Professional Documents
Culture Documents
مذكرة الحديث التحليلي المرسل 3
مذكرة الحديث التحليلي المرسل 3
للسَّنةِّالثَّانيةِّأصولِّالدين ِّ
األستاذِّ:نورالدينِّتومي ِّ
املوسم اجلامعي4112 :هـ املوافق لـ2224/2222 :م.
ِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ
1
حمتوى املادة:
األول :حديث أيب الدَّ رداء" :من سلك طريقا يطلب فيه علام."...
احلديث َّ
احلديث ال َّثاين :حديث أيب هريرة" :هو الطهور ماؤه."...
احلديث ال َّثالث :حديث معاذ بن جبل" :حق اهلل عىل العباد."...
الرابع :حديث مَتيم الداري" :الدين النصيحة."...
احلديث َّ
احلديث اخلامس :حديث أيب هريرة" :اإليامن بضع وسبعون شعبة."...
فإن الصدق هيدي إىل الرب."...
السادس :حديث ابن مسعود" :عليكم بالصدقَّ ،
احلديث َّ
2
مقدمة
إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده اهلل فال مضل له،
ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهد أن حممدا عبده ورسوله ،صلى اهلل عليه
وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إىل يوم الدين ،أما بعد ،فإن أصدق احلديث كالم اهلل ،وخي اهلدي هدي حممد
وشر األمور حمدثاهتا ،وكل حمدثة بدعة وكل بدعة ضاللة ،وبعد:
فإن اهلل أرسل نبيه حممدا باهلدى ودين احلق ليظهره على الدين كله ،أرسله باهلدي القومي والصراط املستقيم،
وجعل رسالته وشريعته هي آخر الرساالت والشرائع ،تلك الرسالة السمحة والشريعة اخلالدة ،جعلها اهلل رمحة للخلق
وهداية هلم من كل ضالل ،ال نقص فيها وال خلل ،بل هي شريعة كاملة صاحلة لكل زمان ومكان {اليوم أكملت لكم
دينكم وأمتمت عليكم نعميت ورضيت لكم اإلسالم دينا} ،فهذا الدين قد أكمله اهلل سبحانه ورضيه لنا وأت به النعمة،
فال زيادة عليه وال تعقيب ،بل هو الدين الكامل الذي ارتضاه رب العزة لنا.
هذا الدين القومي والشريعة اخلالدة هو ما جاء يف القرآن العظيم وسنة سيد املرسلني ،وما سوامها من األدلة كاإلمجاع
وغيه إّنا يرجع إليهما ،فهما األصالن اللذان يرجع إليهما مجيع األحكام ،فأنزل اهلل على نبيه حممد القرآن
الكرمي الذي هو معجزته اخلالدة على مر األزمان ،وجعله حجة على اخللق أمجعني ،وتكفل اهلل سبحانه حبفظ هذا
الكتاب العظيم؛ وحفظ كتاب اهلل يشمل حفظ ألفاظه وحفظ معانيه ،وملا كانت سنة النب هي الشارحة للقرآن
م
واملبينة ملعانيه كما قال تعاىل{ :وأنزلنا إليك الذكر لتبني للناس ما نزل إليهم} كان حفظ هذه السنة الكرمية حفظا للقرآن
السنة من حفظ القرآن.العظيم ،فحفظ ُّ
فلما كانت السنة النبوية تتبوأ هذه املكانة العظيمة يف الدين إذ هي شارحة للكتاب مبينة له ،وبدوهنا ال ميكن ألحد
أن يفهم القرآن كما أراده اهلل؛ كانت جهود العلماء وعنايتهم خبدمتها كثية ومتنوعة ،ولقد بذل العلماء من لدن
الصحابة -رضوان اهلل عليهم-إىل يومنا هذا جهودا عظيمة يف خدمة سنته بنقلها ومجعها وحفظها وتدوينها وشرحها
وبيان معانيها واحلفاظ عليها من كل دخيل.
وملا كانت سنة النب القولية والعملية والتقريرية هي الشارحة للقرآن واملبينة له ،وبدوهنا ال نستطيع فهم القرآن بل
السنة
وال فهم الدين كما أراده اهلل منا ،كان االهتمام هبا وفهمها من الغايات الشريفة واملقاصد المنيفة ،بل إن فهم ُّ
والعمل هبا من الضرورات احلتمية ملن رام الفوز باملأمول والنجاة من احملذور ،ولذلك فما زال العلماء من لدن الصحابة
يهتمون هبذا األمر اهتماما بالغا.
رضوان اهلل عليهم مرورا بالتابعني وبعدهم أئمة الدين إىل يومنا ُّ
فقد فقه الصحابة عن رسول اهلل وأخذوا عنه الفهم السليم للدين ،لما مسعوه من فيهه الشريف ولما رأوه من
أعماله املباركة وتقريراته الفاضلة ،فهم قد شاهدوا التنزيل وعلموا أحوال املصطفى وخب روا أموره كلها ،فكانوا بذلك
السنة أثر من سبقهم من الصحابة أعلم الناس به وبشرعه ،ث أخذ التابعون عنهم الفهم وورثوه ملن بعدهم ،واقتفى علماء ُّ
السنن إال أكرب دليل على ذلك، والتابعني ،فصنفوا الكتب يف ذلك ،وما كتب األبواب كاجلوامع واملصنفات واملوطآت و ُّ
فهي كتب مرتبة على األبواب؛ مصنفات مجعت كتبا حتت كل كتاب عدد من األبواب-وهي التاجم -وحتت كل ترمجة
3
تدل على معىن يف فقه احلديث ،من تشريع من األمر أو النهي أو اإلباحة ،كوجوب عبادة أو باب عدد من األحاديث ُّ
أو استحباب أخرى ،أو حترمي حكم أو إباحته ،فهذه املصنفات من أوائل جهود العلماء يف بيان فقه احلديث ومعناه،
وهي تعرب عن فقه أصحاهبا وما فهموه من أحاديث النب ،ولذلك قالوا" :فقه البخاري يف ترامجه" ،وبعد تصنيف تلك
الكتب تتابع العلماء يف خدمتها بالشرح والبيان ،فظهرت كتب شروح احلديث اليت قدمت خدمة جليلة يف جانب فهم
السنة -بالشرح لبيان معاين األحاديث احلديث وفقهه ،حيث قصد علماء احلديث والفقهاء إىل هذه الكتب-أي كتب ُّ
حبق الوعاء الكبي لفقه احلديث وبيان معانيه.
وما حتتها من كنوز العلم ،فهي ٍّ
يهتمون هبذا اجلانب وهو شرح احلديث وبيان معناه ،فتنوعت بعد تلك االهتمامات ،فظهرت كتب وال زال العلماء ُّ
أخرى لشروح احلديث على حسب مقاصد مؤلفيها ،وأفردت بعض األبواب بالشرح ،بل قد أفردت بعض األحاديث
كل ذلك اهتمام هبذا األمر اجلليل ،وهذا وحده يكفي لعلو شأن فقه احلديث ومعرفة معناه ،كيف ال وهو بالشرحُّ ،
المحكم يف فهم الشريعة.
ولقد تنوعت مناهج العلماء يف شرح احلديث ،إال أن من بني أبرز تلك املناهج وأفضلها وأكثرها شيوعا "املنهج
يهتم بتحليل وشرح كل ما يتعلق باحلديث سندا ومت نا ،ولذلك اعتىن به العلماء وطلبة العلم لما فيه من
التحليلي" الذي ُّ
الفائدة املرجوة ،ومل يزل العلماء ييطونه باالهتمام ح ى وقتنا احلاضر ،ولذلك ضرب المحدثون واملعاصرون منه بنصيب
وخصوه مبزيد اهتمام وأطلقوا عليه ما يعرف يف الدراسات األكادميية املعاصرة بـ ــ" :الحديث التحليلي".
ُّ
وأصبح هذا النوع من علوم احلديث يدرس كمقياس يف اجلامعات والكليات واملعاهد الشرعية ،وأضحى من املقاييس
المهمة يف التكوين العلمي لطلبة العلم ،لما فيه من الغوص يف معاين احلديث من كل اجلوانب ،من جهة ،ومن جهة
أخرى لما فيه من استعمال جل العلوم الشرعية املشهورة ،كعلم العقيدة واحلديث والفقه واألصول واملقاصد والتفسي
حبق مقياس ظهر فيه التكامل
واللغة والبالغة والبيان والنحو والصرف وغيها ،فهو علم اجتمعت فيه علوم عديدة ،فيعترب ٍّ
بني جل العلوم الشرعية وعلوم اآللة كما سيظهر ذلك أثناء الكالم على منهجية دراسة احلديث دراسة حتليلية.
ولما كان مقياس احلديث التحليلي هبذه األمهية ،وحتقيقا ملا فيه من املقاصد اجلليلة ،ق رر على طلبة السنة ثانية أصول
الدين ،وقد وضع املشرفون على املقررات-جزاهم اهلل خيا -نصب أعينهم عند وضع هذا املقياس وما حواه من األحاديث
أمرين اثنني مهمني ،األول :التأصيل العلمي املرجو إفادته من منهجية دراسة هذا املقياس ،وذلك بإتقان اخلطوات
املنهجية العلمية املتبعة يف حتليل احلديث النبوي ،فيكون ذلك نرباسا هلم يف حياهتم العلمية ،واألمر الثاني :العمل مبا
السلوك.
تضمنه حمتوى هذا املقياس ،والتعبُّد مبا دل عليه من املعاين يف العقيدة واألحكام واألخالق واآلداب و ُّ
السلوك واآلداب،وألجل ذلك قام املشرفون على املقررات على انتقاء ستة أحاديث متنوعة بني العقيدة واألحكام و ُّ
سداسي
ٍّ والناظر يف هذه األحاديث يف أول وهلة يستقلُّها ،أي يرى أهنا قليلة ،ولسان حاله يقول :ستة أحاديث يف
كامل؟! وال شك أن هذه األحاديث وإن كانت قليلة يف عددها ،فهي كثية النفع يف مضموهنا ،عظيمة يف معانيها ،ولو
توقفنا عند كل حديث منها بالشرح املفصل املطول ملكثنا يف حديث واحد أشهر ،ألن أحاديث النب حتتها من املعاين
واألسرار ما ال خيطر ببال ،ولذلك سنقف مع هذه األحاديث وقفة احلريص على فهمها والعمل هبا ،وتعلم اخلطوات
4
العلمية اليت ّنشي عليها يف الدراسة التحليلية.
وسنحاول قبل الدُّخول يف صلب املوضوع وهو شرح األحاديث وحتليلها وفهمها وفقه ما فيها واالستنارة هبداياهتا
والعمل مبا دلت عليه ،أن نتكلم على بعض األمور بني يدي املوضوع كاملدخل إليه ،هذه األمور تكون معينا بعد اهلل
للطالب للولوج يف هذا املقياس وفهمه.
5
مدخل
نتكلم في هذا المدخل على ثالثة مسائل؛ األولى :معنى الحديث التحليلي ،الثانية :مصادر الحديث التحليلي،
الثالثة :منهجية دراسة الحديث دراسة تحليلية.
املسألة األوىل :معنى احلديث ال َّتحلييل.
أوال :معنى الحديث التحليلي لغة واصطالحا ،وفيه معىن احلديث لغة واصطالحا ،ومعىن التحليلي لغة.
ضد القدمي ،واصطالحا :ما أثر عن النب من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية أو
الحديث لغة ُّ
سية.
الرباعي حلل ،تقول :حلل يلل حتليال ،فهو يرجع إىل مادة حلل ،باحلاء التحليلي لغة ،التحليل لغة من الفعل ُّ
يشذ على ذلك شيء يف هذا الباب ،فقال والالم ،وقد ذكر ابن فارس أن احلاء والالم أصل يرجع إىل فتح الشيء ،وال ُّ
يف مادةَ ( :حل)" :احلاء والالم له ف روع كثية ومسائل ،وأصلها كلُّها عندي ف تح الشيء ،ال يش ُّذ عنه شيء ،ي قال
حللت العقدة أحلُّها ح اال ،وي قول العرب" :يا عاقد اذكر ح اال" ،واحلالل :ض ُّد احلرام ،وهو من األصل الذي ذكرناه،
كأنه من حللت الشيء ،إذا أحبته وأوسعته ألمر فيه".1
فالتحليل على هذا هو فتح الشيء ،وتفكيكه وتفصيله ،2وبيان أجزائه.
ثانيا :معنى الحديث التحليلي كمركب وصفي.
الحديث التحليلي أو الدراسة التحليلية هي اليت تتخذ التحليل أساسا هلا ،وقد عرف احلديث التحليلي عدة
تعريفات من املعاصرين مع تفاوت بينهم يف ذكر بعض العناصر كما تفاوتوا يف ضبط التعريف طوال وقصرا ،3وحنن هنا
يهمنا إعطاء مدلول ي فهم به معىن احلديث
يهمنا التدقيق يف التعاريف والتعقيب عليها ومناقشتها بقدر ما ُّ
طبعا ال ُّ
التحليلي ،إذ املقصود هو فهم الطالب ملعىن الدراسة التحليلية أو احلديث التحليلي ،ولذلك ميكن تعريفه في االصطالح
بالقول :الحديث التحليلي هو شرح الحديث الواحد شرحا تفصيليا ،وبيانه بيانا شافيا ،سندا ومتنا ،مع ذكر
فوائده.
فقولنا" :شرح الحديث الواحد" ،خيرج به شرح عددا من األحاديث يف املوضوع الواحد ،وهو الذي يعرف بالدراسة
املوضوعية أو احلديث املوضوعي.
وقولنا" :شرحا تفصيليا ،وبيانه بيانا شافيا" ،خيرج به الشرح اإلمجايل املختصر للحديث ،كما هو احلال يف الدروس
واحملاضرات واملواعظ ،يف املساجد واجلامعات واملدارس وامللتقيات وغيها.
وقولنا" :سندا ومتـنا" ،أي أن الدراسة بالشرح والتفصيل والبيان تشمل اإلسناد واملنت معا ،فالدراسة اإلسنادية يف
6
التوسع ،وهبذا تتميز الدراسة التحليلية عن الدراسة املوضوعية من جهة ،وعن
الدراسة التحليلية قسيمة للدراسة املتنية يف ُّ
دراسة أحاديث األحكام من جهة أخرى ،فإن املقصود منهما الدراسة املتنية ،إال أن يف أحاديث األحكام يكون غالب
الدراسة يف حديث واحد ،ويف الدراسة املوضوعية يف عدة أحاديث يف موضوع واحد.
وقولنا" :مع ذكر فوائده" ،قيد أضفناه يف التعريف ،ألنه قد ال تذكر بعض الفوائد املستنبطة من احلديث أثناء الشرح
التفصيلي ،فيذكر يف آخر الدراسة الفوائد املستنبطة من احلديث غي ما سبق ذكره ،كما هي اخلطوة السابعة من الدراسة
املتنية.
7
املسألة ال َّثانية :مصادر احلديث التَّحلييل.
كل كتب احلديث املصنفة
مصادر احلديث التحليلي هي املصادر اليت روي فيها احلديث باإلسناد إىل النب ،وهي ُّ
باألسانيد ،وهي اليت أراد أصحاهبا فيها مجع أحاديث النب أصالة باألسانيد ،إضافة إىل بعض الكتب األخرى اليت مل
يقصد أصحاهبا مجع احلديث أصالة لكن أخرجوا فيها أحاديث كثية باألسانيد تبعا ،للحاجة إليها ،ككتب العقيدة
املسندة ،وكتب التفاسي ،وكتب العلل واجلرح والتعديل وغيها ،وقد قسمت هذه املصادر إىل أحد عشر قسما:
أوال :الجوامع :املقصود باجلوامع هي الكتب اليت مجعت األحاديث املسندة إىل النب مرتبة على أبواب الدين،
واملقصود بأبواب الدين أي أهنا مجعت كل أنواع األحاديث احملتاج إليها ،أي اليت يتاجها املسلم ،ومل ختص بابا دون
السنن مثال ،وقد ذكر العلماء أن أبواب الدين والعلم مثانية أبواب مع خالف يسي يف عدها؛ آخر كما هو حال كتب ُّ
وهذه األبواب هي :العقيدة والتوحيد واإلميان ،واألحكام من احلالل واحلرام ،والفضائل واملناقب واملثالب ،واملغازي
الزهد والرقائق ،والفنت وأشراط الساعة ،والتفسي.
والسي ،واآلداب واألدعية واألذكار ،و ُّ
ومن أشهر كتب اجلوامع :اجلامع املسند الصحيح املختصر من أمور رسول اهلل وسننه وأيامه ،املعروف اختصارا
بصحيح البخاري ،واملسند الصحيح املختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول اهلل ،املعروف اختصارا
بصحيح مسلم ،واجلامع املختصر من السنن عن رسول اهلل ومعرفة الصحيح واملعلول وما عليه العمل ،املعروف اختصارا
جتوزا ألنه ليس سن نا بل هو جامع.
بالسنن ُّ
جبامع التمذي ،وتسميته ُّ
ثانيا :المسانيد :واملقصود باملسند هو الكتاب الذي مجع فيه صاحبه األحاديث مسندة إىل النب ،أي متصلة
مرفوعة ،مرت با على أمساء الصحابة ،كمسند أيب هريرة ث مسند ابن عمر ث مسند عائشة رضي اهلل عنها ،وهكذا،
وأما ترتيب أمساء الصحابة يف املسند فيجع إىل اجتهاد كل إمام ومنهجه يف ترتيب تلك األمساء.
ومن أشهر املسانيد ،مسند أيب داود الطيالسي ،ومسند احلميدي ،ومسند إسحاق بن راهوية ،ومسند أمحد بن حنبل،
ومسند بقي بن خملد األندلسي(مفقود) ،ومسند البزار ،ومسند أيب يعلى املوصلي ،وغيها ،وكتب املسانيد كثية جداا
جتاوزت املائتني بني مطبوع وخمطوط ومفقود.
ثالثا :الصحاح :املقصود بالصحيح الكتاب الذي اشتط صاحبه فيه الصحة ،أي ال خيرج إال حديثا صحيحا،
والكتب املشهورة بذلك :صحيح البخاري ،وصحيح مسلم ،وموطأ مالك-على خلف فيه ،-وصحيح ابن خزمية،
وصحيح ابن حبان.
لكن ال بد من التنبيه هنا أن اشتاط اإلمام للصحة ال يلزم منه صحة األحاديث اليت أخرجها يف نفس األمر ،ألنه قد
يشتط-أي اإلمام -الصحة وال يويف بشرطه كابن حبان مثال ،وعليه فكتب الصحاح اليت اشتطت الصحة ووَّف أصحاهبا
مبا اشتطوا مها :صحيح البخاري وصحيح مسلم ،يف أغلب الغالب ،يعين أن كل ما فيهما من األحاديث صحيح إال
الرتبة من حيث الصحة "املوطأ" ،وأما بقية الكتب
أحاديث يسية انتقدت عليهما وخصوصا على مسلم ،وبعدمها يف ُّ
اليت اشتطت الصحة فقد نزلت عن الصحة لكثرة األحاديث املنتقدة فيها وخصوصا صحيح ابن حبان.
8
تنبيه :من املشهور أن ابن السكن صنف صحيحا وهو املعروف بصحيح ابن السكن ،وقد مساه الذهب يف موضع،1
وابن عبد اهلادي ،2وابن ناصر الدين الدمشقي ،3والسيوطي" :4الصحيح املنتقى" ،ومساه الذهب يف موضع آخر،5
والصفدي" :6املنتقى الصحيح" ،لكن مل أدخله هنا يف كتب الصحاح ألنه حمذوف األسانيد ،وكتاب ابن السكن مل
يصل إلينا ،لكن صرح غي واحد من أهل العلم أنه حمذوف األسانيد ،فقد قال السبكي" :وهو كتاب حمذوف األسانيد"،7
وقال الكتاين" :لكنه كتاب حمذوف األسانيد ،جعله أبوابا يف مجيع ما يتاج إليه من األحكام".8
بالسنن هي الكتب اليت مجعت أحاديث األحكام من احلالل واحلرام ،أي أحاديث الفقه، رابعا :السنن :املقصود ُّ
مسندة إىل النب ،مرتبة على أبواب الفقه ،فشرطها إخراج األحاديث املتصلة املرفوعة إىل النب يف الفقه ،لكن قد
لسنن عنالسنن بعض املوقوفات على سبيل التبع ال أصالة ،للحاجة إليها ،وهذا الذي ختتلف فيه كتب ا ُّ
خيرج أصحاب ُّ
كتب املصنفات كما سيأيت.
الصغرى والكربى ،وسنن ابن ماجه ،وسنن الدارمي ،وصحيح السنن :سنن أيب داود ،وسنن النسائي ُّ
ومن أشهر كتب ُّ
9
السنن الكربى والصغرى للبيهقي.
السنن البن اجلارود ،وسنن الدارقطين ،و ُّ
ابن خزمية ،واملنتقى من ُّ
خامسا :المصنفات والموطآت :املقصود باملصنف هو الكتاب الذي مجع األحاديث املرفوعة إىل النب ،واملوقوفة
السنن متاما إال أن الفرق
على الصحابة ،واملقطوعة على التابعني ،يف األحكام ،أي أحاديث الفقه ،فاملصنفات مثل ُّ
بينهما هو أن املصنفات خرج أصحاهبا األحاديث املرفوعة واملوقوفة واملقطوعة يف الفقه أصالة ،أي تقصدوا إخراج املوقوف
واملقطوع مع املرفوع ،ولذلك كثرت املوقوفات واملقطوعات جداا يف املصنفات ،بينهما كما سبق ذكره خرج أصحاب
السنن األحاديث املرفوعة يف الفقه أصالة ،وخرجوا املوقوف وبعض املقطوع ت ب عا.
ُّ
ومن أشهر املصنفات :مصنف عبد الرزاق بن مهام الصنعاين ،ومصنف أيب بكر ابن أيب شيبة.
وأما املوطآت فهي من املصنفات ،فاملوطأ كاملصنف متاما إال أن أصحابه مسوه موطأ.
ومن أشهر املوطآت :موطأ مالك ،وموطأ عبد اهلل بن وهب ،وموطأ ابن أيب ذئب(مفقود).
سادسا :المستخرجات:
املستخرج هو أن يأيت حمدث أو عامل إىل كتاب مصنف باألسانيد فيخرج أحاديث ذلك الكتاب بأسانيد لنفسه حبيث
- 1تذكرة احلفاظ(.)011/3
- 2طبقات علماء احلديث(.)030/3
- 3هتذيب ابن عساكر(.)051/6
- 4طبقات احلفاظ(ص ،)373وحسن احملاضرة يف تاريخ مصر والقاهرة(.)352/2
- 5تاريخ اإلسالم(.)55/8
- 6الوايف بالوفيات(.)050/05
- 7شفاء السقام يف زيارة خي األنام(ص .)91
- 8الرسالة املستطرفة(ص .)55
- 9نص غي واحد من العلماء أن صحيح ابن خزمية مرتب على أبواب الفقه ،وما وصلنا منه وهو قدر الربع ُّ
يدل على ذلك.
9
يلتقي مع مصنف ذلك الكتاب يف شيخه أو شيخ شيخه فما فوق ،فشرط املستخرج أن يلتقي املستخرج مع صاحب
الكتاب الذي يريد استخراجه يف الشيخ أو شيخ الشيخ ولو إىل آخر اإلسناد ،يعين ينظر أوال :هل عنده حديث
املصنف(الذي يريد استخراج حديثه) عن شيخ ذلك املصنف؟ فإذا وجد أن احلديث عنده من طريق شيخ املصنف
أخرجه من طريق ذلك الشيخ من غي طريق املصنف(الذي يريد استخراج حديثه) ،فإذا مل جيد احلديث عن شيخ
املصنف ،صعد إىل شيخ شيخ املصنف فأخرج احلديث من طريقه ،فإذا مل جيده من طريق شيخ شيخ املصنف صعد إىل
الشيخ الذي فوقه ،وهكذا ح ى يصل إىل آخر اإلسناد وهو النب ،فشرط املستخرج أال يتجاوز الشيخ األقرب إىل
املصنف إال إذا مل يكن احلديث عنده عن ذلك الشيخ.
ومن أشهر املستخرجات :مستخرج أيب عوانة اإلسفراييين على صحيح مسلم ،ومستخرج أيب نعيم األصبهاين على
صحيح مسلم ،ومستخرج الطُّوسي على جامع التمذي.
مثال للحديث المستخرج :يأيت مثال أبو عوانة أو أبو نعيم إىل أحاديث صحيح مسلم ،فينظر إىل أول حديث
أخرجه مسلم وهو حديث جربيل الذي أخرجه مسلم باإلسناد اآليت :حدثين أبو خيثمة زهي ر بن حرب ،حدث نا وكيع،
ي -وهذا حديثه-حدث نا عن كهمس ،عن عبد اهلل بن ب ريدة ،عن يي بن ي عمر ،ح وحدث نا عب يد اهلل بن معاذ العنرب ُّ
ين...احلديث،أيب ،حدث نا كهمس ،عن ابن ب ريدة ،عن يي بن ي عمر ،قال :كان أول من قال يف القدر بالبصرة معبد اجله ُّ
فيأيت املستخرج أبو عوانة أو أبو نعيم فينظر يف األحاديث اليت عنده ،طبعا هو مجع األحاديث يف حياته العلمية ومدة
طلبه للعلم ،فجمع األحاديث عن الشيوخ فتحصل عنده ألوف األحاديث كما فعل مسلم وغيه متاما ،فينظر هل عنده
يف األحاديث اليت مجعها حديث جربيل من طريق زهي بن حرب أو عبيد اهلل بن معاذ الذي مها شيخا مسلم يف هذا
احلديث ،فإذا وجد احلديث من طريق أحد هذين الشيخني أخرجه عنه إىل آخر اإلسناد الذي ذكره مسلم ،فيكون قد
اجتمع مع مسلم يف شيخه مباشرة ،فإذا مل يكن عنده احلديث عن زهي بن حرب أو عبيد اهلل بن معاذ ،نظر هل عنده
احلديث عن وكيع الذي هو شيخ زهي بن حرب أو معاذ العنربي الذي هو شيخ عبيد اهلل بن معاذ؟ فإذا وجد احلديث
عن أحدمها أو كالمها أخرجه عنه أو عنهما ،فإذا مل جيد صعد إىل كهمس بن احلسن شيخ وكيع ومعاذ العنربي ،فإذا
وجد احلديث عنه أخرجه ،فإذا مل جيد صعد إىل ابن بريدة ،وهكذا.
وأطلت هنا يف تعريف املستخرج وضربت املثال لذلك ،لصعوبة فهم معىن املستخرج عند الطلبة ،واهلل أعلم.
سابعا :المستدركات :املستدرك هو أن يأيت عامل من العلماء إىل كتاب اشتط فيه صاحبه شرطا معينا ،فيستدرك
عليه أحاديث على شرطه مل خيرجها.
ومن أشهر املستدركات :كتاب :املستدرك على الصحيحني أليب عبد اهلل احلاكم النيسابوري ،وكتاب :التتبُّع لمإمام
التوسع كتاب :األحاديث املختارة للضياء املقدسي. الدارقطين ،ومن الكتب اليت يف تدخل االستدراك من باب ُّ
ثامنا :المعاجم ،والمشيخات ،واألَثبات والبرامج والفهارس:
المعجم هو الكتاب الذي أخرج فيه صاحبه أحاديث مرتبة على حروف املعجم يف أمساء شيوخه ،أي :يأيت املصنف
يهمه
فيتب األحاديث على أمساء شيوخه ،وهؤالء الشيوخ مرتبني على حروف املعجم ،فهو ينظر إىل أول اإلسناد وال ُّ
11
آخر اإلسناد ،فيأيت إىل أحاديث شيخ من شيوخه امسه أمحد مثال فيخرجها كلها أو بعضها متسلسلة ،لكن آخر اإلسناد
قد ينتهي يف حديث إىل ابن عمر رضي اهلل عنهما ،ويف حديث آخر إىل أيب هريرة ويف ثالث إىل عائشة رضي اهلل
عنها ،وهكذا ،فهو على عكس املسند متاما ،ألن املسند ينظر صاحبه إىل الصحايب ،واملعجم ينظر صاحبه إىل شيخه،
الشيوخ مرتبني على حروف املعجم ،ولذلك مسي معجما. فاألول مرتب على أمساء الصحابة ،والثاين مرتب على أمساء ُّ
ومن أشهر املعاجم على هذا املعىن :املعجم األوسط واملعجم الصغي كالمها للطرباين ،واملعجم لعبد اخلالق بن أسد
بن ثابت احلنفي.
وأما املشيخات فجمع مشيخة ،وهو الكتاب املرتب على شيوخ املصنف كذلك ،فهو مثل املعجم ،وكتب املشيخات
كثية ج ادا.
ومثل املشيخات تقريبا املعاجم يف الطبقات املتأخرة ،فكثي من العلماء املتأخرين جعلوا ألنفسهم معجما مرت با على
الشُّيوخ ،ترمجوا فيه ألولئك الشيوخ وأخرجوا لكل شيخ حديثا واحدا يف الغالب.
وأما األثبات فجمع ث بت بفتح الباء ،والثبت هو الكتاب املرتب كذلك على شيوخ املصنف ،لكن األثبات يف عمومها
قليلة األحاديث بالنسبة للمعاجم على املعىن املتقدم ،ألن املقصود منها يف الغالب التمجة لشيوخ املصنف والتعريف هبم
مع إخراج حديث واحد لكل شيخ يف الغالب ،وقد ال خيرجون شيئا ،وكذلك من مقصود األثبات ذكر الكتب
واملصنفات ،والثبت اصطالح مشهور عند املشارقة ،ومثله عند املغاربة واألندلسيني مصطلح الربنامج والفهرس أو
الفهرست؛ فإن الربنامج هو الكتاب الذي يكتب فيه احملدث أو العامل أمساء شيوخه وأسانيد مروياهتم ،ومثله الفهرس،
ولذلك جعلت الثالثة مع بعض ،فإهنا مبعىن واحد من حيث العموم.
ومن أمثلة املشيخات-وهي كثية :-املشيخة البغدادية أليب الظاهر السلفي ،ومشيخة ابن شاذان الصغرى أليب علي
احلسن بن أمحد بن إبراهيم بن احلسن ابن حممد بن شاذان الب زاز ،ومشيخة ابن اجلوزي ،ومشيخة ابن البخاري أليب
العباس أمحد بن حممد بن عبد اهلل احلنفي.
ومن أمثلة املعاجم يف الطبقات املتأخرة اليت تشبه األثبات والربامج :كتاب :املعجم املختص باحملدثني لمإمام الذهب،
للسبكي تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي. ومعجم الشيوخ ُّ
ومن أمثلة األثبات :ثبت أيب جعفر أمحد بن علي البلوي الوادي آشي(ت.)839 :
الرعيين ،وبرنامج عبيد اهلل بن أيب الربيع اإلشبيلي ،وبرنامج التُّجيب
ومن أمثلة الربامج :برنامج شيوخ علي بن حممد ُّ
والتُّجيب هو القاسم بن يوسف بن حممد بن علي التجيب البلنسي السبيت (املتوَّف031 :ه ) ،وبرنامج الوادي آشي،
والوادي آشي صاحب الربنامج هو أبو عبد اهلل حممد بن جابر بن حممد بن قاسم القيسي ،الوادي آشي األندلسي (ت:
،)018وهو غي الوادي آشي صاحب الثبت املتقدم.
ومن أمثلة الفهرس :فهرست شيوخ عبد احلق بن عطية الغرناطي ،وفهرست حممد بن خي اإلشبيلي ،والغنية يف فهرست
شيوخ القاضي عياض بن موسى اليحصب.
فائدة :ألف اإلمام الطرباين ثالثة معاجم؛ الكبي واألوسط والصغي ،وقد تقدم أن األوسط والصغي من املعاجم ،لكن
11
الكبي وإن مساه معجما فهو من املسانيد وليس من املعاجم ،فهو خمرج على أمساء الصحابة وليس على أمساء شيوخه،
الشيوخ يف أحاديث الصحايب ما استطاع إىل ذلك سبيال ،لكن قصده هو إخراج أحاديث وإن كان يراعي ترتيب ُّ
الرواة عنهم ،يعين عن الصحابة.
الصحابة بتتيب ُّ
تاسعا :كتب األمالي:
األمايل مجع إمالء ،وله يف اللُّغة عدة معاين ،منها :التأخي واإلمهال واإلطالة ،ومن معانيه :ت ُّلفظ ما يف احلفظ أو
الكتاب ليحفظه أو يكتبه السامع ،وهو املقصود هنا ،واإلمالء يف اصطالح احملدثني :أن يعقد احملدث أو العامل لجلسا
وحوله التالميذ والطلبة ،فيملي الشيخ من حفظه أو من كتابه عددا من األحاديث مسندة إىل النب والطُّالب يكتبون،
ويكون ذلك يف لجلس واحد أو عدد من اجملالس ،والعادة أن تكون يف لجالس كثية.1
وتسمى هذه اجملالس األمايل أو اإلمالء ،وقد كان اإلمالء يف مجيع العلوم يف التفسي واحلديث والفقه واللغة والتاريخ
وغيها ،بل ح ى عند احملدثني تنوع اإلمالء؛ إىل إمالء األحاديث يف لجالس تعرف مبجالس اإلمالء ،وإمالء علوم احلديث
يهمنا يف
األخرى كالعلل واجلرح والتعديل ،ويتوسع معىن اإلمالء إىل إمالء كل أنواع الكتب يف مجيع العلوم ،والذي ُّ
اإلمالء هو إمالء األحاديث باألسانيد يف لجالس اإلمالء ،والكتب املصنفة يف ذلك.
وكتب اإلمالء كثية جدا ال تكاد حتصى ،خصوصا يف القرون؛ الثالث والرابع واخلامس والسادس ،وبعد ذلك تراجع
التأليف يف األمايل على األسانيد شأنه شأن بقية األنواع من التصنيف باألسانيد.
ومن أشهر كتب األمايل :2أمايل الباغندي حممد بن سليمان( ،)593أمايل ابن صاعد يي بن صاعد)(،)309
أمايل احملاملي احلسني بن إمساعيل بن حممد( ،)331أمايل ابن السماك عثمان بن أمحد الدقاق( ،)311أمايل أيب العباس
األصم حممد بن يعقوب النيسابوري( ،)316أمايل الطرباين سليمان بن أمحد( ،)361أمايل ابن بشران عبد امللك بن
حممد بن بشران( ،)131أمايل احلافظ أيب نعيم األصبهاين( ،)131أمايل أيب القاسم ابن عساكر( ،)500أمايل ابن
الصالح عثمان بن عبد الرمحن( ،)613أمايل العراقي( ،)916واألمايل املطلقة واحللبية كالمها البن حجر
العسقالين(.)955
عاشرا :األجزاء الحديثية:
األجزاء مجع جزء ،واجلزء لغة النصيب ،والقطعة من الشيء ،والطائفة ،وأما اجلزء اصطالحا فيطلق على عدد من
املعاين:
المعنى األول" :تأليف األحاديث املروية عن رجل واحد من الصحابة أو من بعدهم" 3كجزء فيه أحاديث أيب بكر
الصديق ،أو جزء فيه حديث شعبة ،مثاله :جزء اجلعديات(حديث على بن اجلعد) مجع أيب القاسم البغوي.
المعنى الثاني :مجع األحاديث يف موضوع واحد؛ سواء كان املوضوع يف العقيدة أو الفقه أو الزهد أو الشمائل
12
والفضائل ،أو اآلداب واألخالق ،والتغيب والتهيب ،مثاله :الشمائل احملمدية للتمذي ،وفضائل الصحابة لمإمام أمحد
والنسائي والدارقطين ،وجزء قيام الليل حملمد بن نصر املروزي ،وجزء القراءة خلف اإلمام ،وجزء رفع اليدين يف الصالة،
واألدب املفرد ،ثالثتهم لمإمام البخاري.
المعنى الثالث :األحاديث اليت انتخبها املؤلف ألمهيتها عنده ،كاألحاديث العشاريات(فيه عشرة أحاديث)،
واألحاديث األربعينيات ،مثاله :كتاب :األربعني يف فضائل ذكر رب العاملني ملسافر بن حممد بن حاجي الدمشقي
(املتوَّف151 :ه ) ،واألربعني يف فضل الدعاء والداعني لعلي بن املفضل بن مفرج املقدس ُّي (املتوَّف600 :ه ).
المعنى الرابع :ويطلق اجلزء كذلك على الكالم على حديث واحد سندا ومتنا والت ُّ
وسع فيه ،كحديث" :إّنا األعمال
بالنيات" ،وحديث" :من كذب علي متعمدا".
ومن كتب األجزاء الحديثية كتب العوالي ،وكتب العوايل هي الكتب اليت مجعت األحاديث العالية ،أي قريبة
أسانيدها من النب وهي كثية ،منها :كتاب :عوايل األعمش ليوسف بن خليل الدمشقي ،وعوايل عبد الرزاق للضياء
املقدسي ،وعوايل سفيان بن عيينة البن منده ،وعوايل مالك للحاكم ،وعوايل احلارث بن أيب أسامة وغيها.
ومن كتب األجزاء كذلك كتب الفوائد ،وكتب الفوائد هي كتب يؤلفها أصحاهبا يف بيان فوائد ملطلب معني ،وهي
كثية جداا :كفوائد متام بن حممد الرازي ،وفوائد أيب طاهر املخلمص ،وفوائد ابن منده ،وفوائد ابن املقري.
واألجزاء احلديثية باملعاين املتقدمة وكذلك كتب الفوائد كثية جداا ال تكاد حتصى كثرة.
وميكن التنبيه هنا أنه قد يدخل يف كتب األجزاء احلديثية والعوايل والفوائد بعض كتب املعاجم واملشيخات خصوصا
إن كانت صغية احلجم ،وكذلك بعض كتب األمايل ،خصوصا إذا كان اإلمالء لبعض املواضيع ،كفضل رمضان ،أو
اجلمعة ،أو فضائل الصحابة ،وغيها ،ولذلك جتد بعض الكتب تذكر يف األمايل وتذكر يف املشيخات وتذكر يف األجزاء
احلديثية ،وال إشكال يف ذلك ،ألهنا تصلح جلميعها ،والعربة واملقصد هو تقريب معاين ومضمون هذه األنواع من
املصنفات احلديثية.
حادي عاشر :كتب أخرى :واملقصود بكتب أخرى هي غي كتب احلديث اليت مجع أصحاهبا أحاديث النب أصالة
وهي املتقدم ذكرها ،فالكتب األخرى هي تلك الكتب اليت تقدمت اإلشارة إليها آنفا اليت مل يقصد أصحاهبا مجع
احلديث أصالة ،لكن أخرجت وذكرت فيها أحاديث مرفوعة كثية باألسانيد تبعا ،للحاجة إليها ،ككتب العقيدة املسندة،
وكتب التفاسي ،وكتب العلل واجلرح والتعديل ،وهذه الكتب هي:
/9كتب العقيدة :وهي كثية جدا ،فهناك كثي من كتب العقائد وخصوصا عند املتقدمني أخرجت األحاديث
السنة للمروزي،
السنة البن أيب عاصم ،و ُّ باألسانيد ،من أشهرها :الكتب الموسومة بالسنةُّ ،
كالسنة لعبد اهلل بن أمحد ،و ُّ
ومن كتب العقيدة المسندة الكتب الموسومة بالتوحيد ،كالتوحيد البن خزمية والتوحيد البن منده ،ومن كتب العقيدة
المسندة الكتب الموسومة باإليمان :كاإلميان البن أيب شيبة ،واإلميان البن منده ،ومن كتب العقيدة المسندة كتب
الرد على الجهمية ،كخلق أفعال العباد والرد على اجلهمية للبخاري ،والرد على اجلهمية للدارمي وابن منده وغيهم،
13
وهناك كتب بمسميات أخرى في العقيدة وهي مسندة ،ككتاب الشريعة لآلجري ،وكتاب أصول إعتقاد أهل ُّ
السنة
للاللكائي ،وكتاب اإلبانة البن بطة ،وغيها من كتب العقيدة املسندة الكثية.
/2كتب التفاسير والمصاحف.
كتفسي ابن جرير ،وتفسي ابن أيب حات ،وتفسي ابن مردويه ،وتفسر ابن املنذر ،وككتاب املصاحف البن أيب داود
السجستاين.
/3كتب المغازي والسير
كمغازي موسى بن عقبة ،وسية ابن إسحاق ،واملغازي البن أيب شيبة.
/4كتب العلل ،والجرح والتعديل ،والسؤالت ،والتراجم والطبقات ،والتواريخ ،وهي كثية :فمن كتب العلل التي
ذكرت األحاديث مسندة :العلل ومعرفة الرجال لمإمام أمحد ،والعلل البن أيب حات ،والعلل الواردة يف األحاديث النبوية
للدارقطين ،ومن كتب الجرح والتعديل :التاريخ الكبي للبخاري ،والكامل البن عدي ،واجملروحني البن حبان ،ومن
كتب التراجم والطبقات :الطبقات الكربى البن سعد ،طبقات احملدثني بأصبهان والوردين عليها أليب الشيخ األصبهاين،
وحلية األولياء وطبقات األصفياء أليب نعيم األصبهاين ،ومن كتب التواريخ :تاريخ نيسابور للحاكم النيسابوري(وهو
مفقود) ،وتاريخ أصبهان أو أخبار أصبهان أليب نعيم األصبهاين ،وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي ،وتاريخ دمشق البن
عساكر.
/5كتب المصطلح وعلوم الحديث؛ سواء اجلامعة ،أو اليت أفردت نوعا من أنواع علوم احلديث وهي كثية ،فمن
الكتب التي جمعت كثيرا من أنواع علوم الحديث وأخرجت بعض األحاديث مسندة :معرفة أنواع علوم احلديث
للحاكم النيسابوري ،واحملدث الفاصل بني الراوي والواعي حملمد بن خالد الرامهرمزي ،واجلامع ألخالق الراوي وآداب
السامع والكفاية يف أصول الرواية كالمها للخطيب البغدادي ،وأما الكتب التي أَفردت نوعا أو أنواعا قليلة من أنواع
علوم الحديث فكثيرة ،منها :كتب المتشابه :كتلخيص املتشابه وتايل التلخيص كالمها للخطيب البغدادي ،وكتب
الكنى واألسماء :كالكىن واألمساء أليب بشر الدواليب ،وكتب المؤتلف والمختلف :كاملؤتلف واملختلف للدارقطين،
واإلكمال يف رفع االرتياب عن املؤتلف واملختلف يف األمساء والكىن واألنساب البن ماكوال ،وكتب المتفق والمفترق:
كاملتفق واملفتق للخطيب البغدادي ،وغيها من الكتب املصنفة يف بعض أنواع علوم احلديث ككتب اخلطيب البغدادي
األخرى.
/6كتب معرفة الصحابة ومعجم الصحابة وتراجمهم
كمعجم الصحابة البن قانع ،ومعجم الصحابة للبغوي ،ومعرفة الصحابة أليب نعيم ،ومعرفة الصحابة البن منده.
/7كتب شروح الحديث وكتب مختلف الحديث ومشكله.
كالتمهيد واالستذكار كالمها البن عبد الرب ،واختالف احلديث للشافعي ،وشرح مشكل اآلثار للطحاوي.
14
/8كتب الفقه
ككتاب األم للشافعي ،وكتاب املدونة لسحنون ،وكتاب شرح معاين اآلثار للطحاوي ،وكتاب األوسط البن املنذر،
وكتاب احمللى البن حزم.
/1كتب الغريب(غريب الحديث) واللغة
كغريب احلديث أليب عبيد القاسم بن سالم ،وغريب احلديث إلبراهيم احلريب.
املسألة ال َّثالثة :منهجية دراسة احلديث دراس ًة حتليلية.
كل
لقد تنوعت مناهج املعاصرين وطرائقهم يف دراسة احلديث دراسة حتليلية ،وذكروا خطوات على حسب اجتهاد ٍّ
منهم ،بني موسع ومضيق؛ بني موسع أدخل يف حتليل احلديث كل ما يتعلق باإلسناد واملنت من أحوال ومعاين ،ولذلك
كانت خطواته كثية ،وبني مضيق اقتصر على اجلوانب المهمة لفهم احلديث وفقهه ،ولذلك جاءت خطواته قليله
بالنسبة للموسعني ،لكن املتدبر جيدا لتلك املناهج جيدها متقاربة ،ومضموهنا واحد تقريبا ،وذلك أن من ضيق واقتصر
على خطوات يسية قد أدخل واستعمل ما استعمله املوسعون تقريبا ،فمثال الدراسة البالغية أو النحوية ،فح ى ولو مل
يذكرها بعضهم إىل أهنم يف حقيقة األمر قد استعملوها يف ثنايا كالمهم على األحاديث ،ولذلك فاالختالف أقرب ما
يكون لفظي ،ما وسعه قوم أدلجه آخرون يف عناصر أخرى ،على أهنم قد اتفقوا على أن الدراسة التحليلية تنقسم إىل
إسنادية ومتنية ،ولكل واحدة منهما عناصرها.
ولذلك سأمشي يف الدراسة التحليلية على ما اتفق عليه أغلب من تكلم على املنهجية العلمية للدراسة التحليلية،
فأقول وباهلل التوفيق:
حتليل احلديث أو دراسة احلديث دراسة حتليلية تكون ضمن مرحلتني كبيتني ،أو تنقسم إىل مرحلتني كبيتني؛ الدراسة
اإلسنادية والدراسة املتنية ،وتندرج حتت كل واحدة منهما خطوات عديدة.
ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أنه ال بد من اختيار لفظ احلديث املراد دراسته اختيارا دقيقا من أحد الكتب املصنفة ،يعين
أنه قبل الدخول يف املنهجية بذكر الدراسة اإلسنادية واملتنية ،نذكر أوال إسناد ومنت احلديث املدروس ،وذلك باختيار
اللفظ التام أو الكامل من أحد الكتب املصنفة ،وفارس ذلك يف الغالب هو اإلمام مسلم رمحه اهلل الهتمامه البالغ
باأللفاظ ،فعناية اإلمام مسلم باللفظ التام والكامل أمر مشهور من منهجه ،لكن ال يعين ذلك أن يكون لفظ مسلم
دائما هو األكمل واألت ،بل قد يكون لفظ البخاري أو أمحد أو أيب داود أو غيهم أتُّ وأكمل ،فضال أن احلديث قد
ال يرويه مسلم أصال ،ولذلك ينبغي لطالب العلم أن يكون فطنا ذكياا يف اختيار اللفظ الذي يراه أت وأكمل ،ث يذكر
نص احلديث بإسناده ومتنه يف أول األمر قبل الدراسة التحليلية ،فيقول :نص الحديث ،ث يذكر إسناد ولفظ احلديث
من الكتاب املختار ،يقول مثال :قال اإلمام مسلم :حدثنا ،....فيذكر اإلسناد والمتن ،ث بعده يدخل يف الدراسة
التحليلية ،بذكر الدراسة اإلسنادية واملتنية.
أوال :الدراسة اإلسنادية
15
وفيها مخس خطوات رئيسة:
الخطوة األولى :تخريج الحديث تخريجا فنيا وعلميا ،ويكون يف هذه اخلطوة ختريج احلديث من بطون كتب
السنة بالرجوع إىل مصادر احلديث األصلية خترجيا فنياا علميا ،ويستحسن رسم شجرة اإلسناد ليسهل عليه ضبط الطرق ُّ
كما يسهل عليه بعد ذلك صياغة التخريج يف الورقة ،ويهتم عند التخريج بأمور ،منها :ضبط منت احلديث ،والتحقيق
من الرواية التامة وذكر الفروق بني الروايات ،وذلك باختيار لفظ من كتاب من كتب السنة(وهو نص احلديث الذي ت
السنة املختلفة ،سواء األلفاظ الزائدة أو الناقصة ،فيقول مثال بعد
اختباره غالبا) ،ث يذكر الفروق يف األلفاظ بني كتب ُّ
صياغة التخريج وذكر لفظ احلديث :هذا لفظ مسلم ،وقريب منه لفظ البخاري ،ومل يذكر أمحد كذا ،وزاد أبو داود كذا،
السنة وذكر الفروق بينها على الورقة ،وهبذا
وطبعا هذا يرجع إىل مهارة طالب العلم يف النظر يف منت احلديث يف كتب ُّ
العمل نكون قد وق فنا على تعدُّد روايات احلديث واختالف ألفاظه الذي جعله بعضهم كخطة يف الدراسة اإلسنادية،
لكن ينبغي التفطُّن هنا إىل صحة األلفاظ املختارة بأن ال نذكر إال ما صح ،وهو الذي ي ُّ
هتم به يف اخلطوة الثانية.
الخطوة الثانية :الحكم على الحديث وبيان درجته صحة وضعفا ،وهو املقصود من التخريج وخالصته ،وذلك
الشروط من عدمها. بالرجوع إىل كالم علماء احلديث ،وبالنظر يف شروط احلديث الصحيح ُّ
وحتقق تلك ُّ
الخطوة الثالثة :الكالم على بعض أحوال اإلسناد غير ما تقدم ،واملقصود من ذلك ذكر بعض الفوائد اإلسنادية
يف أسانيد هذا احلديث ،وتصرف األئمة مع احلديث ،كسبب عدم إخراج البخاري مثال هلذا احلديث ،وغيها.
الخطوة الرابعة :تراجم رواة اإلسناد ،واملقصود به تراجم رواة إسناد اللفظ املختار يف أول الدراسة ،وهو ُّ
نص
احلديث الذي تقدم ذكره.
الخطوة الخامسة :ذكر لطائف اإلسناد ،واملقصود بلطائف اإلسناد تلك النُّكت واألحوال اليت تكون على خالف
أصل اإلسناد يف األكثر الغالب ،كرواية الصحايب عن الصحايب ،وكوجود ثالثة من التابعني أو أربعة يف اإلسناد يروي
بعضهم عن بعض ،وكرواية األب عن االبن أو الشيخ عن التلميذ ،وككون رجال السند كلُّهم من بلد واحد ،كأن يكونوا
كلهم مدنني أو مكيني أو حجازيني أو بصريني أو مصريني ،وكتسلسل اإلسناد بصيغ السماع مثال حدثنا أو مسعت،
تابعي أو تابعيني ،واالبن هو
صحايب واحد ،ويكون ٌٌّّ وذلك أن األكثر الغالب من األسانيد أن يكون يف إسناد احلديث
الذي يروي عن األب ،والتلميذ هو الذي يروي عن الشيخ ،وكذلك األعم أن يكون رجال اإلسناد من بلدان خمتلفة،
وصيغ اإلسناد متنوعة ،فمجيء إسناد حديث خالف ذلك تعترب لطيفة من اللطائف ،واهلل أعلم.
ثانيا :الدراسة المتنية
وفيها سبع خطوات رئيسة:
الخطوة األولى :بيان سبب ورود الحديث إن وجد ،واملقصود بسب ورود احلديث هو األمر أو السبب الذي
ب ذلك احلديث أو فعله أو أقر عليه ،ويقابل سبب نزول اآلية يف علوم القرآن.
ألجله قال الن ُّ
الخطوة الثانية :ذكر قَدر الحديث وتعظيم شأنه ،واملقصود به تلك العبارات والكلمات املأثورة عن األئمة والعلماء
يف تعظيم قدر احلديث وبيان أمهيته ،وغالبا ما تكون تلك العبارات يف األحاديث األصول اجلامعة اليت دلت على معاين
16
عظيمة أو هي أصل يف باب من األبواب ،كقوهلم يف حديث" :إّنا األعمال بالنيات" إنه نصف العلم أو نصف الدين.
الخطوة الثالثة :شرح الغريب وما يشكل من األلفاظ ،والتطرق إىل األوجه النحوية والبالغية(يعين إن توسع الباحث
إىل ذكر األوجه البالغية والبيانية والنحوية وهو إعراب اجلمل ،فال بأس).
الخطوة الرابعة :بيان المعنى اإلجمالي للحديث ،واملقصود الفكرة األساس اليت يتكلم عليها احلديث ،وهنا تتكلم
عليها اختصارا.
الخطوة الخامسة :المعنى التفصيلي للحديث ،واملقصود هو شرح وحتليل مجل احلديث مجلة مجلة حتليال وشرحا
تفصيلياا ،ببيان معىن كل مجلة وما دلت عليه من األحكام واهلدايات واملواعظ والرقائق ،وهذا ما ُّ
تدل عليه كلمة "التحليلي"
من معىن كما سبق بيانه.
الخطوة السادسة :مسائل الحديث ،واملقصود من مسائل احلديث موضوع احلديث األساس الذي يتكلم عليه
احلديث ،فيجعل لذلك املوضوع دراسة مستقله ي ت وسع فيها أكثر مما سبق أخذه يف الشرح اإلمجايل والتفصيلي ،وهي
الدراسة املوضوعية لذلك املوضوع األساس ،وهذا ما جيعل الدراسة التحليلية دراسة شاملة وجامعة ،فمثال قول النب:
"لو توكلتم على اهلل حق توُّكله لرزقكم كما يرزق الطي ،تغدو مخاصا وت روح بطانا" ،فأنت ملا تأيت إىل بيان املعىن اإلمجايل
فإنك تشرح معىن احلديث إمجاال على جهة االختصار ،وإذا أتيت إىل املعىن التفصيلي فإنك تقف عند كل مجلة فتشرحا
شرحا مبسطا ،لكن يف مسائل احلديث ت فرد الكالم على املوضوع األساس الذي يتكلم عليه هذا احلديث وهو "التوكل"
فتجعل له دراسة موضوعية ،فتتكلم على التوكل من حيث تعريفه وفضله وضابطه والفرق بينه وبني التواكل وعالقته
بالقدر وغيها من املسائل املتعلقة بباب التوكل ،صحيح قد يكون بعض التكرار يف املسائل لما ذكر يف املعىن التفصيلي،
لكن ذلك ليس يف كل األحاديث ،وكلُّ حديث وما حواه من معاين ومجل وطول وقصر.
الخطوة السابعة :الفوائد المستنبطة من الحديث غير ما ذكر ،أي غي ما ذكر يف املعىن التفصيلي ومسائل
احلديث ،فمثال كما سيأتينا يف حديث معاذ" :كنت رديف النب على محار يقال له عفي "...احلديث ،فموضوع
احلديث األساس هو التوحيد وحق اهلل على عباده ،فيذكر ذلك يف مسائل احلديث ،ويذكر شرح مجل احلديث ،لكن
تبقى فوائد كثية مستنبطة ال تذكر عادة يف املسائل وال يف الشرح التفصيلي ،فتذكر هنا ،كجواز اإلرداف على الداية،
وجواز تسمية الدواب ،وكتواضع النب بركوبه على محار ،وغيها.
تتمة :إن كالا من الدراسة اإلسنادية والدراسة املتنية هلا قواعدها وضوابطها اليت تبىن عليها ،وينبغي لطالب احلق املشي
عليها ،فالدراسة اإلسنادية ،وما ذكرناه فيها من اخلطوات ،وكذلك الدراسة املتنية وما فيها من اخلطوات ،إّنا كان على
سبيل االختصار لضيق وقت احملاضرات وعدم احتمال هذا املوضع للبسط ،وإال فتخريج احلديث واحلكم عليه ،وكذا
فهم معناه وفقهه ،عندمها ضوابط وقواعد مشى عليها أهل العلم ،ال بد من اعتبارها لكي يكون حتليلنا سندا ومتنا
صحيحا موافقا ملا عليه األئمة وما ورثه العلماء خلفا عن سلف ،فاألمر ليس عبثياا أو عشوائيا أو هو تابع للعقول
واألهواء ،بل هو منهج متبع وقواعد متينة ،وحنن إذ نذكر هذا األمر ننبه أن هناك مناهج منحرفة تبنت قواعد يف احلكم
على األحاديث وفهم معناها مل يعهدها السلف وال األئمة وال العلماء ،كما هو احلال عند العلمانيني واحلداثيني والتنويريني
17
وغيهم من املناهج املنحرفة؛ سواء يف احلكم على احلديث أو يف فقهه وفهم معناه ،فبعضهم يكم عقله يف احلكم على
احلديث أو يف فهم معناه ،كادعاء أن كثيا من أحاديث صحيح البخاري تنايف العقل ،وأن مفهوم ذلك احلديث الصحيح
هو كذا وليس ما ذكره أصحاب الكتب الصفراء على حد تعبيهم ،وبعضهم يكم خلفيته وبيئته ،فتاه يضعف حديثا
يف صحيح البخاري ومسلم ألنه خيالف بدعته وما وجد عليه آباءه وأجداده ،ويصحح آخر يف املستدرك أو غيه ولو
كان ضعيفا ألنه يوافق هواه وما عليه بيئته ،وبعضهم ياول إرضاء جهة معينة كالكفار فيلوي أعناق النُّصوص ويفسرها
على ما يهوى له إرضاء لتلك اجلهة ،وغي ذلك.
وهذا املوضع كما سبقت اإلشارة إليه آنفا ال يتمل البسط يف ذكر القواعد والضوابط اليت ينبغي السي عليها يف فهم
احلديث واحلكم عليه ،ألن هذا موضوع مجيع مقاييس علوم احلديث بل والعلوم األخرى كعلوم القرآن والعقيدة والفقه
وأصوله وقواعده وعلوم اللغة ،ألن هذه العلوم متكاملة ،فسواء ما تعلق بالرواية واحلكم على األحاديث ،أو ما تعلق بفقه
ختصه واملواد اليت ذكرت قواعده ما جتعله علما منضبطا مقعدا ،الكل ذلك له من املقاييس اليت ُّ
احلديث ومعرفة معناهُّ ،
يسعنا إال املشي على تلك القواعد واتباع تلك الضوابط ،أما الدراسة اإلسنادية ،فبالرجوع إىل ما وضعفه علماء احلديث
من قواعد يف احلكم على احلديث ،وهو الذي يدرس يف مقاييس التخريج والنقد واجلرح والتعديل والعلل ومناهج احملدثني
وغيها ،وأما الدراسة املتنية فبالرجوع إىل ما قعده أهل العلم من قواعد يف فهم احلديث وفقهه ،وهو الذي يدرس يف
بعض مقاييس علوم احلديث ،كمختلف احلديث ،وضوابط فهم احلديث ،ومقاصد السنة النبوية وأحاديث األحكام،
التخصصات األخرى ،كالعقيدة وعلوم القرآن والفقه وأصوله واللغة،
ُّ وغيها من املقاييس ،وكذلك ما يدرس يف مقاييس
ولذلك ينبغي لطالب احلديث أن يكون مل اما بشيء من علوم العقيدة على منهج السلف الصاحل ،وبشيء من علوم
القرآن ،وعلم الفقه ،وأصول الفقه ،وقواعد الفقه ،ومقاصد الشريعة ،وبعض علوم اللغة كالبالغة والنحو والصرف.
18
حق اهلل عىل العباد".
األول :حديث معاذ بن جبلُّ " :
احلديث َّ
نص الحديث :قال اإلمامان البخاري ومسلم :حدثنا هدبة بن خالد ،حدثنا مهام ،حدثنا قتادة ،حدثنا أنس بن
مالك ،عن معاذ بن جبل قال :ب ي نا أنا رديف النب ليس بيين وبينه إال آخرة الرحل ،فقال« :يا معاذ بن جبل»،
قلت :لبيك رسول اهلل وسعديك ،ث سار ساعة ث قال« :يا معاذ» ،قلت :لبيك رسول اهلل وسعديك ،ث سار ساعة،
حق اهلل على عباده؟» ،قلت :اهلل ورسوله
ث قال« :يا معاذ» ،قلت :لبيك رسول اهلل وسعديك ،قال« :هل تدري ما ُّ
حق اهلل على عباده أن يعبدوه ،وال يشركوا به شيئا» ،ث سار ساعة ،ث قال« :يا معاذ بن جبل» ،قلت: أعلم ،قالُّ « :
حق
حق العباد على اهلل إذا فعلوه؟» ،قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قالُّ « :
لبيك رسول اهلل وسعديك ،فقال« :هل تدري ما ُّ
العباد على اهلل أن ال يعذهبم».
هذا لفظ البخاري ،وعند مسلم" :حدثنا هداب بن خالد األزدي" ،وعند مسلم كذلك يف كل احلديث« :يا معاذ
بن جبل».
َّأوال :الدراسة اإلسنادية
-0تخريج الحديث :روى هذا احلديث عن معاذ بن جبل مثانية رواة؛ أنس بن مالك وعمرو بن ميمون
األودي واألسود بن هالل وعبد الرمحن بن أيب ليلى وعبد الرمحن بن غنم وأبو عثمان النهدي وأبو العوام وأبو
رزين.
أما رواية أنس بن مالك وهي أشهر هذه الطرق فرواها عنه قتادة بن دعامة السدوسي وأبو سفيان طلحة بن نافع
ب وعتاب موىل هرمز رجل من أهل واسط وأبوالقرشي ومعتمر بن سليمان وعبد العزيز بن صهيب وسعيد بن سليم الض ُّ
محزة وصدقة.
أما طريق قتادة بن دعامة السدوسي عن أنس وهو أشهر هذه الطرق وأكثرها ،فأخرجه البخاري 1ومسلم 2وابن
أيب عاصم 3وعبد اهلل بن أمحد 4وابن حبان 5وابن السين 6والطرباين 7وابن منده 8وأبو نعيم األصبهاين 9عن هدبة بن
- 1اجلامع الصحيح(كتاب اللباس ،باب إرداف الرجل خلف الرجل ،ص ،رقم 5367وكتاب ،باب من جاهد نفسه يف طاعة اهلل ،ص -2237
،2238رقم .)6522
- 2املسند اجلامع الصحيح(كتاب اإلميان ،باب من لقي اهلل باإلميان وهو غي شاك فيه دخل اجلنة وحرم على النار ،ص ،87رقم .)32
- 3اآلحاد واملثاين( 322/3رقم .)2833
- 4زوائد املسند كما يف املسند ألبيه( 325/36رقم .)22237
- 5صحيح ابن حبان( 82/2رقم .)362
- 6عمل اليوم والليلة(ص 256رقم .)232
- 7املعجم الكبي(.)38/22
- 8اإلميان( 233/2رقم .)32
- 9حلية األولياء( رقم .)5376
19
خالد ،وأخرجه البخاري عن موسى بن إمساعيل التبوذكي ،1وأخرجه أمحد 2وابن منده 3عن عفان بن مسلم الصفار،
وأخرجه النسائي 4وابن األعرايب 5عن أيب داود الطيالسي ،وأخرجه أبو عوانة 6عن عمرو بن عاصم ،كلهم-هدبة بن
خالد وموسى بن إمساعيل التبوذكي وعفان بن مسلم الصفار وأبو داود الطيالسي وعمرو بن عاصم -قالوا :حدثنا مهام-
هو ابن يي العوذي ،-حدثنا قتادة ،حدثنا أنس بن مالك ،عن معاذ بن جبل قال :ب ي نا أنا رديف النب ليس
بيين وبينه إال آخرة الرحل ،فقال« :يا معاذ بن جبل» ،قلت :لبيك رسول اهلل وسعديك ،ث سار ساعة ث قال« :يا
معاذ» ،قلت :لبيك رسول اهلل وسعديك ،ث سار ساعة ،ث قال« :يا معاذ» ،قلت :لبيك رسول اهلل وسعديك ،قال:
حق اهلل على عباده أن يعبدوه ،وال يشركوا به
حق اهلل على عباده؟» ،قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قالُّ « :«هل تدري ما ُّ
حق العباد
شيئا» ،ث سار ساعة ،ث قال« :يا معاذ بن جبل» ،قلت :لبيك رسول اهلل وسعديك ،فقال« :هل تدري ما ُّ
حق العباد على اهلل أن ال يعذهبم».
على اهلل إذا فعلوه؟» ،قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قالُّ « :
هذا لفظ البخاري عن هدبة بن خالد وأمحد عن عفان بن مسلم وأيب عوانة عن عمرو بن عاصم والنسائي وابن
"حق اهلل على العباد" وهو لفظ
األعرايب عن أيب داود الطيالسي إال أن عفان وعمرو بن عاصم وأبا داود الطيالسي قالواُّ :
موسى بن إمساعيل التبوذكي عند البخاري ،وقالوا" :فعلوا ذلك" وهو لفظ مسلم عن هدبة بن خالد ولفظ البخاري عن
موسى بن إمساعيل التبوذكي ،وعند مسلم" :حدثنا هداب بن خالد األزدي" ،وعند مسلم كذلك يف كل احلديث" :يا
معاذ بن جبل" ،وعنده كذلك" :كنت ردف" ،وليس رديف وعند مسلم وابن أيب عاصم7وابن حبان"" :مؤخرة الرحل"،
وليس" :آخرة".
هكذا روى هذا احلديث مهام بن يي العوذي ،حدثنا قتادة ،حدثنا أنس بن مالك ،عن معاذ بن جبل وقد
صرح قتادة بالتحديث من أنس بن مالك.
وروى هذا الحديث شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن قتادة وتابع مهاما يف لفظه لكنه خالفه يف اإلسناد ،حيث
جعله من مسند أنس ،فقد أخرج أمحد 8عن حسني بن حممد بن هبرام املروذي ،وعبد بن محيد 9عن يونس بن حممد،
كالمها-حسني بن حممد بن هبرام ويونس بن حممد-حدثنا شيبان ،عن قتادة ،حدثنا أنس بن مالك ،أن نب اهلل
نب اهلل" :يا معاذ بن جبل" قال:
كان يف بعض أسفاره ،ورديفه معاذ بن جبل ،ليس بينهما غي آخرة الرحل ،إذ قال ُّ
- 1اجلامع الصحيح(كتاب االستئذان ،باب من أجاب بلبيك وسعديك ،ص ،2232رقم ،)6267ويف األدب املفرد(رقم .)333
- 2املسند( 325-323/36رقم .)22236
- 3اإلميان( 233/2رقم .)32
- 4السنن الكربى( 82/3رقم ،)3333وعمل اليوم والليلة(ص 223رقم .)286
- 5املعجم(رقم .)5252
- 6مستخرج أيب عوانة على صحيح مسلم( 27/2رقم .)23
- 7وقع يف املطبوع من اآلحاد واملثاين البن أيب عاصم تصحيف قبيح يف لفظة "الرحل" من قوله " :مؤخرة الرحل" حيث جاء فيه " :مؤخرة الرجل"،
وال شك يف خطئه ،فإّنا هو الرحل ،وسيأيت شرحه بعد قليل.
- 8املسند( 282-282/22رقم .)23732
- 9املنتخب من املسند(ص 262رقم 2233ت السامرائي).
21
لبيك يا رسول اهلل وسعديك ،ث سار ساعة ،ث قال" :يا معاذ بن جبل" قال :لبيك يا رسول اهلل وسعديك ،ث سار
ساعة ،فقال" :يا معاذ بن جبل" قال :لبيك يا رسول اهلل وسعديك ،قال" :هل تدري ما حق اهلل على العباد؟" قال:
حق العباد على
اهلل ورسوله أعلم ،قال" :فإن حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا" ،قال" :فهل تدري ما ُّ
اهلل إذا هم فعلوا ذلك؟" قال :اهلل ورسوله أعلم ،قال" :فإن حقهم على اهلل أن ال يعذهبم".
وروى هذا الحديث هشام بن أبي عبد اهلل الدستوائي عن قتادة فوافق شيبان بن عبد الرمحن يف إسناده حيث
جعله من مسند أنس لكنه خالف مهاما وشيبان يف لفظه ،فقد أخرج البخاري 1ومن طريقه ابن عبد الرب 2عن إسحاق
بن راهوية ،ومسلم 3وابن منده 4والبيهقي 5واخلطيب البغدادي 6عن إسحاق بن منصور الكوسج ،والبيهقي عن حممد
بن أيب بكر املقدمي ،7ثالثتهم-إسحاق بن راهوية وإسحاق بن منصور وحممد بن أيب بكر -حدثنا معاذ بن هشام،
قال :حدثين أيب ،عن قتادة ،قال :حدثنا أنس بن مالك أن النب ،ومعاذ رديفه على الرحل ،قال« :يا معاذ بن
جبل» ،قال :لبيك يا رسول اهلل وسعديك ،قال« :يا معاذ» ،قال :لبيك يا رسول اهلل وسعديك ثالثا ،قال« :ما من
أحد يشهد أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل ،صدقا من قلبه ،إال حرمه اهلل على النار» ،قال يا رسول اهلل :أفال
أخرب به الناس فيستبشروا؟ قال« :إذا ي تكلوا» ،وأخرب هبا معاذ عند موته تأُّمثا.
ورى هذا الحديث كذلك شعبة بن الحجاج عن قتادة فوافق مهاما يف إسناده حيث جعله من مسند معاذ ،لكن
روى املنت خمتصرا مبا يشبه لفظ هشام الدستوائي ،فقد أخرج أمحد 8والنسائي 9وابن خزمية 10وابن منده 11عن حممد بن
جعفر غندر ،وأبو يعلى 12وابن منده 13عن أيب داود الطيالسي ،وابن منده 14عن عثمان بن عمرو بن فارس ،والبيهقي
عن حممد بن عرعرة بن الربند ،15أربعتهم -حممد بن جعفر غندر ،وأبو داود الطيالسي ،وعثمان بن عمرو بن فارس،
وحممد بن عرعرة -حدثنا شعبة ،عن قتادة ،عن أنس ،عن معاذ ،قال :قال رسول اهلل" :من مات وهو يشهد أن ال
- 1اجلامع الصحيح(كتاب العلم ،باب :من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن ال يفهموا ،ص ،82رقم .)228
- 2جامع بيان العلم وفضله( 362/2رقم 722ت الزهيي).
- 3املسند الصحيح املختصر(كتاب اإلميان ،باب من لقي اهلل باإلميان وهو غي شاك فيه دخل اجلنة وحرم على النار ،ص ،88رقم .)32
- 4اإلميان(رقم .)33
- 5شعب اإلميان( 273/2رقم .)225
- 6موضح أوهام اجلمع والتفريق( 336/2رقم .)36
- 7البعث والنشور(ص 73رقم .)38
- 8املسند( 323/36رقم ،)22223ومن طريقه أخرجه الطرباين يف الكبي(.)37/22
- 9السنن الكربى( 326/3رقم .)22327
- 10التوحيد(.)787/2
- 11اإلميان(رقم .)35
- 12املسند( )22/6إال أنه جعله من مسند أنس خالفا جلميع من رواه عن شعبة ،فقال :عن قتادة ،عن أنس ،أن النب قال ملعاذ ،...فذكره.
- 13اإلميان(رقم .)33
- 14اإلميان(رقم .)33
- 15شعب اإلميان(.)36/2
21
إله إال اهلل ،وأن حممدا رسول اهلل صادقا من قلبه ،دخل اجلنة" قال شعبة" :مل أسأل قتادة :أنه مسعه عن أنس" .هذا
لفظ أمحد ،ولفظ النسائي" :موقنا من قلبه" ،وعند ابن منده" :خملصا من قلبه".
وروى هذا الحديث كذلك طلحة بن نافع أبو سفيان القرشي الواسطي 1عن أنس بن مالك ،فقد أخرج أمحد
7
عن وكيع ،2وأمحد 3وابن أيب عاصم 4والطرباين 5عن أيب معاوية حممد بن خازم الضرير ،وابن أيب عاصم 6والشاشي
والطرباين 8وابن منده 9عن عبد اهلل بن ّني ،والطرباين 10عن عبيدة بن محيد وفضيل بن عياض وجرير بن عبد احلميد
الضب ،وابن منده عن إبراهيم بن عبد اهلل بن احلارث اجلمحي ،11سبعتهم-وكيع وأبو معاوية الضرير وعبد اهلل بن ّني
وعبيدة بن محيد وفضيل بن عياض وجرير بن عبد احلميد الضب وإبراهيم بن عبد اهلل بن احلارث اجلمحي-حدثنا
األعمش ،عن أيب سفيان ،عن أنس بن مالك ،قال :أتينا معاذ بن جبل ،فقلنا :حدثنا من غرائب حديث رسول
اهلل ،قال :نعم ،كنت ردفه على محار قال :فقال" :يا معاذ بن جبل " قلت :لبيك يا رسول اهلل ،قال" :هل تدري ما
حق اهلل على العباد؟" قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال" :إن حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا" قال :ثُّ
حق العباد على اهلل إذا هم فعلوا ذلك؟" قال :قلت :اهلل قال" :يا معاذ" قلت :لبيك يا رسول اهلل ،قال" :هل تدري ما ُّ
ورسوله أعلم ،قال" :أن ال يعذهبم" .هذا لفظ وكيع عن األعمش ،وحنوه لفظ أيب معاوية الضرير إال أنه قال" :ردف"،
وقال" :أتينا معاذا" ،وهو لفظ عبد اهلل بن ّني عند الشاشي والطرباين ،وفيه" :أتينا معاذ بن جبل" ،وأما عند ابن أيب
عاصم فقال" :أتانا معاذ بن جبل فقلنا :حدثنا من غرائب حديث رسول اهلل ،"فذكره ،فجعل معاذا هو اآليت،
ومل يذكر هذه اللفظة" :أتانا معاذ" غي حممد بن عبد اهلل بن ّني عن أبيه ،وقال كذلك" :رديف" ،ومثل لفظ اجلماعة
لفظ فضيل بن عياض إال أنه قال يف حديثه" :أردفين رسول اهلل خلفه" ،وأما لفظ جرير فأحال فيه الطرباين على لفظ
فضيل بن عياض.
قلت :هذا إسناد صحيح ،لكن األعمش رغم إمامته مدلس ،ورواه بالعنعنة يف مجيع املصادر املتقدم ذكرها آنفا ،وقد
- 1هو طلحة بن نافع القرشي ،موالهم ،أبو سفيان الواسطي ،ويقال :املكي ،اإلسكاف ،روى عن أنس بن مالك وجابر بن عبد اهلل وأيب أيوب
األنصاري وابن عباس وابن عمر وابن الزبي وسعيد بن جبي واحلسن البصري وغيهم ،روى عنه :جعفر بن أيب وحشية وحصني بن عبد الرمحن
واألعمش وشعبة وحممد بن إسحاق وغيهم ،وهو صدوق ال بأس به ،وينظر ترمجته :هتذيب الكمال(.)332-338/23
- 2املسند( 323/36رقم .)22333
- 3املسند( 382/36رقم .)22258
- 4اآلحاد واملثاين( 322/3رقم .)2832
- 5املعجم الكبي(.)52/22
- 6اآلحاد واملثاين( 322/3رقم .)2832
- 7املسند( 228/3رقم .)2328
- 8املعجم الكبي(.)52/22
- 9اإلميان(رقم.)225 :
- 10املعجم الكبي(.)33/22
- 11اإلميان( رقم .)225
22
أخرج اجلماعة لألعمش عن أيب سفيان ،لكن مل خيرج البخاري ومسلم هذا احلديث عنه ،وأظنُّهما حتاشاه عمدا ،وأبو
سفيان ليس يف الدرجة العليا من الوثاقة بل هو صدوق ال بأس به ،وأخرج له البخاري مقرونا.
هكذا روى هذا احلديث أصحاب األعمش املتقدم ذكرهم وبعضهم من أجل أصحابه كأيب معاوية الضرير؛ كلهم
رووه عن األعمش عن أيب سفيان عن أنس.
ورواه هذا الحديث يعلى بن عبيد عن األعمش واختلف عليه اختالفا يسيرا ،فرواه عباس بن حممد الدوري،1
وزياد بن أيوب ،2وأبو عبيدة السري بن يي ،3وحممد بن عبد الوهاب بن حبيب النيسابوري ،4عنه-يعين يعلى بن
عبيد ،-عن األعمش ،عن أيب سفيان ،عن أنس ،قال :أتينا معاذ بن جبل ،فقلنا :حدثنا من غرائب حديث رسول
اهلل ،فقال :كنت ردف رسول اهلل على محار فقال« :يا معاذ» ،فذكر احلديث مثل رواية أصحاب األعمش متاما،
وخالفهم عيسى بن أمحد العسقالين فرواه 5عنه-يعين عن يعلى بن عبيد -عن األعمش ،عن أيب سفيان ،عن جابر بن
عبد اهلل رضي اهلل عنهما ،قال :أتينا معاذ بن جبل فقلنا :حدثنا من غرائب حديث رسول اهلل فقال :كنت ردف
رسول اهلل على محار فقال« :يا معاذ» ،"...فذكره ،وهذه الرواية شاذة عن يعلى بن عبيد عن األعمش ملخالفة عيسى
بن أمحد العسقالين ألصحاب يعلى بن عبيد ،وملخالفة هذه الرواية لكل من رواه عن األعمش ،وعيسى بن أمحد
العسقالين وإن كان ثقة ال بأس به ،6فالظاهر جداا أنه سلك اجلادة يف هذا احلديث ،فإن أبا سفيان مشهور الرواية عن
جابر بن عبد اهلل وروى عنه صحيفة ،واألعمش كثي الرواية عن أيب سفيان ،وسلسلة األعمش عن أيب سفيان عن جابر
جادة مشهورة مسلوكة فات بعها عيسى بن أمحد لسهولتها وجرياهنا على األلسنة ف وهم ،واحلديث هو عن األعمش عن
أيب سفيان عن أنس كما رواه أصحاب األعمش ،وأصحاب يعلى بن عبيد غي عيسى بن أمحد العسقالين ،واهلل
أعلم.
وروى هذا الحديث كذلك سليمان التيمي عن أنس بن مالك ،لكن جعله من مسند أنس ووافق رواية
- 1أخرج روايته :أبو جعفر ابن البختي كما يف لجموع فيه مصنفات ابن البختي(ص 332رقم .)683
- 2أخرج روايته :البزار يف مسنده(.)28/7
- 3أخرج روايته :الشاشي يف مسنده( 228/3رقم .)2323
- 4أخرج روايته :ابن منده يف اإلميان( رقم .)225
- 5أخرج روايته :الشاشي يف مسنده( 232/3رقم ،)2332ووقع يف املطبوع من "مسند الشاشي" تصحيف قبيح جداا غي اإلسناد ،فإن فيه أن
الشاشي يروي هذا احلديث هكذا :حدثنا عيسى بن أمحد بن يعلى ،نا األعمش ،عن أيب سفيان ،عن جابر بن عبد اهلل ،...احلديث ،وليس
يف شيوخ الشاشي من امسه عيسى بن أمحد بن يعلى ،ولكنه عيسى بن أمحد العسقالين وقد أكثر عنه الشاشي جداا وهو مل يدرك األعمش،
وعليه فإن قوله" :بن يعلى" مصحفة من "نا يعلى" وهو يعلى بن عبيد ،وقد روى الشاشي عددا من األحاديث هكذا :حدثنا عيسى بن أمحد،
نا يعلى بن عبيد ،وأحيانا :يرويها عن عيسى بن أمحد ،نا يعلى ،بل لقد أكثر الشاشي من إسناد عيسى بن أمحد ،نا يعلى بن عبيد ،نا األعمش،
وقد أحصيت األحاديث اليت أخرجها الشاشي هبذا اإلسناد فوجدهتا مخسة عشر رواية ،وهذا يعين أن "نا" اليت هي اختصار ألخربنا ،صحفها
الناسخ أو الطابع إىل "بن" فوقع اخللل ،واهلل أعلم.
- 6ينظر ترمجته :هتذيب الكمال(.)587-583/22
23
شعبة عن قتادة عن أنس يف لفظه ،فقد أخرج البخاري عن مسدد ،1وأمحد عن حممد بن الفضل السدوسي عارم ،2وابن
خزمية عن حممد بن عبد األعلى وأيب األشعث ،3واخلطيب عن حممد بن خالد ،4مخستهم-مسدد وحممد بن الفضل
السدوسي وحممد بن عبد األعلى وأبو األشعث وحممد بن خالد-عن معتمر بن سليمان ،وأخرج النسائي 5ومن طريقه
ابن منده ،6وابن خزمية 7عن يزيد بن زريع ،وأخرج ابن خزمية عن بشر بن املفضل ،8وأخرج الطرباين عن معاذ بن عوذ
اهلل ،9أربعتهم-معتمر بن سليمان ويزيد بن زريع وبشر بن املفضل ومعاذ بن عوذ اهلل-حدثنا سليمان التيمي قال مسعت
أنس بن مالك ،قال :ذكر يل أن النب قال ملعاذ بن جبل« :من لقي اهلل ال يشرك به شيئا دخل اجلنة» ،قال :أال
أبشر الناس؟ قال« :ال إين أخاف أن يتكلوا» .هذا لفظ البخاري عن معتمر بن سليمان عن أبيه وقريب منه لفظ ابن
خزمية ،ولفظ أمحد عنه أن النب قال ملعاذ" :من لقي اهلل ال يشرك به ،دخل اجلنة " قال يا نب اهلل :أفال أبشر الناس؟
قال" :ال ،إين أخاف أن يتكلوا عليها" أو كما قال ،ولفظ النسائي عن يزيد بن زريع عن معتمر مثل لفظ ابنه عنه عند
البخاري إال أن فيه" :ال يتكلون" ،ولفظ الطرباين عن معاذ بن عوذ اهلل القرشي ،ثنا سليمان التيمي ،عن أنس بن مالك
قال :خرج رسول اهلل ومعاذ بن جبل بالباب ،فلما رآه قال« :يا معاذ» قال :لبيك يا رسول اهلل ،قال« :من مات ال
يشرك باهلل شيئا دخل اجلنة» فقال معاذ :يا رسول اهلل ،أال أخرب الناس؟ قال« :دعهم فليتنافسوا يف األعمال ،فإين
أخاف أن يتكلوا عليها» ،وهذا اللفظ خيالف يف سياقه قليال األلفاظ املتقدمة ،ومعاذ بن عوذ اهلل القرشي البصري قال
فيه الدارقطين " :حدث عن سليمان الت يم مي وغيه ،حدث عنه البصريون ،آخر من حدث عنه أبو مسلم الكشي"،10
وقال الذهب" :معاذ بن عوذ اهلل البصري ،عن سليمان التيمي وعوف األعرايب وغي واحد ،وعنه أبو مسلم الكجي وأبو
رفاعة عبد اهلل بن حممد بن حبيب ومجاعة ،وما علمت فيه جرحا" ،11وقال قبله ابن حبان" :مستقيم احلديث" ،12فقد
يكون مل يضبط اللفظ جيدا ،واهلل أعلم.
13
وروى هذا الحديث عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن سليمان التيمي لكن اختلف عليه ،فرواه اإلمام أمحد
- 1اجلامع الصحيح(كتاب العلم ،باب :من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن ال يفهموا ،ص ،82رقم .)223
- 2املسند( 55/22رقم .)22626
- 3التوحيد(.)788/2
- 4شرف أصحاب احلديث(ص .)3
- 5السنن الكربى( 326/3رقم ،)22328وعمل اليوم والليلة(رقم .)2235
- 6اإلميان(رقم .)222
- 7التوحيد(.)788/2
- 8التوحيد(.)788/2
- 9املعجم الكبي(.)36/22
- 10املؤتلف واملختلف(.)2627/3
- 11تاريخ اإلسالم(.)353/5
- 12الثقات(.)278/3
- 13املسند( 283/22رقم .)23562
24
عنه عن سليمان التيمي عن أنس أن النب قال ملعاذ بن جبل« :من لقي اهلل ال يشرك به شيئا دخل اجلنة» ،وخالفه
يي بن جعفر بن الزبرقان فرواه 1عنه عن سليمان التيمي عن األسود بن هالل ،قال :بلغين أن النب ،قال« :من لقي
اهلل ال يشرك به شيئا دخل اجلنة» مرسال ،ويي بن جعفر بن الزبرقان ويقال له كذلك :يي بن أيب طالب وإن طعن
فيه بعضهم فهو ال بأس به ،لكن أين يقع حفظه مع اإلمام أمحد ،فمع خمالفته أمحد وخمالفة هذه الرواية لكل ما تقدم
من الروايات عن سليمان التيمي تكون رواية شاذة ،وقد يكون التخليط يف هذه الرواية من عبد الوهاب بن عطاء اخلفاف
نفسه فإن يف حفظه شيئا.2
وروى هذا الحديث كذلك أبو شهاب عبد ربه بن نافع عن سليمان التيمي وخالف كل أصحاب التيمي فيه،
فجعله عن أنس عن معاذ ،فقد أخرج الطرباين 3وابن منده 4عن علي بن عبد العزيز ،ثنا معلى بن مهدي املوصلي ،ثنا
أبو شهاب ،عن سليمان التيمي ،عن أنس بن مالك ،عن معاذ بن جبل ،قال :قال رسول اهلل« :من مات ال يشرك
باهلل شيئا دخل اجلنة» ،فقال معاذ :يا رسول اهلل أفال أبشر الناس؟ قال« :أخاف أن يتكلوا» ،وهذا اإلسناد فيه معلي
موصلي ،أدركته ومل أمسع منه ،يدث أحيانا باحلديث املنكر" ،5فلعل
ٌّ بن مهدي املوصلي قال فيه أبو حات الرازي" :شيخ
ذكر معاذ فيه من مناكيه ،وقد يكون عبد ربه بن نافع نفسه وهم فيه ،فقد تكلموا يف حفظه ،ولذلك قال فيه ابن حجر:
"صدوق يهم".6
وأخرج الطرباين :7حدثنا بكر بن مقبل البصري ،ثنا إمساعيل بن إبراهيم صاحب اهلروي قال :مسعت أيب ،ثنا شعبة،
عن سليمان التيمي ،عن أنس بن مالك ،قال :مسعته يقول :إن معاذا كان رديف رسول اهلل ،فقال له« :بشر الناس
أنه من مات ال يشرك باهلل دخل اجلنة» ،ففي هذا اإلسناد أن شعبة روى هذا احلديث عن سليمان التيمي عن أنس بن
مالك ،وقد تقدم أن أصحاب شعبة؛ حممد بن جعفر غندر وأبو داود الطيالسي وعثمان بن عمرو بن فارس وحممد بن
عرعرة رووا هذا احلديث عن شعبة عن قتادة ،عن أنس ،عن معاذ.
وإبراهيم الراوي عن شعبه هو إبراهيم بن عبد اهلل أبو سهل من أهل البصرة ،ذكره ابن حبان يف "الثقات" ،8وابنه
هو :إمساعيل بن إبراهيم أبو بشر صاحب اهلروي من أهل البصرة ،ذكره ابن حبان يف "الثقات" 9وقال" :يغرب" ،فلعل
هذا من غرائبه.
25
وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم صاحب الهروي عن أبيه إبراهيم بن عبد اهلل أبي سهل عن شعبة
ٍ
بوجه آخر ،فقد أخرج الطرباين :1حدثنا بكر بن مقبل ،ثنا إمساعيل بن إبراهيم قال :مسعت أيب ،ثنا شعبة ،عن عتاب
موىل هرمز-رجل من أهل واسط-عن أنس بن مالك قال :بايعت رسول اهلل بيدي هذه على السمع والطاعة فيما
استطعت ،ومسعته يدث أن معاذ بن جبل كان رديف النب ،فقال له رسول اهلل« :بمشر الناس أنه من مات وهو
ال يشرك باهلل شيئا دخل اجلنة» ،فقال معاذ :يا رسول اهلل أفال أبشر به الناس؟ قال« :إين أخشى أن يتكلوا عليها».
وهذا اإلسناد إىل شعبة هو نفس اإلسناد الذي قبله ،وعتاب موىل هرمز وقال البخاري" :2عتاب بن هرمز" ،بصري
مسع من أنس بن مالك ومسع منه شعبه ،قال فيه ابن معني" :ثقة" ،3وقال أبو حات" :شيخ" ،4وذكره ابن حبان يف
"الثقات" ،5وقال ابن حجر" :صدوق" ،6والظاهر أنه ثقة ألنه من التابعني ،والرجل إذا كان من التابعني ومل يرو ما
يستنكر فإنه ي وثق ،كيف وقد وثقه ابن معني كما تقدم ،فالظاهر أن الرجل ثقة.
7
وهذا احلديث قد خالف فيه إبراهيم بن عبد اهلل أبو سهل البصري أصحاب شعبة ،فقد رواه حممد بن جعفر غندر
ووكيع 8وأبو داود الطيالسي 9ويزيد بن هارون 10وعبد الرمحن بن مهدي 11وسعيد بن عامر 12عن شعبة قال :مسعت
عتابا موىل ابن هرمز قال :مسعت أنس بن مالك يقول" :بايعت رسول اهلل بيدي هذه -يعين اليمىن -على السمع
والطاعة ،فيما استطعت" ،هذا لفظ حممد بن جعفر ،ومثله لفظ يزيد بن هارون إال أنه قال" :وأشار بيمينه" ،وهو لفظ
ابن مهدي وأيب داود الطيالسي وسعيد بن عامر إال أهنم مل يذكروا" :بيدي هذه" ،ولفظ وكيع" :بايعنا رسول اهلل على
كل أصحاب شعبة على هذا القدر ،وزاد إمساعيل بن إبراهيم صاحب السمع والطاعة فقال« :فيما استطعتم» ،فاقتصر ُّ
اهلروي عن أبيه إبراهيم بن عبد اهلل أيب سهل قوله" :ومسعته يدث أن معاذ بن جبل كان رديف النب ،فقال له رسول
اهلل« :بمشر الناس أنه من مات وهو ال يشرك باهلل شيئا دخل اجلنة» ،فقال معاذ :يا رسول اهلل أفال أبشر به الناس؟
قال« :إين أخشى أن يتكلوا عليها» ،فتعترب هذه الزيادة شاذة يف حديث شعبة عن عتاب ،واهلل أعلم.
ي هذا الحديث عن شعبة من ثالثة طرق أخرى:
َورو َ
- 1املعجم الكبي(.)37/22
- 2التاريخ الكبي(.)55/7
- 3اجلرح والتعديل(.)22/7
- 4اجلرح والتعديل(.)22/7
.)373/5( - 5
- 6تقريب التهذيب(ص .)382
- 7أخرج روايته :أمحد يف املسند( 266/22رقم .)22763
- 8أخرج روايته :أمحد يف املسند( 236/23رقم ،)22223وأبو يعلى يف املسند( 235/7رقم ،)3327وابن ماجه يف السنن(رقم.)2868 :
- 9املسند للطيالسي(.)557/3
- 10أخرج روايته :أمحد يف املسند( 382/22رقم .)23226
- 11أخرج روايته :أمحد يف املسند( 262/22رقم .)22322
- 12أخرج روايته :أبو عوانة يف املستخرج( 338/3رقم .)6328
26
فقد أخرج أمحد 1والنسائي 2وابن خزمية 3وأبو يعلى 4عن حممد بن جعفر غندر ،والنسائي عن إسحاق بن راهوية
عن النضر بن مشيل ،5كالمها-حممد بن جعفر والنضر بن مشيل-حدثنا شعبة قال :مسعت أبا محزة جارنا ،يدث عن
أنس بن مالك قال :قال رسول اهلل ملعاذ بن جبل" :اعلم أنه من مات يشهد أن ال إله إال اهلل دخل اجلنة " ،وأبو
محزة هذا جار شعبة هو البصري ،قال فيه ابن حجر" :مقبول".6
وأخرج ابن خزمية 7وأبو نعيم 8عن حممد بن بشار ،ثنا ابن أيب عدي ،ثنا شعبة ،عن صدقة ،عن أنس بن مالك ،عن
معاذ بن جبل ،قال :قال رسول اهلل« :من مات يشهد أن ال إله إال اهلل ،دخل اجلنة» ،هذا لفظ ابن خزمية عن بندار،
ولفظ أيب نعيم :عن أنس بن مالك ،أن النب قال ملعاذ بن جبل« :من قال ال إله إال اهلل دخل اجلنة» ،وصدقة
هذا وقع هكذا غي منسوب ،وقال ابن خزمية عقب روايته هلذا احلديث" :صدقة هذا رجل من آل أيب األحوص ،كذا
كان يف الكتاب علمي" ،وقال أبو نعيم وهو يتكلم على روايات شعبة هلذا احلديث" :ومنها روايته عن صدقة بن بشار
املكي" ،ث روى هذا احلديث من طريق صدقة هذا ،وذكر بعضهم أنه صدقة بن يسار املكي ،قال ابن حجر يف ترمجة
صدقة بن يسار" :صدقة بن يسار كويف نزل مكة ذكره العقيلي ونسبه إىل الغلو يف التشيع ،...وقال النبايت :ال أعرف
له ذكرا إال يف هذه القصة وفيما جاء عن أمحد بن صاحل قال :صدقة بن بشار الذي يروي عنه حممد بن إسحاق ليس
هو صدقة بن يسار الذي يروي عنه مالك وغيه" ،9فإن كان صدقة بن يسار املكي فهو ثقة ،10وإن كان صدقة بن
بشار إن مل يكن تصحيفا من ابن يسار فلم أجد له ترمجة ،واهلل أعلم.
وأخرج أبو نعيم :11حدثنا سليمان بن أمحد بن صدقة ،ثنا بشر بن آدم ،ثنا عبد اهلل بن عبد الواحد احلنفي ،ثنا
أيب ،عن شعبة ،ثنا عياش الكليب ،أنه مسع أنس بن مالك ،يقول :قال رسول اهلل« :من مات وهو يشهد أن ال
إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل دخل اجلنة».
وعياش الكليب ،وقيل الكلب ،ترجم له البخاري وابن أيب حات يف كتابيهما ومل يذكرا فيه جرحا وال تعديال ،12وذكره
27
ابن حبان يف "الثقات" وقال " :وقد روى عن أنس ومل يسمع منه" ،1ويف هذه الرواية وهي الوحيدة تصريه بالسماع من
أنس ،فاهلل أعلم بصحة ذلك.
وأما طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس ،فأخرجه ابن أيب عاصم 2والطرباين 3عن حممد بن عبيد بن حساب،
وابن خزمية 4عن أمحد بن عبدة ،والطرباين 5من طريق داود بن عمرو الضب ،وابن منده 6من طريق عارم بن الفضل،
أربعتهم-حممد بن عبيد بن حساب وأمحد بن عبدة وداود بن عمرو الضب وعارم بن الفضل-قالوا :أخربنا محاد بن زيد،
عن عبد العزيز بن صهيب ،عن أنس بن مالك ،عن معاذ بن جبل ،قال :قال يل رسول اهلل" :يا معاذ :قلت
لبيك يا رسول اهلل وسعديك ،قال :بشر الناس أو قال :أنذر الناس من قال ال إله إال اهلل دخل اجلنة" .هذا لفظ أمحد
بن عبدة عند ابن خزمية ومثله بقية األلفاظ إال أن فيها فقط" :لبيك" ،وليس فيها" :وسعديك" إال أن ابن أيب عاصم مل
يذكر اللفظ وإّنا أحال إىل لفظ هدبة بن خالد املتقدم.
هكذا روى هذا احلديث هؤالء األربعة حممد بن عبيد بن حساب وأمحد بن عبدة وداود بن عمرو الضب وعارم بن
الفضل عن محاد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب ،عن أنس بن مالك ،عن معاذ بن جبل فجعلوه من مسند
معاذ ،وخالفهم أربعة آخرون وهم :عبيد اهلل بن عمر القواريري وسليمان بن حرب 7وأبو الربيع الزهراين 8وإسحاق
بن أيب إسرائيل 9فرووه عن محاد بن زيد ،ثنا عبد العزيز بن صهيب ،عن أنس ،أن رسول اهلل ،قال« :يا معاذ بن
جبل ،يا معاذ بن جبل ،يا معاذ بن جبل ،بشر الناس أنه من قال ال إله إال اهلل دخل اجلنة» ،ومل يكرر لفظ" :يا معاذ"،
فجعلوه من مسند أنس.
وتابع محاد بن سلمة محاد بن زيد يف رواية هذا احلديث وجعله من مسند معاذ ،فقد أخرج ابن منده :10أنبأ
حممد بن سعد ،ثنا حممد بن يي ،ثنا أبو سلمة ،أنبأ محاد بن سلمة ،عن عبد العزيز ،عن أنس ،عن معاذ ،أن النب
قال« :من مات ال يشرك باهلل شيئا دخل اجلنة».
ليم الضبي عن أنس ،فأخرجه أبو يعلى :11حدثنا موسى بن حممد بن حيان ،حدثنا وأما طريق سعيد بن س ٍ
- 1الثقات(.)233/7
- 2اآلحاد واملثاين( 322/3رقم .)2832
- 3املعجم الكبي(.)33/22
- 4التوحيد(.)738/2
- 5املعجم الكبي(.)33/22
- 6اإلميان(رقم .)36
- 7أخرج روايتهما :ابن منده يف اإلميان( رقم .)36
- 8أخرج روايته :أبو يعلى يف املسند( 3/7رقم .)3833
- 9أخرج روايته :أبو يعلى يف املسند( 33/7رقم .)3332
- 10اإلميان( رقم .)38
- 11املسند( 236/7رقم ،)3233وذكر طرف هذه الرواية البخاري يف التاريخ الكبي يف ترمجة سعيد بن سليم ،فقال(" :)382/3سعيد بن سليم
ب إذا سافرا أو غزا اردف كل يوم رجال" ،وقال حجاج بن منهال :حدثنا
الضب ،قال اجلعفي :حدثنا العقدي ،مسع سعيدا ،مسع أنسا :كان الن ُّ
28
عبد امللك بن عمرو ،حدثنا سعيد بن سليم الضب ،قال :مسعت أنس بن مالك يقول :كان رسول اهلل إذا سافر ،أو
غزا ،أردف كل يوم رجال من أصحابه ،قال :فكان رديف رسول اهلل معاذ بن جبل ،فناداه وهو رديفه فقال« :يا معاذ
بن جبل» ،قلت :لبيك يا رسول اهلل ،قال« :هل تدري ما حق اهلل على العباد؟ أن يشهدوا أن ال إله إال اهلل ،وأن حممدا
عبده ورسوله ،وأن يعبدوه ال يشركوا به شيئا» ،فكرر هذا احلديث ثالث مرات ،ث نادى فقال« :يا معاذ» ،قال :لبيك
حق العباد على اهلل إذا فعلوا ذلك» ،قال :اهلل ورسوله أعلم ،قال« :فإن حق العباد
يا رسول اهلل ،قال« :هل تدري ما ُّ
على اهلل إذا فعلوا ذلك أن ال يعذهبم ،وأن يدخلهم اجلنة» .وهذه الرواية مثل رواية شيبان بن عبد الرمحن عن قتادة عن
أنس بن مالك املتقدمة سندا ومثلها كذلك متنا ما خال قوله " :كان رسول اهلل إذا سافر ،أو غزا ،أردف كل يوم
رجال من أصحابه" ،ومثل رواية هشام الدستوائي متنا ما خال كذلك " :كان رسول اهلل إذا سافر ،أو غزا ،أردف كل
يوم رجال من أصحابه" ،لكن سعيد بن سليم الضب هذا ضعيف ،فقد ترجم له البخاري وابن أيب حات يف كتابيهما ومل
يذكرا فيه جرحا وال تعديال ،1وذكره ابن حبان يف "الثقات" ،2وقال فيه" :خيطئ" ،وقال الذهب" :ضعفوه" ،3ومع ذلك
فتشهد له الروايات اليت أشرنا إليها آنفا إال أن قوله " :كان رسول اهلل إذا سافر ،أو غزا ،أردف كل يوم رجال من
تدل على ضعف هذا العموم. تدل على العموم مل يتابع عليها فتبقى ضعيفة ،وأخبار النب وسيته ُّ
أصحابه" اليت ُّ
وأما طرق كالا من عتاب موىل هرمز رجل من أهل واسط وأيب محزة وصدقة عن أنس ،فقد تقدم الكالم عليها
عند رواية شعبة بن احلجاج هلذا احلديث.
وهبذا نكون قد أهنينا الكالم على طرق رواية أنس بن مالك وهي أشهر هذه الطُّرق.
8
وأما رواية عمرو بن ميمون األودي 4عن معاذ ،فأخرجها البخاري 5ومسلم 6وابن أيب عاصم 7وابن منده
سعيد بن سليم أبو عثمان الضب" ،والعقدي هو نفسه عبد امللك بن عمرو الذي يف سند أيب يعلى.
- 1التاريخ الكبي( ،)382/3واجلرح والتعديل(.)32/3
- 2الثقات(.)282/3
- 3املغين يف الضعفاء(.)262/2
- 4هو عمرو بن ميمون األودي ،أبو عبد اهلل ويقال :أبو يي الكويف من أود بن صعب بن سعد العشية من مذحج :أدرك اجلاهلية ومل يلق النب،
وروى عن عمر وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأيب ذر وأيب مسعود البدري وسعد بن أيب وقاص ومعقل بن يسار وعائشة وأيب هريرة وابن عباس
وغيهم وعن عبد الرمحن بن أيب ليلى والربيع بن خثيم ومها من أقرانه بل أصغر منه ،روى عنه سعيد بن جبي والربيع بن خثيم وأبو إسحاق
السبيعي وعبد امللك بن عمي وزياد بن عالقة وهالل بن يساف وإبراهيم بن يزيد التيمي وعامر الشعب وعمرو بن مرة وعطاء بن السائب وحممد
بن سوقة وحصني بن عبد الرمحن وآخرون ،وكان ثقة ورعا مرضيا ،قال عنه أبو إسحاق السبيعي" :كان أصحاب النب يرضون بعمرو بن
ميمون" ،وقال أيضا" :كان عمرو بن ميمون إذا دخل املسجد فرؤي ذكر اهلل ،"وقال كذلك" :حج مئة حجة وعمرة" ،وينظر ترمجته :اجلرح
والتعديل( ،)258/6وتاريخ دمشق( ،)323-326/36هتذيب الكمال(.)267-262/22
- 5اجلامع الصحيح(كتاب اجلهاد والسي ،باب اسم الفرس واحلمار ،ص ،528رقم .)2856
- 6املسند الصحيح املختصر(كتاب اإلميان ،باب من لقي اهلل باإلميان وهو غي شاك فيه دخل اجلنة وحرم على النار ،ص ،87رقم .)32
- 7اآلحاد واملثاين( 322/3رقم .)2833
- 8اإلميان(رقم .)228
29
والطرباين 1وأبو نعيم 2واخلطيب 3من طرق عن أيب األحوص سالم بن سليم ،وأخرجها التمذي 4وابن أيب عاصم 5وابن
منده 6عن سفيان الثوري ،وأخرجها أمحد 7والشاشي 8والطرباين 9من طرق عن إسرائيل بن يونس بن أيب إسحاق،
وأخرجها النسائي عن يي بن آدم عن عمار بن رزيق ،10وأخرجها أبو داود الطيالسي 11ومن طريقه أبو عوانة 12وابن
منده 13عن شعبة وسالم بن سليم ،وأخرجها ابن حبان 14عن النضر بن مشيل عن شعبة ،مخستهم-أبو األحوص سالم
بن سليم وشعبة والثوري وإسرائيل بن يونس وعمار بن رزيق -عن أيب إسحاق السبيعي ،عن عمرو بن ميمون ،عن معاذ
بن جبل ،قال :كنت ردف النب على محار يقال له :عفي ،فقال« :يا معاذ ،هل تدري حق اهلل على عباده ،وما
حق العباد على اهلل؟» ،قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال« :فإن حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا ،وحق
ُّ
العباد على اهلل أن ال يعذب من ال يشرك به شيئا» ،فقلت :يا رسول اهلل أفال أبشر به الناس؟ قال« :ال تبشرهم،
فيتكلوا» .هذا لفظ أيب األحوص عندهم مجيعا ،ومثله لفظ إسرائيل ومعمر وعمار بن زريق إال أهنم مل يذكروا تسمية
احلمار ،وقال معمر " :قال :قلت :يا رسول اهلل ،أال أبشر الناس؟ قال " :دعهم يعملوا " وعند الطرباين عن معمر:
"دعهم يعملون" ،وقال عمار بن رزيق« :دعهم ال يتكلوا» ،ومل يذكر الثوري " :كنت ردف النب على محار يقال له:
عفي" يف رواية التمذي.
- 1املعجم الكبي(.)227/22
- 2املستخرج على صحيح مسلم(.)223/2
- 3شرف أصحاب احلديث(رقم .)283
- 4اجلامع(أبواب اإلميان عن رسول اهلل ،باب ما جاء يف افتاق األمة ،رقم .)2633
- 5اآلحاد واملثاين( 322/3رقم .)2833
- 6اإلميان(رقم .)226
- 7املسند( 327/36رقم .)22332
- 8املسند( 253/3رقم .)2353
- 9املعجم الكبي(.)227/22
- 10السنن الكربى( 378/5رقم .)5836
- 11املسند( 353/2رقم .)566
- 12املستخرج(.)26/2
- 13اإلميان(رقم .)227
- 14صحيح ابن حبان( 332-332/2رقم .)222
31
وأما رواية األسود بن هالل 1عن معاذ ،فأخرجها البخاري 2ومسلم 3وأمحد 4وابن منده 5عن حممد بن جعفر
8
غندر عن شعبة عن أيب حصني عثمان بن عاصم األسدي واألشعث بن سليم ،وأخرجها مسلم 6وأبو عوانة 7وأبو نعيم
من طريق زائدة بن قدامة ،وأمحد 9وابن أيب عاصم 10وابن منده 11من طرق عن الثوري ،والطرباين 12وابن منده 13عن
إسرائيل بن يونس ،والشاشي 14وأبو عوانة 15والطرباين 16وابن منده 17عن أيب مالك سعد بن طارق األشجعي ،وأبو
عوانة عن سليمان أيب إسحاق الشيباين ،18والطرباين عن سعيد بن املرزبان أيب سعد البقال ،19ستتهم-زائدة بن قدامة
والثوري وإسرائيل بن يونس وسعد بن طارق األشجعي وسليمان أيب إسحاق الشيباين وأبو سعد البقال-حدثنا أبو
حصني عثمان بن عاصم األسدي ،كالمها-عثمان بن عاصم األسدي واألشعث بن سليم -مسعا األسود بن هالل،
يدث عن معاذ بن جبل قال :قال رسول اهلل« :يا معاذ أتدري ما حق اهلل على العباد؟» ،قال :اهلل ورسوله أعلم،
قال« :أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا ،أتدري ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك؟» ،قال :اهلل ورسوله أعلم ،قال« :أن ال
يعذهبم» .هذا لفظ شعبة عند أمحد وقريب من جدا لفظ مسلم ،ومل يذكر البخاري وابن منده عن شعبة" :إذا فعلوا
ذلك" ،ويف لفظ زائدة " :دعاين رسول اهلل فأجبته" فذكر حنوه ،وأحال أمحد وابن أيب عاصم عن سفيان الثوري إىل
لفظ قبله ،ولفظ إسرائيل عن أيب حصني " :كنت ردف رسول اهلل فقال يل« :يا معاذ ،تدري ما حق اهلل على
- 1هو األسود بن هالل احملاريب أبو سالم الكويف ،أدرك زمن النب ،روى عن معاذ بن جبل وعمر وابن مسعود واملغية بن شعبة وأيب هريرة وثعلبة
بن زهدم ،وروى عنه :أشعث بن أيب الشعثاء وأبو حصني وأبو إسحاق السبيعي وإبراهيم النخعي وغيهم ،وهو ثقة ،وينظر ترمجته :هتذيب
الكمال(.)233-232/3
- 2اجلامع الصحيح(كتاب التوحيد ،باب ما جاء يف دعاء النب أمته إىل توحيد اهلل تبارك وتعاىل ،ص ،2263رقم .)7373
- 3املسند الصحيح(كتاب اإلميان ،باب من لقي اهلل باإلميان وهو غي شاك فيه دخل اجلنة وحرم على النار ،ص ،88-87رقم .)32
- 4املسند( 332/36رقم .)22223
- 5اإلميان(رقم .)223
- 6املسند الصحيح(كتاب اإلميان ،باب من لقي اهلل باإلميان وهو غي شاك فيه دخل اجلنة وحرم على النار ،ص ،88رقم .)32
- 7مستخرج أيب عوانة على صحيح مسلم(.)26 /2
- 8املستخرج على صحيح مسلم(.)223/2
- 9املسند( 322/36رقم .)22335
- 10اآلحاد واملثاين( 322/3رقم .)2835
- 11اإلميان(رقم .)226
- 12املعجم الكبي(.)252/22
- 13اإلميان(رقم .)222
- 14املسند( 273/3رقم .)378
- 15مستخرج أيب عوانة على صحيح مسلم(.)26/2
- 16املعجم الكبي( ،)253/22واألوسط(.)223/8
- 17اإلميان(رقم .)223
- 18مستخرج أيب عوانة على صحيح مسلم( ،)26/2وذكر روايته كذلك :ابن منده يف اإلميان( )233/2عقب حديث(رقم .)223
- 19املعجم الكبي(.)253/22
31
العباد؟»" ،فذكره وهو لفظ أيب مالك سعد بن طارق األشجعي عن أيب حصني.
وأما رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ ،فرواها عن عبد الرمحن بن أيب ليلى عبد امللك بن عمي ورواه
عن عبد امللك أربعة من أصحابه فيما وقفت عليه1؛ شعبة وأبو عوانة الوضاح بن عبد اهلل اليشكري وشيبان بن عبد
الرمحن وزائدة بن قدامة ،فقد أخرج أمحد عن حممد بن جعفر غندر ،2والطرباين عن مسلم بن إبراهيم ،3كالمها-غندر
ومسلم بن إبراهيم-حدثنا شعبة ،عن عبد امللك بن عمي ،عن عبد الرمحن بن أيب ليلى ،عن معاذ بن جبل ،قال :كنت
رديف رسول اهلل ،فقال " :أتدري ما حق اهلل على العباد؟ " قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال " :أن يعبدوه وال يشركوا به
شيئا " قال " :وهل تدري ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك؟ " قال :قلت اهلل ورسوله أعلم .قال " :أن ال يعذهبم" .وهذا
مثل ألفاظ احلديث املتقدمة املشهورة ،ورواه عمرو بن مرزوق 4أنا شعبة ،عن عبد امللك بن عمي ،عن ابن أيب ليلى ،أن
رسول اهلل قال ملعاذ ،فذكره ،فوافق عمرو بن مرزوق غندرا ومسلم بن إبراهيم يف لفظه لكنه خالفه يف اإلسناد فرواه
مرسال ألنه قال :أن رسول اهلل قال ملعاذ ،وعبد الرمحن بن أيب ليلى يدرك زمن النب.
5
وتابع شعبة يف رواية هذا احلديث عن عبد امللك بن عمي شيبان بن عبد الرمحن وزائدة بن قدامة ،فقد أخرج الطرباين
من طرق عن شيبان بن عبد الرمحن وزائدة بن قدامة عن عبد امللك بن عمي ،عن عبد الرمحن بن أيب ليلى ،عن معاذ
بن جبل ،قال :كنت مع رسول اهلل فقال« :يا معاذ ،تدري ما حق اهلل على العباد؟» قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال:
حق العباد إذا فعلوا ذلك؟» قلت :اهلل «فإن حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا» ،ث قال« :تدري ما ُّ
ورسوله أعلم ،قال« :أن ال يعذهبم» .هذا لفظ شيبان ،ولفظ زائدة :عن عبد الرمحن بن أيب ليلى ،عن معاذ بن جبل
قال :قال رسول اهلل« :أتدري ما حق اهلل على الناس؟» فذكر احلديث.
واملالحظ على هذه الروايات أن شعبة وشيبان بن عبد الرمحن وزائدة بن قدامة متفقون على لفظة وأن معاذا كان
ب حبق اهلل على العباد وحق العباد على اهلل.
رديف النب أو كان مع النب ،فأخربه الن ُّ
لكن قد روى هذا احلديث أبو عوانة الوضاح بن عبد اهلل اليشكري عن عبد امللك بن عمي وخالف شعبة وشيبان
وزائدة يف سياقه ،فقد أخرج ابن ماجه عن حممد بن عبد امللك بن أيب الشوارب ،6والطرباين عن مسدد بن مسرهد وسهل
بن بكار ،7ثالثتهم-حممد بن عبد امللك بن أيب الشوارب ومسدد بن مسرهد وسهل بن بكار-حدثنا أبو عوانة ،حدثنا
عبد امللك بن عمي ،عن ابن أيب ليلى ،عن معاذ بن جبل ،قال :مر يب رسول اهلل وأنا على محار ،فقال" :يا معاذ،
حق العباد على اهلل؟ " قال :قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال" :فإن حق اهلل على حق اهلل على العباد ،وما ُّ
هل تدري ما ُّ
32
العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا ،وحق العباد على اهلل إذا فعلوا ذلك أن ال يعذهبم".
فقال أبو عوانة" :مر يب رسول اهلل وأنا على محار ،فقال ،"...وهذا السياق خيالف ما رواه شعبة وشيبان وزائدة،
فلفظ هؤالء الثالثة عن عبد امللك بن عمي يدل أن معاذا هو الذي كان مع النب أو رديف النب ،وهو املوافق
يدل سياق أيبلروايات احلديث املتقدمة عن أنس ورواية عمرو بن ميمون واألسود بن هالل عن معاذ ،بينما ُّ
عوانة أن النب هو الذي جاء معاذا فوجده راكبا على محار فحدثه باحلديث ،وال شك أن القصة واحدة وال ميكن
اجلمع بني الروايتني ،فيكون سياق أيب عوانة شاذ ،واهلل أعلم.
ومع تقدم ذكره فإن احلديث برواياته ضعيف ألنه منقطع بني عبد الرمحن بن أيب ليلى وبني معاذ ،فإنه مل يسمع
منه ،قال التمذي" :عبد الرمحن بن أيب ليلى مل يسمع من معاذ" ،1وقال البزار" :مل يسمع من معاذ ،وقد أدرك عمر"،2
وقال الدارقطين" :مساعه من معاذ فيه نظر" ،3وذلك أن عبد الرمحن بن أيب ليلى ولد سنة مثاين عشر( )09وهي السنة
اليت مات فيها معاذ يف طاعون عمواس.
وأما رواية عبد الرحمن بن غنم عن معاذ ،فأخرجها أمحد :4حدثنا أبو اليمان ،أخربنا شعيب ،حدثين عبد اهلل
بن أيب حسني ،حدثين شهر بن حوشب ،عن عبد الرمحن بن غنم ،وهو الذي بعثه عمر بن اخلطاب إىل الشام يفقه
ب: الناس ،أن معاذ بن جبل حدثه ،عن النب :أنه ركب يوما على محار له ،يقال له يعفور رسنه من ليف ،ث قال الن ُّ
ب يضحك ،وقمت " اركب يا معاذ " ،فقلت :سر يا رسول اهلل ،فقال " :اركب " ،ف ردف ته فصرع احلمار بنا ،فقام الن ُّ
أذكر من نفسي أسفا ،ث فعل ذلك الثانية ،ث الثالثة فركب ،وسار بنا احلمار فأخلف يده فضرب ظهري بسوط معه أو
عصا ،ث قال " :يا معاذ هل تدري ما حق اهلل على العباد؟ " فقلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال " :فإن حق اهلل على العباد
أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا" ،قال :ث سار ما شاء اهلل ،ث أخلف يده فضرب ظهري ،فقال" :يا معاذ ،يا ابن أم معاذ،
حق العباد على اهلل إذا هم فعلوا ذلك؟ " قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال " :فإن حق العباد على اهلل إذا فعلوا هل تدري ما ُّ
ذلك أن يدخلهم اجلنة".
وسياق هذا احلديث خمالف لكل ما تقدم ذكره من الروايات ،ومع أن تعليم النب معاذا حق اهلل على العباد وحق
العباد على اهلل يف هذا احلديث صحيح تشهد له الروايات الصحيحة املتقدمة فإنه حنوها إال أن سياق احلديث ضعيف،
وشهر بن حوشب ضعيف وهو علة هذا السياق.
الزهري ،فقد أخرج الطرباين :5حدثنا أمحد بن عبد الوهاب بن جندة ،وأمحد بن ُّ لكن تابع شهر بن حوشب اإلمام
يزيد احلوطيان ،قاال :ثنا أبو املغية-هو عبد القدوس بن احلجاج اخلوالين الشامي ،-ثنا عبد الرمحن بن يزيد بن متيم،
حدثين الزهري ،عن عبد الرمحن بن غنم ،عن معاذ بن جبل ،أن رسول اهلل ركب على محار له يقال له :يعفور ،ورسنه
- 1اجلامع(رقم)3223 :
- 2كشف األستار(رقم)2272 :
- 3العلل( / 2الورقة .)37
- 4املسند( 332/36رقم .)22273
- 5املعجم الكبي(.)75/22
33
من ليف ،فقال« :اركب يا معاذ» قلت :سر يا رسول اهلل ،قال« :اركب» فأردفين خلفه ،فصرع بنا احلمار ،فقام رسول
اهلل يضحك ،ث ركب الثانية فقال« :اركب» فركبت ،فسار بنا احلمار ما شاء اهلل ،قال :وأخلف بيده فضرب هبا
ظهري بسوط كان معه -أو عصا -فقال« :يا معاذ بن أم معاذ ،هل تدري ما حق اهلل على الناس؟» قلت :اهلل ورسوله
أعلم ،قال« :فإن حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا» ،ث سار ما شاء اهلل ث أخلف بيده فضرب ظهري
فقال« :يا معاذ بن أم معاذ ،تدري ما حق العباد على اهلل إذا فعلوا ذلك؟» قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال« :فإن حق
العباد على اهلل أن يدخلهم اجلنة إذا فعلوا ذلك».
وهذا السياق مثل سياق شهر بن حوشب متاما لكن هذه املتابعة ضعيفة ،فيها عبد الرمحن بن يزيد بن متيم وهو
ضعيف احلديث ،وبعضهم شدد العبارة فيه وتركه ،وهو منكر احلديث عن الزهري ،1وكان يقلب حديث شهر بن حوشب
يصيها أحاديث الزهري ،قال عبد اهلل بن أمحد" :سألت أيب عن عبد الرمحن بن يزيد بن متيم ،فقال :ق لب أحاديث
شهر بن حوشب صيها حديث الزهري ،وضعفه" ،2وال شك أن هذا احلديث واحد من تلك األحاديث ،وهو مما يشهد
لقول أمحد ُّ
ويدل على إمامته يف النقد ،وقال عبد الرمحن بن إبراهيم دحيم " :منكر احلديث عن الزهري".3
وأما رواية أبي عثمان النهدي عن معاذ ،فأخرجها أمحد :4حدثنا علي بن عاصم ،عن خالد احلذاء ،عن أيب
عثمان النهدي ،عن معاذ بن جبل قال :كنت رديف النب فقال يل " :يا معاذ ،أتدري ما حق اهلل على العباد؟ "
قلت :اهلل ورسوله أعلم قال " :أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا ،أتدري ما حق العباد على اهلل إذا فعلوا ذلك؟ " قال:
قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال " :يدخلهم اجلنة".
وهذا إسناد ضعيف فيه علتان؛ األوىل :علي بن عاصم ضعيف سيء احلفظ ،5وخالد بن مهران احلذاء مل يسمع من
أيب عثمان النهدي عبد الرمحن بن مل ،لكن لفظ احلديث صحيح يشهد له ما تقدم من الروايات الصحيحة.
وأما رواية أبي العوام عن معاذ ،فأخرجها أمحد 6والطرباين 7من طرق عن محاد بن سلمة ،أخربنا علي بن زيد،
عن أيب املليح اهلذيل ،عن روح بن عابد ،عن أيب العوام ،عن معاذ بن جبل قال :كنت ردف النب على مجل أمحر،
فقال " :يا معاذ " ،قلت :لبيك ،قال " :هل تدري ما حق اهلل على العباد؟ " قال :فقلت اهلل ورسوله أعلم ،قاهلا ثالثا،
فقلت ذلك ثالثا ،ث قال" :حقه أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا" ،ث قال " :هل تدري ما حق العباد على اهلل إذا فعلوا
ذلك؟" ،فقلت :اهلل ورسوله أعلم ،قاهلا ثالثا وقلت ذلك ثالثا ،فقال" :حقهم عليه إذا فعلوا ذلك أن يغفر هلم ،وأن
يدخلهم اجلنة" .هذا لفظ أمحد وليس يف رواية الطرباين " :قاهلا ثالثا ،فقلت ذلك ثالثا".
34
هكذا روى هذا احلديث محاد بن سلمة ،وهذا احلديث هبذا السياق ضعيف بل منكر ،فإن قوله " :كنت ردف
النب على مجل أمحر" منكرة مل ترد يف شيء من الروايات ،فقد اتفقت مجيع طرق وروايات احلديث اليت ذكرت الدابة
أن معاذا كان رديف النب على محار وليس على مجل ،وهذا احلديث هبذا السياق فيه ثالث علل؛ ضعف علي بن
زيد بن جدعان ،وجهالة روح بن عابد ،وأيب العوام ،لكن لفظ احلديث يبقى صحيحا تشهد له الروايات الصحيحة
املتقدمة.
وقد روي هذا احلديث بسياق آخر ،فقد أخرج ابن منده :1أنبأ أبو قتيبة سلمة بن الفضل ،ثنا عبد اهلل بن ناجية،
ثنا يي بن حبيب ،ثنا معتمر بن سليمان ،عن أبيه ،قال :كان أنس بن مالك يدثنا هبذا احلديث ،فكنت أشتهي أن
أمسعه ممن مسعه من معاذ بن جبل فحدثين أبو املليح ،عن روح رجل من قومه ،عن أيب العوام ،عن معاذ بن جبل،
قال :كنا نقوم عليه يف مرضه وخندمه ،فقال يف مرضه :لوال أن ت تكلوا حلدثتكم حديثا ،فقلت :أنشدك اهلل ،وحق الصحابة
أن يكون عندك حديث تذهب وال حتدثناه ،قال :فأدخل علي من بالباب ،قال :فأدخلت عليه من بالباب ،فقال:
حق اهلل على العباد؟» ،قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال« :أن أردفين رسول اهلل خلفه ،فقال« :يا معاذ هل تدري ما ُّ
يعبدوه وال يشركوا به شيئا» ،ث قال« :هل تدري ما حقهم إذا فعلوا ذلك؟» ،قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال« :يغفر هلم
ويدخلهم اجلنة».
يدل على أن أنسا مل يسمع هذا احلديث من معاذ بن جبل ،وإّنا مسعه من رجل وهذا احلديث هبذا السياق ُّ
آخر ،لكن هذا السياق مثل الذي قبله ضعيف فيه علتان؛ جهالة روح بن عابد ،وأيب العوام ،ولفظ احلديث يبقى
صحيحا تشهد له الروايات الصحيحة املتقدمة.
وأما رواية أبي رزين عن معاذ ،فأخرجها الطرباين 2من طريق موسى بن إمساعيل ،ثنا محاد بن سلمة ،عن عطاء
بن السائب ،عن أيب رزين ،عن معاذ بن جبل ،أن رسول اهلل كان على بعي قد شد عليه ب ردعة ،فقال« :يا
حق اهلل على العباد؟» قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال« :فإن حق
معاذ» ،قلت :لبيك وسعديك ،فقال« :هل تدري ما ُّ
حق العباد على اهلل إذا فعلوا ذلك؟» قلت :اهلل
اهلل عليهم أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا» ،ث قال« :هل تدري ما ُّ
ورسوله أعلم ،قال« :حقهم عليه إذا فعلوا ذلك أن يغفر هلم ،ويدخلهم اجلنة».
وهذا احلديث هبذا السياق كذلك ضعيف ،وقوله " :أن رسول اهلل كان على بعي قد شد عليه بردعة" منكر مل
يرد إال يف هذا احلديث ،وعطاء بن السائب اختلط ومل يرد أن محاد بن سلمة مسع منه قبل االختالط ،بل أقوال األئمة
تدل على أنه مسع منه بعد االختالط ،فقد ذكروا أن من مسع منه قبل االختالط ثالثة فقط محاد بن سلمة ليس منهم،3ُّ
وأبو رزين وامسه :مسعود بن مالك أبو رزين األسدي الظاهر أنه مل يسمع من معاذ ،فهو مل يسمع من ابن مسعود،4
- 1اإلميان(رقم.)222 :
- 2املعجم الكبي(.)237/22
- 3هتذيب الكمال(.)33-83/22
- 4املراسيل البن أيب حات(ص .)222
35
ومعاذ أقدم وفاة من ابن مسعود جدا ،ولذلك أخرج هذا احلديث الطرباين يف املراسيل عن معاذ ،فقال " :املراسيل
عن معاذ بن جبل" ،ث أخرج عددا من األحاديث هذا منها.
هذا ما يسر اهلل مجعه من ألفاظ قصة معاذ بن جبل يف تعليم النب حق اهلل على العباد وحق العباد على
اهلل وفضل التوحيد وشهادة أن ال إله إال اهلل.
ومن خالل ما تقدم تخريجه من روايات وطرق هذا الحديث يمكن إبراز عدة أمور ،فنقول وباهلل التوفيق:
األول :من دقق النظر يف الروايات والطرق املتقدمة يلحظ بعض الفروق بني تلك الروايات:
فمن حيث اإلسناد جند أن بعض تلك الروايات جعلت احلديث من مسند معاذ وهي أكثرها ،وبعضها جعلته
الرواة رووا هذا احلديث عن أنس عن معاذ ،وهذا من مسند معاذ ،وبعضهم رواه عن من مسند أنس ،فبعض ُّ
أنس أن النب قال ملعاذ ،فجعلوه من مسند أنس ،وهذا يف حقيقة األمر ال إشكال فيه ،ألن مرسل الصحابة الكبار
حجة باإلمجاع ،فسواء كان هذا احلديث من مسند معاذ أم من مسند أنس فهو متصل.
الرواة يف سياق احلديث ،فرواه أبو سفيان طلحة بن نافع وقتادة من أما من حيث اللفظ فقد وقع اختالف بني ُّ
طريق مهام بن يي العوذي وشيبان بن عبد الرمحن عن أنس يف قصة النب مع معاذ يف تعليمه حق اهلل على
العباد وحق العباد على اهلل ،وكذلك رواه عمرو بن ميمون واألسود بن هالل وابن أيب ليلى وعبد الرمحن بن غنم وأبو
ب" :يا عثمان النهدي عن معاذ ،بذكر السياق الذي فيه :أن معاذا كان رديف النب على محار فناداه الن ُّ
معاذ" فأجابه معاذ ،ث أخربه حبق اهلل على العباد وحق العباد على اهلل ،كما جاء مثال يف رواية مهام وشيبان عن قتادة
عن أنس عن معاذ بلفظ" :بينا أنا رديف النب ليس بيين وبينه إال آخرة الرحل ،فقال« :يا معاذ بن جبل» قلت:
لبيك رسول اهلل وسعديك ،ث سار ساعة ث قال« :يا معاذ» قلت :لبيك رسول اهلل وسعديك ،ث سار ساعة ث قال:
«يا معاذ» قلت :لبيك رسول اهلل وسعديك ،قال« :هل تدري ما حق اهلل على عباده» قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال:
«حق اهلل على عباده أن يعبدوه ،وال يشركوا به شيئا» ث سار ساعة ،ث قال« :يا معاذ بن جبل» قلت :لبيك رسول اهلل
وسعديك ،فقال« :هل تدري ما حق العباد على اهلل إذا فعلوه» قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال« :حق العباد على اهلل أن
ال يعذهبم»" ،وجاء يف رواية عمرو بن ميمون ،عن معاذ بن جبل ،قال :كنت ردف النب على محار يقال له:
حق العباد على اهلل؟» ،قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال« :فإن
عفي ،فقال« :يا معاذ ،هل تدري حق اهلل على عباده ،وما ُّ
حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا ،وحق العباد على اهلل أن ال يعذب من ال يشرك به شيئا» ،فقلت :يا
رسول اهلل أفال أبشر به الناس؟ قال« :ال تبشرهم ،فيتكلوا» ،وجاء يف رواية عبد الرمحن بن أيب ليلى ،عن معاذ بن جبل،
قال :كنت رديف رسول اهلل ،فقال " :أتدري ما حق اهلل على العباد؟ " قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال" :أن يعبدوه وال
يشركوا به شيئا" قال" :وهل تدري ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك؟ "قال :قلت اهلل ورسوله أعلم .قال" :أن ال يعذهبم"،
الرواة رووا هذا احلديث بسياق آخر ليس فيه ذكر حق اهلل على العباد وحق العباد على اهلل ،بل رووه بينما جند بعض ُّ
خمتصرا يف فضل من مات على شهادة إن ال إله إال اهلل ،ووقع ذلك خصوصا يف رواية أنس بن مالك ،ففي رواية
هشام الدستوائي مثال عن قتادة عن أنس أن النب ،ومعاذ رديفه على الرحل ،قال« :يا معاذ بن جبل» ،قال:
36
لبيك يا رسول اهلل وسعديك ،قال« :يا معاذ» ،قال :لبيك يا رسول اهلل وسعديك ثالثا ،قال« :ما من أحد يشهد أن
ال إله إال اهلل وأن مّّحممدا رسول اهلل ،صدقا من قلبه ،إال حرمه اهلل على النار» ،قال يا رسول اهلل :أفال أخرب به الناس
فيستبشروا؟ قال« :إذا يتكلوا» ،وأخرب هبا معاذ عند موته تأُّمثا ،ورواه شعبة عن قتادة وغيه بلفظ :عن معاذ ،قال :قال
رسول اهلل" :من مات وهو يشهد أن ال إله إال اهلل ،وأن حممدا رسول اهلل صادقا من قلبه ،دخل اجلنة " ،وهو قريب
من لفظ هشام الدستوائي عن قتادة ،ويف رواية سليمان التيمي قال مسعت أنس بن مالك ،قال :ذكر يل أن النب
قال ملعاذ بن جبل« :من لقي اهلل ال يشرك به شيئا دخل اجلنة» ،قال :أال أبشر الناس؟ قال« :ال إين أخاف أن يتكلوا»،
ويف لفظ آخر للتيمي عن أنس أن النب قال ملعاذ" :من لقي اهلل ال يشرك به ،دخل اجلنة " قال يا نب اهلل :أفال
أبشر الناس؟ قال " :ال ،إين أخاف أن يتكلوا عليها" ،ويف حديث عياش الكليب ،أنه مسع أنس بن مالك ،يقول :قال
رسول اهلل« :من مات وهو يشهد أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل دخل اجلنة» ،ويف حديث عبد العزيز بن
صهيب ،عن أنس بن مالك ،عن معاذ بن جبل ،قال :قال يل رسول اهلل " :يا معاذ :قلت لبيك يا رسول اهلل
وسعديك ،قال :بشر الناس أو قال أنذر الناس من قال ال إله إال اهلل دخل اجلنة" ،ويف لفظ آخر لعبد العزيز بن صهيب
عن أنس أن رسول اهلل ،قال« :يا معاذ بن جبل ،بشر الناس أنه من قال ال إله إال اهلل دخل اجلنة».
قلت :من خالل ما تقدم ذكره يظهر أن سياق هذه الروايات والطرق يشعر أن القصة واحدة ،وإىل هذا ذهب أكثر
أهل العلم ،وقالوا إن هذه القصة رواها بعضهم بسياق مطول فذكر تلك األلفاظ ،واختصرها بعضهم ،وتوسط بعضهم،
وهلذا األمر نظائر كثية يف األحاديث ،لكن من تدبر جيدا ألفاظ هذه األحاديث وجد فيها تغايرا واضحا مبا ُّ
يدل على
تعدد القصة ،وإليه ذهب بعض األئمة منهم أبو عمرو بن الصالح واحلافظ ابن حجر.1
الثاني :حديث األعمش ،عن أيب سفيان ،عن أنس بن مالك ،قال :أتينا معاذ بن جبل ،فقلنا :حدثنا من
غرائب حديث رسول اهلل ،األعمش رغم إمامته مدلس ،ورواه بالعنعنة يف مجيع املصادر اليت أخرجت احلديث فيما
وقفت عليه.
الثالث :رواية عيسى بن أمحد العسقالين ،الذي روى هذا احلديث عن يعلى بن عبيد عن األعمش ،عن أيب سفيان،
عن جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما ،قال :أتينا معاذ بن جبل فقلنا :حدثنا من غرائب حديث رسول اهلل فقال:
كنت ردف رسول اهلل على محار فقال« :يا معاذ» ،"...احلديث ،هذه الرواية شاذة عن يعلى بن عبيد عن األعمش
ملخالفة عيسى بن أمحد العسقالين ألصحاب يعلى بن عبيد ،وخمالفته كذلك لكل أصحاب األعمش الذين رووه عن
األعمش عن أيب سفيان عن أنس ،وعيسى بن أمحد العسقالين اتبع اجلادة يف هذه الرواية.
الرابع :رواية يي بن جعفر بن الزبرقان عبد الوهاب بن عطاء اخلفاف عن سليمان التيمي عن األسود بن هالل،
قال :بلغين أن النب ،قال« :من لقي اهلل ال يشرك به شيئا دخل اجلنة» شاذة ملخالفته اإلمام أمحد.
الخامس :رواية أيب شهاب عبد ربه بن نافع عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك ،عن معاذ بن جبل ،قال :قال
رسول اهلل« :من مات ال يشرك باهلل شيئا دخل اجلنة» ،شاذة ملخالفة أيب شهاب لكل أصحاب التيمي الذين جعلوه
37
من مسند أنس.
السادس :الزيادة اليت رواها إبراهيم بن عبد اهلل أيب سهل البصري عن شعبة عن عتاب تعترب شاذة ملخالفته كل
أصحاب شعبة الذين مل يذكروها.
السابع :زيادة سعيد بن سليم الضب ،عن أنس بن مالك قال :كان رسول اهلل إذا سافر ،أو غزا ،أردف كل يوم
رجال من أصحابه ،شاذة خمالفة جلميع سياقات احلديث ،وخمالفتها أخبار النب وسيته.
الثامن :سياق أيب عوانة الوضاح بن عبد اهلل اليشكري عن عبد امللك بن عمي ،عن ابن أيب ليلى ،عن معاذ بن
جبل ،قال :مر يب رسول اهلل وأنا على محار ،فقال" :يا معاذ "...احلديث ،الظاهر أن هذا السياق شاذ.
التاسع :رواية شهر بن حوشب ،عن عبد الرمحن بن غنم أن معاذ بن جبل حدثه ،عن النب :أنه ركب يوما على
ب " :اركب يا معاذ " ،فقلت :سر يا رسول اهلل ،فقال " :اركب "، محار له ،يقال له يعفور رسنه من ليف ،ث قال الن ُّ
فردفته فصرع احلمار بنا ،فقام النب يضحك ،وقمت أذكر من نفسي أسفا ،ث فعل ذلك الثانية ،ث الثالثة ،هذا السياق
كل هذا منكر خالف به شهر بن حوشب كل من رواه عن معاذ. بذكر اسم احلمار يعفور ورسنه ليف والصرعُّ ،
العاشر :رواية عبد الرمحن بن يزيد بن متيم ،حدثين الزهري ،عن عبد الرمحن بن غنم ،عن معاذ بن جبل ،أن رسول
اهلل ركب على محار له يقال له :يعفور ،ورسنه من ليف ،هي نفسها رواية شهر بن حوشب عن عبد الرمحن بن غنم،
قلبها عبد الرمحن بن يزيد بن متيم فجعلها عن الزهري وهو معروف بذلك يف حديث الزهري.
الحادي عشر :رواية أيب العوام ،عن معاذ بن جبل قال :كنت ردف النب على مجل أمحر ،ذكر اجلمل هنا ولونه
منكر ،ألنه خيالف ما تقدم ،ومل يرد يف شيء من الروايات ،فقد اتفقت مجيع طرق وروايات احلديث اليت ذكرت الدابة
أن معاذا كان رديف النب على محار وليس على مجل ،وكذلك رواية أيب رزين ،عن معاذ بن جبل ،أن رسول
اهلل كان على بعي قد شد عليه ب ردعة ،فذكر اجلمل والربدعة شاذٌّ ،وقد تقدم التفصيل يف ذلك.
-2الحكم على الحديث ،احلديث متفق عليه ،فهو يف أعلى درجات الصحة إال بعض األلفاظ الشاذة اليت مل
ترد يف الصحيحني ،وقد تقدم الكالم عليها.
-3تراجم رواة اإلسناد
معاذ بن جبل :هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو ابن أدي بن سعد
بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن اخلزرج ،األنصاري ،اخلزرجي ،ث اجلشم مي ،يكىن أبا عبد الرمحن ،اإلمام
املق مدم يف علم احلالل واحلرام.
األشعري،
م روى عن النب أحاديث ،روى عنه من الصحابة :ابن عباس ،وابن عمرو ،وابن عمر ،وابن أيب أوَّف
وعبد الرمحن بن مسرة ،وجابر بن أنس وغيهم ،ومن التابعني :عبد الرمحن بن غنم وأبو مسلم اخلوالين وأبو عبد اهلل
الصناحبي وأبو وائل ومسروق وعبد اهلل بن شداد بن اهلاد واألسود بن اهلالل واألسود بن يزيد وقيس بن أيب حازم وعمرو
بن ميمون األودي ومالك بن خيامر السكسكي ويزيد بن عمية الزبيدي وأبو إدريس اخلوالين وأبو حبرية السكوين وأبو
طيبة الكالعي وعطاء بن يسار وعبد الرمحن بن أيب ليلى وغيهم كثي.
38
قال أبو إدريس اخلوالينُّ :كان أبيض وضيء الوجه ،مبراق الثنايا ،أكحل العينني ،وقال كعب بن مالك :كان شابا
اقدي :كان من أمجل الرجال ،وشهد املشاهد ،قال ابن عبد الرب :وهو أحد مجيال مسحا من خي شباب قومه ،وقال الو ُّ
السبعني الذين شهدوا العقبة من األنصار وآخى رسول اهلل بينه وبني عبد اهلل بن مسعود قال الواقدي :هذا ماال
ب على اليمن.اختالف فيه عندنا ،شهد بدرا وهو ابن إحدى وعشرين سنة ،وأمره الن ُّ
نب« :أن رسول فضائله كثية ،من ذلك قوله كما يف سنن أيب داود ،عن معاذ بن جبل ،قال :قال يل ال ُّ
اهلل أخذ بيده وقال" :يا معاذ واهلل إين ألحبك" فقال" :أوصيك يا معاذ ال تدعن يف دبر كل صالة تقول :اللهم أعين
على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» ،1ومنها قول قتادة عن أنس بن مالك" :مجع القرآن على عهد رسول اهلل أربعة
كلهم من األنصار :أيب بن كعب ،ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت ،وأبو زيد قال أنس :أبو زيد أحد عموميت" ،2وقول
مسروق عن عبد اهلل بن عمرو :أربعة رهط ال أزال أحبهم بعد ما مسعت من رسول اهلل قال :استقرؤا القرآن من أربعة:
من عبد اهلل بن مسعود ،وسامل موىل أيب حذيفة ،وأيب بن كعب ،ومعاذ بن جبل" ،3مات يف طاعون عمواس سنة مثاين
عشر(09ه).4
أنس بن مالك :هو أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر ابن غنم بن
عدي بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن اخلزرج بن حارثة األنصاري اخلزرجي النجاري أبو محزة املدين نزيل البصرة ،خادم
رسول اهلل ،يكىن أبا محزة ،مسي باسم عمه أنس بن النضرُّ ،أمه هي ُّأم سليم بنت ملحان األنصارية زوجة أيب طلحة
األنصاري ،كان عمره عند مقدم النب املدينة عشر سنني ،وقيل :مثان سنني ،وخدم رسول اهلل ،عشر سنني،
مدة مقامه باملدينة.
روى عن النب وعن أيب بكر وعمر وعثمان وعبد اهلل بن رواحة وفاطمة وثابت بن قيس ابن مشاس وعبد الرمحن
بن عوف وابن مسعود ومالك بن صعصعة وأيب ذر وأيب بن كعب وأيب طلحة ومعاذ ابن جبل وعبادة بن الصامت وعن
أمه أم سليم وخالته أم حرام وأم الفضل امرأة العباس وغيهم.
روى عنه خالئق من اآلفاق ال يصون عددا منهم :احلسن البصري وسليمان التيمي وأبو قالبة وأبو لجلز وعبد العزيز
بن صهيب وإسحاق بن أيب طلحة وأبو بكر ابن عبد اهلل املزين وقتادة وثابت البناين ومحيد الطويل وابن ابنه مثامة وأبو
عثمان النهدي وحممد بن سيين وأنس بن سيين وأبو أمامة بن سهل بن حنيف وإبراهيم بن ميسرة وبريد بن أيب مرمي
وبيان بن بشر والزهري وربيعة بن أيب عبد الرمحن ويي بن سعيد األنصاري وسعيد بن جبي وسلمة بن وردان وغيهم.
كان أحسن النماس صالة يف السفر واحلضر ح ى قال أبو هريرة " :ما رأيت أحدا أشبه صالة برسول اهلل
من ابن أم سليم ،يعين أنسا" ،وكان يصلي فيطيل القيام ح ى تفطر قدماه دما.
39
فضائله كثية ،منها ما أخرجه مسلم عنه قال :جاءت يب أم سليم إىل رسول اهلل ،قد أزرتين بنصف مخارها،
وردتين ببعضه ،فقالت :يا رسول اهلل ،هذا أنيس ابين ،أتيتك به خيدمك ،فادع اهلل له ،فقال" :اللهم أكثر ماله وولده"،
قال أنس :فواهلل إن مايل لكثي ،وإن ولدي وولد ولدي يتعادون على حنو من مئة اليوم ،1ومنها :ما أخرجه البخاري عن
محيد ،عن أنس قال :دخل رسول اهلل على أم سليم ،فأتته بتمر ومسن ،وكان صائما ،فقال" :أعيدوا متركم يف وعائه،
ومسنكم يف سقائه" ،ث قام إىل ناحية البيت ،فصلى ركعتني ،وصلينا معه ،ث دعا ألم سليم ،وألهلها خبي ،فقالت أم
سليم :يا رسول اهلل إن يل خويصة ،قال" :ما هي؟" ،قالت :خادمك أنس ،قال" :فما ترك خي آخرة وال دنيا إال دعا
يل به" ،وقال" :اللهم ارزقه ماال وولدا ،وبارك له فيه" ،قال أنس :فما من األنصار إنسان أكثر ماال مين ،وذكر أنه ال
ميلك ذهبا وال فضة غي خامته ،قال :وذكر أن ابنته الكربى أمينة ،أخربته :أنه دفن من صلبه إىل مقدم احلجاج نيف
على عشرين ومئة.2
مات على األشهر سنة ثالث وتسعني( )83وهو ابن بضع وتسعون سنة ،وقيل يف سنة والدته وكم له أقواال.3
قتادة :هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو ابن ربيعة بن عمرو بن احلارث بن سدوس ،ويقال :قتادة بن
دعامة ابن عكابة بن عزيز بن كرمي بن عمرو بن احلارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب
بن علي بن بكر بن وائل السدوسي ،أبو اخلطاب البصري ،ولد أكمه.
روى عن أنس بن مالك وعبد اهلل بن سرجس وأيب الطفيل وصفية بنت شيبة ،وأرسل عن سفينة وأيب سعيد اخلدري
وسنان بن سلمة بن احملبق وعمران بن حصني ،وروى عن سعيد بن املسيب وعكرمة وأيب الشعثاء جابر بن زيد ومحيد
بن عبد الرمحن بن عوف واحلسن البصري وحممد بن سيين وعقبة بن عبد الغافر وزرارة بن أوَّف وخالس اهلجري وعبد
اهلل بن أيب عتبة وصاحل أيب اخلليل وصفوان بن حمرز وسامل بن أيب اجلعد وعطاء بن أيب رباح وأيب لجلز الحق بن محيد
والنضر وأيب بكر ابين أنس بن مالك ونصر بن عاصم الليثي وأيب غالب بن جبي وأيب أيوب املراغي وأيب حسان األعرج
وأيب رافع الصائغ وأيب عثمان النهدي وأيب قالبة اجلرمي وأيب عيسى األسواري وأيب نضرة العبدي وأيب املليح بن أسامة
وأيب املتوكل الناجي وأيب بردة بن أيب موسى وابنه سعيد بن أيب بردة وهو من أقرانه وبديل بن ميسرة العقيلي وهو أيضا
من أقرانه والشعب وعبد اهلل بن شقيق وعبد اهلل بن معبد الزماين وعزرة بن عبد الرمحن وعقبة بن صهبان وعون بن عبد
اهلل بن عتبة بن مسعود وقزعة بن يي ومطرف بن عبد اهلل بن الشخي وأيب السوار العدوي ومعاذة العدوية وحفصة بنت
سيين وغيهم.
روى عنه :أيوب السختياين وسليمان التيمي وجرير بن حازم وشعبة ومسعر ويزيد بن إبراهيم التستي ويونس
اإلسكاف وأبو هالل الراسب وهشام الدستوائي ومطر الوراق ومهام بن يي وعمرو بن احلارث املصري ومعمر وشيبان
- 1صحيح مسلم(رقم ،)2382 :وحنوه(رقم 2382 :و ،)662وأخرجه البخاري(رقم 6333 :و 6333و 6378و )6382خمتصرا بلفظ:
«اللهم أكثر ماله ،وولده ،وبارك له فيما أعطيته».
- 2صحيح البخاري(رقم.)2382 :
- 3ينظر ترمجته :االستيعاب يف معرفة األصحاب البن عبد الرب( ،)222-223/2واإلصابة البن حجر يف متييز الصحابة( ،)278-275/2وهتذيب
الكمال للمزي(.)378-353/3
41
النحوي وسالم بن أيب مطيع وسعيد بن أيب عروبة وأبان بن يزيد العطار وحصني بن ذكوان املعلم ومحاد بن سلمة
واألوزاعي وعمر بن إبراهيم العبدي وعمران القطان وقرة بن خالد ومنصور بن زاذان والليث بن سعد وأبو عوانة وآخرون.
اقي أحسن من قتادة ،وقال بكي بن عبد اهلل املزين :ما رأيت الذي هو أحفظ قال سعيد بن املسيب :ما أتاين عر ٌّ
منه وال أجدر أن يؤدي احلديث كما مسعه ،وقال بن سيين :قتادة هو أحفظ الناس ،وقال مطر الوراق :كان قتادة إذا
مسع احلديث أخذه العويل والزويل ح ى يفظ ،وقال معمر :قال قتادة لسعيد بن أيب عروبة :خذ املصحف قال فعرض
عليه سورة البقرة فلم خيطئ فيها حرفا واحدا ،قال :يا أبا النضر أحكمت؟ قال :نعم ،قال :ألنا بصحيفة جابر أحفظ
مين لسورة البقرة ،وقال شعبة :حدثت سفيان حبديث عن قتادة ،فقال يل :وكان يف الدنيا مثل قتادة! وقال معمر :قلت
للزهري أقتادة أعلم عندك أم مكحول؟ قال :ال بل قتادة ،وقال عمرو بن علي الفالس عن بن مهدي :قتادة أحفظ من
مخسني مثل محيد الطويل ،قال أبو حات :صدق ابن مهدي.
أخباره كثية ،ولد سنة إحدى وستني( ،)60ومات بواسط سنة سبع عشرة ومائة( ،)000وقيل :سنة سبع عشرة
ومائة(.1)009
همام :هو مهام" بن يي بن دينار األزدي العوذي احمللمي موالهم أبو عبد اهلل ويقال أبو بكر البصري.
روى عن عطاء بن أيب رباح وإسحاق بن أيب طلحة وزيد بن أسلم وأيب مجرة الضبعي وقتادة وحممد بن جحادة وأيب
التياح الضبعي ونافع موىل بن عمر وأيب عمران اجلوين وأنس بن سيين وزياد بن سعد وثابت البناين وزياد األعلم ويي
بن أيب كثي وحسني املعلم وابن جريج وغيهم.
روع عنه :الثوري وهو من أقرانه وابن املبارك وابن علية ووكيع بن مهدي وبشر بن السري وعبد الصمد بن عبد الوارث
وأبو سعيد موىل بين هاشم وأمحد بن إسحاق احلضرمي وحبان بن هالل ويزيد بن هارون وأبو عامر العقدي وأبو علي
احلنفي وأبو داود وأبو الوليد الطيالسيان وعمرو بن عاصم وحجاج بن منهال وأبو عمر الدوري وعبد اهلل بن رجاء الغدايف
وعفان وأبو نعيم ومعاذ بن هانئ ومسلم بن إبراهيم وموسى بن إمساعيل وهدبة بن خالد وشيبان بن فروخ وآخرون.
وكان ثقة ،وهو من أوثق الناس يف يي بن أيب كثي ،ومن املقدمني يف قتادة ،وقد قال أمحد بن حنبل :مهام ثبت يف
كل املشايخ
مات سنة أربع وستني ومائة( )061وقيل :سنة مخس وستني ومائة( ،)065وقال بعضهم سنة ثالث وستني
ومائة(.2)063
هدبة بن خالد :هو هدبة بن خالد بن األسود بن هدبة القيسي الثوباين أبو خالد البصري ،من بين قيس بن ثوبان،
ويقال له :هداب.
روى عن أخيه أمية بن خالد وجرير بن حازم ومهام بن يي واحلمادين ومحاد بن اجلعد وسليمان بن املغية وأبان بن
يزيد العطار وديلم بن غزوان وأيب هالل الراسب وغيهم.
41
روى عنه :البخاري ومسلم وأبو داود وأبو حات وحرب بن إمساعيل وعبد اهلل بن أمحد وزكريا الساجي وبقي بن خملد
واحلارث بن أيب أسامة وابن أيب عاصم والبزار واحلسن بن سفيان واملعمري وعبدان األهوازي ويوسف بن يعقوب القاضي
وأبو يعلى والبغوي وخلق.
وثقه اجلمهور ،ومات سنة ست وثالثني ومائتني( ،)536وقيل :سنة سبع وثالثني ومائتني( ،)530وقيل :سنة مثان
وثالثني ومائتني( ،)539وقيل غي ذلك.1
-4لطائف اإلسناد.
أ -رواية صحايب عن صحايب؛ أنس بن مالك عن معاذ بن جبل ،قال الشاشي يف مسنده " :ما روى
معاذ بن جبل أبو عبد الرمحن األنصاري عن رسول اهلل ،وممن روى عنه من الصحابة منهم أنس بن مالك
رضي اهلل عنهما" ،ث أخرج له هذا احلديث من عدة طرق.2
ب -رجال اإلسناد كلُّهم بصريون إال معاذ بن جبل ،فإنه مدينٌّ سكن الشام.
ت -صيغة األداء يف اإلسناد التحديث إال يف رواية أنس عن معاذ رضي اهلل عنهما فهي العنعنة ،فهو مسلسل
بصيغ االتصال إال أنس عن معاذ.
ثانيا :الدراسة املتنية
شرح غريب الحديث. -1
ف" :قال أبو العباس القرطب" :قوله :كنت ردف رسول اهلل،
قوله" :رديف" وجاء في بعض الروايات" :رد َ
ي روي :ردف بسكون الدال من غي ياء ،وبكسر الراء ،وي روي :رديف بفتح الراء وكسر الدال وياء بعدها ،وكالمها
صحيح رواية ولغة ،ومها امسان للراكب خلف الراكب ،يقال منه :ردف ته أردفه ،بكسر الدال يف املاضي ،وفتحها يف
الطربي :ردف بفتح الراء وكسر الدال من غي ياء،
ُّ املستقبل ،وأردف ته أنا بألف ،وذلك املوضع يسمى الرداف ،ورواه
ك عجل وحذر وزمن ،وليس مبعروف يف األمساء" ،وذكر حنوه تلميذه القاضي عياض ،3وقال النووي" :والردف
والرديف هو الراكب خلف الراكب يقال منه ردفته أردفه بكسر الدال يف املاضي وفتحها يف املضارع إذا ركبت خلفه
وأردفته أنا وأصله من ركوبه على الردف وهو العجز".4
قوله" :آخرة الرحل" ،وفي بعض الروايات" :مؤخ َرة" :الرحل هو للبعي كالسرج للفرس ،وآخرة الرحل :هي العود
الذي جيعل خلف الراكب يستند إليه ،قال ابن اجلوزي" :مؤخرة الرحل :آخره ،وهي خشبة لطيفة قائمة" ،5قال ابن
قرقول" :آخرة الرحل" ممدود ،وهو عود يف مؤخره ،وهو ضد قادمته ،ويف بعض األحاديث" :مؤخرة الرحل" بكسر
42
اخلاء وسكون اهلمزة ،وبالوجهني ذكره أبو عبيد ،وضبطه األصيلي خبطه مرة يف البخاري" :موخرة الرحل" بفتح امليم
وإسكان الواو وكسر اخلاء ،ورواه بعضهم" :مؤخرة" وأنكره ابن قتيبة " ،1وقال النووي" :وأما مؤخرة الرحل فبضم
امليم بعده مهزة ساكنة ث خاء مكسورة ،هذا هو الصحيح ،وفيه لغة أخرى مؤخرة بفتح اهلمزة واخلاء املشددة قال
القاضي عياض رمحه اهلل :أنكر ابن قتيبة فتح اخلاء وقال ثابت مؤخرة الرحل ومقدمته بفتحهما ويقال آخرة الرحل
هبمزة ممدودة وهذه أفصح وأشهر ...وهي العود الذي يكون خلف الراكب".2
قوله" :لبيك وسعديك":
"لبيك" :قال ابن األثي " :هو من التلبية ،وهي إجابة املنادي ،...وهو مأخوذ من لب باملكان وألب به إذا أقام
به ،وألب على كذا ،إذا مل يفارقه ،ومل يستعمل إال على لفظ التثنية يف معىن التكرير :أي إجابة بعد إجابة" ،3وقال
أبو عبد اهلل املازري" :مصدر مثىن للتكثي واملبالغة ،ومعناه إجابة لك بعد إجابة ولزوما لطاعتك ،فتثنيته للتأكيد ال
تثنية حقيقية".4
"وسعديك" :قال ابن األثي" :أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة ،وإسعادا بعد إسعاد".5
التحرج من الوقوع يف قوله" :تأثما" :هو بفتح اهلمزة وتشديد املثلثة املضمومة :أي خشية الوقوع يف اإلث ،6و ُّ
التأث ُّ
اإلث ،7قال النووي" :قوله" :فأخرب هبا معاذ عند موته تأمثا" هو بفتح اهلمزة وضم املثلثة املشددة ،قال أهل اللغة:
تأث الرجل إذا فعل فعال خيرج به من اإلث ،وحترج أزال عنه احلرج ،وحتنث أزال عنه احلنث ،ومعىن تأث معاذ أنه كان
يفظ علما خياف فواته وذهابه مبوته فخشي أن يكون ممن كتم علما وممن مل ميتثل أمر رسول اهلل يف تبليغ سنته
فيكون آمثا فاحتاط وأخرب هبذه السنة خمافة من اإلث وعلم أن النب مل ينهه عن اإلخبار هبا هني حترمي".8
قوله" :عفير" :قال ابن بطال" :عفي من العفرة وهو تصغي أعفر" ،9وقال ابن امللقن"" :عفي" تصغي أعفر ،إال
أهنم أخرجوه عن بناء أصله ،كما قالوا يف تصغي أسود :سويد ،وهو بعني مهملة على املشهور ،وزعم القاضي عياض:
أنه بغني معجمة ،ورد ذلك عليه ،قال ابن عبدوس يف أمساء خيله ودوابه :أخذ ذلك من العفر وهو التاب ،وكذا
قال اخلطايب :مسي بذلك لعفرة لونه ،والعفرة :محرة خيالطها بياض ،يقال له :أعفر ويعفور ،وأخضر وخيضور ،وأصفر
43
ويصفور ،وأمحر ويمور".1
-2المعنى اإلجمالي.
لقد تنوعت أساليب النبيف تعليم أصحابه وأمته والدعوة إىل اهلل ،حلرصه على تبليغ رسالة ربه ،وكان من
تشويقي يشذ السامع وجيعله ينتبه وجيمع ذهنه ،فإذا انضاف إىلٌّ تلك األساليب أسلوب السؤال واجلواب ،وهو أسلوب
ب وكان السامع أحد من أصحابه ذلك تكرار توجيه السؤال كان أدعى للفهم واحلفظ والتكيز ،فإذا كان السائل الن ُّ
مثل معاذ ،فال شك أن األسباب كلها توفرت لالهتمام باملسألة املطروحة وحفظها جيدا وفهما على الوجه املراد،
ب أجل مسائل العلم وأمهها، ب كل ذلك لعظم شأن املسألة اليت يريد أن ي علمها معاذا ،فعلمه الن ُّ ف فعل الن ُّ
وأعظم حق هلل على عبيده ،وأهم وأعظم واجب على املكلف وهو التوحيد ،وأعظم ما يذرون منه وهو الشرك ،فبني
له يف هذا احلديث حق اهلل على عبادة وهو التوحيد ،وما يضاده وهو الشرك ،وترغيبا للمؤمنني الذين فعلوا ذلك
بني هلم اجلزاء الذي هلم عند اهلل وهو أال يعذهبم ،فسارع معاذ نصيحة للمسلمني فاستأذن النب أن ي بشر
الناس هبذا الفضل العظيم ،لكن النب راعى املصلحة وهناه لكي ال يعتمدوا على هذا الفضل ،وتركهم يسارعون
ويتنافسون يف األعمال ،فلم خيرب معاذ الناس حياته كلها ،لكن من باب اخلوف من اإلث الذي يتتب على كتمان
العلم أخرب هبذه البشارة عند موته.
أو يقال يف املعىن اإلمجايل اختصارا[ :بيان أن التوحيد هو حق اهلل على عبيده وبيان فضله ،وخطورة الشرك].
المعنى التفصيلي -3
ف" ،قد تقدم أن الرديف والردف هو الراكب خلف الراكب،
قوله" :بَـيـنَا أنا رديف النبي ،"وفي رواية" :رد َ
فمعاذ كان راكبا خلف النب على محار امسه عفي.
قوله" :ليس بيني وبينه إال آخرة الرحل" ،وفي رواية" :مؤخرة" ،تقدم بيانه يف شرح الغريب.
قوله" :لبيك رسول اهلل وسعديك" ،قد تقدم أن "لبيك" معناها :إجابة بعد إجابة ،و"سعديك" معناها :ساعدت
ب بقوله" :يا معاذ" أجابه معاذ بأعلىطاعتك مساعدة بعد مساعدة ،وإسعادا بعد إسعاد ،فمعاذ ملا ناداه الن ُّ
ما تستعمله العرب من إجابة الداعي أو املنادي ،وهو قوهلم" :لبيك وسعديك" ،ومعناه :أنا مستجيب لك ومطيع لك
إجابة الزمة على الدوام ،فح ى وإن توقفت عن مناداتين فأنا مطيع لك ومستجيب لك استجابة ال هناية هلا.
قوله" :ثم سار ساعة ثم قال« :يا معاذ» قلت :لبيك رسول اهلل وسعديك ،ثم سار ساعة ثم قال« :يا معاذ»
قلت :لبيك رسول اهلل وسعديك" ،وهذا التكرار فائدته إثارة انتباه معاذ وحشد ذهنه للتكيز والت نبُّه ملا سيلقى عليه.
قوله" :هل تدري ما حق اهلل على العباد؟" ،جاء هنا بصيغة االستفهام ليكون أوقع يف النفس وأبلغ يف التعليم؛
فهذا مع ما تقدم من تكرار النداء "يا معاذ" الذي هو أدعى جلمع قوة الذهن والتكيز على ما يراد أن يطرح ،من أعظم
ما ميكن السامع من احلفظ والوعي ،وهذا من حسن تعليمه وإرشاده ،وهو أسلوب ورد عنه كثيا وخصوصا يف
املسائل املهمة جدا كمسائل العقيدة" ،تدري" ،يقال :درى يدري دراية :إذا عرف ،فالدراية هي املعرفة" ،حق اهلل":
44
املراد باحلق هنا "ما يستحقه اهلل تعاىل على عباده ،مما جعله متحتما عليهم ،وألزمهم إياه خبطابه"ُّ ،1
فحقه تعاىل على
عباده أن يفردوه بالعبادة ،خملصني له فيها ،ممتثلني ما أمرهم به وأوجبه عليهم ،وأعظم حقوق اهلل على عبادة هو التوحيد،
ومتجنبني ما هناهم عنه ،وحرمه عليهم وأعظم ما حرمه اهلل على عبادة هو الشرك ،فالتوحيد هو أعظم ما يبه اهلل،
والشرك هو أعظم ما يبغضه اهلل.
قوله" :أن يعبدوه ،وال يشركوا به شيئا" املراد بالعبادة من حيث العموم :فعل الطاعات واجتناب املعاصي ،والعبادة
احلب ،ولذلك فالعبادة شرعا ،هي كمال احلب مع كمال لغة الذ ُّل واخلضوع ،والتعبُّد كذلك التألُّه الذي هو مبعىن ُّ
اخلضوع؛ كمال احلب للخالق سبحانه مع كمال االنقياد واخلضوع له ،ألن كمال احلب مع متام الذل واخلضوع يتضمن
وال بد طاعة احملبوب واالنقياد له ،ولذلك فالعبادة هي فعل ما يبه اهلل ويرضاه من مجيع العبادات اليت شرعها اهلل،
كالصالة والزكاة واحلج وحب اهلل ورسوله واخلشوع واإلنابة والتوكل والذبح واالستعانة وبر الوالدين وغيها من شعب
اإلميان ،ولذلك عرف شيخ اإلسالم العبادة شرعا بقوله" :العبادة هي اسم جامع لكل ما يبُّه اهلل ويرضاه من األقوال
واألعمال الباطنة والظاهرة ،فالصالة والزكاة والصيام واحلج وصدق احلديث وأداء األمانة وبر الوالدين وصلة األرحام
والوفاء بالعهود واألمر باملعروف والنهي عن املنكر واجلهاد للكفار واملنافقني واإلحسان للجار واليتيم واملسكني وابن
السبيل واململوك من اآلدميني والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة ،وكذلك حب اهلل ورسوله وخشية
اهلل واإلنابة إليه وإخالص الدين له والصرب حلكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرمحته واخلوف من
عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة هلل ،وذلك أن العبادة هلل هي الغاية احملبوبة له واملرضية له اليت خلق اخللق هلا كما قال
اهلل تعاىل :ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ [الذاريات ،2"]٦٥ :وقال ابن القيم:
وعب ادة الرمحن غاية حب ه ....م ع ذل عاب ده مه ا قطب ان
وعليهما ف لك العبادة دائر ....ما دار ح ى قامت القطبان.
وقوله" :وال يشركوا به شيئا" :أي يوحدوه بالعبادة ،يعين ال بد من جتريد العبادة من مجيع أنواع الشرك ،و"شيئا"
هنا جاءت نكرة يف سياق النهي ،والنكرة إذا جاءت يف سياق النهي أو النفي عمت ،يعين ال بد من ختليص وتصفية
العبادة من مجيع أنواع الشرك أكربا كان أم أصغرا ،وإال مل يقق حق اهلل املطلوب منه ،فال يشمله وعد اهلل أال
يعذبه ،ومن أدخل يف عبادته نوعا من الشرك مل يكن موحدا بل مشركا ،ألن معىن التوحيد لغة كما يأيت جعل الشيء
واحدا ،وشرعا أن جتعل اهلل واحدا بعبادتك ،فإذا أدخلت شيئا من الشرك يف العبادة فإنك مل جتعل اهلل واحدا
مبقصودك وعبوديتك بل شركت معه غيه ،وقد أحسن ابن القيم إذ قال:
فلواحد كن واحدا يف واحد ...أعين سبيل احلق واإلميان.
وهذه اجلملة يف هذا احلديث وهو قوله" :أن يعبدوه ،وال يشركوا به شيئا" ،مشتملة على النفي واإلثبات الذي
اشتملت عليه كلمة التوحيد ال إله إال اهلل ،فان قوله" :أن يعبدوه" إثبات ،وقوله" :وال يشركوا به شيئا" نفي ،وهو معىن
- 1فتح الباري(.)333/22
- 2كتاب العبودية(ص 33ت الشاويش).
45
ال إله إال اهلل ،فإن "ال إله" نفي ،و"إال اهلل" إثبات ،واملراد بذلك نفي مجيع أنواع العبادة عن كل ما سواه وإثباهتا له
وحده ال شريك له ،وسيأيت زيادة بيان ذلك يف املسائل بإذن اهلل.
حق أوجبه اهلل على نفسه، حق العباد على اهلل هو ٌّ قوله« :هل تدري ما حق العباد على اهلل إذا فعلوه»ُّ ،
وهو حمض تفضُّل وكرم منه سبحانه ،ال مطالبة لعبد بذلك وليس هو على سبيل املقابلة والعوض واجلزاء ،ولذلك يقول
ب" :لن يدخل أحدكم اجلنة بعمله ،قالوا :وال أنت يا رسول اهلل ،قال :وال أنا إال أن يتغمدين اهلل برمحته" ،فالعبد
الن ُّ
ملك حمض هلل يتصرف فيه كيف شاء ،لكن اقتضت حكمة اهلل وعدله وكرمه أن يقابل اإلحسان باإلحسان وزيادة،
واهلل ال خيلف وعده ،واهلل كتب على نفسه الرمحة وال يظلم أحدا من عباده ،بل قد حرم الظلم على نفسه ،كما يف
صحيح مسلم من حديث أيب ذر عن النب فيما يرويه عن ربه أنه قال" :يا عبادي إين حرمت الظلم على
نفسي وجعلته بينكم حمرما فال تظاملوا "...احلديث ،ولذلك شرع اهلل األعمال وجعلها سببا لدخول اجلنة ،فقال تعاىل
يف كتابه :ﭽ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭼ[األعراف ،]13 :وقال سبحانه :ﭽ ﯕ ﯖ
ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ [النحل ،]٢٣ :وقال :ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ
46
يعبدوه" إثبات ،وقوله" :وال يشركوا به شيئا" نفي ،وهو معىن ال إله إال اهلل ،فإن "ال إله" نفي ،وإال اهلل "إثبات" ،واملراد
بذلك نفي مجيع أنواع العبادة عن كل ما سواه وإثباهتا له وحده ال شريك له ،فمعىن هذه اجلملة هي معىن كلمة التوحيد
متاما ،وقد جاءت آيات كثية يف كتابه فيها معىن هذه الكلمة وبعض اآليات مطابقة هلا متاما ،قال تعاىل :ﭽ ﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﯚ ﭼ [النساء ،]٢٥ :فإن هذه اآلية كقوله" :أن يعبدوه وال يشركوا به شيئا" ،وقد بوب
اإلمام البخاري على هذا احلديث يف كتاب التوحيد ب :باب ما جاء يف دعاء النب أمته إىل توحيد اهلل تبارك وتعاىل،1
فأخرج حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما يف بعث معاذ إىل اليمن لتعليم الناس ،وهو حديث أيب معبد موىل ابن
ب معاذ بن جبل إىل حنو أهل اليمن قال له« :إنك تقدم على قوم عباس قال :مسعت ابن عباس يقول :ملا بعث الن ُّ
من أهل الكتاب ،فليكن أول ما تدعوهم إىل أن ي وحدوا اهلل تعاىل ،فإذا عرفوا ذلك ،فأخربهم أن اهلل قد فرض عليهم
مخس صلوات يف يومهم وليلتهم ،فإذا صلوا ،فأخربهم أن اهلل افتض عليهم زكاة يف أمواهلم ،تؤخذ من غنيهم فتد على
فقيهم ،فإذا أقروا بذلك فخذ منهم ،وتوق كرائم أموال الناس» ،2ث أخرج هذا احلديث ،وهذا ُّ
يدل على فقهه رمحه اهلل،
ويبني من جهة أخرى بوضوح أن موضوع احلديث األساس هو التوحيد ،ولذلك سنتكلم هنا على مسائل تتعلق بالتوحيد
وما يضاده من الشرك ،وسيكون الكالم على هذا املوضوع يف املسائل اآلتية.
المسألة األولى :معنى التوحيد لغة وشرعا.
التوحيد لغة :مصدر من وحد يوحد توحيدا ،أي جعل الشيء واحدا وأفرده.
قال ابن منظور" :والتوحيد :اإلميان باهلل وحده ال شريك له ،واهلل الواحد األحد :ذو الوحدانية والتوحد ،ابن سيده:
واهلل األوحد واملتوحد وذو الوحدانية ،ومن صفاته الواحد األحد؛ قال أبو منصور وغيه :الفرق بينهما أن األحد بين لنفي
ما يذكر معه من العدد ،تقول ما جاءين أحد ،والواحد اسم بين ملفتتح العدد ،تقول جاءين واحد من الناس ،وال تقول
جاءين أحد؛ فالواحد منفرد بالذات يف عدم املثل والنظي ،واألحد منفرد باملعىن؛ وقيل :الواحد هو الذي ال يتجزأ وال
يثىن وال يقبل االنقسام وال نظي له وال مثل وال جيمع هذين الوصفني إال اهلل؛ وقال ابن األثي :يف أمساء اهلل تعاىل
الواحد ،قال :هو الفرد الذي مل يزل وحده ومل يكن معه آخر؛ قال األزهري :وأما اسم اهلل أحد فإنه ال يوصف شيء
باألحدية غيه؛ ال يقال :رجل أحد وال درهم أحد كما يقال :رجل وحد أي فرد ،ألن أحدا صفة من صفات اهلل
اليت استخلصها لنفسه وال يشركه فيها شيء؛ وليس كقولك :اهلل واحد وهذا شيء واحد؛ وال يقال شيء أحد".3
وأما التوحيد شرعا :فهو االعتقاد اجلازم بأن اهلل واحد يف ذاته وصفاته وأفعاله وعبادته ،وهو إفراد اهلل بالربوبية
بتفرد اهلل تعاىل ووحدانيته يف ذاته وصفاته وأفعاله ،ونفي الشركاء واألنداد
واأللوهية واألمساء والصفات ،أي :اإلميان اجلازم ُّ
عنه سبحانه اعتقادا وعمال على الوجه الذي جاء به الشرع.
المسألة الثانية :أقسام التوحيد.
- 1اجلامع الصحيح(كتاب التوحيد ،باب ما جاء يف دعاء النب أمته إىل توحيد اهلل تبارك وتعاىل ،رقم.)7373 :
- 2اجلامع الصحيح(كتاب التوحيد ،باب ما جاء يف دعاء النب أمته إىل توحيد اهلل تبارك وتعاىل ،رقم.)7372 :
- 3لسان العرب(.)352-352/3
47
قسم العلماء التوحيد بعدة اعتبارات ،فقسموه باعتبار إىل ثالثة أقسام ،وقسموه باعتبار إىل قسمني.
أما القسمة الثالثية ،فالتوحيد ثالثة أنواع؛ توحيد الربوبية ،وتوحيد األلوهية ،وتوحيد األمساء والصفات.
- 0توحيد الربوبية :وهو توحيد اهلل بأفعاله ،وهو اإلقرار بأن اهلل تعاىل هو اخلالق الرازق احملي املميت املدبر لشؤون
خلقه ،الذي ميلك النفع والضر ،واملنفرد بإجابة الدعاء عند االضطرار ،الذي بيده األمر كله وبيده اخلي كله ،وهو
باختصار إفراد اهلل باخللق وامللك والتدبي والنفع والضر ،وهذا النوع من التوحيد أكثر الناس على اإلقرار به ح ى
املشركني يف عهد النب ،بل مل ينكره إال الدهرية وبعض الفالسفة واملالحدة املعاصرين.
- 5توحيد األلوهية ويسمى كذلك توحيد اإللهية ويسمى كذلك توحيد العبادة :وهو توحيد اهلل تعاىل بأفعال
العباد ،وهو مبين على إخالص التأله هلل تعاىل وحده ،وإفراده جبميع أنواع العبادات ،كالصالة ،والزكاة ،والصوم ،واحلج،
والدعاء ،والنذر ،والنحر ،واخلوف ،والرجاء ،والتوكل ،واإلنابة ،والرغبة ،والرهبة ،وغي ذلك من أنواع العبادات والقربات،
وقد سبق أن هذا التوحيد يسمى توحيد العبادة ،وقد مر أن شيخ اإلسالم قد عرف العبادة بقوله" :العبادة اسم جامع
لكل ما يبه اهلل ويرضاه من األقوال واألعمال الظاهرة والباطنة" ،وينبين على ذلك إخالص العبادات كلها هلل تعاىل
فرضها ونفلها ،باطنها وظاهرها ،فال جيعل فيها شيئا لغي اهلل تعاىل ،ال مللك مقرب ،وال لنب مرسل ،فضال عما سوامها،
وهذا التوحيد هو املطلوب من العباد إنسهم وجنهم ،وألجله خلقوا ،قال تعاىل{ :وما خلقت اجلن واإلنس إال لي عبدون}،
وهو دعوة مجيع الرسل ،كما قال تعاىل :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭼ [األنبياء ،]٣٦ :وقال تعاىل :ﭽﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮒ ﭼ [النحل:
ب" :بين اإلسالم على
،]٢٥وهذا التوحيد هو حقيقة دين اإلسالم الذي ال يقبل اهلل من أحد غيه ،كما قال الن ُّ
مخس :شهادة أن ال إله إال اهلل ،وأن حممدا رسول اهلل ،وإقام الصالة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم رمضان ،وحج البيت" ،وهو
حق اهلل على العباد الذي جاء يف حديثنا هذا ،وهو مقتضى شهادة أن ال إله إال اهلل.1
ُّ
- 3توحيد األسماء والصفات ،وهو اإلميان مبا مسى ووصف اهلل به نفسه يف كتابه ومبا مساه ووصفه به رسوله،
من غي حتريف وال تعطيل ،ومن غي تكييف وال متثيل ،وهو اعتقاد ثبوت ما وصف اهلل به نفسه ،أو وصفه به رسوله
إثباتا ونفيا ،فيثبت هلل ما أثبته لنفسه ،وينفي عنه ما نفاه عن نفسه ،كالعلم والقدرة ،وأنه احلي القيوم الذي ال تأخذه
سنة وال نوم ،وأنه مسيع بصي ،رؤوف رحيم ،وأنه امللك القدوس السالم املؤمن املهيمن العزيز اجلبار املتكرب ،على العرش
استوى ،وينزل لفصل القضاء ،وحنو ذلك من األمساء احلسىن ،والصفات العلى ،من غي حتريف وال تعطيل ،ومن غي
تكييف وال متثيل ،كما قال اإلمام أمحد رمحه اهلل" :ال يوصف اهلل إال مبا وصف به نفسه ،أو وصفه به رسوله ال
يتجاوز القرآن واحلديث" ،ويوضح شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل هذا التوحيد ،فيقول" :فاألصل يف هذا الباب أن
يوصف اهلل مبا وصف به نفسه ،ومبا وصفته به رسله نفيا وإثباتا ،فيثبت هلل ما أثبته لنفسه ،وينفي عنه ما نفاه عن نفسه،
1
يقول ابن القيم رمحه اهلل على كلمة التوحيد ال إله إال اهلل كما يف زاد املعاد(" :)36/2اليت ألجلها نصبت املوازين ،ووضعت الدواوين ،وقام سوق
اجلنة والنار ،وهبا انقسمت اخلليقة إىل املؤمنني والكفار ،واألبرار والفجار وأسست امللة ،وألجلها جردت السيوف للجهاد ،وهي حق اهلل على
مجيع العباد".
48
وقد علم أن طريقة سلف األمة وأئمتها إثبات ما أثبته من الصفات ،من غي تكييف وال متثيل ،ومن غي حتريف وال
تعطيل ،وكذلك ينفون عنه ما نفاه عن نفسه ،مع إثبات ما أثبته من الصفات من غي إحلاد ال يف أمسائه ،وال يف آياته،
فإ من اهلل تعاىل ذم الذين يلحدون يف أمسائه وآياته ،كما قال تعاىل :ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ [األعراف ،]٠٨١ :ويقول تعاىل :ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ
ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ [فصلت ،]٠١ :وذكر
شيخ اإلسالم رمحه اهلل أن طريقة سلف األمة وأئمتها ،تتضمن إثبات األمساء والصفات ،مع نفي مماثلة املخلوقات إثباتا
بال تشبيه ،وتنزيها بال تعطيل ،كما قال تعاىل :ﭽﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ [الشورى،]٠٠ :
وبني رمحه اهلل أن يف قوله تعاىل : :ﭽﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤﭼ ردٌّ للتشبيه والتمثيل ،ويف قوله : :ﭽ ﭥ ﭦ ﭧﭼ
ردٌّ لمإحلاد والتعطيل ،ث قال" :واهلل سبحانه بعث رسله بإثبات مفصل ونفي لجمل ،فأثبتوا هلل الصفات على وجه
التفصيل ،ونفوا عنه ما ال يصل له من التشبيه والتمثيل".
أما القسمة الثنائية ،فالتوحيد نوعان على تقسيم هو التوحيد العلمي اخلربي ،والتوحيد العملي.
-0التوحيد العلمي ،وهو توحيد األمساء والصفات.
-5التوحيد القصدي العملي ،وهو توحيد األلوهية والربوبية.
يقول اإلمام ابن القيم رمحه اهلل على هذه القسمة" :التوحيد نوعان :نوع يف العلم واالعتقاد ،ونوع يف اإلرادة والقصد،
ويسمى األول :التوحيد العلمي ،والثاين :التوحيد القصدي اإلرادي ،لتعلق األول باألخبار واملعرفة ،والثاين بالقصد
واإلرادة ،وهذا الثاين أيضا نوعان :توحيد يف الربوبية ،وتوحيد يف اإلهلية ،فهذه ثالثة أنواع".1
وهو نوعان كذلك على تقسيم آخر.
-0توحيد يف املعرفة واإلثبات ،وهو توحيد الربوبية واألمساء والصفات.
-5وتوحيد يف الطلب والقصد ،وهو توحيد األلوهية.
يقول حافظ حكمي" :التوحيد نوعان؛ األول :التوحيد العلمي اخلربي االعتقادي ،املتضمن إثبات صفات الكمال
هلل ،وتنزيهه عن التشبيه والتمثيل وتنزيهه عن صفات النقص ،وهو توحيد الربوبية واألمساء والصفات ،والثاين :التوحيد
الطلب القصدي اإلرادي ،وهو عبادة اهلل تعاىل وحده ال شريك له ،وجتريد حمبته واإلخالص له ،وخوفه ورجاؤه ،والتوكل
عليه والرضا به ربا وإهلا ووليا ،وأن ال جيعل له عدال يف شيء من األشياء ،وهو توحيد اإلهلية".2
وهنا فائدة ال بد من التنبيه عليها وهو أن أنواع التوحيد الثالثة؛ توحيد الربوبية ،وتوحيد األلوهية ،وتوحيد األمساء
والصفات ،متابطة متالزمة ال ينفك بعضها عن بعض ،فمن أتى بنوع منها دون اآلخر ،فإنه مل يأت بالتوحيد على وجه
الكمال املطلوب ،فاإلقرار بتوحيد الربوبية وحده مثال ال يكفي لتحقيق معىن التوحيد املطلوب من العبد شرعا ،فكفار
- 1مدراج السالكني(.)38/2
- 2معارج القبول(.)38/2
49
ب واستحقوا اخللود يف النار ملن مات على كفره كانوا مقرين بتوحيد الربوبية ،لكنهم أشركوا مع قريش الذين قاتلهم الن ُّ
اهلل يف العبادة فكانوا كفارا ،ولذلك حاججهم اهلل يف القرآن بأن اإلقرار بالربوبية يستلزم اإلقرار باأللوهية ،يقول
تعاىل ﭽﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭼ[يونس ،]٢٠ :وقال تعاىل :ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ
ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ [الزمر ،]٢٨ :وقال تعاىل :ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ [العنكبوت ،]٥٠ :وهذا يعين أن اهلل هو
مالككم ألنه هو الذي خلقكم وهو الذي رزقكم وهو الذي ميلك ضركم ونفعكم ،فأنتم ملكه وخلقه فكيف تصرفون
العبادة اليت ألجلها خلقكم لغيه وال فضل هلم عليكم ،هذا من الظلم العظيم بل هذا هو أظلم الظلم ،وهذا هو الشرك
الذي يبغضه اهلل ،وهذا معىن قول العلماء أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد األلوهية ،كذلك جاء يف القرآن الكرمي تقرير
أن اإلله الذي يستحق العبادة هو من كان كامال بأمسائه وصفاته ،فمن كان فيه نقص من وجه من الوجوه فال يستحق
أي نوع من أنواع العبادة ،يقول تعاىل :ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ
[األنبياء ،]٥٥ :ويقول سبحانه :ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ [مرمي،٠٣ :
ويقول سبحانه :ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ
ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﭼ [األعراف ،]٠٠٨ :فالذي فيه نقص ال يستحق أن يعبد ألنه قد استقر يف الفطر
أن الذي يستحق أن يعبد هو الكامل من مجيع الوجوه ،وليس هناك كامال من مجيع الوجوه الكمال املطلق إال اهلل
سبحانه وتعاىل فاستحق العبادة ألجل ذلك ،فدل مما سبق أن توحيد األمساء والصفات وتوحيد الربوبية اللذان يدالن
على كمال اإلله سبحانه يستلزمان توحيد األلوهية ،فال يستحق العبادة إال كامال كماال مطلقا.
يقول حافظ حكمي رمحه اهلل" :فإنه ال يكون إهلا مستحقا للعبادة إالم من كان خالقا رازقا مالكا متصرفا مدبرا
جلميع األمور ،حيا قيوما مسيعا بصيا عليما حكيما ،موصوفا بكل كمال ،منزها عن كل نقص ،غنيا عما سواه ،مفتقرا
إليه كل ما عداه ،فاعال خمتارا ال معقب حلكمه ،وال راد لقضائه ،وال يعجزه شيء يف السموات وال يف األرض ،وال يعزب
عنه مثقال ذرة يف السموات وال يف األرض ،وال ختفى عليه خافية ،وهذه صفات اهلل ال تنبغي إال له ،وال يشركه فيها
غيه ،فكذلك ال يستحق العبادة إال هو ،وال جتوز لغيه ،فحيث كان متفردا باخللق واإلنشاء والبدء واإلعادة ،ال يشركه
يف ذلك أحد ،وجب إفراده بالعبادة دون من سواه ،ال يشركه معه يف عبادته أحد".1
المسألة الثالثة :أهمية وفضل التوحيد ووجوب السعي إلى تحقيقه.
توحيد اهلل وإفراده جبميع أنواع العبادة هو أوجب الواجبات وأفضل القربات على اإلطالق ،وألمهية موضوع
- 1معارج القبول(.)333/2
51
ب عناية عظمى ،بل إن جل دعوته كانت موجة إليه ،بل إن العهد املكي مل تشرع فيه شيء التوحيد فقد عين به الن ُّ
من العبادات إال الصالة وكانت يف آخره ،فكانت دعوته يف هذا العهد كلها يف بيان التوحيد وما يضاده وهو الشرك،
وهذه دعوة مجيع األنبياء.
وتظهر أهمية التوحيد ووجوب العناية به يف النقاط اآلتية:
-0أنه الغاية اليت خلق اهلل ألجلها اخللق وبعث ألجلها الرسل ،وقام سوق اجلنة والنار ،فتحقيق التوحيد وإفراد
اهلل بالعبادة هو األمر الذي خلق اهلل اخللق ألجله ،يقول تعاىل{ :وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون}.
قال ابن القيم يف مقدمة كتابه" :زاد املعاد"" :وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،كلمة-وهي كلمة
التوحيد -قامت هبا األرض والسماوات ،وخلقت ألجلها مجيع املخلوقات ،وهبا أرسل اهلل تعاىل رسله وأنزل كتبه وشرع
شرائعه ،وألجلها نصبت املوازين ووضعت الدواوين وقام سوق اجلنة والنار ،وهبا انقسمت اخلليقة إىل املؤمنني والكفار
احلق الذي خلقت له اخلليقة وعنها وعن حقوقها واألبرار والفجار ،فهي منشأ اخللق واألمر والثواب والعقاب ،وهي ُّ
السؤال واحلساب ،وعليها يقع الثواب والعقاب ،وعليها نصبت القبلة ،وعليها أسست امللة ،وألجلها جردت سيوف ُّ
حق اهلل على مجيع العباد؛ فهي كلمة اإلسالم ومفتاح دار السالم ،وعنها يسأل األولون واآلخرون ،فال اجلهاد ،وهي ُّ
تزول قدما العبد بني يدي اهلل ح ى يسأل عن مسألتني :ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم املرسلني؛ فجواب األوىل
بتحقيق ال إله إال اهلل معرفة وإقرارا وعمال ،وجواب الثانية بتحقيق أن حممدا رسول اهلل معرفة وإقرارا وانقياد وطاعة".1
- 5أنه دعوة الرسل مجيعا ،فالدعوة إىل اإلميان باهلل ،وإفراده بالعبادة والتذلل له ،واالنقياد ألمره وحكمه ،وتنزيهه
عن الند والصاحبة والولد ،هي املسألة اليت من أجلها بعث اهلل مجيع أنبيائه ورسله ،وقد جاء ذلك جليا يف القرآن الكرمي،
قال اهلل تعال على وجه العموم :ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮒ ﭼ [النحل:
،]٢٥وقال تعاىل :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ [األنبياء،]55 :
وأما على وجه اخلصوص ،فقال تعاىل عن نوح عليه السالم :ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ [األعراف ،]58:وقال تعاىل :ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭼ [هود ،].56-55 :وقال سبحانه
عن هود عليه السالم:ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ[األعراف،]65:
ويف سورة هود :ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﭼ ،وقال جل ذكره عن صاحل عليه السالم :ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯽ ﭼ [ األعراف ،03 :وهود ،]60 :وقال تعاىل عن إبراهيم عليه
السالم :ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ [األنعام،]08 :
وقال تعاىل عن شعيب عليه السالم :ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ
- 1زاد املعاد(.)33/2
51
ﮛ ﭼ [ األعراف ،]95 :وقال عن موسى عليه السالم :ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
ﭿ ﭼ [األعراف ،]011 :وقال عن عيسى عليه السالم :ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﭼ [آل عمران.]50 :
- 3أنه دعوة النب منذ بعثته وأثنائها وعند وفاته ،فقد كان يقول لقريش" :قولوا كلمة متلكون هبا العرب ،وتدين
أحاج لك هبا عند اهلل يوم القيامة" ،وملا بعث
لكم هبا العجم" ،وقال لعمه أيب طالب عند وفاته" :قل ال إله إال اهلل كلمة ُّ
معاذا إىل اليوم قال له" :إنك تأت قوما أهل كتاب ،فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا اهلل-ويف رواية إىل شهادة
أن ال إله إال اهلل وأين رسول اهلل ،-فإن هم أطاعوا لك بذلك "...احلديث ،وقال قبيل وفاته" :لعن اهلل اليهود والنصارى
اختذوا قبور أنبيائهم مساجد" ،وكل هذه األحاديث يف الصحيحني إال األول.
- 1أن كتاب اهلل كله متضمن للقرآن ودال عليه ومقرر له وداع إليه ،فقد قرر السلف وبسط فيها القول شيخ
اإلسالم ابن تيمية وتكلم عليها تلميذه ابن القيم :أن القرآن كله توحيد ،فإنه من املعلوم أن القرآن إما خرب عن اهلل تعاىل
وأمسائه وصفاته وأفعاله ،وإما دعوة إىل عبادة اهلل وحده ال شريك له ،وإما هني عن اإلشراك باهلل والتحذير من ذلك،
وإما أمر وهني وإلزام بطاعة اهلل ،اليت تعترب من حقوق التوحيد ولوازمه ،وإما خرب عن إكرام اهلل تعاىل ألهل توحيده
من أوليائه ،وما يفعل اهلل هبم يف الدنيا واآلخرة ،وإما خرب عن أهل الشرك ،وجزاؤهم من العذاب يف الدنيا واآلخرة بسبب
إعراضهم عن توحيد اهلل تعاىل ،وهذا يدلل على أمهية التوحيد والتكيز عليه.
- 5أن التوحيد أول واجب على املكلف ،فأول واجب على املكلف هو معرفة اهلل بالتوحيد وحتقيق شهادة أن
ال إله إال اهلل ،وليس هو النظر أو الشك أو غيمها مما يقول أهل الكالم ،يقول قال اإلمام ابن أيب العز احلنفي رمحه اهلل:
"اعلم أن التوحيد هو أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق ،وأول مقام يقوم فيه السالك إىل اهلل ...وهلذا كان الصحيح
أن أول واجب جيب على املكلف شهادة أن ال إله إال اهلل ،ال النظر ،وال القصد إىل النظر ،وال الشك ،فالتوحيد أول
ما يدخل به يف اإلسالم ،وآخر ما خيرج به من الدنيا ،فهو أول واجب وآخر واجب".1
ويقول الشيخ حافظ احلكمي رمحه اهلل يف منظومته:2
مع رفة الرمحن بالتوحي د أول واج ب ع لى العبي د
وهو نوعان أيا من يفهم إذ هو من كل األوامر أعظم
- 6أن التوحيد هو أعظم أركان هذا الدين ،كما يف الصحيحني من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النب
قال" :بين اإلسالم على مخس؛ شهادة أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل ،وإقام الصالة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم رمضان،
وحج البيت ملن استطاع إليه سبيال" .
- 0أن التوحيد عاصم للدم واملال ،كما جاء يف الصحيحني من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النب قال:
"أمرت أن أقاتل الناس ح ى يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأين رسول اهلل ،ويقيموا الصالة ،ويؤتوا الزكاة ،فإذا فعلوا ذلك
52
عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبق اإلسالم وحساهبم على اهلل تعاىل".
- 9أنه آخر ما يقوله املكلف ،كما جاءت بذلك األحاديث ،منها حديث معاذ أن النب قال" :من كان آخر
كالمه ال إله إال اهلل دخل اجلنة".1
- 8أنه دعوة النب للملوك ،كما يف رسالة النب إىل هرقل كما يف صحيح البخاري.
أما فضل تحقيق التوحيد ،فقد وعد اهلل من حقق التوحيد بوعود كثية:
- 0أعظمها ما جاء يف هذا احلديث ،وهو أن ال يعذهبم اهلل ،فقد سبق قوله" :أال يعذهبم" ،وهذا الوعد إّنا
هو ملن حقق التوحيد الذي أمر به اهلل ،وهو اخلايل من مجيع شوائب الشرك ،ويف معىن هذا احلديث حديث عتبان
بن مالك عن النب قال" :فإن اهلل حرم على النار من قال ال إله إال اهلل خالصا من قلبه" ،وهو يف الصحيحني.
- 5ومن فضائل حتقيق التوحيد أن صاحبه يدخل اجلنة بغي حساب وال عذاب ،كما يف الصحيحني من حديث
ب
ب والنبيان ميرون معهم الرهط ،والن ُّ
ابن عباس رضي اهلل عنهما قال قال رسول اهلل " :عرضت علي األمم ،فجعل الن ُّ
ليس معه أحد ،ح ى رفع يل سواد عظيم ،قلت :ما هذا؟ أميت هذه؟ قيل :بل هذا موسى وقومه ،قيل :انظر إىل األفق،
فإذا سواد ميأل األفق ،ث قيل يل :انظر ها هنا وها هنا يف آفاق السماء ،فإذا سواد قد مأل األفق ،قيل :هذه أمتك،
ويدخل اجلنة من هؤالء سبعون ألفا بغي حساب" ،ث دخل ومل يبني هلم ،فأفاض القوم ،وقالوا :حنن الذين آمنا باهلل
واتبعنا رسوله ،فنحن هم ،أو أوالدنا الذين ولدوا يف اإلسالم ،فإنا ولدنا يف اجلاهلية ،فبلغ النب فخرج ،فقال« :هم
الذين ال يستقون ،وال يتطيون ،وال يكتوون ،وعلى رهبم يتوكلون» ،فقال عكاشة بن حمصن :أمنهم أنا يا رسول اهلل؟
قال« :نعم» ،فقام آخر فقال :أمنهم أنا؟ قال« :سبقك هبا عكاشة» ،وهذا احلديث وإن كان يشبه األول إال أن فيه
زيادة وهي عدم حماسبة من حقق التوحيد أصال.
- 3ومن فضائل حتقيق التوحيد أن اهلل يكفر به الذنوب مجيعا ،يقول اهلل يف احلديث القدسي" :يا ابن آدم
إنك ما دعوتين ورجوتين غفرت لك على ما كان فيك وال أبايل ،يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ث استغفرتين
غفرت لك ،وال أبايل ،يا ابن آدم إنك لو أتيتين بقراب األرض خطايا ث لقيتين ال تشرك يب شيئا ألتيتك بقراهبا مغفرة".2
يقول ابن القيم رمحه اهلل تعاىل " :فلو لقى املوحد الذي مل يشرك باهلل شيئا البتة ربه بقراب األرض خطايا أتاه بقراهبا
مغفرة ،وال يصل هذا ملن نقص توحيده وشابه بالشرك ،فإن التوحيد اخلالص الذي ال يشوبه شرك ال يبقى معه ذنب،
الذنوب ،ولو كانت قراب فإنه ي تضمن من حمبة اهلل تعاىل وإجالله ،وتعظيمه ،وخوفه ،ورجائه وحده ما يوجب غسل ُّ
ي ،فال تثبت معه".3
األرض ،فالنجاسة عارضة ،والدافع هلا قو ٌّ
- 1ومن فضائل حتقيق التوحيد أن صاحبه له األمن الكامل يف الدنيا واآلخرة ،قال اهلل :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ[األنعام ،]82 :والظلم هنا هو الشرك ،فقد جاء يف الصحيحني عن
53
ابن مسعود :ملا نزلت :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭜ ﭼ [األنعام ]95 :إمياهنم بظلم شق ذلك على
أصحاب رسول اهلل ،وقالوا :أينا ال يظلم نفسه؟ فقال رسول اهلل " :ليس هو كما تظنُّون ،إّنا هو كما قال لقمان
البنه ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ [لقمان ،]03 :وقوله :ﭽ
ﭓ ﭔﭼ يعين مل خيلطوا إمياهنم بشرك.
المسألة الرابعة :معنى الشرك لغة وشرعا.
الشرك لغة :1يقول ابن فارس" :الشني والراء والكاف أصالن ،أحدمها ُّ
يدل على مقارنة وخالف انفراد ،واآلخر
يدل على امتداد واستقامة ،فاألول الشركة ،وهو أن يكون الشيء بني اثنني ال ينفرد به أحدمها ،ويقال :شاركت ُّ
فالنا يف الشيء ،إذا صرت شريكه ،وأشركت فالنا ،إذا جعلته شريكا لك ،قال اهلل جل ثناؤه يف قصة موسى:
{وأشركه يف أمري} [طه ،]35ويقال يف الدُّعاء :اللهم أشركنا يف دعاء املؤمنني ،أي اجعلنا هلم شركاء يف ذلك،
وشركت الرجل يف األمر أشركه.2"...
يدل على مقارنة وخالف انفراد ،واآلخرُّ :
يدل على امتداد واستقامة. فالشرك على هذا له أصالن ،أحدمهاُّ :
أما األصل األول :فهو الشرك ،بالتخفيف أي بإسكان الراء ،تقول :شاركته يف األمر وشركته فيه أشركه شركا،
بكسر األول وسكون الثاين ،ويأيت :شركة ،بفتح األول وكسر الثاين فيها .ويقال :أشركته :أي جعلته شريكا.
فهذه اشتقاقات لفظ الشرك يف اللغة على األصل األول ،ويطلق حينئذ على املعاين اآلتية:
-0احملافظة ،واملصاحبة ،واملشاركة.
قال ابن منظور" :الشركة والشركة سواء؛ خمالطة الشريكني ،يقال :اشتكنا مبعىن تشاركنا ،وقد اشتك الرجالن
وتشاركا ،وشارك أحدمها اآلخر ،والشريك :املشارك ،والشرك كالشريك ،واجلمع أشراك وشركاء".3
وقال الراغب" :الشركة واملشاركة :خلط امللكني ،وقيل :هو أن يوجد شيء الثنني فصاعدا عينا كان ذلك الشيء
أو معىن ،كمشاركة اإلنسان والفرس يف احليوانية".4
-5النصيب واحلظ واحلصة.
قال األزهري" :يقال :شريك وأشراك ،كما قالوا :يتيم وأيتام ،ونصي وأنصار ،واألشراك أيضا مجع الشرك وهو
النصيب ،كما قال :قسم وأقسام" ،5ومنه احلديث" :من أعتق شركا له يف عبد" ،أي حصة ونصيبا.
-3التسوية :قال ابن منظور" :يقال :طريق مشتك :أي يستوي فيه الناس ،واسم مشتك :تستوي فيه معاين
54
كثية".1
-1الكفر ،قال الزبيدي" :والشرك أيضا :الكفر".2
وأما األصل الثاني :وهو الذي ُّ
يدل على االمتداد واالستقامة ،فأيضا يطلق على معان:
-0الشراك ككتاب ،سي النعل على ظهر القدم ،يقال :أشركت نعلي وشركتها تشريكا :إذا جعلت هلا الشراك.
-5الشرك -بفتحتني -حبالة الصائد ،الواحدة منها :شركة ،ومنه ما جاء يف احلديث" :وأعوذ بك من شر
الشيطان وشركه" بفتح الراء.
-3الشركة -بسكون الراء :-مبعىن معظم الطريق ووسطه ...مجعها :شرك -بفتحتني .-
فهذ معاين كلمة الشرك يف اللغة ،وال شك أن بني هذه الكلمات ترابط يف املعىن ،فإذا تأملنا مدلوالت املادة السابقة
جند التابط واضحا بينها ،فاملشرك جيعل غي اهلل مشاركا له يف حقه ،فله نصيب مما هو مستحق هلل تعاىل ،فهو سوى
بني اهلل وبني من أشركه يف حق اهلل ،مبعىن أنه جعل من تأهله من دون اهلل مقصودا بشيء من العبادة ،وال يلزم أن يساوي
بني الرب جل وعال ،وبني من أشركه معه يف القصد والتعبد من كل وجه ،بل يكفي أن يكون يف وجه من الوجوه.
وهو -أي الشرك-حبائل الشيطان؛ به يصيد أهله ،وهو شبكة إبليس ،أدخل أهله فيها ،والذي يوجد فيه هذا الشرك
ال يعترب مسلما.
وإذا كان مبعىن معظم الطريق ،فإن أرجل السائرين ختتلط آثارها هنالك وينضم بعضها إىل بعض.
وإذا كان مبعىن سي النعل ،فإن النعل تنضم به إىل الرجل فيخلط بينهما.
وإذا كان مبعىن الكفر فهو التغطية ،والتغطية نوع من اخللط.
ث إن اجتماع الشركاء يف شيء ال يقتضي تساوي أنصبائهم منه ،وال مينع زيادة نصيب لآلخر ،فموسى عليه السالم
سأل ربه إشراك أخيه يف الرسالة ،وقد أجيب سؤاله ،لقوله تعاىل{ :قد أوتيت سؤلك يا موس}ى [طه ،]36 :ومعلوم
أن حظ هارون من الرسالة دون حظ موسى ،وهلذا تقول :فالن شريك لفالن يف دار أو بضاعة ،ولو مل يكن له إال
معشار العشر ،هذا يف احلسيات ،ومثله يف املعنويات :تقول :األبوان شريكان يف طاعة ابنهما هلما ،وإن كان حق األم
يف الطاعة أقوى ،وتقول :أبنائي شركائي يف حمبيت ،وأنت حتب بعضهم أشد من بعض ،فهذا تقرير معىن الشرك يف اللغة.
وأما الشرك شرعا :فهو أن يصرف العبد شيئا من أنواع العبادة لغي اهلل تعاىل من أصنام أو أوثان أو أشجار أو
أحجار أو إنس أو جن أو قبور أو أجرام مساوية أو قوى طبيعية أو غي ذلك ،ومن هذا يتبني لنا أن من صرف شيئا من
أنواع العبادة كالدعاء والذبح والنذر والصالة واالستغاثة واخلوف والرجاء والتوكل وحنوها ،لغي اهلل تعاىل فقد أشرك
باهلل ،وحقيقة الشرك كما قال العالمة عبد الرمحن بن ناصر السعدي" :أن ي عبد املخلوق كما يعبد اهلل ،أو ي عظم كما
يعظم اهلل ،أو يصرف له نوع من خصائص الربوبية واإلهلية".3
- 1لسان العرب(.)222-33/7
- 2تاج العروس(.)238/7
- 3تفسي السعدي املعروف ب :تيسي الكرمي الرمحن يف تفسي كالم املنان(ص )273تفسي سورة األنعام.
55
المسألة الخامسة :أقسام الشرك
ينقسم الشرك إىل قسمني؛ أكرب وأصغر
الشرك األكبر :أن يصرف العبد نوعا أو فردا من أفراد العبادة لغي اهللُّ ،
فكل اعتقاد ،أو قول ،أو عمل ثبت أنه
مأمور به من الشارع فصرفه هلل وحده توحيد وإميان وإخالص ،وصرفه لغيه شرك وكفر ،فصرف شيء من أنواع العبادة
لغي اهلل ،كدعاء غي اهلل ،والتقرب بالذبائح والنذور لغي اهلل من القبور واجلن والشياطني ،واخلوف من املوتى أو اجلن أو
الشياطني أن يضروه أو ميرضوه ،ورجاء غي اهلل فيما ال يقدر عليه إال اهلل من قضاء احلاجات ،وتفريج الكربات ،مما
ميارس اآلن حول األضرحة املبنية على قبور األولياء والصاحلني ،قال تعاىل :ﭽ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ [يونس ،]٠٨ :وهذا الشرك خيرج من امللة ،وخيلد صاحبه يف النار ،إذا مات ومل يتب
كل شرك أطلقه الشارع وكان متضمنا خلروج اإلنسان عن دينه.
منه ،وضابطه ُّ
الشرك األصغر :هو ُّ
كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إىل الشرك األكرب من اإلرادات ،واألقوال ،واألفعال ،وضابطه
كل عمل قويل أو فعلي أطلق عليه الشرع وصف الشرك ولكنه ال خيرج عن امللة ،والشرك األصغر نوعان؛ أحدهما: هو ُّ
شرك ظاهر على اللسان واجلوارح وهو :ألفاظ وأفعال ،فاأللفاظ كاحللف بغي اهلل ،قال« :من حلف بغي اهلل فقد كفر
أو أشرك» ،وقول :ما شاء اهلل وشئت ،قال :-ملا قال له رجل :ما شاء اهلل وشئت ،فقال« :أجعلتين هلل نداا؟! قل:
ما شاء اهلل وحده» ،وقول :لوال اهلل وفالن ،والصواب أن يقال :ما شاء اهلل ث شاء فالن؛ ولوال اهلل ث فالن ،وأما األفعال:
فمثل لبس احللقة واخليط لرفع البالء أو دفعه ،ومثل تعليق التمائم خوفا من العني وغيها؛ إذا اعتقد أن هذه أسباب
لرفع البالء أو دفعه ،فهذا شرك أصغر؛ ألن اهلل مل جيعل هذه أسبابا ،أما إن اعتقد أهنا تدفع أو ترفع البالء بنفسها فهذا
شرك أكرب ألنه تعلق بغي اهلل ،والنوع الثاني من الشرك األصغر :شرك ٌّ
خفي وهو الشرك يف اإلرادات والنيات ،كالرياء
السمعة ،كأن يعمل عمال مما يتقرب به إىل اهلل؛ يريد به ثناء الناس عليه ،كأن يسن صالته ،أو يتصدق؛ ألجل أن و ُّ
ميدح ويثىن عليه ،أو يتلفظ بالذكر ويسن صوته بالتالوة ألجل أن يسمعه الناس ،فيثنوا عليه وميدحوه ،والرياء إذا خالط
العمل أبطله ،قال اهلل تعاىل :ﭽﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝﭼ[الكهف،]001 :
ب« :أخوف ما أخاف عليكم الشرك األصغر ،قالوا :يا رسول اهلل ،وما الشرك األصغر؟ قال :الرياء» ،ومنه: وقال الن ُّ
العمل ألجل الطمع الدنيوي ،كمن يج أو يؤذن أو يؤم الناس ألجل املال ،أو يتعلم العلم الشرعي ،أو جياهد ألجل
املال ،قال النب« :تعس عبد الدينار ،وتعس عبد الدرهم ،تعس عبد اخلميصة ،تعس عبد اخلميلة ،إن أعطي رضي،
وإن مل يعط سخط».
يقول اإلمام ابن القيم رمحه اهلل" :وأما الشرك يف اإلرادات والنيات فذلك البحر الذي ال ساحل له ،وقل من ينجو
منه ،فمن أراد بعمله غي وجه اهلل ،ونوى شيئا غي التقرب إليه وطلب اجلزاء منه؛ فقد أشرك يف نيته وإرادته ،واإلخالص:
أن خيلص هلل يف أفعاله وأقواله ،وإرادته ونيته .وهذه هي احلنيفية ملة إبراهيم اليت أمر اهلل هبا عباده كلهم ،وال يقبل من
56
أحد غيها ،وهي حقيقة اإلسالم ،كما قال تعاىل{ :ومن ي بتغ غي ر اإلسالم دينا ف لن ي قبل منه وهو يف اآلخرة من
السفهاء".1
اخلاسرين} وهي ملة إبراهيم -عليه السالم-اليت من رغب عنها فهو من أسفه ُّ
ومما ميكن التفريق به بني الشرك األكرب واألصغر ما يأيت:
-0الشرك األكرب :خيرج من امللة ،والشرك األصغر ال خيرج من امللة ،لكنه ينقص التوحيد.
-5الشرك األكرب خيلد صاحبه يف النار ،والشرك األصغر ال خيلد صاحبه فيها إن دخلها.
-3الشرك األكرب يبط مجيع األعمال ،والشرك األصغر ال يبط مجيع األعمال ،وإّنا يبط الرياء والعمل ألجل
الدنيا العمل الذي خالطاه فقط.
-1الشرك األكرب يبيح الدم واملال ،والشرك األصغر ال يبيحهما
المسألة السادسة :خطر الشرك ووجوب الحذر منه.
الشرك أعظم الذنوب وأظلم الظلم وأقبح القبائح وأكرب الكبائر واملوبقات ،ومع أنه سبحانه أرحم الرامحني وأكرم
األكرمني وهو أرحم باملرء من أمه ،وكتب على نفسه سبحانه الرمحة إال أنه سبحانه أخرب أنه ال يغفر الشرك ملن مات ومل
يتب منه ،وذلك يوجب للعبد شدة احلذر وشدة اخلوف من الشرك الذي هذا شأنه ،ويمله على معرفته لتوقيه؛ قال
تعاىل :ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ [لقمان ،]03 :وذلك ألنه تنقص هلل ومساواة لغيه به؛ كما قال تعاىل:
ﭽ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭼ [األنعام ،]٠ :وقال تعاىل :ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ
ﭼ [البقرة ،]٣٣ :وألن الشرك مناقض للمقصود باخللق واألمر من كل وجه ،ويمكن توضيح خطر الشرك ووجوب
الحذر منه يف النقاط اآلتية:
- 0أن الشرك األكرب ال يغفره اهلل ملن مات عليه ومل يتب منه ،يقول تعاىل :ﭽﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ [النساء.]٠٨ :
- 5أن الشرك األكرب حمبط جلميع األعمال ،يقول تعاىل :ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ [األنعام ، ]٨٨ :وقال تعاىل :ﭽ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ [الزمر.]٥٦ :
- 3أن من مات على الشرك األكرب فهو خالد خملد يف النار ال خيرج منها أبد اآلبدين وال يدخل اجلنة ،يقول
تعاىل :ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ [املائدة ،]٢٣ :ويقول
النب" :من مات ال يشرك باهلل شيئا دخل اجلنة ،ومن مات يشرك باهلل شيئا دخل النار" ،أخرجه مسلم يف صحيحه.
- 1الشرك األكرب أعظم الظلم واالفتاء ،قال اهلل سبحانه وتعاىل يكي قول لقمان البنه :ﭽ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ
57
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ [لقمان ،]03 :وقال سبحانه :ﭽ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ [النساء.]٠٨ :
- 5الشرك األكرب يطفئ نور الفطرة؛ ألن اهلل فطر الناس على توحيده وطاعته ،قال سبحانه:ﭽ ﯔ ﯕ
ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
ﯬ ﯭ ﭼ [الروم ،]٢١ :وقال النب كما يف الصحيحني" :ما من مولود إال يولد على الفطرة ،فأبواه يهودانه،
أو ينصرانه ،أو ميجسانه" ،ويف احلديث القدسي أن النب قال فيما يرويه عن ربه تعاىل" :إين خلقت عبادي حنفاء
كلهم وإهنم أتتهم الشياطني فاجتالتهم عن دينهم ،وحرمت عليهم ما أحللت هلم ،وأمرهتم أن يشركوا يب ما مل أنزل به
سلطانا" ،أخرجاه يف الصحيحني.
- 6الشرك األكرب يبيح الدم واملال؛ لقوله" :أمرت أن أقاتل الناس ح ى يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأن حممدا
رسول اهلل ،ويقيموا الصالة ،ويؤتوا الزكاة ،فإذا فعلوا ذلك عصموا مين دماءهم مواهلم إال حبق اإلسالم وحساهبم على
اهلل" ،أخرجاه يف الصحيحني.
- 0الشرك األصغر ينقص اإلميان ،وهو من وسائل الشرك األكرب.
- 9الشرك اخلفي وهو شرك الرياء والعمل ألجل الدنيا يبط العمل الذي قارنه ،وهو أخوف من املسيح الدجال؛
لعظم خفائه ،وخطره على أمة حممد.
-5الفوائد المستنبطة من الحديث غير ما تقدم ذكره في المسائل.
-جواز اإلرداف على الدابة إذا كانت تطيق.
-جواز تسمية الدواب بأمساء ختصها غي أمساء أجناسها ،وقد بوب البخاري يف "جامعه"" :باب اسم الفرس
واحلمار" ،ث أخرج أربعة 1أحاديث يف تسمية األحصنة واحلمار هذا احلديث منها.
-تواضع النب يف ركوبه محارا ،ألن عادة األمراء والكرباء يف ذلك الوقت عدم الركوب على احلمار ألنه يرونه ليس
فخما.
-حسن خلق النب مع أصحابه ،إذ أردف معاذا وراءه ،وقد فعل ذلك كثيا.
-حسن إرشاده وتعليمه.
-فيه فضيلة ملعاذ ألن النب قد خصه هبذا احلديث الذي احتوى على علم عظيم وغزير.
-جواز ختصيص بعض الناس بالعلم دون بعض.
-شحذ ذهن السامع ملن أراد أن يلقي عليه مسألة مهمة للتنبيه وليكون أدعى للحفظ.
- 1هذه األحاديث هي :حديث أيب قتادة يف الصيد مع بعض الصحابة وهم حمرمون ،وفيه أن أبا قتادة ركب فرسا له يقال له :اجلرادة ،وحديث
سهل بن سعد قال« :كان للنب يف حائطنا فرس يقال له اللحيف» ،قال أبو عبد اهلل-يعين البخاري " :-وقال بعضهم :اللخيف"،
ب فرسا لنا يقال له :مندوب ،فقال« :ما رأينا من فزع ،وإن وجدناه لبحرا»،وحديث أنس بن مالك ،قال :كان فزع باملدينة ،فاستعار الن ُّ
وحديث معاذ يف الباب.
58
فيه حسن األدب من املتعلم ،فمن آداب طالب العلم أنه إذا سئل عن شيء أن يقول :اهلل أعلم ،وال ينبغي له أن -
يتكلم فيما ال يعلم.
استحباب تبشي املسلم مبا يسره ،مأخوذ من قوله" :أفال أبشر الناس". -
جواز كتمان العلم للمصلحة مؤقتا بدليل أن معاذا قد أخرب به عند فراش املوت. -
مراعاة أحوال املدعوين عند التحديث بأحاديث الثواب والعقاب والتهيب والتغيب ،مأخوذ من قوله" :ال تبشرهم -
فيتكلوا" يعين يتكلوا على الفضل املوجود يف هذا احلديث ويتكوا األعمال ،ومن ذلك أن الداعية إىل اهلل إذا
رأى الناس قد قنطوا يدثهم بأحاديث الرجاء ،وإذا رآهم قد أمنوا من مكر اهلل يدثهم بأحاديث اخلوف.
واهلل تعاىل أعلى وأعلم وصل اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم.
59
احلديث الثاين :حديث َتيم بن أوس الدَّ اري" :الدين النَّصيحة".
نص الحديث :قال اإلمام أمحد :حدثنا سفيان بن عيينة ،عن سهيل بن أيب صاحل ،عن عطاء بن يزيد الليثي ،عن
متيم الداري أن رسول اهلل قال« :إن الدين النصيحة ،إن الدين النصيحة ،إن الدين النصيحة» ،قالوا :ملن يا رسول
اهلل؟ قال« :هلل ولكتابه ولنبيه وألئمة املؤمنني وعامتهم».
وقال اإلمام مسلم :حدثنا حممد بن عباد املكي ،حدثنا سفيان ،قال :قلت لسهيل :إن عمرا حدثنا عن القعقاع ،عن
أبيك ،قال :ورجوت أن يسقط عين رجال ،قال :فقال :مسعته من الذي مسعه منه أيب كان صديقا له بالشام ،ث حدثنا
سفيان ،عن سهيل ،عن عطاء بن يزيد ،عن متيم الداري أن النب قال« :الدين النصيحة» ،قلنا :ملن؟ قال« :هلل
ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم».
َّأوال :الدراسة اإلسنادية.
قال اإلمام أمحد :حدثنا عبد الرمحن بن مهدي ،حدثنا سفيان ،عن سهيل بن أيب صاحل ،عن عطاء بن يزيد الليثي،
عن متيم الداري ،قال :قال رسول اهلل" :إن الدين النصيحة ،إّنا الدين النصيحة " .قالوا :ملن يا رسول اهلل؟ قال:
"هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم".
وقال أيضا :حدثنا يي بن سعيد ،عن سفيان ،قال :حدثين سهيل بن أيب صاحل ،عن عطاء بن يزيد ،عن متيم
الداري ،عن النب قال" :إّنا الدين النصيحة إّنا الدين النصيحة" قيل :ملن؟ قال" :هلل ولرسوله ولكتابه وألئمة
املسلمني وعامتهم".
وقال كذلك :حدثنا عبد الرزاق ،عن سفيان ،عن سهيل بن أيب صاحل ،فذكر مثله إال أنه قال" :إّنا الدين النصيحة"
ثالثا.
وقال :حدثنا سفيان بن عيينة ،عن سهيل بن أيب صاحل ،عن عطاء بن يزيد الليثي ،عن متيم الداري ،أن رسول
اهلل قال« :إن الدين النصيحة ،إن الدين النصيحة ،إن الدين النصيحة» ،قالوا :ملن يا رسول اهلل؟ قال« :هلل ولكتابه
ولنبيه وألئمة املؤمنني وعامتهم».
وقال :حدثنا وكيع ،حدثنا سفيان ،عن سهيل بن أيب صاحل ،عن عطاء بن يزيد الليثي ،عن متيم الداري ،قال:
قال رسول اهلل" :الدين النصيحة ،الدين النصيحة" ثالثا ،قالوا :ملن يا رسول اهلل؟ قال" :هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة
املسلمني وعامتهم".
وقال عبد اهلل بن أمحد :حدثنا حممد بن عباد ،حدثنا سفيان ،قال :قلت لسهيل بن أيب صاحل يف حديث حدثناه
عمرو بن دينار ،عن القعقاع بن حكيم ،عن أبيه ،فقال سهيل :مسعته من الذي مسعه منه أيب ،مسعت عطاء بن يزيد
الليثي ،يدث ،عن متيم الداري ،عن النب مثل حديث أيب ،عن ابن عيينة.
وقال اإلمام مسلم :حدثنا حممد بن عباد املكي ،حدثنا سفيان ،قال :قلت لسهيل :إن عمرا حدثنا عن القعقاع ،عن
أبيك ،قال :ورجوت أن يسقط عين رجال ،قال :فقال :مسعته من الذي مسعه منه أيب كان صديقا له بالشام ،ث حدثنا
61
سفيان ،عن سهيل ،عن عطاء بن يزيد ،عن متيم الداري أن النب قال« :الدين النصيحة» ،قلنا :ملن؟ قال« :هلل
ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم».
وقال اإلمام أبو داود :حدثنا أمحد بن يونس ،حدثنا زهي ،حدثنا سهيل بن أيب صاحل ،عن عطاء بن يزيد ،عن متيم
الداري ،قال :قال رسول اهلل« :إن الدين النصيحة ،إن الدين النصيحة ،إن الدين النصيحة» قالوا :ملن يا رسول
اهلل قال« :هلل وكتابه ورسوله وأئمة املؤمنني وعامتهم أو أئمة املسلمني وعامتهم».
وقال اإلمام النسائي :أخربنا حممد بن منصور قال :حدثنا سفيان قال :سألت سهيل بن أيب صاحل قلت :حدثنا
عمرو ،عن القعقاع ،عن أبيك قال :أنا مسعته من الذي ،حدث أيب ،حدثه رجل من أهل الشام يقال له :عطاء بن
يزيد ،عن متيم الداري قال :قال رسول اهلل« :إّنا الدين النصيحة» قالوا :ملن يا رسول اهلل؟ قال« :هلل ولكتابه
ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم».
وقال اإلمام النسائي كذلك :حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال :أنبأنا عبد الرمحن قال :حدثنا سفيان ،عن سهيل بن أيب
صاحل ،عن عطاء بن يزيد ،عن متيم الداري قال :قال رسول اهلل« :إّنا الدين النصيحة» قالوا :ملن يا رسول اهلل؟
قال« :هلل ولكتابه ولرسوله ،وألئمة املسلمني وعامتهم».
– 1تخريج الحديث والكالم على بعض أحوال اإلسناد.
روى هذا احلديث عن النب مجاعة من الصحابة ،وهم متيم بن أوس الداري وأبو هريرة وابن عباس وابن عمر وثوبان
وأبو أمامة وحذيفة بن اليمان وحكيم بن أيب يزيد عن أبيه رضي اهلل عنهم أمجعني ،لكن أشهر هذه األحاديث وهو
موضوع دراستنا هو حديث متيم بن أوس ،وهو الذي أخرجه اإلمام مسلم.
وحديث متيم بن أوس ،أخرجه أمحد ،1ومسلم 2وعبد اهلل بن أمحد 3عن حممد بن عباد ،والنسائي عن حممد بن
منصور ،4ثالثتهم-أمحد وحممد بن عباد وحممد بن منصور-حدثنا سفيان-وهو ابن عيينة-قال :سألت سهيل بن أيب
صاحل قلت :حدثنا عمرو ،عن القعقاع ،عن أبيك قال :أنا مسعته من الذي حدث أيب ،حدثه رجل من أهل الشام يقال
له :عطاء بن يزيد ،عن متيم الداري قال :قال رسول اهلل« :إّنا الدين النصيحة» قالوا :ملن يا رسول اهلل؟ قال« :هلل
ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم».
هذا لفظ حممد بن منصور عن سفيان ،ولفظ حممد بن عباد عن سفيان عند مسلم قال :حدثنا سفيان ،قال :قلت
لسهيل :إن عمرا حدثنا عن القعقاع ،عن أبيك ،قال :ورجوت أن يسقط عين رجال ،قال :فقال :مسعته من الذي مسعه
منه أيب كان صديقا له بالشام ،ث حدثنا سفيان ،عن سهيل ،عن عطاء بن يزيد ،عن متيم الداري به ،وقريب منه
لفظ عبد اهلل بن أمحد عن حممد بن عباد ،وأما أمحد فرواه خمتصرا إال أنه كرر لفظ" :الدين النصيحة" ثالثا ،وقال:
61
"وألئمة املؤمنني" ،ولفظه :حدثنا سفيان بن عيينة ،عن سهيل بن أيب صاحل ،عن عطاء بن يزيد الليثي ،عن متيم
الداري ،أن رسول اهلل قال " :إن الدين النصيحة ،إن الدين النصيحة ،إن الدين النصيحة " .قالوا :ملن يا رسول
اهلل؟ قال" :هلل ولكتابه ولنبيه وألئمة املؤمنني وعامتهم؟.
واملالحظ على هذه الرواية أن هذا احلديث مسعة أبو صاحل ذكوان السمان وهو والد سهيل من عطاء بن يزيد فحدث
به القعقاع بن حكيم ،فحدث به سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ،عن القعقاع بن حكيم ،عن أيب صاحل والد
سهيل ،عن عطاء بن يزيد ،عن متيم ،ث إن ابن عيينة لقي سهيال وسألة عن هذا احلديث وأخربه أنه مسعه من عمرو
بن دينار ،عن القعقاع بن حكيم ،عن أيب صاحل والدك ،عن عطاء بن يزيد ،فأخربه سهيل بن أيب صاحل أنه قد مسعه ممن
مسعه أبوه وهو عطاء بن يزيد فحدثه به عاليا عن عطاء بن يزيد مباشرة عن متيم الداري ،فأخرجة أكثر األئمة عنه
يدل على أن سهيال كان حاضرا ملا حدث عطاء بن يزيد أباه هبذا احلديث فسمعه منه كما مسعه هكذا ،وقد جاء ما ُّ
أبوه ،فقد أخرج مسلم كما سيأيت بيانه من طريق روح بن القاسم قال حدثنا سهيل عن عطاء بن يزيد مسعه وهو يدث
أبا صاحل ،عن متيم الداري.
وألجل السياق املتقدم أفردت الكالم على رواية سفيان بن عيينة.
الرواة منهم سفيان الثوري وروح بن القاسم وزهي بن معاوية.وقد تابع ابن عيينة مجاعة من ُّ
4
أما متابعة الثوري فأخرجها أمحد 1ومسلم 2والنسائي 3عن عبد الرمحن بن مهدي ،وأمحد عن يي بن سعيد القطان
ووكيع 5وعبد الرزاق بن مهام ،6أربعتهم-ابن مهدي ويي القطان ووكيع وعبد الرزاق بن مهام -حدثنا سفيان-هو
الثوري ،-عن سهيل بن أيب صاحل ،عن عطاء بن يزيد الليثي ،عن متيم الداري ،قال :قال رسول اهلل" :إن الدين
النصيحة ،إّنا الدين النصيحة " ،قالوا :ملن يا رسول اهلل؟ قال" :هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم" .هذا
لفظ ابن مهدي ،ومثله لفظ القطان إال أنه قال يف املوضعني" :إّنا الدين النصيحة" ،وهو لفظ عبد الرزاق إال أنه كرر
قوله" :إّنا الدين النصيحة" ثالثا ،ولفظ وكيع" :الدين النصيحة "ثالثا.
وأما متابعة روح بن القاسم ،فأخرجها مسلم 7عن أمية بن بسطام ،حدثنا يزيد يعين ابن زريع ،حدثنا روح وهو ابن
القاسم ،حدثنا سهيل ،عن عطاء بن يزيد ،مسعه وهو يدث أبا صاحل ،عن متيم الداري ،عن رسول اهلل ،وأحال
إىل لفظ سفيان بن عيينة كما هي عادته ،وقال" :مبثله" ،أي مبثل لفظ ابن عيينة.
62
وأما متابعة زهي بن معاوية ،فأخرجها أبو داود :1حدثنا أمحد بن يونس ،حدثنا زهي-هو ابن معاوية ،حدثنا سهيل
بن أيب صاحل ،عن عطاء بن يزيد ،عن متيم الداري ،قال :قال رسول اهلل« :إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة
إن الدين النصيحة» قالوا :ملن يا رسول اهلل قال« :هلل وكتابه ورسوله وأئمة املؤمنني وعامتهم أو أئمة املسلمني وعامتهم».
الكالم على بعض أحوال اإلسناد:
-هذا احلديث مل خيرجه اإلمام البخاري يف "صحيحه" لكن بوب عليه يف كتاب اإلميان وعلقه بصيغة اجلزم ،فقال:
باب قول النب" :الدين النصيحة :هلل ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم" ،ث أورد حتت الباب قوله تعاىل{ :إذا نصحوا
هلل ورسوله} [التوبة ،]80 :وأخرج حديث جرير بن عبد اهلل البجلي قال« :بايعت رسول اهلل على إقام الصالة،
وإيتاء الزكاة ،والنُّصح لكل مسلم».2
واآلية واحلديث تضمنا النصيحة ومها مبعىن حديث متيم بن أوس ،قال ابن حجر" :هذا احلديث أورده املصنف
هنا ترمجة باب ،ومل خيرجه مسندا يف هذا الكتاب ،لكونه على غي شرطه ،ونبه بإيراده على صالحيته يف اجلملة ،وما
أورده من اآلية وحديث جرير يشتمل على ما تضمنه".3
– 2الحكم على الحديث.
احلديث صحيح أخرجه اإلمام مسلم يف "صحيحه".
– 3تراجم الرواة
تميم الداري :4هو :متيم بن أوس بن خارجة بن سود وقيل :سواد ،ابن جذمية بن وداع ،ويقال :ذراع بن عدي بن
الدار بن هانئ بن حبيب بن ّنارة بن خلم ،وهو مالك بن عدي بن احلارث بن مرة بن أدد بن يشجب بن عريب بن
كهالن بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ،أبو رقية الداري ،صاحب رسول اهلل ،وقيل غي ذلك يف نسبه،
وهو من مشاهي الصحابة.
روى عن النب ،وروى عنه ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك وزرارة بن أوَّف وروح بن زنباع وعبد اهلل
بن موهب وعطاء بن يزيد الليثي وشهر بن حوشب وعبد الرمحن بن غنم ومجاعة.
كان نصرانيا وقدم املدينة فأسلم سنة تسع هو وأخوه نعيم ،وكان متيم باملدينة ،ث انتقل إىل الشام بعد قتل عثمان،
ونزل بيت املقدس ،مناقبه كثية ،منها أن النب روى عنه حديث اجلساسة ،وهي منقبة شريفة جدا ،كان راهب
أهل فلسطني وعابدهم ،وهو أول من أسرج السراج يف املسجد ،وأول من قص وذلك يف عهد عمر ،وكان كثي
التهجد ،قام ليلة بآية ح ى أصبح ،وهي قوله تعاىل{ :أم حسب الذين اجت رحوا السيئات .}... ُّ
63
عطاء بن يزيد الليثي :1هو عطاء بن يزيد الليثي ث اجلندعي ،أبو حممد ،وقيل :أبو زيد ،املدين ،ويقال :الشامي أيضا
ألنه سكن الشام.
روى عن متيم بن أوس الداري وأيب هريرة وأيب سعيد اخلدري وأيب أيوب األنصاري رضي اهلل عنهم من الصحابة ،ومحران
بن أبان وعبيد اهلل بن عدي بن اخليار من التابعني ،روى عنه :ابنه سليمان والزهري وأبو عبيد صاحب سليمان بن عبد
امللك وأبو صاحل السمان وسهيل بن أيب صاحل وهالل بن ميمون الرملي وغيهم.
وكان ثقة كثي احلديث ،تويف سنة مخس ومئة( ،)95وقيل سنة سبع ومئة(.)010
سهيل بن أبي صالح :هو سهيل بن أيب صاحل ،وامسه ذكوان السمان ،أبو يزيد املدين ،موىل جويرية بنت األمحس
امرأة من غطفان ،أخو صاحل وعبد اهلل وحممد.
روى عن أبيه وسعيد بن املسيب واحلارث بن خملد األنصاري وأيب احلباب سعيد بن يسار وعبد اهلل بن دينار وعطاء
بن يزيد الليثي والنعمان بن عياش وابن املنكدر وأيب عبيد صاحب سليمان وعبيد اهلل بن مقسم والقعقاع بن حكيم
ومسي موىل أيب بكر واألعمش وربيعة وغي واحد من أقرانه.
وروى عنه :ربيعة واألعمش ويي بن سعيد األنصاري وموسى بن عقبة ويزيد بن اهلاد ومالك وشعبة وإسحاق الفزاري
وابن جريج والسفيانان وابن أيب حازم وفليح بن سليمان وروح بن القاسم وزهي بن معاوية وزهي بن حممد وسعيد بن
عبد الرمحن اجلمحي ووهيب وسليمان بن بالل وعبد اهلل بن إدريس والداروردي وعبد العزيز بن املختار وعبد العزيز بن
املطلب والعالء بن املسيب وأبو معاوية وأبو عوانة ويعقوب بن عبد الرمحن اإلسكندراين ومجاعة.
وسهيل بن أيب صاحل وثقة أئمة وتكلم فيه آخرون ،وقد أخرج له مسلم ،والبخاري مقرونا.2
سفيان بن عيينة :3هو سفيان بن عيينة بن أيب عمران ،وامسه :ميمون اهلاليل ،أبو حممد الكويف ،موىل حممد بن مزاحم
أخي الضحاك بن مزاحم ،أحد األئمة املشهورين ،أصله من الكوفة وسكن مكة ومات هبا.
روى عن عبد امللك بن عمي وأيب إسحاق السبيعي وزياد بن عالقة واألسود بن قيس وأبان بن تغلب وإبراهيم وموسى
وحممد بين عقبة وإسحاق بن عبد اهلل بن أيب طلحة وإسرائيل أيب موسى وإمساعيل بن أيب خالد وإمساعيل بن أمية وأيوب
ابن موسى وأيوب بن أيب متيمة السختياين ويزيد بن أيب بردة وبيان بن بشر وجعفر الصادق وجامع بن أيب راشد ومحيد
الطويل ومحيد بن قيس األعرج وزكرياء بن أيب زائدة وزيد بن أسلم وسامل أيب النضر وأيب حازم بن دينار وسليمان التيمي
وسليمان األحول ومسي سهيل وشبيب بن غرقدة وصاحل بن كيسان وصاحل بن صاحل بن حي وصفوان بن سليم وضمرة
بن سعيد وعاصم األحول وعاصم بن هبدلة بن كليب وعبد اهلل بن دينار وأيب الزناد وعبد اهلل بن طاوس وعبد اهلل بن
أيب حسني وابن أيب جنيح وعبد ربه وسعد ويي أوالد سعيد بن قيس األنصاري وعبد الرمحن بن القاسم وعبد العزيز بن
64
رفيع وعبد الكرمي أيب أمية وعبد الكرمي اجلزري وعبيد اهلل بن عمر وعبيد اهلل بن أيب يزيد وعلي بن زيد بن جدعان وعبيد
اهلل بن عبد اهلل بن األصم وعمرو بن دينار والزهري والعالء بن عبد الرمحن وابن عجالن وحممد بن عمرو بن علقمة
ومطرف بن طريف واألعمش ومنصور والوليد بن كثي ويزيد بن خصيفة وأيب إسحاق الشيباين وأيب يعفور الكبي وأيب
يعفور الصغي وخلق ال يصون.
وروى عنه :األعمش وابن جريج وشعبة والثوري ومسعر وهم من شيوخه وأبو إسحاق الفزاري ومحاد بن زيد واحلسن
بن حي ومهام وأبو األحوص وابن املبارك وقيس بن الربيع وأبو معاوية ووكيع ومعتمر بن سليمان ويي بن أيب زائدة وهم
من أقرانه وماتوا قبله وحممد بن إدريس الشافعي وعبد اهلل بن وهب ويي القطان وابن مهدي وأبو أسامة وروح بن عبادة
والفريايب وأبو الوليد الطيالسي وعبد الرزاق وأبو نعيم وأبو غسان النهدي وأمحد بن حنبل ويي بن معني وعلي بن املديين
وإسحاق بن راهويه وعمرو بن علي الفالس وابنا أيب شيبة وأبو خيثمة وأمحد بن صاحل واملصري وأمحد بن منيع وأبو توبة
احللب وأبو جعفر النفيلي وأبو بكر احلميدي وابن عمر العدين وعلي بن حجر وعلي بن خشرم وقتيبة وأبو موسى العنزي
وهارون احلمال وأمحد بن شيبان الرملي واحلسن بن حممد الزعفراين والزبي بن بكار وحممد بن عيسى بن حبان وحممد
بن عاصم األصبهاين وطوائف كثية.
كان رمحه اهلل إماما يف احلديث عاملا بالتفسي تقيا ورعا زاهدا يف الدنيا ،قال ابن حبان" :كان من احلفاظ املتقنني
وأهل الورع والدين" ،وقال ابن وهب" ،ما رأيت أحدا أعلم بكتاب اهلل من ابن عيينة" ،وقال الشافعي" :لوال مالك
وسفيان لذهب علم احلجاز" ،حج رمحه اهلل سبعني مرة ،له رمحه اهلل أقواال وحكما كثية مأثورة يف العلم والزهد والورع،
تويف رمحه اهلل سنة مثان وتسعني ومائة(.)089
محمد بن عباد المكي :1هو حممد بن عباد بن الزبرقان املكي ،سكن بغداد ،ومات هبا.
روى عن :سفيان بن عيينة وحات بن إمساعيل والدراوردي وأيب صفوان اآلمدي وأيب ضمرة ومروان بن معاوية وعبد
اهلل بن معاذ الصنعاين ويي بن سليم الطائفي وغيهم.
روى عنه البخاري ومسلم والتمذي وابن ماجه والنسائي وروى عنه أبو داود بواسطة أمحد بن سعيد الدارمي ،وسليمان
بن توبة وعثمان بن خرزاذ وأمحد بن علي املروزي روى عنه أيضا الذهلي والصاغاين ويعقوب بن سفيان وموسى بن
هارون وعبد اهلل بن أمحد وابن أيب الدنيا واملعمري وجعفر الفريايب والقاسم املطرز وأبو يعلى وعبد اهلل بن حممد البغوي
وغيهم.
وكان صدوقا ال بأس به لكن له أوهام.
– 4لطائف اإلسناد
-أن هذا احلديث من رباعيات اإلمام أمحد ومخاسيات اإلمام مسلم.
-أن رجال اإلسناد كلُّهم حجازيون؛ متيم الداري وعطاء الليثي وسهيل بن أيب صاحل مدنيون ،وسفيان بن عيينة
وحممد بن عباد مكيان.
65
ثانيا :الدراسة املتنية
– 1قَدر الحديث ومنزلته.
هذا احلديث من األحاديث العظيمة اليت دلت على املعاين السامية الكثية ،وقد اشتمل هذا احلديث على معاين
اإلسالم كله بأوجز عبارة ،ولذلك نص غي واحد من األئمة كأيب داود السجستاين صاحب السنن أنه من أصول
اإلسالم ،فقد جاء عنه أنه قال" :الفقه يدور على مخسة أحاديث" :احلالل ب ني ،واحلرام بني" ،وقوله" :ال ضرر وال
ضرار" ،وقوله" :إمّنا األعمال بالنيات" ،وقوله" :الدين النصيحة" ،وقوله" :وما هنيتكم عنه فاجتنبوه ،وما أمرتكم به فائتوا
منه ما استطعتم"" ،1وهو من األحاديث اليت قيل فيها :إهنا أحد أرباع الدين ،فقد قال احلافظ ابن حرج" :وهذا احلديث
من األحاديث اليت قيل فيها إن ها أحد أرباع الدين ،وممن عده فيها اإلمام حممد بن أسلم الطُّوس ُّي" ،2وتعقب اإلمام
النووي من قال ذلك ،فقال" :هذا حديث عظيم الشأن ،وعليه مدار اإلسالم ،وأما ما قاله مجاعات من العلماء :إنه
أحد أرباع اإلسالم ،أي أحد األحاديث األربعة اليت جتمع أمور اإلسالم ،فليس كما قالوه ،بل املدار على هذا وحده".3
– 2شرح الغريب:
"النصيحة" :مأخوذة من النُّصح ،تقول :نصح ينصح نصحا ونصيحة ،والنُّصح لغة :اخللوص ،يقال :نصحته ونصحت
له ،وهي مأخوذة من قوهلم :نصحت العسل إذا خلصته من الشمع والشوائب ،وناصح العسل خالصه الصايف من كل
الشوائب ،وقيل مأخوذة من المنصحة وهي اإلبرة واملعىن أنه ي ل ُّم شعث أخية بالنُّصح كما تلم املنصحة ،ومنه التوبة
النُّصوح كأن الذنب ميزق الدين والتوبة ختيطه ،والنُّصح والنصيحة خالف الغش.4
– 3المعنى اإلجمالي
ب ألصحابه وألمته من بعدهم بكالم جامع بليغ أن دين اإلسالم كله يرجع إىل النصيحة ،فقال" :الدين بني الن ُّ
النصيحة" ،وكررها ثالث مرات لالهتمام هبا كشأن األمور العظيمة ،وملا كان يف الكلمة نوع إمجال سأله الصحابة
رضي اهلل عنهم ملن تكون هذه النصيحة ،فبني النب بكالم كذلك جامع بليغ أهنا" :هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة
املسلمني وعامتهم".
– 4المعنى التفصيلي
يحة ،الدين
يحة ،الدين النص َ
قوله" :الدين النصيحة" ،وجاء يف أكثر الروايات كما سبق يف التخريج" :الدين النص َ
يحة" ،وفي بعضها" :إن الدين النصيحة" ،وفي أخرى" :إنما الدين النصيحة". النص َ
تدل على حيازة احلظ للمنصوح له ،ومعناها إرادة اخلي للمنصوح له ،قال اخلطايب:"النصيحة" :كلمة جامعة ُّ
"النصيحة ،كلمة ي عب ر هبا عن مجلة هي إرادة اخلي للمنصوح له ،وليس ميكن أن يعرب هذا املعىن بكلمة واحدة حتصرها
66
وجتمع معناها غيها" ،1وقال ابن الصالح" :والنصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه اخلي إرادة
وفعال " ،2وهي كلمة ال ميكن أن تقوم كلمة غيها مكاهنا وتستويف معناها ،فال يعب ر عن معناها كلمة واحدة جتمع
معناها غيها ،كما قالوا يف كلمة الفالح أنه ليس هناك كلمة أمجع خليي الدنيا واآلخرة منها.3
وقوله" :الدين النصيحة" ،املقصود منها أن أساس الدين وعماده النصيحة ،فهي الكلمة اليت يقوم عليها الدين كلُّه،
"احلج عرفة" ،فليس معناه أن الوقوف بعرفة هو الركن الوحيد يف احلج ،ولكن املراد أنه أعظم ركن فيه، كقول النبُّ :
فألمهيته وعظم شأنه كأن احلج منحصر فيه ،هذا إذا أريد باجلملة هنا املبالغة ،أما إذا أريد هبا املعىن الظاهر فمعناها أن
الدين كله هو النصيحة نظرا ألن هذه الكلمة جامعة لكل معاين الدين ،قال ابن حجر" :قوله" :الدين النصيحة" يتمل
أي معظم الدين النصيحة كما قيل يف حديث" :احلج عرفة" ،ويتمل أن يمل على ظاهره؛ ألن أن يمل على املبالغة؛ م
كل عمل مل يرد به عامله اإلخالص فليس من الدين".
قلت :املعىن الثاين وهو محل احلديث على ظاهره هو األقرب ،ولذلك قال حممد بن نصر املروزي" :قال أبو عبد اهلل:
وهذا باب جامع خمتصر من نفس تفسي اإلميان واإلسالم شبيه حبديث جربيل على هذا التفسي الذي حكيناه وهو قول
النب« :إّنا الدين النصيحة» بكلمة واحدة جامعة ،فلما قيل :ملن؟ قال« :هلل ولكتابه ،ولرسوله ،وألئمة املسلمني
وعامتهم» ،فجمعت هذه الكلمة كل خي يبتغى ويؤمر به ،وكل شر يتقى وينهى عنه" ،4وقال ابن بطال" :أن النصيحة
5
ب تسمى دينا وإسالما ،وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول" ،وقال ابن رجب رمحه اهلل" :وقد أخرب الن ُّ
يدل على أن النصيحة تشمل خصال اإلسالم واإلميان واإلحسان اليت ذكرت يف حديث أن الدين النصيحة ،فهذا ُّ
جربيل ،ومسى ذلك كله دينا ،فإن النُّصح هلل يقتضي القيام بأداء واجباته على أكمل وجوهها ،وهو مقام اإلحسان ،فال
يكمل النُّصح هلل بدون ذلك ،وال يتأتى ذلك بدون كمال احملبة الواجبة واملستحبة ،ويستلزم ذلك االجتهاد يف التقرب
إليه بنوافل الطاعات على هذا الوجه وترك احملرمات واملكروهات على هذا الوجه أيضا".6
ب هذه الكلمة اهتماما للمقام ،وإرشادا لألمة أن يعلموا حق العلم أن الدين كله -ظاهره وباطنه- و"كرر الن ُّ
منحصر يف النصيحة ،وهي القيام التام هبذه احلقوق اخلمسة".7
قوله" :هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة المؤمنين وعامتهم".
من أمجع ما قيل يف معىن هذه اجلملة ما نقله اإلمام حممد بن نصر املروزي عن بعض أهل العلم قال" :مجاع ت فسي
النصيحة هو عناية القلب للمنصوح له من كان ،وهي على وجهني :أحدمها ف رض ،واآلخر نافلة ،فالنصيحة المفت رضة
- 1معامل السنن(.)226-225/3
- 2صيانة صحيح مسلم(ص .)222
- 3ينظر :شرح النووي على مسلم(.)37/2
- 4تعظيم قدر الصالة(.)682/2
- 5شرح صحيح البخاري البن بطال(.)223/2
- 6جامع العلوم واحلكم(.)228/2
- 7هبجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار يف شرح جوامع األخبار لعبد الرمحن بن ناصر السعدي(ص .)62
67
لله هي شدة العناية من الناصح بات باع حمبة الله يف أداء ما اف ت رض ،ولجان بة ما حرم ،وأما النصيحة اليت هي نافلة فهي
إيثار حمبته على حمبة ن فسه ،وذلك أن ي عرض أمران أحدمها لن فسه واآلخر لربه ف يبدأ مبا كان لربه ،وي ؤخر ما كان لن فسه
ف هذه مجلة ت فسي النصيحة له ،الفرض منه ،والنافلة وكذلك ت فسي سنذكر ب عضه لي فهم بالت فسي من ال ي فهم اجلملة
فالفرض من ها لجان بة ن هيه ،وإقامة ف رضه جبميع جوارحه ما كان مطيعا له ،فإن عجز عن القيام بفرضه آلفة حلت به من
مرض أو حبس أو غي ذلك ،عزم على أداء ما اف تض عليه م ى زالت عنه العلة المانعة له ،قال الله عز وجل{ :ليس
على الضُّعفاء وال على المرضى وال على الذين ال جيدون ما ي نفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنني من
سبيل} [التوبة ]80 :فسماهم حمسنني نصيحت هم لله بقلوهبم لما منعوا من اجلهاد بأن فسهم ،وقد ي رفع األعمال كلها
عن العبد يف ب عض احلاالت ،وال ي رفع عن هم النُّصح لله لو كان من المرض حبال ال ميكنه عمل بشيء من جوارحه
بلسان وال غيه ،غي ر أن عقله ثابت مل يسقط عنه النُّصح لله بقلبه وهو أن ي ندم على ذنوبه ،وي نوي إن يصح أن ي قوم
مبا اف ت رض الله عليه ،وي تجنب ما ن هاه عنه ،وإال كان غي ر ناصح لله بقلبه ،وكذلك النُّصح لله ولرسوله فيما أوجبه على
ب طاعة من أطاع الله ورسوله ،وأما الناس على أمر ربه .ومن النُّصح الواجب لله أن ال ي رضى مبعصية العاصي ،وي ُّ
النصيحة اليت هي نافلة ال ف رض :ف بذل المحمود بإيثار الله على كل حمبوب بالقلب ،وسائر اجلوارح ح ى ال يكون يف
الناصح فضال عن غيه ألن الناصح إذا اجت هد لمن ي نصحه مل ي ؤثر ن فسه عليه ،وقام بكل ما كان يف القيام به سروره،
وحمبته فكذلك الناصح لربه ،ومن ت ن فل لله بدون االجتهاد ف هو ناصح على قدر عمله غي ر حم ٍّق للنصح بالكمال وأما
النصيحة لكتاب الله فشدة حبه وت عظيم قدره إذ هو كالم اخلالق ،وشدة الرغبة يف ف همه ،ث شدة العناية يف تدبُّره،
والوقوف عند تالوته لطلب معاين ما أحب مواله أن ي فهمه عنه وي قوم له به ب عد ما ي فهمه ،وكذلك الناصح من القلب
ي ت فهم وصية من ي نصحه وإن ورد عليه كتاب منه عىن بفهمه لي قوم عليه مبا كتب به فيه إليه ،فكذلك الناصح لكتاب
ب وي رضى ،ث ي نشر ما فهم من العباد ويدمي دراسته بالمحبة له ،والتخلُّق الله ي عين ي فهمه لي قوم لله مبا أمر به كما ي ُّ
بأخالقه والتأ ُّدب بآدابه .وأما النصيحة للرسول يف حياته ف بذل المجهود يف طاعته ،ونصرته ،ومعاونته ،وبذل المال
إذا أراده ،والمسارعة إىل حمبته ،وأما ب عد وفاته فالعناية بطلب سنته ،والبحث عن أخالقه وآدابه ،وت عظيم أمره ولزوم
القيام به ،وشدة الغضب واإلعراض عن من يدين خبالف سنته ،والغضب على من ضي عها ألث رة دن يا ،وإن كان متدي نا
هبا ،وحب من كان منه بسبيل من ق رابة أو صهر أو هجرة أو نصرة أو صحبة ساعة من ليل أو ن هار على اإلسالم
ب اجتماع األمة كلهم ب طاعتهم ورشدهم ،وعدهلم ،وح ُّ والتشبُّه به يف زيه ولباسه .وأما النصيحة ألئمة المسلمني فح ُّ
ب إعزازهم يف طاعة وكراهية افتاق األمة عليهم ،والتديُّن بطاعتهم يف طاعة الله ،والب غض لمن رأى اخلروج عليهم وح ُّ
ب لن فسه ،ويكره هلم ما يكره لن فسه ،ويشفق عليهم وي رحم صغيهم، الله .وأما النصيحة للمسلمني :فأن يب هلم ما ي ُّ
وي وق ر كبيهم ،ويزن حلزهنم ،وي فرح لفرحهم ،وإن ضره ذلك يف دن ياه كرخص أسعارهم ،وإن كان يف ذلك ربح ما
ب صالحهم ،وألفت هم ،ودوام الن عم عليهم ،ونصرهم على عدوهم، يبيع من جتارته ،وكذلك مجيع ما يضُّرهم عامة وي ُّ
ودفع كل أذى ومكروه عن هم".1
68
وقول اإلمام أيب عمرو بن الصالح" :والنصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه اخلي إرادة
ضادها وخيالفها ،وجتنُّب
وفعال ،فالنصيحة هلل تبارك وتعاىل :توحيده ووصفه بصفات الكمال واجلالل مجع ،وتنزيهه عما ي ُّ
معاصيه ،والقيام بطاعاته وحمابه بوصف اإلخالص ،واحلب فيه والبغض فيه ،وجهاد من كفر به تعاىل ،وما ضاهى ذلك،
والدعاء إىل ذلك واحلث عليه ،والنصيحة لكتابه :اإلميان به وتعظيمه وتنزيهه ،وتالوته حق تالوته ،والوقوف مع أوامره
وذب حتريف الغالني وطعن امللحدين عنه ،والنصيحة لرسوله وتفهم علومه وأمثاله ،وتدبُّر آياته والدعاء إليهُّ ،
ونواهيهُّ ،
التمسك بطاعته ،وإحياء سنته ،واستشارة 1علومها ونشرها،قريب من ذلك :اإلميان به ومبا جاء به ،وتوقيه وتبجيله ،و ُّ
ومعاداة من عاداه وعاداها ،ومواالة من وااله وواالها ،والتخلُّق بأخالقه ،و ُّ
التأدب بآدابه ،وحمبة آله وصحابته وحنو ذلك،
والنصيحة ألئمة املسلمني ،أي خللفائهم وقادهتم :معاونتهم على احلق وطاعتهم فيه ،وتنبيههم وتذكيهم برفق ولطف،
وحث األغيار على ذلك ،والنصيحة لعامة املسلمني ،وهم ها هنا من عدا ولجانبة اخلروج عليهم ،والدعاء هلم بالتوفيقُّ ،
وسد خالهتم ،ونصرهتم على أوىل األمر منهم :إرشادهم إىل مصاحلهم ،وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم ،وست عوراهتمُّ ،
ب عنهم ،ولجانبة الغش واحلسد هلم ،وأن يب هلم ما يب لنفسه ،ويكره هلم ما يكرهه لنفسه ،وما شابه أعدائهم ،والذ ُّ
ذلك".2
وسنحاول بإذن اهلل أن نتكلم على كل ما دلت عليه هذه اجلملة بنوع من التفصيل:
قوله" :هلل" ،والنصيحة هلل هي االعتاف بوحدانية اهلل سبحانه وتعاىل يف ربوبيته وألوهيته وأمسائه وصفاتهُّ ،
وتفرده
بصفات الكمال على وجه ال يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه ،وترك اإلحلاد يف آياته وأمسائه وصفاته ،مع كمال
حبه وتعظيمه ،والقيام بعبوديته واخلضوع له ظاهرا وباطنا ،واإلنابة إليه كل وقت وحني بالعبودية رغبة ورهبة ،واملسارعة
يف طاعته واالبتعاد عن معصيته ،مع دوام التوبة واالستغفار.
قوله" :ولكتابه" :والنصيحة لكتاب اهلل وهو القرآن هو ،قال النووي" :وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعاىل
فاإلميان بأن كالم اهلل تعاىل وتنزيله ال يشبهه شيء من كالم اخللق وال يقدر على مثله أحد من اخللق ث تعظيمه وتالوته
حق تالوته وحتسينها واخلشوع عندها وإقامة حروفه يف التالوة والذب عنه لتأويل احملرفني وتعرض الطاعنني والتصديق مبا
فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه وأمثاله واالعتبار مبواعظه والتفكر يف عجائبه والعمل مبحكمه والتسليم ملتشاهبه
والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه ونشر علومه والدعاء إليه واىل ما ذكرناه من نصيحته".3
"ولرسوله" :والنصيحة للنب هي التصديق برسالته ونبوته ومبا جاء به وأخرب به ،وهو التصديق بأن اهلل أرسله
للجن واإلنس ،وتصديقه يف مجيع ما جاء به وقاله ،ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان ،بأنه رسول اهلل،
ووجوب طاعته واحلذر من معصيته ،فإذا وجب اإلميان به وتصديقه فيما جاء به وجبت طاعته؛ ألن ذلك مما أتى به،
وحمبته أكثر من األهل والولد والوالد والناس أمجعني وتظهر حمبته يف االقتداء به واتباع سنته ،وامتثال أوامره،
- 1كذا هي يف صيانة صحيح مسلم وفيما نقله ابن رجب يف جامع العلوم واحلكم( 223/2ط األرناؤوط)" :استثارة" وهي أقرب.
- 2صيانة صحيح مسلم(ص .)222-222
- 3شرح مسلم للنووي(.)38/2
69
واجتناب نواهيه ،والتأدب بآدابه يف الشدة والرخاء ويف العسر واليسر ،واتباعه واختاذه قدوة يف مجيع األمور واالقتداء
هبديه ،واحتامه وتوقيه ونصرته حيا وميتا وذلك عند ذكر حديثه ،وسنته ،ومساع امسه وسيته ،وتعلم سنته ،والدعوة إليها
ونصرهتا ،وكثرة الصالة عليه ،وجوب التحاكم إليه والرضى حبكمه يف حياته وإىل سنته بعد موته ،ووجوب إنزاله
مكانته بال غلو وال تقصي ،فهو عبد اهلل ورسوله ،وهو أفضل األنبياء واملرسلني ،وهو سيد األولني واآلخرين ،وهو
صاحب املقام احملمود واحلوض املورود ،ولكنه مع ذلك بشر ال ميلك لنفسه وال لغيه ضرا وال نفعا إال ما شاء اهلل،
واالشتغال بسنته وشريعته حفظا وتصحيحا وتضعيفا وفهما وتفهيما وتبليغا ودعوة ،وغيها من األمور اليت ذكرها أهل
العلم يف النصيحة لرسوله.
قوله" :وألئمة المؤمنين" ،وأئمة املسلمني املراد به والة األمر ،وقيل العلماء ،قال النووي " :وأما النصيحة ألئمة
املسلمني فمعاونتهم على احلق وطاعتهم فيه وأمرهم به وتنبيهم وتذكيهم برفق ولطف وإعالمهم مبا غفلوا عنه ومل يبلغهم
من حقوق املسلمني وترك اخلروج عليهم وتألف قلوب الناس لطاعتهم ،قال اخلطايب رمحه اهلل :ومن النصيحة هلم الصالة
خلفهم واجلهاد معهم وأداء الصدقات إليهم وترك اخلروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة ،وأن ال
يغروا بالثناء الكاذب عليهم وأن يدعى هلم بالصالح ،وهذا كلُّه على أن املراد بأئمة املسلمني اخللفاء وغيهم ممن يقوم
بأمور املسلمني من أصحاب الواليات ،وهذا هو املشهور وحكاه أيضا اخلطايب ،ث قال :وقد يتأول ذلك على األئمة
الذين هم علماء الدين وأن من نصيحتهم قبول ما رووه وتقليدهم يف األحكام وإحسان الظن هبم".1
قوله" :وعامتهم" ،قال النووي" :وأما نصيحة عامة املسلمني وهم من عدا والة األمر فإرشادهم ملصاحلهم يف آخرهتم
ودنياهم وكف األذى عنهم فيعلمهم ما جيهلونه من دينهم ويعينهم عليه بالقول والفعل وست عوراهتم وسد خالهتم ودفع
املضار عنهم وجلب املنافع هلم وأمرهم باملعروف وهنيهم عن املنكر برفق وإخالص والشفقة عليهم وتوقي كبيهم ورمحة
صغيهم وختوهلم باملوعظة احلسنة وترك غشهم وحسدهم وأن يب هلم ما جيب لنفسه من اخلي ويكره هلم ما يكره لنفسه
من املكروه والذب عن أمواهلم وأعراضهم وغي ذلك من أحواهلم بالقول والفعل وحثهم على التخلق جبميع ما ذكرناه من
أنواع النصيحة وتنشيط مهمهم إىل الطاعات".2
ورد من زاغ منهم عن احلق يف قول ومن أنواع نصحهم بدفع األذى واملكروه عنهم :إيثار فقيهم وتعليم جاهلهمُّ ،
أو عمل بالتلطف يف ردهم إىل احلق ،والرفق هبم يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر حمبة إلزالة فسادهم ولو حبصول
ضرر له يف دنياه ،كما قال بعض السلف :وددت أن هذا اخللق أطاعوا اهلل وأن حلمي قرض باملقاريض ،وكان عمر بن
عبد العزيز يقول :يا ليتين عملت فيكم بكتاب اهلل وعملتم به ،فكلما عملت فيكم بسنة ،وقع مىن عضو ح ى يكون
آخر شيء منها خروج نفسي.
رد األهواء املضلة بالكتاب وال ُّسنة ،وبيان
ومن أنواع النصح هلل تعاىل وكتابه ورسوله -وهو مما خيتص به العلماءُّ -
السنة على
رد األقوال الضعيفة من زالت العلماء ،وبيان داللة الكتاب و ُّداللتهما على ما خيالف األهواء كلها ،وكذلك ُّ
71
ردها ،ومن ذلك بيان ما صح من حديث النب ،ومامل يصح منه بتبني حال رواته ومن ت قبل رواياته منهم ومن ال
تقبل ،وبيان غلط من غلط من ثقاهتم الذين تقبل روايتهم.
ومن أعظم أنواع النُّصح أن ي نصح ملن استشاره يف أمره ،كما قال" :إذا است نصح أحدكم أخاه ،فلي نصح له" ،ويف
بعض األحاديث" :إن من حق املسلم على املسلم أن ينصح له إذا غاب" ،ومعىن ذلك :أنه إذا ذكر يف غيبه بالسوء أن
يدل على صدق النصح ،فإنه ينصره ،ويرد عنه ،وإذا رأى من يريد أذاه يف غيبه ،كفه عن ذلك ،فإن النصح يف الغيب ُّ
قد يظهر النصح يف حضوره متلقا ،ويغشه يف غيبه ،وقال احلسن" :إنك لن ت ب لغ حق نصيحتك ألخيك ح ى تأمره مبا
ت عجز عنه" ،وقال أيضا" :وقال بعض أصحاب النب :والذي نفسي بيده إن شئتم ألقسمن لكم باهلل إن أحب عباد
اهلل إىل اهلل الذين يببون اهلل إىل عباده ويببون عباد اهلل إىل اهلل ،ويسعون يف األرض بالنصيحة" ،وقال فرقد السبخ ُّي:
احملب هلل أمي مؤمر على األمراء ،زمرته أول الزمر يوم القيامة ،ولجلسه أقرب اجملالس فيما
"قرأت يف بعض الكتبُّ :
هناك واحملبة منتهى القربة واالجتهاد ،ولن يسأم احملبون من طول اجتهادهم هلل ،يبُّونه ويبُّون ذكره ،ويببونه إىل
خلقه ،ميشون ب ني عباده بالنصائح ،وخيافون عليهم من أعماهلم يوم تبدو الفضائح ،أولئك أولياء اهلل وأحباؤه وأهل
صفوته ،أولئك الذين ال راحة هلم دون لقائه" ،وقال ابن علية يف قول أيب بكر املزين :ما فاق أبو بكر -رضي اهلل عنه
احلب هلل ،والنصيحة– أصحاب رسول اهلل بصوم وال صالة ،ولكن بشيء كان يف قلبه ،قال :الذي كان يف قلبه ُّ
يف خلقه" ،وقال الفضيل بن عياض" :ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصالة والصيام ،وإّنا أدرك عندنا بسخاء األنفس،
أي األعمال أفضل؟ قال" :النصح هلل" ،وقال معمر" :كان يقال: وسالمة الصدور ،والنصح لألمة" ،وسئل ابن املباركُّ :
أنصح الناس لك من خاف اهلل فيك".
ح ى قال بعضهم :من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد ،وعظوه سرا م
ومن وعظه على رؤوس الناس فإّنا وخبه" ،وقال الفضيل :املؤمن يست ر وي نصح ،والفاجر يهتك ويعي ر" ،وقال عبد العزيز
بن أيب رواد" :كان من كان قبلكم إذا رأى الرجل من أخيه شيئا يأمره يف رفق ،فيؤجر يف أمره وهنيه ،وإن أحد هؤالء
خيرق بصاحبه فيستغضب أخاه ويهتك سته" ،وسئل ابن عباس -رضي اهلل عنهما -عن أمر السلطان باملعروف ،وهنيه
عن املنكر ،فقال" :إن كنت فاعال والبد ،ففيما بينك وبينه".1
–5مسائل الحديث
موضوع هذا احلديث األساس هو النصيحة ،والنصيحة كما تقدم كلمة جامعة ،...وهي قوام الدين ،واألصل يف
مسائل احلديث أن نتكلم عن تعريف النصيحة وأقسامها وأمهيتها يف كل قسم ،لكن قد تقدم أكثر ذلك يف الشرح
التفصيلي للحديث ،إال أنه بقي الكالم على بعض األمور املتعلقة بالنصيحة نأخذها يف ثالث مسائل:
المسألة األولى :األحاديث الواردة في النصيحة
وردت أحاديث كثية يف النُّصح للمسلمني عموما ،ويف النُّصح لوالة أمورهم أو نصح والة األمور لرعاياهم.
فأما األول :وهو النصح للمسلمين عموما ،ففي "الصحيحني عن جرير بن عبد اهلل قال" :بايعت النب على إقام
71
حق املؤمن على
الصالة ،وإيتاء الزكاة ،والنصح لكل مسلم" ،ويف صحيح مسلم عن أيب هريرة ،عن النب قالُّ " :
ست" ،فذكر منها" :وإذا استنصحك فانصح له" ،وروي هذا احلديث من وجوه أخر عن النب ،ويف "املسند" املؤمن م
عن حكيم بن أيب يزيد ،عن أبيه ،عن النب ،قال" :إذا است نصح أحدكم أخاه ،فلي نصح له".
وأما الثاني :وهو النصح لوالة األمور ونصحهم لرعاياهم ،ففي صحيح مسلم عن أيب هريرة ،عن النب قال:
"إن اهلل يرضى لكم ثالثا؛ ي رضى لكم أن تعبدوه وال تشركوا به شيئا ،وأن تعتصموا حببل اهلل مجيعا وال تفرقوا ،وأن
ب قال يف خطبته تناصحوا من واله اهلل أمركم" ،ويف مسند أمحد وغيه بإسناد صحيح عن جبي بن مطعم أن الن م
باخليف من مىن" :ثالث ال يغ ُّل عليهن قلب امرئ مسلم؛ إخالص العمل هلل ،ومناصحة والة األمر ،ولزوم مجاعة
املسلمني" ،ويف الصحيحني عن معقل بن يسار ،عن النب قال" :ما من عبد يستعيه اهلل رعية ث مل يطها بنصيحة
إال مل يدخل اجلنة".1
المسألة الثانية :أهمية النصيحة في حياة األمة
فرق ،يقول املوىل سبحانه وتعاىل{ :واعتصموامن مقاصد اإلسالم العظيمة اجتماع كلمة املسلمني على احلق وعدم الت ُّ
حببل اهلل مجيعا وال تفرقوا} ،ألجل ذلك شرع اهلل كل الوسائل اليت تؤدي إىل ذلك ،وحرم كل ما يول بني ذلك،
يب لنفسه كما قال نبينا، وذلك لتحقيق احملبة بني املؤمنني ،إذ ال يبلغ املرء كمال اإلميان ح ى يب ألخيه املسلم ما ُّ
وال يصل املسلم إىل هذه املنزلة إال بن قاء القلب من الغل واحلسد ،وسالمة الصدر من شرور النفس ،ومن أعظم مظاهر
حب اخلي للمنصوح وإرادة تنقيته من كل ما يشينه يف دينه سالمة الصدر وصفاء الفؤاد النصيحة ،فالنصيحة وهي ُّ
ومروءته ودنياه ت ت رجم مدى حب املرء ألخيه املسلم وحرصه على بلوغه الكمال.
لقد خلق اهلل اإلنسان ناقصا ،ومل يكمل من الناس الكمال البشري إال من اصطفاه اهلل ،وهم بالنسبة ألكثر
معرض للخطأ والزلل ،وهذا ما جيعل تقوميه أمر ال بد منه ،هذا من جهة،ٌّ الناس قليل ،ولما كان اإلنسان فيه نقص فإنه
ومن جهة أخرى فقد فطر املوىل تبارك وتعاىل اإلنسان على حب االختالط بالغي وب غض العزلة واالنفراد ،وما مسي
اجتماعي بطبعه ال ميكن أن يعيش إال مع بين جنسه.
ٌّ اإلنسان إنسانا إال ألنه يأنس بغيه ،فاإلنسان
ب الكرمي املؤمنني على احملبة والتآلف والتآخي واالبتعاد عن كل ما ي عكر صفو األخوة وصفاء احملبة، وقد حث الن ُّ
فقال« :ال ت باغضوا ،وال حتاسدوا ،وال تداب روا ،وكونوا عباد اهلل إخوانا ،وال ي ُّل لمسلم أن ي هجر أخاه ف وق ثالث»،2
ويف لفظ ملسلم« :ال حتاسدوا ،وال ت باغضوا ،وال ت قاطعوا ،وكونوا عباد اهلل إخوانا» ،3وقال يف رواية أخرى« :ال حتاسدوا،
وال ت ناجشوا ،وال ت باغضوا ،وال تداب روا ،وال يبع ب عضكم على ب يع ب عض ،وكونوا عباد اهلل إخوانا ،المسلم أخو المسلم،
ال يظلمه وال خيذله ،وال يقره ،الت قوى هاهنا» ويشي إىل صدره ثالث مرات «حبسب امرئ من الشر أن يقر أخاه
72
المسلم ،ك ُّل المسلم على المسلم حرام ،دمه ،وماله ،وعرضه».1
ب يف احلث على التآخي واحملبة ح ى وصل إىل جعل املؤمنني جسدا واحدا وقطعة متماسكة يتأثر أعالها بل بالغ الن ُّ
بأسفلها وأمينها بأيسرها ،فقال" :مثل المؤمنني يف ت وادهم ،وت رامحهم ،وت عاطفهم مثل اجلسد إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر اجلسد بالسهر واحلمى".2
وملا كانت خمالطة الناس مظنة للسقطات والزالت خصوصا مع وجود العدو الذي يرص على التحريش بني النفوس
بالسوء ،أرشدنا ديننا احلنيف إىل جرب الكسرات وغفر الزالت وإقالة العثرات وجعل يف وهو الشيطان والنفس األمارة ُّ
ذلك األجر العظيم ،وأمرنا إذا أخطأنا أن ن قوم بعضنا بعضا ونكمل بعضنا بعضا ،وجعل من أهم الوسائل يف ذلك
إسدال النصيحة لألخ املؤمن ،وذلك ببيان الصواب للمخطئ وإرشاده إليه برفق ولني ،ف " :املؤمن مرآة املؤمن ،واملؤمن
يكف ضيعته ،ويوطه من ورائه" ،كما روي عن نبيا.3 أخو املؤمنُّ ،
فالنصيحة من أعظم وأهم الدعائم اليت ت بين جسد األمة وحتميه من الضعف واملرض ،وما انتشرت النصيحة يف لجتمع
إىل جعلته لجتمعا قوياا سعيدا ،عيشته طيبة هنيئة ،مليئة باملودة والرمحة والراحة والطمأنينة.
المسألة الثالثة :آداب النصيحة
ب اخلي للمسلمني ،وال يبلغ املرء كمال اإلميان
من اآلداب العظيمة اليت حث عليها اإلسالم وقررهتا الشريعة الغراء ح ُّ
يب لنفسه ،وال يصل املسلم إىل هذه املنزلة كما سبق آنفا إال بن قاء القلب من الغل واحلسدح ى يب ألخيه املسلم ما ُّ
حب اخلي
وسالمة الصدر من شرور النفس ،ومن أعظم مظاهر سالمة الصدر وصفاء الفؤاد النصيحة ،فالنصيحة وهي ُّ
للمنصوح وإرادة تنقيته من كل ما يشينه يف دينه ومروءته ودنياه ت ت رجم مدى حب املرء ألخيه املسلم ،لكن هناك آداب
ال بد أن يتحلى هبا من يريد أن يقدم النصيحة إلخوانه املسلمني ح ى تقع نصيحته موقع القبول من املنصوح ،وأهم هذه
اآلداب:
-1اإلخالص وقصد وجه اهلل:
البد للناصح من أن يقصد بنصحه وجه اهلل؛ إذ هبذا القصد يستحق الثواب واألجر من اهلل تعاىل ،ويستحق
القبول لنصحه من العباد ،نفهم هذا من حديث النية املشهور.
– 2عدم التشهير:
البد أن يرص الناصح على عدم التشهي يف نصحه باملنصوح له ،وهذه آفة يقع فيها كثي من الناس ،تراه خيرج
النصيحة يف ثوب خشن ،ولكن إذا دق قت فيها وجدت أنه يقصد التشهي باملنصوح ،وهذا ليس من أدب النصيحة يف
شيء ،ورمبا أفضى ذلك إىل حصول سوء ،أو زيادة شر ،ومل تؤت النصيحة مثرهتا املرجوة.
-3أن يكون النصح في السر :ذلك ألن املنصوح امرؤ يتاج إىل جرب نقص وتكميله ،وال يسلم املرء بذلك من
73
حظ نفسه إال حلظة خلوة وصفاء ،وهذه اللحظة تكون عند املسارة يف السر ،وعندها تؤيت النصيحة مثرهتا ،وال يكون
الناصح عونا للشيطان على أخيه ،فإن الناصح يف مأل يعني الشيطان على صاحبه ،ويوقظ يف نفسه مداخل الشيطان،
ويغلق أبواب اخلي ،وتضعف قابلية االنتفاع بالنصح عنده.
وهلذا املعىن فقد حرص سلفنا الصاحل رضوان اهلل عليهم على النصح يف السر دون العلن ،ويف هذا املقام يقول احلافظ
ابن رجب رمحه اهلل" :وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد ،وعظوه سرا ح ى قال بعضهم" :من وعظ أخاه فيما بينه
وبينه ،فهي نصيحة ،ومن وعظه على رؤوس الناس فإّنا وخبه" ،1وقال الفضيل بن عياض رمحه اهلل" :املؤمن يست وينصح،
والفاجر يهتك وي عي ر" ،ويعقب احلافظ ابن رجب على كلمة الفضيل هذه بقوله" :فهذا الذي ذكره الفضيل من عالمات
النصح ،وهو أن النصح يقتن به الست ،والتعيي يقتن به اإلعالن" ،2ويقول اإلمام أبو حات بن حبان البسيت رمحه اهلل
تعاىل" :النصيحة جتب على الناس كافة على ما ذكرنا قبل ،ولكن ابداءها ال جيب إال سارا ،ألن من وعظ أخاه عالنية
فقد شانه ،ومن وعظه سرا فقد زانه ،فإبالغ اجملهود للمسلم فيما يزين أخاه أحرى من القصد فيما يشينه" ،3ويقول
اإلمام ابن حزم رمحه اهلل" :وإذا نصحت فانصح سرا ال جهرا ،وبتعريض ال تصريح ،إال أن ال يفهم املنصوح تعريضك،
فالبد من التصريح".4
بلطف ٍ
وأدب ورفق: -4أن يكون النصح ٍ
البد للناصح من أن يكون لطيفا رقيقا أدبيا يف نصحه لغيه ،وهذا يضمن استجابة املنصوح للنصيحة ،ذلك ألن
قبول النصح كفتح الباب ،والباب ال يفتح إال مبفتاح مناسب ،واملنصوح امرؤ له قلب قد أغلق عند مسألة قصر فيها،
إن كانت أمرا مطلوبا للشارع ،أو وقع فيها ،إن كانت أمرا منوعا من الشارع.
-5عدم اإللزام:
من واجب الناصح أن ينصح غيه ،ولكن ليس من حقه أن يلزم غيه مبا ينصحه به؛ ألن هذا ليس من حقه ،بل هو
حق للحاكم يف رعيته ،والناصح دال على اخلي ،وليس بآمر بفعله.
ٌّ
-6اختيار الوقت المناسب للنصيحة:
البد للناصح من اختيار الوقت املناسب الذي يسدي فيه النصيحة للمنصوح ،ألن املنصوح ال يكون يف كل وقت
مستعدا لقبول النصيحة ،فقد يكون مكدرا يف نفسه حبزن أو غضب أو فوات مطلوب ،أو غي ذلك مما مينعه من
االستجابة لنصح الناصح.
هذه لجمل اآلداب اليت ال بد أن يتحلى هبا الناصح لكي تثمر نصيحته ،وأي إخالل بإحدى هذه اآلداب يعرض
النصيحة للخلل ،بل قد تنقلب النصيحة إىل فضيحة وتعيي ،فإن بعض الناس يأيت بالكالم يف قالب النصيحة وهو ما
74
أراد إال التشهي والتعيي.
وقد صنف احلافظ ابن رجب رمحة اهلل كتابا قيما مفيدا يف هذا الباب مساه "الفرق بني النصيحة والتعيي" ذكر فيه
فروقا بني النصيحة والتعيي من أمهها:1
- 0النصيحة تكون يف السر ،والتعيي يكون يف العلن :ويف ذلك يقول الفضيل بن عياض رمحه اهلل" :املؤمن يست
وينصح والفاجر يهتك ويعي" ،يقول ابن رجب رمحه اهلل معلقا " :فهذا الذي ذكره الفضيل من عالمات النصح ،فالنصح
يقتن به الست ،والتعيي يقتن به اإلعالن".
- 5غرض الناصح اإلصالح ،وغرض املعي غالبا اإلفساد واالنتقام.
- 3الناصح يؤدي حقا واجبا عليه ألخيه املؤمن ،فهو مأجور على نصحه ألخيه ،وأما املعي ،فهو مهتك حلقوق
عباد اهلل ،مفرق جلماعتهم ،مفسد لدينهم ،فهو آث عند اهلل جزاء إيذاء عباد اهلل بإشاعة األذى والفاحشة بينهم ،واهلل
سبحانه يقول{ :إن الذين يبُّون أن تشيع الفاحشة يف الذين آمنوا هلم عذاب أليم يف الدُّن يا واآلخرة} [النور :من اآلية
.]08
– 1الناصح بعيد عن حظ النفس غالبا ،وأما املعي فحظ النفس ومرض القلب حاضر يف حقه :ذلك ألن الناصح
حظ نفس ملا أقدم على النصيحة ،وأما املعي يب ملنصوحه ما يبُّه لنفسه ،فيحرص على ازدياده منها ،ولو كان فيها ُّ ُّ
ب له اخلي ،بل يرجو له الشر ،وال ختلو مقولته من حظ نفس يدفعه إىل األذى واإلفساد. ب من يريد تعييه وال ي ُّ
فال ي ُّ
– 6الفوائد المستنبطة
أ -عظم شأن النصيحة ومنزلتها من الدين.
ب -بيان لمن تكون النصيحة.
يهمهم من أمور دينهم ،وذلك بسؤاهلم لمن تكون النصيحة.
ج -حرص الصحابة على اخلي ومعرفة ما ُّ
د -فيه تكرار املسالة إذا كانت من األمور العظيمة واملهمة.
75