You are on page 1of 75

‫مذكِّرةِّالحديثِّالتَّحليلي ِّ‬

‫للسَّنةِّالثَّانيةِّأصولِّالدين ِّ‬
‫األستاذ‪ِّ:‬نورالدينِّتومي ِّ‬
‫املوسم اجلامعي‪4112 :‬هـ املوافق لـ‪2224/2222 :‬م‪.‬‬
‫ِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ‬

‫‪1‬‬
‫حمتوى املادة‪:‬‬
‫األول‪ :‬حديث أيب الدَّ رداء‪" :‬من سلك طريقا يطلب فيه علام‪."...‬‬
‫احلديث َّ‬
‫احلديث ال َّثاين‪ :‬حديث أيب هريرة‪" :‬هو الطهور ماؤه‪."...‬‬
‫احلديث ال َّثالث‪ :‬حديث معاذ بن جبل‪" :‬حق اهلل عىل العباد‪."...‬‬
‫الرابع‪ :‬حديث مَتيم الداري‪" :‬الدين النصيحة‪."...‬‬
‫احلديث َّ‬
‫احلديث اخلامس‪ :‬حديث أيب هريرة‪" :‬اإليامن بضع وسبعون شعبة‪."...‬‬
‫فإن الصدق هيدي إىل الرب‪."...‬‬
‫السادس‪ :‬حديث ابن مسعود‪" :‬عليكم بالصدق‪َّ ،‬‬
‫احلديث َّ‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪،‬‬
‫ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممدا عبده ورسوله‪ ،‬صلى اهلل عليه‬
‫وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إىل يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪ ،‬فإن أصدق احلديث كالم اهلل‪ ،‬وخي اهلدي هدي حممد‪‬‬
‫وشر األمور حمدثاهتا‪ ،‬وكل حمدثة بدعة وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن اهلل‪ ‬أرسل نبيه حممدا‪ ‬باهلدى ودين احلق ليظهره على الدين كله‪ ،‬أرسله باهلدي القومي والصراط املستقيم‪،‬‬
‫وجعل رسالته وشريعته هي آخر الرساالت والشرائع‪ ،‬تلك الرسالة السمحة والشريعة اخلالدة‪ ،‬جعلها اهلل‪ ‬رمحة للخلق‬
‫وهداية هلم من كل ضالل‪ ،‬ال نقص فيها وال خلل‪ ،‬بل هي شريعة كاملة صاحلة لكل زمان ومكان {اليوم أكملت لكم‬
‫دينكم وأمتمت عليكم نعميت ورضيت لكم اإلسالم دينا}‪ ،‬فهذا الدين قد أكمله اهلل سبحانه ورضيه لنا وأت به النعمة‪،‬‬
‫فال زيادة عليه وال تعقيب‪ ،‬بل هو الدين الكامل الذي ارتضاه رب العزة لنا‪.‬‬
‫هذا الدين القومي والشريعة اخلالدة هو ما جاء يف القرآن العظيم وسنة سيد املرسلني‪ ،‬وما سوامها من األدلة كاإلمجاع‬
‫وغيه إّنا يرجع إليهما‪ ،‬فهما األصالن اللذان يرجع إليهما مجيع األحكام‪ ،‬فأنزل اهلل ‪ ‬على نبيه حممد ‪ ‬القرآن‬
‫الكرمي الذي هو معجزته اخلالدة على مر األزمان‪ ،‬وجعله حجة على اخللق أمجعني‪ ،‬وتكفل اهلل سبحانه حبفظ هذا‬
‫الكتاب العظيم؛ وحفظ كتاب اهلل ‪ ‬يشمل حفظ ألفاظه وحفظ معانيه‪ ،‬وملا كانت سنة النب ‪ ‬هي الشارحة للقرآن‬
‫م‬
‫واملبينة ملعانيه كما قال تعاىل‪{ :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبني للناس ما نزل إليهم} كان حفظ هذه السنة الكرمية حفظا للقرآن‬
‫السنة من حفظ القرآن‪.‬‬‫العظيم‪ ،‬فحفظ ُّ‬
‫فلما كانت السنة النبوية تتبوأ هذه املكانة العظيمة يف الدين إذ هي شارحة للكتاب مبينة له‪ ،‬وبدوهنا ال ميكن ألحد‬
‫أن يفهم القرآن كما أراده اهلل‪‬؛ كانت جهود العلماء وعنايتهم خبدمتها كثية ومتنوعة‪ ،‬ولقد بذل العلماء من لدن‬
‫الصحابة ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪-‬إىل يومنا هذا جهودا عظيمة يف خدمة سنته‪ ‬بنقلها ومجعها وحفظها وتدوينها وشرحها‬
‫وبيان معانيها واحلفاظ عليها من كل دخيل‪.‬‬
‫وملا كانت سنة النب‪ ‬القولية والعملية والتقريرية هي الشارحة للقرآن واملبينة له‪ ،‬وبدوهنا ال نستطيع فهم القرآن بل‬
‫السنة‬
‫وال فهم الدين كما أراده اهلل‪ ‬منا‪ ،‬كان االهتمام هبا وفهمها من الغايات الشريفة واملقاصد المنيفة‪ ،‬بل إن فهم ُّ‬
‫والعمل هبا من الضرورات احلتمية ملن رام الفوز باملأمول والنجاة من احملذور‪ ،‬ولذلك فما زال العلماء من لدن الصحابة‬
‫يهتمون هبذا األمر اهتماما بالغا‪.‬‬
‫رضوان اهلل عليهم مرورا بالتابعني وبعدهم أئمة الدين إىل يومنا ُّ‬
‫فقد فقه الصحابة عن رسول اهلل‪ ‬وأخذوا عنه الفهم السليم للدين‪ ،‬لما مسعوه من فيهه الشريف‪ ‬ولما رأوه من‬
‫أعماله املباركة وتقريراته الفاضلة‪ ،‬فهم قد شاهدوا التنزيل وعلموا أحوال املصطفى‪ ‬وخب روا أموره كلها‪ ،‬فكانوا بذلك‬
‫السنة أثر من سبقهم من الصحابة‬ ‫أعلم الناس به وبشرعه‪ ،‬ث أخذ التابعون عنهم الفهم وورثوه ملن بعدهم‪ ،‬واقتفى علماء ُّ‬
‫السنن إال أكرب دليل على ذلك‪،‬‬ ‫والتابعني‪ ،‬فصنفوا الكتب يف ذلك‪ ،‬وما كتب األبواب كاجلوامع واملصنفات واملوطآت و ُّ‬
‫فهي كتب مرتبة على األبواب؛ مصنفات مجعت كتبا حتت كل كتاب عدد من األبواب‪-‬وهي التاجم‪ -‬وحتت كل ترمجة‬

‫‪3‬‬
‫تدل على معىن يف فقه احلديث‪ ،‬من تشريع من األمر أو النهي أو اإلباحة‪ ،‬كوجوب عبادة‬ ‫أو باب عدد من األحاديث ُّ‬
‫أو استحباب أخرى‪ ،‬أو حترمي حكم أو إباحته‪ ،‬فهذه املصنفات من أوائل جهود العلماء يف بيان فقه احلديث ومعناه‪،‬‬
‫وهي تعرب عن فقه أصحاهبا وما فهموه من أحاديث النب‪ ،‬ولذلك قالوا‪" :‬فقه البخاري يف ترامجه"‪ ،‬وبعد تصنيف تلك‬
‫الكتب تتابع العلماء يف خدمتها بالشرح والبيان‪ ،‬فظهرت كتب شروح احلديث اليت قدمت خدمة جليلة يف جانب فهم‬
‫السنة‪ -‬بالشرح لبيان معاين األحاديث‬ ‫احلديث وفقهه‪ ،‬حيث قصد علماء احلديث والفقهاء إىل هذه الكتب‪-‬أي كتب ُّ‬
‫حبق الوعاء الكبي لفقه احلديث وبيان معانيه‪.‬‬
‫وما حتتها من كنوز العلم‪ ،‬فهي ٍّ‬
‫يهتمون هبذا اجلانب وهو شرح احلديث وبيان معناه‪ ،‬فتنوعت بعد تلك االهتمامات‪ ،‬فظهرت كتب‬ ‫وال زال العلماء ُّ‬
‫أخرى لشروح احلديث على حسب مقاصد مؤلفيها‪ ،‬وأفردت بعض األبواب بالشرح‪ ،‬بل قد أفردت بعض األحاديث‬
‫كل ذلك اهتمام هبذا األمر اجلليل‪ ،‬وهذا وحده يكفي لعلو شأن فقه احلديث ومعرفة معناه‪ ،‬كيف ال وهو‬ ‫بالشرح‪ُّ ،‬‬
‫المحكم يف فهم الشريعة‪.‬‬
‫ولقد تنوعت مناهج العلماء يف شرح احلديث‪ ،‬إال أن من بني أبرز تلك املناهج وأفضلها وأكثرها شيوعا "املنهج‬
‫يهتم بتحليل وشرح كل ما يتعلق باحلديث سندا ومت نا‪ ،‬ولذلك اعتىن به العلماء وطلبة العلم لما فيه من‬
‫التحليلي" الذي ُّ‬
‫الفائدة املرجوة‪ ،‬ومل يزل العلماء ييطونه باالهتمام ح ى وقتنا احلاضر‪ ،‬ولذلك ضرب المحدثون واملعاصرون منه بنصيب‬
‫وخصوه مبزيد اهتمام وأطلقوا عليه ما يعرف يف الدراسات األكادميية املعاصرة بـ ــ‪" :‬الحديث التحليلي"‪.‬‬
‫ُّ‬
‫وأصبح هذا النوع من علوم احلديث يدرس كمقياس يف اجلامعات والكليات واملعاهد الشرعية‪ ،‬وأضحى من املقاييس‬
‫المهمة يف التكوين العلمي لطلبة العلم‪ ،‬لما فيه من الغوص يف معاين احلديث من كل اجلوانب‪ ،‬من جهة‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخرى لما فيه من استعمال جل العلوم الشرعية املشهورة‪ ،‬كعلم العقيدة واحلديث والفقه واألصول واملقاصد والتفسي‬
‫حبق مقياس ظهر فيه التكامل‬
‫واللغة والبالغة والبيان والنحو والصرف وغيها‪ ،‬فهو علم اجتمعت فيه علوم عديدة‪ ،‬فيعترب ٍّ‬
‫بني جل العلوم الشرعية وعلوم اآللة كما سيظهر ذلك أثناء الكالم على منهجية دراسة احلديث دراسة حتليلية‪.‬‬
‫ولما كان مقياس احلديث التحليلي هبذه األمهية‪ ،‬وحتقيقا ملا فيه من املقاصد اجلليلة‪ ،‬ق رر على طلبة السنة ثانية أصول‬
‫الدين‪ ،‬وقد وضع املشرفون على املقررات‪-‬جزاهم اهلل خيا‪ -‬نصب أعينهم عند وضع هذا املقياس وما حواه من األحاديث‬
‫أمرين اثنني مهمني‪ ،‬األول‪ :‬التأصيل العلمي املرجو إفادته من منهجية دراسة هذا املقياس‪ ،‬وذلك بإتقان اخلطوات‬
‫املنهجية العلمية املتبعة يف حتليل احلديث النبوي‪ ،‬فيكون ذلك نرباسا هلم يف حياهتم العلمية‪ ،‬واألمر الثاني‪ :‬العمل مبا‬
‫السلوك‪.‬‬
‫تضمنه حمتوى هذا املقياس‪ ،‬والتعبُّد مبا دل عليه من املعاين يف العقيدة واألحكام واألخالق واآلداب و ُّ‬
‫السلوك واآلداب‪،‬‬‫وألجل ذلك قام املشرفون على املقررات على انتقاء ستة أحاديث متنوعة بني العقيدة واألحكام و ُّ‬
‫سداسي‬
‫ٍّ‬ ‫والناظر يف هذه األحاديث يف أول وهلة يستقلُّها‪ ،‬أي يرى أهنا قليلة‪ ،‬ولسان حاله يقول‪ :‬ستة أحاديث يف‬
‫كامل؟! وال شك أن هذه األحاديث وإن كانت قليلة يف عددها‪ ،‬فهي كثية النفع يف مضموهنا‪ ،‬عظيمة يف معانيها‪ ،‬ولو‬
‫توقفنا عند كل حديث منها بالشرح املفصل املطول ملكثنا يف حديث واحد أشهر‪ ،‬ألن أحاديث النب‪ ‬حتتها من املعاين‬
‫واألسرار ما ال خيطر ببال‪ ،‬ولذلك سنقف مع هذه األحاديث وقفة احلريص على فهمها والعمل هبا‪ ،‬وتعلم اخلطوات‬

‫‪4‬‬
‫العلمية اليت ّنشي عليها يف الدراسة التحليلية‪.‬‬
‫وسنحاول قبل الدُّخول يف صلب املوضوع وهو شرح األحاديث وحتليلها وفهمها وفقه ما فيها واالستنارة هبداياهتا‬
‫والعمل مبا دلت عليه‪ ،‬أن نتكلم على بعض األمور بني يدي املوضوع كاملدخل إليه‪ ،‬هذه األمور تكون معينا بعد اهلل‪‬‬
‫للطالب للولوج يف هذا املقياس وفهمه‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مدخل‬
‫نتكلم في هذا المدخل على ثالثة مسائل؛ األولى‪ :‬معنى الحديث التحليلي‪ ،‬الثانية‪ :‬مصادر الحديث التحليلي‪،‬‬
‫الثالثة‪ :‬منهجية دراسة الحديث دراسة تحليلية‪.‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬معنى احلديث ال َّتحلييل‪.‬‬
‫أوال‪ :‬معنى الحديث التحليلي لغة واصطالحا‪ ،‬وفيه معىن احلديث لغة واصطالحا‪ ،‬ومعىن التحليلي لغة‪.‬‬
‫ضد القدمي‪ ،‬واصطالحا‪ :‬ما أثر عن النب‪ ‬من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية أو‬
‫الحديث لغة ُّ‬
‫سية‪.‬‬
‫الرباعي حلل ‪ ،‬تقول‪ :‬حلل يلل حتليال‪ ،‬فهو يرجع إىل مادة حلل‪ ،‬باحلاء‬ ‫التحليلي لغة‪ ،‬التحليل لغة من الفعل ُّ‬
‫يشذ على ذلك شيء يف هذا الباب‪ ،‬فقال‬ ‫والالم‪ ،‬وقد ذكر ابن فارس أن احلاء والالم أصل يرجع إىل فتح الشيء‪ ،‬وال ُّ‬
‫يف مادة‪َ ( :‬حل)‪" :‬احلاء والالم له ف روع كثية ومسائل‪ ،‬وأصلها كلُّها عندي ف تح الشيء‪ ،‬ال يش ُّذ عنه شيء‪ ،‬ي قال‬
‫حللت العقدة أحلُّها ح اال‪ ،‬وي قول العرب‪" :‬يا عاقد اذكر ح اال"‪ ،‬واحلالل‪ :‬ض ُّد احلرام‪ ،‬وهو من األصل الذي ذكرناه‪،‬‬
‫كأنه من حللت الشيء‪ ،‬إذا أحبته وأوسعته ألمر فيه"‪.1‬‬
‫فالتحليل على هذا هو فتح الشيء‪ ،‬وتفكيكه وتفصيله‪ ،2‬وبيان أجزائه‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬معنى الحديث التحليلي كمركب وصفي‪.‬‬
‫الحديث التحليلي أو الدراسة التحليلية هي اليت تتخذ التحليل أساسا هلا‪ ،‬وقد عرف احلديث التحليلي عدة‬
‫تعريفات من املعاصرين مع تفاوت بينهم يف ذكر بعض العناصر كما تفاوتوا يف ضبط التعريف طوال وقصرا‪ ،3‬وحنن هنا‬
‫يهمنا إعطاء مدلول ي فهم به معىن احلديث‬
‫يهمنا التدقيق يف التعاريف والتعقيب عليها ومناقشتها بقدر ما ُّ‬
‫طبعا ال ُّ‬
‫التحليلي‪ ،‬إذ املقصود هو فهم الطالب ملعىن الدراسة التحليلية أو احلديث التحليلي‪ ،‬ولذلك ميكن تعريفه في االصطالح‬
‫بالقول‪ :‬الحديث التحليلي هو شرح الحديث الواحد شرحا تفصيليا‪ ،‬وبيانه بيانا شافيا‪ ،‬سندا ومتنا‪ ،‬مع ذكر‬
‫فوائده‪.‬‬
‫فقولنا‪" :‬شرح الحديث الواحد"‪ ،‬خيرج به شرح عددا من األحاديث يف املوضوع الواحد‪ ،‬وهو الذي يعرف بالدراسة‬
‫املوضوعية أو احلديث املوضوعي‪.‬‬
‫وقولنا‪" :‬شرحا تفصيليا‪ ،‬وبيانه بيانا شافيا"‪ ،‬خيرج به الشرح اإلمجايل املختصر للحديث‪ ،‬كما هو احلال يف الدروس‬
‫واحملاضرات واملواعظ‪ ،‬يف املساجد واجلامعات واملدارس وامللتقيات وغيها‪.‬‬
‫وقولنا‪" :‬سندا ومتـنا"‪ ،‬أي أن الدراسة بالشرح والتفصيل والبيان تشمل اإلسناد واملنت معا‪ ،‬فالدراسة اإلسنادية يف‬

‫‪ - 1‬معجم مقاييس اللغة(‪.)22/2‬‬


‫‪- 2‬معجم اللغة العربية املعاصرة(‪)2222/3‬‬
‫‪ - 3‬ينظر على سبيل املثال‪" :‬احلديث التحليلي‪ ،‬دراسة تأصيلية"‪ ،‬للباحثة‪ :‬سندس عادل جاسم العبيد(ص ‪.)33-32‬‬

‫‪6‬‬
‫التوسع‪ ،‬وهبذا تتميز الدراسة التحليلية عن الدراسة املوضوعية من جهة‪ ،‬وعن‬
‫الدراسة التحليلية قسيمة للدراسة املتنية يف ُّ‬
‫دراسة أحاديث األحكام من جهة أخرى‪ ،‬فإن املقصود منهما الدراسة املتنية‪ ،‬إال أن يف أحاديث األحكام يكون غالب‬
‫الدراسة يف حديث واحد‪ ،‬ويف الدراسة املوضوعية يف عدة أحاديث يف موضوع واحد‪.‬‬
‫وقولنا‪" :‬مع ذكر فوائده"‪ ،‬قيد أضفناه يف التعريف‪ ،‬ألنه قد ال تذكر بعض الفوائد املستنبطة من احلديث أثناء الشرح‬
‫التفصيلي‪ ،‬فيذكر يف آخر الدراسة الفوائد املستنبطة من احلديث غي ما سبق ذكره‪ ،‬كما هي اخلطوة السابعة من الدراسة‬
‫املتنية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫املسألة ال َّثانية‪ :‬مصادر احلديث التَّحلييل‪.‬‬
‫كل كتب احلديث املصنفة‬
‫مصادر احلديث التحليلي هي املصادر اليت روي فيها احلديث باإلسناد إىل النب‪ ،‬وهي ُّ‬
‫باألسانيد‪ ،‬وهي اليت أراد أصحاهبا فيها مجع أحاديث النب‪ ‬أصالة باألسانيد‪ ،‬إضافة إىل بعض الكتب األخرى اليت مل‬
‫يقصد أصحاهبا مجع احلديث أصالة لكن أخرجوا فيها أحاديث كثية باألسانيد تبعا‪ ،‬للحاجة إليها‪ ،‬ككتب العقيدة‬
‫املسندة‪ ،‬وكتب التفاسي‪ ،‬وكتب العلل واجلرح والتعديل وغيها‪ ،‬وقد قسمت هذه املصادر إىل أحد عشر قسما‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الجوامع‪ :‬املقصود باجلوامع هي الكتب اليت مجعت األحاديث املسندة إىل النب‪ ‬مرتبة على أبواب الدين‪،‬‬
‫واملقصود بأبواب الدين أي أهنا مجعت كل أنواع األحاديث احملتاج إليها‪ ،‬أي اليت يتاجها املسلم‪ ،‬ومل ختص بابا دون‬
‫السنن مثال‪ ،‬وقد ذكر العلماء أن أبواب الدين والعلم مثانية أبواب مع خالف يسي يف عدها؛‬ ‫آخر كما هو حال كتب ُّ‬
‫وهذه األبواب هي‪ :‬العقيدة والتوحيد واإلميان‪ ،‬واألحكام من احلالل واحلرام‪ ،‬والفضائل واملناقب واملثالب‪ ،‬واملغازي‬
‫الزهد والرقائق‪ ،‬والفنت وأشراط الساعة‪ ،‬والتفسي‪.‬‬
‫والسي‪ ،‬واآلداب واألدعية واألذكار‪ ،‬و ُّ‬
‫ومن أشهر كتب اجلوامع‪ :‬اجلامع املسند الصحيح املختصر من أمور رسول اهلل‪ ‬وسننه وأيامه‪ ،‬املعروف اختصارا‬
‫بصحيح البخاري‪ ،‬واملسند الصحيح املختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول اهلل‪ ،‬املعروف اختصارا‬
‫بصحيح مسلم‪ ،‬واجلامع املختصر من السنن عن رسول اهلل‪ ‬ومعرفة الصحيح واملعلول وما عليه العمل‪ ،‬املعروف اختصارا‬
‫جتوزا ألنه ليس سن نا بل هو جامع‪.‬‬
‫بالسنن ُّ‬
‫جبامع التمذي‪ ،‬وتسميته ُّ‬
‫ثانيا‪ :‬المسانيد‪ :‬واملقصود باملسند هو الكتاب الذي مجع فيه صاحبه األحاديث مسندة إىل النب‪ ،‬أي متصلة‬
‫مرفوعة‪ ،‬مرت با على أمساء الصحابة‪ ،‬كمسند أيب هريرة‪ ‬ث مسند ابن عمر‪ ‬ث مسند عائشة رضي اهلل عنها‪ ،‬وهكذا‪،‬‬
‫وأما ترتيب أمساء الصحابة يف املسند فيجع إىل اجتهاد كل إمام ومنهجه يف ترتيب تلك األمساء‪.‬‬
‫ومن أشهر املسانيد‪ ،‬مسند أيب داود الطيالسي‪ ،‬ومسند احلميدي‪ ،‬ومسند إسحاق بن راهوية‪ ،‬ومسند أمحد بن حنبل‪،‬‬
‫ومسند بقي بن خملد األندلسي(مفقود)‪ ،‬ومسند البزار‪ ،‬ومسند أيب يعلى املوصلي‪ ،‬وغيها‪ ،‬وكتب املسانيد كثية جداا‬
‫جتاوزت املائتني بني مطبوع وخمطوط ومفقود‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الصحاح‪ :‬املقصود بالصحيح الكتاب الذي اشتط صاحبه فيه الصحة‪ ،‬أي ال خيرج إال حديثا صحيحا‪،‬‬
‫والكتب املشهورة بذلك‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬وصحيح مسلم‪ ،‬وموطأ مالك‪-‬على خلف فيه‪ ،-‬وصحيح ابن خزمية‪،‬‬
‫وصحيح ابن حبان‪.‬‬
‫لكن ال بد من التنبيه هنا أن اشتاط اإلمام للصحة ال يلزم منه صحة األحاديث اليت أخرجها يف نفس األمر‪ ،‬ألنه قد‬
‫يشتط‪-‬أي اإلمام‪ -‬الصحة وال يويف بشرطه كابن حبان مثال‪ ،‬وعليه فكتب الصحاح اليت اشتطت الصحة ووَّف أصحاهبا‬
‫مبا اشتطوا مها‪ :‬صحيح البخاري وصحيح مسلم‪ ،‬يف أغلب الغالب‪ ،‬يعين أن كل ما فيهما من األحاديث صحيح إال‬
‫الرتبة من حيث الصحة "املوطأ"‪ ،‬وأما بقية الكتب‬
‫أحاديث يسية انتقدت عليهما وخصوصا على مسلم‪ ،‬وبعدمها يف ُّ‬
‫اليت اشتطت الصحة فقد نزلت عن الصحة لكثرة األحاديث املنتقدة فيها وخصوصا صحيح ابن حبان‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫تنبيه‪ :‬من املشهور أن ابن السكن صنف صحيحا وهو املعروف بصحيح ابن السكن‪ ،‬وقد مساه الذهب يف موضع‪،1‬‬
‫وابن عبد اهلادي‪ ،2‬وابن ناصر الدين الدمشقي‪ ،3‬والسيوطي‪" :4‬الصحيح املنتقى"‪ ،‬ومساه الذهب يف موضع آخر‪،5‬‬
‫والصفدي‪" :6‬املنتقى الصحيح"‪ ،‬لكن مل أدخله هنا يف كتب الصحاح ألنه حمذوف األسانيد‪ ،‬وكتاب ابن السكن مل‬
‫يصل إلينا‪ ،‬لكن صرح غي واحد من أهل العلم أنه حمذوف األسانيد‪ ،‬فقد قال السبكي‪" :‬وهو كتاب حمذوف األسانيد"‪،7‬‬
‫وقال الكتاين‪" :‬لكنه كتاب حمذوف األسانيد‪ ،‬جعله أبوابا يف مجيع ما يتاج إليه من األحكام"‪.8‬‬
‫بالسنن هي الكتب اليت مجعت أحاديث األحكام من احلالل واحلرام‪ ،‬أي أحاديث الفقه‪،‬‬ ‫رابعا‪ :‬السنن‪ :‬املقصود ُّ‬
‫مسندة إىل النب‪ ،‬مرتبة على أبواب الفقه‪ ،‬فشرطها إخراج األحاديث املتصلة املرفوعة إىل النب‪ ‬يف الفقه‪ ،‬لكن قد‬
‫لسنن عن‬‫السنن بعض املوقوفات على سبيل التبع ال أصالة‪ ،‬للحاجة إليها‪ ،‬وهذا الذي ختتلف فيه كتب ا ُّ‬
‫خيرج أصحاب ُّ‬
‫كتب املصنفات كما سيأيت‪.‬‬
‫الصغرى والكربى‪ ،‬وسنن ابن ماجه‪ ،‬وسنن الدارمي‪ ،‬وصحيح‬ ‫السنن‪ :‬سنن أيب داود‪ ،‬وسنن النسائي ُّ‬
‫ومن أشهر كتب ُّ‬
‫‪9‬‬
‫السنن الكربى والصغرى للبيهقي‪.‬‬
‫السنن البن اجلارود‪ ،‬وسنن الدارقطين‪ ،‬و ُّ‬
‫ابن خزمية ‪ ،‬واملنتقى من ُّ‬
‫خامسا‪ :‬المصنفات والموطآت‪ :‬املقصود باملصنف هو الكتاب الذي مجع األحاديث املرفوعة إىل النب‪ ،‬واملوقوفة‬
‫السنن متاما إال أن الفرق‬
‫على الصحابة‪ ،‬واملقطوعة على التابعني‪ ،‬يف األحكام‪ ،‬أي أحاديث الفقه‪ ،‬فاملصنفات مثل ُّ‬
‫بينهما هو أن املصنفات خرج أصحاهبا األحاديث املرفوعة واملوقوفة واملقطوعة يف الفقه أصالة‪ ،‬أي تقصدوا إخراج املوقوف‬
‫واملقطوع مع املرفوع‪ ،‬ولذلك كثرت املوقوفات واملقطوعات جداا يف املصنفات‪ ،‬بينهما كما سبق ذكره خرج أصحاب‬
‫السنن األحاديث املرفوعة يف الفقه أصالة‪ ،‬وخرجوا املوقوف وبعض املقطوع ت ب عا‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ومن أشهر املصنفات‪ :‬مصنف عبد الرزاق بن مهام الصنعاين‪ ،‬ومصنف أيب بكر ابن أيب شيبة‪.‬‬
‫وأما املوطآت فهي من املصنفات‪ ،‬فاملوطأ كاملصنف متاما إال أن أصحابه مسوه موطأ‪.‬‬
‫ومن أشهر املوطآت‪ :‬موطأ مالك‪ ،‬وموطأ عبد اهلل بن وهب‪ ،‬وموطأ ابن أيب ذئب(مفقود)‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬المستخرجات‪:‬‬
‫املستخرج هو أن يأيت حمدث أو عامل إىل كتاب مصنف باألسانيد فيخرج أحاديث ذلك الكتاب بأسانيد لنفسه حبيث‬

‫‪ - 1‬تذكرة احلفاظ(‪.)011/3‬‬
‫‪ - 2‬طبقات علماء احلديث(‪.)030/3‬‬
‫‪- 3‬هتذيب ابن عساكر(‪.)051/6‬‬
‫‪ - 4‬طبقات احلفاظ(ص ‪ ،)373‬وحسن احملاضرة يف تاريخ مصر والقاهرة(‪.)352/2‬‬
‫‪ - 5‬تاريخ اإلسالم(‪.)55/8‬‬
‫‪ - 6‬الوايف بالوفيات(‪.)050/05‬‬
‫‪ - 7‬شفاء السقام يف زيارة خي األنام(ص ‪.)91‬‬
‫‪ - 8‬الرسالة املستطرفة(ص ‪.)55‬‬
‫‪ - 9‬نص غي واحد من العلماء أن صحيح ابن خزمية مرتب على أبواب الفقه‪ ،‬وما وصلنا منه وهو قدر الربع ُّ‬
‫يدل على ذلك‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫يلتقي مع مصنف ذلك الكتاب يف شيخه أو شيخ شيخه فما فوق‪ ،‬فشرط املستخرج أن يلتقي املستخرج مع صاحب‬
‫الكتاب الذي يريد استخراجه يف الشيخ أو شيخ الشيخ ولو إىل آخر اإلسناد‪ ،‬يعين ينظر أوال‪ :‬هل عنده حديث‬
‫املصنف(الذي يريد استخراج حديثه) عن شيخ ذلك املصنف؟ فإذا وجد أن احلديث عنده من طريق شيخ املصنف‬
‫أخرجه من طريق ذلك الشيخ من غي طريق املصنف(الذي يريد استخراج حديثه)‪ ،‬فإذا مل جيد احلديث عن شيخ‬
‫املصنف‪ ،‬صعد إىل شيخ شيخ املصنف فأخرج احلديث من طريقه‪ ،‬فإذا مل جيده من طريق شيخ شيخ املصنف صعد إىل‬
‫الشيخ الذي فوقه‪ ،‬وهكذا ح ى يصل إىل آخر اإلسناد وهو النب‪ ،‬فشرط املستخرج أال يتجاوز الشيخ األقرب إىل‬
‫املصنف إال إذا مل يكن احلديث عنده عن ذلك الشيخ‪.‬‬
‫ومن أشهر املستخرجات‪ :‬مستخرج أيب عوانة اإلسفراييين على صحيح مسلم‪ ،‬ومستخرج أيب نعيم األصبهاين على‬
‫صحيح مسلم‪ ،‬ومستخرج الطُّوسي على جامع التمذي‪.‬‬
‫مثال للحديث المستخرج‪ :‬يأيت مثال أبو عوانة أو أبو نعيم إىل أحاديث صحيح مسلم‪ ،‬فينظر إىل أول حديث‬
‫أخرجه مسلم وهو حديث جربيل الذي أخرجه مسلم باإلسناد اآليت‪ :‬حدثين أبو خيثمة زهي ر بن حرب‪ ،‬حدث نا وكيع‪،‬‬
‫ي ‪-‬وهذا حديثه‪-‬حدث نا‬ ‫عن كهمس‪ ،‬عن عبد اهلل بن ب ريدة‪ ،‬عن يي بن ي عمر‪ ،‬ح وحدث نا عب يد اهلل بن معاذ العنرب ُّ‬
‫ين‪...‬احلديث‪،‬‬‫أيب‪ ،‬حدث نا كهمس‪ ،‬عن ابن ب ريدة‪ ،‬عن يي بن ي عمر‪ ،‬قال‪ :‬كان أول من قال يف القدر بالبصرة معبد اجله ُّ‬
‫فيأيت املستخرج أبو عوانة أو أبو نعيم فينظر يف األحاديث اليت عنده‪ ،‬طبعا هو مجع األحاديث يف حياته العلمية ومدة‬
‫طلبه للعلم‪ ،‬فجمع األحاديث عن الشيوخ فتحصل عنده ألوف األحاديث كما فعل مسلم وغيه متاما‪ ،‬فينظر هل عنده‬
‫يف األحاديث اليت مجعها حديث جربيل من طريق زهي بن حرب أو عبيد اهلل بن معاذ الذي مها شيخا مسلم يف هذا‬
‫احلديث‪ ،‬فإذا وجد احلديث من طريق أحد هذين الشيخني أخرجه عنه إىل آخر اإلسناد الذي ذكره مسلم‪ ،‬فيكون قد‬
‫اجتمع مع مسلم يف شيخه مباشرة‪ ،‬فإذا مل يكن عنده احلديث عن زهي بن حرب أو عبيد اهلل بن معاذ‪ ،‬نظر هل عنده‬
‫احلديث عن وكيع الذي هو شيخ زهي بن حرب أو معاذ العنربي الذي هو شيخ عبيد اهلل بن معاذ؟ فإذا وجد احلديث‬
‫عن أحدمها أو كالمها أخرجه عنه أو عنهما‪ ،‬فإذا مل جيد صعد إىل كهمس بن احلسن شيخ وكيع ومعاذ العنربي‪ ،‬فإذا‬
‫وجد احلديث عنه أخرجه‪ ،‬فإذا مل جيد صعد إىل ابن بريدة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وأطلت هنا يف تعريف املستخرج وضربت املثال لذلك‪ ،‬لصعوبة فهم معىن املستخرج عند الطلبة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬المستدركات‪ :‬املستدرك هو أن يأيت عامل من العلماء إىل كتاب اشتط فيه صاحبه شرطا معينا‪ ،‬فيستدرك‬
‫عليه أحاديث على شرطه مل خيرجها‪.‬‬
‫ومن أشهر املستدركات‪ :‬كتاب‪ :‬املستدرك على الصحيحني أليب عبد اهلل احلاكم النيسابوري‪ ،‬وكتاب‪ :‬التتبُّع لمإمام‬
‫التوسع كتاب‪ :‬األحاديث املختارة للضياء املقدسي‪.‬‬ ‫الدارقطين‪ ،‬ومن الكتب اليت يف تدخل االستدراك من باب ُّ‬
‫ثامنا‪ :‬المعاجم‪ ،‬والمشيخات‪ ،‬واألَثبات والبرامج والفهارس‪:‬‬
‫المعجم هو الكتاب الذي أخرج فيه صاحبه أحاديث مرتبة على حروف املعجم يف أمساء شيوخه‪ ،‬أي‪ :‬يأيت املصنف‬
‫يهمه‬
‫فيتب األحاديث على أمساء شيوخه‪ ،‬وهؤالء الشيوخ مرتبني على حروف املعجم‪ ،‬فهو ينظر إىل أول اإلسناد وال ُّ‬

‫‪11‬‬
‫آخر اإلسناد‪ ،‬فيأيت إىل أحاديث شيخ من شيوخه امسه أمحد مثال فيخرجها كلها أو بعضها متسلسلة‪ ،‬لكن آخر اإلسناد‬
‫قد ينتهي يف حديث إىل ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ ،‬ويف حديث آخر إىل أيب هريرة‪ ‬ويف ثالث إىل عائشة رضي اهلل‬
‫عنها‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فهو على عكس املسند متاما‪ ،‬ألن املسند ينظر صاحبه إىل الصحايب‪ ،‬واملعجم ينظر صاحبه إىل شيخه‪،‬‬
‫الشيوخ مرتبني على حروف املعجم‪ ،‬ولذلك مسي معجما‪.‬‬ ‫فاألول مرتب على أمساء الصحابة‪ ،‬والثاين مرتب على أمساء ُّ‬
‫ومن أشهر املعاجم على هذا املعىن‪ :‬املعجم األوسط واملعجم الصغي كالمها للطرباين‪ ،‬واملعجم لعبد اخلالق بن أسد‬
‫بن ثابت احلنفي‪.‬‬
‫وأما املشيخات فجمع مشيخة‪ ،‬وهو الكتاب املرتب على شيوخ املصنف كذلك‪ ،‬فهو مثل املعجم‪ ،‬وكتب املشيخات‬
‫كثية ج ادا‪.‬‬
‫ومثل املشيخات تقريبا املعاجم يف الطبقات املتأخرة‪ ،‬فكثي من العلماء املتأخرين جعلوا ألنفسهم معجما مرت با على‬
‫الشُّيوخ‪ ،‬ترمجوا فيه ألولئك الشيوخ وأخرجوا لكل شيخ حديثا واحدا يف الغالب‪.‬‬
‫وأما األثبات فجمع ث بت بفتح الباء‪ ،‬والثبت هو الكتاب املرتب كذلك على شيوخ املصنف‪ ،‬لكن األثبات يف عمومها‬
‫قليلة األحاديث بالنسبة للمعاجم على املعىن املتقدم‪ ،‬ألن املقصود منها يف الغالب التمجة لشيوخ املصنف والتعريف هبم‬
‫مع إخراج حديث واحد لكل شيخ يف الغالب‪ ،‬وقد ال خيرجون شيئا‪ ،‬وكذلك من مقصود األثبات ذكر الكتب‬
‫واملصنفات‪ ،‬والثبت اصطالح مشهور عند املشارقة‪ ،‬ومثله عند املغاربة واألندلسيني مصطلح الربنامج والفهرس أو‬
‫الفهرست؛ فإن الربنامج هو الكتاب الذي يكتب فيه احملدث أو العامل أمساء شيوخه وأسانيد مروياهتم‪ ،‬ومثله الفهرس‪،‬‬
‫ولذلك جعلت الثالثة مع بعض‪ ،‬فإهنا مبعىن واحد من حيث العموم‪.‬‬
‫ومن أمثلة املشيخات‪-‬وهي كثية‪ :-‬املشيخة البغدادية أليب الظاهر السلفي‪ ،‬ومشيخة ابن شاذان الصغرى أليب علي‬
‫احلسن بن أمحد بن إبراهيم بن احلسن ابن حممد بن شاذان الب زاز‪ ،‬ومشيخة ابن اجلوزي‪ ،‬ومشيخة ابن البخاري أليب‬
‫العباس أمحد بن حممد بن عبد اهلل احلنفي‪.‬‬
‫ومن أمثلة املعاجم يف الطبقات املتأخرة اليت تشبه األثبات والربامج‪ :‬كتاب‪ :‬املعجم املختص باحملدثني لمإمام الذهب‪،‬‬
‫للسبكي تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي‪.‬‬ ‫ومعجم الشيوخ ُّ‬
‫ومن أمثلة األثبات‪ :‬ثبت أيب جعفر أمحد بن علي البلوي الوادي آشي(ت‪.)839 :‬‬
‫الرعيين‪ ،‬وبرنامج عبيد اهلل بن أيب الربيع اإلشبيلي‪ ،‬وبرنامج التُّجيب‬
‫ومن أمثلة الربامج‪ :‬برنامج شيوخ علي بن حممد ُّ‬
‫والتُّجيب هو القاسم بن يوسف بن حممد بن علي التجيب البلنسي السبيت (املتوَّف‪031 :‬ه )‪ ،‬وبرنامج الوادي آشي‪،‬‬
‫والوادي آشي صاحب الربنامج هو أبو عبد اهلل حممد بن جابر بن حممد بن قاسم القيسي‪ ،‬الوادي آشي األندلسي (ت‪:‬‬
‫‪ ،)018‬وهو غي الوادي آشي صاحب الثبت املتقدم‪.‬‬
‫ومن أمثلة الفهرس‪ :‬فهرست شيوخ عبد احلق بن عطية الغرناطي‪ ،‬وفهرست حممد بن خي اإلشبيلي‪ ،‬والغنية يف فهرست‬
‫شيوخ القاضي عياض بن موسى اليحصب‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬ألف اإلمام الطرباين ثالثة معاجم؛ الكبي واألوسط والصغي‪ ،‬وقد تقدم أن األوسط والصغي من املعاجم‪ ،‬لكن‬

‫‪11‬‬
‫الكبي وإن مساه معجما فهو من املسانيد وليس من املعاجم‪ ،‬فهو خمرج على أمساء الصحابة وليس على أمساء شيوخه‪،‬‬
‫الشيوخ يف أحاديث الصحايب ما استطاع إىل ذلك سبيال‪ ،‬لكن قصده هو إخراج أحاديث‬ ‫وإن كان يراعي ترتيب ُّ‬
‫الرواة عنهم‪ ،‬يعين عن الصحابة‪.‬‬
‫الصحابة بتتيب ُّ‬
‫تاسعا‪ :‬كتب األمالي‪:‬‬
‫األمايل مجع إمالء‪ ،‬وله يف اللُّغة عدة معاين‪ ،‬منها‪ :‬التأخي واإلمهال واإلطالة‪ ،‬ومن معانيه‪ :‬ت ُّلفظ ما يف احلفظ أو‬
‫الكتاب ليحفظه أو يكتبه السامع‪ ،‬وهو املقصود هنا‪ ،‬واإلمالء يف اصطالح احملدثني‪ :‬أن يعقد احملدث أو العامل لجلسا‬
‫وحوله التالميذ والطلبة‪ ،‬فيملي الشيخ من حفظه أو من كتابه عددا من األحاديث مسندة إىل النب‪ ‬والطُّالب يكتبون‪،‬‬
‫ويكون ذلك يف لجلس واحد أو عدد من اجملالس‪ ،‬والعادة أن تكون يف لجالس كثية‪.1‬‬
‫وتسمى هذه اجملالس األمايل أو اإلمالء‪ ،‬وقد كان اإلمالء يف مجيع العلوم يف التفسي واحلديث والفقه واللغة والتاريخ‬
‫وغيها‪ ،‬بل ح ى عند احملدثني تنوع اإلمالء؛ إىل إمالء األحاديث يف لجالس تعرف مبجالس اإلمالء‪ ،‬وإمالء علوم احلديث‬
‫يهمنا يف‬
‫األخرى كالعلل واجلرح والتعديل‪ ،‬ويتوسع معىن اإلمالء إىل إمالء كل أنواع الكتب يف مجيع العلوم‪ ،‬والذي ُّ‬
‫اإلمالء هو إمالء األحاديث باألسانيد يف لجالس اإلمالء‪ ،‬والكتب املصنفة يف ذلك‪.‬‬
‫وكتب اإلمالء كثية جدا ال تكاد حتصى‪ ،‬خصوصا يف القرون؛ الثالث والرابع واخلامس والسادس‪ ،‬وبعد ذلك تراجع‬
‫التأليف يف األمايل على األسانيد شأنه شأن بقية األنواع من التصنيف باألسانيد‪.‬‬
‫ومن أشهر كتب األمايل‪ :2‬أمايل الباغندي حممد بن سليمان(‪ ،)593‬أمايل ابن صاعد يي بن صاعد)(‪،)309‬‬
‫أمايل احملاملي احلسني بن إمساعيل بن حممد(‪ ،)331‬أمايل ابن السماك عثمان بن أمحد الدقاق(‪ ،)311‬أمايل أيب العباس‬
‫األصم حممد بن يعقوب النيسابوري(‪ ،)316‬أمايل الطرباين سليمان بن أمحد(‪ ،)361‬أمايل ابن بشران عبد امللك بن‬
‫حممد بن بشران(‪ ،)131‬أمايل احلافظ أيب نعيم األصبهاين(‪ ،)131‬أمايل أيب القاسم ابن عساكر(‪ ،)500‬أمايل ابن‬
‫الصالح عثمان بن عبد الرمحن(‪ ،)613‬أمايل العراقي(‪ ،)916‬واألمايل املطلقة واحللبية كالمها البن حجر‬
‫العسقالين(‪.)955‬‬
‫عاشرا‪ :‬األجزاء الحديثية‪:‬‬
‫األجزاء مجع جزء‪ ،‬واجلزء لغة النصيب‪ ،‬والقطعة من الشيء‪ ،‬والطائفة‪ ،‬وأما اجلزء اصطالحا فيطلق على عدد من‬
‫املعاين‪:‬‬
‫المعنى األول‪" :‬تأليف األحاديث املروية عن رجل واحد من الصحابة أو من بعدهم"‪ 3‬كجزء فيه أحاديث أيب بكر‬
‫الصديق‪ ،‬أو جزء فيه حديث شعبة‪ ،‬مثاله‪ :‬جزء اجلعديات(حديث على بن اجلعد) مجع أيب القاسم البغوي‪.‬‬
‫المعنى الثاني‪ :‬مجع األحاديث يف موضوع واحد؛ سواء كان املوضوع يف العقيدة أو الفقه أو الزهد أو الشمائل‬

‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬كشف الظنون(‪.)262/2‬‬


‫‪ - 2‬ينظر‪ :‬حتقيق كتاب‪ :‬األمايل أليب القاسم احلرقي‪ ،‬حتقيق‪ :‬حممد بن عبد اهلل آل عامر(ص ‪.)283-237‬‬
‫‪ - 3‬الرسالة املستطرفة للكتاين(ص ‪.)86‬‬

‫‪12‬‬
‫والفضائل‪ ،‬أو اآلداب واألخالق‪ ،‬والتغيب والتهيب‪ ،‬مثاله‪ :‬الشمائل احملمدية للتمذي‪ ،‬وفضائل الصحابة لمإمام أمحد‬
‫والنسائي والدارقطين‪ ،‬وجزء قيام الليل حملمد بن نصر املروزي‪ ،‬وجزء القراءة خلف اإلمام‪ ،‬وجزء رفع اليدين يف الصالة‪،‬‬
‫واألدب املفرد‪ ،‬ثالثتهم لمإمام البخاري‪.‬‬
‫المعنى الثالث‪ :‬األحاديث اليت انتخبها املؤلف ألمهيتها عنده‪ ،‬كاألحاديث العشاريات(فيه عشرة أحاديث)‪،‬‬
‫واألحاديث األربعينيات‪ ،‬مثاله‪ :‬كتاب‪ :‬األربعني يف فضائل ذكر رب العاملني ملسافر بن حممد بن حاجي الدمشقي‬
‫(املتوَّف‪151 :‬ه )‪ ،‬واألربعني يف فضل الدعاء والداعني لعلي بن املفضل بن مفرج املقدس ُّي (املتوَّف‪600 :‬ه )‪.‬‬
‫المعنى الرابع‪ :‬ويطلق اجلزء كذلك على الكالم على حديث واحد سندا ومتنا والت ُّ‬
‫وسع فيه‪ ،‬كحديث‪" :‬إّنا األعمال‬
‫بالنيات"‪ ،‬وحديث‪" :‬من كذب علي متعمدا"‪.‬‬
‫ومن كتب األجزاء الحديثية كتب العوالي‪ ،‬وكتب العوايل هي الكتب اليت مجعت األحاديث العالية‪ ،‬أي قريبة‬
‫أسانيدها من النب‪ ‬وهي كثية‪ ،‬منها‪ :‬كتاب‪ :‬عوايل األعمش ليوسف بن خليل الدمشقي‪ ،‬وعوايل عبد الرزاق للضياء‬
‫املقدسي‪ ،‬وعوايل سفيان بن عيينة البن منده‪ ،‬وعوايل مالك للحاكم‪ ،‬وعوايل احلارث بن أيب أسامة وغيها‪.‬‬
‫ومن كتب األجزاء كذلك كتب الفوائد‪ ،‬وكتب الفوائد هي كتب يؤلفها أصحاهبا يف بيان فوائد ملطلب معني‪ ،‬وهي‬
‫كثية جداا‪ :‬كفوائد متام بن حممد الرازي‪ ،‬وفوائد أيب طاهر املخلمص‪ ،‬وفوائد ابن منده‪ ،‬وفوائد ابن املقري‪.‬‬
‫واألجزاء احلديثية باملعاين املتقدمة وكذلك كتب الفوائد كثية جداا ال تكاد حتصى كثرة‪.‬‬
‫وميكن التنبيه هنا أنه قد يدخل يف كتب األجزاء احلديثية والعوايل والفوائد بعض كتب املعاجم واملشيخات خصوصا‬
‫إن كانت صغية احلجم‪ ،‬وكذلك بعض كتب األمايل‪ ،‬خصوصا إذا كان اإلمالء لبعض املواضيع‪ ،‬كفضل رمضان‪ ،‬أو‬
‫اجلمعة‪ ،‬أو فضائل الصحابة‪ ،‬وغيها‪ ،‬ولذلك جتد بعض الكتب تذكر يف األمايل وتذكر يف املشيخات وتذكر يف األجزاء‬
‫احلديثية‪ ،‬وال إشكال يف ذلك‪ ،‬ألهنا تصلح جلميعها‪ ،‬والعربة واملقصد هو تقريب معاين ومضمون هذه األنواع من‬
‫املصنفات احلديثية‪.‬‬
‫حادي عاشر‪ :‬كتب أخرى‪ :‬واملقصود بكتب أخرى هي غي كتب احلديث اليت مجع أصحاهبا أحاديث النب‪ ‬أصالة‬
‫وهي املتقدم ذكرها‪ ،‬فالكتب األخرى هي تلك الكتب اليت تقدمت اإلشارة إليها آنفا اليت مل يقصد أصحاهبا مجع‬
‫احلديث أصالة‪ ،‬لكن أخرجت وذكرت فيها أحاديث مرفوعة كثية باألسانيد تبعا‪ ،‬للحاجة إليها‪ ،‬ككتب العقيدة املسندة‪،‬‬
‫وكتب التفاسي‪ ،‬وكتب العلل واجلرح والتعديل‪ ،‬وهذه الكتب هي‪:‬‬
‫‪/9‬كتب العقيدة‪ :‬وهي كثية جدا‪ ،‬فهناك كثي من كتب العقائد وخصوصا عند املتقدمني أخرجت األحاديث‬
‫السنة للمروزي‪،‬‬
‫السنة البن أيب عاصم‪ ،‬و ُّ‬ ‫باألسانيد‪ ،‬من أشهرها‪ :‬الكتب الموسومة بالسنة‪ُّ ،‬‬
‫كالسنة لعبد اهلل بن أمحد‪ ،‬و ُّ‬
‫ومن كتب العقيدة المسندة الكتب الموسومة بالتوحيد‪ ،‬كالتوحيد البن خزمية والتوحيد البن منده‪ ،‬ومن كتب العقيدة‬
‫المسندة الكتب الموسومة باإليمان‪ :‬كاإلميان البن أيب شيبة‪ ،‬واإلميان البن منده‪ ،‬ومن كتب العقيدة المسندة كتب‬
‫الرد على الجهمية‪ ،‬كخلق أفعال العباد والرد على اجلهمية للبخاري‪ ،‬والرد على اجلهمية للدارمي وابن منده وغيهم‪،‬‬

‫‪13‬‬
‫وهناك كتب بمسميات أخرى في العقيدة وهي مسندة‪ ،‬ككتاب الشريعة لآلجري‪ ،‬وكتاب أصول إعتقاد أهل ُّ‬
‫السنة‬
‫للاللكائي‪ ،‬وكتاب اإلبانة البن بطة‪ ،‬وغيها من كتب العقيدة املسندة الكثية‪.‬‬
‫‪/2‬كتب التفاسير والمصاحف‪.‬‬
‫كتفسي ابن جرير‪ ،‬وتفسي ابن أيب حات‪ ،‬وتفسي ابن مردويه‪ ،‬وتفسر ابن املنذر‪ ،‬وككتاب املصاحف البن أيب داود‬
‫السجستاين‪.‬‬
‫‪/3‬كتب المغازي والسير‬
‫كمغازي موسى بن عقبة‪ ،‬وسية ابن إسحاق‪ ،‬واملغازي البن أيب شيبة‪.‬‬
‫‪/4‬كتب العلل‪ ،‬والجرح والتعديل‪ ،‬والسؤالت‪ ،‬والتراجم والطبقات‪ ،‬والتواريخ‪ ،‬وهي كثية‪ :‬فمن كتب العلل التي‬
‫ذكرت األحاديث مسندة‪ :‬العلل ومعرفة الرجال لمإمام أمحد‪ ،‬والعلل البن أيب حات‪ ،‬والعلل الواردة يف األحاديث النبوية‬
‫للدارقطين‪ ،‬ومن كتب الجرح والتعديل‪ :‬التاريخ الكبي للبخاري‪ ،‬والكامل البن عدي‪ ،‬واجملروحني البن حبان‪ ،‬ومن‬
‫كتب التراجم والطبقات‪ :‬الطبقات الكربى البن سعد‪ ،‬طبقات احملدثني بأصبهان والوردين عليها أليب الشيخ األصبهاين‪،‬‬
‫وحلية األولياء وطبقات األصفياء أليب نعيم األصبهاين‪ ،‬ومن كتب التواريخ‪ :‬تاريخ نيسابور للحاكم النيسابوري(وهو‬
‫مفقود)‪ ،‬وتاريخ أصبهان أو أخبار أصبهان أليب نعيم األصبهاين‪ ،‬وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي‪ ،‬وتاريخ دمشق البن‬
‫عساكر‪.‬‬
‫‪/5‬كتب المصطلح وعلوم الحديث؛ سواء اجلامعة‪ ،‬أو اليت أفردت نوعا من أنواع علوم احلديث وهي كثية‪ ،‬فمن‬
‫الكتب التي جمعت كثيرا من أنواع علوم الحديث وأخرجت بعض األحاديث مسندة‪ :‬معرفة أنواع علوم احلديث‬
‫للحاكم النيسابوري‪ ،‬واحملدث الفاصل بني الراوي والواعي حملمد بن خالد الرامهرمزي‪ ،‬واجلامع ألخالق الراوي وآداب‬
‫السامع والكفاية يف أصول الرواية كالمها للخطيب البغدادي‪ ،‬وأما الكتب التي أَفردت نوعا أو أنواعا قليلة من أنواع‬
‫علوم الحديث فكثيرة‪ ،‬منها‪ :‬كتب المتشابه‪ :‬كتلخيص املتشابه وتايل التلخيص كالمها للخطيب البغدادي‪ ،‬وكتب‬
‫الكنى واألسماء‪ :‬كالكىن واألمساء أليب بشر الدواليب‪ ،‬وكتب المؤتلف والمختلف‪ :‬كاملؤتلف واملختلف للدارقطين‪،‬‬
‫واإلكمال يف رفع االرتياب عن املؤتلف واملختلف يف األمساء والكىن واألنساب البن ماكوال‪ ،‬وكتب المتفق والمفترق‪:‬‬
‫كاملتفق واملفتق للخطيب البغدادي‪ ،‬وغيها من الكتب املصنفة يف بعض أنواع علوم احلديث ككتب اخلطيب البغدادي‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪/6‬كتب معرفة الصحابة ومعجم الصحابة وتراجمهم‬
‫كمعجم الصحابة البن قانع‪ ،‬ومعجم الصحابة للبغوي‪ ،‬ومعرفة الصحابة أليب نعيم‪ ،‬ومعرفة الصحابة البن منده‪.‬‬
‫‪/7‬كتب شروح الحديث وكتب مختلف الحديث ومشكله‪.‬‬
‫كالتمهيد واالستذكار كالمها البن عبد الرب‪ ،‬واختالف احلديث للشافعي‪ ،‬وشرح مشكل اآلثار للطحاوي‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫‪/8‬كتب الفقه‬
‫ككتاب األم للشافعي‪ ،‬وكتاب املدونة لسحنون‪ ،‬وكتاب شرح معاين اآلثار للطحاوي‪ ،‬وكتاب األوسط البن املنذر‪،‬‬
‫وكتاب احمللى البن حزم‪.‬‬
‫‪/1‬كتب الغريب(غريب الحديث) واللغة‬
‫كغريب احلديث أليب عبيد القاسم بن سالم‪ ،‬وغريب احلديث إلبراهيم احلريب‪.‬‬
‫املسألة ال َّثالثة‪ :‬منهجية دراسة احلديث دراس ًة حتليلية‪.‬‬
‫كل‬
‫لقد تنوعت مناهج املعاصرين وطرائقهم يف دراسة احلديث دراسة حتليلية‪ ،‬وذكروا خطوات على حسب اجتهاد ٍّ‬
‫منهم‪ ،‬بني موسع ومضيق؛ بني موسع أدخل يف حتليل احلديث كل ما يتعلق باإلسناد واملنت من أحوال ومعاين‪ ،‬ولذلك‬
‫كانت خطواته كثية‪ ،‬وبني مضيق اقتصر على اجلوانب المهمة لفهم احلديث وفقهه‪ ،‬ولذلك جاءت خطواته قليله‬
‫بالنسبة للموسعني‪ ،‬لكن املتدبر جيدا لتلك املناهج جيدها متقاربة‪ ،‬ومضموهنا واحد تقريبا‪ ،‬وذلك أن من ضيق واقتصر‬
‫على خطوات يسية قد أدخل واستعمل ما استعمله املوسعون تقريبا‪ ،‬فمثال الدراسة البالغية أو النحوية‪ ،‬فح ى ولو مل‬
‫يذكرها بعضهم إىل أهنم يف حقيقة األمر قد استعملوها يف ثنايا كالمهم على األحاديث‪ ،‬ولذلك فاالختالف أقرب ما‬
‫يكون لفظي‪ ،‬ما وسعه قوم أدلجه آخرون يف عناصر أخرى‪ ،‬على أهنم قد اتفقوا على أن الدراسة التحليلية تنقسم إىل‬
‫إسنادية ومتنية‪ ،‬ولكل واحدة منهما عناصرها‪.‬‬
‫ولذلك سأمشي يف الدراسة التحليلية على ما اتفق عليه أغلب من تكلم على املنهجية العلمية للدراسة التحليلية‪،‬‬
‫فأقول وباهلل التوفيق‪:‬‬
‫حتليل احلديث أو دراسة احلديث دراسة حتليلية تكون ضمن مرحلتني كبيتني‪ ،‬أو تنقسم إىل مرحلتني كبيتني؛ الدراسة‬
‫اإلسنادية والدراسة املتنية‪ ،‬وتندرج حتت كل واحدة منهما خطوات عديدة‪.‬‬
‫ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أنه ال بد من اختيار لفظ احلديث املراد دراسته اختيارا دقيقا من أحد الكتب املصنفة‪ ،‬يعين‬
‫أنه قبل الدخول يف املنهجية بذكر الدراسة اإلسنادية واملتنية‪ ،‬نذكر أوال إسناد ومنت احلديث املدروس‪ ،‬وذلك باختيار‬
‫اللفظ التام أو الكامل من أحد الكتب املصنفة‪ ،‬وفارس ذلك يف الغالب هو اإلمام مسلم رمحه اهلل الهتمامه البالغ‬
‫باأللفاظ‪ ،‬فعناية اإلمام مسلم باللفظ التام والكامل أمر مشهور من منهجه‪ ،‬لكن ال يعين ذلك أن يكون لفظ مسلم‬
‫دائما هو األكمل واألت‪ ،‬بل قد يكون لفظ البخاري أو أمحد أو أيب داود أو غيهم أتُّ وأكمل‪ ،‬فضال أن احلديث قد‬
‫ال يرويه مسلم أصال‪ ،‬ولذلك ينبغي لطالب العلم أن يكون فطنا ذكياا يف اختيار اللفظ الذي يراه أت وأكمل‪ ،‬ث يذكر‬
‫نص احلديث بإسناده ومتنه يف أول األمر قبل الدراسة التحليلية‪ ،‬فيقول‪ :‬نص الحديث‪ ،‬ث يذكر إسناد ولفظ احلديث‬
‫من الكتاب املختار‪ ،‬يقول مثال‪ :‬قال اإلمام مسلم‪ :‬حدثنا‪ ،....‬فيذكر اإلسناد والمتن‪ ،‬ث بعده يدخل يف الدراسة‬
‫التحليلية‪ ،‬بذكر الدراسة اإلسنادية واملتنية‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الدراسة اإلسنادية‬

‫‪15‬‬
‫وفيها مخس خطوات رئيسة‪:‬‬
‫الخطوة األولى‪ :‬تخريج الحديث تخريجا فنيا وعلميا‪ ،‬ويكون يف هذه اخلطوة ختريج احلديث من بطون كتب‬
‫السنة بالرجوع إىل مصادر احلديث األصلية خترجيا فنياا علميا‪ ،‬ويستحسن رسم شجرة اإلسناد ليسهل عليه ضبط الطرق‬ ‫ُّ‬
‫كما يسهل عليه بعد ذلك صياغة التخريج يف الورقة‪ ،‬ويهتم عند التخريج بأمور‪ ،‬منها‪ :‬ضبط منت احلديث‪ ،‬والتحقيق‬
‫من الرواية التامة وذكر الفروق بني الروايات‪ ،‬وذلك باختيار لفظ من كتاب من كتب السنة(وهو نص احلديث الذي ت‬
‫السنة املختلفة‪ ،‬سواء األلفاظ الزائدة أو الناقصة‪ ،‬فيقول مثال بعد‬
‫اختباره غالبا)‪ ،‬ث يذكر الفروق يف األلفاظ بني كتب ُّ‬
‫صياغة التخريج وذكر لفظ احلديث‪ :‬هذا لفظ مسلم‪ ،‬وقريب منه لفظ البخاري‪ ،‬ومل يذكر أمحد كذا‪ ،‬وزاد أبو داود كذا‪،‬‬
‫السنة وذكر الفروق بينها على الورقة‪ ،‬وهبذا‬
‫وطبعا هذا يرجع إىل مهارة طالب العلم يف النظر يف منت احلديث يف كتب ُّ‬
‫العمل نكون قد وق فنا على تعدُّد روايات احلديث واختالف ألفاظه الذي جعله بعضهم كخطة يف الدراسة اإلسنادية‪،‬‬
‫لكن ينبغي التفطُّن هنا إىل صحة األلفاظ املختارة بأن ال نذكر إال ما صح‪ ،‬وهو الذي ي ُّ‬
‫هتم به يف اخلطوة الثانية‪.‬‬
‫الخطوة الثانية‪ :‬الحكم على الحديث وبيان درجته صحة وضعفا‪ ،‬وهو املقصود من التخريج وخالصته‪ ،‬وذلك‬
‫الشروط من عدمها‪.‬‬ ‫بالرجوع إىل كالم علماء احلديث‪ ،‬وبالنظر يف شروط احلديث الصحيح ُّ‬
‫وحتقق تلك ُّ‬
‫الخطوة الثالثة‪ :‬الكالم على بعض أحوال اإلسناد غير ما تقدم‪ ،‬واملقصود من ذلك ذكر بعض الفوائد اإلسنادية‬
‫يف أسانيد هذا احلديث‪ ،‬وتصرف األئمة مع احلديث‪ ،‬كسبب عدم إخراج البخاري مثال هلذا احلديث‪ ،‬وغيها‪.‬‬
‫الخطوة الرابعة‪ :‬تراجم رواة اإلسناد‪ ،‬واملقصود به تراجم رواة إسناد اللفظ املختار يف أول الدراسة‪ ،‬وهو ُّ‬
‫نص‬
‫احلديث الذي تقدم ذكره‪.‬‬
‫الخطوة الخامسة‪ :‬ذكر لطائف اإلسناد‪ ،‬واملقصود بلطائف اإلسناد تلك النُّكت واألحوال اليت تكون على خالف‬
‫أصل اإلسناد يف األكثر الغالب‪ ،‬كرواية الصحايب عن الصحايب‪ ،‬وكوجود ثالثة من التابعني أو أربعة يف اإلسناد يروي‬
‫بعضهم عن بعض‪ ،‬وكرواية األب عن االبن أو الشيخ عن التلميذ‪ ،‬وككون رجال السند كلُّهم من بلد واحد‪ ،‬كأن يكونوا‬
‫كلهم مدنني أو مكيني أو حجازيني أو بصريني أو مصريني‪ ،‬وكتسلسل اإلسناد بصيغ السماع مثال حدثنا أو مسعت‪،‬‬
‫تابعي أو تابعيني‪ ،‬واالبن هو‬
‫صحايب واحد‪ ،‬ويكون ٌّ‬‫ٌّ‬ ‫وذلك أن األكثر الغالب من األسانيد أن يكون يف إسناد احلديث‬
‫الذي يروي عن األب‪ ،‬والتلميذ هو الذي يروي عن الشيخ‪ ،‬وكذلك األعم أن يكون رجال اإلسناد من بلدان خمتلفة‪،‬‬
‫وصيغ اإلسناد متنوعة‪ ،‬فمجيء إسناد حديث خالف ذلك تعترب لطيفة من اللطائف‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الدراسة المتنية‬
‫وفيها سبع خطوات رئيسة‪:‬‬
‫الخطوة األولى‪ :‬بيان سبب ورود الحديث إن وجد‪ ،‬واملقصود بسب ورود احلديث هو األمر أو السبب الذي‬
‫ب‪ ‬ذلك احلديث أو فعله أو أقر عليه‪ ،‬ويقابل سبب نزول اآلية يف علوم القرآن‪.‬‬
‫ألجله قال الن ُّ‬
‫الخطوة الثانية‪ :‬ذكر قَدر الحديث وتعظيم شأنه‪ ،‬واملقصود به تلك العبارات والكلمات املأثورة عن األئمة والعلماء‬
‫يف تعظيم قدر احلديث وبيان أمهيته‪ ،‬وغالبا ما تكون تلك العبارات يف األحاديث األصول اجلامعة اليت دلت على معاين‬

‫‪16‬‬
‫عظيمة أو هي أصل يف باب من األبواب‪ ،‬كقوهلم يف حديث‪" :‬إّنا األعمال بالنيات" إنه نصف العلم أو نصف الدين‪.‬‬
‫الخطوة الثالثة‪ :‬شرح الغريب وما يشكل من األلفاظ‪ ،‬والتطرق إىل األوجه النحوية والبالغية(يعين إن توسع الباحث‬
‫إىل ذكر األوجه البالغية والبيانية والنحوية وهو إعراب اجلمل‪ ،‬فال بأس)‪.‬‬
‫الخطوة الرابعة‪ :‬بيان المعنى اإلجمالي للحديث‪ ،‬واملقصود الفكرة األساس اليت يتكلم عليها احلديث‪ ،‬وهنا تتكلم‬
‫عليها اختصارا‪.‬‬
‫الخطوة الخامسة‪ :‬المعنى التفصيلي للحديث‪ ،‬واملقصود هو شرح وحتليل مجل احلديث مجلة مجلة حتليال وشرحا‬
‫تفصيلياا‪ ،‬ببيان معىن كل مجلة وما دلت عليه من األحكام واهلدايات واملواعظ والرقائق‪ ،‬وهذا ما ُّ‬
‫تدل عليه كلمة "التحليلي"‬
‫من معىن كما سبق بيانه‪.‬‬
‫الخطوة السادسة‪ :‬مسائل الحديث‪ ،‬واملقصود من مسائل احلديث موضوع احلديث األساس الذي يتكلم عليه‬
‫احلديث‪ ،‬فيجعل لذلك املوضوع دراسة مستقله ي ت وسع فيها أكثر مما سبق أخذه يف الشرح اإلمجايل والتفصيلي‪ ،‬وهي‬
‫الدراسة املوضوعية لذلك املوضوع األساس‪ ،‬وهذا ما جيعل الدراسة التحليلية دراسة شاملة وجامعة‪ ،‬فمثال قول النب‪:‬‬
‫"لو توكلتم على اهلل حق توُّكله لرزقكم كما يرزق الطي‪ ،‬تغدو مخاصا وت روح بطانا"‪ ،‬فأنت ملا تأيت إىل بيان املعىن اإلمجايل‬
‫فإنك تشرح معىن احلديث إمجاال على جهة االختصار‪ ،‬وإذا أتيت إىل املعىن التفصيلي فإنك تقف عند كل مجلة فتشرحا‬
‫شرحا مبسطا‪ ،‬لكن يف مسائل احلديث ت فرد الكالم على املوضوع األساس الذي يتكلم عليه هذا احلديث وهو "التوكل"‬
‫فتجعل له دراسة موضوعية‪ ،‬فتتكلم على التوكل من حيث تعريفه وفضله وضابطه والفرق بينه وبني التواكل وعالقته‬
‫بالقدر وغيها من املسائل املتعلقة بباب التوكل‪ ،‬صحيح قد يكون بعض التكرار يف املسائل لما ذكر يف املعىن التفصيلي‪،‬‬
‫لكن ذلك ليس يف كل األحاديث‪ ،‬وكلُّ حديث وما حواه من معاين ومجل وطول وقصر‪.‬‬
‫الخطوة السابعة‪ :‬الفوائد المستنبطة من الحديث غير ما ذكر‪ ،‬أي غي ما ذكر يف املعىن التفصيلي ومسائل‬
‫احلديث‪ ،‬فمثال كما سيأتينا يف حديث معاذ‪" :‬كنت رديف النب‪ ‬على محار يقال له عفي‪ "...‬احلديث‪ ،‬فموضوع‬
‫احلديث األساس هو التوحيد وحق اهلل على عباده‪ ،‬فيذكر ذلك يف مسائل احلديث‪ ،‬ويذكر شرح مجل احلديث‪ ،‬لكن‬
‫تبقى فوائد كثية مستنبطة ال تذكر عادة يف املسائل وال يف الشرح التفصيلي‪ ،‬فتذكر هنا‪ ،‬كجواز اإلرداف على الداية‪،‬‬
‫وجواز تسمية الدواب‪ ،‬وكتواضع النب‪ ‬بركوبه على محار‪ ،‬وغيها‪.‬‬
‫تتمة‪ :‬إن كالا من الدراسة اإلسنادية والدراسة املتنية هلا قواعدها وضوابطها اليت تبىن عليها‪ ،‬وينبغي لطالب احلق املشي‬
‫عليها‪ ،‬فالدراسة اإلسنادية‪ ،‬وما ذكرناه فيها من اخلطوات‪ ،‬وكذلك الدراسة املتنية وما فيها من اخلطوات‪ ،‬إّنا كان على‬
‫سبيل االختصار لضيق وقت احملاضرات وعدم احتمال هذا املوضع للبسط‪ ،‬وإال فتخريج احلديث واحلكم عليه‪ ،‬وكذا‬
‫فهم معناه وفقهه‪ ،‬عندمها ضوابط وقواعد مشى عليها أهل العلم‪ ،‬ال بد من اعتبارها لكي يكون حتليلنا سندا ومتنا‬
‫صحيحا موافقا ملا عليه األئمة وما ورثه العلماء خلفا عن سلف‪ ،‬فاألمر ليس عبثياا أو عشوائيا أو هو تابع للعقول‬
‫واألهواء‪ ،‬بل هو منهج متبع وقواعد متينة‪ ،‬وحنن إذ نذكر هذا األمر ننبه أن هناك مناهج منحرفة تبنت قواعد يف احلكم‬
‫على األحاديث وفهم معناها مل يعهدها السلف وال األئمة وال العلماء‪ ،‬كما هو احلال عند العلمانيني واحلداثيني والتنويريني‬

‫‪17‬‬
‫وغيهم من املناهج املنحرفة؛ سواء يف احلكم على احلديث أو يف فقهه وفهم معناه‪ ،‬فبعضهم يكم عقله يف احلكم على‬
‫احلديث أو يف فهم معناه‪ ،‬كادعاء أن كثيا من أحاديث صحيح البخاري تنايف العقل‪ ،‬وأن مفهوم ذلك احلديث الصحيح‬
‫هو كذا وليس ما ذكره أصحاب الكتب الصفراء على حد تعبيهم‪ ،‬وبعضهم يكم خلفيته وبيئته‪ ،‬فتاه يضعف حديثا‬
‫يف صحيح البخاري ومسلم ألنه خيالف بدعته وما وجد عليه آباءه وأجداده‪ ،‬ويصحح آخر يف املستدرك أو غيه ولو‬
‫كان ضعيفا ألنه يوافق هواه وما عليه بيئته‪ ،‬وبعضهم ياول إرضاء جهة معينة كالكفار فيلوي أعناق النُّصوص ويفسرها‬
‫على ما يهوى له إرضاء لتلك اجلهة‪ ،‬وغي ذلك‪.‬‬
‫وهذا املوضع كما سبقت اإلشارة إليه آنفا ال يتمل البسط يف ذكر القواعد والضوابط اليت ينبغي السي عليها يف فهم‬
‫احلديث واحلكم عليه‪ ،‬ألن هذا موضوع مجيع مقاييس علوم احلديث بل والعلوم األخرى كعلوم القرآن والعقيدة والفقه‬
‫وأصوله وقواعده وعلوم اللغة‪ ،‬ألن هذه العلوم متكاملة‪ ،‬فسواء ما تعلق بالرواية واحلكم على األحاديث‪ ،‬أو ما تعلق بفقه‬
‫ختصه واملواد اليت ذكرت قواعده ما جتعله علما منضبطا مقعدا‪ ،‬ال‬‫كل ذلك له من املقاييس اليت ُّ‬
‫احلديث ومعرفة معناه‪ُّ ،‬‬
‫يسعنا إال املشي على تلك القواعد واتباع تلك الضوابط‪ ،‬أما الدراسة اإلسنادية‪ ،‬فبالرجوع إىل ما وضعفه علماء احلديث‬
‫من قواعد يف احلكم على احلديث‪ ،‬وهو الذي يدرس يف مقاييس التخريج والنقد واجلرح والتعديل والعلل ومناهج احملدثني‬
‫وغيها‪ ،‬وأما الدراسة املتنية فبالرجوع إىل ما قعده أهل العلم من قواعد يف فهم احلديث وفقهه‪ ،‬وهو الذي يدرس يف‬
‫بعض مقاييس علوم احلديث‪ ،‬كمختلف احلديث‪ ،‬وضوابط فهم احلديث‪ ،‬ومقاصد السنة النبوية وأحاديث األحكام‪،‬‬
‫التخصصات األخرى‪ ،‬كالعقيدة وعلوم القرآن والفقه وأصوله واللغة‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫وغيها من املقاييس‪ ،‬وكذلك ما يدرس يف مقاييس‬
‫ولذلك ينبغي لطالب احلديث أن يكون مل اما بشيء من علوم العقيدة على منهج السلف الصاحل‪ ،‬وبشيء من علوم‬
‫القرآن‪ ،‬وعلم الفقه‪ ،‬وأصول الفقه‪ ،‬وقواعد الفقه‪ ،‬ومقاصد الشريعة‪ ،‬وبعض علوم اللغة كالبالغة والنحو والصرف‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫حق اهلل عىل العباد"‪.‬‬
‫األول‪ :‬حديث معاذ بن جبل‪ُّ " :‬‬
‫احلديث َّ‬
‫نص الحديث‪ :‬قال اإلمامان البخاري ومسلم‪ :‬حدثنا هدبة بن خالد‪ ،‬حدثنا مهام‪ ،‬حدثنا قتادة‪ ،‬حدثنا أنس بن‬
‫مالك‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ‬قال‪ :‬ب ي نا أنا رديف النب‪ ‬ليس بيين وبينه إال آخرة الرحل‪ ،‬فقال‪« :‬يا معاذ بن جبل»‪،‬‬
‫قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬ث سار ساعة ث قال‪« :‬يا معاذ»‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬ث سار ساعة‪،‬‬
‫حق اهلل على عباده؟»‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله‬
‫ث قال‪« :‬يا معاذ»‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬قال‪« :‬هل تدري ما ُّ‬
‫حق اهلل على عباده أن يعبدوه‪ ،‬وال يشركوا به شيئا»‪ ،‬ث سار ساعة‪ ،‬ث قال‪« :‬يا معاذ بن جبل»‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫أعلم‪ ،‬قال‪ُّ « :‬‬
‫حق‬
‫حق العباد على اهلل إذا فعلوه؟»‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ُّ « :‬‬
‫لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬فقال‪« :‬هل تدري ما ُّ‬
‫العباد على اهلل أن ال يعذهبم»‪.‬‬
‫هذا لفظ البخاري‪ ،‬وعند مسلم‪" :‬حدثنا هداب بن خالد األزدي"‪ ،‬وعند مسلم كذلك يف كل احلديث‪« :‬يا معاذ‬
‫بن جبل»‪.‬‬
‫َّأوال‪ :‬الدراسة اإلسنادية‬
‫‪ -0‬تخريج الحديث‪ :‬روى هذا احلديث عن معاذ بن جبل‪ ‬مثانية رواة؛ أنس بن مالك‪ ‬وعمرو بن ميمون‬
‫األودي واألسود بن هالل وعبد الرمحن بن أيب ليلى وعبد الرمحن بن غنم وأبو عثمان النهدي وأبو العوام وأبو‬
‫رزين‪.‬‬
‫أما رواية أنس بن مالك‪ ‬وهي أشهر هذه الطرق فرواها عنه قتادة بن دعامة السدوسي وأبو سفيان طلحة بن نافع‬
‫ب وعتاب موىل هرمز رجل من أهل واسط وأبو‬‫القرشي ومعتمر بن سليمان وعبد العزيز بن صهيب وسعيد بن سليم الض ُّ‬
‫محزة وصدقة‪.‬‬
‫أما طريق قتادة بن دعامة السدوسي عن أنس‪ ‬وهو أشهر هذه الطرق وأكثرها‪ ،‬فأخرجه البخاري‪ 1‬ومسلم‪ 2‬وابن‬
‫أيب عاصم‪ 3‬وعبد اهلل بن أمحد‪ 4‬وابن حبان‪ 5‬وابن السين‪ 6‬والطرباين‪ 7‬وابن منده‪ 8‬وأبو نعيم األصبهاين‪ 9‬عن هدبة بن‬

‫‪ - 1‬اجلامع الصحيح(كتاب اللباس‪ ،‬باب إرداف الرجل خلف الرجل‪ ،‬ص‪ ،‬رقم ‪ 5367‬وكتاب‪ ،‬باب من جاهد نفسه يف طاعة اهلل‪ ،‬ص ‪-2237‬‬
‫‪ ،2238‬رقم ‪.)6522‬‬
‫‪ - 2‬املسند اجلامع الصحيح(كتاب اإلميان‪ ،‬باب من لقي اهلل باإلميان وهو غي شاك فيه دخل اجلنة وحرم على النار‪ ،‬ص ‪ ،87‬رقم ‪.)32‬‬
‫‪ - 3‬اآلحاد واملثاين(‪ 322/3‬رقم ‪.)2833‬‬
‫‪ - 4‬زوائد املسند كما يف املسند ألبيه(‪ 325/36‬رقم ‪.)22237‬‬
‫‪ - 5‬صحيح ابن حبان(‪ 82/2‬رقم ‪.)362‬‬
‫‪ - 6‬عمل اليوم والليلة(ص ‪ 256‬رقم ‪.)232‬‬
‫‪ - 7‬املعجم الكبي(‪.)38/22‬‬
‫‪ - 8‬اإلميان(‪ 233/2‬رقم ‪.)32‬‬
‫‪ - 9‬حلية األولياء( رقم ‪.)5376‬‬

‫‪19‬‬
‫خالد‪ ،‬وأخرجه البخاري عن موسى بن إمساعيل التبوذكي‪ ،1‬وأخرجه أمحد‪ 2‬وابن منده‪ 3‬عن عفان بن مسلم الصفار‪،‬‬
‫وأخرجه النسائي‪ 4‬وابن األعرايب‪ 5‬عن أيب داود الطيالسي‪ ،‬وأخرجه أبو عوانة‪ 6‬عن عمرو بن عاصم‪ ،‬كلهم‪-‬هدبة بن‬
‫خالد وموسى بن إمساعيل التبوذكي وعفان بن مسلم الصفار وأبو داود الطيالسي وعمرو بن عاصم‪ -‬قالوا‪ :‬حدثنا مهام‪-‬‬
‫هو ابن يي العوذي‪ ،-‬حدثنا قتادة‪ ،‬حدثنا أنس بن مالك‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ‬قال‪ :‬ب ي نا أنا رديف النب‪ ‬ليس‬
‫بيين وبينه إال آخرة الرحل‪ ،‬فقال‪« :‬يا معاذ بن جبل»‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬ث سار ساعة ث قال‪« :‬يا‬
‫معاذ»‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬ث سار ساعة‪ ،‬ث قال‪« :‬يا معاذ»‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حق اهلل على عباده أن يعبدوه‪ ،‬وال يشركوا به‬
‫حق اهلل على عباده؟»‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ُّ « :‬‬‫«هل تدري ما ُّ‬
‫حق العباد‬
‫شيئا»‪ ،‬ث سار ساعة‪ ،‬ث قال‪« :‬يا معاذ بن جبل»‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬فقال‪« :‬هل تدري ما ُّ‬
‫حق العباد على اهلل أن ال يعذهبم»‪.‬‬
‫على اهلل إذا فعلوه؟»‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ُّ « :‬‬
‫هذا لفظ البخاري عن هدبة بن خالد وأمحد عن عفان بن مسلم وأيب عوانة عن عمرو بن عاصم والنسائي وابن‬
‫"حق اهلل على العباد" وهو لفظ‬
‫األعرايب عن أيب داود الطيالسي إال أن عفان وعمرو بن عاصم وأبا داود الطيالسي قالوا‪ُّ :‬‬
‫موسى بن إمساعيل التبوذكي عند البخاري‪ ،‬وقالوا‪" :‬فعلوا ذلك" وهو لفظ مسلم عن هدبة بن خالد ولفظ البخاري عن‬
‫موسى بن إمساعيل التبوذكي‪ ،‬وعند مسلم‪" :‬حدثنا هداب بن خالد األزدي"‪ ،‬وعند مسلم كذلك يف كل احلديث‪" :‬يا‬
‫معاذ بن جبل"‪ ،‬وعنده كذلك‪" :‬كنت ردف"‪ ،‬وليس رديف وعند مسلم وابن أيب عاصم‪7‬وابن حبان"‪" :‬مؤخرة الرحل"‪،‬‬
‫وليس‪" :‬آخرة"‪.‬‬
‫هكذا روى هذا احلديث مهام بن يي العوذي‪ ،‬حدثنا قتادة‪ ،‬حدثنا أنس بن مالك‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ‬وقد‬
‫صرح قتادة بالتحديث من أنس بن مالك‪.‬‬
‫وروى هذا الحديث شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن قتادة وتابع مهاما يف لفظه لكنه خالفه يف اإلسناد‪ ،‬حيث‬
‫جعله من مسند أنس‪ ،‬فقد أخرج أمحد‪ 8‬عن حسني بن حممد بن هبرام املروذي‪ ،‬وعبد بن محيد‪ 9‬عن يونس بن حممد‪،‬‬
‫كالمها‪-‬حسني بن حممد بن هبرام ويونس بن حممد‪-‬حدثنا شيبان‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬حدثنا أنس بن مالك‪ ،‬أن نب اهلل‪‬‬
‫نب اهلل‪" :‬يا معاذ بن جبل" قال‪:‬‬
‫كان يف بعض أسفاره‪ ،‬ورديفه معاذ بن جبل‪ ،‬ليس بينهما غي آخرة الرحل‪ ،‬إذ قال ُّ‬
‫‪ - 1‬اجلامع الصحيح(كتاب االستئذان‪ ،‬باب من أجاب بلبيك وسعديك‪ ،‬ص ‪ ،2232‬رقم ‪ ،)6267‬ويف األدب املفرد(رقم ‪.)333‬‬
‫‪ - 2‬املسند(‪ 325-323/36‬رقم ‪.)22236‬‬
‫‪ - 3‬اإلميان(‪ 233/2‬رقم ‪.)32‬‬
‫‪ - 4‬السنن الكربى(‪ 82/3‬رقم ‪ ،)3333‬وعمل اليوم والليلة(ص ‪ 223‬رقم ‪.)286‬‬
‫‪ - 5‬املعجم(رقم ‪.)5252‬‬
‫‪ - 6‬مستخرج أيب عوانة على صحيح مسلم(‪ 27/2‬رقم ‪.)23‬‬
‫‪ - 7‬وقع يف املطبوع من اآلحاد واملثاين البن أيب عاصم تصحيف قبيح يف لفظة "الرحل" من قوله‪ " :‬مؤخرة الرحل" حيث جاء فيه‪ " :‬مؤخرة الرجل"‪،‬‬
‫وال شك يف خطئه‪ ،‬فإّنا هو الرحل‪ ،‬وسيأيت شرحه بعد قليل‪.‬‬
‫‪ - 8‬املسند(‪ 282-282/22‬رقم ‪.)23732‬‬
‫‪ - 9‬املنتخب من املسند(ص ‪ 262‬رقم ‪ 2233‬ت السامرائي)‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫لبيك يا رسول اهلل وسعديك‪ ،‬ث سار ساعة‪ ،‬ث قال‪" :‬يا معاذ بن جبل" قال‪ :‬لبيك يا رسول اهلل وسعديك‪ ،‬ث سار‬
‫ساعة‪ ،‬فقال‪" :‬يا معاذ بن جبل" قال‪ :‬لبيك يا رسول اهلل وسعديك‪ ،‬قال‪" :‬هل تدري ما حق اهلل على العباد؟" قال‪:‬‬
‫حق العباد على‬
‫اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪" :‬فإن حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا"‪ ،‬قال‪" :‬فهل تدري ما ُّ‬
‫اهلل إذا هم فعلوا ذلك؟" قال‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪" :‬فإن حقهم على اهلل أن ال يعذهبم"‪.‬‬
‫وروى هذا الحديث هشام بن أبي عبد اهلل الدستوائي عن قتادة فوافق شيبان بن عبد الرمحن يف إسناده حيث‬
‫جعله من مسند أنس‪ ‬لكنه خالف مهاما وشيبان يف لفظه‪ ،‬فقد أخرج البخاري‪ 1‬ومن طريقه ابن عبد الرب‪ 2‬عن إسحاق‬
‫بن راهوية‪ ،‬ومسلم‪ 3‬وابن منده‪ 4‬والبيهقي‪ 5‬واخلطيب البغدادي‪ 6‬عن إسحاق بن منصور الكوسج‪ ،‬والبيهقي عن حممد‬
‫بن أيب بكر املقدمي‪ ،7‬ثالثتهم‪-‬إسحاق بن راهوية وإسحاق بن منصور وحممد بن أيب بكر‪ -‬حدثنا معاذ بن هشام‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثين أيب‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أنس بن مالك‪ ‬أن النب‪ ،‬ومعاذ رديفه على الرحل‪ ،‬قال‪« :‬يا معاذ بن‬
‫جبل»‪ ،‬قال‪ :‬لبيك يا رسول اهلل وسعديك‪ ،‬قال‪« :‬يا معاذ»‪ ،‬قال‪ :‬لبيك يا رسول اهلل وسعديك ثالثا‪ ،‬قال‪« :‬ما من‬
‫أحد يشهد أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل‪ ،‬صدقا من قلبه‪ ،‬إال حرمه اهلل على النار»‪ ،‬قال يا رسول اهلل‪ :‬أفال‬
‫أخرب به الناس فيستبشروا؟ قال‪« :‬إذا ي تكلوا»‪ ،‬وأخرب هبا معاذ عند موته تأُّمثا‪.‬‬
‫ورى هذا الحديث كذلك شعبة بن الحجاج عن قتادة فوافق مهاما يف إسناده حيث جعله من مسند معاذ‪ ،‬لكن‬
‫روى املنت خمتصرا مبا يشبه لفظ هشام الدستوائي‪ ،‬فقد أخرج أمحد‪ 8‬والنسائي‪ 9‬وابن خزمية‪ 10‬وابن منده‪ 11‬عن حممد بن‬
‫جعفر غندر‪ ،‬وأبو يعلى‪ 12‬وابن منده‪ 13‬عن أيب داود الطيالسي‪ ،‬وابن منده‪ 14‬عن عثمان بن عمرو بن فارس‪ ،‬والبيهقي‬
‫عن حممد بن عرعرة بن الربند‪ ،15‬أربعتهم‪ -‬حممد بن جعفر غندر‪ ،‬وأبو داود الطيالسي‪ ،‬وعثمان بن عمرو بن فارس‪،‬‬
‫وحممد بن عرعرة‪ -‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس‪ ،‬عن معاذ‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" :‬من مات وهو يشهد أن ال‬

‫‪ - 1‬اجلامع الصحيح(كتاب العلم‪ ،‬باب‪ :‬من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن ال يفهموا‪ ،‬ص ‪ ،82‬رقم ‪.)228‬‬
‫‪ - 2‬جامع بيان العلم وفضله(‪ 362/2‬رقم ‪ 722‬ت الزهيي)‪.‬‬
‫‪ - 3‬املسند الصحيح املختصر(كتاب اإلميان‪ ،‬باب من لقي اهلل باإلميان وهو غي شاك فيه دخل اجلنة وحرم على النار‪ ،‬ص ‪ ،88‬رقم ‪.)32‬‬
‫‪ - 4‬اإلميان(رقم ‪.)33‬‬
‫‪ - 5‬شعب اإلميان(‪ 273/2‬رقم ‪.)225‬‬
‫‪ - 6‬موضح أوهام اجلمع والتفريق(‪ 336/2‬رقم ‪.)36‬‬
‫‪ - 7‬البعث والنشور(ص ‪ 73‬رقم ‪.)38‬‬
‫‪ - 8‬املسند(‪ 323/36‬رقم ‪ ،)22223‬ومن طريقه أخرجه الطرباين يف الكبي(‪.)37/22‬‬
‫‪ - 9‬السنن الكربى(‪ 326/3‬رقم ‪.)22327‬‬
‫‪ - 10‬التوحيد(‪.)787/2‬‬
‫‪ - 11‬اإلميان(رقم ‪.)35‬‬
‫‪ - 12‬املسند(‪ )22/6‬إال أنه جعله من مسند أنس‪ ‬خالفا جلميع من رواه عن شعبة‪ ،‬فقال‪ :‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس‪ ،‬أن النب‪ ‬قال ملعاذ‪ ،...‬فذكره‪.‬‬
‫‪ - 13‬اإلميان(رقم ‪.)33‬‬
‫‪ - 14‬اإلميان(رقم ‪.)33‬‬
‫‪ - 15‬شعب اإلميان(‪.)36/2‬‬

‫‪21‬‬
‫إله إال اهلل‪ ،‬وأن حممدا رسول اهلل صادقا من قلبه‪ ،‬دخل اجلنة" قال شعبة‪" :‬مل أسأل قتادة‪ :‬أنه مسعه عن أنس"‪ .‬هذا‬
‫لفظ أمحد‪ ،‬ولفظ النسائي‪" :‬موقنا من قلبه"‪ ،‬وعند ابن منده‪" :‬خملصا من قلبه"‪.‬‬
‫وروى هذا الحديث كذلك طلحة بن نافع أبو سفيان القرشي الواسطي‪ 1‬عن أنس بن مالك‪ ،‬فقد أخرج أمحد‬
‫‪7‬‬
‫عن وكيع‪ ،2‬وأمحد‪ 3‬وابن أيب عاصم‪ 4‬والطرباين‪ 5‬عن أيب معاوية حممد بن خازم الضرير‪ ،‬وابن أيب عاصم‪ 6‬والشاشي‬
‫والطرباين‪ 8‬وابن منده‪ 9‬عن عبد اهلل بن ّني‪ ،‬والطرباين‪ 10‬عن عبيدة بن محيد وفضيل بن عياض وجرير بن عبد احلميد‬
‫الضب‪ ،‬وابن منده عن إبراهيم بن عبد اهلل بن احلارث اجلمحي‪ ،11‬سبعتهم‪-‬وكيع وأبو معاوية الضرير وعبد اهلل بن ّني‬
‫وعبيدة بن محيد وفضيل بن عياض وجرير بن عبد احلميد الضب وإبراهيم بن عبد اهلل بن احلارث اجلمحي‪-‬حدثنا‬
‫األعمش‪ ،‬عن أيب سفيان‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬أتينا معاذ بن جبل‪ ،‬فقلنا‪ :‬حدثنا من غرائب حديث رسول‬
‫اهلل‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬كنت ردفه على محار قال‪ :‬فقال‪" :‬يا معاذ بن جبل " قلت‪ :‬لبيك يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪" :‬هل تدري ما‬
‫حق اهلل على العباد؟" قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪" :‬إن حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا" قال‪ :‬ث‬‫ُّ‬
‫حق العباد على اهلل إذا هم فعلوا ذلك؟" قال‪ :‬قلت‪ :‬اهلل‬ ‫قال‪" :‬يا معاذ" قلت‪ :‬لبيك يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪" :‬هل تدري ما ُّ‬
‫ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪" :‬أن ال يعذهبم"‪ .‬هذا لفظ وكيع عن األعمش‪ ،‬وحنوه لفظ أيب معاوية الضرير إال أنه قال‪" :‬ردف"‪،‬‬
‫وقال‪" :‬أتينا معاذا"‪ ،‬وهو لفظ عبد اهلل بن ّني عند الشاشي والطرباين‪ ،‬وفيه‪" :‬أتينا معاذ بن جبل"‪ ،‬وأما عند ابن أيب‬
‫عاصم فقال‪" :‬أتانا معاذ بن جبل‪ ‬فقلنا‪ :‬حدثنا من غرائب حديث رسول اهلل‪ ،"‬فذكره‪ ،‬فجعل معاذا هو اآليت‪،‬‬
‫ومل يذكر هذه اللفظة‪" :‬أتانا معاذ" غي حممد بن عبد اهلل بن ّني عن أبيه‪ ،‬وقال كذلك‪" :‬رديف"‪ ،‬ومثل لفظ اجلماعة‬
‫لفظ فضيل بن عياض إال أنه قال يف حديثه‪" :‬أردفين رسول اهلل‪ ‬خلفه"‪ ،‬وأما لفظ جرير فأحال فيه الطرباين على لفظ‬
‫فضيل بن عياض‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا إسناد صحيح‪ ،‬لكن األعمش رغم إمامته مدلس‪ ،‬ورواه بالعنعنة يف مجيع املصادر املتقدم ذكرها آنفا‪ ،‬وقد‬

‫‪ - 1‬هو طلحة بن نافع القرشي‪ ،‬موالهم‪ ،‬أبو سفيان الواسطي‪ ،‬ويقال‪ :‬املكي‪ ،‬اإلسكاف‪ ،‬روى عن أنس بن مالك وجابر بن عبد اهلل وأيب أيوب‬
‫األنصاري وابن عباس وابن عمر وابن الزبي وسعيد بن جبي واحلسن البصري وغيهم‪ ،‬روى عنه‪ :‬جعفر بن أيب وحشية وحصني بن عبد الرمحن‬
‫واألعمش وشعبة وحممد بن إسحاق وغيهم‪ ،‬وهو صدوق ال بأس به‪ ،‬وينظر ترمجته‪ :‬هتذيب الكمال(‪.)332-338/23‬‬
‫‪ - 2‬املسند(‪ 323/36‬رقم ‪.)22333‬‬
‫‪ - 3‬املسند(‪ 382/36‬رقم ‪.)22258‬‬
‫‪ - 4‬اآلحاد واملثاين(‪ 322/3‬رقم ‪.)2832‬‬
‫‪ - 5‬املعجم الكبي(‪.)52/22‬‬
‫‪ - 6‬اآلحاد واملثاين(‪ 322/3‬رقم ‪.)2832‬‬
‫‪ - 7‬املسند(‪ 228/3‬رقم ‪.)2328‬‬
‫‪ - 8‬املعجم الكبي(‪.)52/22‬‬
‫‪ - 9‬اإلميان(رقم‪.)225 :‬‬
‫‪ - 10‬املعجم الكبي(‪.)33/22‬‬
‫‪ - 11‬اإلميان( رقم ‪.)225‬‬

‫‪22‬‬
‫أخرج اجلماعة لألعمش عن أيب سفيان‪ ،‬لكن مل خيرج البخاري ومسلم هذا احلديث عنه‪ ،‬وأظنُّهما حتاشاه عمدا‪ ،‬وأبو‬
‫سفيان ليس يف الدرجة العليا من الوثاقة بل هو صدوق ال بأس به‪ ،‬وأخرج له البخاري مقرونا‪.‬‬
‫هكذا روى هذا احلديث أصحاب األعمش املتقدم ذكرهم وبعضهم من أجل أصحابه كأيب معاوية الضرير؛ كلهم‬
‫رووه عن األعمش عن أيب سفيان عن أنس‪.‬‬
‫ورواه هذا الحديث يعلى بن عبيد عن األعمش واختلف عليه اختالفا يسيرا‪ ،‬فرواه عباس بن حممد الدوري‪،1‬‬
‫وزياد بن أيوب‪ ،2‬وأبو عبيدة السري بن يي‪ ،3‬وحممد بن عبد الوهاب بن حبيب النيسابوري‪ ،4‬عنه‪-‬يعين يعلى بن‬
‫عبيد‪ ،-‬عن األعمش‪ ،‬عن أيب سفيان‪ ،‬عن أنس‪ ،‬قال‪ :‬أتينا معاذ بن جبل‪ ،‬فقلنا‪ :‬حدثنا من غرائب حديث رسول‬
‫اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬كنت ردف رسول اهلل‪ ‬على محار فقال‪« :‬يا معاذ»‪ ،‬فذكر احلديث مثل رواية أصحاب األعمش متاما‪،‬‬
‫وخالفهم عيسى بن أمحد العسقالين فرواه‪ 5‬عنه‪-‬يعين عن يعلى بن عبيد‪ -‬عن األعمش‪ ،‬عن أيب سفيان‪ ،‬عن جابر بن‬
‫عبد اهلل رضي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪ :‬أتينا معاذ بن جبل فقلنا‪ :‬حدثنا من غرائب حديث رسول اهلل‪ ‬فقال‪ :‬كنت ردف‬
‫رسول اهلل‪ ‬على محار فقال‪« :‬يا معاذ»‪ ،"...‬فذكره‪ ،‬وهذه الرواية شاذة عن يعلى بن عبيد عن األعمش ملخالفة عيسى‬
‫بن أمحد العسقالين ألصحاب يعلى بن عبيد‪ ،‬وملخالفة هذه الرواية لكل من رواه عن األعمش‪ ،‬وعيسى بن أمحد‬
‫العسقالين وإن كان ثقة ال بأس به‪ ،6‬فالظاهر جداا أنه سلك اجلادة يف هذا احلديث‪ ،‬فإن أبا سفيان مشهور الرواية عن‬
‫جابر بن عبد اهلل وروى عنه صحيفة‪ ،‬واألعمش كثي الرواية عن أيب سفيان‪ ،‬وسلسلة األعمش عن أيب سفيان عن جابر‬
‫جادة مشهورة مسلوكة فات بعها عيسى بن أمحد لسهولتها وجرياهنا على األلسنة ف وهم‪ ،‬واحلديث هو عن األعمش عن‬
‫أيب سفيان عن أنس‪ ‬كما رواه أصحاب األعمش‪ ،‬وأصحاب يعلى بن عبيد غي عيسى بن أمحد العسقالين‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وروى هذا الحديث كذلك سليمان التيمي عن أنس بن مالك‪ ،‬لكن جعله من مسند أنس‪ ‬ووافق رواية‬

‫‪ - 1‬أخرج روايته‪ :‬أبو جعفر ابن البختي كما يف لجموع فيه مصنفات ابن البختي(ص ‪ 332‬رقم ‪.)683‬‬
‫‪ - 2‬أخرج روايته‪ :‬البزار يف مسنده(‪.)28/7‬‬
‫‪ - 3‬أخرج روايته‪ :‬الشاشي يف مسنده(‪ 228/3‬رقم ‪.)2323‬‬
‫‪ - 4‬أخرج روايته‪ :‬ابن منده يف اإلميان( رقم ‪.)225‬‬
‫‪ - 5‬أخرج روايته‪ :‬الشاشي يف مسنده(‪ 232/3‬رقم ‪ ،)2332‬ووقع يف املطبوع من "مسند الشاشي" تصحيف قبيح جداا غي اإلسناد‪ ،‬فإن فيه أن‬
‫الشاشي يروي هذا احلديث هكذا‪ :‬حدثنا عيسى بن أمحد بن يعلى‪ ،‬نا األعمش‪ ،‬عن أيب سفيان‪ ،‬عن جابر بن عبد اهلل‪ ،...‬احلديث‪ ،‬وليس‬
‫يف شيوخ الشاشي من امسه عيسى بن أمحد بن يعلى‪ ،‬ولكنه عيسى بن أمحد العسقالين وقد أكثر عنه الشاشي جداا وهو مل يدرك األعمش‪،‬‬
‫وعليه فإن قوله‪" :‬بن يعلى" مصحفة من "نا يعلى" وهو يعلى بن عبيد‪ ،‬وقد روى الشاشي عددا من األحاديث هكذا‪ :‬حدثنا عيسى بن أمحد‪،‬‬
‫نا يعلى بن عبيد‪ ،‬وأحيانا‪ :‬يرويها عن عيسى بن أمحد‪ ،‬نا يعلى‪ ،‬بل لقد أكثر الشاشي من إسناد عيسى بن أمحد‪ ،‬نا يعلى بن عبيد‪ ،‬نا األعمش‪،‬‬
‫وقد أحصيت األحاديث اليت أخرجها الشاشي هبذا اإلسناد فوجدهتا مخسة عشر رواية‪ ،‬وهذا يعين أن "نا" اليت هي اختصار ألخربنا‪ ،‬صحفها‬
‫الناسخ أو الطابع إىل "بن" فوقع اخللل‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ - 6‬ينظر ترمجته‪ :‬هتذيب الكمال(‪.)587-583/22‬‬

‫‪23‬‬
‫شعبة عن قتادة عن أنس يف لفظه‪ ،‬فقد أخرج البخاري عن مسدد‪ ،1‬وأمحد عن حممد بن الفضل السدوسي عارم‪ ،2‬وابن‬
‫خزمية عن حممد بن عبد األعلى وأيب األشعث‪ ،3‬واخلطيب عن حممد بن خالد‪ ،4‬مخستهم‪-‬مسدد وحممد بن الفضل‬
‫السدوسي وحممد بن عبد األعلى وأبو األشعث وحممد بن خالد‪-‬عن معتمر بن سليمان‪ ،‬وأخرج النسائي‪ 5‬ومن طريقه‬
‫ابن منده‪ ،6‬وابن خزمية‪ 7‬عن يزيد بن زريع‪ ،‬وأخرج ابن خزمية عن بشر بن املفضل‪ ،8‬وأخرج الطرباين عن معاذ بن عوذ‬
‫اهلل‪ ،9‬أربعتهم‪-‬معتمر بن سليمان ويزيد بن زريع وبشر بن املفضل ومعاذ بن عوذ اهلل‪-‬حدثنا سليمان التيمي قال مسعت‬
‫أنس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬ذكر يل أن النب‪ ‬قال ملعاذ بن جبل‪« :‬من لقي اهلل ال يشرك به شيئا دخل اجلنة»‪ ،‬قال‪ :‬أال‬
‫أبشر الناس؟ قال‪« :‬ال إين أخاف أن يتكلوا»‪ .‬هذا لفظ البخاري عن معتمر بن سليمان عن أبيه وقريب منه لفظ ابن‬
‫خزمية‪ ،‬ولفظ أمحد عنه أن النب‪ ‬قال ملعاذ‪" :‬من لقي اهلل ال يشرك به‪ ،‬دخل اجلنة " قال يا نب اهلل‪ :‬أفال أبشر الناس؟‬
‫قال‪" :‬ال‪ ،‬إين أخاف أن يتكلوا عليها" أو كما قال‪ ،‬ولفظ النسائي عن يزيد بن زريع عن معتمر مثل لفظ ابنه عنه عند‬
‫البخاري إال أن فيه‪" :‬ال يتكلون"‪ ،‬ولفظ الطرباين عن معاذ بن عوذ اهلل القرشي‪ ،‬ثنا سليمان التيمي‪ ،‬عن أنس بن مالك‬
‫قال‪ :‬خرج رسول اهلل‪ ‬ومعاذ بن جبل بالباب‪ ،‬فلما رآه قال‪« :‬يا معاذ» قال‪ :‬لبيك يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪« :‬من مات ال‬
‫يشرك باهلل شيئا دخل اجلنة» فقال معاذ‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أال أخرب الناس؟ قال‪« :‬دعهم فليتنافسوا يف األعمال‪ ،‬فإين‬
‫أخاف أن يتكلوا عليها»‪ ،‬وهذا اللفظ خيالف يف سياقه قليال األلفاظ املتقدمة‪ ،‬ومعاذ بن عوذ اهلل القرشي البصري قال‬
‫فيه الدارقطين‪ " :‬حدث عن سليمان الت يم مي وغيه‪ ،‬حدث عنه البصريون‪ ،‬آخر من حدث عنه أبو مسلم الكشي"‪،10‬‬
‫وقال الذهب‪" :‬معاذ بن عوذ اهلل البصري‪ ،‬عن سليمان التيمي وعوف األعرايب وغي واحد‪ ،‬وعنه أبو مسلم الكجي وأبو‬
‫رفاعة عبد اهلل بن حممد بن حبيب ومجاعة‪ ،‬وما علمت فيه جرحا"‪ ،11‬وقال قبله ابن حبان‪" :‬مستقيم احلديث"‪ ،12‬فقد‬
‫يكون مل يضبط اللفظ جيدا‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫وروى هذا الحديث عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن سليمان التيمي لكن اختلف عليه‪ ،‬فرواه اإلمام أمحد‬

‫‪ - 1‬اجلامع الصحيح(كتاب العلم‪ ،‬باب‪ :‬من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن ال يفهموا‪ ،‬ص ‪ ،82‬رقم ‪.)223‬‬
‫‪ - 2‬املسند(‪ 55/22‬رقم ‪.)22626‬‬
‫‪ - 3‬التوحيد(‪.)788/2‬‬
‫‪ - 4‬شرف أصحاب احلديث(ص ‪.)3‬‬
‫‪ - 5‬السنن الكربى(‪ 326/3‬رقم ‪ ،)22328‬وعمل اليوم والليلة(رقم ‪.)2235‬‬
‫‪ - 6‬اإلميان(رقم ‪.)222‬‬
‫‪ - 7‬التوحيد(‪.)788/2‬‬
‫‪ - 8‬التوحيد(‪.)788/2‬‬
‫‪ - 9‬املعجم الكبي(‪.)36/22‬‬
‫‪ - 10‬املؤتلف واملختلف(‪.)2627/3‬‬
‫‪ - 11‬تاريخ اإلسالم(‪.)353/5‬‬
‫‪ - 12‬الثقات(‪.)278/3‬‬
‫‪ - 13‬املسند(‪ 283/22‬رقم ‪.)23562‬‬

‫‪24‬‬
‫عنه عن سليمان التيمي عن أنس أن النب‪ ‬قال ملعاذ بن جبل‪« :‬من لقي اهلل ال يشرك به شيئا دخل اجلنة»‪ ،‬وخالفه‬
‫يي بن جعفر بن الزبرقان فرواه‪ 1‬عنه عن سليمان التيمي عن األسود بن هالل‪ ،‬قال‪ :‬بلغين أن النب‪ ،‬قال‪« :‬من لقي‬
‫اهلل ال يشرك به شيئا دخل اجلنة» مرسال‪ ،‬ويي بن جعفر بن الزبرقان ويقال له كذلك‪ :‬يي بن أيب طالب وإن طعن‬
‫فيه بعضهم فهو ال بأس به‪ ،‬لكن أين يقع حفظه مع اإلمام أمحد‪ ،‬فمع خمالفته أمحد وخمالفة هذه الرواية لكل ما تقدم‬
‫من الروايات عن سليمان التيمي تكون رواية شاذة‪ ،‬وقد يكون التخليط يف هذه الرواية من عبد الوهاب بن عطاء اخلفاف‬
‫نفسه فإن يف حفظه شيئا‪.2‬‬
‫وروى هذا الحديث كذلك أبو شهاب عبد ربه بن نافع عن سليمان التيمي وخالف كل أصحاب التيمي فيه‪،‬‬
‫فجعله عن أنس عن معاذ‪ ،‬فقد أخرج الطرباين‪ 3‬وابن منده‪ 4‬عن علي بن عبد العزيز‪ ،‬ثنا معلى بن مهدي املوصلي‪ ،‬ثنا‬
‫أبو شهاب‪ ،‬عن سليمان التيمي‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪« :‬من مات ال يشرك‬
‫باهلل شيئا دخل اجلنة»‪ ،‬فقال معاذ‪ :‬يا رسول اهلل أفال أبشر الناس؟ قال‪« :‬أخاف أن يتكلوا»‪ ،‬وهذا اإلسناد فيه معلي‬
‫موصلي‪ ،‬أدركته ومل أمسع منه‪ ،‬يدث أحيانا باحلديث املنكر"‪ ،5‬فلعل‬
‫ٌّ‬ ‫بن مهدي املوصلي قال فيه أبو حات الرازي‪" :‬شيخ‬
‫ذكر معاذ فيه من مناكيه‪ ،‬وقد يكون عبد ربه بن نافع نفسه وهم فيه‪ ،‬فقد تكلموا يف حفظه‪ ،‬ولذلك قال فيه ابن حجر‪:‬‬
‫"صدوق يهم"‪.6‬‬
‫وأخرج الطرباين‪ :7‬حدثنا بكر بن مقبل البصري‪ ،‬ثنا إمساعيل بن إبراهيم صاحب اهلروي قال‪ :‬مسعت أيب‪ ،‬ثنا شعبة‪،‬‬
‫عن سليمان التيمي‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬مسعته يقول‪ :‬إن معاذا كان رديف رسول اهلل‪ ،‬فقال له‪« :‬بشر الناس‬
‫أنه من مات ال يشرك باهلل دخل اجلنة»‪ ،‬ففي هذا اإلسناد أن شعبة روى هذا احلديث عن سليمان التيمي عن أنس بن‬
‫مالك‪ ،‬وقد تقدم أن أصحاب شعبة؛ حممد بن جعفر غندر وأبو داود الطيالسي وعثمان بن عمرو بن فارس وحممد بن‬
‫عرعرة رووا هذا احلديث عن شعبة عن قتادة‪ ،‬عن أنس‪ ،‬عن معاذ‪.‬‬
‫وإبراهيم الراوي عن شعبه هو إبراهيم بن عبد اهلل أبو سهل من أهل البصرة‪ ،‬ذكره ابن حبان يف "الثقات"‪ ،8‬وابنه‬
‫هو‪ :‬إمساعيل بن إبراهيم أبو بشر صاحب اهلروي من أهل البصرة‪ ،‬ذكره ابن حبان يف "الثقات"‪ 9‬وقال‪" :‬يغرب"‪ ،‬فلعل‬
‫هذا من غرائبه‪.‬‬

‫‪ - 1‬أخرج روايته‪ :‬ابن منده يف اإلميان(رقم ‪.)223‬‬


‫‪ - 2‬قال فيه احلافظ يف التقريب(ص ‪ " :)368‬صدوق رمبا أخطأ"‪.‬‬
‫‪ - 3‬املعجم الكبي(‪.)37/22‬‬
‫‪ - 4‬اإلميان(رقم ‪.)33‬‬
‫‪ - 5‬اجلرح والتعديل(‪.)335/8‬‬
‫‪ - 6‬تقريب التهذيب(ص ‪.)335‬‬
‫‪ - 7‬املعجم الكبي(‪ ،)37/22‬ومن طريقه أبو نعيم يف احللية(‪.)273/7‬‬
‫‪.)65/8( - 8‬‬
‫‪.)222/8( - 9‬‬

‫‪25‬‬
‫وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم صاحب الهروي عن أبيه إبراهيم بن عبد اهلل أبي سهل عن شعبة‬
‫ٍ‬
‫بوجه آخر‪ ،‬فقد أخرج الطرباين‪ :1‬حدثنا بكر بن مقبل‪ ،‬ثنا إمساعيل بن إبراهيم قال‪ :‬مسعت أيب‪ ،‬ثنا شعبة‪ ،‬عن عتاب‬
‫موىل هرمز‪-‬رجل من أهل واسط‪-‬عن أنس بن مالك‪ ‬قال‪ :‬بايعت رسول اهلل‪ ‬بيدي هذه على السمع والطاعة فيما‬
‫استطعت‪ ،‬ومسعته يدث أن معاذ بن جبل كان رديف النب‪ ،‬فقال له رسول اهلل‪« :‬بمشر الناس أنه من مات وهو‬
‫ال يشرك باهلل شيئا دخل اجلنة»‪ ،‬فقال معاذ‪ :‬يا رسول اهلل أفال أبشر به الناس؟ قال‪« :‬إين أخشى أن يتكلوا عليها»‪.‬‬
‫وهذا اإلسناد إىل شعبة هو نفس اإلسناد الذي قبله‪ ،‬وعتاب موىل هرمز وقال البخاري‪" :2‬عتاب بن هرمز"‪ ،‬بصري‬
‫مسع من أنس بن مالك‪ ‬ومسع منه شعبه‪ ،‬قال فيه ابن معني‪" :‬ثقة"‪ ،3‬وقال أبو حات‪" :‬شيخ"‪ ،4‬وذكره ابن حبان يف‬
‫"الثقات"‪ ،5‬وقال ابن حجر‪" :‬صدوق"‪ ،6‬والظاهر أنه ثقة ألنه من التابعني‪ ،‬والرجل إذا كان من التابعني ومل يرو ما‬
‫يستنكر فإنه ي وثق‪ ،‬كيف وقد وثقه ابن معني كما تقدم‪ ،‬فالظاهر أن الرجل ثقة‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫وهذا احلديث قد خالف فيه إبراهيم بن عبد اهلل أبو سهل البصري أصحاب شعبة‪ ،‬فقد رواه حممد بن جعفر غندر‬
‫ووكيع‪ 8‬وأبو داود الطيالسي‪ 9‬ويزيد بن هارون‪ 10‬وعبد الرمحن بن مهدي‪ 11‬وسعيد بن عامر‪ 12‬عن شعبة قال‪ :‬مسعت‬
‫عتابا موىل ابن هرمز قال‪ :‬مسعت أنس بن مالك‪ ‬يقول‪" :‬بايعت رسول اهلل‪ ‬بيدي هذه ‪-‬يعين اليمىن‪ -‬على السمع‬
‫والطاعة‪ ،‬فيما استطعت"‪ ،‬هذا لفظ حممد بن جعفر‪ ،‬ومثله لفظ يزيد بن هارون إال أنه قال‪" :‬وأشار بيمينه"‪ ،‬وهو لفظ‬
‫ابن مهدي وأيب داود الطيالسي وسعيد بن عامر إال أهنم مل يذكروا‪" :‬بيدي هذه"‪ ،‬ولفظ وكيع‪" :‬بايعنا رسول اهلل‪ ‬على‬
‫كل أصحاب شعبة على هذا القدر‪ ،‬وزاد إمساعيل بن إبراهيم صاحب‬ ‫السمع والطاعة فقال‪« :‬فيما استطعتم»‪ ،‬فاقتصر ُّ‬
‫اهلروي عن أبيه إبراهيم بن عبد اهلل أيب سهل قوله‪" :‬ومسعته يدث أن معاذ بن جبل كان رديف النب‪ ،‬فقال له رسول‬
‫اهلل‪« :‬بمشر الناس أنه من مات وهو ال يشرك باهلل شيئا دخل اجلنة»‪ ،‬فقال معاذ‪ :‬يا رسول اهلل أفال أبشر به الناس؟‬
‫قال‪« :‬إين أخشى أن يتكلوا عليها»‪ ،‬فتعترب هذه الزيادة شاذة يف حديث شعبة عن عتاب‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ي هذا الحديث عن شعبة من ثالثة طرق أخرى‪:‬‬
‫َورو َ‬

‫‪ - 1‬املعجم الكبي(‪.)37/22‬‬
‫‪ - 2‬التاريخ الكبي(‪.)55/7‬‬
‫‪ - 3‬اجلرح والتعديل(‪.)22/7‬‬
‫‪ - 4‬اجلرح والتعديل(‪.)22/7‬‬
‫‪.)373/5( - 5‬‬
‫‪ - 6‬تقريب التهذيب(ص ‪.)382‬‬
‫‪ - 7‬أخرج روايته‪ :‬أمحد يف املسند(‪ 266/22‬رقم ‪.)22763‬‬
‫‪ - 8‬أخرج روايته‪ :‬أمحد يف املسند(‪ 236/23‬رقم ‪ ،)22223‬وأبو يعلى يف املسند(‪ 235/7‬رقم ‪ ،)3327‬وابن ماجه يف السنن(رقم‪.)2868 :‬‬
‫‪ - 9‬املسند للطيالسي(‪.)557/3‬‬
‫‪ - 10‬أخرج روايته‪ :‬أمحد يف املسند(‪ 382/22‬رقم ‪.)23226‬‬
‫‪ - 11‬أخرج روايته‪ :‬أمحد يف املسند(‪ 262/22‬رقم ‪.)22322‬‬
‫‪ - 12‬أخرج روايته‪ :‬أبو عوانة يف املستخرج(‪ 338/3‬رقم ‪.)6328‬‬

‫‪26‬‬
‫فقد أخرج أمحد‪ 1‬والنسائي‪ 2‬وابن خزمية‪ 3‬وأبو يعلى‪ 4‬عن حممد بن جعفر غندر‪ ،‬والنسائي عن إسحاق بن راهوية‬
‫عن النضر بن مشيل‪ ،5‬كالمها‪-‬حممد بن جعفر والنضر بن مشيل‪-‬حدثنا شعبة قال‪ :‬مسعت أبا محزة جارنا‪ ،‬يدث عن‬
‫أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول اهلل‪ ‬ملعاذ بن جبل‪" :‬اعلم أنه من مات يشهد أن ال إله إال اهلل دخل اجلنة "‪ ،‬وأبو‬
‫محزة هذا جار شعبة هو البصري‪ ،‬قال فيه ابن حجر‪" :‬مقبول"‪.6‬‬
‫وأخرج ابن خزمية‪ 7‬وأبو نعيم‪ 8‬عن حممد بن بشار‪ ،‬ثنا ابن أيب عدي‪ ،‬ثنا شعبة‪ ،‬عن صدقة‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬عن‬
‫معاذ بن جبل‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪« :‬من مات يشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬دخل اجلنة»‪ ،‬هذا لفظ ابن خزمية عن بندار‪،‬‬
‫ولفظ أيب نعيم‪ :‬عن أنس بن مالك‪ ،‬أن النب‪ ‬قال ملعاذ بن جبل‪« :‬من قال ال إله إال اهلل دخل اجلنة»‪ ،‬وصدقة‬
‫هذا وقع هكذا غي منسوب‪ ،‬وقال ابن خزمية عقب روايته هلذا احلديث‪" :‬صدقة هذا رجل من آل أيب األحوص‪ ،‬كذا‬
‫كان يف الكتاب علمي"‪ ،‬وقال أبو نعيم وهو يتكلم على روايات شعبة هلذا احلديث‪" :‬ومنها روايته عن صدقة بن بشار‬
‫املكي"‪ ،‬ث روى هذا احلديث من طريق صدقة هذا‪ ،‬وذكر بعضهم أنه صدقة بن يسار املكي‪ ،‬قال ابن حجر يف ترمجة‬
‫صدقة بن يسار‪" :‬صدقة بن يسار كويف نزل مكة ذكره العقيلي ونسبه إىل الغلو يف التشيع‪ ،...‬وقال النبايت‪ :‬ال أعرف‬
‫له ذكرا إال يف هذه القصة وفيما جاء عن أمحد بن صاحل قال‪ :‬صدقة بن بشار الذي يروي عنه حممد بن إسحاق ليس‬
‫هو صدقة بن يسار الذي يروي عنه مالك وغيه"‪ ،9‬فإن كان صدقة بن يسار املكي فهو ثقة‪ ،10‬وإن كان صدقة بن‬
‫بشار إن مل يكن تصحيفا من ابن يسار فلم أجد له ترمجة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وأخرج أبو نعيم‪ :11‬حدثنا سليمان بن أمحد بن صدقة‪ ،‬ثنا بشر بن آدم‪ ،‬ثنا عبد اهلل بن عبد الواحد احلنفي‪ ،‬ثنا‬
‫أيب‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬ثنا عياش الكليب‪ ،‬أنه مسع أنس بن مالك‪ ،‬يقول‪ :‬قال رسول اهلل‪« :‬من مات وهو يشهد أن ال‬
‫إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل دخل اجلنة»‪.‬‬
‫وعياش الكليب‪ ،‬وقيل الكلب‪ ،‬ترجم له البخاري وابن أيب حات يف كتابيهما ومل يذكرا فيه جرحا وال تعديال‪ ،12‬وذكره‬

‫‪ - 1‬املسند(‪ 332-333/23‬رقم ‪ ،)22332‬ومن طريقه أخرجه أبو نعيم يف احللية(‪.)273/7‬‬


‫‪ - 2‬السنن الكربى(‪ 325/3‬رقم ‪.)22325‬‬
‫‪ - 3‬التوحيد(‪.)783/2‬‬
‫‪ - 4‬املسند(‪ 223/7‬رقم ‪.)3222‬‬
‫‪ - 5‬السنن الكربى(‪ 326/3‬رقم ‪ ،)22326‬وعمل اليوم والليلة(رقم ‪.)2232‬‬
‫‪ - 6‬تقريب التهذيب(ص ‪.)335‬‬
‫‪ - 7‬التوحيد(‪.)732/2‬‬
‫‪ - 8‬حلية األولياء(‪.)273/7‬‬
‫‪ - 9‬لسان امليزان(‪.)288/3‬‬
‫‪ - 10‬هتذيب الكمال(‪.)257-255/23‬‬
‫‪ - 11‬حلية األولياء(‪.)273/7‬‬
‫‪ - 12‬التاريخ الكبي(‪ ،)37/7‬واجلرح والتعديل(‪.)5/7‬‬

‫‪27‬‬
‫ابن حبان يف "الثقات" وقال‪ " :‬وقد روى عن أنس ومل يسمع منه"‪ ،1‬ويف هذه الرواية وهي الوحيدة تصريه بالسماع من‬
‫أنس‪ ،‬فاهلل أعلم بصحة ذلك‪.‬‬
‫وأما طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس‪ ،‬فأخرجه ابن أيب عاصم‪ 2‬والطرباين‪ 3‬عن حممد بن عبيد بن حساب‪،‬‬
‫وابن خزمية‪ 4‬عن أمحد بن عبدة‪ ،‬والطرباين‪ 5‬من طريق داود بن عمرو الضب‪ ،‬وابن منده‪ 6‬من طريق عارم بن الفضل‪،‬‬
‫أربعتهم‪-‬حممد بن عبيد بن حساب وأمحد بن عبدة وداود بن عمرو الضب وعارم بن الفضل‪-‬قالوا‪ :‬أخربنا محاد بن زيد‪،‬‬
‫عن عبد العزيز بن صهيب‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ،‬قال‪ :‬قال يل رسول اهلل‪" :‬يا معاذ‪ :‬قلت‬
‫لبيك يا رسول اهلل وسعديك‪ ،‬قال‪ :‬بشر الناس أو قال‪ :‬أنذر الناس من قال ال إله إال اهلل دخل اجلنة"‪ .‬هذا لفظ أمحد‬
‫بن عبدة عند ابن خزمية ومثله بقية األلفاظ إال أن فيها فقط‪" :‬لبيك"‪ ،‬وليس فيها‪" :‬وسعديك" إال أن ابن أيب عاصم مل‬
‫يذكر اللفظ وإّنا أحال إىل لفظ هدبة بن خالد املتقدم‪.‬‬
‫هكذا روى هذا احلديث هؤالء األربعة حممد بن عبيد بن حساب وأمحد بن عبدة وداود بن عمرو الضب وعارم بن‬
‫الفضل عن محاد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ‬فجعلوه من مسند‬
‫معاذ‪ ،‬وخالفهم أربعة آخرون وهم‪ :‬عبيد اهلل بن عمر القواريري وسليمان بن حرب‪ 7‬وأبو الربيع الزهراين‪ 8‬وإسحاق‬
‫بن أيب إسرائيل‪ 9‬فرووه عن محاد بن زيد‪ ،‬ثنا عبد العزيز بن صهيب‪ ،‬عن أنس‪ ،‬أن رسول اهلل‪ ،‬قال‪« :‬يا معاذ بن‬
‫جبل‪ ،‬يا معاذ بن جبل‪ ،‬يا معاذ بن جبل‪ ،‬بشر الناس أنه من قال ال إله إال اهلل دخل اجلنة»‪ ،‬ومل يكرر لفظ‪" :‬يا معاذ"‪،‬‬
‫فجعلوه من مسند أنس‪.‬‬
‫وتابع محاد بن سلمة محاد بن زيد يف رواية هذا احلديث وجعله من مسند معاذ‪ ،‬فقد أخرج ابن منده‪ :10‬أنبأ‬
‫حممد بن سعد‪ ،‬ثنا حممد بن يي‪ ،‬ثنا أبو سلمة‪ ،‬أنبأ محاد بن سلمة‪ ،‬عن عبد العزيز‪ ،‬عن أنس‪ ،‬عن معاذ‪ ،‬أن النب‪‬‬
‫قال‪« :‬من مات ال يشرك باهلل شيئا دخل اجلنة»‪.‬‬
‫ليم الضبي عن أنس‪ ،‬فأخرجه أبو يعلى‪ :11‬حدثنا موسى بن حممد بن حيان‪ ،‬حدثنا‬ ‫وأما طريق سعيد بن س ٍ‬

‫‪ - 1‬الثقات(‪.)233/7‬‬
‫‪ - 2‬اآلحاد واملثاين(‪ 322/3‬رقم ‪.)2832‬‬
‫‪ - 3‬املعجم الكبي(‪.)33/22‬‬
‫‪ - 4‬التوحيد(‪.)738/2‬‬
‫‪ - 5‬املعجم الكبي(‪.)33/22‬‬
‫‪ - 6‬اإلميان(رقم ‪.)36‬‬
‫‪ - 7‬أخرج روايتهما‪ :‬ابن منده يف اإلميان( رقم ‪.)36‬‬
‫‪ - 8‬أخرج روايته‪ :‬أبو يعلى يف املسند(‪ 3/7‬رقم ‪.)3833‬‬
‫‪ - 9‬أخرج روايته‪ :‬أبو يعلى يف املسند(‪ 33/7‬رقم ‪.)3332‬‬
‫‪ - 10‬اإلميان( رقم ‪.)38‬‬
‫‪ - 11‬املسند(‪ 236/7‬رقم ‪ ،)3233‬وذكر طرف هذه الرواية البخاري يف التاريخ الكبي يف ترمجة سعيد بن سليم‪ ،‬فقال(‪" :)382/3‬سعيد بن سليم‬
‫ب‪ ‬إذا سافرا أو غزا اردف كل يوم رجال"‪ ،‬وقال حجاج بن منهال‪ :‬حدثنا‬
‫الضب‪ ،‬قال اجلعفي‪ :‬حدثنا العقدي‪ ،‬مسع سعيدا‪ ،‬مسع أنسا‪ :‬كان الن ُّ‬

‫‪28‬‬
‫عبد امللك بن عمرو‪ ،‬حدثنا سعيد بن سليم الضب‪ ،‬قال‪ :‬مسعت أنس بن مالك يقول‪ :‬كان رسول اهلل‪ ‬إذا سافر‪ ،‬أو‬
‫غزا‪ ،‬أردف كل يوم رجال من أصحابه‪ ،‬قال‪ :‬فكان رديف رسول اهلل‪ ‬معاذ بن جبل‪ ،‬فناداه وهو رديفه فقال‪« :‬يا معاذ‬
‫بن جبل»‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪« :‬هل تدري ما حق اهلل على العباد؟ أن يشهدوا أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن حممدا‬
‫عبده ورسوله‪ ،‬وأن يعبدوه ال يشركوا به شيئا»‪ ،‬فكرر هذا احلديث ثالث مرات‪ ،‬ث نادى فقال‪« :‬يا معاذ»‪ ،‬قال‪ :‬لبيك‬
‫حق العباد على اهلل إذا فعلوا ذلك»‪ ،‬قال‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪« :‬فإن حق العباد‬
‫يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪« :‬هل تدري ما ُّ‬
‫على اهلل إذا فعلوا ذلك أن ال يعذهبم‪ ،‬وأن يدخلهم اجلنة»‪ .‬وهذه الرواية مثل رواية شيبان بن عبد الرمحن عن قتادة عن‬
‫أنس بن مالك‪ ‬املتقدمة سندا ومثلها كذلك متنا ما خال قوله‪ " :‬كان رسول اهلل‪ ‬إذا سافر‪ ،‬أو غزا‪ ،‬أردف كل يوم‬
‫رجال من أصحابه"‪ ،‬ومثل رواية هشام الدستوائي متنا ما خال كذلك‪ " :‬كان رسول اهلل‪ ‬إذا سافر‪ ،‬أو غزا‪ ،‬أردف كل‬
‫يوم رجال من أصحابه"‪ ،‬لكن سعيد بن سليم الضب هذا ضعيف‪ ،‬فقد ترجم له البخاري وابن أيب حات يف كتابيهما ومل‬
‫يذكرا فيه جرحا وال تعديال‪ ،1‬وذكره ابن حبان يف "الثقات"‪ ،2‬وقال فيه‪" :‬خيطئ"‪ ،‬وقال الذهب‪" :‬ضعفوه"‪ ،3‬ومع ذلك‬
‫فتشهد له الروايات اليت أشرنا إليها آنفا إال أن قوله‪ " :‬كان رسول اهلل‪ ‬إذا سافر‪ ،‬أو غزا‪ ،‬أردف كل يوم رجال من‬
‫تدل على ضعف هذا العموم‪.‬‬ ‫تدل على العموم مل يتابع عليها فتبقى ضعيفة‪ ،‬وأخبار النب‪ ‬وسيته ُّ‬
‫أصحابه" اليت ُّ‬
‫وأما طرق كالا من عتاب موىل هرمز رجل من أهل واسط وأيب محزة وصدقة عن أنس‪ ،‬فقد تقدم الكالم عليها‬
‫عند رواية شعبة بن احلجاج هلذا احلديث‪.‬‬
‫وهبذا نكون قد أهنينا الكالم على طرق رواية أنس بن مالك‪ ‬وهي أشهر هذه الطُّرق‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫وأما رواية عمرو بن ميمون األودي‪ 4‬عن معاذ‪ ،‬فأخرجها البخاري‪ 5‬ومسلم‪ 6‬وابن أيب عاصم‪ 7‬وابن منده‬

‫سعيد بن سليم أبو عثمان الضب"‪ ،‬والعقدي هو نفسه عبد امللك بن عمرو الذي يف سند أيب يعلى‪.‬‬
‫‪ - 1‬التاريخ الكبي(‪ ،)382/3‬واجلرح والتعديل(‪.)32/3‬‬
‫‪ - 2‬الثقات(‪.)282/3‬‬
‫‪ - 3‬املغين يف الضعفاء(‪.)262/2‬‬
‫‪ - 4‬هو عمرو بن ميمون األودي‪ ،‬أبو عبد اهلل ويقال‪ :‬أبو يي الكويف من أود بن صعب بن سعد العشية من مذحج‪ :‬أدرك اجلاهلية ومل يلق النب‪،‬‬
‫وروى عن عمر وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأيب ذر وأيب مسعود البدري وسعد بن أيب وقاص ومعقل بن يسار وعائشة وأيب هريرة وابن عباس‬
‫وغيهم وعن عبد الرمحن بن أيب ليلى والربيع بن خثيم ومها من أقرانه بل أصغر منه‪ ،‬روى عنه سعيد بن جبي والربيع بن خثيم وأبو إسحاق‬
‫السبيعي وعبد امللك بن عمي وزياد بن عالقة وهالل بن يساف وإبراهيم بن يزيد التيمي وعامر الشعب وعمرو بن مرة وعطاء بن السائب وحممد‬
‫بن سوقة وحصني بن عبد الرمحن وآخرون‪ ،‬وكان ثقة ورعا مرضيا‪ ،‬قال عنه أبو إسحاق السبيعي‪" :‬كان أصحاب النب‪ ‬يرضون بعمرو بن‬
‫ميمون"‪ ،‬وقال أيضا‪" :‬كان عمرو بن ميمون إذا دخل املسجد فرؤي ذكر اهلل‪ ،"‬وقال كذلك‪" :‬حج مئة حجة وعمرة"‪ ،‬وينظر ترمجته‪ :‬اجلرح‬
‫والتعديل(‪ ،)258/6‬وتاريخ دمشق(‪ ،)323-326/36‬هتذيب الكمال(‪.)267-262/22‬‬
‫‪ - 5‬اجلامع الصحيح(كتاب اجلهاد والسي‪ ،‬باب اسم الفرس واحلمار‪ ،‬ص ‪ ،528‬رقم ‪.)2856‬‬
‫‪ - 6‬املسند الصحيح املختصر(كتاب اإلميان‪ ،‬باب من لقي اهلل باإلميان وهو غي شاك فيه دخل اجلنة وحرم على النار‪ ،‬ص ‪ ،87‬رقم ‪.)32‬‬
‫‪ - 7‬اآلحاد واملثاين(‪ 322/3‬رقم ‪.)2833‬‬
‫‪ - 8‬اإلميان(رقم ‪.)228‬‬

‫‪29‬‬
‫والطرباين‪ 1‬وأبو نعيم‪ 2‬واخلطيب‪ 3‬من طرق عن أيب األحوص سالم بن سليم‪ ،‬وأخرجها التمذي‪ 4‬وابن أيب عاصم‪ 5‬وابن‬
‫منده‪ 6‬عن سفيان الثوري‪ ،‬وأخرجها أمحد‪ 7‬والشاشي‪ 8‬والطرباين‪ 9‬من طرق عن إسرائيل بن يونس بن أيب إسحاق‪،‬‬
‫وأخرجها النسائي عن يي بن آدم عن عمار بن رزيق‪ ،10‬وأخرجها أبو داود الطيالسي‪ 11‬ومن طريقه أبو عوانة‪ 12‬وابن‬
‫منده‪ 13‬عن شعبة وسالم بن سليم‪ ،‬وأخرجها ابن حبان‪ 14‬عن النضر بن مشيل عن شعبة‪ ،‬مخستهم‪-‬أبو األحوص سالم‬
‫بن سليم وشعبة والثوري وإسرائيل بن يونس وعمار بن رزيق‪ -‬عن أيب إسحاق السبيعي‪ ،‬عن عمرو بن ميمون‪ ،‬عن معاذ‬
‫بن جبل‪ ،‬قال‪ :‬كنت ردف النب‪ ‬على محار يقال له‪ :‬عفي‪ ،‬فقال‪« :‬يا معاذ‪ ،‬هل تدري حق اهلل على عباده‪ ،‬وما‬
‫حق العباد على اهلل؟»‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪« :‬فإن حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا‪ ،‬وحق‬
‫ُّ‬
‫العباد على اهلل أن ال يعذب من ال يشرك به شيئا»‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل أفال أبشر به الناس؟ قال‪« :‬ال تبشرهم‪،‬‬
‫فيتكلوا»‪ .‬هذا لفظ أيب األحوص عندهم مجيعا‪ ،‬ومثله لفظ إسرائيل ومعمر وعمار بن زريق إال أهنم مل يذكروا تسمية‬
‫احلمار‪ ،‬وقال معمر‪ " :‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أال أبشر الناس؟ قال‪ " :‬دعهم يعملوا " وعند الطرباين عن معمر‪:‬‬
‫"دعهم يعملون"‪ ،‬وقال عمار بن رزيق‪« :‬دعهم ال يتكلوا»‪ ،‬ومل يذكر الثوري‪ " :‬كنت ردف النب‪ ‬على محار يقال له‪:‬‬
‫عفي" يف رواية التمذي‪.‬‬

‫‪ - 1‬املعجم الكبي(‪.)227/22‬‬
‫‪ - 2‬املستخرج على صحيح مسلم(‪.)223/2‬‬
‫‪ - 3‬شرف أصحاب احلديث(رقم ‪.)283‬‬
‫‪ - 4‬اجلامع(أبواب اإلميان عن رسول اهلل‪ ،‬باب ما جاء يف افتاق األمة‪ ،‬رقم ‪.)2633‬‬
‫‪ - 5‬اآلحاد واملثاين(‪ 322/3‬رقم ‪.)2833‬‬
‫‪ - 6‬اإلميان(رقم ‪.)226‬‬
‫‪ - 7‬املسند(‪ 327/36‬رقم ‪.)22332‬‬
‫‪ - 8‬املسند(‪ 253/3‬رقم ‪.)2353‬‬
‫‪ - 9‬املعجم الكبي(‪.)227/22‬‬
‫‪ - 10‬السنن الكربى(‪ 378/5‬رقم ‪.)5836‬‬
‫‪ - 11‬املسند(‪ 353/2‬رقم ‪.)566‬‬
‫‪ - 12‬املستخرج(‪.)26/2‬‬
‫‪ - 13‬اإلميان(رقم ‪.)227‬‬
‫‪ - 14‬صحيح ابن حبان(‪ 332-332/2‬رقم ‪.)222‬‬

‫‪31‬‬
‫وأما رواية األسود بن هالل‪ 1‬عن معاذ‪ ،‬فأخرجها البخاري‪ 2‬ومسلم‪ 3‬وأمحد‪ 4‬وابن منده‪ 5‬عن حممد بن جعفر‬
‫‪8‬‬
‫غندر عن شعبة عن أيب حصني عثمان بن عاصم األسدي واألشعث بن سليم‪ ،‬وأخرجها مسلم‪ 6‬وأبو عوانة‪ 7‬وأبو نعيم‬
‫من طريق زائدة بن قدامة‪ ،‬وأمحد‪ 9‬وابن أيب عاصم‪ 10‬وابن منده‪ 11‬من طرق عن الثوري‪ ،‬والطرباين‪ 12‬وابن منده‪ 13‬عن‬
‫إسرائيل بن يونس‪ ،‬والشاشي‪ 14‬وأبو عوانة‪ 15‬والطرباين‪ 16‬وابن منده‪ 17‬عن أيب مالك سعد بن طارق األشجعي‪ ،‬وأبو‬
‫عوانة عن سليمان أيب إسحاق الشيباين‪ ،18‬والطرباين عن سعيد بن املرزبان أيب سعد البقال‪ ،19‬ستتهم‪-‬زائدة بن قدامة‬
‫والثوري وإسرائيل بن يونس وسعد بن طارق األشجعي وسليمان أيب إسحاق الشيباين وأبو سعد البقال‪-‬حدثنا أبو‬
‫حصني عثمان بن عاصم األسدي‪ ،‬كالمها‪-‬عثمان بن عاصم األسدي واألشعث بن سليم‪ -‬مسعا األسود بن هالل‪،‬‬
‫يدث عن معاذ بن جبل قال‪ :‬قال رسول اهلل‪« :‬يا معاذ أتدري ما حق اهلل على العباد؟»‪ ،‬قال‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪،‬‬
‫قال‪« :‬أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا‪ ،‬أتدري ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك؟»‪ ،‬قال‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪« :‬أن ال‬
‫يعذهبم»‪ .‬هذا لفظ شعبة عند أمحد وقريب من جدا لفظ مسلم‪ ،‬ومل يذكر البخاري وابن منده عن شعبة‪" :‬إذا فعلوا‬
‫ذلك"‪ ،‬ويف لفظ زائدة‪ " :‬دعاين رسول اهلل‪ ‬فأجبته" فذكر حنوه‪ ،‬وأحال أمحد وابن أيب عاصم عن سفيان الثوري إىل‬
‫لفظ قبله‪ ،‬ولفظ إسرائيل عن أيب حصني‪ " :‬كنت ردف رسول اهلل‪ ‬فقال يل‪« :‬يا معاذ‪ ،‬تدري ما حق اهلل على‬

‫‪ - 1‬هو األسود بن هالل احملاريب أبو سالم الكويف‪ ،‬أدرك زمن النب‪ ،‬روى عن معاذ بن جبل وعمر وابن مسعود واملغية بن شعبة وأيب هريرة وثعلبة‬
‫بن زهدم‪ ،‬وروى عنه‪ :‬أشعث بن أيب الشعثاء وأبو حصني وأبو إسحاق السبيعي وإبراهيم النخعي وغيهم‪ ،‬وهو ثقة‪ ،‬وينظر ترمجته‪ :‬هتذيب‬
‫الكمال(‪.)233-232/3‬‬
‫‪ - 2‬اجلامع الصحيح(كتاب التوحيد‪ ،‬باب ما جاء يف دعاء النب‪ ‬أمته إىل توحيد اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬ص ‪ ،2263‬رقم ‪.)7373‬‬
‫‪ - 3‬املسند الصحيح(كتاب اإلميان‪ ،‬باب من لقي اهلل باإلميان وهو غي شاك فيه دخل اجلنة وحرم على النار‪ ،‬ص‪ ،88-87‬رقم ‪.)32‬‬
‫‪ - 4‬املسند(‪ 332/36‬رقم ‪.)22223‬‬
‫‪ - 5‬اإلميان(رقم ‪.)223‬‬
‫‪ - 6‬املسند الصحيح(كتاب اإلميان‪ ،‬باب من لقي اهلل باإلميان وهو غي شاك فيه دخل اجلنة وحرم على النار‪ ،‬ص‪ ،88‬رقم ‪.)32‬‬
‫‪ - 7‬مستخرج أيب عوانة على صحيح مسلم(‪.)26 /2‬‬
‫‪ - 8‬املستخرج على صحيح مسلم(‪.)223/2‬‬
‫‪ - 9‬املسند(‪ 322/36‬رقم ‪.)22335‬‬
‫‪ - 10‬اآلحاد واملثاين(‪ 322/3‬رقم ‪.)2835‬‬
‫‪ - 11‬اإلميان(رقم ‪.)226‬‬
‫‪ - 12‬املعجم الكبي(‪.)252/22‬‬
‫‪ - 13‬اإلميان(رقم ‪.)222‬‬
‫‪ - 14‬املسند(‪ 273/3‬رقم ‪.)378‬‬
‫‪ - 15‬مستخرج أيب عوانة على صحيح مسلم(‪.)26/2‬‬
‫‪ - 16‬املعجم الكبي(‪ ،)253/22‬واألوسط(‪.)223/8‬‬
‫‪ - 17‬اإلميان(رقم ‪.)223‬‬
‫‪ - 18‬مستخرج أيب عوانة على صحيح مسلم(‪ ،)26/2‬وذكر روايته كذلك‪ :‬ابن منده يف اإلميان(‪ )233/2‬عقب حديث(رقم ‪.)223‬‬
‫‪ - 19‬املعجم الكبي(‪.)253/22‬‬

‫‪31‬‬
‫العباد؟»"‪ ،‬فذكره وهو لفظ أيب مالك سعد بن طارق األشجعي عن أيب حصني‪.‬‬
‫وأما رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ‪ ،‬فرواها عن عبد الرمحن بن أيب ليلى عبد امللك بن عمي ورواه‬
‫عن عبد امللك أربعة من أصحابه فيما وقفت عليه‪1‬؛ شعبة وأبو عوانة الوضاح بن عبد اهلل اليشكري وشيبان بن عبد‬
‫الرمحن وزائدة بن قدامة‪ ،‬فقد أخرج أمحد عن حممد بن جعفر غندر‪ ،2‬والطرباين عن مسلم بن إبراهيم‪ ،3‬كالمها‪-‬غندر‬
‫ومسلم بن إبراهيم‪-‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن عبد امللك بن عمي‪ ،‬عن عبد الرمحن بن أيب ليلى‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ،‬قال‪ :‬كنت‬
‫رديف رسول اهلل‪ ،‬فقال‪ " :‬أتدري ما حق اهلل على العباد؟ " قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ " :‬أن يعبدوه وال يشركوا به‬
‫شيئا " قال‪ " :‬وهل تدري ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك؟ " قال‪ :‬قلت اهلل ورسوله أعلم‪ .‬قال‪ " :‬أن ال يعذهبم"‪ .‬وهذا‬
‫مثل ألفاظ احلديث املتقدمة املشهورة‪ ،‬ورواه عمرو بن مرزوق‪ 4‬أنا شعبة‪ ،‬عن عبد امللك بن عمي‪ ،‬عن ابن أيب ليلى‪ ،‬أن‬
‫رسول اهلل‪ ‬قال ملعاذ‪ ،‬فذكره‪ ،‬فوافق عمرو بن مرزوق غندرا ومسلم بن إبراهيم يف لفظه لكنه خالفه يف اإلسناد فرواه‬
‫مرسال ألنه قال‪ :‬أن رسول اهلل‪ ‬قال ملعاذ‪ ،‬وعبد الرمحن بن أيب ليلى يدرك زمن النب‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫وتابع شعبة يف رواية هذا احلديث عن عبد امللك بن عمي شيبان بن عبد الرمحن وزائدة بن قدامة‪ ،‬فقد أخرج الطرباين‬
‫من طرق عن شيبان بن عبد الرمحن وزائدة بن قدامة عن عبد امللك بن عمي‪ ،‬عن عبد الرمحن بن أيب ليلى‪ ،‬عن معاذ‬
‫بن جبل‪ ،‬قال‪ :‬كنت مع رسول اهلل‪ ‬فقال‪« :‬يا معاذ‪ ،‬تدري ما حق اهلل على العباد؟» قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حق العباد إذا فعلوا ذلك؟» قلت‪ :‬اهلل‬ ‫«فإن حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا»‪ ،‬ث قال‪« :‬تدري ما ُّ‬
‫ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪« :‬أن ال يعذهبم»‪ .‬هذا لفظ شيبان‪ ،‬ولفظ زائدة‪ :‬عن عبد الرمحن بن أيب ليلى‪ ،‬عن معاذ بن جبل‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل‪« :‬أتدري ما حق اهلل على الناس؟» فذكر احلديث‪.‬‬
‫واملالحظ على هذه الروايات أن شعبة وشيبان بن عبد الرمحن وزائدة بن قدامة متفقون على لفظة وأن معاذا‪ ‬كان‬
‫ب‪ ‬حبق اهلل على العباد وحق العباد على اهلل‪.‬‬
‫رديف النب‪ ‬أو كان مع النب‪ ،‬فأخربه الن ُّ‬
‫لكن قد روى هذا احلديث أبو عوانة الوضاح بن عبد اهلل اليشكري عن عبد امللك بن عمي وخالف شعبة وشيبان‬
‫وزائدة يف سياقه‪ ،‬فقد أخرج ابن ماجه عن حممد بن عبد امللك بن أيب الشوارب‪ ،6‬والطرباين عن مسدد بن مسرهد وسهل‬
‫بن بكار‪ ،7‬ثالثتهم‪-‬حممد بن عبد امللك بن أيب الشوارب ومسدد بن مسرهد وسهل بن بكار‪-‬حدثنا أبو عوانة‪ ،‬حدثنا‬
‫عبد امللك بن عمي‪ ،‬عن ابن أيب ليلى‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ،‬قال‪ :‬مر يب رسول اهلل‪ ‬وأنا على محار‪ ،‬فقال‪" :‬يا معاذ‪،‬‬
‫حق العباد على اهلل؟ " قال‪ :‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪" :‬فإن حق اهلل على‬ ‫حق اهلل على العباد‪ ،‬وما ُّ‬
‫هل تدري ما ُّ‬

‫‪ - 1‬وذكر الدارقطين يف العلل(‪ )62/6‬ستة من الرواة رووه عن عبد امللك بن عمي‪.‬‬


‫‪ - 2‬املسند(‪ 332/36‬رقم ‪.)22226‬‬
‫‪ - 3‬املعجم الكبي(‪.)253/22‬‬
‫‪ - 4‬أخرج روايته‪ :‬الشاشي يف مسنده(‪ 255/3‬رقم ‪.)2357‬‬
‫‪ - 5‬املعجم الكبي(‪.)236/22‬‬
‫‪ - 6‬السنن(رقم‪.)3236 :‬‬
‫‪ - 7‬املعجم الكبي(‪.)236/22‬‬

‫‪32‬‬
‫العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا‪ ،‬وحق العباد على اهلل إذا فعلوا ذلك أن ال يعذهبم"‪.‬‬
‫فقال أبو عوانة‪" :‬مر يب رسول اهلل‪ ‬وأنا على محار‪ ،‬فقال‪ ،"...‬وهذا السياق خيالف ما رواه شعبة وشيبان وزائدة‪،‬‬
‫فلفظ هؤالء الثالثة عن عبد امللك بن عمي يدل أن معاذا‪ ‬هو الذي كان مع النب‪ ‬أو رديف النب‪ ،‬وهو املوافق‬
‫يدل سياق أيب‬‫لروايات احلديث املتقدمة عن أنس‪ ‬ورواية عمرو بن ميمون واألسود بن هالل عن معاذ‪ ،‬بينما ُّ‬
‫عوانة أن النب‪ ‬هو الذي جاء معاذا‪ ‬فوجده راكبا على محار فحدثه باحلديث‪ ،‬وال شك أن القصة واحدة وال ميكن‬
‫اجلمع بني الروايتني‪ ،‬فيكون سياق أيب عوانة شاذ‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ومع تقدم ذكره فإن احلديث برواياته ضعيف ألنه منقطع بني عبد الرمحن بن أيب ليلى وبني معاذ‪ ،‬فإنه مل يسمع‬
‫منه‪ ،‬قال التمذي‪" :‬عبد الرمحن بن أيب ليلى مل يسمع من معاذ"‪ ،1‬وقال البزار‪" :‬مل يسمع من معاذ‪ ،‬وقد أدرك عمر"‪،2‬‬
‫وقال الدارقطين‪" :‬مساعه من معاذ فيه نظر"‪ ،3‬وذلك أن عبد الرمحن بن أيب ليلى ولد سنة مثاين عشر(‪ )09‬وهي السنة‬
‫اليت مات فيها معاذ‪ ‬يف طاعون عمواس‪.‬‬
‫وأما رواية عبد الرحمن بن غنم عن معاذ‪ ،‬فأخرجها أمحد‪ :4‬حدثنا أبو اليمان‪ ،‬أخربنا شعيب‪ ،‬حدثين عبد اهلل‬
‫بن أيب حسني‪ ،‬حدثين شهر بن حوشب‪ ،‬عن عبد الرمحن بن غنم‪ ،‬وهو الذي بعثه عمر بن اخلطاب إىل الشام يفقه‬
‫ب‪:‬‬ ‫الناس‪ ،‬أن معاذ بن جبل حدثه‪ ،‬عن النب‪ :‬أنه ركب يوما على محار له‪ ،‬يقال له يعفور رسنه من ليف‪ ،‬ث قال الن ُّ‬
‫ب‪ ‬يضحك‪ ،‬وقمت‬ ‫" اركب يا معاذ "‪ ،‬فقلت‪ :‬سر يا رسول اهلل‪ ،‬فقال‪ " :‬اركب "‪ ،‬ف ردف ته فصرع احلمار بنا‪ ،‬فقام الن ُّ‬
‫أذكر من نفسي أسفا‪ ،‬ث فعل ذلك الثانية‪ ،‬ث الثالثة فركب‪ ،‬وسار بنا احلمار فأخلف يده فضرب ظهري بسوط معه أو‬
‫عصا‪ ،‬ث قال‪ " :‬يا معاذ هل تدري ما حق اهلل على العباد؟ " فقلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ " :‬فإن حق اهلل على العباد‬
‫أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا"‪ ،‬قال‪ :‬ث سار ما شاء اهلل‪ ،‬ث أخلف يده فضرب ظهري‪ ،‬فقال‪" :‬يا معاذ‪ ،‬يا ابن أم معاذ‪،‬‬
‫حق العباد على اهلل إذا هم فعلوا ذلك؟ " قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ " :‬فإن حق العباد على اهلل إذا فعلوا‬ ‫هل تدري ما ُّ‬
‫ذلك أن يدخلهم اجلنة"‪.‬‬
‫وسياق هذا احلديث خمالف لكل ما تقدم ذكره من الروايات‪ ،‬ومع أن تعليم النب‪ ‬معاذا حق اهلل على العباد وحق‬
‫العباد على اهلل يف هذا احلديث صحيح تشهد له الروايات الصحيحة املتقدمة فإنه حنوها إال أن سياق احلديث ضعيف‪،‬‬
‫وشهر بن حوشب ضعيف وهو علة هذا السياق‪.‬‬
‫الزهري‪ ،‬فقد أخرج الطرباين‪ :5‬حدثنا أمحد بن عبد الوهاب بن جندة‪ ،‬وأمحد بن‬ ‫ُّ‬ ‫لكن تابع شهر بن حوشب اإلمام‬
‫يزيد احلوطيان‪ ،‬قاال‪ :‬ثنا أبو املغية‪-‬هو عبد القدوس بن احلجاج اخلوالين الشامي‪ ،-‬ثنا عبد الرمحن بن يزيد بن متيم‪،‬‬
‫حدثين الزهري‪ ،‬عن عبد الرمحن بن غنم‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ،‬أن رسول اهلل‪ ‬ركب على محار له يقال له‪ :‬يعفور‪ ،‬ورسنه‬

‫‪ - 1‬اجلامع(رقم‪)3223 :‬‬
‫‪ - 2‬كشف األستار(رقم‪)2272 :‬‬
‫‪ - 3‬العلل(‪ / 2‬الورقة ‪.)37‬‬
‫‪ - 4‬املسند(‪ 332/36‬رقم ‪.)22273‬‬
‫‪ - 5‬املعجم الكبي(‪.)75/22‬‬

‫‪33‬‬
‫من ليف‪ ،‬فقال‪« :‬اركب يا معاذ» قلت‪ :‬سر يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪« :‬اركب» فأردفين خلفه‪ ،‬فصرع بنا احلمار‪ ،‬فقام رسول‬
‫اهلل‪ ‬يضحك‪ ،‬ث ركب الثانية فقال‪« :‬اركب» فركبت‪ ،‬فسار بنا احلمار ما شاء اهلل‪ ،‬قال‪ :‬وأخلف بيده فضرب هبا‬
‫ظهري بسوط كان معه ‪-‬أو عصا‪ -‬فقال‪« :‬يا معاذ بن أم معاذ‪ ،‬هل تدري ما حق اهلل على الناس؟» قلت‪ :‬اهلل ورسوله‬
‫أعلم‪ ،‬قال‪« :‬فإن حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا»‪ ،‬ث سار ما شاء اهلل ث أخلف بيده فضرب ظهري‬
‫فقال‪« :‬يا معاذ بن أم معاذ‪ ،‬تدري ما حق العباد على اهلل إذا فعلوا ذلك؟» قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪« :‬فإن حق‬
‫العباد على اهلل أن يدخلهم اجلنة إذا فعلوا ذلك»‪.‬‬
‫وهذا السياق مثل سياق شهر بن حوشب متاما لكن هذه املتابعة ضعيفة‪ ،‬فيها عبد الرمحن بن يزيد بن متيم وهو‬
‫ضعيف احلديث‪ ،‬وبعضهم شدد العبارة فيه وتركه‪ ،‬وهو منكر احلديث عن الزهري‪ ،1‬وكان يقلب حديث شهر بن حوشب‬
‫يصيها أحاديث الزهري‪ ،‬قال عبد اهلل بن أمحد‪" :‬سألت أيب عن عبد الرمحن بن يزيد بن متيم‪ ،‬فقال‪ :‬ق لب أحاديث‬
‫شهر بن حوشب صيها حديث الزهري‪ ،‬وضعفه"‪ ،2‬وال شك أن هذا احلديث واحد من تلك األحاديث‪ ،‬وهو مما يشهد‬
‫لقول أمحد ُّ‬
‫ويدل على إمامته يف النقد‪ ،‬وقال عبد الرمحن بن إبراهيم دحيم‪ " :‬منكر احلديث عن الزهري"‪.3‬‬
‫وأما رواية أبي عثمان النهدي عن معاذ‪ ،‬فأخرجها أمحد‪ :4‬حدثنا علي بن عاصم‪ ،‬عن خالد احلذاء‪ ،‬عن أيب‬
‫عثمان النهدي‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ‬قال‪ :‬كنت رديف النب‪ ‬فقال يل‪ " :‬يا معاذ‪ ،‬أتدري ما حق اهلل على العباد؟ "‬
‫قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم قال‪ " :‬أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا‪ ،‬أتدري ما حق العباد على اهلل إذا فعلوا ذلك؟ " قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ " :‬يدخلهم اجلنة"‪.‬‬
‫وهذا إسناد ضعيف فيه علتان؛ األوىل‪ :‬علي بن عاصم ضعيف سيء احلفظ‪ ،5‬وخالد بن مهران احلذاء مل يسمع من‬
‫أيب عثمان النهدي عبد الرمحن بن مل‪ ،‬لكن لفظ احلديث صحيح يشهد له ما تقدم من الروايات الصحيحة‪.‬‬
‫وأما رواية أبي العوام عن معاذ‪ ،‬فأخرجها أمحد‪ 6‬والطرباين‪ 7‬من طرق عن محاد بن سلمة‪ ،‬أخربنا علي بن زيد‪،‬‬
‫عن أيب املليح اهلذيل‪ ،‬عن روح بن عابد‪ ،‬عن أيب العوام‪ ،‬عن معاذ بن جبل قال‪ :‬كنت ردف النب‪ ‬على مجل أمحر‪،‬‬
‫فقال‪ " :‬يا معاذ "‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك‪ ،‬قال‪ " :‬هل تدري ما حق اهلل على العباد؟ " قال‪ :‬فقلت اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قاهلا ثالثا‪،‬‬
‫فقلت ذلك ثالثا‪ ،‬ث قال‪" :‬حقه أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا"‪ ،‬ث قال‪ " :‬هل تدري ما حق العباد على اهلل إذا فعلوا‬
‫ذلك؟"‪ ،‬فقلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قاهلا ثالثا وقلت ذلك ثالثا‪ ،‬فقال‪" :‬حقهم عليه إذا فعلوا ذلك أن يغفر هلم‪ ،‬وأن‬
‫يدخلهم اجلنة"‪ .‬هذا لفظ أمحد وليس يف رواية الطرباين‪ " :‬قاهلا ثالثا‪ ،‬فقلت ذلك ثالثا"‪.‬‬

‫‪ - 1‬ينظر ترمجته‪ :‬تاريخ دمشق(‪ ،)37-32/36‬وهتذيب الكمال(‪.)387-382/27‬‬


‫‪ - 2‬اجلرح والتعديل(‪.)322/5‬‬
‫‪ - 3‬املعرفة والتاريخ للفسوي()‪ ،‬وهتذيب الكمال(‪.)383/27‬‬
‫‪ - 4‬املسند(‪ 337-336/36‬رقم ‪.)22233‬‬
‫‪ - 5‬ينظر ترمجته‪ :‬هتذيب الكمال(‪.)522-523/22‬‬
‫‪ - 6‬املسند(‪ 367/36‬رقم ‪.)22232‬‬
‫‪ - 7‬املعجم الكبي(‪.)222/22‬‬

‫‪34‬‬
‫هكذا روى هذا احلديث محاد بن سلمة‪ ،‬وهذا احلديث هبذا السياق ضعيف بل منكر‪ ،‬فإن قوله‪ " :‬كنت ردف‬
‫النب‪ ‬على مجل أمحر" منكرة مل ترد يف شيء من الروايات‪ ،‬فقد اتفقت مجيع طرق وروايات احلديث اليت ذكرت الدابة‬
‫أن معاذا‪ ‬كان رديف النب‪ ‬على محار وليس على مجل‪ ،‬وهذا احلديث هبذا السياق فيه ثالث علل؛ ضعف علي بن‬
‫زيد بن جدعان‪ ،‬وجهالة روح بن عابد‪ ،‬وأيب العوام‪ ،‬لكن لفظ احلديث يبقى صحيحا تشهد له الروايات الصحيحة‬
‫املتقدمة‪.‬‬
‫وقد روي هذا احلديث بسياق آخر‪ ،‬فقد أخرج ابن منده‪ :1‬أنبأ أبو قتيبة سلمة بن الفضل‪ ،‬ثنا عبد اهلل بن ناجية‪،‬‬
‫ثنا يي بن حبيب‪ ،‬ثنا معتمر بن سليمان‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬كان أنس بن مالك يدثنا هبذا احلديث‪ ،‬فكنت أشتهي أن‬
‫أمسعه ممن مسعه من معاذ بن جبل فحدثين أبو املليح‪ ،‬عن روح رجل من قومه‪ ،‬عن أيب العوام‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪،‬‬
‫قال‪ :‬كنا نقوم عليه يف مرضه وخندمه‪ ،‬فقال يف مرضه‪ :‬لوال أن ت تكلوا حلدثتكم حديثا‪ ،‬فقلت‪ :‬أنشدك اهلل‪ ،‬وحق الصحابة‬
‫أن يكون عندك حديث تذهب وال حتدثناه‪ ،‬قال‪ :‬فأدخل علي من بالباب‪ ،‬قال‪ :‬فأدخلت عليه من بالباب‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫حق اهلل على العباد؟»‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪« :‬أن‬ ‫أردفين رسول اهلل‪ ‬خلفه‪ ،‬فقال‪« :‬يا معاذ هل تدري ما ُّ‬
‫يعبدوه وال يشركوا به شيئا»‪ ،‬ث قال‪« :‬هل تدري ما حقهم إذا فعلوا ذلك؟» ‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪« :‬يغفر هلم‬
‫ويدخلهم اجلنة»‪.‬‬
‫يدل على أن أنسا‪ ‬مل يسمع هذا احلديث من معاذ بن جبل‪ ،‬وإّنا مسعه من رجل‬ ‫وهذا احلديث هبذا السياق ُّ‬
‫آخر‪ ،‬لكن هذا السياق مثل الذي قبله ضعيف فيه علتان؛ جهالة روح بن عابد‪ ،‬وأيب العوام‪ ،‬ولفظ احلديث يبقى‬
‫صحيحا تشهد له الروايات الصحيحة املتقدمة‪.‬‬
‫وأما رواية أبي رزين عن معاذ‪ ،‬فأخرجها الطرباين‪ 2‬من طريق موسى بن إمساعيل‪ ،‬ثنا محاد بن سلمة‪ ،‬عن عطاء‬
‫بن السائب‪ ،‬عن أيب رزين‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ،‬أن رسول اهلل‪ ‬كان على بعي قد شد عليه ب ردعة‪ ،‬فقال‪« :‬يا‬
‫حق اهلل على العباد؟» قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪« :‬فإن حق‬
‫معاذ»‪ ،‬قلت‪ :‬لبيك وسعديك‪ ،‬فقال‪« :‬هل تدري ما ُّ‬
‫حق العباد على اهلل إذا فعلوا ذلك؟» قلت‪ :‬اهلل‬
‫اهلل عليهم أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا»‪ ،‬ث قال‪« :‬هل تدري ما ُّ‬
‫ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪« :‬حقهم عليه إذا فعلوا ذلك أن يغفر هلم‪ ،‬ويدخلهم اجلنة»‪.‬‬
‫وهذا احلديث هبذا السياق كذلك ضعيف‪ ،‬وقوله‪ " :‬أن رسول اهلل‪ ‬كان على بعي قد شد عليه بردعة" منكر مل‬
‫يرد إال يف هذا احلديث‪ ،‬وعطاء بن السائب اختلط ومل يرد أن محاد بن سلمة مسع منه قبل االختالط‪ ،‬بل أقوال األئمة‬
‫تدل على أنه مسع منه بعد االختالط‪ ،‬فقد ذكروا أن من مسع منه قبل االختالط ثالثة فقط محاد بن سلمة ليس منهم‪،3‬‬‫ُّ‬
‫وأبو رزين وامسه‪ :‬مسعود بن مالك أبو رزين األسدي الظاهر أنه مل يسمع من معاذ‪ ،‬فهو مل يسمع من ابن مسعود‪،4‬‬

‫‪ - 1‬اإلميان(رقم‪.)222 :‬‬
‫‪ - 2‬املعجم الكبي(‪.)237/22‬‬
‫‪ - 3‬هتذيب الكمال(‪.)33-83/22‬‬
‫‪ - 4‬املراسيل البن أيب حات(ص ‪.)222‬‬

‫‪35‬‬
‫ومعاذ‪ ‬أقدم وفاة من ابن مسعود جدا‪ ،‬ولذلك أخرج هذا احلديث الطرباين يف املراسيل عن معاذ‪ ،‬فقال‪ " :‬املراسيل‬
‫عن معاذ بن جبل"‪ ،‬ث أخرج عددا من األحاديث هذا منها‪.‬‬
‫هذا ما يسر اهلل‪ ‬مجعه من ألفاظ قصة معاذ بن جبل‪ ‬يف تعليم النب‪ ‬حق اهلل على العباد وحق العباد على‬
‫اهلل وفضل التوحيد وشهادة أن ال إله إال اهلل‪.‬‬
‫ومن خالل ما تقدم تخريجه من روايات وطرق هذا الحديث يمكن إبراز عدة أمور‪ ،‬فنقول وباهلل التوفيق‪:‬‬
‫األول‪ :‬من دقق النظر يف الروايات والطرق املتقدمة يلحظ بعض الفروق بني تلك الروايات‪:‬‬
‫فمن حيث اإلسناد جند أن بعض تلك الروايات جعلت احلديث من مسند معاذ‪ ‬وهي أكثرها‪ ،‬وبعضها جعلته‬
‫الرواة رووا هذا احلديث عن أنس عن معاذ‪ ،‬وهذا من مسند معاذ‪ ،‬وبعضهم رواه عن‬ ‫من مسند أنس‪ ،‬فبعض ُّ‬
‫أنس أن النب‪ ‬قال ملعاذ‪ ،‬فجعلوه من مسند أنس‪ ،‬وهذا يف حقيقة األمر ال إشكال فيه‪ ،‬ألن مرسل الصحابة الكبار‬
‫حجة باإلمجاع‪ ،‬فسواء كان هذا احلديث من مسند معاذ‪ ‬أم من مسند أنس‪ ‬فهو متصل‪.‬‬
‫الرواة يف سياق احلديث‪ ،‬فرواه أبو سفيان طلحة بن نافع وقتادة من‬ ‫أما من حيث اللفظ فقد وقع اختالف بني ُّ‬
‫طريق مهام بن يي العوذي وشيبان بن عبد الرمحن عن أنس‪ ‬يف قصة النب‪ ‬مع معاذ‪ ‬يف تعليمه حق اهلل على‬
‫العباد وحق العباد على اهلل‪ ،‬وكذلك رواه عمرو بن ميمون واألسود بن هالل وابن أيب ليلى وعبد الرمحن بن غنم وأبو‬
‫ب‪" :‬يا‬ ‫عثمان النهدي عن معاذ‪ ،‬بذكر السياق الذي فيه‪ :‬أن معاذا‪ ‬كان رديف النب‪ ‬على محار فناداه الن ُّ‬
‫معاذ" فأجابه معاذ‪ ،‬ث أخربه حبق اهلل على العباد وحق العباد على اهلل‪ ،‬كما جاء مثال يف رواية مهام وشيبان عن قتادة‬
‫عن أنس عن معاذ بلفظ‪" :‬بينا أنا رديف النب‪ ‬ليس بيين وبينه إال آخرة الرحل‪ ،‬فقال‪« :‬يا معاذ بن جبل» قلت‪:‬‬
‫لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬ث سار ساعة ث قال‪« :‬يا معاذ» قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬ث سار ساعة ث قال‪:‬‬
‫«يا معاذ» قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬قال‪« :‬هل تدري ما حق اهلل على عباده» قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«حق اهلل على عباده أن يعبدوه‪ ،‬وال يشركوا به شيئا» ث سار ساعة‪ ،‬ث قال‪« :‬يا معاذ بن جبل» قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل‬
‫وسعديك‪ ،‬فقال‪« :‬هل تدري ما حق العباد على اهلل إذا فعلوه» قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪« :‬حق العباد على اهلل أن‬
‫ال يعذهبم»"‪ ،‬وجاء يف رواية عمرو بن ميمون‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ،‬قال‪ :‬كنت ردف النب‪ ‬على محار يقال له‪:‬‬
‫حق العباد على اهلل؟»‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪« :‬فإن‬
‫عفي‪ ،‬فقال‪« :‬يا معاذ‪ ،‬هل تدري حق اهلل على عباده‪ ،‬وما ُّ‬
‫حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا‪ ،‬وحق العباد على اهلل أن ال يعذب من ال يشرك به شيئا»‪ ،‬فقلت‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل أفال أبشر به الناس؟ قال‪« :‬ال تبشرهم‪ ،‬فيتكلوا»‪ ،‬وجاء يف رواية عبد الرمحن بن أيب ليلى‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪،‬‬
‫قال‪ :‬كنت رديف رسول اهلل‪ ،‬فقال‪ " :‬أتدري ما حق اهلل على العباد؟ " قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪" :‬أن يعبدوه وال‬
‫يشركوا به شيئا" قال‪" :‬وهل تدري ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك؟ "قال‪ :‬قلت اهلل ورسوله أعلم‪ .‬قال‪" :‬أن ال يعذهبم"‪،‬‬
‫الرواة رووا هذا احلديث بسياق آخر ليس فيه ذكر حق اهلل على العباد وحق العباد على اهلل‪ ،‬بل رووه‬ ‫بينما جند بعض ُّ‬
‫خمتصرا يف فضل من مات على شهادة إن ال إله إال اهلل‪ ،‬ووقع ذلك خصوصا يف رواية أنس بن مالك‪ ،‬ففي رواية‬
‫هشام الدستوائي مثال عن قتادة عن أنس‪ ‬أن النب‪ ،‬ومعاذ رديفه على الرحل‪ ،‬قال‪« :‬يا معاذ بن جبل»‪ ،‬قال‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫لبيك يا رسول اهلل وسعديك‪ ،‬قال‪« :‬يا معاذ»‪ ،‬قال‪ :‬لبيك يا رسول اهلل وسعديك ثالثا‪ ،‬قال‪« :‬ما من أحد يشهد أن‬
‫ال إله إال اهلل وأن مّّحممدا رسول اهلل‪ ،‬صدقا من قلبه‪ ،‬إال حرمه اهلل على النار»‪ ،‬قال يا رسول اهلل‪ :‬أفال أخرب به الناس‬
‫فيستبشروا؟ قال‪« :‬إذا يتكلوا»‪ ،‬وأخرب هبا معاذ عند موته تأُّمثا‪ ،‬ورواه شعبة عن قتادة وغيه بلفظ‪ :‬عن معاذ‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل‪" :‬من مات وهو يشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن حممدا رسول اهلل صادقا من قلبه‪ ،‬دخل اجلنة "‪ ،‬وهو قريب‬
‫من لفظ هشام الدستوائي عن قتادة‪ ،‬ويف رواية سليمان التيمي قال مسعت أنس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬ذكر يل أن النب‪‬‬
‫قال ملعاذ بن جبل‪« :‬من لقي اهلل ال يشرك به شيئا دخل اجلنة»‪ ،‬قال‪ :‬أال أبشر الناس؟ قال‪« :‬ال إين أخاف أن يتكلوا»‪،‬‬
‫ويف لفظ آخر للتيمي عن أنس‪ ‬أن النب‪ ‬قال ملعاذ‪" :‬من لقي اهلل ال يشرك به‪ ،‬دخل اجلنة " قال يا نب اهلل‪ :‬أفال‬
‫أبشر الناس؟ قال‪ " :‬ال‪ ،‬إين أخاف أن يتكلوا عليها"‪ ،‬ويف حديث عياش الكليب‪ ،‬أنه مسع أنس بن مالك‪ ،‬يقول‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل‪« :‬من مات وهو يشهد أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل دخل اجلنة»‪ ،‬ويف حديث عبد العزيز بن‬
‫صهيب‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ،‬قال‪ :‬قال يل رسول اهلل‪ " :‬يا معاذ‪ :‬قلت لبيك يا رسول اهلل‬
‫وسعديك‪ ،‬قال‪ :‬بشر الناس أو قال أنذر الناس من قال ال إله إال اهلل دخل اجلنة"‪ ،‬ويف لفظ آخر لعبد العزيز بن صهيب‬
‫عن أنس أن رسول اهلل‪ ،‬قال‪« :‬يا معاذ بن جبل‪ ،‬بشر الناس أنه من قال ال إله إال اهلل دخل اجلنة»‪.‬‬
‫قلت‪ :‬من خالل ما تقدم ذكره يظهر أن سياق هذه الروايات والطرق يشعر أن القصة واحدة‪ ،‬وإىل هذا ذهب أكثر‬
‫أهل العلم‪ ،‬وقالوا إن هذه القصة رواها بعضهم بسياق مطول فذكر تلك األلفاظ‪ ،‬واختصرها بعضهم‪ ،‬وتوسط بعضهم‪،‬‬
‫وهلذا األمر نظائر كثية يف األحاديث‪ ،‬لكن من تدبر جيدا ألفاظ هذه األحاديث وجد فيها تغايرا واضحا مبا ُّ‬
‫يدل على‬
‫تعدد القصة‪ ،‬وإليه ذهب بعض األئمة منهم أبو عمرو بن الصالح واحلافظ ابن حجر‪.1‬‬
‫الثاني‪ :‬حديث األعمش‪ ،‬عن أيب سفيان‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬أتينا معاذ بن جبل‪ ،‬فقلنا‪ :‬حدثنا من‬
‫غرائب حديث رسول اهلل‪ ،‬األعمش رغم إمامته مدلس‪ ،‬ورواه بالعنعنة يف مجيع املصادر اليت أخرجت احلديث فيما‬
‫وقفت عليه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬رواية عيسى بن أمحد العسقالين‪ ،‬الذي روى هذا احلديث عن يعلى بن عبيد عن األعمش‪ ،‬عن أيب سفيان‪،‬‬
‫عن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪ :‬أتينا معاذ بن جبل فقلنا‪ :‬حدثنا من غرائب حديث رسول اهلل‪ ‬فقال‪:‬‬
‫كنت ردف رسول اهلل‪ ‬على محار فقال‪« :‬يا معاذ»‪ ،"...‬احلديث‪ ،‬هذه الرواية شاذة عن يعلى بن عبيد عن األعمش‬
‫ملخالفة عيسى بن أمحد العسقالين ألصحاب يعلى بن عبيد‪ ،‬وخمالفته كذلك لكل أصحاب األعمش الذين رووه عن‬
‫األعمش عن أيب سفيان عن أنس‪ ،‬وعيسى بن أمحد العسقالين اتبع اجلادة يف هذه الرواية‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬رواية يي بن جعفر بن الزبرقان عبد الوهاب بن عطاء اخلفاف عن سليمان التيمي عن األسود بن هالل‪،‬‬
‫قال‪ :‬بلغين أن النب‪ ،‬قال‪« :‬من لقي اهلل ال يشرك به شيئا دخل اجلنة» شاذة ملخالفته اإلمام أمحد‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬رواية أيب شهاب عبد ربه بن نافع عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل‪« :‬من مات ال يشرك باهلل شيئا دخل اجلنة»‪ ،‬شاذة ملخالفة أيب شهاب لكل أصحاب التيمي الذين جعلوه‬

‫‪ - 1‬فتح الباري(‪ 338/22‬ح‪.)6522 :‬‬

‫‪37‬‬
‫من مسند أنس‪.‬‬
‫السادس‪ :‬الزيادة اليت رواها إبراهيم بن عبد اهلل أيب سهل البصري عن شعبة عن عتاب تعترب شاذة ملخالفته كل‬
‫أصحاب شعبة الذين مل يذكروها‪.‬‬
‫السابع‪ :‬زيادة سعيد بن سليم الضب‪ ،‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬كان رسول اهلل‪ ‬إذا سافر‪ ،‬أو غزا‪ ،‬أردف كل يوم‬
‫رجال من أصحابه‪ ،‬شاذة خمالفة جلميع سياقات احلديث‪ ،‬وخمالفتها أخبار النب‪ ‬وسيته‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬سياق أيب عوانة الوضاح بن عبد اهلل اليشكري عن عبد امللك بن عمي‪ ،‬عن ابن أيب ليلى‪ ،‬عن معاذ بن‬
‫جبل‪ ،‬قال‪ :‬مر يب رسول اهلل‪ ‬وأنا على محار‪ ،‬فقال‪" :‬يا معاذ‪ "...‬احلديث‪ ،‬الظاهر أن هذا السياق شاذ‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬رواية شهر بن حوشب‪ ،‬عن عبد الرمحن بن غنم أن معاذ بن جبل حدثه‪ ،‬عن النب‪ :‬أنه ركب يوما على‬
‫ب‪ " :‬اركب يا معاذ "‪ ،‬فقلت‪ :‬سر يا رسول اهلل‪ ،‬فقال‪ " :‬اركب "‪،‬‬ ‫محار له‪ ،‬يقال له يعفور رسنه من ليف‪ ،‬ث قال الن ُّ‬
‫فردفته فصرع احلمار بنا‪ ،‬فقام النب‪ ‬يضحك‪ ،‬وقمت أذكر من نفسي أسفا‪ ،‬ث فعل ذلك الثانية‪ ،‬ث الثالثة‪ ،‬هذا السياق‬
‫كل هذا منكر خالف به شهر بن حوشب كل من رواه عن معاذ‪.‬‬ ‫بذكر اسم احلمار يعفور ورسنه ليف والصرع‪ُّ ،‬‬
‫العاشر‪ :‬رواية عبد الرمحن بن يزيد بن متيم‪ ،‬حدثين الزهري‪ ،‬عن عبد الرمحن بن غنم‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ،‬أن رسول‬
‫اهلل‪ ‬ركب على محار له يقال له‪ :‬يعفور‪ ،‬ورسنه من ليف‪ ،‬هي نفسها رواية شهر بن حوشب عن عبد الرمحن بن غنم‪،‬‬
‫قلبها عبد الرمحن بن يزيد بن متيم فجعلها عن الزهري وهو معروف بذلك يف حديث الزهري‪.‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬رواية أيب العوام‪ ،‬عن معاذ بن جبل قال‪ :‬كنت ردف النب‪ ‬على مجل أمحر‪ ،‬ذكر اجلمل هنا ولونه‬
‫منكر‪ ،‬ألنه خيالف ما تقدم‪ ،‬ومل يرد يف شيء من الروايات‪ ،‬فقد اتفقت مجيع طرق وروايات احلديث اليت ذكرت الدابة‬
‫أن معاذا‪ ‬كان رديف النب‪ ‬على محار وليس على مجل‪ ،‬وكذلك رواية أيب رزين‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ،‬أن رسول‬
‫اهلل‪ ‬كان على بعي قد شد عليه ب ردعة‪ ،‬فذكر اجلمل والربدعة شاذٌّ‪ ،‬وقد تقدم التفصيل يف ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬الحكم على الحديث‪ ،‬احلديث متفق عليه‪ ،‬فهو يف أعلى درجات الصحة إال بعض األلفاظ الشاذة اليت مل‬
‫ترد يف الصحيحني‪ ،‬وقد تقدم الكالم عليها‪.‬‬
‫‪ -3‬تراجم رواة اإلسناد‬
‫معاذ بن جبل‪ :‬هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو ابن أدي بن سعد‬
‫بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن اخلزرج‪ ،‬األنصاري‪ ،‬اخلزرجي‪ ،‬ث اجلشم مي‪ ،‬يكىن أبا عبد الرمحن‪ ،‬اإلمام‬
‫املق مدم يف علم احلالل واحلرام‪.‬‬
‫األشعري‪،‬‬
‫م‬ ‫روى عن النب‪ ‬أحاديث‪ ،‬روى عنه من الصحابة‪ :‬ابن عباس‪ ،‬وابن عمرو‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وابن أيب أوَّف‬
‫وعبد الرمحن بن مسرة‪ ،‬وجابر بن أنس وغيهم‪ ،‬ومن التابعني‪ :‬عبد الرمحن بن غنم وأبو مسلم اخلوالين وأبو عبد اهلل‬
‫الصناحبي وأبو وائل ومسروق وعبد اهلل بن شداد بن اهلاد واألسود بن اهلالل واألسود بن يزيد وقيس بن أيب حازم وعمرو‬
‫بن ميمون األودي ومالك بن خيامر السكسكي ويزيد بن عمية الزبيدي وأبو إدريس اخلوالين وأبو حبرية السكوين وأبو‬
‫طيبة الكالعي وعطاء بن يسار وعبد الرمحن بن أيب ليلى وغيهم كثي‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫قال أبو إدريس اخلوالينُّ‪ :‬كان أبيض وضيء الوجه‪ ،‬مبراق الثنايا‪ ،‬أكحل العينني‪ ،‬وقال كعب بن مالك‪ :‬كان شابا‬
‫اقدي‪ :‬كان من أمجل الرجال‪ ،‬وشهد املشاهد‪ ،‬قال ابن عبد الرب‪ :‬وهو أحد‬ ‫مجيال مسحا من خي شباب قومه‪ ،‬وقال الو ُّ‬
‫السبعني الذين شهدوا العقبة من األنصار وآخى رسول اهلل‪ ‬بينه وبني عبد اهلل بن مسعود قال الواقدي‪ :‬هذا ماال‬
‫ب‪ ‬على اليمن‪.‬‬‫اختالف فيه عندنا‪ ،‬شهد بدرا وهو ابن إحدى وعشرين سنة‪ ،‬وأمره الن ُّ‬
‫نب‪« :‬أن رسول‬ ‫فضائله‪ ‬كثية‪ ،‬من ذلك قوله‪ ‬كما يف سنن أيب داود‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪ ،‬قال‪ :‬قال يل ال ُّ‬
‫اهلل‪ ‬أخذ بيده وقال‪" :‬يا معاذ واهلل إين ألحبك" فقال‪" :‬أوصيك يا معاذ ال تدعن يف دبر كل صالة تقول‪ :‬اللهم أعين‬
‫على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»‪ ،1‬ومنها قول قتادة عن أنس بن مالك‪" :‬مجع القرآن على عهد رسول اهلل‪ ‬أربعة‬
‫كلهم من األنصار‪ :‬أيب بن كعب‪ ،‬ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت‪ ،‬وأبو زيد قال أنس‪ :‬أبو زيد أحد عموميت"‪ ،2‬وقول‬
‫مسروق عن عبد اهلل بن عمرو‪ :‬أربعة رهط ال أزال أحبهم بعد ما مسعت من رسول اهلل‪ ‬قال‪ :‬استقرؤا القرآن من أربعة‪:‬‬
‫من عبد اهلل بن مسعود‪ ،‬وسامل موىل أيب حذيفة‪ ،‬وأيب بن كعب‪ ،‬ومعاذ بن جبل"‪ ،3‬مات يف طاعون عمواس سنة مثاين‬
‫عشر(‪09‬ه)‪.4‬‬
‫أنس بن مالك‪ :‬هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر ابن غنم بن‬
‫عدي بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن اخلزرج بن حارثة األنصاري اخلزرجي النجاري أبو محزة املدين نزيل البصرة‪ ،‬خادم‬
‫رسول اهلل‪ ،‬يكىن أبا محزة‪ ،‬مسي باسم عمه أنس بن النضر‪ُّ ،‬أمه هي ُّأم سليم بنت ملحان األنصارية زوجة أيب طلحة‬
‫األنصاري‪ ،‬كان عمره عند مقدم النب‪ ‬املدينة عشر سنني‪ ،‬وقيل‪ :‬مثان سنني‪ ،‬وخدم رسول اهلل‪ ،‬عشر سنني‪،‬‬
‫مدة مقامه باملدينة‪.‬‬
‫روى عن النب‪ ‬وعن أيب بكر وعمر وعثمان وعبد اهلل بن رواحة وفاطمة وثابت بن قيس ابن مشاس وعبد الرمحن‬
‫بن عوف وابن مسعود ومالك بن صعصعة وأيب ذر وأيب بن كعب وأيب طلحة ومعاذ ابن جبل وعبادة بن الصامت وعن‬
‫أمه أم سليم وخالته أم حرام وأم الفضل امرأة العباس وغيهم‪.‬‬
‫روى عنه خالئق من اآلفاق ال يصون عددا منهم‪ :‬احلسن البصري وسليمان التيمي وأبو قالبة وأبو لجلز وعبد العزيز‬
‫بن صهيب وإسحاق بن أيب طلحة وأبو بكر ابن عبد اهلل املزين وقتادة وثابت البناين ومحيد الطويل وابن ابنه مثامة وأبو‬
‫عثمان النهدي وحممد بن سيين وأنس بن سيين وأبو أمامة بن سهل بن حنيف وإبراهيم بن ميسرة وبريد بن أيب مرمي‬
‫وبيان بن بشر والزهري وربيعة بن أيب عبد الرمحن ويي بن سعيد األنصاري وسعيد بن جبي وسلمة بن وردان وغيهم‪.‬‬
‫كان‪ ‬أحسن النماس صالة يف السفر واحلضر ح ى قال أبو هريرة‪ " :‬ما رأيت أحدا أشبه صالة برسول اهلل‪‬‬
‫من ابن أم سليم‪ ،‬يعين أنسا"‪ ،‬وكان‪ ‬يصلي فيطيل القيام ح ى تفطر قدماه دما‪.‬‬

‫‪ - 1‬سنن أيب داود(رقم‪.)2523 :‬‬


‫‪ - 2‬أخرجه والبخاري‪( :‬ص ‪ 665‬رقم ‪ 3822‬وص ‪ 325‬رقم ‪ ،)5223‬ومسلم(ص ‪ 2232‬رقم ‪.)2365‬‬
‫‪ - 3‬أخرجه البخاري(رقم‪ 3758 :‬و‪ 3762‬و‪ 3826‬و‪ ،)3828‬ومسلم(رقم‪.)2363 :‬‬
‫‪ - 4‬ينظر ترمجته‪ :‬االستيعاب يف معرفة األصحاب البن عبد الرب(‪ ،)2327-2322/3‬واإلصابة البن حجر يف متييز الصحابة(‪،)223-227/6‬‬
‫وهتذيب الكمال للمزي(‪.)223-225/28‬‬

‫‪39‬‬
‫فضائله‪ ‬كثية‪ ،‬منها ما أخرجه مسلم عنه‪ ‬قال‪ :‬جاءت يب أم سليم إىل رسول اهلل‪ ،‬قد أزرتين بنصف مخارها‪،‬‬
‫وردتين ببعضه‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬هذا أنيس ابين‪ ،‬أتيتك به خيدمك‪ ،‬فادع اهلل له‪ ،‬فقال‪" :‬اللهم أكثر ماله وولده"‪،‬‬
‫قال أنس‪ :‬فواهلل إن مايل لكثي‪ ،‬وإن ولدي وولد ولدي يتعادون على حنو من مئة اليوم‪ ،1‬ومنها‪ :‬ما أخرجه البخاري عن‬
‫محيد‪ ،‬عن أنس قال‪ :‬دخل رسول اهلل‪ ‬على أم سليم‪ ،‬فأتته بتمر ومسن‪ ،‬وكان صائما‪ ،‬فقال‪" :‬أعيدوا متركم يف وعائه‪،‬‬
‫ومسنكم يف سقائه"‪ ،‬ث قام إىل ناحية البيت‪ ،‬فصلى ركعتني‪ ،‬وصلينا معه‪ ،‬ث دعا ألم سليم‪ ،‬وألهلها خبي‪ ،‬فقالت أم‬
‫سليم‪ :‬يا رسول اهلل إن يل خويصة‪ ،‬قال‪" :‬ما هي؟"‪ ،‬قالت‪ :‬خادمك أنس‪ ،‬قال‪" :‬فما ترك خي آخرة وال دنيا إال دعا‬
‫يل به"‪ ،‬وقال‪" :‬اللهم ارزقه ماال وولدا‪ ،‬وبارك له فيه"‪ ،‬قال أنس‪ :‬فما من األنصار إنسان أكثر ماال مين‪ ،‬وذكر أنه ال‬
‫ميلك ذهبا وال فضة غي خامته‪ ،‬قال‪ :‬وذكر أن ابنته الكربى أمينة‪ ،‬أخربته‪ :‬أنه دفن من صلبه إىل مقدم احلجاج نيف‬
‫على عشرين ومئة‪.2‬‬
‫مات على األشهر سنة ثالث وتسعني(‪ )83‬وهو ابن بضع وتسعون سنة‪ ،‬وقيل يف سنة والدته وكم له أقواال‪.3‬‬
‫قتادة‪ :‬هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو ابن ربيعة بن عمرو بن احلارث بن سدوس‪ ،‬ويقال‪ :‬قتادة بن‬
‫دعامة ابن عكابة بن عزيز بن كرمي بن عمرو بن احلارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب‬
‫بن علي بن بكر بن وائل السدوسي‪ ،‬أبو اخلطاب البصري‪ ،‬ولد أكمه‪.‬‬
‫روى عن أنس بن مالك وعبد اهلل بن سرجس وأيب الطفيل وصفية بنت شيبة‪ ،‬وأرسل عن سفينة وأيب سعيد اخلدري‬
‫وسنان بن سلمة بن احملبق وعمران بن حصني‪ ،‬وروى عن سعيد بن املسيب وعكرمة وأيب الشعثاء جابر بن زيد ومحيد‬
‫بن عبد الرمحن بن عوف واحلسن البصري وحممد بن سيين وعقبة بن عبد الغافر وزرارة بن أوَّف وخالس اهلجري وعبد‬
‫اهلل بن أيب عتبة وصاحل أيب اخلليل وصفوان بن حمرز وسامل بن أيب اجلعد وعطاء بن أيب رباح وأيب لجلز الحق بن محيد‬
‫والنضر وأيب بكر ابين أنس بن مالك ونصر بن عاصم الليثي وأيب غالب بن جبي وأيب أيوب املراغي وأيب حسان األعرج‬
‫وأيب رافع الصائغ وأيب عثمان النهدي وأيب قالبة اجلرمي وأيب عيسى األسواري وأيب نضرة العبدي وأيب املليح بن أسامة‬
‫وأيب املتوكل الناجي وأيب بردة بن أيب موسى وابنه سعيد بن أيب بردة وهو من أقرانه وبديل بن ميسرة العقيلي وهو أيضا‬
‫من أقرانه والشعب وعبد اهلل بن شقيق وعبد اهلل بن معبد الزماين وعزرة بن عبد الرمحن وعقبة بن صهبان وعون بن عبد‬
‫اهلل بن عتبة بن مسعود وقزعة بن يي ومطرف بن عبد اهلل بن الشخي وأيب السوار العدوي ومعاذة العدوية وحفصة بنت‬
‫سيين وغيهم‪.‬‬
‫روى عنه‪ :‬أيوب السختياين وسليمان التيمي وجرير بن حازم وشعبة ومسعر ويزيد بن إبراهيم التستي ويونس‬
‫اإلسكاف وأبو هالل الراسب وهشام الدستوائي ومطر الوراق ومهام بن يي وعمرو بن احلارث املصري ومعمر وشيبان‬

‫‪ - 1‬صحيح مسلم(رقم‪ ،)2382 :‬وحنوه(رقم‪ 2382 :‬و‪ ،)662‬وأخرجه البخاري(رقم‪ 6333 :‬و‪ 6333‬و‪ 6378‬و‪ )6382‬خمتصرا بلفظ‪:‬‬
‫«اللهم أكثر ماله‪ ،‬وولده‪ ،‬وبارك له فيما أعطيته»‪.‬‬
‫‪ - 2‬صحيح البخاري(رقم‪.)2382 :‬‬
‫‪ - 3‬ينظر ترمجته‪ :‬االستيعاب يف معرفة األصحاب البن عبد الرب(‪ ،)222-223/2‬واإلصابة البن حجر يف متييز الصحابة(‪ ،)278-275/2‬وهتذيب‬
‫الكمال للمزي(‪.)378-353/3‬‬

‫‪41‬‬
‫النحوي وسالم بن أيب مطيع وسعيد بن أيب عروبة وأبان بن يزيد العطار وحصني بن ذكوان املعلم ومحاد بن سلمة‬
‫واألوزاعي وعمر بن إبراهيم العبدي وعمران القطان وقرة بن خالد ومنصور بن زاذان والليث بن سعد وأبو عوانة وآخرون‪.‬‬
‫اقي أحسن من قتادة‪ ،‬وقال بكي بن عبد اهلل املزين‪ :‬ما رأيت الذي هو أحفظ‬ ‫قال سعيد بن املسيب‪ :‬ما أتاين عر ٌّ‬
‫منه وال أجدر أن يؤدي احلديث كما مسعه‪ ،‬وقال بن سيين‪ :‬قتادة هو أحفظ الناس‪ ،‬وقال مطر الوراق‪ :‬كان قتادة إذا‬
‫مسع احلديث أخذه العويل والزويل ح ى يفظ‪ ،‬وقال معمر‪ :‬قال قتادة لسعيد بن أيب عروبة‪ :‬خذ املصحف قال فعرض‬
‫عليه سورة البقرة فلم خيطئ فيها حرفا واحدا‪ ،‬قال‪ :‬يا أبا النضر أحكمت؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ألنا بصحيفة جابر أحفظ‬
‫مين لسورة البقرة‪ ،‬وقال شعبة‪ :‬حدثت سفيان حبديث عن قتادة‪ ،‬فقال يل‪ :‬وكان يف الدنيا مثل قتادة! وقال معمر‪ :‬قلت‬
‫للزهري أقتادة أعلم عندك أم مكحول؟ قال‪ :‬ال بل قتادة‪ ،‬وقال عمرو بن علي الفالس عن بن مهدي‪ :‬قتادة أحفظ من‬
‫مخسني مثل محيد الطويل‪ ،‬قال أبو حات‪ :‬صدق ابن مهدي‪.‬‬
‫أخباره كثية‪ ،‬ولد سنة إحدى وستني(‪ ،)60‬ومات بواسط سنة سبع عشرة ومائة(‪ ،)000‬وقيل‪ :‬سنة سبع عشرة‬
‫ومائة(‪.1)009‬‬
‫همام‪ :‬هو مهام" بن يي بن دينار األزدي العوذي احمللمي موالهم أبو عبد اهلل ويقال أبو بكر البصري‪.‬‬
‫روى عن عطاء بن أيب رباح وإسحاق بن أيب طلحة وزيد بن أسلم وأيب مجرة الضبعي وقتادة وحممد بن جحادة وأيب‬
‫التياح الضبعي ونافع موىل بن عمر وأيب عمران اجلوين وأنس بن سيين وزياد بن سعد وثابت البناين وزياد األعلم ويي‬
‫بن أيب كثي وحسني املعلم وابن جريج وغيهم‪.‬‬
‫روع عنه‪ :‬الثوري وهو من أقرانه وابن املبارك وابن علية ووكيع بن مهدي وبشر بن السري وعبد الصمد بن عبد الوارث‬
‫وأبو سعيد موىل بين هاشم وأمحد بن إسحاق احلضرمي وحبان بن هالل ويزيد بن هارون وأبو عامر العقدي وأبو علي‬
‫احلنفي وأبو داود وأبو الوليد الطيالسيان وعمرو بن عاصم وحجاج بن منهال وأبو عمر الدوري وعبد اهلل بن رجاء الغدايف‬
‫وعفان وأبو نعيم ومعاذ بن هانئ ومسلم بن إبراهيم وموسى بن إمساعيل وهدبة بن خالد وشيبان بن فروخ وآخرون‪.‬‬
‫وكان ثقة‪ ،‬وهو من أوثق الناس يف يي بن أيب كثي‪ ،‬ومن املقدمني يف قتادة‪ ،‬وقد قال أمحد بن حنبل‪ :‬مهام ثبت يف‬
‫كل املشايخ‬
‫مات سنة أربع وستني ومائة(‪ )061‬وقيل‪ :‬سنة مخس وستني ومائة(‪ ،)065‬وقال بعضهم سنة ثالث وستني‬
‫ومائة(‪.2)063‬‬
‫هدبة بن خالد‪ :‬هو هدبة بن خالد بن األسود بن هدبة القيسي الثوباين أبو خالد البصري‪ ،‬من بين قيس بن ثوبان‪،‬‬
‫ويقال له‪ :‬هداب‪.‬‬
‫روى عن أخيه أمية بن خالد وجرير بن حازم ومهام بن يي واحلمادين ومحاد بن اجلعد وسليمان بن املغية وأبان بن‬
‫يزيد العطار وديلم بن غزوان وأيب هالل الراسب وغيهم‪.‬‬

‫‪ - 1‬ينظر ترمجته‪ :‬هتذيب الكمال يف أمساء الرجال(‪.)527-338/23‬‬


‫‪ - 2‬ينظر ترمجته‪ :‬هتذيب الكمال يف أمساء الرجال(‪.)322-322/32‬‬

‫‪41‬‬
‫روى عنه‪ :‬البخاري ومسلم وأبو داود وأبو حات وحرب بن إمساعيل وعبد اهلل بن أمحد وزكريا الساجي وبقي بن خملد‬
‫واحلارث بن أيب أسامة وابن أيب عاصم والبزار واحلسن بن سفيان واملعمري وعبدان األهوازي ويوسف بن يعقوب القاضي‬
‫وأبو يعلى والبغوي وخلق‪.‬‬
‫وثقه اجلمهور‪ ،‬ومات سنة ست وثالثني ومائتني(‪ ،)536‬وقيل‪ :‬سنة سبع وثالثني ومائتني(‪ ،)530‬وقيل‪ :‬سنة مثان‬
‫وثالثني ومائتني(‪ ،)539‬وقيل غي ذلك‪.1‬‬
‫‪ -4‬لطائف اإلسناد‪.‬‬
‫أ‪ -‬رواية صحايب عن صحايب؛ أنس بن مالك‪ ‬عن معاذ بن جبل‪ ،‬قال الشاشي يف مسنده‪ " :‬ما روى‬
‫معاذ بن جبل أبو عبد الرمحن األنصاري عن رسول اهلل‪ ،‬وممن روى عنه من الصحابة منهم أنس بن مالك‬
‫رضي اهلل عنهما"‪ ،‬ث أخرج له هذا احلديث من عدة طرق‪.2‬‬
‫ب‪ -‬رجال اإلسناد كلُّهم بصريون إال معاذ بن جبل‪ ،‬فإنه مدينٌّ سكن الشام‪.‬‬
‫ت‪ -‬صيغة األداء يف اإلسناد التحديث إال يف رواية أنس عن معاذ رضي اهلل عنهما فهي العنعنة‪ ،‬فهو مسلسل‬
‫بصيغ االتصال إال أنس‪ ‬عن معاذ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الدراسة املتنية‬
‫شرح غريب الحديث‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ف"‪ :‬قال أبو العباس القرطب‪" :‬قوله ‪ :‬كنت ردف رسول اهلل‪،‬‬
‫قوله‪" :‬رديف" وجاء في بعض الروايات‪" :‬رد َ‬
‫ي روي‪ :‬ردف بسكون الدال من غي ياء‪ ،‬وبكسر الراء‪ ،‬وي روي ‪ :‬رديف بفتح الراء وكسر الدال وياء بعدها‪ ،‬وكالمها‬
‫صحيح رواية ولغة‪ ،‬ومها امسان للراكب خلف الراكب‪ ،‬يقال منه‪ :‬ردف ته أردفه‪ ،‬بكسر الدال يف املاضي‪ ،‬وفتحها يف‬
‫الطربي‪ :‬ردف بفتح الراء وكسر الدال من غي ياء‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫املستقبل‪ ،‬وأردف ته أنا بألف‪ ،‬وذلك املوضع يسمى الرداف‪ ،‬ورواه‬
‫ك عجل وحذر وزمن‪ ،‬وليس مبعروف يف األمساء"‪ ،‬وذكر حنوه تلميذه القاضي عياض‪ ،3‬وقال النووي‪" :‬والردف‬
‫والرديف هو الراكب خلف الراكب يقال منه ردفته أردفه بكسر الدال يف املاضي وفتحها يف املضارع إذا ركبت خلفه‬
‫وأردفته أنا وأصله من ركوبه على الردف وهو العجز"‪.4‬‬
‫قوله‪" :‬آخرة الرحل"‪ ،‬وفي بعض الروايات‪" :‬مؤخ َرة"‪ :‬الرحل هو للبعي كالسرج للفرس‪ ،‬وآخرة الرحل‪ :‬هي العود‬
‫الذي جيعل خلف الراكب يستند إليه‪ ،‬قال ابن اجلوزي‪" :‬مؤخرة الرحل‪ :‬آخره‪ ،‬وهي خشبة لطيفة قائمة"‪ ،5‬قال ابن‬
‫قرقول‪" :‬آخرة الرحل" ممدود‪ ،‬وهو عود يف مؤخره‪ ،‬وهو ضد قادمته‪ ،‬ويف بعض األحاديث‪" :‬مؤخرة الرحل" بكسر‬

‫‪ - 1‬ينظر ترمجته‪ :‬هتذيب الكمال يف أمساء الرجال(‪.)257-252/32‬‬


‫‪ - 2‬املسند للشاشي(‪.)227/3‬‬
‫‪ - 3‬مشارق األنوار على صحاح اآلثار(‪.)287/2‬‬
‫‪ - 4‬املنهاج شرح صحيح مسلم بن احلجاج(‪.)232/2‬‬
‫‪ - 5‬كشف املشكل من حديث الصحيحني(‪.)225/2‬‬

‫‪42‬‬
‫اخلاء وسكون اهلمزة‪ ،‬وبالوجهني ذكره أبو عبيد‪ ،‬وضبطه األصيلي خبطه مرة يف البخاري‪" :‬موخرة الرحل" بفتح امليم‬
‫وإسكان الواو وكسر اخلاء‪ ،‬ورواه بعضهم‪" :‬مؤخرة" وأنكره ابن قتيبة "‪ ،1‬وقال النووي‪" :‬وأما مؤخرة الرحل فبضم‬
‫امليم بعده مهزة ساكنة ث خاء مكسورة‪ ،‬هذا هو الصحيح‪ ،‬وفيه لغة أخرى مؤخرة بفتح اهلمزة واخلاء املشددة قال‬
‫القاضي عياض رمحه اهلل‪ :‬أنكر ابن قتيبة فتح اخلاء وقال ثابت مؤخرة الرحل ومقدمته بفتحهما ويقال آخرة الرحل‬
‫هبمزة ممدودة وهذه أفصح وأشهر‪ ...‬وهي العود الذي يكون خلف الراكب"‪.2‬‬
‫قوله‪" :‬لبيك وسعديك"‪:‬‬
‫"لبيك"‪ :‬قال ابن األثي‪ " :‬هو من التلبية‪ ،‬وهي إجابة املنادي‪ ،...‬وهو مأخوذ من لب باملكان وألب به إذا أقام‬
‫به‪ ،‬وألب على كذا‪ ،‬إذا مل يفارقه‪ ،‬ومل يستعمل إال على لفظ التثنية يف معىن التكرير‪ :‬أي إجابة بعد إجابة"‪ ،3‬وقال‬
‫أبو عبد اهلل املازري‪" :‬مصدر مثىن للتكثي واملبالغة‪ ،‬ومعناه إجابة لك بعد إجابة ولزوما لطاعتك‪ ،‬فتثنيته للتأكيد ال‬
‫تثنية حقيقية"‪.4‬‬
‫"وسعديك"‪ :‬قال ابن األثي‪" :‬أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة‪ ،‬وإسعادا بعد إسعاد"‪.5‬‬
‫التحرج من الوقوع يف‬ ‫قوله‪" :‬تأثما"‪ :‬هو بفتح اهلمزة وتشديد املثلثة املضمومة‪ :‬أي خشية الوقوع يف اإلث‪ ،6‬و ُّ‬
‫التأث ُّ‬
‫اإلث‪ ،7‬قال النووي‪" :‬قوله‪" :‬فأخرب هبا معاذ عند موته تأمثا" هو بفتح اهلمزة وضم املثلثة املشددة‪ ،‬قال أهل اللغة‪:‬‬
‫تأث الرجل إذا فعل فعال خيرج به من اإلث‪ ،‬وحترج أزال عنه احلرج‪ ،‬وحتنث أزال عنه احلنث‪ ،‬ومعىن تأث معاذ أنه كان‬
‫يفظ علما خياف فواته وذهابه مبوته فخشي أن يكون ممن كتم علما وممن مل ميتثل أمر رسول اهلل‪ ‬يف تبليغ سنته‬
‫فيكون آمثا فاحتاط وأخرب هبذه السنة خمافة من اإلث وعلم أن النب‪ ‬مل ينهه عن اإلخبار هبا هني حترمي"‪.8‬‬
‫قوله‪" :‬عفير"‪ :‬قال ابن بطال‪" :‬عفي من العفرة وهو تصغي أعفر"‪ ،9‬وقال ابن امللقن‪"" :‬عفي" تصغي أعفر‪ ،‬إال‬
‫أهنم أخرجوه عن بناء أصله‪ ،‬كما قالوا يف تصغي أسود‪ :‬سويد‪ ،‬وهو بعني مهملة على املشهور‪ ،‬وزعم القاضي عياض‪:‬‬
‫أنه بغني معجمة‪ ،‬ورد ذلك عليه‪ ،‬قال ابن عبدوس يف أمساء خيله ودوابه‪ :‬أخذ ذلك من العفر وهو التاب‪ ،‬وكذا‬
‫قال اخلطايب‪ :‬مسي بذلك لعفرة لونه‪ ،‬والعفرة‪ :‬محرة خيالطها بياض‪ ،‬يقال له‪ :‬أعفر ويعفور‪ ،‬وأخضر وخيضور‪ ،‬وأصفر‬

‫‪ - 1‬مطالع األنوار على صحاح اآلثار(‪.)222/2‬‬


‫‪ - 2‬املنهاج شرح صحيح مسلم بن احلجاج(‪.)232/2‬‬
‫‪ - 3‬النهاية يف غريب احلديث واألثر(‪.)222/3‬‬
‫‪ - 4‬املعلم بفوائد مسلم(‪.)72/2‬‬
‫‪ - 5‬النهاية يف غريب احلديث واألثر(‪.)366/2‬‬
‫‪ - 6‬فتح الباري البن حجر(‪.)227/2‬‬
‫‪ - 7‬فتح الباري البن حجر(‪.)228/2‬‬
‫‪ - 8‬املنهاج شرح صحيح مسلم بن احلجاج(‪.)232/2‬‬
‫‪ - 9‬شرح صحيح البخاري(‪.)62/5‬‬

‫‪43‬‬
‫ويصفور‪ ،‬وأمحر ويمور"‪.1‬‬
‫‪ -2‬المعنى اإلجمالي‪.‬‬
‫لقد تنوعت أساليب النب‪‬يف تعليم أصحابه وأمته والدعوة إىل اهلل‪ ،‬حلرصه‪ ‬على تبليغ رسالة ربه‪ ،‬وكان من‬
‫تشويقي يشذ السامع وجيعله ينتبه وجيمع ذهنه‪ ،‬فإذا انضاف إىل‬‫ٌّ‬ ‫تلك األساليب أسلوب السؤال واجلواب‪ ،‬وهو أسلوب‬
‫ب‪ ‬وكان السامع أحد من أصحابه‬ ‫ذلك تكرار توجيه السؤال كان أدعى للفهم واحلفظ والتكيز‪ ،‬فإذا كان السائل الن ُّ‬
‫مثل معاذ‪ ،‬فال شك أن األسباب كلها توفرت لالهتمام باملسألة املطروحة وحفظها جيدا وفهما على الوجه املراد‪،‬‬
‫ب‪ ‬أجل مسائل العلم وأمهها‪،‬‬ ‫ب‪ ‬كل ذلك لعظم شأن املسألة اليت يريد أن ي علمها معاذا‪ ،‬فعلمه الن ُّ‬ ‫ف فعل الن ُّ‬
‫وأعظم حق هلل‪ ‬على عبيده‪ ،‬وأهم وأعظم واجب على املكلف وهو التوحيد‪ ،‬وأعظم ما يذرون منه وهو الشرك‪ ،‬فبني‬
‫له‪ ‬يف هذا احلديث حق اهلل‪ ‬على عبادة وهو التوحيد‪ ،‬وما يضاده وهو الشرك‪ ،‬وترغيبا للمؤمنني الذين فعلوا ذلك‬
‫بني هلم اجلزاء الذي هلم عند اهلل‪ ‬وهو أال يعذهبم‪ ،‬فسارع معاذ‪ ‬نصيحة للمسلمني فاستأذن النب‪ ‬أن ي بشر‬
‫الناس هبذا الفضل العظيم‪ ،‬لكن النب‪ ‬راعى املصلحة وهناه لكي ال يعتمدوا على هذا الفضل‪ ،‬وتركهم يسارعون‬
‫ويتنافسون يف األعمال‪ ،‬فلم خيرب معاذ‪ ‬الناس حياته كلها‪ ،‬لكن من باب اخلوف من اإلث الذي يتتب على كتمان‬
‫العلم أخرب هبذه البشارة عند موته‪.‬‬
‫أو يقال يف املعىن اإلمجايل اختصارا‪[ :‬بيان أن التوحيد هو حق اهلل‪ ‬على عبيده وبيان فضله‪ ،‬وخطورة الشرك]‪.‬‬
‫المعنى التفصيلي‬ ‫‪-3‬‬
‫ف"‪ ،‬قد تقدم أن الرديف والردف هو الراكب خلف الراكب‪،‬‬
‫قوله‪" :‬بَـيـنَا أنا رديف النبي‪ ،"‬وفي رواية‪" :‬رد َ‬
‫فمعاذ‪ ‬كان راكبا خلف النب‪ ‬على محار امسه عفي‪.‬‬
‫قوله‪" :‬ليس بيني وبينه إال آخرة الرحل"‪ ،‬وفي رواية‪" :‬مؤخرة"‪ ،‬تقدم بيانه يف شرح الغريب‪.‬‬
‫قوله‪" :‬لبيك رسول اهلل وسعديك"‪ ،‬قد تقدم أن "لبيك" معناها‪ :‬إجابة بعد إجابة‪ ،‬و"سعديك" معناها‪ :‬ساعدت‬
‫ب‪ ‬بقوله‪" :‬يا معاذ" أجابه معاذ‪ ‬بأعلى‬‫طاعتك مساعدة بعد مساعدة‪ ،‬وإسعادا بعد إسعاد‪ ،‬فمعاذ‪ ‬ملا ناداه الن ُّ‬
‫ما تستعمله العرب من إجابة الداعي أو املنادي‪ ،‬وهو قوهلم‪" :‬لبيك وسعديك"‪ ،‬ومعناه‪ :‬أنا مستجيب لك ومطيع لك‬
‫إجابة الزمة على الدوام‪ ،‬فح ى وإن توقفت عن مناداتين فأنا مطيع لك ومستجيب لك استجابة ال هناية هلا‪.‬‬
‫قوله‪" :‬ثم سار ساعة ثم قال‪« :‬يا معاذ» قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل وسعديك‪ ،‬ثم سار ساعة ثم قال‪« :‬يا معاذ»‬
‫قلت‪ :‬لبيك رسول اهلل وسعديك"‪ ،‬وهذا التكرار فائدته إثارة انتباه معاذ‪ ‬وحشد ذهنه للتكيز والت نبُّه ملا سيلقى عليه‪.‬‬
‫قوله‪" :‬هل تدري ما حق اهلل على العباد؟"‪ ،‬جاء هنا بصيغة االستفهام ليكون أوقع يف النفس وأبلغ يف التعليم؛‬
‫فهذا مع ما تقدم من تكرار النداء "يا معاذ" الذي هو أدعى جلمع قوة الذهن والتكيز على ما يراد أن يطرح‪ ،‬من أعظم‬
‫ما ميكن السامع من احلفظ والوعي‪ ،‬وهذا من حسن تعليمه وإرشاده‪ ،‬وهو أسلوب ورد عنه‪ ‬كثيا وخصوصا يف‬
‫املسائل املهمة جدا كمسائل العقيدة‪" ،‬تدري"‪ ،‬يقال‪ :‬درى يدري دراية‪ :‬إذا عرف‪ ،‬فالدراية هي املعرفة‪" ،‬حق اهلل"‪:‬‬

‫‪ - 1‬التوضيح يف شرح اجلامع الصحيح(‪.)527/27‬‬

‫‪44‬‬
‫املراد باحلق هنا "ما يستحقه اهلل تعاىل على عباده‪ ،‬مما جعله متحتما عليهم‪ ،‬وألزمهم إياه خبطابه"‪ُّ ،1‬‬
‫فحقه تعاىل على‬
‫عباده أن يفردوه بالعبادة‪ ،‬خملصني له فيها‪ ،‬ممتثلني ما أمرهم به وأوجبه عليهم‪ ،‬وأعظم حقوق اهلل على عبادة هو التوحيد‪،‬‬
‫ومتجنبني ما هناهم عنه‪ ،‬وحرمه عليهم وأعظم ما حرمه اهلل على عبادة هو الشرك‪ ،‬فالتوحيد هو أعظم ما يبه اهلل‪،‬‬
‫والشرك هو أعظم ما يبغضه اهلل‪.‬‬
‫قوله‪" :‬أن يعبدوه‪ ،‬وال يشركوا به شيئا" املراد بالعبادة من حيث العموم‪ :‬فعل الطاعات واجتناب املعاصي‪ ،‬والعبادة‬
‫احلب‪ ،‬ولذلك فالعبادة شرعا‪ ،‬هي كمال احلب مع كمال‬ ‫لغة الذ ُّل واخلضوع‪ ،‬والتعبُّد كذلك التألُّه الذي هو مبعىن ُّ‬
‫اخلضوع؛ كمال احلب للخالق سبحانه مع كمال االنقياد واخلضوع له‪ ،‬ألن كمال احلب مع متام الذل واخلضوع يتضمن‬
‫وال بد طاعة احملبوب واالنقياد له‪ ،‬ولذلك فالعبادة هي فعل ما يبه اهلل ويرضاه من مجيع العبادات اليت شرعها اهلل‪،‬‬
‫كالصالة والزكاة واحلج وحب اهلل ورسوله واخلشوع واإلنابة والتوكل والذبح واالستعانة وبر الوالدين وغيها من شعب‬
‫اإلميان‪ ،‬ولذلك عرف شيخ اإلسالم العبادة شرعا بقوله‪" :‬العبادة هي اسم جامع لكل ما يبُّه اهلل ويرضاه من األقوال‬
‫واألعمال الباطنة والظاهرة‪ ،‬فالصالة والزكاة والصيام واحلج وصدق احلديث وأداء األمانة وبر الوالدين وصلة األرحام‬
‫والوفاء بالعهود واألمر باملعروف والنهي عن املنكر واجلهاد للكفار واملنافقني واإلحسان للجار واليتيم واملسكني وابن‬
‫السبيل واململوك من اآلدميني والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة‪ ،‬وكذلك حب اهلل ورسوله وخشية‬
‫اهلل واإلنابة إليه وإخالص الدين له والصرب حلكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرمحته واخلوف من‬
‫عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة هلل‪ ،‬وذلك أن العبادة هلل هي الغاية احملبوبة له واملرضية له اليت خلق اخللق هلا كما قال‬
‫اهلل تعاىل‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ [الذاريات‪ ،2"]٦٥ :‬وقال ابن القيم‪:‬‬
‫وعب ادة الرمحن غاية حب ه ‪ ....‬م ع ذل عاب ده مه ا قطب ان‬
‫وعليهما ف لك العبادة دائر ‪....‬ما دار ح ى قامت القطبان‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬وال يشركوا به شيئا"‪ :‬أي يوحدوه بالعبادة‪ ،‬يعين ال بد من جتريد العبادة من مجيع أنواع الشرك‪ ،‬و"شيئا"‬
‫هنا جاءت نكرة يف سياق النهي‪ ،‬والنكرة إذا جاءت يف سياق النهي أو النفي عمت‪ ،‬يعين ال بد من ختليص وتصفية‬
‫العبادة من مجيع أنواع الشرك أكربا كان أم أصغرا‪ ،‬وإال مل يقق حق اهلل‪ ‬املطلوب منه‪ ،‬فال يشمله وعد اهلل‪ ‬أال‬
‫يعذبه‪ ،‬ومن أدخل يف عبادته نوعا من الشرك مل يكن موحدا بل مشركا‪ ،‬ألن معىن التوحيد لغة كما يأيت جعل الشيء‬
‫واحدا‪ ،‬وشرعا أن جتعل اهلل واحدا بعبادتك‪ ،‬فإذا أدخلت شيئا من الشرك يف العبادة فإنك مل جتعل اهلل‪ ‬واحدا‬
‫مبقصودك وعبوديتك بل شركت معه غيه‪ ،‬وقد أحسن ابن القيم إذ قال‪:‬‬
‫فلواحد كن واحدا يف واحد ‪ ...‬أعين سبيل احلق واإلميان‪.‬‬
‫وهذه اجلملة يف هذا احلديث وهو قوله‪" :‬أن يعبدوه‪ ،‬وال يشركوا به شيئا"‪ ،‬مشتملة على النفي واإلثبات الذي‬
‫اشتملت عليه كلمة التوحيد ال إله إال اهلل‪ ،‬فان قوله‪" :‬أن يعبدوه" إثبات‪ ،‬وقوله‪" :‬وال يشركوا به شيئا" نفي‪ ،‬وهو معىن‬

‫‪ - 1‬فتح الباري(‪.)333/22‬‬
‫‪ - 2‬كتاب العبودية(ص ‪ 33‬ت الشاويش)‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ال إله إال اهلل‪ ،‬فإن "ال إله" نفي‪ ،‬و"إال اهلل" إثبات‪ ،‬واملراد بذلك نفي مجيع أنواع العبادة عن كل ما سواه وإثباهتا له‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬وسيأيت زيادة بيان ذلك يف املسائل بإذن اهلل‪.‬‬
‫حق أوجبه اهلل‪ ‬على نفسه‪،‬‬ ‫حق العباد على اهلل‪ ‬هو ٌّ‬ ‫قوله‪« :‬هل تدري ما حق العباد على اهلل إذا فعلوه»‪ُّ ،‬‬
‫وهو حمض تفضُّل وكرم منه سبحانه‪ ،‬ال مطالبة لعبد بذلك وليس هو على سبيل املقابلة والعوض واجلزاء‪ ،‬ولذلك يقول‬
‫ب‪" :‬لن يدخل أحدكم اجلنة بعمله‪ ،‬قالوا‪ :‬وال أنت يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬وال أنا إال أن يتغمدين اهلل برمحته"‪ ،‬فالعبد‬
‫الن ُّ‬
‫ملك حمض هلل‪ ‬يتصرف فيه كيف شاء‪ ،‬لكن اقتضت حكمة اهلل وعدله وكرمه أن يقابل اإلحسان باإلحسان وزيادة‪،‬‬
‫واهلل ال خيلف وعده‪ ،‬واهلل‪ ‬كتب على نفسه الرمحة وال يظلم أحدا من عباده‪ ،‬بل قد حرم الظلم على نفسه‪ ،‬كما يف‬
‫صحيح مسلم من حديث أيب ذر‪ ‬عن النب‪ ‬فيما يرويه عن ربه‪ ‬أنه قال‪" :‬يا عبادي إين حرمت الظلم على‬
‫نفسي وجعلته بينكم حمرما فال تظاملوا‪ "...‬احلديث‪ ،‬ولذلك شرع اهلل‪ ‬األعمال وجعلها سببا لدخول اجلنة‪ ،‬فقال تعاىل‬
‫يف كتابه‪ :‬ﭽ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭼ[األعراف‪ ،]13 :‬وقال سبحانه‪ :‬ﭽ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ [النحل‪ ،]٢٣ :‬وقال‪ :‬ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ‬

‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﭼ[الزخرف‪ ،]05 :‬وبعض الناس ُّ‬


‫يظن أن بني هذه اآليات واحلديث املتقدم تعارضا‪،‬‬
‫حقيقي بينها‪ ،‬فالباء يف قوله تعاىل يف اآليات املتقدمة هي‬
‫ٌّ‬ ‫وليس بينهما تعارضا حبال‪ ،‬ألن نصوص الشريعة ال تعارض‬
‫باء السببية يعين أن األعمال كانت سببا لدخول اجلنة‪ ،‬أما الباء يف قوله‪" :‬لن يدخل أحدكم اجلنة بعمله"‪ ،‬فهي باء‬
‫العوض‪ ،‬وهذه منتفية عن العباد‪ ،‬ألنه ال ميكن أن تكون اجلنة عوضا عن أعمال العبد مهما بلغت تلك األعمال‪.‬‬
‫قوله‪ " :‬أن ال يعذبهم"‪ ،‬وفي الرواية األخرى‪" :‬أن ال يعذب من ال يشرك به شيئا"‪ ،‬اقتصر على نفي الشرك ألنه‬
‫يقتضي حتقيق التوحيد‪.‬‬
‫ويف هذه اجلملة فضل من حقق التوحيد وعمل مبقتضاه وابتعد عن مجيع أنواع الشرك‪ ،‬فوعد اهلل‪ ‬أن من حقق‬
‫التوحيد من عباده ومل يشبه بشرك أن ال يعذبه‪ ،‬يعين ال يدخله النار‪ ،‬يقول اهلل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ[األنعام‪ ،]82 :‬فهم آمنون يف الدنيا من القتل وأخذ املال والرق وغيها‪،‬‬
‫وآمنون من عذاب اهلل‪ ‬يوم القيامة فال يذوقونه‪ ،‬وقد جاء يف حديث السبعني ألفا الذين يدخلون اجلنة بال حساب‬
‫وال عذاب أهنم هم الذين ال يستقون وال يكتوون وال يتطيون وعلى رهبم يتوكلون‪ ،‬وهؤالء الذين حققوا كمال التوحيد‬
‫وعلقوا قلوهبم باهلل وحده‪.‬‬
‫‪ -1‬مسائل الحديث‪.‬‬
‫حق هلل‪ ‬على عبيده‪ ،‬والشرك الذي‬
‫إن أعظم مسألة بينها ودل عليها هذا احلديث هو التوحيد الذي هو أعظم ٍّ‬
‫ينافيه وهو أبغض شيء هلل‪ ،‬وذلك يف قوله‪" :‬حق اهلل على عباده أن يعبدوه وال يشركون به شيئا"‪ ،‬فاحتوت‬
‫هذه اجلملة اليت هي موضوع احلديث األساس وألجله كان ذلك السياق على التوحيد والشرك‪ ،‬وقد سبق بيان أن هذه‬
‫اجلملة يف هذا احلديث مشتملة على النفي واإلثبات الذي اشتملت عليه كلمة التوحيد ال إله إال اهلل‪ ،‬فان قوله‪" :‬أن‬

‫‪46‬‬
‫يعبدوه" إثبات‪ ،‬وقوله‪" :‬وال يشركوا به شيئا" نفي‪ ،‬وهو معىن ال إله إال اهلل‪ ،‬فإن "ال إله" نفي‪ ،‬وإال اهلل "إثبات"‪ ،‬واملراد‬
‫بذلك نفي مجيع أنواع العبادة عن كل ما سواه وإثباهتا له وحده ال شريك له‪ ،‬فمعىن هذه اجلملة هي معىن كلمة التوحيد‬
‫متاما‪ ،‬وقد جاءت آيات كثية يف كتابه‪ ‬فيها معىن هذه الكلمة وبعض اآليات مطابقة هلا متاما‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﯚ ﭼ [النساء‪ ،]٢٥ :‬فإن هذه اآلية كقوله‪" :‬أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا"‪ ،‬وقد بوب‬
‫اإلمام البخاري على هذا احلديث يف كتاب التوحيد ب ‪ :‬باب ما جاء يف دعاء النب‪ ‬أمته إىل توحيد اهلل تبارك وتعاىل‪،1‬‬
‫فأخرج حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما يف بعث معاذ‪ ‬إىل اليمن لتعليم الناس‪ ،‬وهو حديث أيب معبد موىل ابن‬
‫ب‪ ‬معاذ بن جبل إىل حنو أهل اليمن قال له‪« :‬إنك تقدم على قوم‬ ‫عباس قال‪ :‬مسعت ابن عباس يقول‪ :‬ملا بعث الن ُّ‬
‫من أهل الكتاب‪ ،‬فليكن أول ما تدعوهم إىل أن ي وحدوا اهلل تعاىل‪ ،‬فإذا عرفوا ذلك‪ ،‬فأخربهم أن اهلل قد فرض عليهم‬
‫مخس صلوات يف يومهم وليلتهم‪ ،‬فإذا صلوا‪ ،‬فأخربهم أن اهلل افتض عليهم زكاة يف أمواهلم‪ ،‬تؤخذ من غنيهم فتد على‬
‫فقيهم‪ ،‬فإذا أقروا بذلك فخذ منهم‪ ،‬وتوق كرائم أموال الناس»‪ ،2‬ث أخرج هذا احلديث‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يدل على فقهه رمحه اهلل‪،‬‬
‫ويبني من جهة أخرى بوضوح أن موضوع احلديث األساس هو التوحيد‪ ،‬ولذلك سنتكلم هنا على مسائل تتعلق بالتوحيد‬
‫وما يضاده من الشرك‪ ،‬وسيكون الكالم على هذا املوضوع يف املسائل اآلتية‪.‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬معنى التوحيد لغة وشرعا‪.‬‬
‫التوحيد لغة‪ :‬مصدر من وحد يوحد توحيدا‪ ،‬أي جعل الشيء واحدا وأفرده‪.‬‬
‫قال ابن منظور‪" :‬والتوحيد‪ :‬اإلميان باهلل وحده ال شريك له‪ ،‬واهلل الواحد األحد‪ :‬ذو الوحدانية والتوحد‪ ،‬ابن سيده‪:‬‬
‫واهلل األوحد واملتوحد وذو الوحدانية‪ ،‬ومن صفاته الواحد األحد؛ قال أبو منصور وغيه‪ :‬الفرق بينهما أن األحد بين لنفي‬
‫ما يذكر معه من العدد‪ ،‬تقول ما جاءين أحد‪ ،‬والواحد اسم بين ملفتتح العدد‪ ،‬تقول جاءين واحد من الناس‪ ،‬وال تقول‬
‫جاءين أحد؛ فالواحد منفرد بالذات يف عدم املثل والنظي‪ ،‬واألحد منفرد باملعىن؛ وقيل‪ :‬الواحد هو الذي ال يتجزأ وال‬
‫يثىن وال يقبل االنقسام وال نظي له وال مثل وال جيمع هذين الوصفني إال اهلل‪‬؛ وقال ابن األثي‪ :‬يف أمساء اهلل تعاىل‬
‫الواحد‪ ،‬قال‪ :‬هو الفرد الذي مل يزل وحده ومل يكن معه آخر؛ قال األزهري‪ :‬وأما اسم اهلل‪ ‬أحد فإنه ال يوصف شيء‬
‫باألحدية غيه؛ ال يقال‪ :‬رجل أحد وال درهم أحد كما يقال‪ :‬رجل وحد أي فرد‪ ،‬ألن أحدا صفة من صفات اهلل‪‬‬
‫اليت استخلصها لنفسه وال يشركه فيها شيء؛ وليس كقولك‪ :‬اهلل واحد وهذا شيء واحد؛ وال يقال شيء أحد"‪.3‬‬
‫وأما التوحيد شرعا‪ :‬فهو االعتقاد اجلازم بأن اهلل‪ ‬واحد يف ذاته وصفاته وأفعاله وعبادته‪ ،‬وهو إفراد اهلل‪ ‬بالربوبية‬
‫بتفرد اهلل تعاىل ووحدانيته يف ذاته وصفاته وأفعاله‪ ،‬ونفي الشركاء واألنداد‬
‫واأللوهية واألمساء والصفات‪ ،‬أي‪ :‬اإلميان اجلازم ُّ‬
‫عنه سبحانه اعتقادا وعمال على الوجه الذي جاء به الشرع‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬أقسام التوحيد‪.‬‬

‫‪ - 1‬اجلامع الصحيح(كتاب التوحيد‪ ،‬باب ما جاء يف دعاء النب‪ ‬أمته إىل توحيد اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬رقم‪.)7373 :‬‬
‫‪ - 2‬اجلامع الصحيح(كتاب التوحيد‪ ،‬باب ما جاء يف دعاء النب‪ ‬أمته إىل توحيد اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬رقم‪.)7372 :‬‬
‫‪ - 3‬لسان العرب(‪.)352-352/3‬‬

‫‪47‬‬
‫قسم العلماء التوحيد بعدة اعتبارات‪ ،‬فقسموه باعتبار إىل ثالثة أقسام‪ ،‬وقسموه باعتبار إىل قسمني‪.‬‬
‫أما القسمة الثالثية‪ ،‬فالتوحيد ثالثة أنواع؛ توحيد الربوبية‪ ،‬وتوحيد األلوهية‪ ،‬وتوحيد األمساء والصفات‪.‬‬
‫‪ - 0‬توحيد الربوبية‪ :‬وهو توحيد اهلل بأفعاله‪ ،‬وهو اإلقرار بأن اهلل تعاىل هو اخلالق الرازق احملي املميت املدبر لشؤون‬
‫خلقه‪ ،‬الذي ميلك النفع والضر‪ ،‬واملنفرد بإجابة الدعاء عند االضطرار‪ ،‬الذي بيده األمر كله وبيده اخلي كله‪ ،‬وهو‬
‫باختصار إفراد اهلل‪ ‬باخللق وامللك والتدبي والنفع والضر‪ ،‬وهذا النوع من التوحيد أكثر الناس على اإلقرار به ح ى‬
‫املشركني يف عهد النب‪ ،‬بل مل ينكره إال الدهرية وبعض الفالسفة واملالحدة املعاصرين‪.‬‬
‫‪ - 5‬توحيد األلوهية ويسمى كذلك توحيد اإللهية ويسمى كذلك توحيد العبادة‪ :‬وهو توحيد اهلل تعاىل بأفعال‬
‫العباد‪ ،‬وهو مبين على إخالص التأله هلل تعاىل وحده‪ ،‬وإفراده جبميع أنواع العبادات‪ ،‬كالصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصوم‪ ،‬واحلج‪،‬‬
‫والدعاء‪ ،‬والنذر‪ ،‬والنحر‪ ،‬واخلوف‪ ،‬والرجاء‪ ،‬والتوكل‪ ،‬واإلنابة‪ ،‬والرغبة‪ ،‬والرهبة‪ ،‬وغي ذلك من أنواع العبادات والقربات‪،‬‬
‫وقد سبق أن هذا التوحيد يسمى توحيد العبادة‪ ،‬وقد مر أن شيخ اإلسالم قد عرف العبادة بقوله‪" :‬العبادة اسم جامع‬
‫لكل ما يبه اهلل ويرضاه من األقوال واألعمال الظاهرة والباطنة"‪ ،‬وينبين على ذلك إخالص العبادات كلها هلل تعاىل‬
‫فرضها ونفلها‪ ،‬باطنها وظاهرها‪ ،‬فال جيعل فيها شيئا لغي اهلل تعاىل‪ ،‬ال مللك مقرب‪ ،‬وال لنب مرسل‪ ،‬فضال عما سوامها‪،‬‬
‫وهذا التوحيد هو املطلوب من العباد إنسهم وجنهم‪ ،‬وألجله خلقوا‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬وما خلقت اجلن واإلنس إال لي عبدون}‪،‬‬
‫وهو دعوة مجيع الرسل‪ ،‬كما قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭼ [األنبياء‪ ،]٣٦ :‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮒ ﭼ [النحل‪:‬‬
‫ب‪" :‬بين اإلسالم على‬
‫‪ ،]٢٥‬وهذا التوحيد هو حقيقة دين اإلسالم الذي ال يقبل اهلل من أحد غيه‪ ،‬كما قال الن ُّ‬
‫مخس‪ :‬شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن حممدا رسول اهلل‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت"‪ ،‬وهو‬
‫حق اهلل على العباد الذي جاء يف حديثنا هذا‪ ،‬وهو مقتضى شهادة أن ال إله إال اهلل‪.1‬‬
‫ُّ‬
‫‪ - 3‬توحيد األسماء والصفات‪ ،‬وهو اإلميان مبا مسى ووصف اهلل‪ ‬به نفسه يف كتابه ومبا مساه ووصفه به رسوله‪،‬‬
‫من غي حتريف وال تعطيل‪ ،‬ومن غي تكييف وال متثيل‪ ،‬وهو اعتقاد ثبوت ما وصف اهلل به نفسه‪ ،‬أو وصفه به رسوله‪‬‬
‫إثباتا ونفيا‪ ،‬فيثبت هلل ما أثبته لنفسه‪ ،‬وينفي عنه ما نفاه عن نفسه‪ ،‬كالعلم والقدرة‪ ،‬وأنه احلي القيوم الذي ال تأخذه‬
‫سنة وال نوم‪ ،‬وأنه مسيع بصي‪ ،‬رؤوف رحيم‪ ،‬وأنه امللك القدوس السالم املؤمن املهيمن العزيز اجلبار املتكرب‪ ،‬على العرش‬
‫استوى‪ ،‬وينزل لفصل القضاء‪ ،‬وحنو ذلك من األمساء احلسىن‪ ،‬والصفات العلى‪ ،‬من غي حتريف وال تعطيل‪ ،‬ومن غي‬
‫تكييف وال متثيل‪ ،‬كما قال اإلمام أمحد رمحه اهلل‪" :‬ال يوصف اهلل إال مبا وصف به نفسه‪ ،‬أو وصفه به رسوله‪ ‬ال‬
‫يتجاوز القرآن واحلديث"‪ ،‬ويوضح شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل هذا التوحيد‪ ،‬فيقول‪" :‬فاألصل يف هذا الباب أن‬
‫يوصف اهلل مبا وصف به نفسه‪ ،‬ومبا وصفته به رسله نفيا وإثباتا‪ ،‬فيثبت هلل ما أثبته لنفسه‪ ،‬وينفي عنه ما نفاه عن نفسه‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫يقول ابن القيم رمحه اهلل على كلمة التوحيد ال إله إال اهلل كما يف زاد املعاد(‪" :)36/2‬اليت ألجلها نصبت املوازين‪ ،‬ووضعت الدواوين‪ ،‬وقام سوق‬
‫اجلنة والنار‪ ،‬وهبا انقسمت اخلليقة إىل املؤمنني والكفار‪ ،‬واألبرار والفجار وأسست امللة‪ ،‬وألجلها جردت السيوف للجهاد‪ ،‬وهي حق اهلل على‬
‫مجيع العباد"‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫وقد علم أن طريقة سلف األمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات‪ ،‬من غي تكييف وال متثيل‪ ،‬ومن غي حتريف وال‬
‫تعطيل‪ ،‬وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه‪ ،‬مع إثبات ما أثبته من الصفات من غي إحلاد ال يف أمسائه‪ ،‬وال يف آياته‪،‬‬
‫فإ من اهلل تعاىل ذم الذين يلحدون يف أمسائه وآياته‪ ،‬كما قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ [األعراف‪ ،]٠٨١ :‬ويقول تعاىل‪ :‬ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ [فصلت‪ ،]٠١ :‬وذكر‬
‫شيخ اإلسالم رمحه اهلل أن طريقة سلف األمة وأئمتها‪ ،‬تتضمن إثبات األمساء والصفات‪ ،‬مع نفي مماثلة املخلوقات إثباتا‬
‫بال تشبيه‪ ،‬وتنزيها بال تعطيل‪ ،‬كما قال تعاىل‪ :‬ﭽﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ [الشورى‪،]٠٠ :‬‬
‫وبني رمحه اهلل أن يف قوله تعاىل‪ : :‬ﭽﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤﭼ ردٌّ للتشبيه والتمثيل‪ ،‬ويف قوله‪ : :‬ﭽ ﭥ ﭦ ﭧﭼ‬
‫ردٌّ لمإحلاد والتعطيل‪ ،‬ث قال‪" :‬واهلل سبحانه بعث رسله بإثبات مفصل ونفي لجمل‪ ،‬فأثبتوا هلل الصفات على وجه‬
‫التفصيل‪ ،‬ونفوا عنه ما ال يصل له من التشبيه والتمثيل"‪.‬‬
‫أما القسمة الثنائية‪ ،‬فالتوحيد نوعان على تقسيم هو التوحيد العلمي اخلربي‪ ،‬والتوحيد العملي‪.‬‬
‫‪ -0‬التوحيد العلمي‪ ،‬وهو توحيد األمساء والصفات‪.‬‬
‫‪ -5‬التوحيد القصدي العملي‪ ،‬وهو توحيد األلوهية والربوبية‪.‬‬
‫يقول اإلمام ابن القيم رمحه اهلل على هذه القسمة‪" :‬التوحيد نوعان‪ :‬نوع يف العلم واالعتقاد‪ ،‬ونوع يف اإلرادة والقصد‪،‬‬
‫ويسمى األول‪ :‬التوحيد العلمي‪ ،‬والثاين‪ :‬التوحيد القصدي اإلرادي‪ ،‬لتعلق األول باألخبار واملعرفة‪ ،‬والثاين بالقصد‬
‫واإلرادة‪ ،‬وهذا الثاين أيضا نوعان‪ :‬توحيد يف الربوبية‪ ،‬وتوحيد يف اإلهلية‪ ،‬فهذه ثالثة أنواع"‪.1‬‬
‫وهو نوعان كذلك على تقسيم آخر‪.‬‬
‫‪ -0‬توحيد يف املعرفة واإلثبات‪ ،‬وهو توحيد الربوبية واألمساء والصفات‪.‬‬
‫‪ -5‬وتوحيد يف الطلب والقصد‪ ،‬وهو توحيد األلوهية‪.‬‬
‫يقول حافظ حكمي‪" :‬التوحيد نوعان؛ األول‪ :‬التوحيد العلمي اخلربي االعتقادي‪ ،‬املتضمن إثبات صفات الكمال‬
‫هلل‪ ،‬وتنزيهه عن التشبيه والتمثيل وتنزيهه عن صفات النقص‪ ،‬وهو توحيد الربوبية واألمساء والصفات‪ ،‬والثاين‪ :‬التوحيد‬
‫الطلب القصدي اإلرادي‪ ،‬وهو عبادة اهلل تعاىل وحده ال شريك له‪ ،‬وجتريد حمبته واإلخالص له‪ ،‬وخوفه ورجاؤه‪ ،‬والتوكل‬
‫عليه والرضا به ربا وإهلا ووليا‪ ،‬وأن ال جيعل له عدال يف شيء من األشياء‪ ،‬وهو توحيد اإلهلية"‪.2‬‬
‫وهنا فائدة ال بد من التنبيه عليها وهو أن أنواع التوحيد الثالثة؛ توحيد الربوبية‪ ،‬وتوحيد األلوهية‪ ،‬وتوحيد األمساء‬
‫والصفات‪ ،‬متابطة متالزمة ال ينفك بعضها عن بعض‪ ،‬فمن أتى بنوع منها دون اآلخر‪ ،‬فإنه مل يأت بالتوحيد على وجه‬
‫الكمال املطلوب‪ ،‬فاإلقرار بتوحيد الربوبية وحده مثال ال يكفي لتحقيق معىن التوحيد املطلوب من العبد شرعا‪ ،‬فكفار‬

‫‪ - 1‬مدراج السالكني(‪.)38/2‬‬
‫‪ - 2‬معارج القبول(‪.)38/2‬‬

‫‪49‬‬
‫ب‪ ‬واستحقوا اخللود يف النار ملن مات على كفره كانوا مقرين بتوحيد الربوبية‪ ،‬لكنهم أشركوا مع‬ ‫قريش الذين قاتلهم الن ُّ‬
‫اهلل‪ ‬يف العبادة فكانوا كفارا‪ ،‬ولذلك حاججهم اهلل‪ ‬يف القرآن بأن اإلقرار بالربوبية يستلزم اإلقرار باأللوهية‪ ،‬يقول‬
‫تعاىل ﭽﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭼ[يونس‪ ،]٢٠ :‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ [الزمر‪ ،]٢٨ :‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ [العنكبوت‪ ،]٥٠ :‬وهذا يعين أن اهلل‪ ‬هو‬
‫مالككم ألنه هو الذي خلقكم وهو الذي رزقكم وهو الذي ميلك ضركم ونفعكم‪ ،‬فأنتم ملكه وخلقه فكيف تصرفون‬
‫العبادة اليت ألجلها خلقكم لغيه وال فضل هلم عليكم‪ ،‬هذا من الظلم العظيم بل هذا هو أظلم الظلم‪ ،‬وهذا هو الشرك‬
‫الذي يبغضه اهلل‪ ،‬وهذا معىن قول العلماء أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد األلوهية‪ ،‬كذلك جاء يف القرآن الكرمي تقرير‬
‫أن اإلله الذي يستحق العبادة هو من كان كامال بأمسائه وصفاته‪ ،‬فمن كان فيه نقص من وجه من الوجوه فال يستحق‬
‫أي نوع من أنواع العبادة‪ ،‬يقول تعاىل‪ :‬ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ‬
‫[األنبياء‪ ،]٥٥ :‬ويقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ [مرمي‪،٠٣ :‬‬
‫ويقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﭼ [األعراف‪ ،]٠٠٨ :‬فالذي فيه نقص ال يستحق أن يعبد ألنه قد استقر يف الفطر‬
‫أن الذي يستحق أن يعبد هو الكامل من مجيع الوجوه‪ ،‬وليس هناك كامال من مجيع الوجوه الكمال املطلق إال اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل فاستحق العبادة ألجل ذلك‪ ،‬فدل مما سبق أن توحيد األمساء والصفات وتوحيد الربوبية اللذان يدالن‬
‫على كمال اإلله سبحانه يستلزمان توحيد األلوهية‪ ،‬فال يستحق العبادة إال كامال كماال مطلقا‪.‬‬
‫يقول حافظ حكمي رمحه اهلل‪" :‬فإنه ال يكون إهلا مستحقا للعبادة إالم من كان خالقا رازقا مالكا متصرفا مدبرا‬
‫جلميع األمور‪ ،‬حيا قيوما مسيعا بصيا عليما حكيما‪ ،‬موصوفا بكل كمال‪ ،‬منزها عن كل نقص‪ ،‬غنيا عما سواه‪ ،‬مفتقرا‬
‫إليه كل ما عداه‪ ،‬فاعال خمتارا ال معقب حلكمه‪ ،‬وال راد لقضائه‪ ،‬وال يعجزه شيء يف السموات وال يف األرض‪ ،‬وال يعزب‬
‫عنه مثقال ذرة يف السموات وال يف األرض‪ ،‬وال ختفى عليه خافية‪ ،‬وهذه صفات اهلل‪ ‬ال تنبغي إال له‪ ،‬وال يشركه فيها‬
‫غيه‪ ،‬فكذلك ال يستحق العبادة إال هو‪ ،‬وال جتوز لغيه‪ ،‬فحيث كان متفردا باخللق واإلنشاء والبدء واإلعادة‪ ،‬ال يشركه‬
‫يف ذلك أحد‪ ،‬وجب إفراده بالعبادة دون من سواه‪ ،‬ال يشركه معه يف عبادته أحد"‪.1‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬أهمية وفضل التوحيد ووجوب السعي إلى تحقيقه‪.‬‬
‫توحيد اهلل‪ ‬وإفراده جبميع أنواع العبادة هو أوجب الواجبات وأفضل القربات على اإلطالق‪ ،‬وألمهية موضوع‬

‫‪ - 1‬معارج القبول(‪.)333/2‬‬

‫‪51‬‬
‫ب‪ ‬عناية عظمى‪ ،‬بل إن جل دعوته كانت موجة إليه‪ ،‬بل إن العهد املكي مل تشرع فيه شيء‬ ‫التوحيد فقد عين به الن ُّ‬
‫من العبادات إال الصالة وكانت يف آخره‪ ،‬فكانت دعوته‪ ‬يف هذا العهد كلها يف بيان التوحيد وما يضاده وهو الشرك‪،‬‬
‫وهذه دعوة مجيع األنبياء‪.‬‬
‫وتظهر أهمية التوحيد ووجوب العناية به يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫‪ -0‬أنه الغاية اليت خلق اهلل‪ ‬ألجلها اخللق وبعث ألجلها الرسل‪ ،‬وقام سوق اجلنة والنار‪ ،‬فتحقيق التوحيد وإفراد‬
‫اهلل‪ ‬بالعبادة هو األمر الذي خلق اهلل‪ ‬اخللق ألجله‪ ،‬يقول تعاىل‪{ :‬وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون}‪.‬‬
‫قال ابن القيم يف مقدمة كتابه‪" :‬زاد املعاد"‪" :‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬كلمة‪-‬وهي كلمة‬
‫التوحيد‪ -‬قامت هبا األرض والسماوات‪ ،‬وخلقت ألجلها مجيع املخلوقات‪ ،‬وهبا أرسل اهلل تعاىل رسله وأنزل كتبه وشرع‬
‫شرائعه‪ ،‬وألجلها نصبت املوازين ووضعت الدواوين وقام سوق اجلنة والنار‪ ،‬وهبا انقسمت اخلليقة إىل املؤمنني والكفار‬
‫احلق الذي خلقت له اخلليقة وعنها وعن حقوقها‬ ‫واألبرار والفجار‪ ،‬فهي منشأ اخللق واألمر والثواب والعقاب‪ ،‬وهي ُّ‬
‫السؤال واحلساب‪ ،‬وعليها يقع الثواب والعقاب‪ ،‬وعليها نصبت القبلة‪ ،‬وعليها أسست امللة‪ ،‬وألجلها جردت سيوف‬ ‫ُّ‬
‫حق اهلل على مجيع العباد؛ فهي كلمة اإلسالم ومفتاح دار السالم‪ ،‬وعنها يسأل األولون واآلخرون‪ ،‬فال‬ ‫اجلهاد‪ ،‬وهي ُّ‬
‫تزول قدما العبد بني يدي اهلل‪ ‬ح ى يسأل عن مسألتني‪ :‬ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم املرسلني؛ فجواب األوىل‬
‫بتحقيق ال إله إال اهلل معرفة وإقرارا وعمال‪ ،‬وجواب الثانية بتحقيق أن حممدا رسول اهلل معرفة وإقرارا وانقياد وطاعة"‪.1‬‬
‫‪ - 5‬أنه دعوة الرسل مجيعا‪ ،‬فالدعوة إىل اإلميان باهلل‪ ،‬وإفراده بالعبادة والتذلل له‪ ،‬واالنقياد ألمره وحكمه‪ ،‬وتنزيهه‬
‫عن الند والصاحبة والولد‪ ،‬هي املسألة اليت من أجلها بعث اهلل مجيع أنبيائه ورسله‪ ،‬وقد جاء ذلك جليا يف القرآن الكرمي‪،‬‬
‫قال اهلل تعال على وجه العموم‪ :‬ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮒ ﭼ [النحل‪:‬‬
‫‪ ،]٢٥‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ [األنبياء‪،]55 :‬‬
‫وأما على وجه اخلصوص‪ ،‬فقال تعاىل عن نوح عليه السالم‪ :‬ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ [األعراف‪ ،]58:‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭼ [هود‪ ،].56-55 :‬وقال سبحانه‬
‫عن هود عليه السالم‪:‬ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ[األعراف‪،]65:‬‬
‫ويف سورة هود‪ :‬ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﭼ‪ ،‬وقال جل ذكره عن صاحل عليه السالم‪ :‬ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯽ ﭼ [ األعراف‪ ،03 :‬وهود‪ ،]60 :‬وقال تعاىل عن إبراهيم عليه‬
‫السالم‪ :‬ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ [األنعام‪،]08 :‬‬
‫وقال تعاىل عن شعيب عليه السالم‪ :‬ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ‬

‫‪ - 1‬زاد املعاد(‪.)33/2‬‬

‫‪51‬‬
‫ﮛ ﭼ [ األعراف‪ ،]95 :‬وقال عن موسى عليه السالم‪ :‬ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﭼ [األعراف‪ ،]011 :‬وقال عن عيسى عليه السالم‪ :‬ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﭼ [آل عمران‪.]50 :‬‬
‫‪ - 3‬أنه دعوة النب‪ ‬منذ بعثته وأثنائها وعند وفاته‪ ،‬فقد كان‪ ‬يقول لقريش‪" :‬قولوا كلمة متلكون هبا العرب‪ ،‬وتدين‬
‫أحاج لك هبا عند اهلل يوم القيامة"‪ ،‬وملا بعث‬
‫لكم هبا العجم"‪ ،‬وقال لعمه أيب طالب عند وفاته‪" :‬قل ال إله إال اهلل كلمة ُّ‬
‫معاذا‪ ‬إىل اليوم قال له‪" :‬إنك تأت قوما أهل كتاب‪ ،‬فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا اهلل‪-‬ويف رواية إىل شهادة‬
‫أن ال إله إال اهلل وأين رسول اهلل‪ ،-‬فإن هم أطاعوا لك بذلك‪ "...‬احلديث‪ ،‬وقال‪ ‬قبيل وفاته‪" :‬لعن اهلل اليهود والنصارى‬
‫اختذوا قبور أنبيائهم مساجد"‪ ،‬وكل هذه األحاديث يف الصحيحني إال األول‪.‬‬
‫‪ - 1‬أن كتاب اهلل‪ ‬كله متضمن للقرآن ودال عليه ومقرر له وداع إليه‪ ،‬فقد قرر السلف وبسط فيها القول شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية وتكلم عليها تلميذه ابن القيم‪ :‬أن القرآن كله توحيد‪ ،‬فإنه من املعلوم أن القرآن إما خرب عن اهلل تعاىل‬
‫وأمسائه وصفاته وأفعاله‪ ،‬وإما دعوة إىل عبادة اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وإما هني عن اإلشراك باهلل‪ ‬والتحذير من ذلك‪،‬‬
‫وإما أمر وهني وإلزام بطاعة اهلل‪ ،‬اليت تعترب من حقوق التوحيد ولوازمه‪ ،‬وإما خرب عن إكرام اهلل تعاىل ألهل توحيده‬
‫من أوليائه‪ ،‬وما يفعل اهلل هبم يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وإما خرب عن أهل الشرك‪ ،‬وجزاؤهم من العذاب يف الدنيا واآلخرة بسبب‬
‫إعراضهم عن توحيد اهلل تعاىل‪ ،‬وهذا يدلل على أمهية التوحيد والتكيز عليه‪.‬‬
‫‪ - 5‬أن التوحيد أول واجب على املكلف‪ ،‬فأول واجب على املكلف هو معرفة اهلل‪ ‬بالتوحيد وحتقيق شهادة أن‬
‫ال إله إال اهلل‪ ،‬وليس هو النظر أو الشك أو غيمها مما يقول أهل الكالم‪ ،‬يقول قال اإلمام ابن أيب العز احلنفي رمحه اهلل‪:‬‬
‫"اعلم أن التوحيد هو أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق‪ ،‬وأول مقام يقوم فيه السالك إىل اهلل‪ ...‬وهلذا كان الصحيح‬
‫أن أول واجب جيب على املكلف شهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬ال النظر‪ ،‬وال القصد إىل النظر‪ ،‬وال الشك‪ ،‬فالتوحيد أول‬
‫ما يدخل به يف اإلسالم‪ ،‬وآخر ما خيرج به من الدنيا‪ ،‬فهو أول واجب وآخر واجب"‪.1‬‬
‫ويقول الشيخ حافظ احلكمي رمحه اهلل يف منظومته‪:2‬‬
‫مع رفة الرمحن بالتوحي د‬ ‫أول واج ب ع لى العبي د‬
‫وهو نوعان أيا من يفهم‬ ‫إذ هو من كل األوامر أعظم‬
‫‪ - 6‬أن التوحيد هو أعظم أركان هذا الدين‪ ،‬كما يف الصحيحني من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النب‪‬‬
‫قال‪" :‬بين اإلسالم على مخس؛ شهادة أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل‪ ،‬وإقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضان‪،‬‬
‫وحج البيت ملن استطاع إليه سبيال" ‪.‬‬
‫‪ - 0‬أن التوحيد عاصم للدم واملال‪ ،‬كما جاء يف الصحيحني من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النب‪ ‬قال‪:‬‬
‫"أمرت أن أقاتل الناس ح ى يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأين رسول اهلل‪ ،‬ويقيموا الصالة‪ ،‬ويؤتوا الزكاة‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك‬

‫‪ - 1‬شرح العقيدة الطحاوية(‪.)382/2‬‬


‫‪ - 2‬سلم الوصول إىل علم األصول(ص ‪ ،)8‬وينظر شرحها له املعروف مبعارج القبول(‪.)38/2‬‬

‫‪52‬‬
‫عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبق اإلسالم وحساهبم على اهلل تعاىل"‪.‬‬
‫‪ - 9‬أنه آخر ما يقوله املكلف‪ ،‬كما جاءت بذلك األحاديث‪ ،‬منها حديث معاذ‪ ‬أن النب‪ ‬قال‪" :‬من كان آخر‬
‫كالمه ال إله إال اهلل دخل اجلنة"‪.1‬‬
‫‪ - 8‬أنه دعوة النب‪ ‬للملوك‪ ،‬كما يف رسالة النب‪ ‬إىل هرقل كما يف صحيح البخاري‪.‬‬
‫أما فضل تحقيق التوحيد‪ ،‬فقد وعد اهلل‪ ‬من حقق التوحيد بوعود كثية‪:‬‬
‫‪ - 0‬أعظمها ما جاء يف هذا احلديث‪ ،‬وهو أن ال يعذهبم اهلل‪ ،‬فقد سبق قوله‪" :‬أال يعذهبم"‪ ،‬وهذا الوعد إّنا‬
‫هو ملن حقق التوحيد الذي أمر به اهلل‪ ،‬وهو اخلايل من مجيع شوائب الشرك‪ ،‬ويف معىن هذا احلديث حديث عتبان‬
‫بن مالك‪ ‬عن النب‪ ‬قال‪" :‬فإن اهلل حرم على النار من قال ال إله إال اهلل خالصا من قلبه"‪ ،‬وهو يف الصحيحني‪.‬‬
‫‪ - 5‬ومن فضائل حتقيق التوحيد أن صاحبه يدخل اجلنة بغي حساب وال عذاب‪ ،‬كما يف الصحيحني من حديث‬
‫ب‬
‫ب والنبيان ميرون معهم الرهط‪ ،‬والن ُّ‬
‫ابن عباس رضي اهلل عنهما قال قال رسول اهلل‪ " :‬عرضت علي األمم‪ ،‬فجعل الن ُّ‬
‫ليس معه أحد‪ ،‬ح ى رفع يل سواد عظيم‪ ،‬قلت‪ :‬ما هذا؟ أميت هذه؟ قيل‪ :‬بل هذا موسى وقومه‪ ،‬قيل‪ :‬انظر إىل األفق‪،‬‬
‫فإذا سواد ميأل األفق‪ ،‬ث قيل يل‪ :‬انظر ها هنا وها هنا يف آفاق السماء‪ ،‬فإذا سواد قد مأل األفق‪ ،‬قيل‪ :‬هذه أمتك‪،‬‬
‫ويدخل اجلنة من هؤالء سبعون ألفا بغي حساب"‪ ،‬ث دخل ومل يبني هلم‪ ،‬فأفاض القوم‪ ،‬وقالوا‪ :‬حنن الذين آمنا باهلل‬
‫واتبعنا رسوله‪ ،‬فنحن هم‪ ،‬أو أوالدنا الذين ولدوا يف اإلسالم‪ ،‬فإنا ولدنا يف اجلاهلية‪ ،‬فبلغ النب‪ ‬فخرج‪ ،‬فقال‪« :‬هم‬
‫الذين ال يستقون‪ ،‬وال يتطيون‪ ،‬وال يكتوون‪ ،‬وعلى رهبم يتوكلون»‪ ،‬فقال عكاشة بن حمصن‪ :‬أمنهم أنا يا رسول اهلل؟‬
‫قال‪« :‬نعم»‪ ،‬فقام آخر فقال‪ :‬أمنهم أنا؟ قال‪« :‬سبقك هبا عكاشة»‪ ،‬وهذا احلديث وإن كان يشبه األول إال أن فيه‬
‫زيادة وهي عدم حماسبة من حقق التوحيد أصال‪.‬‬
‫‪ - 3‬ومن فضائل حتقيق التوحيد أن اهلل‪ ‬يكفر به الذنوب مجيعا‪ ،‬يقول اهلل‪ ‬يف احلديث القدسي‪" :‬يا ابن آدم‬
‫إنك ما دعوتين ورجوتين غفرت لك على ما كان فيك وال أبايل‪ ،‬يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ث استغفرتين‬
‫غفرت لك‪ ،‬وال أبايل‪ ،‬يا ابن آدم إنك لو أتيتين بقراب األرض خطايا ث لقيتين ال تشرك يب شيئا ألتيتك بقراهبا مغفرة"‪.2‬‬
‫يقول ابن القيم رمحه اهلل تعاىل‪ " :‬فلو لقى املوحد الذي مل يشرك باهلل شيئا البتة ربه بقراب األرض خطايا أتاه بقراهبا‬
‫مغفرة‪ ،‬وال يصل هذا ملن نقص توحيده وشابه بالشرك‪ ،‬فإن التوحيد اخلالص الذي ال يشوبه شرك ال يبقى معه ذنب‪،‬‬
‫الذنوب‪ ،‬ولو كانت قراب‬ ‫فإنه ي تضمن من حمبة اهلل تعاىل وإجالله‪ ،‬وتعظيمه‪ ،‬وخوفه‪ ،‬ورجائه وحده ما يوجب غسل ُّ‬
‫ي‪ ،‬فال تثبت معه"‪.3‬‬
‫األرض‪ ،‬فالنجاسة عارضة‪ ،‬والدافع هلا قو ٌّ‬
‫‪ - 1‬ومن فضائل حتقيق التوحيد أن صاحبه له األمن الكامل يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬قال اهلل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ[األنعام‪ ،]82 :‬والظلم هنا هو الشرك‪ ،‬فقد جاء يف الصحيحني عن‬

‫‪ - 1‬أخرجه أبو داود(رقم‪.)3226 :‬‬


‫‪ - 2‬أخرجه التمذي يف جامعه(رقم‪.)3532 :‬‬
‫‪ - 3‬إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان(‪ 63-63/2‬طبعة الفقي)‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫ابن مسعود‪ :‬ملا نزلت‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭜ ﭼ [األنعام‪ ]95 :‬إمياهنم بظلم شق ذلك على‬
‫أصحاب رسول اهلل‪ ،‬وقالوا‪ :‬أينا ال يظلم نفسه؟ فقال رسول اهلل‪ " :‬ليس هو كما تظنُّون‪ ،‬إّنا هو كما قال لقمان‬
‫البنه ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ [لقمان‪ ،]03 :‬وقوله‪ :‬ﭽ‬
‫ﭓ ﭔﭼ يعين مل خيلطوا إمياهنم بشرك‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬معنى الشرك لغة وشرعا‪.‬‬
‫الشرك لغة‪ :1‬يقول ابن فارس‪" :‬الشني والراء والكاف أصالن‪ ،‬أحدمها ُّ‬
‫يدل على مقارنة وخالف انفراد‪ ،‬واآلخر‬
‫يدل على امتداد واستقامة‪ ،‬فاألول الشركة‪ ،‬وهو أن يكون الشيء بني اثنني ال ينفرد به أحدمها‪ ،‬ويقال‪ :‬شاركت‬ ‫ُّ‬
‫فالنا يف الشيء‪ ،‬إذا صرت شريكه‪ ،‬وأشركت فالنا‪ ،‬إذا جعلته شريكا لك‪ ،‬قال اهلل جل ثناؤه يف قصة موسى‪:‬‬
‫{وأشركه يف أمري} [طه ‪ ،]35‬ويقال يف الدُّعاء‪ :‬اللهم أشركنا يف دعاء املؤمنني‪ ،‬أي اجعلنا هلم شركاء يف ذلك‪،‬‬
‫وشركت الرجل يف األمر أشركه‪.2"...‬‬
‫يدل على مقارنة وخالف انفراد‪ ،‬واآلخر‪ُّ :‬‬
‫يدل على امتداد واستقامة‪.‬‬ ‫فالشرك على هذا له أصالن‪ ،‬أحدمها‪ُّ :‬‬
‫أما األصل األول‪ :‬فهو الشرك‪ ،‬بالتخفيف أي بإسكان الراء‪ ،‬تقول‪ :‬شاركته يف األمر وشركته فيه أشركه شركا‪،‬‬
‫بكسر األول وسكون الثاين‪ ،‬ويأيت‪ :‬شركة‪ ،‬بفتح األول وكسر الثاين فيها‪ .‬ويقال‪ :‬أشركته‪ :‬أي جعلته شريكا‪.‬‬
‫فهذه اشتقاقات لفظ الشرك يف اللغة على األصل األول‪ ،‬ويطلق حينئذ على املعاين اآلتية‪:‬‬
‫‪ -0‬احملافظة‪ ،‬واملصاحبة‪ ،‬واملشاركة‪.‬‬
‫قال ابن منظور‪" :‬الشركة والشركة سواء؛ خمالطة الشريكني‪ ،‬يقال‪ :‬اشتكنا مبعىن تشاركنا‪ ،‬وقد اشتك الرجالن‬
‫وتشاركا‪ ،‬وشارك أحدمها اآلخر‪ ،‬والشريك‪ :‬املشارك‪ ،‬والشرك كالشريك‪ ،‬واجلمع أشراك وشركاء"‪.3‬‬
‫وقال الراغب‪" :‬الشركة واملشاركة‪ :‬خلط امللكني‪ ،‬وقيل‪ :‬هو أن يوجد شيء الثنني فصاعدا عينا كان ذلك الشيء‬
‫أو معىن‪ ،‬كمشاركة اإلنسان والفرس يف احليوانية"‪.4‬‬
‫‪ -5‬النصيب واحلظ واحلصة‪.‬‬
‫قال األزهري‪" :‬يقال‪ :‬شريك وأشراك‪ ،‬كما قالوا‪ :‬يتيم وأيتام‪ ،‬ونصي وأنصار‪ ،‬واألشراك أيضا مجع الشرك وهو‬
‫النصيب‪ ،‬كما قال‪ :‬قسم وأقسام"‪ ،5‬ومنه احلديث‪" :‬من أعتق شركا له يف عبد"‪ ،‬أي حصة ونصيبا‪.‬‬
‫‪ -3‬التسوية‪ :‬قال ابن منظور‪" :‬يقال‪ :‬طريق مشتك‪ :‬أي يستوي فيه الناس‪ ،‬واسم مشتك‪ :‬تستوي فيه معاين‬

‫‪ - 1‬مأخوذ بتصرف من موقع الدرر السنية قسم‪ :‬املوسوعة العقدية‪.‬‬


‫‪ - 2‬معجم مقاييس اللغة(‪.)265/3‬‬
‫‪ - 3‬لسان العرب(‪.)33/7‬‬
‫‪ - 4‬املفردات(ص ‪.)253‬‬
‫‪ - 5‬هتذيب اللغة(‪.)27/22‬‬

‫‪54‬‬
‫كثية"‪.1‬‬
‫‪ -1‬الكفر‪ ،‬قال الزبيدي‪" :‬والشرك أيضا‪ :‬الكفر"‪.2‬‬
‫وأما األصل الثاني‪ :‬وهو الذي ُّ‬
‫يدل على االمتداد واالستقامة‪ ،‬فأيضا يطلق على معان‪:‬‬
‫‪ -0‬الشراك ككتاب‪ ،‬سي النعل على ظهر القدم‪ ،‬يقال‪ :‬أشركت نعلي وشركتها تشريكا‪ :‬إذا جعلت هلا الشراك‪.‬‬
‫‪ -5‬الشرك ‪ -‬بفتحتني ‪ -‬حبالة الصائد‪ ،‬الواحدة منها‪ :‬شركة‪ ،‬ومنه ما جاء يف احلديث‪" :‬وأعوذ بك من شر‬
‫الشيطان وشركه" بفتح الراء‪.‬‬
‫‪ -3‬الشركة ‪ -‬بسكون الراء ‪ :-‬مبعىن معظم الطريق ووسطه‪ ...‬مجعها‪ :‬شرك ‪ -‬بفتحتني ‪.-‬‬
‫فهذ معاين كلمة الشرك يف اللغة‪ ،‬وال شك أن بني هذه الكلمات ترابط يف املعىن‪ ،‬فإذا تأملنا مدلوالت املادة السابقة‬
‫جند التابط واضحا بينها‪ ،‬فاملشرك جيعل غي اهلل مشاركا له يف حقه‪ ،‬فله نصيب مما هو مستحق هلل تعاىل‪ ،‬فهو سوى‬
‫بني اهلل وبني من أشركه يف حق اهلل‪ ،‬مبعىن أنه جعل من تأهله من دون اهلل مقصودا بشيء من العبادة‪ ،‬وال يلزم أن يساوي‬
‫بني الرب جل وعال‪ ،‬وبني من أشركه معه يف القصد والتعبد من كل وجه‪ ،‬بل يكفي أن يكون يف وجه من الوجوه‪.‬‬
‫وهو ‪-‬أي الشرك‪-‬حبائل الشيطان؛ به يصيد أهله‪ ،‬وهو شبكة إبليس‪ ،‬أدخل أهله فيها‪ ،‬والذي يوجد فيه هذا الشرك‬
‫ال يعترب مسلما‪.‬‬
‫وإذا كان مبعىن معظم الطريق‪ ،‬فإن أرجل السائرين ختتلط آثارها هنالك وينضم بعضها إىل بعض‪.‬‬
‫وإذا كان مبعىن سي النعل‪ ،‬فإن النعل تنضم به إىل الرجل فيخلط بينهما‪.‬‬
‫وإذا كان مبعىن الكفر فهو التغطية‪ ،‬والتغطية نوع من اخللط‪.‬‬
‫ث إن اجتماع الشركاء يف شيء ال يقتضي تساوي أنصبائهم منه‪ ،‬وال مينع زيادة نصيب لآلخر‪ ،‬فموسى عليه السالم‬
‫سأل ربه إشراك أخيه يف الرسالة‪ ،‬وقد أجيب سؤاله‪ ،‬لقوله تعاىل‪{ :‬قد أوتيت سؤلك يا موس}ى [طه‪ ،]36 :‬ومعلوم‬
‫أن حظ هارون من الرسالة دون حظ موسى‪ ،‬وهلذا تقول‪ :‬فالن شريك لفالن يف دار أو بضاعة‪ ،‬ولو مل يكن له إال‬
‫معشار العشر‪ ،‬هذا يف احلسيات‪ ،‬ومثله يف املعنويات‪ :‬تقول‪ :‬األبوان شريكان يف طاعة ابنهما هلما‪ ،‬وإن كان حق األم‬
‫يف الطاعة أقوى‪ ،‬وتقول‪ :‬أبنائي شركائي يف حمبيت‪ ،‬وأنت حتب بعضهم أشد من بعض‪ ،‬فهذا تقرير معىن الشرك يف اللغة‪.‬‬
‫وأما الشرك شرعا‪ :‬فهو أن يصرف العبد شيئا من أنواع العبادة لغي اهلل تعاىل من أصنام أو أوثان أو أشجار أو‬
‫أحجار أو إنس أو جن أو قبور أو أجرام مساوية أو قوى طبيعية أو غي ذلك‪ ،‬ومن هذا يتبني لنا أن من صرف شيئا من‬
‫أنواع العبادة كالدعاء والذبح والنذر والصالة واالستغاثة واخلوف والرجاء والتوكل وحنوها‪ ،‬لغي اهلل تعاىل فقد أشرك‬
‫باهلل‪ ،‬وحقيقة الشرك كما قال العالمة عبد الرمحن بن ناصر السعدي‪" :‬أن ي عبد املخلوق كما يعبد اهلل‪ ،‬أو ي عظم كما‬
‫يعظم اهلل‪ ،‬أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية واإلهلية"‪.3‬‬

‫‪ - 1‬لسان العرب(‪.)222-33/7‬‬
‫‪ - 2‬تاج العروس(‪.)238/7‬‬
‫‪ - 3‬تفسي السعدي املعروف ب ‪ :‬تيسي الكرمي الرمحن يف تفسي كالم املنان(ص ‪ )273‬تفسي سورة األنعام‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬أقسام الشرك‬
‫ينقسم الشرك إىل قسمني؛ أكرب وأصغر‬
‫الشرك األكبر‪ :‬أن يصرف العبد نوعا أو فردا من أفراد العبادة لغي اهلل‪ُّ ،‬‬
‫فكل اعتقاد‪ ،‬أو قول‪ ،‬أو عمل ثبت أنه‬
‫مأمور به من الشارع فصرفه هلل وحده توحيد وإميان وإخالص‪ ،‬وصرفه لغيه شرك وكفر‪ ،‬فصرف شيء من أنواع العبادة‬
‫لغي اهلل‪ ،‬كدعاء غي اهلل‪ ،‬والتقرب بالذبائح والنذور لغي اهلل من القبور واجلن والشياطني‪ ،‬واخلوف من املوتى أو اجلن أو‬
‫الشياطني أن يضروه أو ميرضوه‪ ،‬ورجاء غي اهلل فيما ال يقدر عليه إال اهلل من قضاء احلاجات‪ ،‬وتفريج الكربات‪ ،‬مما‬
‫ميارس اآلن حول األضرحة املبنية على قبور األولياء والصاحلني‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ [يونس‪ ،]٠٨ :‬وهذا الشرك خيرج من امللة‪ ،‬وخيلد صاحبه يف النار‪ ،‬إذا مات ومل يتب‬
‫كل شرك أطلقه الشارع وكان متضمنا خلروج اإلنسان عن دينه‪.‬‬
‫منه‪ ،‬وضابطه ُّ‬
‫الشرك األصغر‪ :‬هو ُّ‬
‫كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إىل الشرك األكرب من اإلرادات‪ ،‬واألقوال‪ ،‬واألفعال‪ ،‬وضابطه‬
‫كل عمل قويل أو فعلي أطلق عليه الشرع وصف الشرك ولكنه ال خيرج عن امللة‪ ،‬والشرك األصغر نوعان؛ أحدهما‪:‬‬ ‫هو ُّ‬
‫شرك ظاهر على اللسان واجلوارح وهو‪ :‬ألفاظ وأفعال‪ ،‬فاأللفاظ كاحللف بغي اهلل‪ ،‬قال‪« :‬من حلف بغي اهلل فقد كفر‬
‫أو أشرك»‪ ،‬وقول‪ :‬ما شاء اهلل وشئت‪ ،‬قال‪ :-‬ملا قال له رجل‪ :‬ما شاء اهلل وشئت‪ ،‬فقال‪« :‬أجعلتين هلل نداا؟! قل‪:‬‬
‫ما شاء اهلل وحده»‪ ،‬وقول‪ :‬لوال اهلل وفالن‪ ،‬والصواب أن يقال‪ :‬ما شاء اهلل ث شاء فالن؛ ولوال اهلل ث فالن‪ ،‬وأما األفعال‪:‬‬
‫فمثل لبس احللقة واخليط لرفع البالء أو دفعه‪ ،‬ومثل تعليق التمائم خوفا من العني وغيها؛ إذا اعتقد أن هذه أسباب‬
‫لرفع البالء أو دفعه‪ ،‬فهذا شرك أصغر؛ ألن اهلل مل جيعل هذه أسبابا‪ ،‬أما إن اعتقد أهنا تدفع أو ترفع البالء بنفسها فهذا‬
‫شرك أكرب ألنه تعلق بغي اهلل‪ ،‬والنوع الثاني من الشرك األصغر‪ :‬شرك ٌّ‬
‫خفي وهو الشرك يف اإلرادات والنيات‪ ،‬كالرياء‬
‫السمعة‪ ،‬كأن يعمل عمال مما يتقرب به إىل اهلل؛ يريد به ثناء الناس عليه‪ ،‬كأن يسن صالته‪ ،‬أو يتصدق؛ ألجل أن‬ ‫و ُّ‬
‫ميدح ويثىن عليه‪ ،‬أو يتلفظ بالذكر ويسن صوته بالتالوة ألجل أن يسمعه الناس‪ ،‬فيثنوا عليه وميدحوه‪ ،‬والرياء إذا خالط‬
‫العمل أبطله‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ﭽﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝﭼ[الكهف‪،]001 :‬‬
‫ب‪« :‬أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬وما الشرك األصغر؟ قال‪ :‬الرياء»‪ ،‬ومنه‪:‬‬ ‫وقال الن ُّ‬
‫العمل ألجل الطمع الدنيوي‪ ،‬كمن يج أو يؤذن أو يؤم الناس ألجل املال‪ ،‬أو يتعلم العلم الشرعي‪ ،‬أو جياهد ألجل‬
‫املال‪ ،‬قال النب‪« :‬تعس عبد الدينار‪ ،‬وتعس عبد الدرهم‪ ،‬تعس عبد اخلميصة‪ ،‬تعس عبد اخلميلة‪ ،‬إن أعطي رضي‪،‬‬
‫وإن مل يعط سخط»‪.‬‬
‫يقول اإلمام ابن القيم رمحه اهلل‪" :‬وأما الشرك يف اإلرادات والنيات فذلك البحر الذي ال ساحل له‪ ،‬وقل من ينجو‬
‫منه‪ ،‬فمن أراد بعمله غي وجه اهلل‪ ،‬ونوى شيئا غي التقرب إليه وطلب اجلزاء منه؛ فقد أشرك يف نيته وإرادته‪ ،‬واإلخالص‪:‬‬
‫أن خيلص هلل يف أفعاله وأقواله‪ ،‬وإرادته ونيته‪ .‬وهذه هي احلنيفية ملة إبراهيم اليت أمر اهلل هبا عباده كلهم‪ ،‬وال يقبل من‬

‫‪56‬‬
‫أحد غيها‪ ،‬وهي حقيقة اإلسالم‪ ،‬كما قال تعاىل‪{ :‬ومن ي بتغ غي ر اإلسالم دينا ف لن ي قبل منه وهو يف اآلخرة من‬
‫السفهاء"‪.1‬‬
‫اخلاسرين} وهي ملة إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪-‬اليت من رغب عنها فهو من أسفه ُّ‬
‫ومما ميكن التفريق به بني الشرك األكرب واألصغر ما يأيت‪:‬‬
‫‪ -0‬الشرك األكرب‪ :‬خيرج من امللة‪ ،‬والشرك األصغر ال خيرج من امللة‪ ،‬لكنه ينقص التوحيد‪.‬‬
‫‪ -5‬الشرك األكرب خيلد صاحبه يف النار‪ ،‬والشرك األصغر ال خيلد صاحبه فيها إن دخلها‪.‬‬
‫‪ -3‬الشرك األكرب يبط مجيع األعمال‪ ،‬والشرك األصغر ال يبط مجيع األعمال‪ ،‬وإّنا يبط الرياء والعمل ألجل‬
‫الدنيا العمل الذي خالطاه فقط‪.‬‬
‫‪ -1‬الشرك األكرب يبيح الدم واملال‪ ،‬والشرك األصغر ال يبيحهما‬
‫المسألة السادسة‪ :‬خطر الشرك ووجوب الحذر منه‪.‬‬
‫الشرك أعظم الذنوب وأظلم الظلم وأقبح القبائح وأكرب الكبائر واملوبقات‪ ،‬ومع أنه سبحانه أرحم الرامحني وأكرم‬
‫األكرمني وهو أرحم باملرء من أمه‪ ،‬وكتب على نفسه سبحانه الرمحة إال أنه سبحانه أخرب أنه ال يغفر الشرك ملن مات ومل‬
‫يتب منه‪ ،‬وذلك يوجب للعبد شدة احلذر وشدة اخلوف من الشرك الذي هذا شأنه‪ ،‬ويمله على معرفته لتوقيه؛ قال‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ [لقمان‪ ،]03 :‬وذلك ألنه تنقص هلل‪ ‬ومساواة لغيه به؛ كما قال تعاىل‪:‬‬
‫ﭽ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭼ [األنعام‪ ،]٠ :‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﭼ [البقرة‪ ،]٣٣ :‬وألن الشرك مناقض للمقصود باخللق واألمر من كل وجه‪ ،‬ويمكن توضيح خطر الشرك ووجوب‬
‫الحذر منه يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫‪ - 0‬أن الشرك األكرب ال يغفره اهلل‪ ‬ملن مات عليه ومل يتب منه‪ ،‬يقول تعاىل‪ :‬ﭽﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ [النساء‪.]٠٨ :‬‬
‫‪ - 5‬أن الشرك األكرب حمبط جلميع األعمال‪ ،‬يقول تعاىل‪ :‬ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ [األنعام‪ ، ]٨٨ :‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ [الزمر‪.]٥٦ :‬‬
‫‪ - 3‬أن من مات على الشرك األكرب فهو خالد خملد يف النار ال خيرج منها أبد اآلبدين وال يدخل اجلنة‪ ،‬يقول‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ [املائدة‪ ،]٢٣ :‬ويقول‬
‫النب‪" :‬من مات ال يشرك باهلل شيئا دخل اجلنة‪ ،‬ومن مات يشرك باهلل شيئا دخل النار"‪ ،‬أخرجه مسلم يف صحيحه‪.‬‬
‫‪- 1‬الشرك األكرب أعظم الظلم واالفتاء‪ ،‬قال اهلل سبحانه وتعاىل يكي قول لقمان البنه‪ :‬ﭽ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ‬

‫‪ - 1‬الداء والدواء أو اجلواب الكايف ملن سأل عن الدواء الشايف(ص ‪.)322‬‬

‫‪57‬‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ [لقمان‪ ،]03 :‬وقال سبحانه‪ :‬ﭽ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ [النساء‪.]٠٨ :‬‬
‫‪ - 5‬الشرك األكرب يطفئ نور الفطرة؛ ألن اهلل‪ ‬فطر الناس على توحيده وطاعته‪ ،‬قال سبحانه‪:‬ﭽ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﭼ [الروم‪ ،]٢١ :‬وقال النب‪ ‬كما يف الصحيحني‪" :‬ما من مولود إال يولد على الفطرة‪ ،‬فأبواه يهودانه‪،‬‬
‫أو ينصرانه‪ ،‬أو ميجسانه"‪ ،‬ويف احلديث القدسي أن النب‪ ‬قال فيما يرويه عن ربه تعاىل‪" :‬إين خلقت عبادي حنفاء‬
‫كلهم وإهنم أتتهم الشياطني فاجتالتهم عن دينهم‪ ،‬وحرمت عليهم ما أحللت هلم‪ ،‬وأمرهتم أن يشركوا يب ما مل أنزل به‬
‫سلطانا"‪ ،‬أخرجاه يف الصحيحني‪.‬‬
‫‪ - 6‬الشرك األكرب يبيح الدم واملال؛ لقوله‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس ح ى يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأن حممدا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ويقيموا الصالة‪ ،‬ويؤتوا الزكاة‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصموا مين دماءهم مواهلم إال حبق اإلسالم وحساهبم على‬
‫اهلل"‪ ،‬أخرجاه يف الصحيحني‪.‬‬
‫‪ - 0‬الشرك األصغر ينقص اإلميان‪ ،‬وهو من وسائل الشرك األكرب‪.‬‬
‫‪ - 9‬الشرك اخلفي وهو شرك الرياء والعمل ألجل الدنيا يبط العمل الذي قارنه‪ ،‬وهو أخوف من املسيح الدجال؛‬
‫لعظم خفائه‪ ،‬وخطره على أمة حممد‪.‬‬
‫‪ -5‬الفوائد المستنبطة من الحديث غير ما تقدم ذكره في المسائل‪.‬‬
‫‪ -‬جواز اإلرداف على الدابة إذا كانت تطيق‪.‬‬
‫‪ -‬جواز تسمية الدواب بأمساء ختصها غي أمساء أجناسها‪ ،‬وقد بوب البخاري يف "جامعه"‪" :‬باب اسم الفرس‬
‫واحلمار"‪ ،‬ث أخرج أربعة‪ 1‬أحاديث يف تسمية األحصنة واحلمار هذا احلديث منها‪.‬‬
‫‪ -‬تواضع النب‪ ‬يف ركوبه محارا‪ ،‬ألن عادة األمراء والكرباء يف ذلك الوقت عدم الركوب على احلمار ألنه يرونه ليس‬
‫فخما‪.‬‬
‫‪ -‬حسن خلق النب‪ ‬مع أصحابه‪ ،‬إذ أردف معاذا‪ ‬وراءه‪ ،‬وقد فعل ذلك‪ ‬كثيا‪.‬‬
‫‪ -‬حسن إرشاده وتعليمه‪.‬‬
‫‪ -‬فيه فضيلة ملعاذ‪ ‬ألن النب‪ ‬قد خصه هبذا احلديث الذي احتوى على علم عظيم وغزير‪.‬‬
‫‪ -‬جواز ختصيص بعض الناس بالعلم دون بعض‪.‬‬
‫‪ -‬شحذ ذهن السامع ملن أراد أن يلقي عليه مسألة مهمة للتنبيه وليكون أدعى للحفظ‪.‬‬

‫‪ - 1‬هذه األحاديث هي‪ :‬حديث أيب قتادة‪ ‬يف الصيد مع بعض الصحابة وهم حمرمون‪ ،‬وفيه أن أبا قتادة ركب فرسا له يقال له‪ :‬اجلرادة‪ ،‬وحديث‬
‫سهل بن سعد‪ ‬قال‪« :‬كان للنب‪ ‬يف حائطنا فرس يقال له اللحيف»‪ ،‬قال أبو عبد اهلل‪-‬يعين البخاري‪ " :-‬وقال بعضهم‪ :‬اللخيف"‪،‬‬
‫ب‪ ‬فرسا لنا يقال له‪ :‬مندوب‪ ،‬فقال‪« :‬ما رأينا من فزع‪ ،‬وإن وجدناه لبحرا»‪،‬‬‫وحديث أنس بن مالك‪ ،‬قال‪ :‬كان فزع باملدينة‪ ،‬فاستعار الن ُّ‬
‫وحديث معاذ‪ ‬يف الباب‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫فيه حسن األدب من املتعلم‪ ،‬فمن آداب طالب العلم أنه إذا سئل عن شيء أن يقول‪ :‬اهلل أعلم‪ ،‬وال ينبغي له أن‬ ‫‪-‬‬
‫يتكلم فيما ال يعلم‪.‬‬
‫استحباب تبشي املسلم مبا يسره‪ ،‬مأخوذ من قوله‪" :‬أفال أبشر الناس"‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫جواز كتمان العلم للمصلحة مؤقتا بدليل أن معاذا‪ ‬قد أخرب به عند فراش املوت‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مراعاة أحوال املدعوين عند التحديث بأحاديث الثواب والعقاب والتهيب والتغيب‪ ،‬مأخوذ من قوله‪" :‬ال تبشرهم‬ ‫‪-‬‬
‫فيتكلوا" يعين يتكلوا على الفضل املوجود يف هذا احلديث ويتكوا األعمال‪ ،‬ومن ذلك أن الداعية إىل اهلل‪ ‬إذا‬
‫رأى الناس قد قنطوا يدثهم بأحاديث الرجاء‪ ،‬وإذا رآهم قد أمنوا من مكر اهلل يدثهم بأحاديث اخلوف‪.‬‬
‫واهلل تعاىل أعلى وأعلم وصل اهلل على نبينا حممد‪ ‬وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫احلديث الثاين‪ :‬حديث َتيم بن أوس الدَّ اري‪" :‬الدين النَّصيحة"‪.‬‬
‫نص الحديث‪ :‬قال اإلمام أمحد‪ :‬حدثنا سفيان بن عيينة‪ ،‬عن سهيل بن أيب صاحل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد الليثي‪ ،‬عن‬
‫متيم الداري‪ ‬أن رسول اهلل‪ ‬قال‪« :‬إن الدين النصيحة‪ ،‬إن الدين النصيحة‪ ،‬إن الدين النصيحة»‪ ،‬قالوا‪ :‬ملن يا رسول‬
‫اهلل؟ قال‪« :‬هلل ولكتابه ولنبيه وألئمة املؤمنني وعامتهم»‪.‬‬
‫وقال اإلمام مسلم‪ :‬حدثنا حممد بن عباد املكي‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬قال‪ :‬قلت لسهيل‪ :‬إن عمرا حدثنا عن القعقاع‪ ،‬عن‬
‫أبيك‪ ،‬قال‪ :‬ورجوت أن يسقط عين رجال‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬مسعته من الذي مسعه منه أيب كان صديقا له بالشام‪ ،‬ث حدثنا‬
‫سفيان‪ ،‬عن سهيل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد‪ ،‬عن متيم الداري أن النب‪ ‬قال‪« :‬الدين النصيحة»‪ ،‬قلنا‪ :‬ملن؟ قال‪« :‬هلل‬
‫ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم»‪.‬‬
‫َّأوال‪ :‬الدراسة اإلسنادية‪.‬‬
‫قال اإلمام أمحد‪ :‬حدثنا عبد الرمحن بن مهدي‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن سهيل بن أيب صاحل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد الليثي‪،‬‬
‫عن متيم الداري‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" :‬إن الدين النصيحة‪ ،‬إّنا الدين النصيحة "‪ .‬قالوا‪ :‬ملن يا رسول اهلل؟ قال‪:‬‬
‫"هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم"‪.‬‬
‫وقال أيضا‪ :‬حدثنا يي بن سعيد‪ ،‬عن سفيان‪ ،‬قال‪ :‬حدثين سهيل بن أيب صاحل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد‪ ،‬عن متيم‬
‫الداري‪ ،‬عن النب‪ ‬قال‪" :‬إّنا الدين النصيحة إّنا الدين النصيحة" قيل‪ :‬ملن؟ قال‪" :‬هلل ولرسوله ولكتابه وألئمة‬
‫املسلمني وعامتهم"‪.‬‬
‫وقال كذلك‪ :‬حدثنا عبد الرزاق‪ ،‬عن سفيان‪ ،‬عن سهيل بن أيب صاحل‪ ،‬فذكر مثله إال أنه قال‪" :‬إّنا الدين النصيحة"‬
‫ثالثا‪.‬‬
‫وقال‪ :‬حدثنا سفيان بن عيينة‪ ،‬عن سهيل بن أيب صاحل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد الليثي‪ ،‬عن متيم الداري‪ ،‬أن رسول‬
‫اهلل‪ ‬قال‪« :‬إن الدين النصيحة‪ ،‬إن الدين النصيحة‪ ،‬إن الدين النصيحة»‪ ،‬قالوا‪ :‬ملن يا رسول اهلل؟ قال‪« :‬هلل ولكتابه‬
‫ولنبيه وألئمة املؤمنني وعامتهم»‪.‬‬
‫وقال‪ :‬حدثنا وكيع‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن سهيل بن أيب صاحل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد الليثي‪ ،‬عن متيم الداري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال رسول اهلل‪" :‬الدين النصيحة‪ ،‬الدين النصيحة" ثالثا‪ ،‬قالوا‪ :‬ملن يا رسول اهلل؟ قال‪" :‬هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة‬
‫املسلمني وعامتهم"‪.‬‬
‫وقال عبد اهلل بن أمحد‪ :‬حدثنا حممد بن عباد‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬قال‪ :‬قلت لسهيل بن أيب صاحل يف حديث حدثناه‬
‫عمرو بن دينار‪ ،‬عن القعقاع بن حكيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬فقال سهيل‪ :‬مسعته من الذي مسعه منه أيب‪ ،‬مسعت عطاء بن يزيد‬
‫الليثي‪ ،‬يدث‪ ،‬عن متيم الداري‪ ،‬عن النب‪ ‬مثل حديث أيب‪ ،‬عن ابن عيينة‪.‬‬
‫وقال اإلمام مسلم‪ :‬حدثنا حممد بن عباد املكي‪ ،‬حدثنا سفيان‪ ،‬قال‪ :‬قلت لسهيل‪ :‬إن عمرا حدثنا عن القعقاع‪ ،‬عن‬
‫أبيك‪ ،‬قال‪ :‬ورجوت أن يسقط عين رجال‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬مسعته من الذي مسعه منه أيب كان صديقا له بالشام‪ ،‬ث حدثنا‬

‫‪61‬‬
‫سفيان‪ ،‬عن سهيل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد‪ ،‬عن متيم الداري‪ ‬أن النب‪ ‬قال‪« :‬الدين النصيحة»‪ ،‬قلنا‪ :‬ملن؟ قال‪« :‬هلل‬
‫ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم»‪.‬‬
‫وقال اإلمام أبو داود‪ :‬حدثنا أمحد بن يونس‪ ،‬حدثنا زهي‪ ،‬حدثنا سهيل بن أيب صاحل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد‪ ،‬عن متيم‬
‫الداري‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪« :‬إن الدين النصيحة‪ ،‬إن الدين النصيحة‪ ،‬إن الدين النصيحة» قالوا‪ :‬ملن يا رسول‬
‫اهلل قال‪« :‬هلل وكتابه ورسوله وأئمة املؤمنني وعامتهم أو أئمة املسلمني وعامتهم»‪.‬‬
‫وقال اإلمام النسائي‪ :‬أخربنا حممد بن منصور قال‪ :‬حدثنا سفيان قال‪ :‬سألت سهيل بن أيب صاحل قلت‪ :‬حدثنا‬
‫عمرو‪ ،‬عن القعقاع‪ ،‬عن أبيك قال‪ :‬أنا مسعته من الذي‪ ،‬حدث أيب‪ ،‬حدثه رجل من أهل الشام يقال له‪ :‬عطاء بن‬
‫يزيد‪ ،‬عن متيم الداري‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪« :‬إّنا الدين النصيحة» قالوا‪ :‬ملن يا رسول اهلل؟ قال‪« :‬هلل ولكتابه‬
‫ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم»‪.‬‬
‫وقال اإلمام النسائي كذلك‪ :‬حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال‪ :‬أنبأنا عبد الرمحن قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ،‬عن سهيل بن أيب‬
‫صاحل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد‪ ،‬عن متيم الداري‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪« :‬إّنا الدين النصيحة» قالوا‪ :‬ملن يا رسول اهلل؟‬
‫قال‪« :‬هلل ولكتابه ولرسوله‪ ،‬وألئمة املسلمني وعامتهم»‪.‬‬
‫‪ – 1‬تخريج الحديث والكالم على بعض أحوال اإلسناد‪.‬‬
‫روى هذا احلديث عن النب‪ ‬مجاعة من الصحابة‪ ،‬وهم متيم بن أوس الداري وأبو هريرة وابن عباس وابن عمر وثوبان‬
‫وأبو أمامة وحذيفة بن اليمان وحكيم بن أيب يزيد عن أبيه رضي اهلل عنهم أمجعني‪ ،‬لكن أشهر هذه األحاديث وهو‬
‫موضوع دراستنا هو حديث متيم بن أوس‪ ،‬وهو الذي أخرجه اإلمام مسلم‪.‬‬
‫وحديث متيم بن أوس‪ ،‬أخرجه أمحد‪ ،1‬ومسلم‪ 2‬وعبد اهلل بن أمحد‪ 3‬عن حممد بن عباد‪ ،‬والنسائي عن حممد بن‬
‫منصور‪ ،4‬ثالثتهم‪-‬أمحد وحممد بن عباد وحممد بن منصور‪-‬حدثنا سفيان‪-‬وهو ابن عيينة‪-‬قال‪ :‬سألت سهيل بن أيب‬
‫صاحل قلت‪ :‬حدثنا عمرو‪ ،‬عن القعقاع‪ ،‬عن أبيك قال‪ :‬أنا مسعته من الذي حدث أيب‪ ،‬حدثه رجل من أهل الشام يقال‬
‫له‪ :‬عطاء بن يزيد‪ ،‬عن متيم الداري قال‪ :‬قال رسول اهلل‪« :‬إّنا الدين النصيحة» قالوا‪ :‬ملن يا رسول اهلل؟ قال‪« :‬هلل‬
‫ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم»‪.‬‬
‫هذا لفظ حممد بن منصور عن سفيان‪ ،‬ولفظ حممد بن عباد عن سفيان عند مسلم قال‪ :‬حدثنا سفيان‪ ،‬قال‪ :‬قلت‬
‫لسهيل‪ :‬إن عمرا حدثنا عن القعقاع‪ ،‬عن أبيك‪ ،‬قال‪ :‬ورجوت أن يسقط عين رجال‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪ :‬مسعته من الذي مسعه‬
‫منه أيب كان صديقا له بالشام‪ ،‬ث حدثنا سفيان‪ ،‬عن سهيل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد‪ ،‬عن متيم الداري‪ ‬به‪ ،‬وقريب منه‬
‫لفظ عبد اهلل بن أمحد عن حممد بن عباد‪ ،‬وأما أمحد فرواه خمتصرا إال أنه كرر لفظ‪" :‬الدين النصيحة" ثالثا‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ - 1‬املسند(‪ 236/28‬رقم ‪.)26335‬‬


‫‪ - 2‬املسند الصحيح(كتاب اإلميان‪ ،‬باب بيان أن الدين النصيحة‪ ،‬ص ‪ 35‬رقم ‪.)55‬‬
‫‪ - 3‬زوائد املسند كما يف املسند ألبيه(‪ 237/28‬رقم ‪.)26336‬‬
‫‪ - 4‬اجملتىب(كتاب البيعة‪ ،‬النصيحة لمإمام‪ 256/7 ،‬رقم ‪ ،)3237‬والسنن الكربى(‪.)288/7‬‬

‫‪61‬‬
‫"وألئمة املؤمنني"‪ ،‬ولفظه‪ :‬حدثنا سفيان بن عيينة‪ ،‬عن سهيل بن أيب صاحل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد الليثي‪ ،‬عن متيم‬
‫الداري‪ ،‬أن رسول اهلل‪ ‬قال‪ " :‬إن الدين النصيحة‪ ،‬إن الدين النصيحة‪ ،‬إن الدين النصيحة "‪ .‬قالوا‪ :‬ملن يا رسول‬
‫اهلل؟ قال‪" :‬هلل ولكتابه ولنبيه وألئمة املؤمنني وعامتهم؟‪.‬‬
‫واملالحظ على هذه الرواية أن هذا احلديث مسعة أبو صاحل ذكوان السمان وهو والد سهيل من عطاء بن يزيد فحدث‬
‫به القعقاع بن حكيم‪ ،‬فحدث به سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار‪ ،‬عن القعقاع بن حكيم‪ ،‬عن أيب صاحل والد‬
‫سهيل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد‪ ،‬عن متيم‪ ،‬ث إن ابن عيينة لقي سهيال وسألة عن هذا احلديث وأخربه أنه مسعه من عمرو‬
‫بن دينار‪ ،‬عن القعقاع بن حكيم‪ ،‬عن أيب صاحل والدك‪ ،‬عن عطاء بن يزيد‪ ،‬فأخربه سهيل بن أيب صاحل أنه قد مسعه ممن‬
‫مسعه أبوه وهو عطاء بن يزيد فحدثه به عاليا عن عطاء بن يزيد مباشرة عن متيم الداري‪ ،‬فأخرجة أكثر األئمة عنه‬
‫يدل على أن سهيال كان حاضرا ملا حدث عطاء بن يزيد أباه هبذا احلديث فسمعه منه كما مسعه‬ ‫هكذا‪ ،‬وقد جاء ما ُّ‬
‫أبوه‪ ،‬فقد أخرج مسلم كما سيأيت بيانه من طريق روح بن القاسم قال حدثنا سهيل عن عطاء بن يزيد مسعه وهو يدث‬
‫أبا صاحل‪ ،‬عن متيم الداري‪.‬‬
‫وألجل السياق املتقدم أفردت الكالم على رواية سفيان بن عيينة‪.‬‬
‫الرواة منهم سفيان الثوري وروح بن القاسم وزهي بن معاوية‪.‬‬‫وقد تابع ابن عيينة مجاعة من ُّ‬
‫‪4‬‬
‫أما متابعة الثوري فأخرجها أمحد‪ 1‬ومسلم‪ 2‬والنسائي‪ 3‬عن عبد الرمحن بن مهدي‪ ،‬وأمحد عن يي بن سعيد القطان‬
‫ووكيع‪ 5‬وعبد الرزاق بن مهام‪ ،6‬أربعتهم‪-‬ابن مهدي ويي القطان ووكيع وعبد الرزاق بن مهام ‪-‬حدثنا سفيان‪-‬هو‬
‫الثوري‪ ،-‬عن سهيل بن أيب صاحل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد الليثي‪ ،‬عن متيم الداري‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪" :‬إن الدين‬
‫النصيحة‪ ،‬إّنا الدين النصيحة "‪ ،‬قالوا‪ :‬ملن يا رسول اهلل؟ قال‪" :‬هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم"‪ .‬هذا‬
‫لفظ ابن مهدي‪ ،‬ومثله لفظ القطان إال أنه قال يف املوضعني‪" :‬إّنا الدين النصيحة"‪ ،‬وهو لفظ عبد الرزاق إال أنه كرر‬
‫قوله‪" :‬إّنا الدين النصيحة" ثالثا‪ ،‬ولفظ وكيع‪" :‬الدين النصيحة "ثالثا‪.‬‬
‫وأما متابعة روح بن القاسم‪ ،‬فأخرجها مسلم‪ 7‬عن أمية بن بسطام‪ ،‬حدثنا يزيد يعين ابن زريع‪ ،‬حدثنا روح وهو ابن‬
‫القاسم‪ ،‬حدثنا سهيل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد‪ ،‬مسعه وهو يدث أبا صاحل‪ ،‬عن متيم الداري‪ ،‬عن رسول اهلل‪ ،‬وأحال‬
‫إىل لفظ سفيان بن عيينة كما هي عادته‪ ،‬وقال‪" :‬مبثله"‪ ،‬أي مبثل لفظ ابن عيينة‪.‬‬

‫‪ - 1‬املسند(‪ 238/28‬رقم ‪.)26332‬‬


‫‪ - 2‬املسند الصحيح(كتاب اإلميان‪ ،‬باب بيان أن الدين النصيحة‪ ،‬ص ‪ 35‬رقم ‪.)55‬‬
‫‪ - 3‬اجملتىب(كتاب البيعة‪ ،‬النصيحة لمإمام‪ 256/7 ،‬رقم ‪ ،)3238‬والسنن الكربى(‪.)283/7‬‬
‫‪ - 4‬املسند(‪ 232/28‬رقم ‪.)26332‬‬
‫‪ - 5‬املسند(‪ 238/28‬رقم ‪.)26337‬‬
‫‪ - 6‬املسند(‪ 232/28‬رقم ‪.)26332‬‬
‫‪ - 7‬املسند الصحيح(كتاب اإلميان‪ ،‬باب بيان أن الدين النصيحة‪ ،‬ص ‪ 35‬رقم ‪.)55‬‬

‫‪62‬‬
‫وأما متابعة زهي بن معاوية‪ ،‬فأخرجها أبو داود‪ :1‬حدثنا أمحد بن يونس‪ ،‬حدثنا زهي‪-‬هو ابن معاوية‪ ،‬حدثنا سهيل‬
‫بن أيب صاحل‪ ،‬عن عطاء بن يزيد‪ ،‬عن متيم الداري‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‪« :‬إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة‬
‫إن الدين النصيحة» قالوا‪ :‬ملن يا رسول اهلل قال‪« :‬هلل وكتابه ورسوله وأئمة املؤمنني وعامتهم أو أئمة املسلمني وعامتهم»‪.‬‬
‫الكالم على بعض أحوال اإلسناد‪:‬‬
‫‪ -‬هذا احلديث مل خيرجه اإلمام البخاري يف "صحيحه" لكن بوب عليه يف كتاب اإلميان وعلقه بصيغة اجلزم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫باب قول النب‪" :‬الدين النصيحة‪ :‬هلل ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم"‪ ،‬ث أورد حتت الباب قوله تعاىل‪{ :‬إذا نصحوا‬
‫هلل ورسوله} [التوبة‪ ،]80 :‬وأخرج حديث جرير بن عبد اهلل البجلي‪ ‬قال‪« :‬بايعت رسول اهلل‪ ‬على إقام الصالة‪،‬‬
‫وإيتاء الزكاة‪ ،‬والنُّصح لكل مسلم»‪.2‬‬
‫واآلية واحلديث تضمنا النصيحة ومها مبعىن حديث متيم بن أوس‪ ،‬قال ابن حجر‪" :‬هذا احلديث أورده املصنف‬
‫هنا ترمجة باب‪ ،‬ومل خيرجه مسندا يف هذا الكتاب‪ ،‬لكونه على غي شرطه‪ ،‬ونبه بإيراده على صالحيته يف اجلملة‪ ،‬وما‬
‫أورده من اآلية وحديث جرير يشتمل على ما تضمنه"‪.3‬‬
‫‪ – 2‬الحكم على الحديث‪.‬‬
‫احلديث صحيح أخرجه اإلمام مسلم يف "صحيحه"‪.‬‬
‫‪ – 3‬تراجم الرواة‬
‫تميم الداري‪ :4‬هو‪ :‬متيم بن أوس بن خارجة بن سود وقيل‪ :‬سواد‪ ،‬ابن جذمية بن وداع‪ ،‬ويقال‪ :‬ذراع بن عدي بن‬
‫الدار بن هانئ بن حبيب بن ّنارة بن خلم‪ ،‬وهو مالك بن عدي بن احلارث بن مرة بن أدد بن يشجب بن عريب بن‬
‫كهالن بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان‪ ،‬أبو رقية الداري‪ ،‬صاحب رسول اهلل‪ ،‬وقيل غي ذلك يف نسبه‪،‬‬
‫وهو من مشاهي الصحابة‪.‬‬
‫روى عن النب‪ ،‬وروى عنه ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك وزرارة بن أوَّف وروح بن زنباع وعبد اهلل‬
‫بن موهب وعطاء بن يزيد الليثي وشهر بن حوشب وعبد الرمحن بن غنم ومجاعة‪.‬‬
‫كان‪ ‬نصرانيا وقدم املدينة فأسلم سنة تسع هو وأخوه نعيم‪ ،‬وكان متيم باملدينة‪ ،‬ث انتقل إىل الشام بعد قتل عثمان‪،‬‬
‫ونزل بيت املقدس‪ ،‬مناقبه كثية‪ ،‬منها أن النب‪ ‬روى عنه حديث اجلساسة‪ ،‬وهي منقبة شريفة جدا‪ ،‬كان‪ ‬راهب‬
‫أهل فلسطني وعابدهم‪ ،‬وهو أول من أسرج السراج يف املسجد‪ ،‬وأول من قص وذلك يف عهد عمر‪ ،‬وكان‪ ‬كثي‬
‫التهجد‪ ،‬قام ليلة بآية ح ى أصبح‪ ،‬وهي قوله تعاىل‪{ :‬أم حسب الذين اجت رحوا السيئات ‪.}...‬‬ ‫ُّ‬

‫‪ - 1‬السنن(كتاب األدب‪ ،‬باب يف النصيحة‪ 286/3 ،‬رقم ‪.)3333‬‬


‫‪ - 2‬اجلامع الصحيح(كتاب اإلميان‪« ،‬بايعت رسول اهلل‪ ‬على إقام الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬والنصح لكل مسلم»‪ ،‬ص ‪ 67‬رقم ‪.)57‬‬
‫‪ - 3‬فتح الباري(‪.)237/2‬‬
‫‪ - 4‬ينظر ترمجته‪ :‬تاريخ دمشق البن عساكر(‪ ،)82-52/22‬وهتذيب الكمال للمزي(‪ ،)328-326/3‬واإلصابة يف متييز الصحابة البن‬
‫حجر(‪.)383-387/2‬‬

‫‪63‬‬
‫عطاء بن يزيد الليثي‪ :1‬هو عطاء بن يزيد الليثي ث اجلندعي‪ ،‬أبو حممد‪ ،‬وقيل‪ :‬أبو زيد‪ ،‬املدين‪ ،‬ويقال‪ :‬الشامي أيضا‬
‫ألنه سكن الشام‪.‬‬
‫روى عن متيم بن أوس الداري وأيب هريرة وأيب سعيد اخلدري وأيب أيوب األنصاري رضي اهلل عنهم من الصحابة‪ ،‬ومحران‬
‫بن أبان وعبيد اهلل بن عدي بن اخليار من التابعني‪ ،‬روى عنه‪ :‬ابنه سليمان والزهري وأبو عبيد صاحب سليمان بن عبد‬
‫امللك وأبو صاحل السمان وسهيل بن أيب صاحل وهالل بن ميمون الرملي وغيهم‪.‬‬
‫وكان ثقة كثي احلديث‪ ،‬تويف سنة مخس ومئة(‪ ،)95‬وقيل سنة سبع ومئة(‪.)010‬‬
‫سهيل بن أبي صالح‪ :‬هو سهيل بن أيب صاحل‪ ،‬وامسه ذكوان السمان‪ ،‬أبو يزيد املدين‪ ،‬موىل جويرية بنت األمحس‬
‫امرأة من غطفان‪ ،‬أخو صاحل وعبد اهلل وحممد‪.‬‬
‫روى عن أبيه وسعيد بن املسيب واحلارث بن خملد األنصاري وأيب احلباب سعيد بن يسار وعبد اهلل بن دينار وعطاء‬
‫بن يزيد الليثي والنعمان بن عياش وابن املنكدر وأيب عبيد صاحب سليمان وعبيد اهلل بن مقسم والقعقاع بن حكيم‬
‫ومسي موىل أيب بكر واألعمش وربيعة وغي واحد من أقرانه‪.‬‬
‫وروى عنه‪ :‬ربيعة واألعمش ويي بن سعيد األنصاري وموسى بن عقبة ويزيد بن اهلاد ومالك وشعبة وإسحاق الفزاري‬
‫وابن جريج والسفيانان وابن أيب حازم وفليح بن سليمان وروح بن القاسم وزهي بن معاوية وزهي بن حممد وسعيد بن‬
‫عبد الرمحن اجلمحي ووهيب وسليمان بن بالل وعبد اهلل بن إدريس والداروردي وعبد العزيز بن املختار وعبد العزيز بن‬
‫املطلب والعالء بن املسيب وأبو معاوية وأبو عوانة ويعقوب بن عبد الرمحن اإلسكندراين ومجاعة‪.‬‬
‫وسهيل بن أيب صاحل وثقة أئمة وتكلم فيه آخرون‪ ،‬وقد أخرج له مسلم‪ ،‬والبخاري مقرونا‪.2‬‬
‫سفيان بن عيينة‪ :3‬هو سفيان بن عيينة بن أيب عمران‪ ،‬وامسه‪ :‬ميمون اهلاليل‪ ،‬أبو حممد الكويف‪ ،‬موىل حممد بن مزاحم‬
‫أخي الضحاك بن مزاحم‪ ،‬أحد األئمة املشهورين‪ ،‬أصله من الكوفة وسكن مكة ومات هبا‪.‬‬
‫روى عن عبد امللك بن عمي وأيب إسحاق السبيعي وزياد بن عالقة واألسود بن قيس وأبان بن تغلب وإبراهيم وموسى‬
‫وحممد بين عقبة وإسحاق بن عبد اهلل بن أيب طلحة وإسرائيل أيب موسى وإمساعيل بن أيب خالد وإمساعيل بن أمية وأيوب‬
‫ابن موسى وأيوب بن أيب متيمة السختياين ويزيد بن أيب بردة وبيان بن بشر وجعفر الصادق وجامع بن أيب راشد ومحيد‬
‫الطويل ومحيد بن قيس األعرج وزكرياء بن أيب زائدة وزيد بن أسلم وسامل أيب النضر وأيب حازم بن دينار وسليمان التيمي‬
‫وسليمان األحول ومسي سهيل وشبيب بن غرقدة وصاحل بن كيسان وصاحل بن صاحل بن حي وصفوان بن سليم وضمرة‬
‫بن سعيد وعاصم األحول وعاصم بن هبدلة بن كليب وعبد اهلل بن دينار وأيب الزناد وعبد اهلل بن طاوس وعبد اهلل بن‬
‫أيب حسني وابن أيب جنيح وعبد ربه وسعد ويي أوالد سعيد بن قيس األنصاري وعبد الرمحن بن القاسم وعبد العزيز بن‬

‫‪ - 1‬هتذيب الكمال للمزي(‪)223-223/22‬‬


‫‪ - 2‬ينظر ترمجته‪ :‬الكامل البن عدي(‪ ،)526-522/3‬وهتذيب التهذيب البن حجر(‪ ،)263-263/3‬وشرح علل التمذي البن رجب(‪-328/2‬‬
‫‪.)323‬‬
‫‪ - 3‬ينظر ترمجته‪ :‬هتذيب التهذيب البن حجر(‪.)236-277/22‬‬

‫‪64‬‬
‫رفيع وعبد الكرمي أيب أمية وعبد الكرمي اجلزري وعبيد اهلل بن عمر وعبيد اهلل بن أيب يزيد وعلي بن زيد بن جدعان وعبيد‬
‫اهلل بن عبد اهلل بن األصم وعمرو بن دينار والزهري والعالء بن عبد الرمحن وابن عجالن وحممد بن عمرو بن علقمة‬
‫ومطرف بن طريف واألعمش ومنصور والوليد بن كثي ويزيد بن خصيفة وأيب إسحاق الشيباين وأيب يعفور الكبي وأيب‬
‫يعفور الصغي وخلق ال يصون‪.‬‬
‫وروى عنه‪ :‬األعمش وابن جريج وشعبة والثوري ومسعر وهم من شيوخه وأبو إسحاق الفزاري ومحاد بن زيد واحلسن‬
‫بن حي ومهام وأبو األحوص وابن املبارك وقيس بن الربيع وأبو معاوية ووكيع ومعتمر بن سليمان ويي بن أيب زائدة وهم‬
‫من أقرانه وماتوا قبله وحممد بن إدريس الشافعي وعبد اهلل بن وهب ويي القطان وابن مهدي وأبو أسامة وروح بن عبادة‬
‫والفريايب وأبو الوليد الطيالسي وعبد الرزاق وأبو نعيم وأبو غسان النهدي وأمحد بن حنبل ويي بن معني وعلي بن املديين‬
‫وإسحاق بن راهويه وعمرو بن علي الفالس وابنا أيب شيبة وأبو خيثمة وأمحد بن صاحل واملصري وأمحد بن منيع وأبو توبة‬
‫احللب وأبو جعفر النفيلي وأبو بكر احلميدي وابن عمر العدين وعلي بن حجر وعلي بن خشرم وقتيبة وأبو موسى العنزي‬
‫وهارون احلمال وأمحد بن شيبان الرملي واحلسن بن حممد الزعفراين والزبي بن بكار وحممد بن عيسى بن حبان وحممد‬
‫بن عاصم األصبهاين وطوائف كثية‪.‬‬
‫كان رمحه اهلل إماما يف احلديث عاملا بالتفسي تقيا ورعا زاهدا يف الدنيا‪ ،‬قال ابن حبان‪" :‬كان من احلفاظ املتقنني‬
‫وأهل الورع والدين"‪ ،‬وقال ابن وهب‪" ،‬ما رأيت أحدا أعلم بكتاب اهلل من ابن عيينة"‪ ،‬وقال الشافعي‪" :‬لوال مالك‬
‫وسفيان لذهب علم احلجاز"‪ ،‬حج رمحه اهلل سبعني مرة‪ ،‬له رمحه اهلل أقواال وحكما كثية مأثورة يف العلم والزهد والورع‪،‬‬
‫تويف رمحه اهلل سنة مثان وتسعني ومائة(‪.)089‬‬
‫محمد بن عباد المكي‪ :1‬هو حممد بن عباد بن الزبرقان املكي‪ ،‬سكن بغداد‪ ،‬ومات هبا‪.‬‬
‫روى عن‪ :‬سفيان بن عيينة وحات بن إمساعيل والدراوردي وأيب صفوان اآلمدي وأيب ضمرة ومروان بن معاوية وعبد‬
‫اهلل بن معاذ الصنعاين ويي بن سليم الطائفي وغيهم‪.‬‬
‫روى عنه البخاري ومسلم والتمذي وابن ماجه والنسائي وروى عنه أبو داود بواسطة أمحد بن سعيد الدارمي‪ ،‬وسليمان‬
‫بن توبة وعثمان بن خرزاذ وأمحد بن علي املروزي روى عنه أيضا الذهلي والصاغاين ويعقوب بن سفيان وموسى بن‬
‫هارون وعبد اهلل بن أمحد وابن أيب الدنيا واملعمري وجعفر الفريايب والقاسم املطرز وأبو يعلى وعبد اهلل بن حممد البغوي‬
‫وغيهم‪.‬‬
‫وكان صدوقا ال بأس به لكن له أوهام‪.‬‬
‫‪ – 4‬لطائف اإلسناد‬
‫‪ -‬أن هذا احلديث من رباعيات اإلمام أمحد ومخاسيات اإلمام مسلم‪.‬‬
‫‪ -‬أن رجال اإلسناد كلُّهم حجازيون؛ متيم الداري‪ ‬وعطاء الليثي وسهيل بن أيب صاحل مدنيون‪ ،‬وسفيان بن عيينة‬
‫وحممد بن عباد مكيان‪.‬‬

‫‪ - 1‬ينظر ترمجته‪ :‬هتذيب التهذيب البن حجر(‪.)235-233/3‬‬

‫‪65‬‬
‫ثانيا‪ :‬الدراسة املتنية‬
‫‪ – 1‬قَدر الحديث ومنزلته‪.‬‬
‫هذا احلديث من األحاديث العظيمة اليت دلت على املعاين السامية الكثية‪ ،‬وقد اشتمل هذا احلديث على معاين‬
‫اإلسالم كله بأوجز عبارة‪ ،‬ولذلك نص غي واحد من األئمة كأيب داود السجستاين صاحب السنن أنه من أصول‬
‫اإلسالم‪ ،‬فقد جاء عنه أنه قال‪" :‬الفقه يدور على مخسة أحاديث‪" :‬احلالل ب ني‪ ،‬واحلرام بني"‪ ،‬وقوله‪" :‬ال ضرر وال‬
‫ضرار"‪ ،‬وقوله‪" :‬إمّنا األعمال بالنيات"‪ ،‬وقوله‪" :‬الدين النصيحة"‪ ،‬وقوله‪" :‬وما هنيتكم عنه فاجتنبوه‪ ،‬وما أمرتكم به فائتوا‬
‫منه ما استطعتم""‪ ،1‬وهو من األحاديث اليت قيل فيها‪ :‬إهنا أحد أرباع الدين‪ ،‬فقد قال احلافظ ابن حرج‪" :‬وهذا احلديث‬
‫من األحاديث اليت قيل فيها إن ها أحد أرباع الدين‪ ،‬وممن عده فيها اإلمام حممد بن أسلم الطُّوس ُّي"‪ ،2‬وتعقب اإلمام‬
‫النووي من قال ذلك‪ ،‬فقال‪" :‬هذا حديث عظيم الشأن‪ ،‬وعليه مدار اإلسالم‪ ،‬وأما ما قاله مجاعات من العلماء‪ :‬إنه‬
‫أحد أرباع اإلسالم‪ ،‬أي أحد األحاديث األربعة اليت جتمع أمور اإلسالم‪ ،‬فليس كما قالوه‪ ،‬بل املدار على هذا وحده"‪.3‬‬
‫‪ – 2‬شرح الغريب‪:‬‬
‫"النصيحة"‪ :‬مأخوذة من النُّصح‪ ،‬تقول‪ :‬نصح ينصح نصحا ونصيحة‪ ،‬والنُّصح لغة‪ :‬اخللوص‪ ،‬يقال‪ :‬نصحته ونصحت‬
‫له‪ ،‬وهي مأخوذة من قوهلم‪ :‬نصحت العسل إذا خلصته من الشمع والشوائب‪ ،‬وناصح العسل خالصه الصايف من كل‬
‫الشوائب‪ ،‬وقيل مأخوذة من المنصحة وهي اإلبرة واملعىن أنه ي ل ُّم شعث أخية بالنُّصح كما تلم املنصحة‪ ،‬ومنه التوبة‬
‫النُّصوح كأن الذنب ميزق الدين والتوبة ختيطه‪ ،‬والنُّصح والنصيحة خالف الغش‪.4‬‬
‫‪ – 3‬المعنى اإلجمالي‬
‫ب‪ ‬ألصحابه وألمته من بعدهم بكالم جامع بليغ أن دين اإلسالم كله يرجع إىل النصيحة‪ ،‬فقال‪" :‬الدين‬ ‫بني الن ُّ‬
‫النصيحة"‪ ،‬وكررها‪ ‬ثالث مرات لالهتمام هبا كشأن األمور العظيمة‪ ،‬وملا كان يف الكلمة نوع إمجال سأله الصحابة‬
‫رضي اهلل عنهم ملن تكون هذه النصيحة‪ ،‬فبني النب‪ ‬بكالم كذلك جامع بليغ أهنا‪" :‬هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة‬
‫املسلمني وعامتهم"‪.‬‬
‫‪ – 4‬المعنى التفصيلي‬
‫يحة‪ ،‬الدين‬
‫يحة‪ ،‬الدين النص َ‬
‫قوله‪" :‬الدين النصيحة"‪ ،‬وجاء يف أكثر الروايات كما سبق يف التخريج‪" :‬الدين النص َ‬
‫يحة"‪ ،‬وفي بعضها‪" :‬إن الدين النصيحة"‪ ،‬وفي أخرى‪" :‬إنما الدين النصيحة"‪.‬‬ ‫النص َ‬
‫تدل على حيازة احلظ للمنصوح له‪ ،‬ومعناها إرادة اخلي للمنصوح له‪ ،‬قال اخلطايب‪:‬‬‫"النصيحة"‪ :‬كلمة جامعة ُّ‬
‫"النصيحة‪ ،‬كلمة ي عب ر هبا عن مجلة هي إرادة اخلي للمنصوح له‪ ،‬وليس ميكن أن يعرب هذا املعىن بكلمة واحدة حتصرها‬

‫‪ - 1‬جامع العلوم واحلكم(‪.)53/2‬‬


‫‪ - 2‬فتح الباري(‪.)238/2‬‬
‫‪ - 3‬شرح النووي على مسلم(‪.)37/2‬‬
‫‪ - 4‬ينظر‪ :‬معجم مقاييس اللغة البن فارس(‪ ،)335/5‬والنهاية يف غريب احلديث واألثر البن األثي(‪ ،)63/5‬وشرح مسلم للنووي(‪.)37/2‬‬

‫‪66‬‬
‫وجتمع معناها غيها"‪ ،1‬وقال ابن الصالح‪" :‬والنصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه اخلي إرادة‬
‫وفعال "‪ ،2‬وهي كلمة ال ميكن أن تقوم كلمة غيها مكاهنا وتستويف معناها‪ ،‬فال يعب ر عن معناها كلمة واحدة جتمع‬
‫معناها غيها‪ ،‬كما قالوا يف كلمة الفالح أنه ليس هناك كلمة أمجع خليي الدنيا واآلخرة منها‪.3‬‬
‫وقوله‪" :‬الدين النصيحة"‪ ،‬املقصود منها أن أساس الدين وعماده النصيحة‪ ،‬فهي الكلمة اليت يقوم عليها الدين كلُّه‪،‬‬
‫"احلج عرفة"‪ ،‬فليس معناه أن الوقوف بعرفة هو الركن الوحيد يف احلج‪ ،‬ولكن املراد أنه أعظم ركن فيه‪،‬‬ ‫كقول النب‪ُّ :‬‬
‫فألمهيته وعظم شأنه كأن احلج منحصر فيه‪ ،‬هذا إذا أريد باجلملة هنا املبالغة‪ ،‬أما إذا أريد هبا املعىن الظاهر فمعناها أن‬
‫الدين كله هو النصيحة نظرا ألن هذه الكلمة جامعة لكل معاين الدين‪ ،‬قال ابن حجر‪" :‬قوله‪" :‬الدين النصيحة" يتمل‬
‫أي معظم الدين النصيحة كما قيل يف حديث‪" :‬احلج عرفة"‪ ،‬ويتمل أن يمل على ظاهره؛ ألن‬ ‫أن يمل على املبالغة؛ م‬
‫كل عمل مل يرد به عامله اإلخالص فليس من الدين"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬املعىن الثاين وهو محل احلديث على ظاهره هو األقرب‪ ،‬ولذلك قال حممد بن نصر املروزي‪" :‬قال أبو عبد اهلل‪:‬‬
‫وهذا باب جامع خمتصر من نفس تفسي اإلميان واإلسالم شبيه حبديث جربيل على هذا التفسي الذي حكيناه وهو قول‬
‫النب‪« :‬إّنا الدين النصيحة» بكلمة واحدة جامعة‪ ،‬فلما قيل‪ :‬ملن؟ قال‪« :‬هلل ولكتابه‪ ،‬ولرسوله‪ ،‬وألئمة املسلمني‬
‫وعامتهم»‪ ،‬فجمعت هذه الكلمة كل خي يبتغى ويؤمر به‪ ،‬وكل شر يتقى وينهى عنه"‪ ،4‬وقال ابن بطال‪" :‬أن النصيحة‬
‫‪5‬‬
‫ب‪‬‬ ‫تسمى دينا وإسالما‪ ،‬وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول" ‪ ،‬وقال ابن رجب رمحه اهلل‪" :‬وقد أخرب الن ُّ‬
‫يدل على أن النصيحة تشمل خصال اإلسالم واإلميان واإلحسان اليت ذكرت يف حديث‬ ‫أن الدين النصيحة‪ ،‬فهذا ُّ‬
‫جربيل‪ ،‬ومسى ذلك كله دينا‪ ،‬فإن النُّصح هلل يقتضي القيام بأداء واجباته على أكمل وجوهها‪ ،‬وهو مقام اإلحسان‪ ،‬فال‬
‫يكمل النُّصح هلل بدون ذلك‪ ،‬وال يتأتى ذلك بدون كمال احملبة الواجبة واملستحبة‪ ،‬ويستلزم ذلك االجتهاد يف التقرب‬
‫إليه بنوافل الطاعات على هذا الوجه وترك احملرمات واملكروهات على هذا الوجه أيضا"‪.6‬‬
‫ب‪ ‬هذه الكلمة اهتماما للمقام‪ ،‬وإرشادا لألمة أن يعلموا حق العلم أن الدين كله ‪-‬ظاهره وباطنه‪-‬‬ ‫و"كرر الن ُّ‬
‫منحصر يف النصيحة‪ ،‬وهي القيام التام هبذه احلقوق اخلمسة"‪.7‬‬
‫قوله‪" :‬هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة المؤمنين وعامتهم"‪.‬‬
‫من أمجع ما قيل يف معىن هذه اجلملة ما نقله اإلمام حممد بن نصر املروزي عن بعض أهل العلم قال‪" :‬مجاع ت فسي‬
‫النصيحة هو عناية القلب للمنصوح له من كان‪ ،‬وهي على وجهني‪ :‬أحدمها ف رض‪ ،‬واآلخر نافلة‪ ،‬فالنصيحة المفت رضة‬

‫‪ - 1‬معامل السنن(‪.)226-225/3‬‬
‫‪ - 2‬صيانة صحيح مسلم(ص ‪.)222‬‬
‫‪ - 3‬ينظر‪ :‬شرح النووي على مسلم(‪.)37/2‬‬
‫‪ - 4‬تعظيم قدر الصالة(‪.)682/2‬‬
‫‪ - 5‬شرح صحيح البخاري البن بطال(‪.)223/2‬‬
‫‪ - 6‬جامع العلوم واحلكم(‪.)228/2‬‬
‫‪ - 7‬هبجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار يف شرح جوامع األخبار لعبد الرمحن بن ناصر السعدي(ص ‪.)62‬‬

‫‪67‬‬
‫لله هي شدة العناية من الناصح بات باع حمبة الله يف أداء ما اف ت رض‪ ،‬ولجان بة ما حرم‪ ،‬وأما النصيحة اليت هي نافلة فهي‬
‫إيثار حمبته على حمبة ن فسه‪ ،‬وذلك أن ي عرض أمران أحدمها لن فسه واآلخر لربه ف يبدأ مبا كان لربه‪ ،‬وي ؤخر ما كان لن فسه‬
‫ف هذه مجلة ت فسي النصيحة له‪ ،‬الفرض منه‪ ،‬والنافلة وكذلك ت فسي سنذكر ب عضه لي فهم بالت فسي من ال ي فهم اجلملة‬
‫فالفرض من ها لجان بة ن هيه‪ ،‬وإقامة ف رضه جبميع جوارحه ما كان مطيعا له‪ ،‬فإن عجز عن القيام بفرضه آلفة حلت به من‬
‫مرض أو حبس أو غي ذلك‪ ،‬عزم على أداء ما اف تض عليه م ى زالت عنه العلة المانعة له‪ ،‬قال الله عز وجل‪{ :‬ليس‬
‫على الضُّعفاء وال على المرضى وال على الذين ال جيدون ما ي نفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنني من‬
‫سبيل} [التوبة‪ ]80 :‬فسماهم حمسنني نصيحت هم لله بقلوهبم لما منعوا من اجلهاد بأن فسهم‪ ،‬وقد ي رفع األعمال كلها‬
‫عن العبد يف ب عض احلاالت‪ ،‬وال ي رفع عن هم النُّصح لله لو كان من المرض حبال ال ميكنه عمل بشيء من جوارحه‬
‫بلسان وال غيه‪ ،‬غي ر أن عقله ثابت مل يسقط عنه النُّصح لله بقلبه وهو أن ي ندم على ذنوبه‪ ،‬وي نوي إن يصح أن ي قوم‬
‫مبا اف ت رض الله عليه‪ ،‬وي تجنب ما ن هاه عنه‪ ،‬وإال كان غي ر ناصح لله بقلبه‪ ،‬وكذلك النُّصح لله ولرسوله فيما أوجبه على‬
‫ب طاعة من أطاع الله ورسوله‪ ،‬وأما‬ ‫الناس على أمر ربه‪ .‬ومن النُّصح الواجب لله أن ال ي رضى مبعصية العاصي‪ ،‬وي ُّ‬
‫النصيحة اليت هي نافلة ال ف رض‪ :‬ف بذل المحمود بإيثار الله على كل حمبوب بالقلب‪ ،‬وسائر اجلوارح ح ى ال يكون يف‬
‫الناصح فضال عن غيه ألن الناصح إذا اجت هد لمن ي نصحه مل ي ؤثر ن فسه عليه‪ ،‬وقام بكل ما كان يف القيام به سروره‪،‬‬
‫وحمبته فكذلك الناصح لربه‪ ،‬ومن ت ن فل لله بدون االجتهاد ف هو ناصح على قدر عمله غي ر حم ٍّق للنصح بالكمال وأما‬
‫النصيحة لكتاب الله فشدة حبه وت عظيم قدره إذ هو كالم اخلالق‪ ،‬وشدة الرغبة يف ف همه‪ ،‬ث شدة العناية يف تدبُّره‪،‬‬
‫والوقوف عند تالوته لطلب معاين ما أحب مواله أن ي فهمه عنه وي قوم له به ب عد ما ي فهمه‪ ،‬وكذلك الناصح من القلب‬
‫ي ت فهم وصية من ي نصحه وإن ورد عليه كتاب منه عىن بفهمه لي قوم عليه مبا كتب به فيه إليه‪ ،‬فكذلك الناصح لكتاب‬
‫ب وي رضى‪ ،‬ث ي نشر ما فهم من العباد ويدمي دراسته بالمحبة له‪ ،‬والتخلُّق‬ ‫الله ي عين ي فهمه لي قوم لله مبا أمر به كما ي ُّ‬
‫بأخالقه والتأ ُّدب بآدابه‪ .‬وأما النصيحة للرسول‪ ‬يف حياته ف بذل المجهود يف طاعته‪ ،‬ونصرته‪ ،‬ومعاونته‪ ،‬وبذل المال‬
‫إذا أراده‪ ،‬والمسارعة إىل حمبته‪ ،‬وأما ب عد وفاته فالعناية بطلب سنته‪ ،‬والبحث عن أخالقه وآدابه‪ ،‬وت عظيم أمره ولزوم‬
‫القيام به‪ ،‬وشدة الغضب واإلعراض عن من يدين خبالف سنته‪ ،‬والغضب على من ضي عها ألث رة دن يا‪ ،‬وإن كان متدي نا‬
‫هبا‪ ،‬وحب من كان منه بسبيل من ق رابة أو صهر أو هجرة أو نصرة أو صحبة ساعة من ليل أو ن هار على اإلسالم‬
‫ب اجتماع األمة كلهم‬ ‫ب طاعتهم ورشدهم‪ ،‬وعدهلم‪ ،‬وح ُّ‬ ‫والتشبُّه به يف زيه ولباسه‪ .‬وأما النصيحة ألئمة المسلمني فح ُّ‬
‫ب إعزازهم يف طاعة‬ ‫وكراهية افتاق األمة عليهم‪ ،‬والتديُّن بطاعتهم يف طاعة الله‪ ،‬والب غض لمن رأى اخلروج عليهم وح ُّ‬
‫ب لن فسه‪ ،‬ويكره هلم ما يكره لن فسه‪ ،‬ويشفق عليهم وي رحم صغيهم‪،‬‬ ‫الله‪ .‬وأما النصيحة للمسلمني‪ :‬فأن يب هلم ما ي ُّ‬
‫وي وق ر كبيهم‪ ،‬ويزن حلزهنم‪ ،‬وي فرح لفرحهم‪ ،‬وإن ضره ذلك يف دن ياه كرخص أسعارهم‪ ،‬وإن كان يف ذلك ربح ما‬
‫ب صالحهم‪ ،‬وألفت هم‪ ،‬ودوام الن عم عليهم‪ ،‬ونصرهم على عدوهم‪،‬‬ ‫يبيع من جتارته‪ ،‬وكذلك مجيع ما يضُّرهم عامة وي ُّ‬
‫ودفع كل أذى ومكروه عن هم"‪.1‬‬

‫‪ - 1‬تعظيم قدر الصالة(‪.)633-632/2‬‬

‫‪68‬‬
‫وقول اإلمام أيب عمرو بن الصالح‪" :‬والنصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه اخلي إرادة‬
‫ضادها وخيالفها‪ ،‬وجتنُّب‬
‫وفعال‪ ،‬فالنصيحة هلل تبارك وتعاىل‪ :‬توحيده ووصفه بصفات الكمال واجلالل مجع‪ ،‬وتنزيهه عما ي ُّ‬
‫معاصيه‪ ،‬والقيام بطاعاته وحمابه بوصف اإلخالص‪ ،‬واحلب فيه والبغض فيه‪ ،‬وجهاد من كفر به تعاىل‪ ،‬وما ضاهى ذلك‪،‬‬
‫والدعاء إىل ذلك واحلث عليه‪ ،‬والنصيحة لكتابه‪ :‬اإلميان به وتعظيمه وتنزيهه‪ ،‬وتالوته حق تالوته‪ ،‬والوقوف مع أوامره‬
‫وذب حتريف الغالني وطعن امللحدين عنه‪ ،‬والنصيحة لرسوله‬ ‫وتفهم علومه وأمثاله‪ ،‬وتدبُّر آياته والدعاء إليه‪ُّ ،‬‬
‫ونواهيه‪ُّ ،‬‬
‫التمسك بطاعته‪ ،‬وإحياء سنته‪ ،‬واستشارة‪ 1‬علومها ونشرها‪،‬‬‫قريب من ذلك‪ :‬اإلميان به ومبا جاء به‪ ،‬وتوقيه وتبجيله‪ ،‬و ُّ‬
‫ومعاداة من عاداه وعاداها‪ ،‬ومواالة من وااله وواالها‪ ،‬والتخلُّق بأخالقه‪ ،‬و ُّ‬
‫التأدب بآدابه‪ ،‬وحمبة آله وصحابته وحنو ذلك‪،‬‬
‫والنصيحة ألئمة املسلمني‪ ،‬أي خللفائهم وقادهتم‪ :‬معاونتهم على احلق وطاعتهم فيه‪ ،‬وتنبيههم وتذكيهم برفق ولطف‪،‬‬
‫وحث األغيار على ذلك‪ ،‬والنصيحة لعامة املسلمني‪ ،‬وهم ها هنا من عدا‬ ‫ولجانبة اخلروج عليهم‪ ،‬والدعاء هلم بالتوفيق‪ُّ ،‬‬
‫وسد خالهتم‪ ،‬ونصرهتم على‬ ‫أوىل األمر منهم‪ :‬إرشادهم إىل مصاحلهم‪ ،‬وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم‪ ،‬وست عوراهتم‪ُّ ،‬‬
‫ب عنهم‪ ،‬ولجانبة الغش واحلسد هلم‪ ،‬وأن يب هلم ما يب لنفسه‪ ،‬ويكره هلم ما يكرهه لنفسه‪ ،‬وما شابه‬ ‫أعدائهم‪ ،‬والذ ُّ‬
‫ذلك"‪.2‬‬
‫وسنحاول بإذن اهلل‪ ‬أن نتكلم على كل ما دلت عليه هذه اجلملة بنوع من التفصيل‪:‬‬
‫قوله‪" :‬هلل"‪ ،‬والنصيحة هلل‪ ‬هي االعتاف بوحدانية اهلل سبحانه وتعاىل يف ربوبيته وألوهيته وأمسائه وصفاته‪ُّ ،‬‬
‫وتفرده‬
‫بصفات الكمال على وجه ال يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه‪ ،‬وترك اإلحلاد يف آياته وأمسائه وصفاته‪ ،‬مع كمال‬
‫حبه وتعظيمه‪ ،‬والقيام بعبوديته واخلضوع له ظاهرا وباطنا‪ ،‬واإلنابة إليه كل وقت وحني بالعبودية رغبة ورهبة‪ ،‬واملسارعة‬
‫يف طاعته واالبتعاد عن معصيته‪ ،‬مع دوام التوبة واالستغفار‪.‬‬
‫قوله‪" :‬ولكتابه"‪ :‬والنصيحة لكتاب اهلل‪ ‬وهو القرآن هو‪ ،‬قال النووي‪" :‬وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعاىل‬
‫فاإلميان بأن كالم اهلل تعاىل وتنزيله ال يشبهه شيء من كالم اخللق وال يقدر على مثله أحد من اخللق ث تعظيمه وتالوته‬
‫حق تالوته وحتسينها واخلشوع عندها وإقامة حروفه يف التالوة والذب عنه لتأويل احملرفني وتعرض الطاعنني والتصديق مبا‬
‫فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه وأمثاله واالعتبار مبواعظه والتفكر يف عجائبه والعمل مبحكمه والتسليم ملتشاهبه‬
‫والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ونشر علومه والدعاء إليه واىل ما ذكرناه من نصيحته"‪.3‬‬
‫"ولرسوله"‪ :‬والنصيحة للنب‪ ‬هي التصديق برسالته ونبوته ومبا جاء به وأخرب به‪ ،‬وهو التصديق بأن اهلل أرسله‬
‫للجن واإلنس‪ ،‬وتصديقه يف مجيع ما جاء به وقاله‪ ،‬ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان‪ ،‬بأنه رسول اهلل‪،‬‬
‫ووجوب طاعته‪ ‬واحلذر من معصيته‪ ،‬فإذا وجب اإلميان به وتصديقه فيما جاء به وجبت طاعته؛ ألن ذلك مما أتى به‪،‬‬
‫وحمبته‪ ‬أكثر من األهل والولد والوالد والناس أمجعني وتظهر حمبته‪ ‬يف االقتداء به ‪ ‬واتباع سنته‪ ،‬وامتثال أوامره‪،‬‬

‫‪ - 1‬كذا هي يف صيانة صحيح مسلم وفيما نقله ابن رجب يف جامع العلوم واحلكم(‪ 223/2‬ط األرناؤوط)‪" :‬استثارة" وهي أقرب‪.‬‬
‫‪ - 2‬صيانة صحيح مسلم(ص ‪.)222-222‬‬
‫‪ - 3‬شرح مسلم للنووي(‪.)38/2‬‬

‫‪69‬‬
‫واجتناب نواهيه‪ ،‬والتأدب بآدابه يف الشدة والرخاء ويف العسر واليسر‪ ،‬واتباعه‪ ‬واختاذه قدوة يف مجيع األمور واالقتداء‬
‫هبديه‪ ،‬واحتامه وتوقيه ونصرته حيا وميتا وذلك عند ذكر حديثه‪ ،‬وسنته‪ ،‬ومساع امسه وسيته‪ ،‬وتعلم سنته‪ ،‬والدعوة إليها‬
‫ونصرهتا‪ ،‬وكثرة الصالة عليه‪ ،‬وجوب التحاكم إليه والرضى حبكمه‪ ‬يف حياته وإىل سنته‪ ‬بعد موته‪ ،‬ووجوب إنزاله‬
‫مكانته‪ ‬بال غلو وال تقصي‪ ،‬فهو عبد اهلل ورسوله‪ ،‬وهو أفضل األنبياء واملرسلني‪ ،‬وهو سيد األولني واآلخرين‪ ،‬وهو‬
‫صاحب املقام احملمود واحلوض املورود‪ ،‬ولكنه مع ذلك بشر ال ميلك لنفسه وال لغيه ضرا وال نفعا إال ما شاء اهلل‪،‬‬
‫واالشتغال بسنته وشريعته حفظا وتصحيحا وتضعيفا وفهما وتفهيما وتبليغا ودعوة‪ ،‬وغيها من األمور اليت ذكرها أهل‬
‫العلم يف النصيحة لرسوله‪.‬‬
‫قوله‪" :‬وألئمة المؤمنين"‪ ،‬وأئمة املسلمني املراد به والة األمر‪ ،‬وقيل العلماء‪ ،‬قال النووي‪ " :‬وأما النصيحة ألئمة‬
‫املسلمني فمعاونتهم على احلق وطاعتهم فيه وأمرهم به وتنبيهم وتذكيهم برفق ولطف وإعالمهم مبا غفلوا عنه ومل يبلغهم‬
‫من حقوق املسلمني وترك اخلروج عليهم وتألف قلوب الناس لطاعتهم‪ ،‬قال اخلطايب رمحه اهلل‪ :‬ومن النصيحة هلم الصالة‬
‫خلفهم واجلهاد معهم وأداء الصدقات إليهم وترك اخلروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة‪ ،‬وأن ال‬
‫يغروا بالثناء الكاذب عليهم وأن يدعى هلم بالصالح‪ ،‬وهذا كلُّه على أن املراد بأئمة املسلمني اخللفاء وغيهم ممن يقوم‬
‫بأمور املسلمني من أصحاب الواليات‪ ،‬وهذا هو املشهور وحكاه أيضا اخلطايب‪ ،‬ث قال‪ :‬وقد يتأول ذلك على األئمة‬
‫الذين هم علماء الدين وأن من نصيحتهم قبول ما رووه وتقليدهم يف األحكام وإحسان الظن هبم"‪.1‬‬
‫قوله‪" :‬وعامتهم"‪ ،‬قال النووي‪" :‬وأما نصيحة عامة املسلمني وهم من عدا والة األمر فإرشادهم ملصاحلهم يف آخرهتم‬
‫ودنياهم وكف األذى عنهم فيعلمهم ما جيهلونه من دينهم ويعينهم عليه بالقول والفعل وست عوراهتم وسد خالهتم ودفع‬
‫املضار عنهم وجلب املنافع هلم وأمرهم باملعروف وهنيهم عن املنكر برفق وإخالص والشفقة عليهم وتوقي كبيهم ورمحة‬
‫صغيهم وختوهلم باملوعظة احلسنة وترك غشهم وحسدهم وأن يب هلم ما جيب لنفسه من اخلي ويكره هلم ما يكره لنفسه‬
‫من املكروه والذب عن أمواهلم وأعراضهم وغي ذلك من أحواهلم بالقول والفعل وحثهم على التخلق جبميع ما ذكرناه من‬
‫أنواع النصيحة وتنشيط مهمهم إىل الطاعات"‪.2‬‬
‫ورد من زاغ منهم عن احلق يف قول‬ ‫ومن أنواع نصحهم بدفع األذى واملكروه عنهم‪ :‬إيثار فقيهم وتعليم جاهلهم‪ُّ ،‬‬
‫أو عمل بالتلطف يف ردهم إىل احلق‪ ،‬والرفق هبم يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر حمبة إلزالة فسادهم ولو حبصول‬
‫ضرر له يف دنياه‪ ،‬كما قال بعض السلف‪ :‬وددت أن هذا اخللق أطاعوا اهلل وأن حلمي قرض باملقاريض‪ ،‬وكان عمر بن‬
‫عبد العزيز يقول‪ :‬يا ليتين عملت فيكم بكتاب اهلل وعملتم به‪ ،‬فكلما عملت فيكم بسنة‪ ،‬وقع مىن عضو ح ى يكون‬
‫آخر شيء منها خروج نفسي‪.‬‬
‫رد األهواء املضلة بالكتاب وال ُّسنة‪ ،‬وبيان‬
‫ومن أنواع النصح هلل تعاىل وكتابه ورسوله ‪-‬وهو مما خيتص به العلماء‪ُّ -‬‬
‫السنة على‬
‫رد األقوال الضعيفة من زالت العلماء‪ ،‬وبيان داللة الكتاب و ُّ‬‫داللتهما على ما خيالف األهواء كلها‪ ،‬وكذلك ُّ‬

‫‪ - 1‬شرح مسلم للنووي(‪.)38-37/2‬‬


‫‪ - 2‬شرح مسلم للنووي(‪.)33/2‬‬

‫‪71‬‬
‫ردها‪ ،‬ومن ذلك بيان ما صح من حديث النب‪ ،‬ومامل يصح منه بتبني حال رواته ومن ت قبل رواياته منهم ومن ال‬
‫تقبل‪ ،‬وبيان غلط من غلط من ثقاهتم الذين تقبل روايتهم‪.‬‬
‫ومن أعظم أنواع النُّصح أن ي نصح ملن استشاره يف أمره‪ ،‬كما قال‪" :‬إذا است نصح أحدكم أخاه‪ ،‬فلي نصح له"‪ ،‬ويف‬
‫بعض األحاديث‪" :‬إن من حق املسلم على املسلم أن ينصح له إذا غاب"‪ ،‬ومعىن ذلك‪ :‬أنه إذا ذكر يف غيبه بالسوء أن‬
‫يدل على صدق النصح‪ ،‬فإنه‬ ‫ينصره‪ ،‬ويرد عنه‪ ،‬وإذا رأى من يريد أذاه يف غيبه‪ ،‬كفه عن ذلك‪ ،‬فإن النصح يف الغيب ُّ‬
‫قد يظهر النصح يف حضوره متلقا‪ ،‬ويغشه يف غيبه‪ ،‬وقال احلسن‪" :‬إنك لن ت ب لغ حق نصيحتك ألخيك ح ى تأمره مبا‬
‫ت عجز عنه"‪ ،‬وقال أيضا‪" :‬وقال بعض أصحاب النب‪ :‬والذي نفسي بيده إن شئتم ألقسمن لكم باهلل إن أحب عباد‬
‫اهلل إىل اهلل الذين يببون اهلل إىل عباده ويببون عباد اهلل إىل اهلل‪ ،‬ويسعون يف األرض بالنصيحة"‪ ،‬وقال فرقد السبخ ُّي‪:‬‬
‫احملب هلل‪ ‬أمي مؤمر على األمراء‪ ،‬زمرته أول الزمر يوم القيامة‪ ،‬ولجلسه أقرب اجملالس فيما‬
‫"قرأت يف بعض الكتب‪ُّ :‬‬
‫هناك واحملبة منتهى القربة واالجتهاد‪ ،‬ولن يسأم احملبون من طول اجتهادهم هلل‪ ،‬يبُّونه ويبُّون ذكره‪ ،‬ويببونه إىل‬
‫خلقه‪ ،‬ميشون ب ني عباده بالنصائح‪ ،‬وخيافون عليهم من أعماهلم يوم تبدو الفضائح‪ ،‬أولئك أولياء اهلل وأحباؤه وأهل‬
‫صفوته‪ ،‬أولئك الذين ال راحة هلم دون لقائه"‪ ،‬وقال ابن علية يف قول أيب بكر املزين‪ :‬ما فاق أبو بكر ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫احلب هلل‪ ،‬والنصيحة‬‫– أصحاب رسول اهلل‪ ‬بصوم وال صالة‪ ،‬ولكن بشيء كان يف قلبه‪ ،‬قال‪ :‬الذي كان يف قلبه ُّ‬
‫يف خلقه"‪ ،‬وقال الفضيل بن عياض‪" :‬ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصالة والصيام‪ ،‬وإّنا أدرك عندنا بسخاء األنفس‪،‬‬
‫أي األعمال أفضل؟ قال‪" :‬النصح هلل"‪ ،‬وقال معمر‪" :‬كان يقال‪:‬‬ ‫وسالمة الصدور‪ ،‬والنصح لألمة"‪ ،‬وسئل ابن املبارك‪ُّ :‬‬
‫أنصح الناس لك من خاف اهلل فيك"‪.‬‬
‫ح ى قال بعضهم‪ :‬من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة‪،‬‬ ‫وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد‪ ،‬وعظوه سرا م‬
‫ومن وعظه على رؤوس الناس فإّنا وخبه"‪ ،‬وقال الفضيل‪ :‬املؤمن يست ر وي نصح‪ ،‬والفاجر يهتك ويعي ر"‪ ،‬وقال عبد العزيز‬
‫بن أيب رواد‪" :‬كان من كان قبلكم إذا رأى الرجل من أخيه شيئا يأمره يف رفق‪ ،‬فيؤجر يف أمره وهنيه‪ ،‬وإن أحد هؤالء‬
‫خيرق بصاحبه فيستغضب أخاه ويهتك سته"‪ ،‬وسئل ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬عن أمر السلطان باملعروف‪ ،‬وهنيه‬
‫عن املنكر‪ ،‬فقال‪" :‬إن كنت فاعال والبد‪ ،‬ففيما بينك وبينه"‪.1‬‬
‫‪ –5‬مسائل الحديث‬
‫موضوع هذا احلديث األساس هو النصيحة‪ ،‬والنصيحة كما تقدم كلمة جامعة‪ ،...‬وهي قوام الدين‪ ،‬واألصل يف‬
‫مسائل احلديث أن نتكلم عن تعريف النصيحة وأقسامها وأمهيتها يف كل قسم‪ ،‬لكن قد تقدم أكثر ذلك يف الشرح‬
‫التفصيلي للحديث‪ ،‬إال أنه بقي الكالم على بعض األمور املتعلقة بالنصيحة نأخذها يف ثالث مسائل‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬األحاديث الواردة في النصيحة‬
‫وردت أحاديث كثية يف النُّصح للمسلمني عموما‪ ،‬ويف النُّصح لوالة أمورهم أو نصح والة األمور لرعاياهم‪.‬‬
‫فأما األول‪ :‬وهو النصح للمسلمين عموما‪ ،‬ففي "الصحيحني عن جرير بن عبد اهلل قال‪" :‬بايعت النب على إقام‬

‫‪ - 1‬جامع العلوم واحلكم البن رجب(‪.)236-233/2‬‬

‫‪71‬‬
‫حق املؤمن على‬
‫الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬والنصح لكل مسلم"‪ ،‬ويف صحيح مسلم عن أيب هريرة‪ ،‬عن النب‪ ‬قال‪ُّ " :‬‬
‫ست"‪ ،‬فذكر منها‪" :‬وإذا استنصحك فانصح له"‪ ،‬وروي هذا احلديث من وجوه أخر عن النب‪ ،‬ويف "املسند"‬ ‫املؤمن م‬
‫عن حكيم بن أيب يزيد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن النب‪ ،‬قال‪" :‬إذا است نصح أحدكم أخاه‪ ،‬فلي نصح له"‪.‬‬
‫وأما الثاني‪ :‬وهو النصح لوالة األمور ونصحهم لرعاياهم‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن أيب هريرة‪ ،‬عن النب‪ ‬قال‪:‬‬
‫"إن اهلل يرضى لكم ثالثا؛ ي رضى لكم أن تعبدوه وال تشركوا به شيئا‪ ،‬وأن تعتصموا حببل اهلل مجيعا وال تفرقوا‪ ،‬وأن‬
‫ب‪ ‬قال يف خطبته‬ ‫تناصحوا من واله اهلل أمركم"‪ ،‬ويف مسند أمحد وغيه بإسناد صحيح عن جبي بن مطعم‪ ‬أن الن م‬
‫باخليف من مىن‪" :‬ثالث ال يغ ُّل عليهن قلب امرئ مسلم؛ إخالص العمل هلل‪ ،‬ومناصحة والة األمر‪ ،‬ولزوم مجاعة‬
‫املسلمني"‪ ،‬ويف الصحيحني عن معقل بن يسار‪ ،‬عن النب‪ ‬قال‪" :‬ما من عبد يستعيه اهلل رعية ث مل يطها بنصيحة‬
‫إال مل يدخل اجلنة"‪.1‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬أهمية النصيحة في حياة األمة‬
‫فرق‪ ،‬يقول املوىل سبحانه وتعاىل‪{ :‬واعتصموا‬‫من مقاصد اإلسالم العظيمة اجتماع كلمة املسلمني على احلق وعدم الت ُّ‬
‫حببل اهلل مجيعا وال تفرقوا}‪ ،‬ألجل ذلك شرع اهلل‪ ‬كل الوسائل اليت تؤدي إىل ذلك‪ ،‬وحرم كل ما يول بني ذلك‪،‬‬
‫يب لنفسه كما قال نبينا‪،‬‬ ‫وذلك لتحقيق احملبة بني املؤمنني‪ ،‬إذ ال يبلغ املرء كمال اإلميان ح ى يب ألخيه املسلم ما ُّ‬
‫وال يصل املسلم إىل هذه املنزلة إال بن قاء القلب من الغل واحلسد‪ ،‬وسالمة الصدر من شرور النفس‪ ،‬ومن أعظم مظاهر‬
‫حب اخلي للمنصوح وإرادة تنقيته من كل ما يشينه يف دينه‬ ‫سالمة الصدر وصفاء الفؤاد النصيحة‪ ،‬فالنصيحة وهي ُّ‬
‫ومروءته ودنياه ت ت رجم مدى حب املرء ألخيه املسلم وحرصه على بلوغه الكمال‪.‬‬
‫لقد خلق اهلل‪ ‬اإلنسان ناقصا‪ ،‬ومل يكمل من الناس الكمال البشري إال من اصطفاه اهلل‪ ،‬وهم بالنسبة ألكثر‬
‫معرض للخطأ والزلل‪ ،‬وهذا ما جيعل تقوميه أمر ال بد منه‪ ،‬هذا من جهة‪،‬‬‫ٌّ‬ ‫الناس قليل‪ ،‬ولما كان اإلنسان فيه نقص فإنه‬
‫ومن جهة أخرى فقد فطر املوىل تبارك وتعاىل اإلنسان على حب االختالط بالغي وب غض العزلة واالنفراد‪ ،‬وما مسي‬
‫اجتماعي بطبعه ال ميكن أن يعيش إال مع بين جنسه‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫اإلنسان إنسانا إال ألنه يأنس بغيه‪ ،‬فاإلنسان‬
‫ب الكرمي‪ ‬املؤمنني على احملبة والتآلف والتآخي واالبتعاد عن كل ما ي عكر صفو األخوة وصفاء احملبة‪،‬‬ ‫وقد حث الن ُّ‬
‫فقال‪« :‬ال ت باغضوا‪ ،‬وال حتاسدوا‪ ،‬وال تداب روا‪ ،‬وكونوا عباد اهلل إخوانا‪ ،‬وال ي ُّل لمسلم أن ي هجر أخاه ف وق ثالث»‪،2‬‬
‫ويف لفظ ملسلم‪« :‬ال حتاسدوا‪ ،‬وال ت باغضوا‪ ،‬وال ت قاطعوا‪ ،‬وكونوا عباد اهلل إخوانا»‪ ،3‬وقال يف رواية أخرى‪« :‬ال حتاسدوا‪،‬‬
‫وال ت ناجشوا‪ ،‬وال ت باغضوا‪ ،‬وال تداب روا‪ ،‬وال يبع ب عضكم على ب يع ب عض‪ ،‬وكونوا عباد اهلل إخوانا‪ ،‬المسلم أخو المسلم‪،‬‬
‫ال يظلمه وال خيذله‪ ،‬وال يقره‪ ،‬الت قوى هاهنا» ويشي إىل صدره ثالث مرات «حبسب امرئ من الشر أن يقر أخاه‬

‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬جامع العلوم واحلكم البن رجب(‪.)227-226/2‬‬


‫‪ - 2‬أخرجه مسلم(رقم‪.)2558 :‬‬
‫‪ - 3‬أخرجه مسلم(رقم‪.)2553 :‬‬

‫‪72‬‬
‫المسلم‪ ،‬ك ُّل المسلم على المسلم حرام‪ ،‬دمه‪ ،‬وماله‪ ،‬وعرضه»‪.1‬‬
‫ب‪ ‬يف احلث على التآخي واحملبة ح ى وصل إىل جعل املؤمنني جسدا واحدا وقطعة متماسكة يتأثر أعالها‬ ‫بل بالغ الن ُّ‬
‫بأسفلها وأمينها بأيسرها‪ ،‬فقال‪" :‬مثل المؤمنني يف ت وادهم‪ ،‬وت رامحهم‪ ،‬وت عاطفهم مثل اجلسد إذا اشتكى منه عضو‬
‫تداعى له سائر اجلسد بالسهر واحلمى"‪.2‬‬
‫وملا كانت خمالطة الناس مظنة للسقطات والزالت خصوصا مع وجود العدو الذي يرص على التحريش بني النفوس‬
‫بالسوء‪ ،‬أرشدنا ديننا احلنيف إىل جرب الكسرات وغفر الزالت وإقالة العثرات وجعل يف‬ ‫وهو الشيطان والنفس األمارة ُّ‬
‫ذلك األجر العظيم‪ ،‬وأمرنا إذا أخطأنا أن ن قوم بعضنا بعضا ونكمل بعضنا بعضا‪ ،‬وجعل من أهم الوسائل يف ذلك‬
‫إسدال النصيحة لألخ املؤمن‪ ،‬وذلك ببيان الصواب للمخطئ وإرشاده إليه برفق ولني‪ ،‬ف ‪" :‬املؤمن مرآة املؤمن‪ ،‬واملؤمن‬
‫يكف ضيعته‪ ،‬ويوطه من ورائه"‪ ،‬كما روي عن نبيا‪.3‬‬ ‫أخو املؤمن‪ُّ ،‬‬
‫فالنصيحة من أعظم وأهم الدعائم اليت ت بين جسد األمة وحتميه من الضعف واملرض‪ ،‬وما انتشرت النصيحة يف لجتمع‬
‫إىل جعلته لجتمعا قوياا سعيدا‪ ،‬عيشته طيبة هنيئة‪ ،‬مليئة باملودة والرمحة والراحة والطمأنينة‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬آداب النصيحة‬
‫ب اخلي للمسلمني‪ ،‬وال يبلغ املرء كمال اإلميان‬
‫من اآلداب العظيمة اليت حث عليها اإلسالم وقررهتا الشريعة الغراء ح ُّ‬
‫يب لنفسه‪ ،‬وال يصل املسلم إىل هذه املنزلة كما سبق آنفا إال بن قاء القلب من الغل واحلسد‬‫ح ى يب ألخيه املسلم ما ُّ‬
‫حب اخلي‬
‫وسالمة الصدر من شرور النفس‪ ،‬ومن أعظم مظاهر سالمة الصدر وصفاء الفؤاد النصيحة‪ ،‬فالنصيحة وهي ُّ‬
‫للمنصوح وإرادة تنقيته من كل ما يشينه يف دينه ومروءته ودنياه ت ت رجم مدى حب املرء ألخيه املسلم‪ ،‬لكن هناك آداب‬
‫ال بد أن يتحلى هبا من يريد أن يقدم النصيحة إلخوانه املسلمني ح ى تقع نصيحته موقع القبول من املنصوح‪ ،‬وأهم هذه‬
‫اآلداب‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلخالص وقصد وجه اهلل‪:‬‬
‫البد للناصح من أن يقصد بنصحه وجه اهلل‪‬؛ إذ هبذا القصد يستحق الثواب واألجر من اهلل تعاىل‪ ،‬ويستحق‬
‫القبول لنصحه من العباد‪ ،‬نفهم هذا من حديث النية املشهور‪.‬‬
‫‪ – 2‬عدم التشهير‪:‬‬
‫البد أن يرص الناصح على عدم التشهي يف نصحه باملنصوح له‪ ،‬وهذه آفة يقع فيها كثي من الناس‪ ،‬تراه خيرج‬
‫النصيحة يف ثوب خشن‪ ،‬ولكن إذا دق قت فيها وجدت أنه يقصد التشهي باملنصوح‪ ،‬وهذا ليس من أدب النصيحة يف‬
‫شيء‪ ،‬ورمبا أفضى ذلك إىل حصول سوء‪ ،‬أو زيادة شر‪ ،‬ومل تؤت النصيحة مثرهتا املرجوة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون النصح في السر‪ :‬ذلك ألن املنصوح امرؤ يتاج إىل جرب نقص وتكميله‪ ،‬وال يسلم املرء بذلك من‬

‫‪ - 1‬أخرجه مسلم(رقم‪.)2563 :‬‬


‫‪ - 2‬أخرجه مسلم(رقم‪.)2586 :‬‬
‫‪ - 3‬ينظر‪ :‬سلسلة األحاديث الصحيحة للشيخ األلباين(رقم‪.)326 :‬‬

‫‪73‬‬
‫حظ نفسه إال حلظة خلوة وصفاء‪ ،‬وهذه اللحظة تكون عند املسارة يف السر‪ ،‬وعندها تؤيت النصيحة مثرهتا‪ ،‬وال يكون‬
‫الناصح عونا للشيطان على أخيه‪ ،‬فإن الناصح يف مأل يعني الشيطان على صاحبه‪ ،‬ويوقظ يف نفسه مداخل الشيطان‪،‬‬
‫ويغلق أبواب اخلي‪ ،‬وتضعف قابلية االنتفاع بالنصح عنده‪.‬‬
‫وهلذا املعىن فقد حرص سلفنا الصاحل رضوان اهلل عليهم على النصح يف السر دون العلن‪ ،‬ويف هذا املقام يقول احلافظ‬
‫ابن رجب رمحه اهلل‪" :‬وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد‪ ،‬وعظوه سرا ح ى قال بعضهم‪" :‬من وعظ أخاه فيما بينه‬
‫وبينه‪ ،‬فهي نصيحة‪ ،‬ومن وعظه على رؤوس الناس فإّنا وخبه"‪ ،1‬وقال الفضيل بن عياض رمحه اهلل‪" :‬املؤمن يست وينصح‪،‬‬
‫والفاجر يهتك وي عي ر"‪ ،‬ويعقب احلافظ ابن رجب على كلمة الفضيل هذه بقوله‪" :‬فهذا الذي ذكره الفضيل من عالمات‬
‫النصح‪ ،‬وهو أن النصح يقتن به الست‪ ،‬والتعيي يقتن به اإلعالن"‪ ،2‬ويقول اإلمام أبو حات بن حبان البسيت رمحه اهلل‬
‫تعاىل‪" :‬النصيحة جتب على الناس كافة على ما ذكرنا قبل‪ ،‬ولكن ابداءها ال جيب إال سارا‪ ،‬ألن من وعظ أخاه عالنية‬
‫فقد شانه‪ ،‬ومن وعظه سرا فقد زانه‪ ،‬فإبالغ اجملهود للمسلم فيما يزين أخاه أحرى من القصد فيما يشينه"‪ ،3‬ويقول‬
‫اإلمام ابن حزم رمحه اهلل‪" :‬وإذا نصحت فانصح سرا ال جهرا‪ ،‬وبتعريض ال تصريح‪ ،‬إال أن ال يفهم املنصوح تعريضك‪،‬‬
‫فالبد من التصريح"‪.4‬‬
‫بلطف ٍ‬
‫وأدب ورفق‪:‬‬ ‫‪ -4‬أن يكون النصح ٍ‬
‫البد للناصح من أن يكون لطيفا رقيقا أدبيا يف نصحه لغيه‪ ،‬وهذا يضمن استجابة املنصوح للنصيحة‪ ،‬ذلك ألن‬
‫قبول النصح كفتح الباب‪ ،‬والباب ال يفتح إال مبفتاح مناسب‪ ،‬واملنصوح امرؤ له قلب قد أغلق عند مسألة قصر فيها‪،‬‬
‫إن كانت أمرا مطلوبا للشارع‪ ،‬أو وقع فيها‪ ،‬إن كانت أمرا منوعا من الشارع‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم اإللزام‪:‬‬
‫من واجب الناصح أن ينصح غيه‪ ،‬ولكن ليس من حقه أن يلزم غيه مبا ينصحه به؛ ألن هذا ليس من حقه‪ ،‬بل هو‬
‫حق للحاكم يف رعيته‪ ،‬والناصح دال على اخلي‪ ،‬وليس بآمر بفعله‪.‬‬
‫ٌّ‬
‫‪ -6‬اختيار الوقت المناسب للنصيحة‪:‬‬
‫البد للناصح من اختيار الوقت املناسب الذي يسدي فيه النصيحة للمنصوح‪ ،‬ألن املنصوح ال يكون يف كل وقت‬
‫مستعدا لقبول النصيحة‪ ،‬فقد يكون مكدرا يف نفسه حبزن أو غضب أو فوات مطلوب‪ ،‬أو غي ذلك مما مينعه من‬
‫االستجابة لنصح الناصح‪.‬‬
‫هذه لجمل اآلداب اليت ال بد أن يتحلى هبا الناصح لكي تثمر نصيحته‪ ،‬وأي إخالل بإحدى هذه اآلداب يعرض‬
‫النصيحة للخلل‪ ،‬بل قد تنقلب النصيحة إىل فضيحة وتعيي‪ ،‬فإن بعض الناس يأيت بالكالم يف قالب النصيحة وهو ما‬

‫‪ - 1‬جامع العلوم واحلكم(‪ 236/2‬حتقيق‪ :‬الفحل)‪.‬‬


‫‪ - 2‬الفرق بني النصيحة والتعيي(ص ‪.)27‬‬
‫‪ - 3‬روضة العقالء ونزهة الفضالء(ص ‪.)236‬‬
‫‪ - 4‬األخالق والسي يف مداواة النفوس(ص ‪.)35‬‬

‫‪74‬‬
‫أراد إال التشهي والتعيي‪.‬‬
‫وقد صنف احلافظ ابن رجب رمحة اهلل كتابا قيما مفيدا يف هذا الباب مساه "الفرق بني النصيحة والتعيي" ذكر فيه‬
‫فروقا بني النصيحة والتعيي من أمهها‪:1‬‬
‫‪ - 0‬النصيحة تكون يف السر‪ ،‬والتعيي يكون يف العلن‪ :‬ويف ذلك يقول الفضيل بن عياض رمحه اهلل‪" :‬املؤمن يست‬
‫وينصح والفاجر يهتك ويعي"‪ ،‬يقول ابن رجب رمحه اهلل معلقا‪ " :‬فهذا الذي ذكره الفضيل من عالمات النصح‪ ،‬فالنصح‬
‫يقتن به الست‪ ،‬والتعيي يقتن به اإلعالن"‪.‬‬
‫‪ - 5‬غرض الناصح اإلصالح‪ ،‬وغرض املعي غالبا اإلفساد واالنتقام‪.‬‬
‫‪ - 3‬الناصح يؤدي حقا واجبا عليه ألخيه املؤمن‪ ،‬فهو مأجور على نصحه ألخيه‪ ،‬وأما املعي‪ ،‬فهو مهتك حلقوق‬
‫عباد اهلل‪ ،‬مفرق جلماعتهم‪ ،‬مفسد لدينهم‪ ،‬فهو آث عند اهلل جزاء إيذاء عباد اهلل بإشاعة األذى والفاحشة بينهم‪ ،‬واهلل‬
‫سبحانه يقول‪{ :‬إن الذين يبُّون أن تشيع الفاحشة يف الذين آمنوا هلم عذاب أليم يف الدُّن يا واآلخرة} [النور‪ :‬من اآلية‬
‫‪.]08‬‬
‫‪ – 1‬الناصح بعيد عن حظ النفس غالبا‪ ،‬وأما املعي فحظ النفس ومرض القلب حاضر يف حقه‪ :‬ذلك ألن الناصح‬
‫حظ نفس ملا أقدم على النصيحة‪ ،‬وأما املعي‬ ‫يب ملنصوحه ما يبُّه لنفسه‪ ،‬فيحرص على ازدياده منها‪ ،‬ولو كان فيها ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ب له اخلي‪ ،‬بل يرجو له الشر‪ ،‬وال ختلو مقولته من حظ نفس يدفعه إىل األذى واإلفساد‪.‬‬ ‫ب من يريد تعييه وال ي ُّ‬
‫فال ي ُّ‬
‫‪ – 6‬الفوائد المستنبطة‬
‫أ ‪ -‬عظم شأن النصيحة ومنزلتها من الدين‪.‬‬
‫ب ‪ -‬بيان لمن تكون النصيحة‪.‬‬
‫يهمهم من أمور دينهم‪ ،‬وذلك بسؤاهلم لمن تكون النصيحة‪.‬‬
‫ج ‪ -‬حرص الصحابة على اخلي ومعرفة ما ُّ‬
‫د‪ -‬فيه تكرار املسالة إذا كانت من األمور العظيمة واملهمة‪.‬‬

‫‪ - 1‬ينظر‪ :‬الفرق بني النصيحة والتعيي‪.‬‬

‫‪75‬‬

You might also like