ذلك بقوله ((اذا‬
‫كانت هناك أزمة فإنها ليست أزمة حكومة بل هي أزمة ثقة))‪]49[<.‬‬
‫إن هذه االنقسامات وعدم االتفاق بين األحزاب< فيما بينها راجع إلى شعور كل‬
‫منهما بأنها صـاحبة الفضل< في االستقالل‪ ،‬أدى بمبارك البكاي إلى تقديم اسـتقالته‬
‫إلى الملك فـي تشـرين االول‪ ،56‬وعهد الملك مبارك مرة أخرى بتشكيل حكومة‬
‫الوزارة الثانية‪]50[.‬‬
‫فبدأت الخالفات بين األحزاب تطفو على السطح بصورة واضحة بعـد االسـتقالل‬
‫بسبب أن الهم الرئيس لديها قبل ذلك كان كيف الحصول على االستقالل‪ ،‬لكـن‬
‫مـا إن تحقق ذلك حتى بدت الفوارق بينهما تظهر وعدم االنسجام‪ ،‬فضال عن‬
‫سعي كـل طرف لفرض نفسه على الساحة السياسية ليحظى بحصة األسد‪،‬‬
‫والتقليل من شأن اآلخر فمن خالل المشاورات التي أجراها الملك مع األحزاب‬
‫لتشكيل حكومة وطنية‪ ،‬تبين أن حزب االستقالل اعتبر نفسه المعبر الوحيد عن‬
‫الرأي الوطني العام‪ .‬فقد صرح عالل الفاسي وهو عائد من منفاه االختباري إثر‬
‫عودة السلطان – يقول حدد فيه القوى الكبرى في مخبر تلك اللحظة في ثالث‬
‫هي القصر وحزب االستقالل وحركة المقاومة ليردف ذلك بالقول بأن المقاومة‬
‫هي جزء من حزب االستقالل ويقلص القوى الكبرى في قوتين هما حسب‬
‫ترتيبه قوة حزب االستقالل وقوة القصر‪]51[<.‬‬
‫فقد شكل االهتمام بالماضي القريب وبتاريخ النضال< ضد االحتالل مكونا أساسيا‬
‫من مكونات النشاط الفكري واإليديولوجي لألحزاب السياسية الوطنية وبؤرة‬
‫صراع حول السلطة والمصالح المادية والمعنوية‪]52[.‬‬
‫فنجد أن معظم األحزاب التي كانت حاضرة في لحظة نهاية عقد الحماية‪ .‬كانت‬
‫ترمي إلى فرض السيطرة على المستمد السياسي بصفة عامة والحزبي على‬
‫وجه الخصوص مستغلة الوضع المهترئ والمتحكم فيه من طرف فرنسا‪ ،‬عامل‬
‫ساهم أيضا تفكك بنيات العمل الحزبي وتشرذمه‪ ،‬حال دون وضوح النظر إلى‬
‫المستقبل‪.‬‬
‫تشكلت الحكومة الثانية في ‪ 26‬أكتوبر ‪ 1956‬لكن أبعد عنها حزب الشورى‬
‫واالستقالل ألنه اعتذر عن قبول وزارات أقل من قوته الشعبية والوطنية‪ ،‬فضال‬
‫عن رفضه تقليص المقاعد الوزارية وبذلك تشكلت الحكومة من حزب االستقالل‬
‫فتحول حزب الشورى واالستقالل إلى معارض في الحكومة الجديدة قائلين على‬
‫لسان ع الهادي بوطالب ((إننا نفضل أن نخرج من الحكومة لنقوم بدور‬
‫المعارضة[‪ ]53‬فقد الحزب تظاهرات احتجاجية على سياسة الحكومة‪ ،‬فضال‬
‫عن الحملة اإلعالمية التي شنتها صحيفة على الحكومة‪ ،‬وبدأ الحزب< يهاجم‬
‫الحكومة بعنف ويدينها بما دل على أعضاء الحزب من مضايقات واعتقاالت‬
‫واغتياالت بعدما زاول الحزب< عمله بفضح ديكتاتورية حزب االستقالل في‬
‫تجمعات كان يعقدها بالخصوص في األحياء الشعبية بالدار البيضاء‪ ]54[<.‬لقد‬
‫وصل حد الرغبة في الهيمنة إلى حد اللجوء إلى استخدام القوة في وجه كل من‬
‫يسعى إلى زعزعة توازن اآلخر‪ ،‬باإلضافة إلى حمالت االعتقاالت التي شنتها‬
‫الحكومة على المعارضين لم تكن باسم حزب االستقالل‪ ،‬بل وافق على ذلك‬
‫مجموعة من األطراف التي كان لها مصلحة وراء ذلك‪.‬‬
‫دفع هذا التوتر في األوضاع وعدم االستقرار بالملك‪ V ‬إلنشاء المجلس الوطني‬
‫االستشاري لتهدئة الوضع وحل األزمة تدريجيا ودخل حزب الشورى‬
‫واالستقالل في هذا المجلس كعنصر رئيس فيه‪]55[.‬‬
‫أعلن الملك محمد‪ V ‬عن تأسيس المجلس الوطني االستشاري موضحا أنه مقدمة‬
‫لبناء أسس نظام ديمقراطي دستوري في المغرب وفي ‪ 12‬نونبر ‪ 56‬افتتاح‬
‫المجلس بحضوره‪]56[.‬‬
‫ضم المجلس ‪ 76‬عضو مثلوا مختلف االتجاهات السياسية والهيئات العلمية‬
‫واالقتصادية وأصحاب< المهن وانتخب المهدي بن بركة رئيسا للمجلس وشملت‬
‫اختصاصات المجلس كما حددها الملك النظر في األمور المالية ومناقشة‬
‫المسائل العامة‪]57[.‬‬
‫كان الهدف وراء تأسيس المجلس امتصاص قوة حزب االستقالل الذي أصبح‬
‫مسيطرا على احتواء معارضة هذا األخير حتى ال تخرج عن الحد الطبيعي‪.‬‬
‫هذا ما يؤكد على أنه كان هناك صراع على السلطة بمختلف مظاهرها كما يبدو‬
‫أن حزب االستقالل لم تكن له نزعة ديمقراطية وإ نما كان مرتبط بالنزعة‬
‫الوطنية التي لم تكن قادرة على استيعاب التعددية‪ ،‬فقد وجد نفسه محاطا‬
‫بمجموعة من األحزاب التي كان هو نفسه يعترف بها وبمشروعيتها في المقابل‬
‫أراد العمل على ممارسة اللعبة داخل نظام تكون له فيه الهيمنة‪.‬‬
‫في البداية اختار حزب االستقالل خيارا مرحليا تمثل في نظام الحزب< المهين‪،‬‬
‫هذا االختيار االستراتيجي كان يهدف إلى إقامة الحزب الوحيد متأثرا في ذلك‬
‫بالتجربة التونسية ومحاولة القضاء على األحزاب المعارضة‪ ،‬فقد سعى إلى‬
‫إدماج بعض التنظيمات الحزبية في صفوفه كما فعل مع الحزب الوطني عن‬
‫المنطقة الشمالية سنة ‪ .56‬غير أنه لم يكن بإمكانه إقناع جميع األحزاب< بالذوبان‬
‫في خليطه وبغية إقامة اختيار استراتيجي سينهج سياسة مناهضة األحزاب‬
‫المناهضة لتوجهاته‪]58[.‬‬
‫وفي المجلس االستشاري حدث نوع من التقارب بين النجاح< اليساري لحزب‬
‫االستقالل ولحزب الشورى واالستقالل خاصة أن األخير كان يعاني من ركود‬
‫في قيادته حيث أن األمين العام محمد حسن الوزاني كان ال يسير مع شباب‬
‫الحزب< على وثيرة خطاهم‪ .‬وكان يجد تحديات عديدة في اتخاذ القرارات‪ ،‬فكانت‬
‫اجتماعات الحزب تمتد وتطول وال تنتج شيء يعادل الوقت الذي أخذته في‬
‫النقاش‪ <.‬فأصبح بذلك الحزب ذو شقين‪ .‬شباب الحزب الطامح للتغيير وشق‬
‫المحافظين الذي يرغب في اإلبقاء على ما هو عليه‪ ،‬حدث ذلك في الوقت الذ‬
‫كان يعاني حزب االستقالل من نفس المشكلة حيث كان الطرفين يرفضون‬
‫الزعامات التقليدية التاريخية‪ ،‬فجرت اتصاالت< بين الجناحين عبر عبد الحق‬
‫العراقي (حزب الشورى واالستقالل) والمهدي بن بركة (حزب االستقالل)[‬
‫‪]59‬ساعد على ذلك أن الحزبين كانا يمران بحالة مخاض مما سهل التقاء الجناح<‬
‫اليساري لكل منهما‪ ،‬هذا التقارب دفعهم للتفكير في تكوين حزب يكون ف‬
‫مستوى التطلعات ويتماشى مع مطامح الشعب المغربي حسب زعمهم‪.‬‬
‫طرأ على بنية الحكومة واإلدارة بعض التعديالت في ظل حكومة مبارك البكاي‬
‫الثانية‪ .‬فقد ركزت جهودها على إعادة تركيب عالقات طيبة مع فرنسا من أجل‬
‫كسب ثقتها ألن المغرب في نظرها كان يحتاج إلى عقد المزيد من التفاقيات<‬
‫االقتصادية باألساس واإلدارية والثقافية‪ ،‬وعلى تطوير البناء اإلداري الموروث‬
‫المتمثل في الدولة التقليدية‪ .‬وقد ادعى زعماء حزب االستقالل بأن اإلخفاق في‬
‫إبعاد المظاهر الخارجية لعهد الحماية‪ ،‬إنما سببه وجود وزراء الحزب الذين‬
‫يعارضهم المجلس الحكومي‪ ،‬ثم دعوا إلى تكوين حكومة منسجمة تكون قادرة‬
‫على حل المشكالت المطروحة في النظام السياسي ودعما لهذا الطرح بعدما قدم‬
‫مبارك البكاي استقالته في ‪ 11/08/58‬قام الملك باستدعاء أحمد بالفريج وذلك‬
‫بعد استشارة مختلف االتجاهات‪ ،‬فعرض عليه منصب رئيس الحكومة‪ ،‬فقبله‪ ،‬ثم‬
‫أصدر الملك ميثاقا نموذجيا يحتفظ بسلطة التشريع ويفوض السلطة التنفيذية‬
‫وهي مقيدة ببعض الشروط منها تعيين الملك اإلطارات العليا للدولة وهذه‬
‫الشروط تمكن الملك من االحتفاظ بسلطته تجاه حزب االستقالل الذي الحظ‬
‫سيطرته السياسية واإلدارية منذ ‪1956‬م‪]60[.‬‬
‫أثناء تأسيس حكومة بالفريج برزت عدة آراء سياسية للوجود أهمها رأي األمير‬
‫ولي العهد الحسن ثم رأي المهدي بنبركة‪ .‬فاألول يؤكد على اختيار سياسة‬
‫محددة وجب أن يسبقها اختيار الجماعة الحاكمة‪ ،‬أما بن بركة فقد عبر عن‬
‫عكس رأي األمير فألح على إيجاد جماعة ذات برنامج سياسي بحيث ستكون‬
‫الجماعة ملتحمة وقادرة على القيام بمسؤولياتها‪ ،‬كما أدان المشاورات التي كان‬
‫يقوم بها الملك مع رؤساء الفرق في المجلس االستشاري‪]61[.‬‬
‫هنا وجب االنتباه إلى نقطة مهمة وهي بروز آراء الحسن الثاني على السطح إذ‬
‫بدأ يعبر عن نواياه في اإلمساك بزمام األمور والتأثير المباشر على مجريات‬
‫الساحة السياسية‪ ،‬كما تعبر هذه الفترة على دخول المغرب مرحلة جديدة من‬
‫تاريخيه تميزت بلمعان مكانة الملكية أكثر مما كانت عليه قبل إذ سيجد الحسن‬
‫الثاني نفسه مرغما في السير خطى ثابتة نحو الوقوف أمام كل مد يسعى إلى‬
‫امتالك السلطة‪ ،‬خاصة بعد اتضاح تزايد نفوذ بعض األحزاب على رأسها حزب‬
‫االستقالل‪.‬‬
‫بتكوين حكومة بالفريج تدهور حزب الشورى واالستقالل وتم إغالق الكثير من‬
‫الفروع‪ ،‬كذلك تعرض حزب األحرار المستقلين لنفس التنكيل حيث ينظر إليه‬
‫من صنه القصر< ولهذا تم إقصاؤه من الحكومة الثالثة ولم يعد يذكر من نشاطهم‬
‫إال القليل‪]62[<.‬‬
‫ذلك ما أدى إلى عودة النزاعات مرة أخرى إلى الواجهة بحيث لم تتمكن حكومة‬
‫بالفريج من إيجاد صيغ مثالية تكون منطلق السير إلى الديمقراطية‪ ،‬كما زادت‬
‫من حدة التصدعات داخل األحزاب والرغبة في تشكيل أحزاب أخرى‪.‬‬
‫إن ما حاولنا أن نبرزه في هذا المبحث هو أن مغرب ما بعد ‪ 56‬عرف عدة‬
‫توترات تجلت في معظمها في الصراع على السلطة فالعنوان الذي أعطيناه له لم‬
‫يأت هباء وإ نما كانت المرحلة طبعا شهدت تصاعد نفوذ األحزاب في سبيل‬
‫محاولة إيجاد موطئ قدم يضمن استمرارية العمل بالتأثير والتأثر مع باقي‬
‫المكونات المحسوبة ضمن الفئة الحاكمة‪ .‬هذه األخيرة التي لم تعرف انسجام في‬
‫القواعد والمبادئ لسير الفعل السياسي في الطريق الصحيح‪ .‬إلى جانب كون‬
‫الحكومات الثالثة المتعاقبة ظلت تدور في فك ومدار تم رسمه قبل ذلك‪ .‬أو‬
‫بتعبير آخر كانت الفئة الحاكمة بما في ذلك األحزاب الملكية‪ ،‬النقابات< والمجالس‬
‫تفعل فقط ما تم المصادقة عليه سابقا في عدة معاهدات ومفاوضات مع اإلدارة‬
‫ّ‬
‫الفرنسية وكل القوى المؤثرة على السياق العالمي‪.‬‬
‫تميز المشهد الحزبي في غالبه باختالف الرؤى والمسارات‪ ،‬فوقعت اشتباكات‬
‫كانت وراءها أسباب ذاتية وصراعات حول النفوذ والمواقع وتدخالت األجهزة‬
‫القمعية في سياق لم تغب عنه يد القوات المرتبطة باالستعمار الفرنسي‪.‬‬
‫وهكذا توالت حلقات العنف في فجر االستقالل‪ ،‬أثثها تعدد الجماعات المسلحة‬
‫التي وظفت من لدن أطراف داخلية وخارجية على السواء‪ .‬هذه الفترة التي تعد‬
‫من بين الفترات< األشد تعقيدا لما كان لها من وقائع حول شكل وأسلوب بناء‬
‫المجتمع الجديد‪ .‬حيث شكل االغتيال السياسي أداة لبناء وإ عادة بناء التحالفات<‬
‫ومراكز القوى داخل المجتمع الجديد‪ ،‬وامتدت تداعيات هذه المرحلة في جل‬
‫مراحل تاريخ المغرب بعد ‪.56‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حكومة «‪  ‬عبد اهلل إبراهيم‪ »  ‬منعطف نوعي في تاريخ الفعل الحزبي بالمغرب‪:‬‬

‫لقد كانت أهداف حكومة بالفريج والتي حددها الملك في خطاب األمة هو ما‬
‫يعرف تاريخيا بالعهد الملكي‪ ،‬الذي وضع اإلطار العام للتعدية‪ ،‬تصحيح اقتصاد‬
‫البالد‪ ،‬فتم وضع التصميم الثالثي هدفه إعطاء األولوية للقطاعيين الفالحي أي‬
‫سياسة حرث مليون هكتار‪ ،‬والصناعي من أجل ادخار صناعي والمحافظة على‬
‫الصناعة المحلية وتشجيعها‪ ،‬لكن كل األولويات لهذا التصميم باءت بالفشل ألنها‬
‫لقيت صعوبة في التأطير وفي قلة رؤوس األموال وفي وجود تعصبات سياسية‬
‫متطرفة‪]63[.‬‬
‫إن اإلصالحات االقتصادية هذه تمثلت في قانون تشجيع االدخار وإ صالح‬
‫التعرفة الجمركية لحماية الصناعة المحلية‪ ،‬لكن لم يتم من هذه اإلصالحات‬
‫سوق قانون االستثمار رغم المحاوالت التي بدلت في سبيل تصميم مخطط‬
‫حماسي‪]64[.‬‬
‫إن ما يبرز أن المغرب قد دخل فعال في مرحلة جديدة مع تولي أحمد بالفريج‬
‫رئاسة الحكومة هو ما ذكرناه أعاله في كون زعامات األحزاب التاريخية بدأت‬
‫تدق ناقوس الخطر في وجه الملكية والمصالح األجنبية القائمة‪ ،‬فقد وصلت‬
‫تحركاتها إلى حد التفكير العميق في إصالح المنظومة االقتصادية باألساس‪،‬‬
‫سعيا منهم إلى تنمية مشاريع ذات الدخل الوفير تعود بالنفع على الشعب‬
‫المغربي في نظرهم‪.‬‬
‫ولهذا فعهد حكومة بالفريج لم يعرف الهدوء والسكينة في النسق السياسي‬
‫المغربي‪ ،‬ولوال وجود رمزية األمة النطلقت فتنة بين المدن والقرى‪ ،‬ففي المدن‬
‫كان االضطراب السياسي قد وصل أوجه حيث كانت مواجهة إيديولوجية حادة‬
‫بين نزعتين واضحتين في حزب االستقالل على وجه الخصوص‪]65[.‬‬
‫كما ظهرت نزاعات للرفض والعصيان في الريف وجبال األطلس المتوسط‪،‬‬
‫فأصبحت< البالد عرضة للخطر االنهيار نتيجة لرفض الريف وكذا حزب‬
‫االستقالل بالمدن االنصياع لسلطات الحكومة‪ ،‬فقدم عبد الرحيم بوعبيد استقالته‬
‫في ‪ 10‬نونبر‪ ،‬كما كان بالفريج قد اتخذ موقفا جذريا حازما في مسألة اختيار‬
‫وزير الداخلية‪ ،‬وبذلك تأجل إيجاد حل للحكومة وازدادت معه الثورات في‬
‫المناطق الريفية‪]66[.‬‬
‫واجهت الحكومة الثالثة برئاسة أحمد بالفريج التي كان معظم وزرائها‬
‫استقالليين باستثناء ثالثة منهم‪ ،‬عدة اضطرابات اجتماعية باألساس كما عرفت‬
‫العديد من التطورات نتجت في غالبيتها عن الشرخ الذي حدث في الجسم‬
‫الحزبي‪ ،‬فقد ذهب العديد العديد من الباحثين إلى القول بأن ما حدث في‬
‫األحزاب آنذاك يعود إلى االنقسام الذي الح في األفق بين الطاقات الشابة التي‬
‫سعت إلى تركيز السلطة في يد الشعب‪ ،‬والزعامات التقليدية التي أرادت العمل‬
‫في نطاق المحافظة على دواليب السياسة كما كانت عليه‪ ،‬وعلى أنقاض هذا‬
‫الوضع سيعرف مغرب ما بعد ‪ 1956‬بالضبط في ‪ 24‬دجنبر ‪ 1958‬تشكيل‬
‫حكومة رابعة برئاسة «‪ ‬عبد اهلل إبراهيم‪ ،» ‬التي ستستمر إلى غاية ماي ‪1960‬‬
‫حيث أقالها الملك‪.‬‬
‫إن مسألة إقامة نوع من أنواع الحكومة النيابية في قطر مستقل حديثا تثير‬
‫تحديات صعبة كثيرة في النظام السياسي كما تتطلب مجموعة من القوانين‪ ،‬وإ ذا‬
‫نظرنا إلى مدى ارتباط هذه القوانين بالمفهوم العام للحكومة الديمقراطية النيابية‬
‫فإننا نرى أن النظام السياسي في حد ذاته على وضع القوانين‪.‬‬
‫فبعد استقالة الوزير بالفريج بدأ في البحث وزير آخر فكلف عالل الفاسي‬
‫بتشكيل حكومة‪ ،‬إالّ أنها قوبلت بمعارضة شباب الحزب< وربما بمعارضة‬
‫بالفريج أيضا‪ ،‬اقترح الملك أسماء أخرى لتقليد هذا المنصب إال أنها لم تكن‬
‫مناسبة للمهام المطروحة‪ ،‬توجه الملك بعد ذلك الختيار عبد اهلل إبراهيم فقبل هذا‬
‫األخير منصب الوزير األول على شريط أن تتمتع الكومة بالسلطات الكافية‬
‫لتحرير اقتصاد البالد من الهيمنة الفرنسية وتهيئ الجو النتخابات محلية‪ ،‬وتلبية‬
‫المطالب المشروعة للقبائل الريفية‪ ،‬فهنأت القيادة الجديدة الوزير األول الجديد‪[.‬‬
‫‪]67‬‬
‫تكلف عبد اهلل إبراهيم الذي عينه الملك محمد الخامس‪ ،‬رئيس الحكومة بأن يدافع‬
‫عن حقوق الطبقة العاملة وعن المحرومين بصفة عامة ثم أراد أن يصفي‬
‫امتيازات المعمرين وذلك بتوزيعها بصفة عادلة على مختلف طبقات المجتمع‬
‫المغربي‪ ،‬كما قدم الئحة الوزراء الجدد يمثلون الطبقة العاملة وقدماء‬
‫المقاومة‪،‬فطالب بسلطات كاملة وواسعة لتمكنه بالقيام بمسؤولياته‪ ،‬لكن الئحته‬
‫الوزارية غيرها الملك في آخر لحظة لتأخذ بعين االعتبار هدفين اثنين؛ أولهما‪:‬‬
‫تحديد مهمة عبد اهلل إبراهيم‪ ،‬وهي تختص في أن يحضر االنتخابات المغربية‬
‫األولى على مستوى المدن والقرى والبلديات ثم إصالح قوى األمن والقضاء‬
‫على البطالة وتحسين اإلدارة واتخذ كذلك معيار الكفاءة في تعيين الوزراء‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬االحتفاظ بشخصيات< وافية للقصر وذلك في مناصب مهمة باإلخوان‬
‫باحنيني محمد وأحمد‪]68[.‬‬
‫لقد ورد في خطاب ألقاه ع اهلل إبراهيم أمام طلبة حزب االستقالل قبل أن يتسلم‬
‫مهامه حيث قال‪ « :‬إن الثروة في البالد موزعة توزيعا غير عادل بين السكان‬
‫إذ أن ‪ %1‬من السكان بما فيهم األوروبيين يمتلكون ‪ %20‬من أراضي المغرب‬
‫وأن الرأسمال األوروبي يدير اقتصادنا بشكل ال يستفيد منه الشعب المغربي‪،‬‬
‫وأننا نرغب في أن نراجع اتجاهنا االجتماعي والقتصادي عاملين لصالح‬
‫الجماهير وأن برنامجنا يجب أن يكون واقعيا وتقدميا وقد لوحظ في البرنامج‬
‫االجتماعي األول للحكومة مدى حدة المشاكل التي ستواجهها‪ ،‬تمثلت في كيفية‬
‫وضع حد لالضطرابات في البادية وكيفية تكييف الفرنك المغربي مع سعر‬
‫العملة في فرنسا ثم أهمية الخطوات الواضحة لرسم تصميم االنتخابات‪]69[.‬‬
‫وفي الوقت الذي تشكلت فيه الحكومة كان عالل الفاسي في طنجة فانتقل إلى‬
‫الرباط ليعبر عن مساندته لرئيسها الجديد‪ ،‬كما طلب من ع‪ .‬اهلل إبراهيم اإلدالء‬
‫بتصريح حول انعقاد المؤتمر بل فرض عليه ذلك‪ .‬وتصلب موقف كل منهما‬
‫فدخال في مواجهة في اجتماع خاص بأطر الحزب بالرباط‪ ،‬وهكذا ظلت اللجنة‬
‫التنفيذية جامدة منذ هذه األزمة كما توقفت المفاوضات بسبب تباين المواقف كما‬
‫ظهر موقف آخر تمثل في ضرورة تعيين ما يقارب من مائة من األعيان‪]70[.‬‬
‫لقد عارض بالفريج وأصدقائه حكومة عبد اهلل إبراهيم قبل انشقاق الحزب حيث‬
‫بدل الحزب< جهدا كبيرا لكي يوضح أن عبد اهلل إبراهيم تسلم زمام مهمته دون‬
‫مساندة حزب االستقالل له‪ ،‬كما انتقدوا سياسته االقتصادية وفشل سياسته‬
‫الخارجية‪ <،‬واإلهمال في الدبلوماسية وفي مواجهة المشكالت الوطنية الهامة مثل‬
‫مشكلة الحدود‪ ،‬واالرتباط المالي واالقتصاد في المغرب بفرنسا‪]71[.‬‬
‫وقد صاحب ذلك أحداثا مهمة في تاريخ المغرب المعاصر‪ <،‬أبرزها افتتاح‬
‫محاكمة عامل إقليم تافياللت عدي أبيهي‪ ،‬وعزل الحسن اليوسي من منصبه‬
‫كوزير لمجلس العرش عندما فضحه عالنية عدي أوبيهي بصفته كان مشجعا‬
‫للتمرد‪.‬‬
‫تقديم الرئيس البارزين للحركة أحرضان والخطيب أمام محكمة قضائية بفاس‬
‫بتهمة إحداث الشعب واالضطراب في بعض الجهات< الجبلية والقروية‪]72[.‬‬
‫إن المشكل األول الذي انعطفت عليه حكومة ع اهلل إبراهيم بتعاون مع رئيس‬
‫أركان الجيش الملكي التي يتوالها ولي العهد الحسن الثاني هي تهدئة الريف‪،‬‬
‫فرغم تحرير زعماء الحركة الشعبية فإن الحالة بقيت غامضة في الريف حيث‬
‫أن بعض رؤساء التمرد‪ ،‬استمروا في مزاولة االضطراب وهم في منفاهم‬
‫بمدينتي مليلية وملقا بإسبانيا وكان يعتبر التدخل اإلسباني في تمرد الريف‬
‫كإجراء معاكس للعمل الذي كان بقوم به جيش التحرير المغربي بسيدي إفني‬
‫لتحريره من االحتالل اإلسباني‪]73[.‬‬
‫إلى جانب أن خصوم ع اهلل إبراهيم السياسيين اتهموه بالفشل الدبلوماسي خاصة‬
‫في التعاطي مع القضايا< الخارجية أبرزها القضية الجزائرية بعد قيام الثورة‬
‫الجزائرية حيث وقف بين مطرقة مساندة الحركة التحررية وسندان التزام الحياد‬
‫وعدم إثارة نزعات القوات< الفرنسية‪ ،‬فرغم أنه لم يكن مساندا في مهامه حيث‬
‫أن جميع أطر الدبلوماسية العليا كانت تابعة لنزعة العالين خاصة الرئيس‬
‫اإلداري الكاتب العام الطيب بن هيمة الذي كان يقترب كذلك إلى القصر أثناء‬
‫زيارة عبد اهلل إبراهيم مجموعة من الدول العربية كمصر وسوريا والعراق‪،‬‬
‫وكان يطالب بالوحدة العربية وتوثيق أوامر االتحاد وقد اغتنم الفرصة أثناء‬
‫إقامته بالشرق ليتنصل في القاهرة بزعيم الثورة الريفية محمد بن عبد الكريم‬
‫الخطابي‪ ،‬فطلب منه الدخول إلى المغرب بعد ‪ 34‬سنة من المنفى وعند وصوله‬
‫لسوريا عين رشيد الخطابي ابن الزعيم سفير المغرب بها كمكافئة ألبيه الذي‬
‫قضى شبابه في سبيل شرف المغرب‪]74[.‬‬
‫كما كان من بين أوجه االختالف المؤدي إلى الصراع‪ ،‬وعند نهاية زيارته‬
‫للمشرق تطرق لقضية صراعه مع عالل الفاسي فقال‪ « :‬إن عالل يضيع الوقت‬
‫للمغاربة فهو ال يعمل إال على التأكيد إلى المحافظين المغاربة ألقدمية المملكة‬
‫الباهرة وبنصوص القرآن‪ ،‬عوض أن يعمل على تكوينهم لالستعداد للكفاح‬
‫السياسي واالجتماعي المتوقع في المغرب‪]75[.‬‬
‫فعالل الفاسي كان يعتبر أن هذه الحكومة ال تغير أي اهتمام إلى مشاكل الحدود‬
‫المغربية‪ ،‬في الوقت نفسه انعقد مؤتمر االتحاد الوطني لطلبة المغرب بأكادير‬
‫يوم ‪ 21‬غشت ‪ 1959‬وندد المؤتمرون بعناصر الجيش بأنها ال تصلح إال‬
‫لحضور السهرات والزينة ال للتشيد والبناء‪ .‬ثم بعد ذلك استقل القبطان محمد‬
‫المذبوح من منصبه كوزير للبريد من حكومة عبد اهلل إبراهيم والتحق بالجيش‪،‬‬
‫وتكونت جماعة من الضباط يرأسها ولي العهد وأركان الجيش كما ذهب للقصر‬
‫لالحتجاج على مقررات المؤتمر فلقي مساندة من محمد الخامس ضد من يطعن‬
‫في شرف الجيش ودشن بنفسه الدخول في معمعة سياسية‪]76[.‬‬
‫فلما شعر عبد اهلل إبراهيم أن وضعية تماثل الوضعية التي كان يعاني منها‬
‫بالفريج وأنه يستعرض بدوره للهجومات من طرف باقي األحزاب القائمة آنذاك‬
‫وألول مرة تبادرت إلى ذهنه وبعض أنصاره إلى إمكانية نشود حزب جديد‬
‫وتجسدت الفكرة في اإلعالن عن تأسيس الجامعات< المستقلة لحزب االستقالل‬
‫في ‪ 25‬يناير ‪ 59‬ولم يكن في مقدرة عبد اهلل إبراهيم وبوعبيد أن ينضافا علينا‬
‫إلى الحزب الجديد بسبب مشاركتهما في الحكومة في حين كان المهدي بن بركة‬
‫محط األنظار ألنه قطع عالقته بالقيادة القديمة وبمجرد تأسيس الجامعات عاد‬
‫عالل الفاسي من طنجة ووضع يده على الجهاز اإلقليمي للحزب وطرد المتمرد‬
‫من الحزب فكلما حاولت الجامعات< فتح مكتب بنفس االسم إال ورفع القضية‬
‫للمحاكم وعلى سلسلة من الحوادث قرر بن بركة و عبد اهلل إبراهيم وأنصارهما‬
‫تأسيس حزب حديث سيكون نصيبه التأثير على مجريات الساحة السياسية في‬
‫قادم المواعيد‪ ،‬كما أن الفترة الممتدة من ‪ 58‬إلى ‪ 59‬هي فترة التحالفات‬
‫واالختيارات‪]77[<.‬‬
‫يمكن القول بأن حكومة عبد اهلل ابراهيم شكلت منعطفا خطيرا في سيرورة‬
‫تاريخ المغرب بعد ‪ ، 1956‬فقد عاشت البالد عدة أحداث و تحوالت سياسية و‬
‫يكفي أن نعلم بأن عبد الرحيم بوعبيد قدم استقالته من حكومة بال فريج بهدف‬
‫إخراج المغرب من حالة الجمود السياسي و الال مباالة تجاه ما كان يجري في‬
‫منطقة الريف‪ ،‬عصيان خطير ساهم الخطيب و أحرضان في إشعال نيرانه‬
‫حسب بعض الباحثين و أصبح تمردا يهدد البالد‪. ‬‬
‫تم تنصيب حكومة عبد اهلل ابراهيم في ‪ 24‬دجنبر ‪ ، 1958‬وعامة الناس ال علم‬
‫لهم بما يجري في دهاليز الحياة السياسية ‪ ،‬المهم أن الحكومة حلت حكومة بال‬
‫فريج ‪ ،‬القاسم المشترك بينهما أن بوعبيد ضل نائبا لرئيس الحكومة ووزيرا‬
‫لإلقتصاد و المالية ‪ ،‬كانت بداية هذه الحكومة اإلعالن عن فصل الفرنك‬
‫المغربي عن الفرنك الفرنسي و سينحول البنك المخزني إلى بنك المغرب ‪،‬‬
‫وسيتم إنشاء صندوق اإليداع و التدبير ‪ ،‬والبنك المغربي للتجارة الخارجية ‪،‬‬
‫البنك الوطني لإلنماء اإلقتصادي ‪ ،‬المكتب الوطني للري ‪ ،‬الصندوق الوطني‬
‫للضمان اإلجتماعي ‪  ،‬مكتب األبحاث و المساهمات الصناعية ‪ ،‬كما تم اإلتفاق‬
‫مع اإليطاليين لبناء مصنع لتكرير البترول ‪ » ‬ال سمير ‪ » ‬وغير ذلك من‬
‫القرارات< التي مهدت لإلعالن عن إجراءات< كان الهدف منها تحرير اإلقتصاد‬
‫الوطني من التبعية الخارجية و إجراءات< بقرارات ‪ 22‬أكتوبر ‪ 1959‬وهي‬
‫قرارات تزامنت مع صدور ظهير شريف أعلن عن تأسيس الدرهم كعملة وطنية‬
‫غير قابلة للتحويل أي ممنوع تداولها خارج الوطن‪. ‬‬
‫لقد عبر اكديرة في كتابه ( مغرب الحسن الثاني ) بأن األمير اعتبر تأسيس‬
‫حكومة عبد اهلل ابراهيم تولى فيها عبد الرحيم بوعبيد نائب رئيس الوزراء‬
‫خطرا ‪ ،‬في منتصف الثمانينات شرح اكديرة الخطر الذي يكمن في حكومة عبد‬
‫اهلل ابرراهيم على أن األمر يتعلق بحدث من أحداث عالم الخمسينات و‬
‫الستينيات الذي كان خاضعا لقوة اليسار ‪ ،‬فقد عبرت تدابير هذه الحكومة على‬
‫الصعيد اإلقتصادي نوايا أصحاب< هذه التدابير وحوافزهم مما جعل الحسن الثاني‬
‫يشكل مجموعة قوية حوله تتكون من الشخصيات األكثر تمثيلية وهي عناصر‬
‫منتمية أو غير منتمية ألحزاب كانت قائمة و أخرى دفع إلى تأسيسها نظمت‬
‫معارضة حقيقية لسقوط حكومة عبد اهلل ابراهيم‪. ‬‬
‫هذا فيما يخص الشق اإلقتصادي للحكومة ‪ ،‬أما فيما يخص الشق السياسي فيقول‬
‫اكديرة في كتابه بأن التيار اليساري بالذات لم يكن سوى شكل من أشكال رد‬
‫الفعل ضد اإلمبريالية‪. ‬‬
‫عموما لقد أولينا اهتماما كبيرا لحكومة عبد اهلل ابراهيم ليس عبثا و إنما لما كان‬
‫لها من أدوار على مجموع التحوالت التي عرفها المغرب أنذاك ‪ ،‬فقد صادفت‬
‫العديد من األحداث كانت تصب في مجملها في بحر اإلتجاه بالبالد نحو مستقبل‬
‫مجهول‪.‬‬
‫لقد عاصرت هذه الحكومة وقائع قد ال يجود الزمان بمثلها نذكر أحداث الريف‬
‫التي عبرت من خاللها ساكنة المنطقة عن إدانتها لإلهمال الذي طالها ‪،‬‬
‫اإلنشقاق الذي عرفه حزب اإلستقالل حيث خرج الجناح< اليساري بقيادة المهدي‬
‫بن بركة و إعالنهم عن نهج سياسة من الشعب إلى الشعب ‪ ،‬نجاح ثورة‬
‫الضباظ األحرار بمصر ‪ ،‬مما ولد شعورا لدى القصر بفقدان مكانته و حقه‬
‫التاريخي جعله يسرع من خطواته في خلق جو متوازن عبر دعم تأسيس‬
‫األحزاب تحت غطاء التعددية الحزبية قصد تقوية جبهته و الحفاظ على مكانته‬
‫مما أغنى المشهد الحزبي بالبالد بالمزيد من األلوان زادت الخريطة الحزبية‬
‫تنوعا في البرامج يظهر أنها رسمت بيد واحدة ‪ ،‬فمنذ ذلك الحين لم تعرف‬
‫الساحة الحزبية ميالد تنظيم قوي قادر على مصارعة البرامج القائمة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬األحزاب السياسية في ما بعد االستقالل‪:‬‬

‫تثير ظاهرة األحزاب السياسية جدال واسعا في اآلونة األخيرة لما لها من إسهام‬
‫في إغناء الساحة السياسية ال سواء على المستوى الدولي أو اإلقليمي أو المحلي‪،‬‬
‫وتدرج المصنفات السياسية على تناول ظاهرة األحزاب السياسية كظاهرة حديثة‬
‫لم تتبلور إال في منتصف القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫ولقد سبق وأن أشرنا إلى أن األحزاب< السياسية في المغرب ظهرت في أولى‬
‫تنظيماتها في سنة ‪ 1934‬في شخص «‪ ‬كتلة العمل الوطني‪ ،» ‬أي إبان‬
‫المواجهة المباشرة مع المستعمر األجنبي خالل فترة الحماية (‪)1956-1912‬‬
‫لكن المراد هنا هو تسليط الضوء على األحزاب السياسية في مرحلة ما بعد‬
‫‪ ،1956‬إذا أخذت الحركة السياسية المغربية تعيش ميالد تنظيمات جديدة قناتين‪:‬‬
‫األولى كانت التنظيمات السياسية التي أقيمت بمساعدة القيصر‪ <،‬وهي التنظيمات‬
‫المسماة بـ «‪ ‬أحزاب< اإلدارة‪ » ‬والثانية االنقسامات التي أخذت تظهر في صفوف‬
‫حزب االستغالل وتكرست التنظيمات المنشقة عنه‪ ،‬وعموما فإن ذلك لم يخرج‬
‫بالحركة السياسية عن الحيز األساسي والدور المطلوب في السلطة والمعارضة‬
‫في اللعبة السياسية المغربية‪ ،‬والتي كان أضيف إليها مجموعة التنظيمات‬
‫األخرى من جميع االتجاهات< المتعددة‪ ،‬وسنقتصر في الحديث على تجربة تعتبر‬
‫رائدة في الميدان حيث لن يختلف اثنان على أنها ساهمت في اغتناء الساحة‬
‫السياسية بالمغرب وسنلحقها بإطاللة خفيفة عن أحزاب< سياسية أخرى‪ ،‬كلها‬
‫تجارب بالرغم من أنها لم تحظى بالنصيب األوفر من الكتابات والدراسات‪ ،‬إال‬
‫أنه كان لها دور ووقع كبير في تطوير المشهد الحزبي بالمغرب وتغير المشهد‬
‫السياسي العام ببالدنا وما صاحبها سياسة كبيرة منذ بروزها‪.‬‬
‫لقد شكل ‪ 6‬شتنبر ‪ 1959‬حدث بارز في المشهد الحزبي بالمغرب قامت له كل‬
‫األطراف السياسية ولم تقعد‪ ،‬وهو بروز االتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي‬
‫انشق من رحم حزب االستقالل نتيجة الصراع الدائر داخل هذا األخير آنذاك‬
‫تمثلت في جولة من الصراعات العنيفة في مستويات مختلفة من قياداته وهيئاته‪،‬‬
‫وفي السادس من شتنبر أعلن عن تشكيل حزب االتحاد الوطني للقوات الشعبية‬
‫نتيجة الفرز اإليديولوجي والسياسي والشخصي بين قادة حزب االستقالل‪.‬‬
‫ولما شعر عبد اهلل إبراهيم أن وضعيته تماثل الوضعية التي كان يعاني منها‬
‫بالفريج وأنه سيتعرض بدوره لهجومات عمومية من طرف الحزب وألول مرة‬
‫تبادر إلى ذهنه وبعض أنصاره إلى إمكانية إنشاء حزب جديد وتجسدت الفكرة‬
‫في اإلعالن عن الجامعات< المتحدة المستقلة لحزب االستقالل في ‪ 25‬يناير‬
‫‪ 1959‬ولم يكن في استطاعة عبد اهلل إبراهيم وبوعبيد أن ينضما للحزب بسبب‬
‫مشاركتهما في الحكومة‪.‬‬
‫وكان المهدي بن بركة محطة إنذار ألنه قطع عالقته بالقيادة القديمة وبمجرد‬
‫تأسيس الجامعات المتحدة عاد عالل الفاسي من طنجة ووضع يده على الجهاز<‬
‫اإلقليمي للحزب< وطرد القادة المخالفين وعلى رأسهم بن بركة وشرع في منع‬
‫الجناح< المتمرد من الحزب فكلما حاولت الجتمعات< فتح مكتب بنفس االسم إال‬
‫ورفع القضية للمحاكم وعلى سلسلة من الحوادث قرر بن بركة و إبراهيم‬
‫وأنصارهما تأسيس حزب حديث تحت اسم «‪ ‬االتحاد الوطني للقوات< الشعبية‪» ‬‬
‫في ‪ 6‬شتنبر ‪ 1959‬والفترة الممتدة من ‪ 1958‬إلى ‪ 1959‬هي فترة االختيارات‬
‫والتحالفات‪]78[<.‬‬
‫ولقد انعقد المؤتمر التأسيسي لالتحاد الوطني للقوات الشعبية بسينما الكواكب في‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬شارك فيه كتاب اللجان الفدرالية للجامعات< المتحدة لحزب‬
‫االستقالل مع ممثلي الجماهير المنضوية تحت لواء حزب الشورى واالستقالل‪،‬‬
‫وحزب الحركة الشعبية‪ ،‬وحزب األحرار المستقلين‪ ،‬واالتحاد المغربي للشغل‬
‫واالتحاد المغربي للشباب واالتحاد الوطني لطلبة المغرب‪]79[.‬‬
‫ويصعب تحديد أسباب االنشقاق أو تحديد نصيب األشخاص الذين لعبوا فيه‬
‫دورا ما ولهذا فأسباب االنشقاق تتعدد ويتعدد المسؤولين عنه‪ ،‬وال يجوز استبعاد‬
‫الخالفات اإليديولوجية وصراعات األجيال وال يجب أن نهمل أيضا أهمية‬
‫النزاعات الشخصية واألحداث العارضة‪]80[.‬‬
‫صحيح أن قادة الجيل القديم لم يكونوا مهيئين لمشاكل االستقالل إذ لم يكن لها‬
‫أي برنامج سياسي ملموس ورغم ذلك ضلت أطر الحزب مطمئنة وبين‬
‫‪ 1959-1956‬أصبحت مراقبة الحزب< بين ائتالفين هشين فظهرت الجماعات<‬
‫المتميزة داخل حزب االستقالل خالل اجتماعات مدريد ‪ 1956-1955‬والتي‬
‫شارك فيها قادة المقاومة واالتحاد المغربي للشغل وجيش التحرير أول مرة أتيح‬
‫لهذه المجموعات أن قوتها من أجل إعداد برنامج يحظى بموافقة كل االتجاهات<‬
‫كي يقدم للمؤتمر األول للحزب‪ <،‬إال أن قرارات المؤتمر لم تكن سوى تدابير‬
‫للتراضي وقد أدت تلك المواجهات< إلى نشوء جو األزمة داخل الحزب واتخذ‬
‫هذا األخير طابع ائتالفي سياسي وأصبحوا يشهرون بأنهم ينتمون لحزب آخر‬
‫هذا من جهة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى تعود فايز سارة في كتابها «‪ ‬األحزاب والقوى السياسية في‬
‫المغرب‪ ،» ‬إلى أصول االتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى التيارات اليسارية في‬
‫حزب االستقالل‪ ،‬والتي شهدت نموا واسعا في نهاية األربعينيات وحتى منتصف‬
‫الخمسينيات‪ ،‬إذ نشطت مجموعات شابة وتقدمية من رموز حزب االستقالل في‬
‫األوساط الشعبية‪ ،‬وخصوصا في أوساط صغار الفالحين والعمال الزراعيين‬
‫وعمال المدن وسكان أحياء القصدير في المدن المغربية‪ ،‬واستطاعت هذه‬
‫المجموعات النشيطة أن تقيم نفوذا لالتجاهات اليسارية في حزب االستقالل‪ ،‬وقد‬
‫ترسخ تيار يساري رئيسي في لحزب عند تشكيل التحاد المغربي للشغل‪ ،‬والذي‬
‫حسب قياداته عموما انشقاق حزب االستقالل على التيارات اليسارية‪]81[.‬‬
‫ويمكن إضافة معطى آخر في هذا الصدد وهو العالقات< بين المقاومة المسلحة‬
‫في المدن المغربية وجيش التحرير في الريف من جهة مع حزب االستقالل‬
‫غالبا ما تمت من خالل رموز التيارات اليسارية في الحزب بسبب كون عالل‬
‫الفاسي الذي كلفه الحزب< في إقامة هذه العالقات واإلشراف عليها‪ ،‬خارج‬
‫المغرب لفترة طويلة وهذا ما يفسر انشقاق رموز من قيادات المقاومة إلى جانب‬
‫«‪ ‬الجامعات< المتحدة لحزب االستقالل‪ » ‬التي انشقت عن الحزب< في يناير‬
‫‪ 1959‬وشكلت فيما بعد االتحاد الوطني‪ ،‬وجدير بالذكر على أن «‪ ‬الجامعات<‬
‫المتحدة المستقلة‪ » ‬قامت خالل الفترة الفاصلة بين يناير وشتنبر ‪ 1959‬صالت‬
‫وحوار في األوساط السياسية المغربية وكانت المحصلة تشكيل االتحاد الوطني‬
‫للقوات الشعبية بمشاركة مختلف العناصر والمجموعات من األحزاب التي تم‬
‫ذكرها في السابق‪.‬‬
‫وفي ميثاق المؤتمر التأسيسي الصادر في شتنبر ‪ 1959‬جرى التأكيد على؛‬
‫«‪ ‬أن الهيئات السياسية‪ -‬المغربية في شكلها الحاضر< أصيبت بالتعفن‪ ،‬ولم تعد‬
‫صالحة للقيام بتربي الجماهير وتجنيدها للمهام البنائية‪ ،‬بل صارت أداة للتفرقة‬
‫ووسيلة الكتساب مراكز شخصية أو لالحتفاظ بها‪]82[.» ‬‬
‫واستنادا للميثاق التأسيسي فقد الحظ أن المشاركين قرروا «‪ ‬التخلي عن صفاتهم‬
‫الحزبية وألوانهم السياسية‪ » ‬وتأسيس االتحاد الوطني للقوات الشعبية المغربي‪،‬‬
‫وقد انبثقت قيادة للحزب تمثل جميع األطراف المشاركة في الحزب الجديد وبرز‬
‫في مقدمتها كل من ع‪ .‬اهلل إبراهيم‪ ،‬عبد الرحيم بوعبيد‪ ،‬المهدي بم بركة‪ ،‬الفقيه‬
‫محمد البصري وغيرهم من الرموز‪ ،‬وتمت صياغة مطالب الحزب< الجديد‬
‫تمثلت في خمسة مطالب أساسية وهي‪:‬‬
‫الدفاع عن االستقالل والوحدة الكاملة للتراب الوطني‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫جالء القوات األجنبية وتصفية مخلفات< االستعمار من القيود العسكرية‬ ‫‪‬‬

‫واالقتصادية‪.‬‬
‫مواصلة سياسة التحرر االقتصادي لضمان التشغيل الشامل والعدالة‬ ‫‪‬‬

‫االجتماعية‪.‬‬
‫تحقيق اإلصالح الزراعي وانتهاج سياسة التصنيع‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المطالبة باإلصالحات< في اإلدارة وإ قامة الديمقراطية والتعاون مع‬ ‫‪‬‬

‫الشعوب المناضلة من أجل التحرر الوطني‪]83[.‬‬


‫وبالرغم من العالقة التي كانت تجمع قيادي الحزب الجديد بحزب االستقالل‬
‫وبكون أحد قادته وهو عبد اهلل إبراهيم تولى منصب الوزير األول لحكومة ال‬
‫حزبية خلفت حكومة بال خريج زعيم حزب االستقالل إال أن األجهزة البوليسية‬
‫المغربية شنت حملة اعتقاالت واسعة في صفوف الحزب الجديد قبل أن تقال‬
‫حكومة عبد اهلل إبراهيم في ماي ‪ 1960‬وكان من نتائج هذه الحملة اعتقال‬
‫مجموعة من مناضلي حزب االتحاد الوطني للقوات الشعبية منهم الفقيه محمد‬
‫البصري وعبد الرحمان اليوسفي مدير ورئيس تحرير صحيفة الحزب<‬
‫«‪ ‬التحرير‪ » ‬بتهم ملفقة من قبل األجهزة التي يترأسها الحسن الثاني ولي العهد‬
‫آنذاك‪ ،‬ومن جهة أخرى نجد هجوما على المهدي بن بركة الزعيم اآلخر للحزب<‬
‫من لدن صحف حزب االستقالل متهمة إياه باالشتراك في مؤامرة اغتيال ولي‬
‫العهد‪ ،‬وذلك في إطار مؤامرة مكتملة األركان شارك فيها ولي العهد وزعامة‬
‫حزب االستقالل معا‪ ،‬بعد قام محمد الخامس بإقالة وزارة عبد اهلل إبراهيم‬
‫وترأس الوزارة بنفسه مما دفع بالمهدي بن بركة للهجوم على العهد الجديد‪.‬‬
‫لقد كان عاما من عمر االتحاد الوطني للقوات الشعبية والذي امتد ما بين شتنبر‬
‫‪ 1959‬وأكتوبر ‪ ،1960‬كافيا نتيجة لما حمل من أحداث أن يدفع باالتحاد‬
‫الوطني للقوات الشعبية نحو اتخاذ مجموعة من اإلجراءات< والتبدالت في‬
‫سياساته ومواقفه على نحو مختلف حيث بدأت موجة الوالء للقصر< تضعف في‬
‫صفوف االتحاد‪ ،‬خصوصا إذا ما استحضرنا هجوم الزعيم األساسي لالتحاد‬
‫الوطني المهدي بن بركة على القصر وحكومته‪.‬‬
‫وتبين ذلك عقب اجتماع المجلس الوطني التحاد القوات الشعبية في ‪ 21‬أكتوبر‬
‫‪ ،1960‬والذي اشترك فيه ممثلوا األقاليم عن االتحاد الوطني‪ ،‬وممثلوا االتحاد‬
‫المغربي للشغل‪ ،‬واالتحاد الوطني لطلبة المغرب‪ ،‬واالتحاد النسوي والذي خلص‬
‫إلى بإصدار بيان تناول مجموعة من القضايا الوطنية كان أبرزها على سبيل‬
‫المثال ال الحصر مشكلة جالء القواعد الفرنسية في المغرب باعتبارها تمس‬
‫كرامة الوطن أوال‪ ،‬وكونها تقدم المساعدة الفعالة للجيوش الفرنسية‪  ‬في حروبها‬
‫على الشعب الجزائري انسجاما ومبدأ توحيد المغرب العربي المتفق عليه في‬
‫مؤتمر طنجة‪]84[.‬‬
‫ونكر من بين النقط التي ناضل من أجلها الحزب كانت مهمة وساهمت في تغيير‬
‫نظرة القصر للحزب والحزن القصر< وهي‪ « :‬تطبيق سياسة خارجية مبنية على‬
‫مبدأ عدم التبعية والتعاون الحر والتضامن مع الشعوب المناضلة من أجل‬
‫التحرر وعلى أساس تقوية دعائم السالم العالمي‪ .» ‬لقد اعتبرت هذه الوقفة ضد‬
‫الملك وسياسة القصر خطوة مهمة لحزب االتحاد الوطني وأعقبها تحرك لدى‬
‫قيادة الحزب< إلمدادات تغييرات سياسية وتنظيمية على الصعيدين السياسي‬
‫والداخلي بلع ذروته إبان المؤتمر الثاني لالتحاد الوطني عام ‪ ،1962‬إذ ألقى‬
‫الزعيم المهدي بن بركة تقرير األمانة العامة أمام المؤتمر واعتبر هذا التقرير‬
‫وثيقة مهمة‪ ،‬كما تم في نهاية المؤتمر إقرار وثيقتين‪ :‬أوالهما القرار المذهبي‪،‬‬
‫وثانيهما القرار السياسي‪ ،‬وتضمنتا فضحا وتعرية للنظام السياسي المغربي‬
‫وطبيعة توجهاته الداخلية والخارجية والمهام المنوطة بالمنظمات السياسة‬
‫المغربية الفاعلة في المشهد الحزبي بالمغرب وفي مقدمتها االتحاد الوطني‬
‫للقوات الشعبية بهدف الخروج من المأزق الذي تعيشه البالد في ضل «‪ ‬الحكم‬
‫الرجعي المطلق‪.» ‬‬
‫وكان طبيعيا كنتيجة لجملة هذه التحوالت في فهم مواقف االتحاد الوطني أن‬
‫تشن السلطة المغربية هجوما على الحزب< ‪ ،1962‬حيث تمت مالحقة واعتقال‬
‫العشرات من الكوادر واألعضاء في الحزب من بينهم عشر أعضاء من المجلس‬
‫الوطني لالتحاد – وهو أحد المؤسسات القيادية‪ -‬تحت تهمة العمل على قلب‬
‫النظام واغتيال الملك وتكوين عصابة مسلحة‪ .‬وتوبعت عملية الهجوم عليه‬
‫فاقتيدوا إلى السجون والمحاكم في حين تم اختطاف زعيم االتحاد المهدي بن‬
‫بركة في باريس وقد تمت تصفيته بالتعاون ما بين األجهزة المغربية وأجهزة‬
‫البوليس الفرنسي‪]85[.‬‬
‫لقد مهدت الحملة على االتحاد الوطني للقوات الشعبية وتصفية العديد من قياداته‬
‫وخصوصا زعيمه المهدي بن بركة‪ ،‬خاصة إذ ما استحضرنا الظروف التي‬
‫عايشها المغرب آنذاك خاصة بعد عام ‪ 1967‬الطريق إلى اتخاذ الحزب منحى‬
‫آخر في مساره السياسي إذ قام بتشكيل قيادة جديدة وفتح باب الحوار مع حزب‬
‫االستقالل بزعامة عالل الفاسي سنة ‪ 1970‬لمواجهة سياسة القصر الملكي‪،‬‬
‫وكانت من بين نتائج الحوار تشكيل جبهة معارضة رئيسية في البالد‪ .‬وقد هاجم‬
‫الملك الحسن الثاني التحالف الذي قيم بين حزب االتحاد وحزب االستقالل‬
‫وبعض السياسيين والذين جعلوا من السباب ومن الفضيحة معاشهم اليومي‪ ،‬مما‬
‫سيؤدي إلى انفصام عرى التحالف القائم بين الحزبين في سنة ‪ 1970‬ونتيجة‬
‫للصراعات< الداخلية في صفوف االتحاد فقد خرجت من صفوف االتحاد بداية‬
‫التسعينيات مجموعة يسارية أطلق عليها «‪ ‬منظمة ‪ 23‬مارس‪ » ‬وهي مجموعة‬
‫تبنت الماركسية اللينينية‪» ‬‬
‫وفي اإلطار نفسه فقد انقسم القسم الباقي عن االتحاد في سنة ‪ 1972‬بحيث‬
‫خرجت مجموعة بزعامة عبد الرحيم بوعبيد الذي يعتبر نفسه الوريث الشرعي‬
‫لنضاالت االتحاد الوطني فشكلت «‪ ‬االتحاد االشتراكي للقوات الشعبية‪ » ‬فيما‬
‫حافظت المجموعة األساسية بقيادة عبد اهلل إبراهيم والمحجوب بن الصديق على‬
‫االسم األول لالتحاد التي وصفت بالتحول اليميني بالرغم من حفاظها على‬
‫سياسة المعارضة ومواقف الحزب األساسية‪]86[.‬‬
‫وتعود «‪ ‬فايز سارة‪ » ‬في كتابها «‪ ‬األحزاب والقوى السياسية في المغرب‪» ‬‬
‫إلى أن حزب االتحاد الوطني للقوات الشعبية بمرحلتين متفاوتتين بالنسبة إلى‬
‫وزنه الجماهيري والتي يمكن تحديدهما بشكل عام في ما يلي‪:‬‬
‫الفترة بين التأسيس وغياب المهدي بن بركة زعيم الحزب‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الفترة ما بين اغتيال المهدي بن بركة حتى اآلن‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ففي الفترة األولى مثل الحزب قوة المعارضة المغربية األساسية في مواجهة‬
‫سياسات القصر والسياسات اليمينية لقيادة حزب االستقالل بزعامة أحمد بالفريج‬
‫وعالل الفاسي فيما بعد‪ ،‬وقد انعكست قوة الحزب ليس في تأييد قطاعات شعبية‬
‫واسعة من الطلبة والعمال وفقراء المدن ورموز المقاومة فحسب‪ ،‬وإ نما في‬
‫انخراط عدد من أعضاء وقياديين من قوى سياسية أخرى في صفوفه عند‬
‫تشكيله عام ‪ 1959‬بعد أن تخلو عن تنظيماتهم السابقة هذا من جهة‪ .‬ومن جهة‬
‫أخرى نجده في الفترة الثانية قد ساهم كل من التوجه االقتصادي للقيادة النقابية‬
‫«‪ ‬االتحاد المغربي للشغل‪ » ‬والذي بدأ منذ عام ‪ 1963‬وهجمات السلطة على‬
‫الحزب وخصوصا بعد أحداث مدينة الدار البيضاء عام ‪ 1965‬واغتيال بن‬
‫بركة في العام ذاته‪ ،‬إلى نمو صراعات بين قادة الحزب‪ ،‬وإ لى شل فاعلية‬
‫الحزب< وتمزقه الداخلي‪ <،‬األمر الذي حوله إلى «‪ ‬حزب أقلية‪ » ‬يعيش على‬
‫ذكريات الماضي التي تشير إليها بعض مطبوعاته وخصوصا جريدته المسماع‬
‫«‪ ‬االتحاد الوطني‪]87[.» ‬‬
‫وهكذا يمكن اعتبار تأسيس االتحاد الوطني عام ‪ 1959‬أول عملية فرز على‬
‫مستوى الجماهير الشعبية‪ ،‬فقد كانت الحركة الوطنية قبل ذلك تضم جميع فئات‬
‫الشعب‪ ،‬وكان هدفها التحرر من االستعمارين الفرنسي واإلسباني‪ .‬وبعد سنة‬
‫‪ ،1956‬ستواجه الحركة الوطنية مرحلة جديدة تستلزم تحديد مواقف ثابتة في‬
‫الميادين االقتصادية والسياسية واالجتماعية مما أدى إلى ظهور التناقضات<‬
‫وبالتالي استحالة استمرار اإلجماع القديم ضد االستعمار في مرحلة البناء‪،‬‬
‫وهكذا تأسس االتحاد الوطني للقوات< الشعبية سنة ‪ 1959‬وجاء نهاية المخاض‬
‫داخل الحركة الوطنية‪.‬‬
‫وكما تمت اإلشارة في السابق من هذا على المبحث على أننا سنقتصر الحديث‬
‫عن قوة سياسية كان لها وزنها الكبير في إضافة نوعية للمشهد الحزبي بالمغرب‬
‫والمتمثلة في االتحاد الوطني للقوات الشعبية وسنشير ولو بشكل موجز إلى‬
‫أحزاب< أخرى كان لها أيضا الفضل الكبير في إغناء الساحة السياسية المغربية‬
‫وسنتناول هنا حزب آخر أقيم بدعم خاص من القصر لمواجهة النفوذ المتزايد‬
‫لحزب االستقالل خاصة مع نهاية الخمسينيات من القرن الماضي‪ <.‬لقد تأسست‬
‫الحركة الشعبية في المغرب في أكتوبر سنة ‪ 1957‬بعد ما يزيد عام من خروج‬
‫االحتالل األجنبي بالد المغرب من قبل حد وأبرقاش خريج جامعة القرويين‪،‬‬
‫تأسست وحظيت بدعم من ولي العهد آنذاك (الحسن‪ )II ‬لخلق معادالت جديدة في‬
‫الساحة السياسية‪.‬‬
‫وقد صرح المحجوبي أحرضان أحد زعماء ومؤسسي الحركة قائال‪ « :‬نحن لم‬
‫نكافح من أجل االستقالل كي نفقد حريتنا‪ ،» ‬وذلك في معرض تعليقه على‬
‫محاولة حزب االستقالل االنفراد بالساحة السياسية المغربية‪]88[.‬‬
‫وإ ذا كنا قد أشرنا إلى أن األحزاب التي أقيمت بمساعدة القصر< تسمى بأحزاب‬
‫اإلدارة المغربية فإن الحركة الشعبية تدخل ضمن هذا الصنف من األحزاب‬
‫كونها كانت قد حظيت بدعم من (ولي العهد الحسن الثاني)‪ <،‬ونظرا إلى كون‬
‫قانون الحريات< العامة لم يكن قد صدر بعد قد تعرض قادة الحركة الشعبية‬
‫للمالحقة واالعتقال برغم تعاطف (ولي العهد معهم)‪ ،‬ولكن األمر الذي لم يدم‬
‫طويال إذ نالت الحركة الشعبية رعامة من الملك محمد الخامس وولي عهده‪،‬‬
‫توج باعتراف قانوني بها في فبراير ‪ 1959‬بعد صدور قانون الحريات العامة‬
‫الذي فنن التعددية الحزبية‪]89[.‬‬
‫وتعود أصول معظم قادة الحركة الشعبية إلى مناطق الريف وسوس واألطلس‪،‬‬
‫وهي مناطق بربرية‪ ،‬وقد حصلت الحركة على بعض التأييد هناك األمر الذي‬
‫أدى إلى وصف الحركة بأنها «‪ ‬حركة اثنية‪ » ‬بربرية على رغم نفي قادة‬
‫الحركة لهذه الصفة‪.‬‬
‫عقد المؤتمر التأسيسي للحركة في أكتوبر ‪ 1959‬ولكن «‪ ‬األمية السياسية‪» ‬‬
‫التي كان يغرق فيها قادتها‪ ،‬منعت من صياغة وإ قرار برنامج سياسي للحركة‪.‬‬
‫حتى انعقاد مؤتمرها الوطني الثاني في أكتوبر سنة ‪ ،1962‬حيث تبنت الحركة‬
‫الشعبية «‪ ‬االشتراكية اإلسالمية‪ » ‬كقاعدة لبرنامجها السياسي‪ ،‬والحظ البرنامج‬
‫السياسي الذي أقره المؤتمر أن الهدف األساسي للحركة يتمثل في بناء‬
‫«‪ ‬اشتراكية في إطار االشتراكية اإلسالمية‪ ،‬ووفق ميول الشعب المغربي الذي‬
‫تشكل األراضي الجماعية والتويزة بقايا بليغة لها‪.» ‬‬
‫ومن هنا جاءت مطالبة الحركة بتوزيع أراضي الدولة‪ ،‬وأراضي األحباس على‬
‫القبائل والجماعات المحلية كما طالبت بتشجيع تعليم اللهجات< البربرية المحلية‪[.‬‬
‫‪]90‬‬
‫وقد قيم الدكتور عبد الكريم الخطيب الزعيم الثاني للحركة الشعبية برنامجها‪،‬‬
‫وشعار «‪ ‬االشتراكية اإلسالمية‪ » ‬بأنه يهدف إلى‪ :‬أن نمنع عن شعبنا االتجاه‬
‫إلى المادية‪ ،‬وخاصة الماركسية‪ ،‬فنحن نريد أن نبني دولة على الرغم من‬
‫عصريتها تقف جذورها ثابتة على اإلسالم‪ .‬ونحن ال نعتقد أن في وسعنا أن‬
‫نتقدم بالنسبة لصبائعنا ودخائل نفوسنا بدون الدين‪]91[.‬‬
‫وفي السنوات التالية تكرر عقد المؤتمرات الوطنية للحركة‪ ،‬وسط خالفات على‬
‫الزعامة في صفوف قيادتها‪ ،‬وخصوصا بين المحجوبي أحرضان والدكتور عبد‬
‫الكريم الخطيب‪ ،‬وقد تفجر هذا الخالف خالل المؤتمر الوطني الخامس للحركة‬
‫عام ‪ ،1966‬وانقسمت الحركة إلى اتجاهين‪ :‬االتجاه األول تقليدي بقيادة‬
‫المحجوبي أحرضان‪ ،‬والذي حافظ على اسم الحركة بزعامته‪ ،‬واالتجاه الثاني‬
‫مناهض بقيادة عبد الكريم الخطيب‪ <،‬الذي شكل حزبا جديدا باسم «‪ ‬الحركة‬
‫الشعبية الدستورية الديمقراطية‪ » ‬سنة ‪ .1967‬وقد أكد الخطيب أن السبب‬
‫الجوهري للخالف تمثل في تأييد زعيم الحركة أحرضان لحالة االستنفار‬
‫(الطوارئ) في البالد‪ ،‬والتي أعقبت اندالع أحداث مدينة الدار البيضاء سنة‬
‫‪ ]92[.1965‬وهكذا اتصف حزب الحركة الشعبية بأنه حزب اإلدارة كونه كان‬
‫شيارك في الحكومات المغربية منذ عام ‪ 1961‬وحتى اآلن حيث شارك أمينة‬
‫العام في عدة وزارات‪]93[.‬‬
‫وكإضافة إلى ما سبق ذكره نجد في المشهد الحزبي بالمغرب ظهور قوى‬
‫سياسية أخرى ساهمت بدورها في إغناء المشهد الحزبي وانطالقا من كون‬
‫المشهد الحزبي وانطالقا من كون المشهد السياسي بالمغرب عرف منذ ظهوره‬
‫إلى اآلن ظهور أحزاب< وقوى سياسية جديدة منها من ساهم من موقعه باإليجاب‬
‫وعاد له الفضل< الكبير في تطوير الحياة السياسية ببالد المغرب‪ ،‬ومنه من ساهم‬
‫في تكريس األزمات السياسية التي عاشها المغرب طيلة مرحلة ما بعد ‪1956‬‬
‫إلى حدود سنة ‪ ،1975‬وما تشكله هذه السنة في الذاكرة الحية للمشهد الحزبي‬
‫بالمغرب حيث المؤتمر االستثنائي لالتحاد الوطني للقوات الشعبية باعتباره‬
‫منعطف نوعي ال سواء في مسار الحزب ذاته أو مجموع القوى السياسية التي‬
‫كانت مرتبطة به آنذاك‪ ،‬فإنه – المشهد الحزبي بالمغرب‪ -‬يشبه لوحة الفسيفساء‬
‫المغربية كما جاء على لسان العرب «‪ ‬فايز سارة‪ » ‬فمنها أحزاب< الحركة‬
‫االستقاللية ومنها أحزاب اإلدارة‪ ،‬ومنها القوى السياسية اليسارية حال منظمة‬
‫إلى اإلمام الماركسية اللينينية‪ ،‬ومنها القوى السياسية الدينية والمتمثلة باألساس‬
‫في منظمة الشبيه اإلسالمية والذي يعتبر عبد الكريم مطيع أحد مؤسسيها‪.‬‬
‫وقد ارتأينا عدم تناول كل من القوى السياسية ال سواء اليسارية خاصة منها التي‬
‫ظهرت بداية السبعينيات‪ ،‬وال سواء الحركة الدينية كون مبحث فقط في هذا‬
‫البحث المتواضع ال يكفي إلعطائها حقها في الدراسة التاريخية بالرغم من أنها‬
‫أضافت< إضافات< مهمة ونوعية الزالت انعكاساتها إلى يومنا هذا وبهذا اكتفينا‬
‫بدراسة بمعنى األحزاب التي صنفت حسب الدراسات ضمن أحزاب الحركة‬
‫االستقاللية والبعض اآلخر صنف ضمن أحزاب اإلدارة والتي هي من أقيمت‬
‫بمساعدة القصر أو كان له الفضل الكبير في تأسيسها‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫ليس من شأن هذا البحث أن يتوغل في إظهار كل جوانب الفعل الحزبي‬


‫بالمغرب وتطوره إال بالقدر الذي يخدم الغرض من البحث‪ ،‬فقد أخذنا سبيل‬
‫الخوض في ما تحفظه الذاكرة من أحداث ووقائع‪ .‬على الصعيد الداخلي‬
‫والخارجي على السواء‪ ،‬والتي كان لها أثر على تطور مسلسل المنظومة‬
‫الحزبية‪ ،‬بغية رسم صورة المشهد الحزبي بهذه الرقعة الجغرافية‪.‬‬
‫لقد بات التساؤل عن الحزب السياسي في المغرب باألساس تساؤال عن طبيعة‬
‫النظام السياسي‪ ،‬إذ ال يمكن تحليل مكامن الخلل في الفعل الحزبي أو تجليات‬
‫التعثر في الممارسة الحزبية دون استقراء العامل االستراتيجي المهيكل لجوهر‬
‫السلطة السياسية‪ ،‬فالتجربة الحزبية بالمغرب مرت بمراحل متعددة من الصعود‬
‫واالنكسار‪ ،‬تعود جذورها لسنوات الكفاح الذي خاضته األحزاب< المغربية من‬
‫أجل االستقالل‪.‬‬
‫فهي لم تنشأ انطالقا من التجربة الديمقراطية والتداول على السلطة بل ارتبطت‬
‫والدتها بالصراع ضد االستعمار‪ ،‬هذه الميزة تشترك فيها األحزاب المغربية مع‬
‫األحزاب السياسية في العالم الثالث< أو الدول التي نالت جرعتها من طعم‬
‫االستغالل‪ ،‬إال أن التجربة المغربية عرفت مسارا مختلفا للمسار الذي سارت فيه‬
‫العديد من الدول العربية‪ ،‬التي انقلبت مسارا على النظام الوراثي وفرضت نظام‬
‫الحزب الوحيد‪.‬‬
‫فظروف نشأة األحزاب السياسية المغربية ومسارها انعكس على تحديد نوعية‬
‫تعاطيها مع مجموعة من القضايا< وكذلك أثر في تموقعها داخل النظام السياسي‬
‫في المغرب‪ ،‬فنجدها ارتبطت ارتباطا وثيقا بالعامل الخارجي‪ ،‬وصل إلى حد‬
‫التأثر بالتجربة الخارجية في تنظيم الحزب‪.‬‬
‫وقد تمخضت< عن هذه الحركة تشكيل أول حزب سياسي هو «‪ ‬كتلة العمل‬
‫الوطني‪ ،» ‬لم يكن مهيكال أو مضبوطا بأي قانون تنظيمي‪ ،‬إذ اقتصر فقط على‬
‫العالقات التقليدية في التنظيم الداخلي للحزب‪<.‬‬
‫ومع استمرار التفاوض مع سلطات الحماية استطاعت النخبة المغربية أن تكون‬
‫تراكما مهما فظهرت نتيجة ذلك العديد من األحزاب كالحزب الشيوعي المغربي‬
‫‪ ،1943‬حزب اإلصالح الوطني‪ ،‬حزب الوحدة الوطنية‪ ،‬حزب االستقالل ثم‬
‫حزب الشورى واالستقالل… وغيرها – تفاعلت فيما بينها بين أخذ ورد إيجابا‬
‫وسلبا جعلت بعضها يختلف عن اآلخر في إعطاء المضمون الحقيقي لكفاحها<‬
‫ضد االستعمار خاصة في عالقتها مع مطلب االستقالل‪.‬‬
‫وبدخول المغرب عهد نهاية الحماية تحول نشاط األحزاب< من النضال< التحرري‬
‫من أجل االستقالل إلى النضال السياسي لتدعيم أركان الدولة وإ قامة دولة‬
‫المؤسسات العصرية‪ ،‬إال أن بواكر سنوات ‪ 1959-1956‬أظهرت رغبة حزب‬
‫االستقالل لوضع حد للتعددية الحزبية التي شهدها المغرب في فترة الحماية‪،‬‬
‫وبتكريس نظام الحزب الوحيد‪ ،‬اصطدم بمعارضة باقي األحزاب< األخرى‪ ،‬وأثار‬
‫تخوفات القصر الذي فضل التعددية الحزبية‪ ،‬باعتباره النظام األنسب لملكية‬
‫دستورية‪ ،‬وصدر العهد الملكي في خطاب محمد الخامس في ‪ 8‬ماي ‪،1958‬‬
‫فرسخ هذا العهد خيار التعددية‪ ،‬فتم التأكيد عليها منذ أول تجربة دستورية في‬
‫تاريخ مغرب ما بعد االستعمار المباشر‪ ،‬تقديم دستور ‪ 1962‬للتصويت حيث‬
‫ينص الفصل الثالث< من الدستور إلى‪ « :‬أن األحزاب السياسية تساهم في تنظيم‬
‫المواطنين وتمثيلهم‪ ،‬ونظام الحزب الوحيد ممنوع في المغرب‪.» ‬‬
‫هذا الخيار< ساهم في بروز أحزاب أخرى‪ ،‬بعضها تناسل عن األحزاب‬
‫التاريخية‪ ،‬وأخرى نشأت بفعل تضافر مجموعة من العوامل والظروف كان‬
‫أهمها محاولة خلق توازن في الساحة السياسية كي ال تعرف منحنيات خطيرة قد‬
‫تؤدي بإخالل النظام العام‪ .‬تعاقبت معها العديد من األحداث ابتداء ببروز مشكل‬
‫الحدود الوهمية مع الجزائر‪ ،‬مرورا بحكومة عبد اهلل إبراهيم‪ ،‬ودستور ‪،1962‬‬
‫وصوال إلى المؤتمر االستثنائي لحزب االتحاد الوطني للقوات< الشعبية لسنة‬
‫‪.1975‬‬
‫فالمشهد الحزبي بالمغرب عرف هشاشة مزمنة على مستوى التنظيم الداخلي‬
‫وكذا على صعيد األنشطة والسلوكيات التي تقوم بها هذه األحزاب في سبيل‬
‫اإلسهام في القرار‪ <،‬فهي اتخذت أنماطا وأشكاال متعددة تبدأ بجانب االهتمام‬
‫بالشأن السياسي ثم الدراية واالقتناع بمبادئ وقواعد الحزب‪ ،‬حالت< دون وضوح‬
‫خطواتها‪ ،‬كما تميز باالندثار تحت لواء التعددية الحزبية‪.‬‬
‫هكذا إذن أصبحت التعددية الحزبية قوة مادية في الواقع تجسدها مجموعة من‬
‫القوى السياسية أفراد وجماعات على أرض الميدان فداخل المشهد السياسي‬
‫بالمغرب زوبعة من االنشقاقات< وتأسيس أحزاب< جديدة ومنظمات سرية في‬
‫مرحلة ما بعد ‪ ،1975‬وما كانت تشهده الساحة السياسية في العالم ككل‬
‫نستحضر هنا أبرزها ما سمي بالحرب الباردة؛ بين قطبين الغربي بقيادة‬
‫الواليات المتحدة األمريكية والشرقي بقيادة االتحاد السوفياتي‪ ،‬وصوال إلى‬
‫نهايته‪ ،‬وانهيار جدار برلين لتعرف الساحة الدولية موجة من التراجعات< في‬
‫صفوف القوى السياسية خاصة المتشبعة بالفكر االشتراكي وهيمنة القطب الواحد‬
‫مما سينعكس على المشهد الحزبي بالمغرب‪ ،‬اعتبارا للعالقات التي تربط‬
‫المغرب باإلمبرياليات العالمية وعلى رأسها الواليات المتحدة األمريكية‪،‬‬
‫فأصبحت< األحزاب المغربية تابعة لها حتى في برامجها السياسية‪.‬‬
‫المصادر< والمراجع‪:‬‬

‫بالعربية‪:‬‬
‫عالل الفاسي‪ ،‬الحركات< االستقاللية في المغرب العربي‪ ،‬الطبعة السابعة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أبو بكر القادري‪ ،‬مذكراتي في تاريخ الحركة الوطنية‪ ،‬الجزء< األول‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫محمد ضريف‪ :‬األحزاب السياسية المغربية‪ ،‬مطابع إفريقيا الشرق‪ ،‬الدار‬ ‫‪‬‬

‫البيضاء‪.1988 ،‬‬
‫وليام هوينسطن‪ ،‬الحماية الفرنسية بالمغرب بين األوج واألفول تحت قيادة‬ ‫‪‬‬

‫الجنرال نوجيس ‪ 1943-1936‬الطبعة األولى ‪.2001/2002‬‬


‫ألبير عياش‪ ،‬المغرب واالستعمار حصيلة السيطرة الفرنسية الجزء‬ ‫‪‬‬

‫السادس‪.‬‬
‫عبد الكريم غالب‪ ،‬الحركة الوطنية بالمغرب مع نهاية حرب الريف إلى‬ ‫‪‬‬

‫إعالن االستقالل‪.‬‬
‫عبد الرحيم برادة‪ ،‬إسبانيا والمنطقة الشمالية المغربية ‪1956-1931‬‬ ‫‪‬‬

‫الجزء الثاني‪.‬‬
‫جزن واترابوري‪ ،‬أمير المؤمنين‪ ،‬الملكية والنخبة السياسية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫عبد الهادي بوطالب‪ <،‬نصف قرن السياسة مطبعة النجاح الجديدة الدار‬ ‫‪‬‬

‫البيضاء في أكتوبر ‪.2001‬‬


‫قاسم الزهيري‪ ،‬محمد الخامس الملك البطل‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫عبد الرحيم الورديغي‪ ،‬الخفايا السرية في المغرب ‪ 1961-1956‬دار‬ ‫‪‬‬

‫الرشاد الحديثة الدار البيضاء ‪.1982‬‬


‫أشفورد دوجالس‪،‬التطورات< السياسية في المملكة المغربية ترجمة الدكتور‬ ‫‪‬‬

‫سليمان عارف والدكتور أحمد مصطفى بوحاكمة دار الطباعة والنشر بيروت‪،‬‬
‫نيويورك ‪.1963‬‬
‫أحمد عيسى المعجزة المغربية دار القلم للطباعة األولى ‪ 1975‬بيروت‬ ‫‪‬‬

‫لبنان‪.‬‬
‫روم الندو‪ ،‬تاريخ المغرب في القرن العشرين‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫مصطفى العلوي‪ ،‬األغلبية الصامتة بالمغرب‪ ،‬مطابع دار الكتاب الدار‬ ‫‪‬‬

‫البيضاء‪.1977 ،‬‬
‫المهدي بنونة‪ ،‬المغرب السنوات الحرجة الطبعة األولى ‪.1989‬‬ ‫‪‬‬

‫ستار محمد عالوي‪ ،‬أطروحة الدكتوراه تحت عنوان محمد حسن الوزاني‬ ‫‪‬‬

‫دوره الفكري والسياسي بالمغرب‪.‬‬


‫محمد عابد الجابري‪ <،‬في عمار السياسة فكرا وممارسة‪ ،‬الشبكة العربية‬ ‫‪‬‬

‫لألبحاث والنشر الطبعة األولى بيروت‪.‬‬


‫فايز سارة‪ ،‬األحزاب والقوى السياسية في المغرب‪ ،‬رياض الريس للكتب‬ ‫‪‬‬

‫والنشر‪.‬‬
‫مجلة وجهة نظر‪ ،‬عدد مزدوج ‪.40/41‬‬ ‫‪‬‬

‫مجلة الشرق األوسط ‪.09/04/1983‬‬ ‫‪‬‬

‫مجلة الشراع‪ 26 ،‬فبراير ‪.1973‬‬ ‫‪‬‬

‫األجنبية‪:‬‬
‫‪Mohamed Kenbib La Grande Encyclopédie Du Maroc‬‬ ‫‪‬‬

‫‪.Histoire- Faculté Des Lettres Rabat 1988‬‬


‫‪Charles André Julien Le Maroc Face Aux Impérialismes‬‬ ‫‪‬‬

‫‪.1415-1956 Édition Paris 1976‬‬

‫الفهرس‬

‫تقديم عام‪2 :‬‬
‫الفصل األول‪ :‬البوادر االولى لبروز األحزاب السياسية في المغرب‪6 ..‬‬
‫المبحث األول‪ :‬ظروف نشأة التنظيمات السياسية بالمغرب‪8 .‬‬
‫–‪ ‬المبحث الثاني‪  :‬تطور التنظيمات السياسية المغربية‪13 .‬‬
‫–‪ ‬المبحث الثالث‪ :‬العمل السياسي واالستقالل‪16 .‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬المشهد الحزبي بالمغرب بعد االستقالل‪25 .‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الصراع على السلطة‪28 :‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حكومة «‪ ‬عبد اهلل إبراهيم‪ » ‬منعطف نوعي في تاريخ الفعل الحزبي بالمغرب‪36 :‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬األحزاب السياسية في ما بعد االستقالل‪43 :‬‬
‫خاتمة‪53 :‬‬
‫المصادر والمراجع‪56 :‬‬
‫الفهرس‪58 ..‬‬

‫–‪ ‬عالل الفاسي‪ ،‬الحركات االستقاللية بالمغرب العربي‪]1[.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪-‬أبو بكر القادري‪ :‬مذكراتي في الحركة الوطنية المغربية من ‪ 1930‬إلى‬


‫‪ 1940‬الجزء األول ص‪]2[ .29‬‬
‫ألبير عياش‪ :‬المغرب واالستعمار حصيلة السيطرة الفرنسية‪ .‬الجزء< السادس ص‬
‫‪]3[.378‬‬
‫عبد الكريم غالب‪ ،‬الحركة الوطنية بالمغرب من نهاية حرب الريف إلى إعالن‬
‫االستقالل‪ .‬ص‪]4[ .72.71 .‬‬
‫ألبير عياش‪ :‬المغرب واالستعمار حصيلة السيطرة الفرنسية‪ .‬الجزء< السادس ص‬
‫‪]5[ .386‬‬
‫عبد الرحيم برادة‪ ،‬اسبانيا والمنطقة الشمالية المغربية ‪ 1956 ،1931‬الجزء‬
‫الثاني ص ‪]6[.232‬‬
‫عالل الفاسي‪ .‬الحركات< االستقاللية بالمغرب العربي‪]7[.‬‬
‫جون واترابوري‪ ،‬أمير المؤمنين الملكية والنخبة السياسية ص ‪]8[.86‬‬
‫أبو بكر القادري الحركات< االستقاللية بالمغرب العربي الجزء الثاني‪ ،‬ص‪ ‬‬
‫‪]9[221‬‬
‫نفس المرجع السابق ص ‪]10[266‬‬
‫وليام هوينسطن‪ :‬الحماية الفرنسية بالمغرب بين االوج واالفول تحت قيادة‬
‫الجنرال ‪ ‬نوحيس ‪ 1943-1936‬الطبعة األولى ‪]11[.2001/2002‬‬
‫عالل الفاسي‪ .‬الحركات< االستقاللية في المغرب العربي ص ‪]12[188-187‬‬
‫العلوي مصطفى‪ .‬االغلبية الصامتة بالمغرب‪ .‬مطابع دار الكتاب الدار البيضاء‪<.‬‬
‫‪-1977‬ص ‪]13[.27‬‬
‫محمد ظريف ‪.‬األحزاب< السياسة المغربية‪ .‬مطابع افريقيا الشرق‪ .‬الدار البيضاء<‬
‫‪ 1988‬ص‪]14[.29‬‬
‫عالل الفاسي الحركات اإلستقاللية بالمغرب العربي ‪]15[ ‬‬
‫عبد الهادي بوطالب‪ .‬نصف قرن في السياسة‪ .‬المغرب ‪ 2001‬ص‪]16[.194‬‬
‫عبد الرحيم برادة‪ ،‬اسبانيا والمنطقة الشمالية المغربية ‪ 1956-1931‬الجزء‬
‫‪.2‬ص ‪]17[.232‬‬
‫–‪ ‬ألبير عياش‪ :‬المغرب واالستعمار حصيلة السيطرة الفرنسية‪ .‬الجزء السادس‬
‫ص‪]18[ .394‬‬
‫‪-‬أبو بكر القادري‪ :‬مذكراتي في الحركة الوطنية المغربية من ‪ 1930‬إلى‬
‫‪ 1940‬الجزء< الثاني‪ ،‬ص ‪]19[.229‬‬
‫ألبير عياش‪ ،‬المصدر نفسه ص ‪]20[.396‬‬
‫جون واترابوري‪ ،‬أمير المؤمنين‪ ،‬الملكية والنخبة السياسية ص ‪]21[.155‬‬
‫‪  – ‬ألبير عياش‪  ‬المصدر نفسه ص ‪.398‬‬ ‫‪1‬‬

‫–‪ ‬ألبير عياش‪ .‬المصدر نفسه ص ‪]23[.398‬‬


‫ألبير عياش‪ .‬المصدر نفسه ص ‪]24[ 397‬‬
‫عالل الفاسي‪ .‬الحركات< االستقاللية بالمغرب العربي ص ‪]25[.444‬‬
‫عالل الفاسي‪ .‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪]26[.381‬‬
‫عالل الفاسي‪ .‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪]27[ 391‬‬
‫عبد الهادي بوطالب المصدر نفسه‪ .‬ص ‪]28[.42-41‬‬
‫عبد الهادي بوطالب المصدر نفسه‪ .‬ص ‪]29[45‬‬
‫د ‪.‬زكي مبارك موقف محمد بن ع‪ .‬الكريم الخطابي وعالل الفاسي من مباحثات‬
‫ايكس ليبان مجلة وجهة نظر عدد مزدوج ‪ .40/41‬ص ‪]30[ 21-20‬‬
‫محمد ظريف‪ .‬األحزاب السياسية المغربية ص ‪]31[.58‬‬
‫عالل الفاسي‪ ،‬المصدر نفسه ‪ .‬ص‪]32[.386-385‬‬
‫أحمد عسة ‪ .‬المعجزة المغربية‪ .‬ص ‪]33[.240-239‬‬
‫قاسم الزهيري‪ ،‬محمد الخامس الملك البطل‪ .‬ص ‪]34[.78‬‬
‫روم ال ندو تاريخ المغرب في القرن ‪.20‬ص ‪]35[.340‬‬
‫ع‪ .‬الهادي بوطالب‪ <.‬نصف قرن من السياسة ‪]36[194‬‬
‫قاسم الزهري‪ ،‬محمد الخامس الملك البطل ‪.‬ص ‪]37[.91-90‬‬
‫محمد ظريف‪ .‬المصدر نفسه ص ‪ 71‬؛ ع الهادي بوطالب المصدر السابق ص‬
‫‪]38[.40‬‬
‫عبد الهادي بوطالب ‪ .‬المصدر نفسه ص ‪]39[.44-43‬‬
‫ألبير عياش‪.‬المغرب واالستعمار حصيلة السيطرة الفرنسية الجزء السادس ص‬
‫‪]40[.406‬‬
‫عبد الهادي بوطالب‪ <.‬المصدر السابق ص‪]41[.35‬‬
‫جون واترا بوري الملكية والنخبة السياسية ص ‪]42[.150‬‬
‫[‪ – ]43‬المهدي بنونة‪ ،‬المغرب السنوات الحرجة الطبعة األولى ‪.1989‬‬
‫[‪ – ]44‬دوجالس أشفورد‪ ،‬التطورات السياسية في المملكة الغربية‪ ،‬ترجمة‬
‫الدكتور سليمان عارف والدكتور أحمد مصطفى أبو حاكمة‪ ،‬دار الطبع والنشر‬
‫بيروت‪ ،‬نيويورك ‪ 1963‬ص ‪.139‬‬
‫[‪ – ]45‬دوجالس أشفورد‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.140‬‬
‫[‪Charles André Julien Le Maroc Face Aux – ]46‬‬
‫‪Impérialismes 1415-1956 Édition Paris 1976. P 485‬‬
‫[‪ – ]47‬نور الزاهي‪ ،‬الزاوية والحزب‪ ،‬ص ‪.128‬‬
‫[‪ – ]48‬نور الزاهي‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫[‪ – ]49‬ستار محمد عالوي‪ ،‬أطروحة الدكتوراه تحت عنوان محمد حسن‬
‫الوزاني دوره الفكري والسياسي في المغرب‪ ،‬ص ‪.170‬‬
‫[‪ – ]50‬ستار محمد عالوي‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.171‬‬
‫[‪ – ]51‬معروف الدفالي‪ ،‬من مظاهر تعريف المقاومة وجهة نظر‪ ،‬عدد مزدوج‬
‫‪ 41-40‬ص ‪.12‬‬
‫[‪ – ]52‬معروف الدفالي‪ <،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫[‪ – ]53‬عبد الهادي بوطالب‪ <،‬نصف قرن من السياسة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪،‬‬
‫الدار البيضاء في أكتوبر ‪ ،2001‬ص ‪.77‬‬
‫[‪ – ]54‬عبد الرحيم الورديغي‪ ،‬الخفايا السرية في المغرب المستقل ‪-1956‬‬
‫‪ 1961‬الرباط ‪ ،1980‬ص ‪.67‬‬
‫[‪ – ]55‬ستار محمد عالوي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫[‪ – ]56‬عبد الرحيم الورديغي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.74-73‬‬
‫[‪ – ]57‬عبد الهادي بوطالب‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫[‪ – ]58‬محمد ظريف األحزاب السياسية المغربية‪ ،‬مطابع إفريقيا الشرق الدار‬
‫البيضاء‪ ،1988 <،‬ص ‪.91‬‬
‫[‪ – ]59‬عبد الهادي بوطالب‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.95-85‬‬
‫[‪ – ]60‬عبد الرحمان الورديغي‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫[‪ – ]61‬عبد الرحمان الورديغي‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫[‪ – ]62‬عبد الرحيم الورديغي‪ ،‬نفس المصدر‪ ،‬ص ‪.144‬‬
‫[‪ – ]63‬عبد الرحيم الورديغي‪ ،‬الخفايا السرية في المغرب المستقل ‪-1956‬‬
‫‪ 1961‬الرباط ‪  ،1980‬ص ‪.144‬‬
‫[‪ – ]64‬أشفورد دوجالس‪ ،‬التطورات السياسية في المملكة المغربية‪ ،‬ترجمة ذ‪.‬‬
‫سليمان عارف وأحمد مصطفى أبو حاكمة‪ ،‬دار الطبع والنشر بيروت‪ ،‬نيويورك‬
‫‪ ،1963‬ص ‪.148‬‬
‫[‪ – ]65‬عبد الرحيم الورديغي‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.149‬‬
‫[‪ – – ]66‬أشفورد دوجالس‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.142‬‬
‫[‪ – ]67‬جون واترابوري‪ ،‬الملكية والنخبة السياسية في المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1982‬دار الوحدة الطباعة بيروت‪ ،‬لبنان ص ‪.165‬‬
‫[‪ – ]68‬الورديغي عبد الرحيم‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.175‬‬
‫[‪ – ]69‬دوجالس أشفورد‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.145-144‬‬
‫[‪ – ]70‬جون واترابوري‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.165‬‬
‫[‪ – ]71[]71‬دوجالس أشفورد‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.338 ‬‬
‫[‪ – ]72‬عبد الرحيم الورديغي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.175‬‬
‫[‪Mohamed Kenbib La Grande Encyclopédie Du Maroc – ]73‬‬
‫‪.Histoire- Faculté Des Lettres Rabat 1988, P 225‬‬
‫[‪ – ]74‬عبد الرحيم الورديغي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫[‪ – ]75‬عبد الرحيم الورديغي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫[‪ – ]76‬عبد الرحيم الورديغي ‪ ،‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪203 ، 202‬‬
‫[‪ – ]77‬جون واترابوري ‪ ،‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪150‬‬
‫[‪ – ]78‬جون واترابوري‪ ،‬الملكية والنخبة السياسية في المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ 1982‬دار الوحدة الطباعة بيروت‪ ،‬لبنان ص ‪.150‬‬
‫[‪ – ]79‬ذ‪ .‬محمد عابد الجابري‪ ،‬في غمار السياسة فكرا وممارسة الشبكة‬
‫العربية لألبحاث والنشر الطبعة ‪ 1‬بيروت ص ‪.59‬‬
‫[‪ – ]80‬محمد العلوزي؛ فاعلوا اإلصالح بين الوحدة واالنشقاق مجلة وجهة‬
‫نظر العدد الثاني مطبعة النجاح< الدار البيضاء ص ‪.5‬‬
‫[‪ – ]81‬فايزة سارة‪ ،‬األحزاب< والقوى السياسية في المغرب رياض الريس‬
‫للكتب والنشر ص ‪.33‬‬
‫[‪ – ]82‬فايزة سارة‪ ،‬األحزاب< والقوى السياسية في المغرب رياض الريس‬
‫للكتب والنشر ص ‪.34‬‬
‫[‪ – ]83‬فايزة سارة‪ ،‬األحزاب< والقوى السياسية في المغرب رياض الريس‬
‫للكتب والنشر ص ‪.35-34‬‬
‫[‪ – ]84‬فايزة سارة‪ ،‬األحزاب< والقوى السياسية في المغرب رياض الريس‬
‫للكتب والنشر ص ‪.36‬‬
‫[‪ – ]85‬فايزة سارة‪ ،‬األحزاب< والقوى السياسية في المغرب رياض الريس‬
‫للكتب والنشر ص ‪.39‬‬
‫[‪ – ]86‬فايزة سارة‪ ،‬األحزاب< والقوى السياسية في المغرب رياض الريس‬
‫للكتب والنشر ص ‪.40‬‬
‫[‪ – ]87‬فايزة سارة‪ ،‬األحزاب< والقوى السياسية في المغرب رياض الريس‬
‫للكتب والنشر ص ‪.50-49‬‬
‫[‪ – ]88‬جون واترابوري‪ ،‬الملكية والنخبة السياسية‪ ،‬مصدر سابق ص ‪-218‬‬
‫‪.219‬‬
‫[‪ – ]89‬مجلة الشرق األوسط ‪.9/4/1983‬‬
‫[‪ – ]90‬جون واترابوري‪ ،‬الملكية والنخبة السياسية‪ ،‬مصدر سابق ص ‪.223‬‬
‫[‪ – ]91‬فايزة سارة‪ ،‬األحزاب< والقوى السياسية المغربية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.85‬‬
‫[‪ – ]92‬فايزة سارة‪ ،‬األحزاب< والقوى السياسية المغربية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.86‬‬
‫[‪ – ]93‬مجلد الشراع‪ 26 .‬فبراير ‪.1973‬‬

You might also like