You are on page 1of 1190

‫مقدمة هامة‬

‫ما بني أيديكم من الصفحات هو سرية خرية البرش السرية النبوية والتي هي عبارة عن‬

‫التفريغ النيص ملحاضات "السرية النبوية" والتي ألقاها ا‪.‬د‪.‬راغب الرسجان (حفظه اهلل)‬

‫يف ‪ 46‬حماضة مسجلة ومتوفرة عىل العديد من املواقع عىل اإلنرتنت واشهرها موقع‬

‫اسالم ويب ‪ islamweb.net‬والذي تم نقل النص الكتايب عنه ثم قمنا بإجراء مراجعة‬

‫للنص مع املحاضات الصوتية والتأكد من سالمة النص كلمة بكلمة ليتطابق النص‬

‫الكتايب مع النص املسموع قدر اإلمكان‪.‬‬

‫كان من دافع الطباعة هو وجود صورة مطبوعة حتوي كل املعلومات التي سمعناها يف‬

‫املحاضات الصوتية حتى يتسنى لنا مذاكرهتا ومراجعتها مرار ًا فنحن نحب رسول اهلل‬

‫ونأنس بسريته وتطيب احلياة بذكره ونشتاق ملرافقته ﷺ‪.‬‬

‫مل تتم مراجعة هذه النسخة من قبل الدكتور راغب الرسجان لعدم تيرس ذلك لذا وجب‬

‫التنبه أنه جمهود شخيص وإجتهاد قد يشوبه العور لكن أخذ ًا بحديث نبينا ﷺ "سددوا‬

‫وقاربوا" فقد حاولنا املقاربة ألفضل إخراج حتى تتوفر بني أيدينا نسخة كتابية يف أحسن‬

‫صورة استطعنا هلا سبيال‪.‬‬

‫أخري ًا بلغوا سنة النبي ألهل األرض وال تبخلوا بالصالة والسالم عليه‪ ...‬فصلوا عليه‬

‫وسلموا تسليام‪.‬‬
‫د‪.‬راغب السرجاني‬
‫طبيب ومفكر مرصي؛ ولد عام ‪1964‬م بمحافظة الغربية بمرص‬
‫وخترج من كلية الطب جامعة القاهرة بتقدير امتياز‪ ،‬مع مرتبة الرشف‬
‫عام ‪1988‬م‪ ،‬ثم نال درجة املاجستري عام ‪1992‬م من جامعة القاهرة‬
‫بتقدير امتياز ‪ ،‬ثم نال الدكتوراه بإرشاف مشرتك بني مرص و أمريكا‬
‫عام ‪1998‬م "يف جراحة املسالك البولية و الكل)‪.‬‬

‫أتم حفظ القرآن الكريم سنة ‪1991‬م‪.‬‬

‫عل مدار أكثر من عرشين عاما كانت و ال تزال له اسهامات علمية و‬


‫دعوية ‪ ،‬ما بني حمارضات و كتب و مقاالت و حتليالت‪ … ،‬و قد‬
‫حصل الدكتور راغب الرسجان عل املركز األول يف جائزة الربنامج‬
‫العاملي للتعريف بنبي الرمحة لعام ‪ .2007‬صدر للدكتور راغب‬
‫الرسجان الكثري من الكتب و األبحاث يف التاريخ و الفكر االسالمي‬

‫وله املئات من املحارضات و التسجيالت االسالمية املسموعة‬


‫واملصورة ‪ ،‬وما بني أيدكم الآلن هو نتاج أحد تلك السالسل‬
‫املسموعة‪ .‬بارك اهلل يف علمه ووقته وجعل أعامله يف ميزان حسناته‪.‬‬
‫فهرس السرية النبوية‬

‫العهد املكي‬

‫‪ -‬حال اجلزيرة العربية قبل البعثة النبوية ‪35‬‬


‫‪.1‬السرية وبناء األمة ‪1‬‬
‫‪ -‬قصة إسالم سلامن وبحثه عن نور اهلداية ‪37‬‬
‫‪ -‬حال أمة اإلسالم مل الوقت احلا رض ‪3‬‬
‫‪ -‬حال مكة قبل البعثة النبوية ‪40‬‬
‫‪ -‬عوامل بناء األمة ‪5‬‬
‫‪ -‬أمهية بعثة النبي ﷺ إىل األرض ‪41‬‬
‫‪ -‬قواعد يف دراسة السرية النبوية ‪11‬‬

‫‪ -‬بعض مراجع السرية النبوية ‪19‬‬

‫‪ .3‬من هنا بدأ اإلسالم‬

‫‪ -‬احلكمة من إرسال حممد ﷺ يف جزيرة العر ب ‪45‬‬


‫‪ .2‬من الظلمات إىل النور ‪21‬‬
‫‪ -‬املحافظة عىل نقاء الرسالة ووحدة املصدر ‪46‬‬
‫‪ -‬حال العامل قبل البعثة النبوية ‪21‬‬
‫‪ -‬النرص بيد اهلل والقلة املؤمنة تغلب الكثرة املرشكة ‪51‬‬
‫‪ -‬حال الدولة الرومانية قبل البعثة النبوية ‪22‬‬
‫‪ -‬إتقان أهل اجلزيرة العربية والدعاة للغة القرآن ‪56‬‬
‫‪ -‬حال الدولة الفارسية قبل البعثة النبوية ‪24‬‬
‫‪ -‬وجود بقايا من ملة إبراهيم يف اجلزير ة ‪59‬‬
‫‪ -‬حال أوروبا الشاملية قبل البعثة النبوية ‪27‬‬
‫‪ -‬صفات أهلت العرب حلمل رسالة اإلسالم ‪60‬‬
‫‪ -‬حال مرص قبل البعثة النبوية ‪29‬‬

‫‪.4‬بدء الوحي ‪69‬‬ ‫‪ -‬حال الصني قبل البعثة النبوية وبعدها ‪30‬‬

‫‪ -‬قصة نزول الوحي ‪71‬‬ ‫‪ -‬حال اهلند قبل البعثة النبوية وبعدها ‪31‬‬

‫‪ -‬مقدمات نزول الوحي ‪75‬‬ ‫‪ -‬موقع اليهود عىل خارطة األحداث ‪33‬‬

‫‪ -‬طول املدة الزمنية إلعداد النبي ﷺ قبل البعثة ‪77‬‬ ‫‪ -‬حال احلبشة قبل البعثة النبوية وبعدها ‪34‬‬

‫‪ -‬أمهية نزول جربيل بالوحي عىل النبي ﷺ يف غار حرا ء ‪78‬‬ ‫‪ -‬حال األمريكيتني قبل البعثة النبوية ‪34‬‬
‫‪ -‬موقف خدجية ريض اهلل عنها من الوحي ‪80‬‬
‫‪.6‬الدعوة جهراً ‪115‬‬
‫‪ -‬بشارة ورقة للنبي ﷺ بالرسالة ‪82‬‬
‫‪ -‬موقف األقربني من الدعوة النبوية ‪117‬‬
‫‪ -‬فرتة انقطاع الوحي ‪84‬‬
‫‪ -‬اجلهر بالدعوة أمام قريش عامة ‪118‬‬
‫‪ -‬بدء الرسالة واألمر بالتبليغ ‪84‬‬
‫‪ -‬اجلهر بالدعوة لعامة الناس من قريش و غريهم ‪119‬‬
‫‪ -‬منهج الرسول ﷺ يف اختيار من يبدأ بدعوهتم ‪85‬‬
‫‪ -‬موانع دخول أهل مكة يف اإلسالم ‪120‬‬
‫‪-‬وقفات مع إسال م عيل بن أيب طال ب وإسالم بناته ﷺ ‪89‬‬
‫‪ -‬املراحل السلمية لصد الدعوة اإلسالمية ‪126‬‬

‫‪ -‬املرحلة األويل حتييد أنصار الرسول ﷺ وختويفهم ‪127‬‬

‫‪ -‬املرحلة الثانية تشويه صورة الداعية أمام النا س ‪128‬‬ ‫‪.5‬الدعوة سراً‬

‫‪ -‬املرحلة السلمية الثالثة تشويه الدعو ة ‪130‬‬ ‫‪ -‬احلكمة من الدعوة الرسية ‪93‬‬

‫‪ -‬املرحلة الرابعة شغل الناس بالباطل واللهو عن احلق ‪131‬‬ ‫‪ -‬رضورة احلفاظ عىل الدعوة بالرسية ‪95‬‬

‫‪ -‬املحافظة عىل الدعوة واملحافظة عىل النفس ‪96‬‬

‫‪ -‬فقه اختيار املدعوين يف املرحلة الرسية ‪98‬‬

‫‪ -‬ثامر الصديق الدعوية يف الدعوة الرسية إىل اإلسال م ‪100‬‬


‫‪.7‬تربية الثبات ‪135‬‬
‫‪ -‬سبب نجاح الصديق يف الدعوة إىل اهلل تعا ىل ‪102‬‬
‫‪ -‬الضغوط النفسية لصد املسلمني عن الدين ‪135‬‬
‫‪ -‬عاملية دعوة اإلسالم وقاعدة املفاضلة بني الناس يف الدين‬
‫‪ -‬طلب املعجزات اخلارقة للداللة عىل صحة اإلسالم ‪137‬‬
‫اإلسالمي ‪104‬‬
‫‪ -‬السخرية واالستهزاء باملؤمن ين ‪139‬‬
‫‪ -‬حرص ا لنبي ﷺ عىل الدعوة وأفرادها ‪108‬‬
‫‪ -‬وسيلة التعذيب اجلسد ي ‪140‬‬
‫‪ -‬قصة إسالم عمرو بن عبسة ‪108‬‬
‫‪ -‬نتائج االبتالء يف العهد املكي ويف كل عهد ‪143‬‬
‫‪ -‬قصة إسالم أيب ذر الغفار ي ‪110‬‬
‫‪ -‬أسباب صرب الصحابة عىل األذى يف العهد املكي ‪144‬‬
‫‪ -‬احلكمة من اختيار الرسول ﷺ دار األرقم لالجتامع‬
‫‪ -‬احلكمة اإلهلية من عدم القتال يف العهد املكي ‪153‬‬ ‫بأصحابه فيه يف أول الدعو ة ‪110‬‬

‫‪ -‬سبب عدم تعرض قريش للرسول ﷺ وأصحابه يف أول‬


‫اإلسال م ‪112‬‬
‫‪ -‬حصار الشعب ‪217‬‬ ‫‪.8‬هجرة احلبشة األوىل ‪161‬‬
‫‪ -‬فك حصار الشعب ‪219‬‬
‫‪ -‬أسباب اهلجرة إىل احلبشة واحلكم منها ‪162‬‬

‫‪. 11‬عام احلزن ‪225‬‬ ‫‪ -‬سبب مكث املهاجرين يف احلبشة إىل ما بعد هجرة النبي‬
‫ﷺ إىل املدينة ‪165‬‬
‫‪ -‬موت أيب طالب وأثره عىل رسول اهلل ﷺ ‪225‬‬
‫‪ -‬أسباب اختيار احلبشة دون غريها ‪168‬‬
‫‪ -‬موت خدجية وأثره عىل رسول اهلل ﷺ ‪230‬‬
‫‪ -‬مميزات احلبشة عن غريها ‪170‬‬
‫‪ -‬خروج الرسول ﷺ عام احلزن إىل الطائف ‪232‬‬
‫‪ -‬وقفات مع اهلجرة إىل احلبشة ‪172‬‬
‫‪ -‬سبب اختيار الرسول ﷺ الطائف للدعوة ‪233‬‬
‫‪ -‬قصة إسالم محزة وعمر وسجود املرشكني ‪174‬‬
‫‪ -‬موقف أهل الطائف مع الرسول ﷺ حني أتاهم ‪234‬‬
‫‪ -‬قرار عودة املهاجرين من احلبشة إىل مكة واآلثار املرتتبة‬
‫‪ -‬إيام ن داس بالنبي ﷺ ‪237‬‬
‫عىل ذلك ‪177‬‬
‫‪ -‬خروج النبي ﷺ من الطائف ووصوله إىل قرن الثعالب‬
‫ولقاؤه ملك اجلبال ‪239‬‬

‫‪ -‬مرور النبي ﷺ بوادي نخلة ولقاؤه اجلن وإيامهنم به أثناء‬ ‫‪ .9‬هجرة احلبشة الثانية ‪183‬‬
‫رجوعه مع الطائف ‪240‬‬
‫‪ -‬اهلجرة الثانية إىل احلبشة وموقف قريش منها ‪185‬‬
‫‪ -‬فوائد خروج النبي ﷺ مع مكة إىل الطائف ‪241‬‬
‫‪ -‬لقاء عمرو بن العاص بالنجايش وطلبه ‪186‬‬
‫‪ -‬كيفية دخول النبي ﷺ مكة بعد عودته مع الطائف ‪242‬‬
‫‪ -‬اجتامع مجع املسلمني ووفد قريش ببالط النجا يش ‪189‬‬
‫‪ -‬دعوة الرسول ﷺ لوفود احلج ‪244‬‬
‫‪ -‬إسالم محز ة ‪198‬‬

‫‪ .10‬إسالم عمر ‪203‬‬


‫‪ .12‬بيعة العقبة األوىل ‪249‬‬
‫‪ -‬عمر قبل اإلسال م ‪203‬‬
‫‪-‬السياسة الدعو ية للرسول ﷺ بني وفود احلجيج للعام‬
‫‪ -‬حلظات إسالم الفارو ق ‪205‬‬
‫احلادي عرش من البعثة ‪249‬‬
‫‪ -‬ماذا بعد االستحياء ؟ ‪207‬‬
‫‪ -‬التغيريات عىل أسلوب الدعوة يف العام احلادي عرش من‬
‫البعثة ‪251‬‬ ‫‪ -‬عمر بعد اإلسال م ‪210‬‬

‫‪ -‬دعوة النبي ﷺ لقبيلة بني شيبان ‪252‬‬ ‫‪ -‬ردة فعل أهل مكة بعد إسالم عمر ومحزة ‪211‬‬
‫‪ -‬مناقب أصحاب بيعة العقبة الثانية ‪289‬‬ ‫‪ -‬دعوة الرسول ﷺ للخزرج يف العام احلادي عرش ‪258‬‬

‫‪ -‬موقف قريش من بيعة العقبة الثانية ‪290‬‬ ‫‪ -‬لقاء الرسول بأصحابه يف بيعة العقبة األوىل ‪261‬‬

‫‪ -‬اهلجرة إىل املدينة ‪293‬‬ ‫‪ -‬بنود بيعة العقبة األوىل ‪262‬‬

‫‪ -‬جزاء أهل بيعة العقبة ‪263‬‬


‫‪.14‬اهلجرة إىل املدينة ‪297‬‬
‫‪ -‬سفارة مصعب إىل املدينة ومهامة فيها ‪264‬‬
‫اجتامع قريش بدار النودة هبدف منع الرسول ﷺ من‬
‫‪ً -‬‬
‫ًاهلجرة إىل املدينة ‪300‬‬ ‫‪ -‬طريقة مصعب يف الدعوة إىل اهلل يف املدينة ‪268‬‬

‫‪ -‬إعداد الرسول ﷺ للهجرة مع أيب بكر ‪301‬‬ ‫‪ -‬إسالم أ سيد بن حضري وسعد بن معاذ ‪269‬‬

‫‪ -‬بنود خطة هجرة رسول ﷺ وصاحبه الصديق ريض اهلل‬


‫عنه ‪304‬‬
‫‪ .13‬بيعة العقبة الثانية ‪275‬‬
‫‪ -‬حصار املرشكني لبيت رسول ﷺ ليلة اهلجرة ‪307‬‬
‫‪ -‬املعامل العامة لوفد العقبة الثانية ‪275‬‬
‫‪ -‬جهود قريش يف بحث عن رسول ﷺ وأيب بكر ‪310‬‬
‫‪ -‬إعداد الرسول ﷺ واألنصار ملوعد بيعة العقبة الثانية ‪277‬‬
‫‪ -‬مطاردة رساقة بن مالك للرسول ﷺ أثناء ًهلجرة ‪313‬‬
‫‪ -‬وقائع بيعة العقبة الثانية ‪279‬‬
‫‪-‬خردج بريدة بن احلصيب ملطاردة رسول ﷺ ‪314‬‬
‫‪ -‬بنود بيعة العقبة الثانية ‪281‬‬
‫‪-‬دروس من اهلجرة النبوية ‪315‬‬
‫‪ -‬الفرق بني بيعة العقبة األوىل والثانية ‪282‬‬
‫‪-‬املالمح العامة لبناء األمة يف الفرتة املكية ‪319‬‬
‫‪ -‬موقف األنصار من بنود بيعة العقبة الثانية ‪283‬‬

‫‪ -‬اختيار األنصار لنقبائهم يف بيعة العقبة الثانية ‪287‬‬


‫العهد املدني‬

‫‪ -‬الكفالة الرسيعة للمهاجرين عن طريق املؤاخاة ‪350‬‬


‫‪.15‬قيام الدولة اإلسالمية ‪321‬‬
‫‪ -‬رفع قيمة األخوة ‪353‬‬
‫‪ -‬األسس التي بني عليها الرسول ﷺ األمة اإلسالمية ‪325‬‬
‫‪ -‬امليثاق الذي وضعه النبي ﷺ بني املهاجرين واألنصار‬
‫‪ -‬شهادة أن ال إله إال اهلل والعمل بمقتضاها ‪326‬‬
‫لتنظيم العالقة بينهم ‪353‬‬
‫‪ -‬اإليامن أن حممد ﷺ رسول اهلل ‪327‬‬
‫‪ -‬الكفالة طويلة املد للمهاجرين ‪356‬‬
‫‪ -‬اإليامن اجلازم باليوم اآلخر ‪328‬‬
‫‪ -‬إعطاء احلريات للمهاجرين داخل املدينة املنورة ‪356‬‬
‫‪ -‬بداية العهد املدين هبجرة الرسول ﷺ وأصحابة ‪330‬‬
‫‪ -‬املهاجرون إىل احلبشة ‪359‬‬
‫‪ -‬وقفة مع حلظة التمكني لرسول اهلل ﷺ ‪332‬‬
‫‪ -‬مسلمو القبائل البعيدة ‪359‬‬
‫‪ -‬األعامل النبوية التي قام به ﷺ بعد وصوله إىل املدينة ‪334‬‬
‫‪ -‬مسلمو مكة ‪360‬‬
‫‪ -‬بناء مسجد قباء وبعده املسجد النبوي ‪335‬‬

‫‪ -‬كيفية بنائه ﷺ للمسجد النبوي ‪337‬‬


‫‪ 17‬املشركون والدولة اإلسالمية ‪361‬‬
‫‪ -‬كيفية بناء بيت النبي ﷺ يف املدينة ‪338‬‬
‫‪ -‬املرشكون وكيفية تعامل النبي ﷺ معهم ‪361‬‬
‫‪ -‬كيف تعامل ﷺ مع الطوائف يف املدينة وخارجها ‪339‬‬
‫‪ -‬املرشكون من أهل املدينة ‪361‬‬
‫‪ -‬طائفة املسلمني ‪340‬‬
‫‪ -‬مرشكي األعراب والقبائل الكربى ‪363‬‬
‫‪ -‬طائفة املرشكني ‪341‬‬
‫‪ -‬مرشكو أهل مكة وكيفية تعامل النبي ﷺ ‪365‬‬
‫‪ -‬طائفة اليهود ‪342‬‬
‫‪ -‬الطرق قريش يف التعامل مع النبي ﷺ ‪367‬‬
‫‪ .16‬جمتمع املدينة ‪345‬‬
‫‪ -‬استخدام قريش للحرب النفسية عىل املسلمني ‪369‬‬
‫‪ -‬املؤاخاة بني األوس واخلزرج ‪345‬‬
‫‪ -‬قطع قريش للعالقات الد بلوماسية مع املدينة املنورة ‪371‬‬
‫‪ -‬املؤاخاة بني املهاجرين واألنصار ‪347‬‬
‫‪ -‬التضييق اإلقتصادي من قريش عىل املدينة املنورة ‪373‬‬
‫‪ -‬التهيئة النفسية للمهاجرين واألنصار ‪349‬‬
‫‪ -‬غارات قريش عىل املدينة املنورة ‪376‬‬
‫‪ -‬وقفات مع رسية نخلة ‪414‬‬
‫‪ 18‬اليهود والدولة اإلسالمية ‪381‬‬
‫‪ -‬موقف قريش من انتصار املسلمني يف رسية نخلة ‪422‬‬
‫‪ -‬طبيعة اليهود وكيفية تعاملهم مع املسلمني ‪381‬‬
‫‪ -‬مرحلة فرض القتال عىل املسلمني إذا قوتلوا ‪424‬‬
‫‪ -‬إسالم عبد اهلل بن سالم ‪385‬‬
‫ِ‬
‫املعان املستنبطة من آيات القتال ‪425‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬موقف بني النضري وبني قريظة من رسالة حممد ﷺ ‪386‬‬
‫‪ -‬كراهية الناس عامة للقتال ‪425‬‬
‫‪ -‬املعاهدة النبوية مع اليهود ‪387‬‬
‫‪ -‬حتديد قتال الطائفة التي تبدأ املسلمني بقتال ‪429‬‬
‫‪ -‬بنود املعاهدة ‪388‬‬
‫‪ -‬قتال املسلمني لألعداء مقيد بعدم االعتداء ‪429‬‬
‫‪ -‬الفوائد من املعاهدة النبوية مع اليهود ‪391‬‬

‫‪ -‬الفرق بني املعاهدة النبوية واملعاهدات احلديثة معهم ‪392‬‬

‫‪ .20‬أهل بدر ‪433‬‬ ‫‪-‬أسباب موافقة اليهود عىل املعاهدة ‪393‬‬

‫‪ -‬اإلختبارات التي مر هبا أهل املدينة ‪435‬‬ ‫‪ -‬موقف اليهود بعد عقد النبي ﷺ املعاهدة معهم ‪396‬‬

‫‪ -‬وقفات مع غزوة بدر الكربى ‪438‬‬ ‫‪ -‬تأثري اليهود فكري ًا عىل املسلمني واملرشكني يف املدينة ‪396‬‬

‫‪ -‬األسباب التي دعت إىل غزة بدر الكربى ‪440‬‬ ‫‪ -‬تأثري اليهود اإلقتصادي عىل أهل املدينة ‪398‬‬

‫‪ -‬حتقيق مبدأ الرشوى بني أفراد اجليش املؤمن ‪447‬‬ ‫‪ -‬حماولة اليهود التفرقة بني املسلمني من األنصار ‪399‬‬

‫‪ -‬صفة اإليامن الكامل باهلل ورسوله ‪449‬‬ ‫‪ -‬اهتام فنحاص ورد أيب بكر ‪402‬‬

‫‪ -‬صفة األمل والتفاؤل واليقني بنرص اهلل ‪450‬‬


‫‪ .19‬الطريق إىل بدر ‪405‬‬
‫‪ -‬صفحة احلزم وعد الرتدد ‪450‬‬
‫‪-‬االسرتاتيجية التي اتبعها النبي ﷺ لرضب مقدرات قريش‬

‫‪.21‬يوم بدر ‪454‬‬ ‫ومهامجة قوافلها ‪406‬‬

‫‪ -‬تربية النبي ﷺ ألصحابه عىل الفهم الصحيح للهدف من‬


‫‪ -‬عملية االستكشاف من قبل الرسول ﷺ جليش املرشكني يف‬
‫وراء القتال ‪408‬‬
‫بدر قبل القتال ‪454‬‬
‫‪ -‬تكوين الدوريات اإلسالمية من املهاجرين فقط ‪409‬‬
‫‪ -‬اختيار الرسول ﷺ مكان موقعة بدر ‪455‬‬
‫‪ -‬رسايا وغزوات النبي ﷺ ‪410‬‬
‫‪ -‬نزول السكينة واملطر والنعاس عىل جيش املسلمني ‪457‬‬
‫‪ -‬الفوائد املستنبطة من الرسايا والغزوات ‪413‬‬
‫‪ -‬مقارنة بني دعاء املؤمنني لرهبم ودعاء الكافرين ‪459‬‬
‫‪ -‬إبليس ‪499‬‬ ‫‪ -‬بعض صفات ومالمح اجليش املنترص ‪462‬‬

‫‪ -‬فهم الصحابة ريض اهلل عنهم أن النرص من عند اهلل ‪500‬‬ ‫‪ -‬تواضع القائد مع جنده وانصهاره فيهم ‪463‬‬

‫‪ -‬تفوق عنارص اجليش يف املواجهات الفردية يرفع من‬


‫معنويات اجليش ‪465‬‬

‫‪ -‬النفوس العظيمة ال يعوقها عن هدفها عائق ‪470‬‬


‫‪.23‬ما بعد بدر ‪502‬‬
‫‪ -‬بعض صفات أهل بدر وشدة حرصهم عىل اجلنة ‪472‬‬
‫‪ -‬امليالد احلقيقي للدولة اإلسالمية بقيادة النبي ﷺ ‪502‬‬
‫‪ -‬الوحدة والتامسك بني املؤمنني عىل أساس الدين ‪475‬‬
‫‪ -‬آثار غزوة بدر عىل أهل املدينة ‪503‬‬
‫‪ -‬قصة قتل أمية بن خلف ‪475‬‬
‫‪ -‬آثار غزوة بدر عىل مرشكي مكة ‪504‬‬
‫‪ -‬كفاءة اجليش املؤمن وأمانته ‪478‬‬
‫‪ -‬أثر غنائم بدر عىل املؤمنني ‪507‬‬
‫‪ -‬اإلعتامد عىل الشباب واالهتامم هبم ‪479‬‬
‫‪ -‬اآلثار املرتتبة ع وجود أرسى بدر يف أيد املسلمني ‪510‬‬
‫‪ -‬ملخص صفات اجليش املنصور ‪480‬‬
‫‪ -‬النبي والصحابة و العباس بن عبد املطلب ‪513‬‬

‫‪ -‬موقف النبي من سهيل بن عمرو حني أرس ‪515‬‬

‫‪ -‬كيفية فداء الفقراء من أرسى بدر ‪516‬‬ ‫‪.22‬نصر بدر ‪484‬‬

‫‪ -‬الترشيع اإلسالمي يف شأن األرسى وحقوقهم ‪517‬‬ ‫‪ -‬املالئكة ‪485‬‬

‫‪ -‬أثر غزوة بدر يف حماولة اغتيال النبي ﷺ وغزو املدينة ‪519‬‬ ‫‪ -‬قذف الرعب يف قلوب األعداء ‪488‬‬

‫‪ -‬أثر غزوة بدر يف األعراب حول املدينة ‪522‬‬ ‫‪ -‬إنزال الطمأنينة والسكينة و تغشية املؤمنني بالنعاس ‪489‬‬

‫‪ -‬تغيري الرتكيبة السكانية داخل املدينة املنورة ‪523‬‬ ‫‪ -‬نزول املطر إلعاقة الكافرين و تطهري املؤمنني ‪489‬‬

‫‪ -‬سيطرة املسلمني العسكرية عىل اجلزيرة العربية ‪524‬‬ ‫‪ -‬تقليل عدد كل فريق من اجليشني يف عني اآلخر ‪490‬‬

‫‪ -‬أثر عزوة بدر عىل اليهود ‪525‬‬ ‫‪ -‬الفرقة بني الكافرين ‪492‬‬

‫‪ -‬بعض مالمح غزوة بني قينقاع ‪530‬‬ ‫‪ -‬جندي الربكة ‪492‬‬

‫‪ -‬الرد الرسيع عىل بني قينقاع وعدم التساهل فيام فعلوه مع‬ ‫‪ -‬الرؤى واألحالم ‪495‬‬
‫املرأة املسلمة ‪530‬‬
‫‪ -‬أبو جهل ‪498‬‬
‫‪ -‬قوة العالقة بني اليهود واملنافقني ‪531‬‬
‫‪ -‬مصيبة قتل سبعني من املسلمني بسبب خمالفة الرماة ‪575‬‬ ‫‪ -‬أمر النبي ﷺ بقتل كعب بن األرشف ‪532‬‬

‫‪ -‬قعود بعض املسلمني عن القتال لإلحباط النفيس ‪575‬‬ ‫‪ -‬تعليقات عىل موقف النبي ﷺ من هيود بني قينقاع وقتل‬
‫كعب بن األرشف ‪533‬‬
‫‪ -‬مصيبة الفرار من الزحف من قبل بعض املسلمني ‪575‬‬

‫‪ -‬هل كانت هذه املصيبة رش ًا حمض ًا ؟ ‪576‬‬

‫‪.24‬الطريق إىل أحد ‪536‬‬

‫‪ .26‬اخلروج من مصيبة أحد ‪578‬‬ ‫‪ -‬املقدمات اإلعدادية لفريق الباطل ‪537‬‬

‫‪ -‬املقدمات اإلعدادية لفريق احلق ‪539‬‬


‫‪ -‬معرفة املسلمني شؤم املعصية ‪580‬‬
‫‪ -‬خروج النبي بجيشه إىل أحد ‪544‬‬
‫‪ -‬وضوح خطورة الدنيا ‪581‬‬
‫‪ -‬وصول النبي وجيشه إىل أحد وتوجيهاته ﷺ ألفراد‬
‫‪ -‬إعالم املسلم أن خطأ بعضهم يعمهم مجيع ًا ‪581‬‬
‫اجليش ‪546‬‬
‫‪ -‬حكمة إبقاء زعامء الكفر يف غزوة أحد أحياء ‪582‬‬
‫‪ -‬املحاوالت املبذولة إلثارة محاس اجليش الكافر وتفكيك‬
‫‪ -‬اصطفاء اهلل كثري ًا من املجاهدين للشهادة ‪583‬‬
‫الصف املسلم يف أحد ‪549‬‬

‫‪ -‬نامذج بطولية من شهداء أحد ‪587‬‬

‫‪ -‬محزة بن عبداملطلب ‪587‬‬


‫‪.25‬يوم أحد ‪552‬‬
‫‪ -‬مصعب بن عمري يض اهلل عنه ‪587‬‬
‫‪ -‬بالء وقتال أيب دجانة ومحزة وغريمها ‪553‬‬
‫‪ -‬سعد بن الربيع ريض اهلل عنه ‪588‬‬
‫‪ -‬انتصار املسلمني يف غزوة أحد يف أول األمر ‪556‬‬
‫‪ -‬عبداهلل بن عمرو بن حزام ريض اهلل عنه ‪589‬‬
‫‪ -‬انقالب املوازين يف آ خر معركة أحد لصالح املرشكني ‪557‬‬
‫‪َ -‬خيثمة أبوسعد ريض اهلل عنه ‪590‬‬
‫‪ -‬التفاف املرشكني حول رسول اهلل ﷺ ‪558‬‬
‫‪ -‬عمرو بن اجلموح ريض اهلل عنه ‪591‬‬
‫‪ -‬أثر إشاعة قتل النبي ﷺ عىل املسلمني ‪563‬‬
‫‪ -‬حنظلة بن أيب عامر ريض اهلل عنه ‪591‬‬
‫‪ -‬موقف املرشكني من إشاعة قتل النبي ﷺ ومتثيلهم‬
‫‪ -‬عبد اهلل بن جحش ريض اهلل عنه ‪592‬‬
‫بالشهداء ‪567‬‬
‫األص رريم عمرو بن ثابت بن قيس بن وقش ‪593‬‬
‫‪َ -‬‬
‫‪ -‬موقف النبي ﷺ وأصحابه من شهداء أحد ‪569‬‬
‫‪َِ -‬‬
‫خمريرق ريض اهلل عنه ‪594‬‬
‫‪ -‬ماذا نسمي أحد ًا؟ ‪572‬‬
‫‪ -‬غزوة بدر الصغرى ‪626‬‬ ‫‪ -‬قصة قزمان وقتاله يف غزوة أحد ‪594‬‬

‫‪ -‬تأديب قبائل دومة اجلندل ‪627‬‬ ‫‪-‬عالج اهلزيمة النفسية التي حلقت املسلمني يف أحد ‪595‬‬

‫‪ -‬نتائج خروج املسلمني من األزمات بعد أحد ‪627‬‬ ‫‪ -‬رفع الروح املعنوية بلفت النظر إىل اجلوانب اإلجيابية ‪601‬‬

‫‪ -‬استكانة املنافقني داخل املدينة ‪628‬‬ ‫‪ -‬رفع الروح املعنويةة بلفةت النظر إىل اجلوانةب اإلجيةابيةة يف‬
‫احلدث نفسه ‪602‬‬
‫‪ -‬حترك خماوف اليهود ‪628‬‬
‫‪ -‬الوعد بالقيام من جديد واألمل بأن النرص قادم ‪603‬‬
‫‪ -‬شعور قريش بالقلق واخلوف من املسلمني ‪628‬‬
‫‪ -‬الرتبية بالتاريخ ‪603‬‬
‫‪ -‬مقدمات جتمع األحزاب لغزو املدينة ‪629‬‬
‫‪ -‬ما أصابك أصاب عدوك أيض ًا ‪604‬‬
‫‪ -‬دور اليهود يف جتمع االحزاب ‪629‬‬
‫‪ -‬تداول السلطة بني األمم واألفراد سنة من سنن اهلل ‪604‬‬

‫‪ -‬ابتداء املسلم حياته اجلديدة بمغفرة اهلل عز وجل له ‪605‬‬


‫‪.28‬األحزاب ‪633‬‬
‫‪ -‬حماسبة اإلنسان يوم القيامة عىل األعامل ال عىل النتائج ‪605‬‬
‫‪ -‬واقعية املنهج النبوي يف حفر اخلندق ‪635‬‬
‫‪ -‬القعود واليأس يوجبان العقاب من اهلل ‪606‬‬
‫‪ -‬ضوابط العمل اجلامعي يف حفر ا رلندق ‪638‬‬
‫‪ -‬خروج النبي ﷺ إىل محراء األسد ‪607‬‬
‫‪ -‬مشاركة القائد جلنوده ‪639‬‬

‫‪ -‬توزيع األعامل عىل مجيع األفراد ‪641‬‬


‫‪.27‬الطريق إىل األحزاب ‪611‬‬
‫‪ -‬اجلمع يف اإلدارة بني الرفق واحلزم ‪641‬‬
‫‪ -‬األزمات التي مر هبا املسلمون بعد أحد ‪614‬‬
‫‪ -‬رفع اهلمة ببث األمل يف النفوس ‪643‬‬
‫‪ -‬دعوة بني أسد حلرب املسلمني ‪614‬‬
‫‪ -‬يوم األحزاب ‪644‬‬
‫‪ -‬جتمع قبائل هذيل حلرب املسلمني ‪614‬‬
‫‪ -‬نقض بني قريظة للعهد ‪646‬‬
‫‪ -‬أزمة بعث الرجيع ‪616‬‬
‫‪ -‬ما قام به ﷺ من أعامل بعد نقض بني قريظة العهد ‪649‬‬
‫‪ -‬أزمة بعث بئر معونة ‪618‬‬
‫‪ -‬إصابة سعد بن معاذ ريض اهلل عنه‪652‬‬
‫‪ -‬أزمة بني النضري ‪622‬‬
‫‪ -‬نعيم بن مسعود ريض اهلل عنه ‪653‬‬
‫‪ -‬غزوة نجد ‪625‬‬
‫‪ -‬الريح ‪655‬‬
‫‪ -‬ثاين رسل قريش ملفاوضة الرسول ﷺ باحلديبية ‪698‬‬ ‫‪ -‬املالئكة ‪656‬‬

‫‪ -‬ثالث رسل قريش ملفاوضة الرسول ﷺ باحلديبية ‪699‬‬ ‫‪ -‬غزو بني قريظة ‪657‬‬

‫‪ -‬حماولة بعض الشباب منع الصح مع املسلمني ‪703‬‬ ‫‪ -‬استشهاد سعد بن معاذ ريض اهلل عنه ‪659‬‬

‫‪ -‬إرسةال الرسةول صةىل اهلل عليه لعثامن بن عفان ريض اهلل عنه‬
‫‪.29‬املسلمون بعد األحزاب ‪659‬‬
‫للتفاوض ‪704‬‬
‫‪ -‬مرحلة اإلنتشار والفتح بعد األحزاب ‪660‬‬
‫‪ .31‬صلح احلديبية ‪711‬‬
‫‪ -‬رسية عبد اهلل بن عتيك لقتل ّ‬
‫سالم بن أيب احلقيق ‪661‬‬
‫‪ -‬وقفات مع بيعة الرضوان ‪712‬‬
‫‪ -‬رسية حممد بن مسلمة لتأديب بني بكر بن كالب ‪662‬‬
‫‪ -‬إرسال قريش سهيل بن عمرو للتفاوض مع النبي ﷺ ‪715‬‬
‫‪ -‬أرس ثاممة بن أثال واسالمه ‪663‬‬
‫‪ -‬بنود صلح احلديبية ‪718‬‬
‫‪ -‬غزوة بني حليان ‪668‬‬
‫‪ -‬كتابة صيغة صلح احلديبية وتوثيقها ‪725‬‬
‫‪ -‬غارة عيينة بن حصن الفزاري وغزوة الغابة ‪671‬‬
‫‪ -‬رشوط الصلح يف اإلسالم ‪727‬‬
‫‪ -‬السةرايا التي بعثها ﷺ بعد غزوة الغابة ‪673‬‬
‫‪ -‬اهلدف من صلح احلديبية ‪731‬‬
‫‪ -‬غزوة بني املصطلق (غزوة املريسيع) ‪677‬‬

‫‪ .32‬ما بعد احلديبية ‪735‬‬ ‫‪ -‬دور املنةافقني يف إذكةاء الفتن بني املسةةلمني يف غزوة بني‬
‫املصطلق ‪678‬‬
‫موقف الصحابة رضوان اهلل عليهم من صلح احلديبية ‪739‬‬
‫‪ -‬استمرار الرسايا التأديبية للمناوئني واملعارضني ‪680‬‬
‫موقف عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه من صلح احلديبية ‪742‬‬
‫‪ -‬آثار الغزوات والرسةةايا التي حدثت يف السةةنة السةةادسةةة‬
‫مواقف بعد صلح احلديبية ‪744‬‬
‫للهجرة ‪683‬‬
‫اآلثار اإلجيابية املرتتبة عىل معاهدة صلح احلديبية ‪748‬‬
‫‪30‬الطريق إىل احلديبية ‪687‬‬
‫وقفات هامة مع صلح احلديبية ‪751‬‬
‫‪ -‬رؤية الرسول ﷺ دخول البيت احلرام مع أصحابه ‪688‬‬
‫رضورة الرىض برشع اهلل عز وجل واعتقاد اخلريية فيه ‪751‬‬
‫‪ -‬توقف الرسول ﷺ وأصحابه بكراع الغميم ‪690‬‬
‫الثقة يف القيادة وإعذارها ‪754‬‬
‫‪ -‬وصول الرسول ﷺ إىل احلدبيبة ‪694‬‬
‫عذر القيادة جلنودها وأفرادها ‪756‬‬
‫‪ -‬أول رسل قريش ملفاوضة الرسول ﷺ باحلديبية ‪696‬‬
‫‪ -‬فتح حصن الصعب بن معاذ ‪801‬‬
‫‪ .33‬عاملية اإلسالم ‪759‬‬
‫‪ -‬فتح حصن قلعة الزبري ‪804‬‬
‫‪ -‬إرسال الرسل إىل زعامء العامل بعد صلح احلديبية ‪759‬‬
‫‪ -‬فتح حصني ُأ َيب والنزار ‪805‬‬
‫‪ -‬رسالة الرسول ﷺ هلرقل ‪765‬‬
‫‪-‬حصار حصن ال َقموص وتسليم الوطيح ُ‬
‫والسالمل ‪806‬‬
‫‪ -‬موقف النجةايش ملةك احلبشةةةة واملنةذر بن سةةةاوى ملةك‬
‫‪ -‬وقفة مع قتال الرسول ﷺ لليهود بخيرب ‪807‬‬ ‫البحرين ‪767‬‬

‫‪ -‬مصاحلة الرسول ﷺ ليهود خيرب ‪808‬‬ ‫‪ -‬موقف املقوقس ملك مرص ‪768‬‬
‫‪ -‬احلكمة من زواج الرسةةول ﷺ بصةةفية بنت حيي ِ‬
‫ريض اهلل‬ ‫‪ -‬موقف هرقل ملك الروم ‪768‬‬
‫عنها ‪809‬‬
‫‪ -‬موقف هرقل بعد قراءة رسالة النبي ﷺ ‪755‬‬
‫‪ -‬مؤامرات اليهود ضد املسلمني بعد غزوة خيرب ‪810‬‬
‫‪ -‬موقف كرسى ملك فارس ‪788‬‬
‫‪ -‬اآلثار املرتتبة عىل غزوة خيرب ‪813‬‬
‫‪ -‬موقف هوذة بن عيل صاحب الياممة ‪782‬‬

‫‪ 35‬قوة اإلسالم ‪815‬‬ ‫‪ -‬موقف احلارث بن أيب شمر الغساين أمري دمشق ‪783‬‬

‫‪ -‬أهداف الرسول ﷺ يف مرحل ما بعد فتح خيرب ‪817‬‬ ‫‪ -‬نظرة حتليلية حول رسةةل رسةةول اهلل ﷺ ىل زعامء ورؤسةةاء‬
‫وملوك العامل ‪784‬‬
‫‪ -‬نرش الدعوة ‪818‬‬

‫‪ -‬إيقاف خطورة قبيلة غطفان ‪819‬‬

‫‪ -‬قصة أعرايب غطفان وسقوط السيف من يده ‪824‬‬ ‫‪ .34‬فتح خيرب ‪789‬‬
‫‪ -‬قصة إصابة عباد بن برش بثالث أسهم أثناء الصالة ‪825‬‬ ‫‪ -‬أهداف رسعة خروج الرسول ﷺ إىل خيرب ‪791‬‬

‫‪ -‬إرسال الرسول ﷺ للرسايا بعد غزوة ذات الرقاع ‪826‬‬ ‫‪ -‬رفض الرسول ﷺ خروج املنافقني معه إىل خيرب ‪793‬‬

‫‪ -‬عمرة القضاء وآثارها اإلجيايب عىل املسلمني ‪828‬‬ ‫‪ -‬قرارات الرسول ﷺ يف تأمني عملية اجتياح خيرب ‪794‬‬

‫‪ -‬مظاهر قوة املسلمني يف عمرة القضاء ‪830‬‬ ‫‪ -‬مقومات النصةر يف جيش الرسول ﷺ يف غزوة خيرب ‪795‬‬

‫إسالم خالد بن الوليد ‪835‬‬ ‫‪ -‬إعطاء الرسول ﷺ الراية يف خيرب لعيل ِ‬


‫ريض اهلل عنه ‪796‬‬

‫إسالم عمرو بن العاص ‪841‬‬ ‫‪ -‬حترك الرسول ﷺ جتاه حصون خيرب ‪798‬‬

‫إسالم عثامن بن طلحة ‪845‬‬ ‫‪ -‬فتح الرسول ﷺ حلصون خيرب واحد ًا تلو اآلخر ‪799‬‬
‫‪.38‬فتح مكة ‪907‬‬ ‫‪.36‬نصر مؤتة ‪847‬‬

‫‪ -‬موقف النبي ﷺ من أيب سفيان حني جاءه ‪909‬‬ ‫‪ -‬اإلجراءات الرسول ﷺ بني يدي غزوة مؤته ‪850‬‬

‫‪ -‬استعداد الرسول ﷺ وأصحابه لفتح مكة ‪914‬‬ ‫‪ -‬مهمة اجليش اإلسالمي اخلارج إىل مؤتة ‪851‬‬

‫‪ -‬حني شق الصوم عىل أصحابه ‪915‬‬ ‫‪ -‬كثرة عدد اجليش الروماين ‪854‬‬

‫‪ -‬إلتقاء القبائل عام الفتح بالرسول ﷺ بمر الظهران ‪918‬‬ ‫‪ -‬إحتامالت إنتهاء املسلمني إىل خوط غامر احلرب ‪858‬‬

‫‪ -‬إسالم أيب سفيان ‪922‬‬ ‫‪ -‬إختيار مكان معركة مؤتة ‪860‬‬

‫‪ -‬خطة الرسول ﷺ العسكرية لدخول مكة ‪928‬‬ ‫‪ -‬معركة مؤتة ‪862‬‬

‫‪ -‬خطة خالد بن الوليد يف تدبري أمر اجليش ‪867‬‬


‫‪.39‬إسالم مكة ‪935‬‬
‫‪ -‬أقوال العلامء يف نتائج معركة مؤتة ‪868‬‬
‫‪ -‬أذان بالل يوم الفتح عىل سطح الكعبة ‪937‬‬

‫‪ -‬أخالقة ﷺ يف إمتالك القلوب ‪939‬‬

‫‪-‬موقف الرسول ﷺ مع زعامء مكة املرشكني يوم الفتح ‪943‬‬

‫‪ -‬إسالم سهيل بن عمرو ‪944‬‬ ‫‪ 37‬الطريق إىل مكة ‪871‬‬

‫‪ -‬مقدمات إسالم صفوان بن أمية ‪946‬‬ ‫‪ -‬رسية ذات السالسل بقيادة عمرو بن العاص ‪874‬‬

‫‪ -‬إسالم عكرمة بن أيب جهل ‪948‬‬ ‫‪ -‬عبقرية عمرو بن العاص يف قيادة اجليوش ‪877‬‬

‫‪ -‬إسالم ُفضالة بن عُمري الليثي ‪952‬‬ ‫‪ -‬إرسةةال عمرو بن العاص إىل ملك عامن وأخيه لدعوهتام إىل‬
‫اإلسالم ‪882‬‬
‫‪ -‬إسالم هند بنت عتبة ‪952‬‬
‫‪ -‬سنن التغري والنرص والتمكني املستنبطة من فتح مكة ‪884‬‬
‫‪ -‬إجارة أم هانئ بنت أيب طالب لبعض املرشكني ‪955‬‬
‫‪ -‬جميء والنرص للمسلمني من حيث ال حيتسبون ‪885‬‬
‫‪ -‬املرأة املخزومية التي رسقت ‪956‬‬
‫‪-‬جميء النرص للمسلمني من حيث يكرهون ‪891‬‬
‫‪ -‬قتل خزاعة لرجل من هذيل ‪958‬‬
‫‪ -‬طول فرتة اإلعداد وقرص فرتة التمكني ‪893‬‬
‫‪ -‬إقامة وال عىل مكة بعد الفتح ‪959‬‬
‫‪ -‬موقف الرسول ﷺ من اعتداء بني بكر عىل خزاعة ‪897‬‬
‫‪ -‬موقف األنصار بعد فتح مكة ‪961‬‬
‫‪ -‬وقفة مع قرار الرسول ﷺ فتح مكة ‪903‬‬
‫‪ -‬إعطاء الرسول ﷺ أليب سفيان وولديه يزيد ومعاوية من‬
‫‪ .40‬يوم حنني ‪965‬‬
‫غنائم حنني ‪1021‬‬
‫‪ -‬جتمع قبائل هواون ‪965‬‬
‫‪ -‬إعطاء الرسول ﷺ حلكيم بن حزام من غنائم حنني مع‬
‫درس تربوي نبوي ‪1023‬‬ ‫‪ -‬قيام مالك بن عوف بتوحيد قبائل هوازن ‪970‬‬

‫‪ -‬إعطاء الرسول ﷺ لبقية زعامء القبائل من املؤلفة قلوهبم‬ ‫‪ -‬نقاط مالك بن عوف السلبية ‪973‬‬

‫من غنائم حنني ‪1024‬‬


‫‪ -‬استعداد الرسول ﷺ ملواجهة قبائل هوزان ‪978‬‬

‫‪ -‬إعطاء الرسول ﷺ لصفوان من غنائم حنني مع كونه‬


‫‪ -‬سبب هزيمة املسلمني يف أول غزوة حينني ‪980‬‬
‫مرشك ًا يف ذلك الوقت ‪1025‬‬
‫‪ -‬موقف الطلقاء من هزيمة املسلمني يف أول حنني ‪987‬‬
‫‪ -‬نتائج تقسيم مخس غنائم حنني عىل املؤلفة قلوهبم ‪1027‬‬
‫‪ -‬رجوع املسلمني وثابتهم ‪988‬‬

‫‪ -‬ثبات النبي القائد ﷺ ‪989‬‬

‫‪ .42‬إسالم هوازن ‪1031‬‬ ‫‪ -‬إعتامد الرسول ﷺ عىل املوثوق هبم من اجلنود ‪990‬‬

‫‪ -‬خوف األنصار من ترك الرسول ﷺ للمدينة ‪1036‬‬ ‫‪ -‬تذكري الصحابة بأن النرص من عند اهلل عز وجل ‪993‬‬

‫‪ -‬كيف تعامل الرسول ﷺ مع األنصار يف موقفهم من توزيع‬


‫غنائم حنني ‪1038‬‬
‫‪ .41‬بني حنني والطائف ‪999‬‬
‫‪ -‬قدوم وفد هوازن مسلام ‪1045‬‬
‫‪ -‬مطاردة جيش هوازن ‪999‬‬
‫‪ -‬خطوات الرسول ﷺ يف اسرتجاع سبي هوازن ‪1046‬‬
‫‪ -‬حصار الطائف ‪1002‬‬
‫‪ -‬موقف الرسول ﷺ من مالك بن عوف النرصي بعد إسالم‬
‫قبيلته ‪1052‬‬ ‫‪ -‬استشارة الرسول ﷺ ألصحابه بعد طول احلصار ‪1005‬‬

‫‪ -‬واقعية الرسول ﷺ يف املواقف ‪1008‬‬

‫‪ -‬من مواقفه ﷺ مع خمالفيه ‪1010‬‬


‫‪ .43‬الطريق إىل تبوك ‪1057‬‬
‫‪ -‬قسمة غنائم معركة حنني باجلعرانة ‪1011‬‬
‫‪ -‬خروج النبي ﷺ وأصحابة إىل تبوك ‪1060‬‬
‫‪ -‬أقوال العلامء يف غنائم حنني ‪1011‬‬
‫‪ -‬مظاهر العرس يف غزوة تبوك‬
‫‪ -‬مقدار غنائم حنني ‪1015‬‬
‫‪ -‬أهداف النبي ﷺ من اخلروج إىل تبوك‬
‫‪ -‬سبب تأليف الرسول ﷺ زعامء القبائل بغنائم حنني ‪1017‬‬
‫‪ -‬وفد بني سعد بن بكر من هوازن ‪1103‬‬ ‫‪ -‬طبقات عاملقة اإليامن ‪1065‬‬

‫‪ -‬وفد نصارى نجران ‪1105‬‬ ‫‪ -‬عثامن بن عفان أنموذج ًا ‪1066‬‬

‫‪ -‬حج أيب بكر الصديق ريض اهلل عنه بالناس ‪1110‬‬ ‫‪ -‬أبو بكر أنموذج ًا ‪1068‬‬

‫‪ -‬عمر بن اخلطاب وابن عوف أنموذج ًا ‪1069‬‬

‫‪ -‬صفات طبقة عاملقة اإليامن ‪1070‬‬


‫‪ .45‬حجة الوداع ‪1115‬‬
‫‪ -‬البكاءون ‪1072‬‬
‫‪ -‬وصايا الرسول ﷺ يف حجة الوداع ‪1117‬‬
‫‪ -‬طبقة عامة املؤمنني ‪1074‬‬
‫‪ -‬رجوع الرسول ﷺ وجتهيز جيش أسامة ‪1120‬‬
‫‪ -‬طبقة املؤمنني الصادقني القاعدين عن أمر اهلل مؤقت ًا ‪1077‬‬
‫‪ -‬إىل الرفيق األعىل ‪1121‬‬
‫‪ -‬طبقة عامة املنافقني ومردهتهم ‪1079‬‬
‫‪ -‬طالئع التوديع ‪1123‬‬
‫‪ -‬صفات املنافقني ‪1080‬‬
‫‪ -‬وصايا من الرسول ﷺ إىل أمته يف آخر حياته ‪1123‬‬
‫‪ -‬دور املنافقني يف غزوة تبوك ‪1083‬‬
‫‪ -‬بداية مرضه ﷺ ‪1124‬‬
‫‪ -‬خطر املنافقني عىل املجتمع ‪1085‬‬
‫‪ -‬األسبوع األخري ‪1125‬‬

‫‪ -‬قبل الوفاة بخمسة أيام ‪1125‬‬

‫‪ -‬قبل الوفاة بأربعة أيام ‪1127‬‬ ‫‪ .44‬ما بعد تبوك ‪1087‬‬

‫‪ -‬قبل الوفاة بثالثة أيام ‪1129‬‬ ‫‪ -‬إحباط حماولة املنافقني قتل الرسول ﷺ بعد تبوك ‪1092‬‬

‫‪ -‬قبل يوم من وفاته ﷺ ‪1130‬‬ ‫‪ -‬تعامل الرسول ﷺ بعد عودته مع املخلفني ‪1092‬‬

‫‪ -‬آخر يوم من حياته ﷺ ‪1131‬‬ ‫‪ -‬حال املنافقني بعد غزوة تبوك ‪1094‬‬

‫‪ -‬تفاقم األحزان عىل الصحابة ‪1133‬‬ ‫‪ -‬أثر غزوة تبوك ‪1095‬‬

‫‪ -‬موقف عمر من خرب موته ﷺ ‪1134‬‬ ‫‪ -‬وفد ثقيف ‪1096‬‬

‫‪ -‬موقف أيب بكر الصديق من خرب موته ﷺ ‪1134‬‬ ‫‪ -‬ملاذا اسلمت ثقيف؟ ‪1097‬‬

‫‪ -‬ما بعد وفاة رسول اهلل ﷺ ‪1137‬‬ ‫‪ -‬تأمري عثامن بن أيب العاص عىل الطائف ‪1101‬‬

‫‪ -‬هدم صنم الالت بالطائف‪1101‬‬


‫‪ -‬الوسطية يف مهج النبي ﷺ ‪1153‬‬
‫‪.46‬خامتة السرية ‪1141‬‬
‫‪ -‬البعد األخالقي للترشيعات اإلسالمية ‪1154‬‬
‫‪ -‬مرحلة اإلعداد ‪1142‬‬
‫‪ -‬أبدية احلرب والرصاع بني الكفر واإليامن يف احلياة ‪1156‬‬
‫‪ -‬مرحلة وضوح الرؤية ‪1145‬‬
‫‪ -‬بث األمل يف املسلمني ‪1158‬‬
‫‪ -‬السامت العامة للسرية النبوية ‪1148‬‬
‫‪ -‬سعادة املسلمني باملنهج اإلسالمي ‪1159‬‬
‫‪ -‬شخصية النبي ﷺ الباهرة العظيمة ‪1148‬‬
‫‪ -‬وضوح مهمة البالغ يف الدعوة ‪1160‬‬
‫‪ -‬عظمة جيل الصحابة ‪1150‬‬
‫‪ -‬سامت أخرى يف السرية النبوية ‪1161‬‬
‫‪ -‬السنة مصدر أسايس للترشيع ‪1151‬‬
‫‪ -‬واجباتنا جتاه نبينا ﷺ ‪1162‬‬
‫‪ -‬شمولية اإلسالم ‪1152‬‬
‫‪-‬اعتذار‪1167‬‬
‫‪1‬‬

‫السرية وبناء األمة‬

‫إن احلمد هلل؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه‪ ،‬ونعوذ باهلل من رشور أنفسنا ومن سيييتا‬

‫أعاملنا‪ ،‬إنه من هيده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحييده‬

‫ال رشيك له‪ ،‬وأشهد أن حممد ًا عبده ورسوله‪.‬‬

‫أما بعد‪ :‬فها نحن اليوم مع موضييوم ميين أهييو اتوضييوعا مل حييياب اتسييلم ‪ ،‬بييل مل حييياب‬

‫األرض بأكملها‪ ،‬نحن مع سريب رجل هو أعظو رجل خلقه اهلل عز وجييل منييق خلييو ىلدم وإ‬

‫يوم القيامة‪.‬‬

‫الناس عادب يتفوقون مل جمال ويتأخرون مل ىلخر‪ ،‬لكن هقا الرجل تفوق مل كل جمال‪ ،‬تفييوق مل‬

‫عبادته‪ ،‬مل معامالتييه‪ ،‬مل شييهاعته‪ ،‬مل كرمييه‪ ،‬مل حلمييه‪ ،‬مل حهييده‪ ،‬مل حكمتييه‪ ،‬مل ذكا ييه‪ ،‬مل‬

‫تواضعه‪ ،‬مل كل يشء‪ ،‬إن هقا الرجل بحو قد سبو غريه! فمع سريب اإلنسان القي خاطبييه اهلل‬

‫عز وجل وقال له‪َ { :‬وإِن ََّك َل َعىل ُخ ُل ٍو َعظِي ٍو} [القلو‪ .]4:‬بل قد أقسو اهلل جل وعال بحياب هييقا‬
‫الرجل فقال‪َ { :‬ل َع ْم ُر َك إِ ََّّنُ ْو َل ِفي َسك َْر ِِتِ ْو َي ْع َم ُه َ‬
‫ون} [احلهر‪ .]72:‬مع سريب الرجييل الييقي ليين‬

‫حياسب اهلل عز وجل اخلال و يوم القيامة إال عندما يشفع هلو‪ ،‬وكل نبي مل اتوقييل ليين يشييفع‬

‫حتى ألتباعه اتؤمن به إال بعد أن يشفع هقا الرجل‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مع سريب الرجل القي لن نييدخل اةنيية إال خلفييه‪ ،‬وليين نييروا يييوم القياميية إال ميين حوضييه‬

‫وكوثره‪ ،‬وهقا متوقل عىل معرفتنا بسريته وَّنهه‪ ،‬واتباعنا له فيهام‪ ،‬فإن صنعنا ذلك كانت لنييا‬

‫النهاب مل الدنيا واآلخرب‪ ،‬وإن جهلنا طريقته أو خالفناها قيل لنا‪ :‬سحق ًا سحق ًا‪.‬‬

‫نحن أمام سريب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬اتاحي القي حما اهلل عز وجل به الكفيير‪ ،‬وأول ميين يبعي ميين‬

‫اخلال و يوم القيامة‪ ،‬وحامل لواء احلمييد يييوم القياميية‪ ،‬وصيياحب اتقييام اتحمييود واحلييوض‬

‫اتورود ﷺ‪ .‬أمام سريب الرجل القي فتحت له أبواب السامء ليخرتقها بهسده إ ما بعدها‪ ،‬تييا‬

‫صعد رسول اهلل ﷺ مع جربيل مل رحلة اتعراج إ السامء وطرق الباب أجيياب اتلييك فقييال‪:‬‬

‫(من(؟ قال‪) :‬جربيل(‪ .‬قال‪) :‬ومن معك؟( قال‪) :‬حممد(‪ .‬قال‪) :‬أو أرسل إليه؟( قييال‪) :‬نعييو‬

‫ففتح باب السامء‪ ،‬ودخل رسول اهلل ﷺ إ مكان مل يدخله برش قبل ذلك وهو حي‪ .‬نعو‪ ،‬هييقا‬

‫هو الرجل القي وصل إ مكان مل يصل إليه برش‪ ،‬ومل يتهاوحه حتييى جربيييل اتلييك العظيييو‪،‬‬

‫ويصل إليه رسول اهلل ﷺ‪.‬إنه الرجل القي شاهد اةنة والنار بعينه ال بعقله‪.‬‬

‫ونحن هنا ال نقارن عظمة هقا الرجل ﷺ بعظمة بوذا وكونفوشيوس وهتلر وليني وسييتال‬

‫كام فعل صاحب كتاب اخلالدون اتا ة‪ ،‬وإن كان قد جعل أعظمهو حممد ًا‪ ،‬والعهيب أنك جتييد‬

‫الناس فرح بقلك الكتاب‪ .‬إن مقام هقا الرجل ال يسمح إال بأن نضعه مل مصييا ا األنبييياء‬

‫عليهو الصالب والسالم؛ مل رتبة أعىل من نوح وإبراهيو وموسى وعيسييى وكييل أنبييياء اهلل عييز‬

‫وجل عليهو الصالب والسالم أمجع ‪ ،‬مل مقام ضييخو جييد ًا نقارنييه باتال كيية أمجعي ‪ ،‬بملييك‬

‫األرحاق‪ ،‬بملك البحار‪ ،‬بملك اةبال‪ ،‬بحملة العرش‪ ،‬بل وبهربيل عليه السييالم‪ ،‬جربيييل تييا‬

‫وصييل إ سييدرب اتنتهييى مل يسييتقع أن يتقييدم‪ ،‬وقييال لرسييول اهلل ﷺ‪( :‬لييو تقييدمت خقييوب‬

‫الحرتقت ‪ ،‬ولكن الرسول ﷺ مكنه اهلل عز وجل أن يتقدم‪ ،‬فتقدم للقاء اهلل عز وجل‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫إن عظو مقام هقا الرجل جعل له ذكر ًا خالد ًا‪ ،‬وعىل قدر هقه العظمة جيب أن يكييون اهتاممنييا‬

‫بسريته وحياته‪ ،‬وبكل دقيقة مر من حياته الرشيفة ﷺ‪.‬‬

‫حال أمة اإلسالم مل الوقت احلاض‬

‫إخواين مل اهلل؛ إن دراسة السريب النبوية مهمة مل كل حمان‪ ،‬وهي وال شك مل حماننا أهو‪ ،‬فحال‬

‫األمة وما أصيبت به من تصدم وتفكك وإَّنيار مل أجزاء‪ ،‬وإنحالل مل أجزاء أخرا‪ ،‬ما هو إال‬

‫أحمة خقريب متر هبا أمة اإلسالم‪ ،‬ونهد تباين ًا كبري ًا ب ما وصل اهلل عز وجل به هييقه األميية مل‬

‫كتابه الكريو وب حييال األميية الواقييع الييقي نييراه بأعيننييا‪ ،‬فيياهلل عييز وجييل يقييول مل كتابييه‬
‫نكي ِر َوت ُْؤ ِمنُي َ‬
‫ون بِياهللَِّ}‬ ‫ون بِاتَْ ْع ُرو ِ َو َتن َْهي ْو َن َعي ِن اتُْ َ‬ ‫مثالً‪ُ { :‬كنْت ُْو َخ ْ َري ُأ َّم ٍة ُأ ْخ ِر َج ْت لِلن ِ‬
‫َّاس ت َْأ ُم ُر َ‬
‫[ىلل عمران‪ .]110:‬ويقول‪َ { :‬وك ََقلِ َك َج َع ْلنَاك ُْو ُأ َّم ًة َو َس ًقا لِ َتكُونُوا ُش َهدَ ا َء َع َىل الن ِ‬
‫َّاس َو َي ُكي َ‬
‫ون‬

‫ول َع َل ْيك ُْو َش ِهيدً ا} [البقرب‪.]143:‬‬


‫الر ُس ُ‬
‫َّ‬

‫ثو تأيت بعد ذلك لتنظر إ واقع اتسلم وحاهلو‪ ،‬فتهد التأخر مل كل اتهاال التي جيييب أن‬

‫تنافس أمتنا غريها فيه‪ ،‬فمث ً‬


‫ال عىل الصييعيد العسييكري انظيير إ أي دوليية إسييالمية‪ ،‬وضييع مل‬

‫احلسبان أن عىل مساحة األمة اإلسالمية أكثر من ست دولة‪ ،‬جتد أن معظو الييدول اإلسييالمية‬

‫تسليحها أقل من تسليح الدول اتحاربة هلا‪ .‬وألول مرب مل التاريخ نسمع عن دولة تؤمر بتدمري‬

‫أسلحتها بنفسها وإال عوقبت‪ ،‬والدول اتحيقة من دول العرب واتسلم اعتقد أن هقا هو‬

‫القريو األمثل للنهاب‪ ،‬ثو تتتابع إليها اخلقابييا احلييادب‪ ،‬والكلييام الالذعيية‪ :‬مييا حال هنيياك‬

‫سالح مل يدمر‪ ،‬ما حال هناك سالح مداه طويل‪ ،‬ما حال هناك سالح عند عييدوك مثلييه ويصييبح‬

‫األصل أن تدمر الدولة أسلحتها بنفسها‪ ،‬وإال عوقبت‪.‬‬

‫ألول مرب مل التاريخ نسمع عن دول توقع عىل نفسها أَّنا ال تنتج سالح ًا يمتلكييه عييدوها‪ ،‬بييل‬

‫ونفتخر هبقا األمر‪ ،‬ويعلن بصيغة الفخر‪ ،‬وأننا نشارك مل هقه اتعاهدا ‪ ،‬مييع أن معظييو دول‬
‫‪3‬‬
‫األرض عندها نفس السالح‪ ،‬وتصبح منتهى أحالم اتسلم أن ينييزم السييالح ميين إ ا يييل‬

‫فقط‪ ،‬مع أَّنو يعلمون أن فرنسا وإنهلرتا وأمريكا وروسيا وحتى كوريا متتلك نفس السييالح‪،‬‬

‫لكن ال ينزم السالح من هؤالء‪.‬وما هقا مل احلقيقة إال تأخر عسكري رهيب مل يسبو مل تيياريخ‬

‫اتسلم ‪.‬‬

‫أما اةانب االقتصادي فإن التأخر فيه غري مفهوم مع إمكانيا األمة الضخمة‪ ،‬فأميية اإلسييالم‬

‫مشتهرب بالبرتول واتعادن والكميا اهلا لة من منتها اتواد اخلام‪ ،‬ومن سيقرِتا عىل ممرا‬

‫بحرية‪ ،‬وال أحد يعر ما سبب هقا التخلل الضخو مع كل هقه األمور؟!‬

‫كقلك يوجد تأخر علمي‪ ،‬بل فهوب ها لة بيننييا وبي غرينييا تقييدر بمتييا السيين ‪ ،‬ال أقييول‬

‫بعرشا السن أو بآحاد السن ‪.‬‬

‫تأخر حتى مل الوحدب‪ ،‬فال جتد دولت مسلمت إال وبينهام رصام ونزام عىل احلدود‪ .‬وهقا أمر‬

‫يشو كثري ًا عىل النفس‪.‬‬

‫حتى مل اتهال األخالقي‪ ،‬نحن دا ًام نقول‪ :‬إن احلضارب ليست هي األشياء اتادية فقط‪ ،‬ليست‬

‫السالح أو اتعامر أو األمييوال‪ ،‬بييل احلضييارب أشييياء كثييريب جمتمعيية مييع بعضييها‪ ،‬وميين أ هييا‬

‫األخالق‪ ،‬ثو انظر إ األمور األخالقية مل العامل اإلسالمي‪ ،‬ال تسأل عيين كيفييية التعامييل بي‬

‫اةريان مل البالد اإلسالمية‪ ،‬أو كيل يعامييل اتووفييون اةمهييور‪ ،‬أو مييا هييي أخبييار الرشييوب‬

‫والفساد‪ ،‬وأخبييار اإلعييالم وشاشييا األفييالم‪ ،‬واإلباحييية اتفرطيية مل األغيياين واإلعالنييا‬

‫والشوارم ومل كل مكان‪ ،‬حتى مل أماكن العلو كاةامعا واتدارس نرا أمور ًا كنا نتخيل أَّنا‬

‫ال توجد إال مل ملهى لييل‪ ،‬ثو وجدناها مل اةامعة‪ ،‬مل مكان العلو‪ ،‬مل اتكان القي يفييرتض أن‬

‫تركز الناس فيه أكثر تركيز عىل رفعة هقه األمة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫عوامل بناء األمة وتقيو النص‬

‫من اتؤكد أن القرىلن حو ال باطل فيه‪ ،‬وصدق ال كقب فيه‪ ،‬فييالقرىلن يقييول‪{ :‬كُنْيت ُْو َخي ْ َري ُأ َّمي ٍة‬

‫َّاس} [ىلل عمران‪ ،]110:‬ويقول‪َ { :‬وك ََقلِ َك َج َع ْلنَاك ُْو ُأ َّم ًة َو َس ًقا} [البقرب‪.]143:‬‬
‫ُأ ْخ ِر َج ْت لِلن ِ‬

‫فإذا كان القرىلن صادق ًا وحق ًا‪ ،‬فاخللل والعيب فينا نحن عندما مل نقبو تعاليمه‪ ،‬ومل نقبييو سيينة‬

‫نبينا ﷺ جيد ًا‪ ،‬لقلك حصل فينا ما حصل‪.‬‬

‫وأنا مع هقا كله ال أدعوكو إ اإلحبييا ‪ ،‬ولكيين أدعييوكو إ إعييادب بنيياء األميية اإلسييالمية‪،‬‬

‫وترميو الصدم الكبري القي حدث‪ ،‬فيها‪ ،‬وأقول لكو‪ :‬هناك أمل كبري مل إعادب البناء‪ ،‬بل هناك‬

‫يق مل إعادب البناء‪ ،‬وواهلل لسو تقوم األمة من جديييد وتيينهن؛ ألن هييقا مييا وعييد اهلل عييز‬

‫َنص ُر ُس َلنَا َوا َّل ِقي َن ىل َمنُيوا‬ ‫ِ‬


‫وجل به‪ ،‬واهلل ال خيلل اتيعاد‪ ،‬إن اهلل عز وجل يقول مل كتابه‪{ :‬إنَّا َلن ُ ُ‬
‫احل َي ِاب الدُّ ْن َيا َو َي ْو َم َي ُقو ُم األَ ْش َها ُد} [غافر‪ ،]51:‬ليس فقط يييوم القياميية‪ ،‬بييل مل احلييياب الييدنيا‬
‫ِمل ْ َ‬
‫أيض ًا‪ .‬يقول الرسول ﷺ مل احلدي الرشيل‪( :‬إن اهلل حوا يل األرض مشارقها ومغارهبا‪ ،‬وإن‬

‫ملك أمتي سيبلغ ما حوي يل منها فسيبلغ ملك أمة اتسلم حت ًام مشييارق األرض ومغارهبييا‪،‬‬

‫فهقا وعد ملك اتلوك عىل لسان الصادق اتصدوق ﷺ‪.‬‬

‫لكن مل مسألة اليق ال بد من احلدي عن نققت عليهام حمور هقه اتسألة‪.‬‬

‫اليق اةاحم بوعد اهلل بالنص‬

‫النققة األو ‪ :‬أننا نريد يقيني ًا مثييل يقي الصييحابة رم اهلل عيينهو أمجعي خاصيية مل غييزوب‬

‫األحزاب‪ ،‬واألحزاب متهمعة حول اتدينة اتنورب مل عرشب ىلال رجييل‪ ،‬وهييقا رقييو ضييخو‬

‫جد ًا مل حمان اةزيرب العربية وقت رسول اهلل ﷺ ضا قة شديدب جد ًا‪ ،‬والرسييول ﷺ مل وسييط‬

‫هقه الضا قة يرضب احلهر الضخو القي استعىص عىل الصحابة ويقول‪( :‬اهلل أكييرب؛ أعقيييت‬

‫‪5‬‬
‫مفيياتيح الشييام‪ ،‬واهلل؛ إين ألرا قصييورها احلمييراء السيياعة‪ ،‬ثييو ضب الثانييية وقييال‪ :‬اهلل‬

‫أكرب؛أعقيت مفاتيح فارس‪ ،‬واهلل؛ إين ألرا قص اتدا ن األبين‪ ،‬ثو ضب الثالثة وقييال‪ :‬اهلل‬

‫أكرب! أعقيت مفاتيح اليمن‪ ،‬واهلل! إين ألرا قصور صنعاء من مكاين ‪.‬‬

‫ختيل حال الصحابة وهو يسمعون برشا رسول اهلل ﷺ بفتح فارس والشام واليييمن وهييو مل‬

‫هقه الضا قة ماذا كان حاهلو؟! أما اتؤمنون فقد قالوا كام حكى اهلل عييز وجييل عيينهو مل كتابييه‬
‫الكريو‪َ { :‬وتََّا َر َأا اتُْ ْؤ ِمنُ َ‬
‫ون األَ ْح َز َ‬
‫اب َقا ُلوا َه َقا َما َوعَدَ نَا اهللَُّ َو َر ُسو ُل ُه َو َصدَ َق اهللَُّ َو َر ُسو ُل ُه َو َما‬

‫َحا َد ُه ْو إِ َّال إِ َيامنًا َوت َْس ِل ًيام} [األحزاب‪ .]22:‬مل هقه الضا قة علموا أن نص اهلل عز وجل قريب؛‬

‫ألن نص اهلل عز وجل يأيت بعد اشتداد األحما ‪ ،‬لكن اتنافقون تا شيياهدوا الفهييوب الواسييعة‬

‫ب إمكانيا اتسلم مل اتدينة اتنورب‪ ،‬وب إمكانيا األحييزاب‪ ،‬قييالوا كييام حكييى اهلل عييز‬
‫ون َو َّالي ِقي َن ِمل ُق ُلي ِ ِ‬
‫وهب ْو َمي َر دض َميا َو َعيدَ نَا اهللَُّ‬ ‫ول اتُْنَيافِ ُق َ‬
‫وجل عنهو مل كتابه الكريو‪َ { :‬وإِ ْذ َي ُقي ُ‬

‫َو َر ُسو ُل ُه إِ َّال ُغ ُر ً‬


‫ورا} [األحزاب‪ ،]12:‬هكقا قال اتنافقون تا اعتمييدوا مل تقييييمهو عييىل ر ييية‬

‫الفهوب الواسعة الضخمة ب حال اتؤمن مل هقه اللحظة وب حال الكافرين‪ ،‬مل يقدروا قدر‬

‫اهلل عز وجل‪ ،‬مل يقدروا عظمة اهلل عز وجل‪ ،‬مل يقدروا قوب اهلل عز وجل‪ ،‬وتا كييان اتنييافقون ال‬

‫يؤمنون كان هقا هو التقييو الال و هبو‪ ،‬أما اتؤمنون الصييادقون الييقين يعلمييون قييدر اهلل عييز‬

‫وجل وعظمته فقد علموا أن النص قريب؛ ألن األحمة اشتد ‪ .‬وها هي األحميية قييد اشييتد‬

‫عىل األمة اإلسالمية واستحكمت حلقاِتا‪ ،‬وسيأيت النص إن شاء اهلل رب العات ‪.‬‬

‫الدور اتنو بكل فرد ومجاعة مل بناء األمة وفو اتنهج الرشعي‬

‫النققة الثانية‪ :‬ما هو دورك مل بناء هقه األمة اإلسالمية؟ نحن دا ًام ننتظر أناس ًا من اخلارج تأيت‬

‫لتعيد بناء األمة اإلسالمية من جديد‪ ،‬لكن أين الدور القي كلفك اهلل عز وجل به إلعادب إعامر‬

‫األمة اإلسالمية‪ ،‬أو إلعادب ترميو األمة اإلسالمية لكي تعود إ الصدارب كييام وصييفها اهلل عييز‬

‫‪6‬‬
‫س بِ َام ك ََس َب ْت َر ِهينَ دة}‬ ‫وجل بقوله‪ُ { :‬كنْت ُْو َخ ْ َري ُأ َّم ٍة ُأ ْخ ِر َج ْت لِلن ِ‬
‫َّاس} [ىلل عمران‪{ ]110:‬ك ُُّل َن ْف ٍ‬

‫[اتدثر‪َ { ]38:‬وال ت َِز ُر َو ِاح َر دب ِو ْح َر ُأ ْخ َرا} [األنعام‪ .]164:‬إن قص كل الناس مل أعامهلو فليين‬

‫حياسبك اهلل عز وجل إال عىل تقصريك أنت فقط‪ ،‬وهقا من عدل اهلل عز وجل‪ .‬كل واحييد منييا‬

‫يريد أن يعيد بناء األمة عىل طريقته‪ ،‬وعىل منههه‪ ،‬فهناك من يقول‪ :‬إن كنييا نريييد أن نعيييد بنيياء‬

‫األمة اإلسالمية ال بد وأن نأخق اتنهج االشرتاكي‪ ،‬ورغو ما استفاض من أنه منهج خقييأ‪ ،‬إال‬

‫أن بعن الدول ما حالت مستمرب مل النفاح عنه‪ ،‬مع أن الدول التي اخرتعته قد ختلت عنه‪ .‬ثييو‬

‫مجاعة أخرا تقول‪ :‬نأخق اتنهج الرأساميل‪ .‬وأخرا تقول‪ :‬نهرب القانون الفرنيسيي‪ ،‬وأخييرا‬

‫اإلنهليزي‪ ،‬وأخرا اإليقايل وهكقا نلملو ميين الرشييق وميين الغييرب‪ ،‬ونختلييل ونتصييارم‬

‫ونتشاحن؛ ألننا خمتلفون عىل اتناهج‪ ،‬فعندما يأيت وقت االختال من نحكو؟ اسمع لنصيحة‬

‫رسول اهلل ﷺ مل مثييل هييقا اتوقييل‪ ،‬يقييول ﷺ مل احلييدي الييقي رواه أبييو داود والرتمييقي‬

‫وصححه عن العرباض بن سارية رم اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬قال‪( :‬وعظنا رسول اهلل ﷺ موعظيية‬

‫بليغة‪ ،‬وجلت منها القلوب‪ ،‬وذرفت منها العيون‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول اهلل! كأَّنييا موعظيية مييودم‪،‬‬

‫فأوصنا‪ ،‬قال‪ :‬أوصيكو بتقوا اهلل‪ ،‬والسمع والقاعة وإن تأمر عليييكو عبييد‪ ،‬وإنييه ميين يعي‬

‫منكو فسريا اختالف ًا كثري ًا ‪ ،‬وهقه هي اتشكلة التي نحن واقعون فيها اآلن‪ ،‬يييا تييرا بميينهج‬

‫من نأخق؟ نأخق بمنهج الرشق أو الغرب!! ثو قال‪( :‬فعليكو بسنتي وسنة اخللفيياء الراشييدين‬

‫اتهدي ‪ ،‬عضوا عليها بالنواجق‪ ،‬وإياكو وحمدثا األمور؛ فإن كييل بدعيية ضيياللة ‪ .‬ميين هنييا‬

‫كانت دراسة حياب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ودراسة حياب اخللفاء الراشدين اتهدي أمر ًا حتمي ًا تيين أراد‬

‫أن هيتدي إ القريو الصحيح لبناء األمة اإلسالمية‪ ،‬ولن ينفع أن نبنيها عىل غري منهج رسييول‬

‫اهلل ﷺ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫سبب االقتصار عىل ذكر بعن جوانب العهد اتكي مل حياب النبي ﷺ‬

‫مل هقه اتهموعة من الدروس نتحدث عن جانب من حياب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهو العهييد اتكييي‬

‫من السريب النبوية‪ ،‬وليس الغرض من وراء هقا اتهموعة استقصاء كل واقعة حدثت مل حييياب‬

‫رسول اهلل ﷺ مل مكة‪ ،‬فهقا أمر يقول رشحه‪ ،‬ويعهز البيان عن وصفه ألمور‪:‬‬

‫كثرب الوقا ع والتفاصيل اتسهلة مل حياته عليه الصالب والسالم‬

‫األمر األول‪ :‬أن الفرتب اتكية قد سهلت كل وقا عها بدقة‪ ،‬وبالقا منق مبع رسييول اهلل ﷺ‬

‫إ أن ما ‪ ،‬كل حلظة مل حياب رسول اهلل ﷺ منق أن بع وإ أن مييا سييهلت‪ ،‬ومل تسييهل‬

‫حياب إنسان عىل وجه األرض هبقه الدقة‪ ،‬حتى دخل التسهيل إ أدق تفاصيل حييياب الرسييول‬

‫ﷺ‪ ،‬ولعل من ِح َك ِو حواجه ﷺ من عدد كبري من النساء‪ :‬أن ينقلن احلكمة التييي تعلمنهييا ميين‬

‫حياب رسول اهلل ﷺ الشخصية الداخلية التي ال يراهييا غييريهن‪ ،‬ومييا هييقا التسييهيل الضييخو‬
‫َان َل ُكيو ِمل رسي ِ‬
‫ول اهللَِّ‬ ‫الدقيو إال ألنه ﷺ قدوب كاملة‪ ،‬وليس بعده نبي إ يوم القيامة‪َ { ،‬ل َقدْ ك َ‬
‫ْ َ ُ‬
‫اآلخيي َر َو َذ َكيي َر اهللََّ ك َِثيي ًريا} [األحييزاب‪.]21:‬‬
‫ان يرجييو اهللََّ وا ْليييوم ِ‬
‫َ َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ُأ ْسيي َو دب َح َسيينَ دة َتيي ْن َكيي َ َ ْ ُ‬
‫إذ ًا‪ :‬نحن مقالبون باتبام رسول اهلل ﷺ مل كل خقوب من خقوا حياتنييا‪ ،‬مل رضيياه وغضييبه‬

‫ﷺ‪ ،‬مل حزنه و وره‪ ،‬ومل حله وترحاله‪ ،‬إذا رم فهقا هو اتوضع القي جيب أن نرىض فيه‪،‬‬

‫وإذا غضب فهقا هو اتوضع القي جيب أن نغضب فيه‪.‬‬

‫التنوم مل حياته عليه الصالب والسالم‬

‫األمر الثاين القي جعل إحصاء كل أمر مل حياب الرسول ﷺ أميير صييعب‪ :‬التنييوم العهيييب مل‬

‫حياب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فتارب يكون مقارد ًا معرض ًا لييىذا واالضييقهاد كييام مل حييادث اهلهييرب‪،‬‬

‫خيرج الرسول ﷺ هو وأبو بكر الصديو رم اهلل عنه وأرضاه فارين من أهل مكة ورسول اهلل‬

‫‪8‬‬
‫ﷺ مل ذلك مقلوب الرأس‪ ،‬وكقلك أبو بكر الصديو رم اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬إ أن يصييال إ‬

‫اتدينة اتنورب بعد أيام من الفرار‪ ،‬ومل نفس سريب هييقا الرجييل العظيييو ﷺ جتييد أنييه ممكيين مل‬

‫األرض‪ ،‬يرسل الرسا ل إ كل عظامء األرض‪:‬‬

‫من حممد ﷺ إ كرسا عظيو فارس‪.‬‬

‫من حممد ﷺ إ قيص عظيو الروم‪.‬‬

‫إ اتقوقس عظيو مص‪.‬‬

‫انظروا الفرق الضخو اهلا ل ب حالة كان يعيشها ﷺ‪ ،‬وب حالة أخرا عاشها ذاته‪ ،‬تارب جتد‬

‫أنه ﷺ يعاهد قوم ًا‪ ،‬وتارب حيارهبو‪ ،‬تارب يكون فقري ًا معدم ًا يربط عىل بقنه حهرين من اةييوم‪،‬‬

‫وال يوقد مل بيته النار ثالثة أهلة مل شهرين‪ ،‬ومل وقت ىلخر من السريب جتد أن هقا الرجييل ذاتييه‬

‫قد أصبح غني ًا تأتيه األموال من كل بقام اةزيرب العربية‪ ،‬وينفو األموال مل سبيل اهلل إنفاق ًا غري‬

‫مسبوق‪ ،‬يعقي هقا ما ة من اإلبل‪ ،‬وهقا ما ة من اإلبل‪ ،‬وهقا أكثيير‪ ،‬وهييقا أقييل ينفييو إنفاقي ًا‬

‫عهيب ًا! هقا هو نفس الرجل القي كان يتعامل مع اتشييرك واليهييود والنصييارا واتنييافق‬

‫واتؤمن ‪ ،‬فتارب ينتص عليهو‪ ،‬وتارب هيزم‪ .‬كل تنوم ممكن حيصل مل حياب أمة قد حدث مل حياب‬

‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫هقا أمر جيعل إحصاء كل مواقل السريب أمر صعب جد ًا‪ ،‬خصوص ًا وأنت تريد أن تالحظ كل‬

‫هقه اتتغريا مل حياب رسول اهلل ﷺ ضمن جمموعة واحدب من الدروس‪.‬‬

‫أثره ﷺ مل بناء اةيل الفريد القي غري جمرا التاريخ‬

‫ال را ع ًا عظي ًام عاش مع رسييول اهلل ﷺ‪ ،‬هييقا اةيييل العظيييو خلييو‬
‫األمر الثال ‪ :‬أن هناك جي ً‬

‫أحداث ًا ال َّناية هلا‪ ،‬تعهز عرشا اتهلدا عن محلها‪ .‬وهكقا اإلنسييان العظيييو إذا عيياش مل‬

‫‪9‬‬
‫مل وسييط‬ ‫جمتمع من الناس ليست هلو قيمة يضيع بينهو‪ ،‬لكن الرجل العظيييو هييو ميين يعييي‬

‫عظامء يتفاعلون معه بصورب إجيابية مل كل حلظة من حلظا احلياب‪ ،‬يتحركون بحمية‪ ،‬يفكييرون‬

‫بهدية‪ ،‬يتناقشون بفهو ووعي وإدراك‪ ،‬يفكرون بقكاء‪ ،‬وكل واحد من هؤالء الصييحابة قصيية‬

‫ضخمة مل حد ذاته‪ ،‬فهقا أبو بكر مث ً‬


‫ال حيتاج إ عرشا اتهلدا لوصل مواقفه مع رسييول‬

‫اهلل ﷺ‪ ،‬كقلك عمر وعثامن وعيل وعا شة وحفصة وصفية‪ ،‬وكل اتهاجرين واألنصييار‪ ،‬ىلال‬

‫من الكتب واتراجع كتبت عن هؤالء الصحابة‪ ،‬وكل هقا مل النهاية هو جزء من سريب رسييول‬

‫اهلل ﷺ‪.‬‬

‫حياب النبي ﷺ كلها أحداث عظيمة‬

‫األمر الرابع‪ :‬األحداث العظيمة التي تدث مل حياب الناس‪ ،‬كلام عظو احلدث احتاج إ دراسة‬

‫وتليل ووصل ورشح‪ ،‬أحيان ًا متر عىل حياب الناس عرشا السن دون حدث عظيو يييؤثر مل‬

‫حياب جمموم البرش‪ ،‬لكن األحداث اتؤثرب تتاج إ تفصيل ودراسة‪ ،‬ممكيين جتييد دوليية تعييي‬

‫عرشا السن دون أن جتد مل حياِتا حدث ًا ضخ ًام مؤثر ًا‪.‬‬

‫فمث ً‬
‫ال عندما حدث مل مص حرب رمضان اتباركة‪ ،‬نسييأل اهلل عييز وجييل أن يعيييد للمسييلم‬

‫أمثاهلا‪ ،‬كو جرا هلا من تليل ودراسة رغو أَّنييا وقعييت ميين عقييود‪ ،‬وإ اآلن نكتييب عنهييا‪،‬‬

‫وسيظل يكتب عنها اتحللون واتؤرخون؛ ألَّنا حدث كبري‪.‬‬

‫كيل وحياب الرسول ﷺ كلها أحداث ووقا ع؟ ففي سنة ‪ 2‬هي حدثت موقعة حربييية ضييخمة‬

‫هي غزوب بدر‪ ،‬ومل ‪3‬هي غزوب أحد وبنو قينقام‪ ،‬ومل ‪4‬هي بنو النضري‪ ،‬ومل ‪5‬هي األحزاب وبنييو‬

‫قريظة وبنو اتصقلو وهكقا هي حياب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وانظر كو نحتاج إ تاليل ودراسا ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫قواعد مل دراسة السريب النبوية‬

‫السريب مع ال ينضب‪ ،‬ومل كل حمن ينظر اتفكرون مل هقه السريب يستخرجون منهييا اةديييد‪،‬‬

‫مع أن احلدث نفسه قد فكر فيييه ميين قبييل ىلال ميين اتفكييرين واتحللي ‪ ،‬إال أن هنيياك أثيير ًا‬

‫ملحوو ًا من أحداث السريب النبوية‪ ،‬وهييدف ًا كبييري ًا نحيين نفكيير فيييه‪ ،‬وهييو إعييادب بنيياء األمية‬

‫اإلسالمية بدراسة السريب النبوية اتقهرب اترشفة‪ ،‬وأي دراسة للسييريب سيينخرج منهييا بفوا ييد‪،‬‬

‫لكن نحن نريد أن نضع بعن القواعد التي لو جعلناها نصب أعيننا أثناء دراسيية كييل حييدث‬

‫سنستفيد استفادب أكرب وأعمو‪ ،‬وسنضع هلقا األمر أربع قواعد‪ ،‬فكل حدث حاول أن تالحييظ‬

‫فيه هقه القواعد‪ ،‬وكل موقل يمر عليك جرب أن تقبو عليه هقه القواعد‪.‬‬

‫‪.1‬السريب النبوية اتصدر الثاين للترشيع مل دين اإلسالم‬

‫القاعدب األو ‪ :‬أن السنة هي اتصدر الثاين للترشيع مل الدين اإلسالمي؛ إذ اتصييدر األول بييال‬

‫جدال هو القرىلن الكريو‪ ،‬واتصدر الثاين هو السنة اتقهرب‪.‬‬

‫والسنة‪ :‬هي كل قييول أو فعييل أو تقرييير لرسييول اهلل ﷺ‪ ...‬بمعنييى‪ :‬أن أي فعييل فعلييه أحييد‬

‫الصحابة وأقره عليه رسول اهلل ﷺ بأن سكت عنه أو استحسنه فهو من السنة اتقهرب‪ ،‬وليييس‬

‫من اتمكن أن تعر السنة من غري دراسة السريب النبوية‪.‬‬

‫مصادر الترشيع الر يسية هي القييرىلن والسينة‪ ،‬وهنيياك مصييادر أخييرا كثييريب‪ ،‬مثييل‪ :‬اإلمجييام‬

‫والقياس واالستحسان واتصالح اترسلة واالستصحاب والعر إ مصييادر كثييريب اختلييل‬

‫الفقهاء مل ترتيبها‪ ،‬لكن مل خيتلل أحد مل أن القييرىلن هييو اتصييدر األول والسيينة هييي اتصييدر‬

‫الثاين‪ ،‬وليس عنهام بديل‪ .‬السنة مل غاية األ ية مل الترشيع اإلسالمي‪ ،‬وكييقلك السييريب ال بييد‬

‫منها لفهو السنة مل الترشيع اإلسالمي‪ ،‬يقول اهلل عز وجييل مل كتابييه الكييريو‪َ { :‬و َأ َنز ْلنَيا إِ َل ْيي َك‬

‫‪11‬‬
‫القك َْر لِ ُت َب ا َ لِلن ِ‬
‫َّاس َما ن اُز َل إِ َل ْي ِه ْو} [النحل‪ ،]44:‬من غري السريب ومن غري السنة لن تسييتقيع أن‬ ‫ا‬

‫تفهو القرىلن الكريو‪.‬‬

‫عندما نمر عىل حدث من أحييداث حييياب رسييول اهلل ﷺ‪ ،‬فيينحن نميير عييىل أميير ميين األمييور‬

‫الترشيعية مل الدين اإلسالمي حلياب اتسلم ؛ ألننا ندرس مل السييريب الييدين‪ ،‬فليسييت دراسيية‬

‫السريب جمرد يشء لقيل نقر ه‪ ،‬أو نتسىل بقراءته‪ ،‬أو جمرد سريب رجل عظيو‪ ،‬هييقا هييو دينييك‪،‬‬

‫هقا هو القي ستقابل به اهلل سبحانه وتعا وسيسألك عنه‪ ،‬ولو فهمت السريب بشكل صييحيح‬

‫وطبقتها ستقابل ربك بوجه حسيين‪ ،‬وبعمييل صييالح‪ .‬ثييو احييقركو ميين طا فيية بعضييهو ميين‬

‫اتسلم تشك مل أمر السريب النبوية‪ ،‬وتزعو أَّنا تكتفي بالقرىلن الكريو‪ ،‬وقد تنبأ الرسييول ﷺ‬

‫هبقه القا فة مل احلدي القي رواه أبو داود والرتمقي‪ ،‬يقول رسييول اهلل ﷺ‪( :‬يوشييك رجييل‬

‫منكو متكئ عىل أريكته ُحيدث بحدي عني فيقول‪ :‬بيننا وبينكو كتاب اهلل‪ ،‬فام وجدنا فيييه ميين‬

‫حالل استحللناه‪ ،‬وما وجدنا فيه من حرام حرمناه‪ ،‬أال وإن ما حرم رسول اهلل ﷺ مثييل الييقي‬

‫حرم اهلل ‪.‬ونحن أيض ًا نقول هلو‪ :‬اسييتمعوا إ كييالم اهلل عييز وجييل مل القييرىلن الكييريو الييقي‬
‫ِ‬
‫ول َف َقيدْ َأ َطي َ‬
‫ام اهللََّ} [النسيياء‪.]80:‬‬ ‫الر ُسي َ‬
‫تؤمنون به‪ ،‬يقول اهلل عز وجل مل كتابييه‪َ { :‬مي ْن ُيقي ِع َّ‬
‫وك} [النساء‪ ]65:‬أي‪ :‬حيكموك أنت يا حممييد {فِي َيام‬ ‫حيك ُام َ‬ ‫ُون َحتَّى ُ َ‬‫ويقول‪َ { :‬فال َو َر اب َك ال ُي ْؤ ِمن َ‬

‫َش َه َر َب ْين َُه ْو ُث َّو ال َجيِدُ وا ِمل َأن ُف ِس ِه ْو َح َر ًجا ِممَّا َق َض ْي َت َو ُي َس ال ُموا ت َْسي ِل ًيام} [النسيياء‪ .]65:‬ويقييول‬

‫َّنيياك ُْو َع ْنيي ُه َفييا ْنت َُهوا} [احلرشيي‪.]7:‬‬ ‫الر ُسيي ُ‬


‫ول َف ُخيي ُقو ُه َو َمييا َ َ‬ ‫سييبحانه وتعييا ‪َ { :‬و َمييا َىلتيياك ُُو َّ‬
‫والصحابة رم اهلل عنهو ما كانوا يفرقون ب قرىلن وسنة‪ ،‬أما لو كان أحييد ال يييؤمن بييالقرىلن‬

‫أص ً‬
‫ال وبأوامر القرىلن فال داعي للكالم معه‪ ،‬إذ األمر معه منققع‪.‬‬

‫كل حدث مل سريب الرسول ﷺ قد يكون أمر ًا ترشيعي ًا‪ ،‬حتى وإن كان جز ي ًا من الييدين‪ ،‬ال بييد‬

‫أن تنتبه له لكي تقبقه‪ ،‬وإذا مل تقبقه فلعلك أن تضل وتبعد‪ ،‬ثو يقال لك‪ :‬سحق ًا سحق ًا‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ .2‬التعر الصحيح عىل شخصية النبي ﷺ‬

‫القاعييدب الثانييية‪ :‬هييي التعيير عييىل شخصييية رسييول اهلل ﷺ‪ ،‬نريييد أن نعيير ميين هييو‬

‫رسول اهلل ﷺ؟ هو خري البرش أمجع ‪ ،‬وخاتو اترسل ‪ ،‬وسيد األول واآلخييرين هييو أعظييو‬

‫شخصية سار عىل هقه األرض منييق بييدء اخللييو وإ يييوم القياميية‪ ،‬فهييو شخصييية جييديرب‬

‫بالدراسة‪ ،‬وهناك أشياء كثريب نريد أن نعرفها عن شخصية رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ونضعها مل أذهاننييا‬

‫بوضوح عند كل موقل من مواقفه ﷺ‪ .‬أهو يشء مل حياب رسول اهلل ﷺ‪ :‬هو أنه رسييول ميين‬

‫عند رب العات ‪ .‬لقد شاء اهلل عز وجل أال يكلو عباده مل الدنيا كفاح ًا‪ ،‬وأبقى ذلك نعييي ًام تيين‬

‫دخل اةنة‪ ،‬وشاء كقلك أن خياطب عباده عن طريو رسول من البرش‪ ،‬ومن كل اخللييو اختييار‬

‫حممد ًا ﷺ ليبلغ الناس الرسالة العاتية عنه سبحانه وتعا ‪.‬‬

‫رسول اهلل ﷺ مل حقيقته ما هو إال ناقل عن رب العزب سبحانه وتعا ‪َ { ،‬و َما َينْقِ ُو َع ِن ْاهل َ َوا*‬

‫إِ ْن ُه َو إِ َّال َو ْح دي ُي َ‬
‫وحى} [النهو‪ ،]4 - 3:‬وعىل هقا القدر من األ ية جيب أن يؤخييق حييدي‬

‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وعىل هقا القدر من العظمة جيب أن تؤخق سريب رسييول اهلل ﷺ‪ ،‬هييقه السييريب‬

‫هي النموذج العميل التقبيقييي الييقي رسييمه اهلل عييز وجييل خللقييه كييي يقتييدوا بييه ويقلييدوه‪.‬‬

‫والسريب هي اتنهج القي نميش عليه‪ ،‬وهي الدليل مل الصحراء‪ ،‬ومن غري الدليل سو َّنلييك‬

‫ال حمالة‪.‬فلو ثبت أن رسول اهلل ﷺ فعل فع ً‬


‫ال ما‪ ،‬فهو ما أراده اهلل عز وجل منا‪ ،‬حتييى لييو كييان‬

‫هقا الفعل من النوافل‪ ،‬فهي ليست من اخرتام الرسول ﷺ‪ ،‬فهناك من يظن أن الظهيير فرضييه‬

‫ربنا سبحانه وتعا علينا أربع ركعا ‪ ،‬ثو اجتهد الرسول عليه الصالب والسييالم وقييال‪ :‬أربييع‬

‫ركعا قبلها وأربع ركعا بعدها‪ ،‬األمر ليس كييقلك‪ ،‬فيياهلل عييز وجييل قييد رشم للفييرا ن‬

‫رواتب من السنن جاء قبله وبعده‪ ،‬وجعييل هييقه فرضي ًا وجعييل هييقه نافليية‪ ،‬وكييل يشء مل‬

‫األخري مرده إ اهلل سبحانه وتعا ‪ .‬حتى لو اختييار رسييول اهلل ﷺ مل أميير مييا خييال األو ‪،‬‬

‫‪13‬‬
‫حي كان من اتفروض أن خيتار كقا‪ ،‬ولكنه اختار رأي ًا ىلخر أقل منه درجة‪ ،‬فييإن الييوحي يييأيت‬

‫ليعدل اتسار وخيتار لرسول اهلل ﷺ االختيار األكمل‪ ،‬القي يصييلح هلييقه األميية مل حمانييه وإ‬

‫يوم القيامة‪.‬‬

‫دراسة السريب من هقا اتنظور تعقي هلييا قييدر ًا عظييي ًام جييد ًا ميين األ ييية‪ ،‬نحيين ال نييدرس أي‬

‫شخصية‪ ،‬نحن ندرس شخصية رسول من رب العييات ‪ ،‬وليييس فقييط أي رسييول؛ بييل خييري‬

‫الرسل وخاتو النبي ‪.‬‬

‫هقه القاعدب الثانية من القواعد التي من اتفروض أن نضعها مل أذهاننييا عنييد كييل حييدث ميين‬

‫أحداث السريب النبوية؛ ألننا نتعامل مع وحي من رب العات ‪.‬‬

‫‪ .3‬كيفية حمبة الرسول ﷺ‬

‫القاعدب الثالثة‪ :‬هي أن نتعلو كيل نحب الرسول ﷺ؟ حب الرسول ﷺ جيييب أن يفييوق كييل‬

‫حب‪ ،‬إن مل حيدث هقا احلب فهناك خلل مل اإليامن‪ ،‬يقول الرسييول ﷺ مل احلييدي الرشيييل‪:‬‬

‫(ال يؤمن أحدكو حتى يكون اهلل ورسوله أحب إليه مما سوا ا ‪ .‬ويقول‪( :‬ال يؤمن العبد حتى‬

‫‪ ،‬رواه البخاري ومسلو‪.‬‬ ‫أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أمجع‬

‫وكلنا نحفظ احلوار اللقيل القي دار ب رسول اهلل ﷺ وب عمر بن اخلقيياب‪ ،‬فقييد جيياء مل‬

‫صحيح البخاري أن عمر بن اخلقاب قال‪( :‬يا رسول اهلل؛ ألنييت أحييب إيل ميين كييل يشء إال‬

‫نفيس ‪ ،‬كلنا حيب نفسه‪ ،‬ولكن انتبه وقل وقفة صادقة مثلام وقييل عميير مييع نفسييه‪ ،‬وراجييع‬

‫نفسك‪ :‬هل أنت تقدم أحكام رسول اهلل ﷺ مل كل شأن من شتون حياتك‪ ،‬أم أن حبييك حييب‬

‫سقحي‪ ،‬تقدم حب أشياء كثريب فوق حب رسول اهلل ﷺ؟ إن كان سيدنا عمر قال‪( :‬يا رسييول‬

‫اهلل؛ أنا أقدم حبك عىل كل يشء إال نفيس ‪ ،‬فقال له ﷺ‪( :‬ال والقي نفيس بيييده‪ ،‬حتييى أكييون‬

‫‪14‬‬
‫أحب إليك من نفسك ‪ ،‬فقال عمر‪( :‬فأنت اآلن واهلل أحب إيل من نفيس ‪ ،‬فقال ﷺ‪( :‬اآلن يا‬

‫عمر يعني‪ :‬اآلن اكتمل اإليامن‪ ،‬اآلن اكتمل الصدق مع اهلل عز وجل‪ ،‬لن تكون صادق ًا مع اهلل‬

‫حيبِي ْبك ُُو اهللَُّ‬ ‫ون اهللََّ َفاتَّبِ ُع ِ‬ ‫عز وجل مل اتباعه ومل حمبته إال باتبام رسوله ﷺ‪ُ { ،‬ق ْل إِ ْن ُكنْتُو ُ ِ‬
‫ت ُّب َ‬
‫وين ُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يو} [ىلل عمران‪.]31:‬‬ ‫َو َي ْغف ْر َلك ُْو ُذنُو َبك ُْو َواهللَُّ َغ ُف د‬
‫ور َرح د‬

‫إن دراسة السريب تع عىل حب رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫وحب رسول اهلل ﷺ قضية حمورية مل إيامن العبد‪ ،‬والتعر السقحي عىل شخصية ما ال يتولد‬

‫عنه عميو حب‪ ،‬إنام التعر عىل دقا و احلياب‪ ،‬واكتشا مواطن العظمة اتختلفة مل الشخصية‬

‫هي التي تولد احلب مل قلب اإلنسان‪ ،‬وال أحسب إنسان ًا صاحب فقرب سليمة يقييرأ أو يسييمع‬

‫عن رسول اهلل ﷺ وال حيبه‪ ،‬وكلام عرفته أكثر كلام أحببته أكثر‪ ،‬وكلام أحببته أكثيير حاد إيامنييك‪،‬‬

‫إَّنا عالقة تفاعلية مل غاية األ ية مل حياب اتؤمن ‪.‬‬

‫اقرأ عن أي موقل من مواقل السريب‪ ،‬ضع إصييبعك بصييورب عشييوا ية عييىل أي موقييل ميين‬

‫مواقل رسول اهلل ﷺ مل حياته‪ ،‬منق ولد وإ أن ما ﷺ‪ ،‬اقرأ مل حياته كلها عيين معامالتييه‪:‬‬

‫كيل كان يتعامل مل بيته مع حوجته‪ ،‬مع بناته؟ كيل كييان يتعامييل مييع أصييحابه؟ كيييل كييان‬

‫يتعامل مع أعدا ه؟ اقرأ عن جهاده‪ ،‬عن أي غزوب قادهييا ﷺ‪ ،‬عيين صييدقه‪ ،‬عيين أمانتييه‪ ،‬عيين‬

‫شهاعته‪ ،‬عن تقواه‪ ،‬عن عبادته‪ ،‬عن قضا ه‪ ،‬عن سياسييته‪ ،‬عيين اتعاهييدا التييي عقييدها ﷺ‬

‫كاحلديبية مثالً‪ .‬اقرأ عن اهلهرب‪ ،‬عن بدر‪ ،‬عن أحد‪ ،‬عن فتح مكة‪ ،‬عيين أي موقييل وسييتحب‬

‫رسول اهلل ﷺ حب ًا عميق ًا‪.‬‬

‫لقد عدَّ اهلل عز وجل حممد ًا ﷺ نعمة ومنة منه عىل اخللو‪ ،‬قال اهلل عز وجل مل كتابه‪َ { :‬ل َقدْ َمي َّن‬
‫ِ‬ ‫وال ِم ْن َأ ْن ُف ِس ِه ْو َي ْت ُلوا َع َل ْي ِه ْو ىل َياتِ ِه َو ُي َزك ِ‬
‫اهللَُّ َع َىل اتُْ ْؤ ِمنِ َ إِ ْذ َب َع َ فِ ِيه ْو َر ُس ً‬
‫اب‬ ‫ايه ْو َو ُي َع ال ُم ُه ُو ا ْلك َتي َ‬
‫الل ُمبِ ٍ } [ىلل عمران‪.]164:‬‬ ‫احلكْم َة َوإِ ْن كَانُوا ِم ْن َق ْب ُل َل ِفي َض ٍ‬ ‫ِ‬
‫َو ْ َ‬
‫‪15‬‬
‫من القواعد اهلامة جد ًا التي تضعها مل تفكريك وأنت تدرس السريب‪ :‬أنك تب رسييول اهلل ﷺ‬

‫بقدر ما تستقيع‪ ،‬ركز مل كل حدث من سريته ﷺ أن تزرم هقا احلب مل قلبك وإال لن تنهييو‪،‬‬

‫اج ُكي ْو‬ ‫ان َىلبيا ُ ك ُْو َو َأ ْبنَيا ُ ك ُْو َوإِ ْخي َوا ُنك ُْو َو َأ ْح َو ُ‬
‫قال اهلل عز وجل مل كتابييه الكييريو‪ُ { :‬قي ْل إِ ْن َكي َ‬

‫ب إِ َل ْيك ُْو ِمي َن اهللَِّ‬ ‫ِ‬ ‫و َع ِشري ُتكُو و َأمو دال ا ْق َرت ْفتُم َ ِ‬
‫وها َو َجت َار دب َخت َْش ْو َن ك ََسا َد َها َو َم َساك ُن ت َْر َض ْو ََّنَا َأ َح َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ َ َْ‬ ‫َ‬
‫اسي ِق َ }‬ ‫اد ِمل سيبِ ِيل ِه َف َرتبصيوا ح َّتيى يي ْأ ِيت اهللَُّ بِي َأم ِر ِه واهللَُّ ال هيي ِدي ا ْل َقيوم ا ْل َف ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ‬ ‫َ‬
‫ورسيولِ ِه و ِجهي ٍ‬
‫َ َ‬ ‫ََ ُ‬
‫[التوبة‪ ،]24:‬اتسألة ليست فقط ارتفاع ًا مل قدر اإليامن‪ ،‬بل اتسألة مسألة ِتديد بأن تكون ميين‬

‫اس ِق َ } [اتا دب‪.]108:‬‬


‫الفاسق ‪ ،‬كام قال اهلل عز وجل‪{ :‬واهللَُّ ال هي ِدي ا ْل َقوم ا ْل َف ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬

‫‪ .4‬تعلو احلكمة مل التعامل من خالل دراسة سريب النبي ﷺ‬

‫القاعدب الرابعة واألخريب التي نضعها مل عقولنا أثناء دراسيية هييقه السييريب الرشيييفة‪ :‬أن نييتعلو‬

‫احلكمة من خالل دراستنا ةز يا حياب رسول اهلل ﷺ بكيفية وضييع األميير مل نصييابه‪ ،‬كيييل‬

‫تفضل رأي ًا عىل رأي ىلخر؟ حياب رسول اهلل ﷺ هي احلكمة بعينها‪ ،‬إذا اختار رأي ًا ما‪ ،‬فهييقا هييو‬

‫الرأي احلكيو‪ ،‬إذا فعل فع ً‬


‫ال ما‪ ،‬فهقا هو الفعل احلكيو‪ ،‬هكقا دراسة السريب تعلمنا احلكميية مل‬

‫أرقى صورها‪ .‬مثالً‪ :‬حكمته ﷺ مل فن امتالك القلوب‪ ،‬كيل كان الرسول ﷺ يكسب قلييوب‬

‫القين يتعامل معهو؟ فهو ﷺ مل يكن يمتلك قلوب أصييدقا ه فقييط‪ ،‬بييل كييان يمتلييك قلييوب‬

‫أعدا ه أيض ًا‪ ،‬وهقه حكمة جديرب بالتأمل‪ ،‬والوقو معها طويالً‪.‬‬

‫حكمة أخرا مل منتهى األ ية‪ ،‬وهي حكمة اترحلية‪ ،‬واالعرتا بام يسمى بفقه الواقييع؛ فييإن‬

‫الرسول ﷺ كان مل فرتب من فرتا حياته يقو بالكعبة‪ ،‬فام رفع معوله لييكرس صيين ًام‪ ،‬وكييان‬

‫هبا ثالثام ة وستون صن ًام‪ ،‬ثو يأيت وقت ىلخر عىل الرسول عليييه الصييالب والسييالم ال يقبييل فيييه‬

‫بوجود صنو واحد مل جزيرب العرب‪ ،‬وعندما يفتح مكة يبع خالد ًا إ القا ل لكي يكييرس‬

‫األصنام التي هناك‪ ،‬فهقا وضع وهقا وضع‪ ،‬فال يصح أن تقول‪ :‬إن الرسول ﷺ عمل كييقا مل‬

‫‪16‬‬
‫يوم كقا أو مل سنة كقا دون دراسة اتالبسا والظرو التي كانت حول اتوقل الييقي عملييه‬

‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬والكالم هقا لن يستقيو إال عن طريو دراسة السريب‪.‬‬

‫وعاش الرسول ﷺ مل مكة ثالثة عرش عام ًا بعد البعثة وفيها الرايا احلمر اتعلقيية عييىل خيييام‬

‫الزانيا ‪ ،‬فهناك من تعلن عن نفسها أَّنا تزين‪ ،‬والرسول عليييه الصييالب والسييالم كييان يعييي‬

‫بينهو‪ ،‬ومل حيقو خيمة من خيام الرايا احلمر مل وقت من األوقا ‪ ،‬ولكن يأيت ور ىلخر ال‬

‫يتناحل رسول اهلل ﷺ فيه عن إقامة احلد عىل امرأب واحدب حنت‪ ،‬فييإن الغامدييية تييا حنييت أقييام‬

‫الرسول ﷺ احلد عليها؛ ألَّنا حنت‪ ،‬فهقا وقت وهقا وقت‪.‬‬

‫وكان الرسول ﷺ مل حمن يعاهد اليهود‪ ،‬ومل حمن ىلخر حيارهبو‪ ،‬فال يصح أن تقول‪ :‬أنا أعاهييد‬

‫اليهود كام عاهدهو‪ ،‬من غري دراسة الظرو واتالبسا التي كانت حول تلك اتعاهييدا مل‬

‫حمان رسول اهلل ﷺ‪ ،‬مل يأ هقا وقت احلرب‪ ،‬وال جيييوح أن أحييارب مل وقييت معاهييدب‪ ،‬ليين‬

‫نعر هقا إال عن طريو دراسة السريب‪.‬‬

‫كقلك احلكمة مل اختيار القرار اتناسب مل الوقت اتناسب‪ ،‬فقد كان الرسييول ﷺ يكييل يييده‬

‫يوم ًا عن القتال‪ ،‬ويوم ًا يقاتل من قاتله‪ ،‬ويوم ًا يقاتل كل الكفار‪ .‬كان يمر الرسييول ﷺ عييىل ىلل‬

‫وسييمية رم‬ ‫وسمية وعامر ‪ -‬وهو يعقبون تعقيب ًا ألي ًام شديد ًا أدا إ قتل يييا‬ ‫‪ -‬يا‬ ‫يا‬

‫اهلل عنهام‪ ،‬يمر عليهو وهو يعقبون فيكتفي ﷺ بقوله هلو‪( :‬صرب ًا ىلل يا ؛ فإن موعدكو اةنة‬

‫مل يرفع ﷺ سيف ًا ليدفع به أبا جهل القي كان يعقهبام‪ ،‬ومل يأمر أحد ًا ميين شييبابه أو ميين أتباعييه‬

‫األقوياء كي الزبري بن العوام أو سعد بن أيب وقاص أو فرسان الصحابة األشداء مل ذلك الييزمن‬

‫لقتل أيب جهل‪ ،‬أو أيب سفيان‪ ،‬أو أيب هلب‪ ،‬وعنده مربرا كثريب تدفعه لقلك‪ ،‬كأن يقييول‪ :‬ميين‬

‫أجل أن تسري الدعوب مل مكة‪ ،‬ولكن مل يفعل ﷺ‪ ،‬لكن مل يوم ىلخر من أيام رسول اهلل ﷺ سييري‬

‫ال مسل ًام‪ ،‬بعد كشييل عييورب امييرأب مسييلمة‬ ‫جيش ًا كام ً‬
‫ال حلرب اليهود مل بني قينقام لقتلهو رج ً‬

‫‪17‬‬
‫واحدب من قبل هيودي‪ ،‬ختيل الفرق الضخو ب اتييوقف ‪ .‬وسييري الرسييول ﷺ جيشي ًا حلييرب‬

‫الروم‪ ،‬وهي دولة مل منتهى الضخامة مل ذلك الزمان؛ ألَّنو قتلوا رجل من اتسييلم ‪ ،‬لكيين‬

‫هقا حمن وحمن مكة ىلخر‪ .‬أول العهد مل اتدينة غري ىلخر العهد مل اتدينة‪ ،‬غزوب بدر غييري غييزوب‬

‫أحد‪ .‬انتبه وأنت تدرس كل موقل إ الظرو اتحيقة بقلك اتوقل‪ ،‬فإنك لو فعلييت ذلييك‬

‫ستستقيع أن تفهو ما يسمى بفقه الواقع‪ ،‬أو بحكمة اترحلية مل حياب رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫حكمة أخرا أيض ًا مل غاية األ ية مل حياب الرسول ﷺ‪ ،‬هييي التييدرج مل الرتبييية‪ ،‬والتييدرج مل‬

‫تغيري اتنكر‪ ،‬مثل‪ :‬تريو اخلمر حرم بالتدرج‪ ،‬وليس مرب ُمنع الناس عن اخلمر‪ ،‬كقلك التدرج‬

‫مل تريو الربا‪ ،‬ومل أمر الناس باةهاد مل سبيل اهلل‪ ،‬كل هقا أخق مراحل ومراحل طويلة‪ ،‬وكل‬

‫مرحلة نصل إليها نبني عليها مرحلة أخرا‪.‬‬

‫وهناك حكمة أخرا را عة مل حياب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬هي حكمة الوسييقية‪َ { ،‬و َكي َقلِ َك َج َع ْلنَياك ُْو‬

‫ُأ َّم ًة َو َس ًقا} [البقرب‪ ،]143:‬ال إفرا وال تفريط‪.‬‬

‫ما هو تعريل اإلفرا ؟ وما هو تعريل التفريط؟ مل كل جز ية من جز يييا احلييياب أنييت لييك‬

‫تعريل‪ ،‬وأنا يل تعريل‪ ،‬وذلك له تعريل ثال ‪ ،‬فام هو اتقياس؟‬

‫اتقياس هو سريب الرسول ﷺ‪ ،‬فمثالً‪ :‬الرسول ﷺ يأمر بييالزواج وحييين عليييه ويتييزوج ﷺ‪،‬‬

‫ومع ذلك ال يلهي الزواج عن اةهاد مل سبيل اهلل‪ ،‬وعن النفقة مل سبيل اهلل‪ ،‬وعيين الييدعوب إ‬

‫اهلل عز وجل‪ ،‬هقا التواحن نتعلمه من سريب رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫ال أو فالح ًا‪ ،‬فهقا يأمر بييه ﷺ‪،‬‬


‫والعمل مل أعامل الدنيا العامة‪ ،‬تعمل دكتور ًا أو مهندس ًا أو عام ً‬

‫ويبارك اليد اخلشنة من كثرب العمل‪ ،‬ولكن دون إفرا مل العمل حتييى ال يضييع حييو اهلل عييز‬

‫وجل‪ ،‬وحو العباد‪ ،‬وحو األهل‪ ،‬وحو األمة‪ ،‬هناك تواحن مل حياب الرسول ﷺ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫كقلك القعام‪ ،‬كان ال يوقد مل بيته النار ثالثة أهلة مل شهرين‪ ،‬لكن إذا حرض القعام أكييل ميين‬

‫أطيبه ﷺ‪ .‬والصالب‪ ،‬كان يصيل وينام‪ .‬والصيام‪ ،‬كان يصوم ويفقر‪ ،‬وهكقا الوسييقية كميينهج‬

‫عميل واقعي لىمة تراها واضحة متام ًا مل سريب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ال إفرا وال تفريط‪.‬‬

‫دراسة السريب النبوية أمر من أهو األمور مل حياب اتسييلم ‪ ،‬ونحيين نييدرس كييل موقييل ميين‬

‫مواقل السريب النبوية علينا أن نضع هقه القواعد األربع مل أذهاننا‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬نفهو أن هقا اتوقل ممكن أن يكون موقفي ًا ترشيييعي ًا‪ ،‬والعلييامء هلييو دور كبييري مل‬

‫استنبا األحكام من مواقل السريب النبوية‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬ندرك أنه رسول ال خيقو خقوب إال بوحي أو بتعديل من الوحي‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬أن نتعلو كيل نحب الرسول ﷺ من كل موقل من مواقل حياته‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬أن نأخق احلكمة ونعر كيل نضع األمور مل نصاهبا بدون إفرا أو تفريط‪.‬‬

‫بعن مراجع السريب النبوية‬

‫مما ينبغي أن يعلو أن السريب النبوية تؤخق من عدب كتب‪ ،‬وكثري من الناس يغفلون عيين دراسيية‬

‫السريب من خالهلا‪ ،‬وهي كتب األحادي ورشوح األحادي ‪ ،‬مثل كتاب البخيياري رمحييه اهلل‪،‬‬

‫وفتح الباري مل رشح صحيح البخاري لي ابن حهر العسقالين رمحهام اهلل‪.‬‬

‫كقلك صحيح مسلو ورشح النووي لصحيح مسلو‪.‬‬

‫كقلك الرتمقي وأبو داود والنسا ي‬

‫وابن ماجة ومسند اإلمام أمحد بن حنبل رمحهو اهلل مجيع ًا‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ومن كتب السريب اهلامة‪:‬‬

‫سريب ابن هشام‪ ،‬فقد نقل معظو سريته عن ابن إسحاق‪ ،‬وسريب ابن إسييحاق رمحييه اهلل ليسييت‬

‫موجودب‪ ،‬فالقي بقي وهو كتاب سريب ابن هشام‪ ،‬ولكن هنيياك أحييداث كثييريب غييري موثقيية مل‬

‫كتاب سريب ابن هشام‪ ،‬لقلك ال بد أن تدرس كتاب ًا حمقق ًا‪ ،‬هناك كتاب اسمه صحيح سريب ابيين‬

‫هشام‪ ،‬لىستاذ جمدي فتحي السيد وهو كتاب طيب‪.‬‬

‫أيض ًا كتاب صحيح السريب النبوية لي إبراهيو العيل‪.‬‬

‫وكتاب حاد اتعاد مل هدي خري العباد للعالمة ابن القيو رمحه اهلل‪.‬‬

‫وكتاب السريب النبوية لي ابن كثري رمحه اهلل‪.‬‬

‫والرحيو اتختوم للمباركفوري‪ .‬والسريب النبوية للصاليب‪،‬‬

‫واألساس مل السنة لي سعيد حوا‪ ،‬هو كتاب كبري يقع مل أربع جملدا ‪ .‬وفقه السريب للبوطي‪.‬‬

‫وفقه السريب للغزايل‪.‬واتنهج احلركي للسنة النبوية لي منري الغضبان‪.‬‬

‫والسريب النبوية دروس وعرب للدكتور مصقفى السباعي‪ ،‬وهو كتاب صغري لكنه حيتييوي عييىل‬

‫معلوما هامة‪.‬‬

‫وصىل اهلل وسلو عىل نبينا حممد وعىل ىلله وصحبه وسلو‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪2‬‬

‫من الظلمات إىل النور‬

‫حال العامل قبل البعثة النبوية‬

‫يف هذا الدرس نتحدث عن الوضع يف العامل قبل بعثة رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫ولسائل أن يسأل‪ :‬ملاذا احلديث عن الفرتة السابقة لإلسالم؟ بمعنى‪ :‬أننا يف هذه الدروس‬

‫نتحدث عن قواعد بناء األمة اإلسالمية‪ ،‬فام الذي يدفعنا للحديث عن فرتة سابقة لفرتة‬

‫اإلسالم؟ أقول‪ :‬لن تدرك قيمة النور إال إذا عرفت الظالم‪ ،‬ويكفي لبيان ذلك ذكر حديث‬

‫رسول اهلل ﷺ يف صحيح مسلم عن عياض بن محار ريض اهلل عنه‪ ،‬فإنه عليه الصالة والسالم‬

‫يف هذا احلديث وضح حال األرض قبل بعثته ﷺ‪ ،‬فقال‪( :‬إن اهلل نظر إىل أهل األرض فمقتهم‬

‫عرهبم وعجمهم‪ ،‬إال بقايا من أهل الكتاب)‪ ،‬وصل حال األرض إىل حالة من الرتدي‬

‫والضياع الشديد‪ ،‬إىل الدرجة التي يمقتهم فيها اهلل عز وجل‪ ،‬واملقت هو شدة الكراهية‪،‬‬

‫وكلمة (بقايا) توحي بأهنم جمرد آثار‪ ،‬وليس ثمة أثر مبارش هلم يف واقع الناس‪ ،‬وهذه البقايا مل‬

‫ال جمتمع ًا صاحل ًا يف مكان ما عىل األرض‪ ،‬بل كانوا أفراد ًا‬
‫تكن جمتمعات‪ ،‬أي‪ :‬ما كانت مث ً‬

‫معدودين‪ ،‬رجل يف مدينة‪ ،‬ورجل يف مدينة أخرى يبتعد عنه مئات أو آالف األميال‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫تعالوا نخرتق الزمان واملكان‪ ،‬نخرتق الزمان بالوصول إىل ما قبل بعثة رسول اهلل ﷺ‪،‬‬

‫ونخرتق املكان بالوصول إىل كل بقعة عىل األرض كانت تعارص رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ونتجول بني‬

‫‪21‬‬
‫الرشق والغرب‪ .‬تعالوا نرى حال الناس‪ ،‬وامللوك‪ ،‬واألخالق‪ ،‬والطباع‪ ،‬ونرى ما يسمى‬

‫باحلضارات يف ذلك الزمان‪.‬‬

‫حال الدولة الرومانية قبل البعثة النبوية‬

‫أول يشء يلفت األنظار يف ذلك الزمن دولة ضخمة جد ًا متتلك نصف األرض تقريب ًا وهي‬

‫الدولة الرومانية‪ ،‬ومن ضخامتها سمى اهلل عز وجل سورة من سور القرآن الكريم بسورة‬

‫ض َو ُه ْم ِم ْن‬
‫الرو ُم * ِيف َأ ْدنَى األَ ْر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الروم‪ ،‬ذكر فيها قصة الروم مع الفرس‪ ،‬قال اهلل‪ُ { :‬غل َبت ُّ‬
‫ني} [الروم‪ ]4 - 2:‬إىل آخر اآليات‪ ،‬ولكن ما هي الدولة‬ ‫ون * ِيف بِ ْض ِع ِسنِ َ‬
‫َب ْع ِد َغ َلبِ ِه ْم َس َي ْغ ِل ُب َ‬

‫الرومانية؟ كانت الدولة الرومانية ضخمة جد ًا‪ ،‬مساحتها ممتدة عىل ثالثة أرباع أوروبا مقسمة‬

‫إىل قسمني رئيسيني‪ ،‬دولة رومانية رشقية وعاصمتها القسطنطينية‪ ،‬كان حيكمها القيرص هرقل‬

‫يف زمن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقيرص هذا لقب للملك الذي حيكم الدولة الرومانية‪.‬‬

‫وأما الدولة الرومانية الغربية فكانت عاصمتها روما‪ ،‬وهذه سقطت قبل البعثة النبوية ومل تبق‬

‫إال الدولة الرومانية الرشقية‪ .‬كانت هناك خالفات عقائدية عقيمة بني طوائف النصارى يف‬

‫أطراف الدولة الرومانية الشاسعة‪ ،‬فالدولة الرشقية أرثوذكسية‪ ،‬والغربية كاثوليكية‪ ،‬ودارت‬

‫بينهام حروب فني فيها اآلالف واآلالف عىل مدار السنني‪ ،‬وظلت هذه احلروب مشتعلة حتى‬

‫العهد القريب‪ ،‬وإىل اآلن هناك خالفات عقائدية ضخمة‪ ،‬وحروب بني الطوائف املختلفة من‬

‫النصارى‪.‬‬

‫أما اجلوانب األخالقية فقد كانت يف انحدار شديد يف هذه الدولة‪ ،‬مثل تأخر سن الزواج‪ ،‬أو‬

‫بمعنى أصح اختفى الزواج‪ ،‬وفضل اجلميع العزوبة عىل الزواج؛ ألن تكاليف الزواج كانت‬

‫غالية والناس كلها فقراء‪ ،‬األموال كثرية جد ًا يف الدولة‪ ،‬ولكنها جمموعة يف أيدي قلة قليلة من‬

‫‪22‬‬
‫رجال الدولة الرومانية الواسعة‪ ،‬فأدى ذلك إىل انحالل رهيب بني أوساط الناس‪ ،‬وانترش الزنا‬

‫يف كل مكان‪ ،‬واختلطت األنساب‪ .‬وأصبحت الرشوة أص ً‬


‫ال يف التعامل مع موظفي الدولة‪،‬‬

‫فأي مصلحة تريد أن تقضيها البد أن تقدم بني يدهيا رشوة‪ .‬والرضائب ضخمة باهظة عىل كل‬

‫سكان البالد‪ ،‬وهي عىل الفقراء أكثر منهم عىل األغنياء‪.‬‬

‫الوحشية الشديدة يف الطباع؛ فمن وسائل التسلية التي كانت يف الدولة الرومانية الرشقية‪:‬‬

‫وسيلة رصاع العبيد مع الوحوش املفرتسة يف أقفاص مغلقة‪ ،‬والوزراء واألمراء ينظرون من‬

‫ال أو كثري ًا‪.‬‬


‫اخلارج‪ ،‬ويستمتعون برؤية األسد أو النمر وهو يأكل العبد بعد قتال يدوم قلي ً‬

‫نحن نتعجب من هذه الصورة‪ ،‬ونقول‪ :‬هذه كانت عادة جمتمعات مظلمة‪ ،‬ولكننا نرى أيض ًا يف‬

‫إسبانيا رصاع الرجال مع الثريان‪ ،‬وكيف يدمر الثور أو يقتل الرجل والناس تشاهد وتصفق‬

‫وهتلل‪ ،‬وهي صورة كام يسموهنا من صور احلضارة‪.‬‬

‫أيض ًا هناك حروب بربرية مهجية وحشية‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ :‬يف عهد اسفسيانوس أحد قيارصة‬

‫الرومان‪ ،‬حارص اليهود يف أورشليم (القدس) سنة ‪ 70‬م مخسة أشهر كاملة‪ ،‬انتهت يف سبتمرب‬

‫سنة ‪ 70‬م ثم سقطت املدينة بعد هزيمة مهينة عرفها التاريخ‪ ،‬ملاذا نقول‪ :‬هزيمة مهينة؟ ألن‬

‫الرومان قتلوا أبناء اليهود ونساءهم بأيدهيم‪ ،‬أي‪ :‬جيرب كل هيودي أن يمسك بزوجته وأوالده‬

‫ويقتلهم بنفسه‪ ،‬هكذا أتى األمر الروماين إىل دولة اليهود املحارصة داخل مدينة القدس‪،‬‬

‫الغريب أن اليهود أطاعوا ووافقوا عىل ذلك‪ ،‬وقاموا به من شدة الرعب‪ ،‬وطمع ًا منهم يف‬

‫النجاة‪ ،‬وهم أحرص الناس عىل حياة‪ ،‬وخرجوا يقتلون أبناءهم ونساءهم بسيوفهم‪ ،‬ثم‬

‫خرجوا للرومان الذين بدءوا بعمل قرعة بني كل اثنني من اليهود‪ ،‬أهيام يقتل أخاه إىل أن صفوا‬

‫كل اليهود املوجودين يف القدس ومل ينج منهم إال الرشيد‪ ،‬أو أولئك الذين كانوا يسكنون يف‬

‫أماكن بعيدة‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫هذه كانت صورة من صور احلرب الرومانية التي كانت تتميز بالرشاسة وأشد أنواع اهلمجية‬

‫املتخيلة‪.‬‬

‫كان العبيد يف املجتمع الروماين ثالثة أضعاف األحرار‪ ،‬ومعاملة العبيد كانت يف منتهى‬

‫القسوة‪ ،‬لدرجة أن أفالطون الفيلسوف صاحب فكرة املدينة الفاضلة (اليوتوبيا) التي ألفها‬

‫وختيلها يف عقله‪ ،‬هذه املدينة اخليالية املثالية يقول فيها‪ :‬إنه ال جيب أن يعطى فيها العبيد حق‬

‫املواطنة‪ .‬مع أهنم من أهل البلد‪ ،‬لكن ليست هلم أي قيمة يف بالد الرومان‪.‬‬

‫كانت هذه لقطات رسيعة من حال الدولة الرومانية يف العهد السابق لبعثة رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫حال الدولة الفارسية قبل البعثة النبوية‬

‫ننتقل إىل جهة الرشق لنرى الدولة الفارسية التي كانت متتلك نصف العامل اآلخر يف ذلك‬

‫الزمن‪ ،‬وكانت متثل مأساة حضارية بكل املقاييس؛ اهنيار شديد يف األخالق بلغ إىل ما يسمى‬

‫بزواج املحارم‪ ،‬وهذا يشء رغم بشاعته إال أنه كان منترش ًا يف الدولة الفارسية‪ ،‬فقد كان الرجل‬

‫يتزوج من ابنته أو أخته أو أمه‪ ،‬كبار القوم وصغارهم يف ذلك سواء‪ ،‬فكرسى يمكن أن يتزوج‬

‫أي واحدة يف املجتمع كله‪ ،‬وقد وقع من يزدجرد الثاين كرسى فارس أنه تزوج من ابنته ثم‬

‫قتلها‪.‬‬

‫كذلك هبرام جوبني وهو أحد األكارسة كان متزوج ًا من أخته‪ ،‬وبعضهم كان يتزوج أمه‪ ،‬وهذا‬

‫األمر كان مستنكر ًا يف كل بقاع األرض‪ ،‬وكل الشعوب تعيب عىل أهل فارس أهنم يتزوجون‬

‫باملحارم‪ ،‬ومل يقولوا‪ :‬إن هذا متعارف عليه يف املجتمعات؟ ال‪ ،‬بل كان هذا شيئ ًا منكر ًا ضد‬

‫الفطرة‪ ،‬ولكنهم كانوا يفعلونه‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫وسبب ذلك‪ :‬أنه يف عهد قباذ ‪-‬وهو أحد األكارسة الكبار يف تاريخ الفرس‪ -‬ظهر رجل اسمه‬

‫مزدك‪ ،‬وهناك من يضعه يف طائفة الفالسفة واملفكرين‪ ،‬قال مزدك‪ :‬إن الناس سواسية يف كل‬

‫يشء‪ ،‬وكانت كلمته ظاهرها جيد‪ ،‬لكن هل هم سواسية يف احلقوق‪ ،‬واملعاملة؟ ال‪ ،‬مل يرد هذا‬

‫فقط‪ ،‬بل أراد سواسية حتى يف املال والنساء‪ ،‬فال يوجد احرتام ألي ملكية يف البلد‪ ،‬كل يشء‬

‫مباح للناس كلها‪ ،‬كل يشء مشاع‪ ،‬يمكن ألي أحد أن يدخل إىل بيت اآلخر ويأخذ من ماله‬

‫ونسائه‪ ،‬فبالتبعية استفاد األقوياء من هذا القانون عىل حساب الضعفاء‪ ،‬وكان الرجل القوي‬

‫يدخل عىل الضعيف يغلبه عىل ماله وزوجته فال يستطيع الضعيف أن يتكلم‪ ،‬بينام الضعيف ال‬

‫يستطيع أن يدخل عىل القوي‪ ،‬وال أن يعرتض أو يرفع شكواه؛ ألن هذا أصبح جزء ًا من الدين‬

‫يف بالد فارس‪ .‬ثم عمت البالد املشاكل؛ ألن كل الناس ال تريد أن تعمل؛ ألن كل من يعمل ال‬

‫يملك شيئ ًا‪ ،‬فلامذا يعمل؟ وعمت الرسقات كل مكان‪ ،‬وباركها كرسى قباذ؛ ألن هذا عنده من‬

‫الدين الذي وضعه مزدك‪ ،‬وفسد الناس كلهم أمجعون‪ .‬قارن هذا بالذي سيأيت ويقول‪:‬‬

‫(والذي نفس حممد بيده لو رسقت فاطمة بنت حممد لقطعت يدها) صىل اهلل عليك وسلم يا‬

‫رسول اهلل‪.‬‬

‫وتقديس األكارسة يف بالد فارس كان أمر ًا عظي ًام جد ًا عند عامة الناس‪ ،‬فالناس كانت تعتقد‬

‫أن يف دم كرسى هذا دم ًا إهلي ًا‪ ،‬وأهنم فوق البرش وفوق القانون‪ ،‬كان الرجل إذا دخل عىل‬

‫كرسى ارمتى ساجد ًا عىل األرض‪ ،‬فال يقوم حتى يؤذن له‪ ،‬وأقرب الناس إىل كرسى وهم‬

‫طبقة الكهان واألمراء والوزراء كانوا يقفون عىل بعد ‪ 5‬أمتار‪ ،‬ومن أدنى منهم درجة عىل بعد‬

‫‪ 10‬أمتار‪ ،‬والرسل كانوا يقفون عىل مسافة ‪ 15‬مرت ًا من كرسى‪ ،‬من أراد أن يدخل عىل كرسى‬

‫ليضع عىل فمه قطعة من القامش األبيض الرقيق‪ ،‬حتى ال تلوث أنفاسه احلرضة امللكية‬

‫لكرسى‪ ،‬بينام رسول اهلل ﷺ كان إذا استقبله رجل فصافحه ال ينزع يده من يده حتى يكون‬

‫‪25‬‬
‫الرجل الذي ينزع‪ ،‬وال يرصف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يرصفه‪ ،‬ومل ير‬

‫رسول اهلل ﷺ مقدم ًا ركبتيه بني يدي جليس له‪ ،‬أي‪ :‬يتواضع جلليسه حتى إنه ال يمد رجله‬

‫أمام اجلليس‪ ،‬كام روى ذلك الرتمذي وابن ماجه عن أنس ريض اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫كانت هناك طبقية شديدة فيها مهانة كبرية جد ًا لإلنسانية‪ ،‬فقد قسموا شعب فارس من أوله إىل‬

‫آخره سبع طبقات‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬طبقة األكارسة فوق اجلميع‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬طبقة األرشاف وهؤالء سبع عائالت‪ ،‬وال يمكن أن يوجد رشيف خارج هذه‬

‫العائالت السبع‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬طبقة رجال الدين‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬طبقة رجال احلرب وقواد اجليوش‪.‬‬

‫اخلامسة‪ :‬طبقة املثقفني‪ ،‬ورجال العلم‪ ،‬والكتاب‪ ،‬واألطباء‪ ،‬والشعراء‪.‬‬

‫السادسة‪ :‬طبقة الدهاقني‪ ،‬وهم رؤساء القرى‪ ،‬وجامعو الرضائب‪.‬‬

‫الطبقة السابعة‪ :‬وهي طبقة الشعب‪ ،‬وهم أكثر من ‪ %90‬من جمموع سكان فارس‪،‬‬

‫وهم‪ :‬العامل‪ ،‬والفالحون‪ ،‬والتجار‪ ،‬واجلنود‪ ،‬والعبيد‪ .‬وهذه الطبقة ليس هلا حقوق‬

‫تذكر‪ .‬كانوا يربطون بالسالسل يف املعارك‪ ،‬كام حدث يف موقعة األبلة‪ ،‬وهي أول‬

‫موقعة إسالمية يف فتح فارس‪ ،‬كانت بقيادة خالد بن الوليد ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬كان‬

‫الفرس يربطون ستني ألف ًا من اجلنود بالسالسل‪ ،‬كل عرشة يف سلسلة‪ ،‬حتى إن املوقعة‬

‫سميت بعد ذلك يف التاريخ بذات السالسل‪ ،‬ولك أن تتصور كيف يستطيع هؤالء‬

‫املقيدون يف السالسل أن حياربوا قوم ًا وصفهم خالد بن الوليد ريض اهلل عنه بقوله يف‬
‫‪26‬‬
‫رسالته إىل زعيم األبلة يف نفس املوقعة‪ :‬جئتكم برجال حيبون املوت كام حتبون أنتم‬

‫احلياة‪.‬‬

‫يشء آخر أيض ًا يف منتهى البشاعة‪ ،‬كان يف بالد فارس عبادة النار‪ ،‬ظهر رجل اسمه زرادشت يف‬

‫بالد فارس‪ ،‬يعتربونه من كبار الفالسفة ليس فقط ألهل فارس بل للعامل بأرسه‪ ،‬حتى إن‬

‫صاحب (اخلالدون املائة) وأعظمهم حممد ﷺ‪ ،‬عدّ ه من ضمن اخلالدين‪ ،‬وجعل رقمه ‪89‬؛‬

‫ألن ديانته حملية ‪ ،‬بينام ديانة الرسول صىل اهلل عليه وسلم وديانة املسيح عليه السالم عاملية‪ ،‬فهو‬

‫يقول‪ :‬من أجل هذا أخرته‪ ،‬وهذا أسلوب قبيح يف التشبيه بني األنبياء وبني هذا الرجل‪ .‬هذا‬

‫الرجل هو الذي دعا إىل تقديس النار‪ ،‬وقال‪ :‬إن نور اهلل عز وجل يسطع يف كل ما هو مرشق‬

‫وملتهب‪ ،‬ومن ثم حرم األعامل التي تتطلب النار‪ ،‬واكتفت الناس بالزراعة والتجارة‪ .‬والنار‬

‫ال توحي لعبادها برشيعة وال تضع هلم منهج ًا‪ ،‬فرشع الناس ألنفسهم حسبام تريد أهواءهم‪،‬‬

‫وعم الفساد يف بالد فارس‪.‬‬

‫هذا هو وضع الدولة الضخمة األخرى املشاركة للدولة الرومانية يف حكم األرض يف ذلك‬

‫الزمن‪.‬‬

‫حال أوروبا الشاملية قبل البعثة النبوية‬

‫أوروبا الشاملية‪ ،‬وهي‪ :‬إنجلرتا‪ ،‬والدول اإلسكندنافية السويد والدنامرك وفنلندا وأملانيا‪.‬‬

‫هذه املناطق الشاملية من أوروبا كانت خارج حدود الدولة الرومانية‪ ،‬يقول عنها املؤرخ‬

‫الفرنيس رينو ‪-‬وشهد شاهد من أهلها‪( :-‬طفحت أوروبا يف ذلك الزمن بالعيوب واآلثام‪،‬‬

‫وهربت من النظافة والعناية باإلنسان واملكان‪ ،‬وزخرت باجلهل والفوىض والتأخر وشيوع‬

‫الظلم واالضطهاد‪ ،‬فشت فيها األمية‪ ،‬للدرجة التي كان األمراء يفتخرون بأهنم ال يستطيعون‬

‫‪27‬‬
‫أن يقرءوا‪ ،‬والعلامء كانوا يف مهانة شديدة يف هذه البالد‪ ،‬هذا إن وجدوا)‪ .‬قارن هذا بدين‬

‫كانت أول كلامته {ا ْق َر ْأ} [العلق‪ ]1:‬كام قال اهلل عز وجل‪.‬‬

‫ثم قال‪( :‬كانت أوروبا مرسح ًا للحروب واألعامل الوحشية)‪ .‬ويقول جوستاف لوبون يف‬

‫كتابه حضارة العرب يصف وضع أوروبا‪( :‬مل جيدوا يف أوروبا بعض امليل للعلم إال يف القرن‬

‫احلادي عرش والثاين عرش من امليالد)‪ .‬وهذا موافق للقرن الرابع واخلامس اهلجري‪.‬‬

‫ثم يقول جوستاف لوبون‪( :‬وذلك حني ظهر فيهم أناس أرادوا أن يرفعوا أكفان اجلهل‪ ،‬فولوا‬

‫وجوههم شطر املسلمني الذين كانوا أئمة عرصهم)‪ .‬وهذا الكالم كان بعد أربعة أو مخسة‬

‫قرون من نزول الوحي عىل رسول اهلل ﷺ بكلمة (اقرأ)‪.‬‬

‫كيف كان الوضع قبل هذا؟ كتب مؤرخ أندليس اسمه صاعد كتاب ًا اسمه طبقات األمم وهو‬

‫كتاب رائع‪ ،‬يصف فيه حال البالد يف زمانه‪ ،‬وقد تويف يف القرن اخلامس اهلجري سنة ‪462‬هـ‬

‫يف طليطلة‪ ،‬حيكي حال البالد الشاملية يف القرن اخلامس اهلجري فيقول‪( :‬كانوا قوم ًا أشبه‬

‫بالبهائم‪ ،‬وقد يكون ذلك من إفراط بعد الشمس عن رءوسهم فصارت بذلك أمزجتهم باردة‪،‬‬

‫وأخالقهم فجة رديئة‪ ،‬وقد انسدلت شعورهم عىل وجوههم‪ ،‬وعدموا دقة األفهام‪ ،‬وغلب‬

‫عليهم اجلهل والبالدة‪ ،‬وفشت فيهم الغباوة)‪.‬‬

‫وهذا الرحالة األندليس إبراهيم الطرطوش يصف أهل ِج ِليقية الذين كانوا يعيشون يف شامل‬

‫إسبانيا‪ ،‬قال‪( :‬هم أهل غدر ودناءة أخالق‪ ،‬ال يتنظفون وال يغتسلون يف العام إال مرة أو مرتني‬

‫باملاء البارد‪ ،‬ال يغسلون ثياهبم منذ يلبسوهنا إىل أن تتقطع عليهم‪ ،‬ويزعمون أن الوسخ الذي‬

‫يعلوهم من عرقهم تصح به أبداهنم)‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫قارن بني هذا وبني دين يأمر بالوضوء مخس مرات يف اليوم‪ ،‬واالغتسال من اجلنابة‪ ،‬ويوم‬

‫اجلمعة‪ ،‬ويف األعياد‪ ،‬ويأمر باجتناب صالة اجلامعة ‪-‬وهي من أرشف العبادات‪ -‬ملن أكل ثوم ًا‬

‫أو بص ً‬
‫ال‪ .‬انظر إىل احرتام اإلنسان لإلنسان‪ ،‬ومدى تكريم اهلل عز وجل لعباده املؤمنني‪.‬‬

‫يروي ابن فضالن الرحالة املسلم يف القرن الرابع اهلجري ما شاهده بنفسه من موت أحد‬

‫السادة يف أوروبا‪ ،‬فجاءوا بجارية له كي متوت معه‪ ،‬فرشبت اخلمر ورقصت وقامت بطقوس‬

‫معينة‪ ،‬ثم قيدوها باحلبال من رقبتها‪ ،‬ثم أقبلت امرأة عجوز يسموهنا ملك املوت وبيدها‬

‫خنجر كبري‪ ،‬ثم أخذت تطعنها يف صدرها بني الضلوع يف أكثر من موضع‪ ،‬والرجال خينقوهنا‬

‫باحلبل حتى ماتت‪ ،‬ثم أحرقوها ووضعوها مع سيدها امليت‪ ،‬وهم هبذا حيرتمون إنسانية السيد‬

‫كام يظنون‪ .‬قارن هذا بام جاء به اإلسالم وتعجب من أجل أن تعرف دينك‪ ،‬جاء يف صحيح‬

‫مسلم عن أيب هريرة ريض اهلل عنه وأرضاه أن الرسول ﷺ قال‪( :‬من لطم مملوكه أو رضبه‬

‫فكفارته أن يعتقه) سواء كان هذا العتق عىل سبيل الوجوب أو االستحباب‪ .‬فهذه نظرة‬

‫اإلسالم ملعاملة الرقيق‪.‬‬

‫حال مرص قبل البعثة النبوية‬

‫كانت مرص حمتلة من قبل الرومان منذ هزيمة كليوباترا عىل يد أوكتافيوس يف سنة ‪ 31‬قبل‬

‫امليالد‪ ،‬أكثر من ‪ 5‬قرون من االحتالل الروماين ملرص‪ ،‬حتى سقط يف سنة ‪476‬م ملا سقطت‬

‫الدولة الرومانية الغربية‪ ،‬لكن الدولة الرومانية الرشقية رسعان ما استولت عىل مرص قبل‬

‫ميالد الرسول ﷺ بحوايل ‪ 100‬سنة‪.‬‬

‫والدولة الرومانية سواء كانت رشقية أو غربية كانوا يتخذون من مرص خمزن ًا يمد اإلمرباطورية‬

‫الرومانية باحتياجاهتا من الغذاء‪ ،‬وحصل تدهور شديد يف االقتصاد املرصي‪ ،‬وتدهور شديد‬

‫‪29‬‬
‫أيض ًا يف احلالة العلمية واالجتامعية‪ ،‬وفقد املرصيون السلطة بكاملها يف بالدهم‪ ،‬لكن الرومان‬

‫حرصوا عىل أن يرتكوا بعض الرموز من أجل أن تبقى صورة من املرصيني موجودة يف‬

‫السلطة‪ ،‬فيتجنبوا ثورة الشعوب‪ ،‬لكن الواقع أن كل احلكم واإلدارة كانت يف يد الرومان‪.‬‬

‫فرضوا الرضائب الباهظة عىل الشعب الفقري املعدم‪ ،‬رضائب عامة عىل األفراد والصناعات‬

‫واألرايض واملاشية‪ ،‬وحتى عىل املبيعات‪ .‬ورضائب عىل املارة‪ ،‬إذا أردت أن تذهب من مكان‬

‫إىل مكان أو من مدينة إىل مدينة تدفع رضيبة‪ ،‬ورضائب حتى عىل زوجات اجلنود‪ ،‬اجلندي‬

‫يدفع روحه من أجل البلد وامرأته وهو غائب تدفع رضيبة‪ ،‬ورضائب عىل أثاث املنزل‪ ،‬بل‬

‫جتاوزت رضائب األحياء إىل األموات‪ ،‬فقد كان ال يسمح بدفن امليت إال بعد أن تدفع رضيبة‬

‫معينة تشبه رضيبة الرتكات‪ ،‬ومل يكتفوا بمصيبة املوت فأضافوا إليها رضيبة‪.‬‬

‫فوق كل هذا كان هناك التعذيب ألجل املخالفة يف املعتقد الديني‪ ،‬فالكل البد أن يكون حتت‬

‫مظلة النرصانية األرثوذكسية‪.‬‬

‫حال الصني قبل البعثة النبوية وبعدها‬

‫أما وضع الصني أيام رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقد كان فيها ثالث ديانات‪ :‬األوىل‪ :‬لرجل اسمه الوتسوا‬

‫وله ديانة نظرية غري عملية‪ ،‬فيها بعد كامل عن النساء‪ ،‬وزهد كامل يف الدنيا‪ ،‬وانعزال كامل‬

‫عن املجتمع‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬لـ كنفوشيوس‪ ،‬ويعتربونه من كبار الفالسفة الصينيني‪ ،‬وهو صاحب مادية بحتة‪ ،‬وهي‬

‫ديانة تعنى بقوانني وقواعد وجتارب‪ ،‬وتشري إىل أن احلياة بصفة عامة يشء بائس‪ ،‬ومن ناحية‬

‫العبادة أنت حر‪ ،‬اعبد ما أردت‪ :‬شجرة أو هنر ًا‪ ،‬أو إلخ‪ ،‬فهذا أمر ال يعني كنفوشيوس‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫الثالثة‪ :‬لـ بوذا‪ ،‬وهي تعاليم أخالقية معينة‪ ،‬ولكن فيها أيض ًا الكثري من االنعزال عن املجتمع‪،‬‬

‫والزهد يف احلياة‪ ،‬وبعد قليل حتول بوذا من جمرد مرشع إىل معبود رسمي‪ ،‬صنعت له التامثيل‪،‬‬

‫وظل يعبد عىل مدار السنني‪.‬‬

‫وإىل اآلن هؤالء الثالثة موجودون‪ ،‬حتى إن صاحب كتاب اخلالدون املائة وأعظمهم حممد‬

‫ﷺ‪ ،‬وضعهم يف اخلالدين‪ ،‬بوذا اخلامس وكنفوشيوس السادس‪ .‬بل إن مؤلف الكتاب مل يرتدد‬

‫أن يقول يف وقاحة شديدة‪ :‬إن بوذا يستحق أن يتصدر قائمة اخلالدين ويسبق حممد ًا ﷺ‬

‫وعيسى عليه السالم لوال أن أتباع بوذا اآلن أقل من أتباع الرسول ﷺ وأتباع عيسى عليه‬

‫السالم‪ ،‬من أجل هذا أخر بوذا إىل املرتبة اخلامسة‪ ،‬وهذا يضمر لنا إىل أي حد أصبحت‬

‫املقاييس خمتلة عند أمثال هؤالء‪.‬‬

‫حال اهلند قبل البعثة النبوية وبعدها‬

‫أما اهلند فأعجوبة األعاجيب؛ حيث كثرت فيها املعبودات بشكل مريع‪ ،‬فأي يشء يف اهلند‬

‫يعبد‪ ،‬متاثيل لكل يشء‪ ،‬يعبدون األشخاص واجلبال واألهنار‪ ،‬مثل‪ :‬هنر الكنج فهو مقدس‬

‫عندهم‪ ،‬حتى املعادن‪ ،‬وأشهر املعادن التي كانت تعبد الذهب والفضة‪ .‬وعبدوا آالت احلرب‬

‫من سيف أو درع‪ ،‬وآالت الكتابة من قلم أو كراسة‪ .‬كذلك األجرام الفلكية تعبد من دون اهلل‬

‫عز وجل‪ ،‬واحليوانات‪ ،‬وأكثر حيوان يعبد يف بالد اهلند هو البقرة‪ ،‬ولألسف ما زالت تعبد إىل‬

‫اآلن من قبل علامء كمبيوتر وعلامء ذرة وأطباء ومهندسني‪ ،‬وليس فقط البقرة‪ ،‬بل كل‬

‫احليوانات عبدت يف بالد اهلند‪ ،‬لدرجة أهنم عبدوا الفئران‪ ،‬وحصلت جماعة ضخمة يف بالد‬

‫اهلند كان سببها ترك الفئران فأكلت كل املزروعات اهلندية‪ .‬الشهوة اجلنسية اجلاحمة عمت بالد‬

‫اهلند‪ ،‬الكهان يرتكبون أبشع الفواحش يف املعابد‪ ،‬ويعتربون ذلك من الدين‪ ،‬ويتقربون بذلك‬

‫إىل اآلهلة‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫الطبقية البشعة يف بالد اهلند قسمت الناس إىل أربع طبقات‪:‬‬

‫طبقة الربامهة الكهنة واحلكام‪.‬‬

‫طبقة شرتي وهؤالء رجال احلرب‪.‬‬

‫وطبقة ويش وهي طبقة التجار واألغنياء‪.‬‬

‫طبقة شودر‪ ،‬وهذه طبقة منبوذة‪ ،‬ومعنى كلمة (شودر) املنبوذين‪ ،‬وهذه الطبقة هي‬

‫أحط عندهم من البهائم‪ ،‬وأذل من الكالب‪ ،‬حتى إن القانون عندهم ينص‪ :‬من سعادة‬

‫شودر أن يقوموا بخدمة الربامهة من دون أن يكون هلم أجر‪.‬‬

‫قارن هذا بام رواه ابن ماجه عن ابن عمر ريض اهلل عنهام عن رسول اهلل ﷺ أنه قال‪( :‬أعطوا‬

‫األجري أجره قبل أن جيف عرقه)‪ .‬ليس لطبقة شودر أن يقتنوا ماالً؛ ألن هذا يؤذي الربامهة‪،‬‬

‫فال يصح أن تكون عندك ملكية ألي جزء ولو القليل من املال‪.‬‬

‫هم شودري أن يرضب برمهي قطعت يده‪ ،‬وإذا هم باجللوس إليه كوي استه بالنار‪ ،‬ونفي‬
‫وإذا ّ‬
‫خارج البالد‪ ،‬وإذا سبه اقتلع لسانه‪ ،‬وإذا ادعى أنه يعلمه شيئ ًا سقي زيت ًا مغلي ًا‪ .‬يقول القانون‬

‫اهلندي‪ :‬إن كفارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والبومة سواء بسواء مثل كفارة قتل الشودر‪.‬‬

‫هذا هو وضع بالد اهلند التي يكتب عنها يف الكتب عبارة‪ :‬حضارة‪ ،‬وأهنا كذا وكذا‪.‬‬

‫املرأة يف املجتمع اهلندي أحيان ًا يكون هلا أكثر من زوج‪ ،‬وهي يف منزلة مثل منزلة األمة‪ ،‬حتى‬

‫ولو كانت زوجة لرشيف‪ .‬أحيان ًا يف بالد اهلند يلعب الرجل القامر وخيرس‪ ،‬ثم ال جيد إال أن‬

‫يقامر عىل زوجته‪ ،‬وممكن أن خيرسها يف القامر‪ .‬قارن هذا بكالم الرسول ﷺ‪( :‬استوصوا‬

‫بالنساء خري ًا) (النساء شقائق الرجال) (خريكم خريكم ألهله) وغري ذلك من األحاديث‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫موقع اليهود عىل خارطة األحداث قبل وبعد البعثة النبوية‬

‫يف هذه الصورة البشعة لألرض أين كان اليهود؟ عاش اليهود مضطهدين يف آسيا وأوروبا‬

‫وإفريقيا ويف كل بقعة ويف كل زمن‪ ،‬وليس هناك طاقة ألحد من البرش بمعارشة اليهود‪ ،‬فهم يف‬

‫حلظات الضعف خنوع ونفاق ودس وكيد وكذب‪ ،‬ويف حلظات القوة جترب وتكرب وظلم‬

‫ووحشية وربا وفتن ومؤامرات‪.‬‬

‫اليهود يف ذلك الزمن تركزوا يف منطقة الشام‪ ،‬ويف سنة ‪ 610‬ميالدية‪ ،‬بعد حوايل ثالث‬

‫سنوات أو سنتني من بعثة الرسول ﷺ حصلت املعركة الضخمة ما بني الفرس والروم‪ ،‬التي‬
‫ِ ِ‬
‫ذكرت يف كتاب اهلل عز وجل‪ُ { :‬غل َبت ُّ‬
‫الرو ُم} [الروم‪ ،]2:‬وانترص الفرس عىل الرومان‪،‬‬

‫واليهود كانوا يف بالد الشام التي تتبع الدولة الرومانية‪ ،‬فلام غلبت الدولة الرومانية حتول‬

‫اليهود من رعايا الدولة الرومانية إىل قتلة وسفاكي دماء لكل رهبان النصارى املوجودين يف‬

‫بالد الشام‪ ،‬وصارت هلم شوكة فرتة من الزمان‪ ،‬ثم دارت األيام وانترص الرومان عىل الفرس‬
‫{ َو ُه ْم ِم ْن َب ْع ِد َغ َلبِ ِه ْم َس َي ْغ ِل ُب َ‬
‫ون} [الروم‪ ،]3:‬فجمع اليهود أنفسهم وذهبوا إىل هرقل وقدموا‬

‫له القرابني وتذللوا له‪ ،‬وأظهروا له االنصياع الكامل والتبعية حلكومته‪ ،‬فقبل منهم هرقل‬

‫ذلك‪ ،‬وأعطاهم العهد باألمان‪ ،‬لكن أتى رهبان الشام بعد ذلك فذكروا لـ هرقل ما فعله‬

‫اليهود يف وقت هزيمة الرومان‪ ،‬فغضب وأراد أن يعاقب اليهود‪ ،‬ولكن منعه العهد الذي‬

‫أعطاه إليهم‪ ،‬فجاء إليه الرهبان النصارى وقالوا لـ هرقل‪ :‬ال عليك من العهد‪ ،‬اقتلهم‬

‫وسنصوم عنك مجعة كل سنة أبد الدهر‪ ،‬فقبل كالم هرقل وعذهبم عذاب ًا شديد ًا‪ ،‬ومل يفلت إال‬

‫الذي هرب من الشام‪ .‬ومن حينها اشتد العداء بني النصارى واليهود‪ ،‬عل ًام بأن النصارى‬

‫يكرهون اليهود الدعائهم بأهنم قتلوا املسيح عليه السالم‪َ { ،‬و َما َق َت ُلو ُه َو َما َص َل ُبو ُه َو َل ِك ْن ُشب َه‬

‫َهل ُ ْم} [النساء‪ ،]157:‬حتى إن النصارى يف عهد سيدنا عمر بن اخلطاب ملا فتح القدس سنة ‪16‬‬

‫‪33‬‬
‫هجرية اشرتطوا أال يعيش يف القدس هيودي‪ ،‬وأال يبقى فيها يوم ًا وليلة إال املرور‪ ،‬وأعطاهم‬

‫عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه العهد بذلك‪ ،‬لكن اآلن نرى اتفاق اليهود مع األمريكان‬

‫واإلنجليز والفرنسيني وغريهم؛ ألن معركتهم واحدة هي املعركة ضد اإلسالم‪.‬‬

‫اليهود يف زمن الرسول ﷺ كانوا يتمركزون يف شامل املدينة املنورة يف خيرب‪ ،‬وكانوا كعادهتم‬

‫قوم ًا غالظ الطباع‪ ،‬قساة القلوب‪ ،‬منحريف األخالق‪ ،‬يعيشون عىل الربا‪ ،‬وإشعال الفتن‬

‫واحلروب والتكسب من بيع السالح‪ ،‬وإيقاع السادة يف الفضائح األخالقية وهتديدهم هبا‪،‬‬

‫والسيطرة عىل اجلهال بكتبهم املحرفة وأفكارهم الضالة‪.‬‬

‫حال احلبشة قبل البعثة النبوية وبعدها‬

‫كانت احلبشة ‪-‬أثيوبيا حالي ًا‪ -‬عىل النرصانية املحرفة‪ ،‬وكانوا يتبعون الكريس اإلسكندري يف‬

‫الدين‪ ،‬أي‪ :‬مثل الديانة املرصية‪ ،‬ويعتقدون أن املسيح هو اهلل أو ابن اهلل‪ ،‬وليس له طبيعة‬

‫برشية‪ ،‬كانت حياهتم بدائية إىل حد كبري‪ ،‬وإن كان هلم قوة وجيش وسالح‪ ،‬لكن يف زمن‬

‫الرسول ﷺ وبعد البعثة كان حيكمهم رجل ال يظلم عنده أحد‪ ،‬وهو النجايش أصحمة‪،‬‬

‫والنجايش لقب وليس اس ًام‪ ،‬مثل ملك فارس لقبه كرسى‪ ،‬وملك الروم لقبه قيرص‪ ،‬كذلك‬

‫ملك احلبشة لقبه النجايش‪ .‬هذا وضع بالد احلبشة ذكرناه ألمهيته يف السرية كام سيأيت بعد‬

‫ذلك‪.‬‬

‫حال األمريكيتني قبل البعثة النبوية‬

‫أما األمريكتان فقد كانتا تعيشان يف ذلك الوقت يف مرحلة طفولة حضارية‪ ،‬يف حياة بدائية‬

‫متام ًا‪ ،‬وقد رأيت آثار السكان األصليني ألمريكا (اهلنود احلمر) وهي آثار يف غاية البدائية‪ ،‬وما‬

‫كان هلم أي دور يف حركة األرض يف ذلك الزمن‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫حال اجلزيرة العربية قبل البعثة النبوية‬

‫كان هذا هو الوضع يف بالد العامل املختلفة يف زمان رسول اهلل ﷺ وقبل بعثته‪ ،‬أما عن اجلزيرة‬

‫العربية فقد كانت تعيش حالة من الوثنية املفرطة‪ ،‬مع إيامن هؤالء الناس باهلل عز وجل‪ ،‬إال‬

‫أهنم اختذوا إليه شفعاء ووسطاء‪ ،‬كام قال اهلل عنهم‪َ { :‬ما َن ْع ُبدُ ُه ْم إِ اال لِ ُي َقر ُبونَا إِ َىل اهللاِ ُز ْل َفى}‬

‫[الزمر‪ ،]3:‬ومضت األيام وأصبحوا يعتقدون أن هؤالء الشفعاء ‪-‬أي‪ :‬األصنام‪ -‬متلك قدرة‬

‫ذاتية عىل أن تنفع أو ترض‪ ،‬فأصبحوا يتوجهون إليها مبارشة بالعبادة‪ ،‬وكان لكل قبيلة صنم‪،‬‬

‫فمكة مث ً‬
‫ال كان أعظم أصنامها‪ :‬هبل‪ ،‬والطائف أعظم أصنامها‪ :‬الالت وهكذا‪.‬‬

‫وأحيان ًا لكل بيت صنم‪ ،‬وكان هناك جتار لألصنام وصناع لألصنام‪ ،‬جتد من يبيع آهلة يف داخل‬

‫البيت احلرام‪ ،‬بل كانت الكعبة نفسها حوهلا ‪ 360‬صن ًام‪ ،‬وهي أرشف بقعة عىل األرض‪ ،‬ومما‬

‫يذكر كمثال عىل أن لكل بيت صن ًام أن عمرو بن اجلموح ريض اهلل عنه كان يف جاهليته يعبد‬

‫صن ًام من اخلشب صنعه بيده‪.‬‬

‫أما األجواء األخالقية يف جزيرة العرب كانت شنيعة‪ ،‬كان رشب اخلمر متفشي ًا تفشي ًا كبري ًا‪،‬‬

‫حتى كتبت فيه أشعار عظيمة‪ ،‬ووصفت جمالسه بأدق التفاصيل‪ ،‬مع أنه كان يؤدي إىل كثري من‬

‫النزاع بني الناس‪ .‬وكان امليرس أيض ًا متفشي ًا‪ ،‬وكثري ًا ما أورث البغضاء والشحناء بني الناس‪،‬‬
‫ان َأ ْن ي ِ‬
‫وق َع َب ْينَك ُُم ا ْل َعدَ َاو َة‬ ‫من أجل هذا قال اهلل سبحانه وتعاىل عنه يف القرآن‪{ :‬إِن َاام ُي ِريدُ ا‬
‫الش ْي َط ُ ُ‬
‫رس} [املائدة‪ .]91:‬وكان الربا من املعامالت األساسية يف جزيرة‬ ‫اخلَ ْم ِر َواملَْ ْي ِ ِ‬
‫َوا ْل َب ْغ َضا َء ِيف ْ‬

‫العرب‪ ،‬وكانوا يقولون كام أخرب اهلل عنهم‪{ :‬إِن َاام ا ْل َب ْي ُع ِم ْث ُل الر َبا} [البقرة‪.]275:‬‬

‫أما الزنا فكانت له صور بشعة يف املجتمعات العربية قبل اإلسالم‪ ،‬وتصف السيدة عائشة‬

‫ريض اهلل عنها وأرضاها ‪-‬كام جاء يف صحيح البخاري – (أنواع النكاح يف اجلاهلية‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫النوع األول‪ :‬هو النوع املعروف الذي عليه نكاح الناس اليوم‪ ،‬خيطب الرجل إىل الرجل وليته‬

‫أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها)‪ ،‬وهذا الزواج الطبيعي كان أحد صور الزواج‪.‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬تقول السيدة عائشة‪( :‬كان الرجل يقول المرأته إذا طهرت من طمثها) ‪-‬أي‪ :‬من‬

‫احليض‪( -‬اذهبي إىل فالن فاستبضعي منه‪ ،‬ويعتزهلا زوجها وال يمسها حتى يتبني محلها) ‪-‬‬

‫أي‪ :‬من ذلك الرجل الذي تستبضع منه‪ ،‬أي‪ :‬يبعث امرأته من أجل أن جيامعها رجل من‬

‫أرشاف مكة‪ ،‬وما يمس امرأته إىل أن يتأكد أهنا محلت من الرجل الغريب‪( -‬فإذا تبني محلها‬

‫أصاهبا زوجها إذا أحب‪ ،‬وإنام يفعل ذلك رغبة يف نجابة الولد)‪ .‬هذا النكاح كان يسمى بنكاح‬

‫االستبضاع‪ ،‬أين مروءته وغريته؟! تنعدم إىل درجة أنه يبعث امرأته إىل هذا الفعل الشنيع‪،‬‬

‫وهذا قانون يوافق أهواء األسياد‪ .‬كانوا حييون عىل هذه املفاسد‪ ،‬لذا ملا أتى اإلسالم وحرم‬

‫عليهم هذه األمور‪ ،‬كان العداء بينهم وبني اإلسالم؛ ألنه حيرم عليهم هذه الشهوات وهذه‬

‫املفاسد‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬تقول السيدة عائشة‪( :‬هو النكاح الذي جيتمع فيه الرهط ما دون العرشة‪،‬‬

‫فيدخلون عىل املرأة كلهم يصيبها‪ ،‬فإذا محلت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع محلها‬

‫أرسلت إليهم‪ ،‬فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى جيتمعوا عندها‪ ،‬فتقول هلم‪ :‬قد عرفتم‬

‫الذي كان من أمركم‪ ،‬وقد ولدت وهو ابنك يا فالن‪ ،‬وختتار واحد ًا من الناس فتلحقه به‪ ،‬وال‬

‫يستطيع أن يمتنع الرجل)‪.‬‬

‫النوع الرابع واألخري يف أيام اجلاهلية كام تقول السيدة عائشة‪( :‬جيتمع الناس الكثري فيدخلون‬

‫عىل املرأة ال متتنع ممن جاءها) ‪-‬وهن البغايا كن ينصبن عىل أبواهبن رايات تكون عل ًام‪ ،‬وهي‬

‫مشهورة يف التاريخ بالرايات احلمر‪ ،‬فمن أرادهن دخل عليهن‪( -‬فإذا محلت إحداهن‬

‫ووضعت محلها اجتمعوا هلا‪ ،‬ودعوا هلا القافة) ‪-‬وهم الرجال الذين يستطيعون متييز الوالد‬
‫‪36‬‬
‫والولد عن طريق الشبه‪( -‬ثم أحلقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به)‪ ،‬أي‪ :‬التصق به ودعي عىل‬

‫أنه ابنه‪ ،‬وال يمتنع من ذلك‪ .‬تقول السيدة عائشة‪( :‬فلام بعث الرسول ﷺ هدم نكاح اجلاهلية‬

‫كله إال نكاح الناس اليوم)‪.‬‬

‫كانت هناك عادة أخرى من أبشع العادات يف جزيرة العرب‪ :‬وهي وأد البنات‪ ،‬وهو دفن‬

‫البنت وهي حية‪ ،‬وكان يفعل ذلك ألسباب كثرية أمهها خشية الفقر‪ ،‬كام قال اهلل عز وجل يف‬

‫كتابه الكريم‪َ { :‬وال َت ْق ُت ُلوا َأ ْوال َدك ُْم َخ ْش َي َة إِ ْمالق} [اإلرساء‪ ]31:‬أي‪ :‬خشية الفقر‪ .‬وأحيان ًا‬

‫خوف العار‪ ،‬وأحيان ًا لعيوب خلقية أو من أجل اللون‪ .‬ومنها‪ :‬ادعاء أن املالئكة بنات اهلل‪،‬‬

‫سبحانه عام يقولون‪ .‬فيقولون‪ :‬أحلقوا البنات به فهو أحق هبن‪ ،‬تعاىل اهلل عن ذلك‪ ،‬يقول اهلل عز‬

‫وجل عنهم يف كتابه الكريم‪َ { :‬وإِ َذا املَْ ْو ُءو َد ُة ُس ِئ َل ْت * بِ َأي َذنْب ُقتِ َل ْت} [التكوير‪.]9 - 8:‬‬

‫كذلك العصيبة القبيلة واحلروب املستمرة بني القبائل كانت أمر ًا طبيعي ًا‪ ،‬واإلغار‬

‫قصة إسالم سلامن وبحثه عن نور اهلداية قبل البعثة وبعدها‬

‫مل يكن عىل احلق إال النادر القليل قبل البعثة‪ ،‬ويوضح ذلك حديث سلامن الفاريس ريض اهلل‬

‫عنه كام جاء يف مسند اإلمام أمحد بن حنبل رمحه اهلل وهو حيكي قصة إسالمه‪.‬‬

‫هذا احلديث حيكي فيه سلامن الفاريس ريض اهلل عنه قصته مع اإليامن‪ ،‬وكيف أنه كان جموسي ًا‬

‫يعبد النار‪ ،‬بل ويعمل خادم ًا هلا‪ ،‬يوقدها حتى ال ختبو‪ ،‬ثم ملا سمع بصالة من صلوات‬

‫النصارى أعجب هبا‪ ،‬فسأل عن أصل هذا الدين وهرب من بلده يف قصة طويلة نذكرها‬

‫خمترصة‪.‬‬

‫هرب من بلده أصبهان إىل بالد الشام حيث يوجد النصارى‪ ،‬وهناك سأل عن أفضل أهل هذا‬

‫الدين‪ ،‬فدله الناس عىل أسقف الكنيسة‪ ،‬فذهب إليه وعاش معه فرتة‪ ،‬ولكنه اكتشف أنه رجل‬

‫‪37‬‬
‫سوء‪ ،‬يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها‪ ،‬فإذا مجعوا إليه منها أشياء اكتنزها لنفسه‪ ،‬حتى مجع من‬

‫ذلك سبع قالل من الذهب والفضة‪.‬‬

‫يقول سلامن‪( :‬فأبغضته بغض ًا شديد ًا)؛ ألنه جاء من بالد فارس من أجل هذا الرجل‪ ،‬ثم وجد‬

‫أنه هبذا السوء‪ ،‬ثم مات الرجل وكشف سلامن ريض اهلل عنه أمره للناس وأخرج هلم القالل‪،‬‬

‫فغضب الناس عىل األسقف وصلبوه وهو ميت ورمجوه باحلجارة‪ ،‬ثم استخلفوا بعده رج ً‬
‫ال‬

‫آخر‪ ،‬وكان عظي ًام تقي ًا ورع ًا فأحبه سلامن حب ًا شديد ًا وعاش إىل جواره فرتة‪ ،‬ثم حرضت هذا‬

‫األسقف الوفاة‪ ،‬فقال له سلامن‪( :‬قد حرضك ما ترى من أمر اهلل عز وجل‪ ،‬فإىل من تويص يب‪)،‬‬

‫قال‪( :‬أي بني؛ واهلل ما أعلم أحد ًا اليوم عىل ما كنت عليه‪ ،‬لقد غري الناس وبدلوا‪ ،‬وتركوا أكثر‬

‫ال باملوصل)‪ .‬أي‪ :‬من كل أهل األرض ال يعرف إال واحد ًا صاحل ًا فقط يف‬
‫ما كانوا عليه إال رج ً‬

‫املوصل يف أرض العراق‪ ،‬ويف كل الشام ليس هناك رجل عىل احلق‪ ،‬فذهب إليه سلامن ومكث‬

‫ال طيب ًا كصاحبه‪ ،‬ثم اقرتبت وفاته‪ ،‬فقال له سلامن‪( :‬إىل من تويص يب؟)‬
‫عنده فرتة وكان رج ً‬

‫قال‪( :‬واهلل ما أعلم رج ً‬


‫ال عىل مثل ما كنا عليه إال بنصيبني‪ ،‬وهو فالن فاحلق به‪ ،‬فلام مات‬

‫ذهب سلامن إىل نصيبني)‪.‬‬

‫بقي حياة طويلة من الكفاح والبحث عن احلق ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬ونحن نكسل عن‬

‫البحث يف املكتبة عن كتاب ‪-‬وهو داخل البيت‪ -‬من أجل معلومة معينة‪ ،‬انظر لـ سلامن‬

‫الفاريس من بلد إىل بلد من أجل أن يعبد اهلل عز وجل حق العبادة‪.‬‬

‫ال صاحل ًا‪ ،‬ثم ما لبث أن حرضته الوفاة‪،‬‬


‫عاش سلامن يف نصيبني مع الرجل فرتة‪ ،‬وكان رج ً‬

‫فقال له سلامن‪( :‬إىل من تويص يب؟) قال‪( :‬أي بني؛ واهلل ما أعلم أحد ًا بقي عىل أمرنا إال رج ً‬
‫ال‬

‫بعمورية) ‪-‬تركيا حالي ًا‪( -‬فاحلق به)‪ ،‬يقول سلامن‪( :‬فلحقت بصاحب عمورية‪ ،‬وكان الرجل‬

‫عىل هدي أصحابه‪ ،‬فاكتسبت من التجارة حتى كان يل بقرات وغنيمة‪ ،‬ثم حرضت الرجل‬
‫‪38‬‬
‫الوفاة)‪ ،‬فقال له سلامن‪( :‬إىل من تويص يب؟) فقال الرجل‪( :‬أي بني؛ واهلل ما أعلم أن أحد ًا قد‬

‫أصبح عىل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه‪ ،‬ولكن قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم عليه‬

‫السالم‪ ،‬خيرج بأرض العرب مهاجر ًا إىل أرض بني حرتني بينهام نخل‪ ،‬هبا عالمات ال ختفى‪،‬‬

‫يأكل اهلدية وال يأكل الصدقة‪ ،‬بني كتفيه خاتم النبوة‪ ،‬فإن استطعت أن تلحق بتلك البالد‬

‫فافعل)‪ ،‬قال سلامن‪( :‬ثم مات الرجل)‪.‬‬

‫ثم مكث سلامن ريض اهلل عنه فرتة يف عمورية وهو يبحث عن طريقة يصل هبا إىل أرض‬

‫العرب‪ ،‬حتى مر به جمموعة من التجار‪ ،‬فقال هلم‪( :‬حتملونني إىل أرض العرب وأعطيكم‬

‫بقرايت هذه وغنيمتي)‪ ،‬قالوا‪( :‬نعم)‪ ،‬يريد أن يضحي بكل الذي امتلكه من أجل أن يصل إىل‬

‫هذا الدين‪ ،‬يقول‪( :‬فأعطيتهم إياها ومحلوين‪ ،‬حتى إذا قدموا به وادي القرى يف شامل املدينة‬

‫املنورة ظلموين‪ ،‬فباعوين إىل رجل من هيود عبد ًا)‪ ،‬ثم مرت األيام وسلامن الفاريس عبد وقد‬

‫كان ابن ًا ألحد رؤساء القرى يف بالد فارس‪.‬‬

‫يقول سلامن‪) :‬فبينام أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من املدينة من بني قريظة فابتاعني منه‬

‫فاحتملني إىل املدينة‪ ،‬فواهلل ما هو إال أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي‪ ،‬فأقمت هبا‪ ،‬وبعث اهلل‬

‫رسوله فأقام بمكة ما أقام‪ ،‬ال أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق‪ ،‬ثم هاجر إىل املدينة‬

‫ﷺ فواهلل إين لفي رأس عذق لسيدي( ‪-‬أي‪ :‬أعىل النخلة‪) -‬أعمل فيه بعض العمل‪ ،‬وسيدي‬

‫جالس إذا أقبل ابن عم له حتى وقف عليه( فقال‪) :‬قاتل اهلل بني قيلة( ‪-‬األوس واخلزرج‪،-‬‬

‫)واهلل إهنم اآلن ملجتمعون بقباء عىل رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي(‪ ،‬يقول‬

‫سلامن‪) :‬فلام سمعتها أخذتني العرواء( ‪-‬رعشة شديدة يف جسده‪) -‬حتى ظننت أين سأسقط‬

‫عىل سيدي‪ ،‬فنزلت عن النخلة فجعلت أقول البن عمه ذلك‪ :‬ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ فغضب‬

‫‪39‬‬
‫سيدي فلكمني لكمة شديدة(‪ ،‬ثم قال‪) :‬ما لك وهلذا‪ ،‬أقبل عىل عملك(‪ ،‬فقلت‪) :‬ال يشء ال‬

‫يشء‪ ،‬إنام أردت أن أستثبت عام قال(‪.‬‬

‫ثم كانت له قصة إسالم لطيفة مع رسول اهلل ﷺ ليس اآلن جمال ذكرها‪.‬‬

‫الشاهد من القصة أن بقاع النور يف األرض كانت حمدودة‪ ،‬مل تكن مدن ًا وال قرى‪ ،‬بل كانوا‬

‫أفراد ًا بعينهم‪ ،‬سلامن ريض اهلل عنه وأرضاه يقطع املسافات واملسافات بحث ًا عن رجل واحد‬

‫من أصبهان إىل الشام‪ ،‬إىل املوصل‪ ،‬إىل نصيبيني إىل عمورية‪ ،‬إىل الرق يف وادي القرى‪ ،‬ثم إىل‬

‫املدينة‪ ،‬إىل أن جاء الرسول ﷺ‪ .‬ولو ريض سلامن بحاله يف بالد فارس لظل إىل آخر حياته‬

‫جليس ًا للنار‪ ،‬يشعلها كلام خبت‪ ،‬فأي وقت كان سيضيع وأي عمر كان سيهدر‪ .‬ملا أسلم سلامن‬

‫أصبح من أعظم رجال األرض‪ ،‬بل ارتفع به رسول اهلل ﷺ إىل أعىل الدرجات فقال يف حقه‪:‬‬

‫(سلامن منا آل البيت)‪.‬‬

‫هذا كان الوضع يف بالد العامل بصفة عامة‪.‬‬

‫حال مكة قبل البعثة النبوية‬

‫أما الوضع يف مكة نفسها فام كان خيتلف عن ذلك كثري ًا‪ ،‬مل يكن هناك عىل الدين الصحيح إال‬

‫القليل مثل‪ :‬زيد بن عمرو بن نفيل أبو سيدنا سعيد بن زيد ريض اهلل عنه وأرضاه صاحب‬

‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وكان زيد بن عمرو بن نفيل حنيفي ًا عىل ملة إبراهيم عليه السالم‪.‬‬

‫كذلك كان ورقة بن نوفل قد تنرص‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫أمهية بعثة النبي ﷺ إىل األرض ورضورة الدعوة إىل دين اإلسالم يف وقتنا احلارض‬

‫كانت األرض عىل اتساعها قبل البعثة النبوية تعيش االهنيار الشديد يف األخالق والقيم‬

‫والعادات والعالقات والعقيدة‪ ،‬ظلامت بعضها فوق بعض‪ ،‬من هنا ندرك فع ً‬
‫ال قيمة النور‬

‫ُور‬ ‫ِ‬
‫الذي أنزله اهلل عز وجل عىل األرض ببعثة الرسول احلبيب حممد ﷺ‪{ ،‬قدْ َجا َءك ُْم م َن اهللاِ ن ٌ‬
‫ور بِإِ ْذنِ ِه‬ ‫ني * هي ِدي بِ ِه اهللاُ م ِن ا اتبع ِر ْضوا َنه سب َل السال ِم و ُخي ِْرجهم ِمن ال ُّظ ُلام ِ‬
‫ت إِ َىل النُّ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ ْ َ‬ ‫َ ُ ُ ُ ا‬ ‫َ ََ‬ ‫َاب ُمبِ ٌ َ ْ‬
‫ِ‬
‫َوكت ٌ‬
‫رصاط ُم ْست َِقيم} [املائدة‪.]16 - 15:‬‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫َو َ ْهيدهي ْم إ َىل َ‬

‫كان من الواضح أن األرض حتتاج يف هذا التوقيت إىل اإلسالم‪ ،‬إىل وحي السامء‪ ،‬إىل اهلداية إىل‬

‫الطريق املستقيم‪ ،‬يف زمان تشعبت فيه طرق الضالل حتى استحال حرصها‪ ،‬كان ذلك منذ‬

‫أكثر من أربعة عرش قرن ًا من الزمان‪ ،‬فامذا عن حالنا اآلن‪ ،‬هل األرض حتتاج إىل اإلسالم كام‬

‫كانت حتتاج إليه قبل بعثة رسول اهلل ﷺ؟ هل حال األمم املختلفة يف األرض اآلن ال حيتاج إىل‬

‫تقويم إهلي وتعديل رباين وهداية سامواية ورشيعة إسالمية؟ إن الناظر إىل حال األرض يف‬

‫زماننا يرى األوضاع شديدة الشبه بام كانت عليه قبل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬يرى اجلرائم األخالقية‪،‬‬

‫واالنحراف يف السلوك وصل إىل درجات شنيعة‪ ،‬جتد شعوب ًا كاملة غارقة متام ًا يف اجلنس‬

‫واإلباحية والشذوذ‪ ،‬فمعدل الزنا يف أمريكا حتت ‪ 18‬سنة مراهقني وصل إىل ‪ ،%55‬يف إنجلرتا‬

‫‪ ،%65‬يف العامل اإلسالمي معدالت الزنا يف ارتفاع رهيب‪ ،‬لكن احلمد هلل ما زال املجتمع‬

‫املسلم ال يسمح باملجاهرة بمثل هذه الفواحش وإن كانت موجودة‪ ،‬والكل يالحظ اإلباحية‬

‫التي تنترش بال حدود يف وسائل اإلعالم والشوارع واجلامعات واألندية‪ ،‬ناهيك عن الشواطئ‬

‫ومحامات السباحة‪.‬‬

‫العنف يف األرض يف ازدياد ملحوظ‪ ،‬جرائم القتل واالغتصاب والرسقة باإلكراه واخلطف‬

‫منترشة بشكل بشع‪ ،‬نوعيات اجلرائم البشعة والتعذيب يف السجون‪ ،‬والقتل اجلامعي تنترش‬
‫‪41‬‬
‫بأشكال رهيبة يف األرض‪ ،‬احلروب الظاملة وأكل أموال الشعوب أصبح ظاهرة يف كل بالد‬

‫األرض‪ ،‬ولألسف العامل اإلسالمي من أكثر املناطق تعرض ًا هلذه احلروب وهلذا الظلم‪ ،‬وأحيان ًا‬

‫الظلم يأيت من األقربني‪ ،‬وال يلزم أن يكون من حمتل شعره أصفر وعينه زرقاء‪ ،‬ال‪ ،‬الظامل قد‬

‫يكون من نفس بلد املظلوم‪ ،‬وتأمل حال إفريقيا وآسيا وأمريكا اجلنوبية فهي تعيش دكتاتورية‬

‫وقهر ًا وبطش ًا يف كل مكان من أمريكا وأوروبا‪ ،‬وإن كانت بالد ًا ديمقراطية إال أهنا ما زالت‬

‫استعامرية‪ ،‬نعم تغريت أشكال االستعامر لكنها ما زالت استعامرية‪ ،‬فحروب الفرس والرومان‬

‫القديمة مل تكن حتمل وحشية حروب أمريكا وإنجلرتا وفرنسا وروسيا والرصب وغريهم‪،‬‬

‫فأمريكا قتلت يف هريوشيام وناجازاكي أكثر من مائتي ألف مدين‪ ،‬يف ‪ 6‬أغسطس ‪1945‬م‪ ،‬ويف‬

‫‪ 19‬مارس من نفس السنة قتلت أمريكا ثامنني ألف ياباين مدين بقنابل النبامل املحرمة‪ ،‬رمتها‬

‫طائرات البي ‪ 29‬عىل طوكيو‪ ،‬وهذا مل يشتهر؛ ألن موضوع القنبلة النووية غطى عىل كل يشء‪.‬‬

‫وقتلت أمريكا مليون ونصف كوري وصيني من العسكريني‪ ،‬ومليون مدين يف حرب كوريا‬

‫سنة ‪1950‬م أرقام مهولة‪ ،‬وقتلت أمريكا من ثالثة إىل أربعة ماليني فيتنامي يف احلرب‬

‫الفيتنامية من سنة ‪1963‬م ‪1975 -‬م أعنف حرب إبادة يف التاريخ‪ ،‬ناهيك عام رأيناه يف‬

‫العراق وأفغانستان وغريمها‪ ،‬ما سمعنا عن يشء مثل هذا يف أيام اجلاهلية األوىل‪.‬‬

‫كذلك حروب الرصب وروسيا واهلند حروب رهيبة‪ ،‬ولألسف القتىل كلهم من املسلمني‪،‬‬

‫حتى أمريكا والغرب ملا رضبوا الرصب يف كوسوفا رموا عليها آالف األطنان من القنابل‬

‫املخصبة باليورانيوم املشع‪ ،‬والتي سيبقى أثرها يف أرايض كوسوفا آالف السنني‪ ،‬هذا إن كان‬

‫يف عمر األرض بقية‪ .‬فالوثنية يف العامل باتت بشعة؛ ألن الغالب األعم من أهل األرض‬

‫وثنيون‪ ،‬لو قسمت العامل إىل مسلمني ونصارى وهيود ووثنيني‪ ،‬فإن نسبة الوثنيني أعىل نسبة؛‬

‫ألف مليون يف اهلند يعبدون البقر والشجر والفئران الخ‪ ،‬مليار وثالثامئة مليون يف الصني‬

‫‪42‬‬
‫ينكرون وجود اإلله شيوعية ملحدة متام ًا‪ .‬روسيا ليست بعيدة عن االعتقاد هذا‪ ،‬وإن كانت‬

‫الشيوعية انتهت إال أن معظم الشعب ال يزال ملحد ًا‪.‬‬

‫البوذية منترشة يف جنوب رشق آسيا واليابان‪.‬‬

‫إفريقيا فيها قبائل كثري جد ًا وثنية متام ًا‪ ،‬يعبدون أصنام ًا وأشجار ًا ونجوم ًا‪.‬‬

‫يف بالد أوروبا وأمريكا كثري من املحسوبني عىل النصارى أصبحوا ملحدين‪ ،‬ففرنسا تقول‪ :‬أنا‬

‫علامنية بحتة‪ ،‬وأمريكا كذلك علامنية بحتة‪ ،‬وأملانيا كذلك‪ ،‬وتركيا وتونس وغريمها من بالد‬

‫املسلمني يقولون‪ :‬نحن علامنيون‪.‬‬

‫رأينا يف بالد مسلمة من يعبد الشيطان مع أن الرسول ﷺ يقول‪( :‬إن الشيطان قد أيس أن يعبد‬

‫بأرضكم هذه‪ ،‬ولكنه قد ريض منكم بام حتقرون) لكن يف هذا الوقت بعض شباب وشابات‬

‫املسلمني أعطوا الشيطان الذي كان قد يئس منه أمر ال يتخيله عقل‪.‬‬

‫بعد كل هذا أال تشعرون أن العامل بأرسه وليس العامل اإلسالمي فقط يتجه إىل هاوية سحيقة؟!‬

‫أال تشعرون أن املسلمني بحاجة إىل اإلسالم؟!‬

‫بىل أال تشعرون أن غري املسلمني بحاجة إىل اإلسالم؟!‬

‫أال تشعرون أن أمريكا وآسيا وأوربا بحاجة إىل هذا الدين؟! لقد وصلت األرض حلالة من‬

‫الرتدي والضياع قبل البعثة النبوية الرشيفة حتى عرب رسول اهلل ﷺ عنها بأن اهلل قد نظر إىل‬

‫أهل األرض فمقتهم مجيع ًا عرهبم وعجمهم إال بقايا من أهل الكتاب‪ ....‬أخشى أخواين يف اهلل‬

‫أن تكون األرض من جديد قد وصلت إىل حالة من الرتدي والضياع حتى يمقتها رهبا إال بقايا‬

‫من املؤمنني‪ .‬نحن نحتاج إىل بعثة جديدة كام كانت حتتاج األرض قبل رسول اهلل ﷺ لكن ليس‬

‫‪43‬‬
‫هناك نبي بعد رسول اهلل ﷺ وليس هناك دين بعد اإلسالم فمن حيمل الراية إن مل نكن نحن؟‬

‫ومن يعلم الناس ما مل نكن نحن؟‬

‫لقد فقه ربعي بن عامر ريض اهلل عنه وأرضاه هذه الوظيفه جيد ًا ّ‬
‫فعرب عنها يف بساطة ولكن‬

‫بعمق شديد حني قال )لقد ابتعثنا اهلل لنخرج العباد من عبادة العباد إىل عبادة رب العباد(‬

‫وانتبه لكلمة ابتعثنا فنحن لنا مهمة األنبياء و كذلك كلمة العباد مقصود هبا كل العباد وليس‬

‫من يف بالد املسلمني فقط؛ كل العباد يف روسيا وأمريكا وأوروبا وأسرتاليا وكل بقعه عىل‬

‫األرض‪ .‬إذا كنا نحن اجليل الذي يفقه حقيقة هذه الوظيفة الكريمة الرشيفة ويسري يف خطوات‬

‫الرسول اخلاتم ﷺ يف بناء أمته ويف دعوة األمم إىل الدين النقي اخلالص إذا كنا نحن هذا اجليل‬

‫فسوف نصل إن شاء اهلل وسوف نستفيد من دراسة حياة الرسول أعظم استفادة‪ ،‬أما إن مل نكن‬

‫نحن هذا اجليل فلنحذر الرتهيب اإلهلي الشديد } َوإِن َتت ََو ال ْوا َي ْس َت ْب ِد ْل َق ْو ًما َغ ْ َريك ُْم ُث ام َال َيكُونُوا‬

‫َأ ْم َثا َلكُم } [حممد‪.]38:‬‬

‫هبذه النظرة املدركة لقيمة هذه الدين يف حياة األرض كلها سنبدأ يف فقه سرية احلبيب حممد ﷺ‬

‫‪44‬‬
‫‪3‬‬

‫من هنا بدأ اإلسالم‬

‫احلكمة من إرسال حممد ﷺ يف جزيرة العرب‬

‫هناك سؤاال قد يسؤغرره البعض‪ :‬ملاذا ينزل الوحي يف مكة؟ ملاذا حتدث قصؤة رسؤول اهلل ﷺ يف‬

‫اجلزيرة العرهية؟ ملاذا مل يبعث الرسؤول ﷺ يف فارس أو الروم‪ ،‬أو يف فلسؤني مل هيية انببيا‪،،‬‬

‫أو يف مصؤؤؤؤر مل سؤيدبا موسؤع يلي الصؤوة والسؤوم؟ إ وا ؛ ال توجد بينية واحدة يف حياة‬

‫رسؤول اهلل ﷺ يشؤوايية؛ إذ ل ء‪ ،‬هسسؤاب‪ ،‬ل ء‪ ،‬ميصؤوأل؛ نل الرسؤول ﷺ سؤيكول‬

‫نيوة يف هذه الشخصية حمسوهة متام ًا‪.‬‬ ‫قدوة لك املسلم إىل يوم الييامة‪ ،‬فوهد أل تكول ل‬

‫لال الوضؤ يف جزيرة العرب هو الوضؤ املناسؤق لييام الديوة امسؤومية يغضؤ ذل من ثاار‬

‫الغجرهة امسؤومية انوىل‪ ،‬فيد لابت جترهة باجسة متام ًا‪ ،‬والبيئة الغي بشؤت فياا الرسؤالة لابت‬

‫هيئة صاحلة‪ ،‬فيد رأينا امسوم ينغشؤؤؤر هرسية يف انرض‪ ،‬ففي غضول سنوا قليلة ال حتسق‬

‫الناس يف ألين اهلل‬ ‫يف الغاريخ هشؤؤي‪ ،‬وص امسوم من أقصؤؤع انرض إىل أقصاها‪ ،‬ه وأل‬

‫أفواج ًا‪ ،‬راغب غري مكره ‪.‬‬

‫بسن بسؤتل هذا السؤاال وفدم من وراي ملعرفة امليوما الغي أبجست رسؤالة امسؤوم‪ .‬من‬

‫املعلوم أل الرسؤؤالة من املمكن أل حتين بجاح ًا ذاتي ًا يف أم مكال تيوم ه ؛ نل الرسؤؤالة يف ذا ا‬

‫مؤال ومكؤال‪ ،‬لكن من منظور هؤذه املجمويؤة من الؤدروس بسن بيول‪:‬‬ ‫يظيمؤة تصؤؤل لكؤ‬
‫‪45‬‬
‫ليف ببني أمة؟ فتول البنا‪ ،‬هو وضؤ انسؤاس‪ ،‬وبسن بريد أل بعرم ملاذا رهنا سؤبساب وتعاىل‬

‫ا غار هذا املكال هالذا لوض انساس هلذا املرشوع العظيم‪ ،‬مرشوع امسوم‪.‬‬

‫مؤا هي مواصؤؤفؤا هؤذا املكؤال؟ مؤا هي مروفؤ ؟ مؤا هي وبيعغؤ ؟ لو اسؤؤغنيعنؤا أل بعرم هؤذه‬

‫املواصؤفا لسؤوم بسؤغخرو قوايد يف غاية انمهية مياألة هنا‪ ،‬انمة امسؤومية ي أسؤاس‬

‫صؤؤسي ‪ ،‬وسؤؤوم بعلم ما هي البيئة الغي يمكن أل تكول أصؤؤل لنشؤؤتة الديوة امسؤؤومية‪،‬‬

‫ولنشؤؤتة هؤذا الؤدين ومتكينؤ ‪ .‬أمؤا احلكمؤة الكؤامنؤة ورا‪ ،‬ذلؤ انمر فو يعلماؤا إال اهلل يز وجؤ ‪،‬‬

‫لكن بسن بساول أل ببسث ي قدر االسغنياية‪ ،‬وبستل اهلل يز وج الغوفين‪.‬‬

‫املسافظة ي بيا‪ ،‬الرسالة ووحدة املصدر‬

‫أول حكمؤة تغبؤديف يف ذلؤ انمر‪ :‬أل هؤذه املننييؤة ليت هلؤا تؤاريخ ايؤايف يؤذلر‪ ،‬وال فلسؤؤفؤا‬

‫سؤاهية‪ ،‬أو تشؤؤؤ ؤريعا مرلبة‪ ،‬أو قواب مفصؤلة‪ ،‬ه حياة هسؤينية إىل أهعد ألرجا البسؤاوة‪،‬‬

‫ؤؤؤ ؤاصؤؤة وتاريخ ووي ‪ ،‬فالدولة‬ ‫ة هلا لابت هلا أفكار مرتبة وفلسؤؤفا‬ ‫احلضؤؤارا املعا‬

‫الرومابية الررهية والشؤؤرقية لابت فياا قواب للرية‪ ،‬وترشيعا يف معظم املجاال ‪ ،‬ولال هبا‬

‫ملم وقار وهنيش‪.‬‬

‫فؤ ؤاليوبال لابت جز‪ً ،‬ا من الدولة الرومابية الشؤ ؤرقية‪ ،‬ولابت فياا فلسفا للرية قوية‪ ،‬ومار‬

‫فياا فوسفة لبار‪ ،‬أملال‪ :‬أرسنيو وأفووول وسيراط وغريهم‪.‬‬

‫والدولة الفارسؤؤية مار فياا مزألك صؤؤاحق الشؤؤيويية و واو املسارم‪ ،‬ومار فياا راأل ؤؤت‬

‫صاحق النار‪.‬‬

‫واهلند لال فياا حكام‪ ،‬للريول جد ًا لام ييال‪.‬‬

‫والص مار فياا هوذا ولوبفو يوس والوتسو‪.‬‬


‫‪46‬‬
‫ومصؤؤؤر لال فياا الفراينة وتارخيام ووي وقديم وقوم‪ ،‬ويندهم أيض ًا قواب وتشؤؤؤريعا‬

‫وأحكام‪ ،‬وم ل هذا بزلت الرسؤالة يف مكال يعغ تيريب ًا هو تاريخ ايايف‪ ،‬اللام الشؤعر‪ ،‬لكن‬

‫حغع الشؤعر مل يكن ل ألور فعال يف هنا‪ ،‬انمة امسؤومية‪ ،‬ومل يكن ذا أمهية اصؤة يف إبشؤا‪ ،‬انمة‬

‫امسؤؤومية ي انقؤؤؤؤ يف البداية‪ ،‬ه إل الرسؤؤول ﷺ لال ال يعرم بظم الشؤؤعر ي هوغغ‬

‫وفصاحغ ﷺ‪ ،‬وقد لال أهلغ البشؤ ؤر أمجع ‪ ،‬وم ذل مل يكن ييول الشعر‪ ،‬ويف هذا ييول اهلل‬

‫الشؤ ْع َر َو َما َينْ َب يري َل ُ } [يت‪ ]69:‬أم‪ :‬ال يصؤ أل‬


‫سؤبساب وتعاىل يف لغاه الكريم‪َ { :‬و َما َي َّل ْمنَا ُه ع‬

‫ييول ؤؤعر ًا‪ ،‬ومؤؤؤؤا ينبري ل ذل ؛ لئو خيغلط ي الناس انمر‪ ،‬ويعغيد الناس أل اليرثل بوع‬

‫جديد من الشعر سؤؤاق رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فاهلل يز وج أراأل أال خيغلط اليرثل هتم ء‪ ،‬من لوم‬

‫البرش‪ ،‬حغع لو لال من لوم رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫ل هذا من أج بيا‪ ،‬الرسؤالة‪ ،‬وحغع ال تغلط هتفكار سؤاهية‪ ،‬ام ييال‪ :‬إل امسؤوم رأل تنيور‬

‫للمعغيدا السؤؤاهية!!!‪ .‬فؤؤؤؤ لوبفو ؤؤيوس أو هوذا أو سؤؤيراط أو غريهم من الفوسؤؤفة هلم‬

‫معغيدا معينة‪ ،‬وقوايد اصؤة وضؤعوها منذ مئا السؤن ‪ ،‬هعضؤاا قد ىلض ي معنع مع‬

‫حض يلي امسوم أيض ًا‪ ،‬ولكن سيكول هشؤ ؤي‪ ،‬من اال غوم أو الغريري‪ ،‬فيد ىلض هعضام‬

‫مل ً‬
‫و ي الصؤد‪ ،،‬أو الزهد يف الدبيا‪ ،‬أو انمابة‪ ،‬فإذا جا‪ ،‬هذه انفكار يف امسؤوم قد يعغيد‬

‫البعض أفؤا رأل تنيور نفكؤار سؤؤيراط أو هوذا أو غريمهؤا‪ ،‬وهؤذا مؤا قؤالؤ هعض املغنيؤاول ي‬

‫امسؤؤوم‪ ،‬م أل الرسؤؤول ﷺ لال هعيد ًا ين هاال‪ ،‬الفوسؤؤفة‪ ،‬وما لال ييرأ ﷺ‪ ،‬فام هالكم لو‬

‫لال الرسؤول ﷺ بشؤت يف هيئة مليئة هالفوسؤفة وهالليافا اليديمة‪ ،‬ماذا سؤييال ين ؟ ام أيضؤ ًا قد‬

‫و قلي ً‬
‫و خيغلط الصواب‬ ‫تغرسب هعض هذه انفكار إىل امسوم ألول ألراية املسلم هذل ‪ ،‬فيلي ً‬

‫اوأل ًا‬ ‫هاخلنيت‪ ،‬وخيغلط احلن هالباو ‪ ،‬فإل قوايد اجلاهلية الغي لابت مرتسخة يف الناس أ ذ‬

‫ضؤؤخ ًام من امسؤؤوم؛ لكي يلرياا من أذهال الناس‪ ،‬فملوً‪ :‬ياألة الغبني‪ ،‬لكي يلرياا امسؤؤوم‬

‫‪47‬‬
‫حصؤلت اليصؤة املشؤاورة من وو‪ ،‬يد هن حاراة رهلل اهلل ين وأرضؤاه للسؤيدة ينق هنت‬

‫جسش‪ ،‬ام واو الرسول ﷺ مناا‪ .‬ل هذا أحدث هزة لبرية جد ًا يف املجغم املسلم‪ ،‬والناس‬

‫للاا تنغب إىل أل هذه العاألة ليست من امسوم‪.‬‬

‫وتي لو أل هذا البلد ميل‪ ،‬هغشؤؤؤؤؤريعا وقواب وفلسؤفا ‪ ،‬ليف سؤيصؤب الوضؤ ؟ فرهنا‬

‫سؤؤبساب وتعاىل يريد للرسؤؤالة أل تكول بيية متام ًا‪ ،‬ليت فياا أم لط هتم أفكار أ ريف‪ ،‬ورهام‬

‫من أج هذا أيضؤ ًا ما بزلت الرسؤالة يف فلسؤني ‪ ،‬فلو بزلت فياا الرسؤالة فسؤغبيع رأل امغداأل‬

‫للياوألية أو النصؤؤرابية‪ ،‬بعم‪ ،‬أصول الغوحيد واحدة‪ ،‬لكن امسوم أتع هغرشي لام مغكام‬

‫ىلكم الدبيا والدين‪.‬‬

‫إل اهلل سؤبساب وتعاىل أراأل للرسؤالة اخلامتة أل تنزل ي رسؤول اهلل ﷺ يف مكة؛ حغع ال يديي‬

‫هعض املدي ي الرسول يلي الصوة والسوم أب أ ذ الغوراة وامبجي وحرم فياام قليوً‪،‬‬

‫واسؤغخرو مناام امسؤوم‪ ،‬األيع أه مكة أل الرسؤول يلي الصؤوة والسؤوم لال يغليع هذه‬

‫اآليا من غوم بصؤؤؤ ؤرا ‪ ،‬فكيف لو بزلت الرسؤالة يف هلد للو‪ ،‬هته الغوراة وامبجي مل‬

‫فلسؤني ؟ لذل بزلت هذه الرسؤالة يف مكال ليسؤت في هالفع أم بوع من الليافا السؤاهية أو‬

‫اليواب أو الغشؤؤريعا ‪ ،‬ل هذا من أج أل يبيع الدين يف النااية بيي ًا الص ًا‪َ { :‬أال هللَّي الدع ي ُن‬

‫ص} [الزمر‪ .]3:‬وبسن رأينا هتييننا هعد ذل ثاار ا غوط امسؤوم هانفكار الرريبة ين ‪،‬‬ ‫ْ ي‬
‫اخلَال ُ‬
‫ومديف اخلنيورة ي امسؤوم لو أأل لنا يلي أم أفكار‪ ،‬حغع ولو لابت من أفؤؤ ؤكار الفوسؤفة‬

‫ولبار احلكام‪ ،‬لام ييولول‪.‬‬

‫مؤؤؤ ؤلال ذل ‪ :‬أل ول املناهج الفلسؤؤفية اليوبابية إىل امسؤؤوم‪ ،‬يندما ترمجت لغق الفوسؤؤفة‬

‫اليوبابية إىل العرهية ‪ -‬سؤؤيراط وأرسؤؤنيو وأفووول ‪ -‬مار فر‪ ،‬ؤؤنيعة يف امسؤؤوم مل ‪:‬‬

‫هسؤؤبؤق تنيبين هؤذه انفكؤار‬ ‫املعغزلؤة واملعنيلؤة واجلاميؤة‪ ..‬وغريمهؤا من الفر‪ ،‬الغي مار‬
‫‪48‬‬
‫الفلسؤفية ي امسؤوم‪ ،‬ومار تفريعا للرية جد ًا يف العييدة جعلت من العييدة ؤيئ ًا غري‬

‫مفاوم‪ ،‬وفغست أهواب مسؤاي ما فغساا رسؤول اهلل ﷺ بفسؤ ‪ ،‬وفغن املسؤلمول هفغن ضؤخمة‬

‫مل ‪ :‬فغنة اليول هخلن اليرثل‪ ،‬أو أين اجلنة؟ وغريها من املساي ‪.‬‬

‫و جد ًا‪ ،‬و ؤرلت املسؤلم هتبفسؤام‪ ،‬وحدث‬


‫ل هذه انمور ضؤيعت ي املامن وقغ ًا ووي ً‬

‫الرصؤاع واجلدال واليغال ه املامن ‪ ،‬ويني اجلااأل‪ ،‬وأضؤعفت ؤولة املسؤلم ‪ ،‬ه أ رجت‬

‫هعض املغكلم من ألين امسوم أصوً‪.‬‬

‫ل ما حدث لال بغيجة ا غوط أصؤول الرسؤالة هرريها‪ ،‬فضاع بيا‪ ،‬الرسالة‪ ،‬وبزول الرسالة يف‬

‫مكة لال يوفر يليام ل هذا اخللط‪ ،‬وهالذا وهي ال الت يف أول النيرين يف املاد‪ ،‬والدرس‬

‫واضؤ للمسؤلم ‪ :‬حافظوا ي بيا‪ ،‬رسؤالغكم‪ .‬بسن لسؤنا حمغاج غري اليرثل والسؤنة إىل أم‬

‫ء‪ ،‬ث ر يغخذ معاام لتصؤ من أصؤول الغشؤؤؤؤري ‪( :‬ترلت فيكم ما إل متسؤكغم ه لن تضؤلوا‬

‫هؤؤ ؤعدم أهد ًا‪ :‬لغاب اهلل‪ ،‬وسؤنغي‪ ..‬لو ألييت بظرة ي املفاهيم الغي أل لت ي ألين امسؤوم‬

‫ليف غري ايغياألا وأفكار وأ و‪ ،‬الناس سؤغسؤغررب‪ ،‬وتيول‪ :‬ه يمكن لدولة إسؤومية‬

‫أل يكول فياا هذا؟!‬

‫ي سؤبي امللال‪ :‬ا غوط أفكار الناس هتفكار الررب أو الشؤؤؤؤؤر‪ ،‬يف قضؤية اللباس‪ ،‬ابظر إىل‬

‫موهت الفغيا ‪ ،‬ا غلنيت املفاهيم وضؤاع بيا‪ ،‬الرسؤالة‪ ،‬أصؤب هناك تعريف جديد لوحغشؤام‪،‬‬

‫وضؤاع امليياس امسؤومي‪ ،‬وتغعجق ليف رجت هذه الفغاة هبذا اللباس أمام أهياا أو أ ياا‬

‫أو وجاا؟ لكن املشؤكلة أل ال أحد يعلم أل هناك مشؤكلة‪ ،‬أو يشؤعر هوجوألها‪ ،‬ه قد يمدحول‬

‫ويبدول إيجاهبم وييولول‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬هم أحسؤؤن من غريهم هكلري؛ نل امليياس هو أل يييت‬

‫بفس ي جاره أو صاحب أو ألولة غرهية أو ألولة رشقية‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫من املسلم من ىلغف هؤؤؤ(الكريسمت‪ .‬ييد رأس السنة امليوألية‪ ،‬أللر من احغفال هعيد الفنير‬

‫أو انضسع!‬

‫من املسلم من يعغيد أل من الصواب أل يدع ما لييرص لييرص وما هلل هلل!‬

‫من املسلم من يعغمد يف تفسريه للغاريخ امسومي ي الياوأل والنصاريف!‬

‫من املسؤلم من ينكر الشؤفاية ويرأل املغواتر من احلديث‪ ،‬ويسؤغا هصؤسي البخارم وصؤسي‬

‫مسلم!‬

‫من املسؤلم من ييول‪ :‬احلج ء‪ ،‬مجي ‪ ،‬لكن الزحام ؤديد‪ ،‬وأقرتأ أل يكول يف ل سؤنة يف‬

‫مؤؤ ؤكال ما‪ ،‬أو بوسؤ املكال أو يكول ي مدار السؤنة‪ ،‬هدالً من مترلزه يف وقت واحد يف مكال‬

‫واحد!!! هذا نب رأيف أسؤؤاتذت من الياوأل والنصؤؤاريف يرريول ما يريدول يف ألينام‪ .‬ل ذل‬

‫هسبق ا غوط املفاهيم واضنيراب املياييت‪.‬‬

‫فنزول الرسؤالة يف مكة يعغ يزلة بسؤبية ين انفكار الفلسفية واليواب املاألية والعيايد النظرية‬

‫الرريبة‪ ،‬وحافظ ي بيا‪ ،‬الرسؤالة‪ ،‬وي تكوين الصؤساهة تكوين ًا إسؤومي ًا الصؤ ًا‪ ،‬وي اجلي‬

‫الذم سؤؤيت ذ انمابة امسؤؤومية أل يوحد من مصؤؤدره‪ ،‬وأل قع اليرثل والسؤؤنة هو انول‬

‫واآل ر‪ ،‬ال خيلني هتفكار انرض رشقية لابت أو غرهية‪.‬‬

‫أيضؤ ًا بزول الرسؤالة يف هلد ليت ل تاريخ تشؤؤؤؤؤريعي يذلر ويظار املعجزة امهلية يف الغرشؤي‬

‫أو املسؤغيب‬ ‫امسؤومي‪ ،‬فاذه املعجزة ماولة هك املياييت‪ ،‬سؤوا‪ ،‬همياييت املاهلل أو احلا‬

‫لل ‪ ،‬من املسغسي فع ً‬


‫و أل تفام ليف رو هذا الغرشي املغكام الشام املفص يف هذه البيئة‬

‫البدوية البسينية منعدمة الغاريخ‪ ،‬إال إذا لابت هناك قوة فو‪ ،‬قوة البشؤؤر هي الغي فعلت ذل ‪،‬‬

‫تل هي قوة اهلل يز وج ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫الغشؤؤري امسومي فع ً‬
‫و ترشي يجيق‪ ،‬يعالج ل جزيية ‪-‬ماام صرر ‪ -‬من جزييا احلياة‬

‫ويامرة انرض وسؤؤيؤاألة الؤدبيؤا‪ ،‬فاو ىلغوم ي قواب مغكؤاملؤة يف السؤؤيؤاسؤؤؤة واليضؤؤؤا‪،،‬‬

‫واملعؤامو ‪ ،‬والغجؤارة واالقغصؤؤؤاأل‪ ،‬وإألارة البيؤت وترهيؤة انوالأل‪ ،‬ليف حتؤارب‪ ،‬وتسؤؤؤامل‪،‬‬

‫وتغزوو‪ ،‬وتشؤغر ‪ ،‬وترتف ‪ ،‬وهكذا الد ول يف أأل‪ ،‬الغفاصؤي هو نيت وال اررة وال ييق وال‬

‫و قاوع ًا ي‬
‫قصؤؤور‪ .‬فنزول الرسؤؤالة يف مكة هبذا الغكام العجيق لال إيجا ًا ال ينكر‪ ،‬وأللي ً‬

‫إهلية هذا الغرشي ورهابية هذا املناج‪.‬‬

‫بزول الرسالة يف مكال ليت في ترشيعا للرية معيدة لال سبب ًا يف بيا‪ ،‬الغكوين يند الصساهة‪،‬‬

‫وصؤسة النيرين هو ضؤول أو غموض‪ ،‬فيد لال ىلمي امسؤوم من االبسرام أو الغخبط‪ ،‬ويف‬

‫و معجز ًا ي أل هذا الغرشي من يند اهلل يز وج ‪.‬‬


‫ذا الوقت لال أللي ً‬

‫فاحلكمة انوىل من بزول الغشؤؤري امسومي يف هذه البيئة البدوية البسينية‪ :‬املسافظة ي بيا‪،‬‬

‫الرسالة ووحدة املصدر‪ .‬ولو أرألبا أل برج أمة امسوم لوضعاا الذم لابت يلي أيام السياألة‬

‫والغمك فوهد من يدم لط اليرثل والسؤنة هتم مصؤدر ث ر‪ ،‬وهذا ليت ي وج اال غيار‪،‬‬
‫ي ٍ‬ ‫ه لزام ًا يلينا‪ ،‬ييول اهلل سؤبساب وتعاىل‪ { :‬وما ل َ ي ي‬
‫َال ملُ ْام ٍن َوال ُم ْامنَة إي َذا َقضؤ َؤؤ ؤع اهللَُّ َو َر ُسؤو ُل ُ‬ ‫َ َ‬
‫وال ُمبي ًينؤا{‬ ‫ولؤ ُ َف َيؤدْ َضؤؤؤ َّ َضؤؤ ً‬ ‫اخل َ َري ُة يم ْن َأ ْم ير يه ْم َو َم ْن َي ْع ي‬
‫ص اهللََّ َو َر ُسؤؤ َ‬ ‫ُول َهلم ْ ي‬
‫َأ ْم ًرا َأ ْل َيك َ ُ ُ‬
‫[انحزاب‪.]36:‬‬

‫إألراك حييية أل النرص هيد اهلل وأل اليلة املامنة ترلق الكلرة املرشلة‬

‫احلكؤؤ ؤمة اللابية من بزول الرسؤالة يف جزيرة العرب‪ :‬أل هؤؤ ؤذه املننيية ليت هلا تاريخ أو واق‬

‫يسكرم ملموس‪ ،‬مل يكن هناك ما يعرم هاجليوش العرهية‪ ،‬ه لابوا قباي مغفرقة مغشؤؤؤرذمة‪،‬‬

‫ال يعرفول إال حرب امغارا والسؤؤنيو ي هعضؤؤام البعض‪ ،‬وأيداألهم قليلة‪ ،‬وسؤؤوحام‬

‫‪51‬‬
‫قؤؤؤؤديم‪ ،‬و نينيام هدايية‪ ،‬فلام جا‪ ،‬امسؤوم إىل هذه البيعة من انرض حصؤ ابيوب هاي‬

‫همعنع الكلمة‪ ،‬إذا هالرجال البدو البسؤؤنيا‪ ،‬الذين لابوا يعيشؤؤول يف هذا املكال يصؤؤبسول قاألة‬

‫يسؤكري ي أي املسؤغويا ‪ ،‬ال ملي هلم يف الغاريخ لل ‪ ،‬وإذا هاليباي املغفرقة تكول جيشؤ ًا‬

‫واحد ًا مرتاهني ًا‪ ،‬وإذا هالبدو الرح ىلاورول ويناورول ويفاوضؤول‪ ،‬ويفغسول البوأل‪ ،‬ويديول‬

‫العبؤؤ ؤاأل إىل يباألة رب العباأل‪ ،‬اقر‪،‬وا تاريخ الفغوأ امسؤومية اميجا ية‪ ،‬راجعوا الغاريخ من‬

‫أول بزول ثألم وإىل اآلل ال جتد هلم بظري‪ ،‬وال للفغوحا امسومية ملي ‪.‬‬

‫يف غضول سنوا قوي تسيط فارس الدولة الرهيبة العظيمة‪.‬‬

‫يف غضؤول اوث يشؤؤؤ ؤرة سؤنة هعد وفاة الرسؤول ﷺ‪ ،‬تسؤيط فارس‪ ،‬الغي هي إيرال والعرا‪،‬‬

‫وأو هكسؤغال وترلامبسؤغال وواجكسؤغال ولا ا سؤغال وأفرابسؤغال وهالسؤغال‪ ،‬بصؤف انرض‬

‫تيريب ًا تسيط يف اوث يرشة سنة ي أيدم هاال‪ ،‬البدو الرح ‪.‬‬

‫لؤؤؤذل يف بفت الوقت ي اجلاة الررهية من العامل تسؤيط معظم لغلكا الدولة الرومابية يف‬

‫ثسيا وإفريييا‪ ،‬معجزة يسكرية هايلة هك املياييت‪ ،‬من املسغسي أل تكول من فع البرش‪.‬‬

‫ماذا لال موقف العرب من لسؤؤريف فارس قب امسوم؟ لال العرب مل أصرر ألولة بامية يف‬

‫انرض يف هؤؤؤؤذا الوقت هالنسؤؤبة نيظم قوة يف انرض يف مافم ألولة فارس وألولة الروم‪،‬‬

‫والعريب إذا أتع إيوال لسؤ ؤريف ييف ي هعد مخسة يشؤ ؤر مرت ًا من ‪ ،‬ولال يعغ ذل فخر ًا أهد‬

‫الدهر فؤؤ ؤ املررية هن ؤعبة رهلل اهلل ين وأرضؤاه من صؤساهة رسؤول اهلل ﷺ‪ ،‬لال يف جاهليغ‬

‫إيوال لسؤؤؤؤؤريف‪ ،‬فاذا يشؤب يندما تت هشؤاب من ألولة بامية ليياه‬ ‫يفخر ي غريه هتب أل‬

‫رييت ألولة يظمع‪ ،‬ولال الفرس يغصؤدقول ي العرب هاليم من ؤدة املجايا الغي لابت‬

‫تي يف أرض العرب؛ لذا ملا ذهبت اجليوش امسومية لفغ فارس تعجق لسؤريف من العرب‪،‬‬

‫‪52‬‬
‫ليف أتوا لي يفغسوا هوأله هينام هو يؤ ؤريف أب من مضيعة الوقت أل ىلارهبم؟ وقال‪ :‬أبا أيرض‬

‫يليكم يرض ًا مرري ًا جد ًا ‪-‬يف بظره‪ -‬ستينيي اوه ًا لك جندم وألرهم‪.‬‬

‫هذا العرض الذم يرضؤ لسؤؤؤؤؤريف فارس ي اجليوش امسؤؤومية‪ ،‬وأما اليايد امسؤؤومي‬

‫فسؤيرري جد ًا ويعنيي اوه وماية ألرهم لال هذا الرقم ماوالً جد ًا‪ ،‬وهذه لابت بظرة لرسؤيف‬

‫فؤؤ ؤارس وألولة فارس للاا للعرب‪ ،‬وهذه النظرة لابت واقعية هالنسؤبة لغاريخ العرب وتاريخ‬

‫فارس‪ ،‬وتذلروا معي مصؤعق هن يمري رهلل اهلل ين وأرضؤاه ملا جي‪ ،‬ه من غزوة أحد ليدفن‬

‫و لال الصساهة هسنيا‪ ،‬جد ًا؛ لذا فإل لسؤؤؤريف فارس ييول‪ :‬أينييكم‬
‫مل قدوا ما يرنيوب ه ‪ ،‬فع ً‬

‫اوه ًا لك جندم‪ ،‬وهو يريف أب يسؤؤرتهم ه ‪ .‬وحذيفة هن اليامل رهلل اهلل ين وأرضؤؤاه ملا ذهق‬

‫ليت هخ اليوم يف انحزاب لال يلي موهت وجغ ؛ نل اجلو لال هارأل ًا‪.‬‬

‫هؤؤؤؤذا لال وض ؤ الصؤؤساهة الذين فغسوا هوأل فارس الرهيبة وهوأل الروم اهلايلة‪ .‬والعرب ملا‬

‫لرشوا ين أبياهبم يف انحزاب هالكاأل مجعوا يرشة ثالم‪ ،‬وهذا لال رق ًام ماوالً يندهم‪ ،‬فكيف‬

‫يمكن هلاال‪ ،‬أل يفكروا يف غزو هوأل فؤارس‪ ،‬م يلمام أل جيش فؤارس ال ييؤ ين اان‬

‫مليول جندم! فجوة هايلة يف الغسلي واميداأل‪ ،‬هامضافة إىل أل احلرب يف يير ألار الفارسي‬

‫يف وسط هوأل الفرس يف العرا‪ ،‬وإيرال وغريمها من البوأل ي هعد مئا انميال من املدأل‪ .‬حي ًا‬

‫وأهو يبيدة‬ ‫إفؤؤؤا معجزة يسؤكرية هك املياييت!! أين لال الد هن الوليد ويمرو هن العا‬

‫هن اجلراأ واليعياع هن يمرو الغميمي وال ا‪ ،‬هن مؤؤؤؤال وأهو موسؤع ان ؤعرم والزهري هن‬

‫العوام وحممد هن مسؤؤؤؤؤلمة وامليداأل هن يمرو؟ الكواألر العظام يف امسؤوم أين لؤؤؤؤابوا قب‬

‫امسؤؤوم؟ أين لال هاال‪ ،‬العباقرة العسؤؤكريول قب إسؤؤومام؟ الد هن الوليد يف ُأحد أمام‬

‫مخس ؤ من الرمؤؤؤؤاة وهو يف اواة ثالم مل ىلرك سؤؤالن ًا‪ ،‬لوال نيت الرماة هرتك اجلب فيام هعد‬

‫هوأل‬ ‫و ؤؤؤالفوا أمر رسؤول اهلل ﷺ وبزلوا من فو‪ ،‬اجلب ‪ ،‬هذا هو الد‪ ،‬ما الذم جعل يد‬

‫‪53‬‬
‫فارس هلامبية يرش ألف جندم مسلم ويكرس هبم ماية ويرشين ألف ًا وال يرلق يف موقعة؟ ليف‬

‫ينغصؤر املسلمول هاان واوا ألف ًا يف الياألسية ي ره مليول فاريس؟ ليف ينغرص املسلمول‬

‫هغسعة واوا ألف ًا ي مايغي ألف رومي يف الريموك؟ ليف فغسوا هوأل انبدلت هااني يشؤؤؤر‬

‫ألف ًا وأمامام ماية ألف إسؤبا صؤليبي يف يير ألار انسؤبال؟ ألرا ال يمكن أل تفام إال هسييية‬

‫وه ْم َو َل يك َّن اهللََّ َق َغ َل ُا ْم َو َمؤا َر َم ْيؤ َت إي ْذ َر َم ْيؤ َت َو َل يكن اهللََّ َر َمع{‬


‫واحؤدة ال اؤا هلؤا‪َ { :‬ف َل ْم َت ْي ُغ ُل ُ‬
‫[انبفال‪.]17:‬‬

‫لؤؤؤؤو بزلت الرسؤالة يف هلد ل تاريخ يسؤكرم ووي ويظيم ومنظم اليغيد الناس أل الفغوأ‬

‫لؤؤؤؤابت هسؤؤبق قوة اجليوش وأيداألها وتسؤؤليساا و نينياا‪ ،‬ما اميجا يف أل تفغ جيوش‬

‫فؤؤؤارس الدبيا هؤؤؤترسها؟ ما اميجا يف أل تفع ذل جيوش الرومال اهلايلة؟ لكن أل تنزل‬

‫الرسؤؤالة يف مكة فيسدث هذا االبيوب اهلاي يف العامل‪ ،‬وتغرري اروة انرض ترري ًا جذري ًا يف‬

‫سنوا معدوألة‪ ،‬هذا هو اميجا هعين ‪.‬‬

‫اليايؤ ؤدة الغي بؤ ؤت ذها من هذا الكوم‪ :‬أل اهلل يز وج ألاي ًام ينصؤ ؤر اليلة املامنة ي الكلرة‬

‫املشؤؤرلة‪ .‬وبسن هنا ال بديو املسلم إىل تيلي أيداألهم‪ ،‬أو إضعام قو م‪ ،‬ه ي العكت‬

‫هم منيالبول هؤؤؤؤإيداأل ما اسؤغنيايوا من قوة‪ ،‬وبيول‪ :‬إل من سؤنن اهلل يز وج أل قع أه‬
‫الباو ألاي ًام للرة‪َ } :‬وإي ْل تُنيي ْ َأ ْل َل َر َم ْن ييف انَ ْر ي‬
‫ض ُي يضؤ كل َ‬
‫وك َي ْن َسؤبيي ي اهللَّي { [انبعام‪ ،]116:‬ام‬

‫هو ينصؤؤر املسلم اللاهغ ي ألين املغمسك هشؤؤري ي الكلرة املشؤؤرلة فغظار املعجزة‪،‬‬

‫ويوقن اجلمي أل النرص من يند اهلل يز وج وليت لسبق ث ر‪.‬‬

‫بخرو هيايدة هامة‪ ،‬وهي‪ :‬أل اجليؤؤ الذم ىلم انمابة ال هد أل يدرك أل النصؤؤر هيد اهلل يز‬

‫وج ‪ ،‬وأل اليلة املامنة ترلق الكلرة املشؤؤؤؤؤرلة هإذل اهلل يز وج ‪ ،‬وتذلروا قول تعاىل‪} :‬ل َْم‬
‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫ي ي ٍ ي ٍ‬
‫م ْن ف َئة َقلي َلة َغ َل َب ْت ف َئ ًة لَل َري ًة هيإي ْذل اهللَّي َواهللَُّ َم َ َّ‬
‫الصاهي يري َن{ [البيرة‪.]249:‬‬
‫‪54‬‬
‫االسغفاألة من تعدأل موا ين اليويف ويدم وجوأل حكم مرلزم أو أللغاتورم يف مكة‬

‫احلكؤؤؤؤمة اللاللة من ورا‪ ،‬بزول الرسؤؤالة يف أرض مكة وجزيرة العرب‪ :‬بظام احلكم يف أرض‬

‫مكة‪.‬‬

‫لت يضم يشؤؤرة‬ ‫مل يكن احلكم يف مكة حك ًام مرلزي ًا‪ ،‬ومل يكن يف مكة امة حؤؤالم مع ‪ ،‬ه‬

‫يمللول يشؤؤؤؤؤ ؤر قباي ‪ ،‬حكم ايغويف يشؤؤب احلكم الديميراوي‪ ،‬وقد أفاأل للرة‬ ‫أ ؤؤخا‬

‫موا ين اليويف يف مكة الديوة‪ ،‬ووجد إضافة إىل ذل هعض اليواب الوضعية يف أرض مكة‬

‫اسؤغفاأل مناا رسؤول اهلل ﷺ‪ ،‬ألول أل يغنا ل ين ء‪ ،‬من ألين وال من يييدت ‪ ،‬ليعلمنا أل املسؤلم‬

‫الذلي الوايي الفاهم يسغنيي أل يسغفيد من هذه اليواب واملا ىلافظ ي ألين ‪.‬‬

‫وهذا يرأل ي للري من غري الفامه لسؤنة الرسؤول ﷺ‪ ،‬وييولول‪ :‬إبنا ال بسغكم منيلي ًا ليابول‬

‫وضؤؤعي‪ ،‬لكن هذا الكوم ليت هصؤؤسي ي إووق ‪ ،‬فنسن ال بسغكم إىل قابول وضؤؤعي إذا‬

‫تعارض م رشع اهلل يز وج ‪ ،‬وبسغفيد لا ليت ل تعارض هالرشع‪.‬‬

‫فيؤ ؤابول اجلوار لال يف مكة‪ ،‬ولو لال احلكم مرلزي ًا مل فارس أو الروم ما متت هذه امجارة‪،‬‬

‫يف جوار املنيعم هن يدم‬ ‫والرسؤؤول يلي الصؤؤوة والسؤؤوم اسؤؤغفاأل من هذا اليابول‪ ،‬وأل‬

‫أهو هكر الصؤدين رهلل اهلل ين يف جوار اهن الدُ غنة‬ ‫املشؤؤؤؤرك؛ لكي ىلمي من أه مكة‪ ،‬وأل‬

‫يلامل هن مظعول رهلل اهلل ين يف جوار الوليد هن املررية املرشك‪.‬‬ ‫املرشك‪ ،‬وأل‬

‫هكذا اسغفاألوا من قابول اجلوار الوضعي يف مكة‪ ،‬لكن هدول تفريط يف العييدة أو الدين‪.‬‬

‫لذل هناك قابول قبيل أيضؤ ًا لال يف مكة اسؤغفاأل من رسؤول اهلل ﷺ‪ ،‬وهو محاية هني ها ؤم ل ‪،‬‬

‫وهالذا يف أانا‪ ،‬حياة أيب والق م لول معظمام ي الرشك‪ ،‬أهو والق هالذا لال مشؤرل ًا‪،‬‬

‫وهيي إىل ث ر حلظة من حلظا حيات مشؤرل ًا‪ ،‬وم ذل الرسول ﷺ قب محايغ ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫لؤؤؤذل قابول انحوم‪ ،‬قبي رسول اهلل ﷺ هفكرة انحوم م املشؤؤؤرل ‪ ،‬إذا لال احللف‬

‫هيدم إىل أمر ببي وال يغعارض م الدين امسؤومي‪ ،‬ييول الرسؤول يلي الصؤوة والسؤوم‪:‬‬

‫( ؤاد وأبؤؤ ؤا غوم ‪-‬أم‪ :‬قب البعلة‪ -‬حلف ًا م يمومغي املنييب ‪ .‬لال حلف ًا ه هني ها ؤم‬

‫وهني تيم و هرة ي برصؤة املظلوم‪ .‬ييول‪( :‬فام أحق أل يل ه محر النعم وأ بكلغ ‪ ،‬ولو ألييت‬

‫ه اليوم يف امسوم نجبت‪..‬‬

‫وأللر من هذا ما لال يف صل احلديبية‪ ،‬فيد حالف رسول اهلل ﷺ قبيلة زاية ولابت مرشلة‪.‬‬

‫ولال للمسؤلم ألولة وليال معروم وقوم‪ .‬ووق ﷺ معؤؤؤؤاهدة م قريش‪ ،‬وهبذه املعاهدة‬

‫حالف زاية ووض ؤ يده يف يدها‪ ،‬وما تنا ل ين أم قابول إسؤؤومي أو أم يرم إسؤؤومي‪،‬‬

‫زاية ضد قريش‪.‬‬ ‫لكن تعاول م‬

‫الرسؤؤول ﷺ اسؤؤغفاأل مؤؤؤؤن تعدأل موا ين اليويف‪ ،‬ومن قواب املجغم الوضؤؤعية ما ألامت ال‬

‫تغعارض م الدين والرشع والعييدة‪.‬‬

‫وهؤؤؤؤذه احلكمة ما لابت لغظار لو بزلت الرسؤالة يف هلد في حكم أليكغاتورم مل ‪ :‬فارس أو‬

‫الروم أو غريمها من املامل املوجوألة يف ذل الوقت‪.‬‬

‫إتيال أه اجلزيرة العرهية والدياة للرة العرهية لرة اليرثل‬

‫احلكمؤة الراهعؤة من بزول الرسؤؤالؤة يف جزيرة العرب‪ :‬أل النبي ﷺ لؤال يغسؤدث اللرؤة العرهيؤة‪،‬‬

‫وهي أرشم اللرؤا ‪ ،‬وهبؤا بزل اليرثل الكريم‪ ،‬وهي لرؤة أهؤ اجلنؤة‪ ،‬واليرثل لوم اهلل يز‬

‫َاك إي َّال‬
‫وجؤؤؤ ‪ ،‬ومل ينزل اهلل يز وج هبذه اللرة نه اجلزيرة فيط‪ ،‬ه للعامل لل ‪َ { :‬و َما َأ ْر َسؤ ْلن َ‬

‫مح ًة لي ْل َعا َملي َ } [انببيا‪ ]107:،‬يف مال رسول اهلل ﷺ وهعد ماب وإىل يوم الييامة‪.‬‬
‫َر ْ َ‬

‫‪56‬‬
‫وقؤؤؤؤد بزل اليرثل هبذه اللرة يف وقت لابت في لرا للرية موجوألة يف انرض‪ ،‬واسؤغسدث‬

‫غؤؤؤريها من اللرا ي مر الغاريخ‪ ،‬وسؤغكول لرا أ ريف إىل يوم الييامة‪ ،‬وم ذل أراأل اهلل‬

‫يز وج هلذا اليرثل وهذا املناج أل يكول هاللرة العرهية؛ حلكمة يعلماا سبساب وتعاىل‪.‬‬

‫وهو سؤبساب وتعاىل يعلم أل اللرة العرهية قد تكول أق ابغشؤار ًا من غريها من اللرا يف مال‬

‫مؤابنؤا هؤذا فؤإل اللرؤة العرهيؤة أقؤ ابغشؤؤؤار ًا من امبجليزيؤة أو الصؤؤينيؤة أو‬ ‫من ان مؤال‪ ،‬ملؤ‬

‫الفربسية‪ ،‬وم يلم اهلل يؤ ؤز وج هذل انمر إال أب أبزل اليرثل هاللرة العرهية‪ ،‬حلكمة لاملة‬

‫ال يعلماا إال هو سؤبساب وتعاىل‪ ،‬وأبا يف ايغياألم أل سؤبق ذل هو أل اللرة العرهية أاريف لرة‪،‬‬

‫فالشؤؤي‪ ،‬الواحد ل أللر من اسم يف هذه اللرة العظيمة‪ ،‬فل أل تع ين هعشؤؤرا الكلام ‪،‬‬

‫فملوً‪ :‬العس ؤ ل اامب اس ؤ ًام‪ ،‬واللعلق ل مايغا اسؤؤم‪ ،‬وانسؤؤد ل مخسؤؤامية‪ ،‬واجلم ل ألف‪،‬‬

‫والسؤيف ل ألف‪ ،‬والداهية ملا توصؤف واحد ًا هتب ألاهية يف أره أو اوث للام تفسؤؤؤؤر معنع‬

‫الداهية‪ ،‬ء‪ ،‬ماول ال يغخيل يي ‪ ،‬هذه هي اللرة العرهية‪.‬‬

‫وأيضؤؤ ًا الكلمة الواحدة يف اللرة العرهية تكول هنفت احلروم‪ ،‬إال أل تريري حرلا الغشؤؤكي‬

‫يعنيياا أللر من معنع‪ ،‬لؤؤ هذا أينيع اللرة إمكابيا هايلة‪ ،‬تنزل اآلية هكلام قليلة حمدوألة‬

‫وم ذل حتم من املعا ما يصعق حرصه‪.‬‬

‫للام بظر املفسؤؤر يف اآلية اسغخرو مناا معا جديدة خمغلفة ين الغي اسغخرجاا غريه‪ ،‬قد ينظر‬

‫املفرس الواحد يف اآلية أللر من مرة‪ ،‬ويف ل مرة خيرو همعنع جديد‪ ،‬ومتر ان مال وان مال ام‬

‫يت مفرسول ث رول ليسغخرجوا معا جديدة‪.‬‬

‫وصؤؤد‪ ،‬ييل هن أيب والق رهلل اهلل ين وأرضؤؤاه يندما وصؤؤف اليرثل هتب ال خيلن من للرة‬

‫الرأل‪ ،‬أم‪ :‬ال يب من للرة الرتأليد واليرا‪،‬ة‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫أيضؤ ًا للام الرسؤول ﷺ لؤؤ ؤابت هاللرة العرهية‪ ،‬وثتاه اهلل يز وج جوام الكلم‪ ،‬لال ييول‬

‫احلديث يف للام قليلة جد ًا‪ ،‬فإذا ه ىلوم أحكام ًا ال تنغاي‪.‬‬

‫فؤؤ ؤإذا لال رهنا سؤبسؤؤ ؤاب وتعاىل ا غار أل اليرثل ينزل هاللرة العرهية فيلزم الناس أل يغكلموا‬

‫العؤؤؤؤرهية‪ ،‬ه ووصؤلوا فياا إىل أيظم ألرجا اميجا البشؤؤؤؤؤرم‪ ،‬إتيال يجيق جد ًا للرة‪،‬‬

‫يغرصفول فياا لام يريدول‪ ،‬وأصبست ألسنغام سالة لينة ويعة هبا‪.‬‬

‫ولال أمر الشؤعر يند العرب يجيب ًا‪ ،‬فاملعليا اهلايلة الغي لابت تعلن ي الكعبة من الشؤعر‪،‬‬

‫فالشؤعر ييال يف ل الظروم‪ ،‬الفرحال ييول الشؤعر‪ ،‬واحلزين ييول الشؤعر‪ ،‬وييال يف السؤلم‪،‬‬

‫ويف احلرب‪ ،‬حغع قبؤ املو والسؤؤيف ي رقبؤة الشؤؤخص وهو ييول الشؤؤعر؛ نبؤ لؤال ي‬

‫لساب مل الكوم يندبا‪.‬‬

‫لذل املعارضؤة هالشؤعر تتليف فورم‪ ،‬واحد ييول هيت ؤعر واللا يرأل يلي هبيت ي بفت‬

‫الو ل واليافية ويف بفت اللسظة‪ ،‬وال يفكر للري ًا‪ ،‬هذه لابت لفا‪ ،‬م هالنسبة للرة العرهية‪.‬‬

‫من يؤؤؤؤوام بجاأ الديوة امسؤومية يف اجلزيرة العرهية‪ ،‬إتيال أه هذه البياع اللرة العرهية‪،‬‬

‫ملاذا إتيال اللرة العرهية لال سؤبب ًا يف بجاأ الديوة؟ أوالً‪ :‬لال أأليع ميامل الناس هكوم اهلل يز‬

‫وج وهإألراك اميجا امهلي يف ل ثية ويف ل سؤورة‪ ،‬ييول اهلل سؤبساب وتعاىل‪َ { :‬و َل ْو ب ََّز ْلنَا ُه‬

‫ض انَ ْي َج يم َ * َف َي َر َأ ُه َي َل ْي يا ْم َما لَابُوا هي ي ُم ْا يمني َ } [الشعرا‪.]199 - 198:،‬‬


‫َي َ َه ْع ي‬

‫العرب املغينول للرؤة أألرلوا منؤذ أول حلظؤة سؤؤمعوا فياؤا اليرثل أل هؤذا الكوم معجز‪ ،‬لؤذا مل‬

‫ينغيدوا ثية واحدة من ثيا اليرثل الكريم‪ ،‬ومل يعارضؤؤوا اليرثل هملل أهد ًا‪ ،‬وما اجغمعوا لكي‬

‫عراؤهم وأألهاؤهم وحكامؤهم ليالفوا ثية واحدة م حتدم‬ ‫يعارضوا اليرثل الكريم‪ ،‬مل قغم‬

‫اليرثل هلم‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫فاليرثل يغسداهم أل يتتوا هسورة أو يشؤر سور أو همل اليرثل لل وهم ال يسغنييعول‪ ،‬لرج‬

‫تيؤؤؤ ؤول ل ‪ :‬اذهق و ذ هذا البيت‪ ،‬وهو يذهق أص ؤ ً‬


‫و وال ىلاول؛ نل هذا ء‪ ،‬هالنسؤؤبة ل‬

‫معجزة‪ ،‬بعم‪ ،‬أبا قوم وأقدر ي أ ذ لذا أو لذا أو لذا‪ ،‬لكن ذل البيت مسؤغسي ‪ ،‬هم لابوا‬

‫هكذا هالضؤبط‪ ،‬يعلمول أل اليرثل الكريم‪ ،‬وهذه الكلام واآليا والسؤور من املسؤغسي أل‬

‫تعارض‪ .‬فمعرفة العرهية لابت أأليع لفام اميجا العجيق يف لغاب اهلل يز وج ‪.‬‬

‫وهؤؤؤذا انمر ليت ميصؤور ًا فيط ي اميجا اللروم‪ ،‬ه حغع أم بوع من أبواع اميجا يف‬

‫اليرثل الكريم ىلغاو إىل فام ألقين للرة‪ ،‬ه حغع اميجا العلمي الذم بسؤؤغخرج من اليرثل‬

‫الؤؤؤكريم الهد ل من في للرة‪ ،‬ومعرفة معنع الكلام ‪ ،‬ومعنع اآليا ‪ ،‬وامليصوأل من ورا‪ ،‬ل‬

‫للمة‪.‬‬

‫وجوأل هيايا من ملة إهراهيم يف اجلزيرة‬

‫احلكمة اخلامسة من ورا‪ ،‬بزول الرسالة يف جزيرة العرب‪ :‬أل أه هذه البيعة من انرض لابوا‬

‫يامنول هؤاهلل سؤؤبسؤابؤ وتعؤاىل‪ ،‬ويعلمول أبؤ اخلؤالن‪ ،‬ولكنام حكموا غريهم يف حيؤا م‪،‬‬

‫واتذوهم إلي ؤؤفعا‪ ،،‬قال اهلل يز وج يف لغاه الكريم‪َ { :‬و َل يئ ْن َسؤؤ َت ْلغ َُا ْم َم ْن َ َل َي ُا ْم َل َي ُيو ُل َّن‬

‫السؤؤ َم َوا ي َوانَ ْر َض َل َي ُيو ُل َّن َ َل َي ُا َّن ا ْل َع يز ُيز‬ ‫ي‬


‫اهللَُّ} [الز رم‪َ { .]87:‬و َلئ ْن َسؤ ؤ َت ْلغ َُا ْم َم ْن َ َل َن َّ‬
‫يم} [الز رم‪ .]9:‬وييول‪َ { :‬وا َّلؤ يذي َن ا َّتؤ َُذوا يم ْن ُألوبيؤ ي َأ ْولي َيؤا َ‪َ ،‬مؤا َب ْع ُبؤدُ ُه ْم إي َّال لي ُي َي عر ُهوبؤَا إي َىل اهللَّي‬ ‫ي‬
‫ا ْل َعل ُ‬
‫ُ ْل َفع} [الزمر‪.]3:‬‬

‫الذم يامن هاهلل ولكن ينده اضؤؤنيراب يف فام وقصؤؤور يف إألرال أقرب من الذم يامن هإل‬

‫ث ر‪ ،‬أو ال يامن هوجوأل إل أصؤوً‪ ،‬ما لال يف وقت البعلة النبوية ي انرض من يفيؤؤؤؤ هذه‬

‫احلياين إال اليلي ‪ ،‬لؤؤ ؤال هناك ي مار انرض من يعبد النار وهوذا‪ ،‬واملسؤي يلي السؤوم‪،‬‬

‫‪59‬‬
‫وهيرة أو ؤجرة أو فتر ًا أو إلخ‪ ،‬لام هو واق يف اهلند‪ ،‬لكن رهنا سؤبساب وتعاىل يعلمنا أل بديو‬

‫انقرب فؤؤانقرب‪ ،‬بديو الذم يامن هوجوأل اهلل يز وج قب الذم ينكر وجوأله‪ ،‬بديو الذم‬

‫يعظم اهلل يز وج قب الذم ال يعظمؤؤؤؤ ‪ ،‬بديو الذم ىلق الدين ولكن ال يغبع قب الذم ال‬

‫ىلب أصوً‪.‬‬

‫ولسؤت ضؤد أليوة الياوأل والنصؤاريف وأه انرض أمجع ‪ ،‬ه هالعكت‪ ،‬ولكن ببدأ هانقرب‬

‫فؤؤ ؤانقرب‪ ،‬أم ال ترتك جارك يف السؤكن أو العم أو الناألم أو غريه ألول أليوة وهو مسؤلم‪،‬‬

‫وتغجؤ إىل أليوة غريه من غري املسؤؤلم ‪ ،‬لكن لو ابغايؤت من الؤدايرة الغي حولؤ ابغيؤ إىل‬

‫الؤدايرة الغي تلياؤا‪ ،‬وملؤا تنغيؤ إىل الؤدايرة الغي تلياؤا اهسؤث يمن ىلبول امسؤؤوم‪ ،‬فااال‪ ،‬أقرب‬

‫إىل الديوة من املعاألين لدين اهلل يز وج ‪.‬‬

‫ليية أهلت العرب حلم رسالة امسوم‬ ‫صفا‬

‫احلكمؤؤؤؤة السؤؤاألسؤؤة من بزول الرسؤؤالة يف جزيرة العرب م ل ما سؤؤبن من أجوا‪ ،‬أ وقية‬

‫وأمراض اجغاميية يف جزيرة العرب إال أل املجغم لال يغصؤف هصؤفا أصؤلية يف فنيرة سؤالني‬

‫هذه املننيية‪ ،‬تسؤايد ي مح الديوة وبشؤؤؤؤر امسؤوم‪ ،‬بعم‪ ،‬لال يندهم ملم وقار لكن‪ ،‬لال‬

‫يندهم صؤفا ُجبيلوا يلياا‪ ،‬وهذه الصؤفا ال هد أل تكول يف ل ألايية‪ ،‬ولوال هذه الصؤفا‬

‫ملا اسغنيايوا مح رسالة امسوم‪.‬‬

‫من هذه الصؤفا ي سؤبي امللال‪ :‬الصؤد‪ ،،‬وهي أهم صؤفة ليزة للدايية‪ ،‬فالرسؤول ﷺ أهم‬

‫صؤفة لابت ليزة ل الصؤد‪ ،،‬فاو الصؤاأل‪ ،‬انم ﷺ‪ ،‬وأللر من سؤايد الرسؤول ﷺ يف أليوت‬

‫أهو هكر الصؤدين رهلل اهلل ين وأرضؤاه‪ ،‬اسؤم ‪ :‬الصؤدين‪ ،‬فصؤفة الصؤد‪ ،‬صؤفة أسؤاسؤية يف الذم‬

‫ىلم هم هذا الدين‪ .‬وتفكر معي ماذا لو أبزلت الرسؤالة يف هيئة من البيئا الكذب منغشؤؤؤؤؤر‬

‫‪60‬‬
‫فياؤا؟ ابظروا إىل فعؤ الياوأل والنصؤؤؤاريف هؤدينام‪ ،‬ييول اهلل ينام‪َ { :‬وإي َّل يمن ُْا ْم َل َف ير ًييؤا َي ْل ُو َ‬
‫ول‬

‫ول ُه َو يم ْن يين يْد اهللَّي َو َما ُه َو‬ ‫َاب َو َما ُه َو يم َن ا ْل يكغ ي‬


‫َاب َو َي ُيو ُل َ‬ ‫َاب ليغ َْس َسؤؤ ُبو ُه يم َن ا ْل يكغ ي‬
‫َأ ْل يسؤؤنَغ َُا ْم هيا ْل يكغ ي‬

‫ول} [ثل يمرال‪ ]78:‬وامسؤوم ىلول الكذاب‬ ‫ول َي َ اهللَّي ا ْلك يَذ َب َو ُه ْم َي ْع َل ُم َ‬‫يم ْن يين يْد اهللَّي َو َي ُيو ُل َ‬

‫إىل صاأل‪ ،،‬لكن ليت هالصورة الغي فنير فياا امبسال ي الصد‪.،‬‬

‫فيد لال العرب يتبفول من الكذب‪ ،‬فيت امسؤؤوم هعؤؤؤؤد ذل ليسسؤؤن وقم ويعظم قيمة‬

‫الصد‪ ،‬يند هاال‪ ،‬الصاألق ‪ ،‬فريهط انمر هاجلنة‪ ،‬والصدييية يند اهلل سبساب وتعاىل‪ .‬فاذا أهو‬

‫سؤفيال ملا لال يغسدث م هرق ين أمر رسؤول اهلل ﷺ‪ ،‬ولال هذا هعد صؤل احلديبية‪ ،‬ولال‬

‫ال يزال مشؤؤؤؤؤرل ًا ىلارب الرسؤول ﷺ‪ ،‬وم ذل قال أهو سؤفيال‪( :‬لنت أبا أقرهبم بسؤب ًا إىل‬

‫رسؤول اهلل ﷺ‪ ،‬فيؤؤ ؤال هرق ‪ :‬أألبوه مني ‪-‬أم قرهوه‪ -‬ام قال‪ :‬قرهوا أصؤساه فاجعلوهم يند‬

‫ماره‪ ،‬ام قؤؤؤؤال لرتمجاب ‪ :‬ق هلم‪ :‬إ سؤؤاي هذا ين النبي فإل لذهني فكذهوه‪ .،‬وهدأ يسؤؤتل‬

‫ووضؤؤ أصؤؤساب أيب سؤؤفيال ورا‪،‬ه‪ ،‬قال أهو سؤؤفيال‪ (:‬فواهلل لوال احليا‪ ،‬أل يااروا ييل لذه ًا‬

‫لكذهت يمد ًا‪ ..‬هو يكره جد ًا‪ ،‬لكن يسغسي أل يكذب؛ نب رذيلة‪.‬‬

‫ويف لفظ ث ر ييول‪( :‬فواهلل لو لؤؤذهت ما رألوا ييل ‪-‬نب سيد اليوم‪ -‬ولكني لنت امر ًأ أتكرم‬

‫ين الكذب‪..‬‬

‫ولال احلوار الذم ألار هينؤؤؤ وه هرق حوار ًا يجيب ًا‪ ،‬لتب ألايية يغكلم ين امسؤوم‪ ،‬ويديو‬

‫إلي ‪.‬‬

‫ييول ل هرق ‪( :‬ليف بسب فيكم؟‪ .‬ييول‪( :‬هو فينا ذو بسق‪..‬‬

‫فييول لؤ ‪( :‬فا قال هذا اليول منكم أحد قبل قط؟‪ .‬قلت‪( :‬ال‪ ،.‬قال‪( :‬فا لال من ثهاي من‬

‫مل ؟‪ .‬قلت‪( :‬ال‪ ،.‬قال‪( :‬فترشام الناس اتبعوه أم ضؤؤؤؤؤعفاؤهم؟‪ .‬قلت‪( :‬ه ضؤعفاؤهم‪،.‬‬

‫‪61‬‬
‫قال‪( :‬أيزيدول أم ينيصؤول؟‪ .‬قؤؤؤلت‪( :‬ه يزيدول‪ ،.‬قال‪( :‬فا يرتد أحد منام سؤخنية لدين‬

‫في ؟‪ .‬قلت‪( :‬ال‪ ،.‬قال‪( :‬فا تغاموب هالكذب قب أل ييول ما ييول؟‪ .‬قلت‪:‬‬ ‫هؤؤؤعد أل يد‬

‫(ال‪ ،.‬قؤؤال هرق ‪( :‬فا يردر؟‪ .‬قلت‪( :‬ال‪ ،‬وبسن من يف مدة ال بدرم ما هو فاي فياا‪ ،.‬قال‬

‫أهو سؤفيال‪( :‬ومل متكني للمة أأل ؤؤ ؤ فياا ؤيئ ًا غري هذه الكلمة‪ ،.‬يعني‪ :‬قول ‪ :‬بسن يف مدة ال‬

‫بؤؤؤدرم مؤؤؤا هو فاي فياا‪ ،‬الحغامل أل يردر هنا‪ ،‬لكن هو قال‪ :‬مل يردر قب ذل ‪ ،‬قال‪( :‬فا‬

‫قؤؤاتلغموه؟‪ .‬قلت‪( :‬بعم‪ ،.‬قال‪( :‬فكيف لال قغالكم إياه؟‪ .‬قلت‪( :‬احلرب هيننا وهين سؤؤجال‪،‬‬

‫ينال منا ‪-‬مل هدر‪ -‬وبنال من ‪-‬مل أحد‪..-‬‬

‫يئ ًا‪ ،‬واترلوا ما ييول‬ ‫قؤؤؤال‪( :‬هامذا يتمرلم؟‪ .‬قال‪ :‬ييول‪( :‬ايبدوا اهلل وحده وال تشؤؤؤرلوا ه‬

‫ثهؤؤؤؤاؤلم‪ ،‬ويتمربا هالصؤوة والزلاة والصؤد‪ ،‬والعفام والصؤلة‪ ..‬مل يكذب‪ ،‬ول الذم قال‬

‫الرسول يلي الصوة والسوم يف حيات خلص لؤ هرق ؛ نب يكره الكذب‪.‬‬

‫فلام تنزل الرسؤؤالة ي أباس هبذا الغكريم لصؤؤفة الصؤؤد‪ ،‬سؤؤوم يغسرلول هالرسؤؤالة هتمابة‬

‫وييولوفا للناس مللام بزلت يليام هالضبط‪.‬‬

‫هذه لابت صفة هامة يف أه اجلزيرة العرهية‪ ،‬ومل تكن موجوألة يف أه انرض يف ذل الزمن‪.‬‬

‫الصؤؤفة اللابية العظيمة يف العرب ملا بزلت فيام الرسؤؤالة‪ :‬صؤؤفة الكرم‪ ،‬وهي صؤؤفة أصؤؤيلة يف‬

‫العرب‪ ،‬لال حاتم النيايي ُيضؤؤؤؤرب ه املل يف الكرم‪ ،‬ولال يعغن العبد إذا جا‪،‬ه هضؤيف؛ نب‬

‫ىلؤؤؤؤق الكرم‪ .‬ومن العرب من مل تكن ل إال باقة واحدة فيت ل ضؤيف فيذهساا ل لرم ًا من ‪،‬‬

‫لؤؤؤدرجة أل العرب سموا العنق‪ :‬لرم ًا؛ نفم يصنعول من اخلمر‪ ،‬وملا يشؤؤؤرب الرج منام‬

‫اخلمر ينفن هو حسؤاب‪ ،‬فمن حبام الكرم سؤموا اخلمر الغي تاألم إىل امبفا‪ ،‬هدول حسؤاب‪:‬‬

‫لرم ًا‪ .‬فجا‪ ،‬امسؤؤوم لياذب هذه الصؤؤفة النبيلة‪ ،‬فو يص ؤ انمر إىل حد امرسام والسؤؤف ‪،‬‬

‫‪62‬‬
‫وأيضؤ ًا ال يصؤ إىل حؤؤؤؤق اخلمر؛ نفا تدف إىل الكرم‪ ،‬لكن حرم اهلل يز وج اخلمر‪ ،‬وفع‬

‫رسول اهلل ﷺ ين تسمية العنق هالكرم‪ ،‬وقال‪( :‬إبام الكرم املامن‪..‬‬

‫تؤؤؤي أل امسؤوم بزل ليينن الكرم ويد ل يف حدوأل املعيول‪ .‬ويف ماذا بسغاو بسن الكرم يف‬

‫إبشؤا‪ ،‬انمة امسؤومية؟ إل اهلل سؤبساب وتعاىل ملا تكلم ين الناس الغي سؤغت ذ هذه املسؤئولية‬

‫اهل ْم َو َأب ُف يسؤ يا ْم‬


‫اهدُ وا ييف سؤبيي ي اهللَّي هي َتمو ي‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫بص ي اجلااأل هاملال‪ ،‬فيال‪} :‬ا َّلذي َن ث َمنُوا َو َه َ‬
‫اج ُروا َو َج َ‬
‫ول{ [الغوهة‪ ،]20:‬فجع املال بصؤف اجلااأل‪ ،‬وللري من‬ ‫َأ ْي َظ ُم َأل َر َج ًة يينْدَ اهللَّي َو ُأ ْو َل يئ َ ُه ُم ا ْل َف ياي ُز َ‬

‫ثيؤؤؤا اليرثل الكريم جا‪ ،‬ي هذا املنوال‪ ،‬ييدم اهلل يز وج اجلااأل هاملال حغع ي اجلااأل‬

‫هالنفت‪ ،‬وهذا أمر حتغاو الناس للاا إلي ‪ .‬فاذا أهو هكر الصؤدين الكريم رهلل اهلل ين وأرضؤاه‬

‫أبفن انموال الكلرية يف إيغؤا‪ ،‬العبيؤد‪ ،‬وجتايز اجليوش‪ ،‬وامبفؤا‪ ،‬ي اهلجرة‪.‬ولؤذلؤ يلامل‬

‫هن يفال رهلل اهلل ين وأرضؤاه جاز جيش تبوك لل ‪ ،‬وا ؤرتيف هئر رومة‪ ،‬وقام هغوسؤعة املسؤجد‬

‫النبوم‪ .‬ويف من اليسط تصؤد‪ ،‬يبد الرمحن هن يوم هيافلة جتارية لاملة أللر من سؤبعامية باقة‬

‫املدينة املنورة يف سؤؤبي اهلل‪ .‬وولسة هن يبيد اهلل أبفن سؤؤبعامية ألف ألرهم يف يوم واحد‬ ‫ألا‬

‫ي الفيرا‪ .،‬وما لال ليغسين لو لال املسلمول فيام هخ ‪.‬‬

‫الكرم ء‪ ،‬هام جد ًا لبنا‪ ،‬انمة امسومية‪ ،‬والرج الذم يغصف هالبخ من الصعق أل يص‬

‫إىل هذه الدرجا من امبفا‪ ،،‬فبنا‪ ،‬انمم ىلغاو إىل لرم وهذل وإبفا‪.،‬‬

‫صؤؤفة االلة لابت موجوألة يف العرب‪ :‬الشؤؤجاية‪ ،‬لال العرب قب امسؤؤوم يفغخرول هاملو‬

‫قغوً‪ ،‬ويسؤغاينول هاحليؤؤؤاة متام ًا‪ ،‬ليت ينده أم ماب أب يفيد حيات للاا وفا‪ ،‬لكلمغ ‪ ،‬أو ألفاي ًا‬

‫ين صؤؤديي ‪ ،‬أو محؤؤؤ ؤاية جلواره‪.‬قال أحدهم ملا هلر قغ أ ي ‪) :‬إل ييغ فيد قغ أهوه وأ وه‬

‫ويؤؤ ؤم ‪ ،‬إبا واهلل ال بمو حغف ًا ي الفراش‪ ،‬ولكن قنيع ًا هتورام الرماأ‪ ،‬وموت ًا حتت مول‬

‫السيوم(‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫إذا لنا قد ذلربا منذ قلي أل بصؤف اجلااأل هاملال فالنصؤف اآل ر هالروأ وهذا أ ؤن؛ نل هنا‪،‬‬

‫انمم لام ىلغاو إىل أموال ولرم ىلغاو إىل أرواأ ومهم‪ ،‬واجلبال قد ييغن هيضؤؤية املال ولكن ال‬

‫ييويف قلبؤؤ ؤ أهد ًا ي امقدام يلي ‪.‬أما العرب فيد لابت ؤجايغام فنيرية‪ ،‬وهذا سؤايد انمة‬

‫امسومية أل تنشت وتنمو هؤ ؤرسية يف هذه البيئة‪ ،‬فؤؤؤخالد هن الوليد رهلل اهلل ين وأرضاه لال‬

‫يبؤؤ ؤدأ املعارك هنفسؤ ‪ ،‬وييول‪ :‬إذا رأيغمو محلت ي العدو فامحلوا‪ ،‬أول يومة وأول إ ؤارة‬

‫لليؤغال أل يبدأ اليايد هالغسرك‪ ،‬م أب يمكن أل ييف ورا‪،‬هم‪ ،‬لكن ال خيام املو ‪.‬وال ا‪ ،‬هن‬

‫حديية املو ‪ ،‬الغي‬ ‫مال رهلل اهلل ين وأرضؤؤاه ألياه جيش املسؤؤلم يف موقعة الياممة ألا‬

‫‪ ،‬مل‬ ‫لال فياا مسؤؤيلمة الكذاب ومع أرهعول ألف ًا من املرتدين؛ حغع يفغ هلم الباب من الدا‬

‫ير ليضؤية احلياة أمهية‪ ،‬فيد جا‪ ،‬امسؤوم ليسسؤن وقم من هذه الصؤفة وقعلاا يف سؤبي اهلل‪،‬‬

‫اجلنة‪ ،‬لغصؤؤري ؤؤايد ًا يف سؤؤبي اهلل‪ ،‬لكن اجلبال يصؤؤعق يلي أل تزرع في هذه‬ ‫متو لغد‬

‫املعا ‪ .‬صفة الشجاية لابت صفة يف غاية انمهية لبنا‪ ،‬انمة امسومية‪.‬‬

‫صؤفة أ ريف لابت موجوألة أيضؤ ًا يف العرب‪ :‬وهي صؤفة العزة؛ فالعريب هفنيرت يتهع أل يعيش‬

‫ذليوً‪ ،‬يؤؤؤؤتبف من الذل‪ ،‬يرفض الضؤين‪ ،‬يعشؤن احلرية‪ ،‬فاذا ينرتة ‪-‬وقؤؤؤؤد ما لافر ًا قب‬

‫امسوم‪ -‬ييول‪:‬‬

‫ه فاسيني هالعز لتس احلنظ‬ ‫ال تسيني مؤؤؤؤا‪ ،‬احلياة هذلة‬

‫وجانم هالعز أوؤؤؤؤؤيق منزل‬ ‫ما‪ ،‬احلؤؤؤؤؤؤياة هذلة لجانم‬

‫أم‪ :‬ال أريد أل أييش أهد اآلهدين ذليوً‪ ،‬لكن أرشب احلنظ وأمو يزيز ًا‪ .‬ام ييول‪:‬‬

‫وجانم هالعز أوؤؤؤؤؤيق منزل‬ ‫ما‪ ،‬احلؤؤؤؤؤؤؤياة هذلة لجانم‬

‫‪64‬‬
‫مل يكن ينرتة يامن هجانم؛ نب ال يعلم هالبعث أصؤوً‪ ،‬فيد لال لافر ًا قب الرسالة‪ ،‬لكن ييصد‬

‫هجانم النار الشؤديدة‪ ،‬يعني‪ ،‬أمو وسؤط النار الشؤديدة مرفوع الرأس أحق إيل من أل أييش‬

‫ذلي ً‬
‫و ؤؤ ؤارجاا‪ .‬هذا لال موقف العرب من العزة‪ ،‬والعزة ء‪ ،‬حتغاج انمة امسؤومية أ ؤد‬

‫االحغياو‪ ،‬وال ؤ أل انمة الغي تنشؤت ي هذه الروأ وهذه العزة ال هد أل تسؤوأل وأل تيوأل‪.‬‬

‫َال ُي يريدُ ا ْل يع َّز َة َف يل َّل ي ا ْل يع َّز ُة َمجيي ًعا{‬


‫يؤؤؤؤت الدين امسؤؤومي ليوج هذه العزة هلل يز وج ‪َ } :‬م ْن ل َ‬

‫[فاور‪ ]10:‬وهلذا لال قبول املسلم يف فرتة مكة لفكرة يدم اليغال‪ ،‬ويؤ ؤدم رف الظلم الذم‬

‫وق يليام‪ ،‬أصؤعق وأ ؤن من قبول فكرة اجلااأل يف سؤبي اهلل‪ ،‬وهذل الروأ هعد ذل ملا ذهبوا‬

‫إىل املدينة املنورة؛ نفم تعوألوا ي رف الرأس‪ .‬وهذه صفة ال تنف ين أولئ الذين ىلملول‬

‫أمابة إقامة هذه انمة‪.‬‬

‫صؤفة أ ريف أيضؤ ًا يف العرب‪ :‬وهي الصؤ وقوة الغسم ‪ .‬الغسؤق العرب هذه الصؤفة من وبيعة‬

‫البوأل الغي يعيشؤول فياا‪ ،‬فام يعيشؤول يف هوأل جافة‪ ،‬ومروم املعيشؤة يندهم صؤعبة قاسؤية‪،‬‬

‫لابوا هصؤفة يامة أهعد الناس ين الرتم‪ ،‬فكابت هذه الصؤفة من الصؤفا العظيمة الغي لفلت‬

‫للديوة النجاأ‪ ،‬لال ال هد من الصؤ لغسم مشؤا‪ ،‬الرسؤالة الضؤخمة‪ ،‬صؤ ي الفير وملدة‬

‫وويلة‪ ،‬صؤ ي اجلوع؛ نل اجلااأل ىلغاو لذل ‪ ،‬يييم الواحد صؤلب هغمرا قليلة‪ ،‬صؤ ي‬

‫املشؤؤية واحلر والغعق والسؤؤفر النيوي واحلصؤؤار انوول‪ ،‬ص ؤ ي اليغال والنزال واجلااأل‪،‬‬

‫صؤ حغع ي تت ر النرصؤ‪ ،‬ال يسؤغعج ‪ ،‬ال يم ‪ ،‬ال يضؤجر‪ ،‬من لابت هذه صؤفغ ولال هعيد ًا‬

‫ين الرتم لال أليامة راسخة لألمة امسومية‪.‬‬

‫لابت هناك حكمة يظيمة جد ًا يف ا غيار هذا املكال ألول غريه حغع تنزل في الرسؤالة وتنشؤت في‬

‫انمة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫اصؤة جد ًا متغ هبا هذا املكال‪ ،‬وصؤفا متغ هبا سؤالني هذا املكال‪ ،‬ولو تكرر‬ ‫هناك صؤفا‬

‫هذه الصؤؤفا يف من من ان مال‪ ،‬فسؤؤغيوم انمة من جديد هنفت النيريية وهنفت النجاأ إل‬

‫ا‪ ،‬اهلل‪.‬‬

‫هذا تلخيص اليوايد اهلامة لبنا‪ ،‬انمة امسومية‪ ،‬وهي يرش قوايد‪:‬‬

‫اليايدة انوىل‪ :‬الهد أل حتافظ انمة ي بيا‪ ،‬رسؤؤالغاا ووحدة مصؤؤدرها‪ ،‬ويدم لط اليرثل‬

‫والسنة هاملناهج ان ريف‪.‬‬

‫اليايدة اللابية‪ :‬ايغياأل أل النصؤؤؤر من يند اهلل يز وج ‪ ،‬وقد جر سنة اهلل يز وج أل ينرص‬

‫اليلة املامنة ي الكلرة املرشلة‪.‬‬

‫اليايدة اللاللة‪ :‬ي املسؤلم أل يسؤغفيدوا من ل قابول موضؤوع‪ ،‬ما مل يكن هناك تعارض م‬

‫الرشع والعييدة الصسيسة‪ ،‬فإل حدث الغعارض ييدم لغاب اهلل يز وج وسنة رسول ﷺ‪.‬‬

‫اليؤايؤدة الراهعؤة‪ :‬اجليؤ الؤذم يسؤؤغنيي أل يبني هؤذه انمؤة هو جيؤ يغين اللرؤة العرهيؤة ويعظماؤا‬

‫ويغعلم اللرا ان ريف‪ ،‬ولكن ال ييدماا ي لرة اليرثل‪.‬‬

‫اليايدة اخلامسؤؤة‪ :‬اهدأ هديوة انقرب فانقرب‪ ،‬وأقرب الناس إىل االسؤؤغجاهة هم املسؤؤلمول‬

‫أبفسام‪ ،‬جرياب ‪ ،‬أصساه فاهدأ هبم‪.‬‬

‫اليايدة الساألسة‪ :‬ال تيوم انمم إال ي ألغام الصاألق ‪.‬‬

‫اليايدة الساهعة‪ :‬اهدأ هالكريم فإب أقدر ي مح الديوة‪.‬‬

‫اليؤايؤدة اللؤامنؤة‪ :‬اجلبؤال قؤد ييغن هيضؤؤيؤة املؤال ولكن قلبؤ ال ييويف ي الؤدفؤاع ينؤ ‪ ،‬فعليؤ‬

‫هالشجاع‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫ي قيؤام انمؤة إال يزيز النفت‪ ،‬ومن لؤال يرا هؤالؤذل َقبيؤ َ أل‬ ‫اليؤايؤدة الغؤاسؤؤعؤة‪ :‬ال ىلر‬

‫يكول يف ذي انمم‪.‬‬

‫اليايدة العؤ ؤارشة‪ :‬الرتم مالكة‪ ،‬واملعغمد ي املرتف لالذم يبني قرص ًا من الرمال‪ ،‬فاهسث‬

‫يمن لال الص صفغ ‪ ،‬ويمن لابت املجاهدة حيات ‪.‬‬

‫لابت هذه هي اليايدة ان رية املسغخرجة‪ ،‬وتل يرش لاملة‪.‬‬

‫‪67‬‬
68
‫‪4‬‬

‫بدء الوحي‬

‫منظور هذه املجموعة من الدروس‪ :‬هو دراسة كيف نعيد بناء أمة اإلسالم عىل هنج رسول‬

‫اهللﷺ؟ دراسة السرية من هذا املنطلق تعطيك أبعاد ًا خمتلفة عن دراسة السرية بالطريقة العادية‬

‫التي ألفها الناس‪ ،‬تقرأ قصته من أول امليالد إىل آخر حلظة من حلظات رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ليس هذا‬

‫هو املقصود من هذه املجموعة‪ ،‬فنحن أمام مرشوع ضخم هو كيف نبني أمة؟‬

‫مبنى كبري ًا تعمل ما يسمى بدراسة اجلدوى‪ ،‬تدرس طبيعة املكان‪،‬‬


‫أنت عندما تريد أن تبني ً‬
‫ومن الذي سيشتغل معك؟ ما هي التكاليف التي ستدفعها؟ ما هي املعوقات التي تقف‬

‫أمامك؟‬

‫هذا الكالم أيض ًا ينطبق عىل أمة اإلسالم‪ ،‬لكن ختيل الفارق بني دراسة اجلدوى لبناء مبنى‬

‫ضخم‪ ،‬وبني دراسة اجلدوى لبناء أمة كاملة‪ ،‬البد يف دراسة السرية هلذا املوضوع أن نبحث يف‬

‫كل نقطة من زوايا السرية‪ ،‬ملاذا فعل ذلك؟ ومتى فعل؟ وما هي الظروف املوجودة حول‬

‫‪69‬‬
‫الرسول ﷺ التي اختار هذا الرأي ألجلها؟ وما هي احلكمة من وراء اختيار هذا الرأي‪ ،‬هذا‬

‫الذي جيعلنا نبني األمة كام بناها الرسول ﷺ‪.‬‬

‫يعرف الناس السرية من أوهلا إىل آخرها‪ ،‬يعرفون متى ولد الرسول ﷺ؟ وكيف ولد؟ وكيف‬

‫عاش الفرتة التي نزل فيها الوحي عليه‪ ،‬وكيف بدأت الدعوة يف مكة إىل أن هاجر من مكة‪ ،‬ثم‬

‫موقعة بدر وأحد وهكذا كل الغزوات لدينا تفاصيل كثرية جد ًا عنها‪ ،‬لكن نحن ال نبحث عن‬

‫هذه األشياء‪ ،‬نحن نبحث عن أشياء أخرى فيام وراء األحداث؛‬

‫ملاذا بدأ بفالن وفالن وفالن ومل يبدأ بغريهم؟ ملاذا دعا أبا بكر أوالً؟ ملاذا حتدث إىل السيدة‬

‫خدجية وزيد بن حارثة وعيل بن أيب طالب مع وجود أناس كثري؟ ملاذا بدأ أبو بكر بدعوة هذا‬

‫وهذا وترك اآلخرين؟ ملاذا جهر الرسول ﷺ بالدعوة بعد ميض ثالث سنني من نزول الوحي‬

‫عليه؟ وماذا حصل بعد اجلهر بالدعوة يف مكة؟ هل حاربت الناس الدعوة ألهنا ليست مقنعة‬

‫أم أن الدعوة مقنعة‪ ،‬وإنام وقفوا أمامها ألسباب أخرى منعت الناس من دخول الدعوة؟ وهل‬

‫هذه األسباب تتكرر أم ال؟ ثم كيف وقف الرسول ﷺ أمام هذه األسباب؟ كيف عاجلها؟‬

‫كيف آمنت مكة؟ ملاذا اختار الرسول ﷺ هلجرة أصحابه احلبشة‪ ،‬ومل يأمرهم بالذهاب إىل‬

‫اليمن أو الشام أو مرص أو العراق؟ وملا فكر بعد ذلك يف الذهاب إىل املدينة املنورة بعث‬

‫مصعب بن عمري ريض اهلل عنه وأرضاه يعلم الناس‪ ،‬ملاذا اختار مصعب بن عمري ريض اهلل عنه‬

‫وأرضاه من بني الصحابة؟ ملاذا مل يبعث أبا بكر أو عمر أو عثامن أو علي ًا أو غريهم من الناس؟‬

‫ملا خرج من مكة وذهب إىل الطائف ملاذا مل يذهب إىل أي بالد أخرى؟‬

‫كل هذه األسئلة عندما نجيب عليها‪ ،‬ونفكر ونتدبر يف هذه األحداث سنخرج بقواعد يف غاية‬

‫األمهية‪ ،‬هذا هو املقصود من هذه املجموعة‪ :‬كيف نبني أمة؟‬

‫‪70‬‬
‫وال يمكن أن نقيم بنيان ًا قوي ًا إال إذا قلدنا الرسول ﷺ يف كل موقف من مواقفه‪ ،‬لكن البد من‬

‫مراعاة الظروف التي اختار الرسول ﷺ فيها هذا الرأي أو ذاك؛ لتكتمل لنا‬

‫متابعة الرسول ﷺ‪.‬‬

‫قصة نزول الوحي وأمهيته‬

‫سنبتدئ القصة من اآلن‪ ،‬لكنها بداية غري تقليدية‪ ،‬لن نبتدئ من ميالد رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ولكن‬

‫من نقطة نزول الوحي‪ ،‬وليس هذا تقلي ً‬


‫ال من أمهية األربعني سنة من حياته ﷺ التي سبقت‬

‫الوحي‪ ،‬لكن منظور هذه املجموعة هو كيف نبني أمة؟ نحن لن نحكي حكاية الرسول ﷺ‬

‫من امليالد إىل املامت‪ ،‬لكن سوف نستخرج نقاط ًا هامة تفيد يف بناء األمة اإلسالمية‪.‬‬

‫اإلسالم كدين وكرشع وطريقة بدأ عىل األرض منذ حلظة نزول الوحي‪ ،‬ولذلك سنبدأ‬

‫باحلديث من هذه النقطة‪ ،‬فهذا ال يمنع من أننا نرجع لتحليل بعض النقاط يف حياة رسول ﷺ‬

‫قبل البعثة إذا كان هلا عالقة يف التمهيد للبعثة‪ ،‬لكن هذا لن يكون بالرتتيب املألوف‪.‬‬

‫كانت حلظة نزول الوحي عىل رسول ﷺ يف غار حراء حلظة عظيمة يف تاريخ البرشية‪ ،‬بل إهنا‬

‫أعظم حلظة مرت يف تاريخ األرض ككل إىل يوم القيامة‪ ،‬كثري ًا ما نسمع عن هذا احلدث‬

‫املهيب‪ ،‬لكن القليل منا من يعطي هلذا احلدث قدره‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل أرسل رسوالً إىل‬

‫اإلنسان‪ ،‬ما رأيك لو أنك تلقيت رسالة من زعيم دولة عظمى ووصلت إىل بيتك‪ ،‬يقول لك‬

‫فيها‪ :‬أنا أحبك‪ ،‬وخائف عليك‪ ،‬ومهتم بك‪ ،‬وعندي لك خري كثري‪ .‬ما موقفك لو تلقيت‬

‫رسالة هبذا الوعد من هذا امللك العظيم‪ ،‬وهلل املثل األعىل؟! يا ترى كيف سيكون اهتاممك‬

‫بالرسالة؟ إن اهلل سبحانه وتعاىل بعظمته وجربوته وقدرته وقوته أرسل رسوالً إىل هذا‬

‫اإلنسان البسيط الضعيف الذي يعيش عىل ظهر كرة معلقة يف الفضاء‪ ،‬ال تكاد ترى يف الكون‬

‫الفسيح‪ ،‬هذا حجم األرض بالنسبة حلجم الكون‪ ،‬فكيف سيكون حجم اإلنسان بالنسبة‬
‫‪71‬‬
‫حلجم األرض؟ حجم اإلنسان بالنسبة حلجم الكون يشء ال يتخيل‪ ،‬كذلك حجم اإلنسان‬

‫بالنسبة للمالئكة‪ .‬إن الناس ال يقدرون هلذا احلدث قدره؛ ألهنا ال تعطي هلل عز وجل قدره‪.‬‬

‫إن اهلل جل وعال ال حيتاج إلينا وال لغرينا‪ ،‬ال تنفعه طاعة وال ترضه معصية‪ ،‬ومع ذلك من‬

‫رمحته بنا وحبه لنا أرسل إلينا رسالة هداية وبرشى وإنذار‪ ،‬وهذه الرسالة نزل هبا أرشف‬

‫املالئكة جربيل عليه السالم‪ ،‬عىل أرشف اخللق حممد ﷺ‪ ،‬بأرشف الكالم القرآن الكريم‪.‬‬

‫يف حلظة الوحي هذه نزل الكالم الذي سيظل دستور ًا يف األرض إىل يوم القيامة‪ ،‬هذا احلدث‬

‫فيه تكريم لإلنسان‪ ،‬كام قال ربنا‪َ { :‬و َل َقدْ ك ََّر ْمنَا َبنِي آ َد َم} [اإلرساء‪ ،]70:‬ومن أعظم صور‬

‫التكريم أن أنزل له الوحي‪ ،‬ونزلت له اهلداية من رب العاملني سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫أحيان ًا ال يقدر اإلنسان قيمته كإنسان‪ ،‬واهلل يقول‪َ { :‬و َل َقدْ ك ََّر ْمنَا َبنِي آ َد َم} [اإلرساء‪،]70:‬‬

‫وأرسل له رسوالً من السامء إىل األرض‪ ،‬وأتى معه بدستور كامل يوضح له كل نقطة يف‬

‫حياته‪ ،‬لكن اإلنسان ال يقدر قيمته كإنسان‪ ،‬فأحيان ًا يقيض حياته يف ترف وملذات وشهوات‬

‫وأوقات ضائعة وطموحات تافهة‪ ،‬وأحيان ًا يظلم غريه ويؤذيه ويعذبه‪ ،‬هو ال يدري أنه إنسان‬

‫مكرم يظلم إنسان ًا مكرم ًا‪ ،‬بل إن قيمة اإلنسانية تنحدر إىل درجات هي أقل بكثري من درجات‬

‫احليوانية‪ ،‬لكن التفكر يف حلظة الوحي يغري كثري ًا من مفهوم اإلنسان عن نفسه‪ ،‬وإخوانه من‬

‫البرش‪ ،‬واألرض التي يعيش عليها‪ .‬الوحي عبارة عن رسالة من رب العاملني إىل اإلنسان‪،‬‬

‫رسالة لك ويل ولكل واحد عىل وجه األرض‪ ،‬افعل وال تفعل‪ .‬الوحي هداية ونور ودليل‬

‫ليس جمرد تكاليف وقيود أبد ًا‪ .‬الوحي نعمة ورمحة من ربنا سبحانه وتعاىل‪ ،‬اهلل عز وجل‬

‫املطلع عىل كل يشء‪ ،‬العامل بكل يشء‪ ،‬الذي يدرك املايض واحلارض واملستقبل يقول لك‪ :‬من‬

‫مصلحتك يف هذه النقطة أن تفعل كذا‪ ،‬وإياك إياك أن تفعل كذا‪ ،‬فاتباعك للوحي فيه سعادة‬

‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬وخمالفتك للوحي فيه شقاء الدنيا واآلخرة‪.‬‬


‫‪72‬‬
‫ختيل نفسك تائه ًا يف الصحراء وال تدري أين الطريق‪ ،‬وأنت عىل مشارف املوت‪ ،‬وفجأة‬

‫وجدت دلي ً‬
‫ال ليس فقط يأخذك ملكان فيه أكل أو رشب‪ ،‬ال‪ ،‬بل ألحسن مكان يف الكون وال‬

‫يريد منك أي يشء‪ ،‬كل هذا من أجل مصلحتك‪ ،‬فهذا هو الوحي يف وسط التيه الكبري الذي‬

‫تعيشه البرشية يأيت ليأخذ بأيدي الناس إىل السعادة يف الدنيا‪ ،‬والسعادة يف اآلخرة يف اجلنة‪.‬‬

‫اي َفال َي ِض ُّل َوال َي ْش َقى * َو َم ْن َأ ْع َر َض‬


‫يقول سبحانه وتعاىل يف كتابه الكريم‪َ { :‬ف َم ِن ا َّت َب َع ُهدَ َ‬
‫َع ْن ِذك ِْري} [طه‪ ]124 - 123:‬أي‪ :‬من يعيش يف التيه الذي اختاره بنفسه‪َ { ،‬فإِ َّن َل ُه َم ِع َ‬
‫يش ًة‬

‫ُنت َب ِص ًريا * َق َال ك ََذلِ َك‬‫رشتَنِي َأ ْع َمى َو َقدْ ك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫رش ُه َي ْو َم ا ْلق َيا َمة َأ ْع َمى * َق َال َر ِّب مل َ َح َ ْ‬
‫َضنكًا َون َْح ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُنسى} [طه‪ ]126 - 124:‬أي‪ :‬أتاك الوحي فنسيته‪،‬‬ ‫َأ َتت َْك آ َيا ُتنَا َفنَسيت ََها َوك ََذل َك ا ْل َي ْو َم ت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُنسى}‬‫وسمعت به ومل ترض أن تتبعه‪َ { ،‬ق َال ك ََذل َك َأ َتت َْك آ َيا ُتنَا َفنَسيت ََها َوك ََذل َك ا ْل َي ْو َم ت َ‬
‫[طه‪ ،]126:‬تداعيات ضخمة حتدث لإلنسان بحسب فقهه لقيمة الوحي‪ ،‬الذي يتبع الوحي‬

‫ال يضل وال يشقى يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬والذي يعرض عن الوحي يعيش حياة الضنك‪ ،‬وحيرش‬

‫يوم القيامة أعمى‪.‬‬

‫وعن جابر بن عبد اهلل األنصاري ريض اهلل عنهام قال‪( :‬خرج علينا رسول اهلل ﷺ فقال‪ :‬إين‬

‫رأيت يف املنام كأن جربيل عند رأيس وميكائيل عند رجيل‪ ،‬يقول أحدمها لصاحبه‪ :‬ارضب له‬

‫مثالً‪ ،‬فقال‪ :‬اسمع سمعت أذنك‪ ،‬واعقل عقل قلبك)‪- ،‬هذا دعاء لرسول اهلل ﷺ‪ -‬ثم بدأ‬

‫يرضب له مث ً‬
‫ال يوضح له حاله وحال أمته‪ ،‬وحال اجلنة وحال الدنيا بصفة عامة‪ ،‬يقول‪( :‬إنام‬
‫مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اختذ دار ًا ثم بنى فيها بيت ًا‪ ،‬ثم جعل فيها مائدة‪ ،‬ثم بعث رسوالً‬

‫يدعو الناس إىل طعامه‪ ،‬فمنهم من أجاب الرسول‪ ،‬ومنهم من تركه‪ ،‬فاهلل هو امللك‪ ،‬والدار‬

‫اإلسالم‪ ،‬والبيت اجلنة‪ ،‬وأنت يا حممد الرسول‪ ،‬فمن أجابك دخل اإلسالم‪ ،‬ومن دخل‬

‫اإلسالم دخل اجلنة‪ ،‬ومن دخل اجلنة أكل ما فيها)‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ويف رواية البخاري يقول‪( :‬فمن أطاع حممد ًا فقد أطاع اهلل‪ ،‬ومن عىص حممد ًا فقد عىص اهلل)‪.‬‬

‫ويف رواية أمحد ‪( :‬فمن اتبعه دخل اجلنة‪ ،‬ومن مل يتبعه عذب عذاب ًا شديد ًا)‪ ،‬يعني‪ :‬الوحي‬

‫يدعونا إىل اجلنة‪ ،‬ودخول بيت الرمحن‪ ،‬واألكل من مائدته سبحانه وتعاىل يف اجلنة‪ ،‬فلو اتبعنا‬

‫الوحي سندخل اجلنة‪ ،‬وإن مل نتبعه فسنعذب عذاب ًا شديد ًا‪ .‬كل الناس يعلمون هذا‪ ،‬لكنهم ال‬

‫يعطون للوحي قدره؛ ألهنم لألسف الشديد ال يعطون هلل عز وجل قدره } َو َما َقدَ ُروا اهللََّ َح َّق‬

‫ات بِ َي ِمينِ ِه ُس ْب َحا َن ُه َو َت َع َاىل َع َّام‬


‫ات َم ْط ِو َّي ٌ‬
‫مو ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َقدْ ِره َواألَ ْر ُض ََجي ًعا َق ْب َض ُت ُه َي ْو َم ا ْلق َيا َمة َو َّ‬
‫الس َ‬
‫ُي ْ ِ‬
‫رشك َ‬
‫ُون{ [الزمر‪ ،]67:‬لو أن الناس عظموا ربنا سبحانه وتعاىل وقدروه حق قدره ملا عصوه‪،‬‬

‫لكنهم ينسون‪ ،‬وهذا النسيان يقود إىل مهالك ضخمة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫الوحي رسالة من رب العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬ونحن نريد أن نفهم قصة الرسول ﷺ كلها عىل‬

‫أساس أن حياة الرسول كلها من أوهلا إىل آخرها وحي‪َ } :‬و َما َينْطِ ُق َع ِن ْاهل َ َوى * إِ ْن ُه َو إِ َّال‬

‫وحى{ [النجم‪.]4-3:‬‬
‫َو ْح ٌي ُي َ‬

‫حتى النوافل يف حياة النبي ﷺ وحي‪ ،‬كام أن صيام رمضان وحي فإن صيام اإلثنني واخلميس‬

‫واأليام البيض وحي‪ ،‬لكن الوحي قال‪ :‬هذا فرض‪ ،‬وقال‪ :‬هذا نافلة‪ ،‬كل نقطة يف حياة رسول‬

‫اهلل ﷺ وحي‪ ،‬حتى فيام خيتاره الرسول ﷺ إن كان خمالف ًا ملا أراد اهلل عز وجل من البرش‪ ،‬ينزل‬

‫الوحي ليوضح مراد اهلل عز وجل‪ ،‬لتكون حياة الرسول من أوهلا إىل آخرها قدوة وأسوة‬
‫َان يرجو اهللََّ وا ْليوم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َان َلكُم ِيف رس ِ‬
‫اآلخ َر َو َذك ََر اهللََّ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ول اهللَِّ ُأ ْس َو ٌة َح َسنَ ٌة ملَ ْن ك َ َ ْ ُ‬ ‫للمسلمني‪َ } :‬ل َقدْ ك َ ْ َ ُ‬
‫كَثِ ًريا{ [األحزاب‪.]21:‬‬

‫نتعلم سرية الرسول ﷺ خلري اإلنسان‪ ،‬وخلري املجتمعات‪ ،‬وخلري األرض َجيع ًا‪ ،‬وخلري اآلخرة‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫مقدمات نزول الوحي‬

‫جاء يف صحيح البخاري وغريه عن عائشة ريض اهلل عنها وأرضاها‪ ،‬وعائشة وإن مل تكن‬

‫معارصة ألحداث نزول الوحي‪ ،‬لكنها سمعت هذا من رسول اهلل ﷺ‪ ،‬أو من الصحابة‪ ،‬تقول‬

‫السيدة عائشة ريض اهلل عنها وأرضاها‪( :‬أول ما بدئ به رسول اهلل ﷺ من الوحي الرؤيا‬

‫الصاحلة يف النوم‪ ،‬فكان ال يرى رؤيا إال جاءت مثل فلق الصبح)‪.‬‬

‫كانت هناك مقدمات للوحي قبل أن ينزل جربيل عليه السالم عىل رسول اهلل ﷺ يف غار‬

‫حراء‪ ،‬من هذه املقدمات‪ :‬الرؤيا الصاحلة‪ ،‬فقد كانت تأيت مثل فلق الصبح‪ ،‬كان يرى الرؤيا‬

‫فتقع متام ًا كام رآها ﷺ‪ ،‬فكان هذا نوع ًا من إنباء بالغيب‪ ،‬وهذا أمر غريب‪ ،‬فهو وإن مل يكن‬

‫ترصحي ًا بالرسالة‪ ،‬لكنه يشء الفت للنظر‪ ،‬ومتهيد ألمر عظيم‪ .‬وهل هذه هي املقدمة األوىل‬

‫التي حدثت لرسول ﷺ قبل نزول الوحي أم أن هناك مقدمات أخرى؟ احلقيقة مل يكن هذا هو‬

‫التمهيد األول‪ ،‬بل وجدت أشياء أخرى‪ ،‬فقد سبقت هذا بعض األحداث العجيبة جد ًا يف‬

‫مكة‪ ،‬أحيان ًا كان يراها ﷺ وحده‪ ،‬وأحيان ًا أخرى يراها معه غريه‪ ،‬مثل‪ :‬سالم احلجر عليه‪،‬‬

‫يقول الرسول ﷺ كام يف صحيح مسلم‪( :‬إين ألعرف حجر ًا بمكة كان يسلم عيل قبل أن‬

‫أبعث‪ ،‬إين ألعرفه اآلن)‪ ،‬وهذا قبل البعثة وقبل نزول الوحي‪ ،‬ومؤكد أن الرسول ﷺ مل يكن‬

‫يعرف تفسري هذا األمر؛ ألنه ﷺ تفاجأ بأمر الوحي‪ ،‬ومل يكن يعرف أنه سيكون رسول اهلل إىل‬

‫الناس‪.‬‬

‫وأغرب من سالم احلجر حادثة شق الصدر‪ ،‬فقد ثبت يف صحيح مسلم ومسند أمحد وصحيح‬

‫ابن حبان (أن جربيل شق صدر رسول ﷺ وهو غالم‪ ،‬واستخرج قلبه واستخرج منه علقة‪،‬‬

‫وقال‪ :‬هذا حظ الشيطان منك‪ ،‬ثم غسل قلبه يف طست من ذهب بامء زمزم‪ ،‬ثم ألم صدر‬

‫رسول اهلل ﷺ)‪ .‬وأخرب أنس بن مالك ريض اهلل عنه وأرضاه أنه رأى أثر املخيط يف صدره ﷺ‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫وللعلم فهناك ممن ال يؤمن بالغيبيات وال بقدرة اهلل عز وجل تنكر هلذه القصة‪ ،‬وهم يف احلقيقة‬

‫ال يؤمنون أن اهلل عز وجل قادر عىل هذا األمر‪ ،‬ويقولون‪ِ :‬مل َ مل ْ ينزع اهلل منه هذا احلظ من دون‬

‫حاجة إىل ذلك؟ هذه حجتهم‪ ،‬وإال فهم يف احلقيقة ينكرون القدرة اإلهلية‪ ،‬وإنام يقولون هذا‬

‫ال يف هذا األمر‪ ،‬وهو ينكره متام ًا‪،‬‬


‫حيا ًء‪ ،‬وقد التقيت مع أحد العلامنيني وتكلمت معه طوي ً‬

‫فقلت له‪ :‬هذا يف صحيح مسلم‪ ،‬فقال‪ :‬لعله نقله باخلطأ‪ .‬فهو ينكر أن يكون شق صدره يف هذا‬

‫العمق من التاريخ‪.‬‬

‫هذا نوع من اإلعداد والرتبية والتهيئة لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬كأنه يقول له‪ :‬أنت إنسان خمتلف‪،‬‬

‫حتدث لك أمور غريبة‪ ،‬وكل هذا من باب التمهيد‪ ،‬حتى إذا ما أتت الرسالة يكون لديه شبه‬

‫هتيؤ هلا‪ ،‬وأهنا سبب تلك األشياء الغريبة التي كانت تقع له‪ ،‬واآلن هذا تفسري كل يشء‪ :‬أنت‬

‫رسول من عند رب العاملني سبحانه وتعاىل‪ .‬وهذا نوع من اإلعداد أيض ًا ألهل مكة‪ ،‬وألهل‬

‫جزيرة العرب ملا تعلم هبذه القصة تضع هذا اإلنسان يف وضعية ختتلف عن كل الناس يف‬

‫جزيرة العرب‪ ،‬بل عن كل الناس التي خلقت قبل هذا‪.‬‬

‫األهم من كل هذا أن هذا اختبار إليامن املسلمني بقدرة اهلل عز وجل‪ ،‬املسألة مسألة إيامن‪ ،‬إذا‬

‫كنت ستصدق بأن ملك ًا يمكن أن ينزل من السامء إىل األرض ثم يعود يف ملح البرص‪ ،‬وأن‬

‫املالئكة حتارب مع املسلمني‪ ،‬وتنزع قرى وجباالً بأكملها‪ ،‬أو توزع األرزاق عىل أهل األرض‬

‫يف كل حلظة‪ ،‬إذا كنت تؤمن بكل هذه األمور‪ ،‬وبكل هذه القدرات للمالئكة‪ ،‬فال بد أنك‬

‫تؤمن هبذا األمر البسيط باملقارنة إىل غريه‪ ،‬فعملية جراحية ليست كرفع قرية كاملة أو جبل أو‬

‫هذه اإلمكانيات اهلائلة للمالئكة‪ ،‬مع العلم أن املالئكة ال تعمل هذه األشياء بقدرة ذاتية فيها‪،‬‬

‫أبد ًا؛ لكن ألن اهلل عز وجل يريد وهو قادر عىل حتقيق ما يريد‪ ،‬أما من يف قلبه شك فيصعب‬

‫عليه أن يصدق هذه القصة أو غريها‪ ،‬مثل‪ :‬اإلرساء واملعراج‪ ،‬وشق القمر أو غري ذلك من‬

‫‪76‬‬
‫األحداث التي حدثت يف زمان رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ومنها‪ :‬معجزة القرآن الكربى‪ ،‬فهو دليل ال‬

‫يقاوم عىل إمكانية وقدرات اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫ثم تقول السيدة عائشة ريض اهلل عنها‪( :‬ثم ُح ِّبب إليه اخلالء)‪ ،‬أي‪ :‬أن اهلل عز وجل هو الذي‬

‫دفعه لذلك‪ ،‬كان يصعد ﷺ كل سنة فرتة معينة من الزمن ‪-‬لعله شهر رمضان‪ -‬خيتيل بنفسه يف‬

‫غار حراء‪ ،‬يتفكر يف خالق هذا الكون‪ ،‬كيف يمكن أن نعبد هذا اإلله‪ ،‬والعرب بصفة عامة‬

‫كانوا يعرفون أن اهلل عز وجل هو الذي خلق هذا الكون‪ ،‬وهو الذي خلقهم‪َ { :‬و َل ِئ ْن َس َأ ْلت َُه ْم‬
‫من َخ َل َق السمو ِ‬
‫ات َواألَ ْر َض َل َي ُقو ُل َّن اهللَُّ} [لقامن‪ ،]25:‬لكن العرب كانوا يسجدون لألصنام‪،‬‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ويقولون‪ :‬هؤالء شفعاؤنا عند اهلل عز وجل‪ ،‬لكن الفطرة السليمة تأبى هذه الطريقة يف العبادة‪،‬‬

‫كيف يمكن لإلنسان أن يسجد حلجر‪ ،‬أو يعتقد أي نفع أو رض من وراء هذا احلجر؟ لذا فإن‬

‫الرسول ﷺ ما سجد لصنم يف حياته قط‪ ،‬وكان يعرف أن هلذا الكون إهل ًا وخالق ًا ورازق ًا‪،‬‬

‫(و َو َجدَ َك َض ااال َف َهدَ ى) [الضحى‪( ،]7:‬ضاالً) بمعنى أنه مل يكن‬


‫ولكن ال يعلم كيف يعبده‪َ :‬‬
‫يعرف الطريق املناسبة لعبادة هذا اإلله القدير الذي خلق الساموات واألرض والبرش وكل‬

‫يشء‪ .‬مر الرسول ﷺ بمراحل خمتلفة من التهيئة واإلعداد قبل الرسالة‪ ،‬مثل‪ :‬سالم احلجر‬

‫عليه‪ ،‬وشق الصدر‪ ،‬وأمور أخرى حدثت يف طفولته ﷺ‪ ،‬وحب اخلالء‪ ،‬ثم الرؤيا الصاحلة‬

‫التي استمرت حوايل ستة أشهر‪ ،‬وبعد ذلك جاءه جربيل يف غار حراء‪.‬‬

‫احلكمة اإلهلية من طول املدة الزمنية إلعداد النبي ﷺ قبل البعثة‬

‫كانت هذه التهيئة الطويلة مدة أربعني سنة من اإلعداد والرتتيب والتهيئة النفسية حلمل األمانة‬

‫الثقيلة‪ ،‬مع أن اهلل سبحانه وتعاىل يستطيع أن يعده لذلك يف حلظة واحدة‪ ،‬ويثبت قلبه فال خياف‬

‫وال يرتدد‪ ،‬لكن احلكمة من وراء هذا اإلعداد الطويل أن ربنا سبحانه وتعاىل يعلمنا التأين يف‬

‫الرتبية‪ ،‬والتدرج يف محل الناس عىل ما نريد‪ ،‬وحتى لو كان سيحمل رسوالً رسالة؛ فإنه حيمله‬
‫‪77‬‬
‫إياها بالتدريج‪ ،‬والتدرج سنة من سنن اهلل عز وجل يف التغيري واإلصالح‪ ،‬فالرتبية حتتاج إىل‬

‫تدرج‪ ،‬واألمر باملعروف والنهي عن املنكر حيتاج أيض ًا إىل تدرج‪ .‬فحياة الرسول ﷺ كلها ‪63‬‬

‫سنة‪ ،‬منها ‪ 40‬سنة هي سنوات إعداد له ليكون رسوالً‪ ،‬وليتلقى الرسالة‪ ،‬ومنها ثالثة‬

‫وعرشون سنة فقط نبوة‪ ،‬وكل ما يريده ربنا منه جعله يف ‪ 23‬سنة‪ ،‬فكل املتغريات التي يمكن‬

‫أن حتصل يف حياة الناس‪ ،‬وكل الثوابت التي ال يفرط فيها كانت يف ‪ 23‬سنة‪ ،‬لكن البد أن‬

‫تعرف أنك حمتاج إىل وقت وجمهود وتربية وإعداد ملن سيحمل هم األمة اإلسالمية‪ ،‬وال‬

‫تستعجل‪ ،‬فهذا الرسول ﷺ يرتبى ‪ 40‬سنة؛ من أجل أن حيمل هم الدعوة‪ ،‬فإذا كان هذا‬

‫حيصل مع الرسول ﷺ‪ ،‬فال يوجد أي معنى لالستعجال يف حياتنا‪ ،‬وال بد أن نفهم هذا‬

‫الدرس جيد ًا‪ :‬التأين يف الرتبية‪.‬‬

‫أمهية نزول جربيل بالوحي عىل النبي ﷺ يف غار حراء‬

‫بعد ‪ 40‬سنة من احلياة يف مكة جاء اليوم الذي ينزل فيه جربيل عليه السالم إىل رسول اهلل ﷺ‬

‫وهو يف خلوته يف غار حراء‪ ،‬فمجيء جربيل عليه السالم حلظة خالدة‪ ،‬حلظة غري متكررة يف‬

‫تاريخ األرض‪ ،‬هذا املوقف مل حيصل يف األرض منذ ‪ 600‬سنة‪ ،‬وهي الفرتة بني الرسول وبني‬

‫عيسى عليه السالم‪ ،‬فقد بعث الرسول عىل فرتة من الرسل‪ ،‬وعندما يموت الرسول ﷺ فإن‬

‫هذا املوقف لن يتكرر حدث فريد فعالً!‬

‫دخل جربيل عليه السالم عىل رسول اهلل ﷺ وهو يف الغار يف هيئة رجل‪ ،‬ودخوله عىل هذه‬

‫اهليئة يف اجلبل ليس مفزع ًا يف حد ذاته‪ ،‬نعم‪ ،‬الرجل غريب‪ ،‬والرسول ﷺ ال يعرفه‪ ،‬لكن ما‬

‫عيل جربيل‬
‫سبب خوف الرسول ﷺ من رؤية جربيل عليه السالم أول مرة؟ يقول ﷺ‪( :‬دخل ي‬
‫فقال‪ :‬اقرأ)‪ ،‬هكذا بدون مقدمات‪ ،‬مل يعرف بنفسه‪ ،‬مل يسأل الرسول ﷺ عن نفسه‪ ،‬وإنام‬

‫خاطبه وكأنه يعرفه‪ ،‬يقول له‪ :‬اقرأ‪ ،‬والرسول ال يدري أي يشء يقرأ؛ ألنه أمي ال يعرف‬
‫‪78‬‬
‫القراءة والكتابة‪ ،‬فقال له الرسول ﷺ بأدبه اجلم‪( :‬ما أنا بقارئ)‪ ،‬أي‪ :‬أنا ال أستطيع أن أقرأ‪،‬‬

‫مع أن الرسول عليه الصالة والسالم كان يمكنه أن يقول له‪ :‬من أنت؟ لكن الرسول ﷺ هبت‬

‫بدخول الرجل عليه فجأة بذلك السؤال‪ ،‬ثم إن هذا الرجل احتضنه بشدة‪ ،‬يقول الرسول ﷺ‪:‬‬

‫(فأخذين فغطني حتى بلغ مني اجلهد)‪ ،‬والرسول ﷺ ليس بالضعيف‪ ،‬بل قوي البنية‪ ،‬معنى‬

‫ذلك أن هذا الرجل قوته هائلة‪ ،‬ثم أرسله وتركه‪ ،‬وقال له‪( :‬اقرأ‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أنا بقارئ‪ ،‬فأخذين‬

‫فغطني حتى بلغ مني اجلهد ثم أرسلني‪ ،‬فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أنا بقارئ‪ ،‬فأخذين فغطني‬

‫الثالثة ثم أرسلني)‪ ،‬كل هذا العنف يف تبليغ األمر‪ ،‬حتى يعلم أنه يف حقيقة وليس يف حلم‪ ،‬ثم‬

‫ان ِم ْن َع َل ٍق *‬
‫نس َ‬ ‫اس ِم َر ِّب َك ا َّل ِذي َخ َل َق * َخ َل َق ِ‬
‫اإل َ‬ ‫قال له بعدما أطلقه يف املرة الثالثة‪{ :‬ا ْق َر ْأ بِ ْ‬
‫ان َما َمل ْ َي ْع َل ْم} [العلق‪،]5 - 1:‬‬
‫نس َ‬ ‫ا ْق َر ْأ َو َر ُّب َك األَك َْر ُم * ا َّل ِذي َع َّل َم بِا ْل َق َل ِم * َع َّل َم ِ‬
‫اإل َ‬

‫ثم اختفى بعدما قال له هذه الكلامت‪ ،‬فالرسول ﷺ أبلغ العرب مطلق ًا وأفصحهم‪ ،‬وبالتأكيد‬

‫اس ِم َر ِّب َك ا َّل ِذي َخ َل َق * َخ َل َق‬


‫أنه عرف منذ اللحظة األوىل أن هذا ليس من كالم البرش‪{ ،‬ا ْق َر ْأ بِ ْ‬
‫ان ِم ْن َع َل ٍق} [العلق‪ ،]2 - 1:‬هذه أول مرة ينزل فيها قرآن عىل األرض‪ .‬أيض ًا هذا‬
‫نس َ‬ ‫ِ‬
‫اإل َ‬
‫الرجل الذي جاءه كان يتحدث عن اإلله الذي يبحث عنه رسول اهلل ﷺ منذ زمن‪ ،‬يتحدث‬

‫عن اإلله الذي خيلق ويتكرم ويعلم‪ .‬كام أن الرجل مل خيربه عن أي يشء يريده منه‪ ،‬مل خيربه أنه‬

‫سيصبح رسوالً‪ ،‬بل فقط قرأ عليه هذه اآليات التي مل تسمع من قبل عىل وجه األرض ثم‬

‫اختفى‪ ،‬وكان يغطه يف كل مرة بشدة حتى يبلغ منه اجلهد‪ ،‬حتى إنه قال من شدة الضمة‪( :‬يا‬

‫خدجية لقد خشيت عىل نفيس)‪ .‬كل هذه األمور جمتمعة أدت إىل خوف الرسول ﷺ‪ ،‬ثم ذهب‬

‫جيري إىل بيته قاطع ًا اعتكافه باحث ًا عن األمان‪ ،‬تقول السيدة عائشة ريض اهلل عنها تصف هذا‬

‫املوقف‪( :‬رجع هبا رسول اهلل ﷺ ‪-‬أي‪ :‬هبذه اآليات اخلمس‪ -‬يرجف فؤاده)‪ ،‬ملاذا حيدث هذا‬

‫الرعب الشديد واهللع الكبري لرسول اهلل ﷺ؟‬

‫‪79‬‬
‫أوالً‪ :‬إلثبات برشية رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فنفس هذا املوقف حصل مع سيدنا موسى عليه السالم‪،‬‬

‫فقد خاف وجرى‪ ،‬فهو برش له أحاسيس البرش‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬إثبات عدم انتظار رسول اهلل ﷺ ألمر النبوة‪ ،‬لكنه خاف ملا جاءه جربيل عليه السالم‪ ،‬ثم‬

‫هي التهيئة واإلعداد والتشويق لألمر العظيم الذي سيأيت‪ ،‬وبالفعل الرسول بعد هذا األمر‬

‫كان خيرج مرار ًا إىل اجلبال لعله يقابل ذلك الرجل الذي جاءه يف الغار‪ ،‬بعدما كان خائف ًا أصبح‬

‫مشتاق ًا إىل قدوم جربيل عليه السالم‪.‬‬

‫موقف خدجية ريض اهلل عنها من الوحي‬

‫رجع الرسول ﷺ إىل الزوجة احلنون العاقلة الكاملة خدجية ريض اهلل عنها وأرضاها‪ ،‬وفؤاده‬

‫يرجف حني نزل عليه جربيل بالوحي‪ ،‬وكانت السيدة خدجية حتب رسول اهلل ﷺ حب ًا ال‬

‫يوصف‪ ،‬عاشت مع رسول اهلل ﷺ مخس عرش سنة كاملة قبل البعثة مل تر منه إال كل خلق‬

‫محيد‪ ،‬والرسول ﷺ مل ير منها إال كل خري وحب‪ ،‬ال تذكر كتب السرية مشاحنة واحدة بني‬

‫الرسول ﷺ وبني السيدة خدجية ريض اهلل عنها وأرضاها‪ ،‬ثم عرش سنني بعد البعثة‪ ،‬ليس فيها‬

‫حلظات غضب أو شقاق أبد ًا‪ ،‬حياة زوجية مثالية إىل أبعد درجة‪.‬حكى الرسول ﷺ لـ خدجية‬

‫ما حصل معه يف الغار‪ ،‬وكان يظهر منه الرعب واهللع‪ ،‬وقال هلا الكلامت التي نزلت عليه‪ ،‬ثم‬

‫قال‪( :‬يا خدجية لقد خشيت عىل نفيس)‪.‬‬

‫وأغرب من كل ما سبق ردة فعلها ريض اهلل عنها‪ ،‬وهي بحاجة منا إىل وقفة طويلة؛ إذ من‬

‫املتوقع والطبيعي أهنا ختاف كعادة النساء‪ ،‬أو كعادة البرش بصفة عامة‪ ،‬أو عىل األقل تتعجب‪،‬‬

‫لكن الغريب أهنا كانت عىل العكس من ذلك‪ ،‬فقد نظرت إىل املوضوع بمنتهى البساطة‪ ،‬وكأن‬

‫الرسول ﷺ يقص عليها أمر ًا عادي ًا‪ ،‬ليس هذا فقط بل قامت تقول له يف يقني‪( :‬كال واهلل ال‬

‫‪80‬‬
‫خيزيك اهلل أبد ًا؛ إنك لتصل الرحم‪ ،‬وحتمل الكل‪ ،‬وتكسب املعدوم‪ ،‬وتقرئ الضيف‪ ،‬وتعني‬

‫عىل نوائب احلق)‪ ،‬بعد كل هذه األشياء كيف يمكن أن يرضك اهلل سبحانه وتعاىل بيشء؟!‬

‫استنبطت السيدة خدجية ريض اهلل عنها وأرضاها أن هذا الرجل صاحب األخالق احلميدة‪،‬‬

‫وصاحب اآلداب الرفيعة‪ ،‬ال يمكن أبد ًا أن خيزيه ربنا سبحانه وتعاىل‪ .‬يالحظ أن الذي لفت‬

‫نظر السيدة خدجية هي معامالت رسول اهلل ﷺ مع البرش‪ ،‬مل ترش إىل تعبده واعتكافه وتفكره‪،‬‬

‫بل إىل عالقاته مع الناس‪ ،‬فهي املحك احلقيقي لتقييم اإلنسان‪ ،‬وتكاد تكون هذه املعامالت‬

‫الطيبة هي السبب يف اقتناع الناس بمصداقية رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهذا درس مهم أيض ًا‪.‬‬

‫كل نقطة وحركة وموقف يف السرية ليس فقط فيه درس‪ ،‬بل املئات من الدروس‪ .‬هذا هو‬

‫املقياس الذي ينبغي للبرش كلهم أن يقيسوا عليه حياهتم‪ ،‬البد من أخذ القدوة واألسوة من‬

‫حياة الرسول ﷺ؛ لتكون حياتنا كحياته مليئة بالروعة واجلامل‪.‬‬

‫(كال واهلل ال خيزيك اهلل أبد ًا؛ إنك لتصل الرحم‪ ،‬وحتمل الكل‪ ،‬وتكسب املعدوم‪ ،‬وتقرئ‬

‫الضيف‪ ،‬وتعني عىل نوائب احلق)‪ ،‬صىل اهلل عليك وسلم‪ ،‬فهدأت نفسه ﷺ بعدما سمع كالم‬

‫السيدة خدجية ريض اهلل عنها وأرضاها‪ ،‬وهذا هو دور الزوجة الصاحلة‪ ،‬أهنا يف املقام األول‬

‫سكن لزوجها‪ ،‬ليست مصدر إزعاج أبد ًا‪ ،‬يقول اهلل تعاىل يف كتابه الكريم‪َ { :‬و ِم ْن آ َياتِ ِه َأ ْن َخ َل َق‬

‫اجا لِت َْس ُكنُوا إِ َل ْي َها} [الروم‪ .]21:‬أول مهمة وأعظم مهمة للزوجة‪ :‬أهنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َلك ُْم م ْن َأن ُفسك ُْم َأ ْز َو ً‬
‫سكن وطمأنينة وهدوء وابتسام‪ ،‬ورفع للروح املعنوية للزوج‪ ،‬وتسكني لفزعه‪ ،‬وختفيف‬

‫آلالمه‪ ،‬هذه هي الزوجة املسلمة {لِت َْس ُكنُوا إِ َل ْي َها} [الروم‪ ،]21:‬فهي نعمة من اهلل عز وجل‪،‬‬

‫وآية من آياته سبحانه وتعاىل‪ .‬ملا سكن الرسول ﷺ واطمأن مل تشأ السيدة خدجية أن ترتك‬

‫نفسها وزوجها لألوهام‪ ،‬بل قالت له‪ :‬دعنا نذهب إىل ورقة بن نوفل ابن عمها‪ ،‬تعال نذهب‬

‫إىل أهل العلم لنرى رأي الدين يف هذا األمر‪.‬‬


‫‪81‬‬
‫ذهبت خدجية إىل ورقة بن نوفل ومل تذهب ألي شخص آخر يف جزيرة العرب‪ ،‬مل تذهب‬

‫لكاهن‪ ،‬أو خلادم لألصنام‪ ،‬أو حلكيم من حكامء قريش‪ ،‬بل اختارت رج ً‬
‫ال كان قد تنرص‪ ،‬عنده‬

‫علم من دين السابقني‪ .‬هذه كلمة لكل شاب مسلم‪ :‬اختيار الزوجة الصاحلة نقطة حمورية يف‬

‫حياة الفرد املسلم‪ ،‬ال تترسع‪ ،‬فهذه نقطة مهمة يف بناء األمة‪ ،‬البد أن تكون زوجتك من نوعية‬

‫خدجية‪ ،‬انتبه ال تسع خلف املال أو اجلامل أو الوضع االجتامعي وتنس الدين‪ ،‬ال تقل‪ :‬أنا‬

‫سأعلمها الدين‪ ،‬تذكر رسول اهلل ﷺ‪( :‬اظفر بذات الدين تربت يداك)‪.‬‬

‫بشارة ورقة للنبي ﷺ بالرسالة‬

‫ذهب الرسول ﷺ هو وزوجته خدجية إىل ورقة بن نوفل‪ ،‬وكان شيخ ًا كبري ًا قد عمي‪ ،‬وكان قد‬

‫تنرص يف اجلاهلية‪ ،‬وكان ورقة بن نوفل يعلم أن نبين ًا سيظهر يف هذا الزمان‪ ،‬وكان ينتظره‪.‬‬

‫ويدل عىل مدى اجلرم الذي كان عليه أهل الكتاب‪ ،‬أهنم كانوا يعرفون من كتبهم أن الرسول‬

‫ﷺ حق‪ ،‬وليس فقط من كالم الرسول ﷺ‪ ،‬ولكن مل يؤمنوا‪ ،‬لكن ورقة بن نوفل رمحه اهلل كان‬

‫ال صاحل ًا ورع ًا‪ ،‬يعلم حممد ًا ﷺ تارخيه وحياته وأخالقه وصفاته‪ ،‬فلام سمع من رسول اهلل‬
‫رج ً‬

‫ﷺ هذه القصة العجيبة التي حدثت يف غار حراء‪ ،‬قال مبارشة ودون تردد‪:‬‬

‫(هذا الناموس ‪-‬يقصد‪ :‬جربيل عليه السالم‪ -‬الذي أنزله اهلل عز وجل عىل موسى عليه‬

‫السالم)‪ .‬هنا يرصح ورقة بن نوفل بأمر خطري‪ :‬أن هذا جربيل الذي كان ينزل عىل موسى عليه‬

‫السالم‪ ،‬وجربيل ال ينزل إال عىل األنبياء‪.‬‬

‫إذن حممد ﷺ رسول من اهلل؛ أريد منك أن تتصور معي املوقف‪ :‬كم من األحاسيس واملشاعر‬

‫التي كانت تتداخل يف صدر رسول اهلل ﷺ وهو يسمع هذا الكالم؟ هل هذا حلم أم حقيقة؟‬

‫حق أم باطل؟ النبوة ليست مقام ًا يصل إليه أحد باالجتهاد يف العبادة‪ ،‬أو بالطريقة الفالنية‪،‬‬
‫الئك َِة ُر ُس ًال َو ِم َن الن ِ‬
‫َّاس}‬ ‫النبوة اختيار من رب العاملني سبحانه وتعاىل‪{ :‬اهللَُّ يص َط ِفي ِمن املَْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫‪82‬‬
‫[احلج‪ .]75:‬تأمل معي موقف الرسول ﷺ وهو يسمع هذا الكالم من ورقة‪ ،‬أيكون اهلل عز‬

‫وجل قد اختاره من بني كل اخللق ليكون نبي آخر الزمان؟! لكن املشكلة‪ :‬أن الرجل الذي‬

‫جاءه يف الغار مل خيربه بذلك‪ ،‬مل يقل له‪ :‬إنه رسول‪ ،‬لكن عىل الناحية األخرى ورقة يتكلم بيقني‬

‫وثقة وتأكيد‪ .‬ثم قال له ورقة‪( :‬يا ليتني فيها جذع ًا ‪-‬أي‪ :‬شاب ًا‪ -‬إذ خيرجك قومك‪ ،‬فقال له‬

‫رسول ﷺ متعجب ًا‪ :‬أو خمرجي هم؟! مل يكن الرسول ﷺ‪ ،‬يعرف أي يشء عن األمم السابقة‬

‫وقصص األنبياء ومعجزاهتم؛ ألن تفصيالت األمم املاضية ال يمكن أن تعرف إال عن طريق‬

‫ْت َوال َق ْو ُم َك ِم ْن َق ْب ِل‬ ‫يها إِ َل ْي َك َما ك َ‬


‫ُنت َت ْع َل ُم َها َأن َ‬ ‫الوحي‪ .‬يقول اهلل‪{ :‬تِ ْل َك ِمن َأ ْنب ِ‬
‫اء ا ْل َغي ِ ِ‬
‫ب نُوح َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫عاق َب َة لِ ْل ُمت َِّق َ‬
‫ني} [هود‪.]49:‬‬ ‫َه َذا َفاص ِرب إِ َّن ا ْل ِ‬
‫ْ ْ‬

‫مل يكن يعرف قصص األنبياء‪ ،‬وقصص التكذيب واملعاناة الشديدة التي عاشها األنبياء‬

‫صلوات اهلل عليهم وسالمه مع أقوامهم‪ ،‬من أجل ذلك قال الرسول ﷺ‪ :‬أو خمرجي هم؟‪،‬‬

‫لكن ورقة احلكيم العامل بقصص األنبياء واملرسلني السابقني قال يف يقني‪( :‬مل يأت رجل قط‬

‫بمثل ما جئت به إال عودي)‪ .‬وهذه قاعدة خترج من فم ورقة بن نوفل رمحه اهلل قاعدة أصيلة‬

‫لكل داعية‪ :‬ما محل داعية هذا الدين الذي جاء به رسول اهلل ﷺ إال عودي‪ ،‬سنة من سنن اهلل‬

‫عز وجل‪ :‬تدافع احلق والباطل‪ ،‬رصاع بني الدين وأعداء الدين‪ ،‬سنة باقية إىل يوم القيامة‪.‬‬

‫ثم يقول ورقة‪( :‬وإن يدركني يومك أنرصك نرص ًا مؤزر ًا)‪ ،‬وورقة بن نوفل مل يدرك ذلك اليوم‬

‫مع رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقد مات برسعة‪ ،‬وإن كان قد صدق برسول اهلل ﷺ حتى قبل الترصيح‬

‫بالرسالة‪ ،‬والرسول ﷺ كام جاء يف صحيح احلاكم بإسناد جيد يقول‪( :‬رأيت له جنة أو جنتني)‬

‫أي‪ :‬أنه من أهل اجلنة إن شاء اهلل‪ .‬مات ورقة بن نوفل بعد أن سطر لرسول اهلل ﷺ وللمؤمنني‬

‫من بعده إىل يوم القيامة قاعدة أصيلة‪( :‬مل يأت رجل قط بمثل ما جئت به إال عودي)‪ ،‬فهذه‬

‫رسالة إىل كل الدعاة‪ ،‬هذا هو الطريق‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫فرتة انقطاع الوحي‬

‫أراد الرسول ﷺ أن يتيقن من النبوة؛ لذا أحب أن يأيت إليه جربيل مرة أخرى ليؤكد له أمر‬

‫ال كبري ًا لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬لقد‬


‫الرسالة‪ ،‬ويقول له ماذا يعمل‪ ،‬لكن حدث أمر غريب سبب قلق ً‬

‫فرت الوحي وتأخر‪ ،‬وقد اختلف املؤرخون يف الفرتة التي فرت فيها الوحي‪ ،‬لكن أغلب الظن أهنا‬

‫كانت ما بني ثالثة أيام إىل أربعني يوم ًا‪ .‬فمثل ذلك االنقطاع صدمة للرسول اهلل ﷺ‪ ،‬فهو مل‬

‫يتيقن بعد‪ ،‬ويريد أن يزيل عنه الشك‪ ،‬فقد كان يتوقع أنه عندما يرجع إىل الغار سيجد جربيل‬

‫مرة أخرى‪ ،‬أو يأيت له يف أي مكان آخر‪ ،‬لكن تأخر جربيل‪ ،‬وكان رسول اهلل ﷺ خيرج مرار ًا‬

‫إىل اجلبال لعله يلتقي جربيل عليه السالم‪ ،‬وازداد شوق رسول اهلل ﷺ إىل الرسالة التي يقول‬

‫اهلل عنها‪{ :‬إِنَّا َسنُ ْل ِقي َع َل ْي َك َق ْو ًال َث ِق ًيال} [املزمل‪ .]5:‬إن مل يكن احلامل هلذه الرسالة متشوق ًا‬

‫إليها فحملها سيكون صعب ًا جد ًا‪ ،‬بل لعله مستحيل‪ ،‬فارق كبري بني أن تبحث الدعوة عن رجل‬

‫ليحملها‪ ،‬وبني أن يبحث الرجل عن الدعوة ليحملها‪ .‬عندما كان الرسول ﷺ يبلغ به احلزن‬

‫مبلغه يأتيه جربيل عليه السالم فيقول له‪ :‬يا حممد إنك رسول اهلل حق ًا‪ ،‬فيسكن رسول اهلل ﷺ‪،‬‬

‫ثم خيتفي وهكذا إىل جميء اليوم الذي سيبتدئ فيه الرسول ﷺ رحلة النبوة والتبليغ والتبشري‬

‫واإلنذار‪.‬‬

‫بدء الرسالة واألمر بالتبليغ‬

‫يقول النبي ﷺ‪( :‬بينا أنا أميش إذ سمعت صوت ًا فنظرت عن يميني فلم أر شيئ ًا‪ ،‬ونظرت عن‬

‫شاميل فلم أر شيئ ًا‪ ،‬ونظرت أمامي فلم أر شيئ ًا‪ ،‬ونظرت خلفي فلم أر شيئ ًا‪ ،‬ثم نوديت‪،‬‬

‫فرفعت برصي إىل السامء فإذا امللك الذي جاءين بحراء جالس عىل كريس بني السامء واألرض‪،‬‬

‫فرعبت منه حتى هويت عىل األرض‪ ،‬فرجعت حتى أتيت خدجية فقلت‪ :‬زملوين زملوين‪،‬‬

‫دثروين دثروين) يعني‪ :‬غطوين‪ ،‬بعد هذا احلدث مبارشة نزل قول اهلل عز وجل‪َ { :‬يا َأ ُّ َُّيا املُْدَّ ِّث ُر}‬
‫‪84‬‬
‫[املدثر‪ ]1:‬أي‪ :‬املتغطي بثيابه‪ُ { :‬قم َف َأ ِ‬
‫نذ ْر} [املدثر‪ ،]2:‬هذا أمر واضح بالرسالة والتبليغ‬ ‫ْ‬
‫واإلنذار‪ ،‬حينها علم الرسول ﷺ أنه رسول‪ ،‬عندها تغريت حالة الرسول ﷺ النفسية متام ًا‪،‬‬

‫وحتول من حالة الشك واحلزن واالكتئاب التي كان يعيش فيها إىل حالة اليقني والعزيمة‬

‫واإلرصار والنشاط‪ .‬وكانت السيدة خدجية تطلب منه أحيان ًا أن يسرتيح ولو قليالً‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫(مىض وقت النوم يا خدجية)‪ ،‬اآلن الرسول ﷺ عرف كل يشء‪ ،‬عرف تفسري كل األشياء‬

‫الغريبة التي مرت به يف حياته‪ ،‬من سالم احلجر عليه‪ ،‬وشق الصدر‪ ،‬والرؤيا الصادقة‪ ،‬والرجل‬

‫الذي جاءه يف غار حراء‪ ،‬وبدأ الرحلة الطويلة‪ ،‬رحلة الدعوة إىل اهلل عز وجل‪ ،‬رحلة النبوة‪،‬‬

‫رحلة البشارة واإلنذار‪ ،‬فقام الرسول ﷺ بعد هذه اآليات ومل يقعد إىل أن مات‪ ،‬قام وما ترك‬

‫صغري ًا وال كبري ًا‪ ،‬وال سيد ًا وال عبد ًا‪ ،‬وال فرد ًا وال قبيلة‪ ،‬إال ودعاهم إىل اإلسالم (مىض عهد‬

‫النوم يا خدجية)‪.‬‬

‫منهج الرسول ﷺ يف اختيار من يبدأ بدعوهتم‬

‫أراد الرسول ﷺ أن يصل بدعوته إىل كل إنسان عىل وجه األرض‪ ،‬فبمن يبدأ؟‬

‫لكي نفهم منهج رسول اهلل ﷺ يف اختيار الناس الذين يبدأ هبم يف الدعوة‪ ،‬ال بد أوالً أن نسأل‬

‫هذا السؤال؛ هل يؤمن اإلنسان بقلبه أوالً‪ ،‬أم بعقله؟ إذا أردت أن تقنع إنسان ًا بفكرة ما هل‬

‫من األفضل أن حيبك أوالً بقلبه قبل أن يسمع الفكرة؟ بمعنى آخر‪ :‬احلب أوالً أم احلجة؟ كال‬

‫االثنني مهم‪ ،‬القلب والعقل مطلوبان‪.‬‬

‫من الصعب جد ًا عىل اإلنسان أن يقبل فكرة ما من إنسان يكرهه أو ال حيبه‪ ،‬غالب ًا ما يدخل معه‬

‫يف جدل عقيم وحوار طويل‪ ،‬ومناقشة قد ال تنتهي بخري‪ ،‬بينام عىل الناحية األخرى هو يتقبل‬

‫الكثري من األفكار ممن حيب‪ ،‬مع أن هذه األفكار قد تكون غريبة‪ ،‬وهذا واقع ملموس يف‬

‫‪85‬‬
‫حياتنا‪ ،‬لذا إذا كنت تريد من الناس أن تسمع كالمك البد أن جتعلهم حيبونك أوالً‪.‬‬

‫إن فكرة اإلسالم التي جاء هبا الرسول ﷺ صحيحة ومقنعة‪ ،‬إذا فكر فيها أي عقل سليم‪ ،‬ومع‬

‫ذلك فالفكرة غريبة عىل أهل مكة‪ ،‬فقد مرت ‪ 600‬سنة ليس فيها نبي‪ ،‬وجاء الرسول ﷺ عىل‬

‫فرتة من الرسل‪ ،‬لذا استغرب الناس فكرة التوحيد عىل بساطتها ووضوحها‪ ،‬واستبعدوا فكرة‬

‫أن يوجد رسول من البرش‪ ،‬كام يف احلديث‪( :‬بدأ اإلسالم غريب ًا)‪ .‬فأراد الرسول ﷺ أن خياطب‬

‫بدعوته كل أهل مكة‪ ،‬بل كل أهل األرض أَجعني‪ ،‬فبدأ بأكثر الناس احتامالً وقبوالً للفكرة‬

‫دون تردد؛ من أجل أن يكونوا قاعدة قوية للدعوة نفسها‪ ،‬وحتى يساعدوه يف أمر الدعوة‪،‬‬

‫فأكثر الناس قبوالً لفكرته هم أكثر الناس حب ًا له‪ ،‬فكان هؤالء هم الذين سيبدأ هبم الرسول‬

‫ﷺ‪ ،‬وال يوجد يشء بالصدفة‪ ،‬كل يشء حمسوب وعىل أساس ومنهج‪ ،‬وهذا املنهج ألهل‬

‫األرض أَجعني‪ .‬إذ ًا‪ :‬احلب هو أول مرحلة من مراحل الدعوة‪.‬‬

‫ذهب الرسول ﷺ برسالته أوالً إىل زوجته الصاحلة خدجية ريض اهلل عنها‪ ،‬فكانت أول من‬

‫آمن عىل ظهر األرض‪ ،‬وكانت الوحيدة املتابعة لكل أحداث الوحي بكل تفاصيله منذ نزل‬
‫جربيل يف املرة األوىل بقول اهلل‪ُ { :‬قم َف َأ ِ‬
‫نذ ْر} [املدثر‪ ،]2:‬بل نستطيع أن نقول‪ :‬إهنا آمنت قبل‬ ‫ْ‬
‫الترصيح بالرسالة‪ ،‬قبل‪ُ { :‬قم َف َأ ِ‬
‫نذ ْر} [املدثر‪ ،]2:‬قالت‪( :‬كال‪ ،‬واهلل ال خيزيك اهلل أبد ًا)‪.‬‬ ‫ْ‬
‫فالسيدة خدجية أحبت رسول اهلل ﷺ حب ًا ال يوصف‪ ،‬فكان هذا احلب هو الطريق لتصديق‬

‫العقل‪ .‬أيض ًا احلب وحده ال يكفي‪ ،‬البد أن يقتنع العقل‪ ،‬قالت‪( :‬إنك لتصل الرحم وحتمل‬

‫الكل) إىل آخر الصفات‪ ،‬وهذه الصفات ال يمكن أن تكون يف كذاب أو منافق‪ ،‬كذلك ال‬

‫يمكن أن ربنا سبحانه وتعاىل خيزي مثل هذا‪ ،‬ثم الكالم الذي قاله امللك ليس من كالم العرب‬

‫وال من كالم البرش‪ ،‬مع أن احلروف عربية‪ .‬هناك طاقة فوق إمكانيات البرش‪ ،‬وهذه الطاقة البد‬

‫أن تكون هلل عز وجل‪ ،‬كل هذا دار يف ذهن السيدة خدجية ريض اهلل عنها وأرضاها‪ ،‬لكن ال‬

‫‪86‬‬
‫أعتقد أبد ًا أنه كان سيدور هبذه السالسة وهذه الرسعة لو كان بينها وبني الرسول ﷺ مشاكل‬

‫وكراهية مستحكمة‪ .‬احلب أوالً ثم احلجة ثاني ًا‪.‬‬

‫ثم ذهب الرسول ﷺ إىل أحب الرجال إىل قلبه‪ ،‬لو كانت السيدة خدجية هي أحب النساء إىل‬

‫قلبه فإن أبا بكر الصديق هو أحب الرجال إىل رسول ﷺ‪ ،‬كام رصح هو بذلك ملا سئل عن‬

‫أحب الرجال إليه؟ فقال‪ :‬أبو بكر بدون تردد‪ ،‬وسيدنا أبو بكر الصديق ريض اهلل عنه وأرضاه‬

‫مل خييب ظن الرسول ﷺ‪ ،‬فقد نور اهلل عز وجل قلبه‪ ،‬ويف ذلك يقول ﷺ‪( :‬ما دعوت أحد ًا إىل‬

‫اإلسالم إال كانت له عنه كبوة ‪-‬أي‪ :‬تردد ونظر‪ -‬إال أبا بكر ما إن ذكرته له حتى آمن وما تردد‬

‫فيه)‪ ،‬مل يفعل أحد من البرش مثل هذا الفعل إال هو والسيدة خدجية ريض اهلل عنها وريض اهلل‬

‫عن صحابة رسول اهلل ﷺ أَجعني‪ .‬فرسعة إيامن أيب بكر حيتاج إىل دراسة‪ ،‬نقول‪ :‬إن الصديق‬

‫ريض اهلل عنه وأرضاه كان أقرب الناس إىل أخالق رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فكثري ًا ما خيتار من اآلراء ما‬

‫خيتاره الرسول ﷺ حتى يف غياب أحدمها عن اآلخر‪ ،‬ومل يمش عىل األرض من هو خري من‬

‫الصديق إال األنبياء عليهم الصالة والسالم‪.‬‬

‫كان بني الصديق ريض اهلل عنه وأرضاه وبني الرسول ﷺ توافق عجيب يف أمور كثرية من أمور‬

‫األخالق‪ ،‬أشهرها‪ :‬الصدق‪ ،‬فالرسول ﷺ هو الصادق األمني‪ ،‬وأبو بكر هو الصديق ريض‬

‫اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬كذلك املروءة وخدمة الناس والتواضع والكرم والعفة‪ ،‬والبعد عن أماكن‬

‫الفساد‪ ،‬كل هذه األشياء أدت إىل رسعة إيامن الصديق ريض اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫دعا رسول اهلل ﷺ بعد ذلك مواله زيد بن حارثة ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وكان بينهام حب كبري‬

‫لدرجة أن زيد بن حارثة من بني كل صحابة رسول اهلل ﷺ عرف بحب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬كأنه‬

‫ابنه‪ ،‬وكان معروف ًا بني الناس بـ زيد بن حممد وزيد بن حارثة ريض اهلل عنه وأرضاه كان حيب‬

‫الرسول ﷺ حب ًا شديد ًا‪ ،‬بل فضله عىل أبيه وعمه‪ ،‬وكان هلذا قصة هي‪ :‬أن زيد بن حارثة‬
‫‪87‬‬
‫ُخطف من أبيه من قبيلة بعيدة عن مكة وبيع يف سوق الرقيق‪ ،‬واشرتاه حكيم بن حزام ريض‬

‫اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬ابن أخي السيدة خدجية ريض اهلل عنها ثم أهداه هلا‪ ،‬وملا تزوجت الرسول ﷺ‬

‫أهدته زيد بن حارثة ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وأصبح زيد موىل رسول اهلل ﷺ‪ .‬ومرت األيام‬

‫وعلم حارثة بن رشحبيل أن ابنه يف مكة‪ ،‬فجاء إليها هو وعم زيد‪ ،‬وقاال للرسول ﷺ‪( :‬خذ ما‬

‫شئت من املال نظري أن ترد زيد ًا إلينا)‪ ،‬فقال هلام‪( :‬وهل لكام فيام هو خري من الفداء؟) فقاال‪:‬‬

‫(وما هو؟) قال‪( :‬أدعوه لكام فخرياه بيني وبينكام‪ ،‬فإن اختاركام فهو لكام بغري مال‪ ،‬وإن‬

‫اختارين فام أنا بالذي يرغب عمن خيتاره)‪ ،‬هذه األخالق كلها كانت قبل البعثة‪ ،‬صنع عىل عني‬

‫اهلل عز وجل‪ ،‬صنع ليكون نبي ًا ﷺ‪ ،‬عندها قال الرجالن‪( :‬لقد أنصفت وبالغت يف اإلنصاف)‪،‬‬

‫فجيء بـ زيد وقيل له‪( :‬من هذان؟) قال‪( :‬هذا أيب حارثة بن رشحبيل وهذا عمي كعب)‪،‬‬

‫فقال ﷺ‪( :‬قد خريتك إن شئت مضيت معهاموإن شئت أقمت معي)‪ ،‬فاندفع زيد دون تردد‬

‫وقال‪( :‬بل أقيم معك)‪.‬‬

‫كانت مفاجأة مذهلة لوالد زيد وعمه‪ ،‬فقال حارثة والد زيد وهو يرصخ‪( :‬وحيك يا زيد أختتار‬

‫العبودية عىل أبيك وأمك؟!) فقال زيد هبدوء‪( :‬إين رأيت من هذا الرجل شيئ ًا وما أنا بالذي‬

‫يفارقه أبد ًا) أي‪ :‬هذا الرجل ليس ككل الناس‪ ،‬وصدق زيد ‪ ،‬فال يوجد أحد كرسول‬

‫اهلل ﷺ‪ .‬فأخذ رسول اهلل ﷺ بيد زيد وذهب به إىل البيت احلرام‪ ،‬وقال أمام أبيه وعمه‬

‫والناس َجيع ًا‪( :‬يا معرش قريش؛ اشهدوا أن هذا ابني يرثني وأرثه)‪ ،‬وعادة التبني كانت سائدة‬

‫يف اجلاهلية‪ ،‬وأصبح زيد يعرف يف مكة بـزيد بن حممد ﷺ‪.‬‬

‫وملا نزل الوحي كان زيد بن حارثة ريض اهلل عنه عمره ثالثون سنة‪ ،‬والرسول أخربه عن‬

‫اإلسالم‪ ،‬وأريدكم أن تتخيلوا رجل حيمل هذا الكم من احلب لرسول اهلل ﷺ كيف ستكون‬

‫ردة فعله؟ آمن زيد بن حارثة ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬لكن البد أن يعلم أن ترك الدين‬

‫‪88‬‬
‫والدخول يف دين آخر ليس باألمر السهل‪ ،‬البد أنه فكر وسأل نفسه‪ :‬هل هذا الرجل الذي مل‬

‫أجرب عليه كذب ًا قط‪ ،‬ومل يكذب عىل الناس هل يكذب عىل اهلل عز وجل؟ أنا أرى بعيني أن‬

‫حممد ًا ﷺ يعني الناس َجيع ًا وبدون مقابل‪ ،‬هل سيطلب لنفسه مصلحة ذاتية بعد أن بلغ عمره‬

‫هذا املبلغ؟ هذا الرجل العظيم العفيف البعيد عن كل املوبقات واملعايص والشهوات يف فرتة‬

‫شبابه هل سيلعب بدين الناس وبعقيدهتم؟ وأيض ًا دعوته ستجد معارضة وحماربة‪ ،‬ولو كان‬

‫يريد سيادة ورشف ًا وظهور ًا أكان يسلك هذا الطريق‪ ،‬أم أنه من األسهل له أن يسلك الطريق‬

‫التقليدي يف مكة؟ طريق الالت والعزى وأشباههام‪ ،‬ما اليشء الذي جيعله يأيت بام يضع أمامه‬

‫العقبات وتقوم عليه الدنيا؟‬

‫البد أن كل هذه األفكار جالت بذهن زيد بن حارثة ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وال بد أن كل‬

‫اإلجابات كانت تفيض إىل نتيجة واحدة‪ :‬وهي أن هذا الرجل صادق فيام يقول‪ ،‬وأنه رسول‬
‫حق ًا‪ ،‬وال بد من اإليامن به دون تردد‪ ،‬فآمن زيد بن حارثة ريض اهلل عنه وأرضاه بقلبه أوالً‬

‫وآمن بعقله أيض ًا‪.‬‬

‫آمنت خدجية ريض اهلل عنه وأرضاها‪ ،‬وآمن أبو بكر الصديق ريض اهلل عنه وأرضاه وآمن زيد‬

‫بن حارثة ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬بقي عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫وقفات مع إسالم عيل بن أيب طالب وإسالم بناته ﷺ‬

‫لنا وقفات مع إسالم عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه‪ ،‬فقصة إسالمه يف منتهى الغرابة‪ .‬آمن هذا‬

‫الطفل الصغري وعمره عرش سنوات‪ ،‬ووجه الغرابة أنه طفل يؤمن يف هذه املرحلة اخلطرية من‬

‫الدعوة‪ ،‬حيث بدأ الرسول ﷺ دعوته رس ًا يف مكة‪ ،‬ثم يرس هبذا األمر اخلطري لطفل‪ ،‬وكيف‬

‫هلذا الطفل أن يفهم هذه القضية الكربى التي خفيت عىل بعض العقول التي كانوا يعتربوهنا‬

‫‪89‬‬
‫حكيمة يف مكة؟! كان عيل بن أيب طالب كإبن الرسول ﷺ متام ًا‪ ،‬بنفس منزلة زيد‪ ،‬وكان يعيش‬

‫مع الرسول ﷺ يف بيته‪ ،‬لوجود أزمة اقتصادية يف مكة يف وقت ما‪ ،‬وأصبح صعب ًا عىل‬

‫أيب طالب أن يرعى كل أوالده‪ ،‬فاقرتح الرسول ﷺ عىل العباس ريض اهلل عنه وأرضاه أن كل‬

‫واحد منهام يأخذ طف ً‬


‫ال من أطفال أيب طالب ويقوم بكفالته‪ ،‬وكان من سعادة عيل بن أيب طالب‬

‫ريض اهلل عنه وأرضاه أن يعيش مع رسول اهلل ﷺ يف داره‪.‬‬

‫تأثر عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه برسول اهلل ﷺ كأي طفل يتأثر بأبيه‪ ،‬فكيف لو كان األب‬

‫هو رسول اهلل ﷺ الذي كان يمثل لـ عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه كل يشء‪ ،‬كان عيل بن أيب‬

‫طالب يعتقد الصواب يف كل كلمة يقوهلا األب احلنون ﷺ‪ ،‬كأي طفل يعتقد أن الصواب‬

‫الكامل يف أبيه‪ ،‬وأن كل مشاكل الدنيا حلها عند أبيه‪ ،‬وهذا ليس كاآلباء‪ ،‬فهو أعظم أب يف‬

‫الدنيا‪.‬‬

‫أول يشء‪ :‬هو حب كبري يف قلب عيل لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬حب الطفل ألبيه احلنون‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أن الرسول ﷺ شاهد نبوغ ًا مبكر ًا وعبقرية ظاهرة يف عيل بن أيب طالب تطمئن الرسول‬

‫ﷺ بأن يقول له رس ًا خطري ًا كهذا‪ ،‬ونحن نتصور أن الرسول ﷺ خياف أن يعرف طفل صغري‬

‫كـ عيل بن أيب طالب بأمر الرسالة‪ ،‬خصوص ًا إذا كان هذا املوضوع يفرتض أن يظل رس ًا ال‬

‫يع رف‪ ،‬وإىل متى؟ ال نعلم‪ ،‬مدة سنة أو سنتني أو ثالث إىل أن يأذن اهلل سبحانه وتعاىل بجهرية‬

‫الدعوة‪ ،‬لكن الظاهر أن علي ًا كان عبقري ًا منذ طفولته‪ ،‬وأثبتت األيام صدق ظن رسول اهلل ﷺ‪،‬‬

‫فقد كان عيل من أكثر الصحابة قدرة عىل استنباط األحكام وعىل القضاء يف األمور‪ ،‬وكانت‬

‫لديه فراسة عميقة إىل جوار العلم والفقه‪.‬‬

‫كان يف اختيار الرسول ﷺ ملن يدعوه تنوع‪ ،‬وهذا يوضح لنا أن جمال الدعوة أوسع بكثري جد ًا‬

‫مما قد نتخيل‪ ،‬فهؤالء األربعة األوائل فيهم الرجال والنساء‪ ،‬فيهم السادة والعبيد‪ ،‬فيهم الكبار‬
‫‪90‬‬
‫والصغار ال حدود هلذه الدعوة‪ ،‬أنت عليك فقط أن تنظر من تقابل ومن تعرف؟ ومؤكد أنك‬

‫ستجد الذي يصلح ألن تكلمه يف أمر اإليامن وااللتزام بدين اهلل عز وجل‪ ،‬فـ عيل بن أيب‬

‫طالب ريض اهلل عنه وأرضاه آمن وهو يف العارشة‪ ،‬ليصبح بذلك أول الصبيان إيامن ًا‪ ،‬وتصبح‬

‫السيدة خدجية أول النساء‪ ،‬وأبو بكر أول الرجال‪ ،‬وزيد بن حارثة أول املوايل ريض اهلل عنهم‬

‫أَجعني‪ ،‬وهذا كله يف اليوم األول للدعوة‪.‬‬

‫ثم دعا الرسول ﷺ بناته إىل اإلسالم السيدة زينب وكانت يف العارشة من عمرها وهي‬

‫الكبرية‪ ،‬والسيدة رقية كان عمرها سبع سنني‪ ،‬والسيدة أم كلثوم كان عمرها ست أو مخس‬

‫سنوات‪ ،‬فكلهن دخلن يف اإلسالم يف هذا السن املبكر جد ًا‪ ،‬أما السيدة فاطمة ريض اهلل عنها‬

‫وأرضاها فقد كانت صغرية جد ًا وقت البعثة‪ .‬هذا كان الوضع يف بيت الرسول ﷺ‪.‬‬

‫‪91‬‬
92
‫‪5‬‬

‫الدعوة سراً‬

‫احلكمة من الدعوة الرسية‬

‫ال شك أن الرسول ﷺ كان يريد أن يصل بدعوته لكل إنسان يف مكة‪ ،‬بل لكل إنسان عىل ظهر‬

‫األرض‪ ،‬وربام تصور املرء أن أسهل وسيلة هلذا أن يقف وسط الكعبة من أول يوم ُأمر فيه‬

‫بالبالغ ويعلن للناس أمر اإلسالم‪ ،‬لكن هذا مل حيدث‪ ،‬فامذا فعله ﷺ؟ كان ﷺ ينتقي رج ً‬
‫ال‬

‫من رجال قريش‪ ،‬ثم خيربه رس ًا عن اإلسالم‪ ،‬وكان يعلم أصحابه أن يفعلوا هذا‪ ،‬وقد ظلت‬

‫الدعوة الرسية فرتة طويلة جد ًا بالقياس إىل عمر الدعوة اإلسالمية‪ ،‬فالدعوة الرسية امتدت‬

‫حوايل ثالث سنوات‪ ،‬والدعوة كلها ‪ 23‬سنة‪.‬‬

‫قد يتصور البعض أن الرسول ﷺ عندما وقف عىل جبل الصفا وقال للناس‪( :‬أرأيتم لو‬

‫أخربتكم أن خي ً‬
‫ال بالوادي تريد أن تغري عليكم أكنتم مصدّ قي؟)‪ ،‬يظن أن هذه املقولة كانت يف‬

‫بادئ الدعوة‪ ،‬ال‪ .‬بل كانت بعد ثالث سنني كاملة من نزول الوحي‪ .‬وهي فرتة كبرية جد ًا‬

‫أيض ًا يف حق جمتمع صغري كمكة‪ ،‬لكن ملاذا هذا الوضع؟ وملاذا هذا التخفي؟ قد يتحمس املرء‬

‫ويقول‪ :‬دعوة اإلسالم دعوة مجيلة ومقنعة وعقلية‪ ،‬ولو وقف الرسول ﷺ يف وسط مكة‬

‫وأعلن عنها لسوف يسلم أكرب عدد من الناس يف أقل وقت ممكن‪ ،‬لكن هذا مل حيصل ومل يفعله‬

‫‪93‬‬
‫الرسول ﷺ؛ ألنه يعرف أن دعوة اإلسالم وإن كانت مجيلة ومقنعة‪ ،‬إال أهنا ستتعرض إىل‬

‫معارضة وحرب‪ ،‬ليس فقط من قريش‪ ،‬بل من العامل كله‪.‬‬

‫ثم لو أتى سائل يسأل‪ :‬هل الرسول ﷺ كان خائف ًا عىل نفسه من قريش؟ سأقول له‪ :‬ال شك‬

‫أن الرسول ﷺ يعلم أن ما شاء اهلل كان وما مل يشأ مل يكن‪ ،‬لكن كانت هذه هي احلكمة‪ ،‬كل‬

‫خطوة يف حياته ﷺ كانت حمسوبة‪ ،‬تستطيع أن تقول‪ :‬إن الرسية يف الدعوة يف هذه املرحلة مل‬

‫تكن اختيار ًا نبوي ًا‪ ،‬ولكنها كانت أمر ًا إهلي ًا‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاىل يريد أن يعلم الرسول ﷺ‪،‬‬

‫ويريد أن يعلمنا منهج التغيري يف مثل هذه الظروف‪ ،‬كيف يمكن لألجيال التي ستأيت بعده أن‬

‫تغري يف غياب الرسول ﷺ؟ إذا توافقت الظروف مع ظروف رسول اهلل ﷺ يف هذه املرحلة‬

‫كيف يترصف؟ واهلل سبحانه وتعاىل قادر أن حيمي الرسول ﷺ فال يصل إليه أي أذى من‬

‫قريش‪ ،‬ومع ذلك هو يريد أن يرسم الطريق الصحيح للمسلمني إلقامة هذا الدين‪ ،‬مهام‬

‫اختلفت الظروف‪ ،‬ومهام كثرت املعوقات؛ وهلذا ربنا سبحانه وتعاىل وضع الرسول ﷺ يف كل‬

‫الظروف التي من املمكن أن متر هبا أمته بعد ذلك‪ ،‬وع ّلم الرسول ﷺ كيف يتعامل مع كل‬

‫حدث؟ كيف يصل بدعوته إىل الناس يف وجود أي معوق؟‬

‫كون الدعوة رسية يف السنوات الثالث األوىل من اإلسالم‪ ،‬حلاجة املسلمني إىل هذا األسلوب‬

‫الرسي يف الدعوة إذا توافقت الظروف مع هذه الفرتة‪ ،‬وعىل سبيل املثال‪ :‬املسلمون يف االحتاد‬

‫السوفيتي قبل أن يسقط كانوا يعيشون يف مثل هذه الفرتة‪ ،‬اإلحلاد يف كل مكان‪ ،‬كان محل‬

‫املصحف أو حتى االحتفاظ به يف البيت جريمة يعاقب عليها القانون‪ ،‬من اكتُشف أنه يصيل أو‬
‫يصوم ُيعاقب و ُي ّ‬
‫عذب وقد ُيقتل‪ ،‬فكان البد أن تكون هناك رسية تامة يف هذه املرحلة‪ ،‬ولو مل‬

‫يفعلوا ذلك الختفى اإلسالم من هذه البالد‪ ،‬لكن كانوا يتعلمون يف ديار كدار األرقم بن أيب‬

‫األرقم ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬كانوا حيفظون القرآن يف رساديب وخنادق وكهوف اجلبال‪،‬‬

‫‪94‬‬
‫ورفعت ال ُغمة‪ ،‬فام الذي حفظهم؟‬
‫واحلمد هلل مرت السنوات وبقي الدين وبقي املسلمون ُ‬
‫حفظهم فقه املرحلة‪ ،‬نعم‪ ،‬ربنا سبحانه وتعاىل هو احلافظ‪ ،‬وهو املعني‪ ،‬لكن هناك أسباب‪،‬‬

‫واألسباب الصحيحة هي التي أخذ هبا الرسول ﷺ يف نفس الظرف الذي كان يعيشه‬

‫املسلمون‪ ،‬لو أعلن كل واحد من املسلمني إسالمه يف االحتاد السوفيتي وفتح صدره لنريان‬

‫الشيوعية‪ ،‬الختفى اإلسالم من بقاع كثرية يف األرض‪ ،‬وسوف يموت الشهداء لكن أين‬

‫الدعوة وأين اإلسالم؟ ففقه املرحلة كان هام ًا جد ًا‪ ،‬ووجود املثال النبوي احلكيم يف إخفاء‬

‫اإلسالم يف مثل هذا الظرف كان معل ًام هلم‪ ،‬وكان مؤيد ًا ملنهجهم‪ ،‬كان معهم دليل رشعي قوي‬

‫يؤيد هذه الرسية‪.‬‬

‫اختلفت الظروف بعد ذلك يف حياة الرسول ﷺ‪ ،‬وبالتبعية سيختلف منهجه ﷺ يف إيصال‬

‫دعوته للناس ويف تربيته للمؤمنني‪ ،‬سيأيت زمان بعد هذا ُيعلن فيه البعض إسالمهم ويكتم‬

‫املعظم‪ ،‬مثل إسالم سيدنا عمر وسيدنا محزة ريض اهلل عنهام‪ ،‬وسيأيت زمان يعلن اجلميع وتكون‬

‫الرتبية يف العلن‪ ،‬وذلك بعد اهلجرة إىل املدينة املنورة‪ ،‬وسيأيت زمان سيدعو رسول اهلل ﷺ فيه‬

‫زعامء العامل إىل اإلسالم‪ ،‬وهذا بعد صلح احلديبية‪ ،‬كل هذا سيحدث‪.‬‬

‫حتى ال يأيت أحد من املسلمني ويستشهد بفعل من أفعال الرسول ﷺ والظروف خمتلفة‪ ،‬وإال‬

‫فلامذا هذا التنوع يف حياة الرسول ﷺ؟ ليعلمنا احلكمة احلقيقية يف االقتداء بالرسول ﷺ يف‬

‫أفعاله وأقواله عند تشابه الظروف‪.‬‬

‫رضورة احلفاظ عىل الدعوة بالرسية‬

‫نخرج من موقف الرسول ﷺ عند بدء الدعوة بقاعدة مهمة‪ :‬وهي أن الدعاة مطالبون باحلفاظ‬

‫عىل أنفسهم وعىل حياهتم ال خلوفهم من املوت‪ ،‬فاملوت يف سبيل اهلل يف حد ذاته غاية‪ ،‬ولكن‬

‫‪95‬‬
‫حفاظ ًا عىل الدين وعىل اإلسالم‪ ،‬وعىل استمرار املسرية‪ ،‬أي‪ :‬أن العملية ليست عملية ملل من‬

‫الدعوة أو احلياة أو األعداء‪ ،‬ال‪ ،‬فهنا نظام وحكمة ومنهج ثابت‪ ،‬ومن هذا أخذ العلامء حك ًام‬

‫فقهي ًا مشهور ًا وهو‪ :‬أنه جيوز للجيش املسلم أن يفر من مثليه‪ ،‬وقد بوب له الفقهاء باسم‪ :‬باب‬
‫جواز الفرار من املثلني‪ ،‬كام يقول اهلل سبحانه وتعاىل‪َ { :‬فإِ ْن َي ُك ْن ِمنْك ُْم ِما َئ ٌة َصابِ َر ٌة َي ْغ ِل ُبوا ِما َئت ْ ِ‬
‫َني‬

‫ني} [األنفال‪ ]66:‬الفقهاء قالوا‪ :‬لو أن العدد أكرب من الضعف‪،‬‬ ‫َوإِ ْن َي ُك ْن ِمنْك ُْم َأ ْل ٌ‬
‫ف َي ْغ ِل ُبوا َأ ْل َف ْ ِ‬

‫أي‪ :‬مائة مقاتل يقابلهم ثالثامئة أو أربعامئة مقاتل جيوز هلم القتال وجيوز هلم الفرار حسب ما‬

‫يرى القائد‪ ،‬بل إن اإلمام مالك رمحه اهلل قال‪ :‬جيوز الفرار من املثل‪ ،‬وليس من املثلني‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫إذا كان العدو أعتد جواد ًا وأجود سالح ًا وأشد قوة‪ ،‬وغلب عىل ظن قائد املسلمني اهللكة‪،‬‬

‫وأخذ يف احلسبان العوامل األخرى غري العدد بل ذهب العز بن عبد السالم إىل أبعد من ذلك‪،‬‬

‫فقال‪ :‬إذا مل حتصل النكاية يف العدو‪.‬أي‪ :‬لو أنك حتارب عدوك وأنت متأكد أنك ال تستطيع أن‬

‫تؤذي عدوك فال تقاتله‪ ،‬قال‪ :‬إذا مل حتصل النكاية يف العدو وجب االهنزام؛ ملا يف الثبوت من‬

‫فوات النفس مع شفاء صدور الكافرين‪ ،‬أي‪ :‬أن النفس ستذهب واملسلمون سوف يموتون‪،‬‬

‫والكفار لن حيصل فيهم أي أثر‪ ،‬بل سيزيد الكفر؛ ألن املسلمني قلوا‪ .‬ويقول العز بن عبد‬

‫السالم‪ :‬وقد صار الثبوت هنا مفسدة حمضة ليس يف طيها مصلحة‪ .‬أي‪ :‬أنه يأثم املسلم بإظهار‬

‫نفسه إذا كان االختفاء واالنسحاب هو األلزم للمرحلة‪ ،‬وهذا إدراك لسلوك املسلم وسلوك‬

‫الرسول ﷺ يف مثل هذه املواقف‪.‬‬

‫الفرق بني املحافظة عىل الدعوة واملحافظة عىل النفس‬

‫هناك نقطتان مهمتان لتكتمل الصورة‪:‬‬

‫النقطة األوىل‪ :‬أن الفارق بني احلكمة يف احلفاظ عىل النفس وبني اجلبن خطوة‪ ،‬فمن املمكن أن‬

‫يقول شخص‪ :‬أنا أحافظ عىل نفيس؛ ألن املرحلة تريد هذا‪ ،‬فال يقول كلمة حق وال جياهد‪،‬‬
‫‪96‬‬
‫وال يدعو إىل اهلل‪ ،‬وال أي يشء أبد ًا يف سبيل اهلل‪ ،‬بينام الدافع احلقيقي وراء هذا الركون أو‬

‫القعود هو اجلبن واخلوف من مواجهة الباطل؛ كيف نفرق بني احلكيم الذي يتبع الرسول ﷺ‪،‬‬

‫وبني اجلبان الذي ال يريد أن حيمل هم الدعوة؟‬

‫أوالً‪ :‬يرجع يف ذلك إىل الدليل الرشعي من سرية الرسول ﷺ‪ ،‬وذلك أن يكون موقفه هذا‬

‫يشبه موقف الرسول ﷺ عندما أخذ بالرسية‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬الورع واإليامن والتقوى الذي يف قلب اإلنسان‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل هو امل ّطلع عىل‬

‫القلوب ويراك‪ ،‬وأنت أوالً وآخر ًا تتعامل مع اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬الرأي املشار إليه من قبل القائد واجلامعة والشورى يف هذه املرحلة‪ ،‬والشورى يف غاية‬

‫األمهية وهكذا يمكن أن خيرج عامل اهلوى‪ ،‬ونستطيع أن نفرق بني احلكيم وبني اجلبان‪.‬‬

‫النقطة الثانية‪ :‬أن الذي ُيراعى هو مصلحة املسلمني واإلسالم عموم ًا‪ ،‬وليس مصلحة الفرد‪،‬‬

‫أي‪ :‬أنه قد هيلك الفرد وتكون اهللكة حمققة‪ ،‬لكن هذا يف مصلحة املجموعة‪ ،‬هنا ال ُيلتفت إىل‬

‫احلفاظ عىل الفرد؛ ألننا نحافظ عىل الدين بصفة عامة‪ ،‬وعىل األمة أو املصلحة العامة‪ ،‬أي‪ :‬أنه‬

‫سيأيت بعد ثالث سنني من هذا األمر أن الرسول ﷺ جيهر بدعوته‪ ،‬وستكون هناك خطورة‬

‫حقيقية عليه‪ ،‬لكن املصلحة األعم للدعوة أنه ُيعلن‪ ،‬وسيأيت بعد فرتة يبعث مصعب بن عمري‬

‫إىل املدينة املنورة‪ ،‬وسيكون هناك خطورة حقيقية عىل مصعب بن عمري ريض اهلل عنه وأرضاه‪،‬‬

‫ففي املدينة املرشكني واليهود وغريهم‪ ،‬لكن املصلحة املتحققة أعىل‪ ،‬ف ُيضحى بمصلحة‬

‫مصعب بن عمري عىل حساب حتقيق مصلحة أكرب للدعوة‪ ،‬من الذي حيكم يف النهاية؟‬

‫الشورى والقائد‪ ،‬ومن املؤكد أن اهلوى سيدخل إذا مل تدخل الشورى أو القائد يف املوضوع‪.‬‬

‫وقد يكون من اهلوى أن يموت؛ ألنه مل يتحمل الظلم الواقع عىل املسلمني‪ ،‬وال يستحمل أن‬

‫‪97‬‬
‫الكفر له الغلبة‪ ،‬فيحاول أن يتخلص من األمر بالترسع يف إعالن نفسه‪ ،‬أو الترسع بالقتال يف‬

‫سبيل اهلل‪ ،‬أو يف إظهار أمر الدعوة يف مكان ال يستقيم أن ُيظهر فيه أمر الدعوة يف هذه املرحلة‪،‬‬

‫كل هذا قد يكون هوى يف قلب اإلنسان‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل يريد منك ترصف ًا آخر‪ ،‬وهلذا‬

‫نؤكد دائ ًام عىل الشورى والرجوع إىل قائد املسلمني‪.‬‬

‫فقه اختيار املدعوين يف املرحلة الرسية‬

‫كان الرسول ﷺ واملسلمون يف السنوات الثالث األوىل ال يتحدثون باإلسالم إال رس ًا لرجال‬

‫معينني خيتارون هلذا‪ ،‬لكن كيف كان يتم هذا االختيار؟ ما السبب يف أن الرسول ﷺ أو أبا بكر‬

‫يذهب لدعوة عثامن بن عفان ومل يذهب إىل الوليد بن املغرية أو لـ أيب جهل أو أمية بن خلف؟‬

‫من الواضح أن هناك قواعد دقيقة هلذا؛ ألننا مل نسمع أن اختيارهم كان خطأ‪ ،‬بل كل الذين‬

‫اختاروهم وأرسوا إليهم باإلسالم قبلوه‪ .‬وهذا يشء مهم‪ :‬أنك تعرف من الذي لو عرضت‬

‫عليه أمر الدين َقبِ َله يف الغالب‪ ،‬هبذا ستوفر جمهود ًا كبري ًا‪ ،‬ويف نفس الوقت ستنجح‪ ،‬وتبني لك‬

‫قاعدة قوية‪ .‬بالنظر إىل السابقني إىل اإلسالم نستطيع أن نخرج بقواعد مهمة‪ ،‬وسبق أن ذكرنا‬

‫قاعدة يف دعوة املدعوين‪ ،‬وهي احلب أوالً‪ ،‬لكن هناك قاعدتان يف غاية األمهية أيض ًا كان النبي‬

‫ﷺ يستعملهام يف اختيار الناس‪:‬‬

‫القاعدة األوىل‪ :‬احلكمة النبوية العظيمة‪( ،‬خيارهم يف اجلاهلية خيارهم يف اإلسالم‪ ،‬إذا‬

‫فقهوا)‪ .‬االختيار كان يقع غالب ًا عىل أصحاب األخالق احلسنة واألخالق احلميدة‪ ،‬الذين‬

‫يع ّظمون الصدق واألمانة والكرم والشجاعة والعدل ومكارم األخالق‪ ،‬هناك كثري من الناس‬

‫غري ملتزم باإلسالم‪ ،‬لكنه حيب األخالق الطيبة‪ ،‬هؤالء لو التزموا بالدين سيكونون خري سند‬

‫للدعوة‪ ،‬وهبؤالء بدأ رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬الرتكيز عىل الشباب‪ ،‬نعم الدعوة موجهة لكل األعامر‪ ،‬لكن الرتكيز عىل‬

‫الشباب يف الفرتة األوىل كان واضح ًا‪ ،‬ألسباب‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أن الشباب مل َي ُطل عليهم األمد يف االستمرار عىل تقاليد معينة‪ ،‬ومل يعتادوا عىل عبادة‬

‫األصنام لسنوات طويلة‪ ،‬ومل يتمسكوا بالدفاع عنها‪ ،‬فأنت عندما تذهب للكالم مع غري‬

‫الشباب‪ ،‬وتقول له‪ :‬أنت لك ‪ 40‬سنة أو ‪ 50‬سنة تدافع عن قضية باطلة‪ ،‬كيف يمكن له أن‬

‫يؤمن بكالمك؟ صعب‪ ،‬لكن الشباب أيرس بكثري‪ ،‬مل تتلوث عقوهلم بأفكار خاطئة‪ ،‬ومن ثم‬

‫يستطيعون تقبل الفكرة اإلسالمية بسهولة‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أن الشباب بصفة عامة مولعون باجلديد‪ ،‬لذلك جتد أكثر املقلدين للموضات هم الشباب‬

‫مهام كانت‪ ،‬حتى لو كانت ال تتوافق مع هواهم‪ ،‬لكن املهم أهنا يشء جديد‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬أن اهلل سبحانه وتعاىل أعطى الشباب محاسة عالية‪ ،‬ومحية ونشاط ًا‪ ،‬ال يعرتفون بالصعب‪،‬‬

‫بل تستطيع أن تقول‪ :‬ال يعرتفون باملستحيل‪ ،‬ومحل اإلسالم صعب وشاق حيتاج إىل عزيمة‬

‫الشباب‪ ،‬وليس معنى هذا أن الشيوخ ليس هلم مكان يف محل دعوة اإلسالم‪ ،‬لكن فرصة إيامن‬

‫الشباب وفرصة حركة الشباب للدعوة بعد اإليامن‪ ،‬وفرصة ثبات الشباب عىل احلق وحتديه‬

‫للصعاب واملشاكل أكرب من فرصة الشيوخ‪ ،‬ومن املؤكد أيض ًا أن الدعوة حتتاج إىل الشيوخ‬

‫وحكمتهم بجانب محاسة الشباب‪.‬‬

‫كل هذا الكالم جعل الرتكيز األول عىل الشباب ذي األخالق الطيبة واحلسنة‪ ،‬فهؤالء هم‬

‫الذين يمكنهم أن يتحملوا الدعوة‪ ،‬سواء يف زمان الرسول ﷺ‪ ،‬أو يف األزمان الالحقة‪ ،‬أو يف‬

‫زماننا هذا وإىل يوم القيامة‪.‬‬

‫هذه سنة من سنن اهلل عز وجل يف التغيري‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫ثامر الصديق الدعوية يف الدعوة الرسية إىل اإلسالم‬

‫يف اليوم الثاين من أيام الدعوة بدأ الرسول ﷺ واملؤمنون األوائل يتحركون النتقاء عنارص‬

‫جديدة‪ .‬ولنا وقفة مهمة مع حركة الصديق ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬فقد كان الصديق إجيابي ًا‬

‫بدرجة ال يمكن وصفها‪ ،‬كان يتحرك بالدعوة وكأهنا ُأنزلت عليه‪ ،‬مل تكن الدعوة عنده جمرد‬

‫تكاليف من رسول اهلل ﷺ‪ ،‬كان حيب اإلسالم ويريد من الناس مجيع ًا أن يعرفوه‪ ،‬ويف نفس‬

‫الوقت كان حيب كل الناس‪ ،‬وهذا احلب للدين وللناس نتج عنه محاسة دعوية عىل أعىل‬

‫مستوى‪ ،‬ففي أول حترك له أتى بمجموعة وليس فرد ًا‪ ،‬أتى باألسامء الذين سأذكرهم‪ ،‬وأريدك‬

‫أن تقف عند كل اسم وتتأمل صاحب هذا االسم وتاريخ وقصة حياته‪ ،‬لتعرف ميزان الصديق‬

‫عند اهلل عز وجل‪.‬‬

‫االسم األول‪ :‬عثامن بن عفان‪.‬‬

‫قف وفكر يف سرية عثامن ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬ويف جتهيز جيش العرسة جيش تبوك‪،‬‬

‫ورشاء بئر رومة‪ ،‬وتوسعة املسجد النبوي‪ ،‬وخالفة املسلمني ‪ 12‬سنة‪ ،‬حياة طويلة من‬

‫اإلنفاق واجلهاد والدعوة والعلم والصيام والقيام وقراءة القرآن‪ .‬فـ عثامن بن عفان‬

‫حسنة من حسنات الصديق ريض اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫االسم الثاين‪ :‬الزبري بن العوام ريض اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫االسم الثالث‪ :‬سعد بن أيب وقاص ريض اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫ولن أفصل يف سرية هؤالء؛ فكل واحد منهم يعترب عل ًام ومنارة من منارات اإلسالم‪.‬‬

‫االسم الرابع‪ :‬طلحة بن عبيد اهلل ريض اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬


‫‪100‬‬
‫االسم اخلامس‪ :‬عبد الرمحن بن عوف ريض اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫فهؤالء اخلمسة مجيعهم من العرشة املبرشين باجلنة‪ ،‬وهؤالء مل يغريوا طعام ًا أو رشاب ًا‪ ،‬أو‬

‫سكن ًا‪ ،‬وإنام غريوا ديانة وعقيدة‪ ،‬فمكة هلا مئات السنني وهي تعيش يف الرشك‪ ،‬فام ذلك اإلقناع‬

‫الذي كان عند الصديق حتى أقنع هؤالء اخلمسة العاملقة بأمر اإلسالم؟ ما مقدار الصدق‬

‫الذي يف قلب الصديق ريض اهلل عنه وأرضاه حتى هيدي اهلل عز وجل عىل يده هؤالء اخلمسة‬

‫العظام‪ .‬الغريب أن هؤالء اخلمسة مل يكونوا من قبيلة بني تيم‪ ،‬قبيلة الصديق ريض اهلل عنه‬

‫باستثناء طلحة بن عبيد اهلل فـ عثامن أموي‪ ،‬والزبري أسدي‪ ،‬وسعد بن أيب وقاص وعبد الرمحن‬

‫بن عوف من بني زهرة‪ ،‬لكن من املؤكد أن عالقات الصديق كانت هبم قوية جد ًا ووثيقة قبل‬

‫اإلسالم‪ ،‬ليس من املعقول أن يتعرف عليهم بالصدفة ويف وقت إسالمهم‪ ،‬وإنام من املؤكد‬

‫أهنم كانوا حيبونه حب ًا عظي ًام‪ ،‬وبعد هذا يأيت اإلقناع وتأيت احلجة‪ .‬ثم لو نظرنا إىل أعامر هؤالء فـ‬

‫الزبري بن العوام ريض اهلل عنه كان عمره ‪ 15‬سنة‪ ،‬وعندما تسمع اسم الزبري بن العوام تعتقد‬

‫أن عمره ‪ 40‬أو ‪ 50‬سنة‪ .‬وكان عمر طلحة بن عبيد اهلل ‪ 16‬سنة‪ .‬وسعد بن أيب وقاص خال‬

‫رسول اهلل ﷺ له تاريخ طويل وجهاد وفتوح وكان عمره حني أسلم ‪ 17‬سنة‪.‬‬

‫أما عثامن بن عفان فقد كان كبري ًا بالنسبة هلم‪ ،‬كان عمره حني أسلم ‪ 28‬سنة‪ .‬كذلك عبد‬

‫الرمحن بن عوف كان عمره حني أسلم ‪ 30‬سنة‪ .‬كل هؤالء أخذوا قرار تغيري الدين واالرتباط‬

‫باإلسالم وحتمل املشاق الضخمة يف هذه السن املبكرة! فـ الزبري وطلحة وسعد لو كانوا يف‬

‫زماننا فال يزالون يف املرحلة الثانوية‪ ،‬فهل أوالدنا يف املرحلة الثانوية عندهم من الوعي‬

‫واإلدراك وحتمل املسئولية والقدرة عىل الفهم والتفكري مثل هؤالء؟ هل عندهم من القدرات‬

‫التي كانت عند شباب الصحابة؟ واهلل إننا لنحزن عندما نرى أن بعض الشباب يف هذه املرحلة‬

‫العمرية الثمينة جد ًا فرغت عقوهلم متام ًا من كل ما هو ثمني أو قيم‪ ،‬ولو بحثت يف عقوهلم مل‬

‫‪101‬‬
‫جتد إال بعض األغنيات واملسلسالت واملباريات‪ ،‬وقصات الشعر والفيديو ورسائل املوبايل‬

‫مع أن كثري ًا منهم نشئوا يف بيوت مسلمة‪ ،‬ومن آباء وأمهات مسلمني‪ ،‬وربام نشئوا يف بيئة‬

‫إسالمية صاحلة‪ ،‬مل يكونوا يف بيوت كافرة كبيت الزبري بن العوام أو طلحة بن عبيد اهلل أو سعد‬

‫بن أيب وقاص‪.‬‬

‫أين املشكلة؟! نعم هناك دور كبري جد ًا راجع لفساد اإلعالم والتعليم‪ ،‬لكن نحن أيض ًا علينا‬

‫جزء كبري‪ ،‬لعلنا مل نعط الشباب الوقت الكايف من حياتنا‪ ،‬أو أننا نستصغر عقوهلم وأفكارهم‪،‬‬

‫فينتهي من الثانوية واجلامعة واجليش ويتزوج‪ ،‬وهو ال يزال أيض ًا صغري ًا‪ ،‬والبلوغ العقيل عندنا‬

‫‪ 40‬سنة! وعند ذلك ال يعتمد عىل نفسه‪ ،‬وال يعتمد عليه جمتمعه‪ .‬هذا اليشء يف احلقيقة حيتاج‬

‫منا إىل وقفة كبرية جد ًا‪ ،‬الشباب إمكانيات هائلة‪ ،‬لو وقفت مع الشباب وأعطيتهم وقت ًا وتربية‬

‫وجهد ًا ستأخذ منهم كام أخذ الرسول ﷺ من الزبري وطلحة وسعد‪ ..‬وغريهم‪.‬‬

‫سبب نجاح الصديق يف الدعوة إىل اهلل تعاىل‬

‫هذا النشاط حيتاج إىل وقفة وحتليل ودراسة‪ ،‬ما معنى أن تكون دعوة الصديق هبذه الروعة؟‬

‫ملاذا استُجيب للصديق هبذه الصورة؟ أعتقد أن املسألة ليست جمرد حركة‪ ،‬فهناك كثرة من‬

‫املسلمني ومن الدعاة تتحرك يف سبيل اهلل‪ ،‬لكنها تنفر الناس من دين اهلل عز وجل‪ ،‬فهم‬

‫يتحركون وعندهم صدق يف احلركة‪ ،‬لكن األسلوب أو اهليئة أو الطريقة ال تناسب الوضع‬

‫والشكل الذي كان عليه الصديق ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬لدرجة أن الرسول ﷺ كان يقول‬

‫لبعض املسلمني‪( :‬يا أهيا الناس؛ إن منكم ُمنَفرين) أي‪ :‬بعض الدعاة ينفرون الناس من‬

‫اإلسالم عكس املطلوب متام ًا‪ ،‬فام الذي جعل الناس تستمع لكالم الصديق ريض اهلل عنه؟‬

‫‪102‬‬
‫ال حمبب ًا موطأ األكناف‪ ،‬أي‪ّ :‬لني‬ ‫أوالً‪ :‬كان الصديق ‪-‬كام يقول طلحة بن عبيد اهلل ‪ -‬رج ً‬
‫ال سه ً‬

‫اجلانب‪ ،‬وببساطة ليس بالفظ وال بالغليظ‪ .‬هذه أول سمة‪ :‬أن تكون لني اجلانب مع الذي‬

‫تدعوه‪ ،‬واترك العنف‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬كان تاجر ًا ذا خلق واستقامة‪ ،‬وهذا يشء يف منتهى األمهية‪.‬‬

‫املال فتنة‪ ،‬وكثري من التجار خيرسون الناس بسبب التجارة‪ ،‬لكن الصديق كان عكس هذا‬

‫متام ًا‪ ،‬كان يكسب الناس بسبب التجارة كان تاجر ًا صدوق ًا‪ ،‬بل تاجر ًا صديق ًا‪ ،‬كري ًام رحي ًام‪ ،‬فيه‬

‫يتصف هبذا‪ ،‬يعطي‬


‫رأفة وأدب وخلق حسن‪ ،‬فكيف يمكن أن يكون حب الناس إلنسان ّ‬
‫الناس وال يأخذ منهم؟‬

‫ثالث ًا‪ :‬يقول طلحة‪ :‬وكنا نألفه ونحب جمالسه؛ لعلمه بأخبار قريش وحفظه ألنساهبا‪.‬‬

‫أي‪ :‬أن الصديق كان عامل ًا بعلم زمانه وهو علم األنساب‪ ،‬والطبقة املثقفة يف مكة كانت حتب‬

‫أن جتلس معه وتسمع منه األنساب‪ ،‬أي‪ :‬أن الصديق ما كان يكتفي بالبسمة فقط أو املال‪ ،‬وإنام‬

‫كان يعطي عل ًام أيض ًا‪ ،‬وكان من أدبه ريض اهلل عنه أنه كان ال يطعن يف أنساب أحد‪ ،‬مع علمه‬

‫بكل نقيصة يف كل نسب‪ ،‬فهذا من حسن خلقه ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬كيف ال يستجيب‬

‫الناس لدعوته وهو هبذه الصفات؟ هذه الدعوة مل تأت من فراغ‪ ،‬ومل تكن مصادفة أن‬

‫يستجيب هذا العدد العظيم من عاملقة اإلسالم للصديق ريض اهلل عنه‪ .‬إذا أردت أن تكون‬

‫داعية فادرس سرية الصديق ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وهو من خري الدعاة بعد رسول اهلل‪.‬‬

‫وهنا نقف وقفة مع أنفسنا ونسأل‪ :‬أتى الصديق هبؤالء ونحن بمن أتينا؟ أجب عىل هذا‬

‫السؤال بينك وبني نفسك‪ ،‬وليس بالرضورة أن تأيت بغري املسلمني إىل اإلسالم‪ ،‬أو برجال‬

‫‪103‬‬
‫أمثال عثامن والزبري لكن أين احلركة للدين؟ هل وصلت دعوتنا إىل املسلمني غري امللتزمني‬

‫باإلسالم بنفس محية ومحاسة الصديق ريض اهلل عنه وأرضاه؟‬

‫هل أتينا إىل املسجد بمسلم ال يعرف طريق املساجد؟ هل دفعنا بمسلم إىل قراءة القرآن بعد أن‬

‫هجره السنوات الطوال؟ هل رشحنا ملسلم حال املسلمني يف مشارق األرض ومغارهبا وقد‬
‫نسيهم أو تناساهم؟ هل ّ‬
‫هذبنا من أخالق أبنائنا وأصحابنا ورشكائنا وزبائننا وجرياننا؟ هل‬

‫وصلنا بالدعوة إىل كل من نعرف؟ هل؟ هل؟‬

‫أسئلة كثرية جد ًا ملجاالت من العمل ال حتىص وال تعد‪ ،‬أبواب الدعوة ال حرص هلا‪ ،‬املهم أن‬

‫يتولد يف القلب شعور بأنك أنت وحدك الذي حتمل هم اإلسالم كله عىل كتفك‪ ،‬تشعر أنك‬

‫أنت املسئول‪ ،‬وأن القضية قضيتك‪ ،‬وأن املهمة مهمتك‪ .‬هذا هو الدرس الذي نأخذه من‬

‫الصديق‪ ،‬ولو استمعنا للقصة ملجرد التمتع هبا لن نفهم الغرض من هذه املجموعة من‬

‫الدروس‪ :‬كيف نبني أمة؟‬

‫عاملية دعوة اإلسالم وقاعدة املفاضلة بني الناس يف الدين اإلسالمي‬

‫تزايد عدد املسلمني‪ ،‬والقاعدة األصيلة التي حتكم هي‪( :‬خيارهم يف اجلاهلية خيارهم يف‬

‫اإلسالم‪ ،‬إذا فقهوا) مل تكن حتكم املسلمني أي قاعدة من القواعد التي اخرتعها الناس‬

‫للتفرقة‪ ،‬القواعد التي اخرتعها الناس ظاملة‪ ،‬واهلل عز وجل عادل ال يظلم‪ ،‬وعدله مطلق‬

‫سبحانه وتعاىل ال ظلم فيه‪ ،‬ال تكون املفاضلة بني الناس إال بأمور يستطيعون تغيريها‪ ،‬لكن ال‬

‫ينفع التفاضل بأشياء ليس هلم يد فيها‪.‬‬

‫فمثالً‪ :‬املفاضلة يف قانون اهلل تعاىل تكون بالتقوى‪{ :‬إِ َّن َأك َْر َمك ُْم ِعنْدَ اهللَِّ َأ ْت َقاك ُْم}‬

‫[احلجرات‪ ]13:‬وهي يشء مكتسب‪ ،‬فلكي تتحول من غري تقي إىل تقي فالطريق واضح يف‬

‫‪104‬‬
‫الدين‪ ،‬كذلك األخالق احلسنة هي يشء مكتسب‪ ،‬نعم هلا جذور فطرية‪ ،‬واإلنسان يكون‬

‫جمبوالً عىل الكرم والصدق‪ ،‬لكن يف النهاية األخالق احلميدة يشء مكتسب‪ ،‬تستطيع إذا أردت‬

‫أن تتحول من كاذب إىل صادق‪ ،‬أو من خائن إىل ويف‪ ،‬أو من جبان إىل شجاع وهكذا‪ ،‬وعندها‬

‫يمكن التفضيل بني واحد وآخر عىل أساس التقوى وعىل أساس األخالق‪.‬‬

‫أيض ًا كذلك تستطيع أن تسبق غريك بالكفاءة‪.‬‬

‫هذه أمور تستخدم للمفاضلة بني الناس‪ :‬التقوى‪ ،‬األخالق‪ ،‬الكفاءة‪ ،‬ومجيعها أمور مكتسبة‪،‬‬

‫لكن ال جيوز التفرقة واملفاضلة بني الناس عىل أشياء ال دخل هلم فيها‪ ،‬وهلذا الرسول ﷺ كان‬

‫يستخدم القواعد اإلهلية وال يستخدم القواعد الظاملة التي اخرتعها الناس‪ ،‬فلم يكن هناك فرق‬

‫بني األحرار وبني العبيد‪ ،‬فالكل أوالد آدم عليه السالم‪ ،‬والكل سواسية‪ ،‬بل قد يسبق العبد‬

‫احلر يف جمال األخالق والتقوى والكفاءة؛ وهلذا الرسول ﷺ وجه دعوته للعبيد كام وجهها‬

‫للسادة سواء‪ ،‬وهذا كان مستغرب ًا يف البيئة املكية القديمة‪ ،‬وإىل اآلن هو أمر ُمستغرب‪ ،‬أنا أريد‬

‫منك أن تتخيل أن الوزير جالس بجوار العسكري يف نفس الدعوة‪ ،‬بل قد ُيقدّ م عليه إذا كان‬

‫أكفأ وأقدر عىل إدارة األمور‪ ،‬فلم يعط قانون ًا وال دستور ًا لإلنسان حقه مثل ما فعل اإلسالم‪،‬‬

‫فنحن نرى يف األوائل الذين أسلموا تباينات عجيبة‪ ،‬كام رأينا من األرشاف من الصديق ريض‬

‫اهلل عنه وأرضاه وسعد بن أيب وقاص والزبري بن العوام وعثامن بن عفان وسعيد بن زيد كل‬

‫هؤالء من أرشاف مكة‪ ،‬كام رأينا هؤالء رأينا أيض ًا العبيد واملوايل‪ ،‬رأينا بالالً وعامر بن فهرية‬

‫وزيد بن حارثة وغريهم‪ ،‬وليس هذا إال يف دين اإلسالم‪.‬‬

‫أيض ًا مل يكن هناك فرق بني الغني والفقري‪ ،‬املال ال يصلح للمفاضلة بني الناس‪ ،‬فاهلل عز وجل‬

‫يرزق من يشاء بغري حساب‪ ،‬األوائل الذين أسلموا كان فيهم األغنياء واسعو الثراء‬

‫كـالصديق وعبد الرمحن بن عوف وعثامن وكان فيهم أيض ًا شديدو الفقر كـ عبد اهلل بن مسعود‬
‫‪105‬‬
‫وعامر بن يارس وسمية بنت خياط وخباب بن األرت وغريهم‪ ،‬مل يكن هناك أي فرق بني الغني‬

‫والفقري‪.‬‬

‫لكن هنا معلومة هامة‪ ،‬وهي عىل عكس ما يتخيل كثري من الذين يدرسون السرية‪ ،‬فهم‬

‫يعتقدون أن غالبية املسلمني كانوا من الفقراء البسطاء‪ ،‬لكن عندما نأيت نحلل شخصية كل‬

‫مسلم من املسلمني األربعني األوائل سنجد أن الفقراء كانوا ‪ 13‬واألغنياء كانوا ‪ ،27‬أي أن‬

‫‪ %70‬من املسلمني األوائل كانوا من األغنياء‪ ،‬ومل تكن هناك ثورة من الفقراء عىل األغنياء‪ ،‬كام‬

‫حيب بعض االشرتاكيني أن يصوروا من ذلك؛ ليأخذوا سند ًا رشعي ًا الشرتاكيتهم‪ ،‬فالوضع‬

‫كان خالف هذا متام ًا‪ ،‬األغنياء سعوا إىل هذا الدين القويم الرائع‪ ،‬وضحوا بثرواهتم‪ّ ،‬‬
‫وعرضوا‬

‫أنفسهم للفقر الشديد‪ ،‬وليس أبلغ من األمثلة اإلسالمية الرائعة كـ الصديق‪ ،‬فقد كان يملك‬

‫أربعني ألف درهم عندما أسلم‪ ،‬وعندما هاجر كان يملك مخسة آالف درهم رصفها عىل‬

‫اهلجرة‪ ،‬أي‪ :‬أنه أصبح فقري ًا بعدما أسلم‪ ،‬ومصعب بن عمري ريض اهلل عنه وأرضاه كان من‬

‫أغنى أغنياء مكة‪ ،‬ومن أنعم شباهنا‪ ،‬ثم أصبح من أشدها فقر ًا وحاجة‪ ،‬ومل تكن هناك ثورة من‬

‫الفقراء عىل األغنياء‪ ،‬أو عملية تقسيم للثروات عىل شعب مكة أبد ًا‪ ،‬مل يكن هناك أي فرق بني‬

‫الغني والفقري‪ ،‬املهم التقوى‪ ،‬مل يكن هناك أيض ًا فرق بني العرب وغري العرب‪ ،‬أين الذنب يف‬

‫والديت‪ ،‬سواء ولدت يف مرص أو باكستان أو إندونيسيا أو نيجرييا أو أمريكا أو أي مكان من‬

‫األرض؟ املهم التقوى واألخالق والكفاءة‪.‬‬

‫دعوة اإلسالم ليست دعوة قومية‪ ،‬حتى يف هذه البيئة التي تفتخر بعربيتها‪ ،‬فقد ضمت هذه‬

‫الدعوة بالالً من احلبشة‪ ،‬وصهيب ًا الرومي ‪ ،‬وبعد سنني ستضم سلامن الفاريس ‪ ،‬وستدخل بعد‬

‫ذلك كل العرقيات من فرس ورومان وسالجقة وأتراك وأكراد‪ ..‬وغريهم كثري‪ ،‬سيدخل كل‬

‫‪106‬‬
‫هؤالء إىل دين اإلسالم‪ ،‬وكل منهم سيخدم اإلسالم يف مكانه‪ ،‬ال فرق بني عريب وال عجمي‬

‫إال بالتقوى‪.‬‬

‫كذلك مل يكن هناك فرق بني الرجل واملرأة‪ ،‬ومن يتكلم عىل أن اإلسالم ظلم املرأة ال بد أن‬

‫يراجع التاريخ وقوانني اإلسالم‪ ،‬فانظر إىل مدى االنقالب الذي أحدثه اإلسالم يف حياة أهل‬

‫مكة‪ ،‬كيف نقل اإلسالم يف يوم وليلة أهل مكة من رجال يستحقرون النساء‪ ،‬ويستقلون‬

‫وهيمشون أدوارهن‪ ،‬وال يعطوهنن شيئ ًا من املرياث‪ ،‬بل يرث الرجل زوجة أبيه إذا‬
‫ّ‬ ‫شأهنن‪،‬‬

‫مات األب‪ ،‬كيف حتولوا من هذا الوضع إىل الوضع اجلديد الذي تدعى فيه نساء مكة إىل‬

‫اإلسالم كام ُيدعى الرجال؟ لدرجة أن ربع الرعيل األول يف هذه املرحلة احلرجة من الدعوة‬

‫كن من النساء‪ ،‬ويف ظل هذا التكتم الشامل والرسية التامة يع ّظم الرسول ﷺ من قيمة النساء‬

‫ومن قيمة عقوهلن‪ ،‬ويثق يف إدراكهن خلطورة املوقف‪ ،‬ويعلم عن يقني احتياج الدعوة هلن‪ ،‬ال‬

‫بد أن يقفن بجانب األزواج‪ ،‬ويربني األبناء‪ ،‬ويقمن بالدعوة يف أوساط النساء‪.‬‬

‫الفارق بني حياة اجلاهلية بقوانينها الظاملة وأحكامها اجلائرة‪ ،‬وبني العدل املطلق الذي جاء به‬
‫اإلسالم كان جمرد حلظات‪ ،‬نزل األمر اإلهلي ُقم َف َأ ِ‬
‫نذ ْر [املدثر‪]2:‬فقام الرسول ﷺ لينذر‬ ‫ْ‬
‫الرجال والنساء‪ ،‬قام ليحكم األرض بقانون السامء‪ ،‬وصدق رسول اهلل ﷺ إذ يقول‪( :‬إنام‬

‫النساء شقائق الرجال)‪.‬‬

‫أيض ًا مل يكن هناك أي فرق بني قبيلة وقبيلة أخرى‪ ،‬وهذا أيض ًا مستغرب جد ًا يف املجتمع‬

‫القبيل‪ ،‬وهذا املجتمع طاملا حدثت فيه حروب بني القبائل عىل أتفه األسباب‪ ،‬وبعد اإلسالم‬

‫رأينا القبائل املختلفة جتلس سوي ًا ويضع بعضهم يده يف يد اآلخر‪ ،‬ويؤلف اهلل عز وجل بني‬

‫قلوهبم حتى حياربوا غريهم‪ ،‬وإن كانوا من نفس قبائلهم‪ ،‬فتجد اهلاشمي حيارب اهلاشمي‬

‫الذي ليس عىل دينه‪ ،‬ويضع يده يف يد املخزومي إن كان مسل ًام مثله‪ ،‬فالقبلية مرفوضة يف دين‬
‫‪107‬‬
‫اإلسالم‪ .‬الدعوة اإلسالمية كانت إعالن ًا حلقوق اإلنسان‪ ،‬وهي واهلل أعظم بآالف املرات من‬

‫اإلعالن الذي أتى بعد ذلك بثالثة عرش قرن ًا من الزمان أو أكثر‪ ،‬كان إعالن ًا من رب العاملني أن‬

‫الناس سواسية كأسنان املشط‪ ،‬بدأ الرسول ﷺ حياته هبذا اإلعالن الرباين حلقوق اإلنسان‪،‬‬

‫وأهنى حياته يف خطبة الوداع بنفس اإلعالن‪( :‬كلكم آلدم‪ ،‬وآدم من تراب) هذه هي قواعد‬

‫اإلسالم‪.‬‬

‫حرص النبي ﷺ عىل الدعوة وأفرادها‬

‫استمرت الدعوة الرسية ملعظم األفراد حتى بعد اإلعالن النبوي الذي سوف حيصل بعد ثالث‬

‫سنني‪ ،‬فقد كان الرسول ﷺ حريص ًا كل احلرص عىل احلفاظ عىل كل واحد من أفراد مجاعته‬

‫املؤمنة‪ ،‬سواء كان عبد ًا أو حر ًا‪ ،‬قرشي ًا أو غري قريش‪ ،‬من قدماء الصحابة أو حديثي اإلسالم‬

‫كل الناس كانت قيمتهم عالية عند رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫قصة إسالم عمرو بن عبسة‬

‫هناك بعض الراويات التي توضح لنا كيف كان الرسول ﷺ حريص ًا عىل أن يأخذ بكل عوامل‬

‫احلرص واحلذر؛ ليحمي اجلامعة املؤمنة اجلديدة التي يف مكة‪ .‬مثال ذلك‪ :‬إسالم عمرو بن‬

‫عبسة ريض اهلل عنه وأرضاه بعد أكثر من ثالث سنني من الدعوة‪ ،‬وكان من قبيلة ُسليم‪ ،‬وكان‬

‫مع الرسول ﷺ أكثر من ‪ 60‬صحابي ًا‪ ،‬لكن انظر إىل احلوار الذي سوف يدور بني عمرو بن‬

‫عبسة ريض اهلل عنه وبني الرسول ﷺ‪ .‬يقول عمرو بن عبسة كام جاء صحيح مسلم‪( :‬فتل ّطفت‬

‫حتى دخلت عليه مكة‪ ،‬فقلت له‪ :‬ما أنت؟ فقال‪ :‬أنا نبي‪ ،‬فقلت‪ :‬وما نبي؟ قال‪ :‬أرسلني اهلل‪،‬‬

‫فقلت‪ :‬وبأي يشء أرسلك؟ قال‪ :‬أرسلني بصلة األرحام‪ ،‬وكرس األوثان‪ ،‬وأن يوحد اهلل وال‬

‫يرشك به يشء‪ ،‬قلت له‪ :‬فمن معك عىل هذا؟ قال‪ :‬معي حر وعبد‪ ،‬يقول عمرو بن عبسة‪:‬‬

‫‪108‬‬
‫ومعه يومئذ أبو بكر وبالل ممن آمن به) فالرسول ﷺ ال يريد أن يكشف أوراقه كلها أمام‬

‫عمرو بن عبسة ريض اهلل عنه‪ ،‬وال يريد أن يقول له عىل مجيع املسلمني قبل أن يستوثق منه‪،‬‬

‫بالذات أن عمر ًا ليس من مكة‪ ،‬فهو بالنسبة للرسول ﷺ جمهول‪ ،‬فال يستطيع أن خيربه يف هذا‬

‫الوقت‪ ،‬ومع األخذ باالعتبار أن الرسول ﷺ لو كان قال له‪ :‬إن عددنا ‪ ،60‬كان أكثر إقناع ًا له؛‬

‫ألنه سريى أن عدد الذين آمنوا هبذه الدعوة كبري‪ ،‬لكن الرسول ﷺ آثر احلرص واحلذر عىل‬

‫الدعوة يف ذلك الوقت‪ ،‬وهذا يشء كان يف ذهن الرسول ﷺ يف كل خطواته يف أثناء املرحلة‬

‫الرسية‪ ،‬وأيض ًا بعد املرحلة الرسية‪.‬‬

‫آمن عمرو بن عبسة ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وملا آمن أراد أن ينضم إىل رسول اهلل ﷺ يف مكة‪،‬‬

‫فقال له ﷺ‪( :‬إنك ال تستطيع ذلك يومك هذا) ألن املوقف صعب‪ ،‬وال يوجد أحد حيميه يف‬

‫داخل مكة‪ ،‬وسوف ُيضطهد فيها أشد االضطهاد‪ ،‬فهنا يضحي ﷺ بالنرصة التي ستأيت من‬

‫وراء عمرو بن عبسة ببقائه يف مكة‪ ،‬ويضحي أيض ًا بالعلم الذي قد ّ‬


‫حيصله عمرو ببقائه يف‬

‫مكة‪ ،‬يف نظري أن يؤمن حياته وحيفظه ملرحلة قادمة قد تكون الدعوة أحوج إليه‪ ،‬وأعاده مرة‬

‫أخرى إىل قبيلة ُسليم‪ ،‬وقال له‪ :‬ادع إىل اهلل هناك‪ ،‬وأتى عمرو بن عبسة بنصف قبيلة ُسليم بعد‬

‫ذلك‪.‬‬

‫عمرو بن عبسة أخذ بقواعد األمان‪ ،‬وبدأ يدعو يف قبيلته حيث احلامية املتوافرة له يف ذلك‬

‫املكان‪ ،‬مل يضح أبد ًا بحياته يف هذه املرحلة اخلطرية من مراحل الدعوة‪ ،‬كل هذه التدابري ال‬

‫تنفي مطلق ًا إيامن رسول اهلل ﷺ التام بالقدر‪ ،‬وأن ما أصابه مل يكن ليخطئه‪ ،‬وأن ما أخطأه مل‬

‫يكن ليصيبه‪ ،‬ولكنه يأخذ باألسباب‪ ،‬ويعلمنا كيف نأخذ هبا يف كل مرحلة من مراحل الدعوة‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫قصة إسالم أيب ذر الغفاري‬

‫كانت قصة إسالم أيب ذر الغفاري ريض اهلل عنه وأرضاه قصة لطيفة طويلة‪ ،‬سآخذ منها ما‬

‫يفيد املوضوع‪ .‬أخذ سيدنا عيل بن أيب طالب أبا ذر الغفاري ليعرفه عىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وعيل‬

‫أيض ًا كان يف منتهى احلرص‪ ،‬كان يقول لـ أيب ذر‪ :‬إن رأيت شيئ ًا أخاف عليك منه قمت كأين‬

‫أريق املاء‪ ،‬أي‪ :‬أتبول‪ ،‬ويف رواية‪ :‬كأين أصلح نعيل‪ ،‬فأخذه وذهب به ملقابلة رسول اهلل ﷺ يف‬

‫البيت احلرام أثناء الطواف ليالً‪ ،‬مل يذهب به إىل دار األرقم فهو مل يطمئن إليه بعد‪ ،‬وأبو ذر من‬

‫ال أمره غري مأمون إىل أن يستوثق متام ًا من إيامنه‪،‬‬


‫قبيلة غفار املشهورة بقطع الطريق‪ ،‬فهو فع ً‬

‫فعندما ذهب أبو ذر يكلم الرسول ﷺ سأله أوالً‪( :‬من أين أنت؟) فقال أبو ذر‪( :‬من غفار)‪،‬‬

‫هنا الرسول ﷺ شعر بالقلق‪ ،‬يقول أبو ذر‪( :‬فوضع رسول اهلل ﷺ يده عىل وجهي‪ ،‬فقلت يف‬

‫نفيس‪ :‬كره أن انتميت إىل غفار)‬

‫عرف الرسول ﷺ أن أبا ذر من قبيلة خطرية‪ ،‬ومع ذلك وضح له أمر اإلسالم‪ ،‬لكن مل يعرفه‬

‫عىل خبيئة من خبايا املسلمني املوجودة يف مكة؛ حرص ًا وحذر ًا‪ ،‬وحس ًا أمني ًا راقي ًا عند رسول‬

‫اهلل ﷺ‪.‬‬

‫احلكمة من اختيار الرسول ﷺ دار األرقم لالجتامع بأصحابه فيه يف أول الدعوة‬

‫من املظاهر الرسية العجيبة يف ذلك الوقت‪ :‬اجتامع الرسول ﷺ والصحابة يف دار األرقم بن‬

‫أيب األرقم ريض اهلل عنه ‪ 13‬سنة من غري أن يعرف مكاهنم أحد‪ ،‬يشء يف منتهى الغرابة‪ ،‬ومكة‬

‫بلد صغري‪ ،‬وأهلها مجيعهم يعرفون بعضهم بعض ًا‪ ،‬كيف استطاع املسلمون أن يأخذوا احلذر‬

‫لكي ال يعرف مكاهنم أحد طوال هذه الفرتة‪ ،‬ليس يوم ًا أو يومني أو ثالثة بل ‪ 13‬سنة‪،‬‬

‫‪110‬‬
‫واجتامعهم كان منتظ ًام‪ ،‬فقد كانوا جيلسون كثري ًا‪ ،‬وعددهم غري قليل فهم ‪ 60‬رجالً‪ ،‬مل نسمع‬

‫عن مدامهة واحدة من زعامء قريش لبيت األرقم خالل ‪ 13‬سنة‪.‬‬

‫ولعل سائ ً‬
‫ال يقول‪ :‬ما سبب اختيارهم لدار األرقم بن أيب األرقم بالذات؟ وملاذا مل خيتاروا بيت‬

‫الرسول ﷺ أو أحد الصحابة اآلخرين؟‬

‫نقول‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬األرقم مل يكن معروف ًا بإسالمه‪ ،‬فلم تتم مراقبة بيته من قريش‪ ،‬فالرسول ﷺ أو الصحابة‬

‫الذين ُعرفوا باإلسالم ال تصلح بيوهتم هلذا األمر‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬األرقم من بني خمزوم‪ ،‬وبنو خمزوم هي القبيلة املتنازعة دائ ًام مع بني هاشم‪ ،‬وأكثر الناس‬

‫كراهية لبني هاشم يف مكة‪ ،‬فرسول اهلل ﷺ كأنه جيتمع يف ُعقر دار عدوه‪ ،‬وذلك مل خيطر أبد ًا‬

‫عىل أذهان زعامء أهل مكة‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬األرقم كان بيته بعيد ًا عن القوم‪ ،‬مل يكن يف قلب املدينة‪ ،‬أي‪ :‬أنه مل يكن هناك أحد يميش‬

‫من جوار البيت‪ ،‬ومل تكن هناك بيوت أخرى يمكن منها مراقبة بيت األرقم بن أيب األرقم‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬األرقم كان عمره ‪ 16‬سنة‪ ،‬شاب صغري لن يشك فيه أحد من أهل مكة‪ ،‬وأهل مكة قد‬

‫يعتقدون أن الرسول ﷺ يعقد جلساته يف بيت أحد من كبار الصحابة‪ ،‬مثل أيب بكر الصديق‬

‫أو عثامن أو عبد الرمحن بن عوف لكن يف بيت هذا الشاب الصغري‪.‬‬

‫هذا احتامل بعيد جد ًا عن أذهان قريش‪ .‬كيف استطاع األرقم أن يأخذ املهمة الضخمة هذه مع‬

‫أنه كان من قبيلة بني خمزوم؟ وكان زعيم قبيلة بني خمزوم أبو جهل‪ ،‬ومن املعروف أن أبا جهل‬

‫فرعون هذه األمة‪ ،‬أعتى أهل قريش عىل املسلمني‪ ،‬فلو اكتشف أمر األرقم بن أيب األرقم ال بد‬

‫أن هنايته القتل‪ ،‬فريض اهلل عن األرقم وريض اهلل عن صحابة رسول اهلل ﷺ أمجعني‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫سبب عدم تعرض قريش للرسول ﷺ وأصحابه يف أول اإلسالم‬

‫مع كل احلذر واالحتياط من الرسول ﷺ وصحابته عىل أمر الدعوة إال أن قريش ًا اكتشفت‬

‫األمر‪ ،‬رأت بعض املسلمني يصيل صالة غريبة مل يعتادوا عليها‪ ،‬فعرفوا أهنم عىل دين جديد‪،‬‬

‫فقد رأى رجل الرسول ﷺ وهو يصيل مع السيدة خدجية ريض اهلل عنها وأرضاها‪ ،‬وكان ذلك‬

‫الرجل جيلس بجوار العباس‪ ،‬وكان العباس مرشك ًا فسأله عن عملهام؟ فقال‪ :‬يزعم أنه يأتيه‬

‫وحي من السامء‪ ،‬أو يقول‪ :‬إنه نبي‪.‬‬

‫وأيض ًا أبو طالب عم رسول اهلل ﷺ رأى ابنه عيل بن أيب طالب وهو يصيل مع رسول اهلل ﷺ‪،‬‬

‫ومع ذلك مل يع ّلق عىل هذا املوضوع‪ ،‬ومن املؤكد أن بعض العائالت األخرى رأت أوالدها‬

‫يصلون أو يقرءون القرآن‪ ،‬لكن مع كل هذه املشاهدات ومع هذا اإلدراك ألمر اإلسالم مل‬

‫تعرتض قريش يف هذه املرحلة‪ ،‬بل مل تعر ذلك أي اهتامم‪.‬‬

‫بعض األحيان يتعجب الواحد من أفعال قريش‪ ،‬ملاذا سكتت عن أمر اإلسالم يف ذلك‬

‫الوقت؟ وملاذا آذت رسول اهلل ﷺ وحاربته هذه املحاربة الرشسة بعد أن أعلن دعوته يف مكة؟‬

‫احلقيقة أن قريش ًا كان فيها قبل هذا رجال عىل نفس هذا النهج‪ ،‬مثل أمية بن أيب الصلت وزيد‬

‫بن عمرو بن نفيل وكانوا عىل احلنيفية‪ ،‬وورقة بن نوفل وكان نرصاني ًا فهؤالء مل تكن تعمل هلم‬

‫أي حساب وظنت أن املسلمني مثلهم‪ ،‬لكن أن جياهر بدعوهتم‪ ،‬ويدعو إىل تسفيه األصنام‬

‫والقوانني الوضعية التي وضعها أهل مكة وأنزلوها منزلة كالم اهلل عز وجل‪ ،‬فهذا ما ال تريده‬

‫قريش‪ .‬فمبدأ قريش واضح وهو‪ :‬دع ما لقيرص لقيرص وما هلل هلل‪ ،‬أما أن يأيت دين يتدخل يف‬

‫كل صغرية وكبرية يف منظومة األرض ويف حياة اإلنسان واملجتمع‪ ،‬فهذا ما ترفضه قريش‬

‫بالكلية‪ .‬يف هذه املرحلة ترك القرشيون املسلمني دون تعرض‪ ،‬ولكن يف املرحلة القادمة وبعد‬

‫‪112‬‬
‫ثالث سنوات من الدعوة الرسية سيجهر رسول اهلل ﷺ بدعوته يف وسط مكة‪ ،‬وسيعلن‬

‫توحيده هلل رب العاملني‪ ،‬وسيعلن نبذه لألصنام واألوثان‪.‬‬

‫‪113‬‬
114
‫‪6‬‬

‫الدعوة جهراً‬

‫ذكرنا ما فعله النبي ﷺ من بداية الدعوة الرسية يف أرض مكة‪ ،‬وكانت هذه الفرتة قرابة ثالال‬

‫سنوات كاملة‪ ،‬وبلغ عدد املسلمني يف آخر هذه الفرتة نحو ستني فرد ًا من الرجال ومن النساء‪،‬‬

‫وأصبح من املتعذر عىل أهل مكة أن يستأصلوا اإلس م بكامله؛ ألهنم كانوا من قبائل خمتلفالالة‪،‬‬

‫ومعظمهم من األرشاف‪ ،‬وهنا أذن اهلل عز وجل لرسوله الكريم ﷺ باجلهر بالالالدعوة‪ ،‬وكانالالت‬

‫مرحلة الدعوة اجلهرية لرسول اهلل ﷺ مرحلة جديدة‪.‬‬

‫يف أوائل هذه املرحلة أعلن الرسول ﷺ دعوته‪ ،‬بينام ظل بقيالالة املسالاللمني يف ويالالة وا هالالروا‪،‬‬

‫‪ ،‬وأن يبالالدأ بأقاربالاله دون‬ ‫وهذا تدرج واضح يف إيصال الدعوة للناس‪ُ .‬أمر الرسول ﷺ بالالالب‬
‫بقية الناس‪ ،‬وهذا أيض ًا نوع من التالالدرج يف إيصالالال الالالدعوة إس النالالاس‪ ،‬قالالال اهلل لالاله {و َأنال ْ‬
‫الذر‬ ‫َ‬
‫َع ْش َريت َ‬
‫َك األَق َربْ َ‬
‫ني} [الشعراء ‪ ،]214‬وملاذا األقربون بالذات؟‬

‫أولً لوجود حب فطري للداعية ألقاربه‪ ،‬وهالالم أقالالر إس اإلجابالالة مالالن الالريهم؛ إذ القريالالب‬

‫ليست بينه وبني الداعية حواجز قبيلة أو عنرصية فهو حيبه حب ًا فطري ًا‪.‬‬

‫ثاني ًا محية قبلية تدافع عنه‪ ،‬فهذا يعطي للداعية قوة‪ ،‬وبالذات إذا كانت للداعيالالة عائلالالة كبالالرية‪،‬‬

‫فلو آمنت هذه العائلة بدعوته ألصبحت عضد ًا له يف دعوته‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫ثالث ًا أن دعوة األقار هي املسئولية األوس امللقاة عالالىل عالالاتد الداعيالالة ركلكالالم راع‪ ،‬وكلكالالم‬

‫مسئول عن رعيته)‪ ،‬ومن هنا جاءت أمهية صلة الرحم وأمهية دعوة األقربني‪ ،‬فلالالو أن الداعيالالة‬

‫حيار من داخل بيته أو عشريته أو قبيلته‪ ،‬أو أن أباه أو زوجته أو ابنه يعوق مسريته‪ ،‬فإن هالالذه‬

‫أمور تعيد طريد الدعوة‪.‬‬

‫وهناك نقطة بنائية هامة لبد أن نخرج منها وهالالي أن دعالالوة األقالالربني أهالالم مالالن دعالالوة عامالالة‬

‫الناس؛ فهذا لوط عليه الس م عندما جاءه قومه يراودونه عن ضيفه‪ ،‬قال هلم { َلالالو َأ ِلن ْ بْ ُكالالم‬
‫آوي إْ َس رك ٍن َش ْد ٍ‬
‫يد} [هود ‪]80‬؛ ألن لوط ًا عليه الس م ا تكن لالاله عائلالالة قويالالة‪ ،‬فكالالان‬ ‫ُق ِلو ًة َأو ْ‬
‫ُ‬
‫يتمنى لو أن له عائلة قوية لوقف أمام القوم يدافع عن ضيوفه‪ ،‬يقول رسول اهلل ﷺ تعليق ًا عالالىل‬

‫هذا الك م ررمحة اهلل عىل لوط‪ ،‬لقد كان يأوي إس ركن شديد ‪-‬وهو اهلل عز وجل‪ ،-‬فام بعالال‬

‫اهلل بعده من نبي إل يف ذروة من قومه)‪ ،‬ليس عيب ًا أن اإلنسان حيتمي بقومه وبعشريته وبقبيلتالاله‬

‫مادام ل يتنازل عن يشء من عقيدته ودينه‪ ،‬عىل النقيض من هذا املوقف كالالان موقالالف شالالعيب‬

‫عليه الس م‪ ،‬وانظر إس قومالاله عنالالدما جالالاءوا إليالاله ليعرتضالالوا عليالاله قالالالوا { َو َلالالول َره ُطالال َك}‬

‫َاك َو َما َأنالال َت‬


‫[هود ‪ ،]91‬ولول العائلة الضخمة الكبرية التي تأوي إليها { َو َلول َره ُط َك َل َر ََجن َ‬

‫َع َلينَا بْ َع ْز ٍيز} [هود ‪ .]91‬دعوة األقربني هامة جد ًا يف بناء األمم‪ ،‬بل الرسول ﷺ عندما نزلالالت‬

‫نذر َع ْش َريت َ‬
‫َك األَق َربْ َ‬
‫ني} [الشعراء ‪ ]214‬حترك برسعة ﷺ‪ ،‬ودعالالا ‪ 45‬مالالن‬ ‫عليه هذه اآلية {و َأ ْ‬
‫َ‬
‫أهله إس الطعام‪ ،‬والدعوة إس الطعالالام ترقالالد القلالالو ؛ ألن فيهالالا ألفالالة ومالالودة‪ ،‬فمالالن أجالالل أن‬

‫يكلمهم يف أمر الدعوة دعاهم أولً إس الطعام‪ ،‬ثم بعد ذلك يبلغهم أمر الدعوة‪ ،‬لكالالن قبالالل أن‬

‫الصالالباة‪،‬‬
‫يتكلم الرسول ﷺ وقف أبو هلب وقال هؤلء هم عمومتك وبنو عمك فالالتكلم ودع ‪،‬‬
‫واعلم أنه ليس لقومك طاقة بالعر قاطبة‪ .‬كان أبو هلب يسمع بأمر الالالدعوة وأمالالر اإلسالال م‪،‬‬

‫ولكنه ا يعرتض عىل اإلس م من قبل‪ ،‬وا يعرتض أحالالد مالالن أهالالل قالالريك قبالالل ذلالالك‪ ،‬ومالالع‬

‫‪116‬‬
‫اكتشافهم لبعض املسلمني؛ ألن املسلمني كانوا يكتفون بعبادات فردية‪ ،‬ويعبدون اهلل عز وجل‬

‫يف بيوهتم‪ ،‬فظن أهل قريك أهنم يفعلون أفعال الذين تنرصوا أو اختالالذوا اينيفيالالة دينالال ًا‪ ،‬وأهالالل‬

‫الباطل ل يامنعون أن تعبد ما تشاء يف بيتالالك دون تالالدخل يف امل‪،‬تمالالع‪ ،‬أمالالا أن مالالع مالالد ﷺ‬

‫الناس‪ ،‬ويبدأ يف دعوهتم إس ما هو عليه‪ ،‬ثم يسفه ما يعبدون مالالن دون اهلل‪ ،‬ثالالم حيكمالالون اهلل يف‬

‫أمورهم؛ فهذا ما يرفضه أهل الباطل من قريك‪ .‬كانت هذه مبادرة أيب هلب‪ ،‬ثم أتبعهالالا بكالال م‬

‫شديد‪ ،‬قال ما رأيت أحد ًا جاء عىل بني أبيه برش مما جئت بالاله‪ ،‬فسالالكت الرسالالول ﷺ وا يالالدع‬

‫الناس‪ ،‬وا يدخل يف جدل مع أيب هلب‪ ،‬وهي حكمالالة نبويالالة بالغالالة؛ ألن الظالالرف الالري مالالوات‪،‬‬

‫فليس من ايكمة إلقاء الدعوة يف هذا اجلو‪ ،‬وأبو هلب عم رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وله أتبالالاع وأنصالالار‪،‬‬

‫فلي‪،‬مع الرسول ﷺ‬

‫موقف األقربني من الدعوة النبوية‬

‫املوقف األول هو موقف أيب طالب عم رسول اهلل ﷺ‪ ،‬والذي أحبه حب ًا يفالالوق حالالب أولده‪،‬‬

‫والذي كفله بعد وفاة جده عبد املطلب‪ ،‬وموقفه يعترب من أكرب ع مات الستفهام يف التاريخ‪،‬‬

‫وقف أبو طالب إس جوار رسول اهلل ﷺ يش‪،‬عه بكل طاقاتالاله‪ ،‬لكنالاله مالالا دخالالل يف دينالاله‪ ،‬أخالالذ‬

‫أبوطالب كل تبعات الدين الشاقة‪ ،‬وما استمتع بأحىل ما يف هذا الالالدين؛ مالالن تضالالحية‪ ،‬وبالالذل‪،‬‬

‫وجهاد‪ ،‬وعطاء‪ ،‬وتعب‪ ،‬وسهر؛ ألنه ا يؤمن‪{ ،‬إْن َِلك ل َهت ْدي َمن َأح َبب َت َو َل ْك ِلن اهللِلَ ََيالال ْدي َمالالن‬

‫َي َشا ُء} [القصص ‪ .]56‬قام أبو طالب فقال ما أحب إلينا معاونتك‪ ،‬وأقبلنا لنصيحتك‪ ،‬وأشد‬

‫تصديقنا يديثك‪ ،‬وهؤلء بنو أبيك جمتمعون‪ ،‬وإنام أنا أحدهم‪ ،‬ري أين أوعهم إس ما حتب ‪-‬‬

‫أي أوعهم إس نرصتك ومعاونتك‪ ،-‬فامض ملا أمرت به‪.‬‬

‫أي أنه يعلم أن اهلل عز وجل هو الالالذي أمالالره بالالذلك‪ ،‬وا يالالأت بالاله مالالن عنالالده ﷺ‪ ،‬ثالالم يقالالول‬

‫أبوطالب فواهلل ل أزال أحوطك وأمنعك‪ ،‬ري أن نفسالي ل تطاوعني عالالىل فالالراق ديالالن عبالالد‬
‫‪117‬‬
‫املطلب‪ .‬هذا يعني أنه تيقن أنه رسول من عند اهلل سبحانه وتعاس‪ ،‬وأنه أمر هبذا الك م وا يأت‬

‫به من عنده‪ ،‬وأنه صادق ل يكذ ‪ ،‬ومع ذلالالك يقالالول نفسالالالي ل تطالالاوعني عالالىل فالالراق ديالالن‬

‫عبداملطلب‪ .‬هذا تناقض بشع يف نفس املقالة‪ ،‬ما الذي وقف حاجز ًا بينه وبني اإليامن؟ التقاليد‪،‬‬

‫تقديس رأي اآلباء واألجداد والعائ ت‪ ،‬حتالالى وإن كالالان خمالفالال ًا للحالالد‪ ،‬فهالالذه اجلريمالالة وراء‬

‫مصائب كثرية حدثت لال أيب طالب وحتد لغريه ممن ساروا عىل هنالالآ آبالالائهم وعصالالوا اهلل عالالز‬

‫وجل‪ ،‬وخالفوا منهآ رسوله الكريم ﷺ‪ .‬املهم يف هذا أن أبا طالب كان واضح ًا يف دفاعه عالالن‬

‫رسول اهلل ﷺ من أول يوم جهر فيه الرسول ﷺ بالدعوة ألقاربه‪.‬‬

‫وعىل اجلانب اآلخر قام أبو هلب وظل مرص ًا عىل عدائه‪ ،‬قال هذه واهلل السوأة‪ ،‬خذوا عىل يده‬

‫قبل أن يأخذ ريكم‪ ،‬فقال أبو طالب واهلل لنمنعه ما بقينا‪.‬‬

‫يتضح أمامنا أن هناك موقفني ألهل رسول اهلل ﷺ؛ موقف مدافع يتزعمه أبو طالب‪ ،‬وموقالالف‬

‫مهاجم يتزعمه أبو هلب‪.‬‬

‫اجلهر بالدعوة أمام قريك عامة‬

‫جاءت األوامر من اهلل عز وجل أن يوسع الرسول ﷺ دائرة الدعوة‪ ،‬فيقوم بصيحة أعالالىل بعالالد‬

‫ذلك لكل بطون قريك‪ ،‬فوقف ﷺ عىل جبل الصفا ينادي؛ يا بني فهر‪ ،‬يا بنالالي عالالدي‪ ،‬يالالا بنالالي‬

‫هاشم‪ ،‬يا بني خمزوم‪ ،‬حتى أتى عىل كالالل بطالالون قالالريك حتالالى اجتمعالالوا‪ ،‬ف‪،‬عالالل الرجالالل إذا ا‬

‫يستطع أن خيرج أرسل رسولً لينظر األمر؛ ألنه يرى أن األمر عظيم‪ .‬يقول ابن عباس يف رواية‬

‫البخاري جاء أبو هلب وقريك ‪-‬خيص بالذكر أبو هلب؛ ألن له موقف ًا من هذا ايالالد ‪ -‬فقالالال‬

‫ﷺ رأرأيتكم لو أخربتكم أن خي ً بالوادي تريد أن تغري عليكم‪ ،‬أكنتم مصدقي؟ قالوا نعم‪،‬‬

‫ما جربنا عليك إل صدق ًا‪ ،‬قال ﷺ فإين نذير لكم بني يدي عذا شديد)‪ ،‬فهنا يقيم الرسالالول‬

‫‪118‬‬
‫ﷺ اي‪،‬ة عىل قومه‪ ،‬أولً سأهلم رأكنتم مصدقي؟ فقالوا نعم‪ ،‬ما جربنا عليك إل صالالدق ًا)‪،‬‬

‫بمعنى أهنم يعتقدون متام العتقاد أن هذا الرجل ل يكذ ‪ ،‬فأنذرهم باإلنذار الذي جالالاء بالاله‬

‫رفإين نذير لكم بني يدي عذا شديد)‪ ،‬أي إذا كنتم تصدقون إنالالذاري لكالالم بخيالالل وأعالالداء‪،‬‬

‫في‪،‬ب أن تصدقوا إنذاري لكم بعذا شديد‪ ،‬إذا بقيتم عىل ما أنتم عليالاله مالالن عبالالادة األوثالالان‬

‫وحتكيمها يف حياتكم‪.‬‬

‫فلم يسكت أبو هلب بل قال تب ًا لك سائر اليوم أهلذا َجعتنا؟ فنزلت السالالورة الكريمالالة {ت ِلَبالالت‬

‫َب} [املسد ‪ .]1‬وهنا مشكلة واضحة بالالداخل أيب هلالالب منعتالاله مالالن اإليالالامن‪ ،‬إن‬ ‫َيدَ ا َأ ْيب َهل َ ٍ‬
‫ب َوت ِل‬
‫كانت مشكلة أيب طالب التقاليد‪ ،‬فإن مشكلة أيب هلب كانالالت اجلالالبن الشالالديد قالالال رلالاليس لنالالا‬

‫بالعر من طاقة) ليس لنا قدرة عىل تغيري املألوف‪ ،‬ليس عند أيب هلب مانع من الوقوف ب‪،‬وار‬

‫القوي وإن كان خمالف ًا للحد‪ ،‬وليس عنده مانع من أن خيذل ابن أخيالاله‪ ،‬أو خيالالذل ايالالد بصالالفة‬

‫عامة وإن كان من أقاربه وعشريته‪ ،‬هذا هو الذي أرداه ف‪،‬عله من اخلالالاوين‪ ،‬اجلالالبن الشالالديد‬

‫املقعد عن العمل الصالح‪.‬‬

‫اجلهر بالدعوة لعامة الناس من قريك و ريهم‬

‫حصل إع ن لقريك‪ ،‬وحصل إع ن ألقار الرسول ﷺ خاصة قبل ذلك‪ ،‬ثم جاء بعد ذلك‬

‫إع ن أوسع‪ ،‬اإلع ن العام ألهل مكة ولغريها‪ ،‬ويتضح من هذا التدرج يف الدعوة التالالي قالالام‬

‫رشالال ْك َ‬
‫ني} [اي‪،‬الالر ‪]94‬‬ ‫هبا رسول اهلل ﷺ‪ .‬قال اهلل عز وجل { َفاصدَ ع بْ َام تُؤ َم ُر َو َأع ْرض َع ْن املُ ْ‬

‫أي فاصدع يا مد بأمر الدعوة‪.‬‬

‫هناك أمران مت زمان سيبقيان معنا طوال مرحلة جهرية الدعوة‬

‫األمر األول هو إع ن الدعوة للناس كافة مع خطورة هذا األمر‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫األمر الثاين اإلعراض عن املرشكني‪ ،‬بمعنى عدم قتال املرشكني‪ ،‬وهذا يتضمن معنى ضمني ًا‪،‬‬

‫وهو أنه سيحاول املرشكون قدر استطاعتهم أن يوقفوا مد هذه الدعوة‪ ،‬وهذا هو ما أشار إليالاله‬

‫ورقة بن نوفل من قبل لرسول ﷺ‪ ،‬وعىل الرسول ﷺ يف هذه الفالالرتة أن يت‪،‬نالالب الصالالدام مالالع‬

‫رش ْك َ‬
‫ني} [اي‪،‬ر ‪ ،]94‬حتى لو حد كيد وتعذيب وقتل فأعرض‬ ‫املرشكني { َو َأع ْرض َع ْن املُ ْ‬

‫عن املرشكني‪ ،‬هذه ظروف مرحلة معينة متر هبا الدعوة يف هذه الفرتة من حياة رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫الرسول ﷺ صدع بام ُأمر به‪ ،‬فامذا حد يف مكة؟‬

‫حد انف‪،‬ار يف مكة‪ ،‬مشاعر الغضب والستنكار والرفض‪ ،‬اجتامعات وختطيطالالات ومكائالالد‬

‫ومؤامرات‪ ،‬قامت الدنيا وا تقعد يف مكة‪ ،‬إهنا اير ل هوادة فيها‪ .‬املسلمون يف مكة ا يعلنوا‬

‫إس مهم باستثناء رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ول أحد من البشالالالر يالالدافع عالالن رسالالول اهلل ﷺ يف مكالالة إل‬

‫أبوطالب‪ ،‬ورسول اهلل ﷺ يقبل بدفاع أيب طالب مالالع كونالاله كالالافر ًا‪ ،‬فهالالو رجالالل واقعالالي يقالالدر‬

‫خطورة املوقف‪ ،‬ا يقل هذا كافر ول وز أن أحتمي به‪ ،‬ولكنالاله يف ذات الوقالالت مالالا فالالرط يف‬

‫كلمة واحدة من الدين‪ ،‬ما تنازل ما بدل ما ري ﷺ‪ ،‬إنام كانت مساعدة ري مشالالالروطة مالالن أيب‬

‫طالب‪ ،‬مساعدة دون أن يفرض رأي ًا أو خيطط مستقب ً لرسول ﷺ أو للمسلمني واإلس م‪.‬‬

‫موانع دخول أهل مكة يف اإلس م‬

‫قبل ايدي عن خطة مكة يف القضاء عىل الدعوة اإلس مية لبد أن نبح يف موانع اإلسالال م‬

‫عند أهل مكة‪ ،‬ملاذا ا يؤمن أهل مكة؟ هل ألهنم ا يقتنعوا بالدعوة؟ ملالالاذا حالالاربوا الالالدعوة وا‬

‫ينرصوها مع أن الرسول ﷺ منهم ومن داخلهم؟ أألهنم ا يدركوا ايد الذي جاء بالاله رسالالول‬

‫اهلل ﷺ؟ أنا ل أعتقد هذا مطلق ًا‪ ،‬عىل األقل الغالبية منهم‪ ،‬فقد كانت الرسالة واضحة جد ًا‪ ،‬كام‬

‫قال اهلل عز وجل يف كتابه الكريم { َو َج َحدُ وا ْ َهبا َواستَي َقنَت َها َأن ُف ُس ُهم ُظل ًام َو ُع ُل ًّوا}[النمل ‪،]14‬‬

‫‪120‬‬
‫القرآن ك م مع‪،‬ز‪ ،‬وهؤلء هم أهل اللغة‪ ،‬ويعرفون أن هذا الك م لالاليس مالالن كالال م البشالالالر‪،‬‬

‫ويعلمون أن مد ًا ﷺ رسول اهلل فع ً ول يكذ ‪ ،‬ومع ذلك كان ُأ ي‬


‫يب بن خلف يقابل الرسول‬

‫ﷺ ويقول له إين سأقتلك‪ ،‬فيقول له الرسول ﷺ بل أنا أقتلالالك إن شالالاء اهلل‪ .‬فمالالرت األيالالام‬

‫وخرج أيب بن خلف مرتدد ًا إس أحد حيار رسالالول اهلل ﷺ‪ ،‬فضالالالربه ﷺ بسالالهم أصالالا منالاله‬

‫خدش ًا يف كتفه‪ ،‬فكان أيب بن خلف يرصخ من هذا اخلدش رصاخ ًا شالالديد ًا‪ ،‬فقالالال لالاله النالالاس‬

‫هون عليك هذا أمر سهل‪ ،‬فقال أيب بن خلف إنه قال بمكة أنا أقتلك‪ ،‬فواهلل لو بصد عالال‬

‫لقتلني! فانظروا إس مدى تصديقه لك م الرسول ﷺ‪ ،‬فأين كان عقلك يا أيب؟ أين كالالان عقالالل‬

‫الذين سمعوك ول يزالون يقاتلون النبي ﷺ؟ أهل مكة كانوا يوقنون أن هذا الالالذي جالالاء بالاله‬

‫الرسول ﷺ هو ايد ل ريب فيه‪ ،‬فلامذا كذبوه؟‬

‫التقاليد الذي كان عند أيب طالب واجلبن الذي كان عند أيب هلب‪.‬‬ ‫ذكرنا من األسبا‬

‫من األسبا أيض ًا التي منعت بعض الناس من دخول اإلس م القبلية‪ ،‬ففي مكة قبائل كثرية‪،‬‬

‫بل يف داخل قريك بطون كثرية‪ ،‬فال أبو جهل من بني خمزوم‪ ،‬وكان يقالالول تنازعنالالا نحالالن وبنالالو‬

‫عبد مناف الرشف‪ ،‬أطعموا فأطعمنا‪ ،‬ومحلوا فحملنا‪ ،‬وأعطوا فأعطينا‪ ،‬حتالالى إذا حتاذينالالا عالالىل‬

‫الركب وكنا كفريس رهان‪ ،‬قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السامء‪ ،‬فمتى نالالدرك هالالذه؟! واهلل ل‬

‫نؤمن به أبد ًا ول نصدقه‪ .‬فالتعصب لقبلية أو لقومية أو لعرق معني من شيم اجلاهلية‪ ،‬وأعالالداء‬

‫األمة يستغلون هذا املدخل منذ القديم وإس يوم القيامة‪ ،‬وهالالذه هالالي النقطالالة التالالي دخالالل منهالالا‬

‫اليهالالود واإلن‪،‬ليالالز إلسالالقاط الدولالالة العثامنيالالة‪ ،‬عنالالدما فرقالالوا املسالاللمني إس عالالر وأتالالراك‪.‬‬

‫وهي النقطة التي دخل منها الفرنسيون إلسقاط اجلزائر عندما فرقوا املسلمني إس عر وبربر‪.‬‬

‫وهي النقطة التي دخل منها شاس بن قيس اليهودي لعنالاله اهلل للتفرقالالة بالالني األنصالالار إس أوس‬

‫وخزرج‪ .‬ومن الناس من منعه الكرب عن اإلس م‪ ،‬وما أكثالالر الالالذين امتنعالالوا عالالن لالالزوم ايالالد‬
‫‪121‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫بسبب الكرب‪ ،‬قال اهلل { َوإْذ ُقلنَا لل َم ئكَة اسالال ُ‪،‬دُ وا آل َد َم َف َسالال َ‪،‬دُ وا إْ ِلل إْبلالال َ‬
‫يس َأ َبالالى َواسالالتَك َ َ‬
‫رب‬

‫َان ْم َن الكَافْ ْري َن} [البقرة ‪ ،]34‬فالكرب يقود إس الكفالالر‪ .‬وقالالد عالالرف رسالالول اهلل ﷺ الكالالرب‬ ‫َوك َ‬

‫بقوله رالكرب بطر ايد و مط الناس)‪ ،‬ربطالالر ايالالد) أي تعالالرف ايالالد ثالالم تنكالالره‪ .‬رو مالالط‬

‫الناس) أي احتقارهم‪ .‬وانظر إس ك م الوليد بن املغرية الذي حكاه القرآن الكالالريم‪ ،‬قالالال اهلل‬

‫ني َعظْي ٍم} [الزخرف ‪]31‬‬


‫آن َع َىل َر ُج ٍل ْم َن ال َقر َي َت ْ‬
‫عز وجل يف كتابه { َو َقا ُلوا َلول ن ُِّز َل َه َذا ال ُقر ُ‬

‫القريتان مها مكة‪ ،‬والطائف‪ ،‬فاملقصود بالعظيم يف مكة هالالو الوليالالد بالالن املغالالرية‪ ،‬والعظالاليم يف‬

‫الطائف هو عروة بن مسعود الثقفي‪ ،‬فيقولون لو كان نزل القرآن عىل رجل عظالاليم لكنالالا آمنالالا‬

‫به‪ ،‬مع أن الرسول ﷺ أعظم اخللد‪ ،‬لكنهم يقيسون العظمة بكثرة األمالالوال ل بقالاليم األخالال ق‬

‫والدين والعقيدة‪ ،‬فاهلل عز وجل يوضح يف كتابه الكالالريم أن الالالذي يتصالالف بصالالفة الكالالرب مالالن‬
‫ون ْيف األَر ْ‬
‫ض بْ َغ ْري‬ ‫ف َعن آي ْ ْ‬ ‫املستحيل أن يتبع ايد‪ ،‬قال اهلل عز وجل { َس َأ ْ‬
‫اِت ا ِللذي َن َي َتك ِل ُ‬
‫َرب َ‬ ‫َ َ‬ ‫رص ُ‬
‫اي ِّد وإْن يروا ك ِلُل آي ٍة ل يؤ ْمنُوا ْهبا وإْن يروا سبْ َيل الرشالال ْد ل يت ْ‬
‫ِلخالال ُذو ُه َسالالبْي ً َوإْن َيالال َروا َسالالبْ َيل‬ ‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫َ َ ََ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ََ‬
‫ِلخ ُذو ُه َسبْي ً َذلْ َك بْ َأ ِلهنُم ك ِلَذ ُبوا بْآ َياتْنَا َوكَانُوا َعن َهالالا َ الافْ ْل َ‬
‫ني} [األعالالراف ‪ ]146‬أي أن‬ ‫ال َغي يت ْ‬
‫ِّ َ‬
‫اهلل عز وجل بنفسه هو الذي سيرصف أولئك الذين يتكربون عن آياته سبحانه وتعاس‪.‬‬

‫ومن الناس من منعه اخلوف عىل السيادة وايكم يف أرض مكة‪ ،‬فالرسول ﷺ يريد حتكالاليم اهلل‬

‫عز وجل يف أمور العبادة‪ ،‬وهو ﷺ ناقل عن ر العزة‪ ،‬وسيسحب البسالالاط مالالن حتالالت أقالالدام‬

‫الزعامء كالأيب سفيان‪ ..‬و ريه؛ وذلك إن انترش دين اإلس م بمكة‪ ،‬فكان اخلالالوف عالالىل ايكالالم‬

‫معوق ًا ضخ ًام ل نخراط يف الدعوات الصاية‪.‬‬

‫ومن الناس يف مكة من كان خياف عىل مصايه املالية؛ ألنالاله مسالالتفيد مالالن الوضالالع ايالالا ملكالالة‬

‫بحالتها الكافرة الرشاكية‪ ،‬فمكة بلد آمن‪ ،‬و ط أنظار أهل اجلزيالالرة العربيالالة‪ ،‬والت‪،‬الالارة فيهالالا‬

‫مد ًا ﷺ لتحول البلد اآلمن إس بلد فتن وحالالرو ‪ ،‬وهالالذا‬ ‫أشد ما تكون‪ ،‬ولو حار العر‬

‫‪122‬‬
‫جو ل يساعد عىل الت‪،‬ارة‪ ،‬كام أن املرشكني الذين يمثلون البية أو كل سكان اجلزيرة العربيالالة‬

‫قد يرفضون القدوم إس مكة بعد إس مها‪ ،‬بل وقد حيارصون مكة اقتصادي ًا‪ ،‬فامذا لو آمن تالالاجر‬

‫من كبار الت‪،‬ار خارج مكة‪ ،‬ألن يمنع عن مكة الطعام والت‪،‬ارة؟ وقد حد ذلك بعد سنوات‬

‫فع ً‪ ،‬فعندما أسلم ثاممة بن أثال ملك الياممالالة را اهلل عنالاله وأرضالالاه منالالع الطعالالام عالالن مكالالة‬

‫فتأذت بذلك‪ .‬اخلوف عىل املصالح املادية والشخصية والت‪،‬ارية كان سبب ًا رئيسالال ًا لعالالدم قبالالول‬

‫بعض املرشكني لفكرة اإلس م‪.‬‬

‫ومن الناس يف مكة من كان خياف عىل شهواته وملذاته؛ ألن اإلس م دعوة إص حية تدعو إس‬

‫الفضيلة ومكارم األخ ق‪ ،‬والبعد عن املعايص والذنو ‪ ،‬وأهالالل الباطالالل ل يريالالدون قيالالود ًا‪،‬‬

‫فالدعوات التي متنع الزنا واإلباحية والظلم والفساد لبد أن حتار ‪ ،‬وعىل قدر انغامس الرجل‬

‫يف شهواته عىل قدر حربه لإلس م‪.‬‬

‫أَيا األحبة؛ إننا ل نتكلم فقط عن تاريخ مكة‪ ،‬فهذه املوانع التي وجالالدت يف أهالالل مكالالة كانالالت‬

‫موجودة أيض ًا يف العصور التي سبقتها وتلتها وإس يوم القيامة؛ ألهنالالا سالالنن يف الفطالالرة النفسالالية‬

‫للبرش بصفة عامة متنع من اللتحاق بالدعوات الصاية‪ ،‬لبد أن نعرفها مالالن أجالالل أن نعالالرف‬

‫كيف سنقاومها‪.‬‬

‫ومن الناس من منعه باؤه وانغ ق فكره عن الدخول يف هذا الدين‪ ،‬اعتاد أن اآلهلة متعالالددة‪،‬‬

‫فلام جاءه رجل خيربه أن اهلل واحد ل رشيك له ا يقبالالل عقلالاله هالالذا األمالالر‪ ،‬قالالال تعالالاس عالالنهم‬

‫احدً ا إْ ِلن َه َذا َل ََش ٌء ُع َ‪،‬ا ٌ { [ص ‪ ،]5‬ولكن الع‪،‬يب فع ً أن يعتقد إنسان‬ ‫اآلهل َة إْ َهلا و ْ‬
‫ْ‬
‫} َأ َج َع َل َ ً َ‬
‫أن يف الكون أكثر من إله‪ ،‬والقضية قضية عقلية بحتة‪ ،‬قال اهلل عز وجل } َما ِلاخت ََذ اهللِلُ ْمالالن َو َلالال ٍد‬
‫ض ُسالالب َح َ‬
‫ان اهللِلْ َعالال ِلام‬ ‫ب ك ‪ُ،‬ل إْ َل ٍه ْبالال َام َخ َلالال َد َو َل َعالال َبع ُضالال ُهم َعالال َىل َبعالال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬
‫َان َم َع ُه من إْ َله إْ ًذا َل َذ َه َ‬
‫َو َما ك َ‬
‫َان فْ ْيهام ْ‬
‫آهل َ ٌة إْ ِلل اهللِلُ َل َف َسالالدَ تَا َف ُسالالب َح َ‬ ‫َي ْص ُف َ‬
‫ان اهللِلْ َر ِّ‬ ‫ون{ [املؤمنون ‪ ،]91‬هذا دليل عق } َلو ك َ َ‬
‫‪123‬‬
‫ش َع ِلام َي ْص ُفون{ [األنبياء ‪ .]22‬والغريب أن الكفار كانوا يناقضالالون عقالالوهلم‪ ،‬وكالالأهنم ل‬
‫ال َعر ْ‬

‫ون ْ َهبالالا‬ ‫ون ْ َهبا َو َهلُم آ َذ ٌ‬


‫ان ل َيس َم ُع َ‬ ‫رص َ‬ ‫ْ‬ ‫ون ْ َهبا َو َهلُم َأع ُ ٌ‬
‫يسمعون أص ً } َهلُم ُق ُلو ٌ ل َيف َق ُه َ‬
‫ني ل ُيب ُ‬
‫ون{ [األعراف ‪ ،]179‬كالالان الكفالالار يناقضالالون‬ ‫ُأو َل ْئ َك كَاألَن َعا ْم َبل ُهم َأ َض ‪،‬ل ُأو َل ْئ َك ُه ُم ال َغافْ ُل َ‬

‫أنفسهم يف قضية وحدانية اهلل عز وجل‪ ،‬واسمع إس قوله سبحانه وتعاس يف كتابه الكريم } ُقالالل‬
‫يهالالا إْن كُنالالتُم تَع َل ُمالال َ‬‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ون ق ُقالالل َمالالن َر ‪،‬‬ ‫ون هللِلْ ُقالالل َأ َفالال َتالال َذك ُِلر َ‬
‫ون ق َسالال َي ُقو ُل َ‬ ‫َمل ْن األَر ُض َو َمن ف َ‬
‫ون ق ُقل َمن بْ َيالال ْد ْه َم َل ُكالال ُ‬
‫وت‬ ‫ون هللِلْ ُقل َأ َف َت ِلت ُق َ‬ ‫ش ال َعظْي ْم ق َس َي ُقو ُل َ‬ ‫السب ْع َو َر ‪ ،‬ال َعر ْ‬ ‫ْ‬
‫الس َم َوات ِل‬
‫ِل‬
‫ون ق َبالالل‬‫ون هللِلْ ُقالالل َفالال َأنِلى تُسالال َح ُر َ‬ ‫ون ق َسالال َي ُقو ُل َ‬ ‫ك ُِّل َيش ٍء َو ُه َو ُ ْ ُري َول ُ َ ُار َع َلي ْه إْن كُنتُم تَع َل ُم َ‬

‫ون{ [املؤمنون ‪ ]90-84‬فإذا كان اهلل عالالز وجالالل متصالالالرف ًا يف كالالل‬ ‫َاهم بْاي ِّد وإْهنم َلك ْ‬
‫َاذ ُب َ‬ ‫َأتَين ُ‬
‫َ َ ِل ُ‬
‫يشء كام تعرتفون‪ ،‬فلامذا حتكِّمون ريه؟! هذه هي النقطة التي انغلقالالت عقالالوهلم عالالن اإلجابالالة‬

‫عنها‪.‬‬

‫ومن الناس من منعه باؤه عن استيعا فكرة أن اهلل عز وجل يرسالالل رسالالولً مالالن البشالالالر‪ ،‬ا‬

‫ِلاس َأن ُيؤ ْم ُنالالوا‬


‫يدرك عقله البسيط ايكمة من وراء ذلك‪ ،‬بل كانوا يريدون ملك ًا } َو َما َمن ََع الن َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ول{ [اإلواء ‪ ،]94‬فريد اهلل عز وجل علالاليهم‬ ‫رشا َر ُس ً‬ ‫إذ َجا َء ُه ُم اهل ُدَ ى إ ِلل َأن َقا ُلوا َأ َب َع َ اهللِلُ َب َ ً‬
‫الس َام ْء َم َل ًكالالا‬ ‫ْ‬ ‫ون ُمط َم ْئن َ‬
‫ِّني َلن ِلَزلنَا َع َلي ْهم م َن ِل‬ ‫ض َم ْئ َك ٌة َيم ُش َ‬ ‫َان ْيف األَر ْ‬ ‫برد عق أيض ًا } ُقل َلو ك َ‬

‫َر ُس ً‬
‫ول{ [اإلواء ‪ ،]95‬لو نزل ملك ًا فكيف تستطيع تقليده؟ كيالالف سالالتتخذه قالالدوة؟ إذا قالالام‬

‫الليل‪ ،‬ستقول هذا من شأنه‪ ،‬أنا برش وهو ملك‪ ،‬إذا حار يف سبيل اهلل‪ ،‬إذا فعالالل أي يشء يف‬

‫سبيل اهلل عز وجل ستقول هو ملك وأنا برش فالال أسالالتطيع أن أفعالالل فعلالاله‪ ،‬ولالالو أنزلالاله ملكالال ًا‬

‫يتلبس بصورة البرش‪ ،‬لقال الناس هل يا ترى هو ملك أو برش؟ يلتالالبس عالالىل النالالاس أمالالرهم‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫} َو َقا ُلوا َلول ُأ ْنز َل َع َليه َم َل ٌك َو َلو َأ َنزلنَا َم َلكًا َل ُق َ‬
‫ِض األَم ُر ُث ِلم ل ُين َظ ُر َ‬
‫ون{ [األنعام ‪ ،]8‬قضالالت‬

‫حكمة اهلل عز وجل أنه إذا نزل امللك عىل القوم نزل بالعالالذا ‪ ،‬نالالزل باهللكالالة بعالالد أن يكالالذبوا‬

‫‪124‬‬
‫ِض األَم ُر ُث ِلم ل ُي َ‬‫ْ‬
‫ون ق َو َلالالو َج َعل َنالالا ُه َم َل ًكالالا َ َ‬
‫جل َعل َنالالا ُه َر ُجالال ً {‬ ‫نظالال ُر َ‬ ‫الرسول } َو َلو َأ َنزلنَا َم َلكًا َل ُق َ‬
‫جل َعلنَا ُه َر ُج ً َو َل َل َبسنَا َع َلي ْهم‬
‫[األنعام ‪ ]9-8‬من أجل أن يستطيعوا تقليده } َو َلو َج َعلنَا ُه َم َلكًا َ َ‬
‫َما َيلبْ ُس َ‬
‫ون{[األنعام ‪ ،]9‬فإن الناس ستضطر وتتحري‪ ،‬ولن تستطيع معرفة ما إذا كالالان فعالال ً‬

‫هو ملك أو هو رسول برش‪.‬‬

‫ومن الناس من منعه باؤه من استيعا فكرة البع واليوم اآلخالالر‪ ،‬وهالالذه كانالالت مالالن أكالالرب‬

‫املشاكل بالنسبة هلم؛ ألن قياسه لألمور بقياساته املحدودة‪ ،‬ولو أدرك قدرة اهلل عز وجل لعلالالم‬

‫أنه ل يع‪،‬زه يشء يف األرض ول يف السامء‪ ،‬يقول اهلل عز وجل يصف حاهلم } َو َأق َسالال ُموا ْبالالاهللِلْ‬

‫وت{ [النحل ‪ ،]38‬هذا قسم أقسموا عليه متيقنالالني أن اهلل عالالز‬ ‫َجهدَ َأي َام ْ ْهنم ل َيب َع ُ اهللِلُ َمن َي ُم ُ‬

‫اس ل‬ ‫وجل ل يبع من يموت فرد اهلل عليهم بقوله } َب َىل َوعالالدً ا َع َليالال ْه َح ًّقالالا َو َل ْكالال ِلن َأك َثالال َر ِل‬
‫النالال ْ‬

‫َيع َل ُم َ‬
‫ون{ [النحل ‪ .]38‬انظر إس موقف العاص بن وائل عندما جاء إس رسول اهلل ﷺ ويف يده‬

‫عظم رميم وهو يفتته ويذروه يف اهلواء‪ ،‬وهو يقول يا مد؛ أتزعم أن اهلل يبعالال هالالذا؟ فقالالال‬

‫رسول اهلل ﷺ نعم‪ ،‬يميتك اهلل تعاس‪ ،‬ثم يبعثك‪ ،‬ثم حيرشك إس النار‪ ،‬ثم نزلت اآليات ختاطب‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬
‫ني ق‬ ‫ان َأ ِلنالالا َخ َلق َنالالا ُه مالالن نُط َفالالة َفالالإْ َذا ُهالال َو َخصالال ٌ‬
‫يم ُم ْبالال ٌ‬ ‫نس ُ‬ ‫العقول‪ ،‬قال اهلل عز وجل } َأ َو َا َي َر ْ‬
‫اإل َ‬
‫نش َأ َها َأ ِلو َل َم ِلر ٍة‬
‫يها ا ِلل ْذي َأ َ‬
‫يم ق ُقل ُحي ْي َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َِس َخل َق ُه َق َال َمن ُحي ْي الع َظا َم َوه َي َرم ٌ‬
‫ْ‬
‫َض َ َلنَا َم َث ً َون َ‬‫َو َ َ‬
‫ْ‬
‫يم{ [يس ‪ ،]79-77‬هذا هو الدليل األول عىل بدء اخللد‪.‬‬ ‫َو ُه َو بْك ُِّل َخل ٍد َعل ٌ‬
‫َض نَارا َفإْ َذا َأنالالتُم ْمنالاله ت ْ‬ ‫الدليل الثاين }ا ِلل ْذي َج َع َل َلكُم ْم َن ِل‬
‫ُوقالالدُ َ‬
‫ون{ [يالالس ‪]80‬‬ ‫ُ‬ ‫الش َ‪ْ ،‬ر األَخ َ ْ ً‬
‫أي خلد اهلل عز وجل من الش‪،‬ر األخَض امل ء باملاء النار‪ ،‬فهو قادر عالالىل كالالل يشء سالالبحانه‬

‫اد ٍر َع َىل َأن َخي ُلالال َد ْمالالث َل ُهم‬


‫ات واألَر َض بْ َق ْ‬
‫ْ‬
‫الس َم َو َ‬
‫ْ‬
‫} َأ َو َلي َس ا ِللذي َخ َل َد ِل‬ ‫وتعاس‪ .‬ثم الدليل الثال‬

‫اس‬ ‫رب ْمالالن َخلالال ْد ِل‬


‫النالال ْ‬ ‫ب َىل و ُهو اخل ِل ُق الع ْليم{ [يس ‪ ،]81‬وقال } َخلل ُد السمو ْ‬
‫ات َواألَر ْ‬
‫ض َأك َ ُ‬ ‫ِل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َو َل ْك ِلن َأك َث َر الن ْ‬
‫ِلاس ل َيع َل ُم َ‬
‫ون{ [ افر ‪.]57‬‬

‫‪125‬‬
‫ُوت ُكالال ِّل َيش ٍء‬
‫ان ا ِلل ْذي بْ َي ْد ْه َم َلك ُ‬ ‫ثم قال }إْن َِلام َأم ُر ُه إْ َذا َأ َرا َد َشي ًئا َأن َي ُق َ‬
‫ول َل ُه كُن َف َيك ُ‬
‫ُون ق َف ُسب َح َ‬

‫َوإْ َلي ْه تُر َج ُع َ‬


‫ون{ [يس ‪.]83-82‬‬

‫بل إن من الناس من أهل مكة من كان شديد الغباء حتى اعرتض عالالىل القالالرآن الكالالريم نفسالاله‪،‬‬

‫اطالال ُل ْمالالن‬
‫والقرآن الكريم ك م اهلل عز وجل ل يشبهه ك م البرش ول يستطيعونه }ل يأتْ ْيه الب ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َنز ٌيل ْمن ح ْكي ٍم َمحْ ٍ‬
‫يد{ [فصلت ‪ ،]42‬والعر يف زمان رسالالول اهلل ﷺ‬ ‫ني َيدَ ي ْه َول ْمن َخل ْف ْه ت ْ‬
‫َب ْ‬
‫َ‬
‫أعلم أهل األرض باللغة العربية‪ ،‬وأكثرهم إتقان ًا هلا‪ ،‬وكانوا يعلمون متام العلم أن هذا ليس يف‬
‫ْ‬
‫مقدورهم‪ ،‬وليس يف مقدور عموم البرش‪ ،‬ولكن } َفإْ ِلهنَا ل َتع َمى األَب َص ُار َو َلكن تَع َمى ال ُق ُلو ُ‬
‫ْ‬
‫ور{ [ايآ ‪ ،]46‬قالوا عن القرآن إنه شعر‪ ،‬وسحر‪ ،‬وكهانة‪.‬‬ ‫ا ِللتي ْيف ‪،‬‬
‫الصدُ ْ‬

‫هذه و ريها كانت موانع للناس عن النضامم يف دعوة اإلسالال م العظيمالالة‪ ،‬وبالالدءوا خيططالالون‬

‫ويدبرون للكيد هلذا الدين‪ ،‬واير بني ايد والباطل سنة ماضية إس يوم القيامالالة } َو ‪،‬دوا َلالالو‬
‫ون ك ََام َك َف ُروا َف َتكُون َ‬
‫ُون َس َوا ًء{ [النساء ‪.]89‬‬ ‫تَك ُف ُر َ‬

‫املراحل السلمية لصد الدعوة اإلس مية‬

‫الدعوات الصحيحة لبد أن حتار ‪ ،‬ولبد أن تمع عليها أهل الباطل‪ ،‬قد تؤجل املعركة‪ ،‬قد‬

‫تأخذ صور ًا خمتلفة‪ ،‬ولكن لبد هلا من حدو ‪.‬‬

‫بدأ الكفار يف الكيد‪ ،‬وسلكوا السبيل الذي سلكه من قبلهم يف صدر التالالاريخ‪ ،‬والالالذي سالاللكه‬

‫َتدَ لْ ُسالالن ِْلة‬


‫أمثاهلم إس يومنا هذا‪ ،‬والذي سيظل كذلك إس يوم القيامة‪ ،‬سنة اهلل عز وجل { َو َلن َ ْ‬

‫‪ ]62‬بدءوا يأخذون خطوات متدرجة إليقاف املد اإلسالال مي‪ ،‬ونفالالس‬ ‫اهللِلْ تَب ْدي ً } [األحزا‬
‫اصالالوا ْبالال ْه َبالالل ُهالالم َقالالو ٌم َطالالا ُ َ‬
‫ون}‬ ‫اخلطوات تتكرر يف كالالل زمالالان‪ ،‬يقالالول اهلل عالالز وجالالل { َأت ََو َ‬

‫‪126‬‬
‫[الذاريات ‪ ،]53‬فهل أوىص بعضهم بعضالال ًا بالالنفس األسالالاليب ونفالالس الطالالرق؟ قالالد ختتلالالف‬

‫اخت فات طفيفة لخت ف الزمان أو املكان‪ ،‬لكن األفكار واحدة‪ ،‬وطرق الصد واحدة‪.‬‬

‫املرحلة األوس حتييد أنصار الرسول ﷺ وختويفهم‬

‫من مراحل صد الدعوة اإلس مية املحاولت السلمية حتييالالد أنصالالار رسالالول اهلل ﷺ يف مكالالة‬

‫املكرمة‪ ،‬ل يوجد إل شخص واحد يعلن نرصته لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهو أبو طالالالب‪ ،‬فالالذهبوا إس‬

‫أيب طالب‪ ،‬وقالوا له إن ابن أخيك هذا قد آذانا يف نادينا ومس‪،‬دنا فاهنه عنالالا‪ ،‬فعنالالدما اسالالتمع‬

‫أبو طالب إس هذه الكلامت تأثر وقال لرسول اهلل ﷺ إن بني عمك هؤلء زعموا أنك تؤذَيم‬

‫يف نادَيم ومس‪،‬دهم‪ ،‬فانته عن أذاهم‪ ،‬فرفع رسول اهلل ﷺ برصه إس السامء وقال هلالالم تالالرون‬

‫الشمس؟ قالوا نعم‪ ،‬قال فام أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم عىل أن تشعلوا منها بشعلة‪ .‬أي لالالو‬

‫استطعتم أن تشعلوا من هالالذه الشالالمس شالالعلة‪ ،‬فأنالالا ل أسالالتطيع أن أتالالرك هالالذا الالالدين‪ ،‬فقالالال‬

‫أبوطالب ‪-‬وانتبه لتغريه الكبري‪ ،‬فمن يظات كان متأثر ًا بك م قريك‪ ،‬وكان يريد منالالع رسالالول‬

‫اهلل ﷺ ملنع األذى عن قريك‪ ،‬ثم بعد أن رأى ثبات رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قالالال أبالالو طالالالب واهلل مالالا‬

‫كذ ابن أخي قط؛ فارجعوا راشدين‪ ،‬فأمر القوم أن يعودوا ويرتكوا مد ًا ﷺ‪.‬‬

‫ص بة الداعية وثقته يف اهلل عز وجل ويف دينه‪ ،‬وتعظيمه ألمر األمانة التي حيملها يلقالالي بآثالالاره‬

‫عىل من حوله‪ ،‬وتنتقل هذه الص بة انتقالً طبيعي ًا منه إس أتباعه وأحبابه ومقربيه‪ ،‬بالالل انتقلالالت‬

‫إس أيب طالب وهو كافر‪ ،‬لكن إرصار رسول اهلل ﷺ جعله يرد أهل الكفر دون إجابة لطلالالبهم‪،‬‬

‫مع أنه ل يرجو جنة ول خياف من نار‪ ،‬فكيف باملؤمنني؟! ثم إن هذه الص بة من الداعية تالالؤثر‬

‫سلب ًا عىل أعدائه‪ ،‬إن العدو املدجآ بالس ح صاحب القوة والسالاللطان والتنكيالالل عنالالدما يالالرى‬

‫داعية صلب ًا مستمسك ًا بمبادئه وإس مه يتزلزل كيانه ويتضاءل أمام الداعية‪ ،‬مهام كان يف هيئتالاله‬

‫‪127‬‬
‫اخلارجية ممكن ًا‪ ،‬وكلام رأيت العدو الذي أمامك يكثالالر مالالن ايراسالالة واجليالالوش والتحصالالينات‬

‫فاعلم أنه خياف منك أكثر مما ختاف أنت منه‪ ،‬ف هتتز‪.‬‬

‫فشلت املحاولة السلمية األوس يف حتييد أو ختويف أيب طالب واستمر الرسول ﷺ يف دعوته‪.‬‬

‫املرحلة السلمية الثانية تشويه صورة الداعية أمام الناس‬

‫تشويه صورة الداعية أمام الناس‪ ،‬وكانت حرب ًا إع مية كبرية بقيادة الوليد بن املغرية وأيب هلب‬

‫و ريمها‪ ،‬فهذا حتالف من قبائل خمتلفة ير اإلس م‪ ،‬فهذا أبو هلب من بني هاشالالم‪ ،‬والوليالالد‬

‫بن املغرية من بني خمزوم‪ ،‬فبنو هاشم ر م عداوهتا لبني خمزوم إل أهنا متفقة معها اآلن يف خطة‬

‫لشن حر إع مية عىل رسول اهلل ﷺ‪ .‬فأقاموا مؤمتر ًا ضالالم معظالالم الفصالالائل املكيالالة يف ذلالالك‬

‫الوقت‪ ،‬وكان من الواضح أن الوليد بن املغرية هو الذي يتالالزعم هالالذا املالالؤمتر‪ ،‬قالالال الوليالالد يالالا‬

‫معرش قريك؛ إنه قد حَضالال املوسالالم‪ ،‬وإن وفالالود العالالر سالالتقدم علالاليكم‪ ،‬وقالالد سالالمعوا بالالأمر‬

‫صاحبكم هذا ‪-‬يقصد رسول اهلل ﷺ‪ ،-‬فأَجعوا فيه رأي ًا واحد ًا‪ ،‬ول ختتلفوا فيكذ بعضالالكم‬

‫بعض ًا‪ ،‬ويرد قولكم قول بعض‪ .‬ويتضح أن الوليد بن املغرية حيار اإلس م بذكاء‪ ،‬فهو يريالالد‬

‫أن مع أقوال الناس يف قول واحد؛ حتى يكون مقنع ًا للناس يف إعراضهم عن رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫قالوا فأنت يا أبا عبد شمس قل وأقم لنا رأي ًا نقول به‪ ،‬فقال بل أنالالتم قولالالوا أسالالمع‪ ،‬يريالالد أن‬

‫خيرج كل ما يف أنفسهم‪ ،‬فبدءوا يفكرون يف كذبة مناسبة‪ ،‬ولنعلم أهنم يعلمالالون أن مالالا يقولونالاله‬

‫هذا ليس صواب ًا‪ ،‬ولكنهم يفرتون عىل اهلل عز وجل الكذ ‪ ،‬فقالوا هالالو كالالاهن‪ ،‬والوليالالد بالالن‬

‫املغرية ذكي‪ ،‬قالالال مالالا هالالو بكالالاهن‪ ،‬لقالالد رأيالالت الكهالالان فالالام هالالو بزمزمالالة الكالالاهن وسالال‪،‬عه‪.‬‬

‫أي أن لن يقتنع الناس إذا قلتم بأنه كاهن فقالوا هو جمنون‪ ،‬فقال ما هو بم‪،‬نون‪ ،‬لقالالد رأينالالا‬

‫اجلنون وعرفناه‪ ،‬فام هو ختنقه ول ختاجلالاله ول وسوسالالته‪ ،‬يكفالالي مالالن هالالذه األلفالالا أنالاله لالاليس‬

‫باجلنون‪ ،‬فقالوا هو شاعر‪ ،‬فقال ما هو بشاعر‪ ،‬قد عرفنا الشالالعر برجالالزه وقريضالاله ومقبوضالاله‬
‫‪128‬‬
‫ومبسوطه‪ ،‬فام هو بالشعر‪ .‬عرفنا كل أنواع الشعر‪ ،‬وهالالذا بالالالتحقيد لالاليس شالالعر ًا‪ ،‬قالالالوا هالالو‬

‫ساحر‪ ،‬قال ما هو بساحر‪ ،‬لقد رأينا السحار وسحرهم‪ ،‬فام هالالو بنفثالاله ول عقالالده‪ .‬قالالالوا فالالام‬

‫تقول يا أبا عبد شمس؟ فقال الوليد بن املغالالرية واهلل إن لقولالاله يالال وة‪ ،‬وإن أصالالله لعالالذق ‪-‬‬

‫العذق هي النخلة‪ ،-‬وإن فرعه جلناه ‪-‬ما نى من الثمر‪ ،-‬وما أنتم بقائلني مالالن هالالذا شالاليئ ًا إل‬

‫عرف أنه باطل‪ ،‬وإن أقر القول ‪-‬يعني هو يعلم أن هذا القول ليس بصالالحيح‪ ،‬ولكالالن أكالالرب‬

‫كذبة من املمكن أن تنط عىل الناس هي هذه الكذبة‪ -‬أن تقولوا جاء بقول هو سالالحر‪ ،‬وهالالو‬

‫ساحر ري تقليدي‪ ،‬ليس كالناس املعروفني بالسحر عن طريد النف والعقالالد‪ ،‬ولكنالاله يسالالحر‬

‫بسحر يفرق به بني املرء وأبيه‪ ،‬وبني املرء وأخيه‪ ،‬وبني املرء وزوجه‪ ،‬وبني املرء وعشريته‪ .‬يعلالالم‬

‫أنه يكذ ‪ ،‬ومع ذلك ش‪،‬ع الناس لتكذ ؛ لكي حتار الدعوة‪ .‬فنالالزل قالالول اهلل عالالز وجالالل‬

‫ت َل ُه َمت ْهيدً ا ق ُث ِلم‬ ‫{ َذر ْين َو َمن َخ َلق ُت َو ْحيدً ا ق َو َج َعل ُت َل ُه َم ًال َممدُ و ًدا ق َو َبنْ َ‬
‫ني ُش ُهو ًدا ق َو َم ِلهد ُ‬

‫َان ْآل َياتْنَا َعنْيدً ا ق َس ُأر ْه ُق ُه َص ُعو ًدا} [املالالدثر ‪ ،]17 - 11‬وانظالالر إس‬ ‫َيط َم ُع َأن َأ ْزيدَ ق َك ِل إْ ِلن ُه ك َ‬

‫التصوير للحالة النفسية التي كان فيها الوليد بالالن املغالالرية وهالالو يفكالالر كيالالف حيالالار الالالدعوة‬

‫ف َقدِل َر ق ُث ِلم ُقتْ َل كَي َ‬


‫ف َقدِل َر ق ُث ِلم َن َظ َر ق ُث ِلم َع َب َس‬ ‫{ َس ُأر ْه ُق ُه َص ُعو ًدا ق إْ ِلن ُه َفك َِلر َو َقدِل َر ق َف ُقتْ َل كَي َ‬

‫رس} [املدثر ‪ ،]22 - 17‬رصاع نفِس داخ عنيف بني علمه بايد وبني إنكاره له‪ ،‬وهكالالذا‬
‫َو َب َ َ‬
‫نفسية الكافر املضطربة‪ ،‬ثم ماذا كانت النتي‪،‬ة بعد كل هذا التفكري الشديد الطويل؟ { ُثالال ِلم َأد َبالال َر‬

‫رش} [املالالدثر ‪ ،]25 - 23‬فالالام هالالو‬ ‫رب ق َف َق َال إْن َه َذا إْ ِلل ْسح ٌر ُيؤ َث ُر ق إْن َه َذا إْ ِلل َقو ُل ال َب َ ْ‬
‫َواستَك َ َ‬
‫العقا ؟ { َس ُأص ْل ْيه َس َق َر} [املدثر ‪.]26‬‬

‫من سنن اهلل عز وجل أن يقف الكافرون ضد ايد وهم يعلمالالون أن هالالذا حالالد‪ ،‬فهالالم يقفالالون‬

‫وحياربون الدعوة بكامل طاقتهم‪ ،‬كام فعل الوليد بن املغرية وكام فعل أبو هلب و ريمها‪ ،‬ثم مالالع‬

‫كل هذا اإلعداد ومع كل هذا املؤمتر الضخم‪ ،‬إل أهنم ليسوا بموفقني؛ ألن اهلل عز وجل بنفسه‬

‫‪129‬‬
‫حيارهبم‪ ،‬اإلمكانيات اإلع نية لرسول ﷺ كانت أقل بكثالالري مالالن إمكانيالالات الكالالافرين‪ ،‬ومالالع‬

‫ذلك كان يصل إس الناس؛ ألنه يقول ايد‪ ،‬وشتان بني ايالالد والباطالالل‪ ،‬وهالالي رسالالالة إس كالالل‬

‫الدعاة ل حيبطنك سطوة إع ن املحاربني لدعوة اهلل عالالز وجالالل { َول َحي َسالال َب ِلن ِلالالال ْذي َن ك ََفالال ُروا‬
‫َس َب ُقوا إْ ِلهنُم ل ُيع ْ‪ُ ،‬ز َ‬
‫ون} [األنفال ‪ .]59‬أول ور سلكه أهل الباطل يف حر تشالالويه صالالورة‬

‫الدعوة اإلس مية‬

‫املرحلة السلمية الثالثة تشويه الدعوة‬

‫تشويه الدعوة ذاهتا‪ ،‬وتشويه اإلس م‪ ،‬وأنه يدعو إس أشياء خرافية ليست حقيقة‪ ،‬فحتى لالالو ا‬

‫يكن للناس اعرتاض عىل شخص الداعية‪ ،‬فهناك اعرتاض عىل ك م الداعية‪ ،‬يعنالالي اإلعالال ن‬

‫يف مكة كان يَض تارة يف شالالخص الرسالالول ﷺ أو يف شالالخص الداعيالالة‪ ،‬وتالالارة يضالالالر يف‬
‫رتا ُه َو َأ َع َانالال ُه َع َليالال ْه َقالالو ٌم َ‬
‫آخالال ُر َ‬
‫ون} [الفرقالالان ‪ ،]4‬أي هالالذا‬ ‫اإلس م‪ ،‬قالوا {إْن َه َذا إْ ِلل إْف ٌك اف َ َ‬
‫ني اك َت َت َب َها َف ْهالال َي ُمتالال َىل َع َليالال ْه ُبكالال َر ًة َو َأ ْصالالي ً }‬
‫كذ ألفه بمساعدة آخرين‪َ { ،‬و َقا ُلوا َأ َساطْ ُري األَ ِلولْ َ‬

‫[الفرقان ‪ ،]5‬أي كتب األولني استنسخها‪ .‬مع أهنم يعلمون أنه أمي ل يقرأ‪ ،‬ويعلمون حياتالاله‬

‫من أوهلا إس آخرها‪ ،‬وما ادر مكة إل قلي ً‪ ،‬وا يكن يغادرها بمفرده‪ ،‬فكيف عالالرف كالالل هالالذا‬
‫ون إْ َلي ْه َأع َ‪ْ ،‬م ٌّي َو َه َذا لْ َسالال ٌ‬
‫ان‬ ‫ان ا ِلل ْذي ُيل ْحدُ َ‬
‫رش لْ َس ُ‬ ‫القرآن؟ { َو َل َقد نَع َل ُم َأ ِلهنم َي ُقو ُل َ ْ‬
‫ون إن َِلام ُي َع ِّل ُم ُه َب َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫م نصالالالراين‪،‬‬ ‫يب ُمبْ ٌ‬
‫ني} [النحل ‪ ،]103‬فقد ادعوا أن رسول اهلل ﷺ يتعلم القرآن عىل يد‬ ‫َع َر ْ ٌّ‬
‫وهم كاذبون‪ ،‬ولكنهم كام قال اهلل عز وجل { َو َج َحدُ وا ْ َهبا َواستَي َقنَت َها َأن ُف ُس ُهم} [النمل ‪.]14‬‬

‫وقاموا أيض ًا بتشويه فكرة التوحيد‪ ،‬وهذا يعترب طعن ًا يف أصل الرسالة‪ ،‬قالوا { َأجع َل ْ‬
‫اآلهل َ َة إْ َهلًا‬ ‫َ َ‬
‫احدً ا إْ ِلن َه َذا َل ََش ٌء ُع َ‪،‬ا ٌ } [ص ‪ ،]5‬وهذا الصوت العا للباطل قد يشتت أفكار العالالوام‪.‬‬ ‫و ْ‬
‫َ‬
‫ثم عملوا عىل تشويه فكرة البع { َو َق َال ا ِلل ْذي َن َك َف ُروا َهل نَدُ ‪،‬لكُم َع َىل َر ُج ٍل ُينَ ِّب ُئكُم إْ َذا ُمالال ِّزقتُم‬

‫رتى َع َىل اهللِلْ ك َْذ ًبا} [سبأ ‪ ،]8 - 7‬أهل مكالالة يالالدعون عالالىل‬ ‫ْ ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫ك ِلُل ُمم َ ِلزق إْ ِلنكُم َلفي َخل ٍد َجديد ق َأف َ َ‬
‫‪130‬‬
‫رتى َع َىل اهللِلْ ك َْذ ًبا َأم بْ ْه ْجنِل ٌة َبل‬
‫رسول اهلل ﷺ الكذ ‪ ،‬وقد كانوا يسمونه الصادق األمني‪َ { ،‬أف َ َ‬
‫الضالال ْل الب ْعيال ْ‬
‫الد} [سالالبأ ‪ .]8‬وعملالالوا عالالىل تشالالويه‬ ‫آلخ َر ْة ْيف ال َعالال َذا ْ َو ِل‬
‫ون ْبالالا ْ‬
‫ِلالالال ْذي َن ل ُيؤ ْم ُنالال َ‬
‫َ‬
‫ألخ قيات وطبائع هذا الدين‪ ،‬فقالوا رهذا دين يفرق بني املرء وزوجه‪ ،‬وبني املرء وأهلالاله)‪،.‬‬

‫مع أنه ا يأت دين مع الناس ويوحد صفوفهم مثل دين اإلسالال م‪ ،‬ولكالالن اإلسالال م يريالالد أن‬

‫يوحد الناس عىل أساس متني يستوي فيه أهل األرض َجيع ًا‪ ،‬وهو أسالالاس العقيالالدة‪ ،‬وهالالذا مالالا‬

‫تأباه قريك‪ .‬وهكذا يفعل أهل الباطل؛ دائ ًام يتهمون اإلسالال م يف ذاتالاله‪ ،‬كالالام يشالالوهون صالالورة‬

‫الداعية ويشوهون صورة الدين‪ ،‬واآلن نرى الناس يتهمون اإلس م بأنه دين اإلرها ‪ ،‬مع أنه‬

‫ا يأت دين يدعو إس الرمحة كدين اإلس م‪ ،‬ويتهمونه باجلمود الفكالالري‪ ،‬مالالع أنالاله ا يالالأت ديالالن‬

‫يدعو إس التفكر كدين اإلس م‪ ،‬ويتهمونه بالتخلف العق ‪ ،‬مع أنه ا يأت دين يدعو إس التعلم‬

‫والتفقه وعامرة األرض كدين اإلس م‪.‬‬

‫املرحلة السلمية الرابعة شغل الناس بالباطل واللهو عن ايد‬

‫شغل الناس بالباطل‪ ،‬فمن الصعب عىل القلب املنشغل بالباطل أن يلتفت إس دعوة إصالال حية‬

‫أو إس دعوة ايد‪ ،‬بل من الصعب عىل اإلنسان الذي رق يف حياة اللهو والتفاهة والنحالال ل‬

‫أن َيتم بدعوة جادة‪ .‬خطة قديمة ألهل الباطل أن يقدموا للناس فنون ًا خمتلفة من امللهيات‪ ،‬ف‬

‫يكون عندهم وقت ول عقل ول قلب لدراسة هذا الالالدين‪ ،‬التفالالت إس هالالذه اخلطالالة الشالاليطانية‬

‫رجل من كفار قريك‪ ،‬توس ما يسمى باإلع م املضاد لدين اإلس م‪ ،‬إع م مضاد بصورة الالري‬

‫مبارشة‪ ،‬هو ا يطعن يف دين اإلس م وا يطعن يف الرسول ﷺ مبالالارشة‪ ،‬لكنالاله سالاليقدم للنالالاس‬

‫مشهيات وملهيات تشغل الناس يف يومهم وليلتهم عن الدين‪ ،‬وهذا الرجالالل هالالو النضالالالر بالالن‬

‫ايار لعنه اهلل‪ ،‬وقف حياد قريش ًا عن خطته‪ ،‬فقال يا معرش قريك؛! واهلل لقالالد نالالزل بكالالم‬

‫م ًا حدث ًا أرضاكم فالاليكم وأصالالدقكم حالالديث ًا‬ ‫أمر ما أوتيتم له بحيلة بعد‪ ،‬قد كان مد فيكم‬

‫‪131‬‬
‫وأعظمكم أمانة‪ ،‬حتى إذا رأيتم يف صد يه الشيب وجاءكم بام جاءكم به قلتم ساحر‪ ،‬ل واهلل‬

‫ما هو بساحر‪ ،‬وقلتم كاهن‪ ،‬ل واهلل ما هو بكالالاهن‪ .‬يالالتكلم وكأنالاله يالالدافع عالالن الرسالالول ﷺ‪،‬‬

‫ولكنه يكابر‪ .‬وقلتم شاعر‪ ،‬ل واهلل ما هو بشاعر‪ ،‬وقلتم جمنون‪ ،‬ل واهلل ما هالالو بم‪،‬نالالون‪ ،‬يالالا‬

‫معرش قريك؛ فانظروا يف شأنكم‪ ،‬فإنه واهلل لقد نزل بكم أمر عظيم‪ .‬يقع الذين يصدون النالالاس‬

‫عن الدعوات اإلص حية وبالذات اإلس م يف املشكلة الضخمة‪ ،‬وهالالي أن الالالدعاة إس اهلل عالالز‬

‫وجل عادة ما يكونون عىل صورة طيبة‪ ،‬تفوق بكثري صورة أهل الباطالالل‪ ،‬مالالن صالالدق‪ ،‬وأمانالالة‬

‫وأد يف املعاملة‪ ،‬ومروءة يف األخ ق‪ ،‬وتفالالوق يف العلالالم‪ ،‬وحسالالن يف املنطالالد‪ ،‬فصالالعب عالالىل‬

‫الناس أن تقبل طعن ًا يف الداعية‪ ،‬وقد يصعب عليها أيض ًا أن تقبل طعن ًا يف الرسالة؛ ألن الرسالة‬

‫تتوافد مع فطرة الناس َجيع ًا‪.‬‬

‫اإلهلاء عن ايد كان وسيلة من وسائل الكفر يف حر اإلس م‪ ،‬فامذا فعل النَض بن ايالالار ‪،‬‬

‫ذهب النَض بن ايار إس ايرية يف العراق يتعلم منها فن ًا جديد ًا؛ لكي يلهي الناس به؛ يبالالذل‬

‫النَض بن ايار املال والوقت واجلهد والفكر للصالالد عالالن سالالبيل اهلل‪ ،‬ينفالالد أمالالوالً ضالالخمة‬
‫ون َأم َو َاهلُم لْ َي ُصد‪ ،‬وا َعن َسالالبْ ْ‬
‫يل‬ ‫وميزانيات هائلة لنرش اإلباحية وامل‪،‬ون {إْ ِلن ا ِلل ْذي َن َك َف ُروا ُين ْف ُق َ‬
‫ْ‬
‫ون} [األنفال ‪ .]36‬أخالالذ النضالالالر بالالن ايالالار‬ ‫ُون َع َلي ْهم َح َ‬
‫رس ًة ُث ِلم ُيغ َل ُب َ‬ ‫وهنَا ُث ِلم َتك ُ‬
‫اهللِلْ َف َس ُينف ُق َ‬
‫يتعلم أحادي ملوك الفرس وأحادي رسالالتم واسالالفنديار‪ ،‬أخالالذ يالالتعلم أسالالاطري وحكايالالات‬

‫وروايات وقصص ًا فيها تشويد وإثارة‪ ،‬وفيها جالالذ ل نتبالالاه‪ ،‬وتنشالاليط للشالالهوات‪ ،‬وإباحيالالة‬

‫أحيان ًا‪ ،‬و موض أحيان ًا أخرى‪ ،‬ورصاع يف أحيان ثالثة‪ ،‬ورومانسالالية يف أحيالالان رابعالالة‪ ،‬وهالالزل‬

‫وضحك وكوميديا يف أحيان خامسة‪ ،‬وهكذا سي‪،‬د ما يوافد كل ذوق‪.‬‬

‫ثم عاد النَض بن ايار هبذا التنوير وهبذا التطور وهبذا الرقالالي ‪-‬يف زعمالاله‪ -‬يرفالالع النالالاس يف‬

‫مكة إس مستوى حضارات الفرس كام يزعم‪ ،‬ثم بدأ يف حربالاله ضالالد رسالالول اهلل ﷺ‪ ،‬إذا جلالالس‬

‫‪132‬‬
‫رسول اهلل ﷺ جملس ًا جاد ًا رتم ًا يذكر باهلل‪ ،‬وير ب يف جنته‪ ،‬ويرهب من ناره‪ ،‬جلس النضالالالر‬

‫بن ايار بالقر منه حيد بحديثه اهلز ‪ ،‬ويمتع النالالاس برواياتالاله‪ ،‬ويقالالول واهلل مالالا مالالد‬

‫بأحسن حديث ًا مني‪ .‬وا يكتف بذلك النَض‪ ،‬بالالل اشالالرتى مطربالالات راقصالالات‪ ،‬فبالالدلً مالالن أن‬

‫تتخيالالل الراقصالالات وامل‪،‬الالون يف رواياتالاله‪ ،‬فلتشالالاهده عيان ال ًا بيان ال ًا بنفسالالك؛ إمعان ال ًا يف اإلهلالالاء‬

‫والتضليل‪ ،‬كلام سمع أن رج ً مال قلبه إس اإلس م سلط عليه املطربالالات والراقصالالات يلهينالاله‬

‫عن سامع ك م اإليامن‪ ،‬وكلام نشط رسول اهلل ﷺ نشط النَض بن ايار ؛ ألن هنالالاك مواسالالم‬

‫يكون فيها نشاط للدعوة‪ ،‬مثل موسم ايآ‪ ،‬يف هذه املواسم الدينية ينشط النَض بن ايار يف‬

‫اي ْدي ْ لْ ُي ْض ِلل َعن‬ ‫ِلاس َمن َيش َ ْرتي َهل َو َ‬ ‫ملهياته‪ ،‬فنزل فيه ويف أمثاله قول اهلل عز وجل { َو ْم َن الن ْ‬
‫ْ‬ ‫ِلخ َذ َها ُه ُز ًوا ُأو َل ْئ َك َهلُم َع َذا ٌ ُم ْه ٌ‬
‫يل اهللِلْ بْ َغ ْري ْعل ٍم ويت ْ‬
‫ني ق َوإْ َذا تُت َىل َع َليه آ َيا ُتنَا َو ِلس ُمسالالتَك ْ ً‬
‫ربا‬ ‫ََ‬ ‫َسبْ ْ‬

‫ك ََأن َا َيس َمع َها ك ََأ ِلن ْيف ُأ ُذنَي ْه َوق ًرا َف َب ِّرش ُه بْ َع َذا ٍ َألْي ٍم} [لقامن ‪.]7 - 6‬‬

‫وهكذا يتواطأ أهل الباطل هبذا املنهآ؛ شغل الناس بلهو ايدي ‪ ،‬وبالالالذات يف فالالرتات زيالالادة‬

‫اإليامن‪ ،‬ولعلنا بذلك نفهم أحداث ًا خفيت عىل بعضنا؛ نفهم مث ً النشاط اإلع مي الرهيالالب يف‬

‫شهر رمضان‪ ،‬تكدس ضخم لألعامل الفنية امللهية عن أي يشء جاد يف ايياة؛ ملهية عن الدين‬

‫و ري الدين‪ ،‬برامآ حافلة بالفساد‪ ،‬وقنوات تلفزيونية ل حرص هلالالا‪ ،‬وتنالالوع الالري مسالالبوق فالاليام‬

‫يقدم من أف م‪ ،‬ومتثيليات‪ ،‬ومرسحيات‪ ،‬وأ الالان‪ ،‬وعالالروض ك ميالالة‪ ،‬ورياضالالة‪ ،‬وحكايالالات‪،‬‬

‫وبرامآ ضاحكة‪ ،‬كل هذا يف شهر رمضان شهر الصيام والقيام والقرآن والزكاة والصدقة؛ ألن‬

‫هذا هو أكثر الشهور جدية يف السنة‪ ،‬واملؤمن يف هذا الشهر ل د وقتالال ًا لألنالالواع املختلفالالة مالالن‬

‫الطاعة التي يريد أن يقوم هبا‪ ،‬وقلب املؤمن يكون أكثالالر رقالالة واطمئنانالال ًا وإيامنالال ًا وقربالال ًا مالالن اهلل‬

‫تعاس؛ ألن الشياطني مصفدة‪ ،‬واملساجد مألى‪ ،‬وأعوان اخلري كثر؛ فهذه الثورة اإليامنية يف قلب‬

‫املؤمن تلفت أنظار أهل الباطل‪ ،‬فيتحركون بنشاط أكرب‪ ،‬ويكرسالالون جهالالدهم يف هالالذا الشالالهر‬

‫‪133‬‬
‫الكريم‪ ،‬وهذا ل خيفى عىل عاقل‪ ،‬وعىل أهل اإليامن أن حيذروا‪ ،‬وخطالالة النضالالالر بالالن ايالالار‬

‫قديمة حديثة‪ ،‬رأيناها بأعيننا وسمعناها يف السابد‪ .‬طريقة النَض بن ايار حالالار اإلسالال م‬

‫مازالت تطبد إس يومنا هذا‪ ،‬وسالالتظل تطبالالد إس يالالوم القيامالالة‪ ،‬وصالالدق اهلل العظالاليم إذ يقالالول‬
‫اصوا بْ ْه َبل ُهم َقو ٌم َطا ُ َ‬
‫ون{ [الذاريات ‪.]53‬‬ ‫} َأت ََو َ‬

‫هل يئست قريك يف حرهبا للدعوة؟‬

‫ل‪ ،‬مازال يف جعبتها طرق كثرية للمحاربة‪ ،‬وطرق خبيثة وشيطانية‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫‪7‬‬

‫تربية الثبات‬

‫الضغوط النفسية لصد املسلمني عن الدين‬

‫اختذ أهل الباطل وسيلة أخرى من وسائل الباطل يف حرب اإلسالم‪ :‬إهنا حرب نفسية شنها‬

‫أهل الباطل يف مكة عىل املسلمني؛ حتى ال يشعروا براحة‪ ،‬مثل‪ :‬الضغوط النفسية من األهل‬

‫واألقارب‪.‬‬

‫نحن نعرف أن معظم املؤمنني من الشباب‪ ،‬لذا اجتمع أهل الكفر وأعلنوا يف مكة أنه عىل كل‬

‫أب وأم وشيخ قبيلة أن يترصف مع أبنائه‪ ،‬فنحن نعمل ذلك من أجل مصلحة االبن الذي‬

‫خرج عن دين اآلباء‪ ،‬وكذلك من أجل مصلحة األب حتى يظل حمافظ ًا عىل مكانه يف مكة‪ ،‬مع‬

‫العلم أن هلجة أهل السلطان يف مكة كانت حتمل هتديد ًا خفي ًا أو رصحي ًا‪ ،‬مثل ما حصل مع‬

‫سعد بن أيب وقاص ريض اهلل عنه وارضاه‪ ،‬فقد كان حيمل مهمة إبعاده عن دين اهلل عز وجل‬

‫أمه‪ ،‬فقد حاولت بكل طرق الرتغيب والرتهيب أن متنع سعد بن أيب وقاص ريض اهلل عنه عن‬

‫اإليامن‪ ،‬لكنها فشلت ومل تستطع رده عن اإلسالم‪ ،‬حتى إهنا جلأت إىل اإلرضاب عن الطعام‬

‫والرشاب‪ ،‬قالت‪ :‬لن آكل ولن أرشب حتى ترجع عن اإلسالم‪ ،‬ضغط نفيس رهيب عىل شاب‬

‫عمره ‪ 20‬سنة‪ ،‬لكن اهلل ثبت سعد ًا ريض اهلل عنه‪ ،‬ووقف أمامها وقد أرشفت عىل اهلالك يقول‬

‫‪135‬‬
‫هلا يف يقني‪ :‬تعلمني واهلل يا أماه؛ لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفس ًا نفس ًا‪ ،‬ما تركت ديني‬

‫هذا ليشء‪ ،‬فكيل إن شئت أو ال تأكيل‪ .‬إرصار شديد‪ ،‬استحالة أن يغري هذا الدين مهام كانت‬

‫األثامن‪ ،‬ومهام كانت العواقب‪ ،‬فأكلت األم وبقي سعد ريض اهلل عنه وأرضاه مسل ًام‪ ،‬لكن‬

‫األمر كان شديد ًا وال شك عىل نفس الشاب الصغري‪.‬‬

‫كذلك الضغط النفيس أيض ًا مارسته أم مصعب بن عمري ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬كان مصعب‬

‫أنعم فتيان قريش‪ ،‬كانت أمه غنية‪ ،‬وكانت توفر له كل أسباب الرفاهية‪ ،‬كانت حترض له العطر‬

‫من الشام واملالبس من اليمن‪ ،‬فلام آمن منعت عنه ذلك‪ ،‬بل طردته من البيت ومنعت عنه كل‬

‫األموال‪ ،‬لكنه وإن كان قد تعود عىل حياة الرتف والرفاهية مل يتغري‪ ،‬تقرش جلده مثل جلد‬

‫احلية؛ ألنه كان معتاد ًا عىل حياة الرتف والرفاهية‪ ،‬كان الصحابة ريض اهلل عنهم وأرضاهم إذا‬

‫رأه بكوا حلاله وهو غري مبال‪ ،‬ثبت عىل اإلسالم الذي غري متام ًا من شخصية مصعب ريض اهلل‬

‫عنه‪.‬‬

‫كذلك عثامن بن عفان ريض اهلل عنه وأرضاه كان عمه يلف حوله احلصري‪ ،‬وبعد ذلك يشعله‬

‫حتته حتى يكاد خيتنق‪ ،‬لكنه أيض ًا مل يرجع عن الدين‪.‬‬

‫كان أبو جهل لعنه اهلل قيادي ًا كبري ًا يف مكة‪ ،‬وكان له تأثري عىل بيوت كثرية فيها‪ ،‬كان يمر بنفسه‬

‫عىل أهل مكة هيدد وخيوف‪ ،‬وملا يعلم بإسالم أحد يذهب ألهله‪ ،‬ويتوعد أهله باخلسارة‬

‫الفادحة يف املال واجلاه واملكانة‪ ،‬كان يطرد من األعامل من شك يف إسالمه‪ ،‬كان يضغط عىل‬

‫كرباء مكة ليضيقوا اقتصادي ًا عىل املسلمني‪ ،‬ومن مل تقنعه الكلامت قد يقتنع باجلوع‪ .‬حتى‬

‫رسول اهلل ﷺ مل يسلم من هذه الضغوط النفسية‪ ،‬فـ أبو هلب لعنه اهلل كان قد زوج ولديه عتبة‬

‫وعتيبة من بنتي رسول اهلل ﷺ السيدة رقية والسيدة أم كلثوم فلام أعلن الرسول ﷺ أمر‬

‫الدعوة‪ ،‬أمر ولديه أن يطلقا بنتي الرسول ﷺ‪ ،‬وبالفعل طلقا البنتني‪ ،‬وهذا هم ثقيل‪ ،‬وال شك‬
‫‪136‬‬
‫أن فكر الرسول ﷺ سوف ينشغل هبذه القضية ولو بدرجة ما‪ .‬ثم صورته يف مكة يصبح‬

‫شكلها خمتلف ًا‪ ،‬فعمه ال يريد أن يزوج ولديه ببنتي الرسول ﷺ‪ ،‬ثم وصل األمر إىل أن زوجة‬

‫أيب هلب أم مجيل أروى بنت حرب ‪-‬وكانت امرأة شديدة السوء‪ -‬كانت حتمل الشوك وتضعه‬

‫أمام بيت رسول اهلل ﷺ‪ .‬تعدى األمر من إيذاء الرجال لرسول اهلل ﷺ إىل إيذاء النساء‪ ،‬هذا‬

‫يشء يف منتهى املشقة عىل نفسية أي رجل‪ ،‬بل خرجت هذه املرأة ذات مرة لترضب رسول اهلل‬

‫ﷺ‪ ،‬وأمسكت بيدها فهر ًا من احلجارة‪- ،‬يعني‪ :‬ملء الكف من احلجارة‪ -‬وجاءت لرتجم‬

‫الرسول ﷺ وهو جالس بجانب الصديق ريض اهلل عنه يف البيت احلرام فلام جاءت إليهام أخذ‬

‫اهلل عز وجل ببرصها عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقالت‪ :‬أين صاحبك قد بلغني أنه هيجوين؟ وذلك‬

‫َارا َذ َ‬
‫ات‬ ‫َب * َما َأ ْغنَى َعنْ ُه َما ُل ُه َو َما ك ََس َ‬
‫ب * َس َي ْص َىل ن ً‬ ‫يف اآلية الكريمة‪َ { :‬ت َّب ْت َيدَ ا َأ ييب َهل َ ٍ‬
‫ب َوت َّ‬
‫يد َها َح ْب ٌل يم ْن َم َس ٍد} [املسد‪ ،]5 -1:‬فـ أم مجيل بنت‬
‫ب * ييف يج ي‬
‫احل َط ي‬ ‫َهل َ ٍ‬
‫ب * َوا ْم َر َأ ُت ُه َ َّ‬
‫َحا َل َة ْ َ‬
‫حرب قالت‪ :‬واهلل لو وجدته لرمجته هبذا الفهر‪.‬‬

‫وهذا اإليذاء مل يكن فقط يف الشارع أو يف البيت احلرام‪ ،‬ال‪ ،‬بل كانوا يتطاولون عىل رسول اهلل‬

‫حتى وهو يف بيته‪ ،‬فقد كان إذا صىل يف فناء بيته ألقوا عليه رحم الشاة من فوق السور حتى‬

‫يصيبه هذا األذى؛ لذا كان يصيل وراء حجر يسترت به من قاذورات قريش‪ ،‬ثم كان رسول اهلل‬

‫ﷺ خيرج هبذه األوساخ فيخاطب عقول وقلوب قريش‪ ،‬فيقول‪ :‬يا بني عبد مناف أي جوار‬

‫هذا؟!‪ .‬يذكرهم بحقوق اجلار واجلوار التي طاملا تشدقت هبا قريش‪ ،‬طاملا حتدثت قريش عن‬

‫حفظها حلقوق اإلنسان وهي اآلن حتارب أعظم رجاهلا وخرية أبنائها عندما أعلنوا كلمة‬

‫اإليامن‪.‬‬

‫كانت وسيلة من وسائل أهل الباطل يف حرب الدعوة اجلديدة‪ :‬وسيلة الضغط النفيس عىل‬

‫املسلمني من الصحابة وعىل رسول اهلل ﷺ نفسه‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫طلب املعجزات اخلارقة للداللة عىل صحة اإلسالم تعنت ًا ومماراة‬

‫وسيلة أخرى من وسائل أهل الباطل‪ :‬طلب األمور املعجزة من باب اجلدل واملراء‪ ،‬فإن‬

‫رسول اهلل ﷺ قد أتى هلم بمعجزة عظيمة خالدة‪ :‬إهنا معجزة القرآن الكريم‪ ،‬حتداهم به حتدي ًا‬

‫ور ٍة يم ْن يم ْث يل يه َوا ْد ُعوا‬ ‫ي‬


‫ب ممَّا ن ََّز ْلنَا َع َىل َع ْبدنَا َف ْأتُوا بي ُس َ‬
‫صارخ ًا‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬وإي ْن كُنتُم ييف ري ٍ ي‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ني * َفإي ْن َمل ْ َت ْف َع ُلوا َو َل ْن َت ْف َع ُلوا َفا َّت ُقوا الن ََّار ا َّلتيي َو ُقو ُد َها‬
‫اد يق َ‬
‫ون اهللَّي إي ْن كُنتُم ص ي‬
‫ْ َ‬
‫ُشهدَ اءكُم يمن د ي‬
‫َ َ ْ ْ ُ‬
‫حتد يف منتهى القوة‪َ { :‬فإي ْن َمل ْ َت ْف َع ُلوا‬ ‫ت لي ْلكَافي يرين} [البقرة‪ٍ ،]24 - 23:‬‬ ‫احل َج َار ُة ُأ يعدَّ ْ‬
‫النَّاس و ْي‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫َو َل ْن َت ْف َع ُلوا} [البقرة‪ ]24:‬ومع ذلك قريش ما حاولت مرة واحدة أن تعارض هذا القرآن‬

‫الكريم‪ ،‬ومع علمهم بصدقه ﷺ‪ ،‬ومع علمه بعجزهم وضعفهم أخذوا يطلبون املعجزات‬

‫األخرى من باب اجلدل‪ ،‬مثل‪ :‬انشقاق القمر‪ ،‬فوقف الرسول ﷺ وأشار بيده إىل القمر فانشق‬

‫إىل نصفني‪ ،‬نصف عىل جبل والنصف اآلخر عىل جبل آخر أمام الناس مجيع ًا‪ ،‬فقالوا‪ :‬سحركم‬

‫حممد‪ ،‬واملنصف منهم قال‪ :‬اسألوا املسافرين‪ ،‬فلو كان سحرنا لن يسحرهم‪ ،‬فلام أتت الناس‬

‫سأهلا أهل قريش عن هذا األمر‪ ،‬فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬لقد رأينا القمر انشق يف ذات الليلة التي انشق‬

‫عندهم فيها‪ ،‬فكانت هي الليلة التي شق فيها للرسول ﷺ القمر‪ ،‬ومع ذلك قالوا‪ :‬هذا سحر‬

‫مستمر ومل يؤمنوا؛ ألهنم ما طلبوا اآليات رغبة يف التصديق وإنام ملجرد اجلدال واملراء‪ ،‬ثم‬

‫وصل األمر إىل أن قالوا لرسول اهلل ﷺ ما ذكره اهلل عز وجل يف كتابه الكريم‪َ { :‬و َقا ُلوا َل ْن‬

‫َب َف ُت َف ِّج َر‬ ‫يل َو يعن ٍ‬ ‫َخ ٍ‬‫ُون َل َك جنَّ ٌة يمن ن ي‬


‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ض َينْ ُبو ًعا * َأ ْو َتك َ‬ ‫ن ُْؤ يم َن َل َك َحتَّى َت ْف ُج َر َلنَا يم َن األَ ْر ي‬

‫الئك يَة َقبي ًيال *‬ ‫الهلا َت ْف يجريا * َأو تُس يق َط السامء كَام َز َعم َت َع َلينَا يكس ًفا َأو ت َْأ يِت بياهللَّي واملَْ ي‬
‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ً‬
‫ي‬
‫األَهنَ َار خ َ َ‬
‫الس َام يء َو َل ْن ن ُْؤ يم َن لي ُر يق ِّي َك َحتَّى ُتن َِّز َل َع َل ْينَا يك َتا ًبا‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬
‫ُون َل َك َب ْي ٌت م ْن ُز ْخ ُرف َأ ْو ت َْر َقى ييف َّ‬
‫َأ ْو َيك َ‬

‫َن ْق َر ُؤه} [اإلرساء‪ ،]93 - 90:‬لكن اهلل سبحانه وتعاىل يعلم الرسول ﷺ‪ ،‬أنكم إذا وصلتم إىل‬

‫ُنت إي َّال‬
‫ان َر ِّيب َه ْل ك ُ‬
‫هذه الدرجة من اجلدال واملراء فليس هناك إال رد واحد وهو‪ُ { :‬ق ْل ُس ْب َح َ‬

‫‪138‬‬
‫رشا َر ُس ً‬
‫وال} [اإلرساء‪ ،]93:‬هم ال يريدون اإليامن‪ ،‬وليس هناك داع للجدل العقيم مع‬ ‫َب َ ً‬
‫هؤالء الذين أنكروا بعقوهلم وقلوهبم وجوارحهم املعجزة العظيمة‪ ،‬كل الذي طلبوه أقل من‬

‫معجزة القرآن الكريم‪ ،‬لكنهم ال يريدون أن يؤمنوا‪ ،‬يقول اهلل سبحانه وتعاىل‪َ { :‬و َل ْو َفت َْحنَا‬
‫الس َام يء َف َظ ُّلوا في ييه َي ْع ُر ُج َ‬
‫ون} [احلجر‪ ،]14:‬أي‪ :‬لو أخذناهم وأريناهم السامء‬ ‫ي‬
‫َع َل ْي يه ْم َبا ًبا م َن َّ‬
‫ور َ‬
‫ون}‬ ‫واألفالك واملجرات واجلنة والنار { َل َقا ُلوا إين ََّام ُسك َِّر ْ‬
‫ت َأ ْب َص ُارنَا َب ْل ن َْح ُن َق ْو ٌم َم ْس ُح ُ‬
‫[احلجر‪ .]15:‬هكذا يفعل الكفار وأهل الباطل دائ ًام يف حرهبم للمسلمني‪.‬‬

‫السخرية واالستهزاء باملؤمنني‬

‫هذه وسيلة من أقبح وسائل أهل الباطل يف حرب اإلسالم واملسلمني‪ :‬هي السخرية‬

‫واالستهزاء باملؤمنني‪ .‬مل يصبح هناك منطق وال عقل وال حجة {إي َّن ا َّل يذي َن َأ ْج َر ُموا كَانُوا يم َن‬

‫ني *‬ ‫ون * َوإي َذا ان َق َل ُبوا إي َىل َأ ْه يل يه ُم ان َق َل ُبوا َف يك يه َ‬


‫ُون * َوإي َذا َم ُّروا يهبي ْم َي َت َغا َم ُز َ‬‫ا َّل يذي َن آ َمنُوا َي ْض َحك َ‬
‫وإي َذا ر َأوهم َقا ُلوا إي َّن هؤ ي‬
‫ني} [املطففني‪.]33 - 29:‬‬ ‫ون * َو َما ُأ ْر يس ُلوا َع َل ْي يه ْم َحافيظي َ‬ ‫الء َل َضا ُّل َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ‬
‫كان الرسول ﷺ إذا جلس وجلس حوله املستضعفون من املسلمني‪ ،‬قال املرشكون‪ :‬أهؤالء‬

‫م َّن اهلل عليهم من بيننا؟! هكذا سخرية بدون حجة وبدون دليل‪ ،‬وإذا دخل عليهم فقراء‬

‫املسلمني‪ ،‬قالوا‪ :‬هؤالء ملوك األرض‪ ،‬ألن الرسول ﷺ كان يقول ألهل مكة‪ :‬قولوا كلمة‬

‫واحدة ‪-‬ال إله إال اهلل‪ ،‬حممد رسول اهلل ‪-‬متلكوا هبا العرب والعجم‪ .‬فيقولون‪ :‬هؤالء هم‬

‫ملوك األرض الذين سيملكون العرب والعجم‪.‬‬

‫جلس عقبة بن أيب معيط لعنه اهلل مرة إىل النبي ﷺ يسمع منه‪ ،‬فرآه ُأيب بن خلف فظن أنه آمن‪،‬‬

‫فذهب بعد ذلك يقول له‪ :‬أنت آمنت‪ ،‬قال‪ :‬مل أؤمن؟ فلم يصدقه‪ ،‬وقال له‪ :‬حتى تثبت يل أنك‬

‫مل تؤمن بدعوة حممد ﷺ البد أن تبصق يف وجه حممد‪ ،‬فقام عقبة لعنه اهلل وذهب إىل رسول اهلل‬

‫ﷺ وبصق يف وجهه! هكذا فعلوا مع أحب اخللق إىل اهلل عز وجل‪ ،‬لكن الوضع مع رسول اهلل‬
‫‪139‬‬
‫ﷺ ومع املسلمني بصفة عامة أن ازدادت حركة الدعوة يف مكة‪ ،‬وازداد عدد املسلمني‪ ،‬وشعر‬

‫املرشكون بأن املوضوع سيخرج من أيدهيم‪ ،‬فقدموا التنازالت‪ ،‬وبدءوا بعمل مفاوضات مع‬

‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وحاولوا أن يلتقوا يف منتصف الطريق كام يقال‪َ { :‬و ُّدوا َل ْو تُدْ يه ُن َف ُيدْ يهنُو َن}‬

‫[القلم‪ ،]9:‬قدموا اقرتاحني للرسول ﷺ‪ :‬أما األول فقد كان سفيه ًا من حكامء قريش‪ ،‬قاموا‬

‫بام يسمى بالعبادة املشرتكة فقالوا‪ :‬هلم يا حممد فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد‪ ،‬فنشرتك نحن‬

‫وأنت يف األمر؛ أنت تعبد هبل والالت والعزى‪ ،‬ونحن أيض ًا نعبد إهلك يف نفس الوقت‪ ،‬فإن‬

‫كان الذي تعبد خري ًا مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه‪ ،‬وإن كان ما نعبد خري ًا مما تعبد كنت قد‬

‫أخذت بحظك منها‪ .‬هذا مفهوم مغلوط وسطحي عن األلوهية أن أعبد عرشة أو عرشين إهل ًا‪،‬‬

‫وهذا تفكري طفويل من حكامء قريش‪.‬‬

‫االقرتاح الثاين كان عىل نفس املستوى من السطحية‪ ،‬فبعض املرشكني تقدموا إىل رسول اهلل‬

‫ﷺ‪ :‬أن يكون هناك ما يسمى بعبادة التناوب‪ ،‬أي‪ :‬نعبد إله حممد سنة‪ ،‬وهو يعبد إهلنا سنة‪،‬‬

‫فنزل قول اهلل عز وجل يقطع الطريق متام ًا عىل هذه املفاوضات الطفولية‪ ،‬وقال‪ُ { :‬ق ْل َيا َأ ُّ َهيا‬

‫ون)‪ ،‬ليقطع‬ ‫ون} [الكافرون‪ ،]1:‬املرة الوحيدة التي قال اهلل عز وجل فيها‪( :‬ا ْلكَافي ُر َ‬ ‫ا ْلكَافي ُر َ‬

‫ون * ال َأ ْع ُبدُ َما‬ ‫السبيل عىل كل كافر يساوم املؤمنني عىل أمر العقيدة { ُق ْل َيا َأ ُّ َهيا ا ْلكَافي ُر َ‬

‫ون َما َأ ْع ُبدُ * َوال َأنَا َعابيدٌ َما َع َبدت ُّْم * َوال َأ ْنت ُْم َعابيدُ َ‬
‫ون َما َأ ْع ُبدُ * َلك ُْم‬ ‫ون* َوال َأ ْنت ُْم َعابيدُ َ‬ ‫َت ْع ُبدُ َ‬

‫ين} [الكافرون‪ ،]6 - 1:‬بذلك أغلق الباب عىل هذه املفاوضات اهلزلية‪ ،‬والدعوة‬ ‫يدينُك ُْم َو ي َيل يد ي‬

‫تزداد‪ ،‬واملسلمون يتكاثرون‪.‬‬

‫وسيلة التعذيب اجلسدي‬

‫مل جتد قريش ًا ح ً‬


‫ال إال أن تلجأ إىل السالح املعتاد يف أيدي أهل الباطل‪ ،‬إذا وجدوا صالبة يف‬

‫الصف املؤمن‪ ،‬أال وهو سالح اإليذاء والتعذيب والتنكيل‪ ،‬سبحان اهلل‪ ،‬وواهلل ما هو إال‬
‫‪140‬‬
‫سالح الضعفاء‪ ،‬وهناك من يظن أن من معهم السالح أقوى من املسلمني‪ ،‬ال‪ ،‬بل هم‬

‫الضعفاء؛ فهم خيتفون وراء سيوفهم وسياطهم ودروعهم‪ ،‬وخيفون معهم ضعف ًا شديد ًا يف‬

‫نفوسهم‪ ،‬خيفون ضعف العقيدة واإليامن واحلجة والربهان‪ ،‬وضعف الشخصية واحلكمة‬

‫والرأي‪ ،‬وضعف األخالق والضمري‪ .‬التعذيب والظلم واإلجرام منطق من ال منطق له‪.‬‬

‫وأنا يف حرية من أمري‪ :‬كيف إلنسان أن تقبل نفسه أو فطرته أن يرى إنسان ًا يعذب أمامه‪ ،‬بل‬

‫ويشارك يف التعذيب أو يأمر به؟ أي طبيعة وأي شخصية داخل هذا اإلنسان؟ ما شكل قلبه؟‬

‫كيف انحطت البرشية إىل هذا املستوى املتدين من فساد الفطرة‪ ،‬اإلنسان السليم ال يستطيع أن‬

‫يرى حيوان ًا يتأمل‪ ،‬فكيف بإنسان يلهب ظهره بالسياط؟ كيف إلنسان أن حيبس إنسان ًا بال‬

‫جريرة أيام ًا وشهور ًا‪ ،‬بل وسنوات‪ ،‬واإلسالم قد حرم عىل املسلم أن حيبس هرة؟ مع كل‬

‫التداعيات اخلطرية التي حتدث ألرسته ولزوجته وألوالده وألمه وأبيه دون ذنب أو خطأ؟‬

‫ليس هلم جريمة إال كام قال اهلل عز وجل يف كتابه الكريم يصف حال الكافرين مع املؤمنني‪:‬‬
‫احل يم ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫يد} [الربوج‪ ،]8:‬أي‪ :‬مشكلة املؤمنني أهنم‬ ‫{ َو َما َن َق ُموا من ُْه ْم إي َّال َأ ْن ُي ْؤمنُوا بياهللَّي ا ْل َع يز ييز ْ َ‬
‫آمنوا باهلل عز وجل‪ ،‬فقست قلوب الكافرين‪ ،‬وانطلقوا يفرتسون املؤمنني واملؤمنات‪ُ { .‬ث َّم‬

‫َاحل َج َار ية َأ ْو َأ َشدُّ َق ْس َو ًة} [البقرة‪ ،]74:‬هذه نقطة سوداء يف‬


‫َقس ْت ُق ُلوبكُم يمن بع يد َذلي َك َف يهي ك ْي‬
‫َ‬ ‫ُ ْ ْ َْ‬ ‫َ‬
‫تاريخ البرشية حصلت يف مكة‪ ،‬وما زالت تتكرر فيمن بعدهم وإىل يوم القيامة‪.‬‬

‫مر بالل بن رباح ريض اهلل عنه وأرضاه بسلسلة مضنية من التعذيب‪ ،‬كان ُأمية بن خلف عليه‬
‫ّ‬
‫لعنة اهلل يعذبه‪ ،‬تعذيب ًا معنوي ًا وبدني ًا ال ينقطع‪ ،‬فقد كان أمية يضع يف عنقه حب ً‬
‫ال ثم يأمر أطفال‬

‫مكة أن يسحبوه يف شوارع وجبال مكة‪ ،‬ومل يكن هذا ملدة يوم أو يومني‪ ،‬بل كان لفرتات طويلة‬

‫إىل أن ظهر أثر احلبل عىل عنق بالل ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وكان أمية يمنع عنه الطعام‪ ،‬ويغدو‬

‫به إىل الصحراء يف مكة‪ ،‬ويضعه عىل الرمال امللتهبة يف صحراء مكة‪ ،‬ثم يأمر بالصخرة العظيمة‬

‫‪141‬‬
‫ال يقوى عىل َحلها إال املجموعة من الرجال فتوضع عىل صدر بالل‪ ،‬وهو يقول‪ :‬ال واهلل ال‬

‫تزال هكذا حتى متوت أو تكفر بمحمد وتعبد الالت والعزى‪ ،‬لكن بالالً ريض اهلل عنه‬

‫وأرضاه صرب‪ ،‬وكان كثري ًا ما يكرر‪ :‬أحد أحد‪ .‬وملا سئل‪ :‬ملاذا هذه الكلمة بالذات؟ قال‪ :‬كانت‬

‫أشد كلمة عىل الكفار‪ ،‬فكان يريد أن يغيظهم هبا‪ .‬فصرب بالل ريض اهلل عنه وأرضاه وما بدل‬

‫وما غري‪ ،‬إىل أن اشرتاه أبو بكر الصديق ريض اهلل عنه ثم أعتقه بعد ذلك‪ ،‬ومرت األيام ونيس‬

‫األمل‪ ،‬لكن يبقي األجر‪ ،‬واحفظوا هذه اجلملة‪ :‬يذهب األمل ويبقى األجر‪ .‬كل يشء يذهب‪،‬‬

‫الدنيا كلها تذهب‪ ،‬لكن يبقى األجر والثواب‪.‬‬

‫يارس وسمية ريض اهلل عنهام والدا عامر بن يارس ريض اهلل عنهم عذبا تعذيب ًا شديد ًا‪ ،‬وكان‬

‫أبوجهل عليه لعنة اهلل يعذهبام مع عامر بنفسه‪ ،‬وزاد العذاب فوق احلد‪ ،‬إىل أن وصل األمر أن‬

‫قتل يارس وسمية ريض اهلل عنها يف بيت اهلل احلرام‪ ،‬وما ذنبهم حتى يعذبوا إىل أن يموت‬

‫األبوان‪ ،‬ليس هلم أي ذنب إال إهنم أناس يتطهرون‪ ،‬وذنبهم أهنم يريدون اخلري هلم ولكم‬

‫وللمجتمع ولألرض كلها‪ ،‬وأهنم أناس صاحلون يريدون أن يعبدوا رهبم بالطريقة التي‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ور} [احلج‪،]46:‬‬ ‫وب ا َّلتي ييف ُّ‬
‫الصدُ ي‬ ‫رشعها اهلل‪ ،‬لكن { َفإي َّهنَا ال َت ْع َمى األَ ْب َص ُار َو َلك ْن َت ْع َمى ا ْل ُق ُل ُ‬
‫ُقتيل يارس وقتلت سمية‪ ،‬لكن من الذي انترص يف النهاية؟ القاتل أو املقتول؟ سيأِت يوم عظيم‪،‬‬

‫َّاس لي َر ِّب ا ْل َعاملَي َ‬


‫ني} [املطففني‪ ،]6:‬يف هذا اليوم سيأِت الذين عذبوا املسلمني عىل‬ ‫{ َي ْو َم َي ُقو ُم الن ُ‬
‫مر العصور‪ ،‬ويغمسون غمسة واحدة يف نار جهنم‪ ،‬وسينسى هؤالء اهلمجيون سعادة الدنيا‬

‫مجيع ًا بغمسة واحدة‪ ،‬فام بالك باخللود يف جهنم مع العذاب الشديد‪ ،‬ويف ذات اليوم سيأِت‬

‫أيض ًا بالل ويارس وسمية ومن سار عىل هنجهم‪ ،‬أولئك الذين عذبوا يف سبيل اهلل عز وجل‪،‬‬

‫سيأِت هؤالء وسيغمسون غمسة واحدة يف اجلنة‪ ،‬وسينسى املؤمنون شقاء الدنيا مجيع ًا‪ ،‬أي‬

‫ون * لي َي ْو ٍم‬
‫جهل وغباء وَحاقة يعاين منها أولئك املعذبون لغريهم؟ { َأال َي ُظ ُّن ُأو َل يئ َك َأ َّهنُ ْم َم ْب ُعو ُث َ‬

‫‪142‬‬
‫َعظيي ٍم} [املطففني‪َ { .]5 - 4:‬ف َح يس ْبت ُْم َأن ََّام َخ َل ْقنَاك ُْم َع َب ًثا َو َأ َّنك ُْم إي َل ْينَا ال ت ُْر َج ُع َ‬
‫ون)‬

‫[املؤمنون‪ ،]115:‬يف أي رشع وملة وقانون يعذب اإلنسان لالعرتاف بيشء ما‪ ،‬سواء فعله أو‬

‫مل يفعله؟ لكن هذا الذي كان حيصل يف مكة‪ ،‬وهذه سنة أهل الباطل‪.‬‬

‫ت ريض اهلل عنه وأرضاه صورة مرشفة من صور اإلنسان‪ ،‬كان املرشكون‬ ‫وهذا َخ ّباب بن َ‬
‫األر ّ‬

‫ال يف شعره وجيرونه يف شوارع مكة‪ ،‬كانوا يوقدون الفحم امللتهب ويضعون خ ّباب ًا‬
‫يربطون حب ً‬

‫ريض اهلل عنه فوقه‪ ،‬حتى إن ظهره كان فيه حفر كثرية من الفحم امللتهب الذي كان ينام عليه‪،‬‬

‫وصرب خباب وحتمل‪ ،‬وما بدل وما غري‪.‬‬

‫نعم إن الطريق طويل وشاق‪ ،‬لكن احفظوا هذه اجلملة مرة أخرى‪ :‬يذهب األمل ويبقى األجر‬

‫إن شاء اهلل‪.‬‬

‫نتائج االبتالء يف العهد املكي ويف كل عهد‬

‫ما حصل يف مكة ليس غريب ًا؛ ألن حرب احلق والباطل سنة من سنن اهلل عز وجل‪ ،‬ستبتىل‬

‫األمة املؤمنة بصفة عامة‪ ،‬وسيبتىل كل فرد من أفرادها بصفة خاصة‪ ،‬لن يكون هناك أي‬
‫رتكُوا َأ ْن َي ُقو ُلوا آ َمنَّا َو ُه ْم ال ُي ْف َتن َ‬ ‫ي‬
‫ُون}‬ ‫َّاس َأ ْن ُي ْ َ‬ ‫استثناء‪ ،‬يقول اهلل تعاىل‪َ { :‬أ َحس َ‬
‫ب الن ُ‬
‫[العنكبوت‪ ،]2:‬البد من ابتالء والبد من فتنة؛ حتى حتدث ثالثة أشياء مهمة نتيجة هذا‬

‫االبتالء‪ :‬تنقية وتربية وتزكية‪.‬‬

‫األمر األول‪ :‬التنقية‪،‬‬

‫تنقية الصف املسلم‪ ،‬ما أسهل أن يقول املرء بلسانه‪ :‬آمنت وصدقت وأيقنت‪ ،‬لكن ما أصعب‬

‫العمل‪ ،‬البد من اختبار وإيذاء الدعاة وامللتزمني بنهج اهلل عز وجل وهنج رسوله الكريم‪ ،‬هذه‬
‫سنة ماضية لتنقية الصف املؤمن من املنافقني { َف َليع َلمن اهللَُّ ا َّل يذين صدَ ُقوا و َليع َلمن ا ْلك ي‬
‫َاذبي َ‬
‫ني}‬ ‫َ َ ْ َ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ َ َّ‬

‫‪143‬‬
‫[العنكبوت‪ ،]3:‬وإال لقال كل الناس‪ :‬نحن مسلمون‪ ،‬نحن جماهدون يف سبيل اهلل‪ ،‬لكن البد‬

‫من ابتالء حقيقي وشديد‪.‬‬

‫األمر الثاين‪ :‬الرتبية‪،‬‬

‫يريد ربنا سبحانه وتعاىل هلذه األمة أن تقود العاملني‪ ،‬وقيادة العاملني حتتاج إىل طراز فريد من‬

‫البرش ال هيتز أمام العواصف‪ ،‬واالبتالء برنامج تدريبي متدرج للمؤمنني‪ ،‬يرتفع بمستوى‬

‫املؤمن يوم ًا بعد يوم‪ ،‬وكلام عظمت مهام املؤمن ازداد بالؤه؛ ليزداد إعداده كالذهب كلام‬

‫اصطىل بالنار كان أنقى‪ ،‬وهكذا املسلم الصادق خيرج من االبتالء أقوى وأعظم‪ .‬هذه أشياء‬

‫رأيناها يف التاريخ‪ ،‬ورأيناها يف الواقع‪ ،‬وستظل إىل يوم القيامة سنة من سنن اهلل عز وجل‪.‬‬

‫األمر الثالث‪ :‬التزكية‪،‬‬

‫التزكية هي التطهري من الذنوب واخلطايا‪ ،‬أحيانًا حيب ربنا إنسان ًا ويريد أن يرفع درجته‪ ،‬وهذه‬

‫الدرجة ال يبلغها بعمله‪ ،‬فيبتليه سبحانه وتعاىل فيصرب‪ ،‬فيبلغ الدرجة العالية‪( :‬ما يصيب‬

‫املسلم من نصب وال وصب وال هم وال حزن وال أذى وال غم حتى الشوكة يشاكها إال كفر‬

‫اهلل هبا من خطاياه)‪ ،‬إذا كانت الشوكة تعمل هكذا‪ ،‬فام بالك بالرضب واجللد واحلبس‬

‫والتعذيب‪ .‬هذا كله مصلحة للمؤمنني‪ .‬تنقية للصف املسلم‪ ،‬وتربية للصف املسلم‪ ،‬وتزكية‬

‫للصف املسلم‪ ،‬البد هلا من ابتالء‪ ،‬وسيظل االبتالء إىل يوم القيامة‪.‬‬

‫أسباب صرب الصحابة عىل األذى يف العهد املكي‬

‫كانت السمة املميزة جلميع الصحابة‪ :‬الصرب عىل األذى وحتمل االضطهاد يف سبيل اهلل‪،‬‬

‫ورسول اهلل ﷺ مل يأمر املسلمني أن يردوا عن أنفسهم ذلك األمر؛ لألمر الرصيح من اهلل عز‬

‫رش يك َ‬
‫ني} [األنعام‪ ،]106:‬وكان املرشكون يعذبون ويرشدون‬ ‫وجل‪َ { :‬و َأ ْع ير ْض َع ين املُْ ْ ي‬

‫‪144‬‬
‫ويذبحون واملسلمون صابرون‪ ،‬بل أمروا أال يردوا إيذاء‪ ،‬وال حيملوا سالح ًا‪ ،‬وال يرفعوا‬
‫ون يمن د ي‬ ‫ي‬
‫ون اهللَّي َف َي ُس ُّبوا اهللََّ‬ ‫ضي ًام‪ ،‬وال يكرسوا صن ًام‪ ،‬وال يسبوا مرشك ًا‪َ { ،‬وال ت َُس ُّبوا ا َّلذي َن َيدْ ُع َ ْ ُ‬
‫عَدْ ًوا بي َغ ْ يري يع ْل ٍم} [األنعام‪ُ ،]108:‬قتل يارس وقتلت سمية والرسول ﷺ يمر من أمامهم وهم‬

‫يقتلون فيكتفي بقوله‪( :‬صرب ًا آل يارس إن موعدكم اجلنة)‪ ،‬ومل يمسك بيد أيب جهل ومل جيمع‬

‫الصحابة ليقوموا بثورة أبد ًا‪ .‬نحن نريد أن نقف هنا وقفة؛ كيف تعلم الصحابة الصرب؟ كيف‬

‫يمكن لرجل يوضع عىل النار وحيرق أن يتحمل كل هذه اآلالم وال ينتقم لنفسه‪ ،‬وهو يف‬

‫األخري جسد وعظم ودم وحلم وروح مثل كل الناس؟!‬

‫نحن ال ندرس السرية من أجل أن نحكي حكايات لطيفة عن جيل الصحابة ريض اهلل عنهم‬

‫وأرضاهم‪ ،‬ال‪ ،‬بل نحن ندرسها حتى نفهم كيف وصلوا إىل هذا املستوى؟ ونعرف كيف‬

‫نقلدهم؟ هناك طرق سلكها الرسول ﷺ حتى يعلم الصحابة‪ ،‬فدين اإلسالم ليس فيه‬

‫ضالالت أو أوهام‪ ،‬فكل يشء فيه واضح‪ .‬سأخربكم عن بعض األساليب واألسباب التي‬

‫جعلت الصحابة ومن بعدهم يتحملون هذه اآلالم املضنية يف هذه الفرتة العصيبة من تاريخ‬

‫الدعوة‪:‬‬

‫‪ .1‬تعظيم قدر اهلل يف قلوب املؤمنني‬

‫السبب األول يف زرع الصرب يف قلوب املؤمنني‪ :‬تعظيم قدر اهلل عز وجل‪ .‬لو كنت معظ ًام قدر‬

‫اهلل سبحانه وتعاىل يف قلبك ال يمكن أن هيمك كل أمل يمر بك هذه اآلالم؛ لذا جتد القرآن املكي‬

‫يتكلم كثري ًا عن تعظيم قدر اهلل عز وجل‪ ،‬يتحدث عن صفات اهلل عز وجل‪ ،‬عن جربوت اهلل‬

‫عز وجل‪ ،‬عن عظمة اهلل عز وجل‪ ،‬عن قدرة اهلل عز وجل‪ ،‬عن أن اهلل عز وجل بيده كل يشء‬

‫ولو كان سيصيبك رض البد أنه سيصيبك‪ ،‬ولو اجتمع أهل األرض حلاميتك فلن ينفعوك‪،‬‬

‫وعىل العكس لو أراد بك الرَحة البد أن حتدث‪ ،‬وإن اجتمع أهل األرض ليمنعوك منها‪ ،‬يقول‬
‫‪145‬‬
‫ف َل ُه إي َّال ُه َو َوإي ْن َي ْم َس ْس َك بي َخ ْ ٍري‬ ‫اهلل يف سورة األنعام املكية‪{ :‬وإي ْن يمسس َك اهللَُّ بي ُرض َفال ك ي‬
‫َاش َ‬ ‫ٍّ‬ ‫َ َْ َ ْ‬
‫ال مصدق ًا هبذه الكلامت ستعرف أن‬ ‫يش ٍء َق يد ٌير} [األنعام‪ ،]17:‬لو كنت فع ً‬ ‫َف ُه َو َع َىل ك ُِّل َ ْ‬
‫نصيبك من األمل ستأخذه؛ ألن ربنا سبحانه وتعاىل هو الذي أراد أن يقع بك ذلك األمل‪ ،‬فالبد‬

‫يش ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫َاش َ ي‬


‫ف َل ُه إ َّال ُه َو َوإ ْن َي ْم َس ْس َك بي َخ ْري َف ُه َو َع َىل ك ُِّل َ ْ‬
‫أن يقع‪{ ،‬وإي ْن يمسس َك اهللَُّ بي ُرض َفال ك ي‬
‫ٍّ‬ ‫َ َْ َ ْ‬
‫اخلَبي ُري} [األنعام‪.]18 - 17:‬‬ ‫اد يه و ُهو ْ ي‬
‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫يم ْ‬ ‫َقد ٌير * َو ُه َو ا ْل َقاه ُر َف ْو َق ع َب َ َ َ‬
‫احلك ُ‬

‫كل واحد مكتوب عليه نصيبه من األمل من ظامل أو مظلوم‪ ،‬كافر أو مؤمن‪ ،‬وإن مل يعذب يف‬

‫سبيل اهلل فسيعذب بصورة أخرى‪ ،‬من وجع يف رضسه‪ ،‬ورسطان يف جسمه‪ ،‬وكرس يف رجله‪،‬‬
‫وصداع يف رأسه‪{ ،‬ال ي ُغرن ََّك َت َق ُّلب ا َّل يذين َك َفروا ييف ا ْلبي ي‬
‫الد} [آل عمران‪ ،]196:‬قد يكون‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ‬
‫نصيبه من األمل معنوي ًا‪ ،‬وهو أشد من األمل املادي‪ ،‬لعل له ابن ًا فاش ً‬
‫ال يرشب املخدرات أو يكون‬

‫عاق ًا لوالديه‪ ،‬أو منعدم األدب‪ ،‬أو زوجته تكون سبب ًا لتعاسة حياته‪ ،‬أو رئيسه هيينه كل يوم‬

‫يعيش يف تعاسة وشقاء‪ ،‬حتى لو كان أمام الناس تبدو عليه السعادة وممكن له يف األرض فهو‬

‫ون يم َن‬ ‫ون َفإي َّهنُ ْم َي ْأملَُ َ‬


‫ون ك ََام ت َْأملَُ َ‬
‫ون َوت َْر ُج َ‬ ‫يف معيشة ضنك ًا‪ .‬كل الناس حتس باألمل‪{ ،‬إي ْن َتكُونُوا ت َْأملَُ َ‬

‫اهللَّي َما ال َي ْر ُج َ‬
‫ون} [النساء‪ ،]104:‬لكن املسلم يتعذب كل هذا التعذيب وهو منتظر اجلنة يف‬

‫اآلخرة‪ ،‬لكن الظامل مسكني يتعذب يف الدنيا بالطريقة التي يريدها ربنا سبحانه وتعاىل‪ ،‬ويف‬

‫اآلخرة يعذب يف جهنم‪ ،‬عذاب يف الدنيا وعذاب يف اآلخرة‪ ،‬فلامذا ال يصرب املؤمن؟!‬

‫املؤمن عندما يعظم قدر ربنا سبحانه وتعاىل يستسهل التضحية من أجل اهلل عز وجل؛ ألنه‬

‫يعلم أن كل يشء بيد اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وأن كل يشء قدره اهلل عز وجل البد أن حيدث وأن‬

‫يتحقق‪ ،‬سواء كان نعمة أو مشقة‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫‪ .2‬رفع قيمة اآلخرة يف قلوب املؤمنني‬

‫قيمة اآلخرة يف عيون املؤمنني أسلوب من أروع األساليب يف تربية الصف املؤمن عىل التحمل‬

‫واجللد والصرب‪ ،‬وتوسيع مدارك املسلم‪ ،‬وليعلم املقياس احلقيقي بني الدنيا بكل ما فيها من‬

‫مصاعب ومشاق وأمل وعمل‪ ،‬وبني اآلخرة وما فيها من خلود‪ ،‬إذا أدرك الناس أن هناك يوم ًا‬

‫ما سيحاسبون فيه عىل ما يعملون‪ ،‬وكان هذا العلم عل ًام يقيني ًا‪ ،‬وأدركوا أن الذي سيحاسبهم‬

‫هو إله قادر عليم حكيم جبار قاهر سبحانه وتعاىل‪ ،‬فإهنم والشك سيعملون له؛ ألجل ذلك‬

‫قال الرسول ﷺ يف أول يوم لدعوته للناس (واهلل لتموتن كام تنامون‪ ،‬ولتبعثن كام تستيقظون‪،‬‬

‫ولتحاسبن عىل ما تعملون‪ ،‬وإهنا جلنة أبد ًا أو نار أبد ًا)‪ .‬نحن أحيان ًا نعاين من خلل تربوي‬

‫خطري‪ ،‬وهو أننا ال نركز عىل رفع قيمة اآلخرة يف عيون املؤمنني‪ ،‬راجع القرآن املكي؛ لتعرف‬

‫طبيعة املرحلة‪ ،‬إذا كانت الدعوة مضطهدة‪ ،‬والظلم مستفح ً‬


‫ال واألعداء كثر‪ ،‬فالبد من الرتكيز‬

‫عىل رفع قيمة اآلخرة يف عيون املسلمني‪ .‬كام حتدث القرآن املكي عن اجلنة؟ ال تكاد ختلو سورة‬

‫من سور القرآن املكي من التذكري باجلنة والتذكري بالنار‪ .‬عش يف اجلنة التي كان يعيش فيها‬

‫الصحابة وهم ال يزالون يف الدنيا‪ ،‬يقول ربنا سبحانه وتعاىل‪َ { :‬و َج َز ُاه ْم بي َام َص َ ُ‬
‫ربوا َجنَّ ًة‬

‫َو َح ير ًيرا} [اإلنسان‪ ،]12:‬أنا أريدك أن تتخيل أحد الصحابة وهو يف بيت األرقم بن أيب األرقم‬

‫يسمع هذه اآليات والتعذيب ينتظره يف اخلارج‪ ،‬كم سيكون حجم التعذيب بالنسبة للذي‬

‫يسمعه عن وصف اجلنة؟ ال يشء‪ ،‬إذا قورن أي أمل باخللود يف النعيم سقط { َو َج َز ُاه ْم بي َام‬

‫يها َش ْم ًسا َوال َز ْم َه ير ًيرا * َو َداني َي ًة‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬


‫يها َع َىل األَ َرائك ال َي َر ْو َن ف َ‬
‫َّك يئ َ ي‬
‫ني ف َ‬
‫صربوا جنَّ ًة وح يريرا * مت ي‬
‫ُ‬ ‫َ َُ َ َ َ ً‬
‫َت َق َو يار َير *‬ ‫اب كَان ْ‬ ‫اف َع َل ْي يه ْم بيآني َي ٍة يم ْن في َّض ٍة َو َأك َْو ٍ‬ ‫الهلَا َو ُذ ِّل َل ْت ُق ُطو ُف َها ت َْذلي ًيال * َو ُي َط ُ‬
‫َع َل ْي يه ْم ظي ُ‬
‫ي‬ ‫وها َت ْق يديرا * ويس َقو َن فييها ك َْأسا ك َ ي‬ ‫َق َو يار َير يم ْن في َّض ٍة َقدَّ ُر َ‬
‫يها ُت َس َّمى‬ ‫نجبي ًيال * َع ْينًا ف َ‬ ‫اج َها َز َ‬ ‫َان م َز ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َُْ ْ‬ ‫ً‬
‫ورا * َوإي َذا َر َأ ْي َت َث َّم‬ ‫ي‬ ‫وف َع َل ْي يه ْم يو ْلدَ ٌ‬
‫ون إي َذا َر َأ ْيت َُه ْم َحس ْبت َُه ْم ُل ْؤ ُل ًؤا َمن ُث ً‬‫ان ُخم َ َّلدُ َ‬ ‫َس ْل َسبي ًيال * َو َي ُط ُ‬

‫‪147‬‬
‫او َر يم ْن في َّض ٍة‬
‫َرب ٌق َو ُح ُّلوا َأ َس ي‬
‫رض َوإي ْست ْ َ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫َر َأ ْي َت نَع ًيام َو ُم ْلكًا كَبي ًريا * َعال َي ُه ْم ث َي ُ‬
‫اب ُسندُ ٍ‬
‫س ُخ ْ ٌ‬
‫َان َس ْع ُيك ُْم َم ْشك ً‬
‫ُورا}‬ ‫ورا * إي َّن َه َذا ك َ‬
‫َان َلك ُْم َج َزا ًء َوك َ‬ ‫رشا ًبا َط ُه ً‬ ‫اه ْم َر ُّ ُهب ْم َو َس َق ُ‬
‫اه ْم َر ُّ ُهب ْم َ َ‬ ‫َو َس َق ُ‬
‫[اإلنسان‪ .]22 - 12:‬ختيل مؤمن ًا يسمع هذه اآليات ويعيش فيها‪ ،‬ثم يأِت عدوه ليعذبه‬

‫وحيرمه جرعة املاء‪ ،‬أو الظل‪ ،‬أو جيلده أو يصلبه أو يقتله‪ ،‬ما الضري يف ذلك؟ أليس منتق ً‬
‫ال من‬

‫هذه احلياة هبمومها ومتاعبها إىل تلك اجلنة العظيمة اخلالدة؟!‬

‫اسمع آيات القرآن الكريم املكي هبذا املفهوم‪ ،‬بأذن الصحايب الذي يعذب‪ ،‬مل يكن للتعذيب‬

‫عندهم أي قيمة‪ ،‬هنا ستفرس لك أشياء غريبة عىل أسامعنا‪ ،‬مثل‪ :‬موقف حرام بن ملحان ريض‬

‫اهلل عنه وأرضاه ملا طعن بالرمح يف ظهره فخرج من صدره فقال‪ :‬فزت ورب الكعبة‪ .‬أي فوز‬

‫فازه هذا وقد مات‪ ،‬وفقد كل يشء يف عرف أهل الدنيا؟ هو يعترب نفسه فائز ًا؛ ألنه سينتقل من‬

‫أرض اجلهاد إىل اجلنة مبارشة‪ ،‬مات شهيد ًا‪ ،‬وقد وعد اهلل الشهيد بأن يدخله اجلنة بغري‬

‫حساب‪ .‬ملاذا ال يقول‪ :‬فزت ورب الكعبة؟ نفهم من هذا أن تعظيم قيمة اآلخرة يصرب املؤمنني‬

‫ال حمالة عىل كل أمل وأذى ومشقة يف سبيل اهلل عز وجل‪.‬‬

‫‪ .3‬دراسة التاريخ‬

‫السبب الثالث يف تربية املسلمني عىل الصرب‪ :‬هي دراسة التاريخ‪ .‬التاريخ يكرر نفسه‪ ،‬ودراسته‬

‫تعرض صور ًا واقعية من املايض ألناس عاشوا يف نفس الظروف التي عشت أنت فيها؛ ألهنا‬

‫حرب واحدة بني احلق والباطل‪ ،‬علو للباطل يف فرتة من الفرتات‪ ،‬تعذيب وترشيد وقتل‬

‫وإبادة ألهل احلق‪ ،‬وصرب وجلد وحتمل وعزيمة من املؤمنني‪ ،‬ثم يف النهاية انتصار للحق‬

‫ومتكني له‪ ،‬وهزيمة للباطل وهالك له‪ .‬صورة متكررة يف كل صفحات التاريخ‪ ،‬سنة من سنن‬

‫اهلل عز وجل‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫راجع القرآن املكي لتجد قصص ًا ال حرص هلا‪ ،‬ال تكاد ختلو سورة من سور القرآن املكي من‬

‫قصة أو إشارة إىل قصة من هذا النوع‪ ،‬وتصور أنك تسمع مع الصحابة من ضمن األمثلة‬

‫الكثرية التي رضهبا اهلل عز وجل لصحابة رسول اهلل ﷺ يف فرتة مكة‪ ،‬يقول اهلل سبحانه وتعاىل‪:‬‬

‫ف َط يائ َف ًة يمن ُْه ْم ُي َذ ِّب ُح َأ ْبنَا َء ُه ْم َو َي ْست َْح ييي‬


‫ض َو َج َع َل َأ ْه َل َها يش َي ًعا َي ْست َْض يع ُ‬
‫{إي َّن في ْر َع ْو َن َعال ييف األَ ْر ي‬

‫َان يم َن املُْ ْف يس يدي َن} [القصص‪ ،]4:‬هذه درجة عظيمة من األمل واإليذاء‪ ،‬حتى هذا‬
‫ني َسا َء ُه ْم إي َّن ُه ك َ‬

‫مل حيصل مع الصحابة‪ ،‬ال يوجد أحد قتل أبناء الصحابة الرضع مثل ما كان يفعل فرعون لعنه‬

‫اهلل‪ ،‬ومع هذه الصورة من األمل‪ ،‬تأِت صورة أخرى من التسلية‪ ،‬يقول اهلل‪َ { :‬ون يُريدُ َأ ْن ن َُم َّن َع َىل‬

‫ني} [القصص‪ ،]5:‬بعد كل هذا‬ ‫ض َون َْج َع َل ُه ْم َأ يئ َّم ًة َون َْج َع َل ُه ُم ا ْل َو يارثي َ‬
‫است ُْض يع ُفوا ييف األَ ْر ي‬ ‫ي‬
‫ا َّلذي َن ْ‬
‫األمل واالضطهاد يريد اهلل عز وجل أن يمكن للمستضعفني‪َ { ،‬ون َُم ِّك َن َهل ُ ْم ييف األَ ْر ي‬
‫ض َون يُر َي‬
‫حي َذ ُر َ‬ ‫ان وجنُود ُ ي‬ ‫ي‬
‫ون} [القصص‪ ]6:‬إىل آخر اآليات‪.‬‬ ‫ف ْر َع ْو َن َو َها َم َ َ ُ َ َ‬
‫ُها من ُْه ْم َما كَانُوا َ ْ‬

‫نفس الصورة تكررت يف مكة وتتكرر إىل يوم القيامة‪ ،‬فإذا كان الصرب سيتكرر فإن التمكني ال‬

‫حمالة سيتكرر؛ ألن الذي يعد هو ربنا سبحانه وتعاىل وهو قادر عىل كل يشء‪ .‬دراسة التاريخ‬

‫وحتليله وفقهه أمر يف غاية األُهية لرتبية الصف املؤمن عىل الصرب‪ ،‬ووضع أليدهيم عىل كل‬

‫مفاتيح النرص احلقيقة‪.‬‬

‫‪ .4‬زرع األمل والثقة يف نفوس املؤمنني بوعد اهلل بالنرص والتمكني‬

‫السبب الرابع‪ :‬زرع األمل يف نفوس املؤمنني‪ :‬إذا أحبط اإلنسان فال أمل يف صربه وال نرصه‬

‫اد يه‬
‫ور ُثها من ي َشاء يمن يعب ي‬
‫ربوا إي َّن األَ ْر َض هللَّي ُي ي َ َ ْ َ ُ ْ َ‬
‫وال متكينه‪ ،‬يقول سبحانه‪ { :‬ي‬
‫استَعينُوا بياهللَّي َو ْ‬
‫اص ي ُ‬ ‫ْ‬
‫اق َب ُة لي ْل ُمت يَّق َ‬
‫ني} [األعراف‪ .]128:‬البد من صرب حتى يكون هناك متكني‪ ،‬فربنا سبحانه‬ ‫وا ْلع ي‬
‫َ َ‬
‫وتعاىل حتى يعلم املسلمني الصرب يرهيم األمل‪ ،‬وأن األرض ستكون هلم‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫هذه من أهم النقاط الرتبوية يف متكني املؤمنني من الصرب‪ ،‬وهبا نفهم موقف الرسول ﷺ ملا أتاه‬

‫َخ ّباب بن األَ َر ّ‬


‫ت ريض اهلل عنه وأرضاه بعدما اشتد هبم التعذيب‪ ،‬أتى يطلب من الرسول ﷺ‬

‫أن يدعو للمسلمني أن يرفع اهلل عز وجل عنهم هذه الغمة‪ .‬يقول خباب‪ :‬أال تستنرص لنا؟ أال‬

‫تدعو اهلل لنا؟ خباب مل يعد يتحمل‪ ،‬فقد ُع ِّذب تعذيب ًا ألي ًام‪ ،‬كان يكوى رأسه بالنار‪ ،‬ويوضع‬

‫عىل الفحم امللتهب‪ ،‬فطبيعي بالنسبة لرجل مر بكل هذه التجارب األليمة أن يذهب إىل رسول‬

‫اهلل ﷺ يطلب منه الدعاء واالستنصار برب العاملني‪ ،‬وقد كان رد الرسول ﷺ عىل غري ما‬

‫نتوقع‪ ،‬فقد غضب رسول اهلل ﷺ حتى ظهر ذلك يف وجهه‪ ،‬يقول خباب كام جاء يف البخاري‪:‬‬

‫(فقعد رسول اهلل ﷺ وهو حممر وجهه‪ ،‬وقال‪ :‬كان الرجل فيمن قبلكم حيفر له يف األرض‬

‫حفرة فيجعل فيها‪ ،‬فيجاء باملنشار فيوضع عىل رأسه‪ ،‬فيشق باثنتني‪ ،‬وما يصده ذلك عن دينه‪،‬‬

‫واهلل ليتمن هذا األمر‪ ،‬حتى يسري الراكب من صنعاء إىل حرضموت ال خياف إال اهلل والذئب‬

‫عىل غنمه‪ ،‬ولكنكم تستعجلون)‪.‬‬

‫من املؤكد أن غضب الرسول ﷺ يف هذا املوقف مل يكن ملجرد طلب الدعاء‪ ،‬بل إن املؤمنني‬

‫مطالبون بالدعاء يف مثل هذه املواقف‪ ،‬لكن الذي حدث أن رسول اهلل ﷺ شعر أنه قد بدأ‬

‫ييأس ويفقد األمل‪ ،‬لذا غضب رسول اهلل ﷺ ومل خيرجه غضبه عن أسلوبه الرتبوي الراقي‪،‬‬

‫وذكر له أكثر من طريق ليعلمه هبا‪:‬‬

‫الطريق األول‪ :‬أنه ربى بالتاريخ‪ ،‬وذكر له أحداث ًا من التاريخ‪ ،‬فاملؤمنون من قبله قد مروا بام‬

‫هو أشق‪ ،‬والناس عادة تصرب عىل مصائبها إذا رأت أن غريها قد ابتيل بمصائب أشد‪.‬‬

‫الطريق الثاين‪ :‬أنه زرع األمل يف قلبه وبيقني كامل‪( ،‬واهلل ليتمن هذا األمر)‪ ،‬فاطمأن أنه يف يوم‬

‫من األيام سيمكن اهلل عز وجل لدينه‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫الطريق الثالث‪ :‬التذكري باهلل عز وجل والتعظيم لقدره فال خياف إال اهلل‪ ،‬كام قال‪( :‬ال خياف إال‬

‫اهلل)‪.‬‬

‫الطريق الرابع‪ :‬أن يأخذ باألسباب‪ ،‬يقول‪( :‬والذئب عىل غنمه)‪ ،‬ليس معنى التوكل عىل اهلل عز‬

‫وجل أنك ال تأخذ باألسباب‪ ،‬ال‪ ،‬فام زالت الرسية موجودة‪ ،‬وما زال الصرب موجود ًا‪ ،‬وما‬

‫زالت الدعوة إىل اهلل عز وجل موجودة‪ ،‬فلننتظر التمكني‪.‬‬

‫النتيجة أن َخ ّباب ًا ريض اهلل عنه وأرضاه ثبت ومل يتزعزع‪ ،‬ومل يبدل ومل يغري‪ ،‬ثم مل يستعجل بعد‬

‫ذلك‪ .‬الدرس الذي نأخذه من هذا املوقف‪ :‬أنك لو وصلت إىل هذه الدرجة من اإليذاء فال‬

‫تستعجل‪ ،‬إذ البد وأن يمكن اهلل عز وجل هلذا الدين‪.‬‬

‫‪ .5‬العلم والقراءة‬

‫هناك أسباب أخرى للرتبية والصرب استخرجتها من أوائل السور التي نزلت عىل رسول اهلل‬

‫ﷺ يف مكة‪ ،‬وفيها تعليم للرسول ﷺ وأصحابه أن يصربوا عىل هذا الطريق الطويل‪ ،‬ففي‬
‫ي‬
‫اص ي ْ‬
‫رب َع َىل َما‬ ‫اص ي ْ‬
‫رب} [املدثر‪.]7:‬ويف سورة املزمل‪َ { :‬و ْ‬ ‫سورة املدثر يقول اهلل‪َ { :‬ول َر ِّب َك َف ْ‬
‫َي ُقو ُل َ‬
‫ون} [املزمل‪.]10:‬‬

‫من هذه األسباب‪ :‬العلم والقراءة كام يف اآليات اخلمس األوىل من سورة العلق‪{ :‬ا ْق َر ْأ بي ْ‬
‫اس يم‬

‫َر ِّب َك ا َّل يذي َخ َل َق} [العلق‪ ،]1:‬فمن يعرف أكثر سيصرب أكثر‪ ،‬والقراءة ليست هواية‪ ،‬بل البد‬

‫أن تقرأ حتى تتعلم وتصرب؛ ألنه من غري القراءة ال يمكن أن حتصل عىل العلم‪ ،‬ودروس العلم‬

‫مهام كثرت لن تعطيك إال جزء ًا ضئي ً‬


‫ال من العلم الذي يفرتض بك أن حتصله‪ ،‬فالبد أن نقرأ‬

‫ونعلم أوالدنا القراءة‪ ،‬ونعلم إخواننا وكل مسلم حريص أن يصرب ويقرأ ويتعلم‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫‪ .6‬قيام الليل‬

‫ص يمنْ ُه َق يل ًيال * َأ ْو يز ْد َع َل ْي يه َو َرت يِّل‬ ‫ي‬ ‫ي‬


‫من األسباب‪ :‬قيام الليل‪ُ { ،‬ق يم ال َّل ْي َل إي َّال َقل ًيال * ن ْص َف ُه َأ يو ا ْن ُق ْ‬
‫آن ت َْرتي ًيال} [املزمل‪ ،]4 - 2:‬لن يصرب املرء إذا مل يتعود عىل قيام الليل؛ لذلك فرض قيام‬
‫ا ْل ُق ْر َ‬

‫الليل سنة كاملة‪ ،‬وملا نزل التخفيف ما تركه أحد منهم؛ ألهنم تعلموا يف هذه املدرسة‪ :‬إذا‬

‫أردت أن تصرب فعليك بقيام الليل‪.‬‬

‫‪ .7‬قراءة القرآن‬

‫آن ت َْرتي ًيال} [املزمل‪ ،]4:‬القرآن زاد ال يستطيع املسلم أن يصرب بدونه‪.‬‬
‫{ َو َرت يِّل ا ْل ُق ْر َ‬

‫‪ .8‬الذكر‬

‫اس َم َر ِّب َك َو َت َبت َّْل إي َل ْي يه َت ْبتي ًيال} [املزمل‪ ،]8:‬أيض ًا الذكر زاد لكل مسلم‪ ،‬وأي مسلم يريد‬
‫{ َوا ْذك يُر ْ‬
‫اك يري َن اهللََّ كَثي ًريا‬
‫الذ ي‬
‫أن يصرب البد أن يذكر اهلل عز وجل ذكر ًا كثري ًا‪ ،‬كام يقول سبحانه وتعاىل‪َ { :‬و َّ‬

‫ات} [األحزاب‪َ { ،]35:‬وا ْذك ُُروا اهللََّ كَثي ًريا َل َع َّلك ُْم ُت ْف يل ُح َ‬
‫ون} [األنفال‪ ،]45:‬فكلام‬ ‫اكر ي‬
‫و َّ ي‬
‫الذ َ‬ ‫َ‬
‫ذكرت ربنا سبحانه وتعاىل أكثر عودك عىل الصرب بصورة أكرب‪.‬‬

‫‪ .9‬ترك املعايص والذنوب‬

‫الر ْج َز َف ْ‬
‫اه ُج ْر} [املدثر‪ ،]5:‬الغارق يف املعايص كيف‬ ‫من األسباب‪ :‬ترك املعايص والذنوب‪َ { :‬و ُّ‬
‫يمكن أن يصرب‪.‬‬

‫األخوة يف اهلل‬ ‫‪.10‬‬

‫ون َر َّ ُهب ْم بيا ْل َغدَ ياة‬


‫رب َن ْف َس َك َم َع ا َّل يذي َن َيدْ ُع َ‬
‫اص ي ْ‬
‫من األسباب‪ :‬األخوة يف اهلل عز وجل‪َ { :‬و ْ‬
‫ي‬
‫يش} [الكهف‪ ،]28:‬عندما جتد أناس ًا معك يمشون يف نفس اخلط فهذا سيقوي قلبك عىل‬ ‫َوا ْل َع ِّ‬
‫الصرب‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫هذه أمور تعني عىل الصرب‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -‬قراءة القرآن‪.‬‬ ‫‪ -‬تعظيم قدر اهلل عز وجل يف القلب‪.‬‬

‫‪ -‬قيام الليل‪.‬‬ ‫‪ -‬تعظيم اآلخرة‪.‬‬

‫‪ -‬الذكر‪.‬‬ ‫‪ -‬دراسة التاريخ‪.‬‬

‫‪ -‬ترك املعايص والذنوب‪.‬‬ ‫‪ -‬زرع األمل يف نفوس املؤمنني‪.‬‬

‫‪ -‬األخوة يف اهلل عز وجل‪.‬‬ ‫‪ -‬العلم والقراءة‪.‬‬

‫تلك عرشة كاملة‪ ،‬حتفظ؛ إذ ليس هناك صرب من غريها‪.‬‬

‫احلكمة اإلهلية من عدم القتال يف العهد املكي‬

‫قد يقول قائل‪ :‬ملاذا أمر اهلل عز وجل املسلمني بالكف عن القتال يف مكة؟ وملاذا حتملوا األمل‬

‫رش يك َ‬
‫ني} [األنعام‪.]106:‬‬ ‫دون رد أو تغيري؟ يقول ربنا سبحانه وتعاىل‪َ { :‬و َأ ْع ير ْض َع ين املُْ ْ ي‬

‫احلكمة الكاملة من وراء ذلك املنع ال يستطيع البرش أن يتوصلوا إليها‪ ،‬لكننا سنبحث فيام‬

‫نعتقد أنه السبب أو احلكمة‪ ،‬حتى نتعلم كيفية العمل يف الظروف املشاهبة‪.‬‬

‫‪ .1‬الرتبية عىل نوع جديد من الصرب‬

‫احلكمة األوىل من كف املسلمني عن القتال‪ :‬الرتبية عىل نوع جديد من الصرب‪ ،‬لن يتعلمه‬

‫املسلمون إال يف مثل ذلك الوضع‪ .‬الصرب أنواع كثرية‪ ،‬والعريب بصفة عامة صبور‪ ،‬يصرب عىل‬

‫اجلوع‪ ،‬واحلر‪ ،‬والفقر‪ ،‬وطول السفر‪ ،‬واآلالم‪ ،‬واحلروب‪ ،‬إال أنه ال يصرب عىل حتمل الظلم‪،‬‬

‫فله طبيعة ثائرة ال ترىض بالضيم واجلور‪ ،‬يثور ولو ضاعت حياته‪ ،‬لكن اآلن أصبحت لدى‬

‫املؤمنني أبعاد ًا أخرى أعمق من متطلبات الفرد‪ ،‬وأصبح من أهداف املؤمن أن يقيم أمة ودولة‬

‫‪153‬‬
‫وجمتمع ًا‪ ،‬وال يستقيم للفرد أن ينظر إىل مصلحته الشخصية‪ ،‬بل جيب أن ينظر إىل مصلحة‬

‫املجموع‪ ،‬وربنا سبحانه وتعاىل يأمرهم أال ينظروا إىل حظ نفوسهم‪ ،‬ولكن لصالح األمة‬

‫واجلامعة‪ ،‬ألنه ال يمكن ألمة أن تقوم وأفرادها يقدمون مصاحلهم الشخصية عىل مصاحلها‪،‬‬

‫فيتحتم عليهم الكف عن القتال‪ ،‬حتى يرتبى املسلمون عىل هذا النوع اجلديد من الصرب‪.‬‬

‫‪ .2‬الرتبية عىل الطاعة لقيادة هذه األمة الناشئة‬

‫االختبار احلقيقي للطاعة هو أن تطيع دون جدل وال ضجر وال اعرتاض‪ ،‬يف أمر ال هتواه‬

‫نفسك يف غري معصية للخالق سبحانه وتعاىل‪ ،‬هذا هو املقياس احلقيقي للطاعة‪ ،‬كام حصل من‬

‫خباب مع رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فـ خباب رأى أن استعجال النرص مصلحة يف ذلك الوقت‪ ،‬فذهب‬

‫إىل رسول اهلل ﷺ يطلب منه ذلك‪ ،‬فأوضح له رسول اهلل ﷺ األمر‪ ،‬وبني له رضورة الصرب‪.‬‬

‫حينها سمع وأطاع وكف اليد وقبل األمر‪ ،‬وتعلم شيئ ًا يف منتهى األُهية للجامعة وهو الطاعة‬

‫لويل األمر‪ ،‬ال مجاعة بغري إمرة‪ ،‬وال إمرة بغري طاعة‪ ،‬ومن غري هذا اجلو من التعذيب واألمر‬

‫بالصرب عليه لن يتعلم املسلمون الطاعة يف مشوار حياهتم مع الرسول ﷺ وبعده‪.‬‬

‫تربية املسلمني عىل الطاعة املطلقة لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬أو ألي قائد ما مل يأمر بمعصية هلل عز وجل‪.‬‬

‫‪ .3‬الدعوة السلمية يف هذه البيئة كانت تعطي نتائج أفضل‬

‫احلكمة الثالثة يف كف املؤمنني عن القتال يف مكة‪ :‬أن الدعوة السلمية يف هذه البيئة كانت تعطي‬

‫نتائج أفضل‪ .‬ولبيان هذا األمر نطرح سؤاالً‪ :‬هل الغرض يف النهاية هو حكم مكة أم إسالم‬

‫مكة؟ الغرض إسالم مكة‪ ،‬وال هيم من الذي سيحكمها بعد ذلك‪ ،‬املهم حيكمها بكتاب ربنا‬

‫سبحانه وتعاىل وبسنة الرسول ﷺ‪ ،‬كام أن هذه البيئة املكية ألفت العنجهية والرشف والعلو‬

‫والعزة‪ ،‬ولو فرضت عليها الرأي بالقوة لن تقبله‪ ،‬وسيحدث رصاع مبكر بني املؤمنني‬

‫‪154‬‬
‫والكافرين‪ ،‬وسريفض الكافرون الدخول يف هذا الدين عناد ًا‪ ،‬فهم يعاندون لضعف املسلمني‪،‬‬

‫فكيف لو فرضوا عليهم الرأي بالقوة؟!‪ .‬البد للداعية أن يدرس نفسيات من يدعوه من‬

‫الناس‪ ،‬فمنهم من يتأثر بمظاهر الرَحة يف الداعية‪ ،‬ومنهم من يتأثر بذكاء عقله‪ ،‬أو بقوة بدنه‪،‬‬

‫ومنهم من يتأثر بلطفه وأدبه‪ ،‬وهكذا خلق اهلل عز وجل الناس خمتلفني‪ ،‬والبد للداعية أن‬

‫يتعامل مع كل هذه النوعيات‪ ،‬ويراعي ظروف املدعو‪ ،‬وظروف البيئة التي يعيش فيها‪.‬‬

‫‪ .4‬جتنب الفتنة‬

‫احلكمة الرابعة يف كف املؤمنني عن القتال يف مكة‪ :‬جتنب الفتنة اخلطرية التي ستحدث يف مكة‬

‫وتؤدي إىل سمعة سيئة باإلسالم‪ ،‬وإىل الفتنة العظيمة‪ ،‬ومل يكن يف أرض مكة حكومة مركزية‬

‫تقوم بتعذيب الناس‪ ،‬بل تكفل كل زعيم بأتباعه‪ ،‬تكفل الوالد بولده‪ ،‬وشيخ القبيلة بأفراد‬

‫قبيلته‪ ،‬والسيد بعبده‪ ،‬فمثالً‪ :‬مصعب بن عمري عذبته أمه‪ ،‬وعثامن بن عفان عذبه عمه‪ ،‬وخباب‬

‫بن األرت عذبته سيدته وهكذا‪ ،‬فلو قاتل املؤمنون دفاع ًا عن أنفسهم‪ ،‬فإهنم سيقاتلون آباءهم‬

‫وأعاممهم وقبائلهم‪ ،‬ويف هذا املوقف ما الذي سيقال عن اإلسالم؟ إذا كان الكفار قد ادعوا أن‬

‫اإلسالم يفرق بني الولد ووالده‪ ،‬وبني الرجل وعشريته‪ ،‬وبني املرء وزوجه من دون قتال‪،‬‬

‫فكيف لو كان هناك قتال؟!‪ .‬كانت هناك حاجة ملحة لتجنب الفتنة الكبرية يف داخل مكة‪،‬‬

‫وللحفاظ عىل الصورة اجلميلة لإلسالم‪ ،‬وهي الصورة الواقعية هلذا الدين العظيم‪.‬‬

‫‪ .5‬كثري ًا من أهل الكفر سينتقلون بعد ذلك اإليامن‬

‫احلكمة اخلامسة يف كف املؤمنني عن القتال يف مكة‪ :‬أن اهلل عز وجل يعلم أن كثري ًا من أهل‬

‫الكفر سينتقلون بعد ذلك من معسكر الكفر إىل معسكر اإليامن‪ ،‬فالدعوة ما زالت يف مهدها‪،‬‬

‫ومل تأخذ الفرصة الكافية للوصول إىل قلوب الناس‪ ،‬وكثري منهم سيعرتض يف البداية ويتشدد‪،‬‬

‫‪155‬‬
‫ثم ال يلبث أن يتبدل األمر يف أعينهم‪ ،‬من هؤالء عمر بن اخلطاب وخالد بن الوليد وعمرو بن‬

‫العاص وعكرمة بن أيب جهل‪ ،‬فكل هؤالء أصبحوا بعد ذلك قادة يأخذون اإلسالم إىل كل‬

‫ربوع األرض‪ ،‬فلو حصل القتال يف أول فرتة مكة خلرس اإلسالم هؤالء وأمثاهلم‪.‬‬

‫‪ .6‬االعتامد عىل نخوة أهل اجلزيرة‬

‫أن النخوة التي كانت يف قلوب كثري من العرب كانت تتأثر بصورة املظلوم الذي ال يستطيع‬

‫رفع الظلم عن كاهله‪ ،‬فيتحرك العريب يف شهامة لريفع الظلم الذي يقع عىل املسلمني‪ ،‬مثل ما‬

‫وقع يف القصة إسالم َحزة بن عبد املطلب ريض اهلل عنه‪ ،‬فهو صورة من صور النخوة التي‬

‫حتركت نتيجة الظلم الشديد الذي وقع عىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وكذلك اجلوار الذي عرضه ابن‬

‫الدُ ُغنَّة عىل الصدِّ يق ملا أحس بأنه ظلم‪ ،‬فجاء وهو مرشك ليعرض اجلوار عىل الصديق ريض‬

‫اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬كذلك الصحيفة التي نقضها املرشكون أنفسهم بعد ثالث سنوات من‬

‫املقاطعة‪ ،‬كانت صورة من صور النخوة نتيجة الظلم الشديد الذي وقع عىل املسلمني‪.‬‬

‫‪ .7‬عدم اإلصطدام بالنواميس الكونية‬

‫حتى ال يصطدم املسلمون بالنواميس الكونية؛ النار حترق‪ ،‬ولذلك فاملسلمون أو الناس بصفة‬

‫عامة ال يلقون بأنفسهم فيها‪ .‬من النواميس الكونية أيض ًا‪ :‬أن الذي يسقط يف ماء عميق وهو ال‬

‫يتقن السباحة يغرق‪ ،‬لذلك فالناس ال يتهورون بالنزول يف ماء عميق دون إجادة للسباحة‪.‬‬

‫من النواميس الثابتة أيض ًا‪ :‬أن للباطل قوة‪ ،‬وال يستقيم للمؤمنني أن يقولوا‪ :‬إن اهلل معنا ونحن‬

‫عىل احلق‪ ،‬ثم يلقون بأنفسهم يف حرب خارسة‪ ،‬ظن ًا منهم أهنم ال حمالة سينترصون‪ ،‬نعم‪ ،‬هم‬

‫عباد اهلل وجند اهلل‪ ،‬والبد أن ينترصوا‪ ،‬ولكن اإلسالم دين واقعي عميل يقيس بدقة قوة‬

‫الباطل‪ ،‬ويقدر القوة الكافية لردها‪ ،‬ويضع اخلطة املناسبة للنرص‪ ،‬وهييئ الصف الكفء‬

‫‪156‬‬
‫للقتال‪ ،‬ثم يتوكل عىل اهلل عز وجل ويعتمد عليه ويقاتل؛ فاإلسالم دين حيرتم األسباب‪ ،‬ولو‬

‫قام املؤمنون بثورة يف مكة ما الذي سيحدث؟ سيقتلون رج ً‬


‫ال أو اثنني أو عرشة أو مائة من‬

‫قريش‪ ،‬وبعد ذلك سيبادون عن آخرهم‪ ،‬نعم‪ ،‬املوت يف سبيل اهلل غاية‪ ،‬لكن املؤمن ال يموت‬

‫بغري ثمن‪ ،‬إن مل يغلب عىل الظن التمكني أو إحداث النكاية يف العدو فال معنى للقتال‪،‬‬

‫واملسلمون يف مكة قلة مستضعفة‪ ،‬والقياسات املادية التي قدرهتا قيادة املسلمني أن الوقت غري‬

‫مناسب للقتال‪ ،‬ليس جبن ًا وال ضعف ًا ولكن حكمة وتدبري ًا‪ ،‬وسيأِت يوم تأخذ فيه قيادة‬

‫املسلمني قرار القتال يف بدر وما بعد بدر‪ ،‬لكن املسلمون ال يترسعون النتائج‪ ،‬ويدركون حقيقة‬

‫ما يسمى بفقه املرحلة‪ ،‬يدرسون الظروف بإحكام‪ ،‬يضعون اخلطة‪ ،‬ويطلبون املدد من اهلل عز‬

‫وجل‪ ،‬ثم يقومون بام يناسب املرحلة‪ ،‬وقد يناسبها الكف عن القتال‪ ،‬أو دعوة رسية أو جهرية‬

‫أو معاهدات ومفاوضات‪ ،‬أو جهاد واستشهاد‪ ،‬وقد مر الرسول ﷺ بكل هذه املراحل‪،‬‬

‫ووضع لنا منهج ًا دقيق ًا نتبعه‪ ،‬مل يرتك لنا موقف ًا إال وبني كيف نتعامل معه طبق ًا لنواميس الكون‬

‫لرشائع اإلسالم‪ .‬فالرسول ﷺ مل يكن جمرد رجل حكيم عبقري‪ ،‬ال‪ ،‬بل رسول من عند رب‬

‫العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬ناقل ملا أراده اهلل عز وجل منا يف كل موقف؛ لذلك نحن ندرس حياة‬

‫الرسول ﷺ‪.‬‬

‫‪ .8‬القتال مل يكن رضورة ملحة‬

‫الدعوة كانت تسري يف مكة بمشقة وبصعوبة‪ ،‬ولكنها يف النهاية تسري‪ ،‬والرسول ﷺ خياطب‬

‫الناس وهو حتت َحاية سيوف بني هاشم‪ ،‬فـأبو طالب جعل الرسول ﷺ قضية حياته‪ ،‬وكرس‬

‫كل جهده لرد الكيد عنه‪ ،‬فلامذا ال يستغل املسلمون هذه الظروف إىل أن يأِت يوم آخر تتغري فيه‬

‫الظروف‪ ،‬أو يموت فيه أبو طالب عندها ستتغري املرحلة؟‪ .‬مل يكن هناك رضورة للقتال‪،‬‬

‫وعندما تكون هناك رضورة البد أن يقاتل املسلمون‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫‪ .9‬احلفاظ عىل رسية إيامن املسلمني الذين خيفون إسالمهم‬

‫احلكمة التاسعة لكف املؤمنني عن القتال يف مكة‪ :‬هي أنه لو حدث قتال الضطر املسلمون إىل‬

‫كشف كل أوراقهم‪ ،‬وسيظهر كثري من املؤمنني الذين مل يعلم إيامهنم بعد‪ ،‬واملرحلة ال تتطلب‬

‫ذلك‪ ،‬هذه املرحلة كانت تتميز بجهرية الدعوة لرسول اهلل ﷺ وللقليل من الصحابة ممن هلم‬

‫منعة‪ ،‬مثل‪ :‬أيب بكر الصديق ريض اهلل عنه وأرضاه أو غريه‪ ،‬لكن عموم املسلمني ال يعلنون‬

‫عن أنفسهم‪ ،‬ولو حدث القتال يف أوائل فرتة مكة الكتشف أمر دار األرقم بن أيب األرقم ريض‬

‫اهلل عنه‪ ،‬وملا استطاع املسلمون أن حيادثوا األفواج التي تأِت إىل مكة وقت احلج‪ ،‬وملا استطاع‬

‫املؤمنون أن يغادروا مكة إىل غريها أو يدخلوا إليها‪ ،‬وستوضع عىل املسلمني قيود شديدة‬

‫ستؤخر الدعوة ال حمالة‪ .‬متطلبات هذه املرحلة أن يكف املسلمون اليد عن القتال؛ حتى ال‬

‫يؤدي ذلك إىل كشف كل أوراق املسلمني يف وقت حيتاجون فيه إىل التكتم الشديد‪.‬‬

‫إظهار قدرة اهلل عز وجل وقوته‬ ‫‪.10‬‬

‫احلكمة العارشة‪ :‬إظهار قدرة اهلل عز وجل وقوته وعزته وحكمته سبحانه وتعاىل‪ ،‬ظهر أمام‬

‫اجلميع يف مكة وما حوهلا يف زماهنم ويف األزمان التي تلت كيف كان املؤمنون ضعفاء‪ .‬وظهر‬

‫واضح ًا كيف أن القلة املؤمنة ال متلك مقومات الرد املادية فض ً‬


‫ال عن مقومات االنتصار‪ ،‬ثم‬

‫ستظهر بعد ذلك آيات عجيبة ال ختطر عىل عقول البرش‪ ،‬سيدبر اإلله احلكيم ألوليائه‪ ،‬فإذا‬

‫بالضعف يتحول إىل قوة‪ ،‬وإذا بالذل يتحول إىل عزة‪ ،‬وإذا باخلوف يتحول إىل أمن‪ ،‬وإذا‬

‫بالتعذيب والترشيد واإلهانة والقتل يتحول إىل سيادة ومتكني‪ ،‬سيكون هناك بدر واألحزاب‬

‫وفتح مكة وتبوك وفتح فارس والروم‪ ..‬وغريها من املواقع‪ ،‬وسرتى األمم كيف سينترش‬

‫اإلسالم؟ كل هذا من هؤالء الضعفاء القلة الذين كانوا يعذبون يف مكة‪ُ } ،‬صن َْع اهللَّي ا َّل يذي َأ ْت َق َن‬

‫يش ٍء{ [النمل‪ ،]88:‬هذا دليل واضح عىل قدرة اهلل عز وجل‪ .‬هلذه األسباب وغريها كف‬ ‫ك َُّل َ ْ‬
‫‪158‬‬
‫اهلل عز وجل املؤمنني عن القتال يف فرتة مكة‪ ،‬وسيأِت زمان بعد ذلك يسمح فيه بالقتال‪ ،‬ولكل‬

‫مرحلة طبيعتها‪ ،‬وحتى تقلد الرسول ﷺ جيب أن تعلم ما هي املرحلة التي أنت تعيشها‪ ،‬ومع‬

‫أي مراحل الرسول ﷺ تتشابه‪.‬‬

‫زاد هتور أهل الباطل يف مكة وزاد التعذيب وضيق األمر بشدة عىل املؤمنني‪ ،‬هنا انتقل رسول‬

‫اهلل ﷺ من هذه املرحلة التي مرت إىل مرحلة أخرى جديدة تناسب احلرب الضارية التي يشنها‬

‫أهل الباطل يف مكة‪ ،‬بدأ أهل اإليامن يتزايدون‪ ،‬وأصبح من الصعب أن خيتفي كل هؤالء يف‬

‫البلد الصغري مكة‪ ،‬فيكتشف أمرهم فام هو الترصف مع موقف مثل هذا؟ املصري تعذيب‬

‫وتقتيل‪ ،‬واملسلمون ليست هلم طاقة يف حرب أهل الباطل‪.‬‬

‫ما احلل الذي سيتخذه رسول اهللﷺ؟‬

‫سيأخذ قرار ًا جديد ًا وينتقل باملسلمني من هذه املرحلة إىل مرحلة أخرى‪ ،‬ترى ما هي هذه‬

‫املرحلة؟‬

‫‪159‬‬
160
‫‪8‬‬

‫هجرة احلبشة األوىل‬

‫حتدثنا عن أساليب الكفار يف صد رسول اهلل ﷺ ومن معههم مههن انيههنمنر عههن عوةه الههدعو‬

‫واإلسالم‪ ،‬وعن ثبات انينمنر وصربهم عىل التعذةب الشدةد الههذح ثههدأ يف أرة مكه يف‬

‫بيت اهلل احلوام‪ ،‬ثيث تفوغ الكفار حلوب انيههنمنر‪ ،‬وبههدا وا ه لا أة النيه هه ا ست ههال‬

‫للطائف الوثيد الت تعبد اهلل ث العباد عىل األرة‪.‬‬

‫خم تقع عىل عات رسول اهلل ﷺ وأتْباعم‪ :‬أة ة لوا هبذا الدةن إىل أهل األرة‬ ‫مس ولي‬

‫ْح ل لِ ْل َعانيَِ َ‬
‫ر} [األنبياء‪،]107:‬‬ ‫َاك إِ ا َر ْ َ‬
‫مجيع لا‪َ { ،‬و َما َأ ْر َس ْلن َ‬

‫وةقول رسول اهلل ﷺ‪( :‬إنام بعثت لكم خاص وللناس عام )‪ ،‬وقد اشتد التعذةب بههانينمنر يف‬

‫مك ‪ ،‬وكاد انيسلموة أة ةستأصلوا بالكلي ‪ ،‬ثينها ةظهو ثل عميل إلنقاذ الدعو مههن اكههالك‪،‬‬

‫وهو نوع من األخذ باألسباب‪ ،‬فالوسول ﷺ خيطط ختطيطه لا بشههوة لا إلنقههاذ الههدعو وإلنقههاذ‬

‫انينمنر‪.‬‬

‫كاة من انيمكن أة ةنقذ اهلل عز وجل ثبيبم ومن معم من انينمنر بكلمه (كههن) فيكههوة‪ ،‬أو‬

‫ةنقذهم بمعجز خارق للعاد ‪ ،‬ولكن ليست هذه سن اهلل عز وجل يف التغيه ‪ ،‬فالوسههول ﷺ‬

‫ةعلمنا أة نأخذ باألسباب الواقعي الت كانت يف ةده كبرش‪ ،‬وه يف أةدةنا اآلة كبشههو‪ ،‬ففكههو‬

‫‪161‬‬
‫رسول اهلل ﷺ يف وسيل جدةد نيجاهب عغا مك ‪ ،‬ومل ةكن يف مقدور انينمنر آنذاك أة ةقاتلوا‬

‫رش ِك َ‬
‫ر} [األنعام‪.]106:‬‬ ‫انيرشكر‪ ،‬فقد هناهم اهلل عز وجل عن ذلك بقولم‪َ { :‬و َأ ْع ِو ْة َع ِن انيُْ ْ ِ‬

‫أسباب اكجو إىل احلبش واحلكم منها‬

‫‪ .1‬اكجو إىل احلبش للم افظ عىل الدعو‬

‫كانت الوسيل اجلدةد أمام الوسول ﷺ وأص ابم‪ :‬ه اكجو من أرة مك إىل أرة أخوى‬

‫جدةد ليس فيها تعذةب أو إةذاء أو است ال للدعو ‪ .‬هذه خطو تكتيكي من رسول اهلل ﷺ‪،‬‬

‫سبقتها إشارات جاءت يف كتاب اهلل عز وجل‪ ،‬فقد أنزل اهلل عز وجل سور الزمو‪ ،‬وكاة فيها‪:‬‬
‫وة َأ ْجه َو ُه ْم بِ َغه ْ ِ‬ ‫{لِ ال ِذةن َأثسنُوا ِيف َه ِذ ِه الههدْ ْنيا ثسهنَ أ و َأر ُة اهللاِ و ِ‬
‫اسه َع أ إِ انه َام ُةه َو ار ال ا هابِ ُو َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ِث َساب} [الزمو‪ .]10:‬أرة اهلل واسع ‪ ،‬وأعظم قطع يف األرة ه القطع الت ةعبههد فيههها‬

‫اهلل عز وجل‪ ،‬تفضل قطع أخوى بأهنار أو أشجار أو أموال أو أهههل وعشه ‪ ،‬إنههام األرة‬

‫ال احل الطيب ه األرة الت ةعبد فيها اهلل عز وجل‪ ،‬لذلك فكو انيسههلموة يف تههوك أ‬

‫بقع عىل األرة مك البيت احلوام إىل غ ها؛ ألهنم ةستطيعوة أة ةعبدوا اهلل عز وجل كههام‬

‫ةوةدوة يف مك ‪ ،‬فليكن غ ها‪ ،‬انيهم أة نعبد اهلل عز وجل دوة أة نفتن يف دةننا‪.‬‬

‫ليس أمو لا سهالل‪ ،‬فالقوار صههعب‪ ،‬واتهها إىل نفههوس خاصه ‪،‬‬ ‫واكجو وتوك الدةار والعش‬

‫و بد أة نأخذ يف ا عتبار أهنم هياجووة من بلد إىل بلد لت سر مستوى انيعيش ‪ ،‬أو جلمههع‬

‫يل علم ليس يف مدةنتهم‪ ،‬أو لل يا يف مكاة مجيههل‪ ، ،‬بههل‬ ‫أموال ليست يف بالدهم‪ ،‬أو لت‬

‫هم ةرتكوة بالدهم وقد استقوت أو اعهم فيها لو قضي الدعو ‪ ،‬سيرتكوهنا إىل بلد آخو قد‬

‫ةكوة فق لا بعيد لا ثار لا أو بارد لا جمهو ل‪ ،‬كل هذا ليشء إ لعباد اهلل عز وجل‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫ختيل بمقياس احلارض رج ل‬
‫ال ةعيش يف استقوار يف بلد حمبوب إىل قلبم‪ ،‬وأو ههاعم مسههتقو ‪ ،‬ثههم‬

‫هو ةقور اكجو إىل بلد آخو؛ لك ةعبد اهلل عههز وجههل بعههد أة ههي عليههم يف بلههده‪ .‬لههو كههاة‬

‫فههو‬ ‫سيهاجو إىل بلد أعظم رفاهي وأكثو أموا ل‪ ،‬لكن هذا أسهل‪ ،‬لكههن أة هيههاجو إىل بلههد‬

‫النفوس إليم عاد ‪ ،‬فهو اتا إىل جهاد عظيم للنفس؛ ولههذلك عظههم اهلل أجههو اكجههو عنههدما‬

‫يل اهللاِ ُث ام ُقتِ ُلوا َأ ْو َماتُوا َل َ ْ ُز َقن ُاه ُم اهللاُ ِر ْز لقها‬


‫اج ُووا ِيف َسبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫تكوة يف سبيلم‪ ،‬فقال تعاىل‪َ { :‬وا الذة َن َه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الههو ِاز ِق َ‬
‫يم}‬ ‫ر خ َل ُيههدْ خ َلن ُاه ْم ُمههدْ َخ لال َة ْو َ هه ْو َن ُم َوإِ اة اهللاَ َل َعلهه أ‬
‫يم َثلهه أ‬ ‫َث َسههنلا َوإِ اة اهللاَ َ ُكهه َو َخهه ْ ُ ا‬
‫[احلج‪ .]59 - 58:‬مل هياجو انينمنوة سعي لا وراء الوزق‪ ،‬ولكن يف ظاهو األمو أهنم سههيفتقدوة‬

‫الوزق؛ ألهنم سيرتكوة أعامكم وهياجووة إىل بلد قد ةتوافو فيم عمل مناسب‪ ،‬فوعههدهم اهلل‬

‫عز وجل بالوزق احلسن يف اجلن ‪ ،‬فإنم عىل أسوأ الفووة يف ثسابات البرش سيقتل انيهاجووة‬

‫أو ةموتوة‪ ،‬فاهلل عز وجل ةعد ‪-‬ووعده احل ‪ -‬أهنم لو قتلوا أو ماتوا ل زقنهم اهلل رزق لا ثسن لا‪،‬‬

‫باإل اف إىل أنم قد علم انينمن أة رزقم يف الدنيا لن ةنقص‪ ،‬وسيأتيم رغ لام عن أنفههم يف بلههده أو‬
‫ِ‬
‫ُوعههدُ َ‬
‫وة}‬ ‫خههار بلههده‪ ،‬يف ظههوو أو يف ظههوو أخههوى { َو ِيف ا‬
‫السهه َامء ِر ْز ُق ُكهه ْم َو َمهها ت َ‬

‫[الذارةات‪.]22:‬‬

‫نقف وقف ن لل فيها‪ ،‬ون اول اإلجاب عىل سنال هام‪ :‬هل قهور انيسهلموة اكجهو لل فها‬

‫عىل الدعو أم الدعا ؟ قد تكوة الفووق بر اإلجابتر عفيف ‪ ،‬لكن عند التدقي يف األمو نجد‬

‫أة الفوق كب جد لا‪ ،‬هل ةض ى بالدعو من أجل احلفا عىل الدعا ‪ ،‬أم ةض ى بالههدعا مههن‬

‫أجل احلفا عىل الدعو ؟ واقع األمو أة أهم يشء يف ثيا انينمن هو الههدةن‪ ،‬وانيق ههد األول‬

‫من انيقاصد الت جاء الرشع حلامةتها هو الدةن‪ ،‬ومن أجلم ةض ى بكل يشء‪ .‬ةبههذل انينمنههوة‬

‫أرواثهم للدفاع عن الدةن‪ ،‬لكن ةبذل انينمنوة دةنهم لل فا عىل أرواثهم‪ ،‬بل اض اهلل‬

‫رتى ِمه َن ُْانيه ْن ِمنِ َ‬


‫ر َأن ُف َسه ُه ْم‬ ‫عز وجل انينمنر عىل بذل أرواثهم ثفاظ لا عىل دةنهم {إِ اة اهللاَ ْاشه َ َ‬

‫‪163‬‬
‫َو َأ ْم َو َاك ُ ْم بِ َأ اة َك ُ ُم ْ َ‬
‫اجلنا َ } [التوب ‪ .]111:‬السبب األول يف اكجو الت قورها رسول اهلل ﷺ‪ :‬هو‬

‫ْحاة الدعو ‪ ،‬بمعنى أة الوسول ﷺ أراد أة جيعل للدعو حمضن لا آخههو غه مكه ‪ ،‬ب يههث إذا‬

‫اس ُت ِنصل الدعا يف مك تبقى عائف أخوى يف مكاة آخو ستموار الدعو ‪.‬‬

‫مل ةكن السبب األول يف اكجو هو احلفا عىل أرواح الدعا ‪ ،‬وإة كاة هذا أمو لا هامه لا‪ ،‬وةنةههد‬

‫هذا الوأح أة الوسول عليههم ال ههال والسههالم قههور أة هيههاجو ال ه اب ر ههواة اهلل علههيهم‬

‫عىل الدعا ‪ ،‬والذةن علب منهم أة هيههاجووا كههانوا مههن القوشههير‪ ،‬ومل‬ ‫لل فا عىل الدعو‬

‫تطلب اكجو من الذةن كانوا عبيد لا‪ ،‬إنام هاجو القوم الذةن ةتمتعههوة بع ههبي وقبليه ‪ ،‬هههاجو‬

‫األ ا أص اب انينع ‪ ،‬ومل هياجو انيوايل وانيستضعفوة‪ ،‬ولههو كههاة اكههد األول هههو ْحاةه‬

‫األرواح لكاة األوىل أة هياجو هن ء الضعفاء‪.‬‬

‫اب إىل احلبش‬ ‫‪ .2‬سبب هجو أ ا مك من ال‬

‫نياذا هاجو األ ا دوة البسطاء؟ أو ل‪ :‬هذا أدعى حلامة انيهاجوةن‪ ،‬فأمو اكجو أمو خط ‪،‬‬

‫قد تطارد مك فو انيهاجوةن‪ ،‬بل بالتأكيد ستطاردهم‪ ،‬ويف حلظات الغضب والغيظ قد ةتهههور‬

‫أهل مك وةقتلوة انيهاجوةن انيطههاردةن‪ ،‬وبالههذات لههو كههانوا مههن العبيههد‪ ،‬أمهها إذا كههانوا مههن‬

‫األ ا فإة عملي اكجو ست بح أقل خطور ‪ ،‬ثيث إنم لو تم اإلمساك هبههم فسههي ملوهنم‬

‫إىل مك ‪ ،‬ولن ةفكووا يف قتلهم لقو قبائلهم‪.‬‬

‫ثاني لا‪ :‬أة األ ا أقدر عىل التأث يف أهل البلد الذح سيهاجووة إليم؛ ألة من عبائع البرش أنم‬

‫إذا تكلم الرشةف سمعوا لم وأن توا‪ ،‬وإذا تكلم الضعيف مل ةنتبههم لههم‪ ،‬والغههوة هههو إة ههال‬

‫كلامت الدعو إىل آذاة البلد انيضيف‪ ،‬وعوة األمو بأفضل ال ور‪ ،‬وسيستقبل انيهاجووة يف‬

‫هذه احلال عىل أهنم وفد سيايس حمرتم معارة لسياس مك ‪ ،‬بد ل من أة ةستقبلوا كمجموعه‬

‫من العبيد اآلبقر من أسيادهم‪.‬‬


‫‪164‬‬
‫يف مك ‪ ،‬ستفي أهل مك عههىل خطههور‬ ‫ثالث لا‪ :‬هجو األ ا ستندح إىل هز اجتامعي خط‬

‫أهههل البلههد‪ ،‬ومههن أكثههو النههاس سههعي لا‬ ‫أفعاكم‪ ،‬فهههن ء انينمنههوة انيطههاردوة هههم مههن خه‬

‫الناس‪ ،‬وها هم ةغادروة البلههد؛ ألهنههم مل جيههدوا‬ ‫إلصالثها‪ ،‬ومن أعوق البيوت‪ ،‬ومن أ‬

‫فيها أمان لا‪ ،‬ما أبشع فعل أهل الباعل‪ ،‬وما أشنع جوةمتهم‪ ،‬أهن ء هم الذةن ُة َ‬
‫طودوة؟ أهههن ء‬

‫هم الذةن ةفتنوة يف دةنهم؟ فهجو األ ا ستكوة صدم ألهل مك قد ةنتبهوة عىل أثوههها‬

‫إىل خط هم الفادح يف ث انيهاجوةن ويف ث بلدهم‪ ،‬أمهها إذا هههاجو انيستضههعفوة فههال ه ‪،‬‬

‫أليسوا عبيد لا توكوا البلد؟ فلنأت بعبيد آخوةن‪ ،‬هكذا سههيفكو الطغهها ‪ ،‬إذ لههيس هنههاك اعتبههار‬

‫لآلدمي أو اإلنساني ‪ .‬الوسول ﷺ كاة ةدفع انيشهوكر دفعه لا إىل حتوةههك عههواعفهم وقلههوهبم؛‬

‫إلدراك مدى اجلوةم الت ةفعلوهنهها مههع انيههنمنر يف صههدهم عههن دةههن اهلل عههز وجههل‪ ،‬كههذه‬

‫األسباب هاجو األ ا ومل هياجو الضعفاء‪.‬‬

‫سبب مكث انيهاجوةن يف احلبش إىل ما بعد هجو النب ﷺ إىل انيدةن‬

‫متى عاد انيهاجووة من احلبش إىل ال ف انيسلم من جدةههد يف فههرت مكه أم يف فههرت انيدةنه ؟‬

‫مكث انيهاجووة يف احلبش مد تزةد عىل ‪ 15‬سن متتالي ‪ ،‬كانت هجو م األوىل إىل احلبشه يف‬

‫العام اخلامس من البعث يف شهو رجب ثم عادوا رسةع لا إىل مك بعد ثالث أشهههو‪ ،‬ثههم هههاجووا‬

‫من جدةد هجو م الثاني إىل احلبش يف السن السابع ‪ ،‬ولكنهم مكثوا يف اكجو الثاني عههوةالل‪،‬‬

‫ومل ةوجعوا إ بعد غزو خيرب‪.‬‬

‫موت أثداأ يف غاة األمهي واخلطور عىل انيسلمر يف بناء األمه اإلسههالمي ‪ ،‬ومههع ذلههك مل‬

‫ةوجع انيهاجووة من احلبش ‪ ،‬ومل ةكن هذا اجتهاد لا شخ ي لا من انيهاجوةن‪ ،‬بل كههاة بههأمو مههن‬

‫قياد انيسلمر انيتمثل آنذاك يف رسول اهلل ﷺ‪ ،‬موت اكجههو النبوةه إىل انيدةنه انينههور ‪ ،‬ومههو‬

‫تأسيس الدول اإلسالمي ‪ ،‬وكاة البناء صعب لا‪ ،‬وكاة عدد انيسههلمر قلههيالل‪ ،‬والعههدد يف احلبشه‬
‫‪165‬‬
‫ةستهاة هبا‪ ،‬فعدد انيهههاجوةن يف غههزو بههدر كههاة نفههس عههدد‬ ‫كب لا جتاوز الثامنر‪ ،‬وهم قو‬

‫انيهاجوةن إىل احلبش ‪ ،‬ومع ذلك مل ةطلبهم رسول اهلل ﷺ‪ ،‬موت الغزوات العظام بدر ثههم بنههو‬

‫قينقاع ثم أثد ثم بنو النض ثم األثزاب ثم بنو قوةظ ‪ ،‬ثم احلدأ الكب العظههيم اكههام وهههو‬

‫صلح احلدةبي ‪ ،‬وبعد صلح احلدةبي أمن انيسلموة عىل أنفسهم‪ ،‬وأصب ت كم دول كهها كيههاة‬

‫حمرتم تعقد بم األثال وانيعاهدات عىل أعىل مستوى‪ ،‬ةوهب جانبها وارتم رأهيا‪ ،‬فهنهها شههعو‬

‫رسول اهلل ﷺ أنم أصبح من ال عب است ال انيسلمر‪ ،‬لقد كاة ممكن لا يف أح حلظ قبل صلح‬

‫احلدةبي أة ةستأصل انيسلموة‪ ،‬وأقوب مثال عههىل هههذا غههزو األثههزاب؛ ثيههث أراد الكفههار‬

‫اإلهناء اجلذرح لإلسالم يف انيدةن ‪ ،‬لكههن اهلل عههز وجههل كتههب الن ههو للمههنمنر‪ ،‬ثتههى قههال‬

‫الوسول ﷺ‪( :‬اآلة نغزوهم و ةغزونا)‪ .‬عندما شعو رسول اهلل ﷺ بأول حلظههات األمههاة يف‬

‫انيدةن أرسل يف علب انيهاجوةن يف احلبش ‪ ،‬أرسل إليهم عموو بن أمي ريض اهلل عنم وأر ههاه‪،‬‬

‫فجاءوا يف العام السابع من اكجو بعد فتح خيرب‪.‬‬

‫كاة رسول اهلل ﷺ ةتعامل مع األمور ب كم سياسي رائع ‪ ،‬كاة اافظ عهىل نههوا للمسههلمر‬

‫هناك يف مكاة آخو بعيد مثل احلبش ‪ ،‬فإذا هلك انيسلموة يف انيدةن ْحل انيهههاجووة يف احلبشه‬

‫اللواء‪ ،‬وكاة انيسلموة يف احلبش ةقوموة بدور انيخزوة اإلسرتاتيج اكام للمسلمر‪ ،‬وكانوا‬

‫عىل استعداد للوجوع إىل انيدةنه يف أح حلظه إذا علبههت مههنهم القيههاد ذلههك‪ .‬كانههت األدوار‬

‫موزع عىل انيسلمر بدق ‪ ،‬عائف من انيسلمر ةقوموة بالبناء هناك يف أواخو الفرت انيكي ‪ ،‬ويف‬

‫خلطو شدةد تقابل انيوت يف كل حلظه ‪ ،‬وهنههاك عائفه أخههوى‬ ‫فرت انيدةن هذه الطائف معو‬

‫كامن يف احلبش ‪ ،‬يف ظاهو األمو هم غ معو ر لألذى‪ ،‬لكن مهمتهم يف غاة اخلطور ‪ ،‬لقههد‬

‫كاة عليهم أة املوا الدعو بمفههودهم إذا هلههك انيسههلموة يف انيدةنه ‪ ،‬وقههد ةمههوت رسههول‬

‫اهلل ﷺ شخ ي لا وت بح األمان معلق يف رقاهبم وثدهم‪ ،‬وهنا ةتضح أمواة‪:‬‬

‫‪166‬‬
‫األول‪ :‬أة هذا التوزةع لألدوار تم بمعوف قياد انيسلمر انيتمثل يف رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وكاة هناك‬

‫عاع عظيم جد لا من الطوفر؛ الطو الذح ةعمل يف انيدةن ‪ ،‬والطو الذح ةعمل يف احلبش ‪،‬‬

‫ولو توك األمو لكل فود لدخل اكوى يف ا ختيار‪ ،‬قد ةكوة هوى انيوء أة ةظل بعيد لا عن أرة‬

‫القتال هناك يف األماة يف احلبش ‪ ،‬وقد ةكوة هوى انيوء أة ةعمل لإلسالم يف مكاة معر‪ ،‬كههأة‬

‫وزع‬
‫ةعمل بجوار رسول اهلل ﷺ أو يف قبيل كذا أو كذا‪ .‬ف تى ةتههدخل اكههوى يف ا ختيههار ا‬

‫القائد ﷺ األدوار عىل انيسلمر‪ ،‬وأعاع انيسلموة يف أدب جم‪ ،‬إذ ةشرتط اجلندح ال ههادق‬

‫ال معين لا أو مكان لا معين لا؛ ألة اجلندح يف اإلسالم ةعمل هلل عز وجل‪ ،‬ويف كههل مكههاة ةو ههع‬
‫عم ل‬

‫فيم بنفس احلمي ‪ ،‬كام أة األمو اتا أةض لا إىل تنظيم‪َ ،‬م ِن الذح ةقوم هبذا الههدور؟ ومههن الههذح‬

‫ةقوم بالدور اآلخو؟ وثتى ختههتلط األدوار عههىل النههاس ةوجههع يف هههذا إىل قيههاد انيسههلمر‬

‫والشورى ورأح انيجموع ‪ ،‬وكل ذلك من أساسيات العمل اجلامع السليم الذح علمنهها إةههاه‬

‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬أة انيسلمر انيهاجوةن يف احلبش مل ةكونوا يف ثال ركوة أو فتههور‪ ،‬بههل كههانوا يف إعههداد‬

‫وتدرةب مستمو‪ ،‬لقد كاة مسههتوى اإلةههامة لههدهيم رائعه لا‪ ،‬وكههاة ا سههتعداد النف ه للعههود‬

‫وانيشارك والوقو يف ال دار ومواجه انيوت كامالل‪ ،‬ةثبت ذلههك أهنههم نيهها جههاء م إشههار‬

‫العود عادوا دونام جو و اعرتاة و إبطاء و علب لفرت جتهيز وانتقههال‪ ،‬ونيهها وصههلوا‬

‫إىل انيدةن انخوعوا يف ال ف برسع ‪ ،‬وْحلوا انيشاق مع انيسلمر وكههأهنم عاشههوا معهههم كههل‬

‫التجارب السابق ‪ ،‬ثتى إهنم نيا وصلوا إىل انيدةن علموا أة رسول اهلل ﷺ ةفههتح خيههرب‪ ،‬وهه‬

‫عىل بعد مائه كيلههو يف شههامل انيدةنه انينههور ‪ ،‬فتوجهههوا مجيعه لا إىل خيههرب للمشههارك يف الغههزو‬

‫فوجدوها قد فت ت‪ ،‬ورس هبم رسول اهلل ﷺ جد لا‪ ،‬وقال‪( :‬واهلل مهها أدرح بههأهيام أفههوح)‪ ،‬ويف‬

‫رواة ‪( :‬بأهيام ُأ َرس بفتح خيههرب أم بقههدوم جعفههو)‪ ،‬وجعفههو ريض اهلل عنههم وأر ههاه كههاة أمه‬

‫‪167‬‬
‫انيهاجوةن يف اكجو الثاني لل بش ‪ ،‬ورأةنا جعفو بن أيب عالب نفسم بعد أة عاد بههه ‪ 13‬شهههو لا‬

‫فقط خو جماهد لا يف سبيل اهلل يف رسة منت وكاة أثد قوادها‪ ،‬وقاتل دوة تودد‪ ،‬وأقههدم دوة‬

‫إثجام‪ ،‬وثبت دوة فوار‪ ،‬واستشهد ريض اهلل عنم وأر ههاه دوة خههو أو وجههل‪ ،‬لقههد جههاء‬

‫جعفو ريض اهلل عنم وأر اه من احلبش جاهز لا للقتال يف سههبيل اهلل‪ ،‬لقههد كانههت فههرت احلبشه‬

‫إعداد لا وتوبي للمسلمر‪ ،‬ومل تكن هووب لا من الواقع‪ .‬اكجههو إىل احلبشه كانههت إلنشههاء موكههز‬

‫جدةد للدعو ةضمن كا ا ستموارة والبقههاء‪ ،‬وكانههت وسههيل جدةههد يف مواجهه أسههاليب‬

‫البطش يف أرة مك ‪.‬‬

‫أسباب ومزاةا اختيار احلبش دوة غ ها للهجو إليها‬

‫نياذا اختار رسول اهلل ﷺ احلبش بالذات ليهاجو إليها انيسلموة؟ شههك أة الوسههول ﷺ قههد‬

‫فكو كث لا يف انيكاة الذح ةمكن أة ةوسل إليم انيسلمر‪ ،‬ولعل أقوب األماكن إىل الذهن هو أة‬

‫ةوسلهم إىل مكاة يف اجلزةو العوبي عند قبيل من القبائل‪ ،‬فقد كانت هناك جتمعات قبلي كب‬

‫يف جزةو العوب‪ ،‬هناك ثقيف يف الطائف‪ ،‬وهههوازة يف ثنههر‪ ،‬وبنههو ثنيفه يف‬ ‫وكثيف وكث‬

‫ق اجلزةو ‪ ،‬وعبس وذبياة يف شامل انيدةن وغ ها كث ‪ ،‬وهذه القبائل تتميز بكوهنا تعيش يف‬

‫ظوو مقارب جد لا لظوو انيسلمر يف مك ‪ ،‬ولن ةشعو انيسلموة بتغ كب يف عبيع احليهها ‪،‬‬

‫كام أهنم ةتكلموة العوبي ‪ ،‬باإل اف إىل قوب انيسههاف ‪ ،‬فههإذا اثتهها الوسههول ﷺ إىل انيسههلمر‬

‫قدموا رسةع لا‪ ،‬هذه كلها مزاةا موجود يف هذه القبائل‪ ،‬لكن هذه القبائل كانههت كلههها مرشههك ‪،‬‬

‫وإة مل تعلن العداء السافو للمسلمر‪ ،‬إ أهنا كلها تك ْن قدر لا عظي لام جد لا من ا ثرتام لقههوةش‪،‬‬

‫و شك أة القوشير لو علبوا انيسلمر ما توددت هذه القبائل يف دفعهم للكفار من أهل مك ‪.‬‬

‫اختيار القبائل اني يط بمك يف جزةو العوب مل ةكن اختيار لا سههلي لام‪ ،‬ولعلههم ﷺ أةضه لا فكههو يف‬

‫ةثوب الت أصب ت بعد ذلك انيدةن انينور ‪ ،‬لكن ةثههوب يف هههذه اآلونه مل ةكههن فيههها مسههلم‬
‫‪168‬‬
‫واثد‪ ،‬كام أهنا بلد متقلب بسبب احلووب بر األوس واخلزر ‪ ،‬كههام أة اليهههود ةسههكنوة منههذ‬

‫زمن يف هذه البالد‪ ،‬وتارةخ اليهود ةبرش بههأح خه ‪ .‬ولعلههم ﷺ قههد فكههو يف العههواق ثيههث‬

‫الت تعيش يف هههذه انينههاع ‪ ،‬مثههل‪ :‬بنه شههيباة‪ ،‬ولكههن هههذه القبائههل‬ ‫القبائل العوبي الكث‬

‫باإل اف إىل كوهنا مجيع لا مرشك فإهنا عىل و ء شدةد وحتههالف مههع الفههوس‪ ،‬وعههاد مهها ةكههوه‬

‫انيلوك الدعوات اإلصالثي ‪ ،‬فلن ةوثب كرسى فارس هبذا القدوم للمسلمر‪.‬‬

‫ولعل الوسول ﷺ أةض لا قد فكو يف الشام أةض لا فهناك قبائههل عوبيه تعههيش فيههها‪ ،‬مثههل‪ :‬قبائههل‬

‫الغساسن ‪ ،‬لكنها عىل اجلانب اآلخو موالي للووم‪ ،‬ولن توثههب أةضه لا باسههتقبال هههذه الههدعو‬

‫اجلدةد ‪ ،‬ولعلم أةض لا قد فكو يف مرص‪ ،‬لكن مرص بوغم أة هبا ملك لا معتههد ل وهههو انيقههوقس إ‬

‫أهنا حمتل من الووماة‪ ،‬و متلك يف ذلك الوقت من أموها شي لا‪ ،‬ولعلههم أةضه لا ﷺ قههد فكههو يف‬

‫اليمن‪ ،‬لكنها كانت حمتل من قبل فارس‪ ،‬ولن ةقبل الفوس بقههدوم انيسههلمر‪ ،‬شههك أنههم ﷺ‬

‫فكو يف كل هذه األماكن؛ ألهنا قوةب ومنطقي وغالبها عويب باستثناء مرص‪ ،‬لكنههم ﷺ مل جيههدها‬

‫مناسب ؛ لذا جال وبوز يف ذهنم ﷺ ا ختيار األخ ‪ ،‬والذح ةبدو عجيب لا يف نظو الكث ةن ثتههى‬

‫يف نظو انيعارصةن لم ﷺ‪ ،‬وهذا ا ختيار هو احلبش ‪.‬‬

‫لقد كاة اختيار احلبش عجيب لا‪ ،‬وإة دل عىل يشء فإنام ةههدل عههىل سههع اعههالع رسههول اهلل ﷺ‪،‬‬

‫وعىل ثكمتم يف نفس الوقت‪ ،‬واحلبشه وإة كههاة هبهها بعههض العيههوب انيلموسه إ أة مزاةهها‬

‫ا ختيار تفوق عيوهبا‪.‬‬

‫من عيوب احلبش ‪ :‬أهنا بعيد عن مك ‪ ،‬وهذا ة عب ا ت ال وانيواسههالت بههر الوسههول ﷺ‬

‫وبر جمموع انيهاجوةن‪ .‬أةض لا‪ :‬اختال اللغ ‪ ،‬فه خمتلف بالكلي عن اللغه العوبيه ‪ ،‬كههام أة‬

‫العادات والطبائع ألهل احلبش خمتلف كث لا عن عادات العههوب‪ ،‬ممهها قههد ةههندح إىل ال ههعوب‬

‫النسبي يف احليا هناك‪ ،‬لكن كا مزاةا‪.‬‬


‫‪169‬‬
‫مميزات احلبش عن غ ها‬

‫انييز األوىل‪ :‬كاة احلاكم يف احلبش عههاد ل‪ ،‬قههال رسههول اهلل ﷺ ألصه ابم‪( :‬لههو خههوجتم إىل‬

‫احلبش ؛ فإة هبا ملك لا ةظلم عنده أثد)‪ ،‬مل ةعل الوسول ﷺ عههىل يشء يف ثيهها الوجههل و‬

‫دةنم‪ ،‬ولكن عل عىل عدلم‪ ،‬ما ثدأ للمسلمر يف مك كاة نتيج ظلم بههر مههن أهههل مكه ‪،‬‬

‫لكن ملك احلبش النجايش رْحم اهلل كاة عاد ل‪ ،‬وهو بذلك افظ ثقوق اآلخوةن بغض النظو‬

‫عن دةانتهم أو ثبهم أو كواهيتهم‪ ،‬فالعدل أساس من أسس احلكم‪ ،‬وبغ ه تسههتقيم الههدنيا‬

‫واآلخو ‪ .‬فكاة من سع األف للوسول ﷺ وشمول النظو وعم الفكو أة اختار البلد الذح‬

‫اكمم ثاكم عادل‪ ،‬فضمن بذلك ْحاة ألص ابم‪ ،‬وهو درس للدعا أة ةستفيدوا مههن الههذةن‬

‫ةت ههفوة بالعههدل مههن النههاس‪ ،‬وأة ةطلعههوا عههىل أثههوال الههبالد اني يطه هبههم‪ ،‬ثتههى زمههن‬

‫ا ستضعا ‪ ،‬فقد ةكوة من الفائد أة ةستعينوا بوجل من أمثال هن ء وإة اختلف دةنم عههن‬

‫دةنهم‪ .‬هذه كانت انييز الوئيسي يف أرة احلبش ‪.‬‬

‫انييز الثاني ‪ :‬ةعيش يف أرة احلبش ن ارى‪ ،‬وانيسلموة كانوا ةشعووة بقههوب إىل الن ههارى‪،‬‬

‫لا من تعههاعف انيسههلمر مههع الههووم يف ثههوهبم ههد‬ ‫فهم أهل كتاب أةض لا‪ ،‬وظهو ذلك وا‬

‫فارس الوثني ‪ ،‬وشعو رسول اهلل ﷺ وانينمنوة أة قلوب الن ارى ستكوة أقههوب إىل الههدعو‬

‫من غ هم‪ ،‬وقد نزل القوآة بعد ذلك بسنوات عدةد لينكد عىل هههذا انيعنههى‪َ } :‬لت َِجهدَ اة َأ َشهدا‬

‫ااس عَدَ َاو ل لِ ال ِذة َن آ َمنُوا ا ْل َي ُهو َد َوا ال ِذة َن َأ ْ َ كُوا َو َلت َِجدَ اة َأ ْق َو َ ُهب ْم َم َو اد ل لِ ال ِذة َن آ َمنُوا ا ال ِذة َن َقا ُلوا‬
‫الن ِ‬

‫إِناا َن َ َارى{ [انيائد ‪ ،]82:‬ولألسف فإة معظههم الن ههارى يف أرة احلبشه يف ذلههك الوقههت‬

‫كانت كم اعتقادات من وف نتيج الت وةف يف التورا واإلنجيل‪ ،‬ولكن بعضهم كاة ما ةههزال‬

‫ص يح ا عتقاد‪ ،‬ومن هن ء النجايش رْحم اهلل‪ ،‬وهذا أفاد كثه لا كههام سههنوى يف التعامههل مههع‬

‫انيهاجوةن انيسلمر‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫انييز الثالث ‪ :‬أة احلبش بلد بعيد عن مك ‪ ،‬ومع أة هذا ةعترب عيب لا من كونههم ة ههعب ا ت ههال‬

‫بر الوسول ﷺ وبر انيهاجوةن‪ ،‬إ أنم يف ذات الوقت ةوفو جانبه لا مههن األمههاة للمهههاجوةن‪،‬‬

‫فهم بعيدوة عن أهل الباعل يف مك ‪.‬‬

‫انييز الوابع ‪ :‬أة احلبش بلد مستقل ليس ألثد عليم سلطاة‪ ،‬نعم هو ةتبع الكنسي انيرصههة يف‬

‫اإلسكندرة لكن هذه تبعي دةني وليست سياسي ‪ ،‬فليس هناك خطههور مههن أة ةمههيل قيههرص‬

‫الووم أو كرسى فارس‪ ..‬أو غ مها رأة لا عىل أهل احلبش ‪.‬‬

‫انييز اخلامس ‪ :‬أة احلبش بلد قوح يف انينطق ‪ ،‬وأهل مك كانوا ةعظموة هذا انيلك جد لا‪ ،‬وكههاة‬

‫بينهم وبينم سفارات ومواسالت وهداةا‪ ،‬وهذا قد ةكوة عيبه لا لههو أة ملههك احلبشه ةت ههف‬

‫بالعدل‪ ،‬فكونم ةت ف بالقو والعظم مع العدل فهذا ةوفو ْحاة أكيد للمهههاجوةن‪ ،‬وقههوةش‬

‫من انيست يل أة تفكو يف غزو احلبش نيطارد انيهاجوةن كام فعلت بعد ذلك يف انيدةن يف غههزو‬

‫األثزاب؛ ألة عوامل قو احلبش وقو انيلك وبعد انيساف والب ههو حتههول دوة هههذا التفكه ‪،‬‬

‫وأقىص ما ةمكن أة تفعلم قوةش هو أة توسل سفار رسمي تطلب انيهاجوةن‪ ،‬فإة كاة انيلههك‬

‫عاد ل‪ ،‬فإنم و شك س فض تسليم زواره و يوفم‪.‬‬

‫انييز السادس ‪ :‬أة احلبش بلد جتارح وعنده قو اقت ادة معقول يف ذلك الوقههت‪ ،‬و خيشههى‬

‫عليم من ثدوأ أزمات اقت ادةم نتيج قدوم انيهاجوةن‪ ،‬وهذا و شك سيوفو للمنمنر أمان لا‬

‫واستقوار لا‪ ،‬ويف نفس الوقت ةغ من نفسيات أهل احلبش ‪ ،‬فلن ةشعووا بأزم تههذكو نتيجه‬

‫هجو انيسلمر إليهم‪.‬‬

‫كذه األسباب جمتمع كاة اختيار احلبش اختيار لا موفق لا‪ ،‬وبدأ انيهههاجووة بالفعههل ةتجهههوة إىل‬

‫باكجو األوىل إىل احلبش ‪.‬‬ ‫هناك ليبدأ ما ةسمى يف الس‬

‫‪171‬‬
‫وقفات مع اكجو إىل احلبش‬

‫أمو رسول اهلل ﷺ ‪ 14‬منمن لا أة هياجووا إىل احلبش ‪10 :‬رجال و ‪ 4‬نساء هن زوجههات‪ ،‬كانههت‬

‫هذه ه الطليع األوىل من انيهاجوةن‪ ،‬وأنا أرةد أة أقههف وقفتههر يف غاةه األمهيه عنههد هههذا‬

‫انيوقف‪.‬‬

‫الوقف األوىل‪ :‬من أول من هاجو من انيسلمر؟‬

‫أسامؤهم حتتا إىل وقف عوةل ‪ ،‬فاألول‪ :‬هو عثامة بن عفههاة األمههوح ريض اهلل عنههم وأر ههاه‬

‫وزوجتم رقي بنت رسول اهلل ﷺ‪ .‬ةا لم من موقف‪ ،‬أعم وسيل من وسائل الرتبي ه وسيل‬

‫الرتبي بالقدو ‪ ،‬لقد أصدر رسول اهلل ﷺ أواموه باكجو وتوك الدةار‪ ،‬ثههم مل ةعههزل نفسههم ﷺ‬

‫عن األذى من هذه اكجو ‪ ،‬فها ه ابنتم السههيد رقيه ثبيبه قلبههم ﷺ ههاجو إىل احلبشه مههع‬

‫انيهاجوةن‪ ،‬بل تسب انيهاجوةن‪ ،‬وةههذوق أمل الفههواق كههام ةذوقههم أصه ابم مههن انيههنمنر‪ ،‬مههن‬

‫انيست يل أة ةتأثو اجلنود بقائدهم إ إذا شههعووا أنههم معهههم يف خنههدقهم‪ ،‬مهها أسهههل أة تههأمو‬

‫بالتقشف واكجو ‪ ،‬بل وانيههوت‪ ،‬لكههن كههل ذلههك ةههنثو يف أثههد إ إذا قههوة بعمههل الرتبيه‬

‫القدو ‪.‬رسال من رسول اهلل ﷺ إىل كل قائد‪ :‬إذا أردت أة متلك قلوب شعبك وأتباعك فانزل‬

‫إليهم وعش معهم وخالطهم‪ ،‬افوح بام ةفوثوة بم‪ ،‬وتأمل مما ةتأنيوة منم‪ ،‬شههاركهم يف ععههامهم‬

‫و اهبم وسفوهم وسعيهم وقتاكم‪ ،‬عندئذ اعلم أنك امتلكت قلوهبم‪.‬‬

‫ا سم الثاين يف هذه اكجو كاة أةض لا من بيت الوسول ﷺ‪ :‬إنم جعفو بن أيب عالههب اكاشههم‬

‫القويش ريض اهلل عنم وأر اه‪ ،‬ابن عم رسول اهلل ﷺ‪ ،‬هاجو هو وزوجتم السههيد أسههامء بنههت‬

‫ُع َم ْيس ريض اهلل عنها‪ ،‬وكذلك بقي األسامء معظمهم من أص اب الشههو وانيكانه وانينعه‬

‫مثل‪:‬‬

‫‪172‬‬
‫‪ -‬وأبو ثذةف بن عتب من بن عبد شمس‪.‬‬ ‫‪ -‬عبد الوْحن بن عو من بن زهو ‪.‬‬

‫‪ -‬وم عب بن عم من بن عبد الدار‪،‬‬ ‫‪ -‬والزب بن العوام من بن أسد‪.‬‬

‫‪ -‬وأبو سلم بن عبد األسد من بن خمزوم‪.‬‬

‫وهكذا معظم انيهاجوةن من أ ا مك ‪.‬‬

‫الوقف الثاني ‪ :‬أة انيسلمر أخذوا بكل األسباب انيمكن لضامة نجاح عملي اكجو ‪ ،‬مل ةقولوا‪:‬‬

‫نتوكل عىل اهلل عز وجل وندعوه‪ ،‬ثم نسلم أمونا بغ إعداد‪ ، ،‬بل أخذوا بكل األسباب الته‬

‫يف أةدهيم‪.‬‬

‫أو ل‪ :‬خو انيسلموة يف ّ‬


‫رسة كامل ومل ةعلموا أثد لا أبد لا هبجو م‪.‬‬

‫ثاني لا‪ :‬مل خيوجوا جمموع واثد ‪ ،‬بل خوجوا متفوقر ثتى ةلفتوا األنظار إليهم‪.‬‬

‫ثالث لا‪ :‬لضامة عدم ا ختال ولتوثيد ال ف اختار كههم رسههول اهلل ﷺ أمه لا مههن أنفسهههم‪،‬‬

‫مج َح‪.‬‬
‫اختار كم عثامة بن مظعوة ريض اهلل عنم وأر اه من بن ُ‬

‫رابع لا‪ :‬التنوع انيلموس من قبائل مك ‪ ،‬فإة الوسول ﷺ أخو من كل قبيل رجهالل‪ ،‬وبههذلك‬

‫تستطيع مك أة تت زب د قبيل معين ‪ ،‬لقههد اختههار رسههول اهلل ﷺ مههن كههل قبيله واثههد لا‪،‬‬

‫فأصبح انيوقف صعب لا عىل أهل مك ‪ ،‬كام أنم من الناثي األخوى سو ةكوة كذا الوفههد تههأث‬

‫وا ح عىل ملك احلبش ‪ ،‬فهذا الوفد انيكوة من خليط من قبائل مك كأنم سفار رسههمي متثههل‬

‫شعب مك ‪ ،‬خيطو أبد لا عىل ذهن النجايش أة هذه ثوك قبائلي ب ت ‪ ،‬بههل هه دعههو دةنيه‬

‫تفوق بر قبيل أو أخوى‪ ،‬وهذا سيكوة أدعى لود كيد قوةش إذا ثاولههت أة تكيههد‬ ‫أخالقي‬

‫للمسلمر عند ملك احلبش ‪ .‬يف هذه اكجو أخذ ﷺ بكههل األسههباب انيادةه ويف كهل أمههوره‪،‬‬

‫ثتى ةعلمنا كيف نس عىل دربم وعىل عوةقم ﷺ‪.‬‬


‫‪173‬‬
‫خو انينمنوة من مك خفي ‪ ،‬واجتمعوا عند ساثل الب و‪ ،‬ولكن مع كل هههذا اسههتطاع أهههل‬

‫مك أة ةعوفوا وجهتهم وأة ةل قوا هبم؛ ف وب احل والباعل ليس كا هناة إىل ةههوم القيامه ‪،‬‬

‫هنا كاة من انيمكن أة جتهض حماول اكجههو ‪ ،‬ولكههن انيسههلموة ابتهلههوا إىل اهلل عههز وجههل أة‬

‫ةنجيهم مما حل هبم‪ ،‬يف هذه الل ظ وجههدوا سههفينتر يف الب ههو متجهتههر إىل احلبشه فوكههب‬

‫انيسلموة يف إثدامها‪ ،‬وانطلقوا باسم اهلل يف وسط الب و‪ ،‬ومل ةستطع انيرشكوة أة ةل قوا هبم‪.‬‬

‫لقد استنفد انيسلموة الوسع‪ ،‬وأخذوا بكامل األسههباب‪ ،‬ولكههن انيشههوكوة حلقههوهم؛ ليلجههأ‬

‫انيسلموة إىل اهلل عز وجل‪ ،‬وليعلموا أة األخذ باألسههباب ةنفههع إ إذا أراد اهلل عههز وجههل‪،‬‬

‫وليدركوا ث اإلدراك أة الكوة بيد اهلل عز وجل ةرصفم كيف ةشاء‪ .‬وصههل انيسههلموة بأمههاة‬

‫إىل احلبش ‪ ،‬وكام توقع رسول اهلل ﷺ استقبلهم النجايش خ استقبال‪ ،‬وجلسوا عنده يف أكههوم‬

‫ثال‪ ،‬ومل ةلقوا عنت لا و إةذاء و مشق ‪.‬‬

‫إسالم ْحز وعمو وسجود انيرشكر آلة سور النجم‬ ‫ق‬

‫بعد اكجو األوىل إىل احلبش ثدثت يف مك أمور عظام يف ظاهوههها بسههيط ‪ ،‬ولكنههها حمطههات‬

‫تغي هام ليس يف أو اع مك فقط‪ ،‬بل يف خوةط العامل‪.‬‬

‫مما ثدأ يف مك ‪:‬‬

‫أو ل‪ :‬آمن ْحز بن عبد انيطلب ريض اهلل عنم وأر اه عم رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫ثاني لا‪ :‬بعده بثالث أةام فقط آمن عمو بن اخلطاب ريض اهلل عنم وأر اه‪.‬‬

‫وست مل األةام مفاجآت عظيم ألهل األرة مجيع لا‪ ،‬س وة كيف أة هههذا الوجههل البسههيط‬

‫مك سيقود جيههوا انيههنمنر ليكسههو شههوكت فههارس‬ ‫عمو الذح آمن يف هذه البلد ال غ‬

‫والووم‪ ،‬وليوثد أعوا العامل يف خالفه واثههد ‪ ،‬آمههن الفههاروق يف مكه ف ههدثت تغيه ات‬
‫‪174‬‬
‫جذرة يف سياس انينمنر‪ ،‬منها ما ةتعل بقضي اكجو إىل احلبش ‪ ،‬آمن عمو بن اخلطاب فظهو‬

‫اإلسالم يف مك ‪ ،‬وأعلن كث من انيسلمر إسالمهم‪ ،‬بعد أة أذة كم رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وكام قههال‬

‫عبد اهلل بن مسعود ريض اهلل عنم‪ :‬ما زلنا أعز منذ أسلم عمو ريض اهلل عنم وأر ههاه‪ ،‬وقه ّهل إىل‬

‫ثد كب التعذةب الوثيش الذح كانت تقوم بم قوةش للمههنمنر‪ ،‬وعههاا انيسههلموة يف مكه‬

‫حلظات عظيم من السعاد الت مل متو هبم منذ زمن عوةل‪ ،‬سعاد بإسههالم البطلههر العظيمههر‬

‫اجلليلر‪ْ :‬حز بن عبد انيطلب‪ ،‬وعمو بن اخلطاب ريض اهلل عنهام‪ ،‬وسههعاد بإثسههاس األمههاة‬

‫النسب الذح شعو بم انيسلموة للمو األوىل منذ أكثو من مخس سنوات‪ ،‬وسعاد بشعور العههز‬

‫والفخو هبذا الدةن وباتباعم‪ .‬عارت أنباء هذه السعاد إىل احلبش ‪ ،‬وتواصلت قلههوب انيههنمنر‬

‫يف احلبش مع قلوب انينمنر يف مك وشعووا بنفس السعاد ‪ ،‬وشعووا فوقها بسعاد العود إىل‬

‫وإىل البيت احلوام‪ ،‬شعو انيسلموة أة وقت العههود‬ ‫أرة الوعن وإىل أرة األجداد والعش‬

‫إىل مك سيكوة قوةب لا إة شاء اهلل‪.‬‬

‫تزامن مع ثدأ إسالم البطلر ْحز وعمو ريض اهلل عنهام ثدأ آخو عجيههب تههم يف مكه يف‬

‫ساث البيت احلوام يف رمضاة من السن اخلامس من البعث ‪ ،‬كاة مههن أسههلوب الكههافوةن نينههع‬

‫الناس من التأثو بكالم اهلل عز وجل أة ةمنعوا أنفسهم من السامع أصالل؛ ألهنم ةعلموة أنم لههو‬
‫آة وا ْل َغهوا فِيه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هم‬ ‫ْ‬ ‫سمع أثدهم القوآة فقد ةنمن بم‪َ { :‬و َق َال االهذة َن ك ََفه ُووا ت َْسه َم ُعوا ك َه َذا ا ْل ُقه ْو َ‬
‫وة} [ف لت‪ ،]26:‬كانت هذه ه سياستهم‪ ،‬ولكن يف رمضاة من السن اخلامس‬ ‫َل َع الك ُْم َت ْغ ِل ُب َ‬

‫من البعث ثدأ هذا انيوقف الغوةب‪ :‬كاة انيرشكوة جمتمعر يف البيههت احلههوام‪ ،‬وكههاة معهههم‬

‫انينمنوة أةض لا‪ ،‬وكاة معهم رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فوقف يف وسط الناس وبدأ ةقوأ سههور مههن سههور‬
‫القوآة الكوةم تالو عليهم‪ ،‬وه سور النجم كامل ‪{ :‬والناج ِم إِ َذا َهوى خ ما َ ال صه ِ‬
‫اث ُبك ُْم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫وثى خ َع ال َمه ُم َشه ِدةدُ ا ْل ُقه َوى خ ُذو ِمه او‬ ‫ِ‬
‫َو َما َغ َوى خ َو َما َةنْط ُ َع ِن ْاك َ َوى خ إِ ْة ُه َو إِ ا َو ْث أ ُة َ‬

‫‪175‬‬
‫ر َأ ْو َأ ْدنَى خ َف َأ ْو َثى إِ َىل َع ْب ِد ِه‬
‫اب َق ْو َس ْ ِ‬ ‫است ََوى خ َو ُه َو بِاألُ ُف ِ األَ ْع َىل خ ُث ام َدنَا َفتَدَ اىل خ َفك َ‬
‫َاة َق َ‬ ‫َف ْ‬
‫َما َأ ْو َثى خ َما ك ََذ َب ا ْل ُف َنا ُد َما َر َأى خ َأ َفت َُام ُرو َن ُم َع َىل َما َة َوى} [النجم‪.]12 - 1:‬‬

‫انبهو انيرشكوة بووع الكلامت واآلةات‪ ،‬وبالكالم العجيههب الههذح ةقههدر عليههم بشههو‪ ،‬ومل‬

‫اوكوا ساكن لا‪ ،‬نزلت اآلةات كالقوارع عههىل قلهوهبم‪ ،‬خوسههت األلسههن ‪ ،‬وتسههموت األقههدام‪،‬‬

‫وتعلقت العيوة بوسول اهلل ﷺ‪ ،‬وبدأ رسول اهلل ﷺ ةكمل القواء ب وتم العذب‪ ،‬بل بدأ ةقوأ‬

‫ت َوا ْل ُع ازى خ َو َمنَا َ ال اثالِ َث َ األُ ْخه َوى خ‬ ‫آةات تسفم أصنام قوةش وآكتهم انيزعوم { َأ َف َو َأ ْةت ُُم ا‬
‫الال َ‬

‫اؤك ُْم َمها‬ ‫الذك َُو َو َل ُم األُن َثى خ تِ ْل َك إِ لذا ِق ْس َم أ ِ َيزى خ إِ ْة ِه َ إِ ا َأ ْس َام أء َس ام ْيت ُُم َ‬
‫وها َأ ْنت ُْم َوآ َب ُ‬ ‫َأ َلك ُُم ا‬

‫وة إِ ا ال اظ ان َو َما َ ْ َوى األَ ْن ُف ُس َو َل َقدْ َجا َء ُه ْم ِم ْن َر ِهبِه ُم ْاك ُهدَ ى}‬
‫َأ َنز َل اهللاُ ِ َهبا ِم ْن ُس ْل َطاة إِ ْة َةتابِ ُع َ‬

‫[النجم‪.]23 - 19:‬‬

‫ومع أة اآلةات ر آك قوةش وحتقو من شأهنا إ أة انيشهوكر مل ةنطقههوا بكلمه ‪ ،‬بههل ظلههوا‬

‫ةستمعوة القوآة وقد انبهووا انبهههار لا كههامالل‪ ،‬وأكمههل رسههول اهلل ﷺ السههور بكاملههها إىل أة‬

‫َاش َف أ خ َأ َف ِمه ْن‬


‫وة اهللاِ ك ِ‬
‫اآلز َف ُ خ َليس َكا ِمن د ِ‬
‫ْ َ َ ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫وصل إىل آخوها‪ ،‬ثتى قوأ آة السجد ‪َ { :‬أ ِز َف ِ‬

‫اسه ُجدُ وا هللاِ َوا ْع ُبهدُ وا)‬ ‫ُوة خ َو َأ ْنت ُْم َسه ِامدُ َ‬
‫وةخ َف ْ‬ ‫ُوة َو َت ْبك َ‬ ‫وة خ َوت َْض َ ك َ‬ ‫احل ِد ِ‬
‫ةث َت ْع َج ُب َ‬ ‫َه َذا ْ َ‬
‫[النجم‪ ،]62-57:‬ثههم سههجد رسههول اهلل ﷺ وسههجد انينمنههوة‪ ،‬لكههن انيفاجههأ الكههربى أة‬

‫انيرشكر أةض لا مل ةستطيعوا أة ةمنعوا أنفسهم من السجود هلل رب العانير‪ ،‬فسجدوا مجيع لا مههع‬

‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقد عارت قلوهبم وذهلت عقوكم‪ ،‬ثههم قههاموا بعههد السههجود وقههد أرعبههتهم‬

‫انيفاجأ ‪ ،‬ماذا فعلنا؟ لقد نيس اإلةامة قلوهبم حلظ ‪ ،‬ثم نكسوا عههىل رءوسهههم‪َ } ،‬و َج َ هدُ وا ِ َهبها‬

‫اق َب ُ انيُْ ْف ِس ِدة َن{ [النمل‪.]14:‬‬


‫َاة َع ِ‬
‫فك َ‬‫اس َت ْي َقنَت َْها َأ ْن ُف ُس ُه ْم ُظ ْل لام َو ُع ُل ًّوا َفان ُظ ْو َك ْي َ‬
‫َو ْ‬

‫اجتمع انيرشكوة يف مك ممن مل ارض انيشهد يف البيت احلوام‪ ،‬وأخذوا يف إلقاء اللوم والتأنيههب‬

‫عىل انيرشكر الذةن سجدوا مع رسول اهلل ﷺ‪ ،‬و ُأ ْس ِقط يف ةد انيشههوكر‪ ،‬مههاذا ةفعلههوة؟ ثههم‬
‫‪176‬‬
‫غلب عليهم شيطاهنم وأوثى إليهم أة ةفرتوا الكذب عىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فبامذا كههذبوا؟ لقههد‬

‫أشاعوا أة رسول اهلل ﷺ قد قوأ آةات معين تعظم من شأة الالت والعزى‪ ،‬ولذلك نيا جههاءت‬

‫آة السجود سجدوا تعظي لام آلكتهم‪ ،‬افرتوا هذه الفوة ؛ ليخوجوا هبا مههن اإلةهامة الههذح دخههل‬

‫قلوهبم رغ لام عن أنوفهم‪.‬‬

‫قوار عود انيهاجوةن من احلبش إىل مك واآلثار انيرتتب عىل ذلك‬

‫وصل إىل أسامع انيسلمر يف احلبش أة مك قد آمنت ودخل أهلها يف اإلسالم‪ ،‬قالوا‪ :‬لقد آمههن‬

‫ْحز وعمو ريض اهلل عنهام‪ ،‬وظهو انيسلموة‪ ،‬وصاروا أعز ‪ ،‬ثم سجد انيرشكوة مع رسول اهلل‬

‫ﷺ إةامن لا بام ةقول‪ ،‬وقد أصب ت مك اآلة مسلم ‪ ،‬فام الفائد من البقاء يف احلبشه بعههد إةههامة‬

‫مك ؟ كيف ثدأ هذا اخلطأ عند انيسلمر يف أرة احلبش ؟ بد أنم وقع خطأ يف نقل األخبار‬

‫يح‪ ،‬ولكن يف احلههالتر توتههب عههىل هههذا اخلطههأ‬ ‫من مك إىل احلبش أو خطأ يف فهم اخلرب ال‬

‫إرهاق شدةد جد لا للمسلمر يف احلبش ‪ .‬لقد قور انيسههلموة أة ةعههودوا إىل مكه ‪ ،‬وذلههك بعههد‬

‫جههاءت مههن مكه إىل احلبشه ‪ ،‬كههم مههن األثههامة ةههدفعها انيسههلموة ثمنه لا‬ ‫إشاع غ ص ي‬

‫للشائعات‪ ،‬وكم من الوقت وانيجهود وانيال ةضيع جواء الشائعات‪ ،‬وعههىل انيسههلمر دائه لام أة‬

‫ةتبينوا قبل أخذ القوار‪ ،‬ويف اعتقادح أنم كاة جيدر بانيهاجوةن أة ةوسلوا رسو ل واثههد لا مههنهم‬

‫إىل مك ليستوث من اخلرب‪ ،‬قبل أة جيمعوا أنفسهم ونساءهم وأعفاكم وةعههودوا هههذا انيشههوار‬

‫مههن قائههدهم اني نههك‬ ‫ارح‪ ،‬أو أة ةنتظووا رسههال وا ه‬ ‫الطوةل انيوه عرب الب ار وال‬

‫يف أة‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬الذح كاة س سل إليهم ثت لام باخلرب لو أة مك آمنت فعالل‪ ،‬وأة اني ل‬

‫ةعودوا إىل مك ‪ ،‬لكن هذا مل ادأ‪ ،‬وعاد انيسلموة وركبوا الب و نيسافات عوةل ‪ ،‬وجههاءوا إىل‬

‫مك وقلوهبم توقص من الفوث ‪ ،‬ثم كانت ال دم القاسي ‪ ،‬لقد اكتشفوا أة اخلههرب كههاة جمههود‬

‫إشاع !‬

‫‪177‬‬
‫بسبب هذه العود ‪ ،‬لكن بفضل اهلل كاة انيسلموة عههىل ثههذر كهها‬ ‫مو انيسلموة بمعانا كب‬

‫عندما اقرتبوا من مك ‪ ،‬فقد انتظووا إىل الليل‪ ،‬ووقفوا خار مك ‪ ،‬وأرسلوا رسو ل‪ ،‬وجاء كههم‬

‫خم ‪ ،‬لكههن اجتمههع انيسههلموة وعقههدوا‬ ‫باخلرب أة أهل مك ما زالوا مرشكر‪ ،‬نعم‪ ،‬مشكل‬

‫جملس لا للشورى‪ ،‬وخوجوا من اجتامعهم بثالأ توصيات‪ ،‬واسههتقووا عههىل أة ةقسههموا علههيهم‬

‫هذه التوصيات الثالأ‪.‬‬

‫التوصي األوىل‪ :‬أة ةعود غالبيتهم مو ثاني إىل احلبش دوة دخول مك ‪ .‬وهذا أمههو شههاق عههىل‬

‫النفس‪ ،‬ولكنم سيكوة أكثو أمن لا‪.‬‬

‫التوصي الثاني ‪ :‬أة ةدخل بعض انيسلمر إىل مكه رس لا متخفههر لقضههاء بعههض اني ههالح كههم‬

‫ولبقي انيهاجوةن‪ ،‬ثم العود بعد ذلك إىل احلبش ‪ ،‬ومفهوم ذلك أهنم لن ةبقوا يف أرة مك إ‬

‫ومن انيست يل أة خيتبئ فيها رجل عن عيوة النههاس لفههرت‬ ‫فرت بسيط ؛ ألة مك مدةن صغ‬

‫عوةل ‪.‬‬

‫التوصي الثالث ‪ :‬أة ةدخل بعضهم إىل أرة مك جهار لا ولكن يف جوار وا ح وْحاةه معلنه ‪،‬‬

‫ثتى ةعوة للقتل أو للتعذةب الشدةد‪ ،‬وهن ء سو ةشهوثوة لوسههول اهلل ﷺ أثههوال‬

‫احلبش ‪ ،‬وةتبادلوة اخلرب مع منمن مك بخ وص أمو اكجو ‪.‬‬

‫وتم بالفعل هذا ا تفاق وعاد الغالبي إىل احلبش دوة دخول مك ‪ ،‬ودخل بعضهم مك رس لا ثم‬

‫عادوا بعد ذلك إىل احلبش ودخل بعضهم مك يف و وح‪ ،‬أمهها الههذةن دخلههوا مكه يف إعههالة‬

‫فكاة عثامة بن عفاة ريض اهلل عنم وأر اه وزوجتم السيد رقي بنت رسههول اهلل ﷺ‪ ،‬وعههثامة‬

‫بن مظعوة ريض اهلل عنهم‪ ،‬فدخل عثامة بن عفاة األموح يف ْحاة قبيلتم القوة بن أميه ‪ ،‬أمهها‬

‫انيرشك وهو من قبيل بن خمزوم‪ ،‬وذلههك‬ ‫عثامة بن مظعوة فقد دخل يف جوار الوليد بن انيغ‬

‫‪178‬‬
‫مجح وكانت من أشد القبائههل حماربه لههم شخ ههي لا‪ ،‬وكههاة مههن‬
‫ألة قبيل عثامة بن مظعوة بنو ُ‬

‫لعنم اهلل‪ .‬فدخل عثامة بههن مظعههوة يف إجههار الوليههد بههن‬ ‫أشدهم عليم أمي بن خلف اجلم‬

‫انيغ ‪ ،‬وكانت إجار غ مرشوع ‪ ،‬وقد قلنا بأة انيرشكر قد رفعوا أةدهيم نسبي لا عن انيسلمر‬

‫بعد إسالم ْحز وعمو ريض اهلل عنهام‪ ،‬ولكن جدت أمور جعلت انيرشكر ةنشطوة من جدةد‬

‫لتعذةب انيسلمر‪.‬‬

‫أو ل‪ :‬أة سجود انيرشكر يف الكعب مع رسول اهلل ﷺ سههبب بلبله يف أرة مكه ‪ ،‬ومههن كههاة‬

‫مرتدد لا يف اإلةامة فالبد أة ةفكو اآلة بجدة ‪ ،‬وبالههذات يف ظههل احلامةه انيادةه وانيعنوةه الته‬

‫ةقدمها فارسا قههوةش ْحههز وعمههو ريض اهلل عههنهام؛ لههذلك فكههوت قههوةش يف إعههاد الههبطش‬

‫والتعذةب نينع انيد اإلسالم اجلار يف مك ‪.‬‬

‫ثاني لا‪ :‬وصلت إىل مك أنبههاء ا سههتقبال احلافههل والكههوةم الههذح قدمههم النجههايش للمهههاجوةن‬

‫انيسلمر‪ ،‬وهذا رفع من معنوةات انيسلمر من ناثيه وأثههبط معنوةههات الكفههار مههن ناثيه‬

‫أخوى‪ ،‬فمرشكو مك كانت كم عالقات جتارة وصداق مع النجايش‪ ،‬و شك أة هذه األمور‬

‫قد تتأثو بال داق والوفاق اجلدةد مع انيسلمر‪ ،‬كذا قورت مك أة تنشط يف مواجه الههدعو ‪،‬‬

‫فامذا فعلت؟‬

‫الوسيل األوىل‪ :‬قورت قوةش منع انينمنر من السفو‪ ،‬وقامههت بتشههدةد احلواسه عههىل خمههار‬

‫مك ‪ ،‬ومطارد كل من خو من انينمنر من مك ‪ ،‬وو عوا عىل قائم انيمنوعر من السفو كل‬

‫من عو عنم اإلةامة أو اشتبم يف إةامنم‪ ،‬كل هذا لوقف اكجو إىل احلبش ‪ ،‬وقههد ةظههن ظههاة أة‬

‫انيرشكر سيكونوة سعداء برتك انيسلمر يف أرة مك ‪ ،‬فلامذا ةمنعوهنم مههن اكجههو ؟ كانههت‬

‫قوةش تفكو بطوةق أخوى‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫أو ل‪ :‬أة انينمنر اختذوا من احلبش موعن لا وحمضن لا ل بى فيم انيسلموة؛ ليعودوا أشد قههو ؛ ألة‬

‫انينمنر أص اب قضي ‪ ،‬ولن ةو وا باحليا انيسرتا يف احلبش وةرتكوا قضههيتهم‪ ،‬وكههام ذكههو‬

‫كم رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فإنم قد بعث لقومم خاصه وللنههاس عامه ‪ ،‬و بههد أة انيههنمنر سههيبذلوة‬

‫ق ارى جهدهم لي لوا هبذه الدعو إىل مشارق األرة ومغارهبا‪ ،‬و شك أة مكه سههتكوة‬

‫من أهم النقاط يف حمط انينمنر‪ ،‬و بد أة ةوجع انينمنوة إىل أرة مك ‪.‬‬

‫ثاني لا‪ :‬أة انينمنر سيغ وة عالق احلبش بمك ‪ ،‬وجيعلوهنهها ل ههاحلهم‪ ،‬فأهههل احلبشه إذا رأوا‬

‫أخالق انينمنر ونضجهم ونقاءهم‪ ،‬فإهنم سيسههتنكووة بشههد أفعههال الههذةن عههذبوهم‪ ،‬وقههد‬

‫ةقطعوة عالقا م السياسي وا قت ادة بمك ‪ ،‬وهذا فيم رضر كب هبم‪.‬‬

‫ثالث لا‪ :‬خا أهل مك من أة أهل احلبش ةدخلوة يف اإلسالم‪ ،‬ثم ةقبلوة عىل مكه بعههد ذلههك‬

‫لغزوها‪ ،‬وقوةش ليست كا عاق ب وب دول احلبش وجيش احلبشه وملههك احلبشه ‪ ،‬ولههيس‬

‫ببعيد من أهل مك ما ثدأ من أبوه األ م وهو جمود تابع نيلههك احلبشه كههاة عههىل منطقه‬

‫اليمن‪.‬‬

‫رابع لا‪ :‬كانت قوةش ختشى من انتشههار انيههد اإلسههالم يف خارجههها‪ ،‬فههدعو انيسههلمر مقنعه ‪،‬‬

‫ودةنهم قيم‪ ،‬وقوآهنم معجز‪ ،‬ولو توكت كم ثوة الدعو فالشك أة أص اب الفطو السههليم‬

‫سيدخلوة يف هذا الدةن‪ .‬فليمنع انيسلموة من السفو‪ ،‬ولت دد إقامتهم يف أرة مكه ‪ ،‬هكههذا‬

‫فكو أهل الباعل يف مك ‪.‬هذه كانت وسيل منع انيسلمر من اخلوو من مك ‪.‬‬

‫الوسيل الثاني ‪ :‬التعذةب الشدةد من جدةد‪ ،‬وسههيل العههاجز الضههعيف انيهههزوم‪ ،‬وا نتكاسه‬

‫البشع يف اإلنساني ‪ ،‬انقلبوا عىل كل من بق من انيسلمر يف أرة مك ةعذبوهنم‪ ،‬ومل ةسههتطع‬

‫ْحز وعمو ريض اهلل عنهام كأفواد أة ةقوموا ب امة انينمنر من هذه احلوب القوشي انينظم ‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫يف هذا انيوقف الع يب‪ ،‬وحتت هههذا الضههغط القههويش الظههامل‪ ،‬وخوفه لا مههن است ههال عامه‬

‫انيسلمر يف حلظات الغضب والتهور غ اني سوب وغ انيدروس‪ ،‬يف هذا انيوقههف ال ههعب‬

‫أصدر رسول اهلل ﷺ قواره باكجو مو ثاني إىل أرة احلبش ‪ ،‬انيو األوىل هاجو ‪10‬رجال و‪4‬‬

‫نساء ثم عادوا إىل مك ‪ ،‬ثم عاد بعضهم إىل احلبش من جدةد‪ ،‬أمهها يف هههذه انيههو فقههد صههدرت‬

‫ال مسل لام أو ‪ 82‬أو ‪ 83‬وكاة فيهم عامر بن ةارس‪ ،‬وهاجو أةض لا‪:‬‬
‫األوامو هبجو أكثو من ‪ 80‬رج ل‬

‫‪ 18‬اموأ ‪ 11‬قوشي و‪ 7‬غ قوشيات‪ ،‬هذا غ األعفال‪.‬‬

‫وحمدد ‪ ،‬والوؤةهها عنههده وا ه ‪ ،‬فهههو ةت ههوك‬ ‫الوسول ﷺ كقائد مس ول لم أهدا وا‬

‫بههد أة ت ههل إىل عمههوم النههاس‪،‬‬ ‫‪ ،‬والدعو‬ ‫بموون سياسي وفقهي عالي ‪ ،‬األهدا وا‬

‫والدعو لن ت ل إىل الناس إ عن عوة الههدعا ‪ ،‬والههدعا وصههلوا إىل موثله مههن اإلةههذاء‬

‫ة عب معها استموار الدعو ‪ ،‬فليكن القوار احلاسم اجلوحء يف الوقت انيناسب هجو أكثو من‬

‫‪ 80‬مسل لام‪ ،‬وهو ما ةمثل ن ف الطاق اإلسالمي تقوةب لا يف ذلك الوقت‪ ،‬وهو قوار إسههرتاتيج‬

‫خط ‪ ،‬موازن بر اكجو وتوك الدةار ونقل ميههداة العمههل إىل احلبشه ‪ ،‬وبههر البقههاء يف مكه‬

‫واستموار الدعو ‪ ،‬مع التضههيي الشههدةد الههذح متارسههم قههوةش‪ ،‬موازنه قههد ةنفعههل الشههباب‬

‫وةقولوة‪ :‬نبقى مهام كانت النتائج‪ ،‬ولو أدى ذلك إىل انيوت‪ ،‬فهههذا مههوت يف سههبيل اهلل‪ ،‬لكههن‬

‫رسول اهلل ﷺ القائد السيايس اني نك والداعي احلكيم ةعلم أة األمور تس هبذه الطوةقه ‪،‬‬

‫فاهلل عز وجل خل النبات الضعيف لين لا عوة لا مون لا‪ ،‬فمع الوةح الشدةد ةميل النبههات ثتههى‬

‫ةنكرس‪ ،‬ثم عندما ةشتد عود النبات وة بح شجو راسخ كا جذور عميق ؛ فإهنا متيل أمههام‬

‫الوةح الشدةد ‪ ،‬بل تظل ثابت ومتو الوةاح مهام اشتدت قو ا من ثوكا‪ ،‬هكههذا انيههنمن الفقيههم‪.‬‬

‫أخذ رسول اهلل ﷺ القوار اجلوحء‪ ،‬وكاة هذا القوار أصعب مائ مو من قوار اكجو األوىل‪.‬‬

‫‪181‬‬
182
‫‪9‬‬

‫هجرة احلبشة الثانية‬

‫كان هذا القرار ‪ -‬قرار اهلجرة الثانية ‪ -‬أصعب بكثري من القرار األول ألمور‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أن قريش ًا أخذت حذرها‪ ،‬وأغلقت أبواب مكة‪ ،‬ووضعت احلررراع ر كر خمارجهررا‬

‫ومداخلها‪ ،‬فأصبح اخلروج صعب ًا‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أن العدد هذه املرة كبري‪ ،‬ففي أول مرة كانوا ‪14‬رج ً‬
‫ال و ‪ 3‬نسوة‪ ،‬أما اآلن فهم قرابة املائررة‬

‫من غري األطفال واملتاع الذي أخذوه معهم‪ ،‬وال ننسى أن مكة بلد صغري‪ ،‬فخروج هذا العرردد‬

‫منها هيزها‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬أن فيهم أسامء المعة يف اإلسالم ستخرج من داخ بيوت ز ررامء مكررة امل رركر‪ ،‬ي هررر‬

‫هذا من قراءة أسامء املهاجرين إىل احلبشة يف املرة الثانية‪.‬‬

‫سنجد مث ً‬
‫ال السيدة أم حبيبة بنت أيب سفيان بن حرب ز يم ز امء مكة يف ذلك الوقت‪.‬‬

‫وأبا حذيفة بن تبة بن ربيعة‪ ،‬و تبة بن ربيعة أيض ًا كان ز ي ًام كبري ًا من ز امء الكفر‪.‬‬

‫أما سهي بن مرو أحد كبار ز امء مكة‪ ،‬والذي كان يقوم بدور املفرراويف يف صررلح احلديبيررة‬

‫فقد خرج من بيته ثالثة من أوالده‪ :‬سهلة بنت سهي بن مرررو‪ ،‬وأم كلثرروم بنررت سررهي بررن‬

‫مرو‪ ،‬و بد اهلل بن سهي بن مرو‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫وهاجرت أيض ًا فاطمة بنت صفوان بن أمية وصفوان بن أمية مل يؤمن إال بعد فتح مكة‪.‬‬

‫وهاجر فراع بن النرض بن احلارث‪ ،‬والنرض بن احلارث هو الذي ذهب إىل فارع و اد حيكي‬

‫للناع حياة رستم وإسفنديار وحاول أن يبعد الناع ن دين اهلل ز وج بك طريقة ممكنررة‪،‬‬

‫ها قد خرج ابنه مهاجر ًا مع املسلمر إىل احلبشة‪.‬‬

‫وهاجر هشام بن العاص بن وائ ‪ ،‬والعاص بن وائ مررن أكررابر امل رركر‪ ،‬ومررن الررذين نررزل‬

‫القرآن يلعنهم‪َ { :‬أ َف َر َأ ْي َت ا َّل ِذي َك َف َر بِآ َياتِنَا َو َق َال َألُوت َ َّ‬
‫َر َم ًاال َو َو َلدً ا} [مررريم‪ ،]77:‬وهشررام بررن‬

‫العاص أخو مرو بن العاص ريض اهلل نه وأرضاه‪ ،‬لكن مرو بن العاص يف ذلك الوقت مل‬

‫يكن قد آمن بعد‪.‬‬

‫خروج هؤالء وأمثاهلم من داخ بيوت أولئررك الررز امء سرريزدث زلزلررة يف مكررة وال ررك‪،‬‬

‫وسيصاب ك ز يم يف كربيائه وذكائه وحكمته وتقررديره لومررور واألحررداث‪ .‬يف هررذا ا ررو‬

‫الصعب‪ ،‬ويف هذه اخللفية املعقدة‪ ،‬أصدر الرسول ﷺ القرار باهلجرة إىل احلبشة‪.‬‬

‫كان أمري املهاجرين هذه املرة جعفر بن أيب طالب ريض اهلل نه وأرضرراه‪ ،‬وبرردأت مليررة مررن‬

‫أ قد مليات املناورة بخطة حمكمة؛ فقد درست املداخ واملخررارج بعنايررة ررديدة‪ ،‬وتعرراون‬

‫ا ميع من الصغار والكبار والرجال والنساء إلنجاح هذه املهمة‪ ،‬وبفض اهلل سبزانه وتعرراىل‬

‫اختالف الروايات‪ -‬من الرجررال والنسرراء‬ ‫نجزت العملية‪ ،‬وخرج من مكة مائة أو أكثر ‪-‬‬

‫واألطفال معهم املتاع والزاد‪ ،‬خرجوا إىل البزر األمحر وركبوا السفن‪ ،‬واجتهوا إىل احلبشررة‪ ،‬ومل‬

‫ينجح الكفار يف اإلمساك بأي منهم! {إِ َّن اهللََّ ُيدَ افِ ُع َ ِن ا َّل ِذي َن آ َمنُوا} [احلج‪.]38:‬‬

‫‪184‬‬
‫تصوروا موقف الكفار يف اليوم الثاين وقد وجدوا مكة املكرمة نقص منها مائة خص‪ ،‬ختيلرروا‬

‫الفراغ اهلائ الذي تركه هؤالء الصاحلون والصاحلات وراءهم‪ .‬كان املسررلمون يف غررزوة برردر‬

‫‪ ،313‬معنى هذا أنه ال يوجد بيت يف مكة إال وخرج منه ابن أو أخ أو أخت‪.‬‬

‫بفض اهلل وص املؤمنون إىل احلبشة واستقبلهم النجايش رمحه اهلل خري استقبال‪ ،‬وكان كام قال‬

‫نفس املستوى من استقبال الوفررد‬ ‫نه النبي ﷺ‪( :‬ملك ال ي لم نده أحد)‪ ،‬كان استقباله‬

‫األول الذي ذهب يف هجرة احلبشة األوىل‪ .‬لكن ه قبلت قريش برراألمر الواقررع‪ ،‬وفكرررت يف‬

‫إهناء الرصاع الطوي بينها وبر املؤمنر؟‬

‫اهلجرة الثانية إىل احلبشة وموقف قريش منها‬

‫قد ُيعتقد بأن قريش ًا ارتاحت ملا خرررج املؤمنررون اخلررارجون ر الن ررام يف مكررة‪ ،‬واسررتقرت‬

‫األوضاع بعد ذلك‪ ،‬لكن ال بد أن حيدث الصدام الذي هو سنة من سنن اهلل ز وج ‪ ،‬حتى لو‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ترك املؤمنون البلد بالكلية‪َ { :‬وال َي َزا ُلو َن ُي َقات ُلو َنك ُْم َحتَّى َير ُر كدوك ُْم َ ر ْن ديررنك ُْم إِن ْ‬
‫اسر َت َطا ُ وا}‬

‫[البقرة‪ ]217:‬أي‪ :‬ال تزال قريش وراء املؤمنر يف ك مكرران يف األريف إىل أن ترررجعهم ررن‬

‫اإلسالم‪ ،‬فاهلدف األسايس لدى قريش هو تنازل املسلمر ن الدين‪.‬‬

‫وفد قريش إىل النجايش‬

‫قررت قريش أن تتبع املسلمر يف احلبشررة‪ ،‬وملررا كانررت قررريش ال تسررتطيع أن رراجم احلبشررة‬

‫مسافة بعيدة‪ ،‬باإلضافة إىل العالقات الطيبررة بررر احلبشررة ومكررة‪،‬‬ ‫بجيش؛ ألهنا مملكة قوية‬

‫فبزثت قريش ن ح ال يدفع للقتال‪ ،‬فقررت أن ترس وفد ًا يطلب من ملك احلبشة أن يرررد‬

‫املسلمر إليها‪ ،‬يعني‪ :‬أت إىل املفاوضات السياسية بينها وبر ملك احلبشة‪ ،‬واملهمررة صررعبة؛‬

‫ألن ملك احلبشة مشتهر بر الناع أنه ال ي لم نده أحد‪ ،‬مما جيعر املهمررة ترراج إىل احتيررال‬

‫‪185‬‬
‫رأع الوفررد اثنررر مررن‬ ‫كبري‪ ،‬فزاولت قريش بك طاقتها أن تنجح هذه املهمة‪ ،‬فاختارت‬

‫أمكر رجال قريش‪ :‬مرو بن العاص و بد اهلل بن أيب ربيعة وهررذان أسررلام بعررد ذلررك‪ ،‬لكررن‬

‫إسالمهام كان متأخر ًا‪.‬‬

‫كان مرو بن العاص مشررهور ًا بالرردهاء واملكررر‪ ،‬ويسررتطيع بذكائرره ‪-‬بزسررابات قررريش‪ -‬أن‬

‫يترصف مع ملك احلبشة‪ ،‬ليس هذا فزسب‪ ،‬ب هو صديق خيص له‪ ،‬وفوق ك هررذا فررأخو‬

‫مرو بن العاص وهو هشام بن العاص كرران ضررمن املهرراجرين إىل احلبشررة‪ ،‬فرراألمر بالنسرربة‬

‫لر مرو يعترب قضية خصية‪ ،‬وأيض ًا مهمة رسمية‪ ،‬وأيض ًا أخو بد اهلل بن ربيعررة برراع بررن‬

‫أيب ربيعة ريض اهلل نهام كان من املهاجرين‪ ،‬فاختاروا هذين الرررجلر ليقومررا اررذه املهمررة يف‬

‫ون َأ ْم َو َاهل ُ ْم لِ َي ُصردك وا َ ر ْن‬


‫هذه السفارة‪{ :‬إِ َّن ا َّل ِذي َن َك َف ُروا ُين ِْف ُق َ‬ ‫منتهى ا دية‪ ،‬وأنفقوا كثري ًا‬

‫َسبِي ِ اهللَِّ} [األنفال‪ ،]36:‬مح َّلت قريش الوفد باهلدايا الثمينة وبالذات ا لود‪ ،‬وهذا نرروع مررن‬

‫الر وة للملك ولرجال احلكم يف احلبشة‪ .‬كان مرو بن العاص يف منتهى الذكاء‪ ،‬فلم يرردخ‬

‫النجايش مبارشة‪ ،‬إنام ذهب يف البداية إىل البطارقة‪ ،‬وهم يمثلون كبار رجال احلكم والدين‬

‫محلهم مجيع ًا باهلدايا الع يمة‪ ،‬واذا ضمن وقوفهم معرره‬


‫املوجودين ت النجايش يف احلبشة‪ ،‬و َّ‬

‫النجايش‪.‬‬ ‫ضد املسلمر‪ ،‬وتأثريهم‬

‫لقاء مرو بن العاص بالنجايش وطلبه‬

‫النجايش‪ ،‬وكان اللقاء حار ًا بر الصديقر‪ ،‬ليس هذا فقط‪ ،‬ب أتى له باهلرردايا‬ ‫مرو‬ ‫دخ‬

‫الوجوه‪،‬‬ ‫الع يمة وأ طاها له‪ ،‬وأصبح ا و مهيأ للكالم‪ ،‬فالك أخذ الثمن‪ ،‬واالبتسامات‬

‫واخلطة جارية كام يريد‪.‬‬

‫كان مرو ديد الذكاء‪ ،‬واختار ك كلمة بدقة ديدة‪ ،‬وأثرت كلامته مع أهنا مل تستمر كثري ًا‪،‬‬

‫‪186‬‬
‫قال‪ :‬أهيا امللك؛ (إنه قد ضوى إىل بلدك غلامن سفهاء)‪.‬‬

‫وهذه سقطة من مرو بن العاص وكذبة‪ ،‬فمع م املهاجرين مررن األرشاف العقررالء‪ ،‬وليسرروا‬

‫من الغلامن السفهاء‪ ،‬ولكنه سهم يضرررب برره للتزقررري مررن ررأن املسررلمر‪ ،‬ويف ا تقرراده أن‬

‫كالم سفارة قريش الرسمية‪ ،‬كان هذا هررو السررهم‬ ‫النجايش لن يقدم كالم الغلامن السفهاء‬

‫األول لر مرو‪.‬‬

‫أما السهم الثاين فقال فيه‪( :‬فارقوا دين قومهم‪ ،‬ومل يدخلوا يف دينك)‪ .‬أي أهنم ال هم يريدوننا‬

‫وال حتى أنت خصي ًا يريدونك‪ ،‬هكذا هم يف تصوير مرو بن العاص‪ :‬مل يرا وا حق األه ‪،‬‬

‫وال حق املستضيف هلم‪.‬‬

‫ثم قررال يف سررهمه الثالر ‪( :‬وقررد بعثنررا إليررك فرريهم أرشاف قررومهم مررن آبررائهم وأ اممهررم‬

‫ام ين ًا)‪ ،‬أنررا مرسر إليررك مررن قبر أرشاف ور سرراء‬ ‫و شائرهم؛ لرتدهم إليهم‪ ،‬فهم أ‬

‫وز امء مكة‪ ،‬وهذه إ ارة خفية بالتهديررد بقطررع العالقررات بررر مكررة واحلبشررة‪ ،‬ووقررف كر‬

‫املعامالت االقتصادية واهلدايا وا لود‪.‬‬

‫هؤالء‪ ،‬فر مرو‬ ‫هذا أوالً‪ .‬ثم ثاني ًا‪ :‬هؤالء األرشاف هم آبا هم وأ اممهم‪ ،‬هلم حق األبوة‬

‫بن العاص حياول أن يستثري أخالق النجايش لرد هؤالء األوالد إىل آبائهم‪.‬‬

‫وثالث ًا‪ :‬يقول له‪ :‬أنت ممكن أن تنخدع بزالوة كالمهم‪ ،‬لكن الذين يعلموهنم حررق العلررم هررم‬

‫ام ين ًا؛ انتبه وال تنخدع‬ ‫الذين ا وا معهم فرتة طويلة‪ ،‬كام قال مرو بن العاص‪ :‬فهم أ‬

‫بكالمهم‪ ،‬فالذين ا وا معهم ثالثر وأربعر سنة يقولررون لررك بررأهنم يكررذبون و ررد ون‪،‬‬

‫ويقولون كالم ًا غري موافق للزقيقة‪ .‬تكلم مرو بن العاص بكلمة موجزة ذكيررة ال ختلررو مررن‬

‫أدب جم‪ ،‬وكان املطلوب فيها رد املسلمر إىل مكة‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫بعدما انتهى مرو بن العاص من كالمه‪ ،‬وقب أن يتكلم النجايش ترردخ البطارقررة والرروزراء‬

‫وكبار القوم وقالوا‪ :‬صرردقا أهيررا امللررك ‪ -‬أي‪ :‬مرررو بررن العرراص و بررد اهلل بررن أيب ربيعررة ‪-‬‬

‫فأسلمهم إليهام‪ ،‬فلريداهم إىل قومهم وبالدهم‪ .‬وهؤالء البطارقة والوزراء قد أخذوا الر رروة‪،‬‬

‫وكان مرو بن العاص يشعر بسعادة كبرية‪ ،‬فك يشء يميش كام خطط‪ ،‬وكرران كر مررراده أن‬

‫يرجع النجايش إليه املسلمر من غري أن يسمع كالمهم وال حجتهم؛ ألن مر ًا يعرف أن كالم‬

‫املسلمر مجي ومقنع‪ ،‬وأن معهم أسلزة ال يمكنه مواجهتهررا‪ ،‬وأهررم هررذه األسررلزة القرررآن‬

‫الكريم‪ ،‬لكن النجايش ملك ال ي لم نده أحد‪ ،‬وليس من العرردل أن حيكررم يف قضررية دون أن‬

‫يستمع إىل الطرف اآلخر‪ .‬هذه أبسط قوا د العدل يف احلكم‪.‬‬

‫البطارقة املوالر واملزبر لر مرررو‪ :‬ال واهلل ال أسررلمهم‬ ‫مرو ورد ًا‬ ‫قال النجايش رد ًا‬

‫من سواي حتى اد وهم فأسررأهلم‬ ‫إليهام‪ ،‬وال يكاد قوم جاوروين ونزلوا بالدي واختاروين‬

‫ام يقول هذان يف أمرهم‪ ،‬فإن كانوا كام يقوالن ‪-‬غلامن سفهاء خرجوا ن دين اآلبرراء وفعلرروا‬

‫كذا وكذا‪ -‬أسلمتهم إليهام وردد ررم إىل قررومهم‪ ،‬وإن كررانوا ر غررري ذلررك منعررتهم مررنهام‪،‬‬

‫وأحسنت جوارهم ما جاوروين‪ .‬ثم بع للمسلمر الذين لموا بمجيء مرررو بررن العرراص‬

‫و بد اهلل بن أيب ربيعة الستعاد م‪.‬‬

‫اجتمع املسلمون يف جملس رسيع للشورى‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما تقولررون للنجررايش إذا جئتمرروه؟ قررالوا‪:‬‬
‫نقول‪ :‬واهلل ما لمنا وما أمرنا به نبينررا كائنر ًا يف ذلررك مررا هررو كررائن‪{ ،‬ال تَبر ِدي َ لِك َِلرام ِ‬
‫ت اهللَِّ}‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫[يونس‪ .]64:‬كانت الر ية واضزة متام ًا ند املسلمر بررال خرروف أو قلررق؛ ألن اخلرروف إنررام‬

‫يكون من ربنا وحسب‪ .‬هذا هو الشعور واإلحساع الذي كرران نررد املسررلمر‪ ،‬ال يوجررد أي‬

‫نوع من القلق؛ ألهنم سيقولون كالم ربنا سبزان وتعاىل‪ ،‬ثم اختاروا متزدث ًا نهم هررو جعفررر‬

‫بن أيب طالب ريض اهلل نه ألمور‪:‬‬

‫‪188‬‬
‫أوالً‪ :‬أنه رئيس الوفد‪ ،‬ورئيس الوفد هو املمث الرسمي للوفد‪ ،‬ومؤكد أنه التقى قب ذلك بررر‬

‫النجايش‪ ،‬وألف احلوار معه‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أنه خطيب مفوه يستطيع أن يوص كالم املسلمر بأفض صورة ممكنة‪.‬‬

‫كلمة مرو بن العاص‪ :‬إنه‬ ‫ثالث ًا‪ :‬أنه من أرشف أرشاف الوفد‪ ،‬ها مي قريش‪ ،‬ويف هذا رد‬

‫قد ضوى إىل بالدك غلامن سفهاء‪.‬‬

‫اجتامع مجع املسلمر ووفد قريش ببالط النجايش‬

‫ذهب املسلمون للقاء النجايش يف اجتامع مهيب‪ ،‬كان النجررايش وسررط االجررتامع ومررن حولرره‬

‫األساقفة والبطارقة والوزراء‪ ،‬وكبار رجال الدولة‪ ،‬وأمامهم مرو بن العاص و بد اهلل بن أيب‬

‫ربيعة ومن ورائهم الوفد القريش الكافر‪ ،‬وجعفر بن أيب طالب ومن ورائه الوفد املسلم‪.‬‬

‫بدأ االجتامع الكبري‪ ،‬وافتتح النجايش هررذا االجررتامع بسررؤال للمسررلمر يف منتهررى الوضرروح‬

‫والغرابة‪ ،‬قال‪ :‬ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم‪ ،‬ومل تدخلوا يف دينرري وال ديررن أحررد مررن‬

‫هذه األمم؟ الغريب يف السؤال أن املسلمر ما قالوا للنجايش أي يشء قب ذلررك ررن ديررنهم‪،‬‬

‫وال هو سأل‪ ،‬ومل يتزمس املسلمون للقيام بواجررب الررد وة يف احلبشررة؛ ألن اهلرردف املرررح‬

‫الدين ممث ً‬
‫ال يف املسلمر‪ ،‬وألهنم يدركون مدى قررو م‬ ‫للمسلمر يف هذه الفرتة هو احلفاظ‬

‫البسيطة‪ ،‬ومل يريدوا أن يفتزوا لرريهم جبهررات جديرردة داخر احلبشررة‪ ،‬وآثررروا أن يتكتمرروا‬

‫رسيتهم‪ ،‬وهيتموا بالدوا ي األمنية للوفد املسررلم ر حسرراب الناحيررة‬ ‫أمرهم‪ ،‬وحياف وا‬

‫الد وية يف هذه املرحلة‪ ،‬وهذا من فقه املرحلة‪.‬‬

‫فر النجايش رمحه اهلل مل يسأل‪ ،‬واكتفى فقط بمجرد قول املسلمر بررأهنم قررد المرروا يف بالدهررم‬

‫فلجئوا إليه‪ ،‬أما كيف الموا؟ وملرراذا؟ مل يسررأل‪ .‬لكررن الوضررع يف هررذا الوقررت تغررري بالنسرربة‬

‫‪189‬‬
‫للنجايش؛ ألنه ستزدث بينه وبر مكة مشكلة سياسية‪ ،‬والبد من التزقيق فيها‪ ،‬كام أن الوضع‬

‫تغري بالنسبة للمسلمر‪ ،‬وال ينبغي هلررم أن يسركتوا يف هررذا الوقررت‪ ،‬فهررم اآلن يمثلررون ديررن‬

‫اإلسالم‪ ،‬ولو قالوا كالم ًا مغاير ًا للزقيقة قد يفهم اإلسالم بصورة خاطئة‪ ،‬نعم‪ ،‬من املمكن أن‬

‫يسبب هلم الترصيح باإلسالم مشكلة‪ ،‬لكن ليس أمامهم غري هذا‪ ،‬فامذا سيقول جعفر يف كلمته‬

‫أمام النجايش والوزراء و مرو بن العرراص و بررد اهلل بررن أيب ربيعررة؟ قررال كلررامت وكررأن اهلل‬

‫لسان جعفر ريض اهلل نه وأرضاه‪ ،‬وبالرتتيب الذي قاله‬ ‫سبزانه وتعاىل هو الذي وضعها‬

‫قسم جعفر املقالة إىل دة مقاطع‪ ،‬ك مقطع له غريف معر‪ ،‬ورتبها ترتي ًبا مجيالً‪.‬‬

‫املقطع األول قال فيه‪:‬‬

‫(أهيا امللك؛ كنا قوم ًا أه جاهلية‪ ،‬نعبد األصنام‪ ،‬ونأك امليتة‪ ،‬ونأيت الفواحش‪ ،‬ونقطع‬

‫األرحام‪ ،‬ونيسء ا وار‪ ،‬ويأك القوي منا الضعف)‪.‬‬

‫هذه أمور تأنف منها النفوع الكريمة‪ ،‬ويف هذا إ ارة واضزة إىل أن مرو بن العرراص و بررد‬

‫هذه الصورة اخلبيثة‪ ،‬وهذه ا اهلية التي يتزدث نها جعفررر بررن‬ ‫اهلل بن أيب ربيعة ما زاال‬

‫أيب طالب ريض اهلل نه وأرضاه‪ ،‬ثم إن ك املشاك التي رضها جعفر يف حال ا اهلية تتعلق‬
‫ِ‬
‫بال لم‪ ،‬إما ال لم مع النفس بعبادة األصنام‪{ :‬إِ َّن ال ر ْ َك َل ُ ْلر عم َ ر ع‬
‫يم} [لقررامن‪ ،]13:‬أو مررع‬

‫الرحم بقطع األرحام‪ ،‬أو مع ا ار باإلساءة إليه‪ ،‬أو مع الضعيف بأك حقرره‪ .‬وختير أن هررذه‬

‫ملك ادل ال ي لم نده أحد‪ ،‬ثم إن النجايش عر بالبشا ة الترري ليهررا‬ ‫الصورة تعريف‬

‫أه مكة و مرو بن العاص و بد اهلل بن أيب ربيعة‪.‬‬

‫فكان هذا أول سهم أطلقه جعفر بن أيب طالب يف مقت لقريش‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫املقطع الثاين‪:‬‬

‫ذلك حتى بع اهلل إلينا رسرروالً نعرررف نسرربه وصرردقه وأمانترره‬ ‫قال جعفر‪( :‬فكنا‬

‫و فافه)‬

‫ال أفاك ًا كذاب ًا يريد خررداع النرراع‪ ،‬إنررام يشررهد بصرردقه وأمانترره‬
‫الذي جاء اذا الدين ليس رج ً‬

‫و فافه؛ ألن الرسول ﷺ كان مشهور ًا بذلك يف مكة‪ ،‬وال ننسى أن النصارى يؤمنون بالرسر‬

‫ررن الرسر لرريس‬ ‫ن رس كثريين‪ ،‬فاحلرردي‬ ‫بصفة امة‪ ،‬واإلنجي والتوراة فيهام احلدي‬

‫بمستغرب لدهيم‪ .‬فكان هذا هو السهم الثاين من سهام جعفر ريض اهلل نه وأرضاه‪.‬‬

‫املقطع الثال ‪ :‬تكلم فيه ن الصورة املضادة للجاهلية‪،‬‬

‫قال‪( :‬فد انا إىل اهلل لنوحده ونعبده‪ ،‬ونخلع ما كنا نعبررد نزررن وآبا نررا مررن دونرره مررن‬

‫احلجارة واألوثان‪ ،‬وأمرنررا بصرردق احلرردي ‪ ،‬وأداء األمانررة‪ ،‬وصررلة الرررحم‪ ،‬وحسررن‬

‫ا وار‪ ،‬والكف ن املزارم والدماء‪ ،‬وهنانا ن الفواحش‪ ،‬وقول الررزور‪ ،‬وأكر مررال‬

‫اليتيم‪ ،‬وقذف املزصنة‪ ،‬وأمرنا أن نعبد اهلل وحده ال ن ك برره رريئ ًا‪ ،‬وأمرنررا بالصررالة‬

‫والزكاة والصيام إلخ‪.‬‬

‫تقول السيدة أم سلمة ريض اهلل نها راوية القصة‪( :‬فعدَّ د ليه أمور اإلسالم) أي ذكررر‬

‫له أمور ًا كثرية من فضائ اإلسالم‪.‬‬

‫أنا أريد منك أن تتخي موقف النجايش وهررو يسررمع هرراتر الصررورتر املتناقضررتر‪ ،‬صررورة‬

‫اإلسالم‪ ،‬وصورة ا اهلية‪ ،‬مع العلم أن جعفر ًا مل يكذب‪ ،‬إنام احلقيقة أن الباط بطبيعته قبرريح‬

‫مقيت‪ ،‬واإلسالم بطبيعته مجي حمبوب‪.‬‬

‫فكان هذا هو السهم الثال من سهام جعفر ريض اهلل نه وأرضاه‪.‬‬


‫‪191‬‬
‫املقطع الرابع‪:‬‬

‫ما جاء به‪ ،‬فعبدنا اهلل وحده‪ ،‬فلم ن ك به‬ ‫قال جعفر ‪( :‬فصدقناه وآمنا به‪ ،‬واتبعناه‬

‫يئ ًا‪ ،‬وحرمنا ما حرم لينا‪ ،‬وأحللنا ما أح لنا)‪.‬‬

‫ثم بدأ جعفر يذكر للنجايش أن مرو بن العاص وأه مكة ذبونا لكرري نرجررع مررن صررورة‬

‫اإلسالم ا ميلة إىل صورة ا اهلية املقيتة القبيزة‪.‬‬

‫قال جعفر بن أيب طالب ‪( :‬فعدا لينا قومنا‪ ،‬فعررذبونا وفتنونررا ررن ديننررا‪ ،‬لريدونررا إىل‬

‫بادة األوثان من بادة اهلل‪ ،‬وأن نستز ما كنا نستز من اخلبائ )‪.‬‬

‫وصورة التعذيب هذه تذكر النصارى باحلوارير الذين ذبوا من قب ‪ ،‬وهم أصررزاب يسررى‬

‫ليه السالم الذين ذبوا بنفس األساليب البشعة‪ .‬بعد هذا يمكن القول بأن جعفر ًا سيطر‬

‫مشا ر األساقفة من حول النجايش ‪.‬‬ ‫مشا ر النجايش ‪ ،‬ب و‬

‫املقطع األخري من البيان املسلم؛‬

‫قال فيه جعفر ‪( :‬فلام قهرونا والمونا‪ ،‬و قوا لينا‪ ،‬وحالوا بيننا وبر ديننا خرجنررا إىل‬

‫من سررواك‪ ،‬ورغبنررا يف جرروارك‪ ،‬ورجونررا أال ن لررم نرردك أهيررا‬ ‫بلدك‪ ،‬واخرتناك‬

‫امللك)‪.‬‬

‫كان كالم جعفر من غري نفاق وال كذب‪ ،‬فهو يرفع من قيمة النجررايش ‪ ،‬وهررو بررذلك يكسررب‬

‫قلب النجايش ‪ ..‬يرفع قيمة العدل ند النجايش حتى ال يترسع بعد ذلك النجايش يف حكمرره‪،‬‬

‫وال جيور يف قضائه‪ .‬هنا انتهى البيان اإلسالمي السيايس املزنك‪ ،‬والنتيجة مررثلام ترررون مخسررة‬

‫سهام قوية يف صدور الكافرين‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫كان واضز ًا أن النجايش واألساقفة تأثروا بكالم جعفر ‪ ،‬لكن النجايش قلية كبرية‪ ،‬فرررجعفر‬

‫يتكلم ن رسول‪ ،‬والنجايش يعرررف أن كررالم الرسر غررري كررالم النرراع‪ ،‬ويريررد أن يتأكررد‪،‬‬

‫وواضح أن النجايش بدأ هيتم بأمر هذا الدين ا ديد‪ ،‬وهناك احتامل كبري أنه كرران يعرررف ررن‬

‫رسول سيأيت يف ذلك الزمان‪ ،‬كام كان ك أه الكتاب يعرفون‪.‬‬

‫ك هذا جع النجايش يقول لرجعفر ‪ :‬ه معررك ممررا جرراء برره ررن اهلل مررن يشء؟ ‪-‬يريررد أن‬

‫النجايش‬ ‫ام سيقر ه من القرآن‬ ‫يسمع‪ -‬قال جعفر ‪ :‬نعم‪ ،‬وبدأ جعفر ريض اهلل نه يبز‬

‫ومن معه؛ ألن آيات القرآن التي نزلت يف مكة كثرية‪ ،‬لكن اهلل ز وج وفق جعفر ًا إىل اختيررار‬

‫صدر سورة مريم التي تتزدث ن يسى وزكريا وحييررى لرريهم و ر نبينررا أفضر الصررالة‬

‫والسالم ‪ ..‬السورة التي تتزدث ن السيدة مريم ومكانتها يف اإلسالم‪ ،‬وبدأ جعفر يقرأ آيات‬

‫النجايش ومن معه‪:‬‬ ‫القرآن ا ميلة‬

‫مح ِة َر رب َك َ ْبدَ ُه َزك َِر َّيا * إِ ْذ نَا َدى َر َّب ُه نِدَ ا ًء َخ ِف ًّيا * َق َال َر رب إِ رين َو َهر َن ا ْل َع ْ ر ُم‬
‫}كهيعص * ِذك ُْر َر ْ َ‬

‫ت‬ ‫ِمنري وا ْ َتع َ الر ْأع َ يبا و َمل َأ ُكن بِدُ َ ِائ َك رب َ ِقيا * وإِ رين ِخ ْف ُت املَْو ِاِل ِمرن ور ِائري وك ََانر ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ ََ‬ ‫ًّ َ‬ ‫َ ر‬ ‫َ َ َّ ُ ْ ً َ ْ ْ‬
‫اج َع ْلر ُه َر رب َر ِضر ًّيا * َيرا‬ ‫وب َو ْ‬‫آل َي ْع ُقر َ‬ ‫ث ِم ْن ِ‬ ‫ب ِِل ِم ْن َلدُ ن َْك َولِ ًّيا * َي ِر ُثنِي َو َي ِر ُ‬ ‫ِ‬
‫ا ْم َر َأ ِيت َ اق ًرا َف َه ْ‬
‫حي َيى َمل ْ ن َْج َع ْ َل ُه ِم ْن َق ْب ُ َس ِم ًّيا{ [مريم‪ .]7-1:‬ذكريات مجيلة متررر‬ ‫َزك َِر َّيا إِنَّا ُن َب ر ُ َك بِ ُغال ٍم ْ‬
‫اس ُم ُه َ ْ‬
‫أسامع النصارى‪ ،‬بدأ النصاري يتأثرون وجعفر ريض اهلل نه وأرضاه يضررب ر الرروتر‬
‫ت ِمر ْن ُد ِ ِ‬
‫وهنر ْم‬ ‫رش ِق ًّيرا * َف َّ َ‬
‫اختر َذ ْ‬ ‫ِ‬
‫ت م ْن َأ ْهل َها َمك ًَانرا َ ْ‬
‫َاب مريم إِ ِذ ان َتب َذ ْ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫احلساع‪َ } :‬وا ْذك ُْر ِيف ا ْلكت ِ َ ْ َ َ‬
‫ُنت ت َِق ًّيا *‬
‫مح ِن ِمن َْك إِ ْن ك َ‬ ‫وحنَا َفت ََم َّث َ َهلَا َب َ ً ا َس ِو ًّيا * َقا َل ْت إِ رين َأ ُ و ُذ بِ َّ‬
‫الر ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ح َجا ًبا َف َأ ْر َس ْلنَا إِ َل ْي َها ُر َ‬
‫ِ‬ ‫ب َل ِك ُغال ًما َز ِك ًّيا * َقا َل ْت َأنَّى َيك ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َق َال إِن ََّام َأنَا َر ُس ُ‬
‫ُون ِِل ُغال عم َو َمل ْ َي ْم َس ْسني َب َ ع َو َمل ْ‬ ‫ول َر ربك ألَ َه َ‬
‫مح ًة ِمنَّا َوك َ‬
‫َان َأ ْمر ًرا َم ْق ِضر ًّيا{‬ ‫ر َولِن َْج َع َل ُه آ َي ًة لِلن ِ‬
‫َّاع َو َر ْ َ‬ ‫َأ ُك َب ِغ ًّيا * َق َال ك ََذلِ ِك َق َال َر كب ِك ُه َو َ َ َّ َه ر ع‬

‫[مريم‪.]21-16:‬‬

‫‪193‬‬
‫مل تتزم قلوب النصارى الكلامت املعجزة حتى بكوا وبكى النجررايش ‪ ،‬وبكررت األسرراقفة‪ .‬مل‬

‫تقف هدايا مرو بن العاص حائ ً‬


‫ال بر كالم اهلل ز وجر وبررر قلرروب السررامعر‪ ،‬ومل يكررن‬

‫النجايش أن يأخذ القرار‪ ،‬قال‪ :‬إن هذا والذي جاء به موسى ‪-‬ويف روايررة‪ :‬يسررى‪-‬‬ ‫صعب ًا‬

‫ليخرج من مشكاة واحدة‪ .‬هذا إقرار بصدق الرسالة‪ ،‬وصدق رسررول اهلل ﷺ وصرردق جعفررر‬

‫ومن معه‪ ،‬ثم التفت إىل مرو وإىل بد اهلل بن أيب ربيعة فقرال هلررام‪ :‬انطلقررا فررواهلل ال أسررلمهم‬

‫إليكام أبد ًا‪.‬‬

‫كانت هذه ا ولة بكاملها يف صف املؤمنر‪ ،‬هزم فيها سفريا قريش هزيمة منكرة يف أول جتربررة‬

‫لقريش مع املررؤمنر ر أريف حمايرردة‪ ،‬وخرررج مرررو بررن العرراص وهررو يف منتهررى الغرري‬

‫والغضب‪ ،‬فقد كانت هذه رضبة قوية لكربياء مرو بن العاص داهية العرب يف ذلك الوقررت‪،‬‬

‫الذي بلغ من العمر ‪ 45‬سنة‪ ،‬بينام كان مر جعفر ‪ 27‬سنة‪ ،‬لكن العملية مل تكررن مليررة سررن‪،‬‬

‫العملية ملية حق‪ ،‬من الذي يدافع ن احلق‪ ،‬ومن الذي يدافع ن الباط ‪.‬‬

‫لكن مرو بن العاص لن يغلب بسهولة‪ ،‬وفكر يف جولة ثانية مع املسلمر‪ ،‬كانررت هررذه املرررة‬

‫جولة انتقامية رشسة‪ ،‬يف املرة األوىل كان يريد أن يرجعهم إىل مكة‪ ،‬أما بعد اهلزيمة أمام جعفررر‬

‫واملسلمر‪ ،‬فلن يكتفي اذا‪ ،‬ب سيدفع النجايش إىل قت املسررلمر‪ ،‬وال رراهر أن هررذا مل يكررن‬

‫اهلدف من سفارة قريش‪ ،‬لكن الرضبة التي أخذها مرو بن العاص جعلترره يترصررف بطريقررة‬

‫خصية‪ .‬قال مرو لرعبد اهلل ‪( :‬واهلل ألنبأنه غد ًا يبهم نده‪ ،‬ثم أستأصر برره خضررراءهم)‬

‫وطريقته هذه يف التزدي جعلت بد اهلل بن أيب ربيعة شاه‪ ،‬وهو الرج الذي جاء معه‪ ،‬قال‪:‬‬

‫(ال تفع ‪ ،‬فإهنم أرحام وإن كانوا قد خالفونا)‪ ،‬لكن مر ًا جمروح‪ ،‬ورفض بشرردة‪ ،‬قررال‪( :‬واهلل‬

‫ألخربنه أهنم يز مون أن يسى بن مررريم بررد)‪ ،‬وهررذا يشء منكررر يف احلبشررة‪ ،‬أهر احلبشررة‬

‫يتبعون الكنيسة يف اإلسكندرية‪ ،‬ويعتقدون أن املسيح ليه السالم هو إله جتسد يف جسد بشرر‪،‬‬

‫‪194‬‬
‫تعاىل اهلل ام يصفون! وهذا يعكس مدى دهاء وثقافة مرو بن العاص ‪ ،‬فقد كان يعرررف رأي‬

‫املسلمر يف يسى ليه السررالم‪ ،‬ويعرررف رأي أهر احلبشررة فيرره‪ ،‬ولديرره اطررالع كرراف ر‬

‫املعلومات التي يمكن أن حيتاجها يف مهمته‪ .‬ذهب مرو يف اليوم الثاين إىل النجايش وقال لرره‪:‬‬

‫ي ًام)‪ ،‬فأرس إلرريهم فاسررأهلم ررام يقولررون‬ ‫(أهيا امللك؛ إهنم يقولون يف يسى بن مريم قوالً‬

‫فيه‪ ،‬مل يقدر النجايش أن يتجاه مث هذا األمر‪ ،‬وبالذات يف وجررود األسرراقفة وكبررار رجررال‬

‫الدولة‪ ،‬فاضطر أن يرس إىل املسلمر مرة أخرى‪.‬‬

‫تقول السيدة أم سلمة ريض اهلل نها‪( :‬ومل ينزل بنا مثلها)‪ ،‬كانت مشكلة خطرررية قررد تعصررف‬

‫بالوفد اإلسالمي متام ًا؛ ألن رأي الوفد يف يسى بن مريم ليهام السالم يتعاريف كلي ًا مع رأي‬

‫أه احلبشة‪ ،‬وهم ضعفاء الجئون‪ ،‬وال يوجد مكان آخر سيقب املسلمر يف األريف‪ ،‬و مرررو‬

‫بن العاص و بد اهلل بن أيب ربيعة ينت ران رأي النجايش فيهم‪.‬‬

‫اجتمع املسلمون يف جملس للشورى قب أي قرررار‪ ،‬وقررال بعضررهم لرربعض‪( :‬مرراذا تقولررون يف‬

‫يسى إذا سألكم نه؟) ثم قالوا يف منتهى الوضوح‪( :‬نقول واهلل فيه ما قال اهلل)‪ .‬يقسمون باهلل‬

‫ز وج أهنم سيقولون فيه ما قال اهلل ز وج ‪( .‬نقول واهلل فيه ما قال اهلل‪ ،‬وما جرراء برره نبينررا‬

‫كائن ًا يف ذلررك مررا هررو كررائن)‪ .‬هررذا قرررار خطررري يف رررف السياسررير‪ ،‬أو انتزررار يف تصرروير‬

‫السياسير‪ ،‬لكن املقاييس ند املسلمر خمتلفة؛ إذ الفرق ضخم وهائر بررر املسررلم السرريايس‬

‫الدا ية‪ ،‬وبر السيايس الذي ليس له مرجعية من ال ع‪ ،‬املسلم السرريايس الدا يررة لرره رسررالة‬

‫واضزة‪ ،‬وهي أن يص بد وته نقية إىل الناع‪ ،‬وهذه مسألة من مسائ العقيدة‪ ،‬مسررألة‪ :‬هر‬

‫ربنا اهلل ز وج أم املسيح؟ أما السيايس الذي ليس له مرجعية من ال ررع ال مرره الوسررائ ‪،‬‬

‫حساب ال ع أو األخالق؛ ألهنررم يقولررون‪ :‬الغايررة تررربر‬ ‫ب يريد أن يص إىل نتيجة ولو‬

‫الوسيلة‪ ،‬لكن احلقيقة أن املوقف ند املسلمر مل يكن فيه أي حرية‪ ،‬نعررم خطررري لكنرره مل يكررن‬

‫‪195‬‬
‫حمري ًا‪ .‬نقول فيه ما قال اهلل ز وج كائن ًا يف ذلك ما هو كررائن‪ .‬املوازنررة كانررت سررهلة بالنسرربة‬

‫العقيدة‪.‬‬ ‫للمسلمر‪ :‬ال يشء يقدم‬

‫ذهب جعفر بن أيب طالب ريض اهلل نه إىل النجايش ومن معه من األساقفة‪ ،‬فقال له النجررايش‬

‫ما تقولون يف يسى بن مريم؟ وقف جعفر أمام ملك احلبشة يف وضع صعب‪ ،‬وأي كلمة فيهررا‬

‫خطأ قد تعصف بالوفد اإلسالمي كله‪.‬‬

‫قال جعفر يف منتهى الثقة‪( :‬نقول فيه الذي جاء به نبينا‪ ،‬نقول‪ :‬هررو بررد اهلل ورسرروله وروحرره‬

‫وكلمته ألقاها إىل مريم العذراء البتول) أي‪ :‬مكانة يسى وأمه لرريهام السررالم مكانررة اليررة‪،‬‬

‫لكنهام ال يعدوان أن يكونا ب ين من خلق اهلل ز وج ‪ .‬كان هذا الكالم غري مقبررول يف أريف‬

‫احلبشة‪ ،‬لذا انقسم املجلس إىل موقفر‪ :‬موقف للنجايش ‪ ،‬وموقف لوساقفة‪.‬‬

‫أما النجايش فقد كان موقفه مفاجأة كبرررية للمسررلمر وألهر احلبشررة وللبطارقررة والرروزراء‪،‬‬

‫و مرو بن العاص ‪ ،‬أخذ النجايش ود نبات من األريف‪ ،‬وقال‪( :‬ما دا يسى بن مررريم مررا‬

‫قلت هذا العود) أي‪ :‬كالمك صزيح متام ًا يف وصف املسيح ليرره السررالم‪ .‬أي‪ :‬أن النجررايش‬

‫يعرتف بعبودية املسيح ليه السالم‪ ،‬وبنبوته‪ ،‬وأنه ليس إهل ًا‪ ،‬وهذا كالم يف منتهررى اخلطررورة يف‬

‫احلبشة‪ ،‬مل يعجب األمر البطارقة‪ ،‬وتناخرت وأصدرت أصوات ًا الية تنم ن الغضب‪ ،‬فصرراح‬

‫النجايش فيهم يف حزم‪ ،‬وقال‪( :‬وإن نخرتم واهلل)‪ ،‬والنجايش بعد هذا أخررذ ثالثررة قرررارات يف‬

‫منتهى اخلطورة‪:‬‬

‫صورة من صور تكريم الوفررود‪ .‬وهررذا قرررار‬ ‫القرار األول‪ :‬استضافة املسلمر باحلبشة يف أ‬

‫هوى كبار األساقفة‪ ،‬وحيم احتامل وقوع فتنة داخليررة يف احلبشررة تطرريح‬ ‫خطري؛ ألنه ليس‬

‫بملك النجايش نفسه‪ ،‬لكن هذا القرار كان مما يقتضيه العدل‪ ،‬والنجايش ملك ادل رمحه اهلل‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫القرار الثاين‪ :‬قطع العالقات الدبلوماسية مع مكة‪ ،‬فالبالد التي تؤذي املؤمنر ال جيب أن يعقد‬

‫معها الصاحلون القات‪ .‬قال النجايش يف وضوح‪( :‬ردوا ليهام هدايامها فال حاجة لنررا اررا)‪،‬‬

‫فخرجا من نده كام تقول السيدة أم سلمة ‪( :‬مقبوحر مردود ًا ليهام ما جاءا به)‪.‬‬

‫القرار الثال ‪ :‬قرار اإلسالم‪ ،‬وهذا أخطر قرار يف حياة النجايش رمحه اهلل‪ ،‬فقد ترك النصرررانية‬

‫ادل ال يضرريع حررق‬ ‫رأع دولة نرصانية متمسكة بنرصانيتها‪ ،‬لكنه رج‬ ‫إىل اإلسالم وهو‬

‫اهلل ز وج يف أن يعبد‪ ،‬و ادل يف أنه ال يضيع حق املؤمنر يف أن يدافع نهم‪ ،‬و ررادل يف أنرره‬

‫ال يضيع حق نفسه يف أن يؤمن باهلل ز وج ‪ .‬لكن النجايش رمحه اهلل مل يعلن إسالمه ب أخفى‬

‫ملكه أو نفسرره‪ ،‬ومررا معنررى‬ ‫إسالمه وأاهر النرصانية‪ ،‬ولع ذلك ألسباب منها‪ :‬أنه خاف‬

‫إ الن جعفر بن أيب طالب ألمر الد وة دون مواربة بينام أخفى النجايش أمر إيامنه؟‬

‫احلقيقة أن املوقفر خمتلفان؛ ألن جعفر بن أيب طالب ريض اهلل نه له وايفة د وية‪ ،‬وللنجايش‬

‫رمحه اهلل وايفة د وية أخرى خمتلفة‪ ،‬فمن وايفة جعفر بن أيب طالب كرئيس للوفد اإلسالمي‬

‫عرف باإلسالم بمنتهى الدقة‪ ،‬كر كلمررة مررن كلررامت جعفررر ريض اهلل نرره حمسرروبة ر‬
‫أن ُي ّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬ال ينفع هنا تورية وال إخفاء‪ ،‬حتى وإن فقد جعفررر حياترره بكاملهررا‪ ،‬وهررذا هررو فقرره‬

‫املوازنات‪ ،‬أما النجايش فهو ليس حمسوب ًا ر اإلسررالم أو املسررلمر‪ ،‬ويقرراع األمررر بالنسرربة‬

‫للنجايش من وجهة ن ر أخرى‪ ،‬فلو أاهر النجايش إسالمه القتلعه الشعب النرصاين ال حمالة‪،‬‬

‫ولو خلع سيختفي املكان اآلمن الذي حيتف بكوكبة املسلمر‪ ،‬كررام أن كررتم النجررايش إليامنرره‬

‫سيزتف له بمكانه غالب ًا‪ ،‬ويكون هذا أد ى حلامية املؤمنر‪ ،‬وايفة جعفر الد وية تقتضرري أن‬

‫يعلن إسالمه بوضوح‪ ،‬بينام وايفة النجايش الد وية تقتضري أن يكررتم إسررالمه بزررذر‪ ،‬وكر‬

‫ميرس ملا خلق له‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫اش املسلمون فرتة طويلة يف ر اية النجايش رمحه اهلل‪ ،‬من السنة اخلامسة من البعثررة ‪-‬اهلجرررة‬

‫األوىل للزبشة‪ -‬إىل العام السابع من اهلجرة النبوة؛ حررواِل ‪ 15‬سررنة‪ .‬تقررول السرريدة أم سررلمة‬

‫ريض اهلل نها‪( :‬وأقمنا ند النجايش بخري دار مع خري جار)‪.‬‬

‫إسالم محزة‬

‫وقع حدث مهم ما بر اهلجرتر األوىل والثانية إىل احلبشة‪ ،‬كان سرربب ًا يف تغيررري كبررري يف مسررار‬

‫الد وة‪ ،‬وهو إسالم محزة بن بد املطلب ريض اهلل نه وأرضاه‪ ،‬ثم إسالم مررر بررن اخلطرراب‬

‫ريض اهلل نه بعده بثالثة أيام فقط‪ ،‬وذلك يف أواخر السنة السادسة من النبوة إِن ََّك ال َ ْ ِدي َم ْن‬

‫َأ ْح َب ْب َت َو َل ِك َّن اهللََّ َ ْهي ِدي َم ْن َي َشا ُء [القصص‪.]56:‬‬

‫نبدأ بإسالم محزة بن بد املطلب ريض اهلل نه؛ ألنه كان األسبق‪ :‬كان محررزة بررن بررد املطلررب‬

‫فارس ًا من فرسان قريش األ داء‪ ،‬كان من أقواهم كيمة ريض اهلل نه وأرضاه‪ ،‬ويف يوم مررن‬

‫األيام ‪ -‬وكان ما يزال كافر ًا ‪ -‬خرج إىل الصيد‪ ،‬ويف هذا اليوم مررر أبررو جهر برسررول اهلل ﷺ‬

‫الرسول ﷺ‬ ‫فوجده جالس ًا وحيد ًا ند الصفا‪ ،‬وكانت بعيدة قلي ً‬


‫ال ن بيوت مكة‪ ،‬فتطاول‬

‫ون َقرا ُلوا‬ ‫بلسانه وسبه سب ًا قبيز ًا‪ ،‬والرسول ﷺ سرراكت مل يرررد ليرره‪} :‬وإِ َذا َخرا َطبهم ا ْ ر ِ‬
‫اه ُل َ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫َسال ًما{ [الفرقان‪ ،]63:‬وهذا ليس أي جاه ‪ ،‬ب هو أبو جه نفسه‪ ،‬ومل يزده حلم رسول اهلل‬

‫ﷺ إال جهالً‪ ،‬فأخذ حجر ًا ورماه يف رأع الرسول ﷺ‪ ،‬فسالت الدماء من رأسه! فررذهب أبررو‬

‫جه فرح ًا بعمله‪ ،‬وي ن أنه مل يره أحد‪ ،‬لكن اهلل ز وج الررذي ال يغفر وال ينررام لرره ترردبري‬

‫جيب‪ ،‬فقد سخر اهلل ز وج موالة لرعبد اهلل بن جد ان رأت الذي دار بر رسررول اهلل ﷺ‬

‫وبر أيب جه ‪ ،‬فلام أتى محزة بن بد املطلب وقفت ا ارية تقص ليه احلادث‪ .‬ا ارية كافرة‬

‫وموالها كافر‪ ،‬والذي كي له كافر‪ ،‬لكن‪َ } :‬و َما َي ْع َل ُم ُجنُو َد َر رب َك إِ َّال ُه َو{ [املدثر‪.]31:‬‬

‫‪198‬‬
‫قالت ا ارية‪( :‬يا أبا امرة؛ لو رأيت ما لقي ابن أخيك حممد) فأثررارت احلميررة يف قلررب محررزة‬

‫ريض اهلل نه‪ ،‬خصوص ًا ندما زادت كلمة (ابن أخيك)‪ .‬قالت‪( :‬لو رأيت ما لقي ابن أخيررك‬

‫حممد آنف ًا من أيب احلكم بن هشام ‪ ،‬وجده ها هنا جالس ًا فررآذاه وسرربه وبلررغ منرره مررا يكررره‪ ،‬ثررم‬

‫انرصف نه حممد ومل يكلمه)‪ .‬انرصف حممد ﷺ؛ ألنه ال يوجررد أحررد يرردافع نرره‪ ،‬فقررد كرران‬

‫الوحيد يف أ اممه الذي يدافع نه أبو طالب ‪ ،‬لكن أين بقية األ امم؟ أين أبو هلررب ؟ كرران مررن‬

‫أ د املزاربر له‪ ،‬أين العباع ومحزة ؟ ال يوجد أحد مشغول برسول اهلل ﷺ‪ ،‬ال يوجررد أحررد‬

‫فيهم متذكر لرعبد اهلل والد الرسول ﷺ‪ ،‬يا ترى لو كان حي ًا ه سيكون املوقف مث هذا؟ أين‬

‫بنو ها م؟ وأين بنو بد مناف؟ أبو جه ز يم بني خمزوم يرضب أرشف رشفرراء بنرري ها ررم‬

‫اإلطالق‪ ،‬ب أرشف إنسان يف األريف‪.‬‬

‫ندها جتمعت املشا ر يف قلب محزة ‪ ..‬مشا ر احلب ملزمد ﷺ‪ ،‬وألبيرره بررد اهلل الررذي مررات‬

‫وترك حممد ًا هلم‪ ،‬مشا ر القبلية اهلا مية القر ية ال يفة‪ ،‬مشا ر الغي من ز يم بني خمزوم‪،‬‬

‫مشا ر النخوة والنرصة للم لوم‪ ،‬مشا ر اإلحراج أمام باب وفرسان مكررة‪ ،‬مشررا ر كثرررية‬

‫جعلت الدم يغ يف قلب محزة ‪ .‬ذهب محزة مرس ًا إىل أيب جه ‪ ،‬فعرف أنه يف املسجد احلرام‪،‬‬

‫معارضته‪ ،‬حتى وقف أمامه‪ ،‬ثررم رفررع قوسرره ورضب رأع أيب‬ ‫فأقب نزوه ال يقوى أحد‬

‫جه رضبة جت رأسه وتفجر منها الدم‪ ،‬قصاص رضبة بضررربة‪ ،‬ودمرراء برردماء‪ ،‬وإذا كرران‬

‫الرسول ﷺ رضب بعيد ًا ن الناع فقد رضبه بر النرراع يف املسررجد احلرررام‪ ،‬فضرريزة بكر‬

‫املقاييس‪.‬‬

‫هذا الرد يف رف الناع يشفي الغلي ‪ ،‬لكن محزة ما زال مل يشف غليله‪ ،‬ما زال يريد أن يغي رره‬

‫أكثر‪ ،‬ولو قتله ستنشب حرب هائلة يف مكة بر بني ها م وبني خمزوم‪ ،‬ولكنه فكر يف أ د مررا‬

‫يغي أبا جه ‪ ،‬إنه الدين ا ديد اإلسالم‪ ،‬فاندفع محزة دون تفكري وقررال‪( :‬أتشررتمه وأنررا ر‬

‫‪199‬‬
‫دينه‪ ،‬أقول ما يقول‪ ،‬فرد ر ّ ذلررك إن اسررتطعت)‪ ،‬يريررد أن يغي رره بكر طاقترره‪ ،‬مل يفكررر يف‬

‫واقب هذه الكلمة اخلطرية‪ ،‬املهم يف هذا الوقت أن أبا جه يذل وسط الناع‪.‬‬

‫كان أبو جه غارق ًا يف فضيزته‪ ،‬ومل يعد يعرف بم يفكر‪ ،‬ومحزة أمامه يقول بأنه قد أسلم‪ ،‬فقام‬

‫رجال من بني خمزوم لينترصوا لرأيب جه ‪ ،‬لكن أبا جه كان شى مررن ذلررك‪ ،‬فقررال يف ذلررة‬

‫ديدة‪ :‬د وا أبا امرة ‪ ،‬فإين واهلل قد سببت ابن أخيه سب ًا قبيز ًا‪.‬‬

‫جلس محزة بعد هذا مع نفسه‪ ،‬أاذه السهولة يدخ يف دين اإلسالم؟ أاذه السررهولة يقررول يف‬

‫حل ة واحدة الكلمة التي رفض أن يقوهلا يف سنوات مضت‪ ،‬يسمع فيها ن اإلسالم‪ ،‬ويسررمع‬

‫القرآن ومل يؤمن ست سنوات يف مكة مل تنق محزة من الكفر إىل اإليامن‪ ،‬بينام نقله هذا احلررادث‬

‫الواحد غري املقصود يف رف الناع‪ .‬لكن احف وا هذه ا ملة‪ :‬ال لم الشديد إذا تفاقم وازداد‬

‫أ قبه نرص من اهلل ز وج ‪.‬‬

‫ال ك أن إيامن محزة بن بد املطلب كان نرص ًا للد وة‪ ،‬ولو كان اإليذاء لرسول اهلل ﷺ سه ً‬
‫ال‬

‫مل يكن ليلفت ن ر محزة ‪ ،‬لكن دة األذى حركت القوى يف قلب محزة التي مل تتزرك من ست‬

‫سنوات‪ ،‬ان ر إىل تدبري رب العاملر سبزانه وتعاىل‪ ،‬كيف يمكررن أن لررق مررن وسررط ال لررم‬

‫دل‪ ،‬من االضطهاد والقهر والبطش نرص للررد وة‪ ،‬لررو كرران أبررو جهر يعرررف أن كر هررذا‬
‫سيزص مل يكن ليرضب الرسول ﷺ‪ ،‬ولكنه تدبري رب العاملر سبزانه وتعرراىل‪َ } :‬و َي ْم ُكر ُر َ‬
‫ون‬
‫ويمكُر اهللَُّ واهللَُّ َخري املَْ ِ‬
‫اك ِري َن{ [األنفال‪ .]30:‬ولك أن تتصور موقف الصزابة يف السا ة التي‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫ََْ ُ‬
‫رضب فيها الرسول ﷺ‪ ،‬ثم يف السا ة التي آمررن فيهررا محررزة ريض اهلل نرره وأرضرراه‪ .‬إن هررذه‬

‫رري ًام‬ ‫رسالة إىل ك الد اة‪ :‬ال بطوا من ال لم الشررديد‪ ،‬فلعلرره ال لررم الررذي يسرربق نرصر ًا‬

‫للد وة‪ ،‬هذا الوضع يف مكة‪ ،‬ويف تاريخ الد وة كلها قبر الرسررول وبعررد الرسررول وإىل يرروم‬

‫القيامة‪ ،‬إذا تفاقم ال لم و ّلد نرص ًا لإلسالم وللمسلمر‪.‬‬


‫‪200‬‬
‫اد محزة إىل بيته يفكر يف الكلمة التي قاهلا هو كرج صادق مع نفسه ومع جمتمعه‪ ،‬ال يسررتطيع‬

‫أن يقول كلمة ثم يعود فيها‪ ،‬وهو يف ذات الوقررت كرجر صررادق مررع نفسرره ومررع جمتمعرره ال‬

‫يستطيع أن يدخ يف د وة ال يؤمن اا‪ ،‬رصاع ضخم‪ .‬فلجأ إىل اهلل ز وج ‪ ،‬والعرررب بصررفة‬

‫امة كانت تؤمن باهلل وبزكمته وبع مته وبقوته‪ ،‬لكنهم كانوا حيكمون غريه يف حيا م‪ ،‬هررذه‬

‫هي مشكلتهم‪ ،‬لكن محزة يف هذا الوقت يف موقف صعب حمترراج لربرره سرربزانه وتعرراىل‪ ،‬وهررو‬

‫يعرف أن اهلل موجود ويسمعه‪ ،‬لكن ما الصزيح يف األمر؟ ه أ بد اهلل ر طريقررة األجررداد‬

‫طريقة حممد ﷺ؟!‬ ‫والالت والعزى وهب ‪ ،‬أم‬

‫خريا فاجع تصديقه يف قلبرري‪ ،‬وإال‬


‫وقف يد و ربنا وقال يف د ائه‪( :‬اللهم ما صنعت إن كان ً‬
‫فاجع ِل مما وقعت فيه خمرج ًا)‪ .‬صررنع رريئ ًا أ رربه مررا يكررون بصررالة االسررتخارة‪ ،‬فررألقى اهلل‬

‫سبزانه وتعاىل يف نفسه أن يذهب إىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فذهب إليه وقال له‪( :‬يا بن أخي؛ إين قررد‬

‫ما ال أدري أهو ر ررد أم غرري ررديد؛‬ ‫وقعت يف أمر وال أدري ما املخرج منه‪ ،‬وإقامة مث‬

‫ليه رسول اهلل ﷺ وحدثه بام كرران‬ ‫فزدثني حديث ًا فقد ا تهيت يا بن أخي أن دثني)‪ ،‬فأقب‬

‫ليه الرسول ﷺ فذكره كام كان يررذكره‪ ،‬الكررالم‬ ‫حيدثه به من قب ‪ ،‬قرأ ليه نفس القرآن‪ ،‬أقب‬

‫نفس الكالم‪ ،‬لكن الو اء املستقب ‪ -‬محزة ‪ -‬قد اختلف‪.‬‬

‫حل ة هداية من ربنا سبزانه وتعاىل تارها بزكمة‪ ،‬يف حل ة واحدة دخ اإليامن احلقيقي ر‬

‫قلب محزة ريض اهلل نه وأرضاه‪ ،‬سمع الكلامت من رسول اهلل ﷺ فآمن بصرردق مررن سررا ته‪،‬‬

‫قال محزة ريض اهلل نه وأرضاه بصدق‪( :‬أ هد أنك الصادق‪ ،‬فأاهر يا بن أخي دينررك‪ ،‬فررواهلل‬

‫ديني األول)‪.‬‬ ‫ما أحب أن ِل ما أالته السامء‪ ،‬وإين‬

‫يف حل ة واحدة أصبزت الدنيا يف ر محزة ال تساوي يئ ًا‪ ،‬ال يتمنى أن يمتلك الدنيا كلهررا يف‬

‫مقاب دينه ا ديد اإلسالم‪ ،‬وأصبح محزة أسد اهلل ز وج ‪.‬‬


‫‪201‬‬
‫ان روا إىل النقلة اهلائلة الضخمة التي نقلها اإلسالم لرزمزة ريض اهلل نه وأرضاه‪ ،‬من رجر‬

‫مغمور يف صزراء ا زيرة العربية يعيش حلياته وملذاته‪ ،‬رج للصيد ثم يعود لوك والنرروم‪،‬‬

‫نقله اإلسالم إىل رج يصبح مهه أن يع ربد الناع ك الناع لرب العاملر سبزانه وتعرراىل‪ ،‬وأن‬

‫ي هر اإلسالم يف مكة ويف غريها‪ ،‬وأن حيمرري املستضررعفر‪ ،‬ترقررى يف القرردر مررن كونرره سرريد ًا‬

‫اخلارطة يف فرتة قصرية من مر الدنيا ال تتجاوز‬ ‫ملجمو ة من الرجال يف قرية ال تكاد ترى‬

‫مر التاريخ إىل يوم القيامة‪.‬‬ ‫سنوات معدودات‪ ،‬إىل كونه سيد ًا للشهداء يف ا نة‬

‫من أراد أن يعرف قيمة اإلسالم فلين ر إىل محزة قب اإلسالم وبعد اإلسالم‪ .‬اإلسالم هو الذي‬

‫صنع محزة والصديق و ثامن و مر و لي ًا ‪ ،‬وك ا ي الع يم‪ ،‬وهو الذي يصنع غررريهم ر‬

‫مر التاريخ‪ ،‬إذا كنا نريد رجاالً مث محزة فالبد أن نأخذ اإلسالم كام أخذه محزة ريض اهلل نرره‪،‬‬

‫ونعيشه كام ا ه محزة و ا ه ك الصزابة ريض اهلل نهم وأرضاهم‪.‬‬

‫هذه كانت قصة إسالم محزة ريض اهلل نه وأرضاه‪ ،‬سيد الشهداء وفررارع املسررلمر ريض اهلل‬

‫نه‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫‪10‬‬

‫إسالم عمر‬

‫عمر قبل اإلسالم‬

‫ذكرنا قصة إسالم محزة ريض اهلل عنه‪ ،‬وكيف كان إيامنه إضافة عظيمة للصف املسلم‪ ،‬ثممم د م‬

‫ثالثة أيام فقط من إيامن محزة آمن رجل آخر‪ ،‬آمن عظيم سيغري اهلل عز وجممل دممه وجممه ا ر‬

‫يف زمانه كسمرى وقيصمر وغريمهمما‪ ،‬ام ا‬ ‫وحركة التاريخ‪ ،‬وسيزلزل ده عروش ملوك ا ر‬

‫املؤمن اجل ي او عمر الفاروق ريض اهلل عنه وأرضمما منم أول اظمماام إيامنممه وحتم آخممر‬

‫اظاام حياته ريض اهلل عنه وأرضا واو فاروق‬

‫كانت قصة إسالمه أعجب من قصة إسالم محزة ريض اهلل عنه‪ ،‬فمممزمزة ريض اهلل عنممه خممالل‬

‫السنواام الست التي سبقت إسالمه كان دالنسبة للرسممول ﷺ‪ ،‬ودالنسممبة للمممؤمنم ه م ممم‬

‫وه علي م‪ ،‬أما عمر دن اخلطاب ريض اهلل عنه فق كان تارخيه مع املسلمم كله قسوة وعنف ًا‬

‫كان عمر مثل محزة رجل مغمور يف التاريخ ككل رجال قريش قبل أن يسلموا‪ ،‬ن م كانممت لممه‬

‫سفارة قريش‪ ،‬كان مسموع الكلمة يف قبيلته دني ع ي ويف قريته مكة‪ ،‬لكن يف الن ايممة ممما اممي‬

‫قبيلة دني ع ي‪ ،‬وما اي مكة دالنسبة لل امل قبل اإلسالم؟ ما اي مكة دالنسبة لفممارو والممروم‬

‫واابشة ومرص والصم واهلن ؟ جمموعة من القبائل الب وية البسيطة ت مميش وسممط الصممزرا‬

‫‪203‬‬
‫عىل الرعي والتجارة وديع ا صنام اؤه ام أال مكة قبل اإلسالم‪ ،‬وكممان عمممر مثلممه مثممل‬

‫آهف أو ماليم أو داليم الرجال ال ين مروا يف التاريخ ال ين مل يسمع هبم أح قبل ذلك وه‬

‫وعمر فوق ذلك كله كانت فيه قسوة عىل املسلمم قبل إسممالمه‪ ،‬كممان ي م ب جاريممة لممه‬ ‫د‬

‫أسلمت من أول الن ار إىل آخر ‪ ،‬ويقول‪ :‬واهلل ممما تركت مما إه ماللممة أي‪ :‬ضممجرام مممن كثممرة‬

‫الرضب والت يب‬

‫ش رام زوجة عامر دن ردي ة ريض اهلل عن ا درقة يف كالم عمر ‪ ،‬ملمما رآامما ن ممز نفسم ا هلجممرة‬

‫اابشة ا وىل‪ ،‬قال هلا كلمة رقيقة‪ ،‬قال هلا‪ :‬صزبكام اهلل‪ ،‬واي غري م تادة منه عىل ا الرقممة‪،‬‬

‫فقالت لزوج ا يف ذلك‪ ،‬فقال هلا‪ :‬أطم ت يف إسالمه؟ قالت‪ :‬ن م‪ ،‬قال‪ :‬فال يسلم ال ي رأيت‬

‫‪-‬ي ني‪ :‬عمر دن اخلطاب ‪ -‬حت يسلم محار اخلطاب ‪ ،‬يأو كامل يف إسالم عمر يممرى عممامر‬

‫أن فرصة إسالم محار اخلطاب أكرب من فرصة إسالم عمر ‪ ،‬إه أن نظممرة املممرأة كانممت أدق مممن‬

‫نظرة الرجل‪ ،‬ورأام دقلب ا ما مل ير زوج ا د قله‬

‫كان عمر ي يش يف رصاع نفيس دم أن يكون زعي ًام قائ ًا يف مكة‪ ،‬ودم أن يكون تاد ًا مر ام ا‬

‫ال ين‪ ،‬فقلبه يقول له‪ :‬ل ل اؤه عىل ااق‪ ،‬فرئيسم م الرسممول ﷺ الم ي مل تكممن حولممه أي‬

‫شب اام‪ ،‬ف و الصادق ا مم ﷺ‪ ،‬لكن عقله يقول له‪ :‬أنت سفري قممريش وقائم مممن قوادامما‪،‬‬

‫واإلسالم سيضيع عليك كل ا ا‪ ،‬قسم اإلسالم مكة نصفم‪ :‬نصف ًا يؤمن ده‪ ،‬والنصف الثمما‬

‫حيارده‪ ،‬ومن ستة أعوام ونزن يف رصاع وخالفاام ومناظراام وحماوراام‪ ،‬وقم عشممنا م مماام‬

‫من أح أو ختط ة‪ ،‬فلامذا حمم ﷺ نرأ وخطأنا؟ رصاع ش ي‬ ‫السنم ن ب اآلهلة دون اعرتا‬

‫ي ور يف نفس عمر ‪ ،‬فقلبه يف طريق وعقله يف طريق آخر‪ ،‬وأص قا السو كثر يف مكة‪ ،‬وكل ممم‬

‫يزينون له املنكر‪ ،‬يف الن اية ش ر دكرااية ش ي ة للرسول ﷺ ال ي وض ه يف مثل ا ا الرصاع‬

‫النفيس الرايب‪ ،‬فق عاش عمر ه ي رف الرتدد‪ ،‬واو اآلن يري أن خيلممن نفسممه ومكممة مممن‬

‫‪204‬‬
‫الرجل ال ي كان سبب ًا يف كل ا املشاكل‪ ،‬أراد أن حيسم القضية كطب ه دائ ًام؛ ل ا قرر أن يقتل‬

‫الرسول ﷺ‪ ،‬وأن يف ل ال ي فكرام فيه قريش ومل تستطع ف له‪ ،‬أت القرار يف ذانه يف اظممة‪،‬‬

‫وحماولة التنفي كانت يف اللزظة الثانية مبارشة‬

‫وكان مما زاد ا مر محاسة أن أدا ج ل من يومم ُفضح فضيزة غممري مسممبوقة يف مكممة‪ ،‬والم ي‬

‫فضزه محزة عم الرسول ﷺ‪ ،‬ومحزة ي عي دأنه ق أصبح عىل دين حمم ﷺ‪ ،‬وأدو ج ل خممال‬

‫املشاكل كل ا دسبب حمم ﷺ‪ ،‬وعمممر أصمميب يف كرامتممه كممام أصمميب‬ ‫عمر دن اخلطاب ف‬

‫أدوج ل ‪ ،‬ورد اهعتبار يكون عادة يف ا البي ة دالسيف كل ا ا ج لممه يممرى لزامم ًا عليممه أن‬

‫يتخلن من حمم ﷺ‬

‫اظاام إسالم الفاروق‬

‫خرج عمر من ديته متوشز ًا سيفه‪ ،‬خرج ليقتل الرسممول ﷺ‪ ،‬ظممل يبزممك يف كممل مكممان عممن‬

‫الرسول واو ه ي ري أين جيلس‪ ،‬ودار ا رقم دن أيب ا رقم مل يكممن ي رف مما أحم ‪ ،‬ويف أثنمما‬

‫دزثه قادله ن يم دن عب اهلل ريض اهلل عنه‪ ،‬ولكن مل يكن أح ي لممم دالسممالمه‪ ،‬واممو مممن نفممس‬

‫قبيلة عمر من دني ع ي‪ ،‬وكان واضز ًا من عمر أنه يف قمممة الغضممب‪ ،‬فقممال لممه ن مميم ‪( :‬أيممن‬

‫الرصامة واجل ية‪( :‬أري حمم ًا‪ ،‬ا ا الصادئ ال ي فرق أمممر قممريش‪،‬‬ ‫تري ؟) فقال له يف منت‬

‫وسفه أحالم ا‪ ،‬وعاب دين ا‪ ،‬وسفه آهلت ا فأقتله) كان ن مميم ريض اهلل عنممه ي لممم أد مماد ام‬

‫الكلامام‪ ،‬وه يوج ل يه وقت لتنبيه الرسول ﷺ‪ ،‬فلم يفكر كثري ًا‪ ،‬ووجم نفسممه مضممطر ًا إىل‬

‫كشف رس إسالم أخت عمر دن اخلطاب السي ة فاطمة دنت اخلطاب وإسالم زوج ا س ي دن‬

‫زي ريض اهلل عنه وأرضا ‪ ،‬حت وإن كان عمر سيقتل ام‪ ،‬ولكنه يف املقادل سيج الوقت الكايف‬

‫ليبلغ الرسول ﷺ حت يأخ ح ر ‪ ،‬فمن يم كان يظممن أن ام ا اممو ااممل الوحيم الم ي قم‬

‫‪205‬‬
‫يرصف عمر دن اخلطاب ريض اهلل عنه عن مراد ؛ نه لو أخرب عن إسالم أي شخن آخر لن‬

‫هيتم‪ ،‬ولكن إسالم أخته وزوج ا يش يط ن يف كرامة عمر ريض اهلل عنه‪،‬‬

‫وقم‬ ‫قال ن يم‪( :‬واهلل لق غرتك نفسك يا عمر أترى دني عب مناف تاركيك متيش عىل ا ر‬

‫قتلت حمم ًا؟) خيوفه من دني عب مناف‪ ،‬فردام تنفع‪ ،‬ثم قال له‪( :‬أفال ترجع إىل أال ديتك فتقيم‬

‫أمرام) أي‪ :‬اذاب إىل أال ديتك أوهً واد أ هبم ثم التفت إىل حمم‬

‫فرصخ عمر يف فزع‪( :‬أي أال ديتي؟)‬

‫فقال‪( :‬ادن عمك س ي دن زي دن عمرو وأختك فاطمة دنت اخلطاب فق واهلل أسلام‪ ،‬وتاد مما‬

‫حمم ًا عىل دينه‪ ،‬ف ليك هبام)‬

‫فش ر عمر أن ال ما تغيل يف قلبه‪ ،‬ونيس كل يش عن الرسول ﷺ‪ ،‬فم اب مسممرع ًا إىل ديممت‬

‫أخته‪ ،‬وذاب ن يم مرسع ًا إىل دار ا رقم دن أيب ا رقم ريض اهلل عنه‬

‫يف ا ا الوقت كان خباب دن ا رام ريض اهلل عنه وأرضا جيلس مع س ي دن زي وزوجته يف‬

‫ديت ام ي لم ام القرآن؛ فالرسول كان يقسم الصزادة إىل جمموعاام‪ ،‬كل جمموعة تقوم دم ارسة‬

‫القرآن مع د ض ا‪ ،‬ثم جيتم ون كل م مع رسول اهلل ﷺ يف دار ا رقممم دممن أيب ا رقممم‪ ،‬وكممان‬

‫خباب دن ا رام او امل لم لمس ي وزوجته وصل عمر إىل ديت أخته ووضع أذنه عىل البمماب‬

‫فسمع صوهتم وام يقر ون القرآن‪ ،‬فظل يرضب الباب دكل قوته‪ ،‬ولو كممان يسممتطيع كسممر‬

‫لكرس ‪ ،‬واو ينادي د نف‪( :‬افتزوا الباب افتزوا الباب)‪ ،‬وإذا كان عمر مرعب ًا يف ا وئه فممام‬

‫دالك يف غضبه‪ ،‬أما خباب فاختبأ يف غرفة داخلية‪ ،‬وقممال يف نفسممه‪ :‬لم ن نجمما سم ي دممن زيم‬

‫وفاطمة دنت اخلطاب فلن أنجو أنا‪ ،‬وخباب من املوايل ديته دسيطة‪ ،‬وعمر لن يفكر كثممري ًا قبممل‬

‫أن يقتله‬

‫‪206‬‬
‫د اختبا خباب أصبح ال ور عىل س ي وفاطمممة قممام سم ي ريض اهلل عنممه وفممتح البمماب‪،‬‬

‫ف خل عمر إىل البيت واو حيرتق من الغضب‪ ،‬قال عمر ‪( :‬لق ُأخربام أنكام تاد تام حمم ًا عىل‬

‫دينه)‪ ،‬ثم د أ يرضب س ي ًا فقامت فاطمة دنت اخلطاب ووقفت دينه ودم سم ي تم افع عممن‬

‫زوج ا‪ ،‬فالتفت إلي ا عمر وترك س ي دن زي ود أ يضمرهبا حتم سممالت الم ما عممىل وجممه‬

‫فاطمة ريض اهلل عنه‪ ،‬ملا رأى س ي ا ا ا مر مل جي د ًا من اهلجوم عىل ا مر‪ ،‬وقال لممه يف ٍم‬

‫ش ي ‪( :‬ن م ق أسلمنا وآمنا داهلل ورسوله‪ ،‬فاصنع ما د ا لك)‬

‫استغرب عمر من شجاعة س ي ؛ فال يوج يف مكة من يكلمه هب الطريقة‪ ،‬وأعجب من ا ا‬

‫أن فاطمة املرأة الض يفة البسيطة وقفت وأمسكت دوجه عمر ‪ ،‬وقالت له يف قمموة‪( :‬وقم كممان‬

‫ذلك عىل رغم أنفك يا عمر)‬

‫ذال عمر من ا ا ال ي يتز ث؟ أليست ا أخته؟ ما ال ي جرأاا عليه؟! أحس عمر عىل‬

‫دأسه وش ته وسطوته أنه صغري ه يستطيع أن يقف أمام ا‪ ،‬وشم ر أن الم نيا تغممريام واممو ه‬

‫ملثل ا ا املوقف يف حياته‪ ،‬ثم قال عمر كلمة ت ل عممىل رقممة قلبممه التممي‬ ‫ي لم‪ ،‬أول مرة يت ر‬

‫ختتفي ورا ا الغلظة الظاارة‪ ،‬قال‪( :‬فاستزييت حم رأيت ال ما ) الرجل ال ي ليس فيممه‬

‫خري ه يستزي من رؤية دما تسيل عىل وجه امرأة خرجت عن دينه‪ ،‬ووقفت أمامممه وٍ تممه‪،‬‬

‫ودال اام يف ا البي ة القبلية اجلاالية‬

‫ماذا د اهستزيا ؟‬

‫يقول عمر ‪( :‬فجلست ثم قلت؛ أرو ا ا الكتاب حت أقرأ )‪ ،‬تنازل عمر وسكت عن ٍ ي‬

‫س ي وفاطمة ‪ ،‬ثم يف ا و يطلب أن يقرأ الكتاب ال ي م ام‪ ،‬لكن فاطمة وج ت له رضدممة‬

‫ثانية موج ة لم مر ‪ ،‬قالت‪( :‬يا أخي؛ إنك نجس عىل رشكك وإنه ه يمسه إه الطاار)‬

‫‪207‬‬
‫كنت أقرأ ا القصة وأتصور أ سأج خرب مقتل فاطمة دنت اخلطاب ريض اهلل عن مما‪ ،‬لكممن‬

‫املوقف كان غري ذلك‪ ،‬قام عمر يف ا و ليغتسل أليس ا ا او عمممر دممن اخلطمماب ؟! انمماك‬

‫ظروف ليس هلا إه تفسري واحم ‪} :‬إِ َنمك ه هتم ِ ي ممن أحببمت ول ِكم َن اهللَ‬ ‫يش غريب‪ ،‬ف‬

‫هي ِ ي من يشا ُ { [القصن‪ ،]56:‬شا اهلل عز وجل ا اية عمممر ‪ ،‬وشمما اهلل عممز وجممل اخلممري‬

‫دكامل ا‬ ‫لم مر وللمسلمم ولألر‬

‫قام عمر ليغتسل يف ديت أخته‪ ،‬وكأن داملا ينزل عىل رأو وجس عمر فيغسل كل أدران الكفر‬

‫واجلزود‪ ،‬مل يكن املا يغسل من اخلارج فقط‪ ،‬دل يغسل قلبه وعقله م م ًا ملمما خممرج عمممر مممن‬

‫اهغتسال أعطته فاطمة الصزيفة ود أ يقرأ‪ ،‬ولكن د أ يقرأ دلسانه ود قله‬

‫قرأ‪( :‬دسم اهلل الرمحن الرحيم)‪ ،‬فقال‪( :‬أسام طيبة طاارة) من أول البسملة ظ ر اخلري الم ي‬

‫يف داخل عمر ‪ ،‬ثم قرأ‪}:‬طه * ما أنزلنا عليك ال ُقرآن لِتشق { [طممه‪ ]2-1:‬ويالحممأ أن عمممر‬

‫ممن كان سبب ًا يف إجياد شقا للرسول ﷺ ولصزادته‪ ،‬ثم او اآلن يقرأ قول اهلل عزوجل‪} :‬طه *‬
‫والسممو ِ‬
‫اام‬ ‫مز ًيال ِمم َمن خلمق ا ر‬
‫ما أنزلنا عليك ال ُقرآن لِتشق * إِ َه ت ِكر ًة ملِن خيش * تنم ِ‬
‫َ‬
‫ش استوى * له ما ِيف السمو ِ‬
‫اام وما ِيف ا ر ِ ومما ديمن ُ ام ومما ٍمت‬ ‫الرمح ُن عىل ال ر ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ال ُ ىل* َ‬

‫الرس وأخفم * اهللَُ ه إِلمه إِ َه ُامو لم ُه ا سمام ُ ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ااسمن {‬ ‫ال َثرى * وإن ن ر دِالقول فال َن ُه ي ل ُم ر َ‬
‫[طه‪ ]8-1:‬تزلزل عمر من داخله‪ ،‬ووج نفسه خاش ًا متص ع ًا مممن خشممية اهلل عممز وجممل‪،‬‬

‫يقول عمر ‪( :‬فت ظمت ا اآلياام يف ص ري‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أحسن ا ا الكالم وما أمجله)‬

‫لق أسلم عمر دم ن الكلمة‪ ،‬أسلم هلل إسالم ًا كام ً‬


‫ال دكل ذرة يف جس ريض اهلل عنممه‪ ،‬وواهلل‬

‫إن ا اللزظة من أعظم اظاام البرشية عىل اإلطالق‪ ،‬اظة ٍول في ا رجل دسمميط يسممج‬

‫لصنم وي ب املؤمنم إىل عمالق من عاملقة اإليامن‪ ،‬ورجل يراقب اهلل عز وجل يف كل حركة‬

‫وكل سكنة وكلمة ومهسة‪ ،‬ثامن آياام صن ت ا سطورة اإلسالمية ال جيبة عمر ريض اهلل عنه‬
‫‪208‬‬
‫وأرضا عن ما سمع خباب ا ا الكالم من عمر خرج من خمب ه‪ ،‬وقال له‪( :‬يمما عمممر؛ واهلل إ‬

‫رجو أن يكون اهلل ق خصك د عوة نبيه؛ فال سم ته دا مس واو يقول‪ :‬الل م أي اإلسالم‬

‫دمأيب ااكم دن اشام أو دم مر دن اخلطاب) فاهلل اهلل يا عمر كان خياف أن يرتاجع عممن كالمممه‬

‫ف و حيمسه ويشج ه‪ ،‬وي كر له دعا الرسول ﷺ‪ ،‬فقال عمر عن ذلك (فأين رسممول اهلل؟) مل‬

‫يقل‪ :‬حمم ‪ ،‬اك ا دكل س ولة ي رتف درسالة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قال خباب ‪( :‬إنه يف دار ا رقم)‬

‫أخ عمر سيفه فتوشزه ثم انطلق من ج ي إىل رسممول اهلل ﷺ‪ ،‬ولكنممه يف ام املممرة انطلممق‬

‫دقلب مؤمن‪ ،‬رضب عمر الباب عىل رسول اهلل ﷺ وعىل الصزادة يف دار ا رقم ‪ ،‬فقممام أحم‬

‫من الصزادة ينظر فوج عمر وسيفه عىل ص ر ف اد مرت ًا يقول‪( :‬ام ا عمممر دممن اخلطمماب‬

‫متوشز ًا سيفه) كان داخل ديت ا رقم أرد ممم صممزادي ًا‪ ،‬لكممن الم ي قممام ليم افع عممن كممل‬

‫الصزادة وعن رسول اهلل ﷺ محزة دن عب املطلب ريض اهلل عنه وأرضا ‪ ،‬مممع أنممه مل يممؤمن إه‬

‫من ثالثة أيام فقط‪ ،‬لكن إيامنه كاجلبال‬

‫قال محزة يف صالدة‪( :‬وإن كان عمر ‪ ،‬افتزوا له الباب‪ ،‬فالن كان يري خممري ًا دم لنا لممه ‪-‬أي‪ :‬إن‬

‫كان يري اإلسالم‪ -‬وإن جا يري رش ًا قتلنا دسيفه) اهلل أكرب‪ ،‬فقممال رسممول اهلل ﷺ‪( :‬ائم نوا‬

‫له)‪ ،‬دخل عمر ثم أدخلو إىل غرفة يف ال ار‪ ،‬ثم قام إليه رسول اهلل ﷺ فم خل عليممه واقممرتب‬

‫منه‪ ،‬وأخ دمجامع ثياده وقال له يف قوة‪( :‬ما جا دك يا دن اخلطاب ‪ ،‬فواهلل ممما أرى أن تنت ممي‬

‫حت ينزل اهلل دك قارعة) كلمة ت رب عن م ى امل اناة التي كان يالقي مما املسمملمون مممن عمممر‪،‬‬

‫لكن عمر اآلن ليس كم مر ا ول‪ ،‬قال دصوام منخفض‪( :‬يا رسول اهلل! ج ممت ؤمممن دمماهلل‬

‫ودرسوله ودام جا من عن اهلل) كان ا ا يمثل انتصار ًا اائ ً‬


‫ال للم عوة‪ ،‬ودالم اام د م دخممول‬

‫محزة ريض اهلل عنه وأرضمما يف ديممن اهلل عممز وجممل‪ ،‬كانممت الفرحممة يف قلممب الرسممول ﷺ ه‬

‫توصف‪ ،‬أول رد ف ل للرسول أن كرب اهلل عز وجل؛ ف و ال ي صنع ا امل جزة وأت دممم مر‬

‫‪209‬‬
‫إىل ا ال ار‪ ،‬فلام علم الصزادة دخلوا عليه هين ونه‪ ،‬كل ال اوة الق يمة انت ت‪ ،‬وحل حمل مما‬

‫ااب واملودة‬

‫عمر د اإلسالم‬

‫ول عمر من ج ي ‪ ،‬كام ول محزة عمالق ًا‪ ،‬فالن عمر أيض ًا ول عمالق ًا ول عمر فقي م ًا حازمم ًا‬

‫مضزي ًا‪ ،‬فأول كلمة قاهلا د اإلسالم كانت‪( :‬يا رسول اهلل؛ ألسممنا عممىل ااممق؟) قممال‪( :‬دممىل‪،‬‬

‫قال‪ :‬ففيم اهختفا )؟! وانتبه ملا يقول‪ :‬ألسنا عىل ااق؟ ه يقول‪ :‬ألستم عىل ااق؟ فق أصبح‬

‫مسل ًام‪ ،‬ويقرتح علي م آرا ويفكر خل مة ال ين‪ ،‬وينظر ما او ا صلح‪ ،‬ويتزرك لل عوة‪ ،‬ام ا‬

‫او عمر‬

‫اإلختفا كام او م لوم كان سباب‪ ،‬فالرسول ﷺ كان حيسممب كممل يش د قممة‪ ،‬يأخم دكممل‬

‫ا سباب‪ ،‬أما اآلن ف ىل الرسول ﷺ أن ي ي حساداته مرة أخرى؛ ن الوضع تغري مممن ثالثممة‬

‫أيام مضوا‪ ،‬إن كان لالختفا مزايا قبل ذلك فلإلعالن أيضم ًا مزايمما‪ ،‬فمماليامن محممزة وعمممر غممري‬

‫الوضع‪ ،‬والرسول ﷺ وافق عىل اإلعالن؛ ن اثنم من رجال املسمملمم غممريا مسممار الم عوة‬

‫دكامل ا يف ا الفرتة اارجة سيب أ إعالن اإلسالم يف مكة‪ ،‬ويظ ر املسمملمون الشم ائر أمممام‬

‫الناو يف مكة غري الرسول ﷺ كل املرحلة عن ما دخل محزة وعمر يف الم ين‪ ،‬أخم وا القممرار‬

‫وخرجوا يف نفس اللزظة يف صفم‪ :‬عمر عىل أح مها‪ ،‬ومل يؤمن إه منم دقممائق‪ ،‬ومحممزة عممىل‬

‫اآلخر‪ ،‬وما آمن إه من ثالثة أيام فقط سارام الكتيبة ال سكرية اإلسالمية من دار ا رقممم إىل‬

‫املسج اارام أكثر ا ماكن ازدحام ًا يف مكة‪ ،‬حت يراام أكرب عم د مممن قممريش‪ ،‬رأام قممريش‬

‫املسلمم وأمام م محزة وعمر فأصادت م كآدة شم ي ة‪ ،‬يقممول عمممر ‪( :‬فسممام رسممول اهلل ﷺ‬

‫الفاروق يوم )‬

‫‪210‬‬
‫نظر عمر إىل املسج اارام فلم جي أدا ج ل مع الناو‪ ،‬واو أش ام حماردة لإلسالم‪ ،‬فقرر أن‬

‫ي اب إليه يف ديته‪ ،‬وي لن له أمر إسالمه‬

‫يقول عمر ‪( :‬فأتيته حت رضدت عليه داده)‪ ،‬فخرج إيل وقال‪( :‬مرحب ًا وأام ً‬
‫ال يمما ادممن أختممي)‪،‬‬

‫فقال عمر ‪( :‬ج ت خربك أ ق آمنت داهلل ودرسوله حمم ‪ ،‬وص قت دام جا ده‪ ،‬قال عمممر ‪:‬‬

‫فرضب الباب يف وج ي)‪ ،‬وقال‪( :‬قبزك اهلل وقبح ما ج ت ده)‪ ،‬لكن عمر كان سم ي ًا؛ نممه‬

‫كماد لمأيب ج ل كان عمر يرى أنه ما زال اناك كثر مل ي لموا د دأمر إسالمه‪ ،‬ولن ي اب إىل‬

‫كل واح يف ديته خيرب ‪ ،‬ف اب لرجل اسمه مجيل دن م مر اجلمزي ‪ ،‬واممو كممام يقممول سممي نا‬

‫عمر (أنقل قريش ا يك)‪ ،‬مثل وكاهام ا نبا ‪ ،‬ه يستطيع حفأ السممر‪ ،‬ه يسمممع شممي ًا إه‬

‫ونقله للناو‪ ،‬ف اب سي نا عمر إليه‪ ،‬وقال له‪( :‬يا مجيل؛ لق أسلمت)‪ ،‬فنممادى مجيممل دممأعىل‬

‫صوته قائالً‪( :‬إن ادن اخلطاب ق صبأ)‪ ،‬أي‪ :‬ارت ‪ ،‬لكن سي نا عمممر جممرى ورا ‪ ،‬وقممال لممه‪:‬‬

‫(ك دت ولكني أسلمت) امل م أن كل مكة علمت أن عمر ق دخل يف دين اإلسالم‪ ،‬وا ا او‬

‫املطلوب‬

‫ردة ف ل أال مكة د إسالم عمر ومحزة ومساومت ا للرسول‬

‫اجتمع أال مكة حول سي نا عمر دن اخلطاب وقاموا درضده‪ ،‬فظل يرضب وام يرضدون حت‬

‫‪ ،‬واو يقول‪( :‬اف لوا ما د ا لكم‪ ،‬فأحلف داهلل‬ ‫ت ب ريض اهلل عنه وأرضا وجلس عىل ا ر‬

‫أن لو كنا ثالثامئة رجل لق تركنااا لكم أو تركتمواا لنا)‪ ،‬أي اصممربوا علينمما حتم نصممل إىل‬

‫ثالثامئة‪ ،‬وا ا الرقم ال ي قاله او ع د املسلمم يف غزوة د ر‪ ،‬فم مر من أول يمموم أسمملم فيممه‬

‫رضب‪ ،‬وكأن اهلل سبزانه وت اىل ي رفه طريق ال عوة واو ه يممزال يف أول أيممام إسممالمه‪ ،‬كممل‬

‫الناو التي ٍملت ام ال عوة ت بوا‪ ،‬أه إن سل ة اهلل غالية‪ ،‬أه إن سل ة اهلل اجلنة‬

‫‪211‬‬
‫مع أن عمر ُرضب يف أول يوم من إسالمه إه أن ا كان ردة ف ل استثنائية نتيجممة للمفاجممأة‪،‬‬

‫ثم إن مكة رج ت للصواب فم مر ختاف منه الناو‪ ،‬ويؤك عىل ذلك كممالم صم يب الرومممي‬

‫ريض اهلل عنه وأرضا ‪ ،‬يقول‪( :‬ملا أسلم عمر ظ ر اإلسالم‪ ،‬ودعي إليه عالنية‪ ،‬وجلسنا حممول‬

‫البيت ِحلق ًا‪ ،‬وطفنا دالبيت‪ ،‬وانتصفنا ممن غلأ علينا‪ ،‬ورددنا عليه د ض ممما يممأ دممه) ويقممول‬

‫عب اهلل دن مس ود ريض اهلل عنه وأرضا ‪( :‬ما زلنا أعزة من أسلم عمر)‬

‫ومع أن وضممع املسمملمم ٍسممن هبم الصممورة‪ ،‬وأصممبح أاممل اإلسممالم يظ ممرون عبمماداهتم‬

‫ورشائ م يف مكة‪ ،‬إه أن الرسول ﷺ مل ي لن اارب عىل قريش‪ ،‬ومل يب أ يف مواج ممة عنرتيممة‬

‫مع صور الباطل يف مكة‪ ،‬وما زالت ا صنام منتشمرة يف مكممة‪ ،‬دممل ممما زالممت الرايمماام اامممر‬

‫للزانياام مرفوعة يف مكة‪ ،‬واخلمور ترشب‪ ،‬واملرشكون ي ب ون آهلة غري اهلل عز وجل‪ ،‬والقتال‬

‫ممنوع عىل املسلمم‪ ،‬وا ا من فقه املرحلة ردام يتزمس الشباب لألمر دامل روف والن ممي عممن‬

‫املنكر دالقوة والسالح وال نف‪ ،‬يظنون أهنم يف زمن التمكم والسمميادة‪ ،‬وينسممون أن الرسممول‬

‫ﷺ نفسه كف عن كل ا ا يف فرتة مكة اجلرأة لو حصلت من شممباب املسمملمم يف فممرتة مكممة‬

‫هتور ًا وترسع ًا وج ً‬
‫ال دفقممه املرحلممة‪ ،‬وميممزان‬ ‫شجاعة وه ج اد ًا إنام ت‬ ‫عىل املرشكم ه ت‬

‫املسلمم ثقل دمزمزة ودم مر لكن دزساب واي رسالة إىل كل املتزمسم من الشباب‪ ،‬ممممن‬

‫ي يشون ظروف ًا مشاهبة لظروف مكة‪ ،‬وأيض ًا من غممري محممزة وعمممر‪ ،‬ومممع ذلممك حيم ث هتممور‬

‫وان فاع‪ ،‬أقول هلم‪ :‬كم خترس ال عواام من محاسة يف غري موض ا متام ًا‪ ،‬كام خترس من رويممة يف‬

‫غري موض ا‬

‫كان وضع املسلمم الت يب‪ ،‬وه يوج قتال‪ ،‬وأيض ًا ه توج مواج ة مع املرشكم يف مكممة‪،‬‬

‫مع كون قوهتم زادام؛ ن اناك الكثري يف مكة سيفكر يف اإلسالم‪ ،‬وسوف يتزفزون دالسممالم‬

‫محزة وعمر؛ و ن املسلمم أعلنوا إسالم م ود وا دالصالة وقرا ة القرآن أمام الناو‪ ،‬ومكممة‬

‫‪212‬‬
‫د أام تنظر إىل حالوة اإلسالم ورشائ ه وأال الباطل كانوا يف موقف ص ب‪ ،‬وكأن املوضوع‬

‫سيخرج من أي هيم‪ ،‬فال عوة تتسلل وت خل إىل كل ديممت حتم ديمموام الممزعام مممن م‪ ،‬فممامذا‬

‫صن وا؟‬

‫عق أال مكة اجتامع ًا عىل مستوى القادة والزعام ‪ ،‬وحرض كل زعام مكة‪ ،‬وتقم م عتبممة دممن‬

‫ردي ة ‪-‬زعيم دني أمية‪ ،‬وأح حكام قريش داقرتاح‪ ،‬قال‪( :‬يا م رش قريش؛ أه أقمموم إىل حممم‬

‫عليه أمور ًا ل له يقبل د ض ا فن طيه أهيا شا ‪ ،‬ويكف عنمما) واممي أمممور‬ ‫ﷺ فأكلمه وأعر‬

‫مغرية‪ ،‬والرسول ﷺ او ال ي سيختار‪ ،‬وا ا يمثل تنازهً خطري ًا مممن زعممام قممريش‪ ،‬يفسممر‬

‫إسالم محزة وعمر ريض اهلل عن ام‪ ،‬ومع أن ام ا عممىل غممري‬ ‫الوضع ال ي أصبزت فيه مكة د‬

‫اوى امل ظم‪ ،‬إه أهنم وافقوا مضطرين‪ ،‬قالوا‪ :‬دىل يا أدا الولي قم إليه فكلمه‬

‫ذاب عتبة إىل الرسول ﷺ فوج جالس ًا لوح دجانب البيت اارام‪ ،‬فتلطممف م ممه وادتسممم‬

‫وق ود أ يتكلم‪ ،‬وكان ذكي ًا‪ ،‬وكالمه يف عرف كل الناو ه يرفض‪ ،‬قال عتبة ‪( :‬يا ادن أخممي؛‬

‫إنك منا حيك ق علمت من الثقممة يف ال شممرية‪ ،‬واملكممان يف النسممب)‪ ،‬أي أن مكانتممك عنم نا‬

‫كبرية‪ ،‬ونزن نزبك ونزرتمك‪ ،‬وا طريقة ث بانية مش ورة عن عتبة وعن أمثال عتبممة‪ ،‬ثممم‬

‫د أ ي كر مراد ‪ ،‬فقال له مكانتك ال الية إه أنك عملممت أشمميا ت تممرب يف عممرف مكممة جممرائم‬

‫عظم ‪ ،‬فأنت مت م دك ا وك ا وك ا‪ ،‬وا ا يش خطري وموقفك ص ب‬

‫قال له‪( :‬إنك ق أتيت قومك دأمر عظيم‪ ،‬فرقت ده مجاعت م‪ ،‬وسف ت ده أحالم م‪ ،‬وعبت دممه‬

‫آهلت م ودين م‪ ،‬وكفرام ده من مىض من آدائ م) أي‪ :‬أنت مت م دزعزعة نظممام ااكممم يف مكممة‪،‬‬

‫فاترك ال ين اله من الك ان وس نة ا صنام‪ ،‬وإه فالن مستقبلك يف خطر‪ ،‬وأنت لك مكانة‪،‬‬

‫عليك كم ا وكم ا مممن‬ ‫وعن ك أوهد‪ ،‬ونزن نري مصلزتك ونزبك‪ ،‬و ننا نزبك سن ر‬

‫اهقرتاحاام فاخرت من ا ما ي جبك هب املق مة الث بانية يق م له اهقرتاحاام املغرية‪ ،‬ويبم له‬
‫‪213‬‬
‫أن رفض ا م نا تأكي ا الت م اخلطرية يف حقك‪ ،‬وأما عقاهبمما فأنممت ت لمممه حممرب نفسممية‬

‫ش ي ة‪ ،‬لكن ا اارب مغلفة دادتسامة وضزكة وسالم واحرتام‬

‫ي لم الرسول ﷺ ا الل بة من أوهلا إىل آخراا‪ ،‬وي رك أن ا مسمماومة عممىل الم ين‪ ،‬ومممع‬

‫الرقة‪( :‬قل‪ :‬يا أدا الوليم اسمممع)‬ ‫ذلك كان يف غاية ا دب مع عتبة املرشك‪ ،‬وقال له يف منت‬

‫ود أ يف الكالم والرسول ﷺ يسمع ومل يقاط ه حت ي طيه عتبة فرصة أن يتكلم‪ ،‬وسنرى د م‬

‫أمممور لممو‬ ‫ذلك كيف أن عتبة كان يسمع للرسول من غري مقاط ة أيضم ًا دم أ عتبممة يف عممر‬

‫عرشاا عىل مفاويض ا ا يام لقبلواا دون تردد‪ ،‬قال عتبة‪:‬‬ ‫عر‬

‫ا ول‪( :‬يا ادن أخي؛ إن كنت إنام تري دام ج ت ده من ا ا ا مر ممماهً مج نمما لممك مممن‬ ‫ال ر‬

‫أموالنا حت تكون أكثرنا ماهً) أي‪ :‬ستكون أغنم رجممل يف مكممة‪ ،‬وكممم مممن أنمماو تضممزي‬

‫دزياهتا من أجل املال‪ ،‬واا او يب ل له املال ليكون ا غن يف مكة من غري أي جم ود‬

‫الثا ‪( :‬وإن كنت تري ده رشف ًا سودناك علينا‪ ،‬حت ه نقطع أمر ًا دونك) وام ا يش‬ ‫ال ر‬

‫غريب يف مكة‪ ،‬فكل قبيلة كانت كأهنا دولة مستقلة‪ ،‬لكن عتبة يقول له‪ :‬رأيك سي مم عىل كممل‬

‫الناو‬

‫الثالك‪( :‬وإن كنت تري ده ملك ًا ملكناك علينا) وا ا أمر مل حيلم ده أح يف مكة أدم ًا‪،‬‬ ‫ال ر‬

‫سيكون أول ملك عىل مكة‬

‫غري مؤدب‪ ،‬إه أنه حياول أن يقوله يف صورة مؤددممة‪ ،‬يقممول‪( :‬وإن‬ ‫الرادع‪ :‬واو عر‬ ‫ال ر‬

‫كان ا ا ال ي يأتيك رئي ًا ترا ه تستطيع رد عن نفسك طلبنا لك الطب‪ ،‬ودم لنا فيممه أموالنمما‬

‫حت نربئك منه‪ ،‬فالنه ردام غلب عىل الرجل حت ي اوى منه) أي‪ :‬أنممت لممو مل تقبممل كممل تلممك‬

‫فأنت جمنون‪ٍ ،‬تاج إىل عالج أو أن اجلن توج ك من غري قص ك‪ ،‬ونزن ن لم أنممك‬ ‫ال رو‬

‫‪214‬‬
‫رجل صالح‪ ،‬وليس ل ينا أي مانع من عالجك يف أي مكممان تريم ‪ ،‬لممو أردام أن نسممفرك أو‬

‫نجلب لك دكتور ًا فارسي ًا أو رومي ًا أو ان ي ًا‬

‫عتبة دن ردي ة التي كان ي كراا‪ ،‬واو يرى أنه يقم م أكممرب تنممازل ممكممن أن‬ ‫كانت ا عرو‬

‫يق مه يف تاريخ مكة كل ا‪ ،‬وا حقيقة‪ ،‬فال يوج أح يف مكة ق عرضت عليه ام ا مممور‬

‫التي عرضت عىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ويف عرف أال مكة أن الم ي سممريفض ام ا جمنممون أو فيممه‬

‫يف مقادل السكوام عن ااممق وتممرك الم عوة وعم م الكممالم فمميام ه‬ ‫جن‪ ،‬وكل ا ال رو‬

‫يريض ا سياد يف مكة‬

‫كان الرسول ﷺ ي رك متام ًا أن التنازهام الضخمة يف حياة ال عاة تبم أ عممادة دتنممازل صممغري‪،‬‬

‫والرسول ﷺ ه يمكن أن يتنازل‪ ،‬ومع أنه من أول كلمة قاهلا عتبة ‪-‬واو ي لم أهنا مسمماوماام‬

‫ال نيويممة السممفي ة يف نظممر الم عاة الصممادقم‪،‬‬ ‫ه قيمة هلا‪ -‬عازم عىل رفض كل ا ال رو‬

‫ومع كل ذلك إه أنه مل يقاطع عتبة وه مرة‪ ،‬ومل يسخط عليه ومل ي اتبه‪ ،‬دل تركممه يممتكلم حتم‬

‫أهن كالمه‪ ،‬ثم رد عليه هب و وع م انف ال؛ (أق فرغت يا أدا الوليم ؟) قممال‪( :‬ن ممم)‪ ،‬فقممال‬

‫رسول اهلل ﷺ‪( :‬فاسمع مني)‪ ،‬قال‪( :‬أف ل) وا ا او املطلوب‪ ،‬واو ه يسممتطيع أن يممرفض‪،‬‬

‫ا دب ال ظيم ال ي رآ من رسول اهلل ﷺ كان مضطر ًا ن يسمع‪ ،‬فب أ الرسممول ﷺ يف‬ ‫فب‬

‫الكالم‪ ،‬ومل يتكلم دكالمه او ﷺ إنام تكلم دالقرآن‪ ،‬قال ﷺ‪ :‬دسم اهلل الرمحن الرحيم }حممم *‬

‫اب ُف رصلت آيا ُت ُه ُقرآنًا عردِ ًّيا لِقوم ي ل ُممون{ [فصمملت‪،]3-1:‬‬ ‫ِ‬ ‫ت ِنز ٌيل ِمن الرمح ِن ِ‬
‫الرحي ِم * كت ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أكث ُر ُام ف ُ م ه يسم ُ ون{ [فصلت‪ ،]4:‬وأيض ًا‬ ‫ومن اؤه القوم عتبة }د ِش ًريا ون ِ ًيرا فأعر‬

‫من اؤه عتبة ومن م ه‪} ،‬وقا ُلوا ُق ُلو ُدنا ِيف أ ِكنَة ِممَا ت ُعونا إِلي ِه{ [فصلت‪ ،]5:‬أليس ا ا كالم‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عتبة ؟} وقا ُلوا ُق ُلو ُدنا ِيف أكنَة ممَا ت ُعونا إِليه و ِيف آذاننا وق ٌر ومن ديننا ودينك حج ٌ‬
‫اب فاعمل إِنَنا‬

‫‪215‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ع ِام ُلون * ُقل إِنَام أنا د ِ‬
‫يموا إِليمه واسمتغف ُرو ُ‬
‫رش مث ُلكُم ُيوح إِ َيل أنَام إِهل ُ ُكمم إِلم ٌه واحم ٌ فاسمتق ُ‬
‫ٌ‬
‫اآلخر ِة ُام كافِ ُرون{ [فصلت‪]7-1:‬‬ ‫الزكاة و ُام دِ ِ‬ ‫رش ِكم * ا َل ِ ين ه ُيؤتُون َ‬
‫ووي ٌل لِل ُم ِ‬

‫كان عتبة يسمع وه يستطيع أن يرد؛ هنا كلامام م جزة تكشف عام د اخله وداخممل كممل دنممي‬

‫آدم‪ ،‬وكلام سمع أكثر خياف أكثر‪ ،‬فاآلياام تلق عليه مثل الصاعقة‪ ،‬فقرأ رسممول اهلل ﷺ قممول‬

‫م ون ُلون ل ُه أن ا ًدا ذلِك‬ ‫اهلل سبزانه وت اىل‪ُ } :‬قل أ ِئنَكُم لتك ُف ُرون دِا َل ِ ي خلق ا ر ِيف يوم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ر ُّب ال املم * وج ل في ا رواِس من فوق ا ودارك في ا وق َ ر في ا أقواهتا ِيف أرد ة أ َيمام سموا ً‬
‫السام ِ و ِاي ُدخ ٌ‬
‫ان فقال هلا ولِألر ِ اِئتِيا طو ًعا أو كر ًاما قالتما أتينما‬ ‫لِ ِ ِ‬
‫لسائلم * ُث َم استوى إِىل َ‬ ‫َ‬

‫م وأوح ِيف ُكم رل سمام أمراما وز َينَما َ‬


‫السمام الم ُّ نيا‬ ‫اا َن سبع سمواام ِيف يوم ِ‬ ‫ط ِائ ِ م * فقض ُ‬
‫دِمصادِيح و ِحف ًظا ذلِك تق ِ ُير ال ِز ِيز ال ِلي ِم{ [فصلت‪ ]12:‬أفب كل ام الصممفاام يم اب‬

‫أح كم ليسج هلبل أو الالام أو ال زى؟ أين عقلك يا عتبة ؟! أين عقل كل املشممركم؟! ثممم‬

‫اعق ِة عماد وث ُممود{‬


‫اعق ًة ِمثمل صم ِ‬
‫قرأ عليممه الرسممول ﷺ‪} :‬فمالِن أعر ُضموا ف ُقمل أنم ر ُتكُم صم ِ‬

‫[فصلت‪ ،]13:‬أحس عتبة أن الصاعقة نازلة أو ستنزل اآلن‪ ،‬فلم يتاملك نفسه‪ ،‬ونسمي وقممار‬

‫ومكانته يف مكة‪ ،‬وكل املفاوضاام وع اوته لإلسالم‪ ،‬نيس كممل يش ‪ ،‬وقممام يرتجم الرسممول‬

‫ﷺ‪ ،‬ووضع ي عىل فم الرسول ﷺ واو يقول‪( :‬أنش ك اهلل والرحم أنش ك اهلل والممرحم)‪،‬‬

‫ثم ذاب واو يتخبط‪ ،‬ه ينظر ورا ‪ ،‬واو واضع ي عىل رأسه خياف الصاعقة أن تنزل عليه‬

‫رجع عتبة إىل الكفار دمنظر عجيب‪ ،‬وزعام قريش مل يكونوا حمتاجم ي ذكمما حتم ي رفمموا‬

‫ال ي حصل له‪ ،‬حت قال د ض م‪( :‬نزلف داهلل لق جا كم أدو الولي دغري الوجه ال ي ذاب‬

‫الص ق‪ ،‬وكأنه أح ال عاة‬ ‫ده)‪ ،‬قالوا‪( :‬ما ورا ك يا أدا الولي ؟) فقن علي م ما جرى دمنت‬

‫إىل اإلسالم‪ ،‬قال‪( :‬تسألون ما ال ي حصل يل؟ ورائي أ سم ت قوهً واهلل ممما سممم ت مثلممه‬

‫قط‪ ،‬واهلل ما او دالش ر وه دالسزر وه دالك انة‪ ،‬يا م شمر قممريش؛ أطي ممو واج لوامما َيف‪،‬‬

‫‪216‬‬
‫وخلوا دم ا ا الرجل ودم ما او فيه) ‪-‬أي‪ :‬اعتزلو ليس لكممم دخممل دممه‪ ،‬اتركممو يف حالممه‪،‬‬

‫لستم ن ًا له‪( -‬فواهلل ليكونن لقوله ال ي سم ت منه نبأ عظيم‪ ،‬فالن تصبه ال رب فق كفيتمممو‬

‫دغريكم‪ ،‬وإن يظ ر عىل ال رب فملكه ملككم‪ ،‬وعز عزكم‪ ،‬وكنتم أس الناو ده)‬

‫مل ي جب زعام قريش ما جا ده عتبة ‪ ،‬وقالوا له‪( :‬سزرك واهلل يا أدمما الوليم دلسممانه)‪ ،‬فقممال‪:‬‬

‫(ا ا رأيي فيه‪ ،‬فاصن وا ما د ا لكم)‬

‫كانت‬ ‫كان م ن ا ا أن املفاوضاام دم رسول اهلل ﷺ ودم املرشكم فشلت‪ ،‬مع أن ال رو‬

‫مغرية‪ ،‬حت ي لمنا الرسممول ﷺ أن السممالم لمميس م نمما التنممازل‪ ،‬وأنممه ه يكممون إه دزفممأ‬

‫أو‬ ‫ااقوق‪ ،‬وأول حق هد أن ٍافأ عليه او حق ردنا سبزانه وت اىل‪ ،‬ه جيوز أدم ًا ملفمماو‬

‫وميثاقه عىل خمالفة اق اهلل عز وجل‪ ،‬ا ا دستور إسالمي واضح‬ ‫م اا أن يبني ع‬

‫حصار الش ب‬

‫ا ا اههنيار الكامل للمباحثاام د ا وكممأن حم ث ًا كبممري ًا سمميقع‪ ،‬كممان أدممو طالممب يراقممب‬ ‫د‬

‫املوقف‪ ،‬ويرى أن قريش ًا لن تسكت عىل ا ا ال ي ح ث‪ ،‬وكان خيشم أن أحم ًا مممن سممف ا‬

‫ال واحم ًا‪،‬‬


‫قريش يت ور وي اب لقتل الرسول ﷺ‪ ،‬واو حيبه أكثر من أوهد ؛ ل ا مل جي إه ح ً‬

‫قام أدو طالب درسعة ودعا دني عب مناف دشقي ا دني ااشم ودني املطلممب‪ -‬املطلممب اممو عممم‬

‫عب املطلب ج رسول اهلل ﷺ‪ -‬وطلب من م أن جيتم وا اامية حمم ﷺ‪ ،‬فأجاب مجيع القوم‬

‫مسلم م وكافرام محية وقبلية وطاعة لكبريام أيب طالب‪ ،‬ود لك انقسمت مكممة إىل نصممفم‪:‬‬

‫دني عب مناف يف ج ة‪ ،‬ودقية أال مكة يف ج ة أخرى‪ ،‬وإذا كان أدو طالممب خيمماف مممن زعممام‬

‫مكة‪ ،‬فأيض ًا زعام مكة خيافون من املسلمم‪ ،‬وه ق رة هلم هبم د إسالم محزة وعمر‪ ،‬فمزمزة‬

‫من فرسان قريش ا ش ا ‪ ،‬وعمر سفري مكة الرسمي‪ ،‬ودنو عب مناف اٍ وا من أجممل محايممة‬

‫‪217‬‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬والطرق السلمية مل ت تنفع‪ ،‬ويف نفس الوقت ه طاقممة هلممم دقتممال الرسممول ﷺ‬

‫ومن م ه من دني عب مناف؛ ل ا اجتمع كفار قممريش مممن ج يم وخرجمموا دفكممرة ج يم ة يف‬

‫حرب ال عوة واي املقاط ة‪ ،‬سياسة ااصار اهقتصادي لبنممي عبم منمماف‪ ،‬سياسممة التجويممع‬

‫اجلامعي لبني عب مناف‪ ،‬سوا كانوا مسلمم أو كفار ًا‪ ،‬ومع ال لم أن ا ا القانون اجل ي ي ترب‬

‫خمالف ًا عراف مكة وقوانين ا السادقة‪ ،‬لكن ه توج مشكلة يف أن يتغري ال سممتور‪ ،‬فكممل يش‬

‫دأي هيم‪ ،‬فال هيم الش ر اارام وه البل اارام‪ ،‬امل م املصممالح ف ممي ممما يقم م عممىل ا عممراف‬

‫والقوانم‪ ،‬فال مب أ‪ ،‬وه قانون وه حت ع ُحيرتم كتبوا قانون املقاط ة‪ ،‬وفيه‪:‬‬

‫"عىل أال مكة دكامل ا يف عالقت م مع دني عب مناف أه يناكزوام أي‪ :‬ه يتزوجمموا‬

‫من م وه يزوج م وأه يباي وام أي‪ :‬ه يبي وا هلم وه يشرتوا من م‬

‫وأه جيالسوام وه خيالطوام وه ي خلوا ديوهتم وه يكلموام‪ ،‬وأه يقبلمموا مممن دنممي‬

‫ااشم ودني املطلب صلز ًا أد ًا‪ ،‬وه تأخ ام هبم رأفة؛ حتم يسمملموا رسممول اهلل ﷺ‬

‫هلم للقتل"‬

‫الوضوح ود أ تنفي ااصار الرايممب يف أول ليلممة مممن ليممايل املزممرم يف السممنة‬ ‫اك ا دمنت‬

‫الساد ة من الب ثة‪ ،‬ودخل دنو ااشممم ودنممو املطلممب مممؤمن م وكممافرام إىل شم ب أيب طالممب‬

‫وم م الرسول ﷺ؛ حت يتجم وا كل م حول الرسول ﷺ‪ ،‬وحيمو من أال مكة‬

‫ومن انا تب أ مرحلة ج ي ة من امل اناة وا مل‪ ،‬فق قطع الط ام متام ًا عن املزارصين‪ ،‬فممال ديممع‬

‫وه رشا ‪ ،‬حت الط ام ال ي يأ مكة من خارج ا يشرتيه الكفار دس ر عال؛ حت ه تستطيع‬

‫دنو عب مناف رشا ‪ ،‬وأصبح املوقف ص ب ًا‪ ،‬فق أخ وا ا وهد والنسمما يف داخممل الشم ب؛‬

‫حت كان يسمع أصواام النسا والصبيان يرصخون من اجلوع‪ ،‬وحت اضطروا إىل أكل أوراق‬

‫‪218‬‬
‫الشجر‪ ،‬وظلوا ك لك ثالث سنم كاملة من حمرم يف السنة الساد ة من الب ثة إىل املزممرم سممنة‬

‫عرش من الب ثة‪ ،‬مأساة درشية حقيقية ثالث سممنواام مممن الظلممم وااصممار اجلامعممي‪ ،‬صممورة‬

‫ذلك يف ال نيا‪ ،‬ن م اخرتع مما أاممل قممريش يف ذلممك الوقممت‪ ،‬لكممن‬ ‫جاالية تكررام كثري ًا د‬

‫لألسف حصلت كثري ًا ودائ ًام مع املسلمم‪ ،‬تكررام يف ال راق ويف ليبيا والسودان وأفغانسممتان‬

‫والصومال وإيران ولبنان وفلسطم‪ ،‬كثري من املسلمم حيارصون يف دقاع ا ر‬

‫ليس الغريب يف ا ا ااصار أن يضممزي املسمملمون مممن دنممي ااشممم ودنممي املطلممب دأنفسم م‬

‫ودزوجاهتم ودأوهدام؛ هنم يقاتلون من أجل عقي ة‪ ،‬لكن الغريب ف ً‬


‫ال أن يصرب الكافر من‬

‫دني ااشم ودني املطلب عىل ا ا ااصار واو ه يرجو جنة وه خيمماف مممن نممار‪ ،‬دممل ه يممؤمن‬

‫دالب ك‪ ،‬ومع ذلك وقفوا ا الوقفة الرجولية مع مؤمني دني عب مناف‪ ،‬لكممن م وقفمموا ام‬

‫الم ي‬ ‫الوقفة محية‪ ،‬محية الكرامة أن هيان رجل من نفس القبيلة‪ ،‬محية ال م والقرادة‪ ،‬محية ال‬

‫قط و عىل أنفس م قبل رسالة الرسول ﷺ أن يت اونوا سوي ًا يف حممرب غممريام‪ ،‬محيممة واق يممة‬

‫ليست داخلطب واملقاهام وا ش ار‪ ،‬وضزوا دأنفس م وأوهدام وزوجاهتم من أجل كلمة‬

‫فك حصار الش ب‬

‫د ثالث سنواام من حصار الش ب شا اهلل عز وجممل أن يفممك ااصممار‪ ،‬وذلممك دممأن أحم‬

‫املرشكم من دني عامر دن لؤي‪ ،‬ه او من دني ااشم وه مممن دنممي املطلممب أحممس دشممي يف‬

‫ص ر ‪ ،‬وا ا الرجل او اشام دن عمرو ‪ ،‬ظل يسأل نفسه‪ :‬كيف نأكممل ونشممرب واممؤه ه‬

‫يأكلون وه يرشدون؟ كيف ينام أطفالنا شاد م واؤه ينممام أطفمماهلم جممائ م؟ فكممان حيمممل‬

‫الط ام دنفسه رس ًا إىل ش ب أيب طالب ‪ ،‬وظل عىل ذلك فرتة‪ ،‬ود ذلك أحس دأن ذلك لمميس‬

‫دكاف‪ ،‬وهد أن يكون اناك موقف أكرب‪ ،‬وأن يف ل شي ًا حت ينقض ا الصممزيفة‪ ،‬ويلغممي‬

‫‪219‬‬
‫ا ا القانون الظامل‪ ،‬ولكن او لوح وقبيلته ليست كبممرية‪ ،‬كممام أن زعممام مكممة كل ممم يقفممون‬

‫خلف ا ا القانون‬

‫د أ يبزك عمن يساع ‪ ،‬فب أ درجل من دني خمزوم أكرب القبائل القرشية‪ ،‬واي قبيلممة اعتممادام‬

‫دني ااشم وتتنافس م ا‪ ،‬فالذا قبلت ا القبيلة دفك ااصار فبقية القبائل ستفك‬ ‫أن ت ار‬

‫ااصار يف الغالب‪ ،‬لكن من ال ي سريىض من دني خمزوم دالوقوف مع دنممي ااشممم ضم دنممي‬

‫خمزوم‪ ،‬وه ننس أن أدا ج ل او زعيم دني خمزوم‪ ،‬واو من أش املتزمسم للمقاط ة‪ ،‬فكممان‬

‫هد من شخصية ت ادله‪ ،‬وتستطيع الوقوف أمامه‪ ،‬ف اب إىل زاممري دممن أيب أميممة املخزومممي ؛‬

‫ن أمه عاتكة دنت عب املطلب عمة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فل يه دوافع فطرية عصبية‪ ،‬فم اب إليممه‬

‫وكلمه‪ ،‬فقال له‪( :‬يا زاري أرضيت أن تأكل الط ام وترشب الرشاب وأخوالك حيممك ت لممم)‬

‫ي ني‪ :‬اؤه أخوالك وأنت تتبع أدا ج ل ؟ ال نسيت أن دني ااشممم أخوالممك؟ ثممم قممال لممه‬

‫كلمة خطرية ج ًا‪ ،‬قال له‪( :‬أما إ أحلف داهلل أن لو كانوا أخوال أيب ااكم دن اشام ‪-‬ي نممي‪:‬‬

‫أخوال أيب ج ل ‪ -‬ثم دعوته إىل مثل ما دعاك إليه من املقاط ة ما أجادك إليه أد ًا) ي ني‪ :‬أنت‬

‫د لك ختاف من أيب ج ل ‪ ،‬فقال له زاري ‪( :‬وحيك ما أصنع وأنا رجل واح ؟) ثممم قممال‪( :‬أممما‬

‫واهلل لو كان م ي رجل آخر لقمت يف نقض ا)‪ ،‬فقام اشام دن عمرو وفاجأ وقال له‪( :‬وج تممه‬

‫لك)‪ ،‬قال‪( :‬فمن او؟) قال‪ :‬أنا‪ ،‬قال زاري ‪( :‬فلننظر لنا ثالث ًا أيض ًا)‬

‫ترك اشام دن عمرو زاري ًا وذاب يبزك عن ثالك من ذوي ا خالق‪ ،‬ذاممب إىل املط ممم دممن‬

‫ع ي من دني نوفل‪- ،‬أت دقبيلة ثالثة‪ ،‬ذاب إليه وذكر دأرحام دني املطلب ودني ااشم‪ ،‬فقال‬

‫املط م ‪( :‬وحيك ماذا أصنع؟ إنام أنا رجل واح )‪ ،‬قال‪( :‬ق وج ام ثاني ًا)‪ ،‬قممال‪( :‬مممن اممو؟)‬

‫قال‪( :‬أنا)‪ ،‬قال املط م ‪( :‬ادزك لنا عن رجل ثالك؟) فقال‪( :‬ق ف لممت)‪ ،‬قممال‪( :‬مممن اممو؟)‬

‫قال‪( :‬زاري دن أيب أمية) ‪ ،‬قال‪( :‬ادزك لنا عن رجل رادع)‬

‫‪220‬‬
‫امل مة ص بة ج ًا؛ ن اؤه سيقفون أمام كل زعام الكفر يف مكة‪ ،‬ومممن أجممل رجممل خممرج‬

‫عن دين م‪ ،‬ويقوم دسب اآلهلة‪ ،‬ويأ دقوانم ج ي ة ملكة‪ ،‬م مة ص بة ف ً‬


‫ال أن ت افع عن ام ا‬

‫الرجل‪ ،‬وعن أول ك ال ين ساع و والتزموا د ينه لكن اشممام دممن عمممرو الكممافر مل ييممأو‪،‬‬

‫وذاب يبزك عن رادع‪ ،‬ف اب إىل أيب البخرتي دن اشام ‪-‬البخرتي دفتح البا ‪ -‬وقال له مثل‬

‫ما قال للمط م ‪ ،‬فقال له‪( :‬وال من أح ي م عىل ا ا؟) قال اشام ‪( :‬ن م‪ ،‬زاري دن أيب أميممة‬

‫واملط م دن ع ي وأنا)‪ ،‬فقال أدو البخرتي ‪( :‬ادزك لنا عن رجل خامس؟)‬

‫اام َية يبزك من ج ي عن رجل خامس‪ ،‬ذاب إىل زم ممة دممن‬ ‫ف اب اشام دن عمرو دمنت‬

‫ا سود واو من دني أس ‪ ،‬فقال له زم ة ‪( :‬وال عىل ا ا ا مر ال ي ت عو إليه مممن أحم ؟)‬

‫قال‪( :‬ن م)‪ ،‬ثم ذكر له ا رد ة السادقم‪ ،‬فوافق زم ة دن ا سود ا س ي ومل يطلب السادو‪،‬‬

‫واجتمع اخلمسة وأخ وا القرار اجلري ال ي سي ارضون ده أكادر القوم‪ ،‬ف م سيطرحون رأي ًا‬

‫ق يؤدي إىل انقسام حاد يف املجتمع املكي ونرصة دين ه يقتن ون ده وه يرتبطون‬

‫ملاذا ا ا كله؟ ما ال ي حرك م؟ حركت م محية النخوة‪ ،‬فأنت ترفض أن ترى أي إنسممان مؤمنم ًا‬

‫كان أو كافر ًا ي ب أو يظلم أو جيوع أو ي رطش ا النخوة التي زرعت يف قلمموب أنمماو ممما‬

‫عرفوا اهلل عز وجل‪ ،‬لكن ا النخوة لألسف مل نراا من مسلمم كثر رأوا وشاا وا دممأعين م‬

‫جرائم ااصار والقتل يف آهف وماليم املسلمم يف ال ممراق والبوسممنة وكوسمموفا والشيشممان‬

‫وفلسطم وغرياا كيف أن اشام دن عمرو الكافر والكفممار الم ين م ممه مل يممأهتم نمموم؛ ن‬

‫مسلمون ينامون ويأكلون ويرشدون وه هيم م ممما‬ ‫املسلمم ي دون؟ وكيف يوج يف ا ر‬

‫حي ث إلخواهنم وأخواهتم يف أكثر من مكان يف ال امل؟! كيف؟! أين النخمموة التممي ٍركممت يف‬

‫قلوب الكافرين اخلمسة؟ أيممن النخمموة التممي دف ممت م مل مماداة قممريش دون مصمملزة شخصممية‬

‫‪221‬‬
‫متزققة؟ أيأ عىل املسلمم زمان نرجو فيه أن تكون أخالق م كب ض أخالق الكافرين‪ ،‬نزن‬

‫نزتاج ف ً‬
‫ال إىل وقفة مع النفس‬

‫اجتمع الرجال اخلمسة واتفقوا عىل نقض الصزيفة وح دوا اليوم‪ ،‬قممال زاممري‪( :‬أنمما أدم ؤكم‬

‫فأكون أول من يتكلم)‪ ،‬وقف زاري يف املسج ونادى عىل أال مكة‪ ،‬ثم قممال‪( :‬يمما أاممل مكممة؛‬

‫أنأكل الط ام ونلبس الثياب ودنو ااشم الك ه يباع وه يبتاع من م‪ ،‬واهلل ه أق حت تشممق‬

‫ا الصزيفة القاط ة الظاملة) مل يسكت أدو ج ل زعيم مكة وزعيم دني خمممزوم‪ ،‬فقممام وقممال‬

‫ااامسة‪( :‬ك دت واهلل ه ُتشق)‪ ،‬فقام زم ة دن ا سود ‪ ،‬وقال‪( :‬أنت واهلل أكم ب‪ ،‬ممما‬ ‫دمنت‬

‫رضينا كتادت ا حم كتبت)‪ ،‬فقام أدو البخرتي دن اشام فقال‪( :‬ص ق زم ة ه نرىض ممما كتممب‬

‫في ا وه نقر ده)‪ ،‬فقام املط م دن ع ي وقال‪( :‬ص قتام وك ب من قال غري ذلك‪ ،‬نزن نممربأ إىل‬

‫اهلل من ا ومما كتب في ا)‪ ،‬ثم قام اشام دن عمرو الم ي مج ممم فقممال نفممس الكممالم‪ ،‬وصم ق‬

‫املطالبون دنقض الصزيفة‪ ،‬فوج أدو ج ل نفسه حمارص ًا دآرا مخسممة مممن الرجممال‪ ،‬فقممال‪ :‬إن‬

‫ا ا أمر ُد ردر دليل‬

‫فالذا كان أدو ج ل زعيم مكة وورا كثممري مممن زعممام مكممة‪ ،‬فمماهلل سممبزانه وت مماىل قم ر فممك‬

‫ااصار‪ ،‬فز ث يش آخر تزامن مع ا ا ح اث‪ ،‬وأوح اهلل عز وجل إىل نبيه أن ا رضمة‬

‫‪ -‬ق أكلت الصزيفة‪ ،‬ومل ترتك في ا إه ما كان من اسم اهلل عز وجل‬ ‫‪-‬دودة ا ر‬

‫وأخرب رسول اهلل ﷺ عمه أدا طالب د لك ا مر‪ ،‬فأخ أدو طالب الكلامام‪ ،‬وذاممب إىل نممادي‬

‫قريش‪ ،‬فوج املشكلة قائمة فت خل يف اا يك‪ ،‬وقال‪( :‬إن ادن أخي قال ك ا وك ا؛ فممالن كممان‬

‫كاذد ًا وكانت ا رضة مل تأكل الصزيفة ومل ترتك في ا إه داسمممك الل ممم خلينمما ديممنكم ودينممه‪،‬‬

‫تأخ ونه وتقتلونه‪ ،‬وإن كان صادق ًا رج تم عن قطي تنا وظلمنا) فقال زعام قريش يف املسج‬

‫اارام‪( :‬ق أنصفت يا أدا طالب) ‪ ،‬وذابوا إىل الصزيفة يف جوف الك بة‪ ،‬فممالذا اممي كممام ذكممر‬
‫‪222‬‬
‫رسول اهلل ﷺ آية واضزة مل يكن عن زعام مكة أمام مما أي اختيممار سمموى نقممض الصممزيفة‬

‫وإهنا املقاط ة‪ ،‬د ثالث سنواام كاملة من ااصار والتجويع‬

‫ااصار‪ ،‬ثم إن اشام دن عمممرو أسمملم د م‬ ‫مل يضع جم ود اشام دن عمرو مع أنه كافر وانت‬

‫ذلك د فتح مكة‪ ،‬د أكثر من عرش سنم من ا القصة‪ ،‬وأيض ًا زاري دن أيب أمية أسلم‪ ،‬أما‬

‫الثالثة الباقون فامتوا عىل الكفر‬

‫شا اهلل عز وجل أن يتأخر ا ا اإلنقاذ إىل ثالث سنواام‪ ،‬وكان من املمكن أن يقممع د م فممرتة‬

‫وجيزة ج ًا من ااصار كش ر أو اثنم أو ثالثة‪ ،‬لكن هد من التأخري‪ ،‬فق خرج املؤمنون مممن‬

‫ا ا ااصار أش شكيمة‪ ،‬وأعمق إيامن ًا‪ ،‬وأقوى متسممك ًا دم ين م وعقيم هتم‪ ،‬لقم تممم اهدممتال‬

‫واهمتزان‪ ،‬ونجح املؤمنون‬

‫للبال والثباام عىل ااق‪ ،‬يقممول اهلل ت مماىل‪} :‬أنممزل‬ ‫هد أن يثبت الصادقون ص ق م دالت ر‬
‫ِمن السام ِ ما فسالت أو ِدي ٌة دِق ِراا فاحتمل السي ُل زد ً ا رادِيا و ِممَا ي ِ‬
‫وق ُ ون علي ِه ِيف الن َِار ادتِغما‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ب ُجفا ً وأ َمما مما ينفم ُع‬ ‫الزد ُ في ا ُ‬ ‫رض ُب اهللَُ اا َق والباطِل فأ َما َ‬
‫ِحلية أو متاع زد ٌ ِمث ُل ُه ك لِك ي ِ‬

‫رض ُب اهللَُ ا مثال{ [الرع ‪ ،]17:‬هد أن يص ر املؤمنون يف‬ ‫ُك ِيف ا ر ِ ك لِك ي ِ‬ ‫النَاو فيمك ُ‬

‫نار اهدتال ؛ للتنقية وللرتدية وللتزكية‪ ،‬للتنقية من املنافقم والكمماذدم‪ ،‬وللرتديممة عممىل الثبمماام‬

‫والتضزية يف سبيل اهلل‪ ،‬وللتزكية وتط ري النفوو من الم نوب واخلطايمما؛ لم لك كممان انمماك‬

‫حصار واجرة للزبشة‪ ،‬وإي ا وت يب‬

‫كل ا مراحل تردوية يف غاية ا مهية صن ت جي ً‬


‫ال من الصزادة‪ ،‬يستطيع أن يلقم ا امموال‬

‫وه تلم له قناة‪ ،‬وه ختور له عزيمة‪ ،‬وه هيتز له قلب وه عقل وه جارحة‬

‫‪223‬‬
224
‫‪11‬‬

‫عام احلزن‬

‫موت أيب طالب وأثره عىل رسول اهلل ﷺ‬

‫بدأت السنة العارشة بمرض أيب طالب الذي بلغ الثامنني مننع عمننره نننام أ لشننار ال ننعب‬

‫مننع‬ ‫لثالث سنوات أنل فيها مع ورق ال جر واجللود باإلضافة إىل القلق نل هننذا أضننع‬

‫قوته ومل يتحمل ول دة مرضه نانوا يتوقعو له املوت يف أي حلظة ونا زعامء الكفر خيافو‬

‫مع إيذاء رسول اهلل ﷺ لتى بعد موت أيب طالب فتعريهم العرب بأهنم استغلوا موتننه إليننذاء‬

‫ابع أخيه نانت توجد بقايا لياء عند أهل اجلاهلية؛ لذا ذهبننوا إىل أيب طالننب وطلبننوا منننه يف‬

‫رصالة أ ينظر هلم أي لل مع حممد ﷺ قبل أ يموت ومجعوا لننذلو وفنند يا مهيبن يا مننع ‪25‬‬

‫رج ي‬
‫ال نا منهم أبو جهل وأبو سفيا وعتبة بع ربيعة وأخوه شيبة بع ربيعة وأمية بننع خلن‬

‫وغريهم نثري قالوا له‪( :‬يا أبا طالب؛ إنو منننا لين قنند علمننت ‪-‬أي أ لننو مكانننة نبننرية‬

‫عندنا‪ -‬وقد لرضك ما ترى وختوفنا عليو مع املننوت وقنند علمننت الننذي بيننننا وبننني ابننع‬

‫عنه وليدعنا وديننا وندعننه ودينننه)‬ ‫عنا ونك‬ ‫أخيو فادعه فخذ له منا وخذ لنا منه ليك‬

‫وهذا تنازل جديد وهو يف احلقيقة عرض مغر مننع زعننامء مكننة فقبننل هننذا نننانوا يسنناومو‬

‫الرسول ﷺ ليرتك فكرة اإلسالم ويف هذا الوقت يطلبو منه أ يظل هو وأصحابه مسلمني‬

‫‪225‬‬
‫ونحع سنظل عىل ديننا وليس أللد دخل باآلخر فهؤالء وهؤالء سيعي و متجنناوريع وال‬

‫وأال ينكننر‬ ‫يؤذي بعضهم بعض يا لكع يف املقابل أال يتكلم رسول اهلل ﷺ يف معتقدات قننري‬

‫عليهم منكر يا وأال يأمرهم بمعروف وأال ينشح ألد يا بتطبيق ألكام اهلل عز وجل عننىل عبنناد‬

‫اهلل متى ما أرادوا الشالة فليس هناك مانع ومتى ما أرادوا الطواف بالكعبة ليس هناك مننانع‬

‫لكع ليس هلم دخل يف شئو مكة الدنيوية بل يفشلو دينهم عع دنيا مكة‪.‬‬

‫نا الرسول ﷺ للتو خارج يا مع احلشار الرهيب الذي امتد ثننالث سنننني واملسننلمو وبنننو‬

‫املسننلمني مهنناجر إىل احلب ننة أي‪ :‬أ‬ ‫عبد مناف منهكو وأبو طالب سوف يموت ونش‬

‫والذي يرى هذا الوضع يعتقد أ هذه فرصة نبرية للمسلمني‪.‬‬ ‫الوضع يف جممله ضعي‬

‫أرسل أبو طالب إىل رسول اهلل ﷺ وقال له يف لضور املرشنني‪( :‬هننؤالء أرشاف قومننو قنند‬

‫اجتمعوا لو ليعطوك وليأخذوا منو) فالرسول ﷺ رد عليه وقال‪( :‬يا عم؛ أفال أدعننوهم إىل‬

‫ما هو خري هلم؟) قال أبو طالب ‪( :‬وإىل ما تدعوهم؟) قال‪( :‬أدعننوهم إىل أ يتكلمننوا بكلمننة‬

‫والدة تديع هلم هبا العرب ويملكو هبا العجم)‪ .‬القرشيو ما نننانوا ملمننو أبنند يا بولنندة‬

‫العرب وفوق هذا أيض يا العجم‪ .‬هذا فوق لدود التخيل أيع هم مع فارس والروم؟ نل هذا‬

‫بكلمة؟‬

‫أبو جهل نا يظع نفسه ملك يا والنعرب نلها ستسمع نالمه وأيض يا ننرسى وقيرصن فوجنند‬

‫نفسه يقول‪( :‬ما هي هذه الكلمة؟) اندفع يف هتور نالعادة وقننال‪( :‬وأبيننو لنعطيكهننا وع ننر‬

‫أمثاهلا) فقال رسول اهلل ﷺ‪( :‬تقولو ‪ :‬ال إله إال اهلل وختلعو ما تعبدو مننع دونننه) فنننأبو‬

‫عننل‬ ‫جهل والذيع معه ُأصيبوا بالذعر أما زلت ُمرص يا عىل ما أنت عليه؟ أترينند يننا حممنند أ‬

‫اآلهلة إهل يا والد يا؟ إ أمرك لعجب‪ .‬فهؤالء الكفار عاشوا يقاتلو مع أجل قضية خننا‪،‬ة هلننا‬

‫يتعبو ويسهرو ومزنو ويتأملو وبعد هذا مننا هنني النتيجننة؟ النتيجننة لكننل هننذا التعننب‬
‫‪226‬‬
‫والسهر والكد والعرق يقول سبحانه وتعاىل‪َ } :‬و َم ْع َأ ْع َر َض َع ْع ِذن ِْري َفإِ َّ َل ُه َم ِعي َ ية َضننكيا{‬

‫[طه‪ .]124:‬هذه هي العي ة التي يعي وهنا اجتامعننات ومننؤ رات ولقنناءات فهننم يف لننذر‬

‫وترقب ورعب وهلع ال يستطيعوا أ يطمئنوا وال أ يناموا وال لتننى أ يسننتمتعوا بحينناهتم‬

‫رش ُه َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َأ ْع َمنى{ [طننه‪]124:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫} َفإ َّ َل ُه َمعي َ ية َضنكيا{ [طه‪ ]124:‬ومع هذا أيض يا } َون َْح ُ ُ‬
‫نسأل اهلل العافية‪.‬‬

‫أما الشحابة فقد قالوا هذه الكلمة واستطاعوا فع ي‬


‫ال ميع العرب حتت راية والدة وبعنند أ‬

‫انتهوا مع العرب انتقلوا إىل غريهم فقد سقطت عروش نرسى وقيرص ‪ ..‬وغريمها مع ملننوك‬

‫ال إله إال اهلل ُفتحت بقننام مهولننة بننال إلننه إال اهلل ودخننل الننناس يف ديننع اهلل‬ ‫األرض بجي‬

‫أفواج يا بال إله إال اهلل نل هذا لشل بال إله إال اهلل نل هذا لشل بمنهج اإلسالم والننذي مل‬

‫جيعل ال إله إال اهلل منهجه نا مشريه نمشري مع نانوا يف غننزوة بنندر ذلننة يف النندنيا وذلننة يف‬

‫اآلخرة‪.‬‬

‫ظل نننام هننو عليننه لفننرتة يف مكننة ثننم دخننل‬ ‫ف لت املفاوضات مع رسول اهلل ﷺ واملوق‬

‫املسلمو يف ابتالء جديد وللقات متتابعة مع االبتالء والتمحيص لياة نلها ابتالء } َّالن ِذي‬

‫احل َيا َة لِ َي ْب ُل َون ُْم َأ ُّيك ُْم َأ ْل َس ُع َع َم يال{ [امللو‪.]2:‬‬ ‫َخ َل َق املَْ ْو َ‬
‫ت َو ْ َ‬

‫نا أبو طالب أنثر مع يساعد املسلمني ولكيال يظع ألد أ الدعوة معتمدة عىل إنسا معني‬

‫مهام نا ال بد أ هذا اإلنسا يموت وننظر مننا الننذي سننوف مشننل للنندعوة؟ سنننجد أ‬

‫الدعوة ستظل نام هي؛ ألهنا دعوة ربنا سبحانه وتعاىل ليست مرتبطة بموت إنسا وال بحياته‬

‫مهام نا هذا اإلنسا ‪ .‬مات أبو طالب يف السنة العارشة مع البعثننة ونننا موتننه مأسنناوي يا إىل‬

‫أبعد درجة ليس ألنه مات وأنه نا ينرص الدعوة وممي الرسول ﷺ ال؛ ولكع ألنه مات‬

‫مرشن يا نافر يا مات عىل غري احلق الذي طاملا دافع عنه‪.‬‬
‫‪227‬‬
‫يف حلظة موته ذهب إليه الرسول ﷺ فوجد أبا جهل عنده قد سبق إليه ليتأند أنه سيموت مع‬

‫غري أ يغري دينه القديم ومع غري أ يرتك هبل‪ .‬دخل الرسننول ﷺ عننىل أيب طالننب يرينند أ‬

‫يدرنه قبل أ يموت فمنذ عرش سنني وهو يدعوه إىل اإلسننالم وهننو يننرفر والرسننول ﷺ‬

‫يعرف أنه لو مات نافر يا فإ مشريه جهنم‪ .‬أبعد نل هذا النندفام والكفننال والتعننب والنشننب‬

‫خيلد يف النار؟‬

‫قال له الرسول ﷺ‪( :‬أي عم قل‪ :‬ال إله إال اهلل نلمة ألاج لو هبا عند اهلل) أي‪ :‬أ الرسننول‬

‫يدافع عنه وي فع له‪ .‬ونا أبو جهل يف قلق ملوت أيب طالب ولو آمننع‬ ‫ﷺ بنفسه سوف يق‬

‫فقد تؤمع قبيلة بني هاشم ولو لشل هذا فمع املمكع أ تؤمع مكة فأراد أ يسننتخدم نننل‬

‫لقضيته ام يا‪.‬‬ ‫إمكانياته وطاقاته ليعي‬

‫قال أبو جهل‪( :‬يا أبا طالب؛ أترغب عع ملة عبد املطلب ؟)‪ .‬نننا أبننو جهننل يكننره نننل بننني‬

‫هاشم وعاش عمره ينافسهم ومارهبم لكنه يلمس يف أيب طالب التقاليد‪.‬‬

‫أما أبو طالب فقد نا لريا بني أعظم اخللق وأبلغ البرش ﷺ وبني فرعو هذه األمة وإمننام‬

‫الكفر أيب جهل لعنه اهلل ويف األخري نانت النتيجة بعد التفكري ونا القرار قبل أ يموت أنه‬

‫قال‪( :‬هو عىل ملة عبد املطلب) ‪ .‬عبادة هبل والالت والعزى وال لول وال قوة إال باهلل‪.‬‬

‫ختيل مدى األمل يف قلب رسول اهلل ﷺ نا مب عمه ويرى بعينيه منندى اجلهنند الننذي نننا‬

‫يقوم به ومقدار خدمته لإلسالم فقال ﷺ يف لز شديد‪( :‬ألستغفر لو مننا مل ُأنننه عنننو)‬

‫نا ي عر أ اهلل سبحانه وتعاىل يمكع أ يقول له‪ :‬ال تستغفر له ونننزل قننول اهلل عننز وجننل‪:‬‬

‫}إِن ََّو ال َ ْهت ِدي َم ْع َأ ْل َب ْب َت َو َل ِك َّع اهللََّ َ َْي ِدي َم ْع َي َ ا ُء{ [القشص‪َ }.]56:‬ما نَا َ لِلنَّبِن وي َو َّالن ِذي َع‬

‫‪228‬‬
‫اجل ِحني ِم{‬ ‫ني َو َل ْو نَانُوا ُأ ْو ِِل ُق ْر َبى ِم ْع َب ْع ِد َما َت َب َّ َ‬
‫ني َهل ُ ْم َأ َّهنُ ْم َأ ْص َحا ُب ْ َ‬ ‫رش ِن َ‬
‫آ َمنُوا َأ ْ َي ْس َت ْغ ِف ُروا لِ ْل ُم ْ ِ‬

‫[التوبة‪.]113:‬‬

‫بعد نل هذا العناء الذي لقيه أبو طالب وبعد احلشار يف ال عب وليل هنار مع الرسننول ﷺ‬

‫يسمع منه لكنه مع أصحاب اجلحيم؛ ألنه مل يقل نلمة والدة وهي أثقل مع نننل أعننامل بننني‬

‫مؤثر جد يا جيب أ نحمد اهلل سبحانه وتعاىل عننىل‬ ‫آدم‪ :‬ال إله إال هلل‪ .‬يف احلقيقة أ هذا املوق‬

‫أننا بفضله أصبحنا مسلمني هناك الكثري مع الناس الذيع ال يقدرو قيمة هنذه الكلمننة التنني‬

‫مملوهنا نلمة‪ :‬ال إله إال اهلل‪.‬‬

‫ام يا يف مكة فنأبو طالب نانت له مكانة نبرية يف مكة أيض يا‬ ‫بعد موت أيب طالب تغري املوق‬

‫عىل نل الكراهية والعداء التي نانت حتملننه للرسننول ﷺ مل تسننتطع‬ ‫ونا عىل دينهم فقري‬

‫فعل نل ما تريده فقد نانت هتاب أبا طالب لكع اآل مات أبو طالب فتجرءوا عىل رسول‬

‫شيئ يا أنرهه لتى مات أبننو طالننب) مننع نننل‬ ‫اهلل ﷺ يقول الرسول ﷺ‪( :‬ما نالت مني قري‬

‫الذي وقع قبل هذا إال أنه يعتربه ال يشء قياس يا ملا وقع له بعد موت أيب طالب ‪.‬‬

‫يقول عبد اهلل بع مسعود ‪( :‬نا النبي ﷺ يشيل عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلننوس‬

‫إذ قال بعضهم لبعر‪) :‬أيكم جييء بسىل جزور بني فال ؟( ‪-‬أي‪ :‬أمعاء الناقننة ذبحننت اآل ‪-‬‬

‫فيضعه عىل ظهر حممد ﷺ إذا سجد فانبع أشقى القوم عقبة بع أيب معيط لعنه اهلل فجاء بننه‬

‫فنظر لتى إذا سجد النبي ﷺ وضعه عىل ظهره بني نتفيه يقول عبد اهلل بع مسعود ‪ :‬وأنا أنظر‬

‫ال ُأغني شيئ يا) اللظ احلرسة ال ديدة يف نالم ابع مسعود ريض اهلل عنه وعبد اهلل بع مسننعود‬

‫ليس له منعة يف مكة لع يبكي عليه ألد ولو قام يدافع عع الرسول ﷺ سن ُيقتل يقننول عبنند‬

‫اهلل بع مسعود ريض اهلل عنه‪( :‬فجعلوا ‪-‬أي‪ :‬الكفار‪ -‬يضحكو وميل بعضننهم عننىل بعننر)‬

‫يميل بعضهم عىل بعر مع شدة فرلهم باإلنجاز الكبري الذي فعلوه (ورسول اهلل ﷺ ساجد‬
‫‪229‬‬
‫ال يرفع رأسه لتى انطلق إنسا فأخرب فاطمة فجاءت وهي جويرية صغرية ‪-‬نا عمرها عرش‬

‫سنوات تقريب يا‪ -‬فطرلته عع ظهره فرفع رسول اهلل ﷺ رأسه ثم قال‪ :‬اللهم عليو بقننري‬

‫فهذه أول مرة يدعو‬ ‫اللهم عليو بقري ) ثالث مرات تفاجأت قري‬ ‫اللهم عليو بقري‬

‫النبي ﷺ عليهم وهم يعرفو أ الرسننول ﷺ صننادق وأ النندعاء بمكننة مقبننول ثننم بنندأ‬

‫الرسول ﷺ يسمي أشخاص يا يقول‪( :‬اللهم عليو بنأيب جهل وعليو بنعتبة بننع ربيعننة وشننيبة‬

‫وعقبة بع أيب معننيط) يقننول عبنند اهلل بننع مسننعود‪:‬‬ ‫بع ربيعة والوليد بع عتبة وأمية بع خل‬

‫(وعد السابع فلم ألفظه) ويف رواية أخرى أ السابع عننامرة بننع الولينند قننال عبنند اهلل بننع‬

‫مسعود‪( :‬فوالذي نفيس بيده؛ لقد رأيت الذيع عد رسول اهلل ﷺ رصعى يف قليننب بنندر) نننل‬

‫هؤالء ُقتلوا يف بدر‪.‬‬

‫يف مكة ففي نل يوم م كلة األمل بدأ يزداد برسول اهلل ﷺ واحلننز يف قلبننه ال‬ ‫تطور املوق‬

‫يفارقه؛ ليس أل أبا طالب مات مرشن يا بل أيض يا أل الكفار مل يرتنوه‪.‬‬

‫موت خدجية وأثره عىل رسول اهلل ﷺ‬

‫يف هذا اجلو مع األلزا واهلموم يدخل رسول اهلل ﷺ يف مشيبة جدينندة وهننم جدينند (أشنند‬

‫الناس بالء األنبياء ثم األمثل فاألمثل) تعرض الرسول ﷺ لكل االبتالءات التي مع املمكع‬

‫أ حتشل إلنسا مع فقر وجوم ورضب وتعذيب وسخرية ولروب وجهنناد ومننع فقنند‬

‫لألم ولألب وللجد والعم وفقد لألوالد ولألصحاب وترك للديار‪ ..‬نننل االبننتالءات ويف‬

‫هذا الوقت مع نل اهلموم التي يعي ها سيدخل يف ابتالء فقد الزوجة السند العاطفي اجلميننل‬

‫لرسول اهلل ﷺ ماتت السيدة العظيمننة اجلليلننة خدجيننة بنننت خويلنند ريض اهلل عنهننا‪ .‬نانننت‬

‫خدجية نعمة مع نعم اهلل عز وجل عىل رسول اهلل ﷺ وخننري متننام النندنيا لننه نانننت الشنندر‬

‫احلنو والرأي احلكيم قضت عرشة طويلة مع رسول اهلل ﷺ دامننت ‪ 25‬سنننة يف نننل هننذه‬
‫‪230‬‬
‫مع رسول اهلل ﷺ ومل تطلب منه شيئ يا لنفسها وعاشت تساعده بكل طاقتها‬ ‫السنني مل ختتل‬

‫نانت نل سعادهتا أ تراه سعيد يا فقنند نننا يتحنندث عنهننا رسننول اهلل ﷺ فيقننول يف لننب‬
‫عميق‪( :‬آمنت يب لني نفر يب الناس وصدّ قتني لني ّ‬
‫نذبني الناس وأرشنتني يف ماهلننا لننني‬

‫لرمني الناس ورزقني اهلل ولدها) بعد نل هذا االرتباط الوثيق أذ اهلل عز وجننل بالرليننل‪:‬‬
‫س َذ ِائ َق ُة املَْو ِ‬
‫ت{ [آل عمرا ‪ ]185:‬ماتت خدجية ريض اهلل عنه وأرضاها‪.‬‬ ‫}ن ُُّل َن ْف ٍ‬
‫ْ‬

‫موت الزوجة بشفة عامة مشيبة فالرجل مسكني بغننري زوجتننه ونلننام طالننت العرشننة نننا‬

‫الفراق أصعب فإ نانت الزوجة صاحلة نا الفراق أصعب وأصعب فننام بالننو لننو نانننت‬

‫الزوجة والدة مع أعظم نساء األرض‪ .‬هذه مع أشد املشائب التي مرت برسول اهلل ﷺ فقد‬

‫نا رسول اهلل ﷺ يقول‪( :‬لسبو مع نساء العاملني مريم بنت عمرا وخدجيننة بنننت خويلنند‬

‫أو لتى بنساء زمنها بل‬ ‫وفاطمة بنت حممد وآسية امرأة فرعو ) أي‪ :‬أهنا مل تقار بنساء قري‬

‫بنساء العاملني فهذه والدة مع أعظم أربع نساء يف اخللق درجة عالية مع السمو‪.‬‬

‫هذه السيدة هبذا القدر وهبذه القيمة واملكانة فارقت رسول اهلل ﷺ وترنته بعد وفاة أيب طالننب‬

‫بأيام ويف روايات قبل وفاة أيب طالب بأيام أي‪ :‬أ املشيبتني نانتا يف وقت قريب وخلفتننا يف‬

‫قلب الرسول ﷺ لزن يا نبري يا ونا متاج إىل مع يسمع منه م انله ومهومننه ويتحنندث معننه‬

‫فعلت نذا ونذا فتقول له‪ :‬ال بأس فاهلل معو وربنا سوف ينشننرك أو‬ ‫نا يقول هلا‪ :‬قري‬

‫مع ألزانه‪.‬‬ ‫جيد ابتسامة ختف‬

‫نل هذه األلداث حتشل وعمننره وسننو سنننة وقنند وهننع العظننم منننه ونثننرت اهلمننوم‬

‫وت ّعبت امل انل فليست القضية قضية مننوت أيب طالننب وال السننيدة خدجيننة وال اإليننذاء‬

‫فأنيد أ املسننلمني اآلخننريع‬ ‫الذي يتعرض له مع قري ‪ .‬إذا نا مشل معه هكذا مع قري‬

‫سيحشل معهم هذا‪ .‬نام أنه نا ممل هم املستضعفني وي عر هبم وخياف عليهم وممل هننم‬
‫‪231‬‬
‫م انل املسلمني الذيع نانوا يف احلب ة أنثر مننع مائننة معهننم أوالدهننم وال يعلننم شننيئ يا عننع‬

‫وضعهم‪ .‬هذه مجيعها م انل ومهوم جعلت ذلو العام ُيطلق عليه بحق‪ :‬عام احلز ‪.‬‬

‫خروج الرسول ﷺ عام احلز إىل الطائ‬

‫نا اهلم الكبري احلقيقي يف لياة الرسول ﷺ اإلسالم ونا أنثر يشء يزعجه هو بعد الننناس‬

‫مد يف مكة و ُأغلقت مجيع أبواب الدعوة فيها نا هذا أشد ما أثر‬ ‫عع اإلسالم وأ املوق‬

‫عنها وهننا هنني مكننة قنند أغلقننت نننل‬ ‫فيه؛ أل الدعوة نانت يف دمه وال يستطيع أ يتوق‬

‫فيه الدعوة؟ مستحيل النندعوة بالنسننبة لننه ناملنناء‬ ‫أبواهبا فهل مع املعقول أ يأيت وقت تق‬

‫واهلواء‪.‬‬

‫الشعب؟‬ ‫سيترصف يف هذا املوق‬ ‫ني‬

‫نا اهلل سبحانه وتعاىل ي فق عليه مع نثرة لزنه عىل الناس فقال له‪َ } :‬لع َّل َو ب ِ‬
‫اخ ٌع َن ْف َس َو َأ َّال‬ ‫َ َ‬
‫َيكُونُوا ُم ْؤ ِمنِ َ‬
‫ني{ [ال عراء‪ ]3:‬نا الرسول ﷺ ال يستطيع أ يتحمل وقوف الدعوة؛ لذا ّ‬
‫فكنر‬

‫رسول اهلل ﷺ وللمرة األوىل منذ البعثة أ خيرج بدعوته خارج مكة وقبل هننذا مل يكننع هننناك‬

‫خروج مع مكة أبد يا؛ أل أبواب الدعوة نانت مفتولة فيها ولو بم قة لكع يف هننذا الوقننت‬

‫بعد أ وقفت الدعوة يف مكة أصبح هناك مربر للخروج وهننذا درس مهننم فننإ الداعيننة ال‬

‫فيننه ال يسننتطيع أ ينرشن فيننه‬ ‫يرتك مكانه وخيرج إىل مكا آخر إال إذا نا املكا الذي يعنني‬

‫معهم‪.‬‬ ‫دعوته؛ أل مسئوليته األساسية هي الناس الذيع يعي‬

‫الرسول ﷺ سيخرج ولكع إىل أيع فمد اجلزيرة نثرية والقبائل فيها متعددة؟ فبمع يبدأ؟‬

‫‪232‬‬
‫للدعوة‬ ‫سبب اختيار الرسول ﷺ الطائ‬

‫ومل يكع هذا االختيار ع وائي يا فالرسول ﷺ سيايس بارم وقائنند‬ ‫فكر الرسول ﷺ بالطائ‬

‫تتميز عع غريها مع مد اجلزيننرة بأشننياء‬ ‫حمنو يدرس نل خطوة بدقة شديدة نانت الطائ‬

‫مهمة جد يا‪:‬‬

‫هي املدينة الثانية يف اجلزيرة العربية بعد مكة فهي مرنز ليوي وهننام مننع‬ ‫أوالي‪ :‬تُعترب الطائ‬

‫نالية الكثافة السكانية والتجارة وهلا مكانة نبرية يف قلوب العرب فقد نا يقول املرشنو ‪:‬‬

‫َني َعظِي ٍم{ [الزخرف‪]31:‬القريتا ‪ :‬مها مكننة‬


‫} َو َقا ُلوا َل ْوال ن وُز َل َه َذا ا ْل ُق ْرآ ُ َع َىل َر ُج ٍل ِم َع ا ْل َق ْر َيت ْ ِ‬

‫فكانت مكانتها عالية والناس الذيع فيها نثر‪.‬‬ ‫والطائ‬

‫وهي مع أقوى القبائل العربية وواضح أ قري يا بعد هذا سوف‬ ‫قبيلة ثقي‬ ‫ثاني يا‪ :‬يف الطائ‬

‫أمننام‬ ‫حتارب الرسول ﷺ وال بد أ الرسول ﷺ يبحن عننع قبيلننة قويننة تسننتطيع أ تقن‬

‫نانت يف منتهننى القننوة لدرجننة أهنننا هنني القبيلننة‬ ‫وهذا ليس مع السهل وقبيلة ثقي‬ ‫قري‬

‫الوليدة التي استعشت عىل الرسول ﷺ بعد الفتح وظل مارصهننا شننهر يا نننام ي‬
‫ال ومل ُتفننتح‬

‫وإنام أتوا بأنفسهم وأسلموا فهي فع ي‬


‫ال قبيلة قوية وضخمة‪.‬‬

‫وهبننل‬
‫نبرية فإذا نانت مكة فيها البيت احلننرام ُ‬ ‫ثالث يا‪ :‬نانت املنافسة الدينية بني مكة والطائ‬

‫فيها الالت أشهر أصنام العرب ونثري مع العرب نانوا ملفو بننالالت لتننى ننع‬ ‫فالطائ‬

‫ترغب يف سحب البساط مع حتت أقدام مكة وتتبنى هننذه النندعوة‬ ‫بداخل مكة ولعل الطائ‬

‫اجلديدة؛ لكي تتفوق عىل مكة يف نالية الديع‪.‬‬

‫قريبة نسبي يا مع مكة واملسافة بينهام لواِل ‪ 100‬نيلو والرسول ﷺ ال يريد‬ ‫رابع يا‪ :‬أ الطائ‬

‫أ يبتعد نثري يا عع مكة ليسهل التنسيق بني مكة والطائ ‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫بشفة عامة نانت لدَيم أمالك‬ ‫مهمة بالنسبة ألهل مكة فأغنياء قري‬ ‫خامس يا‪ :‬نانت الطائ‬

‫يف اإلسننالم‬ ‫مع بني هاشم وبني عبد شمس وبني خمننزوم ولننو دخلننت الطننائ‬ ‫يف الطائ‬

‫فستكو رضبة اقتشادية موجعة لقري ‪.‬‬

‫فذهب إليها يف شوال مع السنننة العننارشة‬ ‫ومع أجل هذا قرر الرسول ﷺ أ يبتدئ بالطائ‬

‫مع البعثة يف نفس ال هر الذي مات فيه أبو طالب أو بعنند عننىل لسننب اخننتالف الروايننات‬

‫وهذا يبني إلغاء مشطلح الرالة مع لياة رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫وبني مكة ‪ 100‬نيلو والطريق نله صحراء واجلو لار ونا هننذا‬ ‫نانت املسافة بني الطائ‬

‫يف مايو أو يونيو سنة ‪619‬م ومع ذلو قننرر الرسننول ﷺ أ يقطننع هننذه املسننافة م نني يا عننىل‬

‫ال أو لشان يا لكنه أراد أال يلفت النظر إليه فلو‬


‫األقدام ومل يكع مع الشعب عليه أ يوفر مج ي‬

‫رآه املرشنو سيعلمو أنه مسافر وتتعطل الدعوة وهلذا السننبب أيضن يا أخننذ معننه زينند بننع‬

‫لارثة ومل يأخذ معه غريه مع الشحابة مننع فرسننا املسننلمني ننننحمزة أو عمننر أو سننعد أو‬

‫الزبري ع مميه هناك يف الطائ ؛ أل أي والد مع هؤالء لو خننرج مننع الرسننول ﷺ خننارج‬

‫مكة سوف يلفت النظر لكع لو أخذ معننه زينند بننع لارثننة ونننا يف ذلننو الوقننت متبنيننه‬

‫ومعروف بنزيد بع حممد فلع يلفت نظر ألد فهو رجل يميش مع ابنه‪.‬‬

‫مع الرسول ﷺ لني أتاهم ودعاهم إىل اإلسالم‬ ‫أهل الطائ‬ ‫موق‬

‫وظل يفكر ملع أذهب؟ وأبتنندئ بمننع؟ أل األمننر اآل لننيس‬ ‫وصل الرسول ﷺ إىل الطائ‬

‫فالضعفاء‬ ‫لذا ذهب لسادة الطائ‬ ‫جمرد دعوة فقط بل هي دعوة وطلب للنرصة ضد قري‬

‫وليس هذا تقلي ي‬


‫ال مع شأ الضننعفاء ولكننع هننذه مهمننة سياسننية وال‬ ‫لع جيريوه مع قري‬

‫(عبس وتوىل) ال بنند مننع احلنندي مننع مننع يسننتطيع أ‬ ‫بموق‬ ‫يمكع أ يقاس هذا املوق‬

‫‪234‬‬
‫ليس له أي إجارة وبدو دخول املدينة مع باهبا الرئيسني‬ ‫يتحمل املسئولية نام أنه يف الطائ‬

‫فلع يتمكع رسول اهلل ﷺ مع دعوة نبري وال صغري وهلذا فكّر الرسول ﷺ أ يننذهب لقيننادة‬

‫مبارشة‪ .‬ويف هذا رد عىل مع يقول‪ :‬ال سياسة يف الديع وال ديع يف السياسة فهذه هنني‬ ‫الطائ‬

‫السياسة إال إذا نا قشدهم أ السياسة ال تنفننع إال بالكننذب والنفنناق واملظنناهر والتجمننل‬

‫فأقول له‪ :‬اإلسالم يدعو إىل السياسة النظيفة والسياسة الرشعية جننزء ال يتجننزأ مننع‬ ‫الزائ‬

‫الترشيع اإلسالمي وها نحع نرى الرسول ﷺ يعمل هبا‪.‬‬

‫وعننرفهم بنفسننه‬ ‫ا ه الرسول ﷺ إىل ثالثة مع أبناء عمرو بع عمري مع نبار سادات الطننائ‬

‫وهؤالء الثالثة هم‪ :‬عبنند ياليننل‬ ‫ودعاهم لإلسالم ودعاهم للنرصة له وللمسلمني ضد قري‬

‫وانعنندام‬ ‫ومسعود ولبيب أوالد عمرو بع عمري فكا ردهم يف منتهننى السننفاهة والتخلن‬

‫سيم ُرط) ‪-‬أي‪ :‬سوف يقطع‪( -‬ثياب الكعبة إ نا اهلل‬


‫األدب قال عبد ياليل بع عمرو ‪ :‬إنه ( ْ‬
‫أرسلو) وليس هذا استخفاف يا بالرسول ﷺ ال وإنام باهلل عز وجل أي‪ :‬سوف يقطع ثينناب‬

‫الكعبة اعرتاض يا عىل إرسال رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫وقال مسعود ‪( :‬أما وجد اهلل ألد يا غريك؟)‪ .‬أما الثال لبيب فحاول أنننه يسننتظرف أو يمثننل‬

‫دور الذني إال أنه نا يف منتهى الغباء قال‪( :‬واهلل ال أنلمو أبد يا إ ننننت رسننوالي؛ ألنننت‬

‫أعظم خطر يا مع أ أرد عليو ولئع ننت تكذب عىل اهلل فام ينبغي أ أنلمو)‪.‬‬

‫مع أ الرسول ﷺ اصطدم صدمة جديدة إال أنه قال هلم‪( :‬إذ فعلتم ما فعلننتم فننانتموا عننني)‬

‫فلننو‬ ‫أي‪ :‬إ مل تؤمنوا فاجعلوا هذا األمر بيني وبينكم فهو ال يريد أ يشل اخلننرب إىل قننري‬

‫وصل اخلرب إليهم سوف يتهم رصالة بتهمة التخابر مع قبيلة أجنبيننة وحماولننة زعزعننة نظننام‬

‫مننع أهنننم أغبينناء ومنعنندمو‬ ‫نا زعامء الطننائ‬ ‫احلكم يف مكة وإثارة الفتنة ‪ ..‬لكع لألس‬

‫‪235‬‬
‫األخالق نانوا أيض يا فاقدي املننروءة فهننم مل يك ننفوا أمننره فقننط بننل أغننروا بننه سننفهاءهم‬

‫وغلامهنم‪.‬‬

‫ع نرة أيننام ال ينندم ألنند يا مننع أرشافهننم إال‬ ‫مل ييأس الرسول ﷺ ا لدث وظل يف الطائ‬

‫ونلمه ولكع نلهم رفضوا ويف اليوم العارش قننالوا لننه‪ :‬اخننرج مننع بالدنننا وصننفوا العبينند‬

‫وجعلوه يمر بني الشفني وبدءوا يرمونه باحلجارة وهو بننني‬ ‫والسفهاء صفني خارج الطائ‬

‫الشفني وبدأ الدم خيرج مع الرسول ﷺ وهو ال يستطيع الترصف وزينند بننع لارثننة منناول‬

‫بكل طاقته أ يبعد احلجارة عع رسول اهلل ﷺ وال يستطيع فاحلجارة تأتيننه مننع نننل مكننا‬

‫وشج رأسه ريض اهلل عنه وأرضاه ومع نل هذا شتائم وسباب ولعنات والرسول ﷺ وزينند‬

‫ريض اهلل عنه يبذلو قدر استطاعتهم للخروج مع بني الشفني يف ا نناه مكننة لكننع العبينند مل‬

‫يرتنوهم وأ‪،‬عوا خلفهم باحلجارة مسافة وسة نيلو مرت ناملة ثم رأى الرسول ﷺ لديقة‬

‫فدخل فيها لعله جيد مع يدافع عنه وعندما دخلها خاف العبيد مع اللحننوق بننه وعننادوا إىل‬

‫الطائ ‪.‬‬

‫أبعد نل هذا العناء والكد والتعب وامل قة هناك مع املسلمني ع يفرطو باإلسالم؟! الننناس‬

‫ال تدري عع الكم اهلائل مع التضحيات التي دفعها رسننول اهلل ﷺ ودفعهننا زينند بننع لارثننة‬

‫وأبو بكر وعمر وعثام وعيل ومحزة وخدجية ‪ ..‬وغريهم إ الديع مل يأتنا بسهولة فكل حلظننة‬

‫يف لياة الرسول ﷺ نا فيها معاناة شديدة نل هذا ليبلغنا ويوصل لنا الديع ثم إين ال أشو‬

‫ولننيس منننهم ونننا‬ ‫نا عىل أهنل الطننائ‬ ‫يف أ لز الرسول ﷺ احلقيقي يف هذا املوق‬

‫علينننا‬ ‫لسا لاله يقول‪ :‬يا ليت قومي يعلمو فالرسول ﷺ نا خائف يا عليهم نام أنه خائ‬

‫أنثر يشء مزنه أ يأيت مع يرفر اإليام وليس أ يؤذيننه أو يضننربه فقنند قننال اهلل سننبحانه‬

‫‪236‬‬
‫وتعاىل له‪َ } :‬وال َ ْحت َز ْ َع َل ْي ِه ْم{ [النحل‪ ]127:‬وليس وال حتز منهم فإنننه نننا خائفن يا علننيهم‬

‫ﷺ فقد نا رمحة لقيقية لألرض ﷺ‪.‬‬

‫دخل الرسول ﷺ احلديقة واستظل حتت شجرة فيها ووضع ظهره عليها ونننا يسننيل النندم‬

‫عليه وثيابه مقطعة والرتاب يغطيه فحاول أ يتامسو أمام زيد بننع لارثننة لكننع مل يسننتطع‪.‬‬

‫وبدأت الدموم تنزل مع عينيه ﷺ نا بداخله برنا مع األمل غري اجلرال والدماء‪ .‬فننام الننذي‬

‫يرجع إىل مكة؟ فمع املؤند أ األخبار قد وصلت إليهم‬ ‫سوف يعمله يف هذا الوقت؟ وني‬

‫وأصبحت مكة مقفولة عليه فمع أيع سيدخلها؟‬

‫بكى ﷺ بحرقة ثم رفع يديه إىل السامء وبدأ يدعو بدعاء لزيع جد يا ما دعا به قبل ذلو ومل‬

‫يدم به بعد ذلو دعاء يعرب عع مدى األمل ال ديد الذي يعترص قلبه ﷺ‪.‬‬

‫قويت وقلننة ليلتنني وهننواين عننىل الننناس يننا أرلننم‬ ‫قال‪( :‬اللهم إليو أشكو ضع‬

‫الرامحني‪ .‬أنت رب املستضعفني وأنت ريب إىل مع تكلننني؟ إىل بعينند يتجهمننني أم إىل‬

‫عيل فال ُأباىل ولكع عافيتننو هنني أوسننع ِل‬


‫عدو ملكته أمري إ مل يكع بو غضب َّ‬
‫أعوذ بنور وجهو الكريم الذي أرشقت له الظلامت وصلح عليه أمر الدنيا واآلخننرة‬

‫وال لننول وال‬ ‫عيل سخطو لو العتبى لتى تننر‬


‫مع أ تنزل يب غضبو أو مل َّ‬
‫قوة إال بو) أمل شديد مر به رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫إيام عدَّ اس بالنبي ﷺ‬

‫ملا جلأ النبي ﷺ إىل احلديقة خرج أصحاهبا ومها‪ :‬عتبة بع ربيعة وشيبة بع ربيعة مع نفار مكننة‬

‫وعتبة بع ربيعة نا يفاوض الرسول ﷺ قبل هذا بل دعا عليه النبي ﷺ ونا يقول‪( :‬اللهم‬

‫عليو بنعتبة بع ربيعة وعليو بن يبة بع ربيعة) ونا عتبة وشيبة مع أغنياء مكة الننذيع هلننم‬

‫‪237‬‬
‫لكع مع نل العداء املستحكم بني عتبننة وشننيبة وبننني الرسننول ﷺ إال أ‬ ‫أمالك يف الطائ‬

‫احلالة التي وصل إليها الرسول ﷺ جعلتهام يعطفا عليننه وبعثننا لننه بعنقننود عنننب مننع ألنند‬

‫العبيد واسمه عداس ونا نرصاني يا وضع الطبق أمام الرسول ﷺ وأمام زيد بع لارثة ريض‬

‫اهلل عنه وأرضاه فمد الرسول ﷺ يده إىل الطبق وأخننذ عنبننة وقننال‪( :‬بسننم اهلل) ثننم أنلهننا‬

‫فقال‪( :‬إ هننذا الكننالم ال‬ ‫تعجب عدّ اس مع هذه الكلمة؛ ألنه مل يسمع بمثل هذا يف الطائ‬

‫يقوله أهل هذه البالد) فالرسول عليه الشالة والسالم قبل أ يرشل له معنى بسم اهلل الرمحع‬

‫الرليم بدأ يتعرف عىل عداس أول يشء يف الدعوة التعارف؛ أل التعارف له هدف واضح‬

‫فهو يتكلم معه بأمر الديع وسأله أسئلة ذات مغزى لتى يف هذه الظننروف شننديدة القسننوة مل‬

‫رفضوا دعوته ورضبوه وهو يبح عمع يسننمع‬ ‫ينس الرسول ﷺ الدعوة فأرشاف الطائ‬

‫دعوته لتى ولو نا غالم يا صغري يا فقال له الرسول ﷺ‪( :‬مع أي البالد أنننت؟ ومننا دينننو؟)‬

‫ينوى) فقننال رسننول اهلل ﷺ‪( :‬مننع قريننة الرجننل الشننالح‬‫ِ‬


‫قال الغالم‪( :‬أنا نرصاين مع أهل ن َ‬
‫يونس بع متى؟) قال عداس ‪( :‬وما يدريو ما يونس بننع متننى؟) فقننال رسننول اهلل ﷺ‪( :‬ذاك‬

‫آمننع يف‬ ‫أخي نا نبي يا وأنا نبي) هذا الغالم الشغري أدرك يف حلظة ما مل يدرنننه لكننامء ثقين‬

‫حلظة والدة وأنب عىل رأس رسول اهلل ﷺ وعىل يديه وعىل رجليه يقبلهننا نننام لننو نننا اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل أراد أ يريح قلب الرسول ﷺ بإيام عبد ولكع هذا العبنند بإيامنننه أثقننل مننع‬

‫مجيع يا‪.‬‬ ‫أهل ثقي‬

‫مع بعيد فقال ألدمها لآلخر‪ :‬أمننا غالمننو فقنند أفسننده‬ ‫نا عتبة وشيبة يراقبا هذا املوق‬

‫عليو فدعاه وقال له‪( :‬ومو ما هذا؟) قال‪( :‬يننا سننيدي مننا يف األرض يشء خننري مننع هننذا‬

‫الرجل لقد أخربين بأمر ال يعلمه إال نبي) قال له‪( :‬ومو يا عدّ اس ال يرصفنو عننع دينننو‬
‫فإ دينو خري مع دينه) ونذبوا واهلل }إِ َّ الدو ي َع ِعنْدَ اهللَِّ ِ‬
‫اإل ْسال ُم{ [آل عمرا ‪.]19:‬‬

‫‪238‬‬
‫نا ال بد للرسول ﷺ أ خيرج مع هذا املكا فهننو غننري آمننع فعنقننود العنننب لننيس نافين يا‬

‫إلثبات لسع النوايا فهذا مها عتبة وشيبة لعنهام اهلل‪.‬‬

‫ووصوله إىل قر الثعالب ولقاؤه ملو اجلبال‬ ‫خروج النبي ﷺ مع الطائ‬

‫سننيدخلها فاألفكننار يف عقلننه تتشنارم‬ ‫بدأ الرسول ﷺ يميش يف ا اه مكة وبدأ يفكّر ني‬

‫وجعلته يميش ونأنه يف للم أو مغمى عليه يقول الرسول ﷺ‪( :‬فانطلقننت وأنننا أهننيم عننىل‬

‫م ننى‬ ‫وجهي فلم أستفق إال وأنا بقر الثعالب) وهو عىل بعد ‪ 35‬نيلننو مننرت مننع الطننائ‬

‫الرسول عليه الشالة والسالم نل هذه املسافة وهو ال يدري مع شدة اهلم والتفكري ويف قننر‬

‫الثعالب لدث أمر عجيب يقول رسول اهلل ﷺ‪( :‬فرفعت رأيس فإذا أنا بسحابة قنند أظلتننني‬

‫فنظرت فإذا فيها جربيل فناداين فقال‪) :‬إ اهلل قد سمع قول قومو لو وما ردوا عليو وقنند‬

‫بع اهلل إليو ملو اجلبال لتأمره بام شئت) وانظروا إىل مقام الرسننول ﷺ فقنند جنناءه ملننو‬

‫اجلبال ليسمع أمر رسول اهلل ﷺ يقول الرسول ﷺ‪( :‬فناداين ملو اجلبال فس ّلم ّ‬
‫عيل ثم قال‪:‬‬

‫)يا حممد؛ إ شئت أ ُأطبق عليهم األخ بني) أي‪ :‬لننو ننننت ترينند أ ُأسننقط علننيهم اجلبننال‬

‫فعلت‪ .‬فقط عليو أ تأمر فالرسول ﷺ مل يفكر بل قننال يف منتهننى اهلنندوء‪( :‬بننل أرجننو أ‬

‫خيرج اهلل عز وجل مع أصالهبم مع يعبد اهلل عز وجل ولده ال ُيرشك به شيئ يا)‪.‬‬

‫انظروا إىل رقي أخالق الرسول ﷺ ومع نل األمل واحلز واالضطهاد والقهر ال يزال الرسول‬

‫ﷺ خياف عليهم ويأخذ قراره بدو انفعال ومع نل املشننائب التنني رآهننا ﷺ مل يتغننري؛ لننذا‬

‫نقول‪ :‬يستحيل علينا أ نويف الرسول ﷺ لقه أال يستحق أ يشفه اهلل عننز وجننل بأنننه عننىل‬

‫مح ية لِ ْل َعاملَِ َ‬
‫ني{ [األنبياء‪ ]107:‬هذا هو رسولنا‪ .‬يعلمنننا‬ ‫َاك إِ َّال َر ْ َ‬
‫خلق عظيم ويقول‪َ } :‬و َما َأ ْر َس ْلن َ‬

‫الرسول ﷺ الفرق الضخم واملهول بني السيايس الداعية والسيايس مع أهننل النندنيا سننيايس‬

‫الدنيا ال ينظر إال إىل املشلحة املادية لكع السيايس الداعية لننه هنندف أصننيل وهننو أ يسنلم‬
‫‪239‬‬
‫الناس لرب العاملني سبحانه وتعاىل السيايس الداعية ال مب أ مشل له التمكني عىل جثن‬

‫ماليني الكافريع وليس هناك مانع مع أ يتأخر التمكني قلي ي‬


‫ال إىل أ يؤمع الكفننار‪ .‬رسننالتو‬

‫لدهم الناس سوف تضننايقو وتؤذيننو لكننع هننذا ال‬ ‫يف األرض أ تعلم الناس وليس أ‬

‫يغري طريقو؛ ألنو ال تقبر مع الناس أنت تأخذ أجننرك مننع اهلل سننبحانه وتعنناىل واهلل لننع‬

‫يضيع جمهودك‪.‬‬

‫وبعد مرور السنني الطوال أخرج اهلل عز وجل مع أصالهبم مع ال يكتفي فقط بقول‪ :‬ال إله إال‬

‫اهلل ولكع ممل ال إله إال اهلل إىل نل بقعة يف األرض فمع صلب الوليد بع املغرية خرج خالد‬

‫بع الوليد ومع صلب العاص بع وائل خرج عمرو بع العاص ومع صلب عتبة بننع ربيعننة‬

‫خرج أبو لذيفة بع عتبة ومع صلب أيب جهل خرج عكرمة بع أيب جهل ‪.‬‬

‫وبعد وفاة الرسول ﷺ ارتدت نل جزيرة العرب ومل يبننق عننىل اإلسننالم إال مكننة والطننائ‬

‫واملدينة املنورة ولو دعا عليها الرسول ﷺ لكا أهلكها اهلل سبحانه وتعاىل فهاتننا املنندينتا‬

‫ثبتتا عىل اإلسالم يف زمع الردة ومحلتا الدعوة لتى بعد وفاة الرسول ﷺ؛ لذا علينننا أ نفهننم‬

‫ديننا ونفهم دورنا فدورنا أ نع ولم مع غري أ نمل وال نكل ونريب مع غري أ نجلد وننندعو‬

‫مجيع العاملني إىل اإلسالم مع غري أ نأخذ شيئ يا منهم هذا هو دورنا الذي علمناه الرسننول ﷺ‬

‫يف نل خطوة مع خطوات لياته‪.‬‬

‫مرور النبي ﷺ بوادي نخلة ولقاؤه اجلع وإيامهنم به أثناء رجوعه مع الطائ‬

‫ملو اجلبال أنمل الرسول ﷺ طريقه إىل مكة فلام وصل إىل وادي نخلة عىل بعنند‬ ‫بعد موق‬

‫يسرتيح قلي ي‬
‫ال والرسول ﷺ عننندما يسننرتيح ال يسننرتيح بننالنوم‬ ‫‪ 43‬نيلو مرت مع مكة وق‬

‫يشيل ويقرأ القرآ فهو يتزود ليكمل الطريق‪ .‬نا الرسول ﷺ يظع أنه‬ ‫وإنام بالشالة فوق‬

‫‪240‬‬
‫وليد يف هذا الوادي وهذا صحيح بالنسبة لإلنس لكع مل يكع صحيح يا بالنسبة للجع فكا‬

‫ذلننو‬ ‫هناك جع يف وادي نخلة جلسوا يستمعو القرآ مع رسننول اهلل ﷺ قننال اهلل يشن‬

‫رضو ُه َقا ُلوا َأن ِْشتُوا َف َل َّام ُق ِضن َي‬ ‫ِ‬ ‫احلدث‪َ } :‬وإِ ْذ َرص ْفنَا إِ َل ْي َو َن َف يرا ِم َع ِْ‬
‫اجل وع َي ْستَم ُعو َ ا ْل ُق ْرآ َ َف َل َّام َل َ ُ‬ ‫َ‬
‫ني َيدَ ْي ِه‬
‫وسى ُم َشدو يقا َملِا َب ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َّل ْوا إِ َىل َق ْوم ِه ْم ُمنْذ ِري َع * َقا ُلوا َيا َق ْو َمنَا إِنَّا َسم ْعنَا نتَا يبا ُأن ِْز َل م ْع َب ْعد ُم َ‬
‫اع َي اهللَِّ َو ِآمنُوا بِ ِه َي ْغ ِف ْر َلك ُْم ِمن ْع ُذ ُننوبِك ُْم‬
‫احل وق وإِ َىل َط ِر ٍيق مست َِقي ٍم * يا َقومنَا َأ ِجيبوا د ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ َْيدي إِ َىل ْ َ َ‬
‫ِ‬

‫ض َو َل ْي َس َل ُه ِمن ْع ُدونِن ِه‬ ‫اع َي اهللَِّ َف َل ْي َس بِ ُم ْع ِج ٍز ِيف األَ ْر ِ‬‫اب َألِي ٍم * ومع ال ُجيِب د ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َو ُجيِ ْرن ُْم ِم ْع َع َذ ٍ‬

‫ني{ [األلقاف‪.]32-29:‬‬ ‫الل ُمبِ ٍ‬‫َأولِ َياء ُأ ْو َل ِئ َو ِيف َض ٍ‬


‫ُ‬

‫ومكة قد رفضوا الدعوة فهناك جمموعة ال بأس هبا مع اجلننع آمنننت‬ ‫إ نا البرش يف الطائ‬

‫أو‬ ‫خيوف بل يسعد أ تأيت يوم القيامة و نند يف ميننزا لسننناتو ألن‬
‫ويف احلقيقة أ هذا ال ّ‬
‫مليو جني فمثالي‪ :‬ننت يف يوم مع األيام تدعو إىل اهلل أو تقرأ القرآ أو تننذنر اهلل سننبحانه‬

‫وتعاىل فسمعو جني وآمع فهذا خري عظيم‪.‬‬

‫فوائد خروج النبي ﷺ مع مكة إىل الطائ‬

‫مل يكع فيها فوائد وأ الرسول ﷺ تعذب مع غري ثمننع لكننع‬ ‫قد يظع ظا أ دعوة الطائ‬

‫احلمد هلل فقد آمع عدّ اس وهذا أمر ال يستها به فهذا غالم أو رجل ُأنقذ مع النار وسيدخل‬

‫اجلنة إ شاء اهلل‪ .‬وهناك أمة ضخمة جد يا مع اخللق مع اجلننع قنند آمنننت هبننذه الكلننامت التنني‬

‫سمعتها مع رسول اهلل ﷺ‪ .‬وهناك التثبيت مع اهلل عز وجل عننندما بعن للرسننول ﷺ ملننو‬

‫اجلبال‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫نيفية دخول النبي ﷺ مكة بعد عودته مع الطائ‬

‫فاستوقفه زيد بع لارثننة عننىل م ننارف‬ ‫اقرتب الرسول ﷺ مع مكة عند رجوعه مع الطائ‬

‫تدخل عليهم وقد أخرجوك؟( لكع الرسول ﷺ رد عليه بيقني وقال له‪:‬‬ ‫مكة وقال له‪) :‬ني‬

‫(يا زيد إ اهلل جاعل ملا ترى فرج يا وخمرج يا وإ اهلل نارص دينه ومظهر نبيه) نأنه مل تكع هناك‬

‫وال مكة بل نأنه سيبتدئ الدعوة مع بدايتها‪.‬‬ ‫أي م كلة وقعت ال يف الطائ‬

‫وصل الرسول ﷺ إىل أبواب مكة وبدأ يف التفكري يف نيفية الدخول إليها فقرر أ يستفيد مع‬

‫قانو اإلجارة يف مكة وهو قانو حمرتم فيها بام أ الذي يطبقه هم املرشنو لكننع الرسننول‬

‫ﷺ يستفيد مع هذه القوانني طاملا أهنا ال تتعارض مع رشم اهلل عز وجل وليس هذا فحسننب‬

‫فقد قرر أ يدخل يف إجارة مرشك ليس مع بني هاشم وليس بمؤمع؛ ألنه لو دخل يف إجننارة‬

‫مؤمع لكا ذلو بمثابة إعال احلرب بمكة وسيتميز أهل مكننة إىل فننريقني‪ :‬مننؤمع ونننافر‬

‫وهذا ليس وقت املواجهة نام أنه ال جيد يف بني هاشم عىل عظمها مع جيريه فكبري بني هاشننم‬

‫بعد موت أيب طالب هو أبو هلب أشد األعداء هلذه الرسالة ولع يقبل ولع يرتك ألد يا مع بنني‬

‫رش ْينو فلننم‬


‫هاشم ممي الرسول ﷺ‪ .‬فبع الرسول عليه الشالة والسالم إىل األخنننس بننع ُ َ‬
‫ال جيننري فبعن‬ ‫ال أصي ي‬
‫ال يف مكة فاحللي‬ ‫وأنه ليس رج ي‬ ‫تكع عنده نخوة وتعلل بأنه للي‬

‫إىل سهيل بع عمرو وهو مع عظامء مكة ونا مع املفروض أ يوافق لكنه قال‪ :‬إ بني عامر‬

‫ال ري عىل بني نعب وسهيل بع عمرو مع بني عامر والرسول ﷺ مع بني نعب والرسول‬

‫وأ‬ ‫ﷺ يعرف ويفهم القوانني ويعرف أهنا ليست لتمية وأنه مع املمكع أ جيننري احللين‬

‫ري بنو عامر عىل بني نعب وإال مل يكع ليبع هلم نانت هننذه اعتننذارات مؤدبننة مننع قننادة‬

‫مكة‪ .‬ثم بع الرسول ﷺ إىل املطعم بع عدي ألد زعامء مكة الكبار وسيد قبيلننة بننني نوفننل‬

‫بع عبد مناف وهو ألد الذيع شارنوا يف نقر الشحيفة بعد ثالث سنني‪ .‬وافننق املطعننم بننع‬

‫‪242‬‬
‫عدي عىل إجارة رسول اهلل ﷺ وقال لبنيه وقومه‪( :‬البسوا السالل ونونوا عند أرنا البيت‬

‫فإين قد أجننرت حممنند يا) وخرجننت نتيبننة مسنلحة مننع بننني نوفننل تسننتقبل رسننول اهلل ﷺ‬

‫وألاطت به احلاميات وسارت به لتى وصننلت بننه إىل البيننت احلننرام فشننىل رنعتننني وقننام‬

‫املطعم بع عدي فخطب يف الناس فقال‪( :‬يا معرش قري ؛ إين قنند أجننرت حممنند يا فننال َيجننه‬

‫ألد منكم) ثم أوصلوه إىل بيته ووقفوا عىل بابه ممونه‪.‬‬

‫تعامل رسول اهلل ﷺ يف منتهى احلكمة مع األوضام املقلوبننة يف مكننة ونننا مننع املنطقنني أ‬

‫يدخل مكة يف محاية سيوف بني هاشم لكع نذالة أيب هلب وقفت أمام هننذا األمننر لكننع هننذا‬

‫مع بني هاشم ومع أيب هلب مل يغلق نل األبواب فال تزال هناك أبواب مفتولننة نعننم‬ ‫املوق‬

‫هي أبواب نافرة لكع ما املانع مننع اسننتغالهلا؟ مننا املننانع مننع اسننتخدام ألنند املعننارف مننع‬

‫الكافريع للحامية ما دام ليس هناك تنازل وال تفريط؟‬

‫دخل رسول اهلل ﷺ مكة مرفوم الرأس ولوله األسلحة مع نل مكا مل يدخلها متسننل ي‬
‫ال أو‬

‫منهزم يا ومع أ احلامية مجيعها آتية مع بني نوفل مع املطعم بع عدي ألد املرشنني إال أنه ﷺ‬

‫نا لريش يا نل احلرص أ يفهم مجيع أهل مكة واملطعم بع عدي أنه لع يتنازل عع اإلسننالم‬

‫والدعوة وهلذا نا أول يشء فعله ﷺ أ ذهب إىل البيت احلرام يشيل فيه رنعتني عىل طريقننة‬

‫املسلمني وأمام مجيع الناس؛ ليعلع ألهل مكة ولبني نوفل وللمطعم بع عدي أنه ما زال عننىل‬

‫نفس الطريق وسوف يأيت احلجاج ملكة وسيخرج هلم أيض يا ليدعوهم لإلسالم ام يا نام نننا‬

‫يفعل يف أيام أيب طالب ‪ .‬هذا فقه الواقع املهم ال يكو هناك تنازل‪.‬‬

‫عند ذلو يكو الوضع قد اسننتقر نسننبي يا يف مكننة فالرسننول ﷺ حممنني بسننيوف بننني نوفننل‬

‫وبكالم املطعم بع عدي الذي قاله وسط مجيع الناس لكننع الرسننول ﷺ رجننل بعينند النظننر‬

‫مهام نانت لع ترتك‬ ‫مؤقت فقري‬ ‫مع املطعم موق‬ ‫لنكته التجارب يعرف أ هذا املوق‬
‫‪243‬‬
‫املطعم ممي الرسول ﷺ ملدة طويلة أبد يا ومع هذا فناملطعم أيضن يا نننافر ولننه طاقننة واملوقن‬

‫صعب ومع املمكع أنه ال يستطيع أ ممي الرسول ﷺ إىل األبد نل هذا جعل الرسول ﷺ‬

‫يبح عع بديل للمطعم بع عدي ‪.‬‬

‫دعوة الرسول ﷺ لوفود احلج‬

‫بدأ الرسول ﷺ يزور الوفود التي تأيت لتحج يف مكة وبدأ يعرض عليهم اإلسننالم نعادتننه يف‬

‫ذلو لكع بدأ يطلب منهم فوق هذا النرصة وأ يساعدوه ويدافعوا عنننه فهننو يرينند بنندي ي‬
‫ال‬

‫للمطعم بع عدي ويف نفس الوقت مل يقل رصالة أنه سوف مننارب قري ن يا أو أنننه سننيق‬

‫أمامها؛ أل املرللة يف ذلو الوقت نانت صعبة والوضع غري مسننتقر ونننل هننذا يننتم يف ذي‬

‫القعدة وذي احلجة مع السنة العارشة مع البعثة أي‪ :‬بعد نل األلداث املؤملننة واملحزنننة التنني‬

‫لدثت يف ال هريع املاضيني نا الرسول ﷺ يتحرك بمنتهى الن اط مع نل الظروف العادية‬

‫التي حتشل ألي إنسا عنده بيت وأوالد ولديه مسئوليات‪.‬‬

‫تشلنا رسالة هامة مع الرسول عليه الشالة والسالم وهنني ال عننذر أللنند‬ ‫ومع هذا املوق‬

‫فكلمة الظروف مل تكع موجودة يف قاموس لياة الرسول ﷺ ونثري مع الناس تعتننذر بسننبب‬

‫الظروف‪ :‬أنت مل تعرف ظرويف ظرويف غري مناسبة ليس مع يديه يف املاء نمع هي يف النار!‬

‫يا أخي احلبيب؛ أنا أريد منو أ تنظر بأمانة لظروف الرسول ﷺ؛ لتستطيع أ حتكم فعن ي‬
‫ال إذا‬

‫نانت ظروفو صعبة أم ال فقد نا مع املمكع أ ينرص اهلل رسوله ﷺ بكلمة والدة ويفتح‬

‫قلوب العرب لكالمه مع أول يوم يف الدعوة ويوفر عليه اجلهد والتعب ويريح قلبه بدالي مع‬

‫خروجه مع لز ودخوله يف آخر لكع ربنا يعلمنا طبيعة الطريننق فمننع الطبيعنني أ يكننو‬

‫عندك م انل يف طريق الدعوة لكع ليس مع املفرتض أ توقفو مننع الطبيعنني أ حتاربننو‬

‫‪244‬‬
‫الناس وتؤذيو وتسخر منو لكع ليس مع املفرتض أ يوقفننو مثننل هننذا الننناس مريضننة‬

‫بمرض البعد عع ربنننا سننبحانه وتعنناىل وأنننت طبيننبهم تعنناجلهم وال ترضننهبم وحتننبهم وال‬

‫تكرههم‪ .‬هذه هي الرسالة التي أخذناها مننع لينناة الرسننول ﷺ والتنني أخننذناها مننع مكننة‬

‫والتي سوف نأخذها بعد هذا مع املدينة املنورة الرسننالة واضننحة طريننق النندعوة‬ ‫والطائ‬

‫ربوا َعن َىل َمنا ُنن وذ ُبوا َو ُأو ُذوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صعب لكع ال بد أ نميش فيه} َو َل َقدْ ن وُذ َب ْت ُر ُس ٌل م ْع َق ْبل َو َف َشن َ ُ‬
‫َاهم نَرصنَا وال مبدو َل لِك َِلام ِ‬
‫ت اهللَِّ{ [األنعام‪]34:‬دعوة وبعدها تكذيب وإيذاء ثننم صننرب‬ ‫َ‬ ‫َل َّتى َأت ُ ْ ْ ُ َ ُ َ‬
‫َرصنَا{ [األنعام‪]34:‬فليس هناك طريق آخر فهذا طريق‬ ‫مع الدعاة ويف األخري } َلتَّى َأت ُ‬
‫َاه ْم ن ْ ُ‬
‫الرسل وطريق نل مسلم مب دينه ويريد أ يتحرك وسط الناس‪.‬‬

‫بدأ الرسول ﷺ يكلم الوفود التي أتت لتزور مكة ذهننب لبننني نلننب ولبننني نننندة ولبننني‬

‫لنيفة وذهب لغريهم ومع ذلو ما قبل ألد منهم اإلسالم نل هذا وعمه أبو هلب يم نني‬

‫عىل نل قبيلة ويقول هلم‪) :‬يا بننني فننال إين رسننول اهلل‬ ‫خلفه يف نل زيارة الرسول ﷺ يق‬

‫إليكم يأمرنم أ تعبدوا اهلل وال ترشنوا به شيئ يا وأ ختلعوا ما تعبنندو مننع دونننه مننع هننذه‬

‫األنداد وأ تؤمنوا يب وتسمعوين وتشدقوا يب لتى ُأبني عع اهلل ما بعثني به( يريد منننهم أ‬

‫يسلموا ويدافعوا عنه وأبو هلب هو أيض يا يبذل جمهود يا فبعد أ ينتهي الرسول ﷺ مع نالمننه‬

‫ويقول هلم‪) :‬يا بني فال إ هذا إنام يدعونم إىل أ تسلخوا الالت والعزى مع أعامقكننم‬ ‫يق‬

‫إىل ما جاء به مع البدعة والضاللة( يدعي أ هذا ما هو إال البدعة والضاللة وأيضن يا يقننول‪:‬‬

‫)فال تطيعوه وال تسمعوا منه( فالناس يسألو ويقولو ‪ :‬مع هذا؟ فيقال‪ :‬عمه فيقننول‪ :‬مننع‬

‫املؤند أنه يعرفه أنثر منا فال يؤمنوا فيذهب أبو هلب فرل يا بنفسه ويرى أنه قنند أدى واجبننه‬

‫وال يعرف أنه مفر لنفسه قرب يا يف جهنم فهذا اسم عىل مسمى أبو هلب لتننى إ اهلل سننبحانه‬
‫ات َهل َن ٍ‬
‫ب{‬ ‫َارا َذ َ‬ ‫َب * َما َأ ْغنَى َعنْ ُه َما ُل ُه َو َما ن ََس َ‬
‫ب * َس َي ْش َىل ن ي‬ ‫وتعاىل قال‪َ } :‬ت َّب ْت َيدَ ا َأ ِيب َهل َ ٍ‬
‫ب َوت َّ‬

‫‪245‬‬
‫[املسد‪ ]3-1:‬أي‪ :‬أنه باسم النار التي سوف يدخلها‪ .‬ألد أصحاب القومية العربية نا جيعل‬

‫هذا االسم ُننْيته وقال‪ :‬أل أبا هلب نا عربي يا وهو يعتز بالعروبة وبأي عريب‪.‬‬

‫نل القبائل رفضت الدعوة ومل يكع هناك ألنند يفكننر إال قبيلننة والنندة فقننط التنني أخننذت‬

‫املوضوم بجد وفكّرت يف اإلسالم ولكع نانت هناك نقطة معينة اشرتطوها عىل الرسننول ﷺ‬

‫ليسلموا ويدافعوا عنه‪.‬‬

‫هذه القبيلة هي قبيلة بني عامر وهي مع أعز قبائل العرب وهي إلدى وس قبائل مل تعننرف‬

‫يف تارخيها نله سبي يا لنسائها وال دفع يا إلثننارة غننريهم واملبالثننات معهننا يف غايننة احلساسننية‪.‬‬

‫عرض عليهم الرسول ﷺ اإلسالم وطلب منهم النرصة نبقية القبائل ونا زعننيمهم َبيحننرة‬

‫يقول ألصحابه أمام الرسول ﷺ‪( :‬لو أين أخذت هذا الفتى‬ ‫بع فراس واهتم باملوضوم ووق‬

‫ألنلت به العرب) ويف هذا يوضح لنا أ هذا الرجل بعينند النظننر فهننو يعننرف أ‬ ‫مع قري‬

‫هذه الرسالة سيكو هلا مستقبل ومع يتبناها سوف يسيطر عىل مجيع العننرب لكننع يف نفننس‬

‫الوقت مع الواضح أنه انتهازي ونفعي فهو ال يريد اإلسالم ألنه مبه وإنام ألنه مب الزعامة‬

‫والسيطرة والرئاسة؛ ألنه بعد ذلو عرض عىل الرسول عليه الشالة والسالم عرض يا يف منتهننى‬

‫الرسول ﷺ ففي مكة النندعوة مقفلننة‬ ‫اإلغراء واسمع هلذا العرض وضع يف ذهنو موق‬

‫باإلسالم أو باملدافعة عع الرسننول ﷺ والرسننول ﷺ‬ ‫والناس حتاربه وال توجد قبيلة تر‬

‫املسلمني يف احلب ة وبقيتهم يعننذبو يف مكننة‪ .‬هننذا‬ ‫يف إجارة املطعم بع عدي الكافر ونش‬

‫واقع الرسول ﷺ فام نا عرض بيحرة ؟‬

‫قال‪( :‬أرأيت إ نحع بايعناك عىل هذا األمر ثم أظهرك اهلل عىل مع خالفو أيكننو لنننا األمننر‬

‫مع بعدك؟) فهنا بيحرة يعرض أ يدخل يف اإلسالم هو وقبيلته وأ ينندافع عننع رسننول اهلل‬

‫ﷺ ضد نل مع خيالفه وأ خيرج الرسول ﷺ مع هذا الوضع احلرج الذي يعي ه وأ يننرتك‬


‫‪246‬‬
‫األمر لرسول اهلل ﷺ يف لال لياته يدعو إىل اهلل ويعلننم ويننريب ويننأمر ويقننود لكننع الرشننط‬

‫الوليد هو‪ :‬بعد أ يموت الرسول ﷺ يبقى األمر لقبيلة بيحرة والزعامننة لنننبيحرة يف لننال‬

‫لياته أو لقبيلته مع بعده‪.‬‬

‫أعتقد أ هذا العرض يف نظر أي سيايس مع سياسيني الدنيا ال ُيرفر فنننبيحرة يقننول لننه‪ :‬أنننا‬

‫ننوت تنتقننل‬ ‫ننوت وبعنند أ‬ ‫أساعدك إىل أ تشبح رئيس يا وزعنني يام وسننتظل نننذلو إىل أ‬

‫الزعامة لنا أي زعيم مع زعامء الدنيا ال َيمه الدنيا مجيع يا ومننا مشننل فيهننا بعنند موتننه لكننع‬

‫الرسول ﷺ ليس مع زعامء الدنيا فهو خياف عىل الناس وعىل أمته وليس فقط يف زمانننه فهننو‬

‫أيض يا خياف عىل مجيع اخللق الذيع سوف يأتو مع بعده وإىل يوم القيامة‪.‬‬

‫تأمل رد الرسول ﷺ يف ثبات عىل عرض بيحرة قال‪( :‬األمر إىل اهلل يضعه لين ي نناء) فلننو‬

‫أنو تستحق فاإلسالم هو الذي سيعطيو الوالية ولو أ غريك هو الذي يسننتحق فهننو مننع‬

‫ُيعطى الوالية فاألمر يف اإلسالم ال يوهب لغري أهله مطلق يا‪ .‬وهنا درس مهم وهو أ احلريص‬

‫ع يريد الزعامننة وانظننروا إىل قننول‬ ‫عىل الوالية يف اإلسالم ال يأخذها فمع اخلطر أ تكو‬

‫الرسول ﷺ‪( :‬إنا واهلل ال نوِل هذا العمل ألد يا سأله أو لرص عليه)‪.‬‬

‫ونا الرسول ﷺ يعطنني الننناس أي يشء مقابننل أ يسننلموا فقنند يعطننيهم املننال واألغنننام‬

‫والذهب والفضة لكنه ال يعطيهم الزعامة إال إذا نانوا يسننتحقوهنا أو ال يرينندوهنا؛ أل فتنننة‬

‫الزعيم وضالل الزعيم ال يرجع عليه فقط وإنام يعود عىل األمة بكاملها والزعيم الذي يرينند‬

‫الزعامة سوف يرتكب نل املوبقات واجلرائم والتزوير ليحافظ عننىل زعامتننه والننزعيم الننذي‬

‫لدنياه سوف َيمل دنيا الناس ودينهم ولو أخذ قرار يا يف ظلم سيظلم بننه شننعب يا نننام ي‬
‫ال‬ ‫يعي‬

‫ولو م ى يف طريق خطأ فسوف يميش ال عب بأمجعه خلفه؛ وهلذا رفر الرسول ﷺ عننرض‬

‫بيحرة ‪ .‬رفر عرض الرجل الذي يريد زعامة وإ نانت بعد موت الرسول ﷺ رفننر هننذا‬
‫‪247‬‬
‫العرض وهو يف أمس احلاجة إليه ليضع قواعد واضحة عع خلقه وليس هناك خطوة والدة يف‬

‫ننز‪.‬‬ ‫لياته إال وفيها أل‬

‫أوالي‪ :‬عندما قال هذا الكالم رفر بيحرة اإلسالم وبمقاييس أهل الدنيا فإنننه مننع اجلنننو أ‬

‫يوافق بيحرة نل والد مع أهل الدنيا يقول‪ :‬وأنا أيع نشيبي؟ لكع الذي ممل هم اإلسننالم‬

‫هو الذي ينسى نفسه ام يا ليخدم الناس‪.‬‬

‫قال بيحرة ‪( :‬أفتهدف نحورنا للعرب دونو فإ أظهرك اهلل نا األمر لغرينننا؟ ال لاجننة لنننا‬

‫بأمرك) وهبذا ف لت املفاوضات مع بني عامر لكع الرسول ﷺ نجح يف إرساء قاعدة أصيلة‬

‫يف بناء األمة اإلسالمية والفظوها‪( :‬إنا واهلل ال نوِل هذا العمل ألد يا سأله أو لرص عليه)‪.‬‬

‫وهبذا ينتهي العام العارش مع البعثة وانتهى عام احلز الذي محل م انل ومشننائب مننع نننل‬

‫نوم لكع مع نل هذه امل انل واملشائب واهلموم إال أنه انتهننى والرسننول ﷺ ال يننزال رأسننه‬

‫مرفوع يا ويعمل ﷺ بمنتهى احلامسة يف دعوته وإ مل يكع هناك الكثننري مننع الننناس آمنننت يف‬

‫هذه السنة إال أ الدروس الرتبوية والقواعد البنائية لألمة ال ُحتىص وال تُعد هننناك نننم هائننل‬

‫مع الدروس والعظات والعرب مع أهم الدروس‪:‬‬

‫األول‪ :‬أنه مهام نانت ظروفو فالبد أ تعمل هلل‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬ليس مع املهم أ يؤمنوا بدعوتو ويشدقوا نالمننو املهننم أ توصننل إسننالمو؛ أل‬

‫مهمتنا التبليغ } َفإِ ْ َأ ْس َل ُموا َف َق ِد ْاهتَدَ وا َوإِ ْ ت ََو َّل ْوا َفإِن ََّام َع َل ْي َو ا ْل َبال ُغ{ [آل عمرا ‪.]20:‬‬

‫‪248‬‬
‫‪12‬‬

‫بيعة العقبة األوىل‬

‫تكلمنا عن العام العارش من البعثة‪ ،‬وهو العام الذي عرف يف السرية بعام احلزن‪ ،‬وحدثت فيه‬

‫الكثري من الشدائد واملصائب واآلالم واألحزان‪ ،‬مات في أبههو لالههب مشههرك ًا‪ ،‬وماتههت فيه‬

‫اه عنوهها‪ ،‬واذه د ش ههذا املشههركني لرسههوا اه ﷺ‪،‬‬ ‫السيدة العظيمة الفاضههلة جيد ههة هلل‬

‫وأغلقت أمام أبواب الدعوة متام ًا يف مكة‪ ،‬وهللفضت دعوت يف الطائف‪ ،‬وهللجم باحلجاهللة ح ى‬

‫سالت الدما من قدمي ﷺ‪ ،‬وذج هللأس ز د بن حاهللثة ‪ ،‬ومل س طع الرسوا ﷺ دجيههوا مكههة‬

‫شال يف جواهلل املطعم بن عدي املرشك‪ ،‬وفوق ذلك مل تؤمن أي قبيلة يف موسههم احلههج مههن السههنة‬

‫العارشة‪ .‬كيف ترصف الرسوا ﷺ يف هذا الوضع؟‬

‫السياسة الدعو ة للرسوا ﷺ بني وفود احلجيج للعام احلادي عرش من البعثة‬

‫يف السنة احلاد ة عرشة من البعثة ظل النبي ﷺ دعو الناس يف مكة لواا العههام‪ ،‬لكههن أبههواب‬

‫الدعوة يف هذا الوقت كانت مقفلة تقر ب ًا‪ ،‬فكان ال بد ل أن ن ظر موسم احلج القههادم ليعههر‬

‫األمر عىل وفود القبائل ال ي س أيت للحج‪ ،‬ومع ذلك فالرسوا ﷺ يف أثنا هههذا السههنة‪ ،‬وقبههل‬

‫موسم احلج مل كن سمع أن هناك أحد ًا غر ب ًا أتى شىل مكة شال ودعههاا شىل االسههوم‪ ،‬ومههن كههل‬

‫الذ ن أتوا شىل مكة يف السنة احلاد ة عرشة من البعثة‪ ،‬آمههن أهللبعههة بههدعوة الرسههوا ﷺ‪ ،‬وهههذا‬

‫‪249‬‬
‫مقاهللنة بالعام السابق ع رب شنجاز ًا جيد ًا؛ ففي السنة املاضية مل ههؤمن غههري عههداس يف الطههائف‪،‬‬

‫وجمموعة اجلن‪.‬‬

‫أما األهللبعة الذ ن أسلموا يف السنة احلاد ة عرشة فمنوم من مل نسمع عن أسامئوم كثههري ًا‪ ،‬أل ههم‬

‫ماتوا بعد شسوموم‪ ،‬هللجل اسم سو د بن الصامت وكان ذههاعر ًا مههن ذههعرا ثههرب‪ ،‬والثهها‬

‫و صغري ًا عمرا ‪ 12‬أو ‪ 13‬سنة‪ ،‬وكومههها مههات بعههد ذههووهلل مههن‬


‫اسم ش اد بن معاذ وكان لف ً‬

‫شسوم ‪ ،‬أما االثنان الباقيان فقد كان شسوموام مؤثر ًا؛ ألن كل واحد منوام أتى بعد ذلك بقبيلههة‬

‫كاملة لإلسوم‪.‬‬

‫اه عن وأهللضاا من قبيلة غفاهلل عىل مقربة من ثرب‪ ،‬وهههي قبيلههة‬ ‫األوا‪ :‬أبو ذهلل الغفاهللي هلل‬

‫اه عنه وأهللضههاا‬ ‫مشووهللة بقطع الطر ق والسطو عىل الناس‪ ،‬ومههع ذلههك أسههلم أبههو ذهلل هلل‬

‫وهللجع شىل قبيل دعوهم شىل اه‪ ،‬وكانت دعوت ناجحة‪ ،‬فقد أتى بقبيلة غفاهلل كاملة لإلسههوم‪،‬‬

‫وملا هاجر الرسوا ﷺ شىل املد نة ذهبوا شلي يف املد نة با عون عىل االسوم‪ ،‬وحينوا قاا هللسوا‬

‫اه ﷺ‪( :‬غفاهلل غفر اه هلا) أي‪ :‬كل ما فات مسح‪.‬‬

‫هنههاك وقههت‬ ‫اه عنه ‪ ،‬وقصههة شسههوم ويلههة‪ ،‬ولههي‬ ‫الثا ‪ :‬الطفيل بن عمرو الدويس هلل‬

‫للدجيوا يف تفصيوهتا‪ ،‬لكن املوم أن بعد شسوم هللجع ههدعو قومه ‪ ،‬وقبيل ه هههي دوس مههن‬

‫اه عنه‬ ‫قبائل اليمن‪ ،‬وبعد مشههواهلل لو ههل وقصههة لطيفههة آمنههت دوس‪ ،‬وجهها الطفيههل هلل‬

‫بسبعني أو ثامنني عائلة من دوس شىل املد نة املنوهللة بعد هجرة الرسوا ﷺ شىل املد نههة‪ ،‬والعائلههة‬

‫اه عههنوام أتههى للمسههلمني‬ ‫يف ذلك الوقت عدد أفرادها كبههري‪ .‬فإسههوم أذ ذهلل والطفيههل هلل‬

‫بقبيل ني كبريتني‪ ،‬مع أن تلك القبيل ني مل تأت شال بعد اهلجرة‪ ،‬لكههن هههذا تههدبري هللبهها مههن اه‬

‫سبحان وتعاىل‪ ،‬دبر بلطف وجيفا سبحان وتعاىل‪ ،‬ومن املؤكد أن شسوم هاتني القبيل ني كههان‬

‫نرص ًا كبري ًا للدعوة يف ذلك الزمن الذي عرف بزمن االس ضعاف يف فرتة مكة‪.‬‬
‫‪250‬‬
‫مرت الشووهلل وجا موسم احلج من السنة احلاد ة عرشة من البعثة‪ ،‬وبدأ الرسههوا ﷺ كعادته‬

‫يف كل موسم دعو الناس شىل االسوم‪ ،‬لكن يف هذا املوسم بدأ الرسوا ﷺ غههري مههن لر ق ه‬

‫لدعوة القبائل‪ .‬ذكرنا قبل ذلك أن الرسوا ﷺ كان يف شجاهللة املطعم بن عدي مههن بنههي نوفههل‪،‬‬

‫وهو مرشك‪ ،‬والرسوا ﷺ علم أن املطعم ل لاقة حمدودة‪ ،‬وأصحاب وأقران هم زعام الكفههر‬

‫يف مكة‪ ،‬ولن رتكوا كثري ًا دافع عن الرسوا ﷺ‪ ،‬فكان ال بد للنبي ﷺ أن بحههع عههن بههد ل‬

‫للمطعم بن عدي‪.‬‬

‫ال غيريات عىل أسلوب الدعوة يف العام احلادي عرش من البعثة‬

‫كان الرسوا ﷺ دعو الناس يف جيوا األعوام العرشة السابقة شىل االسوم فقط؛ (قولوا ال شل‬

‫شال اه تفلحوا)‪ ،‬لكن االسوم لوحدا مل كن كافي ًا‪ ،‬فدعا الرسوا ﷺ مههع االسههوم شىل للههب‬

‫النرصة‪ ،‬والدفاع عن وعن املؤمنني ومواجوة قر ش‪.‬‬

‫وكانت هذا املطالب جيطرية يف مكة‪ ،‬ألن قر ش ًا لو علمت بذلك س قيم الههدنيا ولههن تقعههدها‪،‬‬

‫فهأبو هلب مل رتك الرسوا ﷺ‪ ،‬وكان طاهللدا يف كل مكان‪ .‬وكانت هناك مشكلة أجيههرو وهههي‬

‫أن الرسوا ﷺ مل كن عرف تاهلل خ كل قبيلة يف اجلز رة‪ ،‬ومدو قوهتهها‪ ،‬وأسههام القههادة فيوهها‪،‬‬

‫الح اما أن فق مع أحدهم ثم ال ت حمل قبيل املسئولية‪ ،‬وهذا اتفاقيات يف من وى اخلطههوهللة‪،‬‬

‫ههة‪،‬‬ ‫ول فادي هذا؛ فههإن الرسههوا ﷺ غههري ذههيئني مومههني‪ ،‬األوا‪ :‬جعههل دعوته للقبائههل‬

‫فالرسوا ﷺ من السنة الرابعة من البعثة وهو كلم الناس علن ًا‪ ،‬كان كلم أمام أذ هلههب وأذ‬

‫جول وكل املرشكني‪ ،‬لكن األمر اجي لف‪ ،‬وكان هناك مرونة يف الدعوة‪ ،‬شذا كانههت العلنيههة لههن‬

‫هناك عنرت ة وال ان حاهلل‪ ،‬بل هناك ختطيط وشعداد وفكر سيايس‬ ‫ة‪ ،‬لي‬ ‫تؤدي املومة فل كن‬

‫هللاق‪ ،‬فبدأ الرسوا ﷺ الدعوة بالليل فقط‪ ،‬خيرج بالليل من غههري أن ههراا أحههد‪ ،‬ويف كههل ههوم‬

‫خي اهلل للدعوة قبائل معينة‪ ،‬و ذهب شىل خميامهتم جياهللج مكة يف الرس‪ ،‬لكي ال راا أحد‪ ،‬وبههذلك‬
‫‪251‬‬
‫سيرضب عصفوهلل ن بحجر؛ ألن سيوصل هلم الدعوة من غري تشو ش من أذ هلب أو قر ش‪،‬‬

‫وألن قر ش ًا لن تعرف ما هي القبيلة ال ي وافقت عههىل يا ههة الرسههوا ﷺ‪ .‬كههان أوا تغيههري يف‬

‫ة‪.‬‬ ‫سياسة الرسوا ﷺ يف تلك السنة أن جعل دعوت للوفود احلاجة‬

‫اه عن وأهللضاا‪ ،‬ألنه كههان جيبههري ًا باألنسههاب‪،‬‬ ‫الثا ‪ :‬أن اصطحب مع أبا بكر الصد ق هلل‬

‫س طيع أن عرف القبيلة القو ة العز زة من القبيلة الضعيفة‪ ،‬و س طيع أن عرف زعام القبائههل‬

‫عليوم االسوم‪ ،‬و طلب منوم النرصههة‪،‬‬ ‫وتاهللخيوم‪ ،‬لو كانت القبيلة قو ة فالرسوا ﷺ عر‬

‫علههيوم االسههوم‪ ،‬لكههن مل طلههب‬ ‫بيدا القراهلل عر‬ ‫ولو كانت القبيلة ضعيفة أو زعيموا لي‬

‫ذيئ ًا سووً‪ ،‬ختطيط سيايس عىل أعىل مس وو‪.‬‬ ‫منوم النرصة‪ .‬ختطيط مووا‪ ،‬فبنا األمم لي‬

‫دعوة النبي ﷺ لقبيلة بني ذيبان ون ائج ذلك‬

‫ذهب ﷺ شىل قبيلة غسان‪ ،‬وبني فزاهللة‪ ،‬وبني مرة‪ ،‬وبني سليم‪ ،‬وبني عب ‪ ،‬وبني نرصهه‪ ،‬وبنههي‬

‫ثعلبة‪ ،‬وبني احلاهللث بن كعب‪ ،‬وبن عذهللة‪ ،‬وبني قي ‪ ،‬وبني حماهللب‪ ،‬ذهب شىل كل هؤال وشىل‬

‫هنههاك مشههكلة؛ ألن موم نهها ليسههت اهلدا ههة‪،‬‬ ‫غريهم‪ ،‬فلم قبل أي من هؤال الدعوة‪ .‬ولههي‬

‫ولكن البوغ‪ ،‬ال هيم كم آمن عىل د ك‪ ،‬لكن املوم كم عدد الذ ن أبلغ وم أمر االسههوم‪ ،‬هههذا‬

‫ن ائجك‪ .‬الرسوا ﷺ مل صب اليأس بعد أن ان وههى‬ ‫هو الذي حياسبك علي هللبنا‪ ،‬عملك ولي‬

‫من كل هذا القبائل‪ ،‬بل ذهب شىل قبيلة أجيههرو وهههي قبيلههة بنههي ذههيبان؛ وسههنقف وقفههة مههع‬

‫مباحثات الرسوا ﷺ مع بني ذيبان‪.‬‬

‫قبيلة بني ذبيان قبيلة كبههرية عز ههزة تسههكن يف الشههاما الرشههقي جلز ههرة العههرب ‪ -‬قر بههة مههن‬

‫العراق‪ ،-‬ذهب شليوا الرسوا ﷺ ومع أبو بكر الصد ق‪ ،‬فبدأ أبو بكر أوالً سأا‪ :‬من القههوم؟‬

‫قالوا‪ :‬ذيبان بن ثعلبة‪ ،‬بعد أن سمع أبو بكر هذا االسم أ ع شىل هللسوا اه ﷺ وقاا ل ‪ :‬بههأذ‬

‫‪252‬‬
‫أنت وأمي ا هللسوا اه؛ هؤال غرهلل النههاس‪ ،‬مههن أعظههم القبائههل‪ ،‬وعنههدما سههأا عههن أسههام‬

‫احلضوهلل وجد فيوم أرشاف بني ذيبان‪ :‬مفروق بن عامر ‪ ،‬وهههانب بههن قبيصههة ‪ ،‬والههنعامن بههن‬

‫رش ك ‪ ،‬واملثنى بن حاهللثة وأبو بكر عرفوم و عرف تاهللخيوم‪ ،‬كام أن حاد الههذكا فبههدأ سه ثري‬

‫احلامسة والعزة عندهم‪ ،‬قاا الصد ق ‪( :‬كيف العههدد فههيكم؟) فقههاا مفههروق وهههو امل حههدث‬

‫الرسمي يف الوفد‪( :‬شنا لنز د عىل األلف‪ ،‬ولن تغلب ألف من قلة)‪ ،‬وهذا هللقم كبري‪ ،‬وال ننسههى‬

‫أن املسلمني كانوا يف بدهلل ‪ 313‬أو ‪ ،314‬وكان الكفاهلل ألف ًا‪.‬‬

‫مفروق باالهانة فعوً‪ ،‬فرفههع صههوت‬ ‫فأثاهللا أبو بكر أكثر وقاا ل ‪( :‬وكيف املنعة فيكم؟) أح‬

‫وقاا‪( :‬شنا ألذد ما نكون غضب ًا حني نلقى ‪ -‬يف احلرب‪ ،-‬وأذد ما نكون لقا حههني نغضههب‪،‬‬

‫وشنا لنؤثر اجلياد عىل األوالد‪ ،‬والسوح عىل اللقاح‪ ،‬والنرص من عنههد اه‪ ،‬ههد لنا مههرة و ههد ل‬

‫اه عنه‬ ‫علينا أجيرو)‪ .‬كوم يف من وى احلكمة والقههوة‪ ،‬وهههذا مهها كههان ر ههدا الصههد ق هلل‬

‫وأهللضاا‪ ،‬أن ظور العزة والكرامة ال ي عندا‪ ،‬ح ى شذا ما للههب منه الوقههوف أمههام قههر ش ال‬

‫رتاجع أو رتدد‪.‬‬

‫وكام أن مفروق ًا كان من بو ًا ألسئلة الصد ق ‪ ،‬قاا ل ‪( :‬لعلههك أجيههو قههر ش)؟ أي‪( :‬هههل أنههت‬

‫الرجل الذي ظور يف قر ش دعو شىل د ن جد د)‪ ،‬قصد الرسوا ﷺ‪.‬‬

‫فأحب الصد ق أن كسب نقطة يف احلواهلل‪ ،‬فقاا ل بمن وى الذكا ‪ :‬أو قههد بلغكههم أنه هللسههوا‬

‫اه؟ عني‪ :‬كأ م م فقون عىل أن هللسوا‪ ،‬وأمر واقع مس ّلم ب ‪ .‬لكن مفروقه ًا كههان ذكيه ًا وان به‬

‫لسؤال فرد علي وقاا‪( :‬قد بلغنا أن ذكر ذلك)‪.‬‬

‫و مؤدب ًا‪ ،‬وكل وفد بني ذيبان كههذلك‪ ،‬ال فههت مفههروق للرسههوا ﷺ‬
‫لكن احلقيقة أن كان هللج ً‬

‫وقاا ل ‪( :‬وشالم تدعو ا أجيا قر ش؟)‬

‫‪253‬‬
‫ف قدم الرسوا علي الصوة والسوم وبدأ كلم قاا‪( :‬أدعو شىل ذوادة أن ال شل شال اه وحههدا‬

‫ال رش ك ل ‪ ،‬وأ هللسوا اه‪ ،‬وشىل أن تؤوو وتنرصو ‪ ،‬فإن قر ش ًا قد تظاهرت عىل أمر اه‪،‬‬

‫وكذبت هللسول ‪ ،‬واس غنت بالبالل عن احلق‪ ،‬واه هو الغني احلميد)‪.‬‬

‫و بدو أن مفروق ًا أعجب كوم الرسوا ﷺ‪ ،‬ومل كن خياف من قر ش‪ ،‬لكنه أحههب أن عههرف‬

‫أكثر عىل الد ن اجلد د‪ ،‬قاا‪( :‬وشالم تدعو ا أجيا قر ش؟)‬

‫فكر الرسوا ﷺ أن قرأ ل قرآن ًا‪ ،‬وعندما وجد الوفد أجيوقوم عالية‪ ،‬اجي اهلل هلم آ ههات قرآنيههة‬

‫حتض عىل األجيوق احلميدة‪ ،‬لكي قف معوم عىل أهللضية مشرتكة‪ ،‬فقههرأ هلههم ﷺ مههن سههوهللة‬

‫األنعام قوا اه تعاىل‪} :‬قل تعالوا أتل ما ح َّرم هلل ُّبكم عليكم أ َّال تشهركوا به ذهي ًئا وبالوالهد ن‬
‫شحسانًا وال تق لوا أوالدكم من شم ٍ‬
‫وق نحن نرزقكم وش َّ اهم وال تقربوا الفواحش ما ظور منوها‬

‫ا َّل ي ح َّرم اهَّ ش َّال باحل ِّق ذلكهم و َّصهاكم به لع َّلكهم تعقلهون * وال‬ ‫وما بطن وال تق لوا النَّف‬

‫تقربوا ماا الي يم ش َّال با َّل ي هي أحسن ح َّى بلغ أذدَّ ا وأوفوا الكيل وامليزان بالقسط ال نك ِّلف‬

‫نف ًسا ش َّال وسعوا وشذا قل م فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعود اهَّ أوفوا ذلكم و َّصاكم به لع َّلكهم‬

‫تذكَّرون * وأ َّن هذا ِصالي مس ق ًيام فاتَّبعوا وال ت َّبعوا ُّ‬


‫السبل ف ف َّرق بكهم عهن سهبيل ذلكهم‬

‫و َّصاكم ب لع َّلكم ت َّقون{ [األنعام‪ ]153-151:‬انبور مفروق من حووة املعا ومن حههووة‬

‫اللغة‪ ،‬وذعر باالعجاز‪ ،‬وأحب أن عرف أكثر‪ ،‬فقاا‪) :‬وشالم تدعو ا أجيا قر ش؟(‬

‫الوتر‪} :‬ش َّن اهَّ أمر بالعدا واالحسان وش ا ذي القربى و نوى‬ ‫قاا ﷺ وهو رضب عىل نف‬

‫عن الفحشا واملنكر والبغي عظكم لع َّلكم تذكَّرون{ [النحههل‪ .]90:‬تههأثر مفههروق بههالقرآن‪،‬‬

‫وقاا يف من وى الرصاحة‪) :‬دعوت ا أجيا قر ش واه شىل مكاهللم األجيوق‪ ،‬وحماسن األعههاما(‪.‬‬

‫مههن‬ ‫ثم بدأ سب قر ش ًا‪ ،‬وأعجب االسوم كثري ًا‪ ،‬ح ى قاا كههام يف هللوا ههة‪( :‬شن هههذا واه لههي‬

‫)‪.‬‬ ‫كوم األهلل‬


‫‪254‬‬
‫بيههدا وحههدا‪ ،‬فأحههب أن سههمع هللأي‬ ‫لكن مفروق زعيم من جمموعة من الزعام ‪ ،‬والقراهلل لي‬

‫أصحاب ‪ ،‬فقاا‪( :‬وهذا هانب بن قبيصة ذيخنا وصههاحب د ننهها)‪ ،‬وملهها كههان هههانب بههن قبيصههة‬

‫صاحب جيلفية د نية أوسع أحب أن أجيذ هللأ ‪ ،‬فبدا أن هانب بن قبيصة كان معجبه ًا باالسههوم‬

‫علي ‪ ،‬لكن خياف أن أجيذ قراهلل ًا مثل هذا رتتب عليه دجيههوا‬ ‫أ ض ًا‪ ،‬ومل كن لد أي اعرتا‬

‫فقط مع قر ش‪ ،‬ولكن مع كل العرب‪.‬‬ ‫بني ذيبان يف حرب لي‬

‫قاا هانب بن قبيصة‪( :‬لقد سمعت مقال ك ا أجيا قر ش‪ ،‬وش أهللو أن تركنا د ننا واتباعنا ش ههاك‬

‫ل أوا وال آجير لوهن يف الرأي‪ ،‬وقلة نظر يف العاقبة)‪ .‬أي‪:‬‬ ‫جلس شلينا لي‬ ‫عىل د نك ملجل‬

‫من املعقوا أننا من جلسة واحدة ندجيل يف االسوم ونحاهللب الدنيا بأكملوا‪( ،‬وشنام تكون‬ ‫لي‬

‫الزلة مع العجلة‪ ،‬ومن وهللائنا قوم نكرا أن نعقد عليوم عقههد ًا‪ ،‬ولكههن ترجههع ونرجههع‪ ،‬وتنظههر‬

‫وننظر) أي‪ :‬أعطنا فرصة لل فكري‪ ،‬وأنا أع قد أن هذا انسحاب مؤدب من هانب‪.‬‬

‫مفروق كان موافق ًا‪ ،‬وهههانب مههرتدد‪ ،‬وهههو ميههل شىل عههدم املوافقههة اآلن‪ ،‬وشذا كانههت العمليههة‬

‫سيكون فيوا حروب‪ ،‬فرأي وز ر حربية بني ذيبان سيكون موه ًام أ ضه ًا‪ ،‬وكههان وز ههر احلربيههة‬

‫اه عن ؛ وقد أسلم بعد ذلك‪.‬‬ ‫عندهم هو املثنّى بن حاهللثة هلل‬

‫قاا هانب ‪( :‬وهذا املثنى بن حاهللثة ذيخنا وصاحب حربنا)‪ .‬املثنههى فههاهللس مغههواهلل‪ ،‬وصههاحب‬

‫عقلية عسكر ة فذة‪ ،‬وهو مشووهلل يف العرب بذلك‪.‬‬

‫قاا املثنى بن حاهللثة ‪( :‬قد سمعت مقال ك ا أجيا قر ش‪ ،‬واجلواب هو جواب هانب بن قبيصة‪.‬‬

‫هو مع عدم ال رسع يف دجيوا االسوم‪ ،‬لكن أضههاف نقطههة مومههة جد ههدة يف املباحثههات‪ ،‬بههدأ‬

‫حدث عن الوضع العسكري لبني ذيبان‪ ،‬وكوم هههذا عههن الوضههع العسههكري هههو الههذي‬

‫سيجعل يف النوا ة أجيههذ قههراهلل ًا جيطههري ًا‪ .‬قههاا املثنههى ‪( :‬شنههام نحههن نزلنهها بههني ِصتههني الياممههة‬

‫‪255‬‬
‫والساموة)‪ .‬الرصو هو جتمع املياا‪ ،‬أي‪ :‬أننا بني جتمعني للمياا‪ ،‬وبال ههات جتمعههني للبرشهه‪ ،‬قههاا‬

‫هللسوا اه ﷺ‪( :‬ما هذان الرص ان؟) قاا املثنى بن حاهللثة ‪( :‬أ اهلل كرسو‪ ،‬ومياا العرب)‪.‬‬

‫أي‪ :‬جتمع دولة فاهللس‪ ،‬وجتمع القبائل العربية؛ ألن قبيلة بني ذيبان كانت عىل حدود العههراق‪،‬‬

‫والعراق كانت مملكة فاهللسية‪ ،‬واجلز رة العربية فيوا عشههرات القبائههل‪ ،‬وهههو أهللاد أن بههني له‬

‫عرض ًا جيطري ًا‪ .‬قاا املثنى ‪( :‬فأما ما كان من أ اهلل كرسو) ‪ -‬دولههة‬ ‫حدود شمكانيات ‪ ،‬وسيعر‬

‫فاهللس‪ -‬فذنب صاحب غري مغفوهلل‪ ،‬وعذهللا غري مقبوا‪ ،‬وأما ما كههان مههن ميههاا العههرب فذنبه‬

‫مغفوهلل‪ ،‬وعذهللا مقبوا) أي نحن ال نس طيع أن نغضب كرسو فاهللس؛ ألن اخلطأ يف حقه غههري‬

‫مقبوا‪ ،‬أما العرب فنحن نقدهلل عليوم‪.‬‬

‫كان مفروق قوا‪ :‬نحن أكثر من ألف‪ ،‬لكن عندما تقاهللن ذلك بجيش فههاهللس فوههو أكثههر مههن‬

‫مليونني‪ ،‬عندما تأيت قبيلة تف خر أ ا أكثر من ألف‪ ،‬وبجانبوا دولة فيوهها مليونهها جنههدي‪ ،‬لههي‬

‫الشعب وشنام اجلنود فقط تعرف أن الفجوة هائلة‪ ،‬وباحلسابات املاد ة فقط مس حيل أن صههمد‬

‫أحد أمام فاهللس‪ ،‬وفوق ذلك ف وقعات املثنى أن كرسههو فههاهللس لههن تعجبه دعههوة االسههوم‪،‬‬

‫لنا ذأن بك‪.‬‬ ‫فيقوا للرسوا ﷺ ال بد أن تعرف أن لو غضب كرسو فاهللس فنحن لي‬

‫قاا‪( :‬وشنام نزلنا عىل عود أجيذا علينا كسههرو ‪ ،‬أال نحههدث حههدث ًا وال نههؤوي حمههدث ًا) أي‪ :‬ال‬

‫نخرتع ذيئ ًا جد د ًا‪ ،‬وال ندافع عن أحد أتى بيش جد د‪ .‬ثم قاا‪( :‬وش أهللو أن هههذا األمههر ‪-‬‬

‫أي‪ :‬االسوم‪ -‬مما تكره امللوك)‪ .‬ويف النوا ة خلص املثنى قراهللا يف من وى اجلرأة‪ ،‬فقههاا‪( :‬فههإن‬

‫أحببت أن نؤو ك وننرصك مما يل مياا العرب فعلنهها)‪ .‬كههان هههذا مثههل ان صههاهلل ًا موههوالً؛ ألن‬

‫مع شال حفنة قليلة من‬ ‫هللسوا اه ﷺ طاهللد يف مد ن الصغرية مكة‪ ،‬ومن أهل وأقاهللب ‪ ،‬ولي‬

‫علي أن دافع عن‬ ‫املضطود ن‪ ،‬وبقية أصحاب يف احلبشة‪ ،‬وهو يف شجاهللة هللجل كافر‪ ،‬ثم عر‬

‫مقدم من قبيلة قو ة مثل بني ذيبان‪ ،‬ثم االذههرتاا الوحيههد‬ ‫ضد كل القبائل العربية‪ ،‬والعر‬
‫‪256‬‬
‫منطقي ًا بل مغر ًا‪ ،‬ولكن الرسوا ﷺ هللفههض عههر‬ ‫عدم حرب فاهللس‪ ،‬كل هذا عل العر‬

‫املثنى بن حاهللثة وقاا يف أدب‪( :‬ما أسأتم الرد شذ أفصح م بالصدق) أي أنه ويههل جههد ًا أنكههم‬

‫قل م شمكانياتكم بوضوح‪ ،‬بدالً من أن ت فقوا معي وبعد ذلك ت خلوا عنههي‪ ،‬ثههم قههاا كلمههة يف‬

‫من وى الروعة‪ ،‬وهي عباهللة عن قانون هللئييس يف بنا أمة االسوم‪ ،‬قاا‪( :‬فإن د ن اه عز وجههل‬

‫من املمكن أن نرص االسوم الذي خي ههاهلل منه‬ ‫لن نرصا شال من أحال من ويع جوانب )‪ ،‬لي‬

‫ذيئ ًا و رتك آجير‪ ،‬هذا ال عرف ما معنى شسوم‪ ،‬وال عرف معنى العبود ة ه عز وجههل‪ ،‬العبههد‬

‫ال ن قي من كوم سيدا ما عجب و وافق هواا‪ .‬فرفض الرسوا ﷺ عرضوم؛ ألن هؤال لي‬

‫هم من سيحملون الدعوة‪ ،‬فوو ر د هللج ً‬


‫و قوا ل ‪ :‬شن اه قاا لك اعمل كذا‪ ،‬عمههل و طيههع‬

‫ح ى وشن كان عقل ال س وعب املراد واحلكمة املقصودة من ذلك‪.‬‬

‫ثم قاا هلم الرسوا ﷺ يف قني هللائع‪( :‬أهللأ م شن مل تلبثوا شال قلي ً‬
‫و ح ههى ههوهللثكم اه أهللضههوم‬

‫ود اهللهم‪ ،‬و فرذكم نسا هم‪ ،‬أتسبحون اه وتقدسون ؟) عني‪ :‬أمة فاهللس ال ي ختههافون منوهها‬

‫س نواهلل حتت أقدام املسلمني‪ ،‬ماذا س عملون حينوا‪ ،‬هل س دجيلون يف االسوم؟‬

‫قاا النعامن بن رش ك‪( :‬اللوم لك ذاك)‪.‬‬

‫عرشة سنة ح ى كانههت جيههوؤ املههؤمنني تههدك‬ ‫ومل مر عىل كوم هللسوا اه ﷺ أكثر من مخ‬

‫حصون فاهللس‪ ،‬وتزلزا عرؤ كرسو‪ ،‬والغر ب أن املثنى بههن حاهللثههة الههذي كههان جيائفه ًا مههن‬

‫كرسو فاهللس‪ ،‬كان بعد شسوم أحد القواد الذ ن أزاحوا كرسو من ملكه ‪ ،‬لكههن املثنههى بعههد‬

‫شسوم كان ذخص ًا خم لف ًا عام كان علي قبل االسوم‪ ،‬وهذا هي عظمة االسوم‪.‬‬

‫فشلت املفاوضات‪ ،‬وأجيذ الرسوا ﷺ املوضوع ببسالة؛ ألن القواعد يف ذهن واضحة‪ ،‬و رو‬

‫هناك من ضحك علي أو خيدع أو خيوفه ﷺ‪،‬‬ ‫كل يش بوضوح‪ ،‬ال فرا وال نازا‪ ،‬ولي‬

‫‪257‬‬
‫فوو علمنا كيف نبني أم نا وتيقنوا أننا من غري هذا القواعد س حيل علينا أن نبني األمة‪ ،‬ومن‬

‫أجل ذلك نحن ندهللس السرية‪.‬‬

‫دعوة الرسوا ﷺ للخزهللج يف العام احلادي عرش من البعثة‬

‫في س ة من الرجاا‪ ،‬وكان من‬ ‫بني ذيبان‪ ،‬وان قل مبارشة شىل جمل‬ ‫قام الرسوا ﷺ من جمل‬

‫هدي الرسوا ﷺ أن ال رتك صغري ًا وال كبري ًا شال ودعاا لإلسوم‪ .‬نيس الرسوا ﷺ كههل يش‬

‫عن بني ذيبان‪ ،‬وبدأ كلم مع هؤال يف من وى احلامس‪ ،‬قاا‪( :‬مههن أنه م؟) قههالوا‪( :‬نفههر مههن‬

‫اخلزهللج)‪ .‬اخلزهللج قبيلة كبرية مشههووهللة يف ثههرب‪ ،‬كههام أن لههدهيم قبيلههة مشههووهللة أجيههرو هههي‬

‫األوس‪ ،‬وهؤال هم األنصاهلل‪ ،‬و ثرب مد نة يف ذاما مكة عىل بعد حوات ‪ 500‬كيلو تقر ب ًا‪.‬‬

‫بدأ الرسوا ﷺ املفاوضات بسؤاا موم‪ ،‬قاا‪( :‬أمن موات اليوود؟!) ‪ -‬عني‪ :‬حلفا اليوود؟‪-‬‬

‫قالوا‪ :‬نعم)‪.‬‬

‫كان الرسوا ﷺ مطلع ًا عىل أحواا زمان ‪ ،‬وكان عرف مواز ن القههوو يف العههامل‪ ،‬فمههثلام كههان‬

‫عرف وضع بني ذيبان ومملكة فاهللس‪ ،‬وجيطوهللة أن عامل مع بنههي ذههيبان‪ ،‬وعههني هلههم معه‬

‫وعينوم األجيرو مع كرسو‪ ،‬أ ض ًا كان عرف أن اليوود عيشون يف ثرب‪ ،‬وأ م قوة سههيكون‬

‫هلا أثر شما سلبي وشما ش اذ‪ ،‬ومن املؤكد أن سيكون هلا أثر أ ض ًا عىل من عيشون بجانبوم‪.‬‬

‫فوضع الرسوا ﷺ هذا اخللفية يف ذهن ‪ ،‬ثم قاا هلم‪( :‬أفو جتلسون أكلمكههم؟) قههالوا‪( :‬بههىل)‬

‫علههيوم االسههوم وقههرأ‬ ‫معوم الرسوا ﷺ ودعاهم شىل اه عز وجل وعر‬ ‫وجلسوا‪ ،‬فجل‬

‫عليوم القرآن‪ ،‬كأي قبيلة من القبائل‪ ،‬فآمن هؤال الس ة من ساع وم‪.‬‬

‫لقد مرت علينا يف السرية مواقف كثرية ؤمن فيوا االنسان بمجههرد سههامع القههرآن‪ ،‬لكههن هههذا‬

‫كون عىل املس وو الفردي‪ ،‬لكن هذا اال امن اجلامعي غر ب‪ ،‬وال بد أن نقف مع وقفههة لكههي‬

‫‪258‬‬
‫نحلل ونس فيد‪ .‬احلقيقة أن اه سبحان وتعاىل كان عد هذا املجموعههة بطر قههة عجيبههة؛ لكههي‬

‫السوولة‪ ،‬وكان هذا االعههداد‬ ‫تقبل االسوم هبذا السوولة‪ ،‬ثم بعد ذلك ت حرك باالسوم بنف‬

‫بأموهلل‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬جيلفية العوقة مع اليوود‪ .‬اليوههود جيلههق عجيههب‪ ،‬كههان شذا حههدث بيههنوم وبههني األوس‬

‫واخلزهللج جيوف قالوا هلم‪ :‬شن سيظور يف هذا الزمان نبي وسوف ن بع ونق لكم ق ل عاد وشهللم‪،‬‬

‫ون يجة هذا األجيوق الفاسدة وقر يف قلوب األوس واخلزهللج بغض ذد د لليوههود‪ ،‬ويف نفه‬

‫الوقت جيوف كبري منوم‪ ،‬لكن األهم من ذلك أن األوس واخلزهللج كانوا ق نعون بقرب ظووهلل‬

‫النبي ﷺ‪ ،‬أو عىل األقل كانوا صدقون فكرة ظووهلل الرسل عىل جيوف أهههل مكههة‪ ،‬ويف نفه‬

‫الوقت ملؤهم اخلوف من الرسوا الذي سيظور واحتاد اليوود مع ‪ ،‬فلام سمعوا هههذا الكههوم‬

‫قاا بعضوم لبعض بمن وى الرصاحة وأمام الرسوا ﷺ‪ ،‬قالوا‪ :‬ا قوم؛ تعلمون واه شن للنبههي‬

‫الذي توعدكم ب هيود‪ ،‬فو تسبقنكم شلي ‪ .‬لوال غلظة اليوههود مهها أجيههذ اخلههزهللج قههراهللهم هبههذا‬

‫الرسعة‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬اخللفية االج امعية ملد نة ثرب يف ذلك الوقت‪ ،‬كانههت هنههاك حههرب أهليههة لاحنههة بههني‬

‫األوس واخلزهللج‪ ،‬ففي وم بعاث املشووهلل داهللت حههرب هائلههة بههني األوس واخلههزهللج‪ ،‬وهههذا‬

‫السنة‪ ،‬كان يف السنة احلاد ة عرشة من البعثة‪ ،‬منذ ذووهلل قليلة‪ ،‬ولههو اسه مر‬ ‫اليوم كان يف نف‬

‫احلاا عىل هذا األمر لفنيت القبيل ان‪ .‬ففكر اخلزهللج أن هذا الرجل ‪-‬ﷺ‪ -‬بههام له مههن حههووة‬

‫منطق وقرآن معجز س طيع أن مع القبيل ني وحيفظوم من اهللكة‪ ،‬وهم بأنفسههوم قههالوا هههذا‬

‫الكوم‪ ،‬قالوا‪ :‬شنا قد تركنا قومنا‪ ،‬وال قوم بينوم من العداوة والرش ما بينوم‪ ،‬فعسى أن معوم‬

‫اه بك‪ .‬تقوا السيدة عائشة‪( :‬كان وم بعاث وم ًا قدم اه تعاىل لرسول ﷺ) ‪-‬أي أن بسبب‬

‫‪259‬‬
‫واهتههم) ‪ -‬رشفههامهم‪-‬‬ ‫هذا اليوم أتى الناس وآمنوا برسعة‪( -‬وقد افههرتق ملههؤهم وق لههت‬

‫(وجرحوا‪ ،‬فقدم اه عز وجل لرسول ﷺ يف دجيوهلم يف االسوم)‪.‬‬

‫جيلفية العوقة مع اليوود‪ ،‬وجيلفية الرصاع املولههك الههذي كههان يف ثههرب جعههل هههؤال السه ة‬

‫هكذا فقط‪ ،‬بل جعلوم رجعههون بسههرعة شىل ثههرب ليحههاولوا نههرش‬ ‫سلمون برسعة‪ ،‬ولي‬

‫االسوم بأ ع لر قة؛ لكي وحدوا األوس واخلزهللج‪ ،‬ولكي س طيعوا أن قفوا أمام اليوود‪.‬‬

‫هذا ترتيب هللبا عجيب! نرص هللسل والذ ن آمنوا يف الوقههت الههذي شهها ‪ ،‬وبالطر قههة ال ههي‬

‫شا ‪ ،‬ومعلوم أن الرسوا ﷺ مل خيطط ملقابلة هؤال السه ة هههذا السههنة‪ ،‬لكنه كههان عمههل يف‬

‫وبنههي حنيفههة‪ ..‬وغههريهم‬ ‫دعوت بمن وى احلامس‪ ،‬قابل بنههي عههامر وبنههي ذههيبان وبنههي عههب‬

‫املوم‬ ‫وغريهم‪ ،‬ولكن هللبنا ذا أن ؤمن هؤال ‪ ،‬ويف هذا ال وقيت بالذات‪ .‬ونعود ونقوا‪ :‬لي‬

‫كم ذخص ًا آمنوا عىل د ك‪ ،‬ولكن املوم كم ذخص ًا أوصلت شلي هللسالة االسوم‪.‬‬

‫وهؤال الس ة هم‪:‬‬

‫‪ -‬هللافع بن مالك‬ ‫‪ -‬أسعد بن زهللاهللة‬

‫‪ -‬قطبة بن عامر‬ ‫‪ -‬جابر بن عبد اه‬

‫‪ -‬عقبة بن عامر‪.‬‬ ‫‪ -‬عوف بن احلاهللث‬

‫اه عنوم أوعني‪.‬‬ ‫وقطبة وعقبة ليسا بإجيوة ولكن جمرد تشاب يف األسام هلل‬

‫علههيوم الههذي‬ ‫قاا هؤال الس ة‪ :‬فسنقدم عىل قومنا ا هللسوا اه‪ ،‬فندعوهم شىل أمرك‪ ،‬ونعر‬

‫أجبناك شلي من هذا الد ن‪ ،‬فإن معوم اه عليك فو هللجل أعز منك‪ .‬وعههاد السه ة شىل ثههرب‬

‫هكذا فقط‪ ،‬بل بد وا حدثون مع األوس هبذا الشههأن‪،‬‬ ‫وبد وا كلمون عن االسوم‪ ،‬ولي‬

‫وتناسوا وم بعاث‪ ،‬وآمن بالفعل عىل أ دهيم اثنني من األوس‪ ،‬أبو اهليثم بن ال ِّيوان وعو م بن‬
‫‪260‬‬
‫اه عنوام‪ ،‬ومرت سنة كاملة وهم عملون يف الدعوة يف ثههرب‪ ،‬ومههع أن علموههم‬ ‫ساعدة هلل‬

‫قليل‪ ،‬وسمعوا آ ات قليلة من الرسوا ﷺ‪ ،‬لكنوم حتركوا هبذا اآل ات‪( ،‬بلغوا عني ولو آ ة)‪.‬‬

‫لقا الرسوا بأصحاب يف بيعة العقبة األوىل‬

‫مرت األ ام وجا موسم احلج من السنة الثانية عرشة من البعثههة‪ ،‬وأصههبح السه ة اثنههى عرشهه‪،‬‬

‫وجا وا قابلون الرسوا ﷺ‪ .‬الذي نظر شىل عام احلههزن والعههام الههذي بعههدا ‪-‬العههام العههارش‬

‫واحلادي عرش من البعثة‪ -‬رو أن من املس حيل ألمة االسوم أن تقههوم شال بعههد قههرون‪ ،‬لكههن‬

‫جمموعة صغرية من اخلزهللج آمنت‪ ،‬وبعد سن ني فقط أصبح للمسلمني دولة!‬

‫من الواضح أن النرص قد كون قر ب ًا موام كانت الفجوة بينك وبني عدوك واسعة وكبرية‪ ،‬لكن‬

‫املوم أنك متيش يف الطر ق الصههحيح‪ ،‬والطر ههق الصههحيح هههو لر ههق الرسههوا ﷺ؛ ولههذلك‬

‫الرسوا ﷺ مع االثني عرش مسل ًام الذ ن جا وا من ثرب‪ ،‬عشههرة مههن‬ ‫ندهللس السرية‪ .‬جل‬

‫اخلزهللج واثنني من األوس‪ ،‬وبدأ معوم املفاوضات‪ ،‬وهذا املفاوضات عرفت يف ال ههاهلل خ بعههد‬

‫ذلك باسم بيعة العقبة األوىل؛ ألن املكان الذي متت في كههان عنههد العقبههة‪ ،‬واألوىل ألن هنههاك‬

‫بيعة أجيرو س أيت بعد ذلك بسنة‪.‬‬

‫واتفق الرسوا ﷺ مع هؤال املسلمني‪ ،‬ولكن مل طلب منوم النرصة واملساعدة كام للبوهها مههن‬

‫بأ ههدهيم يف ثههرب‪ ،‬وال‬ ‫بني ذيبان أو من بني عامر‪ ..‬أو من غريهم؛ ألن عرف أن القراهلل لي‬

‫الوقت ربيوم لكي حيملوا هذا املومة مس قبوً‪ ،‬وفوق‬ ‫ر د أن حيملوم فوق لاق وم‪ ،‬ويف نف‬

‫ذلك كان ر د أن ز د من عدد املسلمني يف ثرب‪ ،‬ح ى صل شىل املس وو الذي مكههنوم فيه‬

‫من حتمل مسئولية الدفاع عن االسوم‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫بنود بيعة العقبة األوىل‬

‫حيكي لنا عبادة بن الصامت قصة البيعة‪ ،‬وكان من الذ ن ذاهللكوا يف هذا البيعة اهلامة يف تههاهلل خ‬

‫االسوم‪ ،‬قوا عبادة ‪( :‬كنت فيمن حرض العقبة األوىل‪ ،‬وكنا اثني عرش هللجوً‪ ،‬فبا عنا هللسههوا‬

‫اه ﷺ عىل بيعة النسا )‪ ،‬عرفت بذلك أل ا مل شرتا فيوا جواد ًا وال حرب ًا‪ ،‬وكانت بنود البيعة‬

‫كال ات‪:‬‬

‫البند األوا‪ :‬عىل أن ال نرشك باه‪.‬‬

‫البند الثا ‪ :‬وال نرسق‪.‬‬

‫البند الثالع‪ :‬وال نز ‪.‬‬

‫البند الرابع‪ :‬وال نق ل أوالدنا‪.‬‬

‫البند اخلام ‪ :‬وال نأيت ببو ان نفرت بني أ د نا وأهللجلنا‪.‬‬

‫البند السادس‪ :‬وال نعصي يف معروف‪.‬‬

‫هذا هي الرشوا ال ي عىل الصحابة‪.‬‬

‫واجلزا ‪( :‬فإن وفي م فلكم اجلنة‪ ،‬وشن غشي م من ذلك ذيئ ًا فأمركم شىل اه عز وجههل‪ ،‬شن ذهها‬

‫عذبكم وشن ذا غفر لكم)‪ .‬البيعة بسيطة يف ألفاظوا ويف عدد كلامهتا‪ ،‬لكنوا عميقة يف معانيوا‪،‬‬

‫فوي تضع قواعد لبنا املجموعة ال ي مههن املمكههن أن حتمههل مسه قبل األمههة االسههومية عههىل‬

‫ك فيوا‪ .‬أوا بند ذكرا هو القضية األساسية يف االسوم‪ :‬أن ال نرشك باه‪ .‬العقيدة الصههحيحة‪،‬‬

‫ال قدم أمر عىل أمر اه عز وجل‪ ،‬ال بد أن عرفوا ذلك من أوا وم‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫يف البيعة فوي بنود ذكرت ألجل هههدف واحههد‪ ،‬هههو‬ ‫أما البند الثا والثالع والرابع واخلام‬

‫االهللتفاع بأجيوق هذا األمة شىل أعىل مس وو‪.‬‬

‫ال تقوم األمة عىل أك اف املرتجيصني يف قضية األجيوق‪ ،‬شن ضاعت األجيوق ضههاع كههل يش ‪،‬‬

‫ضاعت السياسة‪ ،‬واالق صاد‪ ،‬واحلكم‪ ،‬والقضا ‪ ،‬واملعاموت‪ ،‬وكل يش ‪ .‬بعههد بنههد العقيههدة‬

‫األوىل أتى بأهللبعة بنود من أجل قضية األجيوق‪.‬‬

‫أما البند السادس فوو موم وحي اج شىل وقفة؛ قوا جابر ‪( :‬وال تعصو يف معروف)‪.‬‬

‫وهذا البند وضح ذيئني ال تقوم أمة االسوم من غريمها‪ :‬الشهي األوا‪ :‬لاعههة الرسههوا ﷺ‬

‫وعدم عصيان ‪ .‬اليش الثا ‪ :‬أن هذا الطاعة ال تكون شال يف املعروف‪.‬‬

‫وهذا بند قد س غرب بعض الناس؛ ألن من البدهيات أن الرسوا ﷺ لن ههأمر شال بههاملعروف‪،‬‬

‫لكن الرسوا علي الصوة والسوم ضع قواعد ملس قبل األمة االسههومية ح ههى ههوم القيامههة‪،‬‬

‫فالذي قوم مقام الرسههوا ﷺ يف غيابه أو بعههد موته ال بههد أن طههاع‪ ،‬ولكههن ال طههاع شال يف‬

‫معروف‪( ،‬ال لاعة ملخلوق يف معصية اخلالق)‪ ،‬وهذا قاعدة أصيلة يف بنا األمة االسومية‪.‬‬

‫جزا أهل بيعة العقبة‬

‫أما عن الثمن يف مقابل تنفيذ هذا البنود‪ ،‬فإن مل عدهم بههاما وال برئاسههة وال بوضههع اج امعههي‬

‫معني‪ ،‬وال أمن وأمان‪ ،‬وشنام قاا كلمة واحدة‪ ،‬وال وجد أحههد سه طيع أن حيمههل مومههة بنهها‬

‫األمة االسومية شال شذا كان غرض يف النوا ة هذا الكلمههة‪ ،‬قههاا هللسههوا اه ﷺ‪( :‬فههإن وفيه م‬

‫فلكم اجلنة)‪ ،‬أما كل األثامن األجيرو من ماا وهللئاسة وأمههن وهللاحههة فقههد تههأيت وقههد ال تههأيت‪،‬‬

‫ليست هي القضية‪ ،‬وليست هي من وى أحوم املؤمنني‪} ،‬ش َّن اهَّ اذرتو مهن املهؤمنني أنفسهوم‬

‫وأمواهلم بأ َّن هلم اجلنَّة{ [ال وبة‪ ،]111:‬فقط اجلنة‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫وهنا ضح الفاهللق اهلائل بني جمموعة األنصاهلل ال ي با عت هنا‪ ،‬وبني قبائل بنههي ذههيبان وبنههي‬

‫عامر‪ ..‬وغريهم ممن اذرتلت رشول ًا معينة لإل امن‪ ،‬لكن مع كل ال كاليف ال ي فرضههت عههىل‬

‫األنصاهلل مل كن هناك أي وعد بأي يش شال اجلنة‪ ،‬ولذلك باهللك هللبنهها سههبحان وتعههاىل يف هههذا‬

‫البيعة‪ ،‬وكان آجيرها دولة وسيادة ومتكين ًا‪ .‬هذا هو د ننا‪.‬‬

‫عاد االثنا عرش شىل ثرب‪ ،‬ال ي أصبح اسموا‪ :‬املد نة املنوهللة عنههدما هههاجر شليوهها الرسههوا ﷺ‪،‬‬

‫ومن حينوا وهم معروفون باسم األنصاهلل‪ ،‬وبقي معوم هذا االسم؛ أل م فع ً‬
‫و الههذ ن نرصههوا‬

‫الدعوة‪ ،‬ونرصوا االسوم‪ ،‬ونرصوا الرسوا ﷺ‪ ،‬ونرصوا املوههاجر ن‪ ،‬وتغههري حههاا املسههلمني‬

‫متام ًا بعد شسوموم‪.‬‬

‫سفاهللة مصعب شىل املد نة وموام فيوا‬

‫بعع الرسوا ﷺ واحد ًا من املسلمني املكيني شىل ثرب‪ ،‬مثههل دوهلل السههفري‪ ،‬لكنه يف احلقيقههة‬

‫أعىل بكثري من دوهلل السفري العادي الذي نقل الرسائل من وشىل الرسههوا ﷺ‪ ،‬كانههت له أدواهلل‬

‫ش ابية مومة‪:‬‬

‫الدوهلل األوا‪ :‬تعليم املسلمني هناك االسوم‪.‬‬

‫الدوهلل الثا ‪ :‬أن كون صوهللة م حركة لإلسوم‪ ،‬وقدوة للناس‪.‬‬

‫الدوهلل الثالع‪ :‬شدجياا القدهلل الذي س طيع من أهل البلد يف االسوم‪ ،‬لكي تكون يا ههة البلههد‬

‫بعد ذلك مع مدة عىل أبنائ من داجيل ‪.‬‬

‫الدوهلل الرابع‪ :‬متويد البود نفسي ًا الس قباا املسلمني بعد ذلههك مههن مكههة واحلبشههة‪ ،‬أو مههن أي‬

‫‪.‬‬ ‫مكان يف األهلل‬

‫‪264‬‬
‫الدوهلل اخلام ‪ :‬دهللاسة الوضع العسكري واألمنههي واالق صههادي ليثههرب؛ أل هها سه كون داهلل‬

‫اهلجرة‪.‬‬

‫كانت املومة ضخمة؛ أل ا مومة ال خطيط لبنا دولة‪ ،‬وال بد أن الههذي سههيخ اهللا كههون أهه ً‬
‫و‬

‫هلذا املومة‪.‬‬

‫سبب اجي ياهلل الرسوا ﷺ مصعب بن عمري لدوهلل السفري شىل املد نة‬

‫اه عن ‪ ،‬وال بد أن نقف وقفة مع مصعب بن عمري‪،‬‬ ‫اجي اهلل الرسوا ﷺ مصعب بن عمري هلل‬

‫اه عنوم أوعني‪ .‬لقد اتصف مصعب بصفات‬ ‫ومع سبب اجي ياهللا من دون كل الصحابة هلل‬

‫كثرية‪ ،‬جعل س طيع القيام هبذا املومة الكبرية‪ ،‬وهذا ثبت أن االجي ياهلل كان حكههي ًام‪ ،‬ومل كههن‬

‫عشوائي ًا أبد ًا‪.‬‬

‫اه عن وأهللضاا‪ ،‬كان حيفظ كل مهها نههزا‬ ‫أوالً ‪ :‬كان مصعب بن عمري من أعلم الصحابة هلل‬

‫ال جربة االسومية من أوهلا‪ ،‬و عرف م ى نزلت‬ ‫من القرآن‪ ،‬وهو من أوائل من أسلم‪ ،‬وجيا‬

‫آ ات القرآن ومعناها‪ ،‬وهللأي الرسوا ﷺ يف تفسري اآل ات ال ي نزلت‪.‬‬

‫هناك‬ ‫نقطة العلم نقطة يف غا ة األمهية‪ ،‬وبالذات أن املسافة بني مكة و ثرب ‪ 500‬كيلو‪ ،‬ولي‬

‫هناك مصادهلل أجيرو للعلم غري مصعب ‪ ،‬فههو بههد أن كههون‬ ‫فرصة لسؤاا الرسوا ﷺ‪ ،‬ولي‬

‫جمرد وسيلة معجزة الثبات صدق الرسههوا‬ ‫عامل ًا بحق‪ ،‬وحفظ القرآن كان مو ًام جد ًا؛ ألن لي‬

‫ﷺ‪ ،‬لكن أ ض ًا دس وهلل ومنواج حياة كاملة للمسلمني‪ ،‬فالذي حيفظ القرآن و فوم و عمل به‬

‫هو أصلح واحد من قوم هبذا املومة‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫اه عن كان صف باللباقة والذكا واهلدو والصههرب‪ ،‬وسههعة‬ ‫ثاني ًا‪ :‬أن مصعب بن عمري هلل‬

‫الصدهلل واحللم‪ ،‬وهذا صفات أساسية يف أي داعية‪ ،‬كان مصعب شنسان ًا هللقيق ًا هادئ ًا م واضههع ًا‪،‬‬

‫في ذكا ذد د‪ ،‬أي‪ :‬أن داعية مثات‪.‬‬

‫اه عن من أرشاف أهل مكة‪ ،‬كان من بني عبههد الههداهلل الههذ ن‬ ‫ثالث ًا‪ :‬أن مصعب بن عمري هلل‬

‫معنى هذا أن االسوم أتى ليفرق بههني‬ ‫حيملون مف اح الكعبة‪ ،‬و واهللثون كابر ًا عن كابر‪ ،‬ولي‬

‫أصحاب األصل الرش ف وبني غريا من الناس‪ ،‬لكههن الرسههوا ﷺ كههان راعههي حالههة أهههل‬

‫ثرب‪ ،‬وال ر د أن ف نوم‪ ،‬ا ترو ماذا سيكون حاهلم لو ذهب شليوم هللجل بسيط ضعيف عبد‬

‫أو حليف؟ هللبام لن سمعوا من أصوً‪ ،‬لكن مصعب بن عمري من أرشف الصحابة نسب ًا‪.‬‬

‫اه سيكون جيري قدوة لألغنيا الذ ن ر ههدون الههدجيوا يف هههذا‬ ‫هللابع ًا‪ :‬مصعب بن عمري هلل‬

‫الد ن‪ ،‬و رتددون بسبب ملكوم أو أمواهلم؛ ألن مصعب ًا قدم هلم املثاا العميل لرجههل اسه طاع‬

‫أن رتك املاا من أجل الدعوة‪ ،‬وكذلك الفقرا سي أكدون أن الد ن ال فرق بني الغني والفقري‬

‫فعوً‪.‬‬

‫اه عن شىل ثرب شعون ًا واضح ًا ألهههل ثههرب‬ ‫جيامس ًا‪ :‬سيكون شهللساا مصعب بن عمري هلل‬

‫ثوهللة من الفقرا عىل األغنيا ‪ ،‬هههذا هههو السههفري االسههومي‬ ‫وملكة ولغريمها أن هذا الد ن لي‬

‫و غني ًا وواسع الغنى‪ ،‬ثم ترك مال ليصبح مسل ًام وشن كان فقري ًا‪ ،‬وهذا عنههي أن دعههوة‬
‫كان هللج ً‬

‫االسوم مل تظور من أجل عوامل اق صاد ة كام قوا كثري من الناس‪.‬‬

‫سادس ًا‪ :‬هذا السفري املنعزا يف ثرب الذي عيش عىل بعد ‪ 500‬كيلو من الرسوا ﷺ قد فه ن‬

‫بالدنيا هناك‪ ،‬وبراحة العيش‪ ،‬وهللغد احلياة‪ ،‬مثل ما نرو نحن مههن كههون ذههعلة مههن النشههاا‪،‬‬

‫عليوم الدنيا ف نون هبا و ب عدون عن الطر ق‪ ،‬أما مصعب فلم كن هكذا‪،‬‬ ‫لكن عندما تعر‬

‫‪266‬‬
‫فقد نجح يف االجي باهلل الصعب الذي قامت ب أم مع ‪ ،‬ولئن كان قادهلل ًا عىل هللفض الدنيا من ههد‬

‫أم ‪ ،‬فوو عىل هللفضوا من أ دي اآلجير ن أقدهلل‪.‬‬

‫سابع ًا‪ :‬الداعية املنعزا الذي عيش لوحدا بعيد ًا عن املسلمني‪ ،‬و علم النههاس والنههاس متشههي‬

‫وهللا ا‪ ،‬قد ف ن بف نة الرئاسة والزعامة‪ ،‬و نسلخ عن الصف بمن تبع ‪ ،‬وهههذا كاهللثههة حقيقيههة‪،‬‬

‫لكن مصعب ًا يف احلقيقة أثبت قدهللت عىل الوقوف أمام ف نة الرئاسههة؛ فهههمصعب مههن بنههي عبههد‬

‫الداهلل‪ ،‬ومكان يف قر ش معروفة‪ ،‬وزعام فيوا كانت وذيكة لوال اهللتبال هبذا الد ن‪ ،‬لو كههان‬

‫فع ً‬
‫و ر د الزعامة لظل عىل رشك ومل دجيل يف االسوم‪ ،‬لكن اجي اهلل االسوم وهللفض الزعامة‪.‬‬

‫اه عن وأهللضاا كان مههن املوههاجر ن شىل احلبشههة يف اهلجههرتني‬ ‫ثامن ًا‪ :‬أن مصعب بن عمري هلل‬

‫األوىل والثانية‪ ،‬ونحن ال نعرف م ى عاد من اهلجرة الثانية‪ ،‬ولعل الرسوا ﷺ اس دعاا ألجههل‬

‫هذا املومة‪ ،‬وال ذك أن هجرة احلبشة قد أكسب جيربة كبرية يف ال عامههل مههع األغههراب‪ ،‬ومههع‬

‫عادات وتقاليد خم لفة‪ ،‬فإذا كان س طيع أن عامل مع أهل احلبشة وهههم ليسههوا عربه ًا أصهوً‪،‬‬

‫ود نوم غر ب عىل اجلز رة العربية‪ ،‬فيس طيع أن عامل مع أهل ثرب الذ ن هم مههن العههرب‪،‬‬

‫الوقت د نوم هو الد ن الذي علي أهل مكة‪.‬‬ ‫ويف نف‬

‫تاسع ًا‪ :‬هجرة احلبشة أعطت مصعب ًا القدهللة عىل ترك الد اهلل ومفاهللقة األهل واألحباب‪ .‬نحن ال‬

‫نعرف مومة ثرب كم س أجيذ من الوقت‪ ،‬سنة أو سن ني أو ثههوث سههنني‪ ،‬فالههذي اسه طاع أن‬

‫صرب عىل اهلجرة فرتة لو لة‪ ،‬س طيع أن صرب عىل هذا اهلجرة أ ض ًا‪.‬‬

‫اه عن كان عمرا ‪ 35‬عام ًا وقت هذا السفاهللة‪ ،‬وهههذا سههن‬ ‫عارش ًا‪ :‬أن مصعب بن عمري هلل‬

‫ذيخ ًا مسن ًا ح ههى‬ ‫ذاب ًا صغري ًا ح ى ووهلل أو ندفع‪ ،‬ولي‬ ‫مناسب جد ًا هلذا العمل‪ ،‬فوو لي‬

‫تصعب علي احلركة والدعوة واملشقة‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫ف لك عرشة كاملة مههن أجلوهها اجي ههاهلل الرسههوا ﷺ مصههعب بههن عمههري ليكههون أوا سههفري يف‬

‫اه عن ‪.‬‬ ‫االسوم‪ ،‬وهللبام هناك أسباب أجيرو كثرية هللآها الرسوا ﷺ يف مصعب بن عمري هلل‬

‫لر قة مصعب يف الدعوة شىل اه يف املد نة‬

‫اه عن شىل ثرب‪ ،‬وبد وا‬ ‫عاد األنصاهلل ومعوم الصحاذ اجلليل القدوة مصعب بن عمري هلل‬

‫قومون بعمل منظم يف ثرب‪ ،‬ويف تلك السنة كانت ثههرب خم لفههة متامه ًا عههن السههنوات ال ههي‬

‫قبلوا‪ ،‬بعد أن كانت غاهللقة بالدم ن يجة الرصاع بني األوس واخلزهللج‪.‬‬

‫اه عن ‪ ،‬وأسههعد‬ ‫اه عن يف ضيافة أسعد بن زهللاهللة اخلزهللجي هلل‬ ‫نزا مصعب بن عمري هلل‬

‫اه عههنوم‪ ،‬كههان‬ ‫مل كن عمرا آنذاك قد وصل ثوثني عام ًا‪ ،‬لكن كان من أحكم الصحابة هلل‬

‫عنههدا علههم‬ ‫أسعد عرف كل أهل املد نة‪ ،‬وكانت له عوقههات جيههدة بمعظموههم‪ ،‬لكههن لههي‬

‫مصعب ‪ ،‬ومصعب عندا علم غز ر‪ ،‬لكن ال عرف أحد ًا يف املد نة‪.‬‬

‫اه عن شىل كل بقعة يف ثرب‪ ،‬و دجيل ب كل بيههت‬ ‫اه عن أجيذ مصعب ًا هلل‬ ‫كان أسعد هلل‬

‫اه‬ ‫ومل قى وذاهللع‪ ،‬و عرف بكل من لقي ‪ ،‬وبعد أن عرف علي ب دئ مصعب بن عمههري هلل‬

‫عن بال عر ف باالسوم وقرا ة القرآن‪ ،‬وهكذا كانا‪ ،‬فهمصعب بغري أسعد لن س طيع أن صل‬

‫شىل أهل ثرب‪ ،‬وأسعد بغري مصعب ال س طيع أن قنع الناس بحووة االسوم‪ ،‬وأسههعد هبههذا‬

‫الطر قة كان من جيري الدعاة‪ ،‬نعم هو ال خيطب وال كلم‪ ،‬لكن من غريا مصعب لههن ه كلم‪،‬‬
‫وهذا حووة الدعوة‪ ،‬والعمل اجلامعي‪ٌ ،‬‬
‫كل د ل دوهلل ًا كمل ب دوهلل اآلجير‪ ،‬وكل هههذا فيههد‬

‫اه عن أن مل كن أجيذ مصعب ًا شىل اخلههزهللج‬ ‫الدعوة بو ذك‪ .‬واجلميل يف أسعد بن زهللاهللة هلل‬

‫فقط‪ ،‬ولكن كان أجيذا شىل األوس أ ض ًا‪ ،‬نهيس الصهراعات القد مههة والههدم والثههأهلل والقبليههة‪،‬‬

‫وعاؤ حيات كلوا لإلسوم فقط‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫شسوم أسيد بن حضري وسعد بن معاذ عىل د مصعب بن عمري‬

‫من أول وأهللوع وأعظم ما حدث مع أسعد ومصعب دعوة أسيد بن حضري وسههعد بههن معههاذ‬

‫اه عنوام‪ ،‬ومها سيدا بني عبد األذول من قبيلة األوس‪ ،‬وهههي قبيلههة أجيههرو غههري قبيلههة‬ ‫هلل‬

‫أسعد‪ .‬ذهب أسعد بهمصعب شىل حد قة لألوس‪ ،‬ووع ل الذي اس طاع أن مع منوم‪ ،‬وبههدأ‬

‫مصعب قرأ عليوم القرآن‪ ،‬كل هذا وسادات األوس يف احلد قة‪ ،‬أسيد بن حضري وسههعد بههن‬

‫معاذ ‪ ،‬وكانا ما زاال مرشكني‪ ،‬فسمع سعد بههن معههاذ بههأمر مصههعب وأسههعد ‪ ،‬فغضههب غضههب ًا‬

‫ذد د ًا‪ ،‬وفكر أن ذهب شليوام‪ ،‬لكن أسعد بن زهللاهللة ابن جيالة سعد بن معاذ فرأو غههري ذلههك‪،‬‬

‫فقاا سعد بن معاذ لهأسيد بن حضههري‪( :‬اذهههب شىل هههذ ن اللههذ ن قههد أتيهها ليسههفوا ضههعفا نا‬

‫فازجرمها وا وام عن أن أتيا داهلل نا‪ ،‬فإن أسعد بههن زهللاهللة ابههن جيههال ي‪ ،‬ولههوال ذلههك لكفي ههك‬

‫هذا)‪ ،‬فأجيذ أسيد حرب وذهههب شلههيوام‪ ،‬فلههام هللآا أسههعد آتيه ًا مههن بعيههد مل خيههف‪ ،‬ولكنه قههاا‬

‫لهمصعب كلمة يف من وى األمهية‪ ،‬قاا ل ‪( :‬هذا سيد قوم قد جا ك فاصدق اه فيه )‪ .‬انظههروا‬

‫شىل فق أسعد ‪ ،‬علم أن الصدق مع اه فه ح القلههوب‪ ،‬و هذ ِّكر مههن؟! ههذكر مصههعب ًا القههاهللئ‬
‫املقههرئ‪ ،‬ههذكر الرجههل الههذي عنههدا علههم‪ ،‬لكههن‪} :‬وذ ِّك هر ف هإ َّن اله ِّ‬
‫هذكرو تنف هع امل هؤمنني{‬

‫[الذاهلل ات‪.]55:‬‬

‫أكلم (‪ ،‬فجا أسيد ووقف عليوام مس عد ًا للق اا‪ ،‬وقاا‪) :‬ما‬ ‫قاا مصعب لهأسعد ‪) :‬شن ل‬

‫جا بكام شلينا تسفوان ضعفا نا‪ ،‬اع زالنا شن كانت لكام بأنفسكام حاجة(‪ .‬أي‪ :‬اذهبا من هنا لههو‬

‫كن ام ختافان عىل أنفسكام‪ .‬كوم غليظ مس فز‪ ،‬لكن قلب مصعب واسع‪ ،‬فقاا يف من وى اهلههدو‬

‫ف سمع؟ فإن هللضيت أمر ًا قبل ‪ ،‬وشن كره كففنا عنك ما تكرا)‪.‬‬ ‫وسعة الصدهلل‪( :‬أو جتل‬

‫‪269‬‬
‫وهو مس ند عىل حرب )‪.‬‬ ‫فقاا أسيد بن حضري ‪( :‬أنصفت‪ ،‬وجل‬

‫اه عن كلم عن االسوم‪ ،‬وبدأ قرأ القههرآن‪ ،‬ووقعههت كلههامت الههرين يف‬ ‫بدأ مصعب هلل‬

‫قلب أسيد بن حضري ف غري وجو متامه ًا‪ ،‬وذهههب الغضههب مههن وجوه ‪ ،‬وبانههت عليه سههكينة‬

‫وهدو ‪ ،‬وتأثر لدهللجة أن أسعد بههن زهللاهللة قههوا‪( :‬فههو اه لعرفنهها يف وجوه االسههوم قبههل أن‬

‫كلم‪ ،‬يف شرشاق وهتلل )‪.‬‬

‫قاا أسيد بن حضري ‪( :‬ما أحسن هذا الكوم وما أول )‪ ،‬وبعد ذلك قاا كلمة عجيبة جد ًا وهو‬

‫اللحظة‪( :‬كيف تصنعون شذا أهللدتم أن تدجيلوا يف هههذا الههد ن؟)‪ ،‬كههان الرجههل‬ ‫يف نف‬ ‫جال‬

‫قف مس عد ًا للق اا‪ ،‬ويف حلظة ترك د ن الذي عاؤ علي سنوات وسنوات بمجههرد أن سههمع‬

‫مههن املد نههة أصهوً‪،‬‬ ‫بعض اآل ات‪ ،‬وبعد أن جا ليطردمها وأسعد من اخلزهللج ومصعب لههي‬

‫لكن كلامت القرآن كانت تنزا عىل قلب أسيد برد ًا وسوم ًا‪ ،‬غريت كلية من د ن ومههن حياته ‪،‬‬

‫ر د أن دجيل يف االسوم مبارشة‪.‬‬

‫قاا ل أهللبعة أذيا ‪( :‬تغ سل‪ ،‬وتطور ثوبك‪ ،‬ثم تشود ذوادة احلق‪ :‬ال شل شال اه حممههد هللسههوا‬

‫اه‪ ،‬ثم الرابعة‪ :‬تصيل هللكع ني)‪ ،‬فقام واغ سل ولور ثوب وتشود وصىل هللكع ني‪ ،‬وأصبح أسيد‬

‫مسل ًام‪ .‬هبذا السوولة ان قل من معسكر الكفر شىل معسكر اال امن‪ ،‬وما هي شال دقائق ح ى ذههعر‬

‫اه عن بحووة االسوم‪ ،‬وأحب أن نقل هذا احلووة ملن حيبوم‪ ،‬ومل صبح مسههل ًام‬ ‫أسيد هلل‬

‫فقط‪ ،‬بل أصبح داعية‪ ،‬ففكر يف سعد بن معاذ ‪ ،‬قههاا أسههيد ‪( :‬شن وهللا ي هللجه ً‬
‫و شن تههبعكام لههن‬

‫خلف عن أحد من قوم ‪ ،‬وسأهللذدا شليكام)‪ ،‬ذهب أسيد ليخرب سعد بن معاذ ‪ ،‬فلام هللآا سههعد‬

‫و ذكي ًا ملاح ًا‪ ،‬قاا بنظرة واحدة‪( :‬أحلف باه لقد جا كم أسيد بغري الوجه‬
‫من بعيد‪ ،‬وكان هللج ً‬

‫الذي ذهب ب من عندكم)‪ ،‬وصدق سعد ‪ ،‬لقد ذهب أسيد من عندا بوجه كههافر‪ ،‬وعههاد شليه‬

‫بوج مؤمن‪ ،‬وذ ان بينوام‪ ،‬فقاا ل سعد‪( :‬ماذا عملت؟) ففكر أسههيد أن كههذب لكههي ههدفع‬
‫‪270‬‬
‫سعد ًا للذهاب شىل مصعب‪ ،‬مل كن عرف أن الكذب حههرام يف االسههوم‪ ،‬فبههدأ ؤلههف قصههة‪،‬‬

‫وقاا‪( :‬واه ما هللأ ت هبام بأس ًا‪ ،‬وقد ي وام فقاال‪ :‬نفعل ما أحببت‪ ،‬وقد حدثت أن بني حاهللثههة‬

‫جيرجوا شىل أسعد بن زهللاهللة ليق لوا‪ ،‬وذلك أ م قههد عرفههوا أنه ابههن جيال ههك ليخفههروك) أي‪:‬‬

‫الهان ك‪ ،‬فأجيذ سعد بن معاذ حرب وتوج شليوام‪ ،‬فلام وصل مل د بني حاهللثههة ومل ههد أحههد ًا‬

‫معوام‪ ،‬بل وجدمها جالسني من غري أي مشاكل‪ ،‬ففوم أن أسيد ًا كان دفع لكي أيت و قابلوام‪،‬‬

‫معوام لكي طردمها بنفس ‪.‬‬ ‫ومل د بد ًا من أن ل‬

‫ملا هللآا أسعد بن زهللاهللة آتي ًا من بعيد قاا لهمصعب ‪( :‬جا ك واه سيد من وهللائ قوم شن بعههك‬

‫مل خلف عنك منوم أحد)‪ ،‬فان ظر مصعب ح ى جا سعد‪ ،‬فأتى سعد برسعة ووجه كومه‬

‫مبارشة شىل أسعد‪ ،‬وجتاهل وجود مصعب ‪ ،‬قاا‪( :‬واه؛ ا أبا أمامة! لوال ما بينههي وبينههك مههن‬

‫القرابة ما هللمت هذا مني‪ ،‬تغشانا يف داهللنا بام نكرا؟!) وقبههل أن ههرد أسههعد دجيههل مصههعب يف‬

‫احلواهلل وقاا لهسعد ‪( :‬أو تقعد ف سمع‪ ،‬فإن هللضيت أمههر ًا قبل ه ‪ ،‬وشن كره ه عزلنهها عنههك مهها‬

‫سعد وهو مس ند عههىل حرب ه ‪ ،‬وبههدأ مصههعب‬ ‫تكرا)‪ .‬قاا سعد بن معاذ ‪( :‬أنصفت)‪ ،‬فجل‬

‫اه عنه‬ ‫كلم يف االسوم‪ ،‬و قرأ القرآن‪ ،‬وكام أثر القرآن يف أسيد أثر يف سههعد بههن معههاذ هلل‬

‫وأهللضاا أ ض ًا‪ ،‬وظور عىل وجو ‪ ،‬قوا أسعد بن زهللاهللة ‪( :‬فعرفنا واه يف وجو االسههوم قبههل‬

‫أن كلم يف شرشاق وهتلل )‪ ،‬ثم قاا سعد بن معاذ وكأن أجيههذ قههراهلل ًا سههو ً‬
‫و يف حياته ‪ ،‬قههاا‪:‬‬

‫(كيف تصنعون شذا أسلم م؟)‬

‫اه عن من كافر ال ساوي عند اه ذيئ ًا شىل مؤمن‬ ‫هذا القرآن! ها هو حيوا سعد بن معاذ هلل‬

‫هي ز عرؤ الرين ملوت بعد ذلك‪ ،‬قاال‪( :‬تغ سل وتطور ثوبك ثم تشود ذوادة احلق ثههم تصههيل‬

‫هللكع ني)‪ .‬ففعل ذلك سعد ‪ ،‬وأصبح مسل ًام‪ ،‬وكام أصههبح أسههيد داعيههة بعههد شسههوم مبههارشة‪،‬‬

‫كذلك كان سعد بن معاذ داعية بعد االسوم‪ ،‬ولكن كان داعية عجيب ًا‪ ،‬وصنع ذيئ ًا ال سه طيع‬

‫‪271‬‬
‫أحد أن صنع يف االسوم يف عرشات السنني‪ ،‬وضههع مفاصههلة عجيبههة مههع قبيل ه ‪ ،‬كههان مههن‬

‫املمكن أن دفع فيوا ملكه وسههيادت ووضههع االج امعههي‪ ،‬كانههت هههذا املفاصههلة وعمههرا يف‬

‫االسوم جمرد حلظات‪ ،‬لقد ولد ش امن سعد عموق ًا بمعنى الكلمة‪ .‬ذهب سعد شىل قبيل ه وقههاا‬

‫هلم‪ ( :‬ا بني عبد األذول؛كيف تعلمون أمري فيكم؟) قههالوا‪( :‬سههيدنا وأفضههلنا هللأ ه ًا وأ مننهها‬

‫نقيبة)‪ ،‬فقاا سعد يف وضوح وِصامة‪( :‬فإن كوم هللجالكم ونسائكم عيل حههرام ح ههى تؤمنههوا‬

‫باه وهللسول )‪ .‬مفاصلة كاملة عجيبة‪ ،‬ماذا كان سيحصههل لههو أن القبيلههة هللفضههت االسههوم؟!‬

‫سيخ اهللون هللئيس ًا غريا‪ ،‬لكن سعد ًا تغري‪ ،‬ومل تعد الههدنيا تسههاوي يف عينيه أي يش ‪ ،‬وذههعر أن‬

‫عمر ًا لو ً‬
‫و ضاع من ‪ ،‬وكان كل مه أال ضيع الباقي‪ ،‬لكن احلمد ه دجيلت قبيلة سعد ‪-‬بنههي‬

‫عبد األذول‪ -‬بكاملوا يف د ن االسوم يف وم واحد‪ ،‬شال واحد ًا تههأجير شسههوم أهللبههع سههنوات‬

‫وبعد ذلك أسلم‪ .‬هل هللأ م النرص‪ ،‬كيف من املمكن أن كون قر ب ًا؟!‬

‫قبل دقائق كانوا جمموعههة قليلههة ضههعيفة بسههيطة‪ ،‬واآلن أصههبحوا مئههات ومئههات‪ ،‬دجيلههت يف‬

‫االسوم قبيلة بأكملوا برجاهلا ونسائوا وألفاهلا وجييوهلا وسوحوا‪ ،‬وكل ذلك لكههي بههني لنهها‬

‫هللبنا هللسالة مومة وهي‪ :‬أن حلظة ال مكني بيدا سبحان وتعاىل‪ ،‬وممكن أن تكون قر بة وبطر قههة‬

‫ال حيسب هلا املسلمون أي حساب‪ ،‬فإن اه خي اهلل الطر قههة وال وقيههت‪ ،‬لكههن املطلههوب منهها أن‬

‫نفعل مثل مصعب وأسعد ‪ ،‬نبذا املجوود حسب الطاقة‪ ،‬ونخلص النية لربنا سبحان وتعههاىل‪،‬‬

‫ونصدق اه عز وجل‪ ،‬وسيجعل اه عز وجل بعد كل ضيق فرج ًا ونرص ًا‪.‬‬

‫تغري الوضع يف املد نة‪ ،‬وحتولت شىل جيلية نحل‪ ،‬فوذا أسعد ومصعب وسعد وأسيد‪ ..‬وغريهم‪،‬‬

‫كلوم عملون يف الدعوة‪ ،‬وصل االسوم شىل كل مكان يف املد نة‪ ،‬ومل تبق داهلل من دوهلل األنصههاهلل‬

‫شال وفيوا هللجاا ونسا مسلمون‪ ،‬ح ى الذي مل دجيل يف االسوم أصبح سههمع عنه ‪ ،‬وأصههبح‬

‫‪272‬‬
‫كلوا‪،‬‬ ‫واضح ًا أن املد نة مقبلة عىل مرحلة جد دة‪ ،‬وسيكون هلا دوهلل كبري يف تغيري واقع األهلل‬

‫ويف تغيري جير طة العامل‪ ،‬كل هذا يف أقل من سنة‪.‬‬

‫تذكروا معي ال اهلل خ‪ ،‬قبل ثوث سنوات كان عام احلزن‪ ،‬بكل اهلمههوم واألحههزان الههذي فيه ‪،‬‬

‫ومن سن ني كانوا س ة من اخلزهللج‪ ،‬ومن سنة كانوا اثني عرش‪ ،‬عرشة مههن اخلههزهللج واثنههني مههن‬

‫األوس‪ ،‬واآلن االسوم دجيل كل بيوت املد نة‪ ،‬شن النرص لقر ب‪ ،‬لكن املوم أن تعمل‪.‬‬

‫اه عن وأهللضاا شىل مكة قبل موسم احلج من السنة الثالثههة عشههرة‬ ‫عاد مصعب بن عمري هلل‬

‫من البعثة‪ ،‬عاد ونقههل أحههداث املوقههف لرسههوا اه ﷺ‪ ،‬ونقههل له األجيبههاهلل السههعيدة بههإ امن‬

‫األنصاهلل‪ ،‬ووضح ل منعة املد نة يف ثههرب‪ ،‬ومنعههة هللجاهلهها‪ ،‬وقههوة بأسههوا وسههوحوا‪ ،‬وعرفه‬

‫موالن القوة فيوا‪ ،‬ومفاتيح ال غيري يف الرجاا هناك‪ ،‬وأصبح هللسوا اه ﷺ خيل املد نة وهو‬

‫يف مكة وكأن راها هللأي العني‪ ،‬راها ذاهللع ًا ذاهللع ًا و عرف هللجاهلا هللج ً‬
‫و هللجوً‪.‬‬

‫‪273‬‬
274
‫‪13‬‬

‫بيعة العقبة الثانية‬

‫يف موسم احلج يف السنة ‪ 13‬من البعثة حرض املسلمون من املدينة إىل مكة ملقابلةةة الوسةةو ﷺ‬

‫واالستامع منه‪ ،‬ومعظم هؤالء مل يووا الوسو ﷺ‪ ،‬وكل اإلسالم الذي تعلمةةوو وفوهةةوو كةةان‬

‫فن طويق مصعب ريض اهلل فنه‪ .‬أتى الوهد املسةةلم مةةن يثةةوا وةةمن الوهةةد ال ثةةو الكبة‬

‫املرشك‪ ،‬املكون من ‪ 300‬تقويبةةا‪ ،‬مةةن م ‪75‬مسةةلام‪ 73 ،‬مةةن الولةةا واموأتةةان‪ .‬الغويةةب أن‬

‫املرشكني الذي كانوا يف هذا الوهد مل يعوهوا أكثو املسلمني‪ ،‬أي أن املسلمني من األنصةةار كةةانوا‬

‫غ معووهني يف املدينة بإسالم م‪ ،‬مع أن دفوة مصعب بن فمة كانةةن فلن ةةة‪ ،‬كةةان لة‬

‫وسط كل الناس‪ ،‬لكن يبدو أن الذي يسلم كان ال يعلن إسالمه؛ موافاة لظووف املدينة وكثوة‬

‫املرشكني‪ ،‬وولود ال ود‪ ،‬وغ ذلك من العوامل‪ ،‬كل هذا لعل الدفوة فلن ةةة لكةةن ال ب ةةة‬

‫رسية‪ ،‬واستطاع مصعب بن فم ريض اهلل فنه واألنصار أن يك فوا ظووه م بح ث تتناسةةب‬

‫مع ظووف املدينة املنورة يف ذلك الوقن‪.‬‬

‫املعامل العامة لوهد العقبة الثان ة‬

‫كان بني وهد األنصار املكون من ‪ 75‬وبني الوسو ﷺ وفد يف موسم احلج سنة ثالث فشةةوة‬

‫من البعثة‪ ،‬وهم ال يعوهون بامذا س كلف م الوسو ﷺ؟ أو ماذا يويد من م؟ كل الذي يعوهونه‬

‫ء غة‬ ‫هو االتفاق الذي لوى مع أصحاا ب عة العقبة األوىل‪ ،‬وهذا االتفةةاق مل يكةةن ه ةةه‬

‫‪275‬‬
‫العق دة واألخالق وطافة الوسةةو ﷺ‪ ،‬وهةةذو معظم ةةا تكل فةةاة هوديةةة‪ ،‬ومل يطلةةب مةةن م‬

‫احلوا وال اجل اد أو أي طلب للنرصة؛ ألن الوسو ﷺ كةةان مقةةدرا لووةةع أصةةحاا ب عةةة‬

‫العقبة األوىل‪ ،‬وكةةان يعلةةم بةةان إمكان ةةاربم م ةةام كةةةة هإ ةةا ةةدودة‪ ،‬ومل يطلةةب مةةن م أن‬

‫يستض فوو هو ومن معه يف مكة إىل املدينة املنورة‪ ،‬ومع ذلك ومع فةةدم التكل ةةن لرنصةةار إال‬

‫أ م هم من كان يبحث فن النرصة واملسافدة واالستضاهة لوسو اهلل وللمؤمنني يف مكة‪.‬‬

‫هناك كلمة مج لة قاهلا لابو بن فبد اهلل ريض اهلل فنه‪ ،‬وهو من الستة األنصةةار األوا ةةل الةةذين‬

‫أسلموا يف السنة احلادية فرشة من البعثة‪ ،‬ثم بايعه بعد ذلك يف ب عةةة العقبةةة األوىل‪ ،‬قةةا هةةذو‬

‫الكلمة وهم ما زالوا يف املدينة قبل أن ياتوا مكة‪ ،‬قا لابو (هقلنا ‪-‬أي نحن األنصار‪ -‬حتى‬

‫متى ن ك رسو اهلل ﷺ يطود يف لبا مكة وخياف‪ ،‬هوحل إل ه منا ‪ 73‬رلال)‪ .‬هاألنصار هةةم‬

‫الذين سعوا إىل نرصة رسو اهلل ﷺ قبل أن يطلب من م ذلك‪ ،‬والوسو ﷺ مل يطلب من م أن‬

‫ياتوا هبذا العدد الكب يف هذا املوسم‪ ،‬لكن هم الذين مجعوا أنفس م يف هذا العةةدد الكبة مةةن‬

‫ألل أن يقنعوا الوسةةو ﷺ بالةةذهاا مع ةةم إىل املدينةةة‪ ،‬هةةم الةةذين بحثةةوا فةةن التكةةال ن‬

‫والوالباة الشاقة والصعبة يف اإلسالم‪ .‬هارق وخم ها ةةل بةةني الةةذي يبحةةث فةةن الةةدفوة‬

‫والنرصة واجل اد‪ ،‬وبني الذي يبحث فنه الناس؛ ل قوم بامو اإلسالم واجل اد‪ ،‬هوغبةةة األنصةةار‬

‫هذو ستفرس لنا مواقف م التي سنقوهلا اآلن يف ب عة العقبة الثان ة‪ ،‬وستفرس لنا مواقن األنصةةار‬

‫بعد ذلك يف كل س ة الوسو ﷺ‪.‬‬

‫ء ألنفسة م هحسةةب‪ ،‬بةةل فا ةةوا‬ ‫كان األنصار أنصارا للدين بمعنى الكلمة‪ ،‬مل يفكووا يف‬

‫للدين ولإلسالم‪ ،‬فا وا لغ هم من املسلمني‪ ،‬ما أبلغ الوصن الذي وصف م به رهبم سبحانه‬
‫ون َف ََل َأ ْن ُف ِس ِ ْم َو َل ْو ك َ‬
‫َان ِهبِة ْم َخ َص َ‬
‫اصةة( [احلشةةو ‪ ،]9‬هةةذو اآليةةة‬ ‫وتعاىل فندما قا } َو ُي ْؤثِ ُو َ‬

‫‪276‬‬
‫تلخص كل قصة األنصار‪ ،‬ولن تستط ع أن تستوفب املواقن العظ مةةة لرنصةةار إال يف وةةوء‬

‫هذا املعنى اجلم ل الذي أ ار إل ه اهلل فز ولل يف كتابه الكويم‪.‬‬

‫إفداد الوسو ﷺ واألنصار ملوفد ب عة العقبة الثان ة‬

‫وصل األنصار إىل مكة مع وهدهم‪ ،‬وبدءوا يوتبون للموفد الذي س تم ب ةةن م وبةةني الوسةةو‬

‫ﷺ‪ ،‬ويويد الوسو ﷺ أن عله يف غاية الرسية؛ ألنه املوفد الذي يسبق ق ام دولةةة املسةةلمني‪،‬‬

‫وكذلك كان الوسو ﷺ ال يستط ع أن يقابل ممثلني فن اخلمسة والسبعني؛ أل ةةم مةةن بطةةون‬

‫خمتلفة وهووع خمتلفة من األوس واخلزرج‪ ،‬صح ح أ م يولعون يف الن ايةةة إىل قب لتةةني‪ ،‬لكةةن‬

‫ه م بطون كث ة وهووع كث ة‪ ،‬ومن املمكن أال يواهق الكل فَل مج ع الرشةةوا التةةي سة قوهلا‬

‫الوسو ﷺ‪ ،‬ومن غ املعقو أن يذهب الوسو ﷺ إىل املدينة‪ ،‬ثم يكتشةةن أن كثة ا مةةن م‬

‫فَل قدر املسئول ة‪ ،‬أو أن ه م مع وةةا فةةَل ولةةود الوسةةو ﷺ‪ ،‬أو فةةَل بعةةو بنةةود‬ ‫ل‬

‫االتفاق؛ لذا كان البد أن يقابل م كل م‪ ،‬ويتاكد أ م كل م مواهقون فةةَل هةةذا املووةةوع بكةةل‬

‫أبعادو‪ ،‬وأن كل واحد من م سوف يبايعه ويس ّلم فل ةةه ب ةةدو؛ مةةن ألةةل أن يؤكةةد الب عةةة معةةه‬

‫بنفسه‪ ،‬ه طمئن من كل واحد بع نه أنه مواهق فَل كل بنود االتفاق‪ .‬ك ةةن سة قابل م وهةةم يف‬

‫زمحة احلج‪ ،‬ووسط مكة الصغ ة؟ ك ن س قابل م من غ أن يشعو به أحد من أهل مكة؟‬

‫أوال اختار الوسو ﷺ أن يكون املوفد يف آخةةو ل لةةة مةةن ل ةةا احلةةج؛ يف ل لةةة ‪ 13‬مةةن ذي‬

‫احلجة؛ ألن احلجاج س عودون إىل بالدهم يف ال وم الثاين مبارشة‪ ،‬هلو أن أحدا من أهل قةةوي‬

‫فلم باللقاء‪ ،‬هلن يصلوا إىل الوهد إال بعد رح له‪.‬‬

‫ثان ا أنه لعل سافة اللقاء يف الثلث األوسط من الل ل؛ ألن األغلةةب أن كةةل النةةاس يف مكةةة‬

‫س كونون ن اما يف هذا الوقن‪ ،‬هالذي س نام متاخوا س تاخو نومه إىل الثلث األو مةةن الل ةةل‪،‬‬

‫‪277‬‬
‫والذي س صحو مبكوا س صحو يف الثلث األخ من الل ل‪ ،‬لكن الثلث األوسط يكون الناس‬

‫ه ه يف األغلب ن اما‪.‬‬

‫ثالثا اختار الوسو ﷺ مكانا بع دا فن زمحة احلجاج‪ ،‬اختار الشعب األيمن من العقبة‪ ،‬وهةةو‬

‫مكان بع د‪ ،‬ال يولد أحد من احلجاج ووع ه ه خم امة‪.‬‬

‫رابعا أن الوسو ﷺ مل خية أحدا من املسلمني يف مكة باملوفد إال ثالثة هقةةط‪ ،‬وسة كون هلةةم‬

‫لةةه فالقةةة‬ ‫بشك يف املسلمني‪ ،‬لكنه يويد الرسية التامة‪ ،‬همن لة‬ ‫دور يف االلتامع‪ ،‬وهذا ل‬

‫باملوووع ال دافي ملعوهته‪ ،‬وهؤالء الثالثة هم فمه العباس ‪ ،‬وكةةان يف ذلةةك الوقةةن مةةا زا‬

‫مرشكا‪ ،‬وأبو بكةةو ‪ ،‬وفة ريض اهلل فةةن م أمجعةةني‪ ،‬أمةةا العبةةاس هرنةةه سة كون مشةةاركا يف‬

‫االلتامفاة‪ ،‬وأما أبو بكو وف هلتامني املكان ومواقبة مداخل الشعب الذي س تم ه ه اللقاء‪.‬‬

‫اخل ةةام‪ ،‬ور ة‬ ‫خامسا ل اخذ األنصار احل طة أيضا‪ ،‬همع م يف الوهد ‪ 225‬مشةوكا يف نفة‬

‫الوهد مرشك‪ ،‬وهو فبد اهلل بن ُأ ابن سلو الذي س كون بعد ذلك زف م املناهقني‪ ،‬هالبةةد أن‬

‫ياخذوا احلذر الكايف‪.‬‬

‫يقو كعب بن مالك ريض اهلل فنه وأرواو ‪-‬أحد املشاركني يف ب عةةة العقبةةة الثان ةةة‪( -‬هنمنةةا‬

‫تلك الل لة مع قومنا يف رحالنا‪ ،‬حتى إذا مىض ثلث الل ل) ‪-‬أي األو ‪( ،-‬خولنا من رحالنةةا‬

‫مل عاد رسو اهلل ﷺ نتسلل تسلل القطا مستخفني) ‪-‬القطا طا و صغ يشبه احلامم‪ ،-‬هكةةانوا‬

‫خيولون واحدا واحدا‪ ،‬أو اثنني اثنني‪ ،‬إىل أن التمعوا كل م يف املكان املتفق فل ه‪.‬‬

‫املوفد ومعه العباس ريض اهلل فنه‪ ،‬وبعث أبا بكةةو وفل ةةا كةةال مةةن ام‬ ‫أتى الوسو ﷺ يف نف‬

‫فَل مدخل من مداخل الشعب للمواقبة‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫وقا ع ب عة العقبة الثان ة‬

‫بدأ االلتامع الذي س غ من خارطة األرض كل ا‪ ،‬كان وقن االلتامع قص ا مةةع أن أحداثةةه‬

‫كانن كب ة‪ .‬وهذا االلتامع س غ خويطة األرض‪ ،‬والبد لكل منا أن يسا نفسةةه أيةةن كةةان‬

‫أفداء اهلل وقن أن تم هذا االلتامع امل ب؟ أين كان أبو ل ل والول ةةد بةةن املغة ة وفتبةةة بةةن‬

‫رب عة‪ ..‬وغ هم من قةةادة قةةوي ؟ أيةةن كةةان أحبةةار ال ةةود ُح َةي بةةن أخطةةب وكعةةب بةةن‬

‫األرشف‪ ..‬وغ مها؟ أين كان كرسى وق رص ؟ كل هؤالء كانوا ن اما‪ ،‬كل م كةةانوا غةةاهلني‪ ،‬ال‬

‫أحد كان يعوف هبذا االلتامع الذي س تم‪ ،‬مع أن كل م بعد ذلك فوو م ستتزلز نت جة هذا‬

‫ء ال يتخ له فقل‪ ،‬جمموفةةة هبةةذو‬ ‫االلتامع‪ ،‬هذا ‪-‬واهلل‪ -‬تدب را العاملني سبحانه وتعاىل‪،‬‬

‫القلة وهذا الضعن‪ ،‬يف مثل هذا املكان الذي ال يوى فَل خارطة األرض‪ ،‬وبعد ذلك سة كون‬

‫ء فَل األرض يف غضون سنواة قال ل‪.‬‬ ‫هذا االلتامع سببا يف تغ كل‬

‫بدأة مواسم املباحثاة ديدة األمه ة‪ ،‬كانن كلمة االهتتةةال للعبةةاس بةةن فبةةد املطلةةب فةةم‬

‫رسو اهلل ﷺ‪ ،‬وكان ما زا مرشكا‪ ،‬وواوح أن الوسو ﷺ كان مطمئنا لةةه‪ ،‬وأتةةى بةةه ألداء‬

‫ء ك ةةذا‪ ،‬ملةةاذا ضةةو مشةةوكا يف‬ ‫دور س ايس معني‪ ،‬ما هو هذا الدور؟ قد نسةةتغوا مةةن‬

‫مباحثاة هبذو اخلطورة؟‬

‫هذا الدور هو لتوو ح مكانة بني ها م يف مكة‪ ،‬وإلفالم األنصار أ ةةم سة اخذون الوسةةو‬

‫ﷺ‪ ،‬وأن له قب لة كب ة ذاة رشف‪ ،‬ه حوصون فَل أن يكونوا هم البديل احلق قي لبني ها م‪،‬‬

‫وكون العباس مرشكا يعطي ُبعدا س اس ا آخو‪ ،‬وهو أن بني ها م مؤمن م وكاهوهم مع رسو‬

‫من ذلك لو لاء محزة هقد يقع يف أنفس م أنه أتى ألنةةه مةةؤمن ال ل مثةةل‬ ‫اهلل ﷺ‪ ،‬وفَل العك‬

‫بني ها م‪ ،‬وسنوى يف كالم العباس ريض اهلل فنه ما يثبن هذو التحل الة‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫قا العباس (يا معرش اخلزرج؛) ‪-‬والعوا كانن تسمي أهةةل املدينةةة كل ةةم خزرلةةا‪ ،‬سةةواء‬

‫كانوا من األوس أو اخلزرج –(إن مدا منا ح ث قد فلمتم‪ ،‬وقد منعناو من قومنا‪ ،‬ه و يف فز‬

‫من قومه‪ ،‬ومنعة يف بلدو‪ ،‬وإنه أبى إال االنح از إل كم واللحوق بكم‪ ،‬هةةإن كنةةتم تةةوون أنكةةم‬

‫واهون بام دفومتوو إل ه‪ ،‬ومانعوو ممن خالفه‪ ،‬هانتم وما حتملتم من ذلك‪ ،‬وإن كنتم تةةوون أنكةةم‬

‫مسلموو وخاذلوو بعد اخلووج إل كم‪ ،‬همن اآلن هدفوو‪ ،‬هإنه يف فزة ومنعة من قومه وبلدو)‪.‬‬

‫هنا انت ن اهتتاح ة العباس ‪ ،‬وكانن رسيعة ومولزة‪ ،‬وقد ووح من خالهلا الدور الةةذي أتةةى‬

‫من ألله‪.‬‬

‫ثم لاء دور األنصار يف الكالم‪ ،‬وكانوا يف منت ى األدا‪ ،‬هقد كانن هناك ردود كث ة ممكن أن‬

‫تقا للعباس ‪ ،‬ويدخلون معه يف لد فق م‪ ،‬فَل سب ل املثا يمكن أن يقولوا له تقو إنةةه‬

‫يف فز ويف منعة وهو يف لوار املطعم بن فدي من بني نوهل‪ ،‬ومل يقن بجةةوارو أحةةد مةةن بنةةي‬

‫ها م؟ أو أن يقولوا أنن تقو إن الوسو ﷺ أبى إال أن ينحاز إل نا‪ ،‬وما هعل ذلك إال ألنه‬

‫أوذي ورضا وظلم ورلم باحلجارة‪ ،‬وسب وألقي ال اا فَل رأسةةه‪ ،‬وألق ةةن فل ةةه رحةةم‬

‫اجلزور‪ ،‬وأنتم تنظوون إل ه كغ كم‪ ،‬أين كنتم وهو يطوف بالقبا ل يبحث فمن ينصةوو وفةةَل‬

‫مسمع منكم وموأى‪ ،‬والقبا ل كل ا توهضه؟! بل ل تكم ساكتني هحسب‪ ،‬هإن أبا هلب فمه كان‬

‫يميش وراءو ويقو ال تصدقوو إنه صابئ كذاا‪ ،‬أيةةن كنةةن ألةةا العبةةاس اهلا ةةمي العزيةةز‬

‫والوسو ﷺ يعاين كل هذو املعاناة أمامك وأمام كل بني ها م؟‬

‫كل هذا كان من املمكن أن يقا أو أكثو منه‪ ،‬لو كانن هذو املباحثاة س اس ة بحتة‪ ،‬يويدون أن‬

‫ققوا ه ا أكة املصالح‪ ،‬ويستغلوا الظوف احلوج الذي وقع ه ه الوسو ﷺ‪ ،‬لكن الووع يف‬

‫األنصار مل يكن هكذا أبدا‪ ،‬مل تكن املباحثاة س اس ة دن وية‪ ،‬بل كانن إيامن ة بحتةةة‪ ،‬هاألنصةةار‬

‫لاءوا إىل الوسو ﷺ ل كونوا أنصارو وأتبافه‪ ،‬وطوع إرادته‪ ،‬لةةاءوا وهةةم يعلمةةون أن املنةةة‬
‫‪280‬‬
‫والفضل هلل ولوسوله‪ ،‬وأن العمل والبذ فل م وفَل املسلمني مج عا‪ ،‬هكانوا يف مون دورهم‬

‫ل دا‪ ،‬من ألل ذلك قالوا يف أدا ره ع (قد سةةمعنا مةةا قلةةن) ‪-‬يكلمةةون العبةةاس ريض اهلل‬

‫فنه‪ ،-‬هتكلم يا رسو اهلل هخذ لنفسك ولوبك ما أحببن‪.‬‬

‫بنود ب عة العقبة الثان ة‬

‫رب اة للوسو ﷺ وهو يف هذا املوقن الصعب احلوج‪ ،‬وقد واقن فل ه األرض بةةام رحبةةن‬

‫هوصة كب ة ل ذهب إىل بلد كويم‪ ،‬ويف هذا الظوف يعةةوض فةةَل األنصةةار رشوطةةا يف منت ةةى‬

‫املشقة لقبو استضاهته‪،‬مل يعوو ا فَل أحد آمن من قبل‪ .‬كان من فادة الوسو ﷺ أنه ي سةةو‬

‫فَل الناس أمو اإليامن‪ ،‬كان يقبل أن يقوم الولل بةةالفوا و هقةةط وال يةةؤدي النواهةةل‪ ،‬وكةةان‬

‫هذا هحسب‪ ،‬بل كان يعطةةي األمةةوا‬ ‫يقو (أهلح إن صدق)‪( ،‬إن صدق دخل اجلنة) ول‬

‫من ألل أن يتالن قلوا الناس لإليامن‪.‬‬

‫أما اآلن وهو يف هذا املوقن احلوج هإنه يش ا رشوطا قاس ة؛ ألنه ﷺ يبني أمة‪ ،‬وهةةوق كبة‬

‫لنفسه وألرسته‪ ،‬وبني هود صالح يف ذهنه وتفك و أنه مل هم األمة‬ ‫بني بناء هود صالح يع‬

‫اإلسالم ة‪ ،‬وال يعوف أن ينام وهو يوى حوله املنكو والظلم والكفو‪ ،‬ولو رأى أخاو ُيظلم البد‬

‫كوامة األمة اإلسالم ة يقوم ويداهع فن ا كام يةةداهع فةةن ابنةةه أو‬ ‫أن ينرصو‪ ،‬لو رأى أحدا يم‬

‫زولته أو أمواله أو ح اته‪ ،‬هذا هو الفود املسلم الذي كان الوسو ﷺ يويةةد أن يبن ةةه يف هةةذو‬

‫الب عة‪ ،‬ب عة العقبة الثان ة؛ من ألل ذلك قا هلم ما س ايت‪ ،‬كام أنه كان يعلم أنةةه خياطةةب أناسةةا‬

‫فَل قدر املسئول ة‪ ،‬كان يكلم األنصار‪ ،‬ذكو هلم مخسة بنود‬

‫البند األو قا هلم الوسو ﷺ (تبايعوين فَل السمع والطافة يف النشاا والكسل)‪ ،‬السمع‬

‫يف النشاا س ل‪ ،‬لكن يف الكسل صعب‪ ،‬وكان مةةن املمكةةن أن يقةةو تبةةايعوين فةةَل السةةمع‬

‫‪281‬‬
‫والطافة‪ ،‬لكن الغوض هو توو ح الوؤية متاما‪ ،‬سواء كنن ك َِسال أو ن َِشطا البد أن تسمع كالم‬

‫الوسو ﷺ وتط ع له‪.‬‬

‫البند الثاين (وفَل النفقة يف العرس وال رس)‪ ،‬كذلك النفقة يف ال رس س لة‪ ،‬لكن يف العرس حتتاج‬

‫إىل أناس مع نني‪.‬‬

‫البند الثالث (وفَل األمو باملعووف والن ي فن املنكو)‪ ،‬وهذا هةةو دور األمةةة اإلسةةالم ة مةةع‬

‫غ ها من األمم‪.‬‬

‫البند الوابع (وفَل أن تقوموا يف اهلل ال تاخذكم يف اهلل لومة ال م)‪ ،‬اجل اد وكلمة احلق‪.‬‬

‫(وفةةَل أن تنرصةةوين إذا قةةدمن إلة كم‪ ،‬ومتنعةةوين ممةةا متنعةةون منةةه أنفسةةكم‬ ‫البند اخلةةام‬

‫هقةةط متنعةةوين هحسةةب‪ ،‬بةةل متنعةةوين ممةةا متنعةةون منةةه أنفسةةكم‬ ‫وأزوالكم وأبناءكم)‪ ،‬لة‬

‫وأزوالكم وأبناءكم؛ حبك لوسولك ولدينك وألمتك البد أن يكون أكثو من حبةةك لنفسةةك‬

‫ولزولتك وأوالدك‪ .‬واوح أن الوسو ﷺ كان يبني مسلام من طةةواز خةةاح سة حمل هةةم‬

‫األمة كل ا‪.‬‬

‫الفوق بني ب عة العقبة األوىل والثان ة‬

‫كان الوسو ﷺ يف ب عة العقبة األوىل يبني هودا مسلام مؤمنا يتصن بعق دة سل مة‪ ،‬وبةةاخالق‬

‫مح دة؛ ال يرسق ال يزين ال يقتل‪ ،‬لكن أن تبني أمة هانن حتتاج ملا هو أفَل‪ ،‬حتتاج لبذ وفطةةاء‬

‫ودماء‪ ،‬حتتاج ملكابدة لصة لقوة لتحمل لتجود‪ ،‬بناء األمم تاج إىل أناس من نوع خاح‪ ،‬مثل‬

‫الذين كان يش ا فل م الوسو فل ه الصالة والسالم هذو الرشوا الصعبة‪ ،‬أمةةا أن يكتفةةي‬

‫املؤمن باالفتقاد الصح ح‪ ،‬وبالصالة‪ ،‬والصوم والتناا الكبا و؛ من رسقة وزنا وقتةةل‪ ،‬ه ةةذا‬

‫لزء من اإلسالم‪ ،‬نعم هو لزء م م‪ ،‬لكن يف الن اية هو لزء من اإلسالم‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫إن الناس تالون ملن يقودهم إىل اخل ‪ ،‬واإلسالم يويد الذي يداهع فنه‪ ،‬ما أكثو مةةن يعتةةدي‬

‫فَل حوماة املسلمني‪ ،‬من س داهع؟ ومن س حمي؟ من س جاهد ويكاهح؟ من س بلغ رسةةالة‬

‫ربنا لكل األرض؟ هذا هو الفوق بني الب عة األوىل والب عة الثان ة‪.‬‬

‫ويكفي أن الب عة األوىل التي اهتمن ببناء الفود املسلم من دون ل ةةاد أ ةةا فوهةةن يف التةةاري‬

‫باسم ب عة النساء‪ ،‬ب نام فوهن ب عة العقبة الثان ة هبذو الرشوا الصعبة با ا ب عة احلةةوا وب عةةة‬

‫اجل اد‪.‬‬

‫موقن األنصار من بنود ب عة العقبة الثان ة‬

‫كل بند فَل حدة‪ ،‬ه ذا البند نواهةةق فل ةةه‪ ،‬وهةةذا البنةةد موهةةوض‪،‬‬ ‫فادة يف املفاوواة يناق‬

‫وهذا ه ه تعديل‪ ،‬هذا الكالم صل فادة يف أي مفاوواة س اس ة‪ ،‬لكن نحن قلنا قبل ذلةةك؛‬

‫ء آخو‪ ،‬األنصار هم أنصار‪ ،‬هامذا قالوا؟‬ ‫إن األنصار‬

‫الوهد املسةةلم‪ ،‬مةةع‬ ‫قام الةاء بن معوور ريض اهلل فنه يتكلم فن وهد األنصار‪ ،‬وقد كان ر‬

‫العلم أن الةاء بن معوور ريض اهلل فنه وأرواو مل يسلم إال منذ ثالثة أيام‪ ،‬أسلم وهو يف طويقه‬

‫من املدينة املنورة إىل مكة‪ ،‬لكنه كعادة األنصار ولد إيامنه فمالقا‪.‬‬

‫قا الةاء بن معوور ريض اهلل فنه (والذي بعثك باحلق نب ا لنمنعنةةك ممةةا نمنةةع منةةه أزرنةةا ‪-‬‬

‫يعني نساءنا‪ -‬هبايعنا يا رسو اهلل) ‪-‬وانتبه ه و الذي يولو الوسو ﷺ‪( -‬هةةنحن واهلل أبنةةاء‬

‫احلوا‪ ،‬وأبناء احللقة‪ ،‬ورثناها كابوا فن كابو) أتوون إىل مةةدى ا ةةت اق األنصةةار للب عةةة فةةَل‬

‫اجل اد؟ هذا هو اجل ل الذي س نرصو اهلل فز ولل‪ ،‬لكن وأثناء كالم الةاء اف ض كالمه أبةةو‬

‫اهل ثم بن ال َت ان ريض اهلل فنه وأرواو‪ ،‬أحد الصحابة األلالء القدماء الذين أسةةلموا يف ب عةةة‬

‫‪283‬‬
‫العقبة األوىل‪ ،‬قا (يا رسو اهلل؛ إن ب ننا وبني الولا حباال‪ ،‬وإنا قاطعوها) ‪-‬أي ب ننا وبني‬

‫ال ود ف ودا‪( -‬ه ل فس ن إن نحن هعلنا ذلك ثم أظ وك اهلل أن تولع إىل قومك وتدفنا؟)‪.‬‬

‫احلق قة أن موقن األنصار خط ‪ ،‬ه م فقدوا معاهداة مةةع ال ةةود‪ ،‬وسة قطعو ا‪ ،‬لكةةن مةةا‬

‫الذي س حصل لو أن دين الوسو ﷺ انترش وووعه استقو هل س لع موة أخوى إىل مكةةة؟‬

‫وإذا رلع إىل مكة ك ن س كون ووع م مع ال ود؟ قد يقو قا ةةل إن هةةذا االفة اض ه ةةه‬

‫تطاو فَل الوسو ﷺ‪ ،‬أي ك ن تف ض أنه ممكن أن ي كك وأنن تاج له؟‬

‫والةةدهع لرنصةةار باملبايعةةة‪ ،‬ه ةةو متاكةةد أن‬ ‫لكن حق قة كالم أ اهل ثم كان بمثابة التحمة‬

‫الوسو ﷺ لن ي ك م‪ ،‬لكنه خياف أن أحد األنصار املشاركني يف الب عةةة يفكةةو هةةذا التفكة ؛‬

‫ه كون خا فا من ال ود فَل مستقبل املدينة‪ ،‬هلو أن أبا اهل ثم ريض اهلل فنه أثار هةةذو النقطةةة يف‬

‫هذو اللحظاة س غلق كل أبواا الش طان‪ ،‬وس يح األنصار‪ ،‬من ألل ذلك تكلم بمثل هذا‪.‬‬

‫تبسم الوسو ﷺ ثم قا (بل الدم الدم‪ ،‬واهلدم اهلدم‪ ،‬أنةةا مةةنكم وأنةةتم منةةي‪ ،‬أحةةارا مةةن‬

‫حاربتم‪ ،‬وأسامل من ساملتم)‬

‫إن قدر الق ادة ال ينقص لو أن أحدا من اجلنود اف ض فَل نقطة ما يويةةد التووة ح‪ ،‬والق ةةادة‬

‫الواثقة من نفس ا ال ب أن تغضب هلذا‪ ،‬بل فَل العك ‪ ،‬الق ادة الواف ة ال خت ةةن النةةاس أو‬

‫تكتم أهواه م‪ ،‬بل املفووض أن تشجع كل النةةاس أن يقولةةوا كةةل مةةا يف صةةدورهم‪ ،‬وح ن ةةا‬

‫س شعو الناس أن ق ادربم ل سن مفوووة فل م‪ ،‬مثل ما قا الوسو ﷺ (أنةةا مةةنكم وأنةةتم‬

‫مني)‪ .‬ثم إن الوسو ﷺ أيضا يعلمنا أن أي إنسان قابل للمناقشة وللحساا ولالسةةتجواا؛‬

‫رشطا أن يكون خمطئةةا كةةذلك‪ ،‬لكةةن نويةةد‬ ‫ألنه يف الن اية برش‪ ،‬والبرش البد أن خيطئوا‪ ،‬ول‬

‫معوهة ول ة نظوو‪ ،‬نستفرس‪ ،‬نتعلم‪ ،‬نض ن‪ ،‬نحذف‪ ،‬نعد مةةن ألةةل أن نصةةل إىل األهضةةل‪،‬‬

‫‪284‬‬
‫اجلند أن القا ةةد مع ةةم يف نفة‬ ‫هذو هي العالقة السل مة بني القا د واجلند‪ ،‬وكذلك إذا أح‬

‫املشكلة يشكو مما يشكون منه‪ ،‬يتامل مما يتاملون منه س بذلون قصارى ل دهم‪ ،‬لكن فَل النق و‬

‫من هذا؛ لو أ م أحسوا بتكة القا د‪ ،‬وبسعادته وقن حز م ‪ ،‬وتوه ه وقةةن بؤسة م‪ ،‬وأمنةةه‬

‫وقن خوه م‪ ،‬وراحته وقن تعب م‪ ،‬لو عووا هبذو األ اء كل ةةا همةةن املسةةتح ل أن يعملةةوا‬

‫بحامسة ولدية‪ ،‬أل م هقدوا مصداق ة القا د‪ ،‬والقدوة ه ه‪.‬‬

‫أما الوسو ﷺ هقد قا يف منت ى الصدق والتعاطن مع أ اهل ثم واألنصار (بل الدم الةةدم‪،‬‬

‫واهلدم اهلدم‪ ،‬أنا منكم وأنتم مني‪ ،‬أحارا من حاربتم‪ ،‬وأسامل من ساملتم)‪ ،‬هتشةةجع األنصةةار‬

‫فندما سمعوا هذو الكلامة‪ ،‬وقاموا مرسفني إىل مبايعة الوسو ﷺ‪ ،‬لكن حصةةلن معاروةةة‬

‫أخوى بعد هذا الكالم‪ ،‬قام العباس بن فبةةادة ريض اهلل فنةةه وأروةةاو خياطةةب قومةةه قبةةل أن‬

‫يبايعوا‪ ،‬وقا هلم (هل تدرون فالم تبايعون هذا الولل؟) قالوا (نعةةم)‪ ،‬هقةةا العبةةاس بةةن‬

‫فبادة (إنكم تبايعونه فَل حوا األمحو واألسود من الناس ‪ ،‬هإن كنتم توون أنكةةم إذا كةةن‬

‫أمةةوالكم مص ة بة‪ ،‬وأرشاهكةةم قةةتال أسةةلمتموو همةةن اآلن‪ ،‬ه ةةو واهلل إن هعلةةتم) ‪-‬أي لةةو‬

‫أسلمتموو‪(-‬خزي الدن ا واآلخوة‪ ،‬وإن كنتم توون أنكم واهون له بام دفومتوو إل ةةه فةةَل كةةة‬

‫األموا وقتل األرشاف‪ ،‬هخذوو ه و ‪-‬واهلل‪ -‬خ الدن ا واآلخوة)‪ .‬العباس بن فبادة أيضا من‬

‫السابقني‪ ،‬ويعوف ل دا فال َم يبايع‪ ،‬لكنه خياف أن يكون أحةةد األنصةةار غة مسةةتوفب هلةةذو‬

‫التضح اة كل ا‪ ،‬ه حاو أنه يووح الوؤية فَل قدر استطافته لرنصار‪ ،‬هةةود فل ةةه األنصةةار‬

‫وقالوا (هإنا ناخذو فَل مص بة األموا وقتل األرشاف)‪.‬‬

‫قاموا يبايعون‪ ،‬لكن قبل أن يبايعوا سالوا ما الثمن ملص بة األموا وقتل األرشاف؟ ما الةةثمن‬

‫للطافة املطلقة يف النشاا والكسل؟ ما الثمن للنفقةةة يف العسةةو وال سةةو‪ ،‬ولرمةةو بةةاملعووف‬

‫والن ي فن املنكو‪ ،‬وللج اد والنرصة‪ ،‬وحوا األمحو واألسةةود مةةن النةةاس؟ قةةالوا (هةةام لنةةا‬

‫‪285‬‬
‫بذلك يا رسو اهلل إن نحن وه نا بذلك؟) هقا الوسو ﷺ (لكم اجلنة)! الةةثمن لكةةل هةةذو‬

‫هناك وفد بيشء آخو‪ ،‬ال وفد بدولة وال بتمكني وال بنصةةو‪ ،‬مةةع أنةةه‬ ‫التضح اة اجلنة‪ ،‬ل‬

‫دا قبةةل التمكةةني بسةةنواة‪ ،‬قةةد‬ ‫البد أن صل كل هذا يف يوم من األيام‪ ،‬لكنك قد متوة‬

‫متوة طويدا رشيدا معذبا‪ ،‬قد دث كل ذلك‪ ،‬لكن امل م أنك ذاهب إىل اجلنة‪ ،‬هذا هو امل م‪.‬‬

‫ملا سمع األنصار هذو الكلمة من هم رسو اهلل ﷺ‪ ،‬مل يكن فندهم غ كلمةةة واحةةدة قالوهةةا‬

‫بعد ذلك‪ ،‬قالوا (ابسط يدك يا رسو اهلل) ‪-‬يويدون مبايعته‪ -‬همد الوسو ﷺ يديه لرنصةةار‬

‫من ألل أن يبايعوو‪ ،‬لكن قبل أن يضع أي أنصةةاري يديةةه يف يةةد الوسةةو ﷺ قةةام الصةةحا‬

‫اجلل ل أسعد بن زرارة ريض اهلل فنه وأرواو وأمسك يد الوسو ﷺ ‪-‬اف اض ثالث‪ -‬وقةةا‬

‫يكلم األنصار (رويدا يا أهل يثوا‪ ،‬إنا مل نرضا إل ه أكباد اإلبل إال ونحن نعلةةم أنةةه رسةةو‬

‫اهلل ﷺ) أي نحن نعلم ل دا أنه رسو ‪ ،‬ونعلم أن هناك لنة‪ ،‬ولكن الكالم س ل‪ ،‬كل الناس‬

‫يويدون اجلنة‪ ،‬لكن البد أن تعوهوا العمل املطلوا منكم من ألل الدخو إىل اجلنةةة‪ ،‬البةةد أن‬

‫تعملوا أ اء صعبة‪ ،‬قا أسعد بووةةول (وإن إخوالةةه ال ةةوم مفارقةةة العةةوا كاهةةة‪ ،‬وقتةةل‬

‫خ اركم‪ ،‬وأن تعضكم الس وف‪ ،‬هإن كنتم تصةون فَل ذلك هخذوو‪ ،‬وألوكم فةةَل اهلل‪ ،‬وأمةةا‬

‫إن كنتم ختاهون من أنفسكم خ فة هذروو‪ ،‬ه و أفذر لكم فند اهلل)‪.‬‬

‫املعنةةى مةةن لديةةد‪ ،‬لكةةن‬ ‫قام الصحا اجلل ل أسعد بن زرارة ريض اهلل فنه ل ؤكد فَل نفة‬

‫بالفاظ أخوى‪ ،‬من أراد أن ا ح اة آمنة؛ يعبد اهلل فز ولل يف ب ته‪ ،‬أو يف مسجدو وال يرسةةق‪،‬‬

‫له فالقة بتمكني دين اهلل يف األرض‪ ،‬وال باجل اد يف سب ل اهلل‪،‬‬ ‫وال يزين‪ ،‬وال يقتل‪ ،‬ولكن ل‬

‫وال بالدفوة إىل اهلل‪ ،‬وال بالعمل الدءوا هلل‪ ،‬وال بالتضح ة من ألل اهلل فةةز ولةةل‪ ،‬هعل ةةه أن‬

‫يبايع ب عة النساء‪ ،‬هذو تكف ه‪ ،‬أما من أراد أن يبايع ب عة الولا ‪ ،‬وب عة احلةةوا هعل ةةه أن يفقةةه‬

‫هذو الب عة هق ا ل دا‪ ،‬ه ذو االف اواة كل ا من أناس هم من السابقني أصحاا ب عة العقبة‬

‫‪286‬‬
‫األوىل‪ ،‬أرادوا هبا أن يووحوا لرنصار ولنةةا الصةةورة باكمل ةةا‪ ،‬لكةةن األنصةةار كل ةةم كةةانوا‬

‫يف مون رشوا الب عة؛ لذا قالوا يف منت ى الووول واحلامسة (يا أسعد أمط فنا يدك‪ ،‬هةةواهلل‬

‫ال نذر هذو الب عة وال نستق ل ا)‪ ،‬يقو لابو بن فبد اهلل ريض اهلل فنه (هقمنا إل ه رلال رلال‪،‬‬

‫هاخذ فل نا الب عة يعط نا بذلك اجلنة)‪ .‬يعط م اجلنة هبذو الرشوا؛ ألنةةه يعةةوف أن بةةداخل م‬

‫صدقا كب ا‪ ،‬لذا كان يعط م اجلنة‪ ،‬ومتن الب عة اخلالدة ب عة العقبة الثان ةةة التةةي غة ة ولةةه‬

‫التاري ‪ ،‬والثمن اجلنة‪.‬‬

‫حوية اخت ار األنصار لنقبا م يف ب عة العقبة الثان ة‬

‫هناك بعو األمور اإلدارية يف تنظ م العالقة بني الوسو ﷺ وبني األنصار‪.‬‬

‫أوال س تعامل الوسو ﷺ مع َمن ِمن األنصار؟ البد من ولود من يمثل األنصار‪.‬‬

‫ثان ا ك ن يكون التعامل بني امل الوين واألنصةةار‪ ،‬لةةو حصةةلن مشةةكلة مةةن األنصةةار ملةةن‬

‫املولع؟ ولو حصلن مشكلة من امل الوين ملن املولع؟‬

‫أمور إدارية هامة رأى الوسو ﷺ أنه البد أن يكون هناك مةةن يمثةةل األنصةةار‪ ،‬هجعةةل لكةةل‬

‫مخسة من األنصار نق با‪ ،‬ه كون كل ستة جمموفة‪ ،‬وملا كان األنصار ‪ 73‬خوج من م ‪ 12‬نق با‪.‬‬

‫أيضا كان من املمكن أن الوسو ﷺ ينتق م بنفسه‪ ،‬أو أن ياخذ أصحاا ب عةةة العقبةةة األوىل؛‬

‫أل م كانوا اثني فرش‪ ،‬أو أن يكل ذلك إىل مصعب بن فم ‪ ،‬أو إىل الةاء بةةن معةةوور ر ة‬

‫الوهد‪ ،‬أو أسعد بن زرارة ألنه أحد السابقني‪ ،‬لكن الوسو ﷺ أقو قافدة فظ مةةة مةةن قوافةةد‬

‫ه ةةه‬ ‫احلكم يف اإلسالم‪ ،‬وهي قافدة أن فَل الشعب أن ينتخةةب ممثل ةةه انتخابةةا حق ق ةةا‪ ،‬لة‬

‫تدخل من القا د األفَل‪ ،‬قا الوسةةو ﷺ لرنصةةار (أخولةةوا إ ّ مةةنكم اثنةةي فرشة نق بةةا‪،‬‬

‫ل كونوا فَل قومكم بام ه م)‪ .‬حوية كاملةةة لرنصةةار يف اخت ةةار ممثلة م‪ ،‬هةةم أدرى بحةةاهلم‪،‬‬

‫‪287‬‬
‫ه ا أي تدخل من أي ل ة‪ ،‬يسمع هلةةا بعةةد‬ ‫وفندما خيتار الشعب حكومته بحوية حق ق ة ل‬

‫هعال أ ا حكومته ول سن مفوووة فل ةةه‪،‬‬ ‫ذلك بمنت ى احلب‪ ،‬ويط ع ا بمنت ى األمانة‪،‬‬

‫هذا ما كان يويد أن يزرفه الوسو ﷺ بداخل األنصار‪ ،‬وداخل األمة اإلسةةالم ة بكامل ةةا إىل‬

‫يوم الق امة‪.‬‬

‫األوس واخلزرج سوية ألو موة يف تارخي م الخت ار نقبا م‪ ،‬وكانوا قبل ذلك يتقاتلون‬ ‫لل‬

‫ويتصارفون‪ ،‬ويذبح كل واحد الثاين من ألل كويس احلكم‪ ،‬لكنه اإليامن‪ ،‬هعندما آمنةةوا تغة‬

‫ء‪ ،‬كل واحد يضع يدو اآلن فَل كتن اآلخو‪ .‬إن الذي مجع األوس واخلةةزرج هةةو نبةةل‬ ‫كل‬

‫الغاية‪ ،‬وسمو اهلدف‪ ،‬فندما كان الكويس هو اهلدف‪ ،‬كان اخلالف والنزاع الةةذي ال ايةةة لةةه‪،‬‬

‫وملا أصبحن اجلنة هي اهلدف وهي الغاية مل يعد للكويس ق مة‪ ،‬بل أصبح مسةةئول ة وتكل فةةا مل‬
‫فةةَل اجلنةةة } َو ِيف َذلِة َك َه ْل َتَنَةا َه ِ‬ ‫فةةَل الكةةويس إىل التنةةاه‬ ‫يعد ترشةةيفا‪ ،‬انقلةةب التنةةاه‬
‫املُْ َتنَاهِ ُس َ‬
‫ون{ [املطففني ‪ ،]26‬هذو هي فظمة اإلسالم‪.‬‬

‫يف حلظاة كان النقباء هم أسعد بن زرارة ‪ ،‬الةاء بن معوور‪ ،‬فبد اهلل بةةن فمةةوو بةةن حةةوام ‪،‬‬

‫سعد بن فبادة ‪ ،‬فبادة بن الصامن ‪ ،‬سعد بن الوب ع ‪ ،‬فبد اهلل بةةن رواحةةة ‪ ،‬راهةةع بةةن مالةةك‪،‬‬

‫املنذر بن فموو ريض اهلل فن م أمجعني‪ ،‬كان هؤالء تسعة هم نقباء اخلزرج‪.‬‬

‫أما نقباء األوس هكانوا ثالثة أس د بن حض ‪ ،‬وسعد بن خ ثمة ‪ ،‬وأبو اهل ثم بن الت ان وق ل‬

‫بدال منه رهافة بن فبةةد املنةةذر ريض اهلل فةةن م أمجعةةني‪ .‬و خيتفةةي مةةن أسةةامء األوس البطةةل‬

‫اإلسالمي العظ م سعد بن معاذ ريض اهلل فنه وأرواو؛ ألنه مل رض أصال مةةن املدينةةة املنةةورة‬

‫إىل مكة‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫بعد هذا فقد رسو اهلل ﷺ التامفا مع هؤالء النقباء قا هلم ه ه (أنتم فَل قةةومكم بةةام هة م‬

‫كفالء ككفالة احلواريني لع سى بن مويم) أي أنتم مسئولون فن كل األنصار‪( ،‬وأنا كف ل فةةَل‬

‫قومي) ‪-‬أي املسلمني من أهل مكة‪ -‬هقالوا ( نعم)‪.‬‬

‫اآلن رسو اهلل ﷺ قسم املسئول اة‪ ،‬االثنا فرش هؤالء مسئولون فن األنصار‪ ،‬والوسةةو ﷺ‬

‫مسئو فن امل الوين‪ ،‬وبعد ذلك طلب مةةن م أن خيتةةاروا واحةةدا مةةن م يكةةون ر سةةا هلةةم‪،‬‬

‫وبالتا يس ل فمل ة االتصا واملتابعة واإلدارة وغ ذلك من األمةةور‪ ،‬هاختةةاروا أسةةعد بةةن‬

‫زرارة ريض اهلل فنه وأرواو أصغو النقباء ريض اهلل فنه‪ ،‬ملا يظ و فل ه من موهبةةة هةةذة‪ .‬وهبةةذا‬

‫انت ن مواسم الب عة الفويدة بنجال يف فقو دار املرشكني‪ ،‬ووسط األفداد اهلا لة من أفةةداء اهلل‬

‫فز ولل‪ ،‬وصدق اهلل فز ولل إذ يقو }إِ َّن اهللََّ ُيدَ اهِ ُع َف ِن ا َّل ِذي َن آ َمنُوا{ [احلج ‪.]38‬‬

‫مناقب أصحاا ب عة العقبة الثان ة‬

‫قبل أن ن ك األنصار نذكو بعو اإلحصا اة اللط فة فَل أسامء األنصةةار املشةةاركني يف هةةذو‬

‫الب عة‪ ،‬وكل ا إحصا اة يف احلق قة هلا معنى‪ .‬فندما بحثن يف أسامء الصحابة الةةذين حرضةةوا‬

‫ك يف غزوة بةةدر‬ ‫هذو الب عة من األنصار ولدة قوابة السبعني من هؤالء ‪ -‬تقويبا كل م‪ -‬ا‬

‫الكةى‪ ،‬هلم تكن الب عة كالم وحسب فَل اجل اد‪ ،‬ال‪ ،‬هكل م نفةةذوا‪ 70 ،‬تقويبةةا مةةن هةةؤالء‬

‫حرضوا غزوة بدر الكةى‪.‬‬

‫ك مع الوسو ﷺ يف كل املشاهد والغزواة؛ ألن كث ا مةةن م‬ ‫ثم حوا نصن هذا العدد ا‬

‫استش د يف الغزواة األوىل‪.‬‬

‫دا يف سةةب ل اهلل فةةز ولةةل‪ ،‬مخسةةة مةةن اثنةةي‬ ‫حوا ثلث أصحاا ب عة العقبة الثان ة ماة‬

‫فرش‪ .‬الق ادة يف نظوهم كانن مسئول ة مل تكن أبدا ترشيفا أو منصبا‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫أيضا مل يؤثو فن أي واحد من هؤالء األنصار املبايعني يف ب عة العقبة الثان ةةة الفةةوار أبةةدا‪ ،‬ال يف‬

‫ُأحد وال يف حنني وال غ مها‪ ،‬مل يؤثو فن أي واحد من هةةؤالء طلةةب للةةدن ا وال لإلمةةارة وال‬

‫للام ‪.‬‬

‫خالصة القو أن الصدق الكامل يف قلب الوسو ﷺ‪ ،‬ويف قلوا األنصةةار املبةةايعني يف هةةذو‬

‫ني بِ ِص ةدْ ِق ِ ْم{‬


‫اد ِق َ‬
‫الب عةةة هةةو الةةذي كفةةل النجةةال هلةةذو الب عةةة الفويةةدة‪} ،‬لِ ج ة ِزي اهللَُّ الص ة ِ‬
‫َّ‬ ‫َ ْ َ‬
‫[األحزاا ‪ .]24‬صدقوا اهلل فز ولل هصدق م اهلل فز ولل‪.‬‬

‫من ب عة العقبة الثان ة بعد فلم م هبا‬ ‫موقن قوي‬

‫خملوق فوف هةةذو الب عةةة هةةو الشة طان‪،‬‬ ‫مل متو ب عة العقبة الثان ة دون تنغ ص‪ ،‬هقد كان أتع‬

‫يقو س دنا كعب بن مالك (ملا بايعنا رسو اهلل ﷺ رصخ الشة طان مةةن رأس العقبةةة بابعةةد‬

‫صوة سمعته قط(‪- .‬وهم فلمةةوا أنةةه الشة طان بإخبةةار الوسةةو ﷺ هلةةم‪ -‬قةةا )يةةا أهةةل‬

‫اجلبالب(‪- ،‬أي املناز ‪ ،‬ينادي أهل مكة‪( -‬هل لكم يف مذمم) ‪-‬يقصةةد سة دنا مةةدا ﷺ‪-‬‬

‫ة طان‬ ‫(والصباة معه؛ قد أمجعوا فَل حوبكم)‪ ،‬قا رسو اهلل ﷺ (هذا أزا العقبةةة) ‪-‬أي‬

‫العقبة‪( -‬اسمع أي فدو اهلل‪ ،‬أما واهلل ألهوغن لك)‪ ،‬وبعد ذلك عو الوسو ﷺ أن املرشكني‬

‫س حرضون هقا لرنصار (ارهعوا إىل رحالكم)‪ .‬كان فَل األنصار أن يوكضةةوا مرسةةفني إىل‬

‫رحاهلم؛ أل م فوهوا أن قويشا قد تايت يف أي حلظة‪ ،‬لكن مل صل هذا‪ ،‬وإنام قةةام العبةةاس بةةن‬

‫فبادة ريض اهلل فنه وأرواو‪ ،‬الذي قام قبل قل ل يقةةو لرنصةةار أنةةتم تبةةايعون فةةَل حةةوا‬

‫األمحو واألسود من الناس‪ ،‬قام وقا (والذي بعثك باحلق؛ لئن ئن لنم لن فةةَل أهةةل منةةى‬

‫غدا باس اهنا) وانتب وا أن القتا يف منى مل يكن من األمور التي بايع فل ا األنصار‪ ،‬ه م كانوا‬

‫يف منةةى وال يف مكةةة‪ ،‬لكةةن‬ ‫قد بايعوا فَل أن يداهعوا فن الوسو ﷺ يف املدينة املنورة‪ ،‬ولة‬

‫العباس بن فبادة يعطي ما هو هوق الب عة‪ ،‬ه و يبحث فن اجلنة‪.‬‬


‫‪290‬‬
‫هكان رد الوسو ﷺ فل ه يف منت ى الووول‪ ،‬قا (مل أؤمو بذلك)‪ ،‬أي مل أؤمو بالقتا بعد‪،‬‬

‫اآلن وقن التطب ق‪ ،‬وهذا من هقه املوازناة؛ لو تقاتل‬ ‫نعم بايع األنصار فَل اجل اد‪ ،‬لكن ل‬

‫األنصار اآلن مع املرشكني هال ك أن األنصار س بادون فةةن آخةةوهم‪ ،‬نعةةم سةةقطوا ة داء‪،‬‬

‫ولكن أين الدولة؟ أين الدفوة؟ أين التخط ط لنرص ومتكني وس ادة هذا الدين؟ أين بناء األمة‬

‫اإلسالم ة؟ هعال كان البد للمسلمني أن يتجنبوا القتا متاما يف هذا الوقةةن؛ مةةن ألةةل ذلةةك‬

‫رلع األنصار إىل خ ام م‪ ،‬وناموا مع الوهد املرشك الذين أتوا معه‪ ،‬ومل يشعو هبم أحد حتى من‬

‫وهدهم‪.‬‬

‫بموووع اللقاء‪ ،‬من الذي أفلم م؟ اهلل أفلم‪ ،‬إما الش طان الةةذي‬ ‫يف ال وم الثاين فلمن قوي‬

‫ملقابلة زفة م يثةةوا فبةةد اهلل بةةن ُأ ابةةن‬ ‫رصخ بالل ل‪ ،‬وإما أن خصا رآهم‪ ،‬هذهبن قوي‬

‫سلو ‪ ،‬وبدأة تتكلم معه يف خطاا مع بني ال غ ب وال ه ب‪ ،‬قالوا (يا معرش اخلزرج)‬

‫‪-‬يكلمون فبد اهلل بن أ ابن سلو – (إنه قد بلغنا أنكم قد لئتم إىل صاحبنا هذا تستخولونه‬

‫من بني أظ ونا‪ ،‬وتبايعونه فَل حوبنا‪ ،‬وإنه ‪-‬واهلل‪ -‬ما من حي من العوا أبغةةو إل نةةا مةةن أن‬

‫تنشب احلوا ب ننا وب ن م منكم)‪ ،‬أي نحةةن نحةةبكم‪ ،‬لكةةن لةةو اسةةتمويتم فةةَل هةةذا األمةةو‬

‫سنحاربكم‪ ،‬وأنن تعوهون ل دا من هي قوي ؟ هلام سمع فبةةد اهلل بةةن أ ابةةن سةةلو هةةذو‬

‫الكلامة قام يقو بمنت ى احلم ة (هذا باطل‪ ،‬وما كان هذا‪ ،‬وما كان قومي ل فتاتوا فةةَل مثةةل‬

‫هذا‪ ،‬ولو كنن ب ثوا ما صنع قومي هذا حتى يؤامووين)‪ .‬نعم هو صادق مةةن داخلةةه؛ ألنةةه مل‬

‫ء فن موووع اللقاء أو اإلسةةالم‪،‬‬ ‫ء فن هذا اللقاء؛ ألن املسلمني تكتموا بكل‬ ‫يعلم أي‬

‫ومل يكن يعلم املرشكون من م من املسلمني يف داخل وهدهم‪ .‬هذا كان رد فبةةد اهلل بةةن أ ابةةن‬

‫سلو ‪ ،‬أما رد املسلمني الذي بداخل الوهد‪ ،‬الذين قاموا بالب عة‪ ،‬هنظةةو بعضة م إىل بعةةو ومل‬

‫يتكلموا‪ ،‬وكان ئا مل يكن‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫بكالم الوهد ال ثو ‪ ،‬وتوكوو وفادوا موة أخوى إىل مكة‪ ،‬لكن بعةةدما فةةادوا إىل‬ ‫اقتنعن قوي‬

‫مكة فلموا أن ظن م كان يف له‪ ،‬هولعوا موة أخوى برسفة من ألل أن يمسكوا بوهد يثةةوا‬

‫هولدوو قد رحل؛ أل م تقابلوا للب عة يف آخو ل لة من ل ا احلج‪ ،‬حتسبا هلةةذو الظةةووف التةةي‬

‫حصلن‪ ،‬هالوسو ﷺ كان قد فمل حسابه هلا‪.‬‬

‫ارحتل الوهد‪ ،‬لكن من بع د رأى زفامء مكة اثنني من املسلمني؛ رأوا سةةعد بةةن فبةةادة ريض اهلل‬

‫فنه وأرواو‪ ،‬واملنذر بن فموو ريض اهلل فنه وأرواو‪ ،‬وهذان االثنان هم من النقباء‪ ،‬أما املنةةذر‬

‫بن فموو هاستطاع اهلووا‪ ،‬لكن م أمسكوا بةسعد بن فبادة س د اخلزرج‪ ،‬رلل فزيز مل لن يف‬

‫ح اته قط‪ ،‬لكن زفةةامء مكةةة أمسةةكوا بةةه ورضبةةوو ولةةووو فةةَل األرض‪ .‬موقةةن يف منت ةةى‬

‫اخلطورة‪ ،‬نظو املسلمون يف مكة إىل أخ م املؤمن وهو يرضا‪ ،‬وال يستط عون حواكةةا؛ أل ةةم‬

‫لو حتوكوا من ألل إنقاذو س علم مرشكو مكة أن هناك ب عة متةةن‪ ،‬وأن هنةةاك لقةةاء تةةم‪ ،‬حتةةى‬

‫الوسو ﷺ نفسه مل يتحوك من ألل نرصة سعد بن فبادة وهذا أيضا من هقه املوازناة‪.‬‬

‫كان لب بن مطعم بن فدي واحلارث بن حوا بن أم ة ممن رأى املوقةةن‪ ،‬وسةةعد بةةن فبةةادة‬

‫هلم القواهل فندما متو باملدينة املنورة‪ ،‬هالاروو من قةةوي ‪ ،‬وفةةاد سةةعد‬ ‫ريض اهلل فنه كان‬

‫بن فبادة إىل قاهلة األنصار‪ ،‬ووصلوا إىل املدينةةة يف أمةةان‪ ،‬وبةةدأ األنصةةار يف املدينةةة يم ةةدون‬

‫الستقبا الوسو ﷺ وامل ةةالوين مةةن مكةةة‪ ،‬بةةدءوا مج عةةا يسةةتعدون لووةةع النةةواة األوىل‬

‫للعاصمة األوىل يف اإلسالم املدينة املنورة‪.‬‬

‫هذو كانن ب عة العقبة الثان ة بكل الرشوا التي ه ا‪ ،‬وبكل املالبساة‪ ،‬وهناك دروس أخةةوى‬

‫كث ة لكن املقام ال يتسع هلا‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫اهلجوة إىل املدينة‬

‫أصبح الووع مستقوا إىل حد كب يف املدينة املنورة‪ ،‬وأصبحن الصعوبة يف مكة‪ ،‬زفامء قةةوي‬

‫اآلن يعلمون بتدب إسالمي خفي ليشء هم ال يعلمونه‪ ،‬هنا صدر األمو اإلهلةةي للوسةةو ﷺ‬

‫ومن ثم للمؤمنني يف مكة بان لالووا إىل املدينة‪ ،‬كل من يستط ع أن لالو هل الو‪ ،‬بل ةةب‬

‫أن لالو‪ ،‬الضعفاء واألقوياء‪ ،‬الفقواء واألغن ةةاء‪ ،‬الولةةا والنسةةاء‪ ،‬األحةةوار والعب ةةد‪ ،‬كةةل‬

‫املسلمني البد أن لالووا إىل املدينة املنورة؛ ألن هناك مرشوفا وةةخام تالةةا إىل كةةل طاقةةة‪،‬‬

‫هناك مرشوع اسمه بناء األمة اإلسالم ة‪.‬‬

‫وبدأة اهلجوة‪ ،‬واهلجوة مل تكن ئا س ال‪ ،‬مل تكن فقد فمل أهدي هلةةم يف بلةةد غنةةي‪ ،‬كانةةن‬

‫اهلجوة تعني توك الديار‪ ،‬واألموا ‪ ،‬واألفام ‪ ،‬والذكوياة‪ .‬كانن اهلجةةوة االسةةتعداد حلةةوا‬

‫ود كل املرشكني يف لزيوة العوا‪ ،‬بل يف كل األرض‪ ،‬كانن استعدادا حلوا األمحو واألسود‬

‫من الناس‪ ،‬هذو هي اهلجوة‪ ،‬ومل تكن هووبا‪ ،‬بل اسةةتعدادا لتكةةال ن أ ةةق‪ ،‬ولوالبةةاة أكثةةو‬

‫وأفظم‪.‬‬

‫أمو الوسو ﷺ الناس باهلجوة‪ ،‬وانتظو هو هلم لالو‪ ،‬مل يكن مهه ﷺ أن ينجو بنفسه ويةةؤمن‬

‫حاله‪ ،‬أو اهظ فَل أمواله‪ ،‬كان كل مهه أنه يطمئن فَل حا املسلمني امل ةةالوين‪ ،‬ل علمنةةا أن‬

‫الق ادة ل سن نوفا من ال ف أو الوهاه ة‪ ،‬بل مسئول ة وتضح ة وأمانةةة‪ .‬أصةةدر الوسةةو ﷺ‬

‫يف مكةةة هحسةةب‪ ،‬بةةل أي مسةةلم مولةةود فةةَل‬ ‫أواموو لكل املسلمني يف مكة باهلجوة‪ ،‬ولة‬

‫األرض كان البد أن لالو إىل املدينة املنورة‪ ،‬إال من استثناو الوسو ﷺ‪ ،‬وأموو بان يمكث يف‬

‫مكانه‪ ،‬لسبب من األسباا‪ .‬كان هذا هو الووع يف هذو اهلجوة إىل املدينة املنورة‪ ،‬وهو خمتلةةن‬

‫كل املسلمني هالووا إىل احلبشة‪ ،‬كام أن طب عة املكان وظووف املكان‬ ‫فن هجوة احلبشة‪ ،‬هل‬

‫ختتلن من احلبشة إىل املدينة‪ ،‬كان امل الوون إىل احلبشة يويدون هقط احلفاظ فَل أنفس م؛ لئال‬
‫‪293‬‬
‫يستاصل اإلسالم إذا تعوض املسلمون يف مكة لإلبةةادة‪ ،‬مل يكةةن الغةةوض هةةو إقامةةة حكومةةة‬

‫إسالم ة يف احلبشة أبدا‪ ،‬بل كان املسلمون جمود اللئني فند ملك فاد ‪ ،‬أما اهلجةةوة إىل املدينةةة‬

‫هكان الغوض من ا إقامة دولة إسالم ة تكون املدينة هي املوكز الو يس هلا‪.‬‬

‫كانن املدينة صاحلة إلقامة أمة إسالم ة بخالف احلبشة هإ ا ال تصلح‪ ،‬ألن يف احلبشة معوقاة‬

‫كث ة لدا لبناء األمة اإلسالم ة‪ ،‬مثل اختالف اللغة والتقال د‪ ،‬وفدم استقوار الووةةع‪ ،‬وألن‬

‫رمحه اهلل‪ ،‬ه و ملك ال يظلةةم فنةةدو‬ ‫االفتامد يف احلبشة كان فَل رلل واحد هقط وهو النجا‬

‫أحد‪ ،‬وإذا ماة هذا الولل أو خلع‪ ،‬هإن املسلمني س صبحون يف خطو فظ م‪ ،‬لكةةن يف املدينةةة‬

‫الووع غ هذا‪ ،‬اهلجوة مل تكن تعتمد فَل رلل معني‪ ،‬بل فَل أنصار املدينةةة‪ ،‬واجلةةو العةةام يف‬

‫املدينة أصبح با لإلسالم‪ ،‬أو فَل األقل كان قابال للفكوة‪ ،‬ومن ثةةم كانةةن اهلجةةوة إىل هنةةاك‬

‫هجوة مجاف ة لكل املسلمني‪.‬‬

‫بدأة اهلجوة العظ مة‪ ،‬ووقعن تضح اة م ولة مع إرصار وفزيمة‪ ،‬لكن كانن هنةةاك أ ة اء‬

‫كث ة ختفن من آالم اهلجوة‪ ،‬وهو إحساس املسلمني أ م قاا قوسني أو أدنى من بناء األمةةة‪،‬‬

‫وقبل ذلك عورهم باملع ة مع اهلل فز ولل‪ ،‬و عورهم أن قا دهم مع م‪ ،‬وس الو ويضحي‬

‫ويتعب مثل م‪ ،‬واستقبا األنصار لكل من هالو بحفاوة بالغة‪ ،‬وكةةا م إخةةوا م مةةن قةةديم‪.‬‬

‫هذو األ اء كل ا كان ختفن كث ا من آالم اهلجوة‪ ،‬ومع ذلك كانن اهلجوة صعبة‪.‬‬

‫قصص اهلجوة كث ة وفظ مة‪ ،‬وحق قة أن املقام ال يتسع لتفص الربا‪ ،‬ويكفي أن كل واحد مةةن‬

‫امل الوين قد توك وراءو ئا فزيزا فل ه‪ .‬همثال أبو سلمة ريض اهلل فنه وأرواو‪ ،‬هالو وتوك‬

‫زولته وابنه يف قصة مش ورة مؤملة‪ ،‬لكن كان أبو سلمة يف م والبه‪ ،‬وكذلك كانةةن أم سةةلمة‬

‫ريض اهلل فن ا وأرواها تف م دورها‪ ،‬هصةة سنة كاملة بع دة فن زول ا‪ ،‬وسنة كاملة بع دة‬

‫فن ابن ا الذي أخذو زول ا بعد ه ة قص ة فنةةدما هةةالو أبةةو سةةلمة‪ ،‬ثةةم بعةةد سةةنة كاملةةة‬
‫‪294‬‬
‫هالوة إىل زول ا ومع ا ابن ا اآلخو‪ ،‬هالوة مساهة ‪ 500‬ك لةةو مة لوحةةدها‪ ،‬تضةةح اة‬

‫م ولة‪ ،‬وص ب الوومي ريض اهلل فنه وأرواو توك وراءو كةةل ثووتةةه‪ ،‬تةةوك مةةا مجعةةه خةةال‬

‫السنني الطويلة‪ ،‬توك كل رصة دو وهةةالو إىل املدينةةة‪ ،‬تةةوك وظ فتةةه التةةي كةةان مسةةتقوا ه ةةا‬

‫وهالو‪ ..‬وغ و وغ و وغ و‪ ،‬كل قصص اهلجوة ه ا تضح اة وخمة‪.‬‬

‫ء وراءهم‪ ،‬إال أنه كانن هناك خطورة حق ق ةةة فةةَل ح ةةاربم؛‬ ‫وهوق أن الصحابة توكوا كل‬

‫هالكفار مل يكن فندهم أي مانع من قتل أي خص إذا أمسكوا به‪ ،‬وفلموا أنه مسلم يويةةد أن‬

‫لالو‪ ،‬بل أرادوا قتل الوسو ﷺ نفسه‪ ،‬هام بةةالكم بةةاي ةةخص وةةع ن أو حل ةةن‪ ،‬أو أي‬

‫خص من قوي ؟!‬

‫هجوة فمو كانن فلنا ب نام كانن هجوة الوسو ﷺ رسا‬

‫كان كل الصحابة تقويبا لالوون يف الرس‪ ،‬من دون أن يشعو هبم أحد‪ ،‬حتةةى هجةةوة الوسةةو‬

‫ﷺ كانن رسية‪ ،‬إال هجوة واحد من الصحابة هقط كانن فلنةةا أمةةام كةةل النةةاس‪ ،‬تلةةك هةةي‬

‫هجوة فمو بن اخلطاا ريض اهلل فنه وأرواو‪ ،‬وقن فمةةو ريض اهلل فنةةه وأروةةاو يف املسةةجد‬

‫احلوام وقا بصوة موتفع (يا معرش قوي ؛ من أراد أن تثكله أمةةه‪ ،‬أو ي ةةتم ولةةدو‪ ،‬أو تومةةل‬

‫زولته هل لقني وراء هذا الوادي)‪ ،‬كان يقو هذا الكالم وهو متقلد س فه‪ ،‬ويةةدو الثان ةةة ه ةةا‬

‫بضعة أس م‪ .‬هلم يقم له أحد‪ ،‬وهالو ريض اهلل فنه وأرواو أمام الناس أمجعني‪ ،‬كانةةن رهبةةة‬

‫كب ة لةعمو فند فموم الناس‪.‬‬

‫من املمكن أن يسا سا ل ملاذا هالو فمو ريض اهلل فنه فلنا والوسو ﷺ لالو رسا؟‬

‫الواقع أن رسو اهلل ﷺ ُم َرشع‪ ،‬وفموم املسلمني س قلدونه‪ ،‬سواء يف زمن مكة‪ ،‬أو يف األزمان‬

‫التي ستايت بعد ذلك‪ ،‬وفموم املسلمني ال يط قون ما هعله فمو ريض اهلل فنه وأروةةاو‪ ،‬ولة‬

‫‪295‬‬
‫مطلوبا من م ذلك‪ ،‬لكن املطلوا هو احلذر واالحت اا‪ ،‬واألخةةذ باألسةةباا الكاملةةة لتةةامني‬

‫فمل ة اهلجوة‪ ،‬واهلجوة يف حد ذاربا مل تكن هدها‪ ،‬إنام كان اهلةةدف الوصةةو إىل املدينةةة إلقامةةة‬

‫الدولة هناك‪ ،‬و ب األخذ بكل األسباا لتجنب كل املعوقاة إلقامة هذو الدولة‪.‬‬

‫لكن فَل الناح ة الثان ة أيضا موقن فمو بن اخلطةةاا ريض اهلل فنةةه وأروةةاو كةةان سةةل ام‪ ،‬مل‬

‫تكن هناك خمالفة رشف ة‪ ،‬بدل ل أن الوسو ﷺ مل يع ض فَل هذا الكالم‪ ،‬ولو ولدة خمالفة‬

‫رشف ة الف ض فل ه الوسو ﷺ‪ ،‬وفدَّ املسار للمسلمني‪ ،‬لكن هذا مل صل‪ ،‬ه جوة فمةةو‬

‫هبذو الصورة صنعن رهبة كب ة يف قلوا الكاهوين‪ ،‬أوقفن تفك هم متامةةا‪ ،‬وهةةذا كةةان ه ةةه‬

‫هوا د كث ة من ا أنه هالو معه ‪ 20‬خصا من وعفاء الصحابة‪ ،‬مل يستطع أحد من املرشكني‬

‫أن يق ا من م‪ ،‬ولو أ ةةم خولةةوا بمفةةودهم كةةان مةةن املمكةةن أن يقتلةةوا‪ ،‬لكةةن ملةةا أذ اهلل‬

‫املرشكني هبذو الصورة س لن هجوة هؤالء الضعفاء‪ ،‬وصةةدق فبةةد اهلل بةةن مسةةعود ريض اهلل‬

‫فنه وأرواو إذ يقو (إن إسالم فمو كان هتحا)‪ ،‬وارلعوا بذاكوتكم إىل قصة إسةةالم سة دنا‬

‫فمو ريض اهلل فنه وأرواو‪.‬‬

‫يقو فبد اهلل بن مسعود (إن إسالم فمو كان هتحا‪ ،‬وإن هجوته كانةةن نصةةوا‪ ،‬وإن إمارتةةه‬

‫كانن رمحة)‪ ،‬وصدق فبد اهلل بن مسعود ريض اهلل فنه وريض اهلل فن صةةحابة رسةةو اهلل ﷺ‬

‫أمجعني‪.‬كان يف هجوة الصحابة خطورة كب ة فَل معظم امل الوين‪ ،‬لكن ا كانةةن خطةةوة البةةد‬

‫من ا فَل خطورربا لبناء األمة اإلسالم ة؛ وهبذا هالو معظم املسلمني يف مكة‪ ،‬وكل هذا تةةم يف‬

‫ةو‬ ‫وين اثنني هقط‪ ،‬وم وصفو من السنة الوابعة فرشة مةةن البعثةةة‪ ،‬يعنةةي بعةةد حةةوا‬

‫واحد هقط أو أقل من ب عة العقبة الثان ة‪ ،‬ومل يبق يف مكة إال ثالثة هقط الوسو ﷺ‪ ،‬وأبو بكةةو‬

‫الصديق ريض اهلل فنه وأرواو مع فا لته‪ ،‬وف بن أ طالةةب ريض اهلل فنةةه وأروةةاو‪ ،‬وكةةان‬

‫بقاؤمها بامو من الوسو ﷺ‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫‪14‬‬

‫اهلجرة إىل املدينة‬

‫قــو‬ ‫كانت قريش يف أزمة كبرية‪ ،‬ما من يوم يصـبحون فيــإ و دوــودن دً ــو ملً مــن ً ـ‬

‫ة ًختفت‪ ،‬دبعض ًأل يان كانوً وــودن فرعـ ملا كــام مل‬
‫ن مــن قبي ــة ــي‬ ‫ًختفى‪ ،‬أد عائ ة م‬

‫موجود ملً‪ ،‬بحيث ن ًهلجرة كانت تتم بصورة رسية متام ملا‪ ،‬و هجرة ع ر بن ًخلطــار را ً‬

‫عنإ‪.‬‬

‫فقط مــن ً ــذ ً ـ يف كــان يف دفــو‬ ‫عرف ً رشكون أن ًهلجرة كانت ىل ً وينة ً نورة‪ ،‬ي‬

‫يثرر ً يف جاء ىل مكة قبل ذ ذ يف موسم ًحلج سنة ‪ 13‬من ً بعثة‪ ،‬كن مــن أخبــار م كــوة‬

‫ىل ً وينة‪،‬‬ ‫أتت ىل قريش من ً وينة ً نورة عن طريق أعوًن د فاء هلم ت كو هجرة ً‬

‫بــن أيب ربيعــة‬ ‫دي كو عىل ه ً ما صل من أيب جهل دأخيإ ًحلارث ألخيهام مــن ًألم عيــا‬

‫‪ ،‬دع م‬ ‫را ً عنإ دأرضاه‪ ،‬كان م ملام دهاجر ىل ً وينة ً نورة مثل بقية ً هاجرين ً‬

‫أبو جهل هبجرتإ‪ ،‬ف حقإ أبو جهل دًبتكر ي ة من أجل أن يعيو عياش ملا ىل مكــة‪ ،‬فنقنعــإ بــنن‬

‫ً رقــة ألمــإ‪ ،‬دعــاد مـ‬ ‫عيــا‬ ‫أمإ مريضة‪ ،‬دأهنا تريو أن ترًه قبل أن متــو ‪ ،‬دفعـ مل‬
‫ن أخـ‬

‫ًحلارث دأيب جهل‪ ،‬دبينام هو يف ً طريق قيوًه باحلبال دأخ ًه ىل مكة دهو مقيو‪ ،‬دقاو ألهــل‬

‫يف مكة فرتة طوي ة‪.‬‬ ‫مكة‪) :‬هك ً فافع وً ب فهائكم(‪ ،‬د ب‬

‫ون‪ ،‬دأهنم كانوً ي هبون ىل ً وينة ً نورة‪.‬‬ ‫ً اهو أن أبا جهل كان يعرف ىل أين هياجر ً‬

‫‪297‬‬
‫سبب ه ً ًألمر ق ق ملا قريش؛ ألهنا كانت عىل فقإ كامل بخطــورة ً وقــي ع ــيهم ــو ًنت ــر‬

‫ًإلسنم‪ ،‬من ه ه ً خاطر‪:‬‬

‫أدومل‪ :‬أن ً ين هاجردً من مكة ي وً أغرًب ملا عن أهل مكة‪ ،‬بل ن كل دً و من زعامء قــريش‬

‫كان إ أخ مهاجر أد ًبن أد ًبنة‪ ،‬دكل دً و منهم بوًخ إ غيظ كبري عىل ً ــوين ًيويــو ً ـ يف‬

‫عرضهم هل ه ً ك ة‪ ،‬دكل دً و منهم بوًخ إ ك ذ ب فطــريف ألدوده دأقاربــإ‪ ،‬ديــر‬

‫أهنم قو بعودً عنإ‪ ،‬فه ه كانت م ك ة كبرية‪ ،‬دكان من ً صعب أن يقبل هبا أهل مكة‪.‬‬

‫ثاني ملا‪ :‬أن دعوة ًإلسنم و ًنترش يف ًيزيرة ً عربية‪ ،‬ف ن ً كن أن تفقو قريش ً كثــري مــن‬

‫مكانتها يف ًيزيرة‪ ،‬فقو كانت تك ب كثري ملً من جتارة ًحلج ىل مكة‪ ،‬دمن جتارة بيـ ًألصــنام‪،‬‬

‫نعم‪ ،‬دين ًإلسنم ي ج ًحلج ىل مكة‪ ،‬كــن جتــارة ًألصــنام دجتــارة ًخل ــور دً زنــا دً ربــا‬

‫ستقي‪ ،‬مصا ح كثرية جو ملً ستقي ألهل مكة‪ ،‬دك ها سوف تتعطل و ًنترش دعوة ًإلســنم‬

‫يف ًيزيرة ً عربية‪.‬‬

‫ما هاجردً ىل ً وينة من أجل قضاء فرتة رً ــة‬ ‫ثا ث ملا‪ :‬كان ً رشكون يفه ون جيو ملً أن ً‬

‫أد ًستجامم‪ ،‬بل هاجردً إلقامة دد ة سنمية‪ ،‬د و أقاموً ه ه ً ود ة فنبو أن يعوددً ىل مكــة‬

‫مرة أخر يف يوم من ًأليام‪ ،‬دعنوما يعوددً يها‪ ،‬ن يعوددً من أجل ً ــكن فيهــا‪ ،‬و‪ ،‬بــل‬

‫سيعوددن من أجل أن حيك وً مكة‪ ،‬هك ً يقول ً نطق‪ ،‬دطبيعة ً وين ًإلسنمي هك ً تقول‪،‬‬

‫ــن‬ ‫مكث ً رسول ﷺ يف مكة ‪ 13‬ســنة‪ ،‬يفه هــم قضــية أن ًحلكــم ‪ ،‬ف كــو أن ً ـ‬

‫يرضوً أن يبقى أهل مكة عىل حتكي هم هلبل أد أنصار هبل يف ياهتم‪ ،‬وبــو أن حيك ــوً ًإل ــإ‬

‫ً يف يعبودنإ أو دهو ً عز دجل‪ ،‬دبا تايل حيك ون مكة‪ ،‬دكان ه ً مرعب ملا زعامء قريش‪.‬‬

‫‪298‬‬
‫رًبع ملا‪ :‬أن ه ه ًهلجرة مل تكن ىل أيف مكان‪ ،‬و‪ ،‬بل ىل ً وينة ً نورة (يثرر)‪ ،‬دكــان هلــا دضـ‬

‫خاص‪ ،‬ففي ًعتقاديف أن ه ً ً كان أكثر مكان و حيب ً رشكون أن تكون ًهلجرة يإ‪ ،‬دذ ــذ‬

‫عوة نقاط‪:‬‬

‫ًألدىل‪ :‬أن سكان يثرر هم ًألدس دًخلزرج‪ ،‬دهم من أعز ً قبائــل ً عربيــة‪ ،‬دمــن أقوًهــا يف‬

‫ًحلرر‪ ،‬دأشوها ممارسة فنون ً قتال ً خت فة‪ ،‬د عــل ً ــبب يف عــوم هــورهم يف ًيزيــرة‬

‫ً عربية‪ ،‬دأن تكون هلم ك ة م وعة دكبرية فيها هو ً رصًع ً وًخيل بـ ًألدس دًخلــزرج‪،‬‬

‫ف و صل ًحتاد ب هات ً قبي ت ً كبريت ف وف تكون م ك ة قيقية عىل بقية ً قبائل‪.‬‬

‫ً ثانية‪ :‬أن ًألدس دًخلزرج من أصول قحطانية‪ ،‬بينام قــريش مــن أصــول عونانيــة‪ ،‬دتعرفــون‬

‫كيي كانت أثر ً قب ية يف أيام ًياه ية‪ ،‬فإذً كانت قريش بفردعها هلا خنفا كبرية‪ ،‬مثــل مــا‬

‫رأينا خنف بني هاشم م بني خمزدم‪ ،‬دمرجعهام ىل قريش‪ ،‬فام با كم ب قحطاين دعوناين‪.‬‬

‫ً ثا ثة‪ :‬أن ً وينة ً نورة صينة‪ ،‬دتعترب صانتها صانة جغرًفية طبيعية‪ ،‬ف و فكر قــريش‬

‫يف يوم من ًأليام أن تغزد ً وينة ف وف تتخ قرًر ملً صعب ملا‪.‬‬

‫ً رًبعة‪ :‬أن ً وينة تق عىل طريق ً قوًفل ً تجارية ً تجهــة مــن د ىل ً ــام‪ ،‬فت ــتطي ً وينــة‬

‫ً نورة أن ختنق مكة ًقتصادي ملا‪ ،‬يظهر ه ً ج ي ملا عنوما نع م أن مكــة كانــت تتــاجر بربـ م يــون‬

‫دينار ذهب سنوي ملا م ً ام‪ ،‬جتارة مهو ة‪ ،‬فتخيل يف ه ً ً زمان ما مقوًرها‪ ،‬ده ه كانت ر ة‬

‫موسم ً تاء‪.‬‬

‫ًخلام ة‪ :‬أهل مكة يع ون أن ً يهــود ي ــكنون يف ً وينــة ً نــورة‪ ،‬دهــم أهــل ســن دمــال‬

‫دًقتصاد دأعوًد غفرية‪ ،‬دقبائل متعودة‪ ،‬فامذً و آمن ً يهود دًنض وً ىل رسول ً ﷺ‪ ،‬هـ ه‬

‫با ن بة ىل قريش مصيبة كبرية‪ ،‬دًحلقيقة‪ :‬أن ً عقل كــان يــرجح ســنم ً يهــود؛ ألهنــم أهــل‬

‫‪299‬‬
‫كتار‪ ،‬دي منون باألنبياء‪ ،‬دكانوً يع ون أن نبي ملا سوف يظهر يف ذ ذ ً ــزمن‪ ،‬دكانــت تعــرف‬

‫قريش ه ً ً كنم عن ً يهود‪ ،‬فكان خييفها ه ً ًوعتقاد جو ملً‪ ،‬وو أن ً يهــود مل يكــن عنــوهم‬

‫عقل‪ ،‬ده ً هو ً بب ً يف جع هم و يوخ ون ه ً ً وين‪.‬‬

‫ًجتامع قريش بوًر ً نودة هبوف من ً رسول ﷺ من ًهلجرة ىل ً وينة‬

‫نتيجة عوًمل ً ابقة ً وجودة يف ً وينة ً نورة‪ ،‬دً تي كانت ت بب خطر ملً كبــري ملً عــىل زعــامء‬

‫ك هم ترسبوً من ب أيوهيم‪ ،‬دمل يبق و ً رسول ﷺ دًثن من أصــحابإ‬ ‫مكة‪ ،‬و أن ً‬

‫مها‪ :‬أبو بكر دعيل را ً عنهام‪ ،‬د ذً هاجر ً رسول ﷺ بنف إ فكل ً ــاكل ً تــي خيافوهنــا‬

‫ستق ‪ ،‬كن من ً كو أنإ و خطورة عىل مكة دً رسول ﷺ مازًل فيهــا؛ ألنــإ مــن ً كــو أن‬

‫ً هاجرين دً من من ًألدس دًخلزرج سوف ينتظردن قــودم ً رســول ﷺ ىل ً وينــة؛ مــن‬

‫ينخ ً قــرًر بــاهلجوم عــىل مكــة‪ ،‬ف ــو‬ ‫أجل أن يض نوً سنمتإ من نا ية‪ ،‬دمن نا ية أخر‬

‫ًستطاع ً رشكون أن ي يطردً عىل ً رسول ﷺ‪ ،‬فإن خطر يثرر سيقل‪ ،‬كن كيي ي ــيطردن‬

‫عىل رسول ً ﷺ؟ فقبي ة بني هاشم قبي ة كبرية دعزيزة‪ ،‬دمن ً صــعب أن يــوخ وً معهــا يف‬

‫رر أد رصًع‪ ،‬فقرر زعامء مكة نتيجة هل ه ًحلرية أن يعقودً ًجتامع ملا طارئ ملا‪ ،‬يجودً نمل‪.‬‬

‫‪ 26‬صفر من ً نة ً رًبعة عرشة من ً بعثة عقو ًوجتامع‪ ،‬دكان أخطر ًجــتامع‬ ‫يف يوم ًخل ي‬

‫يف تاريخ دًر ً نودة‪ ،‬رضه ممث ون عن كل ً قبائل ً قرشية‪ ،‬ما عوً قبي ة بني هاشم؛ مثــل أبــو‬

‫جهل بن ه ام عن قبي ة بني خمزدم‪ ،‬دشيبة بن ربيعة دعتبة بن ربيعة دأبــو ســفيان بــن ــرر‬

‫‪ ،‬دً نرض بن ًحلارث عن بني عبو ً وًر‪ ،‬دأمية بــن خ ــي عــن‬ ‫ك هم عن قبي ة بني عبو ش‬

‫جح‪ ..‬دغريهم كثري‪ ،‬دمل ي ح أليف قبي ة غــري قــريش أن تــوخل دًر ً نــودة‪ .‬دب ناســبة‬
‫بني ُ م‬

‫ً ـ يف متثــل بصــورة ً ــيخ‬ ‫دخول ه وء دًر ً نودة و يوجو د يل صحيح عىل قصة ب ــي‬

‫‪300‬‬
‫يف مكـة مل يكونــوً بحاجــة ىل شــياط‬ ‫ً نجويف د رض معهم ًوجتامع؛ فإن شياط ًإلنـ‬

‫ًين‪.‬‬

‫بوأ ًوجتامع ًخلطــري‪ ،‬ددضــعوً ً ــك ة ً تــي ًجت عــوً مــن أج هــا‪ ،‬دبــوءدً بــا نظر يف آرًء‬

‫ً رسول ﷺ كافي ملا‪ ،‬كن ً ي ـ‬ ‫ًحلضور‪ ،‬فا طائفة ً عتو ة من زعامء مكة كانوً يردن أن ب‬

‫ً كي ً تطرف كان رأيإ خما ف ملا هل ً ً رأيف‪ ،‬قال أ وهم ‪-‬د ع إ أبو جهل‪ :-‬وبو من قتــل هـ ً‬

‫ً رجل‪ ،‬ديف ًحلقيقة أن ه ه ً فكرة كانت تعجبهم‪ ،‬د كن مل يكن عنو أ و ًيرأة أن ينطق هبا؛‬

‫ألن بني هاشم قبي ة قوية‪ ،‬دمن ً يف سيضحي بنف إ دقبي تإ ديقي أمام بني هاشم‪ ،‬ك ّن أبــا‬

‫جهل خرج ع ــيهم بفكــرة شــيطانية‪ ،‬دهــي‪ :‬أن خيتــاردً مــن كــل قبي ــة يف مكــة شــاب ملا قويـ ملا‪،‬‬

‫فيحارصدن بيت رسول ً ﷺ‪ ،‬ثم يرضبونإ رضبة رجل دً و‪ ،‬فيتفرق دمإ ب ً قبائل‪ ،‬فــن‬

‫جتو بنو هاشم أمامها و قبول ً وية؛ ألهنم ن ي تطيعوً أن حياربوً كــل ً قبائــل‪ ،‬ثــم خرجــوً‬

‫با وًفقة عىل ه ً‪ ،‬قال ً عز دجل يف كتابإ ً كريم يصي ه ً ًحلوث‪ } :‬مد ِ ْذ مي ْ ك ُُر بِ مذ ً ِ ـ ِ ي من‬

‫وك‬‫وك مأ ْد ُخي ِْر ُجـ م‬


‫ُوك{ [ًألنفال‪( ،]30:‬يثبتوك) أيف‪ :‬يقيــودك أد حيب ــوك‪ ،‬مأ ْد } مي ْق ُت ُ ـ م‬ ‫مك مف ُردً ِ ُي ْثبِت م‬
‫دن دي كُر ً ُِ دً ُِ مخري ً ْم ِ‬
‫اك ِري من{ [ًألنفال‪.]30:‬‬ ‫ُْ‬ ‫م‬ ‫مد مي ْ ك ُُر م م م ْ ُ‬

‫ه ه ًألفكار ً تي هر يف دًر ً نودة‪ ،‬ده ه ً توبريً ك ها تق حتت ك ة‪ } :‬مد مي ْ ُكـ ُر م‬


‫دن{ ‪.‬‬
‫ديف ًيزء ً قابل‪} :‬دي كُر ً ُِ دً ُِ مخري ً ْم ِ‬
‫اك ِري من{ ‪.‬‬ ‫ُْ‬ ‫م‬ ‫ممْ ُ‬

‫عوًد ً رسول ﷺ هجرة م أيب بكر دعيل را ً عنهام‬

‫نزل جربيل ع يإ ً نم ىل رسول ً ﷺ خيربه بنمر ه ه ًيري ة‪ ،‬دقال إ‪ :‬و تبت يف فرًشذ‬

‫ً ي ة‪ ،‬دأمره باهلجرة‪ ،‬دً رسول ع يإ ً صنة دً نم سن إ ع ن هياجر معإ؟ فقال‪ :‬أبــو بكــر‬

‫ً صويق ‪ ،‬فصحبة ً صويق رسول ً ﷺ كانت بنمر من ً عز دجــل‪ ،‬ديــا هلــا مــن درجــة‬

‫‪301‬‬
‫عا ية صويق را ً عنإ دأرضاه‪ .‬بوأ ً رسول ﷺ يرتب هجــرة‪ ،‬دبا ـ ً أنــإ ع ــم أن‬

‫ً رشك يريودن قت إ فجر يوم ًي عة ‪ 27‬صفر سنة ‪ 14‬من ً نبوة‪ ،‬فزعامء قريش ًجت عــوً يف‬

‫‪ 26‬صفر‪ ،‬فكان عىل ً رسول ﷺ أن يب غ ً صويق را ً عنإ دأرضاه‪ ،‬ديرتب‬ ‫يوم ًخل ي‬

‫معإ موضوع ًهلجرة‪ ،‬دوبو أن يكون كل يشء يف رسية تامة‪ ،‬دو ي فت أنظار أيف شــخم مــن‬

‫قريش؛ من أجل أو يقوم زعامء قريش موعو قتل ً رسول ﷺ‪.‬‬

‫فر مبــا ة‬ ‫دهناك م ك ة أخر كان يفكر فيها ً رسول ﷺ‪ ،‬دهي هل كان أبو بكر جاهز ملً‬

‫يف ً وعو ً يف أخربه جربيل أن هيــاجر فيــإ‪ ،‬فـــا صويق ســيرتك كــل يشء‪ ،‬دو يــوريف متــى‬

‫سريج ‪ ،‬دقو و يرج با رة‪ ،‬دي و يف ً وينة ً نورة‪ ،‬دسينخ ه ً رسول ﷺ من غري عائ تإ‪،‬‬

‫فهو سيرتك بناتإ دأدوده دأباه دأمإ‪ ،‬ده ه تعترب م ــك ة با ن ــبة صــويق‪ .‬دهنــاك م ــاكل‬

‫أخر أمام ً رسول ﷺ‪ ،‬منها‪ :‬أن قري ملا سوف تكت ي هجرتإ و حما ــة ن آجـ مل‬
‫ن أد عــاجنمل‪،‬‬

‫فكيي يعطل ً طاردة ً رشكة إ؟ كيي هيرر منهم دً كفار ك هم يعرفون أنإ م افر ىل ً وينة‬

‫ً نورة‪ ،‬ديعرفون ًوجتاه ً يف ي يش فيإ؟ دمنها‪ :‬أنإ كانت عنوه أمانــا كثــرية دضــعها أهــل‬

‫مكة عنوه‪ ،‬دكننإ مثل ً بنذ با ن بة هلم‪ ،‬كان حيفظ هلم أماناهتم دأموًهلم‪ ،‬دمـ أن أهــل مكــة‬

‫مرشكون درًفضون إلسنم‪ ،‬و أهنم مل وودً أ ــو ملً يف م ــتو أمانــة ً رســول ﷺ‪ ،‬فكــانوً‬

‫رهبم ً ت رة إ ﷺ‪ ،‬ده ً من أعاجيب ً زمان!‬ ‫يضعون أماناهتم عنوه م‬

‫ً هم أن ه ه كانت م اكل أمام ً رسول ﷺ‪ ،‬دكان وبو أن وو هلا نمل‪.‬‬

‫ذهب ً رسول ﷺ ىل ً صويق را ً عنإ يف دقت ً ظهرية؛ ألن شوًرع مكة يف ذ ذ ً وقت‬

‫تكون خا ية‪ ،‬د ن يرًه أ و ذً ذهب يف هـ ً ً وقــت‪ ،‬كــام أن ً صــويق مل يكــن معتــاد ملً ــيء‬

‫ً رسول ﷺ يإ يف ه ً ً وقت‪ ،‬فيكون ه ً أدعى تخفي‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫يشء آخر فكر فيإ ً رسول ﷺ‪ :‬أن يك ي سيونا عــيل بــن أيب طا ــب را ً عنــإ ب ه تـ‬

‫كبريت ‪ ً ،‬ه ة ًألدىل‪ :‬أن ينام يف فرًشإ ﷺ يف ه ه ً ي ة‪ ،‬ديتغطى بــربده ﷺ‪ ،‬تــى ذً جــاء‬

‫ً رشكون دنظردً يردن شخص ملا نائ ملام دمغطى بــربدة ً رســول ﷺ‪ ،‬فيظنــون أنــإ ً رســول ﷺ‪،‬‬

‫فيتنخردن يف من قة ً رسول ﷺ‪.‬‬

‫ىل أصحاهبا‪ ،‬دبعو أن ينتهي من ً ه ت هيــاجر ىل ً وينــة ً نــورة‬ ‫ً ه ة ً ثانية‪ :‬رد ًألمانا‬

‫د وه‪.‬‬

‫خرج ً رسول ﷺ يف ً ظهرية ىل بيت ً صويق را ً عنإ‪ ،‬دزيادة يف ً تخفــي غطــى رأســإ‬

‫ببعض ً ثيار‪ ،‬ددصل ىل بيت ً صويق من ددن أن يرًه أ و‪ ،‬فاستغرر ً صــويق مــن ــيء‬

‫ً رسول ﷺ يف ه ً ً وقت‪ ،‬دقال‪( :‬فوًه أيب دأمي‪ ،‬دً ما جاء بــإ يف هـ ه ً ــاعة و أمــر)‪،‬‬

‫دً صويق ىل ًآلن و يع م أنإ سيهاجر م ً رسول ﷺ‪ ،‬دأن ًهلجرة يف ه ً ً يوم ينمل‪ ،‬يف نف‬

‫ً يوم ً يف جاء فيإ ً رسول ﷺ‪ ،‬فاستنذن ً رسول ﷺ فنذن إ أبو بكر ‪ ،‬فوخل‪ ،‬فوجو م أيب‬

‫بكر أه إ‪ ،‬فقال إ‪ً( :‬خرج من عنوك)‪ ،‬فقال ً صويق ‪ ( :‬نام هم أه ذ‪ ،‬بنيب أنت يا رسول ً )‬

‫‪-‬يعني‪ :‬و ختي منهم‪ -‬فقال ً رسول ﷺ‪( :‬فإين قو أذن يل يف ًخلردج)‪ ،‬يعني‪ً :‬هلجرة‪.‬‬

‫دًنظردً ىل أدل رد فعل صويق را ً عنإ دأرضاه‪ ،‬أدل يشء كان ي ــغ إ أن يكــون مـ‬

‫ً رسول ﷺ‪ ،‬دمل يتخيل أن يبتعو عن ً رسول ﷺ د و حظا ‪ ،‬فقال أبو بكر عنوما ع ــم أن‬

‫ً رسول ﷺ سيهاجر‪ ً( :‬صحبة بنيب أنت يا رسول ً )‪ ،‬فقال ً رسول ﷺ‪( :‬نعم‪ ً ،‬صحبة)‪.‬‬

‫فر ً صويق بصحبة رسول ً ﷺ يف ه ه ً ر ة‪ ،‬دمل يتام ذ نف إ من شــوة ً فــر ‪ ،‬فبكــى‬

‫را ً عنإ دأرضاه‪ ،‬تقول ً يوة عائ ة را ً عنها‪( :‬ف م أكن أدريف أن أ و ملً يبكي مــن‬

‫تى رأيت أبا بكر يبكي)‪ ،‬ه ً م ًخلطورة ً عردفة يف هـ ه ً ر ــة‪ ،‬و شــذ أن‬ ‫شوة ً فر‬

‫‪303‬‬
‫ً صويق را ً عنإ كان يقور خطورة ً وقي‪ ،‬دأنإ سيكون من ً ط ــوب بعــو ذ ــذ دقــو‬

‫يقتل‪ ،‬كن كل ذ ذ مل ي ثر فيإ مط ق ملا؛ ألن ً يشء ً و يو ً يف كان هي إ أن يكون م ً رسول‬

‫ﷺ‪ ،‬فهو حيب ً رسول ﷺ ب ملا شويو ملً‪ ،‬دهتون أمامإ كل ً صاعب ديبقــى ىل جــوًر ً رســول‬

‫ﷺ‪ .‬دقبل أن ي ن إ رسول ً ﷺ كيي سنهاجر‪ ،‬قال ً صويق را ً عنإ دأرضاه‪( :‬فخـ‬

‫و رً تي هات )‪ .‬من قبل أن يع إ ً رسول ﷺ أنإ ســيهاجر معــإ‬ ‫بنيب أنت يا رسول ً‬

‫كان قو جهز رً ت ‪ ،‬فنخ ً رسول ﷺ ً رً ة‪ ،‬د كنإ قال صويق‪( :‬با ث ن)‪ ،‬ددف ث ــن‬

‫ً رً ة صويق را ً عنإ‪.‬‬

‫و شذ أن ً صويق كان ن ان ملا دكان تاجر ملً دكان أب ملا دكان زدج ملا دكان ك ً دكـ ً دكـ ً‪ ،‬مثــل‬

‫أيف شخم بيننا‪ ،‬و شذ أن عنوه أشياء كثرية ت غ إ دتعط إ مثــل أيف ن ــان‪ ،‬كــن ً صــويق‬

‫را ً عنإ دأرضاه كان يعطي ع ل عز دجل ً قور ًحلقيقي‪ ،‬من أجل ذ ــذ كــان وــو‬

‫دقت ملا دطاقة؛ ألنإ يريو أن ينف ما أمره بإ ربنا عز دجل درسو إ ﷺ‪ ،‬هـ ً هــو ًإلن ــان ً ـ يف‬

‫قضية ًإلسنمية‪ ،‬ياتإ ك ها يف خومــة هـ ً ً ــوين‪،‬‬ ‫إلسنم‪ ،‬فـا صويق رجل عا‬ ‫عا‬

‫أدرًقإ ك ها مرتبة ص حة ًإلسنم‪ً ،‬ألد يا عنوه دًضحة‪ ،‬ده ه مــن أهــم ً ــوردس ً تــي‬

‫ممكن أن نتع ها من ً صويق را ً عنإ دأرضاه‪ ،‬أننــا نضـ ًإلســنم ددًجبــا ًألمــة يف‬

‫وينا‪.‬‬ ‫ً رتبة ًألدىل من ًألد ويا‬

‫بنود خطة هجرة ً رسول ﷺ دصا بإ ً صويق را ً عنإ‬

‫مكث ً رسول ﷺ م أيب بكر ً صويق را ً عنإ خيططان ألمر ًهلجرة‪ ،‬فقــو دضــعا خطــة‬

‫ـــاهبام ألشـــياء كثـــرية‪.‬‬ ‫بارعـــة متقنـــة‪ ،‬بـــ و فيهـــا كـــل طاقـــة دفكـــر‪ ،‬دع ـــن‬

‫أدومل‪ :‬ن يبيت ً رسول ﷺ يف بيتإ ه ه ً ي ة‪ ،‬دسيخرج من بيتــإ يف أدل ً يــل‪ ،‬ديــرتك ع يـ ملا‬

‫يف بيت ً صــويق مــن أجــل أن يتجنــب ًحلصــار‬ ‫را ً عنإ دأرضاه نائ ملام يف رسيره‪ ،‬دو‬
‫‪304‬‬
‫ً يف قو يفرض عىل بيتإ ﷺ‪ ،‬فهو يع م أن موعو ً قتــل ً فجــر‪ ،‬فرييــو أن يــرتك ً بيــت قبــل‬

‫ً فجر‪ ،‬من أجل أن يفو ً فرصة عىل ً رشك ‪.‬‬

‫ثاني ملا‪ :‬سيبقى رسول ً ﷺ يف بيت ً صويق را ً عنإ دأرضــاه جــزء ملً مــن ً يــل‪ ،‬أيف ــن‬

‫هياجرً مبا ة‪ ،‬دسينتظرً ىل أن هتوأ ًحلركة يف مكــة متامـ ملا‪ ،‬يف ذ ــذ ً وقــت ســوف ينخـ ًن‬

‫ً رً ت دينط قان من بيت ً صويق را ً عنإ‪.‬‬

‫ثا ث ملا‪ :‬أهنام ن خيرجا من بار بيت ً صويق بل من فتحــة‬

‫يف خ ي ً بيت و تامل دجود مرًقبة عىل بار ً بيــت؛‬

‫فقــو يتوقعــون هجرتــإ معــإ‪ ،‬فهــو ً صــا ب ًألدل‬

‫رسول ﷺ‪.‬‬

‫رًبع ملا‪ :‬أن ً وينة هلا طريقان مــن مكــة‪ً :‬ألدل‪ :‬معــردف‬

‫دسهل دقصري ن بي ملا‪ ،‬دً ثــاين‪ :‬دعــر دصــعب دطويــل‬

‫دغــري مــن وف‪ ،‬دو يعرفــإ ً كثــري مــن ً نــاس‪ ،‬ففكــر‬

‫رسول ً ﷺ أن هياجر مــن ً طريــق ً صــعب؛ طريــق‬

‫سا ل ً بحر ًألمحر‪ ،‬نعم هو طويــل دصــعب‪ ،‬كــن و‬

‫يعرفإ كثري من أهل مكة‪ ،‬ف تكون فرصة ًهلجــرة بنمــان‬

‫يف ه ً ً طريق أكرب‪.‬‬

‫خام ملا‪ :‬وبو أن ي تنجرً د ي مل‬


‫ن يكون معهام يف ه ه ً ر ة ً صعبة؛ ألن ً طريق غري معــردف؛‬

‫ً وقــت و‬ ‫فا فر يف ً صحرًء أمر خطري‪ ،‬دً و يل وبو أن تكون عنوه خربة دأمانة‪ ،‬ديف نف‬

‫ي ذ ً رشكون يف أمره؛ د ً فإن ً رسول ﷺ دً صويق ًتفقا عــىل د يــل ًسـ إ عبــو ً بــن‬

‫‪305‬‬
‫ــن‬ ‫ُأ مريقط ‪ ،‬ده ً ً و يل من ً رشك ‪ ،‬دكان ه ً ً فعل منهام يف منتهى ً كاء؛ فإن ً ـرك‬

‫ي كوً مط ق ملا يف أمره‪ ،‬كام أنإ رجل أم يكتم ً رس‪ ،‬دهو يف ً نهايــة صــا ب مصـ حة ســوف‬

‫ي ديف ً ه ة دينخ ع يها ًألجر‪ ،‬دأكيو أنإ أجر ٍز‪.‬‬

‫ــة‬ ‫ــافة‬ ‫سادس ملا‪ :‬قرر ً رسول ﷺ أنإ يف أدل ًهلجرة سيتجإ نحو ً ي ن و ً وينــة ً نــورة‬

‫ذً ًفتقودً ً رسول ﷺ‪ ،‬سيبحثون عنــإ يف ًجتــاه‬ ‫أميال ‪ 8 :-‬كي و مرت‪ -‬ت ويإ؛ ألن ً رشك‬

‫يف ًجتاه ً ي ن‪.‬‬ ‫ً وينة د ي‬

‫سابع ملا‪ :‬أهنام سي هبان أدومل ىل غار ثور يف جنور مكة‪ ،‬دهو غار يف جبل عــال‪ ،‬دً طريــق يــإ‬

‫صعب جو ملً‪ ،‬دسي كثان فيإ ثنثة أيام‪ ،‬دبعو ذ ذ يتحركان ىل ً وينة عنــوما يفقــو أهــل مكــة‬

‫ًألمل يف ً عثور ع يهام‪ ،‬دك ذ سوف يرتكان ً رً ت م ً و يل عبو ً بــن ُأ مر ْيقــط ‪ ،‬مــن‬

‫أجل أو ير أ و ً رً ت بجانب ً غار‪ ،‬دعبو ً بن أريقط سوف يقاب هام بعــو ذ ــذ عنــو‬

‫ً غار بعو ثنثة أيام‪.‬‬

‫ثامن ملا‪ :‬يريو ً رسول ﷺ أن يع م ً وض يف مكة‪ ،‬دحتركا زعامء مكة‪ ،‬فنبو من شخم يــن‬

‫بها ًخلطة و صل يشء خمــا ي ـ يف رتبــوه‪،‬‬ ‫هلم باألخبار ىل ً غار كل يوم يعو وً عىل‬

‫فاتفق ً رسول ﷺ م ً صويق را ً عنإ أن ً يف سيقوم ب ذ هــو عبــو ً بــن أيب بكــر‬

‫ً صويق را ً عنهام‪ ،‬فهو سي كث يف مكة طي ة ً نهــار‪ ،‬ثــم يــن ىل ً غــار يف أدل ً يــل‪،‬‬

‫معهام يف ً غار دخيربمها أخبار مكة‪ ،‬ثم يرج ىل مكة قبل ً فجر‪ ،‬ثم يف ً صبا ً بــاكر‬ ‫دو‬

‫يظهر نف إ ناس ديقي أمامهم ريده؛ يومههم أنإ با يف مكة دمل يكن خارجها‪.‬‬

‫تاسع ملا‪ :‬سيقوم عامر بن فهرية را ً عنإ موىل ً صويق را ً عنإ دأرضاه بودر ً تغطيــة‬

‫ًألمنية هل ه ً ع ية‪ ،‬فهو سريعى ًألغنام عىل آثار أقوًم ً رسول ﷺ دأقوًم ً صويق را ً‬

‫‪306‬‬
‫عنإ‪ ،‬دبعو ذ ذ فوق أقوًم عبو ً بن أيب بكر را ً عنهام‪ ،‬من أجل أن يضي فرصــة تتبـ‬

‫آثار ًألقوًم بقور ًستطاعتإ‪ ،‬ده ً يشء يف منتهى ً ردعة؛ مـ أهنــم م ــوً يف ًجتــاه ًينــور‪،‬‬

‫رهم يف ه ً‪.‬‬ ‫د كن ك ذ أخ دً‬

‫عا ملً‪ :‬أن ً يف سيحرض هلم ً طعام دً رشًر فرتة ً ثنثة أيام يف غار ثور ً يوة أســامء بنــت‬

‫أيب بكر ً صويق را ً عنهام‪ ،‬دكانت ــام مل‬


‫ن ديف ً ــهور ًألخــرية مــن مح هــا‪ ،‬د ن كــان‬

‫ً رشكون دضعوً مرًقبة عىل أدود ً صويق ً رجال‪ ،‬ف ن ً صعب أن يضــعوها عــىل ً ن ــاء‪،‬‬

‫كام أهنم مل يعتاددً من ً ن اء أن تقوم ب ثل ه ه ًألددًر‪ ،‬دت كردً أننا نــتك م عــام قبــل ‪1400‬‬

‫سنة سابقة‪ ،‬دختيل معي كيي ومرأة امل يف شهورها ًألخرية حت ل ً طعام دً رشًر دت ري‬

‫بإ م افة ‪ 8‬كي و مرت من مكة د تى غار ثور‪ ،‬ثم تصعو ًيبل ً صعب‪ ،‬دتفعل ذ ذ ثنثة أيام‬

‫متوًص ة! كن و ت تغربوً‪ ،‬فإهنا ًبنة ً صويق را ً عنإ دعنها‪.‬‬

‫بيت ً رسول ﷺ ي ة ًهلجرة دخردجإ من بينهم سا ملا‬ ‫صار ً رشك‬

‫عاد ً رسول ﷺ ىل بيتإ دبوأ وهز نف إ‪ ،‬دناد ع يـ ملا را ً عنــإ‪ ،‬دكــان يف ذ ــذ ً وقــت‬

‫ع ره ‪ 23‬سنة‪ ،‬دأخربه بودره‪ ،‬دأنإ سينام يف رسيره ﷺ طوًل ً يل‪ ،‬ديتغطــى بــربد ً رســول‬

‫ﷺ ًألخرض‪ ،‬ديف ً صبا يعيو ًألمانا ألصحاهبا‪.‬‬

‫ًنتظر ً رسول ﷺ يف ً بيت تى ً يل‪ ،‬ثم يف أدل ً يل فكر باخلردج دً هار ىل ً صويق ‪،‬‬

‫فرأ أن ً رشك قو أتوً مبكرين عــن ً وعــو ً ـ يف كــان يظنــإ‪ ،‬درآهــم حيــارصدن ً بيــت‪،‬‬

‫أد ً حاك ة‪ ،‬قو صــور ً قــرًر با قتــل‪،‬‬ ‫ًحلب‬ ‫دعرشً ً يوف حتيط با بيت‪ ،‬دً قرًر ي‬

‫دقو أتوً تنفي مبا ة‪ ،‬فامذً يع ل ً رسول ﷺ؟ دكيي خيرج؟‬

‫‪307‬‬
‫أتى جربيل ع يإ ً نم ىل رسول ً ﷺ‪ ،‬دأخربه بنن خيرج من دســط ً رشــك ‪ ،‬دأن خيــرج‬

‫أمام ً ناس ك هم‪ ،‬د ن يرًك أ و منهم؛ فإن ً عز دجل سينخ أبصارهم‪ ،‬ستع ى ًألبصــار‬

‫كام ع يت قبل ذ ذ ً بصائر‪ .‬خرج ً رسول ﷺ أمام كل ً ناس ي ــة ‪ 27‬صــفر ســنة ‪ 14‬مــن‬

‫ً نبوة‪ ،‬خرج دهو يقرأ صور سورة (ي ) من أدهلا ىل قو إ عز دجل‪ } :‬مد مج مع ْ نما ِم ْن مب ْ ِ مأ ْيـ ِوهيِ ْم‬
‫رص م‬ ‫ِ‬ ‫مسوًّ ً مد ِم ْن مخ ْ ِف ِه ْم مسوًّ ً مف من ْغ م ْين ُ‬
‫دن{ [ي ‪ ،]9:‬د ي ه ً فح ــب‪ ،‬بــل أخـ‬ ‫ماه ْم مف ُه ْم و ُي ْب ُ‬
‫ً رسول ﷺ فنة من ً رتًر‪ ،‬ددض جزء ملً منها عىل رأس كل مرشك؛ من أجل أن يقول هلم‪:‬‬

‫و تظنوً أنني قو بت خارج ً بيت‪ ،‬و‪ ،‬أنا كنت با وًخل دخرجت أمامكم دأنتم مل تردين‪.‬‬

‫كان من ً كن أن خيرج ً رسول ﷺ قبل أن ين ً ــركون‪ ،‬كــن هـ ً ً ـ يف صــل كــان‬

‫إلثبا أن ًألمر ك إ بيو ً عز دجل‪ ،‬دأنإ بودن توفيق ً عز دجل و يتم أمــر مــن ًألمــور‪،‬‬

‫رسو إ ﷺ‪.‬‬ ‫د هر ً عجزة ً ظاهرة ً وًضحة يف نرصة ً‬

‫ــب‬ ‫عنوه تــى نصــي ً يــل‬ ‫دصل ً رسول ﷺ ىل بيت ً صويق را ً عنإ‪ ،‬دج‬

‫ًخلطة‪ ،‬دبعو ذ ذ خرجا من ً بار ًخل في بيت‪ ،‬دت ن من مكة‪ ،‬دًجتها جنوب ملا ىل غار ثور‪،‬‬

‫دعنوما دصن ىل ً غار دخل ً صويق را ً عنــإ دأرضــاه ىل ً غــار أدومل‪ ،‬دع ــل ع يــة‬

‫ًستك افية؛ يط ئن أنإ و خطر فيإ‪ ،‬دعنوما ًط نن دخل ً رسول ﷺ‪ ،‬دهب ً يكون ه ً ًيزء‬

‫من ًخلطة مر ب نم دًحل و ‪.‬‬

‫ه ً ما كان يف ً غار‪ ،‬أما عنو بيت ً رسول ﷺ فام زًل ً رشكون عىل هيئــتهم دعــىل رءدســهم‬

‫ً رتًر‪ ،‬دعيل را ً عنإ مازًل نائ ملام بوًخل ً بيت‪ ،‬دهم عىل ا تهم مر ع يهم رجل مرشك‬

‫ددجو عىل رأس كل رجل فنة ترًر‪ ،‬فاستغرر من شك هم‪ ،‬فقال‪) :‬مــاذً تنتظــردن هنــا؟(‬

‫قا وً‪) :‬حم و ملً( قال‪) :‬خيبكم ً ‪ ،‬قو ‪-‬دً ‪ -‬خرج ع يكم(‪ ،‬فانزعجوً دت ــاء وً‪ ،‬قبــل ق يــل‬

‫كان نائ ملام‪ ،‬دنحن نرًه با وًخل دهو نائم دع يإ برده‪ ،‬دبعو ذ ذ دجودً ً رتًر عىل رءدســهم‪،‬‬
‫‪308‬‬
‫دً و ملً أد ًثن ‪ ،‬بل ك هم عىل رءدسهم ً رتًر‪ ،‬فقام ً رشكون دنظردً من ثقب ً بار‪،‬‬ ‫دي‬

‫نــإ نــائم‪ ،‬فهــل‬ ‫ن نائ ملام با وًخل دع يإ ً ربد ًألخرض‪ ،‬فتحــري ً قــوم‪ ،‬دقــا وً‪ :‬دً‬
‫فرأدً رج مل‬

‫يصوقون ذ ذ ً رجل ً يف قال هلم‪ :‬نإ قو خرج ع يكم‪ ،‬دً رتًر ً يف رأده عىل رءدســهم‪،‬‬

‫أم يصوقون أعينهم؟ فنرًد شخم منهم أن يريح ًي ي ‪ ،‬قال‪ :‬نكرس ً بار دنر من ً نــائم‬

‫هنا ُ ِبة يف ً عرر أن يتحــوث عنــا أنــا‬ ‫با وًخل‪ ،‬كن معظم ً كفار ًعرتضوً؛ دقا وً‪( :‬دً‬

‫ت ورنا ًحليطان عىل بنا ً عم‪ ،‬دهتكنا سرت رمتنا)‪ ،‬كفار مكة و هيتكون سرت ً بيــو ‪ ،‬دو‬

‫يقتح ون رما ً ويار‪ ،‬و يوخ ون بيت ملا بغري ذن أه إ‪.‬‬

‫ًنتظر ً رشكون ىل ً صبا دمل ي ــتطيعوً ً ــوخول ىل بيــت ً رســول ﷺ؛ تــى و ي حقهــم‬

‫ً عيب‪ ،‬دبعو ق يل ذً هم بـعيل را ً عنإ دأرضاه قام من ً فرً ‪ ،‬كان ً رشكون ينها يف‬

‫منتهى ً غيظ‪ ،‬فنم كوً ب يونا عيل بن أيب طا ب درضبوه رضب ملا شويو ملً را ً عنإ‪ ،‬دأخ ده‬

‫ىل ً بيت ًحلرًم يحققوً معإ‪ ،‬د ب وه هناك‪ ،‬دم كل ه ً ً ضـرر و أنــإ مل وــب ع ــيهم‪،‬‬

‫دم كونإ فارس ملا مغوًر ملً دكان ع ره يف ذ ذ ً وقت ‪ 23‬سنة و أنإ مل يقات هم‪ ،‬دذ ذ ألمور‪:‬‬

‫با قتال ىل ه ه ً حظة‪.‬‬ ‫أدومل‪ :‬مل ي ذن بعو‬

‫‪ ،‬د ن يوًف عنإ أ و‪ ،‬دًجتامع كل ً رشــك عــىل بنــي‬ ‫ثاني ملا‪ً :‬هل كة حمققة غيار كل ً‬

‫هاشم يصعب ًألمر أكثر‪.‬‬

‫ىل أه ها‪ ،‬فنبو أن حيافظ عىل نف إ تى ي دهيا؛‬ ‫ثا ث ملا‪ :‬أن ع يإ مه ة عظي ة دهي رد ًألمانا‬

‫من أجل ذ ذ مل يرد ع يهم ك ة دفقه ملا من عيل را ً عنإ‪.‬‬

‫سيونا عيل ساعة من ً زمن‪ ،‬و شهر دو ســنة دو ســنت ؛ ألن كفــار مكــة رأدً أن مــن‬ ‫ب‬

‫ن ان بودن جريرة أد بودن ذنب أكثر من ساعة‪ ،‬ففي عرفهم أن ً اعة كثرية‬ ‫ً ظ م أن حيب‬

‫‪309‬‬
‫ىل أه هــا‪ ،‬ثــم‬ ‫جو ملً‪ .‬مكث عيل را ً عنإ دأرضاه بعو ذ ذ يف مكة ثنثة أيام يرد ًألمانا‬

‫هاجر مبا ة ىل ً وينة ً نورة‪.‬‬

‫جهود قريش يف ً بحث عن ً رسول ﷺ دأيب بكر‬

‫ًكت ي زعامء مكة خردج ً رسول ﷺ‪ ،‬فنع نوً ا ــة ً طــوًرق ً قصــو يف مكــة‪ ،‬دأخـ دً‬

‫وعة من ً قرًرً ‪:‬‬

‫رسول‬ ‫ً قرًر ًألدل‪ :‬موًمهة منزل أيب بكر ً صويق را ً عنإ ً تهم بصحبة زعيم ً‬

‫ً ﷺ‪ ،‬ف عل ً رسول ﷺ خمتي يف بيتإ‪ ،‬أد أن ً صويق يعرف أخبار ً رسول ﷺ‪ ،‬دقام هبـ ه‬

‫ً ه ة أبو جهل بنف إ‪ ،‬أخ معإ فرقة دذهب ىل بيت ً صويق ‪ ،‬د ــل يطــرق ً بــار بعنــي‪،‬‬

‫ففتحت إ ً يوة أسامء را ً عنها‪ ،‬فقال هلا‪( :‬أين أبوك يا ًبنة أيب بكر) ‪ ،‬قا ــت يف هــودء‪:‬‬

‫(و أدريف)‪ ،‬فرف أبو جهل يوه د طم خوها تى طار قرطها‪ .‬ه ً جتادز كبري يف أعرًف مكــة‪،‬‬

‫أن رج مل‬
‫ن يرضر ًمرأة هب ه ً صورة‪ ،‬دم كل ه ً ً تجادز و أن أبا جهــل مل يفكــر أن يــوخل‬

‫ً بيت ديق بإ رأس ملا عىل عقب‪ ،‬مل يفكر أن يــوخل يبحــث عــىل أيف د يــل‪ ،‬مـ خطــورة هجــرة‬

‫ً رسول ﷺ‪ .‬د اذً مل يوخل؟ ت كردً أن زعامء مكة و هيتكون رما ً بيو ‪.‬‬

‫يف بيت ً صويق؛ ً ووز أن يكون يف بيت آخر مــن بيــو أصــحابإ‪ ،‬مــن‬ ‫ً رسول ﷺ ي‬

‫أجل ذ ذ أخ دً ً قرًر ً ثاين‪.‬‬

‫حة عىل كل موًخل دخمارج مكة‪ ،‬فإذً كان ما زًل دًخل مكــة‬ ‫ً قرًر ً ثاين‪ :‬كام ً رًقبة ً‬

‫أم كوً بإ دهو خارج منها‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫ــن يــن برســول ﷺ أد صــا بإ‬ ‫ً قرًر ً ثا ث‪ :‬مط ور ي ملا أد ميت ملا‪ ،‬عنن عن جائزة كرب‬

‫ً صويق را ً عنإ‪ ،‬دًيائزة مائة ناقة‪ ،‬ده ً رقم مهول يف ذ ذ ً زمن‪ ،‬ميزًنيــا ضــخ ة‬

‫تنفق صو ً وعوة‪ ،‬د وقي ً وعوة ىل ً عز دجل‪.‬‬

‫ً قرًر ً رًب ‪ ً :‬طــاردة‪ً ،‬ســتخوًم قصــاص ًألثــر حاد ــة تتبـ آثــار ًألقــوًم رســول ﷺ‪،‬‬

‫ًستخوموً قصاص ًألثر يف كل ً طرق ًخلارجة من مكة‪ ،‬ديف ًحلقيقة أن ً كفار كانوً يف منتهى‬

‫ً كاء؛ درسوً كل ً خارج بام فيها ً خارج ًينوبية ً بعيوة عن طريق ً وينة‪ ،‬دم كــل طــرق‬

‫من طاب ًخلطــط‬ ‫ً تنم ً تي كانت يف خطة ً رسول ﷺ‪ ،‬دم كون ًخلطة بارعة‪ ،‬و أنإ ي‬

‫ً برشية أن تصل ىل و ً كامل‪ ،‬فنبو من دجود ثغــرً ؛ ـ ً ًكت ــي ً قصاصــون ً طريــق‬

‫ً يف سار فيإ ً رسول ﷺ دصا بإ‪ ،‬ددصـ وً ىل ًيبــل ً صــعب ً ـ يف بوًخ ــإ غــار ثــور‪،‬‬

‫دصعودً ًيبل ددص وً ىل بار غار ثور‪ ،‬دمل يبــق هلــم و أن ينظــردً ىل دًخــل ً غــار‪ ،‬د ــو‬

‫نظردً ىل دًخ إ سريدن ً رسول ﷺ دً صويق را ً عنإ‪.‬‬

‫كان ً رسول ﷺ يف دًخل ً غار يف سكينة تامة‪ ،‬كن ً صويق را ً عنــإ كــان ق قـ ملا‪ ،‬يقــول‬

‫ً صويق را ً عنإ‪( :‬يا رسول ً ؛ و أن بعضهم طنطن برصه رآنا)‪ ،‬فريد ع يإ ﷺ فيقــول‪:‬‬

‫اس ب م ّعيــة ً يف كــل خطــوة‪ ،‬دً صــويق مل يكــن‬ ‫(يا أبا بكر؛ ما نذ باثن ً ثا ثهام)‪،‬‬

‫خائف ملا عىل نف إ‪ ،‬بل خاف عىل ً رسول ﷺ‪ ،‬ففي بعض ً ردًيــا أن ً صــويق قــال رســول‬

‫ﷺ‪( :‬يا رسول ً ؛ ن قت ت أنا فإنام أنا رجل دً و‪ ،‬د ن قت ت أنت ه كت ًألمة)‪.‬‬

‫ماذً فعل ً رشكون دهم عىل بار غار ثور؟ بعــوما قطعــوً هـ ً ً ــوًر ً طويــل ‪8‬كي ــو مــن‬

‫دً قة‪ ،‬دآثار ًألقوًم منتهية عنو فتحة بار ً غار‪ ،‬كان من ً عقل‬ ‫ً صحرًء دًيبال دً‬

‫أن ينظردً ما يف ً وًخل‪ ،‬كنهم مل ينظردً‪ ،‬كم كانت ستنخ ه ه ً نظرة و نظردها؟ كــن (يــا‬

‫أبا بكر ما نذ باثن ً ثا ثهام)‪.‬‬


‫‪311‬‬
‫هناك قصة م هورة أن ً عنكبو ن جت خيط ملا كثيف ملا عىل بار ً غار‪ ،‬دقال ً كفار‪ ( :‬و دخــل‬

‫من ها هنا مل يكن ن ج ً عنكبو عىل بابإ)‪ ،‬ده ه ً قصة ضــعيفة مــن كــل طرقهــا‪ ،‬د ن كــان‬

‫بعض ً ع امء رف درجة ً قصة ىل ًحل ن كثرة ً طرق‪ ،‬ك ذ قصة ًحلاممت دقصة ً ــجرة‬

‫ً تي نبتت عىل بار ً غار قصــم ضــعيفة و تصــح أصـنمل‪ ،‬د تــى ــو مل تصــح قصــة ن ــج‬

‫ً عنكبو فه ً عجاز أيض ملا‪ ،‬د و كيي تفرس أن ً غار يكون مفتو ـ ملا دًآلثــار دصـ ت يــإ‪،‬‬

‫دً كفار و ينظردن ىل دًخ ــإ‪ .‬هـ ه معجــزة ــاهرة‪ .‬د ي ــت هــي ً عجــزة ًألدىل يف يــاة‬

‫ً رسول ﷺ دو ًألخرية‪ ،‬فحياتإ ك ها معجزً ﷺ‪.‬‬

‫ف ت ً طاردة درج ً كفار ىل مكة مرة أخر دقو يئ ــوً مــن ً عثــور عــىل رســول ً ﷺ‬

‫دعىل ً صويق را ً عنإ‪ ،‬كن مازً ت ً كافنة مع نة مائة ناقة ن يعثر عىل أ ومها يـ ملا أد‬

‫ميت ملا‪ .‬مكث ً رسول ﷺ يف ً غار ثنثة أيام كام كان مقرر ملً يف ًخلطة‪ ،‬دعبو ً بن أيب بكر دعامر‬

‫بن فهرية دأسامء بنت أيب بكر را ً عنهم أجع كــل دً ــو مــنهم يقــوم بــودره‪ ،‬دمــر‬

‫ً ثنثة ًأليام‪ ،‬دجاء ً و يل عبو ً بن أريقط با ناقت يف ً وقت ً تفق ع يإ‪ ،‬دأ رض ــإ ناقــة‬

‫دأخ دً معهم عامر بن فهرية يف ه ه ً ر ة ً باركة‪.‬‬

‫ًنط قت ً ر ة‪ ،‬دخرج ً رسول ﷺ من ً غار يف ً يل يف ي ة ‪ 1‬ربيـ أدل مــن ســنة ‪ 14‬مــن‬

‫ً نبوة‪ ،‬دًهلجرة مل تكن يف حمرم كام يظن كثري من ً ناس‪ ،‬نام كانت يف أدًخر صفر دأدًئل ربيـ‬

‫ًألدل من سنة ‪ 14‬من ً نبوة‪ .‬خرج ً رسول ﷺ من ً غار يف ً يــل‪ ،‬دزيــادة يف ًحلـ ر ًجتهــوً‬

‫جنوب ملا دًبتعودً أكثر دأكثر عن طريق ً وينة؛ زيادة يف ضامن أو يرًهم أ و أبــو ملً‪ ،‬دبعــو ذ ــذ‬

‫سيتجهون ىل ً غرر من أجل أن ينخ دً طريق ً بحر ًألمحر ً صعب‪ ،‬دعنــوما خرجــوً مــن‬

‫ً غار كان ً صويق را ً عنإ دأرضاه ي يش بطريقة غريبة‪ ،‬فتت نظــر ً رســول ﷺ‪ ،‬كــان‬

‫ي ري أمام ً رسول ﷺ تارة‪ ،‬ثم ي ري خ فإ تارة أخر ‪ ،‬ف ام سن إ ً رســول ﷺ‪ ،‬قــال ً صــويق‬

‫‪312‬‬
‫را ً عنإ دأرضاه يف ب شويو‪( :‬يا رسول ً ؛ أذكر ً ط ب) ‪-‬أيف‪ ً :‬طاردة‪( -‬فنم ــي‬

‫خ فذ‪ ،‬ثم ًذكر ً رصو) ‪-‬أيف‪ :‬و أن أ و ملً منتظرنا يف ًألمام‪( -‬فنم ـي بـ يــويذ)‪ ،‬يت نــى‬

‫رســول ً ﷺ‪ ،‬منتهــى ًحلــب رســول ﷺ‪،‬‬ ‫ً صويق أن و جاء سهم أن يصيبإ هو دو ي‬

‫دأك ت ً قاف ة طريقها دًجتهت ىل ً وينة‪.‬‬

‫مطاردة رسًقة بن ما ذ رسول ﷺ دمن معإ أثناء ًهلجرة‬

‫رأ بعض ً رشك ً قاف ة دجاءدً ىل مكــة خيــربدهنم ًخلــرب‪ ،‬ف عــل ً ركــب هــم حم ــو ﷺ‬

‫دأصحابإ‪ ،‬ف عهم رسًقة بن ما ذ ‪ ،‬دكان رسًقة بن ما ذ يفكر يف ً ائة ً ناقة ً تي هي كل‬

‫دً و من ًوثن ‪ ،‬فخوع ً ناس‪ ،‬دقال هلم‪ :‬ه ً فنن دفنن أعــرفهام‪ ،‬دمبــا ة جهــز فرســإ‬

‫دسن إ دًنط ق يفوز بايائزة ً كرب ‪ ،‬دًستطاع أن يصل يهم‪ ،‬دًقــرتر مــنهم‪ ،‬تــى نــإ‬

‫قرًءة رسول ً ﷺ قرآن‪ ،‬دكان رسول ً ﷺ و ي تفت ‪-‬كام يقــول رسًقــة كــام‬ ‫كان ي‬

‫جاء يف ً بخاريف ‪ -‬دأبو بكر يكثر ًو تفا من خوفإ عىل رسول ً ﷺ‪ ،‬دعنوما ًقرتر منهم‬

‫وثت ً عجزة دبوأ ً فرس ت يخ يف ًألرض مرة دثانية دثا ثة‪ ،‬دع م رسًقة أن هناك شــيئ ملا‬

‫غريب ملا‪ ،‬يقول‪( :‬فندركت أن ً قوم ممنوعون)‪ .‬فاقرتر منهم دقو سنهلم ًألمان‪ ،‬دذكــر هلــم أمــر‬

‫ً كافنة ً تي جع تها قريش فيهم‪ ،‬فقال إ رسول ً ﷺ‪( :‬أخي عنا)‪ ،‬دبعو ذ ذ قال إ يشء‬

‫سوًريف ك ـر )‪ ،‬يف هـ ً ً وقــي ً صــعب‬ ‫يف منتهى ً غرًبة‪ ،‬قال‪( :‬كنين بذ يا رسًقة ت ب‬

‫كرس ‪ ،‬دأنإ سين يــوم ينخـ فيــإ‬ ‫ً يف يطارد فيإ من أهل ًألرض يبرش رسًقة باهنيار عر‬

‫ون سوًريف كرس غني ة‪ ،‬ديف ذ ذ ً وقت رسًقة هو ً يف ســينخ هـ ين ً ــوًرين‪،‬‬ ‫ً‬

‫درسًقة كان يصوق هب ً متام ملا‪ ،‬ىل درجة أنإ ط ب مــن ً رســول ﷺ أن يكتــب ــإ كتابـ ملا هبـ ً‬

‫ًألمر‪ ،‬تى ذً ما ً رســول ﷺ قبــل هـ ً ً يشــء ف ــيكون معــإ ً ــو يل ً ـ يف ينخـ بــإ‬

‫‪313‬‬
‫ً وًرين‪ ،‬فنمر ً رسول ﷺ عامر بن فهرية أن يكتب إ كتاب ملا‪ ،‬فكتب إ عــىل رقــة مــن ج ــو‪،‬‬

‫دعاد رسًقة يبعو ً ناس عن طريق رسول ً ﷺ‪ ،‬ديقول هلم‪( :‬قو كفيتكم ه ً ً طريق)‪.‬‬

‫كان أدل ً يوم جاهو ملً يف مطاردة ً رسول ﷺ‪ ،‬ديف آخر ً يوم كان موًفع ملا عنإ‪ } ،‬مد مما مي ْع م ُم ُجنُو مد‬

‫اسإ بصوق ً رسول ﷺ و أنإ مل‬ ‫مر ِّب مذ ِ ِو ُه مو{ [ً وثر‪ ،]31:‬دً غريب أيض ملا أن رسًقة م‬

‫ي م و بعو فتح مكة د ن ‪ ،‬دمر ًأليام دفتحت بند فارس دجاء ً غنائم يف عهو ع ر‬

‫بن ًخلطار دفيها سوًريف كرس ‪ ،‬فنخرج رسًقة كتار رسول ً ﷺ دس إ ـع ر را ً‬

‫عنإ‪ ،‬فنعطاه ع ر را ً عنإ سوًريف كرس تنفي ملً وعو رســول ً ﷺ‪ } :‬مد ممـا مينْطِـ ُق معـ ِن‬

‫ًْهل م مو * ِ ْن ُه مو ِ ِو مد ْ ٌي ُيو م ى{ [ً نجم‪.]4-3:‬‬

‫خردج بريوة بن ًحلصيب دمن معإ طاردة ً رسول ﷺ أثناء ًهلجرة‬

‫مل حتصل م اكل أخر يف ً طريق و قبل ً وينة ً نورة‪ ،‬فقو فوجئ ً رسول ﷺ برجل ًسـ إ‬

‫بريوة بن ًحلصيب زعيم قبي ة أس م‪ ،‬دقو خرج إ يف ‪ 70‬من قومإ‪ ،‬يريو ً كافنة‪ ،‬دم خطورة‬

‫ً وقي و أن ً رسول ﷺ مل يفقو أعصابإ مط ق ملا‪ ،‬بل بوأ يعــرض ًإلســنم عــىل بريــوة دعــىل‬

‫قومإ‪ ،‬دسبحان مق ب ً ق ور؛ دقعت ك ام ً عز دجل يف ق ب بريــوة دأصــحابإ‪ ،‬فـ منوً‬

‫جيع ملا يف حلظة دً وة‪ ،‬فا رسول ﷺ مكث سن يف مكة من أجل أن ين هبـ ً ً عــود ‪ ،70‬ديف‬

‫حلظة دً وة ي منون‪ ً ،‬عز دجل خيربنا أن ً ق ور بيويــإ هــو ســبحانإ دتعــاىل‪ ،‬ي ــتطي أن‬

‫ينرصك يف ً وقت ً يف يريوه‪ ،‬كن ً هم أنذ تع ل كام كان يع ل ً رسول ﷺ‪.‬‬

‫هناك أ وًث أخر كثرية دهامة دعظي ة د طيفة يف ًهلجــرة‪ ،‬كــن ً قــام و يت ـ هلــا‪ ،‬دقــو‬

‫ذكرنا كثري ملً من ذ ذ يف حمارضً ‪ ً :‬صويق ً صا ب دًخل يل‪ ،‬فن دًعي تكرًر‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫دصل رسول ً ﷺ ىل ً وينة ً نورة سا ملا‪ ،‬دكان ذ ذ يف يوم ‪ 12‬من ربي ًألدل سنة ‪ 14‬من‬

‫ً نبوة‪ ،‬تبوأ ب ذ مر ة جويوة دهامة يف ً ــوعوة ًإلســنمية‪ ،‬دهــي مر ــة ن ــاء ً ود ــة‬

‫ًإلسنمية يف ً وينة ً نورة‪.‬‬

‫دردس من ًهلجرة ً نبوية‬

‫دردس ًهلجرة و حتىص دو تعو‪ ،‬كننا سنختار بعض ملا منها‪ ،‬دبا ً ً وردس ً تي هلــا عنقــة‬

‫ببناء ًألمة ًإلسنمية‪.‬‬

‫ً ورس ًألدل‪ً :‬ألخ باألسبار‪ ،‬ب ل ً رسول ﷺ دصا بإ ً صويق را ً عنإ كل مــا يف‬

‫ً طاقة إلنجا ع ية ًهلجرة‪ ،‬ده ً هــو ًإلعــوًد ً ط ــور مــن ً ـ من ‪ ،‬أن يعــودً كــل مــا‬

‫ًسـ مت مط ْعت ُْم ِمـ ْن ُقـ ِو ٍة {‬ ‫ِ‬


‫مط وبـ ملا مــنهم أكثــر مــن هـ ً‪ } :‬مد مأعـوا دً مهل ُـ ْم ممـا ْ‬ ‫ي ــتطيعون‪ ،‬د ــي‬

‫[ًألنفال‪ ،]60:‬كن نن ظ ك ذ أنإ م ه ً ًإلعوًد ً عظيم و أنإ وثت بعــض ً ثغــرً‬

‫يف ًخلطة‪ ،‬ده ً يشء خارج عن ودد ً برش؛ ذ ً كامل د وه‪.‬‬

‫ارصدً بيت ً رسول ﷺ قبل خردجإ‪ ،‬مـ أن ً تخطــيط أنــإ خيــرج قبــل‬ ‫منها‪ :‬أن ً رشك‬

‫ًحلصار‪ ،‬كنهم أتوً قبل موعوهم ً يف نإ ً رسول ﷺ‪.‬‬

‫دمنها‪ :‬أن أ و ً رشك رأ ً رسول ﷺ بعوما خرج‪ ،‬دقال زعامء مكة‪ :‬قــو خــرج ع ــيكم‬

‫حم و‪.‬‬

‫أيض ملا‪ ً :‬رشكون دص وً ىل غار ثور م كل ًو تياطا ً تــي أخـ ها ً رســول ﷺ‪ ،‬درسًقــة‬

‫حلق با رسول ﷺ يف ً طريق‪.‬‬

‫ف ثل ه ه ً ثغرً وبو أن حتصل‪ ،‬كن ً هم أنذ ب ت ً وس يف ًإلعوًد‪ ،‬دك ذ ــو أنــذ‬

‫ب ت ًوستطاعة فإن ً سبحانإ دتعاىل يك ل ً عجز ً برشيف‪ ،‬مثل ما وث كفار د صــل‬


‫‪315‬‬
‫هلم ع ى م قت أمام بيت ً رسول ﷺ‪ ،‬دك ذ مل يوخ وً ً غار بعوما دص وً ىل بابإ‪ ،‬دخيــل‬

‫رسًقة و ت تطي ً يش يف ً رمال‪ ،‬أشياء مل تكن يف ًحل بان‪ ،‬فا عز دجــل يعطيــذ هويــة ــو‬

‫أنذ ب ت دسعذ‪ً .‬ب ل ً وس دً عز دجل سيك ل ذ ً عجز من رمحتإ دكرمــإ ســبحانإ‬

‫دتعاىل‪.‬‬

‫ً ورس ً ثاين‪ :‬مل يعت و ً رسول ﷺ عىل ًألســبار دتــرك رر ًألســبار‪ ،‬نــام كــان يع ــم أن‬

‫ًألسبار و تن بنتائجها و ذً أرًد ً عز دجل‪ ،‬د ذ بعو أن ب ل أسبابإ كام ة حتىل بقـ‬

‫عظيم‪ ،‬يق أن ما أرًده ً عز دجل سيكون ت ملام‪ ،‬هــر ذ ــذ يف ك تــإ ً رًئعــة‪( :‬مــا نــذ‬

‫باثن ً ثا ثهام)‪ ،‬د هر أيض ملا يف أنإ مل يكن يكثر ًو تفا يف طريقإ‪ ،‬فهو مط ئن ىل أن ً عز‬

‫دجل سينرص رس إ دً ين آمنوً‪ ،‬دمن غري ه ً ً يق و أعتقو أن بناء ًألمة سيحصــل‪ ،‬أد أن‬

‫أيف نرص ممكن أن يتحقق‪ ،‬وبو من يق بنرص ً عز دجل‪.‬‬

‫ياتإ‪ ،‬تى يف ه ه‬ ‫ً ورس ً ثا ث‪ :‬مل يفقو رسول ً ﷺ رد ًألمل يف أيف حلظة من حلظا‬

‫ً ر ة ًخلطرية‪ ،‬دهو خيرج من مكة هب ه ً طريقة‪ ،‬دهو مط ور و ينمن عــىل ياتــإ دو عــىل‬

‫فقط بظهور ًإلسنم عىل قريش أد عــىل‬ ‫ياة أصحابإ‪ ،‬تى يف ه ه ً ظردف يبرش رسًقة ي‬

‫‪ ،‬دأخ كنوز كرس غني ة‪( :‬كنين بذ‬ ‫كرس حتت أقوًم ً‬ ‫ً عرر‪ ،‬بل دب قوط عر‬

‫سوًريف كرس )‪.‬‬ ‫يا رسًقة ت ب‬

‫ياتــإ يف مكــة‬ ‫ً ورس ً رًب ‪ :‬رص ً رسول ﷺ يف كل مرً ل ياتإ عىل ً صــحبة‪ ،‬عــا‬

‫بصحبة‪ ،‬دخرج ىل ً طائي بصحبة‪ ،‬دقابل ً وفود بصحبة‪ ،‬دعقو ً بيعة ً تي بنيت ع يها دد ة‬

‫ًإلسنم بصحبة‪ ،‬دها هو ي نل جربيل ع يإ ً نم عــن صــا بإ يف ًهلجــرة‪ ،‬كــل هـ ً دهــو‬

‫رسول ً ﷺ‪ ،‬دكل ً ناس حتتاج ىل صحبة‪ ،‬ديع نا رسول ً ﷺ أن نبحــث عــن ً صــحبة‬

‫ً صاحلة‪.‬‬
‫‪316‬‬
‫ً ورس ًخلام ‪ :‬دضح نا د هر يف ه ه ً ر ة كيي أن ً قائو ً عظيم هو ً يف يعيش معاناة‬

‫شعبإ‪ ،‬هياجر كام هياجردن‪ ،‬ديطارد كام يطارددن‪ ،‬ديتعب كام يتعبون‪ ،‬ديعــيش معهــم يــاهتم‬

‫بكل ما فيها من آوم دتضحيا ‪ ،‬كان من ً كن أن ربنا سبحانإ دتعاىل ينقل ً رسول ﷺ مــن‬

‫مكة ىل ً وينة با ربًق ً يف نق إ قبل ذ ذ يف حلظة دً وة من مكة ىل بيت ً قوس‪ ،‬كن أيــن‬

‫‪،‬‬ ‫من طريق ع يل بناء ًألمة‪ ،‬طريق يف مقودر ع وم ً ـ‬ ‫ً قودة يف ذ ذ؟ وبو‬

‫دوبو أن ي ري يف ه ً ً طريق رسول ﷺ رغم كل ً عاناة دً تعب؛ يعطي قودة كل قائو‪.‬‬

‫عنــو ع ــوم‬ ‫ً ورس ً ادس‪ :‬رأينا كيي أن ً وعوة يف دم رسول ً ﷺ‪ ،‬كانت مثــل ً ــنف‬

‫ً برش‪ ،‬و يضي فرصة‪ ،‬و يرتبط بظرف‪ ،‬يوعو كل من ي تطي ‪ ،‬رأيناه كيي دعــا ىل ًإلســنم‬

‫بريوة دأصحابإ من قبي ة أس م‪ ،‬مل يكن مهإ ًهلردر تى يصل ىل ً وينة‪ ،‬بل ًعتــرب أن ً عــز‬

‫دجل قو ساق يإ ه ً ً رجل دقومإ هوية من ً عز دجل‪ ،‬فتخي وً فكيي يضي فرصة مثل‬

‫ه ه‪ ،‬دعا بريوة دأس م بريوة‪ ،‬دتغري ال بريوة دقبي ة أس م ك ها بعو ه ً ًإلســنم‪ ،‬فــانظردً‬

‫ىل فضل ً وعوة‪.‬‬

‫ً ورس ً اب ‪ :‬رأينا يف ه ه ً ر ة ًستعوًد ً صــويق را ً عنــإ دأرضــاه ع ــل عــز‬

‫دجل حتت أيف رف ديف كل زمان دمكان‪ ً ،‬قضية يف منتهى ً وضــو عنــو ً صــويق ‪ ،‬أهــم‬

‫يشء يف ياة ً صويق را ً عنإ هو أن يرا ً عز دجل‪ ،‬دأن يرا رسو إ ً كريم ﷺ‪،‬‬

‫هناك يف ياتإ مكان ك ة ً ظــردف‪،‬‬ ‫و ينبغي أن يط بإ ً عز دجل يف مكان فن ووه‪ ،‬ي‬

‫كان يعت ر كل رف يطرأ عىل ياتإ؛ يعت ر بنن عنوه رف ملا أعظم‪ ،‬فام هو هـ ً ً ظــرف؟ هــو‬

‫ً ع ل عز دجل‪ ،‬دً ب ل دً تضحية دًيهاد يف سبيل ً عز دجل‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫ً ورس ً ثامن‪ :‬رأينا شوة حمبة ً صويق رسول ﷺ‪ ،‬رأينا كيي أنإ و ينتظر أمر ملً دو ط ب ملا‪ ،‬نام‬

‫وتهو هو يف تقان بإ رسول ﷺ؛ وهز إ ً رً ة‪ ،‬يبكــي مــن ً فــر صــحبتإ‪ ،‬ينظــي ــإ‬

‫ً غار‪ ،‬ي ري أمامإ دخ فإ محاية إ‪ ،‬دغري ذ ذ من ً وًقي ً تي ذكرنا بعضها دمل ن كر أكثرها‪.‬‬

‫من فضائل ًألعامل فح ب‪ ،‬بل هو من ً وًجبا ‪ ،‬دمن قوم ب ملا عــىل‬ ‫ب ً رسول ﷺ ي‬

‫ب رسول ً ﷺ فهو عىل خطر عظيم‪.‬‬

‫ً ورس ً تاس ‪ :‬رأينا ب ل ً صويق دعطاء ً صويق ‪ ،‬أخ معإ يف ً ر ة ‪ 5000‬درهم‪ ،‬دهــي‬

‫كل ما ي ت ذ من غري ً رً ت ‪ ،‬دقبل ذ ذ أنفق ‪ 35000‬أ ي درهم يف ســبيل ً ‪ ،‬دســيظل‬

‫ً ــو ‪ ،‬هـ ً هــو‬ ‫ينفق يف ً وينة‪ ،‬دسيظل ينفق دهو خ يفة‪ ،‬دسيظل ينفــق دهــو عــىل فــرً‬

‫ً صويق‪ ،‬من أجل ذ ذ يقول ً عز دجل‪ } :‬مد مس ُي مجنِ ُب مها ًألم ْت مقى * ً ِ ِ يف ُيـ ْ ِ مما م ـ ُإ ميت ممز ِكـى *‬

‫مد مم ـا ِألم م ـ ٍو ِعنْ ـوم ُه ِم ـ ْن نِ ْع م ـ ٍة ُ ْجت ـ مز * ِ ِو ً ْبتِ مغ ـا مء مد ْج ـ ِإ مر ِّب ـ ِإ ًألم ْع ـ مىل * مد م م ـ ْو م‬


‫ف مي ـ ْر م {‬

‫[ً يل‪.]21-17:‬‬

‫ً ورس ً عا ‪ :‬دهو يشء مهم فت ًألنظار يف قصة ًهلجرة‪ ،‬دوبو أن نقي معإ دقفة‪ ،‬أتــردن‬

‫كيي ًستع ل ً صويق عائ تإ با كامل يف سبيل ً ؛ عبو ً ينقل ًألخبار‪ ،‬دأسامء تنقل ً طعام‬

‫دً رشًر‪ ،‬دعامر بن فهرية خيفي آثار ًألقوًم‪ ،‬ن ً صويق ًستطاع أن ينقل بإ ــوعوة كــل‬

‫عائ تإ‪ ،‬بعض ً وعاة ألسي ً ويو يعانون من مرض ً عز ة عن عائ تهم‪ ،‬تــرًهم يف منتهــى‬

‫يهم يف ً ع ل عز دجل‪ ،‬هـ ً غيــار‬ ‫ً ن اط خارج ً بيت‪ ،‬ثم و يرشكون أقرر ًألقرب‬

‫كبري فهم‪ ،‬دضياع هائل ألد ويا ‪ ،‬نريو أن نتع إ مــن ً صــويق ‪ ،‬دتـ كردً‪( :‬ك كــم رًع‬

‫دك كم م ئول عن رعيتإ)‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫ً نمح ً عامة بناء ًألمة يف ً فرتة ً كية‬

‫متت مر ة هامة من مرً ل ً رية ً نبوة باهلجرة ىل ً وينة‪ ،‬متت ً ر ة ً كية بكل أ ــوًثها‬

‫دآومها دم اك ها‪ ،‬مر ة ذً طاب خاص بوأ ًإلسنم فيها غريب ملا‪ ،‬دًست ر غريبـ ملا ىل قــرر‬

‫هنايتها ىل أن آمن ًألنصار‪ .‬كان ًوهتامم ً رئي ــي رســول ً ﷺ يف هـ ه ً ر ــة أن يبنــي‬

‫ًيانب ً عقائويف عنو ً صحابة؛ و ي منون و با عــز دجــل‪ ،‬و يتوجهــون با عبــادة أل ــو‬

‫سوًه‪ ،‬يتوك ون ع يإ‪ ،‬ينيبون يإ‪ ،‬خيافون ع ًبإ‪ ،‬يرجون رمحتإ؛ نإ يامن ع يق بــرر ً عــا‬

‫سبحانإ دتعاىل‪ ،‬دًعتقاد جازم بنن هناك يوم ملا سيبعث فيإ ًخلنئق أجعون‪ ،‬دسيقوم فيإ ً نــاس‬

‫‪ ،‬حياسبون عىل مــا يع ــون‪ ،‬ــن يظ ــم يف ذ ــذ ً يــوم أ ــو‪ ،‬ــن تغفــل ً ـ رة‬ ‫رر ً عا‬

‫دً قط ري‪ ،‬د هنا ‪-‬دً ‪ -‬ما جنة أبو ملً أد نار أبو ملً‪.‬‬

‫د ىل جانب ً عقيوة ً رًسخة فقو تع م ً منون يف ه ه ً ر ة أيض ملا ًألخنق ًحل يوة؛ ه بت‬

‫نفوسهم متام ملا‪ً ،‬رتفعــوً عــن قــيم ًألرض دأخــنق ًألرض دطبــائ ًألرض ىل قــيم ً ــامء‬

‫دأخنق ً امء دطبائ ً ــامء‪ .‬دباإلضــافة ىل ً عقيــوة دًألخــنق عــرف ً منــون يف هـ ه‬

‫ً ر ة أن ً طريق ً طبيعي جنة طريق شاق صعب ميلء باوبتنءً دًوختبارً ‪ ،‬ما تنتهي‬

‫من ًمتحــان و دهنــاك ًمتحــان آخــر‪ ،‬دً عــز دجــل يرًقــب ً عبــاد‪ ،‬يــرًقبهم يف صــربهم‬

‫دمصابرهتم دجهادهم‪ ،‬د ن ي تثنى من ه ً ًوختبار أ و (يبتىل ً رء عىل قور دينإ)‪.‬‬

‫دم كون ه ه ً ر ة بكام ها كانت عبارة عن فقرً خمت فة من ًإلي ًء دً تع يب سوًء عــىل‬

‫ً رد أد ًي و‪ ،‬و أهنا كانت و خت و من سعادة‪ ،‬كن ي ــت ً ــعادة ً اديــة ًحل ــية ً تــي‬

‫ًر أد شهوة‪ ،‬و‪ ،‬نام هي سعادة ً رد دً ق ب‪ ،‬سعادة ً طاعة‬ ‫ووها ً ناس يف طعام أد‬

‫عز دجل‪ ،‬سعادة ً صحبة رســول ً ﷺ‪ ،‬ســعادة ً صــنة دمناجــاة ً عــز دجــل‪ ،‬ســعادة‬

‫ًألخوة دًأل فة ب ً من ‪ ،‬سعادة ً وعوة ىل ً عز دجل‪ ،‬سعادة كبرية عنوما تر شخصـ ملا‬
‫‪319‬‬
‫كان ي جو صنم‪ ،‬ياتإ تافهة قرية و ت اديف شــيئ ملا‪ ،‬دفجــنة حتــول ىل ع ــنق مــن عام قــة‬

‫ًألرض‪ ،‬أيف عقل دأيف ك ة دأيف شجاعة دأيف أخنق! سعادة عظي ة فعنمل‪ ،‬ســعادة ً ثبــا‬

‫أمام كل فتن ً ونيا‪ ،‬سوًء كانت فتن ملا يف ًي و أد ًهلجــرة أد ًإلغــرًءً با ـال أد با ـ طة أد‬

‫با ن اء‪ ..‬أد غريها من ً فتن‪.‬‬

‫دً ثبا أمام ً فتن و شذ أنإ يزرع سعادة يف ق ور ً من ‪.‬‬

‫رص ًإلسنمي ًهلائل‪ ،‬من ً ــتحيل أن وتــاز‬ ‫قو كانت ً فرتة ً كية ب ثابة ًألساس ً ت‬

‫ون خطوً كبور دًأل زًر دخيرب دتبوك ددن ً ردر عىل فرتة مكة‪ ،‬من ً ــتحيل أن‬ ‫ً‬

‫تبني أمة صاحلة‪ ،‬أد تن ئ دد ة قوية‪ ،‬أد ختــوض جهــاد ملً ناجحـ ملا‪ ،‬أد تثبــت يف ميــادين ً قتــال‬

‫دً نزًل‪ ،‬أد تقي بصنبة أمام فتن ً ونيا ً خت فة‪ ،‬من ً تحيل أن تفعل كل ذ ــذ و بعــو أن‬

‫تعيش يف فرتة مكة بكل أبعادها‪.‬‬

‫عىل ً وعاة ً خ ص أن يورسوً ه ه ً ر ة بع ق‪ ،‬ع يهم أن يقفوً أمــام كــل ــوث‪ ،‬قرصـ‬

‫دقتإ أد صغر ج إ‪ ،‬وبو أن يقفوً أمامإ دقوف ملا طوي مل‬


‫ن طوينمل‪ ،‬هنا ً بوًيــة ً تــي وبــو أن نبــوأ‬

‫منها‪ ،‬بغري مكة ن تكون هناك ً وينة‪ ،‬دبغري ً هاجرين ن يكون هناك أنصــار‪ ،‬دبغــري ًإليــامن‬

‫دًألخنق دً صرب عىل ً بنء ن تكون هناك أمة ددد ة دسيادة دمتك ‪.‬‬

‫كانت ه ه هي فرتة مكة ًي ي ة؛ ألهنا حتكي قصة رسول ً ﷺ‪ ،‬دمازً ت نــا جــوو مـ‬

‫ياة رسول ﷺ‪ ،‬ت ذ هي فرتة ً وينة ً نورة‪.‬‬ ‫فرتة جي ة أيض ملا من فرتً‬

‫بيبإ د بيبنا حم و‬ ‫ن نل ً عز دجل أن يع نا ما ينفعنا‪ ،‬دأن ينفعنا بام ع نا‪ ،‬دأن و عنا م‬

‫ﷺ يف أعىل ع ي ‪ ،‬نإ ديل ذ ذ دً قادر ع يإ‪.‬‬

‫ول م كُم د ُأ مفو ُض مأم ِريف ِ مىل ً ِ ِ ِن ً ِم ب ِصري بِا ْ ِعب ِ‬


‫اد) [غافر‪]44:‬‬ ‫دن مما مأ ُق ُ‬
‫( مف م مت ْ ك ُُر م‬
‫م‬ ‫م ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ْ م ِّ‬

‫‪320‬‬
‫‪15‬‬

‫قيام الدولة اإلسالمية‬

‫نبدأ احلديث عن العهد املدين يف السرية النبوية‪ ،‬قبل هذ ا لمنانذ عذذن العهذذد املمذ ‪ ،‬الم ذذري‬

‫ذذعو ة‬ ‫الم ري من األحداث اهل مة جد ًا يف العهد املم لألسف أغفنذ ل لم ذذألة األحذذداث‬

‫اإلمل م مل م لم يف حي له ﷺ من در س عرب عظ ت أحم م لشذذأليع ت‪ ،‬إذا كنذ نلذذو‬

‫ذلك المالم عن فرتة ممة ف حلديث عن فرتة املدينة أ عب شمل الف لننظذذألل ألأ أحذذداث‬

‫املدينة املنورة ك رية جد ًا متش ّعبةل غز ات‪ ،‬رساي ‪ ،‬مع هدات‪ ،‬لل ءات مع مالت‪ ،‬حي ة‬

‫ز جية لنألسو ﷺ‪ ،‬حي ة مع الصح ة‪ ،‬حي ة مع املنذ فل ‪ ،‬حيذ ة مذذع أعذذداء األمذذة مذذن‬

‫من غريهم‪ ،‬يف احلليلة هن ك لنوع ت ه ئنذذة يف السذذرية النبويذذة‪ ،‬يمذ د‬ ‫اليهود من املرشك‬

‫يموأ من املستحيل أأ جتاع كل السرية النبويذذة يف فذذرتة املدينذذة املنذذورة يف حاوعذذة احذذدة أ‬

‫حاوعت أ ثالث أ أك أل‪ ،‬سنظل نتمنم سن ك رية يف السرية النبوية‪ ،‬مهام لمنم املتمناوأ‬

‫قبل ذلك ستجد جديد ًا يف السرية النبويةل ألأ السرية النبوية كنز ال ينتهذ عج ئبذذه‪ ،‬كذذام للذذألأ‬

‫اللألآأ المأليم فأن يف كل فرتة لذذأب جديذذد ة ذ فة يف فلذذه آيذذة أ يف فهذذم معنذ ‪ ،‬يبذذد‬

‫املفّس أ يف لفسري عض اآلي ت كل سنة‪ ،‬مع أأ لن للأليب ً ‪ 1400‬سنة نحذذن نفسذذأل اللذذألآأ‬
‫ّ‬
‫المأليم‪ ،‬ك لك يف السرية النبوية كنام للألأ حدث ً قد لطنع منه عىل جديذذد‪ ،‬كتذذب السذذرية التذ‬

‫عد ‪ 1400‬سنة من التدقيق التحنيل الدراسة لنسرية النبوية مذ زالذ‬ ‫لُطبع يف ه ا الوق‬
‫‪321‬‬
‫ختألج لن جديد ًا‪ .‬السرية النبوية إعج ز لألليب دقيق جذذد ًا مذذن رع العذ مل سذذبح نه لعذ ‪،‬‬

‫ع اهلل عز جل فيه كل املتغريات األحداث‪ ،‬الت من املامذذن أأ ثذذدث يف األرىل إ‬

‫يوم اللي مةل لم يليم حجته عىل البرش يف قوله سبح نه لع ‪َ { :‬ل َلدْ َك َأ َل ُمذ ْم ريف َر ُسذو ر اهللر‬

‫اآلخ َأل َ َذك ََأل اهللَ َك ر ًريا} [األحزاع‪ ]21:‬فف كل مواقذذف‬‫ُأسو ٌة حسنَ ٌة َملرن َك َأ يألجو اهللَ ا ْليوم ر‬
‫َ َْ َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ َ‬
‫احلي ة لستطيع أأ جتد سنة حسنة يف رسو اهلل ﷺ‪.‬‬

‫مجيع األمور لرتليب‪ ،‬سذنُغفل عاذذه ‪ ،‬نحيذذل‬ ‫لن نستطيع أي ح من األحوا أأ نتن‬

‫سنجعل حاوعة‬ ‫ه ه األمور إ حاوع ت أخألى من املح رضات الدر س‪ .‬عىل سبيل امل‬

‫فيهذ كيذذف حذذل الألسذذو ﷺ مشذذمنة‬ ‫نسايه ‪ :‬الألسو ﷺ حل مشمالت العذ ‪ .‬نتنذ‬

‫البط لة‪ ،‬مشمنة األمية‪ ،‬مشمنة الز اج املتأخأل‪ ،‬مشمنة الفلأل‪ ،‬مشمنة الالجئذ مشذ كل‬

‫ك رية جد ًا مألت ألمة اإلسالمية‪ ،‬حنه الألسو ﷺ طأليلة عناية عانية ا ذذحة‪ ،‬نسذذتطيع‬

‫أأ نلنده انته السهولة لو درسن السرية النبوية‪.‬‬

‫سوف نجعل أياذ ً حاوعذذة مذذن املحذ رضات إأ سذ ء اهلل نسذذايه ‪ :‬الألسذذو ﷺ أخطذ ء‬

‫قعوا فيه يف فرتة املدينة أ يف فذذرتة ممذذة‪ ،‬هذ ه‬ ‫املؤمن ‪ ،‬سنجاع فيه أخط ء املؤمن الت‬

‫األخط ء يف احلليلة ثت ج من إ دراسة متأنية ثنيل لمل خطأ كيف حدث؟ كيف خألج منه‬

‫املسناوأ؟ يف احلليلة لأخ مس ح ت كبرية جد ًا مذذن الوقذ يف التحنيذذل الدراسذذةل هلذ ا‬

‫أأ نخألج ه ه األخط ء قدر املستط د أ اإلخال رتليب األحداث فلذذه املعذ ين‬ ‫سنح‬

‫يف داخل الفرتة النبوية يف املدينة املنورة‪ ،‬نجاع كل هذ ه األخطذ ء يف حاوعذذة‪ :‬الألسذذو ﷺ‬

‫أخط ء املؤمن ‪.‬‬

‫من املجاوع ت حاوعة‪ :‬ن ء الد لة الش منة يف عهد الألسو ﷺ البنذ ء االقتصذ دي‪ ،‬البنذ ء‬

‫السي يس‪ ،‬البن ء العسمألي‪ ،‬البن ء اللا ئ ‪ ،‬البن ء الألي يض‪ ،‬ف لألسذذو ﷺ كذذوأ د لذذة سذ منة‬
‫‪322‬‬
‫رتليب ت دقيلة جد ًا ق نوأ حممم‪ ،‬كل ه ا حيت ج إ لفصيالت ال نسذذتطيع أأ نتحذذدث عنهذ‬

‫كنه يف ه ه املجاوعة‪.‬‬

‫إمج الً فرتة املدينة املنورة صفة ع مة هل سامت متيزه عن فرتة ممة املمألمة‪ ،‬ففرتة ممة لسذذتطيع‬

‫أأ للو ‪ :‬إهن فرتة ن ء الفألد املسنم الص لح املؤمن أل ه‪ ،‬املؤمن ألسوله المذذأليم ﷺ‪ ،‬املعتلذذد‬

‫ن ًء لأل ارص اللويذذة ذ اجلامعذذة‬ ‫لبعث احلس ع يوم اللي مة‪ ،‬دخو اجلنة أ الن ر‪ ،‬ك ن‬

‫املسناة الصغرية جد ًا‪ ،‬ك ن فرتة جتنب لالستئص قدر املستط ‪ ،‬فاألة عن طأليذذق التخفذ ‪،‬‬

‫مألة أخألى عن طأليق جتنب الرصا مل سينة مممنة‪ ،‬مألة عن طأليق اهلجذذألة‪ ،‬فذ هلجألة إ‬

‫احلبشة ك ن مألل ‪ ،‬ال ل ة ك ن لنادينة املنورة‪ ،‬أم فرتة املدينذذة املنذذورة فم نذ فذذرتة نذ ء‬

‫لألمة اإلسالمية مل م لعنيه المناة‪ ،‬فةذا كن يف فرتة ممة نبن أفألاد ًا‪ ،‬فف فرتة املدينة املنذذورة‬

‫نبن د لة ك منة قوية مل م ثت جه الد لة من مؤسس ت‪ .‬ه ه اللاية سذ قة عسذذرية‪ ،‬لمذذن‬

‫دأه الألسو ﷺ صرب‪ ،‬دأ معه املؤمنوأ يف ه ا البن ء المبري‪.‬‬

‫التفأليع ت‪ ،‬فنحن عندم نأليد لأسيس رشكذذة كذذربى مذذن ال‬ ‫ه ه قاية ن ء أمة مل األ و‬

‫يشء أمأل عب‪ ،‬فميف بن ء أمة؟! إأ قصة البن ء ه ه من معجزات اإلسالمل ألنه للذذم أمذذة‬

‫يف ه ا التوقي هب ا املعذذد السذذأليع البنذ ء اللذذوي العاذذق احلاذ ري املذ هل إال يف أمذذة‬

‫لذذرتك خنفهذ أي لذذألاث‬ ‫ّسعة‪ ،‬لمنه رسع أ مذ قعذ ‪،‬‬ ‫قم‬ ‫اإلسالم‪ ،‬فبعض الد‬

‫قي م أمة التت ر جتد أأ أمة التتذ ر‬ ‫قي م أمة اإلسالم‬ ‫حا ري ُي كأل‪ ،‬فعندم لأليد املل رنة‬

‫ّسعة‪ ،‬انترشت انتشذ ر ًا هذ ئ ً‬


‫ال يف األرىل‪ ،‬لمذذن أيذذن لذذألاث التتذ ر اآلأ؟ أيذذن‬ ‫أيا ً ق م‬

‫لم مل‪ ،‬ل عىل العمس دخن د لة التت ر الت ك ن‬ ‫املرياث احلا ري هل ه الد لة؟ انته‬

‫ثتل مس ح ت س سعة من الع اإلسالم يف اإلسالمل ألأ دين اهلل عز جل خيتنف كنية عن‬

‫‪323‬‬
‫يديه ال مذذن خنفذذه لنزيذذل‬ ‫كل قوان البرش الو عية‪ ،‬دين غ لب ق هأل ال يأليه الب طل من‬

‫من حميم محيد‪.‬‬

‫ال سك أأ ن ء ه ه األمة اجه ثدي ت ه ئنة‪ ،‬ثدي ت داخذذل املدينذذة املنذذورة خذ رج املدينذذة‬

‫املنورة‪ ،‬داخل اجلزيألة العأل ية خ رج اجلزيألة العأل ية‪ ،‬ثدي ت يف كل جوانب احلي ة‪ ،‬سالسذذل‬

‫متت لية من الرصا ‪ ،‬من أزمة إ أزمة أخألى‪ ،‬من مشمنة إ مشمنة أكرب‪ ،‬مع ذلك لم نذ ء‬

‫األمة اإلسالمية‪.‬‬

‫ه ه ليس حماة رشية فلط من رسو اهلل ﷺ‪ ،‬مع أنه أحمم البرش أعنم اخلنذذق ﷺ‪ ،‬لمذذن‬

‫ذ دب نذ األمذذة هبذ ا اإلعجذ ز‬ ‫ه ا ح من رع الع مل سبح نه لع ‪ ،‬فهو منهج إهل‬

‫الوا ح هب ا التوقي املعجز‪ ،‬فف غاوأ عرش سنوات فلط أ بح د لذذة املدينذذة املنذذورة‬

‫د لة معرتف ً هب يف الع ‪ ،‬هل قوة‪ ،‬هل مم نة‪ ،‬هل سفألاء‪ ،‬هل مألاسذذالت إ كذذل لذ العذ ‪،‬‬

‫رمة قوية مع قوى الع يف ذلك الوق ‪.‬‬ ‫هل لل ءات حأل ية‬

‫جتأل ة رائعة حل ً لستحق الدراسة‪ ،‬ل جتب دراسة هذ ه التجأل ذذة‪ ،‬هذ ا هذذو الذذدين اإلسذذالم‬

‫وم قي م ليل ذكأل‪ ،‬الذذدين اإلسذذالم منظومذذة‬ ‫حليلة‪ ،‬الدين اإلسالم ليس حألد الة‬

‫متم منة ثمم حي ة األفألاد املجتاع ت‪ ،‬ل حي ة األرىل صفة ع مة‪ ،‬إذ يلو ر ن سذذبح نه‬

‫َ َحم ْ َيذذ َي َ َ َممذذ رب هللر َر ِع ا ْل َعذذ ملَر َ {‬ ‫الب َ ن ُُسذذ رم‬


‫لعذذ يف كت ذذه المذذأليم‪ُ } :‬قذذ ْل إرأ َ ذذ ر‬

‫[األنع م‪ ]162:‬فلد لعنان يف فرتة املدينة املنورة كيف يموأ املحي هلل عز جذذل يف كذذل جزئيذذة‬

‫من جزئي ت احلي ة‪.‬‬

‫لمن عندهم لرشيع ت ال د لذذة‪،‬‬ ‫فرتة ممة ك أ أيا ً يطبق عىل املسنا ‪ ،‬لمن املسنا‬

‫لمن عندهم سي سة اقتص د قا ء‪ ،‬ه ه األمور لمن ا حة مت م الو وحل ألأ املسنا‬

‫‪324‬‬
‫ح‬ ‫ك نوا عب رة عن مج عة غرية جد ًا ماطهدة مع ة مرشدة‪ ،‬لمن الدستور اإلسالم‬

‫مت م الو وح يف فرتة املدينة املنورة‪ ،‬مع كوأ املحنل لألحداث جيد أأ فرتة ن ء األمة لبذذد يف‬

‫ظ هأله أ عب من فرتة ممة الت ه ن ء األفذذألاد‪ ،‬إال أننذ أقذذو ‪ :‬إأ الفرتلذ ك نذ عذذىل‬

‫مستوى احد من األمهية للأليب ً‪ ،‬ال يامن أي ح من األحوا أأ لموأ هن ك أمذذة إسذذالمية‬

‫قوية غري لأل ية ممة‪ ،‬لن لفهم فرتة املدينة مطنل ً د أ الألجو إ فرتة ممة‪.‬‬

‫األسس الت ن عنيه رسو اهلل ﷺ األمة اإلسالمية‬

‫لأل ية ممة ك ن األس س لنرصح الاخم ال ي ُ ن عذذد ذلذذك يف املدينذذة املنذذورة‪ ،‬األسذ س‬

‫بذذواطن األمذذور‪ ،‬فنذذو أليذ أحذذد‬ ‫ال ي يبن فوقه عرشات األد ار ال أحد يألاه‪ ،‬إال العذ مل‬

‫املهندس فةنه يستطيع أأ خيربك عاق األس س مس حته قوله‪ ،‬أيا ً كم يسذذتطيع أأ يبنذ‬

‫هزة‪ ،‬قد جتذذده يلذذف‬ ‫فوب العامرة الت ُ ني ‪ ،‬فنو ك أ األس س عيف ً فةأ البن ء ينه ر عند أ‬

‫لو ك أ يسري ًا قد جيعل البن ء ينه ر لمنية‪ ،‬مذ أك ذذأل‬ ‫زلزا‬ ‫أم مك فرتة من الزمن‪ ،‬لمن أ‬

‫م رأين د الً أحي ن ً لموأ د الً إسالمية لنه رل ألأ األسذ س كذ أ ذذعيف ً‪ ،‬الرت يذذة ك نذ‬

‫عيفة‪ ،‬م أحداث ط لب أ من بعيد‪ ،‬م نشك يف ني هتم يف أخالقهم يف عب دهتم‪ ،‬لمن البن ء‬

‫يف فرتة قصريةل ألنه لُدرس‬ ‫عيفةل فحدث ه ا االهني ر املأل‬ ‫ك أ عيف ً‪ ،‬الرت ية ك ن‬

‫سرية الألسو ﷺ دراسة متأنية منهم‪ ،‬أ ممن قع من أم هلم يف حنل ت الت ريخ املختنفة‪.‬‬

‫إ كل الع من عىل الس حة اإلسالمية أقو ‪ :‬دراسة السرية ليس لألف ً فمألي ً‪ ،‬إنام ه فألياذذة‬

‫عىل كل من أراد أأ يعز ه ه األمة أأ يش رك يف ن ئه ‪.‬‬

‫عه الألسو ﷺ لبن ء األمة اإلسالمية‪ ،‬حألص عذىل للويتذذه يف فذذرتة‬ ‫م هو األس س ال ي‬

‫ممة املمألمة؟ م ال ي نأخ ه من فرتة ممة لندخل فرتة املدينة؟‬

‫‪325‬‬
‫سه دة أأ ال إله إال اهلل العال التا ه‬

‫يذذوم ثالثذذة أسذذس رئيسذذية لألمذذة اإلسذذالمية‪ :‬األ ‪ :‬اإليذذامأ ذذه‬ ‫جعل الألسو ﷺ مذذن أ‬

‫لعظياه اليل الم مل يف قدرله حماته أحليته لط عة اخلاذذو ‪ ،‬ال إلذذه إال اهلل‪ ،‬هذ ه‬

‫البع ة إ أأ م ت ﷺ هو يذذزر يف النذ س‬ ‫كناة ع ش هل ﷺ فرتة طوينة من الزم أ‪ ،‬من أ‬

‫ه ه المناة املوجزة جد ًا‪ ،‬الت لو ح معن عب دة الن س لألع الع مل سذذبح نه لعذ ‪ ،‬كذ أ‬

‫يايش سط املرشك يف ممة املمألمة يلو هلم‪( :‬قولوا‪ :‬ال إله إال اهلل لفنحوا‪ ،‬قولذذوا‪ :‬ال إلذذه‬

‫إال اهلل متنموا العألع العجم)‪ ،‬فنج ة البرش صفة ع مة يف الدني لذذو ال إلذذه إال اهلل‪ ،‬نجذ ة‬

‫البرش يوم اللي مة لو ال إله إال اهلل‪.‬‬

‫لمن ليس امللصود أأ للوهل لنس أ‪ ،‬فجايعن يلو ‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬من من يف حي له يطبق قو‬

‫ال إله إال اهلل؟ هل ك أ ينمأل العألع أأ اهلل عز جل هو ال ي خنق السام ات األرىل‪ ،‬هذذو‬
‫ال ي خنق البرش؟ أ د ًا‪َ { :‬ل رئن س َأ ْلتَهم من َخ َن َق الساو ر‬
‫ات َ األَ ْر َىل َل َي ُلذو ُلن َخ َن َل ُهذن ا ْل َع رزيذ ُذز‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ َ ْ‬
‫يم} [الزخألف‪َ َ { ،]9:‬ل رئ ْن َس َأ ْلت َُه ْم َم ْن َخ َن َل ُه ْم َل َي ُلو ُلن اهللُ} [الزخذذألف‪ ]87:‬هذ ا اعذذرتاف‬ ‫ر‬
‫ا ْل َعن ُ‬
‫من اجلايع‪ ،‬لمن املشمنة الألئيسة أهنم حماوا غري اهلل عز جل يف حي هتم‪ ،‬عبد ا اهلل عز جل‬

‫ظ هأل ًا طبلوا رش غريه يف كل جزئيذذة مذذن جزئيذ ت حيذ هتمل لذ لك كذ نوا مذذن المذ فألين‪،‬‬

‫خّس ا اخلّساأ املب ل من أجل عدم لطبيق كناة ال إله إال اهلل يف حي هتم‪ ،‬ال ين ق لوه هم‬

‫الصح ة ريض اهلل عنهم أر هم‪ ،‬منموا العألع العجم كام عدهم ﷺ‪( :‬قولوا‪ :‬ال إله إال‬

‫اهلل لفنحوا‪ ،‬قولوا‪ :‬ال إله إال اهلل متنموا العألع العجم)‪ .‬يلو ر ن سذذبح نه لعذ يف كت ذذه‬

‫اخلَ ْن ُق َ األَ ْم ُأل} [األعألاف‪ ]54:‬الن س مجيع ً لعرتف أأ اخلنق هلل‪ ،‬م ادع رش‬
‫المأليم‪َ { :‬أال َل ُه ْ‬

‫قبل ذلك إ اآلأ إ يوم اللي مة أنه خينق‪ ،‬ف جلايع يعرتف أأ اخلنق قوة خ رجذذة عذذن إرادة‬

‫‪326‬‬
‫البرش قدرهتم‪ ،‬ه ا حيينن مجيع ً إ اهلل عز جل أنه هو ال ي خنق‪ ،‬لمذذن مذذن الذ ي يذذأمأل؟‬

‫اخلَ ْن ُق َ األَ ْم ُأل} [األعألاف‪.]54:‬‬


‫{ َأال َل ُه ْ‬

‫ال إله إال اهلل للتيض أأ لطيع اهلل عز جل‪ ،‬إأ ه ا المالم ليس لسهل‪ ،‬ل ك ري ًا مذ يتعذ رىل‬

‫مع مصنحتك يف الظ هأل‪ ،‬الرش كنه مصنحةل الب رش ر نذ سذذبح نه لعذ حيلذذق لذذك‬

‫املص لح يف الدني اآلخألة‪ ،‬لمن ع اإلنس أ الل رصة أحي نذ ً ال لذذألى اخلذذري‪ ،‬ال لذذألى احلذذق‬

‫الصواع يف أمأل من األمور‪ ،‬لظن أأ اختي ره أفال مم اخت ره رع الع مل سبح نه لعذ‬

‫هل ‪ ،‬ه ا عف إيامأ‪ ،‬فال د أأ لؤمن إيامن ً يليني ً لدرة رع الع مل سبح نه لعذ عذذىل أنذذه‬

‫خيت ر االختي ر األفال لذذك ألمتذذك‪ ،‬سذذواء يف زمذ أ الألسذذو ﷺ أ يف زم ننذ ‪ ،‬أ إ يذذوم‬

‫اللي مة يف كل مم أ يف األرىلل ألأ ه ه حل ئق ث تة‪ ،‬اإلنسذ أ إذا كذ أ عنذذده لذذألدد يف هذ ا‬

‫املعن فه ا عف إيامأل هل ا ممث الألسو ﷺ ‪ 13‬سنة ك منة من حاو ‪ 23‬سنة من البع ة‬

‫كنه يزر ه ا املعن فلط‪ ،‬يألكز لألكيذذز ًا كذ م ً‬


‫ال عذذىل معنذ ال إلذذه إال اهلل حماذذد رسذذو اهلل‪.‬‬

‫رسو اهلل ﷺ ظل يعال من أجل ال إله إال اهلل فرتة طوينة جد ًا من الزمذ أ‪ ،‬حذذألص يف فذذرتة‬

‫ال ي ال لُبن أمذذة اإلسذذالم‬ ‫املدينة املنورة عىل لأكيد ه ا املعن حت م ت ﷺ‪ ،‬ف أل ل األ‬

‫إال ه‪ :‬ال إله إال اهللل سه دة أأ حماد ًا رسو اهلل ﷺ العال التا ه‬

‫اإليامأ أأ حماد ﷺ رسو اهلل‬

‫األس س ال ين هو اإليامأ الم مل اجلذ زم أأ حماذذد ًا ﷺ رسذذو ع ذذه رع العذ مل سذذبح نه‬

‫محذ ًة لر ْن َعذ َملر َ } [األنبيذ ء‪ .]107:‬يلذذو‬


‫ألس لة منه إ البرش ع مة‪َ َ { :‬م َأ ْر َسذ ْننَ َك إرال َر ْ َ‬ ‫لع‬

‫رسو اهلل ﷺ‪( :‬أال إأ م حألم م ل ال ي حألم اهلل) مت م ً تاممل ألأ السنة ح من عند رع‬

‫الع مل سبح نه لع ‪ ،‬اللألآأ ح من رع العذ مل سذذبح نه لعذ ‪ .‬لذذو كذ أ النذ س ال‬

‫يفهاوأ معن أأ الألسو ﷺ رسو من عند رع الع مل سذذبح نه لعذ ‪ ،‬ظنذذوا أنذذه حذذألد‬
‫‪327‬‬
‫رجل حميم أ عبلألي أ سي يس قديأل أ ك ا من األمور‪ ،‬ألخ ا من كالمه رد ا حسب مذ‬

‫أراد ا‪ ،‬لمن ال ي أراد ﷺ أأ يزرعه يف فرتة ممذذة املمألمذذة أأ مذ يلولذذه هذذو حذ مذذن رع‬

‫الع مل سبح نه لع ‪ ،‬سواء ك أ كذذالم رع العذ مل اللذذألآأ‪ ،‬أ كذ أ حيذ ً عذ ّ‬


‫ذرب عنذذه ﷺ‬

‫ملعن ‪ ،‬سواء احلديث اللديس أ احلديث النبوي كام نعنم مجيع ً‪.‬‬

‫اإليامأ اجل زم ليوم اآلخأل‬

‫األس س ال لث هو اإليامأ اجل زم أأ هن ك ع ً يوم اللي مة‪ ،‬أأ هن ك حسذ ً مذذن إلذذه قذذديأل‬

‫عنيم حميم‪ ،‬ي يب املحسن جلنة‪ ،‬يع قب امليسء لن ر‪ .‬ه ا م ق لذذه ﷺ عنذذدم قذذف عذذىل‬

‫جبل الصف يدعو املرشك مجيع ً إ اإليامأ ألع الع مل سبح نه لع ‪ .‬قذ ‪ ( :‬اهلل لتاذذولن‬

‫كام لن موأ‪ ،‬لتبع ن كام لستيلظوأ‪ ،‬لتح سبن عىل م لعناوأ‪ ،‬إهن جلنة أ د ًا أ ن ر أ د ًا)‪.‬‬

‫اليوم اآلخأل‬ ‫اآلث ر املرتلبة عىل اإليامأ لشه دل‬

‫املسنا ‪ ،‬زر األخذذالب‬ ‫هن ك أمور أخألى ك رية ق م هب الألسو ﷺ منه ‪ :‬للوية األ ارص‬

‫العط ء‪ ،‬لمن لن لتحلق ه ه‬ ‫التاحية عند املسنا ‪ ،‬الب‬ ‫احلايدة‪ ،‬لناية ر ح التس م‬

‫األمور كنه إال إذا آمن أنه ال إله إال اهلل‪ ،‬أأ حماد ًا رسو اهلل‪ ،‬أأ هنذ ك ع ذ ً يذذوم اللي مذذة‬

‫احلم ُْم إرال هللر} [األنع م‪.]57:‬‬ ‫ر‬


‫إيامن ً يليني ً ج زم ً‪ .‬ق لع ‪{ :‬إرأ ْ ُ‬

‫هل نستطيع أأ نفهم لطبيق رش اهلل يف حي لنذ مذذن غذذري أأ نفهذذم هذ ه األ ذذو أ األسذذس‬

‫ال الثة؟ يف فرتة املدينة املنورة ج ءت لرشيع ت قوان ك رية جد ًا‪ ،‬لن يطبق ه ه اللوان إال‬

‫دقة حيحة يف فرتة ممة املمألمة‪ ،‬أ لأل يف املدينة املنورة عىل ه ه األ ذذو‬ ‫من ُر ِِّب لأل ية‬

‫ال الثة املهاة‪ .‬فةأ ك أ اإليامأ عيف ً ك أ االنسي ب لنل نوأ ال ي ألذ مذذن عنذذد رع العذ مل‬
‫‪328‬‬
‫عن طأليق رسو اهلل ﷺ عيف ً أيا ً‪ ،‬من ثم ك أ ن ء األمة اإلسذذالمية ذذعيف ً‪ ،‬الدسذذتور‬

‫اإلسالم هو أحمم ق نوأ عألفته األرىلل ألنه من عنذذد رع العذ مل سذذبح نه لعذ الذ ي‬

‫يعنم م يصنح العب د م ينفعهمل هل ا كذ أ اختيذ ره لنذ دائذ ًام أفاذذل مذذن اختي رنذ ألنفسذذن ‪،‬‬

‫املسألة مسألة إيامأ يل كام ذكألن ‪ ،‬إال أأ فنسفة احلمم يف اإلسالم ال لعتاد فلذذط عذذىل دقذذة‬

‫إحم مه ‪ ،‬ال لعتاد عىل مه رة احل كم حسن إدارله‪ ،‬ل لعتاد أيا ً عذذىل الشذذعور‬ ‫اللوان‬

‫الدائم من املسنم أنه مألاقب من رع الع مل سبح نه لع ‪ ،‬ليس فلط رق ة ظ هألية‪ ،‬ذذل‬

‫خت ُفوا َم ريف ُ دُ ررك ُْم َأ ْ ُل ْبدُ ُه َي ْع َن ْا ُه اهللُ} [آ عاألاأ‪.]29:‬‬


‫رق ة لنب طن أيا ً‪ُ { :‬ق ْل إر ْأ ُ ْ‬

‫الصدُ ُر} [غ فأل‪.]19:‬‬


‫ُّ‬ ‫يصف ر ن سبح نه لع نفسه لوله‪َ { :‬ي ْع َن ُم َخ رئنَ َة األَ ْع ُ ر َ َم ُخت رْف‬

‫نتيجة ه ه املألاقبة سيموأ احلس ع يوم اللي مة ثم اجلنة أ الن ر‪ ،‬من ثذذم األمذذة التذ لذذؤمن‬

‫هلل ال خت لف الدستور أ الل نوأ اإلهل حت يف غي ع ع احل كم‪ ،‬أ حت يف غيذ ع املذذديأل‬

‫أ الرشط ‪ ،‬م ذلك إال ألهن لعنذذم أأ اهلل عذذز جذذل يألاقبهذ ‪ .‬هذ ه هذ فنسذذفة احلمذذم يف‬

‫اإلسالم‪ ،‬لو أحسن املسناوأ فله ه ه الفنسفة لم ن أمة اإلسالم ه أك أل األمم اناذذب ط ً يف‬

‫لنفي قوانينه ‪ .‬لو أ ف إ ه ا حليلة أأ الل نوأ اإلسالم هذذو أفاذذل قذ نوأ يف األرىل‬

‫ال من ز ل فةأ ه ا يفألز أفال أمة مل املل ييسل هل ا ر ن سبح نه لع يلو ‪ُ { :‬كنْت ُْم َخذ ْ َري‬

‫س} [آ عاألاأ‪ ]110:‬فأنتم خري أمة ق نونمم هو خري اللوان ‪ ،‬البذ عمم‬ ‫ُأم ٍة ُأ ْخ رأل َج ْ لرنن ر‬

‫لنل نوأ خري االلب ‪ ،‬ه ا إذا ك أ الن س يفهاوأ حليلة ال إلذذه إال اهلل‪ ،‬حماذذد رسذذو اهلل‪ ،‬أأ‬

‫هن ك ع ً يوم اللي مة‪.‬‬

‫فةذا رأي يف فرتة من الفرتات أ يف مم أ من األممنة أأ أمة اإلسذذالم ليسذ خذذري األمذذم يف‬

‫األرىل‪ ،‬ف عنم أأ ه ا نتج من خم لفة املسنا ‪ ،‬إم رتك أجزاء من الل نوأ‪ ،‬إم سوء الرت ية‬

‫يفألغ الل نوأ من ر حه معن ه‪ ،‬فيتح يل عنيه املسنم ن سي ً أأ اهلل يألاقبذذهل مذ ذلذذك إال‬
‫ال ي ّ‬

‫‪329‬‬
‫لاعف إيامأ‪ ،‬لو حصل ه ا ستجد الفس د يف أمة اإلسالم‪ ،‬ستجد الألسذذوة التز يذذأل إلرادة‬

‫الشعوع‪ ،‬ستجد التدليس عىل الن س‪ ،‬الم ع البهت أ الفواحش املنمأل‪ ،‬ستجد اهنيذ ر ًا‬

‫لفألغ من ر حه‪ ،‬ف لن س ال يعألفوأ أأ‬ ‫كم ً‬


‫ال لمل فاينة خنق معأل فل ذلك ألأ الل نوأ ّ‬
‫ه ا ح من رع الع مل سبح نه لع ‪ ،‬أأ اهلل عز جل يألاقبهم يف كل غرية كبرية‪.‬‬

‫خال ة مل سبق لن لموأ لناسنا أمة د لة غري لأل ية ممة‪ ،‬لأل ية اإليذذامأ ذ هلل عذذز جذذل‪،‬‬

‫اإليامأ ألسوله المأليم ﷺ‪ ،‬اإليامأ ليوم اآلخأل‪ ،‬لأل ية الصرب ال ب ت التاحية التجذذألد‬

‫اإلخالص الم مل هلل رع الع مل سبح نه لع ‪.‬‬

‫داية العهد املدين هبجألة الألسو ﷺ أ ح ه‬

‫قفن يف حم رضات ممة املمألمة عىل أمأل اهلجألة‪ ،‬أأ الألسو ﷺ هذ جأل هذذو كذذل املسذذنا‬

‫ال ين يستطيعوأ اهلجألة من ممة املمألمة إ املدينة املنورة‪ ،‬عند دخولن املدينذذة املنذذورة لفذ‬

‫األنظ ر مب رشة رد فعل األنص ر ريض اهلل عذذنهم أر ذ هم لذذدخو الألسذذو ﷺ إ املدينذذة‬

‫املنورة‪ ،‬ك أ فألح ً س م ً‬


‫ال يف كل املدينة املنورة‪ ،‬فلد استلبنوا الألسو ﷺ ألن سيد األهذ زيج‬

‫كام لعناوأ مجيع ً‪( :‬طنع البدر عنين من ثنيذ ت الذذودا ) إ آخذذأل المنذذامت التذ كذ أ يلوهلذ‬

‫فألح فطألي يف داخنهم‪ ،‬هذ ا الفذذألح تحاذذل املسذذئولية أمذذأل غأليذذب‬ ‫األنص ر حب حليل‬

‫من يبحث عن الدعوة من لبحث الدعوة عنه‪ ،‬ست أ ذ مذذن‬ ‫قفة‪ ،‬فشت أ‬ ‫حيت ج من إ‬

‫من يبحث عذذن التاذذحية مذذن لبحذذث‬ ‫يبحث عن اجله د من يبحث اجله د عنه‪ ،‬ست أ‬

‫التاحية عنه‪ ،‬ف ألنص ر ك نوا يبح وأ عن الدعوة خدمة اإلسالم‪ .‬ه هو الألسو ﷺ داخذذل‬

‫املدينة املنورة‪ ،‬دخوله ه ا معن ه خطري جد ًا‪ ،‬معن ه‪ :‬حألع األمحأل األسود من الن س‪ .‬معنذ ه‪:‬‬

‫مف رقة العألع ق طبة‪ .‬معن ه‪ :‬العداء املستاأل مع اليهود ال ين يسمنوأ يف داخل املدينة املنذذورة‪،‬‬

‫‪330‬‬
‫إنفذ ب مذذوت يف سذبيل اهلل عذذز‬ ‫هلم عالق ت قدياة جد ًا مع األنص ر‪ .‬معن ه‪ :‬لاحية‬

‫جل‪.‬‬

‫ك أ األنص ر يعألفوأ جيدً ا ه ه املع ين قبل أأ يذذدخل الألسذذو ﷺ إ املدينذذة املنذذورةل ألهنذذم‬

‫ع هد ا الألسو ﷺ يف يعة العلبة ال نية عىل النفلة يف العّس اليّس‪ ،‬عىل الساع الط عة يف‬

‫النش ط المسل‪ ،‬عىل األمأل ملعأل ف النه عن املنمأل‪ ،‬عىل أال لأخ هم يف اهلل لومة الئذذم‪،‬‬

‫عىل أأ ينرص ه إذا قدم إليهم‪ ،‬يانعوه مم يانعوأ منه أنفسهم أز اجهم أ ن ءهم‪ ،‬كل ه ا‬

‫يف مل ل اجلنة‪ .‬مستحيل أأ يدفع أحد ه ه األسي ء مجيعه من غري أأ يموأ عنده إيامأ يلين‬

‫ج زم أنه ال إله إال اهلل‪ ،‬أأ حماد ًا ﷺ رسو اهلل‪ ،‬أأ اجلنة حق‪ ،‬أنه سيدخنه هب ه األعذذام‬

‫الت قدمه من أجل اهلل عز جل‪.‬‬

‫فألح األنص ر ه ا يعرب عن طبيعة األنص ر الت سوف نألاه عذذد هذ ا يف كذذل مألاحذذل املدينذذة‬

‫املنورة‪ ،‬يف كل الفرتات سواء يف داخل املدينة أ يف خ رج املدينة‪ ،‬فمل األحداث عط ء مسذذتاأل‬

‫متوا ل يعجب له اإلنس أ‪ ،‬ال يفلهه إال من يعنم أأ األنص ر مؤمنوأ إيامن ً يلينيذ ً ذ هلل عذذز‬

‫جل ألسوله المأليم ﷺل ل لك الألسو ﷺ يلو يف حق األنص ر كنامت مجينة لُمتب ذذامء‬

‫ال هب ام هو أغىل من ال هب‪ ،‬يلو ﷺ يف احلديث املتفق عىل ذذحته‪( :‬آيذذة اإليذذامأ حذذب‬

‫األنص ر‪ ،‬آية النف ب ُ غض األنص ر)‪.‬‬

‫فةذا كن ثب األنص ر فأن مؤمن‪ ،‬إأ كن لبغاهم فأن من فق‪ ،‬ف نظأل كيف أ بح إيامأ‬

‫العبد لدر رشف األنص ر عالمة من عالم ت دب إيامنه‪ ،‬الذ ي ال حيذذب األنصذ ر جيذذب‬

‫عنيه أأ يألاجع نفسه‪ ،‬فهؤالء األنص ر خألجوا فألح جد ًا تنل كم ه ئل مذذن املشذ كل التذ‬

‫سوف ثدث يف املدينة املنورة عد دخو الألسو ﷺل فألح ألأ ه ا هو طأليق الدعوة ال ي‬

‫سيو نهم إ اجلنة‪ ،‬أنتم لعألفوأ ه ا من قبل‪ ،‬الطأليق عب لمذذن هن يتذذه اجلنذذة‪ ،‬فذذألحهم‬
‫‪331‬‬
‫يذذوم خألجذذوا إليذذه لسذذالح‪ ،‬اخلذذأل ج‬ ‫ه ا ك أ فألح ً إجي ي ًّ ليس حألد فألح قنب ‪ .‬مذذن أ‬

‫لسالح فيه معن الترشيف لألسو اهلل ﷺ‪ ،‬يف زم نن ه ا الوقذ عنذذدم نسذذتلبل رئيسذ ً أ‬

‫سخصية كبرية نستلبنه لسالح أ ام يسا لرشيفة السالح ه ا‪.‬‬

‫فه ا فيه لرشيف لألسو اهلل ﷺ‪ ،‬لمن مع ه ا فهو لطا للنبه ﷺ أهنم مذ زالذذوا عذذىل عهذذد‬

‫البيعة الت علد ه معه قبل ذلك يف ممة املمألمة يعة العلبة ال نية‪ ،‬هن ك أعداء ك أل يف داخل‬

‫املدينة املنورة يف خ رجه يتانوأ قتل رسو اهلل ﷺ‪ ،‬ك ري من املرشك موجذذود أ يف داخذذل‬

‫املدينة املنورة‪ ،‬معظم أهل املدينة ك نوا ال يزالوأ غري مؤمن ‪ ،‬عندك أيا ً مرشكو ممة الذ ين‬

‫يفن منهم ﷺ إال عند دخولذذه إ‬ ‫استاأل ا يف لتبع الألسو ﷺ من ممة إ املدينة املنورة‪،‬‬

‫موا ع املدينة املنورة‪ ،‬قنن قبذذل هذ ا إأ قبينذذة أسذذنم اعرت ذ الألسذذو ﷺ قبذذل‬ ‫قب ء أ‬

‫دخوله إ املدينة املنورة لنيلل غية اللبض عنيه لتسنياه إ قأليشل لنيل اجل ئزة المربى التذ‬

‫أعطته قأليش ملن يأب ألسو اهلل ﷺ ه م ئة من النوب‪ ،‬هو رقم خم يف ذلذذك الزمذ أ‪.‬‬

‫حلظة يلولوأ‪ :‬نحن‬ ‫الألسو ﷺ يواجه خم طأل ك رية داخل املدينة خ رجه ‪ ،‬ف ألنص ر من أ‬

‫أر اح كل يشء‪.‬‬ ‫معك لسالح‪ ،‬نحن مستعد أ أأ نفديك مل م ناتنك من أموا‬

‫ع األنص ر ريض اهلل عنهم أر هم‪ ،‬استلب هلم احل فل ألسو اهلل ﷺ اسذذتلب‬ ‫ك أه ا‬

‫مرشف حليلة‪ ،‬ينبئ خيرب عن طيب حسن طبيعة األنص ر ريض اهلل عنهم أر هم‪.‬‬

‫قفة مع حلظة التام لألسو اهلل ﷺ‬

‫قبل أأ نعألف م ال ي عانه الألسو ﷺ يف املدينة املنورة‪ ،‬أريد أأ أقف قفة أقو ‪ :‬إأ حلظة‬

‫التام قد لموأ قأليبة جد ًا‪ ،‬راجع مع الفرتة الت سبل اهلجذذألة إ املدينذذة املنذذورة ذ الث‬

‫سنوات‪ .‬قبل ثالث سنوات من اهلجألة ك أ ع م احلزأ الذ ي مذ ت فيذذه أ ذذو ط لذذب السذذيدة‬

‫‪332‬‬
‫خدجية ريض اهلل عنه أر ه ‪ ،‬أظنا ممة مت م ً‪ُ ،‬أغنق فيه ذ ع الذذدعوة‪ ،‬حتذ ا ذذطأل‬

‫مألة يف ل رخيه أأ خيألج من ممة املمألمة سعي ً راء إيص الدعوة إ غريه ل‬ ‫الألسو ﷺ أل‬

‫ألنه جيد أحد ًا يف ممة املمألمة سيؤمن يف لنك النحظة‪ ،‬خألج ﷺ يف مشوار طويل س ب جد ًا‬

‫حلجذ رة ُأللذ‬ ‫إ الط ئف‪ ،‬لعناوأ مجيع ً م حدث يف الط ئف‪ ،‬خألج منه ﷺ قد ُرم‬

‫الرتاع فوب رأسه ُسب أقبح األلف ظ‪ ،‬دخل ممة عد ذلك يف جوار مرشك هو املطعم ذذن‬

‫عدي‪ ،‬املحنل لنو ع جيد أنه من املستحيل حل ً يف عألف أهل الذذدني يف حسذ ت املذ دة أأ‬

‫يف داخل ممة املمألمة‬ ‫للوم لألسو اهلل ﷺ ملن معه من املؤمن املاطهدين املرشدين املع‬

‫د لة‪ ،‬لو عد عرش أ عرشين أ ثالث أ م ئة سنة‪.‬‬

‫راجع مألة أخألى الفرتة املمية لتعألف عو ة ه ه الفرتة‪ ،‬ال يوجد فيه أي أنص ر من أي نو ‪،‬‬

‫رفا ممة اإليامأ‪ ،‬رفا الط ئف اإليامأ‪ ،‬رفا كل اللب ئل الت أل يف الع م الع رش‬

‫يلبذذل مذذن‬ ‫الع م احل دي عرش من البع ة مجيع ً اإليامأ هلل عز جل ألسوله المذذأليم ﷺ‪،‬‬

‫كل ال ين دع هم ﷺ اإليامأ إال ستة من اخلزرج يف آخأل الع م احل دي عرش من البع ذذة‪ ،‬ك نذ‬

‫ه ه األحداث قبل اهلجألة سنت ‪ ،‬يف غاوأ سنت أ بح الألسو ﷺ ق ئد ًا لد لة‪ ،‬مع أأ‬

‫الد لة ُ لعة غرية ال لُألى عىل خأليطة الع يف ذلك الوق يف املدينة املنورة‪ ،‬لمذذن أ ذذبح‬

‫له د لة أ بح مممن ً زعي ًام‪ ،‬أ بح اجلايع يساع له يطيع‪.‬‬

‫سبح أ اهلل! حصل ه ا د أ أي نو من الشواهد‪ ،‬نمن نذذألى أي سذ هد‪ ،‬لمذذن إذا ق رنذ‬

‫ه ا الو ع ام نحن عنيه اآلأ يف عرصن ه ا فةنك ستجد أأ الشواهد إلق مة األمة اإلسذذالمية‬
‫عهم ح ليذ ً‬ ‫ع املسنا‬ ‫ك رية جد ًا‪ ،‬راجع ثالث سنة أ أر ع سنة ما كيف ك أ‬

‫فال اهلل؟ كم من الن س يصذذنوأ اآلأ يف املسذ جد؟ ففذ السذذتين ت يصذذل مذذن النذ س يف‬

‫املس جد إال عدد قنيل ن در‪ ،‬جتد املصيل كبري ًا جد ًا يف السذذن‪ ،‬انظذذأل اآلأ إ املسذ جد حاذذد‬

‫‪333‬‬
‫ل ات من الشذذب ع‪ .‬كذذم مذذن املحجبذ ت املنتزمذ ت‬ ‫اهلل‪ ،‬فةنك ستجد عدد املصن ه ئ ً‬
‫ال‬

‫لزي الرشع ؟ كم من الدع ة أ ح ع الفهم الصحيح الش مل لإلسذذالم انتشذذأل ا يف لذ‬

‫األرىل م منه ؟ كم من اهليئ ت لتبن اآلأ سئوأ اإلسالم؟ ذذل انظذذأل إ كذذم مذذن املتسذذنل‬

‫الألاغب يف السيطألة عىل أفم ر الن س ينوحوأ إلسالم ين فلوأ املسنا ؟ فاذذن ثالثذ إ‬

‫أر ع سنة يمن هن ك يشء اساه نفذ ب لإلسذذالمل ألأ اإلسذذالم كذ أ ذذعيف ً‪ ،‬أمذ يف هذ ا‬

‫الوق فةأ اجلايع ين فق املسنا ‪ ،‬إذا رأي الألجل ين فق اإلسالم أ ين فق املسذذنا فذ عنم‬

‫أأ اإلسالم قوي ق هأل‪ ،‬أأ له حاور ًا هيبة عظاذذة يف قنذذب هذ ا الذ ي ينذ فقل لذ لك‬
‫ين فله‪ ،‬فال اهلل اآلأ لو راجعن قنوع مش عأل الع اإلسالم صفة ع مة جتد فيه انسي ق ً‬

‫طبيعي ً فطألي ً لإلسالم‪ .‬أيا ً عند االنتخ ع م ً‬


‫ال جتد الن س خيت ر أ مذذن رفذذع لذذواء اإلسذذالم‬

‫سع ره‪ ،‬إأ ك نوا ال يعألفوأ اساهل ذلك ألنه يتبن الفمأل اإلسذذالم الذ ي حيبذذه النذ س‪،‬‬

‫فه ه كنه عالم ت سواهد عىل قألع قي م األمة اإلسالمية الد لة اإلسالمية ذذةذأ اهلل‪ .‬أمذ‬

‫أي م الألسو ﷺ فنم يمن ه ا موجود ًا يف فرتة ع م احلزأ ال يف الع م ال ي لذذاله‪ ،‬مذذع ذلذذك‬

‫ق م األمة اإلسالمية‪ ،‬أقيا د لذذة إسذذالمية للذذيم رش اهلل عذذز جذذل يف غاذذوأ ثذذالث‬

‫سنوات فلط‪.‬‬

‫وله إ املدينة املنورة‬ ‫األعام النبوية الت ق م هب ﷺ عد‬

‫يشء فعنه ك ا ثذذم كذ ا‬ ‫وله ﷺ مش رف املدينة‪ ،‬أ‬ ‫ال د أأ لألكز عىل الرتليب ت النبوية عد‬

‫ثم ك ا‪ ،‬فه ا الرتليب ملصود‪ ،‬كل اإلس رات يف حي له ﷺ هل معن ‪ ،‬ل كل حألكة سمنة يف‬

‫توجيه مألاقبة من رع الع مل سبح نه لع ‪ ،‬حت اختي راله البرشية ﷺ التذ‬ ‫حي له ك ن‬

‫ك ن ال لتوافق مع م يأليده رع الع مل سبح نه لع ل ك أ ينز جربيل عنيه السالم مب رشة‬

‫‪334‬‬
‫ليعد املس ر لنألسو ﷺ‪ ،‬ليو ح هلم مألاد رع الع مل سبح نه لعذ مذذن هذ ه النلطذذة‪،‬‬

‫لأييد من رع الع مل سبح نه لع ‪.‬‬ ‫فأ بح السرية النبوية من أ هل إ آخأله وح‬

‫لرتليذذب الذ ي‬ ‫و إ سذذع دة الذذدني اآلخذذألة إال لبذ خطذذوات الألسذذو ﷺ‪،‬‬ ‫ال‬

‫فعل ﷺ‪.‬‬

‫ن ء مسجد قب ء عده املسجد النبوي أمهية ذلك‬

‫اخلطوات إنش ء مسجد قب ء‪ ،‬فلد ظل ﷺ يف قب ء أسبوع للأليبذ ً‪ ،‬انتلذذل عذذد ذلذذك إ‬ ‫أ‬

‫املدينة املنورة‪ ،‬سنألجع إ النلطة ه ه عد قنيل‪ .‬يف املدينة املنذذورة اسذتُلبل الألسذذو ﷺ مذذن‬

‫األنص ر استلب الً كبري ًا جد ًا مرشف ً مألة أخألى‪ ،‬عد أسبوع من انتل لذذه مذذن قبذ ء‪ ،‬لسذ ق‬

‫األنص ر مجيع ً شت قب ئنهم عىل استلب الألسو ﷺ‪ ،‬ك أ كل احد من األنصذ ر يأليذذد أأ‬

‫لأب ن قته ﷺ إ يته‪ ،‬فمل فألد من األنص ر يأليد أأ يدخل النب ﷺ عنده‪ ،‬لمن الألسذذو ﷺ‬

‫ق كناة أ بح منهج ً حلي ة الصح ة عد ذلك‪ ،‬ق ﷺ‪( :‬دعوه فةهن مأمورة)‪.‬‬

‫أي‪ :‬دعوا الن قة فةهن مأمورة من رع الع مل سبح نه لعذ ‪ ،‬أنذ أياذ ً مذذأمور‪ ،‬املؤمنذذوأ‬

‫اخلذ َ َري ُة رمذ ْن‬


‫ُوأ َهلم ْ ر‬ ‫ر ٍ‬ ‫ر ر‬
‫مجيع ً مأمور أ‪َ َ { :‬م َك َأ ملُ ْؤم ٍن َ ال ُم ْؤمنَة إر َذا َق ََض اهللُ َ َر ُسو ُل ُه َأ ْم ًألا َأ ْأ َيم َ ُ ُ‬
‫الال ُمبرينًذ } [األحذذزاع‪ ]36:‬ف لألسذذو ﷺ ال‬ ‫ص اهللَ َ َر ُسذو َل ُه َف َلذدْ َ ذل َ ذ ً‬ ‫َأ ْم رأل ره ْم َ َم ْن َي ْع ر‬

‫يستطيع أأ خيت ر إذا ك أ اهلل هو ال ي خيت ر له أمأل ًا من األمور‪ ،‬كأأ الألسذذو ﷺ يلذذو ‪ :‬قذذد‬

‫ذذح ِّب كبذذري‪ ،‬أ‬ ‫أجنس يف ي فالأ أ ي فالأ‪ ،‬أ ي أقأل ئ من ن النج ر‪ ،‬أ يذ‬

‫أحد ممن أحبهم‪ ،‬لمن إذا أمأل اهلل عز جل فال ح لنهوى ال حذ لالختيذ ر‪ ،‬ف لذ ي يذذأمأل‬

‫الن قة هو رع الع مل سبح نه لع ‪ ،‬عنين مجيع ً أأ نساع نطيعل هم ا عناهذذم و ذذوح‪،‬‬

‫ذذع املسذذجد يف‬ ‫ك أ من املامن أأ ينز الوح ليلو لنألسو ﷺ‪ :‬انز يف ي فذذالأ‪ ،‬أ‬

‫‪335‬‬
‫ه ا املم أ الفالين‪ ،‬لمن ه ا املشهد العنن أم م اجلايع‪ ،‬اجلايع يتس ق الستلب له ﷺ‪ ،‬هذذو‬

‫خيألج نفسه مت م ً من االختي ر جيعل االختي ر الم مل لألع الع مل ‪ ،‬ه ا املشهد زر معن مه ًام‬

‫جد ًا‪ ،‬سيظل معن طو فرتة املدينة املنورة‪ ،‬م أك أل الترشيع ت األحم م الت نزل يف املدينة‬

‫املنورة‪ ،‬قد ال يفلهه ع مة الن س‪ ،‬قد ال يدركوأ احلماة من راء األمأل‪ ،‬مع ذلذذك عنذذيهم‬

‫أأ يساعوا يطيعوا هلل رع الع مل ‪ ،‬ألك الن قة يف مم أ مع يف املدينذذة املنذذورة‪ ،‬يف هذ ا‬

‫يشء فعنه ﷺ يف قب ء هذذو نذ ء املسذذجد‪،‬‬ ‫املم أ قألر الألسو ﷺ أأ يبن املسجد النبوي‪ ،‬فأ‬

‫يشء فعنه يف املدينة املنورة ن ء املسجد النبوي‪ ،‬فعنه ه ا ليس مص دفة أ إس رة ع ألة‪،‬‬ ‫أ‬

‫ل هو منهج أ يل فال قي م ألمة إسالمية غري لفعيل لد ر املسجدل ف ملس جد يف هذ ا الوقذ‬

‫ك رية‪ ،‬لمن ك ذذري ًا منهذ غذذري ُم ّ‬


‫فعذل كاسذذجد‪ ،‬خمطذذئ مذذن ظذذن أأ املسذذجد ينشذذأ إال ألداء‬

‫اإلسذذالمية ُيلفذذل املسذذجد مبذ رشة عذذد الصذذالة‪،‬‬ ‫الصنوات اخلاس فلط‪ ،‬ل يف عض الد‬

‫كأأ د ره الوحيد هو الصالة فلط‪.‬‬

‫إأ د ر املسجد يف ن ء األمة اإلسالمية أعاق من ذلك م ري‪ ،‬ليس أمهية املسجد يف حجاذذه‬

‫أ سذذمنه أ زخألفتذذه أ قذذص الش ذذأليط لفتحذذه‪ ،‬ه ذ ه كنهذ سذذمني ت ف رغذذة ال قياذذة هل ذ ‪،‬‬

‫الألسو ﷺ ك أ ينه عن ه ه الشمني ت‪ ،‬ك أ ينه عن املب لغة يف لزي املسذ جد‪ ،‬كذ أ‬

‫يلو ‪( :‬ال للوم الس عة حت يتب ه الن س ملس جد) ه ا احلذذديث يف مسذذند أمحذذد ذذن حنبذذل‬

‫ححه ا ن حبذ أ عذذن أنذذس ريض اهلل عنذذه‬ ‫ا ن م جه‬ ‫رمحه اهلل يف سنن أِّب دا د النس ئ‬

‫أر ه‪ ،‬لفظ ا ن خزياة‪( :‬يأب عذذىل النذ س زمذ أ يتبذ هوأ ملسذ جد ثذذم ال يعاأل هنذ إال‬

‫ذذف ! قذ ﷺ‪( :‬مذ ُأمذذألت‬ ‫ذذف ً أ‬ ‫قنيالً)‪ ،‬جتد املس جد خاة كبرية جد ًا جتذذد فيهذ‬

‫تشييد املس جد) التشييد‪ :‬رفع البن ء زي دة عن احل جة‪ ،‬ق يف ر ايذذة أِّب دا د‪( :‬لتزخألفنهذ‬

‫‪336‬‬
‫كام زخألف اليهود النص رى)‪ ،‬هنتم لشمني ت ك لألخ م الزخ رف م إ ذلك‪ ،‬ال هنذذتم‬

‫لرت ية داخل املسجد‪.‬‬

‫املسجد يف حي ة األمة لذذه أد ار يف غ يذذة األمهيذذة‪ ،‬مذذن ذلذذك‪ :‬احلفذ ظ عذذىل إيذذامأ املسذذنا ‪،‬‬

‫ف ألس س الألئيس ال ي اجتهد ﷺ يف زرعه يف ح ته هو اإليامأ هلل عز جل‪ ،‬املسجد كام‬

‫يظهأل من اساه هو مم أ لنسجود لألع الع مل سبح نه لع ‪ ،‬لنأل وخ الم مل له‪ ،‬الط عة‬

‫املطنلة لمل أ امأله فان الصعب جد ًا أأ جينس املسناوأ يف ي اهلل عز جلل ليأخ ا قذذألار ًا‬

‫أ يعتاد ا رأي ً‪ ،‬ثم هم خيذ لفوأ مذ أراده اهلل عذذز جذذل مذذنهم‪ ،‬املسذذجد ممذ أ حيفذذظ عذذىل‬

‫املسنا دينهمل هل ا ك ن حي ة املسنا لد ر يف حانه حذذو حمذذور املسذذجد‪ ،‬ف لصذذالة يف‬

‫املسجد ال ينبغ التخنف عنهذ إال يف ظذذأل ف ذ ّيلة حمذذد دةل ألأ املسذذجد ممذ أ اللتلذ ء‬

‫للوية لأل ارص ينهم‪ ،‬فعذذدم احلاذذور لصذذالة اجلامعذذة يف املسذذجد عاذذل ال يلذذوي‬ ‫املسنا‬

‫املسنا ‪ ،‬فأن إذا كن ث فظ عىل الصالة خم‬ ‫األ ارص‬

‫كيفية ن ئه ﷺ لناسجد النبوي‬

‫قف ﷺ مع ح ته مجيع ً يبنوأ املسجد النبوي ملدينة املنورة‪ ،‬يف ن ء ه ا املسذذجد در س‬

‫ال ُثىصل‬

‫أ الً‪ :‬البس طة يف البن ء‪ ،‬االهتامم الم مل جلوهأل ال لشمل‪ .‬ك أ املسذذجد مبنيذ ً مذذن النذذبن‬

‫اجلأليد‪ ،‬مع ذلك أخألج عامللة حماذذوا العذ عذذد ذلذذك‪ ،‬كذ أ اجلايذذع يتانذ أأ حياذ‬

‫الألسو ﷺ يفديه نفسه ر حه‪ ،‬أأ يفديه من كل لعب أ نصب‪ ،‬لمن الألسو ﷺ نذذز‬

‫نفسه مع الصح ة ليبن املسجد يأخ معهم الرتاع‪ ،‬ينلل معهم احلج رة‪ ،‬يليم األعادة‪،‬‬

‫خيطط لناسجد‪ ،‬ه ه من أ نغ الوس ئل لرت ية الشعوع‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫ث ني ً‪ :‬املش ركة احلليلية املع ن ة الم منة مع الشعب‪ ،‬سنجد هذ ه النلطذذة معنذ يف سذذريله ﷺ‬

‫ك منة‪ ،‬فف در جتده يل لل نفسه ﷺ‪ ،‬يف أحد كذ لك‪ ،‬يف حفذذأل اخلنذذدب حيفذذأل معهذذم‪ ،‬يف‬

‫السفأل احلرض معهم يف مش كنهم أفألاحهم خالف هتم‪ ،‬معهم يف كذذل أزمذذة يف كذذل حلظذذة‪،‬‬

‫معهم حت إ اللبور‪ ،‬فأي احد منهم ياوت حيألص ﷺ عىل ال ه ع معه إ قربه‪ ،‬فان أ‬

‫م دأ أخ يألِّب إ أأ م ت ﷺ‪ ،‬هم ا مع عاوم سعبه ﷺ‪ ،‬فاهذذام كذ أ اإلنسذ أ سذذيط ً أ‬

‫فلري ًا أ من قبينة أخألى أ من لذذوأ آخذذأل أ مذذن جذذنس آخذذأل‪ ،‬فمذذل املسذذنا عنذذده سذذواء‪،‬‬

‫هو ﷺ احد منهم‪ ،‬هم ا ك أ زعامء األمة يف زم أ قوة املسنا ‪.‬‬

‫فه ه أسس رئيسة لبن ء األمة اإلسالمية‪ ،‬م نتحدث عنه اآلأ يف إجيذ ز حيتذ ج إ لفصذذيالت‬

‫ك رية جد ًا‪ ،‬لأ يل يف داخل األمة اإلسالمية لرتفع رأسه من جديد‪.‬‬

‫كيفية ن ء ي النب ﷺ يف املدينة‬

‫هن ك موقف لطيف حصل من الألسو ﷺ عد قألار ن ء املسجد يف ه ا املم أ‪ ،‬أنذذتم لعألفذذوأ‬

‫لك ُحدد مم أ املسجد النبوي‪ ،‬يف‬ ‫أأ الألسو ﷺ ق عن الن قة‪( :‬دعوه فةهن مأمورة)‪،‬‬

‫يبن له يتذ ً‪ ،‬فذذأين يسذذمن ﷺ؟ قذ ‪:‬‬ ‫يمن النب ﷺ قد سمن املدينة املنورة‪،‬‬ ‫ه ا الوق‬

‫(أي يوت أهنن أقألع؟) يبحث ﷺ عن أفخم يوت املدينة أ أقألهبذ إ قنبذذه‪ ،‬لمذذن قذ ‪:‬‬

‫(أي يوت أهنن أقألع؟) أي ً ك ن ه ه الدار‪ ،‬فمل دي ر املسنا داره ﷺ‪ ،‬غض النظذذأل عذذن‬

‫أ وهلم أ عألقي هتم أ عن قب ئنهم‪ ،‬فلد يموأ املسنم الب كست ين أ السوري أ اإلند نييس أ‬

‫األمأليم أقألع إ املسنم من أخيه ال ي يأل طه النسب ه ال يشذذرتك معذذه يف العليذذدة‪ ،‬مذ‬

‫أ نغ م ق له رع الع مل سبح نه لع لنوح عنيه السالم‪{ :‬إرن ُه َل ْي َس رم ْن َأ ْه رنذ َك} [هذذود‪]46:‬‬

‫سبح أ اهلل! ا نه ليس من أهنهل ألهنام خمتنف أ يف العليدة‪ ،‬هذ هذذو الألسذذو ﷺ يبحذذث عذذن‬

‫أقألع يوت أهنه‪ ،‬مع أأ الألسو ﷺ من قأليش‪ ،‬هؤالء من األ س اخلزرج‪ ،‬أقألع يذ‬
‫‪338‬‬
‫ك أ هو ي أِّب أيوع األنص ري ريض اهلل عنه‪ ،‬فيه ممث الألسو ﷺ‪ ،‬حدث فيه أحداث‬

‫تفصينه ‪ .‬استلأل الألسو ﷺ يف ي أِّب أيوع األنصذ ري‪ ،‬ظذذل فيذذه‬ ‫لطيفة ال يساح املج‬

‫فرتة من الزمن إ أأ ُ ن له ي ‪ ،‬عندم نلو ‪ :‬ي ‪ ،‬فه ا ح ز‪ ،‬ف لألسو ﷺ ُ ن له حجذذألة‬

‫غرية لفتح عىل املسجد‪ ،‬ك أ كل ز جة من ز ج ت الألسذذو ﷺ هلذ حجذذألة‬ ‫سيطة جد ًا‬

‫احدة‪ ،‬يف ه ه النحظة الت أل فيه إ املدينة املنورة يمن متز ج ً إال لسيدة سوده نذ‬

‫زمعة ريض اهلل عنه أر ه ‪ ،‬فم ن له حجألة احدة‪ ،‬ك أ قذذد علذذد عذذىل السذذيدة ع ئشذذة‬

‫ريض اهلل عنه ‪ ،‬لمن يبن هب عد‪.‬‬

‫يبدأ الألسو ﷺ يف ن ء د لة ال ثمم املدينة فلذذط‪ ،‬ذذل ثمذذم د لذذة مؤهنذذة لليذ دة األرىل‬

‫م منه ‪ ،‬هلز عأل ش خاة مم لك عظا من ه ا البن ء البسيط الصغري‪ .‬إأ املسجد النبوي‬

‫البسيط ال ي ُ ن يف ذلك الوق ال سك أنه حهود ه ئل‪ ،‬ال سك أنه يف ظن ك ري مذذن النذ س‬

‫حنم عيد املدى مستحيل‪ ،‬لمن سبح أ اهلل! ه ا احلنم ثلق خطوات معأل فة ث تة‪.‬‬

‫سبق أأ قنن ه‪ :‬إهن خطوة اإليامأ‬ ‫ال د لن أأ نتعألف عىل خطوات الألسو ﷺ‪ :‬اخلطوة األ‬

‫قد مه إ املدينة ﷺ‪ ،‬فلد حألص ﷺ‬ ‫هلل عز جل‪ ،‬ه ه ني يف ممة أ‬ ‫احلليل اليلين‬

‫عىل التأكيد عنيه ‪ ،‬عىل زر معن ه من جديد يف املسجد النبوي مسجد قب ء‪.‬‬

‫الطوائف املوجودة يف املدينة املنورة خ رجه كيفية لع منه ﷺ معه‬

‫يشء فعنه الألسو ﷺ عد ن ء املسجد دراسة اقع املدينة املنورة عد اهلجذذألة إليهذ ل مذذن‬ ‫أ‬

‫ال ي يعيش يف املدينة املنورة؟ من حو املدينة املنورة؟ من أ ح ع املدينة املنورة؟ من يع دي‬

‫املدينة املنورة؟ من حي يد املدينة املنورة؟ ف لألسو ﷺ يبن د لذذة عذذىل أرىل فيهذ الم ذذري مذذن‬

‫املتغريات اهل ئنة‪ ،‬املش كل الاخاة‪ ،‬األزم ت الط حنة‪ .‬هم ا لعددت الطوائف الت جيب‬

‫‪339‬‬
‫يذذوم هذ جأل فيذذه‪ ،‬كذذل ط ئفذذة هلذ مشذ كل خ ذذة‬ ‫أأ يتع مل معهذ رسذذو اهلل ﷺ مذذن أ‬

‫حس ت خمتنفة أزمذ ت متشذ ّعبة‪ ،‬هلذ أ لويذ ت ختتنذذف ك ذذري ًا عذذن أ لويذ ت الطوائذذف‬

‫األخألى‪ .‬من ه الطوائف املختنفة‪ ،‬حت نعألف كيف ك ن حماة الألسذذو ﷺ يف التع مذذل‬

‫مع ه ه الطوائف املختنفة؟ ه ه الطوائف لستطيع أأ للساه إ ثذذالث حاوعذ ت‪ ،‬سذذوف‬

‫لظهأل عده حاوعة را عة خطرية جد ًا يف املدينة املنورة‪ ،‬لمن عد سنت من اهلجذذألة إ املدينذذة‬

‫املنورة‪.‬‬

‫ط ئفة املسنا‬

‫ط ئفة‪:‬‬ ‫من ه ه الطوائف‪ :‬حاوعة املسنا ‪ ،‬املسناوأ هؤالء أك أل من نو‬ ‫املجاوعة األ‬

‫الط ئفة األ ‪ :‬أهل املدينة األ نيوأ من املسنا ‪ ،‬ال ين ُعألفوا عذذد هذ ا ألنصذ ر‪ ،‬هذذؤالء‬

‫الطذ ئفت ‪ ،‬سذذننظأل‬ ‫ك نوا ط ئفت كبريل ‪ :‬األ س اخلزرج‪ ،‬ك ن هن ك مش كل كبرية‬

‫كيف لع مل الألسو ﷺ مع ه ه املش كل‪.‬‬

‫ال‬ ‫الط ئفة ال نية‪ :‬ط ئفة امله جألين ال ين فأل ا دينهم من ممذذة إ املدينذذة غذذري زاد ال مذ‬

‫يوت ال أي يشء‪ ،‬ك أ موقفهم حألج ً جد ًا‪.‬‬

‫الط ئفة ال ل ة‪ :‬ط ئفة امله جألين إ احلبشة‪ ،‬عددهم كبري‪ ،‬ك أ عددهم أك أل مذذن ‪ 80‬رجذ ً‬
‫ال‬

‫امألأة مع أ الدهم ممتنم هتم‪ ،‬هم موجود أ يف احلبشة هلم فيه سنوات‪.‬‬

‫الط ئفة الألا عة‪ :‬املسناوأ يف اللب ئل غري املمية ال ين يعيشوأ يف سبه استلألار‪ ،‬لمن عيد ًا عن‬

‫املدينة املنورة كبعض املسنا يف اليان‪ ،‬عض املسنا يف قبينة غف ر‪ ،‬يف قبينة أسذذنم‪ ،‬يف‬

‫غريه من اللب ئل‪ ،‬فهم عيد أ عن املدينة املنورة‪ ،‬ليس هلذذم سذذند ا ذذح يف داخذذل املدينذذة‬

‫املنورة‪ ،‬مع ذلك هم يف قب ئنهم أعزة‪.‬‬

‫‪340‬‬
‫الط ئفة اخل مسة‪ :‬ط ئفة املستاعف يف ممة‪ ،‬ال ين هي جأل ا إ املدينة املنورةل لاعفه قنذذة‬

‫حينته ‪ ،‬كذ أم الفال ريض اهلل عنه ز جة العب س ن عبد املطنذذب‪ ،‬العبذ س يسذذنم عذذد‪،‬‬

‫ه امألأة عيفة فميذذف هتذ جأل افألدهذ ‪ ،‬معهذ ا نهذ عبذذد اهلل ذذن عبذ س ريض اهلل عنذذه‬

‫أر ه‪ ،‬ك أ يلو ‪ :‬كن أن أم من املستاعف يف ممة‪ ،‬فنم يستطع أأ هي جأل‪.‬‬

‫ال طأليلذذة منهجذ ً لمذذل‬


‫فه ه مخس طوائف من املسنا ‪ ،‬عىل رسو اهلل ﷺ أأ ياذذع حذ ً‬

‫ط ئفة‪ ،‬ه طوائف متب ينة كام لأل أ‪ ،‬كل ط ئفة لعيش يف ظأل ف هل خنفي ت لأل ية أ و ‪.‬‬

‫الو ع ك أ معلد جد ًا‪ ،‬عىل الألسو ﷺ أأ حيل كل ه ه املش كل‪ ،‬يليم د لة متج نسة مذذن‬

‫حاوعة من ال ين لع مل معهم رسو اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫ه ه الطوائف املختنفة من الن س‪ .‬ه ه أ‬

‫ط ئفة املرشك‬

‫املجاوعة ال نية‪ :‬ط ئفة املرشك ‪ ،‬ه ه املجاوعة خمتنفة مت م ً‪ ،‬فلد ُفألىل عنيه ﷺ أأ يتع مذذل‬

‫يعتلد أحد أأ املدينة املنورة عد أأ ه جأل إليه الألسو ﷺ سوف متتنذذئ ملسذذنا ‪،‬‬ ‫معه ‪،‬‬

‫ل إأ استلب األ س اخلزرج لننب ﷺ ك أ من قبل املسنا ‪ ،‬فهن ك الم ري أ مذذن األ س‬

‫اخلزرج إ ه ه النحظة يسناوا‪ ،‬ظنوا عىل رشكهم‪ ،‬ظنذذوا يعبذذد أ أ ذذن مهم يف جذذود‬

‫الألسو ﷺ‪.‬‬

‫أ الً‪ :‬املرشكوأ من األ س اخلزرج‪.‬‬

‫ث ني ً‪ :‬املرشكوأ من األعألاع حو املدينة‪ ،‬ه قب ئذذل ع سذ عذذىل السذذنب النهذذب قطذذع‬

‫الطأليق يف معظاه ‪ ،‬فه قب ئل خطرية جد ًا ال لأليذذد إال املصذ لح السذذألقة النهذذب‪ ،‬فميذذف‬

‫سيتع مل الألسو ﷺ معه ؟‬


‫‪341‬‬
‫ث ل ً‪ :‬املرشكوأ من اللب ئل المربى حو املدينة‪ ،‬فبعض اللب ئل المبرية الاخاة حو املدينذذة‬

‫م ذ زال ذ مش ذذألكة‪ ،‬كيذذف سذذيتع مل معه ذ الألسذذو ﷺ؟ كلبينذذة جهينذذة قبينذذة مزينذذة‪.‬‬

‫را ع ً‪ :‬املرشكوأ من قأليش‪ ،‬ال يظن أحد أأ قأليش ً ستنس قصة الألسو ﷺ اجألد اهلجذذألة‪،‬‬

‫ممة املدينة املنورة‪ ،‬الظذذأل ف ق سذذية‪ ،‬طأليذذق ذذحألا ي عذذأل يف‬ ‫نعم‪ ،‬املس فة طوينة م‬

‫وأ ُي َل لر ُنو َنم ُْم َحت‬


‫ذلك الوق ‪ ،‬مع ذلك يلو اهلل سبح نه لع يف كت ه المأليم‪ َ { :‬ال َي َزا ُل َ‬
‫ر‬ ‫ر ر‬
‫َي ُأل ُّد ك ُْم َع ْن دينم ُْم إرأ ْ‬
‫اس َت َط ُعوا} [البلألة‪ ]217:‬فه ا أمأل ا ح أأ قأليش ً لن لنسذ اللصذذة‪،‬‬

‫لفعل لنس قأليش‪.‬‬

‫ط ئفة اليهود‬

‫املجاوعة ال ل ة حاوعة اليهود‪ ،‬اليهود معأل ف عنهم أهنم أهل غدر خي نة‪ ،‬هذذم يف ذلذذك‬

‫الوق أهل قوة سالح عت د‪ ،‬فميف سيتع مل معهم الألسذذو ﷺ‪ ،‬خ ذذة أهنذذم يمونذذوا‬

‫حو املدينة املنورة‪ ،‬ل ك نوا داخل املدينة املنورة‪ ،‬هم ثالث قب ئل قويذذة قبينذذة نذ قينلذ ‪،‬‬

‫قبينة ن الناري‪ ،‬قبينة ن قأليظة؟ ليس ه ا فحسب‪ ،‬فهن ك يف سام املدينة املنورة قب ئذذل‬

‫ادي اللألى‪ ،‬كنه قب ئل اليهود‪.‬‬ ‫لعيش يف منطلة خيرب‬

‫فميف سيتع مل الألسو ﷺ مع هؤالء اليهود؟ ألألاه يع هدهم أم حي رهبم؟ هن ك طألب خمتنفذذة‬

‫جد ًا لنتع مل ك ن يف حي ة الألسو ﷺ‪ ،‬لمل طأليلة منه ظألف‪ ،‬فةأ أكن أعألف الظأل ف‬

‫الت من أجنه اخت ر ﷺ منهج ً معين ً يف التع مل مع ه ه الطوائف املختنفذذة املتب ينذذة فذذةين لذذن‬

‫أفهم السرية جيد ًال ل لك جيب الوقوف عند كل حدث من ه ه األحداث ثنينه دقة‪ ،‬لمذ‬

‫نعألف م ه األ ع د الت من راء ه ا احلدثل من أجنه أخ الألسو ﷺ قألار ًا د أ قألار‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫فه ه املجاوع ت ال الث مهاة جد ًا‪ ،‬لع مل معه رسذذو اهلل ﷺ‪ ،‬هذ ‪ :‬حاوعذذة املسذذنا ‪،‬‬

‫حاوعة املرشك ‪ ،‬حاوعة اليهود‪ .‬سوف لظهأل لنذ عذذد سذذنت حاوعذذة املنذ فل ‪ ،‬لمذذن‬

‫سنؤجل المالم عنيه عندم نصل إليه ‪.‬‬

‫ننخص الدر س املهاة جد ًا ل ‪ ،‬ه كيف يامن أأ لُبن أمة اإلسالم؟‬

‫أ الً‪ :‬األ و ال الثة‪:‬‬

‫ال إله إال اهلل‪.‬‬

‫أأ حماد ًا رسو اهلل ﷺ‪.‬‬

‫أأ هن ك ع ً يوم اللي مة‪ ،‬حي سب فيه رع الع مل سبح نه لع املحسن عىل إحسذ نه‬

‫جلنة‪ ،‬امليسء عىل إس ءله لن ر‪.‬‬

‫إ العط ء‪ ،‬كام لسذ ق األنصذ ر ريض اهلل عذذنهم أر ذ هم إ‬ ‫ث ني ً‪ :‬لس ق املسنم إ الب‬

‫استلب الألسو ﷺ‪ ،‬مع خطورة استلب له يف داخل املدينة املنورة‪.‬‬

‫ث ل ً‪ :‬املسجد د ره يف ن ء األمة اإلسالمية الس األفق عنذذد املسذذنمل لمذ يعذذألف أأ د ر‬

‫املسجد ليس يف الصالة فلط‪ ،‬إنام له د ر يف كل نلطة من نل ط حي ة املسنم‪.‬‬

‫الل ئد الشعب‪ ،‬مش ركة الألسو ﷺ لناسنا يف كل ذذغرية كبذذرية يف‬ ‫را ع ً‪ :‬املش ركة‬

‫حي هتم‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫حه ﷺ عندم ق ‪( :‬أي يوت أهنن أقألع؟)‪ ،‬فذ لألا ط الذ ي‬ ‫خ مس ً‪ :‬ر ط العلدية ال ي‬

‫يأل ط املسنا هو ر ط العليدة‪ ،‬ليس ر ط اللبينة ال النوأ ال اجلنس ال النغذذة ال غذذري‬

‫ذلك من األمور‪.‬‬

‫س دس ً أخري ًا‪ :‬فله الواقع‪ ،‬لم يعألف الألسو ﷺ كيفيذذة التع مذذل يف داخذذل املدينذذة املنذذورة‬

‫نف الن س كنهم إ الطوائف الت لنتا إليه ‪ ،‬مذذن ثذذم كذ أ لع منذذه ﷺ مذذع كذذل ط ئفذذة‬

‫خمتنف ً‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫‪16‬‬

‫جمتمع املدينة‬

‫كيف تعامل ﷺ مع كل طائفة من الطوائف الثالثة التي سبق ذكرها؟‬

‫أوالً‪ :‬جمموعة املسلمني‪ ،‬وهذه أهم جمموعة عند الرسول ﷺ‪ ،‬فهي عصب الدولة اإلسالالالمية‪،‬‬

‫فاملسلمون يقوم عىل أكتافهم الرصح الضخم اهلائل‪ :‬أمة اإلسالم‪.‬‬

‫املؤاخاة بني األوس واخلزرج‬

‫أول طائفة من املسلمني طائفة األوس واخلزرج (األنصار)‪ ،‬وهؤالء هم أهل املدينة األصليون‬

‫الذين استضافوا الرسول ﷺ واملهاجرين ريض اهلل عنهم وأرضاهم يف املدينة املنورة‪ ،‬وقالالدموا‬

‫تضحيات كبرية جد ًا إليواء املسلمني‪ ،‬مع كل املخاطر واملشاكل التالالي قابلالالن األنصالالار نتي الالة‬

‫هذا العمل العظيم‪ ،‬فاألنصار يف املدينة املنورة من األوس واخلزرج مها من أكرب القبائل العربية‬

‫يف ذلك الوقن‪.‬‬

‫كانن قبيلة اخلزرج ثالثة أضعاف قبيلة األوس تقريب ًا‪ ،‬لكالالن املشالالكلة الكالالرب التالالي واجهالالن‬

‫رسول اهلل ﷺ أن العالقة بني القبيلتني قبل اإلسالم كانن يف منتهى الرشاسالالة والعنالالف‪ ،‬ف ثالالار‬

‫الدماء مل جتف بعد من سيوف هؤالء وهؤالء‪ ،‬وقد قامن بني األوس واخلزرج حرب مشهورة‬

‫يف التاريخ‪ ،‬يقال هلا‪ :‬يوم بعاث‪ ،‬وكانن هالالذه ابالالرب قبالالل بيعالالة العقبالالة األوط بسالالنتني فقالال ‪،‬‬
‫‪345‬‬
‫فاملطلوب من الرسول ﷺ أن يوحد األوس واخلزرج يف كيان واحد؛ يدافع عن املدينة املنالالورة‬

‫وحيل مشاكلها‪ ،‬ويقف مع الرسول ﷺ يف خندق واحد‪ ،‬يقف األويس ب انب اخلزرجالالي‪ ،‬وال‬

‫يتذكر مطلق ًا أي ثأر كان بينه وبني إخوانه من القبيلة األخر ‪ ،‬وهذا يشء صعب جالالد ًا خاصالالة‬

‫يف هذه البيئة القبلية العربية القديمة‪.‬‬

‫اعتمد الرسول ﷺ اعتامد ًا كبري ًا عىل صدق إيامن األنصار ريض اهلل عنهم وأرضاهم يف التأليف‬

‫بني قلوهبم‪ ،‬ف مع األوس واخلزرج وذكرهم باهلل عز وجل‪ ،‬ووضح هلم أن الالالراب األسالالايس‬

‫بني املسلمني يف هذا الدين اجلديد الذي بعث به ﷺ هو رباط العقيالالدة‪ ،‬فكالالل ربالالاط الالري هالالذا‬

‫الرباط ال ينظر إليه مطلق ًا‪ ،‬وكام ذكرنا أن الرسول ﷺ قال‪( :‬أي ديار أهلنا أقرب؟)‪ ،‬يسأل عن‬

‫ديار أهله من األوس واخلزرج‪ ،‬وكان فرع الرسول ﷺ بعيد ًا جد ًا عن فرع األوس واخلالالزرج‪،‬‬

‫فقريش عدنانيون‪ ،‬واألوس واخلزرج قحطانيون‪ ،‬ومها فرعان كبريان جد ًا‪ ،‬فإذا كالالان الرسالالول‬

‫ﷺ وهو من قريش يعترب أن األوس واخلزرج أهله‪ ،‬فام بالك باألوس واخلزرج الذين هم مالالن‬

‫فرع واحد‪ ،‬يقال له‪ :‬بنو قيلة مالالن القحطالالانيني؟ وهكالالذا سب الرسالالول ﷺ عالالىل هالالذا الالالوتر‬

‫ابساس؛ ولصدق إيامن األوس واخلزرج تقاربن القلوب‪ ،‬سبحان اهلل! اإلسالم يغري متام ًا من‬

‫تكوين اإلنسان‪ ،‬ويغري من كل الدوافع التي كانن حتركالاله قبالالل ذلالالك‪ ،‬فيالال ا قالالوانني األرض‬

‫الوضعية املادية؛ لينتقل بعد ذلك إط قانون السامء الرفيع‪ ،‬وهكذا نيس األوس واخلالالزرج متامالال ًا‬

‫كل الثارات القديمة‪ ،‬وتوحدوا مع رسول اهلل ﷺ يف خندق واحالالد‪ .‬هالالذه أول خطالالوة عملهالالا‬

‫الرسول ﷺ‪ ،‬وهي قبل خطوة املؤاخاة بني املهاجرين واألنصار‪ ،‬ومعلالالوم أن النالالاس يعرفالالون‬

‫قصة املؤاخاة‪ ،‬لكنهم ال يعلمون أن الرسول ﷺ جلالالج جلسالالة مهمالالة مالالع األوس واخلالالزرج؛‬

‫ليضع األساس املتني لبناء األمة اإلسالمية قبل أن يؤاخي بينهم وبني املهاجرين‪.‬‬

‫وهبذا أول طائفة تعامل معها ﷺ هي طائفة األوس واخلزرج‪ ،‬وآخى بينها عىل أساس الدين‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫املؤاخاة بني املهاجرين واألنصار‬

‫الطائفة الثانية‪ :‬طائفة املهاجرين مالالن مكالالة إط املدينالالة‪ ،‬وكالالان وضالالعهم االقتصالالادي يف منتهالالى‬

‫اخلطورة‪ ،‬فقد تركوا أمواهلم‪ ،‬وتركوا الديار واألهل والعشرية‪ ،‬تركالالوا كالالل يشء‪ ،‬وانتقلالالوا إط‬

‫بلد جديد متام ًا‪ ،‬وكثري من الذين هاجروا مل يزوروا املدينة املنورة قبل ذلك مطلقالال ًا‪ ،‬وهالالذه أول‬

‫مرة خيرجون فيها من مكة إط املدينة‪ .‬ختيل كيف أن شخص ًا ترا كل حياتالاله وأعاملالاله وجتارتالاله‪،‬‬

‫وانتقل إط حياة جديدة وليج معه يشء‪ ،‬وإط أرض جديدة ليسن مألوفة بالنسبة له‪ ،‬وإط فرع‬

‫من القبائل ال يمن إليه بصلة قريبة‪ ،‬أضف إط كل ذلالالك أن املدينالالة املنالالورة كانالالن تعالالا مالالن‬

‫الفقر‪ ،‬فاألنصار كانوا فقراء‪ ،‬ونحن نظن أن األنصار أ نيالالاء‪ ،‬ومالالا ذلالالك إال لكثالالرة عطالالائهم؛‬

‫فاإليثار الذي كان يتميز به األنصار كان يعطيهم صبغة األ نياء‪ ،‬لكالالن عمالالوم األنصالالار كالالانوا‬

‫فقراء‪ ،‬والقلة منهم كانوا أ نياء‪ ،‬فكيف يؤتى بم موعة من فقراء املهاجرين الذين تركالالوا كالالل‬

‫يشء وراء ظهورهم‪ ،‬فتحمل املدينة املنورة عبئ ًا ضخ ًام بإيواء جمموعة أخر من البرش‪ ،‬وهم ال‬

‫يكادون يعيشون وينفقون عىل أنفسهم‪ ،‬فكيف ينفقون عىل ريهم؟ فكيف حيل رسول اهلل ﷺ‬

‫هذه املشكلة الضخمة؟ فهالالذه مشالالكلة اقتصالالادية كالالرب سالالتواجه املدينالالة املنالالورة عنالالد نالالزول‬

‫املهاجرين إليها؟ ابالة النفسية أيض ًا للمهاجرين كانن صعبة جد ًا‪ ،‬فاملهاجر قد ترا كالالل يشء‬

‫وانتقل إط املدينة املنورة‪ ،‬فهو حيتاج إط تطييب اخلاطر‪.‬‬

‫احتو الرسول ﷺ هذه األزمة بمنتهى ابكمة‪ ،‬وكل هذا كان بمنهج ربالالا إهلالالي‪ ،‬فالالاهلل عالالز‬

‫وجل قد أنزل قرآن ًا يف هذه األمور‪ ،‬وأوحى إط رسول اهلل ﷺ بأفعال وأعالالامل عملهالالا وحالالدت‬

‫املسلمني يف كيان قوي ومجيل جد ًا‪ ،‬ومعلوم أن اإلنسان الذي هياجر من بلده إط بلد آخر يشعر‬

‫ال وال ضالالعيف ًا‪ ،‬بالالل أنالالن‬


‫بيشء من الذلة والضعف‪ ،‬وحيتاج إط من يقول له‪ :‬ال‪ ،‬أنن لسن ذلي ً‬

‫قوي عندما تركن بلدا وتركن كل يشء‪ ،‬وكان مالالن املمكالالن أن يكالالون كالالل يشء معالالك وال‬

‫‪347‬‬
‫تؤمن هبذا الدين اجلديد‪ ،‬فأنن رجل معظم ومكرم ومقدم عىل ريا‪ ،‬هكذا فعل اهلل عز وجل‬

‫يف كتابه الكريم‪ ،‬فقد أنزل آيات رفعن من قدر املهاجرين؛ فاملهاجر أصبح يفتخر بأنه مهالالاجر‪،‬‬

‫واألنصاري أصبح يفتخر بأنه آو مهاجر ًا‪ ،‬وانظر إط كالالالم رب العالالاملني سالالبحانه وتعالالاط يف‬

‫ار ِه ْم َوأوذوا ِيف َسبِ ِيِل َو َقاتَلوا َوقتِلوا َألك ََفالال َر َّن‬
‫اجروا َوأ ْخ ِرجوا ِم ْن ِد َي ِ‬ ‫ِ‬
‫كتابه الكريم‪َ { :‬فا َّلذي َن َه َ‬
‫َّات َ ْجت ِري ِم ْن َ ْحتتِ َها األَ ْْنَار َث َو ًابالالا ِمالال ْن ِع ْنالال ِد اهللَِّ َواهللَّ ِع ْنالالدَ ه ح ْسالالن‬
‫َعنْهم سي َئ ِاِتِم و َألد ِخ َلنَّهم جن ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ ْ‬
‫اجروا ِيف َسالالبِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َّث َو ِ‬
‫يل اهللَِّ ثالال َّم‬ ‫اب} [آل عمران‪ ،]195:‬ويقول ربنا سبحانه وتعاط‪َ { :‬و َّالالالذي َن َهالال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهدوا‬ ‫اجروا َو َج َ‬ ‫قتلوا َأ ْو َماتوا َل َ ْريز َقنَّهم اهللَّ ِر ْز ًقا َح َسنًا} [ابج‪ ،]58:‬ويقول‪{ :‬ا َّلذي َن آ َمنوا َو َه َ‬
‫ون} [التوبالالة‪ ]20:‬إط‬ ‫اهل ْم َو َأنف ِس ِه ْم َأ ْع َظم َد َر َج ًة ِعنْدَ اهللَِّ َوأ ْو َل ِئ َك هالالم ا ْل َفالال ِائز َ‬
‫يل اهللَِّ بِ َأمو ِ‬
‫َْ‬ ‫ِيف َسبِ ِ‬

‫آخر اآليات‪.‬‬

‫هذه اآليات و ريها رفعن من معنويات املهاجرين‪ ،‬فهذا اليشء يدعو إط الفخر فعالً‪ ،‬بل نتج‬

‫عنها ِتيئة نفسية مجيلة جد ًا لألنصار‪ ،‬ثم يقالالول اهلل سالالبحانه وتعالالاط‪َ { :‬و َّالالال ِذي َن ت ََبالال َّوءوا الالالدَّ َار‬
‫اج ًة ِ َِّمالالا أوتالالوا َويالال ْؤثِر َ‬
‫ون‬ ‫ون ِيف صد ِ ِ‬
‫وره ْم َح َ‬ ‫اج َر إِ َل ْي ِه ْم َوال ََيِد َ‬ ‫اإل َيام َن ِم ْن َق ْب ِل ِه ْم حيِ ُّب َ‬
‫ون َم ْن َه َ‬ ‫َو ِ‬

‫وق شالال َّح َن ْف ِسالال ِه َفأ ْو َل ِئالال َك هالالم‬‫اصة} [ابرش‪ ]9:‬أي‪ :‬فقر { َو َم ْن ي َ‬ ‫َع َىل َأنْف ِس ِه ْم َو َل ْو ك َ‬
‫َان ِهبِ ْم َخ َص َ‬
‫ون} [ابرش‪ .]9:‬تسابق املهاجرون لله رة‪ ،‬وتسابق األنصار للنصالالالرة ريض اهلل عالالنهم‬ ‫املْ ْف ِلح َ‬

‫أمجعني‪ ،‬وهذا األمر ليج موجود ًا إال يف املنهج اإلسالمي‪ ،‬وانظروا إط حال الالجئني يف بقالالاع‬

‫العامل املختلفة‪ ،‬فأي جمموعة مالالن الالجئالالني ألي ظالالرف مالالن الظالالروف‪ ،‬سالالواء كانالالن ظروفالال ًا‬

‫عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو ري ذلك يمثلون عبئ ًا ثقي ً‬


‫ال عىل أهالالل البلالالد التالالي هالالاجروا‬

‫إليها‪ ،‬بل الالجئون أنفسهم يشعرون بذلة وضعف وهوان؛ لكوْنم تركالالوا ديالالارهم وأرضالالهم‬

‫وعشريِتم وما يمتلكون‪ ،‬والدولة التي آوِتم تشعر بعبء اقتصادي ثقيل وسيايس‪ ،‬ينالالتج عالالن‬

‫ذلك ضغوط عليها من هنا وهناا؛ وما ذلك إال ألْنم ليسوا مرتبطني بالالرب العالالاملني سالالبحانه‬

‫‪348‬‬
‫وتعاط‪ ،‬واألمر يف النهاية يعود إط اإليامن‪ ،‬فاإليامن من أهم أصول بناء األمة اإلسالمية‪ ،‬بل هو‬

‫أمهها عىل اإلطالق‪.‬‬

‫اهدوا ِيف َسبِ ِ‬ ‫ِ‬


‫يل اهللَِّ} [األنفال‪،]74:‬‬ ‫قال سبحانه يف سورة األنفال‪َ { :‬وا َّلذي َن آ َمنوا َو َه َ‬
‫اجروا َو َج َ‬
‫هؤالء املهاجرون ثم يقول‪َ { :‬وا َّل ِذي َن َآووا َون ََرصوا} [األنفال‪ ]74:‬هؤالء األنصار {أ ْو َل ِئ َك هم‬

‫ون َح ًّقا َهل ْم َم ْغ ِف َرة َو ِر ْزق ك َِريم} [األنفال‪.]74:‬‬


‫املْ ْؤ ِمن َ‬

‫التهيئة النفسية للمهاجرين واألنصار‬

‫أول يشء عملالاله الرسالالول ﷺ بالالوحي مالالن رب العالالاملني سالالبحانه وتعالالاط‪ :‬أنالاله هيالالأ األنصالالار‬

‫واملهاجرين لقبول فكرة ترا الديار يف مكة‪ ،‬واالنتقال إط املدينة املنالالورة‪ ،‬وهالالذا يشء صالالعب‪،‬‬

‫لكن بفضل اهلل كانن قوة إيامن املهاجرين واألنصار كفيلة بأن تطبق هذا املعنالالى كالالام أراده رب‬

‫العاملني سبحانه وتعاط‪ .‬فهذا كان أول حمور احتو به الرسول ﷺ أزمة انتقال املهالالاجرين مالالن‬

‫مكة إط املدينة‪.‬‬

‫املحور الثا يف اية األمهية؛ الكفالة الرسيعة للمهاجرين‪ ،‬فالبد هلذه األعداد الضالالخمة التالالي‬

‫دخلالالن املدينالالة املنالالورة أن تالالؤو بصالالورة مناسالالبة‪ ،‬وأول يشء فعلالاله رسالالول اهلل ﷺ إليالالواء‬

‫املهاجرين كان أمر ًا ع يب ًا ري متكرر يف التاريخ‪ ،‬فهو ﷺ أول من بدأ هالالذا األمالالر‪ ،‬وال نسالالمع‬

‫عنه إال يف أمة اإلسالم‪ ،‬هذا األمر هو املؤاخاة بني املهاجرين واألنصار‪ ،‬والفكرة كانن ع يبة‪،‬‬

‫مجع الرسول ﷺ املهاجرين واألنصار يف بين أحد األنصار‪ ،‬وبدأ يالالؤاخي بالالني كالالل مهالالاجري‬

‫وأنصاري‪ ،‬وجعل األخوة يف كل يشء حتى وصل األمر إط املرياث‪ ،‬أي لو مات مهاجري يرثه‬

‫األنصاري والعكج كذلك‪ ،‬لكن هذا ابكم نسخ بعد ذلك‪ ،‬وأصبحن األخالالوة يف كالالل يشء‬

‫إال املرياث‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫الكفالة الرسيعة للمهاجرين عن طريق املؤاخاة‬

‫كانن هذه املؤاخاة مؤاخاة حقيقية‪ ،‬وكان هلذا األمر تطبيقات عمليالالة كثالالرية يف حيالالاِتم‪ ،‬ومالالن‬

‫أشهر القصص يف ذلك ما حدث بني سعد بن الربيع أحد كبالالار األنصالالار ريض اهلل عنالاله‪ ،‬ومالالن‬

‫شهداء أحد كام سنبني إن شاء اهلل يف الدروس القادمة‪ ،‬وبني املهاجري عبد الالالر ن بالالن عالالوف‬

‫ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬والذي كان تاجر ًا يف مكة‪ ،‬لكنه ترا كل يشء‪ ،‬وأتى املدينة املنالالورة بالالال‬

‫يشء‪ .‬رو البخاري ر ه اهلل عن أنج بن مالك ريض اهلل عنه وأرضالالاه‪ :‬أن سالالعد بالالن الربيالالع‬

‫ريض اهلل عنه قال لال عبد الر ن بن عوف‪( :‬إ أكثر األنصار ماالً فسأقسم مايل نصفني)‪.‬‬

‫ال ني ًا عنده أموال كثرية‪ ،‬ولو أعطالالى عبالالد الالالر ن بالالن عالالوف ‪ %5‬أو‬
‫كان سعد بن الربيع رج ً‬

‫‪ %10‬من ماله فهذا كثري‪ ،‬ومع ذلك من جترده وحبه ألخيه وشعوره الكامل بأن هالالذه أخالالوة يف‬

‫اهلل‪ ،‬قال‪ :‬سأقسم مايل نصفني‪ .‬ولكي تتأكد من صعوبة هذا األمر ختيل نفسك أنك تفعل هالالذا‬

‫األمر‪ ،‬ختيل أحد إخوانك يف أزمة‪ ،‬فأتيالالن برصالاليدا الالالذي يف البنالالك إذ كنالالن نيالال ًا‪ ،‬وقمالالن‬

‫بتقسيم هذا املال بينك وبينه‪ ،‬هذا أمر شاق وصعب‪ ،‬لكن األمر الثا أصعب وأصالالعب‪ ،‬فقالالد‬

‫قال سعد بن الربيع‪( :‬ويل امرأتان‪ ،‬فانظر أع بهام إليك فسمها يل أطلقها‪ ،‬فإذا انقضالالن عالالدِتا‬

‫فتزوجها)‪.‬‬

‫سبحان اهلل! هذا أمر ع يب و ريب‪ ،‬لكن عبد الر ن بن عوف ريض اهلل عنالاله وأرضالالاه كالالان‬

‫نبيل النفج‪ ،‬قال له‪( :‬بارا اهلل لك يف أهلك ومالك‪ ،‬أين سوقكم؟) يريالالد أن يعمالالل‪ ،‬وخيالالرج‬

‫رزقه من تعبه وكده‪ ،‬خاصة أنه أحد الت ار املشالالهورين يف اإلسالالالم‪ ،‬فالالدلوه عالالىل سالالوق بنالالي‬

‫قينقاع‪ ،‬وتاجر حتى كثر ماله‪ .‬الشالالاهد يف القصالالة أن املؤاخالالاة كانالالن حقيقيالالة‪ ،‬ومل تكالالن هالالذه‬

‫املؤاخاة فق لإليواء املالالايل واالقتصالالادي والسالالكني للمهالالاجرين ريض اهلل عالالنهم وأرضالالاهم‪،‬‬

‫ولكن كانن مؤاخاة يف كل يشء‪ ،‬وكان األخ يطمئن عىل أخيه يف أمور اآلخرة‪ ،‬كام كان يطمئن‬
‫‪350‬‬
‫عليه يف أمور الدنيا‪ ،‬وقصة سلامن الفاريس ريض اهلل عنه مشهورة‪ ،‬وذلك عندما آخى الرسالالول‬

‫ﷺ بينه وبني أيب الدرداء ريض اهلل عنه وأرضاه وأبو الدرداء مالالن األنصالالار؛ وسالاللامن الفالالاريس‬

‫ليج من العرب أصالً‪ ،‬بل هو من الفرس ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬فانظر إط عمق العالقة التالالي‬

‫كانن بني االثنني‪ ،‬مع أن كل واحد منهام من أصل بعيد متام ًا عن الثا ‪.‬‬

‫ثبن يف صحيح البخاري‪ :‬أن سلامن الفاريس ريض اهلل عنالاله وأرضالالاه زار أبالالا الالالدرداء يف بيتالاله‪،‬‬

‫فرأ أم الدرداء متبذلة‪ :‬ويف رواية‪ :‬رثة اهليئة‪ ،‬فقال هلا سلامن وكان ذلك قبل فالالرض اب الالاب‬

‫عىل املسلامت‪( :-‬ما شأنك؟) قالن‪( :‬أخوا أبو الدرداء ليج له حاجة يف الدنيا)‪ ،‬ويف روايالالة‪:‬‬

‫ليج له حاجة يف نساء الدنيا‪ ،‬ف اء أبو الدرداء فصنع له طعام ًا‪ ،‬فقال له سالاللامن‪( :‬كالالل)‪ ،‬فقالالال‬

‫أبو الدرداء‪( :‬إ صائم)‪ ،‬قال سلامن‪( :‬ما أنا ب كل حتى تأكل)‪ .‬قال‪( :‬فأكل)‪.‬‬

‫وجد سلامن الفاريس ريض اهلل عنه وأرضاه مشكلة عند أخيه أيب الدرداء‪ ،‬وجده منرصف ًا متامالال ًا‬

‫إط العبادة والصيام والقيام وترا أهل بيته‪ ،‬وهذه مشكلة عائلية حقيقية يف داخالالل بيتالاله‪ ،‬ففالالر‬

‫سلامن الفاريس ريض اهلل عنه وأرضاه وقته إلصالح مشكلة أخيه‪ ،‬وبالالدأ يضالالب عنالالده بعالال‬

‫املفاهيم التي كانن س بك له حياته وأرسته‪ ،‬ف لج معه وأقسم عليالاله أن يفطالالر ويقطالالع هالالذا‬

‫الصيام‪ ،‬فقد كان الصيام نفالً‪ ،‬فقطع أبو الدرداء الصيام‪ ،‬وأكل مع سلامن الفالالاريس‪ ،‬فلالالام كالالان‬

‫الليل ‪-‬أي‪ :‬أول الليل‪ -‬أراد أبو الدرداء أن يقوم الليل كله‪ ،‬فقال له سالاللامن‪( :‬نالالم)‪ ،‬فنالالام‪ ،‬ثالالم‬

‫ذهب ليقوم فقال ‪-‬أي‪ :‬سلامن – (نم)‪ ،‬فلام كان آخر الليل قالالام سالاللامن وقالالال لالاله‪( :‬قالالم اآلن)‪،‬‬

‫فصليا من آخر الليل‪ ،‬وأراد سلامن أن يعطي له خالصة درس تربوي فر نفسالاله هلالالذا الالالدرس‬

‫أربع ًا وعرشين ساعة‪ ،‬قال‪( :‬إن لربك عليك حق ًا ولنفسك عليك حق ًا وألهلك عليك حقالال ًا)‪،‬‬

‫ويف رواية ال مذي‪( :‬ولضيفك عليك حق ًا)‪( ،‬فأع كل ذي حق حقه)‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫مل يقتنع أبو الدرداء ريض اهلل عنه وأرضاه متام االقتناع‪ ،‬فذهب إط الرسالالول ﷺ يشالالكو سالاللامن‬

‫إليه أنه جعله يفطر وجعله يقوم من آخر الليل فق ‪ ،‬فقال ﷺ‪( :‬صدق سالاللامن)‪ ،‬أي‪ :‬مالالا قالالاله‬

‫سلامن هو التوازن الذي َيب أن يكون عليه املسلم يف حياته‪ ،‬وهو ابق والعدل‪.‬‬

‫الشاهد يف ذلك أن سلامن الفاريس ريض اهلل عنه وأرضاه وهو فاريس كان أخالال ًا لالالال أيب الالالدرداء‬

‫وهو عريب أنصاري‪ ،‬وكان سلامن الفاريس ريض اهلل عنه وأرضالالاه يالالدخل بيالالن أيب الالالدرداء ‪،‬‬

‫وخياطب زوجته يف حدود اإلسالم‪ ،‬وحيل املشاكل التي بينها وبالالني أيب الالالدرداء ريض اهلل عنالاله‬

‫وأرضاه‪ ،‬كام أن أبا الدرداء ريض اهلل عنه وأرضاه مل يتكلف شيئ ًا‪ ،‬ولكن أتى بطعالالام مالالن طعالالام‬

‫البين‪ ،‬وأكل معه سلامن ‪ ،‬ونام معه يف نفج البين‪ ،‬كام أن أبالالا الالالدرداء ريض اهلل عنالاله وأرضالالاه‬

‫الن يف يد أخيه سلامن ‪ ،‬مع أنه ري مقتنع بام يقول‪ ،‬ألنه ضيفه يف بيته وأخوه يف اإلسالم‪.‬‬

‫فكل هذه األمور تثبن أن األخوة التي كانن بني االثنني كانن أخوة حقيقية‪ ،‬ليسن جمرد كالم‬

‫مكتوب عىل الورق‪ ،‬وأمتنى أن ن رب هذه األمور ونطبالالق هالالذه املؤاخالالاة فالاليام بيننالالا‪ ،‬أمتنالالى أن‬

‫نعيش حياة األخالالوة ابقيقيالالة كالالام كالالان يعيشالالها الصالالحابة الالالذين بنيالالن عالالىل أكتالالافهم األمالالة‬

‫اإلسالمية‪ ،‬فواهلل بغري هذه األخوة ال تقوم أمة أبد ًا‪.‬‬

‫إذ ًا‪ :‬أول أمر فعله الرسول صىل اهلل عليه وسلم يف قضية احتواء أزمة املهاجرين‪ :‬أن عظالالم مالالن‬

‫أجر املهاجرين وصنع ِتيئة نفسية هلم‪ ،‬ويف نفج الوقن صنع ِتيئالالة نفسالالية لألنصالالاري؛ لكالالي‬

‫يتقبلوا أمر اهل رة وأمر النرصة‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫األمر الثا ‪ :‬حقق الكفالة الرسيعة للمهاجرين‪ ،‬بحيث يكفالالل كالالل أنصالالاري مهاجريالال ًا فتحالالل‬

‫األزمة برسعة‪.‬‬

‫رفع قيمة األخوة‬

‫أعطى ﷺ ك ًام هائ ً‬


‫ال من األحاديث التي تش ع عىل األخوة وترفالالع مالالن أجرهالالا‪ ،‬قالالال ﷺ‪( :‬ال‬

‫يؤمن أحدكم حتى حيب ألخيه ما حيب ألنفسه) فقد رب موضوع األخالالوة بالالاإليامن بالالاهلل عالالز‬

‫وجل‪ ،‬وهذا ابديث يف البخاري‪ ،‬بل إنه قال يف رواية مسلم عن أيب هريرة‪( :‬ال تدخلوا اجلنالالة‬

‫حتى تؤمنوا‪ ،‬وال تؤمنوا حتى حتابوا‪ ،‬أو ال أدلكم عىل يشء إذا فعلتموه حتاببتم؟ أفشوا السالالالم‬

‫بينكم)‪ ،‬وعىل هذا النسق جاءت أحاديث كثرية ترفع من درجة األخوة يف اهلل؛ ولالالذلك كانالالن‬

‫الطائفتان تفعالن ذلك األمر ومها يرجوان من اهلل عز وجل أجالالر ًا وثوابالال ًا عالالن األخالالوة يف اهلل‪،‬‬

‫فرفعوا من قيمة األخوة يف قلوهبم‪ ،‬وبالتايل كان هلا أثر فعال حقيقي واقعي يف حياِتم‪.‬‬

‫امليثاق الذي وضعه النبي ﷺ بني املهاجرين واألنصار لتنظيم العالقة بينهم‬

‫ما فعله ﷺ من املؤاخالالاة بالالني املهالالاجرين واألنصالالار‪ ،‬ورفالالع قيمالالة األخالالوة‪ ،‬وتقريالالب األمالالور‬

‫للمسلمني بأن هناا أجر ًا وثواب ًا وجنة نتي ة هذه األعامل العظيمة التي يقومون هبا؛ بعد ذلالالك‬

‫كله رأ ﷺ أن هذا ليج كافي ًا لتثبين دعائم األخوة يف الدولة اإلسالمية‪ ،‬فنحن سنكون دولة‬

‫إسالمية حقيقية‪ ،‬دولة ستواجه حتديات خطالالرية‪ ،‬وال يسالالتقيم أبالالد ًا أن يالال ا هالالذا األمالالر فيهالالا‬

‫للنفج‪ :‬أنا أريد أو ال أريد‪ ،‬أنا أحب أو ال أحب‪ ،‬بل البد من وضع قوانني ودسالالاتري مكتوبالالة‪،‬‬

‫فوضع ﷺ ما يعرف بامليثاق‪ ،‬وهو ميثاق مشالالهور وموجالالود يف أكثالالر مالالن روايالالة مالالن روايالالات‬

‫السرية املوثقة‪ ،‬وفيه توضيح كامل للعالقة بني املهاجرين واألنصار‪ ،‬وأصالالبح هالالذا القالالانون أو‬

‫الدستور الذي يطبق يف أي بلد من بالد العامل ملزم ًا جلميع األطراف‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫هناا بنود كثرية نمر عىل بعضها بإَياز لضيق الوقن‪.‬‬

‫األول‪ :‬أْنم أمة واحدة من دون الناس‪ ،‬أذاب كل الفوارق بالالني عمالالوم املسالاللمني فاملهالالاجرون‬

‫واألنصار أمة واحدة‪.‬‬

‫الثا ‪ :‬يقول ﷺ‪( :‬املهاجرون من قريش يتعاقلون بينهم) أي‪ :‬يدفعون الدية‪ ،‬فلو قتل أحد مالالن‬

‫املهاجرين أحد ًا من الناس‪ ،‬وكانن له الدية؛ َيتمع املهاجرون ليدفعوا دية القتيل‪.‬‬

‫قال‪( :‬وهم يفدون عانيهم باملعروف والقس بني املؤمنني) أي‪ :‬لو أن أحد ًا من املهاجرين وقع‬

‫يف األرس؛ َيتمع املهاجرون سوي ًا‪ ،‬ليدفعوا فدية هذا األسري فيفكوا أرسه‪.‬‬

‫قال‪( :‬وكل قبيلة من األنصالالار يتعالالاقلون معالالاقلهم األوط‪ ،‬وكالالل طائفالالة مالالنهم تفالالدي عانيهالالا‬

‫باملعروف والقس بني املؤمنني)‪.‬‬

‫قسم الرسول ﷺ امل تمع املسلم إط عدة طوائف عىل أساس القبيلة‪ ،‬فاملهالالاجرون كلهالالم مالالن‬

‫قريش‪ ،‬وهذه امل موعة جتتمع سوي ًا لتفدي عانيها وتدفع الدية عن القاتل منها‪ ،‬وكالالذلك كالالل‬

‫قبيلة من األنصار‪ ،‬األوس لوحدهم واخلزرج لوحدهم‪ ،‬وقد يقسم األوس إط أكثر مالالن فالالرع‪،‬‬

‫واخلزرج إط أكثر من فرع‪.‬‬

‫قال‪( :‬عىل معاقلهم األوط) أي‪ :‬كام كانوا يتعاقلون قبل دخول اإلسالم إط املدينة املنورة‪.‬‬

‫وما فعل النبي ﷺ ذلك إال ألن املؤاخاة وحدها ال تستطيع دفع الديات وفالالك العالالا ‪ ،‬ولالاليج‬

‫هناا بين مال للمسلمني‪ ،‬إذ إن الدولة كانن فقرية جد ًا ال ثروات فيها‪ ،‬فالبالالد للمسالاللمني أن‬

‫خيلصوا أمورهم بأنفسهم‪ ،‬إذا كان األنصاري أخ ًا لواحد من املهاجرين‪ ،‬وحصالاللن عليالاله ديالالة‬

‫مقدارها مائة ناقة لن يقدر أن يدفعها له‪ ،‬فالبد أن َيتمع قوم عىل دفعها‪ ،‬ف مع النبي ﷺ أهل‬

‫املدينة هلذا األمر عىل أساس القبيلة‪ ،‬مع أن اإلسالم يكالالره القبليالالة يف أمالالور‪ ،‬ولكنالاله ال ينبالالذها‬
‫‪354‬‬
‫بالكلية‪ ،‬بل البد من أن يطور هذه الرابطة؛ لتخدم اإلسالم واملسلمني يف إطار الرشع‪ ،‬ف علها‬

‫يف أمور املؤاخاة ويف أمور املواساة والتعاون عىل الرب والتقو بني املسلمني‪ :‬فك األسري‪ ،‬ودفع‬

‫دية القاتل ألهل القتيل‪ ،‬واملساعدة يف أمور امل تمع املختلفة برواب الرحم التي بني القبيلة‪.‬‬

‫فكل واحد منهم حيرص عىل أن حيل مشكلة إخوانه عن طريق هذا القانون‪ ،‬وهالالذا القالالانون ال‬

‫يستقيم تطبيقه أبد ًا إال إذا رسخن معا األخالالوة التالالي حتالالدثنا عنهالالا قبالالل ذلالالك؛ لالالذلك فالالإن‬

‫الترشيع اإلسالمي كله ال نقدر أن نأخذ منه جزء ًا ون ا جزء ًا‪ ،‬قال تعاط‪{ :‬ا ْدخلالالوا ِيف َ‬
‫السالال ْل ِم‬

‫كَا َّف ًة} [البقرة‪ ،]208:‬فكل جزئية تكمل موضالالوع ًا معينالال ًا‪ ،‬ويف النهايالالة هالالذا الرشالالع املتكامالالل‬

‫يصلح إلدارة الدنيا والدين‪.‬‬

‫الرسول ﷺ أقر مبدأ القبلية‪ ،‬ولكن يف هذه اجلزئية‪ ،‬ومبدأ القبلية مقبول يف الفقالاله اإلسالالالمي‪،‬‬

‫ولكن يف إطار الرشع كام ذكرنا‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬إذا اعتدي عىل حرمالالات دولالالة مالالن دول اإلسالالالم‬

‫واملسلمني‪ ،‬فإن الرشع يفرض عىل أهل الدولة يف داخل اخلالفة اإلسالمية الكالالرب أن يقالالاتلوا‬

‫يف سبيل اهلل للدفاع عن أنفسهم‪ ،‬فإن مل يستطع أهل القطر الواحد أن يدفعوا عن أنفسالالهم لالالزم‬

‫األقرب فاألقرب أن يساعدهم‪ ،‬لكن ال يتعني القتال عىل أهل املغرب إذا احتلن بلدة من بالد‬

‫املرشق‪ ،‬إن كان أهل املرشق يستطيعون رد املعتدي‪ ،‬فهذا الوضالالع يقبلالاله اإلسالالالم‪ ،‬ويقبلالاله يف‬

‫أمور أخر ‪ ،‬كالزكاة‪ ،‬فال خترج الزكاة مالالن قطالالر إط آخالالر حتالالى تكفالالي أهالالل القطالالر‪ ،‬وهكالالذا‬

‫بالضب مع كل أمور اإلسالم‪ ،‬فاإلسالم واحد يكفي األرض إط يوم القيامة‪.‬‬

‫ولو اف ضنا أن قبيلة من القبائل كانن فقرية إط الدرجة التي ال تستطيع فيها أن تدفع الفدية أو‬

‫الدية‪ ،‬تأيت نقطة أخر يف امليثاق؛ لتحل هالالذه املشالالكلة‪ ،‬يقالالول ﷺ‪( :‬وأن املالالؤمنني ال ي كالالون‬

‫مفرح ًا) أي‪ :‬شخص ًا كثري األطفال‪ ،‬وعليه أزمات متالحقة‪ ،‬قال‪( :‬ال ي كون مفرح ًا بيالالنهم أن‬

‫‪355‬‬
‫يعطوه يف فداء أو عقل)‪ .‬فلو اف ضنا أن هناا قبيلة مل تستطع أن تدفع عن أحالالد املسالاللمني ديالالة‬

‫كانن عليه أو فدية‪ ،‬فالبد أن َيتمع املسلمون مجيع ًا‪ ،‬فهم جمتمع متامسك‪.‬‬

‫الثالث‪( :‬وأن املؤمنني املتقني عىل من بغى منهم‪ ،‬أو ابتغى دسيسالالة ظلالالم أو إثالالم أو عالالدوان أو‬

‫فساد يب‬

‫الكفالة طويلة املد للمهاجرين‬

‫جاء األنصار ريض اهلل عنهم وأرضاهم إط رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وقالوا له‪( :‬يا رسول اهلل؛ اقسم بيننا‬

‫وبني إخواننا املهاجرين النخيل)‪ ،‬فقالالال ﷺ‪( :‬ال)‪ ،‬فالرسالالول ﷺ واقعالالي‪ ،‬فهالالو ال يريالالد مالالن‬

‫األنصار أن يدفعوا مبالغ كبرية وقد يندمون بعالالد ذلالالك‪ ،‬فالالأراد األنصالالار أن يعطالالوا املهالالاجرين‬

‫فرصة للنمو داخل امل تمع املسلم اجلديد‪ ،‬فقالالال األنصالالار للمهالالاجرين‪( :‬إذن تكفونالالا املئونالالة‬

‫ونرشككم يف الثمر)‪ ،‬فقال املهاجرون‪( :‬اللهم)‪.‬‬

‫فبدأ املهاجرون يعملون يف أرض األنصار‪ ،‬ويقسمون الناتج بينهام‪ ،‬وبذلك تفاعل املهالالاجرون‬

‫داخل الدولة اإلسالمية‪ ،‬ليسوا جمرد معسكرات الجئني يف خيام‪ ،‬فيكونون عبئالال ًا عالالىل الدولالالة‬

‫التي استضافتهم‪ ،‬ولكن أصبحوا عنرص ًا فعاالً داخل امل تمع‪.‬‬

‫إعطاء ابريات للمهاجرين داخل املدينة املنورة‬

‫املحور األخري يف تثبين أركان الدولة اإلسالمية مع شالالتى فرقهالالا أو طوائفهالالا هالالو إعطالالاء كالالل‬

‫ابريات للمهاجرين أن يفعلوا مثل األنصار يف املدينة‪ ،‬كحرية التملك‪ ،‬وحرية الزواج؛ وحرية‬

‫الدخول يف جمالج الشور ‪ ،‬وحرية قيادة اجليالالو ‪ ،‬بالالل قيالالادة الدولالالة نفسالالها‪ ،‬واملعالالروف أن‬

‫الرسول ﷺ من املهاجرين‪ ،‬وخلفاءه من بعالالده مالالن املهالالاجرين‪ ،‬إط أزمنالالة طويلالالة‪ ،‬وال نعلالالم‬

‫أنصاري ًا توط خالفة املسلمني أبد ًا‪.‬‬


‫‪356‬‬
‫فقد رسخ النبي ﷺ هذا األمر‪ ،‬وأعطين هلم كل صالحيات أهل البلد‪ ،‬فذابوا ذوبان ًا طبيعي ًا يف‬

‫البلد‪ ،‬وأصبحوا عنرص ًا رئيس ًا من عنارص املدينة املنورة‪ ،‬وبعد عدة سنوات مل يعد هنالالاا فالالارق‬

‫بني املهاجرين واألنصار‪ ،‬بل كلهم ينتمون إط املدينة املنورة الدولة اإلسالمية األوط‪ ،‬وهالالذا يف‬

‫منتهى الرقي‪ ،‬فقد أعطى هذا ال سيخ ثبات ًا وقوة للدولة اإلسالمية‪ ،‬فكل شالالخص يالالدافع عالالن‬

‫فيه‪ ،‬فقد نيس متام ًا قصة البلد الذي جاء منه‪ ،‬بالالل‬ ‫املدينة؛ ألْنا بلده وموطنه األصِل الذي عا‬

‫كثري من املهاجرين بقي يف املدينة املنورة حتى بعد فتح مكة وعودة الديار التالالي كانالالن مسالاللوبة‬

‫منهم إليهم‪ ،‬فقد ظلوا يعيشون يف املدينة بعد أن أصبحن املدينة هي دولتهم‪.‬‬

‫إن هذا العمل له تطبيق يف واقعنا‪ ،‬فأمريكالالا فعلالالن نفالالج هالالذا الفعالالل‪ ،‬وكأْنالالا تقالالرأ التالالاريخ‬

‫اإلسالمي‪ ،‬فالذي يراجع تاريخ أمريكا َيد شيئ ًا ع يب ًا‪ ،‬فقد كان تعداد سكان أمريكا يف أوائل‬

‫القرن الثامن عرش مخسة ماليني‪ ،‬أما اآلن وبعد مائتي سالالنة صالالار تعالالدادهم أكثالالر مالالن ثالثامئالالة‬

‫وخمالالابرات ومصالالانع‪ ،‬وهلالالا دولالالة‬ ‫مليون‪ ،‬وأصبح هلا قوة كبرية وقاهرة‪ ،‬وهلا أساطيل وجيو‬

‫كبرية وعمالقة‪ ،‬والسبب يف ذلك أْنا فعلن ما فعله الرسول ﷺ قبل ‪1400‬سنة‪ ،‬فقد حققالالن‬

‫أمريكا الوحدة بني أفرادها‪ ،‬كام أن الرسول ﷺ وحد األوس مع اخلزرج‪ ،‬ثم وحد األنصار مع‬

‫املهاجرين وجعلهم كلهم كيان ًا واحد ًا‪ ،‬كذلك حدت أمريكا نفسها حتى صارت ‪ 52‬واليالالة يف‬

‫قارة كاملة‪ ،‬ومتثل دولة واحدة ورئيس ًا واحد ًا‪ ،‬فالبد أن يعطيها هذا قوة‪.‬‬ ‫بع‬

‫األمر الثا الذي فعلته أمريكا هو نفج األمر الذي فعله رسول اهلل ﷺ قبل مئات السنني‪ ،‬فقد‬

‫قامن أمريكا بإعطاء تأشريات للناس الذين يأتون من خارج أمريكا ليعيشوا فيهالالا‪ ،‬ويأخالالذون‬

‫حقوق املواطن األمريكي‪ ،‬ومالالع مالالرور الوقالالن يالالذوبون يف امل تمالالع األمريكالالي‪ ،‬ويصالالبحون‬

‫أمريكيني يدافعون عن أمريكا كأْنا بلدهم‪ ،‬فعندما تراجع التاريخ جتالالد أن أصالالول األمريكالالان‬

‫من أملانيا وإن ل ا وإيرلندا والرشق األوس ‪ ،‬ومالالن املسالاللمني والنصالالار واليهالالود‪ ،‬طوائالالف‬

‫‪357‬‬
‫شالالتى مالالرت علالاليهم السالالنوات تلالالو السالالنوات‪ ،‬وأصالالبحوا يف األخالالري أمالالريكيني يسالالاعدون‬

‫األمريكيني‪ ،‬وأعطوهم حرية التملك والزواج والدخول يف جمالج الشالالور ‪ ،‬ف الالدا األكالالرب‬

‫ولد يف أمريكا‪ ،‬وكلنا رأينا االنتخابات السابقة التي قبل فيها أحد اللبنانيني أن ي شح يف رئاسة‬

‫اجلمهورية ألمريكا‪.‬‬

‫فهذا العمل عمله الرسول ﷺ قبل مئات السنني‪ ،‬ولكن عملالاله ﷺ كالالان راقيالال ًا عظالالي ًام‪ ،‬فهالالو مل‬

‫َيعل الدافع هلذا التامزج واالختالط الرائع بني الطوائف املختلفة يف الدولة اإلسالمية أمر ًا من‬

‫أمور الدنيا فق ‪ ،‬بل جعله كالالام علمالاله ربالاله سالالبحانه وتعالالاط جمتمعالال ًا أخويالال ًا متامسالالك ًا‪ ،‬مرتبطالال ًا‬

‫باآلخرة‪ ،‬باإلضافة إط سعادة الدنيا‪ ،‬فليج هناا ظلم يف إقامة الدولة اإلسالمية وال إبالالادة وال‬

‫فساد؛ ألن الترشيع قائم عىل رشع رب العاملني سبحانه وتعاط‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعاط وضالالع لنالالا‬

‫هذا الترشيع‪ ،‬وأراد به سعادة الدنيا واآلخرة‪ ،‬بينام التشالريعات األخالالر قالالد حتقالالق نوعالال ًا مالالن‬

‫السعادة يف الدنيا‪ ،‬ولكنها سعادة منقوصة ال شك يف ذلك‪ ،‬فهناا أنواع كثرية جد ًا من التعالالدي‬

‫والظلم والفساد كام ذكرنا‪ ،‬وليج فيها مهة إط اآلخرة‪.‬‬

‫هذا هو املثال الراقالالي لإلسالالالم‪ ،‬فاإلسالالالم يسالالتطيع أن ينعمالالك يف الالالدنيا وينعمالالك أيضالال ًا يف‬

‫اآلخرة‪ ،‬فكفالة املهاجرين كانن كفالة طبيعية حتى ذابوا داخل امل تمع املد ألزمنالالة ال يعلالالم‬

‫عددها إال رب العاملني سبحانه وتعاط‪.‬‬

‫هكذا حلن أزمة املهاجرين داخل املدينة املنورة‪ ،‬وبالعكج انقلبالالوا مالالن كالالوْنم أزمالالة إط قالالوة‬

‫للدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫املهاجرون إط اببشة‬

‫يف اببشة أكثر من ‪ 80‬شخص ًا‪ ،‬وهم عند ملك ال يظلم عنده أحد‪ ،‬لكالالن اببشالالة الالري مؤهلالالة‬

‫إلقامة دولة إسالمية‪ ،‬وذكرنا تفصيالت ذلك عند ابديث عن دروس الف ة املكية من السالالرية‬

‫النبوية‪ ،‬وملا انتقل الرسول ﷺ إط املدينة وشعر بيشء من االسالالتقرار‪ ،‬أرسالالل يسالالتدعي بعالال‬

‫املهاجرين يف اببشة؛ ليساعدوه يف إقامة الرصح الضخم اهلائل الذي سيقيمه يف املدينة املنورة؛‬

‫وذلك ألن الدولة اإلسالمية حتتاج إط طاقالالات كثالالرية‪ ،‬ويف نفالالج الوقالالن مل ينالالدفع النبالالي ﷺ‬

‫اندفاع ًا عاطفي ًا وأتى بكل املهاجرين الذين كانوا يف اببشة ملسالالاعدة املسالاللمني‪ ،‬فإنالاله لالالو فعالالل‬

‫املسلمني؛ ألنالاله قالالد حيصالالل استئصالالال للقاعالالدة‬ ‫ذلك قد يضيع عىل املسلمني فرصة بقاء بع‬

‫اإلسالمية املوجودة يف املدينالالة‪ ،‬وهالالذا وارد؛ ألن قريشالال ًا لالالن تسالالكن‪ ،‬واليهالالود لالالن يسالالكتوا‪،‬‬

‫واملرشكني من األوس واخلزرج لن يسكتوا‪ ،‬والقبائل حول املدينة لن تسكن‪ ،‬وفارس والروم‬

‫لن يسكتوا‪ ،‬فكل هذه خماطر ضخمة حول األمة اإلسالمية‪ ،‬فأبقى ﷺ عالالدد ًا ال بالالأس بالاله مالالن‬

‫املهاجرين يف اببشة إط أن تستقر األوضاع متام ًا‪ ،‬ويطمئن إط أن دولالالة اإلسالالالم ال تستأصالالل‪،‬‬

‫وما جاءت هذه امل موعة إال بعد صلح ابديبيالالة بعالالد سالالن سالالنوات كاملالالة‪ ،‬وذلالالك بعالالد أن‬

‫اطمأن الرسول ﷺ إط أن املدينة املنورة أصبحن دولة ال تستأصل‪ ،‬وقتها جاء كالالل املهالالاجرين‬

‫الذين كانوا موجودين يف اببشة‪.‬‬

‫مسلمو القبائل البعيدة‬

‫املسلمون يف القبائل البعيدة عن املدينة املنورة‪ ،‬مالالنهم يف الالاليمن ويف فالالار ويف أسالاللم‪ ،‬ومالالنهم‬

‫الذين كانوا يف مناطق خمتلفة من اجلزيرة العربية‪ ،‬أبقاهم ﷺ يف أماكنهم ومل يأمرهم باهل رة إط‬

‫املدينة املنورة؛ ألن كل واحد من هؤالء كالالان نقطالالة مضالاليئة يف مكانالاله‪ ،‬فالرسالالول ﷺ يشالالتغل‬

‫‪359‬‬
‫بالدعوة يف داخل املدينة وما حوهلا‪ ،‬لكن النقاط البعيدة جد ًا مل يصل إليها رسول اهلل ﷺ‪ ،‬مثال‬

‫ذلك‪ :‬الط َفيل بن عمرو الدويس ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬كان موجود ًا يف قبيلة دوس يف الالاليمن‪،‬‬

‫واملسافة بني اليمن واملدينة أكثر من ‪ 1000‬كيلو م ‪ ،‬فكيف يصل إليهم الرسول ﷺ؟ فبعالالث‬
‫طفيل بن عمرو الدويس ليقوم بالدعوة يف هذا املكان‪ِ ،‬‬
‫وضامد األزدي يقوم بالالالدعوة يف األزد‪،‬‬

‫وأبو ذر الغفاري يقوم بالدعوة يف ِ فار وعمرو بن عبسة يقوم بالدعوة يف أسالاللم‪ ،‬وهكالالذا كالالل‬

‫واحد يف مكانه‪ ،‬ومع مرور الوقالالن كثالالر املسالاللمون يف هالالذه القبائالالل املختلفالالة‪ ،‬وجالالاء الوقالالن‬

‫املناسب‪ ،‬واستدعى رسول اهلل ﷺ هذه القبائل‪ ،‬فأتى منها املسلمون‪ ،‬وزادت قوة املسالاللمني يف‬

‫املدينة املنورة‪ ،‬فقدوم هؤالء يف أول األمر قد يلفن األنظار إط قوة املدينالالة املنالالورة‪ ،‬وقالالد حيفالالز‬

‫الناس عىل استئصال املسلمني يف املدينة املنالالورة برسالالعة‪ ،‬ويف نفالالج الوقالالن يقلالالل مالالن فرصالالة‬

‫الدعوة يف قبائلهم‪ ،‬ف ثر ﷺ أن يبقى الوضع كام هو عليه بالنسبة هلم‪ ،‬إط أن تسالالتقر األوضالالاع‪،‬‬

‫وبالفعل استدعاهم بعد صلح ابديبية‪.‬‬

‫مسلمو مكة‬

‫آخر طائفة‪ :‬هي طائفة املسلمني املستضعفني يف مكة‪ ،‬الذين مل يستطيعوا أن هياجروا وليج هلالالم‬

‫حيلة‪ ،‬فهؤالء أمرهم الرسالالول ﷺ بالالالكتامن قالالدر املسالالتطاع‪ ،‬فالالال خيرجالالوا رسهالالم وال يعلنالالوا‬

‫إسالمهم؛ حتى ال يستأصلوا‪ ،‬إط أن يأيت اهلل عز وجل بأمره‪ ،‬ومل حتل مشالالكلة هالالؤالء إال بعالالد‬

‫فتح مكة‪ ،‬وظلوا يف مرحلة الرسية طيلة ثامن سنوات من عمر العهد املد ‪.‬‬

‫هكذا كان ترصف الرسول ﷺ مع الطوائالالف املختلفالالة مالالن امل تمالالع املسالاللم‪ ،‬وهالالاأنتم تالالرون‬

‫التصالرف النبالالوي يف منتهالالى ابكمالالة‪ ،‬ويتغالالري بالالاختالف الظالالرف الالالذي يعالاليش فيالاله املسالاللم‪.‬‬

‫‪360‬‬
‫‪17‬‬

‫املرشكون والدولة اإلسالمية‬

‫املرشكون وكيفية تعامل النبي ﷺ معهم‬

‫هذه جمموعة ثانية خطرية تعامل معها رسول اهلل ﷺ أيضا يفا ف ةاانة نااال الدولااة اإلسااالمية ف‬

‫أوهلا؛ واستمر التعامل مع هااذه الطاةفااة بي بياال مااوهلل رسااول اهلل ﷺم هااذه هااي جمموعااة‬

‫املرشكنيم ومثل ما لنا من بل‪ :‬بن املرشكني كانوا من طواةف شتى‪.‬‬

‫املرشكون من أهل املدينة‬

‫الفئة األوي املرشكون من أهل املدينة ماان األوو وارا رهم ةهاانول كااانوا ف يايااة األ يااة‬

‫النسبة لرسول اهلل ﷺ؛ ةإسناتيجية العمل مع املرشكني ف داخل الدولة ف احلالة السلمية هي‬

‫بيصال الدعوةم واجلوار التي هي أحساانم وبنااص الصااداا اادر املسااتطاام اال التعاااون ف‬

‫القضايا املشنكة‪ .‬تعالوا لنرى مو ف املرشكني ف املدينااة ماان الرسااول ﷺ مااا هااي طبيعتا‬

‫وكيف تعامل الرسول ﷺ مع كل واحد منهم عض املرشكني ملا دخاال الرسااول ﷺ املدينااة‬

‫املنورة رروا ارروه منهام منهم أ و عامر الفاسق الذي كان معروة يفا ا أيب عامر الراهص‪ .‬هااذا‬

‫الرجل عندما دخل الرسول ﷺ املدينة رر أن خيره منهام ودار ين و ااني الرسااول ﷺ حااوار‬

‫أوضح ةي ما ف داخل م و رر ارروه من املدينةم هذا الرجل كان اسم ‪ :‬أ و عامر عبااد عماارو‬

‫ن صيفي األويسم وهو أ و حنظلة يسيل املالةكة الذي استشهد ف أحد‪.‬‬


‫‪361‬‬
‫هذا الرجل كان يدعي أن راهصم وأن عىل دين احلنيفيةم ولاابا املسااود وادعااى العلاام أياااا‬

‫اجلاهليةم ةلام هاجر الرسول ﷺ بي املدينة املنورةم جال بلي أ و عامر الراهااصم و اادأ هاااورهم‬

‫) ال ﷺ‪( :‬جئت احلنيفيااة دياان ب ااراهيم)م ااال‬ ‫ال أ و عامر‪( :‬ما هذا الدين الذي جئت‬

‫الراهص‪( :‬ةأنا عليها)م ةقال ﷺ‪( :‬بنك لست عليها) أي‪ :‬هناك حتريااف كبااري ف الديانااة التااي‬

‫أنت عليها اآلن‪.‬‬

‫ال أ و عامر الراهص‪ ( :‬ىل عليهام بنك أدخلت يا حممد ف احلنيفية ما لاايا منهااا)م ةقااال ﷺ‪:‬‬

‫(ما ةعلتم ولكني جئت هبا يضال نقية)م ال أ و عااامر الراهااص‪( :‬الكااا أ أماتا اهلل طريااد يفا‬

‫يريب يفا وحيد يفا)م يعرض رسول اهلل ﷺم و تهم الكااذأم وأن اهلل عا وجاال ساايميت طريااد يفا‬

‫لكم ةكااان أ ااو عااامر الراهااص‬ ‫يريب يفا وحيد يفام ةقال ﷺ‪( :‬أجل)م ةمن كذأ ةعل اهلل تعاي‬

‫كذلك؛ ةإن ملا دار هذا احلوار ينهام وجد التفاعل من األنصار مااع رسااول اهلل ﷺم والتعاماال‬

‫مع ك عيم للمدينة املنورةم ةبعد أن رأى لك مل يستطع أن جيلااا ف املدينااة املنااورةم وخااره‬

‫منها وعاش ف مكة املكرمةم وسامه رسااول اهلل ﷺ‪ :‬ااا أيب عااامر الفاسااق اادويف ماان أيب عااامر‬

‫الراهص‪.‬‬

‫عاش أ و عامر الفاسق ف مكة املكرمة ثامن سنواهلل كاملةم بي أن جااال الفااتح اإلسااالمي ملكااة‬

‫املكرمة ف سنة ثامن من اهلجرةم ةهرأ من مكة واب بي الطاةفم ثم عدها قليل أساالم أهاال‬

‫الطاةف سنة تسع من اهلجرةم ةهرأ من الطاةف وعاش ف الشاام وهناك ماااهلل طريااد يفا يريبا يفا‬

‫وحيد يفام ةهو وأمثال من الناو الذين خرجوا من املدينة املنورة وعااددهم ضااعة عرشا رجااليفم‬

‫تركوا املدينة املنورة وهجروها بي يريها من البلدانم واسناد ماانهم العبااادم لكاان املجموعااة‬

‫الكربى من مرشكي األوو وار ره قيت عىل رشكها تعيش ف داخل املدينااة املنااورةم وعااىل‬

‫رأو هنول عبد اهلل ن أيب ا ن سلول الذي أصبح عد لك زعيم املناةقنيم هذا الرجاال كااان‬

‫‪362‬‬
‫زعيم ار رهم وكانت ل مكانة كبرية ف املدينة املنااورة عنااد أوسااها وخ رجهااا سااوالم وهااو‬

‫الوحيد الذي اجتمع علي األوو وار ره لكي ينصبوه ملك يفا عىل املدينةم و لااك بال اادوا‬

‫الرسول ﷺم وكانوا ينسجون ل اررز ليتوجوه كملك عىل املدينااة املنااورةم وهااو أول اجااتاما‬

‫للمدينة املنورة عىل رجل واحد بل رسااول اهلل ﷺم وةجااأة تاااريهلل األحااداأم و هاار أماار‬

‫الرسول ﷺم وآمن ستة من ار ره من بيلت م ثم اثنا عرش رج يف‬


‫ال ف يعة العقبااة األويم ثاام‬

‫ثالثة وسبعون رج يف‬


‫ال ف يعة العقبة الثانيةم كل هذا مل يعلم عبد اهلل ن أيب ا ن سلولم مع أنا‬

‫كان رةيا وةد املدينة للحج ف العاا الذي ايع ةي األنصار يعااة العقبااة الثانيااة عاااا ‪ 13‬ماان‬

‫البعثة النبويةم وكان و تها مرشك يفا؛ وكان وةد املدينة يضاام داخلا ‪ 300‬شا م ماان يثاارأم‬

‫منهم ‪ 75‬مسل يفام و ‪ 225‬مرشك يفام وألن كان زعيم الوةد كان يظن أن يعرف كل يشل عن الوةدم‬

‫وملا شك أهل ريش ف بسالا عض رجال الوةد ولقاةهم رسااول اهلل ﷺ نفااى لااك شاادةم‬

‫و ال‪ :‬لو حدأ هذا وستشارين ومي‪ .‬وف ر يع أول من العاا ‪ 14‬من البعثةم أي‪ :‬عااد ثالثااة‬

‫شهور أو ي يد لياليفم هاجر ﷺ بي املدينة املنورةم وصااار رةيسا يفا وزعااي يفام عااىل املدينااة املنااورةم‬

‫وهكذا استلم الرسول ﷺ ما كان سيستلم عبد اهلل ن أيب ا ن سلولم ةتحاارك احلقااد ف لبا‬

‫عىل الرسول ﷺ عىل أشد ما يكون‪ .‬ختيل مو ف عبد اهلل ن أيب ا ن سلولم ةقااد كااان ساايتوه‬

‫ملك يفا عىل املدينة ألول مرة ف تاريخ املدينة‬

‫مرشكي األعراأ والقباةل الكربى‬

‫كان الرسول ﷺ يبعث للمرشكني األعراأ عض من يدعوهم بي اإلسالام وكان يت ري أةراد‬

‫بيلتهمم ةمن أخطر القباةل التي كانت حول املدينة املنورة بيلة يفااارم أرساال بليهااا الرسااول‬

‫ﷺ أ ا ر الافاري ريض اهلل عن وأرضاهم ةأتى نصف أهلهام ودعا هلا ﷺ قول ‪( :‬يفار يفاار‬

‫‪363‬‬
‫اهلل هلا)م واستمرهلل ةيهم الدعوة دون أن ينتقلوا بي داخاال املدينااة املنااورةم كااانوا ف ديااارهمم‬

‫وكان النبي ﷺ يرسل بليهم من يعلمهم ويدعوهم بي اهلل ع وجل‪.‬‬

‫وف نفا الو ت أ رز النبي ﷺ لألعراأ وة املسلمني؛ حتى و يااان هاانول ااأن املهاااجرين‬

‫هاجروا ف حالة ضعف أو لة بي املدينة املنورةم ةياريون عىل املدينة املنورة طمع يفا ةيهام ةااأ هر‬

‫هلم وة كام سيظهر لنا عد لكم عندما كان يرسل ﷺ الرسايا حول املدينة املنورة‪.‬‬

‫أما املرشكون ف القباةل الكربى التي كانت حول املدينة املنورةم ةقد حاول ﷺ أن يعقد معهاام‬

‫عض املعاهداهللم كام عقد معاهدة مع بيلة جهينةم وهي بيلة كبرية ف ياارأ املدينااة املنااورةم‬

‫وكان هذا العقد ف منتهى األ ية؛ ألن يرأ املدينة املنورة هو طريق القواةل القرشية املارة من‬

‫مكة بي الشاام ةإ ا أمن ﷺ بيلة جهينة استطاعت اجليوش اإلسالمية عااد لااك التحاارك ف‬

‫أمان ف يرأ املدينةم و طع الطريق عىل واةل ريشم كام سيتبني عد لك‪ .‬كانت سياست مع‬

‫القباةل الكربى املحيطة املدينة املنورة حماولة عقد املعاهداهلل واألحالف در املستطاا‪.‬‬

‫تبقى مشكلة كبرية جد يفام أو وهي مشكلة مرشكي ريشم ةبعض الناو يظنون أن الرسول ﷺ‬

‫ب ا انتقل مساةة ‪ 500‬كيلو من عن مكة املكرمة ةإن مكة هدأ اهلام ومل يعد عندها مشااكلة مااع‬

‫املسلمنيم وأن ستهدأ األوضاام ولن ي ْطلص املسلمون ف هذه البقاا البعيدة عن مكة املكرمة‪.‬‬

‫ولكن هذا ليا صحيح يفام يقول ر نا سبحان وتعاي‪{ :‬وو ي الون يقاتلونك ْم حتَّى ير ُّدوك ْم ع ْن‬

‫استطاعوا} [البقرة‪]217:‬م ةال د أن املرشكني ف مكة سيسعون در املسااتطاا لاا و‬


‫دينك ْم بن ْ‬
‫املدينة املنورةم وبخراه املسلمني منهام وللتعاون والتحالف مااع أعاادال املساالمني هنااا وهناااك‬

‫وستئصال شأةتهم متام يفام وهذا ما حدأ الفعل و طرق خمتلفة كام سنرىم وهااذا الكااالا كلا‬

‫يثبت لنا حقيقة مهمة جد يفام وهي أن و خيار ف املعركةم حتى وبن بنص املسلمون املعركةم اال‬

‫‪364‬‬
‫و د أن حتدأ سنة التداةع التي رشعها رأ العاملني سبحان وتعاي ف خلق وأرضا وبي يااوا‬

‫القيامةم تداةع أهل احلق وأهل الباطلم حتى وبن كان أهل احلق و يريدون أهل الباطل سولم‬

‫و د أن يبحث أهل الباطل عنهم ليتم اللقال كام أراد رأ العاملني سبحان وتعاي للحاارأ ااني‬

‫احلق والباطل‪.‬‬

‫ةهذه طواةف خمتلفة تعامل معها ﷺم قيت لنا طاةفتان ف ياية األ ية‪:‬‬

‫الطاةفة األوي‪ :‬هي طاةفة املرشكني ف ريش‪.‬‬

‫والطاةفة الثانية‪ :‬طاةفة اليهود‪.‬‬

‫ةالتعامل مع هاتني الطاةفتني و د أن يوضع ف خلفية اآلية الكريمة املعج ةم التااي راام اهلل‬

‫ع وجل ةيها صة هاتني الطاةفتني مع أمة اإلسالام ال اهلل ع وجل ف بجياز معج يفرس لنااا‬

‫بسناتيجية هنول املرشكني واليهود ف تعاملهم مع املسلمنيم ال‪} :‬لتجد َّن أشدَّ النَّاو عداو يفة‬

‫ل َّلذين آمنوا ا ْليهود وا َّلذين أ ْرشكوا{ [املاةدة‪ ]82:‬ف ضول هذه اآليااة ساانفهم أةعااال مرشااكي‬

‫مكة وهيود املدينةم وسنفرس املوا ف التي حدثت معهام‪.‬‬

‫مرشكو أهل مكة وكيفية تعامل النبي ﷺ‬

‫ريش أكرب بيلة وأع بيلة عر يةم هلا تاريخ جميدم وليا من املعتاد ف اجل يرة العر ية أن تقف‬

‫بيلة ف مواجهتهام ل كل القباةل حترص عىل ب امة عال اهلل د لوماسية وية مااع ااريش؛ ألن‬

‫ريش يفا ترعى البيت احلراام وهتتم أمور احلجاه ف مكةم وهلااا مكانااة ف لااوأ العاارأ‪ .‬ةااإ ا‬

‫وضعت هذه ارلفية ف حتليلك ةال شك أن ريش يفا لن تسكت أ د يفا عاان الطعاان ارطااري الااذي‬

‫وجه األوو وار ره لكربياةهام عندما استضاةوا الرسول ﷺ وأصحا املنمنني‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫ةاملسألة أصبحت مسألة كرامة وعناد وكربيال عند ريش؛ حاول أكا ر ريش وزعامؤها شااتى‬

‫الطرق أن يقتلوا هذه الدعوة ف مهدهام لكنهم مل يستطيعوام وليا من السهل هلاانول األسااياد‬

‫أن يس ِّلموا اهل يمة‪.‬‬

‫و ريش هلا عال ة وية األوو وار رهم ةقد كان ينهم تعاون وحتالف وبااارة وبجااارةم اال‬

‫كان ينهم مصاهرة وزواهم ةأخوال الرسول ﷺ نفس كانوا من ني النجار ماان ارا رهم وو‬

‫شك أن هجرة الرسول ﷺ بي املدينة ستنثر سلب يفا عىل عال ة ريش اااألوو وارا رهم و ااد‬

‫يتلو لك آثار ا تصادية واجتامعية وسياسيةم وستكون هناك آثار كبرية ووخيمة عىل أهل مكةم‬

‫ةقريش تعرف أن الرسول ﷺ هص بي املدينة املنورة حيث يسكن اليهودم ولااو أساالم اليهااود‬

‫ةإن هذا سيضيف وة كبرية جد يفا بي وة املساالمني‪ .‬ةاااليهود لاادهيم سااالد وحصااون وعتاااد‬

‫وأةراد وأموالم و د تو ع القرشيون أن يسلم اليهود؛ و لك ألهنم أهل كتاأم يتحاادثون عاان‬

‫اإلل الواحدم ويتحدثون عن الرسل والكتص السامويةم ل بهنم يتحدثون عاان هااور نبااي ف‬

‫هذه الفنة من ال مانم ةال يستبعد أ د يفا بسالمهم كام ف حتليل ريش‪.‬‬

‫و اإلضاةة بي كل هذه العوامل ةإن املدينة املنورة تقع عىل طريق التجارة من مكااة املكرمااة بي‬

‫الشاام وأن وةود املسلمني ف هذه املنطقة كقوة ودولة سيهدد مصالح ااريش التجاريااة قااوةم‬

‫وسيرضأ ا تصاد مكة رض اهلل موجعةم ةمن املستحيل أن تنك ريش دولة اإلسااالا هكااذا‬

‫دون مقاومة‪.‬‬

‫من أجل لك كل كان من املتو ع أن ريش يفا لن تنسى صة الرسول ﷺ وهجرت للمدينةم مااع‬

‫أن صار عيد يفا عنها حوايل ‪ 500‬كيلو منم وهكذا تبقى الساانة اإلهليااة الواضااحة ف كتاااأ اهلل‬

‫الع ي سبحان وتعااايم ااال تعاااي‪{ :‬وو ي الاون يقااتلونك ْم ح َّتاى يار ُّدوك ْم عا ْن دياانك ْم بن‬

‫استطاعوا} [البقرة‪.]217:‬‬
‫ْ‬
‫‪366‬‬
‫الطرق التي است دمتها ريش ف التعامل مع النبي ﷺ وأصحا ف املدينة‬

‫اختارهلل ريش طريق العال اهلل الد لوماسية واملراسالهلل واملفاوضاهلل مع أهل املدينةم لكنهااا‬

‫كانت مفاوضاهلل حتمل هتديد يفا خطري يفا للمدينة املنورةم مل تكن ف صااورة عهااود ومواثيااق؛ اال‬

‫كانت ف صورة هتديد مبارش من القوة األوي ف اجل يرة العر ية لقوة األوو وار ره‪.‬‬

‫راسلت ريش زعيم املرشكني ف املدينة عبد اهلل ن أيب ا ن سلولم واستالت ريبة عبد اهلل اان‬

‫أيب ا ن سلول ف امللك والسيادةم وكراهيت لرسول اهلل ﷺم واستالت طبيعت اراةنااة التااي و‬

‫تقدر عىل املواجهةم ةأرسلت بلي وبي مرشكي املدينة صفة عامااة رسااالةم كرهااا أ ااو داود ف‬

‫سنن م تقول ريش لا عبد اهلل وأصحا ف هذه الرسااالة‪) :‬بنكاام آويااتم صاااحبنام وبنااا نقساام‬

‫الالهلل والع ى لتقتلن أو لت رجن م أو لنسرين بليكم أمجعنا حتى نقتل مقاااتلتكمم ونسااتبيح‬

‫راريكم(‪.‬‬

‫هتديد مبارش ملرشكي األوو وار ره إخراه الرسااول ﷺ أو قتلا م وجااال التهديااد مواةقا يفا‬

‫هلوى عبد اهلل ن أيب ا ن سلول؛ ولذلك ةقد أخذ رار يفا ف منتهى ارطورةم ب مجع املرشكني من‬

‫األوو وار ره و رر أن يقاتل املسلمني من األوو وار رهم وهكذا تناسى عبد اهلل اان أيب‬

‫ا ن سلول متام يفا عداله القديم مع األووم تناسى الثاراهلل العميقااة والاادمال التااي سااالت ااني‬

‫القبيلتني بل لكم مل يعد يذكر بو احلرأ العقاةدية اآلنم سيقاتل املسلمني من أ نال ارا رهم‬

‫وسيضع يده ف يد املرشكني من أ نال األووم ةقد يظن البعض أن هذا يريااصم لكنهااا حقيقااة‬

‫متكررة وسنة ثا تةم داة يفام جيتمع أهل الباطل عىل اخااتالف تصااوراهتم وعقاةاادهم وطاار هم ف‬

‫التفكري حلرأ املسلمني‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫ستجدون لك متكرر يفا ف صااة الرسااول ﷺم وف الفتااود اإلسااالمية ةتااود ةااارو والااروا‬

‫واألندلام وف احلروأ الصليبية وحروأ التتااارم وف احااتالل أورو ااا للعااامل اإلسااالمي ف‬

‫القرن التاسع عرش والعرشينم وستجدون اآلن ف أكثر من قعة من قاا العاملم وف أكثار ماان‬

‫نقطة من نقاط الرصاا ني املسلمني ويريهمم اتفاق اليهود مع النصارىم واتفاااق اليهااود مااع‬

‫اهلندووم واتفاق أمريكا مااع روساايام واتفاااق بنجلاانا مااع ةرنسااام واتفاااق الشاايوعيني مااع‬

‫الرأساملينيم ومع اوختالف البني هلذه املداروم بو أهنم يتفقون ويتجمعون ب ا كااان عاادوهم‬

‫اإلسالام ةاحلرأ عقاةدية ف املقاا األولم ال تعاي‪{ :‬و ُّدوا ل ْو تكْفرون كاام كفاروا ةتكوناون‬

‫سوا يفل} [النسال‪.]89:‬‬

‫ةجمع عبد اهلل ن أيب ا ن سلول املرشكني ماان األوو وارا ره حلاارأ املاانمنني ماان األوو‬

‫وار رهم وبمع كذلك املسلمون حلرأ املرشكنيم وادر حرأ أهلية خطريةم وةتنااة طاةفيااة‬

‫داخلية ستنشص ني املسلمني وطاةفة أخرى عااىل يااري دياانهمم تعاايش معهاام ف داخاال البلااد‬

‫الواحد‪ .‬حينها جال الرسول ﷺ وحاول در املستطاا أن يو ف الرصاا باال أن يباادأم وصاال‬

‫بليهم الفعل باال القتااالم لكنا و يسااتطيع هنااا أن يااذكر اجلنااة والنااار والعقياادة واملباااد‬

‫اإلسالمية؛ ألن هناك مرشكنيم ةااال يسااتطيع أن يقااول هلاام‪ :‬ااال اهلل و ااال الرسااولم ةأخااذ‬

‫ال مشاانك يفا ااني‬


‫الرسول ﷺ يرضأ عىل وترين ف منتهى األ يااةم و ااا وتااران يمااثالن عااام يف‬

‫الفريقني‪.‬‬

‫الوتر األول‪ :‬وتر التحدي وبثارة الن وة والع ة واإل الم وكل هااذه معا ت‬
‫اان يفت اار هبااا العاارأ‬

‫كلهمم سوال كانوا مسلمني أو مرشكنيم ال هلم‪( :‬لقد لغ وعيد ريش منكم املبالغم ما كاناات‬

‫ريش تكيدكم أكثر مما تريدون أن تكيدوا أنفسكم)م وهكذا حرك ةاايهم عنصاار التحاادي‬

‫‪368‬‬
‫لقريشم وأخذ يلفت األنظار بي مكيدة ريشم ويقول هلم‪ :‬لستم أنتم الذين ختاادعكم ااريش‬

‫مكيدة مكشوةة كهذه‪.‬‬

‫الوتر الثاين كان ف منتهى األ ية أيض يفا‪ :‬وتر الرحم والقبيلااة‪ .‬ااال هلاام‪( :‬ترياادون أن تقاااتلوا‬

‫أ نالكم وبخوانكم ) هل سيقتل األويس أوسي يفا هل سيقتل ار رجي خ رجي يفا هاال ساايقتل‬

‫اليثريب يثر ي يفا من نفا الوطنم ويعاايش نفااا الظااروف ويتعاارض لاانفا امل اااطر وهكااذا‬

‫كرهم مجيع يفا املواطنة ليثرأ‪.‬‬

‫ةلام سمع القوا هذا الكالا تفر وا مجيع يفا مسلمهم ومرشكهمم ةهذه حكمة نبويااة الاااة أهناات‬

‫الفتنة الطاةفية ف داخل البلد الواحد متام يفام وأشد الناو ةرح يفا هبذه الفتنة الطاةفيااة هاام أعاادال‬

‫األمةم ةطرف ينهي طرة يفا آخرم وطرف يقيض عىل طرف آخرم وهكذا كساارهلل شااوكة الدولااة‬

‫دون عنال من األعدالم وهذا الذي كانت تريده ريشم ةالقاةد احلكيم ﷺ منع لااك ا تاادارم‬

‫وعىل كل امل لصني هلذا الدين أن يستوعبوا هذا الدرو متام يفام ةام أكثر ما تثار الفتن الطاةفية ف‬

‫البالد اإلسالميةم وو بر عىل البلد بو الويالهلل والدمارم ل ما أكثر ما تثار الفتن ني املسلمني‬

‫واملسلمنيم مجاعة حتارأ مجاعةم أو سلطة حتارأ مجاعةم واجلميع ف مرتبة واحدةم و ااد رأينااا‬

‫لك ف ةلسطني والعراق واألردن ومرص وليبيا واجل اةاار وف يريهااا ويريهااام ةالرسااول ﷺ‬

‫يعلمنا كيف نتجنص الرصاا الداخيل كل وسيلةم‬

‫است داا ريش للحرأ النفسية عىل املسلمني‬

‫امت ريش احلرأ النفسية عىل املسلمني عد ةشلها ف بثارة الفتنااة ف املدينااة ااني املساالمني‬

‫واملرشكني أرسلت ريش رسالة بي املسلمنيم الت‪) :‬و يااارنكم أنكاام أةلتمونااا بي يثاارأم‬

‫‪369‬‬
‫سنأتيكم ةنستأصلكم ونبيد خرضالكم ف عقر داركم(‪ .‬هذا أسلوأ ديم وحديثم وما زلت‬

‫ريش تست دا التهديد والوعيد‪.‬‬

‫وهذا وبن كان هتمل أن من بيل احلرأ النفسية الو ية عىل املسلمنيم بو أن املسلمني أخذوه‬

‫مأخذ اجلد واوعتبارم ةالعقل و يمنع أن تا و ريش املدينة املنورةم أو أن ختطط لقتل الرسول‬

‫ﷺم ةقد حاولوا أن يقتلوه أكثر من مرةم وآخرها كانت املحاولة التي متت بل اهلجاارة قلياالم‬

‫وأرادوا أن يرض وا عنق ﷺ أر عني سيف يفا ف و ت واحد حتى يتفرق دم ني القباةل كام كانوا‬

‫يقولونم ورصدوا ملن يقتل أو يأرسه ماةة من اإل ل وهو مبلغ ض م جد يفام ةال يستبعد أ ااد يفا أن‬

‫ترصد ريش ماةة من اإل ل ملاان يتساالل بي داخاال املدينااة؛ ليقتاال الرسااول ﷺ؛ لااذلك ةااإن‬

‫الرسول ﷺ كان كثري يفا ما يبيت ساهر يفا حذر يفا من يدر ريشم وف يوا من األياا تعااص ﷺ ماان‬

‫ال صاحل يفا ماان‬


‫كثرة السهرم روى الب اري ومسلم‪ :‬أن السيدة عاةشة الت‪ :‬ال ﷺ‪( :‬ليت رج يف‬

‫أصحايب هرسني الليلةم الت‪ :‬ةبينام نحن كذلك سمعنا خش شة سااالدم ةقااال‪ :‬ماان هااذا‬

‫ةقال‪ :‬سعد ن أيب و اصم ةقال رسول اهلل ﷺ‪ :‬ما جال ك ال‪ :‬و ع ف نفيسا خااوف عااىل‬

‫رسول اهلل ﷺ ةجئت أحرس م ةدعا ل ﷺ ري ثم ناا)‪.‬‬

‫ال كان متأز يفمام وهذا األمر مل يكن عارضا يفام‬


‫هذا كان حال املسلمني ف املدينة املنورةم املو ف ةع يف‬

‫ل كان أمر يفا مستمر يفام مل تقف حراسة الرسول ﷺ بو عد أن عصم اهلل ع وجل ماان الناااوم‬

‫و لك ملا ن ل ول ر نا سبحان وتعاي‪{ :‬واهللَّ ي ْعصمك من النَّاو} [املاةدة‪ .]67:‬ملا ن لت هذه‬

‫اآلية أخره ﷺ رأس من القبة و ال‪( :‬يا أهيا الناو؛ انرصةوا عني ةقد عصمني اهلل ع وجل)‬

‫وأو ف ﷺ احلراسة ذلكم وهذه خاصية لرسول اهلل ﷺم ةال د لعموا القياااداهلل اإلسااالمية‬

‫أن حتمي نفسها من أعداةها كام أن هذا التهديد مل يكن خاص يفا الرسول ﷺ ةقطم ل كااان لكاال‬

‫‪370‬‬
‫املنمنني ف املدينة املنورةم وخاصة القياداهلل اإلسالميةم ونحن و ننسى أن ريش يفا رصدهلل ماةااة‬

‫من اإل ل ملن يأيت ا أيب كر الصديق ريض اهلل عن وأرضاه حي يفا أو ميت يفا‪.‬‬

‫يقول أيب ن كعص ريض اهلل عن ‪( :‬ملا دا رسااول اهلل ﷺ وأصااحا املدينااة وآوهتاام األنصااار‬

‫رمتهم العرأ عن وو واحدةم وكانوا و يبيتون بو السالدم وو يصبحون بو ةي ) ةايتيااال‬

‫ال عاماهلل اإلسالمية هدف ألعدال األمةم لكن هذا التهديد مل جيد مع املسلمني‪.‬‬

‫طع ريش للعال اهلل الد لوماسية مع املدينة املنورة‬

‫مل ينجح هتديد ريش وو وعيدهام ةقامت قطع العال اااهلل الد لوماسااية مااع املدينااة املنااورةم‬

‫وهددهلل منع أهل املدينة من زيارة البيت احلراام مع أن البياات احلااراا لاايا ملكا يفا لقااريشم‬

‫وأعراف اجل يرة العر ية و وانينها ل و وانني ريش نفسها تقيض أن الذي يريد البيت احلااراا‬

‫و د أن يعطى األمانم ل ويكرا وخيدا ويرعىم وكانت ريش تفت ر عىل يريها من القباةاال‬

‫أهنا تسقي احلجيج وتعمر املسجد احلراام ومع كل هذا تنكرهلل لكل لكم و ررهلل أن تنسااى‬

‫وانينها أو تتناساهام وتتعر د ف األرض كام هلو هلا‪.‬‬

‫روى الب اري رمح اهلل صة كر ةيها‪ :‬أن سعد ن معا ريض اهلل عن ساايد األوو انطلااق بي‬

‫مكة معتمر يفام ةن ل عىل أمية ن خلف ‪-‬كان صاحب ف اجلاهلية‪ -‬ةقال لا أمية‪( :‬انظر يل ساااعة‬

‫خلوة لعيل أطوف البيت)م ة ره أمية ن خلف و هص سعد ليطوفم ةلام طاف سااعد اان‬

‫معا البيت احلراا ا ل أ و جهلم ةقال أ و جهل خياطص أمية ن خلف ويتجاهل متاما يفا سااعد‬

‫ن معا مع أن يعرة ‪( :‬يا أ ا صفوان؛ من هذا معك ) ةقال‪( :‬هااذا سااعد)‪ .‬وكااان أ ااو جهاال‬

‫يعرف سعد يفا؛ ألن أمية ن خلف يقول‪ :‬هذا سعد دون تعريف كاملم ةلم يقل ل ‪ :‬هذا سعد ن‬

‫معا سيد األوو‪ .‬ةقال أ و جهاال خماطبا يفا سااعد يفا‪( :‬أو أراك تطااوف مكااة آمنا يفام و ااد آويااتم‬

‫‪371‬‬
‫الصباةم وزعمتم أنكم تنرصوهنم وتعينوهنم أما واهلل لوو أنك مع أيب صفوان ما رجعاات بي‬

‫أهلك سامل يفا)‪.‬‬

‫ةهذا هتديد خطريم وكأن أ ا جهل د ةقد صوا وحنكت م وةقااد كاال حكمتا ف التعاماال مااع‬

‫بيلة وية كقبيلة األوو أو ار رهم ةقال سعد ن معا راةع يفا صوت كااام ف روايااة الب اااريم‬

‫يرد علي قوة‪( :‬أما واهلل لئن منعتنااي هااذا ‪-‬أي‪ :‬لاائن منعتنااي ماان الطااواف البياات احلااراا‪-‬‬

‫ألمنعك مما هو أشد عليك من م طريقك عىل أهل املدينة)‪.‬‬

‫ةهذا مو ف جليل من الصحايب اجلليل سعد اان معااا ريض اهلل عنا وأرضاااه هتاااه منااا بي‬

‫و فةم ةالتذلل وارضوا وارنوا ل عامل الكفر و ادة الضالل وجبا رة األرض و ي ياادهم بو‬

‫كرب يفا ويطرسة و ل يفام وجور يفام أما الو وف هذه الو فة اجلادة احلاسمة ةال شك أن ي ل ل كياهنم‬

‫وهي أعصاهبمم ونحن نالحظ أن سعد ن معااا ريض اهلل عنا وأرضاااه كااان وا عيا يفا جااد يفا ف‬

‫هتديدهم ةلم هيدده قتل أو ا و مكة أو القدوا بي مكة للعمرة ري يفام عن أنف م ولكن هدده ااام‬

‫يملك‪ .‬هنا سعد ن معا مل يفقد مصدا ية كالم م ل كان كالم ف ياية التأثريم ةهااو ريض اهلل‬

‫عن وأرضاه يعرف مواطن القوة عنده وما يده ويعرف ما يضعف عدوه ويعرف مصالح مكةم‬

‫ةهذا مو ف رجويل يليق منمن‪.‬‬

‫د يقول اةل‪ :‬ملا ا رد سعد ن معا ريض اهلل عن الظة هكذا عىل أيب جهل ينام رد الرسول‬

‫ﷺ بل لك لطف ولني عىل عبد اهلل ن أيب ا ن سلول املرشك ار رجيم مع أن أيضا يفا أسااال‬

‫ل القول بل لك‬

‫اجلواأ‪ :‬وختالف الظرف واختالف املكان واختالف الش م املرشك الذي تم احلوار معا م‬

‫ةالرسول ﷺ كان يتحاور مع عبد اهلل اان أيب ا اان ساالول زعاايم املرشااكني ف يثاارأ و بيلتا‬

‫‪372‬‬
‫ار رهم وار ره مل تقف سد يفا منيع يفا أماا اإلسالا كام ةعلت ريشم ل عىل العكام ةإن عدد يفا‬

‫كبري يفا جد يفا من األنصار هم من بيلة ار رهم كام أن املرشكني من بيلة ار ره ام ةيهم عبد اهلل‬

‫ن أيب ن سلول مل يسمعوا عاان اإلسااالا بو منااذ ةاانة وجيا ةم ومل خيتلطااوا رسااول اهلل ﷺ‬

‫و املنمنني اختالط يفا كاةي يفا؛ ةلذلك الرسول ﷺ ينمل كثري يفا ف بسالمهمم ويعتقد أهنم طبيعااتهم‬

‫الر يقة املشهورة عن أهل املدينة سيميلون بي اإلسااالا عاااج يف‬


‫ال أو آجااليف؛ لااذلك هااو و يريااد‬

‫تصعيد املو ف مع بيلة ار رهم ل يريد امتالك القلوأ وب ناا العقولم وهااذا كلا يتطلااص‬

‫رةق يفا ف التعامل ولين يفا ف الكالا‪.‬‬

‫أما مو ف سعد ن معا ريض اهلل عن وأرضاه خمتلف متام يفام ةهو مو ف مااع واحااد ماان أكااا ر‬

‫جمرمي ريشم ل مع أعتى عتاهتا وأةجر ةجارهام مو ف مع ةرعون هذه األمةم و ث الرعااص‬

‫ف لب أمر مطلوأم وبشعاره القلق واوضطراأ واجص رشعاايم وبثااارة خوةا عااىل مالا‬

‫وسلطان عمل بسناتيجي للمسلمني‪ .‬وتاريخ أيب جهاال يشااري بي أنا لاان ياانمنم خاصااة أن‬

‫رسول اهلل ﷺ دعا علي بل لك و ال‪( :‬اللهم عليك ا أيب جهل)؛ لذلك ةإن سعد ن معااا‬

‫و ينمل ف بسالا أيب جهل و من ريص وو ماان عياادم ةكااان ااراره حاسا يفام ف لااكم وهااو‬

‫الو وف‬

‫التضييق او تصادي من ريش عىل املدينة املنورة‬

‫رأينا التعامل مع عض الرموز املرشكة ف داخل املدينااة املنااورةم ورأينااا احلاارأ النفسااية عااىل‬

‫املسلمني والتهديد والوعيدم ورأينا طع العال اهلل الد لوماسية مع املدينةم و لك ملا طااع أ ااو‬

‫جهل عال ات مع سعد ن معا وهاو ساايد األووم رأينااا تايااري القااوانني والتنكاار لألعااراف‬

‫ونكث العهودم ومنع املسلمني من الوصول بي مكة ل يفام و هر يفام هل اكتفت ريش هبااذا كلا‬

‫وم مل تكتف ذلكم ل دأهلل ف تنفيذ خطوة أخرىم وهي عمليااة التضااييق او تصااادي عااىل‬
‫‪373‬‬
‫املدينة املنورةم و لك التأثري عىل القباةل التي حول املدينة واملنورةم و اوتصال أيضا يفا اااليهود‬

‫الذين يعيشون ف داخل املدينة املنورة؛ ملنعهم من التعامل مع املسلمني‪.‬‬

‫استالت ريش ما هلا من نفو وعال اهلل القباةل امل تلفة؛ لتحارص املسلمني وتضيق علاايهمم‬

‫لكن هذه الوسيلة مع خطورهتا مل يكن هلا التأثري الكاف عااىل الدولااة اإلسااالمية؛ ألن الرسااول‬

‫ﷺ من أول يوا ن ل ةي املدينة املنورة د عمل ف حسا أن سيقا ل مثل هذه املعضاالةم وهااي‬

‫معضلة احلصار او تصادي من ريش للمدينة املنورة؛ لذلك خطط النبي ﷺ ختطيطا يفا ف يايااة‬

‫اإلهبار لل روه من األزمة او تصاديةم أدرك الرسول ﷺ من اللحظة األوي التي اادأ خيطااط‬

‫ةيها لبنال األمااة اإلسااالمية أن األمااة اإلسااالمية و يمكاان أن تبنااى بو عااىل أكتاااف أ ناةهااام‬

‫واو تصاد املسلم ب ا كان معتمد يفا عىل اآلخرين ةإن سيصبح ا تصاد يفا هش يفا ضعيف يفا و يمااة لا م‬

‫ةام الكم لو كان يعتمد عىل عدو أو يعتمد عىل هيود واملو ف عند هجاارة املساالمني للمدينااة‬

‫املنورة كان صعب يفا جد يفام واملدينة مل تكن ةقرية ةقطم ل بن ا تصادها بي درجة كبرية جد يفا كان ف‬

‫يد اليهودم ةسوق املدينة الرةيا هااو سااوق نااي ينقاااام ولعلا السااوق الوحيااد ف املدينااةم‬

‫والتجارة ف معظمها تتم ف داخل هذا السوقم حتااى بن كبااار التجااار ماان األنصااار كااانوا و‬

‫يتعاملون بو ف داخل هذا السوقم واألخطر من التجارة والسوق واملال هو املااالم واملااال كااان‬

‫أيض يفا ف يد اليهودم وكان أهل املدينة يشنون املال من األ يار التي يمتلكها اليهودم وأشهر هااذه‬

‫األ يار ئر رومة املشهور‪.‬‬

‫ةام ا لو حدأ اتفاق ني ريش واليهود وما ا لو منع اليهود بااارهتم عاان املساالمني ومنعااوا‬

‫مالهم عن املسلمني و شك أن هذا مو ف و هسد علي أحد؛ لذلك خطط الرسول ﷺ من‬

‫أول يوا لل روه من هذه األزمة منتهى املهارة والد ةم سطر لنا أصوويف أصبحت من الثوا ت‬

‫ف الترشيع اإلسالمي‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫تني خاصااتني‪ :‬األوي‪:‬‬ ‫والتفصيل هلذه الوساةل هتاااه بي و اات طوياال بن شااال اهلل ف حمااا‬

‫الرسول ﷺ وارروه من األزمة او تصاديةم والثانية‪ :‬الرسول ﷺ وعاله مشكلة الفقر‪.‬‬

‫لكن اآلن سنوج عض العناوين املهمة ف ارروه من األزمة او تصادية‪.‬‬

‫أوويف‪ :‬حرص الرسول ﷺ عىل توةري املال اململوك للدولة اإلسالميةم ةاملال ساالعة بسااناتيجيةم‬

‫ولن تقوا دولة ال مال؛ لااذلك روى أمحااد والنساااةي عاان األحنااف اان اايا ريض اهلل عنا‬

‫وأرضاه أن رسول اهلل ﷺ ال‪( :‬من يبتاا ئر رومة ويافر اهلل ل )م كان ئر رومة ملكا يفا ليهااودم‬

‫ةا تاعها عثامن ن عفان ريض اهلل عن م ثم هص بي رسول اهلل ﷺ و ااال لا ‪( :‬يااا رسااول اهلل؛‬

‫ا تعتها كذا وكذام ةقال ﷺ‪ :‬اجعلها سقاية للمسلمني وأجرها لكم ةقال‪ :‬اللهم نعم)‪.‬‬

‫بن عثامن ن عفان ريض اهلل عن وأرضاه ا تصادي بسالمي كبريم وج جهااده كلا لرشااال مااا‬

‫ينفع األمة ويفيدها دويف من التجارة ف يشل من الرةاهياهلل أو الكاملياهللم وهااذا كااان توجيا‬

‫من الرسول ﷺم يوجه لرشال السلع اإلسناتيجيةم ومن هذه السلع اإلسناتيجية املالم و ااد‬

‫تكون هذه السلعة شيئ يفا آخرم د تكون نوويف أو مح يفا أو طن يفا أو طا يفة نووية حسص الظروف‪.‬‬

‫هناك أمر ف ياية األ ية وهو أ ية الن ية اإليامنية ف نال األمااة اإلسااالميةم ةالرسااول ﷺ و‬

‫يملك شيئ يفا دنيوي يفا يعوض عثامن ن عفااان عاان املااال الااذي اشااناهم وو يتو ااع أن يشااني‬

‫املسلمون من لك املال ألهنم ةقرال؛ لذلك ةإن حف ه ام ف اآلخرةم ااال لا ‪( :‬ماان يبتاااا ئاار‬

‫رومة ويافر اهلل ل )م وف رواية‪( :‬ول اجلنة) ولو مل يكن بيااامن عااثامن اان عفااان ريض اهلل عنا‬

‫وأرضاه يقيني يفا ف اهلل ع وجل وف رسول الكريم ﷺ وف اجلنة والنار ملااا هااان عليا أن ياادةع‬

‫آوف الدراهم دون عاةد دنيويم ومل يكن هلذه املشكلة أ د يفا أن حتل دون تطااوا ماان ا تصااادي‬

‫مسلم يني يريص ف ثواأ اآلخرة؛ ألن يت مال املسلمني مل يكن ةيا مااالم لااذلك ك طااوة‬

‫‪375‬‬
‫أوي بل نال الدولة و د من اوطمئنان عىل بيامن وعقيدة اجلنودم الذين ستبنى عااىل أكتاااةهم‬

‫هذه الدولةم وهبذه ارطوة اجلص‬

‫است داا ريش الااراهلل عىل املدينة املنورة‬

‫كل هذه املحاووهلل الفاشلة من ريش وستئصال خرضال املسلمني مل متنع ريش يفا من اسااتمرار‬

‫املحاولة والكيد والتد ري‪ .‬ملا و ت ريش هذه الصال ة ف املقاومااة؛ وهااذه العبقريااة ف األدال‬

‫اإلسالميم وهذه اوحناسية الد يقة ف نال األممم مل بد أمامها بو أن تست دا سالد البطش‬

‫والقوة التي اعتادهلل علي بل لكم والذي اعتاد علي عموا اجلبا رة واملجرمني واملتكربين ف‬

‫يفة خاطف يفة لعلهم يقتلون رجا يف‬


‫ال‬ ‫األرضم ررهلل القياا اارة ليلية مبايتة عىل املدينة املنورةم‬

‫أو ينهبون ماويفم أو يروعون امرأة أو طف يف‬


‫ال أو شي يفا‪.‬‬

‫هذه الاارة كانت عد حوايل سنة تقريب يفا من هجرة الرسول ﷺم وكانت قيادة أحد املشاركنيم‬

‫كان اسم كرز ن جا ر الفهريم والذي أسلم عااد لااك ريض اهلل عنا وأرضاااه وصااار ماان‬

‫الصحا ةم أيار عىل املدينة لياليفم ورسق عض يفا من ماشيتها ب ل وينم و قرم وخره الرسول ﷺ‬

‫ف بثره حتى يرجع املاشيةم لكن أةلت كرز ام هنصم وهنا تبني لنا حماووهلل ريش‪.‬‬

‫كانت هذه هي حماووهلل ريش للصااد عاان ساابيل اهللم وكاناات هااذه حماااووهلل بيلااة كااربى‬

‫وستئصال جذور حركة بسالمية ما زالت ناشئة ف طور البنااالم وألن ريشا يفا القبيلااة الكااربى‬

‫تعلم أن هذه احلركة اإلسالمية البسيطة متتلك مقوماهلل نال دولة عظمىم ةإهنا سااارعت هلاادا‬

‫البنال ف أول مراحل م حتى و تاامر نك هذا البنال ينمو ثم يبتلعها عد لك‪.‬‬

‫ةعلت لك ريشم وكذلك تفعل الدول الكربى اآلنم وما زال املسلمون يتعجبون‪ :‬ملا ا دولة‬

‫عمال ة ض مة هتتم أمر جمموعة من املسلمني البسطال الفقرال الذين يعيشون عىل قعة ااد و‬

‫‪376‬‬
‫ترى عىل خريطة العامل والرس أهنم يقرلون التاريخم أعداؤنا يقرلون التاريخ ونحن نافل عن‬

‫رالت كثري يفام رأ أعداؤنا كثري يفا ف التاريخ منذ عهااد الرسااول ﷺ بي زماننااا هااذام وعلمااوا أن‬

‫املجموعة القليلة من املسلمني ب ا عاشت رشا اهلل ع وجلم وطبقت وانني اإلسااالا ف كاال‬

‫صارية وكبرية من حياهتام ةإهنا ما تلبث أن تنمو وتقوىم ثم متكن ف األرضم ويصبح متكينهااا‬

‫ف األرض خارج يفا عن حدود اوستئصالم ل وتصاابح وهتااا يااري ا لااة لله يمااة مااا داماات‬

‫مستمسكة قانوهنا دون حتريف أو تبديل أو تكاسل أو ب الم وهذا األماار تكاارر ف التاااريخم‬

‫وو زال يتكرر بي اآلن‪.‬‬

‫أ كر لكم مشكلة تنر ني كثري يفام هذه املشكلة مشكلة السودانم ةالسودان أعلنت أهنااا سااتطبق‬

‫رشا اهلل ع وجل عىل عض الووياهلل السودانيةم ليا تطبيق يفا كام يف‬
‫ال ف كل السودانم ومااع أن‬

‫هذا التطبيق تطبيق ج ةي وليا كلي يفام بو أن الدنيا امت ومل تقعدم لقد هرهلل كلمة اإلسااالا‬

‫ف السودانم وهذا ف عرف الكاةرين أمر خطريم وحتركت وى عظمى ودول كربى ملنااع هااذا‬

‫البلد من تطبيق رشا ر سبحان وتعاي‪.‬‬

‫يتعجص املرا بون ملا ا دولة عمال ة مثل‪ :‬أمريكام أو دول متقدمة مثل‪ :‬دول أورو ا الار يااة أو‬

‫اإلسكندناةية أو دولة وية كإرساةيل هتتم شأن هذا البلد الفقري البسيط الذي يصارا رضاااوة‬

‫من أجل احلياة ! ةاملجاعاهلل ف السودان تقتل اآلوف املنلفةم ةلااام ا هااذا الا خم اإلعالمااي‬

‫هاارهلل كلمااة اإلسااالا ف السااودانم‬ ‫الكبريم وهذا التف يم والتض يم ألمر ضية السودان‬

‫ولو در هلذا البلد أن ينمو ةقد ياري من خريطة العاااملم و ياااري ةقااط اإلمكاناااهلل او تصااادية‬

‫املتو عة وو البنول وو امل ارام لكن يرةع من شأن البرش الذين هملون اإلسااالا ف لااوهبم؛‬

‫لذلك ةإن عموا أعدال األمة أدركوا هذا األمر جيد يفا ولألسف مل يدرك الكثري من املسلمني‪.‬‬

‫‪377‬‬
‫ما ا ةعلوا مع السودان الفقري ةعلوا نفا السيناريو الذي ةعلت ااريش القبيلااة العظمااى مااع‬

‫دولة املدينة املنورة الناشئةم ةقد اموا مراسالهلل لاابعض اونفصاااليني خاصااة ماان أصااحاأ‬

‫الدياناهلل األخرى؛ للقضال عىل احلركة اإلسالمية ف مهدهام ويا حبذا لو أثريهلل ةتن طاةفية ف‬

‫أرجال البالدم وهذا كفعل ريش ف مراسلتها مع عبد اهلل ن أيب ا ن سلول م وكلكم ترون هذا‬

‫األمر عىل الشاشاهلل الفضاةية‪.‬‬

‫ثاني يفا‪ :‬اموا احلرأ النفسية عىل املسلمني ف السودانم عن طريق التهديد والوعيااد املسااتمر ف‬

‫وساةل اإلعالا وعرب السفاراهلل واألعوان والوسطال‪.‬‬

‫ثالث يفا‪ :‬طع الدول الكربى لعال اهتا الد لوماسية مع السودانم و ذلك انفصلت السااودان عاان‬

‫الوا ع الذي تعيش ةي م وهذا يشل خطري‪.‬‬

‫را ع يفا‪ :‬تايري القوانني والتنكر لألعااراف الدوليااةم وتكااوين األحااالف التااي ينكرهااا القااانون‬

‫الدويلم هذه األحالف تقوا التأثري عىل الدول الضعيفة؛ ألجل أخذ رار يرض مصلحة دولااة‬

‫أخرىم وهذا يكون عن طريق مال أو عن طريق ضاط عسكري أو عن طريق ضاط ساايايسم‬

‫ال ضد السودانم ةقد ضاطت عىل دول كثرية جد يفا حتى متنع السااودان‬
‫وأمريكا ةعلت لك ةع يف‬

‫من احلصول عىل مقعد بةريقيا ف جملا األماانم وأعطااوا هااذا املقعااد لدولااة أخاارىم مااع أن‬

‫التصويت عىل املستوى اإلةريقي كان لصالح السودان‪.‬‬

‫خامس يفا‪ :‬احلصار او تصادي والضاط عىل الشعص بي املوهللم وما أحداأ دارةور منا بعيد‪.‬‬

‫سادس يفا‪ :‬الااراهلل املفاجئة الاادرة و عىل جيش وو عىل كتيبةم ولكن عىل اآلمننيم مثل ما ةعاال‬

‫كرز ن جا ر الفهري ف حر ضد املاانمنني ف املدينااة املنااورةم ةعلاات أمريكااا كااذلك عناادما‬

‫ت مصنع األدوية ف السوادن حجة أن ينتج أسلحة كيامةية‪.‬‬

‫‪378‬‬
‫هذه صورة من صور حرأ الباطل مع أهل احلق داة يفامم ولن خيااره املساالمون ف السااودان وف‬

‫عموا األمة اإلسالمية من أزمتهم بو دراسة متأنية للسرية النبويةم واوتباا الد يق لكل ةعاال‬

‫و ول لرسول اهلل ﷺم كام ال ﷺ‪( :‬لقد تركت ةيكم ما بن متسكتم لن تضلوا عاادي أ ااد يفا‪:‬‬

‫كتاأ اهللم وسنتي)م ورأينا كيف أن الرسول ﷺ أخذ خطواهلل عملية حمكمة لل روه من هذه‬

‫األزمة وهذا احلصارم وهذا املكر والكيد املستمر من أعدال األمةم هذا كااان رد ةعاال الرسااول‬

‫ﷺ ف التعامل مع الطاةفة ارطريةم طاةفة املرشكني من أهل مكة‪.‬‬

‫هناك طاةفة أخرى خطرية جد يفا لعلها أخطر من طاةفة املرشكني وهي طاةفة اليهودم واملوضااوا‬

‫مع احلياة متشعص جد يفام وهلا خلفياهلل كثريةم وهلا أ عاد كثاارية وعميقااة ف حياااة الرسااول ﷺم‬

‫سوال ملا كان ف ةنة مكة أو عد اهلجرة أو ف أواسط وأواخر الفنة املدنية‪.‬‬

‫‪379‬‬
380
‫‪18‬‬

‫اليهود والدولة اإلسالمية‬

‫حتدثنا عن الظروف التي بدأ فيها ﷺ إنشاء دولته‪ ،‬وحتدثنا عن عالقته مععا الائا ععخ افةت ع‬

‫التي عارصت هذا القيام‪ ،‬سئاء كانئا مس مني من أوس وخزرج ومهاجرين وغريهم‪ ،‬أو كانئا‬

‫مرشكني‪.‬و حتدثنا عن مرشكي قريش ك ار مك ‪ ،‬وكيخ كادوا ألم اإلسالم‪ ،‬وكيخ خععرج ﷺ‬

‫من األزم بنجاح‪ ،‬وبتدبري متقن معروف وبةائات ثابت ‪ ،‬وترك لنا ترشيع ًا يستايا افس مئن‬

‫أن خيرجئا به من كل أزم مشاهب ‪.‬‬

‫اليئم حديثنا عن أمر يف غاي األمهي واخلائرة‪ ،‬وهئ مئقععخ الرسععئ ﷺ مععن اليهععئد الععذين‬

‫كانئا يف داخل افدين ‪ ،‬تع مئن أنه يف داخل افدين تعيش ثالث قبا ل كربى ل يهئد‪ :‬بنئ قينقاع‪،‬‬

‫وبنئ النضري‪ ،‬وبنئ قريظ ‪ ،‬ويف شام افدين افنئرة ووادي القرى تعيش جممئع ضةم أخرى‬

‫من اليهئد متجمع أساس ًا يف مناق خيرب‪ ،‬كيخ تعامل ﷺ ما هذه الائا خ والقبا ل افةت‬

‫من اليهئد؟‬

‫طبيع اليهئد وكي ي تعام هم ما افس مني‬

‫حتى نعرف تعامل الرسئ ﷺ ما اليهئد البد أن نأخذ خ ي عن طبيع اليهئد‪ ،‬وخ ي عععن‬

‫إسرتاتيجي اليهئد يف التعامل ما افس مني‪ ،‬م ةص تعامل اليهئد ما افس مني مذكئر يف قععئ‬

‫‪381‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اهلل عز وجل‪َ { :‬لت َِجدَ َّن َأ َشدَّ الن ِ‬
‫َّاس عَدَ َاو ًة ل َّ ذي َن آ َمنُئا ا ْل َي ُهئ َد َوا َّلذي َن َأ ْ َ‬
‫ْش ُكعئا} [افا ععدة‪،]82:‬‬

‫رأينا يف الدرس افايض افكا د وافؤامرات من قريش الكافرة يف حرهبا ضععد رسععئ اهلل ﷺ إال‬

‫أن حرب اليهئد أشد‪ ،‬وعداوة اليهئد أشد‪ ،‬ومكر اليهئد أشد؛ ولذلك بععدأ هبععم رب العععافني‬

‫َّاس عَدَ َاو ًة لِ َّ ِذي َن آ َمنُئا ا ْل َي ُهئ َد} [افا دة‪.]82:‬‬


‫سبحانه وتعاىل يف قئله‪َ { :‬لت َِجدَ َّن َأ َشدَّ الن ِ‬

‫لنر طريق تعامل افنهج اإلسالمي ما اليهئد‪ ،‬وطريق تناو الترشيا اإلسالمي لقضي اليهئد‪.‬‬

‫قبل أن هياجر الرسئ ﷺ من مك إىل افدين كان هناك إعداد ن يس ومعنععئي ل اععحاب ؛ مععن‬

‫أجل أن يعرفئا إىل أين سيذهبئن بعد ذلك‪ ،‬مععا أنععه مععدة فععرتة مكع ل يع ععم افسع مئن أ ععم‬

‫سريح ئن وهياجرون إىل افدين افنئرة‪ ،‬حيث جتمعات اليهئد الكبرية‪ ،‬لكن هذا إعجاز ظععاهر‬

‫يف كتاب رب العافني سبحانه وتعاىل‪ ،‬فكثري من اآليات القرآني ذكععرت اليهععئد يف فععرتة مكع ‪،‬‬

‫واآليات افكي التي حتدثت عن اليهئد وعن بني إرسا يل أكثر من أن حتاععى‪ ،‬إن هععذا افععنهج‬

‫مجيل نريد أن نقخ عنده وق ‪ ،‬فنقئ ‪ :‬إن ربنا سبحانه وتعاىل كان يئسا األفق عند افسع مني‪،‬‬

‫فقبل أن تعرف أنك ست تقي ما اليهئد‪ ،‬وقبل أن تعرف أنه سيكئن لك دول يف مكان ما‪ ،‬فع ن‬

‫اهلل سبحانه وتعاىل يئسا لك األفععق‪ ،‬ويعرفععك بععام هععئ مئجععئد يف األرآ اآلن‪ ،‬جتععد آيععات‬

‫يستغرهبا افح ل هلا‪ ،‬إال أن ي قه افنهج اإلسالمي الرفيا الذي أوحى به رب العععافني سععبحانه‬

‫وتعاىل إىل نبيه الكريم ﷺ‪.‬‬

‫جتد مث ً‬
‫ال آيات يف القرآن افكي عن الروم‪ ،‬وآيات يف القرآن افكي عن اليهئد‪ ،‬جتد الرسععئ ﷺ‬

‫خيرب الاحاب عن م ئك العجم‪ ،‬خيربهم عن قيرص وكرسى وافقئقس‪ ،‬يعرف زعععامء العععال يف‬

‫زمانه‪ ،‬ما أن افس مني يف فرتة مك كانئا مضاهدين ومرشدين وليست هلم دولع وال شععئك ‪،‬‬

‫وكانئا مأمئرين ريض اهلل عنهم أمجعني يف فرتة مك افكرم بالكخ عععن افرشععكني‪ ،‬واحتامليع‬

‫قيام دول كانت بعيد ًة جد ًا يف احلسابات افادي ‪ ،‬وما ذلك ف ن رب العافني سبحانه وتعاىل كان‬
‫‪382‬‬
‫يع مهم كيخ يدور العال حئهلم‪ ،‬وهذا مععنهج حيععاة البععد أن نأخععذ بععه‪ ،‬ال نقععئ ‪ :‬إننععا دولع‬

‫إسالمي بسيا أو جممئع من اف تععزمني البسععااء الق ع ‪ ،‬ال داعععي إىل معرفع أحععئا العععال‪،‬‬

‫وحقيق أنك حتزن جد ًا عندما جتد شباب ًا كثريين ال يعرفئن عن أحئا الدنيا شععيً ًا‪ ،‬ال يعرفععئن‬

‫ما الذي حيال يف ف ساني‪ ،‬ومععا الععذي حياععل يف الشيشععان‪ ،‬ومععا الععذي حياععل يف كشععمري‪،‬‬

‫والعراق‪ ،‬والسئدان‪ ،‬وما الذي حيال بني اهلنععد وباكسععتان‪ ،‬ومععا الععذي حياععل بععني أمريكععا‬

‫وروسيا‪ ،‬وما الذي حيال بني أمريكا والاني‪ ،‬فالعالقات الدولي الكثععرية افعقععدة افتشععابك‬

‫التي حئ افس مني البد أن ي قهها افس مئن؛ ألنه سيأيت يئم من األيععام يسععت يدون مععن هععذه‬

‫األمئر‪ ،‬فتظهر قئى وتندثر أخرى‪ ،‬وقد يؤثر ذلك س ب ًا أو إجياب ًا عىل افس مني‪.‬‬

‫حتدث القرآن افكي كثري ًا عن بني إرسا يل‪ ،‬قبل أن يعرف افس مئن أ م سععيذهبئن إىل افدينع‬

‫افنئرة‪ ،‬وقد ترك القرآن افكي اناباعات إجيابي كثرية عععن اليهععئد‪ ،‬وهععذا الغععرآ معععروف‪،‬‬

‫وسنتك م عنه بعد ق يل‪ .‬كان يتحدث القرآن افكي عن بني إرسا يل دا ًام ب ظ بني إرسا يل‪ ،‬ل‬

‫يذكر ك م اليهئد أبد ًا؛ ألن ك م اليهئد استحدثت بعد ذلك يف بنععي إرسا يععل‪ ،‬جععاءت هععذه‬

‫الك م بعد أن خال ئا كثري ًا‪ ،‬لكن يف ال رتة التي كانت قبل افةال ‪ ،‬وكانئا فيها أتباعع ًا فئسععى‬

‫ع يه السالم ومن بعععده مععن األنبيععاء‪ ،‬كععان يا ععق ع ععيهم يف القععرآن الكععريم‪ :‬بنععئ إرسا يععل‪.‬‬

‫وإرسا يل هئ نبي اهلل يعقئب ع يه السالم‪ ،‬فنسب هؤالء إىل نبععي تعاععي هلععم ترشععي ًا وتكععري ًام‬

‫وتعظي ًام‪ ،‬فرتفا قيم بني إرسا يل يف ق ئب افس مني‪.‬‬

‫أيض ًا تكررت ك م (أهل الكتاب) ثالثني مرة يف القرآن كامالً‪ ،‬منها آي واحدة فقط يف القععرآن‬

‫اب إِ َّال ِبععا َّلتِي ِهعع َي َأ ْح َسعع ُن}‬


‫اد ُلئا َأ ْهعع َل ا ْل ِك َتعع ِ‬
‫افكععي‪ ،‬وجععاءت يف قئلععه تعععاىل‪{ :‬وال ُ َجتعع ِ‬
‫َ‬
‫[العنكبئت‪ ،]46:‬ف ظ ‪( :‬أهل الكتاب) تضم اليهئد والناارى‪ ،‬وجاء فيها األمر بافةاطبع‬

‫بالتي هي أحسن‪.‬‬

‫‪383‬‬
‫وحتدث رب العافني سبحانه وتعاىل يف كثري من اآليات عن مئسى ع يه السععالم‪ ،‬وتكععرر ذكععر‬

‫مئسى ع يه السالم يف القرآن ‪ 136‬مرة‪ ،‬منها ‪ 122‬مرة يف القرآن افكي‪ ،‬تركيز وتكثيععخ كبععري‬

‫جد ًا عىل قا مئسى ع يه السالم‪ ،‬ومعظم قا مئسى ما فرعئن‪ ،‬وليس عن خمال ععات بنععي‬

‫إرسا يل الكثرية‪ ،‬وإن كان هذا مئجئد ًا‪.‬‬

‫إمجاالً‪ :‬ذكر رب العافني سبحانه وتعاىل أنه أعاى بني إرسا يل كثري ًا وكثري ًا‪ ،‬حتى قا سععبحانه‬

‫َاه ْم َع َىل ِع ْ ٍم َع َىل ا ْل َعافَِ َ‬


‫ني} [الدخان‪ ،]32:‬وهنعاك آيععات‬ ‫رتن ُ‬ ‫وتعاىل يف القرآن افكي‪َ { :‬و َل َق ِد ْ‬
‫اخ َ ْ‬
‫كثرية تشبه هذا افعنى‪ ،‬وذكر ما فع ه الرسععئ ﷺ مععا اليهععئد لتععأليخ ق ععئهبم عنععدما دخععل‬

‫الرسئ ﷺ افدين حاو أن يرقععق ق ععئب اليهععئد‪ ،‬وأراد إشعععارهم بععأ م فريععق واحععد مععن‬

‫افؤمنني‪ ،‬فعمل شيًني بئحي من رب العافني سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫األمر األو ‪ :‬هئ اجتاه القب ناحي بيت افقدس‪ ،‬ثبت يف البةععاري ومسع م أن الرسععئ ع يععه‬

‫السالم تئجه إىل بيت افقدس سبع عرش شهر ًا من بداي دخئله افدين حتى قبيل بدر بق يل كام‬

‫سنرى إن شاء اهلل يف األحداث‪ ،‬وهذه القب الئاحدة تعايهم اناباع ًا واضح ًا أ م فريق واحد‬

‫يتجهئن إىل قب واحدة‪ ،‬فنحن وهم نعبد إهل ًا واحد ًا‪ ،‬ونؤمن باألنبياء السععابقني مجيعع ًا‪ .‬بقيععت‬

‫جز ي واحدة فقط‪ ،‬وهي أن اليهععئد يؤمنععئن برسععئ اهلل ﷺ‪ ،‬الععذي هععئ مععذكئر عنععدهم يف‬

‫الكتب افقدس السيام التئراة واإلنجيل‪ ،‬وعندهم عالمات وبشارات كثرية تؤكد أنه هئ النبي‬

‫اخلاتم ﷺ‪.‬‬

‫األمر الثاين‪ :‬صيام يئم عاشئر ًا‪ .‬فععا دخععل الرسععئ ﷺ افدينع وجععد اليهععئد ياععئمئن يععئم‬

‫عاشئراء‪ ،‬فقا هلم رسئ اهلل ﷺ‪( :‬ما هذا اليئم الذي تائمئنه؟ قالئا‪ :‬هذا يئم عظيم أنجى‬

‫اهلل فيه مئسى وقئمه‪ ،‬وأغرق فرعئن وقئمه‪ ،‬فاامه مئسى شكر ًا‪ ،‬فنحن نائمه‪ ،‬فقععا ﷺ‪:‬‬

‫فنحن أحق وأوىل بمئسى منكم‪ ،‬فاامه ﷺ‪ ،‬وأمععر افسع مني باععيامه) فافسع مئن واليهععئد‬
‫‪384‬‬
‫يائمئن يئم ًا واحد ًا يف السن ‪ ،‬وهذا اليئم فيه تعظيم فئسععى ع يععه السععالم‪ ،‬بععل وتق يععد لععه‪،‬‬

‫فالرسئ ﷺ وهئ النبي اخلاتم وأتباعه افؤمنئن يق دون مئسى ع يععه السععالم يف صععيامه هلععذا‬

‫اليئم الذي نجاه اهلل عز وجل فيه‪ ،‬فكل هذا تقريب ل ق ئب‪ ،‬وحماول الكتساب ق ئب اليهئد‪،‬‬

‫فنحن لسنا أعداء ل يهئد‪ ،‬فك نا نعبد إهل ًا واحد ًا‪.‬‬

‫قا إسالم عبد اهلل بن سالم ومئقخ هيئد بني قينقاع من إسالمه‬

‫بدأ ﷺ يف دعئته ل يهئد‪ ،‬ومجا اليهئد مرة ومرتني وثالث ًا‪ ،‬كان جيما القبا ل بعضها ما بعع‬

‫أحيان ًا‪ ،‬وأحيان ًا خياطب األفراد ﷺ‪ .‬وجاء إليه أناس من بني قينقاع ومن بني النضري ومن بنععي‬

‫قريظ ‪ ،‬وأو من جاء إليه عبد اهلل بن سالم ريض اهلل عنععه وأرضععاه‪ ،‬كععان اسععمه احلاعني بععن‬

‫سالم ريض اهلل عنه قبل أن يس م‪ ،‬وسامه الرسئ ﷺ عبد اهلل وهئ من بنععي قينقععاع‪ ،‬فععا سععما‬

‫بقدوم الرسئ ﷺ إىل افدين افنئرة أراد أن خيتربه ليعرف أهئ الرسععئ افععذكئر يف التععئراة أو‬

‫غريه؟ فذهب إليه وقا له‪( :‬إين سا ك عن ثالث ال يع مهن إال نبي‪ :‬ما أو أْشاط الساع ؟‬

‫ء ينععزع إىل‬ ‫ء ينععزع الئلععد إىل أبيععه؟ ومععن أي‬ ‫وما أو طعام يأك ه أهل اجلن ؟ ومععن أي‬

‫أخئاله؟) فقا رسئ اهلل ﷺ‪( :‬أما أو أْشاط الساع ‪ :‬فنار حتشععر النععاس مععن افشععرق إىل‬

‫افغرب‪ ،‬وأما أو طعام يأك ه أهل اجلن فزيادة كبد احلئت‪ ،‬وأما الشبه يف الئلععد‪ ،‬فع ن الرجععل‬

‫إذا غيش افرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له‪ ،‬وإذا سبقت كان الشبه هلا‪ ،‬قا ‪ :‬أشععهد أنععك رسععئ‬

‫اهلل)‪ ،‬ثم قا ‪ (:‬يا رسئ اهلل‪ ،‬إن اليهئد قئم ُهبت‪ ،‬ف ن ع مئا ب سالمي قبععل أن تسععأهلم هبتععئين‬

‫عندك) أي‪ :‬يكذبئنني‪ ،‬يقئلئن‪ :‬أنت تقئ كالم ًا ليس مئجئد ًا يف التععئراة‪ ،‬فجععاءت اليهععئد‪،‬‬

‫ودخل عبد اهلل البيت ‪-‬أي اختبأ داخل البيت‪ -‬فقا ﷺ‪( :‬أي رجل فيكم عبد اهلل بن سالم؟)‬

‫قالئا‪( :‬أع منا وابن أع منا‪ ،‬وأخرينا وابن أخرينا‪ ،‬وسيدنا وابن سيدنا)‪ ،‬فقا ﷺ‪( :‬أفرأيتم إن‬

‫أس م عبد اهلل؟) قالئا‪ :‬أعاذه اهلل من ذلك‪ ،‬فأعاد ع يهم ذلك مرار ًا‪ ،‬فقالئا مثل ذلععك‪ .‬فةععرج‬

‫‪385‬‬
‫عبد اهلل إليهم‪ ،‬فقا ‪( :‬أشهد أن ال إلععه إال اهلل‪ ،‬وأشععهد أن حممععد ًا رسععئ اهلل)‪ ،‬فقععا اليهععئد‪:‬‬

‫(ْشنا وابن ْشنا‪ ،‬ووقعئا فيه)‪.‬‬

‫ويف رواي ‪( :‬أن عبد اهلل بن سالم ريض اهلل عنه وأرضاه قا هلم‪ :‬يا معشعر اليهععئد؛ (اتقععئا اهلل‪،‬‬

‫فئالذي ال إله إال هئ إنكم لتع مئن أنه رسئ اهلل جاء بحق)‪ ،‬قالئا‪( :‬كذبت‪ ،‬فععأخرجهم ﷺ)‬

‫وهنا وضحت الرؤي متام ًا أمام الرسئ ﷺ‪ ،‬فاليهئد ك هم يعرفععئن متععام افعرفع أنععه رسععئ ‪،‬‬

‫وما ذلك ينكرون‪.‬‬

‫أس م عبد اهلل بن سالم ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وأس م بعد ذلك جممئع ق ي جد ًا من اليهععئد‪،‬‬

‫أما عمئم اليهئد فقد ظ ئا عىل ك رهم‪ .‬هذا كان مئقخ بني قينقاع‪.‬‬

‫مئقخ بني النضري وبني قريظ من رسال حممد ﷺ‬

‫كان من بني النضري ُح َيي بن أخاب وهئ مشهئر‪ ،‬وأخئه أبئ يارس بن أخاععب‪ ،‬وبنععئ النضععري‬

‫حل َق َيق وسالم بن ِمشععكم‪،‬‬


‫قبي قئي جد ًا‪ ،‬فيها الكثري من أْشاف اليهئد‪ ،‬منهم‪ :‬سالم بن أيب ا ُ‬
‫وكعب بن األْشف‪.‬‬

‫حتكي أم افؤمنني السيدة ص ي بنت حيي بن أخاب ريض اهلل عنها وأرضاها قا قدوم حيععي‬

‫بن أخاب إىل رسئ اهلل ﷺ‪ ،‬فتقئ ‪( :‬إن حيي بن أخاب وعمها أبا يارس بن أخاب ذهبا إىل‬

‫الرسئ ﷺ يف الاباح)‪ .‬تقئ ‪( :‬ف م يرجعا حتى كانا ما غععروب الشععمس)‪ ،‬قالععت‪( :‬فأتيععا‬

‫كالني ‪-‬كسالنني‪ -‬يمشيان اهلئينا‪ ،‬فهششت إليهام كام كنت أصنا‪ ،‬فئاهلل مععا الت ععت إح واحععد‬

‫منهام ما ما هبام من الغم‪ ،‬وسمعت عمي أبا يارس وهئ يقئ أليب حيي بن أخاب‪ :‬أهئ هععئ؟)‬

‫أي‪ :‬يا ترى أهئ الرسئ الذي جاء يف التئراة؟ قا ‪( :‬نعم‪ .‬واهلل هئ)‪ ،‬قععا ‪( :‬أتعرفععه وتثبتععه؟)‬

‫قا ‪( :‬نعم)‪ .‬قا ‪( :‬فام يف ن سك منه)‪ ،‬قا ‪ :‬عداوته ‪-‬واهلل‪ -‬ما بقيت‪.‬‬

‫‪386‬‬
‫سبحان اهلل؛ وفئق ذلك حي خ ويقئ ‪ :‬عداوته ‪-‬واهلل‪ -‬ما بقيت‪.‬‬

‫بذلك وضح حيي بن أخاب منهج اليهئد يف التعامل ما الدين اإلسالمي اجلديد‪ ،‬وهئ افنهج‬

‫الذي ظل ساري ًا عند اليهئد إىل يئمنا هذا إال مععن رحععم اهلل تعععاىل‪ .‬وهكععذا فع ن بنععي النضععري‬

‫بكام هم ل يس م منهم واحد‪.‬‬

‫كذلك بنئ قريظ ل يس م منهم أحد‪ ،‬وهذا مئقخ عجيب جد ًا حيتاج إىل وق وحت يل ودراسع‬

‫لابيع هؤالء البرش الذين يتعام ئن ما رسئ يع مئن أنه رسئ هبذه الائرة‪ ،‬لكنك عنععدما‬

‫تراجا قاتهم ما سيدنا مئسى ع يه السالم‪ ،‬ف نك تستايا أن ت هععم فععاذا عم ععئا هكععذا مععا‬

‫رسئلنا الكريم ﷺ‪.‬‬

‫افعاهدة النبئي ما اليهئد وأسباهبا‬

‫اليهئد مجيع ًا اإلسالم تقريب ًا؛ لذلك قرر الرسععئ ﷺ أن يقععئم بمعاهععدة بععني افسع مني‬ ‫رف‬

‫واليهئد‪ .‬ومن افهم جد ًا أن ندرس ظروف هذه افعاهدة وبنئدها؛ لكي نستايا أن نقععارن بععني‬

‫واقعنا الذي نعيشه اآلن‪ ،‬وبني ما فع ه رسئ اهلل ﷺ‪.‬‬

‫عقد الرسئ ﷺ هذه افعاهدة وحافظ ع يها‪ ،‬ويف ن س الئقت هئ الذي أجىل بني قينقاع‪ ،‬ثععم‬

‫بني النضري‪ ،‬وهئ الذي قتل بعد ذلك رجععا بنععي قريظع ‪ ،‬ولنععا فيععه ﷺ أسععئة حسععن يف كععل‬

‫البنععئد‬ ‫خائات حياته‪ .‬فالبد أن نعرف متى عاهد؟ ومتى حارب؟ ومتى قبل من اليهئد بع‬

‫يف افعاهدة؟ ومتى ل يقبل منهم أن يمكثئا يف افدين افنئرة يئم ًا واحد ًا؟ هذه أمععئر حتتععاج منععا‬

‫إىل بحث دقيق‪.‬‬

‫قد يكئن يف قرارة ن س واحد منا غيظ وحقد كبريين عىل اليهئد؛ أل ععم ع مععئا أنععه الرسععئ‬

‫احلق‪ ،‬وما ذلك ل يتبعئه‪ ،‬والدين اإلسالمي والرشع اإلسالمي ال يظ م النععاس شععيً ًا‪ ،‬ف ععيس‬

‫‪387‬‬
‫معنى قيام دول إسالمي أن هتضم حقئق أهل الكتععاب‪ ،‬والعالقع بععني افسع مني وبععني أهععل‬

‫الكتاب واضح جد ًا يف كتاب ربنا سبحانه وتعاىل‪ ،‬خلاها اهلل عز وجل يف سئرة افمتحن ‪ ،‬قا‬
‫ين َو َل ُخي ِْر ُجعئك ُْم ِمع ْن ِد َيع ِ‬
‫ارك ُْم َأ ْن‬ ‫سبحانه وتعاىل‪{ :‬ال َين َْهاك ُُم اهللَُّ َع ِن ا َّل ِذي َن َل ُي َقاتِ ُ ئك ُْم ِيف الععدن ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ني * إِن ََّام َين َْهاك ُُم اهللَُّ َعع ِن َّالع ِذي َن َقعا َت ُ ئك ُْم ِيف الععدن ِ‬
‫ين‬ ‫ب افُْ ْق ِساِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وه ْم َو ُت ْقس ُائا إِ َل ْي ِه ْم إِ َّن اهللََّ ُحي ُّ‬
‫َرب ُ‬
‫ت َ ُّ‬
‫اجك ُْم َأ ْن ت ََئ َّلع ْئ ُه ْم َو َمع ْن َي َتع َئ َّهل ُ ْم َف ُأ ْو َل ًِع َك ُهع ُم‬
‫اهروا َعع َىل إِ ْخعر ِ‬
‫َ‬ ‫َو َأ ْخ َر ُجئك ُْم ِمع ْن ِد َيع ِ‬
‫ارك ُْم َو َظع َ ُ‬
‫ئن} [افمتحن ‪ .]9 - 8:‬اإلسالم ق زة حضاري ها ‪ ،‬فالعال اليئم بالكععاد يتحععدث عععن‬ ‫ال َّظافُِ َ‬

‫قبئ اآلخر وعن االعرتاف به وسامعه‪ ،‬لكن اإلسالم يتجاوز هععذه افسععأل إىل مععا هععئ أعظععم‬

‫منها‪ ،‬العال اآلن قد أصبح يف ط ئل حضاري ‪ ،‬واإلسالم منذ ‪ 1400‬سن نععز بععام هععئ أعظععم‬

‫وأعىل وأسمى من ذلك‪ ،‬نز باإلحسان إىل األخ والرب بععه والعععد معععه والروع بععه وهكععذا‪،‬‬

‫ف يس معناه أن الرسئ ﷺ يكره أهل الكتاب عىل الدخئ يف اإلسععالم‪ ،‬مععا أنععه كععان يت اععر‬

‫حزن ًا ﷺ عىل هيئدي أو نرصاين يمئت عىل غري اإلسالم‪ ،‬وما ذلك ال يستايا أن يكرهه؛ ألن‬
‫هذا ليس من ْشعنا‪ ،‬قا تعاىل‪{ :‬ال إِك َْرا َه ِيف الدن ِ‬
‫ين} [البقرة‪.]256:‬‬

‫الرسئ ﷺ قرر أن يعقد معاهدة ما اليهئد‪ ،‬واع م أن فرص الدعئة ما زالت مئجععئدة‪ ،‬ف ععم‬

‫يكن هناك تاريخ عدا ي يذكر بني افس مني واليهئد وقتًذ‪ ،‬نعم‪ ،‬هععم كععذبئا اآلن‪ ،‬ولكععن قععد‬

‫ي تح اهلل عز وجل ق ئهبم إن شاء اهلل يف افستقبل‪ ،‬والرسئ ﷺ ما كان ييًس ما ق ًا من دعععئة‬

‫إنسان‪ ،‬فقرر أن يعمل معهم معاهدة‪.‬‬

‫بنئد افعاهدة النبئي ما اليهئد‬

‫إن بنئد افعاهدة ما اليهئد تستة ص منها قئاعععد افعاهععدات يف اإلسععالم‪ ،‬وأصععئله‪ ،‬وهععذه‬

‫افعاهدة هبذا الئصخ تئضح مدى التجني عىل السرية النبئي ‪ ،‬الذي قام به من شبه افعاهدات‬

‫‪388‬‬
‫احلديث يف زماننا ما اليهئد بافعاهدة التي عقدها رسئ اهلل ﷺ ما اليهععئد يف زمانععه‪ ،‬وشععتان‬

‫بني افعاهدتني‪ .‬تعالئا بنا لنرى بنئد معاهدة الرسئ ﷺ‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أن اليهئد أم ما افؤمنني‪ ،‬ل يهئد دينهم ول مس مني دينهم‪ ،‬وهذا البند يئضح لنا حقيق‬
‫كربى‪ ،‬قا تعاىل‪{ :‬ال إِك َْرا َه ِيف الدن ِ‬
‫ين} [البقرة‪ ]256:‬ف مس مني دين ول يهئد دين‪ ،‬ويف هععذه‬

‫افعاهدة تعريخ كل اليهئد افئجئدين يف داخل افدين افنععئرة بأسععامء قبععا هم‪ ،‬أي هيععئد بنععي‬

‫النجار‪ ،‬هيئد بني حارث ‪ ،‬هيئد بني ساعدة‪ ،‬هيئد بني عئف وهكذا‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أن عىل اليهئد ن قتهم وعىل افس مني ن قتهم‪.‬‬

‫أي‪ :‬الذم افالي هلم حم ئظ متام ًا من قبل زعيم الدول يف ذلك الئقت ﷺ‪ ،‬ف ععيس معنععى أننععا‬

‫عاهدناهم‪ ،‬وأن الزعام يف الدول والر اس يف الدول ل مس مني أن يؤخذ حقهم‪ ،‬أو أن تؤخذ‬

‫ممت كات هلم‪ ،‬بععل هلععم حريع التم ععك مععا دامععئا يف عهععدهم مععا افسع مني يف داخععل الدولع‬

‫اإلسالمي ‪ ،‬ويف ن س الئقت فيها نئع من متيععز افسع مني عععنهم‪ ،‬فععال تعنععي هععذه افعاهععدة أن‬

‫األمئر ستتميا‪ ،‬ويابح االقتااد اإلسالمي ممزوج ًا باالقتااد اليهئدي‪ ،‬ال‪ ،‬ليس ل مسع مني‬

‫دخل بحياهتم‪ ،‬بل هلم حياهتم افستق التي يعتزون هبا‪ ،‬ويدخل الرسئ ﷺ يف افعاهععدة هععذا‬

‫البند؛ ألن االقتااد يف ت ك ال حظ كان معظمه يف أيدي اليهئد‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬أنه يف وقت احلرب يتغري هذا األمر‪ ،‬ف ذا حععدث حععرب أو حاععار عععىل افدينع افنععئرة‪،‬‬

‫فاجلميا بحق افئاطن يدافا عن افدين افنئرة‪ ،‬وأن بينهم النرص عىل من دهم يثرب‪.‬‬

‫أي‪ :‬ما دام افس مئن واليهئد يعيشئن يف ب دة واحدة‪ ،‬لزم اجلميا الدفاع عن الب ععد إذا حاععل‬

‫غزو خارجي‪.‬‬

‫‪389‬‬
‫رابع ًا‪ :‬أن اليهئد ين قئن ما افؤمنني ما دامئا حماربني أي‪ :‬إذا حال حععرب جتتمععا الن قع مععن‬

‫الارفني ل دفاع عن الب د‪ .‬وأن بينهم الناح والنايح والرب دون اإلثم‪ ،‬وأن النرص ل مظ ئم‪،‬‬

‫وأن اجلار كالن س غري مضار وال آثم‪ .‬ك ها أمئر حت ظ ل يهئد شععأ م يف داخععل الدولع التععي‬

‫يتزعمها حممد ﷺ‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬هناك بند خاععري جععد ًا ويف منتهععى القععئة‪ :‬يقععئ ﷺ‪( :‬وأنععه ال جتععار قععريش وال مععن‬

‫نارصها) وهذا بند خاري‪ .‬فهذه افعاهدة مكتئب ‪ ،‬وقا ع يها الرسئ ﷺ ووقا ع يها اليهععئد‪،‬‬

‫وهئ أنه إذا دهم يثرب أي عدو فعىل اجلميا أن يتعاون يف صده‪ ،‬حتععى ولععئ كععان هععذا العععدو‬

‫قريش ًا‪ ،‬ول يكن بني قريش واليهئد خالفات قبل ذلك‪ ،‬بل كانت العالقات الدب ئماسي بيععنهم‬

‫جيدة‪.‬‬

‫فاليهئد هبذه افعاهدة قرروا أن يقاطعئا قريش ًا؛ أل ععم يتئقعععئن أن قريشع ًا هتجععم عععىل افدينع‬

‫افنئرة‪ ،‬لكن فعرف الرسئ ﷺ أن اليهئد أهل خداع ومكر وغدر وخيانع ‪ ،‬رصح يف افعاهععدة‬

‫باسم قريش؛ لًال تقئ اليهئد يف يئم من األيام‪ :‬إن قريش ًا مستثناة من هذه افعاهدة‪ ،‬واع م أن‬

‫أي معاهدة ما اليهئد البد أن تكئن كل ك م فيها مكتئب بمنتهى الئضئح‪ ،‬فقئلععه‪( :‬وأنععه ال‬

‫جتار قريش ومن نارصها)؛ أي إذا هجمت قريش عىل افدين فعىل اليهئد أن يساعدوا افس مني‬

‫يف حرهبم ال قريش ًا يف حرهبا ضد افس مني‪ ،‬وسنرى خمال اليهععئد هلععذا البنععد يف بنععي قريظع ‪،‬‬

‫ون هم من خ يات غضب رسئ اهلل ﷺ عىل بني قريظ ‪ ،‬عندما عاونت قريش ًا عععىل افسع مني‬

‫يف يئم األحزاب‪ ،‬فنحن نالحظ أن هناك قئة وصالب يف افعاهدة مععن طععرف رسععئ اهلل ﷺ‪،‬‬

‫وهئ الذي كان يميل الرشوط عىل اليهئد‪.‬‬

‫سادس ًا‪ :‬قا ﷺ‪( :‬وأال خيرج من اليهئد أحد إال ب ذنععه ﷺ)‪ ،‬وهععذا مثععل نظععام اجلععئازات يف‬

‫الئقت احلارض‪ ،‬ال أحد يغادر الدول إال ب ذن من الس ا ن سها‪ ،‬ف يس لقبا ل اليهئد يف داخل‬
‫‪390‬‬
‫افدين افنئرة أن خيرجئا حلرب أو س ر أو ألمر من األمععئر إال بع ذن الرسععئ ﷺ؛ أل ععم قععد‬

‫يشع ئن نار ال تن خارج افدين ؛ فتجر هذه ال تن الئيالت عىل افدين افنئرة بام فيها من اليهئد‬

‫وافس مني‪ .‬انظر إىل ال رق الرهيب بني هذه افعاهدة وبني افعاهدات التي عقععدت يف ف سععاني‬

‫ما اليهئد‪.‬‬

‫سابع ًا‪ :‬أهم بنئد هذه افعاهدة‪ :‬قئله ﷺ‪( :‬وأنه ما كان بني أهل هععذه الاععحي مععن حععدث أو‬

‫شجار خياف فساده ف ن مرده إىل اهلل وإىل حممد ﷺ)‪.‬‬

‫لئ حال خالف بني افس م وأخيه‪ ،‬أو حال خالف بني افسع مني واليهععئد‪ ،‬فععاحلكم هلل عععز‬

‫وجل ولرسئله الكريم ﷺ‪ ،‬فانظر يا أخي افس م إىل مدى القئة‪ ،‬ومدى النرص والبععأس الععذي‬

‫حققه ﷺ هبذه افعاهدة‪ ،‬أبعد هذا ك ه يشبهئن افعاهدات احلديث هبذه افعاهععدة التععي عقععدها‬

‫رسئ اهلل ﷺ ما اليهئد؟!‬

‫ال ئا د التي نتع مها من افعاهدة النبئي ما اليهئد‬

‫نتع م من هذه افعاهدة أن اإلسالم دين ينظم كل أمئر احلياة‪ ،‬فها هئ الرسئ ﷺ الععذي ع ععم‬

‫افس مني الاالة والايام والقيام والقرآن وبناء افسععاجد يقععخ بكععل صععالب ورجئلع وقععئة‬

‫وحكم وسياسي بارع ‪ ،‬ويعقد ما اليهئد معاهدة كانت يد اهلل عز وجل فيها هي الع يا‪ ،‬وقععد‬

‫حال افس مئن من هذه افعاهدة اتقاء ْش اليهععئد‪ ،‬والتعععاون عععىل الععرب ولععيس عععىل اإلثععم‪،‬‬

‫واالعرتاف من قبل اليهئد بدول افس مني الناشً ‪ ،‬وهي ما ذلك هلا احرتام وعزة ورأي‪.‬‬

‫كام أن هذه افعاهدة فيها ختذيل قئة اليهئد عن معاون قريش‪ ،‬وهذا نجاح كبري جععد ًا‪ ،‬فهععا هععئ‬

‫الرسئ ﷺ فال بني احلزبني‪ :‬حزب قريش وحزب اليهئد‪ ،‬وأي خمال ع بعععد ذلععك سععيدفا‬

‫اليهئد ثمنها‪ ،‬واحلكم وافرد إىل الرسئ ﷺ‪.‬‬

‫‪391‬‬
‫َقبِل اليهئد وهلم من العمر مًات السنني يف داخل يثرب بزعام الرسئ ﷺ عىل افدين افنئرة‪،‬‬

‫فأي فضل وخري وعظم ونرص ومتكععني يف هععذه افعاهععدة التععي متععت بععني الرسععئ ﷺ وبععني‬

‫اليهئد؟!‬

‫ال رق بني افعاهدة النبئي ما اليهئد وافعاهدات احلديث معهم‬

‫افس مني أن‬ ‫البئن شاسا بني افعاهدة النبئي ما اليهئد وافعاهدات احلديث التي يروق لبع‬

‫يشبهئها بمعاهدة الرسئ ﷺ معهم‪ ،‬ف ي معاهدة الرسئ ﷺ ما اليهععئد ل خيععالخ ْشع اهلل‬

‫عز وجل‪ ،‬ول يقدم تنازالً واحد ًا خمع ً‬


‫ال بالععدين‪ ،‬وقععد بينععا أن أهععم ْشط يف العهععئد مععا أهععل‬

‫أمر من أمئر الدين‪ ،‬وعندما أقععر العععدو عععىل امتالكععه ألرآ مععن أرايض‬ ‫الكتاب‪ :‬أال ينق‬

‫افس مني ف ن هذا إخال واضح بالدين‪ ،‬وهذا اإلخال قد حال يف كثري من افعاهععدات مععا‬

‫اليهئد يف زماننا هذا‪ ،‬وهئ إخال واضح يف الرشع ال يقبل أبد ًا يف معاهدة إسالمي ‪.‬‬

‫ومن خمال الرشع أن يعقد الا ح يف وقت تعني اجلهععاد‪ ،‬إذ ال جتععئز افعاهععدة يف وقععت تعععني‬

‫اجلهاد؛ ألن من األسباب التي جتعل اجلهاد فععرآ عععني نععزو العععدو يف األرآ اإلسععالمي ‪،‬‬

‫كنزو اليهئد يف أرآ ف ساني اآلن‪.‬‬

‫من خمال الرشع أيض ًا‪ :‬اإلقرار بالظ م‪ ،‬ومعاهدة الرسئ ﷺ فيها‪ :‬أن النرصع ل مظ ععئم‪ ،‬فععال‬

‫جيئز عقد معاهدة يكئن من جرا ها أن يزج يف السجئن آالف مععن افجاهععدين‪ ،‬أو يكععئن مععن‬

‫جرا ها إقااء عدد ها ل من افجاهدين عن األرآ اإلسالمي ‪ ،‬أو يكئن من جرا ها ماععادرة‬

‫الديار واألمئا واألرايض وما إىل ذلك‪ .‬يف معاهدة الرسئ ﷺ‪ :‬أن اجلار كالن س غري مضععار‬

‫وال آثم‪ ،‬واليهئد يف هععذا الئقععت ظ مععئا كععل اجلععريان ال سععاينيني وال بنععانيني والسععئريني‬

‫وافرصيني‪ .‬فهذه ك ها خمال ات ْشعي ال جتئز يف معاهداتنا ما اليهئد وغريهم‪.‬‬

‫‪392‬‬
‫يف زمن الرسئ ﷺ ويف عهده كان اخلروج من افدين ال يتم إال ب ذنه‪ ،‬لكن اآلن ال خيرج أحععد‬

‫من ال ساينيني من ف ساني إال ب ذن من اليهئد‪.‬‬

‫أخذ الرسئ ﷺ العهد عىل اليهئد أال جيريوا ً‬


‫قريشا القئة األوىل يف اجلزيععرة يف ذلععك الئقععت‪،‬‬

‫لكن هل أمن افس مئن ْش أعدا هم هبذه افعاهدات احلديث ؟ هل اشرتط افس مئن عىل اليهئد‬

‫أال يعاونئا عدو ًا يرضب ب د ًا من ب دان افس مني؟ هل اشرتطئا ع يهم أال يعاونئا أمريكا مث ً‬
‫ال‬

‫يف رضب العراق أو سئريا أو إيران أو السئدان أو غريها من بالد العال اإلسالمي؟ كل هععذا ل‬

‫حيدث‪ ،‬لكن أهم ما يف األمر أنه عند االختالف من حيكم بيننا؟ يف معاهععدة الرسععئ ﷺ كععان‬

‫احلكم هئ اهلل عز وجل ورسئله الكريم ﷺ‪ ،‬وهذا مرصح به يف افعاهدة‪ ،‬ووقا ع يععه اليهععئد‪،‬‬

‫أما اآلن فافرد إىل األمم افتحدة‪ ،‬أو قل‪ :‬إىل أمريكا‪ ،‬ثم بعد ذلك من أعاى ف سععاني ل يهععئد؟‬

‫إ ا األمم افتحدة‪ ،‬هي التي أنشأت قرار التقسيم وأعات جز ًءا كبري ًا جد ًا من ف ساني ل يهئد‪،‬‬

‫اختالفع ًا‬ ‫وبعد ذلك أعاتها هلم ك ها‪ ،‬فالئاقا يا إخئاين أن افعاهدات يف العرص احلديث خمت‬

‫بين ًا حقيق ًيا عن افعاهدة التي عقدها الرسئ ﷺ‪ ،‬فال وجه ل مقارن أبد ًا‪.‬‬

‫أسباب مئافق اليهئد عىل افعاهدة التي عقدها رسئ اهلل ﷺ معهم‬

‫نقخ وق ما مئافق اليهئد عىل هذه البنئد التي يف افعاهععدة‪ ،‬مععا أ ععم قععئة ال يسععتهان هبععا‪،‬‬

‫فاليهئد أعداد كبرية‪ ،‬ولدهيم سالح وقالع واستقرار وتاريخ وما ‪ ،‬وأشياء كثرية جد ًا وقئيع ‪،‬‬

‫والدول اإلسالمي ما زالت يف طئر اإلنشاء ول يعرتف هبا أحد بعد‪ ،‬ف ععامذا قبععل اليهععئد هبععذه‬

‫الدَ ني يف هذه افعاهدة؟ وفاذا س مئا رقاهبم هكذا لرسئ اهلل ﷺ ول مؤمنني ما قئهتم؟‬

‫أوالً‪ :‬من طبيع اليهئد اجلبن الشديد‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل ذكععر ذلععك يف أكثععر مععن مئضععا يف‬
‫ور ِه ْم ِم َن اهللَِّ َذلِ َك بِ َأ َّ ُ ْم َق ْئ ٌم ال َي ْ َق ُه َ‬
‫ئن} [احلرش‪.]13:‬‬ ‫كتابه الكريم‪َ { :‬ألَ ْنت ُْم َأ َشدُّ َر ْه َب ً ِيف ُصدُ ِ‬

‫‪393‬‬
‫خ سعنَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ْشكُئا َي َئ ُّد َأ َحدُ ُه ْم َل ْئ ُي َع َّم ُر َأ ْل َ َ‬
‫َّاس َع َىل َح َياة َوم َن ا َّلذي َن َأ ْ َ‬ ‫ص الن ِ‬ ‫وقا ‪َ { :‬و َلت َِجدَ َّ ُ ْم َأ ْح َر َ‬
‫ئن} [البقرة‪.]96:‬‬ ‫َو َما ُه َئ بِ ُم َز ْح ِز ِح ِه ِم َن ا ْل َع َذ ِ‬
‫اب َأ ْن ُي َع َّم َر َواهللَُّ َب ِا ٌري بِ َام َي ْع َم ُ َ‬

‫ء داخيل فاري يف اليهئد‪ ،‬وهذا البد من معرفته جيد ًا يف تعام نا ما اليهئد‪.‬‬ ‫فاجلبن الشديد‬

‫ثاني ًا‪ :‬لئ أن هذا اجلبن الشديد قئبل بجبن أكرب‪ ،‬ف ن الك ع سععتكئن يف صععالح اليهععئد‪ ،‬لكععن‬

‫الرسئ ﷺ كان يقخ يف صالب وقئة وبأس واضح‪ ،‬وافؤمنئن معه عىل ق ععب رجععل واحععد‪،‬‬

‫وما ذلك إال لئحدهتم‪ .‬فالقئة التي وقخ هبععا الرسععئ ﷺ هععئ الثبععات عععىل افبععدأ‪ ،‬وتسععابق‬

‫الاحاب بشتى طئا هم أوس وخزرج ومهاجرين من مكع افكرمع وغععريهم‪ ،‬وكععل هععؤالء‬

‫يسمعئن ويايعئن لقا د واحد بمنهج واحد‪ ،‬وكل هذا كان لععه أثععر كبععري يف إيقععاع الرهبع يف‬

‫ق ئب اليهئد‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬ال رق الشديدة بني فرق اليهئد‪ ،‬فنحن نتك م عىل اليهئد وكأ م فريق واحد‪ ،‬لكععن بنععي‬

‫قينقاع غري بني النضري وغري بني قريظ وكل فرق هلا ما ال رق األخرى عععداوات‪ ،‬قععا اهلل يف‬

‫كتابه‪َ { :‬ب ْأ ُس ُه ْم َب ْين َُه ْم َش ِديدٌ } [احلرش‪ ،]14:‬ويف ظاهر األمر تظن أن دول اليهئد مئحدة‪ ،‬لكععن‬
‫ئهب ْم َشتَّى َذلِ َك بِ َأ َّ ُ ْم َق ْئ ٌم ال َي ْع ِق ُ َ‬
‫ئن} [احلرش‪.]14:‬‬ ‫ِ‬
‫اهلل يقئ ‪ْ َ { :‬حت َس ُب ُه ْم َمجي ًعا َو ُق ُ ُ ُ‬

‫فبنئ قريظ كانت حتالخ األوس‪ ،‬وبنئ قينقاع وبنئ النضري كانا حيال ان اخلزرج‪ ،‬وعنععدما تقععئم‬

‫حرب بني األوس واخلزرج تقئم حرب بني بني قريظ وبني بني قينقاع وبني النضععري وهكععذا‪.‬‬

‫بينهم شقاق وخالف كبري جععد ًا‪ ،‬والرسععئ ﷺ يع ععم ذلععك األمععر‪ ،‬وقععا هععذه الك ععامت يف‬

‫معاهدته بقئة‪ ،‬وهئ يع م أن اليهئد لن جيتمعئا أبد ًا عىل ق ععب رجععل واحععد بععنص كععالم رب‬

‫العافني سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫‪394‬‬
‫رابع ًا‪ :‬افاالح‪ ،‬فاليهئد قب ئا هبذه التنازالت ح اظ ًا عىل مااحلهم‪ ،‬هم ال يريدون الدخئ يف‬

‫مئاجه ما األوس واخلععزرج؛ وذلععك ألن األوس واخلععزرج هععم الععذين يشععرتون مععنهم مععا‬

‫يبيعئنه‪ ،‬ف ئ حال حرب ما األوس واخلزرج ضاعت التجارة اليهئدي ‪ ،‬والتجارة وافا مهععا‬

‫عاب حياة اليهئد‪ ،‬فهم حيرفئن الكتاب وخيئنئن العهئد ويغريون افئاثيق من أجل ح ن من‬
‫الر َبا َو َقدْ ُ ُئا َعنْ ُه َو َأ ْك ِ ِه ْم َأ ْمع َئا َ النَّع ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اس‬ ‫افا ‪ ،‬واهلل عز وجل يقئ عنهم يف كتابه‪َ { :‬و َأ ْخذه ُم ن‬
‫بِا ْل َباطِ ِل} [النساء‪.]161:‬‬

‫ء لععيس لععه‬ ‫خامس ًا‪ :‬الرهب واجلال الذي يقا يف ق ئب الكافرين عند لقاء افععؤمنني‪ ،‬وهععذا‬

‫اه ُم اهللَُّ ِمع ْن‬


‫ء رباين وجندي من جنئد الرون‪ ،‬قا اهلل عز وجل‪َ { :‬ف َأ َتع ُ‬ ‫أدل يف يدك‪ ،‬بل هئ‬

‫ب} [احلرش‪ ،]2:‬بدون أي مربرات مادي يقا الرعب يف‬


‫الر ْع َ‬ ‫حيت َِس ُبئا َو َق َذ َ‬
‫ف ِيف ُق ُ ِ‬
‫ئهبِ ُم ُّ‬ ‫َح ْي ُث َل ْ َ ْ‬
‫ق ئب الكافرين عند لقاء افؤمنني‪ ،‬برشط أن يتحقق اإليامن يف ق ئب افؤمنني‪ ،‬فاهلل عععز وجععل‬

‫نرصك ُْم َو ُي َث نب ْت َأ ْقدَ ا َمك ُْم} [حممد‪.]7:‬‬ ‫ِ‬


‫وعد أن ينرص من نرصه‪{ :‬إ ْن ت ُ ُ‬
‫َنرصوا اهللََّ َي ُ ْ‬

‫وقا ﷺ‪( :‬نرصت بالرعب مسرية شهر)‪ ،‬قبل أن ي تقي الرسئ ﷺ ما عععدوه بشععهر يكععئن‬

‫العدو مرعئب ًا‪ ،‬ما أن ال ارق يف القئة كبري جد ًا‪ ،‬وهئ لاععالح العععدو‪ ،‬هنععاك فععارق يف القععئى‬

‫افادي واألعداد والعتاد واحلائن والقالع والتاريخ والسالح‪ ،‬أمئر كثععرية يف صععالح الععدو‪،‬‬

‫ف ِيف‬
‫وما ذلك يقا الرعب يف ق ئهبم؛ ألن اهلل عز وجل هععئ الععذي يضعععه يف ق ععئهبم‪َ { :‬و َقع َذ َ‬

‫ب} [األحزاب‪.]26:‬‬ ‫ئهبِ ُم ُّ‬


‫الر ْع َ‬ ‫ُق ُ ِ‬

‫هلذه األسباب ج س اليهئد عىل طاول اف اوضات ما الرسئ ﷺ‪ ،‬ودب الرعب يف ق ععئهبم‪،‬‬

‫وقب ئا هبذه البنئد‪ .‬يف أزمان أخرى إذا رأيت بععأس اليهععئد وقععئهتم عععىل افسع مني فععاع م أن‬

‫افس مني خال ئا ْشع رهبم سبحانه وتعاىل؛ ولذلك هانئا عىل اهلل عز وجل‪ ،‬فهانئا بعععد ذلععك‬

‫عىل اليهئد وعىل غريهم من الناس‪ ،‬جتد مخس ماليني هيئدي يم ئن قراراهتم عىل م يار وأكثععر‬
‫‪395‬‬
‫من افس مني‪ ،‬وهذا ميزان مق ئب وليس هذا لقئة اليهئد‪ ،‬وإنام هئ لضعععخ افسع مني‪ ،‬فالبععد‬

‫أن يعئد افس مئن إىل دينهم؛ ليحكمئا حك ًام صحيح ًا يف ضئء الرشع احلكيم‪.‬‬

‫مئقخ اليهئد بعد عقد النبي ﷺ افعاهدة معهم‬

‫ء مهم يف مئضئع افعاهدات‪ :‬وهئ أنه البد ل حق من قئة حتميه‪ ،‬فع ذا كنععت معاهععد ًا‬ ‫هناك‬

‫ل يهئد فالبد أن تكئن لك قئة حتميك‪ ،‬ليس من احلكم ما ق ًا أن تعاهد اليهئد دون أن يكئن‬

‫لك قئة خمئف ل يهئد‪ ،‬حتى ولئ كانت كل البنئد ْشعي ؛ ألن من طبيعععتهم التمععرد وافةال ع‬

‫العهئد‪ ،‬ف ذا ل يكن معك قئة فام أيرس افةال عندهم‪ ،‬وانظر إىل قععئ اهلل عععز وجععل‪:‬‬ ‫ونق‬
‫اهدُ وا َع ْهدً ا َن َب َذ ُه َف ِر ٌيق ِمن ُْه ْم َب ْل َأ ْك َث ُر ُه ْم ال ُي ْؤ ِمن َ‬
‫ُئن} [البقععرة‪ ]100:‬ف ععئ افرتضععنا أن‬ ‫{ َأ َو ُك َّ َام َع َ‬
‫اليهئد خال ئا خمال رصحي ل معاهدة ماذا ستعمل؟ هل ستكت ي بالشجب واإلدان والرصاخ‬

‫والئلئل ولام اخلدود؟ ال؛ ألن هذا ك ه ال ين ا ما مئازين القئى العافي ‪.‬‬

‫افعاهدات ما اليهئد حتتاج إىل رجئل ‪ ،‬وحتتاج إىل قئة وشجاع ‪ ،‬فالبد أن ترجععا إىل معاهععدة‬

‫الرسئ ﷺ ماذا فعل؟ والبد أن تعرف إذا خالخ اليهئد ماذا ت عل؟ وكيخ تتاععرف؟ فععامذا‬

‫فعل اليهئد بعد هذه افعاهععدة؟ مععا وفععاء افسع مني بالعهععد إال أن اليهععئد بععدءوا يتحرشععئن‬

‫بافس مني‪ ،‬وكعادة اليهئد يتحرشئن دا ًام بافس مني بائرة غري مباْشة‪ ،‬أي‪ :‬يععدفعئن غععريهم‬

‫ل عمل دون أن يكئن هلم ظهئر واضح يف األمر‪.‬‬

‫تأثري اليهئد فكري ًا عىل افس مني وافرشكني يف افدين‬

‫هناك أناس ي كرون يف اإلسالم ويريدون أن يدخ ئا فيه‪ ،‬فبدأ اليهئد يف إثععارة الشععبهات‪ ،‬كععام‬

‫هئ معروف اآلن باإلعالم اليهئدي‪ ،‬فاإلعالم اليهئدي يف هذا الئقععت احلععارض أداة مععن أكععرب‬

‫أدوات احلرب لدهيم‪ .‬كذلك ن س هذا النظام كان يعمل أيام الرسئ ﷺ‪ ،‬عىل سععبيل افثععا ‪:‬‬

‫‪396‬‬
‫يع نئن أمام األناار أن هذا ليس هئ الرسععئ الععذي يف كتععبهم‪ ،‬ولسععان حععاهلم‪ :‬نحععن أدرى‬

‫بكتبنا‪ ،‬كان معاذ بن جبل ريض اهلل عنه وأرضاه يف حئار ما اليهئد‪.‬‬

‫قا هلم‪( :‬يا معرش هيئد؛ اتقئا اهلل وأس مئا‪ ،‬فقد كنتم تسععت تحئن ع ينععا بمحمععد ﷺ)‪ .‬كععانئا‬

‫يقئلئن‪ :‬إنه سيبعث نبي يف آخر الزمان نقت كم معه قتععل عععاد وإرم‪ ،‬ف ععام بعععث اهلل عععز وجععل‬

‫رسئله الكريم ﷺ ك روا به كام رأينا‪ ،‬فع معاذ بن جبل يقئ هلم متعجب ًا‪ :‬كنتم تست تحئن ع ينا‬

‫بمحمد ﷺ‪ ،‬وختربوننا بأنه مبعئث وتا ئنه با ته‪ ،‬فام الذي غريكم؟ فقا رجل من أْشاف‬

‫بني النضري اسمه سالم بن مشكم‪( :‬ما جاءنا بيشء نعرفه‪ ،‬ومععا هععئ بالععذي كنععا نععذكر لكععم)‪،‬‬

‫اب ِمع ْن ِعنْع ِد اهللَِّ ُم َاعدن ٌق َفِعا َم َع ُهع ْم‬ ‫ِ‬


‫فأنز اهلل عز وجل قئله سبحانه وتعاىل‪َ { :‬وفََّا َجا َء ُه ْم ك َتع ٌ‬
‫ئن َع َىل ا َّل ِذي َن َك َ ُروا َف َ َّام َجعا َء ُه ْم َمعا َع َر ُفعئا َك َ ع ُروا بِع ِه َف َ ْعنَع ُ اهللَِّ َعع َىل‬
‫َوكَانُئا ِم ْن َق ْب ُل َي ْس َت ْ تِ ُح َ‬

‫ا ْلكَافِ ِري َن} [البقرة‪.]89:‬‬

‫اليشء اآلخر يف التأثري ال كري‪ :‬أ م فكروا يف خا يف منتهى اخلبث‪ ،‬فكروا أن يؤمنععئا ق ععي ً‬
‫ال‬

‫ما رسئ اهلل ﷺ ثم يرتكئه ويقئلئا‪ :‬فا دخ نا معه وجدنا أنه عىل باطل؛ فيهتز افس م اجلديععد‬
‫ويرتدد الذي ي كر يف اإلسالم‪ .‬وقا اهلل عز وجل يف ذلك‪َ { :‬و َقا َل ْت َطا ِ َ ٌ ِمع ْن َأ ْهع ِل ا ْل ِك َتع ِ‬
‫اب‬
‫ار وا ْك ُ ععروا ِ‬
‫آخعع َر ُه َل َع َّ ُهعع ْم َي ْر ِج ُععع َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ئن}‬ ‫ُ‬ ‫آم ُنععئا بِ َّالععذي ُأ ْنعع ِز َ َععع َىل َّالععذي َن آ َم ُنععئا َو ْجعع َه الن ََّهعع ِ َ‬
‫[آ عمران‪ ]72:‬ثم إ م بدءوا يكذبئن القرآن الكريم‪ ،‬عىل سبيل افثا ‪ :‬القرآن الكععريم ذكععر‬

‫أن اجلن ل مؤمنني‪ ،‬وأن النار فن كذب وك ر‪ ،‬قا اهلل سبحانه وتعععاىل‪{ :‬إِ َّن َّالع ِذي َن َك َ ع ُروا ِمع ْن‬

‫ْش ا ْل َ ِرب َّي ِ } [البين ‪.]6:‬‬ ‫ِ‬


‫يها ُأ ْو َلً َك ُه ْم َ ُّ‬
‫ِِ ِ‬ ‫رش ِك َ‬
‫ني ِيف ن ِ‬
‫َار َج َهن ََّم َخالدي َن ف َ‬ ‫َأ ْه ِل ا ْل ِكت ِ‬
‫َاب َوافُْ ْ ِ‬

‫الروايات‪ :‬سععبع‬ ‫اليهئد يقئلئن‪ :‬نحن سندخل النار فرتة حمدودة جد ًا من الزمن قيل يف بع‬

‫الروايات‪ :‬أربعني يئم ًا وبعد ذلك نةععرج مععن النععار‪ ،‬ويععدخل اهلل عععز وجععل‬ ‫أيام‪ ،‬ويف بع‬

‫‪397‬‬
‫افس مني النار أبد اآلبدين‪ ،‬فأنز اهلل عز وجل قئله‪َ { :‬و َقا ُلئا َل ْن َمت َ َّسنَا الن َُّار إِ َّال َأ َّيا ًما َم ْععدُ و َد ًة}‬

‫[البقرة‪ ،]80:‬ودعاهم ﷺ إىل متني افئت‪ ،‬فيمئت أكذب ال ريقني‪ ،‬فرفضئا ذلك‪.‬‬

‫قا ابن عباس‪( :‬لئ متنى اليهئد افئت فاتئا)‪ .‬وقا اهلل عز وجل يف ذلك‪ُ { :‬ق ْل إِ ْن ك ََانع ْت َل ُكع ُم‬

‫اد ِق َ‬
‫ني * َو َل ْن َيت ََمن َّْئ ُه َأ َبعدً ا‬ ‫ت إِ ْن كُنتُم ص ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َّاس َفت ََمن َُّئا افَْ ْئ َ‬ ‫اآلخر ُة ِعنْدَ اهللَِّ َخالِا ً ِمن د ِ‬
‫ون الن ِ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الدَّ ار ِ‬
‫ُ‬
‫ني} [البقرة‪ ]95 - 94:‬فهم يع مععئن أ ععم إذا متنععئا افععئت‬ ‫يم بِال َّظافِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِ َام َقدَّ َم ْت َأ ْيدهيِ ْم َواهللَُّ َع ٌ‬
‫أمام رسئ اهلل ﷺ‪ ،‬ليعرف من هئ أكذب ال ريقني ف م هم الذين سيمئتئن؛ أل م يع مععئن‬

‫أ م هم األكذب؛ ولذلك ل ي ع ئا‪ .‬قس عىل هذا األمر أحععداث ًا كثععرية؛ حتععى إ ععم يف النهايع‬

‫أنكروا نبئة س يامن ع يه السالم‪ ،‬وذلك ألن اهلل عز وجل ذكر يف كتابه أنه نبي‪ ،‬فععأنكروا نبئتععه‬

‫واهتمئه بالسحر‪ ،‬وطعنئا يف أنبيا هم ل اعن يف القرآن الكريم‪ ،‬واآليات التععي نزلععت يف ذلععك‬

‫كثرية‪ ،‬وليس افجا ل ت ايل فيها‪.‬‬

‫لذا ن هم أنه من أهم وسا ل حرب اليهئد ل مس مني هئ التععأثري ال كععري عععن طريععق احلععرب‬

‫اإلعالمي التي فع ئها‪ ،‬وإثارة الشبهات عند افس مني‪ ،‬أو عند من ي كر يف اإلسالم‪.‬‬

‫تأثري اليهئد االقتاادي عىل أهل افدين‬

‫ثاني ًا‪ :‬التأثري االقتاادي‪ ،‬فقد ذهبئا إىل األناار الععذين نرصععوا رسععئ اهلل ﷺ‪ ،‬وأمععروهم أال‬

‫اس‬
‫ون النَّع َ‬ ‫ين قئا عىل من عند رسئ اهلل ﷺ‪ ،‬قا اهلل عز وجل يف ذلك‪{ :‬ا َّل ِذي َن َي ْب َة ُ َ‬
‫ئن َو َي ْأ ُم ُر َ‬

‫َاه ُم اهللَُّ ِم ْن َف ْض ِ ِه} [النساء‪ ]37:‬أي‪ :‬يكتمععئن التععئراة‪ ،‬فهععم يبة ععئن‬ ‫بِا ْل ُب ْة ِل َو َي ْكت ُُم َ‬
‫ئن َما آت ُ‬
‫بافا ‪ ،‬ويأمرون األناار بالبةل بامهلم‪ ،‬وبذلك يؤثرون س ب ًا عىل اقتااد افس مني‪.‬‬

‫‪398‬‬
‫حماول اليهئد الت رق بني افس مني من األناار يف افدين‬

‫ثالث ًا‪ :‬حماول الت رق بني الاخ افسع م‪ ،‬وفععك الربععاط القععئي الععذي صععنعه ﷺ بععني األوس‬

‫واخلزرج‪ ،‬وقام هبذه افحاول رجل هيئدي كبري يف السن اسمه شاس بن قيس‪ .‬قا ك مع هععي‬

‫يف احلقيق حكم ‪ ،‬قا ‪( :‬يا معرش هيئد؛ تع مئن واهلل أنه ال مقام لكم يف يثرب إذا اجتما أبنععاء‬

‫قي )‪.‬وأبناء قي ‪ :‬هم األوس واخلزرج؛ وذلك ألنه لئ حال هذا االجتامع ف نه سععتتئطد قععئة‬

‫الرسئ ﷺ داخل افدين افنئرة‪ ،‬ويف هذا إيذاء ل يهئد‪ ،‬فهم يكرهئن الرسئ ﷺ‪.‬‬

‫كذلك اليهئد جتار سالح‪ ،‬وكانئا يربحئن أمععئاالً طا ع مععن احلععرب بععني األوس واخلععزرج‪.‬‬

‫فالرسئ ﷺ وحد األوس واخلزرج اآلن‪ ،‬فال يئجد هناك حرب‪ ،‬وستضيا قععئة كبععرية جععد ًا‬

‫من القئى االقتاادي عند اليهئد‪ ،‬وهي قئة جتارة السالح‪ ،‬فبعث شاس بن قععيس شععاب ًا وقععا‬

‫له‪( :‬اج س يف جم س فيه األوس واخلزرج واذكر يععئم بعععاث‪ ،‬وذكععرهم بأشعععار يععئم بعععاث‪،‬‬

‫فتتحرك فيهم النةئة واحلمي والقب ي واجلاه ي فياععارع القئمععان)‪ ،‬وبال عععل ذهععب ذلععك‬

‫الشاب وعمل هذا العمل‪ ،‬وج س يقئ ت ك األشعار بجانب هذا وهذا‪ ،‬ودخل الشياان بني‬

‫األوس واخلزرج‪ ،‬ما أ م من عاملق اإليامن حقيق ‪ ،‬لكن الشياان جيععري مععن ابععن آدم جمععرى‬

‫الدم من العروق‪ ،‬وقام واحد مععن األوس وواحععد مععن اخلععزرج فتاععارعا‪ ،‬ثععم قععا أحععدمها‬

‫لااحبه‪( :‬إن شًتم رددناها جذع )‪ ،‬أي‪ :‬نرجععا مععرة أخععرى إىل يععئم بعععاث ونجع هععا حربع ًا‬

‫جديدة‪ ،‬فغضب ال ريقان مجيع ًا األوس واخلزرج‪ ،‬وقالئا‪( :‬قد فع نا‪ ،‬مئعدكم الظاهرة ‪-‬مكان‬

‫يدعى احلرة اآلن‪ -‬السالح السالح)‪ ،‬فةرجئا إىل احلرة يف حلظ مععن حلظععات الضعععخ التععي‬

‫دخل فيها الشياان فيها إىل ق ععئب األوس واخلععزرج‪ ،‬وكععادت أن تقععئم مه كع عظيمع بععني‬

‫ال ريقني‪ .‬كان الرسئ ﷺ جالس ًا وسط جممئع من افهاجرين‪ ،‬ف ام وصع ه النبععأ اخلاععري قععام‬

‫مرسع ًا جير ثئبه حتى وصل إىل األناار وقا ك ععامت ختت ععخ متامع ًا عععن الك ععامت التععي قاهلععا‬

‫‪399‬‬
‫الرسئ ﷺ يف حل افشك القديم التععي دارت قبععل ذلععك بععني مشععركي األوس واخلععزرج‬

‫ومؤمني األوس واخلزرج‪ ،‬والتي هيج هذه افشك عبد اهلل بن أيب ابن س ئ ‪.‬‬

‫ف ي احلدث السابق ذكرهم الرسئ ﷺ بالقب ي ‪ ،‬وذكععرهم بالتحععدي لقععريش‪ ،‬لكععن يف هععذا‬

‫احلدث يقئ الرسئ ﷺ‪( :‬يا معرش افس مني؛ اهلل اهلل) ذكرهم برابا اإلسالم وذكععرهم بععاهلل‬

‫عز وجل‪( :‬أبدعئى اجلاه ي وأنا بني أظهععركم؟)‪ ،‬ع مهععم أن دعععئى ال رقع بععني افسع مني‬

‫وأنععت خزرجععي مععن دعععئى‬ ‫دعئى اجلاه ي ‪ ،‬هكذا عرفها ﷺ‪ ،‬فععدعئى القئميع ‪ :‬أنععا أو‬

‫اجلاه ي ‪ ،‬ثم قا ‪( :‬بعد أن هداكم اهلل لإلسالم وأكرمكم به‪ ،‬وقاا عنكم اجلاه ي واسععتنقذكم‬

‫هبا من الك ر‪ ،‬وألخ بني ق ئبكم؟) فععاحلئار خمت ععخ متامع ًا‪ ،‬يععذكرهم بععرب العععافني سععبحانه‬

‫وتعاىل‪ ،‬ويذكرهم باإلسالم‪ ،‬يذكرهم بقا اهلل وقا الرسئ ﷺ؛ ألن نئعي افةاطب خمت ‪،‬‬

‫وشتان بني اخلااب فجمئع خمت ا من افرشكني ما افؤمنني‪ ،‬واخلااب فجمئع خالا من‬

‫افؤمنني‪.‬‬

‫عرف القئم أ ا نزغ من نزغات الشياان‪ ،‬وكيد من أعدا هم‪ ،‬فبكئا يف حلظتهم وتأثروا مجيعع ًا‬

‫يف حلظ واحدة‪ ،‬وعانق الرجا من األوس واخلزرج بعضهم بعض ًا‪ ،‬ثم انرصفئا ما رسئ اهلل‬

‫ء‪.‬‬ ‫ﷺ سامعني مايعني‪ ،‬كأنه ل حيال‬

‫مرت افشك بسالم‪ ،‬ول حيدث أذى يف داخل الاخ افس م‪ ،‬لكن ظهرت خائرة اليهئد عىل‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫افس مني‪ ،‬وأنز اهلل عز وجل يف شاس بن قيس قئله سبحانه وتعاىل‪ُ { :‬ق ْل َيعا أ ْهع َل ا ْلك َتعاب ل َ‬
‫ون َعع ْن َسعبِ ِ‬
‫يل اهللَِّ‬ ‫ئن * ُق ْل َيا َأ ْه َل ا ْل ِكت ِ‬
‫َاب ِل َ ت َُاعدُّ َ‬ ‫ات اهللَِّ َواهللَُّ َش ِهيدٌ َع َىل َما َت ْع َم ُ َ‬ ‫ون بِآي ِ‬
‫َت ْك ُ ُر َ َ‬
‫ئن} [آ عمران‪.]99 - 98:‬‬ ‫َم ْن آ َم َن َت ْب ُغئ َ َا ِع َئ ًجا َو َأ ْنت ُْم ُش َهدَ ا ُء َو َما اهللَُّ بِ َغافِ ٍل َع َّام َت ْع َم ُ َ‬

‫‪400‬‬
‫وأنز سبحانه وتعاىل أيض ًا قئالً يف األوس واخلزرج‪ .‬قا ‪َ { :‬يا َأ ُّ َهيا ا َّل ِذي َن آ َمنُئا إِ ْن تُاِي ُعئا َف ِري ًقا‬

‫ون َو َأ ْنت ُْم ُتت َْىل َع َ ْيك ُْم آ َي ُ‬


‫ات‬ ‫َاب َي ُر ُّدوك ُْم َب ْعدَ إِ َيامنِك ُْم كَافِ ِري َن * َو َك ْي َ‬
‫خ َت ْك ُ ُر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م َن ا َّلذي َن ُأوتُئا ا ْلكت َ‬
‫اط ُم ْست َِقي ٍم} [آ عمران‪.]101 - 100:‬‬
‫اهللَِّ وفِيكُم رسئ ُله ومن يعت َِام بِاهللَِّ َف َقدْ ُه ِدي إِ َىل ِرص ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ُ ُ َ َ ْ َْ ْ‬

‫تتئاىل اآليات‪َ } :‬يعا َأ ُّ َهيعا َّالع ِذي َن آ َمنُعئا ات َُّقعئا اهللََّ َحع َّق ُت َقاتِع ِه َوال َمت ُعئ ُت َّن إِ َّال َو َأ ْنعت ُْم ُم ْسع ِ ُم َ‬
‫ئن *‬

‫ني‬ ‫خ َبع ْ َ‬ ‫َوا ْعت َِا ُمئا بِ َح ْب ِل اهللَِّ َمجِي ًعا َوال َت َ َّر ُقئا َوا ْذ ُكع ُروا نِ ْع َمع َ اهللَِّ َع َ ع ْيك ُْم إِ ْذ كُنْعت ُْم َأ ْععدَ ا ًء َفع َأ َّل َ‬

‫ني اهللَُّ‬ ‫ُق ُ ئبِك ُْم َف َأ ْص َب ْحت ُْم بِنِ ْع َمتِ ِه إِ ْخ َئانًا َو ُكنْت ُْم َع َىل َش َ ا ُح ْ َر ٍة ِم َن الن َِّار َف َأ ْن َق َذك ُْم ِمن َْها َكع َذلِ َك ُي َبع ن ُ‬

‫ون [آ عمران‪.]103-102:‬‬ ‫َلك ُْم آ َياتِ ِه َل َع َّ ك ُْم َ ْهتتَدُ َ‬

‫فهذه حماوالت مسععتمرة مععن اليهععئد ل ت ريععق بعني افسع مني‪ ،‬وحلاععار افسع مني اقتاععادي ًا‪،‬‬

‫ولتشكيكهم يف دينهم‪ ،‬وكل هذه حماوالت مكث متكررة‪ ،‬وما ذلك كان رد فعل افس مني هئ‬

‫كظم الغيظ‪ ،‬وحماول جتنب الادام قدر افستااع‪ ،‬حيث نز التئجيه الرباين ل مس مني بذلك‪،‬‬

‫َاب َل ْئ َي ُر ُّدو َنك ُْم ِم ْن َب ْع ِد إِ َيامنِك ُْم ُك َّ ع ًارا َح َسعدً ا ِمع ْن‬
‫قا سبحانه وتعاىل‪َ } :‬و َّد كَثِ ٌري ِم ْن َأ ْه ِل ا ْل ِكت ِ‬

‫يت اهللَُّ بِ َأ ْم ِر ِه إِ َّن اهللََّ َع َىل ك نُل َ ْ ٍء‬


‫اص َ ُحئا َحتَّى َي ْأ ِ َ‬ ‫ِعن ِْد َأن ُ ِس ِه ْم ِم ْن َب ْع ِد َما َت َب َّ َ‬
‫ني َهل ُ ُم ْ َ‬
‫احل ُّق َفا ْع ُ ئا َو ْ‬
‫َق ِد ٌير{ [البقرة‪ ،]109:‬فنحن نرى هنا خمال واضح من اليهععئد‪ ،‬وهععذه افةال ع ل تاععل إىل‬

‫درج القتا واإلخراج من الدين‪ ،‬ول تال إىل درج مظاهرة الك ار عىل إخراج افس مني من‬

‫ديارهم؛ لذلك كان افا ئب من الرسئ صىل اهلل ع يه وس م يف هذا الئقت أن يع ئ ويا ح‪،‬‬

‫ويال بدعئته إىل اليهععئد‪ ،‬وإىل أولًععك افكععذبني اجلاحععدين‪ ،‬فاسععتمرت الععدعئة اإلسععالمي‬

‫إليهم‪ ،‬واستمرت حماوالت جتنب الادام بني افس مني‪.‬‬

‫ويف ن س الئقت كان الرسئ صىل اهلل ع يه وس م يعرف أن قئة افسع مني مععا زالععت يف طععئر‬

‫اإلنشاء‪ ،‬وقئة اليهئد كبرية‪ ،‬ولعل الععدخئ يف معركع مععا اليهععئد يف ذلععك الئقععت لععيس يف‬

‫ما ح األم اإلسالمي ‪ ،‬فكان الارب هئ احلل‪.‬‬


‫‪401‬‬
‫اهتام فِنْ حاص ربنا عز وجل بال قر ورد ايب بكر الاديق ع يه‬

‫إن الارب واحلكم من الرسئ ﷺ وصحابته شجا اليهئد عىل جتاوزات أكععرب‪ ،‬مععن ذلععك مععا‬

‫حدث عندما دخل الاديق ريض اهلل عنه وأرضاه بيت افععدراس‪ ،‬وهععئ بيععت كبععري يع ععم فيععه‬

‫اليهئد التئراة‪ ،‬ويقئم فيه بالتع يم حرب من أحبار اليهئد اسمه فنحععاص‪ ،‬ومعععه آخععر يسععاعده‬

‫اسمه أشيا‪ ،‬فدخل أبئ بكر عىل اليهئد وهم يع مئن التئراة باععريقتهم‪ ،‬بتحري هععا وتزويرهععا‬

‫وتبدي ها‪ ،‬وب نكار نبئة الرسئ ﷺ‪ ،‬ف ام دخل الاديق وسما هذا الكععالم قععا لععع فنحععاص‬

‫ومن معه‪( :‬يا فنحاص؛ اتق اهلل وأس م‪ ،‬فئاهلل إنك لتع م أن حممد ًا رسئ اهلل ﷺ‪ ،‬وقد جاءكم‬

‫باحلق من عنده‪ ،‬جتدونه مكتئب ًا عندكم يف التئراة)‪ ،‬فقا فنحاص لع أيب بكر‪( :‬واهلل يا أبا بكععر؛‬

‫ما بنا إىل اهلل من فقر‪ ،‬وإنه إلينا ل قري) ‪-‬أعئذ باهلل أي‪ :‬لسنا حمتاجني إليه وإنام هئ الععذي حيتععاج‬

‫إلينا‪( -‬وما نترضع إليه كام يترضع إلينا! وإنا عنه ألغنياء‪ ،‬وما هئ عنا بغني‪ ،‬ولئ كان عنععا غنيع ًا‬

‫ما استقرضنا أمئالنا كام يزعم صاحبكم‪ ،‬ينهاكم عن الربا ويعاينا‪ ،‬ولئ كان عنا غني ًا ما أعاانععا‬

‫الربا)‪ .‬ختيل معنى الك امت‪ ،‬يقئ اهلل سبحانه وتعاىل يف كتابه الكريم‪َ { :‬م ْن َذا ا َّل ِذي ُي ْق ِر ُآ اهللََّ‬

‫اع َ ُه َل ُه َأ ْض َعا ًفا كَثِ َري ًة} [البقرة‪ ،]245:‬فهععئ يقععئ ‪ :‬إن هععذا نععئع مععن الربععا‪،‬‬
‫َقر ًضا حسنًا َفي َض ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ألست تعاي اهلل أمئاالً وهئ يضاع ها لك‪ ،‬فهذا ربا‪ ،‬فكيخ ينهى عن الربا ويأخذه؟ فععانظروا‬

‫إىل مدى اعئجاج هذا اخلبيث‪ ،‬هذا هئ فنحاص‪ ،‬كالم يعرب عن ن سي ممزق متام ًا‪ ،‬هععي ن سععي‬

‫فنحاص ومن كانئا عىل دينه‪.‬‬

‫ل جيد أبئ بكر الاديق ريض اهلل عنه وأرضاه كالم ًا يرد به ع يه‪ ،‬فععرد بيديععه ورضب فنحععاص‬

‫رضب ًا شديد ًا يف وجهه حتى اخت ت معال وجهه‪ ،‬وذهب إىل رسئ اهلل ﷺ حيكي لععه افئقععخ‪،‬‬

‫وكان ترصف أيب بكر عىل غري ما ات ععق ع يععه افسع مئن‪ ،‬إذ كععان افسع مئن مععأمئرين بععالع ئ‬

‫والا ح وعدم اإليذاء‪.‬‬

‫‪402‬‬
‫فجاء فنحاص يشتكي إىل الرسئ ﷺ ما فع ه أبئ بكر به‪ ،‬وقا له‪ :‬انظر ما صنا يب صععاحبك‪،‬‬

‫فقا ﷺ لع أيب بكر الاديق‪( :‬ما و ك عىل ما صنعت؟) فقا أبععئ بكععر‪( :‬يععا رسععئ اهلل؛ إن‬

‫عدو اهلل هذا قا قئالً عظي ًام‪ ،‬إنه زعم أن اهلل فقري وأ م أغنياء‪ ،‬ف ام قععا ذلععك غضععبت هلل ممععا‬

‫قا ‪ ،‬ورضبت وجهه)‪ ،‬فأنكر فنحاص وقا ‪( :‬ما ق ت ذلك)‪ ،‬فأنز اهلل عز وجل‪َ { :‬ل َقدْ َسع ِم َا‬
‫ُب َما َقا ُلئا َو َق ْت َ ُه ُم األَنْبِ َيا َء بِ َغ ْ ِري َح ٍّق َون َُقعئ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهللَُّ َق ْئ َ ا َّلذي َن َقا ُلئا إِ َّن اهللََّ َفق ٌري َون َْح ُن َأ ْغن َيا ُء َسنَ ْكت ُ‬
‫احل ِر ِيق} [آ عمران‪.)]181:‬‬
‫اب ْ َ‬
‫ُذو ُقئا َع َذ َ‬

‫وهكذا أنز اهلل آيات تادق قئ الاديق ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وكش ت مععا قالععه فنحععاص‬

‫ع يه لعن اهلل‪ ،‬وأنز اهلل عز وجل يف حق الاععديق ريض اهلل عنععه وأرضععاه قئلععه‪َ { :‬ل ُت ْب َ ع ُئ َّن ِيف‬

‫ْشكُئا َأ ًذى كَثِ ًريا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأمئالِكُم و َأ ْن ُ ِسكُم و َلتَسمعن ِمن ا َّل ِذين ُأوتُئا ا ْل ِكت ِ‬
‫َاب م ْن َق ْب ك ُْم َوم َن ا َّلذي َن َأ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ ُ َّ َ‬ ‫َْ ْ َ‬
‫ربوا َو َت َّت ُقئا َف ِ َّن َذلِ َك ِم ْن َع ْز ِم األُ ُم ِ‬
‫ئر} [آ عمران‪ ]186:‬ما أن الغضب هنععا كععان هلل‬ ‫َوإِ ْن ت َْا ِ ُ‬
‫عز وجل وليس ل ناس‪ ،‬وما أن العقاب الذي فع ه الاديق يعترب مناسب ًا ل حدث؛ ألنه اعتععرب‬

‫أن الدفاع الذي فع ه كان مناسب ًا ل جريم التي فع ها فنحاص؛ ألن فنحاص سب اهلل عز وجل‬

‫سب ًا وقح ًا وجرح دين افس مني‪ ،‬وهذا خمالخ ل عهد‪ ،‬وكان الاععديق يسععتايا قتععل فنحععاص‪،‬‬

‫فقد قا لع فنحاص كام يف إحدى الروايات‪( :‬والذي ن يس بيده لئال العهد الذي بيننععا وبيععنكم‬

‫لرضبت رأسك يا عدو اهلل) فاكت ى الاديق هبذا األمر‪.‬‬

‫ما كل هذا إال أن اهلل عز وجل أمر افس مني بالتعقل والاععرب‪ ،‬حتععى وإن كانععت اجلريمع قععد‬

‫متت؛ ألن الدخئ يف حرب يف هذا التئقيت لع ه ي تح عىل افس مني أبئابع ًا كبععرية مععن ال ععتن‪،‬‬

‫ولع ه يؤدي إىل تداعيات ال يتحم ها مئقخ افس مني يف هذه ال حظ ‪.‬‬

‫‪403‬‬
404
‫‪19‬‬

‫الطريق إىل بدر‬

‫قد مر علينا تقريب ًا ستة أشهر منذ بدء املرحلة املدنية من السرية النبوية‪ .‬الوضععد خا ععد املدينععة‬

‫كان فيه يشء من االستقرار‪ ،‬لكنه استقرار عىل بركان قابد لالنفجار يف أية حلظة‪ .‬فاملسلمون يف‬

‫هذا الوقت حيكمون املدينة املنورة‪ ،‬لكن هناك قوى طرية جد ًا مععا لالععت تنت ععر يف املدينععة‪،‬‬

‫وهذه القوى كانت قوى مولعة ما بني مرشك ال يؤمن باهلل عز وجد‪ ،‬مثد عبد اهلل بععن أا ابععن‬

‫سلول ومن معه من امل عركني‪ ،‬أو هيوخي منحرف علم احلق واتبد غريه‪.‬‬

‫والوضد ارج املدينة أيض ًا كان فيه بعض االستقرار‪ ،‬لكععن هنععاك اضععطرابا كثععرية أيضع ًا‪،‬‬

‫وهناك معاهدا مد بعض القبائد املحيطة باملدينة‪ ،‬لكن هتديد قريش للمدينة كان مستمر ًا‪.‬‬

‫فعالقا قريش باألعراب حول املدينة كانت قوية‪ ،‬وال يستبعد أبد ًا أن حيععده هجععو قععريش‬

‫شامد عىل املدينة املنورة بتعاون مد األعراب أو مد املرشكني خا د املدينة أو مد اليهوخ أو مععد‬

‫غريهم‪ .‬فامذا حيده إن بوغت املسلمون هبذا اهلجو ؟ القتال حتى هذه اللحظة كان منهي ًا عنه‪،‬‬

‫رش ِك َ‬
‫ني}‬ ‫ولو حده أن هجم املرشكون فإن القاعدة التي كانت سارية يف مكة‪َ { :‬و َأ ْع ِر ْض َع ِن املُْ ْ ِ‬

‫[احلجر‪.]94:‬‬

‫لكن الوضد يف هذا الوقت تغري‪ ،‬واملسلمون اآلن أصبح هلم شوكة‪ ،‬وأصبح هلم كيان وخولععة‪،‬‬

‫وال يستقيم ملن أراخ أن يقيم خولة إال أن يكون قاخر ًا عىل الدفاع عنها‪ ،‬لكن كيف يكون الدفاع‪،‬‬
‫‪405‬‬
‫ومل ينزل األمر بالقتال بعد؟ نزل حكم اهلل عز وجد باإلذن بالقتال للمسلمني‪ ،‬وتغععري الوضععد‬
‫كله وتغري املرحلة‪ ،‬نزل قول اهلل عز وجد‪ُ { :‬أ ِذ َن لِ َّل ِذي َن ُي َقعا َت ُل َ‬
‫ون بِع َُ َُّْ ْم ُم ِل ُمعوا َوإِ َّن اهللََّ َعع َىل‬

‫َْص ِه ْم َل َق ِدير} [احلج‪ .]39:‬فالترشيد يف غاية اإلحكا لععيع ع ععوائي ًا أبععد ًا‪ ،‬بععد هنععاك فقععه‬
‫ن ْ ِ‬

‫املرحلة‪ ،‬فاملرحلة السابقة يف مكة كانت تستلز الكف واإلعراض‪ ،‬أما هععذه املرحلععة فتسععتلز‬

‫اإلذن بالقتال فقط وليع الفرض‪ ،‬فاإلذن حسب االستطاعة للقتال وحسععب التقععدير للقععوة‪،‬‬

‫لكن حينام يكون فرض ًا فليع للمسلمني إال أن يقاتلوا‪ .‬وسنالحظ التدرج اجلميععد يف اليبيععة‪،‬‬

‫فإنه ال حيمد الناس مرة واحععدة عععىل يشء يركونععه‪ ،‬فالنععاس بةععفة عامععة تكععره القتععال‪ ،‬واهلل‬

‫ب َع َل ْيك ُُم ا ْل ِقت َُال َو ُه َو ك ُْره َلك ُْم} [البقرة‪ .]216:‬فبام‬ ‫ِ‬
‫سبحانه وتعاىل يقول يف كتابه الكريم‪{ :‬كُت َ‬
‫أن عامة الناس تكره القتال كان هناك نوع من التدرج‪ ،‬املرحلة األوىل إعراض‪ ،‬وهععذه املرحلععة‬

‫إذن‪ ،‬وبعد ذلك فرض‪ ،‬وبعد ذلك قتال عامة الناس الذين يةدون عن سبيد اهلل‪.‬‬

‫االسياتيجية التي اتبعها النبي ﷺ لرضب مقدرا قريش ومهامجة قوافلها‬

‫هذا اإلذن بالقتال كان بداية تغري اسياتيجي حموري مهم يف ط سري املدينة املنععورة‪ ،‬فقععد أذن‬

‫للمسلمني اآلن أن يرفعوا عن أنفسهم الظلم الذي وقد عليهم‪ ،‬إن رأوا أن قدرهتم تسمح هلععم‬

‫هبذا‪ .‬فمن هو الذي ملم املسلمني؟ إن الذي أوقد عليهم الظلععم يف األسععاس هععم أهععد مكععة‬

‫الكافرين‪ ،‬ومل يكن الظلم من شخص واحد‪ ،‬بد كععان ملع ًام متعععدخ ًا مركبع ًا؛ ملععم يف اجلسععد‪،‬‬

‫بالتعذيب واحلرق واإلغراق والقتد أحيان ًا‪ ،‬ملم يف املال بمةاخرته بدون وجه حق‪ ،‬واغتةابه‬

‫بالقوة‪ .‬ملم يف الديار يف الطرخ منها وأ ذها‪ ،‬بد وبيعها وأكد ثمنها‪ ،‬ملععم يف الععنفع بالسععب‬

‫والقذف وت ويه السمعة‪ .‬ملم يف احلرية باحلبع والعزل عن املجتمععد‪ ،‬ملععام بعضععها فععوق‬

‫بعض‪.‬فامذا يعمد املسلمون حتى يرفعوا هذا الظلم عن أنفسهم؟ لو هجموا عععىل مكععة‪ ،‬قععد ال‬

‫يكون هذا أمر ًا حكي ًام يف ذلك التوقيت‪ ،‬إذ قوة املسلمني ما لالت ناشئة‪ ،‬وأعععداخ املسععلمني مععا‬

‫‪406‬‬
‫لالت قليلة‪ ،‬واملدينة مضطربة باملرشكني واليهوخ‪ ،‬وليع من املمكن أن نيك املدينة لقتال أهععد‬

‫مكة‪ ،‬وفيها عدخ هائد من املرشكني واليهوخ الذين مل يؤمنوا بعد‪.‬‬

‫احلد كان يف مهامجة قوافد قريش التي تتجه إىل ال ا ‪ .‬فهذه القوافد ال حتميها إال قوة عسكرية‬

‫بسيطة‪ ،‬وتقدر القوة اإلسالمية أن هتامجها‪ ،‬كام أن هذه القوافد متر قريب ًا من املدينة‪ ،‬فلن يكععون‬

‫هناك جهد كبري عىل املسلمني‪ ،‬ويف نفع الوقت سريجعون إىل املدينععة بةعععة قبععد أن حتةععد‬

‫م اكد من اليهوخ أو املرشكني‪ .‬ثم أْم سيستعيدون جزء ًا مععن أمالكهععم املسععلوبة‪ ،‬ويوقعععون‬

‫الرهبة يف قلوب أعدائهم‪ ،‬فكانت هذه فكرة فيها أكثر من فائدة‪ ،‬وبذلك يرفد املسلمون الظلععم‬

‫عن كاهلهم بمهامجة قوافد قريش‪ .‬وطبع ًا هم يف حالة حرب حقيقية‪ ،‬وليع هناك أي جمال ملععا‬

‫يطعن به املسترشقون والعلامنيون بُن املسلمني يغريون عىل اآلمن من قريش‪ ،‬هذه حرب معلنة‬

‫بني خولة املدينة املسلمة وبني خولة مكة الكافرة‪ ،‬وكد طرف مععن الطععرفني يسععتحد خ اآل ععر‬

‫وماله‪ ،‬وكد طرف من الطرفني يرضب مةالح اآل ر‪ ،‬وهذا عرف يف حالععة احلععرب متعععارف‬

‫عليه يف كد األلمان واألماكن‪ ،‬واإلسال خين واقعي يرخ القوة بالقوة‪ ،‬وي هر السيف يف وجععه‬

‫السعبِ ُيد َعع َىل‬ ‫َْص َب ْعدَ ُم ْل ِم ِه َف ُُ ْو َل ِئ َك َما َع َل ْي ِه ْم ِم ْن َسبِ ٍ‬


‫يد * إِن ََّام َّ‬ ‫من أشهر السيف عليه‪َ { :‬وملَ ِن انت َ َ‬
‫حلعع أق ُأ ْو َل ِئعع َك َ ُهلعع ْم َععع َذاب َأ ِلععيم}‬ ‫ون ِيف األَ ْر ِ‬
‫ض بِ َغعع ْ ِري ا ْ َ‬ ‫اس َو َي ْب ُغعع َ‬
‫النعع َ‬ ‫َّالعع ِذي َن َي ْظ ِل ُمعع َ‬
‫ون َّ‬

‫[ال ورى‪.]42 - 41:‬‬

‫ثم بعد ذلك يلومون املسلمني أْم هيامجون قافلة من قوافععد قععريش التععي سععلبت كععد أمععوال‬

‫املسلمني‪ ،‬وال يلومون من سلب أموال شعب بكامله‪ ،‬وهذا حيةد كثري ًا ونراه يف التاريخ‪.‬‬

‫كذلك يستاءون لو أن املسلمني قتلوا من قتلهم قبد ذلك وعذهبم ورشخهم‪ ،‬وال يستاءون ممععن‬

‫أباخ ال عوب بالباروخ والنابامل واليورانيو والقنابععد العنقوخيععة وغععري ذلععك‪ .‬مععوالين لتلفععة‬

‫ومكاييد متباينة؛ ألْم حيكمون بغري ما أنزل اهلل عز وجد‪.‬‬


‫‪407‬‬
‫تربية النبي ﷺ ألصحابه عىل الفهم الةحيح للهدف من وراء القتال‬

‫أ ذ املسلمون قرار ًا بمهامجة قوافد قريش املتجهة إىل ال ا ‪ ،‬لكععن قبععد التخطععيط العسععكري‬

‫ملهامجة قوة قريش ال بد من تربية اصة لنفوس املسلمني‪ .‬اآلن هنععاك ت ععريد جديععد‪ ،‬قععانون‬

‫يسمح بالقتال‪ ،‬فالبد أن نعرف ملاذا سنقاتد؟ وماذا لو قتلت يف املعركة؟ وماذا لو انتةععر ؟‬

‫إن هذه األمور مل يعرفها املسلمون قبد ذلك؛ ألن الترشيد جديد والظروف جديدة‪ ،‬لكننا نجد‬

‫الرسول ﷺ بدأ يعلم املسلمني ليع فقط كيف يقاتلون‪ ،‬ولكن يف سبيد من يقاتلون‪.‬‬

‫فالقتال يف اإلسال ليع إال يف سبيد اهلل عز وجد‪ ،‬لععيع يف سععبيد الععنفع‪ ،‬وال القائععد وال يف‬

‫سبيد الدنيا بُرسها‪ ،‬إنام هو يف سبيد اهلل؛ لذلك فإنك جتد خائع ًام كلمععة اجلهععاخ يف القععر ن أو يف‬

‫يى ِمع َن ُْاملع ْؤ ِمنِ َ‬


‫ني َأن ُف َسع ُه ْم‬ ‫السنة تُيت خائ ًام مقرونة بكلمة‪( :‬يف سبيد اهلل) قال تعاىل‪{ :‬إِ َّن اهللََّ ْاش َ َ‬
‫ون} [التوبة‪ ]111:‬إىل ر اآليا ‪.‬‬ ‫ون َو ُي ْق َت ُل َ‬
‫يد اهللَِّ َف َي ْق ُت ُل َ‬ ‫اجلَنَّ َة ُي َقاتِ ُل َ‬
‫ون ِيف َسبِ ِ‬ ‫َو َأ ْم َو َاهل ُ ْم بِ َُ َّن َهل ُ ُم ْ‬

‫وروى البخاري عن أا هريرة ريض اهلل عنه أن الرسول ﷺ قال‪( :‬والذي نفيس بيده‪ ،‬لععوخخ‬

‫أن أغزو يف سبيد اهلل فُقتد‪ ،‬ثم أغزو فُقتد‪ ،‬ثم أغععزو فُقتععد)‪ .‬وجتععد هععذا متكععرر ًا يف القععر ن‬

‫والسنة‪ ،‬وهو لالف متام ًا ألغراض احلرب عند غري املسععلمني أو عنععد اجليععوع العلامنيععة مععن‬

‫املسلمني‪ ،‬منهم من يقاتد رغبة يف سبيد املال أو السلطة أو التملععك‪ ،‬ومععنهم مععن يقاتععد رهبع ًا‬

‫و وف ًا من القائد أو العقاب‪ ،‬فليست هناك قضية حقيقية يقاتد من أجلها‪ ،‬ومن ثم يقاتععد بععال‬

‫محاسة وال روح وال هدف؛ لذلك فليع عنده أي مععاند مععن أن هيععرب مععن اجلععيش إن أمكععن‬

‫اهلروب‪ ،‬أو هيرب من أرض القتال نفسععها؛ ألنععه ضععاعت النوايععا واألهععداف‪ ،‬أمععا القتععال يف‬

‫اإلسال فمختلف‪ ،‬هو قتال يف سبيد اهلل‪ ،‬واهلل عز وجد حي ال يمو ؛ لذلك فإن روح اجلهاخ‬

‫عالية بةورة مستمرة وتلقائية يف كد فرخ‪.‬‬

‫‪408‬‬
‫قا الرسول ﷺ باإلعداخ اليبوي والنفيس عىل أعىل مستوى‪ ،‬وأصبح الةف اإلسالمي فع ً‬
‫ال‬

‫جاهز للةدا املروع مد قريش‪ ،‬لكن مد ذلك مل خيرج الرسول ﷺ إىل القتال روج ًا ع وائي ًا‬

‫خون ختطيط‪ ،‬بد جهز مةح العمليا بقدر ما يستطيد‪ ،‬كام قلنععا قبععد ذلععك أنععه عقععد بعععض‬

‫املعاهدا مد القبائد التي تقد يف غرب املدينة املنورة‪ ،‬وهذه القبائد تسيطر عععىل املنطقععة التععي‬

‫متر منها قوافد قريش‪ ،‬فالرسول ﷺ عقد معاهدا جوار وخفعاع م ععيك‪ ،‬وهبععذه املعاهععدا‬

‫سيحيد عىل األقد جانب هذه القبائد‪ ،‬وسيطمئن إىل أنه لن يرضب من مهره يف أثنععاء احلععرب‬

‫مد قريش‪ ،‬وسيقو كام سنرى بعقد معاهدا أ رى كلام استطاع مد بعض القبائععد األ ععرى‬

‫يف املنطقة وحوهلا‪.‬‬

‫أسباب تكوين الدوريا اإلسالمية من املهاجرين فقط‬

‫بدأ الدوريا العسكرية اإلسالمية بالفعد جتوب املنطقععة حععول املدينععة املنععورة بحثع ًا عععن‬

‫قوافد قريش املتجهة إىل ال ا ‪ ،‬ونالحظ شيئ ًا مه ًام يف هذه الدوريا ‪ ،‬فهععي مكونععة فقععط مععن‬

‫املهاجرين وليع فيها أنةاري واحد‪ ،‬وذلك لعدة أسباب‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬املهاجرون هم الذين وقد عليهم الظلم من قععريش‪ ،‬فحععرهبم مععد قععريش سععتبقى حربع ًا‬

‫مفهومة عند كد أهد اجلزيرة العربية‪ ،‬فيعذر أهد اجلزيرة العربية املسلمني متام ًا يف هذه احلرب‪،‬‬

‫وبذلك ال تفهم صورة اإلسال بطريقة اطئة وبالذا يف أيا اإلسععال األوىل التععي مل يسععمد‬

‫الناس فيها عن اإلسال ‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املهاجرون سيكونون أكثر محية وأشد قوة يف حرهبم مد قريش؛ لكععوْم يسععيخون حقع ًا‬

‫شخةي ًا هلم سلبته قريش؛ لذا ستكون فرصة النْص يف جيش املهاجرين أكرب من فرصة النةعر‬

‫يف اجليش املختلط من املهاجرين واألنةار‪.‬‬

‫‪409‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬املهاجرون يعرفون أهد قريش‪ ،‬ويعرفون طرق حرهبم وطرق قتععاهلم‪ ،‬فقععد عاشععوا بععني‬

‫أمهرهم فية طويلة من الزمان‪ ،‬فهم يعرفععون القععاخة‪ ،‬ويعرفععون إمكانيععاهتم العسععكرية بكععد‬

‫التفاصيد‪ ،‬وهذا األمر سيعطي فرصة أكرب للنْص‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬رفد الروح املعنوية للمهاجرين‪ ،‬فاملهاجرون تركوا الديار واألموال‪ ،‬وهذه فرصة لرفععد‬

‫الروح املعنوية‪ ،‬وتعويض ما ةوه ماخي ًا ومعنوي ًا‪.‬‬

‫وقد يكون هناك أسباب أ رى ال تيار املهاجرين قد ال نعلمها‪ ،‬لكن السبب الععرئيع يف هععذا‬

‫األمر‪ :‬هو أن الرسول ﷺ مل يرخ أن حيرج األنةار باخلروج للقتال ضد قععريش ععارج املدينععة؛‬

‫ألن األنةار ملا بايعوا بيعة العقبة الثانية بايعوا عععىل أن ينْصععوا الرسععول ﷺ يف خا ععد املدينععة‬

‫املنورة إن أتى إليهم‪ ،‬ومل يبايعوه عىل احلرب ععارج املدينععة‪ ،‬والرسععول ﷺ لععو أمععر األنةععار‬

‫ألطاعوه‪ ،‬لكنه ال يريد أن يسبب هلم اإلحراج‪ ،‬وكان ﷺ وفي ًا يف كد عهوخه‪ ،‬ال يُ ععذ النععاس‬

‫أبد ًا بسيف احلياء‪.‬‬

‫رسايا وغزوا النبي ﷺ‬

‫كام أننا وقفنا وقفة مد نوعية املقاتلني ال بد أن نقف وقفة أ رى مد أولئععك الععذين اسععتخلفهم‬

‫ﷺ عىل املدينة املنورة عندما رج بنفسه للقتال‪ .‬هناك ثامن غزوا ورسايععا متععت قبععد غععزوة‬

‫بدر‪ ،‬من رمضان يف السنة األوىل هجرية إىل رمضان يف السنة الثانية هجريععة‪ ،‬سععنة كاملععة متععت‬

‫فيها ثامن غزوا ورسايا‪.‬‬

‫الغزوة‪ :‬هي التي كان خيرج فيها ﷺ بنفسه‪ ،‬وحينها كان يستخلف أحععد أصععحابه عععىل املدينععة‬

‫املنورة‪ .‬أما الةية فهي التي يرسد فيها بعض اجلنوخ بقائد من الةحابة‪ ،‬وال خيرج فيها ﷺ‪.‬‬

‫‪410‬‬
‫لرسول ﷺ أربد رسايا وأربد غزوا ‪ ،‬فاألربد الغزوا التي رج فيها استخلف عىل املدينععة‬

‫أناس ًا من أصحابه‪ ،‬استخلف مرة سعد بن عباخة‪ ،‬ومرة سعد بن معاذ‪ ،‬ومععرة ليععد بععن حارثععة‪،‬‬

‫ومرة أبا سلمة بن عبد األسد ريض اهلل عنهم أمجعني‪.‬‬

‫أما تنوع الرجال فُمر مفهو ‪ ،‬فقد كان يرا قياخا تسععتطيد حتمععد املسععئولية‪ ،‬ويععدرهبم عععىل‬

‫القياخة تدريب ًا حقيقي ًا واقعي ًا‪ .‬كام أن قياخة سعد بن عبععاخة وسعععد بععن معععاذ للمدينععة املنععورة يف‬

‫غياب الرسول ﷺ أمر مفهو أيض ًا؛ وذلك ألن سعد بن عباخة سيد اخلزرج‪ ،‬وسعد بععن معععاذ‬

‫سيد األوس‪ ،‬لكن الالفت للنظر حق ًا هو والية ليععد بععن حارثععة ريض اهلل عنععه يف رسيععة‪ ،‬وأا‬

‫سلمة بن عبد األسد يف رسية أ ععرى‪ ،‬وهععذان االثنععان مععن املهععاجرين وليسععا مععن األنةععار‪،‬‬

‫وواليتهم عىل املدينة املنورة مستغربة جد ًا‪ ،‬وإن كانت تدل عىل يشء فإْععا تععدل عععىل أمععور يف‬

‫غاية الرقي‪ ،‬منها‪ :‬طاعة األنةار الكاملة لرسععول اهلل ﷺ‪ ،‬ومنهععا‪ :‬أن املدينععة أصععبحت كيانع ًا‬

‫واحدً ا‪ ،‬ال فرق فيها بني مهاجر وأنةاري‪ ،‬ولهد األنةععار يف الععدنيا‪ ،‬وعععد رغبععتهم أبععد ًا يف‬

‫الرئاسة أو امللك‪.‬‬

‫فإذا أضفت إىل كد ذلك أن ليد بن حارثععة ريض اهلل عنععه وأرضععاه كععان مععوىل يبععاع وي ععيى‬

‫علمت مدى االنقالب اهلائد الذي أحدثه اإلسال يف نفوس العرب كافة‪ ،‬حتععى قبععد أرشاف‬

‫األنةار وأرشاف املهاجرين بوالية ليد بن حارثة علععيهم‪ ،‬مععا خا حيكمهععم باإلسععال وبععُمر‬

‫رسول اهلل ﷺ‪ .‬واجلميد يف ذلك أن هذا التغري اهلائد يف طبيعععة العععرب مل يتطلععب أعوامع ًا وال‬

‫قرون ًا‪ ،‬بد عدة شهور فقط! ليد بن حارثة ريض اهلل عنه وأرضاه تععوىل قيععاخة املدينععة ملععا ععرج‬

‫الرسول عليه والسال يف غزوة سفوان‪ ،‬وكان غزوة سفوان يف ربيععد األول مععن السععنة الثانيععة‬

‫هجرية‪ ،‬أي‪ :‬بعد حوايل اثني عرش شهر ًا من قدو رسول اهلل ﷺ إىل املدينة املنععورة‪ .‬فععانظر إىل‬

‫‪411‬‬
‫تربية اإلسال كم هي مجيلة‪ ،‬وانظر إىل التغري اهلائد الععذي حيدثععه اإلسععال يف قلععوب النععاس‪،‬‬

‫وهذا ال يكون إال ملنهج رب العاملني سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫أما بالنسبة للةايا والغزوا التي حةلت فكانت باليتيب اآليت‪ :‬كانت ثامن غزوا ورسايا‬

‫مثد ما قلنا؛‬

‫فالةية األوىل رسية سيف البحر‪ِ ،‬سيف البحر‪ ،‬أي‪ :‬ساحد البحر بكة السني وليع بفتحععه‪،‬‬

‫كانت يف رمضان سنة واحد هجرية‪.‬‬

‫الةية الثانية‪ :‬رسية رابغ يف شوال سنة واحد هجرية‪ ،‬بقياخة عبيععدة بععن احلععاره بععن املطلععب‬

‫ريض اهلل عنه‪.‬‬

‫ريض‬ ‫الةية الثالثة‪ :‬رسية اخلرار يف ذي القعدة سنة واحد هجرية‪ ،‬بقياخة سعد بععن أا وقععا‬

‫اهلل عنه‪.‬‬

‫ثم بعد ذلك غزوة األبواء وتسمى وخان يف صفر من السنة الثانية هجرية بقيععاخة الرسععول ﷺ‪،‬‬

‫ومل حتده يف ذي احلجة وحمر غزوا ورسايا؛ ألْا أشهر حر ليع فيها قتال‪.‬‬

‫بعد ذلك‪ :‬غزوة بواط‪ ،‬يف ربيد أول سنة اثنني هجرية بقياخة الرسول ﷺ‪.‬‬

‫بعد ذلك‪ :‬غزوة سفوان يف ربيد أول أيض ًا سنة اثنني هجرية بقياخة الرسول ﷺ‪.‬‬

‫السابعة‪ :‬غزوة ذي الع رية يف مجاخى األوىل سنة اثنني هجرية‪ ،‬بقياخة الرسول ﷺ‪.‬‬

‫الثامنة‪ :‬رسية نخلة يف رجب سنة اثنني هجرية بقياخة عبد اهلل بن جحش ريض اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫‪412‬‬
‫الفوائد املستنبطة من الةايا والغزوا‬

‫بنظرة عامة عىل هذه الةايا والغزوا نجد أنه مل حيده قتال يف املعارك السبعة األوىل تقريبع ًا‪،‬‬

‫ومد ذلك مل ختد هذه املعارك من فوائد كثرية جد ًا؛‬

‫أوالً‪ :‬هذه املعارك كة احلاجز النفيس الكبري الععذي كععان عنععد املسععلمني‪ .‬فاملسععلمون كععان‬

‫عندهم حاجز نفيس‪ ،‬فقد مكثوا أربد عرشة سنة بالتام والكامل ال يقاتلون‪ ،‬واملسععلمون ُأمععروا‬

‫بعد محد السيف يف وجه من يظلمهم طيلة هذه املدة‪ ،‬وترك الدفاع عن النفع كد هذه الفععية‬

‫قد يوره ضعف ًا يف النفع أو شعور ًا بقلة احليلة‪ ،‬وقد يؤخي إىل ما يسمى بإلف الذل أو اهلوان‪،‬‬

‫فجاء هذه الةايا و الغزوا البسيطة نسبي ًا كوسيلة متدرجة للةعععوخ بنفسععيا الةععحابة‬

‫من حالة االستكانة إىل حالة االستنفار والنهوض‪ ،‬ومن حالة الةرب عىل عد الدفاع إىل حالععة‬

‫الةرب عىل تبعا اهلجو ‪ .‬نقلت هذه الةايا والغزوا جيد املهاجرين من كوْم جمرخ مجاعة‬

‫مضطهدة مرشخة‪ ،‬إىل كوْم خولة ممكنة‪ ،‬هلا جيش ينفذ لططا وحيافظ عععىل األمععن ويرهععب‬

‫األعداء وحيفظ الكرامة وهكذا‪ ،‬فكانت فع ً‬


‫ال نقلة نفسية يف منتهى الروعة‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬هذه الغزوا والةايا خربت الةحابة عىل فنون القتععال‪ ،‬وخربععتهم عععىل ركععوب اخليععد‬

‫واحلرب عىل اإلبد واملناورة واخلطة والتحرك واليقب‪ ،‬ففرسان العععرب بةععفة عامععة كععانوا‬

‫يركبون اخليد واإلبد وحياربون بالسيف والدرع‪ ،‬لكن ليع من املمكن أن ند د حرب ًا ضخمة‬

‫بدون تدريب‪ ،‬اصة أن املسُلة ليست جمرخ مسابقة أو استعراض‪ ،‬بد مسععُلة حيععاة أو مععو ‪،‬‬

‫مسُلة بقاء أمة أو فناء أمة‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬هذه الدوريا العسععكرية ت‬


‫عرفععت املسععلمني الععدروب والطععرق حععول املدينععة املنععورة‪،‬‬

‫فاملهاجرون ليسوا من أهد املدينة املنورة‪ ،‬وال يعرفون الطرق واملسالك حول املدينة املنورة‪.‬‬

‫‪413‬‬
‫رابع ًا‪ :‬هذه الدوريا أشعر القبائد املحيطععة بقععوة املسععلمني‪ ،‬وك ععفت جععرأة املسععلمني يف‬

‫مواجهة قريش‪ ،‬مد أن قري ًا هي أكرب القبائد العربيععة وأقواهععا‪ .‬ال شععك أن هععذه الععدوريا‬

‫أخ لت الرهبة يف قلوب هذه القبائد وبالذا األعععراب‪ ،‬وبععدءوا حيسععبون للمسععلمني ألععف‬

‫حساب‪.‬‬

‫امس ًا‪ :‬نتيحة هذه القوة التي مهر للمسلمني اسععتطاع املسععلمون أن يقومععوا بعقععد بعععض‬

‫املعاهدا مد بعض قبائد املنطقة غري قبيلة ُج َهينة‪ ،‬كقبيلة بني َضمرة وغريها من القبائد‪ ،‬مععن‬

‫أجد ذلك رسخ املسلمون أقدامهم يف املنطقة‪.‬‬

‫ساخس ًا‪ :‬أن هذه الدوريا العسكرية أرسلت رسالة واضحة إىل قععريش‪ ،‬هععذا إعععالن رسععمي‬

‫للحرب من قبد الدولة اإلسالمية‪ ،‬مد أن قري ًا أعلنت احلرب من قبد‪ ،‬لكن هذا أول إعععالن‬

‫رسمي من الدولة اإلسالمية للحرب عىل قريش‪ .‬العالقة لن تستمر بني املسلمني وقععريش كععام‬

‫كانت من قبد‪ ،‬لن تستمر كعالقة مامل بمظلو ‪ ،‬أو كعالقة مستبد بمقهور ال‪ ،‬ستةبح من اآلن‬

‫عالقة خولة بدولة أ رى تكافئها وتنامرها‪ ،‬ومن املؤكد أن هذا سيؤثر سلب ًا عععىل نفسععية أهععد‬

‫مكة‪ ،‬فإْم يرون قوة املسلمني تتنامى واألعداخ تتزايد‪ ،‬وجرأة املسلمني تةد إىل حععد مهامجععة‬

‫قريش ال جمرخ الدفاع عععن الععنفع‪ ،‬فهععذه الفائععدة كانععت مععن أعظععم فوائععد هععذه الععدوريا‬

‫اإلسالمية‪.‬‬

‫وقفا مد رسية نخلة‬

‫إذا كان هذا التحليد ينطبق عىل السبد املعارك األوىل‪ ،‬فاملعركة األ رية التي كانت رسية نخلة‪،‬‬

‫حتتاج إىل وقفة اصة‪ .‬هذه الةية رجت من املدينة املنورة يف شهر رجب سنة اثنني هجرية؛‬

‫‪414‬‬
‫العياض قافلة لقريش ستمر بمنطقة نخلة‪ ،‬ونخلة منطقععة تقععد بععني مكععة والطععائف‪ ،‬وهلععذه‬

‫الةية م كلتان كبريتان‪ ،‬امل كلة األوىل يف املكان وامل كلة الثانية يف الزمان‪.‬‬

‫أما م كلة املكان‪ :‬فهي أن منطقة نخلة تقد عىل بعد حوايل أربعامئة وثامنني كيلو مي ًا من املدينة‬

‫املنورة‪ ،‬فهي مسافة طويلة جد ًا اصة أن الةية عدخ اخلارجني فيها اثنععا عرشع مقععات ً‬
‫ال فقععط‪،‬‬

‫أمرها طري جد ًا جد ًا‪ ،‬ويف نفع الوقت نخلة قريبة جد ًا من مكة‪ ،‬فلو علم املرشكون بُمر هذه‬

‫الةية‪ ،‬فإن قتال هذه الةية سيكون أمر ًا ميسور ًا عىل جيش مكععة‪ .‬مععن أجععد هععذا كععان مععن‬

‫املتوقد أن املسلمني ييخخون يف أمر اخلروج يف هذه الةية؛ لذلك ا تععار الرسععول ﷺ طريقععة‬

‫فريدة جد ًا إل راج هذه الةية‪ ،‬مل يكرر هذه الطريقة مد رسايا أ رى‪.‬‬

‫هذه الطريقة‪ :‬أنه كتب تكليف هذه الةية يف كتاب مغلق‪ ،‬وأعطاه لقائععد الةععية عبععد اهلل بععن‬

‫جحش ريض اهلل عنه‪ ،‬وأمره أن يسري هبذا الكتاب املغلق مدة يومني‪ ،‬وبعد يومني يفتح الكتاب‬

‫ويقرؤه‪ ،‬وبعد أن فتح عبد اهلل بن جحش الكتاب وجد فيه‪( :‬إذا نظر يف كتععاا هععذا فععامض‬

‫حتى تنزل نخلة بني مكة والطائف‪ ،‬فيصد هبا عري قريش‪ ،‬وتعلم لنا من أ بارهم) وأمععره ﷺ‬

‫أال يكره من معه عىل اخلروج إىل هناك‪ ،‬أي‪ :‬كد واحد خيرج بإراخته الكاملة‪ ،‬وهنا قا عبععد اهلل‬

‫بن جحش ريض اهلل عنه وقال ألصحابه‪( :‬مععن أحععب ال ععهاخة فليععنهض‪ ،‬ومععن كععره املععو‬

‫فلريجد‪ ،‬وأما أنا فناهض)‪ ،‬فنهضوا مجيع ًا معه واجتهوا إىل منطقة نخلة‪.‬‬

‫والذي جعد الرسول ﷺ يعمد هذا التوجيه الفريععد هلععذه الةععية هععو صعععوبة املهمععة وبعععد‬

‫املسافة‪ ،‬فلو أنه أمر الةحابة أمر ًا مبارش ًا يف املدينة باخلروج إىل هذه املسافة البعيععدة قععد يععيخخ‬

‫البعض يف التكليف‪ ،‬لكن إذا أتاهم التكليف بعد قطد مسرية يومني ‪-‬مخععع الطريععق تقريبع ًا‪-‬‬

‫فإْم سيكونون عىل االجتاه ولن ييخخوا إن شاء اهلل‪ ،‬ومد ذلععك مل يععرخ ﷺ أن يفععرض علععيهم‬

‫هذا األمر ال اق فرض ًا‪ ،‬بد ترك هلم حرية اال تيار‪ ،‬وهو يعرف خرجة إيامْم‪ ،‬وثيق ثقة كاملععة‬
‫‪415‬‬
‫يف أْم سيكملون املهمة ويةلون إىل نخلة‪ ،‬وهذا الذي حةد بالفعععد‪ .‬هععذه كانععت م ععكلة‬

‫املكان‪ .‬أما م كلة الزمان فكانت أصعب‪ ،‬فهععذا اخلععروج كععان يف شععهر رجععب‪ ،‬ورجععب كععام‬

‫تعرفون من األشهر احلر ‪ ،‬والعرب بكاملهم سواء كانوا من املسلمني أو من الكافرين حيرمون‬

‫القتال يف األشهر احلر ‪ ،‬وكثري من الفقهاء يقولون‪ :‬إن هذا احلكم نسخ‪ ،‬لكن يف ذلععك الوقععت‬

‫هذا احلكم مل يكن منسو ًا‪ ،‬فالقتال يف ال هر احلرا حرا عىل املسلمني وعىل الكافرين‪ ،‬حتععى‬

‫إن الرسول ﷺ مل يُمر الةحابة بالقتال ال تْصحي ًا وال تلميحع ًا‪ .‬قععال هلععم‪( :‬فيصععد هبععا عععري‬

‫قريش‪ ،‬وتعلم لنا من أ بارهم) فقط‪.‬‬

‫وصد الةحابة بالفعد إىل منطقة نخلة‪ ،‬ووجدوا القافلة التي ذكرهععا ﷺ‪ ،‬لكععنهم وصععلوا يف‬

‫ر ليلة من ليايل ال هر احلرا رجب‪ ،‬والقافلة متجهة إىل مكععة‪ ،‬وبعععد ليلععة واحععدة سععتكون‬

‫خا د مكة‪ ،‬فلو تركوا القافلة حتى تنتهي ليايل شهر رجب ستد د القافلة حر مكة‪ ،‬والقتععال‬

‫يف مكة حرا كذلك‪ ،‬وستفلت القافلة‪ ،‬وهذه القافلة كانت فرصة كبرية للمسلمني‪.‬‬

‫أوال‪ :‬ستكون أول رضبة لقريش؛ ألن كد الغزوا والةايا مل تسفر حقيقة عععن أي غنععائم أو‬

‫انتةارا ‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬هذه الرضبة يف عمق اجلزيرة العربية بعيد ًا جد ًا عن عقر خار املسععلمني‪ ،‬وقريبع ًا جععد ًا مععن‬

‫عقر خار الكافرين‪ ،‬فهي حتمد جرأة ال ختفى عىل أحد‪ ،‬ومن املؤكععد أنععه يكععون هلععا أثععر سععلبي‬

‫ضخم عىل املرشكني‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬مل يكن يف القافلة إال أربعة رجال فقط‪ ،‬فاحلراسة ضعيفة‪ ،‬واملسلمون كانوا ع ععرة‪ ،‬كععان‬

‫وعتبة بن غزوان ريض‬ ‫عدخهم قبد ذلك اثني عرش رجالً‪ ،‬لكن اثنني منهم سعد بن أا وقا‬

‫‪416‬‬
‫اهلل عنهام ضد هلام بعري قبد وصوهلم إىل نخلة‪ ،‬فذهبا للبحث عنه فوجد الةحابة القافلععة متععر‪،‬‬

‫والةحابة يف هذا الوقت عرشة‪ ،‬والقافلة فيها أربعة‪ ،‬ففرصة القتال ممكنة‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬املسلمون يف هذه الةية من املهاجرين‪ ،‬وقد أوذوا إيذا ًء مبارش ًا من قععريش‪ ،‬فقائععد هععذه‬

‫الةية عبد اهلل بن جحش كان أبو سفيان بن حرب قد استوىل عىل خاره وباعهععا وأكععد ثمنهععا‪،‬‬

‫فاملهاجرون ي عرون من خا لهم بُذى شديد تلقوه من قريش‪ ،‬فهذه فرصة أن القافلة أمامهم‪.‬‬

‫لكن يف نفع الوقت كانت هذه الةية يف ر ليلة يف ال هر احلرا رجب‪ ،‬والقتال فيععه ممنععوع‬

‫فهد يتقيد الةحابة بالقوانني التي انتهكها عدوهم الف املرا ‪ ،‬ويضععيعون فرصععة السععيطرة‬

‫عىل القافلة‪ ،‬أ يرمون بالقانون عرض احلائط وهيجمون عىل القافلة؟ هد يرفد الةحابة الظلم‬

‫الذي وقد عليهم منذ سنني‪ ،‬وقد جاء فرصة قد ال تتكرر بسهولة‪ ،‬أ ييكون هععذه الفرصععة‬

‫الثمينة؟ هد يراعي املسلمون اآلن ال هر احلرا ‪ ،‬وال يعتدون عىل قريش وقد سععلبت أمععواهلم‬

‫وهتكت أعراضهم وأراقت خماءهم يف مكة البلد احلرا ‪ ،‬ويف األشهر احلرا قبد ذلك عععىل يععد‬

‫أصحاب القافلة أنفسهم‪ ،‬هد يفعلون ذلك‪ ،‬أ ينتقمون ألنفسهم وقد جاءهتم الفرصة؟‬

‫كانت أسئلة حمرية جد ًا يف أذهان الةحابة‪ ،‬فقد جلسوا سوي ًا يت اورون‪ ،‬وبعد ال ورى أ ذوا‬

‫القرار‪ ،‬والقرار كان برفد الظلم الذي وقد عليهم‪ ،‬واهلجو عىل القافلة يف الليلة األ ععرية مععن‬

‫شهر رجب‪ .‬وبالفعد قامت الفرقة اإلسالمية باهلجو عىل القافلة‪ ،‬وقتد يف هذا اهلجععو أحععد‬

‫املرشكني وكان اسمه عمرو بن احلرضمي وأرس اثنان مععن امل ععركني‪ :‬عععثامن بععن عبععد اهلل بععن‬

‫املغرية‪ ،‬واحلكم بن كيسان ‪ ،‬وفر الرابععد وكععان اسععمه نوفععد بععن عبععد اهلل بععن املغععرية ‪ ،‬وغععنم‬

‫املسلمون القافلة بكاملها‪ ،‬وعاخوا إىل املدينة باألسريين والقافلة‪ ،‬وقد حققوا انتةار ًا مل حيققوه‬

‫قبد ذلك‪ .‬وهذان األسريان كانا أول أسريين يف اإلسال ‪ ،‬والقتيد هععو أول قتيععد يف اإلسععال ‪،‬‬

‫وهذه أول غنائم يف اإلسال ‪ ،‬كان يوم ًا فاص ً‬


‫ال يف تاريخ اجلزيرة العربية‪.‬‬

‫‪417‬‬
‫قامت الدنيا بعد هذا احلده ومل تقعد‪ ،‬وتباينت راء الناس متام ًا يف هذا احلععده‪ ،‬فقععريش عععىل‬

‫كفرهم وملمهم وتكربهم وإجرامهم يف حق املسلمني لبسوا لباس الرشف والدين واأل الق‬

‫وقالوا‪ :‬إن املسلمني انتهكوا احلرما ‪ ،‬و الفوا األعراف‪ ،‬وتعدوا عععىل القوانني؛سععبحان اهلل!‬

‫قريش تتحده عن احلرما واألعراف والقوانني؟! أمل تكن مكة بلععد ًا حرامع ًا حععر فيععه قتععد‬

‫احليوان وقطد النبا فض ً‬


‫ال عن إيذاء اإلنسان؟! أمل تكن هناك لالفة ألعراف مكععة واجلزيععرة‬

‫عندما ختىل األهد واألحباب واألصحاب عن أرشف الرجال حممد ﷺ ‪ ،‬والذي كانوا يلقبونععه‬

‫بالةاخق األمني؟! أمل يغروا به سفهاءهم‪ ،‬وأهانوه هو وصحبه‪ ،‬حتععى اضععطر إىل تععرك الععديار‬

‫واألهد الع رية؟! أليع من قععوانني مكععة واجلزيععرة أال يظلمععوا وأال يقبلععوا بظلععم؟ أليسععت‬

‫أجساخ املسلمني حرما ؟ أمل ت هد مكة البلد احلرا جلد ًا وإغراقع ًا وإحراقع ًا وتقتععي ً‬
‫ال لرجععال‬

‫ونساء‪ ،‬ليست هلم جريمة إال أْم أمنوا باهلل عز وجد؟! أمل تكن هذه الدماء حرام ًا‪ ،‬أين احيا‬

‫القوانني؟ أين حفظ احلرما ؟ أين االلتزا باألعراف؟ ملاذا أراخ قععريش أن يطبععق القععانون‬

‫عىل املسلمني يف مرة واحدة الفوا فيها‪ ،‬بينام هي مل تطبق عىل نفسها القانون يف مرا ومععرا‬

‫متت فيها املخالفة ب كد علني ورصيح؟ هذا هو الكيد بمكيالني‪ ،‬وهو سلوك كد الظاملني‪ ،‬ال‬

‫يلجئون إىل القانون إال إذا كان حيكم هلم‪ ،‬فإن حكم لغريهم كانوا أول املخالفني‪ ،‬أهععذا منطععق‬

‫يعتد به؟!‬

‫وإىل اآلن ‪-‬سبحان اهلل‪ -‬كثري من الدول الظاملة تعععيش هبععذا املبععدأ الفاسععد‪ ،‬كععد يععو تنتهععك‬

‫األعراف العاملية‪ ،‬وتدمر القوانني الدولية‪ ،‬وليع هناك من يتكلم أو يعععيض عععىل هععذا‪ ،‬فععإذا‬

‫الف املسلمون مرة قامت الدنيا ومل تقعد‪ .‬كثري جد ًا من خول العامل متتلععك السععالح النععووي‪،‬‬

‫ولو فكر خولة إسالمية يف امتالك السالح النووي قامت الععدنيا ومل تقعععد‪ ،‬فععام هععو الفععرق؟‬

‫‪418‬‬
‫أليع هذا كيد بمكيالني؟ أحرا عىل املسلمني وحالل لغريهم؟ هذا ال يمكععن أبععد ًا أن يكععون‬

‫منطق احلق والعدل‪ ،‬هذا منطق القوة الغاشمة الظاملة‪ ،‬وهذا كان منطق قريش يف ذلك الوقت‪.‬‬

‫مل تكن ثورة قريش اإلعالمية إليامْا احلقيقي بعد جوال ععرق القععانون‪ ،‬إنععام كانععت الثععورة‬

‫لكوْا هي املترضرة‪ ،‬ولو كان غريها هو الذي وقد عليها الرض ما تكلمععت‪ ،‬بععد لعلهععا كانععت‬

‫ون * َوإِ َذا‬ ‫ني * ا َّل ِذي َن إِ َذا اك َْتعا ُلوا َعع َىل النَّع ِ‬
‫اس َي ْسعت َْو ُف َ‬ ‫ستؤيد وتبارك‪ ،‬قال تعاىل‪َ } :‬و ْيد لِ ْل ُم َط أف ِف َ‬
‫ْة َ‬
‫ون{ [املطففني‪.]3-1:‬‬ ‫ِ‬ ‫وه ْم َأ ْو َو َلن ُ‬
‫كَا ُل ُ‬
‫ُوه ْم ُخي ُ‬

‫كان هذا موقف قريش‪ ،‬فام هو موقف الرسول عليه السال ؟‬

‫يف احلقيقة إن الرسول ﷺ وضد يف حرج شديد‪ ،‬فالرسول عليه السععال مل يكععن عنععده وحععي‬

‫متام ًا هبذه املسُلة‪ ،‬وهو ﷺ ال يقر بةفة عامة رق القوانني واحلرمععا ‪ ،‬فلععم يععُمر بقتععال يف‬

‫ال هر احلرا ‪ ،‬ومل يرخه‪ ،‬حتى إنه مل يسعد بام حده عندما سمد به‪ ،‬بالرغم أن املسععلمني عععانوا‬

‫قبد ذلك الم ًا كثرية جد ًا‪ ،‬وبرغم أن هععذا أول قتيععد يف اإلسععال وأول أسععريين يف اإلسععال ‪،‬‬

‫وأول قافلة يف اإلسال ‪ ،‬مل يفرح هبذا املوقف كله‪ .‬توقف ﷺ ‪ ،‬فاملسُلة عنده مسُلة مبععدأ ﷺ ‪،‬‬

‫وأنكر عىل الةحابة ما فعلوه‪ .‬قال‪( :‬ما أمرتكم بقتال يف ال هر احلرا )‪ ،‬ومل يكتف بذلك‪ ،‬بععد‬

‫أوقف التْصف بالقافلة‪ ،‬وأوقف التْصف يف األسريين إىل أن يُيت وحععي يرشععد املسععلمني إىل‬

‫القرار األحكم يف هذه القضية‪ .‬هذا كان موقف الرسول ﷺ ‪.‬‬

‫أما الةحابة الذين قاموا بالةية فقد رأوا أْم أ طئوا يف االجتهععاخ‪ ،‬وبقيععة الةععحابة جععاءوا‬

‫إليهم يعنفوْم ويلوموْم‪ ،‬ويلقون عىل أكتافهم تبعا احلده اخلطري‪ :‬ماذا فعلععتم قععاتلتم يف‬

‫ال هر احلرا ؟ فكان املوقف متُلم ًا حق ًا‪.‬‬

‫‪419‬‬
‫بينام اجلو العا يف اجلزيرة العربية يسري نحو حتميد هذه الفرقة اإلسالمية اخلطععُ الععذي فعلععوه‪،‬‬

‫وكانت تتفق عىل ذلك راء أهد مكة واملدينععة عععىل حععد سععواء‪ ،‬مععد ا ععتالف طععرق التفكععري‬

‫وا تالف التةورا ‪ ،‬فنزل الععوحي بععام فاجععُ اجلميععد‪ ،‬نععزل يوضععح للنععاس كافععة مععؤمنهم‬

‫ومرشكهم احلقائق كام ينبغي أن تكون‪ .‬نزل يبني للناس ما ا تلفوا فيه‪ ،‬نزل ليخععرج املسععلمني‬

‫من املثالية غري الواقعية إىل فقه الواقد واملوالنا وفقه األولويا ‪ .‬نزل ليفضح مكععر املععاكرين‬

‫وكيد الكافرين‪ ،‬ونزل لينْص ويؤالر الطائفة املؤمنة الةاخقة التي أراخ أن ترفد عععن كاهلهععا‬

‫وكاهد املسلمني بعض ما وقد عليهم من ملم‪.‬‬

‫احلرا ِ ِقت ٍ‬
‫َال‬ ‫نزلت يا كريام من سورة البقرة‪ .‬قال اهلل عز وجد فيها‪َ } :‬ي ْس َُ ُلون ََك َع ِن ال َّ ْه ِر ْ َ َ‬
‫فِ ِيه ُق ْد ِقتَال فِ ِيه كَبِري{ [البقرة‪ .]217:‬نعم‪ .‬القتال يف ال هر احلرا كبري‪ ،‬لكن انظر‪َ } :‬و َصدٌّ َع ْن‬

‫رب ِمع َن ا ْل َق ْتع ِد{‬ ‫ِ‬ ‫احلرا ِ وإِ ْ راج َأ ْه ِل ِه ِمنْعه َأ ْكع ِ‬
‫رب عنْعدَ اهللَِّ َوا ْلفتْنَع ُة َأ ْكع َ ُ‬
‫ُ َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يد اهللَِّ َو ُك ْفر بِه َواملَْ ْس ِجد ْ َ َ َ َ ُ‬
‫َسبِ ِ‬

‫[البقرة‪ .]217:‬قال اهلل عز وجد للمسلمني‪ :‬أنه ال معنى أبد ًا لتلك الضجة املفتعلة التي فعلتها‬

‫قريش‪ ،‬وال معنى أبد ًا هلذه التمثيلية اهلزلية التي قا هبا كفار قريش‪ .‬فعىل الرغم مععن أن القتععال‬

‫يف ال هر احلرا كان ممنوع ًا يف ذلك الوقت وال ينبغي أن يسعى إليه املسلمون‪ ،‬وما لال ممنوعع ًا‬

‫كام ذكرنا يف رأي بعض الفقهاء‪ ،‬إال أن ما فعلته قريش أكرب وأعظم من ذلك‪ .‬الكفععر بععاهلل عععز‬

‫وجد وعباخة األصنا من خون اهلل أكرب من القتال يف ال هر احلرا ‪ ،‬ومند املسلمني من الطواف‬

‫بالكعبة وأخاء املناسك أكرب من القتال يف ال هر احلرا ‪ ،‬وفتنة املسععلمني عععن خيععنهم بالتعععذيب‬

‫والترشيد والقتد أكرب من القتد يف ال هر احلرا ‪ .‬كد هذا قريش فعلته‪ ،‬ومل تفعله مععرة واحععدة‬

‫بةورة عابرة‪ ،‬إنام فعلته مرار ًا وتكرار ًا‪ ،‬حتى أصبح عرف ًا سائد ًا وقانون ًا معموالً به‪ ،‬فكععد هععذه‬

‫جرائم أكرب بكثري مما فعله املسلمون وهاجت له قريش فسبحان اهلل تةبح متثيلية مضحكة جد ًا‬

‫عندما يناخي فرعون كام ذكر ربنا يف كتابه الكريم بقتد موسى عليععه السععال ؛ ألنععه كععام يععدعي‬

‫‪420‬‬
‫وسعى َو ْل َيعدْ ُع َر َّبع ُه إِ أِن‬ ‫فرعون يظهر يف األرض الفساخ‪ ،‬قال تعاىل و َقال فِ ْر َعون } َذ ُر ِ‬
‫وِن َأ ْق ُتع ْد ُم َ‬
‫اف َأ ْن ُي َبدأ َل ِخينَك ُْم َأ ْو َأ ْن ُي ْظ ِه َر ِيف األَ ْر ِ‬
‫ض ا ْل َف َسا َخ{ [غافر‪ .]26:‬من الذي يععتكلم؟ فرعععون‬ ‫َأ َ ُ‬

‫الذي كان يقتد األبناء ويستحيي النساء‪.‬‬

‫هكذا علم القر ن الكريم املسلمني وغريهم فقه الواقد‪ ،‬فليع من املمكن أبععد ًا يف واقععد احليععاة‬

‫أن تسري كد األمور بفقه املثاليا ‪ ،‬فقد حيده أحيان ًا لالفا نتيجة اضطرار يف بعض األمور‪.‬‬

‫من أجد هذا ن ُ القاعدة الفقهية املعروفة‪ :‬خفد أكرب الرضرين وجلب أكععرب املنفعتععني‪ ،‬فقععد‬

‫يقبد املرء برضر ما يف سبيد خفد رضر أكرب منه‪ ،‬مد أن فقه املثاليا يقتيض خفععد كععد األرضار‬

‫وليع بعض األرضار‪ ،‬لكن هذا غري ممكن وغري واقعي بد هو مستحيد؛ ألنه ال بععد أن حتععده‬

‫أرضار‪ ،‬فاحلكمة تُيت يف املقارنة بني األرضار وا تيار األقد‪ .‬املسلمون وقد عليهم رضر كبععري‬

‫جد ًا‪ ،‬وهو الفتنة عن الدين بالتعذيب والقتد واملند من خ ول املسجد احلرا ‪ ،‬وليع من اخلطُ‬

‫أن أقبد برضر القتال يف ال هر احلرا وهو أقد؛ ألخفععد بععه رضر ًا أكععرب وهععو الفتنععة يف الععدين‬

‫والةد عن سبيد اهلل‪ ،‬ومد ذلك املسععلمون مل حيرصععوا عععىل اإلتيععان بالضععرر األصععغر هععذا‪،‬‬

‫بالعكع كانوا يتمنون أن لو كان القتال يف شعبان وليع يف رجب‪ ،‬وقعدوا يت اورون يف هععذا‬

‫األمر‪ ،‬وكان املوضوع شاغ ً‬


‫ال فكرهم‪ ،‬لكععن القافلععة كانععت سععتفلت مععنهم‪ ،‬وسيسععتمر رضر‬

‫قريش األكرب جتاه املسلمني‪ ،‬ومن املحتمد أال تكون هناك فرصة ثانية مثد هذه؛ لذلك فععإن اهلل‬

‫عز وجد من رمحته باملسلمني الذين اضوا هذه الةية مل يكتف فقط برفد اإلثععم عععنهم‪ ،‬بععد‬

‫أعطاهم ثواب املجاهدين يف سبيد اهلل أيض ًا‪ .‬أنزل اهلل عز وجد قوله‪} :‬إِ َّن ا َّل ِذي َن َمنُوا َو َّالع ِذي َن‬

‫يد اهللَِّ {[البقرة‪ ]218:‬كد هذا التعليق عععىل رسيععة نخلععة‪} :‬إِ َّن َّالع ِذي َن‬ ‫اهدُ وا ِيف َسبِ ِ‬
‫اج ُروا َو َج َ‬‫َه َ‬
‫محع َة اهللَِّ َواهللَُّ َغ ُفعور َر ِحعيم{‬ ‫يد اهللَِّ ُأ ْو َل ِئع َك َي ْر ُجع َ‬
‫ون َر ْ َ‬ ‫اهعدُ وا ِيف َسعبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َمنُوا َوا َّلذي َن َهع َ‬
‫اج ُروا َو َج َ‬

‫‪421‬‬
‫[البقرة‪ .]218:‬غفر هلم ما تم هلم من قتال يف ال هر احلرا وهكذا أيععد اهلل عععز وجععد موقععف‬

‫الةحابة املجاهدين‪ ،‬ووضح الرؤية لعمو املسلمني‪ ،‬فهدأ النفوس واطمُنت القلوب‪.‬‬

‫تعامد الرسول ﷺ مد احلده تعام ً‬


‫ال يف منتهى السياسة واحلكمة‪ ،‬جيمد فيه بني القوة والعععزة‬

‫من جانب‪ ،‬وبني التفاهم والتحاور من جانب ر‪ ،‬فقد أ ذ القافلة كغنيمة ورفض أن يرخهععا‬

‫إىل قريش‪ ،‬واعتربها جزء ًا بسيط ًا من ممتلكا املسلمني املسلوبة‪ ،‬ويف نفع الوقت مل يت ععدخ يف‬

‫أمر األسريين‪ ،‬بد قبد يف األسريين الفداء باملال‪ ،‬وكان قبول الفداء يف عزة عظيمة جد ًا‪ .‬يظهععر‬

‫هذا الكال يف املوقف اجلميد التايل‪:‬‬

‫كان عدخ اخلارجني يف الةية اثني عرش رجالً‪ ،‬وصد منهم إىل املدينة ع عرة‪ ،‬وبقععي عتبععة بععن‬

‫ريض اهلل عنهام؛ لبعري ضد هلام‪ ،‬فلم يرجعا مد الةية‪ ،‬فلام تععُ را‬ ‫غزوان وسعد بن أا وقا‬

‫قرر الرسول ﷺ أال يفدي األسريين إال بعععد عععوخة الةععحابيني اجلليلععني إىل املدينععة املنععورة‪،‬‬

‫وذلك خلوفه من كفار مكة أن يمسكومها فيقتلومها‪ ،‬فلععام رجعععا إىل املدينععة املنععورة أذن ﷺ يف‬

‫الفداء‪.‬وهكذا كان ﷺ قائد ًا حرية ًا عىل جنوخه‪ ،‬حرية ًا عىل عععزة أمتععه؟‪ ،‬ويف نفععع الوقععت‬

‫كان حرية ًا عىل عد قطد قنوا االتةال السياسية مد أعدائه‪ ،‬فقبد فداء األرسى‪ ،‬وأعطععى‬

‫خية املقتول عمرو بن احلرضمي ألهله‪ ،‬وذلك ليفتح باب التعامد باملثد‪ ،‬فلو حةد أن وقععد يف‬

‫أيدي الكفار مسلم فإنه يكون التعامد هبذه الطريقة‪.‬‬

‫موقف قريش من انتةار املسلمني يف رسية نخلة‬

‫أغلقت هذه الةفحة مؤقت ًا لةالح املسلمني‪ ،‬لكن هذا املوقف ك ععف عععن بعععض األحععداه‬

‫اخلطرية التي من املمكن أن ت هدها اجلزيرة العربية مستقبالً‪ .‬ك فت عن منععاطق طععرة جععد ًا‬

‫‪422‬‬
‫سيحةد فيها أحداه قريبة بني مكة واملدينة‪ .‬مكة فيها كفار قريش‪ ،‬واملدينة فيها اليهوخ‪ ،‬مععاذا‬

‫حةد بعد هذه الةية؟ ما هو الذي غري األوضاع بعد هذه الةية العظيمة؟‬

‫بعد هذا اال ياق املرعب لةفوف قريش‪ ،‬وبعد هذا التحدي السععافر مععن القععوة اإلسععالمية‬

‫اجلديدة‪ ،‬ال شك أن قري ًا ستعيد احلسابا متام ًا‪ ،‬وسععيتب األوراق مععن جديععد‪ .‬املسععلمون‬

‫وصلوا إىل مكان ال يتوقد املرشكون أبد ًا أن يةلوا إليه‪ ،‬سيطروا يف جرأة عجيبة عىل قافلة مععن‬

‫قوافد قريش عىل بعد أربعامئة وثامنني كيلو مي ًا من املدينة املنورة وقريبععة جععد ًا مععن مكععة‪ ،‬وال‬

‫يستبعد منهم أبد ًا تكرار هذا األمر يف أي مكان يف اجلزيرة‪ ،‬بد قد يتم غزو مكة ذاهتا‪ ،‬فال شععك‬

‫أن هذا سيدفد أهد مكة إىل أ ذ تدابري وقائية وقد يفكرون يف غزو املدينة املنععورة‪ ،‬وهععم فعع ً‬
‫ال‬

‫غزوا املدينة قبد ذلك يف حماولة ُك ْرل بن جابر الفهري‪ ،‬ولعد املحاولة القاخمة تكون أكرب‪ ،‬فقععد‬

‫يفكر املرشكون يف اصطياخ القوافد اإلسالمية‪ ،‬وقد يفكرون يف اهلجو عىل القبائد اإلسععالمية‬

‫حول املدينة‪ ،‬فهذه احتامال أصبحت وارخة بعد رسية نخلة‪ .‬قد حيده صععدا قريععب مععروع‬

‫بني قوة املرشكني املتمثلة يف قريش وحلفائها‪ ،‬وقوة املسععلمني الناشععئة يف املدينععة املنععورة‪ .‬هععذا‬

‫اخلطر يتوقد قدومه من مكة‪.‬‬

‫أما اخلطر األقرب فكان متوقع ًا من اليهوخ‪ ،‬فاليهوخ إىل اآلن مل يظهروا أي تعععاطف مععد الععدين‬

‫اجلديد‪ ،‬اللهم بعض األفراخ املعدوخين عىل أصابد اليد الواحدة‪ .‬حاول اليهوخ الععدس والكيععد‬

‫هلذا الدين أكثر من مرة‪ ،‬والخاخ كيدهم بعد رسية نخلة‪ ،‬وبدءوا جيععاهرون بمععواالهتم لقععريش‬

‫الكافرة‪ ،‬مد أن املعاهدة التي بينهم وبني الرسول عليه والسال كانت تقول‪( :‬ال ُجتار قععريش)‪،‬‬

‫لكنهم بدءوا يظهرون الوالء لقريش‪ ،‬بد أمهروا الرغبة اجلاحمة يف أن تُيت قريش وتغزو املدينععة‬

‫املنورة وأبرلوا حتى التفاؤل باألسامء‪ ،‬واليهوخ حيبون الرمول‪ ،‬عىل سبيد املثال‪( :‬قتد عمرو بن‬

‫احلرضمي)‪ ،‬عمرو ُعمععر احلععرب‪ ،‬احلرضععمي حرضع احلععرب‪ ،‬والععذي قتععد عمععرو بععن‬

‫‪423‬‬
‫احلرضمي من املسلمني كان اسمه واقد بن عبد اهلل‪ ،‬قالوا‪( :‬واقد أوقد احلرب)‪.‬هععذه طبيعععة‬

‫اليهوخ‪ .‬بعد هذه الةية تبني أن هناك صدام ًا متوقع ًا قريبع ًا مععد قععريش‪ ،‬وأيضع ًا هنععاك صععدا‬

‫قريب متوقد مد اليهوخ‪ ،‬هذا كله يف شهر شهر شعبان سنة اثنني هجرية‪.‬‬

‫مرحلة فرض القتال عىل املسلمني إذا قوتلوا‬

‫إىل هذه اللحظة كان القتال مُذون ًا به وليع مفروضع ًا عععىل املسععلمني بمعنععى‪ :‬أن اهلل سععبحانه‬

‫وتعاىل أذن للمسلمني أن يقاتلوا إن وجدوا يف أنفسهم قدرة عععىل القتععال‪ ،‬أو أن خيتععاروا عععد‬
‫القتال إن رأوا أن ذلك أفضد‪ .‬واآلية التي أقر هععذا الترشععيد‪ُ { :‬أ ِذ َن لِ َّلع ِذي َن ُي َقعا َت ُل َ‬
‫ون بِع َُ َُّْ ْم‬

‫ُم ِل ُموا} [احلج‪ .]39:‬لكن الوضد يف هذا الوقت تغري‪ ،‬فاإلذن جاء يف لمان القتال فيه حمتمععد‪،‬‬

‫ال فقط‪ ،‬بد متوقع ًا وقريب ًا جد ًا يكاخ يكون حتميع ًا‪ .‬لععو حععده قتععال‬
‫أما اآلن فالقتال ليع حمتم ً‬

‫بالةورة التي نتخيلها من جانب قريش املهزومة يف كرامتها‪ ،‬املجروحة يف كربيائها‪ ،‬وبمساعدة‬

‫اليهوخ الغاخرين يف خا د املدينة املنورة‪ ،‬كيف سيكون املوقف؟ سيكون املوقف يف غاية التُل ‪.‬‬

‫ال ينفد هنا جمرخ اإلذن بالقتال‪ ،‬بد جيععب أن يفععرض القتععال عععىل املسععلمني لععدفد رش هععؤالء‬

‫األعداء؛ ألن اإلذن سيسمح للبعض بعد امل اركة‪ ،‬وسيفتح لل يطان أبواب ًا كثرية يد د منها‬

‫إىل قلوب الضعفاء فيةور هلم صعوبة القتال‪ ،‬وستقاتد قريش جمتمعة مععد اليهععوخ‪ ،‬وسععتقاتد‬

‫جمتمعة مد قبائد العرب‪ ،‬وهذا أمر صعب‪ ،‬فال يمكن للمسلم يف مثد هععذه الظععروف أن يععؤثر‬

‫الدعة ويتجنب القتال‪ ،‬لكن إن فرض القتال عىل املسلمني فرضع ًا فععإْم سععيعتربونه كالةععالة‬

‫والزكاة‪ ،‬ويعتربونه واجب ًا ينفذ‪ ،‬وبذلك تغلق أبواب ال يطان‪ ،‬وستقد حت ًام نسبة التخلف عععن‬

‫اجلهاخ يف سبيد اهلل‪ ،‬ولن يكون التخلف إال من الضعععفاء أو املنععافقني‪ ،‬وهععؤالء ال نريععدهم يف‬

‫املعركة‪ .‬نتيجة هلذه الظروف ينزل اهلل الترشععيد املحكععم بالقععانون اجلديععد املناسععب للمرحلععة‬

‫احلالية‪.‬‬
‫‪424‬‬
‫املعاِن املستنبطة من يا القتال‬

‫فرض سبحانه القتال عىل املسلمني إذا قوتلوا‪ ،‬وليع للمسلمني ا تيار يف قضية خفد املرشععكني‬

‫ب َع َل ْيك ُُم ا ْل ِقت َُال َو ُه َو ك ُْره}‬ ‫ِ‬


‫إذا هجموا عليهم‪ ،‬بد ال بد من الدفاع حتى املو ‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬كُت َ‬
‫[البقرة‪ .]216:‬مل يعد القتال مُذون ًا به فقط‪ ،‬بد صار مكتوب ًا ‪-‬أي‪ :‬مفروض ًا‪ -‬عععىل املسععلمني‪،‬‬

‫ونزل أيض ًا قول اهلل عز وجد الذي يوضح سععبب القتععال يف هععذه املرحلععة‪ ،‬وبعععض األحكععا‬

‫اخلاصة بالقتال‪.‬‬

‫ب املُْ ْعت َِدي َن *‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال اهلل عز وجد‪َ { :‬و َقاتِ ُلوا ِيف َسبِ ِ‬
‫يد اهللَِّ ا َّلذي َن ُي َقات ُلو َنك ُْم َوال َت ْعتَدُ وا إِ َّن اهللََّ ال ُحي ُّ‬
‫وه ْم ِمع ْن َح ْيع ُث َأ ْ َر ُجعوك ُْم َوا ْل ِفتْنَع ُة َأ َشعدُّ ِمع َن ا ْل َق ْتع ِد َوال‬ ‫وه ْم َو َأ ْ ِر ُج ُ‬ ‫وه ْم َح ْي ُث َث ِق ْفت ُُم ُ‬
‫َوا ْق ُت ُل ُ‬
‫وه ْم ك ََذلِ َك َجع َزا ُء ا ْل َكعافِ ِري َن‬ ‫احل َرا ِ َحتَّى ُي َقاتِ ُلوك ُْم فِ ِيه َفإِ ْن َقا َت ُلوك ُْم َفا ْق ُت ُل ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫وه ْم عنْدَ املَْ ْسجد ْ َ‬
‫ُت َقاتِ ُل ُ ِ‬

‫ُون فِ ْتنَة َو َيك َ‬


‫ُون الدأ ي ُن هللَِّ َفعإِ ِن انت ََهع ْوا‬ ‫وه ْم َحتَّى ال َتك َ‬ ‫* َفإِ ِن انت ََه ْوا َفإِ َّن اهللََّ َغ ُفور َر ِحيم * َو َقاتِ ُل ُ‬
‫ني} [البقرة‪ ]193 - 190:‬سبحانه اهلل؛ نريد أن نقف وقفععا طويلععة‬ ‫ان إِ َّال َع َىل ال َّظاملِ َ‬‫َفال عُدْ َو َ‬

‫مد هذه اآليا ‪ ،‬ونريد أن نتةور حال املسلمني وحال غري املسلمني عند نزول هذه اآليا ‪.‬‬

‫كراهية الناس عامة للقتال‬

‫محلت هذه اآليا ترشيع ًا جديد ًا حيتاج إىل نفوس إسالمية اصة للعمد هبذه اآليا ‪ ،‬وحيمد‬

‫يف نفع الوقت رساال يف منتهى الوضوح إىل امل عركني يف مكععة‪ ،‬وإىل امل ععركني يف ععارج‬

‫مكة‪ ،‬وإىل اليهوخ كذلك‪ .‬تعالوا نعيش مد أهد هذه املرحلة‪ ،‬ونراقب رخ فعلهم هلذه اآليا ‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬الناس بةفة عامة تكره احلروب والقتال‪ ،‬وال خيتلف اثنان يف أن احلععروب تععُيت بالععدمار‬

‫واخلراب وإلهاق األرواح‪ ،‬ونحو ذلك من أشياء توره احلزن والكراهية؛ من أجد هععذا ربنععا‬

‫ب َع َل ْيك ُُم ا ْل ِقت َُال َو ُه َو ك ُْره َلك ُْم} [البقرة‪ .]216:‬لكن ليع معنى هذا‪ :‬أن القتال إذا‬ ‫ِ‬
‫يقول‪{ :‬كُت َ‬

‫‪425‬‬
‫تعني عىل املسلمني هلم أن ييكوه ألنه مكروه‪ ،‬بد بعض املسلمني يةلون إىل خرجة مععن الرقععي‬

‫يف اإليامن يف حبهم للمو مد أنه مكروه‪ ،‬يتمنون هذا املكروه مععن أجععد إرضععاء اهلل سععبحانه‬

‫وتعاىل‪ ،‬وقد مر بنا قول الرسول ﷺ‪( :‬لوخخ أن أغزو يف سبيد اهلل) ويف روايععة‪( :‬لععوخخ أن‬

‫أقتد يف سبيد اهلل)‪ .‬يقول سيدنا الد بن الوليد ريض اهلل عنه‪( :‬جئتكم برجال حيبون املو كام‬

‫حتبون أنتم احلياة)‪ .‬املو مد أنه مكروه بةفة عامة‪ ،‬إال أنععه أصععبح حمبوبع ًا إىل الععد ريض اهلل‬

‫عنه وإىل جي ه‪ ،‬وما ذلك إال ألنه يف سبيد اهلل‪ ،‬فليع معنى القتال مكروه‪ :‬أننا نقعد عنععه‪ ،‬بععد‬

‫عىل العكع‪ ،‬كلام ارتقى املسلم يف سلم اإليامن أحب هذا املكروه ما خا يف سبيد اهلل‪.‬‬

‫القتال مكروه يف ماهره و ري يف باطنه‬

‫املعنى الثاِن‪ :‬معنى خقيق جد ًا ومهم‪ ،‬وهو أن الذي تراه بعينك مكروه ًا جيعد اهلل عععز وجععد يف‬

‫باطنه اخلري‪َ { :‬و َع َسى َأ ْن َتك َْر ُهوا َش ْي ًئا َو ُه َو َ ْري َلك ُْم} [البقرة‪ ]216:‬وأحيان ًا ترى شععيئ ًا حمبوبع ًا‬
‫ِ‬
‫رش َلك ُْم} [البقرة‪.]216:‬‬ ‫وتظن أنه ري‪ ،‬ويكون يف باطنه الرش‪َ { :‬و َع َسى َأ ْن ُحت ُّبوا َش ْي ًئا َو ُه َو َ ٌّ‬

‫هذا الكال قد يكون غريب ًا عند عمو الناس وحيتاج إىل يقني كبري وإيععامن كامععد با تيععار رب‬

‫العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومد ذلك لو تدبر يف األحداه فإنك ستقيب غالب ًا من رؤية اخلععري‬

‫يف باطن ما يراه الناس رش ًا‪.‬‬

‫عىل سبيد املثال‪ :‬القتال مكروه‪ ،‬فيه إيذاء وقتد وتععدمري و ععراب‪ ،‬لكععن انظععر إىل األمععة التععي‬

‫تقاتد‪ ،‬واألمة التي ال تقاتد‪ .‬األمة التي جتاهد وتقاتد ترفععد رأسععها وتعععز نفسععها‪ ،‬وينظععر هلععا‬

‫اآل رون نظرة احيا وتوقري‪ .‬واألمة التي تزهد يف القتال وتعرض عن اجلهاخ يسععلط اهلل عععز‬

‫وجد عليها الذل‪ ،‬حتى ال جتد هلا مكان ًا بني األمم املرموقة يف العامل‪ .‬األمة التععي جتاهععد حتععافظ‬

‫‪426‬‬
‫عىل حقوقها‪ ،‬وتسيخ املسلوب منها‪ ،‬واألمة التي تعرض عن القتال واجلهععاخ تنتهععك حرماهتععا‬

‫وتضيد حقوقها‪ ،‬وال خيفى ما وراء ذلك من أمور مكروه معروفة‪.‬‬

‫تدبروا األمر يا إ واِن؛ فإن القتال وإن كان يف ماهره كره‪ ،‬إال أن يف باطنععه عععزة كبععرية ل مععة‬

‫املسلمة ما خا هذا القتال يف سبيد اهلل‪.‬‬

‫مهور الطائفة التي رأ الكره يف القتال ومل تر اخلري يف باطنه‬

‫النقطة الثالثة‪ :‬عمو املؤمنني قبلوا األمر خون جدال‪ ،‬وقبلععوا القتععال يف سععبيد اهلل سععواء كععان‬

‫مُذون ًا به أو مفروض ًا عليهم‪ ،‬لكن هناك طائفة من املؤمنني عندما نزل هذا الفرض للقتال رأ‬

‫الكره ومل تر اخلري يف باطنه‪ ،‬وأتاها التكليف يف حلظة من حلظا ضعف اإليامن‪ ،‬ومل يكن إيامْا‬

‫بالقوة التي تدفد إىل العمد وإن كان مد الكراهية‪ ،‬وهذه الطائفة ليست منافقة بد مؤمنة‪ ،‬لكنها‬

‫فية ضعف وفية فتور فامذا حةد؟‬

‫انطلق هؤالء إىل رسول اهلل ﷺ وقالوا له‪( :‬لو تُذن لنا يف تُجيععد القتععال)‪ ،‬قعالوا ذلععك ألْععم‬

‫ائفون من املرشكني واليهوخ‪ ،‬ائفون من احتاخ هذه القوى عىل املسلمني‪ ،‬واملسلمون قلة‪.‬‬

‫قد نسمد هذا الكال ونستغرب‪ :‬كيف يكون هذا الكال يف الةحابة وهم ري الناس وأفضد‬

‫القرون؟ لكن احلمد هلل أن هذا حده يف العهد النبوي؛ لنعرف كيف يتم التعامد مد مثد هععذه‬

‫املواقف؟! ما هي وسائد عالج حاال الضعف اإليامِن التي تطرأ عىل نفع املؤمنني أحيانع ًا؟‬

‫الغريب جد ًا أن هذه الطائفة التي ترخخ يف أمر القتال خلوفهععا عنععدما فععرض عليهععا القتععال‪،‬‬

‫كانت هي نفع الطائفة التي كانت تطلب القتال يف وقت منعه يف أيا مكة‪.‬‬

‫كان القتال يف مكة ممنوع ًا؛ ألن قوة املسلمني مل تكن تسمح هلم بذلك‪ ،‬وفةلنا يف هذا األمععر يف‬

‫خروس العهد املكي‪ ،‬هذه الطائفة كانت تريد اإلرساع برفد الظلععم عععن الكاهععد ولععو بالقتععال‬

‫‪427‬‬
‫الةعب‪ ،‬أي‪ :‬مل تكن ائفة لكنها كانت تعاِن من قلة الةرب‪ ،‬واملرحلة كانت تتطلب صرب ًا من‬

‫‪ ،‬أال وهو الةرب عىل عد القتال‪ .‬أما املرحلة اجلديدة‪ ،‬فإْا حتتاج إىل صرب من نععوع‬ ‫نوع ا‬

‫ثان‪ ،‬وهو الةرب عىل القتال‪ ،‬سبحان اهلل! فهؤالء يعانون من عد الةرب يف مرحلععة مكععة عععىل‬

‫عد القتال‪ ،‬وعد الةرب يف مرحلة املدينة عىل القتال‪.‬‬

‫هذه الطائفة مل تكن منافقة أبد ًا‪ ،‬إنام كانت مؤمنة‪ ،‬لكن اإلنسان قد يعييه أحيان ًا بعض الضعف‬

‫والقةور يف فية من فيا احلياة‪ ،‬أو مرف مععن مععروف احليععاة‪ ،‬ولععيع هنالععك طععر يف أن‬

‫يكون هناك بعض املسلمني عىل هذه الةورة ما خمنا نقر هلم باإليامن‪ ،‬لكن اخلطععر احلقيقععي أن‬

‫تكون الطائفة هذه هي الطائفة األعم واألشمد يف األمة اإلسالمية‪ ،‬أو أن نف د يف عالج هععذه‬

‫الطائفة‪ ،‬فهذا الذي ال نريد أن نقد فيه‪.‬يف هذه الطائفة نزل قول اهلل عز وجد‪َ { :‬أ َمل ْ ت ََر إِ َىل َّالع ِذي َن‬

‫ب َع َل ْي ِه ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الزكَا َة} [النساء‪ ]77:‬يف فية مكة { َف َل َّام كُت َ‬ ‫الةال َة َو تُوا َّ‬ ‫يموا َّ‬ ‫ق َيد َهل ُ ْم ُك ُّفوا َأ ْيد َيك ُْم َو َأق ُ‬
‫َخ ْ َي ِة اهللَِّ َأ ْو َأ َشدَّ َ ْ ع َي ًة‬ ‫ا ْل ِقت َُال} [النساء‪ ]77:‬هذه فية املدينة {إِ َذا َف ِريق ِمن ُْه ْم َ ْ‬
‫خي َ ْو َن الن َ‬
‫َّاس ك َ‬

‫يب} [النساء‪ ]77:‬فهععذه اخل عية التععي‬ ‫َو َقا ُلوا َر َّبنَا ِمل َك َت ْب َت َع َل ْينَا ا ْل ِقت ََال َل ْوال َأ َّ ْر َتنَا إِ َىل َأ َج ٍد َق ِر ٍ‬
‫َ‬
‫تسللت إىل قلوهبم ليست لضعف يقينهم يف أن اهلل عز وجد قاخر عىل نْصهتم‪ ،‬لكن ألن الدنيا‬

‫تسللت إىل قلوهبم‪ ،‬ومن ثم حرصوا عىل احلفاظ عليها‪ ،‬و افوا من فقداْا‪.‬‬

‫يف هذه اللحظة من حلظا ضعف اإليامن وغياب الرؤية الةحيحة‪ ،‬نسععوا أْععم لععن يععؤ روا‬

‫أبد ًا عن حلظة موهتم‪ ،‬سواء قاتلوا أ مل يقاتلوا‪ ،‬نسوا أن نعيم اآل رة ال يقارن أبد ًا بنعيم الععدنيا‬

‫القليد‪ ،‬ومن ثم ال جيول أبد ًا للمؤمن الفععاهم الععواعي أن يضععحي بععاآل رة يف سععبيد حتةععيد‬

‫الدنيا‪ ،‬ولو حال الدنيا بكاملها‪.‬‬

‫من أجد هذا نر العالج الرباِن وهو يركز عىل معنى أن املععو حمععدخ يف ميععاخ لععن يقععد ولععن‬

‫يؤ ر‪ ،‬معنى أن الدنيا ال تساوي شيئ ًا‪ ،‬وأن اآل رة هي كد يشء‪ ،‬قال اهلل عز وجد تعقيب ًا عععىل‬
‫‪428‬‬
‫َاع الدُّ ْن َيا َق ِليد} [النسععاء‪ ،]77:‬يعلععم الرسععول ﷺ كيععف يعععالج هععؤالء‪،‬‬
‫هذه اآليا ‪ُ { :‬ق ْد َمت ُ‬
‫ون َفتِع ًيال * َأ ْيعن ََام َتك ُ‬
‫ُونعوا‬ ‫َاع الدُّ ْن َيا َق ِليد َواآل ِ َر ُة َ ْري َملِ ِن ا َّت َقى َوال ُت ْظ َل ُم َ‬
‫ويعلمنا بقوله‪ُ { :‬ق ْد َمت ُ‬
‫وج ُم َ َّيدَ ٍة} [النساء‪ ]78 - 77:‬ففي خا ععد املدينععة أو يف ععارج‬ ‫ُيدْ ِرك ُُّم املَْ ْو ُ َو َل ْو كُنت ُْم ِيف ُب ُر ٍ‬

‫املدينة سواء كنا يف قتال أو يف غري قتال سيُيت املو يف اللحظة املحدخة‪.‬‬

‫فلام ذكر هذه الطائفة عاخ إىل اهلل عز وجععد ومل يتخلععف منهععا أحععد‪ ،‬وهععذا خليععد عععىل أن‬

‫الطائفة كانت مؤمنة‪ ،‬لكن حةد هذا األمر لنعرف كيف يكون عالجه‪.‬‬

‫حتديد قتال الطائفة التي تبدأ املسلمني بقتال‬

‫يد اهللَِّ َّالع ِذي َن ُي َقعاتِ ُلو َنك ُْم}‬


‫النقطة الرابعة‪ :‬قال اهلل عز وجد يف هععذه اآليععا ‪َ { :‬و َقعاتِ ُلوا ِيف َسعبِ ِ‬

‫[البقرة‪ ]190:‬هنا حيدخ ربنا سبحانه وتعاىل الطائفة التي جيب أن نقاتلها‪ ،‬وهععي الطائفععة التععي‬

‫تبدأ املسلمني بقتال‪ ،‬ففي هذه املرحلة مل يكن هناك ما هو معروف يف اإلسال بجهععاخ الطلععب‪،‬‬

‫واجلهاخ لنرش كلمة رب العاملني يف األرض‪ ،‬كام هي يف الفتوح اإلسالمية التي تُيت بعععد ذلععك‪،‬‬

‫إنام املرحلة مرحلة خفاع عن النفع وعن اإلسال ‪ ،‬وال بد أن يدرك املؤمنون مدى قععوهتم‪ ،‬فععال‬

‫يطمعون فيام هو أكرب من حجمهم احلقيقي‪ ،‬وهذا الذي نسميه فقه املواقد‪.‬‬

‫قتال املسلمني ل عداء مقيد بعد االعتداء‬

‫النقطة اخلامسة‪ :‬إن شهوة االنتقا عند املظلو قد تتفاقم وختععرج عععن اإلطععار املسععموح بععه يف‬

‫الرشع‪ ،‬ونحن ال جيول لنا أبد ًا أن نرفد مل ًام وقد علينا بإيقععاع ملععم عععىل ععرين‪ .‬لععذلك يععُيت‬

‫الضابط املهم جد ًا للقتال يف اإلسال ‪ ،‬وهو ضابط ثابت مستمر غري منسوخ‪ ،‬معمول به يف كععد‬

‫ب املُْ ْعت َِدي َن} [البقرة‪ .]190:‬اهلل عععز‬ ‫ِ‬


‫حروب املسلمني إىل يو القيامة‪َ { :‬وال َت ْعتَدُ وا إِ َّن اهللََّ ال ُحي ُّ‬
‫وجد ال حيب املعتدي حتى ولو كان من املسلمني‪ ،‬والعدل قانون ال ينةععلح حععال األرض إال‬

‫‪429‬‬
‫به‪ ،‬والعدل البد أن يكون مد اجلميد حتى مد األعداء املكروهني إىل النفع‪ ،‬يقول تعاىل‪َ { :‬وال‬
‫ِ ِ‬ ‫جي ِر َمنَّك ُْم َشن ُ‬
‫َآن َق ْو ٍ َأ ْن َصدُّ وك ُْم َع ِن املَْ ْسجد ْ َ‬
‫احل َرا ِ َأ ْن َت ْعتَدُ وا} [املائدة‪ ]2:‬حتى مد الةد عععن‬ ‫َْ‬
‫املسجد احلرا ال تعتدوا‪ ،‬وصور االعتداء كثرية‪ ،‬منها الغدر واخليانة وتعذيب األرسى‪ ،‬ومنهععا‬

‫يقاتعد‪،‬‬
‫التمثيد باجلثث‪ ،‬والقتال حلظ النفع وليع هلل عز وجد‪ ،‬ومنها قتععال مععن ال جيععب أن َ‬

‫ومنها التجاول يف التدمري والتخريب‪ ،‬ومنها إيقاع الظلم ضد أي إنسان كان‪ ،‬بد إن منها إيقععاع‬

‫الظلم باحليوان أو بالنبا ‪.‬‬

‫انظروا إىل التعاليم النبوية التي تضد ضوابط القتال يف اإلسععال حتععى نعععرف قبععد أن نحمععد‬

‫السيف ونحارب أعداءنا كيف نحارب بُ الق اإلسال ؟ قال رسول اهلل ﷺ‪( :‬انطلقوا باسععم‬

‫ال صععغري ًا وال امععرأة‪ ،‬وال ت ُغ تلعوا‪،‬‬


‫اهلل وباهلل وعىل ملة رسول اهلل‪ ،‬وال تقتلوا شيخ ًا فاني ًا وال طف ً‬

‫وضموا غنائمكم وأصلحوا‪ ،‬وأحسنوا إن اهلل حيب املحسنني)‪.‬‬

‫فهذه نةائح تقال جليش رج حيارب‪ ،‬ويقول رسول اهلل ﷺ فيام رواه مسلم عععن بريععدة ريض‬

‫اهلل عنه‪( :‬اعزوا يف سبيد اهلل‪ ،‬قاتلوا من كفر باهلل‪ ،‬اغزوا وال تغلوا ‪ -‬ال تغلوا من الغنيمة ‪ -‬وال‬

‫تغدروا‪ ،‬وال متثلوا ‪ -‬أي ال متثلوا بجثة قتيد مععن األعععداء‪ -‬وال تقتلععوا الوليععد‪ ،‬وال أصععحاب‬

‫الةوامد املعتكفون للعباخة)‪.‬‬

‫هذه هي أ الق احلروب يف اإلسال ‪ ،‬ليع فيها قتد ملدنيني أو غري حماربني‪ ،‬ولععيع فيهععا إبععاخة‬

‫مجاعية‪ ،‬وال تدمري ع وائي‪ ،‬ليع يف تارخينا ما ي ععبه مععا حععده يف هريوشععيام أو ناجععالاكي أو‬

‫فيتنا أو كوريا أو أملانيا أو غريها من البلدان‪ ،‬ليع يف تارخينا ما ي به ذلععك مععن قريععب أو مععن‬

‫بعيد‪ .‬إن اجلميد جد ًا يف قةة القتال يف اإلسال أن هذه الضوابط كلها والترشيعا األ القية‬

‫العظيمة مل تُ نتيجة تطور معني يف احلضارة اإلسالمية عىل مدار السنني والقرون‪ ،‬إنام نزلععت‬

‫يف أول ترشيد للقتال‪ ،‬نزلت هبذا التكامد والسمو والعظمة‪ ،‬بام ال يدع أي جمال لل ك أن هذا‬
‫‪430‬‬
‫املنهج رباِن وأن هذه الترشيعا إهلية‪ ،‬وأنه ال مقارنة مطلق ًا بني قوانني السامء املتكاملة والتامة‬

‫وبني قوانني األرض الوضعية التي يعيهيا الكثري من النقص يف كد بند من بنوخهععا‪َ { :‬أ َف ُح ْكع َم‬
‫ون ومن َأحسن ِمن اهللَِّ حكْام لِ َقو ٍ ي ِ‬
‫وقن َ‬ ‫ْ ِِ ِ‬
‫ُون} [املائدة‪.]50:‬‬ ‫ُ ً ْ ُ‬ ‫اجلاهل َّية َي ْب ُغ َ َ َ ْ ْ َ ُ َ‬
‫َ‬

‫هناك ترشيعا أ رى كثرية الوقت ال يتسد‪ ،‬لكن الععذي أريععد أن أقولععه إن هععذه اآليععا ملععا‬

‫نزلت كان وقعها شديد ًا جد ًا عىل قريش واليهوخ وعىل كد اجلزيرة العربية‪ ،‬وقد ترقب اجلميععد‬

‫أن تدور حرب هائلة بني املسلمني وبني الكافرين‪.‬‬

‫‪431‬‬
432
‫‪20‬‬

‫أهل بدر‬

‫اآلن فرض القتال عىل املسلمني‪ ،‬ال جيوز للمسلم إن قوتل إال أن يقاتل‪.‬قااال اع عاال يف اال‬

‫ِ املعا ع َتا ُاي ََ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬


‫ال اعلُ لالايي ََ اي َقاات الو ََك عام َيفال َت ع َتااا يفا إُ لن اعلَ ال اعا ي‬ ‫كتابه الكريم‪َ } :‬يف َقااتُ الوا ُ َباُِ ُ‬

‫وه عم ُم عَ َح عا اث َأ عخ َر ا وك عام َيفا عل ُف عتنَ اة َأ َشاي ُما ََ‬ ‫وه عم َيف َأ عخ ُر ا ا‬ ‫وه عم َح عا اث َث ُق عفت اام ا‬
‫[الِقرة‪َ ،]190:‬يفا عق ات ال ا‬
‫ُ‬ ‫اْل َرا ُم َحتلى اي َقاتُ الوك عام فُ ُاه َفإُ عن َقا َت الوك عام َفا عق ات ال ا‬ ‫ُ ُ‬ ‫ا عل َقت ُعل يفال ات َقاتُ ال ا ُ‬
‫وه عم َك َيل َك َ ا َلا ا‬ ‫وه عم عنعاَ املعَ عسجا ع َ‬ ‫َ‬
‫ون الاااَ ي اَ علُ‬ ‫اون فُتعنَا ٌة َيف َي اكا َ‬‫وه عم َحتلى ال َتك َ‬ ‫ام * َيف َقاتُ ال ا‬ ‫ُ‬
‫ور َرح ٌ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ا علكَاف ُري ََ * َفإُن اَت ََه عوا َفإُ لن اعلَ َغ اف ٌ‬
‫ني{ [الِقرة‪ ]193-191:‬يفذكرَا أن هيه اآلياااك كااان ااا‬ ‫ان إُ لال َع َىل ال لظاملُ َ‬
‫َفإُ ُن اَت ََه عوا َفال عااع َيف َ‬

‫يفقع شايا عىل املرشكني يفالاهود‪ ،‬بل يفعىل ب ض املسلمني‪ ،‬فهيه أيفل آياك تفرض القتال عىل‬

‫املسلمني‪ ،‬يفقتال املرشكني أمر متوقع ا ًا ب ا رسية َخلة‪.‬يفربنا بااِناَه يفت ااال قااال هاايه‬

‫وه عم َح عا اث َث ُق عفت اام ا‬


‫وه عم{ [الِقاارة‪ ،]191:‬ففاهااا إعااالن ييااع يااال عااىل قااوة‬ ‫اآلياك‪َ } :‬يفا عق ات ال ا‬
‫املسلمني يفيفاق اتهم‪ ،‬إعالن جماهبة القوة الكافرة امل تاية علاهم يفهي قريش كل مكان‪ ،‬هاايا‬

‫اإلعالن يال عىل أن كل املناربني مَ قريش مسااتهافون اآلن‪ ،‬يفأن قريًا ًا كاَااد تسااتها‬

‫املسلمني قِل ذلك كل مكان‪ ،‬يفقا حان يفقد امل املااة بامل‪،‬اال‪ ،‬ب ااسااتها املًااركون مااَ‬

‫املاينة أيف مكة أيف أي قافلة هنا أيف هناك‪ ،‬كل هيا فهمناااه مااَ‬ ‫قريش كل مكان بوا‬

‫وه عم َح عا اث َث ُق عفت اام ا‬


‫وه عم{ [الِقرة‪ ]191:‬إعالن ييع‬ ‫اجللئاة القصرية مَ القرآن امل جل‪َ } :‬يفا عق ات ال ا‬

‫‪434‬‬
‫للنرب عىل قريش‪ ،‬يف َفس الوقد هيه اآلية محلد اإليار عىل موقف املسلمني رسيااة‬

‫َخلة‪َ ،‬نَ ال َ تير بأي حجج يفاهاة عام حاث هيه الرسية‪ ،‬بل َنَ َقول‪ :‬باتكرر هاايا‬

‫ك‪،‬ري ًا إل أن تفاق قريش مَ غاها يفتتوب مَ ظلمها‪َ .‬فس املجموعة مَ اآلياك قال اع عاال‬

‫وه عم ُم عَ َح عا اث َأ عخ َر ا وك عام{ [الِقرة‪ ]191:‬يفهيا تص اا خطري ا ًا يفييااع‪،‬‬


‫يف ل‪َ } :‬يف َأ عخ ُر ا ا‬
‫فاملرشكون أخر وا املسلمني املها ريَ مَ مكة‪ ،‬يفاآلية تاعو املسلمني أن خير وا الكفار مااَ‬

‫وه عم ُم عَ َح عا اث َأ عخ َر ا وك عام{ [الِقرة‪ ،]191:‬مجلة منتهى اخلطورة‪ ،‬ف ااىل‬


‫مكة أيض ًا‪َ } ،‬يف َأ عخ ُر ا ا‬
‫كفار قريش أن يتوق وا مِاغتة املؤمنني م مكة أي ْلظااة‪ ،‬ف لاااهم أن ي اًااوا رعااِ‬

‫االَتظار اآلن‪ ،‬يفعلاهم أن ياااركوا أن ا يفضاااا اجلاياااة شاااياة االخااتال عااَ ا يفضاااا‬

‫السابقة‪ ،‬علاهم أن ياركوا أن هؤال الييَ عاايبوا لساانواك يفباانواك الِلااا اْلاارام مكااة‪،‬‬

‫قويد شوكتهم اآلن يفاشتا عودهم‪ ،‬يفبلغ هتاياهم للار ة التي يرصحون فاها بغليف عقر دار‬

‫املرشكني مكة‪.‬‬

‫الناحاة ا خرى عىل املسلمني أيض ًا أن يكوَوا عىل قار املسئولاة اجلاياة‪ ،‬علاهم أن ي لمااوا‬

‫أب اد اخلطة اجلاياة‪ ،‬علاهم أن ي لموا متطلِاك املرحلة اجلاياة‪ ،‬فلم ي ا ها املسلمني فقط‬

‫هو اْلفاظ عىل دينهم يفحااهتم‪ ،‬بل ارتفع ا ا إل الرغِة الصادقة رفااع الظلاام ًاما ًا عااَ‬

‫كواهلهم‪ ،‬إل الرغِة الصادقة َرش هيا الايَ كل مكان‪ ،‬يفلو كااان هاايا املكااان هااو مكااة‬

‫م قل قريش‪ .‬فتند هيه اآلية آفاق اياة ًاما ًا للمساالمني‪ ،‬باامد بااأحالمهم يفآمااا م إل‬

‫در ة مل يكوَوا يتخالون أهنم باصلون إلاها هيا الوقااد‪ ،‬كاال هاايه ا حااااث يفق ااد‬

‫املاينة املنورة يفالايفلااة اإلبااالماة مل يتجااايفز عمرهااا باانتني‪.‬كيلك حااادك اآلياااك ب ااض‬

‫وه عم ُعنعاَ املعَ عس ُج ُا‬


‫الترشي اك اخلاصة بالقتال الِلا اْلرام مكة‪ ،‬قال اع عل يف ل‪َ } :‬يفال ات َقاتُ ال ا‬
‫وه عم َكا َيلُ َك َ ا َلا ا ا عل َكاافُ ُري ََ{ [الِقاارة‪.]191:‬‬
‫اْل َرا ُم َحتلى اي َقاتُ الوك عام فُ ُاه َفاإُ عن َقاا َت الوك عام َفاا عق ات ال ا‬
‫عَ‬

‫‪435‬‬
‫فاآلياك فاها هتايا خطري لقريش‪ ،‬إذ تتناث يفكأن القتال مكة أصااِع أماار ًا يفاق ا ًا يفلاااس‬

‫جمرد فكرة أيف هتايا عابر‪ ،‬بل هو حاث يفاق ي قريِ له أحكام يفقواَني‪ .‬الشك أن هاايا ألقااى‬

‫الرهِة قلوب الكفار‪.‬ختال م ي أن ديفلة تتناث عَ ا حكااام التااي جيااِ أن تنفااي‪ ،‬يفعااَ‬

‫الترشي اك التي جيِ أن تطِق عنا دخول عاصمة ديفلة م ادية ا‪ ،‬ال شك أن هاايا يااال عااىل‬

‫شاة ال‪،‬قة بالنفس‪ ،‬يف َفس الوقد يال عىل أن هناك عليمة لَ تنطفئ حتااى يتنقااق ااا مااا‬

‫تريا‪ .‬كان هيا هو الوضع ب ا رسية َخلة‪ ،‬خالصة هيا الوضع حتى اآلن يفَنَ َقا ب مااَ‬

‫النصف مَ ش ِان بنة اثنني هجرية‪ :‬أن املسلمني أعلنوا اْلرب ياحة عىل مًااركي مكااة‪،‬‬

‫يفأن املوقف صار متأزم ًا ا ًا‪ ،‬يفاجلماع مؤمنهم يفكافرهم يتوقع صاام ًا مريفع ًا قريِ ًا بااني فريااق‬

‫اْلق املتم‪،‬ل مؤمني املاينة املنورة يففريق الِاطل املتم‪،‬ل كفار مكة‪.‬‬

‫االختِاراك التي مر هبا مؤمنو املاينة قِل اصطاامهم بأهل الِاطل‬

‫مَ بنة اع بِناَه يفت ال أَه قِل الصااماك الكربى التي تقع بني اْلق يفالِاطل البا أن ًاار‬

‫أمة املسلمني بِ ض الًاائا يفاملصاعِ يفاالختِاراك التي ً‪،‬ل امتناَ ًا ص ِ ًا لكل املساالمني‪،‬‬

‫فمَ السهل أن تقول‪ :‬أَا مؤمَ‪ ،‬لكَ الصادقني قلال‪ .‬قال اع عل يف ل يصف إيامن ا عراب‪:‬‬

‫اإليا َاام ان ُ اق الاوبُك عام{‬ ‫اب آ َمنلاا اقا عل َمل ع ت عاؤ ُمنااوا َيف َل ُكا عَ اق ا‬
‫ولاوا َأ عبا َل عمنَا َيف َلملاا َيااع اخ ُل ُ‬ ‫ُ‬
‫} َقا َلد ا َ عع َر ا‬
‫[اْلجراك‪ ،]14:‬فال با أن يكون هناك اختِار ص ِ عاد ف ً‬
‫ال مَ الصااادق يفمااَ الكاااذب‬

‫يفمَ املؤمَ يفمَ املنافق؟مَ هيه االختِاراك التي ًد شهر ش ِان اختِار فاارض القتااال‪،‬‬

‫فاليي يقِل بمًقة فرض القتال يفيستمر الطريق هو صادق اإليااامن‪ ،‬يفأمااا الاايي باااجلا‬

‫يفيت‪،‬اقل إل ا رض فصف املؤمنني غنى عنه يفال عتا ون إلاه‪ ،‬باال مااَ ا فضاال أن يا ك‬

‫الصف مَ اآلن قِل أن تًتا ا زمة‪ .‬فرض القتال كان أحا االختِاراك قِل الصاام املتوقااع‪،‬‬

‫يفلكَ مل يكَ هيا هو االختِار الوحاا‪ ،‬كان هناك اختِاراك أخرى حصلد قِل هيا االختِار‬

‫‪436‬‬
‫يف َفس شهر ش ِان‪ ،‬إعااد يفاضع مَ رب ال املني بِناَه يفت ال ملجموعة مااَ املساالمني‪،‬‬

‫بو تغري ب ا ذلك مَ خارطة ال امل بكامله‪.‬‬

‫مَ االختِاراك املهمة التي حصلد قِاال فاارض القتااال يف شااهر شا ِان اختِاااران غايااة‬

‫ا مهاة‪ :‬اختِار فرض اللكاة يفاختِار فرض صاام رمضان‪.‬كاَد اللكاة مفريفضة عىل املسلمني‬

‫ف ة مكة‪ ،‬لكَ مل تكَ بالنصاب امل ريف يفبالقار الاايي َ رفااه‪ ،‬باال كاَااد م يفكااة لكاال‬

‫مسلم بقار ما يستطاع دف ه‪ ،‬أما اآلن فقا فرض عىل املسلمني أن ياااف وا قااار ًا م انا ًا مقااااره‬

‫‪ %2.5‬إذا بلغ املال النصاب يفحال علاه اْلول‪.‬يفقامة اللكاة يفإن كاَااد قلالااة إال أن اإلَسااان‬

‫ون املعَ َال اح ًِّا َ ًّ‬


‫مجا{ [الفجر‪ ،]20:‬يفاإلَسان بطِ ااه‬ ‫بطِ ه جمِول عىل حِ املال‪ ،‬قال ت ال‪} :‬يف ا ُ‬
‫ُت يِ َ‬ ‫َ‬
‫ال عِ القاود خاصة القاود املادية‪ ،‬يفهكيا لااَ يقِاال بفاارض اللكاااة إال املااؤمَ حق ًا‪.‬كاايلك‬

‫اختِار الصاام‪ ،‬فإن الصوم املفريفض عىل املسلمني حتى هيه اللنظة مل يكَ إال يوم ًا يفاحا ًا‬

‫السنة هو يوم عاشورا ‪ ،‬أما اآلن فقا فرض علاااهم صاااام شااهر كاماال الساانة‪ ،‬يفهااو شااهر‬

‫رمضان‪ ،‬يفهيا الفرض َلل شهر ش ِان‪ ،‬يفعىل ذلك فإن املسلمني باصومون شهر رمضان‬

‫ديفن هتائة َفساة مسِقة‪ ،‬يفهيا شاق علاهم خاصة هيه الِائة الصنرايفية‪ ،‬فلَ ي‪ِ،‬د هاايا‬

‫االختِار إال صادق اإليامن‪ .‬االختِار ا يفل‪ :‬اللكاة‪ ،‬االختِار ال‪،‬اين‪ :‬الصاام‪ ،‬االختِار ال‪،‬الث‪:‬‬

‫فرض القتال‪ .‬بقي هناك اختِار رابع ص ِ ا ًا حصل َصف شهر شا ِان‪ ،‬يفهااو اختِااار‬

‫ُتويل القِلة مَ باد املقاس إل الك ِة املرشفة مكة‪.‬يفكل هيه االختِاراك كاَااد متتالاااة‪،‬‬

‫حصلد خالل أبِوعني مَ شهر ش ِان‪ ،‬يفاملسلمون قِل هيا اْلاث كاَوا يصلون اجتاه‬

‫باد املقاس ‪ 16‬أيف ‪ 17‬شهر ًا‪ ،‬مَ أيفل ا جرة إل منتصف ش ِان مَ السنة ال‪،‬اَاة مَ ا جرة‪،‬‬

‫يف هيا إعالن ل موم الناس أن الربالة اإلبااالماة مااا هااي إال ابااتكامل لرباااالك ا َِاااا‬

‫ا يفا بمنهج يفاحا يفي ِايفن إ ًا يفاحا ًا‪ ،‬يف‬ ‫السابقني‪ ،‬يفأن الربول ﷺ يفمَ قِله مَ ا َِاا‬

‫‪437‬‬
‫ذلك تقريِ لقلوب الاهود مَ بكان املاينة مَ الايَ اجلايا‪ ،‬فهم يً كون مع املساالمني‬

‫قِلة يفاحاة‪ ،‬يفي ظمون إ ًا يفاحا ًا‪ ،‬يفيصومون يوم ًا يفاحا ًا‪ .‬ثم مرك ا يااام يفالًااهور‪ ،‬يفظهاار‬

‫ل ذلك َلل الوحي مَ السام‬ ‫للجماع أن الاهود قوم فابقون‪ ،‬أدركوا اْلق يفاتِ وا غريه؛‬

‫بتغاري القِلة مَ باد املقاس إل مكة املكرمة‪ ،‬يففرض صاام رمضان باالً مَ صاام عاشااورا ‪.‬‬

‫كاَد هيه التغارياك ُتمل م اين باماة ا ًا مَ التمااال لةمااة اإلبااالماة‪ ،‬يفمااَ التو ااه إل‬

‫أرش بقاا ا رض‪ ،‬يفمَ خمالفة الاهود الفابقني‪ ،‬يفمَ غري ذلك مَ ا مور ال ظامة‪ ،‬يففااوق‬

‫هيا كله كان فاها إشارة لطافة إل أن اع عل يف ل بافتع مكة للمسلمني يوم ما؛ َه لاااس‬

‫مَ امل قول أن تو ا قِلة قوم بلااا أعاااائهم‪ .‬يفب ااا مرشاايفعاة ابااتقِال الك ِااة حصاالد‬

‫مًكلة ص ِة‪ ،‬فالاهود ك ادهتم حايفلوا إثارة الفتنة يفإشاعة الًِهاك‪ ،‬يفا تهايفا ذلك ًااام‬

‫اال تهاد‪ ،‬إذ صاريفا يتهكمون مَ هيا التنويل للقِلة‪ ،‬يفيقولون‪ :‬إن املساالمني ما دديفن بااني‬

‫قِلتني‪ ،‬يفقالوا‪ :‬إذا اجتهتم إل القِلة اجلاياة فام شأن القِلة القايمة التي كنااتم تصاالون إلاهااا؟‬

‫يفالييَ كاَوا يصلون باجتاه القِلة القايمة ثم ماتوا ماذا يف ل اع عل يف ل بصالهتم‪ ،‬فقا كاَوا‬

‫خمطئني االجتاه‪ ،‬كاأب ا بَ زرارة ريض اع عنه يفأرضاه‪ ،‬يفالربا بَ م ريفر ؟يفهكيا عااايفل‬

‫الاهود أن ي‪،‬رييفا الًِهاك يفالفتَ دائ ًام‪ ،‬فأَلل اع عل يف اال ياارد علاااهم يفيصاافهم بالساافها ‪،‬‬

‫يفيِني املفهوم الاقاق اليي جيِ أن ياركه كل مؤمَ‪ ،‬يفهو أن ا مر كله ع عل يف ل‪ ،‬عكم بااام‬

‫خلقه يفملكوتااه‪ ،‬يفال راد لقضااائه بااِناَه‬ ‫يًا يفقد ما يًا بِناَه يفت ال‪ ،‬هو املترص‬

‫لاس َما َيف لال اه عم َع عَ ُق عِ َلتُ ُه ام ا للتُي كَاَاوا َع َل عا َها اق عل علُ‬


‫الس َف َها ا ُم ََ الن ُ‬
‫ول ي‬‫يفت ال‪ ،‬قال بِناَه‪َ } :‬ب َا اق ا‬

‫اط ام عسات َُقا ٍم{ [الِقاارة‪ ،]142:‬يفطمااأن اع عاال يف اال‬


‫رش اق يفاملعَ عغ ُرب َي ُاي مَ ي ًَا إُ َل ُي ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ع َ ا‬ ‫ا َع‬ ‫املعَ ع ُ َ‬
‫املؤمنني عىل صالة أيفلئك الييَ ماتوا قِل ذلك‪ ،‬يفعىل صالهتم هم أَفسهم‪ ،‬قال اع عل يف ل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫اع إُ َيام ََك عام إُ لن اعلَ بُالن ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫لاس َلا َر ا يف ٌ َرحا ٌ‬
‫ام{ [الِقاارة‪ ]143:‬يفمااع ذلااك كااان‬ ‫} َيف َما ك َ‬
‫َان اعلا ل ااض َ‬

‫‪438‬‬
‫االختِار ص ِ ًا‪ ،‬فاع بااِناَه يفت ااال يقااول‪َ } :‬يفإُ عن ك ََاَا عد َلكَُِا َري ًة إُ لال َعا َىل لالا ُيي ََ َهااَ ى اعلا{‬

‫[الِقرة‪ ،]143:‬إذ ًا‪ :‬كأن املوضوا اختِار‪ ،‬يفاع حاد الغايااة مااَ هاايا االختِااار‪ ،‬فقااال‪َ } :‬يف َماا‬

‫ِ َع َىل َع ُق َِ عا ُه{ [الِقرة‪،]143:‬‬ ‫ُ‬ ‫اند َع َلاها إُ لال لُنَ َلم مَ يتلُِع الرب َ ُ‬
‫ول ِم ل عَ َين َقل ا‬ ‫ع َ َ ع َ ا ل ا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َ َ علنَا ا علق عِ َل َة ا للتي ك َ ع َ‬
‫فا مر حقاقته امتنان كام بني اع عل يف ل‪.‬‬

‫اختِاراك شهر ش ِان كاَد مك‪،‬فة ا ًا‪ ،‬يفيااوحي هاايا بوضااومل أن املساالمني يق بااون مااَ‬

‫حاث هام ال يمكَ أن خيرج له إال املؤمنون حق ًا؛ ليلك كاَااد االختِاااراك متكااررة هاايا‬

‫الًهر الكريم‪ ،‬هيا اْلاث هو لقا الكافريَ مع املسلمني غليفة بار الكربى‪ ،‬يفتسمى هاايه‬

‫الغليفة باوم الفرقان‪ ،‬يفإل هيا الوقد مل ًض عىل املاينة إال بنتان يفالربول ﷺ يقودها‪ ،‬لكَ‬

‫الوضع املاينة املنورة مل يكَ مستقر ًا أبا ًا‪ ،‬فهناك طوائااف شااتى مااَ املرشااكني مااَ ا يفس‬

‫يفاخللرج‪ ،‬يفهناك الاهود‪ ،‬يفهناك قريش يفخاصة ب ا أن رحد كربيائها ب ا رسيااة َخلااة‪،‬‬

‫يفهناك قِائل ا عراب املناطة باملاينة يفالتي عاشااد عااىل الساالِ يفالنهااِ‪ ،‬فهااي عصاااباك‬

‫إ راماة‪ ،‬يفظهور دعوة أخالقاة كاعوة اإلبااالم هاايا املكااان ُتجاام ك‪،‬ااري ًا مااَ الرسااقاك‬

‫يفالنهِ يفالسلِ‪ ،‬يفهيا ِما ال شك فاه ال ي جِ هيه القِائل‪ ،‬فا يفضاا غري مستقرة أبا ًا‪.‬‬

‫يفقفاك مع غليفة بار الكربى‬

‫يوم الفرقان كاَد غليفة بار الكربى ‪ 17‬مَ رمضااان باانة اثنااني هجريااة‪ ،‬هاايه الغااليفة‬

‫قلِد املوازيَ كلها‪ ،‬بل تستطاع أن تقول‪ :‬هي امل ركااة التااي عااالد مااوازيَ ال ااامل املقلااوب‬

‫يفلاس مَ الرضيفري أن ُتاث َقاط التغاري املنورية ال امل َتاجة ياا بني قوة عاملاااة أيفل‬

‫يفأخرى‪ ،‬لكَ قا يِاأ التغاري بناث ال ي طي أحا ًا مَ أهل ا رض أمهاة‪ ،‬بل قا ال يًا ريفن‬

‫به أصالً‪ ،‬فمَ كان يسمع عَ غليفة بار مَ أهل فارس أيف أهل الريفم أيف أهاال الصااني أيف أهاال‬

‫ا نا؟ إن غليفة بار حساباك ال سكريني م ركة بساااطة ااا ًا‪ 300 ،‬ناااي عااارب ألااف‬
‫‪439‬‬
‫ناي َقطة ال ترى عىل خارطة ا رض‪ ،‬يف صنرا ال رب اجلردا ‪ ،‬يفأي حملل عسااكري‬

‫بانلل هيه امل ركة بأهنا جمرد ياا عابر‪ ،‬أيف تستطاع أن تقول‪ :‬مًكلة بااني قِالتااني ال ُتماال‬

‫أي َوا مَ اخلطورة عىل القوى ال املاة املو ودة آَياك‪ ،‬فجاوش الريفمان كاَد تقار باملاليني‬

‫ذلك الوقد‪ ،‬يف اوش فارس كاَد تليا عىل ملاوين ناي‪ ،‬هيه أعااااد اجلاااوش فقااط ال‬

‫الً وب‪ ،‬أما الً وب فكاَد تقطَ مساحاك يفاب ة ا ًا‪ ،‬يفهااي اآلن عرشاااك الااايفل؛‬

‫ليلك فإن غليفة بار التنلال السطني م ركة عابرة‪ ،‬ال ير ى أن يكااون ااا أي أثاار إال‬

‫ب ض النقاط غري املرئاة الصنرا ‪ ،‬يفمع ذلك فإن التنلال ال ماااق ي‪ِ،‬ااد غااري ذلااك ًاما ًا‪.‬‬

‫فِ ا غليفة بار يفلاك أمة ثابتة رابخة‪ ،‬ا ربالة يفها يفطمومل‪ ،‬تغري يف ه التاريخ حق ًا ب ا‬

‫هيا املاالد‪ .‬قامد الايفلة التي بتنمل عىل أكتافها قضاة هااية الناس أمج ني إل رب ال اااملني‬

‫بِناَه يفت ال‪ ،‬يفًَأك ا مة التي بتصِع خري أمة أخر د للناااس‪ ،‬يفخاارج اجلاااش الاايي‬

‫بالللل ب ا ذلك عريفش قارص يفكرسى‪ ،‬فغليفة بار غليفة فرقد بني مرحلة كاَد فاها ديفلااة‬

‫اإلبالم َاشئة ض افة مهادة‪ ،‬يفمرحلة أخرى أصِند فاها ديفلة اإلبااالم م تااربة يفمسااتقرة‬

‫يفقوية ا شأن املنطقة‪ ،‬يفكل الناس ال امل يسم ون عَ ديفلة اإلبالم؛ ليلك فإَه لاس مَ‬

‫املستغرب أن اع بِناَه يفت ال بامها يوم الفرقان‪ ،‬فإن مقاياس رب ال املني بااِناَه يفت ااال‬

‫لاسد كمقاياس الِرش‪ ،‬فإن الصاام املريفا بني فارس يفالريفم مراك عاياااة مل يغااري مااَ يف اه‬
‫ض َيف اها عم ُما عَ َب ع ا ُا َغ َلاُِ ُه عم َبا َا عغ ُل اِ َ‬
‫ون{‬ ‫الريف ام * ُ َأ عد ََاى ا َ عر ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫التاريخ‪.‬قال ت ال‪} :‬امل * اغل َِد ي‬
‫[الريفم‪ ،]3-1:‬فازك أيف خرسك لاس هناك تأثري ا رض‪ ،‬فام هي إال ْلظاااك عااابرة مهااام‬

‫طالد عمر الِرشية‪ ،‬لكَ بار ًا يفض ها خمتلف‪ ،‬فالصاام الِساط اليي تم بني املاينة املنااورة‬

‫ا رض‪ ،‬يفما زال يغري إل يوم القاامة‪ ،‬فغليفة بار ْلظة فارقة حقا ًا‪ ،‬يفإذا‬ ‫يفمكة غري كل يش‬

‫كان ا مر كيلك فالبا أن َقف طوي ً‬


‫ال مع غليفة بار‪ .‬غليفة بار مل تكَ غليفة عظامة بأرضااها‬

‫‪440‬‬
‫أيف بجغرافاتها أيف بخطتها أيف بنوعاة السالمل اليي ابتخام فاها‪ ،‬إَام كاَد عظامة بأهاال اْلااق‬

‫َرصاك اام اعلا بُ َِااع ٍر‬


‫فاها يفلو كاَوا قلة بسطا حقرا ‪ ،‬أيف بالت ِري القرآين كام قااال ت ااال‪َ } :‬يف َل َقااع َ َ َ‬
‫َيف َأ عَت عام َأ ُذ لل ٌة{ [آل عمران‪ ،]123:‬فكاَد بار عظامة بالطائفة املؤمنة النِالة التي شاركد فاهااا‪،‬‬

‫فمَ أ ل هيه الطائفة حاثد تغارياك كوَاة هائلة‪ ،‬يفمَ أ ل هيه الطائفااة َللااد املالئكااة‪،‬‬

‫يفمَ أ ل هيه الطائفة خضع الًاطان بل َكص عىل عقِاه ميموم ًا ماحور ًا‪ ،‬فال بااا أن َقااف‬

‫يفقفة يفَارس هيه الطائفة النِالة ال ظامة الطائفة هيه يا إخواين أَااا أرى أهنااا م اااار للجاااش‬

‫املنترص‪ ،‬اش بار مقااس لكل اوش املسلمني اجلاش اليي با ر يتصف بصفاك اش‬

‫بار با ر عقق َرص م‪،‬ل َرص بار‪.‬‬

‫ا بِاب التي دعد إل غليفة بار الكربى‬

‫عادك قافلة مكاة مَ الًام إل مكة بقاادة أيب بفاان ‪ ،‬يفم ظم القوافل التي خرج ا املسلمون‬
‫قِل ذلك مل عاث فاها قتال كام ت لمون‪ ،‬حتى القتال اليي حصاال رسيااة َخلااة كااان قتاااالً‬

‫بساط ًا‪ 10 ،‬مَ املسلمني عاربون ‪ 4‬مَ الكفااار‪ ،‬لكااَ هاايه القافلااة كاَااد ختتلااف عااَ بقاااة‬

‫القوافل ب ض ا مور املهمة‪:‬‬

‫أيفالً‪ :‬هيه القافلة مَ أك‪،‬ر القوافل املكاة ماالً‪ ،‬فرضب هيه القافلة يم‪،‬ل رضب ًة اقتصادي ًة هائلا ًة‬

‫ملكة‪ ،‬فاها ألف ب ري موقرة با موال‪ ،‬يففاها ما ال يقل عَ مخسني ألف دينار ذهِي‪.‬‬

‫ثاَا ًا‪ :‬هيه القافلة لاسد بقاادة قائا مغمور مَ قواد مكة أيف تا ر عادي مااَ جتااار قااريش‪ ،‬باال‬

‫هي بقاادة أيب بفاان بَ حرب مَ بادة قريش‪ ،‬يفمع هيه القافلااة حرابااة مكوَااة مااَ ‪ 30‬إل‬

‫‪ 40‬مرشك ًا‪ ،‬أما قافلة َخلة فكان م ها أرب ة ر ال فقط‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫ثال‪ً ،‬ا‪ :‬هيه القافلة ًر بجوار املاينة شهر رمضان‪ ،‬ب ا شهر يفَصف شهر فقااط مااَ أحااااث‬

‫رسية َخلة‪ ،‬يفموقف املؤمنني مع هيه القافلة يؤكا صالبة مااوقفهم يفابااتمرارية حاارهبم ضااا‬

‫املرشكني‪ ،‬يفي‪ِ،‬د أهنم لاسوا خائفني أبا ًا مَ آثار رسيااة َخلااة‪ ،‬باال عااىل ال كااس ي تاارب هاايا‬

‫اخلريفج تأكاا ًا يفاضن ًا لقوة املسلمني يفتصمامهم عىل اْلرب ضا قريش إل النهاية‪ ،‬يفال شااك‬

‫أن هيا باهل كفار مكة‪.‬‬

‫ليلك خرج الربول ﷺ خاارج بااأكرب عاااد مااَ املساالمني‪ ،‬يفإل هاايه اللنظااة كاال الرسااايا‬

‫يفالغليفاك السابقة مل يتجايفز عاد املسلمني فاها مائتني‪ ،‬لكنهم غااليفة بااار أصااِع عااادهم‬

‫‪ 313‬أيف ‪ 314‬أيف ‪ 317‬عىل اختال الريفاياك‪ ،‬يفقا خرج ا َصار يفل مرة مااع املهااا ريَ‪،‬‬

‫يفالغليفاك يفالرسايا التي حاثد قِل بار كلها كاَااد م تماااة عااىل املهااا ريَ‪ ،‬كاايلك كااان‬

‫خريفج ا َصار غليفة بار باارغِتهم أَفسااهم‪ ،‬يفبًااورى مااَ ربااول اع ﷺ‪ ،‬كااام ااا‬

‫صناع مسلم ‪ :‬أن الربول ﷺ ابتًار الناس اخلريفج للقافلة‪ ،‬فااأعلَ أبااو بكاار املوافقااة‪،‬‬

‫يفأعلَ عمر املوافقة‪ ،‬يفك‪،‬ري مَ املها ريَ أعلنوا كيلك املوافقااة‪ ،‬يفكااان الربااول ﷺ يطلااِ‬

‫املليا مَ الرأي‪ ،‬حتى قال ب ا بَ عِادة زعام اخللرج‪( :‬إياَا تريا يا ربول اع؟!( فقال ﷺ‪:‬‬

‫)أ ل(‪ .‬فقال‪) :‬يفاليي َفيس بااه لو أمرتنا أن َخاضها الِنر ‪-‬أي‪ :‬اخلال‪ -‬خضااناها‪ ،‬يفلااو‬
‫أمرتنا أن َرضب أكِادها إل برك ُ‬
‫الغامد لف لنا) يفبرك الغامد‪ :‬مكان ب اا عااَ املاينااة املنااورة‬ ‫َع‬
‫اجتاه الامَ‪.‬كاَد هيه ابتًارة حصلد داخل املاينة املنورة‪ ،‬يفعرض ا َصار أن خير وا مااع‬

‫الربول ﷺ إل هيه القافلة‪ ،‬يفقِل الربول ﷺ هيا ال رض‪ ،‬يفف ً‬


‫ال خرج ا َصار‪ ،‬بل م ظاام‬

‫اجلاش كان مَ ا َصار‪ ،‬ف اد ا َصار بار كان ‪ 231‬أَصاري ًا‪ 61 ،‬مَ ا يفس‪ ،‬يف‪ 170‬مَ‬

‫اخللرج‪ ،‬يفاملها ريفن كاَوا ‪ 83‬فقط‪ ،‬ي ني‪ :‬ثل‪،‬ي اجلاش تقريِ ًا مَ ا َصااار‪ ،‬يفتااليفد الربااول‬

‫ﷺ بسالمل املسافر‪ ،‬يفأخي م ه فربني يفبِ ني مَ اإلبل‪ ،‬يفقسم اًه إل مها ريَ يفأَصااار‪،‬‬

‫‪442‬‬
‫يفأعطى راية املها ريَ لا يل بَ أيب طالِ ‪ ،‬يفراية ا َصار لاس ا بااَ م اااذ ‪ ،‬يفأعطااى الرايااة‬

‫ال امة للجاش لامص ِ بَ عمااري ريض اع عاانهم أمج ااني‪ ،‬يف اال عااىل الساااقة مااؤخرة‬

‫اجلاش قاس بَ أيب ص ص ة ريض اع عنه‪ .‬كان هاايا اإلعااااد منتهااى القااوة‪ ،‬هاايا اجلاااش‬

‫خرج لقافلة عربها ‪ 30‬أيف ‪ 40‬ر الً‪ ،‬أي‪ :‬أن اجلاش اإلبالمي عرشة أض ا حااراس قافلااة‬

‫مكة تقريِ ًا‪ ،‬يفاملخابراك اإلبالماة حادك أن القافلة بتمر قريِ ًا ا ًا مَ بار‪ ،‬يفهي عااىل ب ااا‬

‫نوب املاينة املنورة‪ ،‬يفهكيا اجته الربول ﷺ مِارشة إل بار حتى يقطااع‬ ‫حوايل ‪ 70‬كالو م‬

‫الطريق عىل القافلة‪.‬‬

‫كاَد القافلة املكاة عىل رأبها أبو بفاان بَ حرب ‪ ،‬يفهو مَ أذكى يفأدهى ال رب‪ ،‬يفكااان لااه‬

‫خمابراك ابتطاا مَ خال ا أن ي ر أن الربول ﷺ خرج مَ املاينة املنورة قاصااا ًا القافلااة‪،‬‬

‫لكنه مل ي لم ب ا إل أيَ يفصل الربول ﷺ‪ ،‬يفمل يضاع يفقت ًا‪ ،‬بل أربل ربااالة رسي ااة إل مكااة‬

‫يستنفر اش مكة للخريفج إلَقاذ القافلة‪ ،‬أربل الربالة مع يفاحا ابمه ضمضم بااَ عمااريف‬

‫الغفاري ‪ ،‬فلام يفصل ضمضم إل مكة يفقف عىل ب ريه يفشق قماصه‪ ،‬يفباأ يرصخ أهل مكة‪:‬‬

‫)يا م رش قريش؛ يا م رش قريش اللطامة اللطامة‪ ،‬أموالكم مع أيب بفاان قا عرض ااا حممااا‬

‫أصنابه‪ ،‬ال أرى أن تاركوها‪ .‬الغوث الغوث( يفَفر الناس كلهم‪ ،‬فااام تاالال مصاااِة رسيااة‬

‫َخلة قريِة‪ ،‬يفكلهم أخي املوضوا بمنتهى اجلاية‪ .‬با يفا مجع املقاتلني مَ كل مكان‪ ،‬يفأعايفا‬

‫اً ًا كِري ًا عىل أعىل مستوى‪ ،‬كان ت ااده ‪ 1300‬مقاتل مَ قريش يفما حو ا مَ قِائل ال رب‬

‫هيا اإلعااد ا يفل‪ ،‬يفخر وا بامئة فاارس يف‪ 600‬درا‪ ،‬يفمجااال ك‪،‬اارية ااا ًا ال ي اار عااادها‪،‬‬

‫لكنهم كاَوا يننريفن ‪ 9‬أيف ‪ 10‬مَ اإلبل للط ام فقط يوما ًا‪ ،‬يفخرج مع قاادة اجلاش كل زعااام‬

‫الكفر تقريِ ًا‪ :‬أبو هل ‪ ،‬عتِة بَ ربا ة ‪ ،‬شاِة بَ ربا ة ‪ ،‬الولاا بَ املغرية ‪ ،‬عقِة بَ أيب م اط ‪،‬‬

‫أماة بَ خلف يفغريهم‪ ،‬أما أبو ِ فلم خيرج يفخرج آخر مكاَه كان علاااه ديااَ‪ .‬قااال لااه‪:‬‬

‫‪443‬‬
‫ل املرشكون عىل رأس اجلاش أبا هل باا مكااة يففرعااون‬ ‫)أخرج يفبأرفع عنك الايَ(‪.‬‬

‫هيه ا مة‪ ،‬يفكان هيا إعااد ًا ضخ ًام جلاش خطري‪ ،‬يفقااا ت ااايفن اجلماااع إلخااراج هاايا اجلاااش‬

‫الكِري‪ ،‬بل ت ايفن م هم الًاطان َفسه‪ ،‬فإَه ملا قررك قريش اخلريفج خافد مَ غار بني بكاار‬

‫ا؛ يفذلك َه كان بانها يفبني بني بكر ب ض ال‪،‬اراك القايمة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إذا خر نا أتوَا بنو بكر‬

‫مَ يفرائنا‪ ،‬يفكاد ذلك يق اها عَ اخلريفج‪ ،‬لكَ الًاطان ً‪،‬ل م صورة رساقااة بااَ مالااك‬

‫ًم املاجلي أحا أرشا بني كناَة‪ .‬قال م‪) :‬أَا ااار لكاام مااَ أن تااأتاكم كناَااة مااَ‬ ‫بَ‬

‫خلفكم بيش تكرهوَه(‪ ،‬يفالقصة بناها صناع يف ا أك‪،‬ر مَ طريق‪ ،‬يفكم مَ املااراك باااعا‬

‫الًاطان أيفلاا ه حرب املؤمنني‪ ،‬لكَ كاا الًاطان ال يسمَ يفال يغني مَ وا إذا كااان اع‬

‫ان َض ا ُ ا ًفا{‬ ‫الً اا َط ُ‬


‫ان َكا َ‬ ‫ُ‬ ‫عاال يف اال مااع الفريااق اآلخاار‪َ } ،‬ف َقااتُ الوا َأ عيفلُ َااا َ ل‬
‫الً ا عا َطان إُ لن ك عَاااَ ل ع‬
‫[النسا ‪ .]76:‬إن الًاطان دفع الكافريَ دف ًا إل حتفهم بار‪ ،‬قال ت ال‪َ } :‬يف َما َي ع َلا ام ا نااو َد‬

‫َر َب َك إُ لال اه َو{ [املاثر‪ .]31:‬كيلك ف ل أبو هل أحا كِار شااطني اإلَس مكة‪ ،‬دفع َفسااه‬

‫يفزعام مكة مجا ًا للخريفج إل حتفهم‪ ،‬يفقصته مع أماة بَ خلف م ريففة ذكرهااا الِخاااري‬

‫صنانه‪ ،‬كان أماة بَ خلف مَ عتاة اإل رام‪ ،‬يفكان با ا بااَ م اااذ ريض اع عنااه يفأرضاااه‬

‫صايق ًا له اجلاهلاة يفقا زار ب ا مكة يفأحِ أن يطو ‪ ،‬يف أثنااا زيارتااه ملكااة قااال با ا‬

‫لاأماة ‪ :‬إَه بمع ربول اع ﷺ يقول‪( :‬إهناام قاااتلوك)‪ ،‬أي‪ :‬أن املساالمني باااقتلون أماااة بااَ‬

‫خلف ‪ ،‬ففلا أماة بَ خلف يفقال‪) :‬بمكة؟( قال ب ا ‪) :‬ال أدري(‪ .‬ازداد رعِ أماة ‪ ،‬يفر ااع‬

‫مرسع ًا إل أهله يفقال لليف ته‪( :‬يا أم صفوان؛ أمل تسم ي ما قال يل ب ا ؟) قالااد‪( :‬يفمااا قااال‬

‫لك؟) قال‪( :‬زعم أن حمما ًا أخربهم أهنم قاتيل)‪ ،‬فقلد له‪( :‬بمكااة؟) قااال‪( :‬ال أدري)‪ ،‬فقااال‬

‫أماة ‪( :‬يفاع ال أخرج مَ مكة)‪ .‬إن هيه القصة ت رفنا كاف أن أهل الِاطل يقريفن مَ داخلهم‬

‫أن أهل اإليامن هم عىل حق‪ ،‬يفأن كالمهم صناع ال خطأ فاه‪ ،‬يفحق ال باطل فاه‪ ،‬لكااَ الكاارب‬

‫‪444‬‬
‫يفالِطر يمن هم مَ اإليامن‪ .‬كيلك هيه القصة ات َ‪ِ،‬د املؤمنني‪ ،‬فال با لكل مااؤمَ أن ي اار أن‬

‫عايفه مَ داخله مرت ِ منه مهام كان هيا ال ايف قوي ًا‪ ،‬يفمهام كان أعواَه ك‪،‬ر ًا‪ ،‬يفملا قاارر اااش‬

‫مكة اخلريفج خا أماة أن خيرج مع اجلاش؛ َه ي ر أن كالم ربول اع ﷺ صاق‪ ،‬أتاه أبو‬

‫هل فقال له‪( :‬يا أبا صفواَإَك متى ما يراك الناس قا ختلفد يفأَد باا أهل الوادي ختلفااوا‬

‫م ك)‪ ،‬فأربل إلاه أبو هل عقِة بَ أيب م اط ‪ ،‬يفعقِة بَ أيب م اط جمرم شاطان‪ ،‬فقا ذهااِ‬

‫يفأحرض لاأماة بَ خلف طاِ ًا خاص ًا بالنسا ‪ ،‬فوض ه بني يايه يفقال له‪( :‬تطاِ‪ ،‬إَام أَااد مااَ‬

‫النسا )‪ ،‬فقال أماة ‪( :‬قِنك اع) فابتنى أن يكون مجاع الر ال قا خر وا يفهو قاعا‪ ،‬فقاارر‬

‫أماة بَ خلف أن خيرج يفينفي خطة كي ير ااع‪ ،‬يفقاارر أن يًا ي أ ااود ب ااري مكااة لاقااوم‬

‫با ريفب إن بنند له فرصة‪ ،‬يفر ع إل الِاد يفجتهل للخريفج فقالد له أم صاافوان ‪( :‬أيفقااا‬

‫َساد ما قال لك أخوك الا‪،‬ريب؟) قااال‪ :‬ال‪( ،‬مااا أريااا أن أ ااوز م هاام إال قريِا ًا)‪ ،‬يف أثنااا‬

‫الطريق قرر أماة الر وا أك‪،‬ر مَ مرة‪ ،‬لكَ أبا هاال كااان يأتاااه يفيكماال الطريااق م ااه حتااى‬

‫يفن ك عَاااً ا * َيف َأ ُكااااا‬


‫يفصلوا بار ًا‪ ،‬يفكان مصريه م‪،‬لام أخرب ربول اع ﷺ‪.‬قال ت ال‪} :‬إُ لهنا عم َي ُكااا َ‬

‫َك عااً ا{ [الطارق‪ ]16-15:‬بِنان اع! رأس الِاطل أبو هل هو اليي يافع ناه إل ا لكااة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ابتُ عك َِ ًارا ُ ا َ عر ُ‬
‫الس َا ُئ َيفال َع ااق املعَك اعر ل‬
‫الس َا ائ‬ ‫ض َيف َمك َعر ل‬ ‫اَظريفا ماذا يقول اع بِناَه يفت ال‪ } :‬ع‬
‫إُ لال بُ َأ عه ُل ُه{ [فاطر‪ ،]43:‬فاأبو هاال كااان ي تقااا أن هاايا هااو أفضاال إعااااد‪ ،‬يفأَااه قااا مكاار‬

‫باملسلمني‪.‬‬

‫خرج اش مكة‪ ،‬يف الطريق قِل أن يصلوا إل بار يفصاالتهم ربااالة أخاارى مااَ أيب باافاان‬

‫يقول فاها‪) :‬إَكم إَام خر تم لتنرزيفا عريكم يفر الكم يفأموالكم‪ ،‬يفقا َجاها اع فار وا(‪.‬‬

‫اكتًف أبو بفاان ُتركاك اجلاش املسلم‪ ،‬يفعلم أَه بانتظر بار‪ ،‬يفبرسعة غري اجتاهه َاحاة‬

‫الغرب‪ ،‬يفبار عىل باحل الِنر ا محر يفأفلد بالقافلة‪ ،‬يفكان أبااو باافاان ياارى أَااه ال داعااي‬

‫‪445‬‬
‫للاخول صاام ديفن إعااد اا مسِق‪ ،‬فا فضل تااابري أماار اجلاااش با يف‪ .‬يف اااك هاايه‬

‫الربالة هوى قلِ أماة بَ خلف يفغريه‪ ،‬فأراد اجلماع الر وا‪ ،‬لكااَ أبااا هاال قااام اام‪،‬‬

‫يفأخي ياف هم دف ًا‪ ،‬كام دفع فرعون ناه للاخول الِنر خلف موبى ﷺ‪ .‬قال أبو هاال‬

‫للجاش‪) :‬يفاع ال َر ع حتى َرد بار ًا‪ ،‬فنقام هبا ثالث ًا‪ ،‬فنننر اجلليفر يفَط م الط ااام يفَسااقي‬

‫اخلمر يفت ل القاان( أي‪ :‬املطرباك‪ ،‬يفهيا ك ادة أهل الِاطاال دائا ًام‪ ،‬عنااا منابااِاك النصاار‬

‫ي ايفن حفلة يفيأتون فاها باملطربني يفاملطرباك‪ ،‬يفيأكلون يفيرشبون اخلمر‪ ،‬يفيف لون أشاا مااَ‬

‫هيا القِال‪ ،‬لكَ املسلمني عتفلون للنرص بصالة الفجر يفبجاة الًااكر‪ ،‬عتفلااون بصاااقاك‬

‫يفإعتاق عِاا يفرفع ليكر اع ا رض‪ ،‬أما أهل الِاطل ف ااىل ال كااس ًاما ًا‪ ،‬ال ياايكريفن اع‬

‫هااوائهم يفرغِااة‬ ‫بِناَه يفت ال أبا ًا ال َرصهم يفال هليمتهم‪ ،‬فهم مل خير وا إال إرضا‬

‫اليكر عنا الناس‪ ،‬يتضع ذلك لا ًا قول أيب هل ‪( :‬يفتسمع بنا ال رب يفبمسريَا يفمج نا‬

‫فال يلالون َيابوَنا أبا ًا) فكل اليي رأبه ذكر الناس م‪ ،‬يفاع بِناَه يفت ال ذكر ذلااك‬
‫لاس َيف َي اصااي َ‬
‫يفن‬ ‫كتابه الكريم‪ ،‬قال ت ال‪َ } :‬يفال َتكاوَاوا كَا لل ُيي ََ َخ َر ا وا ُم عَ ُد َي ُ‬
‫ار ُه عم َب َط ًرا َيف ُرئَا َ الن ُ‬

‫اط{ [ا َفال‪،]47:‬‬ ‫ون ا ُحم ٌ‬


‫ال اعلُ َيفاعلا بُ َام َي ع َم ال َ‬
‫َع عَ َبُِ ُ‬

‫برغم إيار أيب هل إال أن جمموعة مَ املرشكني اًَقد عَ الصف يفرفضد إكامل الطريق‪،‬‬

‫هيه املجموعة كان يقودها ا خنس بَ رشيق ‪ ،‬يفأخي م ه بني زهرة بالكامل يفكااان ت اااادهم‬

‫‪ 300‬مقاتل‪ ،‬يفعاد هبم إل مكااة‪ .‬هاايه االَقساااماك داخاال حاالب الِاطاال هااي َصاار كِااري‬

‫للمؤمنني‪ ،‬فاجلاش املكي أصِع ألف مقاتل يفأكمل الطريق حتى َلل قريِ ًا مَ بار عنا مكااان‬

‫ي ر بال ايفة القصوى عىل حايفد يفادي بار‪.‬‬

‫‪446‬‬
‫ُتقاق مِاأ الًورى بني أفراد اجلاش املؤمَ‬

‫َقلد االبتخِاراك اإلبالماة خربيَ منتهى ا مهاة‪ :‬اخلرب ا يفل‪ :‬هااريفب القافلااة‪ ،‬اخلاارب‬

‫ال‪،‬اين‪ :‬اش مكة عىل مقربة مَ بار‪ ،‬فالوضع خطري ا ًا‪ ،‬يفإعااد املساالمني كااان قويا ًا ااا ًا‬

‫بالنسِة لقافلة جتارية‪ ،‬لكَ الشك أَه ض اف ا ًا بالنسِة جلاش َظامي خرج مست ا ًا للقتال‪،‬‬

‫فال يو ا بوى اختاار مَ اثنني‪ :‬إما الر وا إل املاينة يفجتنااِ القتااال‪ ،‬يفإمااا التقااام إل بااار‬

‫يفالصاام املريفا‪ ،‬يفمَ هنا َركل عىل هيه القضاة؛ ن كل موقف بانمل ملمن ًا مااَ مالمااع‬

‫اااش‬ ‫النرص‪ ،‬يفباكون فاه إشارة إل عامل مَ عوامله‪ .‬كل صفاك اجلاش املنترص جتم د‬

‫بار‪ ،‬يفأي ال مسلم يريا أن ينتصار ال بااا أن ي اار صاافاك ااال بااار اااا ًا‪ ،‬يفال بااا أن‬

‫يستوعِ بورة ا َفال اا ًا‪ ،‬فهي بورة ُتاثد عَ غليفة بار‪ ،‬يفالربول ﷺ أمامه خااران‪:‬‬

‫الر وا أيف القتال‪.‬‬

‫كان النِي ﷺ يريا القتال؛ ن الر وا له آثار بلِاة كِرية‪ ،‬فهو باااهل ااا ًا كاااان املساالمني‪،‬‬

‫يفباضاع مكابِ رسية َخلة‪ ،‬يفباًجع الكفار عىل التامدي اْلرب عىل املساالمني‪ ،‬فكلااام‬

‫ر ع املسلم خطوة احتلها عايفه‪ ،‬يفال يستِ ا مطلق ًا إذا ر ع اجلاش املسلم أن يسااتمر اجلاااش‬

‫املكي املسري يفيغليف املاينة‪ ،‬يفعنائي باااكون اخلطاار أكاارب‪ ،‬لكااَ الربااول ﷺ لاااس قائااا ًا‬

‫ديكتاتوري ًا كاأيب هل‪ ،‬فالقائا الايكتاتوري يربز فهمه دائ ًام ملَ يقودهم‪ ،‬يفالااييَ مااَ حولااه‬

‫عايفلون أن يفهموه أن رأيه فقط هو الرأي الصناع‪ ،‬يفأَه يفهم كل يش ؛ لاايلك ف لاااه أال‬

‫يضاع يفقته يفيفقد ش ِه االبتًاراك‪ ،‬لكَ الربول ﷺ مل يكااَ كاايلك‪ ،‬فمااع أَااه أحكاام‬

‫الِرش كان يستًري أمته كل القضايا التي مل ينلل فاها يفحي‪ ،‬فإذا كااان هناااك أماار مااَ اع‬

‫قضاة مَ القضايا فإَه ال جيوز للمسلمني أبا ًا أن يتًايفريفا تطِاق ا ماار مااَ عامااه‪ ،‬يفإذا مل‬

‫يكَ هناك أمر مَ اع فالبا مَ الًورى‪ ،‬يفكل ُتركاتااه ﷺ كاَااد بالًااورى‪ ،‬ملااا خاارج مااَ‬

‫‪447‬‬
‫املاينة للقافلة خرج بالًورى‪ ،‬يفملا قرر أن عااارب مل عااارب إال بًااورى‪ ،‬يفباانرى للًااورى‬

‫مواضع ك‪،‬رية ب ا ذلك بار يف غري بار‪.‬‬

‫َستطاع أن َقول بِساطة إن مَ أهم مالمع اجلاش املنتصار أن يكااون اًا ًا ي ظاام الًااورى‬

‫اْلقاقاة يفلاسد الًورى التم‪،‬الاة ا للاة عىل الًا ِ‪ ،‬باال شااورى حقاقاااة هتااا إل قاارار‬

‫يصلع ا مة‪ ،‬يفهكيا عمل الربول ﷺ جملس ًا ابتًاري ًا كِري ًا تِادل فاه الرأي لاااس فقااط مااع‬

‫قادة اجلاش يفلكَ مع عامة اجلاش‪ ،‬فقام املستًار ا يفل لربول اع ﷺ أبو بكر الصايق يفأيااا‬

‫اْلرب ضا الكافريَ‪ ،‬يفكيلك قام املستًار ال‪،‬اين عمر بَ اخلطاب ريض اع عنااه فقااال َفااس‬

‫الكالم‪ ،‬ثم قام املقااد بَ عمريف ريض اع عنه يفأرضاه يفقال كالم ًا رائ ًا علق علاه عِااا اع بااَ‬

‫مس ود ‪ .‬قال‪( :‬شهاك مَ املقااد بَ عمريف مًها ًا ن أكون صاحِه أحِ إيل ِما عااال بااه)‪،‬‬

‫قال‪( :‬يا ربول اع؛ امض ملا أراك اع فننَ م ك‪ ،‬يفاع ال َقول لك كااام قالااد بنااو إرسائااال‬

‫ملوبى‪ :‬اذهِ أَد يفربك فقاتال إن ههنا قاعايفن‪ ،‬يفلكَ اذهِ أَد يفربك فقاتال إَااا م كااام‬

‫مقاتلون‪ ،‬فواليي ب ‪،‬ك باْلق لو رسك بنا إل برك الغامد جلالاَا م ك حتى َِلغه)‪.‬‬

‫ارس الربول رسيفر ًا عظا ًام بكالم املقااد ‪ ،‬يفلكَ ما زال يطلِ االبتًارة يفيقول‪( :‬أشرييفا عيل‬

‫أَيا الناس أشرييفا عيل أَيا الناس)‪ ،‬يفقا كان الربول ﷺ مواقف ك‪،‬رية يكتفي بابتًارة أيب‬

‫بكر يفعمر ‪ ،‬يفيقول‪( :‬لو ا تم تام مًورة ما خالفتكام)‪ ،‬لكااَ هنااا مااا زال ينتظاار ابتًااارة‬

‫ا َصار‪ ،‬فإَه مل يسمع رأي ا َصار ب ا‪ ،‬فا َصار قِل ذلك املاينة أعلنااوا مااوافقتهم عااىل‬

‫اخلريفج م ه للقافلة‪ ،‬لكَ اآلن لاس هناك قافلة‪ ،‬يفإَام قتال مع اش كِري‪ ،‬يفالربول ﷺ ي لم‬

‫أَه لو أمر ا َصار طاعوه فور ًا‪ ،‬فهم أعىل در اك اإليامن ريض اع عاانهم أمج ااني‪ .‬لكااَ‬

‫الربول ييكر با ة ال قِة ال‪،‬اَاة‪ ،‬يففاها بايع ا َصار عىل َرصة الربااول ﷺ إذا قااام إلاااهم‬

‫املاينة‪ ،‬يفمل يِاي وه عىل اْلرب خارج املاينة‪ ،‬يفا مر لاس فاه تكلاف إ ي اآلن فاسمع اجلماااع‬

‫‪448‬‬
‫يفيطاع‪ ،‬يفلكَ فاه الًورى‪ ،‬يفالربول ﷺ ال يريا أن يكره ا َصار عىل القتال‪ ،‬فًتان بني مَ‬

‫يقاتل يفهو مكااره‪ ،‬يفمااَ يقاتاال يفهااو راغااِ اجلهاااد‪ ،‬يفال َنسااى أن ا َصااار ثل‪،‬ااا اااش‬

‫املسلمني‪ ،‬فهيا الطلِ املتكرر لالبتًارة‪( :‬أشرييفا عيل أَيا الناس أشرييفا عاايل أَيااا الناااس)‪،‬‬

‫لفد َظر باا ا َصار ب ا بَ م اذ ريض اع عنه يفأرضاه‪ ،‬يفكان حامل لوا ا َصار حانها‪،‬‬

‫فقام يفقال‪( :‬لكأَك ترياَا يا ربول اع؟!) قال ربول اع ﷺ‪( :‬أ ل)‪ ،‬قال ب ا ‪( :‬فقا آمنااا‬

‫بك يفصاقناك‪ ،‬يفشهاَا أن ما ئد به هو اْلق‪ ،‬يفأعطاناك عىل ذلااك عهودَااا يفمواثاقنااا عااىل‬

‫السمع يفالطاعة‪ ،‬فامض يا ربول اع ملا أردك‪ ،‬فواليي ب ‪،‬ك باْلق لااو ابت رضااد بنااا هاايا‬

‫الِنر فخضته خلضناه م ك ما ختلف منا ر ل يفاحا‪ ،‬يفما َكره أن تلقى بنا عااايفَا غااا ًا‪ ،‬إَنااا‬

‫لصرب اْلرب‪ ،‬صاق اللقا ‪ ،‬يفل ل اع عل يف ل يريك منا ما تقر به عانك‪ ،‬فرس عىل بركااة‬

‫اع)‪ ،‬ثم قال‪( :‬ل لك ختًى أن تكون ا َصار ترى حق ًا علاها أال تنرصك إال دياارهم‪ ،‬يفإين‬

‫أقول عَ ا َصار يفأ اِ عنهم‪ :‬فاظ َ حاث شئد‪ ،‬يفصل حِل مَ شئد‪ ،‬يفاقطع حِل مَ‬

‫شئد‪ ،‬يفخي مَ أموالنا ما شئد‪ ،‬يفأعطنا ما شئد‪ ،‬يفما أخيك منا كان أحِ إلانا ِمااا تركااد‪،‬‬

‫يفما أمرك فانا مَ أمر فأمرَا تِع مرك‪ ،‬فواع لئَ رسك حتى تِلغ برك الغامد لنسرين م ااك‪،‬‬

‫يفيفاع لو ابت رضد بنا هيا الِنر فخضته خلضناه م ك)‪.‬‬

‫هؤال هم ا َصار (ال عِهم إال مؤمَ‪ ،‬يفال يِغضهم إال منافق)‪ ،‬يفملا بمع الربااول ﷺ هاايا‬

‫الكالم ُترك منتهى النًاط يفقال للناس محابة‪( :‬برييفا يفأبرشيفا فإن اع ت ال قا يفعاين‬

‫إحاى الطائفتني‪ ،‬يفيفاع لكأين أَظر إل مصارا القوم)‪ ،‬يف ريفاية مسلم عَ عمر بَ اخلطاااب‬

‫قال‪( :‬أَه مر مع املسلمني عىل أرض بار لالااة امل ركااة يفعاارفهم أيااَ يمااوك كاال طاغاااة مااَ‬

‫طواغاد مكة كان يقول‪ :‬هيا مرصا فالن غا ًا إن شا اع‪ ،‬يفهيا مرصا فالن غا ًا إن شا اع‪،‬‬

‫فام أخطأ ر ل املوضع اليي حاده ﷺ)‪.‬‬

‫‪449‬‬
‫صفة اإليامن الكامل باع يفربوله‬

‫مَ موقف املؤمنني الِابل بنجا أك‪،‬ر مَ صفة مَ صفاك اجلاش املنترص‪.‬‬

‫أيفالً‪ :‬ذكرَا قصة الًورى يفأمهاة الًورى بنا ا مة اإلبالماة‪.‬‬

‫ثاَا ًا‪ :‬لنا صفة هي مَ أهم صفاك اجلاش املنصور‪ ،‬بل هي أهم الصفاك مطلق ًا‪ ،‬ظل الربااول‬

‫ﷺ (‪ )13‬بنة مكة يفب ا ذلك املاينة يلرعها املسلمني‪ ،‬يفهي صفة اإليامن الكامل باع‬

‫عل يف ل يفتو اه الناة كاملة إلاه‪ ،‬يفاإليامن الكامل بربوله ﷺ يفاتِاعه اتِاع ًا ال تردد فاه‪ ،‬فااإن‬

‫اش مكة خرج لاتناث الناس عنه‪ ،‬خرج إلرضا شهواك النفس يفلغرض الصا عَ بِال‬

‫اع بطر ًا يفرئا الناس‪ ،‬بانام صاق التو ه كان يفاضن ًا كل كلمة مَ كلااامك الصاانابة ريض‬

‫اع عنهم يفأرضاهم‪ ،‬فهم ي لمون أهنم مهمة باماة يفغرض َِال‪ ،‬ال ير ون مَ يفرائهااا إال‬

‫ال‪،‬واب مَ اع عل يف ل‪ ،‬فاع غايتهم بم نى الكلمة‪ ،‬يفمَ غااري صاافة اإليااامن هاايه ال يو ااا‬

‫َرص‪ ،‬فاجلاش ال لامين لَ ينرص أبا ًا‪ ،‬يفاجلاش ال ايص لَ ينرص‪ ،‬يفاجلاش الفابااق لااَ ينرصاا‪،‬‬

‫يفاجلاش اليي يقاتل مَ أ ل القائا لَ ينرص‪ ،‬يفاجلاش اليي يقاتل مَ أ ل قِلاااة أيف عصااِاة‬

‫ال ملاذا يقاتل ال يمكااَ أن ينرصا أبااا ًا‪ ،‬يفهناااك اااوش‬


‫لَ ينرص‪ ،‬يفاجلاش اليي ال ي ر أص ً‬

‫ك‪،‬رية ا ًا يفأحااَ ًا مسلمة ال ت ر ملاذا تقاتل؟ القائا أمر‪ ،‬لكَ ملاذا أمر يفكاف أمر؟ يفيا تاارى‬

‫َه ال يسأل‪ ،‬فهيا ال يمكَ أن ينترصاا‪،‬‬ ‫هل هيه اْلرب تريض اع أم تغضِه؟ يفال أحا ي ر‬

‫نرصك عام َيف اي َ‪ َِ ،‬عد َأ عقاَ ا َمك عام{‬ ‫ُ‬


‫فالنرص املفهوم اإلبالمي مَ عنا اع عل يف ل‪} :‬إ عن ت ا ا‬
‫َنرصيفا اعلَ َي ا ع‬
‫[حمما‪ ،]7:‬يفَرص اع عل يف ل يكون بطاعته يفتطِاق رشعه‪ .‬يفاجلاش اإلبالمي أصِع لااه ‪15‬‬

‫بنة كاملة ي بى عىل هيا امل نى‪ ،‬يفهيه أهم صفة مَ صفاك اجلاش املنترص‪.‬‬

‫‪450‬‬
‫صفة ا مل يفالتفاؤل يفالاقني بنرص اع عل يف ل‬

‫الصفة ال‪،‬ال‪،‬ة‪ :‬صفة ا مل‪( :‬برييفا يفأبرشيفا‪ ،‬فإن اع قا يفعاين إحاى الطائفتني‪ ،‬يفيفاع لكأين‬

‫اَظر إل مصارا القوم)‪ ،‬يفاجلاش املنِط مَ املستنال أن ينتصار‪ ،‬يفاإلحِاااط ال يااأ إال مااَ‬

‫تفاهة املهمة التي يقاتل مَ أ لها اجلاش‪ ،‬يفالاَاا بكاملهااا ال ت ااال عنااا اع نااامل ب وضااة‪،‬‬

‫فاليي يقاتل مَ أ ل الاَاا ال شك أَه بانِط‪ ،‬يفمَ أحِط الشك أَه باهلم‪.‬‬

‫صفة اْللم يفعام ال دد‬

‫الصفة الراب ة‪ :‬صفة اْلسم يفعام ال دد‪.‬‬

‫إن مرحلة الًورى هي مرحلة تاايفل الرأي‪ ،‬فإن ابتقر املسلمون عىل رأي فالبا مَ اْلسم‬

‫تنفايه؛ ن ال دد يفالتسويف يض ف ا مة يفيليا مَ رأة ال ايف يفيفتع أبواب ًا للًاطان‪ ،‬قااال‬

‫ايف عر اه عم ُ ا َ عم ُر َفإُ َذا َع َل عما َد َفت ََو لكا عل َعا َىل اعلُ{ [آل عمااران‪ ،]159:‬فمااع خطااورة‬
‫ت ال‪َ } :‬يف َش ُ‬

‫املوقف يفقلة إعااد املسلمني يفقوة اجلاش الكافر إال أن املسلمني أقاموا ديفن أي تردد‪ .‬رأينا‬

‫اجلاش الكافر تردد أماة بَ خلف اخلريفج‪ ،‬يفرأينا اَسااناب ا خاانس بااَ رشيااق ‪ ،‬يفرأينااا‬

‫رفض اجلماع للقتال يفدفع أيب هل م‪ ،‬يفرأينا خوفهم مَ اخلريفج الِااية‪ ،‬يفً‪،‬ل الًاطان‬

‫ًم ‪ ،‬رأينا كل ذلك‪.‬‬ ‫م شكل رساقة بَ مالك بَ‬

‫يفال زلنا بنرى تردد ًا آخر‪ ،‬فأهل الِاطل ختِط دائم‪ ،‬فقا كان عتِة بَ ربا ااة رافضا ًا للقتااال‬

‫ًام ًا‪ ،‬يفهو مَ قاداك مكة‪ ،‬يفقف يقول للقوم‪) :‬يا قااوم أطا ااوين هااؤال القااوم‪ ،‬فااإَكم إن‬

‫ف لتم لَ يلال ذلك قلوبكم‪ ،‬ينظر كل ر ل إل قاتل أخاااه يفقاتاال أباااه(‪ .‬أي‪ :‬بااناخل‬

‫م ركة‪ ،‬يفيقتل ب ضكم ب ض املسلمني‪ ،‬يفهم إخواَكم يفآباؤكم يفأبناؤكم‪ ،‬فاملًاارك باااقول‬

‫للمرشك اآلخر‪ َ :‬م‪ .‬أَد مَ قتلد أيب موق ة بار‪ .‬ثم أباااى النصااانة يفقااال‪( :‬فااا لوا‬

‫‪451‬‬
‫حقها برأيس يفار وا)‪ .‬هيه َصانة يفاحا مَ قادة مكة أرض امل ركة‪ ،‬غضااِ أبااو هاال‬

‫غضِ ًا شايا ًا يفقال‪( :‬اَتفخ يفاع بنره)‪ .‬السنر‪ :‬هو الرئة‪ ،‬يفهيه عالمة عىل اجلااَِ‪ ،‬ثاام قااال‬

‫أبو هل ‪( :‬إَام حمما يفأصنابه أكلة ليفر لو قا التقانا)‪ .‬ي ني‪ :‬ال رب كاااَوا يقاااريفن أكلااة‬

‫اجلليفر بامئة ر ل‪ ،‬يفرد عتِة عىل أيب هل ‪ ،‬لكَ لنتيكر أيفالً رد ب ا بَ م اااذ ريض اع عنااه‬

‫يفأرضاه عىل ربول اع ﷺ‪( :‬فاظ َ حاث شئد‪ ،‬يفصل حِل مااَ شاائد‪ ،‬يفاقطااع حِاال مااَ‬

‫شئد‪ ،‬يفخي مَ أموالنا ما شئد‪ ،‬يفأعطنا ما شئد‪ ،‬يفما أخيك منا كان أحِ إلانا ِمااا تركااد‪،‬‬

‫يفما أمرك فانا مَ أمر فأمرَا تِع مرك)‪.‬‬

‫بِنان اع جترد كامل ع عل يف ل‪ ،‬لاس له أي مصلنة املوق ة مااَ مصااالع الاااَاا‪ ،‬لكااَ‬

‫اَظر إل املًاكل التي كاَد مو ودة بني املرشكني أرض امل ركة‪ ،‬فهيا عتِة أحا القااادة مااع‬

‫أيب هل ياا أمام كل اجلاش‪ ،‬يفهيا يؤثر بلِ ًا عىل َفساة اجلاش‪ .‬قال عتِة ‪( :‬بت لم مااَ‬

‫اجلِان املفسا لقومه)‪ ،‬يفهكيا با يفا ياخلون املالبناك يفامل ركة مل تِاأ ب ا‪ ،‬ثاام قااال عتِااة‬

‫بَ ربا ة قوالً ي رب عَ رعِه الااخيل‪( :‬أما يفاع إين رى قوم ًا يرضبوَكم رضب ًا)‪ .‬بِنان اع؛‬

‫املسلمون ‪ 300‬مقاتل يفالكفار ‪ 1000‬مقاتل يفمااع ذلااك يقااول‪( :‬أمااا يفاع إين رى قوما ًا ‪-‬‬

‫ي ني‪ :‬املسلمني‪ -‬يرضبوَكم رضب ًا‪ ،‬أما تريفن ر يفبهم كا فاعي يفكأن يف وههم الساو )‪.‬‬

‫هيه هي َفساة مَ عاربون اإلبالم‪ ،‬ا حكام بَ حلام حانها يفكان مرشك ًا يفأبلم ب ا ذلك‬

‫ريض اع عنه‪ ،‬ا إل عتِة بَ ربا ة يقول له‪( :‬يا أبا الولاا ؛ هل لااك أن تاايهِ برشا هاايا‬

‫الاوم ما بقاد)‪ ،‬قال‪( :‬ماذا أف ل؟) قال‪ (:‬إَكم ال تطلِون مَ حممااا إال دم ابااَ اْلرضاامي ‪-‬‬

‫يقصا اليي قتل رسية َخلة‪ -‬يفهو حلافك فتنمل ديتااه يفتر ااع بالناااس)‪ ،‬أي‪ :‬إذا كاَااد‬

‫املًكلة دية ابَ اْلرضمي فادف ها أَد ل ائلته يفار ع بالناس‪ ،‬فقال عتِة بَ ربا ة ‪( :‬أَااد‬

‫يفذاك‪ ،‬يفاذهِ إل ابَ اْلنظلاة ‪-‬ي ني‪ :‬أبا هل ‪ -‬فقل له‪ :‬هل لك أن تر ع الاوم بمَ م ااك‬

‫‪452‬‬
‫عَ ابَ عمك)‪ ،‬يقرب له َسِ الربول ﷺ منهم‪ ،‬أي‪ :‬قريِك الرحم‪ ،‬ل له ير ااع‪ ،‬فاااَظر‬
‫إل حجم التًجاع‪ ،‬فيهِ حكام إل أيب هل يفقال له ذلك‪ ،‬فرد أبو هل ‪( :‬أما يف ا ربوالً‬

‫غريك)‪ .‬هيا أبو هل يكلم أحا أرشا مكة حكااام بااَ حاالام ‪ ،‬لكااَ كااان وابااه بمنتهااى‬
‫الغريفر‪ ،‬قال له‪( :‬أما يف ا ربوالً غريك)‪ ،‬قال‪( :‬ال‪ ،‬مل جيااا غااريي‪ ،‬يفمل أكااَ كااون ربااوالً‬

‫لغريه) أي‪ :‬أَا ربول لواحا مَ أرشا مكة أيض ًا عتِة بَ ربا ة ‪ ،‬يفمع ذلك رفض أبو هاال‬

‫يفأي عىل القتال يفترصفه ي رب عَ ديكتاتورية مطلقة‪.‬‬

‫ذهِ عمري بَ يفهِ اجلمني يفذلك قِل أن يسلم لاقااار أعااااد املساالمني‪ ،‬ف اااد إل قااريش‬

‫يفقار ال اد ب‪،‬الثامئة أيف َنو ذلك‪ ،‬يفمع أن اش املسلمني ثلث اش الكفار إال أن عمري بااَ‬

‫يفهِ قال‪( :‬يفلكني قا رأيد يا م رش قريش الِاليا ُتمل املنايا‪َ ،‬واضع ي‪،‬اارب ُتماال املااوك‬

‫الناقع‪ ،‬قوم لاس م من ة إال باوفهم‪ ،‬يفيفاع ما أرى أن يقتل ر ل ماانهم حتااى يقتاال ر ا ً‬
‫ال‬

‫منكم‪ ،‬فإن أصابوا منكم أعاادهم فام خري ال اش ب ا ذلااك فااريفا رأيكاام)‪ .‬فاااَظر إل حجاام‬

‫ال دد اليي ي اًه أهل الِاطل‪ ،‬فكاف باقاتلون م‪،‬ل هؤال ؟! لكَ كل مَ عااارب اإلبااالم‬

‫تكون هيه حالته‪.‬‬

‫اجلاش املسلم عكس اجلاش الكافر ًام ًا‪ ،‬اجلاش املسلم اش مؤمَ باع عل يف اال يفبربااوله‬

‫الكريم ﷺ‪ ،‬ال ي مل إال ع عل يف ل‪ ،‬متفائل يفعناه يقني كامل َرص رب ال اااملني بااِناَه‬

‫يفت ال‪ ،‬حابم غري م دد‪ ،‬يفي مل بالًورى كل قضاياه‪ ،‬إال إذا كااان هناااك أماار مااَ اع أيف‬

‫ربوله الكريم ﷺ فال شورى فاه‪ ،‬فهيا اش البا أن ينتصار‪ ،‬يفلاسااد الااريفمل ال الاااة التااي‬

‫رأيناها موقف أيب بكر يفعمر يفاملقااد يفب ا بَ م اذ ‪ :‬أن كل اجلاش كان كيلك‪ ،‬باال كااان‬

‫هناك ب ض املؤمنني خائفني مَ اش مكة‪ ،‬لاس ض ف ًا الاقني‪ ،‬يفلكَ إلحسابااهم أهناام مل‬

‫خير وا باالبت ااد الكامل‪ ،‬يفأَه كان مَ املمكَ أن ي ااايفا إعااااد ًا أفضاال مااَ ذلااك فهناااك‬

‫‪453‬‬
‫أعااد ًا كِرية مَ املسلمني املاينة‪ ،‬لو عرفوا أن هناك هاد ًا خلر ااوا مااع املساالمني‪ ،‬فكاااَوا‬

‫يقولون‪ :‬يا لاتنا َقاتل القافلة يفال َقاتل اجلاش‪.‬‬

‫اخلالصة أهنم كرهوا اْلرب‪ ،‬يفًنوا أَه لو كان هناااك حاارب مااع القافلااة فقااط‪ ،‬يفاع بااِناَه‬

‫اْلَا َق‬ ‫ون * اجي ُ‬


‫اد الوَ ََك ُ ع‬ ‫يفت ال ذكر ذلك كتابه الكريم‪ ،‬قال‪َ } :‬يفإُ لن َف ُري ًقا ُم ََ املعا عؤ ُمنُ َ‬
‫ني َلك ُ‬
‫َار اه َ‬
‫َ‬
‫يفن * َيفإُ عذ َي ُ اا ك اام اعلا إُ عحاَ ى ال لط ُائ َفت ع ُ‬
‫َني َأ لهنَا َل اكا عم{‬ ‫ون إُ َل املعَو ُ‬
‫ك َيف اه عم َين اظ ار َ‬ ‫ع‬ ‫ني ك ََأَ َلام اي َسا اق َ‬
‫َب ع اَ َما َت َِ ل َ‬
‫يفن [ا َفال‪ ،]7:‬اليي تتمنوَه قلوبكم‪َ } ،‬يف َتا َو يد َ‬
‫يفن‬ ‫[ا َفال‪ ،]7-5:‬القافلة أيف اجلاش َيفت ََو يد َ‬

‫اك ال لً عوك َُة َتك ا‬


‫اون َلك عام{ [ا َفال‪ ]7:‬أي‪ :‬القافلة‪ .‬هل هيا الًا ور الاايي كااان عنااا‬ ‫َأ لن َغري َذ ُ‬
‫عَ‬
‫ب ض املسلمني ش ور بائ؟ هل هيا ش ور خطري؟ أبا ًا لاس م نى اإليامن باع‪ :‬عام اخلااو‬

‫أبا ًا‪ ،‬لكَ املطلوب مَ املؤمَ أال يؤثر هيا اخلااو عااىل طاعتااه ع عاال يف اال‪ ،‬يفعااىل طاعتااه‬

‫لربوله الكريم ﷺ‪ ،‬يفال ينِغي أن يقوده اخلو إل خمالفة رشعاة‪ ،‬يفهيا فارق كِااري ااا ًا بااني‬

‫بار يفأحا‪ ،‬ففي بار خو املؤمنني مل ياف هم إل املخالفة‪ ،‬يف أحااا خااو املااؤمنني دف هاام‬

‫لاس إل خمالفة يفاحاة‪ ،‬بل إل خمالفاك كام بنرى ب ا ذلك إن شا اع‪.‬‬

‫اليش املهم اليي َريا أن َلفد النظر إلاه‪ :‬أن اجلاش يكون فاه عاد مَ عاملقة اإليااامن الااييَ‬

‫يستطا ون أن عركوا اخلري املو ود داخل قلوب عموم املؤمنني‪ ،‬هيا ا مر بن رفه غليفة‬

‫تِوك‪ ،‬فالناس عموم ًا فاهم خري ك‪،‬ري‪ ،‬لكَ عتا ون إل مَ عركهم‪ ،‬يفلاااس مااَ الرضاايفرة أن‬

‫يكون اجلاش بكامله أبا بكر يفعمر ‪ ،‬يفلكَ مَ الرضيفري أن يكون اجلاااش أم‪،‬ااال أيب بكاار‬

‫يفعمر ‪ ،‬يفكل ما دربناه بابق ًا عَ غليفة بار كان يااوم اخلماااس ‪16‬مااَ رمضااان باانة ‪2‬‬

‫هجرية‪ ،‬يفالاوم ال‪،‬اين باكون يوم اجلم ة ‪ 17‬مَ رمضان بنة ‪ 2‬هجرية‪ ،‬يفهو يوم بااار أعظاام‬

‫أيام اإلبالم‪ ،‬بل مَ أعظم أيام الاَاا هيا الاوم‪.‬‬

‫‪454‬‬
‫‪21‬‬

‫يوم بدر‬

‫كانت صفات اجليش املنصور موجودة بكاملها يف جيش املدينة املؤمن‪ ،‬وكانت صفات اجليش‬

‫املنتصففرة‬ ‫املهزوم موجودة بكاملها يف جيش مكة الكافر‪ ،‬ومل تكن هذه فقط صفففات اجليففو‬

‫واملهزومة‪ ،‬فال تزال هناك صفات أخرى كثرية‪ ،‬سنتعرف عليها اليوم من خالل احلففديع عففن‬

‫يوم الفرقان يوم بدر‪.‬‬

‫عملية االستكشاف من قبل الرسول ﷺ جليش املرشكني يف بدر قبل القتال‬

‫وصلنا يف الدرس الفائت إىل أن اجليش املكي عسكر يف منطقة العدوة القصوى جنففو وادي‬

‫بدر‪ ،‬واجليش املسلم اقرت من بدر يف املنطقة الشاملية منه‪ ،‬وتعففرف بالعففدوة الففدنيا‪ .‬قففام ﷺ‬

‫بعملية استكشافية بنفسه هو وأبو بكر الصففدير را اع عنففه وأر ففاه‪ ،‬واسففتطاعا أن يعرفففا‬

‫مكان جيش مكة‪ ،‬لكن مل يستطع الرسول ﷺ أن يعرف أعداد القوم وال قادهتم‪ ،‬فأرسل فرقففة‬

‫استكشافية ثانية كان فيها عيل بن أيب طالب والزبري بن العوام وسففعد بففن أيب وقففاهلل را اع‬

‫عنهم أمجعني‪ ،‬وأمسكت الفرقة غالمني من جيش العدو‪ ،‬وأحرضومها إىل الرسول ﷺ‪ ،‬وبففدأ‬

‫الرسول ﷺ يف استجواهبام‪.‬قال‪( :‬أخرباين عن قريش(‪.‬قاال‪) :‬هم وراء هذا الكثيب الذي تففرى‬

‫بالعدوة القصوى( قال‪) :‬كم القوم؟( قاال‪) :‬كثري(‪ ،‬قال‪) :‬ما عدهتم؟( قاال‪) :‬ال نففدري(‪ ،‬قففال‬

‫ﷺ‪) :‬كم ينحرون كل يوم؟( قاال‪) :‬يومف تا تسففع تا ويومف تا عشففر تا(‪ ،‬قففال ﷺ‪) :‬القففوم فففيام بففني‬
‫‪455‬‬
‫التسعامئة واأللف)‪ ،‬فاستطاع أن حيدد بالضبط العدد احلقيقي جليش مكة؛ ألهنم كانوا يعلمون‬

‫أن اجلمل يكفي مائة تقريب تا لألكل‪ ،‬ثم قال ﷺ‪( :‬فمن فيهم من أرشاف قريش؟( قففاال‪) :‬عتبففة‬

‫بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البخرتي بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد واحلارث‬

‫بن عامر وطعيمة بن عدي والنرض بن احلارث وزمعة بن األسود وأبو جهل بن هشام وأمية بن‬

‫خلف وعقبة بن أيب معيط وعامرة بن الوليد) كل قادة مكففة موجففودون يف جففيش مكففة الففذي‬

‫خرج إىل بدر‪ ،‬فأقبل الرسول ﷺ عىل املؤمنني وقال هلم‪( :‬هففذه مكففة قففد ألقففت إلففيكم أفففال‬

‫كبدها)‪.‬‬

‫اختيار الرسول ﷺ مكان موقعة بدر وسامعه ملشورة الصحابة‬

‫علم الرسول ﷺ معلومات مهمففة جففد تا‬

‫عففن اجلففيش املكففي‪ ،‬فقففام برتمجتهففا إىل‬

‫أعامل‪ ،‬وبرسعة أخذ الرسول ﷺ جيشه‪،‬‬

‫واجتففه إىل أرب بففدر؛ ليختففار األرب‬

‫التي ستتم عليها املوقعة قبل عدوه‪ ،‬حتى‬

‫يضع جيشه يف مواقع إسرتاتيجية داخففل‬

‫أرب املوقعفففة‪ ،‬واختفففار الرسفففول ﷺ‬

‫بنفسه مكان تا للنزول يف أرب بدر‪،‬‬

‫حلبففا بففن املنففذر را اع عنففه مففن‬


‫واستقر فيه يف تلك الليلة‪ ،‬فجاء إليه الصففحايب اجلليففل ا ح‬
‫األنصار‪ ،‬وهو من اخلرباء العسكريني املعروفني بدقة الرأي وعمر النظففرة‪ ،‬وسففأل النبففي ﷺ‪:‬‬

‫(يا رسول اع أرأيت هذا املنزل أمنزل أنزلك اع لففيل لنففا أن نتقدمففه وال نتففأخر عنففه‪ ،‬أم هففو‬

‫الرأي واحلر واملكيدة؟)‪ ،‬أي‪ :‬إن كان هذا هو اختيار ر العاملني سبحانه وتعاىل فلففيل لنففا‬
‫‪456‬‬
‫أن نختار‪ ،‬وإن كان اختيار تا برشي تا مبني تا عىل الفكر العسكري والتدبري احلففريب فمففن املمكففن أن‬

‫نديل فيه بآرائنا‪ ،‬فقال ﷺ‪( :‬بل هو الرأي واحلر واملكيدة)‪ ،‬قال‪( :‬يا رسول اع فإن هذا ليل‬

‫بمنزل)‪ ،‬أي‪ :‬هذا ليل مناسب تا‪ ،‬قاهلا بو ففود دون خجففل وال مواربففة؛ ألن املو ففوع خطففري‬

‫وهذه مسئولية‪ ،‬فام الرأي إ تا؟ قال احلبا ‪( :‬فاهنض حتى نأيت أدنى ماء من القوم ‪-‬أي‪ :‬أقففر‬

‫ماء من قريش‪ -‬فننزله وتغور ‪-‬يعني‪ :‬ختر ‪ -‬ما وراءه من القلب ‪-‬مجع قليب اآلبار املوجودة‬

‫يف منطقة بدر‪ -‬ثم نبني عليه حو تا فنمأله ماء‪ ،‬ثم نقاتل القوم فنرش وال يرشبون)‪ ،‬هذا هو‬

‫منتهى احلكمة‪ ،‬فاملاء يف الصحراء يف غاية األمهية‪ ،‬فقففال الرسففول ﷺ دون أدنففى تففردد‪( :‬لقففد‬

‫أرشت بالرأي)‪ ،‬وبالفعل غري مكانه األول ونزل يف املكان الذي أشار إليففه احلبففا بففن املنففذر‬

‫را اع عنه‪.‬‬

‫ولنا وقفة مهمة مع إجيابية احلبففا را اع عنففه‪ ،‬قفد يتخيففل الواحففد منففا أن أي واحففد مففن‬

‫الصحابة إ ا رأى الرسول ﷺ عمل شيئ تا ال يقول رأيه؛ الحتامل أن يكون وحيف تا‪ ،‬حتففى ولففو مل‬

‫يكن وحي تا ال يقول‪ ،‬والرسول ﷺ أحكم البرش وأفضل العاملني‪ ،‬ومن املؤكد أن رأيففه البرشففي‬

‫أحسن من رأي اآلخرين‪ ،‬لكن هذا التصور مل يكن عند الصحابة‪ ،‬بل الصحابة را اع عنهم‬

‫وأر اهم كان عندهم إجيابية رائعة‪ ،‬فلو رأى الصحايب شيئ تا ويعتقد أن هناك مففا هففو أوىل منففه‬

‫يذهب ويديل برأيه‪ ،‬حتى لو مل يطلب منه لك؛ ألنه يدرك أن الرسول ﷺ برش‪ ،‬وجيففري عليففه‬

‫يف األمور التي ليل فيها وحي ما جيري عىل عامة البرش من اختيففار صففحي مففر تة وخطففأ مففر تة‬

‫أخرى‪ ،‬أو عىل األقل خيتار خالف األوىل يف أمر من األمور‪ .‬وهكذا أدرك احلبففا أن الرسففول‬

‫ﷺ هو الذي قال‪( :‬أنتم أعلم بأمور دنياكم)‪ ،‬وهكذا يفت الرسول ﷺ املجففال الواسففع لكففل‬

‫فكر وإبداع وإ افة‪ ،‬وهبذا تشارك كل عقول املسلمني خلدمة األمة اإلسالمية‪ ،‬فلففو كففان رأي‬

‫‪457‬‬
‫ت‬
‫خطأ فإن الرسول ﷺ سيعرفه الرأي الصحي ‪ ،‬ويكون قد تعلم شففيئ تا‪ ،‬أو عففىل األقففل‬ ‫احلبا‬

‫قاتل وهو مقتنع بوجهة النظر األخرى‪.‬‬

‫وهذا يرجعنا إىل مبدأ الشورى من جديد‪ ،‬ويرينا كيف نسففتفيد مففن طاقففات املجتمففع وكيففف‬

‫يمكن أن نستغل املواهب اهلائلة التي وزعها اع عىل خلقه بحكمة عجيبة‪ .‬فلو كان هناك كبففت‬

‫آلراء اجلنود ملا عرف الرسول ﷺ املكان املناسب يف بدر‪ ،‬وهففذا سففيكون لففه ار عففىل األمففة‬

‫كلها ال عىل الرسول ﷺ فقط‪.‬‬

‫الشورى أمر حتمي ألمة تريد النهوب‪ ،‬فإنه بعد النزول يف املكان الففذي حففدده احلبففا را‬

‫اع عنه قام الصحابة باإلشارة عىل رسول اع ﷺ بأمر اختلف فيه الرواة‪ ،‬وهو بناء العففريش أو‬

‫مقر القيادة؛ لكن سواء تم بناء هذا العريش أو مل يففتم‪ ،‬فففإن الثابففت حقيقففة أن الرسففول ﷺ مل‬

‫ينعزل عن جيشه أبد تا يف موقعة بدر‪ ،‬فمع أنه القائد األعىل للجيش قاتل معهم بنفسه‪ ،‬بففل كففان‬

‫أقرهبم إىل العدو‪ .‬روى اإلمام أمحد بن حنبل عن عيل بن أيب طالب را اع عنه وأر ففاه أنففه‬

‫قال‪( :‬ملا حرض البأس يوم بدر اتقينا برسول اع ﷺ‪ ،‬وكان من أشد الناس ﷺ‪ ،‬ثم يقففول عففيل‬

‫بن أيب طالب‪ :‬ما كان أحد أقر إىل املرشكني منه) فهذا كالم يف منتهى األمهية؛ ألنه يثبففت لنففا‬

‫أن الرسول ﷺ كان مشارك تا جليشه ولشعبه‪ ،‬ويعيش معهم يف كل قضاياهم‪.‬‬

‫نزول السكينة واملطر والنعاس عىل جيش املسلمني‬

‫حصل يف ليلة بدر أمران يف غاية األمهية غري النزول يف مكان بدر‪ :‬أوالت‪ :‬النعففاس الففذي غلففب‬

‫املسلمني يف ليلة بدر بعدما وصلوا وعسكروا يف املكان‪ .‬ثاني تا‪ :‬املطر الذي نزل يف نففل الليلففة‪،‬‬

‫فالنعاس كان أمره عجيب تا‪ ،‬كان املسلمون عىل بعد خطوات من اجليش املكي الكبري‪ ،‬ومع لك‬

‫يصلون إىل حالة من السكينة وهدوء األعصا ‪ ،‬فينامون بأمان تام يف أرب بففدر‪ ،‬ومعلففوم أن‬

‫‪458‬‬
‫الشخص ملا يكون منشغ ت‬
‫ال بيشء مهم ال يستطيع أن ينام بمنتهى األمان وهو يف وسط بيته‪ ،‬ففام‬

‫بالك بشخص نائم يف أرب املعركة وهو منشغل هبا‪ ،‬فمن املمكن أن تكون هنايته فيهففا؟ لكنففه‬

‫هدوء أعصا عجيب‪ ،‬ال يفكر يف عففدد األعففداء‪ ،‬وال يفكففر يف طريقففة القتففال‪ ،‬وال يفكففر يف‬

‫سيناريو املعركة‪ ،‬وال يفكر يف أوالده وزوجته‪ ،‬وال يفكر يف جتارته وال حتى يف نفسه‪ ،‬بففل نففائم‬

‫يف منتهى الراحة‪ .‬يف هذه الليلة نام اجلميع إال النبي ﷺ‪ ،‬ظل طوال الليلة يصيل ويدعو اع عففز‬

‫وجل أن ينرص هذا اجليش املؤمن‪.‬‬

‫عىل الناحية الثانية كان جيش مكة حريان ال يستطيع النوم‪ ،‬فغففد تا موقعففة مرعبففة بالنسففبة هلففم‪،‬‬

‫باإل افة إىل أنه ليل مقتنع تا باحلر أصالت‪ ،‬وعىل ما ا حيار ‪ ،‬من أجل هبل والالت والعزى‪،‬‬

‫أم من أجل القائد الزعيم أيب جهل‪ ،‬أم من أجل القافلة؟ فالقافلففة قففد جتففاوزت اخلطففر‪ ،‬وأبففو‬

‫سفيان عرب هبا إىل بر األمان فعالم القتال؟ فقد يموت املرشك غد تا‪ ،‬أو يصب أسري تا أو جرحي تا أو‬

‫هارب تا ومطارد تا‪ ،‬فيا هلا من نفسية مضطربة مريضة! { َو َم ْن حيشفْ ِر ْك بِفاعِ َف َكف َأن َام َخفر ِمف َن السف َام ِء‬

‫َان َس ِح ٍير} [احلج‪.]31:‬‬


‫َفت َْخ َط حفه الطري َأو َهت ِوي بِ ِه الري ِيف مك ٍ‬
‫ِّ ح َ‬ ‫ح ْح ْ ْ‬

‫كذلك املطر يف ليلة بدر كان عجيب تا جد تا‪ ،‬فمنطقة بففدر كلهففا عبففارة عففن واد صففغري‪ ،‬فسففحابة‬

‫واحدة صغرية قد تغطي الوادي كله‪ ،‬فنزول املطر يف ليلة بدر عىل أرب بدر فقط غريب جففد تا‪،‬‬

‫ال شففديد تا معوقف تا عففىل الكففافرين‪ .‬رش‬


‫فقد نزل هين تا لطيف تا خفيف تا عففىل املسففلمني ونففزل وابف ت‬

‫املسلمون واغتسلوا ومتاسك الرمل يف معسكرهم حتت األقدام‪ ،‬فثبتت األقدام‪ ،‬و هبت عنهم‬

‫وساوس الشيطان‪ ،‬وقد جاء الشيطان إىل بعضهم بسبب اجلنابة وقلففة املففاء وقففال هلففم‪ :‬كيففف‬

‫ستصلون؟ كذلك آية التيمم مل تكن قد نزلت بعد‪ ،‬فقال اع عففز وجففل‪َ { :‬و حينَف ِّز حل َع َلف ْيك ْحم ِمف َن‬
‫السام ِء ماء لِي َطهركحم بِ ِه وي ْذ ِهب َعنكحم ِرج َز الشي َط ِ‬
‫ان َولِ َ ْريبِ َط َع َىل حق حلوبِك ْحم َو حي َث ِّبف َت بِف ِه األَ ْقفدَ ا َم}‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ َ ت ح ِّ َ ْ َ ح َ‬

‫‪459‬‬
‫[األنفال‪ .]11:‬أما الكفار فقد أحدث املطففر ضا ففة كبففرية عنففدهم‪ ،‬منعففت التقففدم وأعاقففت‬

‫احلركة‪ ،‬وليل ألحد طاقة بحر اع عز وجل‪.‬‬

‫مقارنة بني دعاء املؤمنني لرهبم ودعاء الكافرين يوم بدر‬

‫يف صباد يوم بدر كانت أول كلامت الرسول ﷺ دعاء لر العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬دعففا أمففام‬

‫الناس مجيع تا ليذكرهم باع عز وجل الذي بيده النرص والتمكني‪ ،‬رفع يده وقففال‪( :‬اللهففم هففذه‬

‫قريش قد أقبلت بخيالئها وفخرها حتادك وتكذ رسولك‪ ،‬اللهم فنصففرك الففذي وعففدتني‪،‬‬

‫اللهم فنرصك الذي وعدتني‪ ،‬اللهم أحنهم الغداة)‪ ،‬فالنبي ﷺ من وقت خروجففه مففن املدينففة‬

‫يدعو اع سبحانه وتعاىل أن يأيت بالنرص‪ ،‬فعندما خرج من املدينففة املنففورة إىل بففدر كففان يقففول‪:‬‬

‫(اللهم إهنم حفاة فامحلهم‪ ،‬اللهم إهنم عراة فاكسهم‪ ،‬اللهم إهنم جياع فأشبعهم)‪ ،‬وقبل القتففال‬

‫كان يقول‪( :‬اللهم فنرصك الذي وعدتني)‪ ،‬وأثناء القتال كان ﷺ شديد االبتهال إىل ربه‪ ،‬كففان‬

‫يرفع يده إىل السامء ويستقبل القبلة ويقول‪( :‬اللهففم أنجففز يل مففا وعففدتني‪ ،‬اللهففم أنجففز يل مففا‬

‫وعدتني‪ ،‬اللهم إن هتلك هذه العصابة من أهل اإلسالم ال تعبد يف األرب) واستمر ﷺ يدعو‬

‫هبذا رافع تا يديه إىل السامء حتى سقط رداءه من عىل كتفيه‪ ،‬فأتاه الصدير را اع عنه وأر ففاه‬

‫فرفع الرداء من عىل األرب‪ ،‬وو عه عىل كتففف الرسففول ﷺ‪ ،‬وقففال لففه برقففة وهففو يمسففك‬

‫بكتفي الرسول ﷺ‪( :‬يا نبي اع كفاك مناشدتك ربك‪ ،‬فإنه سينجز لك ما وعففدك)‪ ،‬فففانظر إىل‬

‫طول الدعاء وطريقته حتى جعل أبو بكر الصدير يشفر عىل الرسول ﷺ من كثرة الدعاء‪ ،‬ومل‬

‫يكن هذا الدعاء من الرسول ﷺ فقط‪ ،‬بل كففان مففن اجلففيش كلففه‪ ،‬فكففل اجلففيش مففرتبط بففاع‬
‫سبحانه وتعاىل؛ لذلك قال اع عز وجل‪{ :‬إِ ْ ت َْسفت َِغي حث َ‬
‫ون} [األنفففال‪ ]9:‬أي‪ :‬مجيعف تا تسففتغيثون‬

‫باع‪ ،‬وكل هذا يؤكد عىل أهم صفة من صفات اجليش املنصففور‪ ،‬أال وهففي صفففة اإليففامن بففاع‬

‫‪460‬‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬واالعتقاد الذي ال ريب فيه أنه هو الذي ينرص ويمكن ويعففز ويرفففع سففبحانه‬

‫َان حي ِريدح ا ْل ِعز َة َف ِلل ِه ا ْل ِعز حة َمجِي تعا} [فاطر‪ ،]10:‬هذا كان دعاء الفرير املؤمن‪.‬‬
‫وتعاىل‪َ { :‬م ْن ك َ‬

‫لكن الغريب أن الكفار أيض تا كانوا يدعون اع‪ ،‬وعىل رأس الذين كانوا يرفعون أيدهيم بالدعاء‬

‫أبو جهل‪ ،‬كان يقول‪( :‬اللهم َأ ْق َطعنا للرحم‪ ،‬وأتانا بام ال نعرفه‪ ،‬فأحنِه الغداة) ويستخدم نفففل‬

‫الكلمة التي قاهلا الرسول ﷺ‪ ،‬يقول‪( :‬فأحنه الغداة‪ ،‬اللهم أينا كان أحب إليك وأرىض عنففدك‬

‫فانرصه اليوم)‪.‬‬

‫إن دعاء أيب جهل هذا يدعو إىل العجب واحلرية‪ ،‬فكتب السرية تنقل لنا كثري تا مواقففف يف فففرتة‬

‫مكة تثبت بام ال يدع أي جمال لشك أن أبا جهل كان يعرف أن رسول اع ﷺ عىل حر‪ ،‬ويعرف‬

‫أنه نبي‪ ،‬ويعرف أن القرآن معجز ويعرف أن املالئكة حترس النبي ﷺ‪ ،‬عرف لك بو ففود يف‬

‫أكثر من موقف‪ ،‬ومع لك فهو اآلن يدعو وبصوت يسمعه اجلميففع أن ينصففر اع عففز وجففل‬

‫األحب إليه! فتفسري دعاء أيب جهل حيتمل أمرين يف رأيي؛‬

‫األمر األول‪ :‬أنه يصنع نوع تا من التحفيز املعنففوي جلنففوده‪ ،‬فكثففري مففن جنففود الباطففل حيسففون‬

‫بالضعف؛ لتفاهة قضيتهم‪ ،‬ولشعورهم املستمر أن املسلمني معهففم قففوة كبففرية أكففرب مففن قففوة‬

‫البرش‪ ،‬فيقوم القائد الكافر بإهيام جنوده أهنم عىل حففر‪ ،‬وأن مهمففتهم سففامية‪ ،‬وأهنففم يعملففون‬

‫للخري‪ ،‬ليل خري تا هلم فقط‪ ،‬بل يعملون خلري املجتمع والوطن‪ ،‬بل والعامل‪ ،‬فقد يقنعهم كام كان‬

‫يفعل أبو جهل بأن ما يقومون به من قتال هففو جففزء مففن الففدين‪ ،‬وأهنففم متففدينون وضلصففون‬

‫ومتبعون لآلهلة‪ ،‬وهذه حماولة دنيئة إل الل القوم‪ ،‬كام قال اع يف حر فرعون‪َ { :‬و َأ َ ل فِ ْر َع ْو حن‬

‫َق ْو َم حه َو َما َهدَ ى} [طه‪ ،]79:‬وقال فرعون نفسه‪َ { :‬ما حأ ِريك ْحم إِال َما َأ َرى َو َما َأ ْهف ِديك ْحم إِال َسفبِ َيل‬

‫اد} [غافر‪ ،]29:‬فيحاول أن يقففنعهم أن كففل اإلجففرام الففذي يقففوم بففه هففو وأمثالففه مففن‬ ‫الر َش ِ‬

‫‪461‬‬
‫الطواغيت ما هو إال خري وهدى ورشاد وإصالد‪ ،‬وهذا األمر نراه كثري تا سففواء يف الطواغيففت‬

‫القدماء أو يف الطواغيت املعارصين‪ ،‬فكلهم يقولون‪ :‬إهنم مصلحون‪.‬‬

‫األمر الثاين‪ :‬أن الطاغية حينام يستمر يف إقناع الناس أيام تا عديدة أنه مصل ومتففدين وأخالقففه‬

‫عالية‪ ،‬يصدق نفسه أنه عىل خري‪ ،‬وقد كان من قبل خيدعهم بالباطل وهو يعرف أنه عىل باطففل‪،‬‬

‫كذلك البطانة التي من حوله تقنعه أنه عىل حر‪ ،‬وأنه عبقري ومصل ومففؤد وخف ِّفري وطيففب‬

‫ورحيم؛ فيصدق الطاغية نفسه ويصدق أعوانففه الفذين مففن حولففه‪ ،‬فيصففب مقتنعف تا أنففه عففىل‬

‫صوا ‪ ،‬وهذه مرحلة يف منتهى اخلطورة تدل عىل عمى البصرية‪ ،‬فال يرى احلففر مففن الباطففل‪،‬‬

‫وال يستطيع أن يميز الصوا من اخلطأ‪ ،‬ففي املرحلة األوىل كان يميففز الصففوا مففن اخلطففأ‪،‬‬

‫لكنه كان يعمل اخلطأ هلوى يف نفسه أو ملصلحة أو هدف‪ ،‬أما اآلن فإنه مل يعد يستطيع أن يرى‪:‬‬
‫ون إِ َل ْي َك َو حه ْم ال حي ْبصفِ حر َ‬
‫ون} [األعففراف‪ ،]198:‬فعففىل العيففون غشففاوة حتجففب‬ ‫{ َوت ََر حاه ْم َين حظ حر َ‬

‫اوة{ [البقرة‪ ،]7:‬ويف اآل ان عازل يمنع السمع كلية‪} :‬إِنف َك‬ ‫الرؤية متام تا‪} :‬و َع َىل َأبص ِ ِ ِ‬
‫اره ْم غ َش َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ال ت ْحس ِم حع املَْ ْوتَى{ [النمل‪ ،]80:‬فهو ميت فعالت‪ ،‬وعىل قلوهبم أغلفففة سففميكة متنففع وصففول أي‬
‫وهبِ ْم َأ ِكن تة َأ ْن َي ْف َق حهو حه َو ِيف آ َ ِ ِ‬
‫اهن ْم َو ْق ترا{ [األنعام‪.]25:‬‬ ‫موعظة أو عربة‪َ } :‬و َج َع ْلنَا َع َىل حق حل ِ‬

‫الطواغيت واملجرمون يمرون بمرحلتني‪ ،‬املرحلة األوىل‪ :‬مرحلة اخلداع لآلخرين حتففى حيقففر‬

‫مصلحة معينة‪ ،‬ويف هذه املرحلة يستطيع أن يميز بني احلر والباطل‪ ،‬لكنه خيتار الباطل هلوى يف‬

‫نفسه‪ .‬املرحلة الثانية‪ :‬مرحلة الطمل عىل البصرية‪ ،‬وفيها ال يستطيع أن يميز احلر من الباطل‪،‬‬

‫وبالتايل يفتقد أي إمكانية للهداية‪ ،‬ومن البدهيي أن الذي يدخل هذه املرحلة ال يكففون إال مففن‬

‫عتاة اإلجرام‪ ،‬وأصحا التاريخ الطويل يف الصد عن سففبيل اع‪ ،‬وهففذا التحليففل يفسففر لنففا‬
‫ٍ‬
‫كثرية‪ ،‬نسمعها من طواغيت وجمففرمني ومعففذبني لغففريهم‪ ،‬ونففاهبني للففامل‪ ،‬وهففاتكني‬ ‫كلامت‬

‫‪462‬‬
‫لألعراب ومستبيحني للحرمات‪ ،‬ومففع لففك يتكلمففون عففن الفضففيلة والشففرف واألمانففة‬

‫واإلصالد‪.‬‬

‫بعض صفات ومالم اجليش املنترص‬

‫بدأ الرسول ﷺ يصف الصفوف‪ ،‬وكانت هذه أول مرة حيار فيها العر يف صففف الرسففول‬

‫ﷺ؛ لذا كان حريص تا عىل جعل الصف متساوي تا ومرتاص تا يف منتهى النظام‪ ،‬وبففدأ الرسففول ﷺ‬

‫يلقي عىل جيشه بعض األوامر العسكرية لتنظففيم العمليففة احلربيففة‪ ،‬قففال‪( :‬إ ا أكثبففوكم ‪-‬أي‪:‬‬

‫اقرتبوا منكم‪ -‬فارموهم بالنبل)‪ ،‬فأمرهم بالرمي عليهم عند االقرتا ‪ ،‬حتى ال يطلقوا السهام‬

‫والكفار ال يزالون بعيد تا فال تصل السهام إليهم‪ .‬أحيان تا يكون املقاتل يف حالة عصففبية شففديدة‪،‬‬

‫ويطلر السهام يف كل مكان بدون تركيز‪ ،‬وهذا يضيع الففذخرية عففىل املسففلمني‪ ،‬فالرسففول ﷺ‬

‫يقول هلم‪) :‬ال تطلقوا هذه السهام إال عندما يقرتبون ويصبحون يف مرمى السففهام( بعففد لففك‬

‫ابدءوا يف اهبم‪ ،‬يف رواية البخاري يقول‪( :‬واستبقوا نبلكم) أي‪ :‬حافظوا عىل الففذخرية‪ ،‬وال‬

‫تقوموا بإهدار هذه السهام‪ ،‬ثم يقول‪( :‬وال تسلوا السيوف حتى يغشوكم) ال ترفعوا السففيوف‬

‫من أغامدها إال بعد أن يقرت اجليش متام تا‪.‬‬

‫إن هذا التكتيك النبوي حيتاج منففا إىل وقفففة؛ حتففى نعففرف صفففة مهمففة مففن صفففات اجلففيش‬

‫املنصور‪ ،‬فمن صفات اجليش املنصور‪ :‬اإلعداد اجليد واألخففذ بكففل أسففبا النصففر املاديففة‪،‬‬

‫والعمل بكل ما هو متاد يف اليد لتحقير النرص‪ ،‬وقد رأينا كيف حصلت املخابرات اإلسالمية‬

‫عىل أخبار جيش مكة‪ ،‬ورأينا املوقع العسكري املتميففز الففذي نزلففوا فيففه‪ ،‬ورأينففا التوجيهففات‬

‫العسكرية احلكيمة‪ ،‬ورأينا الصفوف والرتتيب‪ ،‬وسنرى أيض تا مهففارة القتففال وقففوة الرضففبات‬

‫والشجاعة واإلقدام واالحرتافية يف احلر ‪ ،‬فهو إعداد يف منتهى الروعة‪ ،‬إ اجليش كله يتكون‬

‫من فرسني وسبعني مجالت‪ ،‬وعدة املسافر ليست عدة املحار ‪ ،‬لكن هذه هي اإلمكانيففات التففي‬
‫‪463‬‬
‫يف استطاعتهم‪ ،‬والرسول ﷺ أعد كل ما يف اسففتطاعته؛ لففذلك لففيل غريبف تا أن جتففد يف سففورة‬

‫ون بِف ِه َعفدح و اعِ‬ ‫اس َت َط ْعت ْحم ِم ْن حقو ٍة َو ِم ْن ِر َبفا ِ ْ‬


‫اخلَ ْيف ِل ت ْحر ِه حبف َ‬ ‫ِ‬
‫األنفال قوله تعاىل‪َ { :‬و َأعدُّ وا َهل ح ْم َما ْ‬
‫وهنح حم اعح َي ْع َل حم حه ْم} [األنفال‪.]60:‬‬ ‫آخ ِري َن ِم ْن حد ِ ِ‬
‫وهن ْم ال َت ْع َل حم َ‬ ‫َوعَدح وك ْحم َو َ‬

‫توا ع القائد مع جنده وانصهاره فيهم‬

‫هناك موقف مهم وعجيب حصل أثناء تسوية صفوف املقاتلني املسلمني‪ ،‬هذا املوقففف يعرفنففا‬

‫أيض تا عىل صفة مهمة من صفات اجليش املنصور أثناء تسوية الصف وجد الرسول ﷺ صحابي تا‬

‫متقدم تا عن غريه من الصحابة يف الصف‪ ،‬وغري مستو يف مكانه‪ ،‬فجففاء إليففه ﷺ وكففان يمسففك‬

‫بيده قدح تا ‪-‬سه تام بال نصل‪ -‬يسوي هبا الصف‪ ،‬وكففان اسففمه سففواد بففن َغ ِزيفة را اع عنففه‪،‬‬
‫ِ‬
‫(استو يا سواد)‪ ،‬لكن العجيب يف املوقف هو رد‬ ‫فرضبه بالقدد ابة خفيفة يف بطنه‪ ،‬وقال له‪:‬‬

‫فعل سواد را اع عنه الذي فاجففأ اجلميففع بقولففه‪( :‬يففا رسففول اع أوجعتنففي فأقففدين)‪ ،‬أي‪:‬‬

‫الرضبة أوجعتني وأنا أريد القصاهلل‪ ،‬يريد أن يقتص من رسول اع ﷺ قائد اجليش‪ ،‬بل قائففد‬

‫الدولة اإلسالمية‪ ،‬لكن األعجب من كل هذا رد فعففل الرسففول ﷺ‪ ،‬فقففد اسففتجا دون أي‬

‫جدل لطلب سواد‪ ،‬ومل يقل له‪ :‬الرضبة خفيفة وأنا قائد اجليش‪ ،‬وليل فقط لك‪ ،‬بل إن سواد تا‬

‫كانت بطنه عارية‪ ،‬فلام ابه الرسول ﷺ جاءت الرضبة عىل بطنه مبففارشة‪ ،‬فكشففف الرسففول‬

‫ﷺ عن بطنه ليرضبه سواد ابة مماثلة متام تا عىل البطن مبارشة ودون ثيا ‪.‬‬

‫فهل هذا املوقف حيصل يف اجليش اآلن بني جندي وعقيد أو حتففى رائففد أو نقيففب؟ لففن أقففول‬

‫لك‪ :‬لواء أو مشري‪ .‬هل هذا من املمكن أن حيصل؟ لكن هففذا احلففدث حصففل يف التففاريخ مففع‬

‫الرسول ﷺ‪ ،‬حصل مع قائد الدولة بكاملها‪ ،‬كشف عن بطنه وقففال‪( :‬اسففتقد)‪ ،‬خففذ حقففك‪،‬‬

‫اا ‪ ،‬لكن سواد تا اعتنقه وقبل بطن الرسول ﷺ‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪( :‬مففا محلففك عففىل هففذا يففا‬

‫‪464‬‬
‫سواد؟) قال‪( :‬يا رسول اع قد حرض ما ترى ‪-‬أي‪ :‬حرضف أمففر القتففال واحلففر ‪ -‬فففأردت أن‬

‫يكون آخر العهد بك أن يمل جلدي جلدك) فدعا له ﷺ بخري‪.‬‬

‫مل يمت سواد يف بدر‪ ،‬لكنه لفت أنظارنا إىل صفة أصففيلة مففن صفففات اجلففيش املنصففور‪ ،‬هففذه‬

‫الصفة هي تالحم القائد مع شففعبه وانصففهاره فيففه‪ ،‬فففاجليش املنصففور ال فففرق فيففه بففني قائففد‬

‫وجندي‪ ،‬واألمة املنصورة ال فرق فيها بني حاكم وحمكوم‪ ،‬كففام قففال الرسففول ﷺ لألنصففار يف‬

‫بيعة العقبة الثانية‪( :‬أنا منكم وأنتم مني)‪ ،‬وقد رأينا هذا األمر قبل لك يف مكة‪ ،‬ويف قصة بنففاء‬

‫املسجد النبوي‪ ،‬ورأيناه اآلن يف كل خطوات بدر‪ ،‬وسنراه كثري تا من أول حلظففات اخلففروج مففن‬

‫املدينة إىل بدر‪ ،‬فقد كان الصحابة يتناوبون عىل اإلبل لقلة عددها‪ ،‬وكان الرسول ﷺ وهو قائد‬

‫اجليش يتناو يف الركو مع عيل بن أيب طالب را اع عنففه ومرثففد بففن أيب مرثففد را اع‬

‫عنه‪ ،‬ويف رواية‪ :‬مع أيب لبابة را اع عنه‪ ،‬وأثناء السفر قال الصففحابيان للرسففول ﷺ‪ :‬نحففن‬

‫نميش عنك‪ ،‬فانظر إىل رد الرسول ﷺ‪( :‬ما أنتام بأقوى مني‪ ،‬وال أنا بأغنى عن األجففر مففنكام)‪،‬‬

‫فالرسول ﷺ وهو املعصوم يريد أجر امليش يف سبيل اع‪ ،‬وهذا الترصف يزيد من محاسة اجلند‪،‬‬

‫و لك عندما جيد القائد معه يف كل خطوة من مشاكله وتعبه وسعادته وحزنه‪ ،‬ليل هناك ترفففع‬

‫وال كرب وال ظلم وال كراهية‪ ،‬أما اآلن يف بعض الدول اإلسالمية يكون هناك ألف حاجز بينك‬

‫وبني الزعيم البد أن جتتازها‪ ،‬حتى تستطيع أن تصل إليه‪ ،‬بل مففن املسففتحيل غالبف تا أن تتجففاوز‬

‫التسعامئة حاجز األخرية‪ .‬هذه مشكلة لو حصلت يف أمففة لففيل مففن املمكففن أن تنترصف أبففد تا‪،‬‬

‫ولرتاجعوا معي سرية زعامء األمة الذين حصل يف زمنهم نرصف ومتكففني وعففزة‪ ،‬فإنففك سففتجد‬

‫اختالط تا كام ت‬
‫ال من القائد مع الشعب‪ ،‬كف صالد الدين األيويب‪ ،‬وقطز‪ ،‬وعبد الففرمحن النففارص‪،‬‬

‫وموسى بن نصففري‪ ،‬ويوسففف بففن تاشفففني وغففريهم كثففري‪ .‬فلرتاجعففوا تففاريخ األمففة‪ ،‬فففإنكم‬

‫‪465‬‬
‫ستجدون هذه األشياء وا حة مثل الشمل‪ ،‬وعىل النقيض متام تا كل حلظات االهنيار والرتدي‬

‫يف حالة األمة تكون مصحوبة بعزلة احلاكم عن الشعب‪.‬‬

‫روى الرتمذي وأبو داود عن أيب مريم األزدي را اع عنه قففال‪ :‬قففال رسففول اع ﷺ‪( :‬مففن‬

‫واله اع عز وجل شيئ تا من أمر املسلمني فاحتجب دون حففاجتهم وخلففتهم احتجففب اع عنففه‬

‫دون حاجته وخلته وفقره)‪.‬‬

‫تفوق عنارص اجليش يف املواجهات الفردية يرفع من معنويات اجليش‬

‫صار اجليشان اآلن أمام بعضهام‪ ،‬وبدأت ساعة الصفر‪ ،‬وقام رجل من املرشكني اسمه األسففود‬

‫بن عبد األسد املخزومي وأقسم أن يرش من حوب املسلمني أو ليموتن دونه‪ ،‬فانظر إىل هذا‬

‫الضالل؛ كفاد وتضحية واستعداد للموت من أجل قضية فاسدة‪َ { :‬أ َف َم ْن حز ِّي َن َل حه حسفو حء َع َم ِلف ِه‬

‫َف َرآ حه َح َسنتا} [فاطر‪ ،]8:‬وقام الرجل ليرب بقسمه‪ ،‬لكن قابله األسد محزة بن عبففد املطلففب را‬

‫اع عنه وابه ابة قطعت ساقه‪ ،‬ومع لك كان الرجففل مرصف تا عففىل الوفففاء بقسففمه‪ ،‬فظففل‬

‫يزحف عىل األرب لكي يصل إىل ماء بدر‪ ،‬لكن محزة أدركه وقتله قبل أن يصل إىل مراده‪.‬‬

‫فكانت هذه نقطة بداية مهمة للمعركة‪ ،‬وكانت نقطففة لصففال املسففلمني‪ ،‬حففدث هففذا يف أول‬

‫دقيقة من دقائر املعركة‪ ،‬فكان توفيق تا كبففري تا مففن ر العففاملني‪ ،‬فقففد رفففع معنويففات املسففلمني‬

‫وأحبط معنويات الكافرين‪ ،‬وحرك الغيظ يف قلو زعامء مكة‪ ،‬وهنففض ثالثففة مففنهم يطلبففون‬

‫املبارزة من املسلمني‪ ،‬فقد كان من عادة الناس يف احلرو القديمففة أن يتبففارز أفففراد قالئففل يف‬

‫بداية املعركة كنوع من االستعراب‪ ،‬ثم يبدأ بعد لك اهلجوم الشامل يف اجلففيش كلففه؛ لففذلك‬

‫قام عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة وهففم مففن أشففداء فرسففان مكففة‪.‬‬

‫والعجيب الذي يلفت النظر هو قيام عتبة بن ربيعففة‪ ،‬فقففد كففان عتبففة بففن ربيعففة مففن احلكففامء‬

‫‪466‬‬
‫املعدودين يف قريش‪ ،‬ومن أصحا الرأي السديد يف أمور كثرية‪ ،‬وكان يففدعو قريشف تا أن ختففيل‬

‫بني رسول اع ﷺ وبني العر وال يقاتلوه‪ ،‬وكان يقففول‪( :‬إن هففذا الرجففل لففيل بشففاعر وال‬

‫)‪ ،‬وكان يرفض فكرة القتال يف بدر بعد إفففالت القافلففة‪ ،‬وكففان‬ ‫بكاهن وال بساحر وال بكا‬

‫إىل آخر حلظة جيادل املرشكني يف قضية القتال‪ ،‬حتى نظر إليه الرسففول ﷺ مففن بعيففد قبففل بففدء‬

‫املعركة‪ ،‬وهو يركب مج ت‬


‫ال أمحر‪ ،‬فقال ﷺ‪( :‬إن يكن يف أحد من القوم خري فعند صاحب اجلمل‬

‫األمحر‪ ،‬إن يطيعوه يرشدوا)‪ ،‬لكن القوم مل يطيعوه وأرصوا عىل القتال‪ ،‬ولألسف الشديد دخل‬

‫عتبة معهم املعركة ومل يرجع كف األخنل بن رشير‪ ،‬واألعجب من لك أنه خرج مع من خرج‬

‫للمبارزة‪ ،‬فقد كان عتبة مصاب تا بمرب خطري مرب اإلمعية‪ ،‬فهو حكيم يف الرأي‪ ،‬لكففن يسففري‬

‫مع الناس حيع ساروا‪ ،‬إ ا أحسن الناس أحسن‪ ،‬وإ ا أساءوا أساء‪ ،‬كففان ففعيف الشخصففية‬

‫مهزوز تا مرتدد تا‪ ،‬وهذا الذي أرداه فأصب من اخلارسين‪ ،‬وأمثال هؤالء نراهم كثري تا يف الواقففع‪،‬‬

‫فمن الناس من يكون ا رأي حكيم وسديد‪ ،‬ويكون عندنا آمال عريضة يف أنه يغري من حولففه‪،‬‬

‫لكنه يميش مع التيار‪ ،‬وتكون الكارثة‪.‬‬

‫خرج الفرسان الثالثة يطلبون القتال‪ ،‬فخرج هلم ثالثففة مففن شففبا األنصففار‪ ،‬لكففن الفرسففان‬

‫املرشكون قالوا‪( :‬ال حاجة لنا بكم إنام نريد أبناء عمنا)‪ ،‬فقال الرسول ﷺ‪( :‬قففم يففا عبيففدة بففن‬

‫احلارث) وهو ابن عم الرسول ﷺ‪ -‬ثم قال‪( :‬قم يا محزة) وهو عم الرسول ﷺ‪ ،‬ثم قال‪( :‬قففم‬

‫يا عيل بن أيب طالب) وهو ابن عم الرسول ﷺ‪ ،‬فكلهم من األقربني‪ ،‬مع أن القتال خطري‪ ،‬لكن‬

‫القائد وعائلته يعيشون حياة الناس متام تا‪ ،‬ويتعر ون لكل مشاكل األمففة‪ ،‬فيكونففون يف أوائففل‬

‫املضحني واملجاهدين‪ ،‬وبدأت املبارزة‪ ،‬واختلفت الروايات فيمن بارز من؟ لكن روايففة أمحففد‬

‫وأيب داود تقول‪ :‬إن عيل بن أيب طالب بارز شيبة‪ ،‬وإن محزة بارز عتبة‪ ،‬وإن عبيففدة بففن احلففارث‬

‫بارز الوليد بن عتبة‪.‬‬

‫‪467‬‬
‫والتقت السيوف واحتدم الرصاع‪ ،‬وبدأت الدماء تسيل‪ ،‬ثم بففدأت اجلثففع تتسففاقط يف دقففائر‬

‫معدودة‪ ،‬وانتهت اجلولة األوىل من الرصاع لصال املسلمني مرة أخففرى‪ ،‬عففيل بففن أيب طالففب‬

‫ومحزة بن عبد املطلب قتال شيبة وعتبة‪ ،‬سبحان اع! سقط عتبة يف أرب بدر ومل تنفعه حكمته‪،‬‬

‫وأصيب عبيدة والوليد بإصابات بالغة‪ ،‬فأرسع عيل ومحزة إىل الوليد بففن عتبففة وقففتاله‪ ،‬ومحففال‬

‫عبيدة إىل معسكر املسلمني‪ ،‬فكان سقو أربعة قتىل للمرشكني يف أول املعركة‪.‬‬

‫اشتعلت أرب بدر بالقتال‪ ،‬هجوم شامل كاسف يف كففل املواقففع‪ ،‬صففيحات املسففلمني ترتفففع‬

‫بشعارهم يف لك اليوم‪ :‬أحد أحد‪ ،‬أحد أحد‪ ،‬صليل السيوف يف كل مكان‪ ،‬الغبار غطففى كففل‬

‫يشء‪ ،‬هذا الصدام املروع حدث ألول مرة بني املسلمني والكافرين‪ ،‬معركة بني احلر والباطل‪.‬‬

‫مع كل احلامس الذي كان املسلمون فيه‪ ،‬إال أهنم ال يزالون حمتاجني إىل تشجيع وحتميل أكثففر؛‬

‫ألن املوقف صعب‪ ،‬فجاء دور التحميل والتشجيع‪ ،‬ولن يكسل املؤمن حني يسمع لك‪ ،‬جاء‬

‫وقت التذكري باجلنة‪ ،‬فقد رفع الرسول ﷺ صوته ليسمع اجلميع قال‪( :‬والذي نفسففي بيففده ال‬

‫يقاتلهم اليوم رجل‪ ،‬ف حيقتل صابر تا حمتسب تا مقب ت‬


‫ال غري مدبر إال أدخله اع اجلنة)‪.‬‬

‫إن كالم الرسول ﷺ عجيب جففد تا ال يمكففن أبففد تا أن يفهمففه علففامين وال كففافر أو فاسففر؛ ألن‬

‫الرسول ﷺ ال حيفز الناس كاملعتاد يف كل احلرو عىل الدفاع عن حيففاهتم‪ ،‬بففل حيفففزهم عففىل‬

‫فقد حياهتم‪ ،‬يقول‪( :‬ال يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابر تا حمتسب تا) إىل آخر احلديع‪ ،‬والذي يرى‬

‫نفسه أنه يعيش للدنيا لو قتل يكون قد فقد كل يشء‪ ،‬لكن الذي يفهم ما معنففى اجلنففة سففيكون‬

‫للقتل عنده معنى آخر‪ ،‬فاجلنة حلم كبري عند املسلمني‪ ،‬وهي ليست يف الدنيا‪ ،‬إنام تأيت اجلنة بعد‬

‫املوت‪ ،‬فاملوت هو احلاجز الوحيد بني الشهيد الذي يقتل يف أرب اجلهاد وبففني اجلنففة‪ ،‬كففام أن‬

‫الشهيد يدخل اجلنة بغري حسا ‪ .‬لو جاء املوت ألصبحنا من أهل اجلنة‪ ،‬فليففت املففوت يأتينففا‪،‬‬

‫وهكذا يصب املوت املكروه عند عامة البرش أمنية‪ ،‬بل أسمى األماين ملن فقه حقيقة اجلنة‪.‬‬
‫‪468‬‬
‫(إن يف اجلنة مائة درجة أعدها اع عز وجل للمجاهدين يف سبيل اع‪ ،‬ما بني الدرجتني كام بففني‬

‫السامء واألرب) واحلديع يف البخاري‪.‬‬

‫وأيض تا يف البخاري‪( :‬لغدوة يف سبيل اع أو روحة خففري مففن الففدنيا ومففا فيهففا‪ ،‬ولقففا قففوس‬

‫أحدكم يف اجلنة خري من الدنيا وما فيها‪ ،‬ولو أن امرأة من نساء أهففل اجلنففة اطلعففت عففىل أهففل‬

‫األرب أل اءت الدنيا وما فيها‪ ،‬وملألت ما بينهام رحي تا ‪-‬أي‪ :‬ما بففني السففامء واألرب‪ ،‬أو مففا‬

‫بني املرشق واملغر ‪ -‬ولنصيفها ‪-‬أي‪ :‬اخلامر الذي عىل رأسها‪ -‬عىل رأسها خري من الدنيا ومففا‬

‫فيها)‪ ،‬سبحان اع! فمن كان له يقني يف لك يشتاق إليه؛ لففذلك فففإن اجلففيش املنصففور جففيش‬

‫حيب املوت‪ ،‬يقول خالد بن الوليد را اع عنه‪( :‬جئتكم برجال حيبون املوت كام حتبففون أنففتم‬

‫احلياة)‪ ،‬وقد حتدث الرسول ﷺ يتكلم عن األمة املهزومة التي ليل هلففا وزن يف العففامل‪ ،‬فففأخرب‬

‫أن أهم صفة فيها صفة الوهن‪( :‬قالوا‪ :‬وما الوهن يا رسول اع؟! قففال‪ :‬حففب الففدنيا وكراهيففة‬

‫املوت)‪ ،‬أي‪ :‬كراهية املوت يف سبيل اع‪ .‬فلو حصل يف األمة كراهية املوت‪ ،‬فإهنا ستقع‪ ،‬وعففىل‬

‫العكل لو أحبت األمة املوت يف سبيل اع وهبت النرص ووهبت اجلنة‪.‬‬

‫يذكر أن إسحاق رابني رئيل وزراء إرسائيل اهلالك قال يف تعلير عففىل اهتففام اليهففود لففه بعففدم‬

‫القدرة عىل السيطرة عىل محاس واجلهاد‪ ،‬قال‪( :‬أحتدى أي جهففاز ضففابرات يف العففامل أن يقففاوم‬

‫أناس تا يريدون أن يموتففوا) فففاملؤمن القففوي حيففب أن يمففوت‪ ،‬وخيففاف أال يمففوت‪ ،‬وخيففاف أن‬

‫ينكشف أمره فال يموت‪ ،‬فكيف يمكن أن حتاربه؟!‬

‫إن طلب املوت يف سبيل اع ليل فيه كآبة وال حزن‪ ،‬إنففام الكآبففة أن تقففف يففوم القيامففة تنتظففر‬

‫احلسا سنوات وأنت ترى حولك الشهداء يدخلون اجلنة من غري حسا ‪ ،‬فال عففذر لففك يففا‬

‫أخي املسلم أن تقول‪ :‬أين اجلهاد؟ وأين القتال؟ فاملسألة مسألة صدق يف النية تريد أو ال تريد‪،‬‬

‫فإن كنت تريد فستأخذ أجر الشهادة وتدخل اجلنة وإن مت يف بيتك وسط أهلك‪ ،‬قال رسففول‬
‫‪469‬‬
‫اع ﷺ‪( :‬من سأل اع الشهادة بصدق بلغه اع منازل الشهداء وإن مات عىل فراشه) وإن كنت‬

‫ال تريد فلن تأخذ أجر الشهادة حتى لو فت لك ألف بففا للجهففاد‪ ،‬فاملسففألة مسففألة صففدق‪،‬‬

‫وانظر إىل اجلنة كيف أثرت يف الصحابة يوم بدر‪ ،‬فهففذا حعمففري بففن احلففامم را اع عنففه سففمع‬

‫الرسول ﷺ يقول‪( :‬قوموا إىل جنة عر ها السففاموات واألرب) فففام ا أعففددنا هلففذه اجلنففة؟!‬
‫ِ ِ ِ ِ‬
‫{ َو َقليل م ْن ع َباد َي الشك ح‬
‫حور} [سبأ‪.]13:‬‬

‫ملا سمع حعمري بن احلامم رسول اع ﷺ يقول لك قال متعجب تا‪ :‬عر ها السففاموات واألرب؟!‬

‫فإن الواحد منا يكاف سنني حتففى يكففون عنففده بيففت أو سففيارة أو بعففض األمففوال أو بعففض‬

‫السلطات‪ ،‬وكل هذا ال يمثل أي وزن يف األرب‪ ،‬فففام بالففك باجلنففة التففي عر ففها السففاموات‬

‫واألرب؟ فإنه ال يستبعد أن يكون ملك أحدنا يف اجلنة قدر جمموعة شمسية أو أكثر؛ فف عمففري‬

‫يتعجب من جنة عر ها الساموات واألرب‪ ،‬فقال ﷺ يف منتهى اإلجياز‪( :‬نعم)‪ ،‬وتلقى عمري‬

‫فخ بف ٍ‬
‫فخ)‬ ‫بن احلامم را اع عنه الكالم بمنتهى بيقني ال جدال فيه وال حماورة‪ ،‬فقففال عمففري‪( :‬بف ٍ‬

‫فأرسع عمري يقول‪( :‬ال واع يا رسول اع! ما قلتها إال رجاء أن أكون مففن أهلهففا)‪ ،‬فقففال ﷺ‪:‬‬

‫(فإنك من أهلها)‪ ،‬يا اع! عمري خيربه رسول اع ﷺ أنه من أهل اجلنة وهو ما زال يمشفي عففىل‬

‫أرب بدر! مل يستطع عمري أن يعيش حلظة واحدة عففىل األرب‪ ،‬كففان يمسففك يف يديففه بعففض‬

‫مترات يتقوى هبا عىل القتال‪ ،‬فتذكر ثامر اجلنة وطيورها ورشاهبا وحففوب الرسففول ﷺ فيهففا‪،‬‬

‫فألقى بالتمرات عىل األرب وقال كلمة عجيبة‪ ،‬قال‪( :‬لئن أنا حييت حتى آكل مترايت هذه إهنففا‬

‫حلياة طويلة) أكل التمرات يف بضع دقائر حياة طويلة؟! فألقى بنفسه وسففط اجلمففوع الكففافرة‬

‫فاستشهد ودخل اجلنة‪ ،‬يقين تا دخل اجلنة؛ ألن هذا كالم الرسول ﷺ (ال يقففاتلهم اليففوم رجففل‬

‫ال غري مدبر إال أدخله اع اجلنة) ثم قاهلا ترصحي تا لفففعمري ‪( :‬فإنففك مففن‬
‫فيقتل صابر تا حمتسب تا مقب ت‬

‫أهلها)‪ .‬إن أهل الدنيا وطالهبا يظنون أن عمري بن احلففامم خسففر شففبابه ومففات فلففم يسففتمتع‬

‫‪470‬‬
‫بحياته‪ ،‬إن املقاييل ليست كذلك‪ .‬روى الرتمذي عن كعب بن مالففك را اع عنففه وأر ففاه‬

‫قال‪ :‬قال رسول اع ﷺ‪( :‬إن أرواد الشهداء يف أجواف طري خضفر تعلففر بشففجر اجلنففة) أي‪:‬‬

‫ترعى أرواحهم من ثامر اجلنة قبل قيام الساعة‪.‬‬

‫النفوس العظيمة ال يعوقها عن هدفها عائر‬

‫كان حعمري بن أيب وقاهلل را اع عنه شاب تا ال يتجاوز عمره ‪ 16‬عام تا‪ ،‬فهو يف تعريففف منظمففة‬

‫الصحة العاملية طفل؛ ألن األطفال يف تعريفهم حتت ‪ 18‬سففنة‪ ،‬ويف تعريففف القففيم واألخففالق‬

‫واملبادئ والعقائد يعد من سففادة الرجففال را اع عففنهم‪ ،‬تقففدم را اع عنففه ليجاهففد مففع‬

‫املجاهدين يف بدر‪ ،‬لكن خاف أن يرده الرسول ﷺ؛ ألنه ال يزال صففغري تا‪ ،‬فأخففذ يتففوارى بففني‬

‫القوم حتى ال يراه الرسول ﷺ فريده‪ ،‬فرآه أخوه املجاهد العظيم سعد بن أيب وقففاهلل را اع‬

‫عنه‪ ،‬قال له‪( :‬ما حيملك عىل هذا؟) قال‪( :‬أخاف أن يراين رسول اع ﷺ فيستصغرين ويففردين‪،‬‬

‫وأنا أحب اخلروج لعل اع يرزقني الشهادة) سبحان اع! كانففت لديففه أمنيففة حلففوة أن يمففوت‬

‫وعمره ال يتجاوز ‪ 16‬سنة‪ ،‬رآه الرسول ﷺ وهو خيتبففم منففه‪ ،‬فأشفففر عليففه مففن القتففال ورده‬

‫فبكى عمري؛ ألنه ستضيع عليه فرصة املوت يف سبيل اع‪ ،‬فرق له ﷺ ملا رآه يبكففي وسففم لففه‬

‫باجلهاد‪ ،‬فجاهد واشتاق بصدق للشهادة‪ ،‬فاستشهد ودخففل اجلنففة‪ .‬هكففذا فهففم عمففري بففن أيب‬

‫وقاهلل اجلنة وهو مل يكلف إال منذ سنتني أو ثالث سنوات‪ ،‬فهم ما يعجز عن فهمففه األشففيا‬

‫واحلكامء والعباقرة‪ ،‬فيا له من مففنهج تربففوي إصففالحي واقعففي ال يرقففى إليففه أي مففنهج مففن‬

‫املناهج‪.‬‬

‫عوف بن احلارث را اع عنه سأل رسول اع ﷺ‪( :‬يففا رسففول اع؛ مففا يضففحك الففر مففن‬

‫عبده؟ قال‪ :‬غمسه يده يف العدو حارس تا) أي‪ :‬من غري درع‪ ،‬وهذا فيففه داللففة عففىل قففوة البففأس‬

‫‪471‬‬
‫وعدم اخلوف من املوت‪ ،‬ومعلوم أن هذا الترصف يلقي الرهبففة يف قلففو العففدو‪ ،‬هنففا ألقففى‬

‫عوف درعه وقاتل حارس تا حتى استشهد را اع عنه ودخل اجلنة‪.‬‬

‫مو وع اجلنة مل يكن غائب تا أبد تا عن أ هان الصحابة را اع عنهم وأر اهم؛ لذلك انترصوا‪،‬‬

‫اجليش اإلسالمي قبل أن يأيت إىل بدر كان يبحع عن اجلنة‪ ،‬ويف أرب بدر كذلك كان يبحففع‬

‫عن اجلنة‪ ،‬وبعد بدر كذلك يسأل عن اجلنة‪ .‬قبل اخلروج إىل بدر أراد سففعد بففن خ َيثمففة وأبففوه‬

‫خيثمة را اع عنهام اخلروج مع النبي ﷺ إىل بدر‪ ،‬لكن كان حتففت رعففايتهام بنففات كثففريات‪،‬‬

‫فالبد أن خيرج واحد منهام‪ ،‬ويقعد اآلخر لرعاية البنات‪ ،‬لكن االثنني يريدان أن خيرجا للقتال‪،‬‬

‫يطلب االثنان اجلنة بصدق‪ ،‬فلم يتنازل أحد منهام‪ ،‬فقررا أن يعتمدا عىل القرعة‪ ،‬فخففرج سففهم‬

‫سعد بن خيثمة‪ ،‬فتحرس أبوه حرسة حقيقية‪ ،‬فقال البنه يف توسل‪ :‬يففا بنففي؛ آثففرين اليففوم ‪-‬أي‪:‬‬

‫(اتركني أخرج)‪ -‬فضلني عىل نفسك‪ ،‬لكن سعد تا را اع عنه وأر اه رد بجوا يفرس سبب تا‬

‫من أسبا اجليش املنصور‪ ،‬قال يف أد ‪( :‬يا أيب لو كان غري اجلنة لفعلت)‪ ،‬ال أستطيع‪.‬‬

‫وخرج سعد بن خيثمة هبذه الرود الصادقة وقاتل را اع عنه حتى استشهد‪ ،‬ودخففل اجلنففة‬

‫التي يريد‪.‬‬

‫واللطيف يف األمر أن أباه خيثمة خرج يف أحد بعد بدر بسنة‪ ،‬واستشهد أيض تا‪.‬‬

‫أم حارثة بن رساقة را اع عنها أتت النبي ﷺ تسأله عن ابنها حارثة بن رساقففة استشففهد يف‬

‫بدر وهو شا صغري‪ ،‬مات مقتوالت‪ ،‬ويف مثل هففذا املوقففف تطففيش عقففول وتضففطر أفئففدة‬

‫ويتزلزل رجال ونساء‪ ،‬لكن أم حارثة أتت تسأل عن يشء حمففدد‪ ،‬قالففت‪( :‬يففا رسففول اع؛ قففد‬

‫عرفت منزلة حارثة مني‪ ،‬فإن يكن يف اجلنة أصرب وأحتسب‪ ،‬وإن تكن األخرى تر ما أصففنع؟)‬

‫فقال هلا الرسول ﷺ‪( :‬يا أم حارثة؛ إهنا جنان‪ ،‬وإن ابنك أصا الفردوس األعىل)‪ ،‬اع أكففرب!‬

‫‪472‬‬
‫حارثة بن رساقة را اع عنه وأر اه يف الفردوس األعىل؛ ألنففه مففات شففهيد تا يف سففبيل اع‪،‬‬

‫ال غري مدبر حمتسب تا صابر تا‪ ،‬هذه صفات الشففهداء الففذين يف‬
‫والشهيد كام كر ﷺ من يموت مقب ت‬

‫اجلنة‪ ،‬وهذه كلها كانت موجودة يف حارثة‪ ،‬لذلك بلغ الفردوس األعىل‪ ،‬واسرتاحت أم حارثة‬

‫وتقبلت أمر موت ابنها الشا بسهولة شديدة‪ ،‬وصرب واحتسا ‪ ،‬بل وبسعادة را اع عنها؛‬

‫ألنه من حيب أحد تا حيب له اخلري أيض تا‪ ،‬وليل هناك خري أفضل من اجلنة‪.‬‬

‫بعض صفات أهل بدر وشدة حرصهم عىل اجلنة‬

‫صفات أهل بدر اجلميلة كثرية‪ ،‬من أهم صفاهتم‪ :‬أهنم جيش مففؤمن بففاع‪ ،‬ومففؤمن بالرسففول‬

‫ﷺ‪ ،‬ومؤمن باجلنة‪ ،‬ومن غري اإليامن ال يمكن أن يكون هناك نرص‪ ،‬وهذا القول ال نقوله كنوع‬

‫من الرتف الفكري‪ ،‬أو القصص التارخيي الذي ليل له واقع يف حياة الناس‪ ،‬إنام نقوله ليكففون‬

‫منهج تا يف حياتنا‪ ،‬ومنهج تا يف تربية األطفال والرجال والنساء‪ ،‬ومن غري هففذا املففنهج ال يوجففد‬

‫فرصة لإلصالد‪ ،‬دعوكم من مناهج الرشق والغر ‪ ،‬ومناهج اإلصالد الومهية واملبنيففة عففىل‬

‫طلب الدنيا وبأي وسيلة‪ ،‬إن هذه املناهج ال تورث إال كآبة وتعاسة يف الففدنيا‪ ،‬وشففقاء و الت يف‬

‫اآلخرة‪ .‬إياكم أن تظنوا أن الغر والرشق من أصحا املال والسلطة واجلاه وامللك يعيشففون‬

‫يف سعادة‪ ،‬أبد تا‪ ،‬من يفقد منهم ماله ينتحر‪ ،‬ومن يموت له ابن أو حبيب يكتئففب وينعففزل عففن‬

‫املجتمع‪ ،‬ومن يتعرب ملصيبة تكون هذه هناية الدنيا عنده‪ ،‬ومن وجد نفسه فقري تا أو من عائلففة‬

‫صغرية‪ ،‬أو يعيش يف و ع اجتامعي صغري يعيش معقد تا حاقففد تا عففىل املجتمففع‪ ،‬حاسففد تا لكففل‬

‫ال ومرتشي تا وفاسد تا‪ ،‬ويعيش حيففاة اإلجففرام‪ ،‬وال يوجففد عنففده‬
‫األغنياء‪ ،‬وقد يكون سارق تا وقات ت‬

‫بديل‪.‬‬

‫روى احلاكم ‪-‬وقال‪ :‬صحي عىل رش مسلم ‪ -‬عن أنل را اع عنففه وأر ففاه‪( :‬أن رجف ت‬
‫ال‬

‫أسود أتى النبي ﷺ فقال‪( :‬يا رسول اع؛ إين رجل أسود) ‪ -‬أي‪ :‬رجففل فاقففد لكففل مقومففات‬
‫‪473‬‬
‫الوجاهة يف الدنيا ومتاعها – (منتن الري قبي الوجه ال مال يل‪ ،‬فإن أنففا قاتلففت هففؤالء حتففى‬

‫أقتل فأين أنا؟) فقال ﷺ‪( :‬يف اجلنة)‪ ،‬فقاتل الرجل حتى حقتل‪ ،‬فأتاه النبي ﷺ بعد ما استشففهد‪،‬‬

‫ووقف بجانبه‪ ،‬يعلم الصحابة ويعلمنا ‪ -‬ويقول‪( :‬قد بيض اع وجهك) ‪ -‬أمل يكففن يقففول‪ :‬إين‬

‫رجل أسود؟! – (وطيب رحيك وأكثر مالك)‪ ،‬ومعلوم أن أقل أهل اجلنة ملك تا له عرشة أمثففال‬

‫الدنيا‪ ،‬فاجلنة فيها سلوى وتعويض لكل مؤمن فقد أي يشء‪ ،‬وفيها اجلزاء لكففل مففن تعففب أو‬

‫سهر أو بذل أي جمهود لإلصالد‪ .‬اجلنة صربت أم حارثة‪ ،‬وشجعت عمري بن احلففامم‪ ،‬وعمففري‬

‫بن أيب وقاهلل وسعد بن خيثمة‪ ،‬وحارثة بن رساقة وغريهم وغريهم‪ .‬اجلنة جعلت احلبا بففن‬

‫املنذر يقول رأيه؛ لكي يفيد املسلمني ويدخل اجلنة بعففد لففك‪ .‬اجلنففة جعلففت املكففروه حمبوبف تا‬

‫وجعلت املوت مطلوب تا‪ ،‬يقول الرسول ﷺ‪( :‬أال مشمر للجنة؟ أال مشمر للجنففة؟) ‪-‬أي‪ :‬هففل‬

‫هناك من يريد اجلنة‪( -‬فإن اجلنة ال خطر هلا) ‪-‬أي‪ :‬ال مثيل هلففا‪( -‬هففي ‪-‬ور الكعبففة‪ -‬نففور‬

‫يتألأل‪ ،‬ورحيانة هتتز‪ ،‬وقرص مشيد‪ ،‬وهنر حمطرد‪ ،‬وفاكهة كثرية نضيجة‪ ،‬وزوجففة حسففناء مجيلففة‪،‬‬

‫وحلل كثرية يف مقام أبد تا‪ ،‬يف َحربة و َنرضة‪ ،‬يف دور عالية سليمة هبية)‪ ،‬فلام سمع الصحابة لك‬
‫ح‬
‫قالوا‪( :‬يا رسول اع؛ نحن املشمرون هلا؟) قال‪( :‬قولففوا‪ :‬إن شففاء اع)‪ ،‬و كففر رسففول اع ﷺ‬

‫اجلهاد وحض عليه‪ ،‬وأعطاهم شيئ تا عملي تا يدخلون به اجلنة‪ .‬واحلديع يف صففحي ابففن حبففان‬

‫وسنن ابن ماجه‪.‬‬

‫عندما متأل اجلنة حياتنا هبذه الصورة‪ ،‬وتصب هدف تا وا ح تا يف تفكرينا‪ ،‬وحففني نأخففذ قففرار تا أو‬

‫نعمل عم ت‬
‫ال أو نقول كلمة أو نضحك ففحكة أو نسففافر أو نقعففد أو نحففب أو نكففره‪ ،‬عنففدما‬

‫تصب اجلنة حمرك تا لكل حياتنا‪ ،‬فإننا سنرى نرص تا مثل نرص بففدر‪ ،‬ومتكينف تا وعففزة وسففيادة مثففل‬

‫الذي حصل يف بدر متام تا بتامم‪.‬‬

‫‪474‬‬
‫الوحدة والتامسك بني املؤمنني عىل أساس الدين ال النسب‬

‫ما زالت هناك صفات مهمة‪ ،‬وكلها وا حة يف أهل بدر‪ :‬الوحدة واأللفة والتامسك والففرتابط‬

‫بني أفراد اجليش الواحد‪ ،‬وبني أفراد األمة الواحدة‪ ،‬فإنه ال يوجد نرص من غري وحدة‪.‬‬

‫هذه قاعدة‪ ،‬لكن الوحدة يف اجليش املنصور ال بد أن تكون وحدة عقائدية‪ ،‬بمعنى‪ :‬أن الففرابط‬

‫الرئييس بني املسلمني هو اإلسالم‪ ،‬ال قبلية وال لففون وال عنصففر وال و ففع اجتامعففي وال أي‬

‫يشء من متعلقات الدنيا‪ ،‬فالوحدة يف اع واألخوة يف اع مها اللتان تنفعان فعالت‪.‬‬

‫انظر إىل أهل بدر؛ جيش قوي متامسك‪ ،‬مع أن تركيبته عجيبففة خاصففة يف هففذا التوقيففت‪ ،‬قبففل‬

‫اإلسالم كان الربا األسايس يف اجلزيففرة ‪-‬ولعلففه الوحيففد‪ -‬هففو ربففا القبليففة‪ ،‬حتففى قففالوا‬

‫كلمتهم الفاسدة‪( :‬انرص أخاك ظامل تا أو مظلوم تا)‪ ،‬ليل من املهم يف أيام اجلاهليففة أيففن احلففر أو‬

‫العدل‪ ،‬لكن املهم أن هذا من قبيلتي سواء كان ظامل تا أو مظلوم تا ال فرق‪ ،‬فجففاء اإلسففالم ليغففري‬

‫املقاييل الباطلة التي كانت اجلاهلية حتكم هبا‪ ،‬فالرسول ﷺ قال الكلمة نفسففها لكففن بتعففديل‬

‫كبري جد تا يف املفهوم والتصور‪ .‬قال ألصحابه‪( :‬انرص أخاك ظامل تا أو مظلوم َا)‪ ،‬وهذا احلديع يف‬

‫البخاري ومسلم عن أنل را اع عنه‪ ،‬فتعجب الصحابة‪ ،‬وقالوا‪( :‬يففا رسففول اع؛ ننصففره‬

‫مظلوم تا فكيف ننرصه ظامل تا؟) قال ﷺ‪( :‬متنعه من الظلم؛ فإن لك نرصه)‪.‬‬

‫وهكذا فإن أخي هو املشرتك معي يف العقيدة‪ ،‬ليل مه تام ما هي قبيلته أو بلده‪ ،‬أنصفره بالعففدل‬

‫واحلر فقط‪ ،‬ولو َظ َلم أشرتك مع غريي كي أرده عن ظلمه‪ ،‬وأكرب ظلم يف الففدنيا هففو اإلرشاك‬

‫الرشف َك َل حظ ْلفم َعظِفيم}‬ ‫ِ‬ ‫باع عز وجل‪َ { :‬وإِ ْ َق َال حل ْق َام حن ال ْبنِ ِه َو حه َو َي ِع حظ حه َيا حبنَي ال ت ْ ِ‬
‫حرش ْك بِفاعِ إن ِّ ْ‬
‫[لقامن‪]13:‬؛ لذلك رأينا التالحم والتنارص والوحدة بني الطوائف املختلفة من أهل بدر‪ ،‬هذه‬

‫‪475‬‬
‫الطوائف مل جيمعها إال يشء واحد فقط هو اإلسالم‪ ،‬فقد حاولوا أن يردوا الظلم الذي ارتكبففه‬

‫غريهم‪ ،‬حتى لو كان الظاملون اآلباء واألبناء واألقار والعشرية‪.‬‬

‫إن جيش املسلمني يف بدر كان فيه املهاجر الذي مففن قففريش‪ ،‬واألنصففاري الففذي مففن األوس‬

‫واخلزرج‪ ،‬وفرع قريش بعيد جد تا عن فرع األوس واخلزرج‪ ،‬فقريش من العففدنانيني‪ ،‬واألوس‬

‫واخلزرج من القحطانيني‪ ،‬فرعان ضتلفان متام تا‪ ،‬ومع لك ألول مرة يف تاريخ العر يكونففون‬

‫جيش تا واحد تا‪ ،‬والذي مجعهم هو اإلسالم؛ هذه نقطة من أهم نقا بناء األمة اإلسالمية‪.‬‬

‫إن هذا اجليش مل يكن من كل القبائل فقط‪ ،‬بل كان فيه العريب وغري العريب‪ ،‬فف بالل كان يف هذا‬

‫اجليش مع أنه حبيش‪ ،‬ومل يشعر مطلق تا بالغربة يف هذا اجلففيش الففذي يغلففب عليففه العففر ‪ ،‬ومل‬

‫يشعر العر يف داخل اجليش بأن هناك عنرص تا غريب تا يف داخل اجليش من احلبشة‪ ،‬بل التعففاون‬

‫والتالحم بينهم كان عىل أكرب مستوى‪.‬‬

‫قصة قتل أمية بن خلف‪.‬‬

‫كان أمية بن خلف خائف تا من أن يشففرتك يف غففزوة بففدر؛ ألن الرسففول ﷺ أخففرب أن املسففلمني‬

‫سيقتلونه‪ ،‬وكان أمية بن خلف صديق تا لف عبد الرمحن بن عوف أيام اجلاهلية‪ ،‬كان عبد الففرمحن‬

‫أن النرص حليف املسففلمني‪،‬‬ ‫بن عوف يميش يف أرب بدر قبل انتهاء املعركة بقليل‪ ،‬وقد و‬

‫حام ت‬
‫ال يف يديه جمموعة أدراع استلبها من القتىل املرشكني الذين قتلهم‪ ،‬والسلب‪ :‬هو مففا يكففون‬

‫عىل القتيل املرشك‪ ،‬وهو من حر املسلم الذي قتله‪ ،‬فرأى أمية وابنه واقفني يف منتهففى الرعففب‪،‬‬

‫فلام رأى عبد الرمحن رص ‪ :‬هل لك يف تأخذين أنا؟ فأنا خري من هذه األدراع التففي معففك‪ ،‬مففا‬

‫رأيتك اليوم قط‪ ،‬أما لكم حاجة يف اللبن؟ فرمى عبد الرمحن بن عوف باألدراع وأخذ أمية بففن‬

‫خلف وابنه‪ ،‬واسم ولده عيل بن أمية‪.‬‬

‫‪476‬‬
‫أخذ عبد الرمحن يميش هبام يف أرب بدر‪ ،‬فمر عليهم بففالل بففن ربففاد را اع عنففه فلففام رأى‬

‫بالل أمية بن خلف تذكر الذكريات املؤملة فإن أمية هو الذي كان يعذ بالالت يف مكة‪ ،‬فرصف‬

‫بالل‪) :‬رأس الكفر أمية بن خلف ال نجوت إن نجا(‪ .‬لكن عبد الرمحن بن عوف را اع عنه‬

‫أخذ املو وع ببساطة‪ ،‬وقال لف بالل‪) :‬أي بالل أسريي(‪ ،‬فكان بالل ال يقول إال كلمة واحدة‪:‬‬

‫)ال نجوت إن نجا(‪ ،‬فرأى عبد الرمحن بن عوف أن بالالت يأخففذ املو ففوع بجففد وال يسففمعه‪،‬‬

‫فقال له‪) :‬أتسمع يا بالل؟! هذا أسريي(‪ ،‬فقال بالل‪) :‬ال نجوت إن نجا(‪ ،‬وكان عبففد الففرمحن‬

‫يمنع بالالت من الوصول إىل أمية‪ ،‬فنادى بالل إخوانه من األوس واخلزرج صارخ تا‪) :‬يا أنصففار‬

‫اع رأس الكفر أمية بن خلف ال نجوت إن نجا(‪ ،‬فجاء األنصار وأحففاطوا بفففأمية بففن خلففف‬

‫وابنه وبفعبد الرمحن بن عوف ‪ ،‬فلم يستطع عبد الرمحن أن يفعل شففيئ تا‪ ،‬ومففا هففي إال حلظففات‬

‫حتى حتققت نبوءة الرسول ﷺ‪ ،‬و حقتل أمية بن خلف وابنففه عففىل يففد األنصففار را اع عففنهم‬

‫وعىل يد بالل ‪ ،‬وهكذا انترص األنصففار ‪-‬األوس واخلففزرج‪ -‬ألخففيهم يف اع بففالل بففن ربففاد‬

‫احلبيش را اع عنهم أمجعني‪ ،‬ومع أن عبد الرمحن بن عوف اعت من يففده ثففروة كبففرية إال‬

‫أنه كان يقول‪( :‬يرحم اع بالالت هبت أدراعي وفجعني بأسريي)‪.‬‬

‫وقتل عمر بن اخلطا را اع عنه وأر اه خاله يف يوم بدر‪ ،‬كان اسمه العاهلل بن هشام بففن‬

‫املغرية ‪ .‬وكان أبو بكر الصدير را اع عنه يبحع عن ابنه عبد الففرمحن بففن أيب بكففر ليقتلففه‪،‬‬

‫وكان مرشك تا يقاتل يف صف املرشكني‪ ،‬وكان الرسول يشبه أبا بكر بإبراهيم ؛ ألن ابتالءات أيب‬

‫بكر كانت قريبة من ابتالءات إبراهيم ‪ ،‬فقد وصل األمففر إىل أنففه كففان سففيذب ابنففه كففام فعففل‬

‫إبراهيم ‪ ،‬لكن بالء إبراهيم أشد‪( :‬أشد الناس بالء األنبياء‪ ،‬ثم األمثل فاألمثل)‪ ،‬أراد إبففراهيم‬

‫أن يذب ابن تا بار تا به مؤمن تا أصب بعد لك نبي تا‪ ،‬لكن أبا بكر الصدير را اع عنه كان يريففد أن‬

‫يذب ابن تا مرشك تا‪ ،‬لكن هذا أيض تا صعب جد تا‪ ،‬فإن ولدك مهام صففنع فيففك ال حتففب لففه األ ى‪،‬‬

‫‪477‬‬
‫فض ت‬
‫ال عن أن تؤ يه بنفسك‪ ،‬لكن أبا بكر كانت حياتففه كلهففا لإلسففالم‪ ،‬واألويس واخلزرجففي‬

‫واحلبيش والرومي إخوانه يف اع؛ ألهنم مسلمون‪ ،‬لكن ابنه ليل من أهله؛ ألنه مرشك‪ ،‬فيففا لففه‬

‫من إيامن يف منتهى العمر‪ ،‬واحلمد ع مل يستطع أبو بكر الوصول إىل ولده عبد الرمحن را اع‬

‫عنه؛ ألن عبد الرمحن بعد لك أسلم وحسن إسالمه‪.‬‬

‫رأى مصعب بن عمري را اع عنه يف هناية موقعة بدر أخاه أبا عزيز بن عمري أسري تا يف يد أحد‬

‫األنصار‪ ،‬فقال مصعب لألنصاري‪( :‬شد يديك به؛ فإن أمه ات متففاع‪ ،‬لعلهففا تفديففه منففك)‪،‬‬

‫فتعجب أبو عزيز وقال ألخيه مصففعب ‪( :‬أهففذه وصففاتك يب!) فقففال مصففعب را اع عنففه‬

‫يلخص سبب تا من أهم أسبا النرص‪( :‬إنه ‪-‬أي‪ :‬األنصاري‪ -‬أخي دونففك)‪ ،‬سففبحان اع! هففذا‬

‫هو ربا العقيدة واأللفة واملحبة والتعاون والتنارص يف اع عز وجل‪ ،‬ثم يأيت من يقول إن هففذا‬

‫الفعل يدل عىل التجرد من مشاعر اإلنسانية‪ ،‬فإن مصعب بن عمري ال يشعر بأخوته ألخيه مففن‬

‫الدم‪ ،‬فنقول‪ :‬بل هذا هو منتهى الرقي يف املشاعر اإلنسانية‪ ،‬كل املشاعر موجهة ع عففز وجففل‪،‬‬

‫إ ا كان اإلنسان يعيش لقضية ما‪ ،‬فإنه يكرس هلا كل جهده ومشاعره وطاقاته‪ ،‬ويصب متجرد تا‬

‫متام تا هلذه القضية‪ ،‬فإ ا كانت هذه القضية هي إر اء ر العاملني سففبحانه وتعففاىل‪ ،‬فهففذه مففن‬

‫أبلغ وأعظم املشاعر التففي يففتحىل هبففا اإلنسففان‪ ،‬وإننففا اآلن نتحففدث عففن يففوم حففر ونففزال‬

‫ومفاصلة‪ ،‬وليل حديثنا عن أيام دعوة‪ ،‬فإن العالقة يف أيام الدعوة ضتلفففة متامف تا مففع الففرحم‪،‬‬

‫لكن اآلن هناك مفاصلة كربى كام ترون‪ .‬ولن يفهم كل الناس هففذه املشففاعر املتجففردة ع؛ ألن‬

‫القليل من الناس هم الذين قدم يصلون إىل هففذا املسففتوى الراقففي مففن احلففل والفكففر‪ ،‬فهففذا‬

‫اجليش كان عظي تام فعالت‪.‬‬

‫‪478‬‬
‫كفاءة اجليش املؤمن وأمانته‬

‫وأيض تا من صفات هذا اجليش‪ :‬أنه كان كفؤ تا وبقدر املسئولية فعالت‪ ،‬فقد تكون القضية سففليمة‪،‬‬

‫لكن املحامي فاشل؛ ولذلك نخرس القضية‪ ،‬وربام تكون الغاية نبيلة واملدافع عنها عيف تا‪ ،‬فففال‬

‫نصل إىل الغاية‪ ،‬فاملسألة مسألة أمانة‪ ،‬جاء رجل إىل النبي ﷺ فسأله عن الساعة فقففال لففه‪( :‬إ ا‬

‫يعت األمانة فانتظر الساعة‪ ،‬قال‪ :‬كيف إ اعتها؟ قال‪ :‬إ ا حو ِّسد األمر إىل غري أهلففه فففانتظر‬

‫الساعة)‪ ،‬وهذه مشكلة خمة تواجهها األمة اإلسالمية اآلن‪ ،‬فاألمر يف هذا العرص ال يوسففد‬

‫إىل أهله‪ ،‬بل يوسد إىل من عنده واسطة أو قريب أو صاحب أو ابن فالن أو فالن‪ ،‬فاألمر جيب‬

‫أن يوسد إىل من يستطيع فع ت‬


‫ال أن يؤديه عىل أفضل وجه‪ ،‬وهذا ال بد أن جيمع بني الصفتني‪ ،‬كام‬

‫ت ا ْل َق ِو ُّي األَ ِم ح‬
‫ني} [القصص‪ ،]26:‬والقففوي‪ :‬الكفففء‬ ‫قال اع عز وجل‪{ :‬إِن َخ ْ َري َم ْن ْ‬
‫است َْأ َج ْر َ‬

‫يف جمال العمل فإن كان الفرد يف اجليش البد أن يكون عسكري تا جيد تا‪ ،‬وإن كان يف الزراعففة فففال‬

‫بد أن يكون فامه تا يف أمور الزراعة‪ ،‬كففذلك يف التجففارة ويف الصففناعة ويف التعلففيم ويف اإلدارة‪،‬‬

‫ويف أي جمال يكون حمرتف تا يف جماله فعالت‪ ،‬بل يكون مبتكر تا وضرتع تا ومتحمس تا لإلبداع‪.‬‬

‫واألمني‪ :‬هو الذي يعلم أن اع عز وجل يراقبه؛ فريعى األمانة‪ ،‬وال يغش وال يدلل وال يضيع‬

‫وقت تا وال يبخل برأي وال يدخر معونة‪ ،‬يكون أمين تا كام وصفه اع عز وجل‪ .‬يف موقعة بدر وسففد‬

‫األمر إىل أهله‪ ،‬والكفاءة رأيناها يف كل املقاتلني‪ ،‬احرتافية يف األداء‪ ،‬مهارة يف املنففاورة‪ ،‬قففوة يف‬

‫النزال‪ ،‬دقة رأي وبعد نظرة‪ ،‬عسكريون عىل أعىل مستوى ويف منتهففى األمانففة‪ ،‬يعرفففون أن اع‬
‫ينظر إليهم يف كل حلظة؛ ألن إيامهنم ٍ‬
‫عال جد تا‪ ،‬وأخالقهم ال تسم بأي تفففريط؛ هلففذا السففبب‬

‫رفض الرسول ﷺ يف بدر أن يستعني بمرشك‪ .‬ثبففت يف صففحي مسففلم عففن عائشففة را اع‬

‫ال جاء إىل النبي ﷺ وهو خارج إىل بدر‪ ،‬و حي ْذ َكر أن هذا الرجل له جففرأة ونجففدة‪،‬‬
‫عنها‪ :‬أن رج ت‬

‫ففرد أصحا النبي ﷺ‪ ،‬فقال الرجل لرسول اع ﷺ‪( :‬جئت ألتبعك وأصيب معففك‪ ،‬فقففال‬

‫‪479‬‬
‫ﷺ‪ :‬تؤمن باع ورسوله؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فارجع؛ فلن أستعني بمرشك)‪ ،‬سففبحان اع! مففع قففوة‬

‫الرجل وبأسه ونجدته‪ ،‬ومع احتياج املسلمني إليه‪ ،‬إال أنه قد يفتقر إىل األمانففة‪ ،‬فهففو ال يففؤمن‬

‫بأن اع عز وجل يراقبه فقد خيدع املسلمني‪ ،‬فرفض ﷺ االستعانة بففأي مرشففك يف غففزوة بففدر؛‬

‫فهذه قاعدة‪ :‬أال يستعني املسلمون باملرشكني‪ ،‬هلا بعض االستثناءات‪ ،‬وهي موجففودة يف كتففب‬

‫الفقه‪ ،‬لكن األصل أال يستعني املسلمون بمرشك ولو كان كفؤ تا‪.‬‬

‫وأكمل الرسول ﷺ الطرير إىل بدر‪ ،‬وجاء إليه نفل الرجل بعد قليل‪ ،‬وقال لففه كففام قففال أول‬

‫مرة؛ فقال له ﷺ‪( :‬تؤمن باع ورسوله؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فارجع؛ فلن أستعني بمرشك)‪ ،‬ثم جففاء‬

‫له مرة ثالثة فقال له ﷺ كام قال أول مرة‪ ،‬فقال له الرجل‪( :‬نعم أؤمن باع ورسوله؛ فقففال ﷺ‪:‬‬

‫فانطلر)‪ ،‬فهذا معنى يف غاية األمهية‪ :‬توسيد األمر إىل أهله‪ ،‬وأهله هففم األكفففاء األمنففاء‪ ،‬وقففد‬

‫يكون الرجل أمين تا وتقي تا وورع تا‪ ،‬لكنه ليل كفئ تا؛ هذا أيضف تا ال ينفففع‪ .‬رد الرسففول ﷺ يف بففدر‬

‫بعض املسلمني؛ ألنه ﷺ رأى أن قدرهتم القتالية عيفة‪ ،‬مع علمه التففام بأمففانتهم‪ ،‬ورغبففتهم‬

‫الصادقة يف القتال‪ ،‬ورد جمموعة من صغار السن؛ لضعف بنيتهم‪ ،‬و آلة أجسامهم‪ ،‬كففف عبففد‬

‫اع بن عمر والرباء بن عاز را اع عنهم‪ ،‬وغريمها مففن الصففغار‪ ،‬ويف نفففل الوقففت قبففل‬

‫بعض صغار السن اآلخرين؛ لكفاءهتم العسكرية واجلسدية‪ ،‬كف عمري بففن أيب وقففاهلل‪ ،‬ومعففا‬

‫بن عمرو بن اجلمود ومعو بن عفراء‪ ،‬كففانوا صففغار تا يف السففن‪ ،‬لكففن عنففدهم قففدرة قتاليففة‪،‬‬

‫فقبلهم ﷺ‪ .‬فالبد من كفاءة وأمانة‪ ،‬ومن دون هاتني االثنتني ال يوجد نرص‪.‬‬

‫االعتامد عىل الشبا واالهتامم هبم‬

‫مو وع صغار السن هذا سيأخذنا إىل صفة أخرى من صفات اجليش املنصور‪ .‬من املمكففن أن‬

‫الصغري والكبري ينرصان اإلسالم‪ ،‬لكن التاريخ يقول‪ :‬إن معظم حمطات التغيري الرئيسية كانت‬

‫معتمدة اعتامد تا شبه كيل عىل الشبا ‪ ،‬وراجعوا حمااات الفرتة املكية‪.‬‬
‫‪480‬‬
‫عملت بحث تا يف أعامر املشاركني يف غزوة بففدر‪ ،‬وهنففاك كثففري ال نعففرف أعامرهففم‪ ،‬لكففن الففذي‬

‫أحصيته من هؤالء يكفي أن يكون عينة صادقة تعرب عن حال اجليش‪ ،‬فففإن متوسففط العمففر يف‬

‫اجليش كان اثنني وثالثني سنة‪ ،‬وهناك أناس أكرب وأناس أصغر‪ ،‬فاملواقع القيادية يف بففدر كلهففا‬

‫كانت للشبا ‪ ،‬كان حامل راية املهاجرين عيل بن أيب طالب‪ ،‬وعمره مخسففة وعشففرون سففنة‪،‬‬

‫وحامل راية األنصار سعد بن معا ‪ ،‬وعمره اثنان وثالثون سنة‪ ،‬وحامل الراية العامة للجففيش‬

‫كله مصعب بن عمري‪ ،‬وعمره سبعة وثالثون أو ثامن وثالثون سنة‪ ،‬كام أن شهداء بدر متوسففط‬

‫عمرهم حتت الثالثني سنة‪ ،‬فالشبا طاقة هائلة‪ ،‬والرتكيز عليهم يف موقففع الففذ ويف غريهففا‬

‫من املواقع الفاصلة كان يف منتهى الو ود‪ ،‬والنرص جاء عىل أيدهيم يف بدر ويف غريها‪ ،‬وليل‬

‫معنى هذا أننا لسنا حمتاجني حلكمة الشيو ‪ ،‬ال‪ ،‬بل نحففن حمتففاجون لكففل الطاقففات‪ ،‬الصففغري‬

‫والكبري‪ ،‬الرجل واملرأة من املؤسف جد تا أن يكون شبا األمة الذين جييء معظم النصفر عففىل‬

‫أيدهيم يكون مشغوالت ببعض األمور التافهة التي ال تصل لطفل فض ت‬


‫ال عن شا ‪.‬‬

‫وراجعوا حمااة‪ :‬كلمة إىل شبا األمة‪.‬‬

‫ملخص صفات اجليش املنصور‬

‫نحن كرنا عدة صفات للجيش املنصور‪ ،‬تعالوا نجمعها وتعرف عليهففا‪ ،‬فإهنففا إ ا جتمعففت يف‬

‫أي جيش النترص؛ ألن هذه سنن‪ ،‬وسنن اع سبحانه وتعاىل ال تبديل هلا‪.‬‬

‫الصفة األوىل‪ :‬اإليامن باع عز وجل‪ ،‬وبرسوله الكريم ﷺ‪ ،‬ال إله إال اع حممد رسول اع؛ هذه‬

‫أهم صفة‪ ،‬وأي منهج ال يقوم عىل الكتا والسنة؛ لن يكففون مففن ورائففه إال كففل خففزي و ل‬

‫وهزيمة‪.‬‬

‫الصفة الثانية‪ :‬اإليامن باليوم اآلخر‪ ،‬وطلب اجلنة‪ ،‬وحب املوت يف سبيل اع‪ ،‬والزهد يف الدنيا‪.‬‬

‫‪481‬‬
‫الصفة الثالثة‪ :‬الوحدة بني املسلمني‪ ،‬والصف املتآلف املتحا ‪ ،‬وال بد أن يكون هذا احلففب ال‬

‫يقوم عىل روابط قبلية أو عرقية‪ ،‬ولكن يف األساس يقوم عىل ربا العقيدة والدين‪.‬‬

‫الصفة الرابعة‪ :‬اإلعداد اجليد من خطة ومال وسالد وجهد وختصص وعلم‪.‬‬

‫الصفة اخلامسة‪ :‬الشورى‪ ،‬والشورى ال تكون إال فففيام ال نففص فيففه‪ ،‬وال جيففوز للمسففلمني أن‬

‫جيتمعوا عىل ضالفة الرشع‪ ،‬بل يتشاورون فيام ال نص فيه‪ ،‬وبدون شورى فإن النرص بعيففد‪ ،‬بففل‬

‫مستحيل‪.‬‬

‫او ْر حه ْم ِيف األَ ْمف ِر َففإِ َ ا َع َز ْمف َت َفت ََوكف ْل َعف َىل اعِ}‬
‫الصفة السادسة‪ :‬احلسم وعدم الففرتدد‪َ { :‬و َشف ِ‬

‫[آل عمران‪ ،]159:‬والتسويف وتأجيل األعامل عالمففة عففىل الففرتدد والضففعف‪ ،‬وطبعف تا هففذا‬

‫يؤخر النرص‪ ،‬بل أحيان تا يمنعه‪.‬‬

‫الصفة السابعة‪ :‬االعتامد عىل الشبا ‪ ،‬واالهتامم هبم‪ ،‬واالرتقاء بأفكارهم‪ ،‬والثقففة يف قففدراهتم‬

‫وإمكانياهتم‪.‬‬

‫الصفة الثامنة‪ :‬توسيد األمر إىل أهله‪ ،‬وأهله هم األكفاء األمناء‪.‬‬

‫الصفة التاسعة‪ :‬مشاركة القائد لشعبه وعدم الرتفع عليهم‪ ،‬واالختال هبم‪ ،‬والتضحية معهم‪.‬‬

‫أما الصفة العارشة واألخرية‪ :‬فهي رود األمل والتفاؤل واليقففني يف نرصف اع عففز وجففل هلففذه‬

‫األمة؛ هذه كانت الصفة العارشة من صفات اجليش املنصور‪ ،‬فتلك عرش كاملة‪.‬‬

‫وهذه الصفات العرش حتتاج لدروس وحمااات ودورات ومناهج‪ ،‬وحتتاج لوقت وجهد كففي‬

‫تزرع وتكون منهج حياتنا‪ ،‬وإن صفة واحدة من هذه الصفات إ ا فقدت؛ قد يفقد معها النرص‬

‫متام تا‪ ،‬حتى لو حتققت التسع الصفات الباقية‪ ،‬فمن غري إيامن ال يوجد نرص‪ ،‬ومن غري وحففدة ال‬

‫يوجد نرص‪ ،‬ومن غري أمانة ال يوجد نرص وهكذا‪ ،‬وسيتض هذا جلي تا يف أحد‪.‬‬
‫‪482‬‬
‫الثبات يتحقر بتحقير صفات اجليش املنصور كاملة‬

‫إ ا حقر املسلمون هذه الصفات العرشفف؛ أنعففم اع علففيهم بنعمففة عظيمففة جففد تا‪ ،‬وهففي نعمففة‬

‫الثبات‪.‬‬

‫فال أحد يستطيع أن يضمن أنه سيثبت‪ ،‬ولكي تكون أه ت‬


‫ال للثبففات البففد أن تسففتويف الصفففات‬

‫العرش للجيش املنصور مثلام كرنا‪ ،‬فإنه ال نرص من غري ثبات؛ وهلذا جتد أن اع يذكر يف سففورة‬

‫األنفال الثبات كثري تا‪ ،‬سواء بنفل اللفظ أو بمعناه‪ ،‬جتد مثالت‪َ { :‬يفا َأ ُّ َهيفا الف ِذي َن آ َمنحفوا إِ َ ا َل ِقيفت ْحم‬

‫وه ْم األَ ْد َب َار} [األنفال‪ ،]15:‬كذلك‪َ { :‬يا َأ ُّ َهيا ال ِذي َن آ َمنحفوا إِ َ ا َل ِقيفت ْحم‬
‫ال ِذي َن َك َف حروا َز ْحف تا َفال ت َحو ُّل ح‬
‫فِ َئ تة َفا ْث حبتحوا} [األنفال‪ ،]45:‬وعند احلديع عن املطر قال‪َ { :‬و حي َث ِّب َت بِ ِه األَ ْقفدَ ا َم} [األنفففال‪،]11:‬‬

‫وعند احلديع عن املالئكة قال‪َ { :‬ف َث ِّبتحوا ال ِذي َن آ َمنحوا} [األنفال‪ ،]12:‬فالثبات هبففة مففن اع عففز‬

‫وجل‪ ،‬ال يلقاها إال من قدم الصفات العرش مكتملة‪ ،‬فففإ ا ثبففت املسففلمون يف أرب املعركففة؛‬

‫أنزل اع عليهم سبحانه وتعاىل النرص من عنده‪.‬‬

‫‪483‬‬
484
‫‪22‬‬

‫نصر بدر‬
‫جنود اهلل يف بدر‬

‫نزول النرص حيتاج منا إىل وقفة مهمة وطويلة‪ ،‬فالنرص يأيت من حيث ال يتوقععا المععلمول‪ ،‬بع‬

‫أحيان ًا يأيت من حيث يكره الملمول‪ ،‬أي‪ :‬يأيت النرص بطريقة يعرتف اجلميععا أ ععا ليمع مععن‬

‫طرق البرش‪ ،‬وال يمتطيعو ا؛ وما ذلك إال لكي ينمب الملمول النرص إىل اهلل عز وجع ‪ ،‬وال‬

‫الكععي يف بععدر‪َ { :‬وإِ َّل‬ ‫ينمبوه إىل أنفمهم أبد ًا‪ .‬فبعض الملمني كرهوا هذا اللقععام مععا اجلععي‬

‫ول} [األنفععال‪ ،]5:‬وكععانوا يتوقعععول يف هععذه الوقعععة موًع ًا ققع ًا‬


‫ار ِه َ‬ ‫َف ِريق ًا ِمع ان الاِع ان ِمنِ َ‬
‫ني َل َكع ِ‬
‫ول إِ َىل الاَو ِ‬
‫ت َو ِه ام َين ِظ ِر َ‬
‫ول} [األنفال‪ ،]6:‬لكن سبحال اهلل أًى النصعر‬ ‫للمملمني‪{ :‬ك ََأن َََّم ِي َما ِق َ‬
‫ا‬
‫من حيث ال يتوقا الملمول‪ ،‬ب ومن حيث يكرهول‪ ،‬وإذا أًى النصعر أًععى بطريقععة ال يقععدر‬

‫عليها البرش عموم ًا؛ حتى ال يدعي أحد أنه بفض قوًه وعدده وخطته انترص‪ ،‬كععَم ذكرنععا قبع‬

‫ذلك‪ .‬فلمفة النرص يف اإلسالم ًنكد أل النرص من عند اهلل عز وج ‪ ،‬لكنععه ال ينععزل عيععوا ي ًا‪،‬‬

‫ب ينزل عىل الذين ثبتوا يف أرض القتال‪.‬‬

‫ًعالوا نرى كيف نزل النرص يف يوم بدر؛ الكيفية التي ًم هبا النرص ًععتل يف يف قولععه ًعععاىل يف‬

‫اْل ِكي ِم} [آل عمرال‪ ،]126:‬فهععذا أسععلو‬ ‫ِ ِ ِ‬


‫َّرص إِالَّ م ان عناد اهللَِّ ا ال َع ِز ِيز ا َ‬
‫سورة األنفال‪َ { :‬و َما الن ا ِ‬
‫قرص نفى متام ًا أل يأيت النرص إال من طريق واحد‪ :‬من عند ر العالني سبحانه وًعاىل‪.‬‬

‫‪485‬‬
‫ًعالوا نرى جنود الرمحن يف يوم الفرقال ًعالوا نرى اجلنود التي حقق النرص العظععيم‪ .‬سععنعد‬

‫عرشة من جنود الرمحن سبحانه وًعاىل يف يوم الفرقال‪ ،‬أول جنوده سبحانه الال كة‪.‬‬

‫الال كة‬

‫ال‬ ‫َمن ِمن قععادة األرض يمععتطيا أل حيمععب يف حمععاباًه عععدد الال كععة القععاًلني يف اجلععي‬

‫الملمول وال الكفار يمتطيعول أل حيمبوا هذه اْلمبة‪ ،‬وهذا يشم معرتف به من اجلميا‪ ،‬فهو‬

‫بيد اهلل عز وج وحده‪ ،‬فإل جيوش الال كة قاًل يف بدر‪ ،‬ونزل كذلك يف األحععزا ‪ ،‬واهلل‬

‫سبحانه وًعاىل قال‪َ { :‬ف َأ ار َس النَا َع َل اي ِه ام ِرحي ًا َو ِجنِود ًا ََل ا ً ََر او َها} [األحزا ‪ ،]9:‬ونزل كععذلك يف‬

‫حنني قال‪َ { :‬و َأ َنز َل ِجنِود ًا ََل ا ً ََر او َها} [التوبععة‪ ،]26:‬وال يمععتبعد أل ًنععزل يف معركععة قديمععة أو‬

‫ول اهللََّ َمعا َأ َمع َر ِه ام‬


‫حديثة أو ممتقبلية‪ ،‬فهم جنود من جنود الرمحن سبحانه وًعععاىل‪{ :‬ال َي اع ِصع َ‬

‫َو َي اف َع ِل َ‬
‫ول َما ِي ان َم ِر َ‬
‫ول} [التحريم‪ .]6:‬الال كة خلق عجيب‪ ،‬وقوة خارقة غري مت يلة‪ ،‬فقد رفا‬

‫جربي عليه المالم قرية لوط إىل المَمم عىل طرف جناحه‪ ،‬حتى سما أهع المععَمم أ ععوات‬

‫الناس ونباح الكال ‪ ،‬ثم قلبها‪ ،‬فع { َج َع النَا َعالِ َي َهعا َسعافِ َل َها} [هععود‪ ،]82:‬سععبحال اهللم ملععك‬

‫واحد يرفا قرية كاملة إىل المَمم‪ ،‬وملك يريد أل يطبق عىل األخيبني ‪-‬جبلني حوايل مكة‪.-‬‬

‫هنالم الال كة شاركوا يف غزوة بدر‪ ،‬ليس ملك ًا وال اثنني‪ ،‬ب جييع ًا مععن الال كععة‪ ،‬يقععول اهلل‬

‫ف ِم ان الاَال ِك َِة ِم ار ِدفِ َ‬


‫ني} [األنفععال‪،]9:‬‬ ‫ول ربكِم َفاستَجا َلكِم َأ يِّن ُِمِدُّ كِم بِ َأ ال ٍ‬
‫ا‬ ‫ا‬
‫ِ‬
‫ًعاىل‪{ :‬إِ اذ ً اَمتَغي ِث َ َ َّ ا ا َ َ‬
‫مردفني‪ :‬أي يتبا بعضهم بعض ًا‪ ،‬ومعنى ِردف لكم‪ :‬أي ردم لكم ومعني لكم‪ ،‬فهععذه ألععف مععن‬

‫الال كة يف الرحلة األوىل من مراح القتال‪ ،‬وبعد ذلك ًطور األمر‪ ،‬انظروا إىل قولععه ًعععاىل يف‬

‫ول لِ ال ِمع ان ِمنِ َ‬


‫ني‬ ‫َرصك اِم اهللَِّ بِ َبدا ٍر َو َأ انت اِم َأ ِذ َّل ٌة َفا ًَّ ِقوا اهللََّ َل َع َّلك اِم ً اَيك ِِر َ‬
‫ول * إِ اذ ًَ ِق ِ‬ ‫موقعة بدر‪َ { :‬و َل َقدا ن َ َ‬
‫ني * َب َىل إِ ال ً اَص ِ ِ‬
‫ربوا َو ًَ َّت ِقوا َو َي اأًِوك اِم‬ ‫آالف ِم ان الاَال ِك َِة ِمن َازلِ َ‬
‫َأ َلن يك ِافيكِم َأ ال ي ِمدَّ كِم ربكِم بِ َثال َث ِة ٍ‬
‫ا َ ُّ ا‬ ‫ا َ َ ا ِ‬
‫ني} [آل عمععرال‪- 123:‬‬ ‫آالف ِمع ان الاَال ِ َكع ِة ِم َمع يو ِم َ‬‫ِمن َفو ِر ِهم َه َذا يمع ِددكِم رب ِكعم بِ َ ممع ِة ٍ‬
‫ِ ا ا ا َ ُّ ا ا َ‬ ‫ا ا ا‬
‫‪486‬‬
‫‪ ،]125‬ممومني‪ :‬أي معلمني بعالمات‪ .‬قال الربيا بن أنس رمحه اهلل ‪-‬من التععابعني‪ -‬مفمععر ًا‬

‫هذه اآليات‪) :‬أمد اهلل عز وج الملمني بألف‪ ،‬ثم اروا ثالثة آالف‪ ،‬ثم اروا مخمة آالف‪.‬‬

‫وقد يقول قا ‪ :‬كال يكفي ملك واحد‪ ،‬فلَمذا هذه األعداد التزايدة (‬

‫اجلوا‬

‫ِ‬
‫اهلل سبحانه وًعاىل عرفنا اْلكمة من ورام هذه األعداد‪ ،‬قال ًعاىل‪َ { :‬و َمعا َج َع َلع ِه اهللَِّ إالَّ ِب ا َ‬
‫رشعى‬

‫َولِ َت اط َم ِئ َّن بِ ِه ِق ِلو ِبك اِم} [األنفال‪ ،]10:‬ختي أل الرسول ﷺ يبرش الملمني بأعداد من الال كععة‪،‬‬

‫ب ختي الملمني عند سَمعهم هلذه اآليات‪ ،‬فكلمة واحد غري كلمة عرشة‪ ،‬وغري كلمععة ألععف‪،‬‬

‫وغري كلمة مخمة آالف‪ ،‬واجلميا يعرفععول أل ملكع ًا واحععد ًا يكفععي‪ ،‬فنععزول مخمععة آالف مععن‬

‫الال كة برشى كبرية للمنمنني‪ ،‬أضف إىل ذلك أل هذا العدد الكبري من الال كة الععذي اشععرت‬

‫يف بدر هم جمموعة منتقاة من أفض الال كة‪ ،‬فالال كة هم درجات‪.‬‬

‫روى الب اري عن رفاعة بن رافا ريض اهلل عنه ‪-‬من أه بععدر‪ -‬قععال‪ :‬اجععام جربيع ﷺ إىل‬

‫النبي ﷺ فقال‪ :‬ما ًعدول أه بدر فيكم قال‪ :‬من أفض المععلمني ‪-‬أو قععال كلمععة نحوهععا‪،‬‬

‫أي‪ :‬من أحمن الملمني‪ ،‬أو من أعظم الملمني‪ -‬قال جربي ‪ :‬وكععذلك مععن شععهد بععدر ًا مععن‬

‫الال كة)‪ .‬أضف إىل ذلك أل جربي وهو أفض الال كة عىل اإلطالق شععار يف بععدر بنفمععه‪،‬‬

‫فعن عبد اهلل بن عباس ريض اهلل عنهَم‪ :‬أل رسول اهلل ﷺ قععال يععوم بععدر‪ :‬اهععذا جربيع آخععذ‬

‫برأس فرسه عليه أداة اْلر ) ويف رواية ابن إسحاق‪ :‬اأبرش أبا بكر أًا نرص اهلل‪ ،‬هذا جربي‬

‫معععي يف أرض‬ ‫آخذ بعنال فرسه يقوده‪ ،‬عىل ثناياه النقا)‪ ،‬والنقا الرتا ‪ .‬أريد منك أل ًعععي‬

‫بدر‪ ،‬ختي أل جربي جام من بعيد راكب ًا عىل فرس جيري‪ ،‬وهو ُممك بلجام الفرس‪ ،‬والععرتا‬

‫يتصاعد من حول الفرس‪ ،‬وخلفه ألف من الال كععة الفرسععال ًرفععا سععيوفها وعليهععا أدوات‬

‫اْلر ‪ ،‬كتيبة مال كية حقيقية‪ ،‬وبعدها كتيبة والثانية والثالثة والرابعة واخلاممة‪.‬‬
‫‪487‬‬
‫يا ًرى كيف كال شعور الملمني والرسول ﷺ يرشح هلععم أل الال كععة دخلع أرض الوقعععة‬

‫لتقاً معهم يا ًرى ه سي اف الملمول يف موقف كهععذا هع مععن المكععن أل تععزوا أو‬

‫جيبنوا وهم يعرفول أل هنا جيي ًا مال كي ًا كام ً‬


‫ال حيار معهم م هععذا هععو قععول اهلل سععبحانه‪:‬‬

‫رشى َولِ َت اط َم ِئ َّن بِ ِه ِق ِلو ِبك اِم} [األنفال‪.]10:‬‬ ‫ِ‬


‫{ َو َما َج َع َل ِه اهللَِّ إالَّ ِب ا َ‬

‫وَل يعرف النمنول يف بدر عن أمر الال كة عن طريق الرسول عليه الصالة والمععالم‪ ،‬بع هععم‬

‫رأوا بأنفمهم آثار الال كة يف أرض بدر‪ ،‬ب إل منهم من رأى الصورة التي متث هبا الال كععة يف‬

‫أرض بدر‪ ،‬ب إل من الرشكني من رأى الال كة يف الصورة التي متثلوا هبا‪ ،‬فقد متثلوا يف ععورة‬

‫برش‪ .‬روى مملم عن عبد اهلل بن عباس ريض اهلل عنهَم قال‪ :‬ابينَم رج من الملمني يومئععذ ‪-‬‬

‫أي‪ :‬يوم بدر‪ -‬ييتد يف أثر رج من الرشكني أمامه‪ ،‬إذ سما رضبة بالموط فوقه‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬

‫أقدم حيزوم) وحيزوم‪ :‬اسم فرس اللك‪ ،‬افنظر إىل الرش أمامه ف ر ممتلقي ًا فنظر إليععه فععإذا‬

‫هو قد ِخطم أنفه ِ‬


‫وشق وجهه كرضبة الموط‪ ،‬فاخرض ذلك أمجا) ار مكععال الضععربة لونععه‬

‫أخرض‪ ،‬فكانوا يعلمول بأل رضبات الال كة يف يوم بدر ًبقي أثر ًا أخرض عىل أجماد الرشكني‪،‬‬

‫فجام األنصاري‪ ،‬وحدث بذلك رسول اهلل ىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال له‪ :‬ا دق ‪ ،‬ذلك مدد‬

‫من المَمم الثالثة)‪ ،‬يا اهللممم مال كة من المَمم الثالثة‪ ،‬ومال كة من سَمم أخرى وأخععرى‪ ،‬فهععم‬

‫فع ً‬
‫ال جمموعة منتقاة من الال كة من خمتلف المَموات‪.‬‬

‫وروى اإلمام أمحد عن أيب داود الازِّن ريض اهلل عنه ‪-‬وهو أيض ًا ُمععن شععهد بععدر ًا‪ -‬قععال‪ :‬اإِّن‬

‫ألًبا رج ً‬
‫ال من الرشكني ألرضبه إذ وقا رأسه قب أل يص إليه سيفي؛ فعرفع أنععه قععد قتلععه‬

‫غريي)‪ .‬ويروي اإلمام أمحد أيض ًا عن عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه قععال‪ :‬اجععام رجع مععن‬

‫األنصار قصري بعالعباس بن عبد الطلب أسري ًا )كال العباس يف ذلك الوق ميععرك ًا‪ ،‬وخععرج‬

‫ممتكره ًا للقتال ما أه مكة‪َ ،‬ل يكن يريععد القتععال‪ ،‬لكنععه ال يععزال عععىل ديععن الكفععار‪ ،‬وكععال‬

‫‪488‬‬
‫العباس ريض اهلل عنه وأرضاه فارس ًا شديد ًا‪ ،‬أرسه أنصاري قصري كَم يقول سيدنا عععيل بععن أيب‬

‫طالب ‪ ،‬و ف األنصاري بالقرص ًعبري ًا عن استغرابه من أرس هذا القصري للعبععاس بععن عبععد‬

‫الطلب الفارس العظيم‪ ،‬فلَم جام العباس ما األنصاري قال العباس لرسول اهلل ىل اهلل عليه‬

‫وسلم‪ :‬اإل هذا واهلل مععا أرسِّن‪ ،‬لقععد أرسِّن رجع أجلع ‪-‬شعععره منحمع مععن عععىل جععانبي‬

‫الرأس‪ -‬من أحمن الناس وجه ًا عىل فرس أبلق ‪-‬األبلق‪ :‬الذي بني المواد والبياض‪ -‬مععا أراه‬

‫يف القوم)‪ ،‬فقال األنصاري‪ :‬اأنا أرسًه يا رسول اهلل) فقال رسععول اهلل ععىل اهلل عليععه وسععلم‪:‬‬

‫ااسك ؛ فقد أيد اهلل ًعاىل بملك كريم)‪.‬‬

‫النمنول والرشكول عرفوا أل الال كة ًقاً يف بدر‪ ،‬والال كة جنود من جنود الرمحن سععبحانه‬

‫وًعاىل‪.‬‬

‫قذف الرعب يف قلو األعدام‬

‫اجلندي الثاِّن من جنود الرمحن يف بدر هو جندي عجيب يقال له‪ :‬الرعب‪ ،‬يلقيه اهلل عععز وجع‬

‫يف قلو الكافرين‪ ،‬روى الب اري ومملم ‪-‬رمحهَم اهلل‪ -‬عن جابر بن عبد اهلل ريض اهلل عنهَم‪:‬‬

‫أل النبي ﷺ قال‪ :‬انرصت بالرعب ممرية شهر)‪ ،‬ويف رواية أمحد يقول‪ :‬اولو كال بيني وبينهم‬

‫ممرية شهر)‪ ،‬قب أل يص الرسععول ﷺ إىل العععدو بممععرية شععهر يكععول العععدو قععد أ ععيب‬

‫بالرعب‪ ،‬ومعلوم أل الرعب يدخ يف قلو ك الناس‪ ،‬هذا يشم معروف‪ ،‬لكن العجيععب أل‬

‫يدخ الرعب يف قلو القوي من الضعيف‪ ،‬وأل يدخ الرعب يف قلب الكثععري مععن القليع ‪،‬‬

‫وأل يدخ الرعب يف قلب من هو مدجج بالمالح من األعزل الذي ال يملععك سععالح ًا‪ .‬هععذا‬

‫هو العجيب‪ ،‬وهذا الذي نراه دا ًَم ما جيوش النمنني‪ ،‬يقول سععبحانه وًعععاىل يف غععزوة بععدر‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب} [األنفال‪ ،]12:‬ختيع م سععيلقي اهلل عععز وجع بنفمععه‬ ‫{ َس ِأ القي ِيف ِق ِلو ِ ا َّلذي َن َك َف ِروا ُّ‬
‫الر اع َ‬
‫مكة كيف كال مرعوب ًا من أوله إىل آخععره‪ ،‬مععا‬ ‫الرعب يف قلو الذين كفروا‪ ،‬وقد رأينا جي‬
‫‪489‬‬
‫أنه ألف بعدة الحار ‪ ،‬والملمني ثالثَم ة بعدة المافر‪ ،‬لكن ماذا ًفع لن ألقى اهلل عز وجع‬

‫ال غري ًا يممك بحجر ويقف أمام دبابة‬


‫الرعب يف قلبه وهذا واقا نراه إىل اآلل‪ ،‬كم رأينا طف ً‬

‫غري خا ف‪ ،‬واجلندي داخ الدبابة ال يمععتطيا اخلععروج‪ .‬كععم رأينععا مععن طععا رات و ععواري‬

‫ًقصف كي ًقت رج ً‬
‫ال أعزل ولعله قعيد عععىل كععر م‪ .‬كععم رأينععا مععن فععرق ممععلحة بععأقوى‬

‫األسلحة واألقنعة واألعداد والميارات ًذهب لتقبض عىل واحد ال يملك ممدس ًا أو خنجععر ًا‬

‫أو أي سالحم وكثري ًا ما نمتغر لاذا حيص هذا لكن ال نمتغر ونذكر أل الرعب جنععدي‬

‫من جنود الرمحن سبحانه وًعاىل‪.‬‬

‫إنزال الطمأنينة والمكينة وًغيية النمنني بالنعاس يوم بدر‬

‫اجلندي الثالث‪ :‬عكس الرعب‪ ،‬وهو الطمأنينة والمكينة واألمال الذي يص إىل حد النعاس‪،‬‬

‫يلقيه اهلل عز وج يف قلو الذين آمنوا‪ ،‬والقلو بني أ ابا الرمحن‪ ،‬فكَم ألقى اهلل عز وجع‬

‫الرعب يف قلو الكافرين‪ ،‬ألقى المكينة يف قلو الععنمنني حتععى اطمععأنوا وثبتععوا‪ ،‬وسععتجد‬

‫حديث ًا عن المكينة يف ك الواقا التي حص فيها النرص‪ ،‬يف بدر واألحععزا و ععل اْلديبيععة‬

‫اس َأ َمنَ ًة ِمنا ِه} [األنفال‪.]11:‬‬


‫وحنني وهكذا‪ .‬يقول اهلل ًعاىل عن غزوة بدر‪{ :‬إِ اذ ِي َغ يييك اِم النُّ َع َ‬

‫نزول الطر إلعاقة الكافرين وًطهري النمنني‬

‫اجلندي الرابا من جنود الرمحن‪ :‬الطر‪ ،‬فاهلل القادر أل ينزل الطععر هنععا أو هنععا ‪َ { ،‬و ِهع َو َّالع ِذي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مح َت ِه} [اليورى‪ ،]28:‬واهلل هو الذي يقدر أل ينزل الطر‬ ‫ِين يَز ِل ا ال َغ اي َث م ان َب اعد َما َقنَ ِطوا َو َي ِ ِ‬
‫نرش َر ا َ‬

‫ال شديد ًا عىل منطقة جماورة متام ًا‪ ،‬ويكفينا أل نتععذكر قععول اهلل‬
‫هين ًا لطيف ًا عىل منطقة‪ ،‬وينزله واب ً‬

‫ال َولِ َ اريبِ َط َع َىل‬


‫اليي َط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َعنك اِم ِر اج َز َّ ا‬
‫الم ََمم َما ًم ل ِي َط يه َرك اِم بِه َو ِي اذه َ‬
‫عز وج ‪َ { :‬و ِين يَز ِل َع َل ايك اِم م ان َّ‬
‫ِق ِلوبِك اِم َو ِي َث يب َ بِ ِه األَ اقدَ ا َم} [األنفال‪.]11:‬‬

‫‪490‬‬
‫ًقلي عدد ك فريق من اجلييني يف عني اآلخر‬

‫اجلندي اخلامس من جنود الرمحن‪ :‬التقلي والتكثععري يف األعععداد‪ ،‬معنععى هععذا‪ :‬أل اهلل سععبحانه‬

‫وًعاىل قادر عىل أل جيع الي يف يرى األعداد التي أمامه خمتلفة عن الواقععا‪ ،‬يراهععا أكثععر أو‬

‫يراها أق بحمب ما يريد هو سبحانه وًعاىل‪ ،‬وهذا الكالم له أثر عجيب يف القتال‪.‬‬

‫الملمني يف هذه الوقعة ثالثَم ة وأربعععة عيععر ًقريبع ًا‪،‬‬ ‫ًعالوا نرى قصة األرقام يف بدر‪ :‬جي‬

‫الكفار ألف‪ ،‬واهلل سبحانه وًعاىل يريد للموقعة أل ًتم‪ ،‬وال يريععد ألي فريععق أل يقععرر‬ ‫وجي‬

‫اهلععرو ‪ ،‬أو عععدم الععدخول يف ععدام؛ ألل اهلل سععبحانه وًعععاىل يععدبر الكيععدة للكععافرين‪:‬‬
‫ول ويمكِر اهللَِّ واهللَِّ َخري الاَ ِ‬
‫اك ِري َن} [األنفال‪]30:‬؛ ولكي يصمم ك فريق عععىل القتععال‬ ‫اِ‬ ‫َ‬ ‫{ َو َي امك ِِر َ َ َ ا ِ‬
‫البد أل ييعر أل الفريق الثاِّن ضعيف وقلي ‪ ،‬ومن ثم يتجرأ عليهم ويقرر القتععال‪ ،‬هععذا كععال‬

‫الملم‪ ،‬وعرف أل العععدد الععواقعي هععو‬ ‫قب القتال‪ .‬وما أل ال ابرات الكية حرصت اجلي‬

‫ثالثَم ة ًقريب ًا‪ ،‬كَم قال ِعمري بن وهب‪ ،‬إال أل اهلل عز وج قل أعداد الملمني جد ًا يف نظر أيب‬

‫جه ؛ حتى دفعه دفع ًا للقتال‪ ،‬فقال أبو جه ‪ :‬إنَم هم أكلة جزور‪ ،‬يعني‪ :‬ما ة فقط أو أق ؛ ُمععا‬

‫جعله يتحمس جد ًا لقتال الملمني‪ ،‬ودفعه دفع ًا للحر ‪ .‬الكفار رأوا الملمني قليلني‪.‬‬

‫الكععافر‪،‬‬ ‫والملمول أيض ًا رأوا الكفععار قلععة‪ ،‬مععا أل ال ععابرات اإلسععالمية حرصععت اجلععي‬

‫وعرف أل عدده ما بني التمعَم ة واأللف كَم قال ﷺ‪ ،‬وذلععك يف أول القتععال‪ ،‬ولكععي ييععجا‬

‫ر العالني سبحانه وًعاىل الملمني عىل القتال دول ًردد؛ أراهم أل اليعركني قلععة‪ ،‬وهععم يف‬

‫ألف‪ ،‬يقول عبد اهلل بن ممعود ريض اهلل عنه‪ :‬القد قللوا يف أعيننا يوم بدر‪ ،‬حتى قلع‬ ‫األ‬

‫لرج إىل جنبي‪ :‬أًراهم سبعني ) ألف واحد نزلوا يف التقدير إىل سبعنيمم ختي م عنععدما يععرى‬

‫الملم الكفار سبعني بدالً من ألف‪ ،‬سبعني‪ ،‬يقول عبد اهلل بن ممعود ريض اهلل عنه‪ :‬افقععال يل‬

‫‪491‬‬
‫‪-‬أي‪ :‬احبه‪ -‬ال‪ ،‬ب ما ة) فمععبحال اهللم فالمععلمول ييععاهدول الكفععار ما ععة‪ ،‬والمععلمول‬

‫يعرفول أنفمهم أ م ثالثَم ة‪ ،‬وهذا شجعهم جد ًا عىل القتال‪.‬‬

‫ك فريق يرى الفريق اآلخر قليالً‪ ،‬وهذا ما قاله اهلل سععبحانه وًعععاىل يف سععورة األنفععال‪ ،‬قععال‪:‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وه ام إِ اذ ا ال َت َق ايت اِم ِيف َأ اع ِينِك اِم َق ِلي ً‬
‫{ َوإِ اذ ِي ِريك ِِم ِ‬
‫ال َو ِي َق يل ِلك اِم يف َأ اع ِين ِه ام ل َي اق َ‬
‫ِض اهللَِّ َأ امعر ًا َكع َ‬
‫ال َم اف ِععوالً}‬

‫[األنفال‪ ،]44:‬حتى يتم القتال‪َ { ،‬وإِ َىل اهللَِّ ً اِر َج ِا األِ ِم ِ‬


‫ور} [األنفال‪ ]44:‬هذا كال قب القتال‪.‬‬

‫ثم بدأت العركة‪ ،‬وًم ما يريده سبحانه وًعاىل من حدوث القتال‪ ،‬فحص ًغيري آخععر مهععم يف‬

‫عملية اإلحصام والعدد‪ .‬أما المععلمول فععَم زالععوا يععرول الكععافرين قلععة‪ ،‬وبالتععايل فالمععلمول‬

‫متحممول متام ًا للقتال؛ أل م يرول أ م أكثر من الكفار بثالثععة أضعععاف‪ ،‬وأمععا الكفععار فقععد‬

‫حدث هلم ًغري عجيب بعد بدم القتال‪ ،‬فقد دخ يف روعهم أل الملمني ضعف الرشععكني أي‬

‫ألفني‪ ،‬ودخ يف قلوهبم الرعب من الملمني‪ ،‬وبالتايل ا زموا نفمي ًا ثم واقعي ًا‪ ،‬وهذا اْلععديث‬

‫ال َل ِكع ام َآيع ٌة ِيف‬


‫جتده يف القرآل يف سورة اآل عمرال) ًعليق ًا عىل غزوة بدر‪ ،‬قال ًعععاىل‪َ { :‬قعدا َكع َ‬
‫َني ا ال َت َقتَا فِ َئ ٌة ًِ َقاًِ ِ ِيف َسبِي ِ اهللَِّ َو ِأ اخ َرى كَافِ َر ٌة َي َر او َ ام ِم اث َل اي ِه ام َر اأ َي ا ال َع ا ِ‬
‫ني} [آل عمععرال‪،]13:‬‬ ‫فِ َئت ا ِ‬
‫ِ‬
‫يرو م مثليهم‪ :‬ضعف عدد الرشكني‪ ،‬ارأي العني)‪ :‬يرول هععذا األمععر بععأعينهم لععيس وًع ًا‪،‬‬
‫ِ ِ‬ ‫{واهللَِّ ي َنيدِ بِن ِ ِ‬
‫ار} [آل عمععرال‪ ،]13:‬ذكععر اهلل هععذه‬ ‫َرصه َم ان َي َيا ِم إِ َّل ِيف َذل َك َلع ا َ‬
‫رب ًة ألِ او ِيل األَ اب َص ِ‬ ‫َ ِ ي ا‬
‫اآليات يف كتابه ليس لجرد التاري لغزوة بدر‪ ،‬ب ذكر ذلك عربة ألويل األبصار‪.‬‬

‫هذه اآليات ًفهمنا أشيام كثرية‪ ،‬منها كيف أل أعدام األمة مرعوبول من المععلمني التممععكني‬

‫برشع اهلل عز وج ؛ أل م يف الغالب يرو م أكثر مععن عععددهم اْلقيقععي بكثععري‪ ،‬وهععذا الععذي‬

‫جيعلهم يت ذول قرارات نحن نرى أنه مبالغ فيها‪ ،‬لكنهم معذورول فيها؛ أل م يععرول المععلم‬

‫اثنني‪ ،‬ويرونه ثالثة‪ ،‬ويرونه عرشة وقد يرونه أكثر‪ .‬فهذا جنععدي حقيقععي مععن جنععود الععرمحن‪،‬‬

‫التقلي والتكثري من األعداد‪.‬‬


‫‪492‬‬
‫الفرقة بني الكافرين‬

‫اجلندي المادس من جنود الرمحن يف بععدر‪ :‬هععو الفرقععة بععني الكععافرين بععدول أي ًععدخ مععن‬

‫الملمني‪ .‬أل فرقة الكافرين ًضعف فهم‪ ،‬وأحيان ًا يمعى الملمول إىل إحداث هععذه الفرقععة‬

‫بني الكافرين؛ ألج ًوهني قوهتم‪ ،‬مثلَم فع الرسول ﷺ يف غزوة األحزا لا قال لع ِن َعيم بن‬
‫ممعود ريض اهلل عنه‪ :‬ي‬
‫اخذل عنا)‪ ،‬لكن هنا أوقات حتص فيها الفرقة بني الكافرين من غععري‬

‫أل يفع الملمول شيئ ًا‪ ،‬هذه الفرقة جندي من جنععود الععرمحن‪ ،‬يرسععله ر العععالني سععبحانه‬

‫وًعاىل إلضعاف الصف الكافر‪ ،‬فقد رأينا انمالخ األخنس بن رشيق بثالثَم ة من الكفار قبع‬

‫موقعة بدر‪ ،‬أي‪ :‬قب أل يرى الملمني أ الً‪ ،‬ورأينععا الصععراع بععني قععادة اليععركني وانقمععام‬

‫الصف‪ ،‬والرتاشق باأللفاظ واالهتامات‪ ،‬ورأينا ك واحد يبحث عن مصععلحة خا ععة‪ ،‬وكع‬

‫هذا يف أرض القتال‪ ،‬يف مكال البد أل يكول فيه وحدة‪ ،‬وهذا اليععيم حيصع دا ع ًَم يف ععف‬

‫الكافرين إل وجد الملمول الذين يمععتحقول النرصعع‪ ،‬لكععن إل َل يكععن المععلمول عععىل هععذه‬

‫الصورة فإننا نجد أل الكفار يتوحدول‪ ،‬وًتفق آراؤهم‪ ،‬وًزداد قوهتم‪ ،‬واألمر يف النهاية يعععود‬

‫إلينا نحن‪ ،‬فإل كنا عىل خري فرق اهلل عز وج بني عدونا‪ ،‬وإل كنا غري ذلك مجا اهلل عععز وجع‬

‫عدونا‪ ،‬فتكول هلم الغلبة علينا؛ حتى نعود إىل ديننا وإىل ربنا سبحانه وًعاىل‪.‬‬

‫هذا هو اجلندي المادس من جنود الرمحن سبحانه وًعاىل‪ :‬الفرقة بني الكافرين‪.‬‬

‫جندي الربكة‬

‫اجلندي المابا من جنود الرمحن سبحانه وًعاىل‪ :‬جندي غريععب جععد ًا‪ ،‬اسععمه جنععدي الربكععة‪،‬‬

‫إىل نتيجة كبرية‪ ،‬فععإذا بععاهلل‬ ‫وهو ًض يم النتيجة للفع البميط؛ ًعم شيئ ًا ال يندي يف األ‬

‫عز وج يبار يف هذا العم ويض م أثره؛ حتى ًصب النتيجة ها لة‪.‬‬

‫‪493‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬أخذ الرسول ﷺ يف يوم بدر حفنة من حصععبام مععن الععرتا ‪ ،‬فاسععتقب هبععا قرييع ًا‬

‫ورماها يف وجوههم وقال‪ :‬اشاه الوجوه)‪ ،‬فععَم مععن أحععد مععن الرشععكني إال أ ععا عينععه‬

‫ومن ريه وفمه من ًلك القبضة‪ ،‬واْلديث يف حي مملم‪ ،‬ويف ذلععك أنععزل اهلل عععز وجع ‪:‬‬

‫{ َو َما َر َم اي َ إِ اذ َر َم اي َ َو َل ِك َّن اهللََّ َر َمى} [األنفال‪ ،]17:‬نعم‪ .‬الرسععول ﷺ رمععى‪} :‬إِ اذ َر َم ايع َ {‪،‬‬

‫ولكن لو رمى بالرتا وجوههم ألف مرة فلن يصيب عيول الكافرين مجيع ًا إال إذا أراد اهلل عز‬

‫وج للرتا أل يصيبهم‪ ،‬وفع الرمععي هععذا ال يععندي يف العتععاد إىل النتيجععة الضع مة التععي‬

‫حدث ؛ لذلك ينفي ربنا سبحانه وًعاىل الرمي عععن رسععول اهلل ﷺ‪ ،‬مععا أنععه هععو الععذي أخععذ‬

‫الرتا ورماه‪ ،‬لكن الذي أخذه إىل مرماه اْلقيقي هو اهلل عز وج ‪.‬‬

‫أيض ًا يف قصة قت أيب جه فرعول هذه األمة وقا د الرشكني‪ ،‬وهععو واحععد مععن أبععرز فرسععال‬

‫الرشكني‪ ،‬وأكثر الرشكني جرأة عىل الملمني وأمنعهم‪ ،‬كال اط ًا بفرقة عمكرية قوية ْلَميته‪،‬‬

‫وما ذلك قت بطريقة عجيبة‪ ،‬فلو قتله فارس رتف مععن فرسععال المععلمني‪ ،‬مثع الععزبري بععن‬

‫العوام‪ ،‬أو عيل بن أيب طالب‪ ،‬أو طلحة بن عبيد اهلل لكال هذا أمر ًا مفهوم ًا عندنا‪ ،‬لكن قتله ًععم‬

‫بطريقة عظيمة‪ ،‬وليس هلا إال ًفمري واحد‪ :‬هو جندي الربكة‪ ،‬وذلك أل اهلل عز وجع بععار يف‬

‫فع ضعيف؛ ليحقق نتيجة ها لة قوية أال حتدث هذه النتيجة‪ً ،‬عالوا نمما القصة التي حيكيها‬

‫عبد الرمحن بن عوف ريض اهلل عنه وأرضاه يف قت أيب جه ‪ ،‬والقصة يف الب اري‪.‬‬

‫يقول‪) :‬إِّن لفي الصف يوم بدر‪ ،‬إذ التف فإذا عن يميني وعن يماري فتيال حديثا المن عععن‬

‫يمينه وشَمله طفالل(‪ :‬معاذ بن عمرو بن اجلموح وعمره ثالث عرشة سنة‪ ،‬ومعوذ بععن عفععرام‬

‫عمره أربا عرشة سنة‪ ،‬يقول عبد الرمحن بن عوف‪) :‬فكأِّن َل آمن بمكا َم‪ ،‬إذ قععال يل أحععدًا‬
‫رس ًا من احبه‪ :‬أي عم؛ أرِّن أبا جه فقل ‪ :‬يا ابن أخي؛ فَم ًصععنا بععه قععال‪ِ :‬‬
‫أخعربت أنععه‬

‫يمب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬والذي نفيس بيدهم لئن رأيته ال يفارق سوادي سواده ‪-‬لععن يفععارق ععيل‬

‫‪494‬‬
‫له‪ -‬حتى يموت األعج منا)‪ .‬يا اهللم هذا الكالم خيرج من طف عمره ثالث عرشع سععنة أو‬

‫الكافر‪ ،‬ب يريد قت زعععيم اجلععي‬ ‫أربا عرشة سنة‪ ،‬وال يريد قت أي واحد حصني يف اجلي‬

‫الكافر الحمي بكتيبة عمكرية‪ ،‬فهذا الكالم عجيب وغري منطقي‪ ،‬حتى قال عبععد الععرمحن بععن‬

‫عوف‪ :‬افتعجب لذلك)‪ ،‬ثم قال‪ :‬اوغمزِّن اآلخر فقال يل مث هذا‪ ،‬فلم أنيب أل نظرت إىل‬

‫أيب جه جيول يف الناس‪ ،‬فقل ‪ :‬أال ًريال هذا احبكَم الذي ًمأالل عنه)‪.‬‬

‫ًعالوا نرت عبد الرمحن بن عوف ونمما من الطف معاذ بن عمرو بن اجلمععوح ريض اهلل عنععه‬

‫وعن أبيه وهو حيكي هذا الوقف‪ .‬الوقف يف رواية ابن إسحاق ويف رواية ابن سعد يف الطبقات‬

‫ْل َرجة ‪-‬أي الغابة كثيفة األشععجار‪ -‬وهععم يقولععول‪:‬‬


‫يقول‪ :‬اسمع القوم وأبو جه يف مث ا َ‬
‫الكي‪ ،‬يقول معاذ‪ :‬افلَم سمعته جعلته‬ ‫أبو اْلكم ال خيليف إليه)؛ أل ا أهم ش صية يف اجلي‬

‫من شأِّن فصم نحوه‪ ،‬فلَم أمكنني محل عليه فرضبته رضبععة أطمع قدمععه بنصععف سععاقه‪،‬‬

‫فواهلل ما شبهتها حني طاح إال بالنواة ًطري من حت مرض ة النواة حني يرض هبا)‪.‬‬

‫اهلل أكربم رضبة من سيف معاذ أطارت ساق أيب جه م ليس من الطبيعي أبد ًا أل معاذ ًا يفكر يف‬

‫قت أيب جه ‪ ،‬وليس من الطبيعي أل معاذ ًا يقدر عىل الو ول إىل أيب جه وهععو داخع كتيبععة‬

‫عمكرية قوية حتميه‪ ،‬وليس من الطبيعي أل أبا جه ال يمتطيا أل يرد رضبة معاذ‪ ،‬وليس مععن‬

‫الطبيعي أل رضبة معاذ ًطري ساق أيب جه هكذا بلحمها وعظمها‪ ،‬ب من الصعب بععرت سععاق‬

‫برضبة واحدة‪ ،‬هذا حيتاج إىل فارس رتف متمكن مفتول العضالت‪ .‬عب جد ًا أل نفهم أل‬

‫هذا األمر يأيت من طف عمره ثالث عرشة أو أربا عرش سنة‪ ،‬لكععن هععذا حصع ولععيس هععذا‬

‫فقط‪ ،‬ب بعد أل رض معاذ بن عمرو بن اجلموح ريض اهلل عنه وعن أبيه أبا جه ‪ ،‬جام معوذ‬

‫بن عفرام الطف الثاِّن الذي كال ينافمه عىل قتع أيب جهع ورض أبععا جهع رضبععة أثبتتععه‪.‬‬

‫انتهى‪ ،‬وَل يبق فيه إال رمق بميط جد ًا من اْلياة‪ ،‬ثم جام عبد اهلل بن ممعود واحتز رأسه‪ ،‬لكن‬

‫‪495‬‬
‫الذي قتله معاذ بن عمرو بععن اجلمععوح ومعععوذ بععن عفععرام ‪،‬‬ ‫من هو الذي قت فع ً‬
‫ال أبا جه‬

‫وأرسع االثنال إىل الرسول عليه الصالة والمالم وقاال له‪ :‬اأنا قتلته‪ ،‬أنا قتلته)‪ ،‬فقال ععىل اهلل‬

‫عليه وسلم‪ :‬اأرياِّن سيفيكَمم فنظر إىل الميفني فوجد الدمام عىل كال الميفني؛ فقععال ععىل اهلل‬

‫عليه وسلم‪ :‬كالكَم قتله)‪ .‬الياهد يف هععذا‪ :‬أل اهلل سععبحانه وًعععاىل قععادر عععىل أل يمكععن ألي‬

‫فارس من الفرسال الكبار أل يقت أبا جه ويكول األمر طبيعي ًا‪ ،‬لكنه يريد أل يرينا جندي ًا مععن‬

‫غري ًكول له نتععا ج‬ ‫غري وجيعله كبري ًا‪ ،‬وهذه هي الربكة اإلهلية‪ ،‬فع‬ ‫جنوده‪ ،‬يبار يف فع‬

‫كبرية جد ًا‪.‬‬

‫هذا ليس جمرد ًوفيق فقط‪ ،‬ب هو أعىل من التوفيق؛ ألل التوفيق يشم ُمكن حيصع يف العتععاد‪،‬‬

‫واهلل سبحانه يمكن أل يوفق البعض وال يوفق اآلخرين‪ ،‬لكن هنععا نعتكلم يف موضععوع الربكععة‬

‫اإلهلية‪ ،‬أل هذا اليشم يف العتاد ال يمكن أل حيص ‪ ،‬لكن اهلل سبحانه وًعاىل بقدرًه يكتععب لععه‬

‫اْلدوث‪.‬‬

‫الذي مح الميف ورض هو معاذ ‪ ،‬لكععن الععذي سععبب هلععذا المععيف أل يقععوم هبععذه الهمععة‬

‫المتحيلة هو ر العالني سبحانه وًعاىل‪ ،‬وال يكععول ذلععك إال لععن اسععتوىف الصععفات العرشع‬

‫النصور‪ .‬هذا هو اجلندي المابا‪.‬‬ ‫للجي‬

‫الرؤى واألحالم‬

‫اجلندي الثامن‪ :‬وهو الععرؤى واألحععالم‪ ،‬يراهععا أهع اْلععق فتبرشععهم‪ ،‬ويراهععا أهع الباطع‬

‫فتحبطهم وًفيلهم‪ ،‬وهذا الكالم ليس دج ً‬


‫ال وال شعوذة‪ ،‬بع لععه شععواهد كثععرية يف التععاري ‪،‬‬

‫سوام يف المرية أو يف الفتوح اإلسالمية أو يف ك العار التي مرت بأمتنا‪.‬‬

‫‪496‬‬
‫ًعالوا بنا نتكلم يف غزوة بدر يف البداية عن رؤيا لبعض الكافرين‪ ،‬والرؤيا قد ًصععيب اإلنمععال‬

‫بالكآبة واْلزل واإلحماس بالفي ‪ ،‬وًوقا اهلزيمة يف نفمه‪ ،‬فيكول هلا رد فع سيئ جد ًا عىل‬

‫الصل بن الطلب من عا لة الرسول ﷺ‪ ،‬لكععن كععال مرشععك ًا‪،‬‬


‫نفمية الحار ‪ .‬هذا ِج َهيم بن َ‬
‫رأى أل رج ً‬
‫ال أقب عىل فرس حتى وقف ومعه بعري له‪ ،‬ثم قال‪ :‬اقت عتبة بن ربيعة وشيبة بععن‬

‫ربيعة وأبو اْلكم بن هيام وأمية بن خلف‪ ،‬وفالل وفالل وفالل‪ ،‬فعد رجاالً ُمن قت يوم بدر‬

‫من أرشاف قري )‪ ،‬وانترشت الرؤيا يف مكة‪ ،‬وكال ذلك قب اخلروج إىل بدر‪ ،‬ولععا سععما أبععو‬

‫جه هذه الرؤيا جن جنونه‪ ،‬وقال‪ :‬اهذا أيض ًا نبي من بنععي عبععد الطلععب‪ ،‬سععيعلم غععد ًا مععن‬

‫القتول إل نحن التقينا)‪.‬لكن ال شك أل هذه الرؤيا كال هلا أثععر سععيئ عععىل الرشععكني‪ ،‬وإال لععا‬

‫انترش خربها هبذه الصورة حتى يص إىل أيب جه ‪.‬‬

‫الرؤيا الثانية كان من عاًكة بن عبد الطلب عمععة الرسععول ﷺ‪ ،‬وكانع مرشععكة يف ذلععك‬
‫الوق ‪ِ ،‬‬
‫واختلف بعد ذلك يف إسالمها‪ ،‬لكن الراج أ ا َل ًملم‪ ،‬رأت عاًكععة قبع أحععداث‬

‫بدر رؤيا خوفتها‪ ،‬فأرسل إىل أخيها العباس بن عبد الطلععب عععم الرسععول ﷺ؛ لتحكععي لععه‬

‫الرؤيا‪ ،‬وكال العباس مرشك ًا يف ذلك الوق ‪ ،‬فقال له‪ :‬ايا أخي؛ واهلل لقد رأي الليلععة رؤيععا‬

‫أفظعتني‪ ،‬وختوف أل يدخ عىل قومك منها رش ومصيبة‪ً ،‬كتم عيل مععا أحععدثك ) قععال هلععا‪:‬‬

‫خ بععأعىل‬ ‫) قال ‪ :‬ارأي راكب ًا أقب عىل بعععري لععه حتععى وقععف بععاألبط ‪ ،‬ثععم‬ ‫اوما رأي‬

‫لل روج إىل الصارع يف‬ ‫وًه‪ :‬أال انفروا يا آل غدر لصارعكم يف ثالث)‪ ،‬أي يدعو آل قري‬

‫ثالثة أيام‪ .‬قال ‪ :‬اثم كرر هذا الندام يف مناطق خمتلفة حول الكعبة‪ ،‬ومن عىل جب أيب قبععيس‪،‬‬

‫رة فأقبل هتوي‪ ،‬حتى إذا كان بأسف اجلب ارًض ‪-‬أي‪ً :‬فتت ‪ -‬فععَم بقععي‬ ‫ثم أرس‬

‫بي من بيوت مكة إال دخلته منها فلقععة)‪ ،‬قععال العبععاس‪ :‬اواهلل إل هععذه لرؤيععا‪ ،‬فععال ًععذكر ا‬

‫ألحد)‪ ،‬ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة‪ ،‬وكال احبه‪ ،‬فذكر العباس له الرؤيا وقال له‪:‬‬

‫‪497‬‬
‫اال ًذكرها ألحد)‪ ،‬فأخرب الوليد بن عتبة أباه عتبة بن ربيعة بالرؤيا وقععال لععه‪ :‬ال ًقع ألحععد‪،‬‬

‫إىل أيب جهع وكععال العبععاس يف ذلععك اليععوم ذاهبع ًا‬ ‫وهكذا انترش األمر يف قري ‪ ،‬حتى و‬

‫ليطوف بالبي اْلرام‪ ،‬فلقيه أبو جه ما الرشكني‪ ،‬فقال له أبو جه ‪ :‬ايععا بنععي عبععد الطلععب‬

‫متى حدث فيكم هذه النَبية ) فأراد العباس أل ينكر فقال لععه‪ :‬اومععا ذا ) قععال أبععو جهع ‪:‬‬

‫اًلك الرؤيا التي رأت عاًكة)قال العباس‪ :‬اوما رأت ) قال أبو جه ‪ :‬ايا بني عبععد الطلععبم‬

‫أما رضيتم أل يتنبأ رجالكم حتى ًتنبأ نماؤكم‪ ،‬قد زعم عاًكة يف رؤياها أنه قال‪ :‬انفععروا إىل‬

‫مصارعكم يف ثالث‪ ،‬فمنرتبيف بكم يا بني عبد الطلبم هذه الثالث‪ ،‬فإل يك حقع ًا مععا ًقععول‬

‫فميكول‪ ،‬وإل متض الثالث وَل يكن من ذلك يشم؛ نكتب عليكم كتاب ًا أنكم أكذ أه بيع‬

‫يف العر )‪ ،‬وكان هذه فر ة لع أيب جه لييم يف بني عبد الطلب؛ فععإل الصععراع طويع‬

‫جد ًا بني بني خمزوم ‪-‬قبيلة أيب جه ‪ -‬وبني بني هاشم قبيلععة الرسععول ﷺ‪ ،‬وسععبحال اهللم مععر‬

‫يومال‪ ،‬ويف اليوم الثالث وأبو جه يمتعد لليَمًة يف بني عبد الطلب جام ضمضم بن عمععرو‬

‫اللطيمععة اللطيمععة أمععوالكم قععد‬ ‫الغفاري الذي بعثه أبو سفيال وهو يرصخ‪ :‬ايا معيعر قععري‬

‫عرض هلا مد يف أ حابه‪ ،‬ال أرى أل ًدركوها‪ ،‬الغععوث الغععوث)‪ ،‬فنفععر كع أهع قععري ‪،‬‬

‫وحتقق رؤيا عاًكة‪.‬‬

‫وهو خارج للقتال وهو عىل األق ييك ‪-‬إل َل يكن متيقن ًا‬ ‫أريد منكم أل ًت يلوا نفمية اجلي‬

‫متام ًا‪ -‬أنه خيرج إىل مصععارعه‪ .‬وراجعععوا التععاري فععإنكم سععتجدول كمععرى رأى رؤيععا قبع‬

‫القادسية‪ ،‬كذلك َرستم قا د الفرس‪ ،‬كال هلا أكرب األثر عىل الفرس‪ ،‬كذلك رأى هرقع ‪ ،‬ورأى‬

‫الروماِّن يف الريمو ‪ ،‬والكالم كثري جد ًا يف هذا الوضوع ومتكرر‪.‬‬ ‫قا د اجلي‬

‫النمنني يف ليلة بدر‪ ،‬رأى الرسول ﷺ رؤيا يف منامه‪ ،‬أل الكفار أق‬ ‫وعىل اجلانب اآلخر جي‬

‫من العدد الذي أحصوه قب ذلك‪ ،‬وذكر ذلك للصحابة فاستبرشوا كثري ًا‪ ،‬وثبتتهم هذه الرؤيا‪،‬‬

‫‪498‬‬
‫ال َو َل او َأ َراك َِه ام كَثِعري ًا َل َف ِيع الت اِم َو َلتَنَع َاز اعت اِم ِيف‬
‫قال سبحانه وًعاىل‪ { :‬إِ اذ ِي ِريك َِه ام اهللَِّ ِيف َمن َِام َك َق ِلي ً‬
‫الصدِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور [األنفال‪ ،]43:‬فحدث أثر إجيايب حقيقععي نتيجععة‬ ‫األَ ام ِر َو َلك َّن اهللََّ َس َّل َم إِ َّن ِه َعل ٌ‬
‫يم بِ َذات ُّ‬
‫هذه الرؤيا‪ ،‬واألثر هذا سيكول عكمي ًا لو كان الرؤيا خمتلفة‪َ } ،‬و َل او َأ َراك َِه ام كَثِري ًا َل َف ِيع الت اِم{ ‪،‬‬

‫ورؤيا األنبيام غري رؤيا عامة البرش‪ ،‬لكن الرؤيا هلا ًطبيق يف حياة الناس إل كان ًبرش ب ععري‪،‬‬

‫قال الرسول عليه الصالة والمالم‪ :‬االرؤيا جزم من ستة وأربعني جزم ًا من النبوة)‪.‬‬

‫وعىل الناحية الثانية الرؤيا الملبية كال هلا أثر كبععري جععد ًا عععىل اليععركني؛ فععالرؤى واألحععالم‬

‫جندي من جنود الرمحن سبحانه وًعاىل‪َ } :‬و َما َي اع َل ِم ِجنِو َد َر يب َك إِالَّ ِه َو{ [الدثر‪.]31:‬‬

‫أبو جه‬

‫اجلندي التاسا من جنود الرمحن وهو من أعجب اجلنود‪ ،‬هذا اجلندي هو أبععو جهع ‪ ،‬فععع أبععو‬

‫جه هو الذي دفا الرشكني دفع ًا إىل حتفهم‪ ،‬دفعهم لل روج من مكة‪ ،‬ودفعهم للقتال حتععى‬

‫ما إفالت القافلة‪ ،‬ودفعهم للقتال حتى ما اعععرتاض اجلميععا يف أرض بععدر‪ ،‬وقهععر أميععة بععن‬

‫خلف لل روج ليموت‪ ،‬وقهر عتبة بن ربيعة للقتال ليموت‪ ،‬وَل ير ما رآه مجيا أه قري ‪ ،‬ب‬

‫طمس عىل بصريًه وأعال عىل هالكهم‪ ،‬وكَم دفا فرعععول جنععده للععدخول يف البحععر ليهلكععوا‬

‫فع ذلك أبو جه ‪ ،‬ولو ًع َّق لا قت هذا العدد اهلا من قععادة الكفععر وأ مععة الضععالل‪ ،‬ولععو‬

‫ًعق لا كال يوم الفرقال‪ ،‬ولو ًعق لا حدث اآلثار الجيدة التي سنتكلم عنها إل شععام اهلل يف‬

‫الدرس القادم لغزوة بدر‪ .‬وما كال لع أيب جه أل يتعق ‪ ،‬فَم هو إال جندي من جنععود الععرمحن‬

‫سبحانه وًعاىل شام أم أبى‪ ،‬فاهلل عز وج ال يعجععزه يشم يف األرض وال يف المععَمم‪ ،‬حتععى لععو‬

‫كال أبو جه يماعد الملمني عىل حتقيق مراد اهلل سبحانه وًعاىل‪.‬‬

‫‪499‬‬
‫إبليس‬

‫اجلندي العارش واألخري جندي أغر من أيب جه وأعجب‪ ،‬هذا اجلندي هععو إبلععيس نفمععه‪،‬‬

‫فالييطال اجتهد ك االجتهاد ليدفا الرشكني دفع ًا إىل القتال‪ ،‬وَل يكتف بالوسوسة‪ ،‬بع متثع‬

‫هلم يف ورة رساقة بن مالك سيد بني كنانة؛ ليجريهم مععن بنععي بكععر‪ ،‬وخععرج معهععم كععذلك‬

‫بصورة رساقة بن مالك‪ ،‬ودخ معهم أرض بععدر‪ ،‬وثبع للقتععال معهععم حتععى رأى الال كععة‬

‫فعرفهم‪ ،‬فقد كال يعبد اهلل معهم قب أل يكفر‪ ،‬فلَم عععرف أل الوضععوع خععرج مععن يديععه قععرر‬

‫اهلرو ‪ ،‬ورآه أحد الرشكني اْلارث بن هيام‪ ،‬وهو ر ‪ ،‬وكال يظن أنععه رساقععة بععن مالععك‬

‫فأممكه وقال له‪ :‬اإىل أين يا رساقة أَل ًكن قل ‪ :‬إنك جار لنا ال ًفارقنا ) فقال لععه إبلععيس‪:‬‬

‫اف اهللََّ َواهللَِّ َش ِديدِ ا ال ِع َقعا ِ } [األنفععال‪ ،]48:‬وفععر‬


‫{إِ يِّن َب ِري ٌم ِمناك اِم إِ يِّن َأ َرى َما ال ً ََر او َل إِ يِّن َأ َخ ِ‬

‫ال َأ اع ََم َهل ِع ام‬ ‫بنفمه حتى ألقى نفمه يف البحر‪ ،‬وأنزل اهلل سبحانه وًعععاىل‪َ { :‬وإِ اذ َز َّيع َن َهل ِع ام َّ‬
‫اليع اي َط ِ‬

‫َّاس َوإِ يِّن َج ٌار َلك اِم} [األنفال‪ ،]48:‬يف ورة رساقة بن مالك‪،‬‬ ‫ب َلك اِم ا ال َي او َم ِم ان الن ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َق َال ال َغال َ‬
‫اف اهللََّ‬‫َيف َع َىل َع ِق َب اي ِه َو َق َال إِ يِّن َب ِري ٌم ِمناك اِم إِ يِّن َأ َرى َما ال ًَع َر او َل إِ يِّن َأ َخع ِ‬ ‫{ َف َلَم ًَرام ا ِ ِ‬
‫ت ا الف َئتَال َنك َ‬ ‫َّ َ َ‬
‫َواهللَِّ َش ِديدِ ا ال ِع َقا ِ } [األنفال‪ ،]48:‬وطبع ًا هذا يشم متوقا‪ ،‬فالييطال يعد النععاس ويمنععيهم‪،‬‬

‫ثم يرتكهم عند األزمات‪ ،‬واللوم ال يقا عىل الييطال فقط‪ ،‬ب يقا أيض ًا وبصورة أكرب عىل من‬

‫اًبعوه‪ ،‬وهذا كالم الييطال نفمه‪ ،‬واسما كالم ربنا سبحانه وًعاىل يف سععورة إبععراهيم‪ ،‬قععال‪:‬‬
‫ِ‬
‫ِض األَ ام ِر إِ َّل اهللََّ َوعَدَ ك اِم َو اععدَ ا َ‬
‫اْلع يق َو َو َععدا ًِك اِم َفع َأ اخ َل اف ِتك اِم َو َمعا َكع َ‬
‫ال ِيل‬ ‫ال لََّا ِق َ‬ ‫{ َو َق َال َّ‬
‫الي اي َط ِ‬

‫رص ِخك اِم‬ ‫است ََج ابت اِم ِيل َفال ًَ ِلو ِم ِ‬
‫وِّن َو ِلو ِموا َأ ان ِف َمك اِم َما َأنَا بِ ِم ا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َع َل ايك اِم م ان ِس ال َطال إِالَّ َأ ال َد َع او ًِك اِم َف ا‬
‫وِّن‬‫ت بِ ََم َأ ارش اكت ِِمع ِ‬
‫َ‬ ‫رص ِخ َّي} [إبراهيم‪ ،]22:‬أي‪ :‬لن أنفعكم ولن ًنفعوِّن‪{ ،‬إِ يِّن َك َف ار ِ‬ ‫َو َما َأ انت اِم بِ ِم ا ِ‬
‫ِ‬ ‫ِم ان َق اب ِ إِ َّل ال َّظالِ َ‬
‫يم} [إبراهيم‪ ]22:‬نعم‪ ،‬هععذا الكععالم واْلععوار سععيكول يععوم‬ ‫ني َهل ِ ام َع َذا ٌ َأل ٌ‬

‫‪500‬‬
‫القيامة‪ ،‬لكنه بالتأكيد حيص يف الدنيا كثري ًا‪ ،‬فكم دفا الييطال أناس ًا إىل اياهتم‪ ،‬ثم ًربأ مععنهم‬

‫وًركهم‪.‬‬

‫قد يكول الييطال سبب ًا من أسبا نرص الملمني‪ ،‬ومن النكد أل الييطال لو عرف أل النرصع‬

‫للحر ‪ ،‬لكن ال يعلععم الغيععب إال اهلل سععبحانه‬ ‫سيكول حليف الملمني يف بدر؛ لا دفا قري‬

‫وًعاىل‪ .‬هذا كال اجلندي العارش من جنود الرمحن سبحانه وًعاىل‪ ،‬فتلك عرشة كاملة‪ ،‬وجنععود‬

‫ال اهللَِّ َع ِلعي ًَم َح ِكعي ًَم} [الفععت ‪،]4:‬‬ ‫اهلل أكثر من هذا بكثري‪{ :‬وهللَِّ جنِود الممو ِ‬
‫ات َواألَ ار ِ‬
‫ض َو َكع َ‬ ‫َ ِ ِ َّ َ َ‬
‫ففي الغزوات اآلًية سنتعرف عىل جنود أكثر وأكثر‪.‬‬

‫نقول‪ :‬إل ك كالمنا الذي مىض يصب يف معنى واحد مهم‪ ،‬وهو العنى الذي هر لنععا يف كع‬

‫كلمة من كلَمت درس هذا اليوم‪ ،‬هذا العنى قوله ًعاىل‪َ { :‬و َما الن اَّصعع ِر إِالَّ ِمع ان ِعناع ِد اهللَِّ إِ َّل اهللََّ‬
‫ِ‬
‫َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫يم} [األنفال‪ ،]10:‬وهبذا نفهم اآلية التي جامت يف سورة األنفععال‪َ { :‬ف َلع ام ًَ اقت ِِلع ِ‬
‫وه ام‬

‫َو َل ِك َّن اهللََّ َق َت َل ِه ام} [األنفال‪ .]17:‬الملمول حيملول الميوف ويقععاًلول‪ ،‬لكععن جنععود الععرمحن‬

‫هو اهلل عز وج ‪ ،‬وهععو الععذي‬ ‫العجيبة هي التي حقق النرص‪ ،‬ما اعرتاف اجلميا بأل النا‬

‫أكم هلم هذا النرص العظيم‪.‬‬

‫فهم الصحابة ريض اهلل عنهم أل النرص من عند اهلل‬

‫سأختم كالمي هذا اليوم ببيال فهم الصحابة لنرص بدر‪ ،‬وسأختار كلمتني الثنني من الصععحابة‬

‫الكرام‪ .‬الكلمة األوىل‪ :‬لع عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه وأرضاه يف ممند اإلمععام أمحععد رمحععه‬

‫اهلل‪ ،‬قال فيها ًعليق ًا عىل قت الرشكني الثالثة الذين قتلوا يف أول مبارزة يف بدر‪.‬‬

‫‪501‬‬
‫قال‪ :‬افقت اهلل ًعاىل عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة)‪ ،‬ما أل عيل بن أيب طالب كال من‬

‫الذين اشرتكوا يف قت هنالم الثالثة‪ ،‬إال أنه ال ينمب ذلك لنفمه أبد ًا‪ ،‬ب ينمبه هلل ًعاىل‪ ،‬قال‪:‬‬

‫افقت اهلل ًعاىل عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة)‪.‬‬

‫الكلمة الثانية‪ :‬لع عبادة بن الصام ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وهي يف ممند اإلمام أمحد بن حنب‬

‫ويف الصحيحني‪ ،‬قال‪ :‬اخرجنا ما النبي ﷺ‪ ،‬فيهدت معععه بععدر ًا‪ ،‬فععالتقى النععاس‪ ،‬فهععزم اهلل‬

‫العدو)‪.‬‬

‫فهذا الفهم هو الذي حقق هلم النرص‪ .‬وحني نعرف أل النرص ال يكععول إال مععن عنععد اهلل‪ ،‬فإننععا‬

‫سنجده قريب ًا إل شام اهلل‪.‬‬

‫‪502‬‬
‫‪23‬‬

‫ما بعد بدر‬


‫آثار غزة بدر‬

‫حتدثنا عن غزوة بدر وعن املالبسات التي أدت إىل قيام الغزوة وعن صفات اجليييا املنت يير‪،‬‬

‫وعن جنود الرمحن سبحانه وتعاىل يف هذه الغزوة‪ ،‬ووصلنا إىل أن هذه الغزوة فع ً‬
‫ال ميين أع ي‬

‫الغزوات يف تاريخ املسلمني‪ ،‬وقد سامها رب العاملني سبحانه وتعاىل بيوم الفرقييانو ومييا لي‬

‫إال ألهنا فرقت بني مرحلتني مهمتني من مراحل الدعوة اإلسالمية واألمة اإلسييالمية‪ ،‬والييذ‬

‫يتذكر الوضع قبل غزوة بدر ويدرس الوضع بعد غزوة بدر يالحييا الفييرا ا انيييل بييني حييا‬
‫املسلمني قبل الغزوة وبعدها‪َّ .‬‬
‫إن غزوة بدر كان ا آثييار ضييهمة هانيليية عي اجلزيييرة العربييية‬

‫بكاملها بل وع العامل ب فة عامة‪ ،‬وما زا لغزوة بدر إىل يومنا هذا آثار‪ ،‬وسيكون ا آثييار إىل‬

‫يوم القيامة‪ ،‬فهي فع ً‬


‫ال يوم الفرقان‪.‬‬

‫امليالد احلقيقي للدولة اإلسالمية بقيادة النبي ﷺ‬

‫أو آثار غزوة بدر وأع مها هو امليالد احلقيقي للدولة اإلسالمية بقيادة الرسو ﷺ‪ ،‬واجليا‬

‫اإلسالمي الذ ولد يف هذه الغزوة هو الذ ع أكتافه أنشئت الدولة الع يمة دولة اإلسالم‪،‬‬

‫اه عيينه‬ ‫وقد تعرفنا يف غزوة بييدر عي صييفات اجليييا املنت يير‪ ،‬وعييرا ال ييحابة ر‬

‫وأرضاه هذه ال فات‪ ،‬ودرسوها بإتقان‪ ،‬وبعد هذا طبقوها يف كل املعارك التي انت ير فيهييا‬
‫‪503‬‬
‫املسييلمون نق يية أو بعييا النقييا ميين هييذه ال ييفات أتييت ا زيميية‬ ‫املسلمون‪ ،‬وإ ا خييال‬

‫وامل انيبو لذل فإن غزوة بدر تعترب معيار ًا أو مقياس ًا جيب أن يقيس املسلمون عليه أحوا ‪،‬‬

‫فإن كانوا ي يقون هذه ال فات فلله احلمد واملنة والفضييل‪ ،‬وإن كييانوا غييف لي فييال بييد أن‬

‫اه عنه أمجعني‪.‬‬ ‫يعدلوا مساره و ليعودوا إىل ال ريقة التي سار عليها أهل بدر ر‬

‫ولدت أمة اإلسالم بعد غزوة بدر‪ ،‬وأصبح ا هيبة يف اجلزيرة العربية بكاملها‪ ،‬وبدأ النيياس يف‬

‫كل اجلزيرة يتساءلون عن اإلسالم واملسلمني‪ ،‬فقييد كييانوا يتهيلييون ميين قبييل أن األميير ييرد‬

‫خالا داخيل داخل مكة‪ ،‬هذا اخلالا هو رجل من مكة خرج بشيييء اعي ع عليييه قومييه‪،‬‬

‫وظهر له أتباع‪ ،‬فهي رد حرب أهلية يف داخل مكة املكرمة‪ ،‬ث بعد ل لفتت أن ار العييرب‬

‫ا جرة إىل املدينة املنورة‪ ،‬لكن اللفت احلقيقي لألن ار كان بعد بدر‪ ،‬فاالنت ار الضه كان له‬

‫أثر مهو ع اجلزيرة بكاملها‪ ،‬فبدأ الناس يتساءلون‪ :‬من ه املسلمون؟ ما هو اإلسييالم؟ وال‬

‫ش أن هذا فتح لإلسالم قلوب ًا كثفة‪ .‬وهكذا بدأ الرسو ﷺ ين ر دولته كدولة مستقرة‪ ،‬ييا‬

‫كيان مستقل و ا اح ام و ا سمعة ع يمة يف داخل اجلزيرة العربية‪.‬‬

‫آثار غزوة بدر ع أهل املدينة‬

‫كذل أثرت غزوة بدر ع املسلمني يف داخل املدينة املنورة الييذين مل يشيياركوا فيهييا‪ ،‬فإنييه ملييا‬

‫وصل خرب نرص اإلسالم يف غزوة بدر إىل املدينة املنورة اختل ت مشاعر الفرح والرسييور اييذا‬

‫املسلمون حو البشف‬ ‫النرص الع ي بمشاعر الندم لعدم املشاركة يف هذا النرص الع ي ‪ .‬الت‬

‫اه عنه وأرضاه ي مئنون ع أخبار الرسو ﷺو ألن الرسو ﷺ مل‬ ‫وهو زيد بن حارثة ر‬

‫يرجع مبارشة من بدر‪ ،‬بل مكث يف أرع بدر ثالثة أيام كعادة اجليوش املنت يرة‪ ،‬وبعييد لي‬

‫عاد إىل املدينة املنورة‪ ،‬لكن اخلرب كان قد سبق واستقبلت وفييود التهنئيية الرسييو ﷺ بمنتهي‬

‫اه عنييه وأرضيياه‬ ‫ال حاب والفرح والرسور‪ ،‬ويف نفس الوقت جاء كثف من األن ييار ر‬
‫‪504‬‬
‫يعتذرون لرسو اه ﷺ لعدم مشاركته يف بدر مع رغبته األكيييدة يف اجلهيياد يف سييبيل اهو‬

‫ألهن مل يعرفوا أن هناك قتا ‪.‬‬

‫اه عنه وأرضاه وقا ‪( :‬يا رسو اهو احلمييد ه‬ ‫ع سبيل املثا ‪ :‬جاء له أسيد بن حضف ر‬

‫الذ أظفرك وأقر عين ‪ ،‬واه يا رسو اه ما كان ختلفي عن بدر وأنا أظن أن تلقي عييدو ًا‪،‬‬

‫ولكن ظننت أهنا عف‪ ،‬ولو ظننت أنه عدو ما ختلفت‪ ،‬فقا له ﷺ‪ :‬صدقت)‪.‬‬

‫مشاعر الندم التي جاءت يف قلوب األن ار واملهاجرين الذين مل يشاركوا يف غزوة بدر ستؤد‬

‫بعد ل إىل بعا النتانيج كام سنرى‪ ،‬وسيكون ا أثر واضح إجيايب يف مقدمة غييزوة أحييد كييام‬

‫سيتبني لنا‪ .‬كان هناك أثر إجيايب كبف ع اجليا املسل ‪ ،‬وع الذين مل يشاركوا يف غييزوة بييدر‪،‬‬

‫وقامت الدولة اإلسالمية ع أكتاا هؤالء وهؤالء‪.‬‬

‫آثار غزوة بدر ع مرشكي مكة‬

‫يف نفس الوقت كان يف غزوة بدر أثر سلبي ضييه جييد ًا عي مشييركي مكيية الييذين خرجييوا‬

‫وفجعوا اذه الفجيعة الضهمة يف بدر‪ ،‬فهي رضبة قاصمة هانيلة لقريا‪ ،‬وهزة عنيفة لكربييياء‬

‫قريا وكرامتها وعزهتا‪ ،‬فقد كانت قريا أمنع قبيلة يف العرب وأعزهييا وأكربهييا‪ ،‬ييا تيياريخ‬

‫وكل قبانيل العرب حت مها‪ ،‬لكن الوضع بعد بييدر اهتييز بشييكل مريييع‪ ،‬فسييبعون واحييد ًا ميين‬

‫املرشكني الذين شاركوا يف بدر قتلوا‪ ،‬وسبعون كذل أرسوا‪ ،‬وقارن بني هييذه الغييزوة ورسييية‬

‫نهلة‪ ،‬فرسية نهلة انتفضت فيها قريا وقلبت اجلزيرة العربية وقامت بحرب إعالمية‪ ،‬وكييان‬

‫ل ستعرا مدى املأساة التي وقعت عي‬ ‫املقتو فيها واحد ًا واملأسور فيها اثنني‪ ،‬من خال‬

‫أهل قريا بعد هذه الغزوة الع يمة غزوة بدر‪ ،‬كذل هؤالء السبعون الذين قتلوا ه عاملقيية‬

‫الكفر وقادته وأنيمة الضال يف األرع‪ ،‬منه فرعون هذه األمة أبو جهل ‪ ،‬ومنه الوليييد بيين‬

‫‪505‬‬
‫املغفة ‪ ،‬ومنه عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والنرض بن احلارث وعقبة بن أيب معيط وأمية بن‬

‫ء‬ ‫وغفه كثر‪ .‬هؤالء السبعون قتلوا يف يوم واحد وفنوا يف حل ة واحدة‪ ،‬فيالييه ميين‬ ‫خل‬

‫كان تأثر قريا ملا وصل اخلرب؟‬ ‫يشيب له الولدان‪ ،‬فيا ترى كي‬

‫حليسامن بن عبد اه اخلزاعي بإي ا اخلرب‪ ،‬فام زالت قريا ال تعرا عن أخبار بدر شيئ ًا‪،‬‬
‫قام ا ح‬
‫فلام رأوا احليسامن بن عبد اه اخلزاعي قادم ًا قالوا‪( :‬ما وراءك؟) قا ‪( :‬قتييل عتبيية بيين ربيعيية ‪،‬‬

‫يف رجا من الزعامء سييامه )‪ ،‬فانييدها‬ ‫وشيبة بن ربيعة وأبو احلك بن هشام وأمية بن خل‬

‫صفوان بن أمية حت قا ‪( :‬واه إن حيعقل هذا‪ ،‬فاسألوه عني‪ ،‬لو سألتموه عني سيييقو لكي ‪:‬‬

‫قتل كذل ‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما فعل صفوان بن أمية ؟ قا ‪ :‬ها هو ا جالس يف احلجر‪ ،‬قييد واه رأيييت‬

‫أباه وأخاه حني قتال)‪ .‬كان هذا طبع ًا اخلرب كال يياعقة عي أهييل قييرياو لييذل مل ي ييدقوا‪،‬‬

‫فانت روا رسوالً ثاني ًا‪ ،‬فجاء أبو سفيان بن احلارث بن عبد امل لب ابن ع رسو اه ﷺ‪ ،‬فلييام‬

‫عن غزوة بدر‪ -‬قا ‪( :‬هل إ يل فعندك لعميير اخلييرب)‪ .‬فجلييس إليييه‬ ‫رآه أبو ب ‪-‬وقد ختل‬

‫والناس قيام عليه‪ ،‬فقا أبو سفيان كلامت يف منته اخل ورة‪ ،‬قا ‪( :‬ما هييو إال أن لقينييا القييوم‬

‫شاءوا‪ ،‬وايي اه مييع لي مييا ملييت‬ ‫شاءوا‪ ،‬ويأرسوننا كي‬ ‫فمنحناه أكتافنا‪ ،‬يقتلوننا كي‬

‫الناس)‪ ،‬فتعجبوا من قوله فقا ‪( :‬لقينا رجاالً بيض ًا ع خيل بلق بني السامء واألرع واه مييا‬

‫ء)‪ .‬وهكذا رصح أبو سييفيان اييذه‬ ‫تليق شيئ ًا ‪-‬ال ت ك أمامها شيئ ًا وال تبقي‪ -‬وال يقوم ا‬

‫الكلامت أمام املرشكني‪ ،‬واملرشكون يسمعون وال ي دقون‪ ،‬ومييع كييل هييذا األميير إال أهني ال‬

‫يؤمنون‪.‬‬

‫اه عنييه‪ ،‬وكييان‬ ‫اه عنه وأرضاه موجود ًا بينه ‪ ،‬وهو غالم للعباس ر‬ ‫وكان أبو رافع ر‬

‫خيفي إسالمه‪ ،‬فلام سمع ل قا ‪( :‬تل واه املالنيكة‪ ..‬تل واه املالنيكة)‪ ،‬فرفييع أبييو ييب‬

‫يده ورضبه يف وجهه رضبة شديدة‪ ،‬وح ل بينهام نزاع‪ ،‬فاعت أبو ييب فوقييه وبييدأ يضييربه‪،‬‬

‫‪506‬‬
‫اه عيينهام وكانييت ختفييي إسييالمها أيضي ًا‪ ،‬فأمسييكت‬ ‫فجاءت أم الفضل زوجة العبيياس ر‬

‫عمود ًا ورضبت أبا ب ع رأسه حت شجته شجة منكرة‪ ،‬وقالت له‪( :‬استضييعفته أن غيياب‬

‫عنه سيده)‪ ،‬فقام أبو ب مولي ًا ليالً‪ ،‬ومل يعا بعد هذه الرضبة إال سييبع ليييا ‪ ،‬فقييد رميياه اه‬

‫سبحانه وتعاىل بمرع يسم ال حعدح سة‪ ،‬وهي قرحة ت يييب اإلنسييان وتقتلييه يف أيييام‪ ،‬وكانييت‬

‫العرب تتشاءم من هذه القرحة‪ ،‬فل يست يعوا االق اب من أيب ييب حييني أصيييب اييا إىل أن‬
‫مات‪ ،‬ومل جيرؤ أحد من أوالده ع االق اب منه‪َّ ،‬‬
‫وظل مرميي ًا عي األرع ثالثيية أيييام إىل أن‬

‫بأبيه ‪ ،‬فحفروا حفييرة جييواره‪،‬‬ ‫انترشت رانيحته يف املكان‪ ،‬فهاا أوالده من تعيف العرب‬

‫وأمسكوا عمود ًا وبدءوا يدفعون به إىل داخل احلفرة‪ ،‬وأخذوا يلقون احلجارة عليييه ميين بعيييد‬

‫حت سدوا عليه احلفرة‪ .‬هذه هي النهاية أيب ب ‪ ،‬وكانت هنايته بعد سبع ليا فقط ميين غييزوة‬

‫بدر‪ ،‬وهكذا فقد املرشكون يف غزوة بدر كل هذا العدد الضه من القادة‪ ،‬وبعدها بسبعة أيييام‬

‫فقدوا قانيد ًا كبف ًا وهو أبو ب ‪ ،‬وكانت هناية أيب ب يف منته اخلز والعار والذلة واملهانيية‪،‬‬

‫مع أنه كان كبف عانيلة بني هاش بعد وفاة أيب طالب ‪ ،‬ومن املفروع أن جنازته تكييون جنييازة‬

‫رسمية يف داخل مكة‪ ،‬وتأيت الوفود لتعزية أقاربه فيه‪ ،‬لكن مل حي ل ل و ألن العييرب كانييت‬

‫تتشاءم من املرع الذ مات به أبو ب ‪.‬‬

‫حدث يف بدر أزمات كثفة جد ًا‪ ،‬أو هذه األزمات‪ :‬أزمة سياسية فقد فقدت قييريا مكانتهييا‬

‫يف وسط العرب‪ ،‬واهتزت هزة كبفة‪ .‬ثانيها‪ :‬أزمة اجتامعية‪ ،‬فكل واحد من قريا بكي قتييي ً‬
‫ال‬

‫يف بيته‪ ،‬وبذل حتققت رؤيا عاتكة بنت عبد امل لب ورؤيا جهي بن ال لت ‪ ،‬فقد رأيا أن كل‬

‫بيت من بيوت مكة أصيب‪ ،‬وهكذا صار لكل واحد ثأر‪ ،‬وموضوع الثأر يف البيئة القبلييية كييان‬

‫منترش ًا‪ ،‬فمنه من مات له أب‪ ،‬ومنه من مات له عي ‪ ،‬وميينه ميين مييات لييه ابيين‪ ،‬وهكييذا‬

‫أصبحت القضية مأساوية يف داخل كل بيت من بيوت مكة‪.‬‬

‫‪507‬‬
‫ثالثها‪ :‬أزمة اقت ادية‪ :‬تعرفون أن مكة تعتمد اعتامد ًا كلي ًا ع التجارة‪ ،‬تعرا رحالهتييا برحليية‬

‫ورحلة الشتاء‪ ،‬وإحدى هاتني الرحلتني تكييون إىل الشييام‪ ،‬هييذه الرحليية نيير باملدينيية‬ ‫ال ي‬

‫املنورة‪ ،‬وهي ا من القوة ما جيعلها تسي ر ع املييداخل واملهييارج املؤدييية إىل الشييام‪ ،‬وهييذه‬

‫القوة بال ش ستمنع التجارة إىل الشام‪ ،‬وإ ا منعت التجارة من الشام سق ت التجارة كليي ًا يف‬

‫مكة املكرمة‪ ،‬وال تتأثر جتارة الشام فقط‪ ،‬بل جتارة اليمن كذل و ألهن كانوا يأتون بتجارة ميين‬

‫الشام ويبيعوهنا يف اليمن‪ ،‬ويييأتون بتجييارة ميين اليييمن ويبيعوهنييا يف الشييام وهكييذا‪ ،‬فأحييدى‬

‫الرحلتني ستنق ع‪ ،‬وستكون هناك مأساة اقت ادية حقيقية ألهل مكة املكرميية‪ ،‬كييام أن مأسيياة‬

‫من غزوة بدر ما زالت مييؤثرة يف قييريا‪ ،‬فقييد كانييت‬ ‫رسية نهلة التي كانت قبل شهر ون‬

‫قافلة ثرية من قوافل قريا استوىل عليها املسلمون‪ ،‬أما قافليية أيب سييفيان فقييد نجييت‪ ،‬ولكيين‬

‫سيبق من ال عب جد ًا ع املرشكني أن يتاجروا مع الشام‪.‬‬

‫مكة املكرمة‪ ،‬وال ش أن أهل الكفر يف قريا لن يسكتوا ع هذا امل اب الفادح‬ ‫هذا موق‬

‫الذ أصاا يف بدر‪.‬‬

‫أثر غناني بدر ع املؤمنني‬

‫يكييون هنيياك أثيير‬ ‫األثر الرابع لغزوة بدر‪ :‬كان سلبي ًا لكن ع املؤمنني‪ ،‬ونحن نستغرب كيي‬

‫سلبي ع املؤمنني بعد هذا االنت ار الكبف يف بدر‪.‬‬

‫كان هذا األثر نتيجة الغناني التي ح لها املسلمون من غييزوة بييدر‪ ،‬فهنيياك أخ يياء للمييؤمنني‬

‫ب فة عامة‪ ،‬ومنها هذا اخل أ الذ حدث يف غزوة بدر‪ ،‬وهو خ أ حب ينيو ألن عبادة بن ال امت‬

‫هذا األمر فقا ‪ ( :‬فلام جاء أمر األنفا وسيياءت فيييه أخالقنييا )‪،‬‬ ‫اه عنه وأرضاه وص‬ ‫ر‬

‫‪508‬‬
‫فهو يتحدث عن اجليا املنترص الذ فيه صفات ع يمة كييام كرنييا‪ ،‬إال أنييه يف هييذه القضييية‬

‫اه عنه وأرضاه‪.‬‬ ‫ساءت فيه أخالقه كام قا عبادة بن ال امت ر‬

‫ببساطة شديدة بعد أن انتهت اجلولة األوىل من بدر‪ ،‬وبدأ ظهور االنت ار الباهر للمسلمني بدأ‬

‫املرشكون يف الفرار‪ ،‬وبدءوا يلقون الغناني وراءه ‪ ،‬فقس املسلمون أنفسه ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ -‬قس منه حو الرسو ﷺ حلاميته‪.‬‬

‫هذا القس من الشباب‪.‬‬ ‫‪ -‬وقس ثان بدأ جير وراء الفارين من أرع املعركة‪ ،‬ومع‬

‫‪ -‬وقس ثالث بدأ جيمع الغناني التي كانت موجودة يف أرع املعركة‪.‬‬

‫املسلمون ع توزيييع هييذه الغنيياني ‪ ،‬ومل يكيين قييد نييز حكي اه‬ ‫وبعد انتهاء املعركة اختل‬

‫سبحانه وتعاىل يف توزيع الغناني ‪ ،‬وقد كان حك توزيع أربعيية أسيياس الغنيياني عي اجليييا مل‬

‫يرشع بعد‪.‬‬

‫فقا الذين مجعوا الغناني ‪( :‬نحن حويناها ‪-‬أ ‪ :‬نحيين الييذين أخييذناها‪ -‬وليييس ألحييد فيهييا‬

‫‪ ،‬وقا الذين خرجوا يف طلب العدو‪( :‬لست أحييق‬ ‫ن يب)‪ ،‬يريدون أن يأخذوا كل الغناني‬

‫اا منا‪ ،‬نحن نحينا منها العدو وهزمناه)‪ ،‬وقا الذين أحاطوا رسو اه ﷺ‪( :‬خفنا أن ي يب‬

‫العدو منه غرة فاشتغلنا به وبدأ نوع من اخلالا والشقاا بني املسلمني)‪.‬‬

‫لي ‪ :‬أنييه بييال أخ يياء‪،‬‬ ‫معلوم أن اجليا املن ور فيه صفات النرص الكاملة‪ ،‬لكن ليس معن‬

‫فكله برش‪( :‬كل بني آدم خ اء‪ ،‬وخف اخل انيني التوابون)‪ .‬وهكذا ح ل اخلالا‪ ،‬وبدأ كييل‬

‫طرا يريد أن يأخذ من الغنيمة‪ ،‬والغنيمة فتنيية ميين فييتن الييدنيا‪ ،‬وكييان املسييلمون يف املعركيية‬

‫الدنيا وه مل يأخذوا درس ًا من قبل يف فتنة الييدنيا‪،‬‬ ‫النرص‪ ،‬ف هرت‬ ‫ي لبون اآلخرة فت‬

‫فقد عاشوا ‪ 13‬سنة يف مكة حتت القهر والتعذيب والب ا والفقر وحيياالت األ ى املسييتمر‪،‬‬
‫‪509‬‬
‫هذه ف ة مكة‪ ،‬ويف أو هجرهت إىل املدينة املنورة عاشوا سيينتني عسييفتني جيد ًا‪ ،‬وألو مييرة‬

‫يريون هذه الغناني ‪ ،‬وقد كانوا حينام خرجييوا ميين املدينيية املنييورة إىل بييدر يف حاليية ميين الفقيير‬

‫الشديد‪ ،‬حت إن الرسو ﷺ كان يرفع يده ويقو ‪( :‬الله إهن جياع فأطعمه ‪ ،‬اللهي إهني‬

‫حفاة فامحله ‪ ،‬الله إهن عراة فاكسه )‪ ،‬أما اآلن فهناك غناني ضييهمة موجييودة عي أرع‬

‫املوقعة يف بدر‪ ،‬والناس يف فقر شديد‪ ،‬لكن هذا كله ليييس مييربر ًا لله ييأ‪ ،‬وإنييام هييي خلفيييات‬

‫اخل أ‪.‬‬

‫هكذا ح ل اخلالا والشقاا‪ ،‬ونز قييو اه عييز وجييل يشييرح للمسييلمني كيفييية تقسييي‬

‫الغناني ‪ ،‬وقبل أن يرشح كيفية تقسي الغناني أع اه درسي ًا يف منتهي األ ييية‪ ،‬نزلييت سييورة‬

‫األنفا ويف أو السورة‪ } :‬حيس حألو حن ح حع ِن األحن حفا ِ { [األنفا ‪ ،]1:‬يستنكر رب العيياملني سييبحانه‬

‫وتعاىل ع املسلمني الذين حققوا هذا االنت ار يف غزوة بدر أن هيتموا بأمر الدنيا اهتامم ًا ينشييأ‬

‫الرسو ِ حفاتَّقوا اهَّح حو حأص ِلحوا‬ ‫ِ‬


‫بسببه خالا بينه ‪ ،‬قا ‪ } :‬حيس حألو حن ح حع ِن األحن حفا ق ِل األحن حفا هَِّ حو َّ‬
‫ني{ [األنفا ‪ ،]1:‬ثي بييدأ يعييرا ي اإليييامن‪،‬‬ ‫ات حبينِك حو حأطِيعوا اهَّح حو حرسو حله إِن كنت مؤ ِمنِ ح‬
‫ح ح‬

‫ويعرع عن اجلهاد يف سبيل اه والبذ والقتا فيه‪ ،‬وعن األحداث الضهمة التي حييدثت يف‬

‫ون ا َّل ِذي حن إِ ح ا ِك حر اهَّ حو ِج حليت قليوا حوإِ ح ا‬ ‫غزوة بدر‪ ،‬أعرع عن ل كله‪ ،‬وقا ‪} :‬إِن حَّام املؤ ِمن ح‬

‫ون ال َّ يال حة حو ِ َّيا حر حزقنحياه‬


‫ون ا َّالي ِذي حن ي ِقيمي ح‬
‫ت ِل حيت حع حلي ِه آياته حزا حدهت إِ حيامنًا حو حع ح حر هاِ حيت ححوكَّلي ح‬

‫ات ِعنييدح حر ه ِايي حو حمغ ِفيي حر هة حو ِرز ها حكيي ِري ه {‬


‫ون ححقييا ح يي حد حر حجيي ه‬ ‫ون ا أو حل ِئيي ح هيي املؤ ِمنيي ح‬ ‫ي ِنفقيي ح‬

‫[األنفا ‪.]4-2:‬‬

‫احل هق حوإِ َّن حف ِر ًيقيا ِمي حن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ث بدأ يرشح ق ة بدر قا تعاىل‪ } :‬حكي حام حأخ حر حجي ح حر نبي ح مين حبيتي ح بِي ح‬
‫ون{‬‫ت حوهي حين ير ح‬ ‫ون إِ حىل املحيو ِ‬
‫ني حكي حأن حَّام ي حسياق ح‬ ‫ون ا جي ِ‬
‫ادلو حن ح ِيف احلح هق حبعدح حما حت حب َّ ح‬ ‫املؤ ِمنِ ح‬
‫ني حلك ِ‬
‫حاره ح‬
‫ح‬
‫[األنفا ‪ ]6-5:‬إىل آخر اآليات‪ ،‬واآليات فيها نوع من الشدة واللوم ع املسلمني‪ ،‬وكييأن اه‬

‫‪510‬‬
‫تفكرون يف أمر الدنيا وقد حتقق لك هذا االنت ار الع ي بسبب تفكييفك يف‬ ‫‪ :‬كي‬ ‫يقو‬

‫اآلخرة؟ فال تضيعوا النرص إ ًا‪.‬‬

‫وهكذا نزلت هذه اآليات ع املييؤمنني بييرد ًا وسييالم ًا‪ ،‬فبمجييرد سييامعه ل يييات عييادوا إىل‬

‫رشده مجيع ًا‪ ،‬واجتمعت القلوب من جديد‪ ،‬وقبلوا أمر اه عز وجل‪ ،‬وهذا فيه فرا كبف بني‬

‫موقعة بدر وموقعة أحد‪ ،‬فاملسلمون يف بدر مل خيرجوا عن كوهن من البشيير خي ئييون‪ ،‬لكيينه‬

‫عندما كروا باه عز وجل تذكروا‪ .‬أما يف غزوة أحد عندما أخ أ املسلمون نفس اخل أ بسييبب‬

‫الغناني كذل و كروا مل يتذكروا فكانت امل يبة‪ ،‬لكيين يف غييزوة بييدر بفضييل اه عنييدما كيير‬

‫املسلمون مجيع ًا قبلوا أمر اه عز وجل‪ ،‬وقس ﷺ الغنيياني عي السييواء كييام يقييو عبييادة بيين‬

‫ال امت ‪ ،‬أ ‪ :‬وزع أربع أساس الغناني ع اجليا بالتساو ‪ ،‬واحييتفا النبييي ﷺ بيياخلمس‬

‫للدولة‪ ،‬وكان له ﷺ حق الترصا فيه‪ .‬هذا هو ترشيع الغناني الذ يسييف إىل يومنييا هييذا وإىل‬

‫يوم القيامة‪.‬‬

‫اآلثار امل تبة ع وجود أرسى بدر يف أيد املسلمني‬

‫األثر اخلامس لغزوة بدر‪ :‬أثيير األرسى الييذين أرسهي املسييلمون يف غييزوة بييدر‪ ،‬تعلمييون أن‬

‫يت الت ييرا فيييه ؟ فييإن مل‬ ‫املسلمني أرسوا سبعني من املرشكني يف غزوة بدر‪ ،‬فيا ترى كي‬

‫يكن بعد ترشيع ًا وأمر ًا مبارش ًا بييالوحي لرسييو اه ﷺ يف الت ييرا يف األرسى‪ ،‬فكييان ميين‬

‫الالزم أن يترصا ب ريقة من طرا التشيياور كييام اعتيياد ﷺ يف حياتييه مييع ال ييحابة‪ ،‬فجمييع‬

‫وكون لس ًا استشاري ًا‪ ،‬وبدأ يسأ ‪ :‬ما ا نعمل يف األرسى؟ فقا أبو بكر املستشييار‬
‫ال حابة‪َّ ،‬‬
‫األو لرسو اه ﷺ‪( :‬يا رسو اهو هؤالء بنو الع والعشفة واإلخوان‪ ،‬وإين أرى أن تأخذ‬

‫منه الفدية‪ ،‬فيكون ما أخذناه قوة لنا ع الكفار‪ ،‬وعس أن هيدهي اه فيكونوا لنا عضد ًا)‪.‬‬

‫‪511‬‬
‫اه عنه وأرضاه يقدم رأي ًا يغلب عليه جانب الرمحة يقييو ‪ :‬هييؤالء بنييو‬ ‫أبو بكر ال ديق ر‬

‫الع والعشفة واإلخوان‪ ،‬نأخذ فدية‪ ،‬والفدية هي أموا ‪ ،‬يأخييذوهنا حليياجته املاسيية إليهييا‪،‬‬

‫خاصة وأهن يؤسسون دولة‪ ،‬ويف نفس الوقت لو عاشوا قد هيدهي اه سبحانه‪ ،‬ولييو قتلنيياه‬

‫فإهن سيموتون ع الكفر‪ .‬كان أبييو بكيير ال ييديق لييه اختيييارات شييديدة الشييبه باختيييارات‬

‫ف ﷺ‪ ،‬وكان داني ًام يغلب عليه جانييب‬ ‫الرسو ﷺ‪ ،‬وكانت طبيعته قريبة جد ًا من طبيعة امل‬

‫اه عنه)‪ ،‬هذا كييان‬ ‫الرمحة‪ ،‬وكان ﷺ ي فه ويقو ‪( :‬أرح أمتي بأمتي أبو بكر ال ديق ر‬

‫اه عنه‪.‬‬ ‫رأ ال ديق ر‬

‫فقا ﷺ للمستشار الثاين‪( :‬ما ترى يا ابن اخل اب ؟!) قا ‪( :‬واه مييا أرى مييا رأى أبييو بكيير‪،‬‬

‫ولكن أرى أن نكهنني من فالن ‪-‬و كر قري ًبا له‪ -‬فأرضب عنقه‪ ،‬ونكن علي ًا من عقيييل بيين أيب‬

‫طالب أخيه فيرضب عنقه‪ ،‬ونكن محزة من فالن أخيه فيرضب عنقه‪ ،‬حت يعل اه أنه ليسييت‬

‫يف قلوبنا هوادة للمرشكني‪ ،‬وهؤالء صناديده وأنيمته وقادهت )‪ .‬كان رأ عمر بن اخل يياب‬

‫حاس ًام شديد ًا‪ ،‬فقد رأى أن يقتل السبعني وليس ل فقطو بل كل واحييد يقتييل قريبييه‪ ،‬حتي‬

‫ي هر كل مسل ه عز وجل أنه ليس يف قلبه حب أل مرشك حت ولو كان من أقرب أقاربييه‪،‬‬

‫اه‬ ‫هكذا كان رأ عمر ‪ ،‬وكان الرسو ﷺ يقو يف عمر ‪( :‬أشد أمتي يف أمر اه عميير) ر‬

‫عنه وأرضاه‪.‬‬

‫هذان اختياران‪ ،‬واالثنان مبنيان ع حب كامل ه عز وجل‪ ،‬وحب كامل ألمر الييدعوة وأميير‬

‫الدولة اإلسالمية‪ ،‬لكن كل واحد له طريقة‪ ،‬والثنان خمتلفييان نييام االخييتالا‪ ،‬واحييد يقييو ‪:‬‬

‫نأخذ الفدية‪ ،‬واآلخر يقو ‪ :‬نقتل األرسى‪.‬‬

‫اه عنه‪( :‬فهوى رسو اه ﷺ ما قا أبو بكر ال ديق) هييذه رواييية عميير بيين‬ ‫قا عمر ر‬

‫اه عنه‪ ،‬يقو ‪( :‬فهوى رسو اه ﷺ ما قا أبو بكر ومل هيييو مييا قلييت‪ ،‬وأخييذ‬ ‫اخل اب ر‬
‫‪512‬‬
‫منه الفداء‪ ،‬فلام كان من الغد غدوت إىل النبي ﷺ وأيب بكيير يبكيييان‪ ،‬فقلييت‪ :‬يييا رسييو اه‬

‫أخربين ما ا يبكي أنييت وصيياحب ؟ فييإن وجييدت بكييا ًء بكيييت وإن مل أجييد بكييا ًء تباكيييت‬

‫لبكانيكام‪ ،‬فقا ﷺ للذ عرع عيل أصحاب من أخذه الفداء‪ ،‬فقييد عيرع عيييل عييذاا‬

‫اه‬ ‫أدن من هذه الشجرة‪ ،‬وأشار إىل شجرة قريبة) أ ‪ :‬كيياد العييذاب ي يييب ال ييحابة ر‬

‫ما أوح اه عز وجل به إىل‬ ‫عنه وأرضاه ‪ ،‬ألهن اختاروا أمر الفداءو فاألوىل يف هذا املوق‬

‫نبيه الكري ﷺ بأن يثهن يف األرع‪ ،‬أ ‪ :‬بأن يقتل األرسىو ألن هؤالء كام قا عمر صييناديد‬

‫الكفر وأنيمته وقادته يف األرع‪.‬‬

‫ع ت ِريييد ح‬
‫ون‬ ‫ون حليه حأرسى ح َّتي ييث ِ‬
‫ه حن ِيف األحر ِ‬ ‫حان لِنحبِ ٍّي حأن حيكي ح‬
‫وأنز اه عز وجل قوله‪ } :‬حما ك ح‬
‫ح ح‬
‫حعر حع الدن نيا{ [األنفا ‪ ]67:‬أ ‪ :‬أنت تريدون الفداء واألموا ‪} ،‬واهَّ ي ِريد ِ‬
‫اآلخ حر حة حواهَّ حع ِزيي هيز‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ح‬
‫اب حع ِيي ه {‬ ‫ِ‬ ‫ح ِكي { [األنفا ‪ .]67:‬ث قا ‪ } :‬حلوال ِكت ِ‬
‫حاب م حن اهَِّ حس حب حق ملح َّسك في حيام حأ حخيذت حعي حذ ه‬
‫ه‬ ‫ح ه‬
‫[األنفا ‪ ،]68:‬هذا العييذاب الع ييي كييان يق ييده الرسييو ﷺ عنييدما رآه عميير يبكييي هييو‬

‫وصاحبه‪ .‬فإن قيل‪ :‬ما هو الكتاب الذ سبق؟ اجلواب‪ :‬الكتاب الذ سبق هو اآليييات التييي‬

‫نزلت قبل ل يف سورة حممد ﷺ‪ ،‬قا اه عز وجييل يف حييق األرسى‪ } :‬حفإِ َّميا حمنيا حبعيد حوإِ َّميا‬

‫فِدح ا ًء{ [حممد‪ ،]4:‬يعني‪ :‬أمر الفداء أمر مرشوع‪ ،‬وكان األوىل أن يثهن يف األرع كييام قييا اه‬

‫عز وجل‪ ،‬لكن أخذ الفداء كان أمر ًا رشعي ًا كام كر اه عز وجل‪.‬‬

‫اه عيينهام‪ ،‬وقييد أدىل برأيييه يف‬ ‫كان ع نفس رأ عمر بن اخل اب رأ سييعد بيين معييا ر‬

‫ل حني بدأ املسلمون يف أرس املشيركني يف أرع بييدر وقبييل االستشييارة‪،‬‬ ‫ساعة مبكرة‪ ،‬قا‬

‫وقد ن ر الرسو ﷺ ليسعد بن معا فوجده حزين ًا‪ ،‬فقا له‪( :‬واه لكأن يييا سييعد تكييره مييا‬

‫ي نع القوم) أ ‪ :‬تكره أن يأرس املسلمون املرشكني‪( ،‬قا ‪ :‬أجل واه يا رسو اه كانييت أو‬

‫‪513‬‬
‫وقعة أوقعها اه بأهل الرشك‪ ،‬فكان اإلثهان يف القتل بأهييل الشييرك أحييب إل ميين اسييتبقاء‬

‫اه عنه وأرضاه‪.‬‬ ‫الرجا ) هذا كان رأ سعد بن معا ر‬

‫استقر املسلمون ع أمر الفداء‪ ،‬فإن اه سبحانه وتعاىل أنز هذه اآليات ومل ينكر عليييه هييذا‬

‫األمر‪ ،‬صحيح أنه قا ‪ :‬إن األوىل قتييل األرسى‪ ،‬لكنييه أقيير أن يأخييذ املسييلمون الفييداء‪ ،‬وبييدأ‬

‫ال بأخذ الفداء‪ ،‬فالذ كان لديه ما يييدفع ميياالً‪ ،‬واملييا يي اوح ميين ‪ 1000‬إىل‬
‫املسلمون فع ً‬

‫‪ 4000‬دره للرجل حسب احلالة املادية له‪.‬‬

‫النبي وال حابة من فداء العباس بن عبد امل لب‬ ‫موق‬

‫من أروع األمثلة التي تذكر يف أمر الفداء ما دار بني الرسو ﷺ وبني عمييه العبيياس بيين عبييد‬

‫اه عنه‪ ،‬وقد كان أسف ًا يف يوم بدر‪.‬‬ ‫امل لب ر‬

‫أنت تعرفون أن العباس بن عبد امل لب خرج مستكره ًا إىل غزوة بدر‪ ،‬وقاتل مع املرشكني فيها‬

‫وأرس مع من أرس‪ ،‬وكان العباس غني ًا‪ ،‬وليس من املستبعد أن يدفع فدية ليفتييد نفسييه‪ ،‬فييدار‬

‫درجات الرقييي‬ ‫بينه وبني رسو اه ﷺ‪ ،‬هذا احلوار ينقل درجة من أع‬ ‫هذا احلوار الل ي‬

‫يف قيادة الدولة‪ ،‬ليس فيه أ نوع من الوساطة‪ ،‬وال نييوع ميين املحابيياة لألقييارب أو األهييل أو‬

‫العشفة‪.‬‬

‫قا العباس لرسو اه ﷺ‪( :‬يا رسو اه قد كنييت مسييل ًام)‪ ،‬يعنييي‪ :‬أنييا كنييت مسييل ًام وخمفيي ًا‬

‫إسالمي‪ ،‬فقا ﷺ‪( :‬اه أعل بإسالم ‪ ،‬فإن يكن كام تقو فإن اه جيزي ‪ ،‬وأما ظاهرك فقييد‬

‫عيل فافتد نفس ) سبحان اه! يقو له‪ :‬أنت يف ال اهر أن يف أرع املوقعة حتاربنا‪ ،‬وأما‬
‫كان ي‬
‫باطن فاه أعل ‪ ،‬وهو الذ حياسب عليه‪ ،‬فالذ أنييت عليييه هييذا الوقييت أن تييدفع الفدييية‬

‫كمرشك‪ ،‬وليس ل فقط‪ ،‬بل قا ‪( :‬فافتد نفس وابني أخوي نوفل بيين احلييارث بيين عبييد‬

‫‪514‬‬
‫امل لب وعقيل بن أيب طالب بن عبد امل لب وحليف عتبة بيين عمييرو) يعنييي‪ :‬تييدفع فييديت‬

‫وكذل فدية ثالثة مع و ألن هؤالء الثالثة فقراء وهو غني‪ ،‬فقا العباس ‪( :‬ما اك عند يييا‬

‫رسو اه) أ ‪ :‬ليس لد هذا الك من األموا التي أست يع اا أن أدفع فدية لألربعة‪( ،‬فقا‬

‫ﷺ‪( :‬فأين املا الذ دفنته وأم الفضل ‪ ،‬فقلت ا‪ :‬إن أصبت يف سفر هذا فهذا املييا الييذ‬

‫دفنته لبني‪ :‬الفضل وعبد اه وقييث )‪ ،‬قييا الرسييو ﷺ لي وهييو مل يييره‪ ،‬لكنييه علي لي‬

‫بالوحي‪ ،‬فقد قام العباس قبل أن خيرج إىل بييدر بييدفن مييا كثييف يف مكيية لييه وليييأم الفضييل ‪،‬‬

‫وحك الرسو ﷺ له املوق ‪ ،‬فقا العباس ‪( :‬واه يا رسو اه إين ألعلي أني رسييو اه‬

‫إن هذا اليشء ما علمه أحد غف وغف أم الفضل) اقتنع العباس يف هذا الوقت أنه رسييو اه‬

‫وأقس بذل ‪ ،‬وأخرب رسو اه أنه سيدفع الفدية‪ ،‬لكن قييا ‪( :‬فاحسييب ل يييا رسييو اه مييا‬

‫أصبت مني عرشين أوقية من ما كان معي)‪ ،‬أ ‪ :‬كان معي يف أرع بدر ‪ 20‬أوقية من املا ‪،‬‬

‫ء أع انييا اه تعيياىل مني ‪ ،‬ال‪،‬‬ ‫أخذها املسلمون غناني فاحسبها من الفدية‪ ،‬فقا ﷺ‪ ( :‬اك‬

‫لن نحسبها من املا )‪ ،‬أ ‪ :‬لن نحسبها من الفدية‪ ،‬فأنز اه عز وجل‪ } :‬حيا حأ ن حهيا النَّبِ ني قل حملِين ِيف‬

‫رسى إِن حيع حل ِ اهَّ ِيف قلوبِك حخ ًفا يؤتِك حخ ًفا ِ َّا أ ِخ حذ ِمينك حو حيغ ِفير حلكي حواهَّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حأيديك م حن األح ح‬
‫ور حر ِحي ه { [األنفا ‪ .]70:‬نزلت هذه اآليات يف العباس ر اه عنييه‪ ،‬إن كنييت فعي ً‬
‫ال كييام‬ ‫حغف ه‬
‫تقو أن مسل فييإن اه سيعوضي عييام دفعتييه‪ ،‬وإن كييان غييف هييذا فإنييه سييبحانه وتعيياىل‬

‫سيحاسب ‪ ،‬فقا العباس تعليق ًا ع هييذه اآلييية بعييد لي ‪( :‬فأع يياين اه عييز وجييل مكييان‬

‫العرشين أوقية يف اإلسالم عرشين عبد ًا كله يف يده ما يرضب به‪ ،‬مع ما أرجو من مغفرة اه‬

‫ور حر ِحي ه { [األنفا ‪ .]70:‬هكذا يرينييا الرسييو‬ ‫ِ‬


‫عز وجل)و ألن اه قا ‪ } :‬حو حيغفر حلك حواهَّ حغف ه‬
‫ﷺ كيفية ت بيق القانون ع كل الناس‪ ،‬ي بق هذا القانون حت وإن كان ع العباس بن عبييد‬

‫اه عنه‬ ‫امل لب ‪ ،‬وقد تعجب ال حابة رضوا ناه عليه من هذا املوق ‪ ،‬وكان األن ار ر‬

‫‪515‬‬
‫وأرضاه يف قلوا رقة عجيبة‪ ،‬ملا رأوا هذا األمر أشفقوا عي رسييو اه ﷺ ميين أن يأخييذ‬

‫اه عنه وأرضاه كان واقف ًا مع الرسو ﷺ‬ ‫الفداء من عمه وعمه حيبه‪ ،‬خاصة أن العباس ر‬

‫يف بيعة العقبة الثانية‪ ،‬فمعن هذا‪ :‬أنه قريب جد ًا من قلب الرسو ﷺ وليس هو كيأيب ييب‪.‬‬

‫وجاء األن ار إىل النبي ﷺ‪ ،‬وحاولوا أن يعفوا العباس من الفدية ب ريقة ل يفة ومؤدبة جييد ًا‪،‬‬

‫فقد كان األن ار قمة يف األخالا واإليامن‪.‬‬

‫قالوا‪( :‬يا رسو اهو انيذن لنا فلن ك البن اختنا العباس فداءه)‪ ،‬كانت جدة العبيياس ميين بنييي‬

‫عن العباس ألجلنا‪ ،‬ومل يقولوا له‪ :‬اعي‬ ‫النجار من اخلزرج فقا األن ار‪ :‬يا رسو اه اع‬

‫مرة من أن تكون جدة العباس ميين‬ ‫عن العباس و ألنه عم ‪ ،‬ومعلوم أن العمومة أقرب بأل‬

‫بني النجار‪ ،‬لكن الرسو ﷺ رفا رفض ًا تام ًا وأرص ع أخذ الفداء‪ ،‬بل وأخذ أع رق من‬

‫أرقام الفداء من العباس وهو ‪ 4000‬دره للرجل‪.‬‬

‫النبي من سهيل بن عمرو حني أرس‬ ‫موق‬

‫مجيل مع سهيل بن عمرو ‪ ،‬فقد كان سهيل بيين عمييرو ميين قييادة‬ ‫كذل لرسو اه ﷺ موق‬

‫قريا‪ ،‬وكان قد أرس يف غييزوة بييدر‪ ،‬وكييان معروفي ًا بحسيين اخل ابيية وحسيين البيييان حيمييس‬

‫املرشكني ع القتا ضد رسو اه ﷺ‪ .‬فلام أخذه املسلمون أسف ًا رأى عميير بيين اخل يياب أن‬

‫ينزع ثنية سهيل بن عمرو حت يمنعه من اخل ابة‪( :‬يا رسو اه دعنييي أنييزع ثنييية سييهيل بيين‬

‫عمرو ‪ ،‬فال يقوم علي خ يب ًا يف موطن أبد ًا) لكن الرسو ﷺ رفا أن ي ِم هثل بالرجييل أوالً‪،‬‬

‫ث قا ‪( :‬إنه عس ) وهذه نبوءة ومعجزة من معجزات الرسو ﷺ‪ ،‬قا ‪( :‬إنه عسي أن يقييوم‬

‫فيه ب خ بة ال تذمه فيها وال تلومه‪ ،‬بل ندحييه‪ ،‬وح ييل‬ ‫مقام ًا ال تذمه) أ ‪ :‬قد جتده يق‬

‫سييهيل بيين عمييرو وخ ييب يف النيياس وثبييته عي‬ ‫ل فعالً‪ ،‬فإنه ملا ارتدت العرب وقي‬

‫‪516‬‬
‫ردة‪ ،‬من‬ ‫اإلسالم يف مكة املكرمة‪ ،‬وقا ‪( :‬يا معرش قريا ال تكونوا آخر الناس إسالم ًا وأو‬

‫رابنا رضبنا عنقه‪ .‬وهكذا ثبت الناس يف مكة ع اإلسالم)‪.‬‬

‫كيفية فداء الفقراء من أرسى بدر‬

‫كانت هذه صورة من صور الفداء وهي الفداء باملا ‪ ،‬لكن هناك أناس كانوا فقراء‪ ،‬فرأى النبي‬

‫ﷺ أن بعا هؤالء األرسى يعرفون القراءة والكتابة‪ ،‬واألميية اإلسييالمية يف لي الوقييت مل‬

‫تكن قد تعلمت بعد‪ ،‬وليس عندها قدرة ع القراءة والكتابة إال القليل‪ ،‬فقام النبييي ﷺ بفي‬

‫أرس مثل هؤالء من املرشكني ع أن يعل كل واحد منه عرشة من غلامن املدينة املنورة‪ ،‬وهذا‬

‫يرينا بعد ن ر‪ ،‬الرسو ﷺ ودقة فهمه‪ ،‬فاألمة يف حاجة إىل القراءة والكتابة‪ ،‬فاستغل ﷺ هييذا‬

‫ال را الع ي ‪ ،‬وهو ظرا وجود سبعني من املرشكني‪ ،‬منه ميين ال يقييدر أن يييدفع الفدييية‪،‬‬

‫فاستغل هذا األمر يف تعلي املسلمني القراءة والكتابة‪.‬‬

‫هناك بعا األرسى م َّن الرسو ﷺ عليه بغف فداء وأطلقه ‪ ،‬من هؤالء أبو عزة اجلمحي ‪،‬‬

‫كان فقف ًا جد ًا وقا ‪( :‬يا رسو اه لقد عرفت ما ل من ما ‪ ،‬وإين لذو حاجة و و عيا فامنن‬

‫عيل‪ ،‬فمن عليه ﷺ)‪ ،‬لكن أخذ عليه عهد ًا أال ي اهر عليه أحد‪ ،‬وحينها قييا أبييو عييزة بعييا‬

‫األشعار يف مدح الرسو ﷺ‪ .‬لكن سبحان اه ما خيش منه سعد بن معا وعمر بيين اخل يياب‬

‫ح ل‪ ،‬فقد كان أبو عزة بعد إطالقه رش ًا ع املسلمني وحرب ًا عليه ‪ ،‬وألب عليييه املرشييكني‬

‫يف غزوة أحد‪.‬‬

‫وقتل ﷺ بعا األرسى‪ ،‬قتل عقبة بن أيب معيط والنرض بن احلييارث و ألن هييؤالء كييانوا ميين‬

‫أكابر رمي قريا‪ ،‬نسميه يف هذا الزمن بمجرمي احلرب‪ ،‬ﷺ ييام حماكميية‪ ،‬وقتييل االثنييني‬

‫وهو يف ال ريق إىل املدينة املنورة‪.‬‬

‫‪517‬‬
‫الترشيع اإلسالمي يف شأن األرسى وحقوقه‬

‫وبعد حل مشكلة األرسى جاء الترشيع اإلسالمي بأحكام حو قضية األرسى‪ ،‬هذه األحكام‬

‫بإجياز أن إمام املسلمني له احلق يف االختيار بني أربعة أمور‪:‬‬

‫‪ -‬إما املن بغف فداء‪،‬‬

‫‪ -‬وإما الفداء‪ ،‬وهذا الفداء قد يكون بام أو قد يكون بتعلي أو قد يكون بأسف مثله‪ ،‬أ ‪:‬‬

‫تباد أرسى‪،‬‬

‫‪ -‬وإما قتل ملجرمي احلرب أو املعاملة باملثل إن كان الكفار يقتلون املسلمني األسارى‪.‬‬

‫‪ -‬األمر الرابع‪ :‬االس قاا‪ :‬أن حيتفا باألسف رقيق ًا عنده إىل أجل حيدده اإلمييام‪ ،‬حسييب‬

‫ما يرى من احتياج املسلمني‪.‬‬

‫هذه أربعة أمور خيتار اإلمام منها ما يريد‪ ،‬وجيوز للحاك أن يتعاهد مع دولة ما أو موعة ميين‬

‫الدو ع طريقة معينة للتعامل مع األرسى‪ ،‬آتية كأن يتعاهد مع دولة ما أو مييع موعيية ميين‬

‫الدو أنه ليس هناك اس قاا‪ ،‬أو أنه ليس هناك قتل لألرسى‪ ،‬أو أنه ليس هنيياك كييذا أو كييذا‬

‫ع طريقة معينة ما دام الرشع يسمح ب را خمتلفة للتعامل مع األرسى‪.‬‬

‫ء مه جد ًا‪ ،‬وهو أنه إ ا احتف ت باألسف فييال بييد ميين إكرامييه ورعايتييه رعاييية‬ ‫لكن هناك‬

‫ون ال َّ حعيا حم حعي ح ح هبي ِه ِمسي ِكينًا‬


‫أخالقية سامية تليق بدين اإلسالم‪ ،‬قا اه عز وجل‪ } :‬حوي ِعم ح‬

‫حو حيتِ ًيام حو حأ ِس ًفا{ [اإلنسان‪.]8:‬‬

‫وقد زرع الرسو ﷺ هذه األخالا يف ال حابة من أو يوم كييان ي فيييه أرسى‪ ،‬فقييد قييا‬

‫الرسو ﷺ يف قضية األرسى‪( :‬استوصوا باألسارى خف ًا)‪ ،‬فلام سمع ال ييحابة لي بييذلوا‬

‫‪518‬‬
‫كل ما يملكون يف سبيل بذ اخلف لألسييارى‪ ،‬ختيييل! هييؤالء األرسى كييانوا منييذ أيييام قليليية‬

‫حياولون قتل املسلمني‪ ،‬ومع ل نيسي املسييلمون لي نامي ًا وتييذكروا قييو امل ي ف ﷺ‪:‬‬

‫(استوصوا باألسارى خف ًا)‪.‬‬

‫يقو أبو عزيز بن عمف ‪-‬وكان من أسارى بدر‪( :-‬كنت يف نفر من األن ار‪ ،‬فكانوا إ ا قييدموا‬

‫غداءه وعشاءه أكلوا التمر وأطعموين الرب لوصية رسو اه ﷺ) كييان عنييده خبييز بيير‪،‬‬

‫وكانوا يقدمون هذا اخلبز ع طعام التمرو ألنه أفضل عنده ‪ ،‬فكانوا يع ونه ال عام األفضييل‬

‫ويأخذون األقل يف الفضل تنفيذ ًا لوصية الرسو ﷺ‪ .‬فكان هذا ترصا األن ار هذا لييه أثيير‬

‫اه عنييه‬ ‫كبف جد ًا ع نفسية أيب عزيز بن عمف ‪ ،‬فام هي إال أيام بعد أن أطلق حت أسل ر‬

‫وأرضاه‪.‬‬

‫كذل أبو العاص بن الربيع كان من أسارى بدر‪ ،‬وهو زوج زينب ابنة الرسو ﷺ‪ ،‬ومع ل‬

‫كان أسف ًا من األرسى‪ ،‬فقا ‪( :‬كنت يف رهط من األن ار جزاه اه خف ًا‪ ،‬كنييا إ ا تعشييينا أو‬

‫تغدينا آثروين باخلبز وأكلوا التمر‪ ،‬واخلبز معه قليل والتمر زاده ‪ ،‬حتي إن الرجييل لتقييع يف‬

‫يده كرسة فيدفعها إل)‪ ،‬كل ل تنفيذ ًا لوصية الرسو ﷺ‪.‬‬

‫اه عنه‪ -‬من أسارى بدر‪ ،‬وكييان‬ ‫وكان الوليد بن الوليد بن املغفة ‪-‬أخو خالد بن الوليد ر‬

‫يقو مثل ل ويزيد‪ ،‬كان يقو ‪( :‬وكانوا حيملوننا ويمشون)‪ ،‬أ ‪ :‬لو رأوا واحد ًا منا متعب ًا أو‬

‫مريض ًا أو جرحي ًا محلوه ومشوا‪ ،‬فان ر إىل أ حد بلغ الرفق باألسف‪ ،‬هذا هو املنهج الذ جعل‬

‫اإلسالم يدخل يف قلوب الناس‪ ،‬فأسل أبو العاص بن الربيع ‪ ،‬وأسل أبييو عزيييز بيين عمييف ‪،‬‬

‫وأسل السانيب بن عبيد ‪ ،‬وأسل الوليد بن الوليد وهكذا‪.‬‬

‫كان هذا األثر اخلامس من آثار غزوة بدر‪ ،‬وعرفنا فيه الترشيع اإلسالمي يف قضية األسارى‪.‬‬

‫‪519‬‬
‫أثر غزوة بدر يف حماولة اغتيا النبي ﷺ وغزو املدينة‬

‫األثر السادس‪ :‬هو أن األزمة الضهمة التي مييرت اييا قييريا ميين أزميية سياسييية واقت ييادية‬

‫واجتامعية دفعتها إىل التفكف يف غزو املدينة املنييورة‪ ،‬بييل دفعتهييا إىل حماوليية قتييل الرسييو ﷺ‬

‫نفسه‪ ،‬وظهرت أكثر من حماولة منها‪:‬‬

‫واحدة كانت ليعمف بن وهب اجلمحي ‪ ،‬أرس ابنه يف غزوة بدر‪ ،‬فأراد أن يرجع ابنه‪ ،‬ويف نفييس‬

‫الوقت كان يكن يف قلبه حقد ًا كبف ًا ع رسو اه ﷺ‪ ،‬و ات يوم جلس مع صفوان بيين أمييية‬

‫يف احلجر يتذاكران سوي ًا أمر بدر‪ ،‬وكان صفوان بن أمية قييد قتييل أبييوه وأخييوه يف بييدر‪ ،‬فقييا‬

‫صفوان ‪( :‬واه إن يف العيا بعده خف‪ ،‬فقا له عمف ‪ :‬صدقت واه‪ ،‬أما واه لوال دين عيل‬

‫ليس له عند قضاء‪ ،‬وعيا أخش عليه الضيعة بعد لركبت إىل حممد حت أقتلييه‪ ،‬فييإن ل‬

‫قبله ع هلة ابني أسف يف أيدهي )‪ .‬إن عمف بن وهب سيدخل املدينة املنورة بسييهولةو ألن لديييه‬

‫أسف ًا هناك يريد أن يفتديه‪ ،‬فإ ا دخل قتل الرسو ﷺ‪ ،‬فاغتن صفوان الفرصيية وقييا ‪( :‬عي ي‬
‫ييل‬

‫دين أنا أقضيه عن ‪ ،‬وعيال مع عيال أواسيه مييا بقييوا) وهكييذا دفعييه دفعيية شييي انية إىل‬

‫الذهاب لقتل رسو اه ﷺ‪( ،‬فقا عمف ‪ :‬فاكت عني شأين وشأن ‪ .‬قا ‪ :‬أفعل)‪.‬‬

‫فقام عمف وأخذ سيفه وأحده جيد ًا ي‬


‫وسمه‪ ،‬وبالفعل أخذ نفسه وان لق إىل املدينة املنورة‪ ،‬وميير‬

‫اه عنه يتحدثون يف أمر بدر‪ ،‬منه عميير بيين اخل يياب ر‬ ‫موعة من ال حابة ر‬ ‫ع‬

‫اه عنه‪ ،‬وقد اشتهر عن عمر بفراسته الشديدة فقا ‪( :‬هذا الكلب عدو اه عمييف مييا جيياء إال‬

‫لرش) ودخل برسعة ع الرسو ﷺ وقا له‪( :‬يا نبي اه هذا عدو اه عمف قد جاء متوشييح ًا‬

‫ووضييعه عي‬ ‫سيفه‪ ،‬وقا ﷺ‪ :‬فأدخله عيل‪ ،‬قا ‪ :‬فل يببه بحاملة سيفه) يعني‪ :‬أمسي بالسييي‬

‫عميير بيين اخل يياب بييذل ‪ ،‬بييل قييا لرجييا ميين‬ ‫رقبته وأدخله ع الرسو ﷺ‪ ،‬ومل يكتي‬

‫‪520‬‬
‫األن ار‪( :‬ادخلوا ع رسو اه ﷺ فاجلسوا عنده‪ ،‬واحذروا عليه من هذا اخلبيث‪ ،‬فإنه غف‬

‫مأمون‪ ،‬ث دخل به)‪.‬‬

‫رأى الرسو ﷺ عمر بن اخل اب سك ًا بيعمف بن وهب ‪ ،‬فقا له‪( :‬أرسله يييا عميير ادن يييا‬

‫عمف) فدنا وقا ‪ :‬أنعموا صباح ًا‪ ،‬فقا النبي ﷺ‪( :‬قد أكرمنييا اه بتحييية خييف ميين حتيتي يييا‬

‫عمف) ث قا ‪( :‬ما جاء ب يا عمف ؟!) قا ‪( :‬جئت ذا األسييف الييذ يف أيييديك فأحسيينوا‬

‫يف عنق ؟) قا ‪( :‬قبحها اه من سيوا‪ ،‬وهييل أغنييت عنييا‬ ‫فيه)‪ ،‬فقا ﷺ‪( :‬فام بال السي‬

‫شيئ ًا؟) قا ﷺ‪( :‬أصدقني ما الذ جئت له؟) قا ‪( :‬مييا جئييت إال لييذل )‪ ،‬فقييا ﷺ‪( :‬بييل‬

‫قعدت أنت وصفوان بن أمية يف احلجر فذكرنا أصحاب القليب من قريا ث قلت‪ :‬لوال دين‬

‫عيل وعيا عند خلرجت حت أقتل حممد ًا‪ ،‬فتحمل صفوان دين وعيالي عي أن تقتلنييي‪،‬‬

‫واه حانيل بين وبني ل )‪ ،‬فل جيد عمف إال شيئ ًا واحد ًا‪ ،‬قا ‪( :‬أشهد أن رسييو اه! قييد‬

‫كنا يا رسو اه واه نكذب بام كنت تأتينا به من خرب السامء‪ ،‬وما ينييز عليي ميين الييوحي‪،‬‬

‫وهذا أمر مل حيرضه إال أنا وصفوان ‪ ،‬فواه إين ألعل ما أتاك به إال اه‪ ،‬فاحلمد ه الذ هييداين‬

‫لإلسالم وساقني هذا املساا) سبحان اه! أت من أجل أن يقتل الرسو ﷺ فكانييت النتيجيية‬

‫صحابة الرسو ﷺ‪ .‬ث حت يش يهد عمف بن وهب شييهادة‬ ‫أن دخل يف اإلسالم‪ ،‬وأصبح من أع‬

‫احلق ‪-‬شهد أنه ال إله إال اه وأن حممد رسو اه‪ -‬فقا ﷺ ألصحابه‪( :‬فقهوا أخاك يف دينه‪،‬‬

‫وأقرءوه القرآن‪ ،‬وأطلقوا له أسفه)‪.‬‬

‫ظل صفوان يف مكة املكرمة ينت ر خرب قتل الرسييو ﷺ‪ ،‬وكييان يقييو ألهييل مكيية‪( :‬أبرشييوا‬

‫بوقعة تأتيك اآلن تنسيك وقعة بدر)‪ ،‬وكان يسأ كل من قدم إىل مكة عيين عمييف بيين وهييب‬

‫صفوان أال يكلمه أبد ًا‪ ،‬واستمر فعي ً‬


‫ال خماصي ًام إىل‬ ‫حت أخربه ٍ‬
‫آت من املدينة أنه أسل ‪ ،‬فحل‬

‫اه عنه وأرضاه‪ ،‬فمع قليية مييا تعلمييه‬ ‫فتح مكة‪ ،‬لكن سنذكر أمر ًا إجيابي ًا ليعمف بن وهب ر‬

‫‪521‬‬
‫بعد إسالمه إال أنه قا ‪( :‬يا رسو اهو إين كنت جاهز ًا ع إطفاء نييور اه‪ ،‬شييديد األ ى مليين‬

‫كان ع دين اه عز وجل‪ ،‬وأنييا أحييب أن تييأ ن ل فأقييدم مكيية‪ ،‬فييأدعوه إىل اه تعيياىل وإىل‬

‫أصييحاب يف‬ ‫رسوله ﷺ وإىل اإلسالمو لعل اه هيدهي ‪ ،‬وإال آ يته يف دينه كام كنييت أو‬

‫دينه ) فأ ن له ﷺ‪.‬‬

‫وهكذا رجع عمف إىل مكة املكرمة‪ ،‬وبدأ يدعو إىل اه عز وجل فيها‪ ،‬وكان عمف من قبيلة قوية‬

‫اه عنه وأرضاه‪.‬‬ ‫تدع بني مجح‪ ،‬واست اعت أن حتميه يف هذا األمر‪ ،‬فقد كان سيد قومه ر‬

‫وجلس يدعو إىل اإلسالم حت فتح اه مكة‪ ،‬وكان له دور بعد فييتح مكيية يف إسييالم ال ييديق‬

‫اه عنه وأرضاه أمجعني‪.‬‬ ‫القدي له صفوان بن أمية ودخوله ح فة اإليامن‪ ،‬ر‬

‫هذه كانت أو حماولة لقتل الرسو ﷺ يف املدينة املنورة قامت اا قريا‪ ،‬وفشلت كام تييرون‪،‬‬

‫اه عنه‪.‬‬ ‫وانتهت بإسالم عمف بن وهب ر‬

‫املحاولة الثانية كانت حماولة ق فة قام اا أبو سفيان بن حرب زعي مكة بعد فقد مكيية لكييل‬

‫الزعامء السابقني‪ ،‬فقد قرر أبو سفيان بعد موقعة بدر قرار ًا‪ ،‬ونذر أوالً أال يمس رأسه ميياء ميين‬

‫جنابة حت يغزو حممد‪ ،‬وكان العرب يغتسلون من اجلنابيية قبييل اإلسييالم‪ ،‬فأقسي أال يغتسييل‬

‫م لق ًا حت يذهب إىل حممد ﷺ ويغزوه يف بلده ث أخذ أبو سفيان رأ قادة قريا بأن يوقفييوا‬

‫الترصا نام ًا يف أموا القافلة التي نجت يوم بدر‪ ،‬لكي جيهزوا اا جيشي ًا كبييف ًا لغييزو املدينيية‬

‫املنورة بعد ل ‪ ،‬لكن إىل أن يت هذا اجليا قرر أبو سفيان أن يقوم بعملية قرصنة ع املدينيية‬

‫املنورة حماول ًة لغزو رسيع وحتقيق بعا املكاسييب‪ ،‬ولرفييع ا ميية عنييد القرشيييني‪ ،‬ويف نفييس‬

‫الوقت إرجاع بعا ا يبة للدولة القرشية يف اجلزيرة العربية‪ ،‬فجمييع ‪ 200‬راكييب و هييب إىل‬

‫املدينة املنورة ليرب بيمينه وقسمه‪ .‬هب إىل املدينة املنورة‪ ،‬وخيياا أن يييدخلها هنييار ًا‪ ،‬فييدخلها‬

‫ليالً‪ ،‬واست اع أن يقتل رجلني من األن ار‪ ،‬وأخذ بعييا املاشييية وان لييق يف طريقييه إىل مكيية‬
‫‪522‬‬
‫راجع ًا‪ ،‬طبع ًا كانت حماوليية شييبه صييبيانية‪ ،‬معييه ‪ 200‬فييارس ومييع لي مل يسييت ع أن يلقي‬

‫املسلمني يف قتا ‪ ،‬بل حينام قتل االثنني أخذ نفسه وهرب برسعة‪.‬‬

‫اه عنييه‬ ‫عرا الرسو ﷺ أن أبا سفيان دخييل املدينيية املنييورة بالليييل‪ ،‬ومجييع ال ييحابة ر‬

‫وأرضاه وخرج برسعة يتبع أثر أيب سفيان ‪ ،‬لكن أبا سفيان است اع ا ييروب بجيشييه‪ ،‬وكييان‬

‫الس ِويق ‪-‬نوع من ال عام‪ ،‬خليط من احلن ة والشعف‪ -‬فألق الكفار هذا‬
‫معه أمحا كثفة من ح‬
‫ويست يعوا ا ييرب‪ ،‬ومجييع املسييلمون السييويق وأخييذوه كغييذاء‬ ‫ال عامو ليتهففوا من أمحا‬

‫احلجة سنة ‪2‬هييي أ ‪ :‬بعييد‬ ‫السويق‪ ،‬وكانت يف‬


‫للمدينة املنورة‪ ،‬وعرفت هذه الغزوة بغزوة ح‬
‫بدر بشهرين تقريب ًا‪ ،‬كانت هذه حماولة من حماوالت قريا كذل ‪.‬‬

‫أثر غزوة بدر يف األعراب حو املدينة‬

‫األثر السابع من آثار غزوة بدر أثر الغزوة ع األعراب حو املدينيية‪ .‬كانييت حييياة األعييراب‬

‫تقوم يف األساس ع السلب والنهب‪ ،‬فه ق اع طريق ول ييوص‪ ،‬وقيييام دعييوة أخالقييية يف‬

‫داخل دولة قوية مثل دولة اإلسالم قد حيجي ميين الرسييقات وق ييع ال ريييق الييذ يقييوم بييه‬

‫األعراب‪ .‬ملا انترص الرسو ﷺ يف غزوة بدر بدأ األعييراب يفكييرون يف حماوليية مجييع أنفسييه‬

‫للقيام بغزو املدينة املنورةو ملنع هذه القوة من التنامي‪ ،‬فإن هذه القوة لو كييربت فإهنييا سييتوق‬

‫نشا األعراب حو املدينة‪ ،‬فجمعت بنو سلي نفسها وبدأت تقرر غزو املدينة املنورة‪.‬‬

‫اه‬ ‫عرا الرسو ﷺ أن بني سلي جتمع األعداد لغزو املدينة‪ ،‬فأخييذ نفسييه وال ييحابة ر‬

‫عنه وأرضاه ‪ ،‬وان لقوا برسعة إىل بني سلي ‪ ،‬فلام رأى بنو سلي النبييي ﷺ قادمي ًا فييروا إىل‬

‫ء‪ ،‬وعاد ﷺ من بني سلي بكمية كبفة من الغناني ‪ ،‬مقدارها ‪ 500‬بعييف‬ ‫اجلبا وتركوا كل‬

‫وزعها ع جيا املدينة املنورة‪ ،‬وكان هذا يف شوا سنة ‪2‬هي أ ‪ :‬بعد الرجوع من بدر بحوال‬

‫‪523‬‬
‫سبعة أيام فقط‪ ،‬وكان فيها ن ير كبف للمسلمني‪ ،‬وازدادت الرهبة وا يبة للدولة اإلسالمية يف‬

‫اجلزيرة العربية‪ ،‬وع غرار غزوة بني سلي كان هناك أكثر من غزوة يف هذه السيينة التييي تلييت‬

‫غزوة بدر‪ ،‬هذا كان من أه اآلثار لغزوة بدر‪.‬‬

‫أثر غزوة بدر يف حت حغف ال كيبة السكانية داخل املدينة املنورة‬

‫هناك أثر ضه جد ًا وهانيل لغزوة بدر‪ ،‬وهو تغف ال كيبة السكانية داخل املدينة املنييورة‪ .‬قبييل‬

‫موقعة بدر كنا نقس الناس يف املدينة املنورة إىل مسلمني ومرشكني وهيود‪ ،‬فاملرشكون تغييفوا‪،‬‬

‫يعني‪ :‬إما صاروا مسلمنيو ألهن باإلسالم ودخلوا فيه ع اقتناع‪ ،‬وإمييا حتييو املشييركون إىل‬

‫منافقني‪ .‬ظهرت طانيفة جديدة ما كانت موجودة قبل هذا يف كل مراحل الدعوة النبوييية‪ ،‬ال يف‬

‫ف ة مكة وال يف أوانيل ف ة املدينة‪ ،‬وهي طانيفة املنافقني‪.‬‬

‫املنافقون ال ي هرون إال إ ا قويت شوكة اإلسالم واملسلمني‪ ،‬فلو رأيت املنافقني يكثرون فهذه‬

‫عالمة صحية‪ ،‬عالمة ع أن دولة اإلسالم أصبحت قوية‪ ،‬وقبل هذا كانت ضعيفة‪ ،‬فال يفكيير‬

‫أحد من املرشكني أن ينافقه ‪ ،‬لكن اآلن أصبحت دولة املسلمني قوييية‪ ،‬وبييدأت ت هيير طانيفيية‬

‫املنافقني القذرة‪ ،‬وع رأس هذه ال انيفة كان الرجييل الييذ كييان يكييره الرسييو ﷺ كراهييية‬

‫شديدة عبد اه بن أيب ابن سلو ‪ ،‬فبدالً من أن يكون زعي املرشكني يف املدينيية أصييبح زعييي‬

‫املنافقني يف املدينة املنورة‪.‬‬

‫أثر‬ ‫بعد بدر مبارشة أعلن هؤالء القوم إسالمه وأب نوا الكفر يف داخله ‪ ،‬وطبع ًا سيكون‬

‫يسء جد ًا ع املدينة املنورة وع املسلمني‪.‬‬

‫‪524‬‬
‫أثر غزوة بدر يف سي رة املسلمني العسكرية ع اجلزيرة العربية‬

‫األثر التاسع‪ :‬السي رة العسكرية الكبفة للمسلمني ع اجلزيييرة العربييية‪ ،‬فقييد اسييت اعوا أن‬

‫ي لوا إىل مناطق واسعة من اجلزيرة العربية‪ ،‬ويتضح هذا جيد ًا يف رسية زيد بن حارثيية ‪ ،‬هييذه‬

‫معها‪.‬‬ ‫الرسية ا ق ة يف منته الروعة ونحب أن نق‬

‫ملا ح لت السي رة الكاملة للمدينة املنورة ع من قة شام مكيية املكرميية من قيية ال ريييق إىل‬

‫الشام‪ ،‬بدأت قريا تفكر يف حل ل ريق التجييارة إىل الشييامو ألن التجييارة إىل الشييام وقفييت‪،‬‬

‫وهي ع ب حياة أهل مكة‪ ،‬فاجتمعوا اجتامع ًا كبف ًا‪ ،‬وكان صفوان بن أمية يف هذه السيينة هييو‬

‫قانيد احلملة التي ستذهب إىل الشام‪ ،‬فقا صفوان بن أمية ‪( :‬إن حممد ًا وصييحبه عييوروا علينييا‬

‫ن يينع بأصييحايب وهي ال يربحييون السيياحل؟ وأهييل السيياحل قييد‬ ‫متجرنا‪ ،‬وال ندر كي‬

‫وادعوه ‪ ،‬ودخل عامته معه ‪ ،‬فام ندر أين نسل ؟ وإن أقمنا يف دارنييا هييذه أكلنييا رءوس‬

‫وإىل اليييمن يف‬ ‫أموالنا فل يكن ا من بقاء‪ ،‬وإن حياتنا بمكة ع التجارة إىل الشام يف ال ييي‬

‫الشتاء)‪ .‬فقام األسود بن عبد امل لب وقا لي فوان وملن معه ميين املشييركني‪( :‬اتييرك طريييق‬

‫الساحل وخذ طريق العراا)‪ .‬ومعلوم أن طريق العراا طريييق طويييل جييد ًا خيي ا نجييد ًا إىل‬

‫الشام‪ ،‬ويمر برشا املدينة‪ ،‬لكن ع بعد كبف جد ًا منها‪ ،‬وقريا نفسها ال تعرا هذه ال ريق‪،‬‬

‫فهي حتتاج إىل دليل ماهر حت يعرب اا هذا ال ريق الوعر لي لوا إىل الشام‪ .‬وافقت قريا ع‬

‫هذا الرأ ‪ ،‬واختارت ا دلي ً‬


‫ال اسمه فرات بن حيان من بني بكر بن وانيييل‪ ،‬ليوصييله للشييام‬

‫عن طريق نجد‪.‬‬

‫خرجت عف قريا بقيادة صفوان بيين أمييية ‪ ،‬وأخييذت ال ريييق اجلديييد‪ ،‬ونقلييت املهييابرات‬

‫اإلسالمية األخبار إىل املدينة املنورة‪ ،‬وبرسعة جهز الرسو ﷺ رسية ع رأسها زيد بن حارثة‬

‫اه عنه‪ ،‬قوام هذه الرسية مانية راكب‪ ،‬وان لقوا برسعة لق ع ال ريق ع القافلة‪ ،‬فهرب‬ ‫ر‬
‫‪525‬‬
‫صفوان بن أمية ومن معه من حراس القافلة‪ ،‬وتركوا دليييل القافليية فييرات بيين حيييان فأخييذه‬

‫املسلمون أسف ًا وأخذوا القافليية بكاملهييا‪ ،‬فكانييت غنيميية كبييفة جييد ًا‪ ،‬كانييت حتمييل األواين‬

‫دينييار‪ ،‬وقسييمت عي أفييراد‬ ‫والفضة للتجارة يف الشام‪ ،‬وقدرت قيمة هذه القافلة بامنييية ألي‬

‫الرسية بعد أن أخذ منها الرسو ﷺ اخلمس‪ .‬بعد ل أسل فرات بن حيان ‪ ،‬فكانييت رضبيية‬

‫يف منته القوة لقريا‪ ،‬وكانت مأساة شديدة ونكبة كبفة أصابت قريش ًا بعد بدر‪ ،‬كان هييذا يف‬

‫مجاد اآلخرة سنة ‪3‬هي‪ ،‬أ ‪ :‬بعد حوال عرشة أشييهر ميين غييزوة بييدر‪ ،‬معني هييذا‪ :‬أن سييي رة‬

‫املسلمني ع اجلزيرة العربية مل تكن عابرة‪ ،‬بل كانت مستمرة‪.‬‬

‫جعل قريش ًا تتحرك جوم كاسح شييامل عي املدينيية املنييورة‪ ،‬وهييذه سييتكون‬ ‫إن هذا املوق‬

‫مقدمات غزوة أحد‬

‫أثر عزوة بدر ع اليهود‪.‬‬

‫تعلمون أن داخل املدينة املنورة ثالث قبانيل هيودية‪ :‬قبيليية بنييي قينقيياع‪ ،‬وقبيليية بنييي النضييف‪،‬‬

‫‪ :‬هيود خيرب‪ ،‬وقد عمييل‬ ‫وقبيلة بني قري ة‪.‬ويف شام املدينة املنورة جتمع ضه لليهود يقا‬

‫الرسو ﷺ معاهدة مع اليهود‪ ،‬وحاو اليهود مرار ًا وتكرار ًا حاولوا أن خيالفوا هذه املعاهييدة‬

‫وأن ينقضوا امليثاا‪ ،‬وحتدثوا كثف ًا بالسوء عن ال حابة وعيين رسييو اه ﷺ‪ ،‬بييل وعيين رب‬

‫العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬وت اولوا كثف ًا يف هذه الكلامت‪ ،‬ولكن الرسو ﷺ كان يضبط النفس‬

‫وحياو التحك قدر املست اع يف أع اب ال حابة‪ ،‬لكي يمنعه من ال دام مع اليهييودو ألن‬

‫الوضع ما زا مض رب ًا داخل املدينة املنورة‪.‬‬

‫وبعد انت ار الرسو ﷺ ع قريا يف بدر عاد إىل املدينة املنورة وهو يرفع رأسييه بعييزة وقييوة‬

‫اجلزيرة العربية‪ ،‬لكن كان رد فعل اليهود غريب ًا‪ ،‬فقد مجع الرسييو‬ ‫وبأس‪ ،‬وأرهب ل مع‬

‫‪526‬‬
‫غبية ال غيييان‬
‫ﷺ بداية دخوله املدينة املنورة مجع اليهود ‪-‬هيود بنييي قينقيياع‪ ،‬وحييذره ميين حم ي‬
‫‪( :‬يا معرش هيود أسلموا قبييل أن ي يييبك مييثلام‬ ‫واملهالفة املستمرة التي كانوا عليها‪ ،‬وقا‬

‫إن قريش ًا‬ ‫أصاب قريش ًا)‪ ،‬وبال بع هو ال يكرهه ع اإلسالم أو ع اإليامن‪ ،‬ولكن يقو‬

‫ملا ظهرت ع أمر اه عز وجل أ ا اه عز وجل‪ ،‬وهذا له بوادر وظييواهر عنييد اليهييود‪ ،‬فهي‬

‫خيالفون ب ورة مستمرة ويسيئون األدب مع األنبياء ومع رب العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬لكن رد‬

‫فعل بني قينقاع كان عنيف ًا جد ًا‪ ،‬قالوا‪( :‬يا حممد ‪-‬ﷺ‪ -‬ال يغرن من نفس أني قتلييت نفيير ًا‬

‫من قريا كانوا أغامر ًا ال يعرفون القتا ‪ ،‬إن لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس‪ ،‬وأن لن تلق‬

‫مثلنا)‪ .‬هذا إعالن رصيح من اليهود وهتديد واضح ميين اليهييود بيياحلرب عي رسييو اه ﷺ‬

‫احلرب بني ال انيفتني‪ ،‬بييل وجتعييل واجبي ًا عي‬ ‫وع املؤمنني‪ ،‬وقد عرفنا املعاهدة التي اا ك‬

‫اليهود أن ينارصوا املسلمني يف حرا ضد من يغزو املدينيية املنييورة سييواء ميين قييريا أو ميين‬

‫غفها‪ ،‬لكن اآلن بدأ انشقاا كبف داخل املدينة املنورة‪ ،‬وأعلنوا اسييتعداده حلييرب الرسييو‬

‫ﷺ وهددوه وتوعدوهو ضعوا كل هذا بجانبو الذكريات القديمة لليهييود يف خييال السيينتني‬

‫املاضيتني من التكذيب املستمر واالدعاء بالباطل ع املسلمني وع آيات اه عز وجل وعي‬

‫احلبيب ﷺ‪.‬‬

‫عندما قابل كان اليهود النبي ﷺ اذا الكالم‪ ،‬أنز اه عز وجل آيات بينييات توضييح العالقيية‬

‫بني اليهود واملسلمني يف مرحلة قادمة‪ ،‬وهي آيات أنزلت يف هيود بني قينقاع‪ ،‬قا تعيياىل‪{ :‬قيل‬

‫ون إِ حىل حج حهنَّ ح حوبِيئ حس املِ حهياد} [آ عمييران‪ ،]12:‬وخيييرب اه بنييي‬ ‫ون حوحت حرش ح‬ ‫لِ َّل ِذي حن حك حفروا حستغ حلب ح‬

‫حني ال حت حقتحا فِ حئي هة ت حقاتِيل ِيف حسيبِ ِ‬


‫يل اهَِّ‬ ‫حان حلك آ حي هة ِيف فِ حئت ِ‬
‫قينقاع أن يتع وا بام حدث يف لقريا‪ { :‬حقد ك ح‬

‫رب ًة ِألو ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫حرصيه حمين حي حشياء إِ َّن ِيف ح لي ح حلعي ح‬
‫ني واهَّ ي حؤيد بِن ِ ِ‬
‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حوأخ حرى كحاف حر هة حي حرو حهن مث حلي ِه حرأ ح ال حع ِ ح‬

‫‪527‬‬
‫األحب ح ِ‬
‫ار} [آ عمران‪ ،]13:‬لكن كانت ب انير اليهود م موسة نام ًا‪ ،‬فل يفقهوا هذه اآليييات‬

‫ومل هيتموا اا‪.‬‬

‫إىل هنا‪ ،‬بييل إنييه ت يياعد‬ ‫املوق‬ ‫الذ كان بني اليهود وبني املسلمني‪ ،‬ومل يق‬ ‫هذا هو املوق‬

‫أكثره‪ ،‬فقد حدث أن امرأة من املسلمني قدمت إىل سوا بني قينقاع‪ ،‬وجلست إىل أحد ال اغة‬

‫وجهها‪ ،‬أ ‪ :‬حييياولون أن يقنعوهييا بييأن‬ ‫منه‪ ،‬فجعلوا يريدوهنا ع كش‬ ‫اليهود تبيع وتش‬

‫وجهها‪ ،‬فرفضت املرأة ل ‪ ،‬فأت أحد اليهود من ورانيها وربط طرا ثواا يف رأسييها‬ ‫تكش‬

‫دون أن تنتبه‪ ،‬فعندما وقفت انكشفت سوءهتا فرصخت‪ ،‬فجاء مسييل وقتييل اليهييود الييذ‬

‫فعل ل ‪ ،‬فاجتمع هيود بني قينقاع ع املسل وقتلوه‪ ،‬فكانييت بييوادر أزميية ضييهمة جييد ًا يف‬

‫داخل املدينة املنورةو حيث إن قبيلة بني قينقاع اجتمعت ع قتل املسل بعد أن قامت بجريميية‬

‫عورة املرأة املسلمة‪ ،‬ووصل األمر إىل رسو اه ﷺ‪ ،‬فبمجرد أن وصل إليه األميير مجييع‬ ‫كش‬

‫اه عنه وأرضاه وجهز اجليا وان لييق مبييارشة إىل ح ييون بنييي قينقيياع‪،‬‬ ‫ال حابة ر‬

‫وحارص هيود بني قينقاع فيها‪ ،‬وأرص ﷺ ع استكام احل ار حت ينز اليهود ع أمره‪.‬‬

‫عورة امرأة مسييلمة واحييدة‪ ،‬وإنييه‬ ‫هكذا حرك الرسو ﷺ هذا اجليا بأكمله من أجل كش‬

‫يف أماكن كثييفة ميين العييامل‪ ،‬بييل‬ ‫ليحز يف نفس اإلنسان اآلن أن يرى عورات املسلامت تكش‬

‫وتنته احلرمات إىل درجة القتل واالعتداء ع املرأة‪ ،‬وإىل درجة أمور يستحي اإلنسييان ميين‬

‫كرها‪ ،‬حت ل كل هذه األشياء وال تتحرك جيوش املسلمني‪ .‬حرك الرسو ﷺ حييرك جيشي ًا‬

‫عورة امرأة مسلمة واحدة‪ ،‬هذه هي عزة الدوليية اإلسييالمية وكرامتهييا‪،‬‬ ‫كام ً‬
‫ال من أجل كش‬

‫فإنه ح ل نوع من االمتهان ذه الكرامة اذه العملية الفاجرة من اليهود‪ ،‬وأخذ الرسييو ﷺ‬

‫أخذ املوضوع بمنته اجلدية‪ ،‬وان لق بجيشه إىل ح ار بني قينقاع مييع احييتام سييقو دميياء‬

‫كثفة نتيجة القتا بينه وبني بني قينقاع‪ ،‬وتعرفون أن بني قينقاع من أصحاب السالح والقالع‬

‫‪528‬‬
‫واحل ون والبأس الشديد يف احلرب‪ ،‬لكن مع هذا كله رأى رسييو اه ﷺ أن كييل لي هييو‬

‫ثمن بسيط جد ًا جد ًا أمام حفا كرامة الدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫شوا سنة ‪ 2‬هجرية‪ ،‬يعني‪ :‬بعد غزوة بدر بأقييل ميين‬ ‫بالفعل بدأ احل ار يوم السبت يف ن‬

‫القعييدة‪ ،‬وقييذا اه‬ ‫شهر‪ ،‬وحارص النبي ﷺ بني قينقاع أسبوعني بالتامم‪ ،‬حت ظهر هال‬

‫عز وجل الرعب يف قلوب اليهود فنزلوا ع حك الرسو ﷺ‪ ،‬وكان حك الرسو ﷺ فيه‬

‫وجييه املييرأة املسييلمة وال لقتييل‬ ‫ذه املهالفة الشنيعة التي فعلوها‪ ،‬وليس فقط لكشي‬ ‫قتله‬

‫املسل ‪ ،‬بل ل اكامت طويلة جد ًا‪ ،‬فييإن اليهييود يف خمالفييات مسييتمرة منييذ أن دخييل النبييي ﷺ‬

‫املدينة‪ ،‬ويف سب علني ه ولرسوله الكري ﷺ‪ ،‬وسب لل حابة‪ ،‬وإثارة للفتن بني املسييلمني‪،‬‬

‫فكان البد أن تكون هناك وقفة من الرسو ﷺ‪.‬‬

‫إن هذا يعرفنا ع واقعية املنهج اإلسالمي‪ ،‬فالرسو ﷺ رأى يف هذه اللح ة أن قوة املسلمني‬

‫مييع موقي‬ ‫تسمح بردع قوة اليهود‪ ،‬فقام ﷺ بح ار اليهود وقتا ‪ ،‬ولو قارنا هييذا املوقي‬

‫اه عنه أمجعييني‪ ،‬فإنييه عنييدما‬ ‫سابق مر بنا يف ف ة مكة‪ ،‬وهو قتل سمية أم عامر بن يارس ر‬

‫قتلت سمية اكتف رسو اه ﷺ بأن قا ‪( :‬صييرب ًا آ يييارس فييإن موعييدك اجلنيية)‪ ،‬ومل حيييرك‬

‫موعة الشباب املسل املوجود يف ف ة مكة لقتا أيب جهل و ألنه يعرا أن القوة اإلسالمية ال‬

‫تسمح اذا األمر يف ل الوقتو من أجل ل مل يق الرسو ﷺ اذا اإلجراء يف ف ة مكيية‪،‬‬

‫لكن اآلن قد أ ن بالقتا ‪ ،‬بل فرع ع املسلمني‪ ،‬وقوة املسلمني تسمح‪ ،‬فاختار الرسييو ﷺ‬

‫هذا القرار‪ .‬فإ ا أردنا أن نتأس به ﷺ يف عالقتنا مع املرشكني أو مع اليهود أو مع أعداء األميية‬

‫ب فة عامة‪ ،‬علينا أن ندرس جيد ًا ال را الذ أخذ فيه ﷺ القرار أي ًا كان هذا القرار‪.‬‬

‫نز اليهود ع حك الرسو ﷺ وخرجوا من ح وهن ‪ ،‬والقرار كان قتل بنييي قينقيياع‪ ،‬هنييا‬

‫جاء وكان عبد اه بن أيب ابن سلو قد أسل منذ أيام قليلة‪ ،‬أ ‪ :‬مل يما عي إسييالمه شييهر‪،‬‬
‫‪529‬‬
‫وكان حليف ًا لبني قينقاع‪ ،‬ف لب من رسو اه ﷺ أن حيسن يف مواليه يف بنييي قينقيياع‪ ،‬فييرفا‬

‫الرسو ﷺو ألن هذه جريمة عسكرية كربى وفتنة كبفة حتدث يف املدينيية‪ ،‬والرسييو ﷺ قييد‬

‫أخذ القرار‪ ،‬فكرر ابن أيب ال لب مرة وثانية وثالثة‪ ،‬ث أدخل يده يف جيب درع رسييو اه ﷺ‬

‫الذ لبسه أثناء احلرب‪ ،‬فقا له رسو اه ﷺ‪( :‬أرسلني)‪ ،‬وغضب ﷺ غضب ًا شييديد ًا وقييا‬

‫له‪( :‬وحي أرسلني)‪ ،‬لكن املنافق عبد اه بن أيب أرص ع إمساك الرسو ﷺ‪ ،‬وقا ‪) :‬ال واه‬

‫ال أرسل حت حتسن يف موال‪ ،‬أربعامنية حارس وثالثامنية دارع‪ ،‬قد منعوين من األمحر واألسييود‬

‫وحت ده يف غداة واحدة‪ ،‬إين واه امرؤ أخش الدوانير(‪ .‬هكذا قا بمنته الترصيح‪.‬‬

‫عبد اه بن أيب كان حليف ًا لبني قينقاع‪ ،‬وبنو قينقاع فيه جيا قوامه ‪ 700‬رجل‪ 400 ،‬حييارس‬

‫و‪ 300‬دارع‪ ،‬أ ‪ 400 :‬من غف دروع‪ ،‬و‪ 300‬عليه دروع احلرب‪ ،‬هؤالء السبعامنية قد منعوا‬

‫عبد اه بن أيب ‪-‬كام يقو هو‪ -‬من األمحر واألسود‪ ،‬فهي القوة العسييكرية الرنييسييية املسيياعدة‬

‫ليعبد اه بن أيب زعي اخلزرج قبل أن يأيت الرسو ﷺ‪ ،‬فقد كانوا يمنعونه من األمحر واألسود‬

‫أ ‪ :‬من كل الناس‪ ،‬والرسو ﷺ قرر أن يقتله مجيع ًا يف حل ة واحدة‪ ،‬لكن ابن أيب يقو ‪ :‬إين‬

‫واه امرؤ أخش الدوانير‪ ،‬أ ‪ :‬تدور الدوانير بعد ل ع املدينة فلن ألقي شه ي ًا حيمينييي‪،‬‬

‫ل ومل يفكر يف الرسو ﷺ‪ ،‬ومل يفكر يف اجليا اإلسالمي‪ ،‬ومل يفكيير يف انتامنيييه‪ ،‬بييل إن‬ ‫قا‬

‫كل تفكفه كان يف عقانيده اجلاهلية التي كان عليها‪ ،‬فعالقتييه بيياليهود كانييت أشييد توثيقي ًا ميين‬

‫عالقته برسو اه ﷺ‪ ،‬ومع ل كان الرسو ﷺ يعذرهو ألن إسالمه مل يييز حييديث ًا‪ ،‬وكييان‬

‫يؤمل كثف ًا يف إسالمه خاصة أن وراءه موعة كبفة من الناس‪ ،‬فعاملييه ﷺ باحلسيين يف هييذا‬

‫عليه أن ي كوا املدينة املنورة بأكملها‪ ،‬فقبييل‬ ‫املوق ‪ ،‬وقبل منه أن يفتد هؤالء‪ ،‬ولكن اش‬

‫اليهود بذل ‪ ،‬وخرجوا من املدينة املنورة إىل من قة تسم أ رعات بالشييام‪ ،‬ويقييا ‪ :‬إهني قييد‬

‫هلكوا بعد ف ة وجيزة هناك‪ ،‬واذا انتهت ق ة بني قينقاع من املدينة املنورة‪.‬‬

‫‪530‬‬
‫بعا مالمح غزوة بني قينقاع‬

‫هييذه الوقفيية‬ ‫ظهر لنا يف ق ة بني قينقاع بعا املالمح‪ .‬أوالً‪ :‬الرسو ﷺ مل يست ع أن يقي‬

‫اجلادة القوية مع اليهود إال بعد أن اطمأن عي قييوة اجليييا واالقت يياد والدوليية اإلسييالمية‪،‬‬

‫بحيث إن السوا اإلسالمي أصبح قوي ًا وموجود ًا وله حضور يف املدينة املنييورة‪ ،‬وتعلمييون أن‬

‫كل التجارة كانت يف سوا بني قينقاع‪ ،‬فإ ا كانييت التجييارة معتمييدة اعييتامد ًا كييام ً‬
‫ال عي بنييي‬

‫سيكون احلا داخل املدينة املنييورة؟ لييذل فييإن‬ ‫قينقاع‪ ،‬وبعد ل خرجوا إىل الشام‪ ،‬فكي‬

‫الرسو ﷺ أمن نفسه من هذا األمر ميين أو يييوم نييز فيييه املدينيية املنييورة‪ ،‬وعمييل السييوا‬

‫اإلسالمي‪ ،‬وصار املاء ملك ًا للمسلمني بعد أن كان ملك ًا لليهود‪ ،‬وقد تكلمنا ع بئر رومة قبل‬

‫ل يف الدروس املاضية من العهد املدين‪.‬‬

‫إن اجليا املسل جيا معتمد ع أفراده نامي ًا ال يعتمييد عي معونييات خارجيية عيين املدينيية‬

‫املنورة‪ ،‬بل يعتمد ع املهاجرين واألن ار‪ ،‬ليس مثل عبد اه بن أيب الذ يعتمد عي اليهييود‬

‫يف محايته‪ ،‬وهذا الوضع شجع الرسو ﷺ ع أن يأخذ قرار احلرب بسهولة‪.‬‬

‫الرد الرسيع ع بني قينقاع وعدم التساهل فيام فعلوه مع املرأة املسلمة‬

‫عليه يف غزوة بني قينقاع‪ :‬أن الرسييو ﷺ مل ييير التسيياهل م لقي ًا مييع‬ ‫امللمح الثاين مه لنق‬

‫الذ فعلوه مع املرأة املسلمة ومع الرجل املسل الذ قتلو ألن فعله‬ ‫اليهود بعد هذا املوق‬

‫كان خمالفة رصحية للمعاهدة التي بينه وبينه ‪ ،‬ولو سكت ﷺ ع خمالفة اليهود للمعاهدة مييرة‬

‫ثانية وثالثة وأكثر من ل ‪-‬لزاد اليهود من ت او ‪ ،‬وبالتال يبدءون الدخو يف مرحلة ثانييية‬

‫من االستهزاء بالدولة اإلسييالمية وبكرامتهييا‪ ،‬وعنييدما يكييون هنيياك تسيياهل بيياألمر اجلديييد‬

‫سيعملون أشياء أخرى أكثر وأكثر‪ ،‬وحدود اليهود ليست ا هناية‪.‬‬

‫‪531‬‬
‫ورأينا هذا الفعل من اليهود سواء يف السابق أو يف الالحق‪ ،‬وسن ل نييراه ميين اليهييود إىل يييوم‬

‫اليهييود القييوانني‬ ‫القيامةو ألن هذه طبيعة ميين طبييانيع اليهييود‪ .‬ففييي العرصي احلييديث خييال‬

‫اإلسالمية‪ ،‬وبدءوا با جرة إىل فلس ني وكانت ا جرة إىل فلسي ني نوعيية عليييه ‪ ،‬وسييكت‬

‫املسلمون‪ ،‬وبعد ل نل اليهود االقت اد الفلس يني يف داخييل فلسي ني بكاملهييا‪ ،‬كييذل‬

‫يف داخل فلس ني‪ ،‬كذل سييكت‬ ‫املسلمون مل حيركوا ساكن ًا‪ ،‬واستقدم اليهود السالح اخلفي‬

‫املسلمون عن ل ‪ ،‬واسييتقدم اليهييود السييالح الثقيييل يف داخييل فلسي ني‪ ،‬وكييذل سييكت‬

‫املسلمون عن ل ‪ ،‬ث جاء قرار األم املتحدة بتقسي فلس ني بني اليهود واملسلمني‪ ،‬وكذل‬

‫السكوت هو السانيد‪ ،‬فقامت إرسانييل سنة ‪ 1948‬ث قامييت حييرب سيينة ‪ ،1956‬ثي قامييت‬

‫احلرب سنة ‪ ،1967‬ث أشعلت حرب سنة ‪ 1982‬ضد لبنان وهكذا كلام نسكت يأخذ اليهييود‬

‫من قة أكرب‪ ،‬كنا ن الب بالعودة إىل حدود التقسييي ‪ ،‬وبعييد لي ن الييب بييالعودة إىل حييدود‬

‫‪ ،1967‬وبعد لي ن الييب بييالعودة إىل حييدود االنتفاضيية‪ ،‬واآلن اليهييود يعملييون اجلييدار‪،‬‬

‫وسن الب بالعودة إىل حدود اجلدار‪ ،‬وهكييذا تسيياهل وراء تسيياهل وراء تسيياهل‪ ،‬حتي أد‬

‫للذ نراه اآلن‪ .‬لذل جتنب الرسو ﷺ كل هذه املأساة‪ ،‬وأخذ قرار ًا حاس ًام ورسيع ًا بح ييار‬

‫بني قينقاع‪ ،‬وعقاا بال ريقة التي رشعت يف املعاهدة التي بينه وبينه قبل ل بسنتني‪ .‬هييذا‬

‫هو الوضع احلاس الذ علمنا إياه الرسو ﷺ‪.‬‬

‫قوة العالقة بني اليهود واملنافقني‬

‫امللمح الثالث من مالمح غزوة بني قينقاع‪ :‬قوة العالقة بني اليهود وبني املنافقني من املسلمني‪،‬‬

‫املنافقون أسامؤه إسالمية وصفاهت إسالمية وشكله إسالمي‪ ،‬لكن يتعيياملون مييع اليهييود‬

‫بمنته احلمية والقوةو ألهن يب نون الكفر وي هرون اإلسالم‪ ،‬واستغل اليهود هذه العالقة يف‬

‫أيام الرسو ص ﷺ‪ ،‬واستغلوها بعد وفاة الرسييو ﷺ وإىل زماننييا اآلن وإىل يييوم القياميية‪،‬‬

‫‪532‬‬
‫فالعالقة وطيدة وأكيدة بني اليهود واملنافقني‪ ،‬وقد كر اه عز وجل ل يف كتابه بتعبف غريب‬

‫اهن ا َّل ِذي حن حك حفروا ِمين‬


‫إلخ حو ِ ِ‬
‫ون ِ ِ‬
‫وواضح جد ًا‪ ،‬قا سبحانه وتعاىل‪ { :‬حأ حمل تحر إِ حىل ا َّل ِذي حن نحا حفقوا حيقول ح‬

‫حاب حل ِئن أخ ِرجت حلنحهر حج َّن حم حعك } [احلرش‪ ]11:‬إىل آخر اآليات‪ ،‬فجعل اه عز وجل‬ ‫حأه ِل ال ِكت ِ‬

‫املنافقني إخوان ًا للذين كفروا من أهل الكتاب‪ ،‬فهذا األمر واضح جييد ًا يف كتيياب رب العيياملني‬

‫الرسو ﷺ من‬ ‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬وواضح من خ وات السفة النبوية كام ترون‪ .‬هذا هو موق‬

‫بني قينقاع‪.‬‬

‫أمر النبي ﷺ بقتل كعب بن األرشا‬

‫يف هذه الف ة أيض ًا ما فعله ﷺ مع رجل ميين هيييود بنييي النضييف‪ ،‬كييان هييذا‬ ‫شبيه اذا املوق‬

‫الرجل يقود حرب ًا رضوس ًا ضد املسلمني‪ ،‬ليس كل القبيلة يقودون هذه احلرب‪ ،‬وإنام هو واحد‬

‫منها كان اسمه كعب بن األرشا‪ ،‬وهو من قادة بني النضف وزعامنيها‪ ،‬هذا الرجل كان يرصييح‬

‫بسب اه عز وجل وبسب رسوله الكري وكان شاعر ًا يد ًا ينشد األشعار يف هجاء ال ييحابة‬

‫بذل األمر‪ ،‬ولكنه هييب ليؤلييب القبانيييل عي الدوليية‬ ‫اه عنه وأرضاه ‪ ،‬ومل يكت‬ ‫ر‬

‫اذا األمر‪ ،‬بل هب إىل مكة املكرمة‪ ،‬وأ يلب قريش ًا ع املسييلمني‪ ،‬وبييدأ‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ومل يكت‬

‫يتذاكر معه قت املرشكني يف بدر‪ ،‬بل إنه فعل ما هو أشد من ل وأنك ‪ ،‬وتعلمون أنييه ميين‬

‫اليهود وهو يعل أن الرسو ﷺ رسو من عند رب العاملنيو سأله القرشيييون وهي يعبييدون‬

‫األصنام‪ ،‬قالوا‪( :‬أديننا أحب إلي ‪ ،‬أم دين حممييد وأصييحابه‪ ،‬وأ الفييريقني أهييدى سييبيالً؟)‬

‫ال)‪ ،‬ويف ل أنز اه عز وجييل‪ { :‬حأ حمل حتي حر إِ حىل َّالي ِذي حن أوتيوا‬
‫فقا الكافر‪( :‬أنت أهدى منه سبي ً‬
‫ون لِ َّل ِذين حك حفروا هؤ ِ‬
‫الء حأهدح ى ِمي حن َّالي ِذي حن‬ ‫ت وال َّ اغ ِ‬
‫وت حو حيقول ح‬ ‫ون بِ ِ ِ‬
‫حاب يؤ ِمن ح‬
‫حن ِ ي ًبا ِم حن ال ِكت ِ‬
‫ح‬ ‫ح‬ ‫اجلب ح‬
‫آ حمنوا حسبِ ًيال} [النساء‪.]51:‬‬

‫‪533‬‬
‫ل أمور ًا خترج عن‬ ‫كعب بذل ‪ ،‬بل زاد ع‬ ‫هذا الكالم شجع قريش ًا ع احلرب‪ ،‬ومل يكت‬

‫ف رة العرب وأدا ب فة عامة‪ ،‬سواء كانوا يف اإلسالم أو يف اجلاهلية‪ ،‬بدأ يتحدث بالفاحشة‬

‫اه عنه وأرضاه أمجعييني‪ .‬كعييب بيين األرشا ارتكييب‬ ‫يف أشعاره عن نساء ال حابة ر‬

‫عدة جراني ضهمة‪ ،‬سب اه عز وجل‪ ،‬وسب رسوله الكري ﷺ‪ ،‬وهج ال حابة‪ ،‬وهجي‬

‫ال حابيات بأفحا الكالم‪ ،‬وحرع قريش ًا ع االنتقام لقتالهييا يف بييدر‪ ،‬وكييل هييذا خمالفيية‬

‫رصحية للمعاهدة بينه وبني الرسو ﷺو ألنه كان يف املعاهدة‪ :‬أال جتار قريا وال تنرص عي‬

‫املسلمني‪ ،‬فكل هذه األشياء جعلت الرسو يأخييذ قييرار ًا يف منتهي احلسي بقتييل كعييب بيين‬

‫األرشا‪ ،‬فقا ﷺ‪( :‬من لي كعب بن األرشاو فإنه آ ى اه ورسوله)‪ ،‬فقام حممد بيين مسييلمة‬

‫اه عيينه أمجعييني‪،‬‬ ‫وعباد بن برش وأبو نانيلة واحلييارث بيين أوس و موعيية ميين األوس ر‬

‫وقرروا القيام اذا األمر‪ ،‬وبالفعل خرجت هذه الرسية و هبت إىل كعب بن األرشا وب ريقة‬

‫فيها تف يل ال يسمح املجا بذكره هنا‪ ،‬است اعوا أن يستهرجوا كعب بن األرشا بحيلة من‬

‫داخل ح نه‪ ،‬وقاموا بقتله كام أمر الرسو ﷺ‪ ،‬وبذل ختل ت الدولة اإلسييالمية ميين أحييد‬

‫ألد أعدانيها كعب بن األرشا‪.‬‬

‫النبي ﷺ من هيود بني قينقاع وقتل كعب بن األرشا‬ ‫تعليقات ع موق‬

‫هناك تعليقان ع هذا املوق ‪:‬‬

‫التعليق األو ‪ :‬أن الرسو ﷺ قتل كعب بن األرشا وحده دون قبيلته‪ ،‬بينام أخرج قبيلة بنييي‬

‫قينقاع بكاملها عندما خالفت‪ ،‬فالفرا بني املييوقفني‪ :‬أن قبيلية بنييي قينقيياع أوالً كانييت جتيياهر‬

‫بعد بدر كان واضح ًا‪ ،‬ورصاعها مع الرسو ﷺ كان معلن ًا‪ ،‬بينام قبيلة‬ ‫بالعداء كقبيلة‪ ،‬واملوق‬

‫بني النضف مل جتاهر اذا العداء إىل هذه اللح ة‪ ،‬بل بعييد قتييل كعييب بيين األرشا جيياءت إىل‬

‫الرسو ﷺ تقر العهد وت يل املدة‪ .‬الفرا بني القبيلتني‪ :‬أن قبيليية بنييي قينقيياع كانييت معادييية‬
‫‪534‬‬
‫كقبيلة كاملة‪ ،‬واألخرى أحد أفراد القبيلة هو الذ كان يعاد ‪ ،‬والسيئة عنييد الرسييو ﷺ ال‬

‫تع ‪.‬‬

‫كعب بن األرشا‪ :‬هو وضوح مدى االنحييراا‬ ‫بني قينقاع وموق‬ ‫التعليق الثاين ع موق‬

‫اجلنيس عند اليهود‪ ،‬ومدى إثارة الغرانيز واستهدام ل لإلفساد يف األرع‪ ،‬ففي ق يية املييرأة‬

‫وجهها‪ ،‬ث بعد ل كشفوا عورهتا‪ ،‬ويف ق ة كعييب بيين األرشا‬ ‫املسلمة حاولوا أوالً كش‬

‫اه عنهن أمجعييني بالفاحشيية‪ ،‬وبكييالم ال يسييتقي أبييد ًا‬ ‫أخذ يتحدث عن نساء ال حابة ر‬

‫إلنسان صاحب ف رة سليمة‪ .‬هذه كانت طريقة من طرا اليهود‪ ،‬كانوا يسييتهدموها يف عهيد‬

‫النبي ﷺ‪ ،‬وقبل عهده وبعد موته‪ ،‬فقد فشا فيه الزنا حت قا ﷺ‪( :‬أو فتنيية بنييي إرسانييييل‬

‫كانت يف النساء) وهييذا ينشييأ عاميية يف تييارخيه ‪ ،‬وإىل اآلن مع ي وسييانيل اإلعييالم والسييينام‬

‫واملواقع اإلباحية والربامج واألفالم اجلنسية نت ب لة كبفة إىل اليهود‪ ،‬فييأكثر ميين ‪ %50‬ميين‬

‫وسانيل اإلعالم يملكها اليهود‪ ،‬وأكثر من ‪ 80‬أو ‪ %90‬من اإلعالنات التي تقييدم خييال هييذه‬

‫الوسانيل من برامج وأفالم وغفها تقوم يف األساس ع إثارة الغرانيز اجلنسييية وعي النسيياء‪،‬‬

‫والبد أن ينتبه املسلمون ذه النق ة‪.‬‬

‫النبي ﷺ من بني قينقاع ومن كعب بن األرشا استقر الوضع داخل املدينة املنورة‬ ‫بعد موق‬

‫الناس‬ ‫نسبي ًا‪ ،‬وأصبح الرسو ﷺ وأصحابه قو ًة كبفة جد ًا داخل املدينة املنورة‪ ،‬وأعلن مع‬

‫اإلسالم يف املدينة‪ ،‬نع و منه منافقون‪ ،‬لكن الذ حيك املدينة املنورة حكي ًام تامي ًا كييام ً‬
‫ال هييو‬

‫احلاس الذ ح ل مع بني قينقاع‪،‬‬ ‫الرسو ﷺو لذل خاا اليهود من املسلمني بعد املوق‬

‫وبدأ بنو النضف وبنو قري ة ي ب ون باملسلمني‪.‬‬

‫‪535‬‬
536
‫‪24‬‬

‫الطريق إىل أحد‬

‫ة‬ ‫إن موقف قريش كان موقف ًا سيئ ًا جد ًا‪ ،‬فهي تعاين من أزمةةا اقادةةاضيا ‪،‬ةةذلا‪ ،‬قطعة‬

‫إهانا كراماها ق‪،‬ةةيا‬ ‫طرق اعاجارة عن اعشام‪ ،‬كذع تعاين من أزما سياسيا ‪،‬ذلا‪ ،‬قطع‬

‫هيباها يف اجلزيرة اععر يا عد اهلزيلا املرة عىل يد املسللني‪ ،‬خاصةةا أن اعافةةار كةةانوا أ‪،‬ةةعا‬

‫اةةع سةةبعني مةةن أكافهةةا‪ ،‬قكةةع‬ ‫اجليش اإلسالمي‪ ،‬كذع تعاين من أزما اجاامعيا‪ ،‬قطعة‬

‫قاحد من عائالت هؤالء األكا يريد أن يأخذ اعثأر أل يه أق ععله أق خلاعه أق كذا من أقار ه‪،‬‬

‫كذع تعاين من أزما ضينيا؛ ألن اهلل عز قجع أخرب أن احلرب مسالرة ني اعافةةار قاملسةةللني‪،‬‬
‫ما ضام املسللون عىل ضينهم‪ .‬قال اهلل عةةز قجةةع يف كاا ةةه اعاةةريم {إِ َّن َّاعة ِذي كن ك ككفة يرقا يين ُِف ي ة ك‬
‫ون‬
‫كأ ُم كو كاهل ي ُم عِ كي يددُّ قا كع ُن كسبِ ِ‬
‫يع اهللَِّ} [األنفال ‪ ،]36‬هذا هد قا‪،‬ح عندهم‪ ،‬قاعرسول ﷺ ينشةر‬

‫اإلسالم يف املدينا قما حوهلا‪ ،‬ق اعاايل يرف من ضرجا اعفوران قاعغيالن يف ضاخع ماا املارما‪.‬‬

‫فيا ترى ماطا سيعللون؟ عنرى اآلن ماطا سيفعع اع رشيون م رسول اهلل ﷺ قم املةةؤمنني يف‬

‫املدينا املنورة‪.‬‬

‫‪537‬‬
‫امل دمات اإلعداضيا عفريق اعباطع‬

‫إن اعافار أققفوا اعارص يف قافلةةا أس سةةفيان اعاةةي نجةة؛ مةةن ةةدر؛ قطعة‬ ‫قلنا قبع طع‬

‫عاجهيز جيش عيحارب املسللني‪ ،‬هذه اع افلا كان؛ ت در قيلاها ذلسني أعةةف ضينةةار طهبةةي‪،‬‬

‫فهي كليا هائلا من األموال‪ ،‬قم طع كع هذه األموال أنف ؛ علدد عن سبيع اهلل‪ ،‬ق ةةدأت‬

‫قريش جتهز اجليش من ضاخع ماا‪ ،‬ع دأت تسانفر اع بائع املحي ةةا املسةةاعدة قاملعاقنةةا هلةةا‪،‬‬

‫قكون؛ اعفعع جيش ًا كبري ًا قوامه ‪ 3000‬م اتع‪ ،‬قأخرج؛ كع زعامء ماا عةةىل رأا اجلةةيش‬

‫املاي‪ ،‬قعىل رأا كع هؤالء أ و سفيان‪ ،‬قأكرب املساعدين عه يف هذه املوقعةةا هةةو صةةفوان ةةن‬

‫أميا‪ ،‬قعارما ن أس جهع قخاعد ن اعوعيد‪ ،‬هذه هي اع وة اعبرشيا اعاي جهزقها‪.‬‬

‫أما قوة اعسالح فجهزقا ‪ 3000‬عري ق ‪ 200‬فرا‪ ،‬ق ‪700‬ضر ‪ ،‬قخرج م اجلةةيش ‪ 15‬امةةرأة‬

‫من نساء قريش‪ ،‬تا دمهم سيدة ماا األقىل يف طع اعوق؛ هند ن؛ عابةةا زقجةةا أس سةةفيان‪،‬‬

‫قكذع زقجات اع اضة اععظام اعابار يف جيش ماا‪ ،‬زقجا صفوان ن أميا‪ ،‬قزقجةةا عارمةةا‬

‫ن أس جهع‪ ،‬قزقجا احلارث ن هشام‪ ،‬قفوق كع هةةذا حةةرب إعالميةةا ‪،‬ةةذلا يف اجلزيةةرة‬

‫اععر يا ااملها حتفز اعناا عىل حرب املسللني‪ ،‬ققاض هذه احلللا أ و عةةزة اجللحةةي‪ ،‬األسةةري‬

‫اعذي أرسه ﷺ يف غزقة در قأطل ه من ًا غةةري فةةداء‪ ،‬قأخةةذ عليةةه عهةةد ًا أال يشةةار قال فةةز‬

‫املرشكني عىل حرب املسللني‪ ،‬فهاهو اآلن خياعف اععهد ق فز اععةةرب اةةاملهم عةةىل حةةرب‬

‫املسللني‪ ،‬قهذا سياون عه مرضقض يف غزقة أحد كام سنرى إن شاء اهلل‪.‬‬

‫اع ياضة اععاما علجيش عة أس سفيان‪ ،‬ققائدا سالح اعفرسان خاعد ةةن اعوعيةةد قعارمةةا ةةن أس‬

‫جهع‪ ،‬قكان اعلواء م ني عبد اعدار‪ .‬هذا هو إعداض جيش ماا‪ ،‬قم أن هةةذا اإلعةةداض إعةةداض‬

‫كبري جد ًا‪ ،‬إال أن هذه املوقعا أسهع عىل املسللني من موقعا در عألسباب اعااعيا‬

‫‪542‬‬
‫أقالً ف دت قريش معظم قاضهتا‪ ،‬فهذا اجليش خيلو من أسامء ‪،‬ةةذلا يف تةةارية ماةةا‪ ،‬فلةةي‬

‫هنا اعوعيد ن املغرية قال أ و جهع قال ع با ن أس معيط قال اعنرض ن احلارث قال أميةةا ةةن‬

‫خلف‪ ،‬ققاىل در من املرشكني كثري جد ًا‪.‬‬

‫ثاني ًا املسللون يعللون أمر احلرب قيساعدقن هلا‪ ،‬حيث إن اخلرب قصع مةةن ماةةا إىل املدينةةا‬

‫املنورة مباكة‪ ،‬قعند اعرسول ﷺ قق؛ عإلعداض‪ ،‬فسيذرج عدة امل اتع ال عدة املسافر‪.‬‬

‫ثاعث ًا احلرب سااون يف املدينا أق جانب املدينا املنورة‪ ،‬فعىل عىل املرشكني أن يسةةريقا مسةةافا‬

‫مخسامئا كيلو مةةإ إىل املدينةةا املنةةورة حاة يةةدخلوا يف املعركةةا‪ ،‬فهةةو مشةةوار طويةةع جةةد ًا يف‬

‫اعدحراء‪ ،‬قاجليش قوامه ‪ 3000‬م اتع‪ ،‬ف د تاون هنا مشة ا عةةىل اجلةةيش‪ ،‬يةةنام سةةيذرج‬

‫املسللون من املدينا املنورة إىل أحةةد أق إىل مةةا حوهلةةا حسةةب اخايةةار املاةةان‪ ،‬قاملسةةافا اعاةةي‬

‫سي عوهنا ‪ 5‬كيلو أق ‪ 10‬كيلو أق ‪ 20‬كيلو من املدينا املنورة‪ ،‬فاعو‪ ،‬اعنسبا عللسللني أقةةع‬

‫مش ا‪.‬‬

‫را ع ًا احلاعا املعنويا؛ فلعنويات املسللني مرتفعا‪ ،‬ينام معنويةةات اعافةةار يف احلضةةيق‪ ،‬ف ةةد‬

‫كانوا مغلو ني يف در‪ ،‬قمرقا أكثر من أزما خالل اعسنا املا‪،‬يا‪ ،‬قآخر األزمات كانةة؛ أزمةةا‬

‫رسيا زيد ن حارثا‪ ،‬ففي هذه اعرسيا أخذت اع افلا من صفوان ن أميا‪ ،‬قكةةان فيهةةا ضةةاعا‬

‫ت در امئا أعف ضينار‪ ،‬فاان؛ رض ا قاسيا جد ًا ع ريش‪ ،‬خاصةةا أن اع افلةةا كانةة؛ تسةةري عةةىل‬

‫مسافا عيدة جد ًا من املدينا املنورة‪ ،‬مما يثب؛ عنا اعافاءة اععساريا قاملذا راتيا عل وة اإلسالميا‬

‫يف املدينا املنورة‪ ،‬فاع هذا يضعف جد ًا من نفسيا اجلةةيش املاةةي‪ ،‬قكةةع هةةذا يبةةني أن جةةيش‬

‫املسللني عه علو ققوة ق أا‪ ،‬م أن عدض اجليش اإلسالمي أقع من عدض اجليش املاةةي‪ ،‬عاةةن‬

‫عوامع نرصه كان؛ كثرية‪.‬‬

‫‪543‬‬
‫امل دمات اإلعداضيا عفريق احلق‬

‫علم اعرسول ﷺ أن جيش ماا يسةةاعد علذةةرقج‪ ،‬فةةاح اعدةةحا ا علشةةورى‪ ،‬قعةةو راجعنةةا‬

‫صفات اجليش املنارص عوجدنا أن كع اعدفات اععرش تاارر ثاني ًا يف اجلةةيش اعةةذي خةةرج مةةن‬

‫املدينا إىل أحد‪ ،‬عان سيحدع اخاال يف ن ا أق ن اةةني‪ ،‬عاةةن إىل اآلن اجلةةيش اإلسةةالمي‬

‫يسري متام ًا كام كان جيش در يسري‪ ،‬فلن اععوامع اعاي حت ؛ يف اجليش املسلم‬

‫أقالً اعشورى‪ .‬حعهم اعرسول ﷺ عياشاقرقا حيعة ًا‪ ،‬فةةأقل رء قةةررقه قبةةع اعافاةةري يف أي‬

‫طري ا عل اال أن يؤمنوا املدينا املنورة‪ ،‬ف اموا اشايع فرقا حلاميةةا اعرسةةول ﷺ؛ ألن اعرسةةول‬

‫ﷺ مساهد ‪ ،‬ققد دع أي جريلا الغاياعه ﷺ‪ ،‬قهذا سيؤثر عىل املدينا املنورة‪ ،‬قكان عةةىل‬

‫رأا هذه اعفرقا كبار األقا قاخلزرج سعد ن معاط قسعد ةةن عبةةاضة قأسةةيد ةةن حضةةري‪،‬‬

‫قهي من أقوى اعفرق اإلسالميا‪ ،‬ق دأت حتوط ي؛ اعرسول ﷺ قاملسجد اعنبوي‪ ،‬قتسري معه‬

‫يف كع ماان‪.‬‬

‫ال أق هنار ًا‪.‬‬


‫ثاني ًا ق‪،‬عوا فرق ًا حلاميا مداخع املدينا املنورة‪ ،‬حا ال يباغ؛ املسللون عي ً‬

‫ثاعث ًا ق‪،‬عوا ضقريات مراقبا حول املدينا املنورة السا ال ماةةان اجلةةيش املرشة قخ واتةةه‬

‫قحتركاته‪.‬‬

‫را ع ًا حي املسللني يف املدينا املنورة من األقا قاخلزرج قاملهاجرين كةةانوا ال ياحركةون إال‬

‫اعسالح حا يف أثناء اعدالة‪ ،‬ف د كان اعسالح مالزم ًا هلم اسالرار‪ ،‬قهذا يو‪،‬ح عنةةا صةةفا‬

‫مهلا جد ًا من صفات اجليش املنارص‪ ،‬قهي صفا اإلعداض اجليد خما رات قويا أت؛ األخبةةار‪،‬‬

‫حدار‪ ،‬محايا قويا علرسول ﷺ‪ ،‬قمحايا قويا عللدينا‪ ،‬قاساعداض كامع عل اال‪.‬‬

‫‪544‬‬
‫ثم فارقا يف املوقف اعذي ي ومون ه هع خيرجون خارج املدينةةا أق يلاثةةون ةةداخلها؟ أيةةن‬

‫علةةيهم‬ ‫ار ون؟ خياارقن أرض اع اال هم أم خياارها اععدق؟ ققبةةع أن خياةةارقا اع ةةرار قة‬

‫اعرسول ﷺ رؤيا‪ .‬قال هلم (إين قد رأي؛ قاهلل خري ًا‪ ،‬ثم قةةال رأيةة؛ ةةر ًا يتةذ ح‪ ،‬قرأيةة؛ يف‬

‫ط اب سيفي يث كل ًام ‪-‬خدش ًا أق كرس ًا‪ -‬ثم قال قرأي؛ أين أضخل؛ يدي يف ضر حدينا)‪.‬‬

‫رأى اعرسول ﷺ ثالثا أشياء‪.‬‬

‫أقالً رأى أن ر ًا تذ ح‪ ،‬قأقل طع ﷺ أن نفر ًا من أصحا ه ي الون‪ ،‬قأقل اخلدش أق اعارس‬

‫اعذي يف سيفه أن رج ً‬
‫ال من أهع ياه يي اع‪ ،‬قأقل إضخال يده يف ضر حدةةينا املدينةةا املنةةورة‪،‬‬

‫عىل أهنا قةةرار ييلةةىل عةةىل املسةةللني‪،‬‬ ‫أي أنه ي اتع يف املدينا املنورة‪ ،‬عانه طكر هذه اعرؤيا عي‬

‫ه؛ ألنه عو كان قحي ًا مةةا جةةاز عةةه أن يساشةةري اعدةةحا ا يف هةةذا‬ ‫قعان يف صورة رأي يساأن‬

‫األمر‪ ،‬عانه يرى أن األمر مإق علشورى قرأي املسللني‪ ،‬فاان رأيه ﷺ أن ي اتع يف املدينةا‪،‬‬

‫ع رصح عد طع هبذا اعرأي ققال (ي اتع املسللون عةةىل أفةةواه األزقةةا قاعنسةةاء مةةن فةةوق‬

‫اعبي؛)‪ ،‬يعني عو ي ﷺ قجيشه يف املدينا املنورة فإن جيش ماا سيض ر إىل ضخةةول املدينةةا‬

‫املنورة‪ ،‬قسااون احلرب حرب شوار ‪ ،‬قاحلرب اعاي تاون من هذا اعنو تاون صةةعبا جةةد ًا‬

‫عىل اجليش املهاجم علبلد‪ .‬عان معظم املسللني كان هلم رأي آخر‪ ،‬خاصا اعذين مل يشةةإكوا يف‬

‫موقعا در‪ ،‬كانوا يوضقن اخلرقج إىل قاال املرشكني خارج املدينا املنورة‪ ،‬حا قال قائلهم (يةةا‬

‫رسول اهلل كنا نالن هذا اعيوم قندعو اهلل‪ ،‬ف د ساقه إعينا ققرب املسري‪ ،‬اخةةرج إىل أعةةدائنا‪ ،‬ال‬

‫اهلل عنةةه‬ ‫يرقن أنا كج يبنَّا عنهم)‪ ،‬قكان من أشد املاحلسني علذرقج محزة ن عبةةد امل لةةب ر‬

‫قأر‪،‬اه‪ ،‬حا إنه قال كللا عجيبا علرسول ﷺ‪ ،‬قال (قاعذي أنزل علية اعااةةاب ال أطعةةم‬

‫طعام ًا حا أجاعدهم سيفي خارج املدينا)‪ ،‬فةةانظرقا إىل هةةذه اععزيلةةا‪ ،‬قانظةةرقا إىل اع ناعةةا‬

‫رأي اخلرقج‪.‬‬

‫‪545‬‬
‫كان معظم اعدحا ا عىل هذا اعرأي‪ ،‬قمل يان عىل رأي رسةةول اهلل ﷺ إال اع ليةةع‪ ،‬قكةةان مةةن‬

‫هؤالء عبد اهلل ن أس ا ن سلول‪ ،‬قكام تعللون أن عبد اهلل هو زعيم املناف ني‪ ،‬قمل ياةةن مواف ة ًا‬

‫عىل رأي اعرسول ﷺ قم انع ًا ه‪ ،‬قإنام عيسهع عليه اعفرار إىل ضاخع املدينا املنورة‪ ،‬فاع مةةنهم‬

‫سي اتع عىل رأا شار أق من ضاخع ي؛‪ ،‬قسياون هنا سهوعا علفةةرار مةةن املوقعةةا‪ ،‬عاةةن‬

‫اعرسول ﷺ نزل عىل رأي اعشورى حا قإن كان خماعف ًا عرأيه‪ ،‬حا قإن كان ياةةأقل يف رؤيةةاه‬

‫أن نفر ًا من أصحا ه سي اع‪ ،‬قأن قاحد ًا من أهع ياه سيداب‪ ،‬قأنه من األفضةةع أن ي اتةةع يف‬

‫قحي ًا من رب اععاملني سبحانه قتعاىل نزل عن رأيه‬ ‫ضاخع املدينا‪ ،‬عانه عندما رأى أن طع عي‬

‫عداعح رأي األغلبيا‪ ،‬ققرر اخلرقج من املدينا املنورة ع اال املرشكني‪.‬‬

‫صىل اعرسول ﷺ اعدحا ا يةةوم اجللعةةا‪ ،‬ققعظهةةم قأمةةرهم اجلةةد قاالجاهةةاض‪ ،‬ق رشةةهم‬

‫اعنرص إن هم صربقا قإن هم سارقا عىل هنج اهلل عز قجع قعىل أمر نبيه ‪ ،‬ق اعفعع فرح اعناا‬

‫اخلرقج قجتهزقا نشاط‪ ،‬ق عد أن صىل اعرسول ﷺ اععرص يف يوم اجللعا يف ساا من شةةوال‪،‬‬

‫اهلل عنهم قأر‪،‬ةةاهم أحعةةني‪،‬‬ ‫حشد أهع اععوايل قحشد املدينا املنورة‪ ،‬قح األصحاب ر‬

‫اهلل عةةنهام قضخةةع ياةةه‪،‬‬ ‫ق دأ يساعد شذدي ًا علذرقج عل اال‪ ،‬فأخذ معه أ ا ار قعلةةر ر‬

‫ضرعني قأخذ سيفه قخرج من ياه‪ ،‬ققبع أن‬ ‫اععدة اعااملا‪ ،‬عب‬ ‫عيجهزاه عدة احلرب‪ ،‬قعب‬

‫اهلل عنهم قأر‪،‬اهم م املهاجرين‪ ،‬ققال هلم سعد ن معاط‬ ‫خيرج من ياه اجال األندار ر‬

‫اعدةةحا ا‬ ‫قأسيد ن حضري (اساارهام رسول اهلل عىل اخلرقج فرضقا األمةةر إعيةةه)‪ ،‬فةةأح‬

‫أهنم رأهيم هذا قد خاعفوا رأي رسول اهلل ‪ ،‬قاعرسول قإن كان قةةد سةةلح اعشةةورى يف هةةذا‬

‫األمر إال أنه هو اعرسول ‪ ،‬قيعلم اجللي أن رأيه هةةو األحاةةم قاألعلةةم قاألفضةةع‪ ،‬فاسةةاحيا‬

‫اعدحا ا أن خياعفوا اعرسول ﷺ قخافوا من طع ف اعوا (نرض األمر إعيه مرة ثانيا)‪ ،‬فلام خرج‬

‫رسول اهلل قعليه عدة احلرب‪ ،‬قاعوا عه (يا رسول اهلل ما كان عنا أن نذاعف فاصن مةةا شةةئ؛‬

‫‪546‬‬
‫إن أحبب؛ أن متاث املدينا فافعع)‪ .‬عان اعرسول ﷺ قةةد ا ةةذ اع ةةرار قأعةةد اععةةدة قاتفةةق‬

‫ألماه ‪-‬عباا احلرب‪ -‬أن يضعها حا‬ ‫اعدحا ا عىل اع اال‪ ،‬ف ال هلم (ما ينبغي عنبي إطا عب‬

‫ام اهلل ينه ق ني عدقه)‪ .‬قنسافيد من هذا فائدة عظيلا جةةد ًا قهةةي احلسةةم قعةةدم اعةةإضض‪،‬‬

‫قهذه كام تذكرقن صفا مهلا من صفات اجليش املنارص‪ ،‬ققلنا إن من صفات اجليش املنارصة‬

‫اعاحفيز اجلنا‪ ،‬ف د حفز اعرسول ﷺ املسللني اجلنا يف خ با اجللعةةا‪ ،‬قيف خرقجةةه عدةةالة‬

‫اععرص‪ ،‬قعندما سل اعناا نداء اجلهةةاض يف سةةبيع اهلل خرجةةوا مةةن كةةع ماةةان‪ ،‬قخةةرج كةةام‬

‫اهلل عنه قأر‪،‬اه‪ ،‬م أنه كان حديث عهد عرا‪ ،‬ف ةةد‬ ‫تعللون حيع ًا حنظلا ن أس عامر ر‬

‫كان؛ عيلا اجللعا عيلا اعدخول عىل زقجاه‪ ،‬عانه عندما سل نداء اجلهةةاض يف سةةبيع اهلل خةةرج‬

‫مباكة ضقن ترضض‪ .‬اعدحا ا يف معركا أحد خرجوا فع ً‬


‫ال هلل عةةز قجةةع‪ ،‬قهةةذا كةةان يف علةةوم‬

‫اجليش املسلم‪ ،‬إال طائفا املناف ني اعاي كان؛ يف جيش اجليش املسلم‪ ،‬قسنرى أمرها اآلن‪.‬‬

‫دأ اعرسول ﷺ جيهز جيشه‪ ،‬قيعد اععدة قيدف اعدفو ؛ حا خيرج عىل تعبئا مةةن املدينةةا‬

‫املنورة‪ ،‬فجهز ‪ 1000‬م اتع من املدينا املنورة‪ ،‬قجعع عىل كايبا املهاجرين مدعب ةةن علةةري‬

‫اهلل عنه‪ ،‬فهو اعذي كةةان يريةةد‬ ‫اهلل عنه قأر‪،‬اه‪ ،‬قعىل كايبا األقا أسيد ن حضري ر‬ ‫ر‬

‫اخلرقج عد أن رج اعرسول ﷺ من غزقة در قمل يشإ فيها أسيد ‪ ،‬ققال (يا رسول اهلل عو‬

‫قااالً خلرج؛ مع ‪ ،‬ف ال عه صدق؛)‪ ،‬فهاهو اعيوم جاء عيذرج ق ق‬ ‫كن؛ أعلم أن تل‬

‫مراضه يف اجلهاض يف سبيع اهلل‪ ،‬قجعله اعرسول ﷺ عىل رأا كايبةةا األقا‪ ،‬قجعةةع عةةىل رأا‬

‫حلباب ن املنذر اعذي أثب؛ كفاءته يف موقعا در‪ .‬جهز رسول اهلل مائا ضر ‪ ،‬قمل‬
‫كايبا اخلزرج ا ي‬
‫يان م املسللني يف هذه املوقعا خيول‪ ،‬فلم ياةةن يللة أحةةدهم اخليةةول إال اع ليةةع جةةد ًا‪،‬‬

‫ق عق اعرقايات تذكر أنه كان م املسللني مخسون فرس ًا‪ ،‬عان هذه اعرقايات غري صحيحا‪.‬‬

‫‪547‬‬
‫إن إعداض اعرسول ﷺ علجيش اإلسالمي يف غزقة أحد كان در املسا ا ‪ ،‬ف د أعد هلم اع ةةوة‬

‫اعاي يسا ي ‪ ،‬داي ًا من املذا رات اعسليلا قمحايا املدينا املنورة‪ ،‬قجتهيز اععدة‪ ،‬قإعداض األفراض‬

‫قإعداض اعسالح‪ ،‬قهاذا خرج هبذا اإلعداض اجليد‪.‬‬

‫كذع اعرسول قياضة اعااائب اعاي خرج؛ يف هذه املوقعا إىل عامع ا اععساريني اإلسالميني‪،‬‬

‫مثع مدعب ن علري قأسيد ن حضري قحباب ن املنةةذر قغةةريهم مةةن قةةاضة اعدةةحا ا‪ ،‬قرض‬

‫األطفال اعذين ال يسا يعون اع اال يف غزقة أحد‪ ،‬رض عبد اهلل ن علر ققةةد كةةان رضه أيضة ًا يف‬

‫غزقة در‪ ،‬قرض زيد ن أرقم قرض زيد ن ثا ؛ ‪ ،‬قرض أ ا سةةعيد اخلةةدري قرض أسةةاما ةةن زيةةد‬

‫اهلل عنهم أحعني؛ ألهنم كانوا حيع ًا صغريي اعسن‪.‬‬ ‫ر‬

‫من هذا يابني عنا صفا من صفات اجليش املنارص‪ ،‬هو توسيد األمر إىل أهله‪ ،‬قهذا اعاةةالم قةةد‬

‫تاللنا عنه يف در‪ ،‬قاآلن نل اه اامله من ب ًا عىل اجليش اعذي خرج يف أحد‪ ،‬قكام قلنا يف ةةدر‬

‫رض اعرسول أحد املرشكني ققال (ال أساعني لرشة ) تاةةررت كةةذع يف غةةزقة أحةةد‪ ،‬ف ةةد‬

‫جاءت كايبا كاملا اعاسليح عالشإا م املسللني عل اال يف أحةةد‪ ،‬فسةةأل عنهةةا رسةةول اهلل ‪،‬‬

‫ف اعوا عه هذه كايبا من اعيهوض من حلفةةاء اخلةةزرج‪ ،‬يعنةةي كةةانوا ماحةةاعفني منةةذ اع ةةدم مة‬

‫اخلزرج‪ ،‬يرغبون يف املسامها عل اال ‪،‬د املرشةةكني‪ ،‬ف ةةال (هةةع أسةةللوا؟ ف ةةاعوا ال‪ ،‬فةةأ‬

‫ققال ال أساعني لرش )‪ .‬جيش أحد حماكاة كاملا علجيش اإلسالمي اعذي خرج بدر‪ ،‬قمن‬

‫ال أن هذا اجلةةيش مةةاضام حمافظة ًا عةةىل‬


‫ق ناائج مثع در‪ ،‬قسنرى فع ً‬ ‫املفإض أن هذا اجليش‬

‫اعناائج‪ ،‬قهذه سنا إهليا‪.‬‬ ‫ق نف‬ ‫هذه اعدفات فإنه‬

‫كذع مللح آخر مهم من مالمح اجليش املنادةر رأينةاه يف غةةزقة أحةةد‪ ،‬قهةةو االعةةاامض عةةىل‬

‫اعشباب‪ ،‬فجيش أحد هو جيش در اإل‪،‬افا إىل آخرين‪ ،‬قسأحاي عام حاايا تريام كيةةف‬

‫كان اعشباب يشاركون يف موقعا أحد‪.‬‬


‫‪548‬‬
‫اهلل عنه قأر‪،‬اه ع درته عىل اعرمايا‪ ،‬قهو ما زال طف ً‬
‫ال‬ ‫أجاز اعرسول ﷺ راف ن يخدُ يج ر‬

‫اهلل عنةةه؛ ألنةةه كةةان‬ ‫صغري ًا ال ياجاقز علره ‪ 13‬أق ‪ 14‬سنا‪ ،‬قمل جيز كسة يل كرة ةةن جنةةدب ر‬

‫صغري ًا يف اعسن‪ ،‬قعيس؛ عه اع درة عىل اعرمايا حسب رؤياةةه ‪ ،‬فأجةةاز األقل قرفةةق اعثةةاين‪،‬‬

‫أنني عندما أصارعه‬ ‫فجاء إعيه سلرة ققال (يا رسول! أنا أقوى من راف أنا أرصعه)‪ ،‬لعن‬

‫أغلبه‪ ،‬فأمرمها اعرسول أن يادارعا أمامةةه؛ عيذاةةرب اع ةةدرات اععسةةاريا قاع ااعيةةا عنةةدمها‪،‬‬

‫فادارعا فغلب سلرة رافع ًا ‪ ،‬فأجازه اعرسول ‪.‬‬

‫حت ق يف جيش أحد اإليامن اهلل عز قجع‪ ،‬قاإليامن رسوعه اعاةةريم ‪ ،‬قاإليةةامن ةةاعيوم اآلخةةر‪،‬‬

‫قاعاحفيز عىل اجلنا حب املوت يف سبيع اهلل‪ ،‬قاحلسم قعدم اعإضض‪ ،‬قاإلعداض اجليةةد‪ ،‬قتوسةةيد‬

‫األمر إىل أهله‪ ،‬ققيلا اعشباب قاعشورى قاألخوة‪ ،‬كةةع رء ت ريبة ًا يف ةةدر كةةان موجةةوض ًا يف‬

‫أحد‪ ،‬قإطا كان اجليش هبذه اهليئا فإنه سينارص إطن اهلل‪ ،‬قاعرسول أخربهم أهنم عو ماثوا عةةىل‬

‫هذا املنهج سو ينارصقن‪ ،‬قهذه رشى من رب اععاملني سبحانه قتعاىل عاع مةةن أخةةذ هبةةذه‬

‫املباضئ‪.‬‬

‫خرقج اعنبي جيشه إىل أحد‬

‫خرج اجليش اإلسالمي قأخذ اع ريق يف اجتاه أحد؛ ألنه علم أن اجليش املرش عسةةار عنةةده‪،‬‬

‫قحاقل اعرسول ﷺ در املسا ا أثناء اعسري أن يسري من قسةةط املةةزار اعاةةي حةةول املدينةةا‬

‫املنورة؛ حا ال يااشف من قبع اجليش املرش ‪ ،‬ققصع اعفعع إىل من ا أحد‪ ،‬قمن عد رأى‬

‫اجليش املرش ‪ ،‬قعندما أصبحوا عىل مسافا قريبا من أرض املعركا حدث مترض هائع يف اجليش‬

‫املسلم‪ ،‬ف د خرج عبد اهلل ن أس ا ن سلول املنافق‪ ،‬ققال إنني ال أقافق عةةىل اع اةةال يف أرض‬

‫لفةةرضي‪ ،‬قسةةمخذ معةةي‬ ‫أحد‪ ،‬إنني أرى أنه عن دع قاال‪ ،‬فسأعوض إىل املدينا املنورة قعي‬

‫‪ ،‬أي ‪ %30‬مةةن اجلةةيش!‬ ‫كع من أتي؛ هبم‪ ،‬قكان تعداض اعةةذين أتة هبةةم ‪ 300‬مائةةا شةةذ‬
‫‪549‬‬
‫قمعلوم أن جيش اعافار ‪ 3000‬أي جيش املسللني أقع من جيش اعافار اثري‪ ،‬قم هذا كله‬

‫من أرض املعركا‪.‬‬ ‫ينسحب ‪ 300‬شذ‬

‫اهلل عنه قأر‪،‬اه أمام املناف ني قهم ينسةةحبون مةةن أرض املعركةةا‬ ‫ققف عبد اهلل ن حرام ر‬

‫ي ول هلم (تعاعوا قاتلوا يف سبيع اهلل أق اضفعوا)‪ ،‬ف ةةاعوا (ال نعلةةم أن هنةةا قاةةاالً)‪ ،‬فحةةاقل‬

‫معهم مرة أخرى قأخرى‪ ،‬عانهم رفضوا‪ ،‬ف ال هلم (أ عدكم اهلل أعداء اهلل فسيغني اهلل عةةنام‬
‫نبيه)‪ ،‬قنزل قول اهلل عز قجع { كقعِ كي ُع كل كم ا َّع ِذي كن نكا كف ي وا كق ِق كيع كهل ية ُم ت ككعةا كع ُوا كقةاتِ يلوا ِيف كسةبِ ِ‬
‫يع اهللَِّ كأ ِق‬
‫ون ِ كأ ُف ِ‬
‫واه ِه ُم كمةا‬ ‫ا ُض كف يعوا كقا يعوا كع ُو كن ُع كل يم ِقا ًكاال ال َّت كب ُعنكاك ُيم يه ُم عِ ُل يا ُف ِر كي ُو كم ِئ ٍذ كأ ُق كر يب ِمن يُه ُم عِ ِ‬
‫إل كيام ِن كي ي و يع ك‬
‫كع ُي ك ِيف يق يل ِ‬
‫وهبِ ُم كقاهللَّي كأ ُع كل يم ِ كام كي ُاا ييل ك‬
‫ون} [آل علران ‪.]167‬‬

‫قد يظن اإلنسان أن هذه خسارة كبرية جد ًا علجيش اإلسةةالمي‪ ،‬عاةةن ةةاععا ‪ .‬قةةال اهلل عةةز‬

‫قكة ُم إِ َّال كخ كبة ًاال كق كألك ُق ك‪،‬ة يعوا ِخال كع ياة ُم‬
‫قجع يدف حال املناف ني { كع ُو كخ كر يجةوا فِةيا ُيم كمةا كزا يض ي‬

‫ني} [اعاو ةةا ‪ ،]47‬فوجةةوض املنةةاف ني يف‬ ‫اعظةاملِ ك‬


‫يم ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫كي ُب يغو كنا ييم ا ُع ِف ُانك كا كقفِيا ُيم كس َّام يع ك‬
‫ون كهل ي ُم كقاهللَّي كعلة ب‬
‫ضاخع اعدف املسلم خ ر كبري جد ًا‪ ،‬فإنه من امللان جد ًا أن ياونوا عين ًا عىل املسللني‪ ،‬أق قةةد‬

‫يدعون مراء فاسدة يف اجليش املسلم‪ ،‬ع قد يثريقن عق اعشةةبهات يف ضاخةةع اجلةةيش املسةةلم‬

‫جتعع عق املؤمنني اعداضقني يإضضقن يف أمر اع اال‪ ،‬قهذا عني ما حدث يف غزقة أحد‪ ،‬فةةإن‬

‫اعالامت اعاي قاهلا عبد اهلل ن أس قبيع اعدخول يف أرض املعركا ليع أثةةرت يف طةةائفاني مةةن‬

‫املسللني اعداضقني املؤمنني ني حارثا من األقا‪ ،‬ق ني سللا من اخلزرج‪ ،‬قةةاعوا األقىل أن‬

‫نعوض قن اتع يف املدينا‪ ،‬فإن جيشنا قليع قجيشهم كثري‪ ،‬قفارقا جدي ًا يف اعرجو ‪ ،‬عةةوال أن اهلل‬

‫عز قجع ثباهم ددق إيامهنم‪ ،‬ف د ققف اعرسول ﷺ قاعدحا ا‪ ،‬قأقنعةةوهم اعب ةةاء يف أرض‬
‫املعركا يف أحد؛ حا ياللوا اعل اء‪ ،‬قيف ح هم نزل قةةول اهلل عةةز قجةةع {إِ ُط كمهة ُ؛ كط ِائ كف كاة ِ‬
‫ان‬ ‫َّ‬

‫‪550‬‬
‫َّع املُي ُؤ ِمن ك‬
‫يون} [آل علران ‪ ،]122‬قال اهلل عز قجع‬ ‫ِمنُا ُيم كأ ُن كت ُف كشال كقاهللَّي كقعِ ُّي يه كام كق كع كىل اهللَِّ كف ُل كيا ككوك ِ‬

‫{ كقاهللَّي كقعِ ُّي يه كام} [آل علران ‪]122‬؛ ألهنم ثباوا فع ً‬


‫ال يف أرض اع اال قمل يفرقا‪.‬‬

‫قصول اعنبي قجيشه إىل أحد قتوجيهاته ﷺ ألفراض اجليش‬

‫ضخع اعرسول ﷺ أرض أحد‪ ،‬ق دأ ينظر إىل األرض نظرة عساريا ثاقبا‪ ،‬ق دأ ط معسةةاره‬

‫يف املاان املناسب‪ ،‬قاخاار ماان ًا يف مناه اععب ريا؛ اخاار ماان ًا ياون عن ظهةةره قعةةن يلينةةه‬

‫اعوق؛ كةةان جةةيش ماةةا يف ماةةان‬ ‫جبع أحد‪ ،‬فااون عه محايا طبيعيا من جبع أحد‪ ،‬قيف نف‬

‫منذفق نسبي ًا قهو يف ماان مرتف ‪ ،‬قهذا يع يه قدرة أكرب عىل اع اال‪ ،‬قاكاشف ﷺ يف أرض‬

‫عد طع يف اعاارية جبع اعرمةةاة‪ ،‬قهةةذا اجلبةةع كةةان عةةىل‬ ‫اع اال أن جانبه جبع صغري عر‬

‫شامل اجليش اإلسالمي‪ ،‬قيعارب ثغرة ‪،‬د مدلحا اجلةةيش املسةةلم؛ ألنةةه عةةو اسةةا ا اجلةةيش‬

‫اعاافر أن يلف حول هذا اجلبع عدخع عىل املسللني من قرائهم‪ ،‬قسياون اجلةةيش اإلسةةالمي‬

‫حمدور ًا ني املرشكني من األمام قمن اخللف؛ قعاي يأمن اعرسول ﷺ هذه اعن ا احلساسا يف‬
‫‪551‬‬
‫أرض اعا ال‪ ،‬اناذب من أصحا ه مخسني رامي ًا ماهر ًا ق‪،‬عهم عىل جبةةع اعرمةةاة‪ ،‬قأمةةرهم أن‬

‫يددقا عنهم هجامت اعفرسان املرشكني‪ ،‬هؤالء اخللسون كان عىل رأسةةهم اعدةةحاس اجلليةةع‬

‫اهلل عنه قأر‪،‬اه‪ ،‬كان من أعظم اعدحا ا قأمهر اعرمةةاة‬ ‫عبد اهلل ن جبري األقيس اعبدري ر‬

‫فيهم‪ ،‬قطكر اعرسول ﷺ عق األقامر قاعندائح عه قعلفرقا اعاي معةةه‪ ،‬نريةةد أن ن ةةف ققفةةا‬

‫طويلا جد ًا م أقامر اعرسول ﷺ علفرقا اعاي كلف؛ حاميا هذا اجلبع‪.‬‬

‫قال اعرسول ﷺ هلم األمر ري ا فريدة‪ ،‬طري ا جتعع فهم هذا األمر دورة خاطئا يعارب أمةةر ًا‬

‫مساحيالً‪ ،‬فاعاعوا قاسلعوا اعاالم اعذي قاعه رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫اعاوجيه األقل خاطب اعرسول ﷺ اع ائد عبد اهلل ن جبري أمام اعرماة حيع ًا‪.‬‬

‫قال عه (انضح عنا اخليع اعنبع)‪ ،‬هذه اجلللا عوحدها تافي املهلا يف مناهة اعو‪،‬ةةوح‪ ،‬أي‬

‫مهلا قمهلا اعرماة أن متنعوا خيول املرشكني من االعافا حول اجليش اإلسةةالمي‪ ،‬قعةةي‬

‫املن عن طريق اع اال‪ ،‬قعان عن طريق اعرمي من أعىل اجلبةةع‪ ،‬قاعنضةةح يعنةةي اعرمةةي؛ ألن‬

‫هلم خيول يف موقعةةا أحةةد‪ ،‬قعةةن‬ ‫خيع املرشكني عن ت ا ع ذيع من املسللني‪ ،‬فاملسللون عي‬

‫يسا ي اعرماة سيوفهم أن ي اتلوا هؤالء املرشكني اعفرسان‪ ،‬فال د أن ياون اعدد عن طريةةق‬

‫اعرمايا‪ .‬هذا أمر يف مناه اعو‪،‬وح قكان كافي ًا‪ ،‬عان اعرسول ﷺ مل يااف ه‪.‬‬

‫اعاوجيه اعثاين (ال يأتون من خلفنا) اعوا‪،‬ح من األمر األقل أن اعغرض عدم االعافا حةةول‬

‫اجليش اإلسالمي‪ ،‬عان كذع يريد أن يو‪،‬ح هلم األمر عىل أتم قجه‪ ،‬ف ةةال (ال يةةأتون مةةن‬

‫خلفنا)‪.‬‬

‫‪552‬‬
‫اعاوجيه اعثاعث (إن كان؛ عنا أق علينا فاثب؛ ماان )‪ ،‬قكأن اعرسول ﷺ يرى متام ًا كع اعةةذي‬

‫سيحدع عد طع يف أحد‪ ،‬قينبه اعدحا ا مرة قمرتني قثالث ًا قما زال يف اعانبيه (إن كان؛ عنا‬

‫‪-‬عو كسبنا‪ -‬أق علينا ‪-‬عو خرسنا‪ -‬ال تإكوا اجلبع)‪.‬‬

‫(ال نؤتني من قبل )‪ ،‬ر فيه املشاعر‪ ،‬ال خيسةر كةةع هةةؤالء املسةةللني احلةةرب‬ ‫األمر اعرا‬

‫سبب جملوعا اخللسني هذه‪ ،‬قكع هذا اعاالم عل ائد عبد اهلل ن جبري قكع اعرمةةاة يسةةلعون‬

‫هذا فحسب‪ ،‬فاعرسول ﷺ تر عبد اهلل ن جبري قانا ع إىل جملوعا اعرمةةاة‪،‬‬ ‫هذا اعاالم‪ .‬عي‬

‫ق دأ خياطبهم نفسه‪ ،‬ققال هلم كالم ًا يف مناه اععجةةب‪ ،‬فاعاوجيهةةات األر عةةا األقىل كانةة؛‬

‫موجها عة عبد اهلل ن جبري‪.‬‬

‫فنا اع ري فال تربحوا ماانام هذا حاة أرسةع إعةةيام)‬ ‫(إن رأيالونا‬ ‫أما اعاوجيه اخلام‬

‫أي حا يف حال اهلزيلا املرة اع اتلا اعاي سي اع فيها جيش املسللني ااملةةه قتنةةزل اع يةةور‬

‫تنهش أجساض املسللني ال تاحركوا م كع طع ‪ ،‬فانظر إىل عظم هذا األمر سةةبحان اهلل! األمةةر‬

‫اعساضا (قإن رأيالونا هزمنا اع وم ققطئناهم فال تربحوا حا أرسع إعةةيام)‪ ،‬أي يف حاعةةا‬

‫اعنرص اعساحق قفرار املرشكني‪ ،‬قاحاالل املسللني ملعسار اعاافرين أيض ًا ال تربحوا ماانام‪،‬‬

‫أظن عد طع إطا حدل؛ خماعفا فسااون خماعفا ماعلدة‪ ،‬قعو حدل؛ خماعفةةا ماعلةةدة ألمةةر‬

‫اعرسول ﷺ ال تاوق نرص ًا أ د ًا‪ ،‬قهذا اعذي سو نراه يف موقعا أحد‪.‬‬

‫اعرسول ﷺ قجه هذه اعاوجيهات املباكة اعوا‪،‬حا اجلليةةا هةةذه إىل فرقةةا اعرمةةاة اخللسةةني‪،‬‬

‫قنزل ﷺ مرة أخرى إىل جيشه‪ ،‬ق دأ فز اعناا عىل اجلهاض يف سبيع اهلل‪ ،‬قيذكرهم اجلنا‪ ،‬ثم‬

‫يف أعامل اخلري قأعامل اجلهةةاض قأعةةامل اع اةةال‪ ،‬فجعةةع يةةنهم نوعة ًا مةةن‬ ‫فزهم عىل اعاناف‬

‫عىل رء مهم جد ًا‪ ،‬أخذ ﷺ سيف ًا اار ًا قوي ًا قرفعه ني اعدحا ا‪ ،‬ققةةال (مةةن يأخةةذ‬ ‫اعاناف‬

‫هذا اعسيف ح ه؟)‪ ،‬قال هذا اعاالم يف قسط جملوعا من امل ةةاتلني األشةةداء مةةن املهةةاجرين‬
‫‪553‬‬
‫قاألندار‪ ،‬ف ام إعيه أكثر من قاحد‪ ،‬منهم عيل ةةن أس طاعةةب قاعةةز ري ةةن اععةةوام قعلةةر ةةن‬

‫اهلل عنةةه قأر‪،‬ةةاه قهةةو مةةن‬ ‫اخل اب قغريهم قغريهم‪ ،‬أ ةةو ضجانةةا سةةام ةن خرشةةا ر‬

‫األندار‪ ،‬ف ال (قما ح ه يا رسول اهلل؟! قال أن ترضب ه قجوه اععدق حا ينحني)‪ ،‬ف ةةال‬

‫ِسام ن كخرشا لناه اع وة (أنا آخذه ح ه يا رسول اهلل)! قهاذا أعرض اعرسول صىل اهلل‬

‫اهلل عنةةه‬ ‫عليه قسلم عن كع اعذين ت ةةدموا عةةه قبةةع طعة ‪ ،‬قأع ة اعسةةيف أ ةةا ضجانةةا ر‬

‫قأر‪،‬اه‪ ،‬أخذ أ و ضجانا اعسيف قأخرج من جيبةةه عدةةا ا محةةراء قر هةةا عةةىل رأسةةه‪ ،‬ف ةةال‬

‫األندار (ع د ر ط أ و ضجانا عدا ا املوت)‪ ،‬كان يض هذه اععدا ا احللراء عىل رأسه عندما‬

‫ي لب املوت‪ ،‬ق دأ يليش مابذإ ًا ني صفو املسللني قاملرشكني‪ ،‬ف ال صىل اهلل عليه قسلم‬

‫(هذه مشيا يارهها اهلل قرسوعه إال يف هذا املوطن)‪ ،‬ففي هذا املوطن يساحب أن نظهةةر اععةةزة‬

‫قاع وة أمام اعافار‪ ،‬فاهلل عز قجع ب هذه املشيا يف هذا املوطن‪ ،‬قسو نرى إن شاء اهلل عد‬

‫طع ما اعذي علله أ و ضجانا سيف رسول اهلل صىل اهلل عليه قسةةلم‪.‬هذه هةةي حاعةا اجلةةيش‬

‫املسلم‪.‬‬

‫املحاقالت املبذقعا إلثارة محاا اجليش اعاافر قتفاي اعدف املسلم يف أحد‬

‫قحتفيةةز يف اجلةةيش اعاةةافر‪ ،‬ف ةةد ةةدأ أ ةةو سةةفيان‬ ‫عىل اجلانب اآلخر كذع كان هنا حتلي‬

‫ترتيب جيشه‪ ،‬فو‪ ،‬خاعد ن اعوعيد عىل امليلنا‪ ،‬قق‪ ،‬عارما عىل امليرسة‪ ،‬قق‪ ،‬صةةفوان‬

‫عىل املشاة‪ ،‬قهؤالء يعاربقن من عامع ا اعفرسان يف اجليش املرش ‪ ،‬قق‪ ،‬عبةةد اهلل ةةن ر يعةةا‬

‫اعلواء عبني عبد اعدار‪ .‬قيذكر اعاارية أن نةةي عبةةد اعةةدار كةةانوا ضائة ًام‬ ‫عىل رماة اعنبع‪ ،‬قأع‬

‫عد اإلسالم ففةةي ةةدر كةةانوا للةةون اعلةةواء‪ ،‬قيف أحةةد‬ ‫للون اعلواء قبع اإلسالم قكذع‬

‫كذع كانوا للون اعلواء‪ ،‬ففي غزقة أحد أراض أ و سفيان أن يساثري محاسا نةةي عبةةد اعةةدار‪،‬‬

‫ف ال هلم كالم ًا يف مناه اع سوة حا خيرج كع ما يف نفوسهم‪.‬‬

‫‪554‬‬
‫قال هلم (يا ني عبد اعدار؛ قد قعيام عواءنا يوم در‪ ،‬فأصا نا ما قد رأيام‪ ،‬قإنام يؤت اعناا من‬

‫قبع راياهتم)‪ ،‬أي أنام كنام مشاركني يف اهلزيلا‪( ،‬فإما أن تافونا عواءنا‪ ،‬قإمةةا أن لةةوا يننةةا‬

‫ق ينه فنافيالوه)‪ ،‬أي إن مل تاونوا در محع هةةذا اعلةةواء سةةللوه يل قأنةةا سةةو أترصة ‪،‬‬

‫قهاذا أثار محيا قغضب ني عبد اعدار‪ ،‬ققاعوا (نحن نسةةلم إعية عواءنةةا! سةةاعلم غةةد ًا إطا‬

‫اعا ينا كيف ندن )‪ ،‬قسبحان اهلل! صدقوا يف كلامهتم؛ ف د أ يدقا عن ارة أ يهم حةةول اعلةةواء‬

‫يف موقعا أحد كام سنبني إن شاء اهلل‪.‬‬

‫هذا‬ ‫هذه كان؛ حماقعا من أس سفيان الساثارة اهللا عند اجليش املرش حلرب املسللني‪ ،‬قعي‬

‫فحسب‪ ،‬ع إن اعنساء دأن لسن جيش املرشكني علحرب ‪،‬د املسللني‪ ،‬ققفةة؛ هنةةد نةة؛‬

‫عابا قمن معها من اعنساء يشجعن اجليش املرش عىل اع اال قينشدن األشعار يف طع ‪ ،‬قهةةي‬

‫املجال أن نفدع فيها‪ ،‬عان اعشاهد أن كع هذه األشةةعار كانةة؛ عبةةارة‬ ‫أشعار كثرية جد ًا عي‬

‫إال‪ ،‬يةةنام كةةان اعاحفيةةز عةةىل اجلانةةب اآلخةةر يف جةةيش‬ ‫عن عالقات ضنيويا أر‪،‬يا ماضيا عي‬

‫املسللني اجلنا‪.‬قشاان!‬

‫حاقل أ و سفيان تفاي اعدف املسلم‪ ،‬راسع األندار قال هلم (خلوا يننا ق ةةني نةةي علنةةا‬

‫قننرص عنام‪ ،‬ال حاجا عنا إىل قااعام)‪ ،‬قكأنه ي ةةول نحةةن نريةةد حمار ةةا اع رشةةيني ف ةةط‪،‬‬

‫عالقانا ام أهيا األقا قاخلزرج! جيدة منذ اع دم‪ ،‬ال نريد أن ن اتلام‪ ،‬عان هيهةةات! كيةةف‬

‫اهلل عنهم قأر‪،‬اهم قهم من أعظم اعناا إيامنة ًا‪،‬‬ ‫هلذه اعالامت أن ت يف قلوب األندار ر‬

‫ققد رض األندار عليه رض ًا يف مناه اععنف قأسلعوه ما ياره فعالً‪.‬‬

‫قاقإ ؛ ساعا اعدفر قضنا اجليشةةان مةةن عضةةهام اعةةبعق‪ ،‬قامةة؛ قةةريش لحاقعةةا أخةةرى‬

‫عافاي اعدف املسلم؛ خرج أ و عامر اعفاسق اعذي كفر رسول ﷺ‪ ،‬قسامه اعرسةةول ﷺ أ ةةا‬

‫عامر اعفاسق‪ ،‬ققد هرب إىل ماا‪ ،‬قاآلن خرج م جيش ماا ملحار ا املسللني يف موقعا أحد‪،‬‬
‫‪555‬‬
‫فة أ و عامر اعراهب قرر أن اقل تفاي؛ اعدف املسلم‪ ،‬فذرج قناضى عىل قومه األقا‪ ،‬قال‬

‫(يا معرش األقا؛أنا أ و عامر) ‪-‬يريد تذكريهم نفسه‪ ،‬قكان ا نه حنظلا ن أس عامر يف صةةف‬

‫عين ًا يةةا فاسةةق) سةةبحان اهلل!‬ ‫املسللني‪ ،‬عان شاان ني االثنني‪ -‬ف ال األقا (ال أنعم اهلل‬

‫قاعوا طع مباكة؛ ألهنم يعرفون قدةةاه قيعرفةةون تارخيةةه‪ ،‬ف ةةاعوا عةةه كلةةامت لناهة اع ةةوة‬

‫قاعبأا‪ ،‬ف ال (ع د أصاب قومي عدي ك ًا)‪ ،‬ي دد أهنم تغريقا‪ ،‬قسنرى عد طعة عنةةدما‬

‫يبدأ اع اال أن أ ا عامر اعفاسق سي اتع قااالً شديد ًا يف صف اعافار ‪،‬ةةد املسةةللني‪ ،‬قسةةريمي‬

‫احلجارة اعاثرية عىل اجليش املسلم‪.‬‬

‫هذه كان؛ املحاقعا اعثانيا من قريش عافاي اعدةةف املسةةلم‪ ،‬قعاةةن فشةةل؛ أيضة ًا‪ ،‬قاعا ة‬

‫اجليشان‪ ،‬قسابدأ عد قليع موقعا من أك املواق يف تارية املسللني‪ ،‬قهذه املوقعا يف أقهلةةا‬

‫كان؛ شديدة اعشبه لوقعا در اعاةةربى اعاةةي مةةرت نةةا يف اعةةدرقا املا‪،‬ةةيا‪ ،‬عاةةن عةةق‬

‫اعاغيريات اعبسي ا يف اعدف املسلم أضت إىل ناائج عاسيا هائلا كام تعللون‪.‬‬

‫هذه اعافديالت قهذه املناقرات اعاي ضارت يف أرض أحد هلا مو‪،‬و خضم جةةد ًا اةةاج منةةا‬

‫إىل تفديع‪.‬‬

‫‪556‬‬
‫‪25‬‬

‫يوم أحد‬

‫بدأ القتال يوم السبت السابع من شوال سنة ثالث للهجرة بعد حوايل سنة من غزوة بددد ب بدددأ‬

‫اللقاء يف منتهى الرشاسةب وأول لقاء دا كان حول اية الكفا ب وكان حيملها فددا م مددن بند‬

‫عبد الدا اسمه طلحة بن أيب طلحة العبد يب وكان من أكرب وأعظم وأرشم فرسان قددري ب‬

‫الكتيبةب فكان طلحة بن أيب طلحة أول من طلب القتال من قري ‪.‬‬ ‫كانوا يلقبونه بكب‬

‫وخرج هبيئته املرعبة وكان اكب ًا مجالًب فأحجم املسلمون عن مبا زته؛ ألن شكله كددان مرعبد ًاب‬

‫فتقدم الزبري بن العوام يض اهلل عنه وأ ضاه وانطلق إليهب وقفز فوق مجل طلحة بن أيب طلحددة‬

‫وجذبه من فوق اجلمل إىل األ ضب وبرك فوقه وقتله يض اهلل عنه وأ ضاه‪.‬‬

‫الكتيبددة طلحددة بددن أيب طلحددة‬ ‫فلام أى الرسول ﷺ الزبري بن العوام يض اهلل عنه يقتل كب‬

‫قال‪( :‬إن لكل نب حوا ي وحوا ي الزبري) يض اهلل عنه وأ ضاهب واحتدم اللقدداء بسددرعةب‬

‫واشتعلت أ ض املعركة‪.‬وتقدم عثامن بن أيب طلحة أخددو طلحددة بددن أيب طلحددة وةددل الرايددة‬

‫وطلب القتالب فخرج له ةزة يض اهلل عنه وأ ضاه وقتله ثم خرج أخوهم الثالددأ أبددو سددعد‬

‫وقتله سعد بن أيب وقاص يض اهلل عنه‪.‬وهكذا خرج مسافع بن طلحةب ثددم خددرج كددال بددن‬

‫طلحة ثم اجلالم بن طلحةب جمموعة كبرية من بن عبد الدا ب هؤالء الستة من بيت واحد من‬

‫بيت أيب طلحة‪.‬‬


‫‪557‬‬
‫كانت مأساة بالنسبة لبن عبد الدا ب ومع ذلك خرج منهم واحددد اسددمه أ طددأة بددن رشحبيددل‬

‫فقتله عيل بن أيب طالب‪ .‬ثم خرج رشيح بن خالد فقتله غالم أنصا ي اسمه قزمانب ثددم خددرج‬

‫واحد اسمه عمرو بن عبد مناف فقتله قزمان أيض ًا‪ .‬ثم خرج ولد لد رشحبيل بن هاشددم فقتلدده‬

‫قزمان أيض ًاب فقد قاتل قزمان قتاالً شديد ًا يف يوم أحد‪.‬‬

‫فهؤالء عرشة قد قتلوا كلهم من بن عبد الدا ب وكان كل واحددد مددنهم يسددلم الرايددة ل خددر؛‬

‫ألهنم كانوا قد عاهدوا أبا سفيان أال يتخلوا أبد ًا عن الرايةب وصدقوا يف ذلك‪.‬‬

‫ثم خرج موىل لبن عبد الدا كان اسمه صوا من احلبشة قاتل قتاالً أشد من السابقني مجيعد ًا‬

‫حتى قطعت يده األوىل ثم الثانيةب ثم قطع أسه وهو حيمل الراية حتى سددق ب وبسددقوا هددذا‬

‫الغالم احلادي عرش سقطت الراية املرشكةب ومل يتسلمها أحد بعد ذلك‪.‬‬

‫كان اللقاء بأعىل مستوىب فاأل ض كلها هجوم كاسح شاملب وكددان شددعا املسددلمني يف هددذا‬

‫اليوم‪ :‬أمت أمتب وكانت البداية يف صالح املسلمنيب فقد قتلوا أحددد عرشد قتددي ً‬
‫ال مددن غددري أن‬

‫يقتل واحد من املسلمنيب فقد كان انتصا ًا ضددخ ًام ضددعفت بدده معنويددا‪ ،‬الكفددا ب وا تفعددت‬

‫معنويا‪ ،‬املسلمني إىل أعىل د جةب وبدأ املسلمون يقتلون يف الكفا ويسدديطرون عددىل املوقد‬

‫متام ًاب وقاتل مجيع املسلمني بمنتهى الرضاوة والقوة‪.‬‬

‫بالء وقتال أيب دجانة وةزة وغريمها‬

‫كان من أبرز املقاتلني املسلمني يف هذه اللحظا‪ ،‬أبو دجانة وةددزة بددن عبددد املطلددب يض اهلل‬

‫الذي أعطاه ﷺب و بد‬ ‫قري ‪ .‬أخذ أبو دجانة السي‬ ‫عنهامب فهذان قد فعال األفاعيل بجي‬

‫عىل أسه عصابة ةراءب وقال األنصا ‪ :‬أخرج أبددو دجانددة عصددابة املددو‪،‬ب فجددال يف األ ض‬

‫وقتل الكثري من املرشكني‪.‬‬

‫‪558‬‬
‫للزبري بن العوام يض اهلل عنه وأ ضاهب فقد كان يف نفسه غاضددب ًا؛ ألن الرسددول‬ ‫وهناك موق‬

‫لد أيب دجانة ومل يعطه هوب فقال الزبري يف نفسه‪) :‬أنا ابددن صددفية عمتدده ومددن‬ ‫ﷺ أعطى السي‬

‫وقد قمت إليه فسألته إياه قبلهب فأعطدداه إيدداه وتركند ب واهلل ألنظددرن مددا يصددنع( ‪-‬أي‪:‬‬ ‫قري‬

‫سأ ى أبا دجانة ماذا سيفعل يف هذه املوقعة حتى يعطى هددذا السددي ‪) -‬فاتبعتدده فرأيتدده وهددو‬

‫يقول)‪:‬‬

‫ونحن بالسدفح لدى النخيل‬ ‫أنا الذي عاهدددددين خلييل‬

‫اهلل والرسول‬ ‫أرض بسي‬ ‫أال أقوم الدددهر يف الكيول‬

‫والكيول‪ :‬مؤخرة الصفوفب يعن ‪ :‬أقاتل يف مقدمة الصفوف‪.‬‬

‫قال الزبري بن العوام‪( :‬فجعل ال يلقى أحد ًا من املشدركني إال قتلددهب وكددان يف املرشددكني جددل‬

‫شديد جد ًا يقتل كل جريح مسلم فدعو‪ ،‬اهلل أن جيمع بينه وبني أيب دجانددة فاجتمعددا فاختلفددا‬

‫رضبتنيب فرض املرشك أبا دجانة فاتقاه بد قته ‪-‬بد عه‪ -‬فعضت بسيفه فضددربه أبددو دجانددة‬

‫فقتله) وأخذ أبو دجانة خيرتق صفوف الكفا حتددى وصددل إىل ‪،‬خددرهب وكددان يف ‪،‬خددر اجلددي‬

‫النساءب فرفع سيفه ليرض إنسان ًا‪.‬‬

‫النام مخش ًا شديد ًا فصمد‪ ،‬لهب فلام ةلت عليه السي‬ ‫يقول أبو دجانة‪ ( :‬أيت إنسان ًا خيم‬

‫سددول اهلل ﷺ أن أرض بدده‬ ‫ولول فإذا هو امرأة ‪-‬وه هنددد بنددت عتبددة ‪ -‬فأكرمددت سددي‬

‫امرأة)‪ .‬هذا هو أبو دجانة يض اهلل عنه وأ ضاه‪.‬‬

‫وقاتل ةزة بن عبد املطلب أيض ًا كقتال أيب دجانة يض اهلل عددنهامب قاتددل قتدداالً شددديد ًا يف كددل‬

‫يف ظهره أحدهمب وهو وحشدد‬ ‫أبد ًا يف وجهه أحد من املرشكنيب لكن وق‬ ‫امليادينب ومل يق‬

‫املرشكنيب وله قصةب‬ ‫بن حر أحد الغلامن يف جي‬

‫‪559‬‬
‫يقول وحيش بن حر ‪( :‬كنت غالم ًا لد جبري بن مطعمب وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب‬

‫إىل أحد قال يل جبري‪ :‬إنك إن قتلت ةددزة عددم مددد بعمد فأنددت‬ ‫يوم بد ب فلام سا ‪ ،‬قري‬

‫ال حبشددي ًا أقددذف باحلربددة‬


‫عتيقب املسألة مسألة ثأ متام ًاب قال‪ :‬فخرجت مع النامب وكنت جد ً‬

‫قذف احلبشةب قلام أخطئ هبا شيئ ًاب فلام التقى النام خرجت أنظر ةزة وأتبرصه حتى أيتدده يف‬

‫عرض النام مثل اجلمل األو قب هيد النام هد ًا ما يقوم له يشءب وهددزز‪ ،‬حربتد حتدى إذا‬

‫ضيت منها دفعتها إليه فوقعت يف ثنته ‪-‬يعن ‪ :‬يف أحشائه‪ -‬حتددى خرجددت مددن بددني جليددهب‬

‫وذهب لينوء نحوي ف هغلب ‪-‬أي‪ :‬بعد أن رض ةزة باحلربة ذهددب ليقتددل وحشددي ًا ‪ -‬وتركتدده‬

‫وإياها حتى ما‪،‬ب ثم أتيته فأخذ‪ ،‬حربت ب ثم جعت إىل العسددكر فقعددد‪ ،‬فيهددا ومل يكددن يل‬

‫بعده حاجة وإنام قتلته ألعتقب فلام قدمت مكة عتقت)‪.‬‬

‫لقد كان قتل ةزة يض اهلل عنه وأ ضاه أسد اهلل وأسد سددوله ﷺ خسددا ة فادحددة خسددرها‬

‫املسلمونب ومع قتل هذا األسد العظيم يض اهلل عنه إال أن املسلمني ظلوا مسيطرين متام ًا عددىل‬

‫يف أ ض أحدب فقد قاتل عامة املسلمني يومئذ قتاالً رشس ًا شديد ًا عظي ًامب قاتل أبددو بكددر‬ ‫املوق‬

‫وقاتل عمر وعيل بن أيب طالب والزبري بن العوام ومصعب بن عمري وطلحة بن عبيد اهلل وعبد‬

‫وسعد بن معاذ كل املسلمني أبلوا بال ًء حسن ًا يف ذلك اليوم‪.‬‬ ‫اهلل بن جح‬

‫وكان لد خالد بن الوليد يض اهلل عنه وأ ضاه ‪-‬وكان يومئذ مشدرك ًا‪ -‬نظددرة عسددكرية ثاقبددةب‬

‫عىل املسلمني عن طريقهاب فجاء خالد بن الوليد بفرقة من‬ ‫أى الثغرة الت من املمكن أن يلت‬

‫حول جبل الرماةب لكن فوجئ بسيل من السهام مددن كتيبددة الرمدداة مددن فددوق‬ ‫الفرسان والت‬

‫اجلبلب فرد‪ ،‬خالد بن الوليد ومل يستطع مع كل ذكائه وعبقريته وحنكته العسكرية أن يتجدداوز‬

‫املسلم من اخلل ب وقر خالد املحاولة مرة ثانية وثالثةب ويف كل مددرة‬ ‫هذه الكتيبة ويأيت اجلي‬

‫يفشل يف جتاوز كتيبة الرماة الت قامت حتى هذه اللحظة بمهمتها عىل أكمل واجب‪.‬‬

‫‪560‬‬
‫انتصا املسلمني يف غزوة أحد يف أول األمر‬

‫مسلمب مع‬ ‫املرشك ثالثة ‪،‬الف مرشكب كأهنم يقابلون ثالثني أل‬ ‫بدأ‪ ،‬اهلزيمة تد يف اجلي‬

‫أن املسلمني كلهم سبعامئةب وبدأ املرشددكون يفكددرون يف اهلددرو ب وبدددءوا فعد ً‬
‫ال يف اهلددرو ب‬

‫وعادوا يرتاجعون إىل الو اء شيئ ًا فشيئ ًاب ثم بدءوا يولون وجوههم قبل مكةب حتى إهنم تركددوا‬

‫النساء و اءهم‪ .‬يقول الددزبري بددن العددوام‪( :‬واهلل لقددد أيتند أنظددر إىل خدددم هنددد بنددت عتبددة‬

‫ب مددا دون أخددذهن قليددل وال كثددري)‪ .‬أي‪ :‬انتهددت املوقعددة ومددن‬ ‫وصواحبها مشمرا‪ ،‬هوا‬

‫املمكن أخذ النساء سبي ًا‪.‬‬

‫املسلمب ال يقل هذا النرص وعة عن نرص بد ب فاهلل سددبحانه وتعدداىل‬ ‫فكان نرص ًا عظي ًام للجي‬

‫قددال‪{ :‬ولقددد صدددقك ههم اهلله وعددد هه إذ هُ ُسددوهنهم بإذندده} [‪،‬ل عمددران‪ُ ]152:‬سددوهنم أي‪:‬‬

‫تستأصلوهنمب فاهلل سبحانه وتعاىل وعد املسلمني إن كانوا صددابرين ومتبعددني لرسددوله الكددريم‬

‫ﷺ أن يعطيهم النرص يف أحد ويف غريهاب وقد بشدرهم الرسددول ﷺ بددذلك قبددل اخلددروج إىل‬

‫أحدب واملسلمون إىل هذه اللحظة ملتزمون متام ًا بام قال هلم ﷺب وبام كانوا عليه يوم بد ؛ لذلك‬

‫ُقق النرص حتى هذه اللحظة‪.‬‬

‫إىل اآلن مؤمن باهلل عز وجلب ومؤمن باليوم اآلخر‬ ‫إذا وقفنا وحللنا فإننا سنجد أن هذا اجلي‬

‫مددع شددعبه‬ ‫يعددي‬ ‫يطلب اجلنةب والشو ى طبقهاب واإلعداد اجليد طبقهب والقائد يف هذا اجلي‬

‫ويشرتك معهم يف كل صغرية وكبريةب وأخوة يف اهلل واضحة يف أثناء القتالب واألمل يف قلوهبمب‬

‫واليقني يف نرص اهلل عز وجل يمأل نفوسهمب واألمر موسد إىل أهلهب والصددفا‪ ،‬العشددر التد‬

‫أحدب فكان النرص للمسلمني‪.‬‬ ‫تكلمنا عنها يف غزوة بد كلها متحققة إىل هذا الوقت يف جي‬

‫‪561‬‬
‫انقال املوازين يف ‪،‬خر معركة أحد لصالح املرشكني‬

‫املشدركنيب ختددىل بعد‬ ‫بعد هذا االنتصا العظيم للمسلمنيب وبعد هذا اهلرو الكبري جلي‬

‫متامد ًاب ففد أثندداء هددرو‬ ‫املسلمني عن صفة واحدة من هذه الصفا‪ ،‬العرشب فتغددري املوقد‬

‫املرشكني من أ ض املعركة متجهني إىل مكددة ألقددوا كددل مددا معهددم مددن األمتعددة واملمتلكددا‪،‬‬

‫واألثقال واألةالب ألقى املرشكون الدنيا خلفهم؛ ليتخففواب وليستطيعوا اهلر ب و أى الرماة‬

‫املسلمون من فوق اجلبل الدنيا الت ألقاها املرشكون خلفهمب فأخذ الرماة قرا ًا عجيب ًاب أخذوا‬

‫القرا بالنزول جلمع دنيا املرشكني‪.‬‬

‫ختيل! املخالفة الواضحة الرصحية لكالم سول اهلل ﷺب النزول من أجل مجددع دنيددا املرشددكنيب‬

‫قالوا‪( :‬الغنيمة الغنيمة! الغنيمة الغنيمة!) فهذه الغنيمة وهددذه الدددنيا وهددذه األمددوال أعمددت‬

‫هلددم وذكددرهم‬ ‫أبصا هم متام ًا عن تذكر ما قاله احلبيب ﷺب لكن القائد عبد اهلل بن جبري وقد‬

‫‪562‬‬
‫وقال‪( :‬أنسيتم ما قال لكم سول اهلل ﷺ؟) فقالوا‪( :‬الغنيمة الغنيمة) فكانت خمالفددة متعمدددة‬

‫لكالم الرسول ﷺب ولكالم القائد املبارش عبد اهلل بن جبري‪.‬‬

‫وهكذا نزل ثامنون يف املائة من الرماةب حيأ نزل أ بعون من الرماة من أصل مخسني؛ ليجمعوا‬

‫الغنيمة مع املسلمنيب و أى خالد بن الوليد الثغرةب وكان قائد ًا عسددكري ًا نكد ًاب وأتددى بفرقتدده‬

‫من حول جبل الرماةب وحاول عبد اهلل بن جبري يض اهلل عنه ومن تبقى معه من‬ ‫برسعة والت‬

‫اإلسالم من اخلل ب لكنهم فشلواب‬ ‫الرماة أن يمنعوا خالد بن الوليد من الدخول عىل اجلي‬

‫فحاول عبد اهلل بن جبري قتاهلم إال أن جمموعة من فرسان املرشكني قتلوه ثم أبادوا بقية الرماة‪.‬‬

‫اإلسالم وصاح صيحة عالية جد ًا سمعها املشدركون‬ ‫خالد بن الوليد من و اء اجلي‬ ‫والت‬

‫اإلسالم فعادوا للقتددال مددن جديدددب‬ ‫حول اجلي‬ ‫الذين يفرونب أد كوا منها أن خالد ًا الت‬

‫واملرشكني من األمامب وهكذا وضع املسلمون‬ ‫وحرص املسلمون بني خالد بن الوليد من اخلل‬

‫بني فك كامشةب وأرسعت امرأة من املرشكني كان اسمها عمرة بنت علقمددةب و فعددت اللددواء‬

‫الساق عىل األ ضب واهتاج املرشددكونب وُمسددوا ةاسد ًا كبددري ًا يف اهلجددوم عددىل املسددلمنيب‬

‫وقوهتم ذكريا‪ ،‬بد وذكريا‪ ،‬اهلزيمة األوىل يف أحدب وبدددءوا يضددغطون عددىل املسددلمني مددن‬

‫الناحيتني‪.‬‬

‫التفاف املرشكني حول سول اهلل ﷺ‬

‫خالد بن الوليد حول اجلي‬ ‫املسلم ينظم الصفوفب وملا الت‬ ‫كان الرسول ﷺ يف ‪،‬خر اجلي‬

‫اإلسالم ب كان أول فرقة من املسلمني قابلها ه الفرقة الت فيها الرسول ﷺب ومل ير خالد بن‬

‫الوليد الرسول ﷺب لكن ما ه إال دقائق وسيظهر؛ ألنه ‪،‬خر الصددفوفب فالبددد أن خيتددا ﷺ‬

‫أحد اختيا ين‪ :‬إما أنه ير بالتسعة إىل أي مكان يف أ ض املعركة حتى يستطيع أن يقاوم مددن‬

‫‪563‬‬
‫عددىل‬ ‫حتى جيتمع من جديدب ويبدددأ يف اولددة السددتعادة املوقد‬ ‫جديدب وإما أن ينادي اجلي‬

‫أ ض أحد‪ .‬لكن لو نادى ﷺ النام فمن املحتمل أن املشدركني الددذين بدداغتوا املسددلمني مددن‬

‫يسمعون صوتهب ولو سمعوا صوته ألحاطوا به ﷺ وقتلوهب ومع ذلك يف شجاعة ناد ة‬ ‫اخلل‬

‫من جديد قال‪( :‬إ ييل عباد‬ ‫اختا الرسول ﷺ احلال الثاينب ونادى بأعىل صوته الستعادة املوق‬

‫اهلل إ ييل عباد اهلل أنا سول اهلل) وهكذا بدأ يعيل صوته؛ ليسمع املسلمون‪.‬‬

‫صددا املسددلمون يف حالددة اضددطرا شددديدة جددد ًاب فددذاك ينظددر قدامددهب وذاك ينظددر و اءهب‬

‫مأساوي ًاب سمع خالد بن الوليد الرسددول ﷺ‬ ‫واملرشكون يف حالة نشاا عجيبب وصا املوق‬

‫يناديب فانطلق إىل املنطقة الت فيهددا سددول اهلل ﷺ وحارصهدداب وبدددأ‪ ،‬الفرقددة التد حددول‬

‫الرسول ﷺ تقاتل قتاالً شديد ًاب تسعة ضد فرقة كاملة من الفرسانب والرسددول ﷺ يشددجعهم‬

‫ويقول‪( :‬من يردهم عنا وله اجلنة ‪-‬أو يقول‪ :-‬من يردهم عنا وهو فيق يف اجلنة)‪.‬‬

‫فتقدم أنصا ي وقاتل قتاالً شديد ًا حتى استشهد يض اهلل عنه وأ ضدداهب ثددم تقدددم الثدداين ثددم‬

‫الثالأ ثم الرابع ثم اخلامس ثم السادمب ثم تقدم سابعهم عام ة بن يزيد بن السددكن يض اهلل‬

‫عنه وأ ضاهب وكل هؤالء السبعة من األنصا ب فقاتل عام ة قتاالً شديد ًا حتى أصدديب يض اهلل‬

‫عنه وأ ضاهب فسق عىل األ ضب واقرت مددن سددول اهلل ﷺ حتددى وضددع أسدده عددىل قدددم‬

‫سول اهلل ﷺب واستشهد وخده ملتصق بقدم احلبيب ﷺ‪.‬‬

‫تأثر الرسول ﷺ يف هذا املوق ب قال‪( :‬ما أنصفنا أصحابنا)ب تقدم األنصا الواحد تلو اآلخرب‬

‫ةية طلحددة بددن عبيددد اهلل‬ ‫ومل يتقدم طلحة بن عبيد اهلل وسعد بن أيب وقاصب فأثا هذا املوق‬

‫وسعد بن أيب وقاص فقاما يقاتالن قتاالً شديد ًاب لكن ماذا يعمل اثنددان وسد هددذه املجموعددة‬

‫الضخمة من املرشكني؟ وتقدم من الكفا عتبة بن أيب وقاص أخو سعد بن أيب وقاصب ختيددل!‬

‫سعد بن أيب وقاص يدافع عن الرسول ﷺب وأخوه عتبة يقذف باحلجا ة وجدده سددول اهلل ﷺ‬
‫‪564‬‬
‫حتى تفجر‪ ،‬الدماء من أسه ﷺب وجاء عبد اهلل بن شها الزهددري أحددد املرشددكني فشددجه‬

‫رضبددة‬ ‫شجة منكرة يف أسه ﷺب ثم جاء إليه جل اسمه عبد اهلل بددن قمئددة ورضبدده بالسددي‬

‫شديدة عىل كتفه ﷺب وظل ﷺ يشتك منها شهر ًا كام ً‬


‫ال بعد ذلكب ثددم رض وجدده الرسددول‬

‫ﷺب فدخلت حلقتان من حلقا‪ ،‬املغفر الذي كان فوق أم احلبيب ﷺ يف وجنتهب وابن قمئة‬

‫يقول‪( :‬خذها وأنا ابن قمئةب فقال ﷺ‪ :‬أقمأك اهلل) أي‪ :‬أهلكك اهللب واستجا اهلل دعدداء نبيدده‬

‫ﷺب فبعد غزوة أحد بقليل وقع من فوق جبل يف بلده و هقتل‪.‬‬

‫وهكذا تفجر‪ ،‬الدماء من أسه ومن جسده ﷺب وهو يمسح الدم مددن عددىل وجهدده ويقددول‪:‬‬

‫يفلح قوم شجوا وجه نبيهم؟ فأنزل اهلل عز وجل‪{ :‬ليس لك مدن األمدر يش وء أو ي هتدو‬ ‫(كي‬

‫عليهم أو هيع ِّذ ههبم فإ ههنهم ظاملهون} [‪،‬ل عمران‪.)]128:‬‬

‫قام سعد بن أيب وقاص يض اهلل عنه وأ ضدداه وطلحددة بددن عبيددد اهلل بعمددل ال‬ ‫يف هذا املوق‬

‫كاملب فقد كان سددعد بددن أيب وقدداص يرمد بسددهامه املرشددكنيب‬ ‫يستطيع أن يقوم به إال جي‬

‫جمموعة ضخمة من املرشكني حول املصطفى ﷺب ومع ذلك يرد سعد بن أيب وقدداص بسددهامه‬

‫هذه املجموعة الضخمةب وأ هعجب الرسول ﷺ بأداء سعد بن أيب وقدداص حتددى قددال لدده‪( :‬ا م‬

‫سعد فداك أيب وأم )ب وهكذا مجع له ﷺ أبويه يفديه هبامب فكان ذلك فخددر ًا لدده يض اهلل عندده‬

‫وأ ضاه‪.‬‬

‫طلحة بن عبيد اهلل حرب ًا رضوس ًا يف ذلك اليومب وقاتل من كل مكان حول املصددطفى‬ ‫وحا‬

‫ﷺب حتى وصلت اجلروح الت أصابت جسددده إىل تسددعة وثالثددني جرحد ًاب ختيددل أن واحددد ًا‬

‫تسع ًة وثالثني جرح ًا وال زال يقاتل يف سددبيل اهللب وجدداء سددهم مددن بعيددد كدداد‬ ‫يتقطع بالسي‬

‫يصيب املصطفى ﷺب فوضع طلحة يده أمام السهمب فدخل السهم يف يده وأنقددذ الرسددول ﷺ‬

‫وشلت يد طلحة هبذا السهم يض اهلل عنه وأ ضاه‪.‬‬


‫‪565‬‬
‫الصحابة يض اهلل عنهم مددن بعيدددب‬ ‫بعد هذه احلر الضخمة حول الرسول ﷺ وصل بع‬

‫صعبب ففدداء إليدده جمموعددة مددن الصددحابة مددن مقدمددة‬ ‫أوا الرسول ﷺ يف مأزق ويف موق‬

‫اجلي ب وأول من فاء إىل الرسول ﷺ أشددد النددام حبد ًا لدده أبددو بكددر الصددديق يض اهلل عندده‬

‫وأ ضاهب وبينام هو يعود إىل سول اهلل ﷺ أى واحد ًا يقاتل حول النبد ﷺ مددن كددل مكددان‬

‫فقال‪( :‬كن طلحة فداك أيب وأم ب كن طلحة فداك أيب وأم ب كن طلحة فددداك أيب وأمد ) ثددم‬

‫وجده طلحة كام متنى؛ ألن طلحة مقاتل شديد وفا م مغوا ب فتمنى أن يكون طلحددة ؛ حتددى‬

‫يستطيع أن يدافع الدفاع األمثل عن سول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫ثم وصل أبو بكر الصديق وتبعه مبارشة عمر بن اخلطا وأبو عبيدة بن اجلددراح ب ووجددد أبددو‬

‫بكر الصديق أن حلقا‪ ،‬املغفر قد دخلت وجه الرسددول ﷺ؛ فددذهب لينزعهدداب فقددال لدده أبددو‬

‫عبيدة ‪( :‬نشدتك باهلل يا أبا بكر إال تركتن )ب ونزل أبو عبيدة بددن اجلددراح ب ووضددع فمدده عددىل‬

‫حافة املغفرب وبدأ جيذهبا بخفة من وجه سول اهلل ﷺب لكن من قوة مسكة حلقة املغفر بأسنانه‬

‫وقعت إحدى أسنانه يض اهلل عنه وأ ضاهب وخرجت إحدى حلقا‪ ،‬املغفرب فأ اد أبو بكر أن‬

‫ينزع احللقة األخرىب فقال له ثانية‪( :‬نشدتك باهلل يا أبا بكر إال تركتن )ب ونددزع احللقددة الثانيددة‬

‫وسقطت سن من أسنانه يض اهلل عنهم أمجعني‪.‬‬

‫قاتل الصحابة قتاالً شديد ًا حول املصطفى ﷺب و أى الرسول ﷺ طلحة وهددو مددا زال يقاتددل‬

‫عن اليمني وعن اليسا هبذه اجلراح الكثرية؛ فقال ألصددحابه لدددأيب بكددر وعمددر وأيب عبيدددة ‪:‬‬

‫(دونكم أخاكمب دونكم أخاكم فقد أوجب) أي‪ :‬أدى كل الذي عليهب وسق طلحددة يض اهلل‬

‫عنه من اإلصابا‪ ،‬الكثريةب وبدأ الصحابة يدفعون عن سول اهلل ﷺ أذى القرشيني‪.‬‬

‫‪566‬‬
‫جاء‪ ،‬بعد ذلك جمموعة أخرى من الصحابةب جاء أبو دجانة ومالك بن سنان والد أيب سددعيد‬

‫اخلد ي ب وجاء حاطب بن أيب بلتعة ب وجاء‪ ،‬أم عددام ة إحدددى النسدداء تقاتددل حددول سددول‬

‫اهلل ﷺ‪.‬‬

‫كان أبو طلحة األنصا ي يضع نفسه أمام الرسول ﷺ؛ ليحميدده مددن سددهام املرشددكنيب وكددان‬

‫أيب طلحددة ب‬ ‫الرسول ﷺ يريد أن يرض بالسهم من و ائهب فكان يرفع أسه مددن و اء كتد‬

‫فكان أبو طلحة يقول له‪( :‬يا سول اهلل بأيب أنت وأم ال ترشف يصبك سهم من سهام القومب‬

‫نحري دون نحرك يا سول اهلل)‪.‬‬

‫كانت أم عام ة تقاتل عن يمني سول اهلل ﷺ وعن شاملهب يقددول ﷺ‪( :‬مددا نظددر‪ ،‬يميند وال‬

‫شاميل وال أمام وال خلف إال وجد‪ ،‬أم عددام ة تقاتددل عند بسدديفها)‪ .‬نظددر إليهددا ﷺ نظددرة‬

‫يف هددذه املوقعددة التد فددر‬ ‫إعجا بقتاهلاب مع أهنا امرأة ضعيفة وليست مكلفة بالقتال بالسي‬

‫الرجالب فنظر إليها نظرة وهو يبتسمب فشاهدته أم عددام ة يض اهلل عنهددا وأ ضدداها‬ ‫فيها بع‬

‫وهو يبتسم فقالت‪( :‬يا سول اهلل ادع اهلل أن نكون معك يف اجلنةب فقال‪ :‬أنتم معد يف اجلنددة)‪.‬‬

‫كانت تقاتل ه وزوجها وابنها مجيع ًا حول سول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫جاء حاطب بن أيب بلتعة يض اهلل عنه وقتل عتبة بن أيب وقاص الذي كان يرضخ وجه سددول‬

‫اهلل ﷺ باحلجا ةب وجاء عبد الرةن بن عوف يض اهلل عنه وقاتل قتاالً شديد ًا حتددى ُطمددت‬

‫أسنانه يض اهلل عنه وأ ضاهب وأصيب بعرشين إصابة يف جسدهب كان أحدددها سددبب ًا يف إصددابته‬

‫بالعرج الدائم بعد ذلك‪.‬‬

‫سق الرسول ﷺ يف حفرة من احلفر الت فعلها املرشكون ككمني للمسددلمنيب ومل يسددتطع أن‬

‫خيرج من شدة اجلراح الت يف جسده ﷺب وأبو دجانة يرى السهام تأيت من كددل مكددان صددو‬

‫‪567‬‬
‫الرسول ﷺب فوضع نفسه يض اهلل عنه وأ ضاه فوق الرسددول ﷺب وغطددى احلفددرة بجسددده‬

‫حتى يتلقى السهام بظهره يض اهلل عنه‪.‬‬

‫أثر إشاعة قتل النب ﷺ عىل املسلمني‬

‫كان اجلميع يقاتل حول املصطفى ﷺب فجاء مصعب بن عمري يض اهلل عنه وهددو حيمددل ايددة‬

‫املهاجرينب وقاتل قتاالً شديد ًا حول املصطفى ﷺ فقطعت يمينهب فحمل الراية بشامله فقطعت‬

‫عليها بعضديهب وجاء املشدركون مددن‬ ‫شاملهب فربك عىل الراية يض اهلل عنه وأ ضاه وهو قاب‬

‫الر هس هل}‬ ‫خلفه وقتلوهب فسق عىل األ ض وهو يقول‪{ :‬وما ه همدو إ هال هس و‬
‫ول قد خلت من قبله ُ‬
‫[‪،‬ل عمران‪.]144:‬‬

‫وكان مصعب بن عمري يض اهلل عنه وأ ضاه شديد الشبه برسول اهلل ﷺب فظن املرشكون أهنم‬

‫قتلوا املصطفى ﷺب فقال ابن قمئة وكان هو الذي قتل مصعب بن عمري‪ :‬قتلت مددد ًاب قتلددت‬

‫مد ًاب وانترش اخلرب يف أ ض املعركة بكاملهاب فكان هذا اخلرب مأساة عىل املسلمني‪.‬‬

‫وهكذا أشيع أن احلبيب ﷺ قد قتلب فاألمر ال يمكن أن يتخيلوه أبد ًاب فددإهنم ال يسددتطيعون أن‬

‫ال تتم الرسالة؟ كي ؟ كي ؟ ظهددر‪،‬‬ ‫ينقطع الوح ؟ كي‬ ‫يعيشوا بدون الرسول ﷺب كي‬

‫أسئلة كثرية يف أذهان النامب وأحب كثري من املسلمني يف أ ض القتال‪.‬‬

‫إىل أن جلس عىل أ ض املعركة دون قتالب القتال دائر من حوله وهددو‬ ‫وصل اإلحباا بالبع‬

‫ال يرفع سيفه ليدافع حتى عن نفسهب هذا فهم خاطئب فالقتال ليس من أجل املسددلمني ولدديس‬

‫من أجل سول اهلل ﷺب إنام القتال يف سبيل اهلل عز وجلب واهلل ح ال يمددو‪،‬ب فلددامذا القعددود‬

‫واإلحباا؟! إن قضية القتال يف سبيل اهلل ال جيب أن تغيب أبد ًا عن ذهن املددؤمنب بددل عليدده أن‬

‫يكون كالصحايب اجلليل ثابت بن الدحداح يض اهلل عنه وأ ضاه من املشا كني يف غزوة أحدب‬

‫‪568‬‬
‫ملا أى النام قعدوا عىل األ ض ذهب إليهم وقال يف إيامن عميق وفهم دقيق‪( :‬إن كددان مددد‬

‫ﷺ قد قتل فإن اهلل ح ال يمو‪)،‬ب ثم قاتل يض اهلل عنه وأ ضاه حتى استشهد‪.‬‬

‫املسلمني وهم جلوم عىل‬ ‫قال ذلك أيض ًا أنس بن النرض يض اهلل عنه وأ ضاهب مر عىل بع‬

‫أ ض القتالب قد فقدوا وح القتال واملقاومةب فقال هلم‪( :‬ماذا تنتظرون؟) قالوا‪( :‬قتل سدول‬

‫اهلل ﷺ)ب فقال يف منتهى الشجاعة والقوة‪( :‬قوموا فموتوا عىل ما ما‪ ،‬عليه ﷺب إن كان مددد‬

‫قد قتل فإن اهلل ح ال يمو‪.)،‬‬

‫ثم قال وهو ينظر إىل املسلمني الذين أحبطوا وقعدوا عىل أ ض القتال‪( :‬اللهم إين أعتذ إليك‬

‫مما صنع هؤالء ‪-‬أي‪ :‬املسلمني‪-‬ب وأبرأ إليك مما صنع هؤالء ‪-‬أي‪ :‬املرشكني‪-‬ب ثم تقدددم يض‬

‫اهلل عنه وأ ضاه ليلقى املرشكنيب فلقيه سعد بن معاذ فقال له سعد‪ :‬أين يا أبا عمددر! ‪،‬ه يدددخل‬

‫يف وس املرشكنيب فقال أنس‪ :‬واه ًا لريح اجلنة يا سعد! إين أجده دون أحد) ‪-‬أي‪ :‬أشم ائحة‬

‫اجلنة عند أحد‪ -‬ثم مىض يض اهلل عنه وأ ضاه وقاتددل املرشددكني قتدداالً شددديد ًا ضددا ي ًا حتددى‬

‫استشهد يض اهلل عنه وأ ضاهب وطعن أكثر من ثامنني طعنة يف جسمهب ومل يعرفه أحد إال أختدده‬

‫ببنانه‪.‬‬

‫كعددب بددن مالددك يض اهلل عندده‬ ‫إىل أن اكتشد‬ ‫استمر‪ ،‬إشاعة مو‪ ،‬الرسول ﷺ يف اجلي‬

‫وأ ضاه ممن شا ك يف غزوة أحد أن الرسول ﷺ ح مل يقتددلب فنددادى يف املسددلمني‪( :‬أبشددروا‬

‫أبرشوا سول اهلل ﷺ ح )ب فأشا له ﷺ أن يصمت؛ لئال يلفت أنظا املرشكنيب ومددع ذلددك‬

‫سمع ثالثون شخص ًا من املسلمني كلمة كعب بن مالددك؛ ففدداءوا إىل سددول اهلل ﷺب وبدددءوا‬

‫حيوطونهب وبدأ الرسول ﷺ يقود هذه املجموعددة لالنسددحا املددنظم يف اجتدداه اجلبددل‪ ،‬وكددان‬

‫الرسول ﷺ ينادي جمموعة أخرى من املسلمني مددن بعيددد (إ ييل عبدداد اهلل! إ ييل عبدداد اهلل!) لكددن‬

‫باإلحباا والقعود يف أ ض القتالب بل فعلت ما هو أشد وأنكددىب لقددد‬ ‫هناك جمموعة مل تكت‬
‫‪569‬‬
‫كبرية مددن الكبددائرب فمددنهم‬ ‫قر ‪ ،‬هذه املجموعة الفرا من أ ض القتالب والفرا من الزح‬

‫من فر وهو يصعد إىل اجلبلب ومنهم من فر يف طريقه إىل املدينة حتددى وصددل إىل املدينددة املنددو ة‬

‫فا ًاب والرسول ﷺ يناديم وهم يسمعون وال يلبونب وذكر اهلل ذلك يف كتابدده‪{ :‬إذ تهصدعده ون}‬

‫ول يدد هعوكهم يف هأخدراكهم}‬


‫الر هسد ه‬ ‫ر‬
‫[‪،‬ل عمددران‪ ]153:‬أي‪ :‬إىل اجلبددل {وال تلد هوون عدىل أحدد و ه‬
‫ينادي املسلمنيب وهم يسمعون هذا النداء وال يلبون‪.‬‬ ‫[‪،‬ل عمران‪ ]153:‬أي‪ :‬يف ‪،‬خر اجلي‬

‫ومع هذه الكا ثة استطاع الرسول ﷺ أن ينسحب إىل اجلبل بالثالثني الذين معه من املسلمنيب‬

‫أحد كبا املرشكنيب فجاء جيري من بعيد‬ ‫وبينام هو يصعد إىل اجلبل إذ ‪،‬ه عدو اهلل أيب بن خل‬

‫ويقول‪) :‬ال نجو‪ ،‬إن نجا ال نجو‪ ،‬إن نجا(ب وأ اد الدخول عىل الرسددول ﷺب فقددال القددوم‬

‫عليه جل منا؟( فقال ﷺ‪) :‬دعوه(ب فلام دنا من الرسول‬ ‫للرسول ﷺ‪( :‬يا سول اهلل؛ أيعط‬

‫ﷺ تناول الرسول ﷺ حربته ورضبه رضبة)ب وهذه الرضبة خدشت فيه خدشة خفيفة جددد ًا ب‬

‫ب وأخذ جيري كالطفلب وهو يقول‪( :‬قتلن ‪-‬واهلل‪ -‬مدب قتلن‬ ‫ومع ذلك رصخ أيب بن خل‬

‫‪-‬واهلل‪ -‬مد)ب واستغر املرشكون من حالتهب قالوا‪( :‬ذهب ‪-‬واهلل‪ -‬فؤادكب واهلل إن بك من‬

‫بأم) قال‪( :‬إنه قد كان قال يل بمكة‪ :‬أنا أقتلكب فواهلل لو بصق عيل لقتلن ) فانظر إىل اقتناع أيب‬

‫أن كلمة سول اهلل ﷺ حقيقيةب وأنه لو تنبأ أنه سيقتله يف يددوم مددن األيددام فددإن هددذا‬ ‫بن خل‬

‫التنبؤ سيحدث ال الةب حتى وإن كان من خدش خفي ب قال هذه الكلام‪ ،‬الت تعرب عددن أن‬

‫املرشكني مجيع ًا يقتنعون متام ًا أن الرسول ﷺ حقب وأن ما بعأ به هو الصدقب ولكددنهم كددانوا‬

‫يكذبون ملصاحلهمب لعنهم اهلل‪ .‬كام تنبأ ﷺ وأخرب قبل ذلددك بددالوح ب مددا‪ ،‬عدددو اهلل أيب بددن‬

‫الذي أصابه من سول اهلل ﷺ وهو اجع إىل مكة‪.‬‬ ‫هبذا اخلدش اخلفي‬ ‫خل‬

‫بدأ الرسول ﷺ حياول من جديد صعود جبل أحدب لكن إصاباته كانت كثريةب فلم يسددتطع أن‬

‫يصعد اجلبلب فاعرتضته صخرة كبريةب ومل يستطع الرسول ﷺ تسلقهاب فجلس طلحة بن عبيد‬

‫‪570‬‬
‫اهلل عىل األ ض ‪-‬مع أنه مصا بتسعة وثالثني إصابة يف جسده‪ -‬ليصعد فددوق ظهددره سددول‬

‫اهلل ﷺب فقال ﷺ‪( :‬أوجب طلحة) أي‪ :‬فعل كل ما يمكن أن يفعلهب وهو من العرشة املبرشين‬

‫باجلنة يض اهلل عنه وأ ضاه‪ .‬لذلك كان أبو بكر الصديق يض اهلل عنه إذا ذكر يوم أحدب قددال‪:‬‬

‫(ذلك اليوم كله لدطلحة) يض اهلل عنهم أمجعني‪ .‬وبالفعل بدأ يصددعد ﷺ اجلبددل هددو والددذين‬

‫معهب و ‪،‬هم خالد بن الوليد وأبددو سددفيان ب فجمعددوا أنفسددهم ليمنعددوهم مددن صددعود اجلبددل‬

‫خطددر ًا جددد ًا لددو‬ ‫وليكملوا القتالب فقال ﷺ‪( :‬اللهم إهنم ال ينبغ هلم أن يعلونا)‪ .‬كان املوق‬

‫صعدوا إىل املسلمنيب فانتد ﷺ فرقة ممن معهب وعدددد الددذين معدده ثالثددونب خرجددت مددنهم‬

‫يض اهلل عنه وعن الصحابة أمجعددنيب وقدداتلوا املرشددكني‬ ‫جمموعة عىل أسهم عمر بن اخلطا‬

‫قتاالً شديد ًا حتى صدوهم عن صعود اجلبلب واستطاع الرسول ﷺ ومن معه أن خيتفوا داخددل‬

‫اجلبل‪.‬‬

‫متثيل املرشكني بجثأ قتىل املسلمني ‪،‬خر املعركة‬

‫قام املرشكون بعد صعود النب ﷺ بعمل شنيعب التفتوا إىل جثددأ املسددلمني امللقدداة عددىل أ ض‬

‫املوقعة ‪-‬سبعون شهيد ًا يف أ ض أحد‪ -‬وبدءوا يمثلون باجلثأب فقامددت النسدداء بتقطيددع ‪،‬ذان‬

‫الرجال املسلمني وأنوفهمب ويصنعن منها خالخيل وقالئد ويلبسنهاب فكن يف منتهى اإلجددرامب‬

‫وذهبت هند بنت عتبة زوجة أيب سفيان وكانت من أشد الكفا رضاوة عىل املسلمني إىل ةددزة‬

‫يض اهلل عنه وأ ضاه عم الرسول ﷺب وشقت بطنه وأخرجت قطعة من كبددده يض اهلل عندده‬

‫وأ ضاه وحاولت أن تأكلهاب ومل تستطع أن تسيغها فلفظتهاب أي‪ :‬أخرجتها من فمها‪.‬‬

‫هذا يعرب عن مدى الغل واحلقد الذي كان يف قلو املشددركنيب فددإن هنددد بنددت عتبددة كانددت‬

‫موتو ة؛ فقد قتل أبوها عتبة بن بيعة يف غزوة بد ب وعمها شيبة بن بيعة أيض ًا يف غددزوة بددد ب‬

‫وأخوها الوليد بن عتبة يف غزوة بد ب وابنها حنظلة بن أيب سفيان يف غزوة بد ب فهددؤالء أ بعددة‬
‫‪571‬‬
‫قتلوا يف غزوة بد من أقا هباب وهذا بالنسبة هلا كانددت كا ثددةب وكددان ةددزة يض اهلل عندده ممددن‬

‫اشرتك يف قتل أقا هباب فقد شا ك يف قتل الوليد بن عتبة وقتل شيبة بن بيعة‪.‬‬

‫يف أ ض القتال بعد صعوده ﷺ إىل اجلبلب صعد الرسول ﷺ اجلبل وما زالت‬ ‫كان هذا املوق‬

‫الدماء تنزل من أسهب وحاول الصحابة من حوله أن يوقفوا الدماءب فكانوا يصبون املدداء فددوق‬

‫أم الرسول ﷺب لكن املاء كان يزيد اجلرح نزيف ًاب وكانت فاطمة يض اهلل عنهددا مددع اجلددي‬

‫أتت بحصري وأحرقتهب وبدأ‪ ،‬تدفع احلصددري‬ ‫اإلسالم يف ذلك الوقتب فلام أ‪ ،‬هذا املوق‬

‫النزي ‪ .‬كان الرسول ﷺ يف هددذا املوقد‬ ‫يف داخل اجلرح يف أم سول اهلل ﷺ حتى توق‬

‫يقاتل من أول الصباح إىل الظهريةب فجاء وقت صالة الظهر ومجددع املسددلمني ألدائهدداب لكندده مل‬

‫ﷺ من شدة اإلصابا‪ ،‬الت أصابتهب فصددىل قاعددد ًا وصددىل املسددلمون قعددود ًا‬ ‫يستطع أن يق‬

‫بقعوده ﷺ‪.‬‬

‫املرشكني من إشاعة قتل النب ﷺ ومتثيلهم بالشهداء‬ ‫موق‬

‫املسددلمني مددع الرسددول ﷺب‬ ‫ما زال املرشكون يعتقدون أن سددول اهلل ﷺ قددد قتددلب وبعد‬

‫املسلمني فددر إىل أمدداكن خمتلفددة مددن اجلبددلب‬ ‫املسلمني شهداء يف أ ض املوقعةب وبع‬ ‫وبع‬

‫املسلمني فر إىل املدينة املنو ةب فالوضع كام ترون كان مأساوي ًا حقيقي ًا‪.‬‬ ‫وبع‬

‫جاء أبو سفيان ليشمت باملسلمنيب فعرف أن هناك جمموعة من املسلمني قددد فددر‪ ،‬إىل اجلبددلب‬

‫فجاء هو ومن معه من املرشكني؛ ليخاطب سول اهلل ﷺ إن كان حي ًاب أو ليتأكد عىل أندده قتددلب‬

‫فنادى أبو سفيان‪( :‬أفيكم مد؟) فأشا ﷺ إىل أصحابه‪( :‬ال جتيبوه)‪ .‬أشا إشا ة فهددم منهددا‬

‫الصحابة أال جييبوا أبا سفيان؛ حتى ال يكشفوا املكان الذي هم فيهب فلم جيب الصحابةب فقددال‪:‬‬

‫(أفيكم ابن أيب قحافة؟) فأشا سول اهلل ﷺ أال جييبوه فلم جيبه أحدب فقال‪( :‬أفيكم عمددر بددن‬

‫‪572‬‬
‫اخلطا ؟) وأخذ يرتب يف سؤاله عن األشخاصب فمددن أهددم شخصددية إىل الددوزير األول ثددم‬

‫الوزير الثاين فلم جييبوهب ففرح أبو سفيان وقال‪( :‬أما هؤالء الثالثة فقددد كفيتمددوهم)ب أي‪ :‬قددد‬

‫يض اهلل عنه نفسه‪ .‬قال‪( :‬أي عدو اهلل! إن الددذين ذكددرهتم‬ ‫قتلواب فلم يتاملك عمر بن اخلطا‬

‫أحياء وقد أبقى اهلل ما يسوءك)ب مع أنه ﷺ قال له‪ :‬ال تتكلمب لكنه مل يستطع أن يمسك نفسددهب‬

‫فأحب أبو سفيان أن يرد الغيظ إىل املسلمني مرة أخرىب فقال كلمة شنيعةب قال‪( :‬قد كان فيكم‬

‫مثلة مل ‪،‬مر هبا ومل تسؤين)‪.‬‬

‫فانظر إىل الرش الذي كان يف داخلهم يف تلك الساعةب فإن من طبيعة العر أال يمثلوا باجلثأب‬

‫لكن خرجوا عن منهجهم متام ًا يف هذه املوقعةب وأ اد بذلك أن يغيظ عمددر بددن اخلطددا ومددن‬

‫معه من املسلمنيب ثم قال‪ ( :‬هأعل هبل)ب فقال النب ﷺ‪( :‬أال جتيبونه؟) فقددالوا‪( :‬مددا نقددول يددا‬

‫سول اهلل؟!) قال‪( :‬قولوا‪ :‬اهلل أعىل وأجل)ب فقددال الصددحابة‪( :‬اهلل أعددىل وأجددل)ب فقددال أبددو‬

‫سفيان‪( :‬لنا العزى وال عزى لكم)ب فقال النب ﷺ‪( :‬أال جتيبونه؟) فقالوا‪( :‬ما نقددول؟) قددال‪:‬‬

‫قولوا‪( :‬اهلل موالنا وال موىل لكم)ب فقال أبو سفيان‪( :‬يوم بيوم بد ب واحلر سجال)ب فأجا‬

‫عمر يض اهلل عنه وأ ضاه قال‪( :‬ال سواءب قتالنددا يف اجلنددة وقددتالكم يف النددا ) ويف وايددة‪ :‬أن‬

‫الذي قال هذا هو سول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫عند ذلك قال أبو سفيان‪( :‬هلم إيل يا عمر) فقد كان أبو سفيان يسمع صو‪ ،‬سيدنا عمر يض‬

‫اهلل عنهب فقال الرسول ﷺ‪( :‬ائته فانظر ما شأنه) ‪-‬أي‪ :‬انظر ماذا يريد‪ -‬فجدداءهب فقددال لدده أبددو‬

‫سفيان‪( :‬أنشدك اهلل يا عمر أقتلنا مد ًا؟) قال عمر‪( :‬اللهم الب وإندده ليسددتمع كالمددك اآلن)ب‬

‫فقال أبو سفيان ‪-‬وانظر إىل احرتام املرشكني للمسلمني‪ -‬أنت أصدددق عندددي مددن ابددن قمئددة‬

‫وأبر)‪ .‬إن احرتام املسلمني موجود عند كل املرشكنيب وعند كل أعداء األمددةب فهددم حيا بونددك‬

‫ويقاتلونك ويضدديقون عليددك اخلندداقب ويف داخلهددم يكنددون االحددرتام الكامددل لشخصدديتك‬

‫‪573‬‬
‫ولدفاعك عن مبادئكب ولتضحيتك يف سبيل دينك وفكرتكب هذا هو الواقددع؛ لددذلك صدددي ق‬

‫املرشك معه‪.‬‬ ‫أبو سفيان عمر وهو عدو لهب ومل يصدق ابن قمئة أحد جنود اجلي‬

‫انسحب أبو سفيانب ومل يفكر أن يصعد اجلبل مرة ثانية واكتفى بام فعلب وعاد مددع املرشددكني يف‬

‫اجتاه مكةب وانتهت موقعة أحد بذلك‪.‬‬

‫النب ﷺ وأصحابه من شهداء أحد‬ ‫موق‬

‫نزل الرسول ﷺ من فوق اجلبل ليتفقد الشددهداءب وكددان موقفد ًا مريعد ًاب سددبعون مددن أفاضددل‬

‫املسلمني كلهم ملقى عىل أ ض أحدب كان منهم‪ :‬ةزة بن عبد املطلددب وعمددرو بددن اجلمددوحب‬

‫وعبد اهلل بن عمرو بن حرامب ومصعب بن عمريب وعبد اهلل بددن جحد ب وحنظلددةب وخيثمددةب‬

‫ﷺ ونظر إىل الشهداء وقددال‪( :‬اللهددم إين‬ ‫كثري من شهداء املسلمني سقطوا يف يوم أحدب فوق‬

‫شهيد عىل هؤالءب إنه ما من جريح جيرح يف اهلل إال واهلل يبعثه يوم القيامة يدمى جرحددهب اللددون‬

‫لون الدمب والريح يح املسك)‪.‬‬

‫الشهداء ليدددفنوهم يف املدينددةب فددأمر ﷺ أن هيدردوا‬ ‫كان هناك أنام من الصحابة أخذوا بع‬

‫مجيع ًا إىل أ ض أحد ويدفنوا فيهاب وأال يغسلوا وال يكفنواب بل يدددفنوا يف ثيدداهبم بعددد أن تنددزع‬

‫الد وع واجللود من فوقهم‪ .‬وكان ﷺ يدفن االثنددني والثالثددة يف القددرب الواحدددب وجيمددع بددني‬

‫الرجلني أحيان ًا يف ثو واحدب ويقول‪( :‬أيم أكثر أخذ ًا للقر‪،‬ن) فمن كان حيفددظ القددر‪،‬ن أكثددر‬

‫وضعه األول يف اللحدب وقال‪( :‬أنا شهيد عىل هؤالء يوم القيامة) مرة ثانيددةب وكر هددا كثددري ًا يف‬

‫ذلك اليومب وكان إذا علم أن بني اثنني من الصحابة بة كبرية دفنهام معد ًاب فدددفن عبددد اهلل بددن‬

‫عمرو بن حرام مع عمرو بن اجلموح يض اهلل عنهم أمجعني‪.‬‬

‫‪574‬‬
‫وملا أى ﷺ ما حدث بد ةزة يض اهلل عنه اشتد حزنه وتقطع كبده ﷺ وبكددى بكددا ًء شددديد ًاب‬

‫وانتحب حتى نشغ ‪-‬كام يقول الراوي‪ -‬من البكاءب أي‪ :‬صا له شهيق عال من البكاء‪.‬‬

‫يقول ابن مسعود يض اهلل عنه‪( :‬ما أينا سول اهلل ﷺ باكي ًا ق أشد من بكائه عددىل ةددزة بددن‬

‫عبد املطلب) بل وضددعه ﷺ يف القبلددة وصددىل عليدده مددع كددل شددهيد يض اهلل عددنهم أمجعددني‬

‫وأ ضاهم‪.‬‬

‫كذلك مصعب بن عمري يض اهلل عنه ممن قتل شهيد ًا يف يوم أحدب وكفن يف ثيددا باليددة ثددةب‬

‫يقول عبد الرةن بن عوف يض اهلل عنه‪( :‬قتل مصعب بن عمري وهو خري من ب وكفن يف بردة‬

‫أسه بد‪ ،‬جالهب وإن غطيت جاله بدا أسه)ب وذكروا ذلك للرسددول ﷺ فقددال‪:‬‬ ‫إن غط‬

‫(غطوا هبا أسه هبذه الربدةب واجعلوا عىل جله اإلذخر) واإلذخر نبا‪.،‬‬

‫إن وضع الشهداء كان مؤمل ًا جد ًا للمسلمنيب ومع كل هددذه األحددداث مجددع الرسددول ﷺ كددل‬

‫املوجودين يف أ ض القتالب وقال هلم‪( :‬استووا حتى أثن عىل يب عددز وجددل) يددا اهلل! موقد‬

‫ﷺ يدعو واجلميع يؤمن عىل دعائددهب‬ ‫عجيب يف كل مواقفه ﷺب فصا وا خلفه صفوف ًاب فوق‬

‫ملددا بسددطتب وال‬ ‫استمعوا إىل دعائه ﷺ وهو يقول‪( :‬اللهم لك احلمددد كلددهب اللهددم ال قدداب‬

‫باس ملا قبضتب وال هادي ملن أضللتب وال مضل ملن هديتب وال معط ملا منعتب وال مانع‬

‫ملا أعطيتب وال مقر ملا باعد‪،‬ب وال مباعد ملا قربتب اللهم ابس علينا من بركاتك و ةتك‬

‫وفضلك و زقكب اللهم إين أسألك النعيم املقيم الذي ال حيول وال يددزولب اللهددم إين أسددألك‬

‫العون يوم العيلةب واألمن يوم اخلوفب اللهم إين عائذ بك من رش ما أعطيتناب ورش مددا منعتندداب‬

‫اللهم حبب إلينا اإليامن وزينه يف قلوبناب وكره إلينا الكفر والفسددوق والعصدديان واجعلنددا مددن‬

‫الراشدينب اللهم توفنا مسلمنيب وأحينا مسلمنيب وأحلقنا بالصاحلني غري خزايددا وال مفتددوننيب‬

‫‪575‬‬
‫اللهم قاتل الكفرة الذين يكذبون سددلكب ويصدددون عددن سددبيلكب واجعددل علدديهم جددزك‬

‫وعذابكب اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتا إله احلق)‪.‬‬

‫هذا دعاء مجيلب دعاء فيه الشكر الدائم لر العاملني سبحانه وتعاىل يف كل الظروفب حتددى لددو‬

‫كان ذلك بعد مصيبة أحدب دعاء فيه إعالن أن كل يشء بإذن اهلل سبحانه وتعاىلب فدداهلل سددبحانه‬

‫وتعاىل قاد عىل منع اهلزيمةب لكنه أوقع املصيبة باملسلمني حلك رم كثددرية يعلمهدداب قددال سددبحانه‬

‫وتعاىل‪{ :‬وما أصابكهم يوم التقى اجلمعان فبإذن اهلله} [‪،‬ل عمران‪ .]166:‬هذا دعاء فيه تعظدديم‬

‫اآلخرة يف عيون الصحابةب خاصة يف هذا املوق ب ملا قال ﷺ‪( :‬اللهم إين أسألك النعيم املقدديم‬

‫الذي ال حيول وال يزول) حتى لو ضاقت الدنيا كلها وأعطيتنا اآلخرة فنحن الرابحددونب دعدداء‬

‫فيه وضوح الرؤية يف حر كل من صد عن سبيل اهللب سواء كانوا من املرشكني أو من الكفددرة‬

‫من أهل الكتا الذين قاتلوا املسلمنيب دعاء جامع شامل يعرب عن فهم دقيق للحبيب ﷺ‪.‬‬

‫جع ﷺ إىل املدينة املنو ةب واستقبل يف حزن شديدب فكل بيت تقريبد ًا فيدده شددهيدب وقابلتدده يف‬

‫فاسرتجعت‬ ‫يض اهلل عنها ونعى إليها ﷺ أخوها عبد اهلل بن جح‬ ‫الطريق ةنة بنت جح‬

‫واستغفر‪ ،‬له اهلل عز وجلب ثم نعى هلا خاهلا ةزة بن عبد املطلب فاسرتجعت واستغفر‪ ،‬لهب‬

‫ثم نعى هلا زوجها مصددعب بددن عمددري فصدداحت وولولددتب فقددال ﷺ‪( :‬إن زوج املددرأة منهددا‬

‫لبمكان)‪ .‬جاء‪ ،‬امرأة من بن دينا أصيب زوجها وأخوها وأبوها يف أحدب فنعدوا هلددا مجيعد ًاب‬

‫فقالت‪( :‬ما فعل سول اهلل ﷺ؟) الزوج واألخ واأل مل يشغلوا باهلدداب وأخددذ‪ ،‬تسددأل عددن‬

‫سول اهلل ﷺ‪ .‬فقالوا‪( :‬خري ًا يا أم فالن هو بحمد اهلل كام ُبني)‪ .‬قالددت‪( :‬أ ونيدده حتددى أنظددر‬

‫إليه)ب فأشا وا إليهب فقالت‪( :‬كل مصيبة بعدك جلل)‪ .‬يعند ‪ :‬صددغرية ويسددريةب هددذه مشدداعر‬

‫احلب الت كانت من املسلمني جتاه سول اهلل ﷺب حتى مع املصا الفادح الددذي أصدديب بدده‬

‫اجلميع‪.‬حقيقة غزوة أحد وأسبا مصيبة املسلمني فيها‬

‫‪576‬‬
‫ماذا نسم أحد ًا؟‬

‫وقفة ونقول‪ :‬يا ترى ماذا نسم أحد ًا؟ هل نسميها هزيمة أو نسددميها نكسددة؟ أو‬ ‫البد أن نق‬

‫ماذا نسميها؟ عندما تراجع أحداث غزوة أحد سواء أثناء الغزوة أو بعد الغزوةب فإنك جتددد أن‬

‫املسددلمب‬ ‫املكد مل حيتددل موقددع اجلددي‬ ‫غزوة أحدب فدداجلي‬ ‫كلمة هزيمة ال تنطبق عىل وص‬

‫املسلم مل يفر مع شدة اال تباكب نعمب هناك من فددرب لكددن جمموعددة‬ ‫واجلزء األسايس من اجلي‬

‫كبرية من املسلمني بقيت يف أ ض املعركةب منهم من قاتل حول الرسول ﷺب ومنهم من قاتددل‬

‫املك مل يفكر يف مطا دة املسلمنيب ومع أن أبا سفيان خاطب عمر بددن‬ ‫حتى استشهدب واجلي‬

‫اخلطا وأد ك أن الرسول ﷺ ح وأنه يف اجلبل مل يفكر أن يصعد إىل اجلبل مرة أخرىب ومع‬

‫أن كل الذين مع سول اهلل ﷺ جمموعة قليلة من املسددلمنيب كددذلك مل يقددع أسددري واحددد مددن‬

‫املسلمني يف أيدي الكفا مع هذا األمددر الشددديد الددذي ُدددثنا عنددهب لكددن يف غددزوة بددد أرس‬

‫املسلمون سبعني من املرشكني‪.‬‬

‫املك يف أ ض املعركة يومد ًا‬ ‫اجلي‬ ‫كام أنه مل تكن هناك غنائم مسلمة يف أيدي الكفا ب ومل يق‬

‫وال يومني وال ثالثةب بل عادوا إىل مكة يف ذلك الوقتب وقد قعددد الرسددول ﷺ يف بددد ثالثددة‬

‫أيامب وقعد يف غريها من الغزوا‪ ،‬ثالثة أيامب بل إنه كان يقعددد شددهر ًا كددام ً‬
‫ال يف أ ض القتددالب‬

‫لكن الكفا غاد وا أحد ًاب ومل يفكروا يف غزو املدينة املنو ة مع أن املدينددة خددال منهددا اجلددي ب‬

‫‪،‬خرب سنسميها كام‬ ‫فكل ذلك يدل عىل أن املوقعة ليست هزيمة للمسلمنيب البد هلا من وص‬

‫سامها اهلل سبحانه وتعاىلب فاهلل سامها يف الكتا الكريم‪ :‬مصيبة‪{ :‬أو هملدا أصدابتكهم همصديب وة قدد‬

‫أص دبتهم مثليه دا هقل دتهم أ هن دى ه دذا هق دل هه دو م دن عن دد أن هفس دكهم إ هن اهلله ع دىل هك د ِّل يش رء ق دد وير}‬

‫[‪،‬ل عمران‪ .]165:‬وقال‪{ :‬وما أصدابكهم يدوم التقدى اجلمعدان فبدإذن اهلله ولديعلم املهدؤمنني}‬

‫[‪،‬ل عمران‪ .]166:‬فغزوة أحد مصيبة وال شك يف ذلكب وليست املصيبة يف استشددهاد سددبعني‬

‫‪577‬‬
‫من الصحابة؛ ألن هؤالء من أكرم اخللق عىل اهلل عز وجلب وقددد نددالوا د جددا‪ ،‬عاليددة جددد ًاب‬

‫واصطفاهم اهلل سبحانه وتعاىلب يقول اهلل يف الكتا تعليق ًا عددىل غددزوة أحددد‪{ :‬ويتهخدذ مدنكهم‬

‫هشهداء} [‪،‬ل عمران‪ ]140:‬فهؤالء اختا هم اهلل؛ ليكونوا من أفضددل النددامب إنددام املصدديبة يف‬

‫املفاهيم عند املسلمنيب وإن كان اضطراب ًا حصددل‬ ‫يشء ‪،‬خرب املصيبة تكمن يف اضطرا بع‬

‫يف حلظة من حلظا‪ ،‬القتال وغري كل يشءب وهذه املصيبة هد تغلددب الدددنيا يف قلددو بعد‬

‫الصحابةب فالصحابة منذ بدء القتال وهم يقاتلون يف سبيل اهلل عددز وجددلب يقدداتلون مددن أجددل‬

‫اجلنةب ويف حلظة انقلبت املوازينب وأصبح فريق منهم يقاتل من أجل الدنياب وقد وصل تغلغددل‬

‫حب الدنيا يف قلوهبم إىل أن خيالفوا كالم الرسول ﷺ خمالفة رصحية متعمدددةب و اجددع الكددالم‬

‫الذي قاله ﷺ لد عبد اهلل بن جبري ولفرقة الرماةب فهو كددالم يف منتهددى الوضددوحب توجيدده أول‬

‫وثان وثالأ و ابع وخامس وسادمب فالتوجيه األول‪( :‬انضددح عنددا اخليددل بالنبددل) إىل ‪،‬خددر‬

‫ثددالث مددرا‪،‬ب ويسددتطيعون أن‬ ‫خالد بن الوليد حددول اجلددي‬ ‫كالمه ﷺب وأثناء القتال يلت‬

‫يصدوهب وبذلك عرفوا أن هذا املكان خطر وصعب ومهم بالنسبة للمرشكنيب وعرفوا أن هلددم‬

‫دو ًا كبري ًا جد ًا يف صد املرشكني‪ .‬ستة توجيها‪ ،‬من الرسول ﷺب وثالثة توجيها‪ ،‬من خالددد‬

‫بن الوليد بلفته أنظا املسلمني إىل أمهيددة املكددان الددذي يقفددون عليدده‪ .‬هددذه تسددعة توجيهددا‪،‬‬

‫والتوجيه العارش جاء من عبد اهلل بن جبري يض اهلل عنه وأ ضاهب عندما أ ادوا النزول قائلني‪:‬‬

‫هلم وقال‪ :‬أنسيتم ما قال لكم سول اهلل ﷺ؟ ومع ذلك مل يستمعوا‪.‬‬ ‫الغنيمة الغنيمةب وق‬

‫كل هذا يثبت أن املخالفة كانت متعمدة ورصحية من أجل الدنياب وقد كان الرسددول ﷺ يقددول‬

‫ألصحابه‪( :‬واهلل ال أخشى عليكم الفقرب ولكن أخشى علدديكم الدددنيا)‪ .‬واهلل سددبحانه وتعدداىل‬

‫ذلك يف كتابه تعليق ًا عىل أحد‪ .‬قال‪{ :‬حتهى إذا فشلتهم وتنازعتهم يف األمدر وعصديتهم مدن‬ ‫وص‬

‫بعد ما أ اكهم ما هُ ُبون منكهم من هيريده الدُ نيا} [‪،‬ل عمران‪.]152:‬‬

‫‪578‬‬
‫وبسبب الدنيا صا املسلمون فريقني‪ :‬الفريق األول‪ :‬أنس بن النرض وثابت بن الدحددداح وأيب‬

‫طلحة وغريهم من الذين قاتلوا حتى النهايةب فمنهم من قاتل وثبت حتى شهادتهب ومنهم مددن‬

‫قاتل حول الرسول ﷺ حلاميتهب ما نكصوا عىل أعقاهبم وما فروا‪ .‬والفريددق الثدداين‪ :‬هددم الددذين‬

‫املسلم أن يصل حب الدددنيا إىل قلددو بعضددهب‬ ‫تغلغلت الدنيا يف قلوهبمب وغري مقبول للجي‬

‫فيدفعه هذا احلب إىل املخالفة‪.‬‬

‫كذلك يف موقعة بد حصلت أيض ًا خمالفة من أجل الدنياب قال اهلل عددز وجددل يف صددد سددو ة‬

‫األنفال‪{ :‬يسأ هلونك عن األنفال} [األنفال‪ ]1:‬يتكلم عن مشكلة الغنائم الت دخلت يف قلو‬

‫العاملني سبحانه وتعدداىلب وانصدداع اجلميددع‬ ‫الصحابةب فوجههم الرسول ﷺ إىل اتباع كالم‬

‫العاملني سبحانه وتعاىلب وسلموا أنفسهم لهب ووزع سول اهلل ﷺ الغنائم بالطريقددة‬ ‫لكالم‬

‫العاملني سبحانه وتعاىلب لكن يف غزوة أحد حذ هم الرسول ﷺ ست مرا‪،‬ب‬ ‫الت رشعها‬

‫الددذي خددال‬ ‫ومع ذلك خالفواب فكانت خمالفة متعمدة فالبد هلا من مصيبةب وإن كان اجلددي‬

‫سول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫هو جي‬

‫سول‬ ‫يقول عبد اهلل بن مسعود يض اهلل عنه وأ ضاه‪( :‬ما كنت أحسب أن أحد ًا من أصحا‬

‫اهلل ﷺ يريد الدنياب حتى نزل فينددا مددا نددزل‪{ :‬مدنكهم مدن هيريددده الدددُ نيا} [‪،‬ل عمددران‪.)]152:‬‬

‫كله بسبب جمموعة من املسلمني أصابتهم الدنيا؛ ألن هددذا املددرض‬ ‫فاملصيبة الت عمت اجلي‬

‫قد ظهر فيهم من قبلب فقد كان متغلغ ً‬


‫ال قبل غزوة أحدب فكان البد من األمر باملعروف والنه‬

‫عن إيددامن اآلخددرينب وطدداعتهم هلل عددز وجددل وعبددادهتم لدده والتددزامهم‬ ‫عن املنكرب والتفتي‬

‫بمنهجه سبحانه وتعاىلب لكن عندما تسأل اإلنسان عن دنياه وال تسددأله عددن ‪،‬خرتدده تددوثر فيدده‬

‫تد جيي ًاب حتى تصري مصيبة كبرية تعم املسلمني مجيع ًا‪ .‬فالوضع الذي كان يف أحددد هددو مصدديبة‬

‫متكن الدنيا من القلب حتى تدفع املسلم إىل املخالفة الرصحية املتعمدة لكالم احلبيب ﷺ‪.‬‬

‫‪579‬‬
‫مصيبة قتل سبعني من املسلمني بسبب خمالفة الرماة‬

‫املصيبة الثانية الت حدثت يف أحد‪ :‬قتل سبعني من املسلمني بسبب خطأ من األخطاء‪.‬‬

‫وقد قلنا قبل ذلك‪ :‬إن استشهاد سبعني ليست خسا ةب بل ه ميددزة عظيمددة مددن اهلل سددبحانه‬

‫وتعاىل هلمب فقد انتقاهم شهداءب لكن أن يقتلوا بسبب خطأ من املسلمني هددذا غددري مقبددول‪ .‬إن‬

‫قتلوا وهم يؤدون كل ما عليهم وحيا بون كام يف بد حرب ًا متكاملة شاملةب ويأخذون فيها بكل‬

‫املنصو ب فليس هناك مشكلةب بل بالعكس هددذه‬ ‫أسبا النرصب ويتصفون بكل صفا‪ ،‬اجلي‬

‫نعمة من اهلل سبحانه وتعاىلب لكن أن يقتلوا بسبب خطأب فهذا حيتاج إىل وقفة‪.‬‬

‫املسلمني عن القتال لإلحباا النفيس‬ ‫مصيبة قعود بع‬

‫املسلمني عن القتال إحباط ًاب فاإلحباا غري مقبول أبد ًا يف عرف‬ ‫املصيبة الثالثة‪ :‬هو قعود بع‬
‫املسلمنيب بل هو من شيم الكافرينب قال اهلل سبحانه وتعاىل يف كتابه الكريم‪{ :‬قال ومدن يقدن ه‬

‫الض دا ُلون} [احلجددر‪ .]56:‬وقددال‪{ :‬إ هن د هه ال يي دئ هس م دن وح اهلله إ هال الق دو هم‬


‫م دن ة دة ِّب ده إ هال ه‬

‫الكاف هرون} [يوس ‪ ]87:‬فاإلحباا ليس من صفا‪ ،‬املؤمنني أبد ًاب فعندما يقعد املسددلم ويفددرت‬

‫عن القتالب والقتال ما زال ناشب ًا يف كل مكان فهذا غري مقبولب حتى وإن أشيع أن الرسول ﷺ‬

‫قد قتل‪.‬‬

‫املسلمني‬ ‫من قبل بع‬ ‫مصيبة الفرا من الزح‬

‫املسلمني سمعوا نداء الرسول ﷺ يف ‪،‬خر املوقعة‪( :‬إيل عبدداد‬ ‫املصيبة الرابعة اخلطرية‪ :‬أن بع‬

‫اهلل إيل عباد اهلل) ومع ذلك أرصوا عىل الفرا ب فيا هلا من كا ثةب بل ه كبرية من الكبائرب لكددن‬

‫كل ذلك جتمعه كلمة واحدة يقال هلا‪ :‬مصيبةب فغزوة أحد كانت مصيبةب لكن من و ائهددا خددري‬

‫كثريب وهذه املصيبة يف األسام جاء‪ ،‬من ذنب واحدب جاء‪ ،‬مددن غيددا عنرصد واحددد مددن‬
‫‪580‬‬
‫املنترصدب وهد‬ ‫عنارص قيام األمة املسلمةب جاء‪ ،‬من غيا صفة واحدة من صددفا‪ ،‬اجلددي‬

‫عدم حب الدنيا وتقديمها عىل اآلخرةب فلام حصل احلب للدنيا وقدمت عىل اآلخددرة ألقددى اهلل‬

‫عز وجل يف قلو املسلمني الوهن والضع ‪.‬‬

‫تذكرون حديأ املصطفى ﷺ ملا سألوه عن الوهن الذي يصيب املسلمني؟ فقال‪( :‬حب الدددنيا‬

‫وكراهية املو‪ )،‬فاملسلمون أحبوا الدنيا يف موقعددة أحددد فحدددثت املصدديبةب ودخددل الددوهن يف‬

‫قلوهبمب فهم ملا كانوا أقوياء قتلوا أحد عرش فا س ًا من بن عبددد الدددا حددام ً‬
‫ال للددواءب وسددق‬

‫اللواء مع وجود كل هؤالء الفرسان من املشدركنيب لكددن ملددا دخلددت الدددنيا يف قلددو بعد‬

‫املؤمنني فع اللواء املرشكب وكانت احلاملة له امرأة من املرشكني‪ .‬هذه املوازنا‪ ،‬البد أن نفكددر‬

‫العاملني سبحانه وتعدداىلب وال ينددزل سددبحانه وتعدداىل‬ ‫فيها جيد ًاب فالنرص والتمكني من عند‬

‫املنصو‬ ‫بصفا‪ ،‬اجلي‬ ‫هذا النرص والتمكني إال عىل من أخذ بأسبا النرص الكاملة واتص‬

‫كام ً‬
‫ال دون نقص‪.‬‬

‫ومع ذلك هل كانت هذه املصيبة رش ًا ض ًا أم كان يف باطنها خري؟‬

‫اجلوا كان يف داخلها خري كثريب فمع كل هذه الكوا ث الت حدثت يف ذلك اليومب ومع فقد‬

‫سبعني من أعظم صحابة سول اهلل ﷺب ومع كون هذه املصيبة تغلغلت يف قلددو املسددلمنيب‬

‫وشعروا باخلزي والعا والذل واهلوان لفرا هم من أ ض القتال إال أنه كددان يف داخلهددا خددري‬

‫كثري‪.‬ما هو هذا اخلري الذي كان يف باطن غزوة أحد؟ وما ه الطريقة التد اتبعهددا سددول اهلل‬

‫ﷺ إلخراج املسلمني من هزيمتهم النفسية؟ وما هو املنهج الرباين احلكيم الددذي نددزل ليعددالج‬

‫كل صغرية من صغائر الذنو ب أو كبرية من كبائر الذنو يف قلو الصحابة يض اهلل عددنهم‬

‫عدداد‪ ،‬اهليبددة مددن‬ ‫عاد املسلمون من جديد إىل مطا دة الكددافرين؟ وكيد‬ ‫وأ ضاهم؟ وكي‬

‫جديد للدولة اإلسالمية بعد هذه املصيبة الكبرية؟ هذا حديأ قد يطول‪.‬‬
‫‪581‬‬
582
‫‪26‬‬

‫اخلروج من مصيبة أحد‬

‫أحد ًا مل تكن رش ًا حمض ًا‪ ،‬بل كان يف داخل هذه املصيية خ خييري ك ييري أول حكمييخ اهاهييا يف هييذه‬
‫ُ‬
‫املصة خ هي احلكمخ التي ذكهها اهلل س حااه وتعاىل تعلةق ًا عييغ وييأود أحييد يف ورييال سي د ول‬

‫عمهان‪ ،‬واحن بحاجخ ماسخ إىل أن اد س هذه اآلرال بدقخ وتفصةل‪ ،‬خاصخ عندما مته أزمال‬

‫أو مصائب كربى عغ األمييخ االسيي‪:‬مةخو رقي ل اهلل سي حااه وتعيياىل يف كتابييه الكييهر و { َو َميا‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اْل ْم َعان َف ِإِ ْذن اهللهِ} [ول عمهانو‪ ]166‬ملاذا؟ { َولي َة ْع َل َ ُْاملي ْنمن َ ل َولي َة ْع َل َ‬
‫َأ َصا َب ُك ْ َر ْ َم ا ْل َت َقى ْ َ‬
‫ا هل ِذر َن اَا َف ُق ا} [ول عمهانو‪ ،]167 - 166‬أيو التنقةخ والتصفةخ واالبييت‪ ، :‬فلي كااييا حةيياد‬

‫املنمن ااتصا ال ب‪ :‬هأائ لدخل يف الدرن االس‪:‬مي الصادق والكاذب‪ ،‬والختلط احلابييل‬

‫بالنابل‪ ،‬لكن عندما حتصل املصائب رنكشف الذي يف قل ييه مييهي‪ ،‬ور ييدأ باملبيياههد بالعييدا‬

‫لإلس‪:‬م؛ ألن االس‪:‬م اس ة ًا أص ح ضعةف ًا‪ ،‬والدولخ االس‪:‬مةخ بعد أحد أصة ا إصابخ ك ريد‪،‬‬

‫فمن كان ُيفي يف قل ه الكفه ورظهه االس‪:‬م أظهه ما كان يفي‪ ،‬وفع ً‬
‫‪ :‬بعد أحييد جيياهه ك ييري‬

‫من املنافق بنفاقه ‪ ،‬وقد أرنا أن ‪ 300‬ااسح ا ق ل بد معهكخ أحد‪ ،‬فام بالييب بعييد املصيية خ‬

‫التي حصلا؟ رق ل الهوادو (اب النفاق يف املدرنخ املن د بعد أحد)‪ ،‬فاملسلم ن عهفي ا أااسي ًا‬

‫ك ريرن بنفاقه ‪ ،‬كاا ا يف الظاهه رصل ن ورص م ن ورتكلم ن باخلري‪ ،‬لكيين الشييه ركميين يف‬

‫داخله ‪ ،‬هذا الرش خهج وظهه للناس بعد أحد‬


‫‪583‬‬
‫من املمكن أن الهس ل ﷺ رعهف هنال بال حي‪ ،‬فقد أرس بأسامئه إىل حذرفخ بن الةامن‪ ،‬فمن‬

‫املمكن أن اكشف أمهه بال حي وركفي‪ ،‬لكن اهلل س حااه وتعاىل رعلي أن الي حي سييةنق‬

‫ب فاد الهس ل ﷺ‪ ،‬وه وخه األا ةا ﷺ‪ ،‬ف‪:‬بد أن رعهف املسلم ن املنافق إىل ري م القةامييخ‪،‬‬

‫فام هي ال هرقخ ملعهفته ؟ ال هرقخو هي حدوث املصائب عغ األمخ االسيي‪:‬مةخ سي ا يف زميين‬

‫الهس ل ﷺ‪ ،‬أو يف األزمان ال‪:‬حقخ إىل ر م القةامييخ‪ ،‬فكلييام حتصييل مصيية خ وتضييعف الدولييخ‬

‫االس‪:‬مةخ ومته بأزمخ رظهه النفاق هذه طهرقخ تعهفنا وتفصييل لنييا ا عةييخ املسييلم يف داخييل‬

‫الدولخ االس‪:‬مةخ‪ ،‬وعندها تست ة أن ختتا الناس الذرن تعتمد علييةه يف إقامييخ ألم األمييخ‬

‫االس‪:‬مةخ‪ ،‬فلن ختتا منافق ًا ولن ُت ِس بأمه خ ري إىل أحد املنافق ‪ ،‬وهييذا إن ءييا اهلل سيينتكل‬

‫عنه بالتفصةل عند احلدرث عن األحييأاب وت ي ه‪ ،‬فهييي وييأوال رتضييح فةهييا أمييه املنييافق‬

‫وض ح ًا بةن ًا‪ ،‬لكن أذكهك باآلرخ الكهرمخ التي األا تعلةق ًا عغ وييأود ت ي ه‪ ،‬وسنفسييها إن‬

‫ا فِية ُك ْ َميا َزا ُد ُ‬


‫وكي ْ إِ هال‬ ‫ءا اهلل عندما اتكل عن وأود ت ه‪ ،‬قال اهلل عأ وجييلو { َلي ْ َخ َه ُجي‬

‫الظ ياملِ َ }‬
‫ْ َواهللهُ َع ِل ية بِ ه‬ ‫َخ َ ي ًاال َو َألَ ْو َض ي ُع ا ِخ‪َ :‬ل ُك ي ْ َر ْ ُُ ي َا ُك ُ ا ْل ِفتْنَ ي َخ َوفِ ية ُك ْ َس ي هام ُع َن ََ ُي‬

‫[الت بخو‪]47‬‬

‫إن ع د اهلل بن ُأيب ااسحب من جةش الن ي ﷺ بي ‪ 300‬مقاتييل‪ ،‬وقييد رتأةييل أن يف ااسييحا‬

‫أزمخ‪ ،‬وهذا فه خاطئ‪ ،‬فإن وجي د هيينال ال ‪ :‬امئييخ داخييل املعهكييخ قييد رأرييد ميين خييذالن‬

‫املسلم الذرن ت ا‪ ،‬فةُريوا أهي ‪ ،‬واهلل عأ وجل رق لو { َوفِة ُك ْ َس هام ُع َن ََ ُ ْ } [الت بييخو‪]47‬‬

‫أيو فةك أهيا املنمن ن الصادق ن من رستم إىل ك‪:‬م املنافق‬

‫يف باطن املصة خ محخ وخري‪ ،‬فاملسلم ن سةعهف ن األءييأاا الييذرن رتكلمي ن بالسي عييغ‬

‫االس‪:‬م معهفخ واضحخ‬

‫‪584‬‬
‫معهفخ املسلم ءنم معصةخ أمه اهلل عأ وجل وأمه س له ﷺ‬

‫من اآل ا واحلك و أن رعل املسلم ن ءنم معصييةخ أمييه اهلل عييأ وجييل‪ ،‬وءيينم معصييةخ أمييه‬

‫َك ُِّمي َه‬ ‫ِ‬


‫الهس ل ﷺ‪ ،‬رق ل اهلل س حااه وتعاىل يف كتابه الكهر و { َف‪َ :‬و َ ِّب َب ال ُر ْنمنُ َن َح هتيى ُ َ‬
‫فِ َةام َء َب َه َب ْةن َُه ْ ُ ه ال ََيِدُ وا ِيف َأا ُف ِس ِه ْ َح َه ًجا ِِمها َق َض ْة َا َو ُر َس ِّل ُم ا ت َْسي ِل ًةام} [النسييا و‪ ]65‬هييذه‬

‫اآلرخ األا يف ظهف مع ويف حييدث معي ‪ ،‬لكيين األوضييا عامييخ تشييمل كييل األحييداث‪،‬‬

‫وأحادرث الهس ل ﷺ ب أردرنا‪ ،‬وإذا مل اُح ِّك الهسي ل ﷺ يف أمي حةاتنييا يف كييل صييُريد‬

‫وك ريد؛ فإانا سنصاب بم ل مصاب أحد‪ ،‬فمشكلخ أحد الهئةسييخ بييدأل ميين أن مم عييخ ميين‬

‫الصحابخ يض اهلل عنه وأ ضاه خالف ا أمه س ل اهلل ﷺ م علمه به‬

‫وهذا أمه خ ري؛ ألاه إذا أمه الهس ل ﷺ ف‪ :‬خريد لنا‪ ،‬قال اهلل عأ وجل يف كتابه الكهر و { َو َما‬

‫اخل ي َ َري ُد ِم ي ْن َأ ْم ي ِه ِه ْ }‬
‫ان ملُِ ي ْن ِم الن وال م ْن ِمنَ ي الخ إِ َذا َقض ييَى اهللهُ و س ي ُله َأم يها َأ ْن ر ُك ي َن ََ ي ْ ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ ً‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َك ي َ‬
‫[األحأابو‪ ،]36‬وإذا مل اأمته بأمه الهس ل ﷺ قالو { َو َم ْن َر ْع ِ‬
‫ص اهللهَ َو َ ُس َل ُه َف َقدْ َض هل َض ً‬
‫‪:‬ال‬

‫ُم ِةنًا} [األحأابو‪ ،]36‬فةحصل م ل ُأحد وأعظ منها‪ ،‬و ُأحد تتكه ك ري ًا يف حةاتنا‪ ،‬كي قييد‬

‫أمهاا الهس ل ﷺ بأم وخالفنا هذه األم ‪ ،‬ويةل لنا أانا اعمل ما هي أفضييل وأصييلح لنييا‬

‫وألمتنا‪ ،‬أمهاا الهس ل ﷺ بعدم التعامل بالهبا واتعامل أحةاا ًا بالهبا‪ ،‬واق لو إن هذا فةييه خييري‬

‫لألمخ‪ ،‬أمهاا بعدم االباحةييخ واملبي ن والفي احش‪ ،‬ومي ذلييب رهتك هييا ك ييري ميين املسييلم‬

‫وررصح ن ا وَياههون ا‪ ،‬س ا كان للسةاحخ أو حلهرخ املهأد‪ ،‬أو للرتفةه‪ ،‬أو ألخذ قسط من‬

‫الهاحخ‪ ،‬مرب ال ك ريد جد ًا كلها خمالفخ ألمه الهس ل ﷺ‪ ،‬وم ذلب تفعلها وأاا تعلي أاييب‬

‫خمالف‪ ،‬فهذا رندي إىل مصائب ك ريد فاملصة خ التي حد ا يف ُأحد هي إحدى اتييائا املعصييةخ‪،‬‬

‫وكان هذا أمه ًا الفت ًا للنظه‪ ،‬فل كان األمه ّ‬


‫مه بس‪:‬م ملا عهفنييا أن خمالفييخ أمييه الهسي ل ﷺ قييد‬

‫تندي إىل مصة خ‪ ،‬حتى يف وج د ذلب اْلةل العظة من الصحابخ يض اهلل عنه وأ ضاه‬

‫‪585‬‬
‫د الداةا ورضو د احلذ منها‬ ‫وض م خ‬

‫من اآل ا واحلك و لفا أاظا املسلم مجةع ًا س ا الذرن ءا ك ا يف أحد أو الذرن رأت ن ميين‬

‫د الداةا‪ ،‬حتى جةش الصحابخ وه أعظ األجةال ل أصييةب بمييهي الييداةا‬ ‫بعده إىل خ‬

‫فإاه سةصاب بم ل مصاب أحد؛ لذلب ستبد أحادرييث ك ييريد لهسي ل اهلل ﷺ تتحييدث عيين‬

‫د أمه الداةا‪ ،‬وهنيياه أبي اب ك ييريد يف ذم‬ ‫الأهد يف الداةا وتأمه املسلم باحلذ التام من خ‬

‫الداةا م ج دد يف كتب الصييحام والسيينن‪ ،‬وقييد كييان الهسي ل ﷺ ال َيييد فهصييخ إال ورن ييه‬

‫املسييلم فةهييا إىل خ ي د الييداةا‪ ،‬ميين ذلييب أاييه قييالو (إن الييداةا حلي د خضييهد‪ ،‬وإن اهلل‬

‫مستألفك فةها‪ ،‬فةنظه كةف تعمل ن‪ ،‬فاتق ا الداةا‪ ،‬واتق ا النسا )‬

‫عغ هذا النسق من التحذره والتن ةه جا ل أحادرث ك ريد جد ًا‪ ،‬كذلب القهون الكهر ق ّلام جتييد‬

‫صفحخ أو صفحت من القهون الكهر لةس فةها تن ةه أو حتذره من أمه الداةا‪ ،‬وقد أرنا مصيية خ‬

‫الداةا يف أحد ح قال الصحابخو الُنةمخ الُنةمخ حتى بعد النرص وبعد استةفا معظ صفال‬

‫اْلةش املنص ‪ ،‬وحتى بعد طلب اآلخهد يف أول املعهكخ‪ ،‬إن دخل طلب الداةا فإن هييذا ريين ه‬

‫د الداةا‪ ،‬ول مه األمه‬ ‫عغ اْلةش بكامله هذه املصة خ الك ريد لفتا األاظا ب ض م إىل خ‬

‫دون مصة خ أو كا خ ملا عهف أحد أن الداةا خ ريد َذه الد جخ‬

‫إع‪:‬م املسلم أن خ أ بعضه رعمه مجةع ًا‬

‫من اآل ا واحلك و إع‪:‬م املسلم أن خ أ ال عض رع عغ كل املسلم ‪ ،‬فالذرن خالف ا هي‬

‫أ بع ن صحابة ًا فقط‪ ،‬األ ا من ف ق ج ل الهميياد‪ ،‬فحييد ا كييل التييداعةال اخل ييريد داخييل‬

‫م قعخ أحد اتةبخ خمالفخ هنال األ بع ‪ ،‬وهذا ردل عغ قةمييخ األمييه بيياملعهوف والنهييي عيين‬

‫أسييه وسييط العييامل ورقي د األ ي إىل‬ ‫املنكه يف الصف املسل ‪ ،‬فنحن كبةل رهرد أن رهفي‬

‫‪586‬‬
‫اخلري‪ ،‬البد أن ر حث عن األمهاي التي تصةب األمييخ‪ ،‬ااظييه إىل جييا ه وأخةييب وصيياح ب‬

‫وأوالده وأبةب وأمب و محب‪ ،‬كل الدوائه التي ح لب إن أرا فةهييا معصييةخ أو أخ ييا أو‬

‫منكه ًا أو بعد ًا عن ب العامل س حااه وتعاىل فاعل أن رض ذلب لن رصةب هنال فقط‪ ،‬بييل‬

‫سةق الرض علةه وعلةب وعغ األمخ بكاملهييا‪ ،‬وتييذكهوا حييدرث السييفةنخ الييذي رقي ل فةييه‬

‫الهس ل ﷺو (م ل القائ عغ حدود اهلل وال اق فةها‪ ،‬كم ل ق م استهم ا عغ سفةنخ‪ ،‬فأصاب‬

‫بعضه أع‪:‬ها وأصاب بعضه أسفلها‪ ،‬فكان الذرن يف أسفلها إذا استق ا من املا مييهوا عييغ‬

‫من ف قه ‪ ،‬قال او ل أاا خهقنا يف اصة نا خهق ًا ومل انذ من ف قنا) ه رهردون خري ًا ذا األمه‪،‬‬

‫لكن ال رد ك ن ما و ا ه‪ ،‬فام بالييب لي كيياا ا رهرييدون رش ًا؟ هي رهرييدون أن رتبن ي ا إرييذا‬

‫وريه ؛ لذلب رهردون أن يهق ا خهق ًا يف اْلأ األسفل من السفةنخ‪ ،‬وهييذا سييةندي إىل وييهق‬

‫السفةنخ‪ ،‬رق ل ﷺو (فإن تهك ه وما أ ادوا هلك ا مجةعي ًا) أيو أن السييفةنخ سييتُهق‪ ،‬فالييذي‬

‫قالو (وإن أخذوا عغ أردهي اب ا واب ا مجةع ًا)‬ ‫عىص والذي مل رعص كله سةُهق ن‪،‬‬

‫هذه فائدد األمه باملعهوف والنهي عن املنكه‪ ،‬واْلدره باألمه أن مهي الداةا الييذي ظهيه ري م‬

‫ُأحد كان له جذو سابقخ لة م أحد‪ ،‬ف‪:‬بييد للمسييلم أن َييذ وا ميين هييذه األمييهاي التييي‬

‫تفشا يف جةش ُأحد‬

‫حكمخ إبقا زعام الكفه يف وأود أحد أحةا ً بعد الُأود‬

‫من اآل ا واحلك الل ةفخ يف ر م ُأحدو أن املسييلم مل رقتلي ا عييدد ًا ك ييري ًا ميين الكييافهرن مي‬

‫و ته يف قتله ‪ ،‬واهلل عأ وجل أ اد أن َفييد دمييا هيينال الكييافهرن؛ ألني بعييد سيين ال‬

‫ااظه إىل القائد األعغ ْلةش مكييخ أيب سييفةان‬ ‫سةسلم ن ورص ح ن ارص ًا لإلس‪:‬م واملسلم‬

‫والق اد ال ‪ :‬خ الذرن كاا ا رساعدواه صف ان بن أمةييخ‪ ،‬وخالييد بيين ال لةييد‪ ،‬وعكهمييخ بيين أيب‬

‫جهل‪ ،‬هنال الق اد األ بعخ س ا كان القائد العام أو ال ‪ :‬خ الذرن حتته أسلم ا‪ ،‬وكلهي كييان‬
‫‪587‬‬
‫َ دو ك ري يف املعا ه االس‪:‬مةخ‪ ،‬ولةس هنال فقط‪ ،‬بل ومن النسييا هنييد بنييا عت ييخ التييي‬

‫كااا حتمس اْلةش للقتال‪ ،‬والتي بقهل ب يين محييأد يض اهلل عنييه وأ ضيياه والكييا ك ييده‪،‬‬

‫أسلما بعد ذلب وحسن إس‪:‬مها‪ ،‬فهنال القادد األ بعخ وهند بنا عت ييخ ءييا ك ا يف م قعييخ‬

‫الريم ه‪ ،‬وكان َ دو ك ري يف ارص املسلم يف الريم ه‪ ،‬فأحةاا ًا رك ن يف داخلنا و خ ق رييخ‬

‫يف هلكخ الظامل ‪ ،‬و و خ ق رخ يف أن يلصنا اهلل س حااه وتعاىل من ف‪:‬ن وف‪:‬ن وفيي‪:‬ن؛ ألني‬

‫كادوا لإلس‪:‬م ومكهوا به‪ ،‬وم ذلب ي ئ اهلل عأ وجل لنا خري ًا ك ري ًا يف إبقائه ‪ ،‬ف عييد قلةييل‬

‫سةصريون مسلم ‪ ،‬ورك ا ن ه أاصا االس‪:‬م‬

‫اص فا اهلل ك ري ًا من املباهدرن للشهادد‬

‫من اآل ا واحلك التي اهرد أن اقف معها وقفخو أن يف هييذه املصييائب التييي تنييأل عييغ األمييخ‬

‫االس‪:‬مةخ رنتقي اهلل عأ وجل بعض ًا من املسلم لةتأذه ءييهدا ‪ ،‬وميين املمكيين أن رك اي ا‬

‫ءهةدرن أو ‪ :‬خ يف املعهكخ‪ ،‬عندها لن تأخذ يف بالب قةمييخ الشييهدا وعظمييته ‪ ،‬لكيين حي‬

‫رستشهد س ع ن من املسلم ‪ ،‬فهذا أمه الفا للنظه جد ًا‪ ،‬وخاصخ ذه ال هرقخ امليين هد التييي‬

‫حد ا ر م ُأحد‬

‫إن قصص الشهدا تفتا األك اد خاصييخ عنييدما تقييهأ قصييخ الشييهةد األول وال ييا وال الييث‬

‫والعارش إىل السي ع ‪ ،‬هييذا البييد أاييه سييةلفا النظييه ب ضي م إىل قةمييخ الشييهدا يف املةييأان‬

‫االس‪:‬مي‪ ،‬فالقهون مهكأ عغ قضةخ اْلهاد‪ ،‬ورلفا النظه إىل أن اْلهاد رك ن بييالنفس واملييال‪،‬‬

‫فاْلهاد يف وارخ األمهةخ‪ ،‬ال تق م أمخ إال باْلهاد يف س ةل اهلل‪ ،‬وإن تهكا األمخ اْلهاد يف سي ةل‬

‫اهلل ذلاو (إذا ت ارعت بالعةنخ‪ ،‬و ضةت بالأ ‪ ،‬وات عت أذااب ال قه‪ ،‬وتهكت اْلهاد سييلط اهلل‬

‫علةك ذالً ال رهفعه حتى تع دوا إىل درنك )‬

‫‪588‬‬
‫هذا ه ك‪:‬م الهس ل ﷺ‪ ،‬وهذا ه ال اق الذي اييهاه يف كييل صييفحخ ميين صييفحال القييهون‬

‫رتى ِم َن املُْ ْن ِمنِ َ َأا ُف َس ُه ْ َو َأ ْم َ َاَ ُ ْ } [الت بخو‪ ،]111‬لييةس املييال‬ ‫الكهر ‪ ،‬قال تعاىلو {إِ هن اهللهَ ْاء َ َ‬
‫ةل اهللهِ َف َة ْقت ُُلي َن َو ُر ْقت َُلي َن َو ْعيدً ا َع َل ْةي ِه‬
‫اْلنه َخ ُر َقاتِ ُل َن ِيف َس ِ ِ‬
‫فقط‪ ،‬بل { َأا ُف َس ُه ْ َو َأ ْم َ َاَ ُ ْ بِ َأ هن ََ ُ ُ ْ َ‬
‫رشوا بِ َ ْة ِع ُك ُ هالي ِذي َبيا َر ْع ُت ْ بِي ِه‬ ‫ِ‬
‫اس َت ْ ُ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ةل َوا ْل ُق ْهون َو َم ْن َأ ْو ََف بِ َع ْهده م َن اهللهِ َف ْ‬ ‫اب ِ‬ ‫اال ِ‬ ‫َح ًّقا ِيف ال هت ْ َ ِاد َو ِ‬

‫َو َذلِ َب ُه َ ا ْل َف ْ ُز ا ْل َعظِة ُ } [الت بخو‪ ،]111‬وهذا ك ييري جييد ًا يف القييهون الكييهر و {ال َر ْسيت َْأ ِذا َُب‬

‫اَ ْ َو َأا ُف ِسي ِه ْ } [الت بييخو‪ ،]44‬فأاييا عنييدما‬ ‫اهدُ وا بِ َأم ِ‬


‫َْ‬ ‫َ‬
‫ا هل ِذرن ر ْن ِمنُ َن بِاهللهِ وا ْلة ِم ِ‬
‫اآلخ ِه َأ ْن َُي ِ‬
‫َ َْ‬ ‫َ ُ‬
‫جتاهد بنفسب فهذا الءب أاه يش عظيية ‪ ،‬وعنييدما تفقييد افسييب وأاييا ابييا يف سي ةل اهلل‬

‫س حااه وتعاىل فهذا يش أعظ ‪ ،‬وعندما هت ى امل ل يف س ةل اهلل ورص ح أعظ أمنةييخ عنييده‬

‫ف‪ :‬ءب أن هذا أعظ وأعظ وأعظ ‪ ،‬وكل هذا أرناه يف ُأحد‪ ،‬ولةسييا املسييألخ أاييب تكي ن‬

‫ءهةد ًا بمبهد و خ عابهد تأيت عغ الذهن يف حلظخ من حلظال عل االرييامن أو القييهب ميين اهلل‬

‫عأ وجل‪ ،‬لةسا هذه السنخ‪ ،‬السنخ أن طهرق املسل ط رل وصييعب حتييى رصييل إىل الشييهادد‪،‬‬

‫اع ‪ ،‬هناه است نا ال وهناه بعض الظهوف ال تكي ن عييغ هييذه الصي د‪ ،‬لكيين األصييل أن‬

‫ال هرق ط رل كنا مستُهب ًا ملاذا الهس ل ﷺ يف احلدرث الذي ذكه فةييه أن اْلهيياد هي ذ ود‬

‫سنام االس‪:‬م ذكه أم ًا ك ريد ال ع‪:‬قخ َا باْلهاد ق ل أن رتكل عن اْلهاد؟ رييا تييهى مييا هي‬

‫الهابط ب هذه األم وب اْلهاد؟ ماذا قال الهس ل ﷺ لي معاذ بيين ج ييل يض اهلل عنييه ملييا‬

‫سأله؟ سأل معاذ بن ج ل الهس ل ﷺ سناالً مجة‪ ،ً:‬ولكنه صعب‪ ،‬قالو (را س ل اهلل أخرب‬

‫بعمل ردخلني اْلنخ ور اعد عن النا ‪ ،‬فقال له ﷺو لقد سألتني عن عظة ‪-‬أيو أمييه ك ييري‪-‬‬

‫وإاه لةسري عغ من رسه اهلل علةه ‪-‬وما ه ال هرق؟ ‪ -‬قالو تع د اهلل وال ترشه به ءةئ ًا)‬

‫األمه األولو ت جةه النةخ الكاملخ هلل عأ وجل عند املسل ‪ ،‬حتى رصل يف ر م ميين األرييام إىل أن‬

‫رك ن ماهد ًا‪ ،‬ورصل بعد ذلب إىل الشهادد‬

‫‪589‬‬
‫قالو (وتقة الص‪:‬د‪ ،‬وتنيت الأكاد‪ ،‬وتص م مضان‪ ،‬وحتا ال ةا)‪ ،‬ولةس من املعق ل أبد ًا أن‬

‫قالو (أال أدلب عغ أب اب اخلري؟ قالو الصي م‬ ‫رك ن ماهد ًا دون أن رعمل هذه الفهائض‪،‬‬

‫ت‪ :‬قي ل‬ ‫جنخ‪ ،‬والصدقخ ت فئ اخل ةئخ كام ر فئ املا النا ‪ ،‬وص‪:‬د الهجل من ج ف اللةل‪،‬‬
‫َع ِن املَْ َضي ِ‬
‫اج ِ } [السييبددو‪ ]16‬حتييى بلييل ق لييهو { َر ْع َم ُلي َن}‬ ‫اهلل عأ وجلو { َتت ََب َاَف ُجنُ ُ ُ ْ‬
‫[السبددو‪ )]17‬فالهس ل ﷺ تكل عن بعض أعامل اخلري من الفهائض والن افييل ميين صييةام‬

‫قالو (أال أخربه بهأس األمه‬ ‫وصدقخ وقةام كلها مهمخ جد ًا يف ال هرق للبهاد يف س ةل اهلل‪،‬‬

‫وعم ده وذ ود سنامه)‪ ،‬قليياو (بييغ رييا سي ل اهلل) قييالو ( أس األمييه االسيي‪:‬م‪ ،‬وعمي ده‬

‫قالو (أال أخربه بم‪:‬ه ذلب كله؟) قلاو (بغ‬ ‫الص‪:‬د‪ ،‬وذ ود سنامه اْلهاد يف س ةل اهلل)‪،‬‬

‫را س ل اهلل) فأخذ لسااه وقالو (كف علةب هذا)‪ ،‬فقليياو (رييا ا ييي اهلل وإاييا ملناخييذون بييام‬

‫اتكل به؟) فقالو ( كلتب أمب رييا معيياذل وهييل ركييب النيياس عييغ وجي هه أو قييالو عييغ‬

‫مناخهه يف النا إال حصائد ألسنته )‬

‫طهرق اْلهاد طهرق ط رل‪ ،‬ال رست ة أن رصل إلةه املسل دون أن رندي الفهائض التي علةييه‪،‬‬

‫ولن رصل إىل طهرق اْلهاد يف س ةل اهلل عأ وجل من واظب عغ املعايص واملأالفييخ‪ ،‬وواظييب‬

‫بعد الفهائض الن افييل أرضي ًا‪ ،‬ليين رصييل إىل‬ ‫عغ عدم ات ا أمه س ل اهلل ﷺ يف الفهائض‬

‫اْلهاد إال من قام اللةل وتصدق وصغ الن افل وصام صةام النفل‪ ،‬فإن فعل ذلب كلييه أصي ح‬

‫مستعد ًا ألن رك ن ماهد ًا يف س ةل اهلل‪ ،‬فة دأ يف ح ه للبهاد يف سي ةل اهلل‪ ،‬فإاييه ليين رصييل إىل‬

‫اْلهاد يف س ةل اهلل إال من أح ه‪ ،‬ولن رصل إىل مهت خ املباهدرن إال من طلب اْلهاد بصدق يف‬

‫س ةل اهلل‪ ،‬والبد أن رك ن كله يف س ةل اهلل قضةخ االخ‪:‬ا يف العمييل قضييةخ واضييحخ‪ ،‬فلي‬

‫أاب تقاتل يف س ةل الق مةخ‪ ،‬أو يف س ةل ال طنةخ أو يف س ةل أهلب أو يف س ةل كذا وكذا وكذا‪،‬‬

‫‪590‬‬
‫كل هذا ال رصل بب إىل د جخ الشهادد‪ ،‬فهذه حم خ مهمخ من حم ال ال صي ل إىل الشييهادد أن‬

‫تك ن ماهد ًا يف س ةل اهلل‬

‫بعد االخ‪:‬ا حتب امل ل يف س ةل اهلل‪ ،‬وهذه د جخ أعغ‪ ،‬فق ل أن تصل إىل الشهادد البييد أن‬

‫حت ها وتك ن طال ًا َا‪ ،‬وقد كان الهس ل ﷺ دائ ًام َ ب الصحابخ يض اهلل عنه وأ ضاه يف‬

‫قضةخ امل ل يف س ةل اهلل‪ ،‬وإاه ملكهوه أن ت لب امل ل يف أي ظييهف‪ ،‬إال إذا كييان يف سي ةل اهلل‬
‫ال‬
‫عندئذ ست لب من اهلل س حااه وتعاىل أن رنع علةب بنعمييخ املي ل يف‬ ‫وكنا يف أ ي القتال‪،‬‬

‫س ةله س حااه وتعاىل‪ ،‬والهس ل ﷺ كان رق ل يف احلدرثو (ل ددل أ ُأقتل يف س ةل اهلل‪ ،‬ي‬

‫ُأقتل) هذه هي أمنةخ س ل اهلل ﷺ‪ ،‬وهذا احلييدرث‬ ‫ُأحةا‬ ‫ُأقتل‪،‬‬ ‫ُأحةا‬ ‫ُأقتل‪،‬‬ ‫ُأحةا‬

‫يف ال أا ي فإن قةلو ملاذا رتمنى عملةخ القتل املتكه د؟ رفس ذلب الهس ل ﷺ يف حدرث وخه‬

‫يف ال أا ي أرض ًا رق لو (ما من أحد ردخل اْلنخ َب أن رهج إىل الداةا وله مييا عييغ األ ي‬

‫من يش إال الشهةد‪ ،‬رتمنى أن رهج إىل الداةا فةقتل عرش مهال؛ ملا رهى مين الكهامييخ)؛ ألاييه‬

‫عند دخ له اْلنخ رلقى خري ًا عظة ًام جد ًا اتةبخ الشهادد؛ فةتمنى أن رع د فةقتل لةضاعف له ميين‬

‫اخلري يف اْلنخ‬

‫قد صح يف مسند أمحد بن حن ل وال ربا أن س ل اهلل ﷺ رق لو (إن للشييهةد عنييد اهلل سي‬

‫وَيا ميين‬
‫َغ حلخ االرامن‪ُ ،‬‬
‫خصالو أن ُرُفه له يف أول دفعخ من دمه و ُرهى مقعده من اْلنخ‪ ،‬و ُ‬
‫عذاب القرب‪ ،‬ورأمن من الفأ األكرب ر م القةامخ‪،‬و ُر ض عغ أسه تاج ال قييا ‪ ،‬الةاق تييخ منييه‬

‫خري من الداةا وما فةها‪ ،‬و ُرأوج ا نت وس ع زوجخ من احل الع ‪ ،‬و ُرشف يف س ع إاساا ًا‬

‫من أقا به)‬

‫‪591‬‬
‫اامذج ب لةخ من ءهدا أحد‬

‫كان الصحابخ يض اهلل عنه وأ ضاه رستمع ن إىل األحادرث يف فضل الشهةد وما أعييد اهلل‬

‫له يف اْلنخ فتاقا اف سه بصدق إىل الشهادد‪ ،‬فهذه بعض اامذج من الشهدا يف وييأود ُأحييد‪،‬‬

‫وبعض األم لخ الفاضلخ لس ع ءهةد ًا‬

‫محأد بن ع د امل لب يض اهلل عنه‬

‫أول ءهةد رلفا اظههو ه محأد بن ع د امل لب يض اهلل عنه وأ ضيياه؛ فسييةد الشييهدا هي‬

‫محأد يض اهلل عنه‪ ،‬أسل يف العام السادس تقهر ًا من ال ع خ الن رخ‪ ،‬أيو ق ل عرش سن ال ميين‬

‫س ل اهلل ﷺ؛ س ا يف فييرتد مكييخ أو يف‬ ‫‪ :‬جد ًا من الكفام م‬


‫وأود أحد‪ ،‬وسلب طهرق ًا ط ر ً‬

‫فرتد املدرنخ‪ ،‬س ا يف داخل الشعب أو يف أ نا اَبهد أو بعد إقامخ الدولخ أو يف بد ‪ ،‬فقد أرنييا‬

‫له م اقف ِمةأد يف بد ‪ ،‬وكان املرشك ن رق ل نو (من هذا الذي كان معل ًام بهرشخ يف صييد ه؟)‬

‫قال او (إاه محأد) فقال او (هذا الذي فعل بنا األفاعةل)‪ ،‬كان له طهرييق ط رييل يف اْلهيياد حتييى‬

‫أكهمه اهلل س حااه وتعاىل بالشهادد يف ر م أحد كان محأد ق ل االس‪:‬م مهد جل َب الصييةد‬

‫واملتعخ والله ‪ ،‬ورسبد لصن ‪ ،‬عاش حةاد لةس َييا قةمييخ وال وزن يف حةيياد األ ي‪ ،‬وبعييدما‬

‫أسل ااتقل من ك اه سييةد ًا يف ق ةلتييه الصييُريد إىل ك اييه سييةد ًا لشييهدا األ ي أمجعي ري م‬

‫القةامخ‪ ،‬واستشهد يف ر م ُأحد يض اهلل عنه‬

‫مصعب بن عمري يض اهلل عنه‬

‫‪ :‬جييد ًا‪ ،‬حتييى ركي ن ءييهةد ًا‪ ،‬أسييل م كييه ًا‪،‬‬


‫كان طهرق مصعب بن عمري يض اهلل عنه طي ر ً‬

‫وخاي جهاد ًا يف س ةل اهلل يف مكخ واحل شخ واملدرنخ وبد وأحد‪ ،‬يف حم ييال ك ييريد أبييغ بيي‪ً :‬‬
‫يف النهارخ أاع اهلل عأ وجييل علةييه أن مييال‬ ‫حسن ًا‪ ،‬وتعب ك ري ًا وبذل ك ري ًا وضحى ك ري ًا‪،‬‬

‫‪592‬‬
‫ءهةد ًا يف س ةله‪ ،‬وكأنا هدرخ‪ ،‬وق ل أن ُرستشهد ق عييا رمةنييه وق عييا ءييامله ومي ذلييب مل‬

‫تسقط الهارخ من رده؛ ألاه كان مشتاق ًا إىل الشييهادد‪ ،‬وطال ي ًا للمي ل بصييدق‪ ،‬وإن تصييدق اهلل‬

‫رصدقبو (من سأل اهلل الشهادد بصدق بلُه اهلل منازل الشهدا ‪ ،‬وإن مال عغ فهاءه)‬

‫ُاستشهد مصعب بن عمري يض اهلل عنه وأ ضاه بعد حلخ كفام ط رلخ‪ ،‬مييه علةييه سي ل اهلل‬

‫اهدُ وا اهللهَ َع َل ْةي ِه َف ِمين ُْه ْ َمي ْن‬


‫ﷺ ف قف علةه ودعا له‪ ،‬قهأو { ِم َن املُْ ْن ِمنِ َ ِ َجال َصدَ ُق ا َما َع َ‬
‫َق ََض ا َْح َ ُه َو ِمن ُْه ْ َم ْن َرنْتَظِ ُه َو َما َبده ُل ا َت ْ ِد ًر‪[ }:‬األحأابو‪ ،]23‬قال ﷺو (أءهد أن هيينال‬

‫ءهدا عند اهلل ر م القةامخ‪ ،‬فائت ه وزو وه ‪ ،‬والذي افيس بةده ال ُرسل علةه أحد إىل ر م‬

‫القةامخ إال دوا علةه)‪ ،‬هذا احلدرث يف مستد ه احلاك وه صحةح إن ءهدا أحييد رييهدون‬

‫الس‪:‬م عغ من سل علةه وإىل ر م القةامخ‪ ،‬وزرا د ءهدا ُأحد أص حا سنخ رشعها لنا ﷺ‪،‬‬

‫وكان دائ الأرا د لشهدا ُأحد إىل ِماته‪ ،‬وق ييل املييامل بقلةييل خييهج ﷺ لةييأو ءييهدا ُأحييد‬

‫ورستُفه َ ‪ ،‬فهذه قةمخ ك ريد يف مةأان ءهدا ُأحد يض اهلل عنه أمجع‬

‫يض اهلل عنه‬ ‫سعد بن الهبة‬

‫ذكهاا قصخ املناخاد ب سعد بن الهبة وع د الهمحن بيين عي ف يض اهلل عيينهام‪ ،‬وكةييف كييان‬

‫رهرد أن ردف اصف ماله ور لق إحدى زوجاتييه لييي ع ييد الييهمحن بيين عي ف يض اهلل عيينه‬

‫‪ :‬حتى دخييل م قعييخ ُأحييد‪،‬‬


‫أمجع ‪ ،‬فكان سعد يف تضحةخ وبذل حقةقي‪ ،‬وخاي طهرق ًا ط ر ً‬

‫ويف ر م ُأحد قاتل قتاالً عظة ًام‪ ،‬وبعدما ااتها امل قعخ وذهييب املشييهك ن‪ ،‬أخييذ الهسي ل ﷺ‬

‫ر مئن عغ أصحابه فل َيد سعد بن الهبة ‪ ،‬فأمه زرد بن ابا يض اهلل عنييه أن ر حييث عيين‬

‫سعد بن بة وقال لهو (إن أرته فأقهئه مني الس‪:‬م‪ ،‬وقل لهو رق ل لب سي ل اهلل ﷺو كةييف‬

‫جتده؟) ‪-‬أيو كةف حالب؟ ‪ -‬قال زرد بن اباو (فبعلا أط ف ب القييتغ فأتةتييه وهي يف‬

‫وخه مق‪ ،‬وفةه س ع ن رضبخ ما ب طعنخ بهمح ورضبخ بسةف و مةخ بسه )‪ ،‬فقلاو (را سعد‬
‫‪593‬‬
‫إن س ل اهلل ﷺ رقهئب الس‪:‬م‪ ،‬ورق ل لبو (أخرب كةف جتده؟) فقالو (وعييغ سي ل اهلل‬

‫ﷺ الس‪:‬م‪ ،‬قل لهو را س ل اهلل أجد رح اْلنييخ‪ ،‬وقييل لقي مي األاصييا )‪ ،‬اات ييه إىل اللحظييخ‬

‫األخريد من حةاته ما زال إَيابة ًا َمس الناس عغ اْلهاد يف س ةل اهلل‪ ،‬فمن املمكيين أن رقي لو‬

‫لقد خسل كل يش و ام عمهي‪ ،‬و احا حةايت و احا أم ايل وجتييا يت‪ ،‬لكنييه مل رفكييه يف‬

‫كل هذا‪ ،‬كل الذي كان رفكه فةه وه رعالا سكهال امل ل أن ر يص األاصا بق لهو (ال عذ‬

‫لك عند اهلل إن ُخ ِلص إىل س ل اهلل ﷺ وفةك ع ت هف)‬

‫س حان اهلل فأه قضةخ عنده احلفاظ عغ س ل اهلل ﷺ‪ ،‬حتى وه يف وخه حلظخ ميين حلظييال‬

‫حةاته؛ لذلب فإن سعد بن الهبة له قةمخ ك ريد يف مةأان االس‪:‬م‬

‫ع د اهلل بن عمهو بن حهام يض اهلل عنه‬

‫رق ل ع د اهلل بن عمهو بن حهام ق ل م قعخ ُأحدو ( أرا يف الن م ُم َ ِّرش بن ع د املنذ يض اهلل‬

‫عنه من ءهدا بد ‪ ،‬رق لو أاا قادم علةنا بعد أرام‪ ،‬فقلاو وأرن أاا؟ قييالو يف اْلنييخ اسييم‬

‫ُأحةةا)‪ ،‬فذهب ع د اهلل بن عمهو بن‬ ‫فةها كةف اشا ‪ ،‬قلا لهو أمل تقتل ر م بد ؟ قالو بغ‪،‬‬

‫حهام إىل س ل اهلل ﷺ وأخربه بهؤراه‪ ،‬فقال ﷺو (را ع د اهلل هذه الشييهادد) اءييتاق ع ييد اهلل‬

‫ذه النةخ والعأرمخ عييغ‬ ‫بن عمهو بن حهام اءتةاق ًا حقةقة ًا للشهادد‪ ،‬وخهج يف وأود أحد وه‬

‫أن رم ل يف س ةل اهلل‪ ،‬وملا أى ع د اهلل بن أيب رنسحب ببةشه ذهب إلةييه واصييحه بييالع دد‪،‬‬

‫لكن ع د اهلل بن أيب أأل عغ اَهوب من أ ي املعهكخ‪ ،‬فلعنه ع ييد اهلل بيين عمييهو بيين حييهام‬

‫وقالو (ت ًا لب أبعده اهلل سةُني اهلل عأ وجل عنب س له الكهر ﷺ)‪ ،‬وأكمل املعهكخ ييذه‬

‫احلمةخ‪ ،‬وقاتل قتاالً ءدرد ًا حتى قةلو إاه أول من قتل ر م أحد يض اهلل عنييه وأ ضيياه‪ ،‬وكييان‬

‫عنده بنال ك ريال ودر ن بعد استشهاده جا ابنه جابه بن ع د اهلل بن عمهو بيين حييهام يض‬

‫اهلل عنهام وأ ضامها أمجع حأرن ًا لفقد والده مهم م ًا‪ ،‬فأخذ ركشف الُ ا عن وجييه أبةييه ي‬
‫‪594‬‬
‫رُ ي‪ ،‬وكه ذلب عدد مهال‪ ،‬وكان الصحابخ يض اهلل عنه رنه اه‪ ،‬والهس ل ﷺ ال رنهيياه؛‬

‫ألاه كان رقد امل قف الذي ه فةه‪ ،‬فلام أى جابه ًا منكس ًا هذا االاكسا الك ري‪ ،‬رق ل جييابهو‬

‫(قال يل س ل اهلل ﷺو را جابه أال أخربه بام لقي اهلل عأ وجل به أباه؟) قليياو (بييغ)‪ ،‬قييالو‬

‫(ما كل اهلل أحد ًا إال من و ا حباب‪ ،‬وكل أباه كفاح ًا‪ ،‬فقالو را ع د اهلل متي هن عييط أع ييب‪،‬‬

‫ُأحةا‪،‬‬ ‫قالو را ب حتةةني ُفأقتل فةب ااةخ)‪ ،‬رتمنى افس أمنةخ الهس ل ﷺ (ل ددل أن ُأقتل‬

‫ُأحةا)‪ ،‬قالو (را ب ُحتةةني ُفأقتل فةييب ااةييخ‪ ،‬قييالو إاييه سي ق منييي أني إلةهييا ال‬ ‫ُأقتل‬

‫رهجع ن‪ ،‬قالو را ب فأبلل من و ائي)‪ ،‬س حان اهللل حتى بعيد م تييه حييهرص عييغ النيياس‪،‬‬

‫وحهرص عغ أهله واألاصا ‪ ،‬وحهرص عغ املهاجهرن وعغ كل املسلم ‪ ،‬قييالو (فييأبلل ميين‬

‫وائي ‪-‬أيو ب ّ للمسلم قةمخ الشهادد وكهامخ الشهةد‪ -‬فأاأل اهلل عييأ وجييلو { َوال َ ْحت َسي َ هن‬

‫اه ُ اهللهُ ِمي ْن َف ْضي ِل ِه‬


‫ةل اهللهِ َأ ْم َ اتًا َب ْل َأ ْح َةا ِعنْدَ َ ِّ ِ ْ ُر ْه َز ُق َن ل َف ِه ِح َ بِي َام َوتي ُ‬
‫ا هل ِذر َن ُقتِ ُل ا ِيف َس ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورس َت ِرش َ ِ‬
‫ون‬‫رشي َ‬ ‫َ َأ ُاي َن ل َر ْس َت ْ ُ‬‫ون بِا هلذر َن َمل ْ َر ْل َح ُق ا ِ ِ ْ م ْن َخ ْلف ِه ْ َأ هال َخ ْ ف َع َل ْة ِه ْ َوال ُه ْ َ ْ‬ ‫ََْ ْ ُ‬
‫بِنِ ْع َم الخ ِم َن اهللهِ َو َف ْض الل َو َأ هن اهللهَ ال ُر ِضة ُ َأ ْج َه املُْ ْن ِمنِ َ } [ول عمييهانو‪ )]171 - 169‬وى هييذا‬

‫احلدرث الرتمذي وابن ماجه واحلاك ووريه ‪ ،‬وه صحةح‬

‫ب العامل س حااه وتعاىل بمبهد الشهادد‬ ‫ااظه إىل قةمخ الشهةد‪ ،‬صا يف ح ا وخ اب م‬

‫َخ ْة مخ أب سعد يض اهلل عنه‬

‫كان سعد بن خة مخ يف بد قد استه م أبةه للأهوج إىل بد ‪ ،‬وخهج سه سعد واستشهد يف‬

‫بد ‪ ،‬وق ل وقعخ ُأحد حدث ح ا لي خة مخ م الهس ل ﷺ رق ل فةهو (لقييد أخ ييأتني وقعييخ‬

‫بد ‪ ،‬وكنا ‪-‬واهلل‪ -‬علةهييا حهرصي ًا حتييى سييامها ابنييي يف اخلييهوج‪ ،‬فأييهج سييهمه في ُيهزق‬

‫الشهادد‪ ،‬وقد أرا ال ا حخ ابني يف الني م يف أحسيين صي د رسييم يف ييام اْلنييخ وأنا هييا‪،‬‬

‫يب حق ًا‪ ،‬وقييد ‪-‬واهلل‪ -‬رييا سي ل اهلل‬ ‫ورق لو اِحلق بنا تهافقنا يف اْلنخ‪ ،‬فقد وجدل ما وعد‬
‫‪595‬‬
‫أص حا مشتاق ًا إىل مهافقته يف اْلنخ‪ ،‬وقد كرب سني و ق عظمي وأح ا لقا يب‪ ،‬فاد اهلل را‬

‫س ل اهلل أن رهزقني الشهادد ومهافقخ سعد يف اْلنييخ)‪ ،‬فييدعا لييه ﷺ بييذلب‪ ،‬ف ُاستشييهد ري م‬

‫أحد)‪ ،‬فقد كان رهرد أن رستشهد يف س ةل اهلل‪ ،‬واءتاق اءتةاق ًا حقةقة ًا إىل املي ل يف سي ةل اهلل‪،‬‬

‫وصدق اهلل فصدقه اهلل‬

‫عمهو بن اْلم م يض اهلل عنه‬

‫كان عمهو بن اْلم م يض اهلل عنه وأ ضاه أعهج ءدرد العهج‪ ،‬وكان ك ييري ًا يف السيين عمييهه‬

‫أك ه من الست سنخ‪ ،‬وعنده أ بعخ أوالد كله رقاتل ن يف س ةل اهلل‪ ،‬وقييد خهجي ا ري م أحييد‪،‬‬

‫وأأل عمهو عغ اخلهوج إىل أحد؛ ألاييه سييم قضييةخ الشييهادد‪ ،‬وتاقييا افسييه إىل أن رمي ل‬

‫ءهةد ًا‪ ،‬لكنه معذو لعهجته وكرب سنه‪ ،‬وأوالده ركف اه ذلب‪ ،‬ولكنه أأل عغ اخلهوج‪ ،‬فييأبى‬

‫أوالده‪ ،‬وأخربوه بأن اهلل قد جعل له خصخ‪ ،‬وأن ركف اه ذلب‪ ،‬فذهب عمهو بن اْلم م إىل‬

‫الهس ل ﷺ رشك أوالده ورق لو (را س ل اهلل إن بني هنال رمنع اني أن أخهج معب‪ ،‬واهلل‬

‫إ أل ى أن ُاستشهد‪ ،‬فأطأ بعهجتي هذه يف اْلنخ )‪-‬أيو هذه االعاقخ لن تع قني عيين دخي ل‬

‫اْلنخ ءهةد ًا‪ -‬فقال ﷺ ياطب عمهو بن اْلم مو (أما أاا فقد وض اهلل عنييب اْلهيياد‪ ،‬ي‬

‫قال ل نةهو وما علةك أن تدع ه لعل اهلل عأ وجل أن رهزقه الشهادد)‪ ،‬فأهج عمهو بن اْلم م‬

‫ذا الصدق م احل ةب ﷺ يف أحد‪ ،‬واستشهد م الشهدا يض اهلل عنه‬

‫حنظلخ بن أيب عامه يض اهلل عنه‬

‫خهج حنظلخ بن أيب عامه وه يف لةلخ عهسه للبهاد يف س ةل اهلل‪ ،‬ومن استعباله خييهج وهي‬

‫جنب‪ ،‬وقاتل يف أحد حتى استشهد‪ ،‬وبعد م ته اظه الن ي ﷺ إىل اعشه‪ ،‬ف جييد أن املييا رق ييه‬

‫منه يض اهلل عنه وأ ضاه‪ ،‬فتعبب ﷺ‪ ،‬فأ سل إىل زوجته وقييالو (مييا بالييه؟ فييذكهل قصييته‬

‫‪596‬‬
‫فقالو س حان اهلل إن امل‪:‬ئكخ تُسل حنظلخ)‪ ،‬وأص ح بعد ذلب َمل اس و (وسييةل امل‪:‬ئكييخ)‬

‫يض اهلل عنه وأ ضاه‬

‫ع د اهلل بن جحش يض اهلل عنه‬

‫سا ع د اهلل بن جحش يض اهلل عنه يف طهرق ط رييل وكفييام مهرييه‪ ،‬ميين أرييام مكيخ املكهمييخ‬

‫وهبهته إىل احل شخ مهت ‪ ،‬وهبهته بعد ذلب إىل املدرنخ املن د‪ ،‬وخهوجه يف بد ي خهوجييه‬

‫يف أحد‪ ،‬فتعال ا لنهى اءتةاق ع د اهلل بن جحش يض اهلل عنه للشييهادد‪ ،‬تعييال ا اييهى احلي ا‬

‫الل ةف الذي دا بةنه وب سعد بن أيب وقاا يض اهلل عنهام ق ل بد املعهكييخ‪ ،‬قييال ع ييد اهلل‬

‫بن جحش لي سعدو (أال ادع اهلل؟) فأل َا يف ااحةخ‪ ،‬فدعا سعد فقالو (را ب إذا لقةا العدو‬

‫ا زقني الظفه علةه حتى أقتله ووخذ‬ ‫‪ :‬ءدرد ًا بأسه ءدرد ًا حهده أقاتله ورقاتلني‪،‬‬
‫فلقني ج ً‬

‫سل ه)‪ ،‬فأ همن ع د اهلل بن جحش كان دعا سعد بن أيب وقاا دعا ً ط ةعة ًا‪ ،‬ريدع أاييه رقاتييل‬

‫أحد الكفا فةنترص علةه ورأخذ سل ه‪ ،‬لكن ااظه إىل دعا ع د اهلل بن جحش واءتةاقه احلقةقي‬

‫‪ :‬ءييدرد ًا حييهده ءييدرد ًا بأسييه أقاتلييه فةييب‬


‫إىل الشهادد يف س ةل اهلل‪ ،‬قالو (الله ا زقني ج ً‬

‫رأخذ فةبد أافي وأذ ‪ ،‬فإذا لقةتب وييد ًا قليياو ميين جييد أافييب وأذاييب؟‬ ‫ورقاتلني‪،‬‬

‫فأق لو فةب ويف س لب‪ ،‬فتق لو صدقا) رتمنى أن رقابل أحد ًا من الكفا ‪ ،‬فةتقات‪ :‬فةقتلييه‬

‫أافه وأذاه؛ لةسأله ب العامل س حااه وتعاىلو ميين فعييل فةييب‬ ‫رم ل بب ته‪ ،‬فةق‬ ‫الكافه‪،‬‬

‫هذا؟ ومن فعل فةب هييذا؟ فةقي لو فةييب رييا بل ويف سي لب ﷺ‪ ،‬فةقي ل اهلل عييأ وجييلو‬

‫صدقا‬

‫ااظه إىل تعلةق سعد بن أيب وقاا عغ هذه الدع د‪ ،‬رق ل سعد بن أيب وقاا البنييهو (رييا بنييي‬

‫كااا دع د ع د اهلل بن جحش خري ًا من دع يت‪ ،‬لقد أرته وخه النها وإن أافه وأذاييه ملعلقتييان‬

‫يف خةط) استباب اهلل دعا ه كام متنى‪ ،‬وصدق يف ذلب‬


‫‪597‬‬
‫األُ َص ْريم عمهو بن ابا بن قةس بن وقش‬

‫إن طهرق ال ص ل إىل الشهادد طهرق ط رل‪ ،‬وهذه قاعدد‪ ،‬لكن للقاعدد است نا ‪ ،‬فمن املمكيين‬

‫أن رستشهد ءأص عمهه يف االس‪:‬م قصري جد ًا‪ ،‬لكن تك ن عنده و خ حقةقةخ يف الشهادد يف‬

‫س ةل اهلل فةم ل ءهةد ًا‪ ،‬عنداا يف القهون قصخ سحهد فهع ن الذرن ااتقل ا من معسكه الكفييه‬

‫أص ح ا ءهدا يف س ةل اهلل‪ ،‬أرض ًا يف م قعخ أحد م ال كم ييال‬ ‫إىل معسكه االرامن يف حلظخ‪،‬‬

‫أص ح ءهةد ًا‬ ‫هنال ‪ ،‬جل ااتقل من الكفه إىل االس‪:‬م يف حلظخ‬

‫هذا الهجل ه األصريم من األوس من بني ع د األءهل من ق ةلخ سعد بن معاذ يض اهلل عنييه‬

‫وأ ضاه‪ ،‬ملا أسل سعد بن معاذ أسلما كل ق ةلته إال األصريم‪ ،‬تأخه إسيي‪:‬مه إىل ري م أحييد‪،‬‬

‫ففي ر م أحد وجد أن االس‪:‬م قهرب إىل قل ه‪ ،‬فااتقل إىل املسييلم ف جييده قييد خهجي ا إىل‬

‫ف جده رقيياتل ن‪ ،‬فييدخل رقاتييل معهي ‪ ،‬ي أصييةب ووقي عييغ األ ي‪،‬‬ ‫أحد‪ ،‬فلحق‬

‫واقرتب الصحابخ يض اهلل عنه وأ ضاه منه فقال او (هذا األصريم مييا جييا بييه؟ قييد كييان‬

‫سأل هو (ما الذي جا بب أحييدب عييغ ق مييب أم‬ ‫كافه ًال لقد تهكناه وإاه ملنكه َذا األمه)‪،‬‬

‫سي ل اهلل ﷺ‬ ‫قاتلا م‬ ‫و خ يف االس‪:‬م؟ فقالو بل و خ يف االس‪:‬م ومنا باهلل و س له‪،‬‬

‫حتى أصابني ما تهون)‪ ،‬ومال من حلظته‪ ،‬وخه كلمخ قاَاو إاه قاتل يف س ةل اهلل‪ ،‬فذكهوا ذلييب‬

‫لهس ل اهلل ﷺ فقال ﷺو (ه من أهل اْلنخ)‪ ،‬يف حلظخ واحدد فقييط‪ ،‬يف حلظييخ إرييامن وصييدق‬

‫أص ح يف اْلنخ‪ ،‬كل تا يه يف االس‪:‬م‬ ‫أص ح ءهةد ًا‪،‬‬ ‫ااتقل من معسكه الكفه إىل االرامن‪،‬‬

‫اصف ر م تقهر ًا مل ركمل ر م ًا كام‪ ،ً:‬رق ل أبي ههرييهدو (ومل رصييل األصييريم هلل صيي‪:‬د قييط)‬

‫فاعل را أخي املسل أن من أهل الداةا من رعمل بعمل أهييل النييا ي رسي ق علةييه الكتيياب‪،‬‬

‫فةعمل بعمل أهل اْلنخ فةدخلها‬

‫‪598‬‬
‫خم ُ َ ِريرق يض اهلل عنه‬

‫يف وأود ُأحد ءا ه واحد من الةه د كان اسمهو خمريرق‪ ،‬ملا خهج ﷺ لقتال املشيهك يف أحييد‬

‫مج خمريرق الةه د وقال َ و را معرش هي د واهلل لقد علمت أن ارص حممد علةك حييق‪ ،‬قييال او‬

‫(إن الة م ر م الس ا)‪ ،‬قالو (ال س ا لك )‪ ،‬فأخذ سييةفه وعدتييه‪ ،‬وقييالو (إن أصي ا فيياميل‬

‫ذهب م املسلم وقاتل حتى استشهد‪ ،‬فقال ﷺو (خمريرييق‬ ‫ملحمد ﷺ رصن فةه ما ءا )‪،‬‬

‫خري هي د)‬

‫قصخ قأمان وقتاله يف وأود أحد‬

‫عغ العكس من قصخ األصريم كااا قصخ قأمان‪ ،‬كان قأمان يف وأود أحد قد قتييل ‪ :‬ييخ ميين‬

‫قاتل بعد ذلب قتاالً ءدرد ًا حتى إن بعض الهوارييال‬ ‫محلخ ارخ املرشك ال احد تل اآلخه‪،‬‬

‫تق لو إاه قتل س عخ أو اماةخ من املرشك ‪ ،‬ويف وخييه امل قعييخ وجييدوه قييد أ تتييه اْلهاحييال‪،‬‬

‫فأخذه املسلم ن وبرشوه‪ ،‬قال او (هنةئ ًا لب اْلنخ)‪ ،‬فقييالو (واهلل إن قاتلييا إال عيين أحسيياب‬

‫ق مي )‪-‬أيو ال ع‪:‬قخ يل باالس‪:‬م‪ ،‬مل أقاتل إال ق مةخ فقط‪ -‬قالو (إن قاتلا إال عن أحسيياب‬

‫اءتدل به اْلهام فنحه افسه‪ ،‬وكان إذا ذكه عند سي ل اهلل‬ ‫ق مي)‪ ،‬ول ال ذلب ما قاتلا‪،‬‬

‫ﷺ رق لو (إاه من أهل النا )‪ ،‬فهذا الهجل قاتل يف س ةل ال طنةييخ والق مةييخ ولييةس يف سي ةل‬

‫اهلل‪ ،‬فضا منه كل يش م أاه أبغ ب‪ ً :‬حسن ًا يف امل قعخ‪ ،‬وأدى أفضل من ك ري يف امل قعخ؛ لكنه‬

‫قاتل من أجل الداةا فام له يف اآلخهد من اصةب‬

‫وى ال أا ي ومسل عن أيب م سى األءعهي يض اهلل عنهو (أن جي ً‬


‫‪ :‬سييأل الهسي ل ﷺ‬

‫قالو الهجل رقاتل للمُن ‪-‬رهرد الُنةمخ‪ -‬والهجل رقاتل للييذكه ‪-‬لكييي رقي ل عنييه النيياسو‬

‫‪599‬‬
‫ءبا وجهي وق ي‪ -‬والهجل رقاتل لريى مكااه ‪-‬أيو مكااه يف ق ةلته‪ -‬فمن يف سي ةل اهلل؟‬

‫فقال ﷺو من قاتل لتك ن كلمخ اهلل هي العلةا فه يف س ةل اهلل)‬

‫و وى الرتمذي وأب داود‪ ،‬وأمحد عن أيب ههرهد يض اهلل عنهو أن س ل اهلل ﷺ قالو (را أهيييا‬

‫الناس إن اهلل قد أذهب عنك ُع ِّةخ اْلاهلةخ وفأهها باآلبييا ‪ ،‬فالنيياس جيي‪:‬نو ميينمن تقييي‪،‬‬

‫وفاجه ءقي‪ ،‬والناس بن ودم‪ ،‬وودم من تهاب)‬

‫هذه حك ك ريد م ج دد يف مصة خ ُأحد‪ ،‬يف داخل املصيية خ جعييل اهلل عييأ وجييل خييري ًا‪ ،‬وقييد‬

‫تكلمنا عغ أك ه من حكمخ حلدوث املصائب عغ األمييخ االسيي‪:‬مةخ‪ ،‬ولييةس معنييى ذلييب أانييا‬

‫ا حث عن املصائب‪ ،‬لكن لنعل أن املصة خ لةسا رش ًا حمض ًا‪ ،‬بل يف باطنها خري ك ري قييد اييهى‬

‫هذا اخلري وقد ال اهاه‪ ،‬فاخلري م ج د‪ ،‬واهلل س حااه وتعاىل قد ال رييأذن ييا إال ألن فةهييا خييري ًا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اْلَ ْم َعيان َف ِيإِ ْذن اهللهِ َولي َة ْع َل َ‬
‫للمنمن ‪ ،‬قال س حااه وتعاىل يف كتابهو { َو َما َأ َصا َب ُك ْ َر ْ َم ا ْلت ََقيى ْ‬

‫املُْ ْن ِمنِ َ } [ول عمهانو‪]166‬‬

‫طهق ع‪:‬ج اَأرمخ النفسةخ التي حلقا املسلم يف وأود أحد‬

‫ما قصخ الناس الذرن مل رم ت ا يف وأود أحد‪ ،‬وما قصخ الناس الذرن ااكسوا ااكسا ًا ءييدرد ًا؟‬

‫وما قصخ الناس الذرن فهوا من الأحف؟ وما قصخ الناس الذرن ما است اع ا أن رييدافع ا عيين‬

‫االس‪:‬م واملسلم ؟ وما مقدا اَأرمخ النفسةخ التي كاا ا فةها؟ ومييا مقييدا االاكسييا الييذي‬

‫وصل ا إلةه؟ وكةف كااا احلالخ النفسةخ املرتدرييخ التييي وصييل إلةهييا أولئييب الفييا ون عنييدما‬

‫وصل ا إىل املدرنخ املن د‪ ،‬و ج إلةه ﷺ ببهاحه ووالمه ومصابه وس ع من الشييهدا ؟ إن‬

‫هذا األمه صعب جد ًا عغ النفس‬

‫‪600‬‬
‫إن هذه الكا خ النفسةخ كادل ت دي نال مجةع ًا وتذهب ي ‪ ،‬لي ال أن اييأل امليينها الهبييا‬

‫لع‪:‬ج هذه اَأرمخ النفسةخ‪ ،‬والخهاج املسلم من االاكسا النفسيي الذي رعقييب املصييائب‬

‫واألزمال الشدردد تعال ا لنعهف كةف يهجنا اهلل من أزماتنا النفسةخ ورأخذ بأردرنا ورييدخلنا‬

‫اْلنخ بعد أن عصةنا وأذا نا وأخ أاا‪ ،‬بل وبعد أن ا تك نا الك ائه‪ ،‬فالفها من الأحف ك ريد من‬

‫الك ائه؟ احن يف حاجخ إىل أن اهاج س د ول عمهان؛ حتى افه قصخ أحييد‪ ،‬وسييأمه بإَييياز‬

‫عغ النقاط‬

‫ف الهوم املعن رخ للمسل بلفا النظه إىل اْل ااب االَيابةخ فةه‬

‫النق خ األوىلو ف الهوم املعن رخ للمسل بلفا النظه إىل اْل ااب االَيابةخ فةه‬

‫فكل واحد منا فةه ج ااب إَيابةييخ وج ااييب سييل ةخ‪ ،‬ويف وقييا اَأرمييخ والنكسييخ وحييدوث‬

‫املصة خ تُلب عغ االاسان بعض ج اا ه السل ةخ من فشل وضعف‪ ،‬إن بعض ج ااب الضعف‬

‫م ج دد يف كل الناس‪ ،‬ففي هذه األزمخ البد أن تق ل لهو أاا وعنده ج ااب ضييعف عنييده‬

‫ج ااب ق د‪ ،‬قييال اهلل تعيياىلو { َوال َهتِنُي ا َوال َ ْحت َأ ُاي ا َو َأ ْاي ُت ُ األَ ْع َلي ْ َن إِ ْن كُنْي ُت ْ ُمي ْن ِمنِ َ } [ول‬

‫عمهانو‪ ]139‬س حان اهللل بعد كل الكي ا ث التييي حييد ا يف أحييد‪ ،‬وبعييد كييل املأالفييال‬

‫ب العأد س حااه وتعيياىلو { َوال َهتِنُي ا‬ ‫الرشعةخ التي متا عغ أردي بعض الصحابخ‪ ،‬رق ل َ‬

‫َوال َ ْحت َأ ُا ا َو َأ ْا ُت ُ األَ ْع َل ْ َن إِ ْن ُكنْ ُت ْ ُم ْن ِمنِ َ } [ول عمهانو‪]139‬‬

‫فالقهون رلفا النظه إىل ج ااب الق د يف االاسان‪ ،‬رأخذ بةده لكي ال رق ‪ ،‬ولكي رق م بعد هذه‬

‫املصة خ يف حلظال عل الكافه عغ املنمن‪ ،‬ففي مهحلخ من مهاحل الأمن البييد ميين لفييا اظييه‬

‫املنمن إىل أاه كام أن فةه ضعف ًا أدى إىل عل الكافه‪ ،‬فإاه رملب ج ااب إَيابةخ تسمح له بالقةييام‬

‫من جدردو { َوال َهتِنُ ا َوال َ ْحت َأ ُا ا َو َأ ْا ُت ُ األَ ْع َل ْ َن إِ ْن ُكنْ ُت ْ ُم ْن ِمنِ َ } [ول عمهانو‪ ،]139‬فعنييدما‬

‫‪601‬‬
‫تهى دولخ وري مسلمخ تعل دول املسلم ف‪ :‬هي لنب وال َ نييب ذلييب‪ ،‬بييل ااظييه إىل مييا يف‬

‫ردرب من إمكااةال‪ ،‬فإمكااةال األمخ ضأمخ‪ ،‬إمكااةال إسرتاتةبةخ‪ ،‬وإمكااةال اقتصييادرخ‪،‬‬

‫وإمكااةال مالةخ‪ ،‬وإمكااةال برشرخ وإمكااةال ك ريد‪ ،‬بل عنده أءةا ك ييريد أك ييه ميين التييي‬

‫فقدهتا‪ ،‬وأه يش متلكه ومل تفقده ه االرامن باهلل عأ وجييل‪ ،‬واالرييامن بهسي له الكييهر ﷺ‪،‬‬

‫واالرامن بكت ه و سله والة م اآلخه‬

‫هذه القةمخ العلةا هي التي تهف املسل ف ق أي إاسييان يف األ يو { َو َأ ْاي ُت ُ األَ ْع َلي ْ َن إِ ْن كُنْي ُت ْ‬
‫ُم ْن ِمنِ َ } [ول عمهانو‪ ،]139‬فهذه هي التييي جتعلنييا أعلي ميين ورياييا حتييى يف حييال ضييعفنا‬

‫ومصائ نا وأزماتنا‪ ،‬لةس معنى هذا أال رعمل املسلم ن وَيتهدوا‪ ،‬ولكيين معنيياه أن رعلمي ا أن‬

‫أعظ مق مال قةامه عغ االط‪:‬قو االرامن‪ ،‬ول ملكي ه عييغ حقةقتييه فييإن األعييغ حقي ًا‪،‬‬

‫وستك ن َ الدولخ حت ًام كام ذكه ب العامل س حااه وتعاىل‬

‫ف الهوم املعن رخ بلفا النظه إىل اْل ااب االَيابةخ يف احلدث افسه‬

‫النق خ ال ااةخو ف الهوم املعن رخ بلفا النظه إىل اْل ااب االَيابةييخ يف احلييدث افسييه وهييذا‬

‫وكذلب لفييا اظييه املسييلم إىل‬ ‫الذي اتتكل عنهو متةةأ الصف وإظها املنافق من املنمن‬

‫د الداةا وكذلب ااتقا بعض املسلم لةك ا ا ءييهدا ‪ ،‬هييذه كلهييا‬ ‫ءنم املعصةخ‪ ،‬وإىل خ‬

‫ج ااب إَيابةخ يف احلدث‪ ،‬وعندما رنظه املسل إىل هذه اْل ااب االَيابةخ ت مئن النفس وهتييدأ‬

‫الهوم‬

‫معهفخ ك ن املصائب مقد د من اهلل‬

‫النق خ ال ال خو ت ضةح أن املصائب مقد د حت ًام‪ ،‬وستق ما دام اهلل عأ وجل قد قد َا أن تقي ‪،‬‬

‫صحةح أن هناه أس اب ًا‪ ،‬وأن علةنا أن اسعى قد االمكان ملني الكي ا ث واملصييائب؛ ألن اهلل‬

‫‪602‬‬
‫عأ وجل أمهاا بالسعي وبأخذ األس اب‪ ،‬واعل أانا انجه عييغ العمييل مييا دام العمييل م افقي ًا‬

‫للرش ‪ ،‬واعل أرض ًا أن اهلل عأ وجل قاد عغ تع ةل األسي اب‪ ،‬واعلي أاييه قيياد عييغ إافيياذ‬

‫األس اب‪ ،‬فكل يش بةده س حااه وتعاىل‪ ،‬فإن قد للمصيية خ أن تقي فلييةس هنيياه أي معنييى‬

‫لكلمخو (ل )؛ ألنا تفتح عمل الشة ان‪ ،‬فمهام قلناو ل كنا عملنا كذا أو كذا‪ ،‬فإن املصة خ ستق‬

‫‪%100‬؛ ألن اهلل س حااه وتعاىل قد َييا أن تقي ‪ ،‬فيياملفهوي أن تترصييف بشييكل إَيييايب مي‬

‫املصة خ‪ ،‬وال تأخذ األم بمنتهى الفت والكسل واالح اط‬

‫ال عد بالقةام من جدرد واألمل بأن النرص قادم‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْرص ُك ُ اهللهُ َف‪َ :‬وال َ‬
‫ب‬ ‫النق خ الهابعخو ال عد بالقةام من جدرد‪ ،‬واألمل يف أن النرص قادمو {إ ْن َرن ُ ْ‬
‫َل ُك ْ } [ول عمهانو‪ ]160‬قاعدد حمكمخ‪ ،‬واهلل عأ وجل ال رنرص إال من اصيهه‪ ،‬واصيه اهلل عييأ‬

‫وجل رك ن بت ةق رشعه‪ ،‬وإن قَض اهلل عأ وجل بالنرص للمنمن ف‪ :‬والب َي حييت ًام؛ ألن‬

‫هذه سنخ ابتخ إىل ر م القةامخ‪ ،‬فةها جتدد األمل دائ ًام يف ارص قادم‬

‫الرتبةخ بالتا رخ‬

‫النق خ اخلامسخو الرتبةخ بالتا رخ‪ ،‬والتأكةد عغ أن القةام بعد السق ط أمييه متكييه يف السييابق‪،‬‬

‫وسةتكه حت ًام يف ال اق ويف املستق لو { َوك ََأ ِّر ْن ِم ْن َا ِ ٍّي َق َاتي َل َم َعي ُه ِ ِّب َةي َن َك ِيري َفي َام َو َهنُي ا َملِيا‬

‫َأ َصا َ ُ ْ } [ول عمهانو‪ ،]146‬وافس هذه القصخ حصلا ق ل هذا بك ري‪ ،‬قييالو { َو َكي َأ ِّر ْن} [ول‬

‫عمهانو‪ ]146‬كلمخ ت ضح الك هد‪ ،‬فاألمه متكه جد ًا‪ ،‬واحلكارال التا يةخ التي تتناول افس‬

‫املعنى أك ه من أن حتىص‪ ،‬فأي قصخ واقعةخ حصلا يف املايض ق ل كذا‪ ،‬رعلي النيياس مجةعي ًا أن‬

‫هذه القصخ ستتكه ‪ ،‬وأن القةام بعد السق ط لةس أمه ًا ااد ًا بعةد احلييدوث‪ ،‬بييل هي القاعييدد‬

‫التي َيب أن ر ني علةها املنمن حساباته‬

‫‪603‬‬
‫ما أصابب أصاب عدوه أرض ًا‬

‫من التهي رن‬ ‫النق خ السادسخو استشعا أن ما أصابب أصاب عدوه أرض ًا‪ ،‬فةحصل عنده ا‬

‫للمصة خ‪ ،‬وال تظن أن جهده الذي بذلته م عدوه ذهب سدى‪ ،‬بل جهده الييذي بذلتييه أ ييه‬

‫بعمق يف عدوه‪ ،‬و اج معي اآلرال‪ ،‬رق ل س حااه وتعيياىلو {إِ ْن َر ْم َس ْسي ُك ْ َقي ْهم َف َقيدْ َمي هس‬

‫ا ْل َق ْ َم َق ْهم ِم ْ ُل ُه} [ول عمهانو‪ ]140‬ورق ل يف ورخ أخهىو {إِ ْن َت ُك ُا ا ت َْأملَُ َن َفإِ هنُ ْ َري ْأملَُ َن َكي َام‬

‫ت َْأملَُ َن} [النسا و‪ ،]104‬مهد قالو (م له)‪ ،‬ومهد قالو (كام)‪ ،‬ف‪ :‬حتسب أن عييدوه قييد ااتصييه‬

‫ارص ًا ب‪ :‬أمل‪ ،‬أو حقق بح ًا ب‪ :‬خسا د‪ ،‬فمن املنكد أاه خس‪ ،‬فاملرشك ن يف وأود أحييد فقييدوا‬

‫يف بعض الهوارالو ‪ 22‬ءأص ًا‪ ،‬ويف أصييح الهوارييالو ‪ 37‬ميين القييتغ‪ ،‬وهي قي ضييأ ‪،‬‬

‫واملسلم ن استشهد منه ‪ 70‬مقات‪ ،ً:‬لكن م تى بد من املرشييك ‪ 70‬مقييات ً‬


‫‪ :‬واألرسى ميين‬

‫املرشك ‪ ،70‬واهلل عأ وجل ذكه ذلب يف كتابه‬

‫قالو { َأ َوملَها َأ َصا َب ْت ُك ْ ُم ِصة َخ َقدْ َأ َص ْ ُت ْ ِم ْ َل ْة َها ُق ْل ُت ْ َأاهى َه َذا} [ول عمييهانو‪ ]165‬أيو استشييهد‬

‫منك ‪ 70‬اآلن‪ ،‬لكن يف بد ااترصت وأخذت ‪ 70‬أسري ًا وقتلت ‪ 70‬قتة ً‬


‫‪ :‬من املرشك ‪ ،‬ف‪:‬بييد‬

‫أن تذكه هذه االصابال يف طهف عدوه حتى هتدأ النفس ور مئن القلب‬

‫تداول السل خ ب األم واألفهاد سنخ من سنن اهلل‬

‫النق خ السابعخو من سنن ب العامل س حااه وتعاىل أن تتداول السل خ ب األفييهاد‪ ،‬بييل بي‬

‫األم ‪ ،‬وأمخ االس‪:‬م لةسا خا جخ عن هذا القيياا ن‪ ،‬فهييي تتسييل قةييادد األ ي يف أحةييان‪،‬‬
‫ورتسلمها وريها يف أحةان أخهىو { َوتِ ْلي َب األَ هريا ُم ُايدَ ِاو ََُا َبي ْ َ النهي ِ‬
‫اس} [ول عمييهانو‪،]140‬‬

‫فعندما تد ه ذلب رصري هذا أمه ًا مت قعي ًا ولييةس مسييتُهب ًا أن تفقييد األمييخ القةييادد لييأل ي‪،‬‬

‫‪604‬‬
‫وعندما حتمل املصة خ سةك ن هذا أحسن‪ ،‬أما إذا كنا تظن أاب دائ ًام منص ‪ ،‬ف‪ :‬ءييب أاييب‬

‫ستهأم افسة ًا عند إصابتب‪ ،‬وهذا لةس واقعة ًا‬

‫ابتدا املسل حةاته اْلدردد بمُفهد اهلل عأ وجل له‬

‫النق خ ال امنخو أن املسل رست ة أن ر دأ بدارخ جدردد دون أخ ا ‪ ،‬ور دأ بصييفحخ بةضييا دون‬

‫خ ارا أو ذا ب مهام فعل ق ل ذلب‪ ،‬فاملسلم ن يف ُأحد أخ ئ ا خ ًأ فادح ًا كام ذكهاييا‪ ،‬عصي ا‬

‫الهس ل ﷺ‪ ،‬وا تك ا ك ريد من الك ائه هي الفييها ميين الأحييف‪ ،‬ومي ذلييب تنييأل اآلرييال‬

‫باملُفهد للمسلم عدد مييهال‪ ،‬قييال اهلل عييأ وجييل وهي رصييد احلييدرث عيين قصييخ أحييدو‬

‫ل لِ ْل ُمت ِهقيي َ }‬ ‫ال َواألَ ْ ُي ُأ ِعييده ْ‬ ‫السيي َم َ ُ‬ ‫ال‬ ‫ِ ال ِ‬


‫{ َو َسييا ِ ُع ا إِ َىل َم ُْفيي َهد ميي ْن َ ِّب ُكيي ْ َو َج هنييخ َع ْه ُضيي َها ه‬
‫اح َشي ًخ َأ ْو َظ َل ُمي ا‬ ‫[ول عمهانو‪ ]133‬ذكه من صفال هنال املتق و {و هالي ِذرن إِ َذا َفع ُلي ا َف ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اس َت ُْ َف ُهوا ل ُذ ُا ِ ِ ْ } [ول عمهانو‪ ،]135‬وبعد قلةييل يف اآلرييال قييالو { ُ ي ه‬ ‫َأ ْا ُف َس ُه ْ َذك َُهوا اهللهَ َف ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أل َف ُك ْ َعن ُْه ْ ل َة ْتَل َة ُك ْ َو َل َقدْ َع َفا َعنْ ُك ْ } [ول عمهانو‪ ]152‬قالو {إِ هن هاليذر َن َت َ هلي ْ ا مينْ ُك ْ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ض َمييا ك ََسيي ُ ا َو َل َقييدْ َع َفييا اهللهُ َعيين ُْه ْ }‬ ‫ان ِبيي َ ْع ِ‬
‫الشيي ْة َ ُ‬
‫اسييت ََأ هَ ُ ُ ه‬ ‫اْل ْم َعييان إِ هايي َام ْ‬
‫َريي ْ َم ا ْلت ََقييى ْ َ‬
‫[ول عمهانو‪ ،]155‬فس ب الفها من الأحف أن الشة ان استأَ ب عض ما كس ا‪ ،‬ي ذكييه‬

‫العف م ارشد فقالو { َو َل َقدْ َع َفا اهللهُ َعين ُْه ْ } [ول عمييهانو‪ ،]155‬فالصييفحخ ال ةضييا للمييذاب‬

‫تفتح أمامه طهرق العمل اْلدرد‬

‫حماس خ االاسان ر م القةامخ عغ األعامل ال عغ النتائا‬

‫النق خ التاسعخ وهي من أه القضارا التي تهف اَمخ وتق ي العأرمخو أن االاسييان ال َاسييب‬

‫َاه ُ اهللهُ َ َ َ‬
‫اب الدَ ْا َةا َو ُح ْسي َن‬ ‫ر م القةامخ عغ النتائا‪ ،‬وإاام َاسب عغ األعامل‪ ،‬قال تعاىلو { َفآت ُ‬
‫ب املُْ ْح ِسينِ َ } [ول عمييهانو‪ ،]148‬فييال اب احلسيين حقي ًا هي ي اب‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ََ ِ‬
‫اب اآلخ َهد َواهللهُ َُي َ‬

‫‪605‬‬
‫اآلخهد‪ ،‬والذرن ااترصوا من الكفا يف م قعخ أو م قعت قال اهلل عأ وجل عنه و {ال َر ُُ هه هاي َب‬

‫‪:‬د ل َمتَا َق ِلةل ُ ه َم ْأ َو ُاه ْ َج َهنه ُ َوبِ ْئ َس املِْ َها ُد} [ول عمييهانو‪- 196‬‬
‫َت َق َلب ا هل ِذرن َك َفهوا ِيف ا ْل ِ ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫‪]197‬‬

‫القع د والةأس ر ج ان العقاب من اهلل‬

‫النق خ العارشد الخهاج املسلم من اَأرمخ النفسةخو أن ط ل القع د وطي ل الةييأس ر جييب‬

‫العقاب من ب العامل س حااه وتعاىل‪ ،‬ف‪:‬بد من ت ازن الكفييخ‪ ،‬ت شييري وإاييذا أرضي ًا‪ ،‬حتييى‬

‫رتعادل اخل ف من عقاب اهلل‪ ،‬م الهجا يف محته‪ ،‬فالعمه أرامه معدودد‪ ،‬ولييةس هنيياه وقييا‬

‫ط رل للتفكري وإعادد احلسابال‪ ،‬بل َيب أن رع د املسل إىل بييه رسرعي ًا‪ ،‬وإذا كييان االاسييان‬

‫ب ةعته ي ئ فلةس هناه أي مرب أن ررص عغ اخل أ‪ ،‬قال اهلل عأ وجل يف كتابه الكهر و { َو َما‬

‫ال َأ ْو ُقتِي َل ا ْا َق َل ْي ُت ْ َعي َغ َأ ْع َقيابِ ُك ْ }‬


‫اله ُسي ُل َأ َفيإِر ْن َمي َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُحم َ هميد إِ هال َ ُسي ل َقيدْ َخ َلي ْا مي ْن َق ْليه َ‬
‫ب َع َغ َع ِق َ ْة ِه َف َل ْن َر ُضي هه اهللهَ َءي ْة ًئا َو َسي َة ْب ِأي اهللهُ‬ ‫ِ‬
‫حذ بق لهو { َو َم ْن َرنْ َقل ْ‬ ‫[ول عمهانو‪]144‬‬
‫الش ِ‬
‫اك ِهر َن} [ول عمهانو‪ ]144‬هكذا تت ازن الكفخ عند املسل فةعمييل واضييع ًا اصييب عةنةييه‬ ‫ه‬

‫سعخ محخ اهلل س حااه وتعاىل‪ ،‬ويف افس ال قا ياف من عقابه س حااه‬

‫منه ووفييه‬ ‫ذه ال سائل العرش أخهج اهلل س حااه وتعاىل املسلم من أزمته النفسةخ‪ ،‬وقه‬

‫‪ ،‬وأتام َ العمل من جدرد بصييفحخ بةضييا ‪ ،‬فةييا لييه ميين أسييل ب الاق‪،‬‬ ‫َ ‪ ،‬ووسل ذا‬

‫وأسل ب تهب ي متمةأ‬

‫‪606‬‬
‫خهوج الن ي ﷺ بأصحابه إىل محها األسد وأ ه ذلب عغ املسلم واملرشك‬

‫أخذ الهس ل ﷺ هذا املنها‪ ،‬وط قه م ارشد عغ املسلم ‪ ،‬بل عمييل عمي ً‬
‫‪ :‬يف منتهييى الهقييي‪،‬‬

‫فقد خهج باملسلم للبهاد يف س ةل اهلل يف الة م ال ا م ارشد من وييأود أحييد بييام فييةه ميين‬

‫جهام ووالم‪ ،‬س ا كااا والم ًا جسدرخ أو افسةخ‬

‫للبهاد يف س ةل اهلل‪ ،‬وملتابعخ قهرش وم ا دهتا‪ ،‬منتهى التحمةس والتحفةييأ للعمييل‬ ‫خهج‬

‫هلل إىل وخه حلظخ‪ ،‬وقال بعض املسلم ِمن مل رشا ه يف أحدو (را س ل اهلل اأهج معب‪ ،‬قالو‬

‫ال‪ ،‬ال يهج معنا إال من ءهد القتال)‪ ،‬فالناس الذرن قاتل ا يف ُأحد ه الذرن يهج ن‪ ،‬وكأاييه‬

‫رق ل َ و أاا وا ق فةك ‪ ،‬وأعل أن هذه ول خ عابهد ولن تتكه ‪ ،‬بل هي هف د ميين عظييام وال‬

‫رمكن َا أبد ًا أن تتكه ‪ ،‬فةا َا من قخ كاملخ يف اْلةش املسل م ما به من جهامل وخييهج ميين‬

‫بقي من املسلم ‪ ،‬خهج من ا وخهج من فه وعلي أن اهلل قييد وفييه لييه‪ ،‬خهجي ا مجةعي ًا إىل‬

‫من قخ تسمىو محها األسد‪ ،‬وهي ت عد ح ايل ‪ 8‬أمةال من املدرنخ املني د‪ ،‬وعسييكهوا هنيياه يف‬

‫ااتظا اْلةش الكافه‪ ،‬وبد وا رست لع ن األخ ا ‪ ،‬فعلم ا أن اْلةش الكافه م جي د عييغ بعييد‬

‫‪ 36‬مة ً‬
‫‪ :‬من املدرنخ املن د عند من قخ اسمهاو الهوحا ‪ ،‬وقد كان اْلييةش الكييافه وقييف وقفييخ‬

‫هناه‪ ،‬وقالو احن مل انترص إال ااتصا ًا جأئة ًا‪ ،‬فالهس ل ﷺ وأب بكه وعمييه كلهي عييغ قةييد‬

‫مييهد أخييهى‪،‬‬ ‫احلةاد‪ ،‬وجةشه يف املدرنخ املن د ما زال م ج د ًا‪ ،‬فمن املمكن أن اهج واحا‬

‫اُأو املدرنخ املن د‪ ،‬واستأصل ءأفخ املسلم وه يف حالخ ضعفه‬

‫كان الكفا رفكهون يف ذلب‪ ،‬والهس ل ﷺ رفكه أرض ًا يف م ا دهت ‪ ،‬لكيين الهسي ل ﷺ كييان‬

‫واقعة ًا‪ ،‬فقد أخذ املسلم معه‪ ،‬لكنه يف حالخ من الضييعف والتعييب واْلييهام واآلالم‪ ،‬فهي‬

‫رعل أن امل قعخ ستك ن صع خ‪ ،‬ورهرد أن رهف من معن راهت ‪ ،‬لكيين ال رهرييد أن رضييةعه ‪ ،‬وال‬

‫رهرد أن هيلكه يف م قعخ قد تك ن خارسد؛ لذلب حاول ﷺ أن يذل صف املرشك ورهه ه‪،‬‬
‫‪607‬‬
‫فلقي ءأص ًا اسمهو مع د بن أيب مع د اخلأاعي وبع ييه بهسييالخ إىل أيب سييفةان‪ ،‬فقييد كييان أبي‬

‫سفةان رهرد أن رهج إىل املدرنخ املن د لةُأوهييا‪ ،‬وكييان صييف ان بيين أمةييخ وبعييض املرشييك‬

‫معا ض له‪ ،‬وبةنام ه يف هذا احل ا إذ دخل علةه مع د بن أيب مع د‬

‫فقال َ و حممد قد خهج لك يف أصحابه ر لي ك يف مجي مل أ م لييه قييط‪ ،‬رتحهكي ن علييةك‬

‫حتهك ًا‪ ،‬وقد اجتم معه من كان قد ختلف عنه يف ر مك ‪ ،‬واييدم ا عييغ مييا ضييةع ا‪ ،‬فييةه ميين‬

‫احلنق علةك يش مل أ م له قط‬

‫فأاف أب سفةان وقالو وَب ما تق ل؟ قال مع دو واهلل ما أ ى أن تهحتل حتى تييهى اي ايص‬

‫اخلةل‪ ،‬فقال أب سفةانو واهلل لقد أمجعنا الكهد علةه لنستأصله‬

‫قال مع دو ال تفعل إ ااصح‪ ،‬وهكذا ُأح ط أب سفةان وانا ل معن رال اْلةش املكييي كلييه‪،‬‬

‫وهذا رنكييد أني رييأمل ن كييام رييأمل املسييلم نو {إِ ْن َت ُك ُاي ا َتي ْأ ُملَ َن َفيإِ هنُ ْ َري ْأ ُملَ َن َكي َام َتي ْأ ُملَ َن}‬

‫[النسا و‪ ،]104‬فل ركن ااتصا ًا م هه ًا حقق ه يف أحد‪ ،‬بييل وقفي ا خييائف مي أني ‪3000‬‬

‫ءأص‪ ،‬وكان املسلم ن كله ‪ 700‬ءأص استشهد ميينه ‪ ،70‬باالضييافخ إىل أني ضييعفا‬

‫أب سفةان أن رتحهه‪ ،‬بل إاه بعث ءأص ًا لكييي ييذل اْلييةش‬ ‫وجهحى‪ ،‬وم ذلب مل رست‬

‫كب من ع ييد القييةس إىل سي ل اهلل ﷺ َيياول أن يذلييه قييد‬ ‫االس‪:‬مي‪ ،‬أ سل سالخ م‬

‫املست ا‬

‫قال َ و أبلُ ا حممد ًا أاا قد أمجعنا الكهد لنستأصله واستأصل أصحابه‬

‫ف صلا الهسالخ إىل س ل اهلل ﷺ‪ ،‬وأأل الصحابخ مجةع ًا عغ القتال‪ ،‬مي أن املسييلم ‪630‬‬

‫عغ أقىص تقدره‪ ،‬واملرشك ‪ ،3000‬وهكذا خهج املسلم ن من أزمته النفسةخ متام ًا‪ ،‬وقههوا‬

‫‪608‬‬
‫االاكسا الذي كاا ا فةه‪ ،‬وحت ل ا إىل ءبعان وأب ال ماهدرن يف س ةل اهلل ر ل ن امل ل من‬

‫جدرد‪ ،‬ال يالف ن أمه اهلل وال أمه س له ﷺ‬

‫وملا عهف املرشك ن ذلب جع ا بسعخ إىل مكخ‪ ،‬وأاأل اهلل عأ وجل يف ذلب قهوا ًا‪ ،‬قال اهلل عأ‬

‫اله ُس ِل ِم ْن َب ْعي ِد َميا َأ َصيا َ ُ ُ ا ْل َقي ْه ُم} [ول عمييهانو‪ ،]172‬أيو‬ ‫ِ‬
‫وجلو {ا هلذر َن ْ‬
‫است ََبا ُب ا هللهِ َو ه‬
‫استباب ا لدع د الهس ل للأهوج إىل محها األسد {لِ هل ِذر َن َأ ْح َسنُ ا ِمن ُْه ْ َوا هت َق ْ ا َأ ْجه َعظِية ل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخ َش ْ ُه ْ َف َأا َد ُه ْ إِ َراماًا َو َقا ُل ا َح ْسي ُنَا اهللهُ َوا ْعي َ‬
‫مج ُع ا َل ُك ْ َف ْ‬ ‫هاس َقدْ َ َ‬‫هاس إِ هن الن َ‬ ‫ا هلذر َن َق َال ََ ُ ُ الن ُ‬
‫ان اهللهِ َواهللهُ ُذو َف ْضي الل‬‫ا ْل َ ِك ُةل ل َفا ْا َق َل ُ ا بِنِ ْع َم الخ ِم َن اهللهِ َو َف ْض الل َمل ْ َر ْم َس ْس ُه ْ ُسي َوا هت َ ُعي ا ِ ْضي َ َ‬

‫ختيا ُف ُه ْ َو َخيا ُف ِن إِ ْن كُنْي ُت ْ ُمي ْن ِمنِ َ { [ول‬ ‫ف َأ ْولِ َةيا َ ُه َفي‪َ َ :‬‬‫يي ِّ ُ‬ ‫َعظِة ال ل إِا َهام َذلِ ُكي ُ ه‬
‫الشي ْة َ ُ‬
‫ان ُ َ‬

‫عمهانو‪]175-172‬‬

‫وبعد أن ههبا قهرش‪ ،‬أقام الهس ل ﷺ يف محها األسد ‪ :‬خ أرام كاملييخ‪ ،‬وكأاييه هي اْلييةش‬

‫املنترص رتحدى قهرش بال قا فةها‪ ،‬وم ذلب مل تأل قهرش‬

‫كااا هذه مصة خ عابهد يف تا رخ املسلم خهج ا منها رسرع ًا؛ ألن املنها الهبا ال ع ج فةييه‬
‫َنأرل ِمن ح ِكة ال َمحِ ال‬
‫ةد{ [فصلاو‪ ،]42‬س حااه‬ ‫وال خ أ‪ ،‬املنها الهبا كام قال اهلل عأ وجلو }ت ِ‬
‫ْ َ‬
‫وتعاىل‬

‫‪609‬‬
610
‫‪26‬‬

‫الطريق إىل األحزاب‬


‫(عقبات أحد)‬

‫قريش قبل أن تغادر أرض أحد كانت قد أعلنت للمسلللمأ أ للا عللد د للتالددد للتثقللة للر ان ل‬

‫ودختارت بنفسها دملكان دلذي تم ف ه دللقاء دلثالث ب نها وبأ دملسلمأ ودختارت وقع بدر لل د‬

‫وقبل دلر للو‬ ‫بذلك هزيم بدر؛ ول فع ن جديد ن ق م قريش وه بتها يف و ط دجلزير دلالرب‬

‫ﷺ هذد دأل ر وقا ‪ ( :‬وعدكم يف قابل) أي‪ :‬يف دلالام دلقادم يف نفس دملكان‪.‬‬

‫كان دللقاء دألو بأ دملسلمأ وبأ دلكفار يف بدر يف ر ضان ن ‪2‬هل ودللقاء دلثللاك كللان يف للود‬

‫ن ‪4‬هل وودفللا دلفرفللان عللد لللك‬ ‫ن ‪3‬هل ودللقاء دلثالث نتظر و ف ض أن يكون يف ود‬

‫وعاد دلر و ﷺ ن وقال محردء دأل د إىل دملدين ؛ ل ال د حساباته ن جديللد وعللد دلللر م للن أن‬

‫إال أنلله ال للك أن وقالل أحللد هللزت‬ ‫زو محردء دأل د أعادت ئ ًا ن دهل ب إىل دأل دإل ث‬

‫يف دجلزير دلالرب بكا لها وقد رأينا بالد زو بدر دنتشار ًد إ للث ًا كبلليف ًد يف‬ ‫مال دلدول دإل ث‬

‫بل فر عسكري عد ناطا بال د جد ًد عن دملدين دملنور ورأينا رضوخ كثيف للن‬ ‫دجلزير دلالرب‬

‫دلقبائل دلالرب ‪-‬عد دلر م أ ا ا زدلت عد إرشدكها‪ -‬لس فر دملسلمأ دلالسللكريأ؛ ألن وقللع بللدر‬

‫عد قلوب دلناس كان كبيف ًد فال ً‬


‫ث فقريش ن أعظم دلقبائل دلالرب دلتة هز ت عد يد هذه دملجموع‬

‫‪611‬‬
‫دلنا ئ وال ك أن يف لك قو ات قو وظهور ال يتخ لها عموم دلقبائل دلالرب يف لللك دلوقللت؛‬

‫ولذلك كانت دلسن دلتة تلت بدر ًد هلا وضع ممتاز جد ًد بالنسب للمسلمأ‪.‬‬

‫دلتللة‬ ‫وعد دلنق ض متا ًا دلفل‬ ‫ال د ن ف دت إنشاء دلدول دإل ث‬ ‫وعاش دملسلمون ف ها ف‬

‫صالب جد ًد ن أ د ف دت دلسيف دلنبوي صالوب ‪ .‬قد ررنا بفل دت كثلليف‬ ‫تلت زو أحد كانت ف‬

‫دلتة أعقبت للزو أحللد بللدأت كللل‬ ‫هلا طابع خاص لكن دلف‬ ‫وصالب يف دلسيف دلنبوي وكل ف‬

‫دلقبائل دلالرب دملح ف باملدين دملنور و يفها ن أعددء دأل ت بص دلدودئر باأل دإل ث ؛ أل للا‬

‫صاب إصاب فادح فسبالون ن دلشهددء وفردر دجل ش دإل ث ة ن أرض وقالل أحللد كللان للله‬

‫ودقع ئ عد نفوس دملسلمأ و مالتهم فمع أ م قا ود ن جديد يف محردء دأل د لكن هذد دأل للر‬

‫مل يرد دلكثيف ن دلسوء دلذي أصاب دلسمال دإل ث ‪ .‬تالالود لنحلللل دملوقللد بالللد للزو أحللد؛ إن‬

‫دآلن حوديل أربع طودئد‪:‬‬ ‫أعددء دأل دإل ث‬

‫دلفائف دألوىل دلكبيف ‪ :‬هة قريش وقد هدأت بانتصارها يف أحد وقبلت لك دالنتصار تالويض ًا عن‬

‫بدر وال يزد أ ا ها ن قاد للحرب ع دملسلمأ باإلضللاف إىل أ للا للا زدلللت تل بص دلللدودئر‬

‫للن‬ ‫باملسلمأ؛ ألن دملسلمأ ا زدلود يس فرون عد دلفرق دلتة متر نها دلقودفللل دلتجاريل دلقر ل‬

‫ك إىل دلشام فث بد لقريش أن تنهة أ ر دملسلمأ كذلك مل تكن قتنال متللام دالقتنللاا أ للا أدت للا‬

‫جيب أن تؤديه؛ ألن دلر و ﷺ ا زد ح ًا وأبو بكر ا زد ح ًا وعمر ا زد ح ًا وهؤالء هم دلذين‬

‫أ عنهم أبو ف ان وهم ياللمون أن دلدين دإل ث ة نفسه عنده دإل كان ل لتغ لليف دألفللردد تغ لليف ًد‬

‫جذري ًا ورأود جمموع كبيف ن دلصحاب كانود أنا ًا عاديأ قبل دإل ثم وبالللد دإل للثم أصللبحود‬

‫دملبهللر أيللام ر للو دهلل ﷺ فهللم‬ ‫ن دلقاد ودملفكرين ودملفاوضأ و يف لك ن دلر وز دإل للث‬

‫خيافون ن كون هؤالء دلقاد ا زدلود أح اء و الهم هذد دملنهج دلالظ م‪ :‬دإل ثم فإ م وف يقلبون‬

‫‪612‬‬
‫يف‬ ‫حا دجلزير دلالرب متا ًا وال ك أن قريش ًا لن تكون يف حا هانئ بوجود ثل هذه دلقو دملتنا‬

‫دملدين دملنور ‪ .‬قريش هدأت ولكن هدوء ًد نسب ًا وال ك أ ا تقوم بالد لك‪.‬‬

‫ن دألعددء‪ :‬دملنافقون يف ددخل دملدين دملنور وكام كرنا قبل لك أنه بالد ص ب أحللد‬ ‫دلفائف دلثان‬

‫نجم دلنفاق يف دملدين دملنور و للن كللان خيفللة ل ئ ًا يف قلبلله أظهللره فالللذين كللانود يبفنللون دلكفللر‬

‫ويظهرون دإل ثم بدءود جياهرون بالالددء لإل ثم وكللان عللد رأس هللؤالء عبللد دهلل بللن أ دبللن‬

‫وهم كثيف يف ددخل دملدين دملنور ويكفة أن نذكر أن ‪ %30‬ن دجل ش دإل ث ة يف وقالل‬ ‫لو‬

‫أحد دنسحب وعاد إىل دملدين دملنور فكان هؤالء ن أ د دلسهام دملوجه إىل صدر دأل دإل للث‬

‫بالد عود دجل ش دإل ث ة هزو ًا يف أحد‪.‬‬

‫دلفائف دلثالث ‪ :‬طائف تال ش ددخل دملدين دملنور وهة طائف دل هود رأينللا قبللل لللك أن بنللة ق نقللاا‬

‫خرجود ن دملدين دملنور وبقة ف ها بنو دلنضيف وبنو قريظ وهللؤالء وإن كللانود عللد دلالهللد إال أن‬

‫دل هود شهورون بالغدر ودلر و ﷺ ع أنه كان الاهد ًد هلم إال أنه كان يتالا ل الهم ددئ ًام باحلللذر‬

‫دلتام وال ننسى أن أقل ن ن كان كالب بن دألرشف يؤلللب دلقبائللل دلالرب ل عللد دملسلللمأ وتللم‬

‫د ت ا كالب بن دألرشف د بنة دلنضيف وال ك أن بنة دلنضيف قد تنللتقم للللكالب بللن دألرشف‬

‫وقد تنتهز فرص إصاب دملسلمأ يف أحد و تقوم بالغدر أو بنقض دلالهد ودمل ثاق ع دملسلمأ‪.‬‬

‫دلفائف دلردبال ‪ :‬طائف دألعردب وهة دلقبائل دلتة تال ش يف دلبادي حو دملدين دملنور وهللة قبائللل‬

‫كثيف وقوي تال ش عد دلسلب ودلنهب وق ام دول دلر و ﷺ يف ددخل دملدين دملنور يمنع دلكثلليف‬

‫دلتة كانت تقوم هبا هذه دلقبائل وبالتايل حير ها ن رودت كثيف ‪.‬‬ ‫ن دألعام دإلجرد‬

‫فث ك أن كل هذه دلفودئد بالد صاب أحد تفكر كثيف ًد يف هدم هللذد دلك للان دجلديللد دلنا للئ يف‬

‫دملدين دملنور وهذد دلذي حصل‪.‬‬

‫‪613‬‬
‫دألز ات دلتة ر هبا دملسلمون بالد زو أحد‬

‫يف دلشهور دلست دألوىل بالد زو أحد ر دملسلمون بخمس أز ات خفلليف جللد ًد كلللام خرجللود للن‬

‫أز دخلود يف أخرى وهذد تصديا لكثم رب دلالاملأ بحانه وتالاىل يف قوله‪{ :‬وت ْلك دأل َّيام نددوهلا‬

‫ب ْأ دلنَّاس} [آ عمردن‪ ]140:‬فالدول كانت للمسلمأ بالد بللدر وأصللبحت لغلليف دملسلللمأ بالللد‬

‫أحد‪.‬‬

‫دعو بنة أ د حلرب دملسلمأ‬

‫للع دجل للوش‬ ‫دألز دألوىل‪ :‬دعو بنة أ د حلرب دملسلمأ كان ف هم طل ح بن خويلد دأل للدي‬

‫لللم ملحاولل‬ ‫وبدأ يفكر يف زو دملدين دملنور وعلم دلر و ﷺ بذلك فبالث بسللرع رسيل أ‬

‫لم يف ‪ 1‬حمرم ن ‪4‬هللل‬ ‫تفت ت هذه دلقوى قبل أن تتجمع وهتاجم دملدين دملنور ‪ .‬خرجت رسي أ‬

‫أي‪ :‬بالد حوديل هرين ونصد هر تقريب ًا ن زو أحد ود تفاعت هذه دلرسي أن تشللتت للمل‬

‫بنة أ د وبالفالل تفرقود يف دجلبا ومل يتم دلغزو لكن ظهرت نوديا دملؤد ر ن قبل دلقبائللل دملح فل‬

‫باملدين دملنور ‪.‬‬

‫جتمع قبائل هذ ْيل حلرب دملسلمأ‬

‫دلثان ‪ :‬يف نفس دلوقت دلذي جاء ف ه خرب جتمع بنة أ د للهجوم عد دملدين دملنللور جتمالللت بالللض‬

‫دلقبائل دألخرى بق اد رجل د مه خالد بن ف ان دهلذيل لغزو دملدين دملنور أيضل ًا وهللو للن أعظللم‬

‫ع قبائل هللذيل كلهللا‬ ‫ث ضخ ًام وله قدردت ق ادي هائل‬


‫وأكرب وأرشس دملقاتلأ دلالرب كان رج ً‬

‫وهة بفون كثيف جد ًد‪ .‬عند ا وصل دخلرب إىل دلر و ﷺ دهتم جد ًد باأل ر وأر للل إىل عبللد دهلل بللن‬

‫أن س ريض دهلل عنه و كر له قص خالد بن ف ان دهلذيل وطلب نه أن يذهب إل ه ويقتله؛ ألنلله هللو‬

‫دلرأس دملدبر ولو قتل فإنه ن دلصالب أن تتجمع هذه دلقبائل وبالتايل يتجنللب دلر للو ﷺ أ للا‬

‫‪614‬‬
‫كربى قد تتالرض هلا دملدين دملنور وظهرت هناك شكل وهة أن عبد دهلل بن أنل س مل يللر للن قبللل‬

‫خالد بن ف ان دهلذيل وال يالرفه فقا ‪( :‬يا ر و دهلل دنالته حتى أعرفه) فأعفاه دلر و ﷺ عث ل‬

‫ريب قا ‪( :‬إ د رأيته وجدت له قشالرير ) يالنة‪ :‬حأ تللرده تصللاب بالرعللب فقللا عبللد دهلل بللن‬

‫أن س‪( :‬يا ر و دهلل ا فرقت ن يشء قط) أي‪ :‬ا خفت ن يشء أبد ًد فقا للله ﷺ‪( :‬بللد آيل للا‬

‫ب نة وب نه أن جتد له قشالرير إ د رأيته)‪.‬‬

‫هب عبد دهلل بن أن س ودخل دملنفق دلتة ف ها قبائل هذيل و ن بال د رأى خالد بللن للف ان دهلللذيل‬

‫يقو عبد دهلل بن أن س‪( :‬فلام رأيته هبته وفرقت نه فقلت‪ :‬صدق دهلل ور للوله)‪ .‬أخللذ عبللد دهلل بللن‬

‫أن س يفكر ك د يمكن أن يغتا هذد دلرجل دلضخم فقرر أن يذهب إل ه ل حتا عل ه بح ل وكللان‬

‫لك بالد وقت دخو صث دلظهر وخيش أن يفوته وقت صث دلظهر ولكنلله إ د صللد دلظهللر قللد‬

‫يرده ف كتشد أ ره؛ لذلك دجتهد عبللد دهلل بللن أنل س دجتهللاد ًد ريبل ًا وبالللد لللك أقللر دل للا هللذد‬

‫دلركللوا‬ ‫دالجتهاد وهو أن يصيل وهو يسيف إل لله قللا ‪( :‬فصللل ت وأنللا أ يشل نحللوه أو للئ بللرأ‬

‫للبحان دهللو وأصللبحت هللذه دلصللث‬ ‫ودلسجود) أي‪ :‬يشيف برأ ه للركوا ودلسجود وهو يمشللة‬

‫ث للقتل ودلذي ي ْفلب للقتل‪.‬‬


‫الروف يف دلفقه بصث دلفالب وصث دملفلوب أي‪ :‬دلذي يفلب رج ً‬

‫قا ‪( :‬فلام دنته ت إل ه قا ‪ :‬ن دلرجل؟ ‪ -‬أي‪ :‬خالد يسأ عبللد دهلل بللن أنل س ‪ -‬قلللت‪ :‬رجللل للن‬

‫دلالرب مع بك وبجمالك هلذد دلرجل فجاءك هلذد قا ‪ :‬أجل أنا يف لك قا عبللد دهلل‪ :‬فمشل ت‬

‫اله ئ ًا حتى إ د أ كننة محلت عل ه بالس د حتى قتلته م خرجت وتركتلله وعللدت إىل دلر للو‬

‫ﷺ فلام رآك قا قبل أن أتكلم‪ :‬أفلح دلوجه قلت‪ :‬قتلته يا ر و دهللو قا ‪ :‬صدقت للم قللام الللة‬

‫ﷺ فدخل ب ته فأعفاك عصاه فقا ‪ :‬أ سك هذه عندك يا عبد دهلل بن أن س‪ .‬قا ‪ :‬فخرجت هبا عللد‬

‫دلناس فقالود‪ :‬ا هذه دلالصا قا ‪ :‬قلت‪ :‬أعفان هللا ر للو دهلل ﷺ وأ للرك أن أ سللكها قللالود‪ :‬أوال‬

‫ترجع إىل ر و دهلل ﷺ فتسأله عن لك؟ فقا ‪ :‬فرجالت إل ه ﷺ فقلللت‪ :‬يللا ر للو دهلل مل أعف تنللة‬

‫‪615‬‬
‫هذه دلالصا؟ قا ‪ :‬آي ب نة وب نك يوم دلق ا ) أي‪ :‬تكون هللذه دلالصللا حجل للله عنللد رب دلالللاملأ‬

‫بحانه وتالاىل وهو أن دلر و ﷺ كافأك يو ًا عد عمل عظ م قمت به لصللالح دأل ل دإل للث‬

‫وملا ات عبد دهلل بن أن س ريض دهلل عنه وأرضاه أ ر أن تدفن اله هذه دلالصا وبالفالل وضالت اللله‬

‫يف كفنه ريض دهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫حصل للمسلمأ أز تان‪ :‬أز بنة أ للد وأز ل هللذيل وخللرن دملسلللمون بفضللل دهلل للن هللاتأ‬

‫دألز تأ بسثم‪.‬‬

‫أز بالث دلرج ع‬

‫دألز دلثالث ‪ :‬كانت أز تالرف يف دلتاريخ ببالث اء دلرج ع كانت يف هر صفر ن دلسللن دلردبالل‬

‫هور جاءت قب ل عضل وقب ل ق َّار ومهللا قب لتللان للن دلقبائللل‬ ‫ن دهلجر يالنة‪ :‬بالد أحد بأربال‬

‫و كرد أن ف هام إ ث ًا أي‪ :‬هناك بوددر إ ثم لكنهام ال يالرفان ئ ًا عنلله ففلبللا بالثل ًا للن‬ ‫دلالرب‬

‫ن دلصحاب وأ ر عل هم‬ ‫دلصحاب يذهب إل هام ل اللمهام دإل ثم ودلقرآن‪ .‬دختار دلر و ﷺ ع‬

‫عاصم بن ابت ريض دهلل عنه وأرضاه و هبت هذه دملجموع لتالل م هللؤالء دإل للثم ويف دلفريللا‬

‫درت هبم قب لتا عضل وقار ود ترصخا عل هم ح ًا للن هللذيل فهللذيل للا زدلللت تللوتر لقتللل‬

‫وطلبللود للنهم‬ ‫قائدهم خالد بن ف ان دهلذيل فلام حصل هذد دال تنفار جتمالود حو هؤالء دلال‬

‫دلنزو عد دلالهد ودمل ثاق وقالود‪ :‬إ د نزلتم عد دلالهد ودمل ثاق ال نقتل نكم أحد ًد فرفض عاصم بن‬

‫ك) وقاتل يف أصحابه هذد دلقتا أ للفر عللن قتللل‬ ‫ابت ريض دهلل عنه وقا ‪( :‬ال أنز عد عهد‬

‫نهم فنزلود عد دلالهد هؤالء دلثث ‪ :‬هم خب ب بن عدي وزيد بللن‬ ‫بال ن دملسلمأ وبقة ث‬

‫دلد نَّ وودحد الث مل يالرف دلرود د مه فلام أ سكود بالثث أخذود يكتفو م فقللا دلثالللث‪ :‬هللذد‬

‫أو دلغدر فبدأ يقاوم فقتلوه وبقة دال نان وملا وصلود هبام إىل بثدهم باعومها ألهل ك فا ل ى‬

‫بن خلد دلذي قتل يف بدر وأ ا خب ب بللن عللدي فقللد‬ ‫زيد بن دلد ن وقتله بأب ه أ‬ ‫صفودن بن أ‬
‫‪616‬‬
‫ال ًا يتجمالون لقتله وخرجود به إىل دلتنالل م حتللى ال يقتلللوه يف دلبلللد دحلللردم‬ ‫ته ك وأخذود‬ ‫د‬

‫وأ الود عد صلبه ل قتل فقا ريض دهلل عنه وأرضاه‪( :‬دعوك حتى أركللع ركالتللأ) ف كللوه فصللد‬

‫ركالتأ خف فتأ وملا لم قا ‪( :‬ودهلل لوال أن تقولود‪ :‬إن ا جزا لزدت يف دلركالتأ) م رفع يده‬

‫وقا ‪( :‬دللهم أحصهم عدد ًد ودقتلهم بدد ًد وال تغادر نهم أحد ًد) م بدأ ينشد جمموع ن دألب للات‬

‫قا ‪:‬‬

‫عد أي ا كان يف دهلل رصعة‬ ‫ولست أبايل حأ أقتل سل ًام‬

‫اددم يف ب ل دهلل فهذه أ ن تة م قا له أبو للف ان قبللل أن يقتللل‪:‬‬ ‫أي‪ :‬يف أي كان وبأي طريق‬

‫(أيرسك أن حممد ًد عندنا نرضب عنقه وأنك يف أهلللك؟) قللا ‪( :‬ال ودهلل للا يسللرك أك يف أهلليل وأن‬

‫ال ًا يفتللدون ر للو دهلل‬ ‫بحان دهلل كان دلصحاب‬ ‫حممد ًد يف كانه دلذي هو ف ه تص به وكه تؤ يه)‬

‫ﷺ بأرودحهم وكان هذد دلكثم خيرن ن قلبه ريض دهلل عنه وأرضاه للم قللدم للقتللل فقتللل صللابر ًد‬

‫حمتسب ًا قب ً‬
‫ث ريض دهلل عنه وأرضاه ومل يقر بكلم ودحد ن دلذي يريدون‪.‬‬

‫أ ا قائد هذه دملجموع عاصم بن ابت ريض دهلل عنه وأرضاه كانت هناك د للرأ للن بنللة عبللد دلللددر‬

‫د مها ثف بنت الد أقسمت أ ا إن أ سكت بل عاصم بن ابت لت بن دخلمللر يف قحللد رأ لله؛‬

‫ك يف قتل بالض ن بن ها هذد دملرأ ات زوجها وأربال ن أوالدها يف وقالل أحللد وهللم‬ ‫ألنه د‬

‫ن بنة عبد دلددر و مع جمموع ن بنة حل ان بمقتل عاصم بللن ابللت فللذهبود برسللع ل أخللذوه‬

‫ويذهبود به إىل ثف بنت الد فلام هبود إل ه وجدود جمموع كبيف ن دلد ْبر ‪ -‬كور دلنحل‪ -‬تغفة‬

‫عاصم بن ابت ريض دهلل عنه فام د تفاعود أن يق بود نه فابتالدود عنلله وبالل للل جللاءود ل أخللذوه‬

‫ً‬
‫ث ن دلس و ‪-‬يقو دلردوي‪ :‬ول س يف دلسامء حاب ودحد ‪ -‬قد دحتمل عاصللم بللن‬ ‫فوجدود أن‬

‫ابت إىل ح ث ال ياللمون ودختفت دجلث ؛ و لك ألن عاص ًام ريض دهلل عنه كان يف ح اته بالد أن أ لللم‬

‫ك ًا ويف قتاله يوم دلرج ع قا ‪ :‬دللهم إك قللد مح للت دينللك أو دلنهللار فللاحم‬ ‫يقسم أنه ال يمس‬
‫‪617‬‬
‫حلمة يف آخره فحمى دهلل حلمه وهو ت‪ .‬ملا كانت هذه دلقص حتكى أ ام عمر بن دخلفللاب ريض دهلل‬

‫عنه يقو ‪( :‬حيفظ دهلل عز وجل دلالبد دملؤ ن بالد وفاته كام حيفظه يف ح اته)‪.‬‬

‫هذه قص اء دلرج ع وكانت أ ا حق ق للمسلمأ ع ل للن خ للار دلصللحاب للاتود يف وقللت‬

‫ودحد‪.‬‬

‫إىل اء دلرج ع حصلت قص ان يف وقت تزد ن قبللل‬ ‫يف نفس دلوقت دلذي خرن ف ه هؤالء دلال‬

‫حصلت قص ان خفيف جد ًد‪.‬‬ ‫أن يصل خرب قتل هؤالء دلال‬

‫أز بالث بئر الون‬

‫جاء عا ر بن الك أحد زعامء بنة عا ر؛ ل قدم هدي إىل ر و دهلل ﷺ فالل لك نوع ًا ن دلتقللارب‬

‫بأ دلقبائل ول س طمال ًا يف دإل ثم فالر و ﷺ قا ‪( :‬أ لمت؟) قللا ‪( :‬ال) قللا ‪( :‬فللإك ال أقبللل‬

‫ك) قا ‪( :‬فإن دلقوم ير بون يف دإل ثم فابالث النا ن ياللمهم دإل ثم) فقللا ﷺ‪:‬‬ ‫هدي ن‬

‫(إك أخاف عل هم أهل نجد) فقا عا ر‪( :‬فإك جار هلم) أي‪ :‬إك أجيفهم ن بنة عا ر وبنللو عللا ر‬

‫هم الظم أهل نجد فودفا دلر و ﷺ وألن قب ل بنة عللا ر كانللت قب لل كبلليف وأهللل نجللد هللم‬

‫جمموعات هائل ن دلقبائل دختار دلر و ﷺ جمموع كبيف ن دلصللحاب يالرفللون بللالقردء كلهللم‬

‫كانود يقرءون دلقرآن ويتددر ونه ل ل ار كانود ن خ ار دلصحاب ريض دهلل عنه وأرضاهم أ الللأ‬

‫وكان تالدددهم بالأ صحاب ًا وأ ر عل هم دملنذر بن عمرو دخلزرجللة ريض دهلل عنلله وكللان هللؤالء‬

‫دلسبالون الظمهم للن دألنصللار وأخللرجهم ﷺ ل قو للود بللدعو هللذه دلقبائللل دلكبلليف لإل للثم‬

‫وخرجود يف جودر عا ر بن الك زع م بنة عا ر‪.‬‬

‫يف دلفريا وبالد أن وصلود إىل نفق تالرف با م بئر الون عسكرود ف ها وهة بئللر بللأ بنللة عللا ر‬

‫وبأ بنة ل م فنزلود هناك وبالثود أحد دلصحاب وهو حردم بن لحان بر ال إىل عا ر بللن دلفف للل‬

‫‪618‬‬
‫ث رشير ًد آ ًام ادر ًد وب نه وبأ دلر للو ﷺ قصل‬
‫دبن أخة عا ر بن الك وكان عا ر بن دلفف ل رج ً‬

‫قديم ‪ .‬كان قد جاء إىل دلر و ﷺ وعرض عل ه أ ر ًد قا ‪( :‬أخيفك بأ ثث خصا ‪ :‬أن يكون لللك‬

‫أهل دلسهل ويل أهل دملدر أو أن أكون خل فتك أو أن أ للزوك بأهللل ففللان) أي‪ :‬هيللدده فللرفض‬

‫ال ًا وردها‪.‬‬ ‫دلر و ﷺ كل هذه دملفالب‬

‫فلام بالث دلصحاب حردم بن لحان بر ال يدعونه ف ها إىل دإل ثم أ ار دلغادر عا ر بن دلفف للل إىل‬

‫أحد رجاله ‪ -‬ع أن دلر ل ال تقتل‪ -‬أن يفالنه ن ظهره فجاء دلرجل بحرب كبيف وطالنه للن خلفلله‬

‫فأنفذها حتى خرجت ن صدره ريض دهلل عنه وملا دخ ق دلر ح ظهر حردم بن لحللان وخللرن للن‬

‫صدره وأدرك أنه ت ‪-‬أخذ دلدم دلذي يتفجر ن جسده ب ديه وبدأ يمسح به وجهه ورأ ه ويقو ‪:‬‬

‫)فزت ورب دلكالب فزت ورب دلكالب (‪ .‬بحان دهللو خت ل يف هذد دملوقد اب ًا ثل حردم بن لحللان‬

‫ريض دهلل عنه وأرضاه يفالن هذد دلفالن وكل دلذي يفكر ف ه هذد دلوقت أنلله للات يف للب ل دهلل عللز‬

‫وجل ه د ًد فقا ‪ :‬فزت ورب دلكالب ‪.‬‬

‫إنه ملنظر بديع نظر يالرب عن صدق دلنوديا يف دلقلب يالرب عن دلثبات إىل آخر دللحظات حتى يف أ د‬

‫دملودقد صالوب كثيف ن دلناس هتتز عند حلظات دملوت لكن {يث ِّبت دهللَّ د َّلذين آ نود بلا ْلق ْو دل َّثابلت‬

‫دحل ا دلدُّ ْن ا ويف دآلخر ويض ُّل دهللَّ دل َّظاملأ وي ْفالل دهللَّ ا يشاء} [إبرده م‪.]27:‬‬
‫يف ْ‬

‫أدهش دملوقد كل دحلضور حتى إن جبار بن لمى دلذي طالن حردم بن لحان يف ظهره حأ مع‬

‫لك قا ‪ :‬فقلت يف نفيس‪ ( :‬ا فاز؟ ا فاز؟ ألست قد قتلت دلرجل؟) فقا له دلناس حوللله‪( :‬يقللو‬

‫دملسلمون‪ :‬إن هذه هاد ) فسأ جبار بن لمى عن لللك حتللى عللرف أ للر دلشللهاد يف دإل للثم‬

‫و هب إىل دملدين دملنور يسأ عن لك وكان لللك للبب ًا يف إ للث ه ريض دهلل عنلله وأرضللاه‪ .‬هللذد‬

‫ؤدالً‪ :‬هل دلشه د يتأمل ثل ا نحللن نتللأمل؟ يللا تللرى بالللد دلفالنل دلتللة‬ ‫دملوقد خفيف وجياللنا نسأ‬

‫دخلت يف ظهره وخرجت ن صدره يستف ع أن يفكر ويزن دأل ور ويقو كث ًا يف نتهللى دحلكمل‬
‫‪619‬‬
‫ثل هذد دلذي قاله؟ يرد عل نا دلر و ﷺ ويقو يف دحلديث‪ ( :‬ا جيد دلشه د ن س دلقتللل إال كللام‬

‫أو يفها ن دحل دت هذه دلقرص دلتة‬ ‫أو نا و‬ ‫جيد أحدكم ن س دلقرص ) ملا تقرصك ح‬

‫تشالر هبا أنت يشالر هبا دلشه د حتى ولو كان فالون ًا أو رضوب ًا بس بد أو أطلا عل ه صللاروخ ًا ال‬

‫يشالر دلشه د إال بمثل أمل دلقرص ونحن نوقن بذلك متا ًا كام صور دحلديث ﷺ‪.‬‬

‫كان هذد أو دلغدر قتل حردم بن لحان ريض دهلل عنه م قام عدو دهلل عا ر بن دلفف ل با تنفار بنة‬

‫عا ر بن الك) فإن عللا ر‬ ‫عا ر لقتا دملسلمأ يف بئر الون فرفض بنو عا ر وقالود‪( :‬ال نخفر‬

‫بن الك كان قد أجار دملسلمأ ن بنة عا ر فقام عا ر بللن دلفف للل با للتنفار بنللة للل م فأجابتلله‬

‫بالض دلبفون ن بنة ل م‪ :‬عص ورعل و كودن وجاءت هذه دلقبائل وأحاطت باملسلمأ دلللذين‬

‫ال ًا حتى قتلود إال ودحد ًد نهم أصل ب إصللابات بالغل وظنللود أنلله‬ ‫يف بئر الون وقاتل دملسلمون‬

‫قت ل هو كالب بن زيد ريض دهلل عنه وبالد ن ودحد تقريب ًا قتللل لله د ًد ريض دهلل عنلله وأرضللاه يف‬

‫هور ن أحد ففللة‬ ‫وكل هذد بالد حوديل أربال‬ ‫يوم دخلندق‪ .‬هذه إصاب ضخم يف دأل دإل ث‬

‫ويف بئللر الونل للات للبالون أي‪ :‬ائل و سللون‬ ‫أحد ات بالون ويف اء دلرج ع ات ع‬

‫نحن نتكلم عد دأل يف بدء نشأهتا فهللذه دألرقللام‬ ‫صحاب ًا ريض دهلل عنهم وأرضاهم فقد هتم دأل‬

‫أرقام ؤ ر جد ًد يف ج ل دلصحاب ريض دهلل عنهم وهؤالء دلسبالون دلذين د تشللهدود يف بئللر الونل‬

‫ن دلقردء ودلاللامء ن دلذين ياللمون دلناس دلللدين فكانللت إصللاب‬ ‫هم جمموع ن خ ار دلصحاب‬

‫بالغ للدول دإل ث ‪.‬‬

‫دلضمري ودملنذر بللن عقبل ريض دهلل عللنهام فلللام‬ ‫صادف ع قتل هؤالء دلسبالأ رور عمرو بن أ‬

‫رأود هذه دملأ ا نزال ل ساعدد دملسلمأ يف حرهبم فأ سك هبام دمل كون وقتلود دملنذر بللن عقبل ‪ .‬أ للا‬

‫فقد أ سك به عا ر بن دلفف ل زع م هؤالء دملجر أ وأعتقه عن رقب كانت عد أ لله‬ ‫عمرو بن أ‬

‫ل خرب دلر و ﷺ بمأ ا بئر‬ ‫نذرت نذر ًد أن تالتا رقب فأخذه كأ يف م أعتقه ورجع عمرو بن أ‬

‫‪620‬‬
‫الون ويف دلفريا د تظل حتت جر وجاء رجثن ن بنة كثب ‪-‬فللرا للن فللروا بنللة عللا ر‪-‬‬

‫وهو يرى أنه قد أصاب أر أصحابه لكن بالد أن قتلهام‬ ‫فجلسا اله فلام نا ا فتك هبام عمرو بن أ‬

‫وجد الهام عهد ًد ن ر و دهلل ﷺ حيفظ هلام دأل ان ومها ن دملشلركأ فلللام قللدم إىل دملدينل دملنللور‬

‫أخرب دلر و ﷺ بأ ر بئر الون وأخربه بأ ر قتل دلرجلأ ن بنة عا ر‪.‬‬

‫بحان دهلل لقد كان آي ن آيات دلسمو دألخثقة هذه دلقص نريللد‬ ‫دنظرود إىل رد فالل دلر و ﷺ‬

‫أن نفيف هبا إىل دآلفاق؛ لنتاللم دملنهج دإل ث ة يف دلتالا ل ع دلناس قللا ﷺ‪( :‬لقللد قتلللت قت لللأ‬

‫ألدينهام) بحان دهللو خت لو دلر و ﷺ جمع دلدي هلذين دلقت لأ ع أن نبأ قتل هللذين دلقت لللأ‬

‫جاء ع خرب د تشهاد بالأ ن دلصحاب ريض دهلل عنهم وأرضاهم يف بئر الونل و للع هللذد دخلللرب‬

‫دملؤمل إال أن دلر و ﷺ يفكر يف هذين دلقت لأ دللذين قتث بغيف وجه حللا فللث بللد أن يالفللة دلديل‬

‫ألهلهام‪.‬‬

‫كان خرب بئر الون أ ا ضخم فقد كث دلر و ﷺ يقنت يف صثته ويدعو عد رعل و كللودن‬

‫هر ًد كا ً‬
‫ث ول س يف دلفجر فقط بل كان يدعو يف دلفجر ودلظهر ودلالرص ودملغللرب‬ ‫وحل ان وعص‬

‫ودلالشاء؛ أل ا كانت أز خفيف جد ًد ويف نفس دلوقت كان دملسلمون يف حالل للن دلفقللر دلشللديد‬

‫ل س الهم ا يكفة لدفع دلدي وأردد دلر و ﷺ أن يفللة بالالهللد وجيمللع دلديل فبللدأ جيمللع للن‬

‫دملسلمأ قدر دملستفاا لكن مل يكد لك فأردد أن يللذهب إىل دل هللود فقللد كللان دلالهللد دلللذي بللأ‬

‫دملسلمأ وبأ دل هود يف أو دخو دلر و ﷺ إىل دملدين دملنور يقيض بأنه إ د وقع أحد دألطردف يف‬

‫ن قضايا دلدي ومل يستفع أن يدفع دلدي عد دلفرف دآلخر أن يالاونه يف دفع هذه دلدي فلللم‬ ‫قض‬

‫يستفع دلر و ﷺ أن جيمع ن دملسلمأ فذهب إىل هيود بنللة دلنضلليف وكللان هللذد قد ل دألز ل‬

‫دخلا س ‪.‬‬

‫‪621‬‬
‫أز بنة دلنضيف‬

‫دخلا س ‪ :‬أخذ دلر و ﷺ جمموع ن دلصحاب و هب إىل بنة دلنضيف ل جمع دلدي لقتل يل عمللرو‬

‫وأخذ اله أبا بكر وعمر وطائف ن دلصحاب ريض دهلل عنهم وأرضللاهم وملللا هللب إلل هم‬ ‫بن أ‬

‫دجتمع دل هود بال د ًد عن ر و دهلل ﷺ وقالود‪( :‬أيكم يأخذ هذه دلرحى ويصللالد ف لق هللا عللد رأس‬

‫حممد ف شدخه هبا؟) وهكذد حاولود د ت ا ر و دهلل ﷺ فهللم يللرون أن دملسلللمأ يف أز ل كانللت‬

‫للبالأ‬ ‫و هددء بئر الونل‬ ‫هور بالأ ه د ًد و هددء اء دلرج ع ع‬ ‫ص ب أحد قبل أربال‬

‫للانح يف أن يقتلللود دلر للو ﷺ‬ ‫ودل هود أهل للدر وخ انل فللرأود دلفرصل‬ ‫فاملسلمون يف أز‬

‫ويتخلصود ن دول دإل ثم متا ًا فسألود‪ :‬ن دلذي يقوم بإ قاط رحى عد رأ ه؟ فقا رجل د مه‬

‫عمرو بن جحاش‪ :‬أنا فقا هلم ثم بن شكم أحد زعامء دل هللود‪( :‬ال تفاللللود فللودهلل ل ْخلربن بللام‬

‫مهمتم به) فانظر إىل أي حد كان دقتناعهم بأنه ر و دهلل قا ‪ :‬ل خللربن بللام مهمللتم بلله وإنلله لللنقض‬

‫دلالهد دلذي ب ننا وب نه لكن ح ة بن أخفب زع م بنللة دلنضلليف وأبللو دلسل د صللف ريض دهلل عنهللا‬

‫وأرضاها أرص عد قتل دلر و ﷺ‪ .‬بالفالل دجتمع دملأل عد لك وقام عمرو بللن جحللاش بحمللل‬

‫حجر كبيف وصالد فوق دلب ت ل لق ه عد دلر و ﷺ ويف هذه دأل ناء وهم يتفقون جاء جربيل عل ه‬

‫دلسثم إىل ر و دهلل ﷺ وأعلمه بام يدبرون ف ك دلر للو ﷺ دملكللان ودنتقللل بللارش إىل دملدينل‬

‫ىض ومل يقل ألصحابه ئ ًا؛ حتى ال يلفت دألنظار ودتباله أصحابه ريض دهلل عنهم‪.‬‬ ‫دملنور‬

‫ملا وصل دلر و ﷺ إىل دملدين أخرب دلصحاب بأن دل هود كانت تدبر ك د لقتله ﷺ ويف هذد نقللض‬

‫رصيح و بارش للالهد دلذي ب نهم وبأ دملسلمأ و ن للم قللرر ﷺ إجللثء بنللة دلنضلليف للن دملدينل‬

‫دملنور ‪ .‬أر ل ﷺ هلم ر ال يقو ف ها‪( :‬دخرجود ن دملدين وال تساكنوك هبا وقد أجلتكم عشلر ًد ‪-‬‬

‫أيام‪ -‬فمن وجدته بالد لك رضبت عنقه)‪.‬‬ ‫أي‪ :‬ع‬

‫‪622‬‬
‫ع قو دل هود وبأ هم و ثحهم وعتادهم وحصو م وقع دلرعب يف قلوهبم عند ا قرأود دلر للال‬

‫وقررود دخلرون فال ً‬


‫ث وبدءود جيهزون دلالد ؛ ل خرجللود للن دملدينل دملنللور دون قتللا ‪ .‬عنللد ا نللوود‬

‫دلرح ل جاء إل هم رئ س دملنافقأ عبد دهلل بن أ فقا هلم‪( :‬ال خترجود ن دياركم فللإن الللة ألفللأ‬

‫يدخلون الكم حصنكم ف موتون دونكم) وقد كان دل هود عد عللزم أك للد للخللرون للم بللتهم يف‬

‫دلبقاء جمموع ن دملنافقأ فاملنافقون خفرهم ديد جد ًد؛ لذلك يقو رب دلالاملأ للبحانه وتالللاىل‬

‫يف كتابه دلكريم‪{ :‬إ َّن دملْنافقأ يف دلدَّ ْرك دأل ْ لفل لن دلنَّلار} [دلنسللاء‪ ]145:‬دملنللافا يف دلظللاهر أنلله‬

‫سلم؛ لكن وء أعامهلم ال يفكللر ف هللا دل هللود أنفسللهم هبللود إىل دل هللود و بتللوهم وقللالود‪ :‬إ للم‬

‫حاربون الهم ضد دملسلمأ إن حد ت حرب وأنز دهلل عز وجل قرآن ًا يفضح ف ه أفالللا دل هللود‬

‫بحانه وتالاىل‪{ :‬أمل ْ تر إىل د َّلذين نلافقود يقوللون إل ْخلود م َّدللذين كفلرود ل ْن أ ْهلل‬ ‫ودملنافقأ‪ .‬قا‬

‫د ْلكتاب لئ ْن أ ْخر ْجت ْم لن ْخرج َّن الك ْم وال نف ع ف ك ْم أحدً د أبدً د وإ ْن قوت ْلت ْم لننْرصنَّك ْم ودهللَّ ي ْشهد إ َّ ْم‬

‫لكا بون * لئ ْن أ ْخرجود ال خيْرجون اله ْم ولئ ْن قوتلود ال ينْرصو ْم ولئ ْن نرصوه ْم ل و ُّل َّن دأل ْدبار ل َّم‬

‫ال ينْرصون} [دحل ‪.]12 - 11:‬‬

‫هذد كثم دهلل بحانه وتالاىل دملنافقون قلوهبم ضال ف ودهن ؛ أل ا بال د عن دحلا قلوهبم يف دلظللاهر‬

‫سلم ويف دلباطن تكره دإل ثم وتتالاون ع دل هود لكن إن جاء خفر عل هم تنكرود لالهودهم كللام‬

‫يتنكر دل هود وكام يتنكر أعددء دأل بصف عا ألخثقهم ولالهودهم فهذد دلذي حصل متا ًا بللت‬

‫دملنافقون دل هود و بت دل هود بكثم دملنافقأ ومل خيرجود وأر لود ر للال إىل دلر للو ﷺ يقولللون‬

‫ف ها‪( :‬إنا ال نخرن ن ديارنا فاصنع ا بدد لك)‪.‬‬

‫كان دملوقد يف اي دحلرن فالر و ﷺ صاب يف ‪ 150‬صللحاب ًا يف خللث دلشللهور دألربالل دلتللة‬

‫ضت و دخل دآلن يف حرب كبيف ع بنة دلنضلليف لكللن إن للكت ل كون هنللاك هللز كبلليف‬

‫للودء كللانود بنللة دلنضلليف أو‬ ‫فكان ال بد ن أخذ قردر حازم ع ثل هؤالء‬ ‫لسمال دأل دإل ث‬

‫‪623‬‬
‫للن ‪4‬هللل‬ ‫يفهم ال بد أن حيفظ كرد دأل دإل للث ‪ .‬بالفالللل جهللز ﷺ ج شل ًا يف رب للع دألو‬

‫ودنفلا حلصار بنة دلنضيف ورضب دحلصار عل هللا للن كللل كللان حللوديل للت ل للا ويف بالللض‬

‫ل ل لكن دلردجح‪ :‬ت ل ا فقط م هزم هزم دهلل عز وجل دل هود‪.‬‬ ‫دلروديات س ع‬

‫إن دل هود وهم يف ددخل دحلصون قد يستمرون ددخلها نأ ألن ف هللا للامر ًد و اهل ًا و للثح ًا فقللد‬

‫لقد قذف دهلل عز وجل يف قلللوهبم‬ ‫طويل لكن ع لك د ز ود بيشء ال يستف اله دلب‬ ‫يال شون ف‬

‫دلرعب‪ .‬دلرعب ن جنود دلرمحن بحانه وتالاىل فك د خياف دل هود وهم هبذه دلقو ن دملسلللمأ‬

‫ع أن دملسلمأ يف صاهبم دلفادح يالانون أ د دملالانا ودحلصار قد يفللو ويفللو عللد دملسلللمأ؟‬

‫لكن ع لك د تسلم دل هود يف ت أيام ونزلود عد أ ر دملسلمأ ومل ينفالهم دملنافقون دنسحب عبد‬

‫دهلل بن أ دبن لو ومل يقاتل الهم كام كر دهلل بحانه وتالاىل يف كتابلله دلكللريم‪} :‬للئ ْن أ ْخرجلود ال‬

‫خيْرجون اله ْم ولئ ْن قوتلود ال ينْرصو ْم ولئ ْن نرصوه ْم ل و ُّل َّن دأل ْدبار َّم ال ينْرصون{ [دحل ‪.]12:‬‬

‫و كر دهلل بحانه وتالاىل لنا يف كتابه دلكريم بالض صفات دل هود د تخثص ًا ن هللذد دملوقللد‪ .‬قللا ‪:‬‬

‫ًاللا إ َّال يف قل ًرى‬ ‫}ألنْت ْم أ دُّ ر ْهب ً يف صدوره ْم ن دهللَّ لك بأ َّ ْم ق ْو ٌم ال ي ْفقهلون * ال يقلاتلونك ْم‬

‫حم َّصن ٍ أ ْو ْن وردء جد ٍر ب ْأ ه ْم ب ْنه ْم ديدٌ ْحتسبه ْم ًالا وقلوهب ْم تَّى لك بأ َّ ْم قل ْو ٌم ال ي ْالقللون{‬

‫[دحل ‪ ]14-13:‬وهذد دليشء ل س خاص ًا ب هود بنة دلنضيف أو خاص ًا بال هود دلذين كللانود يال شللون‬

‫أيام دلر و ﷺ بل هة قودعد ابت عد كل دل هود ا دد ود عد هيوديتهم ومل يسلللمود فللإن دهلل عللز‬

‫وجل زرا يف قلوهبم دلرعب ودهللع‪.‬‬

‫قا دهلل عز وجل يف كتابه دلكريم يصد حا دل هود‪} :‬ولتجد َّ ْم أ ْحرص دلنَّاس عد ح ا ٍ و ن د َّلذين‬

‫أ ْرشكود{ [دلبقر ‪]96:‬؛ فحب دل هود للح ا أكثر للن دملشللركأ دلللذين ال يؤ نللون بللاآلخر أصل ً‬
‫ث‬

‫فقوله‪} :‬ولتجد َّ ْم أ ْحرص دلنَّاس عد ح ا ٍ{ أي ح ا وإن كانت تال س و ل ل ورخ صل دملهللم أنلله‬

‫يال ش‪.‬‬
‫‪624‬‬
‫نز دل هود عد أ ر دملصففى ﷺ وخرجود ن ديارهم بغيف ثح حيملون ممتلكاهتم فقللط وأخللذود‬

‫خيربون ب وهتم بأيدهيم كام وصد دهلل بحانه وتالاىل يف كتابه ينزعون دألبودب ودلنودفللذ ويأخللذون‬

‫كل ا يستف الون أن حيملوه يف هذد دخلرون وبالفالل تركت بنو دلنضلليف دملدينل دملنللور ودجتهللت إىل‬

‫خ رب ‪-‬وخ رب جتمع هيودي كبيف يف ام دملدين دملنور ‪ -‬وبذلك دنتهت قص بنللة دلنضلليف للن دملدينل‬

‫دملنور وخرن زعامء بنة دلنضيف ح ة بن أخفب و ثم بن أ دحلق ا إىل خ للرب و ل كون هلللام دور‬

‫بالد هذد و نرى لك يف دحلرب ع دملسلمأ‪ .‬مل يسلم ن هيود بنة دلنضيف إال رجللثن فقللط‪ :‬يللا أ‬

‫لك تالرف النى كثم دهلل بحانه وتالاىل‪} :‬لتجد َّن أ دَّ‬ ‫بن عمرو وأبو الد بن وهب ن خث‬

‫دلنَّاس عددو ً ل َّلذين آ نود د ْل هود ود َّلذين أ ْرشكود{ [دملائد ‪.]82:‬‬

‫بفضل دهلل خرن دملسلمون ن أز بنة دلنضيف وهم أكثر قو ً وأرفع أن ًا يف دجلزير دلالرب بكا لهللا‬

‫د دملسلمون كثيف ًد ن ه بتهم بالد دنتصارهم عد بنة دلنضيف ع أن بنة دلنضيف قب لل كبلليف هلللا‬ ‫ود‬

‫تاريخ طويل يف دملدين دملنور وهلا تاريخ يف صناع دلسثح ودلقثا ودحلصون وإنه أل للر عظل م أن‬

‫دلر و ﷺ أجثهم هبذه دلسهول ودلبساط حارصهم ت ل ا فقط م نز دل هود عد رأيه ﷺ‪.‬‬

‫زو نجد‬

‫أحب دلر و ﷺ أن يستغل هذد دلظرف وبدأ ير للل دلرسللديا ودجل للوش لتثب للت دعللائم دأل للن يف‬

‫ددد دهل ب ن جديد وأو ج ش خرن كان عد رأ لله دلر للو ﷺ نفسلله يف‬ ‫وال‬ ‫دجلزير دلالرب‬

‫زو تسمى زو نجد و هب لتأديب قبائل نجد دلتة جتمالت لقتل دملسلللمأ يف بئللر الونل و للاء‬

‫دلرج ع وملا خرن فرود نه ال ًا ومل يلا قتاالً ﷺ لكنه د تالاد دهل ب بشكل كبيف‪.‬‬

‫‪625‬‬
‫زو بدر دلصغرى‬

‫أخذ ﷺ يالد دلالد وجيهز دجل ش للقاء دلقادم للع دمل للكأ فقللد كللان هنللاك تودعللد بللأ دملسلللمأ‬

‫ودمل كأ عد دللقاء للمر دلثالث ‪ :‬دألوىل‪ :‬بدر ودلثان ‪ :‬أحد وكان ن دملفللروض أن يكللون دللقللاء‬

‫دلثالث يف هذه دأليام يف دلسن دلردبال ن دهلجر ‪ .‬بالفالللل جهللز دلنبللة ﷺ ج شلله ويف للالبان ‪4‬هللل‬

‫أر ل ر ال إىل قريش يتودعد الها عد دللقاء يف بدر وخرن دلنبة ﷺ بج ش قود ه ‪ 1500‬قاتللل‬

‫و هب إىل بدر وخرن كذلك أبو ف ان ن كل بللل ‪ 2000‬للن دملقللاتلأ ووصللل دملشللركون إىل‬

‫نفق تسمى ر دلظهردن قريب جد ًد ن ك وعسكر دجل ش هناك وال يزد أ ا ه طريا طويل حتى‬

‫ث متا ًا وعنده نوا ن دل دد دلكبيف يف قتا دملسلللمأ‬


‫يصل لبدر لكن دجل ش دلذي خرن كان تثاق ً‬

‫ويف ددخله دهللع ودهل ب للمسلمأ ع أن دملوقال دألخيف كانت لصالح دملشلركأ ووقد أبو للف ان‬

‫قللريش إنلله ال يصلللحكم إال عللام خصللب‬ ‫يف ر دلظهردن خياطب دجل ش ويقو ألصحابه‪) :‬يا ال‬

‫ترعون ف ه دلشجر وت بون ف ه دللبن وإن عا كم هذد عام جدب وإك ردجع فارجالود)‪ .‬هكذد كللان‬

‫فلو كللانود حريصللأ عللد دلقتللا خلرجللود فللاجتمع دلقللوم عللد‬ ‫أبو ف ان يتحجج بحجج وده‬

‫وبذلك ختلفود عن دللقاء دلللذي‬ ‫دلرجوا ومل يالارض أحد أبا ف ان يف قض دلالود إىل ك دملكر‬

‫وعدود به ر و دهلل ﷺ‪.‬‬

‫ومل يبا دلر و ﷺ يف بدر ث أيام فقط بل بقة امن أيام تصل ؛ حتى يثبت للجم ع أنه ال هيللاب‬

‫يف‬ ‫قريش ًا وال خياف ج و ها وال عدهتا وال عتادها وكان يف هذد أ للر إجيللا كبلليف للدولل دإل للث‬

‫دجلزير دلالرب ‪.‬‬

‫‪626‬‬
‫ام دملدين‬ ‫تأديب قبائل نفق دو دجلند‬

‫مع دلر و ﷺ أن بالض دلقبائل يف ام دجلزير دلالرب يف نفق دو دجلنللد بللدءود يتجمالللون‬

‫وهيا ون دلقودفل دملار ويقتلون دملسلمأ هناك وهة قبائل كبيف وضخم يف هذه دملنفقل فجمللع‬

‫دلر و ﷺ ج ش ًا ل ذهب إىل دو دجلند وهة تبالد عن دملدين ساف أكثر ن ‪ 450‬ك لللو هللب‬
‫ال ًا ومل يلا ﷺ قتاالً‬ ‫ﷺ بنفسه وهناك بدأ يفرق دلرسديا ودجل وش يف دأل اكن دملختلف وفرود نه‬

‫الل ًا يف دجلزيللر‬ ‫يف هذه دملنفقل بللل و للمع دلنللاس‬ ‫ولكنه بت ن جديد دعائم دلدول دإل ث‬

‫ن ‪5‬هل‪.‬‬ ‫دلتة تتجه هنا وهناك وكان هذد يف رب ع أو‬ ‫دلالرب بأخبار دجل وش دإل ث‬

‫نتائج خرون دملسلمأ ن دألز ات بالد أحد‬

‫ن ‪3‬هل ويف دلشهور دلست دلتة بالدها كانت هناك أز ات كبيف رت هبا‬ ‫كانت زو أحد يف ود‬

‫للم يف‬ ‫اء دلرج ع وأز بئللر الونل‬ ‫أز بنة أ د وأز خالد بن ف ان وأز‬ ‫دأل دإل ث‬

‫دلنهاي أز بنة دلنضيف‪.‬‬

‫خرن دملسلمون ن هذه دألز ات يف يللوم خللرون بنللة دلنضلليف ود للتفاا دملسلللمون للن جديللد أن‬

‫دهل ب ودلسمال دجل د للمسلمأ يف دجلزيللر‬ ‫يستال دود دهل ب ود تغل دلر و ﷺ هذد دملوقد يف ن‬

‫فقام بالد رسديا و زودت ن أ هرها‪ :‬زو نجللد ودللقللاء دلللذي كللان نتظللر ًد ب نلله وبللأ‬ ‫دلالرب‬

‫دمل كأ يف بدر عرفت يف دلتاريخ بغزو بدر دلصغرى مت ز ًد هلا عن زو بدر دلكربى دلتة كانللت يف‬

‫ن ‪2‬هل م قام بغزو دو دجلند ‪.‬‬

‫ودء كانت نتائج يف ددخل دملدين دملنور‬ ‫كان لكل هذد نتائج كبيف يف دجلزير دلالرب عد كل دملحاور‬

‫أو يف خارجها‪.‬‬
‫‪627‬‬
‫د تكان دملنافقأ ددخل دملدين دملنور‬

‫أوالً‪ :‬د تكان دملنافقون يف ددخل دملدين دملنور بالد ص ب أحد نجم دلنفاق يف دملدين دملنور وجللاهر‬

‫دملنافقون دملسلمأ بالالددء بل وتالاونود ع بنة دلنضيف ووعدوهم باملساعد ضد دملسلمأ إن حارب‬

‫دل هود ودملسلمأ لكن بالد هذه دلرسديا ودلغزودت د تكان دملنافقون متا ًا ورضخود ألود ر دلر و‬

‫ﷺ وكتمود يف قلوهبم دلكفر وأصبحود يف ددخل صد دملسلمأ وهذد ف ه خفر كبيف لذلك نتوقللع‬

‫أن حتدث أز تكشد دملنافقأ قريب ًا‪.‬‬

‫حترك خماوف دل هود‬

‫ان ًا‪ :‬حتركت خماوف دل هود؛ فلم يبا ن دل هود يف دملدين دملنور إال بنو قريظ وبقة هيود بنة قريظل‬

‫عد دلالهد لكن يف قلوهبم قلا ورعب ديد ن دملسلمأ فهللذه بنللو ق نقللاا قللد خرجللت وخللرن‬

‫وردءها بنو دلنضيف ومل يبا يف بنة قريظ ‪ .‬كذلك هيللود خ للرب رأت أن دل هللود خيرجللون للن ددخللل‬

‫دملدين دملنور وبالد أن ينتهة دلر و ﷺ ن قص دل هود يف دملدينل دملنللور ال يسللتبالد أن يتجلله إىل‬

‫هيود دلشام إىل خ رب أضد إىل لك أن بنللة دلنضلليف هللاجرت إىل خ للرب ونقلللود ل هللود خ للرب كللل‬

‫دلكرده دلتة محلوها الهم ن دملدين دملنور كذلك زعامء بنة دلنضيف دنتقلود إىل خ للرب وفل هم للن‬

‫ا ف هم نهم ح ة بن أخفب و ثم بن أ دحلق ا و يفمها ن زعامء دل هود فمن دملتوقللع أن‬ ‫دل‬

‫تكون هناك شاكل كثيف جتةء ن ناح خ رب‪.‬‬

‫الور قريش بالقلا ودخلوف ن دملسلمأ‬

‫الث ًا‪ :‬بدأت قريش تشالر بالقلا و ع أ ا كانت ردفال رأ ها بالللد أحللد لكنهللا دهتللزت هللز كبلليف‬

‫برجوعها عن بدر دلصغرى وعدم دلقدر عد ودجه دملسلمأ ع أن عللدد دلكفللار يف للزو بللدر‬

‫دلصغرى ‪ 2000‬وعدد دملسلمأ ف ها ‪ 1500‬أضد إىل لك دنقفاا دلتجار إىل دلشام متا ًا بالد ق ام‬

‫‪628‬‬
‫فهذد أ ر ال بللد أن تفكللر ف لله قللريش‪ .‬قللريش بللدأت تشللالر بللالقلا دلشللديد جتللاه‬ ‫دلدول دإل ث‬

‫دملسلمأ لكن ال تدري ك د تترصف؟‬

‫الور دلقبائل دملح ف باملدين دملنور بالقلا ودخلوف ن دملسلمأ‬

‫ردبال ًا‪ :‬دلقبائل دلتة حت ط باملدين دملنور هة قبائل دألعردب دلتة تال ش يف دلبادي بدأت تشللالر بللالقلا‬

‫دلشديد وأهم هذه دلقبائل قبائل ففان دلتة نها قبائل بنة ل م وقبائل بنلة هللذيل وبنللة حل للان‬

‫وهة دلقبائل دلتة درت باملسلمأ ودء يف بئر الون أو يف اء دلرج ع‪.‬‬

‫قد ات جتمع دألحزدب لغزو دملدين‬

‫ملا رجع دلر و ﷺ ن زو دو دجلند عاهد ع ن بن حصن أحد زعامء بنة فللزدر وبنللو فللزدر‬

‫فرا ن فروا بنة ل م وهذد دلفرا مل يكن ممن در باملسلمأ يف بئر الون ؛ لللذلك عاهللد دلر للو‬

‫ن دلز ان‪ .‬هذه دملتغيفدت دلتة حد ت يف دجلزير دلالرب ويف دملدين دملنللور يف خللث‬ ‫ﷺ ع ن لف‬

‫دلقاد ل فهنللاك نللافقون ددخللل‬ ‫دلسن دلسابق كانت بب ًا حلدوث يشء كبيف ضد دملسلمأ يف دلف‬

‫يف سلم حو دملدين دملنور ‪.‬‬ ‫دملدين وهيود وهناك قريش وهناك قبائل عرب‬

‫دور دل هود يف جتمع دألحزدب حلرب دملسلمأ‬

‫كل دلفودئد ن دل هود ودمل كأ كانت حاقد عد دإل ثم وكان دملسلمون يف كل دملالارك دلسللابق‬

‫يودجهون كل قب ل عد حد فإ د جتمالت هذه دلقبائل فإ ا تحدث أز كبيف عد دملسلمأ لكللن‬

‫ك د تتجمع هذه دلقبائل وهة تفرق يف د دلتفرق؟ فإن دلالرب مل يتجمالود يف يوم ن دأليللام إنللام‬

‫هم عبار عن قبائل نفرد ؛ كل قب ل هلا قانو ا وهلا زع مها ورأهيا فك د تتجمع هللذه دلقبائللل عللد‬

‫قلب رجل ودحد حلرب دملسلمأ؟ هذد يشء ستغرب لكن لل هود ف ه دور كبيف‪.‬‬

‫‪629‬‬
‫لقد كان لل هود دور كبيف يف جتمع دلقبائل حلرب دملسلللمأ فقللد الللود دلقبائللل للن هنللا وهنللاك ومل‬

‫يش كود هم يف دملالرك وهذد هو دور دل هود دملالروف عنهم نذ نأ طويل و ا زدلود يالملون لك‬

‫باح دف إىل هذد دلوقت و ستمرون عد لك فهللم ددئل ًام يؤلبللون لليفهم عللد حللرب دإل للثم‬

‫وحرب دعو دحلا وخيرجون هم متا ًا ن دلصور ودألحددث وهذد ا فالللله دل هللود أيللام دلر للو‬

‫ﷺ خرجت ن خ رب جمموع ن هيود خ رب وبنة دلنضيف ف هم ح للة بللن أخفللب و للثم بللن أ‬

‫دحلق ا وأخذود يؤلبون دلقبائل عد دملسلمأ وجيمالللون دلقبائللل دملتفرقل حلللرب دولل دإل للثم يف‬

‫دملدين دملنور ‪.‬‬

‫انح يف أن نجمع لكم دلقبائللل للن ففللان وبنللة للل م‬ ‫هبود أوالً إىل قريش وقالود هلم‪ :‬دلفرص‬

‫و يفها حلرب دملسلمأ ومل تصدق قريش أ ا وجدت ثل هذه دلفرص ؛ و لك ألن قريش ًا طالنت يف‬

‫كربيائها يوم أن عادت ن بدر دلصغرى دون قتا يف البان ن ‪ 4‬هل وبدأ دلقر ون جيمالللون للن‬

‫ا يستف الون اله ن دجلنود حتى الود ‪ 4000‬قاتل ودنتقل دل هود‬ ‫دلقبائل دملح ف بمك دملكر‬

‫ودلتقود بزعامء ففان هنا وهناك وكانت هللذه‬ ‫برسع ن قريش إىل ففان يف رشق دجلزير دلالرب‬

‫دلقبائل دلغففان تنتظر دلفرص كذلك فقا هلم دل هود‪ :‬قريش الكللم فقللد الللت ‪ 4000‬قاتللل‬

‫لكن ففان مل تتشجع كثيف ًد عد دلقتا خلوفها ن دملسلمأ ع أن قبائل ففان كثيف و الها قريش‬

‫لكن دل هود ا يئسود قالود هلم‪ :‬إن مل تكونود تحمسأ عد دلقتا فنحن نحمسكم باملا فمع بخللل‬

‫دل هود دلشديد إال أ م ينفقون دملا دلكثيف إ د كان هذد دإلنفاق للصد عن ب ل دهلل فهم ينفقون ببذخ‬

‫وكرم كبيف ال يتخ له أحد هذه هة طب التهم فوعدود زع م بنة فزدر ع ن بللن حصللن وبق ل زعللامء‬

‫ن وكانت خ رب ن بالثامر فكل للا ينللتج ف هللا للن للامر‬ ‫ففان أن يالفوهم امر خ رب كا ل ملد‬

‫يدفع لغففان ولل ع ن بن حصن عد أن جيمالود ج ش ًا قود ه ‪ 6000‬قاتللل للت آالف للن ففللان‬

‫وبنة ل م وأربال آالف ن قريش وهكذد دجتمع ‪ 10000‬قاتل‪.‬‬

‫‪630‬‬
‫طارت دألنباء دملرعب إىل دملدين دملنور فقد كان هذد أخفر دألنباء ن أو إنشللاء دلدولل دإل للث‬

‫فإن دلالرب كانود إ د وصل عددهم ‪ 1000‬يفتخرون يقو أحدهم‪ :‬إنا لنزيللد عللد دلللل‪ 1000‬ولللن‬

‫يغلب ‪ 1000‬ن قل ‪ .‬خت ل ‪ 10000‬قاتل قاد أ باجتاه دملدين دملنور ل حارصوها للن كللل كللان‬

‫وف هم ن دحلقد ا ف هم ووصل دخلرب عد دملسلمأ وكان ق ً‬


‫ث و للز دهلل هبللذد دخلللرب دخلب للث للن‬
‫دلف ب قا تالاىل‪} :‬ل م ز دهللَّ ْ‬
‫دخلب ث ن دل َّف ِّب{ [دألنفا ‪ ]37:‬فإنه ملا للمع دملؤ نللون دلصللادقون‬

‫هبذد دخلرب قالود‪} :‬هذد ا وعلدنا دهللَّ ور لوله وصلدق دهللَّ ور لوله و لا زددهل ْم إ َّال إيام ًنلا وت ْسلل ًام{‬

‫[دألحزدب‪ ]22:‬فاجل وش ودأل للم ودألعللادي كلهللم ل تجمالون علل هم بللاختثف إ ل دجت اهتم‬

‫وأفكارهم لكن وعدهم دهلل بالنرص عل هم إن هم متسكود بمنهجلله للبحانه وتالللاىل فهللا هللو دجلللزء‬

‫دألو يتحقا‪ :‬وهو جتمع دألحزدب حو دملسلمأ أ ا دجلزء دلثاك فث بد أن يتحقللا‪ :‬وهللو دلنصللر‬
‫عل هم ا دد ود تمسكأ بكتاب دهلل وبسن ر وله ﷺ وهم بفضل دهلل تمسللكون‪ :‬فالنصللر ٍ‬
‫آت إن‬

‫اء دهلل ع أن دلظاهر خمتلد متا ًا فاألحزدب ‪ 10000‬قاتل حيارصون دملدين فك د دخلرون للن‬

‫هذه دألز ؟ فام زدلود ال يالرفون لكنهم ت قنللون متا ل ًا يف وعللد رب دلالللاملأ‪} :‬هلذد لا وعلدنا دهللَّ‬

‫ور وله وصدق دهللَّ ور وله و ا زدده ْم إ َّال إيامنًا وت ْسل ًام{ [دألحزدب‪.]22:‬‬

‫أ ا عد دلناح دلثان فارتالب دملنافقون ك د حياربون عشلر آالف قاتللل؟ ودملنللافقون ال حيسللبون‬

‫دأل ر إال بحسابات دلورق ودلقلم ودحلسابات دملادي فقط وال يقتنالون بقللدر رب دلالللاملأ للبحانه‬

‫وتالاىل وبحكمته وبإرددته وهب منته عد دلكون بكا له فلم يسللتف الود أن يالللود هللذد دأل للر وأخللذود‬

‫حيسبون كل يشء بالورق ودلقلم ك د حيارب دملسلمون ‪ 10000‬ودملسلمون ددخل دملدين بكا لهللا‬

‫ودء كانود ن دلرجا أو ن دلنساء أو ن دألطفا أو ن دلش وخ أو ن دلصادقأ أو ن دملنافقأ ال‬

‫يصل عددهم إىل ‪10000‬؟ فك د حاربون ج ش ًا ؤه ً‬


‫ث حلرب دملسلمأ قود ه ‪ 10000‬قاتل؟‬

‫‪631‬‬
‫ح نام مع دملنافقون دألنباء قا دهلل عز وجللل يف وصللفهم‪} :‬وإ ْ يقلو دملْنلافقون و َّدللذين يف قللوهب ْم‬

‫ر ٌض ا وعدنا دهللَّ ور وله إ َّال ر ً‬


‫ورد{ [دألحزدب‪ ]12:‬هكذد بالترصيح دهلل بحانه وتالاىل وعدنا‬

‫بالنرص ودلر و كذلك وعللدنا بالنصللر لكللن ك للد؟ ال نسللتف ع ج و للنا ال يمكللن أن حتللارب‬

‫ع دملسلمأ وإن كانود يف دلظاهر هم ن دملسلمأ وهذد يبللأ‬ ‫ج و هم دلكبيف فقررود عدم دلقتا‬

‫وال بد أن حتل هذه دألز ل دلكبلليف‬ ‫لنا أن خفرهم ديد فهذه أز كبيف آت عد دأل دإل ث‬

‫و لك بأن يوقن دملسلمون بنرص ن دهلل عز وجل هللذه للن للن دلسللنن ففللة بللدر بللدأت دألز ل‬

‫تتصاعد وتتصاعد وتتصاعد حتى وصلت إىل أقصاها يف للهر للالبان للن ‪2‬هللل وحصللل يف للهر‬

‫البان دبتثءدت قصوى وكربى للمسلمأ فلم خيرن ن دملسلمأ إال دلصللادق وخرجللود إىل لقللاء‬

‫بدر بصفات دجل ش دملنصور فتحقا هلم دلنرص بالد دلصددم دملروا ع دمل كأ‪.‬‬

‫دآلن دملسلمون يف أز كبيف آت عل هم وقد فرقت هذه دألز ل دلصللد و زتلله وظهللر دملسلللمون‬

‫دلصادقون وظهر دملنافقون دلكا بون وعند هذد دأل ر توقع أن حيدث نرص قريللب؛ ألننللا وصلللنا إىل‬

‫دملسلمون هبذه دألز عد ضخا تها‪.‬‬ ‫أقىص درجات دألز تقريب ًا؛ لذلك د تب‬

‫فرجت وكنت أظنها ال تفرن‬ ‫ضاقت فلام د تحكمت حلقاهتا‬

‫عند أ د حلظات دلل ل يأيت دلفجر وهكذد جتمالت دجل وش ن كل كان وأحاطت باملدينل دملنللور‬

‫كام حي ط دلسودر باملالصم و ع لك أخرن دهلل عز وجل دملسلمأ ن أز تهم نترصين‪.‬‬

‫‪632‬‬
‫‪28‬‬

‫األحزاب‬

‫ذكرنا أنه نتيجة استقرار أوضاع املسلمني‪ ،‬وحترك القلق يف قلوب مجيع أعداء األمةةة مةةد ةةو‬

‫ومرشكني ومنافقني‪ ،‬وبدءوا يفكرون يف يشء يمنعون فيه الدولة اإلسالمية مد إكامل املسةة‪، ،‬‬

‫وتوىل كرب التدب‪ ،‬هلذا األمر فرقة مد و خيرب و و بني النض‪ ،،‬وكونوا وفد ًا مد حةةوا ‪21‬‬

‫رجالً‪ ،‬وحترك هذا الوفد إىل اجلزير العربية هنةةا وهنةةاكج ليجمةةع اجلمةةوع مةةرب املسةةلمني‪،‬‬

‫واستطاعوا أن حيمسوا قريش ًا عىل أن خترج يف ‪ 4000‬مقاتل‪ ،‬واشرتوا غطفان وبني سليم باملال‬

‫عىل أن خيرجوا يف ‪ 6000‬مقاتل‪ ،‬وحتركةةه هةةذم اجلمةةوع الضة مة ‪ 10000‬مقاتةةل بةةوب‬

‫املدينة املنور ‪ ،‬وكان اهلدف استئصال املسلمني متام ًا‪ ،‬ليس الغرض االنتصار يف موقعةةة عةةابر ‪،‬‬

‫ولكد اهلدف هو إهناء الوجو اإلسالمي يف األرض بةةاملر ‪ ،‬ووبةةل النملة املرعةب إىل املدينةةة‬

‫املنور ‪.‬‬

‫أما املنافقون فقد ظهر نفاق معظمهم‪ ،‬وقالوا‪( :‬ال طاقة لنةةا أبةةد ًا ب ةةر م)‪ ،‬وظهةةرع علةةيهم‬

‫عالماع الرعب واهللع‪ ،‬وهؤالء املنافقون مل يكتفوا بةةاهللع والقعةةو ‪ ،‬بةةل حةةاولوا أن يمنعةةوا‬

‫اآلخريد مد امرب ب جة أهنا حرب ال طائل مد ورائها‪ ،‬قال اهلل عةةز وجةةل‪ْ { :‬قةدي ْي يع ْلة هم اهلله‬

‫هون ا يل ْمل ي ْس إِال ْق ِل ًيال * ْأ ِشة ًة ْع ْلة ييك يهم ْفةاِ ْذا‬ ‫إل يخ ْو ِ ِ‬
‫اهن يم ْه هلم إِ ْل يينْا ْوال ْي يت ْ‬ ‫ني ِ ِ‬
‫ني ِمنيك يهم ْوا يل ْق ِائ ِل ْ‬
‫امليه ْع ِّو ِق ْ‬

‫‪633‬‬
‫ون إِ ْلي ْك تْده ور ْأ يعينههم كْال ِذي ي يغ ْشى ْع ْلي ِه ِمد امليْو ِ‬
‫ع} [األحةةزاب‪18:‬‬ ‫ي ْ ي‬ ‫ه‬ ‫ه ه ه ي‬ ‫ف ْر ْأ ييت هْه يم ْيني هظ هر ْ ي‬ ‫ْجا ْء ي‬
‫اْلْ يو ه‬

‫‪ ]19 -‬هذا كان ر فعل املنافقني‪.‬‬

‫أما املؤمنون الصا قون فاهنم ومع عظم اْلرب إال أهنم وجدوا فيه بشةةرى‪ ،‬والملشةةرى هةةي أن‬

‫اهلل عز وجل وعد املسلمني بالنرص عىل أعدائهم إن هةةم عمعةةوا هلةةم‪ ،‬ووعةةدهم بالنصةةر إن‬

‫وبله األزمة إىل الذرو ‪ ،‬أيد هذا الوعد؟ يقول ابد عملةةاس را اهلل عةةنهام‪ :‬هةةذا الوعةةد يف‬

‫اجلن ْة ْوملْا ْي يتِك يهم ْم ْث هل ال ِذي ْد ْخ ْل يوا ِم يد ْقة يمل ِلك يهم‬ ‫ِ‬
‫قوله تعاىل يف سور الملقر ‪ْ { :‬أ يم ْحس يملت يهم ْأ ين تْدي هخ هلوا ي ْ‬
‫ول ْوال ِذي ْد آ ْمنهوا ْم ْعة هه ْم ْتةى ن يْصةة هر اهللِ ْأال إِن‬ ‫ول الر هس ه‬ ‫ْمست هيه هم ا يل ْمل ي ْسا هء ْوالَّضا هء ْو هز يل ِز هلوا ْحتى ْي هق ْ‬

‫ْرص اهللِ ْق ِريب} [الملقر ‪ ]214:‬املسلمون اآلن يقرتبون مد مرحلة الزلزال‪ ،‬إذ ًا‪ :‬النصةةر أيضة ًا‬
‫ن ي ْ‬
‫يقرتب‪.‬‬

‫بدأ املسلمون يفكرون يف األزمة القا مة باجيابية‪ ،‬ما الذي سوف نعمل؟ أول يشء فعلوم‪ :‬إقامة‬

‫جملس شورى‪ ،‬وهذم هي الملداية الص ي ة‪ ،‬وعند مراجعة بفاع اجليش املنصور الذي قلنةةام‬

‫قملل هذا يف بدر ستجدوهنا مجيعها موجو بالتفصيل يف جيش األحزاب‪ ،‬فهذم سةةند وليسةةه‬

‫مصا فاع‪ ،‬وهكذا أقيم جملس الشورى املكون مد املهاجريد واألنصار وغ‪،‬مها مةةد القملائةةل‬

‫امل تلفة‪ ،‬بل إن فيهم مد ليس عربي ًا أب ً‬


‫ال مثل بالل اممليش وسلامن الفةةارر را اهلل عةةنهم‬

‫أمجعني‪ ،‬وهذم هي عظمة الديد اإلسةةالمي‪ ،‬وانظةةر مةةا هةةي اْلةةرباع التةةي تةةرتاكم يف األمةةة‬

‫الواحد نتيجة مجع الملشةر مد كل العنارص والقملائل واألجنةةاس والةةملال حتةةه رايةةة واحةةد ‪،‬‬

‫فهذم أزمة األحزاب‪ ،‬واهلل سمل انه وتعاىل جيعل حلها عىل يد رجل لةةيس مةةد العةةرب أبةالً‪،‬‬

‫ولكنه مد املسلمني‪ ،‬وهو سلامن الفارر‪.‬‬

‫هذا اجليش اإلسالمي يستفيد مد خرب اجليش الفارر‪ ،‬ومد عارب شعب كامل مثل شةةعب‬

‫فارس‪ ،‬كام أن سلامن الفارر مل يدخل يف اجلامعة املسلمة إال منذ أيام أو شةةهور قليلةة‪ ،‬ولعةةل‬
‫‪634‬‬
‫هذم هي املشاركة األوىل مع الصف املسلم‪ ،‬ومع ذلك عدم قد انصهر متام ًا يف الصةةف املسةةلم‪،‬‬

‫وأبملح عضو ًا فاع ً‬


‫ال يف األمة‪ ،‬وأبملح له رأي معترب ال يشعر ب نةةه غريةةب‪ ،‬فهةةذم هةةي ولتةةه‬

‫وأمته وهذا هو ينه‪ ،‬وسلامن أسلم مد بداية اهلجر ‪ ،‬لكنه كان عملد ًا عند أحد اليهو ‪ ،‬ومل هيعتةةق‬

‫إال قملل األحزاب بقليل‪.‬‬

‫قال سلامن‪( :‬يا رسول اهلل إنا كنةةا بة رض فةةارس إذا حورصنةةا خنةةدقنا علينةةا) فعنةةدما سةةمع‬

‫الرسول ﷺ والص ابة هذم الفكر أعجملتهم‪ ،‬ورسعان ما ظهرع فيهم بةةفة امةةامس وعةةدم‬

‫الرت ‪ ،‬وأخذوا القرار مملارش ‪ ،‬وهو ال بد أن نملدأ يف امفر حاالً‪.‬‬

‫واقعية املنهج النملوي يف حفر اْلندق‬

‫نقف عىل واقعية املنهج النملوي‪ ،‬ما معنى واقعية املنهج النملوي؟ قةةد يقةةول قائةةل‪ :‬كيةةف جيةةملد‬

‫املسلمون عد اللقاء في فرون اْلندق وال حياربون؟ أن اإلسالم يد واقعي‪ ،‬مع القناعة التامة‬

‫ب ن اهلل سمل انه وتعاىل معنا إذا كنا معه‪ ،‬وسينرصنا إن نرصنام‪ ،‬إال أننا ن خذ بكل األسملاب‪ ،‬فةةة‬

‫‪ 10000‬مقاتل مشةرك ضد ‪ 3000‬مقاتل مسلم‪ ،‬وهم مجيع أهل املدينة مد الرجال‪ ،‬هو لقةةاء‬

‫غ‪ ،‬متكافئ‪ ،‬خابة أن هؤالء العرش آالف يمكد أن يزيدوا‪ ،‬ويمكد أن يضةةموا إلةةيهم ةةو‬

‫خيرب‪ ،‬ويمكد أن ت يت قملائل مشةركة أخرى غ‪ ،‬قريش وغطفةةان وبنةةي سةةليم‪ ،‬فةةاحتامل هةةذم‬

‫األحداث جعل الرسول ﷺ والص ابة أن خيتاروا حماولة عنب اللقاء قدر املسةةتطاع‪ ،‬فكانةةه‬

‫فكر اْلندق فكر ممتاز ‪.‬‬

‫مل هنةةرب مةةد أرض املوقعةةة ومل نتنةةازل عةةد يشء‪،‬‬

‫وسيكون العدو يف م زقج ألنه لد يستطيع أن يعةةيش‬

‫ال بعيد ًا عةةد بةةال م وطعامةةه ورشابةةه وعارتةةه‪،‬‬


‫طوي ً‬

‫‪635‬‬
‫فسيصملح عامل الةةزمد يف بةةالح املسةةلمني‪ ،‬وفعة ً‬
‫ال‬

‫كانه فكر ممتاز ‪ ،‬وأرسع النملي ﷺ وأخةةذ جمموعةةة‬

‫مد الص ابة وتفقد أطراف املدينةج لكي يرى املكةةان‬

‫املناسب مفر اْلندق‪ ،‬فهةةو ي خةةذ بكةةل األسةةملاب‪،‬‬

‫ووجد الرسول ﷺ أن رشق املدينة وغرب املدينة هلةةا‬

‫محاية طمليعية مد املرتفعاع الشةرقية والغربية‪ ،‬وأيض ًا‬

‫جنوب املدينة حممي بغاباع طمليعية وأحراش‪.‬‬

‫بقيه منطقة الشامل ومنطقة اجلنوب الرشقي‪ ،‬ومنطقة اجلنوب الرشقي فيها يار بنةةي قريظةةة‪،‬‬

‫وهم إىل اآلن عىل العهد مع رسول اهلل ﷺ‪ ،‬والعهد ال يقضةي فقةةب بعةةدم معاونةةة قةةريش وال‬

‫إجارهتا‪ ،‬ولكد يقيض أيض ًا بالدفاع املشرتك عد املدينة املنور إذا امهها عةةدو‪ ،‬وأية ًا كةةان هةةذا‬

‫العدو‪ ،‬ولذلك أرسل الرسول ﷺ رسالة ليؤكد العهد معهم‪ ،‬ف كدوا العهةةد‪ ،‬وت كيةةدهم هةةذا‬

‫مهم جد ًاج ألن جيوش املرشكني لو خله مد عندهم فهةةذا معنةةام إهنةةاء الوجةةو اإلسةةالمي‬

‫متام ًا‪ ،‬واستئصال شعب املسلمني بكامله‪.‬‬

‫منطقة الشامل مفتوحةج ولذلك أخذ الرسول ﷺ القرار ب فر اْلندق يف شامل املدينةةة املنةةور ج‬

‫ال ورسيع ًا فالتنفيذ قةةد يكةةون‬


‫ليغلق املنطقة ما بني امر الرشقية والغربية‪ ،‬وإذا كان القرار سه ً‬

‫ال ليس بعمل ًا فقب‪ ،‬فمرشوع حفةةر اْلنةةدق مرشةةوع ال يت يلةةه عقةةل بة ي حةةال مةةد‬
‫مست ي ً‬

‫األحوال‪ ،‬مشةروع جملار بمعنى الكلمة‪ ،‬اْلندق عمقه مخسة أمتار‪ ،‬وعرضه مخسة أمتار يف أقل‬

‫التقديراع‪ ،‬وبعض التقديراع تصل إىل عرش أو اثني عرش مرت ًا‪ ،‬وطوله اثنا عشةر كيلةةو مةةرت‪،‬‬

‫وهذم املعلوماع أخذع مد املوقع الرسمي للمدينة املنور عىل اإلنرتنه (موقع مساحة املدينة‬

‫املنور )‪ ،‬هذم األبعا معناها‪ :‬أن األرض التي يرا حفرها ال بد أن يكون حجمها ثالثامئة ألف‬

‫‪636‬‬
‫مرت مكعب‪ ،‬وهذا رقم مهول جد ًا‪ ،‬ولقد جلسه مع أكثر مد مهنةةدس لنتصةةور اجلهةةد الةةذي‬

‫هبذل يف هذا‪ ،‬ففي هذا الوقه قدر العامل عىل امفر يف اليوم الواحةةد ال يتجةةاوز مخسةةة أمتةةار‬

‫مكعملة ويكون امفر يف أرض رملية سهلة وبعمق مرت واحد فقب‪ ،‬وكلام كان العمق أكثر قلةه‬

‫قدر العامل عىل امفرج ألن عليه أن حيفر يف أرض أبعب‪ ،‬وخيرج الرتاب وينقلةةه بعيةةد ًا‪ ،‬ثةةم‬

‫يرجع فينزل مر أخرى‪ ،‬أو تكون هناك فرق كث‪ ،‬ممل ونقل األتربة اهلائلة التةةي ختةةرج مةةد‬

‫امجم الض م الذي سن فرم‪.‬‬

‫كان تعدا الص ابة مجيعهم يف املدينة ‪ 3000‬ومل يقم كلهم بامفر‪ ،‬فهناك مةةد هةةم مشةةغولون‬

‫بامراسة‪ ،‬وهناك مد خيدم يف أمور الطعام والرشاب‪ ،‬ومةةنهم مةةد يكةةون مريضة ًا أو كملةة‪ً ،‬ا يف‬

‫السد‪ ،‬ومع ذلك لو أن كلهم شةةاركوا يف امفةةر فانةةه مةةد املسةةت يل أن تنتهةةي عمليةةة امفةةر‬

‫لل ندق يف هذا الزمد القيار‪ ،‬كان حفر اْلندق يف أسملوعني فقب‪ ،‬فلو أن كل ب ايب سةةوف‬

‫يشتغل ‪ 16‬ساعة يومي ًا فانه سوف يضاعف الشغل أيض ًا‪ ،‬وهذا بةةعب جةةد ًا‪ ،‬وكةةل هةةذا مةةع‬

‫افرتاض أن األرض رملية سهلة‪ ،‬فلو ختيله أن األرض ب رية فاهنا حتتةةاج يف زمننةةا هةةذا إىل‬

‫معداع خابة وأجهز حفر متطور ‪ ،‬عندئذ ستعرف كيف كان هذا العمل جملار ًا‪ ،‬لو أضةةفه‬

‫إىل هذا أننا ن فر لعمق مخسة أمتار وليس مرت ًا واحد ًا‪ ،‬ولةةو أضةةفه إىل هةةذا أن نقةةل كميةةاع‬

‫الرتاب إىل أماكد بعيد عد امفر هي أيض ًا مسةةئولية هةةؤالء ‪ 3000‬بة ايب الةةذيد يقومةةون‬

‫بامفر‪ ،‬ولو أضفه أن اْلندق متسع يف بعض األماكد إىل أكثر مد مخسة أمتةةار‪ ،‬ولةةو أضةةفه‬

‫نقص خرب املسلمني يف هذا العمل‪ ،‬فهم أول مر يف حياهتم حيفرون خندق ًا‪ ،‬ولو أضفه كثةةر‬

‫األعدا العاملة وتوزيعها عىل ‪ 12‬كيلو مرت‪ ،‬كيف يمكد أن تةةدير فرقة ًا ةةذم الضة امة؟ وإذا‬

‫أضفه إىل كل ذلك أن هؤالء يعملون يف ظروف شديد الصعوبة مد جوع وبر ‪ ،‬وخوف مد‬

‫قدوم األعداء يف أي مظة‪ .‬لو أضفه كل هذا فانك ستعرف أن هذا عمل جملار‪ ،‬وهذا العمةةل‬

‫‪637‬‬
‫يف زماننةةا حيتةةاج لكةةي يةةتم يف أسةةملوعني إىل أكثةةر مةةد مةةائتي لةةو ر‪ ،‬وشةةواكيش إلكرتونيةةة‪،‬‬

‫وعشةراع السياراع للنقةةل كةةي ت خةةذ األتربةةة‪ ،‬وكةةذلك إ ار هندسةةية كاملةةة‪ ،‬وحيتةةاج إىل‬

‫جمموعة مد االستشاريني املت صصني يف امفر‪ ،‬وإذا أر ع أن تعةةرف بةةعوبة هةةذا املرشةةوع‬

‫ال بمرشوع األنفاق‪ ،‬وانظر كيف كان بعمل ًا‪ ،‬وقد أخةةذنا فيةةه عرشة سةةنني‪ ،‬وتعطلةةه‬
‫قارنه مث ً‬

‫الدنيا يف كل مكان‪.‬‬

‫مرشوع اْلندق كان مرشوع ًا خرافية ًا‪ ،‬فةةان أحةةد املهندسةةني كنةةه أحسةةب معةةه حجةةم هةةذا‬

‫املرشوع‪ ،‬فرمى القلم مد يدم وقال ‪( :‬هذا غ‪ ،‬ممكد يا كتور املوضوع هذا ليس بامكانيةةاع‬

‫الملشةر)‪ ،‬قله له‪ :‬بدقه‪ ،‬هناك أشياء ال تستطيع أن تفهمها إال أن تكون مؤمن ًا حق ًا بةةاهلل عةةز‬

‫وجل‪ ،‬تتذكرون غزو بدر‪ ،‬وتتذكرون كيف تم النرص؟ وتتةةذكرون جنةةدي الربكةةة‪ ،‬وهةةو أن‬

‫يض م اهلل عز وجل مد نتيجة جهد يملدو يف ظاهرم بسيط ًا فينتج نتائج عجيملة‪.‬‬

‫الملرش يف العا ال يستطيعون ب ي حال مد األحوال أن يعملوا هذا العمةةل‪ ،‬لكةةد اهلل سةةمل انه‬

‫وتعاىل إذا أرا أن جيعلهم يستطيعون الستطاعوا‪ ،‬سواء ب يد م أو كان معهم مالئكة أو جنةةو‬

‫ال نراها‪ ،‬لكد هذا واقع رأينام ونرام‪ ،‬وسنظل نرام إىل يوم القيامة ما ام أن هنةةاك مةةد يسةةت ق‬

‫وحفر اْلندق العمالق وتم املرشوع اجلملار‪.‬‬


‫نصةر اهلل سمل انه وتعاىل‪ ،‬ه‬

‫ضوابب العمل اجلامعي يف حفر اْلندق‬

‫ال مجاعي ًا ض ًام‪ ،‬وهناك ضةةوابب جعلتةةه يةةنجح‪ ،‬مةةا‬


‫نجح مرشوع حفر اْلندق متام ًا وكان عم ً‬

‫الذي عمله النملي ﷺج لكي يعطي املرشوع هذا أكرب فرص النجاح؟ أ ار الرسول ﷺ املرشةةوع‬

‫بكفاء غ‪ ،‬مت يلة‪ ،‬وضع لنا قواعد ناج ة لألعامل اجلامعية‪ ،‬وأي عمل مجاعي يف أي مرشوع‬

‫‪638‬‬
‫كمل‪ ،،‬حتى ولو كانوا جمموعة مد املرشكني إذا أخذوا ذم القواعد فانه سوف يتم النجاح‪ ،‬فةةام‬

‫بالكم لو كانوا مؤمنني‪ ،‬واهلل سمل انه وتعاىل يؤيدهم؟! ما هي ضوابب العمةةل اجلامعةةي الةةذي‬

‫علمنا إياها الرسول ﷺ؟ الضوابب كث‪ ،‬جد ًا‪ ،‬لكد لن خذ منها أربعة ضوابب فقب‪.‬‬

‫مشاركة القائد جلنو م‬

‫أوالً‪ :‬مشاركة القائد جلنو م‪ ،‬مشاركة اماكم ألتملاعه‪ ،‬مشةةاركة بةةاحب العمةةل لعاملةةه‪ ،‬فلةةو‬

‫شارك القائد جنو م فاهنم ال شك خيرجون أقىص طاقاهتم‪ ،‬وليس نتيجة خوفهم مد القائةةد ال‪،‬‬

‫وإنام نتيجة شعورهم بقضية مشرتكة مهمة‪ ،‬نتيجةةة إحساسةةهم أن املوضةةوع هةةذا موضةةوعهم‬

‫مجيع ًا‪.‬‬

‫فالرسول ﷺ وهو النملي املطاع واماكم لدولة املدينةةة والقائةةد األعةةىل جلةةيش املسةةلمني ينةةزل‬

‫بنفسه لي فر مع املسلمني‪ ،‬ال يرشف عىل امفةةر فقةةب! وإنةةام يقةةوم بةةامفر بنفسةةه‪ ،‬فيضةةرب‬

‫باملعول بنفسه‪ ،‬وي خذ الرتاب بنفسه‪ ،‬وكشف عد بطنه حتى ال تعوقةةه املالبةةس عةةد امركةةة‪،‬‬

‫والص ابة ال يرون بطنه مد الرتاب الذي غطام‪ ،‬وهذم هي ضوابب نجاح العمل اجلامعي‪ ،‬مةةع‬

‫أن اجليش مجيعه يف جوع وال يوجد أكل‪ ،‬يقول أنس را اهلل عنه أيام األحةةزاب‪( :‬كةةان أهةةل‬

‫اْلندق يؤتون بملء كفي مد الشع‪- ،‬وأنس يف ذلك الوقه كان بغ‪ً ،‬ا فت يل حجةةم كفةةه‪-‬‬

‫قال‪ :‬ف هيصنع هلم باهالة سن ة ‪-‬واإلهالة‪ :‬هي الدهد‪ ،‬سن ة يعنةةي‪ :‬تغةة‪ ،‬لوهنةا وطعمهةةا مةةد‬

‫القدم‪ -‬توضع بني يدي القوم والقوم جياع‪ ،‬وهي بشعة يف املق وهلةةا ريةةح منةةتد)‪ .‬هةةو هةةذا‬

‫أكلهم‪ ،‬فان قيل‪ :‬ما الذي ي كله قائدهم؟! قال أبو طل ة األنصاري را اهلل عنه‪( :‬شكونا إىل‬

‫رسول اهلل ﷺ اجلوع‪ ،‬فرفعنا عد بطوننا عد حجر‪ ،‬فرفع ﷺ عةةد حجةةريد) هنةةا القائةةد أكثةةر‬

‫جوع ًا مد الشعب‪ ،‬فهذا شعب يمكد أن ينجح يف أعامله اجلامعية‪ ،‬وكث‪ً ،‬ا مةةا نفشةةل يف أعاملنةةا‬

‫اجلامعيةج ألننا نسمع خطمل ًا رنانة تدعو إىل الكفاح وإىل العمل واجلهد وشد امزام واالنتامء‪ ،‬ثم‬
‫‪639‬‬
‫ال نجد ممد يلقي اْلطب الرنانة مساعد يف حفر اْلندق‪ ،‬يف الليل وحدم شعب كةةا ح وقةةوا م‬

‫مسرتحيون‪ ،‬شعب بائس وقوا م مرتفون‪ ،‬شعب جائع وقوا م مشملعون‪ ،‬فكيف يمكد أن ينجح‬

‫العمل يف وضع مثل هذا؟ كان جابر بد عملد اهلل را اهلل عنهام عندم طعةةام قليةةل مةةد الل ةةم‬

‫واْلملز‪ ،‬وال يكفي إال رجلني أو ثالثة‪.‬‬

‫يقول جابر را اهلل عنه‪( :‬رأيه يف النملي ﷺ مخص ًا شديد ًا )‪-‬جوع ًا شةةديد ًا‪ -‬وأرا أن يةةدعو‬

‫النملي ﷺ واثنني مد أب ابه إىل ضيافته‪ ،‬وعرف الرسول ﷺ أن هناك أكةالً‪ ،‬ومل يةةذهب معةةه‬

‫لي كل رس ًا‪ ،‬مع أن هذم أكلة اعتزم عليها‪ ،‬وليس مد امرام أن ي كةةل منهةةا‪ ،‬لكةةد الرسةةول ﷺ‬

‫وقف عىل اْلندق‪ ،‬ونا ى ب عىل بوته‪( :‬يا أهةةل اْلنةةدق أخةوكم جةةابر أعةةد لكةةم وليمةةة)‪،‬‬

‫وارتملك جابر‪ ،‬فذهب إىل امرأتةةه يقةةول هلةةا‪( :‬الفضةةي ة الفضةةي ة‪ ،‬جةةاء الرسةةول ﷺ ب هةةل‬

‫اْلندق)‪ ،‬وكان تعدا هم ألف ًا‪ ،‬فكيف سيكون موقةةف جةةابر وموقةةف امرأتةةه؟ هنةةاك موقةةف‬

‫لطيف المرأته‪ ،‬قاله لزوجها جابر‪( :‬هل أعلمته أن الطعةةام ال يكفةةي إال رجة ً‬
‫ال أو رجلةةني؟‬

‫فقال‪ :‬نعم) قاله‪( :‬اهلل ورسوله أعلم) قاله ذلك بيقني‪ ،‬فجاء النملةةي ﷺ ومعةةه ألةةف رجةةل‪،‬‬

‫وبمعجز مد معجزاته ﷺ أخرج هلم الطعام مد الربمة واْلملةةز مةةد الفةةرن‪ ،‬وأخةةذ يطعمهةةم‬

‫عرش عرش ‪ ،‬حتى انتهى منهم مجيع ًا‪ ،‬ثم أكل منه هو ﷺ‪ ،‬أكل ﷺ آخر النةةاسج ألنةةه ال يةةرى‬

‫نفسه وإنام يرى شعمله فقب‪.‬‬

‫فهذا مد أهم ضوابب العمل اجلامعي وعىل أي مستوى‪ ،‬سواء كان العمل اجلامعي يتكةةون مةةد‬

‫ثالثة أو مد عرش أو مد ألف أو مد أمة كاملةج ال بد مد مشاركة القائد جلنو م أوالً‪.‬‬

‫‪640‬‬
‫توزيع األعامل عىل مجيع األفرا‬

‫ثاني ًا‪ :‬توزيع األعامل عىل اجلميع‪ ،‬كث‪ ،‬مد أعاملنا تفشلج ألن ثالثةةة أو أربعةةة ي خةةذون العمةةل‬

‫كله‪ ،‬وباقي الصف مسرتيح ال يشتغل‪ ،‬ون د نظد أن الدنيا فيها إنجازمع أن هذا العمةةل أقةةل‬

‫مد ‪ %10‬مد الذي ممكد أن نعمله لو اشتغلنا مجيع ًا‪ .‬وزع الرسةةول ﷺ األعةةامل عةةىل اجلميةةع‪،‬‬

‫فاجلميع يعملون‪ ،‬وليس هناك أحد أفضل مد اآلخةةر‪ ،‬وال يوجةةد بيةةنهم كسةةالن أو متهةةاون‪،‬‬

‫وكان ﷺ يعطي كل عشةر مد الص ابة مسافة أربعني ذراع ًا‪ ،‬وعندما ينتهةةون منهةةا ي خةةذون‬

‫غ‪،‬ها وغ‪،‬ها وهكذا‪.‬‬

‫اجلمع يف اإل ار بني الرفق وامزم‬

‫ثالث ًا‪ :‬اجلمع يف اإل ار بني امزم والرفق‪ ،‬ليس هناك مد يميش مد غ‪ ،‬إذن‪ ،‬واإلذن ليس متثي ً‬
‫ال‬

‫وليس شيئ ًا روتيني ًا ال معنى له‪ ،‬بل إن القائد للعمل اجلامعي إن مل يقملل اإلذن عنةةدها ال يوجةةد‬

‫إذن‪ ،‬ولو أن هذم الطاعةةة ليسةةه واضة ة يف ذهةةد العامةةل‪ ،‬عنةةدها ال يوجةةد معنةةى للعمةةل‬

‫اجلامعي‪ ،‬والرسول ﷺ يقول‪( :‬مد أطاعني فقد أطاع اهلل‪ ،‬ومد عصاين فقةةد عىصة اهلل‪ ،‬ومةةد‬

‫أطاع األم‪ ،‬فقد أطاعني‪ ،‬ومد عىص األم‪ ،‬فقد عصاين) هذا كالم النملي ﷺ‪ ،‬وهو يف بة يح‬

‫مسلم عد أيب هرير را اهلل عنه‪.‬‬

‫هون ال ِذي ْد آ ْمنهوا بِةاهللِ ْو ْر هسةولِ ِه‬


‫ويف قوله تملارك وتعاىل يوجه التعليامع لنا ولنملينا ﷺ‪{ :‬إِن ْام امليه يؤ ِمن ْ‬

‫ْوإِ ْذا كْانهوا ْم ْع هه ْع ْىل ْأ يم ٍر ْج ِام ٍع ْمل ي ْي يذ ْه هملوا ْحتةى ْي يسة ْت ي ِذنهو هم إِن الة ِذي ْد ْي يسة ْت ي ِذنهون ْْك هأ يو ْل ِئة ْك الة ِذي ْد‬

‫ض ْش ي ِ ِهن يم ْف ي ْذ ين ْملِ يد ِش يئ ْه ِمن هيه يم} [النور‪ ]62:‬فمد ترى‬ ‫هوك لِ ْمل يع ِ‬
‫اس ْت ي ْذن ْ‬ ‫ِِ‬
‫هون بِاهللِ ْو ْر هسوله ْفاِ ْذا ي‬ ‫هي يؤ ِمن ْ‬

‫أن العمل لد يت ثر بغيابه أو ترى أن الظرف الذي يواجهةةه قهةةري فائةةذن لةةهج ألن اإلذن لةةيس‬

‫جمر إعالم لقائد العمل‪ ،‬هذا طلب حيتمل الرفض وحيتمل القملول‪ ،‬ومع ذلك مل يكد الرسةةول‬

‫‪641‬‬
‫ال ي ذن لملعض الصة ابة إن رأى أن هلةةم ظرفة ًا‬
‫ﷺ يتعسف يف است دام هذا األمر‪ ،‬بل كان فع ً‬

‫قهري ًا طارئ ًا‪ .‬وكان اجلميع ينظر بصدق إىل أمهية إنجاح العمل اجلامعي الذي يقومةةون بةةه‪ ،‬ويف‬

‫نفس الوقه مل يكد هذا امزم معنام الغلظة واجلفاء والقسو ‪ ،‬وإنام علمنةةا الرسةةول ﷺ كيةةف‬

‫يمكد أن نجمع بني امزم واهليملة واالحرتام مةةع اللطةةف يف املعاملةةة والرقةةة يف امةةدي ‪ ،‬بةةل‬

‫وبالدعابة واملرح والرتفيه عند مظة حفرهم لل ندق‪ ،‬واشرتاك الرسول ﷺ مةةع الصة ابة يف‬

‫نقل الرتاب‪ ،‬كان ينشد معهم شعر ابد رواحة را اهلل عنه‪:‬‬

‫يقول‪:‬‬

‫اللهم لوال أنه ما اهتدينا‬

‫وال تصدقنا وال بلينا‬

‫ف نزلد سكينة علينا‬

‫وثمله األقدام إن القينا‬

‫إن األىل قد بغوا علينا‬

‫وإن أرا وا فتنة أبينا‬

‫وكان ينشدم بنوع مد الغناء‪ ،‬يمةةد بةةوته ﷺ يف آخةةرم‪ ،‬ويةةراهم النملةةي ﷺ حيفةةرون يف الةةرب‬

‫واجلوع ويقول‪( :‬اللهم إن العةةيش عةةيش اآلخةةر ‪ ،‬فةةاغفر لألنصةةار واملهةةاجر )‪ .‬ويف روايةةة‪:‬‬

‫(فاغفر للمهاجريد واألنصار)ج ألن الرسول ﷺ مل يكد يعةةرف أن يقةةول الشةةعر‪ ،‬فةة‪ ،‬عليةةه‬

‫الص ابة ويقولون‪:‬‬

‫عىل اجلها ما بقينا أبدا‬ ‫ن د الذيد بايعوا حممدا‬

‫‪642‬‬
‫نعم هناك حزم ونظام وترتيب وخطة‪ ،‬لكد يف جو مجيل مد األلفة وامل ملة والسعا امقيقية‪.‬‬

‫كيف هلذا العمل أن يفشل يف هذا اجلو؟ ال يمكد‪.‬‬

‫قلنا ثالث ضوابب مهمة للعمل اجلامعي‪ :‬أوالً‪ :‬مشاركة القائد جلنو م‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬توزيع العمل عىل اجلميع‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬اجلمع يف اإل ار بني امزم والرفق‪.‬‬

‫رفع اهلمة بمل األمل يف النفوس‬

‫هناك ضابب رابع مهم جيعلك تشعر ب ن هذا العمل يمكد أن يكون فربة النجاح فيةةه كملةة‪، ،‬‬

‫هذا الضابب‪ :‬رفع اهلمة بمل األمل يف النفوس‪.‬‬

‫ال أنسى أستاذ ًا كان خيتربين يف الكلية امت ان ًا شفوي ًا‪ ،‬ما إن خله عليه حتى قةةال ‪ :‬أسة لك‬

‫سؤاالً وأنا مت كد أنك ال تستطيع أن عيب عنه! ملاذا هذا اإلحملاط؟ ملاذا تقتل يف الةةذي أمامةةك‬

‫كل أمل يف النجاح؟‬

‫إن الرسول ﷺ كان يرفةةع مهةةة الصة ابة را اهلل عةةنهم وأرضةةاهم مجيعة ًا يف كةةل املواقةةف‬

‫الصعملة‪ ،‬وهذا هو منهج حياته ﷺ‪ ،‬والذي عمله أيام حفر اْلندق كان فوق الت يةةل‪ ،‬ومل يقةةل‬

‫هلم‪ :‬هناك أمل يف حفر اْلندق‪ ،‬ومل يقل هلم‪ :‬هناك أمل أن ننترص عىل األحزاب اآلتية‪ ،‬ومل يقةةل‬

‫هلم‪ :‬هناك أمل أن ننترص عىل العرب‪ ،‬ال‪ ،‬وإنام كان يرفع مهتهم ملا هو أعىل مد كةةل أحالمهةةم‪،‬‬

‫فهو يزرع بداخلهم أم ً‬


‫ال يف سيا العامل‪ ،‬وليس يف سيا املدينة أو اجلزير العربية فقب‪.‬‬

‫قال ﷺ وهو يَّضب ب ر بعملة اعرتضه الص ابة‪( :‬باسم اهلل‪ ،‬اهلل أكرب‪ ،‬هأعطيةةه مفةةاتيح‬

‫الشام‪ ،‬واهلل إين ألنظر قصورها اممر الساعة) هيملرش بفةةتح الشةةام يف مظةةة حفةةر اْلنةةدق‪ ،‬ثةةم‬

‫‪643‬‬
‫رضب الثانية فقطع جزء ًا آخر مد الص ر ‪ ،‬فقال‪( :‬اهلل أكرب‪ ،‬هأعطيه مفاتيح فةةارس‪ ،‬واهلل إين‬

‫ألهبرص قرص املدائد األبيض اآلن) يقول هلم‪ :‬أنا أرى قرص امكم الفارر ملك ًا للمسلمني‪ ،‬ثم‬

‫رضب الثالثة فشق بقية امجر وقال‪( :‬اهلل أكربج هأعطيه مفاتيح اليمد‪ ،‬واهلل إين ألهبرص أبةةواب‬

‫بنعاء مد مكاين)‪.‬‬

‫عظم مد أحالمك‪ ،‬كرب أهدافك‪ ،‬ليسه قضيتنا هي امصار‪ ،‬وال قضيتنا هي الدولة الصةغ‪،‬‬

‫التي ن د نعيش فيها‪ ،‬ال‪ ،‬قضةةيتنا هدايةةة العةةاملني‪ ،‬قضةةيتنا محةةل هةةذم الرسةةالة إىل كةةل بقةةاع‬

‫األرض‪ ،‬ويملرشهم أن الكالم هذا ليس ب وهام‪ ،‬وإنام سوف حيصل باذن اهلل‪ ،‬وسيصل اإلسالم‬

‫إىل فارس والروم واليمد‪ ،‬وسيصل إىل كل بقعة يف العامل‪ ،‬قدي ًام وحةةديث ًاج ألن هةةذا وعةةد ربنةةا‬

‫سمل انه وتعاىل‪ ،‬واهلل ال خيلف امليعا ج وهلذا نجح الص ابة يف حفر اْلندق العمالق‪ ،‬ولو كةةان‬

‫عندهم ي س وإحملاط ما كانوا ليستطيعوا أن حيفروا ‪ 20‬أو ‪ 30‬مرت ًا مكعملة ًا فقةةب‪ ،‬فةةام بالةةك يف‬

‫ثالثامئة ألف مرت مكعب‪.‬‬

‫وحفر اْلندق ونجح املرشوع‪ ،‬ومع ذلك مل ينتةةه االمت ةةان بعةةد‪ ،‬ال زلنةا سةةندخل يف مرحلةةة‬
‫ه‬
‫الزلزال لنت لص مد كل املنافقني‪.‬‬

‫يوم األحزاب‬

‫جاءع األحزاب يف شوال سنة ‪5‬هة بعد قوامه ‪ 10000‬مقاتل مد مشةركي قةةريش وغطفةةان‬

‫وبني سليم وغ‪،‬هم‪ ،‬ومل يكتف الرسول ﷺ ب فر اْلنةةدق‪ ،‬بةةل مجةةع الصة ابة الثالثةةة آالف‬

‫الذيد اشرتكوا يف امفر‪ ،‬ونظم نقب حراسةةة لل نةدق وفةةرق قتةةال وكتائةةب مقاومةةةج ليمنةةع‬

‫املرشكني مد ختطي اْلندق حته أي ظرف‪ ،‬وتفاج ع األحزاب باْلندق أمامهم‪ ،‬فقد وضعوا‬

‫يف حسملاهنم كل يشء إال هذا اْلندق‪ ،‬قالوا‪ :‬هذم مكيد ما عرفتها العرب‪ ،‬وبدقوا‪ ،‬ولكةةنهم‬

‫‪644‬‬
‫نسوا أن املسلمني ليسوا عرب ًا فقب‪ ،‬وبدأ املسلمون يف رمي املرشةةكني بالنملةةالج ليمنعةةوهم مةةد‬

‫عملور اْلندق أو ر مه‪ ،‬وحاول املرشكون بكل رضاو أن يقت موا اْلندق‪ ،‬ونج ةةوا فعة ً‬
‫ال يف‬

‫العملور مد مكان ضيق يف اْلندق بفرقة عىل رأسها أحد أبطاهلم‪ ،‬وكان اسةةمه عمةةرو بةةد عملةةد‬

‫و ‪ ،‬ومعه عكرمة بد أيب جهل ورضار بد اْلطاب وغ‪،‬هم مد فرسان قةةريش‪ ،‬لكةةد تصةةدى‬

‫هلم املسلمون‪ ،‬وحدثه مملارز رهيملة بني عمرو بد عملد و وعيل بد أيب طالةةب را اهلل عنةةه‪،‬‬

‫ومد اهلل عز وجل عىل الملطل اإلسالمي العظيم عيل بد أيب طالب بقتل الفارس القريش الكملةة‪،‬‬

‫عمرو بد عملد و ‪ ،‬وهرب بقية القوم الذيد كانوا معه‪ ،‬وتكررع حمةةاوالع املشةةركني مةةراع‪،‬‬

‫وتصدى أسيد بد حض‪ ،‬بكتيملة مد مائتي مسلم لفرقة فرسان بقيا خالد بد الوليد‪ ،‬واستطاع‬

‫أن ير هم منهزمني‪ ،‬وأحيان ًا كان يدور الرصاع حول اْلندق لفرتاع طويلة‪ ،‬حتى إنةةه يف أحةةد‬

‫األيام ظل املسلمون يدافعون عد اْلندق قملل بال العرص حتى بعد بال املغرب‪ ،‬وضاعه‬

‫عليهم بال العرص‪ ،‬وامدث هذا فريد يف الس‪ ، ،‬ونا ر جد ًا أن يضيع فرض عةةىل املسةةلمني‪،‬‬

‫وهز هذا األمر املسلمني‪ ،‬كيةةف يمكةةد أن تضةةيع مةةنهم بةةال ؟ حتةةى قةةال ﷺ كةةام جةةاء يف‬

‫المل اري‪( :‬مأل اهلل عليهم بيوهتم وقملورهم نار ًا كام شغلونا عد الصال الوسةةطى حتةةى غابةةه‬

‫الشمس)‪ ،‬بل إن يف مسةةند أمحةةد بةةد حنملةةل والشةةافعي رمحهةةام اهلل‪ :‬أن الكفةةار أضةةاعوا عةةىل‬

‫املسلمني يف أحد األيام بال الظهر والعرص واملغرب‪ ،‬فصلوها مجيع ًا مع العشاء‪.‬‬

‫ال كانه رشسة‪ ،‬و هأبةةيب فيهةةا الكثةة‪ ،‬مةةد الصة ابة را اهلل عةةنهم وأرضةةاهم‬
‫املقاومة فع ً‬

‫أمجعني‪ ،‬وطال امصار شهر ًا كامالً‪ ،‬واملوضوع كام هو بعب عىل املسلمني كذلك كةةان بةةعمل ًا‬
‫ون ْفاِهنه يم ْي يملْه ْ‬
‫ون ك ْْام ْت يملْه ْ‬
‫ون} [النساء‪ ،]104:‬وقد سملق الكةةالم عةةىل‬ ‫عىل الكفار‪{ :‬إِ ين ْتكهونهوا ْت يملْه ْ‬

‫ذلك يف غزو أحد‪ ،‬ومل يستطع الكفار أن يترصفوا‪ ،‬حتى جاء امل مد قملل اليهو ‪ ،‬فاليهو هم‬

‫الذيد مجعوا هذم األعدا بكاملها‪ ،‬وما زالوا يريدون استئصال املسلمني‪ ،‬فام هو امل؟‬

‫‪645‬‬
‫نقض بني قريظة للعهد‬

‫خرج مع املرشكني أحد زعامء اليهو واسمه حيي بد أخطب‪ ،‬وكان مد أشدهم كفةةر ًا وحقةةد ًا‬

‫ال وحسد ًا‪ ،‬قال هلم‪ :‬هناك حل واحد وهو بنو قريظة‪ ،‬وبنةةو قريظةةة عةةىل اجلنةةوب الرشةةقي‬
‫وغ ً‬

‫للمدينة املنور ‪ ،‬لو فت وا األبواب للمرشكني لدخول املدينةةة النتهةةه املدينةةة‪ ،‬فةةام بةةالكم لةةو‬

‫حاربوا مع املرشكني؟ فعندما سمع املرشكون الفكر مد حيةةي بةةد أخطةةب أعجملةةتهم‪ ،‬وبقةةي‬

‫عليهم فقب أن يقنعوا بني قريظة بنقض العهد مع رسول اهلل ﷺ‪ ،‬والسامح للمرشكني بةةدخول‬

‫املدينة الستئصال الشعب املسلم بكامله‪ ،‬وذهب حيي بد أخطبج لكي يؤ ي املهمةةة القةةذر ‪،‬‬

‫والتقى بزعيم بني قريظة كعب بد أسد‪ ،‬فقال له حيي‪( :‬إين قد جئتةةك يةةا كعةةب بعةةز الةةدهر‪،‬‬

‫جئتك بقريش عىل قا هتا وسا هتا‪ ،‬وبغطفان عىل سا هتا وقا هتا قد عاهةةدوين وعاقةةدوين عةةىل‬

‫أال يربحوا حتى نست بل حممد ًا ومد معه)‪ ،‬فقال له كعب‪( :‬جئتني واهلل بذل الدهر‪ ،‬وحيك يةةا‬

‫حيي فدعني وما أنا عليه‪ ،‬فاين مل أر مد حممد إال بدق ًا ووفا ًء)‪ ،‬لكد حيي ًا استمر يف الكالم مةةع‬

‫كعب وزيد له األمر‪ ،‬ثم وعةةدم إن ختلفةةه قةةريش وغطفةةان عنةةه أن يةةدخل معةةه يف حصةةنه‪،‬‬

‫ويت مل معه ما حيدث بعد ذلك‪ ،‬وحته ت ث‪ ،‬شيطان بني النض‪ ،‬وافةةق شةةيطان بنةةي قريظةةة‪،‬‬

‫وقرر الت الف مع املرشكني لتنفيذ ما ذكرم حيي‪ ،‬وهو أال يربحوا حتى يست بلوا حممد ًا ومةةد‬

‫معه‪ ،‬وكان الت الف ليس فقب يف أن يفت وا املدينة‪ ،‬وإنام أيض ًا ليقوموا بتجهيز فةةرق عسةةكرية‬

‫لل رب ضد املسلمني‪.‬‬

‫بارع املدينة عىل أبواب هلكة قريملة‪ ،‬ماذا حيدث لو انساح عرش آالف مسةةلح باإلضةةافة إىل‬

‫و بني قريظة إىل اخل املدينة؟ ال أحسب أن أحد ًا يملقى حي ًا يف املدينة املنور ‪ ،‬ال بد أن تضع‬

‫هذا يف بالكج لتفهم ر فعل الرسول ﷺ عىل اْليانة التي حصةةله مةةد بنةةي قريظةةة‪ ،‬ونقلةةه‬

‫امل ابراع اإلسالمية هذا اْلرب‪ ،‬وقد كان الرسول ﷺ خائف ًا مد خيانة اليهو ‪ ،‬وجعةةل علةةيهم‬

‫‪646‬‬
‫مراقملة‪ ،‬فهل مد قمليل املصا فة أن خيون اليهو يف تعةةاملهم مةةع الرسةةول ﷺ؟ هةةل مةةد قمليةةل‬

‫املصا فة أن يظهر االن راف يف بني قينقاع وبني النض‪ ،‬وبنةةي قريظةةة؟ ال شةةك أن هةةذا لةةيس‬

‫مصا فة أبد ًا‪ ،‬وال شك أن هذا واقع ال بد أن نهدركه مجيع ًا‪ ،‬فقد ذكةةرم ربنةةا سةةمل انه وتعةةاىل يف‬
‫اهده وا ْع يهدً ا ْن ْمل ْذ هم ْف ِريق ِمن هيه يم ْب يل ْأ يك ْث هر هه يم ال هي يؤ ِمنهة ْ‬
‫ون} [الملقةةر ‪]100:‬‬ ‫كتابه حني قال‪ْ { :‬أ ْوكهل ْام ْع ْ‬
‫وانظر املعاين التي ت يت يف ذهنك عندما تسمع اللفظ القرآين { ْأ ْوكهل ْام} [الملقةةر ‪ ]100:‬كةةل مةةر‬

‫هكذا؟ هل توجد مر فيها وفاء لليهو ؟ هل توجد مر فيها أمانة؟ { ْأ ْوكهل ْام ْع ْ‬
‫اهده وا ْع يهدً ا ن ْْملة ْذ هم‬

‫ْف ِريق ِمن هيه يم} [الملقر ‪ ]100:‬فالكالم هذا ليس مصا فة أبد ًا‪ ،‬بل هو قاعةةد ‪ ،‬وال بةةد أن نعرفهةةا‬

‫جيد ًا‪.‬‬

‫وبل اْلرب إىل الرسول ﷺ‪ ،‬وقملل أن ي خذ الرسول ﷺ أي ر فعل أرا أن يستوثق مد اْلرب‪،‬‬

‫ف رسل جمموعة مد الص ابة للت كد‪ ،‬فيهم سعد بد معاذ وسعد بد عملا وعملد اهلل بةةد رواحةةة‬

‫وغ‪،‬هم‪ ،‬وقال هلم‪( :‬انطلقوا حتى تنظروا‪ :‬أحق ما بلغنا عد هؤالء القوم‪ ،‬أم ال؟ فان كان حق ًا‬

‫فامنوا من ًا أعرفه‪ ،‬وال تفتوا يف أعضا الناس) أي‪ :‬إن كانوا حقة ًا قةةد غةةدروا فةةال تةةذكروا‬

‫ذلك أمام الناسج لكي ال حيصل إحملاط (وإن كانوا عىل الوفاء فاجهروا به للناس)‪ .‬املسةةلمون‬
‫ٍ‬
‫وإمكانياع للعدو عىل بةةف اع اجلرائةةد‬ ‫اليوم ينشةرون أخملار ًا وخطط ًا وتسلي ٍ‬
‫اع وأعدا ًا‬

‫وعىل شاشاع التلفاز‪ ،‬فيشعر املسلم املشاهد هلذم األخملار أنه ال يوجةةد أمةةل وال توجةةد فائةةد‬

‫أبد ًا‪ ،‬لكد الرسول ﷺ يعلمنا أنه ليس كل ما هيعرف يقةةال‪ ،‬وذهملةةه املجموعةةة اإلسةةالمية إىل‬

‫بني قريظة‪ ،‬وتكلموا معهم مملارش ‪ :‬أما زلتم عىل العهد؟ فجهر و بني قريظة بالسوء‪ ،‬وسملوا‬

‫الرسول ﷺ وقالوا‪( :‬مد رسول اهلل؟ ال عهد بيننا وبني حممد وال عقد)‪ ،‬ثم رجع الصة ابة إىل‬

‫الرسول ﷺ وقالوا‪( :‬عضل والقار )‪ ،‬أي‪ :‬غدروا كغدر عضل والقةةار ‪ ،‬وهةةي القملائةةل التةةي‬

‫غدرع باملسلمني عند ماء الرجيع‪ ،‬ف زن الرسول ﷺ حزن ًا شديد ًا هلذا اْلرب‪ ،‬حتةةى إنةةه تقنةةع‬

‫‪647‬‬
‫بثوبه ‪-‬أي‪ :‬غطى رأسه بالثوب‪ -‬ومك طوي ً‬
‫ال ﷺ يفكر ما الذي سي صل؟ وبعد ذلك رفةةع‬

‫رأسه فج ‪ ،‬وقال للمسلمني بصوع عال‪( :‬اهلل أكةةرب أبشةةروا يةةا معشةةر املسةةلمني بفةةتح اهلل‬

‫ونرصم) وهو حياول قدر املستطاع أن يرفع مد مهة الص ابة را اهلل عنهم وأرضةةاهم‪ ،‬وعةةىل‬

‫الرغم مد حماوالع الرسول ﷺ لتجنب انتشار اْلرب إال أنه شاء اهلل سمل انه وتعةةاىل لل ةةرب أن‬

‫ينترش‪ ،‬وهذا أيض ًا له حكمة واض ة‪ ،‬وهو االبتالء والتنقيةةة والتمييةةز بةةني بةةفوف املسةةلمني‬

‫وبفوف املنافقني‪ ،‬فكل ما حدث مد األحزاب وحصةةار املدينةةة كانةةه رجةةة مةةد رجةةاع‬

‫االبتالء‪ ،‬أما اآلن فقد وبل املسلمون إىل ما نسميه مرحلة الزلزال‪ ،‬وهي املرحلة التةةي هيزلةةزل‬

‫فيها املسلمون زلزاالً ال يثمله فيه إال الصا ق حق ًا‪ ،‬أما املنافق سواء كانه رجة نفاقه كملةة‪ ،‬أو‬

‫بغ‪ ،‬ال شك أنه سةةيقع‪ .‬وبةةف اهلل سةةمل انه وتعةةاىل هةةذا األمةةر يف سةةور األحةةزاب‪{ :‬إِ يذ‬
‫جاءوكهم ِمد ْفو ِقكهم و ِمد ْأس ْف ْل ِمنيكهم} [األحزاب‪ ]10:‬مد الشامل ومد اجلنوب‪{ ،‬وإِ يذ ْزا ْغ ِ‬
‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ْ ه ي ي ي ي ْ ي ي‬
‫ُّون بِاهللِ ال ُّظنهونْا * ههنْالِ ْك ا يبت ِ ْهيل امليه يؤ ِمن ْ‬
‫هون ْو هز يل ِز هلوا ِز يلة ْز ًاال‬ ‫امن ِ‬
‫ْاج ْر ْو ْت هظن ْ‬ ‫ِ‬
‫األْ يب ْص هار ْو ْب ْل ْغه ا يل هق هل ه‬
‫وب ي ْ‬
‫ْش ِديدً ا} [األحزاب‪ .]11 - 10:‬مرحلة الزلةةزال مرحلةةة خطةة‪ ، ،‬وال بةةد منهةةا قملةةل أن ية يت‬

‫النرص‪ ،‬ولكد إذا أته فاممد هلل‪ ،‬معنى ذلك‪ :‬أن النرصة قريةةب إن شةةاء اهلل‪ْ { :‬و هز يل ِز هلةوا ْحتةى‬

‫ول ْوال ِذي ْد آ ْمنهوا ْم ْع هه ْمتْى ن يْصة هر اهللِ ْأال إِن ن يْصة ْر اهللِ ْق ِريب} [الملقر ‪.]214:‬‬
‫ول الر هس ه‬
‫ْي هق ْ‬

‫أما املنافقون فقد كان وضعهم خمتلف ًا‪ ،‬كان املرشكون حول املدينةةة مةةد الشةةامل‪ ،‬واليهةةو مةةد‬

‫ون ْوال ِذي ْد ِيف هق هلو ِ ِ يم ْم ْرض ْمةا‬


‫ول امليهنْافِ هق ْ‬
‫اجلنوب‪ ،‬وال أمل مطلق ًا يف نظرهم يف النجا ‪ْ { :‬وإِ يذ ْي هق ه‬

‫ْوعْدْ نْا اهلله ْو ْر هسو هل هه إِال هغ هر ً‬


‫ورا} [األحزاب‪ ]12:‬وبعضهم قال‪ :‬كان حممد يعدنا أن ن كةةل كنةةوز‬

‫كسةرى وقيصةر‪ ،‬وأحدنا اليوم ال ية مد عةةىل نفسةةه أن يةةذهب إىل الغةةائب‪ .‬بةةدأ املنةةافقون يف‬

‫ون إِن هب هيوتْنْةا ْعة يو ْر ْو ْمةا ِهة ْي بِ ْعة يو ْر ٍ إِ ين‬


‫الترسب مد الصف‪ْ { :‬و ْي يس ْت ي ِذ هن ْف ِريق ِمن هيه هم النملِي ْي هقو هل ْ‬

‫‪648‬‬
‫ون إِال فِ ْر ًارا} [األحزاب‪ ]13:‬واممد هلل بدأع تنقية الشوائب وبدأع تنقية املنافقني مةةد‬
‫هي ِريده ْ‬

‫الصف‪ ،‬وبدأ يقرتب النرص‪.‬‬

‫ما قام به ﷺ مد أعامل بعد نقض بني قريظة العهد‬

‫الرسول ﷺ قائد عميل‪ ،‬ال بد أن ي خذ ر و أفعال واقعية‪ ،‬مةةا الةةذي سةةوف نعملةةه؟ اجلةةيش‬

‫اإلسالمي يف حراسة اْلندق يف شامل املدينة‪ ،‬أي‪ :‬هم يف منطقة خارج املدينة املنةةور ‪ ،‬والنسةةاء‬

‫واألطفال يف اخل املدينة‪ ،‬واليهو إىل جوارهم‪ ،‬وأول يشء فكر فيه النملي ﷺ هو إرسال جند‬

‫مامية النساء واألطفال‪ .‬وما يروى مد قصة فاع السيد بةةفية عةةد امصةةد ضةةد اليهةةو ي‪،‬‬

‫ورفض حسان بد ثابه را اهلل عنه أن اجم اليهو ي‪ ،‬فهذم رواية ال ب ة هلاج ألن السةةند‬

‫منقطع‪ ،‬وفيها طعد ال يصح أبد ًا يف ب ايب جليل كة حسان بد ثابه را اهلل عنةةه وأرضةةام‪،‬‬

‫وال تنسوا أن حسان بد ثابه كان مد الشعراء‪ ،‬ولو حدث هذا ملا تركه أحد مد شعراء قةةريش‬

‫ون هجاء‪.‬‬

‫بع الرسول ﷺ فرقة مامية اجلملهة الداخلية يف املدينة املنور ‪ ،‬وال بد أن نفكر يف املوقةةف مةةد‬

‫جديد‪ ،‬اآلن امصار مد قريش وغطفان واليهو ‪ ،‬فال بد أن نعمل حماولة لفةةك هةةذا الت ةةالف‬

‫الرهيب‪ ،‬وأرا الرسول ﷺ أن ي يت بعرض ما ي حياول ذا العرض أن يفةةك الت ةةالف‪ ،‬فيةةا‬

‫ترى يعرضه عىل مد؟ عىل قريش‪ ،‬أم عىل اليهو ‪ ،‬أو عىل غطفةةان؟ قةةريش ال يمكةةد‪ ،‬فتةةاري‬

‫العداء طويل‪ ،‬وهؤالء مل ي توا مد أجل املال‪ ،‬وإنام هناك وافع عقائدية كربى‪ ،‬أيض ًا اليهةةو ال‬

‫يمكدج ألن حقدهم عةةىل الرسةةول ﷺ كملةة‪ ،‬جةد ًا‪ ،‬وقةةد قةةالوا كالمة ًا يف حةةق املسةةلمني وال‬

‫يستطيعون أن يرتاجعوا عنه‪ ،‬ويف نفس الوقه التعاهد معهم غةة‪ ،‬مضةةمونج ألهنةةم متعةةو ون‬

‫عىل اْليانة‪ ،‬تملقى غطفان‪ ،‬فغطفان مل ت ع إىل امرب وهي مت رقة شوق ًا لقتةةال الرسةةول ﷺ‪،‬‬

‫بل جاءع مد أجل مال خيرب‪ ،‬فلو أعطوا مد مال املدينة قد يرجعون‪ ،‬ولو رجعةةوا فةةان بةةف‬
‫‪649‬‬
‫املرشكني سوف يتفكك‪ ،‬فستكون امل اولة يف هذا االعام‪ .‬هذا كان تفك‪ ،‬الرسول ﷺ‪ ،‬وفعة ً‬
‫ال‬

‫عقد الرسول ﷺ اجتامع ًا مع زعامء غطفان عيينة بد حصد وامارث بد عوف‪ .‬فان قيل‪ :‬كيف‬

‫تقابلوا وكيف وبلوا له؟ ن د ال نعرف‪ ،‬املصا ر مل توضح ذلك‪ ،‬لكد يملدو أهنا كانه فربةةة‬

‫رسيعة حتى إن الرسول ﷺ مل جيةةد وقتة ًا إلرشاك الصة ابة يف اللقةةاء‪ ،‬أو أن اللقةةاء كةةان عةةىل‬
‫مستوى ٍ‬
‫عال جد ًا مد الرسية فلم يشرتك فيه مد الطرفني إال الزعامء‪ ،‬فالرسول ﷺ مةةد ناحيةةة‬

‫املسلمني‪ ،‬وعيينة بد حصد وامارث بد عوف مد ناحية غطفان‪ .‬اللقةةاء تةةم بعةةد مشةةاوراع‬

‫ومداوالع طويلة‪ ،‬واستقر الطرفان عىل إعطاء غطفان ثل ثامر املدينةةة لسةةنة كاملةةة‪ ،‬عةةىل أن‬

‫تعو غطفان وترتك حصار املسلمني‪ ،‬لكد الرسول ﷺ علق هذم املفاوضاع عىل قملول جملسةةه‬

‫االستشاري لفكر املفاوضاع‪ ،‬خابة سعد بةةد معةةاذ وسةةعد بةةد عملةةا فهةةام سةةيدا األوس‬

‫واْلزرج للسململني التاليني‪ :‬أوالً‪ :‬ألن األوس واْلزرج قريملون يف مساكنهم يف املدينة املنور مد‬

‫غطفانج وهلذا فهم أ رى الناس بغطفان وبام يصلح معهم‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أن ثامر املدينة هذم والتي ستكون ثمن ًا لفك امصار ليسه ملك ًا ش صي ًا لرسول اهلل ﷺ‪،‬‬

‫وإن كان هو زعيم املدينة املنور وزعيم الدولة كلها‪ ،‬وإن كان هو النملي ﷺ‪ ،‬لكنه حيرتم امللكية‬

‫الش صية لألفرا ‪ ،‬فالثامر هذم ملكية ش صية لألوس واْلزرج‪.‬‬

‫هلذا بعد اجتامع الرسول ﷺ مع زعامء غطفان عقد اجتامع ًا آخر مملارش مع السعديد‪ :‬سعد بةةد‬

‫معاذ وسعد بد عملا را اهلل عنهام‪ ،‬وعرض علةةيهام االتفةةاق الةةذي وبةةل إليةةه مةةع زعةةامء‬

‫غطفان‪ ،‬وكان الرسول ﷺ يظد أن هذا عرض مغر جد ًا ينقةةذ املدينةةة مةةد امصةةار الصةةعب‪،‬‬

‫وكان هذا التشاور بعد شهر مد امصار تقريمل ًا‪ ،‬فيا تةةرى كيةةف كةةان ر فعةةل زعيمةةي األوس‬

‫واْلزرج؟ يا ترى فرحا ذا العرض أم رفضام؟ وانظر إىل ر مها وامكمة فيةةه‪ ،‬أول يشء قالةةه‬

‫سعد بد معاذ را اهلل عنه‪( :‬يا رسول اهللج هل هذا أمر حتمله فنصنعه‪ ،‬أم يشء أمةةرك اهلل بةةه ال‬

‫‪650‬‬
‫بد لنا مد العمل به‪ ،‬أم يشء تصنعه لنا؟)‪ .‬انظر إىل مدى الفهم وامكمة‪ ،‬لو كان أمةةر ًا مةةد اهلل‪،‬‬

‫أو شيئ ًا حيمله الرسول ﷺ عندها ال بد أن نطيع وننفذ‪ ،‬وإن كان رأي ًا برشي ًا ترى أن فيه املصةةل ة‬

‫للمدينة نعرض فيه رأينا‪ ،‬فقال ﷺ‪( :‬بل يشء أبنعه لكم‪ ،‬واهلل ما أبنع ذلةةك إال ألين رأيةةه‬

‫العرب قد رمتكم عد قوس واحد ‪ ،‬وكالملوكم مد كل جانةةب‪ ،‬فة ر ع أن أكرسة عةةنكم مةةد‬

‫شوكتهم)‪ ،‬فقال سعد بد معاذ‪( :‬يا رسول اهلل قد كنا وهؤالء عىل الرشك باهلل وعملا األوثةةان‪،‬‬

‫ال نعملد اهلل وال نعرفه‪ ،‬وهم ال يطمعون أن ي كلوا منها ‪ -‬أي‪ :‬مد املدينة املنور ‪ -‬ثمر واحةةد‬

‫رى أو بيع ًا ‪-‬أي‪ :‬ضيافة أو بيع ًا‪ ،-‬أف ني أكرمنا اهلل باإلسالم وهدانا به وأعزنةةا بةةك وبةةه‬ ‫ِ‬
‫إال ق ً‬
‫نعطيهم أموالنا؟ ما لنةةا ةةذا مةةد حاجةةة‪ ،‬واهلل ال نعطةةيهم إال السةةيف‪ ،‬حتةةى حيكةةم اهلل بيننةةا‬

‫وبينهم)‪ .‬أعجب الرسول ﷺ برأيه مع أن رأيه كان خمالف ًا وقال‪( :‬أنه وذاك)‪ ،‬فلام سمع سةةعد‬

‫بد معاذ ذلك أمسك الص يفة وحما ما فيها مد الكتاب‪ ،‬ثم قةةال‪( :‬ليجهةةدوا علينةةا)‪ ،‬وأرسةةل‬

‫الرسول ﷺ إىل زعامء غطفةةان يعلمهةةم بةةرأي املجلةةس االستشةةاري وهةةو رفةةض املسةةاومة‪،‬‬

‫وامقيقة كان رأي السعديد يف منتهى العمق وامكمة‪ ،‬مل تكد أبد ًا نظر عنرتية غ‪ ،‬مدروسةةة‪،‬‬

‫ذم املفاوضاع‪ ،‬وليسةةه املشةةكلة‬ ‫ولكنها نظر إسرتاتيجية رائعة‪ ،‬فمستقملل املدينة قد يت د‬

‫يف رصف ثل ثامر املدينة‪ ،‬لكد املشكلة أن غطفان ست قق انتصار ًا غةة‪ ،‬مقملةةول عةةىل الدولةةة‬

‫اإلسالمية‪ ،‬وسوف هتتز بور الدولة اإلسالمية أمام غطفان‪ ،‬بل ستهتز أمام اجلزيةةر العربيةةة‬

‫بكاملها‪ ،‬وهؤالء ليسوا مد الزعامء النملالء الرشفاء‪ ،‬بل هم مرتزقة مة جورون‪ ،‬وسةةيفتح بةةاب‬

‫االبتزاز املستمر للمدينة املنور ‪ ،‬كلام أرا وا املال جاءوا وحارصوا املدينة املنور ‪ ،‬فهةةذم الوقفةةة‬

‫الصلملة اجلريئة ال شك أهنا ستهز غطفان مد األعامق‪ ،‬خابة أهنم ال يفكرون يف أي يشء غةة‪،‬‬

‫املال والدنيا‪ ،‬وطالب الدنيا ضعيف أمام طالب اآلخر ‪.‬‬

‫‪651‬‬
‫ال أو عةةاج ً‬
‫ال سةةرتجع إىل مكةةة‬ ‫وال ننسى أن يار غطفان قريملة مد املدينة املنور ‪ ،‬وقةةريش آجة ً‬

‫و يارها‪ ،‬أما غطفان فملاقيةج وهلذا ال بد أن ن افظ متام ًا عىل بورتنا أمام غطفةةان‪ ،‬فكةةان قةةرار‬

‫السعديد يف منتهى امكمة‪ ،‬والرسول ﷺ أقرم ون تر ‪ ،‬وليعلم اجلميةةع أن الشةةورى أبةةل‬

‫مد أبول امكم يف اإلسالم‪ ،‬وكان مةةد املمكةةد أن يةةوحي اهلل سةةمل انه وتعةةاىل ةةذا الةةرأي‬

‫مملارش إىل الرسول ﷺ‪ ،‬لكد حدوث القصة ةةذم الصةةور يفةةتح للمسةةلمني أبةةواب الفكةةر‬

‫واإلبداع‪ ،‬وإبداء الرأي ملصل ة األمة اإلسالمية‪.‬‬

‫إبابة سعد بد معاذ را اهلل عنه‬

‫خرج املسلمون للجها مد جديد‪ ،‬وك ن اهلل سةةمل انه وتعةةاىل أرا أن خيتةةرب الصةةدق يف كةةالم‬

‫سعد بد معاذ را اهلل عنه‪ ،‬ف دث أمر شق عىل املسلمني كث‪ً ،‬ا‪ ،‬لكنه كان هحلة ًام لةةة سةةعد بةةد‬

‫معاذ را اهلل عنه‪ ،‬فقد هأبيب الملطل اإلسالمي الشاب سعد بد معاذ را اهلل عنةةه وأرضةةام‬

‫بسهم يف ذراعه أو كتفه‪ ،‬وكانه اإلبابة شديد اْلطور ‪ ،‬وكانه أزمة فوق كل األزماع التي‬

‫مضه‪ ،‬فهو زعيم األوس وحكيم مد حكامء املسلمني وفارس مد فرسةةاهنم‪ ،‬وهةةو املطةةاع يف‬

‫قومه‪ ،‬واممليب ليس فقب لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬بل هلل رب العاملني‪ .‬فيا تريام هو ر سةةعد بةةد معةةاذ‬

‫وهو شاب هيصاب إبابة قاتلة وعمرم ‪ 37‬سنة؟‪.‬‬

‫قال سعد وهو يدعو اهلل عز وجل‪( :‬اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحةةب إ أن هأجاهةةدم فيةةك‬

‫مد قوم كذبوا رسولك وأخرجوم‪ ،‬اللهم فاين أظد أنك قد وضعه امرب بيننا وبيةةنهم‪ ،‬فةةان‬

‫كان بقي مد حرب قريش يشء ف بقني هلم حتى هأجاهدهم فيةةك‪ ،‬وإن كنةةه وضةةعه امةةرب‬

‫فافجرها ‪-‬أي‪ :‬افجر إبابتي واجعلها تزيد‪ -‬واجعل موتتي فيها)‪ .‬هو شةةاب عمةةرم ‪ 37‬سةةنة‬

‫يرجو مد اهلل سمل انه وتعاىل أال يلتئم اجلرح لكي يموع وعندما يصملح املوع أمنية فهي موتةةة‬

‫شهيد‪ ،‬وهو ال يضمد إن عاش بعد ذلك أنه سوف يموع شهيد ًا‪ ،‬فهذم فربة‪ ،‬فيةةدعو اهلل أال‬
‫‪652‬‬
‫تضيع هذم الفربة‪ ،‬ثم قال يف آخر عائه‪( :‬وال متتني حتى تقر عيني مد بني قريظةةة) حتةةى يف‬

‫مظاته األخ‪ ،‬ال ينسى غدر بني قريظة‪ ،‬وال ينسى مهوم األمة اإلسالمية‪ ،‬واملوقةةف قةةد تة زم‬

‫جد ًا‪ ،‬وهو أشد مراحل الزلزال‪ ،‬وال يوجد يف الصف أي منةةافق‪ ،‬فكلهةةم خرجةةوا ومل يملةةق إال‬

‫املسلمون الصا قون‪ ،‬واملسلمون قد عملةةوا مةةا بوسةةعهم‪ ،‬حفةةروا اْلنةةدق يف وقةةه قيةةار‪،‬‬

‫وحتملوا اجلوع والرب ‪ ،‬ومحوا اْلندق ب رواحهم‪ ،‬وقاتلوا بةَّضاو ‪ ،‬وسهروا وتعملوا وكةةاف وا‪،‬‬

‫وعملوا املفاوضاع وعملوا جمالس الشورى‪ ،‬وعملوا كل يشء مد املمكةةد أن هيعمةةل يف مثةةل‬

‫هذم الظروف‪ ،‬وقملل هذا وأثناء هذا وبعد هذا اجتهدوا يف الدعاء‪ ،‬فهم يعرفون أن النرص ليس‬

‫مد عندهم أبد ًا‪ ،‬بل هو مد عند اهلل سمل انه وتعاىل‪ ،‬فاملسةةلمون كةةانوا يةةدعون اهلل تعةةاىل أيةةام‬

‫األحزاب‪ ،‬ويقولون‪( :‬اللهم اسرت عوراتنا وآمد روعاتنا)‪ ،‬والرسول ﷺ كان يدعو واملسلمون‬

‫يؤمنون يقةةول‪( :‬اللهةةم منةةزل الكتةةاب‪ ،‬رسيةةع امسةةاب‪ ،‬اهةةزم األحةةزاب‪ ،‬اللهةةم اهةةزمهم‬

‫وزلزهلم)‪.‬‬

‫عندها انتهى االمت ان مل يملق إال أن ي يت نرص اهلل سمل انه وتعاىل‪ ،‬لكةةد كيةةف ية يت؟ ية يت كةةام‬

‫تعو نا بطريقة ال يتوقعها املسلمون‪ ،‬وبطريقةةة ال يسةةتطيعون أن يضةةعوها أبةةد ًا يف حسةةاباهتمج‬

‫ليعلم اجلميع أن النارص هو اهلل عز وجةةل‪ .‬كيةةف حصةةل النرصةة؟ مةةد هةةم جنةةو الةةرمحد يف‬

‫األحزاب؟ كل الذي سملق وأن قلنام يف بدر يمكد أن نقوله يف األحزاب‪ ،‬لكةةد سة ختار لكةةم‬

‫ثالثة جنو فقب مد جنو الرمحد‪.‬‬

‫هنعيم بد مسعو را اهلل عنه‬

‫اجلندي األول‪ :‬نعيم بد مسعو ج رجل مد املرشكني ال يتوقع إسالمه أبد ًا يف هذا التوقيه‪ ،‬بةةل‬

‫يكا يكون مست يالً‪ ،‬ملاذا أقول‪ :‬إنه مد الصعب جد ًا أن يسةةلم يف هةةذم الظةةروف؟ نعةةيم بةةد‬

‫مسعو بد عامر األشجعي الغطفاين مد قمليلة غطفان امل ارص للمسلمني‪ ،‬كيةةف لرجةةل مةةد‬
‫‪653‬‬
‫هذا اجليش القوي امل ارص للمسلمني‪ ،‬وبعد أن مر شهر عىل امصار‪ ،‬وقد ينهار املسةةلمون يف‬

‫أي مظة‪ ،‬خابة بعد خيانة اليهو ‪ ،‬كيف له أن يرتك جيشه القويج لينضم إىل اجليش الضعيف‬

‫املهد باملوع يف أي مظة‪ ،‬ولعل بعض املسلمني كانوا يريدون أن يسلم نعيم بد مسةةعو قملةةل‬

‫سنة أو سنتني أو أكثر‪ ،‬ولو أسلم قملل األحزاب ملا كان له ور يف رفع امصةةار عةةىل املسةةلمني‪،‬‬

‫يش ٍء ْخ ْل يقنْا هم بِ ْقدْ ٍر} [القمر‪.]49:‬‬ ‫ِ‬


‫لكد كل يشء حمسوب‪{ :‬إنا كهل ْ ي‬

‫جاء نعيم بد مسعو إىل رسول اهلل ﷺ يقول له‪( :‬يا رسةةول اهللج إين قةةد أسةةلمه‪ ،‬وإن قةةومي‬

‫غطفان مل يعلموا باسالمي فمرين بام شئه‪ ،‬فقال ﷺ‪ :‬إنام أنه رجل واحد ‪-‬أي‪ :‬أن انضةةاممك‬

‫إلينا لد يكون فيه فارق كمل‪ -،‬ف ْ ذل عنا ما استطعه‪ ،‬فان امرب خدعةةة) لكةةد اهلل سةةمل انه‬

‫وتعاىل هدام لفكر عجيملة جد ًا! لو فكر فيها عرشيد سنة ملا وبل إليها‪ ،‬ومل ختطر هةةذم الفكةةر‬

‫عىل بال الرسول ﷺ وال عىل بال أحد مد حكامء الص ابة‪ ،‬لكةةد إذا أرا اهلل سةةمل انه وتعةةاىل‬

‫للنرص أن ينزل عىل املسلمني فسينزل وال معجز له سمل انه وتعاىل‪ ،‬ونعيم بد مسعو ش صةةية‬

‫معترب قيا ية معروفة عند اليهو وعند قريش‪ ،‬ذهب مملارش إىل و بني قريظة وهةةم يظنونةةه‬

‫مرشك ًا‪ ،‬ويعلمون أنه مد قا غطفان‪ ،‬وله معرفة بملواطد األمور وما جيري خلف األبواب‪.‬‬

‫قال هلم‪( :‬قد عرفتم و ي إياكم وخابة ما بيني وبينكم)‪ ،‬قالوا‪( :‬بدقه)‪ ،‬قال‪( :‬فان قريشة ًا‬

‫ليسوا مثلكم‪ ،‬المللد بلدكم فيه أموالكم ونسةةامكم وأبنةةامكم ال تقةةدرون أن تت ولةةوا منةةه إىل‬

‫غ‪،‬م‪ ،‬وإن قريش ًا قد جاءوا مرب حممد وأب ابه‪ ،‬وقد ظاهرمتوهم عليةةه‪ ،‬وبلةةدهم وأمةةواهلم‬

‫ونسامهم بغ‪،‬م‪ ،‬فان أبابوا فربة انتهزوها وإال مقةةوا بةةملال هم وتركةةوكم وحممةةد ًا فةةانتقم‬

‫منكم)‪ ،‬فقالوا‪( :‬وما العمل يا نعيم؟!) قال‪( :‬ال تقاتلوا معهم حتى هيعطةةوكم رهةةائد)‪ ،‬قةةالوا‪:‬‬

‫(لقد أرشع بالرأي)‪ ،‬ثم ذهب نعيم إىل قريش وقال هلم‪( :‬تعلمون و ي لكم ونهص ي لكةةم)‪،‬‬

‫قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪( :‬إن اليهو قد ندموا عىل ما كان منهم مد نقض عهد حممد وأبة ابه‪ ،‬وإهنةةم‬

‫‪654‬‬
‫قد راسلوم أهنم ي خذون منكم رهائد يدفعوهنا إليه ثم يوالونه عليكم‪ ،‬فان س لوكم رهائد فال‬

‫تعطوهم)‪ ،‬ثم ذهب إىل غطفان وقال هلم ما قاله لقريش‪.‬‬

‫وهكذا شعرع قريش بالقلق‪ ،‬وكذلك غطفان‪ ،‬ف رسلوا رسال ًة رسيعة لليهو ‪ ،‬وكانه الرسالة‬

‫يوم السمله وبتدب‪ ،‬رب العاملني‪ ،‬وأنتم تعرفون أن السمله هي إجاز رسمية عند اليهو ‪ ،‬قاله‬
‫قريش لليهو ‪( :‬إنا لسنا ب رض مقام‪ ،‬وقد هلك ِ‬
‫القراع واْلهف ‪-‬أي‪ :‬الةةدواب واملاشةةية التةةي‬

‫معهم‪ -‬فاهنضوا بنا حتى نناجز حممد ًا)‪ ،‬فملع اليهو إليهم وقالوا‪( :‬هذا اليوم هو يوم السةةمله‬

‫وال نستطيع‪ ،‬ومع هذا فانا ال نقاتل معكم حتى تملعثوا إلينا رهةةائد)‪ ،‬فقالةةه قةةريش لغطفةةان‪:‬‬

‫(بدقكم واهلل نعيم)‪ ،‬فملعثوا إىل اليهو وقالوا‪( :‬إنا ال نهرسل إليكم أحد ًا فاخرجوا معنةةا حتةةى‬

‫نناجز حممد ًا)‪ ،‬فقةةال اليهةةو ‪( :‬بةةدقكم واهلل نعةةيم)‪ ،‬فةةدبه الفرقةةة بةةني الفةةريقني وتفكةةك‬

‫األحزاب‪.‬‬

‫ملاذا ي يت إسالم نعيم بد مسعو يف هذا الوقه بالذاع؟ ومةةد أيةةد أتتةةه الفكةةر ؟ وكيةةف تةةم‬

‫تطمليقها؟ وكيف وقع فيها اليهو ؟ وكيف وقع فيها حكامء قةةريش وغطفةةان؟ وملةاذا مل حيصةةل‬

‫حتقيق وحماوالع لكشف امقيقة؟ ليسه هناك سوى إجابة واحةةد فقةةب‪{ :‬إِنة ْام ْأ يمة هر هم إِ ْذا ْأ ْرا ْ‬
‫ْش يي ًئا ْأ ين ْي هق ْ‬
‫ول ْل هه هك يد ْف ْيك ه‬
‫هون} [يس‪.]82:‬‬

‫هذا أحد جنو الرمحد يف األحزاب وهو نعيم بد مسعو را اهلل عنه وأرضام‪.‬‬

‫الريح‬

‫اجلندي الثاين‪ :‬الريح‪ ،‬وهو جندي هائل مةةد جنةةو الةةرمحد سةةمل انه وتعةةاىل‪ ،‬فقةةد بعة اهلل‬

‫سمل انه وتعاىل رحي ًا بار قاسية الربو عىل معسكر الكافريد‪ ،‬مل ترتك هلةةم خيمةةة إال قلعتهةةا‪،‬‬

‫وال قدر ًا إال قلملته‪ ،‬وال نار ًا إال أطف هتا‪ ،‬فكانه الريح شديد عىل الكفار وهينة عىل املسةةلمني‪،‬‬

‫‪655‬‬
‫وليس بينهم إال عرض اْلندق‪ ،‬ووبةةله شةةد الةةريح وخطورهتةةا إىل الدرجةةة التةةي فعةةه‬

‫ون قتال وفك امصار‪ ،‬ورفع امصار عد املدينة املنور ‪.‬‬ ‫املرشكني ألخذ قرار العو‬

‫كيف اختارع الريح مكان ًا وتركه مكان ًا؟ {إِن ْام ْأ يم هر هم إِ ْذا ْأ ْرا ْ ْشة يي ًئا ْأ ين ْي هقة ْ‬
‫ول ْلة هه هكة يد ْف ْي هكة ه‬
‫ون}‬

‫[يس‪ ،]82:‬وملاذا مل ت ع الريح مد أول يوم‪ ،‬وانتظةةرع شةةهر ًا كةةامالً؟ ليةةتم اختملةةار املةةؤمنني‬

‫ويتميز الصا ق مد الكاذب‪ ،‬واملؤمد مد املنافق‪ .‬وملاذا مل ت ع أقوى مد ذلك لتهلةةك الكفةةار‬

‫كام أهلكه عا ًا وثمو ؟ ألن معظم هؤالء الكفار سيسلمون‪ ،‬ويكونون بعةةد ذلةةك يف جةةيش‬

‫اإلسالم‪ .‬الكون جيري وفق نواميس هي غاية يف الدقة واإلعجاز‪.‬‬

‫املالئكة‬

‫اجلندي الثال ‪ :‬املالئكة‪ ،‬يقول اهلل سمل انه وتعاىل‪ْ { :‬يا ْأ ُّ ْا ال ِذي ْد آ ْمنهوا ا يذك ههروا نِ يع ْم ْة اهللِ ْع ْل ييك يهم‬

‫ون ْب ِص ة ً‪،‬ا}‬ ‫ان اهلله بِة ْام ْت يع ْم هل ة ْ‬ ‫إِ يذ ْج ةا ْء يتك يهم هجنهةو ْف ْ ير ْس ة يلنْا ْع ْل ة يي ِه يم ِر ً‬
‫حي ةا ْو هجنهةو ً ا ْمل ي ت ْْر يو ْه ةا ْو ْك ة ْ‬

‫[األحزاب‪ .]9:‬وسوف نرى يف حدي بني قريظة بعد قليل أن املالئكةةة شةةاركه يف امةةرب‪،‬‬

‫بل وشارك جربيل عليه السالم بنفسه‪.‬‬

‫تم نرص اهلل عز وجل‪ ،‬وأرسل الرسول ﷺ حذيفة بد اليامن إىل معسكر الكفةةارج ليطمةةئد عةةىل‬

‫س‪ ،‬األحداث وعىل فعل الرياح م‪ ،‬وعىل أثر الفرقة التي أحدثها نعيم بةةد مسةةعو را اهلل‬

‫عنه‪ ،‬فعا حذيفة باْلرب اجلميل والنرص العظيم‪ ،‬لقد عزم اجلميع عىل الرحيل‪ ،‬حدث كل هةةذا‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫مد غ‪ ،‬قتال مد املسلمني‪ ،‬وانظر إىل قولةةه تملةةارك وتعةةاىل‪ْ { :‬و ْر اهلله الةذي ْد ك ْْفة هروا ب ْغة ييظه يم ْمل ي‬
‫ْان اهلله ْق ِو ًّيا ْع ِز ًيزا} [األحزاب‪ ]25:‬وانتهه واحد مد‬ ‫ني ا يل ِقت ْْال ْوك ْ‬
‫ْينْا هلوا ْخ ي ً‪،‬ا ْو ْك ْفى اهلله امليه يؤ ِمنِ ْ‬

‫أعظم معارك املسلمني‪ ،‬مع أنه مل حيدث فيها قتال‪ ،‬وك ن اهلل عز وجل يريد أن يقول لنةةا‪ :‬لةةيس‬

‫املطلوب هو حتقيق النصةر‪ ،‬ولكد املطلوب هو العمل مد أجله‪ ،‬املطلةةوب هةةو قةةرار اجلهةةا ‪،‬‬

‫‪656‬‬
‫املطلوب هو الثملاع يف أرض املعركة‪ ،‬املطلوب هو بفاع اجليش املنصور‪ ،‬أما النصةةر فينةةزل‬

‫بالطريقة التي أرا اهلل عز وجل‪ ،‬ويف الوقه الذي يريد سمل انه وتعاىل‪.‬‬

‫غزو بني قريظة‬

‫إن كانه قصة األحزاب انتهه فقصة بني قريظة مل تنته بعد‪ ،‬فاليهو أعداء اهلل وأعداء املؤمنني‬

‫وأعداء امق وأعداء األخالق امميد وأعداء كل خ‪ .،‬رجع الرسةةول ﷺ مةةد اْلنةةدق بعةةد‬

‫بال الصملح‪ ،‬وذهب إىل بيته بعد غياب قرابة شهر‪ ،‬وبعد عناء كمل‪ ،‬ومشقة بالغة يغتسةةل ﷺ‪،‬‬

‫فاذا بجربيل عليه السالم قد جاءم عنةةد الظهةةر فقةةال لةةه‪( :‬قةةد وضةةعه السةةالح؟!‪ ،‬واهلل مةةا‬

‫وضعنام) أي‪ :‬أن املالئكة مل يضعوا السالح‪ ،‬بل يف رواية السيد عائشة عند الطرباين والمليهقةةي‬

‫تقول‪( :‬فك ين برسول اهلل ﷺ يمسح الغملار عد وجه جربيل)‪ .‬سمل ان اهلل! يقاتل جربيل عليةةه‬

‫السالم قتاالً حقيقي ًا يف أرض املعركة‪.‬‬

‫قال جربيل‪( :‬اخرج إليهم‪ ،‬قةةال النملةةي ﷺ‪ :‬فة يد؟ ف شةةار إىل بنةةي قريظةةة)‪ ،‬ويف روايةةة‪( :‬أن‬

‫جربيل قال‪ :‬إين سائر أمامك أزلزل م حصوهنم‪ ،‬وأقذف يف قلةةو م الرعةةب) وهكةةذا سةةار‬

‫جربيل عليه السالم يف موكمله مد املالئكة‪ ،‬أما الرسول ﷺ فقد أمر املسلمني بالتوجةةه الرسةةيع‬

‫إىل بني قريظة‪ ،‬وليس هناك راحة بعد هذا الشهر الطويل‪ ،‬إنام الراحة هناك يف اجلنة‪ ،‬أمةةا الةةدنيا‬

‫فهي ار عمل‪ ،‬فقال‪( :‬ال يصلني أحدكم العرص إال يف بني قريظة) وهكذا اجتمع الرسةةول ﷺ‬

‫والص ابة يف ثالثة آالف مقاتل‪ ،‬هذا غ‪ ،‬املالئكة‪ ،‬يف حصار بني قريظة‪ ،‬واستمر امصةةار ‪25‬‬

‫ليلة‪ ،‬تقريمل ًا كامصار الذي كان عىل املسلمني يف املدينة املنور ‪.‬‬

‫ةارصيد إىل‬
‫ما بني طرفة عني وانتملاهتهةةا يغةة‪ ،‬اهلل مةةد حةةال إىل حةةال حتةةول املسةةلمون مةةد حمة ْ‬
‫ِ‬
‫حمارصيد يف مظاع‪ ،‬واستمر امصار كةةام قلنةةا ‪ 25‬ليلةةة‪ ،‬وبعةةد كةةل تعةةب اْلنةةدق ال يةةزال‬

‫‪657‬‬
‫املسلمون يف قو ‪ ،‬حيارصون ‪ 25‬ليلة‪ ،‬ويف النهاية قذف اهلل عز وجل الرعب يف قلوب اليهةةو ‪،‬‬

‫فنزلوا عىل حكم الرسول ﷺ‪ ،‬مع أنه كان بامكاهنم املطاولة يف امصار‪ ،‬وأمر الرسول ﷺ بة ن‬

‫هيقيدوا فقيدوا‪ ،‬فجاءع األوس إىل رسول اهلل ﷺ وكانوا حلفاء بني قريظة يف اجلاهليةةة‪ ،‬وكةةان‬

‫بنو قينقاع حلفاء اْلزرج‪ ،‬وقد كان مد املقرر أن الرسول ﷺ يقتل بني قينقاع‪ ،‬لكد جةةاء عملةةد‬

‫اهلل بد أيب ابد سلول زعيم اْلزرج واستنقذهم منه‪ ،‬فجاءع األوس إىل الرسول ﷺ وقالةةه‪:‬‬

‫(يا رسول اهلل قد فعله يف بني قينقاع ما قد علمه وهم حلفاء إخواننا اْلةةزرج‪ ،‬وهةةؤالء بنةةو‬

‫قريظة موالينا ف حسد فيهم)‪ ،‬فقال الرسول ﷺ‪( :‬أال ترضون أن حيكةةم فةةيهم رجةةل مةةنكم؟)‬

‫قالوا‪ :‬بىل قال‪( :‬فذاك إىل سعد بد معاذ) قالوا‪( :‬قد رضينا) ف رسل رسول اهلل ﷺ إىل سعد بةةد‬

‫معاذ وكان يف املدينة مصاب ًا‪ ،‬ف توا به مد املدينة املنور راكمل ًا عةةىل محةةار‪ ،‬فلةةام رآم األوس التفةةوا‬

‫حوله‪ ،‬وقالوا‪( :‬يا سعد أمجل يف مواليك ف حسد فيهم)‪ ،‬فان الرسول ﷺ قد حكمك لت سةةد‬

‫فيهم‪ ،‬وهو ساكه را اهلل عنه مل ير عليهم‪ ،‬حتى قال هلم‪( :‬قد آن لة سةةعد أال ت خةةذم يف اهلل‬

‫لومة الئم)‪ ،‬عندما سمعوم يقول هذا عرفوا أن سعد ًا سوف حيكم فةةيهم حكة ًام شةةديد ًا‪ ،‬وأتةةى‬

‫سعد ووبل إىل املكان الذي فيه الص ابة‪ ،‬وملةةا رآم الرسةةول ﷺ قةةال للصة ابة‪( :‬قومةةوا إىل‬

‫سيدكم)‪ ،‬فقام الص ابة احرتام ًا لة سعد بد معةةاذ را اهلل عنةةه وأرضةةام وأنزلةةوم مةةد فةةوق‬

‫امامر‪ ،‬وقالوا‪( :‬يا سعد إن هؤالء القوم قد نزلوا عةةىل حكمةةك) قةةال سةةعد‪( :‬وحكمةةي نافةةذ‬

‫عليهم؟) ‪-‬أي‪ :‬أن الذي س قوله سوف حيصل فيهم؟ ‪ -‬قالوا‪( :‬نعم)‪ ،‬قال‪( :‬وعىل املسلمني؟)‬

‫قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قالوا‪( :‬وعىل مد هاهنا؟) وأعرض بوجهه را اهلل عنةةه وأرضةةام‪ ،‬وأشةةار ناحيةةة‬

‫الرسول ﷺ‪ ،‬وهو ال يريد أن يقول‪ :‬وحكمي نافذ عىل رسةةول اهلل ﷺ‪ ،‬وهةةذا يةةدل عةةىل أ بةةه‬

‫را اهلل عنه‪ ،‬فقال ﷺ‪( :‬نعم‪ ،‬وعيل )‪-‬أي‪ :‬أن حكمك ينفذ عيل‪ -‬قال‪( :‬فاين أحكم فيهم أن‬

‫هيقتل الرجال وتهسملى الذرية وتقسم األموال)‪ ،‬فقال الرسول ﷺ‪( :‬لقد حكمةةه فةةيهم ب كةةم‬

‫‪658‬‬
‫اهلل مد فوق سملع سامواع) وبدءوا بتنفيذ حكم سعد بد معاذ را اهلل عنه وأرضةةام‪ ،‬ومجعةةوا‬

‫و بني قريظة وقتلوا الرجال مجيع ًا‪ ،‬كان تعدا هم تقريمل ًا ‪ 400‬ويف بعةةض الروايةةاع‪،700 :‬‬

‫وقتل معهم حيي بد أخطب الذي وعد قملل هذا كعب بد أسد‪ .‬قال لةةه‪ :‬لةةو رجعةةه غطفةةان‬
‫وقريش فس خل معكم يف امصد‪ ،‬و خل يف امصد معهم ه‬
‫وقةدِّ م للقتةةل‪ ،‬فقةةد كةةان تارخيةةه‬

‫أسو وطوي ً‬
‫ال مع املسلمني‪ ،‬وانظر إىل قوله للرسول ﷺ وهو يف حالة القتل‪ ،‬قال‪( :‬واهلل ما مله‬

‫نفيس يف معا اتك‪ ،‬ولكد مد يغالب اهلل هيغلب)‪ ،‬هو يعرف أنةةه هيغالةةب رب العةةاملني سةةمل انه‬

‫وتعاىل‪ ،‬ويقر بذلك عند موته‪ ،‬ثم يقول‪( :‬أ ا الناس ال ب س ب مر اهلل‪ ،‬كتةةاب وقةةدر ومل مةةة‬

‫فَّضبه عنقه‪.‬‬
‫كتملها عىل بني إرسائيل)‪ ،‬ثم جلس ه‬

‫مل يقتل واحد مد بني قريظة وكان اسمه عمرو ج وذلك ألنه كان مسافر ًا ولةةيس يف بنةةي قريظةةة‬

‫وقه الغدر‪ ،‬ويتضح جلي ًا أن القتل كان نتيجة غدر بني قريظة‪ ،‬والةةذي مل يغةةدر معهةةم وكةةان‬

‫خارج امصد مل هيقتل معهم‪ ،‬وليس هنا جمال ألحد أن يقول‪ :‬إنه كان هناك عاوز يف قتةةل ‪400‬‬

‫أو ‪ 700‬مد بني قريظة أبد ًا‪ ،‬فقد كةةانوا يريةةدون فعةةل ذلةةك بالضةةملب يف أهةةل املدينةةة املنةةور‬

‫بالكامل‪ ،‬مع أهنم كانوا عىل عهد مع الرسةةول ﷺ‪ ،‬وكةةانوا يريةةدون أن يفت ةةوا األبةةواب مةةع‬

‫قريش وغطفان كام قالواج ليست بلوا حممد ًا وأب ابه مجيع ًا‪ ،‬واجلزاء مد جةةنس العمةل‪ْ } :‬وال‬

‫ْحيِ هيق امليْك هير الس ِّي هئ إِال بِ ْ يه ِل ِه{ [فاطر‪.]43:‬‬

‫استشها سعد بد معاذ را اهلل عنه‬

‫بعد أن انتهه قصة بني قريظة استجاب اهلل عز وجل لدعو العملد الصالح سعد بد معاذ را‬

‫اهلل عنه‪ ،‬فانفجر جرحه وساله منه الدماء حتةةى خرجةةه مةةد خةةارج اْليمةةة‪ ،‬را اهلل عنةةه‬

‫وأرضام‪ ،‬ليلقى ربه سعيد ًا راضي ًا‪ ،‬ويكفي يف حق سعد بد معاذ ما روام المل اري أن رسول اهلل‬

‫ﷺ قال يف حقه‪( :‬اهتز عرش الرمحد ملوع سعد بد معاذ) وعندما أخذ الص ابة سعد بد معاذ‬
‫‪659‬‬
‫وجدوا جنازته خفيفة‪ ،‬فقةةال ﷺ‪( :‬إن املالئكةةة كانةةه حتملةةه) كانةةه قيمتةةه كملةة‪ ،‬يف ميةةزان‬

‫اإلسالم را اهلل عنه وأرضام‪ ،‬مع أن كل عمرم يف اإلسالم سه سنني‪ ،‬ومع ذلك فان إنجازم‬

‫يعجز عد مثله الناس يف ‪ 30‬و ‪ 40‬و ‪ 50‬سنة‪ ،‬فرا اهلل عنه ورا اهلل عد بة ابة اممليةةب‬

‫ﷺ أمجعني‪.‬‬

‫هذم كانه قصة األحزاب وبني قريظة‪ ،‬كانةةه موقعةةة عجيملةةة بةةال قتةةال تقريملة ًا‪ْ { :‬وك ْْفةى اهلله‬

‫ني ا يل ِقت ْْال} [األحزاب‪ ]25:‬لكنها كانه امت ان ًا عظي ًام‪ ،‬ومل يثمله فيها إال الصةةا ق حقة ًا‪،‬‬
‫امليه يؤ ِمنِ ْ‬

‫وكانه يف نفس الوقه غزو فرقه بني مرحلتني رئيستني يف الس‪ ، ،‬فام قملةةل األحةةزاب يشء‪،‬‬

‫وما بعد األحزاب يشء‪.‬‬

‫قملل األحزاب كان االضطراب والقلق واملشاكل الكث‪ ،‬وعدم االستقرار‪ ،‬أما بعةةد األحةةزاب‬

‫فقد نضجه الدولة اإلسالمية نضج ًا جعلها قا ر عىل الوقوف بصالبة يف وجه كةةل أعةةدائها‪،‬‬

‫رس ه األحزاب أقدام املسلمني يف اجلزير العربية‪ ،‬ومل جيرم أحد بعد ذلك عةةىل حتةةدي هةةذا‬

‫الكيان الصلب اجلديد‪ ،‬ولقد كان الرسول ﷺ يف منتهى العمق يف حتليله لغزو األحزاب‪ ،‬فقد‬

‫قال بعد أن ذهب الكفار‪( :‬اآلن نغزوهم وال يغزونا) أي‪ :‬ن د نس‪ ،‬إليهم‪.‬‬

‫الفرت التي كانه بني اهلجر واألحزاب كانه فرت ت سيس للدولة اإلسالمية‪ ،‬أما الفةةرت التةةي‬

‫ست يت بعد األحزاب فستكون فرت متكني لديد اهلل عز وجةةل يف األرض‪ ،‬وسةةنرى فيهةةا بةةلح‬

‫امديملية وفتح خيرب ومؤتة وفتح مكة وحنني وتملوك‪ ،‬وسنرى فيها املراسالع إىل ملةةوك العةةامل‬

‫وأمرائهم‪ ،‬وسوف نرى انتشار يد اهلل سةةمل انه وتعةةاىل يف املةةدن والملةةوا ي‪ ،‬وسةةنرى تسةةابق‬

‫‪660‬‬
‫الوفو إلعالن إسالمهم بني يدي اممليب ﷺ‪ ،‬ستكون فةةرت سةةعيد ‪ ،‬وكةةل أحةةداث السةة‪،‬‬

‫سعيد ‪ ،‬وكيف ال وهي حيا أفضل العاملني وخ‪ ،‬الملرش وسيد الدعا وإمام األنملياء ﷺ‪.‬‬

‫‪661‬‬
‫‪29‬‬

‫املسلمون بعد األحزاب‬


‫(السنة السادسة للهجرة)‬

‫حتدثنا عن تأسيس الدولة اإلسالمية يف املدينة املنورة خالل اخلمس السنوات األوىل من الفرترت ة‬

‫املدنية‪ ،‬فالسنوات اخلمس األوىل كانت مرحلة تأسيس الدولة اإلسالمية‪ ،‬برترتد ت مرترتن ا جرترترة‬

‫وانتهت بانتهاء غزوة األحزاب‪ .‬كانت مرحلرترتة التأسرترتيس مرحلرترتة درترتاوة هرترتد فا ومر رترتة‪ ،‬ف رترتد‬

‫ملنرترتأ ويرترتاا الدولرترتة‬ ‫اورترتا‬ ‫تعددت فيها نواع الصرتراع مرترتأ عرترتداء األمرترتة‪ ،‬ف رترتد وههرترتوا كرترت‬

‫اإلسالمية‪ ،‬ولكن بفض اهلل نجح املسلمون ب يادة الرسول ﷺ يف تأسيس دولته برترترغ كرترت‬

‫ذه املعووات‪ ،‬وبانتهاء غزوة األحزاب انتهت ذه املرحلة ا امة لتبد مرحلة خرترترال ت ت رت‬

‫مهية بد فا عن املراح الساب ة‪َ ،‬‬


‫عّب عنها ﷺ ب وله الدويق الذي يعّب عن دراية كاملرترتة بوهرترتعه‬

‫وت يغزونرترتا) ي‪ :‬نحرترتن‬ ‫ووهأ العامل من حوله‪ ،‬وال ﷺ بعد انتهاء األحزاب‪( :‬اآلن نغرترتزو‬

‫سنسري إليه ؛ ألن الدولة اإلسالمية بفض اهلل صبحت مرترتن ال رترتوة بحيرترتال مرترتا ت يمكرترتن ن‬

‫تستأص ‪ ،‬وبحيال نه من الصعب هد فا عىل اآلخرين التفكري اجلرترتدي يف غرترتزو املدينرترتة املنرترتورة‪،‬‬

‫ذه املرحلة اجلديدة نستطيأ ن نسميها مرحلة اتنتشار والفتح والتمكني لرترتدين رب العرترتاملني‬

‫سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫‪659‬‬
‫سينترش فيها دين اإلسالا كام سنرال برسعة مذ لة‪ ،‬لرترتيس ف رترتا يف اجلزيرترترة العربيرترتة‪ ،‬برترت ومرترتا‬

‫حو ا‪ ،‬وسيتطور األمر بعد وفاة الرسول ﷺ لينترش اإلسالا يف ربوع العامل املختلف‪ .‬ذه ي‬

‫بيعة بناء األمة اإلسالمية‪ ،‬تبد داوة وعسرترترية؛ ألن كرترت األعرترتداء عرترتىل اخرترتتال توههرترتا‬

‫يتعاونون يف حرهبا‪ ،‬ث خترج األمة من عنق الزهاهة يف ووت ما لتبد مرحلة اتنتشار والفرترتتح‬

‫والتمكني‪.‬‬

‫مرحلة اتنتشار والفتح بعد األحزاب‬

‫يف ذي الع دة سنة ‪ 5‬رت رحلت األحزاب‪ ،‬ويف نفس الشهر بد املسلمون مرترترحلته اجلديرترتدة‪،‬‬

‫محالت عسكرية متتابعة ورسيعة د رئيس و تأديرترتب وع رترتاب وللرترتن الرترتذين درترتاركوا يف‬

‫حصار املسلمني يف غزوة األحزاب‪ ،‬و تأديرترتب وللرترتن الرترتذين غرترتدروا باملسرترتلمني يف حرترتواد‬

‫خرال ساب ة لألحزاب؛ ليعل اجلميأ ن انتهاك حرمات األمة اإلسالمية ت يمر كرترتذا برترتدون‬

‫ع اب‪.‬‬

‫واحلمالت العسكرية بعد األحزاب كانت مكثفة هد فا‪ ،‬بمعدل محلة ك ‪ 20‬يوم فا ت ريب فا‪ ،‬و رترتذا‬

‫فيه إر اق دديد هد فا عىل الدولة اإلسالمية النادلة‪ ،‬ومأ ذلن ذا اإلر رترتاق ت برترتد منرترته؛ ألن‬

‫األمة التي ت جتا د تصاب بالذل‪ ،‬روال بو داود عن ابن عمرترتر را اهلل عرترتنهام ن رسرترتول اهلل‬

‫ﷺ وال‪( :‬إذا تبايعت بالعينة)‪ ،‬العينة‪ :‬نوع من نواع الربا‪( ،‬إذا تبايعت بالعينة‪ ،‬و خذت ذنرترتاب‬

‫الب ر‪ ،‬ورهيت بالزرع‪ ،‬وتركت اجلهاد) ما و الذي سيحص ؟ (سلا اهلل عليك ذتف ت ينزعه‬

‫عنك حتى ترهعوا إىل دينك )‪ ،‬هعف املسلمني وذلرترتة املسرترتلمني ت يرترتيدي ف رترتا إىل التهديرترتد‬

‫املستمر للدولة اإلسالمية‪ ،‬ولكن ييدي يض فا إىل ف د الث ة يف الدين اإلسالمي نفسرترته‪ ،‬سرترتت ول‬

‫الناس‪ :‬لو كان ذا الدين عظي فام لكافح من هله صحابه‪ ،‬لو كان رترتذا الرترتدين عظرترتي فام لفرترتر‬

‫نفسه عىل اآلخرين وساد ‪ ،‬ولذلن هع اهلل عز وه من دعاء امليمنني ن ي ولوا‪َ { :‬ر َب َنرترتا ت‬
‫‪660‬‬
‫َ ْجت َع ْلنَا فِ ْتنَ فة لِ ْل َ ْو ِا ال َظاملِ َ‬
‫ني} [يونس‪ ،]85:‬ذه الفتنة ود تكون نتيجة الوهأ امل دي للمسلمني‬

‫يف ف ة من ف ات حيرترتا ‪ ،‬ينفرترتر النرترتاس مرترتن اإلسرترتالا‪ ،‬مجرترترون اإلسرترتالا؛ لعرترتدا ث رترتته يف‬

‫املسلمني‪ ،‬و ذا مر خطري‪ ،‬والرسول ﷺ يريد ن تب ى صورة األمة اإلسالمية مرفوعة ومهابة‬

‫وسا اجلزيرة العربية‪.‬‬

‫حل يق‬ ‫َ‬


‫سالا بن يب ا ح‬ ‫رسية عبد اهلل بن َعتِين ل ت‬

‫ل د بد اجلهاد مبارشة بعد غزوة األحزاب‪ ،‬و ول ما بد به حترترترك جترترتاه وللرترتن الرترتذين حركرترتوا‬

‫يتء الزعامء حيرترتي‬ ‫مجوع العرب لغزو املدينة املنورة‪ ،‬وبالتحديد اجتاه اليهود وزعامئه ‪ ،‬و‬

‫بن خطب وسالا بن يب احل يق‪ ،‬وحيي بن خطب كان ود وت مأ مود بني وريظة يف ع رترتاب‬

‫غزوة األحزاب مبارشة‪ ،‬وبعد م ت حيي بن خطب لزا عىل املسلمني ن يذي وا سالا برترتن يب‬

‫احل يق من نفس الكأس الذي كان يريد ن يذي ه للشعب املسل بكامله يف املدينة املنرترتورة‪ ،‬مرترتن‬

‫ذا رس الرسول ﷺ رسية تغتيال سالا بن يب احل يق يف خيّب‪ ،‬وسالا بن يب احل يق‬ ‫ه‬

‫من زعامء خيّب‪ ،‬وخيّب عىل بعد حوايل ‪ 150‬كيلو دامل املدينة املنورة‪ ،‬و ي مهمة خطرية هد فا‪،‬‬

‫فالرسول ﷺ رس رسية كاملة ب يادة عبد اهلل بن عتين را اهلل عنه و رهاه‪.‬‬

‫نرال الفكر السيايس والعسكري الدويق لرسول اهلل ﷺ؛ ألنه بالرسية ذه سي يض عىل رءوس‬

‫الفتنة وجمرمي احلرب وحمركي اجلموع‪ ،‬وبالترترتايل يسرترتتطيأ بعرترتد ذلرترتن ن يسرترتيطر عرترتىل األمرترتور‬

‫بصورة يرس وبطري ة رسع‪ ،‬وبحمد اهلل نجحت رسية عبد اهلل بن عتين را اهلل عنه يف وترترت‬

‫سالا بن يب احل يق‪ ،‬وختلص املسلمون من ر س كبري من رءوس الفتنة‪ ،‬وكانت خسارة كبرية‬

‫هد فا لليهود‪ ،‬وبالذات ن ذلن كان بعد التخلص من بني وريظة‪ ،‬وبعد التخلص من حيرترتي برترتن‬

‫خطب‪ ،‬وبات واهح فا للجميأ ن الدولة اإلسالمية يف ري ها إىل النمو وال رترتوة‪ ،‬و ن نجمهرترتا‬

‫ذه النجاحات املتتاليرترتة يف األحرترتزاب وبنرترتي‬ ‫سيعلو يف اجلزيرة بكاملها‪ ،‬والرسول ﷺ مل مم‬
‫‪661‬‬
‫وريظة ويف حادثة اغتيال الزعي اليهودي سالا برترتن يب احل يرترتق‪ ،‬برترت اسرترتتغلها بنشرترترتر ال رترتوات‬

‫اإلسالمية يف ك مكان نا و ناك‪ ،‬وبسا السرترتيطرة عرترتىل املنرترتا ق املختلفرترتة يف اجلزيرترترة‪ ،‬وورترتاا‬

‫بتأديب وع اب من اد كوا يف إيذاء املسلمني وب ذلن‪.‬‬

‫رسية حممد بن مسلمة لتأديب بني بكر بن كالب من وبائ نجد‬

‫بعد عودة رسية عبد اهلل بن عتين من خيّب‪ ،‬رس رسية ب يادة حممد بن مسرترتلمة را اهلل عنرترته‬

‫و رهاه إىل منط ة تعر بال ر اء‪ ،‬و ي تبعد عن املدينة املنورة كثر من ‪ 300‬كيلو م ‪ ،‬و ذه‬

‫من وبائ نجد الذين اد كوا يف حصار‬ ‫الرسية كانت موههة إىل بطن بني بكر بن كالب‪ ،‬و‬

‫املدينة املنورة ياا األحزاب‪ ،‬مأ ن ذه الرسية كانت مكونة ف ا مرترتن ‪ 30‬فارسرترت فا فهرترتي رسيرترتة‬

‫صغرية‪ ،‬إت ما ح ت نتائج عظيمة هد فا‪ ،‬ت تتناسب مطل رت فا مرترتأ عرترتدد ا الصرترتغري‪ .‬ل رترتى اهلل‬

‫سبحانه وتعاىل هبذه الرسية الرعب يف ولوب بني بكر‪ ،‬ل د رب معظمه من الرسية‪ ،‬وتفرووا‬

‫يف الصحراء ووت منه عرشة‪ ،‬واستاق حممد بن مسلمة را اهلل عنه و رهاه عدد فا كبري فا هد فا‬

‫من اإلب والشياه‪ ،‬هاء يف بعض الت ديرات ما ‪ 150‬من اإلب و ‪ 3000‬من الشياه‪.‬‬

‫كان من آثار ذه الرسية ن ارتفعت يبة املسلمني يف ولرترتوب األعرترتراب نرترتا و نرترتاك‪ ،‬وخرترتا‬

‫الناس منه ‪ ،‬وحتسن الوهأ اتوتصرترتادي يف املدينرترتة املنرترتورة‪ ،‬وبالرترتذات ن املسرترتلمني ت زالرترتوا‬

‫خارهني من زمة األحزاب‪ ،‬ف د كانوا يف حالة درترتديدة هرترتد فا مرترتن الف رترتر واجلرترتوع‪ ،‬وارتفعرترتت‬

‫معنويات املسلمني هد فا‪ ،‬ودعروا بشعور املهاه ت دعور املدافأ‪ .‬ذه ثالثة آثار إجيابية رترتذه‬

‫الرسية البسيطة‪.‬‬

‫‪662‬‬
‫وصة رس حثاممة بن ح ثال احلنفي وإسالمه‬

‫نجرترتد رسوا رهرترت ف‬


‫ال كرترتان يف رترتري ه مل يكونرترتوا‬ ‫عند عودة املسلمني من ذه الرسية مرترتن ر‬

‫و ثاممة برترتن ثرترتال احلنفرترتي سرترتيد بنرترتي‬ ‫يعرفونه‪ ،‬فلام توا به إىل املدينة املنورة تبني ن ذا الره‬

‫حنيفة‪ ،‬فهو من عظ و كّب زعامء العرب مطل فا يف ذلن الووت‪ ،‬ف د كان ذا ب فا من بني حنيفرترتة‬

‫متنكر فا من ه ن ي ت الرسول ﷺ بنفسه‪ ،‬لكن تعالوا لننظر ماذا سيحص مأ ذا األسرترتري؟‬

‫وما ي اآلثار التي نتجت عن خذ ذا األسري الكبري؟ خذ املسلمون ذا األسري وربطرترتوه يف‬

‫سارية من سواري املسجد النبوي‪ ،‬فخرج ﷺ وسأله‪( :‬ما عندك يا ثاممة؟) لنتصور حل ورفق‬

‫الرسول ﷺ و و خيا ب ره ف‬
‫ال يعل نه هاء لي تله‪( :‬ما عندك يا ثاممة؟ ف ال ثاممة‪ :‬عندي خري‬

‫عىل النبي ﷺ ثالثة مور‪ ،‬ي رترتول‪( :‬إن ت ترترت ت ترترت ذا دا) ي‪ :‬لرترتو وتلتنرترتي‬ ‫يا حممد)‪ .‬ث عر‬

‫ورائي وبيلة كبرية هد فا بنو حنيفة ستأخذ بثأري‪ ،‬فدمي لن يذ ب در فا‪ .‬ذا ول يشء‪ ،‬و رترتذه‬

‫صيغة ديدية‪( ،‬إن ت ت ت ت ذا دا)‪.‬‬

‫الثاين‪( :‬وإن تنع تنع عىل داكر) ي‪ :‬لو ل تني بغري فداء سأحفظ لن ذا اجلمي و دكره‬

‫لن‪.‬‬

‫الثالال‪( :‬وإن كنت تريد املال فس تعا منه ما دلت) ي‪ :‬إن لبت املال كفدية سنعطين منرترته‬

‫واملدينرترتة يف حالرترتة مرترتن درترتد‬ ‫ما تشاء؛ ألن ثاممة من غنى غنياء العرب‪ ،‬وتصور رترتذا العرترتر‬

‫حاتت الف ر‪.‬‬

‫ذه اختيارات ثالثة عرهها ثاممة عىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬لكن الرسول ﷺ آثرترتار آثرترتر يرترترد رسيعرترت فا‬

‫عىل ذه اتختيارات الثالثة‪ ،‬ب تركه مربو فا يف سارية املسجد يشا د حركة املسلمني وتعام‬

‫املسلمني وصالة املسلمني ودروس املسلمني‪ ،‬فاملسجد كرترتان حيرترتاة املسرترتلمني كلهرترتا‪ ،‬كرترت يشء‬

‫‪663‬‬
‫حيص يف املسجد‪ ،‬حتى األمور السياسية والعسكرية اخلطرية تت يف داخرترت املسرترتجد‪ ،‬وييخرترتذ‬

‫ال رار يف داخ املسجد‪.‬‬

‫فرت ثاممة بن ثال و و مربوط يرال واوأ املسلمني وحياة املسلمني و بيعة العالورترتة برترتني احلرترتاك‬

‫واملحكومني‪ ،‬وبني األخ و خيه‪ ،‬يرال اإلسالا بصورة واوعية متام فا‪.‬‬

‫خرج الرسول ﷺ يف اليوا الثاين وسأل ثاممة نفس السيال وال‪( :‬ما عندك يا ثاممة؟) فرد عليرترته‬

‫عليه األمور الثالثة‪ ،‬ف كه الرسول ﷺ للمرترترة الثانيرترتة ورهرترتأ لرترته يف اليرترتوا‬ ‫بنفس الرد وعر‬

‫الثالال ووال له‪( :‬ما عندك يا ثاممة؟) فرد ثاممة برترتنفس الرترترد‪ ،‬نرترتا الرسرترتول ﷺ سرترتيختار حرترتد‬

‫ال سيد فا رشيف فا زعي فام‪ ،‬ومن ورائه رهرترتال‬


‫ال عاو ف‬
‫اتختيارات الثالثة‪ ،‬فالرسول ﷺ ر ال ثاممة ره ف‬

‫و وواا‪ ،‬وراءه وبيلة كبرية هد فا وبيلة بني حنيفة‪ ،‬ث إن الرسول ﷺ تحظ انبهار ثاممة برترتن ثرترتال‬

‫باملسلمني وبطبيعة الدين اإلسالمي‪ ،‬وتحظ انبهار ثاممة بالرسول ﷺ نفسه‪ ،‬ف د دعر رسرترتول‬

‫ذا ييثر فيه ويسل ‪ ،‬وود يسرترتل مرترتن‬ ‫اهلل ﷺ ن إسالا ثاممة حمتم ‪ ،‬فلو ل ه بدون فداء لع‬

‫ورائه يض فا وبيلة بني حنيفة‪ ،‬وكان إسالا الره حرترتب إىل رسرترتول اهلل ﷺ مرترتن مرترتوال الرترتدنيا‬

‫مجيع فا‪ ،‬ن يسل واحد ويستن ذ من الكفر إىل اإليامن ذا يساوي عند الرسول ﷺ كثر من كرترت‬

‫موال الدنيا‪ ،‬لذلن اختار الرسول ﷺ ن يطلق ثاممة بغري فداء‪.‬‬

‫تصور ذا سري ثمني هد فا ويطل ه كذا بغري فداء! نع عليه آمرترت ف‬


‫ال ن يكرترتون ثاممرترتة برترتن ثرترتال‬

‫رت يف حسرترتابات رت الرترتدنيا مرترتن‬ ‫صادو فا عندما وال‪( :‬إن تنع تنع عىل داكر)‪ ،‬و رترتذا الت‬

‫ف فا غري مفهوا؛ ألن الرسول ﷺ حيك دولة ف رية‪ ،‬و ي ت زالت خارهرترتة‬ ‫السياسيني يعتّب ت‬

‫من زمة اوتصادية احنة‪ ،‬ولو لب األموال الطائلة لبذلت لفرترتن رس ثاممرترتة برترتن ثرترتال‪ ،‬لكرترتن‬

‫الرسول ﷺ مل يكن يفكر يف الدنيا بكاملها‪ ،‬ك الذي يفكر فيه استن اذ ثاممة ووبيلرترتة ثاممرترتة مرترتن‬

‫براثن الكفر وهذهب إىل هنة اإليامن‪ ،‬وت يف ه ذلن إت سيايس ميمن‪ ،‬وثاممة كان عنرترتد حسرترتن‬
‫‪664‬‬
‫ظن الرسول ﷺ‪ ،‬ف د خرج مرسع فا من املسجد النبوي بعد ن لق رساحه‪ ،‬انطلرترتق إىل نخرترت‬

‫وريب من املسجد عنده بلر من اآلبار فاغتس من ذا املاء الذي يف البلر‪ ،‬والظا ر نه سأل وب‬

‫ذلن عن كيفية اإلسالا‪ ،‬لكنه مل يرد ن يسل و و يف ويده؛ من ه ت يته بالنفاق‪ ،‬و يرترتته‬

‫نه سل ليطلق رساحه‪ ،‬وإنام انتظر حتى لق ث اغتس وهاء بنفسه خمتار فا إىل رسول اهلل ﷺ‬

‫ليعلن إسالمه بني يديه‪ ،‬فع ذلرترتن بكرترت حسرترت وعمرترتق إيرترتامن‪ ،‬مل يفكرترتر يف الرهرترتوع إىل بلرترتده‬

‫لالستشارة و خذ الر ي‪ ،‬وإنام بعد ن ر ال احلرترتق رغرترتب فيرترته و رسع إىل اإلسرترتالا مهرترتام كانرترتت‬

‫العواوب ومهام كانت النتائج‪.‬‬

‫ورر السيد ثاممة بن ثال الذي تعود ن يتبعه الناس ن يتحول من سيد إىل تابأ مطيأ ذا الدين‬

‫اجلديد دين اإلسالا‪ ،‬فعنده إيامن عميق ومن ول يوا من ياا اإلسالا‪ .‬ل رترتد وورترتف ثاممرترتة برترتن‬

‫ثال را اهلل عنه و رهاه يف خشوع ماا الرسول ي ول له‪ ( :‬دهد نرترته ت إلرترته إت اهلل و درترتهد‬

‫وهه بغرترتض إيل مرترتن‬ ‫ن حممد فا رسول اهلل‪ ،‬يا حممد)‪ ،‬ث وال‪( :‬يا حممد واهلل ما كان عىل األر‬

‫وههن‪ ،‬ف د صبح وههن حب الوهوه إيل‪ ،‬وواهلل ما كان دين بغض إيل من دينن‪ ،‬فأصبح‬

‫دينن حب الدين إيل‪ ،‬وواهلل ما كان بلد بغض إيل من بلدك فأصبح بلدك حرترتب الرترتبالد إيل)‪.‬‬

‫ذا رترتو اإلسرترتالا‪ ،‬و رترتذه رترتي‬ ‫يف حلظات تبدلت املشاعر واألحاسيس واألمنيات واأل دا‬

‫نتيجة املعاملة باحلسنى‪ ،‬واجلدال بالتي ي حسن‪ ،‬والرفق واحلل مأ الناس‪.‬‬

‫ث وال ثاممة را اهلل عنه و رهاه‪( :‬يا رسول اهلل إن خيلن خذتني و نرترتا ريرترتد العمرترترة فرترتامذا‬

‫ترال؟) ي‪ :‬نه كان ناوي فا العمرة بعد ن ي ت الرسول ‪ ،‬لكنه اآلن صار مسل فام‪ ،‬فهو يسأل‪ :‬رت‬

‫يذ ب ألداء العمرة ا ت؟ فأمره ن يعتمر‪ ،‬فلام ذ ب إىل مكة فهو زعي كبري هد فا وكان م رب فا‬

‫مكة وعر املرشكون يف مكة نه ورترتد سرترتل ‪ ،‬ف رترتال لرترته حرترتد‬ ‫مكة‪( ،‬فلام ذ ب إىل‬ ‫إىل‬

‫املرشكني‪( :‬صبوت؟) ي‪ :‬تركت العبادة الصحيحة؟ كام ت ول لواحد ميمن يف رترتذا الوورترتت‪:‬‬

‫‪665‬‬
‫كفرت؟ (ف ال ثاممة ‪ :‬ت واهلل ولكني سلمت مأ حممد ) ما كنت عليه من عبادة األصرترتناا رترتو‬

‫‪ ،‬و نا يف ذا الووت آمنت ح ي ة ت صبوت‪.‬‬ ‫البا‬

‫ث خذ ورار فا يف منتهى اجلر ة واألمهية والتضحية‪ ،‬وال خما ب فا زعامء وريش‪( :‬ت واهلل ت يأتيك‬

‫من الياممة حبة ِحنْطة حتى يأذن فيها النبي ) ذا ورار عجيب هد فا‪ ،‬إنه ورار م ا عرترتة اوتصرترتادية‬

‫كاملة ألورترتوال وبيلرترتة عربيرترتة يف املنط رترتة ورترتريش‪ ،‬ملرترتاذا رترتذه امل ا عرترتة؟ ألمرترتا معاديرترتة ل سرترتالا‬

‫واملسلمني‪ ،‬ذا ورار فيه هر ة كبرية هد فا‪ ،‬فهو سيواهه وريش فا بكرترت وو رترتا ورها رترتا وسرترتلطاما‬

‫وعالوا ا وتارخيها‪ ،‬و و سيمنأ الطعاا عن مكة‪ ،‬وكانت الياممة املصدر الرئييس لشعري وخبرترتز‬

‫مكة‪ ،‬كان يطلق عىل الياممة ريف مكة‪.‬‬

‫ذا ال رار فيه إيذاء دديد ملصالح مكة‪ ،‬وحصار اوتصرترتادي مريرترتأ ملكرترتة‪ ،‬و رترتو ورترترار يف نفرترتس‬

‫الووت فيه تضحية كبرية هد فا من ثاممة ؛ ألنه ليس ف ا سيواهه زعامء مكرترتة و يف رترتد عالورترتات‬

‫مهمة معه ‪ ،‬ولكنه سيف د كذلن ثروات هخمة؛ فرتثاممة بن ثال تاهر يعتمد يف التجارة عرترتىل‬

‫البيأ والرشاء‪ ،‬فهو اآلن ي رر را اهلل عنه و رهرترتاه ن خيسرترترتر رترتذه التجرترتارة‪ ،‬وخيسرترترتر رترتذه‬

‫األموال‪ ،‬وخيرس ذه العالوات‪ ،‬ولكن ك ذلن يف سبي اهلل؛ و ليس بخرسان يف احل ي ة برترت‬

‫و رابح ربح فا عظي فام هد فا؛ ألنه ترك جتارة املرشكني وتاهر مأ رب العاملني سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫يتعل الكثري اآلن بأننا ت نستطيأ ن ن ا أ عداءنا؛ ألننرترتا سرترتنف د ثرترتروات اوتصرترتادية هرترتخمة‬

‫ت‬ ‫وسنخرس مادي فا‪ ،‬واملصانأ ست ف ‪ ،‬والتجارات ست ف‪ ،‬وول‪ :‬ذه بيعة احلروب‪ ،‬والن‬

‫يأيت إت ببذل وتضحية يف سبي اهلل؛ ألن ذا الذي نش يه بجهادنا بأنفسرترتنا و موالنرترتا رترتو يشء‬

‫ثمني ونفيس هد فا‪ ،‬إنه يشء اسمه اجلنة‪ ،‬فال بد ن يكون املدفوع يف اجلنة كثرترتري فا وعظرترتي فام هرترتد فا؛‬

‫ألنه كام روال ال مذي عن يب ريرة را اهلل عنه و رهاه ن الرسول وال‪ ( :‬ت إن سرترتلعة اهلل‬

‫غالية‪ ،‬ت إن سلعة اهلل اجلنة) فأنت تتاهر مرترتأ رب العرترتاملني سرترتبحانه وتعرترتاىل‪ ،‬والرترتثمن اجلنرترتة‪.‬‬
‫‪666‬‬
‫فرتثاممة خذ ورار فا ونفذه بالفع ومتت امل ا عة وعل هبا ورا عنهرترتا وتركهرترتا حترترتد دون ن‬

‫يمنعها‪ ،‬ففي ذا األمر بلغ الرد عىل من ي ول‪ :‬إن امل ا عة بدعة‪ ،‬ب عرترتىل العكرترتس‪ ،‬امل ا عرترتة‬

‫سنة ت ريرية من سنن الرسول ‪ ،‬والسنة‪ :‬ي كرترت فعرترت و ورترتول و ت ريرترتر لرسرترتول ‪ ،‬فالرسرترتول‬

‫عندما يرال حدث فا من حدا الصحابة فيسكت عنه و يستحسنه و ي ره بكلمة و بفعرترت ‪ ،‬كرترت‬

‫ذا حيول احلد إىل سنة؛ ألن الرسول لو ر ال منكر فا لنهى عنه‪ ،‬فهذا األمر حد مرترتن ثاممرترتة‬

‫مر غريب‪.‬‬ ‫بن ثال وسكت عنه الرسول و وره‪ ،‬واستمر ثاممة يف امل ا عة إىل ن حد‬

‫فام و الذي حص بعد ذا من ه ن نفه معنى السنة ومعنى البدعة؟ امل ا عة ثرت تأثري فا‬

‫مبارش فا ووي فا حاس فام عىل زعامء مكة وعىل دعب مكة بصفة عامة‪ ،‬كادت مكة ن لن‪ ،‬وفشلت‬

‫ك حماوتت مكة يف إوناع ثاممة بن ثال بالعدول عن امل ا عرترتة؛ ألنرترته ي عليهرترتا وربرترتا رفرترتأ‬

‫امل ا عة بمواف ة النبي عىل إعطاء مكة الشرترتعري مرترتن هديرترتد‪ ،‬وورترتريش مل يكرترتن مامهرترتا إت حرترت‬

‫واحد‪ ،‬و و ح عجيب‪ ،‬و بعد ح ممكن نتصوره‪ ،‬ب بعد ح ممكن تتصوره وريش نفسها‪.‬‬

‫ماذا عملت وريش؟ ل د رسلت وفد فا إىل املدينة املنورة؛ ليستعطف رسرترتول اهلل ليرترتأذن لرترترتثاممة‬

‫بمعاودة التجارة مأ وريش‪ ،‬ذا املووف كان بعرترتد درترتهور وليلرترتة هرترتد فا مرترتن غرترتزوة األحرترتزاب‪،‬‬

‫ف ريش تنازلت عرترتن كّبيائهرترتا وغطرسرترتتها وذ برترتت لتسرترتأل الرسرترتول وتطلرترتب منرترته وترهرترتوه‬

‫وتستحلفه بأرحامه ن يكتب إىل ثاممة ليأذن له بمعاودة التجارة معهرترتا‪ ،‬فكترترتب لرترته ومل يلمرترته‬

‫عىل امل ا عة ومل ي ‪ :‬ذا غري صحيح و غري سنة‪ ،‬ب ذن له ن يعطيه ؛ بسبب األرحاا التي‬

‫سألوه هبا ‪.‬‬

‫فهذا مر واهح هد فا يف السرية النبوية‪ ،‬و و مر ي بله كرترت ع رت وكرترت رشع؛ ألنرترته لرترتيس مرترتن‬

‫املع ول ن الناس حتارب الرسول وتذبح املسلمني وحتاي املسلمني وجتوع املسلمني فرترتاذا مرترتا‬

‫خذنا ورار فا بعدا الرشاء منه سميناه بدعة‪ ،‬ذا مر غريب هد فا عىل الف ه والفه اإلسالمي‪.‬‬
‫‪667‬‬
‫وت خيفى علينا يف ذا املووف ن نرال روة ولب رسول اهلل ‪ ،‬حيال وافق عىل إعطاء وريش مرترتأ‬

‫ك ما فعلته مأ املسلمني وب ذلن‪ ،‬وافق عىل لب وريش و مرترتر ثاممرترتة بالغرترتاء امل ا عرترتة الترترتي‬

‫كانت بينه وبني وريش‪.‬‬

‫ذا املووف رفأ رءوس املسلمني إىل السامء‪ ،‬مل تعد دولة املسلمني دولة هعيفة مهيضة اجلناح‪،‬‬

‫مهددة من نا و ناك‪ ،‬ت‪ ،‬ب صبحت دولة منتصرترترترة تبسرترتا سرترتيطر ا عرترتىل ب رترتاع متعرترتددة يف‬

‫اجلزيرة العربية‪ ،‬ير بها الصغري والكبري‪ ،‬ا ووة اوتصادية‪ ،‬رترتا عالورترتات دبلوماسرترتية‪ ،‬يف يرترتد ا‬

‫مفاتيح لتغيري األوهاع يف اجلزيرة‪ ،‬وللتأثري عىل اجلميأ بام فيه وريش ذا ا‪.‬‬

‫ل د كانت رسية حممد بن مسلمة رسية بسيطة مكونة من ‪ 30‬فارس فا‪ ،‬لكن إذا راد اهلل عز وهرترت‬

‫باألمة خري فا فال راد لفضله سبحانه وتعاىل‪ ،‬ويأيت اخلري بأ ون األسباب التي يتووعهرترتا املسرترتل ‪،‬‬

‫ب يأيت من حيال ت يتووأ صالف‪ ،‬ي ول اهلل سبحانه وتعرترتاىل يف كتابرترته‪َ } :‬و َي ْر حز ْورترت حه ِمرترت ْن َح ْيرترت حال ت‬

‫ما و إت نوع من الرزق‪ ،‬وكثري فا ما يأيت من حيرترتال ت حيتسرترتب‬ ‫ب{ [الطالق‪ ،]3:‬والن‬ ‫َ ِ‬
‫حيتَس ح‬
‫ْ‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫غزوة بني حليان‬

‫بعد ذه اآلثار العظيمة من ارتفرترتاع معنويرترتات املسرترتلمني‪ ،‬وخرترتو األعرترتراب‪ ،‬و رترتزة ورترتريش‪،‬‬

‫وإسالا ثاممة بن ثال را اهلل عنه‪ ،‬ووت زعامء اليهرترتود الكبرترتار ويف و رت حيرترتي برترتن خطرترتب‬

‫ذا كان لزام فا عىل املسلمني ن يسرترتتغلوا رترتذه اآلثرترتار الضرترتخمة‬ ‫وسالا بن يب احل يق‪ ،‬بعد ك‬

‫بسلسلة منظمة من احلمالت العسكرية نا و ناك؛ ألن وريش فا ستنشغ بنفسها ولن ت رترتدا ي‬

‫معونة ألحد يف حرب املسلمني‪ ،‬وبد الرسول ﷺ يف رس خطة لبسا السرترتيطرة عرترتىل اجلزيرترترة‬

‫العربية‪.‬‬

‫‪668‬‬
‫ومن يشا د خريطة حتركات اجليوش والرسايا بعد غزوة األحزاب يرترتدرك بجرترتالء ن الرسرترتول‬

‫ﷺ كان عىل دراية تامة بجغرافية وظرو اجلزيرة العربية‪ ،‬كانت الغزوات والرسايا متنوعة يف‬
‫ك اتجتا ات يف صورة دبكة منظمة رائعة‪ ،‬روت ت ريب فا ك دروب اجلزيرترترة العربيرترتة درترتامتف‬

‫وت يغزونا)‪.‬‬ ‫وهنوب فا ورشو فا وغرب فا‪ ،‬وكان دعار ذه املرحلة‪( :‬اآلن نغزو‬

‫ول وبيلتني فكر الرسول ﷺ نه حيارهب ‪ :‬وبيلة عض ‪ ،‬ووبي وارة‪ ،‬ووصة رترتاتني ال بيلترترتني يف‬

‫ذا يف الدروس السرترتاب ة‪،‬‬ ‫الغدر بأصحاب الرسول ﷺ معروفة ومشهورة‪ ،‬وتكلمنا عليها وب‬

‫و ي وصة الغدر عند ماء الرهيأ‪ .‬وتلت اتان ال بيلتان من صحاب الرسول ﷺ ‪ 10‬عند ماء‬

‫الرهيأ‪ ،‬بعد ن ومهوا املسلمني م يريدون يتء الصحابة لتعليمه اإلسالا‪ ،‬وكرترتان وورترتأ‬

‫ذه املصيبة كبري فا هد فا عىل الرسول ﷺ‪ ،‬حتى إنه ظ يدعو عليه يف ونوته يف ك صلواته ملدة‬

‫دهر كام ‪.‬‬

‫عد العدة لذلن‪ ،‬ب وورر اخلروج بنفسه عرترتىل‬ ‫عندما وهد الرسول ﷺ الفرصة مواتية ل تا‬

‫ر س اجليش‪ ،‬فعرفت ذه الغزوة يف التاريخ بغزوة بني حليان‪ .‬وبنرترتو حليرترتان رترتي ال بيلرترتة الترترتي‬

‫تنتمي إليها وبائ عض ووارة‪ ،‬وخرج الرسول ﷺ بالفع بجيشه إىل بني حليرترتان يف ربيرترتأ ول‬

‫سنة ‪ 6‬رت‪ ،‬و ذا اخلروج خطري هد فا ألمور‪:‬‬

‫وتف‪ :‬ألن وبائ بني حليان وبائ ووية م اتلة‪.‬‬

‫عدة كامئن عىل‬ ‫ذا عند‬ ‫ثاني فا‪ :‬ألن وبائ بني حليان ادتهرت بالغدر ووطأ الطريق‪ ،‬من ه‬

‫الطريق‪.‬‬

‫ثالث فا‪ :‬ألن مساكن بني حليان بعيدة هد فا عن املدينة املنورة‪ ،‬فهي تبعد ت ريب فا ‪ 400‬كيلو مرترت مرترتن‬

‫املدينة املنورة إىل اجلنوب‪.‬‬

‫‪669‬‬
‫رابع فا‪ :‬ألن مساكن بني حليان وريبة هد فا من مكة املكرمرترتة‪ ،‬عرترتىل بعرترتد ‪ 90‬كيلرترتو مرترت مرترتن مكرترتة‬

‫املكرمة‪ ،‬فال يستبعد بد فا ن تدرك وريش ن هيش املدينة عىل م ربة من مكة املكرمة فتخرج له‬

‫وريش‪ ،‬و نت تعرفون ووة وريش‪.‬‬

‫ذا خرترترج الرسرترتول ﷺ بنفسرترته فيهرترتا‪.‬‬ ‫ذه األمور هعلت ذه الغزوة خطرية‪ ،‬ومن ه‬ ‫ك‬

‫وكانت ذه الغزوة يف دهر ربيأ ول ‪ 6‬رت‪ ،‬وخرج الرسول ﷺ يف ‪ 200‬من صرترتحابه‪ ،‬ومعرترته‬

‫الناس نه سيتجه إىل الشامل يف بادية الشاا‪ ،‬وبعرترتد‬ ‫جمموعة من الفرسان يف ذه الغزوة‪ ،‬و و‬

‫ذلن غري اتجتاه وذ ب إىل اجلنوب حتى يضل عيون العدو‪ ،‬ووص إىل ديار بني حليان‪ ،‬لكن‬

‫عدة كامئن عرترتىل الطريرترتق‪ ،‬واكتشرترتفت رترتذه الكامئرترتن‬ ‫ذا ن بني حليان كانت‬ ‫كام ذكرنا وب‬

‫ملا عرفوا ن الرسول ﷺ و صحابه ود‬ ‫ودوا الرسول ﷺ‪ ،‬فام كان منه إت ن فروا من ديار‬

‫غزو ‪ ،‬مأ ن الرسول ﷺ كان يف ‪ 200‬فارس‪ ،‬وهاء عىل بعد ‪ 400‬كيلو من املدينة املنرترتورة‪،‬‬

‫خالية‪ .‬وكان عرترتىل غرترتري مرترتراد الرسرترتول‬ ‫فهرب بنو حليان مجيع فا يف رءوس اجلبال وتركوا ديار‬

‫ﷺ‪ ،‬فالرسول ﷺ كان يريد ن ي ابله وحيارهب ؛ لينت ألصرترتحابه صرترتحاب الرهيرترتأ‪ ،‬لكرترتن‬

‫روب بني حليان ترك ثر فا إجيابي فا كبري فا هد فا يف صالح املسلمني يف املنط ة كلها‪ .‬العريب ليس من‬

‫ديمه ا روب‪ ،‬واجلبن صفة مذمومة هد فا عنرترتده‪ ،‬ت حيرترتب برترتد فا ن يوصرترتف هبرترتا‪ ،‬وبالرترتذات إن‬

‫كانت ال بيلة وبيلة ووية ا تاريخ يف احلرب وال تال والغزو‪ ،‬لكن ربنرترتا سرترتبحانه وتعرترتاىل ل رترتى‬

‫مرترتاا ال بائرترت األخرترترال‪،‬‬ ‫الرعب يف ولوهب ‪ ،‬مل يفكروا ص ف‬


‫ال يف امل اومة‪ ،‬مل يفكروا يف صرترتور‬

‫فكان ذلن انتصار فا كبري فا هد فا للمسلمني بال دن‪ ،‬والرسول ﷺ مل يكتف هبذا اتنتصرترتار‪ ،‬برترت‬

‫مكال يف ديار بني حليان يومني كاملني يبال الرسايا للبحال عنه يف كرترت مكرترتان‪ ،‬لكرترتن مل يعثرترتر‬

‫ال بيلة مرترتدة يرترتومني كرترتاملني رترتذا مرترتن ورترتوال‬ ‫عىل حد منه ‪ ،‬ويعتّب ب اء الرسول ﷺ يف ر‬

‫‪670‬‬
‫ت خيرج رسيع فا من مكرترتان ال ترترتال وكأنرترته خيشرترتى‬ ‫دتتت اتنتصار عند العرب‪ ،‬ألن من ينت‬

‫ال وا‪ ،‬فالرسول ﷺ ثبت نه ت خيا بني حليان ومكال يومني كاملني‪.‬‬

‫ليس ذا فحسب‪ ،‬ب رس رسية ﷺ من ‪ 10‬فرسان يف اجتاه مكة حتى بلغت حكرترتراع ال َغ ِمرترتي ‪،‬‬

‫وت‬ ‫ن يظهروا مرترتر‬ ‫وكراع الغمي عىل بعد حوايل ‪ 60‬كيلو ت ريب فا من مكة املكرمة‪ ،‬و مر‬

‫مكة و م سيغزون مكة؛ وذلن إلل اء الرعب يف ولوب ال رديني‪،‬‬ ‫يستخفون؛ ليعل هب‬

‫وحد ما متناه املصطفى ﷺ ف د فزعت وريش ونفرت إىل السرترتالح‪ ،‬لكرترتن الرسرترتول عرترتاد إىل‬

‫املدينة ومل يدخ معه يف وتال؛ ألنه غري مستعد ل تال وريش يف ذلن الووت‪ ،‬لكن حت ق له مرترتا‬

‫راد ودعرت وريش باخلطر الشديد من املسلمني‪.‬‬

‫غارة حع َيينة بن حصن الفزاري وغزوة الغابة‬

‫بعد سبوعني كاملني من الغياب عن املدينة املنرترتورة‪ ،‬ويف ثنرترتاء عرترتودة الرسرترتول ﷺ إىل املدينرترتة‬

‫املنورة غار عيينة بن حصن الفزاري عىل بعض ممتلكات املسلمني يف خارج املدينرترتة املنرترتورة‪ ،‬يف‬

‫ال وديا فا للمسلمني‪ ،‬ووت ابرترتن ايب زر الغفرترتاري را اهلل‬


‫منط ة تعر بالغابة‪ ،‬و خذ منها إب ف‬

‫عنه وارهاه واختطف امر ته‪ ،‬و رب عيينة بن حصن يف اجتاه الشامل الرشوي للمدينة يف ناحية‬

‫منازل غطفان‪ ،‬ووص اخلرترتّب إىل الرسرترتول اهلل ﷺ ن رت لرترته سرترتلمة برترتن األكرترتوع را اهلل عنرترته‬

‫و رهاه‪ ،‬وسلمة من عظ الرماة يف اإلسالا‪ ،‬فلام خّب الرسول ﷺ بذلن عاد سلمة مرسرترتع فا‬

‫إىل منط ة الغابة وظ يرمي الفروة الغازية ف ت بعضه و صاب بعضه ‪.‬‬

‫خرج الرسول ﷺ فروة رسيعة احلركة من الفرسان‪ ،‬و مر علرترتيه سرترتعد برترتن زيرترتد األنصرترتاري‬

‫را اهلل عنه و رهاه‪ ،‬و ذا غري سعيد بن زيد املهاهري را اهلل عنه مجعني‪ ،‬وكان يف ذه‬

‫الفروة امل داد بن عمرو وعباد بن برش و بو وتادة وعكادة بن حمصرترتن را اهلل عرترتنه مجعرترتني‪،‬‬

‫‪671‬‬
‫سعد بن زيد‪( :‬اخرج يف لرترتب ال رترتوا‬ ‫وجمموعة من خيار فرسان الصحابة‪ ،‬ووال ﷺ ألمري‬

‫حتى حل ن بالناس) وخرهت ذه الفروة الرسيعة‪ ،‬والرسول ﷺ تبعها بعد ذلن بجيش مرترتن‬

‫املسلمني‪ ،‬و درك ذه الفروة عند مكان تسمى ذا ورد عىل بعد حوايل ‪ 35‬كيلو م درترتامل رشق‬

‫املدينة املنورة‪.‬‬

‫يف ذه الغزوة وت بو وتادة ره ف‬


‫ال من املرشكني‪ ،‬ووت عكادرترتة برترتن حمصرترتن رهلرترتني‪ ،‬واسرترتتن ذ‬

‫املسلمون بعض اإلب والشياه‪ ،‬وفرت املر ة املسرترتلمة امرترتر ة يب ذر ونجرترتت بنفسرترتها إىل املدينرترتة‬

‫املنورة‪ ،‬و رب عيينة بن حصن ومن معه ببعض اإلب ‪.‬‬

‫لب سلمة بن األكوع را اهلل عنه و رهاه من الرسول ﷺ ن جيع معه من الرهال ليغرترتزو‬

‫هب وبائ غطفان يف مكاما‪ ،‬لكن الرسول ﷺ رفض ذلن؛ ألن وبائ غطفان وبائ وويرترتة هرترتد فا‬

‫ومناز ا بعيدة عن املدينة املنورة‪ ،‬وت يريد ن يدخ معها يف ياع و و مل يعرترتد العرترتدة الكافيرترتة‬

‫لذلن‪.‬‬

‫نرال واوعية مجيلة يف رد فع الرسول ﷺ فهو يكافح وجيا د ويستخلص اإلب ودر املسرترتتطاع‬

‫يف واوعية دون ور‪ ،‬ف د كان ك ذلن يف حدود املدينة املنورة‪ ،‬ويف نفس الووت رترتو ت يتهرترتور‬

‫بارسال هيش إىل مغامرة غري مأمونة‪ ،‬وعىل العكس مرترتن ذلرترتن ف رترتد خرترتذ هيشرترته ال ليرترت ﷺ‬

‫وذ ب به إىل بني حليان؛ ألن ناك اختالف فا بني بني حليان وبني بني غطفان‪ ،‬ف بيلرترتة حليرترتان وإن‬

‫كانت ووية إت ما و بكثري هد فا من وبائرترت غطفرترتان‪ ،‬فالرسرترتول ﷺ يعطرترتي لكرترت مرترتر ورترتدره‪،‬‬

‫عىل هوء ذه احلسابات‪ ،‬يف توازن رائرترتأ وف رترته عميرترتق‪ .‬رترتذه‬ ‫حيسب حساباته بدوة‪ ،‬ويت‬

‫احلملة األخرية التي واد ا ﷺ تعر بغزوة الغابة‪ ،‬و رترتو املكرترتان الرترتذي غرترتار عليرترته عيينرترتة برترتن‬

‫حصن‪ ،‬و غزوة ذي َو َرد‪ ،‬و و املكان الرترتذي وصرترت إليرترته ﷺ يف مطاردترترته للمرشرترتكني‪ ،‬و رترتذه‬

‫الغزوة كانت يف ربيأ األول و ربيأ الثاين سنة ‪ 6‬رت‪.‬‬


‫‪672‬‬
‫الرسايا التي بعثها ﷺ بعد غزوة ذي ورد (غزوة الغابة)‬

‫بعد عودته ﷺ إىل املدينة بد يف إخراج رسايا منظمة إىل ك ب اع اجلزيرة العربية ت ريب فا؛ وذلرترتن‬

‫إىل ال بائ التي داركت يف غزوة األحزاب‪ ،‬وكذلن ال بائ التي ادرترت كت يف وترترتال املسرترتلمني‬

‫وب ذلن‪ ،‬و إىل ال ائ التي تستعد لغزو املدينة املنورة‪ ،‬و كذا بعال ﷺ الرسيا اآلتية‪:‬‬

‫وتف‪ :‬بعال رسية ب يادة عكادة بن حمصن را اهلل عنه و رهاه إىل غمر مرزوق‪ ،‬و رترتو جتمرترتأ‬

‫لفرع من فروع بني سد‪ ،‬وبنو سد من ال بائ التي اد كت يف حصار األحزاب‪ ،‬وكانت ذه‬

‫الرسية يف نفس الشهر الذي متت فيه غزوة ذي ورد و و ربيأ األول و ربيأ الثاين سنة ‪ 6‬رت‪.‬‬

‫الرسية الثانية كانت ب يادة حممد بن مسلمة إىل ذي ال صة ل ترترتال بنرترتي ثعلبرترتة عرترتىل بعرترتد حرترتوايل‬

‫‪55‬كيلو م دامل املدينة‪ ،‬و ذه كانت يف ربيأ الثاين سنة ‪ 6‬رت‪.‬‬

‫يف نفس الشهر ربيأ الثاين خرهت رسية يب عبيدة بن اجلراح را اهلل عنه و رهرترتاه إىل نفرترتس‬

‫املكان ولنفس ا د ل تال بني ثعلبة‪.‬‬

‫يف نفس الشهر كذلن ربيأ الثاين خرهت رسية خرترترال ب يرترتادة زيرترتد برترتن حارثرترتة را اهلل عنرترته‬

‫و رهاه إىل منط ة تعر باجلَ حموا‪ ،‬واجلموا عىل بعد حوايل ‪ 100‬كيلو م مرترتن املدينرترتة املنرترتورة‬

‫وخرهت ل تال بني سلي ‪.‬‬

‫وبعد عودة ذه الرسية بأياا يف دهر مجادال األوىل خرهت رسية مهمرترتة هرترتد فا ب يرترتادة زيرترتد برترتن‬

‫حارثة مرة ثانية يض فا‪.‬‬

‫وسنرال ن اس زيد بن حارثة يتكرر مرة واثنتني وثالث فا و كثر؛ ألن الرسول ﷺ يريد ن يدربه‬

‫ألمر كبري هد فا سنعرفه عندما نأيت لغزوة ميتة إن داء اهلل‪.‬‬

‫‪673‬‬
‫املرة الثانية‪ :‬خرج زيد بن حارثة عىل ر س رسية خرترترال موههرترتة إىل منط رترتة تعرترتر برت ِ‬
‫رتالعيص‪،‬‬

‫وافلرترتة مرترتن ووافرترت‬ ‫ذه الرسية اعرترت ا‬ ‫و ذه املنط ة دامل غرب املدينة املنورة‪ ،‬وكان غر‬

‫وريش‪ ،‬فأمسن زيد بن حارثة بال افلة بكاملها‪ ،‬وكانت رضبة كبرية هد فا ل ريش‪.‬‬

‫ويف الشهر الذي يليه دهر مجادال اآلخرة من سنة ‪ 6‬رت خرج زيد بن حارثة للمرة الثالثرترتة عرترتىل‬

‫ر س رسية إىل منط ة تعر بالطر عىل بعرترتد ‪ 55‬كيلرترتو مرترت مرترتن املدينرترتة املنرترتورة عرترتىل ريرترتق‬

‫العراق‪ ،‬وكانت ل تال فرع من فروع بني ثعلبة‪.‬‬

‫ويف نفس الشهر مجادال اآلخرة سنة ‪ 6‬رت خرج زيد بن حارثة للمرة الرابعة عىل ر س رسيرترتة يف‬

‫منتهى األمهية إىل منط ة ِح ْس َمى يف دامل اجلزيرة العربية‪ ،‬و ذه الرسرترتية مهمرترتة هرترتد فا وحمتاهرترتة‬

‫لووفة‪ ،‬وسبب ذه الرسية ن حد صحاب الرسول ﷺ و و ِدحية برترتن خليفرترتة الكلبرترتي را‬

‫ري رترته حرترتد زعرترتامء وبيلرترتة حهرترتذاا‪،‬‬ ‫اهلل عنه كان يف ري ه من الشاا إىل املدينة املنورة فرترتاع‬

‫ووبيلة هذاا تسكن يف دامل اجلزيرة العربية‪ ،‬فهذا الزعي كان اسمه ا نحيد بن َع ْوص ومعه ابنه‬

‫وجمموعة من رهال وبيلة هذاا‪ ،‬و خذوا ما مأ دحيرترتة الكلبرترتي را اهلل عنرترته‪ ،‬وسرترتمأ برترتذلن‬

‫الضبيب‪ ،‬وبنو الضرترتبيب كرترتانوا مرترتن املسرترتلمني فهبرترتوا لنجرترتدة دحيرترتة الكلبرترتي‪،‬‬
‫جمموعة من بني َ‬

‫ونجحوا يف اس داد األدياء التي سلبها منه ا نيد بن عوص ومن معرترته‪ ،‬ومحرترت دحيرترتة الكلبرترتي‬

‫ناس كثريين ن املووف انتهرترتى‪ ،‬مرترتا داا الشرترترتيء‬ ‫ذه األدياء وعاد إىل املدينة املنورة‪ ،‬يف عر‬

‫الذي خذ رهأ فليس ناك داع لل تال‪.‬‬

‫ذا املوورترتف يمرترتر‬ ‫لكن عندما خّب دحية رسول اهلل ﷺ هبذا األمر ورر رسول اهلل ﷺ ت جيع‬

‫دون ووفة‪ ،‬حتى وإن كان مرترتا سرترتلب مرترتن املسرترتلمني رد إلرترتيه ؛ لرترتيعل اجلميرترتأ ن يبرترتة األمرترتة‬

‫اإلسالمية ت ينبغي بد فا ن تنت ص‪ ،‬و ن ي وبيلة و إنسان تسول له نفسه التعدي عرترتىل حرمرترتة‬

‫األمة اإلسالمية‪ ،‬ولو كان ذا التعدي عىل ره واحد و امر ة واحدة من املسرترتلمني ت برترتد ن‬
‫‪674‬‬
‫رترتذا ورترترر الرسرترتول ﷺ ن‬ ‫حيد انت اا من وب األمة اإلسالمية والدولة اإلسالمية‪ ،‬من ه‬

‫يبعال هيش فا لع اب وبيلة هذاا عىل تعدما عىل حد رعايا الدولة اإلسرترتالمية‪ ،‬وبخاصرترتة ا نيرترتد‬

‫بن عوص وابنه اللذان تزعام الفروة التي جمت عىل دحية الكلبي را اهلل عنه و رهاه‪.‬‬

‫ذا مووف مرش هد فا‪ ،‬يكتب بامء الذ ب و غىل من الرترتذ ب‪ ،‬ل رترتد ر ينرترتا الرسرترتول ﷺ وبرترت‬

‫ذلن ينتفض تنتهاك حرمة امر ة واحدة ينت عىل يد مود بني وين رترتاع‪ ،‬فحرترتارهب و هال رت‬

‫من املدينة مجيع فا‪ ،‬و ا و اآلن ينتفض تنتهاك حرمة ره مسل واحد اعتدي عليه مرترتن وبيلرترتة‬

‫ووية يف دامل اجلزيرة العربية بعيدة هد فا عن املدينة املنورة‪ ،‬فال تس عن مدال إحسرترتاس رعايرترتا‬

‫الدولة اإلسالمية باألمان والطمأنينة حلامية ال ائد ا‪ ،‬وت تس عن مرترتدال إحساسرترته باألمرترتان‬

‫يعلمون ويوونون ن دولته بكاملها ت ف وراء ‪ ،‬حتفظ كرامته ‪ ،‬تدافأ عن ح ووه ‪،‬‬ ‫و‬

‫ترفأ رءوسه يف العامل مجأ‪.‬‬

‫ن ال بيلة التي اعتدت عىل دحية الكلبي ي وبيلرترتة وويرترتة‬ ‫و ذا املووف يزداد ويمة عندما نعر‬

‫هد فا‪ ،‬وبيلة هذاا‪ ،‬وت أ مساكنها عىل بعد حوايل ‪ 800‬كيلو م دامل املدينة املنرترتورة‪ .‬تصرترتوروا‬

‫اهتياز مسافة ويلة وصعبة هد فا يف الصحراء وسرترتيت فيهرترتا ل رترتاء صرترتعب‪ ،‬لكرترتن كرامرترتة األمرترتة‬

‫اإلسالمية فوق ك اتعتبارات‪ ،‬كذا يكون التعام مأ مهوا ووضايا األمة‪.‬‬

‫ههز الرسول رسية ب يادة زيد بن حارثة للمرة اخلامسة يف سنة ‪ 6‬مرترتن ا جرترترة‪ ،‬عرترتدد فراد رترتا‬

‫‪ 500‬ره ‪ ،‬و ذه كّب الرسايا التي خرهت من املدينة املنورة‪ ،‬و خرههرترتا هبرترتذا احلجرترت ؛ ألن‬

‫مهمتها صعبة‪ ،‬وت مدد ا من املدينة؛ لبعد املسافة بينها وبني املدينة املنورة‪ ،‬كام ذكرنا تبعد عن‬

‫املدينة حوايل ‪ 80‬كيلو م ‪ ،‬فخرج زيد بن حارثة هبذه الرسية الكبرية‪ ،‬وكان يسري لي ف‬
‫ال ويكمرترتن‬

‫مار فا؛ حتى ت تكشفه العيون‪ ،‬وباغتت ذه الرسية الكبرية وبيلة حهذاا يف الصباح ف تلت مرترتنه‬

‫عدد فا كبري فا‪ ،‬وكان من بني ال تىل ا نيد وابنه‪ ،‬وساق زيد بن حارثة مرترتن مادرترتيته ‪ 1000‬بعرترتري‪،‬‬
‫‪675‬‬
‫و‪ 5000‬داة‪ ،‬وساق من السبي ‪ 100‬من النساء والصبيان‪ ،‬ل رترتد كرترتان رترتذا احلرترتد انتصرترتار فا‬

‫ال وحدث فا مدوي فا يف اجلزيرة العربية بكاملها‪.‬‬


‫ائ ف‬

‫ل د عر اجلميأ بوهوح ن انت اص يبة الدولة اإلسالمية عاوبته احلرب وال ترترتال واجلهرترتاد‪،‬‬

‫اجلزيرة ن يدركوا ذا األمر هيد فا‪ ،‬وت بد ن يدركوا ذه ال يمة العالية للدولة‬ ‫ت بد لك‬

‫ن يدركوا ويمة ك مسل ‪ ،‬سواء كان م ي فام يف املدينة و‬ ‫اإلسالمية النادلة يف املدينة‪ ،‬وت بد‬

‫مسافر فا يف ي مكان يف اجلزيرة العربية و غري ا‪.‬‬

‫ل د كان ذا املووف يف غاية الروعة من رسول اهلل ‪ ،‬لكرترتن مرترتأ كرترتون املسرترتلمني يعيشرترتون زمرترتة‬

‫اوتصادية كبرية بعد األحزاب‪ ،‬ومأ ن ذه الغنائ التي تت إىل املدينة املنورة فيهرترتا خرترتري كبرترتري‬

‫هد فا للمدينة املنورة‪ ،‬إت ن الرسول عاد ذه الغنائ مرة ثانية إىل وبيلة هذاا؛ وذلرترتن عنرترتدما‬

‫هاء إليه زيد بن رفاعة اجلذامي را اهلل عنه حد فراد وبيلة هذاا‪ ،‬وكان ود خرترتذ وبرترت ذلرترتن‬

‫و وبعض فراد ال بيلة‪ ،‬ومأ ن الكتاب كان ورترتد ترترت‬ ‫كتاب فا باألمان من رسول اهلل عندما سل‬

‫ن ضه عندما غدرت وبيلة هذاا برتدحية الكلبي ‪ ،‬إت ن الرسول آثر ن يكسب ولوب ال بيلرترتة‬

‫باعادة األموال والغنائ والنساء والصبيان‪ ،‬وحص كرترت ذلرترتن بعرترتد ن ظهرترترت يبرترتة الدولرترتة‬

‫اإلسالمية وظهرت وو ا وعز ا‪ ،‬وحت ق ا د من الرسية‪ ،‬وود تكون إعادة الغنائ والسرترتبي‬

‫اآلن سبب فا يف ثبات امليمن يف ال بيلة وسبب فا يف إسالا من مل يسرترتل بعرترتد‪ ،‬فهرترتذا تصرترترتر سرترتيايس‬

‫حكي هد فا من رسول اهلل ‪ ،‬ثبت فيه للجميأ سواء يف زمنه و يف زمننا ذا وإىل يوا ال يامة نه‬

‫ت ي ات من ه املال والغنائ والسبي والدنيا بكاملها‪ ،‬وإنام ي ات أله إعالء كلمة اهلل عرترتز‬

‫وه ‪ ،‬وألهرترت تعبيرترتد النرترتاس لرترترب العرترتاملني‪ ،‬وألهرترت الرترتدفاع عرترتن كرامرترتة وحرمرترتات األمرترتة‬

‫اإلسالمية‪ .‬ذه الرسية كام ذكرنا كانت يف دهر مجادال اآلخرة سنة ‪ 6‬رت رسية مهمة هد فا‪.‬‬

‫‪676‬‬
‫بعد عودة زيد بن حارثة را اهلل عنه و رهاه إىل املدينة املنورة مكال فيها عدة ياا‪ ،‬ث خرترترج‬

‫للمرة السادسة عىل ر س رسية خرال إىل منط ة وادي ال رال‪ ،‬وكان ذا يف دهر رهرترتب سرترتنة‬

‫‪ 6‬رت ل تال وبيلة بني فزارة‪ ،‬و ي وبيلة عيينة بن حصن الذي سبق و ن غار عىل املدينرترتة املنرترتورة‬

‫يف غزوة الغابة كام تعلمون‪.‬‬

‫غزوة بني املصطلق (غزوة املريسيأ)‬

‫سمأ ﷺ بتجمأ وبيلة بني املصطلق حلرب املسلمني يف املدينة املنرترتورة‪ ،‬فبرترتاغته ﷺ بخروهرترته‬

‫إليه يف ‪ 2‬دعبان سنة ‪ 6‬رت‪ ،‬ووص إليه عند منط ة تعر بامء املريسيأ‪ ،‬لذلن ذه الغرترتزوة‬

‫املسلمون‬ ‫تعر يف بعض الكتب بغزوة املريسيأ و غزوة بني املصطلق‪ ،‬ويف ذه الغزوة انت‬

‫انتصار فا كبري فا عىل بني املصطلق وغنموا غنائ هخمة وكبرية‪ ،‬وسرترتبوا عرترتدد فا كبرترتري فا مرترتن نسرترتاء‬

‫ال بيلة‪ ،‬وكان منهن هويرية بنت احلار را اهلل عنها التي صبحت ا امليمنني بعرترتد ذلرترتن‪،‬‬

‫و ي ابنة زعي بني املصطلق احلار بن رضار‪ ،‬وكانت رضبة وويرترتة ائلرترتة لل بيلرترتة‪ ،‬وووعرترتت‬

‫هويرية بنت احلار التي ي بنت زعي وبيلة بني املصطلق يف نصيب ثابت بن ويس را اهلل‬

‫عنه و رهاه من األنصار‪ ،‬والرسول ﷺ يف وصة ويلة دال عنها مكاتبتها لرت ثابت برترتن ورترتيس‪،‬‬

‫عليها الزواج بعد ن سلمت وتزوهها ﷺ‪ ،‬وكان ا د من الرترتزواج واهرترتح فا هرترتد فا‪،‬‬ ‫وعر‬

‫فالرسول ﷺ راد هبذا الزواج ن يتألف ولوب بني املصطلق‪ ،‬حيال عتق املسلمون سبايا بنرترتي‬

‫املصطلق ووالوا‪ ( :‬صهار رسول اهلل ﷺ)‪ ،‬فأعتق يرترتوا زواج الرسرترتول ﷺ مرترتن هويريرترتة بنرترتت‬

‫مائة بيت من بني املصطلق‪ ،‬وكان ذلن سبب فا يف إسالا وبيلة بني املصرترتطلق‪ ،‬وكرترتان‬ ‫احلار‬

‫فا عزيز فا ل سالا واملسلمني‪ ،‬ومأ كون غزوة بني املصطلق و غرترتزوة املريسرترتيأ ليسرترتت مرترتن‬ ‫ن‬

‫ال وت كبري فا وت ال رترتتىل والشرترتهداء‬


‫اع فيها وي ف‬ ‫الغزوات الكّبال لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬ومل يكن ال‬

‫‪677‬‬
‫كثريين‪ ،‬ومأ ذلن فهذه الغزوة اكتسبت مهية خاصة يف السرية النبويرترتة؛ خلطرترتورة اآلثرترتار الترترتي‬

‫ذه الغزوة‪.‬‬ ‫ترتبت عىل وهود املناف ني يف داخ‬

‫دور املناف ني يف إذكاء الفتن بني املسلمني يف غزوة بني املصطلق‬

‫ل د حدثت انتصارات ساب ة كثرية بعد غرترتزوة األحرترتزاب‪ ،‬ور ال املنرترتاف ون رترتذه اتنتصرترتارات‬

‫املكثفة فخرهوا يف غزوة بني املصطلق ابتغاء احلصول عرترتىل غنيمرترتة‪ ،‬ويف غرترتزوة بنرترتي املصرترتطلق‬

‫تسبب املناف ون يف كثر من زمة‪ ،‬كادت ك واحدة منها ن تطرترتيح بكيرترتان الدولرترتة اإلسرترتالمية‪،‬‬

‫وكرترت ْ إِ َت َخ َبرترت فات}‬ ‫وصدق اهلل عز وه إذ ي ول يف حرترتق املنرترتاف ني‪َ { :‬لرترت ْو َخ َر حهرترتوا ِفرترتي حك ْ َمرترتا َزا حد ح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫[التوبة‪( ]47:‬خباتف) ي‪ :‬اهطراب فا وهعف فا‪َ { ،‬و َألَ ْو َهرترت حعوا خال َل حكرترت ْ َي ْب حغرترتو َن حك ح ا ْلفت َْنرترت َة َوفرترتي حك ْ‬
‫ني} [التوبة‪.]47:‬‬ ‫ون َ ح ْ َواهللَح َع ِلي ٌ بِال َظاملِ َ‬
‫َس َام حع َ‬

‫فهذا عني ما حد يف غزوة بني املصطلق‪ ،‬ف د تسبب املناف ون يف فتن متتالية‪ ،‬كام ورترتال اهلل عرترتز‬
‫وه يف كتابه الكري ‪َ { :‬وفِي حك ْ َس َام حع َ‬
‫ون َ حرت ْ } [التوبرترتة‪ ]47:‬ي وورترتأ امليمنرترتون الصرترتادوون يف‬

‫مور كثرية بسبب املناف ني‪ ،‬حيرترتال الترترتبس األمرترتر عرترتىل كثرترتر املرترتيمنني يف رترتذه الغرترتزوة‪ ،‬و رترتذه‬

‫األزمات التي ثار ا املناف ون يف ذه الغزوة مرترتن الضرترتخامة بمكرترتان‪ ،‬فهرترتي بحاهرترتة إىل حتليرترت‬

‫وي وتدبر عميق‪ ،‬مما ود ت يتسأ له امل اا يف ذه املحارضة‪ ،‬لكن باذن اهلل سرترتنفرد رترتا حرترتديث فا‬

‫خاص فا يف جمموعة خرال من املحارضات وود نو نا عنها وب ذلن‪ :‬و ي جمموعة الرسول ﷺ‬

‫و خطاء امليمنني‪ ،‬سنجمأ فيها ك األخطرترتاء الترترتي وورترتأ فيهرترتا الصرترتحابة سرترتواء يف غرترتزوة بنرترتي‬

‫املصطلق و يف الغزوات األخرال و يف الرسايا و يف مجيأ السرية النبويرترتة‪ ،‬ونحلرترت فيهرترتا كيرترتف‬

‫كان رد فع املصطفى ﷺ لعالج ذه األخطاء و ذه األزمات‪.‬‬

‫سنعرج رسيع فا عىل ذه الفتن التي دارت يف غزوة بني املصطلق‪.‬‬

‫‪678‬‬
‫األزمة األوىل التي حدثت‪ :‬كانت ياع فا واا بني املهاهرين واألنصار عىل الس اية من بلرترتر مرترتن‬

‫آبار املنط ة‪ ،‬و ذا احلد نادر يف السرية‪ ،‬لعله الوحيد الرترتذي حرترتدثت فيرترته زمرترتة هرترتخمة برترتني‬

‫املهاهرين واألنصار‪ ،‬وكانت زمة كبرية هد فا كرترتادت ن تتفرترتاو لرترتوت حكمرترتة الرسرترتول ﷺ يف‬

‫السيطرة عليها‪ .‬ث إنه نجمت عن ذه الفتنة فتنة خرال خطرية هد فا و ي فتنة نداء املناف ني يف‬

‫وساط األنصار بأن خيرهوا املهاهرين من املدينة‪ ،‬وورترتال عبرترتد اهلل برترتن يب ابرترتن سرترتلول كلمترترته‬

‫إت كام ورترتال األول‪) :‬سرترتمن كلبرترتن‬ ‫الفاهرة يعلق فيها عىل املهاهرين ب وله‪ :‬واهلل ما نحن و‬

‫يأكلن‪ ،‬ما واهلل للن رهعنا إىل املدينة ليخرهن األعز منها األذل(‪ .‬كانرترتت زمرترتة خطرترترية هرترتد فا‬

‫تودن ن ت يض عىل األمة لوت ن اهلل عز وه سل ‪.‬‬

‫وحد بعد ذلن فتنة ثالثة خطرية دنيعة دد من األوىل والثانية‪ :‬إمرترتا حادثرترتة اإلفرترتن‪ ،‬وفيهرترتا‬

‫املناف ون السيدة عائشة ا امليمنني را اهلل عنه و رها ا بالفاحشرترتة‪ ،‬ولألسرترتف الشرترتديد‬ ‫ا‬

‫ووأ بعض امليمنني يف األمر‪ ،‬واتسأ نطاق األزمة حتى دم املسرترتلمني كلهرترت مرترتا برترتني مرترتدافأ‬

‫ومهاه ‪ ،‬وما بني مّبئ ومته ‪ ،‬ومل ينزل وحي يف ذه ال ضية إت بعد دهر كام ‪ ،‬فبعرترتد درترتهر‬

‫كام نزل الوحي بتّبئة السيدة عائشة الطا رة را اهلل عنه و رها ا من التهمة الشنيعة التي‬

‫ثار ا املناف ون‪ ،‬واد ك فيها كام ذكرنا بعض امليمنني‪ .‬حادثة اإلفن ذه مرترتن درترتد األزمرترتات‬

‫التي مرت باملسلمني يف ف ات السرية النبوية‪ ،‬و رترتذه األزمرترتة خطرترترية هرترتد فا حتترترتاج إىل ووفرترتات‬

‫ويلة وحتليالت كثرية‪ ،‬وانتباه إىل رد فع رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وتدبر يف تعليق رب العاملني سبحانه‬

‫وتعاىل للحد كام يف سورة النور‪ .‬ذه وصة كبرية هد فا حتتاج إىل تفريغ ووت وتدبر‪ ،‬وسرترتنفرد‬

‫إن داء اهلل كام ذكرنا تفصي ف‬


‫ال يف موهوع خطاء امليمنني‪.‬‬

‫‪679‬‬
‫استمرار الرسايا التأديبية للمناوئني واملعارهني للدولة اإلسالمية النادلة‬

‫الذي نريد ن نذكره يف ذا امل اا‪ :‬نه بالرغ من األزمات والفتن التي حرترتدثت يف غرترتزوة بنرترتي‬

‫املصطلق إت ن سه املسلمني كانت يف ارتفاع دائ ‪ ،‬وكان اجلو العاا يف اجلزيرة العربية يشرترتري‬

‫بيعرترتي ومترترتدرج‬ ‫بوهوح إىل نمو الدولة اإلسالمية نمو فا رسيع فا‪ ،‬و ن ذا النمو يسرترتري بشرترتك‬

‫ذا سيكون له آثار كبرية هد فا عىل األحدا املسرترتت بلية للدولرترتة اإلسرترتالمية‪،‬‬ ‫ومدروس‪ ،‬وك‬

‫وسنفه الكالا ذا كثر عندما نأيت لصلح احلديبية‪ .‬غزوة بني املصطلق كانت يف دهر دعبان‬

‫سنة (‪ )6‬رت ومأ ن األحدا كانت تغيل باألحدا األخرية وبالرترتذات حادثرترتة اإلفرترتن إت ن‬

‫حركة اجلهاد مل تتووف‪.‬‬

‫بعال الرسول ﷺ يف نفس الشهر دهر دعبان سنة ‪ 6‬رت رسيتني رترتامتني هرترتد فا‪ :‬األوىل‪ :‬ب يرترتادة‬

‫عبد الرمحن بن عو را اهلل عنه و رهاه إىل ديار بني َك ِلب بدومة اجلندل عىل مسرترتافة كبرترترية‬

‫هد فا من املدينة املنورة‪ ،‬واألخرال‪ :‬إىل ديار بني سعد بفدك‪ ،‬والذين كانوا يعدون العدة للتعاون‬

‫مأ مود خيّب حلرب املسلمني‪ ،‬وكانت ذه الرسية األخرية ب يادة عيل بن يب الرترتب را اهلل‬

‫عنه و رهاه‪ ،‬كان ذا البعال يف دهر دعبان مأ وهود حادثة اإلفن يف املدينة‪ ،‬فحركة اجلهرترتاد‬

‫يف سبي اهلل مل تتووف‪.‬‬

‫ويف دهر رمضان سنة ‪ 6‬رت رس الرسرترتول ﷺ رسيرترتة خرترترال إىل بنرترتي فرترتزارة يف منط رترتة وادي‬

‫ال رال‪ ،‬وكان عىل ر سها بو بكر الصديق و زيرترتد برترتن حارثرترتة را اهلل عرترتنهام مجعرترتني‪ ،‬و رترتذه‬

‫الرسية كانت موههة تمر ة يف ذه املنط ة اسمها ا ِورفة‪ ،‬فهذه املر ة عدت فروة مرترتن ثالثرترتني‬

‫فارس فا تغتيال الرسول ﷺ‪ ،‬فلام عل الرسول ﷺ هبذه الفروة املجهزة له خرج ا ذه الرسية‬

‫اإلسالمية‪ ،‬ف تلت ذه السرترترترية اإلسرترتالمية رترتيتء الفرسرترتان الثالثرترتني مجيعرترت فا‪ ،‬وازداد نشرترتاط‬

‫املسلمني هد فا يف دهر دوال سنة ‪ 6‬رت‪ ،‬فبعال الرسول ﷺ فيه ثال رسايا خطرية‪:‬‬
‫‪680‬‬
‫األوىل‪ :‬كانت إىل جمموعة من املرشكني من وبائرترت حعكرترت و حع َرينرترتة كرترتانوا ورترتد ظهرترتروا اإلسرترتالا‬

‫وغدروا بأصحاب الرسول ﷺ‪ ،‬ووتلوا منه واحد فا‪ ،‬ورسووا كمية كبرية من اإلب ‪ ،‬فبعال‬

‫الرسول ﷺ رسية ب يادة حك ْرز بن هابر الفهري را اهلل عنه واسرترتتطاع اإلمسرترتاك هبرترت وورترتتله‬

‫ومتكن من اس داد اإلب ‪.‬‬

‫الرسية الثانية‪ :‬يف دوال ‪ 6‬رت كذلن وكانت ذه الرسية ب يادة عبد اهلل بن رواحة را اهلل عنه‬

‫و رهاه‪ ،‬وكانت مهمتها يف منتهى اخلطورة‪ ،‬مهمتها اغتيرترتال ال حي َسرترتري برترتن ِرزاا مرترتري خيرترتّب مرترتن‬
‫اليهود‪ ،‬فهو من كابر اليه ود ومن الذين خذوا جيمعون اليهود يف خيّب ووادي ال رترترال َ‬
‫وفرترتدَ ك‬

‫حلرب املسلمني‪ ،‬ومل يكتف بذلن‪ ،‬ب واا بجمأ غطفان من هديد حلرب املسلمني‪ ،‬مرترتن هرترت‬

‫ن يعيد األحزاب مرة ثانية‪ ،‬كان يريد ن ي وا بنفس الدور الذي واا به وبله حيي برترتن خطرترتب‬

‫وسالا بن يب احل يق‪ ،‬ولكي ت تتكرر مأساة حصار املسلمني يف داخ املدينرترتة املنرترتورة حرترترص‬

‫الرسول ﷺ عىل التخلص من ذا الطاغية وبرترت ن جيمرترتأ رترتيتء املشرترترتركني‪ ،‬وبرترتذلن جينرترتب‬

‫املسلمني ويالت زمة هخمة ود حترترتد ‪ ،‬وكانرترتت رترتذه الرسرترتية املكونرترتة مرترتن ثالثرترتني فارسرترت فا‪،‬‬

‫ومتكنت ذه الرسية من وت اليسري بن رزاا‪ ،‬و من بذلن املسرترتلمون رش خيرترتّب‪ ،‬ولكرترتن بصرترتفة‬

‫ميوتة؛ ألن ك اليهود يف ذلن الووت كانوا متجمعني يف خيّب‪ ،‬وت درترتن ن العرترتالج النهرترتائي‬

‫ملشكلة مود خيّب وتأليبه املستمر عىل املسلمني حيتاج إىل ووفرترته حاسرترتمة‪ ،‬وحيترترتاج إىل حرترترب‬

‫فاصلة مبارشة كالتي فعلت وب ذلن مأ مود بني وين اع ومود بني النضري ومود بني وريظرترتة‪،‬‬

‫ذا و احل النهائي مأ مود خيّب‪ ،‬لكن الرسول ﷺ مل يكرترتن ورترتادر فا عرترتىل ذلرترتن الوورترتت؛ ألن‬

‫وهأ املدينة املنورة خطري‪ ،‬ت يستطيأ ﷺ ن يغزو خيّب اآلن دون ن ييمن ظهرترتره‪ .‬خطرترتر مرترتا‬

‫مدد ظهر الرسول ﷺ و غزو وريش املدينة املنرترتورة‪ ،‬وبالرترتذات ن غرترتزوة األحرترتزاب مل يمرترتض‬

‫عليها سوال سنة واحدة‪ ،‬وإذا خرج الرسول ﷺ بجيش اآلن إىل حرب خيّب حرب فا داملة ف رترتد‬

‫‪681‬‬
‫يستغرق ذا اخلروج إىل ف ة ويلة هد فا من الزمان ود تص إىل دهور؛ لشرترتدة برترتأس امل رترتاتلني‬

‫خيّب‪ ،‬ومناعة حصون خيّب‪ ،‬وبعد خيرترتّب عرترتن املدينرترتة‪ ،‬فهرترتو ﷺ ت يسرترتتطيأ ن يرترت ك‬ ‫من‬

‫املدينة خالية من اجلند ف ة ويلة غري حمسوبة‪ ،‬لذلن اكتفى ﷺ باغتيرترتال ر س الفتنرترتة وحمرترترك‬

‫اجلموع اليسري بن رزاا إىل ن يص إىل وسيلة لتأمني هانب ورترتريش‪ ،‬وبعرترتد ا يفكرترتر يف وضرترتية‬

‫ذا كان يف دوال ‪ 6‬رت‪ ،‬وكانرترتت رترتذه رترتي‬ ‫خيّب‪ ،‬و ذا عني ما سنراه بعد صلح احلديبية‪ .‬ك‬

‫الرسية الثانية يف دوال‪.‬‬

‫الرسية الثالثة واألخرية يف ذا الشهر كانت رسية خطرية هد فا‪ ،‬ووههرترتة رترتذه السرترترترية كانرترتت‬

‫مر ذه السرترية‪ ،‬خرهرترتت‬ ‫غريبة هد فا‪ ،‬كانت وههتها مكة املكرمة‪ ،‬وكثري من الناس ت يعر‬

‫ذه الرسية إىل مكة املكرمة ملهمة يف غاية اخلطورة إما مهمة اغتيال يب سفيان دخصي فا‪ ،‬وعرترتىل‬

‫ر س ذه الرسية عمرو بن مية الضمري را اهلل عنه و رهاه‪ ،‬و بو سرترتفيان كرترتان مرترتن درترتد‬

‫املجمعني وامليلبني حلرب املسلمني يف األحزاب‪ ،‬فهو دخصية خطرية هرترتد فا وحموريرترتة يف مكرترتة‬

‫ذه الرسية ب ليرترت ‪،‬‬ ‫املكرمة‪ ،‬وحربه معلنة هد املسلمني‪ ،‬ب إنه دبر ميامرة ل ت الرسول وب‬

‫وفشلت ذه امليامرة‪ ،‬وذلن حني استأهر بو سفيان عرابي فا ل ت املصطفى ‪ ،‬وكان الرترترد عرترتىل‬

‫ذه املحاولة من يب سفيان ن يرس الرسول رسية تغتيال يب سفيان ‪ ،‬فكام فشلت رسية يب‬

‫سفيان يف اغتيال املصطفى كذلن رسية الرسول مل تستطأ اغتيال يب سفيان ‪ ،‬واحلمد هلل نه مل‬

‫ي ت ؛ ألن با سفيان سل بعد ذلن وحسن إسالمه را اهلل عنه و رهاه‪.‬‬

‫هبذا املووف علمت وريش فا ما مهددة يف ع ر دار ا‪ ،‬ت دن ن ذلن فزع زعامء رترتا هرترتد فا؛ ألن‬

‫وكرترترايس حكمهرترت ‪ ،‬فهرترتذه رت‬ ‫الدنيا ت يرون ن ناك ديل فا غىل من حيرترتا‬ ‫الزعامء من‬

‫الطامة الكّبال‪ ،‬فهذه الرسية كام ذكرنرترتا كانرترتت‬ ‫يشء عند ‪ ،‬فاذا ددوا فيها كانت بالنسبة‬

‫‪682‬‬
‫يف دوال سنة ‪ 6‬رت فيكون ود مرت سنة كاملة عىل غزوة األحزاب؛ ألن غزوة األحزاب كانرترتت‬

‫يف دوال ‪ 5‬رت‪.‬‬

‫آثار الغزوات والرسايا التي حدثت يف السنة السادسة للهجرة‬

‫متيزت ذه السنة املباركة السنة السادسة من ا جرة بأما كانت سنة ههادية من الدرهة األوىل‪،‬‬

‫حيال انترشت فيها هيوش املسلمني كام ر ينا يف ك نحاء اجلزيرة العربية ت ريبرترت فا‪ ،‬ومترترتت فيهرترتا‬

‫‪ 20‬محلة عسكرية كاملة‪ ،‬بمعدل محلرترتة عسرترتكرية كرترت ‪ 20‬يومرترت فا‪ ،‬كرترتان منهرترتا ‪ 17‬رسيرترتة ب يرترتادة‬

‫الصحابة را اهلل عنه و رها ‪ ،‬و ‪ 3‬غزوات ب يادة املصطفى ﷺ‪ ،‬ومرترتأ ن رترتذه الغرترتزات‬

‫رت‬ ‫والرسايا بصفة عامة مل تكن من املعارك الضخمة إت ن تأثري ا كان عمي فا هد فا عرترتىل كرترت‬

‫اجلزيرة‪ ،‬سواء من املسرترتلمني و املرشرترتكني و اليهرترتود و املنرترتاف ني‪ ،‬فكرترت النرترتاس ترترتأثرت هبرترتذه‬

‫الغزوات والرسايا‪.‬‬

‫فتعالوا بنا نذكر بعض اآلثار احلميدة ذه الرسايا والغرترتزوات املتتاليرترتة يف السرترتنة السادسرترتة مرترتن‬

‫ا جرة ذه عرشة آثار نذكر ا كام ييل‪:‬‬

‫األثر األول‪ :‬حتسن الوهأ األمني للمسلمني يف اجلزيرة العربية‪ ،‬سواء يف املدينرترتة و يف ال بائرترت‬

‫املسلمة يف ي مكان‪ ،‬و حتى للمسلمني العابرين و املسافرين من مكان إىل مكرترتان؛ ألن يبرترتة‬

‫املسلمني صبحت يف ولوب اجلميأ عظيمة هد فا‪.‬‬

‫األثر الثاين‪ :‬حتسن املستوال العسكري واألداء ال تايل للمسلمني حتسرترتن فا ملحوظرترت فا‪ ،‬ف رترتد كانرترتت‬

‫ذه الغزوات والرسرترتايا بمثابرترتة دورات عسرترتكرية تدريبيرترتة عمليرترتة ختتلرترتف كثرترتري فا عرترتن التعلرترتي‬

‫النظري‪ ،‬ب ختتلف عن التدريب اتصطناعي غري الواوعي‪ ،‬فيظهر ثر ذه الترترتدريبات املكثفرترتة‬

‫عىل مست ب اجليش اإلسالمي‪ ،‬سنرال بعد ذه الغرترتزوات والسرترترترايا املعرترتارك املتالح رترتة الترترتي‬

‫‪683‬‬
‫ستأيت بعد ذلن؛ خيّب‪ ،‬ميتة‪ ،‬فتح مكة‪ ،‬حنرترتني‪ ،‬الطرترتائف غري رترتا وغري رترتا‪ ،‬وسرترتنرال ثرترتر رترتذه‬

‫الدورات التدريبية عىل داء امل ات املسل ‪.‬‬

‫األثر الثالال‪ :‬حتسن الوهأ اتوتصادي للدولة اإلسالمية‪ ،‬وذلن لعدة مور‬

‫منها‪:‬اتست رار األمني الذي يشجأ عىل التجارة‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬العالوات املنترشة للمسلمني يف ك مكان‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬كثرة الغنائ يف الرسايا والغزوات‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬اعتامد املسلمني جتاري فا عىل نفسه بعد وطأ العالوات التجارية مأ اليهود‪.‬‬

‫األثر الرابأ‪ :‬واا املسلمون عالوات دبلوماسية ووية مأ الكثري من موازين ال رترتوال يف اجلزيرترترة‬

‫العربية‪ ،‬سواء عىل مستوال ال بائ و عىل مستوال األفرترتراد الرترتزعامء‪ ،‬فعرترتىل سرترتبي املثرترتال‪ :‬ورترتاا‬

‫املصرترتطلق‪ ،‬ومرترتأ وبائرترت بنرترتي َك ِلرترتب يف دومرترتة‬


‫املسلمون عالوات دبلوماسية ووية مأ وبائ بني ح‬
‫اجلندل ومأ غري ا‪ ،‬وكذلن مأ بعرترتض الرترتزعامء الكبرترتار مثرترتال‪ :‬ثاممرترتة برترتن ثرترتال را اهلل عنرترته‬

‫و رهاه‪.‬‬

‫ذه العالوات حد تفكن ملحوظ يف عالوات وريش مأ كثرترتري مرترتن‬ ‫األثر اخلامس‪ :‬يف م اب‬

‫ال بائ العربية؛ ألن ال بائ التي ع دت عالورترتات مرترتأ املسرترتلمني ف رترتد ا ورترتريش‪ ،‬و نرترتاك مرترتن‬

‫ال بائ العربية التي مل تنض إىل نا و ناك آثرت ن تب ى عىل احلياد‪ ،‬ت رترتي مرترتأ ورترتريش وت‬

‫ي مأ املسلمني‪ ،‬و ذا يعتّب انتصار فا كبري فا هد فا للمسلمني؛ ألن وريش فا مرترتأ مرترتا رترتا مرترتن ترترتاريخ‬

‫وووة وسيادة مل تعد م نعة لعموا ال بائ العربية كحليف‪ ،‬و ذا ت دن سيكون له حب ْعدٌ رترتاا يف‬

‫صلح احلديبية بعد ذلن كام سنرال‪.‬‬

‫‪684‬‬
‫األثر السادس‪ :‬دعرت وريش بال لق الشرترتديد نتيجرترتة نمرترتو الدولرترتة اإلسرترتالمية هبرترتذه الصرترتورة‪،‬‬

‫و حست ن املسلمني وادرون عىل ديد ا يف ع ر دار ا‪ ،‬ف د ر ينرترتا كيرترتف ن رسيرترتة إسرترتالمية‬

‫وصلت إىل حدود مكة كام ذكرنا يف غزوة بني حليان‪ ،‬ور ينا حماولة اغتيال يب سفيان‪ ،‬وت دن‬

‫ذا له ثر كبري هد فا عىل نفسيات ال رديني‪ ،‬مما هعله حيسرترتون ن البسرترتاط سينسرترتحب‬ ‫نك‬

‫‪ ،‬ب للمسلمني‪ ،‬و ذا سيكون له يض فا ثر كبرترتري‬ ‫من حتت رهله ‪ ،‬و ن األياا اآلتية ليست‬

‫يف صلح احلديبية‪.‬‬

‫األثر السابأ‪ :‬نتيجة الت دا اإلسالمي امللموس والتأخر ال ريش الواهرترتح ارتفعرترتت معنويرترتات‬

‫املسلمني هد فا‪ ،‬وازدادت ث ة املسلمني بأنفسه ‪ ،‬و رترتذا سرترتيعطيه ال رترتدرة عرترتىل اتنطرترتالق إىل‬

‫ورارات هريلة هد فا‪ ،‬تكون ا تبعات كبرية هرترتد فا‪ ،‬ولرترتن ي رترتف مرترتاا حالمهرترت حرترتد‪ ،‬برترت إننرترتا‬

‫سنشا د مواوف لعلها مل تكن ختطر ص ف‬


‫ال يف ذ ان املسلمني‪.‬‬

‫األثر الثامن‪ :‬نتيجة ذا املستوال اإلسالمي املتميز سارع املنرترتاف ون بكرترتت نفرترتاوه ‪ ،‬ومرترتن كرترتان‬

‫جيا ر بالسوء ياا األحزاب‪ ،‬فانرترته اآلن يتملرترتق ويرترتدا ن ويتخفرترتى‪ ،‬ولرترتيس معنرترتى ذلرترتن مرترت‬

‫بحذر كثر وحرص عظ ‪ ،‬و ذا‬ ‫سيكفون عن ذا ‪ ،‬بد فا‪ ،‬لكن معناه‪ :‬م سيكيدون كيد‬

‫ود يضاعف من خطور ‪ ،‬وما حدا غزوة بني املصطلق بخافية عن حد‪ ،‬ف رترتد دبرترتروا كرترت‬

‫الفتن التي حدثت يف بني املصطلق يف خفاء درترتديد ويف رسيرترتة مطل رترتة برترت إمرترت عنرترتدما سرترتللوا‬

‫نكروا وحلفوا باهلل ما والوا‪ ،‬وت دن ن فتنة املناف ني ستزداد كلرترتام‬ ‫مبارشة عن ذه األحدا‬

‫ذه الفتنة كام تعلمون بعد ثال سرترتنوات مرترتن رترتذه‬ ‫ازدادت ووة الدولة اإلسالمية‪ ،‬وستتفاو‬

‫األحدا يف غزوة تبوك‪ ،‬كام سنرال إن داء اهلل يف الدروس اآلتية‪ ،‬وعىل املسرترتلمني ن يكونرترتوا‬

‫دائ فام عىل حذر تاا من ذه الثعابني التي تسعى يف الظالا‪.‬‬

‫‪685‬‬
‫األثر التاسأ‪ :‬هعف ووة اليهود إىل حد كبري‪ ،‬و ذا كرترتان لرترته ثرترتر بعرترتد ذلرترتن‪ ،‬ف رترتد وترترت كرترتابر‬

‫جمرميه بدء فا برتحيي بن خطب وسالا بن مشك ثناء غزوة بني وريظرترتة‪ ،‬ثرترت بعرترتد ذلرترتن وترترت‬

‫سالا بن يب احل يق واليسري بن رزاا كام ذكرنا ثرترت إمرترت ورترتد ومجرترتوا يف وادي ال رترترال وفرترتدك‪،‬‬

‫ذا ف دوا الكثرترتري والكثرترتري مرترتن حالفهرترت يف اجلزيرترترة؛ ألن‬ ‫و ددوا ديد فا خطري فا‪ ،‬وفوق ك‬

‫بغري ‪ ،‬وك واحد‬ ‫احلمالت اإلسالمية املتكررة نا و ناك وطعت وصال اليهود وعالوا‬

‫يف اجلزيرة مهه األكّب ن حيافظ عىل نفسه‪ ،‬ومل يضأ اليهود يف حساباته‪ ،‬فهذا كله سيكون له ثر‬

‫كبري هد فا يف عالوات الرسول ﷺ باليهود وبالذات بعد صلح احلديبية‪.‬‬

‫مجيع فا هبذا‬ ‫األر‬ ‫األثر العارش واألخري‪ :‬نتيجة ذه احلمالت العسكرية نا و ناك سمأ‬

‫الدين اجلديد‪ :‬اإلسالا‪ ،‬و ذه الدولة اجلديدة‪ :‬الدولة اإلسالمية‪ ،‬وحتولت الدعوة من املحليرترتة‬

‫إىل العامليرترتة‪ ،‬ومرترتن اجلزيرترترة العربيرترتة إىل ال رترتارات املختلفرترتة‪ ،‬ومرترتن العرترترب إىل كرترت األهنرترتاس‬

‫والعناي‪ ،‬و ذا سيكون له ثر كبري هد فا يف اخلطة املست بلية للدولة اإلسالمية‪ ،‬وسرترتنرال رترتذا‬

‫إىل اإلسالا‪ ،‬مل يكرترتن رترتذا األمرترتر‬ ‫عندما يبد الرسول ﷺ يف مراسلة زعامء العامل مجأ‪ ،‬يدعو‬

‫إت بعد ن سمأ العامل مجأ بالدولة اإلسالمية اجلديدة التي نشأت يف املدينة املنرترتورة‪ .‬رترتذا رترتو‬

‫األثر العارش‪ ،‬وتلن عرشة كاملة‪ .‬ت دن ن ذه اآلثار الكثرية كانت تشري إىل ن ناك حرترتدث فا‬

‫كبري فا ستمر به املنط ة‪ ،‬سيكون له بلغ األثر يف تغيري األوهاع‪ ،‬هعف وريش وهرترتعف اليهرترتود‬

‫ذا يشري إىل حدو حد وريب مه هرترتد فا‪،‬‬ ‫وووة املسلمني وتروب ال بائ العربية كلها‪ ،‬ك‬

‫املسلمون إىل مرحلة هديدة تتبدل فيها موازين ال رترتوال يف اجلزيرترترة‪،‬‬ ‫ويشري يض فا إىل نه سينت‬

‫ب يف العامل مجأ‪ ،‬وواهح ن ذا احلد الذي سرترتينتج عرترتن رترتذه اآلثرترتار الكثرترترية رترتو صرترتلح‬

‫احلديبيرترتة‪ ،‬فصرترتلح احلديبيرترتة رترتو اللحظرترتة احلاسرترتمة الفارورترتة الشرترتديد األمهيرترتة يف ترترتاريخ األمرترتة‬

‫وي ودراسة متأنية‪.‬‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬و ت دن حيتاج إىل حتلي‬

‫‪686‬‬
‫‪30‬‬

‫الطريق إىل احلديبية‬

‫سنتحدث عن حدث من أعظم أحداث السرية النبوية‪ ،‬وأعظم أحداث األرض بصف ة عةمففة‪،‬‬

‫فقف عففا ايريف ة‬ ‫وهو حلظة فةرقة حقيقية يف تةريخ األمة اإلسالمية‪ ،‬ولففا اكاسةسففةس لففي‬

‫الا بية‪ ،‬ولسن عا الاةمل أمجع كام سيتبني لنففة ش ءففة‪ ،‬اه‪ ،‬وهففثا احلففدث الاظففيم هففو ف‬

‫احلديبية‪ ،‬ويس ي يف و ف عظمة هثا احلدث أش اه عر وجل سامه بةل ت املبني‪ ،‬ال ت الففث‬

‫جة‪ ،‬يف اآلية‪ِ { :‬كَّة َفت َْحنَة َل َك َفت ًْحة ُمبِينًة} [ال ت ‪ ]1:‬السثري من امل سف ين ي سف وش هففثا ال ففت‬

‫احلديبيففة مففن‬ ‫احلديبيففة‪ ،‬ويس ففي الففثين اءففذكوا يف هففثا احف وي ة ف‬ ‫املبني بأكا‬

‫يض اهَُّ َعف ِن‬‫ِ‬


‫الصحةبة أكا سبحةكا وتاةة قد ريض عنهم ترصحي ًة يف كتةبا الس يم قففة ‪َ { :‬ل َقفدْ َر َ‬
‫الش َج َ ِة} [ال ت ‪ ،]18:‬وكةش عددهم ‪ 1400‬حةيب‪ ،‬فهثا ايمففع‬ ‫املُْ ْؤ ِمنِ َ‬
‫ني ِ ْذ ُي َب ِةي ُاوك ََك َ َْت َت َّ‬

‫اهلةئل من الصحةبة رصح ربنة سبحةكا وتاةة أكا قففد ريض عففنهم‪ ،‬وهففثا أمف يسففتوج منففة‬

‫الوقوف والدراسة والتأين يف بحث هثا املوضوع اهلةم احطري‪ ،‬لسن ال كستطيع أش ك هففم أباففةد‬

‫احلديبية ال بةل جوع ة مة ذك كةه يف الدرس السةبق‪ ،‬وقففد ذك كففة فيففا أش ال سففو‬

‫باد غروة األحراب قة ك متا املشهورة‪( :‬اآلش كغففروهم وال يغروكففةم‪ ،‬ومففن تففم كةكففت‬

‫السنة السةدسة من اهلج ة هي السنة التي ت ت غروة األحراب‪ ،‬وكةش يف جمم هففة جمموعففة مففن‬

‫الرساية والغرواس يف كل مسةش يف ايري ة الا بية‪ ،‬وكتج عن ذلك آتةر كثرية حصففنةهة يف آ ف‬
‫‪687‬‬
‫الدرس السةبق‪ ،‬وجممل هثه اآلتةر‪ :‬أش الدولة اإلسالمية أ بحت دولة م هوبة هلة قوة وهيبففة‬

‫وعظمة يف ق وب مجيع الا ب بام فيهم ق يش‪ ،‬وأش ق يش ًة بدأس ت تقد ة األعواش واألحففالف‬

‫واأل حةب‪ ،‬وميراش القوى بدأ يسففري يف ففف املسف مني عففا حسففةب قف يش‪ ،‬هففثا األمف‬

‫احلديبية‪ ،‬كام سيتبني لنة اآلش‪.‬‬ ‫سيسوش لا م دود هةم جد ًا يف‬

‫د و البيت احل ام مع أ حةبا‬ ‫رؤية ال سو‬

‫يف ءه ءوا من السنة السةدسة من اهلج ة‪ ،‬ياني‪ :‬باد م ور سنة من غففروة األحففراب‪ ،‬رأى‬

‫رؤيففة‪ :‬رأى أكففا يففد ل البيففت احلف ام هففو وأ ففحةبا ريض اه عففنهم أمجاففني‬ ‫ال سففو‬

‫سيأ ث أ حةبا ويثه يف رح ة عمف ة مجةعيففة‬ ‫ماتم ين‪ ،‬ورؤية األكبية‪ ،‬حق‪ ،‬فةل سو‬

‫ا جد ًا‪ ،‬فهم قبل سنة واحففدة فقف جففة‪،‬س‬ ‫ة مسة املس مة ة عق دار ق يش‪ ،‬وهثا أم‬

‫األحراب يف ‪ 10000‬مقةتل‪ 4000 :‬من ق يش والقبةئل التي َتةل هة‪ ،‬و ‪ 6000‬مففن غط ففةش‪،‬‬

‫باففد‬ ‫جة‪،‬وا حيةرصوش املدينة املنورة بغ ض استئصة املففؤمنني بسففةم هم‪ .‬اآلش ال سففو‬

‫م ور سنة واحدة من غروة األحراب يف ءجةعة منقطاة النظري يأم الصحةبة ريض اه عففنهم‬

‫أو‬ ‫بينا وبني ق يش أ كوع من املاةهففداس أو الصف‬ ‫وأرضةهم بةلتجهر ألدا‪ ،‬الام ة‪ ،‬ولي‬

‫االت ةقيةس‪.‬‬

‫ملة ذك هثا األم لصحةبتا ريض اه عنهم وأرضةهم قبففل ايميففع مففن الصففحةبة ذلففك دوش‬

‫ة مسففة املس مففة يف ذلففك الوقففت سففوا‪ ،‬ل امف ة أو‬ ‫ت دد‪ ،‬بل اءتةقوا ة األم ‪ ،‬مع أش الس‬

‫غريهة حيمل طورة ءديدة جد ًا ع يهم‪ ،‬واملس موش قد َتم وا السثري والسثري قبففل ذلففك مففن‬

‫ق يش‪ ،‬وق يش مل ت ع أ حق ل بيت احل ام وال ل ب د احل ام‪ ،‬فقد اكتهست ح مة الب د احلف ام‬

‫قبل ذلك كثري ًا‪ ،‬ومع ذلك مل يذدد الصحةبة ريض اه عنهم وأرضةهم يف قبففو األمف النبففو‬

‫االست ةدة قففدر املسففتطةع مففن قففواكني املجتمففع‬ ‫بةلثهةب ة الام ة‪ ،‬وقد حةو ال سو‬
‫‪688‬‬
‫املرشك التي يايش فيهة‪ ،‬أ ‪ :‬األعف اف الدوليففة يف ذلففك الوقففت‪ ،‬أعف اف ايريف ة الا بيففة‪،‬‬

‫ة مسة املس مة ألدا‪ ،‬الام ة آمن مهففام كففةش بينففا‬ ‫وأع اف ق يش ذاهتة تقيض بأش الث يثه‬

‫وبني ق يش من الفةس‪ ،‬فهل ستحذم ق يش هثه القواكني القديمة أم ال؟! هثا مة سن اه‪.‬‬

‫ي املس موش سادا‪ ،‬قد رشحت دورهم هلثه الام ة مع طورهتففة‪ ،‬وهففثا مهففم جففد ًا يف‬

‫ارش ْح ِِل َ فدْ ِر }‬


‫بدايففة أ عمففل‪ ،‬لففثلك سففيدكة موسففال ع يففا السففالم كففةش يقففو ‪َ { :‬ر ِّب ْ َ‬
‫[طا‪ ،]25:‬فةإلكسةش عندمة ينرشح دره لامل مة يسوش أداؤه فيا أدا‪ ،‬متميففر ًا‪ .‬مل يسففن هنففةك‬

‫ل ثهةب ة هثا املشوار الصففا ‪ ،‬لسففن يف املقةبففل‬ ‫أ كوع من اإلك اه لصحةبة ال سو‬

‫من النةحية األ ى مجيع املنةفقني تق يب ًة مل يستطياوا اح وي ة هثا املشوار الصا ‪ ،‬وت ددوا‬

‫ة مسة‬ ‫كثري ًا وفس وا كثري ًا‪ ،‬ويف النهةية أ ثوا الق ار احلةسم أهنم لن خي جوا مع ال سو‬

‫ة قف يش يف عقف دارهففة‬ ‫املس مة؛ ألش هثا املشوار يف كظ هم مشففوار مه ففك‪ ،‬كيففف كففثه‬

‫مانة أس حة احل وب؟ لثلك مل خي ي مع املس مني ال منةفق واحد اسما‬ ‫وبسالح املسةف ‪ ،‬لي‬

‫ايد بن قي ‪.‬‬

‫كثلك األع اب حو املدينة املنورة ُدعوا ة اح وي‪ ،‬ولسنهم مجيا ًة أبوا أش خي جوا مع رسو‬

‫ي من املدينة ة مسة هو ف ةلص كقففي طففةه ‪ ،‬وعففددهم‬ ‫اه لثلك هثا الصف الث‬

‫لا كبري األت يف أوسةط املؤمنني‪ ،‬وكام هو ما وم‬ ‫فيهم ال منةفق واحد لي‬ ‫‪ 1400‬مؤمن لي‬

‫ي بصف مؤمن ةلص كةش النرص ق يبف ًة بففاذش اه‬ ‫ذا‬ ‫يف الغرواس السةبقة أش ال سو‬

‫وي هثا الصف النقي من املدينففة‬ ‫عر وجل‪ ،‬فسن ى ‪ -‬ش ءة‪ ،‬اه‪ -‬كتةئج عظيمة جد ًا كتيجة‬

‫وجا زوجتففا أم سف مة‬ ‫املنورة‪ ،‬فقد كةكوا ‪ 1400‬ويف رواية‪ 1500 :‬حةيب‪ ،‬وأ ث ماا يف‬

‫ريض اه عنهة وأرضةهة‪ ،‬وكةش هففثا احف وي يف ُغف ة ذ القاففدة سففنة ‪ 6‬هففف باففد سففنة مففن‬

‫األحراب‪ ،‬واجتا ة مسة املس مة‪ ،‬ويف ذ احل ي ة ( اآلش آبةر عيل وهو املسةش الث حيف م منففا‬

‫‪689‬‬
‫القةدموش من املدينة ة مسةم‪ ،‬هنةك يف ذ احل ي ة أح م وق ففد اهلففد ‪ ،‬وكففةش قففد أ ففث ماففا‬

‫أحف م‬ ‫جمموعة ضخمة من اإلبل ليثبحهة يف مسة املس مة‪ ،‬وهثا مففن النوافففل‪ ،‬فةل سففو‬

‫ة مسففة ال ل امف ة‬ ‫لبةس الام ة وبدأ بةلت بية؛ كل هثا ليد عا أكا مل يففثه‬ ‫بةلام ة ولب‬

‫فق ‪ ،‬وهو يا م أش هنةك عيوك ًة كثرية لق يش عا الط يق‪ ،‬وهثه الايففوش الءففك أهنففة سففتنقل‬

‫ال ل امف ة‪ ،‬ومففة رآه يف‬ ‫األ بةر ة مسة املس مة‪ ،‬وهو ال ي يد ح ب ًة مع أهففل مسففة ومل يففثه‬

‫ال ؤية هو فق جم د الام ة؛ ولثلك مل خي ي وأ حةبا ال بسالح املسةف ‪ ،‬ويف ط يقا مففن ذ‬

‫الدعة‪.،‬‬ ‫احل ي ة ة مسة املس مة كةش ي بي‪ :‬لبيك ال هم لبيك ة آ‬

‫وأ حةبا بس اع الغميم‬ ‫توقف ال سو‬

‫و ل يف ط يقا ة منطقة تسمال ك اع الغميم‪ ،‬وهو عا باد ‪ 60‬كي و أو ‪ 64‬كي و تق يبف ًة مففن‬

‫مسة املس مة‪ ،‬وهنةك فوجئ بأش ق يش ًة قد مجات جيش ًة ومجات األحةبيش‪ ،‬واألحففةبيش‪ :‬هففي‬

‫جمموعة من القبةئل كةكت تتحةلف مع ق يش‪ ،‬وسميت بثلك؛ ألهنم اجتماوا عند جبل اسففما‬

‫حبش‪ ،‬وعقدوا ات ةقية دفةع مشذك عن مسة املس مة‪ ،‬فهثه املجموعة من القبةئل مجاتهة ق يش‬

‫عن أدا‪ ،‬الام ة يف مسة املس مة‪ ،‬مع أش الاف ف والقففةكوش الففدوِل يف ذلففك‬ ‫لصد ال سو‬

‫ة مسة مارز ًا مس م ًة ممنوع ًة‪ ،‬بل عا ق يش يف أع افهففة ويف‬ ‫الوقت يسم ل سو بأش يثه‬

‫قواكينهة أش ت عال حقوق املس مني‪ ،‬وأش ختدم املس مني‪ ،‬وأش تسففقي احلجففةي‪ ،‬وأش ت اففل كففثا‬

‫وكثا‪ ،‬لسن كل هثا رضبت با ق يش ع ض احلةئ ‪ ،‬وبدأس التاةمل مففع املوضففوع بنففوع مففن‬

‫الغدر وخمةل ة القواكني والاهود التي بينهة وبني الا ب قةطبة‪.‬‬

‫فوجد أش هنةك ً‬
‫جيشة يقف عند ك اع الغميم يمنع املس مني من الو و ة مسة املس مة‪ ،‬هثا‬

‫ماا ال ‪ 1400‬من املس مني وبسالح املسةف ‪ ،‬ويقف أمةمففا‬ ‫لي‬ ‫موقف طري‪ ،‬فةل سو‬

‫من ق يش فق ‪ ،‬ولسن من ق يش ومن ماهة من القبةئل املحةل ة‬ ‫عند ك اع الغميم جيش‪ ،‬لي‬
‫‪690‬‬
‫الشففورى يف موقففف‬ ‫هلة‪ ،‬فوقف وبدأ يأ ث الشورى بينا وبني أ حةبا‪ ،‬ومل يذك ال سو‬

‫من املواقف‪ ،‬ال يف حةلة مة ذا كةش هنةك أم مبةرش من رب الاةملني سففبحةكا وتاففةة‪ ،‬ذا كففةش‬

‫رأ الصحةبة فيا‪.‬‬ ‫أم حل أو ح مة فهنة ال يأ ث ال سو‬

‫فمثالً‪ :‬اح وي من املدينة املنورة ة مسة ألدا‪ ،‬الام ة كةش عن وحي من رب الاففةملني سففبحةكا‬

‫أ حةبا ليأ ث رأهيم‪ :‬كثه أو ال كففثه ؟ مففع طففورة‬ ‫وتاةة؛ لثلك مل جيمع ال سو‬

‫األم ‪.‬‬

‫مة دام ربنة سبحةكا وتاةة أم بسثا أو هنال عن كثا فال منةقشة وال ت دد‪ ،‬قة تاةة‪َ { :‬و َمة َكف َ‬
‫ةش‬
‫احف َ َري ُة ِمف ْن َأ ْمف ِ ِه ْم َو َمف ْن َي ْاف ِ‬
‫ص اهََّ‬ ‫ُوش َهلفم ْ ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُمل ْؤم ٍن َوال ُم ْؤمنَة ِ َذا َق ََض اهَُّ َو َر ُسو ُل ُا َأ ْم ً ا َأ ْش َيس َ ُ ُ‬
‫كففام هففو يف قعففية عسففس ية‬ ‫الال ُمبِينًة} [األحراب‪ ،]36:‬فةل سو‬
‫َو َر ُسو َل ُا َف َقدْ َض َّل َض ً‬

‫فأ ث الشورى فيهة‪ ،‬فقد مجع أ حةبا يف هثا املوقف احطري الث هففم فيففا‪ ،‬وءففةورهم‪ :‬هففل‬

‫كحةرب هؤال‪ ،‬الثين جتماوا لنة أم كاود وال كد ل ة مسة؟ هل كغففري عففا قبةئففل األحففةبيش‬

‫ي ل وقوف عند ك اع الغميم؟ وكففةش‬ ‫احةلية اآلش من ال جة ؛ ألش ماظم جيش األحةبيش‬

‫قد ع ض فس ة االلت ةف حو هثا اييش وامليل عففا قبففةئ هم ال ةرغففة مففن اينففود وقففت هم‬

‫وسبيهم‪ ،‬فيسوش ذلك عرة وقوة ل مس مني عا الس ةر‪ ،‬هثه كةكت آرا‪ ،‬مط وحة من ال سففو‬

‫ط حهة عا الصحةبة ريض اه عنهم وأرضةهم؛ ليختةروا مففة ينةسففبهم‪ ،‬وعف ض باف‬

‫الصحةبة ريض اه عنهم آرا‪،‬هم‪ ،‬فسةش ممن تس م أبو بس الصديق ريض اه عنا وأرضةه‪ ،‬قة ‪:‬‬

‫اه ورسولا أع م كام جئنة ماتم ين ومل كجئ لقتة أحد‪ ،‬ولسففن مففن حففة بيننففة وبففني البيففت‬

‫ة قبةئففل األحففةبيش‬ ‫قةت نةه‪ ،‬رأ الصديق ريض اه عنا وأرضةه أال كساال لقتةهلم وال كثه‬

‫وال كقةتل هثا اييش‪ ،‬بل كسمل الط يق يف حمةولة الو و ة البيت‪ ،‬فففاش كففةش هففثا ايففيش‬

‫الث وضع يف ك اع الغميم جم د رهةب ل مس مني ولن يقةتل فنحن سنسمل الط يق وكثه‬

‫‪691‬‬
‫ة الام ة يف مسة املس مة‪ ،‬و ش أرصوا عا القتة قةت نةهم فنحن ال كخشال القتففة ‪ ،‬ولسففن ال‬

‫كساال ليا‪ ،‬هثا م خص رأ أيب بس الصديق ريض اه عنا وأرضةه‪.‬‬

‫‪ ،‬ومن تم‬ ‫الصحةبة ريض اه عنهم وأرضةهم قب وا هثا ال أ واستحسنوه‪ ،‬وكثلك النبي‬

‫وأ ففحةبا مففن د ففو مسففة‬ ‫أكم وا الط يق‪ ،‬لسن ق يش ًة كةكت مرصة عا منع ال سففو‬

‫املس مة ل ام ة؛ لثلك وضات ف قة قوية من ال سةش عا رأسهم ةلففد بففن الوليففد ريض اه‬

‫عنا وكةش وقتهة مرشك ًة‪ ،‬وهثه ال قة من ال سةش حواِل ‪ 200‬فةرس‪ ،‬وورا‪،‬هم جففيش مسففة‪،‬‬

‫وقف أمةم هثه ال قففة املسف حة‪،‬‬ ‫وهثه ال قة كةكت يف ك اع الغميم‪ ،‬وملة اقذب ال سو‬

‫وعند هثا الوقوف جة‪ ،‬موعد الة الظه ‪ ،‬واملس موش يف أ ظ ف من الظ وف ال يعففياوش‬

‫الصالة وال يؤ وش الصالة عن أوقةهتة ال يف الظ وف العيقة املحدودة جد ًا‪ ،‬تسةد يف السرية‬

‫تاد عا أ ةبع اليد الواحدة‪ ،‬كام حدث يف غروة األحراب قبففل كففثا‪ ،‬لسففن عمففوم األمف أش‬

‫املس مني يص وش الص واس يف أوقةهتة حتال يف ميةدين القتة ‪ ،‬بل هنم كثففري ًا مففة كففةكوا يصف وش‬

‫الصالة عا يوهلم يام ً‪ ،‬ذا احتدم القتففة ‪ ،‬هففثا اهففتامم كبففري جففد ًا بقعففية الصففالة‪ ،‬ووقففف‬

‫ا مؤمتني با ‪ ،‬ي كاوش ويسجدوش مجيا ًة مففع ال سففو‬ ‫واملس موش ماا يص وش الة الظه‬

‫وهم كام ذك كة ‪ ،1400‬فف ةلد بن الوليد قةئد ف سةش املرشكني رأى املس مني يف ففالهتم‬

‫يف حة ال كوع والسجود‪ ،‬ورأى اييش ك ا ال ي ى َم ْن أمةمففا يف وضففع السففجود‪ ،‬فوجففدهة‬

‫ة لإلغةرة عا املس مني فهو فس بثلك دوش أش يظه مة فس فيا ة أحد‪ ،‬لسن ةلففد بففن‬ ‫ف‬

‫ة ممسنففة ل هجففوم عففا املسف مني‪ ،‬فسففأ‬ ‫الوليد مل يأ ث ق ار ًا حةس ًام‪ ،‬مع أكا ي ى أش هثه ف‬

‫الثين حولا‪ :‬هل هنةك الة تةكية ل مسف مني مثففل هففثه الصففالة؟ فقففة لففا مففن حولففا مففن‬

‫املرشكني الثين يا موش أحوا املس مني‪) :‬كام هنةك الة يسموهنة ففالة الاصفف (‪ ،‬فف أى‬

‫ة ل هجوم عا املس مني أتنة‪ ،‬الة الارص‪ ،‬ومل خيرب بثلك أحففد ًا‬ ‫ةلد بن الوليد أش هنةك ف‬

‫‪692‬‬
‫من أ حةبا من املرشكني‪ ،‬ف ام جة‪ ،‬وقت الة الاصف وقففف ليصففيل بففةملؤمنني فنففر ع يففا‬

‫الوحي بص ة الة احوف‪ ،‬و الة احوف الة ة ة ال يقوم هبة املس موش ال يف الظ وف‬

‫العيقة جد ًا‪ ،‬يف حة مة ذا كةش املس موش يف ميداش القتة وخيةفوش من عدوهم أش يغري ع ففيهم‬

‫فاش هلم أش يص وا الة احوف‪.‬‬

‫ا‬ ‫يف احلديبية يصيل ركاتني ويصيل‬ ‫ة هثه الصالة بأش اإلمةم الث هو ال سو‬ ‫من‬

‫يقف ل ح اسة‪ ،‬وبادمة يصل اإلمففةم ة ال كاففة الثةكيففة يقاففد‬ ‫كصف اييش‪ ،‬والنصف اآل‬

‫ل تشهد وال يقوم‪ ،‬وبقية النةس تس م وتنتهي من الهتة ركاتني؛ ألهنم يص وش ففالة قصفف‬

‫ا ليقف يف احل اسة ويأيت الففثين ح سففوا ايففيش يف‬ ‫املسةف ‪ ،‬وينرصف كصف اييش الث‬

‫ف اإلمةم ركاتني أيع ًة‪ ،‬فةإلمةم يقف باد التشهد األوس ويصففيل‬ ‫التا األوة ويص وش‬

‫ركاتني التي بقيت لا من الصالة ال بةعية التي هو الهة فيصيل بنصف اييش الثةين ركاتني‪،‬‬

‫يف الة احوف ا أربففع ركاففةس‪ ،‬وكصففف ايففيش ففا الف كاتني‬ ‫فيسوش ال سو‬

‫األوليني‪ ،‬والنصف الثةين ا ال كاتني األ يني‪ .‬هثا احلسم كر يف احلديبية أمةم ةلففد بففن‬

‫الوليد ‪ ،‬ففخةلد بن الوليد كةش ي يد أش هيجم عا املس مني أتنة‪ ،‬الة الارص‪ ،‬ولسن مل يقففدر؛‬

‫ألش كصف اييش وقف ل ح اسة‪ ،‬فقة ك مة عجيبة قة ‪ ) :‬ش القوم ممنوعوش(؛ هؤال‪ ،‬ع يهم‬

‫وا هثه الصالة ل م ة األوة يف حيةهتم هبففثه‬ ‫محةية غري طبياية‪ ،‬محةية فوق طةقة البرش‪ ،‬كيف‬

‫السي ية‪ ،‬من أع مهم بام فس فيا ةلد ‪ ،‬مع أكا مل يط ع أحد ًا عا مة كةش ي س فيا؟ ولاففل هففثا‬

‫احلديبيففة‬ ‫املوقف كةش لا أت كبري يف ت سري ةلد بن الوليد يف أش يس م؛ فهو أسف م باففد ف‬

‫بشهور ق ي ة‪.‬‬

‫ال ي يففد الففد و يف قتففة مففع‬ ‫مل يستطع ةلد بن الوليد أش حيةرب املس مني‪ ،‬وال سففو‬

‫املرشكني‪ ،‬وباد مة اكتهال من الصالة أ ث اييش واكح ف عن جيش ةلد بن الوليففد متجنبف ًة‬

‫‪693‬‬
‫يةه‪ ،‬وبدأ يف التوجا ة مسة املس مة ألدا‪ ،‬الام ة‪ ،‬فهو ُم ِّرص عا استسام األم حتففال هنةيتففا‪،‬‬

‫و ةلد بن الوليد حني رأى ذلففك املوقففف أ ففب مففذدد ًا يف قعفية القتففة ‪ ،‬وقففة ‪ :‬ش القففوم‬

‫ممنوعوش‪ ،‬ورجع رسيا ًة ة مسة ليخربهم هبثا األم ‪.‬‬

‫وأ حةبا ة احلديبية‬ ‫و و النبي‬

‫أكمل الط يق ة مسة املس مة ة أش و ل ة مسةش يا ف بةحلديبية‪ ،‬ويوجد هنةك بئ ‪ ،‬وهففثا‬

‫املوضع ق ي جد ًا من مسة املس مة‪ ،‬يقع بني التنايم وبني مسة املس مة‪ ،‬ويباد التنايم حواِل ‪5‬‬

‫كي و من مسة املس مة‪ ،‬فهو د ل يف حدود مسة املس مة ك سهة‪ ،‬وأ ب املوقف ءديد احلف ي‪،‬‬

‫ف ي أ حلظة من ال حظةس القةدمة قد حيدث قتة عند رادة د و مسة املس مففة‪ ،‬لسففن قبففل‬

‫توق ففت عففن املسففري‪،‬‬ ‫د و مسة املس مة حدث أمف م ففةجئ‪ ،‬حففدث أش كةقففة ال سففو‬

‫فةلصحةبة اجتماوا ليدفاوا النةقة ة القيةم و كففام املسففرية ة مسففة املس مففة‪ ،‬وكففةش ايميففع‬

‫متحمس ًة جد ًا لد و مسة املس مة‪ ،‬ورفعت النةقة أش تقوم‪ ،‬فقة الصحةبة‪ ( :‬ألس القصوا‪،‬‬

‫ت القصوا‪ ،‬ومففة‬ ‫ألس القصوا‪،‬م أ ‪ :‬امتنات عن القيةم وامتنات عن التقدم‪ ،‬فقة ‪( :‬مة‬

‫األم املوجا ليهة‪ ،‬ومففة ذاك هلففة بخ ففق‪:‬‬ ‫ق القصوا‪ ،‬أش ت ف‬ ‫من‬ ‫ذاك هلة بخ قم أ ‪ :‬لي‬

‫ال يلم أ ‪ :‬أكا سبحةكا وتاةة أراد هلة أال تتقففدم‪ ،‬فهففو أمف مففن اه عففر‬ ‫(ولسن حبسهة حةب‬

‫ال يلم ال يل الث كةش ي كبففا أب هففة عنففدمة أراد د ففو‬ ‫وجل ل نةقة‪ .‬وقولا‪( :‬حبسهة حةب‬

‫مسة املس مة‪ ،‬لسن اه أم ه أال يد ل‪ ،‬فوقف ال يل ومل يستطع أب هة أش يففدفع ال يففل لففد و‬

‫مسة‪ ،‬فهثا األم تس ر متةم ًة مع النةقة النبوية‪ ،‬وقد تس ر هثا املوقف مع النةقة قبل ذلففك‪ ،‬ومففن‬

‫فقففد تف ك النةقففة تسففري ة أش‬ ‫أءه املواقف التي حدتت مثل ذلك‪ :‬عنففد هجف ة النبففي‬

‫استق س يف مسةش مة‪ ،‬وقة ل صحةبة من األكصةر ريض اه عففنهم وأرضففةهم‪( :‬دعوهففة فاهنففة‬

‫ك مففة مهمففة جففد ًا‪،‬‬ ‫املوقف يتس ر يف احلديبية؛ بسب هثا قففة ال سففو‬ ‫مأمورةم‪ ،‬فن‬

‫‪694‬‬
‫وءا أش هنةك وحيف ًة‬ ‫وست رس لنة هثه الس مة أمور ًا كثرية آتية باد ذلك‪ ،‬تم قة باد أش أح‬

‫واضح ًة يف هثه القعية‪ ،‬قة ‪( :‬والث ك يس بيده ال يسألوين طة ياظمففوش فيهففة ح مففةس اه‬

‫مع ق يش‪ ،‬فهو كففةش يشففا‬ ‫ق ر أكا سيقبل بةلص‬ ‫ال أعطيتهم يةهةم‪ ،‬أ ‪ :‬أش ال سو‬

‫أش هنةك وحي ًة يف هثه القعية مل يسن مبةرش ًا‪ ،‬لسنا فهما مففن ففال وضففع النةقففة وع ففم أهنففة‬

‫مأمورة؛ وع م أش اه سبحةكا وتاةة ال ي يد قتةالً يتم بينا وبني ق يش يف ذلك الوقففت‪ ،‬لففثلك‬

‫طة تاظم ح مةس اه‪ ،‬فهو يشذط يف احطة أش تاظففم ح مففةس اه‪ ،‬ف ففن يقبففل‬ ‫سيقبل بأ‬

‫كففةش‬ ‫بظ م عا املس مني‪ ،‬ولن يقبل بمخةل ة رشعية ‪ ،‬فهثا أم يف غةية األمهية‪ .‬ال سففو‬

‫احلديبيففة‬ ‫بص‬ ‫فيهة قتة ‪ ،‬وهثا أيع ًة سي رس لنة قبو ال سو‬ ‫ي يد مصةحلة و طة لي‬

‫بصورة واضحة؛ ألكا أم م يض لا ‪.‬‬

‫باد ق يل من بقة‪ ،‬املس مني يف منطقة احلديبية أرسف ت قف يش أحففد ال سففل؛ جففة‪ ،‬لسففي حيففل‬

‫هو ُبدَ ْيل بن ورقة‪ ،‬احُراعففي فهففو لففي‬ ‫املشس ة بني املس مني وبني ق يش‪ ،‬وهثا ال سو‬

‫من ق يش و كام من قبي ة راعة‪ ،‬وما وف أش قبي ة راعففة ح ي ففة لبنففي هةءففم ول سففو ‪،‬‬

‫ال منهم‪ ،‬مل ت سففل زعففي ًام مففن زعامئهففم‬


‫راعة‪ ،‬وق يش مل ت سل رج ً‬ ‫كةش حي‬ ‫وال سو‬
‫ِ‬
‫بةلسف م‪ ،‬وبنففوع مففن احلسففنال‪،‬‬ ‫هيدد ويتوعففد‪ ،‬ال‪ ،‬ألش ق يشف ًة ت يففد أش تاةمففل ال سففو‬

‫وبتجن القتة قدر املستطةع‪ ،‬وكحن قد كستغ ب وكقو ‪ :‬كيف قب ت قف يش الاريففرة املنياففة‬

‫القوية القبي ة السبرية املاظمة عند مجيع قبةئل الاف ب بففال اسففتثنة‪ ،،‬كيففف تقبففل هففثه القبي ففة‬

‫يف طةولة امل ةوضةس‪ ،‬مع عدم العغ املبةرش عا ال سو‬ ‫السبرية بةي وس مع ال سو‬

‫؟ أقو ‪ :‬ش الث حصل يف السنة السةدسة من اهلج ة أت تأتري ًا كبري ًا عففا سف وك قف يش‪،‬‬

‫الث حصل من رساية وغرواس متتةلية يف الاةم السةدس من اهلج ة كةش فيا رفع ال اية ايهففةد‬

‫و ظهةر اهليبة اإلسالمية والارة اإلسالمية يف كل مسةش‪ ،‬فسل هثا كةش لا تففأتري سف بي واضف‬

‫‪695‬‬
‫جيةيب رائع جد ًا عنففد املسف مني‪ ،‬ممففة جاففل املوقففف‬ ‫عا ك سيةس ق يش‪ ،‬وكةش لا تأتري مانو‬

‫يسوش هبثه الصورة‪.‬‬

‫بةحلديبية‬ ‫أو رسل ق يش مل ةوضة النبي‬

‫لقد كةش املس موش عا باد عدة كي و مذاس ق يبة جد ًا من مسة املس مة‪ ،‬وهبففثه الاففرة يق ففوش‬

‫ينتظ وش رسل ق يش‪ ،‬وق يش ال تستطيع أش ت سففل زعففي ًام مففن زعامئهففة و كففام تباففث واحففد ًا‬

‫؛‬ ‫وسيط ًة يتوس عند املس مني أش ياودوا‪ ،‬فثه بديل بففن ورقففة‪ ،‬احراعففي ة ال سففو‬

‫أش يد ل مسة يف ذلففك‬ ‫ليمناا قدر املستطةع من د و مسة‪ ،‬فق يش ال ت يد من ال سو‬

‫الوقت‪ ،‬وال ت يد أش َتدث ماا قتةالً؛ ألهنة تشا أهنة أضاف من املسف مني‪ ،‬مففع أش املسف مني‬

‫هتديد ًا‬ ‫ماهم ال سالح املسةف فق ‪ ،‬فوقف بديل بن ورقة‪ ،‬وحةو أش هيدد ال سو‬ ‫لي‬

‫ق ءففي ًة‪ ،‬فقففة بففديل‬ ‫ي ًة‪ ،‬لسن هثا التهديد مل يسن من ق يش؛ ألش بففديل بففن ورقففة‪ ،‬لففي‬

‫مهدد ًا‪ ( :‬ين ت كت كا بن لؤ وعةم بن لؤ قد كرلوا أعففداد ميففةه احلديبيففة ماهففم ُ‬


‫الافوذ‬

‫املطةفيلم أ ‪ :‬مة ت كت كا بن لؤ وعةم بن لؤ ومهة ف عةش من ق يش يايشففوش يف مسففة‬

‫ت كتهم كةزلني ق يب ًة جد ًا من احلديبية‪( ،‬ماهم الاوذ املطةفيلم أ ‪ :‬ماهم األبنة‪ ،‬واألوالد وهم‬

‫ي يدوش ح بك ية حممد‪ ،‬فةحل ب ستسوش ضةرية بينك وبني ق يش‪ ،‬تم يسمل بديل بففن ورقففة‪،‬‬

‫؟‬ ‫ويقو ‪( :‬وهم مقةت وك و ةدوك عن البيتم‪ .‬فامذا كةش رد فال ال سو‬

‫الس امس ت تيب ًة سيةسي ًة حسي ًام بةرع ًة‪ ،‬وبني لا فيا أكا فهم املوقف متةم ال هم‪،‬‬ ‫رت ال سو‬

‫ة مسة املس مة مل يسن قدوم ًة متهور ًا غففري مففدروس‪ ،‬بففل ش ال سففو‬ ‫وأش قدوم ال سو‬

‫‪ ( :‬كففة مل كففأس لقتففة أحففد‪ ،‬ولسففن جئنففة‬ ‫عمل حسةب لسل كقطففة‪ ،‬فففامذا قففة ؟ قففة‬

‫ماتم ينم أ ‪ :‬كحن لسنة خمةل ني لقواكني ايري ة الا بية‪ ،‬و كففام أكففتم الففثين ختففةل وش قففواكني‬

‫ايري ة الا بية‪ ،‬وقواكني ق يش ك سهة تقيض بأش كد ل ة مسة املس مة ألدا‪ ،‬الام ة ذا أرادكففة‬
‫‪696‬‬
‫ذلك‪ ،‬بل عا ق يش أش َتمينة وَت سنة بسيوفهة‪ ،‬فنحن كسري وفق هثا القةكوش وأكففتم ختففةل وش‬

‫‪ ( :‬كة مل كأس لقتة أحد‪ ،‬ولسن جئنة ماتم ينم‪.‬‬ ‫هثا القةكوش‪ ،‬فهو يف منتهال القوة يقو‬

‫األم الثةين‪ :‬أكت هتددين بق يش وأهنم قد مجاوا الاوذ املطةفيل ومجاوا جيوء ًة ليحففةربوين‪ ،‬ال‪،‬‬

‫‪( :‬و ش ق يش ًة قففد هنسففتهم احلف ب وأرضس هبففمم أ ‪ :‬ليسففت‬ ‫أكة أع م بوضع ق يش‪ ،‬قة‬

‫قةدرة عا حمةربة املس مني‪ ،‬فق يش أضاف من أش َتةرب‪ ،‬فقد عةدس من األحففراب يف ففر‬

‫واض باد أش فش ت يف غرو املدينة املنورة‪ ،‬وق يش مل َت ك جيش ًة واحففد ًا لقتففة املسف مني يف‬

‫ال السنة السةدسة من اهلج ة‪ ،‬مع اقذاب املس مني أكث من م ة من حدود مسة املس مة‪.‬‬

‫يا م القوة التي هو فيهة اآلش‪ ،‬وي ةوض من هثا الوضع القو ‪ ،‬ولففثلك ك امتففا‬ ‫ال سو‬

‫مسموعة وك امتا م غوبة عند بديل بن ورقة‪ ،‬وعند الق ءيني مجيا ًة‪ ،‬فقة هثه الس ففامس‪( :‬و ش‬

‫ق يش ًة قد هنستهم احل ب وأرضس هبم‪ ،‬فاش ءة‪،‬وام‪ ،‬فبدأ يادد ع وضف ًة يف منتهففال الوضففوح‪،‬‬

‫فقد أعطةهم تالتة ع وض ليختةروا منهة مة يشة‪،‬وش‪.‬‬

‫الا ض األو ‪( :‬فاش ءة‪،‬وا مةددهتم وخي وا بيني وبني النةسم ياني‪ :‬هثا الاف ض يقعففي أش‬

‫من ق يش أش تعع احل ب بينا وبينهم مدة من الرمففةش‪ ،‬وهففثه املففدة سففنة‬ ‫يط‬ ‫ال سو‬

‫سنتةش تالث عرش‪ ،‬ويذكوش مة بيني وبني النةس‪ ،‬أكة أدعو النةس وهم يففدعوش النففةس‪ ،‬وكففل‬

‫أش يد ل ماا يف ح ب‪ .‬هثا الا ض ي رس لنة أش‬ ‫واحد يترصف دوش شية من الط ف اآل‬

‫احلديبية من كوش الق ءيني يط بوش املاةهدة واملففدة كففةش مط بف ًة سففالمي ًة يف‬ ‫مة حدث يف‬

‫هثه املدة؛ ألكا يا م متةم الا م أش الدعوة يف ايففو السف مي أكثف‬ ‫البداية؛ ألكا هو الث ط‬

‫مففن‬ ‫كتةج ًة وأعظم تأتري ًا وأرسع ة ق وب النةس منهة يف جففو احلف وب‪ ،‬لففثلك كففةش يط ف‬

‫ق يش أش تعع احل ب بينهة وبينا مدة من الرمةش؛ ليسم لا فيهة بةلففدعوة يف كففل مسففةش دوش‬

‫قتة ‪.‬‬
‫‪697‬‬
‫الا ض الثةين‪( :‬و ش ءة‪،‬وا أش يد وا فيام د ل فيا النةس فا وام؛ لو أرادوا أش يس موا ويبقوا‬

‫يقففو‬ ‫مث نة هلم مة لنة وع يهم مة ع ينة فا وا ذلك‪ ،‬فنحن ك ح هبم يف اإلسالم‪ .‬ال سو‬

‫هثه الس امس وهو بسالح املسةف فهثا يد عا عرة اإلسالم فاالً‪.‬‬

‫هثا حتففال تن ف د‬ ‫الا ض الثةلث‪( :‬و ش أبوا ال القتة فوالث ك يس بيده ألقةت نهم عا أم‬

‫سةل تي أو لين ثش اه أم هم قتة ة النهةية حتال املوس‪ ،‬فففنحن ال كخشففال القتففة ‪ ،‬بففل كط بففا‬

‫‪،‬‬ ‫وكحبا؛ ألكا يف سبيل اه عر وجففل‪ .‬والسففةل ة أ ‪ :‬ال قبففة‪ ،‬فهففثا كففةش وضففع ال سففو‬

‫ك امس يف منتهال القوة‪ ،‬وع وض تالتة واضحة جد ًا‪.‬‬

‫فقة بديل‪( :‬سأب غهم مة تقو م‪ ،‬وأ ث الا وض الثالث واكط ففق ة مسففة املس مففة‪ ،‬وعنففدمة‬

‫ذك بديل هثه األمور لرعام‪ ،‬مسة‪ ،‬كةش املتوقع مففنهم أش يثففوروا ويغعففبوا‪ ،‬كيففف يقففو هلففم‬

‫هثه الس امس وهو عا باد طواس ق ي ة من مسة املس مففة وهففو يف عقف دارهففم‬ ‫ال سو‬

‫وماهم اييوش؟! لسن هثا مل حيدث وألقال اه يف ق ففوب الق ءففيني؛ هسففثا ي فففع املسف موش‬

‫ر‪،‬وسهم عندمة ياتروش بدينهم فالبد أش يسوش هثا املوقف من أعدائهم‪.‬‬

‫بةحلديبية‬ ‫تةين رسل ق يش مل ةوضة النبي‬

‫و ش كةش بسالح‬ ‫لقد حةولت ق يش قدر املستطةع أش يتجنبوا ال قة‪ ،‬والصدام مع ال سو‬

‫بن ع قمة من بني احلةرث بففن عبففد منففةف بففن‬ ‫بن ع قمة‪ ،‬واحل ي‬ ‫حل َ ْي‬
‫املسةف ‪ ،‬فأرس وا ا ُ‬
‫كنةكة زعيم األحةبيش املحةل ني لق يش‪ ،‬فقف يش ل مف ة الثةكيففة مل ت سففل قف يش أحففد زعففام‪،‬‬

‫بففن ع قمففة‪،‬‬ ‫ق يش؛ ألكا قد يتهور يف قف ار ال يسففتطيع الق ءففيوش َتم ففا‪ ،‬فأرسف وا احل ففي‬

‫قة ‪( :‬هثا من قوم ياظموش ال ُبدشم‪ ،‬أ ‪ :‬من قبي ة بني احلففةرث‬ ‫ملة رأى احل ي‬ ‫وال سو‬

‫بن عبد منةف وهففم قففوم متففدينوش حيذمففوش قواعففد البيففت احلف ام وأعف اف البيففت احلف ام‪،‬‬

‫‪698‬‬
‫وياظموش البدش‪ ،‬وحيذموش من جففة‪ ،‬ألدا‪ ،‬الامف ة أو احلففج يف مسففة املس مففة‪ ،‬فةل سففو‬

‫عةم ا بام هو أه ا‪ ،‬فأرسل يف وجها البدش؛ ليشا ه أكففا مففة جففة‪ ،‬ة هنففة ال ليقففوم بففام ياظمففا‬

‫بن ع قمة وقوما‪ ،‬فاندمة أرسل البدش يف وجها واستقب ا الصحةبة ي بوش‪ :‬لبيك ال هم‬ ‫احل ي‬

‫بن ع قمة قة ‪( :‬سبحةش اه مة ينبغي هلؤال‪ ،‬أش يصدوا عن البيتم‪.‬‬ ‫لبيك‪ ،‬ملة رآهم احل ي‬

‫بن ع قمة حتال قبل أش يتم بينا وبينا كالم‪ ،‬فقد‬ ‫احل ي‬ ‫أش يسس ق‬ ‫استطةع ال سو‬

‫بن ع قمففة كففةف ‪ ،‬وبففديل بففن ورقففة‪،‬‬ ‫فقا يف منتهال ال وعة‪ ،‬فف احل ي‬ ‫كةش عند ال سو‬

‫كةف ‪ ،‬وأبو س يةش كةف ‪ ،‬وعتبة بن ربياة وءيبة بن ربياة وأبو جهففل قبففل ذلففك‪ ،‬وكففل هففؤال‪،‬‬

‫ك ةر‪ ،‬لسن كل واحد لا ط يقة تاةمل‪ ،‬فهنةك كةف غةدر‪ ،‬وهنةك كةف من كبال‪ ،‬القففوم‪ ،‬وهنففةك‬

‫كةف ال ياظم أ دين‪ ،‬وهنةك كةف ياظم الدين و ش كةش دين ًة بةط ً‬
‫ال هسثا كل واحد لففا ط يقففة‬

‫يتاةمل مع ال جل عا قدر ع ما وقدر بيئتا وقففدر ظ وفففا‪ ،‬وهففثه‬ ‫يف التاةمل‪ ،‬وال سو‬

‫هي احلسمة يف حقيقتهة‪.‬‬

‫فقد رجع لففيهم وقففة هلففم‪:‬‬ ‫ال سو الثةين لق يش فشل يف أدا‪ ،‬مة تتمنةه ق يش‪ ،‬بل بةلاس‬

‫اسمحوا لا بةلد و ة مسة ألدا‪ ،‬الام ة‪ ،‬مة ينبغي هلؤال‪ ،‬أش يصدوا عن البيت‪ ،‬لسن ق يشف ًة‬

‫رضبت بسالما ع ض احلةئ ‪ ،‬وقةلوا‪ :‬هثا السالم ال يستقيم كحن ك يد أش كمناففا مهففام كةكففت‬

‫األع اف والقواكني‪.‬‬

‫بةحلديبية‬ ‫تةلث رسل ق يش مل ةوضة النبي‬

‫من قف يش وهففو‬ ‫الثةلث وأيع ًة لي‬ ‫لقد تأزم املوقف جد ًا عند ق يش‪ ،‬فأرس ت ال سو‬

‫ع وة بن مساود الثق ي من قبي ة تقيففف‪ ،‬فقف يش أرسف ت واحففد ًا تاتقففد اعتقففةد ًا جةزمف ًة أش‬

‫املس مني سيحذموش رأيا ويسماوش كالما؛ ألكا كةش ُم َاظ ًام جد ًا يف كل ايري ة الا بية‪ ،‬وهففثا‬

‫‪699‬‬
‫ال جل هو ع وة بن مساود الثق ي‪ ،‬وكام تا مففوش عنففدمة كففر القف آش السف يم عففا رسففولنة‬

‫الس يم يف مسة وب غ با النةس‪ ،‬وقف الق ءيوش وقةلوا قولتهم التي حسةهففة اه عففنهم‪َ { :‬لف ْوال‬

‫َني َعظِي ٍم} [الر ف‪ ،]31:‬فهم ي يففدوش سففح الاظمففة‬


‫آش َع َا َر ُج ٍل ِم َن ا ْل َق ْ َيت ْ ِ‬
‫ك ُِّر َ َه َثا ا ْل ُق ْ ُ‬

‫وينسففبوهنة ة أولئففك الففثين كثف س أمففواهلم وعظمففت قففوهتم يف ايريف ة‬ ‫من ال سو‬

‫الا بية‪ ،‬والق يتةش مهة‪ :‬مسة والطةئف‪ ،‬وال جل الث يقصدوكا من مسة‪ :‬هو الوليد بن املغرية‪،‬‬

‫والث يقصدوكا من الطةئف‪ :‬هو ع وة بن مسففاود الثق ففي هففثا‪ .‬مجيففع أهففل مسففة وايريف ة‬

‫الا بية يدركوش أش هثا ال جل أعظم رج ني يف دا ل ايري ة الا بية بسةم هة‪ ،‬لثلك أرسف وه‬

‫‪.‬‬ ‫ل ت ةوض مع ال سو‬

‫الوقففت‬ ‫‪ ،‬ويف ك ف‬ ‫ع وة بن مساود لسوكا عرير ًا وسيد ًا جة‪ ،‬بس امس هتديديا ل سو اه‬

‫بسالما لن يسوش ذلك مؤت ًا عا ق يش؛ ألكا من تقيف‪ ،‬فثه‬ ‫ش هدد ومل يقبل ال سو‬

‫وقة لا‪( :‬أرأيت لو استأ ت قومكم‪ ،‬اكتبا لس امس ع وة بن مساود‬ ‫ع وة ة ال سو‬

‫وكأكففا ي يففد أش يقتففل النففةس ولففي‬ ‫احلقةئق‪ ،‬كيف يصور رسو اه‬ ‫الثق ي كيف يق‬

‫جة‪ ،‬وأع ن أكث من م ة‪ ( :‬كففة مل كففأس لقتففة أحففد ولسففن أتينففة‬ ‫الاس ‪ ،‬مع أش ال سو‬

‫ماتم ينم‪ ،‬فهو ي يد حق ًة تاطيا ق يش لسل النةس‪ ،‬ولسنهم خيةل وش وي فعففوش عطففة‪ ،‬ذلففك‬

‫ل حقةئق وتصوي املظ وم أكا الظةمل وتصوي الظةمل أكا املاتدى ع يا‪ ،‬وهثا أمف‬ ‫احلق‪ ،‬فهنة ق‬

‫متس ر كثري ًا يف التةريخ‪ ،‬من ذلك‪ :‬كالم ف عوش عن موسال عندمة قففة ‪ِّ ِ { :‬ين َأ َ ف ُ‬
‫ةف َأ ْش ُي َبفدِّ َ‬
‫ِدينَس ُْم َأ ْو َأ ْش ُي ْظ ِه َ ِيف األَ ْر ِ‬
‫ض ا ْل َ َسة َد} [غففةف ‪ .]26:‬جففة‪ ،‬عف وة بففن مسففاود الثق ففي وقففة ‪:‬‬

‫(أرأيت لو استأ ت قومك وقت ت كل من يف مسة‪ ،‬هل سمات بأحد من الا ب اجتةح أه ا‬

‫مل يقففل كففا ي يففد أش يستأ ففل‬ ‫الواض ل حقةئق‪ ،‬مع أش ال سو‬ ‫قب كم‪ ،‬اكظ ة الق‬

‫منهم أش يسمحوا لا بةلام ة وي جع ة املدينة املنففورة‪ ،‬ومل يسففأ‬ ‫هو ط‬ ‫قوما‪ ،‬بل بةلاس‬

‫‪700‬‬
‫عن حقوقا دا ل مسة املس مة‪ ،‬ومل يسأ عن ديةره‪ ،‬ومل يسأ عن أموالففا‪ ،‬ومل يسففأ عففن كففثا‬

‫هو أ حةبا من أهل مسة كل هثه احلقففوق‪ ،‬ومففع ذلففك‬ ‫وكثا من حقوق الصحةبة‪ ،‬فقد س‬

‫جتد الس امس ماسوسة متةم ًة من ع وة بن مساود الثق ففي هففثه عففةداهتم‪ ،‬تففم يقففو عف وة بففن‬

‫مساود‪( :‬و ش األ ىم أ ‪ :‬ش هي غ بت ق يش املسف مني‪ ،‬قففة ‪( :‬فففواه ين ألرى وجوهف ًة‬

‫يق ًة أش ي وا ويدعوكم‪ ،‬هثا كففالم يف منتهففال سففو‪ ،‬األدب‪ ،‬أ ‪ :‬أش‬ ‫وأرى أوبةء ًة من النةس‬

‫هؤال‪ ،‬الثين ماك ك هم ذا بدأس احل ب سي وش ويذكوكك‪ ،‬كام هم أوبةش من النةس‪ ،‬فهو‬

‫يس الصحةبة ريض اه عنهم وأرضةهم أمجاني ويثك أهنم مجيا ًة سي وش عن ال سففو‬

‫ويدعوكا لق يش‪.‬‬

‫بن ع قمة‪ ،‬فمثل هثا مة ين ع ماا السالم‬ ‫كةلث سبقا احل ي‬ ‫هثا ال جل هيدد ويتوعد ولي‬

‫بن ع قمة‪ ،‬هنةك رد تةش منةسف‬ ‫مع احل ي‬ ‫اهلةدئ ومة ين ع ماا الاظة كام فال ال سو‬

‫لا‪ ،‬والث توة ال د ع يا هو أبو بس الصديق ريض اه عنا‪ ،‬مففع ع منففة بففف الصففديق يف رفقففا‬

‫ولينا ورقتا ورمحتا ريض اه عنا‪ ،‬لسن كففل ذلففك يف موضففاا‪ ،‬أمففة ذا كففةش يف موضففع الاففرة‬

‫والقوة فهو أقوى الصحةبة ريض اه عنا وأرضةه‪ ،‬وهسثا كةش يف كل حيةتا‪ ،‬وراجاوا مة ق نففةه‬

‫يف حمةرضاس الصديق ريض اه عنا وأرضةه عن قوة الصديق وبأسا ريض اه عنا‪.‬‬

‫فهنة وقف الصديق وتس م بغ ظة وءدة وعنففف مل كاهففده فيففا قبففل ذلففك‪ ،‬قففة ريض اه عنففا‬

‫وأرضةه باد أش س ع وة بن مساود سبة قبيحففة مبففةرشة‪ ،‬قففة وهففو مسففتنس ‪( :‬أكحففن ك ف‬

‫عنا؟م‪ :‬هل الصحةبة ت عن رسو اه ؟ وع وة بن مساود ملة سمع السبةب الففث قةلففا أبففو‬

‫بس الصديق وما وم أش ع وة بن مساود زعيم وعظيم من عظام‪ ،‬الا ب‪ ،‬ومففن املسففتحيل أش‬

‫توجا لا هثه السبة أو هثا القثف دوش أش حي ك اييوش وايموع‪ ،‬لسنا قة ك مففة تاففرب عففن‬

‫رجة الا ب حتال يف جةه يتهم‪ ،‬قة ‪( :‬لوال يففد كةكففت لففك عنففد مل‬ ‫مدى أ القيةس با‬

‫‪701‬‬
‫أجرك هبة ألجبتكم أ ‪ :‬أكت كنت قد عم ت ماي ما وف ًة قبل كثا‪ ،‬وألجل هثا املا وف لففن‬

‫أجيبك عا هثا السبةب الث وجهتا ِل‪ ،‬وح ظ ل صديق ما وفا القديم‪ ،‬واحلمد ه أكا كةش‬

‫مة ساال حل ب مط ق ًة‬ ‫هنةك ما وف من الصديق ؛ ألكنة ال ك يد احل ب أش تقوم‪ ،‬وال سو‬

‫يف هثه ال ح ة ب عل اه‪.‬‬

‫يتس م من جديد‪ ،‬ويف أتنة‪ ،‬هثا السالم كةش ع وة بففن مسففاود‬ ‫ملة هدأ املوقف وبدأ ال سو‬

‫وهففو خيةطبففا‪ ،‬فسففةش‬ ‫وكةش يمد يده يتنةو حلية ال سففو‬ ‫الثق ي يتحدث مع ال سو‬

‫‪ ،‬فسففةش ك ففام رآه يمففد يففده‬ ‫املغرية بن ءابة ريض اه عنا وأرضةه واق ف ًة بجةكف ال سففو‬

‫أهوى بنال السيف عا يد ع وة بففن مسففاود الثق ففي ليمناهففة مففن‬ ‫ويمسك حلية ال سو‬

‫‪ ،‬وهثا املوقف مهم جد ًا؛ ألش اسم املغرية السةمل هو املغففرية بففن‬ ‫الو و ة حلية ال سو‬

‫ءابة بن مساود الثق ي ريض اه عنا وأرضةه فهو ابن أ ي ع وة بن مساود ‪ ،‬فهثا فيففا بف از‬

‫مانال الوال‪ ،‬عند املس مني ه ول سولا ول مؤمنني‪ ،‬حتال و ش كةش الث يت ةوض مع ال سففو‬

‫‪ ،‬واملغرية‬ ‫اآلش هو عم املغرية بن ءابة مبةرشة‪ ،‬فام املغرية بن ءابة أباد من رسو اه‬

‫وال يسمع وال يطيع لاما الثق ففي‪ ،‬فهففثا منتهففال‬ ‫بن ءابة يسمع ويطيع ل سو اهلةءمي‬

‫الوال‪ ،‬والتج د لإلسالم واملس مني‪ .‬هثه ال سةلة و ت ة ع وة بن مساود الثق ففي وكق هففة‬

‫ح في ًة ة ق يش‪ ،‬وال ءك أهنة كةش هلة أباففد األتف يف ق ففوب الق ءففيني‪ ،‬وهنففةك أمففور كثففرية‬

‫‪ ،‬وهثه األءية‪ ،‬ليست كالم ًة‬ ‫حص ت يف أتنة‪ ،‬زيةرة ع وة بن مساود ل ت ةوض مع ال سو‬

‫‪ ،‬وهففثه األفاففة‬ ‫من الصحةبة ة ع وة بن مساود الثق ي ‪ ،‬ولسنهة أفاة فا ت ل سففو‬

‫‪ ،‬وهثه األفاة ليسففت متس ففة؛ ألش حيففةة‬ ‫كةكت تاظي ًام وتوقري ًا و جالالً ل سو احلبي‬

‫‪ ،‬لسن ظهففةر هففثه‬ ‫الصحةبة ريض اه عنهم وأرضةهم ك هة كةكت ت ةكي ًة يف دمة ال سو‬

‫األمور يف ذلك الوقت ويف هثه املحةدتةس كةكت مقصودة الءك فيا‪ ،‬وكةش هلة أب غ األت عنففد‬

‫‪702‬‬
‫ع وة بن مساود ‪ ،‬فنذك ع وة بن مساود يصور ذلك األم ‪ ،‬فهو ملة رجع ة ق يش ذك هلم مة‬

‫‪ ،‬قة ل ق ءيني‪( :‬أ قوم واه‪ ،‬لقففد وفففدس عففا امل ففوك عففا‬ ‫رأى من أ حةب ال سو‬

‫قيرص وكرسى والنجةيش‪ ،‬واه مة رأيففت م سف ًة ياظمففا أ ففحةبا كففام ياظففم أ ففحةب حممففد‬

‫حممد ًام‪ .‬هثا السالم كةش لا أب غ األت عند الق ءيني وعند ع وة بن مساود ك سا‪ ،‬تم بدأ يففثك‬

‫أفاة الصحةبة قة ‪( :‬و ذا أم هم حممد ابتدروا أم ه‪ ،‬و ذا توضأ كةدوا يقتت وش عففا وضففوئا‪،‬‬

‫عوا أ واهتم عنده‪ ،‬ومة حيدوش ليا النظ تاظي ًام لا‪ ،‬وقد عف ض ع ففيسم طففة‬ ‫و ذا تس م‬

‫رءد فةقب وهةم ع وة بن مساود مع أكا رسففو قف يش ة املسف مني يففأم ق يشف ًة أش يسففماوا‬

‫فيهة قتة ‪ ،‬وهففو مل يففأس ال لامف ة‬ ‫‪ ،‬و طة ال ءد هثه هي احطة التي لي‬ ‫لسالم احلبي‬

‫فةت كوه يؤد الام ة وي جع ة املدينة‪.‬‬

‫من ظهففةر قففوة الصففف عنففد املسف مني وعففرة‬ ‫اكظ كيف أت ت ةعل الصحةبة مع ال سو‬

‫املس مني ورفاتهم وهيبتهم‪ ،‬كل هثه األمور كةكت أمةم ع وة بن مساود هلفة أب ففغ األتف عففا‬

‫الق ءيني وعا أعدا‪ ،‬املس مني؟!‬

‫مع املس مني‬ ‫ءبةب ق يش منع الص‬ ‫حمةولة با‬

‫هرمت ق يش هريمة ك سية قةت ة‪ ،‬وبدأس ت س ت سري ًا جففدي ًة يف الصف ‪ ،‬لسففن مففة هففي بنففود‬

‫التي ي س وش فيهة؟ كةكوا قبل ذلك ي فعوش اي وس مع النبي‬ ‫الص ؟ مة هي ظ وف الص‬

‫عا طةولة امل ةوضةس؛ ألهنم ال ياذفوش بففا أ فالً‪ ،‬وهففةهم اآلش حففني رأوا هففثه الاففرة‬

‫الاظيمة ل مس مني يت ةوضوش ماهم‪ ،‬وبد‪،‬وا ي س وش يف الصف ‪ ،‬لسففن هنففةك جمموعففة مففن‬

‫ءبةب ق يش املتحمسني املتهورين أرادوا أش يقطاوا كل ط يق ل ص ‪ ،‬فقةمت هثه املجموعة‬

‫وهم حواِل ‪ 50‬ءخص ًة من املرشكني وعا رأسهم عس مة بن أيب جهل وكةش وقتهففة مشفف ك ًة‪،‬‬

‫‪703‬‬
‫املس مني‪ ،‬وهم غ ضففهم‬ ‫قةمت هثه املجموعة بةلتس ل ة ماسس املس مني لي ً‬
‫ال ليقت وا با‬

‫أش يبدأ القتة تم باد ذلك ستسوش احل ب السبرية بني املس مني وبني ق يش‪.‬‬

‫فام الث حصل مع هؤال‪،‬؟ لقد كةكت هنةك جمموعة من احل س حيموش املس مني‪ ،‬وعففا رأس‬

‫احل س حممد بن مس مة ريض اه عنا وأرضففةه‪ ،‬فةعتقففل حممففد بففن مسف مة هففؤال‪ ،‬احمسففني‬

‫مع هؤال‪ ،‬احمسني؟ لقد أط قهم مجيا ًة من ًة بال فففدا‪،‬؛ إلبففدا‪،‬‬ ‫املرشك‪ ،‬فامذا فال ال سو‬

‫حسن النواية وإلبدا‪ ،‬ال غبة يف الص ‪ ،‬كأكا يقو لق يش‪ :‬هثه رغبة حقيقيففة عنففدكة فففنحن مل‬

‫واهلدكة؛ لينترش اإلسالم يف ايري ة الا بية‬ ‫كجئ ل قتة كام جئنة ماتم ين‪ ،‬وي يد أيع ًة الص‬

‫ف‬ ‫يف وضع س مي‪ ،‬قة اه سبحةكا وتاةة يصف هثا املوقف يف كتةبا الس يم‪َ { :‬و ُه َو ا َّل ِث َكف َّ‬

‫َأ ْي ِد َ ُهي ْم َعنْس ُْم َو َأ ْي ِد َيس ُْم َعن ُْه ْم بِ َب ْط ِن َم َّس َة ِم ْن َب ْا ِد َأ ْش َأ ْظ َ َ ك ُْم َع َ ْي ِه ْم} [ال ت ‪ ،]24:‬فقولا‪ِ { :‬مف ْن‬

‫َب ْا ِد َأ ْش َأ ْظ َ َ ك ُْم َع َ ْي ِه ْم} [ال ت ‪ ]24:‬أ باد أش أ ثتم هؤال‪ ،‬احمسني ُأسةرى‪.‬‬

‫لاثامش بن ع ةش ريض اه عنا مل ةوضة ق يش يف الص‬ ‫رسة النبي‬

‫لقد أرس ت ق يش تالتة رسل حتال اآلش‪ :‬أرس ت يف البدايففة بففديل بففن ورقففة‪ ،‬احراعففي مففن‬

‫بن ع قمة من بني احلةرث بن كنةكة‪ ،‬وأرس ت باففد ذلففك‬ ‫راعة‪ ،‬وأرس ت باد ذلك احل ي‬

‫ع وة بن مساود الثق ي من تقيف‪ ،‬وهؤال‪ ،‬الثالتة من ةري ق يش‪ ،‬أرس تهم حمةولة ل توس‬

‫يف كل م ة يب غهم بيش‪ ،،‬لسي يو وه ة مسففة‬ ‫‪ ،‬وكةش ال سو‬ ‫بينهم وبني ال سو‬

‫‪ ،‬وقففد يسففوش هففؤال‪،‬‬ ‫املس مة‪ ،‬لسن ة اآلش مل تستمع قف يش مبففةرشة ة كففالم ال سففو‬

‫ال سل مل يب غوا األم بصورة م ضية؛ مة ليش‪ ،‬يف دورهم‪ ،‬أو سو‪ ،‬فهم لقعية من القعةية؛‬

‫أش ي سل رسوالً من املس مني‪ ،‬يستطيع بواسففطتا أش يصففل بةملاففةين‬ ‫ف ثلك أراد ال سو‬

‫هلة‬ ‫التي يقتنع هبة املس موش ويطةلبوش هبة‪ ،‬يو هة بوضوح ة زعام‪ ،‬ق يش؛ ليتجن فتنة لي‬

‫فس يف رسة س ري ورسو ‪ ،‬فمن الث أراد أش ي سف ا؟ أو مففن أراد‬ ‫أ ل‪ ،‬فةل سو‬
‫‪704‬‬
‫أش ي س ا ليهم عم بن احطةب ريض اه عنا وأرضةه‪ ،‬وعم بن احطةب كام تا مففوش رجففل‬

‫قو م ةوض لا حسمة وقوة ورأ سديد جد ًا‪ ،‬فهو يف كثري من امل اس ينففر القف آش السف يم‬

‫موافق ًة ل أيا ريض اه عنا وأرضةه‪ ،‬فيام ع ف بموافقةس عم ريض اه عنا‪ ،‬وممففة جاففل النبففي‬

‫خيتةر عم بن احطةب أكا كةش يف جةه يتا س ري ًا لق يش‪ ،‬وكةكت الرعةمة يف ق يش موزعة‬

‫عا عرش قبةئل‪ ،‬كل قبي ة ع يهة دور من األدوار يف قيةدة مسة‪ ،‬والدور املوكل ة بني عففد ‪-‬‬

‫التي هي قبي ة عم بن احطةب ريض اه عنا وأرضةه‪ -‬كففةش دور السف ةرة يف قف يش‪ ،‬والففث‬

‫أراد أش‬ ‫كةش يقوم هبثا الدور من قبي ة بني عد هو عم بففن احطففةب ك سففا‪ ،‬فةل سففو‬

‫يباث رسوالً قدي ًام مففن رسففل قف يش تاففذف بففا كسف ري‪ ،‬فهففثا يف غةيففة األمهيففة ولففا عمففق‬

‫يف رسة عم بن احطففةب ريض اه‬ ‫سذاتيجي واض ‪ ،‬فهثه كةكت وجهة كظ ال سو‬

‫عنا‪ ،‬لسن عا غري املاتةد اعتثر عم بن احطةب ريض اه عنا ل سو ‪ ،‬ألكففا ع ففم أش األمف‬

‫لا أش ي اجع فيا ويا ض رأيففا‪ ،‬فاف ض عمف بففن‬ ‫وحي ًة‪ ،‬و كام هو رأ من ال سو‬ ‫لي‬

‫ِل بمسة أحد مففن‬ ‫احطةب رأيا يف منتهال الوضوح ومنتهال الرصاحة وقة ‪( :‬ية رسو اه لي‬

‫بني كا يغع ِل ش أوذيتم أ ‪ :‬أكة من قبي ة ضاي ة‪ ،‬قبي ة بني عففد بطففن ضففايف مففن‬

‫بطوش ق يش‪ ،‬لو حصل وقتل عم بن احطةب ف ن يتح ك لا أحد‪ ،‬تم قة ‪( :‬فأرسل عثامش بن‬

‫ع ةش فاش عشريتا هبةم‪ .‬عثامش بن ع ةش من قبي ة بني أمية وهففي قبي ففة قويففة عريففرة رشي ففة هلففة‬

‫تةريخ وهلة جنود وهلة رجة ‪ ،‬وايميع يامل هلة ألف حسةب‪ ،‬تم يقو ‪( :‬و كا ‪-‬أ ‪ :‬عثامش بففن‬

‫ع ةش ‪ُ -‬م َب ِّ غ مة أردسم ياني‪ :‬الث ت يده سيتحقق عا يد عثامش مة هو عيل يد أكة‪ ،‬وواضف‬

‫من كالم عم بن احطةب ومن سريتا قبل هثا األم وباد هثا األم أكا ال خيشففال املففوس‪ ،‬ومل‬

‫يقل هثا السالم وف ًة من ق يش أو من غريهة‪ ،‬بل كةش عا اسففتاداد دائففم أش يبففث روحففا يف‬

‫سبيل اه عر وجل‪ ،‬لسنا ي يد أش تتم املهمة‪ ،‬وهثه املهمة مثل عففثامش بففن ع ففةش ريض اه عنففا‬

‫‪705‬‬
‫سيؤدهية؛ ألش عم ليست لا مناة يف دا ل مسة املس مة وهو ي يد أش تتم هففثه املهمففة؛ لففثلك‬

‫ذك اسم عثامش بن ع ةش ‪ ،‬وملةذا عثامش بن ع ةش من بني ‪ 1400‬حةيب؟ هثا ا تيةر يف منتهال‬

‫احلسمة فاالً؛ ألكا ال جل املنةس يف املسةش املنةس ‪ ،‬ففاثامش بن ع ةش من قبي ة بني أمية وهي‬

‫قبي ة قوية تقدر عا محةية عثامش بن ع ةش ‪ ،‬و جةرة بني أمية متيض عا كل قف يش‪ ،‬كففثلك أبففو‬

‫بس الصديق ك سا لو ذه فاكا ال يؤد مثل مة يؤد عففثامش بففن ع ففةش ؛ ألش قبي ففة أيب بسف‬

‫الصديق قبي ة ضاي ة‪ ،‬التي هي قبي ة بني تيم‪ .‬كةش ا تيةر عم موفق ًة لفاثامش جد ًا هثا أوالً‪.‬‬

‫تةكي ًة‪ :‬عثامش بن ع ةش مشهور بةحل م واحلسمة‪ ،‬فانده القدرة عا أش يت ةوض ويؤد املهمة كام‬

‫ينبغي أش تؤدى‪.‬‬

‫تةلث ًة‪ :‬عثامش بن ع ةش رجل حمبوب جد ًا يف دا ل مسة املس مة سوا‪ ،‬يف أيةم جةه يتففا أو يف أيففةم‬

‫سالما؛ ألكا كةش ك ي ًام واسع الس م‪ ،‬ياطففي عطففة‪ ،‬بففال حففدود‪ ،‬وكففل أهففل مسففة قبففل ذلففك‬

‫است ةدوا منا‪ ،‬فهو عند أهل مسة حمبوب‪ ،‬والنةس ك هة لن تؤذيففا قففدر املسففتطةع‪ ،‬وعففثامش بففن‬

‫‪ ،‬كةش متروج ًة يف البداية من السيدة رقية ‪،‬‬ ‫ع ةش ريض اه عنا وأرضةه زوي ابنتي ال سو‬

‫أم ك ثففوم ‪ ،‬ولففن يعففحي‬ ‫ف ام مةتت تروي أم ك ثوم ‪ ،‬وهففو اآلش هففو زوي ابنففة ال سففو‬

‫واهلدكة مع ق يش‪.‬‬ ‫بروي ابنتا هسثا ذا أرس ا‪ ،‬فمن الواض أكا ي يد الص‬ ‫ال سو‬

‫ملففة‬ ‫هثه أمور كثرية جد ًا جتال موقف عثامش بن ع ةش مذجح ًة يف هثه الس ةرة‪ ،‬وال سففو‬

‫سمع ذك اسم عثامش بن ع ةش وجد أكففا ال جففل املنةسف ‪ ،‬وقبففل ترشففي عمف بففن احطففةب‬

‫إلرسة عثامش بن ع ةش ة ق يش‪ ،‬وبةل ال كةش هو رسو املسف مني ة قف يش‪ ،‬وهففثا ي ينففة‬

‫‪ ،‬وكيف أكا قبل بتغيري رأيا دوش أش يثور عا عم بن احطةب أو‬ ‫مدى ساة در ال سو‬

‫هنةك وحي يف هثه القعية‪.‬‬ ‫يتهما بادم القبو ل أيا وبةلتقصري يف حق املس مني؛ ألكا لي‬

‫‪706‬‬
‫كةش هثا موق ًة من أعظم املواقف يف تففةريخ املسف مني‪ ،‬كيففف أش عنففد احلففةكم اسففتياةب ًة لسففل‬

‫القدراس املوجودة يف اييش‪ ،‬وهثا املوقف ال جي أش يم دوش أش كثك أكا من أعظم منةقف‬

‫عثامش بن ع ةش ريض اه عنا وأرضةه‪ ،‬حيث أوك ت ليا هثه املهمففة الاظيمففة احطففرية جففد ًا‪،‬‬

‫والتي تارب عن مدى تقة رسو اه ب أيا يف ا تيةره ل تحةور والت ففةوض مففع املشفف كني‪ .‬ويف‬

‫هثا املوقف ك ي كل الشبهةس التي قي ت يف حقا باد ذلك من املغ ضني ومن أعدا‪ ،‬املس مني‪.‬‬

‫ة ق يش بمهمففة ءففديدة الوضففوح‪ ،‬فقففد أرسف ا‬ ‫ي عثامش بن ع ةش من عند ال سو‬

‫بثالتة أمور واضحة‪:‬‬ ‫ال سو‬

‫ال سةلة األوة‪ :‬ع يا أش خيرب ق يش ًة أش املس مني مل يأتوا ال ماتم ين‪ ،‬وأهنم مة أرادوا القتففة يف‬

‫طة تاظم فيهة ق يش ح مةس اه عر وجل‪،‬‬ ‫هثه ال ح ة ة مسة املس مة‪ ،‬وأهنم سيقب وش أ‬

‫هثا أو أم وأهم أم ‪.‬‬

‫مشغو‬ ‫ال سةلة الثةكية‪ :‬أش يدعو ق يش ًة ة اإلسالم‪ .‬حتال يف هثا املوقف ك ى أش ال سو‬

‫هبداية ق يش ة اه سبحةكا وتاةة‪.‬‬

‫األم الثةلث‪ :‬أش يأيت املستعا ني من املس مني يف مسة‪ ،‬واملستعففا وش يف مسففة هففم الففثين مل‬

‫ة هففؤال‪،‬‬ ‫يستطياوا لعا هم أش هيةج وا ة املدينة املنورة‪ .‬أم عففثامش بففن ع ففةش أش يففثه‬

‫املستعا ني رس ًا ويتحدث ليهم بتبشريهم أش اه عر وجففل سففيار املسف مني يومف ًة‪ ،‬وأكففا لففن‬

‫يستخ ي أحد باد ذلك بةإلسالم يف مسة‪ ،‬وهثه بشةرة كبوية‪ ،‬ومسةهنة يف هثا التوقيت يف غةيففة‬

‫األمهية؛ ألش املستعا ني يف مسة املس مة ي وش ق يش ًة َتففةرص املسف مني يف األحففراب وتقةتففل‬

‫املس مني م ة باد م ة‪ ،‬واآلش يمناوش املس مني من د و مسة‪ ،‬فهثا الوضع قد يؤت س ب ًة عا‬

‫هيتم جد ًا بن سيةس هؤال‪ ،‬املستعا ني‪ ،‬مع أهنم ليسوا ماففا يف دولتففا‬ ‫ك سيتهم‪ ،‬فةل سو‬

‫‪707‬‬
‫يف هثه ال حظة‪ ،‬لسنا هيتم بسل رعةية الدولة اإلسالمية كل بحس ظ وفا ومسةكا‪ .‬هثه كةكت‬

‫مهمة عثامش بن ع ةش ريض اه عنا وأرضةه‪.‬‬

‫وبةل ال ذه عثامش بن ع ةش ة مسة املس مة ليؤد املهمة الاظيمة‪ ،‬ومع أكا رسو وال سففل‬

‫عةدة يف ع ف هثه البالد وغريهة ال تقتل‪ ،‬ال أكا مل ياتمد عففا هففثا األمف فقففد أ ففث بسةمففل‬

‫األسبةب؛ لسي ال حيدث لا أ أذى‪ ،‬ولسي تتم املهمة عا الوجا األكمل‪.‬‬

‫جةرة أبةش بن سايد بن الاةص األمو ريض اه عنا وكةش وقتهففة مففة زا‬ ‫أو مة د ل ط‬

‫مرشك ًة‪ ،‬فد ل يف جةرة أبةش ‪ ،‬وأبةش رجل قو وفيا لني ورمحة ولطف‪ ،‬وعالقتا قوية بفاثامش‬

‫بن ع ةش ‪ ،‬وسيدافع عنا لص ة ال حم والق ابة واملا فة‪ ،‬وبص ة ال ني التي يتمير هبففة أبففةش بففن‬

‫سايد وفوق هثا ك ا توفيق رب الاةملني سبحةكا وتاةة هو الث جال سيدكة عثامش بففن ع ففةش‬

‫ة احلديبيففة كففةش‬ ‫جةرة أبةش بن سايد بةلثاس‪ ،‬وأبةش بن سايد قبل قدوم ال سو‬ ‫يط‬

‫يف رح ة جتةرية ة الشةم‪ ،‬وهنةك يف الشةم التقال مع راه من النصةرى‪ ،‬وهثا ال اه ذك لا‬

‫أش هثا الوقت سيظه فيا رسو يف بالدهم‪ ،‬ففأبةش بن سايد مهيففأ ك سففي ًة‪ ،‬فهففثا الففث يقففف‬

‫ةري مسة هو رسو من عند رب الاةملني سبحةكا وتاةة‪ ،‬وأش عثامش بن ع ةش رسو رسففو‬

‫اه‪ ،‬فهثا اإلحسةس جا ا يدافع عن عثامش بن ع ةش بسففل طةقتففا‪ ،‬فةسففتطةع عففثامش أش يففؤد‬

‫املهمة عا الوجا األكمل‪ ،‬فد ل عثامش بن ع ةش مسة يف عففرة‪ ،‬د ففل سف ري ًا ل سففو اه‬

‫الث يقف مع ‪ 1400‬حةيب ةري مسففة املس مففة يط ف د ففوالً ل امف ة‪ ،‬وعف ض عففثامش‬

‫ع وضا بمنتهال القوة أمةم ق يش‪ ،‬وقف يش يف احلقيقففة اسففتقب تا أحسففن اسففتقبة ‪ ،‬اسففتقب تا‬

‫استقبة الس ا‪ ،،‬وسمات منا مة قةلا‪ ،‬بل وع ضففت ع يففا أش يطففوف حففو البيففت احلف ام‪،‬‬

‫وتصور مدى اءتيةق عثامش بن ع ةش ريض اه عنا وأرضةه ل طواف حففو البيففت احلف ام‪ ،‬لففا‬

‫ست سنواس كةم ة يف املدينة املنورة ومل يطف يف هثه السنواس الست وال م ة بةلبيففت احلف ام‪،‬‬

‫‪708‬‬
‫لسن مع هثا االءتيةق الث كةش عند عثامش بن ع ةش ومع هثا األج الاظيم يف الطواف حففو‬

‫البيت احل ام‪ ،‬ال أش عثامش بن ع ةش قة قوالً ةرم ًة واضففح ًة لقف يش‪ ،‬ياففرب عففن مففدى وال‪،‬‬

‫م‪.‬‬ ‫املس مني لقةئدهم ‪ ،‬قة ‪( :‬ال أطوف حتال يطوف رسو اه‬

‫هثا موقف من أعظم مواقف عثامش بن ع ةش ريض اه عنا وأرضةه ومن أدقهة فه ًام وفقه ًة‪ ،‬فهو‬

‫‪ ،‬فهففثا املوقففف‬ ‫قة هلم‪ :‬كني ال أستطيع أش أَت ك قيد أكم ة ال بأم من قةئد رسو اه‬

‫ال‬ ‫ف‬ ‫من عثامش بن ع ةش أحدث هريمة ك سية لق يش‪ ،‬وع فت أش الصففف املسف م قففو‬

‫يمسن أش خيذق‪ ،‬فمع أش عثامش بن ع ةش جة‪ ،‬عا باد ‪ 400‬كي ففو أو ‪ 500‬كي ففو ط بف ًة هلففثه‬

‫الابةدة‪ ،‬ومع ذلك ال يستطيع أش يؤدهية ال بأم من احلبي ‪.‬‬

‫ال هر ق يش ًة‪ ،‬وق يش باد هثا املوقف بدأس ت س ت سري ًا عم ي ًة رسياف ًة يف‬
‫هثا موقف عظيم فا ً‬

‫أ ففب أمف ًا‬ ‫ال أش حيددوا بنود هثا الصف ‪ ،‬فةلصف‬ ‫‪ ،‬ومل يبق فق‬ ‫مع ال سو‬ ‫الص‬

‫واضح ًة عند ق يش باد هثا املوقف‪ ،‬ومن قب ا مواقف املس مني الاريففرة يف امل ةوضففةس التففي‬

‫متت عند احلديبية‪.‬‬

‫‪709‬‬
710
‫‪31‬‬

‫صلح احلديبية‬

‫ال عىل قريش‪ ،‬فقد ظلت تفكر أيام ًا يف أمر هذا القرار وعثامن بن عفااان ر‬
‫مل يكن القرار سه ً‬

‫اهلل عنه وأرضاه يف مكة ينتظر قرار قريش‪ .‬يف هذا الوقت أشيع عند املسلمني أن عثامن بن عفان‬

‫قد قتل يف مكة املكرمة‪ ،‬وهذا أمر خطري وخمالف لألعراف كام تعلمون‪ ،‬فقتاال الرسااوت يعتا‬

‫إهانة كبرية جد ًا للدولة التي يقتل رسااو‪،‬ا‪ ،‬وخمالفا ًا لألعااراف والقااوانني‪ ،‬لااذل بم اار أن‬

‫وصلت هذه اإلشاعة إىل املسلمني ومع أن اإلشاعة مل تكن صحيحة‪ ،‬لكن الرسوت ﷺ تعاماال‬

‫مع املوضوع بمنتهى اجلدية‪ ،‬فعندما أشيع أن عثامن بن عفان قد قتل مجع الرسوت ﷺ املسلمني‬

‫مجيع ًا وعقد معهم مبايعة‪ ،‬وبايع املسلمون رسوت اهلل ﷺ بيعااة ماان أعظاام البيعاااخ يف تاااري‬

‫األرض‪ ،‬عرفت يف التاري ببيعة الش رة أو بيعة الرضوان‪ ،‬بيعااة الشا رةا أل ااا ات حتاات‬

‫عاان أول ا‬ ‫ش رة عند احلديبية‪ ،‬وبيعة الرضوانا ألن اهلل عز وجل رصح يف كتابااه أنااه ر‬

‫الذين قاموا هبذه البيعة‪ ،‬قات سبحانه وتعاىل‪َ { :‬ل َقدْ َر ي َ اهلله َعا ين ْاملا ْن يمني َ‬
‫ني إي ُْ ي َب يايع َ‬
‫ونا َ َ ْحتا َت‬

‫الس يكينَ َة َع َل ْي يه ْم َو َأ َث َاهب ْم َفت ًْحا َق يري ًبا} [الفتح‪.]18:‬‬ ‫الش َ َر ية َف َع يل َم َما ييف قل ي‬
‫وهبي ْم َف َأن َْز َت ه‬ ‫ه‬

‫اهلل عنهم وأرضاهم مجيع ًا عىل أال يفروا‪ ،‬كام جااايف يف صااحيح مساالم عاان‬ ‫بايع الصحابة ر‬

‫اهلل عنهام‪ ،‬وبايع بعض الصحابة عىل املوخ‪ ،‬بل بايع بعضهم عىل املااوخ‬ ‫جابر بن عبد اهلل ر‬

‫‪711‬‬
‫اهلل عنااه وأرضاااه كااام‬ ‫ثالث مراخ‪ ،‬وممن بايع عىل املوخ ثالث مراخ سلمة بن األكااوع ر‬

‫جايف ُل يف صحيح مسلم‪.‬‬

‫كانت هذه البيعة خطرية فع ً‬


‫ال‪ ،‬وبايع اجلميع عىل عاادا الفاارار‪ ،‬أهن‪ :‬أ اام ساايناجزون القااوا‪،‬‬

‫وسيقاتلون قريش ًا ولن يفروا أبد ًا يف هذا القتات‪ ،‬مع كو م ال حيملون إال سااالح املسااافر‪ ،‬إ ااا‬

‫بيعة يف منتهى األمهية‪ ،‬بايع مجيع الصحابة إال واحد ًا فقط وهو اجلد بن قيس‪ ،‬وهو كام ُكرنا يف‬

‫الدرس السابق من املنافقني‪.‬‬

‫اهلل عنااه وأرضاااه ا الرسااوت ﷺ أن‬ ‫بعد هذه البيعة مبااا ة جااايف عااثامن باان عفااان ر‬

‫القرشيني قد وافقوا عىل الصلح‪ ،‬وسيأيت رجل منهم ليفاوض رسوت اهلل ﷺ عىل بنو الصاالح‬

‫فلم يقم املسلمون حلرب املرشكني‪.‬‬

‫وقفاخ مع بيعة الرضوان‬

‫نحتاج إىل أن نقف وقفاخ مع هذه البيعة العظيمة‪ :‬بيعة الرضوان‪.‬‬

‫اليت َونسا يكي‬


‫أوالً‪ :‬هذه البيعة فيها خالصة ما هو مطلوب ماان املاانمن يف نياااه‪{ ،‬قا ْل إي هن َصا ي‬

‫يف يف حيااايت هلل عااز وجاال إىل حلظااة‬ ‫اهن َو َمم َ يايت هللهي َر ِّب ا ْل َعااملَي َ‬
‫ني} [األنعاااا‪ ،]162:‬كاال‬ ‫َو ََم ْ َي َ‬
‫املوخ‪ ،‬أنا يف سبيل اهلل عز وجل‪ ،‬طاعة كاملة هلل ولرسوله‪ ،‬فأمر هااذه البيعااة صااعال‪ ،‬فهااناليف‬

‫املسلمون جايفوا إىل مكة للعمرة بسالح املسافر فقط‪ ،‬وال مد ‪،‬م من املدينةا ألن املدينة تبعااد‬

‫عن مكة قرابة ‪ 500‬كيلو‪ ،‬ومن الطبيعي إُا قاتلوا املرشكني يف هااذا املكااان فاالن املساالمني قااد‬

‫يقتلونا أل م يقاتلون جيش ًا بعدة وعتا وعىل بعد خطواخ من املااد ‪ ،‬وليساات قريشا ًا فقااط‪،‬‬

‫ولكن معها قبائل األحابيش احلليفة ‪،‬ا‪ ،‬لكن مع ُل مل يفكر واحد من املسلمني يف أرسته‪ ،‬يف‬

‫أوال ه‪ ،‬يف زوجته‪ ،‬يف جتارته‪ ،‬يف أعامله‪ ،‬يف حياته‪ ،‬مل يقل أحد منهم‪ :‬ظرويف ال تسمح أبد ًا‪ ،‬باال‬

‫‪712‬‬
‫مل يقم أحدهم هبذه البيعة إحراج ًا من رسوت اهلل ﷺ أو إحراج ًا من املسلمني‪ ،‬بل فعلوها مجيعا ًا‬

‫راغبني صا قني‪ ،‬وهذا كالا رب العاملني يف قرآنه الكريم سبحانه وتعاىل‪ ،‬قات سبحانه وتعاااىل‪:‬‬

‫الس يكينَ َة َع َل ْي يه ْم َو َأ َث َاهب ْم َفت ًْحا َق يري ًبا} [الفتح‪ .]18:‬اطلع اهلل عز وجل‬ ‫{ َف َع يل َم َما ييف قل ي‬
‫وهبي ْم َف َأن َْز َت ه‬
‫عىل قلوب كل من بايع‪ ،‬فعلم سبحانه وتعاىل أن هذه القلوب مجيع ًا قلوب منمنة خملصااة‪ ،‬ماان‬

‫الفتح املبني الذهن ُكره اهلل عز وجل يف بداية السورة التي حتاادثت عاان صاالح احلديبيااة وهااي‬

‫سورة الفتح‪ ،‬قات سبحانه وتعاىل‪{ :‬إينها َف َت ْحنَا َل َ َفت ًْحا مبيينًا} [الفااتح‪ ،]1:‬فكااون رب العاااملني‬

‫يرصح بالرضا عن جمموعة كبرية عد ها (‪ )1400‬شا و وهاام مااا زالااوا أحيااايف عااىل وجااه‬

‫األرض هذا من الفتح املبنيا أن تصل جمموعة من البرش إىل هذا الرقي وهذا اإلخالص وهااذا‬

‫رب العاملني سبحانه وتعاىل رضا ًيف تام ًا يكتبااه يف‬ ‫الفقه والفهم والعمل هبذه الصورة التي تر‬

‫كتابه نقرؤه إىل يوا القيامة هذا من الفتح املبني‪ ،‬فهذه البيعة ‪،‬ا مكانتها‪ ،‬و‪،‬ااا قيمتهااا يف املياازان‬

‫اإلسالمي‪ ،‬وظل هناليف عند مجيع علاميف األمة من أعظم املسلمني رجة وإىل يوا القيامة‪ ،‬وهذا‬

‫اهلل عاانهام‪ :‬أن النبااي ﷺ‬ ‫كالا الرسوت ﷺ كام يف صحيح مسلم عاان جااابر باان عبااد اهلل ر‬

‫خطبهم يوا احلديبية فقات ‪،‬م‪( :‬أنتم اليوا خري أهل األرض)‪ ،‬وهم ‪ 1400‬صحايب‪.‬‬

‫اهلل‬ ‫يف‪ :‬أنه ظهر يف هذه البيعة التضحية والبااذت والعطااايف الكاماال ماان الصااحابة ر‬ ‫أوت‬

‫عنهم وأرضاهم‪ ،‬وهو خالصة ما هو مطلوب من املنمن يف نياه‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬هذا املوقف الذهن أعلن فيه املسلمون رغبتهم يف املوخ هز مكة اما ًا ماان اخلهااا‪ ،‬فماان‬

‫يستطيع أن يقاتل قوم ًا يطلبون املوخ؟ بااامُا ساات وفهم؟ سااتقتلهم‪ ،‬فهاام الااذين يرياادون أن‬

‫يموتوا‪ ،‬فقد بايعوا عىل أن يموتوا‪ ،‬بايعوا عىل أال يفروا حتى النهاية‪ ،‬ومل يكن معهم إال ساالح‬

‫بسيط‪ ،‬ومع ُل بايعوا عىل املوخ‪ .‬هذا املوقف هز مكة ام ًا‪ ،‬وجعلها تفاااوض الرسااوت ﷺ‬

‫‪713‬‬
‫عىل أن يعو إىل املدينة بأهن ثمن‪ ،‬حتى وإن كان يف ُل حط من كرامة قريش‪ ،‬وهذا ما ساانراه‬

‫بعد ُل يف بنو املعاهدة‪.‬‬

‫اهلل عنه وأرضاااه بعااد هااذا احلاادث بساانواخ عاان صاافاخ اجلاايش‬ ‫ع خالد بن الوليد ر‬

‫املنصور بكلامخ قليلة ُكرها لا هرمز قائد الفرس مل األ َبلاه عنااد بدايااة فااتح فااارس قااات‪:‬‬

‫(ج تكم بقوا حيبون املوخ كام حتبون أنتم احلياة)‪ .‬اجليش الذهن حيال املااوخ ماان املسااتحيل أن‬

‫هيزا‪ ،‬وهذا رس من أعظم الدروسا من أجل ُل قررخ قريش إبراا الصلح بكل ما فيه‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬مل يصال املسلمني سويف عندما أخذوا قرار املوخ‪ ،‬بينام يف أحد عندما أخذوا قرار الفاارار‪،‬‬

‫استشهد منهم سبعون‪ ،‬وكان عد هم يف أحد ‪ 700‬ويف احلديبيااة ‪ 1400‬مل يصااال ماانهم أحااد‬

‫اهلل عنه وأرضاه وهي كلمة مجيلااة جااد ًا يقااوت فيهااا‪:‬‬ ‫بسويف‪ ،‬وهذه كلمة أيب بكر الصديق ر‬

‫(احرص عىل املوخ توهال ل احلياة)‪ .‬اجليش الذهن يريد أن يموخ هيال اهلل له احلياة والنصار‬

‫والتمكني والسيا ة‪ ،‬واجليش الذهن يريد أن يعيش أهن عيشة حتى لو كانت رخيصة أو ُليلااة أو‬

‫تعيسة‪ ،‬املهم أن يعيش فهذا جيش يكتال عليه املوخ‪.‬‬

‫الذين قاموا بالبيعة‪ ،‬مع أ م ما زالوا عىل‬ ‫رابع ًا‪ :‬أن اهلل سبحانه وتعاىل رصح برضاه عن أول‬

‫قيد احلياة‪ ،‬ومن املمكن أن يرتكبوا بعد ُل ُنوب ًا أو أخطا ًيف أو كذا أو كذا ماان األمااور‪ ،‬ومااع‬

‫عنهم‪ ،‬واهلل سبحانه وتعاىل يعلم الغيال‪ ،‬ويعلم أن‬ ‫ُل ربنا سبحانه وتعاىل رصح أنه قد ر‬

‫هناليف سيفعلون كذا وكذا‪ ،‬وأنه من املنكد أن يكون ‪،‬م أخطايفا أل م من البرش‪ ،‬وكل بني آ ا‬

‫خطايف وخري اخلطائني التوابون‪ ،‬لكن يوجد معنى يف غايااة األمهيااة ينبغااي أن نفهمااه ماان هااذا‬

‫الكالا‪ :‬وهو أن موقف ًا واحد ًا يف حيات لصالح املساالمني ولصااالح األمااة يكااون ماان الثقاال‬

‫بحيث أنه ال يعدت به ُنال بعد ُل ‪ ،‬وهذه ليساات عاوة للااذنوب‪ ،‬ولكنهااا عااوة لألعااامت‬

‫الصاحلة الثقيلة‪ ،‬وقرأنا أكثر من مرة يف السرية النبوة‪ ،‬كام يف غاازوة تبااو أن الرسااوت ﷺ قااات‬
‫‪714‬‬
‫لاعثامن يومها‪( :‬ما رض عثامن ما فعل بعد اليوا)‪ ،‬فهذا موقف واحد من عثامن باان عفااان ر‬

‫اهلل عنه وأرضاه إن وضع يف كفة ووضعت بقية الذنوب يف كفة أخرى فلن هذا املوقف سيعدت‬

‫اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬ ‫وسريجح‪ ،‬وهبذا ين و عثامن ر‬

‫كل واحد منا يسأت نفسه‪ :‬هل ل موقف ًا تعتقد أنه من ي يوا القيامة؟ كلنااا نصااص ونصااوا‬

‫ونحج ونقرأ القرآن‪ ،‬لكن هل يوجد يف حياتنا عمل دا األمااة‪ ،‬نأخااذه بأياادينا يااوا القيامااة‬

‫ونقوت‪ :‬يا رب هذا العمل عملناه من أجل ‪ ،‬ونعتقد اا االعتقااا يف يومهااا أنااه من ينااا ماان‬

‫النار؟ فهذه بيعة الرضوان عمل واحد عابر ار يف ساعة أو ساعتني وانتهت القضية‪ ،‬لكن ظل‬

‫يف عرف الزمن إىل يوا القيامة حدث ًا يقتدهن به املسلمون‪ ،‬ويتعلمون منه‪ ،‬باال وحيفاايف يف كتاااب‬

‫رب العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬نريد حلظاخ صدق من هذا النوع تن ينا يف الدنيا ويف اآلخرة‪.‬‬

‫إرسات قريش سهيل بن عمرو للتفاوض مع النبي ﷺ‬

‫نعو إىل احلديبية‪ ،‬قررخ قريش الصلح‪ ،‬وقررخ أن ترسل رجا ً‬


‫ال إل اااا الصاالح مااع رسااوت‬

‫ﷺ‪ ،‬وهنا ال ينفع أن تبعث قريش وسيط ًا من خزاعة أو من ثقيف أو من أهن قبيلة غري قااريشا‬

‫ألنه سيتفق وسيفاوض يف بنو ستتأثر هبا قريش تأثر ًا مبااا ًا‪ ،‬فااال بااد أن يكااون واحااد ًا ماان‬

‫قريش‪ ،‬إُ ًا‪ :‬من تبعث؟ هل تبعث عكرمة بن أيب جهل أا تبعث خالد بن الوليااد أا تبعااث أبااا‬

‫سفيان أا تبعث صفوان بن أمية؟ مل تبعث أحد ًا من هناليفا ألن كل هناليف كام يطلقون علاايهم‬

‫يف هذه األياا من‪ :‬الصااقور‪ ،‬كاال هااناليف يرياادون أن حياااربوا املساالمني‪ ،‬وقااريش ال تريااد أن‬

‫ال طيبا ًا كااام‬


‫ال من احلامئاام رجا ً‬
‫حتارب‪ ،‬هي تريد أن تلطف األمر بقدر املستطاع‪ ،‬فأرسلت رج ً‬

‫يقولون‪ ،‬أرسلت‪ :‬سهيل بن عمرو‪ ،‬وسهيل بن عمرو حياته كلها يف مكااة ها ئااة وهااو إنسااان‬

‫لطيف وليست له مشاكل ض مة مبا ة مااع املساالمني‪ ،‬ويسااتطيع أن يتفاااوض بلطااف مااع‬

‫‪715‬‬
‫املسلمني‪ ،‬وهذا ما تريده قريش‪ ،‬حتى إن الرسوت ﷺ ملا رأى سهيل بن عمرو قات‪( :‬قد سااهل‬

‫لكم أمركم‪ .‬أرا القوا الصلح حني بعثوا هذا الرجل)‪.‬‬

‫الرسوت ﷺ استبرش وبرش املنمنني‪ ،‬وأخذ من كلمااة سااهيل معنااى فقااات‪( :‬سااهيل قااد سااهل‬

‫أمركم)‪ ،‬والفأت احلسن يف اإلسالا مطلوب‪ ،‬لكن يف نفس الوقت كاناات قااريش حااذرةا ألن‬

‫سهيل بن عمرو رجل مصاب من املسلمني يف بيته‪ ،‬أتدرون كاام شا و أساالم ماان عائلتااه؟‬

‫أربعة من أوال ه أسلموا‪ ،‬وهذه كارثة بالنسبة له‪ ،‬فهااذا الرجاال ساايذهال لياادافع عاان قضااية‬

‫ش صية‪ ،‬أسلم أربعة من أوال ه وثالثة من إخوته‪ ،‬أوال ه‪ :‬أا كلثوا وسهله وعبااد اهلل هااناليف‬

‫الثالثة أسلموا منذ زمن بعيد‪ ،‬ويعيشون يف املدينة املنااورة‪ ،‬والرابااع‪ :‬أبااو جناادت مساالم أيضا ًا‬

‫ومقيد قيده أبوه سهيل بن عمرو قبل أن رجا ل ال يلتحق باملسلمني‪ ،‬وإخوتااه‪ :‬السااكران باان‬

‫عمرو وأبو حاطال بن عمرو وسليط بن عمرو‪ ،‬عائلته تقريب ًا كلهااا أساالمت ومل يبااق إال هااو‪،‬‬

‫فهو مصاب يف عزته يف وسط قريش‪ ،‬فذهال يفاوض بكل محية‪ُ ،‬هال لكي يأخذ من املسلمني‬

‫كل مصلحة ممكن تكون لقريش‪.‬‬

‫هنا ال بد أن نقف وقفة ونقوت‪ :‬إُا قاا فريقان بالصلح فمعنااى ُلا ‪ :‬أن القااوتني متكاف تااان‪،‬‬

‫وإُا حرص القوهن يف الظاهر عىل الصلح مع الضعيف فاعلم أنه ياارى الضااعيف أقااوى منااه‪،‬‬

‫وأنه من اخله شى هناليف الضعفايف‪ ،‬ويعمل ‪،‬م ألااف حساااب‪ ،‬ومسااتعد أن يتنااازت‪ ،‬فعااىل‬

‫املسلمني أن يثبتوا وإن كانوا ضعفايف‪ ،‬فل م عىل احلق‪ ،‬واهلل معهم‪ ،‬وإُا ثبتااوا فاالن هااذا يزلاازت‬

‫كيان الكافرين‪.‬‬

‫قعد القرشيون بكل ما ‪،‬م من تاري وقااوة وجنااو وأحااالف‪ ،‬قعاادوا مااع اجلامعااة الضااعيفة‬

‫املستضعفة التي كانت تعيش عندهم وخرجت من يارهم وُهبت إىل املدينة املنورة‪ ،‬وجااايفخ‬

‫اآلن للعمرة بسالح املسافر‪ ،‬قعدوا من أجل الصلح يف مصلحة الطرفني‪ ،‬ويلتقون يف منتصااف‬
‫‪716‬‬
‫الطريق كام ُكروا‪ ،‬هذا الصلح حيمل إجيابية واضحة‪ ،‬ولكنه يف نفس الوقت حيمل سلبية ال بااد‬

‫أن يفقهها املسلمون‪ ،‬فاإلجيابية ا‪،‬امة‪ :‬أن كل طرف أصاابح معرتفا ًا باااآلخر‪ ،‬فاالُا كناات أناات‬

‫مجاعة ال ولة وتم مع الصلح فهذه إجيابية ك ى جد ًاا أل ا بداية االعرتاف بأن أصاابحت‬

‫قوي ًا متكاف ًا‪ .‬قريش ال حتتاج العرتاف الرسوت هباا ألن قريش ًا صار ‪،‬ا ستامئة سنة وأكثر قبيلااة‬

‫معرتف هبا وسط اجلزيرة العربية بكاملها‪ ،‬بل ووسط العامل‪ ،‬و‪،‬ا عالقاخ مع بعااض الاادوت يف‬

‫العامل‪ ،‬أما مجاعة املسلمني فال يعرتف هبم أحد ال قريش وال غريهاا أل ا مجاعة ناشا ة ضااعيفة‬

‫مستضعفة‪ ،‬فلُا اعرتفت هبا قريش فهذه من أعظم إجيابياااخ صاالح احلديبيااة‪ ،‬ونحاان اآلن يف‬

‫أيامنا رأينا عندما ن حت محاس يف انت اباخ فلسطني ماُا حصل؟ عتها بعض الدوت العاملية‬

‫للحديث والتحاور والتفاوض‪ ،‬منها‪ :‬روسيا مثالً‪ ،‬وروسيا تعت من أقطاب العامل ومن أقااوى‬

‫عت حركة محاس لسامع الرأهن ولتبا ت املشورة يف بعض األمور‪ ،‬وهذا‬ ‫وت العامل‪ ،‬ومع ُل‬

‫يف حد ُاته اعرتاف بحامس‪ ،‬وهذا الكالا أغضااال اليهااو جااد ًاا ألن هااذه املفاوضاااخ فيهااا‬

‫اعرتاف ضمني برشعية محاس وبقوة محاس‪ .‬هذا الذهن كااان يعيشااه الرسااوت ﷺ أياااا صاالح‬

‫احلديبية‪ ،‬فكون قريش جتلس عىل طاولة املفاوضاخ معه فهذا اعرتاف أماا اجلميع أن الرسوت‬

‫ﷺ أصبح زعي ًام لدولة معرتف هبا يف اجلزيرة العربية‪ ،‬وهذا انتصار كبري وفتح مبني فعالً‪.‬‬

‫أما السلبية التي تكون يف هذا الصلح‪ :‬أنه إُا جلست قوتااان للتفاااوض وللصاالح فااال بااد أن‬

‫يف‪ ،‬وهذا حيتاج إىل وقت من أجل أن نفهمه‪ ،‬فحني حتصل مفاوضاااخ‬ ‫يتنازت كل طرف عن‬

‫بني جمموعة من املسلمني وبني ولة قوية يف العامل ال بد أن نعرف بالضاابط حاادو التفاااوض‪،‬‬

‫ونعرف بالضبط ما هو الذهن يمكن أن نساامعه ويغضاابنا ونماارره‪ ،‬والااذهن يمكاان أن نساامعه‬

‫ويغضبنا وال يمكن أن نمرره؟ فالرسااوت ﷺ يف هااذه ا‪،‬دنااة ساايقبل ال َمالااة بااأمور ستشااعر‬

‫املسلمني بغصة يف حلوقهم وستشعرهم بأملا ألنه ال بد إُا جلس اثنان للتفاوض أن كل واحااد‬

‫‪717‬‬
‫يف‪ ،‬وإال فلامُا التفاوض؟ وملاُا اجللوس؟ لو كان واحد غالب ًا وواحد مغلوب ًا مااع‬ ‫يتنازت عن‬

‫إماليف لرشوط فهذه معاهداخ استسالا‪ ،‬هذا يف عرف املعاهداخ بني املنتصاار واملهاازوا‪ ،‬ويف‬

‫هذه اللحظة ال تعت هذه املعاهداخ معاهداخ بصفة حقيقيااة‪ ،‬ولكاان يطلااق عليهااا املعاهاادة‬

‫لتسهيل األمر عىل املهزواا ليقبل بكل البنو والرشوط‪ ،‬أمااا يف صاالح احلديبيااة ليساات هنااا‬

‫إماليفاخ من املنترص عااىل املهاازواا الوضااع يف احلديبيااة يعتا متكاف ا ًا‪ ،‬وجااايف الرسااوت ﷺ‬

‫بم موعة من املسلمني ليس غازي ًا وال فاحت ًا وال مهامج ًا لقريش‪ ،‬وإنام يريد فقااط خااوت مكااة‬

‫للعمرة‪ ،‬وقريش تريد أن نعه‪ ،‬وقريش قوة كبرية‪ ،‬واملسلمون إىل اآلن قوهتم مااا زالاات ناشا ة‬

‫وبسيطة‪ ،‬ولذل هذا اجللوس إىل حد ما متكافئ‪ ،‬وعندما تراجع بنو صلح احلديبيااة جتااد أن‬

‫معظمها يف صالح املسلمني‪ ،‬وليست لصالح قريش‪ ،‬وهذا كله بسبال ما حصل ماان املساالمني‬

‫يف السنة السا سة من ا‪ ،‬رة من الغزواخ والرسايا التي تكلمنا عنهااا بالتفصاايل يف املحااارضة‬

‫السابقة من هذه امل موعة‪ .‬عندما رأى املرشكون القوة والعاازة والثباااخ عنااد املساالمني ورأوا‬

‫أ م جايفوا بال خوف وال وجل من قوة قريش حصل صلح احلديبية‪.‬‬

‫بنو صلح احلديبية‬

‫صلح احلديبية‪ :‬معاهدة من أربعة بنو ‪ ،‬تعالوا لنرى كل بند هل هااو يف صااالح املساالمني أا يف‬

‫صالح املرشكني؟‬

‫البند األوت‪ :‬أن الرسوت ﷺ وأصحابه يرجعون من عامهم هذا فااال ياادخلون مكااة‪،‬‬

‫وإُا جايف العاا املقبل خلها املسلمون فأقاموا هبااا ثالثااة أياااا‪ ،‬لاايس معهاام إال سااالح‬

‫الراكال‪ ،‬وال تتعرض ‪،‬م قريش‪ ،‬هذه البند األوت‪.‬‬

‫‪718‬‬
‫هل هذا البند يف صالح املسلمني؟ رجوع الرسوت ﷺ هذا العاا يف صالح قريشا ألنه حيفيف ‪،‬ا‬

‫نسبي ًا مايف وجهها‪ ،‬لكن قدوا الرسااوت ﷺ يف العاااا املقباال‪ ،‬و خااوت مكااة ون مقاومااة‪ ،‬باال‬

‫وخروج أهلها منها وعدا التعرض مطلق ًا جليش املسلمني‪ ،‬هذا واهلل انتصااار مهااوت للرسااوت‬

‫ﷺ وللمسلمني‪ ،‬ونحن عندما نتذكر ما حدث للمسلمني يف مكة صدق مدة ثالث عرشة ساانة‬

‫يف يف‬ ‫من التعذيال واإلبا ة‪ ،‬ثم بعد ُل ا‪ ،‬رة وفرار املساالمني باادينهم‪ ،‬وقااد تركااوا كاال‬

‫مكة‪ ،‬ثم نتذكر بدر ًا وأحد ًا وجتميع قريش لألحزاب وحصار املدينة منذ أقل من ساانة واحاادة‪،‬‬

‫كل هذه املقاومة القرشية ا اراخ‪ ،‬و َقبيل املرشكون بفتح باب ولتهم للمسلمني ون مقاومااة‪،‬‬

‫أهن نرص للمسلمني؟! وأهن رفع رأس للمسلمني يف اجلزيرة العربية بكاملهااا؟! وأهن إراقااة ملااايف‬

‫وجه قريش وسط اجلزيرة العربية؟! أين صقور قريش؟ أين السالح والعتااا ؟ أياان العالقاااخ‬

‫واألحالف؟ أين األموات واالقتصا ياخ ا‪،‬ائلة لقريش؟ أين كل ُل ؟ كاال هااذا ينهااار أماااا‬

‫ولة املسلمني الناش ة‪.‬‬

‫هذا البند بكل تأكيد يف صالح املسلمني‪ ،‬ليس هذا فقط اعرتافا ًا ماان قااريش بدولااة املساالمني‪،‬‬

‫ولكن هذا اعرتاف أن ولة املسلمني ولة قوية تفتح ‪،‬ا أبواب مكة‪ ،‬و رج أهلها منها‪ ،‬وهااذا‬

‫مل ي ْفعل مع أهن قبيلة يف تاري مكة بكاملهااا‪ ،‬فقااريش مل واارج وتاارت مكااة املكرمااة مفتوحااة‬

‫األبواب وال مرة ألهن قبيلة من قبائل العرب مهام كانت قوية‪ ،‬هذا ف يعل هذا مع املصااطفى ﷺ‪،‬‬

‫فهذا ليل عىل أنه أقوى من أهن قبيلة يف اجلزيرة العربية يف نظاار قااريش‪ .‬هااذا البنااد يف صااالح‬

‫املسلمني‪.‬‬

‫البند الثاين‪ :‬وضع احلرب بني الطرفني عرش سنني‪ ،‬يأمن فيها الناس ويكااف بعضااهم‬

‫عن بعض‪.‬‬

‫‪719‬‬
‫هذا البند يف صالح من؟ من الذين حيتاااج إىل وضااع احلاارب ويرغااال يف األمااان؟ ألاايس هاام‬

‫املسلمون؟ هذه بغية املسلمني‪ ،‬كان األمان طلب ًا نبوي ًا قبل املعاهدة أص ً‬
‫ال قبل صاالح احلديبيااة‪،‬‬

‫لعلكم تذكرون الكالا الذهن قاله الرسوت ﷺ لا بديل بن ورقايف اخلزاعي وُكرناااه يف الاادرس‬

‫السابق‪ ،‬قات‪( :‬فلن شايفوا ما هم) كان هذا طلب ًا إسالمي ًا أن حتدث ماادة بااني املساالمني وبااني‬

‫املرشكني‪ .‬الرسوت ﷺ هو الذهن حيتاج أن يقيم ولته وينسسها‪ ،‬أما ولة قااريش فمقامااة منااذ‬

‫م اخ السنني‪ ،‬بينام ولة املسلمني الناش ة عمرها ست سنني فقط‪ ،‬وحتتاج إىل كثااري وكثااري ماان‬

‫اإلعدا والتأسيس‪ ،‬فهل ستكون الدعوة يف اجلزيرة العربية أسااهل يف جااو احلااروب والاادمايف‬

‫والعداواخ املتكررة أا ستكون أسهل يف حالة األمان؟ ال شا أ ااا يف حالااة األمااان أسااهل‪،‬‬

‫وهذا ما يريده املسلمون‪ ،‬فل م سيتحركون يف كل مكان بسهولة آمنني من احلرب مااع القبائاال‬

‫امل تلفة أيض ًا‪ ،‬وحركة املسلمني لدعوة القبائل البعيدة عن املدينة املنورة والقبائل القريبااة ماان‬

‫مكة املكرمة ستكون أسهل وأيرس‪ ،‬ب الف ما إُا كاناات احلاارب معلنااة بااني املساالمني وبااني‬

‫قريش‪.‬‬

‫الدعوة واحلركة ستكون أسهل وأقرب إُا كانت احلرب موضوعة ألن املساالمني ساايتحركون‬

‫ويدعون الناس إىل اإلسالا‪ ،‬وتز ا قوهتم‪ ،‬والناس َمتاجااة إىل تعريفهااا باإلسااالا‪ ،‬وبم اار‬

‫معرفة اإلسالا معرفة صحيحة فلن الفطرة السليمة ستقبل اإلسالا بال تر ‪ ،‬وكاناات القبائاال‬

‫يف عن اإلسالاا ألن كلمة اإلسالا تعني حرب قريش‪ ،‬وقريش أعز قبيلة يف‬ ‫خائفة من سامع‬

‫العرب‪ ،‬فلن أمنت الناس حرب قريش سيدخل يف اإلسالا رجااات ونسااايف وأطفااات كثااريون‪،‬‬

‫وهذا ما رأيناه فع ً‬
‫ال بعد صلح احلديبية بعد ُل ‪ ،‬كام سنتكلم عنه إن شايف اهلل‪.‬‬

‫هذا البند بوضوح يف صالح املسلمني‪.‬‬

‫‪720‬‬
‫توجد هنا مالحظة مهمة جد ًا‪ ،‬وهي أن املسلمني عندما عقاادوا هدنااة مااع املرشااكني يف ُلا‬

‫يااار منهوبااة‪ ،‬ال‬ ‫الوقت مل يأخذوا كل حقوقهم‪ ،‬ومل تر إليهم كامل حقوقهم‪ ،‬ال زالت هنااا‬

‫زالت هنا أموات مسلوبة‪ ،‬ال زالت هنا أرض َمتلة من القرشيني‪ ،‬ومع ُل قبل املساالمون‬

‫با‪،‬دنة قبل أن تر إليهم حقوقهم املسلوبة‪ ،‬لكن املسلمون يف هذه املعاهدة مل يقروا قريش ًا عااىل‬

‫أهن حق مسلوب ‪،‬م عندهم‪ ،‬مل يقولوا‪ :‬يارنا وأموالنا وأرضنا كلها حق لكاام‪ ،‬أبااد ًا مل يقولااوا‬

‫هذا الكالا‪ ،‬وإنام وضعوا احلرب عرشة سنواخ‪ ،‬وبعد هذه العرش السنواخ سنطالال بحقوقنا‬

‫وسنسعى السرت ا كل ما سلال منااي‪ .‬إُا جلااس املساالمون يف صاالح مااع أعاادائهم‪ ،‬وقبلااوا‬

‫عي‪ ،‬لكن إُا أقاار املساالمون لعاادوهم‬ ‫با‪،‬دنة ون إقرار العدو عىل حقوق مسلوبة هذا أمر‬

‫عي‪ ،‬وال يمكن أبااد ًا أن تقاايس هااذه املعاهاادة‬ ‫بحق املسلمني املسلوب هذا غري جائر وغري‬

‫يف ومااا‬ ‫التي قاا هبا ﷺ بمعاهداخ أخرى أقر فيها املسلمون لعدوهم بحقوق املسلمني‪ ،‬هذا‬

‫يف آخر‪ ،‬وهنا فارق كبري بني معاهدة صاالح احلديبيااة وبااني املعاهااداخ‬ ‫فعله املصطفى ﷺ‬

‫التي قاا هبا املسلمون يف عرصنا هذا مع اليهو ‪ ،‬التي أقروا فيهااا لليهااو بممتلكاااخ إسااالمية‬

‫خالصة‪ ،‬فحذار أن يشبه أحد هذه املعاهااداخ احلديثااة بمعاهاادة صاالح احلديبيااة‪ ،‬شااتان بااني‬

‫املعاهدتني‪.‬‬

‫البند الثاين من بنو صلح احلديبية يف صالح املسلمني ام ًا‪.‬‬

‫البند الثالث‪ :‬من أحال أن يدخل يف عقد َممااد وعهااده خاال فيااه‪ ،‬وماان أحااال أن‬

‫يدخل يف عقد قريش وعهدهم خل فيه‪ ،‬وتعت القبيلااة التااي تنضاام إىل أهن الفااريقني‬

‫جزيف من ُل الفريق‪.‬‬

‫فأهن عدوان تتعرض له أهن قبيلة من القبائل املحالفة يعت عدوان ًا عىل ُل الفريااق‪ ،‬ويعتا يف‬

‫نفس الوقت خمالفة واضحة لالتفاقية‪ ،‬فهذا البند يف صالح من؟ قريش أعظاام قبائال العاارب‪،‬‬
‫‪721‬‬
‫والذهن حيتاج ويريد أن يدخل يف عهدها ال ينتظر معاهدة هبااذه الصااورة‪ ،‬إن أر خ فا خاال يف‬

‫عهد قريش من اآلن‪ ،‬أين املشكلة؟ سيدخل يف عهدها مبا ة لقوهتا وتار هااا‪ ،‬لكاان القبائاال‬

‫التي تريد أن تدخل يف عقد وحلف َممااد ﷺ سااترت ألااف ماارةا خوفا ًا ماان بطااش قااريش‬

‫وحلفائها‪ ،‬لكن بعد صلح احلديبية من كان يف قلبه تر سيأمن من وضااع احلاارب‪ ،‬وسينضاام‬

‫إىل فريق املسلمني وهو مطم ن‪.‬‬

‫هذا البند مل تستفد منه قريش مطلق ًاا ألن قريش ًا أهن أحد يريد أن حيالفها سيحالفها‪ ،‬بينام استفا‬

‫املسلمون من هذا البند استفا ة قصوى‪ ،‬فالقبائل ستنضم ‪،‬م بعد أن أمنت قريشا ًا‪ ،‬ماان أجاال‬

‫هذا كان هذا البند يف صالح املسلمني‪ ،‬و ليل هذا أن قبيلة خزاعة مل تنضم يف حلااف املساالمني‬

‫إال بعد صلح احلديبية‪ ،‬مع أن قبيلة خزاعة من أكثر القبائل قرب ًا إىل رسوت ﷺ حتااى إن كتااب‬

‫السري يقولون‪( :‬كانت خزاعة عيبة نصح لرسوت ﷺ) أهن‪ :‬موضع رس وثقة الرسوت ﷺ‪ ،‬وكام‬

‫ُكرنا من قبل أن الرسوت ﷺ كان يرسل عيون ًا من خزاعة‪ ،‬ويتحالف مع خزاعة‪ ،‬وكااان بينهااا‬

‫وبني بني هاشم حلف قديم جد ًا ومع بني عبد املطلال‪ ،‬و‪،‬ا تاري طويل يف هذه القضية‪ .‬قبيلة‬

‫خزاعة التي حتال الرسوت ﷺ مل تدخل يف حلفه إال بعد صلح احلديبية‪ ،‬فام بال ببقية القبائل؟‬

‫ال كان يف صالح املسلمني‪ ،‬وهذا البند بالذاخ هو الذهن سيكون سبب ًا بعااد هااذا يف‬
‫هذا البند فع ً‬

‫فتح مكة املكرمة‪ ،‬فأهن خري جايف من ورائه‪.‬‬

‫البند الرابع‪ ،‬وهذا البند حيتاج منا وقفة مهمةا‬

‫البند الرابع‪ :‬من جايف قريش ًا ممن مع َممد ﷺ هارب ًا منه مل ير إليه‪ ،‬ومن أتااى َممااد ًا ﷺ‬

‫من غري إُن وليه هارب ًا منه ر ه عليهم‪.‬‬

‫‪722‬‬
‫أهن‪ :‬من يأيت املسلمني من أهل قريش بعد صلح احلديبية مسل ًام يرجعونااه إىل أقاربااه‪ ،‬إن كااان‬

‫أقاربه يرفضون إسالمه‪ ،‬ومعلوا أن كل املرشكني سريفضون إسالا أهل مكة‪ .‬هذا البند يقيض‬

‫أن كل مسلم جديد بعد صلح احلديبية سريجع ماارة أخاارى إىل مكااة املكرمااة‪ ،‬وعااىل الناحيااة‬

‫األخرى إُا ارتد أحد املسلمني وُهال إىل مكة ال تعيده مكة إىل املسلمني‪.‬‬

‫هذا البند يف ظاهره يف صالح القرشيني‪ ،‬لكن تعالوا نحلل هااذا البنااد‪ ،‬هااذا البنااد يتكااون ماان‬

‫جزأين‪ :‬اجلزيف األوت‪ :‬من هيرب من الصف املسلم إىل الصف الكافر‪ ،‬هل يريده املسلمون؟ لااو‬

‫أن ش ص ًا من املسلمني ارتد وقرر أن يكون يف صف قريش هل نتمس به؟ هاال ن ا ه عااىل‬

‫البقايف يف املدينة املنورة وهو كاره لإلسالا واملسلمني؟ واضح جد ًا أننا لسنا بحاجة إليه‪ ،‬بل لااو‬

‫كان هذا البند غري مكتوب يف املعاهدة كل من يريد أن يرتد من املساالمني ساايبطن هااذه الاار ة‬

‫ولن يظهرهاا ألنه خائف من أن ترجعه قريش إىل املسلمنيا لذل هذا البند يسمح لكاال ماان‬

‫يف قلبه مرض أن يظهر هذا املرض‪ ،‬ويت لو منه املسلمون‪ ،‬وقد ُكرنا اآلية قبل هذا أكثر من‬

‫مرة‪ ،‬قات اهلل عز وجل يف كتابه‪َ { :‬ل ْو َخ َرجوا فييك ْم َما َزا وك ْم إي هال َخ َبا ًاال َو َألَ ْو َضاعوا يخال َلكا ْم‬

‫ني} [التوبااة‪ ]47:‬فأنااا ملاااُا أ ع املنااافق‬ ‫الظااملي َ‬


‫يم بي ه‬ ‫ي‬ ‫َي ْبغونَكم ا ْل يف ْتنَ َة َوفييك ْم َس هامع َ‬
‫ون َ‪ْ ،‬م َواهلله َعلا ب‬
‫اخل املدينة املنورة يدت عىل عورايت‪ ،‬وينقاال أخباارهن إىل املرشااكني‪ ،‬ففااي بقااايف أهاال النفاااق‬

‫خطورة شديدة عىل املسلمني‪ ،‬واملسلمون ليسوا يف حاجة إىل من يبقي معهم ب سده وهو ليس‬

‫معهم بقلبه‪ ،‬من أجل هذا فالت لو منه أفضل‪ .‬هذا اجلزيف من البند الرابع يف صالح املسلمني‪.‬‬

‫اجلزيف الثاين هو الذهن فيه سلبية واضحة‪ :‬أهن واحد من أهل مكة بعااد صاالح احلديبيااة جااايف إىل‬

‫املسلمني مسل ًام‪ ،‬سوايف كان إسالمه قبل صلح احلديبية أو بعده‪ ،‬فلن عىل املسلمني أن ياار وه إىل‬

‫مكة املكرمة‪ ،‬ير ونه إىل أهله من الكافرين‪ ،‬ومعلوا إُا ر مسلم إىل الكفااار فلنااه قااد يفااتن يف‬

‫ينه‪ ،‬فقد يعذبه املرشكون حتى يكفر باهلل عااز وجاال‪ ،‬باإلضااافة إىل أن املساالمني سي رسااون‬

‫‪723‬‬
‫قوته‪ ،‬كان املفروض أن يضيف قوته إىل قوة املسلمني‪ ،‬فاملسلمون يف هذه احلااات لاان يسااتفيدوا‬

‫من قوته ومن طاقته‪.‬‬

‫نستطيع أن نقوت‪ :‬هذه الفائدة الوحيدة التي حصلت قريش عليها يف هااذه املعاهاادة الطويلااة‪،‬‬

‫يف‪ ،‬وإال ملا ت املعاهدة‪ ،‬ومااع‬ ‫فهذا البند يعت يف صالح قريش‪ ،‬وال بد أن يكون يف صاحلها‬

‫ُل هذه اجلزئية من البند ال ولو من فائدة للمسلمني‪ ،‬لكن كيف؟‬

‫نقوت‪ :‬املسلم الذهن سيعو إىل مكة قد يصبح مصدر ًا لالضااطراب يف اخاال ولااة مكااة‪ ،‬قااد‬

‫يدعو إىل اإلسالا يف اخل مكة‪ ،‬قد ينثر عىل عقلياخ املرشكني يف اخل مكة‪ ،‬قد جيمع نفسااه‬

‫مع غريه ويصيال املرشكني بأُى يف اخل مكة أو يف خارجها‪ ،‬بل قد في إسالمه وياادت عااىل‬

‫عوراخ املرشكني‪ ،‬وحيدث فتن ًا يف اخل املشاركني‪ ،‬فهااو ال يقباال ياانهم وال يقباال عبااا هتم‪،‬‬

‫فيكون خطر ًا حقيقي ًا عىل املرشكني‪ ،‬وهذا عني ما رأيناه بعد ُل ‪ .‬حتى هذه اجلزئيااة ماان هااذا‬

‫البند التي هي يف صالح املرشكني فيها خسارة للمرشكني أيض ًا‪.‬‬

‫هذه هي بنو صلح احلديبية األربعة‪ ،‬تعالوا نراجع هذه البنو األربعة سن د أ ا يف الغالال يف‬

‫صالح املسلمني عىل حساب قريش‪ ،‬وفيها فوائد مجة ومزايا عميقة جد ًا‪ ،‬سبعة أثامن املعاهدة يف‬

‫صالح املسلمني‪ ،‬واجلزئية الوحيدة التي ثل ثمن املعاهدة التي يف صااالح املرشااكني يف صااالح‬

‫املسلمني أيض ًا‪ ،‬ولكن ب سارة‪ ،‬فأهن فائدة ال ولو من خسارة‪ ،‬هذا هو صلح احلديبيااة‪ ،‬وهااذه‬

‫هي قيمة هذا الصلح الكبري‪ ،‬وهذا هو الصلح الذهن سيكون له نتائج غريخ لاايس فقااط وجااه‬

‫اجلزيرة العربية‪ ،‬ولكن وجه العامل‪.‬‬

‫‪724‬‬
‫كتابة صيغة صلح احلديبية وتوثيقها‬

‫بعد أن اتفق الرسوت ﷺ عىل بنو الصلح مع قريش ال بد أن توثق وتس ل يف صحيفة تكااون‬

‫بني الدولتني يوقع عليها الطرفان‪ ،‬ويعرتف هبا يف اجلزيرة العربية بكاملهااا‪ ،‬وباادأ الرسااوت ﷺ‬

‫اجللوس مع سهيل بن عمرو لكتابة الصااحيفة‪ ،‬لكان الرسااوت ﷺ أماي ال يكتااال وال يقاارأ‪،‬‬

‫اهلل عنااه وأرضاااه‪ ،‬والااذهن يمااص عليااه‬ ‫فالذهن كان يكتال املعاهدة هو عص بن أيب طالااال ر‬

‫الكلامخ هو رسوت ﷺ‪ ،‬وهذه إشارة قوية جد ًا إىل أن اليد العليا يف املعاهدة للمساالمني‪ ،‬فهاام‬

‫الذين يملون املعاهدة ويكتبو ا‪ ،‬فالرسوت ﷺ يمص وعص بن أيب طالااال يكتااال‪ ،‬وسااهيل باان‬

‫عمرو جمر مستمع‪.‬‬

‫فقات ﷺ‪( :‬اكتال بسم اهلل الاارمحن الاارحيم)‪ ،‬بدايااة كاال عماال للمساالمني‪ :‬بساام اهلل الاارمحن‬

‫الرحيم‪ ،‬فوقف سهيل واعرتض‪ ،‬وكل اعرتاضاخ سهيل بن عمرو شكلية‪ ،‬مل يعرتض عىل كل‬

‫البنو السابقة مع كل اخلسائر التي خرسهتا قااريش لضااعف قااريش‪ ،‬وإنااام هاو اآلن يعاارتض‬

‫اعرتاضاخ شكلية‪ ،‬ونريد أن نشاهد مرونة الرسوت ﷺ‪.‬‬

‫قات سهيل‪( :‬ما الرمحن؟) أهن‪ :‬لسنا موافقني عىل هذه الكلمة‪( ،‬ما الرمحن؟ فو اهلل ما ناادرهن مااا‬

‫هو‪ ،‬اكتال‪ :‬باسم اللهم‪ ،‬فالرسوت ﷺ قات لسيدنا عص‪( :‬اكتال‪ :‬باساام اللهاام)‪ ،‬باساام‬

‫عي‪ ،‬وإُا مل يكتال الرمحن الرحيم ليس معنى ُل أنااه‬ ‫اللهم هذه ليست فيها معارضة ألمر‬

‫غري معرتف بأن اهلل عز وجل هو الرمحن الرحيم‪ ،‬ال‪ ،‬وإنااام مل يكتااال ُلا يف املعاهاادة‪ ،‬فهااذه‬

‫نقطة شكلية مررها الرسوت ﷺ ون وقااوف‪( ،‬فمحااا عااص باان أيب طالااال البسااملة وكتااال‪:‬‬

‫باسم اللهم‪.‬‬

‫‪725‬‬
‫ثم قات الرسوت ﷺ‪( :‬هذا ما تصالح عليه َممد رسوت اهلل)‪ ،‬ومل يكمل الكلمة بعد حتى وقف‬

‫سهيل مرة أخرى‪ ،‬لكن هذه الوقفة مهمة جد ًا من سهيل قات‪( :‬لااو نعلاام أنا رسااوت اهلل مااا‬

‫صد نا عن البيت وال قاتلنا ‪ ،‬ولكن اكتال‪َ :‬ممد بن عبااد اهلل)‪ ،‬هاام مل يعرتفااوا بعااد بنبااوة‬

‫املصطفى ﷺ‪ ،‬فكيف تكتال يف الصحيفة ويوقع عليها سهيل‪ ،‬فالرسوت ﷺ قات‪( :‬إين رسااوت‬

‫اهلل وإن كذبتموين)‪ ،‬ثم أمر علي ًا أن يمسح رسوت اهلل ﷺ ويكتال‪ :‬هذا ما صالح عليه َممد بن‬

‫عبد اهلل‪ ،‬فسيدنا عص قات‪ :‬ال أستطيع أن أمسح كلمة رسوت اهلل‪ ،‬فالرسااوت ﷺ قااات لااه‪( :‬أرين‬

‫اهلل عنه وأرضاه عىل مكااان الكلمااة‪ ،‬فمحاهااا ﷺ بنفسااه)‪ ،‬هااذا‬ ‫مكا ا)‪ ،‬فأشار له عص ر‬

‫موقف يف منتهى العمق‪ ،‬فا سهيل بن عمرو يريد أن يأخذ الرسوت ﷺ يف قضايا جانبيااة بعياادة‬

‫عن الصلح‪ ،‬فهو يسحبه يف تفريعاخ بعيدة عن املوضوع األساس الااذهن نااتكلم فيااه‪ ،‬وكاناات‬

‫رؤية الرسوت ﷺ واضحة جد ًا‪ ،‬فهو يريد أن تااتم املعاهاادةا ألن هااذه البنااو كلهااا يف صااالح‬

‫املسلمني‪ ،‬ويرى أن فيها نرص ًا للمسلمني‪ ،‬مل يكونوا حيلمون قبل صاالح احلديبيااة‪ ،‬فاملساالمون‬

‫يقولون‪ :‬كان كل طموحنا أننا نن هن العمرة ونرجع مرة أخرى إىل املدينة املنورة‪ ،‬واآلن عناادنا‬

‫كل املكاسال‪ ،‬فال نعطل الصلح من أجل كلمة كذا أو كذا‪ ،‬فالرسوت ﷺ يريد للصلح أن يتم‪،‬‬

‫وهذه الكلامخ لن تنثر عىل الصلح‪ .‬النبي ﷺ يمحو كلمة‪َ :‬ممد رسااوت اهلل‪ ،‬ويكتااال‪َ :‬ممااد‬

‫بن عبد اهلل‪ ،‬وهذا الكالا ليس فيه خطأ هو فع ً‬


‫ال َممد باان عبااد اهلل ﷺ‪ ،‬فلااامُا ال نكتااال هااذا‬

‫األمر و ر املعاهدة بسالا‪ ،‬و رج املسلمون بكل هذه الفوائد التي فيها؟! من املرونة أن أتنازت‬

‫عية‪ ،‬وهذا واضح ماان إقاارار الرسااوت ﷺ‬ ‫عن أشيايف ال تقدا وال تنخر‪ ،‬وليس فيها خمالفة‬

‫ال أبد ًا‪ .‬نحن نحتاااج إىل أن نفهام هااذا الكااالا جيااد ًا‪،‬‬
‫ملحو هذه الكلامخ‪ ،‬فهو ﷺ ال يقر باط ً‬

‫نحتاج إىل أن نفهم متى نتشد ومتى نتساهل‪ ،‬متى نقوت‪ :‬ال يمكاان أبااد ًا أن نتنااازت عاان هااذا‬

‫األمر‪ ،‬ومتى نقوت‪ :‬يمكن نتنازت عن هذا األمر أو نقبل هبذا األمر‪.‬‬

‫‪726‬‬
‫وط الصلح يف اإلسالا‬

‫السرية النبوية كلها كنوز‪ ،‬وكلها واقع‪ ،‬نحن نقرأ هذا الكالا الذهن وقع قبل ‪ 1400‬سنة‪ ،‬لكاان‬

‫هذا الكالا له تطبيق يف كل يوا من حياتنا وتعالوا ننظر إىل صلح احلديبية وكيااف أنااه بااني لنااا‬

‫وط الصلح يف اإلسالا‪:‬‬ ‫وعرفنا‬

‫يف ماان الاادين‪،‬‬ ‫أوالً‪ :‬هذا الصلح ليس فيه إقرار للمرشكني عىل باطل‪ ،‬وليس فيه تنازت عاان‬

‫وليس فيها إعطايف أرض لقريش ليست أرضهم‪ ،‬أو االعرتاف ‪،‬م هبا‪ ،‬هذه األمااور مل تكتااال يف‬

‫الصلح‪ ،‬وهذا الصلح ال يمنع املسلمني من التسلح‪ ،‬وال يمنع املسلمني ماان عقااد األحااالف‪،‬‬

‫وال يمنع املسلمني من إعدا العدة‪ ،‬وال يأمر املسلمني بتغيري املناهج أو تبااديل الثواباات‪ .‬هااذا‬

‫يف من الرشع‪.‬‬ ‫والصلح يف اإلسالا‪ ،‬صلح ليس فيه تنازت عن‬

‫ثاني ًا‪ :‬هذا العهد وهذا الصلح بني الرسوت ﷺ وبني قريش مل يقر الصداقة بينهام‪ ،‬وإنام فقط أقاار‬

‫وضع احلرب ملدة عرش سنواخ مع بقايف احلالة كام هي عليها‪ ،‬حالة العداوة بني املساالمني وبااني‬

‫املرشكني باقية‪ ،‬مل يقر الصداقة بني املسلمني وبني املرشكني‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬هذا العقد إىل أجل‪ ،‬عرش سنواخ‪ ،‬وبعد العرش سنواخ يمكن أن نقعد ونتكلم‪ ،‬إُا أر نااا‬

‫أن نمد العهد بعد عرش سنواخ نفعل‪ ،‬وإن رأينا أن هذه املدة تكفااي مل نفعاال‪ ،‬لكاان ال يوجااد‬

‫يف اسمه سالا ائم‪ ،‬كام يف عرصنا مع عدا عو ة احلقوق سالا ائم ال ينفع‪ ،‬السالا مقرون‬

‫بعو ة احلقوق‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬هذا العقد واضح البنو ليس فيه بند مبهم‪ ،‬بحيث يفهم عااىل أكثاار ماان َمماال‪ ،‬ال‪ ،‬باال‬

‫واضح جد ًاا من أجل أن يضمن املسلمون حقهم ام ًا ون خداع من الطرف اآلخر‪.‬‬

‫‪727‬‬
‫خامس ًا‪ :‬هذا العقد عقد وللمسلمني قوة تستطيع أن تر ع العدو إُا خالف املعاهاادة‪ ،‬أمااا إن مل‬

‫تكن ل هذه القوة فال معنى للمعاهدة‪ ،‬فمثالً‪ :‬لو أننا وضعنا بنااو ًا وحصاالت منااا تنااازالخ‬

‫ومنهم تنازالخ‪ ،‬وجايف بعد سنة أو سنتني ف الفوا هذه املعاهدة‪ ،‬ماااُا سااتعمل هاال سااتذهال‬

‫لتشتكي وتش ال وتندب وتدعو هذا وُا ليدافع عن ‪ ،‬أا عند القوة الكافية لاار ع العاادو‬

‫ومعاقبة العدو إُا خالف املعاهدة؟! فالرسوت ﷺ كانت عنده هذه القوة‪ ،‬وسنرى بعد ساانتني‬

‫كيف أنه ﷺ ر ع قريش ًا وحلفايفهم بني بكر عندما خالفوا هذه املعاهدة مع املسلمني‪ ،‬لكن لااو‬

‫كان املسلمون ضعاف ًا وحصلت خمالفة ومل يستطيعوا أن ير عوا امل الف فامُا سيكون املوقف؟‬

‫يف طبيعي جد ًا‪ ،‬وحتى لو خل طاارف ثالااث يف‬ ‫سيكثر االستهزايف واالست فاف هبم‪ ،‬وهذه‬

‫املعاهدة ليضمن الطرفني‪ ،‬فهل الطرف الثالث سيكون عىل احليااا وقااوهن بحيااث يسااتطيع أن‬

‫ينرص الطرف األوت عىل الطرف الثاين‪ ،‬أو الطرف الثاين عىل الطرف األوت إُا خالف أحدمها‪،‬‬

‫أا هو مع طرف من الطرفني سوايف كان ظامل ًا أو مظلوم ًا؟! إُا مل يمل املسلمون القااوة الكافيااة‬

‫للر ع عند امل الفة فال معنى للمعاهدة‪.‬‬

‫إن معاهدة صلح احلديبية باملقارنة بمعاهداخ املسلمني مع اليهو يف زماننا هذا‪ ،‬وأشااهر هااذه‬

‫املعاهداخ معاهدة (أوسلو) ومعاهدة (خارطة الطريق) وغريمها من املعاهداخ بااني املساالمني‬

‫واليهو ‪ ،‬ويف هذه املعاهداخ أ يق َر اليهو عىل باطل‪ ،‬وهو امااتالكهم ألرض فلسااطني‪ ،‬أو جلاازيف‬

‫من أرض فلسطني‪ ،‬واملسلمون مجيع ًا كانوا مقتنعني ام ًا االقتناع أن فلسااطني أرض إسااالمية‪،‬‬

‫أو أرض عربية كام كانوا يقولون‪ ،‬لكن بعد هذه املعاهداخ أقر بعااض املساالمني أن جاازيف ًا ماان‬

‫أرض فلسطني مل يعد مملوك ًا للمسلمني‪ .‬يف هذه املعاهداخ قلال العدايف بني املساالمني واليهااو‬

‫إىل صداقة‪ ،‬ويتبع ُل رفع عداوة اليهو من مناهج التعليم واإلعااالاا ماان أجاال أن يصااعد‬

‫يف خطااري جااد ًا‪ .‬يف هااذه املعاهااداخ مل‬ ‫جيل من املسلمني ال يعرف عدوه من صديقه‪ ،‬وهذا‬

‫‪728‬‬
‫حيد املسلمون فرتة معينة للمعاهدة ثابتة أو مفتوحة‪ ،‬وإنام السالا الاادائم مهااام حاادث‪ ،‬وهااذا‬

‫يف خطري‪ .‬يف هذه املعاهداخ مل يعرتف اليهااو باااألحالف التااي بااني املعاهااد وبااني الاادوت‬

‫األخرى‪ ،‬يف كامال يفيد مل يعرتف اليهو بمعاهداخ مرص مع الدوت األخاارى‪ ،‬فلااو خلاات‬

‫إرسائيل مع ولة أخرى من وت العامل اإلسالمي يف حرب ليس ملرصا أن تعاارتضا ألن بنااو‬

‫املعاهدة تقر بأنه ليس هنا حرب بني إرسائيل وبني مرص‪ ،‬فامُا حصل بعد هذا؟ الذهن حصاال‬

‫بعد هذا أن إرسائيل غزخ لبنان بعد كامال يفيد بسنواخ قليلة جد ًا‪ ،‬ففي عاا ‪ 1982‬ا غزخ‬

‫إرسائيل لبنان ومل تستطع مرص أن تدافع عن لبنان ب يشها‪ ،‬مع أن هنا معاهدة فاااع مشاارت‬

‫بني مرص ولبنان‪ ،‬كام يقر بذل ميثاق جامعة الدوت العربيااة‪ ،‬لكاان مااا اا هنااا معاهاادة مااع‬

‫إرسائيل فلن مرص ال تدافع عن ولة أخرى إُا حاربتها إرسائيل‪ ،‬وكان كل ور مرص أن ورج‬

‫يف خطري جد ًا‪.‬‬ ‫يارس عرفاخ من لبنان مع وجو اجليش اليهو هن يف اخل لبنان‪ ،‬وهذا‬

‫هذا العقد بني إرسائيل ومرص عقد وليس للمسلمني القوة الكافية للر ع لااو حصاالت خمالفااةا‬

‫ألن سينايف التي هي َمل النزاع أص ً‬


‫ال مل يرت فيها جيش مرصهن‪ ،‬أقىص مسافة يمكاان أن يكااون‬

‫فيها اجليش املرصهن عىل بعد ‪ 5‬كيلو مرت من قناة السويس‪ ،‬بينام يوجد جيش اليهااو عااىل بعااد‬

‫ثالثة كيلو مرتاخ من رفح‪ ،‬يعني‪ :‬بقيت منطقة سينا بكاملها خالية من السالح وماان اجلاايش‪،‬‬

‫مع أ ا صارخ مرصية‪ ،‬فهذا بالتايل جيعل اجلنو املرصيني أو املسلمني عند اإلسااامعيلية وبااور‬

‫سعيد والسويس‪ ،‬بينام جنو اليهو عند رفح يف أهن حلظة من حلظاااخ التعاادهن جنااو اليهااو‬

‫سيكونون اخل سينا‪ ،‬ورأينا عندما حصلت خمالفة يف اخل رفح مل يستطع املرصيون املقاومااة‬

‫املسلحة ‪،‬ذا األمرا ألن اجليش املرصهن يف اإلسامعيلية وبور سعيد والسااويس لاايس يف رفااح‪،‬‬

‫وكان من املفروض أن يكون جيشنا عىل بعد ‪ 3‬كيلو مرت من رفح‪ ،‬كام أن جيشااهم عااىل بعااد ‪3‬‬

‫كيلو مرت من رفح‪ ،‬أليست رفح هي احلد الفاصل؟ املسافة العدالة الفاصلة أن يكون بيننا وبااني‬

‫‪729‬‬
‫رفح ‪ 50‬كيلو‪ ،‬ويكون بينهم وبني رفح ‪ 50‬كيلو‪ ،‬بيننا وبني رفح ‪ 1000‬كيلااو‪ ،‬وبياانهم وبااني‬

‫رفح ‪ 1000‬كيلو‪ ،‬هذا هو العدت‪ ،‬لكاان أال يكااون عنااد أهن نااوع ماان احلاميااة ألرض لا ‪،‬‬

‫وجيوش عدو عىل بعد مسافة ثالثة كيلو مرتاخ فقط من احلدو ‪ ،‬هذا أمر غري مقبوت‪.‬‬

‫ثم من الذهن يراقال هذا العهد؟ أمريكا املوالية إلرسائيل‪ ،‬واألمم املتحدة املنسسة إلرسائياال‪،‬‬

‫أليس هذا هو احلاصل؟! وإُا حدث خالف بني الطرفني من الذهن سيحكم‪ ،‬سااتحكم أمريكااا‬

‫أو األمم املتحدة‪ ،‬وكلنا نرى ُل ‪.‬‬

‫ثم األخطر من كل ما سبق يف هذه املعاهدة أنه تم االعرتاف بدولة إرسائيل كدولااة مسااتقلة يف‬

‫وت املنطقااة كمصاار‬ ‫فلسطني‪ ،‬فكو ا تعقد األحالف واملعاهداخ وتعرتف هبا ولة من أك‬

‫هذا من أفضل ن احاخ اليهو يف اخلمسني السنة األخرية‪ ،‬وقبل ُلا كااان املساالمون مجيعا ًا‬

‫يطلقون عىل اليهو ‪ :‬الكيان الصهيوين‪ ،‬أو يطلقون عليهم‪ :‬املحتلني اليهو ‪ ،‬لكن بعااد معاهاادة‬

‫كامال يفيد صارخ ولة إرسائيل و‪،‬ا سفاراخ يف معظم العامل اإلسالمي‪.‬‬

‫أما نتائج صلح احلديبية فم تلفة ام ًا عن نتائج هذه املعاهداخ املعارصة‪.‬‬

‫بعد االعرتاف بلرسائيل تم فصل مصار عاان العااامل العااريب‪ ،‬ألاايس كااذل ؟ ونااتج عاان هااذا‬

‫االعرتاف خالف ائم بني مرص والعامل العااريب‪ ،‬وحصاال شااقاق كبااري جااد ًا جااد ًا يف الصااف‬

‫املسلم‪ ،‬لكن بعد صلح احلديبية حصل العكس ام ًا‪ ،‬خل مسلمو اليمن يف الدولة اإلسالمية‪،‬‬

‫وعا مسلمو احلبشة إىل الدولة اإلسالمية‪ ،‬وتوافدخ القبائاال املساالمة إىل الدولااة اإلسااالمية‪،‬‬

‫وحصلت وحدة بعد صلح احلديبية وليس فرقة‪.‬‬

‫أقوت لكم كلمة موجعة جد ًا‪ :‬صلح احلديبية فع ً‬


‫ال شبه كامال يفيد لكن بطريقة عكسية‪ ،‬حقق‬

‫اليهو الفوائد التي حققها املسلمون من صلح احلديبيااة‪ ،‬واملساالمون يف زماننااا اآلن خسااروا‬

‫‪730‬‬
‫اخلسائر التي خرسهتا قريش يف صاالح احلديبيااة‪ ،‬وراجعااوا الصاالحني وضااعومها مااع بعااض‬

‫وقارنوا بينهام ست دون أن هذا الكالا صحيح مائة باملائة‪ ،‬وال حوت وال قوة إال باهلل‪.‬‬

‫صلح احلديبية تم واحلمد هلل‪ ،‬وكتال بني الرسوت ﷺ وبني سهيل بن عمرو ‪ ،‬لكن هل أع ااال‬

‫اهلل عنهم وأرضاهم هذا الصلح؟ هل وافقوا عىل هذا الصلح؟‬ ‫الصحابة ر‬

‫يف الواقع أن جل الصحابة كانوا يرفضون هذا الصلح‪ ،‬فهم مل يااروا إال ساالبياخ هااذا الصاالح‬

‫فقط‪ ،‬مل يروا إال اجلزيف الثاين من البند الرابع‪ ،‬الذهن هو إعا ة املسلمني إىل الكفااار ماارة أخاارى‪،‬‬

‫بينام الرسوت ﷺ كان ينظر إىل املوضوع بنظرة شمولية‪ ،‬تتميز بوضوح ا‪،‬دف وعمق التحليل‪.‬‬

‫ا‪،‬دف من صلح احلديبية‬

‫ليس ا‪،‬دف من صلح احلديبية است صات قريش‪ ،‬وليس ا‪،‬دف عمرة عابرة يف حياااة املساالمني‪،‬‬

‫وليس ا‪،‬دف إُالت قريش بالدخوت إىل مكة رغ ًام عن أنفها‪ ،‬وليس ا‪،‬دف إيامن مكة وحدها‪.‬‬

‫ما هو ا‪،‬دف؟ لقد كان هدف رسوت اهلل ﷺ أعمق من ُل بكثري‪ ،‬ا‪،‬دف هو نرش ين اهلل عااز‬

‫وجل يف األرض قاطبة‪ ،‬حتى لو تأخر إسالا مكة عدة سنواخ‪ ،‬مع أن مكة أحااال بااال اهلل إىل‬

‫قلااال الرسااوت ﷺ‪ ،‬لكنااه كااان ينظاار نظاارة شاامولية‪ ،‬وينظاار يف ُاخ الوقاات نظاارة واقعيااة‬

‫لألحداث‪ ،‬فبعض الصحابة يف ُل الوقت مل ينظروا هذه النظرة‪ ،‬كان كاال مههاام أن ياادخلوا‬

‫تل السنة إىل مكة املكرمة‪ ،‬كان كل مههم أن يعااو وا باملساالمني املوجااو ين بمكااة إىل اخاال‬

‫املدينة املنورة‪ ،‬لكن الرسوت ﷺ نظرته أعمق وأوسع من هذا بكثري‪ ،‬كان يرى كل الفوائد التي‬

‫تكلمنا عليها وأكثر من هذا يف اخل صلح احلديبيةا من أجل هذا َقبيل ﷺ بالصلح‪.‬‬
‫‪731‬‬
‫هنا سنات مهم جد ًا وَمتاج إىل وقفه مهمة وهو‪ :‬ملاُا مل يست ال الرسااوت ﷺ لاارأهن الصااحابة‬

‫مع أن األغلبية منهم ال يريدون أن يتم الصلح هبذه الصورة؟ ملاُا الرسوت ﷺ خااالف هااناليف‬

‫يف يف منتهى األمهية‪ ،‬والشااورى ال تكااون إال‬ ‫الصحابة؟ أين الشورى يف ُل املوقف؟ هذا‬

‫من رب العاملني ساابحانه وتعاااىل‪ ،‬أو‬ ‫يف األمور التي ليس فيها وحي‪ ،‬التي ليس فيها أمر مبا‬

‫من رسوله الكريم ﷺ‪ ،‬والرسوت قبل ُل أشار يف أكثر من مرة أن هذا األمر وحااي ماان رب‬

‫العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬فالرؤيا التي رآها يف املدينااة املنااورة كاناات وحيا ًا ماان اهلل عااز وجاال‪،‬‬

‫والناقة التي حبست من خوت مكة املكرمة وُكر ﷺ أ ا مأمورة‪ ،‬وأنه حبسها حابس الفياال‪،‬‬

‫فهذه إشارة واضحة من رب العاملني سبحانه وتعاىل أنه ال يريااد لااه أن ياادخل مكااة املكرمااة‪،‬‬

‫لذل أخ أصحابه أنه سيقبل بأهن خطة تعظم فيها حرماخ اهلل عز وجل‪ ،‬وفيها منع للقتااات‪،‬‬

‫ثم بعد ُل ُكر ُل عندما جا له ﷺ كلمة توضح أن كل املعاهاادة كاناات بااوحي ماان رب‬

‫العاملني سبحانه وتعاىل‪ُ ،‬كر ُل عناادما جا لااه بعااض الصااحابة كااام ساايتبني إن شااايف اهلل يف‬

‫الدرس القا ا‪ ،‬قات ‪،‬م موضح ًا ‪،‬م أمهية هذه املعاهاادة وأ ااا أماار ماان رب العاااملني ساابحانه‬

‫وتعاىل‪ ،‬قات‪( :‬إين رسوت اهلل ولست أعصيه‪ ،‬وهو نارصهن ولن يضيعني أبد ًا)‪ .‬اتضح أن هنااا‬

‫وحي يف هذه القضية‪ ،‬وهنا أمر ًا مبا ًا من رب العاملني سبحانه وتعاااىل أن يقباال رسااوت اهلل‬

‫ﷺ هذه البنو ‪ ،‬فهنا ال يوجد شورى‪.‬‬

‫هنا فارق ض م جد ًا وهائل بني الشورى وبني الديمقراطية‪ ،‬فالشورى يف اإلسالا تكااون يف‬

‫من رب العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬أو ماان رسااوله الكااريم ﷺ‪،‬‬ ‫األمور التي ليس فيها أمر مبا‬

‫يف موضوع للتشاااور‪،‬‬ ‫إُا كان هنا أمر من اهلل فال خرية للمنمنني‪ ،‬لكن يف الديمقراطية أهن‬

‫يف موضااوع لألغلبيااة‪ ،‬حتااى وإن أحلاات األغلبيااة‬ ‫يف موضوع الجتامع الشااعال‪ ،‬أهن‬ ‫أهن‬

‫حرام ًا أو حرمت حالالً‪ ،‬هذا يف عرف الديمقراطية مقبوت‪ ،‬أما يف عرف اإلسالا فغري مقبااوت‪،‬‬

‫‪732‬‬
‫هذا فارق ض م جد ًا‪ ،‬نعم‪ ،‬هنا نقط اس بني الشورى والديمقراطية ياارجح رأهن الشااعال‬

‫من رب العاااملني ساابحانه وتعاااىل‪ ،‬أو ماان‬ ‫ورأهن األغلبية يف القضايا التي ليس فيها أمر مبا‬

‫الرسوت ﷺ‪ .‬الفرق الض م ا‪،‬ائل أن مرجعيتنا يف الشورى إىل اإلسالا وإىل الكتاب والساانة‪،‬‬

‫وهذا من أعظم الفوارق بني املنه ني‪ :‬الشورى‪ ،‬والديمقراطية‪.‬‬

‫هذا هو صلح احلديبية وهذه هي البيعة التي قات اهلل عز وجاال يف حقهااا‪َ { :‬ل َقادْ َر ي َ اهلله َعا ين‬

‫الش َ َر ية} [الفتح‪ ،]18:‬وهذه البنو التي عقاادها الرسااوت ﷺ مااع‬ ‫املْ ْن يمني َ‬
‫ني إي ُْ ي َب يايعو َن َ َ ْحت َت ه‬

‫سهيل بن عمرو‪ ،‬وكان من أثرها أن عم اإلسالا وانترش ليس يف اجلزيرة العربيااة فقااط‪ ،‬باال يف‬

‫عموا بال العامل‪ ،‬كام سنرى هذه األمور بالتفصيل إن شايف اهلل‬

‫‪733‬‬
734
‫‪32‬‬

‫ما بعد احلديبية‬

‫وقفنا عند كتابة هذا الصلح‪ ،‬وأن الرسول ﷺ أظهر مرونة واضحة يف كتابه هذا الصلللح ىتل‬

‫يتمه‪ ،‬وبعد أن كتب الصلح ىدث أمر زاد من هم الصحابة ريض اهلل عنهم وأرضاهم‪ ،‬وعقلد‬

‫املشكلة أكثر وأكثر وهو أن أىد املسلمني الذين أسلموا يف مكة ومل يستطع أن هياجر إىل املدينللة‬

‫املنورة مع املسلمني جاء إىل املسلمني بعد كتابه الصالح‪ ،‬فهو عندما علم أن املسلمني قد جاءوا‬

‫إىل احلديبية جاء إليهم وهو يرسف يف أغالله‪ ،‬كان أبوه قد قيده يف داخل البيللم مللن أجللل أ‬

‫هياجر إىل املسلمني‪ ،‬وعندما علم أن املسلمني عىل أبواب مكة جللاء إللليهم يرسللف يف أغالللله‪،‬‬

‫يف‬ ‫فمن هو هذا الرجل؟ هذا الرجل هو أبو جندل بن سهيل بن عمرو‪ ،‬هو ابللن سللفي قللري‬

‫معاهدهتا مع رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فأبوه هو الذي كتب املعاهدة بينه وبني املصطف ﷺ‪ ،‬وجللاء أبللو‬

‫جندل بن سهيل لينضم إىل صف املسلمني‪ .‬فجع سهيل ىني رأى ولده أبا جندل مع أنلله كللان‬

‫قد قيده قبل ذلك يف البيم‪ ،‬فأصبحم األزمة أزمة كبية جد ًا‪ ،‬فهذا ابن سهيل يريللد أن ينضللم‬

‫إىل املسلمني‪ ،‬هنا انتفض سهيل بن عمرو وقال لرسول اهلل ﷺ‪ :‬هذا أول ما أقاضيك عليه عىل‬

‫أن ترده‪ ،‬فاملعاهدة تقول‪ :‬من جاء رسول اهلل ﷺ من مكللة مسللل ًر يللرده ﷺ إىل أوليائلله‪ ،‬وهللذا‬

‫سهيل بن عمرو ويل أمر أيب جندل يطلللب أن يللرده الرسللول ﷺ‪ ،‬فالرسللول ﷺ ىللاول قللدر‬

‫املستطاع أن يأخذ أبا جندل‪ ،‬فقال‪( :‬إنا مل نقض الكتاب بعد) أي‪ :‬نحن ما زلنا نكتب الكتللاب‪،‬‬

‫‪735‬‬
‫فقال سهيل‪( :‬إذ ًا ‪-‬واهلل‪ -‬أقاضيك عىل يشء أبد ًا) أي‪ :‬إما أن آخذ أبا جندل وإما أ يكللون‬

‫هناك صلح‪ ،‬فأصبح املوقف صعب ًا‪ ،‬والرسول ﷺ كان يشعر بقيمة هذه املعاهدة ويريللد للا أن‬

‫تتم قدر املستطاع‪ ،‬فقال ﷺ‪( :‬إذ ًا فأجزه يل) أي‪ :‬أعطه يل كرم ًا منك‪ ،‬قال‪( :‬ما أنا بمجيزه لك)‬

‫أي‪ :‬لن أعطيه لك‪ ،‬فقال ﷺ حياول أن يسرتيض سهيل بن عمرو قال‪( :‬بىل تفعللل)‪ ،‬قللال‪( :‬مللا‬

‫أنا بفاعل) إنه موقف صعب‪ ،‬وقد ذكرنا يف الدرس الذي سبق أن ثالثة من أو ده أسلموا قبل‬

‫املسلمني وإىل دولة املدينة املنللورة‪ ،‬وهللا ء الثالثللة هللاجروا هجللرة‬ ‫ذلك وانضموا إىل جي‬

‫احلبشة ثم هاجروا بعد ذلك هجرة املدينة املنورة‪ ،‬فهللذا هللو الللذي بقل للله أبللو جنللدل‪ ،‬فهللو‬

‫متمسك به إىل النهاية‪ ،‬قال‪( :‬ما أنا بمجيزه لك‪ ،‬ما أنا بفاعل)‪.‬‬

‫ثم مل يكتف بذلك سهيل بن عمرو‪ ،‬بل قام وأخذ يرضب أبا جندل أمام املسلمني‪ ،‬واملسلللمون‬

‫يتأثرون ويبكون عىل ىال أيب جندل‪ ،‬لقد كان موقف ًا مللاثر ًا جللد ًا‪ ،‬وأبللو جنللدل ريض اهلل عنلله‬

‫وأرضاه مل يكتف هبذا املشهد املاثر جد ًا يف املسلمني‪ ،‬بللل ذهللب إىل املسلللمني وقللال للم‪( :‬يللا‬

‫معرش املسلمني؛ أأرد إىل املرشكني يفتنونن يف دين ؟!) احلقيقة أن هذا موقللف صللعب للديد‬

‫الصعوبة‪ ،‬فرذا يفعل الرسول ﷺ يف هذا املوقف‪ ،‬وهو يريد ذه املعاهدة أن تتم ويرى ما فيهللا‬

‫ك أنه حمرج‪ ،‬لكن ماذا يفعل؟‬ ‫من آثار‪ ،‬وموقف أيب جندل‬

‫املوازنة هنا وحتكيم العقل تقول‪ :‬إنه يرد أبا جندل مع كل التللداعيات التل قللد حتللدث لللل أيب‬

‫جندل بعد ذلك؛ ألن ثمن إمتام صلح احلديبية هو أن يرد أبا جندل إىل املرشكني مرة ثانية؛ ألننا‬

‫قد كتبنا العهد‪ ،‬واملسلللمون عنللد عهللودهم‪ ،‬واملسلللمون يتصللفون بوفللاء غللدر‪ ،‬فللر دام أن‬

‫الرسول ﷺ قد كتب املعاهدة مع سهيل بن عمرو وأقللرت فللال معنل هنللا لللنقض املعاهللدة‪،‬‬

‫وخاصة أهنا يف صالح املسلمني كر ذكرنا‪ ،‬لكن الرسول ﷺ مل يرتك أبا جندل هكذا إنر قال للله‬

‫كلرت‪ ،‬ويف داخل هذه الكلرت إ ارات مجيلة جد ًا منه ﷺ‪ ،‬قال له ﷺ‪( :‬يا أبللا جنللدل اصل‬

‫‪736‬‬
‫واىتسب؛ فإن اهلل جاعل لك وملن معك من املستضعفني فرج ًا وخمرج ًا‪ ،‬إنا قد عقدنا بيننا وبني‬

‫القوم صلح ًا وأعطيناهم عىل ذلك وأعطونا عهد اهلل‪ ،‬فال نغدر هبم)‪.‬‬

‫يف كالم الرسول ﷺ أكثر من إ ارة‪:‬‬

‫أو ً‪ :‬الرسول ﷺ ىكم العقل وقال‪ :‬نستطيع بأي ىال مللن األىللوال أن نللنقض املصللاحلة‬

‫اآلن‪ ،‬وذكر قاعدة هامة جد ًا من قواعد املسلمني يف املعاهدات وه الوفاء الغدر‪ ،‬ىتل لللو‬

‫كانم هناك تداعيات سلبية بعد ذلللك‪ ،‬فللر دمللم قللد عاهللدت فللال غللدر‪ ،‬واملسلللمون عنللد‬

‫عهودهم‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أنه ﷺ أعط طريق ًا للنجاة للأيب جندل ‪ ،‬قال له‪( :‬اص واىتسب) ثم برشه بللأن اهلل عللز‬

‫وجل سوف خيرجه من هذه األزمة فقال‪( :‬فإن اهلل جاعل لك وملن معك من املستضعفني فرج ًا‬

‫وخمرج ًا) فهو ﷺ ذكر أن مع أيب جندل يف داخل مكللة املكرمللة بعللض املستضللعفني‪ ،‬ويف هللذا‬

‫إ ارة إىل أنك إذا وجدت جهدك مللع أول لك املستضللعفني فقللد يكللون ذلللك هللو السللبب يف‬

‫خروجكم من األزمة‪ ،‬وهو السبب يف الفرج الذي سيجعله اهلل عز وجل لك وملللن معللك مللن‬

‫املستضعفني‪.‬‬

‫ها ء املستضعفون عندهم أكثر من طريق‪ ،‬فيمكن أن هياجروا كر هاجر املسلمون قبل هذا إىل‬

‫يوقعللوا املسلللمني يف‬ ‫احلبشة‪ ،‬يمكن أن هياجروا إىل أي مكان آخر غي املدينة املنللورة‪ ،‬ىتل‬

‫ىرج بعد هذه املعاهدة‪ ،‬ويمكن أن يكتموا إسالمهم‪ ،‬ويمكن أن يتظاهروا بالكفر‪ ،‬ويمكن أن‬

‫يعملوا أي يشء إىل أن جيعل اهلل عز وجل م فرج ًا وخمرج ًا‪ ،‬وهللذا وعللد مللن رسللول اهلل ﷺ‪،‬‬

‫وإذا كان أبو جندل صادق اإليرن فال ك أنه سيامن هبذا الوعد‪ ،‬وكذلك املامنون معلله مللن‬

‫أهل مكة املكرمة‪ ،‬وقد يقول خص‪ :‬قدِّ ر أن أبا جندل فتن يف دينه؛ نتيجة اإليللذاء والتعللذيب‬

‫‪737‬‬
‫الذي وقع عليه من سهيل بن عمرو أو من غيه من زعرء مكة؟! نقللول‪ :‬إن الرسللول ﷺ يللرد‬

‫عىل هذه الكلرت كر جاء يف صحيح مسلم‪ ،‬قال‪( :‬إن من ذهللب منللا إللليهم فأبعللده اهلل)‪ ،‬أي‪:‬‬

‫الذي يرتك اإلسالم ويرتد ويعللود إىل املشللركني أبعللده اهلل‪ ،‬و نريللده‪( :‬ومللن جاءنللا مللنهم‬

‫سيجعل اهلل له فرج ًا وخمرج ًا)‪ ،‬أي‪ :‬من جاءنا منهم ورددناه بعد ذلك إىل مكة فللال للك أن اهلل‬

‫عز وجل سوف خيرجه من هذه األزمة‪ ،‬وليس من املمكن أبد ًا أن يسع هو إىل اهلل عللز وجللل‪،‬‬

‫ثم يوقعه اهلل عز وجل يف فتنة‪.‬‬

‫هذا األمر كان واضح ًا جد ًا يف ذهن الرسول ﷺ‪ ،‬وأنه وإن رد أبا جندل فهو يف يوم من األيللام‬

‫سيأيت إىل املسلمني مرة ثانية‪ ،‬لكن الصحابة ريض اهلل عللنهم وأرضللاهم مللا كللانوا يللرون هللذه‬

‫املسلللمني وإىل دولللة املسلللمني‬ ‫األبعاد‪ ،‬كل ما يرونه أن أىد املامنني حياول أن ينضم إىل جي‬

‫و يستطيع املسلمون مع قوهتم ومع دولتهم أن يأخذوه‪ ،‬ورأوا أن ذلك هو الدنيللة يف الللدين‪،‬‬

‫وأن هذا نقص كبي جد ًا يف املعاهدة‪ ،‬ىت إن عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنلله وأرضللاه يف هللذا‬

‫املوقف ىني رأى أبا جندل يرضبه أبوه سهيل بن عمللرو والرسللول ﷺ يسللتطيع أن يأخللذه‬

‫معه إىل جيشه؛ قام عمر بن اخلطاب واقرتب من أيب جندل وقرب إليه مقبض سيفه موىيل ًا للله‬

‫أن يأخذ السيف ويرضب أباه‪ ،‬قال عمر بن اخلطاب خماطب ًا أبا جندل ‪( :‬اص يا أبا جندل فللإنر‬

‫هم املرشكون‪ ،‬وإنر دم أىدهم دم كلب‪ ،‬ويدين منه قائم السيف)‪ .‬يقول عمر بعد ذلك تعليقل ًا‬

‫عىل هذا األمر‪( :‬رجوت أن يأخذ السيف فيرضب بلله أبللاه فضللن الرجللل بأبيلله)‪ ،‬أي أن ‪ :‬أبللا‬

‫جندل ما أخذ السيف وما قتل أباه‪ ،‬فهذا فعل العاطفة وللليس فعللل العقللل‪ ،‬واحلمللد هلل أن أبللا‬

‫جندل مل يأخذ السيف ويقتل به سهيل بن عمرو ‪ ،‬والرسول ﷺ ما كللان ليقللر ذلللك أبللد ًا؛ ألن‬

‫عللىل‬ ‫العهللد بكامللله وتعللرت‬ ‫ك أنه سيادي إىل تأزم املوقف‪ ،‬وقللد تللنقض قللري‬ ‫هذا‬

‫‪738‬‬
‫املصاحلة‪ ،‬ويكون يف ذلك خسارة للمسلمني‪ ،‬ورد أبو جندل إىل املرشكني‪ ،‬وأنفذ العهد كر أمر‬

‫ﷺ‪.‬‬

‫بعد معاهدة صلح احلديبية دخلم قبيلة بن بكر يف ىلف قللري ‪ ،‬ودخلللم قبيلللة خزاعللة يف‬

‫ىلف رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهذا يع عن أمهية هذا الصلح وقيمته؛ ألن قبيلة خزاعللة مللع تارخيهللا‬

‫الطويل مع بن ها م إ أهنا مل تدخل يف ىلف الرسول ﷺ إ بعد أن عقد صلح احلديبية‪.‬‬

‫موقف الصحابة رضوان اهلل عليهم من صلح احلديبية‬

‫بعد متام صلح احلديبية رجع الرسول ﷺ إىل معسكره يف احلديبية ليعد العدة للعودة إىل املدينللة‬

‫املنورة مرة ثانية‪ ،‬ثم بعد ذلك بعام يأيت إىل مكة املكرمة من جديد للعمرة‪ ،‬فالرسول ﷺ يف كل‬

‫هذه الرىلة وكل هذه املحاورات كان حمرم ًا‪ ،‬فقد أىرم من ذي احلليفة كر ذكرنللا قبللل ذلللك‪،‬‬

‫وجاء ملبي ًا ىت وصل إىل احلديبية‪ ،‬فمنع هناك‪ ،‬فهو يف هذا املكان عنللد احلديبيللة أىصللر ﷺ‬

‫عن دخول مكة املكرمة‪ ،‬فانطبق عليه ىكم املحرص عن العمرة‪ ،‬أي‪ :‬أنه نوى عمرة ومل يستطع‬

‫أن يصل إىل مكة املكرمة ألي سبب من األسباب‪ ،‬لذلك قرر ﷺ أن يقللوم بللالنحر واحللللق يف‬

‫هذا املكان؛ ليتحلل من إىرامه ﷺ‪ ،‬وقد ذكرنا أن هذا ا دي الذي كان معه ﷺ هو مسللتحب‬

‫وليس فرض ًا عىل املسلمني‪ ،‬لكن عند اإلىصار بد له أن ينحر هذا ا دي الذي وهبلله هلل عللز‬

‫وجل‪.‬‬

‫الرسول ﷺ أمر الصحابة مجيع ًا بالنحر‪ ،‬قال م‪( :‬قوموا فانحروا)‪ ،‬وهللذا أمللر واضللح جللد ًا‪،‬‬

‫لكن رد الفعل كان غريب ًا جد ًا‪ ،‬يقول الراوي‪( :‬فواهلل ما قللام مللنهم أىللد) والرسللول ﷺ كللرر‬

‫األمر مرة ثانية وقال‪( :‬قوموا فانحروا)‪ .‬فلم يقم أىد‪ ،‬فكرر الثالثللة‪( :‬قومللوا فللانحروا)‪ ،‬فلللم‬

‫يقم منهم أىد‪ ،‬ومع ذلك كان الرسول ﷺ يف هذا املوقف كان يقدر احلالة النفسية الت عليهللا‬

‫‪739‬‬
‫الصحابة ريض اهلل عنهم وأرضاهم‪ ،‬فهم مع طاعتهم له الت وصفها عللروة بللن مسللعود قبللل‬

‫هذه املعاهدة بساعات قليلة جللد ًا‪ ،‬فقللد وصللف ىالللة الصللحابة ريض اهلل عنلله وأرضللاهم يف‬

‫تفانيهم يف طاعة الرسول ﷺ‪ ،‬ولكنهم يف هذا املوقف يستطيعون أن يقوموا بالنحر واحللق‪،‬‬

‫ألن معن النحر واحللق أهنم حتللوا من العمرة‪ ،‬ومعن حتللهم من العمللرة أهنللم راجعللون إىل‬

‫املدينة املنورة‪ ،‬وهم إىل هذه اللحظة ما زال لدهيم أمل يف أن يدخلوا مكة املكرمة ويعتمروا كللر‬

‫كانوا يرغبون‪ ،‬فهم غي قادرين عىل أن ينفذوا هذا األمر بالذات‪ ،‬أمر النحر واحللللق‪ ،‬وموقللف‬

‫أيب جندل زاد املأساة عند الصحابة‪ ،‬والقضية عندهم قضية خطللية‪ ،‬والرسللول ﷺ يشللعر بللر‬

‫يشعر به الصحابة ريض اهلل عنهم وأرضاهم‪ ،‬وليس معن هذا أن يعذر الصحابة ريض اهلل عنه‬

‫وأرضاهم معذورون وليسوا خمط ني‪ ،‬بل هذا خطأ وسنتحدث عنلله ‪-‬إن للاء اهلل‪ -‬بالتفصلليل‬

‫عند احلديث عن أخطاء املامنني‪ ،‬لكن الرسول ﷺ تعامل مع املوقللف بمنتهل احلكمللة‪ ،‬فقللد‬

‫دخل ﷺ إىل خيمته وهو ىزين جد ًا ومل يعنف الصحابة ريض اهلل عنه وأرضاهم؛ ألنه يرى مللا‬

‫هبم من أزمة‪ ،‬فالصحابة إذا كانوا غي راضني بإقرار هذه املعاهدة فالبديل عن هذه املعاهدة هو‬

‫احلرب‪ ،‬وهم كانوا مستعدين أن حياربوا ويقاتلوا إىل املوت كر ذكرنا يف الدرس السللابق‪ ،‬فهللم‬

‫قد بايعوا عىل عدم الفرار‪ ،‬فلو مل يتم هللذا الصلللح فسللتكون النتيجللة القتللال‪ ،‬قللد تللذهب فيلله‬

‫أرواىهم مجيع ًا‪ ،‬فحزن الصحابة يدل عىل مدى جتردهم وىبهم للموت يف سبيل اهلل عز وجل‪،‬‬

‫والرسول ﷺ يدرك كل هذه املشاعر‪ ،‬فلذلك قدر موقف الصحابة ريض اهلل عنهم مجيع ًا‪.‬‬

‫دخل الرسول ﷺ إىل خيمته وكانم معه يف هذه الرىلللة أم املللامنني أم سلللمة ريض اهلل عنهللا‬

‫وأرضاها فلر دخل عليها ورأت ما به من احلزن سألته‪ ،‬فذكر ا ما ق من النللاس‪ ،‬فقالللم‪:‬‬

‫(يا رسول اهلل أحتب ذلك ‪-‬أي‪ :‬أن ينحروا وحيلقوا‪-‬؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬قالم‪ :‬اخرج) انتبه إىل هللذه‬

‫النصيحة اجلميلة جد ًا من أم املامنني ريض اهلل عنها وأرضاها‪ ،‬وانتبه إىل تشللاور املصللطف ﷺ‬

‫‪740‬‬
‫مع زوجته يف قضية من أخطر قضايا املسلمني‪ ،‬مل يذهب للتشاور مع أيب بكر أو مع عمر أو مللع‬

‫غيمها‪ ،‬لكنه ذهب إىل زوجته وحتدث معها يف قضللية هتللز كيللان الدولللة اإلسللالمية بكاملهللا‪،‬‬

‫واستمع إىل رأهيا‪ ،‬وكان رأهيا ىكي ًر جد ًا‪ ،‬أخرج املسلمني مللن األزمللة‪ ،‬مللاذا قالللم أم سلللمة‬

‫ريض اهلل عنها وأرضاها؟ قالم لرسول اهلل ﷺ‪( :‬اخرج ثم تكلم أىد ًا ىت تنحللر بلدنك‪،‬‬

‫وتدعو ىالقك فيحلقك)‪ ،‬فقام ﷺ فخرج فلم يكلم أىد ًا منهم ىت فعل ذلك‪ .‬نحللر البللدن‬

‫ال جد ًا بنصيحة السلليدة أم سلللمة‪ ،‬فلللر رأى‬


‫ودعا احلالق فحلق له‪ ،‬فالرسول ﷺ فعل أمر ًا مجي ً‬

‫الصحابة ذلك األمر قاموا مجيع ًا مل يتخلف منهم أىد‪ ،‬قاموا وبدءوا يف النحر‪ ،‬وجعل بعضللهم‬

‫حيلق بعض ًا ىت كاد بعضهم يقتل بعض ًا غ ًر‪ ،‬كاد بعضهم أن يصلليب اآلخللر مللن للدة احلللزن‬

‫والغم الذي كان يشعر به‪ ،‬لكللن يف النهايللة اسللتجاب اجلميللع‪ ،‬ونحللروا وىلقللوا‪ ،‬وممللا فعللله‬

‫الرسول ﷺ أن قدم مج ً‬
‫ال يعرفه اجلميع لينحره مع الناس‪ ،‬هذا اجلمل هو مجل أيب جهللل‪ ،‬كللان‬

‫الرسول ﷺ قد أخذه من غنائم بدر‪ ،‬وأت به إىل هذا املكان يف احلديبية لينحره‪ ،‬وبللذلك ىقللق‬

‫هدفني رئيسني‪:‬‬

‫أو ً‪ :‬أغاظ املرشكني؛ ألن هذا اجلمل كللان مشللهور ًا ومعروفل ًا عنللد املشللركني‪ ،‬وكللان معلل ًر‬

‫بعالمة‪ ،‬فيه ىلقة من فضة موضوعة يف أنفه‪ ،‬فاجلميع يعرفه‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أنه رفع معنويات املسلمني وذكرهم بيوم بدر‪ ،‬وذكرهم أن اهلل عللز وجللل أخللرجهم مللن‬

‫أزمة بدر من موقف كان بعض املللامنني يكرهونلله‪ ،‬كللر قللال اهلل عللز وجللل‪} :‬وإ َّن فر ًيقلا ملن‬

‫املم مامنني لكارهون{ [األنفال‪ ،]5:‬واآلن سوف خيرجهم اهلل عز وجل مللن هللذا املوقللف اللذي‬

‫يكرهه بعض الصحابة أو جل الصحابة إىل نرص وسيادة ومتكني؛ ألن اهلل عز وجللل هللو الللذي‬

‫أوى لنبيه هبذا الصلح‪.‬‬

‫‪741‬‬
‫موقف عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه من صلح احلديبية‬

‫ظل احلزن مسيطر ًا عىل عامة الصحابة ريض اهلل عنهم وأرضاهم‪ ،‬فقد وصل احلللزن ببعضللهم‬

‫إىل أمر نتخيله ىقيقة‪ ،‬وصل إىل ىوار عجيب دار بينهم وبني املصللطف ﷺ‪ ،‬وهللذا احلللوار‬

‫دار بني عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه وبني رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وهذا احلوار يع عن مدى األس‬

‫واحلزن الذي كان يف قلب عمر والصحابة ريض اهلل عنهم؛ من جراء هذا الصلح الللذي عقللده‬

‫الرسول ﷺوهذا احلوار العجيب جاء يف صحيح البخاري ومسلم‪.‬‬

‫يقول عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه‪( :‬فقلم‪ :‬ألسللم نبل اهلل؟) فالرسللول ﷺ بسللعة صللدر‬

‫عجيبة‪ ،‬قال‪( :‬بىل(‪ ،‬قلم‪) :‬ألسنا عىل احلق وهم عىل الباطل؟( فقال ﷺ‪) :‬بىل(‪ ،‬قلللم‪) :‬فلللم‬

‫نعط الدنية يف ديننا؟) هذا كالم غريب جد ًا؛ ألن الرسول ﷺ مستحيل أن يعط الدنيللة أبللد ًا‬

‫يف دينه‪ ،‬لكن هكذا رصح عمر بن اخلطللاب هبللذه الكلللرت التل كانللم يف قلللوب كثللي مللن‬

‫الصحابة‪ ،‬ولكن مل جيرءوا عىل الترصيح هبا‪ ،‬فقال ﷺ كلرت واضحة جد ًا‪ ،‬قللال‪( :‬إين رسللول‬

‫اهلل ولسم أعصيه وهو نارصي) ويف رواية‪( :‬ولللن يضلليعن أبللد ًا) أي‪ :‬هللذا وىل مللن رب‬

‫العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهو عز وجل أمرين ولن أعصلليه يف هللذا األمللر‪ ،‬وهللذا األمللر الللذي‬

‫تكرهونه سرتون من ورائه خي ًا إن اء اهلل‪.‬‬

‫ومع كل هذه التوضيحات والتوجيهات مللن رسللول اهلل ﷺ إ أن عمللر ريض اهلل عنلله قللال‪:‬‬

‫(أولسم كنم حتدثنا أنا سنأيت البيم فنطوف به؟) قلم لنا‪ :‬سنأيت البيم احلرام ونطللوف بلله‪.‬‬

‫وأنا أعرف كيف قال سيدنا عمر بن اخلطاب هذه الكلرت لرسول اهلل ﷺ؟! لكن هذا يعل‬

‫عن مدى املأساة الت كان يعيشها عمر ريض اهلل عنه وأرضاه والصحابة أمجعللون‪ ،‬ومللع ذلللك‬

‫وسع الرسول ﷺ صدره وص عىل كلرت عمر بن اخلطاب‪ ،‬وقال له‪( :‬بىل) أي‪ :‬أنا اخ تللك‬

‫هبذا األمر فعالً‪ ،‬لكن انتبه إىل ما قال بعد‪ ،‬قال‪( :‬أفأخ تك أنك تأتيه العام؟) قللال عمللر‪) ( :‬‬
‫‪742‬‬
‫أي‪ :‬أنا أخ تكم أننا سندخل مكة املكرمة معتمرين إن اء اهلل‪ ،‬لكن ما ذكللرت لكللم أن هللذا‬

‫يكون يف هذا العام‪ ،‬فقال ﷺ‪( :‬فإنك آتيه ومتطوف به)‪ .‬قال هذا الكالم وهو يف منته الثقللة؛‬

‫ألن هذا وعد رب العاملني سبحانه وتعللاىل‪ ،‬وعمللر بللن اخلطللاب يف ظننللا بعللد هللذه الكلللرت‬

‫الواضحة جد ًا سيرتك املوضوع ويسلم األمر هلل عز وجل‪ ،‬وينطلق إىل املدينة املنورة‪ ،‬لكن عمر‬

‫بن اخلطاب ذهب إىل أيب بكر الصديق ريض اهلل عنه وأرضاه فقال له‪( :‬يا أبا بكر أليس هذا نب‬

‫اهلل ىق ًا؟)‪ ،‬فر زال يتكلم يف املوضوع وهبذه الصيغة‪ .‬قال أبو بكر‪( :‬بللىل)‪ ،‬قلللم‪( :‬ألسللنا عللىل‬

‫احلق وعدونا عىل الباطل؟) قال‪( :‬بىل)‪ ،‬قلم‪( :‬فلم نعط الدنية يف ديننا؟) فل أبو بكر الرجللل‬

‫ا ادئ اللطيف ملا سمع هذه الكلرت انتفض وقال‪( :‬يا عمر؛ إنه رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وليس يعيصل‬

‫ربه عز وجل‪ ،‬وهو نارصه) فكلرت الصديق ريض اهلل عنه وأرضاه دون أن يسللمع رسللول اهلل‬

‫ﷺ توافقم مع نفس كلرت الرسول ﷺ‪ ،‬وهذا من أعظم مناقب الصديق كر يقول ابن ىجللر‬

‫العسقالين رمحه اهلل يف رشح صحيح البخاري‪ ،‬ثم إن الصديق يعطيه نصيحة هامة جد ًا وه له‬

‫ولعموم األمة اإلسالمية‪ ،‬قال‪( :‬فاستمسك بغرزه) أي‪ :‬أي خطوة خيطوها ﷺ استمسك هبللا‪،‬‬

‫متسك بسنته‪ ،‬قال‪( :‬فاستمسك بغرزه ىت متوت‪ ،‬فو اهلل إنه لعىل احلق)‬

‫‪ ،‬فقال‪( :‬أوليس كان حيدثنا أنا سنأيت البيم‬ ‫كل هذا الكالم وما زال عمر ريض اهلل عنه يعرت‬

‫ونطوف به؟)‪ ،‬رد عليه الصديق‪( :‬قال‪ :‬بىل‪ ،‬ثم قال‪ :‬أفأخ ك أنلله يأتيلله العللام؟) سللبحان اهلل!‬

‫نفس الكلرت‪( :‬أفأخ ك أنه يأتيه العام؟ قلم‪ ، :‬قال‪ :‬فإنك آتيه ومتطوف به)‪.‬‬

‫هذا يدل عىل أن الصديق ريض اهلل عنه أعظم البرش بعد األنبياء‪ ،‬وهذا مل يأت مللن فللراق‪ ،‬فقللد‬

‫كان لديه يقني مرتفع جد ًا‪ ،‬وإيرن كامل باهلل عز وجل وبرسللوله الكللريم ﷺ‪ ،‬وظهللر ذلللك يف‬

‫مواطن كثية جد ًا من ىياته‪ ،‬وهذه من أعظم مواطنه ريض اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫‪743‬‬
‫انته الرسول ﷺ من هذا املوقف ركب الطريق إىل املدينة املنورة‪ ،‬ويف طريقه إىل املدينة املنورة‬

‫أىب إيل مما طلعم عليلله‬ ‫نزلم عليه سورة الفتح‪ ،‬يقول ﷺ‪( :‬لقد أنزلم عيل الليلة سورة‬

‫الشمس‪ ،‬ثم قرأ‪} :‬إنَّا فت محنا لك فت ًمحا مبينًا{ [الفتح‪ )]1:‬وأول ما أنزلم عليه هذه السورة دعللا‬

‫عمر ريض اهلل عنه وأرضاه؛ ألنه كان متأثر ًا جد ًا من هذا احلدث‪ ،‬دعللاه ﷺ وقللرأ عليلله ‪-‬كللر‬

‫يقول عمر بن اخلطاب‪ -‬السورة كاملة من أول آية إىل آخر آية‪ ،‬وبعد أن انته قللال عمللر ‪( :‬يللا‬

‫رسول اهلل أوفتح هو؟ قال‪ :‬نعم) هذا الصلح يف ىللد ذاتلله فللتح مللن اهلل عللز وجللل‪ ،‬ويف آخللر‬

‫الدرس إن اء اهلل سنقول‪ :‬ملاذا سم هذا الصلح العظيم بالفتح املبني‪ ،‬كر قال اهلل عللز وجللل‬

‫يف كتابه الكريم‪.‬‬

‫مواقف بعد صلح احلديبية‬

‫‪-‬موقف النب ﷺ من هجرة النساء من مكة بعد صلح احلديبية‬

‫ملا وصل رسول اهلل ﷺ إىل املدينة املنورة‪ ،‬بدأ يعيد ترتيب األوراق ىسب الوضع اجلديد الذي‬

‫متخضم عنه هذه املعاهدة‪ ،‬وبمجرد وصوله ﷺ وصلم بعللض املامنللات مللن مكللة املكرمللة‬

‫مهاجرات إىل املدينة املنورة‪ ،‬وهذا أول قدوم للمسلمني من مكة املكرمة إىل املدينة املنورة بعللد‬

‫الصلح‪ ،‬ولكن ها ء القادمون مل يكونوا رجا ً إنر كانوا نسللا ًء‪ ،‬ومللع ذلللك أيعللم قللري‬

‫وطلبم إعادة املامنات املهاجرات إىل مكة املكرمة كر تقول املعاهدة‪ ،‬لكن الرسول ﷺ وقللف‬

‫م وقال‪) :‬إن نص املعاهدة ينص عىل الرجال فقط(‪ ،‬ونص ىديث البخاري يقول‪( :‬وعىل أ‬

‫يأتيك منا رجل وإن كان عىل دينك إ رددته علينا) مل يدخل النساء يف القضللية‪ ،‬واحلمللد هلل أن‬

‫الرسول ﷺ كان ىريص ًا عىل ذلك األمر عند كتابة املعاهدة‪ ،‬لكن الرسول ﷺ أراد أن يطمل ن‬

‫إىل إسالم ها ء املامنات الاليت قدمن من مكة إىل املدينة‪ ،‬فنزلم سورة املمتحنة وفيها تفصيل‬
‫ذا األمر‪ ،‬قال اهلل عز وجل‪{ :‬يا أهيا ا َّلذين آمنوا إذا جاءكم املم مامنات مهاجر ٍ‬
‫ات فلا ممتحنوه َّن}‬ ‫ه‬
‫‪744‬‬
‫[املمتحنة‪ ]10:‬أي‪ :‬تأكدوا من إيرهنن‪ ،‬هل ج ن من مكة املكرمة إىل املدينللة املنللورة هربل ًا مللن‬

‫أزواجهن أو طلب ًا لرجال املدينة املنورة أم ج ن إىل املدينة املنللورة مهللاجرات إىل اهلل عللز وجللل‬
‫وإىل رسوله الكريم ﷺ؟ {اهللَّ أ معلم بإيرهنن فإ من علمتموهن م مامن ٍ‬
‫ات} [املمتحنة‪ ]10:‬أي‪ :‬بعد‬ ‫َّ‬ ‫م‬ ‫َّ‬
‫هذا ا ختبار وا متحان تأكدتم أهنن من املامنات الصادقات‪{ :‬فلال ت مرجعلوه َّن إىل ا ملك َّفلار}‬

‫مللرأة‬ ‫[املمتحنة‪ ،]10:‬ينبغ أن يعدن إىل الكفار وإن كن أزواج كفار من مكة‪ ،‬مللا ينبغل‬

‫مامنة أن تتزوج من رجل كافر‪{ ،‬فال ت مرجعوه َّن إىل ا ملك َّفار ه َّن ى ٌّل مم و ه مم حي هلون َّن}‬

‫[املمتحنة‪ ،]10:‬لكن انظر ملا سيأيت بعللد ذلللك يف اآليللات‪ ،‬فهللذا بعللد ىضللاري راق جللد ًا يف‬

‫اإلسالم وعدل مطلق‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬وآتوه مم ملا أنفقلوا} [املمتحنللة‪ ،]10:‬أي‪ :‬الكفللار الللذين‬

‫هربم أزواجهم من مكة إىل املدينة املنورة دفعوا قبل ذلك مهللور ًا ألزواجهللم مللن املامنللات‪،‬‬

‫واآلن هربم الزوجة إىل بالد املسلمني وما عادت تصلح أن تكون زوجة ذا الرجللل الكللافر‪،‬‬

‫فال جيب أن يضيع عليه هذا املهر الذي دفعه ا‪ ،‬يقللول اهلل عللز وجللل‪{ :‬وآتلوه مم ملا أنفقلوا}‬

‫[املمتحنة‪ ،]10:‬أي‪ :‬أعيدوا إىل الكفار القدر الذي أنفقوه من املهر إليهن؛ ىت يسللتطيعوا بلله‬

‫أن يتزوجوا مرة ثانية من امرأة حتل م‪ .‬هذا ىكم عام نزل لكل املامنات الللاليت هللاجرن مللن‬

‫مكة املكرمة إىل املدينة املنورة‪ ،‬وظل بعد ذلك ىك ًر إىل يوم القيامة‪ ،‬جيوز أبد ًا مرأة مسلمة‬

‫أن تتزوج من رجل كافر‪.‬‬

‫كذلك نزل يف نفس اآليات أنه جيوز أيض ًا لرجل مسلم أن يتزوج من امللرأة كللافرة‪ ،‬قللال اهلل‬

‫عز وجل يف نفس اآليات‪{ :‬و متمسكوا بعصم ا ملكوافر} [املمتحنة‪ ،]10:‬هذه اآلية موجهة إىل‬

‫رجال املسلمني‪ ،‬أي‪ :‬لو كان عندك امرأة مرشكة تزوجم هبا قبل أن ينزل هذا احلكم فال بد أن‬

‫تطلقها وتعيدها مرة ثانية إىل أهلها املرشكني يف مكة املكرمة أو غيها‪ ،‬وعند نزول هذا احلكللم‬

‫طلق املسلمون املامنون نسللاءهم الكللافرات وأعللادوهن إىل أهلهللن‪ ،‬ومللن هللا ء عمللر بللن‬

‫‪745‬‬
‫اخلطاب ريض اهلل عنه وأرضاه طلق زوجتني من الكفار كانتا عنده وأعادمها إىل مكللة املكرمللة‪.‬‬

‫بر أننا يف هذا الوقم نبن جمتمع ًا مسل ًر خالص ًا فمحال عىل أم كافرة أن تريب أو دها عىل معاين‬

‫اإلسالم والعقيدة الصحيحة‪ ،‬وكذلك حمال عىل أب كافر أن يريب أبنللاءه عللىل معللاين اإلسللالم‬

‫والعقيدة السليمة الصحيحة‪ .‬استقر الوضع يف داخل املدينللة املنللورة وقبللل املرشللكون بقضللية‬

‫املامنات الاليت هاجرن من مكة املكرمة إىل املدينة‪.‬‬

‫‪-‬موقف النب ﷺ من هجرة أيب بصي إىل املدينة بعد صلح احلديبية‬

‫جاء من مكة املكرمة إىل املدينة املنورة مهاجر ًا إىل اهلل ورسوله رجل اسمه أبللو بصللي ريض اهلل‬

‫يف داخل مكة املكرمة ىليف ًا لقري ‪ ،‬وأبو‬ ‫عنه وأرضاه‪ ،‬وأبو بصي من ثقيف‪ ،‬لكنه كان يعي‬

‫بصي أسلم بعد صلح احلديبية أو قبيل صلح احلديبية‪ ،‬وهرب مللن مكللة املكرمللة ووصللل إىل‬

‫املدينة املنورة‪ ،‬وطلب اللجوء إىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وبمجرد أن خللرج مللن مكللة علمللم قللري‬

‫بخروجه فأرسلوا رجلني وراءه إىل الرسول ﷺ‪ ،‬وقالوا هذا داخل يف بنللد املعاهللدة‪ ،‬املعاهللدة‬

‫تقول إنه من أت إليكم من أهل مكة مسل ًر فعىل رسللول اهلل ﷺ أن يللرده إىل املرشللكني‪ ،‬وهللذا‬

‫جيب أن ترده‪ ،‬هذا موقف صعب جد ًا عىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ومع ذلك تعامللل الرسللول ﷺ مللع‬

‫املوقف بنفس العقل الذي تعامل بلله مللع موقللف أيب جنللدل قبللل ذلللك‪ ،‬فأعللاد أبللا بصللي إىل‬

‫الرجلني‪ ،‬وقبل ﷺ أن يعود مرة ثانية إىل مكة مع مدى املأساة الت كان يشللعر هبللا‪ ،‬لكللن هللذه‬

‫معاهدة‪ ،‬ورجع أبو بصي مع الرجلني‪ ،‬وعند ذي احلليفللة جلللس الثالثللة ليسللرتحيوا قلللي ً‬
‫ال يف‬

‫طريق السفر‪ ،‬فقام أبو بصي وأخذ سيف أىد املرشكني وقتل به أىدمها‪ ،‬وهرب املرشك الثللاين‬

‫جهة املدينة املنورة؛ ألنه سيجد العدل عند رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فلر رآه الرسول ﷺ من بعيللد قللال‪:‬‬

‫(لقد رأى هذا ذعر ًا) أي‪ :‬هذا الرجل خاف من يشء خطي جد ًا‪ ،‬فلر انته إىل النب ﷺ قللال‪:‬‬

‫(قتل واهلل صاىب ‪ ،‬وإين ملقتول) أي‪ :‬أبو بصي قتل صاىب وسيلحقن بعد قليل‪ ،‬فجللاء أبللو‬

‫‪746‬‬
‫بصي جيري خلف هذا املرشك‪ ،‬ووصل إىل النب ﷺ فقال‪( :‬يا نب اهلل قد أوىف اهلل ذمتللك‪ ،‬قللد‬

‫رددتن إليهم ثم أنجاين اهلل منهم)‪ ،‬أي‪ :‬أنم عملم الذي عليك‪ ،‬وفيم بالعهد وأرجعتن إىل‬

‫ال يف دولتك‪ ،‬أنللا لسللم فللرد ًا مللن‬


‫املرشكني‪ ،‬لكن أنا هربم من املرشكني‪ ،‬فاآلن أنا لسم داخ ً‬

‫أفراد املدينة املنورة‪ ،‬أنا ينطبق علليل اآلن العهللد‪ ،‬قللد أوىف اهلل ذمتلك‪ ،‬فلللر سللمع منلله هللذه‬
‫ٍ‬
‫ىرب لو كان معه أىد)‪ ،‬فقوللله‪( :‬ويللل‬ ‫الكلرت؛ قال ﷺ كلمة عجيبة‪ ،‬قال‪( :‬ويل أمه م مسعر‬

‫أمه) هذه كلمة تقال عند املدح‪ ،‬أي‪ :‬هذا الرجل فعل أمر ًا عظي ًر‪ ،‬ما كان يتصللور أىللد أن يللأيت‬

‫هذا الفعل منه‪( ،‬ويل أمه مسعر ىرب لو كان معه أىد)‪ ،‬أي‪ :‬هذا سياجج احلرب يف املنطقللة‪،‬‬

‫لو كان معه أىد يشاركه يف ذلك‪ .‬يف هذا إ ارة واضحة لل أيب بصي أن‪ :‬استعن بمن معك مللن‬

‫املستضعفني املسلمني‪ ،‬فأنم وىدك لن تعمل ي ًا‪ ،‬لكن اجعل قوتك مللع املسلللمني لتقللدروا‬

‫عىل فعل يشء‪ ،‬ورد رسول اهلل ﷺ أبا بصي مرة ثانية‪.‬‬

‫خرج أبو بصي هارب ًا بنفسه خارج املدينة املنورة‪ ،‬وقعد عىل طريق القوافللل املتجهللة مللن مكللة‬

‫طريقها يقتل منها من استطاع قتله ويأخذ من‬ ‫املكرمة إىل الشام‪ ،‬وكلر مرت عليه قافلة اعرت‬

‫غنائمها ما استطاع‪ ،‬وعلم املسلمون املستضعفون يف داخل مكة املكرمة ويف غيهللا بمكللان أيب‬

‫بصي‪ ،‬فهربوا إىل أيب بصي‪ ،‬وبدأ أبو بصللي ريض اهلل عنلله يكللون عصللابة مللن الرجللال‪ ،‬ىتل‬

‫طريق القوافل املكيللة‪ ،‬وهللذا الفعللل أىللدث أزمللة‬ ‫صارت جمموعة كبية من الرجال تعرت‬

‫كبية جد ًا يف مكة‪ ،‬مما جعلهم يأتون رسول اهلل ﷺ وينا دونه الرىم ويطلبون منه أن يضم أبا‬

‫بصي وأصحابه إىل املدينة املنورة‪ ،‬وأن يلغ هذا البند مللن صلللح احلديبيللة‪ :‬أن يللرد مللن جللاء‬

‫مسل ًر إىل مكة‪ ،‬بل يقبل املسلمني من مكة و يعيدهم إليها مرة أخرى‪ ،‬وهذا هللو البنللد الللذي‬

‫كان مشكلة عند الصحابة‪ ،‬فف أيام قليلة بعد صلح احلديبية يلغل هللذا البنللد مللن املعاهللدة‪،‬‬

‫وأصبحم املعاهدة خالصة لصالح املسلمني‪ ،‬وأصبحم فتح ًا مبين ًا ىقيقي ًا للمسلمني‪.‬‬

‫‪747‬‬
‫اآلثار اإلجيابية املرتتبة عىل معاهدة صلح احلديبية‬

‫تعالوا ننظر إىل معاهدة صلح احلديبية بعد أيام من ىدوثها‪ ،‬تعالوا لننظر اخلي الذي جللاء مللن‬

‫ورائها‪ ،‬فأصدق تصوير ا وأفضل تعبي ا هو ما اختاره ا رب العاملني سبحانه وتعاىل‪{ :‬إ َّنلا‬

‫ت كثية جد ًا أعددت منها عرشة‪:‬‬ ‫فت محنا لك فت ًمحا مبينًا} [الفتح‪ ،]1:‬فهذا الفتح املبني له د‬

‫أو ً‪ :‬وضوح إيرن الصحابة ريض اهلل عنهم وأرضاهم‪ ،‬ويكف أن اهلل عللز وجللل أنللزل فلليهم‬

‫قرآن ًا‪ ،‬قال اهلل سبحانه‪{ :‬هو ا َّلذي أنمزل َّ‬


‫السكينة يف قلوب املم مامنني لي مزدادوا إير ًنلا ملع إيرهنل مم}‬

‫[الفتح‪ ]4:‬سبحان اهلل فاهلل عز وجل هد م باإليرن وزيادة اإليرن بعد هذا احلدث العظلليم‪:‬‬

‫صلح احلديبية‪.‬‬

‫باملسلمني كقوة ودولة‪ ،‬وهذا‬ ‫األمر الثاين‪ :‬من أعظم ثمرات صلح احلديبية‪ :‬هو اعرتاف قري‬

‫وه أعظللم قبيلللة عربيللة‪ ،‬فللامليالد الرسللم للدولللة اإلسللالمية يف‬ ‫ا عرتاف جاء من قري‬

‫بللدأت معظللم القبائللل‬ ‫اجلزيرة العربية هو صلح احلديبية؛ ألنه بعد هذا ا عرتاف مللن قللري‬

‫املوجودة يف املنطقة تعرتف باملسلمني‪ ،‬بل بدأت الدول يف العامل تعرتف باملسلمني كدولة‪ .‬هللذا‬

‫من أعظم ثمرات صلح احلديبية فعالً‪ ،‬وكل اآلثللار التل سللتأيت بعللد هللذا مرتتبللة عللىل كللون‬

‫املسلمني أصبحوا دولة ىقيقية معرتف ًا هبا يف املنطقة‪.‬‬

‫األمر الثالث‪ :‬هو الفتح املبني يف انتشار اإلسالم يف اجلزيرة العربية‪ ،‬فالللذين أسلللموا يف هللاتني‬

‫السنتني بعد صلح احلديبية وإىل فتح مكة من سنة (سم) أو أواخر سنة (سم) إىل أواخر سللنة‬

‫(ثرن) من ا جرة أكثر من الذين أسلموا خالل (تسع عرشة) سنة كاملة من الدعوة‪ ،‬فالللدعوة‬

‫اإلسالمية أخذت (ثالث عرشة) سنة يف مكة املكرمة و (سم) سللنوات بعللد ذلللك يف املدينللة‬

‫املنورة إىل أن أت صلح احلديبية‪ ،‬فالذين أسلللموا يف تسللع عشللرة سللنة يتجللاوزون (ثالثللة‬

‫‪748‬‬
‫آ ف) خص‪ ،‬بينر الذين أسلموا بعد هذا من أواخر سنة (سم) مللن ا جللرة إىل فللتح مكللة‬

‫خالل سنتني فقط قرابة (سبعة آ ف) خص؛ ألن الرسول ﷺ دخل مكة املكرمة عام الفللتح‬

‫قوامه (عرشة آ ف) مقاتل‪ ،‬غي النساء والصبيان الذين كانوا معهم‪ ،‬وكللان املسلللمون‬ ‫بجي‬

‫يف صلح احلديبية (ألف ًا وأربعرئة) خص‪ ،‬وسائر الل (ثالثة آ ف) كانوا باملدينة‪ .‬تصور مللدى‬

‫الفتح املبني يف سنتني فقط‪ ،‬تضاعف العدد ووصل إىل (عرشة آ ف) مقاتل‪ ،‬فهللذا فعل ً‬
‫ال فللتح‬

‫مبني‪.‬‬

‫األمر الرابع‪ :‬بعد صلح احلديبية مبارشة اطمأن الرسللول ﷺ إىل اسللتقرار األوضللاع يف املدينللة‬

‫املنورة‪ ،‬فأرسل إىل املسلمني املوجودين يف احلبشة؛ ألن بعض املسلمني كللانوا قللد هللاجروا إىل‬

‫احلبشة يف العام السادس من البعثة النبوية‪ ،‬وقعللدوا يف احلبشللة (سللبع) سللنوات كاملللة ىتل‬

‫ا جرة و (سم) سنوات كاملة من أيام املدينة املنورة‪ ،‬يعن ‪( :‬ثللالث عشللرة) سللنة كاملللة يف‬

‫داخل احلبشة مل يرسل إليهم رسول اهلل ﷺ‪ ،‬لكن بعد صلح احلديبية مبارشة وجد الرسول ﷺ‬

‫أن الفرصة أصبحم مواتية ليسللتفيد مللن جهللود وطاقللات املسلللمني املوجللودين يف احلبشللة‪،‬‬

‫فأرسل إليهم عمرو بن أمية الضمري ريض اهلل عنه وأرضاه ليستقدم ها ء‪ ،‬وبالفعللل جللاءوا‬

‫مبارشة ووصلوا إىل رسول اهلل ﷺ وهو يف فتح خي كر سنذكر ذلك إن للاء اهلل يف الللدروس‬

‫القادمة‪ .‬أضيفم إىل قوة املسلمني يف املدينة املنورة قوة املسلللمني الللذين كللانوا يف احلبشللة بعللد‬

‫غياب ثالث عرشة سنة عن رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫األمر اخلامس‪ :‬قدوم املسلمني من القبائل املختلفة األخرى‪ ،‬فمسلمو اليمن بدءوا يقدمون إىل‬

‫ب‪ ،‬ومسلمو بن كذا كذا وكذا‪ ،‬كل مسلم‬


‫املدينة املنورة‪ ،‬مسلمو بن ىنيفة‪ ،‬ومسلمو بن كل م‬
‫قبائل العرب بدءوا يتحركون منها إىل املدينة املنورة‪ ،‬وقبللل ذلللك كللان ﷺ يللأمر املسلللمني أن‬

‫يمكثوا يف قبائلهم و يقدموا إىل املدينة املنورة؛ ألهنم كانوا يقومون بالدعوة يف قبللائلهم‪ ،‬هللذا‬

‫‪749‬‬
‫من ناىية‪ ،‬ومن ناىية أخرى أن الوضع يف داخل املدينة املنورة مل يكن مستقر ًا قبللل ذلللك‪ ،‬أمللا‬

‫للمسلمني فزادت قوهتم بعد هذا الصلح‪.‬‬ ‫اآلن بعد صلح احلديبية فقد فتحم األر‬

‫األمر السادس‪ :‬تعاهدت قبائل كثية مع رسول اهلل ﷺ بعد صلح احلديبيللة‪ ،‬ومللا كانللم هللذه‬

‫القبائل جترؤ عىل هذا األمر قبل هذا الصلح‪ ،‬وأول هذه القبائل قبيلة خزاعللة‪ ،‬وبعللدها بللدأت‬

‫القبائل تتوافد عىل املدينة املنورة‪.‬‬

‫األمر السابع‪ :‬هو أمر خطي جد ًا وغريب جد ًا‪ ،‬وسنفرد له إن اء اهلل درس ًا كللامالً‪ ،‬وسلليكون‬

‫موضوع الدرس الذي سيأيت إن اء اهلل‪ ،‬وهذا األمر هو بداية املراسالت النبوية من رسول اهلل‬

‫ﷺ إىل عموم زعرء وقادة العامل يف كل مكان‪ ،‬فقد راسل كرسى فارس‪ ،‬وراسل قيرص الللروم‪،‬‬

‫وراسل زعرء العرب يف كل مكان يدعوهم إىل الدخول يف هذا الدين اجلديللد وهللو اإلسللالم‪.‬‬

‫قبل صلح احلديبية ما أرسل رسول اهلل ﷺ رسالة واىدة إىل زعرء العامل‪ ،‬فهذا يدل عىل التغللي‬

‫ا ائل يف مسار الدعوة‪ ،‬وا نطالقة العظيمة لإلسالم بعد صلح احلديبية‪ ،‬أي فللتح هللذا؟! إنلله‬

‫فتح مبني فعالً‪.‬‬

‫األمر الثامن أيض ًا يف غاية األمهية‪ :‬بدأ صناديد مكة وزعرؤها يفكرون جدي ًا يف اإلسالم‪ ،‬ومللن‬

‫أوائل من أسلم بعد صلح احلديبية ثالثة من أعظم قواد مكة‪ ،‬وأصبحوا بعد ذلللك مللن أعظللم‬

‫قواد املسلمني‪ :‬خالد بن الوليللد وعمللرو بللن العللاب وعللثرن بللن أيب طلحللة ريض اهلل عللنهم‬

‫وأرضاهم أمجعني‪ .‬خالد بن الوليد كان إضافة هائلة لقوة اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وقد ظللل خالللد‬

‫بن الوليد عرشين سنة تقريب ًا يف الكفر حيارب اإلسالم واملسلمني‪ ،‬واآلن بعللد صلللح احلديبيللة‬

‫إن اء لتفصلليل قصللة إسللالمه يف‬ ‫بدأ خالد بن الوليد يفكر جدي ًا يف أمر اإلسالم‪ ،‬وسنتعر‬

‫الدروس القادمة‪ .‬أسلم خالد بن الوليد وضم جهده إىل املسلمني‪ ،‬ومعلوم ما وقع عىل يده بعد‬

‫ذلك من الفتوىات بعد إسالمه‪ ،‬فتصور مدى اإلضافة الت أضافها ريض اهلل عنه وأرضللاه إىل‬
‫‪750‬‬
‫املسلمني بعد إسالمه‪ .‬كذلك عمرو بللن العللاب ريض اهلل عنلله وأرضللاه‪ ،‬ففلسللطني بكاملهللا‬

‫ومرص بكاملها فتحم عىل يد عمرو بن العاب ريض اهلل عنه وريض اهلل عن الصحابة أمجعني‪.‬‬

‫بدءوا يتوجهون من مكة املكرمة إىل املدينة املنورة؛ ليعلنوا إسللالمهم‪ ،‬فهللذا فللتح‬ ‫أبطال قري‬

‫مبني فعالً‪.‬‬

‫األمر التاسع‪ :‬تفرق رسول اهلل ﷺ لليهود‪ ،‬فقضية خي كانم تشغل ذهن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬لكنه‬

‫مل يكن مستطيع ًا أن يتوجه إليهم بقوته وجيشه مع وجود احلرب واخلالفات املستمرة بينه وبني‬

‫قري ؛ لكن بعد صلح احلديبية أمن ﷺ جانب قري ‪ ،‬ومن ثم انطلق إىل خي كللر سللنذكر يف‬

‫الدروس القادمة‪.‬‬

‫األمر العارش واألخي يف هذا التحليل ‪-‬وهو مهم جد ًا‪ :-‬وقوع هزيمة نفسللية قاسللية لقللري‬

‫هيأهتا نفسي ًا بعد ذلللك للتسللليم التللام لرسللول اهلل ﷺ‪ ،‬وكانللم بللدايات تفكللي القر لليني يف‬

‫التسليم للرسول ﷺ‪ ،‬وفتح أبواب مكة يف صلح احلديبية‪ ،‬هللذا هللو األمللر العللارش واألخللي‪،‬‬

‫فتلك عرشة كاملة‪.‬‬

‫وقفات هامة مع صلح احلديبية‬

‫صلح احلديبية حيتاج منا وقفات كثية جد ًا‪ ،‬لكن سأقف هنا ثالث وقفات هامة‪:‬‬

‫رضورة الرىض برشع اهلل عز وجل واعتقاد اخليية فيه‬

‫الوقفة األوىل‪ :‬هل كان الصحابة يرون كل هذا اخلي من اآلثار الت ذكرناها‪ ،‬وقد توجد غيها‬

‫وغيها؟‬

‫‪751‬‬
‫اجلواب ‪ ،‬فالصحابة ما كانوا يرون هذا اخلي كللله‪ ،‬بللدليل مللا رأينللاه مللنهم ومللن عمللر بللن‬

‫اخلطاب ريض اهلل عنه وأرضاه بالذات‪ ،‬لكن ما ىدث يف صلح احلديبية هو وى ‪ ،‬بدليل قول‬

‫الرسول ﷺ‪( :‬إنه ريب ولن يضيعن أبد ًا)‪ ،‬فهذا وى ‪ ،‬ومع ذلك مل ير الصحابة ريض اهلل عنهم‬

‫وأرضاهم اخلي يف هذه النقطة الرشعية يف ذلللك الوقللم‪ ،‬وهللذا أمللر غريللب‪ ،‬وإذا كنللا نلللوم‬

‫الصحابة أهنم وقعوا يف هذا األمر مرة يف ىياهتم فال بد أن نعرتف أننا نقع فيه مرار ًا‪.‬‬

‫فر أكثر ما سمعنا ىكم الرشع يف قضاي ًا كثية جد ًا‪ ،‬ويكون أىيان ًا احلكم مبارش ًا جد ًا وواضح ًا‬

‫جد ًا‪ ،‬لكننا نقدم رأينا‪ ،‬أىيان ًا نرى األم واألب يرتكان البنم بال ىجاب بغية الللزواج‪ ،‬والعلللة‬

‫يف أذهاهنر أهنر يريدان أن تتزوج البنللم‪ ،‬ولللو ىجبللم يف اعتقادمهللا فهللذا سللياخر زواجهللا‬

‫فيرتكاهنا من غي ىجاب‪ ،‬وهذه خمالفة رصحية للرشع‪ ،‬فهر يريان اخلي يف غيه فيقدمان رأهيللر‬

‫ويلغيان من ىياهتر ىكم الرشع يف هذه اجلزئية‪.‬‬

‫بالربا؛ لك يقيم مرشوع ًا كبي ًا وعنده مليون علة يف ذهنه ذا‬ ‫نرى استثرري ًا كبي ًا جد ًا يقرت‬

‫األمر‪ ،‬فهو يعلم ىكم الرشع متام ًا ثم خيالف بغية البحث عن خي‪ ،‬فهو يرى أن اخلي يف خمالفة‬

‫الرشع يف هذه اجلزئية‪ .‬نرى دولة تبيع مخر ًا؛ لك تنشط السياىة لدهيا‪ ،‬ونرى ىاك ًر يوايل دولة‬

‫قوية وإن كانم معادية لإلسالم؛ ألنه يرى أن هذا أصلح حلياة الناس‪ ،‬و يرى اخلي يف ىكللم‬

‫الرشع‪ ،‬وهذه القضايا نراها كثي ًا جد ًا يف ىياتنا‪ ،‬لكن اخلطي جد ًا يف ىياتنللا أننللا نفعللل ذلللك‬

‫طلب ًا للدنيا‪ ،‬وليس طلب ًا لآلخرة‪ ،‬أما خطأ الصحابة يف قضللية صلللح احلديبيللة فلللم يكللن طلبل ًا‬

‫للدنيا أبد ًا‪ ،‬إنر فعلوه طلب ًا لآلخرة‪ ،‬ليس لدى الصحابة مصالح دنيوية يرجوهنللا يللوم احلديبيللة‬

‫ريض اهلل عنهم أمجعني‪ ،‬وإنر كانوا يريدون أن يدخلوا مكة ألداء عبادة العمرة‪ ،‬مل يأتوا لتجللارة‬

‫و حلرب و ألي مصلحة دنيوية‪ ،‬بل جاءوا ألداء عبادة العمرة ثللم يعللودون بعللد ذلللك إىل‬

‫املدينة املنورة‪ ،‬وإن منعوا قاتلوا‪ ،‬والقتال كان خطي ًا جد ًا؛ ألهنللم يملكللون سللالح املقاتللل‪،‬‬

‫‪752‬‬
‫وكانوا معرضني للقتل‪ ،‬ومع ذلك يقبلون بذلك‪ ،‬أي‪ :‬أهنم عندما عرضللوا رأيل ًا خمالفل ًا حلكللم‬

‫الرشع‪ ،‬ما عرضوا ذلك إ طلب ًا لآلخرة‪ ،‬وليس طلب ًا للللدنيا‪ ،‬ولللو كللانوا طللالب دنيللا آلثللروا‬

‫الرجوع ىفاظ ًا عىل ىياهتم‪.‬‬

‫نستفيد من صلح احلديبية بعد رؤية اخلي العميم الذي نتج عنه‪ :‬أن نرىض برشع اهلل عز وجل‪،‬‬

‫و أقول‪ :‬نقبل برشع اهلل عز وجل‪ ،‬ولكن نرىض برشع اهلل عز وجل بحب واقتنللاع؛ ألنلله وإن‬

‫كانم عيوننا ترى اخلي فإننا عىل يقني أن اخلي موجود‪ ،‬سنراه اليوم أو غللد ًا أو بعللد سللنة أو‬

‫سنتني أو أكثر‪ ،‬أو ربر نموت قبل أن نراه‪ ،‬لكن من املاكللد أن فيلله خللي ًا‪ ،‬قللال اهلل عللز وجللل‪:‬‬

‫{وعس أ من تكمرهوا مي ًا وهو خ م ٌي لك مم} [البقللرة‪ ]216:‬وقللال سللبحانه وتعللاىل‪{ :‬فعسل أ من‬

‫جيعل اهللَّ فيه خ م ًيا كث ًيا} [النساء‪ .]19:‬نحن نريد أن نصللل إىل درجللة التسللليم‬
‫تكمرهوا مي ًا و م‬
‫الكامل لرب العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬قال اهلل عز وجل يف كتابه‪{ :‬فال ور ِّبك ي مامنلون ى َّتل‬

‫حيكِّملوك فلير لجر ب ميلنه مم ثل َّم جيلدوا يف أنفسله مم ىر ًجلا مم َّلا قضل ميم ويسل ِّلموا ت مسلل ًير}‬

‫[النساء‪ ،]65:‬ودرجة التسليم معناها‪ :‬الرضا الكامل بحكللم اهلل عللز وجللل‪ ،‬وأن نللوقن يقينل ًا‬

‫جازم ًا أن اخلي فير اختاره لنا اهلل عز وجل‪ ،‬والصحابة رضللوان اهلل عللليهم تعلمللوا مللن درس‬

‫احلديبية ىني رأوا اخلي الذي ىصل بعد صلح احلديبية‪ ،‬مع أهنم يف وقللم الصلللح مل يكونللوا‬

‫يرون هذا اخلي‪ ،‬وخاصة وقم موقف أيب جندل ما كانوا يشاهدون إ الشلر‪ ،‬مللن أجللل هللذا‬

‫عرف عمر بن اخلطاب أنه كان خمط ًا وىاول قدر املستطاع بعد ذلك أن يكفر عن اخلطأ الللذي‬

‫ىدث منه يف يوم احلديبية‪ ،‬يقول‪( :‬فعملم لذلك أعر ً) أي‪ :‬عمل أعللرل خللي كثللية جللد ًا؛‬

‫للتكفي عن هذا األمر‪ ،‬ويقول‪( :‬فر زلم أتصدق وأصيل وأصوم وأعتللق مللن الللذي صللنعم‬

‫يوم ذ‪ ،‬خمافة كالم الذي تكلمم به‪ ،‬ىت رجوت أن يكون خي ًا) فر عرف أنه خمطللف فقللط‪،‬‬

‫بل استفاد من الدرس بعد ذلك يف كللل ىياتلله‪ ،‬فكللان يقللول معلل ًر للمسلللمني ريض اهلل عنلله‬

‫‪753‬‬
‫وأرضاه‪( :‬أهيا الناس اهتموا الرأي عىل الدين) قد يكون لك رأي يف قضية من القضايا وتشللعر‬

‫أنه أفضل من احلكم الرشع يف هذه القضية‪ ،‬وهذا يأيت عىل أذهان الكثي‪ ،‬فللاهتم رأيللك مهللر‬

‫كان يف تصورك مقنع ًا وقدم ىكم الرشع‪ ،‬يقول‪( :‬اهتموا الرأي عىل الدين‪ ،‬فلقد رأيتن أرد أمر‬

‫رسول اهلل ﷺ برأي‪ ،‬فواهلل ما آلو عىل احلق)‪ ،‬أي‪ :‬أنا كنم فع ً‬
‫ال أبحث عن احلللق‪ ،‬ومللع ذلللك‬

‫كان اخلطأ يف رأي والصواب يف ىكم الرشع‪( ،‬وذلك يوم أيب جندل)‪.‬‬

‫يقول نفس الكالم سهل بن ىنيف ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬فقللد كللان ىللارض ًا ذللك املوقللف‪،‬‬

‫يقول للمسلمني‪( :‬اهتموا رأيكم‪ ،‬لقد رأيتن يوم أيب جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسللول اهلل‬

‫ﷺ لرددته)‪ ،‬أي‪ :‬أنا لو كنم أستطيع أن أمنع الرسول ﷺ من فعل هذا الصلح لفعلم‪ ،‬لكللن‬

‫مل أستطع‪ ،‬ومع ذلك هو ينصح املسلمني بعدم فعل ذلك بعد أن رأى اخلي يف صلح احلديبية‪.‬‬

‫هذا درس يف غاية األمهية‪ ،‬ولعله أعظم دروس احلديبية مطلق ًا‪ ،‬وهو أن نوقن متام ًا أن رشع اهلل‬

‫عز وجل هو اخلي لنا يف دنيانا ويف آخرتنا‪.‬‬

‫الثقة يف القيادة وإعذارها‬

‫الوقفة الثانية املهمة جد ًا‪ :‬الثقة يف القيادة‪ ،‬فأىيان ًا تتخذ القيادة قرارات يدرك اجلنللود كامللل‬

‫أبعادها‪ ،‬فكثي ًا ما تكون الرؤية عند القيادة أ مل وأك ‪ ،‬ويكون حتليل األمور بصورة أعمللق؛‬

‫ألن القيادة تطلع عىل أمور يراها اجلنود‪ ،‬وتفكر يف مصالح ينظر إليهللا اجلنللدي‪ ،‬وحتللاول‬

‫جتنب مفاسد يدركها اجلندي‪ .‬القيادة احلكيمة ه الت جتمع بني األىالم املطلوبة والواقعية‬

‫يف األداء‪ ،‬وتقارن بني وسائل تغيي املنطق‪ ،‬وتعرف معنل التللدرج يف التغيللي‪ ،‬وتقللدر ىجللم‬

‫املكاسب واخلسائر‪ ،‬كل هذه أبعاد قد يراها اجلندي املتحمس أو املسلللم املتلهللف ألن يللرى‬

‫ما بني يوم وليلة‪ ،‬فالقيادة ه الت تللدرك كللل هللذه األمللور وقلد‬ ‫اإلسالم ممكن ًا له يف األر‬

‫‪754‬‬
‫تأخذ قرارات يراها اجلنود أىيان ًا خميبة لآلمال أو يروهنا حمبطة للنفسلليات أو خاط للة سياسللي ًا‪،‬‬

‫وأىيان ًا قد يرى اجلندي أن هذه خمالفة رشعية‪ ،‬مع أن كل هذا قد يكون ومه ًا ىقيقة له‪.‬‬

‫الرسول ﷺ قبل برد املسلم الذي يأتيه من مكة إىل املدينة مع خطللورة ذلللك عليلله‪ ،‬نعللم هللذه‬

‫خطورة ىقيقية‪ ،‬لكن ملاذا قبللل بللذلك؟ ألنلله ينظللر إىل املصللالح جمتمعللة‪ ،‬وينظللر إىل املفاسللد‬

‫جمتمعة‪ ،‬فوجد أن املصالح أعىل بكثي من املفاسد‪ ،‬مع اإلقرار التام أن أمر إعادة املسلم إىل مكة‬

‫أمر فيه مفسدة‪ ،‬لكن املصالح أعىل‪ ،‬وهو يستطيع أن يمنع املفسدة اآلن‪ ،‬فقبل هبا‪ ،‬وعليلله أن‬

‫خيتار املصالح الكثية الت معها بعض املفاسد‪ ،‬و خيتار دفع بعض املفاسللد ويضلليع املصللالح‬

‫الكثية‪ ،‬وهذا األمر حيتاج إىل ىكمة وإىل ورع وإىل علم‪ ،‬واملوفق من وفقه اهلل عز وجل‪.‬‬

‫وكذلك الرسول ﷺ قبل ق مبل ذلك بأمور حيبها‪ ،‬بل يمقتها كل املقم‪ ،‬ولكن الواقع فرضللها‬

‫عليه‪ ،‬ومل يقبلها قبل ذلك املتحمسون من الشباب‪ ،‬ثم تبني أن اخلي كان يف قللراره ﷺ‪ ،‬فمللثالً‪:‬‬

‫الرسول ﷺ أمر بعدم الرد عىل من آذى املسلمني وعذهبم ‪-‬بل وقتلهم‪ -‬يف العهد املك ‪ ،‬وهذا‬

‫كان ىك ًر رشعي ًا قبل به الرسول ﷺ وعموم الصحابة يف ذلك الوقم‪ ،‬لكن بعض املتحمسللني‬

‫من الصحابة مل يقبلوا هبذا األمر‪ ،‬وقالوا‪ :‬مل نعط الدنية يف ديننا؟ ومل نرد عىل املرشللكني؟ ومل‬

‫كذا وكذا؟ ثم ظهر م بعد ذلك اخلي يف قرار الرشع‪ .‬فهذا مللا نسللميه‪ :‬بفقلله املرىلللة‪ ،‬أو فقلله‬

‫املوازنات‪.‬‬

‫كذلك تطاول اليهود عىل املسلمني يف أوائل عهد املسلللمني باملدينللة‪ ،‬وقللاموا بللأمور كللان مللن‬

‫املمكن أن تفرس عىل أهنا نقض للمعاهدة‪ ،‬ومع ذلك التزم الرسول ﷺ بسياسة ضللبط الللنفس‬

‫قدر املستطاع‪ ،‬ليس هذا لضعف و لتفريط‪ ،‬ولكن فقه املرىلة وفقه املوازنات يقتيضل ذلللك‪.‬‬

‫وهكذا كان الوضع يف صلح احلديبية‪ ،‬وهكذا كللان الوضللع أيضل ًا يف مواضللع كثللية جللد ًا يف‬

‫ال أن جتللد قللرار ًا خيلللو‬


‫السية النبوية‪ ،‬بل لعلنا نكون مبالغني إذا قلنا‪ :‬إنه يكاد يكون مستحي ً‬
‫‪755‬‬
‫من أي سلبية‪ ،‬وإنر القضية قضية موازنات‪ ،‬ىت إننا يف األمثال الشعبية نقللول‪( :‬للليس هنللاك‬

‫ىالوة بدون نار)‪ ،‬دائ ًر توجد مشكلة‪ ،‬ومع ذلك املوازنة بني املصالح واملفاسد ه الت ختتللار‬

‫قرار ًا دون قرار‪ .‬هذه كلمة مجيلة جد ًا لل عمرو بن العاب ريض اهلل عنه وأرضاه وهللو مشللهور‬

‫باحلكمة‪ ،‬قال‪ :‬ليسم احلكمة أن تدرك الفرق بني اخلي والرش‪ ،‬أو الفرق بني احلالل واحلللرام‪،‬‬

‫ولكن احلكمة أن تدرك أي املنفعتني أعىل وأي الرضرين أك ‪ .‬هذه ه احلكمة‪.‬‬

‫املهم يف هذا املقام أن تدرك أنه لك تقوم وتسود ومتكن بد من أخذ قرارات تبدو يف ظاهرها‬

‫ماملة للمسلمني‪ ،‬وقد يبدو فيها للناظر خمالفات رشعية‪ ،‬لكن املدقق واملحلل والعللامل ببللواطن‬

‫األمور سيجد أهنا أخف الرضرين‪ ،‬وليس معنل هللذا أهنللا ليسللم رضر ًا‪ ، ،‬بللل هل رضر‪،‬‬

‫ولكن يف هذا املوطن ه أخف الرضرين‪ ،‬فتقبل رشع ًا و تعد خمالفة‪ ،‬و بد لكل جنللدي أن‬

‫يدرك كل هذه األبعاد‪ ،‬ومن ثم يعذر القيادة‪ ،‬ويقدم ا النصح واإلر اد بللأدب‪ ،‬ويقبللل منهللا‬

‫األمر والتوجيه‪ ،‬وكل ذلك يمكللن أبللد ًا أن يكللون إ بثقللة تامللة يف القيللادة‪ ،‬وإدراك كامللل‬

‫للعبء الثقيل امللق عىل أكتاف القادة‪ ،‬وبغي هذه العالقللة الوثيقللة بللني القيللادة وجنودهللا‬

‫يمكن جلرعة أو ألمة أن تقوم‪.‬‬

‫هذه النقطة الثانية مهمة جد ًا‪ ،‬أنه جيب أن تتوافر الثقة يف القيادة‪ ،‬وأن يدرك اجلنود أن القائد قد‬

‫خيتار من األمور ما قد حيزن اجلنود‪ ،‬وملاذا اختار هذا؟ ألنه أخف الرضرين‪ ،‬ومل خيرت هذا األمللر‬

‫ألنه يرغب يف الرضر ذاته أو ألنه متنازل أو مفرط‪ ،‬أبد ًا‪ ،‬إذ ًا‪ :‬بد أن نفهم هذه القاعدة جيد ًا‪.‬‬

‫عذر القيادة جلنودها وأفرادها‬

‫النقطة الثالثة واألخية يف التعليق عىل هذا احلدث‪ :‬أنه إذا كنا قد طلبنا مللن اجلنللود أن يعللذروا‬

‫القيادة يف قراراهتا‪ ،‬وأن تتصف ردود أفعال اجلنود بالثقة يف اختيار القائد‪ ،‬فإننا يف نفس الوقم‬

‫‪756‬‬
‫نطلب من القيادة أن تعذر جنودها عند ظهور بعض عالمللات الغضللب‪ ،‬أو عللدم الرضللا مللن‬

‫بعض القرارات غي املفهومة لعموم الناس‪ ،‬وأن يتسع صدر القيادة لتستوعب اجلنود وهللم يف‬

‫ىالة نفسية سي ة‪ ،‬وأن تقبل منهم بعض األخطاء‪ ،‬وأىيان ًا تكللون هللذه األخطللاء كبللية جللد ًا‪،‬‬

‫ليس هناك مانع‪ ،‬لكن ننظر إىل مالبسات هذا اخلطأ ويف أي ظرف ىصل وممن ىصللل‪ ،‬وخللي‬

‫مثال عىل هذا األمر يف صلح احلديبيللة‪ :‬مللا رأينللاه مللن رسللولنا ﷺ يف تعامللله مللع الصللحابة‪،‬‬

‫وخاصة مع عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه الذي أرص عىل املجادلة مع الرسللول ﷺ أكثللر مللن‬

‫مرة‪ ،‬ومع ذلك مل يعنته رسول اهلل ﷺ لكثرة اعرتاضاته‪ ،‬ما قال له‪ :‬هللذا الكللالم وهللذا احلللوار‬

‫هبذه الطريقة يصلح أن يكون مع وأنا رسول ﷺ‪ ،‬فهو ﷺ عذره؛ ألنه يقدر موقفه ويعلللم‬

‫تارخيه ويعلم واقعه‪ ،‬وهذا اخلطأ الذي ىدث منه ‪-‬وإن كللان عظللي ًر‪ -‬فقللد قاسلله عللىل سلليته‬

‫اجلميلة ريض اهلل عنه وأرضاه‪ .‬سية عمر كلها تضحيات وكلهللا طاعللة وجهللاد يف سللبيل اهلل‪،‬‬

‫وكلها بذل وعطاء‪ ،‬ىت إننا وجدناه ﷺ يرسل لل عمر خاصة بعد نزول سورة الفتح ليطمل ن‬

‫قلبه‪ ،‬فقرأ عليه سللورة الفللتح بكاملهللا مللن أجللل أن يقللول للله‪ :‬إن قللرار الصلللح هللو القللرار‬

‫األصوب‪ ،‬وملا سأله سيدنا عمر بن اخلطاب‪( :‬أفتح هو؟ فقللال ﷺ‪ :‬نعللم)‪ ،‬اكتفل بللذلك ومل‬

‫يذكره بخط ه السابق‪ ،‬وما قال له‪ :‬ما كان ينبغ أن تقللول كللذا وكللذا‪ ،‬وىتل بعللدما ظهللرت‬

‫خيات صلح احلديبية بعد ذلك مل نسمع أن الرسول ﷺ استدع عمر بن اخلطاب وقللال للله‪:‬‬

‫أمل أقل لك إن ذلك خي؟ أرأيم كذا وكذا؟ ما قال له هذه الكلرت‪ ،‬بل إنه ﷺ قبل منه اخلطللأ‬

‫بسعة صدر؛ ألنه يقدر الظروف الت ىدث فيها ذلك اخلطأ‪ ،‬فالرسول ﷺ كان رىي ًر بللل عمللر‬

‫وبسائر أصحابه ﷺ متام الرمحة‪ ،‬وكان مقدر ًا ىبهم لإلسالم متللام التقللدير‪ ،‬هللذه هل القيللادة‬

‫الر يدة‪.‬‬

‫‪757‬‬
‫خالصة األمر‪ :‬أن األمة الناجحة ىق ًا ه األمة الت يشعر فيها اجلنللدي أنلله قريللب جلد ًا مللن‬

‫القائد‪ ،‬حيبه ويقدره ويطيعه ويثق به متام ًا‪ ،‬ويشعر القائد كللذلك أنلله قريللب جللد ًا مللن جنللوده‪،‬‬

‫حيبهم ويقدرهم ويثق هبم‪ ،‬وهذه الثقة والتسامح واملحبة املتبادلة بني القائد وجنوده من أقللوى‬

‫األسباب الت تقوم عليها األمم‪.‬‬

‫‪758‬‬
‫‪33‬‬

‫عاملية اإلسالم‬

‫عىل الرغم من القوة املتنامية للدولة اإلسالمية والتي ظهرت بجالء بعد غززةوة ازاززةاال‬

‫بعد صلح احلديبية وكام ذكرنا قبززذ ذلز‬ ‫أن ا ستقرار احلقيقي للدولة اإلسالمية مل يأت‬

‫اعرتاف قريش أكرب قبائذ العرال وزعيمة اجلةيرة سياسي ًا وديني ًا واقتصادي ًا وتارخيي ًا باملسلمني‬

‫كذ هذا أعطى املسلمني شهادة ميالد اقيقية وأعلن للجميع سواء من العرال أو مززن العجززم‬

‫أن هناك دولة جديدة ولدت يف املدينة املنززورة وهززذ هززي الدولززة اإلسززالمية وزعيمهززا هززو‬

‫الرسول الكريم ﷺ‪.‬‬

‫رسال الرسذ ىل زعامء العامل بعد صلح احلديبية‬

‫أول يشء فكر فيه الرسول ﷺ بعدما عاد ىل املدينة بعد صلح احلديبية هو عززالا العززامل أ ززع‬

‫هبذا الدين اجلديد اإلسالا؛ ليثبت لنا وللجميع أن هذا الدين ديززن عززاملي نززةل زهززذ ازر‬

‫ْح ًة لِ ْل َعاملَِ َ‬
‫ني} [ازنبيززاء ‪]107‬‬ ‫َاك ِ ا َر ْ َ‬
‫كلهم يقول اهلل سبحانه وتعاىل يف الكتاال { َو َما َأ ْر َس ْلن َ‬

‫اهلل‬ ‫ويقول الرسول ﷺ كام جاء يف احلديث الذي روا البخاري عززن جززابر بززن عبززد اهلل ر‬

‫عنهام (أعطيت مخس ًا مل يعطهن نبي قبيل ‪-‬وذكر منها‪ -‬وكززان النبززي يبعززث ىل قومززه اصززة‬

‫‪759‬‬
‫وبعثت ىل الناس عامة)‪ .‬ونحن بد أن نفهم هذا املوضوع جيد ًا ونفهم أن علينا دور توصيذ‬

‫ال منا بذ واجب ًا علينا‪.‬‬


‫اإلسالا ىل كذ بقعة يف العامل وليس هذا تفض ً‬

‫كان الرسول ﷺ من أول أياا الدعوة يدرك عاملية الدعوة ويدرك أمهية وصززول هززذ الززدعوة‬

‫وكان ﷺ يبرش املسلمني يف مكة قبذ سنوات من اهلجرة يبرشهم أن هلززم‬ ‫ىل كذ بقاع ازر‬

‫اهلل لكززوا‬ ‫لززه‬ ‫اهلل تفلحززوا قولززوا‬ ‫لززه‬ ‫دور ًا جتا العامل وكان يقول هلم (قولوا‬

‫بعد‬ ‫العرال والعجم)‪ .‬كانت القضية يف ذهنه واضحة جد ًا لكنه مل يرشع فيها بخطة وبنظاا‬

‫صلح احلديبية وقد يقول شخص ملاذا مل يرسذ الرسول ﷺ رسائذ ىل عموا ملززوك وأمززراء‬

‫من أول أياا الدعوة يف مكة أو من أول أياا املدينة املنورة وقززد كانززت هنززاك بعز‬ ‫ازر‬

‫املامل والدول از رى ومع ذل يف هذ التعززامالت مل خيطززو رسززول‬ ‫التعامالت مع بع‬

‫اهلل ﷺ ىل دعوهتم يف ذل الوقت؟ تفسري ذل يف كلمة واادة هي الواقعيزة يعلمنززا رسززول‬

‫اهلل ﷺ واقعية املنهج فإرسال رسالة يدعو فيهززا النززاس ىل تبززديذ ديززنهم والززد ول يف ديززن‬

‫جديد مل يسمع بززه أاززد ولززو أن أاززدهم سززمع بززه فززامذا سيسززمع؟ سيسززمع عززن الترشززيد‬

‫وا ضطهاد والتعذيب زبناء هذا الدين اجلديد رسال مثذ هذ الرسالة قد يقدا و يؤ ر‬

‫كثري ًا فمن هذا الذي سيقدا عىل مثذ هذ اخلطوة اجلبارة ويبدل عقيدته زجززذ وموعززة مززن‬

‫اهلل عنهم وأرضاهم عندما‬ ‫الضعفاء يف قرية صغرية من قرى العامل؟! ولقد رأينا الصحابة ر‬

‫هاجروا ىل احلبشة مل يكن من مهمتهم دعوة النجايش رْحززه اهلل لالسززالا بززذ عززم مل يعرفززوا‬

‫النجايش بدينهم ولو املوقف الذي قاا به عمرو بن العززاو وواولتززه ززارة النجززايش عززىل‬

‫اهلل عنه للنجايش اإلسالا واتى بعد هذا الرشززح‬ ‫املسلمني ملا رشح جعفر بن أيب طالب ر‬

‫مل يدع جعفر بن أيب طالب النجايش ىل الد ول يف هذا الدين اجلديد مززع أنززه كززان يشززعر أن‬

‫هناك مي ً‬
‫ال يف كالا النجايش لالسالا ومع ذل مل يدعززه حااززة ىل اإلسززالا ملززاذا؟ لززنفس‬

‫‪760‬‬
‫يصح و جيدي‬ ‫الكلمة التي قلناها ن الرسول ﷺ والصحابة كانوا واقعيني ىل أقىص اد‬

‫لقائد اعة صغرية ضعيفة أن تراسذ كبار زعامء العززامل لتززدعوهم لتغيززري معتقززداهتم وتبززديذ‬

‫أدياعم و ظهار التبعية لفكر جديد أو قانون جديد بذ لعلنا نكون مبالغني ذا قلنا ن هززذ‬

‫الدعوة املبكرة قد يكون هلا من اآل ار السلبية أكثر من اآل ار اإلجيابية والززدليذ الرشززعي عززىل‬
‫هذا أن الرسول ﷺ مل يفعله ولو كان ري ًا لفعله ﷺ وما كان يعجززة ﷺ أن يرسززذ رسززو ً‬

‫ىل كذ دولة من دول العامل من أول أياا اإلسالا لكن مل يفعذ؛ زنه فائدة من هذا اإلرسال‪.‬‬

‫أما الدليذ العقيل عىل ذل فإنه قد يلفت ازنظززار بدعوتززه هززذ ىل اعتززه الصززغرية الناشز ة‬

‫فتستأصذ يف مهدها‪.‬‬

‫أنه من املمكن أن اهلل سززبحانه وتعززاىل يفززتح قلززوال الززةعامء ويضززحون بملكهززم‬ ‫أما افرتا‬

‫وسلطاعم من أجذ هذا الرجذ البسيو الذي ظهر يف قرية صززغرية يف صززحراء اجلةيززرة فهززذا‬

‫بعيد جد ًا يرقى أبد ًا ىل درجة الواقعية كذ هذا الكالا كززان قبززذ صززلح احلديبيززة‬ ‫افرتا‬

‫لكن بعد صلح احلديبية تغري الوضع جد ًا‪.‬كان يع العامل يسمع عززن قززريش فقززريش القبيلززة‬

‫العربية الكبرية العةيةة و ن مل تكن بقوة فارس والروا ومل تكن حتلم هبذا اليشء لكنها كانت‬

‫معروفة لكذ الناس اتى ارج اجلةيرة العربية بذ نه كانت هلا عالقات اقتصززادية وسياسززية‬

‫مع معظم القوى املوجودة يف العامل آنذاك من أجذ ذل اعرتاف قريش بدولة اإلسالا كدولة‬

‫هلا سيادة يعترب أهم نقطة إلعطاء رشعية هلذ الدولة اجلديدة؛ الدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫بعززد اعززرتاف قززريش‬ ‫كذ دول العامل لن تتعامذ مع هذا الكيان اجلديد ‪-‬الدولة اإلسالمية‪-‬‬

‫به أما قبذ ذل فاملسلمون يف نظر العامل عبارة عن اعة غري رشعية رجت عن منهج الدولة‬

‫من قبذ املعادين لقريش ومل يكن أاززد يعززادي‬ ‫ازا قريش وبالتايل يمكن التعاون معها‬

‫قريش ًا يف اجلةيرة و يف العامل يف ذل الوقت من أجذ ذلز الرسززول ﷺ يف بدايززة ازمززر‬


‫‪761‬‬
‫شغذ نفسه بدعوة من اوله من العرال يف اجلةيرة يف فرتات الززدعوة ازوىل؛ زنززه يعلززم عززدا‬

‫جدوى مراسلة اآل رين قبذ اعرتاف قريش‪.‬‬

‫أما اآلن وبعد اعرتاف قريش بالدولة اإلسالمية فةعامء العامل سززيتقبلون فكززرة املراسززلة بيززنهم‬

‫وبززني زعززيم الدولززة اجلديززدة الرسززول ﷺ وسيسززقو اززاجة الشززكليات والرسززميات‬

‫والربتوكو ت لتبقى مناقشة مضمون الرسالة هذ هذا الدين اجلديد دين يستحق ا تبززاع أا‬

‫أن صاابه يكذال علينا؟ فيناقشون املوضوع بموضوعية ىل اد مززا وسززتكون مناقشززة هززذ‬

‫ذا كان املرسذ قوي ًا ممكن ًا؛ زن اهلل عة وجذ يززةع بالسززلطان مززا مل يززةع‬ ‫الرسالة أفضذ ش‬

‫بالقرآن وكذ هذا حتقق ىل اد كبري بعد صلح احلديبية‪.‬‬

‫من أجذ ذل ما ن وجد الرسول ﷺ الفرصة سانحة أرسذ الرسززائذ مبززارشة ىل كززذ زعززامء‬

‫العامل آنذاك فهو مل يضيع الوقت بززذ أرسززذ الرسززائذ مبززارشة والرسززائذ كانززت يف منتهززى‬

‫الوضوح ايث دعاهم ىل الد ول يف اإلسالا وْحلهم مس وليتهم ومس ولية شعوهبم أيض ًا‬

‫وبدأت هذ الرسائذ خترج من املدينة املنورة‪.‬‬

‫رجت أوىل هذ الرسائذ يف نفس الشهر الذي رجع فيه الرسول ﷺ من صلح احلديبية شززهر‬

‫أ رها ىل غرة ورا سنة ‪ 7‬هز بعد صلح احلديبية بأياا انظززر‬ ‫ذي احلجة سنة ‪ 6‬هز والبع‬

‫ىل مدى استعجال الرسول ﷺ هلذا ازمر؛ زنه أاس أن فرتة طويلة جد ًا مرت به وهززو يريززد‬

‫أن يوصذ اإلسالا ىل كذ مكان لكن الظروف مل تسمح عنززدما سززمحت الظززروف مبززارشة‬

‫أيززاا ومل‬ ‫رجت هذ الرسائذ يف معظمها يف وقت متةامن يفصززذ بينهززا‬ ‫أرسذ الرسذ‬

‫هلززا يف الززدروس القززادا والرسززائذ التززي‬ ‫الرسائذ و ن شززاء اهلل سززنتعر‬ ‫بع‬ ‫تتأ ر‬

‫أرسلت يف شهر ذي احلجة سنة ‪ 6‬هز وأوائذ ورا سنة ‪ 7‬هز كانت سبع رسائذ كاآليت‬

‫‪762‬‬
‫اهلل‬ ‫رسالة ىل النجايش أصحمة رْحه اهلل مل احلبشة وْحلها عمرو بززن أميززة الضززمري ر‬

‫عنه‪.‬‬

‫اهلل عنه‪.‬‬ ‫رسالة ىل املقوقس زعيم مرص وْحلها ااطب بن أيب بلتعة اللخمي ر‬

‫اهلل عنه‪.‬‬ ‫رسالة ىل كرسى مل فارس وْحلها عبد اهلل بن اذافة السهمي ر‬

‫اهلل عنه‪.‬‬ ‫رسالة ىل قيرص مل الروا وْحلها داية بن ليفة الكلبي ر‬

‫اهلل عنه‪.‬‬ ‫رسالة ىل املنذر بن ساوى مل البحرين وْحلها العالء بن احلرضمي ر‬

‫اهلل عنه‪.‬‬ ‫رسالة ىل هوذة بن عيل مل الياممة وْحلها سليو بن عمرو العامري ر‬

‫رسالة ىل احلارث بن أيب شمر الغساين مل دمشق وْحلها شجاع بززن وهززب ازسززدي ر‬

‫اهلل عنه‪.‬‬

‫قصة رسال الرسائذ واحلوار الذي دار بني السفراء وبني ملوك العامل دروس ًا حتصزى لكززن‬

‫لضيق الوقت نستطيع أن نحلذ كذ هذ السفارات لكن ن شاء اهلل سنحلذ هذ الرسززائذ‬

‫ا ً ونأ ذ مثا ً أو مثالني عىل هذ الرسائذ ن شاء اهلل‪.‬‬

‫بتحليذ هذ الرسائذ نجد أن مضمون اخلطاال يف كذ املراسالت وااد تقريبز ًا؛ زن الرسززائذ‬

‫ليست دعوة ىل قامة عالقات دبلوماسية أو ىل تبززادل السززفراء أو ىل وززرد التعززارف و ىل‬

‫طلب استمداد رشعية ما باعرتاف الدول از رى به نام اهلدف واضح اا الوضوح اهلزدف‬

‫الدعوة الرصحية لالسالا الدعوة ىل ترك أي دين كان والد ول يف الدين اجلديززد اإلسززالا‪.‬‬

‫هذا يعني اتباع الدين اجلديد وهو يقيض ا تباع لرسول اهلل ﷺ وهززذا الكززالا لززيس سززهالً؛‬

‫‪763‬‬
‫زن املل سيتحول من مل مطاع ترد له كلمة ىل تابع مطيع يرد ازمززر كلززه هلل عززة وجززذ‬

‫ولرسوله الكريم ﷺ و ش أن هناك من سيقبذ هذ الدعوة ويكززون مؤمنز ًا و شز أن‬

‫و ززدد‬ ‫وقززد يرسززذ اجليززو‬ ‫هذ الدعوة ومن قد يغضب ويثززور ويعززرت‬ ‫هناك من يرف‬

‫أنه يمنع من تبليغ دعززوة رال العززاملني ىل‬ ‫بالقتذ كذ هذا متوقع وكذ هذا مع أنه صعب‬

‫العاملني‪.‬‬

‫هذ اخلطابات والرسائذ تثبت بام يدع وا ً للش أن الرسول ﷺ كززان قائززد ًا قويز ًا وكززان‬

‫واهد ًا عةية ًا خيشى يف اهلل لومة ئم وكان متجرد ًا ام ًا هلل عة وجززذ طائعز ًا لكززذ أوامززر ؛‬

‫زن أي وااد من ملوك الدنيا لو كان يف وضعه فإنه لن يفكر أبد ًا يف مراسالت من هذا النوع؛‬

‫اتى تنقلب عليه ازوضاع ويثور عليه أهذ الدنيا ولكن لكونززه رسززو ً ﷺ فهززو يعلززم أن‬

‫مهمته تقتيض البالغ للعاملني مهام كان الثمن وبعد ذل هو رأى بعينه ورأى املسلمون معه أن‬

‫اهلل عة وجذ ينرص الدين ات ًام وخيرج املسلمني من اززمات مهام اشتدت هذ اززمات وقززد‬

‫أ رجهم سبحانه قبذ ذل من أزمات يف مكة وبززدر وأاززد وازاززةاال وبنززي قينقززاع وبنززي‬

‫النضري وبني قريظة وغري هذا كثري‪ .‬مل يكن هذا التاريخ من ا نتصارات لضززعف أعززداء ازمززة‬

‫أبد ًا كذ أعداء ازمة كانوا أقوياء جد ًا لكن هذا ا نتصار كان بقوة اهلل عززة وجززذ و رادة رال‬

‫العاملني سبحانه وتعاىل ونرص للذين آمنوا به‪.‬‬

‫هذ املعاين كانت واضحة جد ًا يف ذهن النبي ﷺ مززن أجززذ ذلز جززاءت رسززائله يف منتهززى‬

‫يع فيها و مداهنة وبغري هذ النظرة التي ذكرناها يمكن أبد ًا أن تفهم رسائذ‬ ‫الوضوح‬

‫رسول اهلل ﷺ ىل ملوك العامل‪.‬‬

‫‪764‬‬
‫نص رسالة الرسول ﷺ هلرقذ والدروس املستفادة منها‬

‫تعالوا نأ ذ رسالة كمثال من أجذ أن نرى هذا الوضوح ولكي نفهم مززاذا تعنززي رسززالة مززن‬

‫رسول اهلل ﷺ ىل مل أو زعيم من زعامء العامل‪ .‬لندرس رسالة هرقذ قيرص الروا والرسززالة‬

‫جاءت يف البخاري وذكرت رواية البخززاري هلززا؛ اتززى يسززتغرال السززامع مضززمون هززذ‬

‫الرسالة واعلم أن هذ الرسالة رسالة من رئيس دولة صغرية جديدة هي دولة املدينة املنززورة‬

‫وجيشها عىل أكرب تقدير ‪ 3000‬جندي وعمرها يتجززاوز ‪ 6‬سززنوات وأسززلحتها بسززيطة‬

‫وعالقاهتا يف العامل ودودة جد ًا ومع ذل كله أعلم أن هذ الرسالة ترسززذ ىل هرقززذ قيصززر‬

‫الروا الةعيم ازعظم للدولة ازوىل يف العامل اإلمرباطورية الرومانية واإلمرباطورية الرومانية‬

‫تسيطر تقريب ًا عىل نصف أوروبا الشزرقية غززري تركيززا والشززاا بكاملززه وغززري مصززر وليبيززا‬

‫له أكثززر‬ ‫وجيوشها تقدر باملاليني بال أي مبالغة وأسلحتهم متطورة جد ًا وتارخيها يف ازر‬

‫من ‪ 1000‬سنة ضع كذ هذ ازمور يف ذهن وأنت تقرأ أو تسمع كتاال و طززاال الرسززول‬

‫ﷺ ىل قيرص الروا‪.‬‬

‫يقول ﷺ‬

‫بسم اهلل الرْحن الرايم‪.‬‬

‫من ومد عبد اهلل ورسوله ىل هرقذ عظيم الروا سالا عىل مززن اتبززع اهلززدى أسززلم‬

‫ززم ازريسززيني)‬ ‫تسززلم أسززلم يؤتز اهلل أجززرك مززرتني فززإن توليززت فززإن عليز‬

‫(ازريسيني) أي الفالاني يعني الشعب م كتب آية من آيات رال العاملني سبحانه‬

‫َاال َت َعا َل ْوا ِ َىل ك َِل َم ٍة َس َو ٍاء َب ْينَنَزا َو َب ْيزنَك ْم َأ ا َن ْعبزدَ ِ ا اهللاَ‬
‫وتعاىل قال ({ق ْذ َيا َأ ْه َذ ا ْل ِكت ِ‬

‫‪765‬‬
‫اخ َذ بعضنَا بع ًضا َأربابا ِمن د ِ‬
‫ون اهللاِ َفإِ ْن ت ََو الز ْوا َفقولزوا ْاشز َهدوا‬ ‫ِ‬ ‫و نِْ ِ‬
‫َْ ً ْ‬ ‫َْ‬ ‫رش َك بِه َش ْي ًا َو َيت َ ْ‬ ‫َ‬
‫بِ َأناا م ْس ِلم َ‬
‫ون} [آل عمران ‪.)]64‬‬

‫رسالة فيها الوضوح والقوة والعةة واحلكمة يف كذ كلمة من كلامت اخلطاال وهززذا اخلطززاال‬

‫حيتاج ىل وارضات لكي نحلله وندرسه ونستخرج منه الدروس التي يف باطنه لكن نحن هنززا‬

‫الدروس اهلامة شارة رسيعة‪.‬‬ ‫سنشري ىل بع‬

‫من هذ الدروس أن الرسول ﷺ ارو عىل ظهور عةته وعةة الدولة اإلسالمية يف كذ كلمة‬

‫من كلامت اخلطاال‪.‬‬

‫أو ً بدأ باسمه قبذ اسم هرقذ وهذا الكالا طري جد ًا يف زماعم قال (من ومززد رسززول‬

‫اهلل ﷺ ىل هرقذ عظيم الروا) م دعا مبارشة ىل الد ول يف اإلسالا فقال (أسلم تسلم)‬

‫يقبذ أو يقبذ و نام قال (أسلم‬ ‫الطلب بصيغة فيها تردد أو صيغة فيها عر‬ ‫اتى مل يعر‬

‫تسلم)‪.‬‬

‫أنه مل يقلذ من قيمة الطرف اآل ر بذ‬ ‫وأيض ًا من الدروس أنه مع ظهار هذ العةة والقوة‬

‫بالعكس رفع قدر الطرف اآل ر وافظ له املكانة ايث قال ( ىل هرقذ عظيم الروا)‪.‬‬

‫وأيض ًا من الدروس أنه ع يف مهارة عجيبة بني الرتغيب والرتهيب بقوله له (أسلم يؤتز‬

‫اهلل أجرك مرتني) يعني فيها نوع من الرتغيب م يقول له وهو دد بوضوح (فززإن توليززت‬

‫م ازريسيني) والكالا كله عبارة عن عدة أسطر قليلة جد ًا‪.‬‬ ‫فإن علي‬

‫وأيض ًا من الدروس اسن ا تيار اآلية املناسبة من القرآن الكريم أتى بآية تقززرال كززذ أهززذ‬

‫الكتاال وتوضح أن هناك قواسم مشرتكة كثرية بيننا وبينهم من أجذ ذلز يمكززن أن يفززتح‬

‫عقله للتفكري ويرفع اواجة كثرية جد ًا بني الطائفتني املسلمة والنرصانية‪.‬‬

‫‪766‬‬
‫هكذا كان اخلطاال لز هرقذ عظيم الروا وهكذا كان اخلطاال لكذ زعامء العززامل فاخلطابززات‬

‫تقريب ًا مشاهبة هلذا مع ا تالفات قليلة جد ًا يف ازلفاظ اسب البلد املرسذ ليها والدين الززذي‬

‫أن‬ ‫يدينون به ومع وادة اخلطاال تقريب ًا لكذ مكان من السبعة ازماكن التي تكلمنا عليهززا‬

‫ردود ازفعال كانت متباينة جد ًا فقد بلغ بعضها القمززة يف ازدال واسززن الززرد بيززنام بلغززت‬

‫بعضها أدنى مستوى لسوء ازدال واملعاداة وبني هذا وذاك كانت هنززاك ردود أفعززال أ ززرى‬

‫كثرية‪.‬‬

‫موقف النجايش مل احلبشة واملنذر بن ساوى مل البحرين‬

‫جاءت أفضذ الردود من النجايش مل احلبشة ومن املنذر بن ساوى مل البحرين وهؤ ء‬

‫ا نان أسلام دون تردد‪ .‬وااد أسلم وأ فى سالمه وهو النجايش ملز احلبشززة؛ زن وضززع‬

‫الدولة النرصاين كان صعب ًا جد ًا فهو يستطيع أن يعلن سالمه وزنه لو أسلم فإن الشززعب‬

‫سيقتلعه اقتال ًعا من كرسيه وقد اصذ قبذ ذل عندما ساند املسلمني أن الشعب أقززاا عليززه‬

‫ورة وكاد أن يقتلع النجايش من كرسيه من أجذ ذل أ فى سالمه وآ ر أن يساعد الدولززة‬

‫اإلسالمية الناش ة اجلديدة هناك يف املدينة املنززورة وهززو يعلززن النصززرانية يف الظززاهر ويززبطن‬

‫اإلسالا‪.‬‬

‫أما املنذر بن ساوى رْحه اهلل فقد أعلن سالمه وأسلم شعبه وكانوا يدينون بعبززادة ازصززناا‬

‫لكن يبدو أن املنذر بن ساوى رْحه اهلل كان قوي ًا ممكن ًا يف قبيلته ووبوب ًا بني شعبه وكان النززاس‬

‫تبع ًا لقائدهم كعادة العرال يف ذل الوقت فةعيم القبيلة أ ذ قرار اإلسالا فأسززلمت قبيلتززه‬

‫وأسلم شعبه وهذا الوضع غري الوضع يف بالد احلبشة ايث كان بلدً ا نظامي ًا كبززري ًا لززه تززاريخ‬

‫طويذ ومن الصعب عىل النجايش أن يغري أفكار الناس كلها يف حلظة واادة‪.‬‬

‫‪767‬‬
‫موقف املقوقس مل مرص‬

‫أنززه مل يسززلم و ين‬ ‫أما املقوقس فقد أاسززن اسززتقبال الوفززد اإلسززالمي وأكرمززه باهلززدايا‬

‫زتعجب جد ًا من عدا سالمه؛ زن املقوقس ذكر يف رد لز ااطب بززن أيب بلتعززة الززذي كززان‬

‫رسول رسول اهلل ﷺ ذكر يف رد له أنه كان يعلم أن نبي ًا سيظهر يف هذا الةمززان ولكنززه كززان‬

‫حيسب أن هذا النبي سيظهر يف الشاا فهو كانت عند هتي ة نفسية لظهور النبي ﷺ ومع ذل‬

‫مع أنه كان يعرف أنه نبي فع ً‬


‫ال و‬ ‫ال يف التأكد من كونه نبي ًا أا‬
‫مل يسلم بذ نه مل يفكر أص ً‬

‫ملا أكرا سفارته وْحلها باهلدايا كام نعلم يع ًا؛ زنه ليس من املمكززن أن يفعززذ هززذا ازمزر مززع‬

‫كذاال يدعي النبوة و اصة أن رسول اهلل ﷺ يف ذل الوقت مل تكن له قوة كبرية أو بأس ومل‬

‫يكن حيكم دولة ضخمة خيشاها املقوقس فيحتاج ىل مهادنته بالعكس فإن قززوة مصززر املاديززة‬

‫كانت أضعاف أضعاف قوة املدينة املنورة يف ذل الوقت لكن عىل كذ اززال كززراا املقززوقس‬

‫لوفد رسول اهلل ﷺ ترك أ ر ًا جيابي ًا للدولة اإلسالمية يف كذ مكان أكد عىل رشعيتها يف النظاا‬

‫الدويل اجلديد واهلل دي من يشاء ىل حاط مستقيم‪ .‬كان رد املقوقس رد بأدال وْحذ اهلدايا‬

‫لكن مل يسلم‪.‬‬

‫موقف هرقذ مل الروا‬

‫أما هرقذ زعيم الدولة الرومانية التي كانت تسيطر تقريب ًا عززىل نصززف مسززااة العززامل يف ذلز‬

‫الوقت فإن موقفه من الرسالة حيتاج ىل وقفة وحيتاج ىل حتليززذ فهززو يفسززر لنززا الكثززري مززن‬

‫أاداث التاريخ سواء يف أياا الرسول ﷺ أو يف ازياا التززي تلززت الرسززول ﷺ واتززى عززا‬

‫تفرس لنا أادا ًا كثرية جد ًا من الواقع الذي نعيشه؛ زنكم تعرفون أن التاريخ يتكرر‪.‬‬

‫‪768‬‬
‫عندما استلم هرقذ رسالة الرسول ﷺ أ ذ املوضوع بمنتهى اجلدية مع أنه زعيم أكرب دولة يف‬

‫العامل ويستلم رسالة من زعيم دولة مل يسمع هبا أاد ىل اآلن وهذ الدولة اجلديززدة رجززت‬

‫يف بالد العرال والرومان بصفة عامة كانوا ينظرون ىل بالد العرال نظرة دونية يززروعم دائز ًام‬

‫أقذ من أن تموا بشأعم مل يدرسوا أاززواهلم أو عاشززوا ظززروفهم؛ زن هززؤ ء العززرال قززوا‬

‫يعيشون اياة البداوة يف أعامق الصحراء بعيدون كذ البعد عن كذ مظاهر احلضززارة واملدنيززة‬

‫متفرقون مشتتون متنازعون أاالمهم بسيطة جد ًا طموااهتم قليلززة جززد ًا عززددهم وززدود‬

‫أسلحتهم بدائيززة والفززارق بيززنهم وبززني مرباطوريززة الرومززان اهلائلززة كالفززارق بززني السززامء‬

‫‪ .‬كلنا نعرف كيف كان الرصاع يدور بني دولة فارس والروا وكذ مززا عملززه العززرال‬ ‫وازر‬

‫هو ا كتفاء فقززو بمراقبززة ازاززداث وأعززم يرتاهنززون مززن الززذي سيكسززب مززن الززدولتني‬

‫العظيمتني فارس والروا ومل يكن أاد فيهم عند طمززوح يف مشززاركة القززوى العامليززة مززن‬

‫قريب و من بعيد يف ازاداث اجلارية يف العامل ومع كذ هذا فز هرقززذ زعززيم الززروا عنززدما‬

‫أرسذ الرسول ﷺ ليه رسالة أ ذ ازمر بمنتهى اجلدية ومل ينكر أن يكون ذلز الرجززذ نبيز ًا‬

‫التأكد فقو ويريد دلي ً‬


‫ال ونحن عندما نسمع عن هرقذ أو نقززرأ عنززه‬ ‫اق ًا ومل يكن ينقصه‬

‫نشعر أنه كان زعي ًام نرصاني ًا متدين ًا ملتةم ًا ىل اد كبري بتعاليم دينه وكان يقدر كثري ًا أن اهلل عززة‬

‫وجذ يساعد يف معاركه وكلنا نعرف أنه نذر أن حيج ىل بيت املقدس ماشززي ًا عززىل قدميززه مززن‬

‫ْحص ىل القدس شكر ًا هلل عىل نرص للرومان عىل الفززرس فمثلززه يتأكززد أنززه قززرأ يف التززوراة‬

‫واإلنجيذ أن هناك رسو ً سيأيت وأن هذا الرسول برش بززه موسززى وعيسززى علززيهام السززالا‬

‫وكان ينتظر هذا الرسول ﷺ‪.‬‬

‫هذا الرجذ الذي أرسذ له رسالة وهو الرسول ﷺ يززذكر لززه يف هززذ الرسززالة أنززه نبززي آ ززر‬

‫الةمان وقبذ هرقذ الفكرة بذ لعله مشتاق ىل رؤية ذل النبي وقبززذ هززذا هرقززذ كززان قززد‬

‫‪769‬‬
‫سمع عن النبي ﷺ بذ ن اهلل عة وجذ يرس له لقاء غريب ًا عجيب ًا؛ فقبذ اسززتالا الرسززالة هيز‬

‫هرقذ نفسي ًا ام ًا ستالا مثذ هذ الرسالة العجيبة وذلز أنززه سززمع أن نبيز ًا ظهززر يف بززالد‬

‫العرال أسأهلم عن هذا النبي الذي ظهززر يف بالدهززم فززأتى‬ ‫العرال فقال جلنود ائتوين ببع‬

‫التجار الذين كانوا يتاجرون يف غةة يف فلسطني وكان هرقذ يف بيت املقززدس يف‬ ‫اجلنود ببع‬

‫ذل الوقت وذهبوا هبم ىل هرقذ من أجذ أن يتأكد مززن أمززر الرسززول ﷺ وكززان مززن بززني‬

‫هؤ ء التجار أبو سفيان بن ارال زعيم قريش واصلت هززذ القصززة بعززد صززلح احلديبيززة‬

‫مبارشة بعدما تم صلح احلديبية سافر أبو سززفيان ىل غززةة وأ ززذ اجلنززود ىل هرقززذ يف بيززت‬

‫املقدس وكان التوقيت توقيت ًا عجيب ًا جد ًا من كذ النوااي وكأن اهلل سبحانه وتعاىل بعززث أبززا‬

‫سفيان الكافر يف ذل الوقت ليقيم احلجة عىل هرقذ وهذا اللقززاء ورد يف البخززاري عززن ابززن‬

‫اهلل عنه بعد سالمه‪.‬‬ ‫اهلل عنهام سمعه من أيب سفيان ر‬ ‫عباس ر‬

‫فلام مثذ التجار عند هرقذ سأهلم (أيكم أقرال نسب ًا هلذا الرجذ الذي يةعم أنه نبي؟) فقال أبو‬

‫سفيان (فقلت أنا أقرهبم نسززب ًا ليززه) فقززال هرقززذ (أدنززو منززي وقربززو وقربززوا أصززحابه‬

‫فاجعلوهم عند ظهر ) م قال لرت انه (قذ هلم ين سائذ هذا ‪ -‬أي أبا سفيان ‪ -‬عززن هززذا‬

‫الرجذ فإن كذبني فكذبو )‪.‬‬

‫يعني يريد هرقذ أن يعرف بجدية كذ يشء عن هذا النبي فهو سيسأل أقرال الناس ليه نسب ًا؛‬

‫لكونه أعرف الناس به ويف نفس الوقت سيجعذ وراء أيب سفيان التجار اآل رين كحكاا عىل‬

‫صدقه فالتجار حتت تأ ري رهاال هرقذ وبطشه كذ وااد منهم خياف أن يكذال وكذل أبو‬

‫سفيان خياف أن يكذال لكن العرال اتززى يف أيززاا اجلاهليززة كانززت تسززتنكر صززفة الكززذال‬

‫وتعتربها نوع ًا من الضعف غري املقبول من أجذ ذل كان أبو سفيان يقول تعليق ًا عززىل كلمززة‬

‫هرقذ هذ (فواهلل لو احلياء من أن يؤ روا عيل كذب ًا لكذبت عليه)‪ .‬فهو يف تل اللحظة مززع‬

‫‪770‬‬
‫أنززه‬ ‫أنه يكر رسول اهلل ﷺ كراهية شديدة فإنه كان بعد صلح احلديبية وقبززذ سززالمه‬

‫يستطيع تشويه صورته عن طريق الكززذال فهززو يسززتحي‬ ‫يستطيع أن يكذال عىل ومد ﷺ‬

‫أسززتطيع أن‬ ‫من الكذال ىل درجة أنه كان يقول ولكني كنت امر ًأ أتكرا عىل الكززذال‪ .‬أي‬

‫أكذال‪.‬‬

‫بدأ استجواال هرقذ لزأيب سفيان أماا اجلميع أماا العرال والرومان ويف اضور علية القززوا‬

‫من ازمراء والوزراء والعلامء الرومان‪ .‬يف هذا ا ستجواال سززنرى أن هرقززذ سيسززأل أسز لة‬

‫حياول هبا أن يتيقن من أمر هذ النبوة التي ظهرت يف بالد العرال أهي نبوة اقيقية أا يززدعيها‬

‫أاد الكذابني؟ وستكون ازس لة عبارة عن استنباطات عقلية أو أس لة بنززاء عززىل معلومززات‬

‫عن ازنبيززاء بصززفة عامززة أو عززن هززذا الرسززول ﷺ بصززفة اصززة كززام جززاءت يف التززوراة‬

‫واإلنجيذ‪ .‬هذا احلوار الذي دار بني هرقذ زعيم أكرب دولة يف العامل يف ذلز الوقززت وبززني أيب‬

‫سفيان زعيم قريش أنا أاسبه من أعجب احلوارات يف التاريخ وهززو عجيززب مززن أكثززر مززن‬

‫وجه ومن العجيب فيه اهتاما زعيم أكرب دولة يف العامل بأمر رجذ يظهززر يف صززحراء العززرال‬

‫وكذل من ايث دقة ازس لة أو من ايث ردود أيب سفيان املرشك آنذاك والذي كززان يكززر‬

‫سيدنا ومد ًا كراهية كبرية جد ًا أو من ايث تعليق هرقذ عىل كالا أيب سفيان يف آ ززر كالمززه‬

‫أو من ايث رد فعذ هرقذ بعدما سمع كلامت أيب سفيان فهو اوار عجيب بكذ املقاييس‪.‬‬

‫بدأ احلوار بسؤال كيف نسبه فيكم؟ قال أبو سفيان هو فينا ذو نسب‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫قال هرقذ فهذ قال هذا القول منكم أاد قو قبله؟ قال أبو سفيان‬

‫فقال هرقذ فهذ كان من آبائه من مل ؟‬

‫‪.‬‬ ‫قال أبو سفيان‬

‫‪771‬‬
‫قال هرقذ فأرشاف الناس اتبعو أا ضعفاؤهم؟‬

‫قال أبو سفيان بذ ضعفاؤهم‪.‬‬

‫قال هرقذ أيةيدون أا ينقصون؟‬

‫قال أبو سفيان بذ يةيدون‪.‬‬

‫قال هرقذ فهذ يرتد أاد ًا منهم سخطة لدينه بعد أن يد ذ فيه؟‬

‫يرتد منهم أاد‪.‬‬ ‫قال أبو سفيان‬

‫قال هرقذ فهذ تتهمونه بالكذال قبذ أن يقول ما قال؟‬

‫‪.‬‬ ‫قال أبو سفيان‬

‫قال هرقذ فهذ يغدر؟‬

‫م قال ونحن معه يف مدا ة ندري ما هو فاعذ فيها أي هززذ سززيغدر أا‬ ‫قال أبو سفيان‬

‫يف صلح احلديبية؟ وأبو سززفيان أراد أن يقززول أي يشء سززلبي عززن الرسززول ﷺ؛ زن كززذ‬

‫اإلجابات ترفع من قدر رسول اهلل ﷺ يقول أبو سفيان تعليق ًا عىل هززذ الكلمززة (ومل كنززي‬

‫كلمة أد ذ فيها شي ًا غري هذ الكلمة)‪ .‬أي ااولت عىل قدر ما أستطيع أن أطعززن يف رسززول‬

‫هذ الكلمة وهرقذ مل يعبأ هبا وكأنه مل يسمعها‪.‬‬ ‫اهلل ﷺ بأي يشء فلم أستطع‬

‫قال هرقذ فهذ قاتلتمو ؟‬

‫قال أبو سفيان نعم‪.‬‬

‫قال هرقذ فكيف كان قتالكم يا ؟‬

‫‪772‬‬
‫قال أبو سفيان احلرال بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه‪ .‬هو يقصد بدر ًا م أاد ًا‪.‬‬

‫قال هرقذ ماذا يأمركم؟‬

‫قال أبو سفيان يقول اعبدوا اهلل واد و ترشكوا به شي ًا واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا‬

‫بالصالة والصدق والعفاف والصلة‪.‬‬

‫انتهى ا ستجواال الطويذ من هرقذ وبدأ هرقززذ حيلززذ كززذ كلمززة سززمعها وكززذ معلومززة‬

‫اصذ عليها؛‬

‫عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب وكذل الرسذ تبعث يف نسب مززن‬ ‫قال هرقذ سألت‬

‫قومها‪.‬‬

‫وسيبدأ هرقذ يأ ذ كذ كلمة وكذ نقطة يثبت هبا لزأيب سفيان وللجميع ولنفسه قبلهم أن هززذا‬

‫رسول من عند اهلل‪.‬‬

‫قلت لو كان أاد قززال‬ ‫هذ قال أاد منكم هذا القول قبله؟ فذكرت أن‬ ‫م قال وسألت‬

‫هذا القول قبله لقلت رجذ يأتيس بقول قيذ قبله‪.‬‬

‫فقلززت فلززو كززان مززن آبائززه مززن ملز‬ ‫هذ كان من آبائه من مل ؟ فذكرت أن‬ ‫وسألت‬

‫لقلت رجذ يطلب مل أبيه‪.‬‬

‫هذ كنتم تتهمونه بالكذال قبذ أن يقول ما قال؟ فذكرت أن ؛ فقلت أعرف أنه مل‬ ‫وسألت‬

‫يكن ليذر الكذال عىل الناس ويكذال عىل اهلل‪.‬‬

‫فأرشاف الناس اتبعو أا ضعفاؤهم؟ فززذكرت أن ضززعفاءهم اتبعززو وهززم أتبززاع‬ ‫وسألت‬

‫الرسذ‪.‬‬
‫‪773‬‬
‫هذ يةيدون أا ينقصون؟ فذكرت أعم يةيدون وكذل أمر اإليامن اتى يتم‪.‬‬ ‫وسألت‬

‫وكززذل اإليززامن اززني‬ ‫أيرتد أاد سخطة لدينه بعد أن يد ذ فيه؟ فززذكرت أن‬ ‫وسألت‬

‫ختالو بشاشته القلوال‪.‬‬

‫وكذل الرسذ تغدر‪.‬‬ ‫هذ يغدر؟ فذكرت أن‬ ‫وسألت‬

‫بامذا يأمر؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا اهلل و ترشكوا به شي ًا وينهاكم عن عبادة‬ ‫وسألت‬

‫ازو ان ويأمركم بالصالة والصدق والعفاف والصلة‪.‬‬

‫هذ هي حتليالت هرقذ فام هي النتيجة هلذا التحليذ؟ لقد كانت النتيجة طرة فعز ً‬
‫ال يقززول‬

‫بمنتهى الرصااة (فإن كان ما تقول اق ًا فسيمل موضع قدمي هاتني وقد كنززت أعلززم أنززه‬

‫ارج مل أكن أظن أنه منكم)‪ .‬مسززتبعد أن يكززون مززن العززرال ززم قززال (فلززو أين أعلززم أين‬

‫أ لص ليه لتجشمت لقاء ولو كنت عند لغسلت عن قدميه)‪.‬‬

‫سبحان اهلل هذ كلامت طرية وعجيبة جد ًا من زعيم اإلمرباطورية الرومانية أيقن هرقذ مززن‬

‫أول وهلة أن هذا الرجذ رسول اق ًا وأن ملكه سيتسع اتى يأ ذ بززالد الشززاا وأنززه وجززب‬

‫ا تباع له وا نصياع الكامذ زمر بذ والرضوخ لقوله ام ًا والتواضع الشديد ىل درجززة أن‬

‫هرقذ يتمنى أن لو غسذ قدمي رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫ويف هذا املجلس عندما انتهى هذا احلوار دعا هرقذ بكتاال الرسول ﷺ والرسالة التي جززاءت‬

‫اهلل عنه وقرأ هذا الكتززاال يف وجززود أيب سززفيان ومززن معززه‬ ‫مع داية بن ليفة الكلبي ر‬

‫ونحن نعرف هذ هذ أول مرة يقرأ هرقذ فيها الكتاال أو كان قززد قززرأ قبززذ ذلز وأعززاد‬

‫القراءة مرة أ رى؟‪ .‬قرأ كتاال الرسول ﷺ أمززاا أيب سززفيان ومززن معززه مززن العززرال وأمززاا‬

‫الرومان املوجودين وبدأ يقرأ الكلامت العجيبة التي ذكرناهززا قبززذ ذلز مززن الرسززول عليززه‬

‫‪774‬‬
‫السالا ليهم وفيها دعوة ححية ىل د ول اإلسالا فززام أن انتهززى مززن القززراءة اتززى سززمع‬

‫أصوات ًا عالية جد ًا وكثر اللغو وارتفعت ازصوات يف كذ مكان وضجت القاعة بززا عرتا‬

‫وعلززامء الززدين‬ ‫عىل كذ كلمة من كلامت هذا الكتاال النبوي فةعامء النصارى وأمراء اجليو‬

‫كذ هؤ ء رفضوا ام ًا هذ الدعوة الكريمة من رسول اهلل ﷺ وعندما اصذ هذا الكالا أمر‬

‫هرقذ بزأيب سفيان ومن معه من التجار أن خيرجوا من القاعة‪.‬‬

‫تصور معي موقف أيب سفيان وهو يرى رهبة هرقذ عندما سمع قصة املصززطفى ﷺ وموقفززه‬

‫عندما رأى قناعة هرقذ الذي سمع عن الرسول ﷺ مرة واادة وأبو سفيان له سززنني وسززنني‬

‫مع الرسول ﷺ ومل يؤمن برسالته بعد وتصور موقفه وهو يسمع رسالة رسول اهلل ﷺ القويززة‬

‫التي وجهت ىل زعامء الدول العاملية الكربى يف ذل الوقت فهذا الكالا ترك أ ر ًا نفسي ًا هائ ً‬
‫ال‬

‫عند أيب سفيان اتى نه رضال يد ًا باز رى متعجب ًا وقال (لقد َأ ِمر أمززر ابززن أيب كبشززة)‪ .‬أي‬

‫َعظم أمر ابن أيب كبشة يقصد الرسول ﷺ‪ .‬م قال نه ليخافه مل بنززي ازصززفر‪ .‬أي هززذا‬

‫هرقذ زعيم الرومان خيشى الرسول ﷺ‪ .‬شز أن هززذا احلززدث سززيحفر امز ًا يف ذهززن أيب‬

‫سفيان سيكون له بعد ذل أبلغ از ر يف قرارات أيب سفيان وسنرى مواقف عجيبة جد ًا من‬

‫أيب سفيان ىل أن يسلم بعد ذل يف فتح مكة‪.‬‬

‫موقف هرقذ بعد قراءة رسالة النبي ﷺ‬

‫لقد كان هرقذ عىل استعداد تباع الرسول ﷺ لكن يف املقابذ كانت هناك ورة كبرية جد ًا يف‬

‫ام ًا فكرة اإلسززالا وأدرك هرقززذ أنززه ذا أعلززن رغبتززه يف اتبززاع‬ ‫دا ذ البالط امللكي ترف‬

‫الرسول ﷺ فإن عليه أن يغامر بملكه وعليه أن خياطر بسيادته عىل شعبه وقد ينةعه ازمززراء‬

‫نةع ًا من رئاسة البلد اتى نه يف رواية قال لز داية بن ليفة الكلبي الذي هو رسول رسززول‬

‫اهلل ﷺ (واهلل ين زعلم أن صااب نبي مرسذ وأنززه الززذي كنززا ننتظززر ونجززد يف كتابنززا‬
‫‪775‬‬
‫تبعته)‪ .‬يف رواية أ رى ذكرها ابن كثري رْحه اهلل‬ ‫ولكني أ اف الروا عىل نفيس ولو ذل‬

‫عليززه هرقززذ الكتززاال فلززام قززرأ‬ ‫أن هرقذ اتبع ازسقف ازكرب للرومان فد ذ عليه فعززر‬

‫ازسقف الكتاال قال (هو واهلل الذي برشنا بززه موسززى وعيسززى الززذي كنززا ننتظززر )‪ .‬قززال‬

‫هرقذ (فام تأمرين؟) قال ازسقف أما أنا فإين مصدقه ومتبعه‪ .‬ازسززقف ازكززرب آمززن‪ .‬فقززال‬

‫ولكني أستطيع أن أفعذ) أي أنا أعرف أنه نبي لكن أسززتطيع‬ ‫قيرص (أعرف أنه كذل‬

‫أن أتبعه و ن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروا‪.‬‬

‫ويف رواية أ رى أن هذا ازسقف كان اسمه َصز َغاطر وأنززه ززرج ىل الرومززان ودعززا يززع‬

‫الرومان ىل اإليامن باهلل تعاىل و ىل اإليامن برسوله الكريم ﷺ وأعلن الشهادة أمززاا اجلميززع‬

‫اهلل وأن ومد ًا رسول اهلل‪ .‬فامذا عمذ الناس؟ قاا الناس كلهم ليه فرضززبو‬ ‫له‬ ‫أشهد أنه‬

‫اتى قتلو ‪.‬‬

‫هذا ازسقف كان أعظم شخصية يف الدولة الرومانية وهو أعلم من هرقذ عند الناس وعلززم‬

‫هرقذ بقتذ هذا الرجذ ازسقف الكبري فلم يستطع أن يفعذ أي يشء مع من قتله وهذا د لززة‬

‫عىل ضعفه الشديد أماا الكريس الذي جيلس عليه‪ .‬هرقذ عقد مقارنة رسيعة جززد ًا بززني امللز‬

‫واإليامن وبني احلياة ممكن ًا وبني املوت شهيد ًا فأ ذ القرار بمنتهززى السززهولة وا تززار امللز‬

‫اإليامن والشهادة مل يكن ذل لعدا تيقنه مززن أمززر الرسززول ﷺ لكنززه ضززن‬ ‫واحلياة ورف‬

‫بملكه وضحى باإليامن‪.‬‬

‫أمر اإليامن واضح جد ًا و عجاز القرآن ظاهر وطريق اإلسالا مستقيم والد ئذ عىل صدق‬

‫هذا الدين بينة وقاهرة وظاهرة للجميع واإلنسان هو الذي خيتار وعىل قززدر قيمززة اليشززء يف‬

‫نفس اإلنسان يضحي والناس كلها تضحي و أاد يستطيع أن جيمع كذ يشء والوااد قد‬

‫وآ ر قد يضحي باملل من أجذ أن يأ ذ اإليامن فز‬ ‫يضحي باإليامن من أجذ أن يأ ذ املل‬
‫‪776‬‬
‫هرقذ وأمثاله ينطبق عليه قول اهلل عة وجذ { َو َج َحدوا ِ َهبا َو ْ‬
‫اس َت ْي َقنَت َْها َأنْفسزه ْم ظ ْلز ًام َوعلزوا}‬

‫احل هق ِمز ْن َر ُبكز ْم َف َمز ِن ْاه َتزدَ ى‬


‫[النمذ ‪ ]14‬ويقول اهلل عة وجذ {ق ْذ َيا َأ ه َا النااس َقدْ َجا َءكم ْ َ‬
‫َفإِن َاام َ ْت َِدي لِنَ ْف ِس ِه َو َم ْن َض اذ َفإِن َاام َي ِض هذ َع َل ْي َها َو َما َأنَا َع َل ْيك ْم بِ َو ِك ٍ‬
‫يذ} [يونس ‪.]108‬‬

‫هرقذ يمكن أن يعذر يف عدا سالمه مهام كانت فتنته ومهام كان راغب ًا يف امللز راهبز ًا مززن‬

‫املوت؛ زن اإليامن يوزن ىل جوار يشء‪ .‬يعلق اإلماا النووي رْحه اهلل عززىل موقززف هرقززذ‬

‫فيقول و عذر له يف هذا؛ عذر له يف ترك اإليامن مهام كان سيضيع منه أو سيقتذ زنززه قززد‬

‫عرف صدق النبي ﷺ و نام شح باملل وطلب الرئاسة ويقول احلافظ ابن اجززر العسززقالين‬

‫رْحه اهلل أيض ًا تعليق ًا عىل هذا احلديث ولو تفطن هرقذ لقوله ﷺ يف الكتاال (أسلم تسززلم)‬

‫وْحذ اجلةاء عىل عمومه يف الدنيا واآل رة وأسلم لسلم له كذ الدنيا وكذ اآل رة لسلم مززن‬

‫كذ ما خيافه ولكن التوفيق بيد اهلل عة وجذ‪.‬‬

‫اهلدايا لرسول اهلل ﷺ ومل يفكر‬ ‫هرقذ بعد كذ هذا اليقني اكتفى بأنه حي ُمذ داية الكلبي بع‬

‫يف قضية اإليامن مع أنه كان يعلم أنه يف يوا من ازياا سي ول كذ ملكه الذي حيكمه ىل رسول‬

‫اهلل ﷺ كان يوقن بذل ؛ زن ذل موجود يف التوراة واإلنجيذ وقد قال قبذ ذل بوضوح يف‬

‫اوار مع أيب سفيان ( نه سززيمل موضززع قززدمي هززاتني) وعنززدما غززادر بيززت املقززدس ىل‬

‫القسطنطينية قال وقد أرشف عىل الشاا اني طلع فوق ربوة عالية وأطذ عىل الشاا بكاملهززا‬

‫سوريا؛ يسلم عليها تسليم الوداع وأنه لززن يرجززع ليهززا مززرة‬ ‫م قال السالا علي يا أر‬

‫أ رى‪ .‬أدرك أن هذ البالد لن تبقى بعد هذا الظهور هلززذا النبززي الكززريم ﷺ حتززت سززيطرته‬

‫وبعد كذ هذ القناعة برسول اهلل ﷺ وكذ هذا اليقني بنبوتززه مل يقززف هرقززذ عنززد اززد عززدا‬

‫حلززرال املسززلمني مززع اساسززه‬ ‫تلززو اجليززو‬ ‫اإليامن ومل يقبذ باحلياد ولكن سري اجليززو‬

‫الدا يل أنه سيهةا وأنه ليس من املمكن أبد ًا أن ينترص عىل نبي و عىل أتباع نبي لكززن هززذا‬

‫‪777‬‬
‫إلاساس مل يمنعه من اتباع الشياطني وواولة مقاومة هذا الدين اجلديد اإلسززالا بدايززة مززن‬

‫مؤتة ومرور ًا بتبوك وبعد ذل معززارك متتاليززة كثززرية يف فلسززطني وازردن وسززوريا ولبنززان‬

‫من اوله ومززع ظهززور‬ ‫وتركيا‪ ..‬وغريها ومع فشله يف كذ هذ املعارك ومع تناقص ازر‬

‫أن هرقذ مل يؤمن ويبدو أن فتنة الكريس تعدهلا فتنة‪.‬‬ ‫صدق الرسول ﷺ يوم ًا بعد يوا‬

‫هذا كان موقف الدولة الرومانية اعتذار مهذال م بعد ذل ارال رضوس وهززذا املوقززف‬

‫نرا كثري ًا جد ًا يف التاريخ والواقع نرا كثري ًا من زعززامء وأمززراء وعلززامء ورجززال ديززن العززامل‬

‫يعرفون صدق اإلسالا ويعرفون نبوة الرسول ﷺ لكنهم يرفضون هذ النبززوة افاظز ًا عززىل‬

‫ازاززايني قامززة العالقززات الدبلوماسززية‬ ‫كراسيهم وشح ًا بملكهم هم قد حياولون يف بع‬

‫اللطيفة من تبادل اهلدايا مع املسلمني مثذ ما عمذ هرقذ لكن اززت ًام سززيأيت يززوا تقززف فيززه‬

‫اهلدايا ويبدأ فيه الرصاع وبد ً مززن كلززامت التحيززة سززيكون التهديززد واإلنززذار وبززد ً مززن‬

‫الرسائذ والسفراء ستكون القذائف واجليززو ‪ .‬يقززول اهلل عززة وجززذ يف كتابززه الكززريم } َو‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ي َةال َ ِ‬
‫اس َت َطاعوا{ [البقرة ‪.]217‬‬‫ون ي َقاتلونَك ْم َاتاى َير هدوك ْم َع ْن دينك ْم ِن ْ‬ ‫َ‬

‫ذا كنا وقفنا هذ الوقفة مع رد فعذ هرقذ واإلمرباطورية الرومانية من رسالة النبي ﷺ فالبد‬

‫أن نقف وقفة مما لة مع رد فعذ كرسى فارس واإلمرباطورية الفارسززية وهززي الدولززة الثانيززة‬

‫ال يف البداية ىل اإلسالا م ارب ًا‬


‫التي تقتسم العامل مع الدولة الرومانية‪ .‬لقد رأينا من هرقذ مي ً‬

‫ومقاومة‪.‬‬

‫موقف كرسى مل فارس من رسالة النبي ﷺ له‬

‫أما كرسى فارس وكان اسمه بروية بن هرمة وقد ظهر عداؤ لالسززالا مززن أول حلظززة قززرأ‬

‫فيها اخلطاال وكان ينوي تدمري هذا الدين اجلديد وارال هززذا الرسززول الكززريم ﷺ وكززان‬

‫‪778‬‬
‫طاال الرسول ﷺ لكرسى هو نفس طاال هرقذ ىل اد كبري بدأ فيه بالبسززملة ززم بعززد‬

‫ذل قال (من ومد رسول اهلل ﷺ ىل كرسى عظيم فارس) م بعد ذل دعا ﷺ كرسززى ىل‬

‫ازلفاظ لتناسب كسززرى فززارس والديانززة‬ ‫الد ول يف اإلسالا لكن مع تغيري يسري يف بع‬

‫لززه‬ ‫التي هم عليها قال ﷺ (سالا عىل من اتبع اهلدى وآمن باهلل ورسوله وشززهد أنززه‬

‫رشي له وأن ومد ًا عبد ورسوله و‪h‬دعززوك بدعايززة اهلل فززإين رسززول اهلل ىل‬ ‫اهلل واد‬

‫َان َايا َو َحيِ اق ا ْل َق ْول َع َىل ا ْلكَافِ ِري َن} [يززس ‪ ]70‬فأسززلم تسززلم فززإن‬
‫الناس كافة {لِين ِْذ َر َم ْن ك َ‬

‫أبيت فإن م املجوس علي ) طاال يف منتهى القوة‪.‬‬

‫غضب كرسى غضب ًا شديد ًا عندما سمع هذا اخلطاال وتعامذ معه بسطحية بالغززة مل يلتفززت‬

‫ىل املعاين التي فيه و ىل الرسالة التي يشري ليها اخلطاال لكن كذ الذي نظر ليه الشكليات‬

‫التي يف اخلطاال فأمس اخلطاال ومةقه وقال يف غطرسة )عبززد مززن رعيتززي يكتززب اسززمه‬

‫قبيل( وسب الرسول ﷺ فلام وصلت هذ الكلامت ىل النبي ﷺ قال ﷺ (مةق اهلل ملكه)؛‬

‫زنه مةق الكتاال وبالفعذ ففي غضون سنوات قليلة جد ًا من هززذ ازاززداث مززةق اهلل عززة‬

‫الفارسززية وسززقطت اإلمرباطوريززة‬ ‫وجذ مل كرسى ام ًا وامتل املسلمون كززذ ازرا‬

‫‪.‬‬ ‫الفارسية ام ًا وكانت تسيطر عىل مسااات هائلة من ازر‬

‫هذ هي النبوة يف مواجهة الغطرسة املجوسية الكافرة لكن كرسى فارس بروية مل يكتف هبذ‬

‫بذ ااول أن يعتقذ رسول اهلل ﷺ من أجذ أن يعاقبززه بنفسززه‬ ‫الكلامت وبتقطيع اخلطاال‬

‫فأرسذ رسالة ىل عامله الفاريس عىل بالد اليمن وكانت اليمن مستعمرة فارسية وهي قريبززة‬

‫من املدينة املنورة فأرسذ رسالة ىل عامذ اليمن واسمه باذان وكززان فارسززي ًا وطلززب منززه أن‬

‫يبعث رجلني من رجاله ليأتيا برسول اهلل ﷺ ىل املدائن عاصمة فززارس‪ .‬انظززروا يبعززث ا نززني‬

‫فقو من الرجال ليأتيا بةعيم املدينة املنورة وانظروا كيف كانت نظرة كرسى فززارس للعززرال‬

‫‪779‬‬
‫بعث ا نني مززن الرجززال ومل يبعززث جيشز ًا ليأتيززا برسززول اهلل ﷺ ىل املززدائن عاصززمة الدولززة‬

‫فسززيقتذ وسززيهل كرسززى قومززه وخيززرال بززالد‬ ‫الفارسية وقال هلام أ ربا ن هو رفز‬

‫فذهب الرسو ن ىل الرسول ﷺ وقا له هذا الكززالا فطلززب الرسززول ﷺ طلززب مززنهام يف‬

‫أدال جم أن ينتظرا ىل اليوا التايل وسريد عليهام وجلسا يف املدينة تل الليلة ويف هذ الليلززة‬

‫التي جاء فيها رسو كرسى أتى الواي ىل رسول اهلل ﷺ وأ رب بنبأ عجيب أ رب أن هززذا‬

‫الةعيم الفاريس املتغطرس بروية قتذ يف نفس الليلة ومن الذي قتله؟ قتلززه ابنززه شززريويه بززن‬

‫بروية وكانت هذ الوقعة يف ليلة الثال اء ‪ 10‬ادى اآل رة سنة ‪ 7‬هز ويف اليوا التايل أرسذ‬

‫الرسول ﷺ ىل الرسولني وجلس معهام وقال هلام ( ن ريب سبحانه وتعاىل قتذ ربكززام الليلززة)‬

‫أنكتززب‬ ‫(هذ تدري ما تقول؟ نا قد نقمنا علي ما هو أيرس من ذلز‬ ‫ففةع الرسو ن وقا‬

‫عن هبذا ونخرب املل باذان الذي هو مل فارس يف اليمن؟) فقال ﷺ يف منتهى الثقة (نعززم‬

‫أ ربا ذاك عني) ليس هذا فحسب بذ قال هلام يف يقني (وقو له أيض ًا ن دينززي وسززلطاين‬

‫سيبلغ ما بلغ كرسى وينتهي ىل اخلف واحلززافر وقززو لززه ن أسززلمت ‪-‬خياطززب بززاذان ‪-‬‬

‫أعطيت ما حتت يدي و َم الكت عىل قوم ) والرسززول ﷺ عززاملهام معاملززة امللز الكززريم‬

‫وْحلهام باهلدايا وأعادمها ىل بززاذان مززرة أ ززرى ووصززذ الرسززو ن ىل بززاذان ملز الززيمن‬

‫الفاريس وقا له ما قاله الرسززول ﷺ وكززان بززاذان رجز ً‬


‫ال عززاقالً؛ فإنززه عنززدما سززمع هززذ‬

‫و ين زرى الرجذ نبي ًا كام يقول وليكززونن مززا قززال‬ ‫الكلامت قال (واهلل ما هذا بكالا مل‬

‫فل ن كان هذا اق ًا فهو نبي مرسذ) أي كيف عرف أن هناك شززي ًا اصززذ يف املززدائن وهززي‬

‫عىل بعد م ات الكيلو مرتات يف ذل الةمن؟ م قززال (و ن مل يكززن الززذي قالززه فسززنرى فيززه‬

‫رأينا) وذهبت ازياا وجاء طاال من الةعيم اجلديد يف بالد فارس شريويه بززن برويززة جززاء‬

‫‪780‬‬
‫طاال ىل باذان عامذ اليمن يقول له فيه نه قد قتذ أبا بروية؛ بسبب أنززه قتززذ الكثززري مززن‬

‫أرشاف فارس وكاد أن يودي بفارس ىل اهلالك‪.‬‬

‫وصذ هذا اخلطاال ىل باذان ادد باذان الليلة التي قتذ فيها بروية فوجد أعا نفززس الليلززة‬

‫التي اددها الرسول ﷺ فأيقن أن هذا رسول من عند اهلل عة وجذ وأن الذي أ ززرب بززذل‬

‫واي من عند اهلل عة وجذ؛ زن املسافات بني املدينة واملدائن هائلة ومستحيذ عىل أهذ ذلز‬

‫الةمن بأي صورة من الصور أن يعلموا ازاداث التي حتدث يف كذ بلد وأنه يززتم هززذا‬

‫بمعجةة ارقة فعند ذل علم باذان أن هززذا رسززول وأ ززذ القززرار الززذي مل يسززتطع آ ف‬

‫وآ ف غري أ ذ أ ذ قرار اإلسالا وسبحان اهلل الذي دي من يشاء ىل حاط مسززتقيم‬

‫فأسلم باذان واسن سالمه وأسززلم أبنززاؤ وأسززلم كززذ الفززرس تقريبز ًا يف الززيمن وأسززلم‬

‫الرسو ن اللذان بعثهام باذان ىل رسول اهلل ﷺ م أسلم بعد ذل كثري من أهذ اليمن‪.‬‬

‫هززذ ازاززداث تفرس ز لنززا قززول اهلل عززة وجززذ } َو َم زا َر َم ْي ز َت ِ ْذ َر َم ْي ز َت َو َل ِك ز ان اهللاَ َر َم زى{‬

‫[ازنفال ‪ ]17‬الرسول ﷺ نام أرسذ رسالة ىل كرسى فارس يريد سالا شعب فارس الذي‬

‫هو يف الشامل الرشقي من املدينة املنورة ويريد اهلل عة وجذ أن يسلم هبذ الرسالة شعب اليمن‬

‫الذي هو يف اجلنوال وهو بعيد جد ًا عن منطقة فارس وهذا يلفت نظرنا ليشء مهززم جززد ًا أ‬

‫وهو أن جهد الداعية يضيع بذ يبقى جهد الداعية وينترش ولكن ليس بالرضورة أن ينترشز‬

‫يف ا جتا الذي يريد الداعية فاهلل عة وجذ يسري الكون بنظاا بديع وتنسيق وكم واكمززة‬

‫بالغة والقلوال بني أصابع الرْحن يرصفها كيف يشاء فأنت أ ا الداعية علي الززدعوة واهلل‬

‫سبحانه وتعاىل يفتح القلوال‪ .‬بالفعذ كان الرسول ﷺ عند وعد فقززد أعطززى و يززة الززيمن‬

‫اهلل عنه وكان سالا اليمن ضافة كبرية جد ًا لقوة املسلمني‪.‬‬ ‫لزباذان ر‬

‫‪781‬‬
‫أما كرسى فارس اجلديد شريويه بن بروية مع أنه توقف عن طلب الرسول ﷺ وتوقف عززن‬

‫أنه مل يفكر يف اإلسززالا أصز ً‬


‫ال وبززذل‬ ‫التفكري يف عقاال رسول اهلل ﷺ كام كان يريد أبو‬

‫جتمدت تقريب ًا العالقات بني الدولة اإلسززالمية والدولززة الفارسززية التززي حتركززت بعززد ذلز‬

‫اهلل عنه عندما بدأت الفتواات اإلسالمية‪ .‬هذا كززان موقزف‬ ‫بسنوات يف عهد الصديق ر‬

‫الدولة الفارسية من طاال ورسالة النبي ﷺ‪.‬‬

‫موقف هوذة بن عيل صااب الياممة من رسالة النبي ﷺ له‬

‫أما هوذة بن عيل صااب الياممة فإنه عندما وصلت ليززه الرسززالة مل يفكززر يف اإلسززالا؛ زنززه‬

‫أعجب باإلسالا لكنه فكر فيه زنه شعر بقوة الرسول ﷺ وتنبأ لدولة الرسول ﷺ بمستقبذ‬

‫الرسول ﷺ وأرسذ له رسالة قال فيها (مززا أاسززن مززا‬ ‫كبري من أجذ ذل قرر أنه يفاو‬

‫ازمر أتبع ) هذ مساومة‪.‬‬ ‫تدعو ليه وأ له والعرال هتاال مكاين فاجعذ يل بع‬

‫الرسول ﷺ يف رسالته ىل هوذة بن عيل وعد أن يعطيه ما حتت يديه من الياممة ن أسلم لكززن‬

‫هوذة بن عيل رغب يف مساومة الرسول ﷺ اتى يأ ذ ملك ًا أكززرب وعلززق سززالمه عززىل هززذا‬

‫أن يعطي اإلمززارة ملززن يطلبهززا‬ ‫أن يطلب أاد اإلمارة ويرف‬ ‫الرشط والرسول ﷺ يرف‬

‫اهلل عنه وأرضا قززال ( نززا واهلل‬ ‫كام جاء يف البخاري ومسلم عن أيب موسى ازشعري ر‬

‫نويل هذا العمذ أاد ًا سأله و أاد ًا ارو عليه) ملاذا كززان الرسززول ﷺ يمنززع اإلمززارة ملززن‬

‫يطلبها؟ زنه يعلم أن من سيتوىل اإلمارة وهو اريص عليها فلن يعود رضر عليه فقو ولكن‬

‫سيعود الرضر عىل كذ من يقود؛ زنه مفتززون باإلمززارة وسيضززحي مززن أجلهززا مززن أجززذ‬

‫اإلسززالا مززع اسززتمرار يف اإلمززارة سززيرتك اإلسززالا ويتمسز‬ ‫اإلسالا وزنه لو تعززار‬

‫باإلمارة وهنا قد يتبعه قومه وستكون كار ة ومشكلة كبرية؛ من أجذ ذلز مل يكززن الرسززول‬

‫ﷺ يعطي اإلمارة زاد طلبها ومن أجذ ذل ع الق الرسول ﷺ عىل موقززف هززوذة بززن عززيل‬
‫‪782‬‬
‫ما فعلت) م تنبأ له باهللكة قال (باد وباد مززا يف يديززه)‬ ‫وقال (لو سألني قطعة من ازر‬

‫وحتقق تنبؤ الرسول ﷺ بعد أقذ من سنتني ايث مات هوذة بن عيل وفقد ملكه ومل يسلم‪.‬‬

‫موقف احلارث بن أيب شمر الغساين أمري دمشق من رسالة النبي ﷺ له‬

‫من الةعامء الذين أرسذ ليهم الرسول ﷺ الرسائذ احلارث بن أيب شمر الغساين أمري دمشززق‬

‫وكان هذا الرجذ نرصاني ًا تابع ًا لز هرقذ قيرص الروا وكان رد تقريب ًا نفززس رد كرسززى زعززيم‬

‫مززن‬ ‫فارس ألقى اخلطاال وقال (من ينةع ملكي مني؟ أنا سائر ليه) وبدأ يف جتهية اجليززو‬

‫أجذ أن يغةو املدينة املنورة لكن قبذ أن يفعذ هذا أاب أن يستأذن هرقذ وبعث لززه برسززالة‬

‫فتةامن وصول رسالة احلارث مع وصول رسالة الرسول ﷺ ىل هرقذ فز هرقذ قززال لززه‬

‫فانصززاع‬ ‫ندري ماذا سيحدث بعد ذل من ازاززداث؟ فززأمر أ يرسززذ اجليززو‬ ‫انتظر‬

‫وعندما علم الرسززول ﷺ رد فعززذ احلززارث قززال‬ ‫احلارث ىل كالا هرقذ ومل يرسذ اجليو‬

‫(باد ملكه) وصدق الرسول ﷺ ما لبث أن مات وباد ملكه ام ًا بذ د ذ ملكه بعد ذل يف‬

‫مل املسلمني‪.‬‬

‫هذ كانت ردود ازفعال املختلفة لدعوة الرسول ﷺ للعاملني وكام رأينا ا تلف رد الفعذ من‬

‫لالسززالا ىل اززرال اإلسززالا‬ ‫يامن رسيع ىل تفكري م سالا ىل اياد مؤدال ىل رفز‬

‫ردود خمتلفة واهلل دي من يشاء ىل حاط مستقيم‪.‬‬

‫نخلص من كذ هذ الرسائذ ىل أنه ليس من واجب الداعية أن يفتح قلوال الناس ىل اإلسالا‬

‫أبد ًا لكن من واجب الداعية أن يصذ ليهم بدعوته بيضاء نقية م بعد ذل فإن اهلل سززبحانه‬
‫وتعاىل سيفتح قلوال من يشاء ىل اهلدى واإليامن قال تعززاىل {مزا َعز َىل الرسز ِ‬
‫ول ِ ا ْالز َبالغ}‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫[املائدة ‪ ]99‬والرسول ﷺ عمذ هذا البالغ عىل أتم ما يكون‪.‬‬
‫‪783‬‬
‫نظرة حتليلية اول رسذ رسول اهلل ﷺ ىل زعامء ورؤساء وملوك العامل‬

‫بقي لنا يف موضوع هذ املراسالت العظيمة أن ننظر نظززرة حتليليززة يف السززفراء الكززراا الززذين‬

‫ا تارهم الرسول ﷺ إليصال الرسائذ ىل زعامء وأمراء العامل‪.‬‬

‫سنالاظ عدة مالاظات يلة جد ًا‬

‫أو ً هؤ ء الرسذ يع ًا عندما تنظر ىل أسامئهم جتد أعم من قبائذ خمتلفة فزززعمرو بززن أميززة‬

‫من بني َض ْمرة وهو الذي أرسذ ىل النجايش ‪.‬‬

‫و العالء بن احلرضمي من ارضموت اليمن وأرسذ ىل املنذر بن ساوى أمري البحرين‪.‬‬

‫و عبد اهلل بن اذافة من بني سهم وأرسذ ىل كرسى فارس‪.‬‬

‫و داية بن ليفة من بني كلب وأرسذ ىل قيرص الروا‪.‬‬

‫و ااطب بن أيب بلتعة من بني خلم وأرسذ ىل املقوقس يف مرص‪.‬‬

‫و سليو بن عمرو من بني عامر وأرسذ ىل هوذة بن عيل بالياممة‪.‬‬

‫و شجاع بن وهب من بني أسد وأرسذ ىل احلارث بن أيب شمر يف دمشق‪.‬‬

‫تالف يف القبائذ ش أنه شارة واضحة جززد ًا مززن الرسززول ﷺ ىل كززذ املسززلمني‬ ‫هذا ا‬

‫سواء يف املدينة أو يف ارج املدينة و ىل كذ العرال املراقبني لألاززداث و ىل كززذ دول العززامل‬

‫التي أرسذ ليها السفراء و ىل كذ املحللني والدارسني للسرية عىل مدار السنني ىل يومنا هززذا‬

‫و ىل يوا القيامة أن هذ الدعوة ليست قبلية أبد ًا بذ هي دعوة تضم بني طياهتا أفراد ًا من كززذ‬

‫قبائذ العرال وهؤ ء السفراء كانوا بمثابززة الصززورة اجلديززدة املرجززوة هلززذ ازمززة وواززدة‬

‫العناح املختلفة عىل رباط وااد فقو هو رباط العقيدة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪784‬‬
‫صحايب وااد فقو وهو عبد اهلل بن‬ ‫امللحوظة الثانية أن قريش ًا مل يمثلها يف هذ السفارات‬

‫اهلل عنه وبقية السفراء يع ًا ليسوا من قريش‪.‬‬ ‫اذافة السهمي القريش ر‬

‫النظززر‬ ‫وهذ شارة من الرسول ﷺ أن ازصلح هو الذي يعطى العمذ ويكلف باملهمة بغ‬

‫مع أن اجلميززع يعززرف أن قريشز ًا هززي أعززىل‬ ‫عن النسب واملكانة العائلية والقبلية وما ىل ذل‬

‫لعله من ازصلح وازفضذ أن نجعذ كذ السفراء من قريش؛‬ ‫العرال نسب ًا وقد يقول البع‬

‫زجذ رفع قيمتهم عند زعامء العامل لكن مثززذ هززذا سززيرتك رسززالة عكسززية سززلبية وهززي أن‬

‫يف ازرشاف وهذا ليس صززحيح ًا ازكفززأ وازفضززذ هززو الززذي حيمززذ‬ ‫السفارة تكون‬

‫الرسالة‪.‬‬

‫امللحوظة الثالثة أن التمثيذ القريش مل يكن فقو يسري ًا يف هؤ ء السفراء و نام كان التمثيززذ يف‬

‫بني هاشم منعدم ًا ام ًا وهذ شارة واضحة جد ًا من الرسول ﷺ أنه جيززب أبززد ًا أن تعطززى‬

‫النظر عن قرابتهم أو عالقتهم بالقائد فالقائززد املتجززرد اقز ًا‬ ‫لألكفاء بغ‬ ‫املناصب اهلامة‬

‫هو الذي ينظر ىل مصلحة ازمة مصلحة القبيلة و تم بقضايا الشعب قضايا العائلة‪.‬‬

‫امللحوظة الرابعة يف هؤ ء السفراء الكراا أعم يع ًا من املهاجرين يوجززد فززيهم أنصززاري‬

‫سززنجدها تقريبز ًا يف كززذ مززواطن‬ ‫وااد وهذ امللحوظة ليست اصززة هبززؤ ء السززفراء‬

‫السرية قلام تقلد أنصاري منصززب ًا هامز ًا أو قياديز ًا يف الدولززة اإلسززالمية؛ ولعززذ ذلز ليبقززى‬

‫اهلل‬ ‫ازنصاري رمة ًا يف املسلمني يعطي و يأ ذ وأنتم تعرفون أهم سمة يززة ازنصززار ر‬

‫ون َعز َىل َأنْف ِسز ِه ْم{‬


‫عنهم وأرضاهم أعا صفة اإليثار كام وصززفهم اهلل تعززاىل وقززال } َويز ْؤ ِر َ‬

‫اهلل عززنهم‬ ‫مطمز ن وازنصززار ر‬ ‫بد أن يبقى مث ً‬


‫ال يؤ ر عىل نفسه وهو را‬ ‫[احلرش ‪]9‬‬

‫يف اياة الرسززول ﷺ و بعززد وفاتززه ﷺ كززانوا مززث ً‬


‫ال‬ ‫أ عني ما نالوا من الدنيا شي ًا يذكر‬

‫رائع ًا للعطاء بال ادود؛ لاليثار دون تردد فمن ازفضذ أن يظلوا هبذ الصفة دائ ًام؛ مززن أجززذ‬
‫‪785‬‬
‫اهلل عنززه‬ ‫ذل الرسول ﷺ مل يعطهم السززفارة و القيززادة جززاء يف البخززاري عززن أنززس ر‬

‫وأرضا عن أسيد بن اضري أ رب (أن رج ً‬


‫ال من ازنصار جاء ىل الرسول ﷺ وقززال لززه يززا‬

‫رسول اهلل أ تستعملني كام استعملت فالن ًا؟ فقال ﷺ سززتلقون ‪-‬خياطززب ازنصززار عامززة‪-‬‬

‫)‪ .‬أي أمر ازنصار أ يبحثوا أبد ًا عىل اإلمارة؛‬ ‫بعدي َأ َ رة فاصربوا اتى تلقوين عىل احلو‬

‫اهلل عنهم‪.‬‬ ‫اتى يبقى دائ ًام مثذ اإليثار واضح ًا نقي ًا عندهم ر‬

‫ليس معنى هذا أن املهاجرين كانوا يتشززوفون لالمززارة أو يرغبززون يف السززفارة أبززد ًا بززذ عززىل‬

‫العكس املهاجرون باعوا الدنيا ام ًا وهذ السفارات عىل رشفهززا طززرية جززد ًا وقززد يكززون‬

‫اهلل عنززه‬ ‫منها اياة السفري وسنرى هذا الكالا فع ً‬


‫ال بعد ذلز مززع احلززارث بززن عمززري ر‬

‫وأرضا عندما يقتذ عىل يد رشابيذ بن عمرو الغساين وسيكون قتله سززبب ًا يف غززةوة مؤتززة‬

‫وسنرى هذا يف الدروس القادمة‪ .‬نخلص من ذل ازمر أن ازنصار يرهبون السززفارة و‬

‫املهاجرون يرغبون فيها لكن كذ يؤدي ما يناسبه وكذ ميرس ملا لق له‪.‬‬

‫كذل هناك أمر مهم جد ًا وهو أن ازنصار يقلون مع مرور الوقت والناس اوهلم تكثر مززن‬

‫اهلل‬ ‫مهاجرين وغري مهاجرين كام قال ﷺ يف احلديث الذي روا البخاري عن ابن عباس ر‬

‫عنهام أن رسول اهلل ﷺ قال ( ن الناس يكثرون ويقذ ازنصار اتى يكونوا يف الناس بمنةلززة‬

‫امللح يف الطعاا) فليس من احلكمة أن يظن الناس أن قيادة ازنصار زمة؛ من أجذ أعم أهذ‬

‫املدينة التي أقيمت الدولة اإلسالمية عىل أكتافهم م بعد ذل يفتقد الناس ازنصار لقلززتهم‬

‫بذ ازفضذ أن يستمر يف اإلمارة والسفارة املهاجرون الذين تتةايد أعدادهم تدرجيي ًا وهلززم‬

‫مكانة كبرية جد ًا يف قلززوال العززرال قاطبززة وازنصززار سززيكونون مسززاعدين للمهززاجرين يف‬

‫اهلل عنه وأرضا يوا السقيفة بعد وفاة الرسول‬ ‫اكمهم وقيادهتم كام قال سعد بن عبادة ر‬

‫‪786‬‬
‫ﷺ خماطب ًا املهاجرين (أنتم ازمراء ونحن الوزراء) وقد فصلنا هذا الكالا كثري ًا عنززدما عززن‬

‫اهلل عنه وأرضا يف يوا السقيفة‪.‬‬ ‫الصديق ر‬

‫امللحوظة اخلامسة هي أن هؤ ء السفراء يعز ًا كززانوا يتصززفون باللباقززة والكياسززة والززذكاء‬

‫والدهاء واسن احلوار ورأينا هذا الكالا كله من الل اوارهم مع زعامء العامل كانوا يع ًا‬

‫عىل قدر املس ولية‪ .‬من أجذ الززنعم عززىل ازمززة أن يوسززد فيهززا ازمززر ىل أهلززه وكانززت هززذ‬

‫السفارات العديدة نقلة نوعية يف و سري الدولة اإلسالمية فقد انتقلت فيها ازمة اإلسالمية‬

‫ومن املحلية ىل العاملية ومن انتظار الفرصة املناسبة للززدعوة‬ ‫من املدينة ىل كذ أقطار ازر‬

‫ىل املبادرة بإرسال دعوات اإلسالا ىل كذ بقعة من بقاع العامل عا نقلة نوعية بكذ املقاييس‪.‬‬

‫‪787‬‬
788
‫‪34‬‬

‫فتح خيرب‬

‫حتدثنا قبل ذلك عن صلح احلديبية‪ ،‬وذكرنا أن صلح احلديبية يعترب نقطة حتول حقيقي ويعتربربرب‬

‫نقلة نوعية يف تاريخ األمة اإلسالمية بكل املقاييس الفارقة‪ ،‬ولذلك بدأ الرسول ﷺ بعربربد اربربذا‬

‫الصلح اهلام يرتب أوراقه من جديد‪ ،‬فقد قام بخطوتني كان من الصعب جد ًا أن يقوم هبام قبربربل‬

‫اذا الصلح‪ :‬اخلطوة األوىل‪ :‬خطوة مراسلة زعامء وملوك العامل‪ ،‬واي خطوة ما كان يستطيع أن‬

‫يقوم هبا أبد ًا قبل صلح احلديبية؛ ألن دولة اإلسالم يف ذلك الوقت كانت دولربربة رب مسربربتقرة‪،‬‬

‫معرتف هبا حتى يف حميط اجلزيرة العربية‪ ،‬فكيف يعرتف هبا عىل مسربربتوا العربربامل‪ ،‬أمربربا بعربربد‬

‫مربربن‬ ‫صلح احلديبية فقد استقرت األوضاع إىل حد كب جربربد ًا يف املدينربربة املنربربورة‪ ،‬وأمربربن النربربا‬

‫احتامل احلرب‪ ،‬واعرتفت قريش بالدولة اإلسالمية‪ ،‬وكذلك اعرتفت القبائل العربية الكربربربا‬

‫هبذه الدولة اجلديدة‪ ،‬بدليل دخول بعض القبائل ‪-‬كخزاعة‪ -‬يف حلربربف الرسربربول ﷺ‪ ،‬ونتيجربربة‬

‫اذا االستقرار بدأ الرسول ﷺ يف نرش اإلسالم عاملي ًا عن طريربربم مراسربربالت عديربربدة إىل زعربربامء‬

‫وملوك العامل كام فصلنا‪.‬‬

‫اذه كانت اي اخلطوة األوىل بعد صلح احلديبية‪ ،‬وتقريب ًا بدأت يف أول حمربربرم سربربنة سربرببع أو يف‬

‫أواخر سنة ست يف آخر ذي احلجة‪.‬‬

‫‪789‬‬
‫اخلطوة الثانية‪ :‬فتح خيرب‪ ،‬وقد قام به ﷺ بمجرد أن انتهى من صلح احلديبية‪.‬‬

‫خيرب كام نعلم مجيع ًا من أكرب التجمعات اليهودية يف اجلزيرة العربية‪ ،‬وملف اليهود بصفة عامربربة‬

‫مع الرسول ﷺ أسود شديد السواد‪ ،‬واذا السواد شمل كل فرتات املعامالت‪ ،‬سواء يف السلم‬

‫أو يف احلرب‪ ،‬أو يف وقت املعاادة التي عقداا مع هيود املدينة بني قينقربرباع وبنربربي النبربرب وبنربربي‬

‫قريظة‪ ،‬كان األصل عند اليهود يف التعامل او اخليانربربة املتكربربررة‪ ،‬والت ربربكيك املسربربتمر يف ديربربن‬

‫اإلسالم‪ ،‬وحماولة إثارة الفتنة عىل الدوام‪ ،‬ثم تطور األمر إىل معارك حقيقية بني املسلمني وبربربني‬

‫هيود القبائل الثالث‪ ،‬وانتهى األمر بإجالء قبيلتي بني قينقاع وبني النب ‪ ،‬وقتل رجال القبيلربربة‬

‫الثالثة بني قريظة‪ ،‬ومل يبم من جتمعات اليهود الكربا يف اجلزيرة إال جتمع خيرب وما حوهلا مربربن‬

‫جتمعات أصغر مثل جتمع تيامء‪ ،‬وجتمع فدك‪ ،‬وجتمع وادي القرا‪ ،‬لكن التجمع الربربرئيس كربربان‬

‫جتمع خيرب‪ ،‬واذا التجمع الكب من أقوا التجمعات اليهوديربربة مطلقربرب ًا‪ ،‬وقربربد ازداد قربربوة بعربربد‬

‫إجالء هيود بني النب ؛ ألهنم انبموا بكل طاقتهم إىل هيود خيرب‪ ،‬وإذا كنا رأينا قبربربل ذلربربك أن‬

‫كل التعامالت اليهودية مع الرسول ﷺ كان فيها خيانربربة و ربربدر وكيربربد وتربربدب مربرب امرات تلربربو‬

‫امل امرات‪ ،‬فإن هيود خيرب مل خيالفوا اذه القاعدة‪ ،‬مع أن عالقة هيود خيرب بالرسول ﷺ مل تكربربن‬

‫مبارشة كالقبائل اليهودية الثالث التي ذكرنااا قبل ذلك‪ ،‬إال أهنم مل يكفوا عن حماولتهم للكيد‬

‫للدولة اإلسالمية يف املدينة املنورة‪ ،‬وأخطر حمربرباوالت ومربرب امرات خيربربرب كانربربت مربرب امرة مجربربع‬

‫القبائل العربية املختلفة حلرب املسلمني يف املدينة املنورة يف زوة األحزاب‪ ،‬فيهود خيرب بعثربربوا‬

‫وفد ًا كب ًا جد ًا مكون ًا من عرشين زعي ًام من زعامء خيرب‪ ،‬باالشرتاك مع بعض زعامء قبيلربربة بنربربي‬

‫مهربربا؛ لتيفيربربز اربربذه‬ ‫النب ‪ ،‬وبدءوا جيوبون القبائل العربية الكربا مثل‪ :‬قريش‪ ،‬و طفان و‬

‫القبائل عىل االجتامع حلرب املسلمني‪ ،‬ومل يكتف هيود خيرب بالربربدور التنسربربيقي ل حربربزاب‪ ،‬بربربل‬

‫بذلوا املال وثامر خيرب لقبائل طفان؛ لكي يدفعواا دفع ًا الستئصال املسلمني‪ ،‬وقبائل طفربربان‬

‫‪790‬‬
‫مرتزقة حياربون باألجر‪ ،‬فخيرب ضيت بنصف ثامراا؛ لكي تربربدفع طفربربان حلربربرب املسربربلمني‪،‬‬

‫وليس اذا فيسب‪ ،‬بل كان هلم دور كب جد ًا يف إقناع بني قريظة بخيانربربة عهربربد الرسربربول ﷺ‪،‬‬

‫واذا الفعل كان سي دي إىل كارثة حقيقية باملدينة املنورة‪ ،‬لوال أن اهلل عز وجربربل لطربربف بعبربرباده‬

‫امل منني‪ ،‬كام فصلنا ورشحنا يف زوة األحزاب‪.‬‬

‫ر م ف ل األحزاب يف زو املدينة إال أن هيود خيرب مل يكفوا أبد ًا عن حماولتهم املبربربنية إليربربذاء‬

‫املسلمني‪ ،‬وثبت أهنم قاموا بالتخابر مع املنافقني يف املدينة املنورة؛ لكي يدبروا م امرات كيديربربة‬

‫للمسلمني‪ ،‬ووصل األمر إىل حماولة ا تيال الرسول ﷺ‪.‬‬

‫وامل امرات حيتاج إىل وقفة مربربن املسربربلمني‪ ،‬وكربربان مربربن‬ ‫واذا التاريخ الطويل من الكيد والد‬

‫األفبل واملناسب أن تكون اذه الوقفة بعد زوة األحزاب مبارشة‪ ،‬لكن مل يكربربن ذلربربك ممكنربرب ًا‬

‫ومتيرس ًا؛ ألن الرسول ﷺ كان خي ى أن تبا ت قريش املدينة املنورة يف أي حلظربربة‪ ،‬ومربربا ربربزوة‬

‫من جديد مليارصة املدينة واقتيامها‪ ،‬فالرسول ﷺ‬ ‫األحزاب عنه ببعيد‪ ،‬ألنه قد جيتمع النا‬

‫ال يستطيع أن يرتك املدينة املنورة بدون جند‪ ،‬وخاصة أن حصون خيرب كانت شديدة التيصني‬

‫والقوة‪ ،‬وأعداد اليهود كب ة جد ًا‪ ،‬وتوقع الرسول ﷺ أن حرب خيرب حتتاج إىل وقربربت طويربربل‪،‬‬

‫فلذلك مل يستطع أن يرتك املدينة‪ ،‬فانتظر حتى تأيت الفرصة املناسبة‪ ،‬واو مل ينس أال خيربربرب ومل‬

‫يقلل من شأهنم‪ ،‬وإنام أجل أال خيرب إىل الوقت املناسب‪ ،‬واذا الوقت الذي انتظربربره الرسربربول‬

‫اا مربربن القبائربربل التربربي حتزبربربت ضربربد‬ ‫ﷺ مل يبيعه‪ ،‬بل قام بيمالت تأديبية لقبائل طفان و‬

‫يعربربة وخاطفربربة‪ ،‬وليسربربت بربربالقوة‬ ‫املسلمني‪ ،‬وكان ما يميربربز كربربل اربربذه احلمربربالت أهنربربا كانربربت‬

‫العسكرية اإلسالمية الكاملة‪ ،‬كل اذا خوف ًا من اجربربوم قربربرا مبا ربربت عربربىل املدينربربة املنربربورة‪،‬‬

‫وكانت اذه االسرتاتيجية سارية وبنجاح حتى صلح احلديبية‪ ،‬لكن بعد صلح احلديبية تغ ت‬

‫األوضاع‪ ،‬فقد أمن الرسول ﷺ من حرب قريش‪ ،‬ووضعت احلرب بني الدولتني ملربربدة ع ربربر‬

‫‪791‬‬
‫سنوات كاملة؛ لذلك أول ما أتم الرسول ﷺ صلح احلديبية اسربربتغل اهلدنربربة التربربي عقربربداا مربربع‬

‫قريش يف تأديب ا الء اليهود الغادرين‪.‬‬

‫عة خروج الرسول ﷺ إىل خيرب‬ ‫أاداف‬

‫خرج رسول اهلل ﷺ وأصيابه إىل خيرب بعد أقل من شهر من عودته من صلح احلديبية يف حمرم‬

‫سنة سبع‪ ،‬وكانت اذه الرسعة ألاداف‪ ،‬منها‪ :‬أنه يريد حفظ كرامة األمة اإلسالمية بالرد عربربىل‬

‫اليهود الغادرين‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أنه ال يأمن در قريش وحلفائها؛ من أجل ذلك بربربادر إىل اربربذه اخلطربربوة قبربربل أن تفكربربر‬

‫قريش يف الغدر أو تستعد له‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أن خرب صلح احلديبية وصل حت ًام إىل هيود خيرب‪ ،‬وقد يتوقعون اجومربرب ًا مربربن املسربربلمني‪،‬‬

‫لذلك كلام كان أ ع كان أفبل قبل أن يستعد اليهود‪.‬‬

‫ومنها‪ :‬أنه أراد أن يرفع معنويات املسلمني املنكرسة بعد صلح احلديبية‪ ،‬فهم مل يكونوا قربربد رأوا‬

‫اخل الذي ترتب عىل صلح احلديبية‪ ،‬فأراد ﷺ أن يعوضهم هبذا الفتح القريب‪.‬‬

‫وفوق كل اذه األاداف أن رب العاملني سبيانه وتعاىل كان قد برش املربرب منني أن انربرباك مغربربانم‬

‫كث ة سييققوهنا بعد صلح احلديبية‪ ،‬كام جاء يف سورة الفتح التي نزلت مبارشة بعربربد الصربربلح‪،‬‬

‫ولعل اذه الغنائم تكون نائم خيرب‪ ،‬وقد كان كام قال اهلل عز وجل يف سورة الفتح‪َ { :‬و َعربربدَ ك ُُم‬

‫وهنَا َف َع هج َل َلك ُْم َا ِذ ِه} [الفربربتح‪ ]20:‬فقولربربه تعربرباىل‪َ } :‬م َغربربانِ َم ك َِثربرب َ ًة{ اربربي‬ ‫ِ ِ‬
‫اهللهُ َم َغان َم كَث َ ًة ت َْأ ُخ ُذ َ‬
‫خيرب من الفتوحات اإلسالمية التي جاءت بعد اذا الصلح العظيم‪ ،‬وقولربربه‪:‬‬ ‫مغانم خيرب و‬

‫(ا ِذ ِه) أي‪ :‬صلح احلديبية‪.‬‬


‫َ‬

‫‪792‬‬
‫سبب عدم قبول الرسول ﷺ خروج املنافقني معه إىل خيرب‬

‫كانت اناك م كلة كب ة جد ًا‪ ،‬واي أن الرسول ﷺ كربربان خائفربرب ًا مربربن خيانربربة املنربربافقني داخربربل‬

‫املدينة املنورة‪ ،‬وكام ذكرنا أن املنافقني يتعاملون مع اليهود‪ ،‬والعالقة بينهم كانت محيمة من أيام‬

‫بني قينقاع وبني النب وبني قريظة‪ ،‬واآلن ثبت أهنم يتعاملون مع هيود خيرب‪ ،‬فالرسول ﷺ ال‬

‫يريد أن خيرج معه املنافقون يف اذا اجليش‪ ،‬فامذا يفعل؟ او ال يستطيع أن يقف ويقول‪ :‬املنربربافم‬

‫ال خيرج؛ ألن النفاق أمر قلبي‪ ،‬لكن الرسول ﷺ أعلن أنه ال خيرج إىل قتال أال خيربربرب إال مربربن‬

‫شهد صلح احلديبية‪ ،‬وبذلك يبمن أن كل من شارك يف اذا الفتح سيكون من املربرب منني؛ ألن‬

‫اذه املجموعة التي شاركت يف صلح احلديبية مجيع ًا م منون كام قال اهلل عز وجل عنهم‪َ { :‬ل َقربربدْ‬

‫ني إِ ْذ ُي َب ِاي ُعون ََك َ ْحت َت ال ه رب َج َر ِة} [الفربربتح‪ ،]18:‬فخربربرج الرسربربول ﷺ بربربألف‬
‫ِض اهللهُ َع ِن املُْ ْ ِمنِ َ‬‫ِ‬
‫َر َ‬
‫وأربعامئة مقاتل‪ ،‬وام الذين كانوا معه يف صلح احلديبيربربة‪ ،‬وكربربام اربربو معلربربوم إذا رأينربربا الصربربف‬

‫امل من خالص ًا نقي ًا م من ًا؛ فإن اهلل عز وجل يمنيه النرص والتمكني‪.‬‬

‫خرج اذا اجليش العظربربيم هبربربذه الربربروح الطيبربربة املتفائلربربة‪ ،‬ولنتربربذكر أن ألربربف وأربعامئربربة مقاتربربل‬

‫سيياربون أعداد ًا ضخمة اائلة؛ ألن أعداد اليهود كانت أضعاف أضعاف اجليش اإلسالمي‪،‬‬

‫ومع ذلك كانوا خارجني بتصميم ويقني عىل أن النرص من عنربربد اهلل سربرببيانه وتعربرباىل‪ ،‬قربربال اهلل‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ٍ ِ ٍ‬
‫سبيانه وتعاىل يف كتابه الكريم‪{ :‬ك َْم م ْن ف َئة َقلي َلة َ َل َب ْت ف َئ ًة كَث َ ًة بِإِ ْذن اهللهِ َواهللهُ َم َع ه‬
‫الصابِ ِري َن}‬

‫[البقرة‪.]249:‬‬

‫كام توقع الرسول ﷺ فقد أرسل املنافقون إىل هيود خيرب خيربوهنم بقدوم الرسول ﷺ إىل خيرب‪،‬‬

‫بل وشجعوام عىل قتال الرسول ﷺ‪ ،‬وقالوا هلم‪ :‬ال ختافوا منهم؛ فإن عددكم وعدتكم كث ة‪،‬‬

‫وقوم حممد رشذمة قليلون عزل ال سالح معهم إال القليل‪.‬‬

‫‪793‬‬
‫قرارات الرسول ﷺ يف تأمني عملية اجتياح خيرب‬

‫ملا وصلت رسالة املنافقني إىل أال خيرب بخروج الرسربربول ﷺ إلربربيهم واسربربتعد أاربربل خيربربرب‪ ،‬ومل‬

‫يكتفوا باالستعداد والتيصن‪ ،‬بل أرسلوا أحد زعامء اليهود واسمه كنانة بن أيب احلقيم‪ ،‬واربربو‬

‫أخو سالم بن أيب احلقيم الذي قتل قبل عدة أشهر عىل أيدي املسربربلمني‪ ،‬أرسربربلوا كنانربربة بربربن أيب‬

‫احلقيم إىل قبائل طفان املرتزقة وعرضوا عليهم املال؛ لكي يساعدوام ويعاونوام يف حربربرب‬

‫املسلمني‪ ،‬وعرضوا عليهم نصف ثامر خيرب‪ ،‬وبالفعل بدأت قبائل طفان يف التجهز للخربربروج‬

‫يف اجتاه خيرب وأعدوا جي ًا كب ًا جد ًا هلذا األمر‪ ،‬وبفبل اهلل اكت ربربفت بربربابرات الرسربربول ﷺ‬

‫اذا التيرك لغطفان‪ ،‬وبرسعة أخذ الرسول ﷺ عدة قرارات لكي ي من عملية اجتياح خيرب‪:‬‬

‫ية بقيادة أبان بن سعيد رِض اهلل عنه باجتاه أعراب نجد حول املدينة؛ لكربربي‬ ‫أوالً‪ :‬أخرج ﷺ‬

‫طفان عىل مهامجربربة املدينربربة املنربربورة؛ ألهنربربا‬ ‫يث الرعب يف اذه املنطقة فال جترؤ طفان وال‬

‫خالية تقريب ًا من الرجال يف ذلك الوقت؛ أول اء‪ :‬أنه قام بتأمني املدينة املنورة‪.‬‬

‫ية إىل ديار طفان‪ ،‬فاملسلمون متجهون إىل ال امل باجتاه خيربربرب‪ ،‬والرسربربول ﷺ‬ ‫ثاني ًا‪ :‬أرسل‬

‫ية إىل ال امل الرشقي إىل ديار طفان؛ لكي يوام جيش طفان أنه سيغزو ديارام ال‬ ‫أرسل‬

‫ديار اليهود‪ ،‬وأمر اذه الرسية أن تظهر أمراا وال تتخفى‪ ،‬وحتدث لغطربرب ًا وصربربوت ًا عاليربرب ًا‪ ،‬لكربربي‬

‫يلفت أنظار جيش طفان فيعود مرة ثانية إىل دياره‪ ،‬وال ي رتك مع أال خيربربرب يف الربربدفاع عربربن‬

‫يع ًا عائربربد ًا إىل‬ ‫حصون خيرب‪ ،‬وفع ً‬


‫ال اذا الذي حصل‪ ،‬فجيش طفان ملا سمع الصوت رجع‬

‫قبائله وإىل دياره‪ ،‬وترك هيود خيرب يواجهون الرسول ﷺ منفردين‪.‬‬

‫‪794‬‬
‫اجتااه‪ ،‬حيث أخذ بعض األدلة لتدله عىل طريم آخربربر ليربربدخل خيربربرب‬ ‫ثالث ًا‪ :‬أن الرسول ﷺ‬

‫من شامهلا وليس من جنوهبا‪ ،‬واملدينة املنورة يف جنوب خيرب‪ ،‬وبدالً من أن يدخل من اجلنربربوب‬

‫دخل من ال امل‪ ،‬ويكون بذلك حقم شيئني‪ ،‬ورضب عصفورين بيجر‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬سييول بني طفان وبني خيرب بجي ه‪ ،‬فجي ه سيفصل بني قبائربربل طفربربان وبربربني مدينربربة‬

‫خيرب‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬سيمنع اليهود من الفرار إىل ال ام‪ ،‬فييرص اليهود يف منطقة خيرب‪ ،‬وسربربيكون الطريربربم إىل‬

‫ال امل مغلق ًا باجليش اإلسالمي‪.‬‬

‫واذا ختطيط عسكري عىل أحسن مستوا‪.‬‬

‫عوامل ومقومات النرص يف جيش الرسول ﷺ يف زوة خيرب‬

‫نستطيع هبذا أن نتبني بعض مالمح اجليش املنصور من اخلطوات السابقة‪ :‬أوالً‪ :‬اجليش بكامله‬

‫من امل منني واذا أام عامل‪ ،‬فالرسربربول ﷺ حربربدد اخلربربروج يف أولئربربك الربربذين شربربهدوا صربربلح‬

‫احلديبية‪ ،‬حتى لو كان ا الء قلة‪ ،‬فإهنم سينترصون بإذن اهلل عز وجل‪.‬‬

‫فكل اجليش كان م من ًا‪ ،‬وكان مرتبط ًا ارتباط ًا وثيق ًا بالرسول ﷺ‪ ،‬وجيمعهم رباط العقيدة‪ ،‬وقد‬

‫ختلت طفان عن اليهود؛ ألنه ال يربطهم ببعبهم إال املصالح الدنيوية‪ ،‬أما اجليش اإلسربربالمي‬

‫ب تى فروعه‪ :‬قبائل األنصار‪ ،‬وقبائل املهاجرين‪ ،‬و رب ذلربربك مربربن القبائربربل التربربي دخلربربت مربربع‬

‫الرسول ﷺ يف املدينة املنورة‪ ،‬كل اذا اجليش كان وحدة واحدة‪ ،‬واذا من أام عوامل النرص‪.‬‬

‫وكذلك األخذ باألسباب‪ :‬إعداد العدة‪ ،‬واخلطة‪ ،‬واخلطط البديلة‪ ،‬وتغيربرب االجتربرباه‪ ،‬والعيربربون‪،‬‬

‫فكل اء يستطيع أن يفعله ﷺ من أسباب النرص فعله ﷺ‪ ،‬فهو سيدخل منطقة خيربربرب وعنربربده‬

‫مقومات النرص للمسلمني‪.‬‬


‫‪795‬‬
‫اقرتب الرسول ﷺ من خيرب جد ًا‪ ،‬وكان اذا االقرتاب يف الليل‪ ،‬والرسول ﷺ مل يكربربن يقاتربربل‬

‫بالليل‪ ،‬كان ينتظر حتى يأيت الفجر‪ ،‬ثم يقاتل بعد الفجر ﷺ‪ ،‬فاختربربار ﷺ مكانربرب ًا وعسربربكر فيربربه‬

‫قريب ًا من جمموعة حصون اسمها حصون النطاة‪ ،‬عىل وزن حصربرباة‪ ،‬وكانربربت جمموعربربة حصربربون‬

‫حلباب بربربن املنربربذر رِض‬


‫كب ة يف منطقة خيرب‪ ،‬وعندما اختار الرسول ﷺ ذلك املكان جاء إليه ا ُ‬
‫اهلل عنه وأرضاه وقال‪( :‬يا رسول اهلل إن اذا املنزل قريب من حصن نطاة‪ ،‬ومجيع مقربرباتخ خيربربرب‬

‫فيها‪ ،‬وام يدرون أحوالنا ونين ال ندري أحواهلم‪ ،‬وسهامهم تصربربل إلينربربا وسربربهامنا ال تصربربل‬

‫إليهم‪ ،‬وال نأمن من بياهتم‪ ،‬واذا بني النخالت‪ ،‬ومكان ائر‪ ،‬وأرض وخيمة) أي‪ :‬اذا مكربربان‬

‫بني النخالت قد يتسلل اليهود من خالل النخيل إىل الرسول ﷺ وأصيابه وال يربربدركون اربربذا‬

‫التسلسل‪( .‬فلو أمرت بمكان آخر نتخذه معسكر ًا‪ )،‬فقال ﷺ‪( :‬الرأي ما أرشت به) و رب ﷺ‬

‫املكان إىل املكان الذي أشار به احلباب بن املنذر رِض اهلل عنربربه وأرضربرباه‪ ،‬واحلبربرباب قبربربل ذلربربك‬

‫أشار بمثل اذه امل ورة يف موقعة بدر‪ ،‬ورأينا سعة صدر الرسول ﷺ لقبية ال ربربورا وسربربامع‬

‫آراء اآلخرين‪ ،‬وكيف كان ذلك سبب ًا للنرص يف بدر‪ ،‬وسيكون سبب ًا من أسباب النرص يف خيرب‪،‬‬

‫واي سنن ثابتة كام نرا‪.‬‬

‫إعطاء الرسول ﷺ الراية يف خيرب لعخ رِض اهلل عنه‬

‫وقربربال هلربربم‪:‬‬ ‫بعد أن استقر اجلربربيش اإلسربربالمي يف مكانربربه اجلديربربد‪ ،‬قربربام ﷺ وخطربربب يف النربربا‬

‫(ألعطني الراية د ًا رج ً‬
‫ال حيب اهلل ورسوله وحيبه اهلل ورسوله‪ ،‬يفتح اهلل عليه)‪.‬‬

‫واضح جد ًا من اذا الوصف أن من يفتح اهلل عز وجل عىل يديه البالد‪ ،‬ويمكن لربربه يف األرض‬

‫وينرصه عىل أعدائه ال بد هلذه ال خصية أن تكون حمبة هلل عز وجل ولرسوله الكربربريم ﷺ‪ ،‬وأن‬

‫تكون حمل حب اهلل عز وجل وحب رسوله الكريم ﷺ‪ ،‬اذه الصفة ال تربربأيت إال بموافقربربة تامربربة‬

‫للرشع وبصدق كامل يف النية‪ ،‬واهلل عز وجل مطلربربع عربربىل القلربربوب‪ ،‬وال يعطربربي نرصربربه إال ملربربن‬
‫‪796‬‬
‫أحب سبيانه وتعاىل‪ .‬اذا األمر ينطبم عىل كل مراحربربل التمكربربني يف حيربرباة األمربربة اإلسربربالمية‪،‬‬

‫وعىل كل انتصارات األمة اإلسالمية‪ ،‬فأنت إذا رأيت اهلل عز وجل نرص خالد بن الوليربربد رِض‬

‫اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬أو نرص عمرو بن العاص‪ ،‬أو نرص صربربالح الربربدين األيربربويب‪ ،‬أو سربربيف الربربدين‬

‫قطز‪ ،‬أو يوسف بن تاشفني أو أي إنسان مكن له يف األرض ونرص‪ ،‬فاعلم أن اذه عالمربربة مربربن‬

‫عالمات حب اهلل عز وجل للعبد‪.‬‬

‫مجيع ًا مت وفني حلمل اربربذه‬ ‫الرسول ﷺ ملا قال اذه الكلامت وأصبح يف اليوم الثاين جاء النا‬

‫الراية‪ ،‬فقال ﷺ‪( :‬أين عخ بن أيب طالب؟) فقال النا ‪( :‬يربربا رسربربول اهلل اربربو ي ربربتكي عينيربربه)‪،‬‬

‫فأرسل إليه) فسيدنا عخ بن أيب طالب كان عنده رمد يف عينيه‪ ،‬وكان ال يرا إال بصعوبة‪ ،‬فهربربم‬

‫قالوا‪ :‬يا رسول اهلل إنه مريض به رمد يف عينيه‪ ،‬فالرسول ﷺ أرص عىل اإلتيربربان بربربرب عربربخ بربربن أيب‬

‫طالب رِض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬فلام جاء بصم ﷺ يف عينيه فربئ عخ بن أيب طالب كأن مل يكن به‬

‫أي مرض‪ ،‬وأعطاه ﷺ الراية‪ ،‬وكان اجلميع يرا أن ظروف عخ بربربن أيب طالربربب ال تسربربمح لربربه‬

‫بالقيادة‪ ،‬ولكن رب العاملني سبيانه وتعاىل يرس له ذلك األمر‪ ،‬فإن كنربربت صربربادق ًا فسربربيفتح اهلل‬

‫لك أبواب العمل‪ ،‬وأبواب التوفيم إىل عمربربل‪ ،‬حتربربى وإن كانربربت الظربربروف صربربعبة واملعوقربربات‬

‫ااربربدُ وا فِ َينربربا َلن َْهربرب ِد َين ُهه ْم ُسربرب ُب َلنَا َوإِ هن اهللهَ َملربرب َع‬
‫كث ة‪ ،‬قال اهلل عز وجل يف كتابه الكريم‪َ { :‬وا هل ِذي َن َج َ‬
‫ني} [العنكبوت‪.]69:‬‬ ‫املُْ ْي ِسنِ َ‬

‫أخذ سيدنا عخ الراية وقال‪( :‬يا رسول اللهأقاتلهم حتربربى يكونربربوا مثلنربربا؟) فقربربال ﷺ موضربربي ًا‬

‫الغاية من احلرب يف اإلسالم‪( :‬انفذ عىل رسلك حتى تنزل بساحتهم‪ ،‬ثم ادعهربربم إىل اإلسربربالم‪،‬‬

‫ال واحد ًا خ لك مربربن‬


‫وأخربام بام جيب عليهم من حم اهلل فيهم‪ ،‬فواهلل ألن هيدي اهلل بك رج ً‬

‫محر النعم)‪ .‬يبني الرسول ﷺ أن إسالم اربرب الء أحربربب إليربربه مربربن أمربربواهلم ومربربن ديربربارام ومربربن‬

‫سلطاهنم ومن كل اء‪ ،‬فمع كل التاريخ األسود لليهود‪ ،‬ومع كربربل امليربرباوالت املبربربنية التربربي‬

‫‪797‬‬
‫بذلواا الستئصال املسربربلمني يف املدينربربة املنربربورة‪ ،‬إال أن الرسربربول ﷺ مربربا زال إىل اربربذه الليظربربة‬

‫حريص ًا متام احلرص عىل إسالمهم وادايتهم إىل رب العاملني سبيانه وتعاىل‪.‬‬

‫بدء حترك الرسول ﷺ وأصيابه جتاه حصون خيرب‬

‫بدأ اجلربربيش اإلسربربالمي يف التيربربرك باجتربرباه خيربربرب‪ ،‬وخربربرج اليهربربود كالعربربادة مربربن حصربربوهنم إىل‬

‫مزارعهم‪ ،‬وفوجئوا برسول اهلل ﷺ واجليش معه‪ ،‬فقربربالوا‪( :‬حممربربد واخلمربربيس)‪ .‬و (اخلمربربيس)‬

‫يعني‪ :‬اجليش الكب ‪ ،‬ورجعوا ااربني برسعة إىل حصوهنم‪ ،‬وأ لقوا األبواب علربربيهم‪ ،‬وصربرباح‬

‫الرسول ﷺ صيية عالية سمعها اجليش بكامله وسمعها اليهود‪ ،‬قربربال ﷺ‪( :‬اهلل أكربربرب خربربربت‬

‫خيرب‪ ،‬اهلل أكرب خربت خيرب‪ ،‬اهلل أكرب خربت خيرب) قاهلا ثالث ًا ﷺ ثم قال‪( :‬إنا إذا نزلنا بسربرباحة‬

‫قوم فساء صباح املنذرين)‪.‬‬

‫اذه الكلامت كانت آثاراا اامة عىل اجلي ني‪ :‬اجليش اإلسالمي‪ ،‬واجليش اليهودي‪ ،‬فهو يذكر‬

‫املسلمني بأن النرص من عند اهلل عز وجل‪ ،‬وأن اهلل عز وجل أكرب من أي عدو‪ ،‬فإن كنتم تربربرون‬

‫حصون خيرب وسالح خيرب وأعداد خيرب أكثر بكث منكم فاعلموا أن اهلل عز وجل معنربربا واربربو‬

‫نارصنا عليهم‪ ،‬ففيها رفع الروح املعنوية عند املسلمني‪ ،‬وذكربربر املسربربلمني بأيربربام اهلل عربربز وجربربل‪،‬‬

‫ذكرام ببدر وذكرام باألحزاب‪ ،‬وذكرام بام حدث قبل ذلك من قتال مربربع اليهربربود يف املواقربربع‬

‫الثالثة التي ذكرنااا قبل ذلك‪ .‬واذه الكلامت أيب ًا وصلت إىل أسامع اليهود وأوقعت اهلزيمربربة‬

‫النفسية يف قلوهبم‪( .‬اهلل أكربخربت خيرب‪ ،‬إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح املنذرين)‪.‬‬

‫و (املنذرون) ام اليهود؛ ألن الرسول ﷺ بلغهم الرسالة مرات عديربربدة فربربأبوا أن يسربربتمعوا إىل‬

‫كالمه‪ ،‬ثم أعاد عليهم الرسالة عىل لسان عخ بن أيب طالب رِض اهلل عنه وأرضاه كام فصلنا‪.‬‬

‫‪798‬‬
‫فتح الرسول ﷺ حلصون خيرب واحد ًا تلو اآلخر‬

‫خيرب عبارة عن منطقة ذات حصون كث ة جد ًا‪ ،‬فيها حصون كب ة وفيها حصون صغ ة‪ ،‬لكن‬

‫احلصون الكب ة عبارة عن ثامنية حصون رئيسة‪ ،‬مخسة منها يف منطقة‪ ،‬وثالثة يف منطقربربة ثانيربربة‪،‬‬

‫واخلمسة احلصون اي خط الدفاع االسربربرتاتيجي األول لليهربربود‪ ،‬واربربذه احلصربربون مقسربربمة إىل‬

‫ثالثة حصون وحصنني‪ ،‬ثالثة حصون يف منطقة اسمها النطاة‪ ،‬واثنان يف منطقة اسربربمها ال ربربم‪،‬‬

‫واحلصون الثالثة التي يف منطقة النطاة أسامؤاا‪ :‬ناعم‪ ،‬ثم الصعب بن معاذ‪ ،‬ثم قلعة الزب ‪.‬‬

‫أول حصن منها قابل الرسول ﷺ كان حصن ناعم‪ ،‬واو من احلصون القويربربة جربربد ًا يف خيربربرب‪،‬‬

‫والرسول ﷺ اقرتب كث ًا من اذا احلصن‪ ،‬وأرسل عخ بن أيب طالربربب ليربربدعوام إىل اإلسربربالم‬

‫كام ذكرنا قبل ذلك‪ ،‬وانا ال ينبغي أن يقول قائل‪ :‬إنه ال إكراه يف الدين؛ ألن احلرب انا ليسربربت‬

‫عقاب ًا هلم عىل تركهم لإلسالم‪ ،‬وليست عقاب ًا هلم عىل رفبهم الدعوة اإلسالمية‪ ،‬ولكربربن جربرباء‬

‫الرسول ﷺ من املدينة املنورة إىل خيرب ليعاقب اليهود عىل جرائمهم املتعددة السابقة‪ ،‬ليعاقبهم‬

‫عىل حتزيبهم األحزاب وحصار املدينة املنورة‪ ،‬وعىل جتسسربربهم مربربع املنربربافقني يف داخربربل املدينربربة‬

‫املنورة‪ ،‬وعىل حماولتهم ا تيال الرسربربول ﷺ‪ ،‬وعربربىل حتفيربربزام لغطفربربان أكثربربر مربربن مربربرة حلربربرب‬

‫املسلمني‪ ،‬فلذلك قرر الرسول ﷺ أن يعاقبهم‪ ،‬ولكنه أعطى هلربربم فرصربربة أخربرب ة ل فعربربوا عربربن‬

‫أنفسهم العقاب الذي يستيقونه‪ ،‬فهو أخربام إن أسلمتم رفعنا عنكم العقاب وتناسينا كل ما‬

‫سبم‪ ،‬واذه سعة صدر ورمحة من رسول اهلل ﷺ‪ ،‬لكن اليهود رفبربربوا اربربذه الربربدعوة‪ ،‬رفبربربوا‬

‫دعوة عخ بن أيب طالب رِض اهلل عنه هلم باإلسالم‪ ،‬وقرروا احلربربرب‪ ،‬وا ربربرتوا كثربرب ًا بقربربواهتم‬

‫وأعدادام وحصوهنم‪ .‬عادة احلروب القديمة أن يبدأ القتال بمبارزة بربربني أحربربد الفرسربربان مربربن‬

‫فريم‪ ،‬وأحد الفرسان من الفريم اآلخر‪ ،‬واملنترص يف اذه املبربربارزة يعطربربي دفعربربة معنويربربة كبربرب ة‬

‫للفريم الذي انترص يف اذه الليظات األوىل من القتال‪ ،‬فاليهود أخرجوا أحد أبطربرباهلم وأشربربد‬
‫‪799‬‬
‫فرساهنم وكان اسمه مرحب‪ ،‬وكان عمالق ًا ضخم اجلثة‪ ،‬وخربربرج وطلربربب املبربربارزة فخربربرج لربربه‬

‫عامر بن األكوع رِض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬و عان ما دارت املبارزة بني االثنربربني‪ ،‬ورضب عربربامر‬

‫بن األكوع مرحب ًا اليهودي رضبة كب ة‪ ،‬ولكن طاشت الرضبة ومل تصل إىل مرحب‪ ،‬لكن اربربذه‬

‫الرضبة أكملت الطريم ووقع سيف عامر نفسه يف ركبته‪ ،‬فقتل عامر بسربربيفه خطربربأ‪ ،‬واست ربربهد‬

‫جد ًا من اذا املوقربربف‪ ،‬بربربل وصربربل‬ ‫رِض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬فقال النا ‪ :‬قتل نفسه‪ ،‬وتأثر النا‬

‫األمر إىل أن بعض الصيابة قالوا‪ :‬حبط عمله‪ ،‬وكأنه قد قتل نفسربربه بإرادتربربه‪ ،‬واربربذا مل حيربربدث‪،‬‬

‫ودليل ذلك أن الرسول ﷺ علم بعد ذلك عىل اذه احلادثة‪ ،‬وأثنى عىل عامر بن األكربربوع رِض‬

‫اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬فقال‪( :‬إن له ألجرين‪ ،‬ومجع بني إصبعيه ﷺ‪ ،‬ثم قال‪ :‬إنه جلااد جمااربربد) أي‪:‬‬

‫جمتهد جد ًا يف العلم والعبادة والعمل‪ ،‬جمااد يف سبيل اهلل‪( ،‬قل عريب م ى هبا مثله) نربربادر جربربد ًا‬

‫من العرب من م ى يف أرض املعركة أو م ى يف األرض بصفة عامة مثل اذا الرجل املجااربربد‬

‫عامر بن األكوع رِض اهلل عنه وأرضاه‪ .‬لكن يف أرض املعركة أحدث قتل عامر بن األكوع ازة‬

‫عند املسلمني‪ ،‬ورفع الروح املعنوية عند اليهود‪ ،‬فوقف مرحب القائد اليهودي يطلب املبربربارزة‬

‫من جديد بعد أن ارتفعت معنوياته يف الليظات األوىل من القتربربال‪ ،‬فخربربرج لربربه مربربن املسربربلمني‬

‫البطل اإلسالمي عخ بن أيب طالب رِض اهلل عنه وأرضاه حامل راية املسلمني يف موقعة خيربربرب‪،‬‬

‫ودار بينهام قتال شديد عنيف‪ ،‬ثم من اهلل عز وجل عىل عخ بن أيب طالب بالنرص‪ ،‬كام تنبأ بذلك‬

‫رسول اهلل ﷺ‪( ،‬رجل حيب اهلل ورسوله‪ ،‬وحيبه اهلل ورسوله‪ ،‬يفتح اهلل عليه)‪ ،‬وبالفعل فتح اهلل‬

‫عز وجل عىل عخ بن أيب طالب رِض اهلل عنه فقتل مرحب‪ ،‬وقتل مرحب فيه إشربربارة كبربرب ة إىل‬

‫أن النرصربرب سربربيكون للمسربربلمني؛ ألن مرحربربب كربربان أقربربوا رجربربل يف اليهربربود‪ ،‬وكربربان اليهربربود ال‬

‫يتصورون أبد ًا أن يقتله أحد املسلمني‪ ،‬وخرج أخو مرحب واسمه يربربا ‪ ،‬وأراد الثربربأر ألخيربربه‪،‬‬

‫وكان أيب ًا من العاملقة اليهود‪ ،‬خرج يطلب املبارزة فخرج له الزب بربربن العربربوام رِض اهلل عنربربه‬

‫‪800‬‬
‫أخربربا مرحربربب‪ ،‬وكانربربت بدايربربة‬ ‫وأرضاه‪ ،‬واستطاع الزب رِض اهلل عنه وأرضربرباه أن يقتربربل يربربا‬

‫االنتصار للمسلمني واحتدم اللقاء بني الفريقني‪ ،‬واللقربرباء مل يربربتم يف سربرباعة أو سربرباعتني ولكربربن‬

‫استمر عدة أيام منفصلة‪ ،‬واذا ريب يف عرف القتال عند العرب؛ ألن العادة ‪-‬كام رأينربربا قبربربل‬

‫مها‪ -‬أن يكون اللقاء يوم ًا واحربربد ًا‪ ،‬لكربربن يف اربربذا اللقربرباء ال ربربديد‬ ‫ذلك يف بدر ويف أحد ويف‬

‫دارت املعركة أكثر من يوم‪ ،‬حتى تسلل اليهود من حصن ناعم وتركوه فار ًا للمسلمني‪ ,‬وكربربان‬

‫اذا التسلل لي ً‬
‫ال يف أحد األيام‪ ،‬وانتقلوا إىل احلصن الذي وراءه واو حصن الصعب بن معربرباذ‪،‬‬

‫واحتل املسلمون حصن ناعم‪ ،‬وكان ذلك رافد ًا قوي ًا للجيش اإلسالمي يف موقعة خيرب‪.‬‬

‫فتح الرسول ﷺ وأصيابه حلصن الصعب بن معاذ‬

‫مل يكتف الرسول ﷺ هبذا النرص اجلزئي يف اذه املعركة‪ ،‬بل استمر يف القتال مربربع اليهربربود‪ ،‬فهربربو‬

‫جاء لينتقم من أفعال اليهود املتكررة‪ ،‬وليخرج اليهود من اذه البالد كام أخرج قبل ذلك هيربربود‬

‫بني قينقاع وبني النب ‪ ،‬وحربربارص الرسربربول ﷺ حصربربن الصربربعب بربربن معربرباذ حصربربار ًا شربربديد ًا‪،‬‬

‫وحصن الصعب بن معاذ كان أشد صعوبة من احلصن الذي قبله حصن ناعم‪.‬‬

‫ومع أن احلصار شديد‪ ،‬ومع أن فتنة احلرب كب ة‪ ،‬إال أن اهلل عربربز وجربربل أراد أن يبربربتخ املربرب منني‬

‫أكثر وأكثر‪ ،‬فأوقعهم يف أمر صعب إىل جربربوار صربربعوبة احلربربرب‪ ،‬واربربو أمربربر اجلربربوع‪ ،‬لقربربد جربرباع‬

‫املسلمون جوع ًا شديد ًا‪ ،‬حتى قالوا‪ :‬لقد جهدنا وما بأيدينا من اء‪ .‬ملا ازداد اجلوع باملسربربلمني‬

‫قام بعض رجال اجليش اإلسالمي بذبح بعض احلم ل كل‪ ،‬والعرب كانت تأكربربل احلمربرب يف‬

‫ظروف معينة‪ ،‬ومل يكن اذا األمر حمرم ًا عىل املسلمني يف ذلك الوقت‪ ،‬ونصبوا القدور ومل يكن‬

‫اذا بعلم الرسول ﷺ‪ ،‬وملا رأا الرسول ﷺ الن ان م تعلة‪ ،‬قال‪( :‬عربربىل أي اء توقربربدون؟)‬

‫واو يعلم أنه ليس مع اجليش حلم يوقد عليه النار‪ ،‬فقالوا‪( :‬يا رسول اهلل عىل حلربربم) أي‪ :‬نوقربربد‬

‫اذه الن ان عىل حلم‪( .‬قال‪ :‬أي حلم؟ قالوا‪ :‬حلوم احلمر اإلنسية) أي‪ :‬حلوم احلمر التي نعرفهربربا‬
‫‪801‬‬
‫وتستخدم يف النقل‪ ،‬واذه احلم مل تكربربن حمرمربربة عربربىل املسربربلمني حتربربى تلربربك الليظربربة‪ ،‬ولكربربن‬

‫الرسول ﷺ يف اذا املوقف الصعب قام وهنى عن أكل حلوم احلمر اإلنسية‪ ،‬حيث قال‪( :‬إهنا ال‬

‫حتل المرئ مسلم ي من باهلل واليوم اآلخر)‪.‬‬

‫يف ضائقة ويف بمصة شديدة‪ ،‬كام وصف أحد الصربربيابة أنربربه جربربوع‬ ‫اذا موقف صعب‪ ،‬النا‬

‫ونفوسهم مت وقة‬ ‫شديد جد ًا‪ ،‬وبدأت الليوم تنبج‪ ،‬ورائية الليوم بدأت تظهر عند النا‬

‫إىل األكل‪ ،‬ثم أتى النهي من عند رسول اهلل ﷺ‪ .‬اذا ابتالء كب ال ينصاع لربربه إال مربرب من كامربربل‬

‫اإليامن‪ ،‬وبفبل اهلل نجح اجليش بال استثناء يف اذا االختبار‪ ،‬والكل مل يأكل من اذه الليربربوم؛‬

‫بل إن الرسول ﷺ مل يكتف بتيريم األكربربل مربربن حلربربوم احلمربربر اإلنسربربية‪ ،‬وإنربربام قربربال (أريقواربربا‬

‫واكرسواا) أريقوا ما يف القدور من الليوم واملرق واكرسوا القدور؛ ليختفربربي كربربل أثربربر هلربربذه‬

‫الليوم‪ ،‬فسأل بعض الصيابة‪( :‬أنريقها ونغسلها؟) أي‪ :‬بدل الكرس نغسل القدور‪( ،‬فقال‪ :‬أو‬

‫ذاك) يعني‪ :‬قبل ﷺ بغسل القدور‪.‬‬

‫اذا التيريم جاء يف وقت حيتاج فيه اجليش هلذا األكل‪ ،‬وواضح أن الرسول ﷺ كربربان يربربرا أن‬

‫موقف الصيابة مل يصل بعد إىل موقف االضطرار‪ ،‬وما زال هبم قوة أن يبقوا بدون طعام فربربرتة‬

‫من الزمان‪ ،‬وإال لو كانوا مبطرين جلاز هلم أكل أي اء حتى امليتة كربربام يعلربربم اجلميربربع‪ .‬اربربذه‬

‫تربية إيامنية عالية جد ًا‪ ،‬ونجاح عظيم للجيش امل من‪ ،‬واذه من أعظم أسباب النرص‪.‬‬

‫اذا يلفت أنظارنا ملسألة مهمة نيب أن نقف عليها‪ ،‬واي أن اربربذا التيربربريم الربربذي جربرباء عربربىل‬

‫لسان الرسول ﷺ مل يأت يف القرآن الكريم‪ ،‬واهلل سبيانه وتعاىل ذكر يف الكتاب أنواعربرب ًا كثربرب ة‬

‫اخل ِنز ِير َو َما ُأ ِا هل لِ َغربرب ْ ِ اهللهِ‬


‫من امليرمات عىل املسلمني‪ ،‬منها‪{ :‬حرم ْت َع َليكُم املَْي َت ُة والده م و َحلم ْ ِ‬
‫ْ ُ ْ َ ُ َ ُْ‬ ‫ُ ِّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اا من امليرمات التي ذكرت للمسلمني‪.‬‬ ‫بِه َواملُْن َْخن َق ُة َواملَْ ْو ُقو َذ ُة َواملُْ َ َ‬
‫رت ِّد َي ُة} [املائدة‪ ،]3:‬و‬

‫‪802‬‬
‫حتريم احلمر اإلنسية مل يأت يف كتاب اهلل عز وجل‪ ،‬وإنام جاء فقط يف السنة النبوية‪ ،‬ومربربع ذلربربك‬

‫عىل املسلمني أال يأكلوا من احلمر اإلنسية‪ ،‬والرسول ﷺ بعد رجوعه إىل املدينة املنورة قربربال يف‬

‫خطبة ذات يوم للصيابة بعد أن ادعى بعض املنافقني أنه يكتفي فقربربط بربربالقرآن الكربربريم‪ ،‬أو أن‬

‫الرسول ﷺ تنبأ أنه سيأيت زمان عىل املسلمني فيدعي بعبهم أن القرآن الكربربريم يكفربربيهم دون‬

‫السنة‪ ،‬فروا أبو داود رمحه اهلل عن املقدام بن معدي َك ِر ْب رِض اهلل عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسربربول اهلل‬

‫ﷺ‪( :‬أال إين أوتيت الكتاب ومثله معربربه)‪.‬و (الكتربرباب) القربربرآن الكربربريم (ومثلربربه معربربه) السربربنة‬

‫املطهرة‪ ،‬والسنة وحي من رب العاملني سبيانه وتعاىل‪( ،‬أال يوشك رجل شربرببعان عربربىل أريكتربربه‬

‫يقول‪ :‬عليكم هبذا القرآن فام وجدتم فيربربه مربربن حربربالل فربربأحلوه‪ ،‬ومربربا وجربربدتم فيربربه مربربن حربربرام‬

‫فيرموه) أي‪ :‬يقصد اذا ال خص اجلالس عىل أريكته االكتفاء بالقرآن واالبتعاد عن السنة‪.‬‬

‫السربرب ُبع)‪ ،‬وذكربربر ﷺ أنواعربرب ًا‬


‫ثم قال‪( :‬أال ال حيل لكم حلم احلامر األاخ‪ ،‬وال كل ذي نربرباب مربربن َ‬
‫أخرا من امليرمات‪ ،‬واذه امليرمات مل تأت يف كتاب رب العاملني سبيانه وتعاىل‪ ،‬ومع ذلك‬

‫فهي حمرمة عىل املسلمني بتيريم الرسول ﷺ هلا‪ ،‬فثبت احلكم عند املسلمني‪ ،‬واربربذا مربربن أبلربرب‬

‫األدلة لكون السنة النبوية مصدر ًا اام ًا من مصادر الترشيع‪.‬‬

‫بعد اذه األزمة التي حصلت للمسلمني بخيرب جلأ املسلمون جلربربوء ًا كربربام ً‬
‫ال إىل اهلل عربربز وجربربل‪،‬‬

‫واذه من أبل الفوائد يف األزمات‪ ،‬عند األزمات يلجأ املسلمون الصادقون إىل اهلل عربربز وجربربل‬

‫ليفتح هلم أبواب الرمحة‪ ،‬فوقف الرسول ﷺ يدعو والصيابة ي منون‪ ،‬قال ﷺ‪( :‬اللهربربم إنربربك‬

‫قد عرفت حاهلم‪ ،‬وأن ليست هبم قوة‪ ،‬وأن ليس بيدي اء أعطيهم إياه‪ ،‬فافتح علربربيهم أعظربربم‬

‫حصوهنا عنهم ناء‪ ،‬وأكثراا طعام ًا وودك ًا) والودك‪ :‬او الليربربم الدسربربم السربربمني‪ ،‬ويف اليربربوم‬

‫الذي تاله فتح اهلل عليهم حصن الصعب بن معربرباذ‪ ،‬واربربو مربربن أ نربربى حصربربون خيربربرب بالطعربربام‬

‫والرشاب‪ ،‬وفيه ما لذ وطاب من ألوان الطعام املختلفة‪ ،‬ووجدوا فيه الطعام والربربودك كربربام دعربربا‬

‫‪803‬‬
‫وشبعوا واستكملوا احلربربرب بفبربربل اهلل‪،‬‬ ‫النبي ﷺ‪ ،‬واستجيب الدعاء بيذاف ه‪ .‬وأكل النا‬

‫اا‪.‬‬ ‫وانتقلوا من اذه القلعة إىل‬

‫فتح الرسول ﷺ وأصيابه حلصن قلعة الزب‬

‫بعد أن سقط حصن ناعم‪ ،‬ثم سقط حصن الصعب بن معاذ‪ ،‬وفيه وجدوا الكثربرب مربربن الطعربربام‬

‫كام ذكرنا‪ ،‬انتقلوا بعد ذلك إىل حصن قلعة الزب ‪ ،‬واو احلصن الثالث يف املنطقة‪ ،‬وحصن قلعة‬

‫الزب من أمنع احلصون يف اذه املنطقة‪ ،‬وكام يقول الرواة‪ :‬ال تقدر عليه اخليل والرجربربال؛ ألنربربه‬

‫فوق قمة جبل‪ ،‬ويصعب الوصول إليه‪ ،‬ففرض الرسول ﷺ عليه احلصار مدة ثالثربربة أيربربام‪ ،‬ثربربم‬

‫ألقى اهلل عز وجل الرعب يف قلب رجربربل مربربن اليهربربود‪ ،‬فربربأتى وتسربربلل مربربن احلصربربن‪ ،‬وجربرباء إىل‬

‫الرسول ﷺ وطلب األمان‪ ،‬ثم قال له‪( :‬يا أبا القاسم إنك لو أقمربربت شربربهر ًا مربربا بربربالوا‪ ،‬إن هلربربم‬

‫رشاب ًا وعيون ًا حتت األرض‪ ،‬خيرجون بالليل ويرشبون منها ثم يرجعون إىل قلعربربتهم فيمتنعربربون‬

‫منك) أي اناك رشاب يدخل إىل احلصن عن طريم عيون تدخل مربربن حتربربت األرض‪ ،‬واربربم يف‬

‫كل ليلة خيرجون دون أن ي عر املسلمون ويأخذون من اذا الرشاب‪ ،‬فيقول اليهربربودي‪( :‬فربربإن‬

‫قطعت مرشهبم عليهم أصيروا لك)‪ .‬لو قطعت اربربذه العيربربون ال بربربد أن خيرجربربوا؛ ألهنربربم لربربن‬

‫يستطيعوا أن يعي وا بدون ماء‪ ،‬فقطع ﷺ املربرباء عربربن اليهربربود‪ ،‬فخرجربربوا وقربرباتلوا أشربربد القتربربال‪،‬‬

‫واستمر القتال فرتة من الزمان حتى انترص املسلمون‪ ،‬وافتتيت قلعربربة الربربزب ‪ .‬اربربذه مربربن أشربربد‬

‫املعارك رضاوة يف تاريخ املسلمني‪ ،‬فهم عند كل حصن يقاتلون أيام ًا‪ ،‬ثم هيربربربون مربربن احلصربربن‬

‫إىل احلصن الذي يليه‪ ،‬واكذا واذه احلصون مبنية بمهارة عجيبة جربربد ًا‪ ،‬فكربربل حصربربن متصربربل‬

‫باآلخر‪.‬‬

‫اكذا انتهى الرسول ﷺ من فتح احلصون الثالثة األوىل‪ ،‬التربربي اربربي‪ :‬حصربربن نربرباعم‪ ،‬وحصربربن‬

‫الصعب بن معاذ‪ ،‬وحصن قلعة الزب ‪ ،‬وكانت يف منطقة تسمى النطاة‪.‬‬


‫‪804‬‬
‫قبل أن ننتقل ونعرف ماذا عمل الرسول ﷺ بعد فتح حصربربون منطقربربة النطربرباة‪ ،‬ال بربربد أن نقربربف‬

‫وقفة ونقول‪ :‬إن نرص اهلل سبيانه وتعاىل يأيت بعد أن يستنفد املسلمون كل أسباب النرص‪ ،‬وقربربد‬

‫ال ت دي اذه األسباب إىل النرص بذاهتا‪ ،‬بربربل كثربرب ًا مربربا حيربربدث أن يعجربربز املسربربلمون بعربربد بربربذل‬

‫األسباب‪ ،‬ثم يأيت النرص من حيث ال يتوقعون‪ ،‬كام فعل اهلل عربربز وجربربل قبربربل ذلربربك يف بربربدر ويف‬

‫األحزاب ويف مواطن كث ة‪ ،‬وجنود الرمحن كث ون‪ ،‬كام قال سبيانه‪َ { :‬و َما َي ْع َل ُم ُج ُنربربو َد َر ِّبربرب َك‬

‫إِ هال ُا َو} [املدثر‪ ]31:‬وأحد جنود الرمحن سبيانه وتعاىل يف موقعة خيرب كربربان ذلربربك اليهربربودي‪،‬‬

‫واو ما زال عىل هيوديته‪ ،‬فأتى إىل رسول اهلل ﷺ وك ف له الطريم الذي به استطاع املصربربطفى‬

‫هرص إِ هال ِم ْن ِعن ِْد‬


‫ﷺ والصيابة الذين معه أن يفتيوا اذا احلصن الصعب‪ :‬قلعة الزب ‪َ { ،‬و َما الن ْ ُ‬
‫اهللهِ} [آل عمران‪.]126:‬‬

‫فتح الرسول ﷺ حلصني ُأ َيب والنزار‬

‫بعد اذه الفتوح انتقل اليهود إىل احلصن الذي يليه‪ ،‬الربربذي اربربو‪ :‬حصربربن قلعربربة أيب‪ ،‬واربربو أحربربد‬

‫حصون منطقة ال م‪ ،‬فبعد أن فتيت منطقة النطاة كلها بقيت منطقة ال م وفيها حصنان‪ :‬أيب‪،‬‬

‫والنزار‪ ،‬ودار قتال عنيف حول قلعة أيب إىل أن فتيت بنفس الطريقربربة‪ ،‬حصربربار ثربربم قتربربال‪ ،‬ثربربم‬

‫ارب اليهود إىل احلصن الذي يليه‪ ،‬الربربذي اربربو حصربربن النربربزار‪ .‬اربربذا احلصربربن اخلربربامس وقربربف‬

‫الرسول ﷺ حمارص ًا له عدة أيام؛ ألنه كان أمنع احلصون اخلمسة‪ ،‬لذلك وضع اليهود يف ذلربربك‬

‫احلصن الذراري والنساء‪ ،‬وظنوا أنه من املستييل أن يفتح‪ ،‬ولذلك استمر احلصار فرتة طويلة‬

‫إىل ما قبله‪ ،‬وما استطاع الرسول ﷺ أن يفتح احلصن‪ ،‬فلجأ ﷺ إىل طريقربربة‬ ‫من الزمان بالقيا‬

‫جديدة يف احلرب‪ ،‬أتى باملنجنيم‪ ،‬وكان املسلمون قد استولوا عليه من بعض احلصون اليهودية‬

‫السابقة‪ ،‬يقال‪ :‬كان يف حصن الصعب بن معاذ‪ ،‬فنصب رسول اهلل ﷺ املنجنيم وبربربدأ يقصربربف‬

‫احلصن بقذائف من بعد‪ ،‬حتى أحدث خل ً‬


‫ال يف بعض اجلدران هلذا احلصن‪ ،‬ومربربن اربربذا اخللربربل‬
‫‪805‬‬
‫تسلل املسلمون إىل داخل احلصن ودار قتال من أعنف أنواع القتال يف داخل احلصربربن‪ ،‬وكتربربب‬

‫اهلل عز وجل النرص للمسلمني للمرة اخلامسة‪ ،‬وفتح احلصن العظيم حصن النزار‪ ،‬وارب منربربه‬

‫بقية اليهود إىل حصون املنطقة األخرا التي اسمها الكتيبة‪ ،‬وتركوا خلفهم النسربرباء واألطفربربال‬

‫وكل اء‪.‬‬

‫حصار الرسول ﷺ حلصن ال َق ُموص وتسليم حصني الوطيح ُ‬


‫والسالمل‬

‫انتقل الرسول ﷺ إىل منطقة الكتيبة‪ ،‬ومنطقة الكتيبة منطقة واسعة فيها ثالثربربة حصربربون كبربرب ة‪:‬‬

‫حصن القموص‪ ،‬وحصن الوطيح‪ ،‬وحصن السالمل‪ ،‬اذه احلصون الثالثة كانت من احلصربربون‬

‫املنيعة‪ ،‬وحتصن فيها اليهود‪ ،‬لكنهم كانوا قد أصيبوا هبزيمة نفسية كب ة نتيجة اهلزائم املتالحقة‬

‫يف أكثر من موقعة سابقة يف خب ‪ ،‬ففتح خيرب ليس جمرد لقاء عابر‪ ،‬وليس جمرد موقعة واحربربدة‪،‬‬

‫بل او عبارة عن عدة مواقع متتالية يف مكان واحد‪ ،‬حصن وراء حصن‪ ،‬حتى فربربتح املسربربلمون‬

‫مخسة حصون صعبة دون ازيمة واحدة؛ لذلك كانت خيرب حمفورة يف أذاان اليهود‪ ،‬وحمفربربورة‬

‫يف أذاان املسلمني‪ ،‬فهي من أعظم انتصارات املسلمني مطلق ًا‪ ،‬وسربرباماا ربنربربا يف كتابربربه الكربربريم‬

‫اهب ْم َفت ًْيا َق ِري ًبا} [الفتح‪ ]18:‬أي‪ :‬فتح خيرب‪.‬‬


‫فتي ًا‪َ { :‬و َأ َث َ ُ‬

‫انتقل الرسول ﷺ إىل منطقة الكتيبة وحارص أول حصن الذي او حصن القمربربوص‪ ،‬واسربربتمر‬

‫احلصار أربعة عرش يوم ًا متصلة‪ ،‬واختلف الرواة فيام حدث يف اذا احلصن‪ ،‬ال دار قتربربال بعربربد‬

‫اذا احلصار‪ ،‬أم أهنم سلموا بدون قتربربال؟ الثابربربت أن احلصربربنني اآلخربربرين اللربربذين مهربربا حصربربن‬

‫الوطيح وحصن السالمل ُس ِّلام دون قتال‪ ،‬لكن املختلف فيه او حصن القموص‪ ،‬لكن سواء دار‬

‫قتال أو مل يدر قتال‪ ،‬فقد طلب اليهود بعربربد عربربدة أيربربام أن ينزلربربوا عربربىل الصربربلح‪ ،‬وقربرباموا بعمربربل‬

‫املفاوضربربات مربربع رسربربول اهلل ﷺ‪ ،‬فقبربربل ﷺ أن يتفاوضربربوا يف اربربذا األمربربر‪ ،‬وكربربان الربربذي نربربزل‬

‫للمفاوضة او كنانة بن أيب احلقيم‪ ،‬فربربدار بينربربه وبربربني الرسربربول ﷺ حربربوار طويربربل خالصربربته أن‬
‫‪806‬‬
‫املفاوضات يف صالح املسلمني ‪ ،%100‬فقد صالح اليهود عىل حقن دماء كل مربربن يف احلصربربون‬

‫من املقاتلة والذرية والنساء‪ ،‬عىل أن يرتكوا الديار والثياب واألموال والربربذاب والفبربربة وكربربل‬

‫اءإال ثوب ًا عىل ظهر إنسان‪ ،‬فسيخرجون يف أكرب ازيمة من ازائم اليهود مطلق ًا‪ ،‬واحلقيقة أنه‬

‫كان انتصار ًا مهوالً بالنسبة للمسلمني‪ ،‬والرسول ﷺ يف اذا املعاادة رشط عليهم رشط ًا اامربرب ًا‬

‫جد ًا‪ ،‬قال‪( :‬وبرئت منكم ذمة اهلل وذمة رسوله ﷺ إن كتمتموين شيئ ًا) أي‪ :‬لربربو أخفربربى اليهربربود‬

‫شيئ ًا من األموال أو من الذاب والفبة‪ ،‬فإنه جيوز للرسول ﷺ أن يعاقبهم؛ بسربرببب إخفربربائهم‬

‫للامل أو للذاب أو الفبة‪ ،‬وقبل اليهود بذلك الرشط‪ ،‬وبدءوا يف اخلروج من خيرب‪.‬‬

‫املسلمني‬ ‫وقفة مع قتال الرسول ﷺ لليهود بخيرب ومقارنة ذلك بقتال‬

‫نقف وقفة ونقول‪ :‬جيب أال ينسى امليلل هلذه الغزوة أهنا مربربن أوهلربربا إىل آخراربربا جربرباءت عقابربرب ًا‬

‫لليهود عىل خياناهتم املتكررة‪ ،‬وتأليبهم القبائل العربية عىل حرب املدينربربة املنربربورة‪ ،‬وحمربرباوالهتم‬

‫املستمرة الستئصال أاربربل املدينربربة املنربربورة‪ ،‬وا تيربربال الرسربربول ﷺ‪ ،‬وكربربون الرسربربول ﷺ يقبربربل‬

‫بخروجهم أحياء؛ فهذا تفبل منه ﷺ‪ ،‬وكان من حقه أن يعاملهم باملثل وبالقصاص بأن يقتل‬

‫املقاتلة الذين يقاتلون منهم‪ ،‬لكن أقيمت املعاادة عىل اذا النمط‪ .‬كل الغربربربيني الربربذين حللربربوا‬

‫موقعة خيرب يقولون‪ :‬إن اذا من الظلم لليهود‪ ،‬واذا من الرش يف احلروب‪ ،‬واذا من التجربرباوز‬

‫يف املعاملة! نقول‪ :‬اذه طبيعة احلروب‪ ،‬وكان اليهود حريصني متام احلرص عىل قتل املسربربلمني‪،‬‬

‫والناظر إىل تاريخ احلروب يف األرض جيد أن حروب الرسربربول ﷺ اربربي مربربن أرحربربم احلربربروب‬

‫مطلق ًا يف تاريخ اإلنسانية‪ ،‬ولو نظرتم إىل حال اإلنجليربربز والفرنسربربيني يف احلربربروب‪ ،‬وإىل حربربال‬

‫أملانيا بعد احلرب العاملية الثانية‪ ،‬فخسائر أملانيا يف احلرب العاملية الثانية ‪ 20‬مليون قتيربربل‪ ،‬مربربنهم‬

‫‪ 850‬ألف ًا من اجلنود‪ ،‬أقل من مليون من اجلنود‪ ،‬و ‪ 19‬مليون ًا من املربربدنيني قتلربربوا يف احلربربروب‪،‬‬

‫أن (ا ربربزوا يف سربرببيل هلل‪ ،‬عربربىل‬ ‫بينام يف عهد الرسول ﷺ مل يقتل مدين أبد ًا‪ ،‬بل كان يربربأمر النربربا‬
‫‪807‬‬
‫ال صغ ًا‪ ،‬وال امربربرأة‪ ،‬وال منعربربزالً يف صربربومعة) وال أي‬
‫بركة اهلل‪ ،‬ال تقتلوا شيخ ًا كب ًا‪ ،‬وال طف ً‬

‫إنسان مل يقاتل املسلمني‪ ،‬وكان يفرق ﷺ بني الكافر الذي يقاتل املسربربلمني‪ ،‬والكربربافر الربربذي ال‬

‫يقاتل املسلمني‪ ،‬بل أمر اهلل عز وجل أن يبل الكافر الربربذي ال يقاتربربل املسربربلمني مأمنربربه‪ ،‬ويعلربربم‬

‫الدين‪ ،‬فاألمر ليس عىل إطالقه أننا نيارب كل الكفار ونقتل كل الكفار‪ ،‬بربربل نقاتربربل مربربن قتربربل‬

‫املسلمني أو وقف أمام نرش الدين‪ ،‬فهذا أمر ال بد أن نبعه يف حساباتنا عند حتليل زوة خيربربرب‬

‫وفتح خيرب‪ ،‬فقد كان فيها رمحة كب ة‪ ،‬وبر م اهلزيمة القاسية التي وقعت عىل اليهود؛ إال أنربربه مل‬

‫ثالثة وتسعني مقاتالً‪ ،‬واست هد من املسلمني ستة عرشربرب إىل ثامنيربربة جمااربربد ًا‬ ‫يقتل من اليهود‬

‫حسب اختالف الروايات‪.‬‬

‫مصاحلة الرسول ﷺ ليهود خيرب‬

‫لقد ترك اليهود نائم ضخمة جد ًا‪ ،‬تركوا أمواالً وديار ًا‪ ،‬وتركوا أام من ذلك النخيل‪ ،‬وكانت‬

‫خيرب بالد ًا نية جد ًا بالزراعة‪ ،‬فرتكوا كل اذا وراءام وبدءوا يف عملية اخلروج‪ .‬ثم إن اليهود‬

‫بعد قرار املعاادة وقرار اخلروج من خيرب قدموا عرض ًا إىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قالوا‪( :‬يا حممد دعنا‬

‫نكون يف اذه األرض نصليها ونقوم عليها‪ ،‬فنين أعلم هبا منكم)‪.‬‬

‫وقد كانت أراضيها كب ة جد ًا‪ ،‬والصيابة مل يكن هلم علربربم كبربرب بالزراعربربة‪ ،‬واربربي بعيربربدة عربربن‬

‫املدينة املنورة‪ ،‬واليهود يستطيعون أن يصليوا اذه األراِض وخيرجوا منها الثامر‪ ،‬فقالوا‪ :‬دعنربربا‬

‫نقوم عىل إصالح اذه األراِض‪ ،‬ثم نقيم معاادة بيننا وبينك عربربىل اقتسربربام اربربذا الربربثامر‪ ،‬فوجربربد‬

‫الرسول ﷺ أن اذا العرض عرض مناسب للمسلمني‪ ،‬فأقر اليهود عىل أن يعطيهم ال طر من‬

‫كل زرع ومن كل ثمرة‪ ،‬ما بدا لرسول اهلل ﷺ أن يقرام يف خيرب‪ ،‬فإذا أمر ﷺ يف يوم من األيام‬

‫دون حتديد يف اذه املعاادة بخروج اليهود من خيرب فعليهم أن خيرجوا‪ ،‬واو ما تم بعربربد ذلربربك‬

‫يف عهد عمر بن اخلطاب كام يعلم اجلميع‪.‬‬


‫‪808‬‬
‫انتهت املعركة هبذا األمر‪ ،‬وبدأ ﷺ يقسم نائم خيرب الكث ة جد ًا عىل املسلمني رب الزراعربربة‪،‬‬

‫كان اناك سالح‪ ،‬وكان اناك أموال‪ ،‬فهذه الغنائم كانت كث ة‪ ،‬حتى إن عبد اهلل بن عمر رِض‬

‫اهلل عنهام يقول ‪-‬كام روا البخاري ‪ :-‬ما شبعنا حتى فتينا خيرب‪ ،‬وتقول السيدة عائ ربربة رِض‬

‫اهلل عنها ‪-‬كام جاء يف البخاري ‪ :-‬ملا فتيت خيرب قلنا‪( :‬اآلن ن بع من التمر)‪.‬‬

‫كان من بنود املعاادة أن من كتم ماالً من اليهود عن املسلمني برئت منه ذمة اهلل عز وجل وذمة‬

‫رسوله الكريم ﷺ‪ ،‬بمعنى أنه يقتل إلخفائه ذلك املال‪ .‬اكت ف الرسول ﷺ أن كنانربربة بربربن أيب‬

‫احلقيم أخفى ماالً‪ ،‬ذكر له ذلك أحد اليهود‪ ،‬فأتى برب كنانة بن أيب احلقيم‪ ،‬وبدأ باستجوابه فقال‬

‫له ﷺ‪( :‬ال أخفيت ماالً؟!) فقال‪( :‬ال)‪ .‬فقال ﷺ‪( :‬أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟) قربربال‪:‬‬

‫(نعم)‪ ،‬فأمر ﷺ بالبيث يف أرضه‪ ،‬وكان أحد اليهود قد عني مكان ًا معينربرب ًا‪ ،‬قربربال‪ :‬إن كنانربربة قربربد‬

‫أخفى يف اذا املكان شيئ ًا‪ ،‬فبيثوا يف ذلك املكان فوجدوا كنز ًا كب ًا من املال‪ ،‬و ُقتربربل كنانربربة بربربن‬

‫أيب احلقيم نتيجة بالفته للمعاادة التي كانت مع املسلمني‪ ،‬وسبيت امرأة كنانة بن أيب احلقيم‪،‬‬

‫وكانت امرأة كنانة اي صفية بنت حيي بن أخطب‪ ،‬وكام نعلم مجيع ًا أن رسول اهلل ﷺ تزوجها‬

‫بعد ذلك وأصبيت من أمهات امل منني‪.‬‬

‫احلكمة من زواج الرسول ﷺ بصفية بنت حيي رِض اهلل عنها‬

‫لنا وقفة مع زواج الرسول ﷺ من السربربيدة صربربفية رِض اهلل عنهربربا وأرضربربااا‪ .‬بدايربربة األمربربر أن‬

‫السيدة صفية أخذت يف السبي وكانت مع أحد أصياب رسول اهلل ﷺ‪ ،‬واربربو دحيربربة الكلبربربي‬

‫رِض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬فأتى أحد الصيابة إىل رسربربول هلل ﷺ وقربربال لربربه‪ :‬إن اربربذه بنربربت ملربربك‪،‬‬

‫والينبغي أن تكون إال لك‪ ،‬فأخذاا ﷺ‪ .‬ويف زواجه ﷺ من السربربيدة صربربفية حكربربم‪ ،‬مربربن اربربذه‬

‫احلكم أنه رفع درجة السيدة صفية‪ ،‬فهي بنت ملك أو بنت زعيم مربربن زعربربامء اليهربربود‪ ،‬وزوجربربة‬

‫زعيم من زعامء اليهود‪ ،‬فال يليم أن تعطى ألي إنسان من املسلمني‪ ،‬فرفع من قدراا وعظم من‬
‫‪809‬‬
‫شأهنا‪ ،‬وتزوجها ﷺ بعد أن أعلنت إسالمها‪ .‬ثم إن اذا الزواج فيربربه اسربربتاملة لقلربربوب اليهربربود‪،‬‬

‫فعندما يكون بينهم وبني زعيم الدولة اإلسالمية نبي اربربذه األمربربة عالقربربة مصربرباارة؛ فربربإن اربربذه‬

‫العالقة قد ترقم قلوب اليهود وتفتح قلوهبم لإلسالم‪.‬‬

‫ثم إن اذا سيمنع اخلالف بني الصيابة؛ ألن أحربربد الصربربيابة ‪-‬كربربام ذكرنربربا‪ -‬جربرباء إليربربه وقربربال‪:‬‬

‫أعطيت دحية الكلبي اذه‪ ،‬فقد ينظر بعض الصيابة إىل أنربربه أعطربربى أحربربد الصربربيابة شربربيئ ًا قربربد‬

‫ه من عموم الصيابة‪ ،‬وبذلك قطع اخلالف بني الصيابة رِض اهلل عنهم وأرضاام‬ ‫يناسب‬

‫أمجعني‪ ،‬وكانت اذه بداية خ كب للسيدة صفية‪ ،‬فقربربد أصربرببيت أم املربرب منني رِض اهلل عنهربربا‬

‫وأرضااا‪ ،‬وروت الكث والكث عن رسولنا الكريم ﷺ‪ .‬اذه كانت زوة خيرب‪.‬‬

‫م امرات اليهود ضد املسلمني بعد زوة خيرب‬

‫ال امتنع كيد اليهود بعد اذه الغزوة‪ ،‬وبعد اذا القتال املرير الذي دار عدة أيام بلربرب شربربهر ًا أو‬

‫أكثر من القتال؟ ال سكنوا لذلك األمر؟ مل يكتف اليهود بربربذلك‪ ،‬بربربل اسربربتمروا يف املربرب امرات‬

‫ويف الكيد ويف الد ‪ ،‬حتى إهنم فكروا يف قتل الرسول ﷺ قبل أن يغربربادر خيربربرب‪ .‬كلنربربا نعربربرف‬

‫قصة ال اة املسمومة‪ ،‬ونيتاج إىل أن نقف وقفة مع اذه ال اة‪ ،‬لنرا رد فعل الرسربربول ﷺ مربربع‬

‫اذا األمر‪ ،‬حيث اجتمع اليهود عىل حماولة ا تيال الرسول ﷺ بعد انتصار املسربربلمني يف خيربربرب‪،‬‬

‫وقصة ال اة املسمومة ليست تفك ًا من امرأة واحدة كام تروي بعض الروايات‪ ،‬بل كان بتدب‬

‫من كل اليهود‪ ،‬والروايات كلها صييية‪ ،‬وال بد من اجلمع بينها كام سنذكر‪.‬‬

‫اذه رواية يف صييح البخاري تقول‪( :‬إن امرأة هيوديربربة أتربربت رسربربول اهلل ﷺ ب ربرباة مسربربمومة‪،‬‬

‫فأكل منها ﷺ‪ ،‬فجيء هبا إىل الرسول ﷺ فسأهلا عن ذلك؟ قالت‪ :‬أردت قتلك‪ ،‬قال‪ :‬مربربا كربربان‬

‫اهلل ليسلطك عىل ذلك) ويف بعض الروايات أن اذه املرأة اي زينب بنت احلارث امربربرأة سربربالم‬

‫‪810‬‬
‫بن م كم الذي قتله املسلمون قبل ذلك‪ ،‬فأرادت أن تنتقم لزوجهربربا القتيربربل‪ ،‬ولقومهربربا بصربربفة‬

‫عامة‪.‬‬

‫اناك رواية أخرا يف صييح البخاري أيب ًا ويف صييح مسلم كذلك‪ ،‬يروي اذه الرواية أبربربو‬

‫اريرة رِض اهلل عنه‪ ،‬يقول‪( :‬ملا ُفتيت خيرب أاديت لرسول اهلل ﷺ شاة فيها سم‪ ،‬فقال رسول‬

‫اهلل ﷺ‪ :‬امجعوا يل من ااانا من اليهود‪ ،‬فجمعوا له اليهود‪ ،‬فقال هلم ﷺ‪ :‬إين سائلكم عن اء‬

‫فهل أنتم صادقوين عنه؟ فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬يا أبا القاسم‪ ،‬فقال هلربربم ﷺ‪ :‬مربربن أبربربوكم؟ قربربالوا‪ :‬أبونربربا‬

‫ال معين ًا‪ ،‬فذكر هلم خالفه(فقالوا‪ :‬صربربدقت‬


‫فالن‪ ،‬فقال ﷺ‪ :‬كذبتم‪ ،‬بل أبوكم فالن) ذكروا رج ً‬

‫وبررت)‪.‬‬

‫هبذا الس ال أثبت الرسول ﷺ هلم أنه يستطيع أن يكت ربربف الكربربذب الربربذي يكذبونربربه بواسربربطة‬

‫الوحي‪ ،‬فسأهلم س االً آخر‪ ،‬وقال‪( :‬ال أنتم صادقوين عن اء إن أنا سربربألتكم عنربربه؟ فقربربالوا‪:‬‬

‫نعم يا أبا القاسم‪ ،‬وإن كذبناك عرفت كام عرفته يف أبينا‪ ،‬فقال هلم ﷺ‪ :‬من أال النربربار؟ فقربربالوا‪:‬‬

‫نكون فيها يس ًا ثم ختلفونا فيها) أي‪ :‬يمكث اليهود فيها قلي ً‬


‫ال ثربربم يربربدخل املسربربلمون فيهربربا إىل‬

‫األبد‪ ،‬اذا كالم اليهود‪.‬‬

‫فقال ﷺ‪( :‬اخسئوا فيها‪ ،‬واهلل ال نخلفكم فيها أبد ًا)‪ ،‬فقال هلم بعد ذلك‪( :‬ال أنربربتم صربربادقوين‬

‫عن اء إن سألتكم عنه؟) فقالوا‪( :‬نعم)‪ ،‬فقال‪( :‬ال جعلربربتم يف اربربذه ال ربرباة سربرب ًام؟) فقربربالوا‪:‬‬

‫(نعم) أن اليهود اجتمعوا عىل جعل السم يف ال اة ليقتلوا الرسول ﷺ‪ ،‬ثم أعطربربوا اربربذه ال ربرباة‬

‫المرأة سالم بن م كم لتهدهيا لرسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫فقال هلم ﷺ‪( :‬ما محلكم عىل ذلك؟ فقالوا‪ :‬أردنا إن كنت كذاب ًا أن نسربربرتيح منربربك‪ ،‬وإن كنربربت‬

‫نبي ًا لن يرضك)‪ .‬الرسول ﷺ بعد اعرتاف اليهود اعرتاف ًا رصحي ًا جازم ًا بأهنم دبروا حماولة لقتلربربه‬

‫‪811‬‬
‫عفا عنهم مجيع ًا‪ ،‬فهذه من أبل مواطن الرمحة يف حياته ﷺ‪ ،‬وعفا عربربن املربربرأة التربربي قربربدمت لربربه‬

‫ال اة‪ ،‬وسئل مبارشة ﷺ‪( :‬أال تقتلها؟ قال‪ :‬ال) ومل يقتل املرأة‪.‬‬

‫ثم إن أحد الصيابة رِض اهلل عنهم وأرضاام ‪-‬واو برش بربربن الربربرباء بربربن معربربرور ‪ -‬أكربربل مربربع‬

‫رسول اهلل ﷺ وقت أكله من ال اة املسمومة‪ ،‬وكام او م هور أن ال اة املسمومة قالت لرسول‬

‫اهلل ﷺ‪( :‬ال تأكل مني فإين مسمومة)‪ ،‬فالرسول ﷺ لفظ ال اة وأمر الصيابة أال يأكلوا‪ ،‬لكن‬

‫اذا الصيايب برش بن الرباء كان قد ابتلع قطعة من الليم من اذه ال اة املسربربمومة فربربامت هبربربا‪،‬‬

‫فلام مات برش بن الرباء بن معرور رِض اهلل عنه أقام رسول اهلل ﷺ احلد عىل املرأة التي قربربدمت‬

‫ال اة فقتلها به‪.‬‬

‫من كل أرض خيرب مل تقتل إال مرأة واحدة؛ ألهنا قتلت رج ً‬


‫ال من املسربربلمني بال ربرباة املسربربمومة‪،‬‬

‫وإذا قارنا اذه املعركة العظيمة بكل معارك األرض‪ ،‬كام ذكرنا أن أملانيربربا قتربربل منهربربا ‪ 20‬مليونربرب ًا‬

‫منهم‪ 19 ،‬مليون مدين‪ ،‬واذا تكرر يف معظم املعارك األخرا‪ ،‬ففي (ناجازاكي) و(ا وشيام)‬

‫قتل ربع مليون وكلهم من املدنيني‪ ،‬رجال ونساء وأطفال‪ ،‬ف تان بني حربربروب املسربربلمني وبربربني‬

‫املسلمني‪.‬‬ ‫حروب‬

‫من األشياء اهلامة جد ًا‪ :‬أن الرسول ﷺ يف زوة خيرب نم جمموعة من صيائف التوراة‪ ،‬ومربربع‬

‫أنه ﷺ يعلم أهنا حمرفة متام التيريف‪ ،‬وأنه قد أزيلت منها الب ارات التي تبرش به ﷺ‪ ،‬وأنه قد‬

‫اعتدي فيها كث ًا عىل حرمات اهلل عز وجل‪ ،‬إال أنه سلم اذه الصيائف كاملة لليهربربود عنربربدما‬

‫طلبواا منه‪ ،‬ومل حيرقها‪ ،‬وسمح هلم باملعتقد الذي يعتقدونه‪ ،‬واو يعلم أنه معتقد فاسد‪ ،‬واربربذا‬
‫من سعة الصدر عند امل منني‪ ،‬قال اهلل عز وجل يف كتابه‪} :‬ال إِك َْرا َه ِيف الربربدِّ ِ‬
‫ين{ [البقربربرة‪،]256:‬‬

‫واذه القصة واردة وثابتة وشهد هبا حتى املسترشقون الذين حللوا س ة الرسول ﷺ‪ ،‬وذكروا‬

‫أن املسلمني يسميون لآلخرين باالعتقاد الذي يعتقدونه‪.‬‬


‫‪812‬‬
‫اآلثار املرتتبة عىل زوة خيرب‬

‫كانت زوة خيرب زوة مهولة من زوات املسلمني‪ ،‬وتركت أثربربر ًا ضربربخ ًام جربربد ًا عربربىل اجلزيربربرة‬

‫العربية‪ ،‬وأشد اذه اآلثار عىل اليهود القريبني من خيرب أو البعيدين عن خيرب‪ ،‬فكربربل اليهربربود يف‬

‫املنطقة بعد أن سمعوا أنباء خيرب بدءوا يفكرون تفك ًا جدي ًا يف التسليم لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬ومربربن‬

‫ا الء هيود َفدَ ك فقد قبلوا أن ينزلوا عىل نفس الصلح الذي نزلت عليربربه هيربربود خيربربرب‪ ،‬عربربىل أن‬

‫يكون هلم النصف من الثامر كنفس املعاادة التي متت يف خيرب‪ .‬كذلك هيود وادي القرا قاوموا‬

‫يف البداية بعض املقاومة‪ ،‬ثم إهنم بعد ذلك قبلوا أيبربرب ًا بربربنفس الصربربلح‪ ،‬وكربربذلك هيربربود تربربيامء‪،‬‬

‫وبذلك حيد جانب اليهود متام ًا يف اجلزيرة العربية‪.‬‬

‫عاد الرسول ﷺ بعد اذه الغزوة إىل املدينة املنورة يف أواخر صفر‪ ،‬أو أوائربربل ربيربربع األول سربربنة‬

‫سبع‪ ،‬بقي أكثر من شهر يف منطقة خيرب‪ ،‬كام توقع ﷺ أنه سيبقى وقت ًا طوي ً‬
‫ال اناك‪.‬‬

‫الرسول ﷺ قد ختلص هنائي ًا من خطر اليهود‪ ،‬فإذا أضفنا إىل اذا التخلص ما حربربدث يف صربربلح‬

‫احلديبية مع قريش فسنجد أن معظم القوا املوجودة يف اجلزيرة قد تعامل معها رسول اهلل ﷺ‪،‬‬

‫ومل يبم من قوا اجلزيرة إال قوة طفان‪ ،‬وإن وجه إليها رسول اهلل ﷺ بعربربض الرسربربايا‪ ،‬لكنهربربا‬

‫يع من رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫حتتاج اي األخرا إىل وقفة جادة وترصف حكيم‬

‫‪813‬‬
814
‫‪35‬‬

‫قوة اإلسالم‬

‫حتليل الوضع يف أوائل العام السابع من اهلجرة‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬ح ّيد جانب قريش‪ ،‬وبدأت األرض تتناقص من حول قريش‪ ،‬وشعععرت قععريش بع ع‬

‫الدول اإلسالمي وخاص بعد فتح خيرب‪ ،‬وكانت قريش تعترب خيرب من أقوى حصون اجلزيععرة‬

‫العربي مطلق ًا‪ ،‬وكانت تعترب اليهود من أشد الناس قتاالً ومععن أقععوادة ععدة‪ ،‬فزانععت دزي ع‬

‫اليهود يف خيرب رضب كبرية جد ًا ليس لليهود فقط‪ ،‬ولزععن لقععريش يف قععر داردععا‪ ،‬تتصععور‬

‫قريش أن املسل ني بلغوا من القوة إىل الدرج التي متزنهة من فتح خيرب‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أمن املسل ون جانب اليهود بعد دزي تهة يف خيرب‪ ،‬وأصبح لل سععل ني اليععد العليععا بععال‬

‫منازع يف الرصاع الذي بينهة وبني اليهود بصف ام ‪ ،‬ورأينا قبععل دععذا أن املسععل ني يزتفععوا‬

‫فقط بفتح خيرب‪ ،‬ولزنهة فتحوا أيض ًا وادي القرى وتيامء وفععد ؛ مجيععع التج عععات اليهوديع‬

‫املوجودة يف شامل املدين املنورة‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬ازدادت قوة املسل ني بشزل ملحوظ‪ ،‬وكان ارتفاع الروح املعنوي نععد املسععل ني اليع ًا‬

‫جد ًا؛ ألن فتح خيرب كان فيه خري كثري جد ًا لألم اإلسالمي ‪ ،‬ليس من اجلانب العسزري فقععط‪،‬‬

‫ولزن من اجلانب االقتصادي أيض ًا‪ ،‬وذكرنا قول السيدة ائش ريض اهلل نها ندما قالت‪ :‬ما‬

‫شبعنا من الت ر إال بعد فتح خيرب‪.‬‬


‫‪815‬‬
‫ر ريض اهلل نهام‪ ،‬وفوق ارتفاع الروح املعنوي انضة املسل ون من‬ ‫وكذلك قول بد اهلل بن‬

‫أماكن خمتلف يف اجلزيرة العربي إىل قوة املدين املنورة‪ ،‬وجاء املسل ون من احلبش ‪ ،‬ودذا حدث‬

‫تزامن مع فتح خيرب و نذكره يف الدرس املايض‪ ،‬ففي أواخر خيرب بعد أن تة فععتح خيععرب جععاء‬

‫جعفر بن أيب طالب ريض اهلل نه وأرضاه واملهاجرون من احلبش ‪ ،‬حتى إن الرسول ﷺ أسهة‬

‫هلة من أسهة خيرب؛ ألنه ا تربدة مشاركني يف الغزوة حيث جاءوا هبذه الني من املدين املنورة‪،‬‬

‫فزانت إضاف كبرية جد ًا للدول اإلسالمي ‪ ،‬وقدم أيض ًا األشعريون و ىل رأسععهة أبععو موسععى‬

‫األشعري ريض اهلل نه وأرضاه من الي ن‪ ،‬وقدم كذلك الدوسيون وقبائل دوس قبائل كبععرية‬

‫رو الععدور ريض اهلل نععه‬ ‫من الي ن‪ ،‬جاءت أيض ًا يف ذلك الوقت و ىل رأسهة الطفيل بن‬

‫وأرضاه‪ ،‬وقدم املسل ون من قبائل أخرى كثرية إىل املدين املنععورة‪ ،‬وازدادت أ ععداد املسععل ني‬

‫بعد فتح خيرب أو بعد صلح احلديبي ‪ ،‬بل إن املسل ني قدموا أيض ًا من مز املزرم ذاهتا‪ ،‬بعد أن‬

‫تنازلت قريش ن بند إ ادة املسل ني املهاجرين من مز إىل املدينع ‪ ،‬بعععد احلععر التععي شععنها‬

‫ليهة أبو بصري ريض اهلل نه وأرضاه وأصحابه‪ ،‬كام ذكرنا يف الدروس السابق ‪ ،‬وبععدأت قععوة‬

‫دد ًا كبععري ًا مععن‬ ‫الدول اإلسالمي تتنامى‪ ،‬ويف نفس الوقت بدأت قوة قريش تقل‪ ،‬ثة إن دنا‬

‫العر بعد صلح احلديبي أسلة ودخل يف صف املسل ني‪ ،‬يزن يقوى ععىل إ ععالن إسععالمه‬

‫قبل صلح احلديبي ‪ .‬بعد أن وضعت احلر يف اجلزيرة العربي أوزاردععا وأمععن النععاس جانععب‬

‫قريش دخل يف اإلسالم من كان مرتدد ًا‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬بقي من األ داء القدامى لل سل ني قبيل غطفان‪ ،‬وقبيل غطفان جم و ع مععن املرتزقع‬

‫يؤجرون للهجوم ىل الغععري‪ ،‬اسععتمجردة قبععل ذلععك اليهععود حلععر املسععل ني يف األحععزا ‪،‬‬

‫ععة‬ ‫وحارصوا املدين املنورة بست آالف مقاتل مع أربع آالف مععن قععريش‪ ،‬وكععان اجل يععع‬

‫آالف‪ ،‬وكانوا يريدون استئصال الدول اإلسالمي متام ًا‪ ،‬وهلة تاريخ مع ّقد مع املسععل ني‪ ،‬ففععي‬

‫‪816‬‬
‫أكثر من مرة حيدث منهة نوع من الغدر باملسل ني وقتل دد من املسععل ني‪ ،‬ومععا أحععداث بئععر‬

‫معون وغريدا من األحداث ببعيدة من املسل ني‪ ،‬وآخر األحداث التي حصععلت مععن غطفععان‬

‫كان حصار األحزا ‪ ،‬ثة حماول معاون هيععود خيععرب يف حععرهبة ضععد املسععل ني لععوال أن فع ّعرق‬

‫يع إىل‬ ‫رسول اهلل ﷺ دذا التحالف الذي كان بني اليهود وبني غطفان‪ ،‬ععن طريععس إرسععال‬

‫غطفان كام فصلنا‪.‬‬

‫ختلص املسل ون من دوين‪ :‬من قريش ن طريس املصاحل واملهادن ‪ ،‬ومن اليهود ععن طريععس‬

‫احلر كام يف فتح خيرب‪ ،‬و يبس أمامهة سوى دو واحد كبععري ودععو غطفععان‪ ،‬هبععذا التحليععل‬

‫أستطيع أن أحدد أدداف املرحل القادم ‪.‬‬

‫أدداف الرسول ﷺ يف مرحل ما بعد فتح خيرب‬

‫ما دي أدداف الرسول ﷺ يف العام السابع‪ ،‬أدداف املرحل التععي بعععد فععتح خيععربن لقععد كععان‬

‫للرسول ﷺ ددفان رئيسان يف العام السابع من اهلجرة‪ ،‬أو يف الفرتة التي تلت فتح خيرب‪.‬‬

‫الد وة‪ ،‬واستغالل اهلدن التي حصلت بني املسل ني وبععني قععريش بعععد‬ ‫اهلدف األول‪ :‬دو ن‬

‫صلح احلديبي ‪.‬‬

‫اهلدف الثاين‪ :‬إيقاف خطورة قبيل غطفان وتممني جانبهة‪ ،‬واالنتقام لزرامع األمع اإلسععالمي‬

‫من حصار غطفان ومن حر غطفان املرة تلو املرة لل سل ني‪.‬‬

‫من الالفت للن ر أن الرسول ﷺ لتحقيس دذين اهلدفني سلك مسلز ًا واحد ًا ودو إظهار القوة‬

‫والعزة لإلسالم واملسل ني‪ ،‬فزام أن اإلسالم دين ورشيع وقرآن يتىل يؤثر يف قلععو‬ ‫والع‬

‫الزثري من الناس‪ ،‬إال أن دنا الزثري من الناس ال يتمثرون إال ب ادر القوة‪ ،‬وال ينبهععرون إال‬

‫بعزة اإلسالم وسيادته ىل الغري‪ ،‬والطابع الذي كان يغلب ىل السن السابع دو إظهار القععوة‬

‫‪817‬‬
‫اإلسالمي والعزة اإلسالمي ‪ ،‬وقد ظهر ذلك يف مراسععالت الرسععول ﷺ‪،‬‬ ‫اإلسالمي والع‬

‫رة القضاء‪ ،‬وظهر تمثر الزثري مععن أدععل‬ ‫وظهر ذلك يف حرو الرسول ﷺ‪ ،‬وظهر ذلك يف‬

‫مز وأدل اجلزيرة بصف ام ‪-‬بل والعا أمجع‪ -‬ب ععادر القععوة اإلسععالمي التععي ظهععرت يف‬

‫العام السابع من اهلجرة‪ .‬لنن ر دنا كيف حقس النبي ﷺ اهلدفني يف السن السععابع مععن اهلجععرة‬

‫ن طريس إظهار القوة اإلسالمي ‪.‬‬

‫الد وة‬ ‫ن‬

‫وفصلنا فيها كثععري ًا‪،‬‬


‫الد وة‪ ،‬تزل نا قبل دذا ىل الرسائل للز امء وامللو ‪ّ ،‬‬ ‫اهلدف األول‪ :‬ن‬

‫ودذه الرسائل أضافت لل سل ني قوة كبرية جد ًا‪ ،‬وليست قوة معنوي ‪ ،‬ولزن قوة ددي ؛ ألن‬

‫بعض دذه الرسائل أدت إىل دخول دد جديد من املشعركني يف اإلسععالم‪ ،‬ومععن أبععرز دععؤالء‬

‫مملز البحرين بزاملها‪ ،‬دخل ز ي ها املنذر بن ساوى ودخل مجيع شعععب البحععرين يف صععف‬

‫املسل ني‪ ،‬وكذلك دخلت دول الي ن يف اإلسالم بعد إسالم باذان قائد الي ن الفارر نععدما‬

‫آمن برسول اهلل ﷺ‪ ،‬وآمععن معععه شعععبه الفارسععيون الععذين يعيشععون يف الععي ن وأدععل الععي ن‬

‫األصليني‪ ،‬اجل يع تقريب ًا آمن ودخل يف صف الدول اإلسالمي ‪ ،‬نعععة دععة بقععوا يف مزععا ة يف‬

‫الي ن‪ ،‬ولزن دذه إضاف قوي جد ًا للدول اإلسالمي ‪ ،‬وال ننسى أن الععي ن يف جنععو قععريش‬

‫واملدين املنورة يف شامل قريش‪ ،‬هبذا تزون مز املزرم حمارصة بني مناطس إسالمي ‪ ،‬ودذا بععال‬

‫شك إضاف كبرية للدول اإلسالمي اجلديدة‪.‬‬

‫أرسل الرسول ﷺ الد اة دنا ودنا يععد ون النععاس إىل اإلسععالم‪ ،‬وبععدأت القبائععل تفزععر يف‬

‫اإلسالم بطريق جديدة دون خوف أو وجل من قريش‪ ،‬فهنا أ داد كبرية من العر دخلععت‬

‫يف الدين اإلسالمي بعد صلح احلديبي ‪.‬‬

‫‪818‬‬
‫إيقاف خطورة قبيل غطفان‬

‫اهلدف الثاين‪ :‬إيقاف خطورة قبيل غطفان‪ ،‬وقد أرسل الرسععول ﷺ ليوقععف خطععورة غطفععان‬

‫ايا‪ ،‬ثة خرج إليها يف غزوة ذات الرقاع‪ ،‬وكانععت دععذه‬ ‫ايا قراب ست‬ ‫ويؤمن جانبها دة‬

‫الغزوة يف شهر ربيع األول سن سبع‪ ،‬يعني‪ :‬كانععت بدايع فععتح خيععرب يف أول حمععرم سععن سععبع‬

‫دجري ‪ ،‬واست ر أكثر من شهر‪ ،‬فالرسول ﷺ خرج يف أواخر شهر صععفر سععن سععبع أو أوائععل‬

‫ربيع األول سن سبع إىل غطفان‪ ،‬فهو خرج إىل غطفان ب جرد أن اد من فععتح خيععرب‪ ،‬كععان يف‬

‫حرك دائب ويف جهاد مست ر يف سبيل اهلل‪ .‬بعض كتب السري يضع غزوة ذات الرقاع يف السععن‬

‫الرابع ‪ ،‬ودذا ال يستقية؛ ألن أبا موسى األشعري ريض اهلل نه وأرضاه ثبت يف البخععاري أنععه‬

‫شار يف غزوة ذات الرقاع‪ ،‬وأبو موسععى األشعععري باتفععاق يععمت إال يف العععام السععابع مععن‬

‫اهلجرة مع قدوم جعفر بن أيب طالب ريض اهلل نه إىل خيرب‪ ،‬ف ن املؤكد أن غزوة ذات الرقععاع‬

‫متت يف السن السابع من اهلجرة‪.‬‬

‫دذه الغزوة كانت موجه إىل قبائل غطفان‪ ،‬وقبائل غطفان تزتف بحصار املدينع املنععورة يف‬

‫غزوة األحزا وال ب سا دة اليهود يف خيرب‪ ،‬بل كانوا يعدون العدة لغزو املدينع املنععورة مععرة‬

‫يع قبععل ذلععك‬ ‫أخرى بعد غزوة األحزا ؛ وذلك أل ة ل وا أن الرسول ﷺ أرسل إليهة‬

‫ودو يفتح خيرب‪ ،‬فلذلك أرادوا أن يغزوا املدين املنورة من جديد‪ ،‬فزععان ععىل الرسععول ﷺ أن‬

‫يقف وقف جادة جتادهة‪ ،‬وخيرج إليهة ﷺ بنفسه بدالً من أن ينت ردة يف املدين املنععورة؛ لزععي‬

‫ال ُي َن أن املسل ني خيافون من غطفان وأ ة ال جيرءون ىل املواجه املبارشة معهة‪ ،‬فالرسول‬

‫ﷺ ال يريد وجود دذا االنطباع السلبي ال ند غطفان وال نععد أدععل اجلزيععرة العربيع بصععف‬

‫ام ‪ .‬هلذا جهز ﷺ جيش ًا وخرج فيه بنفسه ﷺ‪ ،‬ويبدو أن جيوش املسععل ني يف ذلععك الوقععت‬

‫كانت موز يف أماكن خمتلف ‪ ،‬فهنا جيوش يف خيرب ويف وادي القرى وفد وتيامء ويف غريدا‬

‫‪819‬‬
‫من األماكن امللتهب يف ذلك الوقت؛ فلذلك ال يممن الرسععول ﷺ أن يععرت املدينع بععال جععيش‬

‫حي يها‪ ،‬فهو ال يممن غدر قريش‪ ،‬وقد تلف قبائل غطفان من دنععا أو دنععا لتععدخل إىل املدينع‬

‫املنورة‪ ،‬واليهود كذلك قد يغدرون‪ ،‬فهنا أمور خطرية جد ًا جتعله يرت حامي يف داخل املدين‬

‫املنورة‪ ،‬ودذه األمور جعلت الرسول ﷺ خيرج يف جيش صغري نسبي ًا‪ ،‬دذا اجليش كععان تقريبع ًا‬

‫أربعامئ ويف بعض الروايات سبعامئ من الصحاب ريض اهلل نهة أمجعني‪ ،‬و يزن معهععة مععن‬

‫اإلبل إال القليل‪ ،‬حتى إن الست من الصحاب كانوا يتناوبون ركععو البعععري الواحععد‪ ،‬وذدععب‬

‫س الصحراء‪ ،‬توغل جد ًا حتععى بلععا ديععار غطفععان‪،‬‬ ‫الرسول ﷺ مساف كبرية جد ًا بجيشه يف‬

‫وغطفان إىل الشامل ال قي من املدين املنورة ىل مساف دة ليال من املدين ‪ ،‬ولزععون املسععاف‬

‫كبرية والصحاب يسريون ىل أقدامهة فقد أ ّثر ذلك جد ًا ليهة ريض اهلل نهة أمجعععني‪ ،‬روى‬

‫البخاري رمحه اهلل ن أيب موسى األشعري ريض اهلل نه أنه قال‪( :‬خرجنا مععع رسععول اهلل ﷺ‬

‫ونحن ست نفر بيننا بعري نعتقبه)‪ ،‬أي‪ :‬أن الست يتناوبون ىل بعري واحد فقط‪ ،‬يقععول‪( :‬فنقبععت‬

‫أقدامنا ونقبت قدماي وسقطت أظفاري‪ ،‬فزنا نلف ىل أرجلنا اخلرق‪ ،‬فسع يت ذات الرقععاع‬

‫ملا كنا نعصب اخلرق ىل أرجلنا)‪.‬‬

‫نحتاج إىل أن نقف وقف مع دذا املوقف‪ ،‬فهذا احلععديث وأمثالععه يوضععح لنععا مععدى التضععحي‬

‫والبذل والعطاء الذي متيز به دذا اجليل النادر‪ ،‬ودو جيل الصحاب ريض اهلل نهة وأرضععادة‪،‬‬

‫لقد كانوا يف حرك دائب مست رة يف سبيل اهلل‪ .‬يف األشهر األخرية مععن السععن السادسع ذدععب‬

‫الرسول ﷺ والصحاب إىل مز املزرم ألداء الع رة‪ ،‬مع التضحي التام بالنفس والذدا إىل‬

‫قر دار قريش‪ ،‬وبيع ىل دم الفرار و ىل املوت‪ ،‬واستعداد تععام للقتععال حتععى النهايع ‪ ،‬ثععة‬

‫ودة لل دين املنورة بعد صلح احلديبي ‪ ،‬وانطالق مبارش إىل حصون وقالع خيرب وقتال رشس‬

‫أكثر من شهر متصل يف خيرب‪ ،‬وانتصار مهيب ال مثيل لععه‪ ،‬ثععة ععودة لل دينع لعععدة أيععام ثععة‬

‫‪820‬‬
‫اخلروج والسري يف الصحراء مساف طويل لقتال قبيل غطفان‪ ،‬ودي من أقععوى وأرشس قبائععل‬

‫العر ‪.‬‬

‫الصحاب كانوا يف حرك دائ يف سبيل اهلل‪ ،‬وبذل وتضحي يف كل دقيق ‪ ،‬وسبس أن رأينا كيععف‬

‫أن جعفر بن أيب طالب ريض اهلل نه وأرضاه اد من احلبش ووجد أن الرسول ﷺ قععد غععادر‬

‫املدين إىل خيرب فرت املدين مبارشة واجته إىل خيرب ليشرت يف القتععال‪ ،‬وأبععو موسععى األشعععري‬

‫ريض اهلل نه وأرضاه يميت من الي ن يف أيام خيرب‪ ،‬فيخرج بعد قدومه بعدة أيام إىل دذه الغععزوة‬

‫ضائع يف حياة دذا اجليل‪ ،‬ولعل ذلك دو الذي‬ ‫الشديدة غزوة ذات الرقاع‪ ،‬تزن دنا حل‬

‫يفرس الزة اهلائل من األحداث التي متت يف زمععن البعثع النبويع ‪ ،‬وزمععن البعثع النبويع فععرتة‬

‫حمدودة جد ًا وقصرية‪ ،‬ال ي زن أبد ًا أن تستو ب كل دععذه األحععداث‪ ،‬إال إذا ن ععرت إىل دععذا‬

‫اجلهد والبذل والعطاء املست ر مععن دععذا اجليععل ريض اهلل ععنهة أمجعععني‪ .‬إذا أضععفت إىل دععذا‬

‫من حل ات احلياة مسمل الربك التي ُينعة اهلل ز وجععل هبععا ععىل‬ ‫االستغالل الدقيس لزل حل‬

‫باده املؤمنني‪ ،‬نددا تستطيع أن تفهة كيف فعلوا دذه األحععداث الضععخ الزثععرية يف دععذه‬

‫الفرتة املحدودة من الزمان‪ ،‬وكانت كل أ امهلة دذه خالص هلل ز وجل‪ ،‬حتععى إن أبععا موسععى‬

‫األشعري ريض اهلل نه وأرضاه ندما حزى دذا احلديث كره وندم أن حععدّ ث بععذلك األمععر‪،‬‬

‫وقال‪( :‬ما كنت أصنع بمن أذكره)‪ ،‬فهو ندم ىل ذكره لذلك األمر‪ ،‬ومتنى أنه لو كتة دذا األمععر‬

‫له بينه وبني ر العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬لزن احل د هلل ىل أنه حدّ ث بذلك األمر؛‬ ‫ليصبح‬

‫ليصل إلينا فنتعلة منه ونُعل ه إلخواننا وأبنائنا‪.‬‬

‫مع كل دذه الشدة وصل اجليش اإلسالمي إىل ديععار غطفععان‪ ،‬وكنععا نتوقععع أن حتععدث معركع‬

‫طاحن بني املسل ني الذين تعرضوا ألذى غطفان قبل ذلك أكثر من مرة‪ ،‬وبني غطفععان القبيلع‬

‫الزبرية ال س التي ُتغزى يف قر داردععا‪ ،‬ولزععن يععرد و ينشععب قتععال أصع ً‬


‫ال ال كبععري وال‬

‫‪821‬‬
‫ع‬ ‫صغري‪ ،‬فقد آثر أدل غطفان أال يدخلوا يف رصاع مععع املسععل ني‪ ،‬مععع أن املسععل ني ععىل أق‬

‫تقدير ال يزيدون ن سبعامئ كام ذكرنا‪ ،‬وأ داد غطفان دائل ‪ ،‬واملعركع يف ُ قععر دار غطفععان‪،‬‬

‫ويف الطرق والدرو التي خربودا و رفودا قبل ذلععك ألععف مععرة‪ ،‬واملسععل ون قععادمون مععن‬

‫مساف بعيدة جد ًا‪ ،‬قد نقبت أقدامهة من السري كام يقول أبو موسى األشعري ‪ ،‬وأدععل غطفععان‬

‫مستقرون يف دياردة‪ .‬سبحان اهلل! دذا األمر يف ُ رف أدل الدنيا جيب‪ ،‬كيف هيععر دععؤالء‬

‫الغطفانيون ودة يف دذه ال روف املستقرة من جيش ظروفه صعب كجيش املسل ني‪.‬‬

‫دذا الزالم ودذا الوضع يزن له إال تفسري واحد‪ ،‬ودو أن دذا اجليش اإلسالمي مؤيد بقوة‬

‫خارق فوق كل احلسابات املادي ‪ ،‬إنه تمييد ر العاملني سععبحانه وتعععاىل لرسععوله الزععرية ﷺ‬

‫ولعام املؤمنني الذين ساروا ىل طريقه‪ ،‬يقول الرسول ﷺ‪( :‬نُرصت بالر ععب مسععرية شععهر)‬

‫أي‪ :‬قبل أن يصل إىل أرض املعرك يزون اجليش الذي دو ذادب إليه مر وب ًا منه‪.‬‬

‫دذا األمر تمييد ر العاملني جليش املؤمنني‪ ،‬دذا أمر مفهععوم بالنسععب لع ععوم املععؤمنني‪ ،‬ورأوه‬

‫كثري ًا‪ ،‬رأوه يف بدر ويف األحزا ويف قتال اليهععود يف املعععار املختلفع بععدء ًا مععن بنععي قينقععاع‬

‫وانتهاء بخيرب‪ ،‬بل شاددوه يف النصف األول من غزوة أحد ندما كان املسل ون مرتبطني باهلل‬

‫ز وجل‪ ،‬قال تعاىل تعليق ًا ىل النصف األول من غزوة أحد‪َ } :‬سنُل ِقي ِيف ُق ُلو ِ ا َّل ِذي َن ك ََفع ُروا‬

‫رشكُوا بِعاهللَِّ َمعا َ ُينَع هزل بِع ِه ُسعل َطانًا َو َمعم َو ُاد ُة النَّع ُار َوبِعئ َس َمثع َوى ال َّ عاملِ َ‬
‫ني{ [آل‬ ‫ب بِ َام َأ َ‬
‫ال ُّر َ‬
‫ران‪ ]151:‬أي‪ :‬أن اهلل سبحانه وتعععاىل إذا ارتععبط بععه املسععل ون ألقععى يف قلععو أ ععدائهة‬

‫الر ب‪ ،‬دذا بدون حسابات مادي وبدون أ داد و دة‪ ،‬فهو أمر غععري مفهععوم متامع ًا نععد أدععل‬
‫ُ‬
‫الدنيا‪ ،‬لزنه أمر مفهوم ويقيني ند املؤمنني؛ أل ة يعرفون أن اهلل سبحانه وتعاىل معهة‪ ،‬لزععن‬

‫اجلديد يف غزوة ذات الرقاع الشعور أن دنا قوة خارقع إىل جانععب املععؤمنني‪ ،‬ودععذا الشعععور‬

‫وجد ند أدل غطفان‪ ،‬وذلك ندما وجدوا أنفسهة ينسحبون أمام اجليش اإلسالمي بشععزل‬

‫‪822‬‬
‫غري مربر‪ ،‬ووجدوا أنفسهة لل رة األوىل يف حياهتة يرتعبون من غريدة‪ ،‬فهؤالء يعيشون ععىل‬

‫السلب والنهب وقطع الطريس‪ ،‬وحياهتة كلها يف حر ‪ ،‬وكل يشهة قتال‪ ،‬ومع ذلك وجدوا‬

‫أنفسهة خيافون من أربعامئ أو سبعامئ ‪ ،‬فإذا كان دذا الر ب من فريس قليععل كاملسععل ني‪ ،‬فإنععه‬

‫حيتاج إىل وقف ‪ ،‬وحيتاج إىل تفسري وإىل حتليل‪ ،‬دزذا فزّر أدل غطفان‪ ،‬فغزوة ذات الرقاع دزت‬

‫قبيل غطفان من األ امق‪ ،‬مع أ ا غزوة ‪-‬كام ذكرنا‪ -‬حيدث فيها قتال‪ ،‬لزن نحن تعودنا ععىل‬

‫أن يميت النرص من حيث ال نحتسب‪ ،‬ليعلة اجل يع أن النرص من ند اهلل ز وجل‪.‬‬

‫بدأت شعو غطفان وز امؤدا يفزرون مجيع ًا بن رة إجيابي هلععذا الععدين‪ ،‬مععع أ ععة يمخععذوا‬

‫يع ًا بالدخول يف اإلسالم‪ ،‬لزنهة وقفوا وقفع جععادة للتممععل‪ .‬دععؤالء املرتزقع الععذين‬ ‫قرار ًا‬

‫اشوا حياهتة ىل السلب والنهب وجدوا أنفسهة أمام يشء ما قبلوه قبل ذلععك‪ ،‬و يسع عوا‬

‫نه إال من غري املسل ني‪ ،‬فهة طاملا س عوا ن املسل ني من قريش ومن اليهود ومن غععريدة‪،‬‬

‫لزنهة أول مرة يقابلون املسل ني حقيق ‪ ،‬ودخلت الردب يف قلوهبة‪ ،‬وألقععى اإلسععالم بجاللععه‬

‫وديبته ىل غالظ القلو و ىل دداة اإلجرام أدل غطفان؛ ألن دععذا الععدين املحزععة ال يمتيععه‬

‫الباطل من بني يديه وال من خلفه تنزيل مععن حزععية محيععد‪ ،‬ودععذا الععدين يتسععلل إىل القلععو‬

‫تسلالً‪.‬‬

‫اد الرسول ﷺ دون قتال‪ ،‬لزن تر أثر ًا ال ُي حى من قلو غطفان‪ ،‬وشاء اهلل ز وجععل أن‬

‫يضا ف من دذا األثر بقصتني حدثتا مبارشة بعد دععذه الغععزوة أثنععاء ععودة الرسععول ﷺ مععن‬

‫غطفان إىل املدين املنورة‪.‬‬

‫‪823‬‬
‫قص أ رايب غطفان وسقوط السيف من يده‬

‫القص األوىل‪ :‬جاء يف البخاري ن جابر بن بد اهلل ريض اهلل نهام‪ :‬أن اجليش اإلسالمي ودو‬

‫ائد من غطفان إىل املدين املنورة نععزل يف مزععان ليسععرتيح‪ ،‬فتفععرق النععاس يف ظععالل الشععجر‬
‫ليست لوا‪ ،‬ونزل رسول اهلل ﷺ حتت شجرة‪ّ ،‬‬
‫فعلعس هبععا سععيفه‪ ،‬قععال جععابر‪ :‬فن نععا نومع ًا‪ ،‬أي‪:‬‬

‫الرسول ﷺ ومجيع الصحاب ناموا؛ فالطريس متعب‪ ،‬قال‪ :‬فجاء رجل مععن األ ععرا امل ععكني‬

‫فاخرتط سيف رسول اهلل ﷺ ورفعه فععوق رأس الرسععول ﷺ‪ ،‬وفجععمة اسععتيقر الرسععول ﷺ‬

‫ووجد األ رايب واقف ًا ىل رأسه بالسيف‪ ،‬فقال لععه األ ععرايب املشععر ‪-‬ودععو مععن غطفععان‪:-‬‬

‫(أختافنين) األ رايب خياطب الرسول ﷺ‪ :‬أختافنين ودذا السؤال غريب‪ ،‬وكان من املتوقع من‬

‫دذا الرجل أن يقتل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وبذلك ينال رشفع ًا كبععري ًا جععد ًا نععد أدععل غطفععان‪ ،‬لزععن‬

‫الرجل يفعل ذلك‪ ،‬وإنام بدأ يف حوار مع الرسول ﷺ‪ ،‬ودذا ملنع ر العاملني سبحانه وتعاىل‬
‫رسوله الزرية من أذى اآلخرين‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬واهللَُّ َيع ِص ُ َك ِم َن الن ِ‬
‫َّاس} [املائدة‪ ]67:‬قال لععه‪:‬‬

‫أختافنين فرد الرسول ﷺ وقال‪( :‬ال) ما ادتز له جسة وال دخل يف قلبععه أي خععوف‪ ،‬فتعجععب‬

‫األ رايب من دذا املوقف‪ ،‬السيف يف يده والرسول ﷺ أ زل ولععيس معععه أحععد ومععع ذلععك ال‬

‫خياف‪ ،‬فقال األ رايب‪( :‬ف ن ي نعك منين) فقال ﷺ‪( :‬اهلل)‪ .‬يف رواي أن األ رايب كرر السؤال‬

‫ثالث مرات‪ :‬من ي نعك منين من ي نعك منين من ي نعك منين ويف كل مرة يقول الرسول‬

‫ﷺ‪ :‬اهلل اهلل‪ ،‬فوقع السيف من يد األ رايب‪ ،‬ويف رواي البخاري أيض ًا يقول‪( :‬إن األ رايب شععام‬

‫السيف)‪ ،‬أي‪ :‬أنه أغ د السيف و يقع منه رغ ًام ن إرادته؛ تعجب ًا من ثبات الرسععول ﷺ‪ ،‬ويف‬

‫الرواي التي ذكردا اإلمام أمحد بن حنبل وابن إسحاق رمحهام اهلل‪( :‬أنه ندما وقع السععيف مععن‬

‫يد األ رايب‪ ،‬فممسك رسول اهلل ﷺ بالسيف ورفعه ىل األ رايب وقال له‪ :‬من ي نعك منععين)‬

‫فاأل رايب كافر ما استطاع أن يقول‪ :‬اهلل‪ ،‬وما استطاع أن يلجم إىل آهلته املز ومع مععن األصععنام‪،‬‬

‫‪824‬‬
‫لزن ط ع يف كرم الرسول ﷺ فقال له‪( :‬كن خري آخععذ)‪ ،‬فقععال ﷺ‪( :‬تشععهد أن ال إلععه إال اهلل‬

‫وأين رسول اهللن) فقال األ رايب‪( :‬أ ادد أال أقاتلك‪ ،‬وال أكون مع قوم يقاتلونععك)‪ .‬أي أنععه‬

‫يسلة‪ ،‬لزنه و د الرسول ﷺ أال يقاتله بعد ذلك‪ ،‬و ىل الععرغة مععن املوقععف الشععديد إال أن‬

‫احععه و يعاقبععه‪،‬‬ ‫األ رايب يستطع أن يمخذ قرار اإلسالم‪ ،‬ومع ذلك أطلس رسععول اهلل ﷺ‬

‫وثبت ذلك يف البخاري أن الرسول ﷺ يعاقب دذا الرجل‪ ،‬و اد الرجل إىل أدله سامل ًا وقال‬

‫هلة‪( :‬جئتزة من ند خري الناس)‪ ،‬ويف رواي ‪ :‬أن دد ًا كبري ًا من أدله أسلة‪ ،‬وأن دذا الرجععل‬

‫اس ه غورث بن احلارث‪.‬‬

‫دذه القص وإن كانت يف ظادردا ابرة‪ ،‬إال أ ا تركت أثر ًا كبري ًا جد ًا يف أ ععرا دععذه املنطقع‬

‫ال كري ًام فقط‪ ،‬ولععيس قائععد ًا‬


‫من قبائل غطفان‪ ،‬وأدركوا هبذه القص أن رسول اهلل ﷺ ليس رج ً‬

‫شجا ًا جريئ ًا فقط‪ ،‬وإنام دو أيض ًا نبي مرسل؛ ألنه ليس من ادة امللو والقادة أن يرتكوا مععن‬

‫وقف ىل رءوسهة بالسيف مهدد ًا دزذا‪ ،‬ليس من ادهتة الرمح والزرم والتسععامح إىل دععذا‬

‫احلد‪ ،‬فهذا ليس من طبع امللو والقادة‪ .‬وال شك أن دذه القص باإلضععاف إىل غععزو الرسععول‬

‫ﷺ هلة بجيشه الصغري البسيط دون خوف وال وجععل؛ كععان هلععا أبلععا األثععر يف تفزععري دععؤالء‬

‫األ را جدي ًا يف قضي اإلسالم‪.‬‬

‫بثالث أسهة أثناء الصالة‬ ‫قص اصاب باد بن ب‬

‫دذه قص أخرى جيب حدثت يف أثناء رجوع دذا اجليش املبار إىل املدين املنورة‪ ،‬وروادا أبو‬

‫داود ن جابر ريض اهلل نه وأرضاه‪ :‬أن جيش املسل ني نععزل بمحععد األمععاكن للراحع ‪ ،‬فعع ّعني‬

‫رسول اهلل ﷺ رجلني للحراس ‪ :‬باد بععن بشععر األنصععاري ريض اهلل نععه‪ ،‬و ععامر بععن يععا‬

‫املهاجري ريض اهلل نه‪ ،‬فقسة الليل بينهام‪ ،‬فزانت نوب باد بن بشعر‪ ،‬فععمراد أن يقطععع الليععل‬

‫بالصالة‪ ،‬ووقف يصيل قيام الليل‪ ،‬فجاءه أحد امل كني أيض ًا من غطفان‪ ،‬ورماه بسععهة‪ ،‬فنععزع‬
‫‪825‬‬
‫ويتفجر‪ ،‬فرماه املشعر بسععهة آخععر فنز ععه بععاد‬
‫ّ‬ ‫باد السهة وأك ل صالته‪ ،‬والدم يسيل منه‬

‫وأك ل صالته‪ ،‬فجاءه السهة الثالث فنز ه باد ثععة ركععع وسععجد وأ ععى صععالته‪ ،‬و يقطععع‬

‫الدماء يف كل‬ ‫الصالة فجمة ولزنه أك ل صالته‪ ،‬ثة أيقر امر بن يا ‪ ،‬فلام وجد امر بن يا‬

‫ريض‬ ‫مزان ورأى األسهة الثالث ‪ ،‬قال لع باد‪( :‬دال أيق تني أول ما رمىن) فريد باد بن ب‬

‫اهلل نه يف يقني وخشوع ويقول‪( :‬كنت يف سورة أقرؤدا‪ ،‬فلة أحب أن أقطعها)‪ ،‬ويف رواي ابن‬

‫إسحاق‪ :‬قال باد‪( :‬واية اهلل لوال أن أض ّيع ثغر ًا أمرين رسول اهلل ﷺ بحف ه لقطع نفيس قبععل‬

‫أن أقطعها أحب إيل من قطعها)‪ .‬أي‪ :‬لقطع دذا الرجل حيايت قبل أن أقطع دذه السورة‪ ،‬ولك‬

‫أن تتصور مدى است تاع باد بقراءته‪ ،‬ومدى حبه لقيام الليععل‪ ،‬ومععدى اسععتغراقه يف بادتععه‪،‬‬

‫ومدى خشو ه وتركيزه يف الصالة ريض اهلل نه وأرضاه‪.‬‬

‫ندما رأى امر بععن‬ ‫الذي أطلس السهام در‬ ‫الشادد يف دذه القص دو أن دذا الرجل امل‬

‫استيقر وفر إىل قومه‪ ،‬وال ندري نه شيئ ًا بعد ذلك‪ ،‬إال أنععه انبهععر لرؤيع أولئععك الععذين‬ ‫يا‬

‫كانوا منذ قليل يغزو ة بشجا وحياربو ة برضاوة يقفون يف بادهتة هبذه الصورة اخلاشع ‪،‬‬

‫ال شك أن مجع الصحاب بني اجلهاد والصالة‪ ،‬وبني القتال والعبادة‪ ،‬وبني القوة والرمح ‪ ،‬وبععني‬

‫الثمر للزرام والعفو ند املقدرة‪ ،‬ال شك أن ذلك كان الفت ًا للن ر جد ًا لزل الناس‪ ،‬وال شععك‬

‫ععوم البشععر‪ ،‬بغععض الن ععر ععن جنسععياهتة أو أ ععرافهة أو‬ ‫أنه كان يرت انطبا ًا إجيابي ًا ند‬

‫قبائلهة‪.‬‬

‫إرسال الرسول ﷺ للرسايا بعد غزوة ذات الرقاع‬

‫غريت كثري ًا يف أوساط قبائل غطفععان‪ ،‬و ععدّ لت‬


‫كانت غزوة ذات الرقاع غزوة بال قتال‪ ،‬لزنها ّ‬
‫يفرس لنا أحداث ًا كثرية ستميت بعد دذا‪.‬‬
‫كثري ًا من سلوكهة‪ ،‬ودذا سوف ّ‬

‫‪826‬‬
‫يزتف الرسول ﷺ بعد غزوة غطفان هبذا اإلنذار القوي املوجه هلا‪ ،‬لزن أرسععل بعععد غععزوة‬

‫ايا متتالي كلها يف العام السابع من اهلجرة‪ ،‬أرسل دععذه السععرايا إىل ععدة‬ ‫ذات الرقاع ست‬

‫مناطس مه يف اجلزيرة العربي ‪ ،‬ودي‪ :‬منطق ُكديد‪ ،‬ومنطق ُترب ‪ ،‬ومنطق بنععي مععرة‪ ،‬ومنطقع‬

‫ميفع ‪ ،‬ومنطق ي ن‪ ،‬ومنطق الغاب ‪ ،‬ست مناطس‪ ،‬والقاسة املشرت بني كل دععذه املنععاطس أ ععا‬

‫كلها أرض لغطفان‪ .‬دنا تركيز واضح ىل قبيل غطفان يف العام السابع اهلجري‪ ،‬وواضح أن‬

‫شوائي أبد ًا يف األداء‪ ،‬فالرسول ﷺ بعد صععلح‬ ‫الرسول ﷺ يسري بخط حمز ‪ ،‬ليست دنا‬

‫احلديبي وحتييد جانب قريش وجه كامل الطاق لردع بقي األحزا ‪ ،‬ولصد بقي أ داء األمع ‪،‬‬

‫وهلذا رأينا احلر ضد اليهود واحلر ضد غطفان‪ ،‬فاألمور يف غاي الرتتيب‪ ،‬ونجح الرسععول‬

‫ﷺ يف دذه احل الت املتزررة يف ردع اليهود وغطفان متام ًا‪ ،‬وبذلك أصبحت القوة اإلسععالمي‬

‫يف أواخر العام السابع اهلجري دي القوة األوىل يف اجلزيرة العربي ‪ ،‬ومععع نجععاح دععذا اجلانععب‬

‫العسزري للدول اإلسالمي إال أن الرسععول ﷺ يععرت مه تععه األوىل كرسععول ودععي مه ع‬

‫الد وة إىل اهلل ز وجل يف كل مزان يف اجلزيرة العربي ‪ ،‬بل خرج خععارج اجلزيععرة‬ ‫البالغ ون‬

‫العربي كام ذكرنا‪ ،‬ود ا إىل اإلسالم رصاح وبقوة و زة حتى وصل اإلسالم إىل مع ة ممالععك‬

‫العا يف ذلك الوقت‪.‬‬

‫ك لخص للعام السابع اهلجري‪ :‬نجد أنه كان ام ًا جهادي ًا ود وي ًا‪ ،‬بدأ فيه املسععل ون يف جنععي‬

‫ث رات صلح احلديبي ‪ ،‬وصلت يف دذا العام د وة اإلسالم إىل كل مزان‪ ،‬وانتصععر املسععل ون‬

‫فيه انتصععار ًا بععادر ًا ععىل اليهععود يف خيععرب ووادي القععرى وفععد وتععيامء‪ ،‬وانز شععت غطفععان‬

‫وتضاءلت جد ًا‪ ،‬و رفت أن قوة املسل ني أ ىل بزثري من قوهتا‪ ،‬حتى وإن كان ععدد املسععل ني‬

‫قليالً‪ ،‬وزاد دد املسل ني بشزل ملحوظ بعد قدوم املسل ني من كل مزان‪ ،‬فقد جاء مهععاجرو‬

‫احلبش وجاء األشعريون والدوسيون وغريدة‪ ،‬بل وأسععلة الزثععري والزثععري يف العععام السععابع‬

‫‪827‬‬
‫اهلجري‪ ،‬وكان ام ًا حاف ً‬
‫ال بالد وة واجلهاد‪ ،‬وتععوج دععذا العععام يف آخععره بتحقيععس يشء فععرح‬

‫املسل ون به كثري ًا‪ ،‬ودو دخول مز املزرمع ألداء الع ععرة؛ ألن مععن بنععود صععلح احلديبيع أن‬

‫املسل ني يرجعون دون دخول مز للع رة يف العام السادس اهلجري‪ ،‬ععىل أن يععميت املسععل ون‬

‫بعد ام‪ ،‬أي‪ :‬يف اي العام السابع اهلجري ليدخلوا مزع معت ععرين‪ ،‬لععيس معهععة إال سععالح‬

‫املسافر‪ ،‬وخيرج أدل مز من مز متامع ًا‪ ،‬ويرتكععون البلععد احلععرام لل سععل ني مععدة ثالثع أيععام‬

‫متواصل ‪ ،‬وبالفعل مرت السن كام رأينا وجاء شععهر ذي القعععدة مععن العععام السععابع اهلجععري‪،‬‬

‫و ُأ لن يف املدين املنورة ن الع رة الع ي ‪ ،‬وأمر الرسععول ﷺ أال يتخلععف نهععا أحععد شععهد‬

‫احلديبي ‪ ،‬وستبدأ تفصيالت دام هلذه الع رة املبارك ‪ ،‬ويف احلقيق حتتععاج منععا إىل وقفع مه ع‬

‫جد ًا‪.‬‬

‫رة القضاء وآثاردا اإلجيابي ىل املسل ني‬

‫خرج يف دذه الع رة املبارك ألفان من الصععحاب ريض اهلل ععنهة وأرضععادة مععن غععري النسععاء‬

‫والصبيان؛ كل من شهد احلديبي خرج إال من استشهد‪ ،‬وخرج معهة أيض ًا آخرون‪ ،‬فالصحاب‬

‫الذين كانوا يف احلديبي دة ألف وأربعامئ ‪ ،‬ويف دذا الوقت خععرج ألفععان‪ ،‬وخرجععوا بالسععالح‬

‫الزامل يف موكب مهيب‪ ،‬ومع أن الرسول ﷺ كان متفقع ًا مععع قععريش أنععه ال يععدخل مزع إال‬

‫بسالح املسافر فقط‪ ،‬إال أنه ﷺ يممن مععن غععدر قععريش‪ ،‬فخععرج بالسععالح الزامععل والعععدة‬

‫الزامل ‪ ،‬بالرماح وبالسهام والدروع وبزل يشء وكمنه مستعد حلر ‪ ،‬لزنه سععيرت كععل دععذه‬

‫األشياء خارج مز ليدخل مز بسالح املسافر فقط‪ ،‬وفاء لعهععده ﷺ‪ ،‬فج ععع بععني األمععرين‪:‬‬

‫األخذ باألسبا واحلامي هلؤالء اخلارجني إىل مز املزرم للع رة‪ ،‬ويف نفععس الوقععت يععدخل‬

‫بعهده مع قريش إىل مز بسالح املسافر‪ ،‬وأحرم ﷺ من ذي احلليف (أبيار ععيل)‪ ،‬وظععل يلبععي‬

‫ة أيام تقريب ًا من التلبي املتواصل ‪ ،‬ووصل إىل‬ ‫من ذي احلليف إىل أن وصل إىل مز املزرم ‪،‬‬

‫‪828‬‬
‫من أ ة حل ات السرية النبوي ؛ فهي حل مهيب فعالً‪ ،‬بعد سبع سععنوات‬ ‫مز ‪ ،‬ودذه اللح‬

‫كامل من اهلجرة‪ ،‬وبعد أن تر الرسول ﷺ أحب البالد إليه يعود احلبيب ﷺ إىل بلععده مزع ‪.‬‬

‫اق َبع ُ لِل ُ ت َِّقع َ‬


‫ني}‬ ‫األيام متر بحلودععا ومردععا‪ ،‬متععر بسعععادهتا وأحزا ععا‪ ،‬األيععام متععر دومع ًا‪{ :‬والع ِ‬
‫َ َ‬
‫[األ راف‪ .]128:‬شتان بني حال املسل ني منذ سبع سنوات وحععاهلة اآلن‪ ،‬خععرج رسععول اهلل‬

‫ﷺ من مز منذ سبع سنوات مهاجر ًا يرتقب ويستخفي بنفسه وخيتبععه دنععا تععارة ودنععا تععارة‪،‬‬

‫خيفي آثاره قدر ما يستطيع‪ ،‬واليوم يدخل رسول اهلل ﷺ مز معلن ًا للج يع أنه داخععل‪ ،‬ولععيس‬

‫دذا اإل الن ألدل مز فقط‪ ،‬بل ألدل اجلزيرة مجيع ًا‪ ،‬بل لعله للعا أمجع‪.‬‬

‫خرج الرسول ﷺ من مز منذ سبع سنوات دو وصاحبه الصديس و امر بععن فهععرية والععدليل‬

‫بد اهلل بن ُأريقط‪ ،‬أربع نفر ال يزاد يرادة أحد‪ ،‬واآلن يعود الرسععول ﷺ بععملفني مععن‬ ‫امل‬

‫ي ‪ ،‬وتلبي تقطع ص ت الصحراء‪ ،‬تُعلععن‬ ‫الرجال دون النساء والصبيان‪ ،‬يف م ادرة إيامني‬

‫لزل اخللس أن‪ :‬لبيك اللهة لبيك‪ ،‬لبيك ال رشيك لك لبيك‪ ،‬إن احل د والنع لك وامللك‪ ،‬ال‬

‫رشيك لك‪ ،‬حق ًا ال رشيك لك‪ ،‬حق ًا إن احل د كله هلل‪ ،‬وحق ًا إن امللك كله هلل‪ ،‬والدليل أن دععذه‬

‫الع رة التي نتحدث نها قبل سبع سنوات منها خيرج أدل مز مجيع ًا يبحثون ععن رسععول اهلل‬

‫ﷺ يف كل بقع ليقتلوه‪ ،‬واآلن خرج أدل مز مجيع ًا إىل جبال مز وإىل أوديع مزع يفسععحون‬

‫الطريس لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬ليدخل مز معت ر ًا ملبي ًا‪ ،‬رافع ًا رأسه‪ ،‬حماطع ًا بزوكبع مععن املسعل ني‬

‫املسلحني بالسيوف يف أ ة ت يف رأهتا مز يف كل تارخيهععا‪ ،‬اكتفععى أدععل مزع باملراقبع لععه‬

‫وألصحابه ودة يؤدون شعائر الع رة ىل طريق املسل ني‪.‬‬

‫‪829‬‬
‫رة القضاء‬ ‫م ادر قوة املسل ني يف‬

‫دذا حدث من أ ة أحداث السرية النبوي ‪ ،‬ودذه الع رة متهيد نفيس رائع ملععا سععيحدث بعععد‬

‫ذلك بعام‪ ،‬ندما يدخل الرسول ﷺ مز فاحت ًا‪ ،‬ولعل قضي فتح مز تزون غري متوقعع نععد‬

‫كثري من الصحاب ؛ ألن مز أ ة مدن اجلزيرة‪ ،‬بل أ ة مدن العا ‪ ،‬وقريش دي أ ز قبيل يف‬

‫العر ‪ ،‬فزون املسل ني سيمتون يف جيش القتحام مز ‪ ،‬ويغزون قريش ًا يف قر داردا دذا أمععر‬

‫بعيد جد ًا يف تصور الزثريين‪ ،‬لزن بعد دذه الع رة أصبح الوضع خمتلف ًا‪ ،‬رأى املسععل ون أدععل‬

‫مز يفسحون هلة الطريس دون مقاوم ‪ ،‬وليس دذا فقط‪ ،‬بل إ ة يرتكو ة ثالث أيام متواصل‬

‫يف داخل مز ‪ ،‬يزتفون فقط باملراقب بحرسععة‪ ،‬ودععة ال يسععتطيعون فعععل أي يشء‪ ،‬ال شععك أن‬

‫املسل ني الح وا االنبهار الذي كان ند القرشععيني مععن رؤيع قععوة املسععل ني؛ ولنععا مععع دععذا‬

‫االنبهار من أدل قريش وقف ؛ ألن الرسول ﷺ كان يعرف أن دنا أناس ًا كثععريين ال ينبهععرون‬

‫إال بالقوة‪ ،‬وال حيرتمون غريدة إال إذا وجدوه صلب ًا شديد ًا زيز ًا‪ ،‬وصععدق ععثامن بععن فععان‬

‫ريض اهلل نه إذ يقول‪ :‬إن اهلل ليزع بالسلطان ما ال يزع بالقرآن‪ .‬يرتدع أدل مزع نععد سععامع‬

‫اآليات اجلليل البادرة للقرآن الزرية ‪ ،‬مع متام ل هة أن القرآن معجز وأنه فوق طاق الب عع‪،‬‬

‫وأ ة ال يستطيعون اإلتيان بسورة مععن مثلععه ولععو اجت عععوا لععذلك‪ ،‬يرتععد وا هبععذا القععرآن‬

‫الع ية‪ ،‬لزن ىل الناحي األخرى وقفوا منبهرين متام ًا أمععام قععوة املسععل ني وجلععد املسععل ني‪،‬‬

‫والرسول ﷺ كان يعرف دذا جيععد ًا‪ ،‬وحععرم متععام احلععرم ععىل إبععراز قععوة املسععل ني قععدر‬

‫املستطاع ﷺ‪.‬‬

‫من ذلك مثالً‪ :‬أوالً‪ :‬جاء ﷺ بالسالح الزامل من املدين املنورة‪ ،‬لزنععه أبقععى السععالح خععارج‬

‫ي من الصحاب ‪ ،‬وكانوا مائتي رجل‪ ،‬وكان ليهة حم د بن مسععل ريض اهلل نععه‪،‬‬ ‫مز مع‬

‫وبعد أن انتهى ﷺ ومن معه من الع رة تبادل دؤالء احلراس مع جم و أخرى من املسععل ني‬

‫‪830‬‬
‫وأدوا الع رة كغريدة من الصحاب ريض اهلل نهة وأرضادة‪ ،‬فاملسل ون جاءوا من املدين إىل‬

‫يون ًا لقريش ترقب املوقف‪ ،‬فلععام رأت قععريش الرسععول‬ ‫مز بالسالح؛ أل ة يعرفون أن دنا‬

‫ﷺ معه قوة السالح وقوة جيوش غري معت رة‪ ،‬أرسلوا إىل الرسول ﷺ بذلك األمر‪ ،‬وأخربوه‬

‫أنه قد و ددة أن يدخل مز فقط بسالح املسافر‪ ،‬فمخربدة ﷺ أنه ند و ععده‪ ،‬وأنععه سععيرت‬

‫السالح خارج مز ‪ ،‬ولزنه ال يممن ىل نفسه وال ىل جيشه مععن غععدر قععريش؛ فلععذلك أخععذ‬

‫باألسبا ﷺ‪ ،‬فمتى بعدة كامل ؛ ليلقي الردب يف قلو امل كني‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬دخل الرسول ﷺ مز راكب ًا ناقته القصواء‪ ،‬واملسل ون حوله يشهرون سيوفهة حلاميتععه‪،‬‬

‫تصور كون الرسول ﷺ يف وسط املسل ني ودة حميطون به كام حييط السوار باملعصة؛ محاي لععه‬

‫من امل كني أو من غدر قريش‪ .‬كان من ر مهيب جد ًا‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬دخل املسل ون مز ودة يلبون مجيع ًا يف صوت واحد‪ :‬لبيك اللهة لبيك‪ ،‬وأنا أريد منك‬

‫أن تتصور أن ألفني من الرجال األشداء يلبون ويرفعون أصواهتة بالتلبي ودة يدخلون مزع ‪،‬‬

‫أول مرة ترى مز من ر ًا كهذا‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬يتقدم صفوف املسل ني بد اهلل بن رواح ريض اهلل نععه وأرضععاه ودععو ينشععد الشعععر‪،‬‬

‫نحن نستغر ونقول‪ :‬ملاذا دذا الشعر يف مثل دععذا املوقععفن! لقععد كععان الشعععر نععد العععر‬

‫وسيل اإل الم األوىل‪ ،‬إذا قيل الشعر وقف اجل يع ليست ع‪ ،‬وكان بد اهلل بععن رواحع يعععرف‬

‫جيد ًا دذا املوقف‪ ،‬واختار من شعره ما يناسب إظهار القوة‪ ،‬ومما قاله يف شعره ما جاء يف سععنن‬

‫الرتمذي والنسائي ن أنس ريض اهلل نه وأرضاه‪ ،‬واحلديث حسن صحيح قال‪:‬‬

‫اليوم نرضبزة ىل تنزيله‬ ‫خلوا بني الزفار ن سبيله‬

‫ويذدل اخلليل ن خليله‬ ‫رضب ًا يزيل اهلام ن مقيله‬

‫‪831‬‬
‫إىل آخر األبيات‪ ،‬واملض ون هلذا الشعر أن بد اهلل بن رواحع ريض اهلل نععه وأرضععاه يفسععح‬

‫سولت له نفسه الغدر به‬


‫الطريس لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬ويعلنها واضح رصحي أنه سيرض كل من ّ‬
‫ر بن اخلطا ريض اهلل نه يستو ب دذا الذي فعله بععد اهلل بععن رواحع ريض اهلل‬ ‫ﷺ‪.‬‬

‫نه‪ ،‬فقال له‪( :‬ويف حرم اهلل تقول الشعرن) لزن الرسول ﷺ كععان موافقع ًا لفعععل بععد اهلل بععن‬

‫ععر‪،‬‬ ‫ام ولعقلي قريش خاص ‪ ،‬فقال لععه‪( :‬خععل نععه يععا‬ ‫رواح ؛ ألنه مدر لعقلي العر‬

‫فلهي أ ع فيهة من نضح النبل) أي‪ :‬دذه األبيات أ ع يف قريش من رمي النبععل والسععهام‪،‬‬

‫فزان دذا األمر فع ً‬


‫ال من أقوى األسلح التي وجهت لقريش‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬أمر الرسععول ﷺ املسععل ني أن يرملععو يف األشععواط الثالثع األوىل أي جيععروا اجلععري‬

‫العسزري املعروف والتي نفعلها يف األشواط الثالث األوائععل يف الع ععرة وأصععبحت سععن بعععد‬

‫ذلك دائ ًام‪ .‬دذه الطريق العسزري ت هر قوة وجدي املسل ني‪.‬‬

‫سادس ًا‪ :‬أمردة ﷺ أن ي هروا أكتافهة الي نى‪ ..‬ملاذان حتى ي هععروا لقععريش قععوهتة العضععلي‬

‫ندما يزشفوا ن سوا ددة الشديدة‪ .‬يف رواي قال النبي ﷺ ‪(:‬رحة اهلل أمر ًأ أرادة اليوم من‬

‫نفسه قوة)‪.‬‬

‫ت يف مزع شععائع أن املسععل ني قععد ودنععتهة محععى‬ ‫األمران األخريان فعلهة النبي ﷺ ألنه‬

‫ع املسععل ني قععالوا‪:‬‬ ‫املدين املنورة‪ ،‬فلام رأى امل كون قوة املسل ني و ضالت املسل ني و‬

‫(دؤالء الذين ز تة أن احل ى قد ودنتهةن! دؤالء أجل من كذا وكذا) تركت دععذه األفعععال‬

‫أثر كبري جد ًا يف قلو امل كني‪.‬‬

‫سابع ًا‪ :‬صىل الرسول ﷺ باملسل ني الصلوات اخل س يف األيام الثالث بصورة مجا ي يف احلرم‪،‬‬

‫وتصور صالة ألفني من الرجال غري النساء والصبيان بطريق واحدة بتزبععري وحت يععد‪ ،‬وبقيععادة‬

‫‪832‬‬
‫لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬فهذه الصورة بادرة لزل الناس‪ ،‬وامل كون ألول مرة يرون مثععل دععذا‬ ‫من‬

‫التج ع الضخة يصيل يف احلرم هبذه الصورة‪.‬‬

‫ععكني‪،‬‬ ‫يقع لل‬ ‫ثامن ًا‪ :‬أمر الرسول ﷺ بالالً أن يؤذن من فوق الزعب ‪ ،‬فزانت دزة نفسععي‬
‫فهة رأوا بالالً احلبيش الذي كان ُيباع ويشرتى‪ ،‬بل و ُي ّ‬
‫عذ يف شوارع وصحراء مزع ‪ ،‬وكععانوا‬
‫يربطون احلبل يف نقه ويسريون به يف شوارع مزع يسععخرون منععه‪ ،‬وكععان ُيعع ّ‬
‫عذ بالصععخرة‬

‫ىل ظهره‪ ،‬فهذا الرجل الذي القى األ َم َّرين من أدل مز ومن ز امء مز ‪ ،‬دادو اآلن‬ ‫الع ي‬

‫يصعد فوق الزعب ‪ ،‬فوق أ ة مزان يف األرض بعد أن أ ّزه اهلل ععز وجععل باإلسععالم فريفععع‬

‫أذان املسل ني‪ ،‬فهذا الفعل دز قريش ًا من األ امق‪ ،‬وراجع كلامت األذان بام فيه من مواطن زة‬

‫كثرية جد ًا من تزبري هلل ز وجل‪ ،‬وشهادة بوحداني اهلل ز وجل‪ ،‬وشهادة بنبوة الرسول ﷺ‪..‬‬

‫إىل آخر كلامت األذان‪ ،‬فهي كلامت تلقي الردب واجلالل يف قلو كل من يشععادد ذلععك مععن‬

‫غري املسل ني‪.‬‬

‫تاسع ًا‪ :‬تعامالت الرسول ﷺ مع املؤمنني مجيعها كانععت أمععام امل ععكني‪ ،‬حيععث رأوا بععم ينهة‬

‫خضوع الصحاب ريض اهلل نهة لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬ورأوا مدى التوقري واإلجالل لععه‪ ،‬وسع عوا‬

‫قبل دذا ما قاله هلة روة بن مسعود الثقفي يف يوم صلح احلديبي ‪ ،‬فهة يف دععذا الوقععت يععرون‬

‫بم ينهة‪ ،‬فعل وا وتمكدوا أن الصف اإلسالمي صف موحد قوي طائع بزاملععه لععز ية واحععد‬

‫دو الرسول ﷺ‪.‬‬

‫ارش ًا‪ :‬ختة الرسول ﷺ دذه الصورة البهي القوي بزواجه من السيدة مي ونع بنععت احلععارث‬

‫ريض اهلل نها‪ ،‬ويف دذا الزواج الدليل ىل أنه يعيش حياة طبيعي جععد ًا يف مزع ‪ ،‬ال خيععاف وال‬

‫يرتقب وال يعيش يف ظروف غري طبيعي ‪ ،‬بل يتزوج وحيتفل ويقية العرس يف يسعر وسععهول ال‬

‫ختلو من حز سياسي رائع ‪ ،‬فقد د ا امل كني حلضور احلفععل ولألكععل مععن الولي ع ‪ ،‬لزع َّن‬
‫‪833‬‬
‫امل كني رفضوا و يقبلوا ذلك‪ ،‬فقد فه وا رسال الرسول ﷺ‪ ،‬وفه وا أنه يترصععف يف مزع‬

‫وكم ا بلده وليست بلددة‪ ،‬باإلضاف إىل أن السيدة مي ون بنت احلارث من قبيلع بنععي ععامر‬

‫العزيزة جد ًا‪ ،‬فقبيل بني امر كانت تفتخر ىل العر أ ا من القبائل التي ُيسب منها امععرأة‬

‫واحدة و يؤخذ منها أسري‪ ،‬فهذا إ الن ارتباط بني الرسول ﷺ وبني قبيلع قويع ععن طريععس‬

‫النسب‪ ،‬وهبذا تتناقص األرض من حول امل كني‪ ،‬فإذا أضععفت إىل ذلععك أن السععيدة مي ونع‬

‫بنت احلارث خال خالد بععن الوليععد ريض اهلل نععه وأرضععاه‪ ،‬ويف ذلععك الوقععت كععان ال يععزال‬

‫م ك ًا‪ ،‬ودي أخت أم الفضل زوج العباس بن بد املطلب ‪ ،‬وكانوا يقولون‪ :‬إ ا مععن أ ععة‬

‫الناس أصهار ًا؛ ألن القتهععا اإلنسععاني يف مزع كبععرية ومتشععابز جععد ًا‪ ،‬فهععذا زواج سععيار‬

‫اجتام ي د وي حزية من رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ويف توقيت يف غاي احلز ‪ .‬دذا الزواج كان له أبلا‬

‫األثر ىل م كي مز ‪ ،‬وقد حاول الرسول ﷺ أن ي هر به قوة املسل ني وبمس املسل ني أمععام‬

‫ة كامل ‪.‬‬ ‫م كي قريش‪ ،‬فتلك‬

‫هبذه األمور ارتفعت مزان املسل ني إىل السامء‪ ،‬وظهرت زة املسل ني‪ ،‬وكانععت دععذه الع ععرة‬

‫من أجل وأ ة األ امل يف دذه السنوات السبع األخرية‪ ،‬و ُ رفت دذه الع ععرة بمسععامء كثععرية‬

‫رة الصععلح‪ ،‬ودععذه كلهععا أسععامء‬ ‫رة القصام‪،‬‬ ‫رة القضي ‪،‬‬ ‫رة القضاء‪،‬‬ ‫جد ًا‪ ،‬منها‪:‬‬

‫لنفس الع رة التي كانت يف العام السابع من اهلجرة‪.‬‬

‫ععرة القضععي ‪ ،‬فقععد أرسععل إلععيهة‬ ‫اياه إىل مناطس غطفان من جديد بعععد‬ ‫تابع الرسول ﷺ‬

‫يتني‪ :‬إحدادا‪ :‬يف ذي احلج يف السن السابع للهجرة‪ ،‬واألخرى‪ :‬يف صفر يف السععن الثامنع‬

‫للهجرة‪ ،‬وواصل سياس الضغط ىل غطفان حتى تلععني قنععاة غطفععان‪ ،‬وحتععى يعرفععوا جديع‬

‫وبمس املسل ني‪.‬‬

‫‪834‬‬
‫إسالم خالد بن الوليد و رو بن العام و ثامن بن طلح‬

‫لقد حدث يشء مهة يف شهر صفر سن ثامن‪ ،‬حيتاج إىل وقف كبرية ومه ‪ ،‬ودو من أ ة ثععامر‬

‫صلح احلديبي و رة القضاء‪ ،‬ودذا احلدث حل فارق ليست يف تععاريخ مزع املزرمع وال يف‬

‫تاريخ اجلزيرة العربي وال يف تاريخ العا يف ذلك الوقت‪ ،‬ولزن يف تععاريخ اإلنسععاني وإىل يععوم‬

‫ععس‬ ‫القيام ‪ ،‬فمنت ندما تتدبر يف دذا احلدث وآثار دذا احلدث ىل األرض بصععف امع يف‬

‫الزمان واملزان جتد له سبحان اهلل آثار ًا ال تنتهي‪ ،‬دذا احلدث الع ية دو إسالم خالد بن الوليد‬

‫و رو بن العام و ثامن بن طلح ريض اهلل نهة أمجعني‪ .‬ثالث مععن املقع مزع ‪ ،‬بععل مععن‬

‫يسل وا فقط يف شهر صفر سن ثععامن دجريع ‪ ،‬بععل‬ ‫املق األرض بصف ام ‪ ،‬دؤالء الثالث‬

‫أسل وا يف يوم واحد من شهر صفر سن ثامن‪ ،‬فهذا نرص كبري جد ًا لإلسععالم واملسععل ني‪ ،‬فقععد‬

‫ّرب ﷺ ن إسالمهة بقوله‪( :‬إن مز قد ألقت إلينا أفالذ كبددا) ويف رواي ‪( :‬أفععالذ أكباددععا)‬

‫خالص ما يف مز دة دؤالء الثالث ريض اهلل نهة وأرضادة‪ .‬بالفعل نقط حموري يف السععرية‬

‫النبوي ويف تاريخ األرض بصف ام ‪ .‬ان ر إىل اآلثار التي حدثت يف األرض ىل يد خالد بععن‬

‫رو بن العام ريض اهلل نه وأرضاه‪ ،‬من اآلثار أ ععا‬ ‫الوليد ريض اهلل نه وأرضاه‪ ،‬و ىل يد‬

‫ُفتحت العراق‪ ،‬و ُفتحت فارس‪ ،‬و ُفتحت بالد ما وراء النهر‪ ،‬و ُفتحت أرمينيع ‪ ،‬و ُفتحععت بععالد‬

‫كثرية جد ًا يف آسيا‪ ،‬و ُفتحت الشام‪ ،‬كل ذلك ععىل يععد البطععل خالععد بععن الوليععد ريض اهلل نععه‬

‫ععرو بععن العععام ريض اهلل نععه‬ ‫وأرضاه‪ .‬كذلك ُفتحت فلسطني و ُفتحععت مصععر ععىل يععد‬

‫وأرضاه‪ ،‬فزة من املسل ني الذين يف دذه البالدن وكة من األ امل الصاحل ن وكة مععن اجلهععاد‬

‫يف سبيل اهللن وكة من الد وة إىل اهلل ز وجلن وكة من العلةن وكة اإلضععافات اإلنسععاني ن‬

‫كل دؤالء دخلوا بجهاد دذين البطلني الع ي ني‪ :‬خالد بن الوليد‪ ،‬و رو بععن العععام ريض‬

‫اهلل نهام‪ ،‬فهو إنجاز دائل لل سل ني يف العام الثامن مععن اهلجععرة‪ ،‬فإضععاف دععذين االثنععني يف‬

‫‪835‬‬
‫الدول اإلسالمي من أقوى اإلضافات يف تاريخ اإلسالم‪ ،‬وأ طى الرسول ﷺ دذين الرجلني‬

‫أمهي خاص جد ًا يف أحاديثه ويف معامالته ﷺ‪ ،‬حتى إنه أ طى خالد بععن الوليععد ريض اهلل نععه‬

‫ععرو بععن‬ ‫وأرضاه لقب ًا ما أ طاه ألحد قبله وال بعده‪ ،‬وسامه سععيف اهلل املسععلول‪ ،‬وقععال ععن‬

‫ععرو بععن‬ ‫العام كلامت ما قاهلا ألحد غريه ريض اهلل نه‪ ،‬قععال نععه‪( :‬أسععلة النععاس وآمععن‬

‫العام) واحلديث صحيح كام رواه اإلمام أمحد والرتمذي رمحهام اهلل ن قب بععن ععامر ريض‬

‫ععرو بععن‬ ‫وحسن دذا احلديث األلباين رمحه اهلل‪ ،‬فقوله‪( :‬أسلة الناس وآمن‬
‫ّ‬ ‫اهلل نه وأرضاه‪،‬‬

‫العام) كل كبرية جد ًا يف حس دذا البطل الع ية‪.‬‬

‫يقول الرسول ﷺ يف احلديث الذي رواه الرتمذي ن طلح ريض اهلل نه وصححه األلبععاين‪،‬‬

‫يقول‪ ( :‬رو بن العام من صاحلي قريش) ودذا الزالم فيه أبلا الرد ىل كل مععن يطعععن يف‬

‫دذين الصحابيني اجلليلني الع ي ني اللذين فتحا بالد ًا شتى‪ ،‬ال أقول‪ :‬دخل مئععات اآلالف يف‬

‫يف زمععا ة وإىل اآلن‪ ،‬فزععل املسععل ني يف‬ ‫اإلسالم ىل يدهيام فقط‪ ،‬وإنام دخل املاليني من الب‬

‫فلسطني ويف العراق ومرص والشام‪ ،‬كل دؤالء يدينون بالفضل هلذين البطلني‪ .‬دذا أمر خععارج‬

‫ن التصور‪ ،‬ويعترب من أ ة أحععداث التععاريخ اإلسععالمي‪ ،‬ال بععد أن نععدرس إسععالم دععذين‬

‫البطلني‪ ،‬ال بد أن نفهة ملاذا أسلام بعد سنوات طويل جد ًا من الصد وال ُبعععد ععن ديععن اهلل ععز‬

‫وجلن إسالم دذين البطلني وغريمهععا حيتععاج منععا إىل وقفع وحتليععل‪ ،‬فالععذي دفععع دععؤالء إىل‬

‫الرسععول ﷺ كقائععد‪ ،‬فهععؤالء مجيعع ًا مععن‬ ‫اإلسالم دو االنبهار بقوة اإلسالم‪ ،‬واالنبهار بع‬

‫القادة العسزريني‪ ،‬ومن الفرسان املشهورين يف بالد العر ‪ ،‬لزنهة وجدوا أنفسهة أمام قائععد‬

‫ية من القواد يروا مثله قبل ذلك‪ ،‬حتى يف موقعع أحععد فشععل سععيدنا خالععد يف قهععر‬ ‫بارع‬

‫اخلط التي وضعها الرسول ﷺ إال بعد أن خالف الرماة أمر الرسول ﷺ‪ ،‬فقد كانت اخلطع يف‬

‫متام اإلحزام‪ ،‬وكان سيدنا خالد يدرس دذا الزالم جيد ًا‪ ،‬ويعرف أنه ال يسععتطيع الغلبع ععىل‬

‫‪836‬‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬ولوال خمالف الرماة ما استطاع أن يميت املسععل ني مععن خلفهععة‪ ،‬وهلععر مععع مععن‬

‫هير ‪ ،‬فع خالد قد فشل أكثر من مرة أمام الرسول ﷺ‪ ،‬مما جعله ينبهر متام االنبهار بقوة وبمس‬

‫وختطيط الرسول ﷺ‪ .‬فوق ذلك ينبهر بمخالق الرسول ﷺ كدا يع وكإنسععان يعععيش وسععط‬

‫الناس ب بادئ وقية معينع مععا خيالفهععا‪ ،‬و ععادة العسععزريني أ ععة يدوسععون ععىل كععل القععية‬

‫واألخالق‪ ،‬وحيققون األدداف بغض الن ر ن الوسائل‪ ،‬لزن خالد بن الوليععد ريض اهلل نععه‬

‫ال سزري ًا حزي ًام قائد ًا قوي ًا‪ ،‬ومع ذلععك يععتحىل‬
‫شادد يف الرسول ﷺ غري ذلك‪ ،‬فقد شادد رج ً‬

‫بزامل األخالق احل يدة‪ ،‬فقد بلا الذروة ﷺ يف األخالق‪ ،‬ودو شادد ذلك مععرات ديععدة يف‬

‫حياة الرسول ﷺ الصادق األمني‪ ،‬و يستطع أبو سفيان ىل داوته إياه أن يقول يف حقه كل‬

‫سلبي واحدة أمام درقل ز ية الروم‪ ،‬فهو ﷺ قائد أخالقي من الدرج األوىل‪.‬‬

‫رو بن العام منبهر ًا متام االنبهار بشخصي الرسول ﷺ‪ ،‬ودذا الذي دفعه بعععد‬ ‫كذلك كان‬

‫رة‬ ‫ذلك إىل اإلسالم‪ ،‬لزن القوة اإلسالمي التي ظهرت يف صلح احلديبي ‪ ،‬والتي ظهرت يف‬

‫القضاء كان هلا أبلا األثر يف إ اع خطوات إسالم القائدين الع ي ني‪ :‬خالد و رو ريض اهلل‬

‫نهام‪ .‬لنن ر كيف أسلة كل منهام وكيف فزر بهن‬

‫إسالم خالد بن الوليد‬

‫وقف خالد بن الوليد ريض اهلل نه يف مجع من امل ععكني بعععد خععروج الرسععول ﷺ مععن مزع‬

‫رة القضاء‪ ،‬يف أواخر العام السابع من اهلجرة‪ ،‬وقف وقال للج يع كالم ًا جيبع ًا‬ ‫املزرم يف‬

‫غريب ًا ُيستغر جد ًا من مثله يف دذا املوقف‪ ،‬قال هلة‪ :‬لقد استبان لزل ذي قل أن حم د ًا ليس‬

‫بساحر وال شا ر‪ ،‬وأن كالمه من كالم ر العاملني‪ ،‬وقف دذا املوقف مع أنه كععان قععد سع ع‬

‫كثري ًا من القرآن الزرية وكثري ًا من أحاديث الرسول ﷺ قبل ذلك‪ ،‬لزن اآلن جوبه بقوة و ّزة‬

‫اإلسالم فانبهر ريض اهلل نه فقام دذا املقام وقال دذه الزلامت ودو من دو‪ ،‬ودععو مععن أ ععة‬
‫‪837‬‬
‫ز امء مز مطلق ًا‪ ،‬وكان قائد الفرسان يف معار قريش‪ ،‬ولعل دذا دو الذي ّ‬
‫أخعر إسععالمه إىل‬

‫ره سبع ًا وأربعني سن ‪ ،‬ففي دذه الفرتة كان قائععد ًا يف قععريش‪،‬‬ ‫دذا الوقت‪ ،‬فعندما أسلة كان‬

‫فزان خيشى ىل مزانته إذا انضة إىل اإلسالم‪ ،‬وكانت له مزان مرموق جد ًا يف اجليش املزععي‪،‬‬

‫وله مزان مرموق يف وسط العر ‪ ،‬فخاف ىل دذه املزانع أن تضععيع‪ ،‬وباإلضععاف إىل أن أبععاه‬

‫الوليد بن املغرية كان من أشد أ داء الد وة اإلسالمي ‪ ،‬لزن خالد بععن الوليععد يف دععذا الوقععت‬

‫تغري وانبهر بقوة اإلسالم‪ ،‬وانبهر بالرسول ﷺ أكثععر وأكثععر‪ ،‬ودععذا الععذي جعلععه يقععول دععذه‬

‫الزلامت التي تعرب ن رغبته يف دخول اإلسالم‪ ،‬ثة ّلس ىل دذه الزلامت وقال‪( :‬فحس لزععل‬

‫ذي لب أن يتبعه)‪.‬‬

‫ملا لة أبو سفيان ما قال خالد بن الوليد ناداه حتى يتمكد من أنه قععال دععذا الزععالم أم يقلععه‪،‬‬

‫فمكد له خالد صح ما قال وكرر نفس الزلامت أمام أيب سفيان‪ ،‬فاندفع أبو سفيان إىل خالد بن‬

‫الوليد يريد أن يرضبه‪ ،‬فحجز بينهام زرم بن أيب جهل‪ ،‬وكان زرم يف ذلك الوقت ال يزال‬

‫م ك ًا‪ ،‬وكان من أكثر الرجال قرب ًا إىل قلب خالد بن الوليد‪ ،‬وكانت بينهام صداق قدي جد ًا‪،‬‬

‫فحجز زرم بني أيب سفيان وبني خالد وقال كلامت جيبع دععو اآلخععر لععع أيب سععفيان قععال‪:‬‬

‫(مه ً‬
‫ال يا أبا سفيان‪ ،‬فواهلل لقد خفت للذي خفت أن أقول مثل ما قال خالد وأكون ععىل دينععه)‬

‫أي‪ :‬كام أنك ختاف من أن كالم خالد يؤثر يف الناس‪ ،‬فمنا أيض ًا قد خفت من دععذا الزععالم‪ ،‬بععل‬

‫رة القضععاء‪ ،‬ثععة قععال لععه‪( :‬أنععتة‬ ‫إنني خفت أن أكون ىل دين حم د بعد دذا الذي رأيت يف‬

‫تقتلون خالد ًا ىل رأي رآه‪ ،‬ودذه قريش كلها تبايعت ليهن واهلل لقد خفت أال حيععول احلععول‬

‫حتى يتبعه أدل مز كلهة) أي‪ :‬ليس خالد وحده منبهر ًا ب ح د وأصحابه‪ ،‬ودذا كالم رصيح‬

‫جد ًا‪ ،‬لزن كام قال تعاىل‪َ { :‬و َج َحدُ وا ِ َهبا َواستَي َقنَت َها َأن ُف ُس ُهة ُظل ًام َو ُ ُل ًّوا} [الن ل‪ ،]14:‬اجل يععع‬

‫يعلة أن دذا الدين حس‪ ،‬وأن دذا الرسول حس؛ فلذلك كرس بعضهة كربيععاءه واتبععع الرسععول‬

‫‪838‬‬
‫ﷺ‪ ،‬وبعضهة ظل يف كربيائه ويف غيه إىل أن مات ىل ذلك‪ ،‬واحل د هلل أن كععل دععؤالء الععذين‬

‫دخلوا يف احلوار أسل وا بعد دذا‪ ،‬لزن تمخر إسالم بعضهة ن بعض‪ .‬دذا كان موقف خالععد‬

‫ي‬ ‫بن الوليد ريض اهلل نه وأرضاه‪ ،‬وال ننسى أن خالد بن الوليد يف يوم احلديبي قال كل‬

‫يف حس املسل ني‪ ،‬قال‪( :‬إن القوم ممنو ون)‪ ،‬وذلك ندما نزلت صالة اخلوف كام ذكرنعا ذلععك‬

‫يف درس احلديبي ‪ ،‬فع خالد بن الوليد يعلة أن القوم ممنو ععون مععن اهلل ععز وجععل‪ ،‬وأن اهلل ععز‬

‫وجل حييطهة بر اي و ناي خاص جد ًا‪ ،‬ودذا كله كان له أثععر كبععري جععد ًا يف قلععب خالععد بععن‬

‫الوليد‪.‬‬

‫لزن دنا يشء آخر أيض ًا أثر يف خالععد كثععري ًا‪ ،‬ودععو أن خالععد بععن الوليععد نععدما رأى جعيش‬

‫املسل ني داخل مز املزرم للع رة يف العام السابع من اهلجرة‪ ،‬يستطع أن حيت ل دذا املن ععر‬

‫يف بدايته‪ ،‬وخرج من مز وتركها‪ ،‬وكان له أخ اس ه الوليد بن الوليد ريض اهلل نععه ودععو مععن‬

‫الصحاب الذين دخلوا مع النبي ﷺ إىل مز للع رة‪ ،‬فعندما دخل بحث ععن أخيععه خالععد بععن‬

‫الوليد ليخربه ن أمر اإلسالم فلة جيده‪ ،‬فزتب له كتاب ًا قال له فيه‪:‬‬

‫(بسة اهلل الرمحن الرحية‪ .‬أما بعد‪ :‬فإين أر أ جب من ذدا رأيك ععن اإلسععالم‪ ،‬و قلععك‬

‫قلك‪ ،‬ومثل اإلسالم جهله أحدن) ثة كتب كالم ًا جيب ًا بعد ذلك‪ ،‬قال‪( :‬وقد سملني رسول‬

‫اهلل ﷺ نك) فهذه الزلامت كانت من أبلا الزلامت أثر ًا يف إسالم خالععد بععن الوليععد ريض اهلل‬

‫نه وأرضاه‪ .‬قال له أخوه الوليد بن الوليد‪( :‬وقد سملني رسول اهلل ﷺ نك قال‪ :‬أين خالععدن‬

‫فقلت‪ :‬يميت اهلل به‪ ،‬فقال‪ :‬ما مثله جهل اإلسععالمن) أي‪ :‬كيععف لعععخالد الععذي لععه دععذا العقععل‬

‫الراجح أال يفزر يف اإلسالم‪ ،‬ثة قال كل مجيلع قععال‪( :‬ولععو كععان جعععل نزايتععه وجععدّ ه مععع‬

‫املسل ني ىل امل كني لزان خري ًا له‪ ،‬ولقدمناه ىل غريه)‪.‬‬

‫‪839‬‬
‫أي‪ :‬أن الرسول ﷺ خيرب ن خالد أنه لو أضاف قوته إىل قوة املسل ني لقدمه ععىل غععريه‪ ،‬فهععو‬

‫ية‪ ،‬فإضاف دذه القوة إىل قوة اإلسالم جتعل لععه السععبس ععىل املسععل ني‪ ،‬وإن‬ ‫قائد‪ ،‬وفارس‬

‫سبقوه قبل ذلععك بععدخول اإلسععالم‪ .‬لععك مزععان سعتُحفر ولععك وضععع سيسععتقر يف الدولع‬

‫اإلسالمي‬

‫ععية جععد ًا‬ ‫دذه الزلامت وصلت إىل قلب خالد بن الوليد ريض اهلل نه وأرضاه‪ ،‬ودو تمليف‬

‫من الرسول احلزية ﷺ لقلععب خالععد بععن الوليععد ريض اهلل نععه‪ ،‬ودععذا اسععتغالل إلمزانياتععه‬

‫وموادبه ريض اهلل نه وأرضاه‪ .‬دذه دي احلز احلقيقي ‪.‬‬

‫ِ‬
‫(فاستدر يععا أخععي مععا فاتععك‪ ،‬فقععد فاتتععك مععواطن‬ ‫ثة يقول الوليد بن الوليد ريض اهلل نه‪:‬‬

‫صاحل )‪ ،‬لقد فاتتك زوات كثرية وكنا دنا كثري من املعار كنا بحاج إليك مواطن صععالح‬

‫استدر ما فاتك وانسى ما فات ولنهتة بالقادم؛ حت يس لعععخالد بععن الوليععد أال يضععيع وقتع ًا‬

‫آخر‪.‬‬

‫وقعت دذه الزلامت يف قلب خالد بن الوليد ‪ ،‬فزان رد خالد بن الوليد ندما قععرأ اجلععوا أن‬

‫قال‪( :‬فلام جاءين كتابه نشطت للخروج‪ ،‬وزادين رغبع يف اإلسععالم‪ ،‬و ين مقالع رسععول اهلل‬

‫ﷺ)‪ ،‬ثة قال خالد ريض اهلل نه‪( :‬و أرى يف النوم كمين يف بالد ض ّيق ‪ ،‬فخرجت إىل بلد أخرض‬

‫إىل اإليامن‪.‬‬ ‫واسع‪ ،‬فقلت‪ :‬إن دذه لرؤيا‪ )..‬وبعد دذا فهة تفسري الرؤيا أ ا خروج من ال‬

‫ندما أمجع خالد بن الوليد أن خيرج إىل الرسول ﷺ مهاجر ًا من مز إىل املدينع املنععورة قععال‪:‬‬

‫(من أصاحب إىل رسول اهلل ﷺن فلقيت صفوان بن أمي فقلت‪ :‬يا أبا ودب أما ترى ما نحععن‬

‫فيهن إنام أكل رأس) أي‪ :‬أننا جم و قليل جد ًا من الناس يزفيها رأس من اإلبل لألكل فقععط؛‬

‫ألن األرض تتناقص من حول قريش‪ ،‬ثة قال‪( :‬وقد ظهر حم ععد ععىل العععر والعجععة‪ ،‬فلععو‬

‫‪840‬‬
‫قدمنا ىل حم د فاتبعناه؛ فإن رشف حم د ىل العر )‪ ،‬فمبى صفوان أشد اإلبععاء وقععال‪( :‬لععو‬

‫يبس غريي من قريش ما اتبعته أبد ًا)‪ ،‬وذلك أن صفوان بن أمي موتور‪ ،‬فقد ُقتل أبععوه أميع بععن‬

‫خلف يف بدر‪ ،‬ولقد كان إسالم صفوان بن أمي بعد فتح مز ‪.‬‬

‫املهة أن خالد بن الوليد يريد أن يصاحب رج ً‬


‫ال إىل رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فعندما س ع دذه الزلععامت‬

‫من صفوان بن أمي قال‪( :‬دذا رجل موتور قد ُقتل أبوه وأخوه ببدر)‪ ،‬بعد دذا قابل زرم بن‬

‫أيب جهل و رض ليه نفس الزالم‪ ،‬فقال له مثل ما قال صفوان ورفض متام الععرفض‪ ،‬وأيضع ًا‬

‫قال خالد نفس الزالم‪( :‬إنه رجل موتور قتل أبوه أبو جهل) ‪ ،‬لزن خالد بن الوليععد ييععمس‪،‬‬

‫إنام ذدب إىل ثامن بن طلح ريض اهلل نه‪ ،‬وكان يف ذلك الوقت م ك ًا‪ ،‬فقال له نحو ًا مما قال‬

‫لصاحبيه‪ ،‬فزام يقول خالد ‪( :‬فم ع ثامن باإلجابع )‪ .‬أي‪ :‬أنععه قبِعل فزععرة اإلسععالم‪ ،‬واتفععس‬

‫االثنان ىل اخلروج إىل املدين املنورة وتوا دا‪ ،‬وخرجا إىل املدين املنورة إل الن إسالمهام بععني‬

‫رو بن العام ‪.‬‬ ‫يدي رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ويف الطريس قابال‬

‫رو بن العام‬ ‫إسالم‬

‫ععرو بععن العععام‬ ‫رو بن العام فرتة طويل جد ًا من حياته يرفض فزرة اإلسالم‪ ،‬فع‬ ‫ظل‬

‫ره سبع ًا ومخسني سن ‪ ،‬بقي فرتة طويل جععد ًا مععن حياتععه حيععار اإلسععالم‬ ‫ندما أسلة كان‬

‫ره ودو يرفض فزرة اإلسالم‪ ،‬فام الععذي غع ّعري‬ ‫ين سن من‬ ‫واملسل ني‪ ،‬فقد ظل أكثر من‬

‫رو بن العام موانع كثرية جد ًا‪ ،‬فقد كان له قي ع كبععرية‬ ‫رو بن العامن كانت ند‬ ‫فزر‬

‫يف قريش كع خالد بن الوليد‪ ،‬وكان أبوه العام بن وائل من أشععد أ ععداء الععد وة اإلسععالمي ‪،‬‬

‫فقد تربى يف بيت يزره اإلسالم واملسل ني‪ ،‬فهذا الذي جعله يتععمخر دععذه الفععرتة الطويلع مععن‬

‫ععن‬ ‫رو بن العام‪ ،‬يقول‪ :‬ملا انرصععفنا مععع األحععزا‬ ‫الزمن‪ ،‬وان ر إىل بداي التغري يف فزر‬

‫اخلندق مجعت رجاالً من قريش كانوا يرون رأيي ويسع عون منععي‪ ،‬فقلععت هلععة‪( :‬تعل ععون ‪-‬‬
‫‪841‬‬
‫رو بن العام ودو من دداة العر‬ ‫ي ًام)‪ ،‬فبدأ‬ ‫واهلل‪ -‬أين أرى أمر حم د يعلو األمور لو ًا‬

‫يرقب بعينه أن األيام القادم لل سل ني و ىل قريش‪ ،‬فقععال‪( :‬وإين قععد رأيععت أمععر ًا فععام تععرون‬

‫فيهن) قالوا‪( :‬وماذا رأيتن) قال‪( :‬رأيت أن نلحس بالنجايش)‪ ،‬وقد كان النجايش صديق ًا محي ًام‬

‫رو بن العام‪ ،‬فيقول‪( :‬رأيت أن نلحس بالنجايش فنزون نععده‪ ،‬فععإن ظهععر حم ععد ععىل‬ ‫لع‬

‫قومنا كنا ند النجايش فإنا أن نزون حتت يديه أحب إلينا من أن نزون حتت يدي حم د)‬

‫ان روا إىل أي مدى بلغت الزرادي يف قلبه لرسول اهلل ﷺ‪ ،‬أي‪ :‬ألن حيز هععة النجععايش خععري‬

‫ععرو بععن‬ ‫من أن حيز هة حم د ﷺ‪ ،‬مع أن حم د ًا ﷺ قريش‪ ،‬ومن نفععس القبيلع التععي منهععا‬

‫رو بن العام سه ي ًا قرشي ًا‪ ،‬وكان الرسععول ﷺ داشع ي ًا قرشععي ًا‪ ،‬لزععن‬ ‫العام‪ ،‬وقد كان‬

‫رو بن العام يقبل بحزة النجايش وال يقبل بحزععة ب ح ععد ﷺ! ثععة يقععول‪( :‬وإن ظهععر‬

‫قومنا فنحن من قد رفوا‪ ،‬فلن يمتينا منهة إال كل خععري)‪ ،‬أي‪ :‬أنععه لععو انتصععرت قععريش ععىل‬

‫رو بن العام وله من املزان املحفوظع مععا لععه يف قععريش‪ .‬دععذا‬ ‫املسل ني فسيعود بعد ذلك‬

‫موقف سلبي؛ ألنه يرت احلر تثور بني قريش وبني املسل ني‪ ،‬فإن انترصت قريش اد إليهععا‬

‫رو بن العام يف ذلك الوقت‪،‬‬ ‫ند النجايش‪ ،‬دذا موقف سلبي من‬ ‫وإن تنترص بقي دنا‬

‫وسبحان الذي أ زه بعد ذلك باإلسالم‪.‬‬

‫املهة أن أصحابه وافقوه ىل دذا الرأي‪ ،‬وقالوا‪( :‬إن دذا دو الرأي)‪ ،‬قال‪( :‬ثة قلت‪ :‬فععامجعوا‬

‫لنا ما ديه له‪ ،‬وكان من أكثر ما حيبه النجايش دو اجللود‪ ،‬ولذلك مجعععوا لععه ك يع كبععرية مععن‬

‫رو بن العععام‪( :‬فععواهلل إنععا لعنععده إذا‬ ‫اجللود وأخذودا وسافروا إىل النجايش)‪ ،‬وكام يقول‬

‫رو بن أمي ) ريض اهلل نه الصحايب اجلليل أرسله الرسول ﷺ إىل النجععايش ليععميت بععع‬ ‫جاءه‬

‫رو بن أمي‬ ‫رو بن العام‬ ‫جعفر بن أيب طالب وأصحابه بعد صلح احلديبي ‪ ،‬فعندما رأى‬

‫رو بن أمي ‪ ،‬فإن قتله أصبحت لععه يععد كبععرية‬ ‫ند النجايش فزّر يف يشء‪ ،‬ودو أن يطلب قتل‬

‫‪842‬‬
‫رو بن العام ىل النجايش فقال له‪( :‬أهيععا امللععك إين قععد رأيععت رجع ً‬
‫ال‬ ‫ند قريش‪ ،‬فدخل‬

‫خرج من ند ودو رسول رجل دو لنععا‪ ،‬فم طنيععه ألقتلععه‪ ،‬فإنععه قععد أصععا مععن أرشافنععا‬

‫رو بن العععام متامع ًا‪ ،‬لقععد غضععب‬ ‫وخيارنا)‪ ،‬لزن رد فعل النجايش كان خارج تصورات‬

‫رو بن العام‪( :‬لو انشقت يل األرض لدخلت فيها فرقع ًا‬ ‫النجايش غضب ًا شديد ًا‪ ،‬حتى قال‬

‫منه‪ ،‬ثة قلت له‪ :‬أهيا امللك واهلل لو ظننت أنك تزره دذا ما سملتك)‪ ،‬وكان النجايش قد أسععلة‬

‫رو بن العام‪ ،‬فهو خياف أن يد و بد وتععه يف‬ ‫وأخفى إسالمه‪ ،‬لزن وجد فرص ألن يد و‬

‫رو بععن العععام صععاحبه وبيععنهام القع‬ ‫داخل احلبش حتى ال خيلعه قومه من كرسيه‪ ،‬لزن‬

‫قدي جد ًا‪ ،‬فمراد أن يصل إليه باخلري الذي وصل إليه قبل ذلك‪ ،‬النجععايش‪ ،‬فقععال النجععايش‪:‬‬

‫(أتسملني أن أ طيك رسول رجل يمتيه الناموس األكرب الذي كان يميت موسى لقتلهن) ثععة قععال‬

‫رو أطعنععي واتبعععه‪ ،‬فإنععه‬ ‫رو بن العام‪( :‬قلت‪ :‬أهيا امللك أكذلك دون) قال‪( :‬وحيك يا‬

‫واهلل لعىل احلس‪ ،‬ولي هرن ىل من خالفه كام ظهر موسى ىل فر ون وجنععوده)‪ ،‬وفجععمة ألقععى‬

‫رو بن العام اإلسالم‪.‬‬ ‫اهلل ز وجل يف قلب‬

‫دذه تراكامت كثرية‪ ،‬فهو منبهر كام ذكرنا قبل ذلك برسول اهلل ﷺ‪ ،‬منبهر بزامل حياة الرسععول‬

‫ﷺ‪ ،‬لزن تناز ه نفسه أال يؤمن؛ بسبب العادات والتقاليد‪ ،‬ومعاداة أبيععه للرسععول ﷺ‪ ،‬فهععذه‬

‫أمور كثرية جد ًا كانت مانع له ن اإل اع إىل اإلسالم‪ ،‬لزن فجمة اكتشف احلس أمععام ينيععه‪،‬‬

‫فقال للنجايش‪( :‬أفتبايعني له ىل اإلسالمن) قال النجععايش‪( :‬نعععة‪ ،‬فبسععط يععده فبايعتععه ععىل‬

‫رو بن العام كان ىل يد النجايش رمحه اهلل‪.‬‬ ‫اإلسالم)‪ ،‬أي‪ :‬أي‪ :‬أن إسالم‬

‫ان روا إليه كيف هير من اإلسالم إىل املزان الذي يسلة فيه‪ ،‬در من اإلسالم ىل يد النبي‬

‫ﷺ وأسلة ىل يد النجايش ملك احلبش ‪} ،‬إِن ََّك ال َهت ِدي َمن َأح َبب َت َو َل ِز َّن اهللََّ َهي ِدي َمن َي َشعا ُء‬

‫[القصص‪.]56:‬‬

‫‪843‬‬
‫رو بن العام وكتة إسالمه ن أصحابه وتركهة و اد إىل اجلزيرة العربي بعد ذلك‪،‬‬ ‫أسلة‬

‫و اد ودو ينوي الذدا إىل الرسول ﷺ إل الن اإلسالم بني يديه‪ ،‬ووصل إىل مزع املزرمع‬

‫ومزث فيها قليالً‪ ،‬ثة خرج بعد ذلك يف اجتاه املدين املنععورة‪ ،‬ويف حععال خروجععه إذا بععه يقابععل‬

‫رو خالد بن الوليد قال له‪) :‬أين يا أبععا سععليامن ن)‬ ‫خالد بن الوليد و ثامن بن طلح ‪ ،‬فسمل‬

‫فقال خالد يف منتهى الرصاح والوضوح‪( :‬واهلل لقد استقام املنسة‪ .‬أي‪ :‬وضح الطريععس)‪ ،‬ثععة‬

‫رو بن العام ‪( :‬قلت‪ :‬واهلل‬ ‫قال‪( :‬وإن الرجل لنبي‪ ،‬أذدب واهلل ُفمسلة‪ ،‬فحتى متىن) قال‬

‫ما جئت إال ألُسلة)‪ ،‬وحتر الثالث من مز إىل املدين املنورة‪ ،‬حتى وصلوا إىل منطقع احلععرة‪،‬‬

‫ند منطق احلرة أناخوا ركاهبة وبدءوا يسععتعدون للقععدوم ععىل رسععول اهلل ﷺ‪ ،‬فقععال‬ ‫ودنا‬

‫دت إىل رسول اهلل ﷺ)‪ .‬و نععد‬ ‫خالد بن الوليد ريض اهلل نه‪( :‬فلبست من صالح ثيايب‪ ،‬ثة‬

‫ذدابه إىل الرسول ﷺ لقيه أخوه الوليد بن الوليد ريض اهلل نه فقععال‪( :‬أ ع فععإن رسععول اهلل‬

‫ت امليش فطلعععت ليععه‪ ،‬فععام زال‬ ‫ﷺ قد ُأخرب بك ُ‬


‫فرس بقدومك‪ ،‬ودو ينت ر )‪ ،‬قال‪( :‬فم‬

‫عيل السععالم بوجععه طلععس‪ ،‬فقلععت‪ :‬إين‬


‫يتبسة إ ّيل حتى وقفت ليه‪ ،‬فسل ت ليه بالنبوة‪ ،‬فرد ع ّ‬
‫أشهد أن ال إله إال اهلل وأنك رسول اهلل)‪ ،‬فقال‪( :‬احل د هلل الذي ددا ‪ ،‬قد كنت أرى لك ق ً‬
‫ال‬

‫رجوت أال يسل ك إال إىل اخلري)‪ ،‬قلت‪( :‬يا رسول اهلل قععد رأيععت مععا كنععت أشععهد مععن تلععك‬

‫املواطن ليك معاند ًا ن احلس‪ ،‬فادع اهلل أن يغفردا يل)‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪( :‬اإلسععالم جيععب‬

‫ما كان قبله)‪ ،‬قلت‪( :‬يا رسول اهلل ىل ذلكن) فقال‪( :‬اللهة اغفر لعخالد كل ما أوضع فيه من‬

‫رو بععن العععام ريض اهلل نععه وأرضععاه‪ ،‬ودار بععني‬ ‫صد ن سبيلك)‪ ،‬قال خالد ‪ :‬ثة تقدم‬

‫ععرو بععن العععام ‪( :‬ملععا جعععل اهلل‬ ‫رو بن العام وبني الرسول ﷺ حوار لطيععف‪ ،‬فقععال‬

‫اإلسالم يف قلبي أتيت النبي ﷺ‪ ،‬فقلت‪ :‬ابسط ي ينععك ُفمبايعععك‪ ،‬فبسععط ي ينععه ﷺ فقبضععت‬

‫رو ن) قال‪( :‬أردت أن أشرتط)‪ ،‬قععال‪( :‬تشععرتط بععامذان) قلععت‪( :‬أن‬ ‫يدي)‪ ،‬قال‪( :‬ما لك يا‬

‫‪844‬‬
‫ُيغفر يل)‪ ،‬قال‪( :‬أما ل ت أن اإلسالم هيدم ما كان قبله‪ ،‬وأن اهلجرة هتدم ما كععان قبلهععا‪ ،‬وأن‬

‫رو بن العام ريض اهلل نه وأرضاه ثععة تقععدم ععثامن بععن‬ ‫احلج هيدم ما كان قبلهن) وأسلة‬

‫طلح ريض اهلل نه وأرضاه وأسلة أيض ًا‪.‬‬

‫إسالم ثامن بن طلح‬

‫رو بن العام و ن خالد بن الوليد سنتحدث ن ثامن بععن طلحع ‪ ،‬فععع‬ ‫بعد أن حتدثنا ن‬

‫ثامن بن طلح ريض اهلل نه وأرضاه من بني بد الدار حامل مفتاح الزعب ‪ ،‬وإسععالم ععثامن‬

‫بن طلح يعترب إضاف سياسي يف منتهى القععوة للدولع اإلسععالمي ؛ فهععؤالء دععة املقع مزع‬

‫بالفعل‪ ،‬و امء مز ‪ :‬خالد بن الوليد بن املغرية ريض اهلل نه وأرضاه‪ ،‬و رو بن العام بععن‬

‫وائل ريض اهلل نه وأرضاه ‪ ،‬و ثامن بن طلح العبدري ريض اهلل نه وأرضاه ‪ ،‬دؤالء الثالثع‬

‫من أ ة الفرسان يف تاريخ مز مجيع ًا‪ ،‬فزان دذا دو احلدث اهلائل الذي حدث يف صفر سععن‬

‫ثامن‪ ،‬ودو من أ ة آثار احلديبي و رة القضاء مطلق ًا‪ ،‬وآثار دذا احلدث مععا زلنععا نجنيهععا إىل‬

‫دذه اللح ‪ ،‬وسن ل نجني يف دذه اآلثار إىل يععوم القيامع ‪ ،‬فهععذا احلععدث دائععل لععن تععدركوا‬

‫ته إال بدراس الفتوح اإلسالمي ‪ ،‬ورؤي اآلثار الع ي التي تركهععا دععؤالء العاملقع ريض‬

‫اهلل نهة وأرضادة لإلسالم واملسل ني‪.‬‬

‫‪845‬‬
846
‫‪36‬‬

‫نصر مؤتة‬

‫وضح أن الدولة اإلسالمية يف العام السابع من اهلجرة كانت تسري من ارتفاع إىل ارتفاع‪ ،‬ومننن‬

‫جمد إىل جمد‪ ،‬فمن فتح خيرب إىل انتصارات متتالية عىل غطفان‪ ،‬إىل عمرة القضنناب ب ننع أبعا ننا‬

‫السياسية والدعوية‪ ،‬إىل إسالم أبطال م ة الثالثة‪ :‬خالد بن الوليد‪ ،‬وعمرو بن العاص‪ ،‬وعثامن‬

‫ذا كانت الدولة اإلسالمية‪ ،‬وكان الوضع يسننري يف تقنندم‬ ‫بن طلحة ريض اهلل عنهم أمجعني‪.‬‬

‫ملموس واضح ل ع الناس‪ ،‬ل ن ذا النمو املتزايد لفت أنظار ال ثريين ممن مل ت ن هلم عالقة‬

‫مبارشة بالدولة اإلسالمية‪ ،‬فأحسوا بخطر قيام ذه الدولة الفتية يف املدينننة املنننورة‪ ،‬ومننن ثننم‬

‫بدبوا يف التحرش بالدولة اإلسالمية‪ ،‬وتفاقم األمر حتى وصع إىل إراقة ماب مسلمة‪.‬‬

‫ذه املشاكع يف جمموعها كانت تأيت من شامل اجلزيننرة العربيننة‪ ،‬وشننامل اجلزيننرة العربيننة كننان‬

‫موطن ًا لعدة قبائع كربى من قبائع العرب‪ ،‬ومن أشهر ننذه القبائننع‪ :‬وننم‪ ،‬و نذام‪ ،‬وبلقننني‪،‬‬

‫وهبراب‪ ،‬وبىل‪ ،‬وغسان‪ ،‬وقضاعة‪ ،‬وغري ا من القبائع‪ ،‬وكننان ال ثننري مننن ننذه القبائننع ينندين‬

‫بالنرصانية‪ ،‬ويوايل الدولة الرومانية القريبة من ذه األماكن‪ ،‬فالدولننة الرومانيننة كانننت تننع‬

‫بال الشام‪ ،‬وهلا يمنة عىل ذه املنطقة ب املها‪ ،‬وزعامب ذه القبائع عىل عظمهننا كننانوا عبننارة‬

‫عن جمر عامل لن رقع عىل بال م‪ ،‬كعا ة الدولننة الصننيفرى يف التعامننع مننع الدولننة العامليننة‬

‫‪847‬‬
‫العمالقة‪ .‬وملا بدأت الدولة اإلسالمية يف الظهور‪ ،‬وبخاصة بعد غزوة األحزاب‪ ،‬بنندأت ننذه‬

‫املنطقة الشاملية يف التحرش بالدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫عندما نقوم بمرا عة رسيعة لتاريخ ذه املنطقة‪ ،‬نجد أن األمور تتصاعد وتنننذر بصنندام كبننري‬

‫بني قبائع املنطقة الشاملية من اجلزيرة العربية وبني الرسول ﷺ يف خالل السنتني السابقتني سنة‬

‫ست وسبع من اهلجرة‪ ،‬وقد ذكرنا أنه يف شهر مجا ى اآلخرة سنة ست اعرتضت قبيلننة ننذام‬

‫حية ال لبي ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وأهنم سلبوه كع ما كان معه من دايا مو هة لرسول اهلل‬

‫ﷺ‪ ،‬وكان ذا سبب ًا يف إرسال رسية زيد بن حارثة ريض اهلل عنه وأرضنناه إىل منطقننة حسننمى‪،‬‬

‫وت لمنا عليها من قبع‪ ،‬وكانت رسية ضخمة عد ا مخسامئة ر ع‪ ،‬و ذه الرسية ننزت ننذه‬

‫املناطق وحققت نجاح ًا كبري ًا للمسلمني‪ ،‬وأيض ًا مر بنننا ر رقننع لف ننرة اإلسننالم مننع إيامنننه‬

‫اجلازم بصدق الرسول ﷺ‪ ،‬إال أنه ضن بمل ه وآثر أن ي ون مل ًا عىل أن ي ون مؤمن ًا‪ ،‬وأيض ًا‬

‫مر بنا موقف احلارث بن أيب شمر زعيم مشق‪ ،‬وعزم ذا الر ع عننىل يهيننز اجليننوش ليفننزو‬

‫املدينة لوال أن رقع منعه كام ذكرنا‪ .‬كانت ناك حوا ث كثرية تنبننع عننن قننرب الصنندام بننني‬

‫املسلمني وبني ذه املنطقة الشاملية‪.‬‬

‫كانت ناك أحداث ديدة‪ ،‬فقد قامت قبيلة قضاعة يف ربيع األول سنة ثامن باغتيننال جمموعننة‬

‫من الصحابة ريض اهلل عنهم وأرضا م وعد م مخسة عرش ر الً‪ ،‬وكان عننىل رأسننهم كعن‬

‫بن عمري األنصاري أو عمرو بننن كعن اليففنناري ريض اهلل عنننهم أمجعننني‪ .‬اعرتضننت قبيلننة‬

‫ال واحنند ًا فقننه‪ ،‬و ننذه السننرية التنني خر ننت‬


‫قضاعة طريقهم وقامت بقتلهم مجيع ًا إال ر ن ً‬

‫للدعوة إىل اهلل عز و ع تعرف برسية ذات أطالح‪ ،‬وقد ذكرنا أن قبيلة قضاعة مل ي ن هلا عالقة‬

‫سابقة باملسلمني فاعتدت عىل جمموعة من رعايا الدولة اإلسالمية‪ .‬ثم تفاقم األمر د ًا عننندما‬

‫أرسع الرسول ﷺ رسالة إىل عظيم برصى باألر ن يدعوه فيها إىل اإلسالم‪ ،‬وحامننع الرسننالة‬

‫‪848‬‬
‫كان احلارث بن عمري ريض اهلل عنننه‪ ،‬و ننو يف الطرينق اعننرتط طريقننه رشحبيننع بننن عمننرو‬

‫اليفساين‪ ،‬و و عامع رقع عىل منطقة البلقنناب أيضن ًا يف األر ن‪ ،‬وقينند احلننارث بننن عمننري ثننم‬

‫رضب عنقه‪ .‬قتع الرسع ريمة شنيعة؛ ألن األعراف كانت تقيض بعدم قتننع الرسننع‪ ،‬وكننان‬

‫ذا ياوز ًا خطري ًا د ًا من ذه القبائع‪ ،‬وكام ذكرنا أن معظم ذه القبائع كان يدين بالنرصانية‬

‫ويتبع الدولة الرومانية‪.‬‬

‫بعد ذا احلدث زا األمر سوب ًا‪ ،‬وبدأت الدولة الرومانية ونصننارى الشننام يتعقبننون كننع مننن‬

‫أسلم ويقتلونه‪ ،‬حتى وصع األمر إىل قتع وايل معان يف األر ن؛ ألنننه كننان قنند أسننلم‪ ،‬فقتلننوه‬

‫إلسالمه‪ .‬إزاب ذه األوضاع املرت ية كان البد للدولة اإلسالمية من وقفننة ننا ة للنندفاع عننن‬

‫يبة الدولة اإلسالمية والثأر ل رامتهننا‪ .‬وقفننة لتننأمني حركننة النندعاة املسننلمني هلننذه املننناطق‬

‫الشاملية من اجلزيرة‪ .‬ووقفة لتأمني خه سري التجار املسلمني من وإىل الشام‪ ،‬فاملوضوع خطننري‬

‫فعالً‪ .‬ولو قامت ذه القبائع العربية أو الدولة الرومانية عىل خمارج ومداخع اجلزيننرة العربيننة‬

‫الشاملية فسيضيقون عىل املدينة املنورة‪ ،‬وال ننسى أن قريش ًا يف نوب املدينة‪.‬‬

‫اآلن يف الشامل مش لتان كبريتان‪ :‬مش لة الدولة الرومانية‪ ،‬والقبائننع العربيننة املتحالفننة معهننا‬

‫التي معظمها قبائع نرصانية مثع‪ :‬وم‪ ،‬و ذام‪ ،‬وغسان‪ ،‬وغري ا من القبائننع‪ ،‬و ننذه مشن لة‬

‫ضخمة كبرية‪ ،‬ومش لة قبائع قضاعة الذين اعتدوا عىل مخسننة عرشن صننحابي ًا ريض اهلل عنننهم‬

‫وأرضا م وقتلو م‪ ،‬و ذه القبائع أيض ًا قبائع كربى‪ ،‬ول نها منفصلة عن القبائع املتحالفة مع‬

‫الدولة الرومانية‪ .‬فهاتان املش لتان ال بد من وقفة ا ة معهام‪ .‬الرسول ﷺ آثر أن يبدأ بواحدة‬

‫تلو األخرى‪ ،‬فبدأ ﷺ بموا هة القبائع العربية املتنرصة املو و ة يف الشامل؛ ألن ننذه املننناطق‬

‫خطرية د ًا‪ ،‬وألن أعدا ذه القبائع كبري‪ ،‬وألن مساندة الدولة الرومانية هلننم متوقعننة؛ فهننم‬

‫‪849‬‬
‫حلفاؤ م‪ ،‬لذلك حرص الرسول ﷺ عىل ت وين يش قوي نند ًا يسننتطيع أن يقننوم باملهمننة‬

‫عىل الو ه األمثع‪.‬‬

‫اإل رابات التي اختذ ا الرسول ﷺ بني يدي غزوة مؤتة‬

‫قام الرسول ﷺ بعدة خطوات مهمة ملوا هة قبائع الشامل املتحالفة مع الرومان‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬كون أكرب يش إسالمي خرج من املدينة حتى تلك اللحظة‪ ،‬وعنند ننذا اجلننيش ثالثننة‬

‫آالف مقاتع‪ ،‬فهو أكرب رقم حيارب يف التاريخ اإلسالمي إىل تلك اللحظة‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬وىل عىل اجليش زيد بن حارثة ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وزيد بن حارثة كان قد قىضن فننرتة‬

‫تدريبية امة د ًا يف السنة السا سة من اهلجرة‪ ،‬فقد قا مخس رسايننا متتاليننة‪ ،‬وكننان زينند بننن‬

‫حارثة قد اب إىل ذه املنطقة قبع ذلك‪ ،‬اب إىل شامل اجلزيرة العربيننة يف رسيننة حسننمى سنننة‬

‫ست جرية‪ ،‬وكانت من الرسايا الضننخمة ال بننرية‪ ،‬فهننو أعلننم هبننذه املنطقننة مننن غننريه مننن‬

‫الصحابة‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬مل جيعع الرسول ﷺ هلذه اليفزوة أمري ًا واحد ًا‪ ،‬بع عني ثالثة من األمننراب‪ ،‬إن قتننع واحنند‬

‫توىل اآلخر‪ ،‬فقال‪( :‬إن قتع زيد فن عفر بن أيب طال ‪ ،‬وإن قتع عفر فن عبد اهلل بن رواحننة ‪،‬‬

‫وواضح من ذه التولية املتتالية لألمراب أن الرسننول ﷺ كننان يتوقننع حربن ًا رضوسن ًا يف ننذه‬

‫املنطقة‪ ،‬حرب ًا يقتع فيها األمراب الثالثة‪ ،‬و ي املرة األوىل واألخرية يف حياته ﷺ التي يويل فيهننا‬

‫ثالثة من األمراب عىل رسية واحدة‪ ،‬ولعع ذلك كان بوحي من اهلل عز و ع‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬أخرج الرسول ﷺ مع اجليش البطع اإلسالمي الفذ خالد بن الولينند ريض اهلل عنننه‪ ،‬ومل‬

‫ي ن مر عىل إسالم خالد إال ثالثة أشهر فقه‪ ،‬ولعع حداثة إسالم خالنند بننن الولينند ريض اهلل‬

‫عنه ي التي منعت الرسول ﷺ مننن توليننة خالنند عننىل ذلننك اجلننيش؛ ألنننه ال يعننرف نننو‬

‫‪850‬‬
‫املسلمني وال يعرف طاقاهتم‪ ،‬كام أنه مل خيترب بعد مع الصف املؤمن‪ ،‬فهذه أول مهمة خيتننرب فيهننا‬

‫خالد بن الوليد ريض اهلل عنه وأرضاه بعد أن أسلم‪ ،‬ومهمننة قيننا ة ثالثننة آالف مسننلم مهمننة‬

‫كبرية‪ ،‬تاج إىل ر ع له تاريخ مأمون مع املسلمني‪ ،‬وعمر خالد يف اإلسالم ثالثة أشهر فقننه‪،‬‬

‫وعمره يف اجلا لية أكثر من عرشين سنة‪ ،‬فال بد من اختبار‪.‬‬

‫يهز اجليش اإلسالمي هبذه الصورة القوية‪ ،‬ومع أن املهمة صعبة والطريق طويلننة نند ًا‪ ،‬أكثننر‬

‫من ألف كيلو من املدينة املنورة‪ ،‬والطريق يف صحراب قاحلة‪ ،‬واوروج كان يف حر شننديد؛ ألن‬

‫خروج املسلمني كان يف مجا ى األوىل سنة ثامن و ذا يوافق أغسطس سنة ‪ 629‬م يف شدة احلر‪.‬‬

‫مع كع ذه املصاع إال أن معنويننات اجلننيش اإلسننالمي كانننت مرتفعننة نند ًا‪ ،‬وخاصننة أن‬

‫الرسول ﷺ خرج بنفسه لتو يع اجليش‪ ،‬واستمر يميش معهم حتى بلغ ثنية الو اع‪.‬‬

‫مهمة اجليش اإلسالمي اوارج إىل مؤتة‬

‫حرص الرسول ﷺ أن ت ون مهمة ذا اجليش واضحة متام الوضوح‪ ،‬فاملسننافات بننني املدينننة‬

‫وبني األر ن كبرية د ًا‪ ،‬ومل ت ن ناك فرصة لالستشارة أو أخذ الرأي‪ ،‬مننن أ ننع ننذا حنند‬

‫الرسول ﷺ مهمة اجليش يف أمرين‪:‬‬

‫األمر األول‪ :‬عوة ذه القبائع إىل اإلسالم كام ذكرنا أكثر من مرة‪ ،‬إسالمهم أحن إلينننا مننن‬

‫أمواهلم‪ ،‬أح إلينا من غنائمهم‪ ،‬ف ان ائ ًام يقدم الدعوة ﷺ‪.‬‬

‫األمر الثاين‪ :‬قتال رشحبيع بن عمرو اليفساين ومن عاونه؛ ألهنم قتلننوا رسننول رسننول اهلل ﷺ‬

‫احلارث بن عمري ريض اهلل عنه‪ ،‬ومع أن القتال كان لر اهليبة واالعتبار‪ ،‬وانتقام ًا ل رامة الدولة‬

‫اإلسالمية‪ ،‬وثأر ًا للحارث بن عمري ريض اهلل عنه‪ ،‬وتأ يب ًا لن رشحبيع بن عمننرو وقومننه‪ ،‬مننع‬

‫كع ذا إال أن الرسول ﷺ حرص عىل أال خترج احلرب اإلسننالمية عننن ضننوابطها الرشننعية‪،‬‬

‫‪851‬‬
‫وحرص أن يلتزم املسلمون متام ًا بأخالقهم حتى يف أشد حروهبم‪ .‬صورة رائعة حضننارية مننن‬

‫أرقى الصور يف التاريخ‪ ،‬قال هلم ﷺ عند خرو هم من املدينننة كننام روى أبننو او عننن أنننس‬

‫ريض اهلل عنه‪ ،‬قال هلم‪( :‬انطلقوا باسم اهلل وباهلل‪ ،‬وعىل ملة رسول اهلل‪ ،‬وال تقتلوا شيخ ًا فانين ًا‪،‬‬

‫وال طفالً‪ ،‬وال صيفري ًا‪ ،‬وال امرأة‪ ،‬وال تيفلوا‪ ،‬وضننموا غنننائم م‪ ،‬وأصننلحوا وأحسنننوا إن اهلل‬

‫حي املحسنني ويف رواية مسلم زا ‪( :‬وال متثلوا أي‪ :‬باجلثث بعد القتع‪.‬‬

‫ذه ي احلرب يف اإلسالم‪ ،‬صورة راقية د ًا تاج إىل تفصننيع‪ ،‬ل ننن ال يتسننع املجننال هلننذا‬

‫اآلن‪ ،‬ل ن كع ذه النصائح و هت جليش خرج لالنتقام ل رامة األمة اإلسالمية‪.‬‬

‫يف ذا املقام أن نذكر‪ :‬أن ذا اجليش اإلسالمي مل ي ن خار ًا حلننرب الدولننة الرومانيننة؛ ألن‬

‫إسالم الدولة الرومانية كان متوقع ًا‪ ،‬أو عننىل األقننع أن تبقننى عننىل احليننا ؛ وذلننك لالسننتقبال‬

‫الطي واحلسن الذي قابع به رقع حية ال لبي ريض اهلل عنه‪ ،‬وللقناعة التي أظهر ا رقننع‬

‫برسول اهلل ﷺ‪ ،‬ف ان من املتوقع أن تتيفري قلوهبم لإلسالم‪ ،‬وخاصة أهنننم أ ننع كتنناب‪ ،‬ومننن‬

‫النصارى‪ ،‬فالرسول ﷺ بعث ذا اجليش حلرب رشحبيع بن عمرو اليفساين الذي قتع رسننول‬

‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬واجليش اإلسالمي الذي خرج باياه شامل اجلزيرة العربية يعترب مننن اجليننوش‬

‫ال برية يف عرف ذلك الننزمن‪ ،‬وخاصننة أن القبائننع العربيننة مل ي ننن مننن عا هتننا أن تتوحنند يف‬

‫حروهبا‪ ،‬وليس من املتوقع أن يلقى ذا اجليش اإلسالمي يوش ًا أكرب منه ب ثري‪ ،‬و ذه اولفية‬

‫ال بد أن نضعها يف أذ اننا قبع أن نحلع موقعة مؤتة‪ ،‬حتى نعلم أن ننذا اجلننيش مل يلننق بننه إىل‬

‫التهل ة أبد ًا‪ ،‬إنام كان بحسابات ذلك العرص من اجليوش القوية الضخمة‪.‬‬

‫من اولفيات املهمة د ًا هلذا اجليش‪ :‬أنه كان يش ًا أخروي ًا بمعنى ال لمة‪ ،‬أي‪ :‬أن ذا اجليش‬

‫ب امله كان من املؤمنني الصا قني الننراغبني حقيقننة يف املننوت يف سننبيع اهلل‪ ،‬املشننتاقني حقيقننة‬

‫للشها ة يف سبيع اهلل‪ ،‬الطامعني يف اجلنة‪ ،‬اوائفني من النار‪ ،‬كان يش ًا رائع ًا بمعنى ال لمة‪.‬‬
‫‪852‬‬
‫عرب عن ذلك أحد أفرا ذا اجليش عبد اهلل بن رواحننة ريض اهلل عنننه‪ ،‬ملننا خننرج اجلننيش مننن‬

‫املدينة املنورة ب ى ذا القائد اجلليع ريض اهلل عنه ب ا ًب شديد ًا‪ ،‬فظننن الننناس أنننه خننائف مننن‬

‫املوت‪ ،‬فقالوا له‪( :‬ما يب يك يا ابن رواحة؟ فقال‪( :‬واهلل ما يب حن النندنيا وال صننبابة ب ننم‪،‬‬

‫ول ني سمعت رسول اهلل ﷺ يقرأ آية من كتاب اهلل يذكر فيها النار أي‪ :‬أنا لسننت خائفن ًا مننن‬

‫املوت‪ ،‬وال خائف ًا من البعد عن م‪ ،‬ل ن أنا خننائف أن ي ننون مصننريي النننار‪ ،‬يقننول‪ :‬ول ننني‬

‫سمعت سمع الرسول ﷺ يقرأ قول اهلل عز و ع‪{ :‬وإ ْن منْ ْم إ اال وار ا كان عىل ر َبنك حنت ًْام‬

‫م ْقض ًّيا} [مريم‪ ،]71:‬يقول عبد اهلل بن رواحة‪( :‬فلست أ ري كيف يل بالصدور بعد الورو ‪.‬‬

‫ذا يعرب عن مدى خشية وتقوى عبد اهلل بن رواحة ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬مننع هننا ه وبذلننه‬

‫بداية من بيعة العقبة الثانية‪ ،‬فقد كان من اوزرج يف بيعة العقبة الثانية‪ ،‬ومرور ًا ب ع املشا د مع‬

‫الرسول ﷺ‪ ،‬ف ان من أ ع بدر‪ ،‬ومن الثابتني يف أحد‪ ،‬ومن أ ع األحزاب‪ ،‬ومننن أ ننع بيعننة‬

‫الرضوان‪ ،‬و و من الذين عاشوا حياهتم جيا دون بالسننان واللسننان‪ ،‬فسننيفه مرفننوع يف كننع‬

‫املعارك‪ ،‬ولسانه ينزل بالقوارع الشعرية عىل ربوس أعداب اإلسالم‪ ،‬ورأينا قبننع ننذا أنننه كننان‬

‫يقول الشعر بني يدي الرسول ﷺ يف عمننرة القضنناب يف اخننع احلننرم‪ ،‬فتارخيننه طويننع نند ًا‪،‬‬

‫وتارخيه جميد فعالً‪ ،‬ومع ذلك خيشى أن يسقه يف النار إذا مر عىل الصنراط‪ .‬سننامعه هلننذه اآليننة‬

‫العظيمة فعه إىل أن يقول ذه ال لمة اإليامنية العظيمة‪( :‬لست أ ري كيف يل بالصنندور بعنند‬

‫الورو ‪ .‬الناس الباقون يف املدينة قالوا له وجلميع اجليش‪( :‬صحب م اهلل و فع عن م‪ ،‬ور كننم‬

‫إلينا صاحلني غانمني فهع ذه األمنية كانت عند عبد اهلل بن رواحة ريض اهلل عنه أن يننر ه اهلل‬

‫عز و ع إىل املدينة غان ًام؟ أبد ًا مل ت ن ذه أمنيته‪ ،‬إنام كان يريد أن يلقننى الشننها ة يف سننبيع اهلل‬

‫عز و ع‪ ،‬لقد خرج عبد اهلل بن رواحة ليموت ومل خيرج ليعو ‪ ،‬فر عليهم عبد اهلل بن رواحننة‬

‫بشعر‪ ،‬ذا الشعر يعرب عن مشاعره ومشاعر اجليش اإلسالمي اوارج إىل مؤتة‪ ،‬قال‪:‬‬

‫‪853‬‬
‫ورضبة ذات فرع تقذف الزبدا‬ ‫ل نني أسأل الرمحن ميففرة‬

‫أي‪ :‬أسأل اهلل عز و ع ميففرة منه ورضبة سيف شديدة د ًا ختننرج النندماب حتننى تتفجننر مننن‬

‫سدي‪ ،‬ذه أمنيته‪ ،‬أمنيته أن يرضب بالسيف حتى يموت‪.‬‬

‫بحربة تنفذ األحشاب وال بدا‬ ‫أو طعنة بيدي حران جمنننننهزة‬

‫أرشدك اهلل من غاز وقد رشدا‬ ‫حتى يقولوا إذا مروا عىل دثي‬

‫عندما مررت عىل قرب عبد اهلل بن رواحة ذكرين أحد أصحايب ناك أن أقننول‪ :‬أرشنندك اهلل منن‬

‫غاز وقد رشدا‪.‬‬

‫صدق ريض اهلل عنه‪ ،‬فهذا اجليش كان يطل املوت‪ ،‬ونحننن تعلمنننا أن اجلننيش الننذي يطلن‬

‫له احلياة‪ ،‬ذه قاعدة حقيقية‪ ،‬و ذه سنننة ثابتننة‪ ،‬و نني كلمننة عميقننة نند ًا قاهلننا‬ ‫املوت تو‬

‫الصديق ريض اهلل عنه وأرضاه وكلنا نحفظها‪ :‬احرص عىل املننوت تو ن لننك احلينناة‪ ،‬فهننذا‬

‫له احلياة‪.‬‬ ‫اجليش كان حريص ًا عىل املوت وسنرى كيف ستو‬

‫كثرة عد اجليش الروماين‬

‫وصع اجليش اإلسالمي ال بري إىل منطقة معان باألر ن يف رحلة طويلة شاقة‪ ،‬ووصع ناك يف‬

‫مجا ى األوىل سنة ثامن‪ ،‬وعند وصول اجليش اإلسالمي و نند ننناك يف انتظنناره مفا ننأة غننري‬

‫متوقعة‪ ،‬و د أن الدولة الرومانية قد ألقت بثقلها يف ذا الرصنناع‪ ،‬فقنند أعنندت يشن ًا ننائ ً‬
‫ال‬

‫عد ه مائة ألف مقاتع‪ ،‬وأعد العرب النصارى املوالني للرومان مائة ألف مقاتع أيضن ًا‪ ،‬فصننار‬

‫جمموع يوش العدو مائتي ألننف مقاتننع‪ ،‬ننذا رقننم مهننول ال يتصننور‪ ،‬وخاصننة أن اجلننيش‬

‫‪854‬‬
‫اإلسالمي ثالثة آالف مقاتع فقه‪ ،‬فننامذا سننيفعع أمننام كننع ننذه اجليننوش اجلننرارة؟ ويمننع‬

‫الرومان هبذه األعدا اهلائلة أمر عجي حق ًا‪ ،‬ليس العجي يف أن الرومان كثرة‪ ،‬نحن تعو نننا‬

‫عىل ذه األرقام يف حروب الرومان‪ ،‬ل ن العج أن جيمع الرومان ذا العد املهننول حلننرب‬

‫ثالثة آالف مقاتع فقه‪.‬و ذا ال الم يم ن أن أن يفرس عىل أكثر من و هة؛ من املم ن أهنننم مل‬

‫يدركوا عد املسلمني فأعدوا عد ًا ي افع أي إعدا للمسننلمني‪ ،‬أو أهنننم أ ركننوا فعن ً‬
‫ال عنند‬

‫املسلمني وأرا وا استئصال املسننلمني متامن ًا؛ حتننى ال تقننوم هلننم قائمننة‪ ،‬ال جمننر زيمننة‪ ،‬بننع‬

‫استئصال‪ ،‬أو ل ون رقع يدرك أنه حيارب نبي ًا فأرا أن يعد قوة خارقة لعله هيزم ننذا اجلننيش‬

‫املؤمن‪ ،‬أو لعع كع ذلك‪.‬‬

‫الدولة الرومانية هزت مائة ألف واستعانت بامئة ألف من العرب النصارى؛ لتحننارب ثالثننة‬

‫آالف مقاتع مسلم‪ ،‬وإذا كان ذا التجمع غريب ًا من الرومننان فهننو كننذلك أيضن ًا غرين مننن‬

‫العرب؛ ألن العرب مل ي ن من عا هتم التجمع واال ا ‪ ،‬بننع كننان حيننارب بعضننهم بعضن ًا‪ ،‬مل‬

‫يمعهم قضية مطلقة من قبع ومع ذلك مجعوا مائة ألننف يف موقعننة واحنندة‪ .‬ننذا املوقننف لننه‬

‫تفسري واحد‪ ،‬و ذا التفسري و إشارة رقننع هلننم بننالنهوط معهننم؛ ألن ال ثننري مننن القبائننع‬

‫والدول العربية ال تتحرك عند اعي القتال إال إذا أخذت إذن ًا من القائد األعظم للدولة األوىل‬

‫يف العامل‪ ،‬عند ا هي اجلميع لتنفيذ األمر كأهنم إىل نص يوفضون‪.‬‬

‫يمع يف أرط معان مائتا ألف مقاتع غالبهم من النصارى سواب من الرومننان أو مننن العننرب‬

‫ينتظرون قدوم اجليش اإلسالمي من املدينة املنورة‪ .‬كانننت مفا ننأة ب ننع املقنناييس وإزاب ننذا‬

‫الوضع اوطري عقد املسلمون جملس ًا استشاري ًا‪ ،‬مثننع عننا هتم ائن ًام‪ ،‬وبنندبوا يف تبنا ل الننرأي‪،‬‬

‫وخر وا بثالثة آراب‪ :‬الرأي األول‪ :‬أن يرسع املسلمون رسالة إىل الرسول ﷺ يف املدينة املنورة‬

‫خيربونه بأن األعدا ضخمة و ائلة‪ ،‬إما أن يمد م بمد ‪ ،‬وإما أن يننأمر م بقتننال‪ ،‬أو يننأمر م‬

‫‪855‬‬
‫بانسحاب‪ ،‬ل ن ذا الرأي مل ي ن واقعي ًا؛ ألن املسافة بني معننان وبننني املدينننة ال تقطننع إال يف‬

‫أسبوعني عىل األقع ذ اب ًا فقه‪ ،‬معنى ذا‪ :‬أن اجليش سينتظر شهر ًا كننام ً‬
‫ال قبننع أخننذ القننرار‪،‬‬

‫و ذا مستحيع‪ ،‬وإن قبع املسلمون بذلك مل تقبع قوات التحالف الرومانية العربية‪.‬‬

‫الرأي الثاين‪ :‬أن زيد بن حارثة ريض اهلل عنه قائد اجليوش ينسح بنناجليش وال ينندخع يف أي‬

‫قتال‪ ،‬وقال أصحاب ذا الرأي لن زيد بن حارثة‪ :‬قد وطئت البال وأخفت أ لهننا فانرصننف‪،‬‬

‫فإنه ال يعدل العافية يشب‪ ،‬فأصحاب ننذا الفريننق يننرون أن ننذه احلننرب مهل ننة وال اعنني‬

‫لدخوهلا‪.‬‬

‫الرأي الثالننث‪ :‬النندخول يف املعركننة ون تننر ‪ ،‬وموا هننة ننذه األعنندا املهولننة يف احلننرب‬

‫ذا الرأي عبد اهلل بن رواحة ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬فقنند قننام وقننال يف‬ ‫الفاصلة‪ .‬كان صاح‬

‫منتهى الوضوح‪( :‬يا قوم واهلل إن التي ت ر ون للتي خر تم تطلبون‪ :‬الشها ة أي‪ :‬ما ختافون‬

‫منه املوت و و الذي نريده‪ ،‬و و الذي خر نا من أ له‪ .‬قال‪( :‬إن التي ت ر ون للتي خر تم‬

‫تطلبون‪ :‬الشها ة‪ ،‬وما نقاتع الناس بعد وال قوة وال كثرة‪ ،‬ما نقنناتلهم إال هبننذا النندين الننذي‬

‫أكرمنا اهلل به‪ ،‬فانطلقوا‪ ،‬فإنام ي إحدى احلسنيني‪ :‬إما ظهور‪ ،‬وإما شها ة ‪.‬‬

‫كان كالمه يف منتهى الوضوح‪ ،‬فقد وص يف كلمته القصرية نند ًا أساسننيات اجلهننا يف سننبيع‬

‫اهلل‪ .‬اجليش املسلم املؤمن يش يطل الشها ة وحيرص عليها‪ ،‬والنرص ال يأيت بعد وال عدة‪،‬‬

‫إنام يأيت من عند اهلل عز و ع‪ ،‬وليس معنى ذا أن يرتك املسلمون اإلعدا ‪ ،‬ال‪ ،‬ول ن جين أن‬

‫يفعلوا ما عليهم واهلل عز و ع بعد ذلك ينرص م‪ ،‬وفع ً‬


‫ال قام املسلمون وأعنندوا مننا علننيهم يف‬

‫حدو الطاقة‪ ،‬أعدوا يش ًا قوامه ثالثة آالف مقاتع‪ ،‬و ذا يشب كبري د ًا بالنسبة هلم‪ .‬نستنبه‬

‫من كالم عبد اهلل بن رواحة أن العدة الرئيسة للمسلمني يف القتال ي ين اإلسالم‪ ،‬قال‪( :‬وما‬

‫نقاتلهم إال هبذا الدين الذي أكرمنا اهلل به ‪.‬‬


‫‪856‬‬
‫أيض ًا نأخذ من كالمه أن املعركة عند املسلمني ال ختلو من أمرين‪ :‬إما نصننر وإمننا شننها ة‪ ،‬أمننا‬

‫الرضا باهلزيمة فليس اقرتاح ًا مطروح ًا عند املسلمني‪ ،‬بع و مرفوط‪.‬‬

‫وملا قال عبد اهلل بن رواحة ننذه ال لننامت قننال الننناس مجيعن ًا‪( :‬صنندق ‪-‬واهلل‪ -‬ابننن رواحننة‬

‫ا تمعوا مجيع ًا عىل قرار القتال‪ ،‬ولنا مع ذا القرار وقفة‪.‬‬

‫ال شك أن إقدام الصحابة ريض اهلل عنهم عىل ذا األمر هبذه الصورة اجلامعية هلننو خننري ليننع‬

‫عىل أهنم طالب آخرة وليسوا طالب نيا‪ ،‬وأن الصنندق واإلخننالص والتجننر يمننأل قلننوهبم‬

‫مجيع ًا‪ ،‬وأن شجاعتهم باليفة‪ ،‬وأن قوهتم النفسية والقتالية فوق حدو التصور‪ ،‬ال شننك يف كننع‬

‫ذلك‪ ،‬ل ننا نريد أن نفهم قرار احلرب ذا يف ضوب القياسات املا ية التي رآ ا الصننحابة ريض‬

‫اهلل عنهم وأرضا م‪ ،‬ع كان قرار احلرب ذا قرار ًا صائب ًا؟ اإل ابة بسننرعة قبننع أن يننذ‬

‫الذ ن نا أو ناك‪ :‬نعم‪ ،‬كان صننائب ًا وال شننك يف ذلننك‪ ،‬بنندليع أن الرسننول ﷺ مل يعلننق أي‬

‫تعليق سلبي عىل ذا األمر‪ ،‬ومل يعنف الصحابة ال من قري وال من بعيد عىل أمر ذا القتننال‪،‬‬

‫وال ذكر أنه كان األوىل أال يقاتلوا‪ ،‬والرسول ﷺ ال يس ت عننىل من ننر‪ ،‬فسن وته ﷺ إقننرار‪،‬‬

‫وإقراره سنة‪ ،‬لو تعرط املسلمون للرضر ب ع تفصيالته فإن قرار احلرب آنذاك سي ون قننرار ًا‬

‫صائب ًا‪ .‬ل ن كيف اجلمع بني ذا القرار وبني عدم واز إلقاب اجليش اإلسالمي يف هتل ة‪ ،‬ننذا‬

‫القرار الذي أشار به عبد اهلل بن رواحة ريض اهلل عنه وأرضاه مل يلق أي معارضة مننن اجلننيش‪،‬‬

‫مع و و طاقات عس رية ائلة يف ذا اجليش‪ ،‬وعىل رأسهم البطع اإلسالمي الفذ خالد بننن‬

‫الوليد ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬ونحن عرفناه عبقري ًا وعرفناه واقعي ًا ال يرى بأس ًا يف االنسننحاب‬

‫إذا رأى أن احلرب مهل ة‪ ،‬و ذا اجليش اإلسالمي ال بري ليس مل ًا ألفننرا بعينننهم‪ ،‬إنننام ننو‬

‫ملك الدولة اإلسالمية‪ ،‬ليس مل ًا ألفرا يضحون به إن شننابوا ذلننك‪ ،‬وحن الشننها ة أمننر‬

‫‪857‬‬
‫عظيم د ًا‪ ،‬ل ن إن غل عىل ظن القا ة أن اجليش سيهلك ب امله يصبح اإلقدام مفسنندة‪ ،‬إذ‬

‫كيف يضحي القا ة بثالثة آالف مقاتع م كع عام الدولة اإلسالمية يف ذلك الوقت‪.‬‬

‫احتامالت انتهاب املسلمني إىل خوط غامر احلرب‬

‫يرى املسلمون أن القتال أمر مم ن‪ ،‬وأن النرص أمر حمتمع‪ ،‬وأن الوسننيلة واقعيننة نند ًا ملجاهبننة‬

‫الظرف الصع الذي وضعوا فيه‪ ،‬ل ن كيف ي ون أمر ًا واقعي ًا أن يلتقنني ثالثننة آالف بامئتنني‬

‫ألف؟ تفسري ذا ال الم عندي بثالث احتامالت‪:‬‬

‫االحتامل األول‪ :‬أن املسلمني مل حيرصوا أعدا املقاتلني الرومان والعرب حصنر ًا قيقن ًا‪ ،‬وإنننام‬

‫قدرو م مث ً‬
‫ال بخمسة أو عرشة أضعافهم أو أكثر من ذلك بقليع أو أقع من ذلك‪ ،‬فو نندوا أن‬

‫القتال مع صعوبته مم ن مع ذه األعدا ‪ ،‬وكع معارك املسننلمني السننابقة كانننت بأعنندا أقننع‬

‫ب ثري من أعدا املرشكني‪ ،‬يقول اهلل عز و ع يف كتابه‪{ :‬ك ْم م ْن فئ ٍة قليل ٍة غلب ْت فئ ًة كثري ًة بنإ ْذن‬

‫اهللا} [البقرة‪ ]249:‬وذكر سبحانه وتعاىل أيض ًا يف سورة األنفال‪ :‬أن اجليش املننؤمن قننا ر عننىل‬

‫موا هة عرشة أضعافه إن كان قوي اإليامن حق ًا‪ ،‬قال سبحانه وتعاىل‪{ :‬إ ْن ي ْن منْ ْم ع ْشنرون‬

‫صابرون ي ْيفلبوا مائت ْني وإ ْن ي ْن منْ ْم مائ ٌة ي ْيفلبوا أ ْل ًفا من ا الذين كفروا بأ اهن ْم قن ْو ٌم ال ي ْفقهنون}‬

‫[األنفال‪ ]65:‬نعم نزل التخفيف بعد ذلك و عع املسلم باثنني من ال فار‪ ،‬ل ن مننن املم ننن‬

‫أن يصع املسلم الواحد إىل عرشة من ال فار‪ ،‬بع قد يزيد عىل ذلك ويصبح الر ننع بننألف مننن‬

‫ال فار‪ ،‬كام قال الصديق ريض اهلل عنه يف حق القعقاع بن عمننرو التميمنني ريض اهلل عنننه‪ ،‬ويف‬

‫حق عياط بن غنْم ريض اهلل عنه‪ ،‬وكام قال عمر بن اوطاب يف حق عبا ة بن الصامت والزبري‬

‫بن العوام ومسلمة بن خملد واملقدا بننن عمننرو قننال‪ :‬إن الواحنند منننهم بننألف‪ .‬ننذا اجلننيش‬

‫اإلسالمي يف مؤتة من املؤمنني الصننا قني‪ ،‬والواحنند فننيهم يننوزن بعشننرات بننع مئننات مننن‬

‫ال افرين‪ ،‬من أ ع ذلك كان قرار احلرب مقبوالً عند املسلمني‪ ،‬وخاصة أنه من املحتمع أهنننم‬
‫‪858‬‬
‫قدروا أعدا النصارى بعرشين أو ثالثني ألف ًا فقه‪ ،‬وليس أكثر من ذلننك‪ ،‬و ننذا أمننر حمتمننع؛‬

‫ألن تقدير ذه األرقام املهولة قد ي ون مسننتحي ً‬


‫ال يف ننذه الظننروف‪ ،‬وخاصننة أهنننم يف أرط‬

‫جمهولة للمسلمني ال يعرفون خبايا ا وال كامئنها وال طرقها وال غري ذلننك‪ .‬ننذا احننتامل‪ ،‬ننو‬

‫أهنم قدروا أعدا الرومان والعرب بأقع من عد ا احلقيقي‪.‬‬

‫االحتامل الثاين‪ :‬قد ت ون ناك مباليفة يف أعدا الرومان والعرب‪ ،‬وإنام م أقننع ممننا ذكننر مننن‬

‫األرقام املهولة التي ذكرت يف ال ت ‪ ،‬يعني‪ :‬مل يصلوا مائتي ألننف‪ ،‬ل ننن ال شننك أهنننم كننانوا‬

‫أضعاف أضعاف املسلمني‪.‬‬

‫االحتامل الثالث و و مهم د ًا‪ :‬و أن قا ة املسلمني و دوا أن االنسننحاب لننن ينجننيهم منن‬

‫يوش التحالف الرومانية العربية‪ ،‬وأنه إن بدأ اجليش اإلسالمي يف الفرار فقد حيارص من كننع‬

‫اجلهات‪ ،‬ويف ذه احلالة ست ون املعركة عبارة عن جمزرة حقيقيةيذبح فيها اجلننيش اإلسننالمي‬

‫ب امله‪ ،‬ف ان األفضع الثبات واملقاومة؛ ألن ذا سيعطي فعة نفسية إجيابية للجيش املسلم يف‬

‫أن هيا م وخيطه هلزيمة اآلخرين بدالً من أن يف ر يف اهلرب والدفاع فقه‪ ،‬والع س سنني ون‬

‫بالنسبة لقوات التحالف الرومانية العربية‪ ،‬فهذه القوات قد هتتز من رؤية أناس يطلبون املوت‪.‬‬

‫وقد ي ون االنسحاب يف معركة من ذا القبيع نجاة للطرف املسننلم‪ ،‬ويؤينند ننذا ال ننالم أن‬

‫االنسحاب مرشوع‪ ،‬ذكره سبحانه وتعاىل يف كتابننه بوضننوح كننام يف سننورة األنفننال‪ ،‬قننال اهلل‪:‬‬

‫ال أ ْو متح َي ًزا إىل فئن ٍة فقندْ بناب بيفضن ٍ منن اهللا ومن ْأواه‬
‫{وم ْن يو َهلم ي ْومئ ٍذ بره إ اال متحر ًفا لقت ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫هنام وب ْئس املْصري} [األنفال‪ ]16:‬يف ذه اآلية حد ربنا سبحانه وتعاىل سننببني لالنسننحاب‬

‫ال يأثم املسلم فيهام‪ :‬األول‪ :‬أن ينسح بخطة حربية ليعاو احلرب من ديد‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬أن تعو فرقة من اجليش إىل يشها؛ ل ي تستعد بصورة أكرب للقتال‪ ،‬ثم تعاو القتننال‬

‫من ديد‪ ،‬وفئة املسلمني يف ذه املعركة كانت يف املدينة املنورة‪ ،‬فانسحاب اجلننيش اإلسننالمي‬
‫‪859‬‬
‫سواب إىل األر ن أو إىل اجلزيرة العربية‪ ،‬أو حتى عو ته إىل املدينة املنورة ليس فيه خطأ رشعنني‪،‬‬

‫ولذلك كان أخذ الصحابة هبذا الرأي أمر ًا مم ن ًا إن و دوا أنه يفيد املسلمني‪.‬‬

‫وعىل الع س؛ ليس من املقبول رشع ًا أن يدخع املسلمون يف معركة و م يعلمننون أهنننم مجيعن ًا‬

‫سيستشهدون ويفنى اجليش اإلسالمي ب امله‪ ،‬ألن ذا يعد هتننور ًا ولننيس إقنندام ًا‪ ،‬ومننن نننا‬

‫نقول‪ :‬إن اجليش اإلسالمي و د أنه ال أمننع يف االنسننحاب وال نجنناة يف الفننرار‪ ،‬وأنننه جين‬

‫عليهم أن يوا هوا ذا الظرف بر ولة؛ ل ي خير وا منه عىل األقع بأقع خسائر مم نننة‪ ،‬ومننن‬

‫ثم كان قرار احلرب وعدم االنسحاب‪ .‬وجيوز أن ي ون قد حدثت اإلحتامالت الثالثة‪.‬‬

‫كذلك نضيف أن سمعة الدولة اإلسالمية كانت وال شننك سننتتأثر سننلب ًا إذا انسننح اجلننيش‬

‫اإلسالمي من املعركة‪ ،‬بعد أن قطع كع ذا الطريق الطويع مسافة ‪ 1000‬كيلو‪ ،‬ومن ثننم كننان‬

‫قرار احلرب حافظ ًا ل رامة الدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫أخذ املسلمون قرار احلرب بشورى أو قع بإمجاع‪ ،‬وانطلقوا ليختاروا م ان ًا مناسب ًا للقتال قبننع‬

‫أن خيتار الرومان‪ ،‬وبالفعع وصننع املسننلمون إىل منطقننة مؤتننة فقننرروا إقامننة املعسن ر ننناك‬

‫واالستعدا للقتال‪ ،‬ومنطقة مؤتة يف األر ن نوب حمافظة ال رك اآلن‪ ،‬وأنا زرت أرط مؤتة‬

‫من أ ع أن أرى امل ان الذي متت فيه املعجزة اإلسالمية‪ :‬معركة مؤتة‪.‬‬

‫مزايا وخصائص اختيار م ان معركة مؤتة‬

‫م ان معركة مؤتة عبارة عن سهع منبسه ليس فيه بال وال عوائق طبيعية من مياه أو أشننجار‬

‫أو أي يشب‪ ،‬وفيه من املزايا ما ييرس عىل املسلمني عملية القتال؛‬

‫أوالً‪ :‬كونه سه ً‬
‫ال منبسط ًا حيرم الفريقني من املناورة ومن وضع ال امئن‪ .‬لو أتيح للرومان فعننع‬

‫ال امئن واملناورات ل ان ذا الفعع مصيبة بالنسبة للجيش اإلسالمي‪.‬‬

‫‪860‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أنه عبارة عن أرط صحراوية‪ ،‬والعرب قد اعتا وا عىل القتننال يف األرط الصننحراوية‪،‬‬

‫بخالف اجليوش الرومانية التي اعتا ت عىل القتال يف األرايض اوضنراب يف الشننام ويف تركيننا‬

‫ويف األرايض ال ثرية األشجار‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬السهع مفتوح من نوبه عىل الصحراب الواسعة‪ ،‬فالرومان ال يرؤ عىل التوغننع يف ننذه‬

‫الصحراب‪ ،‬وهبذا يقدر اجليش اإلسالمي أن ينسح إذا أرا االنسحاب‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬يف نوب السهع خلف اجليش اإلسالمي بعض التالل‪ ،‬فمن املم ننن أن تسننتيفع ننذه‬

‫التالل يف إخفاب اجليش اإلسالمي وراب ا إذا أرا االنسحاب ليالً‪.‬‬

‫خامس ًا‪ :‬ذا السهع ليست به أي عوائق طبيعية كام ذكننرت‪ ،‬لننيس ننناك أي نننوع مننن احلاميننة‬

‫للجندي إال أن حيتمي وراب سيفه و رعه‪ ،‬ومن ثم يف ذا امل ان املفتوح سيظهر أثننر الشننجاعة‬

‫واإلقدام والتجر ‪ ،‬و ذا اجلان بال شك يتفوق فيه اجلان اإلسالمي متام ًا‪.‬‬

‫اجلنو يف اجليش اإلسالمي يقاتلون عىل قضية امة‪ ،‬وعند م دف سام نند ًا‪ ،‬فهننم يبحثننون‬

‫عن املوت يف سبيع اهلل‪ ،‬بينام يفتقد يش الرومان ذا اهلدف‪ ،‬فجنننو الرومننان كننالقطيع مننن‬

‫احليوانات ال يدري ملاذا يقاتع‪ ،‬وال يدري ماذا جيني من وراب القتال‪ ،‬وإنام إذا نناب األمننر مننن‬

‫القيا ة العليا بالقتال فليس عليهم إال التنفيذ‪ ،‬وإن كان ناك نصنر فالننذي سننيحتفع بالنصننر‬

‫والذي سيسعد به م القا ة والقيرص‪ ،‬وإن كان ننناك زيمننة فنناجلنو ننم الننذين سننيدفعون‬

‫الثمن من أرواحهم وأبداهنم‪ .‬ذا كان شأن اجليوش الرومانية و و شأن كع اجليوش العلامنية‬

‫يف العامل اليوم‪ .‬أما العرب النصارى املشاركون يف املعركة فلم يشاركوا فيها إال طاعة لننن رقننع‬

‫ال حب ًا يف القتال‪ ،‬وال يرغبون يف ثواب وال نننة‪ ،‬منتهننى أحالمهننم أن يننرر عنننهم رقننع‪،‬‬

‫وشتان بني من يبحث عن رضا رقع وبني من يبحث عن رضا رب العاملني سننبحانه وتعنناىل‪،‬‬

‫‪861‬‬
‫بني من يقاتع ليعيش‪ ،‬وبني من يقاتع ليموت‪ .‬اختيار األرط املنبسطة هبذه الصننورة سننتجعع‬

‫اليد العليا للشجاع عىل اجلبان‪ ،‬وللمقدم عىل املدبر‪ ،‬و ذا كله يف صننالح املسننلمني‪ ،‬واقرتبننت‬

‫ساعة الصفر‪.‬‬

‫معركة مؤتة‬

‫أرشس موقعة يف السرية النبوية‪ ،‬أمواج برشية ائلة من الرومان ونصننارى العننرب تنسنناق إىل‬

‫أرط مؤتة‪ ،‬ور ال كاجلبال من املسلمني يقفون ثابتني يف وا هة أقوى قننوة يف العننامل آنننذاك‪،‬‬

‫وارتفعت صيحات الت بري من املسلمني‪.‬‬

‫محع الراية زيد بن حارثة ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وأعطى إشارة البدب ألصحابه واندفع كالسهم‬

‫ريض اهلل عنه وأرضاه صوب اجليوش الرومانية‪ ،‬ومل يشهد املسننلمون قتنناالً مثلننه قبننع ذلننك‪،‬‬

‫وارتفع اليفبار يف أرط املعركة يف ثوان معدو ات‪ ،‬ومل يعد أحد يسمع إال أصوات السننيوف أو‬

‫رصخات األمل‪ ،‬ال يتخلع ذلك من األصوات إال صيحات ت بري املسلمني‪ ،‬أو بعننض األبيننات‬

‫الشعرية احلامسية التي تدفع املسننلمني فعن ًا إىل بننذل الننروح والنندماب يف سننبيع إعننالب كلمننة‬

‫اإلسالم‪ ،‬وسالت الدماب غزيرة يف أرط مؤتة‪ ،‬وتناثرت األشالب يف كع م ننان‪ ،‬ورأى اجلميننع‬

‫املوت مرار ًا ومرار ًا‪ ،‬كانت فع ً‬


‫ال ملحمة ب ع املقاييس‪ ،‬وسننقه أول شننهداب املسننلمني البطننع‬

‫اإلسالمي العظيم والقائد املجا د زيد بن حارثننة ريض اهلل عنننه حن رسننول اهلل ﷺ‪ ،‬سننقه‬

‫ال غري مدبر بعد رحلة ها طويلة د ًا‪ ،‬بدأت مع أول أيام نزول الوحي‪ ،‬فهو مننن أوائننع‬
‫مقب ً‬

‫من أسلم عىل و ه األرط‪ ،‬وصح الرسول ﷺ يف كع املواطن‪ ،‬وكننان ننو الوحينند الننذي‬

‫معه إىل الطائف‪ ،‬واهلل كأين أراه و و يدافع ب ع ما أويت من قننوة عننن حبيبننه ﷺ‪ ،‬حتننى‬ ‫ذ‬

‫‪862‬‬
‫شج رأسه وسالت ماؤه غزيرة ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬جرة و ها و عننوة وعبننا ة وقيننا ة‬

‫وير ‪ .‬رأيناه يف العام السا س من اهلجرة يقو الرسايا تلو السننرايا يف ننرأة عجيبننة وثبننات‬

‫نا ح‪ ،‬وكأنه يعد هلذا اليوم العظيم‪ ،‬يوم أن يلقى ربه شهيد ًا مقب ً‬
‫ال غننري منندبر‪ .‬ال يب ننني أحنند‬

‫عىل زيد بن حارثة فهذه أسعد حلظة مرت عليه منذ خلق‪.‬‬

‫ومحع الراية بطع ديد‪ ،‬إنه عفر بن أيب طال ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬و ننذا البطننع الشنناب‬

‫املجا د كان عمره أربعني سنة‪ ،‬وكان قد قىض معظم ذه السنوات يف اإلسالم‪ ،‬أسلم يف أوائع‬

‫أيام الدعوة‪ ،‬وقىض ما يقرب من مخس عرشة سنة يف بال احلبشة مهننا ر ًا بننأمر الرسننول ﷺ‪،‬‬

‫ور ع من احلبشة إىل املدينة املنورة يف حمرم سنة سبع جرية‪ ،‬وعند وصوله و د أن النبنني ﷺ‬

‫تو ه إىل خيرب فخرج من فوره إىل خيرب ليجا د مع رسول اهلل ﷺ‪ .‬إهنا رغبة حقيقية صا قة يف‬

‫البذل والتضحية‪ .‬ثم كانت ذه املعركة اهلائلة‬

‫محع الراية بعد سقوط أخيه يف اإلسالم زيد بن حارثة‪ ،‬وقاتع ريض اهلل عنننه قتنناالً مل يننر مثلننه‪،‬‬

‫وأكثر الطعن يف الرومان‪ ،‬ثم ت البوا عليه‪ ،‬وكان حيمع راية املسلمني كام ذكرنا‪ ،‬فقطعننوا يمينننه‬

‫ريض اهلل عنه وأرضاه فحمع الراية بشامله ل ي ال تسقه و ننو حنني‪ ،‬فقطعننوا شننامله ريض اهلل‬

‫عنه‪ ،‬فاحتضنها بعضديه قبع أن يسقه شهيد ًا ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬ليأخننذ الرايننة مننن بعننده‬

‫بطع ثالث أال و و عبد اهلل بن رواحة ريض اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫يقول عبد اهلل بن عمر ريض اهلل عنهام كام اب يف البخاري‪( :‬وقفت عىل عفر يومئذ و و قتيع‬

‫فعد ت به مخسني ما بني طعنة ورضبة ليس منها يشب يف بره ‪ ،‬أي‪ :‬ليس منهننا يشب يف ظهننره‬

‫فهو مل يفر ولو للحظة واحدة ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬بع من أرط املعركة إىل اجلنة مبننارشة‪ ،‬ال‬

‫يسري فيها بع يطري‪.‬‬

‫‪863‬‬
‫يد عننن ابننن عبنناس ريض اهلل عنننهام أن رسننول اهلل ﷺ قننال‪:‬‬ ‫روى احلاكم والطرباين بإسنا‬

‫(رأيت عفر بن أيب طال مل ًا يف اجلنة‪ ،‬مرض ة قوا مه بالدماب‪ ،‬يطري يف اجلنة ‪.‬‬

‫وروى البخاري أيض ًا‪( :‬أن عبد اهلل بن عمر ريض اهلل عنهام كننان إذا حيننا ابننن عفننر ريض اهلل‬

‫عنه قال‪ :‬السالم عليك يا ابن ذي اجلناحني ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬فربنا سبحانه وتعاىل أبنندل‬

‫ناح ًا بدالً من يديه اللتني قطعتا يف سبيع اهلل عز و ع‪ .‬إهنا حياة ها يننة‬ ‫عفر بن أيب طال‬

‫طويلة د ًا وامل افأة اجلنة‪.‬‬

‫ثم محع الراية عبد اهلل بن رواحة اوزر ي األنصاري ريض اهلل عنه وأرضنناه املجا نند الشنناب‬

‫الذي شارك يف كع اليفزوات السابقة‪ ،‬و ا د ‪-‬كام ذكرنا‪ -‬بسيفه وبلسننانه‪ ،‬و ننو الننذي كننان‬

‫حيمس املسلمني ألخذ قرار احلرب‪ ،‬و و الذي كان يتمنى أال يعو إىل املدينة‪ ،‬بع يقتع شننهيد ًا‬

‫يف أرط الشام‪ ،‬محع الراية وقاتع قتاالً عظي ًام جميد ًا حتى قتع ريض اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫ما تر أبد ًا كام أشيع عنه ريض اهلل عنه‪ ،‬وكيف يرت من يدفع الناس فع ًا للقتال‪ ،‬كيف يرت‬

‫من حيمس الناس عىل طل الشها ة؟ كيف يرت من يثق به رسول اهلل ﷺ فيجعله عننىل قيننا ة‬

‫ذا اجليش ال بري؟ كيف يرت من شهد له ﷺ أنه شهيد‪ ،‬ومن عا له ﷺ قبع ذلك بالثبننات؟‬

‫و ذا الرت الذي أشيع عنه مل يتفق عليه عامة أ ع السري‪ ،‬مل ينقله ال ثري من كتنناب السننرية‪ ،‬مل‬

‫ينقله موسى بن عقبة يف ميفازيه‪ ،‬ومل ينقله املقريزي يف (إمتاع األسامع ‪ ،‬ومل ينقلننه ابننن سننعد يف‬

‫(الطبقات ‪ ،‬وإنام ذكره فقه ابن إسحاق رمحه اهلل يف سريته‪ ،‬ويف ننذه الروايننة تننناقض شننديد‬

‫د ًا‪ ،‬تناقض بني أول الرواية وآخر الرواية‪ ،‬يف أوهلا هننا و فيننز عننىل الشننها ة ويف آخر ننا‬

‫تر ‪ ،‬ذا ال يستقيم‪ ،‬أما ما ور يف ابن إسحاق أيض ًا من أن ناك ازورار ًا يف رسير عبد اهلل بننن‬

‫رواحة يف اجلنة فهو منقطع السند‪ ،‬وضعفه البيهقي وضعفه ابن كثري وعارضه بحديث أنس بن‬

‫مالك الذي يف البخاري وفيه‪ :‬أن عبد اهلل بن رواحة قتع شهيد ًا ومل يشنر إىل ذلننك أبنند ًا‪ ،‬ومننن‬
‫‪864‬‬
‫أشاع أن عبد اهلل بن رواحة قد تر فبسب ما نس إليه من شعر يف ذا املوقف قد يوحي أنننه‬

‫مرت ‪ ،‬ل ن ذا الشعر إن صح نسبه وروايته عىل اختالف بني العلامب يف الصحة فهذا ال حيمع‬

‫أبد ًا عىل معنى عدم اإلقدام‪ ،‬وإنام حيمع عىل ميس النفس عىل يشب خطري‪ ،‬وعىل بذل الننروح‬

‫والتضحية بالنفس‪ ،‬فهو أمر ليس بسيط ًا يسري ًا عابر ًا يف حياة اإلنسننان؛ فتحمننع آالم الضننرب‬

‫بالسيف والطعن بالرمح ليس شيئ ًا سهالً‪ ،‬إذا قال اإلنسان لنفسه بعض ال لامت التنني تصننربه‬

‫عىل مع اآلالم وتشجعه عىل فراق األحبة وتدفعه إىل املوت ال إىل احلياة ليس يف ذلننك يشب‪،‬‬

‫بع و أمر حممو ومطلوب‪ .‬ومما قيع من شعره يومئذ‪:‬‬

‫ذا محام املوت قد صليت‬ ‫يا نفس إن مل تقتيل متويت‬

‫إن تفعيل فعننننلهام ديت‬ ‫وما متنيت فقد أعطيت‬

‫أي‪ :‬ما رغبت فيه من الشها ة فها و قد ا ‪ ،‬وإن تفعيل كام فعع زينند و عفننر بننن أيب طالن‬

‫ريض اهلل عنهام ديت‪ ،‬وبالفعع كان قتاله شديد ًا و ها ه عظنني ًام‪ ،‬وطعننن يف صنندره ريض اهلل‬

‫عنه وأرضاه‪ ،‬وتلقى الدماب بيديه و لك هبا و هه ريض اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬وأصي شننهيد ًا كننام‬

‫يف مسند أمحد وسنن النسائي والبيهقي عن أيب قتا ة ريض اهلل عنه وأرضاه بسند صحيح‪.‬‬

‫ذه روايات صحيحة يف حق ذا البطع الذي شو ت صورته هبذا األمر‪ ،‬و ذا ال يسننتقيم يف‬

‫حقه أبد ًا‪ ،‬و و الذي فع املسلمني ذا الدفع يف ذه املعركة اهلائلة‪.‬‬

‫سقه القا ة الثالثة شهداب؛ ليثبتننوا لنننا وللجميننع أن القيننا ة مسننئولية‪ ،‬وأن اإلمننارة ت ليننف‬

‫وليست ترشيف ًا أبد ًا‪ ،‬وأن القدوة ي أبلغ وسائع الرتبية‪ ،‬وكان ثبنناهتم سننبب ًا يف ثبننات اجلننيش‬

‫اإلسالمي‪ ،‬و ها م فع اجليش اإلسالمي لبذل كع طاقة‪ .‬ما يفننر اجلنننو إال بفننرار القننا ة‪،‬‬

‫‪865‬‬
‫وال تسقه الراية إال هبواهنا عىل حاملها‪ ،‬ل ن بمؤتة ما سقطت راية املسلمني أبد ًا وال يف حلظننة‬

‫من حلظات القتال‪.‬‬

‫بعد استشها البطع العظيم عبد اهلل بن رواحننة ريض اهلل عنننه وأرضنناه محننع الرايننة الصننحايب‬

‫اجلليع ثابت بن أقرم البدري فهو ممن شهد بدر ًا‪ ،‬فقال‪( :‬يا معشنر املسننلمني‪ ،‬اصننطلحوا عننىل‬

‫ر ع من م ‪ ،‬فقالوا‪( :‬أنت؛ أنت مع الراية ‪ ،‬فقال‪( :‬ما أنا بفاعع أي‪ :‬ناك من و أحسن‬

‫مني يف ذا املجال‪ ،‬ثم تقدم إىل خالد بن الوليد ريض اهلل عنه وأرضاه القائد املعجزة فنندفع لننه‬

‫الراية وقال له‪( :‬أنت أعلم بالقتال مني ‪ ،‬فقال خالد يف تواضع وما زال عمره يف اإلسالم ثالثة‬

‫شهور‪( :‬أنت أحق هبا مني‪ ،‬أنت شهدت بدر ًا ‪ ،‬فنا ى ثابت املسلمني لال ننتامع عننىل خالنند ‪،‬‬

‫فا تمع الناس عىل خالد وأعطوه الراية‪.‬‬

‫محع الراية خالد و ا د ها ًا ي فر به عن العرشين سنة املاضية‪ ،‬فهننذا أول مواقفننه يف سننبيع‬

‫اهلل‪ ،‬وال بد أن يري اهلل عز و ع منه بأس ًا وقوة و لد ًا وإقدام ًا ريض اهلل عنه‪ ،‬قاتننع خالنند بننن‬

‫الوليد كام مل يقاتع من قبع‪ ،‬حتى يقول كام يف صحيح البخاري ‪( :‬لقنند انقطعننت يف ينندي يننوم‬

‫مؤتة تسعة أسياف‪ ،‬فام بقي يف يدي إال صفيحة يامنية سيف يمني عريض‪ ،‬تسعة أسياف كاملة‬

‫ت رست يف يديه و و حيارب الرومان‪ ،‬ختيع كم من البرش قتع هبذه األسياف‪ ،‬ومع ذلك استمر‬

‫يف قتاله‪ ،‬كلام ان رس سيف أخذ غريه وقاتع‪ ،‬إهنننا معركننة ضننارية‪ ،‬وثبننت ريض اهلل عنننه ثباتن ًا‬

‫عجيب ًا وثبت املسلمون بثبات خالد ريض اهلل عنه وأرضاه‪.‬‬

‫استمر القتال يوم ًا كامالً‪ ،‬وما ترا ع املسلمون حلظة‪ ،‬وإنام وقفننوا كالسنند املنيننع أمننام طوفننان‬

‫قوات التحالف الرومانية العربية‪ ،‬واستمر ذا احلال حتى اب املساب‪ .‬تصور مننن الصننباح إىل‬

‫املساب يف معركة واحدة ثالثة آالف أمام مائتي ألف‪ ،‬ذا يشب مهول‪ ،‬مل ي ن من عا ة اجليوش‬

‫‪866‬‬
‫يف ذلك الوقت أن تقاتع لننيالً؛ ألنننه قنند يننأيت الشننخص فيقتننع أصننحابه‪ ،‬فتحننا ز الفريقننان‬

‫واسرتاح الرومان ليلتهم ذه‪ ،‬أما املسلمون ف انوا يف حركة ائمة‪.‬‬

‫خطة خالد بن الوليد يف تدبري أمر اجليش يف معركة مؤتة‬

‫بدأ خالد بن الوليد بتنفيذ خطة بارعة عبقرية للوصول باجليش إىل بر األمان‪ ،‬و ذه اوطننة هلننا‬

‫دف واضح‪ ،‬اهلدف و إشعار الرومان أن ناك مد ًا كبري ًا قد اب للمسلمني؛ حتننى ينندخع‬

‫نو الرومان والعرب املتحننالفني معهننم اإلحبنناط واوننوف والننذعر‪ ،‬فهننم بصننعوبة باليفننة‬

‫صمدوا أمام ثالثة آالف جما د يف اليوم األول‪ ،‬ف يف إذا اب م مد ؟ فامذا عمننع خالنند بننن‬

‫اجليش الروماين العريب الذي أمامه؟‬ ‫الوليد حتى خييف وير‬

‫أوالً‪ :‬عع اويع أثناب الليع يري يف أرط املعركة‪ ،‬لتثري اليفبننار ال ثننري‪ ،‬فيخيننع للرومننان أن‬

‫ناك مد ًا قد اب للمسلمني يف الليع‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬غري من ترتي اجليش‪ ،‬فجعع امليمنة ميسنرة وامليسننرة ميمنننة‪ ،‬و عننع املقدمننة مننؤخرة‬

‫واملؤخرة مقدمة‪ ،‬فلام رأى الرومان ذه األمور يف الصباح‪ ،‬رأوا الرايات والو وه واهليئننة قنند‬

‫تيفريت أيقنوا أن ناك مد ًا قد اب للمسلمني فهبطت معنوياهتم متام ًا‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬عع يف آخر اجليش عىل بعد كثننري مننن اجلننيش عننىل أحنند الننتالل جمموعننة مننن اجلنننو‬

‫املسلمني منترشين عىل مساحة عريضة‪ ،‬ليس هلم ور إال إثارة اليفبار إلشننعار الرومننان باملنند‬

‫املستمر الذي يأيت املسلمني‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬بدأ خالد بن الوليد يف اليوم الثاين من املعركة يرتا ع تدرجيي ًا بجيشه إىل عمق الصحراب‪،‬‬

‫فظن الرومان أن خالد بن الوليد يسننحبهم ويسننتدر هم إىل كمننني يف الصننحراب‪ ،‬فننرت وا يف‬

‫‪867‬‬
‫متابعته‪ ،‬ووقفوا عىل أرط مؤتة يشا دون انسحاب خالد ون أن جيربوا عىل مهامجته أو عننىل‬

‫متابعته‪.‬‬

‫وبالفعع نجح مرا خالد بن الوليد وسح اجليش ب امله إىل عمق الصحراب‪ ،‬ثم بنندأ اجلننيش‬

‫يف رحلة العو ة إىل املدينة املنورة سامل ًا‪.‬‬

‫أقوال العلامب يف نتائج معركة مؤتة وبيان الرا ح منها‬

‫لنا مننع ننذا املوقننف وقفننات‪ :‬ننع كانننت موقعننة مؤتننة زيمننة للمسننلمني أم كانننت نرصن ًا‬

‫للمسلمني؟ ع كانت جمر انسحاب نا ح؛ ل ونه أفضع النتائج التنني يم ننن أن نتوقعهننا يف‬

‫مثع ذه الظروف‪ ،‬أم أهنا كانت نرص ًا لي ً‬


‫ال للمسلمني و زيمة من رة للرومان؟‬

‫تباينت آراب املحللني القدامى واملحدثني حول ذه املعركة‪ ،‬تباينت تباين ًا عظنني ًام فعنالً‪ ،‬فمنننهم‬

‫من رأى أن املعركة كانت انتصار ًا للمسلمني‪ ،‬وممن يرى ذا الرأي موسى بن عقبننة يف ميفازيننه‬

‫والز ري والواقدي ‪ ،‬ور ح ذلك البيهقي وابن كثري فهؤالب مجيع ًا رأوا أن املسننلمني انترصننوا‬

‫انتصار ًا لي ً‬
‫ال يف موقعة مؤتة‪ ،‬ومن العلامب من عد ا زيمننة من ننرة للمسننلمني كننام أشننار إىل‬

‫ذلك ابن سعد يف طبقاته‪ ،‬ومنهم من قال‪ :‬إن كع فئة قد انحازت عن األخرى‪ ،‬ناك تعا ل بني‬

‫ال فتني‪ ،‬مال إىل ذا ابن إسحاق يف سريته‪ ،‬وابن القيم يف زا املعا ‪.‬‬

‫واحلقيقة أين أميع وبشدة مع الرأي األول القائع بننأن ننذا كننان انتصننار ًا حقيقين ًا للمسننلمني‪،‬‬

‫وعندي عىل ذا ال الم أ لة كثرية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬ما اب يف البخاري عن أنس ريض اهلل عنه حي ي عن معجزة من معجننزات الرسننول ﷺ‬

‫و و خيرب أصحابه عن نبأ أ ع مؤتة قبع أن يعو وا إىل املدينة املنورة‪ ،‬قال ﷺ‪( :‬أخذ الراية زيد‬
‫‪868‬‬
‫يقننول أنننس ‪ :‬وعيننناه‬ ‫فأصي ‪ ،‬ثم أخذ ا عفر فأصي ‪ ،‬ثننم أخننذ ا ابننن رواحننة فأصنني‬

‫تذرفان يعني‪ :‬يب ي ﷺ عىل استشها الثالثة‪ ،‬وكانوا مجيع ًا من أح الناس إىل قلبه ﷺ‪.‬‬

‫ثم قال ﷺ‪( :‬حتى أخذ الراية سيف من سيوف اهلل حتى فتح اهلل عليه ‪ ،‬وكلمة‪( :‬حتى فتح اهلل‬

‫عليه ذه ال تمع معاين كثرية‪ ،‬وإنام مع معنى النرص والفننتح والعلننو‪ ،‬فنناهلل عننز و ننع ال‬

‫يفتح عليهم بمجر االنسحاب‪ ،‬ل ن الواضح أن املسلمني فتح اهلل عليهم بالنرص ثم قرر خالد‬

‫بن الوليد ريض اهلل عنه وأرضاه أن ينسننح وأن ي تفنني هبننذا االنتصننار ون حماولننة متابعننة‬

‫اجليش الروماين؛ ألن خالد بن الوليد كان واقعي ًا د ًا إىل أبعد ر ة‪ ،‬فهو علم أنننه ال يسننتطيع‬

‫أن يتوغع يف أرط الروم هبذا اجليش اإلسالمي الصيفري‪ ،‬ف ان ذا فتح ًا من اهلل عز و ع عننىل‬

‫املسلمني كام ذكر رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ولو كان الرسول ﷺ يريد أن يذكر أهنم انسننحبوا فقننه ون‬

‫انتصار لقال كلمة تدل عىل ننذا املعنننى‪ ،‬كننأن يقننول‪ :‬حتننى أنجننا م اهلل‪ ،‬أو نحننو ذلننك مننن‬

‫ال لامت‪ ،‬و و ﷺ أبلغ البرش وأويت وامع ال الم‪ ،‬ويستطيع أن يصف ب لمة واحدة احلدث‬

‫متام ًا كام تم يف أرط مؤتة‪( :‬حتى فتح اهلل عليه ‪.‬‬

‫الدليع الثاين‪ :‬روى اإلمام أمحد يف مسنده بسند صحيح‪ ،‬وكننذلك النسننائي والبيهقنني عننن أيب‬

‫قتا ة ريض اهلل عنه‪( :‬أن رسول اهلل ﷺ قال ألصحابه قبع أن يعننو أ ننع مؤتننة إىل املدينننة‪ :‬أال‬

‫أخربكم عن يش م ننذا اليفننازي؟ إهنننم انطلقننوا حتننى لقننوا العنندو فأصنني زينند شننهيد ًا‬

‫فاستيففروا له ‪ ،‬فاستيففر له الناس‪( ،‬ثم أخذ اللواب عفر بن أيب طال فشد عننىل القننوم حتننى‬

‫قتع شهيد ًا فاشهدوا له بالشها ة واستيففروا له ‪ ،‬فاستيففر الناس له‪( ،‬ثم أخننذ اللننواب عبنند اهلل‬

‫بن رواحة فأثبت قدميه حتى أصي شهيد ًا فاستيففروا له ذه الرواية صحيحة تشننهد لنننعبد‬

‫اهلل بن رواحة بالثبات وتشهد له بالشها ة‪ .‬فاستيففروا له‪ ،‬فاستيففر له الناس‪( ،‬ثم أخننذ اللننواب‬

‫‪869‬‬
‫خالد بن الوليد فرفع رسول اهلل ﷺ إصبعيه وقال‪ :‬اللهم و سننيف مننن سننيوفك فانصننره ‪،‬‬

‫يقول عبد الرمحن بن مهدي أحد رواة احلديث و و شيخ اإلمام أمحد بن حنبع ‪( :‬فانترص به ‪.‬‬

‫ذا عاب من الرسول ﷺ لسيف اهلل املسلول خالد وللجيش اإلسالمي بالنصنر‪ ،‬و عنناؤه ﷺ‬

‫مستجاب‪ ،‬و ذا احلديث من معجزاته‪ ،‬فهو خيرب به عن اليفي ‪ ،‬وحمننال أن يتحقننق خننالف مننا‬

‫ذكره ﷺ للصحابة‪ ،‬فهو ذكره عىل سبيع احلجة الداميفننة لنبوتننه ﷺ واحلجننة الدائمننة إلنبائننه‬

‫باليفي ‪ ،‬فحني يدعو فيه بالنرص فال بد أن حيصع النرص‪ ،‬و ذا رصيننح يف ننذه الروايننة و نني‬

‫صحيحة‪.‬‬

‫الدليع الثالث‪ :‬كم عد شهداب املسلمني يف ذه املوقعة الطاحنة؟ رقم ال يتصوره أحد مطلقن ًا‪،‬‬

‫إهنم اثنا عرش شهيد ًا فقه‪ ،‬منهم األمراب الثالثة‪ ،‬ويف حرب مع مائتي ألف ومل يقتع ويستشننهد‬

‫سوى اثني عرش ر الً‪ ،‬ليع امغ عىل انتصار املسلمني؛ ألن اجليش املهزوم مستحيع أن يقتننع‬

‫منه غري اثني عرش ر ً‬


‫ال فقه‪ ،‬بينام خرس الرومان أضعاف ذلك‪ ،‬وي في م ْن قننتلهم خالنند بننن‬

‫الوليد ريض اهلل عنه وأرضاه بتسعة سيوف‪ ،‬فإذا كان شهداب املسلمني أقننع مننن قننتىل الرومننان‬

‫فهذه من أبلغ عالمات النرص‪.‬‬

‫الدليع الرابع‪ :‬غنم املسلمون غنائم عدة من مؤتة‪ ،‬وال ييفنم إال اجليش املنترص‪ ،‬بع إهنم غنمننوا‬

‫ممتل ات بعض كبار القا ة الرومانيني‪ ،‬فبعض املسلمني قتلننوا بعننض قننا ة الرومننان وأخننذوا‬

‫أسالهبم‪ ،‬روى ذلك اإلمام مسلم يف صحيحه وأبو او وأمحد عن عوف بن مالك األشنجعي‬

‫ريض اهلل عنه‪ ،‬وانظر إىل كالم عوف بن مالك الذي يقول‪( :‬إن أحد املسلمني قتع رومي ًا حيمننع‬

‫يف‬ ‫ننذه غنيمننة عظيمننة‪ ،‬وال حيمننع الننذ‬ ‫سالح ًا مذ ب ًا‪ ،‬ويرك فرس ًا عليه رسج مذ‬

‫املعارك إال القا ة ال بار وليس عامة اجلند‪.‬‬

‫‪870‬‬
‫الدليع اوامس‪ :‬مل نسمع بعد ذه اليفزوة عن شامتة شعرية مننن شننعراب قننريش أو مننن عننرب‬

‫الشامل‪ ،‬فهؤالب ال يرتكون مثع ذه األحداث أبد ًا متر ون قصائد شعرية‪ ،‬لو زم املسلمون ما‬

‫تركهم أعداؤ م بأشعار م أبد ًا‪ ،‬ل ن ما سمعنا ذا ال الم‪ ،‬بننع الع ننس‪ ،‬سننمعنا فخننر ًا مننن‬

‫املسلمني عىل لسان كع بن مالك ريض اهلل عنننه وأرضنناه وحسننان بننن ثابننت ريض اهلل عنننه‬

‫وأرضاه يف موقعة مؤتة‪ ،‬و ذا ال يأيت إال بالنرص‪.‬‬

‫الدليع السا س‪ :‬تركت ذه املوقعة أثر ًا إجيابي ًا ائ ً‬


‫ال عىل عرب اجلزيرة‪ ،‬وخاصة أ ع املننناطق‬

‫الشاملية‪ ،‬ورأينا بعد ذه املوقعة وفو القبائع التي طاملا عاندت اإلسالم واملسلمني تأيت مذعنة‬

‫إىل املدينة املنورة لتعلن إسالمها بني يدي الرسول ﷺ‪ ،‬فلو كانت ناك زيمة ملا فعلننوا ذلننك‪،‬‬

‫ولو كانت تعا الً النتظروا ر فعع الرومان‪ ،‬ول ن مسارعة ؤالب تنبع عن شعور م بالر بننة‬

‫واجلالل من ذه الدولة التي وقف يشها ذه الوقفة أمام حافع الروم والعرب املتنصننرة‪،‬‬

‫ولو كانت اليفلبة للرومان وللقبائع املتحالفة معها يف ننذه املوقعننة‪ ،‬ل ننان التسننابق لطلن و‬

‫الرومان وغسان و اليفال ‪ ،‬ول ن ذلك مل حيدث‪.‬‬

‫د ًا بعد مؤتة‪ ،‬و و من القبائع التي أتت املدينة قبائع غطفننان‪ ،‬و نندثنا‬ ‫لقد حدث أمر غري‬

‫عن غطفان وحرب غطفان للمسلمني‪ ،‬وبعنند ننذا كلننه أتننت غطفننان إىل املدينننة لتبننايع عننىل‬

‫اإلسالم‪ ،‬وكذلك أتت بنو سليم وأشجع وذبيان وفزارة وغري ا‪ ،‬كع ؤالب أتوا يبايعون عننىل‬

‫اإلسالم‪ ،‬واشرتكوا بعد ذلك يف فتح م ة‪ ،‬وغري مم ن بعد اهلزيمة أن حيصع ذا اليشب‪.‬‬

‫أما ما قيع يف استقبال اجليش ب لمة‪( :‬يا فننرار‪ ،‬أفننررتم يف سننبيع اهلل؟ فهننذه الروايننة سننند ا‬

‫ضعيف‪ ،‬وحتى لو صحت فإن الرسول ﷺ نفسه يف ذه الرواية يدافع عن الصننحابة ويقننول‪:‬‬

‫(ليسوا بالفرار‪ ،‬بع م ال رار إن شاب اهلل ذا إن صحت الرواية‪ ،‬ويف رواية ثانيننة أيضن ًا فيهننا‬

‫ضعف أن جمموعة صيفرية من املسلمني فرت إىل املدينة املنننورة‪ ،‬وحتننى ننذه الروايننة فيهننا أن‬
‫‪871‬‬
‫الرسول ﷺ عذر ذه الطائفة وقال‪( :‬أنا فئة هلم يعني‪ :‬ؤالب انحازوا إىل فئة رشعية يف املدينة‬

‫املنورة‪ ،‬فهذا أمر ليس فيه خطأ رشعي إن صحت الرواية أيض ًا‪.‬‬

‫كانت موقعة مؤتة انتصار ًا ب ع املقاييس‪ ،‬كانت انتصار ًا لإلنسان عىل نفسه‪ ،‬يننرغم نفسننه عننىل‬

‫خوط غامر املصاع واملشاق‪ ،‬بع واملوت ون تر ‪ ،‬كانت انتصار ًا عىل الدولة الرومانيننة يف‬

‫أول لقاب بينها وبني املسلمني‪ ،‬وست ون بداية سلسلة مضنية مننن احلننروب‪ ،‬كانننت فيهننا الينند‬

‫العليا للمسلمني‪ ،‬كانت انتصار ًا عىل القبائع العربية الشاملية التي سارعت بعد عننام مننن ننذه‬

‫األحداث بالدخول يف ين اإلسالم‪ ،‬بعد أن رأت قوة وبننأس اإلسننالم‪ ،‬كننام رأت قبننع ذلننك‬

‫ح مة وأخالق اإلسالم‪ ،‬وأيقنت متام ًا أن ذا الدين من عند رب العاملني سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫كانت انتصار ًا عىل كع عدو للدولة اإلسالمية‪ ،‬حتى قريش ملننا رأت ننذه األحننداث حننارت‪:‬‬

‫ماذا فعع املسلمون مع الدولة األوىل يف العامل؟ ف ان ذلك سبب ًا يف زيمة نفسننية قاسننية أل ننع‬

‫م ة‪ ،‬مهدت متام ًا ملا سيأيت بعد ذلك من فتح م ة وفتح البال املحيطة هبا‪.‬‬

‫ذه ي موقعة مؤتة‪ ،‬و ؤالب م األمراب الشهداب الثالثة‪ ،‬و ذا و خالد بن الوليد سننيف اهلل‬

‫املسلول عىل أعداب املسلمني‪ ،‬اإلضننافة الرائعننة يف الدولننة اإلسننالمية خننالل الثالثننة األشننهر‬

‫السابقة‪ ،‬و ذا و اجليش اإلسالمي الذي ي ت له النرص‪ ،‬و ذا و الدليع العميل الواقعي أن‬

‫اهلل عز و ع ينرص من نرصه‪ ،‬وي ون مع من ا د يف سبيله‪ ،‬ويدافع عن الذين آمنوا‪ ،‬ويمحق‬

‫الذين كفروا‪.‬‬

‫‪872‬‬
‫‪37‬‬

‫الطريق إىل مكة‬

‫حديثنا اليوم عن حدث من أعظم األحداث يف تاريخ األرض مطلق ًا‪ ،‬وهذا احلدث يعترب حلظة‬

‫فارقة فرق بني مرحلة ومرحلة أخرى خمتلفة متام ًا عن املرحلة التي سبقت‪ ،‬وله تداعيات كبريري‬

‫جد ًا‪ ،‬ليس فقط يف اجلزير العربية ولكن يف العامل‪ ،‬وليس فقط يف زمانه ولكن إىل زماننريريا ا‪.‬‬

‫جريريد ًا قريرياىلت إىل هريريذا‬ ‫هذا احلدث العظيم الكب ‪ :‬هو فتح مكة وال شك أ هناك أحداث ًا كث‬

‫الفتح العظيم‪ ،‬ومقدمات طويلة‪ ،‬وستكو ‪-‬إ شاء اهلل‪ -‬هذه املقريريدمات هريريي موعريريوس ىلر‬

‫اليوم لكن قبل أ نبدأ يف هذه التفصيالت نريد أ نكمل نقطة هامة حتريريدثنا عن ريريا يف الريريدر‬

‫السابق ومل نتناوهلا بالرشح والتفصيل‬

‫هذه النقطة‪ :‬هريريي أنريريه يف بدايريرية العريريام الثريريامن مريرين اهللريرير حريريدثت ممريريكلتا كب تريريا ل مريرية‬

‫اهلل عنريريه وأرعريرياه سريريف‬ ‫اإلسالمية‪ :‬املمكلة األوىل‪ :‬هي قتل احلارث بريرين عمريري األزىل ر‬

‫رسول اهلل ﷺ لعظيم برصى‪ ،‬والذ قتله رشحبيل بن عمرو الغساين هذه املمريريكلة كريريا مريرين‬

‫جرائ ا أ أخرج ﷺ جيم ًا كب ًا‪ ،‬وهو اجليش الذ ىلخل يف رسية مؤتة بقياىل األمراء الثالثة‪:‬‬

‫السابق‪ ،‬وكا من ورائه النصريريرير العظريرييم‬ ‫فصلنا يف الدر‬


‫زيد وجعفر وعبد اهلل بن رواحة كام ّ‬
‫الذ تم يف موقعة مؤتة‪ ،‬وبذلك تقريب ًا انت ت ممكلة قتل احلارث بن عم ‪ ،‬واستعاىلت األمريرية‬

‫اإلسالمية هيبت ا إىل حد كب ‪ ،‬ذاس صيت ا ليس فقط يف أرض مؤتة ولكن يف اجلزير بكامل ا‬

‫‪873‬‬
‫رسية ذات السالسل سنة ‪ 8‬هلرية بقياىل عمرو بن العاص‬

‫اهلل عنريريه‬ ‫املمكلة الثانية‪ :‬حدثت هذه املمكلة يف وقت متزامن مع مقتل احلارث بن عمريري ر‬

‫وأرعاه‪ ،‬وهي ممكلة اعتداء قبائل قضاعة عىل جمموعة من صحابة الرسريريول ﷺ‪ ،‬وكريريانوا ‪15‬‬

‫رج ً‬
‫ال من الصحابة‪ ،‬وقتلوا من م ‪ 14‬رجالً‪ ،‬وعاىل رجل واحد من م إىل املدينريرية املنريريور وأخريريرب‬

‫الرسول ﷺ بتفاصيل اخليانة التي قامت هبا قضاعة والغدر الذ فعلته مريريع صريريحابة الرسريريول‬

‫ﷺ‪ ،‬فكا ال بد للرسول ﷺ أ يقف وقفة جاىل مع قبيلة قضاعة؛ لكي ال هتتز صور الدولريرية‬

‫اإلسالمية يف اجلزير العربية بالفعل قرر الرسول ﷺ أ يبعث جيم ًا كب ًا إىل مناطق قضاعة‪،‬‬

‫وكا هذا بملرىل عوىل اجليش اإلسالمي من مؤتة إىل املدينة املنور ‪ ،‬ومؤتة وقعريريت يف دريرياىلى‬

‫األوىل سنة ‪ 8‬هري والرسول ﷺ يف دريرياىلى ا‪.‬خريرير سريرينة ‪ 8‬هريريري بعريريث اجلريرييش الثريرياين إىل قبائريريل‬

‫قضاعة املنطقة التي تعيش في ا قضاعة كا اسم ا السالسل‪ ،‬وهي عبار عن مريرياء أو عريريني أو‬

‫بئر اسمه السالسل‪ ،‬وسميت املنطقة بكامل ا بذات السالسل‪ ،‬فعرفت هذه الغزو يف التريرياريخ‬

‫بغزو ذات السالسل‬

‫اختيار الرسول ﷺ لعمرو بن العاص لقياىل اجليش‬

‫قوية وهي قبيلريرية‬ ‫من سيختار النبي ﷺ لقياىل هذا اجليش اهلام الذ سيخرج حلرب قبيلة كب‬

‫من املدينة املنور شامل اجلزير العربية‪ ،‬وليس هلا مدىل‪ ،‬وهلا ظروف‬ ‫قضاعة‪ ،‬وعىل مسافة كب‬

‫صعبة كظروف موقعة مؤتة؟ اختار الرسول ﷺ لقياىل هذا اجليش شخصية قد يعلز الكث و‬

‫عن اختيارها‪ ،‬وعندما تأيت لتحلل هذا االختيار ستلد أنه اختيار يف منت ى احلكمة من رسريريول‬

‫اهلل عنه وأرعاه‪ ،‬وعمرو بن العريرياص مل‬ ‫اهلل ﷺ لقد اختار الرسول ﷺ عمرو بن العاص ر‬

‫‪874‬‬
‫يكن قد مر عىل إسالمه إال ش ور قليلة جد ًا‪ ،‬فقد أسلم يف صفر سنة ‪ 8‬هري‪ ،‬مل يمر عىل إسريريالمه‬

‫سوى ثالثة أو أربعة أش ر‪ ،‬ثم اخت ليكو قائد ًا للليش اهلام يف حرب عظيمة للمسلمني‬

‫اختار الرسول ﷺ عمرو بن العاص لتأليف قلبه؛ أل عمرو بن العاص شخصية حمورية جريريد ًا‬

‫جريريد ًا‬ ‫يف مكة املكرمة‪ ،‬وانضاممه إىل املعسكر املسلم وإىل جيش املدينة املنور يعترب إعافة كبريري‬

‫ال بد أ حيافظ علي ا املسلمو قدر املستطاس عمرو بن العاص له تاريخ طويل جد ًا يف العريريداء‬

‫مع املسلمني‪ ،‬من أوائل أيام مكة‪ ،‬ومرور ًا بسفره إىل احلبمة إلعريرياىل املسريريلمني امل ريرياجرين مريرين‬

‫هناك إىل مكة املكرمة‪ ،‬ثم خروجه بعد ذلريريك يف مراحريريل متعريريدىل مريرين القتريريال التريريي ىلارت مريريع‬

‫يف املقام‪ ،‬ولكن أيضريري ًا‬ ‫املسلمني‪ ،‬وعمرو بن العاص يف ذلك الوقت شخصية ليست فقط كب‬

‫يف السن‪ ،‬فقد كا عمره وقت إسالمه ‪ 57‬سنة‪ ،‬أ ‪ :‬أهنا شخصية من كبريريار قريرياىل قريريريش‬ ‫كب‬

‫ومن ىلها العرب‪ ،‬وال بد أ حيفظ له مكانه يف ىلاخل الدولة اإلسالمية؛ لكي يستمر يف املس‬

‫اهلل عنه وأرعاه عنريريدما‬ ‫مع ا رأينا كيف أ النبي ﷺ كا يع ّظم من قدر خالد بن الوليد ر‬

‫استلم القياىل يف غزو مؤتة‪ ،‬وسامه سيف اهلل املسلول‪ ،‬ورفع قدره جد ًا يف الدولريرية اإلسريريالمية‪،‬‬

‫اهلل عنه كانت أثبت بعد موقعة مؤتة عن ا قبريريل موقعريرية‬ ‫وال شك أ أقدام خالد بن الوليد ر‬

‫بصفة عامة تنظر إليه عىل أنه قد حقق نرص ًا‬ ‫مؤتة‪ ،‬وله ىلور وعع يف الدولة اإلسالمية‪ ،‬والنا‬

‫م يب ًا‪ ،‬وأصبحت له مكانة ديلة تثبت أقدامه إ شاء اهلل‬

‫اهلل عنه وأرعريرياه‪ ،‬يعطيريريه قيريرياىل‬ ‫كذلك أراىل رسول اهلل ﷺ أ يفعل مع عمرو بن العاص ر‬

‫جيش فيحقق انتصار ًا فتصبح له مكانة يف ىلاخل الدولة اإلسالمية‪ ،‬ومن ثم تثبت أقدامه‬

‫ليس هذا فقط‪ ،‬فإ هناك شيئ ًا م ًام جد ًا يعرب عن مدى عمق النظر للرسريريول احلكريرييم ﷺ‪ ،‬أال‬

‫اهلل عنه وأرعاه‬ ‫وهو أ أم عمرو بن العاص من قبيلة قضاعة‪ ،‬وذهاب عمرو بن العاص ر‬

‫وأمه من نفس القبيلة يعطي بعد ًا هام ًا جد ًا يف القتال‪ ،‬فقد يتألف قلريريوب هريريؤالء القريريوم‪ ،‬وهريريم‬
‫‪875‬‬
‫اجليش الذ أتى أ أمه مريرين م قريريد حيريريدث بيريرين م حريريوار ومفاوعريريات‬ ‫عندما جيدو عىل رأ‬

‫للقبول بفكر اإلسالم‪ ،‬وال يأخذهم الكرب والعناىل والفلور يف اخلصريريام‪ ،‬فتريريزىلاىل اهلريريو بيريرين م‬

‫لإلسالم‪ ،‬وكا إسريريالم‬ ‫وبني اإلسالم والرسول ﷺ كام تعلمو كا ىلائ ًام يقرب قلوب النا‬

‫اهلل عنريريه مريرين قضريرياعة فمريرين‬ ‫أحب إليه من أمواهلم أيض ًا كو أم عمرو بن العاص ر‬ ‫النا‬

‫املؤكد أ عمرو بن العاص قد ذهب إىل قضريرياعة أكثريرير مريرين مريرير ‪ ،‬ف ريريو أعريريرف بريريديار قضريرياعة‬

‫ومساكن قضاعة‪ ،‬والطرق والدروب التي تؤىل إىل هناك أكثر من بقية الصحابة‬

‫اختياره عسكري ًا؛ ألنه عبقرية عسكرية‪ ،‬وقياىل فذ ‪ ،‬واختياره ىلعويريري ًا م ريريم جريريد ًا؛ ألنريريه سريريوف‬

‫يؤ ّلف قلوب قضاعة أكثر من غ ه‪ ،‬ويف نفس الوقت هو أعلم بريريالطريق مريرين غريري ه كريريل هريريذه‬

‫األمور جتعل اختيار عمرو بن العاص هلذه امل مة خاصة يف منت ى احلكمة‬

‫روى ابن حبا واحلاكم وأمحد بسند صحيح‪ :‬أ الرسول ﷺ أراىل أ يبلغ عمريريرو بريرين العريرياص‬

‫هبذه امل مة العظيمة فأرسل إليه ثم قال له‪( :‬خذ عليك ثيابك وسالحك ثم ائتني‪ ،‬قريريال عمريريرو‬

‫بن العاص‪ :‬فأتيته وهو يتوعأ ﷺ‪ ،‬فص ّعد ّيف النظر ثم طأطأ‪ ،‬فقريريال‪ :‬إين أريريريد أ أبعثريريك عريريىل‬

‫جيش فيس ّلمك اهلل ويغنمك‪ ،‬وأرغب لك من املال رغبة صاحلة) أ ‪ :‬أنريريك سريريتذهب إىل هريريذه‬

‫الغنريريائم‬ ‫املوقعة وبإذ اهلل ستنترص في ا‪ ،‬وستكو لك غنائم فيكثر مالك‪ ،‬وتقسم أربعة أمخا‬

‫اهلل عنه وأرعاه وهو يقريريول هريريذه‬ ‫عىل اجليش‪ ،‬فقال عمرو بن العاص واستمع إىل كالمه ر‬

‫الكلامت أمام الرسول ﷺ‪ ،‬والرسول ﷺ إذا كا الكالم غ سليم فإ الريريوحي سريريوف ريريربه‬

‫بذلك‪ ،‬لكن الرسول ﷺ قبل منه هذه الكلامت‪ ،‬قال عمرو‪( :‬يا رسريريول اهلل‪ ،‬مريريا أسريريلمت مريرين‬

‫أجل املال ولكني أسريريلمت رغبريرية يف اإلسريريالم‪ ،‬وأ أكريريو مريريع رسريريول اهلل ﷺ) وهريريذا صريريدق‬

‫اهلل عنه وأرعاه ليست هذه فقط هي املنقبة‪ ،‬ولكريرين مريريا‬ ‫وإخالص من عمرو بن العاص ر‬

‫اهلل عنه‪ ،‬فقال رسريريول اهلل‬ ‫سيقوله ﷺ بعد ذلك هو منقبة عظيمة جد ًا لريعمرو بن العاص ر‬

‫‪876‬‬
‫ﷺ‪( :‬يا عمرو نعم املال الصالح للمرء الصالح)‪ ،‬هذه ش اىل من رسريريول اهلل ﷺ لريريريعمرو بريرين‬

‫العاص أنه من الصاحلني بالفعل أمر عىل اجليش‪ ،‬وخرج اجليش اإلسالمي بقيريرياىل عمريريرو بريرين‬

‫‪ 300‬من الصحابة من األنصار وامل اجرين‬ ‫اهلل عنه يرتأ‬ ‫العاص ر‬

‫اهلل عن م يف قبوهلم لقياىل هريريذا البطريريل اإلسريريالمي‬ ‫البد أ نقف وقفة مع عظمة الصحابة ر‬

‫اجلديد‪ ،‬ليس له إال أربعة أشريري ر فقريريط يف اإلسريريالم‪ ،‬ومريريع ذلريريك يقريريوىل جيمريري ًا مريرين امل ريرياجرين‬

‫واألنصار هلم تاريخ طويل يف اإلسالم‪ ،‬بعض م وصل تار ه يف اإلسالم إىل ‪ 20‬سريرينة متصريريلة‪،‬‬

‫عليه يف هذا اجليش من كا عمره يف اإلسالم أربعة ش ور فقط خرج‬ ‫مع ذلك يقبل أ يرتأ‬

‫اجليش اإلسالمي وسنلد صور مصغر من موقعة مؤتة‪ ،‬وكأ اهلل عز وجل قد أراىل أ حيقريريق‬

‫لريعمرو بن العاص ما حقق لريخالد بن الوليد قبل ذلك لتثبت أقدام ام يف اإلسالم‬

‫عبقرية عمرو بن العاص يف قياىل اجليوش‬

‫اهلل عنريريه يف‬ ‫خرج عمرو بن العاص باجليش ومن أول حلظات اخلريريروج ظ ريريرت عبقريتريريه ر‬

‫ال ويكمريرين هنريريار ًا‪ ،‬حتريريى ال ترصريريده عيريريو‬


‫احلروب‪ ،‬من أول الطريق قرر أ يس باملسلمني لي ً‬

‫العدو إ كانت عىل الطريق وبالفعل وصل جيمه ىلو أ تدر عيو قضريرياعة أنريريه قريريد جريرياء‬

‫إلي م‪ ،‬وبدأ أيض ًا بعبقرية واعحة وبحكمة عسكرية الفتة للنظر يبث العيو هنا وهناك‪ ،‬حتى‬

‫اهلل عنه وأرعاه أ طاقته هذه‬ ‫يستطلع أعداىل العدو‪ ،‬فوجد أ أعداىل العدو كب ‪ ،‬وعلم ر‬

‫مريرين قضريرياعة‪ ،‬ويف احلقيقريرية كريريا‬ ‫ستكو غ قاىلر عىل مواج ة هذه األعداىل الكب‬ ‫الصغ‬

‫عمرو بن العاص يف منت ى الواقعية‪ ،‬وما كا يندفع أبد ًا بليمه إال بعد ىلراسة متأنية‪ ،‬ومل يكريرين‬

‫اهلل عنه وأرعاه‪ ،‬وسنلد هذا الكالم كث ًا جد ًا يف فتوح عمرو بريرين‬ ‫مت ور ًا عىل اإلطالق ر‬

‫العاص يف فلسطني ويف مرص‪ ،‬ما كا يندفع إال بدراسة حقيقية للواقع الذ هو مقبل عليه‬

‫‪877‬‬
‫فأرسل إىل الرسول ﷺ يف املدينة املنور أنني أحتاج‬ ‫اهلل عنه أ أعداىل قضاعة كب‬ ‫وجد ر‬

‫إىل مدىل‪ ،‬وأمر اجليش اإلسالمي أال يقاتل حتى يأتيه املدىل‪ ،‬وبالفعريريل أرسريريل الرسريريول ﷺ إليريريه‬

‫هؤالء أبو‬ ‫اهلل عن م أدعني‪ ،‬عىل رأ‬ ‫‪ 200‬من الصحابة من وجوه األنصار وامل اجرين ر‬

‫اهلل عنه أمني هذه األمة‪ ،‬ومن السابقني‪ ،‬ومن العمرير املبرشريريين باجلنريرية‪،‬‬ ‫عبيد بن اجلراح ر‬

‫وله تاريخ طويل جد ًا مع املسلمني‪ ،‬وحتت إمريرير أع عبيريريد بريرين اجلريريراح عريريدىل كبريري جريريد ًا مريرين‬

‫اهلل عنريريه‪ ،‬وكفريريى‬ ‫اهلل عنه وعمر بن اخلطاب ر‬ ‫السابقني‪ ،‬يف مقدمت م أبو بكر الصديق ر‬

‫هبام‪ ،‬ومعظم املائتني من السريريابقني‪ ،‬وكل ريريم عريريىل هريريذا املسريريتوى الراقريريي جريريد ًا‪ ،‬قريريدم يف اخلريريرب‬

‫جد ًا‪ ،‬ف ؤالء كانوا مدىل ًا لري عمريريرو بريرين العريرياص ر‬ ‫والتاريخ واإلسالم وسبق يف أشياء كث‬

‫اهلل عنه‬

‫فعندما وصلوا إىل هناك انضم املائتا إىل الثالثامئة وأصبح اجليش كله ‪ ،500‬لكن من هو أمريري‬

‫هذا اجليش؟ عندما أراىلوا أ يصلوا الفريضة تقدم أبو عبيد بن اجلراح ليؤم النا ‪ ،‬وكا من‬

‫اهلل عنه اعترب أنه هريريو‬ ‫املعروف أ قائد اجليش هو الذ يؤم النا ‪ ،‬وأبو عبيد بن اجلراح ر‬

‫اهلل عريرين م‪ ،‬وفريريي م أبريريو‬ ‫‪ 200‬من وجوه األنصار وامل ريرياجرين ر‬ ‫األم ؛ ألنه جاء عىل رأ‬

‫بكر وعمر‪ ،‬فتقدم أبو عبيد ليقوىل الصفوف‪ ،‬ولكن عمرو بن العاص تقدم وقال‪( :‬إنام قريريدمت‬

‫عيل مدىل ًا يل‪ ،‬وليس لك أ تؤمني وأنا األم ‪ ،‬وإنام أرسلك النبي ﷺ إ ّيل مريريدىل ًا)‪ ،‬وعمريريرو بريرين‬
‫ّ‬
‫العاص ال يزال حديث ع د باإلسالم‪ ،‬لكنه كام ذكرنا كا كب ًا يف السن عمريريره ‪ 57‬سريرينة‪ ،‬أ ‪:‬‬

‫أنه أكرب من أع عبيد بن اجلراح بعرش سنوات كاملة تقريبريري ًا‪ ،‬ولريريه تريرياريخ عسريريكر معريريروف‪،‬‬

‫جريريد ًا عنريريد‬ ‫ومن فرسا قريش ومن ىلها العرب‪ ،‬وأيض ًا أبو عبيد بن اجلراح لريريه مكانريرية كبريري‬

‫الصحابة‪ ،‬وتاريخ طويل جد ًا كام ذكرنا‪ ،‬لكن عمرو بن العاص رأى أنه أحريريق باإلمريريار ‪ ،‬لريرييس‬

‫لكونه فقط عسكري ًا وعبقري ًا يف إىلار اجليوش وما إىل ذلريريك؛ ولكريرين أل الرسريريول ﷺ وعريريعه‬

‫‪878‬‬
‫عىل إمار اجليش األصيل‪ ،‬فله حلة‪ ،‬وعاىل الصحابة أهنريريم مريريا كريريانوا يتنريريازعو اإلمريريار هبريريذه‬

‫الصور ‪ ،‬ومن الواعح أنه ال يزال جديد ًا يف اإلسالم‪ ،‬فعرض هذا الكالم فقريريال‪ :‬امل ريرياجرو ‪،‬‬

‫وامل اجرو كانوا يميلو إىل أع عبيد بن اجلراح‪ ،‬وأبو عبيد رجريريل حيريريي جريريد ًا فاسريريتحى أ‬

‫يتكلم عن نفسه‪ ،‬فتكلم امل اجرو فقالوا‪ :‬كال‪ ،‬بل أنت أم أصريريحابك وهريريو أمريري أصريريحابه‬

‫أ ‪ :‬إذا كنا سنختلف يف األم ‪ ،‬فيكو عمرو بن العاص أم الثالثامئة األوائل‪ ،‬وأبو عبيد بن‬

‫اجلراح أم املائتني الذين أتوا مدىل ًا‪ ،‬لكن ال ينبغي أ يكريريو لللريرييش الواحريريد قائريريدا ‪ ،‬فقريريال‬

‫عمرو‪ :‬ال‪ ،‬بل أنتم مدىل لنا‪ ،‬فلام رأى أبو عبيد االختالف‪ ،‬وكا أبو عبيريريد لريريني الطبريريع جريريد ًا‪،‬‬

‫فخاطب عمرو بن العاص وقال له كلامت ديلة جد ًا ّ‬


‫تعرب عن عمق ف م أع عبيد بريرين اجلريريراح‬

‫لقضية اإلمار يف اإلسالم‪ ،‬قال له‪( :‬لتطمئن يا عمرو وتعلمن أ آخر مريريا ع ريريد إ ّيل رسريريول اهلل‬

‫ﷺ أ قال‪ :‬إذا قدمت عىل صاحبك فتطاوعا وال ختتلفا‪ ،‬وإنك واهلل إ عصريرييتني ألطيعنريريك)‪،‬‬

‫فأطاس أبو عبيد وكا عمرو بن العاص يصيل بالصحابة وهم ‪ 500‬شخص‪ ،‬في م أبريريو عبيريريد‬

‫وأبو بكر الصديق وعمر بن اخلطاب‪ ،‬وفي م الكث والكث من امل ريرياجرين واألنصريريار‪ ،‬وكريريا‬

‫اجلميع يصيل وراء عمرو بن العاص حديث اإلسالم الذ مل يسلم إال منذ أربعة أشريري ر هريريذه‬

‫صور حضارية رائعة يف تاريخ املسلمني‪ ،‬ومظ ر من مظاهر الوحد ‪ ،‬ومن أبلغ أسباب النرص‪،‬‬

‫فاجلميع يعمل يف سبيل اهلل ال يت افت أحدهم عىل اإلمار‬

‫اهلل عنه‪ ،‬ويف احلقيقة أنريريا أرى أ عمريريرو‬ ‫ال بد أ نقف وقفة مع موقف عمرو بن العاص ر‬

‫اهلل عنه مل طئ يف هذا احلدث‪ ،‬وعنده حلة رشعية قويريرية جريريد ًا‪ ،‬فريريالنبي ﷺ‬ ‫بن العاص ر‬

‫بعث إليه وأ ّمره عىل هذا اجليش‪ ،‬وأخربه أنه يريد أ يسلمه اهلل عريريز وجريريل وأ يغنمريريه‪ ،‬أ ‪ :‬أ‬

‫هناك أمر ًا واعح ًا يفرس لريعمرو بن العاص ولغ ه من الصحابة أ الرسول ﷺ اختاره إلمار‬

‫‪879‬‬
‫هذا اجليش‪ ،‬وأبو عبيد جاء بامئتني من الصحابة‪ ،‬ومل يرصح الرسريريول ﷺ مبريريارش أنريريه األمريري‬

‫عىل اجليوش‪ ،‬فمف وم ذلك أنه جاء مريريدىل ًا لريريريعمرو بريرين العريرياص ‪ ،‬وعمريريرو بريرين العريرياص لريرييس‬

‫بالعقلية العسكرية البسيطة الس لة التي يؤم ا غ ها‪ ،‬ف ريريو قائريريد ورجريريل عسريريكر وعبقريرير ‪،‬‬

‫ويم د له اجلميع من املسلمني وغ املسلمني أ له كفريرياء عسريريكرية الفتريرية للنظريرير يف اجلزيريرير‬

‫العربية‪ ،‬فموقف عمرو بن العاص موقف سليم‬

‫اهلل عن م وأرعريرياهم أدعريريني‪ ،‬وظ ريريرت‬ ‫توىل عمرو بن العاص قياىل ‪ 500‬من الصحابة ر‬

‫اهلل عن م أ يوقريريدوا النريريار لغريريرض التدفئريرية‬ ‫عبقريته يف أكثر من خطو ‪ ،‬من ا‪ :‬أهنم أراىلوا ر‬

‫اهلل عنريريه‪ ،‬قريريال‬ ‫وكانت ليلة شديد الربىل‪ ،‬وطلبوا من عمرو بن العاص هذا األمر فريريرفر ر‬

‫اهلل عنه ليتوسط عند عمرو بن‬ ‫هلم‪ :‬ال توقدوا النار‪ ،‬فذهب الصحابة إىل أع بكر الصديق ر‬

‫العاص إليقاىل النار‪ ،‬فذهب أبو بكر الصديق وكلم عمرو بن العاص يف إيقاىل النار‪ ،‬فقال عمرو‬

‫أ يقومريريوا‬ ‫بن العاص بمنت ى احلزم‪ :‬ال يوقد أحد منكم نار ًا إال قذفته في ريريا‪ ،‬منريريع كريريل النريريا‬

‫اهلل عنه كا قريريد حتريرياىلث يف ذلريريك األمريرير مريريع أع بكريرير‬ ‫بإيقاىل النار‪ ،‬حتى عمر بن اخلطاب ر‬

‫اهلل عنه‪ ،‬فقال أبو بكريرير الصريريديق يف منت ريريى اليقريريني‪ :‬إ الرسريريول ﷺ ّأمريريره عريريىل‬ ‫الصديق ر‬

‫اجليش وهو أعلم؛ أ أ النبي ﷺ أعلم بحكمته وبقدرته عىل إىلار اجليش‪ ،‬وما علينريريا إال أ‬

‫نسمع ونطيع ولو مل ندر ما هي احلكمة من وراء األمر‬

‫اهلل عنه يف ذلك األمر كانت واعحة‪ ،‬والصحابة عنريريدما عريرياىلوا‬ ‫حكمة عمرو بن العاص ر‬

‫إىل املدينة املنور اشتكوا عمر ًا إىل الرسول ﷺ‪ ،‬فسأله عن ذلك وقال‪( :‬ملاذا فعلت ذلك؟ قال‪:‬‬

‫كرهت أ آذ هلم أ يوقدوا نريريار ًا فريري ى عريريدوهم قلريريت م)‪ ،‬أ ‪ :‬أ الصريريحابة دريرييع م ‪،500‬‬

‫وقبائل قضاعة أعداىل عخمة جد ًا‪ ،‬فلو أشعلوا النار وهناك أحد العيو يرقب جيش املريريؤمنني‬

‫‪880‬‬
‫اهلل عنه الصحابة مريرين‬ ‫سوف يعلمو أ عدىلهم ‪ 500‬فيس ل علي م قتاهلم‪ ،‬فلذلك منع ر‬

‫إيقاىل النار‪ ،‬وهذا فعل يف منت ى احلكمة‬

‫اهلل عن م يف معركة هائلة مع قضاعة‪ ،‬واستطاس عمرو بن العريرياص‬ ‫بعد أ التقى الصحابة ر‬

‫بخطة عسكرية بارعة أ حيقق نرص ًا هائ ً‬


‫ال عىل قبائل قضاعة‪ ،‬وتتكرر من جديد صور مص ّغر‬

‫لغزو مؤتة‪ ،‬فقد حقق انتصار ًا كب ًا جد ًا بعدىل قليل جد ًا من الرجال عىل جمموعة عخمة مريرين‬

‫رجال قضاعة‬

‫اهلل عن م جريريد ًا هلريريذا‬ ‫بعد هذا االنتصار فرت قبائل قضاعة هنا وهناك‪ ،‬فتحمس الصحابة ر‬

‫اهلل عنه أمرهم‬ ‫األمر وأراىلوا أ يتابعوا جيش قضاعة هنا وهناك‪ ،‬لكن عمرو بن العاص ر‬

‫رجريريوا عريرين أمريرير عمريريرو بريرين‬ ‫أال يتّبعوا جيش قضاعة الفار‪ ،‬فلم يسريريتطع الصريريحابة أيضريري ًا أ‬

‫اهلل عنريريه؟‬ ‫العاص‪ ،‬لكن م ترىلىلوا يف ذلك األمر واحتاروا‪ ،‬ملاذا يمنع م عمرو بن العاص ر‬

‫ومل يقتنعوا برأيه‪ ،‬فلام عاىلوا إىل الرسول ﷺ إىل املدينة اشتكوا له‪ ،‬فسأل الرسول ﷺ عمرو بن‬

‫العاص عن ذلك األمر؟ فقال‪( :‬يا رسول اهلل كرهت أ يتّبعوهم فيكو هلم مدىل)‪ ،‬والنبي ﷺ‬

‫عندما سمع منه هذه الكلامت استحسن ذلك منه وأقره‬

‫اهلل عنريريه احريريتلم يف ليلريرية مريرين‬ ‫أيض ًا هناك ممكلة أخرى وقعت وهي أ عمرو بن العاص ر‬

‫اهلل عنه أ يغتسل باملريرياء البريريارىل يف‬ ‫ليايل غزو ذات السالسل‪ ،‬وكانت ليلة بارىل ‪ ،‬فأشفق ر‬

‫مريرين صريريالته هبريريم يف‬ ‫الصبح‪ ،‬فاسريريتغرب النريريا‬ ‫اهلل عنه وصىل بالنا‬ ‫تلك الليلة فتيمم ر‬

‫وجوىل املاء متيم ًام! املاء موجوىل لكن اجلو شديد الربوىل ‪ ،‬فلام ذهريريب الصريريحابة إىل الرسريريول ﷺ‬

‫اشتكوا له ذلك األمر أيض ًا‪ ،‬فقال‪( :‬يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقال عمرو بريرين‬

‫العاص ‪ :‬يا رسول اهلل إين سمعت اهلل يقريريول‪َ } :‬وال َت ْقتلريريوا َأنف َسريريك ْم إا ه اهللهَ َكريريا َ باكريري ْم َر احريري ًيام{‬

‫[النساء‪ ،]29:‬فضحك رسول اهلل ﷺ ومل يقل شيئ ًا) أ ‪ :‬له أربعة أش ر يف اإلسالم ومع ذلريريك‬
‫‪881‬‬
‫جيت د وحيسن االجت اىل‪ ،‬وعحك النبي ﷺ إقريريرار ًا وقبريريوالً للريريرأ الريريذ اختريرياره عمريريرو بريرين‬

‫اهلل عنه يف أكثريرير مريرين ممريريكلة وخريريالف حريريدث بريريني عمريريرو بريرين العريرياص وبريريني‬ ‫العاص ر‬

‫اهلل عن م في م القدامى والسابقني‪ ،‬ويف كل هذه االختالفريريات‬ ‫الصحابة‪ ،‬مع أ الصحابة ر‬

‫اهلل عنريريه‪ ،‬وهريريذه مريرين أعظريريم مناقريريب عمريريرو بريرين‬ ‫أقر الرسول ﷺ رأ عمرو بن العاص ر‬

‫عن الصحابة أدعني‬ ‫اهلل عنه ور‬ ‫العاص ر‬

‫كانت موقعة عظيمة انترص في ا املسلمو ‪ ،‬وازىلاىلت سمعة الدولة اإلسالمية هيبريرية ورهبريرية يف‬

‫قلوب النا ‪ ،‬وذاس صيت ا يف كل مكا ‪ ،‬ومما ال شك فيه أ كريريل هريريذا سريرييؤىل إىل األحريريداث‬

‫القاىلمة‬

‫إرسال الرسول ﷺ عمرو بن العاص إىل ملك عام وأخيه لدعوهتام إىل اإلسالم‬

‫بعد غزو ذات السالسل ارتفعت ثقة الرسول ﷺ جد ًا بصدق وذكاء وأمانة وقياىل عمرو بريرين‬

‫اهلل عنه‪ ،‬فأرسله ﷺ إىل م مة أخرى عظيمة جد ًا‪ ،‬وهي م مة السريريفار إىل ىلولريرية‬ ‫العاص ر‬

‫عام ‪ ،‬وكانت عام ىلولة مرشكة يف ذلك الوقت‪ ،‬وكا حيكم ا رجل اسمه َج ْيفر وأخوه ع ّباىل‪،‬‬

‫يف عام وما حوهلا‪ ،‬فأرسل الرسريريول‬ ‫واالثنا كانت هلام سيطر عىل منطقة واسعة من األرا‬

‫ﷺ عمرو بن العاص إلي ام يدعومها إىل اإلسريريالم وإىل االنضريريامم إىل الدولريرية اإلسريريالمية بعريريد‬

‫اهلل عنريريه‬ ‫حوار طويل مع جيفر وعباىل وبحكمة شديد وذكاء شديد من عمرو بن العاص ر‬

‫استطاس أ يقنع عباىل ًا وجيفر ًا باإلسالم وبالفعل أسلام‪ ،‬بل وأسلم شعب ام بالكامريريل‪ ،‬وىلخلريريت‬

‫ىلولة عام بكامل ا يف ىلولة املسلمني مل يكتف الرسريريول ﷺ فقريريط بلعريريل عمريريرو بريرين العريرياص‬

‫سف ًا منه إىل جيفر وعباىل‪ ،‬بل عينه جامع ًا للزكا هناك‪ ،‬وكريريا عامريريل رسريريول اهلل ﷺ هنريرياك يف‬

‫اهلل عنريريه‪،‬‬ ‫بالىل عام ‪ ،‬مع تثبيت جيفر وعباىل عىل زعامة البالىل‪ ،‬وثق الرسول ﷺ يف عمرو ر‬

‫وجعله جامع ًا للزكا من تلك البالىل‪ ،‬ومل يكن من السريري ل أبريريد ًا أ يقبريريل الرسريريول ﷺ بواليريرية‬
‫‪882‬‬
‫اهلل عريرين الصريريحابة أدعريريني‬ ‫اهلل عنه ور‬ ‫إنسا إال إذا اطمأ متام ًا إىل ىلينه وإىل كفاءته ر‬

‫هذه هي قصة عمرو بن العاص يف بداية إسالمه‬

‫كا الوعع اإلسالمي يف أوائل رجب سنة ‪ 8‬هريريري يف غايريرية االسريريتقرار‪ ،‬ويف رهبريرية وهيبريرية‪ ،‬ويف‬

‫انتصارات متكرر ‪ ،‬ويف صور جديد جد ًا لدولة ناشئة يف املدينة املنور ‪ ،‬تبسط سريرييطرهتا عريريىل‬

‫أطراف واسعة من اجلزير العربية هذه األحداث كانت هناية لفرت معينريرية‪ ،‬وسريريتبدأ ا‪ .‬فريريرت‬

‫النبوية‪ ،‬وهي كام ذكرت يف أول هذه املحارض مقدمات فتح مكة‬ ‫جديد من أحداث الس‬

‫عندما نأيت لنتكلم عن فتح مكة ال بد أ نعلم أ فتح مكة يعترب حلظة فارقريرية حقيقيريرية يف تريرياريخ‬

‫املسلمني‪ ،‬بل يف تاريخ األرض‪ ،‬حتى إنه إذا ذكر الفتح معرف ًا هكريريذا (الفريريتح) عريريرف أنريريه فريريتح‬

‫مكة‪ ،‬مع أ كل انتصارات املسلمني كانت فتح ًا‪ ،‬فانتصار املسلمني عىل أهل خيرب كريريا فتحريري ًا‪،‬‬

‫وعىل الروما يف مؤتة كا فتح ًا‪ ،‬وعىل املرشكني يف بدر كا فتح ًا‪ ،‬فكل هذه كانريريت فتوحريريات‬

‫من رب العاملني‪ ،‬لكن إذا ذكر الفتح معرف ًا هكذا (الفتح) عرف أنه فتح مكة‪ ،‬وهريريو أمريرير لريرييس‬

‫بعده يشء آخر‪ ،‬حتى إ النبي ﷺ كا يقول‪( :‬ال هلر بعد الفتح‪ ،‬ولكريرين ج ريرياىل ونيريرية) قبريريل‬

‫أ هتاجر إىل املدينة املنور ‪ ،‬وبعد الفتح انت ت اهللر ‪ ،‬ولكن ج ريرياىل ونيريرية‪،‬‬ ‫الفتح يمكن للنا‬

‫يقول اهلل سبحانه وتعاىل‪{ :‬ال َي ْست اَو امنْك ْم َم ْن َأ ْن َف َق ام ْن َق ْب ال ا ْل َفت اْح َو َقات ََل أ ْو َل ائ َك َأ ْع َظم َىل َر َجريري ًة‬

‫احل ْسريرينَى} [احلديريريد‪ ]10:‬أ ‪ :‬أ مريريا كريريا قبريريل‬ ‫ام َن ا هل اذي َن َأ ْن َفقوا ام ْن َب ْعد َو َقاتَلوا َوك اال َوعَدَ اهلله ْ‬

‫الفتح يشء وما كا بعد الفتح يشء‪ ،‬فإنفاق قبريريل الفريريتح يشء وإنفريرياق بعريريد الفريريتح يشء آخريرير‪،‬‬

‫وقتال قبل الفتح يشء وقتال بعد الفتح يشء آخر‬

‫ما معنى الفتح؟ معناه‪ :‬التمكني لدين رب العاملني سبحانه وتعريرياىل‪ ،‬ومعنريرياه‪ :‬النرصريري والسريريياىل‬

‫والعلو يف األرض‬

‫‪883‬‬
‫سنن التغي والنرص والتمكني املستنبطة من فتح مكة‬

‫أنا أريد أ أستغل هذا احلدث ألتكلم معكم عن بعر سنن التغي وسنن النرص والتمكني يف‬

‫األرض‪ ،‬وديع ا سنستخلص ا من فتح مكة‬

‫حكمة اهلل تعاىل يف تقدير األمور بأزماهنا‬

‫السنهة األوىل‪ :‬هو أ اهلل عز وجل ال يعلل بعللة عباىله‪ ،‬وانظروا مرت ‪ 21‬سنة من أصريريل ‪23‬‬

‫سنة من عمر البعثة بكامل ا والالت والعزى ومنا وهبل تعبد من ىلو اهلل عز وجل يف ىلاخريريل‬

‫مكة املكرمة البعر كا يتمنى ويقول‪ :‬يا ليت مكة فتحت مبكر ًا‪ ،‬والرسول ﷺ حكم الدولة‬

‫اإلسالمية الواسعة فرت طويلة من الزما ؛ لنرى فعله وحكمريريه وأثريريره ﷺ عريريىل العريرياملني وهريريو‬

‫ممكن يف األرض‪ ،‬لكن لو حدث هذا فقد تكو خمالفة للسنة اإلهلية‪ ،‬ف ذا ال يكو أبد ًا‪َ { :‬ف َلريري ْن‬

‫جتدَ لاسن اهة اهللها َ ْحت او ًيال} [فاطر‪]43:‬‬


‫جتدَ لاسن اهة اهللها َت ْب اد ًيال َو َل ْن َ ا‬
‫َا‬

‫فرب العاملني سبحانه كا قاىلر ًا أ يفتح مكة من أول حلظات الريريدعو ‪ ،‬وأ جيعريريل أهريريل مكريرية‬

‫ديع ًا مؤمنني من أول حلظات الدعو ‪ ،‬وعىل األقل بعد سنة أو سنتني من بناء الدولة يف املدينريرية‬

‫املنور ‪ ،‬لكن هذا االنتظار الطويل؛ لكي نعلم ديع ًا أ اهلل عز وجريريل ال يعلريريل بعللريرية عبريرياىله‬

‫وهذا املوعوس يف احلقيقة حيتاج إىل حمارض خاصريرية‪ ،‬إ شريرياء اهلل سريرينفرىل لريريه حمريريارض بعنريريوا ‪:‬‬

‫استعلال النرص‪ ،‬وسنتكلم في ا عن ممريريكلة العللريرية التريريي عنريريد املسريريلمني يف ر يريرية التمكريريني‬

‫والسياىل لدين اهلل عز وجل يف األرض‬

‫النبويريرية‪،‬‬ ‫وتغي املنكر حيتاج إىل وقت وإىل حكمة وحيتاج إىل تريريدرج‪ ،‬وهكريريذا رأينريريا يف السريري‬

‫وهذه أول سنة من السنن الثوابت‬

‫‪884‬‬
‫جميء التغي والنرص والتمكني للمسلمني من حيث ال حيتسبو‬

‫السنة الثانية‪ :‬يأيت التغي ويأيت النرص ويأيت التمكني من حيث ال حيتسب املسلمو ‪ ،‬أ ‪ :‬أنه لو‬

‫راوىل املسلمو حلم أ يفتحوا مكة كيف سيفكّرو يف هذا األمر؟ من املؤكد أهنريريم سيضريريعو‬

‫سيناريو هلذا األمر‪ ،‬ولو وعع املسريريلمو ألريريف سريرييناريو للتغيريري ولفريريتح مكريرية سريرييأيت التغيريري‬

‫بالسيناريو رقم ‪ ،1001‬أ ‪ :‬أ هناك سيناريوهات متوقعة لكي نفتح مكريرية‪ ،‬مريريثالً‪ :‬أ ختريريالف‬

‫قريش عن طريق غزوها املدينة املنور ‪ ،‬ف ىل املسريريلمو بحريريرب عريريىل مكريرية املكرمريرية‪ ،‬أو حتريرياول‬

‫قريش قتل الرسول ﷺ‪ ،‬أو تتعدى قريش عريريىل قافلريرية إسريريالمية‪ ،‬أو تنت ريريي السريرينوات العمريريرير‬

‫جد ًا‪ ،‬لكريرين‬ ‫سنوات اهلدنة فيحدث بعدها قتال ويدخل املسلمو مكة‪ ،‬ف ناك افرتاعات كث‬

‫مل حيدث الفتح بأ أمر من هذه األمور‪ ،‬وال بأ يشء خطر عىل ذهن أ مسلم‪ ،‬لكريرين حصريريل‬

‫يشء غريب جد ًا وهو أ قبيلة مرشكة أغارت عىل قبيلة مرشكة أخرى فريريتم الفريريتح للمريريؤمنني‪،‬‬

‫سبحا اهلل ما عالقة هذا هبذا؟!‬

‫هذا الذ حصل فع ً‬


‫ال يف فتح مكة‪ ،‬ولنأيت لنراجع األحداث‪ :‬يف صلح احلديبية كا مريرين بنريريوىل‬

‫الصلح البند الثالث يف الصلح هو‪ :‬أنه إذا أراىلت قبيلة أ تنضم إىل حلف املسلمني انضريريمت‪،‬‬

‫وإذا أراىلت قبيلة أ تنضم إىل حلف قريش انضمت‪ ،‬فبعد انت اء املعاهريريد ىلخلريريت خزاعريرية يف‬

‫حلف الرسول ﷺ‪ ،‬وىلخلت بنو بكر يف حلف قريش‪ ،‬وهذا الدخول هلاتني القبيلتني يف قضريريية‬

‫املعاهد هو الذ كا سبب ًا يف فتح مكة املكرمريرية‪ ،‬أ ‪ :‬أ القضريريية كانريريت بريريني املسريريلمني وبريريني‬

‫قريش‪ ،‬فخزاعة وبنو بكر ليس هلام أ ىلخل يف القضية‪ ،‬ومع ذلك ىلخوهلام يف احللريريف املعاهريريد‬

‫هو الذ سيؤىل للفتح كام سنرى ىلخول خزاعة يف حلف الرسول ﷺ أمر حيتريرياج إىل وقفريرية؛‬

‫أل اهلل سبحانه وتعاىل ىلفريريع خزاعريرية ىلفعريري ًا للريريدخول يف حلريريف الرسريريول ﷺ‪ ،‬وخزاعريرية قبيلريرية‬

‫مرشكة‪ ،‬نعم هناك عالقات قديمة محيمة بني خزاعة وبني بني هاشم‪ ،‬لكن كا مريرين املتوقريريع أ‬

‫‪885‬‬
‫تدخل خزاعة يف حلف املرشكني من بني هاشم‪ ،‬وليس يف حلف املسلمني من بني هاشريريم؛ أل‬

‫خزاعة مرشكة ىلين ا كدين قريش‪ ،‬فلامذا ترتك بني هاشم املمريركة وتتحريريالف مريريع بنريريي هاشريريم‬

‫املسلمة املتمثلة يف الرسول ﷺ؟ هذا أمر عليب فعالً! وهريريذا الريريدخول العليريريب خلزاعريرية مريريع‬

‫جد ًا من ا فتح مكة‬ ‫حلف املسلمني هو الذ سيؤىل بعد ذلك إىل نتائج كب‬

‫وعندما نراجع قصة القبيلتني اللتني ىلخلتا يف املعاهد نلد أ قبيلة بني بكر وقبيلة خزاعة كا‬

‫بين ام ثأر قديم‪ ،‬ولعل هذا الثأر هو الذ ىلفع بني بكر إىل الريريدخول يف حلريريف قريريريش‪ ،‬فعنريريدما‬

‫ىلخلت خزاعة يف حلف املسلمني ىلخلت بنو بكر يف احللف املعاكس؛ لتكو عد خزاعة‪ ،‬مريريع‬

‫أ العالقة بني بني بكر وبني قريش ليست عىل أفضل ما يكو ‪ ،‬بدليل أ قريم ًا عندما خرجت‬

‫من مكة املكرمة حلرب املسلمني يف موقعة بدر كانت ختمى من غزو بني بكر ملكة املكرمريرية‪ ،‬ثريريم‬

‫ظ ر هلم الميطا يف صور رساقة بن مالك يقول هلم‪ :‬إين جار لكم من كنانريرية‪ ،‬وكنانريرية تمريريمل‬

‫بني بكر‪ ،‬فالقصة معقد جد ًا‪ ،‬وأحداث القصة فع ً‬


‫ال ال يمكن أ تفرس إال أ اهلل عز وجل أراىل‬

‫هلا أ تتم عىل هذه الصور مع أ العالقة بني بني بكر وبني قريش معقريريد إال أهنريريا ىلخلريريت يف‬

‫حلف ا‪ ،‬وخزاعة مع أهنا مرشكة إال أهنا ىلخلت يف حلف املسلمني‪ ،‬وهذا سيؤىل إىل يشء معني‬

‫كام سنرى بنو بكر التي نتحدث عن ا ليست قبيلة بني بكر بن وائل املم ور ؛ أل بني بكر بن‬

‫وائل هذه هي قبيلة من قبائل ربيعة‪ ،‬بينام بنو بكر التي نتحدث عن ا هي بنو بكر بن عبد منريرياف‬

‫بن كنانة‪ ،‬وهي من مرض‬

‫كا بني بني بكر وبني خزاعة خالف قديم جد ًا وثأر طويل‪ ،‬وهناك عحايا قتلت م خزاعة مريرين‬

‫بني بكر‪ ،‬وبعد مرور سنوات وسنوات عىل هذه اجلريمة التي قامت هبا خزاعة يف حق بني بكر‬

‫تذكرت بنو بكر ثأرها مع خزاعة‪ ،‬فأراىلت أ تنتقم‪ ،‬وكا هذا بعد صريريلح احلديبيريرية‪ ،‬فأغريريارت‬

‫بنو بكر عىل خزاعة وقتلت من م رجاالً بعد صلح احلديبية‪ ،‬ومعلوم بعد املعاهد أ مريرين أغريريار‬

‫‪886‬‬
‫عىل خزاعة فكأنه أغار عىل الدولة اإلسالمية‪ ،‬وموافقة قريش عىل إغار بني بكر عريريىل خزاعريرية‬

‫هذا نقر رصيح ملعاهد صلح احلديبية التي بين ا وبني املسلمني‬

‫لو أ بني بكر أغارت عىل خزاعة قبل احلديبية ملا أحدث ذلك أ نفريريع للمسريريلمني؛ أل قبيلريرية‬

‫مرشكة أغارت عىل قبيلة مرشكة أخرى وال ىلخل للمسلمني‪ ،‬ولو أ هريريذا األمريرير حريريدث بعريريد‬

‫احلديبية مبارش لعل املسلمني مل تكن هلم طاقة لغزو مكريرية أو فتح ريريا‪ ،‬ولريريو عريريبطت بنريريو بكريرير‬

‫أعصاهبا ومل ختالف ملا م ّ د الطريق للفتح‪ ،‬ولو وقفت قريريريش لبنريريي بكريرير وعارعريريت ا يف ذلريريك‬

‫ال للحل السلمي‪ ،‬ولك هن قريم ًا أعانريريت بنريريي بكريرير‬


‫األمر واعتذرت للمسلمني لكا املوقف قاب ً‬

‫عىل حرب خزاعة يف هتور عليب‪ ،‬ولعل املوقف هذا لو تكرر ألف مر مريريع قريريريش لريرين تأخريريذ‬

‫هذا الرأ ‪ ،‬ولن تعمل هذا العمل‪ ،‬لكن ا مدفوعريرية لريريذلك مريرين رب العريرياملني سريريبحانه وتعريرياىل‪،‬‬

‫{إا ههن ْم َي اكيدو َ َك ْيدً ا * َو َأ اكيد َك ْيدً ا} [الطارق‪]16 - 15:‬‬

‫هلمت بنو بكر عىل خزاعة‪ ،‬وخزاعة غريري مسريريتعد للقتريريال؛ أل صريريلح احلديبيريرية فيريريه هدنريرية‬

‫واحلرب موعوعة‪ ،‬لكن اخليانة متوقعة من املرشكني عنريريدما هلمريريت بنريريو بكريرير عريريىل خزاعريرية‬

‫وقتلت من خزاعة رجاالً كث ين‪ ،‬وخزاعة غ مسريريتعد للقتريريال‪ ،‬فريريام كريريا مريرين خزاعريرية إال أ‬

‫هترب إىل أقرب مكا آمن وهو احلرم املكي‪ ،‬ومساكن خزاعة يف شامل مكة املكرمة قريبة جريريد ًا‬

‫من احلرم‪ ،‬فبدأت قبيلة خزاعة هترب رجاالً ونسا ًء وصبيان ًا إىل مكة املكرمة‪ ،‬وىلخلريريت بالفعريريل‬

‫ىلاخل احلرم وبنو بكر تطارىلها بالسالح‪ ،‬وكا هذا املوقف كي يزيد تعقيريريد القضريريية؛ ألنريريه لريريو‬

‫متت املعركة يف خارج احلرم ألمكن قريش أ تقول‪ :‬مل نر شيئ ًا‪ ،‬وقد تزعم أ ذلك حدث رغريري ًام‬

‫عن أنف ا‪ ،‬لكن كو بني بكر وخزاعة تدخال احلرم ليتم القتال يف ىلاخله‪ ،‬ومع أ قريم ًا ىلائ ًام‬

‫حتمي احللاج وحتمي املعتمرين‪ ،‬وتفتخر عىل العرب أهنا حامية احلرم وموفر ل ما فيريريه‪ ،‬إال‬

‫أ قريم ًا يف هتور عليب مل تكتف باملراقبة‪ ،‬بل أعانت بني بكر بالسالح لقتل خزاعة‪ ،‬والكالم‬

‫‪887‬‬
‫هذا غ مربر؛ أل خزاعة ليس بين ا وبني قريريريش ممريرياكل‪ ،‬وال توجريريد أ عالقريرية للمسريريلمني‬

‫بالقضية‪ ،‬فترصف قريش يعترب ترصف ًا غ سليم‪ ،‬لكن هريريذا يريريدل عريريىل أ اخليانريرية متوقعريرية مريرين‬

‫اهدوا َع ْ دً ا َن َب َذه َف ار ٌيق امنْ ْم َب ْل َأك َْثريريره ْم‬


‫املرشكني‪ ،‬قال اهلل عز وجل يف كتابه الكريم‪َ } :‬أ َوك هل َام َع َ‬
‫ال ي ْؤ امنو َ { [البقر ‪ ،]100:‬وهذا الذ رأينريرياه بالفعريريل‪ ،‬وهريريذه اخليانريرية حتريريدث مريرين م‪ ،‬مريريع أ‬

‫الرسول ﷺ كا وفي ًا متام الوفاء مع م‪ ،‬حتى إ من جاء املدينة املنور مؤمن ًا من مكة املكرمريرية‬

‫رىله الرسول ﷺ مر ثانية إىل قريش؛ ليطبق بنوىل املعاهد ‪ ،‬ورأينا ذلك عندما أعاىل الرسول ﷺ‬

‫أبا بص إىل مكة املكرمة مع خطور هذه اإلعاىل عىل إيام أع بص ‪ ،‬لكريرين الوفريرياء باملعاهريريد ‪،‬‬

‫ومل تفعل ذلك بنو بكر ومل تفعل ذلك قريش وخانت‬

‫أيض ًا هي أ بني بكر تلعب بالقوانني‪ ،‬وقريريريش تمريرياهد ذلريريك األمريرير واجلميريريع‬ ‫املمكلة الكب‬

‫يقبل‪ ،‬وتم القتال ىلاخل مكة البلد احلرام‪ ،‬وهذا أمر خط جد ًا‪ ،‬وكا عىل قريش أ تؤمن كل‬

‫زائر هذه املنطقة‪ ،‬وهذا كا عرف قريريريش وعريريرف اجلزيريرير العربيريرية‪ ،‬وعريريرف كريريل القبائريريل‪،‬‬

‫وقانو عام عىل اجلميع عىل املسلمني وعىل املرشكني‪ ،‬لكن ىلخلريريت بنريريو بكريرير إىل ىلاخريريل مكريرية‬

‫املكرمة لتقتل خزاعة يف ىلاخل احلرم‪ ،‬حتى جيش بني بكر نفسريريه كريريا مسريريتغرب ًا مريرين اسريريتمرار‬

‫عملية القتل يف ىلاخل احلرم‪ ،‬فناىلوا عىل زعيم م نوفل بن معاوية الدييل من بنريريي بكريرير وقريريالوا‪:‬‬

‫)يا نوفل إهلك إهلك(‪ ،‬أ ‪ :‬قوانني إهلك‪ ،‬قوانني الالت والعزى وهبل‪ ،‬وما إىل ذلك مل تمريرس‬

‫القتال يف ىلاخل البيت احلرام‪ ،‬فقال كلمة فاجر ‪( :‬ال إله اليوم)‪ ،‬ثم قال‪( :‬يا بنريريي بكريرير أصريرييبوا‬

‫ثأركم‪ ،‬وهذه الكلامت التي تكلم هبا يف منت ى اخلطور ثم قال هلم‪( :‬فلعمر إنكم لتسريرقو‬

‫فملع م عىل اسريريتمرار عمليريرية القتريريل لتحريريدث اجلريمريرية‪،‬‬


‫يف احلرم‪ ،‬أفال تصيبو ثأركم فيه؟) ّ‬
‫وقريش ال تماهد فقط‪ ،‬بل تساعد عىل هذا األمر‪ ،‬وهذا انت اك رصيح للبند الثالريريث مريرين بنريريوىل‬

‫احلديبية‪ ،‬وكا يف األصل أ هذا البند ال يكتب أصالً‪ ،‬لكن كل يشء جير بقدر‬

‫‪888‬‬
‫بعد هذا األمر قدمت خزاعة املدينة املنور مرسعة تستغيث بالرسول ﷺ ‪ ،‬وأول من جريرياء مريرين‬

‫خزاعة رجل اسمه عمرو بن سامل ‪ ،‬وأول ما ىلخل أنمد بعر أبيات المعر يرشح في ا املأسريريا‬

‫التي تعرعت هلا خزاعة‪ ،‬وكا مما قال‪:‬‬

‫حلف أبينا وأبيه األتلريريريريريدا‬ ‫يا رب إين ناشريريريريريريد حممد ًا‬

‫ثمت أسلريريريمنا فلم ننزس يدا‬ ‫قد كنتم ولد ًا وكنا والريريريريد ًا‬

‫واىلس عباىل اهلل يأتوا مريريريريريدىلا‬ ‫فانرص هداك اهلل نرص ًا أعتدا‬

‫إ سيم خسريريف ًا وج ه تربدا‬ ‫في م رسول اهلل قد جتريريريريرىلا‬

‫إىل آخر األبيات‪ ،‬ويف هذه األبيات نالحظ أ عمرو بن سريريامل كريريا قريريد أسريريلم عنريريد قريريول هريريذه‬

‫األبيات‪ ،‬لكن معظم خزاعة مل يكونوا قد أسلموا بعد‪ ،‬والقتىل كا في م مريرين املسريريلمني وكريريا‬

‫في م من املرشكني‬

‫والرسول ﷺ عندما استمع هلذه األبيات مل يرتىلىل حلظريرية واحريريد ‪ ،‬إنريريام قريريال يف منت ريريى الثبريريات‪:‬‬

‫(نرصت يا عمرو بن سامل)‪ ،‬نعم هو مل حيدىل يف هذه اللحظة الطريقة التي سينرص هبا عمريريرو بريرين‬

‫سامل ‪ ،‬لكنه قرر النرص يف حلظة واحد ؛ أل الريريذ بينريريه وبريريني قبيلريرية خزاعريرية صريريلح واتفاقيريرية‬

‫وحلف‪ ،‬وهذا بغر النظر عن كو خزاعريرية مسريريلمة أو ممريريريركة‪ ،‬لكريرين احللريريف بيريرين م وبريريني‬

‫املسلمني يقيض أ يدافع كل طرف عن الطرف ا‪.‬خر إذا اعتد عىل حرمات أحريريد الطريريرفني‬

‫النبي ﷺ أخذ هذا القرار يف منت ى اجلدية‪ ،‬وال شك أ هذا يعطي ثقة للمتحريريالفني‪ ،‬ويعري ّريرف‬

‫احللفاء املرشكني أخالق املسلمني‪ ،‬بأين إذا اتفقت معريريك أ أىلافريريع عنريريك إذا أصريريابك مكريريروه‬

‫كا هذا موقف عمرو بن‬ ‫فسوف أىلافع عنك‪ ،‬حتى وإ كا هذا الدفاس سيصيبني بأذى كب‬

‫سامل ورىل فعل الرسول عليه الصال والسالم‬

‫‪889‬‬
‫ثم يأيت بديل بن ورقاء اخلزاعي ‪ ،‬واالسم هذا ليس غريب ًا‪ ،‬فقد مر علينا أيام صلح احلديبية‬

‫ال ليقوم باملعاهدات واملفاوعات بين ا وبني املسلمني‪ ،‬كا وسيط ًا بني قبيلة‬
‫أرسلت قريش بدي ً‬

‫قريش وبني جيش املسلمني‪ ،‬أ ‪ :‬أ بديل بن ورقاء رجل صريريديق لقريريريش‪ ،‬مريريع أ بريريديل بريرين‬

‫ورقاء من خزاعة إال أنه كا يعيش يف ىلاخل مكة‪ ،‬لكن يف هذا الوقت اإلصابة إصابة شخصية‬

‫له؛ أل قبيلة بديل هي التي أصيبت يف ىلاخل احلرم‪ ،‬فا‪ .‬بديل يتلريريه ليمريريكو للرسريريول ﷺ ‪،‬‬

‫ال يف ذلك الوقت كا مرشك ًا باتفاق‪ ،‬ف و مل يسلم إال بعريريد فريريتح‬
‫وهذا أمر غريب جد ًا؛ أل بدي ً‬

‫مكة‪ ،‬ويف ذلك الوقت ال يزال يعيش يف ىلاخل مكة املكرمة‪ ،‬ومصالح بديل بكامل ا مريرين جتريريار‬

‫ال كا صديق ًا شخصي ًا لريأع سفيا الريريذ هريريو زعريرييم‬


‫وغ ها يف ىلاخل مكة املكرمة‪ ،‬بل إ بدي ً‬

‫مكة املكرمة‪ ،‬ومع ذلك عندما أصيب يف قبيلته ذهب ليمكو عند من ال تضريرييع عنريريده احلقريريوق‬

‫وهو رسول اهلل ﷺ ‪ ،‬مل يذهب إىل أع سفيا ويقول له‪ :‬إ قبيلتك فعلت كريريذا وكريريذا‪ ،‬فريريرىل لنريريا‬

‫االعتبار واىلفعوا ىليات قتالنا‪ ،‬لكنه ذهب إىل الرسول عليه الصال والسالم؛ ألنه يعلم أنه لريرين‬

‫يضيع عنده حق‪ ،‬بل تضيع كل احلقوق عند قريش وعند املرشكني‬

‫عندما ذهب بديل للرسول عليه الصال والسالم‪ ،‬كا أقصريريريى أحريريالم بريريديل أ الرسريريول ﷺ‬

‫يأخذ الدية من قريش‪ ،‬أو أ يقتل من بني بكر ما يواز من قتل من خزاعة‪ ،‬لكن مل يكن طر‬

‫عىل باله أبد ًا أ الرسول ﷺ يفكر يف فتح مكة‪ ،‬لكنه ىلفع إىل هناك ليكو سريريبب ًا مريرين األسريريباب‬

‫التي تؤىل إىل فتح مكة أمر غريب جد ًا وعليب! لكنه حيدث ونراه‪ ،‬ليأيت النرص من حيث ال‬

‫نحتسب‪ ،‬مع أ بدي ً‬


‫ال مرشك ومل يؤمن باإلسالم حتريريى هريريذه اللحظريرية‪ ،‬وهريريو غريري مقتنريريع هبريريذا‬

‫الدين‪ ،‬ولعله يكره متام ًا أ تفتح مكة باإلسريريالم‪ ،‬لكريرين قريرياىله رب العريرياملني سريريبحانه وتعريرياىل إىل‬

‫املدينة املنور ليستغيث بالرسول ﷺ ليكو سبب ًا يف فتح مكة باإلسالم‪ ،‬موافقة عليبريرية جريريد ًا‪،‬‬

‫حيدث النرص يف الن اية بطريقة ال حيسب حساهبا أحد من املسلمني وال من املرشكني‬

‫‪890‬‬
‫جميء النرص والتمكني للمسلمني من حيث يكرهو‬

‫السنة الثالثة‪ :‬ال يأيت النرص فقط من حيث ال يتوقع املسلمو ‪ ،‬بريريل يريريأيت مريرين حيريريث يكرهريريو‬

‫وهذا غريب جد ًا‪ ،‬لكنه متكرر حتى صار سنة‪ ،‬فري طريريالوت رمحريريه اهلل ومريرين معريريه مريرين املريريؤمنني‬

‫كرهوا لقاء جالوت وجنوىله‪ ،‬لكن جعريريل اهلل عريريز وجريريل النصريريرير يف هريريذا اللقريرياء‪ ،‬كريريذلك كريريره‬

‫املسلمو لقاء املرشكني يف بدر‪ ،‬فلعل اهلل عز وجل فيه النرص‪ ،‬يقريريول اهلل عريريز وجريريل يف كتابريريه‬

‫الكريم‪َ { :‬وإا ه َف اري ًقا ام َن املْ ْؤ امنا َ‬


‫ني َلك ا‬
‫َارهو َ } [األنفال‪ ]5:‬فكا يوم الفرقا‬

‫وكره املسلمو حتزب األحزاب حول املدينة قال تعاىل‪{ :‬إا ْذ َجاءوك ْم ام ْن َفريري ْو اقك ْم َو امريري ْن َأ ْسريري َف َل‬
‫احلن ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫َاج َر َوتَظنُّو َ بااهللها ال ُّظنونَا} [األحزاب‪ ]10:‬لكن‬ ‫منْك ْم َوإا ْذ َزا َغت األَ ْب َصار َو َب َل َغت ا ْلقلوب ْ َ‬
‫كا فيه خ ‪ ،‬والرسول ﷺ بعد األحزاب قال‪( :‬ا‪ .‬نغزوهم وال يغزونا)‬

‫وكره املسلمو صلح احلديبية‪ ،‬وقالوا‪( :‬مل نعط الدنية يف ىليننا؟)‪ ،‬وكا فيريريه اخلريري كريريل اخلريري ‪،‬‬

‫وقد رأينا تفصيالت اخل الذ تال صلح احلديبية‬

‫اهلل عنه سف الرسريريول‬ ‫وكره املسلمو قتل أخي م وصاحب م وحبيب م احلارث بن عم ر‬

‫ﷺ إىل عظيم برصى‪ ،‬ولكن كا من وراء هذا القتل انتصار مؤتة‬

‫كذلك يف قصتنا ا‪ .‬كره املسلمو نقر بني بكر وقريريريش للع ريريد‪ ،‬ال شريريك أهنريريم كرهريريوه‪ ،‬ال‬

‫شك أهنم يريدو اهلدنة أ متتد عرش سنوات وأكثر؛ ألهنم رأوا يف أقريريل مريرين السريرينتني خريري ات‬

‫جد ًا‪ ،‬فكيف إذا امتد األمر ألكثر من ذلك؟ رأوا أعداىل املسريريلمني تتزايريريد بكثريرير يف زمريرين‬ ‫كث‬

‫اهلدنة واألمن وغياب احلرب‪ ،‬لكريرين ا‪ .‬بعريريد هريريذا الريرينقر قريريد حتريريدث حريريرب وقريريد حيريريدث‬

‫اعطراب وقلق يف اجلزير ‪ ،‬وقد اف النا ‪ ،‬وقد تتأثر الريريدعو ‪ ،‬وقريريد تغريريزو قريريريش املدينريرية‪،‬‬

‫ويمكن أ حتدث مماكل ال حرص هلا نحن نكره القتال ا‪ ، .‬وال نريد أ حيدث أ حرب يف‬

‫‪891‬‬
‫هذا الوقت‪ ،‬ونحب اهلدنة‪ ،‬لكن أ حيدث ما نكره قرص ًا ورغ ًام عريرين أنوفنريريا‪ ،‬ثريريم يريريأيت النصريريرير‬

‫السريرينة؟ ملريرياذا يريريأيت‬


‫والفتح والتمكني من خالل احلدث الذ نكرهه هذا أمر علب!! ملاذا هذه ُّ‬
‫النرص من حيث نكره؟ ملاذا ال يأيت النرص من حيث نحب‪ ،‬أو بالطريقة التي نريد‪ ،‬أو بالطريقريرية‬

‫التي نخطط هلا؟ هلذه السنة هدف واعح جد ًا‪ ،‬وهذا اهلدف هو أ اهلل عز وجل ال يريد لنريريا أ‬

‫نفتن بنرصنا‪ ،‬وال يريد لنا أ نعتقد أ النرص إنام جاء حلسن تريريدب نا‪ ،‬ولدقريرية خطتنريريا‪ ،‬ولرباعريرية‬

‫أىلائنا‪ ،‬ولذكاء عقولنا‪ ،‬ولرسعة ترصفنا‪ ،‬وحتى ال ننسى أ الذ نرصنا هو اهلل القو سريريبحانه‬

‫وتعاىل‪ ،‬لذلك يأيت النرص من حيث ال نحتسب‪ ،‬بريريل ومريرين حيريريث نكريريره؛ ليعريريرتف اجلميريريع أ‬

‫النارص هو اهلل عز وجل‪ ،‬ويأيت النرص من طريق عكس التخطيط الذ رسريريمت‪ ،‬ومريرين طريريريق‬

‫عكس الطريق الذ رجوت‬

‫وهذا ليس معناه أننا ال نخطط أبد ًا‪ ،‬بل عىل العكس إذا مل ختطط وجتت د ال يأيت النصرير مطلقريري ًا‪،‬‬

‫ال بد أ تضع ألف خطة جاىل لتحقيق النرص؛ أل النرص سيأيت باخلطة رقم ‪ 1001‬كام تقريريدم‪،‬‬

‫أ ‪ :‬يأيت النرص باخلطة التي مل ختطط ا‪ ،‬فاأللف خطة هريريذه مطلوبريرية إلثبريريات أنريريك قريريد أخريريذت‬

‫باألسباب‪ ،‬ولتكو مستحق ًا لرعا رب العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومن ثم تستحق نصرير اهلل عريريز‬

‫وجل‪ ،‬لكن النرص يأيت باخلطة التي مل حتسب هلا حساب ًا؛ لكي تعريريوىل بالفضريريل يف الن ايريرية هلل عريريز‬

‫وجل‪ ،‬وهلذا يقول اهلل عز وجل‪{ :‬إا َذا َجا َء ن َْرص اهللها َوا ْل َفتْح} [النصرير‪ ]1:‬النصرير نصرير اهلل عريريز‬

‫وجل‪ ،‬والفتح فتح رب العريرياملني للمسريريلمني‪{ ،‬إا َذا َجريريا َء ن َْصريريرير اهللها َوا ْل َفريريتْح * َو َر َأ ْيريري َت ه‬
‫النريريا َ‬
‫اجا} [النرص‪]2 - 1:‬‬ ‫َيدْ خلو َ ايف اىل ا‬
‫ين اهللها َأ ْف َو ً‬

‫كيف سيكو رىل املسلمني يف حالة ر يت م للفتح والنرص؟ وعح لنا سريريبحانه وتعريرياىل يف هريريذه‬

‫املعلز سور النصريريرير أ عريريىل املسريريلمني عنريريد ر يريرية النصريريرير عمريريل شريرييئني‪:‬‬ ‫السور القص‬

‫‪892‬‬
‫أوالً‪َ { :‬ف َس ِّب ْح با َح ْم اد َر ِّب َك} [النرص‪ ]3:‬سبح بحمد ربك الذ نصريريريرك والريريذ أيريريدك بقوتريريه‪،‬‬

‫والذ مكّن لك يف األرض‬

‫اس َت ْغ اف ْره} [النرص‪ ]3:‬تأيت باالستغفار بعد النصرير والتمكريريني‪ ،‬الحريريتامل أ يكريريو قريريد‬
‫ثاني ًا‪َ { :‬و ْ‬
‫ىلخل يف روعك أنك قد انترصت بقدرتك وبقوتك وبتخطيطك وبتدب ك‪ ،‬تقريريول‪ :‬أنريريا فعلريريت‬

‫كذا‪ ،‬أنا خططت‪ ،‬وأنا ىل ّبرت!! فاستغفر من هذا األمريرير؛ أل اهلل عريريز وجريريل هريريو الريريذ فعريريل‪،‬‬

‫وسوف نف م بعد هذا كيف ىلخل الرسول ﷺ مكة وهو يف حالة شريريديد مريرين التواعريريع؛ لريريئال‬

‫يف م أنه قد فعل ذلك بقدرته البرشية‪ ،‬لكن رب العاملني هو الذ أراىل التمكني والنرص والعز‬

‫للمسلمني‪ ،‬فال بد من التواعع الكامل له سبحانه وتعاىل‬

‫يأيت النرص من حيث نكره؛ لكي ال يدّ عي مدس أنه انتصرير بقوته‪ ،‬ولكن ينسب الفضل والنرصريري‬

‫هلل عريريز وجريريل { َف َلريري ْم َت ْقتلريريوه ْم َو َل اكريري هن اهللهَ َقريري َت َل ْم َو َمريريا َر َم ْيريري َت إا ْذ َر َم ْيريري َت َو َل اكريري هن اهللهَ َر َمريريى}‬

‫[األنفال‪]17:‬‬

‫طول فرت اإلعداىل وقرص فرت التمكني‬

‫السنة الرابعة‪ :‬وهذه السنة قد تكو حمبطة للبعر إذا ىلرسوا املوعوس بصور سريريطحية‪ ،‬لكريرين‬

‫التدبر يف هذه السنة سيثبت إ شاء اهلل عكس ذلك‬

‫فالسنة الرابعة أ فرت اإلعداىل طويلة جد ًا للدولة اإلسريريالمية؛ ألجريريل أ نقريرييم ىلولريرية إسريريالمية‬

‫جريريد ًا كريريا اإلعريريداىل لفريريتح‬ ‫نحتاج إىل فرت إعداىل طويلة‪ ،‬لكن فرت التمكني هلذه الدولة قص‬

‫مد ‪ 21‬سنة كاملة‪ ،‬فأول البعثة كا يف رمضا قبل اهللر بثالث‬ ‫مكة والتمكني كام يف الس‬

‫عرش سنة‪ ،‬والفتح كا يف رمضا بعد اهللر بثام سنني‪ ،‬وفرت التمكني سنتا ونصف‪ ،‬مريرين‬

‫فتح مكة إىل وفا الرسول ﷺ؛ أل بعد وفا الرسول ﷺ حدثت الرىل ‪ ،‬وانت ى التمكني‬

‫‪893‬‬
‫فرت اإلعداىل ‪ 21‬سنة من أصل ‪ 23‬سنة‪ ،‬سنتا ونصف‪ ،‬يعني ‪ %89‬من فرت السريري ‪ ،‬ولريريتكن‬

‫‪ ،%90‬وفرت التمكني ‪ %10‬فقط راجع معي قصص التمكني يف القرآ الكريريريم التريريي سريريبقت‬

‫الرسول ﷺ‪ ،‬لرتاجع قصة نوح عليه السالم وفرت الدعو إىل اهلل كم ظل يدعو النريريا ؟ ‪950‬‬

‫جد ًا هريريوىل وصريريالح كريريذلك‬ ‫جد ًا وقص‬ ‫سنة؛ ‪ 1000‬سنة إال ‪50‬عام ًا‪ ،‬وفرت التمكني يس‬

‫علي م السالم ديع ًا‪ ،‬وموسى عليه السالم ظل يف فرت إعداىل طويلة جد ًا‪ ،‬إعداىل لريريه شخصريريي ًا‪،‬‬

‫ولبني إرسائيل فرت تعذيب وترشيد واعط اىل طويلة جد ًا‪ ،‬وبعد ذلك فرت التمكني قص‬

‫هذا أمر متكرر جد ًا سواء قبل الرسول ﷺ أو بعد الرسريريول ﷺ‪ ،‬راجريريع قصريرية صريريالح الريريدين‬

‫األيوع حوايل ‪ 80‬أو ‪ 90‬سنة إعداىل‪ ،‬وفرت التمكني ‪ 15‬أو ‪ 20‬سنة عريريىل األكثريرير بعريريد موقعريرية‬

‫الزالقة والتمكني الكب لدولة املرابطني يف األرض‪ ،‬إعريريداىل طويريريل جريريد ًا حريريوايل ‪ 60‬سريرينة ثريريم‬

‫من الزما‬ ‫التمكني يف األرض فرت قص‬

‫بيريرينام يكريريو اإلعريريداىل طريريوي ً‬


‫ال‬ ‫هذا الكالم حيتاج إىل وقفة‪ ،‬ملاذا تستمر فرت التمكني ملد قصريري‬

‫جد ًا؟ هذا من أجل سببني رئيسيني‪:‬‬

‫السبب األول‪ :‬هو انفتريرياح الريريدنيا عريريىل املسريريلمني بعريريد التمكريريني‪ ،‬الوعريريع االقتصريرياىل جيريريد‪،‬‬

‫واألوعاس االجتامعية كذلك تتحسريرين‪ ،‬فالريريدنيا كل ريريا تنفريريتح عريريىل املسريريلمني فتحريريدث الفتنريرية‪،‬‬

‫مى عىل املسلمني مريرين‬ ‫وحيدث التصارس يف زمن التمكني عىل املال والسلطا النبي ﷺ كا‬

‫هذا األمر‪ ،‬وذكرنا أكثر من مر هذا احلديث خلطورته وأمهيته يف تكوين الدولة اإلسالمية‪ ،‬قال‬

‫ﷺ‪( :‬واهلل ما الفقر أخمى عليكم‪ ،‬ولكن أخمى عليكم الدنيا أ تبسريريط علريرييكم كريريام بسريريطت‬

‫عىل من كا قبلكم‪ ،‬فتنافسوها كريريام تنافسريريوها‪ ،‬فريريت لككم كريريام أهلكريريت م)‪ ،‬بيريرينام يف أثنريرياء فريريرت‬

‫اإلعداىل ال توجد ىلنيا عندها وال توجريريد فتنريرية‪ ،‬لكريرين يف فريريرت التمكريريني حتريريدث الفتنريرية رسيعريري ًا‪،‬‬

‫واملعصوم من عصمه اهلل عز وجل‪ ،‬والقليل جد ًا من األمة الذ ال يقع يف هذه الفتنة‬
‫‪894‬‬
‫السبب الثاين‪ :‬عدىل هائل من البرش سيدخل اإلسالم لقوته ال اقتناع ًا بمباىلئه يف زمن التمكريريني‬

‫الدولة قوية وممكنة يف األرض‪ ،‬فينضم اجلميع إىل هذه الدولة‪ ،‬املقتنع وغ املقتنريريع‬ ‫يرى النا‬

‫يف ذلك الوقت‪ ،‬وتتزايريريد أعريريداىل املسريريلمني‬ ‫باملباىلئ اإلسالمية‪ ،‬هذه ليست قضية تمغل النا‬

‫جد ًا‪ ،‬وهذه األعداىل املتزايد مل ختضريريع للرتبيريرية كريريام خضريريع هلريريا األولريريو ‪ ،‬وإنريريام‬ ‫بكميات كب‬

‫أخذت قسط ًا يس ًا جد ًا من الرتبية‪ ،‬وعند أول أزمة من األزمات يسقط هؤالء ديعريري ًا فيختفريريي‬

‫التمكني‪ ،‬وانظر إىل أعداىل املسلمني بعد إعداىل ‪ 19‬سنة‪ ،‬فقد كا العدىل ‪ 1400‬مؤمن يف صريريلح‬

‫احلديبية‪ ،‬ثم فتح خيرب زاىل العدىل‪ ،‬ويف فتح مكة بعد أقل من سريرينتني مريرين الصريريلح وصريريل عريريدىل‬

‫املسلمني إىل عرش آالف رجل لفتح مكة املكرمة‪ ،‬وبعد فتح مكة بسنة واحد خريريرج الرسريريول‬

‫ﷺ يف تبوك بثالثني ألف مقاتل‪ ،‬العمرير آالف الذين أتوا عام الفتح أصبحوا ‪ 30000‬مقاتل‪،‬‬

‫وهؤالء العرش آالف من م تقريب ًا ‪ 5000‬أو ‪ 6000‬أسلموا قبل الفريريتح بمريري ور وأيريريام قليلريرية‪،‬‬

‫وبعد الفتح اجتمع ‪ 20000‬بعد سنة واحد ‪ ،‬وبعد سنة أخرى من سنة ‪ 9‬هريريري إىل سريرينة ‪ 10‬هريريري‬

‫مع النبي ﷺ يف حلة الوىلاس وصل عدىلهم تقريب ًا مائة وثالثني ألف ًا يف بعريرير‬ ‫سنرى أ النا‬

‫التقديرات‪ ،‬أ ‪ :‬زىلنا مائة ألف مسلم يف السنة العارش من اهللر النبوية‬

‫هذه أعداىل عخمة جد ًا التحقت بالدولة اإلسالمية وهريريم يف حماعريرين بعيريريد جريريد ًا عريرين املدينريرية‬

‫املنور ‪ ،‬وليست هناك الطاقة الكاملة الكافية لرتبية هؤالء‪ ،‬فعندما حصلت أزمة وفا النبي ﷺ‬

‫حصلت رىل يف مناطق واسعة يف اجلزير العربية‪ ،‬والرىل وقعت عند الذين مل يرتبوا‪ ،‬وال يوجد‬

‫أحد من السابقني األولني من امل اجرين واألنصار ارتد‪ ،‬بل كل م ثبريريت عريريىل اإلسريريالم‪ ،‬لكريرين‬

‫الذين ىلخلوا يف وقت الفتح ووقت التمكني هؤالء مل يعطريريوا القسريريط الكريريايف مريرين‬ ‫عموم النا‬

‫الرتبية‪ ،‬لذلك وقت التمكني عاىل ما يكو قص ًا‪ ،‬ووقت اإلعداىل يكو طوي ً‬
‫ال‬

‫‪895‬‬
‫هل هذا الكالم حمبط؟ هل يمكن أ يقول أحد املسلمني بعد كل هذا اإلعداىل واجل د والبريريذل‬

‫فقط؟‬ ‫ال نمكن إال فرت قص‬

‫اإلجابة عىل هذا السؤال تكو بسؤال آخر‪ :‬ملاذا تقوم باإلعريريداىل؟ وملريرياذا تريريريد التمكريريني؟ هريريل‬

‫اهلل عريريز وجريريل وتفريريوز بلنتريريه سريريبحانه‬ ‫التمكني وسيلة أم غاية؟ ألست تريد التمكريريني لريريرت‬

‫وتعاىل؟‬

‫إذا علمت أ اهلل عز وجل يعطي جنته ملن عمل بغر النظر عن حتقيق النتيلة‪ ،‬وبغر النظريرير‬

‫عن أنه حدث متكني أو مل حيدث متكني يف زمانه‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعريرياىل يعطيريريه األجريرير عريريىل قريريدر‬

‫العمل بغر النظر عن الزمن الذ وجد فيه‪ ،‬أليس ذلك مرحي ًا لإلنسا ومطمئن ًا له؟‬

‫فأنت مأجور عىل عملك يف فرت اإلعداىل وعىل عملك يف فرت التمكني أيضريري ًا‪ ،‬املطلريريوب منريريك‬

‫العمل وليس التمكني‪ ،‬فكم من األمم ممكنة يف األرض وهي من أهل النار؟ وهذا كثريري جريريد ًا‪،‬‬

‫اس َق اليري ٌريل ثريري هم َمريري ْأ َواه ْم َج َ رينهم َو ابريري ْئ َس‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫قال تعاىل‪} :‬ال َيغ هرن َهك َت َق ُّلب ا هلذي َن َك َفروا ايف ْالريريباالىل * َم َتريري ٌ‬
‫املْا َ اىل{ [آل عمرا ‪ ]197-196:‬ويف اجل ة األخرى‪ ،‬كم من غريري املمكنريريني يف األرض وهريريم‬

‫من أهل اجلنة؟ ف ذا مصعب بن عم مات يف غزو أحريريد‪ ،‬ومريريع ذلريريك هريريو مريرين أهريريل اجلنريرية‪،‬‬

‫وكذلك محز بن عبد املطلب ‪ ،‬بل إ هناك من مات يف الفرت املكية‪ ،‬من م‪ :‬سريريمية أم عريريامر بريرين‬

‫اهلل عنه‪ ،‬وغ هم ماتوا يف الفرت املكية‪ ،‬كذلك الرباء بن معرور وأسريريعد بريرين‬ ‫يارس ويارس ر‬

‫زرار ماتا قبل بدر ومل يماهدا أ نرص للدولة اإلسالمية‪ ،‬ومع ذلك إ شريرياء اهلل مهريريا يف أعريريىل‬

‫عليني امل م أنك تمتغل وتعمل هلل عز وجل‪ ،‬وليس بالرضور أ تعمل يف زمريرين التمكريريني أو‬

‫قرب زمن التمكني‪ ،‬لكي تسعد بنتائج العمل؛ أل السعاىل احلقيقيريرية بعملريريك هنريرياك يف اجلنريرية‪،‬‬

‫واهلل عز وجل تار بحكمته وقدرته اللحظة التي ي َمكهن في ا املسلمو‬

‫‪896‬‬
‫هل العمل يف زمن التمكني أكثر فائد وأعظم نفع ًا أم يف زمن اإلعداىل؟‬

‫قرأنا قبل قليل قوله تعاىل‪} :‬ال َي ْست اَو امنْك ْم َم ْن َأ ْن َف َق ام ْن َق ْب ال ا ْل َفت اْح َو َقات ََل أ ْو َل ائ َك َأ ْع َظم َىل َر َج ًة‬

‫احل ْسنَى{ [احلديد‪ ]10:‬أ العمل يف الفرت التي‬ ‫ام َن ا هل اذي َن َأ ْن َفقوا ام ْن َب ْعد َو َقاتَلوا َوك اال َوعَدَ اهلله ْ‬

‫تسبق التمكني أعظم أجر ًا من العمل يف فرت التمكني‬

‫من مصلحة املسلمني أ تطول فرت اإلعداىل‪ ،‬حتى حيصلوا عىل ثواب أعظريريم‪ ،‬ومصريريلحت م أ‬

‫يتأخر التمكني‪ ،‬لكن ليس معنى هذا‪ :‬أننا ال نسعى للتمكني‪ ،‬بل بالعكس نحريرين مطريريالبو بريريه‪،‬‬

‫لكن إذا تأخر فال نحز وال نكسل وال نفرت وال نقعريريد‪ ،‬وإنريريام نريريوقن أ اهلل عريريز وجريريل أراىل بنريريا‬

‫اخل ‪ ،‬وأراىل لنا أ نعمل يف زمن ليس فيه فتنة‪ ،‬لعله سبحانه وتعاىل يريد أ يثبتنريريا عريريىل احلريريق‪،‬‬

‫ولعله علم علم إ مكّن يف زماننا أ نفتن بامل أو بكريس أو بغ ه‬

‫السنة الرابعة‪ :‬أ فرت اإلعداىل طويلة وفرت التمكني قص ‪ ،‬وهذا ال حيبط النا ‪ ،‬بل هريريو أمريرير‬

‫وسنتعرض هلا إ شاء اهلل أثناء الرشريريح‬ ‫متكرر يف كل فرتات التاريخ‪ ،‬وهناك سنن أخرى كث‬

‫أو يف حمارضات أخرى‬

‫موقف الرسول ﷺ من اعتداء بني بكر عىل خزاعة‬

‫ماذا يفعل الرسول ﷺ إزاء اعتداء بني بكر عىل قبيلة خزاعة عمرو بن سامل وبريريديل بريرين ورقريرياء‬

‫اخلزاعي يستغيثا برسول اهلل ﷺ؛ لكي ينلد خزاعة من األذى والظلم الذ وقع علي ا‬

‫هنا حدثت أزمة وهي أزمة نقر الع د‪ ،‬وأزمة احتامل احلرب‪ ،‬وأزمريرية اهتريريزاز صريريور الدولريرية‬

‫جد ًا‪ ،‬ولكن كيف نحول األزمة إىل‬ ‫اإلسالمية إذا مل يكن هناك رىل فعل مناسب هذه أزمة كب‬

‫ال ريريربك فقريريط كيريريف‬ ‫فرصة هذا الكالم يف مه علامء اإلىلار ‪ ،‬فعندما تقع عليك مصيبة كب‬

‫‪897‬‬
‫فتحوهلا إىل مصريريلحة‪ ،‬وإىل فرصريرية‬
‫ّ‬ ‫خترج من املصيبة‪ ،‬ولكن كيف حتاول أ تستفيد من املصيبة‪،‬‬

‫سانحة حتقق من ورائ ا فائد كربى للمسلمني‪ ،‬أو عىل األقل اخلروج بأقل اخلسائر‬

‫الرسول ﷺ يريد أ يكسب من هذا املوقف‪ ،‬كيف حيقق نلاح ًا من هذه األزمة الكب ؟ كيف‬

‫يستفيد من األزمة وجيعل من ا وسيلة لرفعة األمريرية وسريريياىل األمريرية؟ هريريل يبعريريث ألريريف جريريواب‬

‫استنكار أو شلب وندب؟ لن يسمع صوته أحد‪ ،‬فام الذ يعمل؟ هل يذهب إىل هيئريرية األمريريم‬

‫املتحد أو هيئة القبائل املتحد ؟! لن تنفع بيشء‪ ،‬بل من املمكن أ حتكم لقريش الدولة األوىل‬

‫الواقع الريريذ حيريرييط‬ ‫يف املنطقة فام هو احلل؟ ال بد أوالً من ىلراسة واقعية للموقف‪ ،‬نأيت لندر‬

‫بالرسول ﷺ‪ ،‬ما هو حال اجلزير العربية يف ذلك الوقت؟‬

‫أوالً‪ :‬الوعع السيايس والعسكر للمسلمني‬

‫لقد كا الوعع السيايس والعسريريكر للمسريريلمني بعريريد مؤتريرية وذات السالسريريل وعريريع ًا ممتريرياز ًا‬

‫فأعداىل املسلمني تتزايد‪ ،‬واجليش اإلسالمي مدرب تدريب ًا جيد ًا جد ًا‪ ،‬لريرييس مريريدرب ًا يف لقريرياءات‬

‫ومهية‪ ،‬ولكن يف لقاءات حقيقية مع الي وىل واملرشكني‪ ،‬بل ومريريع الرومريريا يف مؤتريرية كريريام رأينريريا‬

‫معنويات اجليش اإلسالمي يف السامء‪ ،‬واالنتصارات املتتاليريرية يف كريريل مكريريا رفعريريت معنويريريات‬

‫اجليش اإلسالمي سمعة املسلمني طيبة عىل مستوى اجلزير بكامل ا‪ ،‬بل عريريىل مسريريتوى العريريامل‬

‫الدولة اإلسالمية هلا عالقات قوية جد ًا مع أكثر من مملكريرية مريرين ممالريريك األرض‪ ،‬فريرياليمن ىلولريرية‬

‫مسلمة‪ ،‬وعام ىلولة مسلمة‪ ،‬والبحرين ىلولة مسلمة‪ ،‬وهناك عالقات مع احلبمة ومع مرص‬

‫ثاني ًا‪ :‬الوعع العسكر لقريش‬

‫كا الوعع العسكر لقريش ععيف ًا‪ ،‬ويزىلاىل ععف ًا مع مرور الوقت‪ ،‬والرسول ﷺ كا يرى‬

‫هذا من سنتني وأكثر‪ ،‬وال ننسى يف صلح احلديبيريرية أنريريه قريريال يف املفاوعريريات‪( :‬وإ قريمريري ًا قريريد‬

‫‪898‬‬
‫وهنت م احلرب وأرضت هبم)‪ ،‬وبعد األحزاب قال ﷺ‪( :‬ا‪ .‬نغزوهم وال يغزونريريا) ف ريريو ﷺ‬
‫ّ‬
‫يرى أ الدولة اإلسالمية يف علو واعح‪ ،‬وقريش يف هبوط واعريريح‪ ،‬والوقريريت الريريذ مريرير بعريريد‬

‫صلح احلديبية مل يكن يف صالح قريش‪ ،‬ورأينا حتول الرجال والنساء من الكفر إىل اإليام ‪ ،‬ف ذا‬

‫إعافة إىل الدولة اإلسالمية‪ ،‬ويف نفس الوقت هو نقص يف الدولة الكافر‬

‫أحالف قريش تكاىل تكو حمصور فقط يف بني بكر‪ ،‬وعالقة قريش هبذا احلليف ليست قويريرية؛‬

‫ألنه كا بني قريش وبني بني بكر خالفات من أيام بدر‪ ،‬وهذه العالقة بريريني أهريريل الباطريريل بريريني‬

‫قريش وبني بني بكر أو أ حليف قد تتغ من حال إىل حال أخرى يف وقت رسيع وعاجل إذا‬

‫تغ ت املصالح‪ ،‬ولعل قريم ًا إذا اختذت موقف ًا عسكري ًا معين ًا فقد تأيت بنريريو بكريرير وختريريالف هريريذا‬

‫املوقف‪ ،‬وتعتذر خلزاعة وللمسلمني وتفك احللف بين ا وبني قريريريش‪ ،‬ف ريريذا كلريريه وارىل وممكريرين‬

‫جد ًا‪ ،‬ورأته قريش قبل هذا يف تار ا أكثر من مر احللف بين ام حقيقة لريرييس قويريري ًا‪ ،‬والريريدليل‬

‫عىل أنه عندما فتحت مكة مل نلد أ مساعد من أ نوس من بني بكر لقريش عريريد املسريريلمني‪،‬‬

‫مع أ مقتضيات معاهد احلديبية تلزم بني بكر بالدفاس عن قريريريش إذا ىلامه ريريا املسريريلمو ‪ ،‬فريريام‬

‫بالك لو كانت بنو بكر هي السبب يف املمكلة‪ ،‬ف ي التي خانت الع د‪ ،‬وهي التي هلمت عىل‬

‫خزاعة‪ ،‬وما بالك لو كانت قريش أعانت بني بكر! فكل هذا كا من املفروض أ جيعريريل بنريريي‬

‫بكر تساعد قريم ًا يف أزمة الفتح‪ ،‬لكن مل نر ذلك وهكذا املعاهدات العلامنية القائمريرية عريريىل غريري‬

‫عقيد صحيحة‪ ،‬عىل العكس كا اجليش اإلسالمي وحد مرتابطة‪ ،‬جيمع ا رباط واحريريد وهريريو‬

‫رباط العقيد ‪ ،‬والرسول ﷺ يرى هذه العالقات متينة وقوية‬

‫جد ًا؛ فقريش فقدت جمموعة من أعظم قاىلهتا منذ‬ ‫كا املوقف العسكر لقريش يف أزمة كب‬

‫اهلل عنه الذ كريريا سريريبب ًا‬ ‫ش ور قليلة فقط‪ ،‬وهذا مت يد رباين للفتح‪ ،‬ف ذا خالد بن الوليد ر‬

‫يف انتصار املرشكني يف أحد‪ ،‬فقد كا قائد الفرسا الفذ الذ لريريه سريريمعة يف اجلزيريرير بكامل ريريا‪،‬‬

‫‪899‬‬
‫ف ذا الرجل انضم إىل املعسكر اإلسالمي‪ ،‬وليس فقط خسار عىل قريش‪ ،‬بل كسبه املسلمو ‪،‬‬

‫وصار إعافة هائلة للدولة اإلسالمية‬

‫وهذا عمرو بن العاص أيض ًا مريرين أعظريريم ىلهريريا العريريرب فقريريدت قريريريش قوتريريه وأعريرييفت قوتريريه‬

‫للمسلمني‬

‫وهذا عثام بن طلحة أيض ًا ليس فقط من الفرسا األشداء‪ ،‬ولكنه من بني عبد الدار‪ ،‬وحامل‬

‫مفتاح الكعبة فإعافته للدولة اإلسالمية إعافة يف منت ى القريريو ‪ ،‬وقريريد رأينريريا عائلريرية عريريثام بريرين‬

‫طلحة ديع ا أبيدت حول راية املرشكني يف غزو أحد تدافع عن راية املمريريريركني‪ ،‬وقبيلريرية بنريريي‬

‫عبد الدار هلا تاريخ طويريريل جريريد ًا يف الريريدفاس عريرين حرمريريات قريريريش‪ ،‬وا‪ .‬زعريرييم هريريذه العائلريرية‬

‫وعميدها عثام بن طلحة ينضم إىل املسلمني‪ ،‬وليس من البعيد أ ديع بني عبد الريريدار تنضريريم‬

‫إىل املسلمني‪ ،‬ف ذا يسبب اهتزاز ًا واعح ًا جد ًا للصف املرشك‬

‫كا الوعع مستقر جد ًا للدولة اإلسالمية‪ ،‬ويف الناحية األخرى وجريريوىل عريريعف عنريريد قريريريش‪،‬‬

‫ومع مرور الوقت يزىلاىل هذا الضعف‪ ،‬وتقريريل األحريريالف‪ ،‬واجلنريريوىل يقلريريو ‪ ،‬والقريرياىل يفقريريدو‬

‫ولصالح املسلمني‬

‫ثالث ًا‪ :‬تناقص أعداء املسلمني وععف شوكت م‬

‫رأينا أ الي وىل انت ى خطرهم تقريب ًا بعد فتح خيرب‪ ،‬ورأينا غطفا مل ينته خطرهم فحسب‪ ،‬بريريل‬

‫جاءت وفوىلهم تعلن اإلسالم‪ ،‬وتعلن انضامم ا إىل قو املسلمني‪ ،‬وغطفا هي التي شريرياركت‬

‫منذ سنتني يف حصار املدينة املنور املؤمنة‪ ،‬وا‪ .‬سوف تمارك يف حصار مكة املكرمة املمريركة‬

‫يف ذلك الوقت‬

‫‪900‬‬
‫رابع ًا‪ :‬الوعع القانوين والرشعي للمسلمني‬

‫إذا أراىل املسلمو فتح مكة فالوعع سليم‪ ،‬وال ينكر علي م أحد‪ ،‬ف ريريذه فرصريرية سريريانحة لفريريتح‬

‫مكة‪ ،‬وقد ال تتكرر بس ولة‪ ،‬ولذلك ال جيب أبد ًا أ تض ّيع هذه الفرصة‪ ،‬وفتح مكة مطلب هام‬

‫جد ًا‪ ،‬ومعاهد احلديبية كانت تعوق فتح مكة‪ ،‬أما ا‪ .‬فقد نقضت املعاهد ‪ ،‬وىليريريار املسريريلمني‬

‫وأمواهلم يف ىلاخل مكة ما زالت من وبة‪ ،‬وهناك فرصة الستعاىل كل هذه األمريريور املن وبريرية مريرين‬

‫يف ىلاخريريل مكريرية اإلسريريالم إذا أزحيريريت الطغمريرية‬ ‫املسلمني‪ ،‬كام أ هناك فرصة لتعليم عوام النا‬

‫احلاكمة من كراسي ا يف مكة؛ وهلذا نلد عدم تفاعل الرسول ﷺ مع حماوالت قريريريش لتلنريريب‬

‫احلرب‪ ،‬فالنبي ﷺ قرر أ ينت ز هذه الفرصة الثمينريرية ويفريريتح مكريرية‪ ،‬ف ريريذه حكمريرية سياسريريية يف‬

‫منت ى الروعة‬

‫خامس ًا‪ :‬الواجب األخالقي‬

‫خامس ًا‪ :‬هناك واجب أخالقي وقانوين وسيايس عىل املسريريلمني أ يقومريريوا بفريريتح مكريرية؛ وذلريريك‬

‫لرفع الظلم عن املظلومني‪ ،‬فخزاعة ظلمت وال جيب أ ترتك هكذا ىلو مساعد ‪ ،‬ثريريم إ هريريذا‬

‫الواجب ليس أخالقي ًا فقط‪ ،‬بل هو واجب رشعي وقانوين‪ ،‬أ ‪ :‬أنريريه فريريرض عريريىل املسريريلمني أ‬

‫يساعدوا خزاعة؛ أل هذا التزام إسالمي مؤكد يف صلح احلديبية‪ ،‬فكيف يتخىل عنه املسلمو ‪،‬‬

‫املسلمو ؟ ليس هلم اختيار يف ذلك األمريرير‪ ،‬مريريا ىلامريريوا قريريد عاهريريدوا عريريىل يشء علريريي م أ يفريريوا‬

‫بع وىلهم‪ ،‬واملعاهد مع خزاعة عىل أ ينصريروهم إذا انت كريريت حرمريرياهتم‪ ،‬وقريريد انت كريريت ويف‬

‫ىلاخل احلرم‪ ،‬فلم ال يتحرك املسلمو ؟ ال بد أ يتحركوا؛ أل املعاهد تقول‪ :‬إ االعتداء عىل‬

‫خزاعة هو اعتداء عىل املسلمني‪ ،‬حتى وإ كانت خزاعة مرشكة‬

‫‪901‬‬
‫هناك واجب رشعي قانوين عىل املسلمني أ جيت دوا يف رىل احلريريق إىل أصريريحابه‪ ،‬يف رىل احلريريق إىل‬

‫خزاعة‪ ،‬ويف رفع الظلم عن م يف نفس الوقت هذا واجب سيايس هام جد ًا؛ أل كرامة الدولريرية‬

‫اإلسالمية انت كت أيض ًا؛ وأل هؤالء الذين قتلوا حلفاء املسلمني وإ كانوا مرشكني‪ ،‬فال بريريد‬

‫حلفظ كرامة الدولة اإلسالمية أ تكو الوقفة مناسبة‪ ،‬والرسول ﷺ رأى أ هذه الوقفة جيب‬

‫أ تكو فتح مكة‬

‫جد ًا تفيد أ الوعع مناسب جد ًا لفتح مكة‬ ‫تضافرت أمور كث‬

‫وعندما نعيد هذه األوراق ونحلل املوقف سنلد ا‪.‬يت‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬الوعع العسكر والسيايس للدولة اإلسالمية ممتاز ويتقدم‬

‫ثاني ًا‪ :‬الوعع العسكر والسيايس للدولة الكافر يف مكة ععيف ويتأخر‬

‫ثالث ًا‪ :‬األعداء ا‪.‬خرو للدولة اإلسالمية استكانوا الي وىل وغطفا وغ هم‬

‫رابع ًا‪ :‬الوعع القانوين إذا أراىل املسلمو فتح مكة سليم متام ًا‬

‫خامس ًا‪ :‬هناك واجب أخالقي ورشعي وسيايس عىل املسلمني لصالح خزاعة ال بد مريرين القيريريام‬

‫به‬

‫هذا هو الواقع الذ حلله الرسول ﷺ يف حلظة واحد ‪ ،‬فقال‪( :‬نرصت يا عمرو بن سامل) وبدأ‬

‫التل يز لفتح مكة املكرمة‬

‫أخذ قرار فتح مكة املكرمة يف هذه الظروف سيكو قرار ًا حكريريي ًام حيقريريق عريريد مصريريالح ىلعويريرية‬

‫وسياسية وعسكرية وأخالقية‪ ،‬وغ ذلك‪ ،‬لكن هذا ليس قرار ًا سريري الً‪ ،‬بريريل هريريو مريرين أصريريعب‬

‫القرارات؛ أل مكة ليست كأ بلد‪ ،‬مكة هريريي عقريرير ىلار قريريريش وهلريريا تريرياريخ طويريريل‪ ،‬وقريريريش‬
‫‪902‬‬
‫ليست بالقبيلة الس لة‪ ،‬هي أعز قبيلة يف العرب‪ ،‬والعرب ديع ًا يو ّقروهنا‪ ،‬وقد يغ الكث مريرين‬

‫مواقف م إذا هدىلت قريش يف عقر ىلارها‪ ،‬وبالذات أ عقر ىلار قريش هريريو البلريريد احلريريرام‬ ‫النا‬

‫مكة‪ ،‬وله مكانة هائلة يف قلوب ديع العرب‬

‫لقد كا القرار جريئ ًا جد ًا وقد تكو له تبعات هائلة‪ ،‬ويف نفس الوقت كثر التفك والريريرتو‬

‫أكثر من الالزم قد تضيع الفرصة‪ ،‬ال بد أ نأخذ قرار ًا حاس ًام‪ ،‬والقرار قد اختريريذ فعريري ً‬
‫ال وبحسريريم‬

‫وبقو ‪ ،‬فقد قرر النبي ﷺ أ يفتح مكة‬

‫وقفة مع قرار الرسول ﷺ فتح مكة‬

‫ال بد أ نقف وقفة مع هذا القرار‪ :‬هذا القرار الرسيع لريرييس قريريرار ًا مت ريريور ًا حاشريريا هلل‪ ،‬فريريالقرار‬

‫وبحكمة‪ ،‬وذكرنا الواقع الذ كا فيه املسلمو واملمريركو ‪ ،‬لكريرين نريريريد أ نلفريريت‬ ‫مدرو‬

‫األنظار إىل أمر يف غاية األمهية‪ ،‬ساعد الرسول ﷺ عىل اختريرياذ القريريرار‪ ،‬وهريريذا المريريرييء نسريريميه‪:‬‬

‫جريريد ًا تريريأيت‬ ‫"اجلاهزية الدائمة" اجعل هذا شعار حياتريريك‪ :‬كريرين مسريريتعد ًا‪ ،‬هنريرياك فريريرص كثريري‬

‫لإلنسا ‪ ،‬ولكن ال يستغل هذه الفرص؛ ألنه غ جاهز وغ مسريريتعد‪ ،‬فالرسريريول ﷺ وشريريعبه‬

‫املؤمن كا جاهز ًا بصفة مستمر ‪ ،‬وكا اجليش مريريدرب ًا ومريرينظ ًام وعريريىل أهبريرية االسريريتعداىل ىلائريري ًام‪،‬‬

‫المعب م يريريأ لقضريريايا القتريريال والبريريذل والتضريريحية‪ ،‬والزوجريريات يريريدفعن أزواج ريرين للتضريريحية‬

‫واجل اىل‪ ،‬حتى األوالىل الصغار يعيمو هذا اجلو باستمرار‪ ،‬ويتموقو إىل اجل اىل كريريام يتمريريوق‬

‫إليه الكبار‬

‫حرب وهي غ مستعد نفسي ًا وقضايا اجل اىل غ مطروحريرية يف حياهتريريا ال‬ ‫لو فرض عىل النا‬

‫يمكن أ جتد أحد ًا سيقف مع ا‪ ،‬فالمعب املرتف املرفه الذ يعيش بامللذات واألغاين والكر‬

‫حتتاج إىل تربية‪ ،‬وكا شريريعب الرسريريول‬ ‫صعب عليه أ يقف موقف ًا حمرتم ًا يف أزمة‪ ،‬ف ذه النا‬

‫‪903‬‬
‫ﷺ يف جاهزية ىلائمة؛ وهلذا عندما يريريأيت ظريريرف مثريريل هريريذا يسريريتطيع ﷺ أ يسريريتغله‪ ،‬فالوعريريع‬

‫االقتصاىل للدولة اإلسالمية كا يف حتسن مستمر‪ ،‬والتنمية يف كل امللاالت عريريىل أحسريرين مريريا‬

‫يكو ‪ ،‬والبلد تنتج الذ تريده ال ختاف من أحد العالقريريات الدبلوماسريريية لريريه كانريريت مسريريتقر‬

‫وكث ‪ ،‬واملخابرات اإلسالمية كانت هنا وهناك تقوم بدورها عىل أفضل مريريا يكريريو ‪ ،‬واحلريرياكم‬

‫واملحكوم والوزير والغف والكب والصغ الرجل واملرأ الكريريل يمريريعر بريريانتامء حقيقريريي غريري‬

‫مفتعل للبلد وللدين‪ ،‬وليس جمرىل أغنية ليس هلا أ معنى وال تطبيريريق يف حيريريا النريريا ‪ ،‬ولريرييس‬

‫جمرىل شعار أجوف يقوله هذا أو ذاك! وليس جمريريرىل خطريرياب سريريطحي خمريرياىلس للمحكريريومني! ال‪،‬‬

‫االنتامء ليس أنك تذهب لتمثل بلدك يف لعب الكر وحتز لو ىلخل هدف عىل بلريريدك‪ ،‬االنريريتامء‬

‫أ تكو قاب ً‬
‫ال أل تدفع روحك من أجل بلدك وىلينك‪ ،‬االنريريتامء أنريريك ال تضريرييع الدقيقريرية مريرين‬

‫شغلك يف عمل ليس فيه فائد للبلد واملسلمني‪ ،‬االنتامء أنك تصنع الذ حتتاجريريه وال تسريريتورىل‬

‫كل يشء‪ ،‬االنتامء أنك حتب اجليش وليس أ هترب منه‪ ،‬االنتامء أنك حتافظ عريريىل أمريريوال البلريريد‬

‫وليس أ ختتلس ا وتعتربها ماالً سائب ًا‬

‫يف ميريريدا‬ ‫أبريريد ًا يف اإلسريريتاىل أو يف السريريينام‪ ،‬لكريرين تقريريا‬ ‫جد ًا‪ ،‬قصة ال تقا‬ ‫االنتامء قصة كب‬

‫اجل اىل ويف املصنع واجلامعة‪ ،‬ويف احلقول واملعامل يف هريريذه األشريريياء كل ريريا‪ ،‬هريريذا هريريو االنريريتامء‬

‫شعب املدينة كا يعيش قصة االنتامء بطريقة صحيحة؛ وهلريريذا اسريريتطاس أ يقريريف وجياهريريد مريريع‬

‫الرسول ﷺ عندما احتاج الرسول ﷺ هلذا االنتامء احلقيقي‬

‫هذه اجلاهزية الدائمة من أهم مفاتيح استغالل الفرص السانحة‪ ،‬وهلذا الرسول ﷺ استطاس أ‬

‫يأخذ القرار من غ ترىلىل؛ ألنه علم أ شعبه وجيمه معه بلريريد‪ ،‬وعالقاتريريه الدبلوماسريريية عريريىل‬

‫من ل ًا عملي ًا واقعي ًا للتغي فع ً‬


‫ال‬ ‫أكمل وجه‪ ،‬وتعترب الس‬

‫‪904‬‬
‫أخذ قرار فتح مكة‪ ،‬وهو من أخطر القرارات يف تاريخ اجلزير ‪ ،‬بريريل يف تريرياريخ العريريامل‪ ،‬وسريريوف‬

‫نرى آثار هذا الفتح الذ سيممل تقريب ًا ديع مساحة األرض وإىل ا‪ .‬وإىل يوم القيامة‬

‫كا هذا هو الوعع يف املدينة املنور ‪ ،‬فكيف كا الوعع يف مكة املكرمة؟ كيريريف تفكريرير قريريريش‬

‫بعد املصيبة التي وقعت علي ا؟ وما الذ تعمله بنو بكر مع قريش‪ ،‬وما الذ تعمله القبيلتريريا‬

‫مع املسلمني بعد هذا؟ وكيف سيتعامل الرسول ﷺ مع حمريرياوالت قريريريش بعريريد ذلريريك لتلنريريب‬

‫احلرب؟ وكيف جي ز الرسول ﷺ جيمه و رج به إىل هذا املمريريوار الصريريعب؟ فمكريرية املكرمريرية‬

‫تبعد عن املدينة بمقدار ‪ 500‬كيلو يف الصحراء‬

‫بعنايريرية‪،‬‬ ‫هذه التفاصيل يف غاية األمهية‪ ،‬وهي عامىل بناء الدولريرية اإلسريريالمية‪ ،‬فينبغريريي أ تريريدر‬

‫القاىلم‬ ‫وهذا إ شاء اهلل سيكو موعوس الدر‬

‫‪905‬‬
906
‫‪38‬‬

‫فتح مكة‬

‫حتدثنا عن خيانة ونقض بني بكر وقريش للعهد الذي بينها وبني رسو ا ا ﷺ ‪ ،‬وقتووع عوود‬

‫من رجاا خزاعة املحالفة للدولة اإلسالمية يف ذلك ال قت‪ ،‬ومن ثووأ ذخووذ ﷺ القوورار بفووت‬

‫مكة‪ ،‬وجتهيز ذكرب عملية عسكرية يف تاريخ املسلمني حتى تلك اللحظة‪ .‬ال اقع ذن قريشو با بعوود‬

‫ذن قامت هبذه اجلريمة وساعدت بني بكر عىل قتع الرجاا من خزاعة يف اخع احلرم جلسووت‬

‫قريش مع نفسها تتشاور يف هذه القضية‪ ،‬فهي قضية خطو ج جوود باي قضووية نقووض ال وول مووع‬

‫املسلمني‪ ،‬فزعامء قريش عقدوا جملس با استشاري با كب با واجتمع يف هذا املجلس ذبو سووفيان مووع‬

‫قا ج مكة‪ ،‬اجتمع مع عكرمة بن ذيب جهع وصف ان بن ذمية وسووهيع بوون عموورو ونو هأ موون‬

‫رجاا مكة وزعامئها‪ ،‬وبدءوا يفكرون فيام سيفعل نه نتيجة هذا األمر الذي حدث وهو نقووض‬

‫ر عند قريش وخاصة عند ذيب سفيان عن املسلمني وصع يف تلك‬ ‫املعاهدج‪ ،‬وقد كان هناك ت‬

‫اللحظة إىل رجة االنبهار‪ ،‬ف ل احلديبية نفسه كانت الغلبة فيه للمسلمني‪ ،‬والقو ج والبو‬

‫يف صال املسلمني‪ ،‬والتفريط والتنازا يف صف قريش‪ ،‬وحتدثنا عن ذلك بالتف وويع‪ ،‬وقووريش‬

‫ما كانت لتس ّلأ بذلك األمر ل ال ذهنا رذت ق ج املسلمني‪ ،‬وكان هذا منذ سنتني عندما كان عوود‬

‫املسلمني ‪ 1400‬فقط يف بيعة الرض ان ذو يف صل احلديبية‪ ،‬ثأ سافر ذب سووفيان بعوود ال وول‬

‫إىل نزج للتجارج‪ ،‬وهناك التقى مع هرقع يف اللقاء الذي حتوودثنا عنووه قبووع ذلووك و ارت بيوونهام‬

‫‪907‬‬
‫املحاورج العجيبة‪ ،‬وخرج ذب سفيان من هذه املحاورج بإنطباع هائع عن رس ا ا ﷺ ‪ ،‬حتووى‬

‫إنه رضب يد با بيد وقااي (لقد َذ ِم َر َذ ْم ُر ابن ذيب كبشة؛ إنه ليخافه ملك بني األصفر ‪ -‬هرقع ‪ -‬فام‬

‫زلت م قن با ذنه سيظهر) الشاهد ذن ذبا سفيان كان يرى ذن ذموور النبووي ﷺ سوويظهر يف يو م موون‬

‫األيام‪ ،‬ثأ إن ذبا سفيان ومن معه من ذهع قريش شاهدوا االنت ارات اإلسووالمية املتتاليووة هنووا‬

‫وهناك‪ ،‬وبالذات يف خيرب ثأ يف مؤتة‪ ،‬وكانت هذه االنت ارات كب ج جد با وضخمة جوود با‪ ،‬ثووأ‬

‫ذسلمت الدوا والقبائع املحيطة بمكة املكرمة‪ ،‬ذسلمت اليمن‪ ،‬وذسلمت البحرين‪ ،‬وذسوولمت‬

‫ر با بالرهبووة واعلووع عنوود قووريش موون م اجهووة‬ ‫عامن ون ذلك من القبائع‪ ،‬وكع هذا ترك ت‬

‫املسلمني‪ ،‬ذضف إىل ذلك ذن قريش با بدذت تبحث يف الف ائد املتحققة من مساعدهتا لبني بكر يف‬

‫اخليانة التي متت بقتع جمم عة من رجاا خزاعة‪ ،‬فلأ جتد ذي ن ع من الفائدج حتققت؛ ألن هذه‬

‫معركة اخلية بني بني بكر وبني خزاعة‪ ،‬فإعانة قريش لبني بكر عىل حرب خزاعة يعترب هتو ر با‬

‫ملح ظ با‪ ،‬باإلضافة إىل هذه األم ر خلفية عمرج القضاء‪ ،‬فقبع ذقع من سنة واحوودج رأ ذهووع‬
‫مكة بمنتهى الضعف ذن يدخع إليهأ الرس ا ﷺ مكة‪ ،‬وه الذي طر وه وعو ّ‬
‫وذب ه وذسوواءوا‬

‫إىل سمعته‪ ،‬وحارب ه بكع طاقتهأ‪ ،‬وافق ا ذن يوودخع إىل مكووة ومعووه ‪ 2000‬موون ذتباعووه أل اء‬

‫ر با نفسي با قاسي با عند ذهع قووريش‪ ،‬وال‬ ‫العمرج‪ ،‬وذخل ا مكة له‪ ،‬وهذا ال شك ترك انطباع با وت‬

‫ننسى مظاهر الق ج التي حرص ﷺ ذن يظهرها يف هذه العمرج‪ ،‬وال ننسى انبهووار قووريش بقو ج‬

‫املسلمني وتعليقات ذهع قريش عندما رذوا جيش املسلمني وقو ج املسوولمني‪ ،‬وعموورج القضوواء‬

‫كانت متهيد با نفسي با إجيابي با للمسلمني‪ ،‬وكانت متهيد با نفسي با سلبي با للمرشكني‪ ،‬وهذا كله من تدب‬

‫رب العاملني سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫قريش يف اجتامعهأ ذ رك ا ذن احتاما احلرب وار ‪ ،‬واحتاما نزو مكة مع صع بة ت و ر هووذا‬

‫األمر عىل الذهن ذمر حمتمع‪ ،‬وبناء عىل هذا االجتامع ذخذت قريش قرار با صعب با‪ ،‬بع من ذصعب‬

‫‪908‬‬
‫القرارات يف تاريخ قريش‪ ،‬وه الذهاب إىل املدينة املن رج الستسامح الرسو ا ﷺ ذن يتغووا‬

‫عن هذا اخلط ‪ ،‬وذن يطيع اعدنة‪ ،‬وهذ با تنازا كب جد با‪ ،‬وطعوون كبو جوود با يف كرامووة قووريش‪،‬‬

‫وخاصة ذن الذي اختاروه للذهاب ه ذب سفيان شخ ي با‪ ،‬ذيي زعيأ مكة وسيد مكووة‪ ،‬لوويس‬

‫جمر سف ترسله مكة ولكن زعيأ مكووة بكاملهووا وزعوويأ بنووي ذميووة‪ ،‬ولووه توواريخ ط يووع مووع‬

‫املسلمني‪ ،‬وله حروب متتالية مع املسلمني‪ ،‬وهاه ذب سفيان يتنازا عن كربيائه وعوون كرامتووه‬

‫ء كبو جوود با‪،‬‬ ‫ويذهب إىل املدينة املن رج؛ ليطلب من الرس ا ﷺ ذن يطيووع اعدنووة‪ ،‬وهووذا‬

‫رج‪.‬‬ ‫ولعع هذه هي ولعله املرج األوىل يف تاريخ قريش التي تقدم فيها تنازالب هبذه ال‬

‫م قف الرس ا ﷺ وصحابته من ذيب سفيان حني جاء إىل املدينة ليطيع مدج اعدنة‬

‫ذهب ذب سفيان إىل املدينة املن رج حياوا قدر املستطاع ذن يمنع الرس ا ﷺ من االنتقام خلزاعة‬

‫والث ر لكرامته وكرامة األمة اإلسالمية‪ ،‬وذن يطيع املدج ب ي ثموون‪ .‬موون هووذا احلوودث سوون خذ‬

‫قاعدج مهمة جد با‪ ،‬وهذا القاعدج ليست فقط يف ذيام الرس ا ﷺ ولكنهووا سووتظع معنووا إىل يو م‬

‫القيامة وهيي إذا كان عدوك حري با عىل السالم وحري با عىل جتنب ال دام بكع ما ذويت موون‬

‫ق ج ويدفعك إليه فع با فاعلأ ذنه ضعيف‪ ،‬ذو عىل األقع خيشى ق تك فال تضعف وال جتبن‪.‬‬

‫ف تى ذب سفيان كي حياوا قدر املستطاع ذن يتجنب ال دام‪ ،‬وسنجد ال قفة اإلسالمية ذمام ذيب‬

‫سفيان‪ ،‬يف بداية خ له إىل املدينة املن رج ذهب إىل ابنته‪ ،‬وبنت ذيب سفيان كانت زوجة الرس ا‬

‫ﷺ وهي ذم حبيبة رأ ا عنها وذرضاها ذم املؤمنني‪ ،‬والتقى ذب سووفيان مووع ذم حبيبووة رأ‬

‫ا عنها‪ ،‬وكان هذا اللقاء بعد نيوواب ‪ 16‬سوونة مت وولة‪ ،‬فقوود كانووت ذم حبيبووة رأ ا عنهووا‬

‫هاجرت إىل احلبشة‪ ،‬وبقيت يف احلبشة فرتج ط يلة من الزمان‪ ،‬ثأ تزوجها الرسو ا ﷺ وذتووت‬

‫إىل املدينة املن رج‪ ،‬ومل متر بمكة منذ ‪16‬سنة مت لة‪ ،‬فالعالقة بينها وبينووه منقطعووة فوورتج ط يلووة‪،‬‬

‫فكان ذب سفيان يظن ذن ذم حبيبة ستستقبله استقباالب حاف ب‬


‫ال فه ذب ها‪ ،‬ومنذ فوورتج ط يلووة موون‬
‫‪909‬‬
‫عىل الفراش‪ ،‬فإذا هبا‬ ‫الزمن مل ير ذحدمها اآلخر‪ ،‬لكن عندما ذرا التحدث معها وذرا اجلل‬

‫‪ ،‬فاستغرب ذب سفيان فقااي )يا بنية ما ذ ري ذرنبت يب عن‬ ‫تط ي الفراش ومتنعه من اجلل‬

‫هذا الفراش‪ ،‬ذو رنبت به عني؟( فقالووت السوويدج ذم حبيبووة يف صووالبة ويف قو جي )هو فووراش‬

‫رس ا ا ﷺ ‪ ،‬وذنت مرشك نجس‪ ،‬فلأ ذحب ذن جتلس عىل فراشه(‪ ،‬فقوواا ذبو سووفياني )يووا‬

‫بنية وا لقد ذصابك بعدي رش(‪ ،‬ثأ خرج‪.‬‬

‫لنا وقفة مع م قف السيدج ذم حبيبة‪ ،‬فقد يق ا املحلع عذا امل قف‪ ،‬إن هذا امل قف فيه ن ع موون‬

‫الغلظة ن املقب لة من السيدج ذم حبيبة مع ذبيها ذيب سفيان‪ ،‬وال اقع ذن يف مثع هووذه الظوورو‬

‫تك ن الغلظة؛ فو ذب سفيان ليس إنسان با عا ي با‪ ،‬بع زعيأ مكة‪ ،‬واجلميع يف املدينووة املنو رج يعلووأ‬

‫ذن هناك نقض با للمعاهدج التي متت بني املسلمني وبني قريش‪ ،‬وذنه قوود جوواء إىل املدينووة املنو رج‬

‫لكي يطيع املدج‪ ،‬والرس ا ﷺ قد ذنب هأ بذلك قبع ذن ي يت ذب سفيان يف معجزج نب ية ظاهرج‪،‬‬

‫قاا ﷺ ي (ك نكأ بو ذيب سفيان قد جاءكأ يشد يف العقد ويزيد يف املدج)‪ ،‬فعوور املسوولم ن ذنووه‬

‫ذتى عذا الغرض‪ ،‬لذلك ذرا ت ذم حبيبة رأ ا عنها وذرضاها ذن تقف هذه ال قفووة ال وولبة‬

‫اجلريئة الق ية مع ذبيها؛ ليعلأ ذب سفيان ذن املسلمني مجيع با صف واحد‪ ،‬وذهنأ مجيع با عىل قلووب‬

‫رجع واحد‪ ،‬حتى إن ابنته ذم حبيبة رأ ا عنها وقفت مع الرس ا ﷺ ضد ذبيها ذيب سفيان‪،‬‬

‫موون‬ ‫ر با سلبي با كب با جد با عند ذيب سفيان‪ ،‬فقد عر ذنه يقف ذمام ذنووا‬ ‫فهذا ترك انطباع با وت‬

‫ال عب ذن حيارهبأ‪ ،‬وليس هذا السل ك اإلسالمي العام مووع الوورحأ املرشووك ذو الوورحأ نو‬

‫املسلأ؛ ألن ا عز وجع ذمر بم احبة اآلباء واألمهات املشووركني بوواملعرو ‪ ،‬قوواا سووبحانه‬
‫ُرش َك ِيب ما َليس َل َك بِ ِه ِع ْلأ َفوال تُطِعهوام وصو ِ‬
‫اح ْب ُه َام ِيف الوود ْن َيا‬ ‫اك َعىل َذ ْن ت ْ ِ‬ ‫وتعاىلي { َوإِ ْن َج َ‬
‫اهدَ َ‬
‫ُْ َ َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ْ َ‬
‫َم ْع ُرو بفا} [لقامني‪ ،]15‬والذي يؤكد عىل هذا املعنى ما جاء يف البخاري عن السيدج ذسووامء بنووت‬

‫عيل ذمي وهي مشوركة يف عهوود قووريش إذ عاهوودوا‬


‫ذيب بكر رأ ا عنهام ذهنا قالتي (قدمت َّ‬

‫‪910‬‬
‫رس ا ا ﷺ )‪ ،‬ذيي ذهنا جاءت يف نفس فرتج صل احلديبية‪ ،‬فالسيدج ذسامء سو لت الرسو ا‬

‫عيل وهي رانبة ذف صوولها؟ قووااي نعووأ صووليها)‪،‬‬


‫ﷺ وقالت لهي (يا رس ا ا إن ذمي قدمت َّ‬
‫وهذا ه األصع يف املعاملة‪ ،‬لكن م قف ذم حبيبة مع ذبيهووا ذيب سووفيان م قووف كتلووف‪ ،‬كووان‬

‫م قف با صحيح با بدليع سك ت رس ا ا ﷺ عن هذا الترص من السوويدج ذم حبيبووة رأ ا‬

‫عنها‪.‬‬

‫خرج ذب سفيان من عند السيدج ذم حبيبة هبذه ال دمة الكب ج‪ ،‬واجته مبووارشج إىل الرسو ا ﷺ‬

‫ليحاوا ذن يطيع املدج كام ذكرنا‪ ،‬فتحدث ذب سفيان مع الرسو ا ﷺ وذكوور لووه رنبتووه‪ ،‬لكوون‬

‫الرس ا ﷺ رفض ذن ير عليه‪ ،‬حتى جمر الر مل ير الرس ا ﷺ ‪ ،‬وهذا لوويس هو الترصو‬

‫‪،‬‬ ‫و ُيكوورم الضووي‬ ‫املعتا من رس ا ا ﷺ‪ ،‬فقد كان رس ا ا ﷺ حيسن استقباا الضي‬

‫وخاصة ذن هذا زعيأ من زعامء قريش‪ ،‬وكان يستمع منهأ الرس ا ﷺ ويقبع منهأ ويتحوواور‬

‫معهأ‪ ،‬لكن يف هذا امل قف مل حيدث؛ ألن الرس ا ﷺ يريد ذن يفت مكة‪ ،‬فه يريد ذن يسووتغع‬

‫ر‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫رج من ال‬ ‫هذه الفرصة السانحة‪ ،‬وال يريد لكلامت ذيب سفيان ذن تؤثر عليه ب‬

‫مل يقع ﷺ ذنتأ فعلتأ كذا وكذا‪ ،‬ومل هيد ‪ ،‬ومل يذكر كالم با شديد با مع ذيب سفيان ؛ كع ذلك لكي‬

‫ال يلفت نظر ذيب سفيان إىل ذن احتاما فت مكة واعج م عليها ذصب ذمر با وار با‪ ،‬فآثر الرسو ا‬

‫ﷺ ذن يسكت وذن ي مت وال ير عىل ذيب سفيان ب ي كلمة‪ ،‬فو ب سفيان ملا مل يتفوواوض معووه‬

‫الرس ا ﷺ ومل يقبع ذن ير عليه ذصالب‪ ،‬خرج هبذه األزمة النفسية الكب ج إىل ذيب بكوور الو زير‬

‫األوا لرس ا ا ﷺ‪ ،‬نحن كنا نت قع من ذيب سفيان ذن يعو ذ راجووه إىل مكووة املكرمووة وقوود‬

‫نضب نضب با شديد با وثار ث رج كب ج‪ ،‬وينقلب بجيشه عىل املدينة املن رج ث ر با لكرامته‪ ،‬لكن كع‬

‫هذا مل حيدث؛ ألنه ضعيف جد با‪ ،‬ويعلأ ذنه ضعيف ذمام هذه ال ووالبة اإلسووالمية ال اضووحة‪،‬‬

‫فذهب ذب سفيان إىل ذيب بكر وطلب منه نفس الكالم‪ ،‬لكن ال ديق رأ ا عنووه قوواا لووه يف‬

‫‪911‬‬
‫رصامة واضحةي (ما ذنا بفاعع) لن ذت سط بينك وبني الرس ا ﷺ‪ ،‬فخرج ذب سفيان من عنوود‬

‫ذيب بكر بال دمة الثالثة؛ ذوا صدمة كانت لو يب سفيان مع ذم حبيبة رأ ا عنها‪ ،‬والثانية مع‬

‫الرس ا ﷺ‪ ،‬والثالثة مع ذيب بكر ‪ ،‬ومع ذلك مل ييووئس ذبو سووفيان واجتووه إىل الو زير الثووا يف‬

‫الدولة اإلسالمية وه عمر بن اخلطاب رأ ا عنه‪ ،‬وليته ما فعع‪ ،‬ف وا ما ذهب وطلب منه‬

‫نفس الطلب ذن يطيع املدج بينه وبني املسلمني‪ ،‬قاا عمر بن اخلطاب بمنتهى الق جي (ذنووا ذشووفع‬

‫لكأ عند رس ا ا ﷺ؟ ف ا ل مل ذجد لكأ إال الذر جلاهدتكأ به) انظروا إىل قو ج وصووالبة‬

‫عمر بن اخلطاب رأ ا عنه فهذه هي ال دمة الرابعووة التووي ذخووذها ذبو سووفيان يف املدينووة‬

‫املن رج‪ ،‬وذيض با مل ييئس بع خرج من عند عمر بن اخلطاب واجته إىل عيل بن ذيب طالب رأ ا‬

‫عنه‪ ،‬وسيدنا عيل متزوج من السيدج فاطمة بنت الرس ا ﷺ‪ ،‬فوودخع عنوودمها‪ ،‬وكووان عنوودمها‬

‫احلسن رأ ا عنه يلعب بينهام‪ ،‬فقااي (يا عيل إنك ذمس الق م يب رمح با‪ ،‬وذقرهبأ مني قرابووة‪،‬‬

‫وقد جئت يف حاجة فال ذرجعن كام جئت خائب با) انظروا إىل هذا الذا من ذيب سفيان ‪ ،‬ثأ يق اي‬

‫(فاشفع يل عند حممد)‪ ،‬فقاا عيل بن ذيب طالب ي (وحيك ذبا سفيان وا لقد عزم رس ا ا ﷺ‬

‫عىل ذمر ما نستطيع ذن نكلمه فيه) ذي الرس ا ﷺ عندما سمع بخيانة بني بكر وقريش وقتلهأ‬

‫لرجاا من خزاعة وصع إىل رجة من الغضب ما نستطيع ذن نكلمووه‪ ،‬وال نعلووأ موواذا سوويفعع‬

‫ﷺ‪ ،‬وهذه هي ال دمة اخلامسة من عيل بن ذيب طالب رأ ا عنووه‪ ،‬فالتفووت ذبو سووفيان إىل‬

‫فاطمة رأ ا عنها وقاا عاي (يا بنت حممد هع لك ذن ت مري ُبنّ ِّيك هووذا فيجو بووني النووا‬

‫فيك ن سيد العرب إىل آخر الدهر؟) ذيي ذن الطفع ال ووغ احلسوون بوون عوويل رأ ا عوونهام‬

‫خيرج ليج ذبا سفيان وذهله وق مه وقريش با‪ ،‬فقالت السيدج فاطمة ي (وا ما بلغ ابني ذلووك ذن‬

‫جي بني النا ‪ ،‬وما جي ذحد عىل النبي ﷺ) وهذه هي ال دمة السا سووة‪ ،‬فقوواا ذبو سووفيان‬

‫لي خذ ال دمة السابعة واألخ ج وه خياطب عيل بن ذيب طالب قااي (يووا ذبووا احلسوون إ ذرى‬

‫‪912‬‬
‫عيل فان حني)‪ ،‬قااي (وا ما ذعلأ شيئ با يغنووي عنووك‪ ،‬ولكنووك سوويد بنووي‬
‫األم ر قد اشتدت ّ‬
‫ثأ احلق ب رضك)‪ ،‬فقااي (ذوترى ذلك مغني با عني شيئ با؟) قوواا عوويل‬ ‫كنانة فقأ ف جر بني النا‬

‫بن ذيب طالب يف منتهى ال ض حي (ال وا ‪ ،‬ما ذظن‪ ،‬ولكن ال ذجد لك ن ذلووك)‪ ،‬ومووع هووذا‬

‫إ قد ذجوورت‬ ‫اإلحباط الذي ذصاب ذبا سفيان إال ذنه قام فع ب‬


‫ال يف املسجد وقااي (يا ذهيا النا‬

‫بني النا )‪ ،‬فلأ يقأ ذحد من املسلمني‪.‬‬

‫سبع صدمات ورضبات متتالية لو يب سفيان زعيأ قريش‪ ،‬ومل جيد ذي ذمع‪ ،‬فكّر يف الرجو ع إىل‬

‫مكة املكرمة‪ ،‬وبالفعع صعد عىل بع ه‪ ،‬ويف طريقه إىل مكة موور عووىل سوولامن وصووهيب وبووالا‬

‫ا من عنق عدو ا م خذها)‪ .‬كان‬ ‫رأ ا عنهأ وذرضاهأ‪ ،‬فقال اي (وا ما ذخذت سي‬

‫هذا الكالم من هؤالء الثالثةي سوولامن وصووهيب وبووالا ‪ ،‬وهووؤالء كووان ا موون الووذين ُيبوواع ن‬

‫و ُيشرتون‪ ،‬فمر ذب بكر ال ديق رأ ا عنه هبأ وهأ يق ل ن ذلووك‪ ،‬فقووااي (ذتق لو ن هووذا‬

‫لشيخ قريش وسيدهأ؟) ذيي ذن ذبا بكر ت ثر لو يب سفيان ‪ ،‬وذهب إىل الرسو ا ﷺ وقوواا لووهي‬

‫إن سلامن وصهيب با وبالالب قال ا كذلك وكذا لو يب سفيان ‪ ،‬فامذا كان ر الرس ا ﷺ؟ قووااي (يووا‬

‫ذبا بكر لعلك ذنضبتهأ)‪ ،‬مل يقف ﷺ مع ذيب بكر ال ديق يف رذفته ورمحته لووو يب سووفيان ‪ ،‬إنووام‬

‫وقف مع سلامن وصهيب وبالا يقدّ ر م قفهأ‪ ،‬ويف نفس ال قت يووؤثر نفسووي با عووىل ذيب سووفيان‬

‫قااي (يا ذبا بكر لعلك ذنضبتهأ؛ ألن كنت ذنضبتهأ لقوود ذنضووبت ربووك‪ ،‬ف توواهأ ذبو بكوور‬

‫وقااي يا إخ تاه ذنضبتكأ؟ قال اي ال‪ ،‬يغفر ا لك يا ذخي) ‪.‬‬

‫الشاهد من الق ة ذن امل قف ليس م قف ع ج اآلن‪ ،‬ولكنه م قف جتهيووز حلوورب‪ ،‬فوواألم اا‬

‫والديار واحلق ق املسل بة آن عا ذن ترجع‪ ،‬وإن كنا قد قبلنا يف احلديبية ذن نقر اعدنة ون ع ج‬

‫كامع احلق ق‪ ،‬فإن ذلك كان لظرو املرحلة السابقة‪ ،‬وتقديرنا لق تنووا وقو ج عوودونا يف ذلووك‬

‫‪913‬‬
‫ال قت‪ ،‬ذما اآلن فالظرو قد تغ ت ولن نقبع بام قبلنا به قبع ذلك ذيام احلديبية‪ ،‬وعووذا كووان‬

‫هذا ر فعع الرس ا ﷺ وال حابة رأ ا عنهأ‪.‬‬

‫ال ذريع با وخرس ذكثر مما كسب‪ ،‬وعندما عا إىل مكووة‬


‫عا ذب سفيان إىل مكة وفشلت مهمته فش ب‬

‫املكرمة و ار بينه وبني زعامء قريش احل ار قال ا لهي (ما وراءك؟) قااي (جئووت حمموود با فك ّلمتووه‬

‫عيل شيئ با‪ ،‬ثأ جئت ابن ذيب قحافة فو ا مووا وجوودت فيووه خو با‪ ،‬ثووأ جئووت عموور‬
‫ف ا ما ر ّ‬

‫ف جدته ذعدى عدو‪ ،‬ثأ جئت علي با ف جدته ذلني الق م وقد ذشار ّ‬
‫عيل بو مر صوونعته‪ ،‬فو ا مووا‬

‫ذ ري هع يغني عني شيئ با ذم ال)‪ ،‬قووال اي (فووبامذا ذموورك؟) قووااي (ذموور ذن ذجو بووني النووا‬

‫ففعلت)‪ ،‬قال اي (هع ذجاز ذلك حممد ﷺ؟) قااي (ال)‪ ،‬قال اي (وحيك ما زا ك الرجع عووىل ذن‬

‫لعب بك‪ ،‬فام يغني عنك ما قلت)‪ ،‬فقاا ذب سفيان ي (ال وا ما وجدت ن ذلك)‪ .‬ذيي ذنه مل‬

‫يكن هناك ذي حع إال ذن يعمع هذا‪ ،‬مع ذنه لن جيوود فائوودج‪ ،‬هكووذا وضووعت قووريش يف مو زق‬

‫خط ‪ ،‬وعلمت قريش ذن هناك احتامالب كب با جد با لغزو مكة املكرمة‪ ،‬وبوودذت قووريش ترتقووب‬

‫قدوم املسلمني‪ ،‬وهي ال تستطيع ذن تعمع شيئ با‪ ،‬فلأ يعوود موون ذع اهنووا إال بنو بكوور‪ ،‬ومل يعوود‬

‫ذمامها إال االنتظار‪ ،‬هذا ه امل قف يف مكة‪ ،‬وهنا ننظر ما الذي فعله رسو ا ا ﷺ يف املدينووة‬

‫بعد ع ج ذيب سفيان إىل مكة املكرمة؟‬

‫استعدا الرس ا ﷺ وذصحابه لفت مكة‬

‫ذعلن الرس ا ﷺ استنفار با عامو با عووىل كووع املسووت يات لكووع ذهووع املدينووة املنو رج‪ ،‬وإرسوواا‬

‫استدعاءات للمسلمني يف القبائع املختلفة‪ ،‬وممن ذرسع إليهأ نطفان‪ ،‬وذرسع إىل بنووي سووليأ‪،‬‬

‫وإىل فزارج‪ ،‬وهؤالء هأ األحزاب الذين حارصوا املدينة منووذ ثووالث سوون ات‪ ،‬والرسو ا ﷺ‬

‫اتفق مع هذه القبائع عىل التالقي عند مر الظهران‪ ،‬ومر الظهران عىل بعد ح ايل ‪ 22‬كيلو موون‬

‫مكة املكرمة‪ ،‬ذيي ذن هذه القبائع ست يت من طرق كتلفة؛ لكي ال تستطيع عي ن قووريش تقوودير‬
‫‪914‬‬
‫عد اجليش املسلأ‪ ،‬ويف نفس ال قت ذخرج الرس ا ﷺ رسية عىل رذسها ذبو قتووا ج رأ ا‬

‫عنه للتم يه‪ ،‬ذرسع هذه الرسية إىل اجتاه بعيد عن اجتاه مكة املكرمة؛ ليلفت ذنظار القرشيني إىل‬

‫ذنه ال يريد مكة املكرمة‪ ،‬وذمر ﷺ املسلمني مجيعو با بالرسووية التامووة‪ ،‬وبعوودم إخبووار ذي إنسووان‬

‫خارج املدينة املن رج ب مر هذا الغزو ملكة املكرمة‪ ،‬ثأ رفع يده إىل السامء و عا وقااي (اللهأ خذ‬

‫عىل ذسامعهأ وذب ارهأ فال يرونا إال بغتة‪ ،‬وال يسمع ن بنا إال فج ج) وبدذ اإلعوودا الضووخأ‬

‫للخروج من املدينة املن رج‪.‬‬

‫يف ذلك ال قت حوودثت ق ووة ال ذريوود ذن ذقووف عنوودها كثو با؛ أل سو حيلها إن شوواء ا إىل‬

‫جمم عة الرس ا ﷺ وذخطاء املؤمنني‪ ،‬لكن نمر رسيع با عىل هذا احلدث‪ ،‬فاحلقيقووة ذن حاطووب‬

‫بن ذيب بلتعة رأ ا عنه وذرضاه ذخط خط كب با بإرا ته بكشف رس رس ا ا ﷺ ملرشكي‬

‫قريش‪ ،‬فه ذرسع إليهأ رسالة خيربهأ فيها ذن رس ا ا ﷺ قا م إلوويهأ‪ ،‬وملوواذا فعووع هووذا؟‬

‫ألن له عائلة بمكة املكرمة وخيش عليها من بطش قريش‪ ،‬وليست له قبيلة كب ج بمكووة توودافع‬

‫عن ذرسته‪ ،‬فه رجع حليف ليس من ذهع مكة األصليني‪ ،‬وهذا األموور ال ُيو َ ِربر ذبوود با لووه هووذا‬

‫اخلط الكب ‪ ،‬لكن هذا ه الووذي ح ووع‪ ،‬ونووزا الو حي يكشووف للرسو ا ﷺ هووذا األموور‪،‬‬

‫واستطاع الرس ا ﷺ ذن يرسع من ي يت بالرسالة التي ذرسلها‪ ،‬وذحبطت هذه املحاولة‪ ،‬وهووذا‬

‫ال حايب اجلليع مل يرتكب هذا اخلط ألنه من املنافقني‪ ،‬بع هي حلظة ضووعف خووا فيهووا عووىل‬

‫ذرسته‪ ،‬ولذلك الرس ا ﷺ عفا عنه وجتاوز عن هووذا اخلطو ؛ لسووابق تارخيووه رأ ا عنووه يف‬

‫اإلسالم‪ ،‬وكام ه معرو ذن حاطب با رأ ا عنه من ذهع بدر‪ ،‬وعذا الرس ا ﷺ منووع عموور‬

‫من إيذائه وقاا لهي (إنه قد شهد بدر با‪ ،‬وما يدريك لعع ا ا ّطلع عىل قلو ب موون شووهد بوودر با‪،‬‬

‫فقااي اعمل ا ما شئتأ فقد نفوورت لكووأ)‪ ،‬هووذا احلوودث حيتوواج إىل تف وويع‪ ،‬ولكوون كووام قلنووا‬

‫سنتحدث عنه بالتف يع يف جمم عة ذخطاء املؤمنني‪.‬‬

‫‪915‬‬
‫خرج الرس ا ﷺ من املدينة املن رج وكان هذا اخلروج يف ‪ 10‬رمضان سنة ‪8‬هو‪ ،‬واجته مبووارشج‬

‫إىل مكة املكرمة‪ ،‬ويف الطريق بدذت البرشيات تت افد عىل املسلمني‪ ،‬ذوالب يف طريقه وبمجوور ذن‬

‫بن عبد املطلب رأ ا عنه وذرضوواه عووأ الرسو ا ﷺ ‪،‬‬ ‫خرج من املدينة املن رج لقي العبا‬

‫رأ ا عنووه وذرضوواه عالمووة‬ ‫إىل قلبه ﷺ ‪ ،‬فقد كان ت خر إسالم العبووا‬ ‫ومن ذحب النا‬

‫يفرسو تفسو با واضووح با‬


‫استفهام كب ج جد با‪ ،‬حتى إن هناك من قااي إنه قد ذسلأ ذيام بوودر‪ ،‬ومل ّ‬
‫بقاءه يف مكة املكرمة ون هجرج كع هذه السن ات‪ ،‬وهناك موون قووااي إنووه بقووي يف مكووة لنقووع‬

‫األخبار للرس ا ﷺ‪ ،‬ومل يقأ ذحد األ لة عىل ذلك‪ .‬لكن احلموود ذنووه هوواجر قبووع ذن ي ووع‬

‫الرس ا ﷺ إىل مكة املكرمة‪ ،‬وذلك ذسعد الرس ا ﷺ جد با‪ ،‬ورس رسور با عظي بام برؤية العبا‬

‫إىل ق ج املسلمني‪ ،‬وسيك ن لووه ور إجيووايب كووام سوونرى‬ ‫رأ ا عنه وذرضاه‪ ،‬وانضأ العبا‬

‫ذلك يف فت مكة املكرمة‪ ،‬ثأ ذكمع الرس ا ﷺ الطريق وقد زا ت ق ج املسوولمني بووو العبووا‬

‫رأ ا عنه‪ ،‬ف جد رجلني آخريني ذبا سفيان بن احلارث وعبد ا بن ذمية‪ ،‬ذحدمها ابوون عووأ‬

‫عىل رسو ا‬ ‫الرس ا ﷺ‪ ،‬واآلخر ابن عمة الرس ا ﷺ ‪ ،‬وهذان الرجالن كانا من ذشد النا‬

‫ا ﷺ ‪ ،‬وجاءا من مكة املكرمة إىل املدينة ليعلنا إسالمهام بني يدي الرسو ا ﷺ‪ ،‬وختيووع موون‬

‫شدج إيذائهام للرس ا ﷺ رفض ﷺ ذن يقابلهام‪ ،‬مع ذنه ﷺ كان يفوورح كثو با بموون ذتووى إليووه‬

‫مسل بام‪ ،‬إال ذنه رفض يف البداية مقابلتهام من شدج إيذائهام له يف فرتج الفرتج املكية‪ ،‬ل ال ذن السيدج‬

‫ذم سلمة رأ ا عنها وكانت م احبة لرس ا ا ﷺ يف الفت فت سطت عام عند رس ا ا‬

‫ﷺ ‪ ،‬فقابلهام الرس ا ﷺ وقبع منهام اإلسالم بعد ذن ذعلنا الت بة الكاملة بني يديه ﷺ ‪.‬‬

‫م عىل ذصحابه بكراع الغميأ‬ ‫م قف الرس ا ﷺ حني شق ال‬

‫ذكمع الرس ا ﷺ الطريق‪ ،‬وكام ذكرنا ذن هذا اخلووروج كووان يف رمضووان سوونة ‪ 8‬هووو‪ ،‬وصووام‬

‫اجليش معظأ الطريق حتى وصل ا إىل ُكراع الغميأ‪ ،‬وكراع الغميأ تقريب با عىل بعد ‪ 60‬كيلو ذو‬

‫‪916‬‬
‫ذكثر من مكة املكرمة‪ ،‬ويف كراع الغميأ جاء بعض ال حابة إىل النبي ﷺ وذخووربوه ذن النووا‬

‫قد شق عليهأ ال يام‪ ،‬وكان هذا بعد صالج العرص‪ ،‬فامذا فعع ﷺ ؟ عووا ﷺ بقوودح فيووه موواء‬

‫إليه‪ ،‬ثأ رشب ﷺ ‪ ،‬وهذا يف صحي مسلأ عن جابر بن عبد ا رأ‬ ‫ورفعه حتى نظر النا‬

‫م وبني اجلهووا‬ ‫ا عنهام‪ .‬نجد يف هذا امل قف ذن الرس ا ﷺ عقد مقارنة رسيعة هامة بني ال‬

‫م عبا ج عظيمة جد با‪ ،‬كام قاا ا عز وجع يف احلديث القديسي (كع عمووع‬ ‫يف سبيع ا ‪ ،‬فال‬

‫م فإنه يل وذنا ذجزي به) رواه البخاري ومسلأ عن ذيب هريرج‪ ،‬كذلك اجلها‬ ‫ابن آ م له إال ال‬

‫ء ذيضو با كووام‬ ‫عبا ج عظيمة جد با‪ ،‬وه ذروج سنام اإلسالم‪ّ ،‬‬
‫ورصح الرس ا ﷺ ذنه ال يعدله‬

‫يف البخاري عن ذيب هريرج‪ ،‬فه يف هذا امل قف يقارن بني عبا تني عظيمتني‪ ،‬وهذا امل قف كووان‬

‫حم ّ با للبعض إال ذن الرؤية كانت واضحة جد با عند رس ا ا ﷺ ‪ ،‬فلذلك عا بقدح فيووه موواء‬

‫فرشب وه صائأ‪ ،‬مع ذن امل قف كان بعد صالج الع وور‪ ،‬ومل يبووق إال قليووع ويوودخع وقووت‬

‫املسلمنيي‬ ‫املغرب‪ ،‬لكن فعع ذلك ﷺ ليزرع ذكثر من معنى يف نف‬

‫ذوالبي هناك ما يسمى ب اجب ال قت‪ ،‬بمعنى ذن هناك ذشياء ال بد ذن تتأ اآلن‪ ،‬وذشووياء ذخوورى‬

‫من املمكن ذن تؤخر إىل وقت الحق‪ ،‬فت خ ال يام ال يرض‪ ،‬ألننا من املمكوون ذن نقضوويه بعوود‬

‫انتهاء فت مكة‪ ،‬لكن اجلها اآلن ال يؤخر‪ ،‬وخاصة ذن اجلوويش عووىل بعوود ‪ 60‬كيلو موون مكووة‬

‫املكرمة‪.‬‬

‫ثاني باي ليس من املمكن ذن ت يت بكع ذن اع اخل ‪ ،‬ذو تتجنب كع ذن اع الرش‪ ،‬هووذه موون املثاليووات‬

‫ن املمكنة يف الدنيا‪ ،‬لكن املسلأ احلكيأ ي ازن بني العمع الفاضع والعمع املفضو ا‪ ،‬فيقوودم‬

‫الفاضع ويؤخر املفض ا‪ ،‬وال يكو ن هووذا إال برتتيووب جيوود ل ول يووات‪ ،‬وواقعيووة يف الفكوور‬

‫واأل اء‪ ،‬وت فيق من رب العاملني سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫‪917‬‬
‫ثالث باي ذن اإلسالم ليس شعائر تعبدية فحسب‪ ،‬ومع ذلووك توورى الكثو موون املسوولمني يق وور‬

‫م وال الج وقراءج القرآن والذكر ونح ذلك موون الشووعائر‪ ،‬نقو اي‬ ‫التزامه باإلسالم عىل ال‬

‫اإلسالم ين جاء ليحكأ كع صغ ج وكب ج يف حياج النا ‪ ،‬ونحن رذينووا الرسو ا ﷺ يووؤخر‬

‫عبا ج وشع ج هامة جد با ليق م ب مر آخر من اإلسالم ذيض با يف صال األمووة ذال وهو اجلهووا يف‬

‫سبيع ا ‪ ،‬فاجلها من اإلسالم‪ ،‬والسياسة من اإلسالم‪ ،‬والتجارج موون اإلسووالم‪ ،‬واملعووامالت‬

‫باإلفطووار وهووذا بعوود وقووت صووالج‬ ‫من اإلسالم وهكذا؛ وعذا الرس ا ﷺ ذفطر وذمر النووا‬

‫العرص‪ ،‬بع إن يف صحي مسلأي (ذن بعض ال حابة جوواءوا إىل النبووي ﷺ وقووال اي إن بعووض‬

‫ال حابة مل يفطروا مع النا )‪ ،‬ماذا ع ّلق ﷺ عووىل هووذا الفعووع؟ قوواا ﷺ ي (ذولئووك الع وواج‬

‫ذولئك الع اج) مع ذهنأ مل يرتكب ا ذنب با‪ ،‬لكن هووذه املخالفووة يف ذلووك ال قووت سووتجعع قو هتأ‬

‫ضعيفة ال يستطيع ن اجلها مع املسلمني‪ ،‬فهنا خالف ا واجب ال قت‪ ،‬وخالف ا تقليد الرسو ا‬

‫م ن رمضان يف رمضان‪ ،‬وهذا حيتوواج إىل‬ ‫فسامهأ ﷺ الع اج‪ ،‬مع ذهنأ ي‬
‫ﷺ يف هذا األمر‪ّ ،‬‬
‫تدبر عميق وفقه؛ لكي نستطيع فهأ األبعا الرتب ية عند رس ا ا ﷺ ‪.‬‬

‫التقاء القبائع عام الفت بالرس ا ﷺ بمر الظهران وم قف زعامء مكة منها‬

‫وصع الرس ا ﷺ إىل مر الظهران‪ ،‬ومر الظهران عىل بعد ‪ 22‬كيل من مكووة املكرمووة‪ ،‬وهنوواك‬

‫التقت اجلن من القبائع املختلفة من قبائع فزارج ومن قبائع بني سووليأ وموون نطفووان ومزينووة‬

‫وجهينة ومن املدينة املن رج من كع مكان‪ ،‬عرشج آال جنوودي‪ ،‬هووذه هووي الطاقووة اإلسووالمية‪،‬‬

‫وهذا ال ضع كنفس ال ضع الذي كان يف نووزوج األحووزاب ولكوون ب و رج عكسووية‪َ { ،‬وتِ ْلو َك‬

‫األَ َّيا ُم نُدَ ِاو ُعَا َب ْ َ‬


‫ني النَّا ِ } [آا عمراني‪ ]140‬قبع الفت بثالث سن ات ح رصت املدينة بعرشج‬

‫آال مرشك‪ ،‬واآلن حتارص مكة بعرشج آال مسلأ‪ ،‬العد ه العد لكن شتان بني الفريقني‪.‬‬

‫‪918‬‬
‫ذرا الرس ا ﷺ لقريش هزيمة نفسية؛ لكي يدخع مكة ب قع اخلسائر املمكنة‪ ،‬فو مر ال ووحابة‬

‫رأ ا عنهأ وذرضاهأ يف فكرج نب ية عبقرية رائعة ذن يشووعل ا النو ان مجيعو با‪ ،‬ذي كووع فوور‬

‫منهأ يشعع شعلة ويرفعها بيده‪ ،‬ف صبحت عرشج آال شعلة من الن ان‪ ،‬فالن ان بحوود ذاهتووا‬

‫شعروا بالرهبة‪ ،‬وهووذه الفكوورج كانووت مثو ج ومرعبووة ألهووع قووريش‪،‬‬ ‫مرعبة‪ ،‬فإذا رآها النا‬

‫وشاهدوها مجيع با؛ ألن املسافة ‪ 22‬كيل بووني جوويش املسوولمني وبووني مكووة فهووي مسووافة قريبووة‬

‫يستطيع ذهع قريش ذن يروا فيه الن ان‪ ،‬ومع هذا كان من قووريش املووراقبني واجل اسوويس عووىل‬

‫مقربة من مر الظهران‪ ،‬ورذوا هذه الن ان عن قرب‪ ،‬ومن هؤالء ذب سفيان شخ ي با‪ ،‬وت و ر‬

‫مدى اعلع والرعب عند سيد قريش وعند زعيأ مكووة الووذي يدفعووه ذن خيوورج بنفسووه ل اقووب‬

‫ذح اا املسلمني‪ ،‬وكان معه بديع بن ورقاء اخلزاعي‪ ،‬وذكرنا قبع هذا ذن بديع بن ورقوواء كووان‬

‫ال استغاث بالرس ا ﷺ إال ذنه مل يكن يت قع ذبوود با ذن‬


‫صديق با شخ ي با لو ذيب سفيان ومع ذن بدي ب‬

‫ي يت الرس ا ﷺ بجيش يفت مكة املكرمة عقر ار قريش‪ ،‬كان كووع ذحالمووه ذن الرسو ا ﷺ‬

‫سيطلب من قريش ذن تدفع ية املقت لني من خزاعة‪ ،‬لكن اآلن يشاهد جيش با كب با ذتى إىل مكة‬

‫املكرمة‪.‬‬

‫رأ ا عنه وذرضاه عن هذا امل قف العجيب‪ ،‬وهذا يف الطربا بسند‬ ‫وهنا ي يت كالم العبا‬

‫عندما رذى عرشج آال جندي عىل ذب اب مكووة‬ ‫رأ ا عنه‪ ،‬فو العبا‬ ‫صحي عن العبا‬

‫ال يزاا حديث اعجرج‪ ،‬بع قد يك ن حديث اإلسووالم‪ ،‬وقووريش‬ ‫املكرمة‪ ،‬ومع ذلك فو العبا‬

‫قبيلة ق ية جد با‪ ،‬وإسالمها ال شك ذنه ذفضع من قتلها‪ ،‬ثأ هأ الرحأ واألهع والعش ج‪ ،‬فو وا‬

‫ما رذى هذا العد يقرتب من مكة املكرمة قااي (وا صباح قريش‪ ،‬وا لووئن خووع رسو ا ا‬

‫ﷺ مكة عن ج قبع ذن يست من ه إنه عالك قريش إىل آخر الدهر‪ ،‬فبدذ يبحث عمن خيوورب قريشو با‬

‫ذن الرس ا ﷺ قد جاء ليخرج ا ليست من ه‪ ،‬فه اآلن ال يدا عىل ذرسار اجلوويش؛ ألن اجلوويش‬

‫‪919‬‬
‫قد كشف ذمره‪ ،‬فقد ذشعع عرشج آال شعلة ح ا مكووة املكرمووة‪ ،‬فلوويس هنوواك ذي نو ع موون‬

‫التخفي‪ ،‬فاآلن ه يريد لقريش ذن تست من لنفسها‪ ،‬فركب بغلة الرس ا ﷺ وبدذ يبحووث عوون‬

‫ذي إنسان ي ع بخرب إىل مكة املكرمة‪ ،‬فسمع مهسات من رجلني يتحدثان ف حدمها كان يق اي‬

‫(ما رذيت كالي م قط ن ان با وال عسكر با)‪ ،‬فر عليه ص ت آخر وقااي (هذه وا نو ان خزاعووة‬

‫محشتها احلرب) ذيي ذن خزاعة جاءت لتنتقأ لنفسها من قريش‪ ،‬فقوواا األواي (خزاعووةو وا‬

‫بوون عبوود املطلووب فعوور‬ ‫ذذا وذألم من ذن تك ن هذه ن اهنا وعسكرها)‪ ،‬فسوومعهأ العبووا‬

‫ت الثا بووديع بوون ورقوواء اخلزاعووي‪،‬‬ ‫ت األوا ذبا سفيان وال‬ ‫ت فنا امها‪ ،‬فكان ال‬ ‫ال‬

‫وكام ذكرنا ذن بديع بن ورقاء يعيش يف اخع مكة املكرمة؛ فه ال يعر ذح اا خزاعة‪ ،‬وهووع‬

‫رأ ا عنووه ملووا نا امهووا فعوور ذبو‬ ‫خزاعة جاءت بجيش ذو ن خزاعة‪ .‬املهووأ ذن العبووا‬

‫بن عبد املطلب) ‪ -‬فقلتي نعأ‪ ،‬قااي (ما لووك‬ ‫سفيان ص ته فقااي (ذب الفضع؟ ‪-‬ذيي العبا‬

‫فداك ذيب وذمي)‪ ،‬فقلتي (وحيك يا ذبا سفيان هذا رس ا ا ﷺ يف النووا ‪ ،‬وا صووباح قووريش‬

‫وا )‪ ،‬قااي (فام احليلة فداك ذيب وذمي؟) قااي قلووتي (وا لووئن ظفوور بووك ليرضووبن عنقووك‪،‬‬

‫فاركب معي هذه البغلة حتى آيت بك رس ا ا ﷺ ذسووت منه لووك)‪ ،‬ف افووق ذبو سووفيان ون‬

‫بوون‬ ‫تر ؛ ألن م قفه صعب جد با فه زعيأ قريش‪ ،‬ف افق ون تر وان اع لن يحة العبا‬

‫عبد املطلب رأ ا عنه‪ ،‬وركب خلفه عىل بغلة رسو ا ا ﷺ‪ ،‬وانطلووق إىل الرسو ا ﷺ ‪،‬‬

‫ورجع بديع بن ورقاء إىل مكة املكرمة‪ ،‬ويف ذهاهبام إىل الرس ا ﷺ كانا كلام مرا عووىل نووار موون‬

‫ن ان املسلمني قال اي (من هذا؟) فيق ل ني (هذه بغلة الرس ا ﷺ‪ ،‬وهذا عووأ الرسو ا ﷺ)‪،‬‬

‫إىل ذن مرا عىل نار عمر بن اخلطاب رأ ا عنه وذرضاه‪ ،‬فقااي (من هذا؟) وقووام إليووه فوورذى‬

‫ذبا سفيان ‪ ،‬فقاا عمر بن اخلطاب رأ ا عنه يف منتهى القو جي‬ ‫ووجد خلف العبا‬ ‫العبا‬

‫(ذيب سفيان عدو ا ؟ احلمد الذي ذمكن منك بغ عقد وال عهد)‪ ،‬فقرر عمر بوون اخلطوواب‬

‫‪920‬‬
‫م قف عمر بن اخلطاب ف رسع بووو يب سووفيان إىل الرسو ا ﷺ‪،‬‬ ‫قتع ذب سفيان ‪ ،‬فرذى العبا‬

‫خووع عووىل‬ ‫‪ ،‬لكن العبووا‬ ‫ف رسع عمر بن اخلطاب إىل الرس ا ﷺ يريد ذن ي ع قبع العبا‬

‫الرس ا ﷺ قبع عمر بن اخلطاب ‪ ،‬إال ذن عمر بوون اخلطوواب رأ ا عنووه خووع مرسووع با إىل‬

‫‪ ،‬وقااي (يا رس ا ا هذا ذب سفيان قد ذمكن ا‬ ‫رس ا ا ﷺ وتكلأ قبع ذن يتكلأ العبا‬

‫منه بغ عقد وال عهد‪ ،‬فدعني ذرضب عنقه)‪ .‬تاريخ ط يووع بووني ذيب سووفيان وبووني املسوولمني‪،‬‬

‫هناك حروب متتالية قا ها ذب سفيان ضد املسلمني‪ ،‬وذكريات ذليمة عنوود املسوولمني موون وراء‬

‫ذيب سفيان ‪ ،‬فوعمر بن اخلطاب رأ ا عنه يف هذا امل قف ذرا ذن ينترص عز وجووع ويقتووع‬

‫بن عبد املطلب قاا لرس ا ا ﷺي (يووا رسو ا ا إ ذجرتووه)‪ ،‬ثووأ‬ ‫ذبا سفيان ‪ ،‬لكن العبا‬

‫جلست إىل الرس ا ﷺ ف خذت برذسه فقلتي (ال وا ‪ ،‬ال يناجيه الليلة رجع و ‪ ،‬فلام ذكثوور‬

‫عمر يف ش نه قلتي (مه ب‬


‫ال يا عمر ذما وا ل كان من رجاا بني عدي بن كعب ما قلووت هووذا‪،‬‬

‫ولكنك عرفت ذنه رجع من رجاا بني عبد منا )‪ ،‬قاا عمر بن اخلطوواب ي (مهو ب‬
‫ال يووا عبووا‬

‫ف ا إلسالمك ي م ذسلمت كان ذحب إ ّيل من إسالم اخلطوواب لو ذسوولأ) ‪-‬الووذي هو ذبو ه‬

‫شخ ي با‪ -‬قاا عمر ي (وما به إال ذ قد عرفت ذن إسالمك كان ذحووب إىل رسو ا ا ﷺ موون‬

‫إسالم اخلطاب)‪ ،‬وهذا الكالم صدق من عمر بن اخلطاب رأ ا عنه وذرضوواه‪ ،‬فقوواا ﷺي‬

‫بوون‬ ‫فإذا ذصب فائتني به) ذيي ذنه رص ذبا سفيان مع العبووا‬ ‫(اذهب به إىل رحلك يا عبا‬

‫عبد املطلب وعا عمر بن اخلطاب إىل رحله‪ ،‬وبدذ الرس ا ﷺ يفكر يف القضية‪.‬‬

‫نحن نعذر عمر يف م قفه؛ ألن ذبا سفيان كان قد قا احلرب ضد املسلمني يف السون ات السووت‬

‫األخ ج‪ ،‬وارجع ا إىل احل ار الذي ار بني ذيب سفيان وبني املسوولمني بعوود نووزوج ذحوود‪ ،‬لوورتوا‬

‫مدى الشامتة التي كانت عنده يف املسلمني‪ ،‬ومدى رضاه باملثلة التي حدثت للشهداء‪ ،‬وخاصووة‬

‫إىل رسو ا ا ﷺ وهو محووزج بوون عبوود املطلووب وحوودثت يف‬ ‫ذن املثلة حدثت يف ذحب النا‬

‫‪921‬‬
‫ذصحابه الشهداء‪ ،‬وهأ ‪ 70‬شهيد با م ِّثع هبأ يف نزوج ذحد‪ ،‬وارجع ا ذيض با إىل نووزوج األحووزاب‬

‫ورنبة ذيب سفيان األكيدج يف إهالك مجيع املسلمني‪ ،‬وكع هذا تاريخ ط يع جد با لو يب سفيان مع‬

‫املسلمني‪ .‬إن كنا نعذر عمر يف هذا الترص وهذا العرض الذي قدّ مه لقتع ذيب سفيان يف ذلووك‬

‫كان ذفضع يف هذا املقام ألم ري‬ ‫ال قت الذي ليس له عقد وال عهد‪ ،‬إال ذن م قف العبا‬

‫ذوالبي قد يسلأ ذب سفيان وحيسن إسالمه‪ ،‬فكسب مسلأ إىل ال ف خ من قتع كافر‪ ،‬ونجوواج‬

‫إنسان من النار خ من سق طه فيها‪ ،‬مهام كان هذا اإلنسان‪.‬‬

‫ثاني باي ذن هذا ذصل لقريش؛ ألن إسالم ذيب سفيان قد يؤ ي إىل إسالم قووريش‪ ،‬فتنجو قووريش‬

‫بكاملها يف الدنيا واآلخرج‪ ،‬وتضا ق ج قريش إىل ق ج املسلمني‪ ،‬وهذا نرص كب ‪.‬‬

‫ثالث باي هذا ذحفظ لدماء املسلمني؛ ألن ذبا سفيان قد يمنووع قووريش موون املقاومووة‪ ،‬وهبووذا يسووهع‬

‫عملية فت مكة‪ ،‬ذما قتع ذيب سفيان فقد يث قريش با؛ ألنه زعيمهأ‪ ،‬وقد يث بني ذمية‪ ،‬ألنه ذيض با‬

‫بني ذمية‪ ،‬فقد تدور حرب ا عز وجع ذعلأ بع اقبها‪.‬‬ ‫من ذكرب رءو‬

‫كان ذفضع يف هذه القضية ذن الرس ا ﷺ موواا إىل هووذا الوورذي‪ ،‬ولكنووه‬ ‫يؤكد ذن رذي العبا‬

‫تعامع ﷺ مع القضية بت ازن رائع جيمع بني الرتهيب والرتنيب‪ ،‬وجيمع بووني القو ج والرمحووة‪،‬‬

‫وجيمع بني الذكاء السيايس والفقه الدع ي‪ ،‬فم قفه مع ذيب سفيان يف الي م التايل واحل ار الذي‬

‫ار بينهأ من ذروع م اقف الس ج‪.‬‬

‫إسالم ذيب سفيان و وره يف فت مكة‬

‫عرض الرس ا ﷺ اإلسالم عىل ذيب سفيان بمنتهى الق ج‪ ،‬فه يعرض عليووه اإلسووالم لنجاتووه‬

‫وإال فاألصع ذن الرس ا ﷺ يف حع من ماء قووريش؛ ألهنووأ خووالف ا صوول احلديبيووة وقتلو ا‬

‫رجاالب من قبيلة خزاعة حليفة املسلمني‪ ،‬فعرض عليه اإلسالم ب يغة فيها ترهيب واض قااي‬

‫‪922‬‬
‫(وحيك يا ذبا سفيان‪ ،‬ذمل ي ن لك ذن تعلأ ذن ال إله إال ا ؟) هتديد واض ‪ ،‬ذهب وقت اإلقنوواع‬

‫واملحاورج‪ ،‬واآلن نحن عىل ذب اب حرب‪ ،‬وذب سفيان لوويس بالرجووع السووهع فهو موون هوواج‬
‫العرب‪ ،‬واستطاع ذن يق ّيأ امل قف ب رسع وقت وب و رج واقعيووة‪ ،‬ولووذلك ّ‬
‫تلطوف يف احلو ار‬

‫رج جتمع بني امل افقة وعدم االقتناع الكامع‪ ،‬فقاا ذب سفياني (ب يب ذنت وذمي‪ ،‬ما‬ ‫وذجاب ب‬

‫ذحلمك وذكرمك وذوصلك‪ ،‬وا لقد ظننت ذن ل كان مع ا ن ه لقوود ذننووى عنووي شوويئ با)‪،‬‬

‫وبعد مدح الرس ا ﷺ مل جياوب إجابة مبارشج قائالبي ذشهد ذن ال إله إال ا ‪ ،‬ولكوون قووااي لو‬

‫كان هناك آعة ذخرى كالالت ذو هبع ذو ن مها لوودافعت عنووا‪ ،‬فانتقووع معووه الرسو ا ﷺ إىل‬

‫النقطة األصعبي وهي االعرتا بنب ج الرس ا ﷺي ألن العرب ما كووان ا ينكوورون ذن ا عووز‬

‫وجع ه اخلالق‪ ،‬ولكنهأ كان ا يرشك ن معه ذصنامهأ‪ ،‬ذما قضية النب ج والرسالة فهذه كانووت‬

‫مرف ضة عندهأ متام با‪ ،‬فقاا له الرس ا ﷺي (وحيك يا ذبا سفيان ذمل ي ن لك ذن تعلأ ذ رس ا‬

‫ا ؟) فو ذب سفيان حتى هذه اللحظة مل يقتنع بقضية اإليامن‪ ،‬وه ال يريد يف نفووس ال قووت ذن‬

‫يكذب وه سيد قريش‪ ،‬وكان كام يق ا عن نفسهي وكنت امرذ ذتكرم عىل الكووذب‪ ،‬ويف نفووس‬

‫ال قت ال يريد ذن ي خذ م قف با حا با تك ن فيه هنايته‪ ،‬وإنام قاا ذب سفياني (ب يب ذنت وذمي‪ ،‬مووا‬

‫ء حتى اآلن)‪ ،‬ذيي ذنووه وإىل هووذه‬ ‫ذحلمك وذكرمك وذوصلك‪ ،‬هذه وا كان يف نفيس منها‬

‫ر ذب سفيان ذن تنهووار مقاومتووه كلهووا يف‬ ‫اللحظة مل يكن مقتنع با بنب ته ﷺ ‪ ،‬فه مرت ‪ ،‬ال يت‬

‫موودرك صووع بة امل قووف‪،‬‬ ‫رأ ا عنه ليدرك ذبا سفيان فو العبا‬ ‫حلظة‪ ،‬وهنا تدخع العبا‬

‫واحتاما قتع ذيب سفيان ونزو مكة وإهالك قريش احتاما وار جد با‪ ،‬وعمر بن اخلطوواب ّ‬
‫رصح‬

‫يف منتهى الق جي (وحيك يا ذبا سفيان ذسوولأ‪،‬‬ ‫بذلك يف الي م الذي قبيع هذا الي م‪ ،‬فقاا العبا‬

‫واشهد ذن ال إله إال ا ‪ ،‬وذن حممد با رس ا ا قبع ذن ترضب عنقك)‪ ،‬وهووذا لوويس إكراهو با يف‬

‫الدين‪ ،‬بع ه رمحة؛ ألن قتع ذيب سفيان يف هذا امل قف ال يستنكره ذحد؛ فه يسمى يف ذعوورا‬

‫‪923‬‬
‫الدواي بمجرم احلرب؛ ألنه بر انتيوواالب مجاعيو با قبووع ذلوك لسووكان املدينووة املنو رج يف نووزوج‬

‫عن ينهأ ط ا سن ات مكة واملدينووة‪ ،‬نو نقضووه العهوود مووع‬ ‫األحزاب‪ ،‬هذا ن فتنة النا‬

‫الرس ا ﷺ يف صل احلديبية‪ ،‬فقد ذصب حالا الدم‪ ،‬وهذا يف عر اجلميع مقب ا‪ ،‬وإسالمه‬

‫يرفع عنه عق بة مستحقة وله اخليار‪ ،‬فو ذب سفيان رجووع واقعووي فقوود ذ رك خطو رج امل قووف‬

‫ولذلك نطق بالشووها تني مبووارشجي (ذشووهد ذن ال إلووه إال ا وذن حمموود با رسو ا ا )‪ ،‬وذعلوون‬

‫رأ ا عنه صديق قديأ لووو ذيب سووفيان‪ ،‬ويوورى األزمووة‬ ‫إسالمه ذمام الرس ا ﷺ‪ ،‬والعبا‬

‫رأ ا عنووه‬ ‫التي وضع فيها ذب سفيان‪ ،‬ويرى اإلهنيار الذي تعرض له‪ ،‬وعذا طلب العبووا‬

‫من الرس ا ﷺ طلب با ليخرج ذبا سفيان من هذه األزمة‪ ،‬فقووااي (يووا رسو ا ا إن ذبووا سووفيان‬

‫رجع حيب الفخر فاجعع له شيئ با)‪ .‬هنا بوودذ الرسو ا ﷺ يفكوور يف األموور‪ ،‬وموون ال اضو ذن‬

‫إسالم ذيب سفيان كان إسالم اضطرار‪ ،‬فه مل يقتنع بعد بالنب ج‪ ،‬وإن مل يشعر بوواالنتامء احلقيقووي‬

‫للنظام اجلديد‪ ،‬فقد ينتهز ذي فرصة لالنقالب عىل املسلمني‪ ،‬وذبو سووفيان عظوويأ مكووة لعوودج‬

‫سن ات‪ ،‬فإن مل ينزله ﷺ منزله فإن هذا سيؤثر سلب با ال شك عىل ذيب سووفيان وعووىل ذهووع مكووة‬

‫يسووتخدمه ل ووال اإلسووالم‪،‬‬ ‫مجيع با‪ ،‬ثأ إن الرس ا ﷺ إذا ذعطى ذبا سفيان شيئ با فهو سو‬

‫وسيك ن ذب سفيان من رجاله ووالته بدالب من ذن يك ن من ذعدائه‪ ،‬وقد يرى ذلك بقية زعامء‬

‫ء من سلطان املسلمني كام ذخذ ذبو سووفيان؛ وعووذا الرسو ا ﷺ قوورر ذن‬ ‫مكة فيطمع ن يف‬

‫يعطيه شيئ با‪ ،‬ولكن الرس ا ﷺ يف ذلك ال قت ال يملووك موواالب كثو با يليووق بووزعيأ مكووة‪ ،‬وال‬

‫يستطيع ذن يعده بإمارج؛ ألنه مل يست ثق بعد من صدق إيامنه؛ ألن الظوواهر ذنووه ذسوولأ مضووطر با‪،‬‬

‫وقد يؤذي املسلمني بإمارته س اء عىل مكة ذو ن ها‪ ،‬ففكر الرس ا ﷺ يف إعطائووه شوويئ با ينفووع‬

‫وال يرض‪ ،‬ما ه هذا اليشء؟ قاا ﷺي (من خع ار ذيب سفيان فه آمن‪ ،‬ومن ذنلق بابه فهو‬

‫آمن‪ ،‬ومن خع املسجد احلرام فه آمن) فالرس ا ﷺ خ ه بخ ي ة جتعله مميز با عىل ذقرانووه‬

‫‪924‬‬
‫من ذهع مكة‪ ،‬وهي ذن اره ذصبحت م وى ألهع مكة وذمان با عأ‪ .‬لكن املتدبر حقيقة يف األموور‬

‫جيد ذن النبي ﷺ ذعطاه شيئ با بال خسارج‪ ،‬هذا اليشء ال يقدم وال يؤخر كث با عند املسلمني‪ ،‬بينام‬

‫ه يكسب قلب ذيب سفيان ؛ ألن ذي إنسان ُيغلق عليه بابه سيك ن يف نفس األمن الووذي يف ار‬

‫ذيب سفيان ‪ ،‬ذي ذنه ليس هناك مزية واضحة‪ ،‬لكن جعع له ن ع با من الفخر الرشيف الووذي ينفووع‬

‫وال يرض‪ ،‬وهنا نجد الت ازن الرائع‪ .‬نجد ذيضو با ذن ذبووا سووفيان هبووذه املنحووة التووي ذعطاهووا لووه‬

‫ذن يدخل ا بي هتأ‪ ،‬وذال يقوواوم ا‪ ،‬ويف هووذا تسووكني‬ ‫الرس ا ﷺ سيدخع إىل مكة افع با للنا‬

‫لث رج الغضب يف اخع مكة املكرمة‪ ،‬ويف هذا تسهيع لفت مكة املكرمووة ون خسووائر كووربى‪،‬‬

‫إهنا حكمة سياسية هائلة‪ ،‬وفقه ع ي عىل ذعىل مست ى‪ ،‬لكن هنا ملمو مهووأ جوود با نريوود ذن‬

‫نقف عليه وه ذن الرس ا ﷺ‪ ،‬هبذا القوورار‪ ،‬وهو قوورار تو مني موون خووع ار ذيب سووفيان ذو‬

‫املسجد ذو من لزم بيته هبذا القرار يك ن قد ذصدر قرار حظر جت ّ ا مؤقت يف مكة‪ ،‬ومنع النا‬

‫من الس يف ش ارع مكة؛ ألن هذا القرار سيقرص األمان عىل من خع بيته ذو بيت ذيب سووفيان‬

‫ذو املسجد‪ ،‬ذما من مل يدخع بيته وسار يف الشارع بغض النظر عووام يفعلووه يف الشووارع فهو نو‬

‫من ذي فرصووة للمقاومووة‪ ،‬ويف نفووس ال قووت ليمنووع القتووع‬ ‫آمن‪ ،‬هذا حظر جت ّ ا ليمنع النا‬

‫العش ائي يف ذهع مكة‪ ،‬فهذه عملية عسكرية خط ج جد با‪ ،‬ونريدها ذن تتأ ب قع خسووائر ممكنووة‬

‫من الطرفني‪ .‬هذا الفعع وإن كان يتبدى فيه احلزم ال اضو موون رسو ا ا ﷺ إال ذنووه يظهوور‬

‫الرمحة عنده ﷺ‪ ،‬فه ال يريد إراقة ماء ذهع مكة‪ ،‬مع ذن موواء املسوولمني سووالت نزيوورج قبووع‬

‫ذلك‪.‬‬

‫ذخذ النبي ﷺ قرار حظر التج ّ ا يف مكة‪ ،‬وهذا يشبه يف زماننا قان ن الط ارئ‪ ،‬ف حيانو با يتخووذ‬

‫يطبوق هووذا القووان ن‬


‫هذا القان ن يف ظرو صعبة خاصة متر هبووا البلوود‪ ،‬لكوون الرسو ا ﷺ مل ّ‬
‫اخلاص االستثنائي ملدج سنة ذو سنتني ذو عرشج ذو عرشين ذو مخسة وعرشين سنة‪ ،‬ولكن طبقووه‬

‫‪925‬‬
‫عدج ساعات فقط‪ ،‬وهذا ليع ق ته ﷺ‪ ،‬و ليع ق ج حك مته ومدى جتانس هذه احلك مووة مووع‬

‫الشعب الذي ُحيكأ‪ ،‬حتى وإن كان هذا الشعب ه شووعب مكووة الووذي حووارب الرسو ا ﷺ‬

‫سنني وسنني‪ .‬ال شك ذن الرس ا ﷺ كان يدرك ذن ط ا مدج هذه الطو ارئ سووترتك انطباعو با‬

‫سلبي با عند الشعب‪ ،‬ي حي بغياب األمن واألمان يف الدولة‪ ،‬وعذا سارع بانتهائها‪.‬‬

‫الرس ا ﷺ خاطب ذبا سفيان يف البداية بالق ج واحلزم‪ ،‬ثأ بعد إسالمه ذعطاه شوويئ با يفخوور بووه‪،‬‬

‫ء‪ ،‬بووالعكس فقوود اسووتخدمه‬ ‫ويمتلك قلبه هبذا الفخر مع عدم فقد الدولة اإلسووالمية ألي‬

‫ليفت الطريق جلي ش املسلمني لتدخع مكة بغ قتاا‪ ،‬ومع ك ن املشهد يف ظاهره قد انتهى إال‬

‫ذن الرس ا ﷺ ذرا ذال يرتك ذي فرصة للشيطان مع ذيب سفيان ‪ ،‬وقد يك ن إسووالم ذيب سووفيان‬

‫هنا إسالم با عارض با جد با للخروج من امل زق فقط‪ ،‬فو را الرسو ا ﷺ ذن يزلووزا معن يووات ذيب‬

‫سفيان حتى ال يبقى عنده ذي ذمع يف املقاومة‪ ،‬فامذا فعع الرس ا احلكيأ ﷺ؟‬

‫بن عبد املطلب ذن يقف بو يب سفيان عند مكان ما يشاهد فيه اجلي ش‬ ‫ذمر الرس ا ﷺ العبا‬

‫اإلسالمية وذعدا ها وعدهتا وتن ع ذفرا ها‪ ،‬وتعد قبائلهووا‪ ،‬لقوود ذرا ﷺ ذن يريووه األحووزاب‬

‫املؤمنة‪ ،‬فشتان بني هذه األحزاب وبني األحزاب التي قا ها ذب سفيان قبووع ذلووك؛ لوويعلأ ذبو‬

‫احبسه بمضيق ال ا ي‬ ‫ي (يا عبا‬ ‫سفيان ذنه ال طاقة له فع ب‬


‫ال هبؤالء‪ ،‬قاا الرس ا ﷺ للعبا‬

‫األموور النبو ي وذخووذ ذبووا سووفيان‬ ‫عند خطأ اجلبع حتى متر به جن ا ف اها) فنفذ العبووا‬

‫وذوقفه عند املنطقة التي ذكرها ﷺ‪ ،‬ووقف ذب سفيان يشاهد العوورض العسووكري اإلسووالمي‬

‫املهيب‪ ،‬جن ا كام سامها الرس ا ﷺ‪ ،‬وانبهر ذب سفيان فع ب‬


‫ال وفقوود كووع ذمووع يف املقاومووة‪،‬‬

‫وانبهار ذيب سفيان ليس ألنه ذوا مرج يشاهد فيها هذه األعدا ‪ ،‬ال‪ ،‬بع قد شاهد هووذه األعوودا‬

‫منذ ثالث سن ات تقريب با يف نزوج األحزاب‪ ،‬رذى ‪ 10000‬مقاتع‪ ،‬بع كان ه يرذسووها مجيعو با‪،‬‬

‫وإنام انبهر ألم ري‬

‫‪926‬‬
‫ذوالبي ألن ا عز وجع يلقي اجلالا والرهبووة واعيبووة عووىل جنو ه سووبحانه وتعوواىل‪ ،‬ويف ذات‬

‫ال قت يلقي الرعب يف قل ب ذعداء الدين‪ ،‬ف ون ذحد املسلمني عرشج‪ ،‬ويرون الق ج اليسو ج‬

‫من املسلمني ق ج هائلة‪ ..‬وهكذا‪.‬‬

‫ثاني باي ذنه رذى يف هذه اجلي ش عدج قبائع كانت تربطه هبووأ عالقووات ق يووة جوود با‪ ،‬مل يكوون بينووه‬

‫وبينها عداء يذكر‪ ،‬فإذا هبذه القبائع مجيع با جتتمع حتت راية رس ا ا ﷺ‪.‬‬

‫ثالث باي وحدج ال ف التي رآها ذب سفيان ‪ ،‬واجتامع اجلميع عووىل قلووب رجووع واحوود‪ ،‬واأللفووة‬

‫وامل ج وال البة يف مشيتهأ ويف ت ميمهأ‪ ،‬وهذا الكالم كله يزلزا ذبا سفيان ‪ ..‬مشهد يدع‬

‫إىل انبهار ذي مراقب‪ .‬ال شك ذن انبهار ذعداء األمة بال ف املسلأ املتحد ذموور ال ينكوور‪ ،‬فكووأ‬

‫رذينا من ق ى عاملية ختشى طائفة يس ج موون املسوولمني ال ليشووء ولكوون لقو ج إيامهنووأ ووحوودج‬

‫صفهأ وحسن إعدا هأ‪ ،‬والتاريخ يتكرر‪.‬‬

‫رأ ا عنه حلالة ذيب سفيان عند رؤية اجلي ش اإلسالمية‪.‬‬ ‫ننتقع إىل وصف العبا‬

‫ي ومرت به القبائع عىل راياهتا‪ ،‬فكلام مرت قبيلة قوواا ذبو سووفيان ي موون هووؤالء؟‬ ‫قاا العبا‬

‫ف ق اي سليأ‪ ،‬فيق اي ما يل ولسليأ؟ ثأ متر القبيلة األخرى فيق اي من هؤالء؟ ف ق اي مزينة‪،‬‬

‫بنو فووالن‪..‬‬ ‫العبووا‬ ‫فيق اي ما يل وملزينة؟‪ ،..‬وهكذا كلام مرت قبيلة س ا من هووؤالء؟ فو‬

‫وهكذا‪ ،‬فيق اي ما يل ولبني فالن حتى مر رس ا ا ﷺ يف الكتيبة اخلضووراء‪ ،‬وهووذه الكتيبووة‬

‫بن عبد املطلب ي ال يرى موونهأ إال احلوودق‪ .‬ذيي ذن‬ ‫فيها املهاجرون واألن ار كام يق ا العبا‬

‫الكتيبة مغطاج بالدروع والسالح ال ترى إال ذعينهأ من خالا الدروع‪ ،‬قاا ذب سفيان وهو يف‬

‫ذشد حاالت االنبهوواري (موون هووؤالء يووا عبووا ؟) قلووتي (هووذا رسو ا ا ﷺ يف املهوواجرين‬

‫ي (ما ألحد هبؤالء قبع وال طاقة‪ ،‬وا يا ذبا الفضع‬ ‫واألن ار)‪ ،‬قاا ذب سفيان يف منتهى الي‬

‫‪927‬‬
‫لقد ذصب ملك ابن ذخيك الغداج عظي بام)‪ ،‬قلتي (يا ذبا سفيان إهنا النب ج)‪ ،‬فقووااي (فوونعأ إذ با)‪،‬‬

‫قلتي (النجاء إىل ق مك)‪ ،‬قااي فخرج ذب سفيان حتووى إذا جوواءهأ رصع بو عىل صو تهي (يووا‬

‫معرش قريش هذا حممد قد جاءكأ بام ال قبع لكأ به)‪ ،‬وهنا حيقق الغرض الووذي كووان الرسو ا‬

‫ﷺ من ذجله ذعطاه هذا الفخر‪ ،‬فهذا يمنع قريشو با موون املقاومووة‪ ،‬وحيقوون موواء قووريش و موواء‬

‫املسلمني مجيع با‪ ،‬فقه سيايس عاا جد با‪ ،‬قااي (هذا حممد قد جاءكأ بام ال قبع لكأ به)‪ ،‬ثأ قووااي‬

‫(فمن خع ار ذيب سفيان فه آمن)ومل يقعي من خع اره‪ ،‬ولكنه اكتفى بووام هو لووه؛ ليظهوور‬

‫فخرهي (فمن خع ار ذيب سفيان فه آمن)‪ ،‬فقامت إليه امرذته وهي هند بنت عتبة وهووي موون‬

‫ذشد املقاومني لإلسالم ومن ذشد املحوواربني لووه‪ ،‬ف خووذت بشوواربه وقالووت للجميووعي (اقتلو ا‬

‫الدسأ األمحس ‪-‬ذيي السمني‪ -‬فبئس من طليعة ق م)‪ ،‬ثأ قااي (وحيكأ ال تغوورنكأ هووذه موون‬

‫عليه‬ ‫ذنفسكأ‪ ،‬فإنه قد جاء ما ال قبع لكأ به‪ ،‬من خع ار ذيب سفيان فه آمن)‪ ،‬فتجمع النا‬

‫وقال ا لهي (ويلك وما تغني عنا ارك؟) فقااي (ومن ذنلق بابه فه آمن‪ ،‬وموون خووع املسووجد‬

‫و خل ا ورهأ واملسجد‪ .‬لقد ذصب ذب سفيان يف هناية الي م موودافع با‬ ‫فه آمن)‪ ،‬فتفرق النا‬

‫عن خ ا الرس ا ﷺ إىل مكة املكرمة‪ ،‬فاحت با الطريق له‪.‬‬

‫خطة الرس ا ﷺ العسكرية لدخ ا مكة‬

‫فقسوأ جيشووه إىل‬


‫عند اقرتاب الرس ا ﷺ من مكة بدذ يضع اخلطة العسووكرية لوودخ ا مكووة‪ّ ،‬‬
‫ذربعة فرقي فرقة عىل رذسها خالد بن ال ليد رأ ا عنه‪ ،‬وهذه تدخع من جن ب مكة‪ ،‬وهي‬

‫فرقة فرسان ق ية جد با‪.‬‬

‫الفرقة الثانيةي عىل رذسها الزب بن الع ام رأ ا عنه وتدخع من كداء شاما مكووة املكرمووة‪،‬‬

‫وهي ذيض با فرقة فرسان‪ .‬وهاتان الفرقتان حتارصان مكة ك هنا بني فكي كامشة‪.‬‬

‫‪928‬‬
‫الرجالة املشاج بقيا ج ذيب عبيدج بن اجلراح رأ ا عنه‪.‬‬
‫الفرقة الثالثةي هي فرقة من ّ‬

‫ذما الفرقة الرابعةي فهي فرقة األن ار رأ ا عنهأ وعىل رذسها سعد بن عبا ج رأ ا عنووه‬

‫وذرضاه‪ ،‬ويف هذه الفرقة كان يس رس ا ا ﷺ ‪ ،‬والرس ا ﷺ ذمر الفرق األربووع بااللتقوواء‬

‫عند ال فا‪ ،‬كع فرقة ت يت من ناحية وتدخع مكة املكرمة ثأ يلتقو ن مجيعو با عنوود جبووع ال ووفا‬

‫بالقرب من البيت احلرام‪.‬‬

‫يف مكة استمع ا لكووالم ذيب سووفيان و خلو ا األموواكن اآلمنووة‪ ،‬إمووا ذهنووأ خلو ا‬ ‫معظأ النا‬

‫املسجد احلرام‪ ،‬ذو خل ا بي هتأ‪ ،‬ذو خل ا ار ذيب سفيان‪ ،‬لكن بعووض زعووامء قووريش نو ذيب‬

‫سفيان قرروا القيام بمحاولة يائسة للمقاومة لعلهووا توونج مووع مجووع ذوبوواش قووريش؛ العبيوود‬

‫والفقراء وع ام النا ‪ ،‬فهؤالء الزعامء يدفع ن هبؤالء األوباش إىل قتوواا اجلوويش اإلسووالمي‪،‬‬

‫هؤالء عكرمة بن ذيب جهع وصف ان بوون ذميووة ومهووا موون ذشووهر فرسووان قووريش‪،‬‬ ‫وكان يرذ‬

‫وكانت النتيجة يف حسابات زعامء قريش ذحد ذمريني إما نرص‪ ،‬وسيك ن هذا الن ور للسووا ج‪،‬‬

‫وإما هزيمة فعندها سيسلم ن للرس ا ﷺ ما يريده‪ ،‬ول كانت اعزيمة قاسووية وفقوود اجلوويش؛‬

‫ألن اجليش هأ من األوباش الذين ال قيمة عأ عندهأ‪ ،‬وهكذا هي اجلي ش العلامنية‪ ،‬الن وور‬

‫للسا ج‪ ،‬والتضحية والبذا للعبيد‪ .‬ذقىص ذحالم اجلندي املنترص يف اجلي ش العلامنية ذن يعطووى‬

‫نيشان با ذو عدج عرشات ذو مئات من اجلنيهات‪ ،‬وعند اعزيمة يضح ن باآلال واملاليووني‪ ،‬ذمووا‬

‫السا ج يف اجلي ش العلامنية فيحتفل ن بالنرص وال يدفع ن ذثامن اعزائأ‪ ،‬وهووذا الكووالم خالفو با‬

‫للجي ش اإلسالمية متام با‪ ،‬فالرس ا ﷺ كان يقاتع مع جن ه ك حدهأ متام با‪ ،‬يعا كام يعووان ن‬

‫ويتعرض للخطر كام يتعرض ن‪ ،‬والغنائأ يف حالة الف ز ت ّزع عىل جوويش املنت وور‪ ،‬واعزيمووة‬

‫رج تلقائيووة طبيعيووة‪،‬‬ ‫يشرتك يف فع ثمنها اجلميع‪ .‬هذا األمر يزرع االنتامء يف قل ب اجلميع ب‬

‫فهذا ه ال ضع يف اجلي ش اإلسالمية‪ ،‬لكن ال ضع يف مكة كان ن هذا‪ ،‬فقد كان ال ضووع يف‬

‫‪929‬‬
‫بدخ ا البيو ت وجتنووب القتوواا‪ ،‬إال فرقووة موون العبيوود‬ ‫مكة عبارج عن قب ا املعظأ من النا‬

‫والفقراء يق هأ عكرمة بن ذيب جهع وصف ان بن ذمية‪ ،‬وكانت متمركزج عنوود منطقووة تسوومى‬

‫اخلندمة يف جن ب مكة‪ ،‬وهذه األخبار ت ع الرس ا ﷺ‪ ،‬ومن ثووأ ذصوودر الرسو ا ﷺ عوودج‬

‫ذوامر‪ ،‬ذصدر ثالثة ذوامر رئيسيةي‬

‫األمر األواي ال تقاتل ا إال من قاتلكأ‪ ،‬فليس الغرض من الفت ه االنتقووام موون ذهووع مكووة‪،‬‬

‫رنأ كع التاريخ األس لكفارها‪ ،‬لكن الغرض ه حكأ هذه البلدج الطيبة باإلسالم‪ ،‬وتعليأ‬

‫ين رب العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهذا حكأ عام ينطبق عىل كووع احلووروب اإلسووالمية‪،‬‬ ‫النا‬

‫ورذيناه يف مجيع الفت حات اإلسالمية‪.‬‬

‫األمر الثا ي إذا لقيتأ ذوباش قريش الذين يقاتل ن فاح دوهأ ح وود با‪ ،‬يف مقابووع الرمحووة يف‬

‫األمر األوا هناك احلزم والق ج يف األمر الثا ‪ ،‬فووال بوود ذن يوورى ذهووع الباطووع قو ج املسوولمني‬

‫وب سهأ‪ ،‬وعندها ستلني قناهتأ‪ ،‬وسيسلس قيا هأ‪ ،‬وهذا ذحفظ لدمائهأ و ماء املسلمني‪.‬‬

‫األمر الثالثي إهدار م جمم عة من كفار مكة‪ ،‬وهذه املجم عة ارتكبت جرائأ شنيعة يف حووق‬

‫الدولة اإلسالمية‪ ،‬وهووي جوورائأ ال تغتفوور‪ ،‬حتووى إن رسو ا ا ﷺ وهو املشووه ر بالرمحووة‬

‫واملعرو بالرفق واللني يق ا يف حقهأي (اقتل هأ ول تعلق ا ب ستار الكعبووة) وكووان ا بضووعة‬

‫ال وامرذج‪ ،‬وكانت هذه اللة واضحة جد با عىل جدية الدولة اإلسالمية‪ ،‬وعوودم قبو ا‬
‫عرش رج ب‬

‫الدولة اإلسالمية ب ي حاا من األح اا ذن يسخر ذحد منها ذو من رم زها‪ ،‬وخاصة ذن معظأ‬

‫هؤالء الذين ُذهدر مهأ كانت جريمتهأ هي سب الرس ا ﷺ والسخرية منه‪ ،‬والتعريض به‬

‫والتهكأ عليه‪ ،‬وال خيفى عىل ذحد ذن الطعن يف رس ا ا ﷺ ليس كالطعن يف ذي قائد؛ ألنووه‬

‫ليس جمر زعيأ للدولة اإلسالمية‪ ،‬بع هو ناقووع عوون رب العووزج‪ ،‬ورسو ا موون رب العوواملني‬

‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬فالطعن فيه طعن يف ين ورشع وقان ن وكيان الدولة اإلسووالمية‪ ،‬وهو مووا ال‬
‫‪930‬‬
‫جيب ذن ينسى بسه لة؛ وعذا كووان األموور ال ووارمي (اقتلو هأ ولو تعلقو ا ب سووتار الكعبووة)‪،‬‬

‫وبعضهأ قتع فع ب‬
‫ال وبعضهأ تاب‪ ،‬وعا إىل الرس ا ﷺ وذعلن الت بة الرصحية بني يديه وقبووع‬

‫منه الرس ا ﷺ ‪.‬‬

‫م قف الرس ا ﷺ من إرا ج سعد بن عبا ج مقاتلة ذهع مكة ي م الفت‬

‫خلت اجلي ش اإلسالمية مكة كام خطووط عووا رسو ا ا ﷺ ‪ ،‬ومكووث معظووأ ذهووع مكووة يف‬

‫بي هتأ وكانت ش ارع مكة يف األنلب خالية من املارج‪ ،‬وكانت رنبة الرس ا ﷺ األكيوودج ذال‬

‫حيدث قتاا‪ ،‬وخاصة يف هذا البلد احلرام‪ ،‬فهي ذحب البال إىل قلبووه ﷺ ‪ ،‬ومووع وضو ح هووذه‬

‫الرنبة يف كالم وذفعاا الرس ا ﷺ إال ذن بعض ال حابة كانت تراو هأ ذحالم االنتقووام مموون‬

‫ذذاق ا املسلمني العذاب ذل ان با‪ ،‬من ذلك ذن سعد بن عبا ج رأ ا عنه سوويد األن ووار وقائوود‬

‫كتيبة األن ار قاا يف محاسة عند خ له مكةي (اليو م يو م امللحمووة‪ ،‬اليو م تسووتحع الكعبووة)‪،‬‬

‫وهذه الكلامت تعرب عن رنبة يف القتاا‪ ،‬مع ذن هووذه الكلووامت عووا خلفيووة رشعيووة وعووا منطووق‬

‫مقب ا إال ذهنا مل ترض الرس ا ﷺ ‪ ،‬فاخللفيووة الشوورعية ذن الرسو ا ﷺ قووااي (إن مكووة قوود‬

‫ذحلت له ساعة من هنار) القتاا يف ذلك ال قت قتاا رشعي‪ ،‬لكن الرس ا ﷺ كان يريده فقط‬

‫عند االضطرار‪ ،‬وذن األصع ذال نقاتع‪ ،‬ولكن منطق سعد بن عبا ج هذا منطق مفه م ومقب ا‪،‬‬

‫فاملنطق كان يؤيد هذا األمر يف رذي العم م من النا ؛ فمكة اآلن حمك مة ب هع الكفر وقتوواعأ‬
‫واجب‪ ،‬فهؤالء هأ الذين ّ‬
‫عذب ا املؤمنني‪ ،‬وهأ الووذين ذخرجو ا الرسو ا ﷺ آذوه وذصووحابه‬

‫قبع ذلك‪ ،‬بع إن سعد بن عبا ج قد تعرض ألذى قريش ب و رج مبووارشج‪ ،‬وارجعو ا إىل ر‬

‫بيعة العقبة الثانية ففي آخر البيعة ذمسك املرشك ن بو سعد بن عبا ج ورضب ه رضب با مربحو با مووع‬

‫ك نه سيد اخلزرج‪ ،‬ومن الشخ يات اعامة جد با يف اجلزيرج العربية‪ ،‬وال شك ذن هووذه احلا ثووة‬

‫تركت يف نفسه ذثر با وذرا ذن يعاملهأ باملثع فقاا مثع هذه الكلامت‪ ،‬ومع كع هذه املربرات إال‬

‫‪931‬‬
‫ذن الرس ا ﷺ مل يكن يريد قتاالب فعالب‪ ،‬ووصلت إليووه كلمووة سووعد بوون عبووا ج عوون طريووق ذيب‬

‫سفيان‪ ،‬وذب سفيان ارتعب عند سووامع كلمووة سووعد بوون عبووا ج هووذه‪ ،‬وذرسع إىل الرسو ا ﷺ‬

‫يست ثق من ذمر األمان ألهع مكة‪ ،‬فقاا ﷺ عندما سمع هذه الكلامتي (اليو م يو م املرمحووة)‬
‫ير عىل كلمة سعدي الي م ي م امللحمة‪ ،‬قاا ﷺي (الي م ي م املرمحووة‪ ،‬هووذا يو م ّ‬
‫يعظوأ ا فيووه‬

‫الكعبة وي م ُتكسى فيه الكعبة) فالرس ا ﷺ صح املفاهيأ ومل يكتف بذلك‪ ،‬لقد خيش ﷺ‬

‫ذن ي خذ سعد بن عبا ج فرقته من األن ار هبذه الروح القتالية فيتساهع يف ذموور القتوواا‪ ،‬لووذلك‬

‫نزع الراية منه وذعطاها لغ ه‪ ،‬لكن بفقه ع ي رائع جد با ذرا ذن يطيب خاطر سعد بوون عبووا ج‬

‫وال يؤثر عىل نفسيته وخاصة ذنه زعيأ اخلزرج‪ ،‬ف عطى الراية لو قيس بن سعد بن عبا ج‪ ،‬فكان‬

‫نفسه ﷺ بتنفيووذ‬ ‫سعد بن عبا ج وذر‬ ‫به كع األطرا ‪ ،‬ذر‬ ‫قرار با يف منتهى احلكمة ذر‬

‫ذبا سفيان الذي اشتكى إليه هذه الكلمووة القاسووية عليووه‪،‬‬ ‫القرار ذال يقاتع إال من قاتع‪ ،‬وذر‬

‫وخاصة ذنه قد ذعطى ذمان با ألهع مكة‪.‬‬

‫خلت اجلي ش اإلسالمية مكة من كع مكان‪ ،‬ومل تلق قتاالب يذكر إال يف جن ب رشق مكة كووام‬

‫ذكرنا عند منطقة اسمها اخلندمة‪ ،‬حني تزعأ عكرمة بن ذيب جهووع وصووف ان بوون ذميووة ذوبوواش‬

‫قريش وقاتل ا يف هذه املنطقة‪ ،‬والذي خع من اجلن ب من املسلمني خالد بن ال ليد رأ ا‬

‫عنه بفرقة ق ية من الفرسان‪ ،‬ومع ك ن خالد رأ ا عنه صديق با قدي بام ومحي بام لووو عكرمووة ولووو‬

‫صف ان إال ذنه كان متجر با متام التجر ‪ ،‬وقاتع قتاالب شديد با رائع با تطاير من ح لووه املشوورك ن‪،‬‬

‫وما هي إال حلظات حتى صارت الفرقة املرشكة ما بني قتيع وذس وفار‪ ،‬وهوورب صووف ان بوون‬

‫ذمية وكذلك عكرمة بن ذيب جهع هربا من مكة بكاملها‪ ،‬ومخدت املقاومة متام با يف مكة املكرمة‪،‬‬

‫وفتحت مكة ذب اهبا خل البرش ﷺ يدخلها آمن با مطمئن با عزيز با‪.‬‬

‫‪932‬‬
‫لعع هذه هي ذعظأ حلظات الس ج النب ية فهي اللحظة التي مسووحت آثووار رحلووة ط يلووة موون‬

‫املعاناج واألمل‪ ،‬واللحظة التي انتظرها املسلم ن ذكثر من عرشين سنة‪ ،‬واللحظة التووي سوويحكأ‬

‫فيها حرم ا برشع ا عووز وجووع‪ ،‬ثووالث عشوورج سوونة مت وولة يف مكووة موون األمل والتعووذيب‬

‫واالضطها ‪ ،‬ذين ذولئك الساخرون من اإلسالم؟ ذين ذولئك املتهكم ن عىل رسو ا ا ﷺ ؟‬

‫ذين الذين كان ا يق ل ني شاعر‪ ،‬ذو جمن ن؟ ذيوون الووزعامء واألسوويا واألرشا والقو ا ؟ ذيوون‬

‫اجلبابرج والط انيت؟ ال تسمع منهأ الي م إال مهس با‪.‬‬

‫ال شك ذن الرس ا ﷺ عند خ له مكة كان يستعرض رشيطو با كووام ب‬


‫ال للووذكريات‪ ،‬وموور عووىل‬

‫ذهنه ﷺ وه يدخع مكة هبذا الدخ ا العظيأ الفات ‪ ،‬تذكر هنووا كانووت الطف لووة والشووباب‪،‬‬

‫وهنا نزا عليه جربيع عليه السالم للمرج األوىل‪ ،‬وهنا كانت خدجية رأ ا عنهووا‪ ،‬ذكريووات‬

‫‪ 25‬سنة كاملة‪ ،‬ذكريات اجلها وال رب حتووى ال فوواج‪ .‬هنووا موورت حلظووات سووعيدج جوود با عووىل‬

‫املسلمني‪ ،‬حلظة ي م ذسلأ ال ديق وي م ذسلأ عمر وي م ذسلأ عثامن وعيل ومحزج وذب عبيوودج‬

‫وسعد ذكريات مجيلة‪ ،‬هنا ار األرقأ بكع ذكرياته اجلميلة ذيض با‪.‬‬

‫وهنا يف نفس ال قت ال رب والكفاح والثبات‪ ،‬فمن هنا خرج املهاجرون إىل احلبشة‪ ،‬ومن هنووا‬

‫خرج املهاجرون ذيض با إىل املدينة املن رج‪ ،‬ومن هنووا خوورج الرسو ا ﷺ وصوواحبه ال ووديق يف‬

‫هجرج صعبة يف مطار ج رشسة‪ ،‬وزعامء الكفر مجيع با قد جندوا ذنفسهأ حلربه ذو لقتلووه‪ ،‬يلتفووت‬
‫إنك ألحب بال ا إيل‪ ،‬ول ال ذن ذهلو ِ‬
‫وك ذخرجو‬ ‫ِ‬ ‫إىل مكة حاا خروجه منها ويق اي (وا‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫منك ما خرجت) وبعدها متر األيام ومتر ثامنية سنني كاملة‪ ،‬ذحداث ساخنة‪ ،‬وم اقووف صووعبة‪،‬‬

‫جها ومشقة‪ ،‬وعناء وكفاح‪ ،‬لكن ما نابت مكة عن الذهن حلظة واحدج‪ ،‬وهنووا يتحقووق حلووأ‬

‫كثو ون يظنو ن ذن هووذا ذموور‬ ‫السنني‪ ،‬ذصب األمع واقع با‪ ،‬وصار احللأ حقيقة‪ ،‬وهناك ذنووا‬
‫ان ا َُّ لِيع ِجو َزه ِمون َ ء ِيف السوم ِ‬
‫ات َوال ِيف‬ ‫مستحيع‪ ،‬لكن تبقى احلقيقة ال اضحةي { َو َما َكو َ‬
‫َّ َ َ‬ ‫ُ ْ ْ‬ ‫ُْ‬

‫‪933‬‬
‫َان َع ِل بيام َق ِد بيرا} [فاطري‪ ]44‬إنه ن وور ا وتوودب ا وت فيووق ا ‪ .‬الرسو ا ﷺ‬
‫ض إِ َّن ُه ك َ‬
‫األَ ْر ِ‬

‫يدرك ذلك متام اإل راك؛ لذلك مل يدخع مكة خ ا املنترصين املتكربين‪ ،‬رافع با رذسووه متعاليو با‬

‫عىل ن ه‪ ،‬ناسب با النرص لنفسه‪ ،‬حاشا ‪ ،‬ولكنه خووع مكووة خو ا املت اضووعني عووز وجووع‬

‫اخلاشعني له‪ ،‬خفض رذسه ﷺ يف ت اضع حتى كا ت ذن متس ظهوور ابتووه‪ ،‬خووع وهو يتلو‬

‫س رج النرص‪ ،‬فيذكر نفسه ويذكر املؤمنني ح له ويووذكر املووؤمنني إىل يو م القيامووة‪ ،‬بووع ويعلووأ‬

‫مجيع با ذن النرص من عند ا عز وجع‪ ،‬وذنه سبحانه وتعاىل إذا قىض شيئ با فال را لقضائهي‬ ‫النا‬

‫اجوا * َف َسو ِّب ْ بِ َح ْمو ِد َر ِّبو َك‬ ‫َرص ا َِّ َوا ْل َف ْت ُ * َو َر َذ ْي َت النَّا َ َيدْ ُخ ُل َن ِيف ِ ِ‬
‫ين ا َِّ َذ ْف َ ب‬ ‫{إ َذا َجا َء ن ْ ُ‬
‫ِ‬

‫َان َت َّ ا ببا} [النرصي‪.]3 - 1‬‬ ‫اس َت ْغ ِف ْر ُه إِ َّن ُه ك َ‬


‫َو ْ‬

‫وصار امل كب املهيب اجلليع حتى خع صحن الكعبة‪ ،‬ليبدذ الرس ا ﷺ ومن اللحظة األوىل‬

‫احل ْكو ُأ إِ َّال َِّ}‬ ‫ِ‬


‫يف إعالن إسالمية الدولووة وربانيووة الترشوويع‪ ،‬ول ّسوخ القاعوودج األصوويلة {إِن ْ ُ‬
‫[األنعامي‪.]57‬‬

‫ونس ا ا عز وجع ذن يعز اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وذن يرفع رايووات امل حوودين‪ ،‬وذن يرينووا ي مو با‬

‫تفت فيه بال األرض باإلسالم ويظهر فيه الدين‪ ،‬ويعز ا عز وجع فيه املووؤمنني‪ ،‬ويووذا فيووه‬

‫املرشكني‪ ،‬إنه ويل ذلك والقا ر عليه‪.‬‬

‫‪934‬‬
‫‪39‬‬

‫إسالم مكة‬

‫أول ما دخل ﷺ الكعبة املكرمة أمر بتكسري األصنام التي حوهلا داخلها‪ ،‬فقد كان حول الكعبة‬

‫اه عممنهآ وأهلل مماهآ‬ ‫‪ 360‬صن ًام غري هبل أعظممآ تهلممتهآ‪ ،‬فالر ممول ﷺ أمممر الام ابة هلل‬

‫أمجعني بتكسري كل هذه األصنام وشاهللكهآ يف ذلك‪ ،‬وهذا األمر كممان بعممد صم دام ‪ 21‬ممنة‬

‫كاملة‪ ،‬فقد كان الر ول ﷺ يطوف بالكعبة مدة ‪ 13‬نة متتالية؛ الفرتة املكيممة‪ ،‬وي يفكممر مممرة‬

‫واحدة يف كرس صنآ واحد‪ ،‬وطاف يف عمرة القضاء قبممل الفممتا بعممام واحممد وي يفكممر ظممة‬

‫واحدة يف كرس صنآ واحد من هذه األصنام‪ ،‬وهذه املفاهللقة وهذه املقاهللنة بممني املمموقفني تمما‬

‫منا إىل وقفة‪ .‬بعد ص ‪ 21‬نة اآلن ال يا ﷺ ظة واحدة‪ ،‬فهممو ي يقممآ الاممية وي يكلممآ‬

‫الناس وي يعمل أي يشء قبل أن يكرس األصنام ويأمر بذلك‪.‬‬

‫عندما نأيت لندهللس رية الر ول ﷺ البد أن نأخذ اهتامم ًا خاص ًا باألعامل التممي قممام مما ﷺ‪،‬‬

‫بمعنى أنه إذا بدأ بيشء ما فهذا األمر مقاود‪ ،‬فكل خطوة مممن خطوا ممه ﷺ متابعممة بمالوحي‪،‬‬

‫وفيها هللعاية كاملة من هللب العاملني ب انه و عاىل‪ ،‬وهي رشيع للمسلمني‪ ،‬فالر ول ﷺ يمموم‬

‫الفتا ال يا دقائق عىل وجود صنآ يعبد مممن دون اه عممل وجممل‪ ،‬هممذا ممما أ ممميه بممم فقممه‬

‫املوازنات‪ ،‬وفقه الواقع‪ ،‬وفقه دفع أك الرضهللين‪ ،‬وجلب أك املنفعتني‪ .‬لو كممان الر ممول ﷺ‬

‫كرس هذه األصنام يف فرتة مكة املكرمة لقامت الدنيا وي قعد‪ ،‬وال تئال املسلمون بكمماملهآ‬
‫‪935‬‬
‫من مكة املكرمة‪ ،‬أما اآلن وبعد أن صاهلل ﷺ حاك ًام ملكة املكرمة‪ ،‬بل وألجمملاء كبممرية جممد ًا مممن‬

‫اجلليرة العربية‪ ،‬وصاهلل يف هذه القوة فإنه ال يا عىل وجود مثل هذا املنكر الشنيع مممن صممنآ‬

‫يعبد من دون اه عل وجل‪ ،‬فكرس كل األصنام‪ ،‬وكرسها وهو يقول (جاء ا ق وزهق الباطل‬

‫إن الباطل كان زهوق ًا) باإل افة إىل كونه ال يرىض عن وجود هذا املنكممر‪ ،‬فتكسممريه لمصممنام‬

‫كان خطوة يا ية يف منتهى الروعة؛ ألن هذه اخلطوة كرست متام ًا كل معنويممات أهممل مكممة‪،‬‬

‫وهذه األصنام ظلت عبد من دون اه ال أقول عرشات السنني بل مئات السنني يف داخل مكممة‬

‫املكرمة‪ ،‬أجيال وهللاءها أجيال عبد هذه األصنام‪ ،‬فهمماهي اآلن كسممر هممذه األصممنام‪ ،‬وكممل‬

‫مرشك كان يعتقد يف داخله أن هذه األصنام تامميبه ﷺ وأصم ابه بضممرهلل أو بسمموء؛ أل ممآ‬

‫فعلوا معها ذلك‪ ،‬ومع ذلك ي حيدث له يشء‪ ،‬وكذلك اجليش اإل يمي بكاملممه ي حيممدث لممه‬

‫ة أمام أعني املرشكني أ آ كانوا يف يل مبني كل هذه السنوات‬ ‫يشء‪ ،‬فظهرت ا قيقة وا‬

‫السابقة‪ ،‬هذه خطوة هللائعة وهامة جد ًا لكرس معنويات كفاهلل قريش‪ ،‬فبعممد هممذا التكسممري هلممذه‬

‫األصنام خاهللت قواهآ متام ًا وفقممدوا كممل أمممل يف املقاومممة‪ ،‬والر ممول ﷺ ي يكتممب بتكسممري‬

‫األصنام يف مكة املكرمة‪ ،‬بل حرص ﷺ عىل كسممري األصممنام يف كممل املنمماطق امل يطممة بمكممة‬

‫اه عنه وأهلل اه لكرس العلى‪ ،‬وهي من‬ ‫املكرمة‪ ،‬فأهلل ل ﷺ رسية بقيادة خالد بن الوليد هلل‬

‫أك اآلهلة التي كانت عبد من دون اه عل وجل‪ ،‬فذهب خالممد بسممرية وكسممر هممذا الاممنآ‬

‫اه عنه وأهلل اه لكرس صنآ مناة‬ ‫الضخآ صنآ العلى‪ ،‬وأهلل ل رسية بقيادة عيد بن زيد هلل‬

‫وهو من أشهر أصنام العرب‪ ،‬وأهلل ل رسية بقيادة عمرو بن العاص هلدم صنآ واع‪ ،‬وصممنآ‬

‫واع من األصنام املشهوهللة عند العرب أيض ًا‪ .‬الر ول ﷺ بنفسه كرس هبل يف ص ن الكعبة‪،‬‬

‫وأهلل ل خالد بن الوليد لكرس العلى‪ ،‬و عيد بن زيد لكرس مناة‪ ،‬وعمرو بن العمماص لكسممر‬

‫واع‪ ،‬لكن بقي صنآ مشهوهلل جد ًا من أصنام العرب وهو صنآ المميت‪ ،‬وصمنآ المميت هممذا‬

‫‪936‬‬
‫كان موجود ًا يف مدينة الطائب عند قبيلة ثقيب‪ ،‬وهو من أعظآ األصنام عند العرب‪ ،‬وي يكرس‬

‫إال بعد إ يم ثقيب يف السنة التا عة من اهلجرة‪.‬‬

‫لقد كرس الر ول ﷺ كل األصنام الك ى التي ا تطاع أن يكرسها يف ذلك الوقممت‪ ،‬ممواء يف‬

‫داخل مكة أو يف املناطق التي حول مكة وبذلك كام ذكرنا قطت كل معنويات قريش‪ ،‬وحطآ‬

‫متام ًا كل أمل عندهآ للمقاومة‪ .‬هذه كانت أول خطوة عملها الر ول ﷺ كسري األصممنام يف‬

‫الكعبة وما حوهلا‪.‬‬

‫أذان بيل يوم الفتا عىل طا الكعبة‬

‫اخلطوة الثانية كانت هامة جد ًا‪ ،‬و ضيب معنى مه ًام جد ًا عند قريش يف ذلك الوقممت؛ ليفقهمموا‬

‫اإل يم عىل حقيقته‪ ،‬وهي أن اه عل وجل يعل من انتمى إىل هذا الدين‪ ،‬برصممف النظممر عممن‬

‫جنسه وعن لونه وعن قبيلته وعن أي يشء‪ ،‬فمن انتمى هلذا اإل يم فهو عليل ومن ي ينتآ إليه‬

‫فهو ذليل‪ .‬هللأى املرشكون من أهل قريش بعيو آ يف ذلك اليمموم عنممدما نممادى ﷺ عممىل بمميل‬

‫اه عنه وأهلل اه‪ ،‬وأمره أن ياعد فوق الكعبة ليممنذن األذان للاممية‪ ،‬وهممذه هممي املممرة‬ ‫هلل‬

‫اه عنممه أن يممنذن يف الكعبممة يف‬ ‫الثانية التي يفعل فيها الر ول ﷺ هذا الفعل‪ ،‬أمر بمميالً هلل‬

‫اه عنه وأهلل اه فوق‬ ‫عمرة القضاء‪ ،‬واآلن يأمر بيالً أن يقوم بنفس األمر‪ ،‬وياعد بيل هلل‬

‫أرشف بقعة يف األهللض‪ ،‬فوق الكعبة البيت ا رام؛ لريفممع األذان ه عممل وجممل‪ ،‬اه أكم ‪ ،‬اه‬

‫اه عنه وأهلل اه عندما كان يعذب يف مكة قبل اهلجرة كممان‬ ‫أك ‪ ..‬إىل تخر األذان‪ .‬وبيل هلل‬

‫يقول أحد‪ ،‬أحد‪ ،‬يف ذلك الوقت كان هيمس ا مهسات ال يسمعها إال مممن يعذبممه‪ ،‬أممما اآلن‬

‫فهو يادح بالتكبري يف كل أهللجاء مكة املكرمة‪ ،‬واجلميع مسلمهآ ومرشكهآ يستمع إليممه هلل‬

‫اه عنه وأهلل اه‪ .‬هذا األمر كام ذكرنا كان له أشد األثر عىل املرشكني‪ ،‬ودليممل ذلممك ممما حممدث‬

‫عىل بيل املثال من أيب فيان بن حرب وعتاب بن أ يد وا اهللث بن هشام‪ ،‬فهممنالء الثيثممة‬
‫‪937‬‬
‫كانوا قاعدين يف فناء الكعبة يستمعون إىل بيل وهو ينذن‪ ،‬فم أبو فيان كان قد أعلن إ مميمه‬

‫قبل ذلك بني يدي الر ول ﷺ‪ ،‬لكن عتاب بن أ يد كان أحد الشممباب يف قممريش‪ ،‬فقممد كممان‬

‫عمره حوايل ‪ 20‬نة ما زال مرشك ًا‪ ،‬وا اهللث بن هشام أيض ًا كان ما زال مرشك ًا‪ ،‬وا اهللث بن‬

‫هشام هذا هو أخو أيب جهل‪ ،‬فهو أحد كباهلل اللعامء يف مكة املكرمة وأحممد زعممامء بنممي مملوم‪،‬‬

‫اه عنه وأهلل اه فوق الكعبممة (لقممد أكممرم اه أ مميد ًا ‪-‬‬ ‫فقال عتاب معلق ًا عىل أذان بيل هلل‬

‫أي والده أ يد ‪ -‬أال يكون مع هذا فسمع منه ما يغيظه‪ ،‬ما وجممد دمممد غممري هممذا الغممراب‬

‫األ ود منذن ًا)‪ ،‬فقال ا اهللث بن هشام (أما واه لو أعلآ أنه دق ال بعته)‪ ،‬فقال أبممو ممفيان‬

‫(ال أقول شيئ ًا‪ ،‬لو كلمت ألخ ت عني هذه ا امى) أدهللك أن الر ممول ﷺ نبممي‪ ،‬و مموف‬

‫يال إليه األمر عن طريق الوحي‪ ،‬فجاءهآ ﷺ بعد هذه الكلامت وقممال (قممد علمممت الممذي‬

‫قلتآ‪ ،‬ثآ قال أما أنت يا فين فقد قلت كذا وكذا‪ ،‬وأما أنت يا فين فقد قلت كذا وكذا‪ ،‬فقال‬

‫أبو فيان أما أنا يا هلل ول اه فام قلت شيئ ًا‪ ،‬فض ك ﷺ‪ ،‬وقال ا اهللث وعتاب نشهد أنممك‬

‫هلل ول اه‪ ..‬ما اطلع عىل هذا أحد كان معنا فنقول أخ ك) وا لموا يف هذا املوقب العظيآ‪.‬‬

‫كذلك بنو عيد بن العاص ملا هللأوا بيالً ينذن عىل الكعبة قالوا (لقد أكرم اه عيد ًا إذ قبضه‬

‫قبل أن يرى هذا األ ود عىل ظهر الكعبة)‪ ،‬وقال هللجل من قممريش لل مماهللث بممن هشممام (أال‬

‫رى إىل هذا العبد أين صممعد ) فممرد عليممه ا مماهللث بممن هشممام (دعممه فممإن يكممن اه يكرهممه‬

‫اه عنممه‪ ،‬ولكممن كممان هممذا يف بدايممة‬ ‫فسيغريه)‪ ،‬أعتقد أن هذا الكيم قاله بعد أن أ مملآ هلل‬

‫إ يمه‪ ،‬وصاهلل بعض قريش يستهلئ ويقلد صوت بيل غيظ ًا‪ ،‬فقلده أحد الشباب وا مه أبو‬

‫ي جممد ًا‪ ،‬كمان مممن أحسممن‬


‫دذوهللة اجلم ي‪ ،‬وأبو دذوهللة كان عمره ‪ 16‬نة‪ ،‬وكان صو ه مجي ً‬

‫قريش صو ًا‪ ،‬فلام هللفع صو ه باألذان مستهلئ ًا معه الر ول ﷺ‪ ،‬فاكتشب طاقة موجودة عند‬

‫هذا الشاب‪ ،‬فناداه‪ ،‬فمثل هذا الشاب الاغري بني يديه ﷺ وهو يظن متام الظن أنه مقتول؛ ألنه‬

‫‪938‬‬
‫كان يستهلئ باألذان‪ ،‬فمسا ﷺ صدهلل وناصية هذا الشاب بيديه الرشيفة‪ ،‬فقال أبممو دممذوهللة‬

‫فامتم قلبي إيامن ًا ويقين ًا‪ ،‬فعلمت أنه هلل ممول اه‪ ...‬ممب ان ‪ .‬الر ممول ﷺ بعممد أن تمممن هممذا‬

‫الشاب علمه األذان‪ ،‬وأصبا هو الذي ينذن ألهل مكة بعممد هللحيلممه ﷺ‪ ،‬وظممل األذان يف أيب‬

‫دذوهللة وعقب أيب دذوهللة بعد مو ه إىل فرتة طويلة من اللمان‪ .‬الر ول ﷺ ذا األذان و ا‬

‫لقريش أن اه عل وجممل يعممل مممن يشمماء ويممذل مممن يشمماء‪ ،‬وأن العمملة ا قيقيممة ال كممون إال‬

‫باإل يم‪ ،‬هكذا فهآ القرشيون يف هذا املوقب العظيآ‪.‬‬

‫آ الفتا كام هللأينا ب رب عسكرية وحرب يا ية وحرب معنويممة‪ ،‬والر ممول ﷺ أ قممن كممل‬

‫هذه ا روب بمنتهى الدقة‪ ،‬ا رب عسكرية أعد إعممداد ًا قويم ًا جممد ًا للجمميش‪ ،‬وو ممع خطممة‬

‫دكمة فقد أخفى ريه إىل مكة قدهلل املسممتطاع‪ ،‬حتممى وصممل إىل قممريش دون أن علممآ قممريش‬

‫بوصوله إال عىل بعد ‪ 22‬كيلو مرت فقط من مكة املكرمة‪ ،‬وقممام ب ممرب يا ممية باهللعممة عنممدما‬

‫ا تخدم أبا فيان لاالا املسلمني يف منع القرشيني من املقاومة عند دخول اجليش اإل يمي‬

‫إىل مكة املكرمة‪ ،‬ثآ ماهللس ا رب املعنوية بكل فاييهتا ابتممداء مممن إظهمماهلل العممدد الضممخآ‬

‫للجيش اإل يمي وإشعال النريان‪ ،‬فقد جعل أبمما ممفيان يممرى اجليمموة اإل مميمية الكثممرية‬

‫والقبائل املتعددة‪ ،‬كذلك كرس األصنام وأذان بيل كل ذلك طيآ ملعنويات القرشيني وإمخمماد‬

‫كل مقاومة عندهآ‪ .‬هذا إعداد باهر ومتقن وحكيآ‪ ،‬وي ز لنا كيب أن الر ول ﷺ كان جيمممع‬

‫بني القيادة وبني النبوة ﷺ‪ ،‬ومع ذلك فالر ول ﷺ بممرغآ هممذا اإلعممداد القمموي ي يكتممب بممه‬

‫ليفتا مكة‪ ،‬بل جلأ إىل و يلة قلام يلجأ إليها زعيآ من زعامء الدنيا بشكل عام‪...‬‬

‫أخيقه ﷺ يف امتيك القلوب‬

‫و يلة امتيك القلوب‪ ،‬فالشعب الذي فتا بلده اآلن عىل يدي الر ممول ﷺ يكممون يف داخلممه‬

‫غيظ كبري جد ًا من امل تل له‪ ،‬واء كان هذا امل تل من الرشفاء أو من غري ذلك‪ ،‬وكانت هناك‬
‫‪939‬‬
‫حرب طويلة بينهآ وبني الر ول ﷺ‪ ،‬والر ول ﷺ يعلآ ممما يف داخلهممآ؛ لممذلك أهللاد ﷺ أن‬

‫ينلب قلو آ‪ ،‬فامذا فعل ن ن هللأينا قبل ذلك أن الر ول ﷺ ألب قلممب أيب ممفيان بإعطائممه‬

‫الفخر‪ ،‬وأبو فيان كام ذكرنا زعيآ قبيلة بني أمية‪ ،‬وبنو أمية قبيلة كبرية يف داخل قممريش‪ ،‬فهممو‬

‫ﷺ ألب قلب زعيآ أك القبائل القرشية يف داخل مكة املكرمة‪.‬‬

‫موقب ثان هللائع منه ﷺ يف أليب قبيلة ثانية كبممرية‪ ،‬وهممذا املوقممب عنممدما دخممل ﷺ الكعبممة‬

‫اه عنه وأهلل اه‪ ،‬وعممثامن بممن طل ممة‬ ‫املكرمة وصىل فيها‪ ،‬ثآ خر ودعا عثامن بن طل ة هلل‬

‫أ لآ يف أوائل العام الثامن من اهلجرة قبل فتا مكة بعدة شهوهلل‪ ،‬أ لآ مع عمرو بممن العمماص‬

‫ومع خالد بن الوليد‪ ،‬وعثامن بن طل ة من بني عبد الداهلل‪ ،‬وبنو عبد الداهلل مممن أعظممآ القبائممل‬

‫القرشية أيض ًا وفيها رشف كبري جد ًا‪ ،‬فهي حاملة مفتاح الكعبة أب ًا عن جممد لعشممرات السممنني‬

‫اه عنه وأمره أن يأيت بمفتاح الكعبممة‪ ،‬فظممن‬ ‫قبل ذلك‪ .‬دعا الر ول ﷺ عثامن بن طل ة هلل‬

‫اجلميع أن الر ول ﷺ يأخذ منهآ مفتاح الكعبة؛ ليعطيه ألحد أقاهللبه ليعطيه شخا ًا من بني‬

‫اه عنه وأهلل اه طلممب ذلممك ‪،‬احممة‪ ،‬طلممب أن يضممآ‬ ‫هاشآ‪ ،‬بل إن عيل بن أيب طالب هلل‬

‫مفتاح الكعبة إىل رشف بني هاشآ من السقاية وا جابة‪ ،‬فيكون عندهآ مفتاح الكعبة‪ ،‬فيكون‬

‫اه عنممه‬ ‫ذلك رشف الدهر‪ ،‬لكن الر ول ﷺ أخذ املفتاح وو عه يف يد عثامن بن طل ة هلل‬

‫وأهلل اه‪ ،‬وهذا الكيم يف منتهى العظمة وا كمة‪ ،‬وحتى عرف مدى العظمة وا كمة هللاجممع‬

‫موقف ًا من املواقب التي مرت قبل ذلك بر ول اه ﷺ يف مكة املكرمة قبل أن هيمماجر‪ ،‬ويومهمما‬

‫كان عثامن بن طل ة هذا من الكفاهلل‪ ،‬وكان قد داهلل بينه وبني عثامن بن طل ة حواهلل وطلممب منممه‬

‫الر ول ﷺ أن يعطيه مفتاح الكعبة ليدخل الكعبة‪ ،‬لكممن عممثامن بممن طل ممة يف ذلممك الوقممت‬

‫هللفض‪ ،‬فقال الر ول ﷺ (يا عثامن لعلك رى هذا املفتاح يوم ًا بيدي أ عه حيث شئت فقال‬

‫عثامن لقد هلكت قريش يومئذ وذلت‪ ،‬فقال ﷺ بل عمرت وعلت يومئممذ)‪ ،‬ومممرت األيممام‬

‫‪940‬‬
‫وجاء الر ول ﷺ فا ًا مكة املكرمة وطلب املفتاح‪ ،‬وعثامن بن طل ة دون ردد أ ى باملفتمماح‪،‬‬

‫فهو اآلن أصبا من الا ابة املنمنني ال هللة‪ ،‬فأ ى باملفتاح وو عه يف يممد الر ممول ﷺ‪ ،‬وهممو‬

‫يظن أن األمر ياري إىل ما قاله ﷺ‪ ،‬و مميعطي املفتمماح إىل إنسممان غممريه‪ ،‬لكممن الر ممول ﷺ‬

‫و ع املفتاح مرة ثانية يف يد عثامن بن طل ة‪ ،‬وقال (هاك مفتاحك يمما عممثامن‪ ،‬اليمموم يمموم بممر‬

‫ووفاء‪ ،‬اليوم يوم بر ووفاء‪ ،‬خذوها خالدة الدة ال ينلعها منكآ إال ظاي) وظل مفتمماح الكعبممة‬

‫مع بني عبد الداهلل‪ ،‬وهو إىل اآلن يف نسل بني عبد الداهلل بكلمممة الر ممول ﷺ (خممذوها خالممدة‬

‫الدة)‪ .‬هذا املوقب من أهللوع املواقب التي ا تطاع ا الر ول ﷺ أن يكسب قلوب بني عبممد‬

‫الداهلل مجيع ًا‪ ،‬فبنو عبد الداهلل هللأت أن الر ول ﷺ أنلل الناس منازهلآ حني أبقى هلآ عىل الفخممر‬

‫الذي كان هلآ‪ ،‬وبذلك ا تطاع ﷺ أن يسمميطر عممىل املوقممب إىل دهللجممة كبممرية يف داخممل مكممة‬

‫املكرمة‪ .‬قبل ذلك كسب قلوب بني أمية‪ ،‬واآلن يكسب قلوب بني عبد الداهلل‪.‬‬

‫لقد كان ﷺ يسري بخطة دكمة‪ ،‬فقد فعل ﷺ أمر ًا من املست يل أن جتده يف اهلليخ أي دولة من‬

‫الدول حاهللبت دولة أخرى ولو يوم ًا واحد ًا ال عدة نوات ابقة‪ ،‬لقد وقممب الر ممول ﷺ يف‬

‫ص ن الكعبة يف يوم فتا مكة ودعا شعب مكة مجيع ًا أن يأ وا إىل الكعبة‪ ،‬فأ وا مجيع ًا‪ ،‬وقد كان‬

‫موقفهآ يف منتهى ا ر ‪ ،‬بعد ‪،‬اع طويممل جممد ًا وإيممذاء للر ممول ﷺ‪ ،‬وماممادهللة لمممموال‬

‫وللدياهلل‪ ،‬وقتل لبعض األص اب‪ ،‬وجلد و عذيب للبعض اآلخر وكذا وكذا من األموهلل التممي‬

‫نعلمها‪ ،‬وفالنا فيها كثري ًا يف الفرتة املكية‪ ،‬ويف ا روب املتتالية بني املسلمني وبني املشممركني‪،‬‬

‫بعد كل هذا التاهلليخ الطويل من العناء مع أهل مكممة يسممأهلآ ﷺ ممناالً واحممد ًا فيقممول (ممما‬

‫ظنون أين فاعل بكآ ) ماذا يكون هللد فعيل معكآ بسبب ما فعلتموه معي ومع أصم ايب مممن‬

‫إيذاء يف كل هذه السنوات املتتالية مممن املفممرتض أن يأخممذ كممل همذا الشممعب أرسى و ممبايا‬

‫وغنائآ؛ ألن هذا فتا عسكري‪ ،‬دخل ﷺ بالقوة إىل مكة املكرمة‪ ،‬أحاطها بعرشة تالف مقا ل‪،‬‬

‫‪941‬‬
‫فكونه يأخذهآ بايا وأرسى هذا مقبول جد ًا يف عرف العرب‪ ،‬ويف عممرف العمماي أمجممع‪ ،‬لكممن‬

‫الر ول ﷺ كان وا ا الرؤية‪ ،‬فهو ي يدخل مكة ليهلك أهلها‪ ،‬وي يفتا بلممد ًا مممن الممبيد ال‬

‫مكة وال غريها ليهلك أهلها‪ ،‬بل كان دائ ًام حريا ًا عىل إ يمهآ‪ ،‬وإ مميم هللجممل واحممد كممان‬

‫أحب إليه من أموال الدنيا مجيع ًا‪ .‬عرف الر ول ﷺ عرف أن قوى أهممل مكممة خمماهللت‪ ،‬حممني‬

‫هللأوا أصنامهآ قد كرست‪ ،‬وأصبا ﷺ ينمل كثري ًا جد ًا يف إ يمهآ‪ ،‬فقد أصب وا عممىل مقربممة‬

‫من اإل يم‪ ،‬ي يبق إال أن يقولوا الشهادة‪ ،‬لذلك قال هلآ ﷺ متلطف ًا آ (ما ممرون أين فاعممل‬

‫بكآ فقالوا أخ كريآ وابن أخ كريآ)‪ ،‬هآ اآلن يف موقب وأزمة شديدة‪ ،‬والر ول ﷺ عندما‬

‫قالوا أخ كريآ وابن أخ كريآ ي يقل هلآ أنتآ عرفون هذه العيقة التي بيني وبينكآ من قبممل‪،‬‬

‫و عرفون أنني أرشف العرب نسب ًا وأرشف قريش نسب ًا‪ ،‬وأننممي الاممادق األمممني‪ ،‬وكممل ذلممك‬

‫أنكرمتوه بعد أن نللت عيل الر الة‪ ،‬ي يقل كممل ذلممك وي يعممنفهآ‪ ،‬بممل قممال يف منتهممى الر ممة‬

‫والعفو (أقول كام قال أخممي يو ممب ال ثريممب علمميكآ اليمموم‪ ،‬يغفممر اه لكممآ وهممو أهللحممآ‬

‫الرا ني‪ ،‬اذهبوا فأنتآ الطلقاء)‪ ،‬فأطلقهآ مجيع ًا من غري فداء‪ ،‬مع أنه كان بإمكانممه أن يأخممذهآ‬

‫كلهآ أ اهللى‪ ،‬والدولة اإل يمية يف مرحلة النشء تا إىل أموال و تمما إىل طاقممات‪ ،‬ومممع‬

‫ذلك قال هلآ (اذهبوا فأنتآ الطلقاء)‪ ،‬ملاذا أطلقهآ؛ ألن هممذا أدعممى إل مميمهآ وإ مميمهآ‪،‬‬

‫أحب إليه ‪-‬كام ذكرنا‪ -‬من أموال الدنيا مجيع ًا‪ ،‬وبالفعممل بعممد هممذا اإلطمميق العظمميآ اجتمممع‬

‫شعب مكة مع هلل ول اه ﷺ عند الافا وأخذوا يبايعونه مجيع ًا عىل اإل يم إالقليل القليممل‪،‬‬

‫فمعظآ شعب مكة يف ذلك اليوم أعلنوا إ يمهآ‪ ،‬وانتهممت أحمملان الر ممول ﷺ التممي أخم‬

‫ب انه عنها بقوله }لعلك باخ ٌع ن ْفسك أال يكُونُوا ُم ْنمنني{ [الشعراء ‪ ،]3‬فالر ول ﷺ كان‬

‫حيلن حلن ًا شديد ًا عىل هللجل واحد ي يسلآ‪ ،‬فتاوهلل مدى فرحته ومدى ممعاد ه عنممدما أ مملآ‬

‫شعب مكة مجيع ًا يف يوم واحد‪ .‬هذا نرص مهيب وفتا من هللب العباد ب انه و عاىل‪ ،‬كام ممامه‬

‫‪942‬‬
‫رص اه وا ْلفت ُْا{ [النرص ‪ ،]1‬وحتى تامموهللوا مممدى‬
‫هللبنا يف كتابه الكريآ }نرص اه‪ ،‬إذا جاء ن ْ ُ‬
‫فرحة الر ول ﷺ فأهلليدكآ أن عودوا بأذهانكآ نوات و نوات؛ لتتذكروا يوم أن وقب ﷺ‬

‫يف نفس املكان عىل الافا يدعو أهل مكة إىل اإل يم فلآ جيبه منهآ أحد‪ ،‬يقول هلآ ﷺ (واه‬

‫لتمو ن كام نامون‪ ،‬ولتبعثن كام ستيقظون‪ ،‬ولت ا بن عىل ما عملون‪ ،‬وإ ا جلنة أبد ًا‪ ،‬أو نمماهلل‬

‫أبد ًا)‪ ،‬فلآ يقتنع أحد من أهل مكة طيلة هذه السنوات الكثرية إال القليل‪ ،‬وخر ﷺ من مكممة‬

‫املكرمة بعد ‪ 13‬نة مستمرة من الدعوة‪ ،‬وخر معه حوايل ‪ 160‬أو ‪ 170‬ص ابي ًا من شممعب‬

‫مكة بكامله‪ ،‬وبعد مروهلل هذه السنوات الطويلة يسلآ شعب مكة بكمماملهآ يف يمموم واحممد‪ ،‬أي‬

‫نرص وأي علة وأي يادة لإل يم نسأل اه عل وجل أن يعل اإل يم واملسلمني‪.‬‬

‫موقب الر ول ﷺ مع زعامء مكة املرشكني يوم الفتا‬

‫لقد بقي من أهل مكة بعض المملعامء وبعممض الكم اء ي يسمملموا‪ ،‬ففممر بعضممهآ خمماهلل مكممة‬

‫املكرمة‪ ،‬وبعضهآ اختفى يف بيته‪ ،‬وبعضهآ طلب اإلجاهللة من بعممض النمماس‪ ،‬وهممنالء الممذين‬

‫هربوا مجيع ًا كان هلآ اهلليخ طويل مع هلل ول اه ﷺ‪ ،‬وكممان عممىل هللأس هممنالء عكرمممة بممن أيب‬

‫جهل الذي فر خاهلل مكة املكرمة واجته إىل اليمن‪ ،‬وفر صفوان بن أمية بن خلب اجلم ممي إىل‬

‫الب ر األ ر؛ ليلقي بنفسه يف الب ر منت ر ًا بعد فتا الر ول ﷺ ملكة املكرمممة‪ ،‬وبعممد أن فقممد‬

‫كل أمل يف أن يكون له مو ع أو مكان يف مكة املكرمة‪ ،‬وهو من المملعامء‪ ،‬كممذلك ممهيل بممن‬

‫عمرو من بني عامر بن لني‪ ،‬وكان له اهلليخ طويل مع الر ممول ﷺ‪ ،‬كممذلك هنممد بنممت عتبممة‬

‫هناك ناس كثري هربوا من وجه الر ول ﷺ يف ذلك الوقت‪ ،‬وكل واحد منهآ له قاممة‪ ،‬وكممل‬

‫واحد منهآ شاء هللبنا ب انه و عاىل شاء أن يدخل اإل يم يف قلبه‪ ،‬ولكن بطريقة مجيلممة جممد ًا‬

‫عىل يد ا بيب ﷺ مبارشة‪.‬‬

‫‪943‬‬
‫إ يم هيل بن عمرو‬

‫عالوا بنا نرى قاتهآ واحد ًا واحد ًا وفيها من الع ما فيها‪ ،‬فهذا ممهيل بممن عمممرو مممن بنممي‬

‫عامر بن لني‪ ،‬وهو من كباهلل زعامء قريش‪ ،‬ومن كباهلل زعممامء مكممة يف التمماهلليخ‪ ،‬وكبممري جممد ًا يف‬

‫السن‪ ،‬وعنده الكثري من األوالد‪ ،‬وهنالء األوالد معظمهآ من املسلمني ويف جمميش املسمملمني‬

‫الفا ا ملكة املكرمة‪ ،‬فهو بعد أن فت ت مكة املكرمة ي جيد له عون ًا من اللعامء الذين كانوا معه؛‬

‫فكل واحد فر‪ ،‬ففر هو اآلخر ودخل بيته‪ ،‬يقول (فانق مت يف بيتي وأغلقممت عمميل بممايب‪ ،‬ثممآ‬

‫يقول وأهلل لت إىل ابني عبد اه بن هيل وابنه كان من جنود اجليش الفمما ا كممان قممد أ مملآ‬

‫قبل ذلك بلمن‪ ،‬فقال هيل وأهلل لت إىل ابني عبد اه بن هيل أن اطلب يل جواهلل ًا من دمد‬

‫ﷺ‪ ،‬وإين ال تمن من أن أقتل)‪ ،‬فم هيل بن عمرو ظل يتذكر اهللخيه مع هلل ول اه ﷺ‪ ،‬يقممول‬

‫( ذكرت أثري عند دمد وأص ابه‪ ،‬فليس أحد أ وأ أثر ًا مني‪ ،‬وإين لقيت هلل ول اه ﷺ يمموم‬

‫ا ديبية بام ي يلقه أحد‪ ،‬وكنت الذي كا بته املعاهدة التي متت يف صلا ا ديبية)‪ ،‬لممو ممذكرون‬

‫كان هيل بن عمرو ممثل قريش وزعيآ قريش الممذي أهلل مملته ليتفمماوض مممع الر ممول ﷺ يف‬

‫ا ديبية‪ ،‬فيجد أنه أثر أثري ًا لبي ًا عىل الر ممول ﷺ وعممىل أصم ابه‪ ،‬ويظممن أن الر ممول ﷺ‬

‫وف يتذكر له هذه املواقب‪.‬‬

‫ثآ يقول هيل بن عمرو (ومع حضوهللي بدهلل ًا وأحد ًا‪ ،‬وكلام ركت قريش كنت معهمما‪ ،‬فهممو‬

‫خياف أن يقتل)‪ ،‬فذهب عبد اه بن هيل إىل الر ول ﷺ فقال (يا هلل ول اه هل ممنمن أيب‬

‫فقال ﷺ نعآ‪ ،‬هو تمن بأمان اه؛ فليظهر)‪ ،‬انظروا إىل هذا التعامل مع أحممد كبمماهلل زعممامء مكممة‬

‫املكرمة‪ ،‬ومدى العظمة يف هذا التعامل‪ ،‬بينام عند احتيل أي دولة لدولة ثانية جتممد أن األمممراء‬

‫والوزهللاء والك اء يف البلد يتتبعممون يف كممل مكممان؛ ليقتلمموا‪ ،‬أو يسممجنوا يف السممجون فممرتات‬

‫طويلة‪ ،‬أو يمثل آ أو كذا أو كذا‪ ،‬لكن النبي ﷺ يعطي ممهيل بممن عمممرو األمممان‪ ،‬ويقممول‬

‫‪944‬‬
‫(فليظهر) وانظروا إىل ما يأيت من حواهلل بعد ذلك بينه وبني هيل بن عمرو أحد كباهلل المملعامء‬

‫يف مكة املكرمة‪.‬‬

‫ثآ قال ﷺ ألص ابه الذين حوله يف ذلك الوقت ومعهآ عبداه بن هيل بن عمرو (من لقي‬

‫هيل بن عمرو في يشد النظر إليه)‪ ،‬احذهللوا أن روعوا هيل بن عمرو حممني يممأيت للت مماوهلل‬

‫معي‪( ،‬ال يشد أحدكآ النظر إليه‪ ،‬فليخر ‪ ،‬فلعمممري إن ممهي ً‬


‫ي لممه عقممل ورشف‪ ،‬وممما مثممل‬

‫هيل جهل اإل يم‪ ،‬ولقد هللأى ما كان يو ع فيه أنه ي يكن له بنافع) فم هيل عرف املشممكلة‬

‫التي كانت عنده‪ ،‬واآلن هو يريد أن يعود إىل اه عل وجل وإىل هلل وله الكممريآ ﷺ‪ ،‬فممي يرفممع‬

‫أحد إليه النظر‪ ،‬وال يتهكآ أحد عليه بكلمة‪ ،‬وال يعلق أحد عليه عليق ًا لبي ًا بأي صمموهللة مممن‬

‫ي ورشف ًا) هكذا يذكر ﷺ صفة هيل ذا التعظيآ والتكريآ له‪ ،‬مع أنه من‬
‫الاوهلل‪( .‬إن له عق ً‬

‫ألد أعدائه قبل ذلك‪ .‬انظروا إىل الر ة النبوية وإىل فن امممتيك القلمموب وعبممد اه بممن ممهيل‬

‫عندما ا تمع إىل هذه الكلامت طاهلل ا إىل أبيه‪ ،‬فلام ذكر له هذه الكلامت قال هيل (كان واه‬

‫بر ًا صغري ًا وكبري ًا‪ ،‬وأ ى هيل بن عمرو وأعلن إ يمه بني يدي الر ممول ﷺ) ‪ ،‬وكممام يقممول‬

‫الرواة بعد ذلك (كان هيل بعد هذا اإل يم كثري الاية والاوم والادقة‪ ،‬وخر جماهممد ًا‬

‫يف بيل اه‪ ،‬وكان أمري ًا عىل إحدى فرق املسلمني يف موقعة الريموك)‪.‬‬

‫ذه املعاملة ا سنة من هلل ول اه ﷺ امتلك قلوب الناس‪ ،‬فع ً‬


‫ي هممو فممن الممدعوة إىل اه عممل‬

‫وجل‪ ،‬ليس أبد ًا رصف قائد متغطرس احتل دولة من الدول يسوم أهلها العذاب‪ ،‬ولكن هممو‬

‫الترصف الرحيآ من النبي الكريآ ﷺ وهو قدوة لنا أمجعني‪ ،‬وال خيفى عممىل أحممد أن الر ممول‬

‫ﷺ امتلك قلوب بني عامر مجيع ًا بتساهله و ساده مع هيل بن عمرو زعيآ بني عامر‪.‬‬

‫‪945‬‬
‫مقدمات إ يم صفوان بن أمية‬

‫عالوا نرى موقفه ﷺ مع صفوان بن أمية‪ ،‬صفوان بممن أميممة بممن خلممب كممان أبمموه مممن أشممد‬

‫املعاندين لر ول اه ﷺ‪ ،‬ومن الذين قتلوا يف بممدهلل‪ ،‬ووهللث صممفوان بممن أميممة هممذه الكراهيممة‬

‫لإل يم واملسلمني من أبيه‪ ،‬وحاهللب الر ول ﷺ بكل طاقته‪ ،‬وكان ممن التب عمىل املسمملمني‬

‫اه عنه‪ ،‬واشرتك اشرتاك ًا كبري ًا يف قتممل ممبعني مممن شممهداء‬ ‫يف أحد هو وخالد بن الوليد هلل‬

‫اه عنهآ وأهلل اهآ‪ ،‬واشرتك أيض ًا يف األحلاب‪ ،‬بممل ومممن الممذين شمماهللكوا يف‬ ‫الا ابة هلل‬

‫عملية القتال يف داخل مكة املكرمة‪ ،‬بل إن صفوان بن أمية قبل ذلك دبر داولة لقتممل الر ممول‬

‫ﷺ‪ ،‬كأنه عداء شخيص بينه وبني الر ول ﷺ‪ ،‬وكام ذكرون هذه امل اولممة كانممت بينممه وبممني‬

‫اه عنه وأهلل اه‪ ،‬وذكرناها بعد دهللس بدهلل‪ ،‬وفيها عهد صفوان بن أمية لم‬ ‫عمري بن وهب هلل‬

‫عمري بن وهب أن يت مل عنه عياله وأن يسدد عنه دينه‪ ،‬يف نظري أن يقتل عمري هلل ول اه ﷺ‪،‬‬

‫وقد ذكرنا القاة بتفاييهتا بعد غلوة بدهلل‪ ،‬وهللأينمما كيممب أ مملآ عمممري بممن وهممب يف املدينممة‬

‫املنوهللة‪ ،‬ومرت األيام وجاء فتا مكة املكرمة وفر صفوان بن أمية ملا ي جيد له أي مكان يف مكممة‬

‫املكرمة‪ ،‬وعلآ أنه لن يستقبل يف أي مكان يف اجلليرة العربية‪ ،‬فقممرهلل أن يلقممي نفسممه يف الب ممر؛‬

‫ليموت فيه‪ ،‬فخر يف اجتاه الب ر األ ر ومعه غيم ا مه يساهلل‪ ،‬وليس معه أحممد غممريه حتممى‬

‫وصل إىل الب ر األ ر‪ ،‬ثآ إنه من بعيد هللأى أحد الرجال يتتبعه فخاف‪ ،‬وقال لغيمه (وحيممك‬

‫انظر من رى‪ ،‬قال هذا عمري بن وهب)‪ ،‬وكان عمري بن وهب صديق ًا ي ًام لم صفوان بن أمية‬

‫قبل أن يسلآ‪ ،‬فقال صفوان (ما أصنع بم عمري واه ما جاء إال يريد قتيل‪ ،‬فهو اآلن مسمملآ قممد‬

‫ظاهر دمد ًا عيل)‪ ،‬فقال صفوان بن أمية ملا قه عمري (يا عمري ما كفاك ما صنعت يب‪ ،‬لتني‬

‫دينك وعيالك‪ ،‬ثآ جئت ريد قتيل) فقال عمري (جعلت فداك‪ ،‬أنا ما زلت صديقك‪ ،‬وجئتممك‬

‫من عند أبر الناس وأوصل الناس) إىل تخر ا كاية فم عمري بن وهب عنممدما علممآ أن صممفوان‬

‫‪946‬‬
‫بن أمية هرب من مكة املكرمة‪ ،‬ذكر صديقه القديآ صفوان بن أمية‪ ،‬فخاف عليه وخيش عليه‬

‫اه عممن‬ ‫اه عنممه وهلل‬ ‫وأحب له اإل يم‪ ،‬وأحب له أن يممدخل فمميام دخممل فيممه عممري هلل‬

‫الا ابة أمجعني‪ ،‬فجاء إىل النبي ﷺ وطلب لم صفوان بن أمية األمان‪ ،‬فقممال (يمما هلل ممول اه‬

‫يد قومي خر هاهللب ًا؛ ليقذف نفسه يف الب ر‪ ،‬وخاف أال نمنه فداك أيب وأمي فقال ﷺ قممد‬

‫أمنته‪ ،‬فخر عمري بن وهب حتى وصل إىل صفوان بن أمية كام ذكرنا فقال عمري لممم صممفوان‬

‫(إن هلل ول اه قد أمنك)‪ ،‬فخاف صفوان وقال (ال واه ال أهللجع معك حتممى ممأ يني بعيمممة‬

‫أعرفها دل عىل أن الر ول ﷺ أمنني)‪ ،‬فرجع عمري بن وهممب إىل الر ممول ﷺ مممرة أخممرى‪،‬‬

‫وقال (يا هلل ول اه جئت صفوان هاهللب ًا يريد أن يقتل نفسه فأخ ه بام أمنته‪ ،‬فقممال ال أهللجممع‬

‫حتى أيت بعيمة أعرفها)‪ ،‬فقال الر ممول ﷺ (خممذ عاممتممي)‪ ،‬انظممروا إليممه ﷺ حيمماول قممدهلل‬

‫املستطاع أن يأيت بكل إنسان إىل اإل يم فأخذ عمري العاممة وذهب إىل صفوان بن أمية وقممال‬

‫له (يا أبا وهب جئتك من عند خري الناس وأوصل الناس وأبممر النمماس وأحلممآ النمماس جمممده‬

‫جمدك‪ ،‬وعله علك‪ ،‬وملكه ملكك‪ ،‬ابن أمك وأبيك‪ ،‬اذكممر اه يف نفسممك) فقممال لممه صممفوان‬

‫(أخاف أن أقتل)‪ ،‬قال (قد دعاك إىل أن دخل يف اإل يم‪ ،‬فإن هلل يت وإال ريك شهرين)‪.‬‬

‫انظروا كرم هلل ول اه ﷺ يقول له عال لو أهللدت أن سلآ اآلن فأ لآ‪ ،‬ولك ممما للمسمملمني‬

‫وعليك ما عىل املسلمني‪ ،‬وإن أهللدت أن أخذ شهرين كاملني لتفكر فيهام فأنت يف أمان‪( ،‬فهممو‬

‫أوىف الناس وأبرهآ ﷺ‪ ،‬وقد بعث إليك بعاممته العيمة التي كان يريدها صفوان بن أمية قممال‬

‫عمري بن وهب عرفها قال نعآ)‪.‬‬

‫هللجع صفوان بن أمية مع عمري بن وهب إىل هلل ول اه ﷺ‪ ،‬وهو ليس أمامممه أي طريممق تخممر‪،‬‬

‫ليس أمامه إال أن يقبل ذا األمان‪ ،‬وهو يعرف أن الر ول ﷺ دائآ ا فظ لوعده وعهده فهممو‬

‫الاادق األمني‪ ،‬فعاد مع عمري بن وهب إىل مكة املكرمة ودخل يف ا رم والر ول ﷺ يامميل‬

‫‪947‬‬
‫بالناس صية العرص‪ ،‬فوقفا وي ًا حتى ينتهي الر ول ﷺ من الاية‪ ،‬فقممال صممفوان لمممعمري‬

‫بن وهب (كآ الون يف اليوم والليلة ) قال (مخس صلوات)‪ ،‬قممال (يامميل ممآ دمممد)‪،‬‬

‫قال (نعآ)‪ ،‬فلام لآ الر ول ﷺ وانتهى من صي ه صاح صفوان خياطب الر ممول ﷺ مممن‬

‫بعيد قال (يا دمد إن عمري بن وهب جاءين بعيمتك وزعآ أنك دعو ني إىل القممدوم عليممك‪،‬‬

‫فإن هلل يت أمر ًا وإال ري ني شهرين ) أي هل هذا الكيم ص يا أم غممري صم يا فقممال‬

‫ﷺ (انلل أبا وهب ‪ ،‬قال ال واه حتى بممني يل‪ ،‬قممال بممل سممري أهللبعممة أشممهر) لمميس فقممط‬

‫شهرين‪ ،‬بل خذ أهللبعة أشهر لتفكر فيها‪ ،‬فرتك ﷺ صفوان بن أمية ليفكر‪ ،‬لكن صفوان بن أمية‬

‫ي يأخذ هذه الشهوهلل األهللبعة كاملة للتفكري‪ ،‬بل أ لآ قبل ذلك بكثري؛ ذه املعاملة ا سنة مممن‬

‫ا بيب ﷺ‪.‬‬

‫إ يم عكرمة بن أيب جهل‬

‫نأيت إىل قاة واحد من أشد أعداء هلل ول اه ﷺ يف التاهلليخ كله‪ ،‬هذا هو عكرمة بن أيب جهممل‬

‫وليس فقط مشكلة عكرمة أنه ابن أيب جهل وأنه رشب العداوة هذه املدة الطويلة من أبيه أشممد‬

‫أعداء اإل يم مطلق ًا وفرعون هممذه األمممة‪ ،‬لكممن عكرمممة ا ممتمر وزاد يف العممداوة‪ ،‬حتممى إن‬

‫الر ول ﷺ أهدهلل دمه‪ ،‬وهناك جمموعة من املرشكني أهدهلل الر ول ﷺ دمهآ‪ ،‬وقال (اقتلوهآ‬

‫ولو علقوا بأ تاهلل الكعبة)‪ ،‬وكان من هنالء عكرمة بن أيب جهل‪ ،‬ولعله علآ ذلك فكممان ممممن‬

‫اه عنه‪ ،‬ولكنه بعد هليمته فممر ممن مكممة‬ ‫قا ل يف اخلندمة يوم الفتا د خالد بن الوليد هلل‬

‫املكرمة‪ ،‬وحاول أن يال إىل اليمن‪ ،‬وذهب إىل الب ر ليأخذ ممفينة وينطلممق فيهمما إىل المميمن‪.‬‬

‫كانت زوجته أم حكيآ بنت ا اهللث بن هشام ابنة عمه قد أ مملمت يف يمموم الفممتا عممىل جبممل‬

‫الافا مع من أ لآ من أهل مكة‪ ،‬فذهبت إىل الر ول ﷺ لتستشفع عنممده لممم عكرمممة بممن أيب‬

‫جهل أن ينمنه كام أمن صفوان بن أمية‪ ،‬لكن موقب عكرمة كان تلف ًا‪ ،‬وكام ذكرنا هممو مهممدهلل‬

‫‪948‬‬
‫الدم‪ ،‬قالت أم حكيآ لر ول اه ﷺ (قد هرب عكرمة منك إىل اليمن وخاف أن قتله فأمنه‪،‬‬

‫فالر ول ﷺ قال هو تمن) ي يذكر هلا أنه مهممدهلل الممدم‪ ،‬وي يممذكر هلمما التمماهلليخ الطويممل لممه يف‬

‫العداء‪ ،‬بل قال (هو تمن)‪ ،‬فخرجت أم حكيآ اللوجة الوفية ب ث عن زوجها ذهبت حتممى‬

‫وصلت يف هللحلة طويلة جدا إىل عكرمة بن أيب جهل وهو حيمماول أن يركممب ممفينة يف مماحل‬

‫الب ر األ ر متجه ًا إىل اليمن‪ ،‬فكان يف حواهلل مع هللبان السفينة التي ممريكبها‪ ،‬لقممد كممان هللبممان‬

‫السفينة مسل ًام‪ ،‬فقال له قبل أن يركب (أخلص)‪ ،‬فم عكرمة بن أيب جهممل ال يعممرف ممما معنممى‬

‫أخلص‪ ،‬قال أي يشء أقول قال قل (ال إله إال اه)‪ ،‬فقال عكرمة ما هربت إال مممن هممذا‪،‬‬

‫اه عنها أيت يف هذه الل ظة‪،‬‬ ‫وهو ال يلال يف هذا ا واهلل مع هللبان السفينة إذا بم أم حكيآ هلل‬

‫فقالت له (يا ابن عآ جئتك من عند أوصل الناس وأبر الناس وخري الناس ال هتلك نفسك)‪،‬‬

‫و دعوه إىل العودة معها إىل مكة املكرمة‪ ،‬فوقب هلا عكرمة بن أيب جهل‪ ،‬فقالت لممه أم حكمميآ‬

‫(إين ا تأمنت لك دمد ًا ﷺ)‪ ،‬قال (أنت فعلت ) قالت (نعآ‪ ،‬أنا كلمته فأمنك)‪ ،‬فم عكرمة‬

‫بن أيب جهل اقت عليه الدنيا كلها‪ ،‬أين يذهب هو يريد أن يذهب اآلن إىل اليمن‪ ،‬والمميمن‬

‫بكاملها مسلمة كام ذكرنا قبل ذلك يف الدهللوس السابقة‪ ،‬وغري ذلك من بقمماع األهللض تنمماقص‬

‫حوله اآلن‪ ،‬فاجلميع اآلن يدخلون يف دين دمد ﷺ فامذا يفعممل فبمجممرد أن قالممت لممه هممذه‬

‫الكلامت أخذ قراهلل ًا رسيع ًا بالعودة معها دون فكري طويمل‪ ،‬وعمماد إىل مكممة املكرمممة وقبممل أن‬

‫يدخل مكة املكرمة إذا بالر ول ﷺ يقول ألص ابه كلامت مجيلة جد ًا‪ ،‬كام ذكرها قبل ذلممك يف‬

‫حق هيل بن عمرو قاهلا يف حق عكرمة بن أيب جهل قال (يأ يكآ عكرمة بن أيب جهل منمنم ًا‬

‫مهاجر ًا في سبوا أباه‪ ،‬فإن ب امليت ينذي ا ي وال يبلغ امليت)‪.‬‬

‫أي أخيق كريمة كانت عند هلل ول اه ﷺ أبو جهل فرعون هذه األمممة ولعنممه ﷺ ‪،‬احممة‬

‫قبل ذلك‪ ،‬ودعا عليه‪ ،‬وجاء ذكره يف أكثر من مو ع يف القرتن الكريآ باللعن عليه‪ ،‬ومع ذلك‬

‫‪949‬‬
‫اه عنهآ وأهلل اهآ أال يلعنوا هذا الرجل فرعون هذه األمممة‬ ‫الر ول ﷺ يأمر الا ابة هلل‬

‫أمام عكرمة بن أيب جهل؛ لكي ال ينذوا مشاعر عكرمة‪ ،‬مع أن عكرمممة حتممى هممذه الل ظممة ي‬

‫يسلآ بعد‪ ،‬ودخل عكرمة بن أيب جهل إىل مكة املكرمة‪ ،‬فلام هللته الر ممول ﷺ وثممب إليممه وممما‬

‫عليه هللداء فرح ًا به‪ .‬انظروا إىل أ اهللير الر ول ﷺ كيب انبسطت عنممدما هللأى عكرمممة بممن أيب‬

‫جهل يعود إليه ويأيت إليه وهو عىل أبواب اإل يم‪ ،‬هممو ي يسمملآ بعممد‪ ،‬ومممع ذلممك كممان هممذا‬

‫اال تقبال ا افل من هلل ول اه ﷺ لواحد من أك أعدائه قبل ذلك‪ ،‬وكممان مممن أكم الممذين‬

‫قاوموه ومنعوه من دخول مكة املكرمة قدهلل ممما يسممتطيع‪ ،‬فهممو اآلن يسمتقبله هممذا اال ممتقبال‬

‫ا افل‪.‬‬

‫جلس عكرمة بني يدي الر ول ﷺ وقال (يا دمد إن هذه أخ ني أنك أمنتنممي) ‪-‬زوجتممه‪-‬‬

‫فقال ﷺ (صدقتك فأنت تمن)‪ ،‬فقال عكرمة (فإىل ما دعو يا دمد)‪ ،‬قممال (أدعمموك إىل أن‬

‫شهد أن ال إله إال اه‪ ،‬وأين هلل ول اه‪ ،‬وأن قيآ الاية‪ ،‬و نيت اللكاة‪ ،‬وأخذ يعدد عليه أموهلل‬

‫اإل يم‪ ،‬حتى عد كل اخلاال ا ميدة)‪ ،‬فقال عكرمممة واه ممما دعمموت إال إىل ا ممق وأمممر‬

‫حسن مجيل)‪ .‬كل هذا الكيم كان يسمعه قبل ذلك نوات و نوات ولكنه ي يعقله‪ ،‬فالقلوب‬

‫بني أصابع الر ن يقلبها كيب يشاء‪.‬‬

‫اه عنه أن كل ما ذكره ﷺ حق‪ ،‬وأن كل ممما‬ ‫يف هذه الل ظات شعر عكرمة بن أيب جهل هلل‬

‫دث عنه قبل ذلك يف مكة وغريها كان صدق ًا وكان حق ًا‪ ،‬وأنه من كيم النبوة والوحي حقم ًا‪،‬‬

‫هنا قال عكرمة بن أيب جهل عن ذلك (قد كنت ‪-‬واه‪ -‬فينا قبل أن دعو إىل ما دعمموت إليممه‬

‫وأنت أصدقنا حديث ًا وأبرنا بر ًا)‪ ،‬ثآ قممال عكرمممة فممإين (أشممهد أن ال إلممه إال اه‪ ،‬وأشممهد أن‬

‫دمد ًا عبد اه وهلل وله) يف ظة واحدة انتقل من معسكر الكفممر إىل معسممكر اإليممامن؛ بسممبب‬

‫حسن املعاملة والرفق بالناس‪ ،‬فالر ول ﷺ يتلطب مع عكرمممة مممع ممما كممان بينممه وبينممه مممن‬

‫‪950‬‬
‫اه عنممه وأهلل مماه‬ ‫العداء‪ ،‬فامتلك قلبه يف ظات فدخل يف اإل يم‪ ،‬وانظروا إىل جهاده هلل‬

‫بعد ذلك مع املسلمني‪ ،‬يف هذه الل ظات قال عكرمة لر ول اه ﷺ بعد أن أ لآ (يا هلل ممول‬

‫اه علمني خري يشء‪ ،‬قال قممول أشممهد أن ال إلممه إال اه‪ ،‬وأن دمممد ًا عبممده وهلل مموله فقممال‬

‫عكرمة ثآ ماذا قال ﷺ قول أشهد اه وأشهد من حرض أين مسلآ مهاجر وجماهد‪ ،‬فقممال‬

‫عكرمة هذه الكلامت‪ ،‬فقال له الر ول ﷺ ال سألني اليوم شيئ ًا أعطيه أحد ًا إال أعطيته لك)‪،‬‬
‫أي أي يشء ريده اطلبه‪ ،‬فامذا طلب عكرمة بن أيب جهل يف ذلك الوقت هممل طلممب ممماالً‬

‫هل طلب لطان ًا هل طلب إماهللة عىل يشء من األشياء ماذا طلب عكرمممة بممن أيب جهممل‬

‫قال (فإين أ ألك أن ستغفر يل كل عداوة عاديتكها‪ ،‬أو مسري رست فيه‪ ،‬أو مقام لقيتممك فيممه‬

‫أو كيم قلته يف وجهك أوأنت غائب)‪ ،‬فقال ﷺ (اللهآ اغفر له كل عممداوة عادانيهمما‪ ،‬وكممل‬

‫مسري اهلل فيه إىل مو ع يريد بذلك املسري إطفاء نوهللك‪ ،‬فاغفر له ما نممال منممي مممن عممرض يف‬

‫وجهي أو أنا غائب عنه)‪ ،‬فقال عكرمة (هلل يت يا هلل ول اه)‪ ،‬ثآ قممال (ال أدع نفقممة كنممت‬

‫أنفقها يف صد عن بيل اه إال أنفقت عفها يف بيل اه‪ ،‬وال قتاالً كنت أقا ممل يف صممد عممن‬

‫اه عنه وأهلل اه طيلة حيا ه‪،‬‬ ‫بيل اه إال أبليت عفه يف بيل اه) ثآ اجتهد يف القتال هلل‬

‫اه عنممه وأهلل مماه يف الريممموك‪.‬‬ ‫واء يف حروب الردة أو يف فتوح الشام حتى قتل شهيد ًا هلل‬

‫كيب بدل اه عل وجل حيا ه كاملة ب سن ا تقبال الر ول ﷺ له وبعفوه عن كل ما بدهلل منممه‬

‫ي واحد ًا خري لك من ر النعآ‪ ،‬وخري لك مممما‬


‫معه ﷺ ومع املسلمني؛ (ألن هيدي اه بك هللج ً‬

‫طلعت عليه الشمس أو غربت)‪.‬‬

‫اه عنه وأهلل مماه‬ ‫هذه كانت قاة عكرمة بن أيب جهل ودخوله يف اإل يم‪ ،‬وإ افة قو ه هلل‬

‫إىل قوة املسلمني‪.‬‬

‫‪951‬‬
‫إ يم ُفضالة بن ُعمري الليثي‬

‫نأيت أيض ًا إىل قاة إ يم واحد من أشد أعداء الر ول ﷺ وهو فضالة بن عمري الليثي‪ ،‬وهممذا‬

‫الرجل من شدة عدائه للر ول ﷺ أنه قرهلل أن يقتل الر ول ﷺ يف يوم الفتا والر ول ﷺ يف‬

‫و ط اجليش الكبري عرشة تالف‪ ،‬وإذا قتله فضالة بن عمري فيشممك أنممه مقتممول‪ ،‬ومممع ذلممك‬

‫يض ي بنفسه ليقتل الر ول ﷺ من شدة كراهيتممه لممه‪ ،‬بجممواهلل الر ممول ﷺ وهممو يطمموف‬

‫بالبيت‪ ،‬فلام دنا من الر ول ﷺ وهو حيمل السيب ت ميبسه‪ ،‬قال له ﷺ (أفضاله قممال‬

‫نعآ فضالة يا هلل ول اه‪ ،‬فقال ماذا كنت دث بممه نفسممك قممال ال يشء‪ ،‬كنممت أذكممر اه‪،‬‬

‫ك وقال ا تغفر اه يا فضالة‪ ،‬ثآ و ع يده عىل صدهلل فضالة فسكن قلبممه‪،‬‬ ‫فالر ول ﷺ‬

‫فكان فضالة يقول واه ما هللفع يده عن صدهللي حتى ممما مممن خلممق اه يشء أحممب إيل منممه)‪،‬‬

‫اه عنه وأهلل اه وحسن إ يمه‪ ،‬حتى إنه ملا عاد من عند الر ممول ﷺ إىل‬ ‫وأ لآ فضالة هلل‬

‫أهله فمر بامرأة كان يت دث إليها يف اجلاهلية‪ ،‬فقالت املرأة لممه هلممآ إىل ا ممديث‪ ،‬فقممال ال‪،‬‬

‫يأبى عليك اه واإل يم‪ .‬انظروا غري ‪ 180‬دهللجة‪ ،‬بعد هذا اإل يم أصبا هللجم ً‬
‫ي تخممر غممري‬

‫الرجل األول‪ .‬هكذا يانع اإل يم الرجال والنساء عىل جه‪ ،‬باوهللة كاد كون تلفة متممام‬

‫االختيف عن حيا ه قبل اإل يم‪.‬‬

‫إ يم هند بنت عتبة‬

‫من الذين ن ب أن نقب مع إ يمهآ وقفة هامة وطويلة‪ ،‬ليس مع إ يم أحد هللجال مكممة أو‬

‫أحد زعامء مكة‪ ،‬ولكن مع إ يم إحدى نساء مكة‪ ،‬إحممدى النسمماء الممييت حاهللبممت اإل مميم‬

‫ي وملدة نوات كثرية‪ ،‬وهلا ذكريات منملة جد ًا مع املسلمني ومع هلل ول اه ﷺ شخاممي ًا‪،‬‬
‫طوي ً‬

‫اه عنه‪.‬‬ ‫نقب مع إ يم هند بنت عتبة زوجة أيب فيان هلل‬

‫‪952‬‬
‫هند بنت عتبة مو وهللة من املسلمني‪ ،‬قتل أبوها عتبة بن هللبيعممة يف بممدهلل‪ ،‬وقتممل عمهمما شمميبة بممن‬

‫هللبيعة كذلك يف بدهلل‪ ،‬وقتل ابنها حنظلة بن أيب فيان أيض ًا يف بدهلل‪ ،‬وقتل أخوها الوليد بن عتبة‬

‫بن هللبيعة أيض ًا يف بدهلل‪ ،‬فتاوهلل أهللبعة من أقرب األقرباء إليها قتلوا مجيع ًا يف بدهلل‪ ،‬وهآ مجيع ًا من‬

‫ادة قريش‪ ،‬فا قيقة موقفها كان يف غاية الاعوبة‪ ،‬فقد لت يف قلبها كراهية ي حيملها أحممد‬

‫مثلها إال القليل‪ ،‬وظلت عىل هذا األمر نوات طويلة منذ بدهلل وإىل فتا مكممة‪ ،‬ممت ممنوات‬

‫متالة‪ ،‬وقبل ذلك أيض ًا كانت معادية لإل يم‪ ،‬ولكن ظهرت العداوة بشدة بعد مقتل هممنالء‬

‫األهللبعة يف بدهلل‪ ،‬وخرجت بنفسها مع اجليش الكافر يف موقعة أحد‪ ،‬و سممت اجلمميش قممدهلل ممما‬

‫ستطيع رب املسلمني‪ ،‬وملا فممر اجلمميش مممن أمممام املسمملمني يف أول املعركممة كانممت ثممو يف‬

‫وجوههآ الرتاب و دفعهآ دفع ًا إىل حرب املسلمني‪ ،‬وي فر كام فر الرجال‪ ،‬ثآ إنه بعد انتامماهلل‬

‫أهل مكة عىل املسلمني يف اية موقعة أحد قامت بفعل شنيع‪ ،‬قامت بالتمثيل باجلثث‪ ،‬وبدأت‬

‫اه عنه وأهلل مماه‬ ‫متثل بواحدة لو األخرى بنفسها‪ ،‬حتى وصلت إىل لة بن عبد املطلب هلل‬

‫اه عنه وأهلل اه وأخرجت كبده والكممت مممن كبممده‪ ،‬أي‬ ‫عآ الر ول ﷺ‪ ،‬فبقرت بطنه هلل‬

‫أكلت من كبده قطعة‪ ،‬فام ا تساغتها فلفظتها‪ ،‬لكن هممذا املوقممب أثممر بشممدة يف الر ممول ﷺ‪،‬‬

‫وخرجت مع املرشممكني يف غمملوة األحمملاب‪ ،‬بممل وا ممتمرت يف حر مما ممد اإل مميم حتممى‬

‫الل ظات األخرية من فتا مكة‪ ،‬هللفضت هند بنت عتبة ما طلبه زوجها من أهممل مكممة مممن أن‬

‫يدخلوا يف بيوهتآ طلب ًا ألمان الر ول ﷺ‪ ،‬ودعت أهل مكممة لقتممل زوجهمما عنممدما أ‪ ،‬عممىل‬

‫مهادنة الر ول ﷺ‪ ،‬ودفعتهآ دفع ًا إىل القتال؛ اهلليخ طويل رشس جد ًا مع املسلمني‪.‬‬

‫مع ذلك عندما جلس ﷺ عند جبل الافا ليبايع الناس عىل اإل يم جاءت هنممد بنممت عتبممة‬

‫وهي منتقبة متنكرة ال يعرفها ﷺ‪ ،‬والر ول ﷺ كان يبايع النساء يف ذلممك اليمموم مشممافهة ممما‬

‫و ع يده يف يد امرأة أجنبية قط ﷺ‪ ،‬وكانت بيعة النساء عىل أال يرشكن باه شيئ ًا وال يرسممقن‬

‫‪953‬‬
‫وال يلنني وال يقتلن أوالدهن‪ ،‬وال يأ ني ببهتان يفرتينه بني أيدهين وأهللجلهممن‪ ،‬وال يعاممني يف‬

‫معروف‪ ،‬فبدأت النساء بايع وقال ﷺ هلن (بايعنني عىل أال رشكن باه شمميئ ًا‪ ،‬فقالممت هنممد‬

‫واه إنك لتأخذ علينا ما ال أخذه من الرجال) أي علينا فاييت كثرية بينام الرجممال بممايعوا‬

‫بيعة واحدة فقط‪ ،‬ثآ قال الر ول ﷺ (وال رسقن‪ ،‬فوقفت هند وقالت يا هلل ممول اه إن أبمما‬

‫فيان هللجل ش يا ال يعطيني ما يكفيني ويكفي بني‪ ،‬فهل عيل من حر إذا أخذت من مالممه‬

‫بغري علمه فقال ﷺ خذي من ماله ما يكفيك وبنيك باملعروف)‪ ،‬ثآ انتبه ﷺ وعلآ أن هممذه‬

‫التي تكلآ معه زوجة أيب فيان فقممال (وإنممك هلنممد بنممت عتبممة )‪ ،‬فهممو ﷺ ممذكر يف لممك‬

‫اه عنه وأهلل اه وما حدث له مممن هنممد بنممت عتبممة‪ ،‬قالممت‬ ‫الل ظة لة بن عبد املطلب هلل‬

‫هند (نعآ‪ ،‬هند بنت عتبة فاعب عام لب عفا اه عنك)‪ ،‬فهي عممرف اهللخيهمما مممع الر ممول‬

‫ﷺ‪ ،‬فالر ول ﷺ دائ ًام يعفو ويافا‪ ،‬وأكمل البيعة مع النسمماء‪ ،‬وقممال (وال يمملنني‪ ،‬فقالممت‬

‫هند يا هلل ول اه وهل لين ا رة ! فقال ﷺ وال قتلن أوالدكن‪ ،‬فقالت هنممد قممد هللبينمماهآ‬

‫صغاهلل ًا وقتلتهآ كباهلل ًا فأنت وهآ أعلآ‪ ،‬هل ركت لنا ولد ًا إال قتلته يوم بدهلل ‪-‬أي أنت قتلممت‬

‫اه عنممه حتممى ا ممتلقى‬ ‫ك عمممر هلل‬ ‫تباءهآ يوم بدهلل و وصينا بأوالدهآ‪ -‬فتبسآ ﷺ‪ ،‬و‬

‫عىل قفاه)‪ ،‬فالر ول ﷺ قدهلل موقب هند بنت عتبة ومدى صعوبة اإل يم عليها‪ ،‬ومممع ذلممك‬

‫هي اآلن سلآ عن قناعة‪ ،‬فلام قال ﷺ وال يأ ني ببهتان يفرتينه بني أيدهين وأهللجلهن‪ ،‬فقالممت‬

‫هند واه إن إ يان البهتان لقبيا‪ ،‬فقال ﷺ وال يعاينني يف معممروف‪ ،‬فقالممت هنممد واه ممما‬

‫جلسنا هذا املجلس ويف أنفسنا أن نعايك يف معروف)‪.‬‬

‫اه عنهمما وأهلل مماها هممذه املبايعممة‬ ‫متت مبايعة نساء مكة مجيع ًا بام فمميهآ هنممد بنممت عتبممة هلل‬

‫املباهللكة‪ ،‬و ب ان اه ح ُسن إ يم هند بنممت عتبممة ‪ ،‬وكممام كانممت يممر مممع جيمموة الكفمماهلل‬

‫لت مسها رب املسلمني بدأت ير مع جيوة املسلمني لت مسممهآ ممرب الكفمماهلل‪ ،‬ومممن‬

‫‪954‬‬
‫أشهر مواقفها هذا املوقب الذي وقفته يف يوم الريموك‪ ،‬عنممدما بممدأت شممجع املسمملمني عممىل‬

‫القتال يف بيل اه‪ ،‬وعىل خوض غامهلل املعركممة اهلائلممة ممد ‪ 200‬ألممب هللومممي‪ ،‬فكانممت مممن‬

‫أدوات النرص العظيمة يف ذلك اليوم املجيد‪.‬‬

‫اه عل وجل فتا قلوب ًا غلف ًا يف ذلك اليوم يوم الفممتا‪ ،‬بممام ال يمكممن أبممد ًا أن يتامموهلل‪ ،‬فمدينممة‬

‫كاملة من أعظآ مدن اجلليرة العربية أ لمت بكاملها يف ذلك اليوم‪ ،‬وي يتخلب أحد منهآ عن‬

‫اإل يم‪.‬‬

‫موقب الر ول ﷺ من إجاهللة أم هانئ بنت أيب طالب يوم الفتا لبعض املرشكني‬

‫نريد أن نذكر بموقب من املواقب الرائعة يف فتا مكة إلحدى نساء املسلمني‪ ،‬وهي السمميدة أم‬

‫اه عنها وأهلل اها أخت يدنا عيل بن أيب طالب ‪ ،‬ملا نلل الر ممول‬ ‫هانئ بنت أيب طالب هلل‬

‫ﷺ بأعىل مكة وداهللت ا رب يف أ فل مكة بني جمموعة من املرشممكني وبممني رسيممة خالممد بممن‬

‫اه عنه وأهلل اه‪ ،‬هرب هللجين من بني لوم وي جيدا أي ملجممأ يف ذلممك الوقممت‬ ‫الوليد هلل‬

‫اه عنها؛ ألن زوجها هو هبممرية بممن أيب‬ ‫إال أن يدخي عند السيدة أم هانئ بنت أيب طالب هلل‬

‫وهب املخلومي ‪ ،‬فهآ من أقاهللب زو السيدة أم هانئ ‪ ،‬وطلبا منها أن جتريمها‪ ،‬وهذا يشء فيه‬

‫إهانة كبرية جد ًا عند العرب‪ ،‬لكن يف نفس الوقت هذان االثنان ي جيممدا هلممام أي ممبيل غممري أن‬

‫اه عنها‪ ،‬فام لبث أن دخل عيل بن أيب طالممب‬ ‫يطلبا اإلجاهللة من امرأة‪ ،‬فأجاهللهتام أم هانئ هلل‬

‫اه عنها‪ ،‬وقالت (قممد‬ ‫اه عنه وهو يقول (واه ألقتلنهام)‪ ،‬فأغلقت عليهام الباب هلل‬ ‫هلل‬

‫أجرهتام)‪ ،‬و يدنا عيل بن إيب طايل ُم ِرص عىل أن يقتلهام‪ ،‬فقالممت (نممذهب إىل الر ممول ﷺ)‪،‬‬

‫فلام مع ذلك كت وذهب معها إىل الر ول ﷺ‪ ،‬وعر ممت السمميدة أم هممانئ أمرهمما عليممه‬

‫وقالت (يا هلل ول اه زعآ ابن أمي ‪-‬الذي هو عيل بن أيب طالب ‪ -‬أنه قا ممل هللجم ً‬
‫ي أجر ممه)‪،‬‬

‫فقال ﷺ (قد أجرنا من أجرت‪ ،‬وأمنا من أمنت)‪ .‬الر ول ﷺ قبل بإجاهللة أم هممانئ يف اثنممني‬
‫‪955‬‬
‫اه عنهمما‬ ‫كانا يقا ين املسلمني‪ ،‬ومع ذلك الر ول ﷺ جيري من أجاهللت السيدة أم هممانئ هلل‬

‫وأهلل اها (قد أجرنا من أجرت‪ ،‬وأمنا من أمنت)‪.‬‬

‫هذه هي قيمة املرأة يف اإل يم‪ ،‬وكام ذكرنا أن أم حكيآ بنت ا اهللث بن هشممام ممنمن عكرمممة‬

‫بن أيب جهل مع أنه كان مهدهلل الدم‪ ،‬وكذلك أم هممانئ اآلن ممنمن الممرجلني بعممد أن كانمما عممىل‬

‫اه عنه وأهلل اه‪ ،‬قبل ذلك أم لمة كممام ذكرنمما‬ ‫مقربة من القتل عىل يد عيل بن أيب طالب هلل‬

‫يف الدهللس السابق و طت عند الر ول ﷺ ليقبل وبة أيب فيان بممن ا مماهللث وعبممد اه بممن‬

‫أمية بعد أن هللفض ﷺ يف البداية‪ .‬مكانة عظيمة جممد ًا وهللاقيممة جممد ًا للمممرأة يف اإل مميم‪ ،‬ومنممذ‬

‫األيام األوىل لإل يم‪.‬‬

‫موقب الر ول ﷺ من املرأة املخلومية التي رسقت‬

‫إن األحداث يف فتا مكة من الاعب أن امى يف لقاء واحممد؛ ألن األحممداث كثممرية جممد ًا‪،‬‬

‫وكنت أود أن أ كلآ فيها‪ ،‬لكن الوقت ال يتسع؛ لذلك أختاهلل بعض ا مموادث القليلممة التممي‬

‫أعلق عليها عليق ًا رسيع ًا‪ ،‬ونسأل اه عل وجل أن جيمع بيننا يف اللقمماءات األخممرى لنفاممل يف‬

‫موقب من أهآ املواقب اليفتة للنظممر يف فممتا مكممة‪ ،‬وهممذا املوقممب هممو املوقممب مممن املممرأة‬

‫املخلومية التي رسقت‪ ،‬هذه املرأة رسقممت بعممد أن فت ممت مكممة‪ ،‬وكانممت مممن النسمماء الممييت‬

‫أ لمن‪ ،‬فهي من بني لوم رشيفة من األرشاف‪ ،‬وقبيلة بني لوم قبيلة كبرية جد ًا‪ ،‬وكام يعلآ‬

‫اجلميع أن العيقة بني بني لوم وبني هاشآ كانت عيقة حسا ة جد ًا‪ ،‬وكان التنممافس بيممنهام‬

‫عىل كل األموهلل قريب ًا‪ ،‬وكان أبو جهل زعيآ بني لوم‪ ،‬وكان املوقممب حرجم ًا جممد ًا مممع هممذه‬

‫القبيلة بالذات‪ ،‬وخيشى من أن نقلب عىل املسلمني انقيب ًا قد ال حيمد عقبمماه‪ ،‬ومممع أننمما هللأينمما‬

‫الر ول ﷺ حياول قدهلل املستطاع أن ينلب قلوب القبائل‪ ،‬فألب قلوب بني أمية‪ ،‬وألب قلوب‬

‫بني عبد الداهلل‪ ،‬وألب قلوب بني عامر كام ذكرنا يف الدهللس‪ ،‬لكممن هممذا حممدث مهممآ مممع بنممي‬
‫‪956‬‬
‫لوم‪ ،‬وقد يفهمه الفامهون أنه ليس فيه نوع من التأليب لبني لوم‪ ،‬لكن ن تمما أن نممدهللس‬

‫املو وع بدقة‪ .‬هذه امرأة من أرشاف بني لوم رسقت‪ ،‬فقرهلل ﷺ أن يقيآ عليها ا د وهممو أن‬

‫يقطع يدها؛ أل ا رسقت واكتملت أهللكان جريمة الرسقة‪ ،‬وهنا الر ممول ﷺ ي يقممل أهلليممد أن‬

‫أ ألب قلوب بني لوم بالعفو عن هذه املرأة التي رسقت‪ ،‬لكنه أقام عليها ا د مض ي ًا بام قممد‬

‫حيدث من أحداث دامية يف داخل مكة نتيجة طبيقه هلذا ا د‪ ،‬ألجل أن يرينا معنى مهم ًام جممد ًا‬

‫ويلهللع فينا معنى ينبغي أن نفهمه مجيع ًا فه ًام جيد ًا دقيق ًا‪ ،‬أال وهو أنه ال يمكن أبد ًا ألي إنسممان‬

‫مهام كان نسبه ومهام كان رشيف ًا ومهام كان عظي ًام أن يتغاىض عنها أو يعطلها‪ ،‬أو يقوم بأمر مممن‬

‫األموهلل يمنع من إقامتها يف الدولة اإل يمية‪ ،‬حتى لو كانت العواقب وخيمة‪ ،‬وقرهلل ﷺ ذلممك‬

‫األمر وشاع بني الناس أن املرأة املخلومية تقطع يممدها‪ ،‬فممذهب بنممو مملوم إىل الر ممول ﷺ‬

‫ليستشفعوا عنده‪ ،‬لكن ي يستطيعوا أن يكلموه مبارشة‪ ،‬فذهبوا إىل أ امة بممن زيممد بممن حاهللثممة‬

‫اه عنهام فقد كان يسمى بني الا ابة "ا ب بن ا ب"‪ ،‬كان حممب الر ممول ﷺ زيممد‬ ‫هلل‬

‫بن حاهللثة‪ ،‬وأ امة بن زيد هو ا ب بن ا ب‪ ،‬وكان الر ممول ﷺ حيبممه حبم ًا مجم ًا‪ ،‬ففممي أثنمماء‬

‫اه عنه وأهلل اه‪.‬‬ ‫دخوله مكة املكرمة يف يوم الفتا أهللدفه خلفه‪ ،‬من شدة حبه له هلل‬

‫ذهبوا إىل أ امة وقالوا له ا تشفع هلذه املرأة أال قطع يدها؛ فهي امرأة عليلة رشيفة من بنممي‬

‫اه عنهام أخذ املو وع بسهولة ويسمر وذهممب إىل الر ممول ﷺ‬ ‫لوم‪ ،‬فم أ امة بن زيد هلل‬

‫ليستشفع هلذه املرأة يف حد من حدود اه‪ ،‬فلام كلمه أ امة‪ ،‬لون وجممه الر ممول ﷺ وغضممب‬

‫غضب ًا شديد ًا‪ ،‬وقال لم أ امة (أ شفع يف حد من حدود اه أ شفع يف حممد مممن حممدود اه !)‬

‫اه عنهام ي جيد أي م هلل إال أن يقول (يا هلل ول اه ا ممتغفر يل يمما‬ ‫حتى إن أ امة بن زيد هلل‬

‫هلل ول اه ا تغفر يل)‪ .‬النبي ﷺ أقام ا د عىل السيدة املخلومية التي رسقممت ي يقبممل شممفاعة‬

‫اه عنهآ أمجعني‪ ،‬ولكنه يف تخر اليوم قممام وخطممب‬ ‫أ امة بن زيد وال أحد من الا ابة هلل‬

‫‪957‬‬
‫خطبة ليفهآ املسلمني هذا املعنى الدقيق؛ ليضع هلآ أ س بناء دولة إ يمية‪ ،‬ليو مما هلممآ أن‬

‫العدل أ اس امللك حق ًا‪ ،‬و طبيق ًا واقعي ًا يف حياة املسلمني‪ ،‬قام ﷺ وقال (إنممام أهلممك النمماس‬

‫قبلكآ أ آ كانوا إذا رسق فيهآ الرشيب ركوه‪ ،‬وإذا رسق فيهآ الضعيب أقمماموا عليممه ا ممد‪،‬‬

‫والذي نفس دمد بيده لو أن فاطمة بنت دمممد ﷺ رسقممت لقطعممت يممدها) هكممذا يف منتهممى‬

‫الو وح‪ ،‬ف دود اه ب انه و عاىل ال يمكن أبد ًا أن نقرتب منها‪ ،‬قال عاىل { ْلك ُحدُ و ُد اه‬

‫في ْقر ُبوها} [البقرة ‪ ]187‬وقال عل وجل { ْلك ُحدُ و ُد اه فمي ْعتمدُ وها} [البقممرة ‪،]229‬‬

‫هكذا ينبغي أن نكون مع حدود هللب العاملني ب انه و عاىل‪.‬‬

‫الر ول ﷺ ألب قلوب الناس بأموهلل رشفية أو مالية وبأموهلل ماديممة هممذا أمممر ممكممن‪ ،‬أممما أن‬

‫يتألب قلوب الناس بتعطيل حد من حدود اه فهذا ال يقبل مطلق ًا‪ ،‬مهام كان هذا الممذي أخطممأ‬

‫عليل ًا أو رشيف ًا كبري ًا أو صغري ًا‪ ،‬هللج ً‬


‫ي أو امرأة‪ ،‬فأي إنسان وقع يف حد من حممدود اه البممد أن‬

‫يقام عليه ا د‪ ،‬وهذه الكلامت التي قاهلا الر ول ﷺ يف خطبته (لو رسقت فاطمة بنت دمممد‬

‫لقطعت يدها)‪ ،‬حتى يفهآ بني لوم أن هذا أمر ليس خاص ًا ممآ‪ ،‬وأنممه لممو حممدث مممع بنممي‬

‫هاشآ بل لو حدث مع بنته شخاي ًا ‪-‬حاشاها أن فعل ذلك‪ -‬لو حدث معها لقطع ﷺ يدها‪.‬‬

‫هذا املوقب مر بأمان‪ ،‬وهدأت بنو لوم وي فعل شيئ ًا يف ذلك املوقب‪ ،‬وحسممنت وبممة هممذه‬

‫املرأة املخلومية‪ ،‬وكانت أيت الر ول ﷺ كثري ًا لتسأل عن أموهلل يف الفقه ويف اإل مميم فيجيممب‬

‫عنها ﷺ‪.‬‬

‫موقفه الر ول ﷺ من خلاعة يف قتلها لرجل من هذيل ثأهلل ًا لقتيل هلا يف اجلاهلية‬

‫هذا موقب تخر ففي نفس الغلوة غلوة الفتا حدث أمر تخر يثبت به الر ول ﷺ نفس املعنى‬

‫يف قلوب املسلمني‪ ،‬فبعد مروهلل يوم واحد من الفتا بلغ النبي ﷺ أن خلاعة حلفاءه عدت عىل‬

‫‪958‬‬
‫هللجل من هذيل فقتلوه‪ ،‬وهذا الرجل الذي قتل مرشك‪ ،‬وقتلوه برجل قتله يف اجلاهلية‪ ،‬فغضب‬

‫ﷺ غضب ًا شديد ًا وقام بني الناس خطيب ًا فخلاعة اآلن أخذ بالثأهلل لقتيل هلا يف اجلاهليممة‪ ،‬وهممذا‬

‫عكس عاليآ اإل يم‪ ،‬وخلاعة دخل مكة اآلن وهي هللافعممة هللأ ممها؛ ألن الر ممول ﷺ فممتا‬

‫مكة من أجل خلاعة‪ ،‬ومع ذلك ال يغفر هلا هذا الذنب‪.‬‬

‫قام ﷺ وخطب يف الناس وقال (يا أهيمما النمماس إن اه قممد حممرم مكممة يمموم خلممق السمماموات‬

‫واألهللض‪ ،‬فهي حرام ب رمة اه إىل يوم القيامة‪ ،‬في حيل المرئ ينمن بمماه واليمموم اآلخممر أن‬

‫يسفك فيها دم ًا‪ ،‬وال يعضد فيها شجر ًا‪ ،‬وهي ي ل ألحممد كممان قممبيل وال ممل ألحممد يكممون‬

‫بعدي‪ ،‬وي ل يل إال هذه الساعة‪ ،‬ثآ قد هللجعممت ك رمتهمما بمماألمس‪ ،‬فليبلممغ الشمماهد مممنكآ‬

‫الغائب‪ ،‬فمن قال لكآ إن هلل ول اه ﷺ قد قا ل فيها‪ ،‬فقولوا إن اه أحلها لر وله وي حيلها‬

‫لكآ‪ ،‬ثآ قال يا معرش خلاعة اهللفعوا أيديكآ عن القتل‪ ،‬لقد قتلتآ قتي ً‬
‫ي ألدينه فمممن قتممل بعممد‬

‫مقامي هذا فأهله بخري النظرين إن شاءوا فدم قا له‪ ،‬وإن شاءوا فعقله) أي بعد هذه ا ادثممة‬

‫يخري أهل القتيل بني أمرين إن شاءوا أن يقتل الذي قتل صاحبهآ‪ ،‬وإن شمماءوا أن يأخممذوا‬

‫الدية‪ ،‬فهآ بخري النظرين فليختاهللوا ما شاءوا‪ .‬ا دود نفذت عىل هممذا املممم الوا ممع ويف هممذه‬

‫الظروف؛ ليعلآ أنه ال فريط أبد ًا يف حدود اه عل وجل‪ .‬هذه كانت من املواقب اهلامة جد ًا يف‬

‫فتا مكة‪.‬‬

‫موقفه ﷺ من إقامة وال عىل مكة بعد الفتا‬

‫كان من عادة الر ول ﷺ إذا فتا بلد ًا أو دخل اإل يم إىل بلد أن يويل عليها أحد ًا من هللجاله‪،‬‬

‫لكن املشكلة أن أبا فيان كان قبل ذلك زعيآ مكة بعد مقتل أيب جهممل‪ ،‬وي يطمممئن الر ممول‬

‫ﷺ بعد إىل إ يمه حتى يعطيه إماهللة مكة‪ ،‬وبالذات أن مكة أعظآ مدن العرب عىل اإلطمميق‪،‬‬

‫فهو ال يستطيع أن يعطيها لرجل ي يثق بعد يف إ يمه‪ ،‬ون ن علمنا أن يف ا واهلل الذي داهلل بينه‬
‫‪959‬‬
‫وبني الر ول ﷺ ي يكن فيه أبو فيان حتى الل ظات األخممرية مقتنعم ًا متممام االقتنمماع بقضممية‬

‫النبوة‪ ،‬فكيب يترصف الر ول ﷺ ! إذا أعطى الر ول ﷺ اإلماهللة لغريه قد حيلن أبو ممفيان‬

‫وينقآ عىل ذلك األمر ويثوهلل‪ ،‬وقد ثوهلل بنو أمية التي منها أبو فيان‪ ،‬والر ول ﷺ ال يريممد أن‬

‫دث قيقل أو ا طرابات يف مكة وقد أ لمت بكاملهمما مممن ظممات قليلممة أو أيممام قليلممة‪،‬‬

‫اه عنممه‪ ،‬وكممام ذكرنمما أن‬ ‫فالر ول ﷺ يف لفتة باهللعة أعطى إماهللة مكة لم عتاب بن أ يد هلل‬

‫عتاب بن أ يد كان من شباب مكة‪ ،‬فقد كان عمره حوايل ‪ 20‬نة قريب ًا‪ ،‬وكان من بنممي أميممة‬

‫من نفس قبيلة أيب فيان‪ ،‬فإذا أعطاه الر ول ﷺ إماهللة مكة فسيكون فيه ممأليب لقلمموب بنممي‬

‫أمية‪ ،‬ولن قب بنو أمية طوي ً‬


‫ي عند ن ية أيب فيان عن إماهللة مكممة؛ ألن األمممري اجلديممد منهمما‬

‫أيض ًا‪ ،‬وعتاب بن أ يد شاب ي يتلوث كثري ًا بعقائد املرشكني‪ ،‬وليس هناك اهلليخ عممداء طويممل‬

‫بينه وبني املسلمني فيسهل قياده‪ ،‬وبالفعل فإن عتاب بن أ يد حسن إ يمه جد ًا‪ ،‬وكممان كثممري‬

‫الاية والايام والادقة‪ ،‬وكان من املقربني جد ًا إىل الر ول ﷺ‪ ،‬وا تطاع فع ً‬


‫ي ب كمممة أن‬

‫حيفظ األمن واألمان يف داخل مكة‪ ،‬فلآ نسمع عن أي قيقممل يف حيا ممه يف فممرتة حكمممه ملكممة‬

‫املكرمة‪ ،‬لكن الر ول ﷺ يعلآ أن عتاب بن أ يد معلوما ه عن اإل يم قليلممة جممد ًا؛ ألنممه ي‬

‫اه عنممه وأهلل مماه؛‬ ‫يسلآ إال منذ أيام قليلة؛ فلذلك رك معه معمماذ بممن جبممل األنامماهللي هلل‬

‫ليعلآ الناس دينهآ‪ ،‬لقد رك معهآ ب ر ًا من ب وهلل العلآ معاذ بن جبل‪ ،‬فهو إمام العلممامء يمموم‬

‫اه عنه‪ ،‬وأهل مكممة فمميهآ الكثممري مممن العقليممات‬ ‫القيامة وأعلآ الناس با يل وا رام هلل‬

‫واملفكرين واملبدعني‪ ،‬فهآ حيتاجون إىل هللجل من علامء األمة ليجادهلآ فمميام خيتلفممون فيممه‪ ،‬وال‬

‫ي جد ًا مع الر ول ﷺ‪ ،‬وعندهآ شممبهات كثممرية قالوهمما قبممل ذلممك‪،‬‬


‫ننسى أن هلآ اهللخي ًا طوي ً‬

‫اه عنممه وأهلل مماه‪ ،‬بممذلك‬ ‫وأعلآ الناس يف الرد عليهآ يف ذلك الوقت هو معاذ بن جبممل هلل‬

‫ا تقر الو ع يف داخل مكة املكرمة‪ ،‬ودخل الناس مجيع ًا يف اإل يم بفضل اه عل وجل‪.‬‬

‫‪960‬‬
‫اه عنهآ بعد فتا مكة وما كان من الر ول ﷺ جتاههآ‬ ‫موقب األنااهلل هلل‬

‫يتبقى لنا موقب ن ب أن نعلق عليه يف ختام هذا الدهللس وهو مهآ جد ًا‪ ،‬وهو موقب األنااهلل‬

‫اه عنهآ وأهلل اهآ‪ .‬هللأى األنااهلل األحداث التي جتري يف داخل مكة املكرمممة وإ مميم‬ ‫هلل‬

‫اجلميع‪ ،‬وهنالء مجيع ًا هآ أهل وعشرية وهللحآ الر ممول ﷺ‪ ،‬والشممك أ ممآ شمماهدوا فرحممة‬

‫و عادة الر ول ﷺ ذا اإل يم‪ ،‬وشاهدوا أيض ًا ا تقراهلل األو اع يف داخل مكممة املكرمممة‪،‬‬

‫وإ يم عكرمة بن أيب جهل ‪ ،‬وإ يم هيل بن عمرو ‪ ،‬وإ يم فضممالة بممن عمممري ‪ ،‬وإ مميم‬

‫قادة مكة بافة عامة‪ ،‬فالو ع بدأ يستقر جد ًا يف داخل مكة املكرمة‪ ،‬والر ول ﷺ يقممب عممىل‬

‫الافا يدعو اه عل وجل‪ ،‬واألنااهلل يقفون ته يفكممرون يف و ممعهآ بعممد هممذا الفممتا‪ ،‬قممال‬

‫بعض األنااهلل لبعض (أما الرجل ‪-‬يقادون الر ممول ﷺ‪ -‬فأدهللكتممه هللغبممة يف قريتممه وهللأفممة‬

‫بعشري ه)؛ أل آ يرون فاعله ﷺ مع األحداث يف داخل مكة‪ .‬قال أبو هريممرة هللاوي ا ممديث‬

‫كام عند مسلآ (وجاء الوحي‪ ،‬وكان إذا جاء ي خيب عليهآ فليس أحد من الناس يرفع طرفممه‬

‫إىل هلل ول اه ﷺ حتى ينقيض‪ ،‬فلام انقىض الوحي هللفع هللأ ه ﷺ ثآ قال يمما معرشم األنامماهلل‪،‬‬

‫قلتآ أما الرجل فأدهللكته هللغبة يف قريته وهللأفة يف عشري ه‪ ،‬قالوا قلنا ذلك يا هلل ممول اه‪ ،‬قممال‬

‫فام ا مي إذ ًا كي إين عبد اه وهلل وله هاجرت إىل اه وإليكآ فامل يا دياكآ واملامت مممما كآ)‬

‫أي أنني وف أعيش معكآ حيايت كاملة‪ ،‬وليس معنى أنني عاطفت مع هذه األحداث التممي‬

‫جتري يف مكة املكرمة‪ ،‬وأنني فرحت بإ يم هنالء العشرية واألهل والممرحآ أننممي ممأبقى يف‬

‫اه عممنهآ وأهلل مماهآ قممالوا‬ ‫مكة وأ رككآ‪ .‬قد ذكرنا يف بيعة العقبممة الثانيممة أن األنامماهلل هلل‬

‫لر ول اه ﷺ (إن بيننا وبني القوم حباالً وإننا قاطعوها) فقد بايعوه ﷺ عممىل حممرب األ ممر‬

‫واأل ود من الناس‪ ،‬و‪،‬حوا بأنه بعد هذه البيعة هل إذا ا تقرت األو مماع يف مكممة مميعود‬

‫إليها ﷺ ويرتكهآ مع اليهود أو غريهآ مممن النمماس‪ ،‬فقممال ﷺ (بممل امل يمما ديمماكآ واملممامت‬

‫‪961‬‬
‫مما كآ‪ ،‬أنا منكآ وأنتآ مني)‪ ،‬فالر ول ﷺ ينكد عىل نفس املعنى اآلن ويقول (ما ا مي إذ ًا‬

‫كي إين عبد اه وهلل وله)‪ ،‬أي مست يل أن أخالب ما عاهدت معكممآ عليممه قبممل ذلممك‪( ،‬إين‬

‫عبد اه وهلل وله هاجرت إىل اه وإليكآ‪ ،‬فامل يا دياكآ واملممامت مممما كآ)‪ ،‬قممال أبممو هريممرة‬

‫اه عنهآ وأهلل اهآ ويقولون (واه يمما هلل ممول‬ ‫فأقبل األنااهلل إىل هلل ول اه ﷺ يبكون هلل‬

‫اه! ما قلنا الذي قلنا إال ممن ًا بمماه وهلل مموله) أي ممما قلنمما هممذه الكلممامت إال ألننمما نريممد اه‬

‫وهلل وله‪ ،‬نريممدك أن كممون معنمما يمما هلل ممول اه‪ ،‬فقممال ﷺ (فممإن اه وهلل مموله لياممدقانكآ‬

‫ويعذهللانكآ)‪ ،‬قبل منهآ ﷺ هذا األمر‪ ،‬وقبل مممنهآ هممذا الظممن الممذي ظنمموه بر ممول اه ﷺ‬

‫اه عنهآ هلممآ قيمممة عاليممة جممد ًا يف ميمملان‬ ‫اه عنهآ وأهلل اهآ‪ .‬األنااهلل هلل‬ ‫وعذهللهآ هلل‬

‫اه عنهآ‪ ،‬وي يأخذوا شيئ ًا ال يف الفرتة املكية بعممد البيعممة‬ ‫اإل يم‪ ،‬وبذلوا الكثري والكثري هلل‬

‫وال يف الفرتة املدنية من أوهلا حتى هذه الل ظة وإىل تخر حياة الر ممول ﷺ‪ ،‬ولممذلك الر ممول‬

‫ﷺ رشفهآ بكلام ه العظيمة‪ ،‬فقال يف حقهآ (تية اإليامن حب األنامماهلل‪ ،‬وتيممة النفمماق بغممض‬

‫األنااهلل)‪ .‬ن ن نعذهلل األنااهلل متام ًا يف هذا األمر الممذي وقعمموا فيممه‪ ،‬وعممذهللهآ هلل ممآ ممب انه‬

‫و عاىل وهلل وهلآ الكريآ ﷺ‪.‬‬

‫كل بذل األنااهلل قبل الفتا وبعد الفتا له قيمة عالية جد ًا؛ ألنه كممان يف وقممت الشممدة ووقممت‬

‫العناء ووقت املشقة‪ ،‬وال يمكن أبد ًا أن يساويه بذل بعد الفتا‪ ،‬بأي صمموهللة مممن الامموهلل‪ ،‬ومممما‬

‫ينكد هذا املعنى األخري هذه القاة التي أختآ ا ‪ ،‬وهي عندما جاء ُجماشممع بممن مسممعود هلل‬

‫اه عنهآ أمجعني جاء لمميعلن إ مميمه بممني يممدي‬ ‫اه عنه وأهلل اه بأخيه ُجمالد بن مسعود هلل‬

‫الر ول ﷺ بعد الفتا‪ ،‬فممجاشع من الذين أ لموا قبل الفتا وجمالد أخوه من الذين أ لموا‬

‫بعد الفتا‪ ،‬فجاء بأخيه ليبايع بعد الفتا‪ ،‬وقال (جئتك بأخي لتبايعه عممىل اهلجممرة فقممال ﷺ‬

‫ذهب أهل اهلجرة بام فيها)‪ ،‬فقال (عىل أي يشء بايعه‪ ،‬قممال أبايعممه عممىل اإل مميم واإليممامن‬

‫‪962‬‬
‫واجلهاد)‪ .‬األنااهلل مكانة عظيمة جد ًا‪ ،‬كام قال هللبنا ب انه و عاىل }ال ي ْستوي منْك ُْآ م ْن أنْفمق‬

‫م ْن ق ْبل ا ْلفتْا وقا ل ُأ ْولئك أ ْعظ ُآ دهللج ًة من المذين أنْف ُقموا مم ْن ب ْعمدُ وقما ُلوا و ُكم عي وعمد اهُ‬

‫ا ْ ُ ْسنى واهُ بام ْعم ُلون خب ٌري{ [ا ديد ‪.]10‬‬

‫‪963‬‬
964
‫‪40‬‬

‫يوم حنني‬

‫حتدثنا يف الدروس السابقة عن الفتح العظيم فتح مكة‪ ،‬وإسالم معظم أهل مكة‪ ،‬وإضااافة ةا‬

‫هائلة للدولة اإلسالمية‪ ،‬ة مكة‪ ،‬وهي ليست ة برشية أو اةتصادية فقا ‪ ،‬باال يف األساااس‬

‫ة دينية واجتامعية وسياسية وأدبية‪ ،‬فحني أصبحت الكعبة املرشاافة يف يااد املساالنني‪ ،‬ف ا‬

‫خيفى أثر ذلك عىل العرب الذين كا ا يعظن هنااا جااد ىا يفتااى يف جلماااة اواهليااة‪ ،‬وعاااد إ‬

‫التااي‬ ‫املسلنني الكثري والكثري من أمالكهم املسل بة‪ ،‬ومن جديد ت ثقت العالةااا بااني األ‬

‫فرةت اهلجر إ املدينة وةبلها إ احلبشة بينها وبااني بقيااة أفرادهااا يف مكااة املكرمااة‪ ،‬وأصاابح‬

‫للنسلنني وضع متنيز ألقى الرهبة يف ةل ب كل العرب‪ ،‬وبدأ الكثااري ماان القبائاال حتسا‬

‫للنسلنني ألف يفساب‪ .‬ليس من السهل أة هتزم ةريش‪ ،‬ليس من السهل أة تفتح مكة‪ ،‬لاايس‬

‫من السهل أة يقبل سد ة األصنام وكهنة هبل والعزى ومنا أة يدخل ا يف اإلسالم‪.‬‬

‫دوافع جتنع ةبائل ه اجلة ملقاتلة الرس ل ﷺ وأصحاب بحنني‬

‫لقد كاة فتح مكة فتح ىا جميد ىا بكل املقاييس‪ ،‬ومع أة هذا الفتح دفع الكثري من أهل اوزياار إ‬

‫التفكري يف اإلسالم‪ ،‬إ أة هناك بعض الق ى األخرى يف اوزير العربية أخذ م ةف ىا معاديا ىا‬

‫جد ىا من اإلسالم ومن الدولة اإلسالمية‪ ،‬فقد شعر وأيفست أة هااذا الننا الالفاات للنظاار‬

‫‪965‬‬
‫للدولة اإلسالمية معناه اةتالع القبائل األخرى خالل جلمن ةليل‪ ،‬من أجاال ذلااك باادأ هااذه‬

‫القبائل يف إعداد العد حلرب الدولة اإلسالمية‪ ،‬ةبل أة يتفاةم ال ضااع ويصاابح خارجا ىا عاان‬

‫السيطر ‪ ،‬فكاة من أخطر القبائل التي أخذ هذا النهج وهذا األسل ب ةبيلة ه اجلة‪.‬‬

‫يعلم اونيع مدى الروح القبلية عند العرب‪ ،‬ومدى ا تامء كل فرد لقبيلت بغض النظر عن احلق‬

‫أو العدل‪ ،‬وكاة هذا من األمراض اخلطري التي يفارهبا اإلسااالم منااذ اللحظااة األو لناازول‬

‫الرسالة‪.‬‬

‫من أجل أة فهم ةصة ه اجلة مع املسلنني بد أة رجع ةلي ى‬


‫ال إ ذاكر التاريخ‪ ،‬من أجل أة‬

‫درس جذور هذه القبيلة وعالةة هذه القبيلة بقريش‪ .‬ينقسم العرب بصاافة عامااة إ ةساانني‬

‫رئيسيني‪ :‬ينقسن ة إ عد ا يني وةحطا يني‪ ،‬العد ا ي ة ينقسن ة إ ‪ :‬ربيعة‪ ،‬وم َض‪ ،‬ومضار‬

‫تنقسم إ ‪ :‬إلياس وعيالة‪ ،‬وةبيلة ةريش تأيت من فرع إلياس بعد تفرعا كثري ‪ ،‬وتااأيت ةبيلااة‬

‫ه اجلة من عيالة أيض ىا بعد تفرعا كثري ‪ ،‬وكلااام بعااد األ ساااب اجلداد احلزاجليااا بااني‬

‫القبائل‪ ،‬ويفقد الناس الشع ر بالريفم التي ينتن ة إليها‪.‬‬

‫‪966‬‬
‫إذا كاة حيصل تنافسا ورصاعا بني البط ة القريبة من بعضها البعض بسااب القبليااة‪ ،‬فااام‬

‫بالك ل كا ت القبائل بعيد األ ساب عن بعضها البعض؟! مثالى‪ :‬كلنا يعلم ما كاة حيدث ماان‬

‫رصاع بني بني هاشم وبني خمزوم‪ ،‬وخمزوم وةيص كا ا أو د عم مبااا‪ ، ،‬وخماازوم ها الااذ‬

‫جاء من ةبيلة بني خمزوم‪ ،‬وةيص الذ جاء من بن هاشم بعد ذلك‪ ،‬ومع ذلااك كاااة الصااراع‬

‫شديد ىا بني القبيلتني‪ ،‬تنافس ةبيل‪ ،‬وةد يصل األمر إ املنافسة العسكرية الدم ية‪ .‬كااذلك كلنااا‬

‫يعلم الرصاع بني األوس واخلزرج مع أة ا ثنني أو د يفارثة بن ثعلبة من فروع ةحطاة‪ ،‬لكن‬

‫داء القبلية كاة يعصف باوزير العربية‪ .‬الرس ل ﷺ من ةريش؛ فلهااذا القبائاال البعيااد عاان‬

‫ةريش ستفكر يف اإلسالم بص ر أكثر حتفظ ىا من القبائل القريبة من ةريش‪ ،‬فهااذا أبا جهاال‬

‫يرض أة يدخل اإلسالم من أجل القبلية‪ ،‬مع أ ةري من الرس ل ﷺ‪.‬‬

‫عندما رجع لشجر األ ساب مع وضااع النظاار القبليااة هااذه ساانفهم أيفااداث ىا كثااري جااد ىا يف‬

‫ال أة القبائل البعيد جد ىا عن ةريش هي من أواخاار القبائاال التااي أساالنت‪،‬‬


‫السري ‪ ،‬ستجد مث ى‬

‫ومن أشد القبائل ةس عىل املسلنني‪ ،‬فأبعد الفروع عن ةريش هي الفروع التي خرجاات ماان‬

‫ةحطاة‪ ،‬فهؤ ء يسلن ا إ متأخرين مثل‪ :‬ةبائل ةضاعة‪ ،‬طي‪ ،‬مذيفج‪ ،‬بجيلااة وماانهم ماان‬

‫كاة شديد ىا جد ىا عىل املسلنني مثل‪ :‬بني حلياااة‪ ،‬لكاان يشااذ عاان هااذه القاعااد ةبائاال األوس‬

‫واخلزرج وأسلم فقد أسلن ا ةدي ىام‪ ،‬ويبدو أة ذلك للجذور اليننية هلذه القبائل‪ ،‬ثالث ةبائاال‪:‬‬

‫األوس واخلزرج وأسلم من ةبيلااة األجلد اليننيااة وأهاال الااينن يتنياازوة برةااة القلا وةا‬

‫العاطفة‪ ،‬يق ل الرس ل ﷺ‪( :‬أتاكم أهل الينن هاام أرأ أفةااد وألااني ةل با ىال رواه الب ااار‬

‫ومسلم‪ .‬فروع ةحطاة كا ت من أواخر القبائل إسالم ىا‪ ،‬باستثناء األوس واخلزرج وأسلم‪.‬‬

‫أيض ىا من الفروع البعيد جد ىا عن ةريش ربيعة‪ ،‬فربيعة هي الفرع امل اجل ملض‪ ،‬واخلااالب بااني‬

‫ربيعة وبني مض كبري جد ىا وط يل‪ ،‬فربيعة تأخر إسالمهم جد ىا‪ ،‬مثل‪ :‬بني بكر باان وائاال‪ ،‬بنااي‬

‫‪967‬‬
‫تغل ‪ ،‬بني عبد القيس‪ ،‬ومنهم من كاة شديد العداء للنسلنني و يسلم إ مضطر ىا‪ ،‬وسااارع‬

‫بالرد بعد وفا الرس ل ﷺ مبا‪ ، ،‬وبعضهم يفتى ةبل وفات ﷺ مثل‪ :‬بني يفنيفة‪.‬‬

‫تأيت بعد كذا مض تنقسم إ ةسنني رئيسني‪ :‬إلياااس وعاايالة‪ ،‬وعاايالة مشااه ر يف التاااريخ‬

‫بقيس عيالة‪ ،‬فقيس هذا أشهر أبناء عيالة فاشتهر القبيلة بكاملها بكلنااة (ةاايس عاايالةل‪.‬‬

‫ةريش كام ذكر ا هي من إلياس؛ من أجل ذلك جتد ةبائل عاايالة تنااافس بشااد ةبائاال إلياااس‬

‫ومنها ةريش‪ ،‬وةبائل عيالة كثري جد ىا‪ ،‬لكن أشهر هذه القبائل ثالث ةبائاال‪ ،‬وعناادما تساانع‬

‫أسامء هذه القبائل الثالث ستفرس لك م اةف كثري جد ىا يف السري رأيناها و جللنا سنراها‪.‬‬

‫أهم ثالث ةبائل يف عيالة هم‪ :‬غطفاة‪ ،‬وبن سليم‪ ،‬وه اجلة‪ ،‬و حن رأينا ماادى املعا ااا التااي‬

‫عا اها املسلن ة من غطفاة عىل مدار سن ا خمتلفة‪ ،‬وكذلك عا ا من بني سليم‪ ،‬وبعد ذلك‬

‫أسلنت غطفاة وأسلم بن سليم‪ ،‬وكاة من ال اضح جد ىا أة إسالمهم كاااة إسااالم املضااطر‪،‬‬

‫فهم ا بهروا جد ىا بق اإلسالم‪ ،‬وشعروا أهنم طاةة هلم باملسلنني‪ ،‬وةد جيتااايفهم املساالن ة‬

‫اجتيايف ىا مدمر ىا لذلك آثروا السالمة‪ ،‬آثروا أة يعيش ا حتت كنف الدولااة اإلسااالمية‪ ،‬وجاااء‬

‫ال ف د كام رأينا إ املدينة املن ر وبايعت عااىل اإلسااالم بعااد ا تصااار مؤتااة وةبياال فااتح مكااة‬

‫املكرمة‪ ،‬واإلسالم يكن ةد متكن كثري ىا من ةل هبم‪ ،‬وسنرى أة الرس ل ﷺ كاة مدرك ىا هااذا‬

‫األمر متام ىا؛ من أجل هذا سيحاول أة يتألف ةل هبم يف األيام القادمة‪.‬‬

‫الشاهد من هذا الكالم أة فرعني رئيسيني مهنااني جااد ىا ماان عاايالة أساالام مضااطرين وأعلنااا‬

‫هزينتهام أمام الرس ل القريش ﷺ‪ ،‬و يبق غري ةبيلة ه اجلة فق ‪ ،‬فهي التااي جلالاات رافعااة‬

‫راية عيالة‪ ،‬وكا ت ا تصارا الرس ل ﷺ املتكرر متثل ذير خطر كبري عىل ه اجلة‪ ،‬وتفاااةم‬

‫األمر جد ىا بعد فتح مكة؛ ألة مناجلل ه اجلة ةريبة جد ىا من مكة املكرمة‪ ،‬يف الشامل الرشةي ماان‬

‫مكة املكرمة‪ ،‬و يستبعد أبد ىا أة تك ة الدائر عىل ه اجلة يف املر القادمة‪.‬‬
‫‪968‬‬
‫تعال ا بعد هذا نظر ظر حتليلية يف داخل ه اجلة فسها‪ .‬أيض ىا ة ه اجلة ةبائاال كثااري جااد ىا‪،‬‬

‫لكن أشهر ةبائل ه اجلة ثالث‪ :‬بن رص‪ ،‬وبنا سااعد‪ ،‬وبنا سااعد هااؤ ء هاام الااذين رضااع‬

‫الرس ل ﷺ منهم رضع من يفلينة السااعدية ماان بنااي سااعد‪ ،‬والقبيلااة الثالثااة خطااري جااد ىا‬

‫ومشه ر وهي ةبيلة ثقيف‪ ،‬فثقيف فرع من فروع ه اجلة‪ ،‬وإذا كاة التجنع الرئييس هل اجلة يف‬

‫الشامل الرشةي ملكة املكرمة‪ ،‬فثقيف اختار مدينة ثا ية تعيش فيها أ وهي مدينة الطااائف يف‬

‫اون ب الرشةي ملكة املكرمة‪ ،‬واستقر فيها منذ ةديم‪ .‬ةبيلة ثقيف من أهاام القبائاال العربيااة‬

‫مطلق ىا ومن أة ى القبائل العربية‪ ،‬بدليل أة مدينة الطائف هي املدينة الثا ية يف اوزير العربيااة‬

‫ِّز َل َه َذا ا ْلقا ْرآة َعا َىل َرجال‬


‫بعد مكة املكرمة؛ ولذلك أخرب اهلل تعا عن الكفار ة هلم‪َ } :‬ل ْ‬
‫َني َعظِيم{ [الزخرب‪ ]31:‬أ ‪ :‬مكة والطائف‪ ،‬وأعظم ساااد يف اوزياار هاام ساااد‬ ‫ِم َن ا ْل َق ْر َيت ْ ِ‬

‫مكة والطائف؛ ساد ةريش وثقيف‪ .‬والدليل أيض ىا عىل أمهية ثقيف وة ثقيف ه ذي ع شهر‬

‫الصنم الذ يعبد يف ثقيف‪ ،‬وه صنم الال وه من أشهر أصنام العرب كام ه معل م‪ .‬أمااا‬

‫صنم العزى ف يقع يف منطقة لااة داخاال أمااالك ها اجلة‪ ،‬والعاارب بشااتى أطيافهااا كااا ا‬

‫يقسن ة بالال والعزى‪ ،‬وورد ذكر الال والعاازى يف القاارآة الكااريم ةااال اهلل عااز وجاال‪:‬‬
‫} َأ َف َر َأ ْيتم ا‬
‫الال َ َوا ْلع ازى{ [النجم‪ ]19:‬ا ثناة يف ه اجلة‪ ،‬الال يف ثقيف والعاازى يف ها اجلة‬

‫فسها يف بني رص وبني سعد‪ ،‬لذلك كا ت ثقيف تشعر باملساوا دائ ىام مع ةريش‪ ،‬بل إهنا كا ت‬

‫تشعر بالتف أ عىل ةريش عسااكري ىا واةتصااادي ىا وعااددي ىا‪ ،‬وأرض الطااائف كا اات جيااد جااد ىا‬

‫أة ةريش ىا كا ت ترعى البياات احلاارام املعظاام عنااد‬ ‫والتجار فيها أيض ىا كا ت جتار رائد ‪ ،‬ل‬

‫العرب‪ ،‬فهذا كاة يرفع مزية ةريش عند العرب ف أ ثقيف‪ ،‬لكن يغااري ماان العالةااة القبليااة‬

‫‪969‬‬
‫املتنافر بني القبيلتني الكبريتني‪ ،‬فكاة إسالم ثقيف صعب ىا جد ىا‪ ،‬وهذا يبني لنااا العااداء الشااديد‬

‫يسلم‬ ‫الذ ة بل ب رس ل اهلل ﷺ عندما ذه إ الطائف‪ ،‬أل يف ظرهم ةريش‪ ،‬ورأينا أ‬

‫يف هذه الزيار و ثقفي وايفد‪ ،‬وتأخر إسالم الثقفيني جد ىا‪ ،‬ومعظاام الثقفيااني يؤمنا ا إ يف‬

‫العام التاسع من اهلجر ‪ ،‬والذين أسلن ا ةبل ذلك كا ا ةليلني جد ىا معدودين عااىل األصااابع‪،‬‬

‫ومنهم املغري بن شعبة الثقفي ريض اهلل عن وغريه وهم ةليل ة جد ىا‪ ،‬و فس الكالم ينطبق عىل‬

‫بني رص وبني سعد من ه اجلة جتد أيفد ىا أسلم منهم إ أول العام الثامن من اهلجاار ‪ ،‬وإ ااام‬

‫معظنهم أسلن ا يف أخريا العام الثامن‪ .‬هذه فسية ه اجلة بفروعها الرئيسااية الثالثااة‪ :‬بنااي‬

‫رص وبني سعد وثقيف‪ ،‬وأعتقد أة هذه املقدمة ستفرس لنا كثري ىا جد ىا املعارك اهلامة القادمة‪.‬‬

‫ةيام مالك بن ع ب بت يفيد ةبائل ه اجلة ملقاتلة املسلنني‬

‫كاة من عاد العرب يف ذلك ال ةت أهنم يعيش ة يفيا التفرأ يفتى يف بط ة القبيلة ال ايفااد ‪،‬‬

‫وما أكثر ما يفدثت احلروب ‪-‬كام ذكر ا‪ -‬يف داخاال الفاارع ال ايفااد ماان القبيلااة‪ ،‬كااام يق لا ة‬

‫أيفيا ىا‪:‬‬

‫إذا جد إ أخا ا‬ ‫عىل بكر أخينا‬

‫وةبيلة ه اجلة كا ت تسري بنفس النن ‪ ،‬ففروعها كثري ‪ ،‬لكن يف جلمنها كل ما ت يفد يف كياة‬

‫سيايس اةتصاد عسكر وايفد‪ ،‬بل عاشت يفيا الفرةة كام عاشها بقية العرب ةبل اإلسالم‪،‬‬

‫وكام يعيشها العرب دائ ىام كلام بعدوا عن اإلسالم‪ ،‬لكن ظهر يف ةبيلة ه اجلة يف هذه الفرت وهي‬

‫الفرت التي سبقت فتح مكة مبا‪ ،‬وأثناء فتح مكة ظهر ش صية ه اجلينية ةلبت امل اجلين يف‬

‫هذه القبيلة الكبري وغري كل يشء‪ ،‬هذه الش صية هي ش صية مالك باان عا ب النرصا‬

‫من بني رص من ه اجلة‪ ،‬وأمثال هذه الش صية كثري يف التاريخ‪.‬‬

‫‪970‬‬
‫فنن ه مالك بن ع ب هذا؟ مالك بن ع ب كاة شاب ىا يبلغ الثالثني من عنااره بعااد‪ ،‬لكنا‬

‫كاة ينلك ملكا ةيادية متنيز ‪ ،‬عنده علم كبري جد ىا باااخلط العسااكرية وبااالفن ة القتاليااة‪،‬‬

‫وكاة خطيب ىا مف ه ىا ل ةدر كبري جد ىا عىل التأثري عىل الناس‪ ،‬وكاة يتنيز بقدرتا الفائقااة عااىل‬

‫احلشد وجتنيع الط ائف امل تلفة ألداء مهنة معينة‪ ،‬كا ت لدي طاةا هائلااة‪ ،‬لكاان ل سااف‬

‫كل طاةات هذه كا ت م ظفة يف الرش‪.‬‬

‫بدأ مالك بن ع ب جينع كل فروع ه اجلة حتاات رايااة وايفااد ‪ ،‬وهااذا يفاادث فريااد يف تاااريخ‬

‫ه اجلة‪ ،‬فهذه هي املر األو تقريب ىا التي تتجنع فيها بط ة بني رص وبني سعد وثقيااف حتاات‬

‫راية وايفد ‪ ،‬وهذا يدلنا عىل مدى كفاء هذا القائد‪ ،‬ومع أ من بني صار ومعااروب أة ثقيفا ىا‬

‫هي أكرب وأعز وأعظم ةبيلة من ةبائل ه اجلة ومع ذلك ةبلت أة تسااري حتاات رايااة مالااك باان‬

‫ع ب النرص ‪.‬‬

‫لقد مجع مالك بن ع ب منهم أكثر من ‪ 25‬ألف مقاتل‪ ،‬وهذا أكرب رةم جتنع يف معركة وايفااد‬

‫يف تاريخ العرب ةاطبة‪ ،‬جيش هائل‪ ،‬فه مجع هذه األعداد الكبااري باساام القبيلااة‪ :‬حاان ماان‬

‫ه اجلة وحمند من ةريش‪ ،‬هذا ه املنطق مع أة الرس ل ﷺ ما سعى أبد ىا إ جتنيااع القرشاايني‬

‫ضد القبائل العربية األخاارى‪ ،‬باال عااىل العكااس كاااة العاادو األكاارب للرسا ل ﷺ يف خااالل‬

‫السن ا العرشين السابقة ةبيلة ةريش‪ ،‬وكاااة جيشا يضاام أفااراد ىا ماان كاال ةبائاال العاارب‪،‬‬

‫األعظم من جيش فتح مكة يكن من القرشاايني‪ ،‬كاااة ماان أوس وخاازرج وأساالم‬ ‫واوا‬

‫وغفار واألجلد ومزينة وجهينة وغطفاة وبني سليم وبني متيم وغري ذلااك ماان الفااروع القريبااة‬

‫والبعيد جد ىا من ةريش‪ ،‬وغطفاة وبن سليم هم أكثر ةرب ىا هل اجلة كا ا يف جيش الرسا ل ﷺ‬

‫الذ فتح مكة‪ ،‬مع كل ذلك إ أة املحفز ال يفيد الذ است دم مالك بن عا ب ها ةضااية‬

‫القبيلة‪ ،‬وأةنع الناس بام شأ علي العرب من أة القبيلة ف أ كل يشء وةبل كاال يشء‪ ،‬وأة عااز‬

‫‪971‬‬
‫القبيلة مقدم عىل احلق وعىل العدل وعىل القيم وعىل املثل العليا وعااىل أ يشء‪ ،‬فاانفس فكاار‬

‫الق مية التي يناد هبا الكثريوة يف جلما نا‪ ،‬أو يف األجلماة التي سبقت أو األجلماااة التااي سااتأيت‬

‫بعد ذلك‪ ،‬ففكر الق مية أو فكر ال طنية هي تقديم مصلحة الق م أو ال طن أو العنرص بغض‬

‫النظر عن احلق‪ .‬إذا خاض ال طن أو الق م يفرب ىا ظاملة فأ ا مع ؛ ألة مصلحة ال طن مقدمة عىل‬

‫احلق والعدل‪ ،‬هذا منطقهم‪ .‬إذا رأى البعض أة مصلحة الق م أو ال طن تتعااارض مااع ةااا ة‬

‫‪،‬عي أو عرب دويل أو ةاعد أخالةية يرتك القا ة الرشااعي أو العاارب الاادويل أو القاعااد‬

‫األخالةية وتقدم مصلحة الق م أو مصلحة ال طن‪ .‬هذا الكااالم وجلة لا عنااد رب العاااملني‬

‫سبحا وتعا ‪ ،‬وليس معنى ذلك أة يف القا م أو الا طن مرف ضااة إسااالمي ىا‪ ، ،‬باال عااىل‬

‫العكس يف األهل والعشري فضيلة حيض اإلسالم عليها‪ ،‬لكن برشط أ تك ة عىل يفساااب‬

‫َاة آ َباؤك ْم َو َأ ْبنَاؤك ْم َوإِ ْخ َ ا ك ْم َو َأ ْجل َواجك ْم‬ ‫الدين واحلق والعدل‪ ،‬يق ل اهلل عز وجل‪{ :‬ة ْل إِ ْة ك َ‬

‫اكن ت َْر َض ْ َهنَا َأ َيف ا إِ َل ْيك ْم ِما َن اهللاِ‬ ‫و َع ِشريتكم و َأم ٌال ا ْة َرت ْفتن َها و ِ َجتار ٌ ََت َْش َة كَساد َها ومس ِ‬
‫َ َ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َْ‬ ‫َ‬
‫يت اهللا بِا َأ ْم ِر ِه َواهللا‬
‫رت ابصا ا َيف اتاى َيا ْأ ِ َ‬
‫ِِ‬
‫َو َرس ل َوج َهاد ِيف َسبِيل } [الت بة‪ ]24:‬ماذا حيصاال؟ { َف َ َ‬
‫ِِ ِ‬

‫ني} [الت بة‪.]24:‬‬ ‫اس ِق َ‬


‫َي ِد ا ْل َق م ا ْل َف ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َْ‬

‫يف هذه اآلية اوامعة وضح لنا ربنا سبحا وتعا أة تقااديم األهاال والعشااري ‪ ،‬وهاام القا م‪،‬‬

‫ع من الفسااق‪ ،‬وماان‬ ‫وتقديم املساكن وهي ال طن‪ ،‬أة تقديم هذه األشياء عىل أمر الدين ه‬

‫فعل فعلي أة ينتظر العقاب من رب العاملني سبحا وتعا ‪ ،‬والعقاب خما ب جااد ىا‪ ،‬يفتااى إة‬

‫رت ابصا ا َيف اتاى َيا ْأ ِ َ‬


‫يت اهللا‬ ‫اهلل سبحا وتعا أخفى هذا العقاب و يعين لزياد الرهبة‪ ،‬ةااال‪َ { :‬ف َ َ‬
‫بِ َأ ْم ِر ِه} [الت بة‪ ]24:‬لكن ليس معنى اآلية أة يف اآلباء واألجداد والعشري أو الق م والقبيلااة‬

‫وال طن والتجار مذم م‪ ،‬يفاشا هلل‪ ،‬ليس هذا ه املعنى مطلق ىا‪ ،‬بل أمر ا اهلل عز وجل أة صل‬

‫‪972‬‬
‫آباء ا وأجداد ا وأهلنا ول كا ا مرشااكني‪ ،‬لكاان إذا تعااارض األماار مااع الاادين فااال بااد ماان‬

‫املفاصلة‪ ،‬إذا تعارض األمر مع احلق والعدل فال بد من املفاصلة‪.‬‬

‫ني بِا ْل ِق ْس ِ ش َهدَ ا َء هللاِ َو َل ْ َعا َىل َأ ف ِساك ْم َأ ِو ا ْل َ الِادَ ْي ِن‬


‫ةال تعال‪َ } :‬يا َأ ه ََيا ا ال ِذي َن آ َمن ا ك ا َة ا ِام َ‬

‫ني إِ ْة َيك ْن َغنِ ًّيا َأ ْو َف ِق ىريا َفاهللا َأ ْو َ ِ ِهب َام َفال َتتابِع ا ْاهل َ َ ى َأ ْة َت ْع ِدل ا َوإِ ْة َت ْل وا َأ ْو ت ْع ِرضا ا‬
‫َواألَ ْة َربِ َ‬
‫َف ِ اة اهللاَ ك َ‬
‫َاة بِ َام َت ْع َنل َة َخبِ ىريا{ [النساء‪ ،]135:‬لكن كاة ال ضع عند مالك بن ع ب النرص‬

‫عىل خالب ذلك‪ ،‬فه عىل علن اليقيني أة القرآة يفق وأة الرس ل ﷺ صادأ إ أ ضااحى‬

‫هبذا احلق والدين يف مقابل إعالء الق مية اهل اجل ية يف منتهى ال ضا ح‪ ،‬وهااذه أجلمااة أخالةيااة‬

‫وعقائدية خطري ‪ ،‬فهذه هي اواهلية بعينها‪ ،‬وكل من دعا إ هااذا الفكاار فها ياادع إ فكاار‬

‫جاهيل‪ ،‬وهذا الكالم ليس كالمي‪ ،‬فقد روى مسلم وابن ماج والنسائي وأمحد عن أيب هرياار‬

‫ريض اهلل عن أة رس ل اهلل ﷺ ةال‪( :‬من ةاتل حتت راية عنيااة ‪-‬ويف روايااة‪ِ :-‬عنيااة يغضا‬

‫لعصبة أو يدع إ عصبة أو ينرص عصبة فقتل فقتل ٌة جاهليةل أ ‪ :‬الذ يقاتل حتت راية عنيااة‬

‫يعرب أل سب يقاتل وأل هدب يقاتل‪ ،‬وروى أب داود عن جبااري باان مطعاام ريض اهلل‬

‫عن ةال‪ :‬ةال ﷺ ‪( :‬ليس منا من دعا إ عصبيةل أ ‪ :‬يدع إ عنرص معني وإ ة مية معينة‪.‬‬

‫(ليس منا من دعا إ عصبية‪ ،‬وليس منا ماان ةاتاال عااىل عصاابية‪ ،‬ولاايس منااا ماان مااا عااىل‬

‫عصبيةل‪.‬‬

‫النقاط السلبية امل ج د عند مالك بن ع ب وتغلي دريد بن الصنة ل‬

‫هناك قاط سلبية كا ت عند مالك بن ع ب أوهلا‪ :‬أ يدع إ ة مية وةبلية بغض النظاار عاان‬

‫م اطن احلق والعدل‪.‬‬

‫‪973‬‬
‫النقطة السلبية الثا ية خطري جد ىا‪ :‬وهي أ يست دم البالغة ويفساان البياااة يف خااداع‬

‫الناس‪ ،‬فقد كاة ي هم الناس ب الب ال اةع ويغرر هبم‪ ،‬فقد وةف مالك بن عا ب خيطا يف‬

‫الناس يف الشع ويق ل هلم‪) :‬إة حمند ىا يقاتل ة ةبل هذه املر ‪ ،‬وإ ام كاة يلقى ة م ىا أغااامر ىا‬

‫علم هلم باحلرب فينرص عليهم( أ ‪ :‬ل حن ةابلناهم سنرميهم يف البحر‪ .‬هذا اخلطاب ماان‬

‫اخلداع غري املقب ل باملر لشع ساذج يفق ىا‪ ،‬شع ه اجلة يبدو أ كاة شعب ىا معزو ى عن العا‬

‫اخلارجي‪ ،‬يقرأ و يكت و يرى و يسنع‪ ،‬وإ ملا صاادأ مالااك باان عا ب‪ ،‬أ أةا ام‬

‫أولةك الذين ةاهم رس ل اهلل ﷺ وكا ا أغامر ىا علم هلم باحلرب؟ هل ةريش التي هزماات‬

‫منذ أيام يف عقر دارها أو ةبل ذلك يف بدر واأليفزاب علم هلااا باااحلرب؟ هاال غطفاااة التااي‬

‫اكتسحت يف ديارها فأذعنت وأطاعت وسلنت وأسلنت علم هلا باحلرب؟ هاال اليها د يف‬

‫بني ةينقاع وبني النضري وبني ةريظة بل ويف خيرب يكن هلم علم باااحلرب؟ باال هاال الروماااة‬

‫وأع اة الروماة من صارى العرب بأعدادهم امله لة وبأسلحتهم املتقدمة وتاااريخ ط ياال يف‬

‫احلروب وخرب فائقة يكن هلم علم باحلرب؟ إة شعب ىا يدرك أيف ال الد يا يف ل واادير أة‬

‫يضحك علي ‪ ،‬ودير أة يس ر من ‪ ،‬ودير أة َيزم ويذل‪ .‬مالااك باان عا ب خاادعهم بكالما‬

‫املعس ل وباخلطاب البالغي‪ ،‬فه شع ةابل لل داع‪ ،‬فقد ةبل هذا الشع الساااذج أة ياارى‬

‫الد يا بعي ة مالك بن ع ب‪ ،‬من أجل ذلك بد أة يدفع الثنن‪.‬‬

‫يقم وجل ىا يذكر لشااعب ‪ ،‬فلاايس عنااده أ‬ ‫النقطة السلبية الثالثة يف مالك بن ع ب‪ :‬أ‬

‫ما ع أ يضحي بشعب كل بكل ممتلكات من أجل حتقيق جمد ش يص ل ‪.‬‬

‫ماذا عنل مالك بن ع ب بشعب ؟ أمر أة تؤخذ النساااء واألطفااال واأل عااام واألما ال وكاال‬

‫ممتلكا شع ه اجلة تؤخذ معهم إ أرض القتال فت ضع يف خلف اويش‪ ،‬ملاااذا هااذا؟ ماان‬

‫أجل أة حيفز اويش عىل القتال‪ .‬يق ل هلم‪ :‬ل اهناازم جاايش ها اجلة أو فاار ماان أرض القتااال‬

‫‪974‬‬
‫سيست يل املسلن ة عىل كل ممتلكا ها اجلة‪ ،‬فااا مالااك باان عا ب ينظاار أبااد ىا إ ايفتامليااة‬

‫اهلزينة‪ ،‬وهذا أمر وارد يف أ معركة‪ ،‬لكن ما ع أة يدفع الشع كل ثنن حتقيق النصار لااا‬

‫مالك بن ع ب‪ ،‬أة الشع كل من رجال و ساء وأطفال حيقق املجد الش يص لااا مالااك باان‬

‫ع ب‪.‬‬

‫النقطة السلبية الرابعة يف ةائد ه اجلة مالك بن عا ب‪ :‬أ ا كاااة ديكتااات ر ىا يسااتنع‬
‫لرأ اآلخرين ول كا ا من اخلرباء‪{ :‬ما أ ِريكم إِ ا ما َأرى وماا َأ ْها ِديكم إِ ا سابِ َيل الر َشا ِ‬
‫اد}‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫[غافر‪ ]29:‬بعض اخلرباء العسكريني يف ه اجلة يفاول ا أة يبعدوا هذا القرار عن ذهاان مالااك‬

‫بن ع ب‪ ،‬ةرار أخذ النساء واألطفال واأل عام واألم ال إ أرض املعركة‪ ،‬لكنا أرص إرصار ىا‬

‫عجيب ىا‪ ،‬فقد ورد يف كت السري يف ار دار بين وبني دريد بن الصنة‪ ،‬ود َر َياد باان ِّ‬
‫الصانة أيفااد‬

‫صااطحاب كاال‬ ‫امل ضمني عسكري ىا يف ه اجلة فقد كاااة عنااره فا أ مائااة ساانة‪ ،‬فتعجا‬

‫ممتلكا ه اجلة يف أرض القتال فسأل مالك ىا عن ذلك‪ ،‬فقال مالك‪ :‬أرد أة أجعل خلف كل‬

‫رجل أهل ومال ليقاتل عنهم‪ ،‬فغض دريد غضب ىا شديد ىا وةال‪( :‬راعااي ضااأة واهلل‪ ،‬مااا لااك‬

‫واحلربل‪ .‬أ ‪ :‬أ ت تعدو أة تك ة إ راعي ىا للغنم تصلح للقياد العسكرية‪.‬‬

‫وبعد ذلك أخربه ب جهة ظره وكا ت وجهة ظر صحيحة‪ ،‬ةال‪( :‬هل يرد املنهزم يشء؟ إهنا إة‬

‫كا ت لك ينفعك إ رجل بسيف ورحم ‪ ،‬وإة كا ت عليك فضحت يف أهلك ومالكل‪.‬‬

‫ال كري ىام ةد أوطأ العرب وخافت العجم وأجىل اليه دل‪ ،‬دريد ةدر ة‬
‫ثم ةال‪( :‬إ ك تقاتل رج ى‬

‫الرس ل ﷺ تقدير ىا سلي ىام وةال الرأ األص ب‪ ،‬لكن مالك بن عا ب يساانع لا ‪ ،‬و يأخااذ‬

‫بنش رت ‪ ،‬و يكن يرى غري رأي فق ‪ ،‬ومع ذلااك دريااد ييااةس‪ ،‬باال اسااتنر معا يف احلا ار‬

‫وسأل ‪( :‬ما فعلت كع وكالبل أفضل بط ة ه اجلة عسااكري ىا وفاايهم العاادد والعااد ؟ ةااال‬

‫مالك‪ ( :‬يشهد منهم أيفدل‪ ،‬ةال دريد وةد اجلداد يقين ىا برأي ‪( :‬غاب احلد واود‪ ،‬لا كاااة يا م‬
‫‪975‬‬
‫عالء ورفعة تغ عن كع وكالبل‪ .‬ثم صح مالك بن ع ب مرا لكن مالك بن عا ب‬

‫رفض ب رصار شديد؛ ألة فسية الديكتات ر تقبل أبد ىا أ رأ معارض لرأي ول عىل سبيل‬

‫ا ةرتاح أو املش ر ‪ ،‬فالش رى عنده تصبح طاعنة للكربياء وللكرامة‪ ،‬ومن ثم فالدكتات ري ة‬

‫يريدوة اخلري إ إذا جاء منس ب ىا هلم‪ .‬هذه كا ت قطة خطري جد ىا أيض ىا يف مالك بن عا ب‪:‬‬

‫أ كاة ديكتات ر ىا يستنع أبد ىا للش رى‪.‬‬

‫النقطة السلبية اخلامسة يف مالك بن ع ب ‪ :‬التالع بع اطف الناس بص ر مرساايفية‬

‫تؤثر عىل الع ام‪ ،‬يستغل األجلما التي حتصل يف األمة لصاحل ‪ ،‬فامذا عناال مالااك باان عا ب‬

‫ال شعبي ىا لت طةت يف ةضية صحبة‬


‫عندما رأى ت جه ىا يف الشع لعزل ‪ ،‬عندما أيفس أة هناك مي ى‬

‫النساء واألطفال واأل عام إ أرض املعركة‪ ،‬وةف خيط يف شعب كأ ا ممثاال كبااري جااد ىا عااىل‬

‫مرسح درامي‪ ،‬ةال هلم‪( :‬واهلل لتطيع ني يا معرش ه اجلة أو ألتكااةن عااىل هااذا الساايف يفتااى‬

‫خيرج من ظهر ل؛ ف ة الشع خمدوع ةد أةنع ةبل ذلك أة هذا ها الاازعيم األويفااد‪ ،‬وأ ا‬

‫تسااتقيم‪ ،‬ةااال ا لا ‪:‬‬ ‫يفبي املاليني‪ ،‬وأ صايف اإل جاجلا الض نة‪ ،‬وأة احليا بدو‬

‫يصلح العيش من غري مالك ‪ ،‬وخرج الشع يف مظاهرا يطل من امللااك أ يتنحااى مهااام‬

‫كاة الثنن‪ ،‬و يس الشع املصائ التي عنلها مالك والتي ساايعنلها بعااد ةلياال‪ ،‬وإجلاء هااذا‬

‫الضغ الشعبي اوارب اضطر مالك أ يقبل جلعامة ه اجلة رمحة هب اجلة‪ .‬أما الناصااح اخلبااري‬

‫دريد فت ج بكلنت إ الشع ةال هلم‪( :‬يا معرش ه اجلة؛ إة هذا فاضحكم يف عا رتكم ‪ -‬يف‬

‫النساء والذرية واألطفال‪ -‬وممكن منكم عدوكم‪ ،‬و يفق بحصن ثقيف وتارككم فا صاارف ا‬

‫واترك هل‪ .‬ا ظروا النظر العنيقة لادريد؛ هؤ ء الق اد من هذه الن عية سيرتك ة شااع هبم يف‬

‫األجلما ‪ ،‬ويلحق ة باألماااة يف يفصا ة وةااالع‪ ،‬وةااد يغااادروة الاابالد إ غريهااا‪ ،‬فااااملك‬

‫سيرتككم وسيلحق بدولة أخرى يفيث أصدةائ من الزعامء‪.‬‬

‫‪976‬‬
‫الشع املسل ب اإلراد افتقد أ ةدر عىل اإلبصار‪ ،‬واتبع مالك ىا فيام يرى‪ ،‬وأيفض كل رجل‬

‫من ه اجلة كل ما ينلك ووضع خلف اويش املقاتل‪ ،‬وخرج مالك بجيش إ سهل أوطاااس‬

‫بالقرب من يفنني وبدأ فع ى‬


‫ال يف تنظيم اوي ش هناك‪ ،‬ووضع الكامئن عىل جااا بي سااهل يفنااني‬

‫يفيث سينر املسلن ة‪ ،‬وةد ذكر ا ةبل ذلك أة عند مالك عبقرية عسااكرية وعنااده ةاادر عااىل‬

‫تنظيم الصف ب وترتي احلروب‪ ،‬فرت اويش يف صف ب مت اجلية‪ ،‬ووضع اخليل يف املقدمة‪،‬‬

‫ثم الرجالة خلف اخلي ل‪ ،‬ثم وضع النساء ف أ اإلبل يف خلف الرجال؛ يفتى يا هم املساالنني‬

‫أة هناك عدد ىا كبري ىا ف أ اوامل من الرجال‪ ،‬فيتزايد العدد إ أضعاب‪ ،‬ويؤثر ذلك ساالب ىا عااىل‬

‫فسية املسلنني‪ ،‬ثم صف بعد هذا كل الغنم وصف يف اآلخر النعم‪ ،‬فقد كاة ترتيب ىا عسكري ىا يف‬

‫غاية اإلتقاة‪ .‬هذا أ س بن مالك ريض اهلل عن يصف جيش ه اجلة ويق ل‪( :‬فجاء املشاارك ة‬

‫بأيفسن صف ب رأيتل فقد كاة مالك ش صية ةيادية بنعنى الكلنة‪ ،‬لا القاادر عااىل جتنيااع‬

‫الناس وحتنيسهم‪ ،‬ول القدر عىل إةناع الناس ب جهة ظره س اء عن طريااق العقال أو طريااق‬

‫ما ذكر ا من سلبيا يف مالااك‬ ‫العاطفة‪ ،‬ول القدر عىل وضع اخلط العسكرية وإتقاهنا‪ ،‬ل‬

‫حلس من الق اد املعدودين يف تاريخ اوزير العربية‪ .‬هذا كاة إعداد ه اجلة‪.‬‬

‫سالح اكتشاب رس ل اهلل ﷺ‬

‫لقد قلت امل ابرا اإلسااالمية إ الرسا ل ﷺ األخبااار عاان ها اجلة‪ ،‬أهنااا تسااتعد حلاارب‬

‫املسلنني‪ ،‬فقد أرسل الرس ل ﷺ الصحايب اوليل عبد اهلل باان أيب يفاادرد األساالني ريض اهلل‬

‫عن ليأتي ب رب ه اجلة‪ ،‬وجاء عبد اهلل بتأكيد اخلرب أة ه اجلة تتجنع من أجل يفرب املسلنني‪،‬‬

‫وأهنا ةد جاء عن بكر أبيهم بنسائهم وبنعنهم وشااائهم‪ ،‬فتبساام ﷺ وةااال‪( :‬تلااك غنينااة‬

‫املسلنني غد ىا إة شاء اهللل يقني بالنرص‪.‬‬

‫‪977‬‬
‫استعداد الرس ل ﷺ مل اجهة ةبائل ه اجلة‬

‫بدأ الرس ل ﷺ يف إعداد العد هلذا امل ةف اخلطري‪ ،‬وكاة إعداده عىل أعىل مست ى؛ فقااد كاااة‬

‫عىل النح التايل‪:‬‬

‫أو ى‪ :‬ةرر اخلروج للقتال يف مكاة مت س بني ه اجلة ومكة‪ ،‬وآثر أ ينتظر بنكااة‪ ،‬وهااذا فيا‬

‫يفكنة كبري جد ىا؛ أل ل بقي يف مكة وغزاها مالك بن ع ب بجيش فقااد يتعاااوة أهاال مكااة‬

‫مع ؛ ألة أهل مكة يفديث عهد برشك وجاهلية فقد يتعاو ة مع املرشكني من ها اجلة حلاارب‬

‫املسلنني فتصري كارثة‪ ،‬ةد تصري احلرب من داخل ومن خارج‪ ،‬لااذلك فضاال الرسا ل ﷺ أة‬

‫خيرج بجيش إ مكاة مكش ب بعيد ىا عن مكة‪.‬‬

‫ثا ي ىا‪ :‬ةرر أة خيرج بكامل طاةت العسكرية‪ ،‬سيأخذ مع العرش آ ب مقاتاال الااذين فااتح هباام‬

‫مكة املكرمة‪ ،‬ألة أعداد ه اجلة ض م وكبري‪.‬‬

‫ثالث ىا‪ :‬أخذ مع من داخل مكة املكرمة املسلنني الطلقاء الذين أسلن ا عند الفتح‪ .‬وهذا في بعد‬

‫ظر كبري من الرس ل ﷺ؛ فهؤ ء إة تركا ا يف مكااة ةااد ينقلبا ة إ الكفاار ماار ثا يااة‪ ،‬وةااد‬

‫ينفصل ة بنكة عن الدولة اإلسالمية‪ ،‬وخاصة ل تعرض املسلن ة هلزينة من ه اجلة؛ وأيض ىا‬

‫خروجهم مع املسلنني في د لة عىل أة الرس ل ﷺ يقرهبم ويثق هبم‪ ،‬وهذا سيثبت أةاادامهم‬

‫أكثر يف اإلسالم‪ ،‬وأيض ىا ةد تك ة هناك غنائم كثري ؛ ألة الرس ل ﷺ فس كاة يقا ل‪( :‬تلااك‬

‫غنينة املسلنني غد ىا إة شاء اهللل فل وجلع عليهم هذه الغنائم لكاااة يف ذلااك تااأليف لقلا هبم‪،‬‬

‫وأضف إ كل ذلك أة أعدادهم الكبري ست ةع الرهبة يف ةل ب ه اجلة‪ ،‬و شااك أة ةريشا ىا‬

‫هلا مكا ة يف ةل ب العرب‪ ،‬فعندما خيرج منها عدد يف داخل هذا اواايش فقااد ي ةااع الرهبااة يف‬

‫ةل ب ه اجلة‪ ،‬فيك ة النرص يفليف ىا للنسلنني‪ ،‬فالرس ل ﷺ ألجل ذلك كلا أخااذ معا ماان‬

‫‪978‬‬
‫مكة ‪ 2000‬من الطلقاء وأصبح اويش اإلسالمي ‪ 12‬ألف مقاتل وهذا أكاارب عاادد يف تاااريخ‬

‫املسلنني يف ذلك ال ةت‪.‬‬

‫رابع ىا‪ :‬يكتف الرس ل ﷺ بسالح اويش اإلسالمي الذ فتح ب مكة املكرمة‪ ،‬مع ك ة هااذا‬

‫السالح من األسلحة اويد جد ىا والق ية جد ىا‪ ،‬بدليل ا بهااار أيب ساافياة عنااد رؤيتا للجاايش‬

‫اإلسالمي‪ ،‬ومع ذلك الرس ل ﷺ يكتف هبذا السالح و بسااالح املساالنني ماان الطلقاااء‪،‬‬

‫وإ ام سعى لعقد صفقة عسكرية كااربى لتاادعيم اواايش اإلسااالمي‪ ،‬فااذه بنفسا إ جتااار‬

‫السالح يف مكة املكرمة‪ ،‬وكاة عىل رأس هؤ ء التجار صف اة بن أمية و فل بن احلااارث باان‬

‫عبد املطل وهذاة ا ثناة جلا مرشكني‪ ،‬فطل منهام السالح عىل سبيل ا ستعار باإلجيار‬

‫والضامة‪ ،‬يفتى إة صف اة بن أمية سأل الرس ل ﷺ‪( :‬أغصب ىا يا حمند؟ل فقال ﷺ‪( :‬بل عاريااة‬

‫مضن ةل أ ‪ :‬أ ا أستعريها باإلجيار وأضنن عند ضياع بعضها أة أع ضك عنها‪ ،‬هذا مااع أة‬

‫الرس ل ﷺ ه الزعيم املنترص‪ ،‬وصف اة بن أمية ه أيفد القاد املهزومني‪ ،‬لكن الرسا ل ﷺ‬

‫كاة عاد ى يف كل أم ره‪ ،‬يكن يستحل مال معاهد بأ ص ر من الص ر‪ ،‬وصااف اة كاااة يف‬

‫عهد الرس ل ﷺ ملد أربعة شه ر يفكر فيها يف أمر اإلسالم كام فصلنا ةبل ذلك‪.‬‬

‫الشاهد من القصة أة إعداد اويش اإلسالمي كاة عىل أفضل الصا ر املنكنااة‪ ،‬وماان اواادير‬

‫بالذكر أة شري إ أة الرس ل ﷺ اصطح مع يف هذه الغزو بعض املرشكني‪ ،‬وكاااة ماانهم‬

‫صف اة بن أمية وكاة منهم فل بن احلااارث جتااار السااالح يف مكااة املكرمااة ف اارج هااؤ ء‬

‫ليحنل ا أسلحتهم للنسلنني‪ .‬ةد يسأل شا و ويقا ل‪ :‬ملاااذا ةباال ﷺ أة يسااتعني يف هااذه‬

‫املعركة باملرشكني ورفض أة يستعني هبم يف بدر ةبل ذلااك‪ ،‬ففااي باادر ةااال هلاام‪ ( :‬أسااتعني‬

‫بنرشكل؟ او اب أة الظرب خمتلف‪ ،‬فالنرص ببدر ةد ينس إ املرشكني لقلة أعداد املسلنني‬

‫وعدم استقرار دولة املسلنني‪ ،‬أما اآلة فلاان ياادعي أيفااد أبااد ىا أة صاار املساالنني وعااددهم‬

‫‪979‬‬
‫‪12‬ألف مقاتل كاة بسب األفراد املرشكني املعدودين يف اويش اإلسالمي‪ ،‬فنن أجاال هااذا‬

‫ير الرس ل ﷺ مشكلة أة يأخذ مع بعض املشااركني‪ ،‬وهااؤ ء املشاارك ة لاان يأخااذوا ماان‬

‫الغنينة‪ ،‬ولكن سيعطيهم ﷺ أجر ىا عىل عنلهم هذا با تفاأ‪.‬‬

‫خامس ىا‪ :‬أة الرس ل ﷺ اهتم جد ىا باحلراسة الليلية للجاايش اإلسااالمي؛ لااةال يباغاات فجااأ ‪،‬‬

‫ف ضع عىل احلراسة أ س بن أيب مرثد ريض اهلل عن ‪.‬‬

‫سادس ىا‪ :‬اهتم الرس ل ﷺ اهتامم ىا كبري ىا جد ىا باحلالة املعن ية للجيش اإلسالمي‪ ،‬فقد برشهم أة‬

‫جي ش ه اجلة ستصبح غنينة للنسلنني إة شاء اهلل‪ ،‬و نسااى أة املساالنني دخلا ا م ةعااة‬

‫يفنني ومعن ياهتم مرتفعة جد ىا؛ ألهنم يفقق ا ا تصار ىا مهيب ىا منذ أيام عندما فتح ا مكااة املكرمااة‬

‫أعظم املدة وأ‪،‬ب األماكن‪.‬‬

‫مما سبق يتبني أة إعداد املسلنني ملعركة يفنني كاة إعداد ىا ة ي ىا متقن ىا‪ ،‬فقد أخااذ املساالن ة بكاال‬

‫األسباب املادية املتايفة‪ ،‬وكاة جيشهم يف أهبى ص ر ‪ ،‬وت ج اويش اإلسااالمي ماان مكااة إ‬

‫واد يفنني يفيث مج ع ه اجلة تتجنع هناك‪.‬‬

‫سب هزينة املسلنني يف أول غزو يفنني‬

‫خرج اويش اإلسالمي يف ‪ 6‬من شا ال ساانة ‪ 8‬هجريااة‪ ،‬ووصاال إ واد يفنااني يف ‪ 10‬ماان‬

‫ش ال سنة ‪ 8‬هجرية‪ ،‬ويف أثناء الطريق واويش يسري هبذه الص ر البهية ةال بعااض املساالنني‬

‫اودد من الطلقاء‪ ،‬ةال ا كلنة تعرب عن مرض خطري‪ ،‬و عاة مااا ا تشاار هااذه الكلنااة يف‬

‫اويش بكامل ‪ ،‬ا ترش هذه الكلنة كام تنترش النار يف اهلشيم‪ ،‬وهذه الكلنة يف ظاهرها بسيطة‬

‫يسري لكن كاة هلا من األثر ما يت يل املسلن ة أبد ىا‪.‬‬

‫ةال املسلن ة‪( :‬لن غل الي م من ةلةل‪.‬‬

‫‪980‬‬
‫كام ذكر ا أة املسلنني كااا ا ةااد فتحا ا مكااة وهزما ا ةريشا ىا بعشاار آ ب فااال شااك أهناام‬

‫سينترصوة يف يفنني عىل ها اجلة بااا ‪ 12‬ألااف مقاتاال‪ ،‬هكااذا اعتقااد املساالن ة‪ ،‬باال ورصح‬

‫املسلن ة بألسنتهم هبذا ا عتقاد‪ ،‬وهذا يكن أمر ىا ةلبي ىا‪ ،‬بل خرج عىل األلسنة‪.‬‬

‫عندما ةال املسلن ة هذه الكلنة شق ذلك عىل رس ل اهلل ﷺ‪ ،‬وأيفس أة مشااكلة ستحصاال‪،‬‬

‫وظهر عىل وجه احلزة‪ ،‬وأيفس أة هناك شية ىا خطري ىا سيحدث هلذا اويش الكبااري‪ .‬ملاااذا كاال‬

‫هذه التداعيا هلذه الكلنة البسيطة اليسري ؟ اونلة يف ظاهرها صحيحة‪ ،‬وتركيبهااا ومعناهااا‬

‫صحيح‪ ،‬بل إة هذه اونلة مستنبطة ماان يفااديث لرسا ل اهلل ﷺ‪ ،‬رواه أبا داود والرتمااذ‬

‫ويفسن ‪ ،‬ورواه الدارمي واحلاكم وصحح عن ابن عباس ريض اهلل عاانهام ةااال‪ :‬ةااال ﷺ‪( :‬‬

‫يغل اثنا عرش ألف ىا من ةلةل فنعنى احلديث‪ :‬أة اويش الذ وصاال إ ‪ 12‬ألااف مقاتاال لاان‬

‫َيزم بسب ةلة العدد‪ ،‬لكن ةد َيزم ألسباب أخرى‪ ،‬ةد َيزم ألسباب مادية أو أسااباب ةلبيااة؛‬

‫ةد ي جد ‪12‬ألف مقاتل وليس هناك إعداد عسكر ‪ ،‬أو ليس هناااك ةا سااالح‪ ،‬أو عناادهم‬

‫خلل يف اخلطة‪ ،‬أو عدم مهار يف القياد أو غري ذلك من األم ر املادية‪ ،‬فهااذه كلهااا ةااد تكا ة‬

‫سبب ىا يف اهلزينة‪ ،‬لكن هذه األشياء يف جاايش املساالنني اخلااارج إ يفنااني كا اات عااىل أيفساان‬

‫مست ى‪ ،‬لكن ةد يغل اويش ألسباب ةلبية‪ ،‬وهذا أمر خطري جد ىا‪.‬‬

‫هذه الكلنة التي ةاهلا بعض املسلنني تعرب عن مرض ةلبي خطري‪ ،‬وهذا املاارض ها العجا‬

‫بالنفس وبالعدد وباإلعداد املاد ‪ ،‬وه ا عتامد عىل األسااباب و سااياة رب األسااباب‪ ،‬وها‬

‫الظن أ ني أ ا الذ فعلت وليس اهلل الذ فعل‪ ،‬و شك أة الصحابة وغريهم من الصاااحلني‬

‫ل سةل ا سؤا ى مبا‪ ،‬ىا‪ :‬هل النرص من عندك أم من عند اهلل؟ شك أة اونيع ساايجي بااال‬

‫تردد‪ :‬بل ه من عند اهلل عااز وجاال‪ ،‬لكاان هااذا الشااع ر اخلفااي‪ ،‬شااع ر اإلعجاااب بااالنفس‬

‫والغرور يتسلل إ النفس بلطف شديد‪ ،‬يشعر ب املؤمن إ وةد تفاةم‪.‬‬

‫‪981‬‬
‫واإلعجاب بالنفس ليس ه الثقة بالنفس‪ ،‬الثقة بالنفس أمر حمنا د‪ ،‬أمااا اإلعجاااب بااالنفس‬

‫فأمر مذم م‪ ،‬والثقة بالنفس أمر مطل ب؛ ألة اويش ينترص و ينجح بغري الثقااة بااالنفس‪،‬‬

‫لكن جي أة تزيد الثقة بالنفس يفتى تصل إ درجة الت كل عىل النفس‪ ،‬وليس الت كل عىل‬

‫اهلل عز وجل‪ .‬والفارأ بني الثقة بالنفس واإلعجاب بالنفس شعر ‪ ،‬وامل فق ماان وفقا اهلل عااز‬

‫وجل‪ .‬كاة ال اضح من النرب التي عند الصحابة يفني ةال ا‪ :‬لن غل الي م من ةلة أهنا كلنااة‬

‫تعرب عن ثقة جلائد عن احلد بالنفس‪ ،‬من أجل ذلك غض الرس ل ﷺ ملا سنعها ويفزة يفز ىا‬

‫ظهر عىل وجه ﷺ‪ ،‬ول ةيلت فس اونلااة عااىل ساابيل تبشااري املساالنني وطنأ ااة املساالنني‬

‫لكا ت مجلة مناسبة ومجيلة ومستحسنة‪ ،‬لكن هذا الكااالم حيصاال‪ ،‬وإ ااام أعجا املساالن ة‬

‫بعددهم وت كل ا عىل كثرهتم‪ ،‬وهذا ه املرض الذ ذكره سبحا وتعا يف الكتاااب الكااريم‬

‫يف يفق هؤ ء‪ ،‬ةال‪َ { :‬و َي ْ َم يفن َْني إِ ْذ َأ ْع َج َب ْتك ْم َك ْث َرتك ْم} [الت بة‪.]25:‬‬

‫و يق لن أيفد أبد ىا‪ :‬إة هذا املرض كاة عند الطلقاء يفديثي اإلسالم فق ‪ ، ،‬ل سف ا تقاال‬

‫املرض من الطلقاء إ عامة أفراد اويش اإلسالمي‪ ،‬يفتى وصل إ معظم السابقني‪ ،‬وهذا أمر‬

‫خطري‪ ،‬وسنرى أثر هذا الكالم بعد ةليل‪ .‬األمااراض القلبيااة كالعجا والكاارب ويفا الااد يا‬

‫واحلسد أمراض معدية‪ ،‬إة ظهر يف طائفة و تعالج جيد ىا تنترش كال باء‪ ،‬من أجل ذلك كاااة‬

‫دور األمر باملعروب والنهي عن املنكر‪ .‬كاة واضح ىا أة هذا الدور يؤد عىل ال ج األكنل يف‬

‫هذه املعركة‪ ،‬فحدث أة هذه الكلنة ا ترش يف اويش كل ‪ ،‬وكاة هلذه الكلنة اخلطري أثر عىل‬

‫كل الناس‪ ،‬وغري أة البعض القليل ةد يؤثر عىل الكثري‪ ،‬ومن اخلطر جد ىا أة خياارج ضااعيف‬

‫ظروب مكة يفديثة اإلسالم وخط ر ا قااالب مكااة‬ ‫اإليامة يف وس اويش املؤمن‪ ،‬لكن ل‬

‫كام ذكر ا ةبل ذلك لكاة األفضل أ خيرج للقتال متذبذب اإليامة‪ ،‬لكاان هااذه كا اات ظروفا ىا‬

‫ةهرية اضطر املسلن ة فيها إ اصطحاب الطلقااااااااء‪ ،‬مع أة اهلل تعااا يقا ل يف الكتاااب‪:‬‬

‫‪982‬‬
‫{ َل ْ َخ َرج ا فِيك ْم َما َجلادوك ْم إِ ا َخ َبا ى َو َألَ ْو َضع ا ِخال َلك ْم َي ْبغ َكم ا ْل ِف ْتنَ َة َوفِيك ْم َس اامع َة َهل ْم‬

‫ني} [الت بة‪ ،]47:‬لكن غال الطلقاء يك ا منافقني حمرتيف النفاااأ‪ ،‬وإ ااام‬ ‫يم بِال اظاملِ َ‬ ‫ِ‬
‫َواهللا َعل ٌ‬
‫كا ا يفديثي العهد باواهلية‪ ،‬و ينروا بتجارب إيام ية كافية‪ ،‬يعيش ا يف املحاضاان الرتب يااة‬

‫إ ةليالى‪ ،‬وكاة هذا األمر مت ةع ىا منهم‪ ،‬لكن األخطاار كااام أخاارب ساابحا يف اآليااة‪َ } :‬وفِايك ْم‬

‫َس اامع َة َهل ْم{ [الت بة‪ ]47:‬األخطر أة استنع املسلن ة السااابق ة إ هااذه الكلااام وتااأثروا‬

‫هبا‪ ،‬ومر بنا م اةف مشاهبة ةبل ذلك يف غزو أيفد‪ ،‬وسااينر بنااا م ةااف آخاار يف غاازو تبا ك‬

‫وسنتكلم عليها بالتفصيل أكثر عندما أيت للكالم عىل غزو تب ك‪.‬‬

‫اجت اويش اإلسالمي إ يفنني وه متيقن أة النرص يفليف ‪ ،‬مع شع رهم بكثر العدد‪ ،‬وهااذا‬

‫املرض القلبي اخلطري ةاد إ يشء خطري آخر؛ الثقة الزائااد بااالنفس تاادفع اإل ساااة إ عاادم‬

‫ا كرتاث بق عدوه‪ ،‬وعدم التأكيد عىل سري العنلية العسكرية بالص ر التي ينبغي أة تكا ة‬

‫عليها‪ ،‬فظهر بعض القص ر يف أداء املسلنني‪ .‬رأينا أداء املسلنني عىل أيفساان صا ر ملااا كااا ا‬

‫معتندين متام ا عتامد عىل ربنا سبحا وتعا ةبل أة يق ل ا هذه الكلنة‪ ،‬فقد خرج ا من مكة‬

‫املكرمة بعد هبية وبجي ش ة ية وب عداد عىل أيفسن مست ى‪ ،‬لكن ملااا أعجبنااا بااالكثر باادأ ا‬

‫قلل من ا هتامم بالتفاصيل‪ ،‬فامل ابرا اإلسالمية تتعامل مع ال ضع اوديد بدةااة كافيااة‪،‬‬

‫ومن ثم تكتشف العي ة اإلسالمية الكامئن التي جلرعها مالك بن ع ب يفا ل واد يفنااني‪،‬‬

‫وبالتايل سنرى اويش اإلسالم يدخل يف منطقة شديد اخلط ر دوة دراسة كافية‪ ،‬وةبل ذلااك‬

‫كا ت خط ا اويش اإلسالمي متثاةلة وه يف طريق إ يفنني‪ ،‬فقد ةطااع املسااافة القصااري‬

‫جد ىا يف فرت ط يلة جد ىا‪ ،‬مع أة من عاد اوي ش أة تقطع يف اليا م ال ايفااد يفا ايل ‪ 50‬كيلا‬

‫مرت‪ ،‬و حن رأينا اويش اإلسالمي ت ج من املدينة إ مكة املكرمة يف عرش أيام‪ ،‬واملسافة بني‬

‫املدينة ومكة ‪ 500‬كيل تقريب ىا‪ ،‬يعني بنعدل ‪ 50‬كيل كل ي م‪ ،‬وهذا معدل طبيعااي جااد ىا وةااد‬

‫‪983‬‬
‫يزيد أيفيا ىا ويقل أيفيا ىا ختالب الظروب‪ ،‬لكن يبقى املعدل الطبيعي يف ايل ‪ 50‬كيل ‪ ،‬لكاان‬

‫هنا اويش اإلسالمي ةطع مسافة ‪ 20‬كيل من مكة إ يفنني يف ثالثة أو أربعااة أيااام‪ ،‬فاااويش‬

‫خرج يف ‪ 6‬من ش ال ووصل إ يفنني يف ‪ 10‬من ش ال‪ ،‬وكاة ال اج أة يقطع هااذه املسااافة‬

‫يف صف ي م فق ‪ ،‬ومع ذلك ةطعها يف ثالثة أو أربعة أيام‪ ،‬وهذا تأخري يف احلركااة مرجعا يف‬

‫األساس عدم ا كرتاث بالعدو لشد الثقة بالنفس‪ ،‬فلذلك وصل مالك بن عا ب بجيشا إ‬

‫واد يفنني ةبل املسلنني‪ ،‬وبالتايل رش ة ات يف األماكن املناسبة‪ ،‬وايفتل امل اةع ا سرتاتيجية‪،‬‬

‫واسرتايفت جي ش بص ر كافية ةبل اللقاء‪ ،‬فكل هذا كاة يف صالح املرشكني‪ ،‬بياانام يف غاازو‬

‫بدر وصل املسلن ة إ أرض القتال ةبل املرشكني واسااتطاع ا أة يأخااذوا األماااكن املناساابة‬

‫ليحتل ا م اةع إسرتاتيجية‪ ،‬وهذا كاة سبب ىا من أسباب النرص‪ .‬أما اويش اإلسااالمي يف غاازو‬

‫يفنني لزياد الثقة بالنفس وللعج بالعدد ا دفع إ سهل يفنني دوة ترو‪ ،‬و يضااع أ محايااة‬

‫خللفية اويش اإلسالمي ةبل أة يدخل واد يفنني‪ ،‬و ينظر إ الكامئن وألقى بثقلا الكاماال‬

‫يف داخل ال اد ‪ ،‬وهذا خطأ عسكر فادح‪.‬‬

‫عندما حلل هذه املعركة ةد يستغرب جد ىا من وج د هذه األخطاااء‪ ،‬ألة يف اواايش كفاااءا‬

‫عسكرية هائلة‪ ،‬فاويش يقا ده الرسا ل ﷺ بحكنتا العسااكرية املعروفااة‪ ،‬وبدةتا يف إدار‬

‫األم ر‪ ،‬واويش يضم بني صف ف خالد بن ال ليد والزبري بن الع ام وطلحة بن عبيد اهلل وعيل‬

‫بن أيب طال واحلباب بن املنذر وساعد باان أيب وةاااب وأبااا عبيااد باان اوااراح ‪ ..‬وغااريهم‬

‫وغريهم من العاملقة العسكريني‪ ،‬كيف حيدث هذا القص ر؟‬

‫احلقيقة أة هذا الكالم ليس ل عند إ تفسري وايفااد‪ ،‬وها أة اهلل ساابحا وتعااا يريااد أة‬

‫يلفت األ ظار إ اخلطأ القلبي اخلطري الذ أصي ب املسلن ة‪ ،‬من أجل ذلك يفج الرؤيااة‬

‫عنهم ف ةع ا يف أخطاء يقع ة فيها أبد ىا يف الظروب العادية‪ ،‬بحيث لا تكاارر مثاال هااذه‬

‫‪984‬‬
‫املعركة مرا كثري فلن يقع املسلن ة يف هذه األخطاء‪ ،‬لكن أمر ربنااا ساابحا وتعااا ‪ ،‬فها‬

‫يرد للرس ل ﷺ أة يق ل كلنة أو خطبة تشعر املسلنني بندى املأسااا التااي‬ ‫سبحا وتعا‬

‫ستحدث هلم إذا أصيب ا بداء العج ؛ ألهنم ل خرجا ا بكلنااة أو خطبااة و يصاااب ا مصاااب ىا‬

‫فاديف ىا سيتسلل املرض أكثر وأكثر إ ةل هبم‪ ،‬فكاة بد من مصيبة هتز املسلنني وت ضح هلاام‬

‫الرؤية وت ضح هلم الص ر متام ال ض ح‪ .‬مصيبة وايفد مثل هذه ترتك أثر ىا ترب ي ىا أعنااق ماان‬

‫األثر الذ ترتك ألف خطبة‪ ،‬من أجل ذلك يكن هناك ويفي يف هذه القضااية ينبا املساالنني‬

‫إ خط ر ما هم مقدم ة علي ‪ ،‬وأراد سبحا وتعا أة يذيق املسلنني النتيجة املر ملرضااهم‬

‫اخلطري‪ ،‬وهذا أبلغ يف تربية هؤ ء املسلنني ويف تربيتنا‪ .‬شك أة غزو يفنني بااام يفاادث فيهااا‬

‫من أجلما ما جلالت حمف ر يف أذهاة املسلنني إ اآلة‪ ،‬وستظل كذلك إ يا م القيامااة‪ ،‬واهلل‬

‫سبحا وتعا سجلها يف القرآة الكااريم؛ لكااي ينسااى املساالن ة أبااد ىا هااذه األجلمااة التااي‬

‫يفصلت يف يفنني‪.‬‬

‫ما هي إ دةائق من دخا ل اواايش اإلسااالمي يف واد يفنااني يفتااى اهنالاات عليا األسااهم‬

‫والرماح من كل مكاة‪ ،‬وثار خي ل ه اجلة يف وج ه املسلنني‪ ،‬وخرجت فاارأ ها اجلة ماان‬

‫هنا وهناك‪ ،‬وأيفي باملسلنني من كل مكاة‪ ،‬وخار عزائم املسلنني يف حلظا ‪ ،‬وهم عاملقااة‬

‫يف احلروب ريض اهلل عنهم وأرضاهم أمجعااني‪ ،‬لكاان كاال الناااس خااار عاازائنهم إ ةلياال‬

‫القليل‪ ،‬وةرر معظم اويش ةرار ىا وايفد ىا يف حلظة وايفد أ وه الفرار‪ ،‬بل الفاارار العشا ائي‬

‫يف أ اجتاه‪ ،‬ليس ا متحرفني لقتال و متحيزين إ فةة‪ ،‬مقاومة حماولااة تفكااري يشء‬

‫إ الفرار‪ ،‬صدمة يف منتهى القس ‪ ،‬صدمة يفنني يف تقييني أشااد ماان صاادمة أيفااد‪ ،‬يف أيفااد‬

‫خالف بعض رجال اويش وثبت بعضهم‪ ،‬وةاتل بعضهم يفتى الشهاد ‪ .‬أما هنا فلم يثبت ماان‬

‫املسلنني إ عرش أو اثنا عرش فق من الرجال‪ ،‬من أصل ‪ 12000‬مقاتاال‪ ،‬هااذا يعنااي ثبااا‬

‫‪985‬‬
‫وايفد من كل ألف‪ ،‬يف اويش اإلسااالمي يف يفنااني‪ .‬إهنااا كارثااة وأجلمااة خطااري ‪ ،‬وةااد أيفااس‬

‫املسلن ة أة الصحراء ال اسعة أصبحت ضيقة جد ىا تكفي للهاروب‪ ،‬و تساانح بااالفرار‪،‬‬

‫ولساة يفال اونيع‪ :‬فيس فيس‪ ،‬اهلل سبحا وتعا يصااف يفالااة اواايش اإلسااالمي يف أول‬

‫حلظا ي م يفنني‪ ،‬ةال سبحا وتعا ‪َ } :‬و َي ْ َم يفن َْني إِ ْذ َأ ْع َج َبتْك ْم َك ْث َرتك ْم َف َل ْم ت ْغ ِن َعنْك ْم َشا ْي ىةا‬

‫َو َضا َة ْت َع َل ْيكم األَ ْرض بِ َام َريف َب ْت ث ام َو ال ْيت ْم مدْ بِ ِري َن{ [الت بة‪ ]25:‬مصيبة يفقيقااة أة يناازع اهلل‬

‫عز وجل عنة الثبا من فرد أو مجاعة أو جيش أو أمة‪ ،‬فالثبا هبة من رب العاملني ساابحا‬

‫اآلخا َر ِ َوي ِضا هل‬ ‫احليا ِ الااده ْ يا و ِيف ِ‬


‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتعا ‪ ،‬يق ل تعا ‪} :‬ي َث ِّبت اهللا ا الذي َن آ َمن ا بِا ْل َق ْ ِل ال اثابِت ِيف ْ َ َ‬
‫ني َو َي ْف َعل اهللا َما َي َشاء{ [إبراهيم‪ .]27:‬كل الناس حمتاجااة إ الثبااا ‪ ،‬يفتااى األ بياااء‬ ‫اهللا ال اظاملِ َ‬

‫َاك َل َقدْ ِكادْ َ َتا ْركَن إِ َلا ْي ِه ْم َشا ْي ىةا َة ِلاي ىال{‬
‫حيتاج ة إ الثبا من اهلل عز وجل‪َ } :‬و َل ْ َأ ْة َث اب ْتن َ‬

‫[اإل اء‪ .]74:‬اهلل يعطي الثبا إ ملن ارتب ب يفق ىا‪ ،‬إ ملن كاة خالو النية سليم القل‬

‫يفسن العنل‪ ،‬كاة امل ةف ي م يفنني مذهالى‪ ،‬فهذا أب ةتاد األ صار ريض اهلل عن لقي عناار‬

‫بن اخلطاب ريض اهلل عن فقال ل يف ذه ل‪ :‬ما بال الناس؟ فقال‪ :‬عنر بن اخلطاب ‪ :‬أماار اهلل‪..‬‬

‫يعرب‪ .‬لعل هذا من أعنق الدروس يف تاريخ الصحابة ريض اهلل عنهم أمجعني‪ ،‬فه درس‬

‫ينسى‪ ،‬وهذا الدرس فعهم بعد ذلك ولسن ا ط ال‪ ،‬يف يفروب كثري جد ىا دار بعد ذلااك‬

‫مع فارس والروم‪ ..‬وغريهم من أجناس األرض‪ ،‬و يفر املسلن ة الذين شااهدوا يفنينا ىا بعااد‬

‫ذلك؛ فكلهم علن ا وفقه ا جيد ىا أة النرص ليس بالعدد و بالعد ‪ ،‬إ ااام بنصاار رب العاااملني‬

‫ى يف ذلك الي م يدر ماذا يفاادث للنساالنني‬ ‫للجيش‪ ،‬و عنر بن اخلطاب الذ كاة مذه‬

‫أدرك مبا‪ ،‬سب الفرار‪ ،‬أدرك خلفيا اهلزينة‪ ،‬ايفتفظ بالدرس العظيم‪ ،‬مااع أ ا ريض اهلل‬

‫عن وأرضاه كاة من الثابتني يفر ةيد أ نلة ريض اهلل عن وأرضاه‪ ،‬لكن بعااد ساان ا ط يلااة‬

‫من غزو يفنني أرسل عنر بن اخلطاب رسالة إ جن ده يرشح هلم أسباب النرص املبنية عىل مااا‬

‫‪986‬‬
‫يفدث يف ي م يفنني‪ ،‬ةال عنر بن اخلطاب يف رسالت املشه ر ‪( :‬إ كم تنرصوة عىل عاادوكم‬

‫بق العد والعتاد‪ ،‬إ ام تنرصوة علي بطاعتكم لربكم ومعصيتهم ل ‪ ،‬ف ة تساويتم يف املعصااية‬

‫كا ت هلم الغلبة عليكم بق العد والعتادل‪ ،‬فسيد ا عنر ريض اهلل عن وأرضاه يف يا م يفنااني‬

‫رأى أة الغلبة أصبحت هلا اجلة عااىل املساالنني بقا العااد والعتاااد؛ ألة املساالنني ‪12000‬‬

‫واملرشكني أكثر من ‪ ، 25000‬و ينرص القلة عىل الكثر إ بع ة اهلل عز وجل وإرادتا ‪ ،‬ةااال‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫تعا ‪} :‬ك َْم م ْن ف َةة َةلي َلة َغ َل َب ْت ف َة ىة كَثا َري ى بِا ِ ْذة اهللاِ َواهللا َما َع ا‬
‫الصاابِ ِري َن{ [البقاار ‪ .]249:‬و‬

‫املسلن ة وفروا ي م يفنني مدبرين يف شتى ا جتاها ‪ ،‬و يبق القليل كام ذكر ا‪.‬‬

‫م ةف الطلقاء من هزينة املسلنني يف أول غزو يفنني‬

‫ماذا كاة م ةف الطلقاء يف هذا امل ةف الصع ؟ تبايناات م اةااف الطلقاااء‪ ،‬ماانهم ماان رصح‬

‫بكفره بعد أة كاة ظاهره مسل ىام مثل‪ :‬كلد بن يفنبل‪ ،‬لكن بعد ذلك أسلم ولا صااحبة‪ ،‬فهااذا‬

‫الرجل ةال يف ذلك ال ةت‪ :‬أ بطل السحر الي م أ ‪ :‬يتهم الرس ل ﷺ بالسحر مع أ خارج‬

‫مع املسلنني عىل أ مسلم‪ ،‬ومنهم من يكتف بالكفر بل يفاول ةتل الرس ل ﷺ مثاال‪ :‬شاايبة‬

‫بن عثامة وأيض ىا هذا أسلم ويفسن إسالم ‪ ،‬ومنهم من أظهر الشامتة دوة أة يظهر الكفر كا أيب‬

‫سفياة جلعيم مكة ةال‪ ( :‬تنتهي هزينتهم دوة البحرل فقد كاة مرسور ىا هبزينة املسلنني‪ ،‬فه‬

‫يثبت عىل اإلسالم‪ ،‬لكن احلند هلل يفسن إسالم بعد ذلك ومنهم من تردد يف األمر فلم ياادر‬

‫أين احلقيقة مثل سهيل بن عنرو‪ .‬ومن الطلقاء الذين يكنل إسااالمهم أسااب عني ثالثااة ماان‬

‫ثبت عىل اإلسالم و يرتدد حلظة مثل‪ :‬عكرمة بن أيب جهل ريض اهلل عن ‪.‬‬

‫مما يدل عىل الفهم الراةي الذ كاااة عنااد عكرمااة ريض اهلل عنا وفهنا ل سااالم وللنصاار‬

‫وللهزينة أ يفدث لطيف جد ىا دار بين وبني سهيل بن عنرو يف أثناء فرار املسلنني ي م يفنني‪،‬‬

‫‪987‬‬
‫ةال عكرمة عندما رأى املسلنني يفروة‪ ،‬ةال‪( :‬هذا بيد اهلل لاايس إ حمنااد ﷺ منا يشءل أ ‪:‬‬

‫ليس ه السب ‪ ،‬أ ‪ :‬أة النرص واهلزينة بيد اهلل عز وجل‪ ،‬وليس معناه عدم صدأ حمند ﷺ‪.‬‬

‫ثم ةال كلنة مجيلة جد ىا يق هلا إ من عاش سن ا وساان ا يف اإلسااالم ةااال‪( :‬إة أ ِدياال‬

‫علي الي م ف ة ل العاةبة غد ىال أ ‪ :‬ل هزم الي م فال شك أة النصاار ساايك ة يفليفا غااد ىا أو‬

‫اة َبة لِ ْلنت ِاق َ‬


‫ني} [األعراب‪ ]128:‬فا عكرمااة‬ ‫مستقبالى‪ ،‬أوهذا مثل ة ل اهلل سبحا وتعا ‪{ :‬وا ْلع ِ‬
‫َ َ‬
‫يسلم إ منذ أسب عني أو ثالثة‪ ،‬وهذا اليقني من أدهش سهيل بن عنرو ةااال‪:‬‬ ‫ريض اهلل عن‬

‫(واهلل إة عهدك ب الف حلديثل أ ‪ :‬أ ت تاازال ماان أسااب عني أو ثالثااة كناات تعبااد هباال‬

‫فكيف ت ةن هذا اليقني؟ ةال عكرمة‪( :‬يا أبا يزيد؛ إ ا كنا عىل غري يشء وعق لنااا ذاهبااة‪ ،‬عبااد‬

‫يفجر ىا يض و ينفعل‪.‬‬

‫تباينت م اةف الناس‪ ،‬فالغال األعم من الناس فر من أرض املعركة والقليل هم الذين ثبت ا‪.‬‬

‫معركة يفنني يف تقييني كا ت شديد الشب بنعركة أيفد‪ ،‬فكالمها كاة مصاايبة‪ ،‬وكالمهااا كاااة‬

‫ملرض ةلبي‪ ،‬ففي أيفد املرض القلبي كاة يف الد يا‪ ،‬ويف يفنني املرض القلبي كاااة العجا ‪،‬‬

‫لكن الفارأ بني أيفد ويفنني أة أيفداث امل ةعتني متاات بصا ر معك سااة‪ ،‬ففااي أيفااد باادأ‬

‫املعركة بنرص للنسلنني ثم يفدثت املصيبة‪ ،‬ويف يفنني بدأ املعركة بنصيبة للنسلنني ثم تاام‬

‫النرص هلم‪.‬‬

‫ع امل رج ع املسلنني وثباهتم مع رس ل اهلل ﷺ‬

‫كيف تم النرص للنسلنني مع وج د هذه األجلمة الطايفنااة؟ كيااف خاارج املساالن ة ماان هااذه‬

‫الكارثة؟ يف مثل هذه األجلما اهلائلة وةد َتىل اونيع أو املعظاام عاان املسااة لية يف عناال ماان‬

‫األعامل اهلامة ل مة‪ ،‬س اء كاة جهاد ىا أو غريه من األعامل‪ ،‬ماذا عنل يف مثل هااذه امل اةااف؟‬

‫‪988‬‬
‫لقد رضب لنا الرس ل ﷺ القدو يف ذلك‪ ،‬وتركنا عىل البيضاء ليلها كنهارها يزيغ عنهااا إ‬

‫هالك‪ ،‬وةدم لنا منهج ىا عنلي ىا واضح ىا لل روج من مثل هذه األجلمااا ‪ ،‬فااامذا عناال الرسا ل‬

‫ﷺ؟!‬

‫ثبا النبي القائد ﷺ‬

‫أول قطة‪ :‬رضب القدو من فس ‪ ،‬فلم يفر؛ أل إذا فر القائد فال أماال يف ثبااا اونا د‪ ،‬وإذا‬

‫َتىل القائد عن املسة لية فلن حينلها أيفد‪ .‬الرس ل ﷺ ثبت يف هذه امل ةعة ثبات ىا عجيب ىا‪ ،‬بل إ ا‬

‫يكتف بالثبا وعدم الفرار‪ ،‬بل كاة يركض بدابت ايفية الكفار‪ ،‬يفتى أة العباااس ريض اهلل‬

‫عن وأرضاه وكاة من الثابتني إ ج اره ﷺ كاة ينسك بلجام الدابة ليننعها من التقدم خ ف ىا‬

‫عىل رس ل اهلل ﷺ‪ ،‬لكن الرس ل ﷺ استنر يف الدخ ل وس جاايش الكفااار‪ ،‬وكاااة اواايش‬

‫ينيش عكس اجتاه الرس ل ﷺ‪ ،‬كل يفاار إ الا راء والرسا ل ﷺ متقاادم إ األمااام ويقا ل‬

‫ويناد بأعىل ص ت ‪( :‬أ ا النبي كذب‪ ،‬أ ا ابن عبد املطل ‪ ،‬هلن ا إيل أَيا الناس‪ ،‬أ ا رسا ل‬

‫اهلل‪ ،‬أ ا حمند بن عبد اهللل‪ .‬لن جتد مثل الرس ل ﷺ مهااام ةاارأ يف التاااريخ‪ ،‬ومهااام ةاارأ يف‬

‫السري‪ ،‬ومهام ةرأ يف املعارك لن جتد مثل ذلك امل ةف أبد ىا‪ ،‬إذا فكر القائد يف النجا بنفسا‬

‫شك أة اون د سيحبط ة إيفباط ىا يننعهم من أ مقاومة‪ ،‬أما إذا ثبت القائااد وتقاادم وجاهااد‬

‫وضحى بنفس فهذه أعظم الدروس الرتب ية ويش وألمت ؛ ولااذلك جتاد أة الرايااة تعطااى يف‬

‫املعارك ألفضل الناس وأة ى الناس وأشجع الناس؛ ألة الناس تبع لاارايتهم وتبااع لقائاادهم‪،‬‬

‫ف ذا هرب الشجاع الذ حينل الراية فال شك أة غريه سيهرب وسينهزم‪ ،‬لذلك جتااد أة أشااد‬

‫القتال دائ ىام يدور يف ل الراية‪ ،‬ليس ملجرد ةتل رجل شجاع؛ ولكن ألة سااق ط الرايااة ساايؤثر‬

‫معن ي ىا عىل كامل اويش؛ فالرس ل ﷺ كاة يدرك ذلك متام اإلدراك‪ ،‬فلذلك يفاارب ﷺ كاال‬

‫احلرب عىل عدم الرتاجع خط وايفد ‪ ،‬مع كل اخلط ر التي ةد يتعرض هلا‪ ،‬لكن هااذه هااي‬

‫‪989‬‬
‫الفرصة األخري ويش وألمت أة تراه ثابت ىا فتثبت بثبات ‪ ،‬وفعل رجل يف ألااف رجاال خااري ماان‬

‫ة ل ألف رجل يف رجل‪ ،‬وألف خطة يف الثبا والتضحية تساو م ةف الرس ل ﷺ يا م‬

‫يفنني‪ .‬هذه رسالة لكل املسة لني عن أعامل مجاعية ل مة اإلسالمية‪ ،‬ثبا القائااد يعنااي ثبااا‬

‫اون د وتضحية الرئيس تعني تضحية املرءوسني‪ .‬هذه كا ت أول قطااة عنلهااا الرسا ل ﷺ‪:‬‬

‫رضب القدو من فس كقائد‪.‬‬

‫اعتامده ﷺ عىل امل ث أ هبم من اون د‬

‫النقطة الثا ية‪ :‬ا عتامد عىل امل ث أ فيهم من اون د‪ ،‬القائد كفرد يستطيع أة يفعل شااية ىا بااال‬

‫جن د‪ ،‬يفتى ل ثبت بد أة يك ة يف جن د؛ فالزعيم يأيت بالنرص إ إذا كا ت مع أمة‪ ،‬لكن‬

‫يتفاو الناس يف إمكا ياهتم‪ ،‬يتفاو الناااس يف أخالةهاام‪ ،‬يف تااربيتهم‪ ،‬يف تااارخيهم‪ ،‬كااذلك‬

‫يتفاو الناس يف درجة ا عتامد عليهم‪ ،‬فهناك من يعتند علي يف أم ر‪ ،‬وهناك من يعتند علي‬

‫يف أم ر أخرى‪ ،‬وهناك من يعتند علي أصالى‪ .‬فالقائد املحنااك والاارئيس الااذكي ها الااذ‬

‫يدرك ب ض ح إمكا يا من يف ل ‪ ،‬يعرب األعامل البسيطة السهلة التي يستطيع اونيع القيام‬

‫هبا‪ ،‬ويعرب األعامل الصعبة التي يق م هبا إ بعض الرجااال‪ ،‬كااام يعاارب األعااامل شااديد‬

‫الصع بة التي يفلح يف أدائها إ القلياال ماان الرجااال‪ ،‬فكلااام اجلداد يفكنااة القائااد أدرك‬

‫املست ى الدةيق لكل من يف ل ‪ ،‬وبالتايل يكلف أيفد ىا من جن ده ف أ ما يطيق‪ ،‬يفتااى ممكاان‬

‫حيقق سبة جاح كبري ‪.‬‬

‫تعال ا لننظر كيف طبق الرس ل ﷺ هذا؟ لقد كاااة الرسا ل ﷺ أفضاال ماان ينيااز الرجااال‪،‬‬

‫وأفضل من يقدر إمكا ياهتم‪ ،‬فه الرس ل ﷺ يناد يف هذه املعركااة عااىل اإلثنااى عرشا ألااف‬

‫مقاتل الذين كا ا مع ؛ ألة فيهم أ اس ىا يفديث عهد باإلسااالم‪ ،‬ويصااع علاايهم أة يثبتا ا يف‬

‫هذه امل اةف‪ ،‬بل إ ﷺ يناد عىل ‪ 10000‬مقاتل الذين فتح هبم مكااة‪ ،‬مااع أة الااذ دخاال‬
‫‪990‬‬
‫اإلسالم ةبل الفتح ل درجة عالية جد ىا يف ميزاة اإلسالم‪ ،‬ومع ذلك يناد عليهم كلهاام؛ أل ا‬

‫يعرب أة منهم من آمن ا رهب ىا من الدولة اإلسالمية أو رغب ىا يف ثرواهتا بعد ا تصارا املتتالية‬

‫مثل‪ :‬ةبائل غطفاة وسليم ومتيم وغريهم‪.‬‬

‫فامذا عنل ﷺ؟ ركز النداء يف أولةك الذين يثق بدينهم‪ ،‬ويطنةن لعقيدهتم‪ ،‬ويعلم متاما ىا أهناام‬

‫يعا ىا إ يفااالتهم األو ماان البااذل والعطاااء‬ ‫وإة فروا يف أول ي م يفنني إ أهنم سيع دوة‬

‫واوهاد بنجرد التذكري؛ ألة معدهنم شديد النقاء‪.‬‬

‫فنن هؤ ء الذين وثق فيهم الرس ل ﷺ؟ إهنم أصحاب الشااجر ‪ ،‬أصااحاب بيعااة الرضا اة‬

‫الذين شهدوا صلح احلديبية‪ ،‬الذين فتح ا خيرب بعد ذلك‪ ،‬الذين ةال اهلل عز وجل يف يفقهاام‪:‬‬

‫الس ِكينَ َة َع َل ْي ِه ْم‬ ‫ني إِ ْذ يب ِايع ََك َ ْحت َت ا ِ ِ‬


‫الش َج َر َف َعل َم َما ِيف ةل ِهبِ ْم َف َأ َْز َل ا‬ ‫َ‬ ‫يض اهللا َع ِن املْ ْؤ ِمنِ َ‬‫ِ‬
‫{ َل َقدْ َر َ‬
‫َو َأ َث َاهب ْم َفت ىْحا َة ِري ىبا} [الفتح‪ ]18:‬فهؤ ء بايع ا ةبل ذلك عىل عدم الفاارار‪ ،‬و شااك أهناام لا‬

‫تذكروا هذه البيعة ‪-‬بيعة الرض اة‪ -‬لعادوا ف ر ىا إ القتال؛ ألهنم يقينا ىا يبااايع ا هااذه البيعااة‬

‫فاة ىا وأل سبحا وتعا ذكر يف كتاب أ علم ما يف ةل هبم‪ ،‬وهؤ ء زلاات علاايهم السااكينة‬

‫ةبل ذلك وهم عىل أب اب مكة يف سنة ‪ 6‬هجرية‪ ،‬وكام تعلن ة يكن معهم إ سالح املسافر‪،‬‬

‫و زول السكينة عليهم يف هذا اللقاء يف يفنني سيحدث إة شاء اهلل بشارط أة يعا دوا‪ .‬هااؤ ء‬

‫وإة كا ا ‪ 1400‬فق ‪ ،‬إ أة ال ايفد منهم بامئة وال ايفد منهم بألف وال ايفد منهم بأكثر ماان‬

‫ألف‪ ،‬فهؤ ء ل ثبت ا فكل الناس بعد ذلك ستثبت لثباهتم‪ ،‬من أجل ذلااك ركااز الرسا ل ﷺ‬

‫عليهم‪ .‬أمر ﷺ العباس بن عبد املطل ريض اهلل عن وأرضاه وكاة من الثااابتني إ جا اره‪،‬‬

‫يفر العباس و حلظة وايفد ‪ ،‬أمره أة يناااد عااىل هااؤ ء املبااايعني عااىل عاادم الفاارار‪ ،‬فرفااع‬

‫العباس ص ت و ادى بكل ما في من ة ‪( :‬يااا أصااحاب الشااجر ل يااا أصااحاب الساانر ‪ ،‬يااا‬

‫أصحاب الشجر ل هكذا‪.‬‬

‫‪991‬‬
‫ثم إة الرس ل ﷺ خو النداء أكثر‪ ،‬فلم يعد يناد عىل كل أصحاب الشجر ‪ ،‬فااأمر العباااس‬

‫أة يناد عىل األ صار‪ ،‬ف و األ صار من أصحاب الشجر ‪ ،‬فرفع العباس ص ت و ادى‪( :‬يا‬

‫أ صار اهلل‪ ،‬يا أ صار رس ل ﷺل‪ ،‬ثم إ خو أكثر وأكثر فنادى عىل اخلزرج‪( :‬يا بني اخلزرج‪،‬‬

‫يا بني اخلزرجل‪ .‬ثم إ خو أكثر وأكثر وأكثر‪ ،‬فنادى عىل بني يفارثة ماان اخلاازرج وهاام ماان‬

‫خري دور األ صار‪ ،‬كام ةال يف احلديث عن أيب أسيد الساعد يف الب ار ومسلم‪.‬‬

‫فامذا كاة رد فعل أصحاب الشجر واأل صار واخلزرج وبني يفارثة؟ اارتك العباااس ريض اهلل‬

‫عن يص ر لنا رد فعل هؤ ء ريض اهلل عنهم أمجعني‪ .‬يق ل العباس‪( :‬ف اهلل لكأة عطفتهم يفني‬

‫سنع ا ص يت عطفة البقر عىل أو دهال أ ‪ :‬عادوا مرسعني كااالبقر التااي تاادافع عاان أو هااا‬

‫الصغار‪ ،‬وةال األ صار يف حلظة وايفد وبص ر مجاعية وبحامس‪( :‬يا لبيك‪ ،‬يا لبيك‪ ،‬لبيك يااا‬

‫رس ل اهلل أبرش حن معكل‪ ،‬فجاءوا من كاال مكاااة يف أرض امل ةعاة‪ ،‬مااع كاال األجلمااة التااي‬

‫يعيشها املسلن ة إ أهنم أت ا من كل مكاة‪ ،‬يفتى إهنم كا ا يااروة الرسا ل ﷺ ماان شااد‬

‫تزايفم الناس‪ ،‬وكاة الرجل جيد صع بة يف الع د ؛ ألة الدابااة التااي يركا عليهااا يف عكااس‬

‫ا جتاه‪ ،‬لكن كاة يرتك الدابة وينزل ويرتجل عىل ةدمي يفتى يلحق الرس ل ﷺ ‪ ،‬وهؤ ء هاام‬

‫الناس الذين من املنكن أة تق م عىل أكتااافهم األمااة‪ ،‬مااا هااي إ حلظااا يفتااى اجتنااع مااع‬

‫الرس ل ﷺ مائة من الرجال‪ ،‬وأول كاة مع يف أول األمر يف ايل عشار أو اثنااا عشاار واآلة‬

‫مائة‪ ،‬فلام أتى املائة ةال ﷺ ‪( :‬اآلة محي ال طيسل أ محيت احلرب كام يف صحيح مساالم عاان‬

‫العباس ريض اهلل عن وأرضاه‪.‬‬

‫فلام اشتد احلرب ومحيت احلرب وبدأ املسلن ة يف ةتال ضار‪ ،‬واملساالن ة الااذين اجتنعا ا‬

‫يف ل الرس ل ﷺ مجيع ىا ثابت ة‪ ،‬والثابت ة األوائل أب بكر الصديق ريض اهلل عنا وعناار باان‬

‫اخلطاب وعيل بن أيب طال والعباس وأب سفياة باان احلااارث باان عبااد املطلا وربيعااة باان‬

‫‪992‬‬
‫احلارث بن عبد املطل والفضل بن العباس وأينن بن عبيد الذ ها اباان أم أيناان ريض اهلل‬

‫عنهم أمجعني‪ ،‬وأسامة بن جليد ريض اهلل عنهم‪ ،‬هؤ ء مجيع ىا هم الذين ثبت ا يف البدايااة ثاام جاااء‬

‫األ صار كام ذكر ا يفتى اكتنل ا مائة‪ ،‬ثم بدأ املسلن ة يت افدوة من كاال مكاااة‪ ،‬وأمسااك ﷺ‬

‫يففنة من الرتاب وةذفها يف وج ه الكفار وةال‪( :‬يفم ينصااروةل ويف روايااة ةااال‪ :‬شاااهت‬

‫ال ج ه فدخل الرتاب يف عي ة وأ ب مجيع الكفار‪ ،‬وكا ت قطة حت ل فارةة يف م ةعة يفنني‪.‬‬

‫كا ت البداية ثبا القائد األعىل النبي ﷺ ‪ ،‬ثم ثبت بثبات جمن عة ةليلة جد ىا من الرجااال‪ ،‬ثاام‬

‫عاد إلي من الفارين جمن عة أكرب يفتى وصل ا ثم عاد األ صار مجيع ىا وأصااحاب الشااجر ‪ ،‬ثاام‬

‫روح املقاومة والثبا يف اونيع فعااادوا يقاااتل ة يف ساابيل اهلل‪ .‬أول الغيااث ةطاار ثاام‬

‫ينهنر‪.‬‬

‫أول خط ‪ :‬ثبا القائد‪.‬‬

‫اخلط الثا ية‪ :‬ا عتامد عىل امل ث أ فيهم من اون د‪.‬‬

‫تذكري الصحابة بأة النرص من عند اهلل عز وجل‬

‫اخلط الثالثة‪ :‬أ ﷺ ذكر العائدين بام س ه‪ ،‬أ حتدث املصيبة وحيدث الفرار؛ ألهناام أعجبا ا‬

‫بق هتم وعددهم و يذكروا رص اهلل عز وجل هلم؟ إذ ىا‪ :‬فليتذكر اونيع اآلة أة النرص من عند‬

‫اهلل عز وجل‪ ،‬فرفع ﷺ ص ت يطنةن املسلنني ويقا ل‪( :‬اهنزما ا ورب حمنااد‪ ،‬اهنزما ا ورب‬

‫الكعبةل‪ ،‬ثم رفع يده إ السامء وابتهل إ اهلل يف الدعاء وةال يف إحلاح‪( :‬اللهاام ا ِّازل صاارك‪،‬‬

‫اللهم إين أ شدك ما وعدتني‪ ،‬اللهم ينبغي هلم أة يظهروا علينا‪ ،‬اللهم ِّزل رصكل‪.‬‬

‫يف هذه اللحظا العظينة ع لج املرض اخلطري الذ أصي ب املسلن ة ي م يفنني‪ ،‬وأدركا ا‬

‫بام يدع جما ى للشك أة النارص احلقيقي ه اهلل عز وجل‪ ،‬واست عب ا بكل ذر يف كياهنم ة ل‬

‫‪993‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اهلل عز وجل‪َ { :‬و َما الن ْارص إِ ا م ْن عنْد اهللاِ إِ اة اهللاَ َع ِز ٌيز َيفكا ٌ‬
‫يم} [األ فااال‪ ]10:‬وا تقلاات هااذه‬

‫اآلية يف حلظا يسري و يعة جد ىا من املفاهيم النظرية إ ال ةائع العنلية‪ .‬عندما تغااري واةااع‬

‫املسلنني هبذه الص ر أذة اهلل عز وجل للنرص أة ينزل عىل املساالنني‪ ،‬وكااام تع د ااا أة يناازل‬

‫يت ةعها املسلن ة‪ ،‬ليعلم اونيع أة النرص من عند اهلل عز وجل‪ .‬كا اات‬ ‫النرص ينزل بص ر‬

‫وسائل حتقيق النرص يف يفنني عجيبة‪ ،‬كام كا ت عجيبة ةباال ذلااك يف باادر واأليفاازاب وخياارب‬

‫ومكة‪ ..‬وغريها وغريها‪.‬‬

‫لقد أ زل سبحا وتعا عىل املؤمنني السكينة‪ ،‬فقاتل ا بثبا وة ‪ ،‬ةال تعااا ‪} :‬ثا ام َأ ا َاز َل اهللا‬

‫َس ِكينَ َت َع َىل َرس لِ ِ َو َع َىل املْ ْؤ ِمنِ َ‬


‫ني{ [الت بة‪ ]26:‬ما عادوا يروة ‪ 25000‬مقاتل ةدامهم‪ ،‬فثبت ا‬

‫يف أرض القتال‪ ،‬وأ زل اهلل عز وجاال الرعا يف ةلا ب الكااافرين ف لا ا ماادبرين‪ ،‬متناااجللني‬

‫بسه لة شديد عام يفقق ه من رص‪ ،‬وعن كل تقدم وصل ا إلي ‪ ،‬وأ زل اهلل عز وجل املالئكااة‪،‬‬

‫كام ةال سبحا ‪َ } :‬و َأ َز َل جن ىدا َ ْ ت ََر ْو َها{ [الت بة‪ ]26:‬يف حلظا يسري يفر اويش املرشك من‬

‫اويش املسلم‪ ،‬فر أكثر من ‪ 25000‬مقاتل يف عااد يفساانة ويف م اةااع إساارتاتيجية جيااد ويف‬

‫يفالة معن ية عالية من ‪ 12000‬جماهد‪ ،‬وتفرة ا هنا وهناك‪ ،‬تسأل عن األسباب املادية‪ ،‬فق‬

‫ةل‪َ } :‬و َما الن ْارص إِ ا ِم ْن ِعن ِْد اهللاِ{ [األ فال‪ .]10:‬يق ل أيفد الصحابة‪) :‬فام ثبت ا لنا يفل شا (‬

‫أ ‪ :‬مد ةصري جد ىا‪ ،‬ا طلق ا يف كل اجتاه يفروة‪ ،‬الرع ين ةل هبم‪ ،‬ترك ا وراءهم أما اهلم‬

‫وأ عامهم وأكثر سائهم وأو دهم‪.‬‬

‫وصف اهلل عز وجل م ةف املرشكني بعد ع د املسلنني إ رهبم سبحا وتعااا بقا ل بليااغ‬

‫خمترص معجز‪ ،‬ةال سبحا وتعا ‪َ } :‬و َع اذ َب ا ال ِذي َن َك َفروا َو َذلِ َك َج َزاء ا ْلكَافِ ِري َن{ [الت بة‪]26:‬‬

‫من العذاب أة تأخذ ةرار الفرار‪ ..‬من العااذاب أة هتاارب وأ اات األكثاار عاادد ىا وعااد ‪ ..‬ماان‬

‫العذاب أة تتناجلل عن يفصاد السنني‪ ..‬من املال واأل عام يف حلظة وايفد هكذا‪ ..‬ماان العااذاب‬

‫‪994‬‬
‫أة تت ىل عن جلوجتك وأو دك؛ ألة الرع ين ةلبك‪ ..‬من العذاب أة تشااعر أة كاال يشء‬

‫يطاردك يفتى اوامد‪ .‬وهذه يفقيقة فهذا عنرو بن سفياة الثقفي كاة من املرشكني الااذين فااروا‬

‫يف يفنني واحلند هلل أسلم بعد ذلك ويفسن إسالم ‪ ،‬يق ل‪) :‬فاهنزمنا‪ ،‬ف يل إلينا أة كل يفجاار‬

‫وشجر فارس يطلبنا(ةال‪) :‬فأعجر ‪-‬أ ‪ :‬أ عت‪ -‬عىل فريس يفتى دخلت الطائف(‪ .‬هااذا‬

‫ه العذاب بعين ‪َ } :‬و َع اذ َب ا ال ِذي َن َك َفروا{ [الت بة‪ ]26:‬فر اويش املرشك يف ثالثة اجتاها ‪ ،‬فر‬

‫من واد يفنني‪ ،‬واوزء الثاااين فاار إ منطقااة لااة‪ ،‬واواازء الثالااث‬ ‫جزء إ أوطاس جا‬

‫واألسايس فر إ مدينة الطائف‪ ،‬هرب اونيع هبذه الصا ر امل زيااة املشااينة‪ ،‬وهاارب معهاام‬

‫ةائدهم مالك بن ع ب الذ دفعهم إ هذه املهزلة العسكرية‪ ،‬وا دفع املسلن ة خلفهاام هنااا‬

‫لااة‪،‬‬ ‫يااة إ أوطاااس‪ ،‬وأخاارى إ‬ ‫وهناك‪ ،‬وطردوا املرشكني يف كاال مكاااة‪ ،‬وت جهاات‬

‫وت ج اواايش الرئييسا بقياااد الرسا ل ﷺ إ الطااائف حلصااار ها اجلة وثقيااف يف داخاال‬

‫الطائف‪ .‬أوةف الرس ل ﷺ ت جليع الغنائم اهلائلة التااي يفصاال ها يفتااى يعا د ماان الطااائف‪،‬‬

‫عرا ة إ ج ار يفنني‪ ،‬وكا ت هذه أكرب وأعظم‬ ‫وجعل كل هذه الغنائم يف واد اسن واد ِ‬
‫او ِّ‬
‫غنائم حتصل يف معركة وايفد يف تاريخ العرب ةاطبة؛ ألة مالك بن ع ب أتااى بكاال صااغري‬

‫وكبري يف ة م ليجعلها بعد ذلك يف أيد املسلنني‪ ،‬كام ةال ﷺ (تلك غنينة املسلنني غد ىا إة‬

‫شاء اهللل‪ .‬لقد بلغ السبي من النساء يف هذه امل ةعة ‪ 6000‬امرأ ‪ ،‬هذا عدد هائل‪ ،‬وجتاوجل عاادد‬

‫اإلبل ‪ ،24000‬وجتاوجل عدد األغنام ‪ ،40000‬والفضة تزيد عىل ‪ 4000‬أوةيااة؛ يفا ايل ‪150‬‬

‫كيل جرام من الفضة‪.‬‬

‫هذا رص هائل‪ ،‬يت ةع و حيلم ب أيفد‪ ،‬فنعركة يفنني غريبة جد ىا‪ ،‬وعجيبااة بكاال املقاااييس‪،‬‬

‫وكاة شهداء املسلنني يف هذه امل ةعة الضوس مخسة شهداء فق ‪ ،‬وةتىل املشاركني ‪ 70‬ةتاايالى‪،‬‬

‫‪995‬‬
‫ومن يشاهد األعداد اهلائلة املشرتكة يف هذه امل ةعة ‪ 12000‬جماهد حيارب ة أكثر ماان ‪25000‬‬

‫ة باملةا أو باآل ب‪ ،‬لكن هذا الكالم حيصل‪.‬‬ ‫يظن أة الضحايا سيك‬

‫أول املعركة فر املسلن ة دوة ةتال تقريب ىا‪ ،‬وآخر املعركة فر املرشك ة دوة ةتال تقريب ىا كااذلك‪،‬‬

‫وهذه النتائج اهلائلة والغنائم العظينة جاء دوة ةتال يذكر‪ ،‬وإ ام فر وكر من املسلنني ثم كاار‬

‫وفر من املرشكني‪ ،‬هكذا تغري األيفداث يف دةائق‪ ،‬ا قل النرص للنشاركني إ هزينااة هلاام‬

‫وحت لت اهلزينة للنسلنني إ رص هلم‪ ،‬والفارأ َت َغ هري ةلبي يراه أيفد من البرش‪ ،‬لكن اهلل عز‬

‫وجل يراه‪ ،‬فا حراب يف الفهم ول للحظااا أدى إ الفاارار‪ ،‬وعا د إ الفهاام الصااحيح يف‬

‫حلظا أدى إ النرص؛ لتبقى احلقيقة واضحة يف الذهن وراسا ة يف أعااامأ املساالنني‪َ } :‬و َماا‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الن ْارص إِ ا م ْن عنْد اهللاِ إِ اة اهللاَ َع ِز ٌيز َيفك ٌ‬
‫يم{ [األ فال‪.]10:‬‬

‫خيفى علينا أة يفنين ىا تتكرر كثري ىا يف يفياتنا‪ ،‬ما أكثر ت كلنا عىل الطبي املاهر املشه ر للدرجة‬

‫التي متنعنا أيفيا ىا من رفع األيد إ اهلل عز وجل لطل الشفاء من اهلل الشايف‪ ،‬أةصد عاادم‬

‫‪ ،‬لكن ا عتامد عىل الطبيا و سااياة رب الطبيا هااذا يقباال‪.‬‬ ‫التداو ‪ ،‬التداو أمر ب‬

‫كثري ىا ما ثق بامل األغنياء من البرش‪ ،‬و نسى أة رفع أيدينا بالدعاء هلل الغني الراجلأ الذ بيااده‬

‫الساموا واألرض‪ .‬كثري ىا ما ةن يف ت صية من كبري أو واسطة من عظاايم و لجااأ‬ ‫ملك‬

‫إ الكبري العظيم املتعال سبحا وتعا ‪ .‬كثري ىا ما طرأ كل األب اب و طاارأ باااب الاارمحن‬

‫سبحا وتعا ‪ ،‬كثري ىا ما سأل كل البرش و سأل احلناة املناة‪ ،‬كثري ىا ما طنةن ملا يف أيدينا و‬

‫طنةن إ ما يف يد اهلل مالك الساموا واألرض وما بينهام‪ .‬كثري ىا ما تتكرر يفنني يف يفياتنا فنفر‬

‫و فشل وهنرب و اب و فزع‪ ،‬ولن ثبت و نجح و نترص و أمن إ بااام فعلا األولا ة‪ ،‬لاان‬

‫يك ة ذلك إ بأخذ باألسباب مع ا عتامد الكامل عىل رب األسااباب ساابحا وتعااا ‪ ،‬ولاان‬

‫‪996‬‬
‫يك ة ذلك إ بفق عنيق للتاريخ وةراء متأ ية للسري ‪ ،‬واتباع دةيق ملنهج سيد البرش وأعظاام‬

‫اخللق وإمام الرسل حمند ﷺ‪.‬‬

‫‪997‬‬
998
‫‪41‬‬

‫بني حنني والطائف‬

‫حتدثنا يف الدرس السابق عن يوم حنني العجيب جد ًا أنه مل َيدُ ْر فيه قتال يذكر‪ ،‬ومع ذلككك كككا‬

‫له من اآلثار ما ال حيىص من أهم هذه اآلثار أ املسلمني فقهوا جيد ًا حقيقة النرص يف اإلسكك‪،‬م‪،‬‬

‫وعلموا متام العلم أ املسلم الذي يعد العدة دو أ يرتبط باهلل عز وجل أ نرصه بعيد‪ ،‬وثباته‬

‫حمال‪ .‬فكا هذا الدرس من أبلغ الدروس التي تعلمها املسلمو يف كل حياهتم السابقة‪.‬‬

‫مطاردة جيش هواز‬

‫رأينا فرار جيش هواز بكل بطوهنا أمام جيش املسلمني عندما عاد املسلمو إىل رهبم سبحانه‬

‫وتعاىل‪ ،‬وعندما عادوا إىل الفقه السليم‪ ،‬فرت جيوش هواز حتى واصلوا فككرارهم إىل مدينككة‬

‫الطائف‪ ،‬وفر معهم زعيمهم القومي مالك بن عوف النرصي‪ .‬بعد هذا األمر أخذ الرسول ﷺ‬

‫معظم اجليش وذهب حلصار مدينة الطائف‪ ،‬وحرب جيش هواز ‪ ،‬واسككتل‪،‬ل فرصككة اهنككزام‬

‫هواز من أجل مقابلتهم يف معركة فاصلة‪ ،‬من أجل ذلككك تككرر الرسككول ﷺ توزيككع انككائم‬

‫حنني اهلائلة حتى ينتهي من قضية هواز وثقيف‪ ،‬وتستقر األوضاع‪.‬‬

‫سار الرسول ﷺ بجيشه الضخم متجه ًا إىل الطائف‪ ،‬وسبحا اهلل املقارنة عجيبة جد ًا بني هذا‬

‫املسري املهيب للطائف‪ ،‬وبني مسريه ﷺ إليها من إحدى عرشة سككنة‪ ،‬أيككام العهككد املكككي‪ ،‬مككن‬

‫إحدى عرشة سنة كا ﷺ متجه ًا إىل الطائف وهو يف أشككد حككاالت احلككز والضككيق‪ ،‬وكككا‬

‫ماشي ًا عىل قدميه ليس معه إال ا‪،‬مه زيككد بككن حارثككة رن اهلل عنككه‪ ،‬ةردتككه مكككة وأخرجتككه‬
‫‪999‬‬
‫وتنكرت له‪ ،‬وكانت السيدة خدجية رن اهلل عنها قد ماتت‪ ،‬وكككذلك مككات عمككه أبككو ةالككب‬

‫أيض ًا‪ ،‬وليس معه يف مكة إال قليل من املؤمنني ال يتجاوزو مائة واحد من الصككحابة‪ ،‬وكككانوا‬

‫مرشدين يف احلبشة‪ ،‬وكا الوضع يف ااية املأساة‪ ،‬ومل ختفف الطككائف مككن ‪،‬المككه‪ ،‬بككل عمقككت‬

‫اآلالم‪ ،‬فرفضت الدعوة اإلس‪،‬مية بتكرب‪ ،‬وحاربت الرسول ﷺ بشككدة‪ ،‬واسككتقبلته اسككتقبال‬

‫اللئام ال استقبال الكرام‪ ،‬وةردوه وصاحبه زيد ًا رن اهلل عككنهم‪ ،‬وقككد أمطرووككا بوابككل مككن‬

‫احلجارة والرتاب والسباب‪ ،‬حتى أجلئووا إىل حائط عتبة وشيبة ابنككي ربيعككة‪ ،‬وأنككتم تعلمككو‬

‫الدعاء املشهور الذي دعا به هنار‪ ،‬وهو دعاء يعرب عن درجة األمل واألسككى واحلككز الشككديدة‬

‫التي وصل إليها ﷺ يف ذلك الوقت‪ ،‬واادر الرسول ﷺ يف ذلك اليوم الطائف وعاد متجهك ًا‬

‫إىل مكة مهموم ًا عىل وجهه يف ظروف ال يتحملها عامة البرش‪ ،‬ومككع كككو حالتككه النفسككية قككد‬

‫وصلت إىل أقىص درجات األمل إال أنه رفض تدمري هذه القرية الطائف واريها من القرى ممككن‬

‫كفر باهلل عز وجل‪ ،‬مع أ ملك اجلبال عرض عليه هذا األمر‪ ،‬لكن الرسول ﷺ قال يف منتهى‬

‫التجرد‪( :‬بل أرجو أ خيرج اهلل عز وجل من أص‪،‬هبم من يعبد اهلل عز وجل وحده وال يرشككر‬

‫به شيئ ًا)‪.‬‬

‫وسبحا اهلل مرت األيام‪ ،‬واأليام دول‪َ { ،‬وتِ ْل َك األَ َّيا ُم نُدَ ِاو ُهلَا َب ْ َ‬
‫ني النَّك ِ‬
‫اس} [‪،‬ل عمككرا ‪]140:‬‬

‫واري اهلل عز وجل األحوال‪ ،‬وجاء ﷺ اآل بعد إحدى عرشة سنة بام مل يتصوره أحككد‪ ،‬ال مككن‬

‫الطائف وال من مكة‪ ،‬وال من أهل اجلزيرة بكاملها‪ .‬جاء ﷺ اآل عزيز ًا منتصكر ًا ممكنك ًا رافعك ًا‬

‫رأسه‪ ،‬حماة ًا بجيش مؤمن جرار يزلككزل األرض مككن حولككه‪ ،‬يرفككع رايككة ال إلككه إال اهلل‪ ،‬حممككد‬

‫رسول اهلل‪ ،‬أحد عرش عام ًا فقط فرقت بني املوقفني‪ ،‬وحتقككق مككا ذكككره ﷺ لصككاحبه زيككد بككن‬

‫حارثة رن اهلل عنه يوم قال له بيقني بعد عودهتم املحزنة من الطائف‪( :‬يا زيد إ اهلل جاعل ملا‬

‫‪1000‬‬
‫ترى فرج ًا وخمرج ًا‪ ،‬وإ اهلل نارص دينه ومظهر نبيه) وجاء الفرج واملخرج عككىل صككورة أعظككم‬

‫بكثري من تصور اجلميع‪ ،‬ونرص اهلل الدين‪ ،‬وأظهر النبي الكريم ﷺ ‪.‬‬

‫الشك أ رسول اهلل ﷺ وهو ذاهب إىل الطائف كانت جتول يف خاةره ذكريات ال حرص هلككا‪،‬‬

‫خيرج بجيش يقطع صمت الصحراء باجتاه الطائف للمرة الثانية يف حياته‪ ،‬فامذا كككا يفكككر بككه‬

‫ﷺ ؟ لعله تذكر صاحبه زيد بن حارثة حبه رن اهلل عنه‪ ،‬اآل زيد ال يسري معهم قد سبق زيد‬

‫إىل اجلنة رن اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬استشهد يف مؤتة كام ذكرنا قبل ذلك‪ ،‬لعله تذكر أهككل الطككائف‬

‫وهم يرفضو دعوته مجيع ًا ب‪ ،‬استثناء يف تعنت أشد من تعنت أهل مكة‪ .‬لعله تذكر عبد يا ليل‬

‫بن عمرو بن عمري الثقفي ‪-‬هذا الذي انتهت إليه اآل زعامة ثقيف‪ -‬عندما وقف يسككخر مككن‬

‫النبي ﷺ ‪ ،‬ويقول‪ :‬إنه يمرط ‪-‬أي‪ :‬يمزق‪ -‬ثياب الكعبة إ كا اهلل عز وجل قد أرسله‪ ،‬وعبد‬

‫يا ليل فر فرار ًا خمزي ًا من أرض حنني‪ ،‬وذهب ليختبئ يف جبن ظاهر يف داخل حصو الطائف‪.‬‬

‫لعله تذكر عداس النرصاين رن اهلل عنه الل‪،‬م الصلري الذي ‪،‬من‪ ،‬واختفى ذكره مككن السككرية‬

‫بعد ذلك‪ ،‬وال نعلم من حاله شيئ ًا‪ ،‬لكن اهلل عز وجل يعلمه‪ .‬لعله تذكر عتبة بن ربيعككة وشككيبة‬

‫بن ربيعة صاحبي احلديقة التي جلأ إليها ﷺ عندما ةردوه من الطائف‪ ،‬فاآل عتبككة بككن ربيعككة‬

‫وشيبة بن ربيعة يرقدا يف قليب بدر يعذبا مع قادة الكفر يف قبورهم‪.‬‬

‫لعله تذكر وهو يمر من وادي نخلة جمموعة اجلن التي ‪،‬منت به يف رحلته األوىل للطائف‪ ،‬وهككو‬

‫يف ةريق عودته إىل مكة املكرمة‪ ،‬لعله يذكر جربيل وملك اجلبال واحلوار الذي دار معه‪.‬‬

‫ء‬ ‫ذكريات كثرية جد ًا! بعضها مفرحة وبعضها حمزنة‪ ،‬ولكن األيام عىل أي حال متككر‪ ،‬وكككل‬

‫يتحول إىل ذكرى‪ ،‬وال يبقى إال العمل الذي قدم‪.‬‬

‫‪1001‬‬
‫حصار الطائف‬

‫وصل اجليش العم‪،‬ق إىل الطائف‪ ،‬وتوقع اجلميع معركة هائلة ستقع بني جتمع هواز وثقيف‬

‫يف حصو الطائف يف عقر دارهم وبني جيش املسككلمني الضكخم‪ ،‬وكككام ذكرنككا أ عككدد قككتىل‬

‫‪ ،‬فقككط‪ ،‬أي‪ :‬اجلككيش بكاملككه ال زال موجككود ًا يف الطككائف‬


‫املرشكني يف موقعة حنككني ‪ 70‬رجك ً‬

‫‪ 25000‬مقاتل أو يزيدو واجليش املسلم ‪ 12000‬جماهد‪ ،‬فتوقع اجلميع معركة هائلككة‪ ،‬لكككن‬

‫رفض املرشكو اخلروج للحرب‪ ،‬فظلوا يف حصككوهنم دو قتككال‪ ،‬وحصككو الطككائف كانككت‬

‫شديدة املنعة‪ ،‬وإذا قرر أهل ثقيف وهواز عدم اخلروج فسيكو القتككال صككعب ًا لللايككة‪.‬مع أ‬

‫عددهم وعدهتم أضعاف املسلمني‪ ،‬ومككع أهنككم يقككاتلو يف ب‪،‬دهككم التككي خربوهككا‪ ،‬وهككم يف‬

‫ظروف اعتادوا عليها‪ ،‬لكن ألقى اهلل عز وجل الرهبة يف قلوهبم‪ ،‬فام استطاعوا أ يأخذوا قككرار‬

‫احلرب مرة ثانية‪ ،‬بل اكتفوا بفضيحة حنني‪ .‬الشك أ يف هذا خزي ًا كبري ًا جد ًا وصلار ًا شككنيع ًا‬

‫أل نسككاء وأمككوال وأنعككام هككواز يف يككد املسككلمني اآل ‪ ،‬ومككع ذلككك فضككلوا أال خيرجككوا‬

‫الستخ‪،‬ص هذه األنعام واألموال والنساء واألوالد من أيدي املسلمني‪ ،‬هذا خزي كبري جككد ًا‬

‫وذل ليس بعده ذل‪ ،‬فالرسول ﷺ عنككدما رأى أهككل الطككائف مككن هككواز وثقيككف يرفضككو‬

‫اخلروج للقاء الفاصل مل يتنازل ﷺ بسهولة‪ ،‬بل مجع اجليش اإلسكك‪،‬مي وقككرر حلب احلصككار‬

‫عىل حصو الطائف املنيعة‪ ،‬لعلهم يفقدو األمل وخيرجو ‪ ،‬لكن أول ما فرض احلصككار بككدأ‬

‫أهل الطائف بإة‪،‬ق السهام والرماح عىل املسلمني‪ ،‬وكانت حصوهنم عاليككة وكبككرية‪ ،‬واشككتد‬

‫رميهم واستشهد من املسلمني اثنككا عرشك رجك‪ ،ً،‬ومل تكككن سككهام املسككلمني تصككل إىل داخككل‬

‫احلصو ‪ ،‬وأصبحت املشكلة كبرية عككىل املسككلمني‪ ،‬فأشككار احلبككاب بككن املنككذر رن اهلل عنككه‬

‫وأرضاه أ يبتعد املسلمو عن احلصن حتى ال تصيبهم السهام‪ ،‬وبالفعل عسكر الرسككول ﷺ‬

‫يف مكا بعيد عن حصو الطائف‪ ،‬لكن أيض ًا استمر احلصار عىل مدينة الطائف‪.‬‬

‫‪1002‬‬
‫الوسائل التي استخدمها رسول اهلل إلخراج املرشكني من حصو الطائف‬

‫الرسول ﷺ فكر يف خطة إلخراج املرشكني من احلصو ‪ ،‬فأمر سلام الفككارر رن اهلل عنككه‬

‫بصناعة املنجنيق لقذف حصو الطائف باحلجارة‪ ،‬وأمر بصناعة دبابات خشككبية لكككي خيتبككئ‬

‫حتتها اجلنود ليصلوا إىل الق‪،‬ع وإىل احلصو دو أ تصيبهم السهام‪ ،‬وبالفعل بدءوا يف قككذف‬

‫أسوار الطائف باملنجنيق الذي صنعه سلام رن اهلل عنه‪ ،‬وصككار املسككلمو حتككت الككدبابات‬

‫اخلشبية‪ ،‬وبالفعل كرسوا جزء ًا من السور‪ ،‬وكانوا عىل وشك الدخول داخككل أسككوار الطككائف‬

‫لوال أ أهل الطائف فاجئوا املسلمني بإلقاء احلسك الشائك املحمى بالنار‪ ،‬واحلسك الشككائك‬

‫هو عبارة عن أشوار حديدية ضخمة أوقدت عليها النار حتى امحرت‪ ،‬فألقوها عككىل املسككلمني‬

‫فصارت مأساة كبرية‪ ،‬أصيب املسلمو إصابات باللككة‪ ،‬ممككا دفعككت املسككلمني إىل العككودة مككن‬

‫جديد إىل معسكرهم‪ ،‬وما قدروا أ يقتحموا حصن الطائف‪.‬‬

‫لكن الرسول ﷺ مل ييئس فقرر أ حترق حككدائق العنككب املحيطككة بالطككائف‪ ،‬وكانككت جنككات‬

‫ضخمة فيها مزروعات كثرية‪ ،‬وأهم هذه املزروعات العنب‪ ،‬فأخذ رسول ﷺ القككرار بحككرق‬

‫هذه األعناب حتى يدفع أهل الطككائف أو جيككربهم عككىل اخلككروج للقتككال‪ ،‬هككو ال حيككرق هككذه‬

‫األشجار أو هذه األعناب بلرض التدمري أبد ًا‪ ،‬لكن بلرض إجبار أهل الطائف عككىل اخلككروج‬

‫للقتال‪ .‬بدأ املسلمو بحرق كمية ضخمة من العنككب‪ ،‬فنككادت ثقيككف الرسككول ﷺ مككن وراء‬

‫األسوار وقالت‪( :‬مل تقطع أموالنا إما أ تأخذها إ ظفرت علينا‪ ،‬وإما أ تدعها هلل وللرحم)‪،‬‬

‫أي‪ :‬لو البتمونا تأخذوهنا‪ ،‬ولو مل تللبونا فاتركوهككا هلل وللككرحم‪ ،‬فقككال ﷺ ‪( :‬فككإين أدعهككا هلل‬

‫وللرحم التي بيني وبينكم)‪ .‬ذكرنا فيام مىض أ الع‪،‬قة بني ثقيككف وقككريش سككيئة جككد ًا‪ ،‬لكككن‬

‫كانت إحدى جدات الرسول ﷺ ألمه من ثقيف‪ ،‬كانت اجلدة اخلامسة للرسول ﷺ واسمها‪:‬‬

‫هند بنت يربوع الثقفية فلذلك ترر ﷺ حرق األعناب وقطعها للرحم التي بينه ﷺ وبينهم‪.‬‬

‫‪1003‬‬
‫ومل يفعل ﷺ كام تفعل اجليككوش الكككافرة العلامنيككة مثككل‪ :‬جيككوش فككارس والرومككا والتتككار‬

‫واليهود‪ ،‬وجيوش العصور احلديثة التي تفسد يف األرض ملجرد اإلفساد حتى إ اهلل سككبحانه‬
‫ِ‬ ‫وتعاىل يصفهم يف كتابه الكريم بقوله‪{ :‬وإِ َذا تَو َّىل سعى ِيف األَر ِ ِ ِ ِ‬
‫ث‬ ‫يها َو ُ ُْيلك َك ْ َ‬
‫احلك ْر َ‬ ‫ض ل ُي ْفسدَ ف َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ب ا ْل َف َسا َد} [البقرة‪ ]205:‬اإلفساد عند ارض‪ ،‬أما املسلمو فإهنم مل يفعلوا‬ ‫ِ‬
‫َوالن َّْس َل َواهللَُّ ال ُحي ُّ‬
‫ذلك إال للاية حمددة‪ ،‬فلام مل حتقق وقفوا عن احلرق كام رأينا‪،‬‬

‫هذه الوسيلة مل تفلح يف إخراج أهل الطائف‪.‬‬

‫الوسيلة األوىل‪ :‬الرضب باملنجنيق‪.‬‬

‫الوسيلة الثانية‪ :‬حرق األعناب‪.‬‬

‫الوسيلة الثالثة‪ :‬حماولة تفكيك الصف داخل احلصو ‪ ،‬فقككد نككادى ﷺ عككىل العبيككد يف داخككل‬

‫احلصو وقال‪( :‬أيام عبد نزل من احلصن وخرج إلينا فهو حر) وكا العبيد كثريين يف املجتمع‬

‫العريب القديم‪ ،‬وسياسة اإلس‪،‬م أتت بتحرير العبيد يف كل مناسبة ممكنة‪ ،‬فكانككت هككذه فرصككة‬

‫ةيبة لتحرير بعض العبيد من صفوف املرشكني‪ ،‬فهؤالء العبيد يف اللالب سيسلمو ‪ ،‬وبككذلك‬

‫يستنقذو من ظلامت الكفر‪ ،‬وسيفقد أهل ثقيف ةاقة هككؤالء العبيككد‪ ،‬وسككوف ينقككل هككؤالء‬

‫العبيد األخبار من داخل الطائف إىل خارجها‪ ،‬فهنار أكثر من فائدة‪ ،‬فقككد كككا قككرار ًا سياسككي ًا‬

‫دعوي ًا عسكري ًا بارع ًا من الرسول ﷺ ‪ .‬بالفعل بدأ خيرج بعككض العبيككد مككن داخككل احلصككو ‪،‬‬

‫حتى وصل عددهم إىل ث‪،‬ثة وعرشين من العبيد‪ ،‬واكتشفت ثقيككف األمككر وشككددت احلصككار‬

‫عىل األسوار‪ ،‬ومنعت خككروج بقيككة العبيككد‪ ،‬واسككتفاد املسككلمو مككن خككروج هككؤالء الث‪،‬ثككة‬

‫والعرشين عبد ًا وأهم استفادة كانت أمرين‪ :‬وأعظم األمرين‪ :‬هو إضافة ث‪،‬ثة وعرشين رجك ً‬
‫‪،‬‬

‫‪ ،‬واحد ًا خري لك من محر النعم)‪.‬‬


‫إىل أمة اإلس‪،‬م‪( ،‬أل ُيدي اهلل بك رج ً‬

‫‪1004‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬معرفة بعض املعلومات العسكرية اخلطرية‪ ،‬فقد أخرب هؤالء العبيككد الرسككول ﷺ‬

‫أ الطعام والرشاب الذي يف داخل الطائف يكفي للمطاولة والصككرب عككىل احلصككار سككنة عككىل‬

‫األقل أو عدة سنوات‪ .‬هذه معلومة يف ااية األوية‪ ،‬فاحلصككار لككن يكككو يومك ًا أو يككومني وال‬

‫شهر ًا وال شهرين‪ ،‬بل عندهم ةعام يكفي لسنة أو أكثر‪ ،‬واملسلمو ال يسككتطيعو أ يبقككوا يف‬

‫هذا املكا أل القوات اإلس‪،‬مية ليست جمرد فرقة إس‪،‬مية من اجليش اإلسكك‪،‬مي‪ ،‬وليسككت‬

‫جمرد جيش لدولة‪ ،‬بل القوات اإلس‪،‬مية هي املجتمع املسلم بكامله‪ ،‬والرسول ﷺ مل يككرتر يف‬

‫املدينة املنورة التي هككي عاصككمة الدولككة اإلسكك‪،‬مية إال القليككل مككن الرجككال حلراسككة النسككاء‬

‫واألةفال والديار‪ ،‬وهنار الكثري من القبائل التي دخلها اإلس‪،‬م حديث ًا‪ ،‬فهي حتتاج إىل متابعة‬

‫مستمرة خوف ًا من انق‪،‬هبا إىل الكفر‪ ،‬واهلجوم عىل املدينة املنورة‪ ،‬وهنار الكثككري مككن القبائككل مل‬

‫تسلم بعد يف اجلزيرة العربية‪ ،‬وهنار اليهود يف خيرب عىل مقربة من املدينة‪ ،‬وهم عىل عهككد وقككد‬

‫خيالفو وينقضو كعادهتم‪ ،‬وهنار أهل مكة حديثو عهد بجاهلية‪ ،‬وهنككار اللنككائم الضككخمة‬

‫املرتوكة يف وادي اجلعرانة هنار أمور ضخمة كثرية ال يستطيع الرسول ﷺ أ يرتر كل هككذه‬

‫األمور‪ ،‬ويبقى يف هذا املكا النائي إىل أجل اري مسمى‪.‬‬

‫فامذا يعمل الرسول ﷺ ؟ احلصار ةال جد ًا‪ ،‬حتى وصلت يف بعض التقككديرات كككام يف روايككة‬

‫مسلم عن أنس رن اهلل عنه إىل أربعني يوم ًا كاملة يف حصار الطائف‪ ،‬وليس هنار أي فائدة‪.‬‬

‫استشارة الرسول ﷺ ألحد أصحابه بعد ةول حصار الطائف‬

‫استشار الرسول ﷺ أحد أصحابه من أصككحاب اخلككربة العسكككرية والككرأي السككديد‪ ،‬عنككدما‬

‫تسمع اسم هذا الصحايب الذي استشاره الرسول ﷺ سينتابك العجب ال حمالة‪ ،‬من هذا الذي‬

‫استشاره ﷺ ؟ إنه نوفل بن معاوية الدييل رن اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬هذا نوفل بن معاويككة الككدييل‬

‫زعيم بني بكر القبيلة التي كانت متحالفة مع قريش بعد صلح احلديبية‪ ،‬وهو الككذي قككاد قومككه‬
‫‪1005‬‬
‫لقتل خزاعة‪ ،‬والذي كا سبب ًا يف نقض صلح احلديبية‪ ،‬والذي دخل احلكرم املكككي ليسككتمر يف‬

‫عملية قتل رجال خزاعة‪ ،‬والذي رد بالرد الكفري عىل قومه عندما قالوا لككه‪( :‬يككا نوفككل إهلككك‬

‫إهلك‪ ،‬فقال‪ :‬يا بني بكر ال إله لكم اليوم)‪ ،‬هذا هو نوفل بن معاويككة الككذي ارتكككب كككل هككذه‬

‫اجلرائم منذ شهرين أو ث‪،‬ثة‪ ،‬والذي كا سبب ًا يف خروج رسول اهلل ﷺ إىل فتح مكككة املكرمككة‬

‫ثم حنني‪ ،‬ثم الطائف‪ ،‬وسبحا مقلب القلوب ومصكرفها سككبحانه وتعككاىل‪ .‬أسككلم نوفككل بككن‬

‫معاوية بعد هذا التاريخ األسككود مككع املسككلمني‪ ،‬أسككلم وحسككن إسكك‪،‬مه‪ ،‬وانضككم إىل اجلككيش‬

‫املسلم‪ ،‬وأصبح مستشار ًا أمينك ًا لرسككول اهلل ﷺ ‪ ،‬وإ كنككا نعجككب مككن حتولككه مككن الكفككر إىل‬

‫اإليام ‪ ،‬ومن اللدر إىل األمانة‪ ،‬ومن حلفه لقريش إىل دخوله يف اإلس‪،‬م‪ ،‬إ كنككا نعجككب مككن‬

‫كل ذلك فالعجب كل العجب واإلهبار كل اإلهبار يف الدروس التي يعطيها لنا معلككم البرشككية‬

‫وسيد اخللق حممد ﷺ‪.‬‬

‫فنحن نرى هذا التوظيف الرائع منه ﷺ لكل الطاقات التي حولككه‪ ،‬وهككذا االسككتل‪،‬ل املفيككد‬

‫لكل من دخل يف صف املؤمنني‪ ،‬وهذه القيادة املبهرة لكل هذه األنككواع املختلفككة مككن البشككر‪،‬‬

‫وهذا األمر مل يكن حدث ًا عارض ًا يف حياته ﷺ ‪ ،‬بل كا أمر ًا متكرر ًا وثابت ًا يف حياتككه كلهككا ﷺ‪،‬‬

‫ولعلكم تذكرو توليته عمرو بن العاص رن اهلل عنه وأرضاه إمارة معركككة ذات الس‪،‬سككل‬

‫ومل يمر عىل إس‪،‬مه إال شهور قليلة‪ ،‬وكذلك تقريبه خالد بن الوليد يف كل أمككوره‪ ،‬حتككى قككال‬

‫خالد‪( :‬فواهلل ما كا رسول اهلل ﷺ من يوم أسلمت يعدل يب أحد ًا مككن أصككحابه فككيام حزبككه)‬

‫فهذا إحساس صادق من خالد بن الوليد‪ ،‬مع أنه مككن املؤكككد أ الرسككول ﷺ كككا كثككري ًا مككا‬

‫يستشري أصحابه اآلخرين مثل‪ :‬أيب بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعككثام ‪ ،‬وعككيل‪ ،‬وةلحككة‪ ،‬والككزبري واككريهم‬

‫واريهم أكثر من استشارته لك خالد بن الوليككد‪ ،‬لكنككه كككا ﷺ يشككعره دائك ًام بقيمتككه وأويتككه‬

‫واحتياجه لرأيه‪ .‬كلنا يذكر توليته عتاب بن أسيد رن اهلل عنه عىل مكة املكرمككة‪ ،‬ومل يكككن قككد‬

‫‪1006‬‬
‫أسلم إال منذ أيام‪ ،‬هكذا يكو التعامل مع الرجال‪ ،‬وبالذات الذين يتمتعو بملكات قياديككة‪،‬‬

‫والقواد إذا وشوا ال تضيع قواهتم فقط‪ ،‬بل قد يكونو وباالً عىل األمة‪ .‬الرسول ﷺ بلغ قمككة‬

‫احلكمة يف التعامل مع الناس‪ ،‬وقمة احلكمة يف إنزال الناس منازهلم‪ ،‬وقمة احلكمككة يف احككرتام‬

‫أرائهم واستل‪،‬ل قدراهتم‪.‬‬

‫من هذه السياسة احلكيمة نرى نوفل بن معاوية القائد املحنك يديل برأيه يف قضية تنفع اإلس‪،‬م‬

‫واملسلمني‪ ،‬لو كا القائد اري رسول اهلل ﷺ فلعله كككا يتتبككع قككواد اجلككيش املعككادي بالقتككل‬

‫واإلبادة والسجن والتعذيب‪ ،‬مثل ما نرى يف كل مكا ‪ ،‬لكن الرؤية كانت واضحة جككد ًا عنككد‬

‫‪ ،‬واحد ًا خري لك من محر الككنعم)‪ ،‬إهنككا سياسككة نبويككة‬


‫رسول اهلل ﷺ ‪( ،‬أل ُيدي اهلل بك رج ً‬

‫ثابتة مستقرة‪ ،‬فامذا قال نوفل بن معاوية لرسول اهلل ﷺ ؟ قال‪( :‬هم ثعلب يف جحر‪ ،‬إ أقمككت‬

‫عليه أخذته‪ ،‬وإ تركته مل يرضر) أي‪ :‬هو يشبه أهل ثقيف بالثعالب‪ ،‬وهككذا حقيقككي ومشككتهر‬

‫عنهم وسط العرب‪ ،‬حتى قال عنهم عيينة بن حصن‪( :‬إهنم قوم منككاكري) أي‪ :‬أصككحاب دهككاء‬

‫وفطنة‪ ،‬ورأينا من هذه الفطنة وهذا الدهاء يف هذا احلصار الصعب‪ ،‬وهذه املقاومة الرشسة‪.‬‬

‫ء‬ ‫ثم إنه يؤكد أهنم ال مهرب هلم من هذه احلصو (إ أقمت عليه أخذته) اري أنه يشككري إىل‬

‫يف ااية األوية‪ ،‬يقول‪ :‬إ شوكة ثقيف وهواز قد كرست ومعنوياهتم هبطت إىل احلضككيض‪،‬‬

‫لن تكو هلم قائمة بعد اليوم‪ ،‬فقد ةارت فضككيحتهم يف اآلفككاق‪ ،‬لككذلك قككال نوفككل يف نظككرة‬

‫عميقة وحتليل دقيق‪( :‬وإ تركته مل يرضر) أي‪ :‬لو صربت عىل احلصككار‪ ،‬فستصككل إىل مككرادر‬

‫وستفتح احلصن‪ ،‬لكن تضييع الوقت يف حصارهم قد يكو ضار ًا باجليش اإلس‪،‬مي أكثر مككن‬

‫حلره بثقيف‪ .‬هنا عقد الرسول صىل اهلل عليه وسلم موازنة بني األمككرين‪ ،‬فوجككد أ بقككاءه يف‬

‫هذه الب‪،‬د أكثر من ذلك سيوقع الدولة اإلس‪،‬مية يف أحلار أكثر من الفوائد املحصككلة‪ ،‬فأخككذ‬

‫الرسول ﷺ القرار الصعب باالنسككحاب إىل وادي اجلعرانككة حيككم انككائم املسككلمني‪ ،‬وتككرر‬

‫‪1007‬‬
‫حصار حصو الطائف املنيعة‪ ،‬وكا الرسول ﷺ يف منتهى احلسم يف هذا القرار‪ ،‬وأرسككل إىل‬

‫عمر بن اخلطاب أ ينادي يف الناس ويقول‪( :‬إنا قافلو اد ًا إ شاء اهلل) فكيف كككا رد فعككل‬

‫املتحمسني والعاةفيني من أبناء اجليش اإلس‪،‬مي؟ مل يسرتحيوا هلذا القرار‪ ،‬فقالوا يف اسككتنكار‪:‬‬

‫نذهب وال نفتح حصو الطائف‪ ،‬فلام رأى الرسول ﷺ كثرهتم احككرتم رأُيككم‪ ،‬وأراد هلككم أ‬

‫يتعلموا الدرس بصورة عملية‪ ،‬فقال هلم‪( :‬اادوا عىل القتال) أي‪ :‬ما دمككتم تريككدو أ نقاتككل‬

‫فلنقاتل‪ ،‬فسمح هلم بالقتال يف اليوم الثاين‪ ،‬وخرج املسلمو للقتككال‪ ،‬ويف هككذا اليككوم بالككذات‬

‫أصيب املسلمو بإصابات شديدة اخلطورة وإصابات باللة‪ .‬الرسول ﷺ مل يعنفهم عىل القرار‬

‫الذي رابوا فيه‪ ،‬ومل يقل هلم‪ :‬أمل أقل لكم‪ ،‬وإنام قال هلم‪( :‬إنا قككافلو اككد ًا إ شككاء اهلل) فقبككل‬

‫املسلمو هذه املرة يف رسور وامتنعوا عن اجلدل‪ ،‬واقتنعوا بعدم جدوى القتال‪ ،‬وبككدءوا فعك ً‬
‫‪،‬‬

‫يف مجع الرحال‪ ،‬فضحك الرسول ﷺ عند رؤية املسلمني وهم يسارعو إىل مجع رحاهلم‪.‬‬

‫واقعية الرسول ﷺ يف املواقف‬

‫يعلمنا الرسول ﷺ يف هذا املوقف أمور ًا مهمة جد ًا‪ ،‬يعلمنا الواقعية يف احليككاة‪ ،‬لككيس عيبك ًا أ‬

‫نفشل يف أمر من األمور‪ ،‬وليس بالرضورة أ تكو كل معاركنا وكل مشاريعنا ناجحككة‪ ،‬لكككن‬

‫املهم ال نلرق يف العمل دو إدرار أ اهلدف اري قابككل للتحقيككق‪ ،‬ولككيس معنككى هككذا رسعككة‬

‫اليأس‪ ،‬فالرسول ﷺ بذل كل ما يف الوسع‪ ،‬فقد استخدم كل وسيلة لفككتح احلصككن‪ ،‬ولكككن مل‬

‫يقدر‪ ،‬فقبل يف واقعية أ ينسحب‪ ،‬وفرق كبري جد ًا بني املثابرة وبككني تضككييع الوقككت‪ ،‬فاملثككابرة‬

‫عىل أداء عمل أمر مطلوب‪ ،‬لكن البد أ تكو هنار مؤرشات للنجاح‪ ،‬البد أ تكككو هنككار‬

‫مقاييس تشري إىل أ هذا العمل ممكن التحقيق‪ ،‬والبد أ تكو اخلسائر أقل مككن الفوائككد‪ ،‬مككن‬

‫أجل هذا البد من املتابعة وامل‪،‬حظة والتقييم املستمر‪ ،‬أما تضككييع الوقككت فهككو االسككتمرار يف‬

‫‪1008‬‬
‫عمل يستحيل حتقيقه باإلمكانيات املتاحة‪ ،‬أو يتسبب يف خسائر أكرب من الفوائد‪ ،‬فالرسول ﷺ‬

‫كا يريد أ حيقق الفائدة العظمى حتى وإ حصلت بعض اخلسائر‪.‬‬

‫ن‪،‬حظ رد فعل الرسول ﷺ مع الصحابة رن اهلل عنهم وأرضاهم‪ ،‬فقد أذ هلم بالقتككال مككع‬

‫علمه أ فتح احلصن صعب جد ًا‪ ،‬لكن ليعيشوا معه يف واقعيتككه ﷺ وملككا أيقككن الصككحابة بعككد‬

‫بصعوبة املهمة‪ ،‬ووافقوا عىل الرحيل وهم راضو ‪ ،‬قام رسول اهلل ﷺ ليفك احلصككار ويلككادر‬

‫الطائف وهو يضحك‪ .‬هذه القيادة اهلادئة تبككم األمككن والراحككة يف قلككوب اجلنككود‪ ،‬ال يوجككد‬

‫انفعال وال عصبية‪ ،‬وال حتميل اآلخرين أخطاء مل يعملوها‪ ،‬وال حالة اضب‪ ،‬وال حالككة يككأس‬

‫وإحباط‪ ،‬وال حز ‪ ،‬وال كلمة (لو)‪ ،‬لو فعلنككا كككذا لكككا كككذا أو كككذا‪ ،‬بككل هككدوء أعصككاب‪،‬‬

‫ورزانة‪ ،‬وثقة‪ ،‬وقدرة عىل التكيف يف ظل كل الظروف‪.‬‬

‫أنا سعيد بعدم فتح الطائف‪ ،‬قد تستلرب الناس هذا الك‪،‬م‪ ،‬لكن األمر املفرح من وجهني‪:‬‬

‫األول‪ :‬لو فتحت الطائف يف هذه الظروف الصعبة والقتال الرشس‪ ،‬واملطاردة هلواز وثقيف‪،‬‬

‫والقتال يف داخل احلصو ‪ ،‬لقتل منهم ما ال يتصور‪ ،‬ولفقككد اإلسكك‪،‬م قككوة هككؤالء مجيعك ًا أل‬

‫هواز وثقيف أسلموا بعد ذلك‪ ،‬فلو قتلوا لفقد اإلس‪،‬م قوهتم‪ ،‬ولكا عاقبتهم النككار‪ ،‬وهككذا‬

‫أسوأ والشك‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬أ هذا االنسحاب دو إمتام املهمة فتح لنا باب ًا أ نفعل املثل إ تعرضنا لنفس املوقف‪،‬‬

‫لكن لو أرص الرسول ﷺ عىل عدم االنسحاب حتى يفتح احلصن‪ ،‬لكا يف هذا إحككراج كبككري‬

‫جد ًا لألمة اإلس‪،‬مية ألنه سيكو لزام ًا علينا أ نفعل مثله‪ ،‬لكن هبككذا الفعككل منككه ﷺ تككرر‬

‫األمر لقادة املسلمني‪ ،‬ولرأي الشورى‪ ،‬إ رأى املسلمو أ احلصار جيدي صربوا كككام حككدث‬

‫‪1009‬‬
‫يف فتح خيرب‪ ،‬وإ رأوا أنه أمر اري ممكن أو خسائره كبككرية انسككحبوا‪ ،‬كككام حككدث يف الطككائف‪،‬‬

‫وهلم يف كلتا احلالتني ُأسوة يف رسول اهلل ﷺ ‪.‬‬

‫من مواقفه ﷺ مع خمالفيه‬

‫هنا موقف يف منتهى الرقي من مواقفه ﷺ وهو يلادر الطائف‪ ،‬قال لككه بعككض الصككحابة‪( :‬يككا‬

‫رسول اهلل‪ ،‬ادع اهلل عىل ثقيف) ‪ ،‬فقال يف حب ويف أمل‪( :‬اللهم اهد ثقيفك ًا وائككت هبككم)‪ .‬روى‬

‫الرتمذي وأمحد وقال الرتمذي‪ :‬حسن صحيح عن جابر بن عبد اهلل رن اهلل عنهام عككن النبككي‬

‫ﷺ ‪( :‬اللهم أهد ثقيف ًا وائت هبم) ما اابت عنه أبد ًا رسالته يف احلياة‪ ،‬فرسالته أ يصل بدعوته‬

‫إىل الناس ال أ يقتلهم‪ ،‬ما عىل الرسككول إال الككب‪،‬ت‪ ،‬حتككى وإ رفككض أهككل الطككائف اإليككام‬

‫واستكربوا عنه وقاوموا وقاتلوا‪ ،‬فهو ما زال يرجككو إسكك‪،‬مهم‪ ،‬حتككى مككع مككرور السككنني تلككو‬

‫السنني ما زال يرجو إس‪،‬مهم‪ ،‬حتى مع ذكريات الطائف يف املرة األوىل‪ ،‬ومع واقع الطائف يف‬

‫املرة الثانية‪ ،‬ما زال ﷺ يرجو إس‪،‬مهم‪ .‬روى البخاري ومسلم عن أيب هريرة رن اهلل عنه أ‬

‫رسول اهلل ﷺ قال‪( :‬إنام مثيل ومثل الناس كمثل رجل استوقد نار ًا فلام أضاءت ما حوله جعل‬

‫الفراش وهذه الدواب التي تقع يف النار يقعن فيها‪ ،‬فجعل ينزعهن ويللبنه فيقتحمن فيها‪ ،‬فأنا‬

‫‪،‬خذ بحجز الناس عن النار‪ ،‬وهم يقتحمو فيها)‪ .‬أهل الطائف يدفعو أنفسهم دفع ًا إىل النار‬

‫ويقتحمو فيها‪ ،‬والرسول ﷺ حريص عليهم أكثر من حرصه عىل نفسه ﷺ ‪.‬‬

‫كذلك عندما ناداه ملك اجلبال أ يطبق عليهم األخشبني أبككى ﷺ أ ُيلككك الطككائف ومكككة‬

‫املكرمة حتى بعد أ عرض عليه ذلك ملك اجلبال‪ .‬كذلك فعل ذلك أيض ًا مع قبيلككة دوس ملككا‬

‫رفضوا اإلس‪،‬م قال‪( :‬اللهم أهد دوس ًا‪ ،‬وائت هبم)‪ ،‬وفعل ذلك مع قريش بعككد أ قتلككت ‪70‬‬

‫من خيار الصحابة يف أحد‪ ،‬قال‪( :‬اللهم اهد قومي فككإهنم ال يعلمككو ) فصككدق اهلل العظككيم إذ‬

‫‪1010‬‬
‫مح ًة لِ ْل َعاملَِ َ‬
‫ني} [األنبياء‪ ،]107:‬ليس رمحة للمسككلمني فقككط‪ ،‬ولكككن‬ ‫َار إِ َّال َر ْ َ‬
‫يقول‪َ { :‬و َما َأ ْر َس ْلن َ‬

‫رمحة للعاملني لكل البرشية لكل اإلنسانية‪.‬‬

‫قسمة انائم معركة حنني باجلعرانة‬

‫رجع الرسول ﷺ ﷺ من الطائف بعد أربعني يوم ًا كاملة‪ ،‬ووصل إىل وادي اجلعرانة ليبككدأ يف‬

‫مهمة أخرى عظيمة‪ ،‬وهي مهمة تقسيم اللنائم املهولة عىل اجليش املنترص‪.‬‬

‫نريد أ نقف وقفة رسيعة مع اللنائم‪ ،‬اللنائم خصيصة هلذه األمة العظيمككة األمككة اإلسكك‪،‬مية‪،‬‬

‫فهي مل تكن مرشوعة لألمم السابقة‪ ،‬روى البخاري عن جابر بككن عبككد اهلل رن اهلل عككنهام أ‬

‫رسول اهلل ﷺ قال‪( :‬أعطيت مخس ًا مل يعطهن أحد من األنبياء قبيل)‪،‬وذكرها منها‪( :‬وأحلت يل‬

‫اللنائم)‪ ،‬هي نعمة من اهلل عز وجل وحافز قوي للمجاهد‪ ،‬فهي عوض للمجاهككد عككن تركككه‬

‫للديار ولألعامل ولألرسة وللوةن‪ ،‬والشك أ اجليش الذي توزع عليه اللنائم يقاتككل بحميككة‬

‫ختتلف عن اجليش الذي ال يتجاوز فيه راتب اجلنود دراهم معدودة‪.‬‬

‫يقول الرشع اإلس‪،‬مي‪ :‬إ أربعة أمخاس اللنيمة توزع عىل أفراد اجليش املقاتل‪ ،‬ومخس اللنيمة‬

‫املتبقية يذهب للدولة تترصف فيه حسب املصلحة‪ ،‬لكن يف هذا الوقت يف زماننا يستكثر القادة‬

‫الكبار والزعامء هذا العطاء الضخم للجنود‪ ،‬وحيتفظو به للدولة أو هلم‪ ،‬فيسلبو بذلك حككق‬

‫اجلنود‪ ،‬والشك أ ذلك سيكو له انعكككاس كبككري عككىل قتككال اجلنككود يف املعككارر‪ ،‬وعككىل أداء‬

‫اجلنود يف احلروب‪.‬‬

‫أقوال العلامء يف انائم حنني وبيا الراجح منها‬

‫فامذا عمل رسول اهلل ﷺ يف انائم حنني اهلائلة؟ الفقهاء وكتاب السري اختلفككوا فككيام فعلككه ﷺ‬

‫يف انائم حنني خاصة أما املعارر السابقة بدء ًأ من بدر وحتى هذه اللحظة فقككد اتفككق اجلميككع‬
‫‪1011‬‬
‫عىل أ أربعة أمخاس اللنائم توزع عىل اجليش ومخس للدولة‪ ،‬إال أ األمر بالنسبة حلنككني كككا‬

‫موضع خ‪،‬ف بني الفقهاء‪ .‬فمنهم من قال‪ :‬إ رسول اهلل ﷺ وزع اللنائم بكاملها عىل املؤلفة‬

‫قلوهبم‪ ،‬واملؤلفة قلوهبم‪ :‬هم الذين أسلموا حديث ًا سوا ًء من أهل مكة الطلقككاء‪ ،‬أو مككن الككذين‬

‫أسلموا من األعراب قبل فتح مكة مبارشة ومن قال هبذا الرأي‪ :‬ابن حجر العسق‪،‬ين رمحككه اهلل‬

‫كام يف فتح الباري‪.‬‬

‫ومنهم من قال‪ :‬إ رسول اهلل ﷺ وزع أربعة أمخاس اللنيمة عىل اجلككيش بكاملككه‪ ،‬ثككم أعطككى‬

‫املؤلفة قلوهبم من اخلمس املتبقي اململور للدولة‪ ،‬وممن قال هبذا الرأي‪ :‬القرةبي‪ ،‬وأبككو عبيككد‬

‫القاسم بن س‪،‬م صاحب كتاب األموال‪ ،‬وابن خلدو ‪ ،‬والقان عياض واريهم‪ ،‬وأنا أميككل‬

‫إىل هذا الرأي األخري أل هذا الرأي يتفق مع الرشع والعقل والنقل‪ ،‬وعندي أكثر مككن دليككل‬

‫عىل ذلك‪ :‬األول‪ :‬هذه اللنائم ليست ملكك ًا للرسككول ﷺ ليوزعهككا بطريقككة ختككالف التوزيعكة‬

‫الرشعية‪ ،‬بل هذه اللنائم ملك للجيش‪ ،‬وال تؤخذ منه إال باسككتئذا خككاص‪ ،‬وأيضك ًا هككذا مككا‬

‫حصل‪ ،‬ومن قال‪ :‬إ هذا أمر خاص بالرسول ﷺ يلزمه الدليل عككىل ذلككك‪ ،‬وإال يصككبح مككن‬

‫حق أي زعيم أ يقول‪ :‬إ ظريف يامثل ظرف يوم حنني‪ ،‬فيأخذ اللنائم كلها لينفقها حسككب مككا‬

‫يرى‪.‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬لو كا هنار تليري يف تقسمة اللنائم لتوقعنا أ يككذكر ﷺ أ ذلككك أمككر خككاص‬

‫هبذه الواقعة‪ ،‬حتى ال يعتقد البعض أ ما فعله يف حنككني قككد نسككخ التقسككيم السككابق لللنككائم‪،‬‬

‫خاصة وأ هذه املعركة هي ‪،‬خر موقعة حربية مع العرب‪ ،‬حتى موقعة تبور التي مل حيدث فيها‬

‫قتال‪ ،‬ومل تكن فيها انائم‪.‬‬

‫الدليل الثالثة‪ :‬ما رواه أبو داود والنسائي عن عبد اهلل بن عمككرو بككن العككاص رن اهلل عككنهام‪،‬‬

‫وكذلك عن عمرو بن عبسة رن اهلل عنه أ الرسول ﷺ قال ألعرايب عند توزيع انائم حنني‬
‫‪1012‬‬
‫ء‪ ،‬وال هككذه) أي‪ :‬وال‬ ‫بعد أ أمسك وبرة أو شعرة بني إصبعيه قال‪( :‬إنه ليس يل من الفيء‬

‫مقدار هذه الشعرة‪( ،‬إال اخلمس‪ ،‬واخلمس مردود فيكم) فهذا ترصيح من الرسول ﷺ ‪ ،‬وقاله‬

‫بعد توزيع اللنائم‪ ،‬وال أدري كيف خفي هذا احلديم عمن قال‪ :‬إ الرسول ﷺ وزع اللنائم‬

‫بكاملها عىل املؤلفة قلوهبم‪ ،‬واحلديم أيض ًا رواه اإلمام أمحد عن عبادة بن الصامت‪ ،‬وأخرجككه‬

‫كذلك مالك والشافعي‪ ،‬وحسنه ابن حجر يف الفتح‪ .‬الرسول ﷺ يرصح أنه ال يملك يف يككوم‬

‫حنني إال اخلمس فقط من اللنائم‪.‬‬

‫الدليل الرابع‪ :‬لو نظرت إىل من وزع عليهم اللنائم ألدركت أنه مككن املسككتحيل أ يكككو قككد‬

‫قسم كل هذه اللنائم عىل املؤلفة قلوهبم‪ ،‬فعدد الذين أعطاهم الرسول ﷺ هذا العطاء السخي‬

‫ال يزيدو يف أي كتاب من كتب السرية عىل عرشين رج‪ ،ً،‬ولككو مجعككت األسككامء مككن الكتككب‬

‫املختلفة قد تصل إىل أربعني أو مخسني رج ً‬


‫‪ ،‬بالكثري‪ .‬إذا كا الرسول ﷺ يعطككي النككاس مائككة‬

‫من اإلبل فعطاؤه ألربعني رج ً‬


‫‪ ،‬سيبلغ أربعة ‪ 4000‬بعري فقط‪ ،‬مككع أنككه كككا يعطككي بعضككهم‬

‫مخسني ال مائة‪ ،‬فسيكو أقل من ‪ 4000‬أو أقل من ‪ 5000‬بعري‪ ،‬فهذه ‪ 4000‬بعري فأين ذلككك‬

‫من ‪ 24000‬بعري هي انائم حنني من اري الشياه فقد بللت ‪ 40000‬شاة‪ ،‬واري الفضة ‪4000‬‬

‫أوقية من الفضة‪ ،‬واري ‪ 6000‬من السبي‪ ،‬ومل يرد أنه ﷺ أعطككى أرقامك ًا كبككرية كامئككة بعككري أو‬

‫مخسني بعري ًا إال هلذه املجموعة من املؤلفة قلوهبم فقط‪.‬‬

‫الدليل اخلامس‪ :‬هل كا سريىض أفراد القبائل من األعراب ومن قريش إعطاء زعامئهم فقط‪،‬‬

‫أم أهنم ال يرضو أبد ًا إال إذا أخذوا ولو شيئ ًا يسري ًا؟ أي‪ :‬لو أنا أعطيت لككزعيم قبيلككة اطفككا‬

‫مائة من اإلبل‪ ،‬هل سريىض ‪2000‬أو ‪ 3000‬اطفاين دو إعطائهم؟ الشك أ قلوب اجلميع‬

‫كانت هتفوا إىل اللنيمة‪ ،‬وكل الناس حتتاج إىل تأليف قلوهبم‪.‬‬

‫‪1013‬‬
‫أنا أرى أ ‪ %99‬من املسلمني الذين دخلوا يف اإلس‪،‬م بعد صككلح احلديبيككة وبعككد فككتح خيككرب‬

‫حيتاجو إىل تأليف لقلوهبم‪ ،‬ولن يرتفع منهم عن هذه اللنيمككة إال القليككل‪ ،‬أمثككال‪ :‬خالككد بككن‬

‫الوليد‪ ،‬عمرو بن العاص‪ ،‬وعثام بن ةلحة‪ ،‬والعباس‪ ،‬أمثال هككؤالء الكبككار وبعككض األفككراد‬

‫املعدودين‪ ،‬أما الباقي فسيحتاج إىل تأليف‪ ،‬ودليل ذلك أ الرسول عليه السكك‪،‬م عنككد اهلزيمككة‬
‫أول املعركة يف حنني مل ِ‬
‫يناد عىل أولئك الذين أسلموا قبل الفتح ألنه يعلم أ منهم مككن أسككلم‬

‫إال راب ًا أو رهب ًا‪ ،‬لكن الرسول ﷺ قصد بالنداء أصحاب الشجرة أهل احلديبية وهككؤالء هككم‬

‫‪1400‬فقط‪ ،‬أي‪ :‬أنه حتى يرن املسلمني اجلدد عليه أ يعطي ‪ 10600‬مقاتل ويبقككى ‪1400‬‬

‫وهم أصحاب الشجرة‪ ،‬فإذا كا ينوي إعطاء ‪10600‬مككن اللنيمككة أيعجككز أ يعطككي ‪1400‬‬

‫الباقني؟ هذا ك‪،‬م اريب ال يقبل‪ ،‬وخاصة أ هؤالء هم الذين أدوا مككا علككيهم‪ ،‬وهككم الككذين‬

‫دافعوا وكافحوا وبذلوا اجلهد‪ ،‬وردوا كيد املرشكني‪ ،‬فإعطاء ‪ 1400‬ال يككؤثر مطلقك ًا يف إعطككاء‬

‫‪ 10600‬فليس هنار أي داع حلرماهنم من اللنيمة الرئيسككية الرشككعية املسككتحقة وهككي أربعككة‬

‫أمخاس اللنيمة الكلية‪.‬‬

‫هذه مخسة أدلة‪ ،‬وهنار دليل سادس سنذكره إ شاء اهلل يف الدرس اآليت مع تقدم األحداث‪.‬‬

‫قد يقول قائل‪ :‬إ هنار ما يعكر صفو هذا التحليل يف أمرين‪:‬‬

‫األول‪ :‬رواية البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رن اهلل عنه وذكككر فيهككا‪( :‬أ الرسككول ﷺ‬

‫أعطى املؤلفة قلوهبم ومل يعط األنصار شيئ ًا)‪.‬‬

‫األمر الثاين‪ :‬ما جاء أيض ًا يف البخاري ومسلم ‪ :‬من أ األنصككار قككد وجككدوا يف أنفسككهم‪ .‬أي‪:‬‬

‫حزنوا بعد توزيع اللنائم‪ ،‬فإذا كانوا قد أخذوا فلامذا حزنوا؟ هذا الككدلي‪ ،‬سككنرد علككيهام إ‬

‫شاء اهلل أيض ًا يف الدرس اآليت‪.‬‬

‫‪1014‬‬
‫بعد كل هذا ماذا عمل ﷺ ؟ إ الرشع واملنطق والعقل يقول‪ :‬إنه قسم أربعككة أمخككاس اللنككائم‬

‫عىل اجليش بكامله سوا ًء كانوا من املهككاجرين أو األنصكار‪ ،‬أو األعككراب الككذين أسككلموا قبككل‬

‫الفتح‪ ،‬أي‪ :‬قسم أربعة أمخاس اللنائم عىل ‪ 12000‬مقاتل‪ ،‬وبعد ذلككك قسككم اخلمككس املتبقككي‬

‫اململور للدولككة‪ ،‬الككذي يملكككه ﷺ ولككه حككق الترصككف فيككه كككزعيم للدولككة وكقائككد لألمككة‬

‫اإلس‪،‬مية‪ ،‬قسم هذا القسم عىل املؤلفة قلككوهبم‪ ،‬عككىل األربعككني أو اخلمسككني واحككد ًا‪ .‬اجلككزء‬

‫األول‪ :‬الذي هو أربعة أمخاس قسمه ﷺ بني ‪12000‬بالتساوي حلديم عبادة بككن الصككامت‬

‫رن اهلل عنه يف مسند أمحد بن حنبل ‪ ،‬وذكر فيه‪( :‬أ الرسككول ﷺ كككا يقسككم اللنككائم عككىل‬

‫السواء)‪ .‬الفارس الذي معه فرس يأخذ ث‪،‬ثة أضعاف املرتجككل يف القتككال ألنككه يتككوىل رعايككة‬

‫الفرس من ماله اخلاص‪ ،‬وبجهده اخلاص الدولة كانت ال متلك هذه اخليككول وال تنفككق عليهككا‬

‫واجلزء الثاين‪ :‬الذي هو مخس اللنيمة وزعه الرسككول ﷺ عككىل الطريقككة التككي يريككدها‪ ،‬وهككذا‬

‫التوزيع كا عىل بعض الرجال دو اريهم‪.‬‬

‫مقدار انائم حنني‬

‫نتحدث عن انائم حنني باألرقام‪ :‬كانت انائم ‪ 24000‬من اإلبل‪ ،‬و ‪ 40000‬شككاة‪ ،‬و ‪4000‬‬

‫أوقية من الفضة‪ ،‬هذا اري ‪ 6000‬من السبي‪.‬‬

‫أربعة أمخاس اللنيمككة = ‪ 19200‬مككن اإلبككل و ‪ 32000‬شككاة‪ ،‬و ‪ 3200‬أوقيككة مككن الفضككة و‬

‫‪ 4800‬من السبي‪ ،‬فهذه اللنائم توزع عىل ‪.12000‬‬

‫كانوا يقيمو اجلمل الواحد بعرش من الشياه‪ ،‬أي‪ :‬أ كل واحد من أفراد اجلككيش سككيأخذ إمككا‬

‫مجلني‪ ،‬وإما عرشين من الشياه وجاء يف بعض الكتب تقول‪ :‬أ الواحد من ‪ 12000‬كا يأخذ‬

‫أربعة مجال أو أربعني شاة‪ ،‬لكن عندما حتسبها ستجد أ هذا اككري صككحيح‪ ،‬وأ الصككحيح أ‬

‫‪1015‬‬
‫الواحد كا يأخذ مجلني أو عرشين من الشياه‪ ،‬إال أ تكو عدد اللنائم أكثر من ذلككك‪ ،‬لكككن‬

‫الثابت والصحيح أ عدد اللنائم مثل ما ذكرناه‪ 24000 :‬مككن اإلبككل و ‪ 4000‬وأربعككة ‪،‬الف‬

‫أوقية من الفضة‪ .‬فتكو هذه التقسيامت إما مجلني أو عرشين من الشياه لكل فرد‪.‬‬

‫أما تقسيم الفضة فكل واحد سيأخذ ربع أوقية من الفضة‪.‬‬

‫أما السبي فتقسم بمعرفة الككزعيم أو اإلمككام أو رئككيس الدولككة‪ ،‬وبككام أ السككبي ‪ 4800‬وعككدد‬

‫اجليش ‪ 12000‬فهنار من سيأخذ وهنار من ال يأخذ‪ ،‬فكا ﷺ يقرع بني الصحابة رن اهلل‬

‫عنهم أحيان ًا‪ ،‬وكا يعوضهم باملال أحيان ًا‪ ،‬وكا يعطي البعض أحيان ًا‪ ،‬والبعض اآلخر يعطككى‬

‫من اللزو ال‪،‬حق بعد ذلك‪.‬‬

‫القاعدة التي ستحكم هو التقسككيم بالتسككاوي بالنسككبة ألربعككة أمخككاس اللنككائم‪ ،‬أمككا بالنسككبة‬

‫للخمس املتبقي‪ ،‬فهذا املال هو مال الدولة‪ ،‬والرسول ﷺ كقائككد يوجهككه يف الوجككه األصككلح‬

‫للدولة‪ ،‬قد يشرتى به الس‪،‬ح‪ ،‬قد يفتدى به األرسى‪ ،‬قد تكككو منككه اهلبككات ألهككل البككأس يف‬

‫احلرب‪ ،‬قد تعطى منه رواتب وأجور‪ ،‬قد يدخل يف مرشوعات الدولة املختلفة‪.‬‬

‫املهم أ القائد سينفقه يف الوجه األصلح للدولة‪ ،‬فام هككو األصككلح للدولككة يف ذلككك الوقككت؟‬

‫الرسول ﷺ رجل عمل يعيش أرض الواقع‪ ،‬ويعلم ﷺ أ يف جيشه مككن الرجككال مككن يقككف‬

‫عىل شفا حفرة‪ ،‬فمنهم من هو مرتدد جد ًا يف اإلس‪،‬م‪ ،‬ومنهم من دخل اإلس‪،‬م رهب ًا من قوته‪،‬‬

‫أو راب ًا يف أمواله‪ ،‬ومنهم من كا سيد ًا مطاع ًا يف قومه ليس ألحد يف العرب أو يف العامل كلمككة‬

‫واحدة عليهم‪ ،‬فأصبح اآل تابع ًا له ﷺ‪ ،‬ومنهم من لككو أمككر قبيلتككه بككالردة وحماربككة املسككلمني‬

‫لفعلوا ذلك‪ ،‬فالرسول ﷺ يعلم كل هذه األمور ويدركها متام ًا‪ ،‬فهو ﷺ يعلم أ هنار مكن مل‬

‫‪1016‬‬
‫يكن مقتنع ًا متام االقتناع باإلس‪،‬م‪ ،‬ومل يكن اإليام قد تلللل يف قلككوهبم‪ ،‬وأ نككور اإلسكك‪،‬م مل‬

‫يكن قد حما متام ًا ظلامت الكفر التي عاشوا فيها سنوات ةويلة‪.‬‬

‫سبب تأليف الرسول ﷺ زعامء القبائل واملؤلفة قلوهبم بلنائم حنني‬

‫كا الرسول ﷺ يعلم أ الدولة اإلس‪،‬مية تقف اآل عىل بركا خطري‪ ،‬فلو خطر عككىل ذهككن‬

‫كل سيد من سادات العرب‪ ،‬وكل زعيم من زعامء القبائل املختلفة أ يثور وينقلب عىل الدولة‬

‫اإلس‪،‬مية‪ ،‬فإ هذا قد يؤدي إىل دمار شامل للدولة اجلديككدة الدولككة اجلديككدة مل تسككتقر بعككد‬

‫بصورة جيدة‪ ،‬وخاصة أ أموال وأمكك‪،‬ر الدولككة اإلسكك‪،‬مية قككد اتسككعت جككد ًا‪ ،‬وكثككر أتبككاع‬

‫املسلمني‪ ،‬وليس هنار وقت كاف لرتبية كل هؤالء املسلمني اجلدد‪.‬‬

‫فامذا يعمل الرسول ﷺ ؟ عرف الرسول ﷺ أنه لن يؤمن جانبهم إال برتضككية سككخية وجمزيككة‬

‫من الدولة اإلسكك‪،‬مية‪ ،‬فلككو أحسككوا أ حككالتهم املاديككة اسككتقرت‪ ،‬وأ أمككواهلم كثككرت‪ ،‬وأ‬

‫وضعهم االجتامعي حتسن بعد انتامئهم للدولة اإلس‪،‬مية‪ ،‬فسيحبو هذه الدولة التككي حققككت‬

‫هلم هذا الرخاء‪ ،‬وحياولو بكل ةاقة أ يدعموا هذه الدولككة ليسككتمر وضككعهم يف التحسككن‪،‬‬

‫وهؤالء أصحاب مادة من البداية إىل أ حيسن إس‪،‬مهم بعد ذلك‪.‬‬

‫نعم‪ ،‬اإليام الذي يكو سببه حب املال إيام ضعيف‪ ،‬لكن قد يكو هككذا يف البدايككة‪ ،‬ثككم إذا‬

‫دخل يف حماضن الرتبية اإلس‪،‬مية يبدأ اإليام يف الرسوخ تككدرجيي ًا حتككى يصككبح اإليككام أاككىل‬

‫عنده من املال‪ .‬الرسول ﷺ يعلم أ النظام القبيل املرتسخ يف اجلزيرة العربية منذ قككرو جيعككل‬

‫لقائد القبيلة الكلمة العليا املطلقة يف قبيلته من أجل ذلككك أراد ﷺ أ يشككرتي رضككا هككؤالء‬

‫‪ ،‬هؤالء الزعامء سككوف يككؤثرو تككأثري ًا إجيابيك ًا عككىل‬


‫الزعامء واستقرار هؤالء الزعامء باملال‪ ،‬فع ً‬

‫أتباعهم من القبائل املختلفة‪ ،‬ومن ثم هو يشرتي استقرار الدولة اإلس‪،‬مية‪ ،‬لكن هنار معككوق‬

‫‪1017‬‬
‫هلذا األمر‪ ،‬وهذا املعوق حيتاج إىل دراسة‪ .‬الذين بذلوا اجلهد يف معركككة حنككني‪ ،‬والككذين كككانوا‬

‫سبب ًا مبارش ًا من أسباب النرص هم قدامى املهاجرين واألنصار‪ ،‬وهؤالء بفضككل اهلل عككز وجككل‬

‫ثابتو يف اإلس‪،‬م دو شك‪ ،‬ال حيتاجو إلاراء باملككال أو بلككريه‪ ،‬وتككارخيهم معككروف جككد ًا‪،‬‬

‫ومواقفهم مرشفة وأيادُيم بيضاء عن اإلس‪،‬م واملسلمني‪ ،‬وكا ﷺ من عادته أ يعطي عطا ًء‬

‫أكرب ألهل الب‪،‬ء وملن بذل جهد ًا زائد ًا يف القتال‪ ،‬وعمل ذلك يف أكثر من موقعة قبل حنني‪ .‬لككو‬

‫أراد أ يكافئهم عىل جهدهم سيعطيهم من اخلمس الذي متتلكه الدولة‪ ،‬لكن الرسككول ﷺ يف‬

‫هذا املوقف املحايد‪ ،‬هل يعطي زعامء القبائل الذين أسلموا حديث ًا ومل يبذلوا اجلهد املطلوب يف‬

‫حنني‪ ،‬ومل يعودوا إىل الصف إال بعد رؤية األمور تتجه لصالح املسككلمني؟ هككل يعطككي هككؤالء‬

‫ليشرتي استقرار الدولة اإلس‪،‬مية‪ ،‬أم يعطي األنصار واملهاجرين ليكافئهم عىل جهدهم؟ لقد‬

‫عقد الرسول ﷺ مقارنة بني الوضعني‪ ،‬واختار دو تردد الرأي األول أل اسككتقرار الدولككة‬

‫اإلس‪،‬مية هدف تتضاءل إىل جواره األهداف األخرى‪ ،‬لككو تزعككزع هككذا االسككتقرار فسككيدفع‬

‫اجلميع الثمن‪ ،‬سواء من قدامى املسلمني‪ ،‬أو ممككن أسككلموا حككديث ًا‪ ،‬اجلميككع سككيعاين مككن هككذا‬

‫االضطراب يف استقرار الدولة اإلس‪،‬مية‪ .‬ال ننكككر أ هنككار حلر ًا نفسككي ًا وماديك ًا سككيقع عككىل‬

‫األنصار واملهاجرين‪ ،‬لكن الرضر األكرب هو اضطراب الدولككة اإلسكك‪،‬مية وعككدم اسككتقرارها‪،‬‬

‫ولتصديق قاعدة‪ :‬دفع أكرب الرضرين‪ ،‬وجلب أكرب املنفعتني رأى الرسككول ﷺ أ رشاء زعككامء‬

‫القبائل وسادهتم باملال مقدم عىل مكافأة األنصار واملهاجرين‪ ،‬بل وجد ﷺ أنه ال يسككتطيع أ‬

‫يعطي جزء ًا لسادة القبائل وجزء ًا لألنصار واملهككاجرين أل هككذا سككيؤدي إىل نقككص املعطككى‬

‫لسادة القبائل‪ ،‬وقد يستصلرونه أو يستحقرونه ف‪ ،‬يتحقق املطلوب‪ ،‬هذا من ناحية‪ .‬من ناحيككة‬

‫ثانية‪ :‬هؤالء الزعامء قد ال يشعرو بيشء من التميز‪ ،‬ومن ثم قككد ال يرضككو متككام الرضككا‪ .‬أنككا‬

‫أعلم أ ك‪،‬مي هذا قد ال يرن عواةف املستمعني‪ ،‬لكن الشك أنه يقنع عقككول املسككتمعني‪،‬‬

‫‪1018‬‬
‫هذا الك‪،‬م عليه تطبيقات عملية كثرية جد ًا سنراها بعد ذلك يف الفتوح وعند مواجهة أحداث‬

‫الفتنة‪ ،‬ويف مواقف كثرية‪ ،‬والشك أ هذا هو األفضككل واألحكككم ألنككه يف األسككاس اختيككار‬

‫نبوي أقره رب العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومل ينزل وحي يعارض هككذا القككرار‪ ،‬نحككن رأينككا ممككن‬

‫عارص هذا املوقف بعض االستلراب وعدم الفهم‪ ،‬وكا ممن استلربه مؤمنو شديدو اإليككام‬

‫كاألنصار رن اهلل عنهم وأرضاهم‪ ،‬وسنأيت لقصتهم يف الدرس القادم إ شاء اهلل‪.‬‬

‫كذلك استلربه بعككض الككذين مل يككتمكن اإليككام مككن قلككوهبم‪ ،‬وليسككوا مككن السككادة‪ ،‬ووصككل‬

‫استلراهبم إىل درجة اري مقبولة‪ ،‬من هككؤالء أحككد األعككراب جككاء إىل الرسككول ﷺ كككام روى‬

‫البخاري ومسلم عن عبد اهلل بن مسعود رن اهلل عنه حيم جاء هذا الرجل وقككال يف الظككة‪:‬‬

‫(واهلل إ هذه القسمة ما عدل فيها‪ ،‬وما أريد هبا وجه اهلل عز وجل) فلضب ﷺ وقال‪( :‬فمككن‬

‫يعدل إ مل يعدل اهلل ورسوله) فالرسول ﷺ مل ينسب العدل يف هككذه القسككمة لككه وحككده‪ ،‬إنككام‬

‫قال‪( :‬فمن يعدل إ مل يعدل اهلل ورسوله) وهذا فيه تأكيد ًا عىل أ األمر مؤيد بالوحي مككن رب‬

‫العاملني سبحانه وتعاىل‪ ،‬وهذه الكلمة من هذا الرجل كانت فاجرة‪ ،‬وقد حتمل عككىل الكفككر إال‬

‫أ الرسول عليه الس‪،‬م مل يشأ أ يقتله هبا‪ ،‬مع أ عمر بن اخلطاب وخالككد بككن الوليككد عرضككا‬

‫عليه قتل هذا الرجل‪ ،‬لكن الرسول ﷺ ذكر أنه ال يقتل لعلككة واضككحة‪ ،‬قككال‪( :‬معككاذ اهلل أ‬

‫يتحدث الناس أ حممد ًا ﷺ يقتل أصحابه)‪ .‬كا هدف استقرار الدولككة اإلسكك‪،‬مية واضككح ًا‬

‫جد ًا يف ذهن الرسول ﷺ ‪ ،‬لو قتل هذا الرجل لنفر الناس عن الدولة اإلسكك‪،‬مية خمافككة القتككل‬

‫عند اخلطأ لذلك عامله ﷺ كام يعامل املنافقني الذين يظهرو اإلس‪،‬م ويبطنو الكفر‪ ،‬فهذه‬

‫القصة أوضحت ةبيعة بعض املسلمني اجلدد‪ ،‬وأظهرت ما كا يتوقعه ﷺ وخيشاه أمر واقعي‬

‫موجود‪ ،‬وخاصة أ هذه القصة ما كانت حدث ًا فريد ًا يف قصة حنني‪ ،‬ال‪ ،‬بل تكررت يف أكثر من‬

‫‪1019‬‬
‫موقف عند توزيع انائم حنني‪ ،‬والشك أ هذا كله كا يرتاكم يف ذهن الرسككول ﷺ ليصككبح‬

‫سبب ًا واضح ًا يف القرار الذي أخذه بخصوص توزيع اخلمس عىل الزعامء والسادة‪.‬‬

‫أيض ًا موقف مشابه هلذا املوقف حدث عند توزيع اللنائم‪ ،‬وهذا املوقف جاء أيض ًا يف البخككاري‬

‫ومسلم عن أيب موسى األشعري رن اهلل عنه يوضح ةبيعة ونفسيات األعراب املشككاركني يف‬

‫حنني‪ .‬يقول أبو موسى األشعري رن اهلل عنه‪( :‬كنت عند النبي ﷺ وهو نازل باجلعرانة بككني‬

‫مكة واملدينة‪ ،‬ومعه ب‪،‬ل رن اهلل عنه‪ ،‬فأتى النبي ﷺ أعرايب فقال‪ :‬أال تنجز يل ما وعككدتني)‪،‬‬

‫كثريا جدً ا عن يككوم حنككني ألنككه‬


‫كا الرسول ﷺ قد وعد بتقسيم اللنائم عليهم‪ ،‬ولكن تأخر ً‬
‫بقي أربعني يوم ًا تقريب ًا حمارص ًا الطائف هذا اري أيام الذهاب والعودة‪ ،‬فام كا من الرسول ﷺ‬

‫إال أ تلطف معه وقال له‪( :‬أبرش) أي‪ :‬سأعطيك أبرش‪ ،‬فرد األعرايب يف الظة تعرب عن نفسككية‬

‫منحرفة قال‪( :‬قد أكثرت عيل من أبرش)‪ ،‬وحتى اآل مل أر شيئ ًا‪ .‬هذا الك‪،‬م أثر جد ًا يف الرسول‬

‫ﷺ ‪ ،‬واضب ﷺ وذهب إىل أيب موسى األشعري وإىل ب‪،‬ل وقال‪( :‬رد األعككرايب البشككرى)‬

‫قلت له‪( :‬أبرش فرفض‪ ،‬فاقب‪ ،‬أنتام‪ ،‬قاال‪ :‬قبلنا)‪ .‬الشاهد من القصككة‪ :‬الظككة األعككراب الككذين‬

‫أسلموا حديث ًا‪ ،‬فهم مل تروض أخ‪،‬قهم بعد يف اإلس‪،‬م‪.‬‬

‫خ‪،‬صة القول شئنا أم أبينا‪ :‬هذه النوعية من الناس وهذه الفئة من املسلمني سككتظل موجككودة‪،‬‬

‫إما أ نعرتف بالواقع ونتعايش ونتعامل معهم عىل هذا األساس‪ ،‬وإما نعيش يف مثاليات ووية‬

‫ليس هلا مكا عىل أرض الواقع‪ ،‬مع كل ما حيمله هذا النهج األخري من خطككورة عككىل األفكراد‬

‫واألمم‪ ،‬ونريد أ نلفت األنظار أيض ًا لنقطة مهمة جد ًا‪ ،‬قبل اخلوض يف تفصي‪،‬ت مككا حككدث‬

‫عند تقسيم اخلمس عىل الزعامء والسادة‪ ،‬وهي‪ :‬أنه لوال ثقة الرسول ﷺ التامة بالسابقني مككن‬

‫‪ ،‬واري ممكن أل إيامهنم لو كا ضككعيف ًا‬


‫األنصار واملهاجرين لكا تطبيق هذا القرار مستحي ً‬

‫الحتاجوا هم أيض ًا إىل تأليف وإىل إعطاء مال‪ ،‬لكن الرسول ﷺ كا يعلم متامك ًا أهنككم عاشككوا‬

‫‪1020‬‬
‫ليعطوا ال ليأخذوا‪ ،‬وعاشوا لدينهم ال ألنفسهم‪ ،‬وةلبوا اجلنة ومل يطلبوا الدنيا‪ ،‬من أجل هككذا‬

‫استطاع أ يأخذ القرار الصعب‪.‬‬

‫إعطاء الرسول ﷺ أليب سفيا وولديه يزيد ومعاوية من انائم حنني‬

‫تعالوا بنا ننظر ما فعله الرسول ﷺ يف هذا اخلمس مع زعامء مكة وقادة القبائل‪ ،‬مككع العلككم أ‬

‫هذا اخلمس يمثل رق ًام كبري ًا جد ًا من اللنائم‪ ،‬فاخلمس كككا ‪ 4800‬مككن اإلبككل و ‪ 8000‬شككاه‬

‫و‪ 800‬أوقية من الفضة و ‪1200‬من السبي‪.‬‬

‫كا أول لقاء مع زعامء مكة وأوهلم أبو سفيا زعيم مكة األول‪ ،‬فقد حكم مكة ست سككنوات‬

‫متصلة بعد مقتل أيب جهل‪ ،‬منذ ازوة بدر حتى فتح مكة‪ ،‬وهو من أصككحاب رءوس األمككوال‬

‫الضخمة يف مكة‪ ،‬وهو قد حصلت له مواقف مهينة يف اضككو الشككهرين السككابقني بككدء ًا مككن‬

‫زيارته للمدينة املنورة كام رأينا قبل ذلك ملحاولة إةالة مدة احلديبية‪ ،‬ومرور ًا بموقفه يف الطريق‬

‫من املدينة إىل مكة‪ ،‬وكا إيامنه يف ظروف قاسية جد ًا جد ًا عىل قلككب أي زعككيم‪ ،‬وكككذلك عنككد‬

‫دعوته أهل مكة إىل عدم الدفاع عنها وفتحها لرسول اهلل ﷺ دو قتال‪ ،‬وإنتهككا ًء بنككزع زعامككة‬

‫مكة منه‪ ،‬وإعطاء هذه الزعامة ألحد األمويني‪ ،‬كا يف مثل عمر أوالده وهو عتككاب بككن أسككيد‬

‫رن اهلل عنه‪ .‬الشك أ الرسول ﷺ كا يقدر كل هذه املعاناة التي يشعر هبا أبو سفيا ‪ ،‬كككام‬

‫أنه يعلم أنه لن يرىض بقليل من العطاء ألنه من كبار زعامء مكة من أجل هذا أعطاه الرسككول‬

‫ﷺ عطاء ضخ ًام‪.‬‬

‫جاء أبو سفيا إىل الرسول ﷺ وهو يف وادي اجلعرانة‪ ،‬وحني رأى أبو سككفيا اللنككائم اهلائلككة‬

‫قال‪( :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أصبحت أكثر قريش ماالً) أي‪ :‬رصت أانى رجل فينككا‪ ،‬فقككد كككا يلمككح‬

‫بوجود املال الكثري‪ ،‬فتبسم ﷺ ومل يتكلم‪ ،‬فلام رأى أبككو سككفيا أ التلمككيح اككري نككافع‪ ،‬قككال‪:‬‬

‫‪1021‬‬
‫(أعطني يا رسول اهلل من هذا املال) هكذا ترصحي ًا‪ .‬ال تتعجبوا فهذه كميات هائلككة مككن املككال‪،‬‬

‫ولعله إ مل يرصح أ توزع عىل اريه وعندها سيندم حيم ال ينفع الندم‪ ،‬فقال النبي ﷺ ‪( :‬يككا‬

‫ب‪،‬ل ز لك أيب سفيا أربعني أوقية من فضة‪ ،‬وأعطه مائة مككن اإلبككل) بكك‪،‬ل الككذي كككا يبككاع‬

‫ويشرتى ويعذب هو اآل املقرب من زعيم الدولة‪ ،‬وهو الذي يعطككي هككذا وذار مككن الككزعامء‬

‫السابقني‪ ،‬فكا أبو سفيا ينظر إىل العطايا وهو ال يصدق نفسه‪ ،‬فكل هذه األانام‪ ،‬وكل هككذه‬

‫اإلبل‪ ،‬وكل هذه الفضة تصبح ملكه‪ ،‬يف حلظة واحدة أصبح أبو سفيا يمتلككك أربعككني أوقيككة‬

‫من الفضة حوايل كيلو ونصف فضة‪ ،‬ومائة من اإلبل‪ ،‬وهذا رقم ضخم هائككل‪ ،‬فديككة القتيككل‬

‫مائة من اإلبل‪ ،‬وهذا هو نفس الرقم الذي رصدته قريش ملككن يككأيت بالرسككول ﷺ أو الصككديق‬

‫رن اهلل عنه حي ًا أو ميت ًا عند اهلجرة إىل املدينة‪ ،‬ومع أ هذا رقم مهول إال أ أبا سفيا وجككد‬

‫نفسه يطلب املزيد قبل أ يفنى هذا املال اللزير‪ ،‬قال أبو سفيا ‪( :‬ابنككي يزيككد يككا رسككول اهلل)‪،‬‬

‫فقال ﷺ ‪( :‬ز له يا ب‪،‬ل أربعني أوقية‪ ،‬وأعطه مائة من اإلبل)‪ ،‬فقال أبو سفيا ‪( :‬ابني معاوية‬

‫يا رسول اهلل)‪ ،‬وهذا كانا مسلمني من أبنائه‪ ،‬فقال ﷺ ‪( :‬ز له يا ب‪،‬ل أربعني أوقية‪ ،‬وأعطككه‬

‫مائة من اإلبل)‪ ،‬فذهل أبو سفيا وقال يف صككدق ‪-‬واسككمعوا هككذا الككك‪،‬م الككذي سككيقوله‪:-‬‬

‫(إنك الكريم فدار أيب وأمي‪ ،‬ولقد حاربتك فنعم املحارب كنت‪ ،‬ثم ساملتك فنعم املسامل أنت‪،‬‬

‫جزار اهلل خري ًا)‪.‬‬

‫تشعر بالصدق يف كل كلمة من كلامته‪ ،‬ما الذي اريه من رجل يشك يف نبككوة الرسككول ﷺ إىل‬

‫رجل مؤمن مادح لرسول اهلل ﷺ ؟ ما الذي ثبته بعد تردد؟ ما الذي أسعده بعد حز ؟ أليست‬

‫الث‪،‬ثامئة من اإلبل واملائة والعرشين أوقيككة مككن الفضككة‪ ،‬ومككا هككذه األمككوال إىل جككوار هدايككة‬

‫إنسا ؟ وما هذه األموال إىل جوار استقرار الدولة اإلسكك‪،‬مية؟ ومككا هككذه األمككوال إىل جككوار‬

‫تأليف قلوب بني أمية‪ ،‬وما هذه األموال إىل جوار ثبات أهل مكة عىل اإليام ‪ .‬صحيح أ املال‬

‫‪1022‬‬
‫حلو خرض‪ ،‬لكن يتصاار جد ًا إىل جوار هذه املعاين‪ ،‬فهذه كانت نظرة الرسول ﷺ ‪ ،‬من أجككل‬

‫هذا كا يعطي ﷺ ب‪ ،‬حساب‪ ،‬كا يعطي عطاء من ال خيشى الفقر‪ ،‬كا يعطي وكأ املككال ال‬

‫ينتهي‪ ،‬وانتهت قصة أيب سفيا مع الرسول ﷺ ‪ ،‬وجاء اريه واريه واريه‪.‬‬

‫إعطاء الرسول ﷺ حلكيم بن حزام من انائم حنني مع درس تربوي نبوي‬

‫جاء حكيم بن حزام رن اهلل عنه وهو أيض ًا من مسلمة الفككتح‪ ،‬ودار بينككه وبككني الرسككول ﷺ‬

‫حوار رواه البخاري ومسلم‪ ،‬والذي يروي احلوار هو حكيم بككن حككزام نفسككه‪ ،‬يقككول حكككيم‬

‫رن اهلل عنه‪( :‬سألت رسول اهلل ﷺ فأعطاين) أعطاه مائة من اإلبل‪ ،‬ثككم يقككول حكككيم‪( :‬ثككم‬

‫سألته فأعطاين) أعطاه مائة ثانية‪( ،‬ثم سألته فأعطاين) أعطاه مائة ثالثة‪ ،‬فككأراد الرسككول ﷺ أ‬

‫يعطي حكيم بن حزام درس ًا تربوي ًا يف منتهى العظمة‪ ،‬قال له‪( :‬يا حكككيم‪ ،‬إ هككذا املككال حلككوة‬

‫خرضة) ومل يقل‪ :‬حلو خرض أل املقصود هنا الدنيا‪ ،‬كام يف احلديم‪( :‬إ الدنيا حلوة خرضة)‬

‫ثم يقول ﷺ ‪( :‬فمن أخذه بسخاوة نفس) بلري رشه وبلري إحلاح‪( ،‬بورر له فيككه‪ ،‬ومككن أخككذه‬

‫بإرشاف نفس) بطمع وتشوف‪( ،‬مل يبارر له فيه‪ ،‬وكا كالذي يأكككل وال يشككبع‪ ،‬واليككد العليككا‬

‫خري من اليد السفىل)‪ .‬ملا سمع حكيم بككن حككزام الككدرس دخككل يف قلبككه مبككارشة‪ ،‬وفقككه مككراد‬

‫الرسول ﷺ مبارشة‪ ،‬وأرسع برد املائة الثانية والثالثة وأخذ األوىل فقط‪ ،‬ثم قال يف صدق‪( :‬يككا‬

‫رسول اهلل‪ ،‬والذي بعثك باحلق ال أرزأ أحد ًا بعدر شيئ ًا حتى أفككارق الككدنيا) أي‪ :‬ال ‪،‬خككذ مككن‬

‫أحد شيئ ًا‪ ،‬وال أنقص أحد ًا من ماله‪ ،‬فكا صادق ًا يف قسمه هذا رن اهلل عنه‪ ،‬ما كا يأخذ من‬

‫أحد شيئ ًا أبد ًا‪ ،‬حتى إنه كا يرفض العطاء الذي يستحقه من أيب بكر ثم عمر بعد ذلككك ألنككه‬

‫أقسم أنه ال يأخذ من أحد شيئ ًا أبد ًا‪ .‬كا هككذا درسك ًا نبويك ًا عظككي ًام جككد ًا‪ ،‬واملككنهج اإلسكك‪،‬مي‬

‫العظيم كيف يبني الناس عىل صورة أشبه بامل‪،‬ئكة منها بالبرش‪.‬‬

‫‪1023‬‬
‫إعطاء الرسول ﷺ لبقية زعامء القبائل من املؤلفة قلوهبم من انائم حنني‬

‫ادا ﷺ يوزع عىل بقية زعامء مكة‪ ،‬أعطى من يعتقد أ يف قلبه ضككلينة لإلسكك‪،‬م وحقككد عككىل‬

‫الدولة اجلديد‪ ،‬إما لدوافع قبلية‪ ،‬أو أ أقارب بعضهم قتلوا عىل يد املسلمني‪ ،‬أو أهنككم نزعككت‬

‫زعامتهم الشخصية‪ ،‬فأعطى سككهيل بككن عمككرو رن اهلل عنككه وهككو أحككد كبككار زعككامء مكككة‪،‬‬

‫الشهري يف صلح احلديبية‪ ،‬والذي أسلم منذ أيام قليلككة فقككط يف فككتح مكككة‪.‬‬ ‫واملفاوض القر‬

‫أعطى احلارث بن هشام أخا أيب جهل وذلك ليلني قلبه‪ ،‬وُيو عليه مصابه يف أخيه زعيم مكة‬

‫سابق ًا أيب جهل‪ ،‬وليتألف قلوب بني خمزوم‪ .‬أعطى النضري بن احلارث أخا النرض بككن احلككارث‬

‫شيطا قريش املعروف‪ ،‬والذي كا من ألد أعداء الرسول ﷺ ‪ ،‬والذي قتل يف أعقككاب اككزوة‬

‫بدر‪ ،‬أعطاه ليتألف قلبه‪ ،‬ويتألف قلوب بني عبككد الككدار وأعطككى ﷺ كثككري ًا مككن زعككامء مكككة‬

‫ليضمن استقرار األوضاع يف مكة‪.‬‬

‫بعد ذلك بدأ يعطي زعامء القبائل من األعراب من أجل أ يضمن والءهم وانككتامءهم للدولككة‬

‫اإلس‪،‬مية‪ ،‬فقد أعطى عيينة بن حصن زعيم قبيلة بني فككزارة‪ ،‬أعطككاه مائككة مككن اإلبككل‪ ،‬وهككذا‬

‫الرجل كا اليظ ًا جد ًا سيئ اخللق‪ ،‬اشرتاه ﷺ باملال يف هذا املوقف‪ ،‬فسكن عن إحداث فتنة‪،‬‬

‫وإ كانت أخ‪،‬قه مل تتلري كثري ًا‪ ،‬فهذا الرجل ارتد بعد وفاة الرسول ﷺ ‪ ،‬لكنه عاد وتاب أيككام‬

‫أيب بكر الصديق رن اهلل عنه‪ .‬أعطى كذلك زعيم بني متيم‪ :‬األقرع بن حابس وأيض ًا كا مككن‬

‫ا‪،‬ظ الطباع‪ ،‬وحديم اإلس‪،‬م‪ ،‬وقبيلته بنو متيم قويككة أعطككاه مائككة مككن اإلبككل ليتككألف قلبككه‬

‫وقبيلته‪.‬‬

‫كذلك أعطى العباس بن مرداس زعيم قبيلة سليم‪ ،‬يبدو أنه قدر قيمة العباس أقل مما قدر قيمة‬

‫عيينة واألقرع فأعطاه مخسني ناقة فقط‪ ،‬ومع أ مخسني ناقة كثرية جككد ًا إال أ ذلككك مل يعجككب‬

‫‪1024‬‬
‫العباس بن مرداس فطلب من الرسول ﷺ يطلب املزيد واملساواة مع عيينة واألقككرع زعيمككي‬

‫فزارة ومتيم‪ ،‬وقال العباس بن مرداس شعر ًا‪:‬‬

‫بني عيينة واألقكككككككرع‬ ‫فأصبح هنبي وهنب العبيد‬

‫العبيد الذي هو‪ :‬الفرس حقه‪ ،‬أي‪ :‬يكو نصيبه أصبح هو لني بني عيينة واألقرع‬

‫يفوقا مرداس يف املجمع‬ ‫وما كا حصن وال حابس‬

‫فك حصن والد عيينة وحابس والد األقرع ومرداس والد العباس هذا‬

‫ومن تضع اليوم ال يرفع‬ ‫وما كنت دو امرئ منهام‬

‫أي‪ :‬من تضع قدره يا رسول اهلل اليوم لن يرفككع بعككد ذلككك‪ ،‬فلككام سككمع رسككول اهلل ﷺ هككذه‬

‫الكلامت قال‪ :‬اقطعوا عني لسانه وزيدوه إىل مائة‪ ،‬فزادوا له يف العطاء فزادوه إىل املائة‪ ،‬وتعليككق‬

‫الرسول ﷺ يشعر أ هؤالء ما دخلوا يف اإلس‪،‬م إال راب ًا يف هذه األموال أو رهب ًا من الدولكة‬

‫اإلس‪،‬مية‪ .‬بعد ذلك حسن إس‪،‬م العباس بن مرداس وصار مككن فضكك‪،‬ء الصككحابة رن اهلل‬

‫عنه‪.‬‬

‫نجحت سياسة إعطاء املال لتأليف القلككوب بتثبيككت هككؤالء املسككلمني اجلككدد عككىل اإلسكك‪،‬م‪،‬‬

‫وبالتايل تثبيت أركا الدولة اإلس‪،‬مية‪ .‬روى مسلم عن أنس رن اهلل عنه أنه قككال‪( :‬إ كككا‬

‫الرجل ليسلم ما يريد إال الدنيا فام يسلم حتى يكو اإلس‪،‬م أحب إليه من الدنيا وما عليها)‪.‬‬

‫إعطاء الرسول ﷺ لصفوا من انائم حنني مع كونه مرشك ًا يف ذلك الوقت‬

‫إ الرسول ﷺ عند توزيع انائم حنني أعطى من انائم حنني بعض املرشكني‪ ،‬ومن أشهر من‬

‫أعطاهم أحد زعامء مكة الكبار صفوا بن أمية وكا مرشك ًا وصفوا هو ابككن الككزعيم املكككي‬

‫‪1025‬‬
‫املشهور أمية بن خلف‪ ،‬وأمية بن خلف قتل كافر ًا يف بدر‪ ،‬وصفوا من زعامككات مكككة الككذين‬

‫اشرتكوا يف احلروب املتتالية ضد املسلمني‪ ،‬وممن فر مككن مكككة بعككد الفككتح صككفوا بككن أميككة‪،‬‬

‫والرسول ﷺ قبل ذلك كا قد أعطاه مدة أربعة شهور ليفكر يف أمر اإلس‪،‬م‪ ،‬ثم استأجر منككه‬

‫ﷺ الس‪،‬ح يف ازوة حنني‪ ،‬وخرج صفوا مع اجلككيش املسككلم إىل حنككني ليحمككل األسككلحة‬

‫للمسلمني عىل مجاله‪ ،‬وظهرت منه بعض الكلامت توضح مي ً‬


‫‪ ،‬إىل اإلس‪،‬م‪ ،‬ملا اهنزم املسككلمو‬

‫يف أول األمر وهربوا قال كلدة بن حنبل‪( :‬أال بطل السحر اليوم)‪ ،‬فاعرتض صفوا عىل شامتة‬

‫كلدة وقال‪( :‬اسكت فض اهلل فار‪ ،‬فواهلل أل يربني ‪-‬أي‪ :‬يملكني‪ -‬رجل من قريش أحب إيل‬

‫من أ يربني رجل من هواز ) وإ كا قال هذا الك‪،‬م من ناحية قبلية بحتة إال أنككه عككرب عككن‬

‫اختفاء الضلينة الشديدة للرسول ﷺ مككن قلبككه‪ ،‬ويبككدو أ الرسككول ﷺ أحككس منككه فرصككة‬

‫إس‪،‬م‪ ،‬فأراد أ جيزل له العطاء بصورة أضخم من كل التصور‪.‬‬

‫صفوا بن أمية كا واقف ًا يشاهد الناس تأخذ اللنككائم‪ ،‬ولكونككه مككن املرشكككني بقككي يشككاهد‬

‫متحرس ًا‪ ،‬فنادى الرسول ﷺ صفوا بن أمية وأعطاه مائة من اإلبل‪ ،‬كام أعطى زعامء املسلمني‬

‫من أهل مكة‪ ،‬وبعد أ أعطاه اإلبل نظر إىل واد يف حنني فيه إبل كثرية وشككياه كثككرية‪ ،‬فظهككرت‬
‫عليه ع‪،‬مات االنبهار من كمية األنعام‪ ،‬فقال له ﷺ ‪( :‬أبا وهب يعجبك هككذا ِ‬
‫الشكعب)؟ أي‪:‬‬

‫أعجبتك هذه األانام وهذه اإلبككل؟ قككال صككفوا يف رصاحككة شككديدة‪( :‬نعككم)‪ ،‬فقككال ﷺ يف‬

‫سهولة وكأنه يتنازل عن مجل أو مجلني‪( :‬هو لك وما فيه)‪ ،‬فككذهل صككفوا بككن أميككة مككن هككذا‬

‫الترصف العجيب من الرسول ﷺ ‪ ،‬فلم يملك صفوا بن أمية نفسه أ قال‪( :‬ما ةابت نفككس‬

‫أحد بمثل هذا إال نفس نبي‪ ،‬أشهد أنه ال إله إال اهلل‪ ،‬وأ حممد ًا عبده ورسوله) فأسلم صككفوا‬

‫يف مكانه‪ .‬يقول صفوا بن أمية كام روى اإلمام مسلم يف الصحيح‪( :‬واهلل لقد أعطككاين رسككول‬

‫اهلل ﷺ ما أعطاين وإنه ألبلض الناس إيل‪ ،‬فام برح يعطيني حتى إنه ألحب الناس إيل) ﷺ ‪.‬‬

‫‪1026‬‬
‫أي خري أصاب صفوا رن اهلل عنه وأرضاه؟ أي خري حتقق لقبيلككة بنككي مجككح عنككدما أسككلم‬

‫زعيمها؟ أي خري حقق ملكة؟ أي خري حتقق للمسلمني عندما أضيفت إليهم قوة الزعيم املكككي‬

‫املشهور صفوا بن أمية والذي حسن إس‪،‬مه بعد ذلك‪ ،‬وصار من املجاهككدين يف سككبيل اهلل؟‬

‫كل هذا اخلري حصل بمجموعة من اإلبل والشياه‪ ،‬فأي قيمة هلذه اإلبل والشككياه؟ هككذه اإلبككل‬

‫والشياه إما تؤكل أو متوت‪ ،‬بل الدنيا بكاملها ستفنى‪ ،‬لكن الذي ال يزول هو نعيم اجلنككة‪ ،‬كككم‬

‫من البرش سيذوق نعيم اجلنة وخيلد فيه ألنه أعطي جمموعة من اإلبل والشياه؟ أليس هذا فهك ًام‬

‫راقي ًا من رسول اهلل ﷺ حلقيقة الدنيا وحقيقة اآلخرة‪ ،‬وحقيقة اللنائم وحقيقة البرش؟! ألككيس‬

‫هذا تقدير ًا صائب ًا من الرسول احلكيم ﷺ ؟‬

‫نتائج تقسيم مخس انائم حنني عىل املؤلفة قلوهبم‬

‫هذه هي املقارنة التي عقدها املصطفى ﷺ اللنائم مقابل اإلس‪،‬م‪ ،‬الدنيا مقابل اآلخككرة‪ ،‬فهككو‬

‫ﷺ هانت عليه الدنيا بكاملها وأعطاها دو تردد أل الدنيا عنككده ال تعككدل جنككاح بعوضككة‪،‬‬

‫والدنيا عنده قطرة يف يم واسع‪ ،‬والدنيا عنده أهو من جدي أسك ميت‪ .‬هككذا مل يكككن ك‪،‬مك ًا‬

‫نظري ًا فلسفي ًا‪ ،‬شاهده الناس مجيع ًا بعيوهنم كا واقع ًا يف حياته وحياة الصحابة رن اهلل عككنهم‬

‫وأرضاهم‪ ،‬وكا هذا الواقع بارز ًا يف أهبى صوره يف قصة انائم حنني‪ ،‬حيم أعطى مككا مل يعككط‬

‫ء لنفسككه ﷺ ‪ ،‬مل يتبككق مككا‬ ‫أحد من العاملني‪ ،‬حتى بعدما أعطى هككذا العطككاء مل يتبككق يف يككده‬

‫يعوض به فقر السنني وتعب العمر‪ ،‬وقد بلغ الستني من عمره‪ ،‬بل جتاوز ﷺ الستني‪ ،‬مل حيتفظ‬

‫بيشء لنفسه‪ ،‬بل وزع هنا وهنار عىل األعراب‪ ،‬وعىل حديثي اإلس‪،‬م‪ ،‬حتككى إنككه مل يبككق معككه‬

‫ء أبد ًا‪ ،‬وحارصه األعراب اجلفاة يطلبككو املككال واألنعككام حتككى اضككطروه ‪-‬وهككو الككزعيم‬

‫املنترص والقائد األعىل والرسول الكريم ﷺ ‪ -‬اضطروه إىل شجرة ونزعوا رداءه‪ ،‬فقال يف أدب‬

‫ويف رفق ويف لني يليق به كنبي‪ ،‬وجيدر به كمعلم ﷺ ‪( :‬أُيا الناس ردوا عيل ردائككي‪ ،‬فككو الككذي‬

‫‪1027‬‬
‫نفيس بيده لو كا لكم عندي عدد شجر هتامة نع ًام لقسمته علككيكم‪ ،‬ثككم ال جتككدوين بخككي ً‬
‫‪ ،‬وال‬

‫‪ ،‬وال جبان ًا وال كذاب ًا‪ ،‬كا هذا هككو فقككه‬


‫جبان ًا وال كذاب ًا)! وصدق رسول اهلل ﷺ ما كا بخي ً‬

‫النبي ﷺ يوم حنني‪ ،‬كا هذا هو قراره ﷺ بتوزيع مخس اللنائم بالكامل عىل املؤلفة قلككوهبم‪،‬‬

‫وكانت هذه هي تبعات هذا القرار ونتائجه‪ ،‬وكانت هذه هي الصككورة يف ذهككن الرسككول ﷺ ‪،‬‬

‫لكن هل استوعب كل الصحابة هذه الصورة؟ هل فهموا مجيع ًا هككذه األبعككاد‪ ،‬وأدركككوا هككذه‬

‫النتائج؟ هل اقتنعوا هبذا القرار حيم أعطى املؤلفة قلوهبم ومل يعط السابقني شيئ ًا؟‬

‫ال‪ ،‬ليس كل الصحابة اقتنعوا هبذا القرار‪ ،‬نعم هنار من أدرر هذه األبعاد والنتائج‪ ،‬لكن هنار‬

‫من مل يستطع أ يدرر هذه األبعاد النبيلة يف فكر الرسول ﷺ ‪ ،‬فكا البد هلم مككن االسككتفهام‬

‫والتساؤل‪ ،‬ومن هؤالء مث‪ :ً،‬سعد بن أيب وقاص رن اهلل عنه‪ ،‬فقككد أبككدى االسككتلراب هلككذا‬

‫األمر‪ ،‬قال سعد‪( :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أعطيت عيينة واألقرع مائة مائككة وتركككت ُج َعيككل بككن ُرساقككة‬

‫وجعيل بن رساقة من أهل الصفة من فقككراء املسككلمني فأجككاب ﷺ اإلجابككة التككي‬


‫الضمري) ُ‬
‫تفرس وتوضح ما فعله‪ ،‬قال‪( :‬أما والذي نفس حممد بيده لك جعيل بن رساقككة خككري مككن ةكك‪،‬ع‬

‫األرض خري مما يمأل األرض كلهم مثل عيينة بن حصن واألقرع بن حككابس‪ ،‬ولكنككي تككألفتهام‬

‫ليسلام‪ ،‬ووكلت جعيل بن رساقة إىل إس‪،‬مه) رن اهلل عنه وأرضاه‪ .‬هذه الكلمككة تعككدل عنككد‬

‫جعيل مال األرض كله‪ ،‬ليس معنى أنني أعطيت واحد ًا ومنعت اآلخككر أ األول أفضككل مككن‬

‫الثاين‪ ،‬بل العكس فقيمة جعيل بن رساقة عند الرسول ﷺ أاككىل مككن مككلء األرض مككن مثككل‬

‫‪ ،‬أقل ماالً وأقل سلطة وأقل شهرة وأقل وضع ًا اجتامعي ًا‪ ،‬لكنه أعككىل‬
‫عيينة واألقرع مع أ جعي ً‬

‫إيامن ًا وأرسخ قدم ًا يف اإلس‪،‬م‪ ،‬وجعيل رن اهلل عنه وأرضاه فقه ذلككك املعنككى‪ ،‬وكانككت هككذه‬

‫الشهادة من رسول اهلل ﷺ عنده أاىل ليس فقط من انائم حنني‪ ،‬ولكككن أاككىل مككن كككل مككال‬

‫األرض‪.‬‬

‫‪1028‬‬
‫هذا كا استلراب بعض الصحابة مثل سعد بن أيب وقاص من إعطاء حديثي اإلسكك‪،‬م وتككرر‬

‫السابقني من املهاجرين واألنصار‪ ،‬لكن هنار استلراب كككا أكثككر أويككة وأكثككر خطككورة مككن‬

‫جمموعة أخرى من املسلمني‪ ،‬هذه املجموعة كانت األنصار‪ .‬وجه األوية ومكمن اخلطككورة أ‬

‫هذا االستلراب واإلنكار مل يكن فردي ًا يف األنصار‪ ،‬إنككام كككا مجاعيك ًا مككن جمموعكة كبككرية مككن‬

‫األنصار‪ ،‬هذا موقف مشهور معروف وفيه دروس ال حتصككى‪ ،‬وحيتككاج إىل حتليككل كبككري‪ ،‬وإىل‬

‫استخراج عرب وعظات وتعلم هنج نبككوي راق جككد ًا يف إدارة األمككور‪ ،‬وكيككف خيككرج ﷺ مككن‬

‫األزمات الطاحنة بأفضل النتائج التي ال ختطر عىل بال إنسا ‪ .‬فقه نبوي حكيم ربككاين يف تربيككة‬

‫البرش ويف قيادة العاملني‪ ،‬هذا حيتاج إىل تفصيل‪.‬‬

‫‪1029‬‬
1030
‫‪42‬‬

‫إسالم هوازن‬

‫حتدثنا عن توزيع غنائم حنني‪ ،‬وعن تقسي م بعة أ بساا غنين أ عا غش ب ةماه‪ ، ،‬ثم توزيع‬

‫غخل س غملتبقي عا غملؤنفأ ق‪،‬وهبم هن ط‪،‬قاء همأ وزعامء همأ وزعامء غنقبييائل غن رة أ غملخت‪،‬فأ‪،‬‬

‫غر‪،‬ر‪،‬‬ ‫‪ ،‬وواوز ا غ غنرقم ن‪،‬ب‬ ‫وكان كام عبينا توزي ييي ي ًا سييخ ًا ة‪،‬م هائأ هن غلةل ن‪،‬ب‬

‫وذكرنا ع‪،‬أ ذنك وبن غنرسيو ﷺ كان يريد غسيتقرغع غندونأ غلسييه أ‪ ،‬ووغزن ةني هحي‪ ،‬أ‬

‫ا غ غالسيتقرغع‪ ،‬وةني هفسيدح حرهييييان غملجاادين غن ين ة نوغ غشهد‪ ،‬وكانوغ سيبب ًا هباا ًغ‬

‫غننحييي ير يوم حنني‪ ،‬فوجد ﷺ ة د ا ه غملوغزنأ بن غسيتقرغع غندونأ غلسييه أ بثقل‪ ،‬ون نك‬

‫بعطى غملؤنفأ ق‪،‬وهبم وهنع غنسياةقني‪ ،‬وتفهم كري هن غنحي اةأ ا غ غملوق ‪ ،‬نمن ا غ غنتفهم‬

‫غ غنف ل‪ ،‬وشيي ره ا ه غملج وعأ ب ا‬ ‫يمن هن غش ع‪ ،‬ةل غضييبجم و وعأ هن غنحيي اةأ‬

‫‪ ،‬فه ه غملج وعأ هن غحاي ام ام غحنحياع‪،‬‬ ‫حرهجم ها تسيت ق ‪ ،‬ة نام بعطي هن ال يسيت‬

‫ي طهم هن غخل س غمل ‪،‬وك ن‪،‬يدونيأ‪ ،‬هع بني‬ ‫غضييك كري هن غحنحيياع حن غنرسييو ﷺ‬

‫بعطى ةسيخاء و وعأ حديريأ غلسييم‪ ،‬ها قدهجم شي ًا نمسييم‪ ،‬وها ‪،‬دهجم غندونأ غلسييه أ‬

‫‪،‬دهأ ت كر‪.‬‬

‫قبل بن تأ‪ ،‬وغ هوقف ًا هن غحنحياع‪ ،‬وقبل بن توجهوغ غن‪،‬وم عا غحنحياع ةأص ايوعح هن ايوع‬

‫غحلقائ غنتاعخي أ غ اهأ‪:‬‬ ‫غن‪،‬وم‪ ،‬فت انوغ ةنا نرغجع ة‬


‫‪1031‬‬
‫بوالً‪ :‬عا بكتاف غحنحياع قاهجم غندونأ غلسييه أ غحو ‪ ،‬قبل وهوع غحنحياع غنحيوعح كان‬

‫غملسييييي‪ ،‬ون هتشيتتني غحع‪ ،،‬ناا همأ وناا غحلبشيأ وناا غ اا هن غنقبائل‪،‬‬

‫ع شي ل غملسي‪ ،‬ني‪ ،‬و ةقاهأ غندونأ غلسييه أ‪ ،‬وذنك‬ ‫فج ل غهلل عز وجل غحنحياع سيبب ًا‬

‫عندها غستضافوغ غنرسو ﷺ وغملس‪ ،‬ني هدينتهم‪ ،‬غملدينأ غملنوعح‪.‬‬

‫ثان ًا‪ :‬ب‪ ،‬غحنحيياع هن غحيام غحو لسيييههم غنقرغع ة وغجهأ غح ر وغحسييو هن غنناا‪،‬‬

‫كانوغ ي رفون متاه ًا بن غلسيييم ي ني‪ :‬هفاعقأ غن رم قاطبأ‪ ،‬ي ني‪ :‬قطع غحلبا غنتي ة نهم وةني‬

‫غن هو ‪ ،‬ي ني‪ :‬هوغجهأ غن ا ‪ ،‬ام غ كانوغ ي رفون‪ ،‬وام غ ب‪ ،‬وغ غنقرغع ة نتهى غنتشيييييييرف‬

‫غنقوح‪.‬‬

‫ع ون غحنحيياع ق‪ ،‬ل جد ًغ‪ ،‬ةل ن ‪ ،‬هن دم‪ ،‬فأح ان ًا قد ال يرون حنفسييهم‬ ‫ثانري ًا‪ :‬بن ق أ غملا‬

‫حق ًا بهوغ م غنشيخحي أ‪ ،‬فتجدام ي طون ا ه غحهوغ نر‪،‬رين ةط ك نفس‪ ،‬قل بن يوجد‬

‫كيانوغ يقسيي ون غحهوغ ة نهم وةني غملهياجرين عه غهلل عنهم‪،‬‬ ‫هري‪،‬هم غنبرشيي‪ ،‬وعبينيا ك‬

‫غننظر عن غحلانأ غملا يأ نألنحياعص غن ص ينف ‪ ،‬وقد ذكر سييي يب ان وت ا ذنك كتاة‬ ‫ةي‬
‫غحنحياع ةحيفأ غليرياع‪ ،‬قا سيب ان وت ا ‪َ { :‬وغ َّن ِ ي َن َت َب َّو ُءوغ غندَّ َغع َو ِ‬
‫غل َيام َن‬ ‫غنمريم‪ ،‬وواي‬

‫ون َع َا َب ْن ُف ِس ِه ْم‬
‫اج ًأ ِِمَّا ُبوتُوغ َو ُي ْؤثِ ُر َ‬ ‫ون ِ ادُ ِ ِ‬
‫وعا ْم َح َ‬ ‫اج َر ةِ َن ْ ِه ْم َوال ََيِدُ َ ُ‬ ‫ِه ْن َق ْب ِ‪ِ ،‬ه ْم ُُيِ ُّب َ‬
‫ون َه ْن َا َ‬
‫سب ل غهلل ويؤثر غ ه‬ ‫َان ِهبِ ْم َ‪َ ،‬ح َ‬
‫ااأ} [غحلرش‪ ،]9:‬حتى غنفق هن غحنحاع كان ينف‬ ‫َو َن ْو ك َ‬

‫عا نفس واو حمتاج‪ .‬ا ه اي نفس أ غحنحاع ةشها ح عم غن املني سب ان وت ا ‪.‬‬

‫عغة ًا‪ :‬غش ي ك غحنحيياع كل غزوغه غنرسييو ﷺ ‪ ،‬ةل كانوغ غشانك غحعظم هن غش ب‬

‫ةدء بو هوغقع غملسيي‪ ،‬ني‪ ،‬وةدء غملسيي‪ ،‬ني كانوغ ‪ 313‬بو ‪ 314‬وغحنحيياع كانوغ ي ري‪،‬ون ث‪،‬ريي‬

‫غش ب تقريب ًا‪ 231 ،‬هن غحنحياع‪ ،‬و ‪83‬بو ‪ 84‬هن غملهاجرين‪ ،‬وغسيت ر غحهر عا ذنك ةق أ‬

‫غنيزوغه ةال غنيزوغه غملتأ‪،‬رح غنتي زغ ف ها عد غملسيي‪ ،‬ني جد ًغ‪ ،‬نمن غنيزوغه غحو كان‬
‫‪1032‬‬
‫غملشييرفأ غنتاعيخ ها‬ ‫ه ظم غش ب هن غحنحاع عه غهلل عنهم وبعضاام‪ .‬ندهيم هن غملوغق‬

‫غملسي‪ ،‬ني‪ ،‬واياع ةحبان هن‬ ‫بحد‪ ،‬ففي بحد فر ة‬ ‫هوق‬ ‫ال ُيحييييى‪ ،‬وهن بشيهر غملوغق‬

‫غملسيي‪ ،‬ني‪ ،‬نمن غنريباه كل غنريباه كان جانك غحنحيياع عه غهلل عنهم وبعضيياام‪،‬‬ ‫ة‬

‫فربينا غزوح بحد غسييتشييها شييبام غحنحيياع حو غنرسييو ﷺ غنوغحد ت‪،‬و غر‪،‬ر‪ ،‬كانوغ‬

‫وغقفني حون تسي أ‪ ،‬سيب أ هن غحنحياع وغثنني هن غملهاجرين‪ :‬سي د‪ ،‬وط‪ ،‬أ عه غهلل عنهام‪،‬‬

‫هيييياه غنسييب أ ك‪،‬هم حتجم بقدغم غنرسييو ﷺ فاع ًا عن ﷺ ‪ ،‬وعبينا بهري‪،‬أ سي د ةن غنرة ع‬

‫وحنظ‪،‬أ وبنس ةن غننرضي وعبد غهلل ةن حرغم و‪ ،‬ري أ وع رو ةن غش و وغ ام‪ .‬شيهدغء بحد‬

‫سييب ل غهلل‬ ‫كانوغ سييب ني‪ ،‬وكان ف هم ‪ 66‬بنحيياعي ًا‪ ،‬ي ني نسييبأ ‪ ،%94‬ة ‪ ،‬تضي أ‪ ،‬جها‬

‫ةاملا وةاننفس‪.‬‬

‫‪،‬اهسي ًا‪ :‬بن غحنحياع عا ‪،‬يف ها يتوقع غنمري ون‪ ،‬كانجم حانتهم غملا يأ فق ح‪ ،‬وقد ذكرنا ا غ‬

‫بوغئل عهد‬ ‫غنميم قبل ذنك عندها تم‪ ،‬نا عن غملجت ع غملدين غن ص ااجر ةن غنرسييو ﷺ‬

‫غمليدينيأ غملنوعح‪ ،‬هع بن غنقياعل ن‪،‬سيي ح قيد يظن غحنحييياع بغنياء نمريرح عطياء غحنحييياع وكرم‬

‫غحنحيياع‪ ،‬نمن غنرياةجم بن ه ظم غحنحيياع كان فق ًغ ف يً‪ ،‬وبن حانأ غملدينأ غالقتحييا يأ كانجم‬

‫غشوث غنمري ح جيد ًغ غنتي هره هبيا غمليدينيأ‬ ‫عا ذنيك هن هوغق‬ ‫هنخفضيييأ جيد ًغ‪ ،‬ون س ب‬

‫غملنوعح‪ ،‬وهن بشيهراا ححياع غححزغم بوغ‪،‬ر سينأ ‪5‬ايييي‪ ،‬كانجم غملدينأ حانأ هن غنفقر‬

‫عوا غححزغم‪.‬‬ ‫غنشديد‪ ،‬وةانما يأك‪،‬ون‪ ،‬وبك‪،‬هم غ هستساغ با ً‬


‫ي كام ذكرنا‬

‫سيا سي ًا‪ :‬بن ة دها حدثجم غحزهأ حنني وفر ه ظم غش ب نا ر عسيو هلل ﷺ عا باي ام‬

‫غنشجرح بال غحلديب أ‪ ،‬ثم قرص غندعوح ة د ذنك غحنحاع‪ ،‬قا ‪ :‬يا ه شييير غحنحاع يا ه رش‬

‫غنح ي بأ ف يً‪ ،‬يا نألنحيياع يا‬ ‫غحنحيياع‪ ،‬فاحنحيياع ام عجا غحزهاه‪ ،‬وام فرسييان غملوغق‬

‫نألنحاع‪ ،‬قانوغ ون تر ‪ :‬نب ك يا عسو غهلل بةشييير ن ن ه ك‪ ،‬يا نب ماه‪ .‬ثم عا وغ عه غهلل‬

‫‪1033‬‬
‫عنهم وبعضياام‪ ،‬ووقفوغ حو غنرسيو ﷺ ‪ ،‬وقا وغ حركأ اجوم هضيا ح عا غملشييي يركني‪،‬‬

‫في غهلل عز وجل هن حا ة حا ‪ ،‬سب ان غهلل غنق‪،‬بجم غ زي أ ة نحيير‪ ،‬ة د بن ج ل غهلل عز‬

‫وجل غحنحاع سبب ًا ذنك‪.‬‬

‫ا ه اي قحيأ غحنحياع‪ ،‬وا غ او تاعيخ غحنحياع‪ ،‬هن ةسييم غحنحياع وة ا ه غن‪ ،‬ظأ ة يوم‬

‫حنني‪ ،‬وهمانتهم غلسيييم ال ينمراا بحد‪ .‬غنرسييو ﷺ نفس ي كان يفتخر جد ًغ ةاحنحيياع‬

‫عه غهلل عنهم‪ ،‬كان يقو ‪( :‬غحنحياع َك ِر ِش وع بتي) كرش غنرجل‪ :‬بص ‪،‬اايأ غنرجل‪ ،‬وع بأ‬

‫غنرجل‪ :‬بص هوضع رس غنرجل‪ ،‬ثم قا ‪( :‬ونوال غ جرح نمنجم غهر ًب هن غحنحاع)‪.‬‬

‫غحنحيياع هن غنائم حنني‪ ،‬وة د ذنك ننمن‬ ‫ا ه هقيييييدهأ ال ةد هنها قبل غحلديث عن هوق‬

‫وغض ني‪ ،‬ضع نفسك همان غحنحاع‪ ،‬ة د كل ا ه غنرشغكأ غننرص تاعخي ًا ووغق ًا ةذغ ةري رغه‬

‫غننحير غنح ك وغنتض أ غملتمرعح توزث عا غر‪،‬رين ن نك حزن غحنحاع حزن ًا شديد ًغ جد ًغ‬

‫حتى ةن ة ضييهم قا ‪( :‬ةذغ كانجم غنشييدح فن ن ُندعى وت طى غنينائم غ نا؟!) ا غ غنميم‬

‫غنبخاعص وهسي‪،‬م عن بنس عه غهلل عن ‪ .‬و عوغيأ ب‪،‬رر قا ة ضيهم‪( :‬ييفر غهلل نرسيو غهلل‬

‫ي‪،‬فجم‬ ‫ف ً‬
‫ي هوق‬ ‫ﷺ ‪ ،‬ي طي قريشيي ًا وي كنا‪ ،‬وسيي وفنا تقطر هائهم)‪ .‬سييب ان غهلل غملوق‬

‫غحنظاع‪.‬‬

‫غنروغياه بن غحنحياع قانوغ‪( :‬فنن كان هن بهر غهلل ايانا‪ ،‬وةن كان هن بهر عسيو غهلل‬ ‫ة‬

‫ﷺ غسيت تبناه) فاحنحياع هب غ غنقو ي‪،‬تزهون ةاحلدو غنرشيع أ متاه ًا‪ ،‬ام يقونون‪ :‬نو كان ا غ‬

‫غحهر هن عم غن املني سيب ان وت ا وحمم غنشيييييرث‪ ،‬في ةد هن غنسي ع وغنطاعأ‪ ،‬ونو كان‬

‫غ‪،‬ت اع ًغ ةشييي يري ًا هن عسيو غهلل ﷺ عاتبناه عا ا غ غال‪،‬ت اع‪ .‬قبل بن ت‪،‬وم غحنحياع وت اتبهم‬

‫غ‪،‬ل ا غ‬ ‫غحنحياع‪ ،‬ويضي ك‬ ‫عا عتبهم ن‪،‬رسيو ﷺ برضم نك هري ً‬


‫ي يقرم نك هوق‬

‫غملوق ‪ :‬نو كنجم ت ل اكأ‪ ،‬و‪،‬ي يدهجم ا ه غنشي يركأ ةمل طاقتك هدح عشي ير سنني‪،‬‬
‫‪1034‬‬
‫وقدهجم ن‪،‬شييي يركأ كل ها تسيتط ع‪ ،‬وغنشييي يركأ كانجم ايي ح بو ا‪ ،‬وة د ذنك كاه عا‬

‫كتف ك‪ ،‬و تط‪،‬ك ننفسك كل تاعيخ غنشيييركأ بص شء زغئد عن غحلد‪ ،‬هع كونك كنجم غئ ًام‬

‫ت ل بكرير ِما يط‪،‬ك هنك‪ ،‬وة د ذنك هره غحيام‪ ،‬وجاء هن ي ل غنرشكأ ة جوغعك‪ ،‬فنذغ‬

‫ةيي ي سي غخل‪ ،‬غ هنضيبيف ع ‪ُ ، ،‬يضييي ير بوقاه ويي ك بضي اف ا ه غحوقاه‪،‬‬

‫ويت دث ةانسيوء عن اياحك غنشييي يركأ غن ص بنجم ‪،‬دهت ةن‪،‬يص طوغ غنسينني غن شييي ير‬

‫غنساةقأ‪ ،‬وة د ذنك بوغ‪،‬ر غنسنوغه غن شي ير حققجم غنشي يركأ نجاح ًا كب ًغ اائيً‪ ،‬وعة جم‬

‫ه غنحييفقأ‪ ،‬وة د بن‬ ‫غشديد ه وق ًا‬ ‫اييفقأ كب ح جد ًغ كنجم بنجم غنسييبك ف ها‪ ،‬وكان غملوو‬

‫متجم غنحييفقأ جاء ايياحك غنرشييكأ فأعطى كل هنمام غنرغتك غنشييهرص غنرسي ي ن ‪ ،‬ثم ةذغ ة‬

‫ه‪ ،‬ون جني هميافيأح‪ ،‬و ي طيك بنيجم شيي ي ًا هياذغ‬ ‫غشيدييد غ غملنضييبيف نحيي‬ ‫ي طي غملوو‬

‫ه‪ ،‬ون ا غ ن س عق ًام‬ ‫سيتف ل؟ كن ايا ق ًا هع نفسيك‪ ،‬وبجك!! هاذغ سيتف ل؟ ةاملناسيبأ نحي‬

‫عشييوغئ ًا‪ ،‬ال‪ ،‬ك نك غش ل غنوغحد زهاننا غرن ث ن سسييأ جالف جن ‪ ،‬ي ني هائأ هن غلةل‬

‫‪،‬ني‪،‬‬ ‫ه‪ ،‬ون‪ ،‬وغحنحياعص يأ‪ ،‬سيور عغتب فقيف‪ ،‬ب‪،‬‬ ‫تسياوص ‪ 500000‬جن بص‪ :‬نحي‬

‫نحي ب غنرشيعي‪ .‬وغ ذنك هن غملؤنفأ ق‪،‬وهبم ب‪ ،‬وغ غش ‪،‬ني‪ ،‬فه ه غملمييييافأح غملائأ هن غلةل‬

‫هريل ا غ ؟ حاو بن و ك‪ ،‬ةانتأك د‬ ‫كييانجم زيا ح عا غنرغتك غنشييرعي‪ ،‬فامذغ تف ل هوق‬

‫ستجد نفسك تأ‪ ،‬ش ًا‪ ،‬ت ف حتى ةانرغتك غن ص ب‪ ،‬ت ‪.‬‬

‫اي م هسيي‪،‬م قا ‪( :‬و ُي يف‬ ‫هبيييي غ نسييتط ع بن نفهم عباعح بنس ةن هانك عه غهلل عن‬

‫غحنحياع شي ًا)حن ةاملقاعنأ ملا ب‪ ،‬ه غملؤنفأ ق‪،‬وهبم‪ ،‬فمأ م يأ‪ ،‬وغ شي ًا‪ ،‬بو بن غحنحياع‬

‫ايي يك‬ ‫ي طوغ بص شء هن غخل س غملتبقي هن غنين يأ غني ص وزث عا غملؤنفيأ ق‪،‬وهبم‪ .‬غملوق‬

‫جد ًغ‪ ،‬ون ع ف غحنحياع متاه ًا‪ ،‬وبنا بقو ‪ :‬ةن غحنحياع كانوغ غايأ غح م ا غ غحلوغع غن ص‬

‫‪1035‬‬
‫غع ة نهم وةني غنرسييو ﷺ ‪ ،‬وغنرسييو ﷺ نفسيي كان ي ييي ي ع غحنحيياع عه غهلل عنهم‬

‫وبعضاام‪ ،‬ويقدع هوقفهم‪ ،‬وسنرر ا غ غنميم غحلوغع غن ص س أيت‪.‬‬

‫‪،‬وف غحنحاع هن ترك غنرسو ﷺ ن‪ ،‬دينأ وغلقاهأ ة مأ‬

‫عا غنرغم هن كل ها ذكرناه‪ ،‬وعا غنرغم هن غملريل غن ص وضي نا ة ا ه غنحيوعح‪ ،‬فه غ غملوق‬

‫شيبام غحنحياع‪ ،‬و ن ل ذنك ها‬ ‫وا ه غنم‪،‬امه تمن هن عاهأ غحنحياع‪ ،‬ةنام كانجم هن ة‬

‫ني غنبخاعص وهسيي‪،‬م عن بنس ةن هانك عه غهلل عن بن عسييو غهلل ﷺ‬ ‫جاء غنحيي‬

‫سيييأ عن غني ص قيا اي غ غنميم وبع‪،‬ن هبي غ غالع غ‪ ،،‬فقيا فقهياء غحنحييياع وع‪،‬ام ام‬

‫وسيياةقوام‪( :‬بها ذووغ عبينا يا عسييو غهلل ف‪،‬م يقونوغ ش ي ًا‪ ،‬وبها بناا حديريأ بسيينا م قانوغ‪:‬‬

‫ييفر غهلل نرسيو غهلل ي طي قريشي ًا وي كنا‪ ،‬وسي وفنا تقطر هن هائهم) بص‪ :‬بن ا غ غنميم كان‬

‫غنشييبيام‪ ،‬نمن سيي يد ةن عبيا ح عه غهلل عني كام سيي تبني غححيدغث غنقيا هيأ كيان‬ ‫هن ة‬

‫غهلل‪ :‬قا‬ ‫يق‪ ، ،‬وا غ غنميم وغضيم عوغيأ غلهام ب د ع‬ ‫هييييوغفق ًا عا ا غ غنميم نمن‬

‫س ي د ةن عبا ح عه غهلل عن نرسييو غهلل ﷺ ‪( :‬يا عسييو غهلل ةن ا غ غحلي هن غحنحيياع قد‬

‫وجدوغ ع‪ ،‬ك بنفسيهم ملا اين جم ا غ غنفيء غن ص بايبجم‪ ،‬قسي جم قوهك‪ ،‬وبعط جم‬

‫عطايا عظاه ًا قبائل غن رم‪ ،‬و يمن ا غ غحلي هن غحنحياع هنها شء‪ ،‬قا ‪ :‬فأين بنجم هن‬

‫ذنك يا سي د؟ فقا سي د‪ :‬يا عسيو غهلل ها بنا ةال هن قوهي) بص‪ :‬بنني بشي ر ةام يشي رون ة وةن‬

‫كنجم بقل هريل ها قانوغ‪.‬‬

‫ال تنسوغ بن غحنحاع ةشييير ون سوغ هيئمأ‪ ،‬وغنبشييير ُجب‪،‬وغ عا حك غملا ‪ ،‬فنذغ كان ا غ غملا‬

‫حيالً رصف ًا فام غملانع هن ط‪،‬ب ‪ ،‬و‪،‬ااييأ ةذغ كانوغ يشيي رون ب م ام غنسييبك ت‪،‬ك غنريروح‪،‬‬

‫ف‪،‬امذغ ال يأ‪ ،‬ون جزء ًغ هنها‪ .‬ثم ةن اناك ة د ًغ ج‪،‬ر هه ًام جد ًغ واو بن غحنحياع كانوغ خيشيون بن‬

‫ي كهم عسييو غهلل ﷺ وي ب هميأ غملمرهيأ ‪ ،‬ةقياث غحع‪ ،،‬وبحيك ةي غهلل ة ق‪،‬يك‬
‫‪1036‬‬
‫غنرسييو ﷺ ‪ ،‬وف ها غر وغن شيي ح‪ ،‬وف ها غنطفونأ وغنشييبام وغن كرياه‪ ،‬وف ها بعز قبائل‬

‫ي ًا طو‬ ‫غشزيرح غن رة يأ‪ ،‬وييأيت يا غننياا‬ ‫غن رم قريب‪ ،‬وبام هركز هن هرغكز غنتجياعح‬

‫غنسينأ هن كل همان‪ ،‬وف ها هن غملقوهاه غنمري ح ها َي ل غ‪،‬ت اعاييييا ك ااي أ جديدح ن‪،‬دونأ‬

‫غلسييه أ بهر ًغ هقبوالً جد ًغ وهتوق ًا‪ ،‬ف‪،‬ام حدث توزيع غنينائم هب ه غنحيوعح ثاعه غنشيموك‬

‫ق‪،‬وم غحنحياع‪ ،‬وال ننسيى بن غحنحياع قانوغ ا غ غنميم قبل ذنك هن بقل هن شيهرين عندها‬

‫فت جم همأ‪ ،‬وط أ م ﷺ بن س و ه هم ة غملدينأ ونن يبقى همأ غملمرهأ‪ ،‬وقا ‪( :‬غمل ا‬

‫حم اكم‪ ،‬وغملامه ِماتمم) غ ب م ‪،‬ييافوغ بن يمون غنظرف قد تي ‪ ،‬وغححدغث غشديدح غ ه‬

‫هن غنحييوعح‪ ،‬وبن غنرسييو ﷺ باييبم ن عبص جديد ا ه غنقض ي أ‪ ،‬وبن س ي و ة همأ‬

‫غملمرهأ ونن ي و ه هم ة غملدينأ غملنوعح‪ ،‬وغنرسيو ﷺ كان يشي ر ةأن غحنحياع يشي رون هب غ‬

‫غمل نى حن غحلوغع غنيي ي ص غع ة نهم كام سينرر بكد عا بن سي و ه هم ة غملدينأ غملنوعح‪،‬‬

‫همأ وي ك غملدينأ هع كل غملشيياكل‬ ‫فشي ر بن غحنحيياع كانوغ ‪،‬ائفني هن ةقاء غنرسييو ﷺ‬

‫غنتي ِممن بن حتحيل غملدينأ غملنوعح نت جأ ‪،‬روج غنرسيو ﷺ وغش ب غلسييهي غحسياا‬

‫هن غملدينأ‪.‬‬

‫بيضيي ًا ينبيي بن ن كر عظ أ سيي د ةن عبا ح عه غهلل عن وغحنحيياع عه غهلل عنهم ب ني‪،‬‬

‫غن ين كانوغ رصحاء ة بة د عجأ‪ ،‬وا ه غنرصغحأ اي غنتي عاشجم غملوق ‪ ،‬ف‪،‬و ب‪ ،‬غحنحاع‬

‫ة ريان اه غ وغق أ‪ ،‬وبنمروغ وجو هشييم‪،‬أ نتفاق جم ا ه غملشييم‪،‬أ‪ ،‬وح نها سيي مون غحلل‬

‫وغن يج ا ب ًا بو هست يً‪.‬‬

‫‪1037‬‬
‫ك ف أ ت اهل غنرسو ﷺ هع غحنحاع هوقفهم هن توزيع غنائم حنني‬

‫ت اهل عسيو غهلل ﷺ هع ةوغ ع ا ه غحزهأ غخلط ح؟ وةن رسيان هريل ا غ‬ ‫ت انوغ ةنا ننظر ك‬

‫غنشيي وع ا ه غنطائفأ غمله أ جد ًغ هن غش ب قد يؤ ص ة كوغعث هسييتقب‪ ،‬أ‪ ،‬ا ه غنموغعث‬

‫ةاندونأ غلسييه أ‪ .‬هاذغ نف ل ةذغ كانجم اناك ةوغ ع غنسيي و وعأ‬ ‫ةمل وضيو قد ت حي‬

‫غن ام ن‪ ،‬س‪ ،‬ني؟‬ ‫هن غشنو عن غنح‬

‫فه ا ةنا ننرر غملنهج غننبوص غنرف ع عيج هريل ا غ غحهر‪ ،‬ا غ غن يج َي ع ةشيمل فريد ف ً‬
‫ي‬

‫ةني ةقناث غن قل وةعضاء غن اطفأ‪:‬‬

‫غنشيييرعي وغن قيل ن‪،‬رسو ﷺ‬ ‫بوالً‪ :‬عدم غنتيافل عن غنناع غنتي حتجم غنرها ‪ ،‬كان غملوق‬

‫قض ي أ غنينائم سيي‪ً ،‬ام متاه ًا‪ ،‬واو غحو ةي جدغ ‪ ،‬ةدن ل بن غنوحي ينز ةخيف ذنك‪ ،‬وهع‬

‫هن غنبدغيأ‪ ،‬يقل هريل ها يقو غنمري هن غنناا‪:‬‬ ‫ذنك غنرسو ﷺ حرص عا عيج غملوق‬

‫ها غم بنني عا غنحيوغم ال هي ني كيم غنناا‪ ،‬يقل‪ :‬ها غم غهلل سيب ان وت ا عغضي ًا وعامل ًا‬

‫ن س اناك غث ة بن بس ي ه غنناا بو بةني م غحهر‪ .‬يقل‪ :‬ةن غحنحيياع هؤهنون شييديدو‬

‫غليامن‪ ،‬وا غ كيم عاع‪ ،‬نن يؤثر هسيتقبل غندونأ غلسييه أ‪ .‬يقل‪ :‬ةن غحيام كف ‪،‬أ ة ل‬

‫يقل‪ :‬بنا عسيو غهلل ﷺ ووغجك ع‪ ،‬هم غنطاعأ‪ .‬يقل ا غ غنميم وال‬ ‫ا ه غنقضيايا‪ ،‬ةل ةن‬

‫غ ه هن غنميم‪ ،‬ةل غنتقل ة حل غملشييم‪،‬أ ة وضييوع أ‪ ،‬وب‪ ،‬غملوضييوث ة نتهى غشديأ‪ ،‬و‬

‫يؤجل غملوضيوث يوه ًا وغحد ًغ‪ ،‬وال حتى سياعأ وغحدح‪ ،‬كان حاسي ًام متاه ًا قرغعه‪ ،‬رسي ًا حل‬

‫غحزهأ‪ ،‬قا ني س د ةن عبا ح هبااح‪( :‬فا ع يل قوهك ا ه غحلظ ح)‪.‬‬

‫حل غملشم‪،‬أ‪ :‬عدم غنتيافل عن غحزهأ واي ها زغنجم ةدغيتها‪.‬‬ ‫غمل‪ ،‬م غحو‬

‫‪1038‬‬
‫ثان ًا‪ :‬بن غنرسو ﷺ بعغ بن ال ينتشير غحهر ةني غملس‪ ،‬ني‪ ،‬فقرص غحلديث ف هع بال غملشم‪،‬أ‬

‫وام غحنحياع‪ ،‬فهو يشيأ بن ي ‪،‬م ة عاهأ غنناا ن ي ُيفتن ة ضيهم ةانشيبهأ غنتي بث ه‪ ،‬ا غ‬

‫هييي ين ناح أ‪ ،‬وهن ناح أ ب‪،‬رر نمي ال يأ‪ ،‬غنناا هوقف ًا سيي‪،‬ب ًا هن غحنحيياع ةذغ تبني ‪،‬طأ‬

‫‪،‬أ وحمفووأ عند عاهأ غنناا‪ ،‬ونيييي نك عندها عبر‬ ‫غحنحياع‪ ،‬نمي تظل ايوعح غحنحياع‬

‫غملهياجرين ييد‪،،‬ون ة غحلظ ح غنتي سيي تم ف هيا غن‪،‬قياء غنبيدغييأ تركهم‪،‬‬ ‫غنرسييو ﷺ ة‬

‫نمن عندها عجام يزيدون هنع ‪،‬و غملهاجرين‪ ،‬وسي م ةد‪،‬و غحنحياع فقيف‪ ،‬فهو ححييي ير‬

‫عوغيأ غنبخاعص وهسي‪،‬م عن بنس سيأ م تحيييييرُي ًا قا ‪:‬‬ ‫غملشيم‪،‬أ ةطاع حمدو ‪ ،‬ةل ةن‬

‫(بف مم بحيد هن غ كم؟ قيانوغ‪ :‬ال‪ ،‬ةال غةن ب‪،‬يجم ننيا‪ ،‬فقيا ﷺ ‪ :‬غةن ب‪،‬يييييجم غنقوم هنهم)‪.‬‬

‫غنشااد بن ه ظم غن ين حرضوغ بو ك‪،‬هم هن غحنحاع‪.‬‬

‫ثانري ًا‪ :‬بن وسيائل حل هريل ا ه غملشياكل غنضيخ أ هن بة‪،‬م غنوسيائل‪ ،‬فقد حرص غنرسيو ﷺ‬

‫عا نقاء باي ام غملشيم‪،‬أ ةنفسي ﷺ ‪ ،‬ن سي ع هنهم ويسي وغ هن ون وغسيطأ حن غنوغسيطأ‬

‫قد ال حت ل غنم‪،‬امه متاه ًا كام ق ‪،‬جم‪ ،‬وا غ غنميم ن س ط ن ًا غنوغسطأ بو تق‪ً ،‬‬
‫ي هن ةهمان اه‬

‫غنوغسيطأ‪ ،‬بةد ًغ‪ ،‬نمن شي وع غشنو عاهأ ةانقرم هن قائدام ُيل غنمري جد ًغ هن غملشياكل غنتي‬

‫غنقضيياييا غنتي يمت هيا‬ ‫ِممن بن حتحييل‪ .‬بحياني ًا غحلوغع غملبياا ةني غنقيائيد وغشنو خيرج ة‬

‫غحتوغء‬ ‫غشنو عيا ح‪ ،‬ويفتم ةيام غنت ياوع‪ ،‬وينياقب غنفرع ياه‪ ،‬وكيل اي غ غنميم يسييياام‬

‫غحزهأ بو ا‪.‬‬

‫عغة ًا‪ :‬بن غنرسيو ﷺ ع‪،‬ل ةوضيو ورصغحأ غنتقسي م غن ص قسي ن‪،‬ينائم‪ ،‬وذكر م غنسيبك‬

‫م‪( :‬فييينين بعطي عجاالً حديريي عهد ةمفر‬ ‫غن ص هن وعغئ بعطى اؤالء وترك غحنحياع‪ ،‬قا‬

‫بتأنيي يفهم) بص‪ :‬ن س تقدي ي م حين بحبهم ةحيوعح بكا‪ ،‬بو حين بقدع هوقفهم غنبطويل‪ ،‬بو‬

‫ح‪ ،‬وبن بقدغههم ن سييجم‬ ‫ب غءام غملت ز‪ ،‬ةل عا غن مس بنا وةمل رصغحأ بع‪،‬م بن ق‪،‬وهبم ه‬

‫‪1039‬‬
‫ةرغسييخأ ة د غلسيييم‪ ،‬ون نك بعط هم‪ .‬ا ه غنم‪،‬امه جاءه هنتهى غنوضييو وةدون‬

‫ي ج عي ًا‪.‬‬
‫توعيأ حتى حتل غملشم‪،‬أ ح ً‬

‫غمل ‪،‬وء هن غنموم‪،‬‬ ‫‪،‬اهسي ًا‪ :‬بن غنرسيو ﷺ نفجم بنظاع غحنحياع ة غننظر بيضي ًا ة غننحي‬

‫ا غ او غننظر غنوغق ي‪ ،‬نو كان اناك كوم ِم‪،‬وء ة غننح ي ‪ ،‬ف‪ ،‬س هن غنحييوغم بن تنظر ة‬

‫نحييف غنفاعغ‪ ،‬فتمون شييديد غنتشييا م‪ ،‬ون س هن غنحييوغم بيض ي ًا بن تنظر ة نحييف غمل ‪،‬وء‬

‫ةحييوعح غ وغق أ‪ ،‬نمن غنحييوغم بن تمون هتوغزن ًا وترر غحهر عا‬ ‫فتمون شييديد غنتفا‬

‫فاعغ‪ ،‬ن م بنتم تأ‪ ،‬وغ هن ا غ غملا وهن ا ه غن طايا غنسيخ أ‪،‬‬ ‫ِم‪،‬وء ونحي‬ ‫حق قت ‪ ،‬نحي‬

‫نمن ب تأ‪ ،‬وغ شي ًا؟! ال بنفتم غنن أ فنسي ت واا؟! ب يقدم نمم عسيو غهلل ﷺ شي ًا قبل‬

‫ذنيك؟! ب ينف مم غلسيييم؟! ب تسييتفيدوغ هن غنضييامهمم ة اي غ غنميان غشيدييد غنيدونيأ‬

‫ي كا غ‬ ‫غلسييه أ؟! غنظروغ نظرح هتوغزنأ حتى ال تشي روغ ةان ُيبن بو غنظ‪،‬م‪ ،‬فانرسيو ﷺ‬

‫غنميم عائ ًام ون توث ‪ ،‬ةل ذكر طرف ًا ِما حح‪ ،‬غحنحاع هن غلسيم‪ ،‬و ي كر كل غنن م‪ ،‬ذكر‬

‫غنن م‪ ،‬وكان رصُي ًا و هنتهى غنوضييو ‪ ،‬و يش ي ر ةاحلرج بةد ًغ واو‬ ‫غنن م‪ ،‬ذكر ة‬ ‫ة‬

‫ي د غنن م عا غحنحياع‪ ،‬نمن كان هباا ًغ متام غملبااح نمي تفهم غنناا ةوضيو ها يقحيده‬

‫ﷺ‪.‬‬

‫قا ﷺ ‪( :‬ها هقانأ ة‪،‬يتني عنمم وجدح وجدمتواا عيل بنفسييمم؟ ب جتمم ضيييالً فهدغكم‬

‫غهلل يبن ق‪،‬وهبم؟) اا او ي د غنن م ةمل وضو ‪ ،‬ا ه‬ ‫غهلل‪ ،‬وعي يانأ فأغناكم غهلل‪ ،‬وبعدغ ًء فأن‬

‫ن م ثيث هن ن م كري ح ال ت د وال حتىص‪.‬‬

‫ال ا ه غنن م بثقل بم غملائأ ناقأ غنتي ب‪،‬يييي اا ا غ بو ذغك؟! بح ان ًا عندها يفقد غلنسيان شي ًا‬

‫يفمر ف وينسييى كل ها ندي هن غحشي اء غح‪،‬رر‪ .‬غنرسييو ﷺ ةدب ي د ع‪ ،‬هم ا ه غنن م‪،‬‬

‫وةيدب ةوغحيدح ال ي يد هبيا شء‪( ،‬ب جتمم ضيييالً فهيدغكم غهلل؟) ايل نسيي تم يوم عوتمم‬
‫‪1040‬‬
‫كانجم بحيهمم؟ وك‬ ‫نمسييم‪ ،‬وكنتم تسيجدون حاينام اين ت واا ةأيديمم؟ نسي تم ك‬

‫كانجم نظرغتمم ن‪ ،‬اح ةحييفأ عاهأ؟ نسيي تم غشاا‪ ،‬أ؟! نسيي تم غن ة أ‬ ‫كانجم ح اتمم؟ وك‬

‫غنتق‪،‬تم ةالسييم هن غنظ‪،‬امه ة‬ ‫غلسييه أ نمم يوه ًا ة د يوم‪ ،‬وسينأ ة د سينأ؟! نسي تم ك‬

‫ايياع نمم ذكر وشييأن ن س غشزيرح فقيف‪ ،‬ةل غن ا ب ع‪ ،‬ون س‬ ‫غننوع؟! نس ي تم ك‬

‫زهانمم فقيف‪ ،‬ةل وة يوم غنق اهأ؟! بن سيجم ا ه هماسيك وغق أ؟! (ج جتمم ضييالً فهدغكم‬

‫غهلل؟)‬

‫وبنتم ترة وغ فقيف غر‪،‬رح‪ ،‬نقد غ رتمم غنن م بيضي ًا غندن ا‪( .‬ج جتمم عانأ فأغناكم غهلل؟)‪.‬‬

‫ع‬ ‫ايا بنتم غرن ونيأ يا كيان وهركز وهميانيأ‪ ،‬نمم ج وش انيا وانياك‪ ،‬نمم ه ياهيه هع‬

‫غن رم‪ ،‬نمم غنتحييياعغه هع و غن يا ‪ ،‬نمم وياعح انيا وانياك‪ ،‬نمم اييواله وجواله‪،‬‬

‫وغنائم وغنتحيياعغه‪ ،‬بام غ كان وضيي مم قبل غلسيييم؟! يريرم قبل غلسيييم كانجم هدينأ‬

‫عا يأ ةس طأ جد ًغ‪ ،‬ن س ا تأث عا ح اح غن رم فض ً‬


‫ي عا ح اح غن ا ‪.‬‬

‫غهلل ةني ق‪،‬وةمم؟) بنسيي تم حروةمم غندغه أ؟ بنسيي تم‬ ‫ثم قا ة د ذنك‪( :‬ب جتمم بعدغء فأن‬

‫هيييياء غحوا وغخلزعج غنتي سيانجم بعوغه ًا عا بع‪ ،‬يريرم؟! بنسي تم يوم ة اث؟! بنسي تم‬

‫غنمرغا أ وغحلقد وغنضي نأ غنتي كانجم متأل ق‪،‬وةمم قبل غلسيم؟!‬

‫غمل ‪،‬وء هن غنموم‪ ،‬ف‪،‬امذغ نظرتم ة‬ ‫هن غملؤكد بن غش ع ينس ذنك غحهر‪ ،‬ا غ او غننحيي‬

‫غنفاعغ‪ ،‬وتركتم ا ه غنن م وغلَياة اه؟!‬ ‫غننح‬

‫غحلق قأ ا ه ك‪،‬امه ثق ‪،‬أ جد ًغ وق جم كانحيخر عا بسيامث غحنحياع عه غهلل عنهم وبعضياام‪،‬‬

‫ع هتم ة بع‪ ،‬غنوغقع‪َ .‬يد غحنحيياع ةال بن يقونوغ‪( :‬هلل ونرسييون غملن وغنفضييل)‪ .‬بذا‪،‬تهم‬

‫‪1041‬‬
‫وةشيفا‪ ،،‬هقدع ًغ‬ ‫غنم‪،‬امه وبثق‪،‬تهم غنن م‪ ،‬نمن غنرسيو غحلنون ﷺ نظر ةن هم ة ك وعط‬

‫ملوقفهم‪ ،‬نمن كان ال ةد بح ان ًا بن يمون غن يج هؤمل ًا جد ًغ‪.‬‬

‫غحنحياع ها زغنوغ حانأ اي جم ة د ا ه غنم‪،‬امه‪ ،‬ي ن هم ب هبم هن ذكر بفضيا م عا غندونأ‬

‫غلسيييهيأ‪ ،‬وي ن هم كي نيك غقتنياعهم بن غلسيييم ن يأ ال ي يد يا شء‪ ،‬نمن غنرسييو ع‪،‬ي‬

‫م حنان واار‪( :‬بال و بوين يا ه شيير غحنحاع؟!) ها‬ ‫غنسيم كان هشفق ًا ع‪ ،‬هم جد ًغ‪ ،‬فقا‬

‫‪ ،‬قانوغ‪( :‬ةامذغ نج بك يا عسو‬ ‫ع كم عا ا غ غنميم‪ .‬ع غحنحاع ةأ م جم وةحوه هنخف‬

‫غهلل وهلل ونرسون غملن وغنفضل) بص‪ :‬ن ف ةمل ها ق‪،‬جم‪ ،‬وها ب‪ ،‬ناه بكرير ةمري ِما هنع هنا‪.‬‬

‫ة د ذنك ‪،‬اطبهم ةوس ي ‪،‬أ ب‪،‬رر هن وسييائل عيج هريل ا ه غحزهاه غنمب ح‪ ،‬واي وس ي ‪،‬أ‬

‫عفع غنرو غمل نويأ ن‪،‬طرف ايياحك غحزهأ‪ ،‬وةشيي اعه ةق ت وةقناع ةأن غنقائد هقدع ق ت ‪،‬‬

‫توغضييع واو يرفع جد ًغ هن ق أ غحنحيياع‪( :‬بها‬ ‫وهقدع جهده‪ ،‬وال َي د فضيي‪ . ،‬قا ﷺ‬

‫وغهلل نو ش تم نق‪،‬تم ف‪،‬حدقتم ونحدّ قتم‪ :‬بت تنا هم ة ًا فحدقناك‪ ،‬وخم والً فنحيييرناك‪ ،‬وطريد ًغ‬

‫فآويناك‪ ،‬وعييي يائ ً‬


‫ي فأغن ناك) ةن كان ب ةمم بهيا غحنحيياع ي ن مم هن ذكر فضيي‪،‬مم عيل‪ ،‬بنا‬

‫شييخحيي ًا ال بنمره وال بج ده‪ ،‬ةل بع ف ة وبقدعه‪ ،‬ةي كم تمن اناك ونأ‪ ،‬وةدونمم‬

‫يمن اناك نحييييرح‪ ،‬ايدقت وين ونحييييرمتوين وجويت وين وبغن ت وين‪ ،‬فأحس غحنحياع ح نها‬

‫ة رج شيديد هن ا ه غنم‪،‬امه‪ ،‬و ينطقوغ ةم‪ ،‬أ‪ ،‬فاسيتيل ﷺ ا غ غنحي جم‪ ،‬و ‪،‬ل هبااح‬

‫وس ‪،‬أ ثان أ ‪،‬أ جد ًغ‪ ،‬واي هتوين حجم غخلساعح ع ون غنناا‪ ،‬وا ه غحزهأ غنتي تظنون‬

‫عقأ شيديدح‪( :‬بوجدتم بنفسيمم‬ ‫ب ا بزهأ ن سيجم بزهأ وةنام اي شء يسي جد ًغ‪ ،‬قا ﷺ‬

‫يا ه شييييير غحنحياع ُن َ اعأ هن غندن ا) (ن اعأ) شء يسي جد ًغ (تأنفجم هبا قوه ًا ن سي‪ ،‬وغ‪،‬‬

‫ووك‪،‬تمم ة ةسييهمم)‪ ،‬وة ييييد ذنك ‪،‬ل وسي ‪،‬أ ب‪،‬رر هه أ جد ًغ ة ا وسي ‪،‬أ حتريك‬

‫غحنحاع‪ ،‬وندغء غملشاعر غملرافأ غنتي يت ز هبا غحنحاع‪ .‬قا ‪( :‬بفي ترضون يا ه شييير‬ ‫عوغط‬

‫‪1042‬‬
‫غحنحيياع بن ي اك غنناا ةانشيياح وغنب ‪ ،‬وترج ون ةرسييو غهلل ﷺ ة عحانمم) بص‪ :‬ةن‬
‫كانوغ ام قد كسييبوغ غننو‪ ،‬وغنش ي اه فأنتم قد كسييبتم عسييو غهلل ﷺ } َب ُّص غ ْن َف ِري َق ْ ِ‬
‫ني َ‪َ ْ ،‬ه َقا ًها‬

‫َو َب ْح َس ي ُن ن َِديا{ [هريم‪ .]73:‬ثم بقسييم ﷺ ‪( :‬فوغن ص نفس حم د ة ده نوال غ جرح نمنجم غهر ًب‬

‫هن غحنحياع‪ ،‬ونو سي‪،‬ك غنناا شي ب ًا وسي‪،‬مجم غحنحياع شي ب ًا نسي‪،‬مجم شي ك غحنحياع) ثم ةدب‬

‫ﷺ يدعو قا ‪( :‬غن‪،‬هم غعحم غحنحياع‪ ،‬وبةناء غحنحياع‪ ،‬وبةناء بةناء غحنحياع) فبمى غنقوم حتى‬

‫ب‪،‬ض‪،‬وغ حلاام) غةت‪،‬جم حلاام عه غهلل عنهم وبعضاام ةاندهوث‪.‬‬

‫غنرئ س يي عن كل ب بو ت ك‬ ‫ثم غنوس ‪،‬أ غح‪ ،‬ح اي غنت ك ةار‪،‬رح‪ ،‬اناك س مون غنت وي‬

‫بو ‪،‬سياعح‪ ،‬قا ﷺ ‪( :‬ةنمم ست‪،‬قون ة دص َب َثرح شديدح‪ ،‬فاااوغ حتى ت‪،‬قوين عا غحلو‪،)،‬‬

‫غشنأ ث نها غا ‪ ،‬قد ن طب ح اتنا ننرور هن غحلو‪ ،،‬قيد يؤثرون ع‪ ،‬نا غ نا‪ ،‬فنقبل ط ًا‬

‫ف ام عند غهلل‪ ،‬وقد نب ع غندن ا ةماه‪،‬ها ننشي ص غر‪،‬رح‪( ،‬بال ةن سي‪ ،‬أ غهلل غان أ‪ ،‬بال ةن سي‪ ،‬أ غهلل‬

‫غشنأ) ون نك غحنحياع ة دها سي وغ ا ه غنم‪،‬امه قانوغ ة نتهى غنحيد‪( :،‬عضي نا ةرسيو غهلل‬

‫ﷺ قس ًام وح ًظا) و‪،‬رج غملس‪ ،‬ون هن غحزهأ‪ ،‬ونجم غنرسو ع‪ ،‬غنسيم هنهج غن ةوص‪،‬‬

‫وقبل غحنحاع ة د ا ه غن ة أ بن كل ا ه غنينائم غ ائ‪،‬أ ةنام اي ُن اعأ‪ ،‬وة ا نم نك‪.‬‬

‫ت انوغ ةنيييا ننرغجع غملنهج غن ةوص غننبوص غنباعث ن‪،‬خروج هن هريل ا ه غحزهاه‪ ،‬بزهأ ‪،‬روج‬

‫غملس‪،‬م‪ ،‬واي عرش نقان‪:‬‬ ‫و وعأ هن غشنو هن غنح‬

‫غحو ‪ :‬حل غحزهأ ةرسعأ‪ ،‬وعدم غنتيافل عن غنناع حتجم غنرها ‪ ،‬وعدم غنتسوي ‪.‬‬

‫غنريان أ‪ :‬غحل ‪،‬ونأ ون غنتشاع غحزهأ‪ ،‬وحل غحزهأ هع با‪،‬ها فقيف‪.‬‬

‫ثانري ًا‪ :‬نقاء با ام غحزهأ ةحوعح هبااح ون وساطأ‪.‬‬

‫‪1043‬‬
‫غنرغة أ‪ :‬غنرصغحأ وغنوضو وعغء غنف ل غن ص بغضك با ام غحزهأ‪ ،‬وذكر غنسبك غحلق قي‬

‫ن‪،‬ف ل‪.‬‬

‫غخلاهسأ‪ :‬غننظر ةتوغزن ة غملوضوث‪ ،‬نفجم بنظاع با ام غحزهأ ة ها حح‪،‬وه هن ةَياة اه‪.‬‬

‫غنسا سأ‪ :‬غالع غف ةق أ با ام غحزهأ وفض‪،‬هم وعفع ه نوياهتم‪.‬‬

‫غنساة أ‪ :‬هتوين حجم غخلساعح غنتي ‪،‬رساا با ام غحزهأ ةن كانجم ا نأ‪.‬‬

‫وهشاعر با ام غحزهأ‪ ،‬ة جوغع ةقناث عقو م‪.‬‬ ‫غنرياهنأ‪ :‬حتريك عوغط‬

‫غنتاس أ‪ :‬غندعاء غملخ‪،‬ص م بن ير هم غهلل عز وجل وبن يريبجم بقدغههم‪.‬‬

‫غن ااح‪ :‬غنت ك ةار‪،‬رح‪ ،‬وبن غملرء غندن ا ال ي دم بن خيرس ش ًا ن مسك غش ع‪.‬‬

‫فت‪،‬ك عرشح كاه‪،‬أ‪.‬‬

‫ح ياتنيا ههام تفياق يجم‪،‬‬ ‫وامي غ نرر بن غنسيي ح غننبوييأ هنهج ع يل ن‪،‬خروج هن كيل بزهيأ‬

‫وايد‪ ،‬غنرسيو غنمريم ﷺ حني قا ‪( :‬تركجم ف مم ها ةن متسيمتم ة نن تضي‪،‬وغ ة دص بةد ًغ‪،‬‬

‫كتام غهلل وسينتي) هع غن ‪،‬م بن ا ه غنوسيائل غن شييي ير ها كان ا بةد ًغ بن ودص نوال بن ق‪،‬وم‬

‫غحنحياع خم‪،‬حيأ‪ ،‬وبن عجأ ةيام م عان أ‪ ،‬وبن اييييدفهم غشنأ‪ ،‬وبن ح اهتم ةماه‪،‬ها كانجم‬

‫سب ل غهلل‪.‬‬

‫ج‪،‬رين‪ ،‬وح‪،‬جم‬ ‫وغسي‬ ‫ﷺ ق‪،‬وم غنب‬ ‫غنتهجم قحيأ غنينائم عا ‪ ،‬وغحل د هلل‪ ،‬فأن‬

‫كل غحزهاه‪ ،‬وكانجم ا ه غحيام هن بس د بيام غملس‪ ،‬ني غنف ح غننبويأ‪.‬‬

‫‪1044‬‬
‫قدوم وفد اوغزن هس‪ً ،‬ام‬

‫ة د غنتهاء توزيع غنينائم ةماه‪،‬ها وعضا كل فري ةام ب‪ ، ،‬سوغء هن غشزء غنرئ س يي هن غنين أ‬

‫‪ ،‬ة يد غنتهياء اي غ غنتوزيع حيدثيجم هفياجيأح ضييخ يأ غ‬ ‫بو هن غخل س غني ص وايك ن‪،‬ب‬

‫هتوق يييأ‪ ،‬جاء وفد هن قب ‪،‬أ اوغزن بو ةانت ديد هن ةطون ةني نحيييير وةني سي د وكل ةطون‬
‫ًا ة وغ ص ِ‬
‫غش ّ رغنأ‪.‬‬ ‫‪ ،‬جاءوغ‬ ‫اوغزن غح‪،‬رر ةاستريناء قب ‪،‬أ ثق‬

‫ملاذغ جيييياءوغ ة ا غ غملمان غرن؟ اييييل جاءوغ ن‪،‬تهديد وغنوع د‪ ،‬بم جاءوغ ن‪ ،‬فاوضياه هع‬

‫غنرسييو ﷺ ‪ ،‬بم جياءوغ نت يدييد هوعيد جيدييد ن‪،‬قتيا وغنرييأع؟ ييأتوغ ي غ ك‪،‬ي ‪ ،‬وةنام جياءوغ‬

‫نمسييم‪ ،‬جاء وفد اوغزن ي ‪،‬ن ةسييه ةني يدص عسيو غهلل ﷺ ‪ ،‬وكان غنوفد همون ًا هن بعة أ‬

‫كام ق‪،‬نا‪ .‬وجدوغ بنفسهم ‪،‬سيييروغ كل‬ ‫عرش نفر ًغ‪ ،‬ي ري‪،‬ون ةطون اوغزن غملخت‪،‬فأ ةاستريناء ثق‬

‫شء‪، ،‬سيييروغ نساءام وبةناءام وبهوغ م وبن اههم‪، ،‬سيييروغ حارضام وس خرسون بيض ًا‬

‫هع‬ ‫هسيتقب‪،‬هم ةن ام ةقوغ عا غنشييي يرك‪ ،‬وهري‪،‬ام ذكرنا قبل ذنك ب م كانوغ قد فروغ ة غنطائ‬

‫‪ ،‬وها غسييتطاعوغ غخلروج حلرم غملسيي‪ ،‬ني‪ ،‬وكان بهاههم ة د فقد كل ا ه غمل ت‪،‬ماه بن‬ ‫ثق‬

‫غنطيائ ‪ ،‬كيان هوقفهم ايي بي ًا‬ ‫يفقيدوغ بيضيي ًا يياعام‪ ،‬وي شييوغ ع رام الج ني عنيد ثق‬

‫جد ًغ‪ ،‬ففمروغ نو ب م عا وغ ة عسو غهلل ﷺ فقد يقبل هنهم ةسيههم‪ ،‬وقد ي د ةن هم ة‬

‫غمل ت‪،‬ماه‪ ،‬ووغضييم جد ًغ ب م يأتوغ حب ًا غلسيييم‪ ،‬نمن ه ظم غن ين يد‪،،‬ون غلسيييم‬

‫حجل شء ن وص ُيبون ة د ف ح هن غنزهان تقحيييير بو تطو ‪ ،‬فهم غننهايأ ة د بن ي شيوغ‬

‫غلسيم س ش رون ةق ت ‪.‬‬

‫ج‪،‬س وفد اوغزن هع غنرسييو ﷺ وبع‪،‬نوغ ةسيييههم‪ ،‬ثم قانوغ‪( :‬يا عسييو غهلل ةنا باييل‬

‫ع‪ ،‬ك‪ ،‬فاهنن ع‪ ،‬نا ه ّن غهلل ع‪ ،‬ك) ثم قام ‪،‬ط بهم‬ ‫وعشيي ح‪ ،‬وقد بايياةنا هن غنبيء ها خي‬

‫‪1045‬‬
‫زا ةن رص فقا ‪( :‬يا عسييو غهلل ةنام غحلظائر هن غنسييبايا ‪،‬االتك وحوغضيينك غنييت كن‬

‫يمف‪،‬نك ) ي ني هنهم ةنو س د غن ين بعض وغ غنرسو ﷺ ثم بنشد ش ر ًغ كان هن ‪:‬‬

‫فننك غملرء نرجوه وننتظر‬ ‫غهنن ع‪ ،‬نا عسو غهلل كرم‬

‫غايأ غحلرج‪ ،‬اا اي غنقب ‪،‬أ غنضييخ أ‬ ‫هريل ا غ؟ غملوق‬ ‫هوق‬ ‫فامذغ يف ل غنرسييو ﷺ‬

‫اوغزن تيأيت نت ‪،‬ن ةسيييههيا‪ ،‬وكام ذكرنيا ب م هيا بتوغ حبي ًا غلسيييم‪ ،‬ونمنهم جياءوغ ح م‬

‫‪،‬رسيوغ كل شء‪ ،‬و ي د بهاههم هن سيب ل ةال بن يسي‪ ،‬وغ‪ ،‬ف سي وغ شي ًا هن ِمت‪،‬ماهتم‪ ،‬فامذغ‬

‫ُييدث ةن ت يد م نسيييا ام وبهوغ م؟ ةن ع هتم حمت ‪،‬يأ جيد ًغ‪ ،‬ةيل اي غحغ‪،‬يك‪ ،‬واي غ او‬

‫قسييم كيل شء غنينيائم عا غش ب‪ ،‬بعة يأ بسياا‬


‫غملتوقع‪ ،‬نفس غنوقيجم غنرسييو ﷺ ّ‬
‫غنينيائم تقسيي يجم عا بفرغ غش ب غن يام‪ ،‬وقسييم كي نيك غخل س غملتبقي عا سيييا ح غنقبيائيل‬

‫وغنزعامء وط‪،‬قياء هميأ وغ ام هن غملؤنفيأ ق‪،‬وهبم‪ ،‬فيانرسييو ﷺ بعطى اي ه غن طياييا ن تيأن‬

‫ق‪،‬وم غننياا‪ ،‬نو ب‪،‬ي هنهم اي ه غحشييياء فقيد يرتيدون عن غلسيييم‪ ،‬فامذغ ي يل؟ او يرييد‬

‫غخلروج هن اي ه‬ ‫ةسيييم اوغزن‪ ،‬و نفس غنوقيجم يرييد ثبياه بايل هميأ وزعامء غنقبيائيل‪ ،‬ك‬

‫غحزهأ؟‬

‫غس جاث سبي اوغزن هن غملس‪ ،‬ني‬ ‫‪،‬طوغه غنرسو ﷺ‬

‫ت انوغ نننظر ة غملنهج غلسييهي غن ص عبيناه هن حب بنا ﷺ حلل هريل ا ه غمل ضي‪،‬أ‪ ،‬فقد حترك‬

‫ثيث ‪،‬طوغه عغئ أ‪:‬‬ ‫غنرسو ﷺ‬

‫غنطري ‪ ،‬ن س هن غمل من بن‬ ‫غخلطوح غحو ‪ :‬حيييياو بن يحيل هع اوغزن ة حل هنتحي‬

‫يرجع م كيل شء‪ ،‬وحياو بن يحييل ه هم ة بكا تنياز ِممن‪ ،‬ة يث يقب‪،‬ون ةي هع ثبياهتم‬

‫وضو ‪( :‬بةنا كم ونسا كم بحك ةن مم بم بهوغنمم؟) حتى‬ ‫مﷺ‬ ‫عا غلسيم‪ ،‬فقا‬

‫‪1046‬‬
‫عوغيأ غنبخاعص يقو ‪( :‬بحك غحلديث ةيل باييدق ‪ ،‬فا‪،‬تاعوغ ةحدر غنطائفتني‪ :‬ةها غنسييبي وةها‬

‫غملا ‪ ،‬وقد كنجم غسيتأن جم هبم) بص‪ :‬بنا ب‪،‬ييييره توزيع غنينائم ن ‪،‬مم تأتون‪ ،‬نمنمم تأ‪،‬رتم‪،‬‬

‫ق‪،‬وهبم‪ .‬انا يتحييييرف غنرسيو ﷺ ةوضيو وةت قل وةوغق أ‪ ،‬ال‬ ‫واو هب غ ُياو بن ي‪،‬ط‬

‫ينييييدفع ة اطفت ة بهر قد ال يقدع ع‪ ، ،‬ون ن ال ةد بن نيحظ بن غنسيبي وغحهوغ ن سيجم‬

‫بهوع ًغ هس يروقأ بو هنهوةأ هن اوغزن‪ ،‬وةنام اي ح ن‪ ،‬س‪ ،‬ني‪ ،‬وتط‪،‬ك اوغزن بن يتناز عنها‬

‫غملسيي‪ ،‬ون كره ًا هنهم‪ ،‬فانرسييو ﷺ ‪ ،‬ام ةني غنسييبي بو غملا ‪ ،‬فامذغ كان ع ف ل اوغزن؟‬

‫ةن نا نسيياءنا وبةناءنا‪،‬‬ ‫كانوغ وغق ني‪ ،‬قانوغ‪( :‬يا عسييو غهلل ‪ ،‬تنا ةني بهوغننا وبحسيياةنا‪ ،‬ف‪،‬‬

‫فهو بحك ةن نا) فا‪،‬تاعوغ غنسبي ون غحهوغ ‪ ...‬نج جم غخلطوح غحو‬

‫غخلطوح غنريان أ‪ :‬ةشيي اع اوغزن بن عسييو غهلل ﷺ شييخحيي ًا ه هم ق‪،‬ب ًا وقانب ًا‪ ،‬وبن هت اط‬

‫قحياعر جهده‬ ‫ه هم ة بقحييي يى عجأ‪ ،‬وسيوف يضي ي او شيخحي ًا هن بج‪،‬هم‪ ،‬وسي ب‬

‫‪،‬ند‪،‬‬ ‫السي غ غنسييبي هن بفرغ غش ب غلسيييهي‪ ،‬بص‪ :‬بن غنرسييو ﷺ وضييع نفسي‬

‫اوغزن‪ ،‬واياع هدغف ًا عن قضي تهم‪ ،‬وال شيك بن غنرسيو ﷺ قد ثبجم بقدغههم هب غ غن ر‪،،‬‬

‫م ور ‪( :‬بهيييييا ها كان يل ونبني عبد غملط‪،‬ك فهو نمم) بص‪ :‬بنا هتناز عام كان‬ ‫فقد قا‬

‫نحي بي هن غنسييبي‪ ،‬وةحييفتي ع د ن ائ‪،‬أ عبد غملط‪،‬ك فسييوف بط‪،‬ك هنهم ع غنسييبي غن ص‬

‫ب‪،‬ييي وه هنمم‪ ،‬نمن نفس غنوقجم بنا ال بستط ع بن بجا ةق أ بفرغ غش ب عا ع ها ه هم‪،‬‬

‫ةوغق أ غن طاء عند عسييو غهلل ﷺ ‪ ،‬او ي د ةال ةام‬ ‫نمني سييأحيييياو ‪ .‬انا نجد ها نس ي‬

‫يسيتط ع‪ ،‬وكان كري ًام وغسيع غنمرم ﷺ ‪ ،‬تناز عن نحي ب وبقنع ةني عبد غملط‪،‬ك ةانتناز عن‬

‫ي يف ها ال ي ‪،‬ك‪.‬‬ ‫حقوقها‪ ،‬نمن‬

‫غخلطوح غنريانريأ ‪،‬طوح اائ‪،‬أ ه ا‪،‬أ‪ ،‬ال بعتقد بن ا هري ً‬


‫ي تييياعيخ غحع‪ :،‬غتف غنرسيو ﷺ‬

‫اونأ نط فأ بهام غملس‪ ،‬ني‪ ،‬يقنع ف ها بفرغ غش ب غملس‪،‬م ةنعا ح غنسبي‬ ‫هع اوغزن عا غنق ام ة‬

‫‪1047‬‬
‫ف ها ا غ غشهد هن بجل قب ‪،‬أ كانجم حتاعة هن‬ ‫ة اوغزن‪ .‬ا ه غمل اونأ هن غنرسو ﷺ يب‬

‫شيهرين فقيف‪ ،‬ةل كانجم حريحيأ متام غحلرص عا غسيت حيان وباي اة ‪ .‬نقنهم غنرسيو ﷺ ها‬

‫يقونون متاه ًا ةان‪،‬فظ‪ ،‬قا ﷺ ‪( :‬ةذغ اي‪ ،‬جم غنظهر ةانناا فقوهوغ وقونوغ ن‪،‬ناا‪ :‬ةنا نسيتشيفع‬

‫ةرسيو غهلل ة غملسي‪ ،‬ني وةاملسي‪ ،‬ني ة عسيو غهلل بةنائنا ونسيائنا‪ ،‬فسيأعط مم عند ذنك‪،‬‬

‫غنسبي وح ةني عبد غملط‪،‬ك ة ن‬ ‫وبسأ نمم)‪ .‬الحظ غن ظ أ غننبويأ‪ ،‬او يتناز عن حق‬

‫وة يييينهم فقيف‪ ،‬ةل بعغ بن يمون ذنك غحهر غن ‪،‬ن‪ ،‬ن قتدص ة ةق أ غملسي‪ ،‬ني ف تنازنون عن‬

‫غنسيبي غن ص ه‪،‬موه‪ ،‬ثم ةن ي ‪،‬م وفد اوغزن بنفاو ًا ترق هن هشياعر غملسي‪ ،‬ني‪( :‬ةنا نسيتشيفع‬

‫ةرسييو غهلل ة غملسيي‪ ،‬ني‪ ،‬وةاملسيي‪ ،‬ني ة عسييو غهلل) وانا غنرسييو ﷺ سيي قبل شييفاعأ‬

‫غملسي‪ ،‬ني‪ ،‬ون س هن غمل قو بن غملسي‪ ،‬ني نن يقب‪،‬وغ ةشيفاعأ غنرسيو ﷺ ‪ ،‬ثم ةن غنرسيو ﷺ‬

‫يؤكد م عا وغق أ غنط‪،‬ك‪ ،‬ينحي هم بال يط‪،‬بوغ غحهوغ وغنشي اح‪ ،‬وةنام يط‪،‬بون غنسيبي فقيف‬

‫نمي ال يحي بوغ غحهر عا غملسي‪ ،‬ني فتفشيل غمل اونأ‪ ،‬وفو‪ ،‬كل ذنك وعد غنرسيو ﷺ وفد‬
‫اوغزن بن س سأ ةنفس غملس‪ ،‬ني ب م يرج ون غنسبي ة اوغزن‪ِ .‬‬
‫الحظ هدر غنرقي وغنتوغزن‬

‫وغنت اهل غحلضيياعص هن عسييو غهلل ﷺ ‪ ،‬فهو هع كون زع م غحهأ غلسيييه أ وعئ س غندونأ‬

‫وغنرسيو غملطاث ﷺ ‪ ،‬ةال بن ال يريد بن َيا غملسي‪ ،‬ني عا عبص يرر بن ال َيوز ن تأه م ها ال‬

‫ي ‪،‬يك‪ ،‬وبن اي غ ح غمليانمني غرن‪ ،‬ون س ني ‪،‬يل في ‪ ،‬ةنام سيييد‪،‬يل غنقضيييأ عا اييوعح‬

‫شيف ع بو وسي يف يريد غخل ةحيد‪ ،‬ن‪،‬طرفني‪ .‬ال جاء غنتاعيخ ك‪ ،‬شي ًا هريل ا غ؟! وعظ أ‬

‫غنقحأ‪.‬‬ ‫تنت ة د‪ ،‬ها زغ اناك فحو‬ ‫غملوق‬

‫غملس‪ ،‬ني هن ط‪،‬ك غنرسو ﷺ هنهم ةعجاث سبي اوغزن‬ ‫هوق‬

‫ملا اييا غنرسييو ﷺ غنظهر ةاملسيي‪ ،‬ني‪ ،‬ثم كام او هتف ع‪ ،‬هع اوغزن‪ ،‬قييييام وفد اوغزن‬

‫ًا‪ ،‬وكأ م َي‪،‬سيوغ هع غنرسيو ﷺ قبل ذنك‪ ،‬وقانوغ هريل ها نحي هم‬ ‫خياطك غملسي‪ ،‬ني‬

‫‪1048‬‬
‫غنرسييو ﷺ متاه ًا‪ ،‬قانوغ‪( :‬ةنا نستشفع ةرسو غهلل ة غملس‪ ،‬ني‪ ،‬وةاملس‪ ،‬ني ة عسو غهلل‪،‬‬

‫بةنائنا ونسييائنا) فقام ﷺ قاة ً‬


‫ي شييفاعأ غملسيي‪ ،‬ني وقا ‪( :‬بها ها كان يل ونبني عبد غملط‪،‬ك فهو‬

‫نيييمم) وكأن ا غ غنميم حو هرح يقون ‪ ،‬فانرسو ﷺ قام ةام ينبيي ع‪ ،‬واه اوغزن‪ ،‬وةقي‬

‫بن يقوم غملسي‪ ،‬ون ةر سيب هم كام ف ل ﷺ وبن يقب‪،‬وغ ةشيفاعت كام قبل او ةشيفاعتهم‪ ،‬نمن‬

‫وغف وغنب‬ ‫ت يانوغ ننر ع ف يل غملسيي‪ ،‬ني‪ ،‬وغحلق قيأ بن ع غملسيي‪ ،‬ني كيان هتبيايني ًا‪ ،‬فيانب‬

‫‪.‬‬ ‫عف‬

‫قام غملهاجرون فقانوغ‪ :‬ها كان ننا فهو نرسو غهلل ﷺ ‪ ،‬بص‪ :‬ن طي عسو غهلل ﷺ هط‪ ،‬غحلريأ‬

‫غنتحييرف ف ‪ ،‬وةانتايل س ُ ة اوغزن سب هم‪ ،‬وقام غحنحاع ك نك وقانوغ‪ :‬ها كان ننا فهو‬

‫نرسييو غهلل ﷺ ‪ ،‬و ذنيك نيل عا بن غملهياجرين وغحنحيياع ب‪،‬ي وغ هن غنينيائم‪ ،‬وةال هياذغ‬

‫سيي دون؟ فوغضييم ب م ب‪ ،‬وغ بعة أ بساا غنين أ‪ ،‬وغرن ي دون ها ب‪ ،‬وه‪ ،‬فه غ سييبي‬

‫بع د هن قسييم اام هن بقسييام غش ب هن غملهاجرين وغحنحيياع‪ ،‬نمن تبقى بقسييام كب ح هن‬

‫وس ي‪ ،‬م‪،‬‬
‫غش ب و‪،‬ااييأ غحعرغم ح م غانك غش ب‪ ،‬وام غحسيياا قبائل مت م وفزغعح ُ‬
‫فقام غحقرث ةن حاةس زع م ةني مت م وقا ‪ :‬بها بنا وةنو مت م في‪.‬‬

‫وقام ع نأ ةن ححن زع م ةن فزغعح وقا ‪ :‬وبها بنا وةنو فزغعح في‪.‬‬

‫وقام غن باا ةن هر غا زع م ةني س‪ ،‬م وقا ‪ :‬وبها بنا وةنو س‪ ،‬م في‪.‬‬

‫ا ه ثيث هشيياكل كب ح‪ ،‬فقاهجم ةنو سيي‪ ،‬م وقانجم‪ :‬ها كان ننا فهو نرسييو غهلل ﷺ بص‪ :‬ةنو‬

‫سي‪ ،‬م عفضيجم كيم زع هم غن باا ةن هر غا وقانجم‪ :‬سين د غنسيبي هع عسيو غهلل ﷺ ‪.‬‬

‫ا ه غنقبائل غنرييث ُيتاج ة وقفأ وحت‪ ،‬ل‪.‬‬ ‫هوق‬

‫‪1049‬‬
‫قب ‪،‬أ مت م وفزغعح عفضيتا ةعا ح غنسيبي ة اوغزن‪ ،‬ة نام قب‪،‬جم قب ‪،‬أ سي‪ ،‬م‪ ،‬فبق جم هشيم‪،‬تان بهام‬

‫قد يؤثر‬ ‫قب ‪،‬أ فزغعح ومت م ةعا ح غنسيبي‪ ،‬وا غ غملوق‬ ‫غنرسيو ﷺ ‪ :‬غملشيم‪،‬أ غحو ‪ :‬اي عف‬

‫عا ةسيييم اوغزن‪ ،‬وغملشييم‪،‬يأ غنرييانيأ‪ :‬غخليف غني ص وهر ةني عبص غن بياا ةن هر غا زع م‬

‫قب ‪،‬أ س‪ ،‬م وةني بفرغ غنقب ‪،‬أ‪.‬‬

‫ي س‬ ‫قب ‪،‬تي فزغعح ومت م ةعا ح غنسبي‪ ،‬فانرسو ﷺ‬ ‫بها غملشم‪،‬أ غحو ‪ :‬واي هشم‪،‬أ عف‬

‫هن ذنك غحهر‪ ،‬نمن غننظرح ها يأ ة تأ عند مت م وفزغعح‪ ،‬ون نك ‪،‬ل ه هم غنرسييو ﷺ‬

‫هسيياوهيأ هيا ييأ وياعييأ تنياسييك طب تهم اي ه غملرح‪،‬يأ‪ ،‬فميان ﷺ وغق ي ًا ة بة يد عجيأ‪،‬‬

‫ي ُ‪ ،‬هم عا ب م يقب‪،‬وغ شيفاعت حن ا غ حقهم وعفضيوغ بن يتنازنوغ عن ‪ ،‬ون س ايييي غ بهر ًغ‬

‫م‪( :‬بها هن متسييك هنمم ة ق هن ا غ غنسييبي ف‪ ،‬ةمل ةنسييان يتناز‬ ‫هباا ًغ هن ﷺ ‪ ،‬فقا‬

‫هن بو شء نح ب )‪.‬‬ ‫عن هن غنسبي سجم فرغئ‬

‫غ غملوق ؟! بنا وغهلل ال بجد ن هري ً‬


‫ي ةال‬ ‫هشيياة‬ ‫سييب ان غهلل! ال وقع غنتاعيخ ك‪ ،‬هوق‬

‫هوقف ﷺ هن ط‪،‬قاء همأ‪ .‬غنرسيو ﷺ سي دفع م ق أ ها عندام هن غنسيبي هضياعف ًا سيجم‬

‫هرغه هن بو سيبي ُيحيل ع‪ ،‬غملسي‪ ،‬ني ة د ذنك‪ ،‬يدغفع عن اوغزن وكأ ا بقرم غحقرةني‬

‫ةن ﷺ ‪ ،‬هع ب ا تسي‪،‬م ةال هن سياعأ هن غنزهان‪ ،‬وقب‪،‬ها كانجم هن بند بعدغئ ﷺ ‪ ،‬سي يرم‬

‫غندونأ غلسييه أ سيتأ بضي اف ق أ غنسيبي هن بجل غحلفا عا عق دح اؤالء غنقوم غشد ‪،‬‬

‫فهو يتفاو‪ ،‬هع ج شي ن دوغ غنسيبي وغزن ال يوج م بهر ًغ حن ي ‪،‬م بن ذنك حقهم‪ .‬او‬

‫ﷺ يفهم طب أ غننفس غنبشييي يريأ‪ ،‬ويفهم حدو غن د ‪ ،‬ويفهم بسيس غنق ا ح‪ ،‬ويفهم قوغعد‬

‫غل غعح‪ ،‬ويفهم طر‪ ،‬غحلمم‪ ،‬ويفهم فنون غنت اهل هع غنناا ةحيفأ عاهأ‪ .‬ةن ةي جدغ ة ر ال‬

‫ساحل ن ‪ ،‬وقدوح ال هري ل ا‪ ،‬هن غملست ل بن ن يف ة ظ ت ﷺ ‪ ،‬ونو قض نا غحعامع حت‪ ،‬ل‬

‫غنس ح غننبويأ‪.‬‬

‫‪1050‬‬
‫هاذغ ف ‪،‬جم مت م وفزغعح ةزغء ا غ غن ر‪ ،‬غمليرص هن عسييو غهلل ﷺ ؟! نقد قبييي ي‪،‬جم غنقب ‪،‬تان‬

‫ةانمييييياهل ةعا ح غنسييبي ة اوغزن‪ ،‬ونجم غن ر‪ ،‬غننبوص غخلروج هن غحزهأ‪ ،‬وعا كل‬

‫بن يرج ها بو‬ ‫غنسييبي ة اوغزن‪ ،‬ةال عجوز ًغ كانجم يد ُع نأ ةن ححيين غنفزغعص عف‬

‫ع غنسييبي ة‬ ‫غحهر ك د ًغ وغزن‪ ،‬ثم بعا اا ة د ذنك‪ ،‬وة نك ح‪،‬جم غملشييم‪،‬أ غحو ‪ ،‬وعا‬

‫اوغزن‪.‬‬

‫غملشيم‪،‬أ غنريييييان أ‪ :‬بن اناك ت اعضي ًا ةني عبص زع م غنقب ‪،‬أ وةني هوع غحتباث هن غنقب ‪،‬أ‪ .‬ا غ‬

‫غنسيبي ح شيخحييييي نمل فر ‪ ،‬ن س حق ًا عاه ًا ن‪،‬قب ‪،‬أ‪ ،‬ة نى بن نو غع ‪ ،‬فر بو غثنان بو‬

‫بكرير هن بفرغ غنقب ‪،‬أ ها جاز انا بن نقو ‪ :‬عبص غحغ‪،‬ب أ بو غنشيوعر تقضييييي ة نك فنأ‪ ،‬هن‬

‫غنسبي‪ ،‬ال‪ ،‬ا غ حق وِممن بن يت سك ة ‪ ،‬ن نك ال ةد هن هوغفقأ شخح أ هن كل وغحد‪.‬‬

‫ج‪،‬ر عغئع هن هوغقف ﷺ ‪-‬وكل هوغقف ﷺ عغئ أ‪، -‬طك ع وم غملسيي‪ ،‬ني وقا‬ ‫هوق‬

‫م كام جاء عوغيأ غنبخاعص عن غملسيوع ةن خمرهييييأ عه غهلل عن قا ‪( :‬ةنا ال ندعص هن بذن‬

‫هنمم ذنك ِمن يأذن‪ ،‬فاعج وغ حتى يرفع ةن نا ُعرفا كم بهركم)‪ .‬سيي قوم ة سييم شيياهل‬

‫ق ن‪،‬ج ب غلسيييهي نمي ي ‪،‬م عبص عاهأ غننياا‪ ،‬ف يا ةن غن رفاء ة د بن ك‪ ،‬وغ غنناا‪،‬‬

‫وب‪،‬اوه ﷺ بن غنناا قد ط بوغ وبذنوغ‪ ،‬بص‪ :‬طاةجم نفوسييهم ة نك‪ ،‬وبذنوغ عو ح غنسييبي‬

‫عن ط ك ‪،‬اطر‪ ،‬وا غ هنتهى غن د ‪.‬‬

‫ة نك غنتهجم هشييم‪،‬أ اوغزن تقريب ًا‪ ،‬و ‪،،‬جم غلسيييم ةنفس عغض ي أ‪ ،‬وقد ت قنجم ب ا تت اهل‬

‫ف ً‬
‫ي هع عسو ون س هع ور زع م بو قائد‪.‬‬

‫ة د‪ ،‬ن س ا ايأ كام ق‪،‬نا‪ :‬ةن عسييو غهلل‬ ‫ال وقفجم غن ظ أ غننبويأ عند ا غ غحلد؟ ال‪ ،‬تق‬

‫ﷺ ال ساحل ن ‪.‬‬

‫‪1051‬‬
‫غنرسو ﷺ هن هانك ةن عوف غننرصص ة د ةسيم قب ‪،‬ت اوغزن‬ ‫هوق‬

‫‪ ،‬نس‬ ‫ةقي قحيأ اوغزن فحيل عج ك جد ًغ ُيتاج ة وقفأ وحت‪ ،‬ل وغسيتفا ح‪ُ ،‬يتاج بن ن‬

‫م‪ :‬ا غ او قيييييدوتنا ﷺ ‪ ،‬فأص قدوح‬ ‫ًا ننقو‬ ‫فقيف ن‪ ،‬سيي‪ ،‬ني‪ ،‬ونمن ة بال غحع‪،‬‬

‫بن هانك ةن عوف غننرصص غنزع م غنشام‬ ‫تتب ون؟! ا غ غنفحيل غن ج ك او بن ﷺ غكتشي‬

‫بن‬ ‫قائد اوغزن غن ص ع غش وث ن‪ ،‬رم‪ ،‬وغن ص كان يريد بن يسيتأايل غملسي‪ ،‬ني‪ ،‬غكتشي‬

‫ن س هع غنوفيد غملفياو‪ ،،‬واو زع م غننياا و ييأه ه هم‪ ،‬و يسيي ع عني ك‪ ،‬يأ‪ ،‬فسييأ عني ‪،‬‬

‫عغئع‬ ‫هوق‬ ‫خيشيى عا نفسي هن غنقتل‪ ،‬فقام ﷺ‬ ‫ححيون ثق‬ ‫غنطائ‬ ‫فقانوغ ن ‪ :‬ةن‬

‫غنرغئ أ غنسياةقأ فقا ‪( :‬ب‪،‬اوغ هيي يانم ًا بن ةن بتاين هسي‪ً ،‬ام ع ه ع‪ ،‬با‪،‬‬ ‫ال يقل عن غملوغق‬

‫وهان ) بص‪ :‬ن س بايي‪ ،‬فقيف‪ ،‬وةنام با‪ ،‬وهان ‪ ،‬ثم قا ‪( :‬وبعط ت هائأ هن غلةل) ال ترون كم‬

‫او عظ م ﷺ ؟!‬

‫نقد كان غ دف غحسيي ى ح اح غنرسييو ﷺ ادغيأ غنناا نرم غن املني سييب ان وت ا ‪،‬‬

‫ييك عن ذان ا غ‬ ‫غننظر عن تاعخيهم وعن عدغوهتم غنسياةقأ ن ون‪ ،‬سي‪ ،‬ني‪ ،‬فهو ﷺ‬ ‫ةي‬

‫غ دف فهو حتى هع هانك ةن عوف ها زغ ُيرص عا ةسيييه وادغيت ‪ .‬غنرسييو ﷺ قائد‬

‫حمنك حم م ورم‪ ،‬يقدع غحهوع ة م أ‪ ،‬ويزن غحشخاص ة زغن غن اك بو ب ‪ ،،‬فيامنك ةن‬

‫عوف غننحييرص ال قوح ال يستهان هبا‪ ،‬وال ي من بةد ًغ بن تتجاال‪ ،‬فهو عجل غستطاث بن َي ع‬

‫هقاتل‪ ،‬وغسييتطاث بن يقن هم بن يض ي وغ ةمل ثروغهتم هن بجل‬ ‫وُيرك بكرير هن ‪ 25000‬بن‬

‫‪ ،‬وثق‬ ‫ثق‬ ‫بهر ‪،‬ط ف يً‪ ،‬و‪،‬اايأ بن‬ ‫قضي أ ها‪ ،‬فوجو ا غ غنرجل ‪،‬اعج غنحي‬

‫غ‪،‬ل‬ ‫ينقطع عن غملسي‪ ،‬ني‪ ،‬ووجو شيخحي أ ‪،‬ط ح هريل ا ه‬ ‫ُتسي‪،‬م ة د‪ ،‬و‪،‬طر ثق‬

‫بهر ال ُتؤهن عوغقب ‪ ،‬ثم ةن ا غ غنرجل غسيتطاث حتريك غش وث غنمري ح هن بجل‬ ‫ححيون ثق‬

‫غلسييم‪ ،‬فامذغ سي حيل نو غنضيم ا غ غنقائد‬ ‫قضي أ قبائ‪ ،‬أ تافهأ ةانق اا ة بادغف غنقتا‬

‫‪1052‬‬
‫ي سيب ل غهلل ةدالً هن بن يمون‬
‫غخلط ة ايفوف غش ب غملسي‪،‬م؟ هاذغ سي ف ل نو بايبم هقات ً‬

‫هقات ً‬
‫ي سييب ل اوغزن؟! ن نك حرص غنرسييو ﷺ كل غحلرص عا ةسيييه ‪ ،‬وحرص‬

‫نفس غنوقجم عا حفظ كرغهت ‪ ،‬فرفع ق ت فخحي ةوضيع غ غنناا‪، ،‬حي ةنعا ح غملا ن هع‬

‫غنق‪،‬ك حن غنرسيو‬ ‫غحال‪ ،‬ون س فقيف غحال‪ ،‬ووعد ةنعطائ هائأ هن غلةل كنوث هن تأن‬

‫ﷺ ي ‪،‬م بن ةسييم اوغزن رضةأ كب ح جد ًغ نييييامنك ةن عوف ‪ ،‬وهع ذنك ُير بن يمسيييير‬

‫ه نويات ‪ ،‬و ير بن ي ن وبن ي ه ةانضامم جنو ه ة ج ب غملس‪ ،‬ني‪ ،‬وةنام عر‪ ،‬ع‪ ،‬عرض ًا‬

‫هيري ًا جد ًغ‪ ،‬واو ي ‪،‬م بن وضيع هانك غرن بايبم اي ب ًا ن‪،‬يايأ‪ ،‬وهن ثم فتم ن ةام غنرجوث‬

‫ونييييأ غلسيييم‪ .‬ا ه اي غحلم أ‪ ،‬نو تريد بن ت رف هاذغ ت ني ك‪ ،‬أ‬ ‫ة غهلل‪ ،‬وغالنضييامم ة‬

‫حم أ غ عا س ح غنرسو ﷺ ‪.‬‬

‫وايل غخلا ة هانك غنطائ ‪ ،‬وكام توقع غنرسيو ﷺ كان وضيع هانك اي ب ًا جد ًغ شيديد‬

‫‪ ،‬فقد بايبم وضي هم هأز‪، ،‬ط ‪ ،‬كتك‬ ‫غنحي وةأ‪ ،‬كان يتخوف عا نفسي هن قب ‪،‬أ ثق‬

‫غنحي ك‪ ،‬فأايبم‬ ‫ع‪ ،‬هم بن ُُيحييي يروغ هدينتهم‪ ،‬وهانك او غن ص وضي هم ا غ غملوق‬

‫غايأ غحلرج‪،‬‬ ‫‪،‬ييييائف ًا هنهم‪ ،‬وهانك ي د ندي بتباث‪ ،‬فقد بسيي‪ ،‬جم قب ‪،‬ت ‪ ،‬وباييبم هوقف‬

‫فجاءه عوح غنرسيو ﷺ هنق ح ن هن بزهأ ‪،‬ط ح‪ ،‬جاءه ا ه غندعوح نتخرج هن هوق‬

‫هانك ةن عوف حلظأ و يفمر كري ًغ‪ ،‬ةل برسث هن فوعه ة نقاء‬ ‫ال ُيسد ع‪ ، ،‬وةانف ل ي‬

‫غنرسيو ﷺ وبع‪،‬ن ةسييه ةني يدي ‪ ،‬ال يوجد بحد غندن ا كان يتوقع نت جأ هريل ا ه ة د‬

‫شهرين هن هوق أ حنني؟! بعبيتم غملنهج غلسيهي غنت اهل هع غنبرش؟!‬

‫بص قيييائد غ غنرسيو ﷺ ِمن ال ينهج ج يمون مه غحو ة د غننحيييير غنب ث عن قوغ‬

‫عدوه‪ ،‬نمي ُيمم ع‪ ،‬هم ةاحلبس‪ ،‬بو ةاننفي‪ ،‬بو ةانقتل‪ ،‬نمن غنرسييو ﷺ كان حريحيي ًا عا‬

‫غننظر عن تاعخيهم بو هوغقفهم غنساةقأ‪ ،‬فمانجم نت جأ هوقف ذنك بن بس‪ ،‬جم‬ ‫كل غنبش ير ةي‬

‫‪1053‬‬
‫ا ه غنشيخحي أ غنق ا يأ غنف ح هانك ةن عوف ‪ ،‬فقوح هييييانك ةن عوف غنتي تم‪ ،‬نا ع‪ ،‬ها قبل‬

‫ذنك‪ ،‬وقدعت عا غحلشيد سي مون ايانم غملسي‪ ،‬ني‪ .‬غنرسيو ﷺ كان ي ‪،‬م بن هانك ةن‬

‫عوف ةنام بسي‪،‬م وروف ا بأ‪ ،‬وقد يمون ةسيه عغبأ غملا وغحال وغلةل‪ ،‬بو عابأ هن‬

‫نسييتف د هن طاقات‬ ‫غلسيييم؟ ك‬ ‫نريبجم بقييي يدغه‬ ‫بو هن عسييو غهلل ﷺ ‪ ،‬فم‬ ‫ثق‬

‫وقدعغت ؟ ال ةامئأ هن غلةل بم بن اناك وسائل ب‪،‬رر؟ غنظروغ ة ف ل غننبي غحلم م ﷺ ‪ ،‬قام‬

‫ةخطوتني هبهرتني‪ :‬غخلطوح غحو ‪ :‬بعا هانك ةن عوف ة زعاهأ اوغزن‪.‬‬

‫وهريل هانك ال ي من بن يقبل ةته شيي ‪ ،‬نن يمون غنوضييع هسييتقر ًغ ةال ةذغ عه ذنك غنقائد‪،‬‬

‫هن كان قدعغه هانك ةال ةتون ت قائد ًغ‪ ،‬وغندونأ غلسييه أ سيتسيتف د هن طاقاه‬ ‫ونن ير‬

‫هانك ةن عوف ةن سييخره نحييانم غملسيي‪ ،‬ني‪ ،‬وكل ا غ يدفع غواه تون أ هانك ةن عوف‬

‫حهر اوغزن‪ ،‬ةالضافأ ة بن هيييانك ةن عوف بقدع عا ق ا ح قب ‪،‬ت ‪ ،‬فهو بكرير ه رفأ ةأحوغ ا‬

‫واله ﷺ اوغزن وقد‬ ‫وةرجا ا‪ ،‬وب عر ةشي و ا وشي ون غملنطقأ ةماه‪،‬ها‪ ،‬وال يقا انا‪ :‬ك‬

‫ةني غالثنني‪ ،‬بةو سيف ان ن‬ ‫قبل ذنك بن يويل بةا سيف ان عا همأ؟ نقو ‪ :‬غنوضيع خمت‪،‬‬ ‫عف‬

‫تاعيخ طويل جد ًغ هن غن دغء هع غملسيي‪ ،‬ني‪ ،‬وعنده ه غث ضييخم هن غنمرغا أ ن‪،‬رسييو ﷺ ‪،‬‬

‫ة نام هانك ةن عوف حديث غن هد ة ريل ا ه غن دغوغه‪ ،‬وكل تاعيخ غن يقأ ة ن وةني غنرسيو‬

‫ﷺ ال يت در ا ه غحيام غنتي متجم ف ها حنني‪ .‬بها بةو سف ان فرجل هوتوع قتل غةن حنظ‪،‬أ عا‬

‫غنسين قد غر‪ ،‬ونسينوغه طوغ‬ ‫يد غملسي‪ ،‬ني‪ ،‬وهانك ةن عوف ن س ك نك‪ .‬بةو سيف ان كب‬

‫عبا ح ابل وغنيه وغن زر‪ ،‬ة نام هانك ةن عوف شييام حديث غنس ين يفن ع ره حك‬

‫ا ه غحايينام‪ .‬بةو سييف ان يقو عدح قبائل حاعةجم غنرسييو ﷺ نسيينوغه طوغ وقد تنق‪،‬ك‬

‫حلظأ‪ ،‬ة نام هانك ةن عوف يقو قب ‪،‬أ تشي ر ةاش ل‪ ،‬وت ف ةانفضيل نرسيو غهلل ﷺ‬ ‫ع‪،‬‬

‫غن ص بعا م غنسبي هب غ غحس‪،‬وم غحلضاعص غن ص عبيناه‪.‬‬

‫‪1054‬‬
‫غ وني ه وجد ﷺ بن هن غحسيي‪،‬م وغحفضييل وغححمم بن ي د هانك ةن عوف عا واليأ‬

‫ت اه‪،‬‬ ‫قوه ‪ ،‬ف مسييك هانك ةن عوف ويمسييك غنقب ‪،‬أ ةماه‪،‬ها‪ .‬ا ه كانجم غخلطوح غحو‬

‫ﷺ هع هانك ةن عوف عه غهلل عن ‪.‬‬

‫هانك ةن عوف وقب ‪،‬ت ة ه أ غايأ غحمه أ‪ ،‬واي هه أ ححاع قب ‪،‬أ‬ ‫غخلطوح غنريان أ‪ :‬بن ك‪،‬‬

‫غنطائ ‪.‬‬ ‫ثق‬

‫غنرسو ﷺ هب ه غخلطوغه يرضم بكرير هن عحفوع ة جر وغحد‪.‬‬

‫بوال‪َ :‬ي ل ملانك ةن عوف وع ًغ ةَياة ًا‪ ،‬وُي ‪ ،‬تب اه ااهأ جد ًغ‪ ،‬فه ه ك‪،‬ها بهوع ترةويأ هه أ‬

‫غندونأ غشديدح‪ ،‬وتشي ره ك نك ةريقأ غنرسيو ﷺ ‪،‬‬ ‫جد ًغ ةاننسيبأ م‪ ،‬كام ب ا تشي ره ةق ت‬

‫غندين غشديد‪.‬‬ ‫وذنك ال شك بن ُيريبجم بقدغم هانك ةن عوف وقب ‪،‬ت‬

‫كل ا ه بهوع ةَياة أ ةاننسيبأ نييييامنك ةن عوف ‪ ،‬ون س فقيف هانك ةن عوف غن ص سي ريبجم‬

‫‪ ،‬ف ج ل هن قب ‪،‬أ‬ ‫غلسييم بو قب ‪،‬ت ‪ ،‬ةل اناك فوغئد ثان أ فانرسيو ﷺ سي مفى ه ونأ ثق‬

‫‪ ،‬وسيي ق‪،‬ل هن‬ ‫اوغزن ععييي ي ًا ن‪،‬دونأ غلسيييه أ‪ ،‬وسيي جم هن قدعغه وةهمان اه ثق‬

‫‪،‬طراا‪ ،‬وفو‪ ،‬كل ا غ غنميم يسييتط ع غنرسييو ﷺ بن يرجع ة غملدينأ غملنوعح ةأهان نمي‬

‫يدير ش ي ون غندونأ غلسيييه أ غنوغس ي أ غرن‪ ،‬ون تاةع غملهام غن ظ أ غملوك‪،‬أ ةن اناك‪ ،‬واو‬

‫بو حنني بو همأ‪ ،‬ة د ًغ‬ ‫يمن ةيييأص حا هن غححوغ قيييا ع ًغ عا غنبقاء كري ًغ هنطقأ غنطائ‬

‫عن غن ااي أ غملدينأ غملنوعح هسيافأ ‪ 500‬ك ‪،‬و ه ‪ ،‬بها غرن ف سيتط ع بن ي و ة غملدينأ غملنوعح‬

‫هنتهى غحلم يأ‪،‬‬ ‫واو هط ن ة وجو هن يسيييد اي ه غنرييرح هن بةنياء قب ‪،‬يأ اوغزن‪ .‬قرغع‬

‫وةييييانف ل قام هانك ةن عوف عه غهلل عن وبعضياه ةامله أ ‪ ،‬ق ام‪ ،‬وحارص ثق ف ًا ححياع ًغ‬

‫شيديد ًغ‪ ،‬وها غسيتطاعوغ غخلروج هن ححيو م‪ ،‬ةال ةجهد جه د‪ ،‬وول هانك ةن عوف عه غهلل‬

‫‪1055‬‬
‫بهر غلسييم كام سي أيت ة د ذنك‬ ‫عن قائ ًام هب غ غحلحياع ها يقرم هن سينأ‪ ،‬حتى فمره ثق‬

‫ةن شاء غهلل‪.‬‬

‫ايييي ه كانجم قرغعغه غنرسيو ﷺ ‪ ،‬وا ه كانجم سي ح غنرسيو ﷺ ‪ ،‬وا ه كانجم غزوغه‬

‫غملوغق‬ ‫عا ة‬ ‫غنرسيو ﷺ ‪ ،‬وا ه كانجم ه اهيه غنرسيو ﷺ ه غنناا‪ .‬ن ن نق‬

‫ح ات ‪.‬‬ ‫هن س ت فقيف‪ ،‬وال نستط ع بةد ًغ بن ن يص فضائ‪ ،‬وبعامن وغزوغت وها ف ‪ ،‬ﷺ‬

‫‪1056‬‬
‫‪43‬‬

‫الطريق إىل تبوك‬

‫بعد فتح مكة وانتصار حنني دانت قبائل عربية كثرية يف اجلزيرة العربية للمسلمني‪ ،‬ومن أشه ر‬

‫هذه القبائل هوازن‪ ،‬وأصبحت اجلزيههرة العربيههة أشههبة بدولههة إسههيمية‪ ،‬هها و ههع ا وكيا هها‬

‫وهيبت ا‪ ،‬ليس فقط يف اجلزيرة العربية‪ ،‬ولكن حول اجلزيرة العربية أيض ًا‪ .‬ال شك أن ذلك لفت‬

‫أنظار الدول املحيطة بالدولة اإلسيمية اجلديدة‪ ،‬ومههن أهههه هههذه الههدول الدولههة الرومانيههة‬

‫العظمى التي تقبع يف شامل اجلزيرة العربية يف الشام ومهها فوق هها‪ ،‬وبههالنظر إا الو ههع يف نظههر‬

‫الرومان يظ ر لنا التحليل اآليت‪ ،‬مع العله أن الرومان يراقبون األحههداا املتطههورة يف الدولههة‬

‫اإلسيمية اجلديدة‪.‬‬

‫أوالً الدولة اإلسيمية تتنامى قواهتا بشكل الفت للنظر‪ ،‬فقد حتولت من حركههة مضههط دة يف‬

‫مكة املكرمة إا دويلة صغرية يف املدينة املنورة‪ ،‬ثه إا دولة عظمههى تذ ههذ مسههاحة ه مة يف‬

‫اجلزيرة العربية بكامل ا‪ ،‬وأنته تعرفههون أن الههيمن وعههامن والبحههرين كانههت يف نطهها الدولههة‬

‫اإلسيمية؛ لذا فالدولة الرومانية ستحرص رشق ًا بالدولة الفارسية‪ ،‬وجنوب ًا بالدولة اإلسههيمية‬

‫اجلديدة‪ ،‬وهذا اليشء طري بالنسبة للدولة الرومانية‪.‬‬

‫‪1057‬‬
‫األمر الثاين الرومان يعرفون القوة الذاتية العظيمة يف دا ل الدولة اإلسيمية؛ أل ه يعرفههون‬

‫أن هذه الدولة تتبع نبيه ًا‪ ،‬ويههدينون بههدين سههاموري صههحيح ههري ُ هرف‪ ،‬وهرقههل أدرذ ذلههك‬

‫بو وح يف حواره مع أيب سفيان قبل فتح مكة‪ ،‬ولو ترذ ذا الدين العنههان فسههوف يملههك مهها‬

‫حتت أقدام هرقل نفسة‪ ،‬كام قال ذلك يف احلوار مع أيب سفيان‪ .‬كههام أن هههذا الكههيم يفسههر لنهها‬

‫رعب الدول الكربى يف العامل اآلن ويف كل زمن من أري حركة إسيمية تنمو وإن كانت عيفة‬

‫يف بدايت ا؛ أل ه يعرفون أن عندهه القابلية ال حلكه بيد فقط‪ ،‬ولكن حلكه العامل أمجع‪ ،‬وهههذا‬

‫كان نص كيم هرقل زعيه الدولة الرومانية‪ .‬كان الرومان يعرفههون أن الههدين اإلسههيمي فيههة‬

‫ذاتية جتعل العرب أقوياء‪ ،‬وجتعل كل من اتبع هذا الدين قوي ًا للدرجة التي يستطيع هبا أن يبتلع‬

‫مة عاملي ًا مثل الدولة الرومانية أو الدولة الفارسية أو ريها‪.‬‬ ‫قوى‬

‫األمر الثالث أن احلدود الرومانية املتامخة للجزيرة العربية هي الشام من الشامل‪ ،‬ومصهر مههن‬

‫الغرب‪ ،‬ولو ترذ ذه الدولة اإلسيمية أن تقوى من نفس ا‪ ،‬فإنة ال يستبعد أبد ًا أن ت َُضه إلي هها‬

‫هاتني املستعمرتني‪ ،‬واعله أن مرص والشام يف ذلك الوقت كانتا تتبعههان الرومههان‪ ،‬وهههذا يعههد‬

‫سارة كبرية للرومان‪ ،‬اصة أن مرص والشام يف ذلك الوقت كان في ام من اخلريات ما ال ُيعد‬

‫وال حيىص‪ ،‬بل كانت تسمى يف ذلك الوقت بم ازن الغيل للدولة الرومانية‪.‬‬

‫األمر الرابع منطقة الشام مألى بعميء الدولههة الرومانيههة اصههة مههن نصههارى الشههام‪ ،‬ولههو‬

‫تركوهه للمسلمني فليس من املستبعد أبد ًا أن ُيسلموا‪ ،‬ال سيام أ ه أهل كتاب‪ ،‬فه هرقل نفسة‬

‫كان يفكر يف اإلسيم؛ لوال أن بطانة السوء منعتة من ذلك‪ ،‬ف ؤالء النصارى يف الشام كان مههن‬

‫املمكن أن يسلموا ‪-‬وهذا ما حدا بعد ذلك بالفعل‪ -‬ومن املؤكههد أن هههذه سههارة ه مة‬

‫أ رى للدولة الرومانية‪.‬‬

‫‪1058‬‬
‫األمر اخلامس ذكريات مؤتة‪ ،‬فمؤتة مل يمض علي ا إال سنة تقريب ًا‪ ،‬وثبات ثيثههة فالف مقاتههل‬

‫وانتصارهه عىل مائتي ألف رومي وعريب يف هذه املوقعة الرشسة أمر يستحق النظر‪ ،‬والبههد أن‬

‫يؤ ذ باالعتبار‪.‬‬

‫األمر السادس كان من الوا ح أن الرسول ﷺ جاد يف التعامل مع اإلمرباطوريات واملاملههك‬

‫املحيطة بالدولة اإلسيمية‪ ،‬فقد أرسل رسالة دعوة باإلسيم إا هرقل عظيه الروم‪ ،‬ومل يههددد‬

‫يف مراسلتة ودعوتة إا ترذ دينة ودين فبائة العتنا الدين اإلسيمي‪ ،‬والرسالة وإن كانههت يف‬

‫جت ا لطيفة‪ ،‬وأعطت هرقل و ع ًا ومكان ًا‪ ،‬إال أنة ال خيفى عىل أحد الت ديد ري املبارش الذري‬

‫كان في ا‪ ،‬حني قال ﷺ (فإن عليك إثه األَريسيني) أري األتباع من الفيحني‪ ،‬فههي يسههتبعد‬

‫أبد ًا أن يسعى الدين اجلديد الكتساب األتباع الرومانيني املق ورين عههىل طاعههة واتبههاع هرقههل‬

‫وحاشية هرقل‪.‬‬

‫األمر السابع أن من طبيعة أهل األديان األ رى أ ه ال ير ون عن دين اإلسيم أبههد ًا‪ ،‬كههام‬

‫قال رب العاملني سبحانة وتعاا { َو َل ْن ت َْر ََض َعن َْك ا ْل َي ُ و ُد َوال الن ََّصه َارى َح َّتهى َتتَّبه َع م َّله َت ُ ْه}‬

‫[البقرة ‪ ]120‬بعد أن تبني ه احلق الذري يف اإلسيم ف ه بني أمرين إما أن يكيدوا لإلسههيم‪،‬‬

‫وإما أن يد لوا فية‪ .‬الدولة الرومانية بدون أري مصههالح وال أسههباب لههن تههرَض عههن الدولههة‬

‫اإلسيمية إال يف حالة واحههدة‪ ،‬وذلههك عنههدما تههدذ الدولههة اإلسههيمية دين هها‪ ،‬وتتحههول إا‬

‫نرصانية‪ ،‬وإذا مل حيدا ذلك فالقتال سيظل وشيك ًا‪ ،‬والنزال لن يتوقف أبد ًا‪ ،‬قال اهلل عز وجههل‬

‫ون ُي َقات ُلو َنك ُْه َحتَّى َي ُر ُّدوك ُْه َع ْن دينك ُْه إن ْ‬
‫اس َت َطا ُعوا{ [البقرة ‪ ،]217‬حتههى‬ ‫يف كتابة } َوال َي َزا ُل َ‬

‫ون ُي َقات ُلو َنك ُْه َحتَّى َي ُر ُّدوك ُْه َعه ْن‬
‫يف ياب املصالح‪ ،‬فإن القضية تبقى قضية عقائدية } َوال َي َزا ُل َ‬

‫اس َت َطا ُعوا {‪.‬‬


‫دينك ُْه إن ْ‬

‫‪1059‬‬
‫األمر الثامن رور القوة‪ ،‬القوري املتكرب ال يقبل بوجود قوري ف ر إا جواره‪ ،‬وعند ذلك تنشههذ‬

‫سنة التدافع والتنافر بني القوى املتشاهبة‪ .‬هرقل مل يكن لريَض بوجود عظيه إا جههواره‪ ،‬وكههام‬

‫كان يقاتل قبل ذلك عظيه الفرس كرسى‪ ،‬في شك أنة سيقاتل اآلن عظيه املسلمني رسول اهلل‬

‫ﷺ ‪ ،‬ذه األسباب جمتمعة ‪-‬وقد يكون لغريها‪ -‬جتمههع الرومههان ومههن شههايع ه مههن قبائههل‬

‫العرب النرصانية أمثال خله وجذام وعاملة و سان التي كههان بين هها وبههني الدولههة اإلسههيمية‬

‫مشاكل كثرية‪ ،‬وبسبب يانة قبيلة سان كانت زوة مؤتة‪.‬‬

‫روج النبي ﷺ وأصحابة إا تبوذ‬

‫جتمعت هذه اجليوش يف منطقههة البلقههاء ‪-‬وهههي األردن اآلن‪ -‬يريههدون دولههة اإلسههيم‪ .‬كههل‬

‫السيناريو الذري نتكله علية اآلن‪ ،‬وكل التفكري الذري كههان يف ذهههن الرومههانيني و ههريهه كههان‬

‫يتوقعة الرسول ﷺ ‪ ،‬وكان خيرب بة أصحابة ر ههوان اهلل علههي ه‪ ،‬وكههان يعههد العههدة لههذلك‪،‬‬

‫ودليل ذلك أن الرسول ﷺ عندما فا من نسائة جاء أحد الصحابة وطر الباب بشدة عههىل‬

‫عمر بن اخلطاب ف رج وهو مفزوع‪ ،‬قال (أجاءت سان؟!) فكان عمر بن اخلطههاب يتوقههع‬

‫قدوم سان لغزو املدينة املنورة‪ ،‬وهذا أمر ممكن وقريب احلدوا‪ ،‬وال شك أن الرسههول عليههة‬

‫والسيم كان جي ز الناس ذا االحتامل‪ ،‬من أجل ذلك كان أصحاب املدينههة املنههورة يتوقعههون‬

‫حرب ًا قوية مع الدولة الرومانية يف الفدة القادمة‪ ،‬ومن أجل ذلك أيض ًا كانت العيون اإلسيمية‬

‫تراقب بدقة منطقة شامل اجلزيرة العربيههة‪ ،‬ومنطقههة األردن والشههام‪ ،‬وبمجههرد أن حههدا هههذا‬

‫التجمع عىل بعد مئات الكيلو مدات من املدينة املنورة عرفة ﷺ ‪ ،‬وبدأ يذ ذ القرار يف ههوء‬

‫هذه املعرفة املبكرة‪.‬‬

‫كان عنده ﷺ ا تيار من اثنني إما أنة ينتظر الرومان يف املدينة املنورة‪ ،‬وإما أن يههذهب إلههي ه‬

‫يف شامل اجلزيرة العربية‪ ،‬وانتظار الرومان يف املدينة املنورة كان أس ل عىل املسلمني؛ أل ههه لههو‬
‫‪1060‬‬
‫انتظروهه ما كانوا ليقطعوا تلك املسافة الض مة يف الصحراء‪ ،‬مع ما تتطلبة مههن جت يههز املههؤن‬

‫والزاد الذري يكفي مسافة مئات الكيلو مدات‪ ،‬ومههن املحتمههل أن الههك اجلههيين الرومههاين يف‬

‫الصحراء؛ ألنة ري معتاد عىل قتال الصحراء؛ ف و يعيين طههوال عمههره يف أمههاكن ههرضاء يف‬

‫أوروبا والشام‪ ،‬ويف ريها من املناطق الباردة‪ ،‬ومل يعايين مههن قبههل أري نههوع مههن التجههارب يف‬

‫دا ل الصحراء‪ ،‬ومع ذلك قرر الرسول ﷺ أن خيرج بجيشههة مههن املدينههة املنههورة إا الشههام‬

‫ألمور‬

‫أوالً ليذ ذ عنرص املبادأة‪ ،‬في تار بنفسة مكان وزمان احلرب‪ ،‬بدل أن تفرض علية‪.‬‬

‫ثاني ًا حتى يكون عنده ط دفاع بعد ذلك‪ ،‬فلو أنة زري يف املدنيههة املنههورة فههإا أيههن يههذهب؟‬

‫فعقر دار املسلمني املدينة املنورة‪ ،‬ولو سقطت املدينة املنورة سقط اإلسيم يف اجلزيههرة العربيههة‪،‬‬

‫وكلنا يعله أن معظه العرب مل يد لوا اإلسيم إال منذ قليل‪.‬‬

‫ثالث ًا ليظ ر عزة اإلسيم وقوتة‪ ،‬وعدم جبنة أو رهبتة من القتال‪ ،‬وهذا الثبات واإلقدام لة أثههر‬

‫ه كبري عىل نفوس األعداء‪ ،‬سواء كانوا من الرومان أو الفرس أو ريهه‪ ،‬عنههدما جيههدون‬

‫اجليوش اإلسيمية ال هتاب املوت‪ ،‬وتذيت إا بيدهه لتحارهبه يف ظروف صههعبة؛ فههإن هههذا ‪-‬‬

‫والشك‪ -‬يلقي الرهبة يف قلوهبه من املسلمني‪ ،‬والرسول ﷺ ُنرص بالرعب مسرية ش ر ﷺ‪.‬‬

‫رابع ًا أن الرسول ﷺ لة شعب يف شامل اجلزيرة العربية‪ ،‬والرسول ﷺ كههزعيه مسههئول ال‬

‫يدذ شعبة هكذا دون محاية‪ ،‬ومعلوم أن شامل اجلزيرة العربية بعد زوة مؤتههة كههان قههد د لههة‬

‫اإلسيم‪ ،‬وجاءت القبائل تبايع عىل اإلسيم لرسول اهلل ﷺ ‪ ،‬فالرسول ﷺ ال يريد أن يههدذ‬

‫الشعب هكذا بدون محاية‪ ،‬ال يفعل مثلام يفعل كثري من الزعامء بتذمني حههدود العاصههمة فقههط‪،‬‬

‫وترذ الشعب بعد ذلك يعاين وييت العدو‪ ،‬ثه الفرار بعد ذلك من العاصههمة إن حههو‪،‬ت‪،‬‬

‫‪1061‬‬
‫بل رج ﷺ بنفسة عىل رأس أعظه جيوشة فية أقرب اصتة ليلقى أعتههى قههوة يف العههامل يف‬

‫ذلك الوقت؛ ليحفظ دماء شعبة ﷺ ‪ ،‬ولو كانوا فقراء بسطاء يعيشون يف أطراف الصحراء‪.‬‬

‫مظاهر العرس يف زوة تبوذ‬

‫إن قرار اخلروج إا تبوذ مل يكن س يً‪ ،‬بل كان عسري ًا بمعنى الكلمة‪ ،‬ومل نذت هبذا اللفههظ مههن‬

‫عنههد أنفسههنا‪ ،‬بههل هههذا كههيم رب العههاملني سههبحانة وتعههاا ملهها قههال {يف َس ها َعة ْال هه ُع ْ َ‬
‫رسة}‬

‫[التوبة ‪ ]117‬يصف هذه املوقعة بذ ا العرسة‪ ،‬ملاذا؟ ألكثر من أمر‬

‫أوالً أن املدينة املنورة يف ذلك الوقت كانت تعيين ائقة اقتصادية‪ ،‬ومل ُجتن الثامر منههذ فههدة‪،‬‬

‫وهذا الوقت الذري سي رج فية اجليين يعترب موسه جني الثامر‪ ،‬ولو انتظر اجليين قلي ً‬
‫ي ألمكن‬

‫أن يكون هناذ فرصة إلصيح األزمة االقتصادية‪ ،‬ومع ذلك لو انتظرنا فمن املحتمل أن هتجه‬

‫جيوش الرومان عىل الدولة اإلسههيمية‪ ،‬فههي ينبغههي االنتظههار‪ .‬هنههاذ مشههاكل اقتصههادية‪ ،‬وال‬

‫نستطيع اإلنتظار إلصيح هذه املشاكل االقتصادية مع احههتامل اإلصههيح إن انتظرنهها‪ ،‬ولكههن‬

‫املشاكل ستكون أكرب مع الدولة الرومانية‪.‬‬

‫ثاني ًا احلر الشديد؛ ف ذه الغزوة متت يف ف ههر شه ور الصههيف‪ ،‬وويلههوا و ههع جههيين خيههد‬

‫الصحراء القاحلة يف هذا اجلو الشديد احلرارة يف اجلزيههرة العربيههة‪ ،‬إن الواحههد منهها يههذهب إا‬

‫العمرة أو احلج يف دا ل املدينة‪ ،‬وتكون أموره ميرسة إا حههد كبههري‪ ،‬ومههع ذلههك فههإن احلههر ال‬

‫ُحيتمل‪ ،‬فام بالك با دا الصحراء عىل اجلامل أو سري ًا عىل األقدام؟!‬

‫ثالث ًا كانت املسافة من املدينة املنورة إا تبوذ ‪ 700‬كيلو مد‪ ،‬هذا بالقياسات احلديثة يف الطر‬

‫املستقيمة‪ ،‬أما طر الصحراء فمن املؤكد أ ا كانت أطههول مههن ذلههك‪ ،‬طههر ملتفههة وملتويههة‬

‫وصعبة‪.‬‬

‫‪1062‬‬
‫ثالث ًا بعد هذه املسافة الطويلة أنا لن أقابل قبيلة من القبائل‪ ،‬أو فرقة من فر جههيين ههعيف‪،‬‬

‫ال‪ ،‬بل كان اخلروج ملحاربة جيين أكرب دولة يف العامل يف ذلك الوقت‪ ،‬جيين الدولههة الرومانيههة‬

‫مة‪ ،‬و ا تاريخ طويل‬ ‫العظمى‪ ،‬وهذا العدو ما كان العرب يت يلون حتى لقاءه‪ ،‬ف ي دولة‬

‫يف احلروب‪.‬‬

‫يف هذا اجلو الصعب‪ ،‬ويف هذه الظروف االقتصادية‪ ،‬مههع وجههود العههدو القههوري‪ ،‬يف كههل هههذه‬

‫ي امتحان ًا عسري ًا‪ .‬ملاذا ُيعهرس اهلل‬


‫الظروف يطلب من املسلمني أن جياهدوا يف سبيل اهلل‪ ،‬كان فع ً‬

‫عز وجل االمتحان عىل املسلمني إا هذه الدرجة؟ لسبب هههام جههد ًا‪ ،‬وهههو متييههز املههؤمن مههن‬

‫املنافق‪.‬‬

‫الدعوة اإلسيمية يف ذلك الوقت وصلت من القوة إا درجة مل يت يل ا أحد قبههل ذلههك‪ ،‬فقههد‬

‫كثر أتباع ا‪ ،‬واتسعت مساحة الرقعة التي حتكم ا‪ ،‬وكثههرت األمههوال‪ ،‬وأصههبحت دولههة ذات‬

‫هيبة وسيادة ومتكني يف اجلزيرة العربيههة‪ ،‬كههل ذلههك جعههل الكثههري مههن العههرب يسههارعون إا‬

‫الد ول يف الدولة اإلسيمية وليسوا من ا‪ ،‬يبطنهون الكفههر‪ ،‬أو الكراهيههة للدولههة اإلسههيمية‪،‬‬

‫ولكن يظ رون اإلسيم‪ ،‬وهذا ما نسمية بالنفا ‪ ،‬وكلام زاد متكني الدولة صعب اهلل عز وجههل‬

‫االمتحان عىل املسلمني إلظ ار املنافقني‪ ،‬أما الدولة الضعيفة في ينافق في هها إال القليههل‪ ،‬لكههن‬

‫الدولة اإلسيمية اآلن وصلت إا قمة املجد ‪-‬حتى هذه اللحظههة‪ -‬يف السههرية النبويههة‪ ،‬وعههدد‬

‫املسلمني سيصل إا ثيثني ألف ًا أو أكثههر يف دا ههل املدينههة املنههورة‪ ،‬وهههذا عههدد هائههل بالنسههبة‬

‫للعرب‪ ،‬من أجل ذلك ا تلط احلابل بالنابل‪ ،‬وا تلط الصاد بالكههاذب‪ ،‬واملههؤمن باملنههافق‪،‬‬

‫فكان البد من متييز‪ ،‬فليكن االمتحان يف قمة صعوبتة لكيي ينجح فية إال الصاد حقيقة‪.‬‬

‫‪1063‬‬
‫أهداف النبي ﷺ من اخلروج إا تبوذ‬

‫كيف كانت الدعوة إا مثل هذا االمتحان الصعب من اخلروج إا القتال يف سبيل اهلل يف تبههوذ‬

‫يف هذه الظروف الصعبة؟ كان الرسول ﷺ يريد حتقيق هدفني رئيسني من هذا االمتحان‬

‫ا دف األول أن املؤمنني الصادقني ينجحون يف االمتحان‪ ،‬ف ههو ال يريههد ههه الفشههل يف هههذا‬

‫االمتحان الصعب‪ ،‬نعه هو امتحان صعب‪ ،‬لكن يف نفس الوقت كان عنده أمل كبري أن يههنجح‬

‫أكرب عدد من املؤمنني‪.‬‬

‫ا دف الثاين أن يكشف أورا املنافقني يف دا ل املدينة ويعرف ه باكامل‪ ،‬وإن كههان الرسههول‬

‫ﷺ يستطيع معرفة املنافقني عن طريق الوحي‪ ،‬لكن البد أن يههتعله املسههلمون الطريقههة التههي‬

‫يستطيعون هبا اكتشاف املنافقني يف دا ل الصف؛ ألنة بعد وفاة الرسول ﷺ لن يكون هنههاذ‬

‫وحي‪ .‬فامذا صنع النبي ﷺ لتحقيق هاتني الغايتني؟‬

‫قرر ﷺ القيام بعمل حيقق املصلحتني سوي ًا‪ ،‬وهو فتح بههاب اجل ههاد علنيه ًا‪ ،‬ودعههوة اجلميههع‬

‫للج اد يف سبيل اهلل باملال والنفس عىل العلن‪ ،‬فكانت دعوة عامة لكل من يسههتطيع أن جياهههد‬

‫باملة لتج يز اجليين الض ه الذري خيرج يف تبوذ ‪ ،‬وهذا حدا ري متكرر يف السههرية النبويههة؛‬

‫ألن هذه الفدة متيزت بوجود عدد كبري من املنافقني يف الدولة اإلسيمية عىل يف الفههدات‬

‫السابقة‪ .‬حدا ما توقعة ﷺ ومتايز الصف متايز ًا وا ح ًا‪ ،‬وهذا ما حيدا دائ ًام عند األزمههات‬

‫اخلطرية التي متر باألمة‪ ،‬فعندما يرى املؤمن إ وانة املؤمنني بدءوا بالدفاع سيدفع مع ه‪ ،‬ومههن‬

‫ثه حياول أنة ينجح يف االمتحان‪ ،‬وربام يوفق وينجح إن شاء اهلل‪ ،‬واملنافق ال يسههتطيع املشههاركة‬

‫علن ًا مع الناس؛ ألنة منافق و عيف وإيامنة م زوز فيعلن ‪،‬احة أنة ال يسههتطيع أن جياهههد يف‬

‫الصف‪ ،‬وبذلك يتاميز الصف‪.‬‬

‫‪1064‬‬
‫طبقات عاملقة اإليامن‬

‫املسلمون عادة يتكون صف ه من مخس طبقات‪ ،‬هذه الطبقات اخلمس تكون متدا لههة يف أيههام‬

‫الراحة والر اء‪ ،‬أو يف ياب األزمات‪ ،‬ثه إذا ما حههدثت أزمههة كبههرية يتاميههز الصههف وتتميههز‬

‫بدا لة الطبقات اخلمس بو وح‪ ،‬وهذا األمر ليس اص ًا بتبوذ‪ ،‬بل هو اص بكل مراحههل‬

‫التاريخ اإلسيمي‪ ،‬و اص بواقعنا الذري نعيين فية‪ ،‬وسيظل معنا إا يوم القيامههة‪ ،‬أري جمتمههع‬

‫مسله يف التاريخ كلة‪ ،‬اصة إذا كانت هناذ دولههة ممكنههة في هها مخههس طبقههات‪ ،‬فههام هههي هههذه‬

‫اخلمس الطبقات؟‬

‫الطبقة األوا طبقة عاملقة اإليامن‪ ،‬وهي طبقة يف اية األمهية‪ ،‬الرجههل مههن ه بههذلف أو يزيههد‪،‬‬

‫وعىل أكتاف هؤالء تقام األمه‪ ،‬هؤالء هه الذين حيركههون اخلههري يف قلههوب العههوام‪ ،‬ويقههودون‬

‫حركههات التغيههري إا األصههلح واألنفههع‪ ،‬ويضههحون بههذموا ه وأوقههاهته وج ههدهه ‪-‬بههل‬

‫وبذرواح ه‪ -‬لنفع اآل رين ولنفع األمههة اإلسههيمية‪ ُ .‬لصههت نفوسه ه مههن حههظ نفوسه ه‬

‫فعاشوا هلل عز وجل بكههل ذرة يف كيهها ه‪ ،‬هههؤالء هههه الصههفوة احلقيقيههة يف املجتمههع‪ ،‬ليسههت‬

‫الصفوة يف أصحاب املال وال السلطة وال اجلاه وال الش رة‪ ،‬الصفوة هه دعاة اخلري ومصلحوا‬

‫األمه‪ .‬كانت هذه الطبقة العظيمة ‪-‬طبقة عاملقة اإليامن‪ -‬يف يوم تبوذ‪ ،‬ووجد من ه عدد كبههري‬

‫من أصحاب الرسول ﷺ ‪ .‬كان عىل رأس هؤالء يف ذلك اليوم عههثامن بههن عفههان‪ ،‬وأبههو بكههر‬

‫الصديق‪ ،‬وعمر بن اخلطاب‪ ،‬وعبد الرمحن بن عوف و ريهه من الصحابة‪ ،‬هؤالء الذين محلوا‬

‫عىل أكتاف ه مهوم األمة بكامل ا‪ ،‬تعالوا لنرى ماذا فعل هؤالء لكي نههد ل ه يف طائفههة عاملقههة‬

‫اإليامن؟‬

‫‪1065‬‬
‫عثامن بن عفان أنموذج ًا‬

‫أما عثامن ريض اهلل عنة وأر اه فكان هذا اليوم يومة؛ ما إن فههتح الرسههول ﷺ بههاب اجل ههاد‬

‫باملال حتى كان أرسع وأسبق الناس إا الد ول فية ريض اهلل عنههة‪ ،‬قههام يف جتههرد وا ههح‪ ،‬ويف‬

‫تضحية عميقة يقول عيل مائة من اإلبل بذحيس ا وأقتاهبا؛ بكامل عدهتا‪ ،‬وكنهها قههد ذكرنهها يف‬

‫الدروس املا ية نامذج ممن كان يطلب مائة من اإلبل ليثبت عىل اإلسههيم‪ ،‬واآلن نههتكله عههىل‬

‫ش ص يدفع مائة من اإلبل يف سبيل اهلل بنفس را ية مطمئنة‪ ،‬هذا هو مقياس الههدنيا يف عههني‬

‫عثامن بن عفان ريض اهلل عنة وأر اه‪ ،‬يف حلظة يدفع بامئة من اإلبل بذحيس ا وأقتاهبا يف سبيل‬

‫اهلل‪ .‬فه عثامن ليس مكلف ًا بدفع كل هذا يف إعداد اجليين اإلسيمي‪ ،‬لكنة يشعر أن القضية فع ً‬
‫ي‬

‫قضيتة‪ ،‬وا ه مهة‪ ،‬ال يضريه يف ذلك أن قعد ف رون‪ ،‬امل ه عنده أن يعمل هلل عز وجل‪ ،‬مل ينتظر‬

‫أن يسبقة أحد أو أن يشجعة أحههد‪ ،‬ليسههت النائحههة كههالثكىل‪ ،‬ف ههو يعههيين القضههية‪ ،‬فلههام رأى‬

‫الرسول ﷺ عثامن بن عفان يدفع مائة من اإلبل رس رسور ًا عظي ًام ﷺ حتى ظ ر ذلك عههىل‬

‫وج ة‪ ،‬وانبسطت أساريره ﷺ ‪ ،‬ثه فتح باب اجل اد من جديد‪.‬‬

‫يقوم ف ر ليبذل من مالة فيحدا العجب‪ ،‬لقد قام عثامن بن عفان ريض اهلل عنة وأر ههاه مههرة‬

‫ثانية يزايد عىل نفسة هو‪ ،‬فقههد دفههع يف األوا‪ ،‬وكههذلك يههدفع يف الثانيههة‪ ،‬ال ينتظههر أحههد ًا مههن‬

‫املسلمني ليساعده يف عملية اإلنفا عىل جيين العرسة ريض اهلل عنة وأر اه‪ ،‬قام وقههال عههيل‬

‫مائة أ رى من اإلبل بذحيس ا وأقتاهبا! تفشل كثري من األمه يف اخلروج من أزماهتا الفتقادها‬

‫إا رجل مثل عثامن بن عفان ريض اهلل عنة وأر اه‪ .‬يرقب الرسول ﷺ ذلك بسعادة ال وفى‬

‫عىل أحد‪ ،‬إا الدرجة التي قال في ا كلمة عجيبة جد ًا‪ ،‬قال ﷺ (مهها ع عههثامن مهها فعههل بعههد‬

‫اليوم)‪ ،‬أري أن احلسنات التي حصل ا عثامن ريض اهلل عنة وأر اه يف هذا اليوم ال ترضه مع هها‬

‫معصية أبد ًا‪ ،‬وهذا الكيم ليس استنتاج ًا‪ ،‬بل هو نص كيم الرسول ﷺ ‪ ،‬فقد ينجههو اإلنسههان‬

‫‪1066‬‬
‫طيلة حياتة بموقف واحد وقفة هلل عز وجل‪( .‬ما ع عثامن ما فعل بعههد اليههوم) ليسههت هنههاذ‬

‫سيئة إن فعل عثامن بن عفان ريض اهلل عنة وأر اه أري سيئة بعد ذلك‪ ،‬لههن يكههون هنههاذ تههذثري‬

‫عىل ميزانة يوم القيامة‪ ،‬وليست هذه دعوة لفعل السيئات‪ ،‬فالرسول ﷺ يقول الكلمههة وهههو‬

‫يعرف يف حق من يقو ا‪ ،‬يقو ا يف حق عثامن بههن عفههان ذري النههورين ريض اهلل عنههة وأر ههاه‪.‬‬

‫عثامن بن عفان بعد أن سمع هذه الكلمة العجيبة التي علق هبا ﷺ عىل فعلة العظيه مل يكتههف‬

‫هيل بامئههة ثالثههة مههن اإلبههل بذحيسه ا‬


‫هبذا العطاء‪ ،‬بل قام للمرة الثالثة يف بساطة وهو يقول عه ي‬
‫ري طبيعههي‪ ،‬ال يههرى للههدنيا أري حجههه يف عينههة ريض اهلل عنههة‬ ‫وأقتاهبا‪ ،‬ماذا نرى؟! إنة إنفا‬

‫وأر اه‪ .‬الرسول ﷺ يسمع هذا الكيم ويقول (الل ه ا فر له عثامن ما أقبل وما أدبر‪ ،‬ومهها‬

‫أ فى وما أعلن‪ ،‬وما أرس وما أج ر)‪ ،‬بل إن البعض يصل بنفقة عثامن بن عفان ريض اهلل عنههة‬

‫وأر اه يف ذلك اليوم إا تسعامئة من اإلبل بذحيس ا وأقتاهبا! ومل يكن عطاؤه من اإلبل فقههط‬

‫ريض اهلل عنة‪ ،‬بل عاد إا بيتة وأتى بذلف من الدنانري نثرها يف حجر الرسول ﷺ حتههى رفههع‬

‫الرسول ﷺ يده إا السامء وقال (الل ه ارض عن عثامن؛ فإين عنة راض) سبحان اهلل! مههاذا‬

‫يساوري هذا؟! إن مال الدنيا بذكملة ال يساوري هذا الدعاء العظيه من احلبيب ﷺ ‪.‬‬

‫مل تكن عظمة عثامن ريض اهلل عنة وأر اه فقط يف أنة أنفق أو أعطى‪ ،‬لكن العظمههة احلقيقيههة يف‬

‫أنة سبق‪ ،‬مل ينتظر تشجيع ًا من أحههد‪ ،‬بههل هههو الههذري شههجع اآل ههرين‪ ،‬مل يقههل كههل النههاس مل‬

‫يتحركوا‪ ،‬بل هو الذري تقدم وسبق؛ من أجل أن يقلده الناس بعد ذلك‪ .‬هههذا بيههت القصههيد يف‬

‫بناء األمه؛ أن حيمل أناس ا ه عىل أكتاف ه ويتحركوا بة حتى وإن قعدت األمة بذكمل هها‪ .‬كههل‬

‫من أعطى بعد عثامن بن عفان ريض اهلل عنة تقليد ًا لفعلة واتباع ًا ديههة هههو يف ميههزان حسههنات‬

‫عثامن بن عفان‪ ،‬وهذا أمر يعجز عن حسابة العقل‪.‬‬

‫‪1067‬‬
‫روى مسله عن جرير بن عبد اهلل ريض اهلل عنة أن رسول ﷺ قال (من سن يف اإلسيم سنة‬

‫ء)‪ .‬ملههاذا يعمههل‬ ‫حسنة فلة أجرها وأجر من عمل هبا بعده من ري أن ينقص مههن أجههورهه‬

‫عثامن بن عفان هذا كلة وينفق تسعامئة بعري‪ ،‬ويذيت بذلف دينههار‪ ،‬ويتحمههل كههل هههذه املسههئولية‬

‫وحده ريض اهلل عنة وأر اه؟ إن قلبة وعينية عىل اجلنة (أال إن سلعة اهلل اليههة‪ ،‬أال إن سههلعة‬

‫اهلل اجلنة)‪ ،‬يشدري اجلنة فعيً‪ .‬بل إن أبا هريرة ريض اهلل عنة وأر اه قال ذلك ترصحي ًا يف حقههة‬

‫ريض اهلل عنة‪ ،‬قال (اشدى عثامن بن عفان اجلنة مرتني يوم بئر رومة‪ ،‬وهذا اليوم يوم تبههوذ)‬

‫وأكثر من ذلك‪ ،‬حيث وسع البيت احلرام يف مكة‪ ،‬ووسههع املسههجد النبههوري يف املدينههة املنههورة‪،‬‬

‫رجل يعيين فع ً‬
‫ي ألمتة ريض اهلل عنة وأر اه‪ .‬هذا هو عثامن بن عفان أحد عاملقة اإليامن‪.‬‬

‫أبو بكر أنموذج ًا‬

‫كان من عاملقة اإليامن أيض ًا يف ذلك اليوم أبو بكر الصههديق ريض اهلل عنههة‪ ،‬وهههو مههن عاملقههة‬

‫اإليامن من أول يوم فمن فية إا ف ر يوم يف حياتههة ريض اهلل عنههة وأر ههاه؛ أتههى بذربعههة فالف‬

‫درهه‪ ،‬لكن قد يقول قائل هذا املبلغ يعترب بسيط ًا بالنسبة لعدد اإلبههل التههي قههدم ا عههثامن بههن‬

‫عفان ريض اهلل عنة‪ .‬أقول انتبة‪ ،‬فههنحن نههتكله عههىل أعظههه ش صههية يف تههاريخ األرض بعههد‬

‫األنبياء‪ ،‬هذه األربعة فالف هي كل ما يملك‪ ،‬ف ل يستطيع أحد أن يعمل مثل هذا؟ هل يمكن‬

‫أن تت يل ذلك مع نفسك ولو مرة واحدة يف حياتك؟ صعب جد ًا‪ ،‬ويكاد يكون مستحييً‪ ،‬مع‬

‫مراعاة أن أبا بكر الصديق فعل ذلههك أكثههر مهن مههرة يف حياتههة؛ يف بدايههة الههدعوة‪ ،‬ويف وسههط‬

‫الدعوة‪ ،‬ويف ا جرة ويف جت يز اجليوش بصفة مستمرة حتى وصل إا هذا األمر يف تبوذ‪ ،‬وكان‬

‫ليفة للمسلمني بعد ذلك‪ ،‬ومات وليس يف بيتة دينار ريض اهلل عنة وأر اه‪ .‬كل حياتة إنفهها‬

‫يف سبيل اهلل‪ ،‬كل الذري عنده أتى بة‪ ،‬أتى بكل ثروتة لهنرصة اإلسيم واملسلمني‪ ،‬من أجل ذلك‬

‫‪1068‬‬
‫فه الصديق درجتة خمتلفة عن درجة بقية املسلمني‪ ،‬ال ليشء إال ليقينة العميق فههيام عنههد اهلل عههز‬

‫وجل‪ ،‬ال ملنصب وال لعر وال لنسب؛ بل لدرجة اإليامن والصد الذري يف قلبة‪.‬‬

‫سذلة الرسول ﷺ سؤاالً وا ح ًا فقال (هل أبقيت ألهلك شيئ ًا؟ فقال ‪-‬يف يقني عجيههب‪-‬‬

‫أبقيت ه اهلل ورسولة)‪ ،‬سبحان اهلل! هل يضيع اهلل عز وجل من اسههتودعناه إيههاه؟ هههل يههدذ‬

‫ربنا سبحانة وتعاا من تركناه لة؟ هذا مستحيل‪ ،‬وكلنا يؤمن بذلك‪ ،‬لكههن إيههامن بعضههنا إيههامن‬

‫نظرري‪ ،‬ليس لة تطبيق يف واقع حياتنا‪ ،‬أما أبو بكر فكل معنى فمن بة كان لة انعكاس مبارش عىل‬

‫حياتة‪ ،‬وعىل حياة املسلمني‪ ،‬وعىل واقعة وعىل واقع املسلمني‪ .‬هذا هو الف ه الههذري تصههلح بههة‬

‫األمه‪.‬‬

‫عمر بن اخلطاب وابن عوف أنموذج ًا‬

‫عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنة كان أيض ًا من عاملقة اإليامن يف ذلك اليوم‪ ،‬فقد أتى بنصف مالة‬

‫ريض اهلل عنة‪ ،‬جاهد يف سبيل اهلل بنصف ثروتة‪ .‬إياذ أن تنتقصة بعههد أن رأيههت فعههل أيب بكههر‬

‫ريض اهلل عنة‪ ،‬فإن عمر بن اخلطاب أتى بام ال يستطيع عامة البشههر أن يههذتوا بههة‪ ،‬ولههوال أنههك‬

‫تقارنة به الصديق ملا شعرت أبد ًا بقلة عطائة ريض اهلل عنة‪ ،‬وإال فقارن عمر بن اخلطههاب بغههريه‬

‫من البرش‪ ،‬فمن يستطيع أن يتنازل يف موقف واحد عن نصف ممتلكاتة يف سبيل اهلل؟! احسههب ا‬

‫مع نفسك وكن صادق ًا‪ ،‬قرار صعب‪ ،‬لو كههان معههك عرشههة فالف جنيههة‪ ،‬أو مائههة ألههف جنيههة‬

‫أتستطيع قسمة نصفني نصف تتربع بة للجيوش اإلسيمية‪ ،‬ونصف تبقية معك؟ هذا صعب‪،‬‬

‫بل لعلة مستحيل يف حق الكثريين من أبناء األمة بدون هههؤالء العاملقههة الههذين يسههتطيعون أن‬

‫يذ ذوا مثل هذا القرار‪.‬‬

‫‪1069‬‬
‫عبد الرمحن بن عوف ريض اهلل عنة وأر اه فعل نفس اليشء الههذري فعلههة عمههر ريض اهلل عنههة‬

‫وأتى بنصف مالة‪ ،‬ونصف مالة كان مائتي أوقية من الفضة‪ ،‬والرسههول ﷺ قههال لههة فنههذاذ‬

‫(بارذ اهلل لك فيام أنفقت وفيام أبقيت)‪ ،‬وصد الرسول الكريه ﷺ ‪ ،‬فقد بارذ اهلل عز وجههل‬

‫يف مال عبد الرمحن بن عوف‪ ،‬فام أفقرتة الصدقة التي دفع‪ ،‬ما نقص مالة‪ ،‬مهها ههاع أوالده‪ ،‬مهها‬

‫ُرشدت نساؤه‪ ،‬بل قسمت ثروتة الذهبية بالفئوس بعد موتة‪ ،‬بورذ يف مالة حي ًا وميت ًا‪ ،‬هذا وعد‬

‫اهلل عز وجل‪ ،‬واهلل عز وجل ال خيلف امليعاد‪ ،‬وهذا الكيم ليس اص ًا به عبد الرمحن بن عوف‬

‫فقط‪ ،‬بل هو ألري إنسان ينفق يف سبيل اهلل‪ .‬الرسول ﷺ يقسههه يف احلههديث ويقههول (ثههيا‬

‫أقسه علي ن وأحدثكه حديث ًا فاحفظوه‪ ،‬وذكر من ا ما نقص مال عبد من صههدقة)‪ ،‬واهلل عههز‬

‫وجل يقول يف كتابة الكريه { َو َما َأن َف ْقت ُْه م ْن َ ْ ٍء َف ُ َو ُخيْل ُف ُة} [سههبذ ‪ ،]39‬هههذا وعههد اهلل عههز‬

‫وجل‪ ،‬واملسذلة يف الن اية مرجع ا إا اليقني‪.‬‬

‫من صفات طبقة عاملقة اإليامن‬

‫هكذا قام هؤالء العاملقة و ريهه بمعظه أمر األمة‪ ،‬مل تكن عظمههة هههؤالء ‪-‬كههام ذكرنهها‪ -‬فههيام‬

‫أنفقوه‪ ،‬ولكن كانت العظمة احلقيقية يف بذ ه لكل ما يف الوسههع‪ ،‬كانههت عظمههت ه يف قيههام ه‬

‫ليس بدورهه فقط‪ ،‬ولكن بذدوار أولئك الذين ال يستطيعون‪ ،‬أو بذدوار أولئك الههذين ولفههوا‬

‫عن نرصة الدين مع قدرهته عىل ذلك‪ ،‬مل يقدح هؤالء أن تقسه األعامل عىل أ نياء األمههة‪ ،‬بههل‬

‫شعروا أ ه معنيون متام ًا هبذا األمر‪ ،‬ولو تقاعس اجلميع فليس هذا مربر ًا لتقاعسه ه‪ ،‬اجلههيين‬

‫جيش ه‪ ،‬والنرص أمل ه‪ ،‬وعزة اإلسيم هدف ه‪ ،‬واهلل عههز وجههل ههايت ه وهههو ُم َّطلههع علههي ه‬

‫ويرى أعام ه‪ ،‬وهذا يكفي ه‪.‬‬

‫قد يقول قائل أال يصل إا درجة عاملقة اإليامن إال أ نيههاء األمههة فقههط الههذين يملكههون املههال‬

‫الوفري فيقدرون عىل هذه العطايا الس ية؟ واإلجابة عىل العكس متام ًا‪ ،‬فليس امل ههه هههو كميههة‬
‫‪1070‬‬
‫ورب درهه سبق ألف درهه‪ ،‬وقد ينفههق‬
‫اإلنفا ‪ ،‬لكن امل ه هو استنفاذ الوسع‪ ،‬وبذل الطاقة‪ُ ،‬‬
‫منافق نفقة عظيمة مردودة علية لفساد نيتة‪ ،‬وقد ينفق فقههري درمهه ًا واحههد ًا فيصههل بههة إا أجههر‬

‫األ نياء الذين بذلوا األلوف؛ من أجل ذلك تسابق عاملقة اإليامن من الفقراء لبههذل الوسههع يف‬

‫يوم تبوذ‪ ،‬والوسع قد يكون مكياالً من التمر‪ ،‬قد يكون ُدراامت معدودات‪ ،‬هو جزء قليل يف‬

‫ه‪ ،‬لكن هذا ما يستطيعونة ويقدرون عليههة‪ ،‬فبلغههوا هبههذا القههدر اليسههري‬ ‫عدة وعتاد جيين‬

‫منازل كبار املنفقني يف سبيل اهلل‪ .‬كل واحد م ام كانت إمكانياتة‪ ،‬وم ام كانت قدراتههة يسههتطيع‬

‫أن يكون من هؤالء العاملقة‪ ،‬ليس هذا فقط‪ ،‬بل إن املسله قد ال يملك شيئ ًا أصه ً‬
‫ي ويتمنههى يف‬

‫دا لة أن لو استطاع أن يشارذ أو يساهه أو جياهههد ُفيعطههى أجههر الشه داء وأجههر املجاهههدين‬

‫وأجر املنفقني يف سبيل اهلل‪ .‬يريد أن جياهد باملة‪ ،‬ولكنة معدم ال يملك درمه ًا وال دينههار ًا‪ ،‬يريههد‬

‫أن جياهد بروحة‪ ،‬ولكنة معتل ومريض وال يقوى عىل محل السيح‪ ،‬يريههد أن يشههارذ بجسههده‬

‫ولكنة ال يملك راحلة تصل بة إا أرض اجل اد‪ ،‬هؤالء املعذورون الصادقون يف نيت ه ه مههن‬

‫األجر مثل ما للقادرين املجاهدين بذموا ه وأرواح ه‪ ،‬هذا هو العههدل اإل ههي فعهيً‪ ،‬يعامههل‬

‫الناس عىل قدر الوسع‪ ،‬وليس عىل ما يمتلكون من أمههوال أعطاههها ههه رب العههاملني سههبحانة‬

‫وتعاا‪ ،‬أو حرم ه إياها‪.‬‬

‫اسمع إا هذا احلديث يف مسند أمحههد بههن حنبههل رمحههة اهلل‪ ،‬وسههنن ابههن ماجههة عههن أيب كبشههة‬

‫األنامرري ريض اهلل عنة قال قال رسول اهلل ﷺ (مثل هذه األمة كمثل أربعة نفههر)‪ ،‬ثههه ذكههر‬

‫من ه ﷺ (رجل فتاه اهلل ماالً وعل ًام ف و يعمل بعلمة‪ ،‬ويف مالة ينفقة يف حقة‪ ،‬ورجل فتههاه اهلل‬

‫عل ًام ومل يؤتة ماالً ف و يقول لو كان يل مثل هذا عملت فية مثل الذري يعمل‪ ،‬قال ﷺ ف ام يف‬

‫ء‪ ،‬أري رمحهة مههن‬ ‫األجر سواء)‪ ،‬يتمنى أن ينفق فيعطي أجر املنفقني يف سبيل اهلل وليس معة‬

‫رب العاملني سبحانة وتعاا!‪ .‬هؤالء قال اهلل عز وجل يف حق ه { َل ْي َس َع َىل ُّ‬
‫الض َع َفاء َوال َعه َىل‬

‫‪1071‬‬
‫ون َح َر ٌج إ َذا ن ََص ُحوا هللَّ َو َر ُسولة َما َع َىل املُْ ْحسهن َ‬
‫ني مه ْن‬ ‫املَْ ْر ََض َوال َع َىل ا َّلذي َن ال َجيدُ َ‬
‫ون َما ُينف ُق َ‬

‫يه} [التوبة ‪.]91‬‬ ‫هللَّ َ ُف ٌ‬


‫ور َرح ٌ‬ ‫َسب ٍ‬
‫يل َوا ُ‬

‫البكاءون‬

‫إن بعض هؤالء الفقراء املعدمني بلغوا من الصد يف النية والشو إا اجل ههاد بههالنفس واملههال‬

‫أن بكوا تذثر ًا أن الرسول ﷺ ال جيد راحلة حيمل ه علي ا إا تبههوذ‪ ،‬ويههل ش صه ًا حيههرم مههن‬

‫اجل اد فيبكي؛ ألنة ال يستطيع أن جياهد يف سبيل اهلل ال بههامل وال بههنفس‪ ،‬مل يقولههوا احلمههد هلل‬

‫الذري عافنا من هذا املج ود‪ ،‬ولكن حزنوا حزن ًا شديد ًا وصههل إا حههد البكههاء حلرمهها ه مههن‬

‫اجل اد‪ ،‬هؤالء عرفوا يف السرية بالبكائني‪ ،‬وكانوا سبعة‪ ،‬وفي ه نزل قههول اهلل عههز وجههل { َوال‬

‫َع َىل ا َّلذي َن إ َذا َما َأت َْو َذ لت َْحم َل ُ ْه ُق ْل َت ال َأجدُ َما َأ ْمح ُلك ُْه َع َل ْية ت ََو َّلوا َو َأ ْع ُينُ ُ ْه تَف ُ‬
‫يض م َن الدَّ ْمع}‬
‫يض م َن الدَّ ْمع َح َزنًا َأ َّال َجيدُ وا َما ُينف ُق َ‬
‫ون} [التوبة ‪]92‬‬ ‫[التوبة ‪ ]92‬انظر التصوير { َأ ْع ُينُ ُ ْه تَف ُ‬

‫حزن حقيقي صاد ‪ ،‬تدبر بإمعان يف مقههدار اإل ههيص والتجههرد والتضههحية التههي كانههت يف‬

‫قلوهبه إا الدرجة التي تصل إا وليد ذكراهه يف كتاب رب العاملني بقرفن ُيقرأ ويتعبههد بههة إا‬

‫يوم القيامة‪ .‬كل هذا وهه من الفقراء الذين ال يملكون شيئ ًا مطلق ًا‪ ،‬وال حتى مكيههال متههر‪ ،‬بههل‬

‫إن بعض ه بلغ بة الشو إا اجل اد يف سبيل اهلل‪ ،‬وإا دمة اإلسيم ونرصههة الههدين درجههة ال‬

‫نتصورها أصيً‪.‬‬

‫هذا هو ُع ْل َبة بن زيد ريض اهلل عنة وأر اه أحد البكههائني السههبعة ريض اهلل عههن ه وأر ههاهه‪،‬‬

‫عاد يوم ًا إا بيتة‪ ،‬وذلك بعدما رده ﷺ ‪ ،‬وصىل يف هههذه الليلههة مهها شههاء اهلل لههة عههز وجههل أن‬

‫يصيل‪ ،‬ثه بكى يف ف ر صيتة ودعائة‪ ،‬وقال (الل ه إنك أمرت باجل ههاد ور بههت فيههة‪ ،‬ثههه مل‬

‫جتعل عندري ما أتقوى بة‪ ،‬ومل جتعل يف يد رسولك ما حيملني علية‪ ،‬وإين أتصد ‪-‬وانتبة ف ههذه‬

‫أعجب صدقة يف التاريخ‪ -‬عههىل كههل مسههله بكههل مظلمههة أصههابني في هها يف مههال أو جسههد أو‬
‫‪1072‬‬
‫ء‪ ،‬لكههن لههيس معههة أري‬ ‫عرض)‪ .‬هذا يريد أن ينفع اجليين املجاهد واألمة اإلسههيمية بههذري‬

‫ء عجيب يتصد بة ما تصد بة أحد قبلة‪ ،‬وما أحسب أن أحد ًا فعل ذلههك‬ ‫ء‪ ،‬ففكر يف‬

‫بعده‪ ،‬إنة يتصد من حسناتة‪ ،‬هذه املظامل التي ُارتكبههت يف حقههة يومه ًا مههن األيههام تتحههول إا‬

‫ء‪ ،‬وليس معة‪ ،‬فليساعدهه‬ ‫حسنات يف ميزانة يوم القيامة‪ ،‬وهو يريد مساعدة املسلمني بذري‬

‫ور يد حسناهته إلي ه‪ ،‬وما أحسب أن أحد ًا يف العامل بلغ هذه الدرجة من‬
‫بالعفو عن ظلم ه إياه َ‬
‫السمو يف حب العمل هلل‪ ،‬وحب اخلدمة للناس واملجتمع واألمة‪.‬‬

‫يا ترى هل كان هناذ مردود ألمنية علبة بن زيد ريض اهلل عنة؟ هههذا الرجههل ذهههب إا صههية‬

‫الصبح مع املسلمني‪ ،‬والتفت الرسول ﷺ بعد الصية إا الناس وسذل (أين املتصد هههذه‬

‫الليلة؟ مل يقه أحد‪ ،‬فقال أين املتصد مههرة ثانيههة فلههيقه‪ ،‬فقههام إليههة علبههة وأرس إليههة يف أذنههة‬

‫وأ ربه بام كان من ليلتة باألمس‪ ،‬فقال ﷺ أبهرش؛ فوالههذري نفسههي بيههده كتبههت يف الزكههاة‬

‫املتقبلة)‪ .‬استحق علبة بن زيد ريض اهلل عنة بر ه فقره الشديد أن يكون مههن كبههار املتصههدقني‬

‫الذين تقبل اهلل عز وجل من ه صدقاهته‪ ،‬وأصبح علبههة بههن زيههد ريض اهلل عنههة وأر ههاه مههن‬

‫عاملقة اإليامن الذين يقودون األمة إا كل جمد وعز ورشف ريض اهلل عنة‪.‬‬

‫الرسول ﷺ من شدة إعجابة هبذه الطائفة العميقة من املؤمنني والتي ال متلك شيئ ًا يف يههدها‪،‬‬

‫هذه الطائفة الباكية ظلت يف فكره ﷺ منذ ذهب إا تبوذ وحتى عاد إا املدينة املنههورة وقههال‬

‫ألصحابة عن أولئك الصادقني الذين ما اسههتطاعوا أن خيرجههوا إا اجل ههاد يف سههبيل اهلل وهههه‬

‫يتمنونة بصد ‪ ،‬قال (إن أقوام ًا باملدينة لفنا مهها سههلكنا شههعب ًا وال واديه ًا إال وهههه معنهها فيههة‬

‫حبس ه العذر)‪ .‬هذا الكيم يعطي إرشاقة أمل لكل من حيل بينة وبني اجل اد يف سبيل اهلل ألري‬

‫سبب‪ ،‬لكن يتمنى بصد ‪ ،‬فيصل فعه ً‬


‫ي إا درجههة املجاهههدين يف سههبيل اهلل‪ ،‬ويصههبح اجلههيين‬

‫املجاهد كلام طا طوة يف سبيل اهلل ُيو ع لههة األجههر وهههو يف مدينتههة مههثلام يكههون للجههيين‬

‫‪1073‬‬
‫املجاهد يف سبيل اهلل‪ ،‬بل قد يصل إا درجة الش داء يف سبيل اهلل! روى مسله والنسائي وابههن‬

‫ماجة عن س ل بن حنيف ريض اهلل عنة قههال قههال رسههول اهلل ﷺ (مههن سههذل اهلل الشه ادة‬

‫بصد ب يلغة اهلل منازل الش داء‪ ،‬وإن مات عىل فراشة)‪.‬‬

‫هذا هو اإلسيم‪ ،‬اإلسيم ليس دين ًا لأل نياء فقط‪ ،‬كل إنسان يمكههن أن يسههاهه حتههى املُعههدم‬

‫الفقري الذري ال جيد شيئ ًا‪ ،‬ويصبح كذعظه الناس نفقة يف سبيل اهلل إذا أ لص نيتة هلل عز وجههل‬

‫أنة إن كان معة مال فسينفقة يف سبيل اهلل‪ ،‬رمحة من رب العاملني سبحانة وتعاا‪.‬‬

‫طبقة عاملقة اإليامن هذه مل تكن من الرجال فقط‪ ،‬بل أتههت بعههض النسههاء مههن عاملقههة اإليههامن‬

‫بحلي ن وبكل ما يملكن لتج يز اجليين املسله مع أ ن لسن مكلفههات باجل ههاد يف سههبيل اهلل‪،‬‬

‫ولكن لقوة إيام ن ف ن يعتربن أنفس ن مسئوالت عن قضايا األمة‪ ،‬ولذلك كن فعي‬

‫طبقة عامة املؤمنني‬

‫الطبقة الثانية طبقة عموم املؤمنني‪ ،‬وإذا كانت الطبقة السابقة هي طبقة القادة يف اخلههري‪ ،‬ف ههذه‬

‫طبقة األتباع يف اخلري أيض ًا‪ ،‬هؤالء هه أصحاب الفطرة السليمة‪ ،‬واأل ي احلميدة‪ ،‬والههروح‬

‫اإلسيمية النقية‪ ،‬هؤالء يستجيبون لنداء اجل اد دون تردد‪ ،‬يتحركههون دون تكاسههل‪ ،‬يرفعههون‬

‫راية احلق ما دام قد ُطلب من ه ذلك‪ ،‬هذه هي الطبقة الرئيسية يف األمة املنترصة املمكنة‪.‬‬

‫هذه الطبقة وإن كانت تذيت لف طبقة عاملقة اإليامن إال أ هها عههامد الدولههة‪ ،‬وكيا هها الههرئيس‪،‬‬

‫وعموم الناس في ه ري كثري‪ ،‬وأمل كبري‪ ،‬نعه هه ليسوا قادة الناس و ههركي ه‪ ،‬ولكههن لههيس‬

‫كل الناس أبا بكر أو عمر‪ ،‬فقادة الناس ماذا يفعلون بغري شعوهبه وجنودهه؟ أري قيمههة لقائههد‬

‫متميز إن كان شعبة فاسد ًا؟ والعكس كذلك‪ ،‬ال قيمة لشعب متميز إن كان قائده فاسد ًا‪ ،‬لذلك‬

‫‪1074‬‬
‫من سنة اهلل عز وجل أن احلكام يكونون عىل شاكلة شههعوهبه‪ ،‬والشههعوب تكههون عههىل شههاكلة‬

‫حكام ا‪ ،‬الشعب الطيب حيكمة قائد طيب‪ ،‬والشعب الفاسد ال يفرز إال حاك ًام فاسد ًا‪.‬‬

‫عموم الناس تولد عىل الفطرة‪ ،‬تولد عىل حب اهلل عز وجل وحب الدين‪ ،‬وهذا احلب مههزروع‬

‫تلقائي ًا يف قلوب عامة العباد‪ ،‬لكن تذيت عوامل الدبية والبيئة التي تغري من طبائع الناس‪ ،‬كام أن‬

‫الطفل يولد عىل الفطرة‪ ،‬ثه يتغري حسب تربيتههة‪ ،‬كههذلك الشههعوب (كههل مولههود يولههد عههىل‬

‫الفطرة‪ ،‬فذبواه اودانة‪ ،‬أو ينرصانة‪ ،‬أو يمجسانة)‪ ،‬كذلك الشعوب يستطيع احلاكه الصالح أن‬

‫حيول شعبة بس ولة إا شعب صالح طيب؛ ألن عامههة النههاس يف فطرهتهها اخلههري‪ ،‬ويف نفوسه ا‬

‫سيا طبيعي للفضيلة‪ ،‬لكن املؤثرات اخلارجية ورج ه عن جادة الطريق‪ .‬وظيفة احلاكه هههي‬

‫قمع املؤثرات اخلارجية الفاسدة التي تسبب انحراف النههاس وتغههري الفطههرة‪ .‬القائههد الههذري ال‬

‫يستطيع أن يمنع املفاسد والرشور واملعايص والظله والبغههي هههو قائههد ال يسههتحق القيههادة‪ ،‬ال‬

‫ينبغي لة أن ينال رشف اإلمارة‪ ،‬وعلية أن يدذ األمر ملن يصلح البيد والعبهاد‪ ،‬وهنههاذ أمثلههة‬

‫لقادة ريوا شعوهبه يف وقت قليل يف التاريخ وهي كثرية جد ًا‪ ،‬من ه عمر بن عبد العزيز رمحة‬

‫اهلل‪ ،‬صيح الدين األيويب‪ ،‬قطز‪ ،‬ألب أرسين‪ ،‬مههود الغزنههوري‪ ،‬يوسههف بههن تاشههفني‪ ،‬عبههد‬

‫الرمحن الدا ل‪ ،‬عبد الرمحن النهها‪ ،،‬مههد الفههاتح و ههريهه‪ ،‬و ههريهه‪ ،‬وقبههل كههل هههؤالء‬

‫معلم ه ومعلمنا وقدوهته وقدوتنا رسول اهلل ﷺ ‪.‬‬

‫الرسول ﷺ حرذ بواعث اخلري املوجودة يف دا ل نفوس النههاس‪ ،‬فاسههتجابت لههدعوة احلههق‬

‫وفمنت وحتركت وجاهدت و حت وسعدت بذلك يف الههدنيا واآل ههرة‪ .‬لههيس مطلوبه ًا مههن‬

‫القائد الصالح أن جيعل شعبة كلة من عاملقة اإليامن‪ ،‬ذلك أمر ال يستطيعة‪ ،‬لكن املطلههوب منههة‬

‫أن جيعل قلوب العموم من شعبة متيل إا احلق‪ ،‬وحتب اخلههري‪ ،‬وتقبلههة وتتمنههاه‪ ،‬تطيههع اهلل عههز‬

‫وجل فيام أمر‪ ،‬ومن هؤالء سي رج قليههل مههن عاملقههة اإليههامن‪ ،‬وهههؤالء العاملقههة سههيحركون‬

‫‪1075‬‬
‫اآل رين ويقودو ه‪ ،‬وبذلك تسري البيد من و ع سههيإ إا و ههع حسههن‪ ،‬ومههن حسههن إا‬

‫أحسن منة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫بمهرب خملههص‬
‫من كيمنا الذري مىض نستطيع أن نستنتج كيف تقوم األمه وتبنى‪ ،‬فاألمر يبههدأ ُ‬
‫يريب جمموعة خمتارة عىل اإليامن والعمل الصالح‪ ،‬يزرع في ه الفكههرة التههي مههن أجل هها سههتقوم‬

‫األمة‪ ،‬ثه يزداد هذا العدد الذري يربية قائدهه‪ ،‬ولكن يبقههون يف تعههداد القليهل بالنسههبة لعامههة‬

‫الناس‪ ،‬وهؤالء هه طبقة عاملقة اإليامن‪ ،‬ثه يذذن رب العاملني بالتمكني ذا القليل بعد مراحل‬

‫متعددة من االبتيء واال تبار‪ ،‬ويذيت التمكني كام رأينهها يف دروس السههرية بصههورة ال يت يل هها‬

‫عاملقة اإليامن‪ ،‬ومن طريق ال يتوقعونههة‪ ،‬فههإذا مكنههوا يف األرض‪ ،‬فههإ ه حينئههذ يسههتطيعون ‪-‬‬

‫بفضل اهلل عز وجل‪ -‬أن يغريوا معظه العامة من الرشه إا اخلههري‪ ،‬ومههن الفسههاد إا الصههيح‪،‬‬

‫وعادة ما يكون هذا التغيري رسيع ًا‪ ،‬فاجل د كل اجل د والوقت كل الوقت يكون يف تربيههة طبقههة‬

‫عاملقة اإليامن‪ ،‬أما طبقة عامة الشعب فإ ا تربى يف وقت رسيع‪ ،‬وكام قال عثامن بن عفان ريض‬

‫اهلل عنة إن اهلل ليزع بالسلطان ما ال يزع بالقرفن‪ ،‬وهكذا تقوم أمة اإلسيم مرب يريب عاملقههة‬

‫إيامن‪ ،‬ثه ابتيء‪ ،‬ثه متكني‪ ،‬ثه تربية رسيعة لعموم الناس‪.‬‬

‫هاتان طبقتان من أهه الطبقات يف األمة اإلسيمية طبقة عاملقة اإليامن‪ ،‬وطبقة عموم املؤمنني‬

‫الصاحلني‪ ،‬ويف كل ري‪ ،‬وهاتان الطبقتان مها اللتان جاءتا يف قول اهلل عههز وجههل {ال َي ْسهتَوري‬

‫منْك ُْه َم ْن َأ ْن َف َق م ْن َق ْبل ا ْل َفتْح َو َقات ََل ُأ ْو َلئ َك َأ ْع َظ ُه َد َر َج ًة م َن ا َّلذي َن َأ ْن َف ُقوا م ْن َب ْعدُ َو َقا َت ُلوا َوك اُي‬
‫احل ْسنَى َواهللَُّ ب َام َت ْع َم ُل َ‬
‫ون َ ب ٌري} [احلديد ‪ ]10‬الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا هههه‬ ‫َوعَدَ اهللَُّ ْ ُ‬
‫طبقة عاملقة اإليامن‪ ،‬والذين أنفقوا من بعد الفتح والتمكني وقاتلوا هه طبقههة عامههة املههؤمنني‪.‬‬

‫وعىل الر ه من أن كلتا الطبقتني عههىل ههري‪ ،‬وعههىل الههر ه مههن أن كلتهها الطبقتههني موعودتههان‬

‫‪1076‬‬
‫باحلسنى‪ ،‬إال أ ام ال يسههتويان } َذله َك َف ْضه ُل اهللَّ ُي ْؤتيههة َمه ْن َي َشها ُء َواهللَُّ ُذو ا ْل َف ْضهل ا ْل َعظهيه{‬

‫[احلديد ‪.]21‬‬

‫طبقة املؤمنني الصادقني القاعدين عن أمر اهلل مؤقت ًا‬

‫الطبقة الثالثة يف املجتمع املسله الصالح وهي طبقة من املؤمنني الصادقني‪ ،‬ولكن مهن الههذين‬

‫لبت ه ش واهته‪ ،‬وانترص علي ه شيطا ه يف حلظة‪ ،‬فذقعدهه عن أمر اهلل عز وجل مع إيام ههه‬

‫بة‪ ،‬وهؤالء أحيان ًا يكونون من طبقة عاملقة اإليامن‪ ،‬لكن كل إنسان خيطههإ‪ ،‬كههل إنسههان يقعههد‬

‫ويفد‪ .‬قال ﷺ فيام رواه ابن ماجههة عههن أنههس ريض اهلل عنههة (كههل بنههي فدم طههاء‪ ،‬و ههري‬

‫ه إال‬ ‫اخلطههائني التوابههون)‪( ،‬كههل بنههي فدم) عههىل اإلطههي هكههذا‪ ،‬كههل النههاس خيطههإ ويع‬

‫املعصومني فقط من األنبياء واملرسلني‪ ،‬هؤالء امل طئون قد يقعدون عن اجل اد يف سبيل اهلل يف‬

‫وقت َت َع ُّينة‪ ،‬ليس إنكار ًا ألمهيتة‪ ،‬وليس است زاء ًا بالترشيع‪ ،‬ولكن ا حلظة من حلظات الضههعف‬

‫البرشري املتوقع‪ ،‬وكلام ارتفع مستوى الدبية يف املجتمع‪ ،‬وكلام حرصت القيادة عىل أ يقيههات‬

‫ومبادئ وقيه األمة‪ ،‬قلت أعداد هذه الطائفة الثالثة‪ .‬طائفة املؤمنني القاعدين مؤقته ًا‪ ،‬أو طائفههة‬

‫املؤمنني املت لفني عن اجل اد بدون عذر سائغ‪ ،‬م ام كان مستوى الدبية راقي ًا ومتميز ًا‪ ،‬البد أن‬

‫توجد هذه الطائفة‪ ،‬ويستحيل أن يوجد جمتمع إسيمي م ام كان بدون هذه الطائفة‪.‬‬

‫لو كان هناذ إمكانية لوجود مثل هذا املجتمع اخلايل متام ًا من معصية بني صفوف املؤمنني لكان‬

‫هذا املجتمع هو جمتمع الرسول ﷺ ‪ ،‬ولكن هذا يستحيل فعيً؛ ألن البرش ليسوا ميئكههة‪ ،‬وال‬

‫ُيطلب من ه أن يكونوا ميئكة‪ ،‬ولكن يطلب من ه أن يتوبوا بهرسعة إذا أذنبههوا‪ ،‬وأن يشههعروا‬

‫بغصة يف حلوق ه‪ ،‬وأمل يف قلوهبه عند ارتكاب الذنب‪ ،‬وهذا الكيم يم د بعههد ذلههك للتوبههة؛‬

‫لكون الدبية كانت متميزة فع ً‬


‫ي يف أيام تبوذ‪ ،‬بل باهرة‪ ،‬فإن إعداد هذه الطائفة قلت إا درجههة‬

‫ال يتصورها إنسان‪.‬‬


‫‪1077‬‬
‫أتعلمون كه كان عدد املت لفني من املؤمنني الصادقني؟ ولف عههن الركههب ثيثههة فقههط‪ ،‬مههن‬

‫أصل ثيثني ألف جماهد‪ ،‬وهي أقل نسبة ولف عن اجل اد يف العامل كلة بني صفوف املؤمنني‪.‬‬

‫هؤالء الثيثة هه أيض ًا من طبقة عاملقههة اإليههامن الههذين سههبقوا بههإيام ه وج ههادهه وعمل ههه‬

‫الصالح‪ ،‬لكن ا كانت هفوة لن تتكرر‪ ،‬ذنب تابوا منة رسيع ًا‪.‬‬

‫هؤالء الثيثة كانوا كعب بن مالك ريض اهلل عنة‪ ،‬ومرارة بن الربيع ريض اهلل عنة‪ ،‬وهيل بن‬

‫أمية ريض اهلل عن ه‪ ،‬أقعدهه النظر يف أموا ه‪ ،‬والتسويف يف أمر اخلروج للج ههاد‪ ،‬وال يقههول‬

‫أحد ليت ه رجوا لكي تكون نسبة اخلروج بني الصف املؤمن ‪%100‬؛ ألن هذا مستحيل‪ ،‬لو‬

‫رج هؤالء لقعد ريهه‪ ،‬وهذه رمحة من رب العههاملني بنهها‪ ،‬وملههاذا أقههول رمحههة؟ لكههي نههرى‬

‫أحداا السرية بعد مرور مئات السنني ويف الصف املؤمن قدوة لنا يف كل موقههف‪ ،‬فههيمكن أن‬

‫حيصل يف يوم من األيام أن واحد ًا فينا يت لف عن اجل اد لسبب أو آل ر‪ ،‬فتكون عنده فرصههة‬

‫أ رى للرجوع‪ ،‬عنده فرصة أ رى ليتوب‪ ،‬عنده فرصة أ رى لي دم اإلسيم واملسلمني‪ ،‬في‬

‫تكون كارثة نقف أمام ا مكتويف األيدري‪ .‬السرية النبوية صيغت بعناية‪ ،‬ورسمت بقههدرة إ يههة‬

‫عجيبة؛ ليحدا في ا كل ما حيدا يف األرض وإا يوم القيامة‪ ،‬ومن ثه نرى تصهرف الرسههول‬

‫ﷺ يف كل املواقف‪ ،‬ونستطيع التذيس بة ﷺ ‪ ،‬ولتحقق اآلية الكريمة الشاملة اجلامعة { َل َقدْ‬


‫ان َل ُكه ْه يف َر ُسهول اهللَّ ُأ ْسه َو ٌة َح َسهنَ ٌة َمله ْن َكه َ‬
‫ان َي ْر ُجهو اهللََّ َوا ْل َيه ْو َم اآل ه َر َو َذ َكه َر اهللََّ كَثه ًريا}‬ ‫َكه َ‬

‫[األحزاب ‪.]21‬‬

‫هؤالء ثيا طوائف مؤمنة برزت وبو وح يف أزمة تبوذ‪ ،‬وهي موجودة بدرجات متفاوتة يف‬

‫أري جمتمع مسله طبقة عاملقههة اإليههامن‪ ،‬وطبقههة عمههوم املههؤمنني الصههادقني‪ ،‬وطبقههة املههؤمنني‬

‫املت لفني عن أمر اهلل بصفة مؤقتههة‪ ،‬وتقههل أو تزيههد نسههبة كههل طبقههة حسههب طريقههة الدبيههة‪،‬‬

‫ومستوى الف ه عند اجليل‪.‬‬


‫‪1078‬‬
‫طبقة عامة املنافقني ومردهته‬

‫الطبقات الثيا السابقة هي طبقات مسلمة مؤمنة‪ ،‬والطبقتان الباقيتان مها طبقتان مسههلمتان‪،‬‬

‫ولكن لألسف منافقتههان‪ ،‬والبههد مههن وجودمههها‪ ،‬لههيس هنههاذ دولههة مسههلمة يف األرض بغههري‬

‫منافقني‪ ،‬م ام بلغت درجة الدبية‪ ،‬وم ام ارتفعت درجة تطبيق الشههرع‪ ،‬فقههد وجههدوا يف أيههام‬

‫الرسول ﷺ ‪ ،‬ووجدوا بعد أيامة‪ ،‬وهه معنا يف زماننا‪ ،‬وسههيبقون إا يههوم القيامههة‪ .‬املنههافقون‬

‫طبقة طرية جد ًا‪ ،‬لعل ا أ طر من طبقة الكافرين ظاهرري الكفر؛ أل ا طبقة يف ظاهرههها أ ههه‬

‫مسلمون يتكلمون بكههيم املسههلمني‪ ،‬ويتوج ههون إا قبلههت ه‪ ،‬ولكههن ه يبطنههون الكفههر بههاهلل‬

‫والكراهية لإلسيم‪ ،‬وخيططون ويدبرون ويكيدون دم دعائه الدين‪.‬‬

‫هؤالء املنافقون ينقسمون إا طبقتني‬

‫الطبقة األوا طبقة عامة املنافقني‪ ،‬وهه يقابلون درجة عموم املؤمنني الصادقني‪ ،‬فطبقة عموم‬

‫املنافقني هه الذين يتذثرون بقول ريهه‪ ،‬ويسمعون أوامر أسههيادهه فيصههبحون سههوط ًا يف يههد‬

‫اجليد‪ ،‬وعص ًا يف يد الظامل‪ ،‬وقل ًام يف يد املزور‪ ،‬وهذه طبقة طرية وكثرية‪.‬‬

‫الطبقة الثانية طبقة مردة املنافقني‪ ،‬وهه الذين يقودون محيت التشكيك يف الدين‪ ،‬ويتزعمون‬

‫فر املنافقني الضالة التي ُتضمر الرش كل الرش لإلسيم واملسلمني‪ ،‬هههؤالء أ بههث فعه ً‬
‫ي مههن‬

‫ني يف الدَّ ْرذ األَ ْس َفل م َن النَّهار‬


‫الكفار والشياطني؛ لذلك قال اهلل عز وجل يف حق ه {إ َّن املُْنَافق َ‬

‫َو َل ْن َجتدَ َ ُ ْه نَص ًريا} [النساء ‪ .]145‬هه أسفل طبقههات املجتمههع‪ ،‬ويف أسههفل طبقههات النههار‪،‬‬

‫وهذه الفرقة املنحرفة من البرش موجودة يف كل زمان‪ ،‬فإن اهلل عز وجل مل ُيرشع لرسولة الكريه‬

‫ﷺ أن يرصح بذسامئ ه لعامة املؤمنني‪ ،‬ملاذا؟ ألن الرسول ﷺ سههيموت وينقطههع الههوحي‪،‬‬

‫البد من وجود وسيلة أ رى نعرف هبا املنافقني؛ لذا و ح اهلل عز وجل ورسههولة الكههريه ﷺ‬

‫‪1079‬‬
‫يف الكتاب والسنة الصفات والعيمات التي يتصف هبا هههؤالء؛ لكههي يتعههرف املؤمنههون عههىل‬

‫املنافقني يف كل زمان‪ ،‬وال يعتمدون عىل الوحي الذري سيغيب بعد وفاة الرسول ﷺ وإا يوم‬

‫القيامة‪.‬‬

‫صفات املنافقني‬

‫هذه الصفات متتلإ هبا صفحات القرفن الكريه‪ ،‬وتكثر يف أحاديث الرسول احلكيه ﷺ ‪.‬‬

‫من صفاهته أ ه يعتادون عىل الكذب يف كل صغرية وكبرية‪.‬‬

‫ومن صفاهته أ ه يستذذنون يف عدم املشاركة يف كل عمل خيدم اإلسيم واملسلمني‪ ،‬يعتذرون‬

‫ء فية مصلحة‪.‬‬ ‫عن اجل اد والعمل وقول احلق والدعوة واإلصيح وأري‬

‫ومن صفاهته إثارة الفتن بني صفوف املؤمنني؛ لينشب بين ه الرصاع والضغينة‪.‬‬

‫حصل ري‪.‬‬
‫ومن صفاهته أ ه يفرحون إذا أصاب املسلمني مصاب أو أذى‪ ،‬وحيزنون إذا ي‬

‫من صفاهته أ ه يتكاسلون عن الصلوات‪ ،‬في يصلون الفجر وال العشاء يف مجاعة‪.‬‬

‫ومن صفاهته أ ه ال ينفقون إال وهه كارهون‪ ،‬ف ه شههديدوا الب ههل يف اإلنفهها عههىل أمههور‬

‫اإلسيم‪ ،‬مع كو ه كثريري اإلنفا عىل وهه ولعب ه‪.‬‬

‫ومن صفاهته أ ه دائمي الس رية من امللتزمني بالدين‪.‬‬

‫ومن صفاهته أ ه يتحدثون بغري أدب وال توقري عن رسول اهلل ﷺ ‪.‬‬

‫ومن صفاهته أ ه يكرهون ‪-‬وأحيان ًا ُ‬


‫يسبون‪ -‬أصحاب الرسول ﷺ ‪.‬‬

‫ومن صفاهته أ ه حيبون أن تشيع الفاحشة يف الذين فمنوا‪ ،‬وين ون الناس عن كههل معههروف‪،‬‬

‫ويثبطو ه عن فعل كل ري‪ ،‬ويذمرون الناس بفعل املنكر ويشجعو ه عىل املعايص‪.‬‬
‫‪1080‬‬
‫من صفاهته أ ه خيلفون الوعد‪ ،‬وينقضون امليثا ‪.‬‬

‫من صفاهته أ ه يفجرون يف اخلصام والشقا ‪.‬‬

‫ومن صفاهته أ ه خيونون األمانة‪.‬‬

‫ومن صفاهته أ ه يتحالفون مع أعداء األمة د إ وا ه املسلمني‪.‬‬

‫من صفاهته أ ه يتشب ون بالكفار‪ ،‬ويف رون بذلك‪ ،‬ويستحيون من االنتامء إا أمة اإلسههيم‬

‫واملسلمني‪.‬‬

‫ومن صفاهته أ ه يكثرون من اخلطب الرنانة التي حتمل معاين عظيمة جد ًا‪ ،‬وأ يق ًا رفيعههة‪،‬‬

‫ولكن ال يفعلون من ا شههيئ ًا‪ ،‬يتحههدثون عههن األمانههة والرشههف واإلصههيح واحلريههة والعمههل‬

‫والشورى واجل اد‪ ،‬ولكن ه ال يفعلون من ذلك شيئ ًا أبد ًا‪.‬‬

‫ومن صفاهته أن ذكر اهلل عز وجل ال يذيت عىل ألسنت ه إال قلييً‪.‬‬

‫ومن صفاهته أ ه ال حيتكمون إا كتاب اهلل عز وجههل إال إذا كههان سههيحكه ههه‪ ،‬فههإن كههان‬

‫سيحكه لغريهه رفضوا حكمة‪.‬‬

‫ومن صفاهته أ ه يفرون يف املعارذ وعند األزمات‪ ،‬ويظ ر علههي ه ا لههع الشههديد والرعههب‬

‫الدفني عند أول احتامل للحرب؛ وذلك لشدة جبن ه و عف يقين ه‪.‬‬

‫ومن صههفاهته أ ههه يتوقعههون دائه ًام أ ههه مقصههودون باحلههديث عنههد احلههديث عههن األرشار‬

‫واملنافقني‪ ،‬لعل كيمك عام‪ ،‬ولكن ه حيسبون كل صيحة علي ه‪.‬‬

‫ومن صفاهته أ ه دائ ًام يت ربون من املسئولية‪ ،‬وينسبون األ طاء إا ريهه‪.‬‬

‫‪1081‬‬
‫ومن صفاهته أ ه يمدحون دائه ًام أصههحاب السههلطان‪ ،‬فههإن تههرذ السههلطان منصههبة انقلبههوا‬

‫بذلسنت ه علية‪.‬‬

‫ومن صفاهته تضارب األقوال؛ أل ه كثريو الكذب‪ ،‬في يعرفون ماذا قالوا قبل ذلههك وبههامذا‬

‫وعدوا‪.‬‬

‫ومن صفاهته أنك إذا أعطيت ه صاروا أصدقا ًء وأحبابه ًا لههك‪ ،‬وإن منعههت ه لسههبب أو آل ههر‬

‫انقلبوا عليك ونسوا ما فعلتة من معروف‪.‬‬

‫ومن صفاهته أ ه يقطعون أرحام ه‪ ،‬وال حيفظون حق ًا لوالد وال ألخ وال البن وال لعشرية‪.‬‬

‫ومن صفاهته أ ه يكثرون من احللف؛ أل ههه يعرفههون أن النههاس ال يصههدقو ه‪ ،‬فيقسههمون‬

‫ببساطة عىل الكذب‪ ،‬وحيلفون باهلل دون اكداا‪ ،‬هذه ثيثون كاملة‪.‬‬

‫أريد منك أن تعود مرة أ رى لتسمع ا مرة واثنتني وثيث ًا وتبحههث جيههد ًا يف نفسههك‪ ،‬إيههاذ أن‬

‫يكون فيك واحدة من ن‪ ،‬إياذ أن يكون يف قلبك صفة من صفات املنافقني‪ ،‬حتههى ولههو كانههت‬

‫واحدة من هذه الثيثني‪ ،‬ويمكن أن جتد أكثر وأكثر عندما تفتح القرفن الكريه‪ ،‬وتغههوص بههني‬

‫صفحات السنة املط رة لرسولنا ﷺ ‪ ،‬فمن املمكن أن جتد كثري جد ًا من الصههفات‪ ،‬وإيههاذ أن‬

‫تكون فيك صفة واحدة من صفات املنافقني‪ ،‬فالواحدة جتر إا الثانية‪ ،‬ثه جيد اإلنسان نفسة يف‬

‫عداد املنافقني‪ ،‬نعوذ باهلل من ذلك!‬

‫هاتان الطبقتان من املنافقني كانوا يف منت ى الو وح عند املسههلمني‪ ،‬وهههذه الصههفات الكثههرية‬

‫املوجودة يف الكتاب والسنة و حت صورة كههل منههافق عنههد املسههلمني بشههكل أكههرب‪ ،‬بههل إن‬

‫الرسول ﷺ كان يعرف ه بالوحي‪ ،‬ومع ذلك مل يقه حد ًا‪ ،‬أو عقوبههة عههىل منههافق‪ ،‬ليعلمنهها أن‬

‫نعامل الناس عىل الظاهر‪ ،‬وندذ القلب هلل عز وجل‪ ،‬لكن يف نفهس الوقههت عرفنهها بصههفاهته؛‬

‫‪1082‬‬
‫لكي نذ ذ جانب احلذر يف التعامل مع ه‪ ،‬ال نثق بوعودهه‪ ،‬ال نبني أحكام ًا عههىل فرائ ههه‪ ،‬وال‬

‫نذمن جانب ه‪ ،‬وال نصد حتلييهته‪ ،‬األمر كام قال اهلل عز وجل يف إجياز معجز { ُهه ُه ا ْل َعهدُ ُّو}‬

‫اح َذ ْر ُه ْه} [املنافقون ‪ ،]4‬جعل ه اهلل عههز وجههل (العههدو)‬


‫[املنافقون ‪ ]4‬ماذا نعمل مع ه؟ { َف ْ‬

‫(ه ُه ا ْل َعدُ ُّو َف ْ‬


‫احه َذ ْر ُه ْه) ‪،‬‬ ‫بالتعريف هكذا باأللف واليم‪ ،‬وكذنة ليس هناذ عدو ريهه‪ ،‬قال ُ‬
‫هذا هو جة ﷺ يف التعامل مههع املنههافقني يف كههل حياتههة‪ ،‬حيههذر املنههافقني‪ ،‬ولكههن ال جيههرري‬

‫األحكام إال عىل الظاهر‪.‬‬

‫دور املنافقني يف زوة تبوذ‬

‫ماذا فعل املنافقون يف أزمة تبوذ؟‬

‫ور ٌة َأ ْن فمنُوا بهاهللَّ‬


‫أوالً قرروا مجيع ًا الت لف عن اجل اد سواء باملال أو بالنفس { َوإ َذا ُأنز َل ْت ُس َ‬
‫است َْذ َذن ََك ُأ ْو ُلوا ال َّط ْول منْ ُ ْه َو َقا ُلوا َذ ْرنَا َن ُك ْن َم َع ا ْل َقاعدي َن} [التوبة ‪.]86‬‬
‫َو َجاهدُ وا َم َع َر ُسولة ْ‬

‫ثاني ًا مل يدذ هذا الت لف أري أمل يف قلوهبه‪ ،‬وال أري حزن يف مظ رهه‪ ،‬بل عىل العكس‪ ،‬كههانوا‬

‫سعداء هبذه املعصية‪ ،‬مأل الرسور بجريمت ه قلههوهبه إا الدرجههة التههي قههال اهلل عههز وجههل يف‬

‫يف َر ُسول اهللَّ} [التوبة ‪.]81‬‬


‫َ‬ ‫حق ه { َفر َح املُْ َ َّل ُف َ‬
‫ون ب َم ْق َعده ْه‬

‫ثالث ًا مل يكتفههوا بههالت لف وال بههالفرح هبههذا الت لههف فقههط‪ ،‬ولكههن بههدءوا يثبطههون املههؤمنني‬

‫الصادقني عن اخلروج‪ ،‬واست دموا يف ذلك دعايههات شههتى‪ ،‬ووسههائل متعههددة‪ ،‬وذلههك مثههل‬

‫قو ه { َو َقا ُلوا ال تَنف ُروا يف ْ َ‬


‫احلر} [التوبة ‪ ،]81‬ومثل قو ه للصههحابة أحتسههبون جهيد بنههي‬

‫األصفر ‪-‬الرومان‪ -‬كقتال العرب بعض ه بعض ًا؟! واهلل لكذنا بكه د ًا ُم َق يرنني يف احلبال‪.‬‬

‫رابع ًا كان موقف ه من املؤمنني الذين أنفقوا يف سبيل اهلل موقف ًا شديد اخلبث‪ ،‬وقفههوا يطعنههون‬

‫يف كل املتمسكني بالدين م ام كان فعل ه‪ ،‬إذا أتى ني من املسلمني بامل قالوا إنام أنفقة ريههاء‪،‬‬

‫‪1083‬‬
‫وإذا أتى فقري بامل قليل بحسب قدرتة س روا منة‪ ،‬وس روا من قلة عطائة واست زءوا بة‪ .‬قال‬

‫ون إ َّال ُج ْ هدَ ُه ْه‬


‫الصدَ َقات َو َّالهذي َن ال َجيهدُ َ‬ ‫ني م َن املُْ ْؤمن َ‬
‫ني يف َّ‬ ‫اهلل تعاا {ا َّلذي َن َي ْلم ُز َ‬
‫ون املُْ َّطوع َ‬

‫اب َأل ٌ‬
‫يه} [التوبة ‪]79‬؛ فمن أنفق كثري ًا س روا منههة‪،‬‬ ‫ون منْ ُ ْه َس َر اهللَُّ منْ ُ ْه َو َ ُ ْه َع َذ ٌ‬
‫َف َي ْس َ ُر َ‬

‫ومن أنفق قلي ً‬


‫ي س روا منة‪.‬‬

‫امس ًا جتاوز فعل ه ذلك‪ ،‬وبدءوا يبحثون عن أدلة رشعية ‪-‬أو يومهون الناس أ هها رشعيههة‪-‬‬

‫للت لف عن اجل اد‪ ،‬وإلثارة الشب ات بني املسلمني‪ ،‬مثلام فعل اجلد بن قيس مههن بنههي سههلمة‬

‫عندما رفض اخلروج إا تبوذ لقتال الروم بههزعه أنههة حيههب النسههاء‪ ،‬ونسههاء الههروم مجههييت‪،‬‬

‫وخيشى أن يفتن هبن‪ ،‬فادعى أنة من ورعة وتقواه وتقويمة لألعار ا تار أ ههف الههرضرين‪،‬‬

‫وهو الت لف عن اجل اد؛ ليحمي نفسة من فتنة النساء! وفية نزل قول اهلل عز وجههل { َومهنْ ُ ْه‬
‫ول ائ َْذ ْن يل َوال َت ْفتني َأال يف ا ْلف ْتنَة َس َق ُطوا َوإ َّن َج َ هن ََّه ملَُح َ‬
‫يطه ٌة با ْل َكهافري َن} [التوبههة ‪]49‬‬ ‫َم ْن َي ُق ُ‬

‫وهذا كيم طري جد ًا؛ ألن الكثري من املنافقني يست دمون (قال اهلل) و (قال الرسول) يف ثنههي‬

‫املجاهدين يف سبيل اهلل عن ج ادهه‪ ،‬والبد أن ينتبة املؤمنون ذا الكيم‪.‬‬

‫سادس ًا أن من ه من قام ب طة أشد بث ًا من ذلك‪ ،‬وهي أنة قرر اخلروج مع اجليين ملسافة مهها‪،‬‬

‫ثه يرجع من منتصف الطريق‪ ،‬لعلة يسحب معة عند الرجوع عدد ًا مههن املسههلمني الصههادقني‪،‬‬

‫مثلام عمل عبد اهلل بن أيب بن سلول يف زوة أحد وكرره مرة أ رى يف تبوذ‪.‬‬

‫سابع ًا أشد املنافقني رش ًا قرروا اخلروج فع ً‬


‫ي مع املسلمني إا ف ر املطههاف لبههث الفتنههة طههوال‬

‫الرحلة‪ ،‬وللكيد للمسلمني يف كل مراحل القتال‪ ،‬والكيد لرسول اهلل ﷺ قدر املستطاع‪.‬‬

‫ونيحظ يف الكيم املايض أن املنافقني كانوا حيههاولون االلتههزام بالقههانون العههام يف الظههاهر‪ ،‬ال‬

‫يت لفون عن اجل اد إال باستئذان؛ لكي يومهوا اجلميع أ ه ال يزالون مسههلمني منقههادين ألمههر‬

‫‪1084‬‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬والرسول ﷺ كان يذذن ه بالقعود؛ ألنة مقتنع متام االقتناع أنة لههن جياهههد إال‬

‫من ر ب يف اجل اد حقيقة‪ ،‬لكن رب العههاملني سههبحانة وتعههاا عاتبههة يف ذلههك‪ ،‬قههال سههبحانة‬

‫ني َل َك ا َّلذي َن َصدَ ُقوا َو َت ْع َل َه ا ْلكَاذب َ‬


‫ني} [التوبة ‪]43‬‬ ‫وتعاا { َع َفا اهللَُّ َعن َْك مل َ َأذ َ‬
‫نت َ ُ ْه َحتَّى َي َت َب َّ َ‬

‫لو أنة ﷺ رفض أن يذذن للمنافقني لقعدوا بر ه الرفض‪ ،‬وهنهها كانههت ستكشههف أوراق ههه‬

‫للمسلمني؛ فيعله املسلمون أمرهه عن بينة‪ .‬هذا كان و ع املنافقني يف أزمة تبوذ‪.‬‬

‫طر املنافقني عىل املجتمع‬

‫مع كل األعار التي قلناها إال أنة يبقى أشد طر ههه هههو تغيههري قناعههة املسههلمني الصههادقني‬

‫بكفرهه‪ ،‬قد يصل األمر إا أن يطيههع بعههض املههؤمنني كههيم املنههافقني ظنه ًا مههن ه أن هههذا هههو‬

‫الصواب‪ ،‬ويف ذلك يقول اهلل عز وجل } َل ْو َ َر ُجوا فيك ُْه َما َزا ُدوك ُْه إ َّال َ َب ًاال{ [التوبة ‪،]47‬‬
‫ا طراب ًا و عف ًا و ور ًا وجبن ًا‪َ } ،‬و َألَ ْو َ ُعوا ي َلك ُْه َي ْب ُغو َنك ُُه ا ْلف ْتنَ َة َوفيك ُْه َس َّام ُع َ‬
‫ون َ ُ ْه َواهللَُّ‬

‫يه بال َّظامل َ‬


‫ني{ [التوبة ‪.]47‬‬ ‫َعل ٌ‬

‫فبعض املؤمنني ال يستمع فقط إا كيم املنافقني‪ ،‬بل يكثر السامع‪ ،‬كههام قههال تعههاا (سههامعون)‬

‫أتت الكلمة بصيغة املبالغة لتفيد كثرة السامع‪ ،‬وليس ذلك لضعف يقني‪ ،‬أو لشههك يف القلههب‪،‬‬

‫ولكن لقوة الشههب ة وم ههارة الصههيا ة‪ ،‬وحههيوة اللسههان‪ ،‬وبي ههة القههول قههد يقههع املؤمنههون‬

‫الصادقون بسبب هذه الشب ات يف أ طههاء جسههيمة‪ ،‬قههد يقعههون يف كبههائر عظيمههة‪ ،‬مهها كههانوا‬

‫يت يلون أبد ًا أن يقعوا في ا يف يوم من األيام‪ ،‬لكن أحيان ًا للقول فعل السحر يف اإلنسههان‪ ،‬مههن‬

‫أجل ذلك يقول الرسول ﷺ فيام رواه الب ارري عن عبد اهلل بههن عمههر ريض اهلل عههن ام (وإن‬

‫من البيان لسحر ًا)‪ .‬قصة املنافقني يف الدولة اإلسيمية قصة طرية فعيً‪ ،‬فآثارهه جسيمة عههىل‬

‫املجتمع املسله‪ ،‬ومع ذلك ال جيب أن حيزن املؤمن إذا شاهد كثرة املنافقني يف زمن من األزمان‪،‬‬

‫إذا شاهد تبجح ه وظ ورهه يف وسائل الدعاية واإلعين‪ ،‬والكههيم بشههكل فا ههح معلههن‪،‬‬
‫‪1085‬‬
‫فمثل هذه املواقف حتمههل ههري ًا عظههي ًام‪ ،‬ف ههي تكشههف أوراق ههه‪ ،‬وتظ ههر نيههاهته امل تفيههة يف‬

‫صدورهه‪ ،‬فيحذرهه املسلمون‪ .‬من هذا اخلري أيض ًا أن ظ ورهه بكثافة دليل عىل قههوة األمههة‬

‫اإلسيمية‪ ،‬دليل عىل صيبة األمة اإلسيمية‪ ،‬الدولة الضعيفة ‪-‬كام ذكرنا قبل ذلك‪ -‬ال ُتنَ َافق‪،‬‬

‫ولكن ه ينافقون الدولة القوية‪ ،‬إذا رأيت هناذ كثههرة يف املنههافقني‪ ،‬فههاعله أن اإلسههيم ب ههري‪،‬‬

‫واعله أن قوتة قد بلغت حد ًا يدفع اآل رين إا نفا املسلمني‪.‬‬

‫هكذا كان الو ع يف زوة تبوذ؛ متيز الصف بو وح إا هذه الطبقات اخلمههس التههي يتههذلف‬

‫من ا أري جمتمع مسله يف أري زمان ويف أري مكان‪ ،‬ولكن بنسب متفاوتة مثلام قلنا‪.‬‬

‫طبقة عاملقة اإليامن‪ ،‬وطبقة عموم املؤمنني‪ ،‬وطبقة املؤمنني املت لفني عن اجل اد بصفة مؤقتههة‪،‬‬

‫طبقة عموم املنافقني‪ ،‬وأ ري ًا طبقة مردة املنافقني‪.‬‬

‫بر ه كل معوقات املنافقني إال أن اجليين العمي بفضل اهلل جت ز‪ ،‬وكان تعداده ثيثون ألههف‬

‫مقاتل مسله‪ ،‬وهو أكرب جيين إسيمي حتى هذه اللحظة‪ ،‬و رج هذا اجليين بالفعل إا تبههوذ‬

‫يف رجب سنة تسع من ا جرة‪.‬‬

‫‪1086‬‬
‫‪44‬‬

‫ما بعد تبوك‬

‫تكلمنا عن األزمة اخلطرية التي مر هبا املجتمع املسلم يف املدينة املنووة ة يف السوونة التامو ة موون‬

‫اهلجرة‪ ،‬عندما علم ﷺ بتجمع الرومان يف البلقاء يف الشووا ‪ ،‬رقوور اخلووروم يفلوووفم يف وورو‬

‫ص بة جد ًا‪ ،‬من الضوواةقة اتصتدووااية الشووديدة‪ ،‬واملسووارة الب ووودة‪ ،‬وا وور الشووديد‪ ،‬وال وودو‬

‫الرهوب‪ ،‬يف هذه األزمة الطاحنة برزت بةضةح الطبقات اخلمس ألي جمتمع مسوولم نكوون يف‬

‫األ ض‪ ،‬وكام ذكرنا يف الد س السابق رفذه الطبقات اخلمس مةجةاة بدفة ااةمة يف أي اولة‬

‫يفمالموة نكنة يف األ ض‪ ،‬غري أهنا تربز بةضةح عند األزمات الشديدة كأزمة تبةك مثالً‪ ،‬هووذه‬

‫الطبقات اخلمس‪ :‬هي طبقة عاملقة اإليامن‪ ،‬وطبقة عمة املؤمنني‪ ،‬وطبقة املتخلفني عن أمر اهلل‬

‫بدفة مؤصتة‪ ،‬وطبقة عمة املنارقني‪ ،‬وأخري ًا طبقة مراة املنارقني‪ ،‬وأنا أحب أن أؤكد عىل م نى‬

‫ها جد ًا هة أن هذه الطبقات اخلمس ويفن كانووم مةجووةاة ااةو ًام يفت أهنووا تتفوواوت يف ا جووم‬

‫بحسب طريقة الرتبوة وصةة الرتبوة‪ ،‬وألن الرتبوة اإلمالموة ما شاء اهلل كانم عىل أعىل ا جووات‬

‫الرتبوة وأهبى الدة يف عفد الرمةل ﷺ مل نجد يف طبقة املنووارقني بشووقوفا مووةاء كووان عمووة‬

‫املنارقني أو مراة املنارقني‪ ،‬مل نجد يف غزوة تبةك أكثر من ثامنني منارق‪ ،‬أو أكثر من ثامنني بقلول‪،‬‬

‫وهذه نتوجة اجلفد الطةيل وال ظوم من املريب األعظم والرمةل األكر ﷺ‪ ،‬وذكرنا يف الد س‬

‫السابق أن اجلفد ال ظوم الذي صا به املؤمنةن من طبقة عاملقة اإليامن‪ ،‬وطبقة عمووة املووؤمنني‪،‬‬

‫‪1087‬‬
‫ماعد عىل جتفوز اجلوش اإلمالمي الكبري الذي خرم يفىل تبةك يف جب منة ‪ 9‬هجرية‪ ،‬وكووان‬

‫عدا اجلوش اإلمالمي ثالثني ألف مقاتوول‪ ،‬وذكرنووا أن نسووبة التخلووف كانووم يسوورية جوود ًا ت‬

‫تتجاوز واحد ًا من عرشة آت ‪ ،‬تدة ثالثة من أصل ثالثني ألف مقاتل‪ ،‬وبرغم كل امل ةصات‬

‫التي حاول املنارقةن أن يض ةها يفت أن اجلوش ال مالق خرم بالف ل بفضل اهلل عز وجل‪.‬‬

‫ترك الرمةل ﷺ عىل يفما ة املدينة املنة ة حممد بن مسلمة يض اهلل عنه‪ ،‬وترك عووىل أهلووه عو‬

‫بن أيب طالب يض اهلل عنه‪ ،‬وبدأ اجلوش املناضل يف حلة طةيلة جد ًا شاصة جد ًا ولكن يف صرب‬

‫ال جوود ًا‪ ،‬حتووى يفن‬


‫مجول؛ صرب عىل اجلةع‪ ،‬وصرب عىل الت ب‪ ،‬وصرب عىل ا ر‪ ،‬وكان الووزاا صلووو ً‬

‫الرجلني والثالثة كانةا يقسمةن التمرة بونفم‪ ،‬وكووان يت اصووب الوورجالن والثالثووة عووىل الب ووري‬

‫الةاحد‪ ،‬وكانةا يدخرون املاء لند ته‪ ،‬حتى كانةا ينحرون اإلبل لووورشبةا املوواء الووذي توودخره‬

‫اإلبل بطةهنا‪ ،‬يفنه ابتالء كبري جد ًا‪ ،‬ويبتىل املرء عىل صد اينه‪ .‬وكأن هووذا اتبووتالء لوووس كاروو ًا‪،‬‬

‫روأيت ابتالء جديد؛ تختبا الطاعة ألمر مةل اهلل ﷺ‪ ،‬ملا وصل املسلمةن يفىل منطقووة ا جوور‪،‬‬

‫منطقة ا جر هي اآلن مةجةاة يف شامل الس ةاية‪ ،‬وهي املنطقة التي كانم هبا ايا ثمةا صووة‬

‫صالح علوه السال ‪ ،‬وصة صالح كام ت ررةن أهلكةا يف هذه املنطقووة ملووا كفووروا بربنووا مووبحانه‬

‫وت اىل‪ ،‬يف هذه املنطقة أبوا للامء‪ ،‬و أى املسوولمةن أبوووا املوواء وألعووةا يفلوفووا صبوول امووت ذان‬

‫الرمةل ﷺ‪ ،‬ومل ةا األوعوة باملاء وعجنةا ال جني هبذا املاء؛ لودن ةا خبز ًا يشب فم ب د طةل‬

‫جةع‪ ،‬رلام علم الرمةل ﷺ بذلك األمر أمرهم بأمر شوواق جوود ًا عووىل نفةمووفم صووال هلووم‪( :‬ت‬

‫ترشبةا من ماةفا شو ًا‪ ،‬وت تتةض ةا منه للدالة‪ ،‬وما كان من عجني عجنتمةه رووأعلفةه اإلبوول‬

‫وت تأكلةا منه شو ًا)؛ ألن هذا املاء غري مبا ك‪ ،‬رفة ماء الذين لمةا‪ ،‬واألمر مبوواو وحيووح‬

‫ب د الرشب منه‪ ،‬ولوس عىل املسلمني يفت الطاعة‪ .‬صد يأيت من جياال ويقةل‪ :‬يفن هذا املاء لوووس‬

‫له عالصة بشا به رورشب منه الرب والفاجر‪ ،‬ويرشب منه املؤمن والكارر‪ ،‬ونحن يف حاجووة للووامء‬

‫‪1088‬‬
‫والطريق ص ب‪ .‬صد يأيت جماال آخر ويقةل‪ :‬كان الرمةل ﷺ يرشب من ماء مكة وغريهووا وت‬

‫يسأل أهة ماء كفا أ ماء مسلمني؟ كل هذه ا جج والشبفات صد تثووا ‪ ،‬لكوون الكوورض كووان‬

‫واضح ًا؛ وهة الطاعة املطلقة لرمةل اهلل ﷺ‪.‬‬

‫لوسم األوامر يتضح لنا روفا ا كمة‪ ،‬بل يفن ب ض األوامر صد خيفي اهلل عز وجل حكمتفا عنووا‬

‫لوخترب مدى طاعتنا له‪ ،‬يقةل اهلل مبحانه وت اىل يف كتابه الكريم‪{ :‬وما كوان ملمو ٍؤ مم الن وت م ٍؤ ممنو الة‬
‫اخلرية مم ٍن أ ٍم مر مه ٍم ومو ٍن ي ٍ و م‬
‫َّلل اهلله و موةله رقودٍ ضو هل‬ ‫يفمذا صَض اهلله و مةله أمرا أ ٍن يكةن هلم ٍ م‬
‫ًٍ‬
‫الت مبمونًا} [األحزاب‪ ]36:‬ونجح املسلمةن الدااصةن يف اتختبا ومل يرشبةا من ماء ثمةا‬
‫ض ً‬

‫مع شدة حاجتفم له‪ ،‬بل أمرهم ﷺ أت يدخلةا ايووا صووة ثمووةا‪ ،‬ويفن حوودا واخلةهووا ألي‬

‫مبب رلودخلةها باكني؛ تأثر ًا بام حدا لثمةا عندما خالفةا أمر اهلل عز وجل‪ ،‬أما هة ﷺ رقوود‬

‫صنع أمه بالثةب وغطاه وألع باملسري‪ ،‬ومل يدخل‪ ،‬وصال هلم‪( :‬ت تدخلةا عىل هؤتء امل ذبني‬

‫يفت أن تكةنةا باكني‪ ،‬رإن مل تكةنةا باكني رال تدخلةا علوووفم؛ ت يدوووبكم مووا أصوواهبم)‪ ،‬هووذا‬

‫الكال ينطبق عىل كل آثا باصوة لقة أهلكةا صبل ذلك؛ لكفرهم‪ ،‬ت يدخلفا املسلمةن أبوود ًا يفت‬

‫لالعتبا ‪ ،‬ويفذا اخلةها ت يدخلةها يف ررح ولو ولكن يف بكاء وتأثر وتذكر وتدبر‪.‬‬

‫حدلم أحداا كثرية جد ًا يف الطريق ت يتسع املجال لتفدووولفا‪ ،‬حدوولم ب ووض امل جووزات‬

‫لرمةل اهلل ﷺ‪ ،‬وحدلم مةاصف مت داة خبوثووة موون املنووارقني‪ ،‬ومةاصووف أخوورى كثوورية‪ .‬يف‬

‫النفاية وصل ﷺ واجلوش ال مالق يفىل أ ض تبةك رةجوودوا عجبو ًا‪ ،‬لقوود قووق ندوور هاةول‬

‫للجوش اإلمالمي ولألمة اإلمالموة بال صتال؛ لقد روورت اجلوووةر الرومانوووة ال مالصووة التووي‬

‫كم وتسوطر عىل ندف مساحة امل مة ة تقريب ًا عندما علمم بقدو الرمةل ﷺ‪.‬‬

‫كوف ررت جوةر الدولة األوىل يف ال امل من جوش املسلمني مع وررة جنةاهم وصةة عتووااهم‬

‫وعمق تا خيفم ومفا ة تد يبفم؟ كوف؟ امل االووة صو بة جوود ًا‪ ،‬ت تففووم يفت يف ضووةء ا قوقووة‬
‫‪1089‬‬
‫الر ٍعب بمام أ ٍوكةا{ [آل عمران‪ ]151:‬حووني‬ ‫القرآنوة ال ظومة‪} :‬من ٍل مقي ميف صل م م‬
‫ةب ا هلذين كفروا ُّ‬
‫علمم الرومان بقدو ‪ 30000‬مسلم روفم مةل اهلل ﷺ‪ ،‬تذكرت األحووداا املؤملووة لكووزوة‬

‫مؤتة‪ ،‬وغزوة مؤتة مل يمر علوفا أكثر من موونتني‪ ،‬وا تبكووم يف مؤتووة اجلوووةر الرومانوووة أمووا‬

‫‪ 3000‬مقاتل مسلم رقط‪ ،‬ومل يكوون روووفم الرمووةل ﷺ‪ ،‬أمووا اآلن يف تبووةك رووإن الرمووةل ﷺ‬

‫يتةمط جوشه‪ ،‬رقر الرومان الفرا من هذا اجلوش‪ ،‬واعتربوه غنومة حتووى ويفن مووقطم هوبووة‬

‫الدولة ال مالصة‪ ،‬حتى ويفن فوورت الدولووة الرومانوووة ال مالصووة بدووة ة ازيووة أمووا الدولووة‬

‫اإلمالموة الناش ة‪.‬‬

‫الرمةل ﷺ مل يكتف هبذا النجاح املبفر‪ ،‬بل أح عىل البقاء يف أ ض تبةك‪ ،‬بقي عورشين يةمو ًا‬

‫أو أصل من عرشين يةم ًا بقلول؛ بقي هذه الفرتة الطةيلة لوثبووم للجموووع أنووه لوووس خاةفو ًا موون‬

‫الرومان وأعةان الرومان‪ ،‬وأعةان الرومان هم القباةل النرصانوة ال ربوووة املةجووةاة يف منطقووة‬

‫شامل اجلزيرة ال ربوة ومنطقة الشا ‪ ،‬مع أنه كان من عااة اجلوةر يف ذلك الزمن أن يمكثووةا يف‬

‫أ ض املةص ة ثالثة أيا رقط؛ لكن الرمةل ﷺ ص د هذه املوودة الطةيلووة إلثبووات القووةة وعوود‬

‫الرهبة من جوةر الرومان‪ ،‬بل يفن الرمةل ﷺ تةم هذا اإلنتدا الكبووري بإ مووال ليووة موون‬

‫املسلمني‪ ،‬حةايل ‪ 420‬را م ًا بقوااة خالد بن الةلود يض اهلل عنه وأ ضوواه يفىل اومووة اجلنوودل‪،‬‬

‫عىل ب د حةايل ‪ 300‬كولة أو أكثر من تبةك‪ ،‬أ مل هذه الرسية أك ٍود بن عبد امللك الكنوودي ‪،‬‬

‫وكان أكود بن عبد امللك زعو ًام من زعامء الندا ى الووذين مكمووةن منطقووة وامو ة يف شووامل‬

‫اجلزيرة‪ ،‬وكان يساعد الرومان يف حرهبم ضد املسلمني‪ ،‬وأل أكود بن عبد امللووك وأيت بووه يفىل‬

‫مةل اهلل ﷺ‪ ،‬وب د حةا اا بونفم أصر أكود عىل اجلزية وح مقن امه‪.‬‬

‫مل يقف نجاح ا ملة ال سكرية عند هذا ا د‪ ،‬بل أتى ملةك وأمراء مدن الشا الذين جياو ون‬

‫اجلزيرة ال ربوة‪ ،‬أتةا يدا ةن الرمةل ﷺ عىل اجلزية‪ ،‬ومن هؤتء صاحب أيلة منة بن ؤبة‪،‬‬

‫‪1090‬‬
‫وكذلك أتاه أهل جرباء وأهل أذ ح‪ ..‬وأكثر من منطقة جاءت لتدالح عىل اجلزيووة مووةل اهلل‬

‫ﷺ‪.‬ركان نرص ًا مبون ًا وكبري ًا‪ ،‬وتم اون أن يررع موف‪ ،‬اللفم يفت ب ض املناوشات الوسرية التي‬

‫متم عند أل أكود بن عبد امللك ‪.‬‬

‫أ فر لنا بنا مبحانه وت اىل لنا طرص ًا عديدة لتحقوق الوونرص للمسوولمني‪ ،‬رتووا ة جيووري القتووال‬

‫ال نوف الرشس بني املسلمني وأعداةفم كام أينا يف بد ‪ ،‬وتووا ة يدوورب املسوولمةن عووىل حدووا‬

‫عدوهم هلم كام يف األحزاب‪ ،‬وانرص األحزاب اون نتوجة كام أينا‪ ،‬وتا ة ماح املسوولمةن‬

‫أعداءهم رونزل األعداء عىل أي املسلمني اون صتال‪ ،‬كووام أينووا يف غووزوات الرمووةل ﷺ مووع‬

‫الوفةا يف بني صونقاع وبني النضري وبني صريظة‪ ،‬وتا ة ينزل األعداء عووىل حكووم املسوولمني ب وود‬

‫صتال كام يف خورب‪ ،‬وتا ة ماح املسلمةن حدن ًا وت يفتح كام أينا يف الطوواةف‪ ،‬ثووم جوواء أهوول‬

‫الطاةف ب د ذلك مسلمني‪ ،‬وتا ة ت يكةن هناك صتال باملرة كام حدا يف تبةك‪.‬‬

‫خالصة األمر ما ذكره مبحانه وت وواىل يف كتابووه الكووريم‪} :‬صو ٍل هو ٍل تر هبدوةن بمنوا يفم هت يفم ٍحودى‬

‫اب مم ٍن معن مٍد مه أ ٍو بمأ ٍيو مدينا{ [التةبووة‪ ]52:‬لوووس‬


‫ني ون ٍحن نرت هبَّلل بمك ٍم أ ٍن ي مدوبكم اهلله بم ذ ال‬
‫ا ٍ ٍسنو ٍ م‬

‫املفم الطريقة لكن ت بد أنه مدل النرص‪} :‬ررت هبدةا يفمنها م ك ٍم مرت ِّبدةن{ [التةبووة‪ ]52:‬لوووس‬

‫املفم كوف يتم النرص‪ ،‬ولكن املفم أن يةجد اجلوش الذي يستحق النوورص‪ ،‬ثووم اهلل عووز وجوول‬

‫ينرص من يشاء كوفام يشاء ويف الةصم الذي يشاء؟‬

‫كان من نتوجة هذه الكزوة ال ظومة غزوة تبةك أن موطر املسوولمةن موووطرة كاملووة عووىل شووامل‬

‫اجلزيرة ال ربوة‪ ،‬وكان من نتوجتفا أن مقطم هوبة الرومان وأعةان الرومووان‪ ،‬وهووذا موسووفل‬

‫كثري ًا ب د ذلك الفتةح اإلمالموة يف بالا الشا ‪.‬‬

‫‪1091‬‬
‫يفحباط حماولة املنارقني صتل الرمةل ﷺ عند عةاته من تبةك‬

‫صر الرمةل ﷺ ب د هذه الكزوة صر ال ةاة يفىل املدينة املنة ة‪ ،‬وعاا يف شووفر مضووان يف موونة‬

‫‪9‬هو‪ ،‬ويف أثناء ال ةاة كانم هناك حماولة لقتل مووةل اهلل ﷺ موون صبوول املنووارقني عنوود منطقووة‬

‫ال قبة‪ ،‬ولكن كان بدحبة الرمةل ﷺ حذيفة بن الوامن يض اهلل عنه‪ ،‬وعووام بوون يووال يض‬

‫اهلل عنفام‪ ،‬واار ا عن مةل اهلل ﷺ اراع ًا شديد ًا‪ ،‬وهرب املنارقةن اون أن يتبووني الدووحابوان‬

‫اجللوالن مالمح املنارقني؛ وذلك ألن املنارقني كانةا ملثمني‪ ،‬ومع أن الرمووةل ﷺ عوور ب وود‬

‫ذلك عن طريق الةحي أمامء املنارقني الذين صامةا بمحاولة القتوول‪ ،‬يفت أنووه ﷺ مل يقووم علوووفم‬

‫حد ًا‪ ،‬ومل يأمر صباةلفم باإلتوان هبم‪ ،‬وذلك ألمة ‪ :‬أوتً‪ :‬حتى ت يتحدا الناس أن حمموود ًا ﷺ‬

‫يقتل أصحابه‪ .‬ثانو ًا‪ :‬أنه ت يملك بونة عىل أهنم هم الذين حاولةا صتله‪ ،‬والبونة املقدةاة هنا هي‬

‫البونة الرشعوة‪ ،‬ولوسم البونة عن طريق الةحي‪ ،‬كدلول حمسةس أو صرينة أو شفااة شفةا‪ ،‬كل‬

‫ذلك لو لمنا أت نقوم حد ًا أو حك ًام عىل أحد يفت ببونة‪ ،‬مع أنه متأكد متا التأكد من أمامةفم عوون‬

‫مستةى من ال دل يف أي اولة من اول‬


‫ً‬ ‫طريق الةحي‪ ،‬لكن هذا هة ال دل‪ ،‬وت أعتقد أن هناك‬

‫ال امل أ صى من هذا املستةى الذي أينا يف مةصف الرمةل ﷺ‪ ،‬ومل نرى يف األ ض زعو ًام ي لووم‬

‫عل ًام يقونو ًا أن هناك جممةعة ابروا حماولة تغتواله ثم هة يتجاوز عنفم وت يؤذهيم بووأي صووة ة‬

‫من صة اإليذاء؛ ألنه ت يملك أالة صةية تدينفم أو تثبم اجلريمة علوفم‪.‬‬

‫ت امل الرمةل ﷺ ب د عةاته من تبةك يفىل املدينة مع املخلفني‬

‫وصل ﷺ يفىل املدينة بسال ‪ ،‬وت بد لنا من وصفة‪ ،‬أين القتال الرضوس الووذي لولووه املسوولمةن‬

‫ية خرجةا؟ أين الفتنة الرهوبة التي تةص فا اخلووا جةن يف مووبول اهلل؟ أيوون اتمتحووان الوودصوق‬

‫الذي موخترب روه الدااق والكاذب واملؤمن واملنارق؟ أمل نقوول صبوول ذلووك‪ :‬يفن تبووةك امتحووان‬

‫‪1092‬‬
‫عسري للمسلمني! وتم اتمتحان ر الً‪ ،‬لكن تم يف املدينة املنة ة عىل ب وود ‪ 700‬كولووة موورت موون‬

‫املكان املتةصع لالمتحان‪ ،‬مل يكن اتمتحان يف تبةك كام تةصع اجلموووع‪ ،‬لكوون اتمتحووان كووان يف‬

‫املدينة املنة ة صبل اخلروم يفىل تبةك‪ ،‬اتمتحان كان عبا ة عن القوود ة عووىل أخووذ صوورا اجلفوواا‪.‬‬

‫الذي تكلب عىل نفسه وعىل روره وعىل شفةاته وعىل امل ةصات التي يف حواته‪ ،‬وعىل شواطونه‬

‫وعىل أصةال املرجفني‪ ،‬من تكلب عىل كل ذلك وأخذ صرا اجلفاا نجح ية أخووذ هووذا القوورا ‪،‬‬

‫حتى ويفن مل مدا ب د ذلك جفاا‪ ،‬والذي رشوول يف اتختبووا رفووة الووذي هووز ااخلوو ًا‪ ،‬رلووم‬

‫يستطع أن يأخذ هذا القرا ‪ ،‬ومل يستطع أن خيرم من أزمته النفسوة‪ ،‬ومل يستطع أن يتجاوز جبنه‬

‫املق د‪ ،‬صد تكةن نجاتك يف صرا تأخذه‪ ،‬رإن أخذته كفاك اهلل عووز وجوول مووا كنووم تتةصووع موون‬

‫مداةب ويفيذاء وأمل‪ ،‬صال ت اىل‪{ :‬وكفى اهلله املٍ ٍؤ ممنمني ا ٍل مقتال} [األحووزاب‪ ،]25:‬ونسووأل اهلل عووز‬

‫وجل الثبات عند الفتن‪.‬‬

‫ملا وصل الرمةل ﷺ يفىل املدينة املنة ة‪ ،‬وعر الناس اآلثا ا مووودة والنتوواةج ال ظومووة هلووذه‬

‫الكزوة املبا كة جاء يفلوه كل من للف عن اجلفاا بكري عذ لو تذ منه‪ ،‬وكان امل تذ ون رريقني‬

‫يف األماس‪ :‬الفريق األول‪ :‬رريق املؤمنني الدااصني الذين للفةا عن اجلفاا بكري عذ ‪ ،‬ووصووع‬

‫التخلف منفم كففةة عابرة أو خطأ غري متكر ‪ ،‬وهؤتء هووم الثالثووة الووذين خلفووةا ومل يقبوول‬

‫الرمةل ﷺ اعتذا هم حتى ينزل روفم وحي من ب ال املني مبحانه وت اىل‪ ،‬ونزل ب د ذلووك‬

‫الةحي بمقاط ة هؤتء الثالثة عقاب ًا هلم‪ ،‬و ووذير ًا لكوول املسوولمني أن يق ووةا يف مثوول خطو فم‬

‫و دا القرآن الكريم عن هؤتء الثالثة‪ ،‬وهم‪ :‬ك ب بن مالك ومرا ة بن الربوع وهووالل بوون‬

‫أموة‪ ،‬وكانم املقاط ة هذه ملدة مخسني لولة كاملة‪ ،‬ثووم توواب اهلل عووز وجوول ب وود ذلووك علوووفم‬

‫وأوصفم املقاط ة‪ .‬هذه صدة روفا ا وس وعرب كثرية جد ًا‪ ،‬ومة يتم ا ديث عنفا بالتفدول‬

‫بإذن اهلل يف جممةعة الرمةل ﷺ وأخطاء املؤمنني‪.‬‬

‫‪1093‬‬
‫الفريق الثاين‪ :‬كان رريق املنارقني مةاء من أهل املدينة أو من األعراب حووةل املدينووة‪ ،‬وهووؤتء‬

‫جاءوا ملفةن أهنم كانةا م ذو ين‪ ،‬وي دون أهنم موخرجةن ب وود ذلووك مووع املسوولمني يف أي‬

‫صتال صاا ‪ ،‬وهؤتء صول منفم ﷺ اتعتذا ‪ ،‬وأجرى أمة هم عىل الظوواهر‪ ،‬ومل يقووم علوووفم أي‬

‫ت زير من أي نةع؛ ألنه ﷺ كان يرى أنه لوس روفم أمل‪ ،‬رقلةهبم رامدة‪ ،‬وأعووونفم ت تبوورص‪،‬‬

‫لذلك رإن الت زيز ت ولن يأيت بنتوجة م فم‪ ،‬رال ااعي له‪ ،‬وصد يستكرب ب ض الناس ويقووةل‪:‬‬

‫ملاذا أصا الرمةل ﷺ الت زيز أو ال قاب عىل املؤمنني الدااصني ومل يقمه عىل املنارقني؟ نقووةل‪:‬‬

‫املنارقةن مل ي رترةا بالذنب‪ ،‬وصالةا‪ :‬عندنا أعذا ‪ ،‬رقبل منفم ذلك ﷺ‪ ،‬أما املؤمنةن الدااصةن‬

‫رقد اعرترةا بذنبفم‪ ،‬وصالةا‪ :‬لقد أخطأنا‪ ،‬ركان ت بد من عقوواب‪ ،‬وال قوواب مل يكوون موون عنوود‬

‫مةل اهلل ﷺ‪ ،‬ولكن أنزله ب ال املني مبحانه وت اىل‪.‬‬

‫حال املنارقني ب د غزوة تبةك‬

‫كانم غزوة تبةك رضبة صاصمة للمنارقني‪ ،‬اضطروا مجو ًا يفىل كشف أو اصفم‪ ،‬وعلم املسلمةن‬

‫كل من كان منارق ًا وخيفي ذلك‪ ،‬بل ب د تبةك تلقى املنارقةن رضبتني موون نووةع آخوور‪ ،‬وهاتووان‬

‫الرضبتان حجمتا يفىل حد كبري من صةة املنارقني ااخل املدينة املنة ة‪.‬‬

‫أما الرضبة األوىل‪ :‬ركانم هد مسجد الضورا ‪ ،‬ومسجد الضوورا هووة الووذي بنوواه املنووارقةن‬

‫لتشتوم املسلمني؛ ولبث أركا هم اهلدامة ورتنتفم اخلطرية يف املدينة‪ ،‬وصوود نووزل الووةحي يووأمر‬

‫الرمةل ﷺ بالت امل يف منتفى ا سم مع هذا البناء الفامد‪ ،‬مع كةنه يف الظاهر مسجد ًا‪ ،‬رووأمر‬

‫ﷺ ررصة من الدحابة هبد املسجد و ريقه‪ ،‬ركانم رضبة مباوة للمنارقني‪.‬‬

‫أما الرضبة الثانوة القاصمة‪ :‬ركانم مةت زعومفم عبوود اهلل بوون أيب بوون موولةل أس النفوواق‪،‬‬

‫والذي تةىل مك ٍرب الفتنة بشتى أنةاعفا من ب د بد ويفىل غزوة تبووةك‪ ،‬مووات الرجوول عووىل نفاصووه‪،‬‬

‫‪1094‬‬
‫و رض الدعةى الكريمة التي وجففا له ﷺ لوحسن يفمالمه‪ ،‬ب د هووذه الرحلووة الطةيلووة موون‬

‫الدد واإلعراض عن مبول اهلل عز وجل‪ ،‬وأح عبد اهلل بن أيب بن ملةل عىل م تقده الفامد‪،‬‬

‫ومع ذلك عامله ﷺ بمنتفى الررق والرمحة؛ وذلك لوتألف صةمه‪ ،‬ولوخفف عن ابنه الدووحايب‬

‫اجللول عبد اهلل بن عبد اهلل بوون أيب بوون موولةل‪ ،‬وكووان موون صوا ي الدووحابة يض اهلل عنووه‪،‬‬

‫رامتكفر ﷺ لو عبد اهلل بن أيب بن ملةل ب د مةته‪ ،‬وأعطاه صموده لوكفن روه‪ ،‬بل وصىل علوووه‬

‫عىل الرغم من م ا ضة عمر بن اخلطاب يض اهلل عنه لذلك‪ ،‬وصد نزل القرآن ب د ذلك مةارق ًا‬

‫لرأي عمر يض اهلل عنه‪ ،‬صال اهلل عز وجل‪{ :‬وت تد ِّل عىل أح الد ممنٍف ٍم مات أبدً ا وت تقو ٍم عوىل‬
‫ص مرب مه يفمهنم كفروا بماهللهم و مةلم مه وماتةا وهم ر م‬
‫امقةن} [التةبة‪ ،]84:‬وبمةت عبد اهلل بوون أيب بوون‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ه ٍ‬
‫ملةل انحرست حركة النفاق جد ًا يف املدينة املنة ة‪ ،‬بوول ويف اجلزيوورة ال ربوووة‪ ،‬ومل نسوومع هلووم‬

‫صةت ًا يذكر يف ال ا ال او من اهلجرة‪.‬‬

‫أثر غزوة تبةك‬

‫ب د غزوة تبةك حدل انتدا كبري للمسلمني‪ ،‬وحدل انحسا كبري ركة النفوواق‪ ،‬وت شووك‬

‫أن ال رب يف كل اجلزيرة ال ربوة كانةا يراصبةن األحداا‪ ،‬وصوود علمووةا أنووه ت طاصووة هلووم أبوود ًا‬

‫بحرب املسلمني‪ ،‬رفا هي صريش صد ملمم وأملمم ورتحوم أبووةاب مكووة لرمووةل اهلل ﷺ‪،‬‬

‫وها هي كذلك هةازن صد اخلم يف اإلمووال ‪ ،‬وهووا هووة مووةل اهلل ﷺ يأخووذ جوشو ًا صةامووه‬

‫‪ 30000‬مقاتل ملةاجفة أعتى صةة يف األ ض ‪-‬وهي الدولة الرومانوة‪ -‬للمرة الثانوة يف غضةن‬

‫ال عوون أن يكووةن واص و ًا يرونووه أي‬


‫منة وندف‪ .‬هذا ما ت يتدة ه ال رب يف أحالمفووم رضو ً‬

‫ال ني؛ من أجل هذا ب د عةاة الرمةل ﷺ من تبةك أخذت القباةل ال ربوة صرا ًا شووبه مجوواعي‬

‫بالقدو يفىل املدينة املنة ة للتةاصل مع مةل اهلل ﷺ‪ ،‬رجاء ب ض هذه القباةل لو لن اإلمووال‬

‫‪1095‬‬
‫مقتن ًا به وحمب ًا له‪ ،‬وجاء ب ضفم مسل ًام؛ لكةنووه يرهووب الدولووة اإلمووالموة‪ ،‬أو يرجووة واهووا‪،‬‬

‫ومنفم من جاء لوتفاوض ويطلب لنفسه شو ًا‪ ،‬ومنفم من جاء لو قد عفد ًا ويظل عىل اينه‪.‬‬

‫جاء اجلموع ومل يستطع أحد منفم أن يتجاهل القةة اإلمالموة اجلديدة‪ ،‬وبدأت الةرةا الكثوورية‬

‫يف التةارد عىل املدينة املنة ة يف أواخر ال ا التامع موون اهلجوورة‪ ،‬وأثنوواء ال ووا ال وواو أيضو ًا‪،‬‬

‫ولذلك عر ال ا التامع اهلجري ب ا الةرةا؛ لكثرة الةرةا التي أتم روووه ب وود تبووةك‪ .‬كووان‬

‫عدا هذه الةرةا عىل األصل متني ورد ًا‪ ،‬ووصل يف ب ض التقديرات يفىل أكثر من ماةة ورد‪ ،‬ولن‬

‫نستطوع أن نقف يف هذه املجمةعة عىل تفاصول مقابلة الرمةل ﷺ لكل ورد من هذه الةرووةا‪،‬‬

‫مع أنه روفا من الفةاةد وال ظات ما ت يقد بثمن‪ ،‬ونحتام يفىل تفريغ جفد خوواو وا امووات‬

‫متأنوة؛ لنقف عىل الد وس ال ظومة التي نستخرجفا من حةا ات الرمةل ﷺ مع هذه الةرةا‬

‫الكثرية‪.‬‬

‫ورد ثقوف‬

‫لكن يف هذه املحارضة أ يد الت لوق عىل ثالثة ورةا يف غاية األمهوة‪ :‬أول هذه الةرةا صدوم ًا ب د‬

‫تبةك‪ ،‬وأهم هذه الةرةا من ناحوة األثر كان ورد ثقوف‪ ،‬رثقوف كانم هلا ذكريات مو ة جد ًا يف‬

‫نفةس املسلمني؛‬

‫أوتً‪ :‬ات الرمةل ﷺ يف ال ا ال او من الب ثة‪ ،‬وكان الرا ا ًا خيلة من كل أاب أو مووروءة‬

‫أو أخالق‪ ،‬ور لم م ه ما مل تف له الكثري من صباةل ال رب‪.‬‬

‫ثانو ًا‪ :‬أن ثقوف ًا اشرتكم مع هةازن يف حرب املسلمني يف غزوة حنني‪ ،‬وب د هزيمتفا ج م يفىل‬

‫ا دةن يف الطاةف ورشل املسلمةن يف رتح ا دةن‪ ،‬وعااوا اون نتوجة ب د حدا أكثر موون‬

‫شفر‪.‬‬

‫‪1096‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬صتلم ثقوف زعومفا عروة بن مس ةا الثقفي يض اهلل عنه ب د يفمالمه‪ ،‬يف صدووة طةيلووة‬

‫مؤثرة لوس املجال يسمح بتفدوالهتا‪ ،‬لكنفا تركم أثر ًا ملبو ًا حزين ًا يف نفةس املسوولمني‪ ،‬ومووع‬

‫كل هذه الددمات يفت أن ثقوف ًا أتم ب د تبةك لت لن يفمالمفا يف املدينة املنة ة‪.‬‬

‫مبب يفمال ثقوف‬

‫ملاذا أملمم ثقوف؟ مل تفكر ثقوف يف اإلمال حتى هذه اللحظة اصتناعو ًا بووه أو حبو ًا لووه‪ ،‬لكوون‬

‫ركرت يف أحةاهلا التي وصلم يفلوفا‪ ،‬ركوف كان وضع ثقوف يف السنة التامو ة موون اهلجوورة؟‬

‫أوتً‪ :‬أملمم م ظم القباةل ال ربوة الكربى ومنفا رروع صوس عوووالن الكووربى مثوول‪ :‬غطفووان‬

‫وملوم وهةازن‪ ،‬ومل يبق من هةازن يفت ررع ثقوف رقط‪ ،‬ولن يكةن لثقوووف صوود ة عووىل حوورب‬

‫ال رب كارة‪.‬‬

‫ثانو ًا‪ :‬أن مالك بن عة النرصي كان يقة بحدا الطاةف هة وصبولته هووةازن ب وود أن أموولم‬

‫وأملمم القبولة‪ ،‬رضوق ذلك علوفم بشدة‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬بدأ الةضع اتصتدااي يف الطوواةف يف الوورتاي نتوجووة هووذا ا دووا ‪ ،‬ورقوودت الطوواةف‬

‫مكانتفا التجا ية؛ ألهنا أصبحم مكان ًا غري آمن‪ ،‬وت يطم ن يفلوه عامة جتا ال رب‪.‬‬

‫اب ًا‪ :‬رقدت ثقوف أحد زعامةفا امل دواين وهة عروة بن مس ةا الثقفي‪ ،‬ولوس من املسووتب د‬

‫أن تفقد جاهلا واحد ًا تلة اآلخر‪.‬‬

‫هذه األمباب ار م ثقوف ًا يفىل التفكري اجلاا يف أمر اإلمال ‪ ،‬وصر ت ثقوف أن ترموول وروود ًا يفىل‬

‫الرمةل ﷺ مكةن ًا من متة أشخاو‪ ،‬عىل أمفم عبد يالول بن مس ةا؛ لكي ي لنةا يفمالمفم‬

‫ويفمال ثقوف بني يدي الرمةل ﷺ‪ ،‬وذهب الةرد يفىل املدينة املنة ة والتقةا بالرمةل ﷺ‪.‬‬

‫‪1097‬‬
‫واأليا اول‪ ،‬رفاهي األوضاع تتبدل‪ ،‬وهاهم الزعامء اآلن يتباالةن الكرايس‪ ،‬صبل اثني عورشة‬

‫منة ذهب الرمةل ﷺ يفىل الطاةف يطلب النرصة من ثقوف‪ ،‬وكان عبد يالووول هووذا موون أشوود‬

‫الناس عىل الرمةل ﷺ يف الطاةف‪ ،‬وكووان عووىل أس الطوواةف‪ ،‬وهوواهة اآلن يووأيت يفىل املدينووة‬

‫يطلب من الرمةل ﷺ أن يقبل يفمالمه ويفمووال ثقوووف‪ ،‬رامووتقبل الرمووةل ﷺ وروود ثقوووف‬

‫امتقباتً طوب ًا‪ ،‬يلوق بنبي كريم‪ ،‬مل يذكرهم أبد ًا بام ر لةه صبوول ذلووك م ووه يف زيا توووه للطوواةف‪،‬‬

‫ورضب هلم خومة يف املسجد؛ لكي يشاهدوا أحةال املسلمني ويسم ةا خطووب الرمووةل ﷺ‪،‬‬

‫ويت لمةا ما هة اإلمال ‪ .‬كانةا جيلسةن يف املسجد بض ة أيا ثم يووذهبةن يفىل حوواهلم مووا بووني‬

‫حني وآخر‪ ،‬رفم تركةا الرحال خا م املدينة املنة ة‪ ،‬وكانةا صد تركةا عنوود حوواهلم أصووكرهم‬

‫من ًا‪ ،‬واممه عثامن بن أيب ال او‪ ،‬كان عمره أصل من عرشين منة‪ ،‬وكانةا يفذا ذهبةا يفلوه لفوورتة‬

‫القولةلة تركفم عثامن بن أيب ال او وذهب يفىل الرمةل ﷺ لوت لم عىل يديه بإخالو‪ ،‬وكووان‬

‫يفذا وجد الرمةل ﷺ ناة ًام ذهب يفىل الدديق يض اهلل عنه روووت لم منووه‪ ،‬حتووى أعجووب بووه ﷺ‬

‫يفعجاب ًا مج ًا‪ ،‬و أى روه خري ًا كثري ًا‪.‬‬

‫يفمال ورد ثقوف‬

‫ب د عدة أيا امتمع ورد ثقوف يفىل اإلمال ‪ ،‬و أى أحةال املسلمني‪ ،‬وطلبةا موون الرمووةل ﷺ‬

‫أن يسلمةا‪ ،‬لكن كان عندهم ب ض الرشوط يريدوهنا من الرمةل ﷺ‪ ،‬وهذه الرشوط تةضح‬

‫أهنم مل يريدوا اإلمال حب ًا روه‪ ،‬ولكن جوواءوا هبو ًا منووه و غبو ًا يف املدووالح موون و اةووه‪ .‬صووال‬

‫زعومفم عبد يالول بن مس ةا‪( :‬أرريم الزنا‪ ،‬رإنا صة نكرتب وت بد لنا منه؟) هم يريوودون أن‬

‫ريم الزنا‪ ،‬رقال الرمةل ﷺ‪( :‬هووة علوووكم‬ ‫يستحلةا الزنا‪ ،‬مع علمفم أن من ت الوم اإلمال‬
‫الزنى يفمنهه كان ر م‬
‫احش ًة وماء مبم ًوال} [اإللاء‪.]32:‬‬ ‫حرا ؛ رإن اهلل عز وجل يقةل‪{ :‬وت ت ٍقربةا ِّ‬

‫‪1098‬‬
‫هذا حد من حدوا اهلل مبحانه وت اىل‪ ،‬وت يمكوون أبوود ًا أن يتنووازل عنووه الرمووةل ﷺ‪ ،‬مووع أن‬

‫يفمال ثقوف يفضارة ضخمة جد ًا للدولة اإلمالموة‪ ،‬لكن ت يمكن أبد ًا أن يفوورط الرمووةل ﷺ‬

‫يف أي أمر من أوامر اهلل مبحانه وت اىل‪ ،‬رقال عبد يالول‪( :‬أرريم الربا؛ رإنه أمةالنا كلفا؟ صووال‬

‫ﷺ‪ :‬لكم ءوس أمةالكم‪ ،‬رإن اهلل ت اىل يقةل‪{ :‬يا أ ُّهيا ا هل مذين آمنةا اتهقةا اهلله وذ وا ما ب مقي ممون‬

‫الربا يفم ٍن كنت ٍم م ٍؤ ممنمني} [البقرة‪ .]278:‬أيض ًا رض لول الربا‪.‬‬


‫ِّ‬

‫رقال زعومفم‪( :‬أرريم اخلمر؛ رإنه عدري أ ضنا ت بد لنا منه؟) يريدون أن ملةا أي يشء موون‬

‫املحرمات التي يف اإلمال ‪ ،‬رفذا يدل عووىل أهنووم مل يسوولمةا غبو ًا يف اإلمووال ‪ ،‬لكوون وورو‬

‫اجلزيرة ال ربوة يف ذلك الةصم ار تفم يفىل هذا اإلمال ‪ ،‬صال ﷺ‪( :‬يفن اهلل صد حرمفووا)‪ ،‬وصوورأ‪:‬‬

‫اجتنمبةه‬ ‫م‬ ‫اخل ٍمر واملٍ ٍو مرس واألنداب واأل ٍزت م ٍج ٌس مم ٍن عم مل ه‬


‫الشو ٍوطان رو ٍ‬ ‫{يا أ ُّهيا ا هل مذين آمنةا يفمنهام ٍ‬

‫ل هلك ٍم ت ٍف ملحةن} [املاةدة‪.]90:‬‬

‫هذه أمة ثالثة حاولةا أن مذرةها من اإلمال ‪ ،‬لكن الرمةل ﷺ كان واضح ًا متا الةضةح‪،‬‬

‫وكان حازم ًا متا ا ز ‪ ،‬ت مساومة يف الدين‪ ،‬وت التقاء يف منتدف الطريق يفذا كان األمر خيَّلل‬

‫ال قودة وا الل وا را ‪ ،‬ومل يسع يفىل تألوف صلةهبم عن طريق حذ أو تبديل يف الرشي ة‪.‬‬

‫صا ورد ثقوف للتشاو ‪ ،‬من مل رقال ب ضفم لب ض‪ :‬ومكم يفنا نخووا ‪-‬يفن خالفنوواه‪ -‬يةمو ًا‬

‫كوة مكة‪ .‬لة رضةا أن يأخذوا اإلمال كام ً‬


‫ال اون حذ وت تبديل رقد يكزوهم يف ية من‬

‫األيا ‪ ،‬ومدا هلم ما حدا ألهل مكة‪ ،‬رأتةا الرمةل ﷺ وصالةا‪( :‬ن م لك مووا مووألم)‪ ،‬ثووم‬

‫صالةا‪( :‬أ أيم الربووة؟) ت زالووم هنوواك حموواوتت أخوورى ووذ ب ووض األمووة موون الوودين‬

‫اإلمالمي‪ ،‬صالةا‪( :‬أ يم الربة ماذا ندنع روفا؟) الربووة هووي الووالت وهووي الدوونم امل بووةا يف‬

‫الطاةف‪ ،‬وكانم من أعظم أصنا ال رب‪ ،‬واجلموع كان يقسم هبا وهيدي يفلوفا ويووذبح عنوودها‬

‫وي تقد روفا‪ ،‬رأجاب الرمةل ﷺ يفجابة حاممة ت جماملة روفا‪ ،‬صال‪ :‬اهدمةها‪.‬‬
‫‪1099‬‬
‫رفزع أهل ثقوف وصالةا‪( :‬هوفات لة ت لم الربة أنك تريد هدمفا لقتلم أهلنا)‪ ،‬ركان عمر بوون‬

‫اخلطاب حارض ًا هذه املفاوضات رقال‪( :‬ومك يا عبد يالول يفن الربة حجر ت يد ي موون عبووده‬

‫نن ت ي بده)‪ ،‬ررا علوه عبد يالول وصال‪( :‬يفنا مل نأتك يا عمر) أي‪ :‬لوس هذا من شأنك‪.‬‬

‫مل جيد أهل ثقوف بد ًا من هد الالت‪ ،‬وأح الرمةل ﷺ عىل هدمفا‪ ،‬لكوونفم بوودءوا يسووامةن‬

‫عىل تةصوم هد الالت‪ ،‬رطلبةا من الرمةل ﷺ أن يدع الالت ثالا موونني صبوول أن هيوودمفا‪،‬‬

‫رأبى ﷺ‪ ،‬رقالةا‪ :‬منتني‪ ،‬رأبى‪ ،‬رقالةا‪ :‬منة‪ ،‬رأبى‪ ،‬رقالةا‪ :‬شفر ًا واحد ًا‪ ،‬رأبى ﷺ‪ ،‬رأ ٍمو مقط يف‬

‫أيدهم‪ ،‬وصالةا يف يأس‪ :‬تةىل أنم هدمفا‪ ،‬أما نحن ت هندمفا أبد ًا‪ ،‬رقووال ﷺ‪ :‬رسووأب ث يفلوووكم‬

‫من يكفوكم هدمفا‪ ،‬وصبل أن يقةمةا طلبةا طلب ًا أخري وهة أن ي فوفم ﷺ من الدالة ‪ .‬مففووة‬
‫الدين عندهم غري واضح‪ ،‬وهذا نتوجة أن األصنا ت تو م‬
‫رشع منفجو ًا وت تضووع صانةنو ًا‪ ،‬ركووان‬

‫علوفم أن يض ةا صةانونفم بأنفسفم‪ ،‬وهة اليشء الذي يسمةنه اآلن‪ :‬القةانني الةض وة‪ ،‬لذلك‬

‫جاءت أم لة ثقوف مضحكة طفةلوة؛ لكواب مففة الدين الدحوح من أذهوواهنم‪ ،‬رفووم كووانةا‬

‫يففمةن أن الدين جمرا صرابني وذبح وجمرا عبااة لالت اون التدخل يف حووواهتم‪ ،‬لكوون الوودين‬

‫اليت ونسو مكي‬


‫الدحوح حقوقة كام أ ااه اهلل عز وجل‪ ،‬هة ما جوواء يف صةلووه ت وواىل‪{ :‬صو ٍل يفم هن صو م‬

‫وحمٍواي ون مايت هللهم ِّب ا ٍل املمني} [األن ا ‪ ،]162:‬ركل اصوقة وصكرية وكبوورية يف ا ووواة يوودخل‬

‫روفا الدين وله روفا أي‪ ،‬وهة ما مل تفقفه ثقوف يف هذه اللحظة‪.‬‬

‫بالطبع الرمةل ﷺ رض اإلعفاء من الدالة‪ ،‬وصال هلم‪( :‬ت خري يف اين ت صالة روه)‪ ،‬وهبذا‬

‫أصر ورد ثقوف بكل ما أمر به ﷺ‪ ،‬وصر وا ال ةاة يفىل الطاةف عووىل أن يب ووث الرمووةل ﷺ موون‬

‫هيد صنم الالت املشفة ‪.‬‬

‫‪1100‬‬
‫تأمري الرمةل ﷺ ل ثامن بن أيب ال او عىل الطاةف‬

‫هذا مةصف ت بد أن ن لق علوه ألمهوته‪ ،‬وهة أن الرمةل ﷺ أ همر عىل هذا الةروود وعووىل ثقوووف‬

‫بكاملفا عثامن بن أيب ال او يض اهلل عنه مع أنووه أصووكر القووة ؛ وذلووك لشوودة حرصووه عووىل‬

‫الت لم‪ ،‬وحسن رفمه واصة نظرته‪ ،‬وكفاءته القوااية‪ .‬الرمةل ﷺ ت امل مع صضوة الطاةف متام ًا‬

‫كام ت امل مع صضوة مكة؛ وىل شاب ًا مل يتلةا ركره كثري ًا باألركا الةثنوة القديمووة‪ ،‬وعووزل عبوود‬

‫يالول صاحب التا يخ الطةيل يف الدد عن مبول اهلل؛ وألنه صد وضح من خالل ا ةا أنه غري‬

‫مقتنع متا اتصتناع بترشي ات اإلمال ‪ ،‬وموون ثووم صوود ينحوور بثقوووف عون الففووم الدووحوح‬

‫لإلمال ؛ من أجل هذا عزله ووىل عثامن بن أيب ال او متام ًا كام عزل أبا مفوان ووىل عتاب بن‬

‫أمود يض اهلل عنه الشاب الدكري عىل يفما ة مكة‪ .‬هذا يةضح لنا صومووة الشووباب يف اإلمووال ‪،‬‬

‫ويفمكانوات الشباب اهلاةلة التي كان يقد ها ﷺ‪.‬‬

‫أيض ًا ت امل الرمةل ﷺ مع ثقوف كام ت امل مع شو ب مكووة رقوود عفووا عوونفم أمج ووني بوورغم‬

‫التا يخ السوئ الذي مر به املسلمةن مع الطاةف‪ ،‬لوثبم لنا وللجموع أن منفج ال فة هة موونفج‬

‫أصول يف اإلمال ‪ ،‬ومل يكن حدث ًا عابر ًا خاص ًا بمكة املكرمة‪.‬‬

‫هد صنم الالت بالطاةف‬

‫عاا ورد ثقوف يفىل الطاةف‪ ،‬وب د حماو ات وجدال مع ثقوف صبلم ثقوف باإلمووال ‪ ،‬وب وودها‬

‫بقلول جاءت الرسية اإلمالموة املكلفة هبد صنم الالت‪ ،‬وكان عىل أمووفا ثالثووة موون أبطووال‬

‫املسلمني‪ ،‬كل واحد منفم له اتلة خاصة جد ًا‪.‬‬

‫البطل األول‪ :‬خالوود بوون الةلووود يض اهلل عنووه‪ ،‬موووف اهلل املسوولةل وأعظووم القووةاا للجوووش‬

‫اإلمالمي‪ .‬املفمة شديدة اخلطة ة تام يفىل جل كووفء ت هيوواب املووةت‪ ،‬واخووةل الطوواةف‬

‫‪1101‬‬
‫وهد صنم الالت أمر غري مأمةن مطلق ًا؛ لذلك ت بد أن يكةن هناك أحوود صووناايد اإلمووال‬

‫عىل أس هذه الرسية‪.‬‬

‫البطل الثاين‪ :‬املكرية بن ش بة الثقفي وهة من ثقوف‪ ،‬وأهل الطوواةف أا ى بشو اهبا‪ ،‬وموووقف‬

‫البطن الذي ينتمي يفلوه املكرية بن ش بة الثقفي من صبولة ثقوف‪ ،‬وهة بطن بني م تب موووقف يف‬

‫حرامة املسلمني وهم هيدمةن الدنم؛ لكي ت يتفة أحد ويقتل املكرية بن شو بة‪ ،‬كووام حوودا‬

‫صبل ذلك مع عروة بن مس ةا الثقفي؛ أخذ باألمباب امية الةرد صد املستطاع‪.‬‬

‫البطل الثالث‪ :‬أبة مفوان بن حرب يض اهلل عنه‪ ،‬وكان صد حسن يفمالمه‪ ،‬وأصبح صووةة أابوووة‬

‫ومواموة كبرية جد ًا يف الدولة اإلمالموة‪ ،‬ويف هذا يفشا ة واضحة جد ًا لكل ال رب أن يووذهب‬

‫زعوم الةثنوة السابق يف اجلزيرة ال ربوة أبة مفوان ب د أن أموولم هلوود صوونم الطوواةف‪ ،‬ب وود أن‬

‫هدمم أصنا مكة وغريها صبل ذلك‪.‬‬

‫واخلم الرسية اإلمالموة الطاةف‪ ،‬واجتمع أهل الطاةف مجو ًا لرؤية ما موحدا لدوونمفم‪،‬‬

‫وهناك أناس كثريون كانةا يظنةن أن الربة (الالت) متنتقم لنفسفا‪ ،‬رفووم مووا زالووةا يفىل اآلن يف‬

‫شك من اإلمال واعتقاا يف الالت‪ ،‬وما هي يفت ظات حتى مووقطم الووالت ووم م وواول‬

‫أبطال املسلمني‪ ،‬وجتلم ا قوقة التي غابم عن عوةن وأذهان أهل الطاةف عرشات بل م ووات‬

‫السنني‪ ،‬وأا كةا أنه صد آن األوان لالنتقال من الظلامت يفىل النة ‪ ،‬ومن الكفر يفىل اإليامن‪.‬‬

‫يفمال الطاةف كان جاةزة كبرية جد ًا لرمةل اهلل ﷺ‪ ،‬رقد صرب موونةات طةيلووة جوود ًا‪ ،‬وأوذي‬

‫من الطاةف أشد اإليذاء‪ ،‬ومع ذلووك لووم مووالته نقوووة‪ ،‬وال اصبووة للمتقووني‪ ،‬وموورت األيووا‬

‫والسنةات وذهب األمل وبقي األجر يفن شاء اهلل‪ ،‬وأثمر جفد السنني يفمال مدينة عظومووة ثابتووة‬

‫عىل اإلمال وهي الطاةف‪ .‬ب د وراة الرمةل ﷺ ا تدت جزيرة ال رب يفت ثالا موودن رقووط‬

‫‪1102‬‬
‫يف اجلزيرة ال ربوة‪ ،‬كان منفا الطاةف‪ ،‬لتحقق األمنوة الدااصة لرمةل اهلل ﷺ بأن خيرم اهلل عووز‬

‫وجل من أصالهبم من يشفد أنه ت يفله يفت اهلل وأن حممد ًا مةل اهلل‪ .‬ما أعظمفا من أمنوة‪ ،‬ومووا‬

‫أم ده من نرص قق و آه ﷺ ب ونوه‪ ،‬وما أمجلفا من هنايووة لقدووة يفمووال مدينووة الطوواةف مووع‬

‫مةل اهلل ﷺ‪ .‬كان هذا هة الةرد األول الذي جاء يفىل املدينة املنووة ة ب وود عووةاة الرمووةل ﷺ‬

‫مباوة من تبةك‪.‬‬

‫ورد بني م د بن بكر من هةازن‬

‫الةرد الثاين يف غاية األمهوة أيض ًا‪ ،‬مع أن الذي جاء روه جل واحد رقط‪ ،‬ومع أنووه مكووةن موون‬

‫جل واحد يفت نف ه كان عظو ًام جد ًا‪ ،‬ويؤكد عىل هذا امل نى عبد اهلل بن عبوواس يض اهلل عوونفام‬

‫صال‪( :‬ما مم نا بةارد صة كان أرضل من هذا الةارد)‪ .‬هذا الةارد كان وارد بني م د بن بكوور‬

‫من هةازن‪ ،‬وم ظم صبولة بني م د أملمم ب د مةص ة حنني‪ ،‬لكن بقوم منفا ب ض البطووةن‪،‬‬

‫كان منفا هذا البطن الذي جاء منه هذا الةارد‪ ،‬وهذا الةارد كان أعرابوو ًا روووه يشء موون الكلظووة‬

‫واجلفاء‪ ،‬يفت أنه كان ذكو ًا جد ًا‪ ،‬كان عاصالً‪ ،‬وكان يفجيابو ًا عىل مستةى عووال موون الففووم وحسوون‬

‫الترص ‪.‬‬

‫صدة هذا الةارد جاءت يف صحوح البخا ي ومسلم والرتمذي والنساةي وأمحوود وا وواكم وأيب‬

‫ااوا‪ .‬حاولم أن أمجع لكم صد املستطاع تفاصول القدة من هنا وهناك لتكمل الفاةوودة‪ :‬جوواء‬

‫هذا الرجل يفىل املدينة املنة ة والرمةل ﷺ جالس ومط أصحابه‪ ،‬رقال‪( :‬أيكم حممد؟) هكووذا‬

‫باممه‪ ،‬يقةل أنس بن مالك‪ :‬وكان النبي ﷺ متكأ بني فوورانوفم‪ .‬انظووروا يفىل مووةل اهلل ﷺ‪،‬‬

‫وهة القاةد املفاب والزعوم املنترص‪ ،‬والذي اانم له كل القباةل‪ ،‬وواجه الرومان‪ ،‬جيلووس بووني‬

‫أصحابه يف تةاضع‪ ،‬بحوث يفن الكريب ت يموزه من بني عامة األصحاب واجلنووةا واألتبوواع‪ .‬ت‬

‫نرى مثل هذه املةاصف يفت يف أمة اإلمال ‪ .‬نحن ت ن ر من هووة هووذا الرجوول‪ ،‬وت الدووحابة‬
‫‪1103‬‬
‫أنفسفم ي ررةنه‪ ،‬صال الرجل‪( :‬يا ابن عبد املطلب) صال ﷺ‪( :‬صد أجبتووك)‪ ،‬صووال الرجوول‪( :‬يفين‬

‫ماةلك رمشدا علوك يف املسألة رال جتد ع يف نفسك) ‪-‬أي‪( :‬ت تكضب منووي)‪ ،‬رفووة يووتكلم‬

‫بحدة وبشدة‪ -‬رقال ﷺ يف تةاضع جم‪( :‬مل عام بدا لك)‪ ،‬صال الرجل‪( :‬يا حممد أتانا مةلك‬

‫رزعم لنا أنك تزعم أن اهلل أ ملك)‪ ،‬صال ﷺ‪( :‬صدق)‪ ،‬صال الرجل‪( :‬رمن خلق السامء؟) صال‬

‫ﷺ‪( :‬اهلل)‪ ،‬صال الرجل‪( :‬رمن خلق األ ض؟) صال ﷺ‪( :‬اهلل)‪ ،‬صال الرجل‪( :‬رمن ندب هووذه‬

‫اجلبال وج ل روفا ما ج وول؟) صووال ﷺ‪( :‬اهلل)‪ ،‬صووال الرجوول‪( :‬ربالووذي خلووق السووامء وخلووق‬

‫األ ض وندب هذه اجلبال آهلل أ ملك؟) صال ﷺ‪( :‬ن م)‪ ،‬صال الرجل‪( :‬وزعووم مووةلك أن‬

‫علونا مخس صلةات يف يةمنا ولولتنا؟) صال ﷺ‪( :‬صدق)‪ ،‬صال الرجوول‪( :‬ربالووذي أ موولك آهلل‬

‫أمرك هبذا؟) صال ﷺ‪(:‬ن م) صال الرجل‪( :‬وزعم مةلك أن علونا زكاة يف أمةالنا‪ ،‬تؤخووذ موون‬

‫أغنواةنا رتقسم يف رقراةنا)‪ ،‬صال ﷺ‪( :‬صدق)‪ ،‬صال الرجل‪( :‬ربالذي أ ملك آهلل أمرك هبووذا؟)‬

‫صال ﷺ‪ :‬ن م‪ ،‬صال الرجل‪( :‬وزعم مةلك أن علونا صة شفر مضان يف موونتنا؟) صووال ﷺ‪:‬‬

‫(صدصك) صال الرجل‪( :‬ربالذي أ موولك آهلل أموورك هبووذا؟) صووال ﷺ‪( :‬ن ووم)‪ ،‬صووال الرجوول‪:‬‬

‫(وزعم مةلك أن علونا حج البوم من امتطاع يفلوه مبو ً‬


‫ال)‪ ،‬صال ﷺ‪( :‬صدق)‪ ،‬صال أنس بوون‬

‫مالك يض اهلل عنه‪( :‬رقال الرجل‪ :‬آمنم بام ج م به‪ ،‬وأنا مةل من و اةي من صووةمي‪ ،‬وأنووا‬

‫ضام بن ث لبة أخة بني م د بن بكر) صال أنس‪ :‬ثم صال‪( :‬والذي ب ثك با ق ت أزيوود علوووفن‬

‫وت أنقَّلل منفن‪ ،‬ثم وىل‪ ،‬رقال ﷺ‪ :‬ل ن صدق لودخلن اجلنة)‪.‬‬

‫هذه الفروض يفن صا هبا الرجل اون نقَّلل رإهنا طريق يفىل اجلنة‪ ،‬أمووا النةاروول رفووي تررووع موون‬

‫ا جات ال بد يف اجلنة‪ ،‬أو جترب كرس الفروض املنقةصة‪ ،‬وهذا هة يوورس اإلمووال ‪ ،‬وهووذا هووة‬

‫مجال اإلمال ‪.‬‬

‫‪1104‬‬
‫ذهب ضام بن ث لبة يض اهلل عنه يفىل صةمه هبذه امل لةمات التي ي ررفا عامة املسوولمني جوواتً‬

‫ونسا ًء بل وأطفاتً‪ ،‬رامذا ر ل؟ لقد عاا ضام بن ث لبة يض اهلل عنه وأ ضاه مرسع ًا يفىل صةمووه‪،‬‬

‫راجتمع حةله الناس ركان أول ما تكلم به أن صال‪( :‬ب سم الووالت وال ووزى)‪ ،‬صووالةا‪( :‬مووه يووا‬

‫ضام ! اتق الربو واجلذا ‪ ،‬اتق اجلنةن)‪ ،‬صال‪( :‬ويلكم يفهنام واهلل ت يرضان وت ينف ان‪ ،‬يفن اهلل‬

‫عز وجل صد ب ث مةتً وأنزل علوه كتاب ًا امتنقذكم به نا كنتم روووه‪ ،‬ويفين أشوفد أن ت يفلووه يفت‬

‫اهلل وحده ت ويك له‪ ،‬وأن حممد ًا عبده و مةله‪ ،‬يفين صد ج تكم من عنده بام أمركم به وهنوواكم‬

‫عنه)‪.‬‬

‫رامذا كانم النتوجة؟ يقةل عبد اهلل بن عباس يض اهلل عنفام‪( :‬رةاهلل ما أمسى موون ذلووك الوووة‬

‫ويف حارضه جل وت امرأة يفت مسل ًام)‪ .‬تدة وا هبذه امل لةمات الوسرية القلولة غري مضام موون‬

‫واصع صبولة بكاملفا‪ ،‬وهدى اهلل عز وجل به أصةام ًا‪ ،‬وهم مجو ًا يف موزان حسووناته‪ ،‬والوودال عووىل‬

‫اخلري كفاعله‪ .‬هذا الذي ر له ضام يمنع أي ًا منا من أن ي تووذ ؛ بأنووه غووري مؤهوول للوودعةة‪ ،‬وت‬
‫يمتلك ال لم الكايف‪ ،‬وت نقةل لك‪ :‬م‬
‫أرم الناس بام ت ت لم‪ ،‬لكن ما ت لمووه وتظنووه صلووو ً‬
‫ال هووة‬

‫بالنسبة لكريك كثري كثري‪ ،‬ولنا يف ضام يض اهلل عنه مثل واضح‪ ،‬رقد كان كام صال عبوود اهلل بوون‬

‫عباس يض اهلل عنفام (أرضل وارد مم ةا به)‪ .‬كان هذا الةرد الثاين الذي أحببنا أن نقف عووىل‬

‫صدته‪.‬‬

‫ورد ندا ى نجران‬

‫الةرد الثالث‪ :‬هة ورد ندا ى نجران‪ ،‬نجران بلد كبرية يف جنةب اجلزيرة ال ربوة‪ ،‬وكان أهوول‬

‫نجران يدينةن بالنرصانوة‪ ،‬رأ ملةا ورد ًا يفىل الرمةل ﷺ‪ ،‬وهذا الةرد كووان روووه أ ب ووة عوورش‬

‫وارد ًا‪ ،‬وتقةل ب ض الروايات‪ :‬يفن الةرد وصل يفىل متني جالً‪.‬‬

‫‪1105‬‬
‫وصل هذا الةرد هبو ة منظمة جد ًا‪ ،‬ويف صة ة منمقة وصلم حد املبالكة‪ ،‬رقوود لبسووةا الثووواب‬

‫ا ريرية و لةا بالذهب‪ ،‬والرمةل ﷺ مر هذه األمة عووىل الرجووال‪ ،‬ركووره ﷺ أن يووتكلم‬

‫م فم وهم هبذه الدة ة‪ ،‬وأجلفم يةم ًا‪ ،‬رجاءوا يف الوة الثاين وهووم يلبسووةن لووبس الرهبووان‪،‬‬

‫ربدأ الرمةل ﷺ يف ا ةا م فم‪ ،‬وهذا الةرد مل يكن من نوته وت من مهه أن يسلم أو يفكوور يف‬

‫اإلمال ‪ ،‬ويفنام أتى لونا ر الرمةل ﷺ وجيااله من ناحوة‪ ،‬وأتووى لوبفووره ويبفوور املسوولمني موون‬

‫ناحوة أخرى؛ هلذا را ةا م فم كان عىل صة ة اتلفة كثري ًا عن ا ةا مع الةرةا األخرى‪.‬‬

‫رقد عرض الرمةل ﷺ علوفم اإلمال ‪ ،‬ولكنفم رضةا وصوالةا‪ :‬كنووا مسوولمني صووبلكم‪ ،‬هووذه‬

‫الكلمة صحوحة لة كانةا متب ني لكتبفم األصولة اون تبديل وت ريف‪ ،‬ويف هذه الكتب غري‬

‫املحررة بشا ة برمةلنا ﷺ‪ ،‬وعالمات واضحة لنبةته‪ ،‬وأالة اامكة عىل صدصه‪ ،‬لووذلك ر لووامء‬

‫الوفةاية والنرصانوة ي ررةن الرمووةل ﷺ‪ ،‬وي ررووةن عالماتووه‪ ،‬ويةصنووةن بدودصه وبةجووةب‬

‫اتباعه‪ ،‬من أجل هذا يقةل مبحانه وت اىل‪{ :‬أومل ٍ يك ٍن هل ٍم آي ًة أ ٍن ي ٍ لموه علوامء بنموي يفم ٍل ماةووول}‬

‫[الش راء‪ ]197:‬لكن من فم الكرب واملدالح والوودنوا واهلووةى وا سوود‪ ،‬وأشووواء كثوورية جوود ًا‬

‫من تفم من اإلمال ‪.‬‬

‫من أجل هذا أنكر الرمةل ﷺ علوفم كلمة (كنا مسلمني صووبلكم)‪ ،‬وذكوور هلووم أهنووم مررووةن‬

‫اينفم يف أمة كثرية‪ ،‬وهذا التحريف يتناىف مع اإلمال ‪ ،‬واإلمال م نوواه‪ :‬أن يسوولم اإلنسووان‬

‫نفسه متام ًا هلل عز وجل‪ ،‬ويسلم نفسه لترشي ات اهلل عز وجل وصةانونه‪ ،‬وت يسلم نفسه ألهةاةه‬

‫الشخدوة أو مدا ه اخلاصة‪ .‬صال هلم الرمةل ﷺ‪( :‬يمن كم موون اإلمووال ثالثووة‪ :‬عبووااتكم‬

‫الدلوب‪ ،‬وأكلكم م اخلنزير‪ ،‬وزعمكم أن هلل ولد ًا)‪ ،‬هذه أمة ثالثة حررتمةها يف اإلنجول‪،‬‬

‫ولن تسلمةا روفا هلل ب ال املني‪ ،‬وت يستقوم أن تطلقةا عىل أنفسكم مسلمني صبوول أن ترتكووةا‬

‫هذا اتعتقاا الفامد‪ ،‬ولألمف هذا اعتقاا جاز عنوود م ظووم الندووا ى‪ ،‬وهووة يموون فم موون‬

‫‪1106‬‬
‫التفكري يف اإلمال ‪ .‬هناك أمر غريب جد ًا كنم ااة ًام امتقربه ومل أرفمه يفت ب دما صوورأت حووةا‬

‫الرمةل ﷺ مع ورد ندا ى نجران‪ ،‬وهة أنه عند نزول املسوح علوه السال صبوول يووة القوامووة‬

‫جي ل من مفمته أن يدحح هذه األمة التي ألدقم بدينه ومل تكوون روووه‪ .‬انظووروا يفىل ا ووديث‬

‫الذي واه أمحد وابن حبووان عوون أيب هريوورة يض اهلل عنووه وأ ضوواه‪ ،‬أن مووةل اهلل ﷺ صووال‪:‬‬

‫(والذي نفيس بوده لوةشكن أن ينزل روكم ابن مريم حك ًام مقسووط ًا‪ ،‬يووكرس الدوولوب‪ ،‬ويقتوول‬

‫اخلنزير‪ ،‬ويضع اجلزية‪ ،‬ويفوض املال حتى ت يقبله أحد)‪.‬‬

‫ورد نجران مل يكن يريد اإلمال ‪ ،‬من أجل ذلك كثر اجلدال بونه وبني الرمةل ﷺ‪ ،‬وكثر يفلقوواء‬

‫الشبفات والرا علوفا‪ ،‬وكان نووا صووالةه‪( :‬مووا لووك تشووتم صوواحبنا؟ ‪-‬يقدوودون عوسووى علوووه‬

‫السال ‪ -‬وتقةل‪ :‬يفنه عبد هلل عز وجل‪ ،‬رقال ﷺ‪ :‬أجل يفنه عبد اهلل و مةله وكلمتووه ألقاهووا يفىل‬

‫مريم ال ذ اء البتةل)‪ .‬هذا لوس انتقاص ًا أبد ًا من عوسى علوه السال ‪ ،‬بل ال بةاية هلل تشوريف‪،‬‬

‫وهة مةل من أويل ال ز من الرمل‪ ،‬وهة كلمة اهلل ألقاهووا يفىل مووريم علوفووا السووال ‪ ،‬والتووي‬

‫نكرمفا ونجلفا‪ ،‬وننفي عنفا أي شبفة مةء‪ ،‬رنقةل‪ :‬يفهنا مريم ال ذ اء البتةل‪ ،‬لكوون الندووا ى‬

‫يبالكةن يف تكريم املسوح علوه السال حتى خرجةا به عن طبو ته يفىل طبو ة أخرى‪ ،‬رقالةا‪ :‬هة‬

‫اهلل‪ ،‬وصالةا‪ :‬هة ابن اهلل‪ ،‬وصالةا‪ :‬ثالث ثالثة‪ ،‬وكلفا مبالكات غري مقبةلووة‪ ،‬يفهنووا عقووودة راموودة‬

‫ار فم يفلوفا ا ب والتقديس الزاةد عن ا د املطلةب‪ ،‬من أجل هذا كان الرمةل ﷺ حريد ًا‬

‫عند مةته عىل يفبراز هذا امل نى؛ حتى ت يتجاوز املسلمةن ا ب املفروض لووه يفىل ا ووب الووذي‬

‫يقةا يفىل ضالل وكفر‪ ،‬روخرجةن بطبو ة الرمةل يفىل غريها‪ ،‬رقد كان الرمووةل ﷺ وهوة عووىل‬

‫ررار املةت يقةل‪( :‬ل ن اهلل الوفةا والندا ى؛ الذوا صبة أنبواةفم مساجد)‪ ،‬واه البخووا ي‬

‫ومسلم‪ .‬لكةن الندا ى يف ورد نجران ت يتنازلةن عن هذا اتعتقاا الفامد‪ ،‬رإهنم غضبةا من‬

‫وصف عوسى علوه السال بالبرشية وال بةاية وصالةا‪ :‬هل أيم يفنسان ًا صط من غووري أب‪ ،‬رووإن‬

‫‪1107‬‬
‫كنم صااص ًا رأ نا مثله؟ رأنزل اهلل عز وجل ا جووة الدامكووة‪ ،‬حوووث رضب هلووم مووث ً‬
‫ال يةضووح‬

‫حقوقة عوسى علوه السال ‪ ،‬صال اهلل عز وجل‪} :‬يفم هن مثل معوسوى معنٍود اهللهم كمثو مل آا خلقوه ممو ٍن‬

‫اب ث هم صال له ك ٍن روكةن * ا ٍ ُّق مم ٍن ِّبك رال تكو ٍن ممون املٍ ٍمو مرتين{ [آل عمووران‪،]60-59:‬‬
‫تر ال‬

‫الندا ى ت ينكرون أن آا علوه السال خلق من غري أب وت أ هذا يف كتووبفم‪ ،‬رووإن كووان اهلل‬

‫عز وجل صاا ًا عىل خلق آا علوه السال بدون أب وت أ أو ي جز مووبحانه وت وواىل أن خيلووق‬

‫عوسى علوه السال بأ وبال أب؟ ال قل يقبل ذلك متام ًا‪ ،‬لكوون الووذي ت يقبلووه ال قوول أبوود ًا أن‬

‫يكةن اإلله برش ًا يأكل ويرشب وينا ويداب بوواألمل وجيورح‪ ،‬بوول ويف عوور الندووا ى يقتوول‬

‫ويدلب‪ ،‬ويفن كنا نحن املسلمني نؤمن أنه مل يقتل ومل يدلب علوه السال ‪ ،‬بوول ر ووه اهلل يفلوووه‪:‬‬

‫}وما صتلةه وما صلبةه ول مك ٍن ش ِّبه هل ٍم{ [النساء‪ .]157:‬لوس من امل قةل أبوود ًا أن يكووةن اإللووه‬

‫هبذه الدة ة التي ي رتهيا الض ف يف البرش امل تاا‪ ،‬لكن هذا الكال املقنع مل يقنع الندا ى ‪ ،‬أو‬

‫صل‪ :‬مل ي جب الندا ى‪.‬‬

‫جلأ ﷺ يفىل طريقة أخرية ورريدة؛ إلصامة ا جة عىل الندا ى‪ ،‬طلب منفم أن يقةمةا باملباهلووة‪،‬‬

‫اجك رم موه مم ٍن ب ٍ مد ما جاءك ممن ا ٍل م ٍل مم رق ٍل ت وال ٍةا نودٍ ع‬


‫أي‪ :‬املالعنة‪ ،‬صال اهلل عز وجل‪} :‬رم ٍن ح ه‬
‫أبناءنا وأبناءكم ونمساءنا ونمساءكم وأنٍفسنا وأنٍفسكم ثم نبت مف ٍل رنج ٍل ل نة اهللهم عوىل ا ٍلكو م‬
‫اذبمني{‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ه ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫[آل عمران‪ ،]61:‬طريقة رريدة روفا ثقة شديدة باهلل عز وجل‪ .‬كل طر جيمووع أهلووه‪ ،‬ويقووف‬

‫مع الطر الثاين وجف ًا لةجه‪ ،‬ويبتفل كل منفام أن ينزل اهلل عز وجل ل نته عىل الووذي يكووذب‬

‫وينكر ا ق‪ ،‬لة كانةا ي تقدون اعتقاا ًا جازم ًا أن ا ق م فم‪ ،‬أو أن هذا لوس برمةل رال جيووب‬

‫أبد ًا أن خيارةا من هذه املباهلة أو املالعنة‪.‬‬

‫بالف ل باا الرمةل ﷺ يفىل هذا األمر بمنتفى اجلدية‪ ،‬وجاء يف صباح الوة التايل وم ه عاةلتووه‬

‫املكةنة من راطمة يض اهلل عنفا وأ ضاها ابنته‪ ،‬وع بن أيب طالب زوجفا‪ ،‬وا سن وا سني‬

‫‪1108‬‬
‫يض اهلل عنفم أمج ني‪ ،‬ثم صال ﷺ‪ :‬يفذا اعةت رأمنةا‪ ،‬رلام أى الندا ى هذا املةصف خووارةا‪،‬‬

‫خارةا من هذه املالعنة وصالةا‪) :‬ما باهل صة نبو ًا يفت هلكةا( رفذا يثبم بام ت يدع جماتً للشووك‬

‫وةى يف نفةمووفم واتباعو ًا لشووفةاهتم‪،‬‬


‫أهنم يؤمنةن بنبةته وصدصه‪ ،‬ولكنفم جيحوودون ذلووك هلو ً‬
‫رقالةا‪) :‬احكم علونا بام أحببم(ردا فم ﷺ عىل اجلزيووة‪ .‬ملووا صوور وا أن ي ووةاوا يفىل بالاهووم‬

‫ال أمون ًا لوقبض منفم اجلزيووة‪ ،‬رقووال ﷺ‪( :‬ألب ووثن م كووم‬
‫مألةا الرمةل ﷺ أن يرمل هلم ج ً‬

‫ال أمون ًا حق أمني‪ ،‬رامترش أصحاب الرمةل ﷺ هلذه املكانة‪ ،‬رقال ﷺ‪ :‬صم يا أبووا عبووودة‬
‫ج ً‬

‫بن اجلراح ‪ ،‬رلام صا ‪ ،‬صال ﷺ‪ :‬هذا أمني هذه األمة)‪.‬‬

‫نتوجة املفاوضات واملحاو ات مع ورد ندا ى نجران‪ ،‬كام أينا أهنم أوا ا ق واتب ةا غووريه‪،‬‬

‫وأبى الةرد أن يسلم من رة ه‪ ،‬و قق روووفم صووةل اهلل عووز وجوول‪} :‬وجحودوا مهبوا و ٍ‬
‫اموت ٍوقنتٍفا‬

‫أنٍفسف ٍم ٍل ًام وعل ًّةا{ [النمل‪ ،]14:‬وهذا ي طي املسلمني ثقة كبرية جد ًا‪ ،‬ويؤكد هلم أن الكرب‬

‫والرشق الذين ماو وهنم ي لمووةن ااخلوو ًا أن اإلمووال هووة ايوون ا ووق‪ ،‬ولكوونفم يراوغووةن‬

‫وجياالةن‪ ،‬رال جيب أبد ًا أن مبط املسلم من ؤية كثرة املكووذبني‪} ،‬روإم ههن ٍم ت يكو ِّذبةنك ول مكو هن‬
‫م‬ ‫م‬
‫جيحدون{ [األن ا ‪.]33:‬‬ ‫ال هظاملني بمآيات اهللهم ٍ‬

‫امتقبل الرمةل ﷺ ورةا ًا أخرى كثرية ت يتسع الةصم واملجال للحديث عنفووا‪ ،‬منفووا‪ :‬وروود‬

‫عبد القوس‪ ،‬وورد بني حنوفة‪ ،‬وورد بنووي عووامر‪ ،‬ووروود طووي‪ ،‬ووروود أهوول الووومن‪ ..‬وغووريهم‬

‫وغريهم كثري جد ًا‪ ،‬ورةا كثرية هامة جاءت يف ال ا التامع وال او موون اهلجوورة‪ ،‬وكثووري موون‬

‫هذه الةرةا أعلنم يفمالمفا مةاء عن اصتناع أو هب ًا أو غب ًا يف الدولة اإلمالموة‪ ،‬و وول عوودا‬

‫املسلمني يف ا تفاع حتى أيناه صد وصل يف أواخر ال ا ال او من اهلجوورة يف حجووة الووةااع ‪-‬‬

‫‪1109‬‬
‫التي منتحدا عنفا يفن شاء اهلل‪ -‬يفىل ماةة ألووف أو يزيوودون‪ ،‬ووصوولم ب ووض التقووديرات يفىل‬

‫‪ 140000‬أو أكثر‪.‬‬

‫حج أيب بكر الدديق يض اهلل عنه بالناس‬

‫يف آخر السنة التام ة من اهلجرة أ مل الرمةل ﷺ ورد ًا من املسلمني للحج‪ ،‬وأمر عىل الناس‬

‫أبا بكر الدديق يض اهلل عنه وأ ضاه‪ ،‬والسبب يف أنه ﷺ مل يذهب بنفسه‪( :‬أن ا ووج يف تلووك‬

‫السنة كان مفتةح ًا للمسلمني واملرشكني مةي ًا)‪ ،‬وأخرب ﷺ أن املورشكني مضورون ويطةرووةن‬

‫بالبوم عراة‪ ،‬رقال ﷺ‪( :‬ت أحب أن أحج حتى ت يكةن ذلك)‪ .‬وخوورم وروود ا ووج يفىل مكووة‬

‫املكرمة بقوااة الدديق يض اهلل عنه‪ ،‬وب د خروم الةرد مبحان اهلل! نزل صوود مووة ة بووراءة‬

‫بب ض الترشي ات اهلامة جد ًا يف ت امل املسلمني مع املرشكني‪ ،‬روفووا يفعووالن مدووريي بالنسووبة‬

‫لكل مرشك يف اجلزيرة ال ربوة؛ من أجل هذا أمر الرمةل ﷺ ع بن أيب طالووب يض اهلل عنووه‬

‫أن ممل هذه اآليات وينطلق هبا يفىل مكة املكرمة؛ لوقرأهووا عووىل أمووامع املشووركني يف اجلزيوورة‬

‫ال ربوة‪ ،‬يقةل مبحانه‪:‬‬

‫}براء ٌة ممن اهللهم و مةلم مه يفمىل ا هل مذين عاهدت ٍُّم ممن املٍ ٍشوو مر مكني * ر مسووحةا ميف األ ٍ م‬
‫ض أ ٍ ب وة أ ٍشوف الر‬
‫ان ممن اهللهم و مةلم مه يفمىل الن م‬
‫هاس ي ٍة‬ ‫وا ٍعلمةا أنهك ٍم غ ٍري م ٍ مج مزي اهللهم وأ هن اهلله ا ٍ مزي ا ٍلكارم مرين * وأذ ٌ‬

‫رش مكني و مةله رإم ٍن ت ٍبت ٍم رفوة خو ٍ ٌري لكو ٍم ويفم ٍن توة هل ٍوت ٍم روا ٍعلمةا‬ ‫ٍرب أ هن اهلله ب مري ٌء ممن املٍ ٍ م‬
‫ا ٍ ِّج األك م‬
‫م م‬ ‫م‬ ‫م م‬ ‫ال م‬ ‫م‬ ‫م م‬ ‫مم‬
‫أنهك ٍم غ ٍري م ٍ جزي اهللهم وب ِّرش ا هلذين كفروا ب ذاب ألو الم * يف هت ا هلذين عاهدت ٍُّم من املٍ ٍرشوكني ثو هم مل ٍ‬
‫ب املٍت مهقوني *‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫م‬
‫ينقدةك ٍم ش ٍو ًا ومل ٍ يظاهروا عل ٍوك ٍم أحدً ا رأمتُّةا يفمل ٍو مف ٍم ع ٍفده ٍم يفمىل مده مهتم ٍم يفم هن اهلله مو ُّ‬
‫احرصووه ٍم وا ٍص ودوا‬ ‫رإمذا انسلخ األ ٍشفر ا ٍ ر را ٍصتلةا املٍ ٍ م م‬
‫رشكني ح ٍوث وجدٍ متةه ٍم وخذوه ٍم و ٍ‬
‫م‬ ‫ال‬
‫الزكواة رخ ُّلوةا موبمولف ٍم يفم هن اهلله غفوة ٌ حو ٌ‬
‫وم‬ ‫هل ٍم ك هل م ٍرصد رإم ٍن تابةا وأصوامةا ه‬
‫الدوالة وآتوةا ه‬

‫[التةبة‪ .]5-1:‬تستمر اآليات عىل هذا النسق مل ترشي ات تلة الترشي ات يف بوان يف غايووة‬
‫‪1110‬‬
‫األمهوة‪ .‬ب د صراءة هذه اآليات كان ع بن أيب طالب يض اهلل عنه وأ ضوواه ينووااي يف النوواس‬

‫بأمة أ ب ة‪:‬‬

‫كان يقةل‪ :‬ت يدخل اجلنة يفت مؤمن‪ ،‬وت يطة بالبوم عريان‪ ،‬ومن كان بونه وبني مووةل اهلل‬

‫عفد ر فده يفىل مدته‪ ،‬وت مج ب د ال ا مرشك‪.‬‬

‫هذه اآليات تام يفىل تفدول كبري وت لوقات كثرية‪ ،‬لكن بإجياز‪ :‬هذا يفعالن مباو للمورشكني‬

‫أنه ب د انقضاء األجل املرضوب يف اآليات‪ ،‬رإن ا رب م لنة علوفم بةضووةح وصووةة‪ ،‬ولوووس‬

‫أمامفم يفت خوا من اثنني‪ :‬يفما القتال ومةاجفة املسلمني‪ ،‬ويفما اإلمال ‪ .‬املقدةا هبذه اآليووات‬

‫هم مرشكة اجلزيرة ال ربوة‪ ،‬رقد كانم ا رب بونفم وبني املسلمني م لنة ومستمرة ألكثوور موون‬

‫عرشين منة متدلة‪ ،‬رقد اجتم ةا مجو ًا عىل حوورب املسوولمني‪ ،‬صووال اهلل عووز وجوول‪} :‬وصواتملةا‬

‫رش مكني كا هر ًة كام يقاتملةنك ٍم كا هر ًة{ [التةبة‪ ،]36:‬وعلووة صتووال املشووركني كارووة أهنووم يقوواتلةن‬
‫املٍ ٍ م‬

‫املسلمني كارة‪ ،‬ومن هنا رإنه ت جيةز للمسلم أن يقاتل من مل يقاتله يفت ب لة واضحة‪ ،‬كسلب أو‬

‫هنب أو اغتداب قةق املسلمني‪ ،‬أو بسبب من فم للمسلمني من نوورش ايوونفم ويفيدوواله يفىل‬

‫غريهم‪ ،‬وبدون هذه األمة يدبح صتال املرشكني غري جاةز‪ ،‬ومن ثم رقتال مرشكي ال امل مجو ًا‬

‫لوس منطقو ًا‪ ،‬ويفنام يقاتل املسلمةن ب ض مرشكي ال امل الذين صامةا بام ذكرناه من أمة ‪.‬‬

‫واصع املسلمني ب د نزول هذه اآليات ويف زمن اخللفاء الراشدين ب د وراة الرمةل ﷺ يدوودق‬

‫هذا األمر‪ .‬املسلمةن يف رتةحاهتم مل يقاتلةا كل املرشكني الذين صابلةهم‪ ،‬ويفنووام كووانةا يقوواتلةن‬

‫من صاتلفم من جوةر البالا املفتةحة‪ ،‬وكانةا يرتكةن بقوة املرشكني عىل ايوونفم يفىل أن خيتووا وا‬

‫هم بإ ااهتم اإلمال يفن أ ااوا ذلك‪ .‬هذا واصع أيناه بأنفسنا يف كل الفتةحات اإلمالموة‪ ،‬وما‬

‫ال واحد ًا ‪-‬روام أعلم‪ -‬صتل رقط لكةنه مرشك ًا‪ ،‬وعىل هذا مموول حووديث مووةل اهلل‬
‫وجدنا ج ً‬

‫ﷺ‪( :‬أمرت أن أصاتل الناس حتى يشفدوا أنه ت يفله يفت اهلل‪ ،‬وأن حممد ًا مةل اهلل)‪ ،‬ممل عووىل‬
‫‪1111‬‬
‫صتال مرشكي ال رب‪ .‬ت ت ا ض بني هذه األحكا اخلاصة بمرشكي ال رب واآليووة الكريمووة‪:‬‬
‫}ت يفمكٍراه ميف الدِّ م‬
‫ين{ [البقرة‪]256:‬؛ رقةله‪( :‬ت يفكراه يف الدين) عا يف كوول البوورش يفت هووؤتء‬

‫املرشكني من ال رب‪ ،‬لوس ألهنم ال رب‪ ،‬ولكن لكةهنم حما بني للرمةل ﷺ ولدولته‪ ،‬وهووذه‬

‫ا رب كام ذكرنا م لنة منذ صديم‪ ،‬واألصل يف األمة أن ا رب ما زالم مستمرة‪ ،‬وصوود أعلوون‬

‫املسلمةن أهنم موستمرون يف ا رب مع مرشكي ال رب‪ ،‬ولن يتم يفيقا ا رب حتووى يسوولم‬

‫املورشكةن‪ ،‬رإن أبةا راألمة عىل طبو تفا األوىل‪ ،‬أي‪ :‬امتمرا ا رب‪ .‬هذا ال رض واإلعالن‬

‫من املسلمني عرض كريم إلنقاذ جممةعة من املحا بني للدولة اإلمووالموة‪ ،‬وهووة لوووس عرضو ًا‬

‫انوةي ًا أبد ًا‪ ،‬بل عىل ال كس موخرس املسلمةن أمةال هؤتء املشووركني يفن أموولمةا؛ ألن هووذه‬

‫األمةال متدبح غناةم للمسلمني يف حالة ا رب‪ ،‬بل صد ينفووق املسوولمةن عووىل موون اخوول يف‬

‫اإلمال من املرشكني تألوف ًا لقلةهبم كام حدا صبل ذلك يف حنني‪ ،‬وهووذا ي توورب تسوواحم ًا عظووو ًام‬

‫جد ًا من اولة صةية هلا مطةة عىل كل أ جاء اجلزيرة تقريب ًا يف ذلك الةصم‪.‬‬

‫األمر الثاين‪ :‬أن هذه اآليات من مة ة التةبة أ فرت ا جة من الرصي ا ضا ي ت ي ررفا أهل‬

‫األ ض مجو ًا‪ ،‬وهي يفعال اآلخرين من أعداء األمة بووأن الدولووة اإلمووالموة مووتقة بقتوواهلم‪،‬‬

‫هكذا ت غد وت خوانة وت أخذ عىل حني غرة‪ ،‬يفنام التنبوه والتحووذير ويفعطوواء الفرصووة كاملووة‬

‫للطر اآلخر؛ لكي يست د‪ ،‬يفهنا حرب الكريم النبول‪ ،‬ولوسم حرب الل وم اخلسوس‪ .‬صد أينا‬

‫يف ا روب ال املوة يف القديم وا ديث أن هووذه ا ووروب تقووة عووىل اخلوانووة والكوود ونقووض‬

‫ال فةا والط ن يف الظفر‪ ،‬أينا غد يفيطالوا مع لوبوا وأثوةبوا‪ ،‬و أينا غوود اإلنجلوووز يف موورص‬

‫وال راق ورلسطني‪ ،‬و أينا غد ررنسا يف اجلزاةر ومة يا‪ ،‬و أينا غوود الدوولوبني صبوول هووذا يف‬

‫الشا ‪ ،‬و أينا غد التتا ‪ ،‬و أينا غد الدلوبوني يف األندلس‪ ،‬أينا كثري جد ًا‪ .‬أين كل هووذا موون‬

‫حضا ة اإلمال ؟! هل هناك بلد يف ال امل تقر ا رب رت طي الفريق اآلخر مفلة لالمووت داا‪،‬‬

‫‪1112‬‬
‫حتى تكةن الفرو متكار ة؟ أي بلد يف ال امل تريد أن تقطع م اهدة وتقة با رب رووال تف وول‬

‫ذلك يفت ب د يفنذا الفريق اآلخر بفرتة كاروة حتى يتساوى الفريقان يف الفرو؟ موون يدوور‬

‫هكذا هذا يف ال امل؟ لوس هذا يفت يف ترشيع اإلمال ‪ ،‬وأنا أ دى أن يةجد صووانةن موون صووةانني‬

‫األ ض يف القديم أو ا ديث يف الرشق أو الكرب يقرتب من عدالووة وأمانووة وعظمووة القووانةن‬

‫اإلمالمي‪ .‬نحتام يفىل ا امة هذه املجمةعة من اآليات ا امة واروة يف وصووم آخوور غووري هووذا‬

‫الةصم؛ ألن هذه اآليات روفا من ا ضا ة والرصي والسمة ما ت مىص‪.‬‬

‫هبذا اإلعالن وضحم الرؤيووة ل مووة مووكان اجلزيوورة ال ربوووة‪ ،‬مووةاء موون املسوولمني أو موون‬

‫املرشكني‪ ،‬وب دها بقلول كام ذكرنا اخلم أمة ال رب مجو ًا يف اإلمال ‪ ،‬ومن ثم هتوأت اجلزيرة‬

‫ال ربوة ومكة املكرمة تمتقبال خري البرش ﷺ يف حج ال ا ال او من اهلجرة‪ ،‬لوووحج حجتووه‬

‫الةحودة واملشفة ة‪ ،‬والتي عررم يف التا يخ بحجووة الووةااع‪ ،‬ومووط األلووة واأللووة موون‬

‫املسلمني اون مرشك واحد ألول مرة يف تا يخ مكة منذ م ات السنني‪ ،‬حني ابتلوم مكووة صبوول‬

‫ذلك ب بااة األصنا من اون اهلل عز وجل‪ ،‬ها صد جاء الوة الووذي ت مووج يفلوفووا موورشك وت‬

‫يطة بالبوم عريان‪.‬‬

‫‪1113‬‬
1114
‫‪45‬‬

‫حجة الوداع‬

‫تعرفنا عىل النتائج العظيمة لغزوة تبوك ورأينا قدوم الوفوووا الريةووىلة ملد اةدينووة اةنووورة لووتع‬

‫ملسالمها بني يدي رسول اهلل ﷺ ‪ ،‬لري لريل يشء هناية‪ ،‬ولريل أجل كتاب‪ ،‬ولريل قصة خامتة‪،‬‬

‫وكةىل ًا ما نرى أن عمر اإلنسان ينتهي اون أن يوورى م مووح يت أوود‪ ،‬أو اون أن يطووا د خ توح‬

‫تنجح‪ ،‬لري م سعااة اإلنسان مأ ًا أن ي يل اهلل عز وجوول ع عموورى متووث يوورى ‪،‬و ر عم ووح‪،‬‬

‫ونتيجة جهدى‪ ،‬فيسعد لذلك أي سعااة‪ ،‬ويطعر أن تعب السنني مل يذ ب باء منةور ًا‪ ،‬نعم‪ ،‬ال‬

‫يطرتط لإلنسان اةخ ص أن يرى نتيجة كدى وتعبح‪ ،‬ولري ال شك أهنا نعمة م اهلل عووز وجوول‬

‫ومنة عظيمة ال تأدر بةم ‪ .‬عاش الرسول ﷺ متث رأى اجلزيرة العربية بريام ها تأريب ًا تدخل‬

‫ع اإلسالم‪ ،‬وتأر بح‪ ،‬بعد مرب رضوس‪ ،‬بعد مأاومة عنيفة شديدة‪ ،‬ووا قوود اخوول النوواس ع‬

‫اي اهلل أفواج ًا‪ ،‬ا قد مري لإلسالم وارتفعت راية التوميد ع كل مريان‪ .‬ا قد عاات الريعبة‬

‫اةرشفة ملد مأيأتها‪ ،‬صارت ك كانت أيام ملبرا يم ﷺ يومد فيها اهلل عز وجل‪ ،‬وال يرشك بووح‬

‫أمد أبد ًا‪.‬‬

‫ال أست يع وصف سعااة الرسول ﷺ الصالة والسووالم بريوول ووذا ا ووىل‪ .‬كووان الرسووول ﷺ‬

‫ال واموود ًا خووىل لووك مو‬


‫ال وامد ًا يؤم ‪ ،‬كان يأول‪( :‬ألن هيدي اهلل بك رج ً‬
‫يسعد ملذا رأى رج ً‬

‫‪1115‬‬
‫ال وال رجاالً يؤمنون‪ ،‬بل يرى اجلموووا الغفووىلة والأبائوول‬
‫محر النعم)‪ .‬فها و اآلن ال يرى رج ً‬

‫العظيمة والبالا الريةىلة تدخل ع اي اهلل أفواج ًا‪.‬‬

‫ذا التمريني حيمل معنث آخر لرسول اهلل ﷺ ولعموم اةس مني و و أن مهمة الرسول ﷺ قد‬

‫أرشفت عىل اإلنتهاء‪ ،‬ومهمة الرسول ﷺ كانت البالغ‪ ،‬و ا قوود قأأووت مهمتووح عووىل الوجووح‬

‫األكمل‪ ،‬ووص ت رسالتح بيضاء نأية ملد كل اجلزيرة العربية‪ ،‬بوول وووواولت ذلووك ملد الووك‬

‫العامل الأديم‪ ،‬ووص ت الدعوة ملد فارس والروم ومرص والوويم والب ووري وعو ن و ىل ووا‪،‬‬

‫واكتم ت كل ‪-‬أو معظم‪ -‬بنوا الرشا احلرييم‪ .‬ملذا كان قد مدث ذلك فمعناى‪ :‬أن مياة رسول‬

‫اهلل ﷺ قد قاربت ي األخرى عىل االنتهاء‪ .‬مع كل األمل الذي يصامب الوونفع عنوود تصووور‬

‫ذلك‪ ،‬ملال أن الواقع خيرب أن لريل يشء هناية‪ ،‬ولريل أجل كتاب ًا‪ ،‬ولريل قصة خامتة‪.‬‬

‫ع أواخر العام العارش م اهلجرة كان واض ًا لرسول اهلل ﷺ ولص ابتح أن أجل احلبيب ﷺ‬

‫قد اقرتب‪ ،‬وم رمحة رب العاةني سووب انح وتعوواد أنووح مهود هلووذا اةوووت بثمووداث ومواقووف‬

‫وبعبارات كةىلة؛ وذلك ليهون عىل اةسو مني مصووالم الفووااح‪ ،‬ففووتح مريووة وملسووالم وووالن‬

‫و‪،‬أيف وقدوم الوفوا ت و الوفوا عىل اةدينة اةنورة كوول ذلووك عالمووة مو عالمووات اقوورتاب‬

‫األجل‪ ،‬وأن اةهمة قاربت عىل االنتهاء‪ .‬كذلك ع شهر رمضان م السنة العارشة مو اهلجوورة‬

‫اعتريف ﷺ عرشي يوم ًا بدالً م عرشة أيووام كووان معتوواا ًا‪ .‬كوول ووذا كووان متهيوود ًا ألمتووح أنووح‬

‫سيعتزهلا ويبتعد عنها مدة أطول م اةدة اةعتااة‪ ،‬سيثيت وقت يبعوود عنهووا بجسوودى متامو ًا‪ ،‬وملن‬

‫كان سيظل برومح وسنتح وأقوالح وأفعالح وتوجيهاتح معهم ملد يوم الأيامووة‪ .‬ع شووهر رمضووان‬

‫أيض ًا راجعح جربيل ع يح السالم الأرآن مرتني‪ ،‬بدالً م مرة وامدة‪.‬‬

‫ع شهر شوال توع ابنح ملبرا يم ع يح السالم‪ ،‬ومع أن البعض كان يتمنث أن لو بأووي يشء مو‬

‫رأينووا‬ ‫ذى مريمة ورمحة م رب العوواةني سووب انح وتعوواد‪ ،‬فوون‬ ‫عأبح ﷺ ليذكرنا بح‪ ،‬لري‬
‫‪1116‬‬
‫مغاالة الطيعة ع أمفاا الرسول ﷺ م ابنتح فاطمة ريض اهلل عنهووا وأرضووا ا‪ ،‬مووا بالووك لووو‬

‫عاش لح ولد‪ ،‬وكان لح عأب ينتهي نسبهم ملد حممد ﷺ ‪ ،‬ال شك أهنا كانت سووتت ول ملد فتنووة‬

‫عصمنا اهلل منها‪ ،‬وهلل احلمد واةنة‪.‬‬

‫أيض ًا ع ذى األيام بعث ﷺ معاذ ب جبل ريض اهلل عنح وأرضاى ملد اليم ‪ ،‬وقال لح‪( :‬يا معوواذ‬

‫ملنك عسث أال ت أاين بعد عامي ذا‪ ،‬أو لع ك أن متر بمسجدي ذا أو قربي) ذى ملشووارات ع‬

‫منتهث الوضوح ملد أن أج ح ﷺ قد اقرتب‪،‬‬

‫ع شهر ذي الأعدة م نفع السنة العارشة بدأ ﷺ ع االستعداا ل أيام بوواحلج‪ ،‬ل موورة األود‬

‫واألخىلة ع مياتح ﷺ ‪ ،‬و ي احلجة التي عرفت ع التاريخ ب جة الوااا‪ .‬اعووا ملليهووا الأبائوول‬

‫اةخت فة م كل أن اء اجلزيرة العربية‪ ،‬وواول اةس مون الذي مرضوا ذى احلجة مائووة ألووف‬

‫مس م‪ ،‬وذكر بعووض الوورواة أن عوودا اةسو مني ع ووذى احلجووة كووان يزيوود عووىل ‪ 14000‬مو‬

‫اةس مني‪ ،‬ذا عدا ضخم و ائل ومهول‪ ،‬وكانوا ع زوة تبوك التي وقعت قبل سوونة واموودة‬

‫فأط‪ ،‬كان اةس مون ‪ 30000‬مأاتل فأط‪ ،‬وع ذا الوقووت ‪ 140000‬بعوود سوونة واموودة مو‬

‫تبوك‪.‬‬

‫وصايا الرسول ﷺ ع خ بح ع مجة الوااا‬

‫كانت مجووة الوووااا مو أ ووم اةعسووريرات اإلي نيووة التووي عاشووها الصو ابة ريض اهلل عوونهم‬

‫وأرضا م مع الرسول ﷺ لعدة أيام‪ .‬ع مهم وأالم وأرشد م ووضح هلم ال ريد وبني هلووم‬

‫اةعامل فيها‪ ،‬فهذى احلجة مل تري جمرا أااء لفريضة‪ ،‬بل وضووعت فيهووا وبوضوووح الأواعوود التووي‬

‫ع يها تبنث األمة اإلسالمية‪ ،‬واألمور التي لا قافظ األمة اةمرينة عىل متريينها ع األرض‪.‬‬

‫‪1117‬‬
‫ب برصو‬ ‫خ ب الرسول ﷺ ع ذى احلجة ‪،‬الث خ ب‪ ،‬ع ‪،‬ال‪،‬ة مواضع خمت فة‪ ،‬ع ذى ا‬

‫ﷺ األمة التي كتب اهلل عز وجل هلا التمريني ب حيفظ هلا ذا التمريني ويأويووح‪ ،‬و ووذى احلجووة‬

‫العظيمة‪ ،‬قتاج ملد اراسة خاصة‪ ،‬وملد تفريغ جهد ووقت‪ ،‬لعل ع ذى اة ووارضات ال يتسووع‬

‫الوقت لت يل مجة الوااا‪ ،‬وسنفرا ملن شاء اهلل هلا حمووارضة خاصووة أو حمووارضتني‪ ،‬نت وودث‬

‫ذى احلجة العظيمة‪.‬‬ ‫فيه ع الدروس اةستفااة والأواعد اهلامة اةستنب ة م‬

‫لري سنمر رسيع ًا عىل بعض الوصايا التي مرص ﷺ أن يوجهها ملد أمتح‪.‬‬

‫الوصية األود‪ :‬استور اةس مني و الريتاب والسنة‪ ،‬واإلعتصام ل حيمي م الضالل وحيفظ‬

‫األمة‪ ،‬ويأوا ملد اجلنة‪ ،‬يأول ﷺ ‪( :‬وقد تركت فيريم ما ملن اعتصوومتم بووح ف و تضو وا بعوودي‬

‫أبد ًا‪ ،‬أمر ًا بين ًا؛ كتاب اهلل وسنتي)‪.‬‬

‫الوصية الةانية‪ :‬الومدة بني اةسو مني عووىل أسوواس الوودي والعأيوودة‪ ،‬ال عووىل أسوواس العوور‬

‫والعنرص‪ ،‬يأول ﷺ ‪( :‬تع مون أن كل مس م أخ ل مسو م)‪ ،‬ويأووول‪( :‬ملن اةسو مون أخوووة) ‪،‬‬

‫ويأول‪( :‬يا أهيا الناس أال ملن ربريم وامد‪ ،‬وملن أباكم وامد‪ ،‬أال ال فضل لعوورع عووىل أعجمووي‬

‫وال لعجمي عىل عرع وال ألمحر عىل أسوا‪ ،‬وال ألسوا عىل أمحر ملال بالتأوى)‪.‬‬

‫الوصية الةالةة‪ :‬العدل‪ ،‬والعدل اة د‪ ،‬فال تأوم أمة وال تستمر و ي ظاةة‪ ،‬مع وصووية خاصووة‬

‫بالنساء‪ ،‬فأال ﷺ ‪( :‬أهيا الناس ملن لريم عىل نسائريم مأ ًا‪ ،‬وهل ع يريم مأ ًا)‪.‬‬

‫الوصية الرابعة‪ :‬الت ذير م الذنوب‪ ،‬والت ذير م الطي ان والتنبيح عىل أن مووا حيتأوورى العبوود‬

‫م الذنوب قد يؤاي ملد ريتح‪ ،‬قال ﷺ ‪( :‬ملن الطي ان قد يئع مو أن يعبوود بثرضووريم ووذى‬

‫أبد ًا‪ ،‬ولرينح ملن ي ع في سوا ذلك فأد ريض بح ا قتأرون م أع لريم فامذروى عىل اينريم)‪.‬‬

‫‪1118‬‬
‫الوصية ا امسة‪ :‬أن االقتصاا اإلسالمي ليع فيح مورشوعية ل ربا‪ ،‬يأول ﷺ ‪( :‬و ربا اجلا ية‬

‫موضوا) وع رواية يأول‪( :‬قىض اهلل أنح ال ربا)‪ .‬ريذا وضع ربا اجلا ية مجيعها‪.‬‬

‫الوصية السااسة‪ :‬البالغ‪ ،‬مهمة ذى األمووة الووبالغ‪ ،‬وأن قموول رسووالة رب العوواةني سووب انح‬

‫وتعاد ملد العاةني‪ ،‬قال ﷺ ‪( :‬ف يب غ الطا د الغائب‪ ،‬فرب مب غ أوعث م سووامع) وأكةوور ﷺ‬

‫م قولح‪( :‬أال ل ب غت‪ ،‬ال هووم فاشووهد‪ ،‬أال وول ب غووت ال هووم فاشووهد) فهووذى مهمووة األمووة‬

‫اإلسالمية‪ :‬أن قمل الرسالة ملد كل العامل‪.‬‬

‫الوصية السابعة‪ :‬تثصيل مبدأ التيسىل ع الدي ‪ ،‬وأن الرشيعة ك ها يرس‪ ،‬فأد أكةوور ﷺ ع ووذى‬

‫احلجة م قولح‪( :‬ال مرج‪ ،‬ال مرج‪ ،‬افعل وال مرج‪ ،‬افعل وال مرج) وليت اةس مني يفأهون‬

‫ي اليرس‪( :‬ملن الدي يرس‪ ،‬ولو يطوواا الوودي أموود ملال‬ ‫طبيعة ذا الدي ‪ ،‬ملن طبيعة ذا الدي‬

‫بح)‪.‬‬

‫الوصية الةامنة‪ :‬السمع وال اعة ألمىل اةس مني ما اام حيريم بريتاب اهلل عووز وجوول‪ ،‬قووال ﷺ ‪:‬‬

‫(اسمعوا وأطيعوا‪ ،‬وملن أمر ع يريم عبد مبيش‪ ،‬ما أقام فيريم كتاب اهلل عز وجل)‪.‬‬

‫الوصية التاسعة‪ :‬أن الرشا ي بد عىل احلاكم ك ي بد اة ريووومني‪ ،‬لوويع نوواك اسووتةناء أمووام‬

‫الأانون قال ﷺ (واماء اجلا ية موضوعة‪ ،‬وملن أول ام أضوع مو امائنووا ام ابو ربيعووة بو‬

‫احلارث ب عبد اة ب) اب اب عم رسول اهلل ﷺ ‪ ،‬وقال ع الربا‪( :‬وربا اجلا ية موضوووا‪،‬‬

‫وأول ربا أضع م ربانا ربا عباس ب عبد اة ب‪ ،‬فإنح موضوا ك ح)‪ .‬ت بيود الوورشيعة عووىل‬

‫الرسول ﷺ نفسح‪ ،‬و و لعيم ذى األمة‪ ،‬وعىل عموم الطعب بريام ح ليع ناك استةناء‪.‬‬

‫الوصية العارشة‪ :‬عىل الدولة الصاحلة أن تثخذ بيد شعبها ملد اجلنة‪ ،‬ولوويع فأووط أن توووفر هلووم‬

‫سبل اةعاش اةريح‪ ،‬واحلياة الر يدة‪ ،‬قال ﷺ ‪( :‬وملنريم ست أون ربريم فيسثلريم عو أع لريووم‬

‫‪1119‬‬
‫وقد ب غت)‪ .‬الدولة الع نية ال تنظر م أ ًا ملد ذى النأ ة‪ ،‬ف يووذ ب الطووعب ملد اجل وويم ملن‬

‫أراا ذلك‪ ،‬اةهم عند ا قيم ع الدنيا‪ ،‬لري الدولة اإلسالمية ال تنظر ل طعب ذى النظرة اآلنيووة‬

‫ية التافهة‪ ،‬وملن وظيفتهووا األود أن تسووعث مةيةو ًا هلدايووة النوواس ملد رب ايو العوواةني‬ ‫الس‬

‫سب انح وتعاد‪ ،‬وم أاوار ا أن تدعو شعبها بل وتدعو العامل ك ح ملد اخول اجلنة‪ ،‬فت ك عرش‬

‫كام ة‪.‬‬

‫ذى الوصايا قتاج ملد تفصيل‪ ،‬وال شك أيضو ًا أن اجلوانووب الفأهيووة‬ ‫ال شك أن كل وصية م‬

‫اهلامة ع ذى الوصايا‪ ،‬قتاج أيض ًا ملد اراسة وافية‪ .‬أكةر ﷺ ع ذى احلجة م قولووح‪( :‬خووذوا‬

‫عني مناسريريم) لذلك ذا األمر حيتاج ملد اارسة‪ ،‬ونسووثل اهلل عووز وجوول أن ييسوور لنووا وقتو ًا‬

‫ذى األمور اهلامة‪.‬‬ ‫نست يع فيح احلديث ع‬

‫رجوا الرسول ﷺ م مجة الوااا ووهيزى جيش أسامة‬

‫بعد ذى احلجة رجع الرسول ﷺ ملد اةدينة اةنووورة‪ ،‬ومريووث فيهووا بأيووة ذي احلجووة واة وورم‬

‫وصفر م السنة احلااية عرشة ل هجرة‪ .‬ع شهر صفر بدأ الرسول ﷺ ع ملعووداا بعووث موورع‬

‫جديد ل طام‪ ،‬لأتال الرومان؛ ألن الرومان قت وا وايل معان عندما أسو م‪ ،‬فريووان ال بوود مو را‬

‫ماسم‪ ،‬و ذا و اإلعداا الةالث ةجالووة الدولووة الرومانيووة العظمووث‪ :‬األول‪ :‬كووان ع مؤتووة‪،‬‬

‫والةاين‪ :‬كان ع تبوك‪ ،‬والةالث‪ :‬بعث جيش أسامة ب ليد ذا‪.‬‬

‫أمر ﷺ عىل ذا البعث أسامة ب ليد ب مار‪،‬ة ريض اهلل عنه ‪ ،‬فالرسول ﷺ ي فت أنظارنووا‬

‫و الأائد‪ ،‬وال نسب الأائوود‪ ،‬وال عموور‬ ‫لذا الفعل ملد أمري مهمني‪ :‬األول‪ :‬ليع م اةهم م‬

‫الأائد‪ ،‬اةهم و كفاءة الأائد‪ ،‬وأنح حيتريم ع كل أمورى ملد كتاب اهلل عز وجوول‪ ،‬وملد سوونة نبيووح‬

‫ﷺ ‪ .‬الأائد ع ذى اةعركة أسامة ب ليد و اب مود كان يباا ويطرتى‪ ،‬و و ليد بو مار‪،‬ووة‬

‫‪1120‬‬
‫ريض اهلل عنح وأرضاى‪ ،‬وع نفع الوقت كان عمرى ‪ ،‬ين عورشة سوونة‪ ،‬أو متوث مل يب ووغ الةامنووة‬

‫عرشة سنة‪ ،‬ومع ذلك يتود قيااة ذا اجليش العظيم‪.‬‬

‫األمر الةاين‪ :‬أن طاقات الطباب ائ ة‪ ،‬والرسول ﷺ بثي مال م األموال ال يضيع جيطووح‪،‬‬

‫وال خياطر بمصىل أمتح بزعامة ال تتصف بريفاءة‪ ،‬وبخاصة أن الرصاا الأاام سيريون مع أعتووث‬

‫قوة ع األرض ع لماهنم‪ ،‬ولو مل يري ﷺ موقن ًا متام اليأني أن أسامة بو ليوود ريض اهلل عوونه‬

‫أ ل هلذى اةهمة ما والى‪ ،‬ال سي أنح كان قت ملمرة أسامة جمموعة فذة مو الأووااة العسووريريني‪،‬‬

‫وم السابأني‪ ،‬ويريفي أن م جنوا أسامة ريض اهلل عنهم ع ذى اةعركة أبا برير وعموور ريض‬

‫اهلل عنه و ذا الفعل يبني لنا قيمة وملمريانيات الطباب عند رسول اهلل ﷺ ‪.‬‬

‫وجهز اجليش اهلام‪ ،‬وخرج م اةدينة اةنورة ع اواى الطام ع أواخر شووهر صووفر سوونة ملموودى‬

‫عرشة ل هجرة‪ ،‬لري بعد خروجح مسافة مخسة أميال م اةدينة اةنووورة سوومع اجلوويش بموورض‬

‫رسول اهلل ﷺ فانتظروا ع مرياهنم‪ ،‬مل يريم وا ال ريد؛ متث ي مئنوا عىل ص ة احلبيب ﷺ ‪.‬‬

‫ملد الرفيد األعىل‬

‫بدأ مرض الرسول ﷺ الذي كان ع هنايتووح الوفوواة‪ ،‬ويصووعب عووىل الوونفع أن تتصووور موووت‬

‫بعد موورور‬ ‫الرسول ﷺ ‪ ،‬فسب ان اهلل الذي ‪،‬بت أص اب الرسول ﷺ ع ذى الفاجعة‪ .‬ن‬

‫أكةر م ‪ 1400‬سنة عىل موت الرسول ﷺ ال نست يع أن نت لك أنفسنا عنوود سو ا أو قووراءة‬

‫قصة وفاة احلبيب ﷺ ‪ ،‬فأد كانت بال مبالغة أكرب مصيبة‪ ،‬وأعظم كار‪،‬ة ع تاريخ األرض منووذ‬

‫خ أها اهلل عز وجل وملد يوم الأيامة‪ .‬مع كون وفوواة األنبيوواء بصووفة عامووة مصوويبة كبووىلة عوىل‬

‫أقوامهم‪ ،‬ملال أن مصيبة وفاة الرسول ﷺ كانت أعظم وأجوول‪ ،‬لوويع فأووط لريونووح ﷺ أعظووم‬

‫األنبياء أو سيد اةرس ني وملن كان كذلك ﷺ ‪ .‬لري كانت اةصيبة الريربى ي انأ وواا الووومي‬

‫‪1121‬‬
‫بعد وفاة الرسول ﷺ انأ اع ًا أبدي ًا ملد يوم الأيامة؛ ألنووح ال يوجوود نبووي بعوود رسووول اهلل ﷺ ‪،‬‬

‫وعىل مدار ‪،‬ال‪،‬ة وعرشي سنة كام ة تعوووا الصو ابة ريض اهلل عوونهم وأرضووا م عووىل نووزول‬

‫الومي م الس ء ع كل حلظة‪ ،‬وع كل ظوورو وع كوول ألمووة‪ .‬رم ووة طوي ووة مو األمووداث‬

‫ال ل مس مني و ااي ًا هلم‪ ،‬ومبورص ًا لعأوووهلم‪،‬‬


‫الساخنة والصاخبة واةعأدة كان الومي فيها الي ً‬

‫وم مئن ًا ألفئدهتم‪ .‬ما أعجب احلياة ع ظل الومي! وال شك أن البرش مجيع ًا خي ئون‪ ،‬واةووؤم‬

‫الصاا يعتذر رسيع ًا ع خ ئح ويتوب م قريب‪ ،‬لري أميان ًا ختت ط احلأووائد مووع األباطيوول‪،‬‬
‫ث اةتطعبة‪ ،‬فتجد اإلنسان اةس م يثخذ أميان ًا قوورار ًا حيسووبح سو ي ً‬ ‫فيتوى الصواب بني طر ا‬

‫ص ي ًا رشعي ًا‪ ،‬بين يريون احلد ع خالو ذلك‪ ،‬حيدث ذا مرار ًا وتريرار ًا معنا ومووع النوواس‬

‫مجيع ًا‪ ،‬ال ندري أكنا عىل مد أم اخرتنا الباطل؟ لري ع أيام الووومي كووان الوضووع خمت فو ًا عو‬

‫ث‪ ،‬ويبرص م بال ريد‪ ،‬ويوضح احلد‬ ‫وضعنا‪ ،‬كان ملذا أخ ث الص ابة نزل الومي يبني هلم ا‬

‫م الباطل‪ ،‬فيع م الص ابة ع ً يأيني ًا مدوا احلد ومدوا الباطل‪ ،‬متث عندما كان ﷺ خيتار‬

‫رأي ًا خالو األود‪ ،‬كان الووومي ينووزل بالتصووويب وبرتتيووب األوليووات‪ ،‬وبتوضوويح الفوورو‬

‫الدقيأة جد ًا بني الص يح واألصح‪ ،‬وبني الفاضل واةفضول‪ ،‬كانت مياة عجيبة‪ .‬نعووم‪ ،‬توورك‬

‫اهلل عز وجل لنا منهج ًا قي ً عظي ً نعرو بح احلالل م احلرام ونرتب بح األوليات ترتيب ًا رشعيو ًا‬

‫س ي ً ‪ ،‬لري ليع ذلك ك كان أيام الومي‪.‬‬

‫كان الص ابة ريض اهلل عنهم وأرضا م حيبون الرسول ﷺ أكةر م مبهم ألبنائهم وملخواهنم‬

‫وألواجهم‪ ،‬بل أكةر م أنفسهم‪ ،‬وك نا نع م قصة امرأة بنووي اينووار وذكرنا ووا ع ووزوة أموود‪،‬‬

‫عندما ع مت باستطهاا أبيها وأخيها ولوجها ع موقعة أمد‪ ،‬فأالت ع هلفة‪( :‬ما فعل رسووول‬

‫اهلل ﷺ ؟ قالوا‪ :‬و بخىل ك قبني‪ ،‬قالت‪ :‬أرونيح‪ ،‬ف رأتووح سوواة ًا قالووت‪ :‬كوول مصوويبة بعوودك‬

‫‪1122‬‬
‫ج ل) أي‪ :‬صغىلة يسىلة؛ لذلك كانت مصيبة موت الرسول ﷺ أعظم م كل اةصائب التووي‬

‫مد‪،‬ت ع األرض منذ خ أت وملد يوم الأيامة‪.‬‬

‫طالئع التوايع‬

‫كيف كانت األيام األخىلة ع مياتح ﷺ ؟ لأد مرص ﷺ ع أيامح األخىلة عىل توايع اجلميع‪،‬‬

‫متث ملنح مل يواا األمياء فأط‪ ،‬بل واا األموات أيض ًا‪ ،‬فأد خرج ﷺ ع أوائل شهر صفر سوونة‬

‫ملمدى عرشة م اهلجرة ملد أمد فصىل عىل الطهداء ناك وواعهم‪ ،‬وم ‪،‬م رجووع ملد اةدينووة‬

‫اةنورة‪ ،‬وصعد اةنرب وأوىص الناس ك روى البخاري ع عأبة ب عامر قووال‪( :‬ملين فوورطريم ‪-‬‬

‫أي‪ :‬أنا سابأريم ملد اهلل عز وجل‪ ،-‬وملين شهيد ع يريم‪ ،‬وملين واهلل ألنظر ملد مووويض اآلن‪ ،‬وملين‬

‫أع يت مفاتيح خزائ األرض‪ ،‬وملين واهلل ما أخاو أن ترشكوا بعدي‪ ،‬ولريني أخوواو ع وويريم‬

‫أن تنافسوا فيها)‪.‬‬

‫وصايا م الرسول ﷺ ملد أمتح ع آخر مياتح‪.‬‬

‫ع أواخر شهر صفر‪ ،‬خرج ﷺ ملد البأيع ميث يدف اةوتث م أ ل اةدينة اةنووورة ووو وأبووو‬

‫موهيبة و و مود ل رسول ﷺ ‪ ،‬روى اإلمام أمحد ب منبل ع مسندى والدارمي ع سننح ع أع‬

‫موهيبة‪( :‬أن الرسول ﷺ بعةح م جوو ال يل ذات لي ة فأال‪ :‬يا أبا موهيبووة ملين قوود أموورت أن‬

‫استغفر أل ل البأيع فان د معي‪ ،‬يأول أبو موهيبة ريض اهلل عنح‪ :‬فان أت معح‪ ،‬ف وقف بني‬

‫أظهر م قال‪ :‬السالم ع يريم يا أ ل اةأابر‪ ،‬ليه لريم ما أصب تم فيح ووا أصووبح فيووح النوواس)‬

‫أي‪ :‬ما أنتم فيح اآلن أفضل ا يعيش فيح الناس‪ ،‬و ا م قاامون ع يح‪، .‬م قال‪( :‬لو تع مون مووا‬

‫نجاكم اهلل منح‪ ،‬أقب ت الفت كأ ع ال يل اةظ م يتبع أوهلا آخر ا‪ ،‬اآلخرة رش م األود‪ ،‬يأول‬

‫أبو موهيبة ريض اهلل عنح‪، :‬م أقبل عيل ﷺ فأال‪ :‬يا أبا موهيبووة ملين قوود أوتيووت مفوواتيح خووزائ‬

‫‪1123‬‬
‫الدنيا وا د فيها ‪،‬م اجلنة‪ ،‬وخىلت بني ذلك وبني لأاء رع عز وجل واجلنة‪ ،‬فأال أبو موهيبووة‪:‬‬

‫ق ت‪ :‬بثع وأمي فخذ مفاتيح الدنيا وا د فيها ‪،‬م اجلنة‪ ،‬فأال ﷺ ال واهلل يووا أبووا موهيبووة لأوود‬

‫اخرتت رع عز وجل‪، ،‬م استغفر أل ل البأيع وبرش م بأولح‪ :‬ملنا بريم لالمأون‪، ،‬م انوورصو‬

‫ملد بيتح ﷺ )‪.‬‬

‫بداية مرضح ﷺ‬

‫ع اليوم التاسع والعرشي م صفر شهد الرسول ﷺ جنووالة ع البأيووع‪ ،‬وعنوود رجوعووح مو‬

‫البأيع بدأ اةرض الذي مات فيح ﷺ ‪ ،‬وكان يوم األ‪،‬ني أي قبل أسبوعني متام ًا مو وفاتووح ﷺ ‪،‬‬

‫فأد أصابح صداا شديد ع رأسح‪ ،‬وارتفعت ارجة مرارتح جد ًا‪ ،‬متث ربط عصابة عىل رأسووح‪،‬‬

‫وكان الص ابة ريض اهلل عنهم وأرضا م يطعرون باحلرارة مو فووو العصووابة‪ .‬كووان موورض‬

‫النبي ﷺ ع منتهث الطدة‪ ،‬وكانت السيدة عائطة ريض اهلل عنها تطعر ي األخرى بصووداا ع‬

‫رأسها‪ ،‬فأالت‪( :‬وا رأساى‪ ،‬فأال ﷺ ‪ :‬بل أنا وا رأساى)‪ ،‬ولع ها اةرة األود ع مياتح ﷺ التووي‬

‫ال ي تفت فيها ملد مرض السيدة عائطة ريض اهلل عنها؛ لطدة مرضح و ﷺ ‪ ،‬ومع مرور الوقت‬

‫اشتد اةرض برسول اهلل ﷺ ‪ ،‬وكان كعااتح ينتأل كل يوووم مو بيووت لوجووة ملد بيووت أخوورى‪،‬‬

‫ب سب اور ‪ ،‬لرينح مع اشتداا اةرض ع يح أصبح مو الصووعب ع يووح فعو ً‬


‫ال أن ينتأوول بووني‬

‫ملد أن يأوويض اهلل أموور ًا كووان مفعوووالً‪ ،‬فووثراا‬ ‫احلجرات‪ ،‬فثراا ﷺ أن يستأر ع بيت ملموودا‬

‫الرسول ﷺ أن يستأر ع بيت أمب لوجاتح ملد ق بح‪ ،‬السيدة عائطووة بنووت الصووديد ريض اهلل‬

‫عنه ‪ ،‬لرينح است يا ﷺ أن ي ب ذلك م لوجاتح؛ لئال يريرس نفوسووه ‪ ،‬فريووان يأووول ﷺ ‪:‬‬

‫(أي أنا د ًا؟ أي أنا د ًا؟ متث جاء يوم عائطة فسري ﷺ ) ففهم أمهات اةووؤمنني ريض اهلل‬

‫عنح‪ ،‬وم أال ومبه لح أذن لح بالبأاء ميث حيب‪ ،‬فبأي ﷺ ع بيت السيدة عائطة م يوووم‬

‫مخسة م شهر ربيع األول ملد آخر مياتح ﷺ يعني‪ :‬بأي‪ :‬أسبوع ًا كامالً‪.‬‬

‫‪1124‬‬
‫األسبوا األخىل‬

‫ع ذا األسبوا كان ال يأوى ﷺ عىل اةسىل‪ ،‬فريان يت امل عىل الفضل ب عبوواس وعوويل بو‬

‫أع طالب ريض اهلل عنهم أمجعني‪ ،‬وكانت قدماى ختط ع األرض ال يأوى عىل اةيش‪ ،‬وكان ﷺ‬

‫عاصب ًا رأسح‪ ،‬وقوىض ووذا األسووبوا األخووىل كو ذكرنووا ك ووح ع بيووت عائطووة ريض اهلل عنهووا‬

‫وأرضا ا‪ .‬كان ﷺ ال يرياا يتري م ع ذا األسبوا ملال بصووعوبة شووديدة‪ ،‬متووث قالووت السوويدة‬

‫عائطة ريض اهلل عنها‪( :‬ما رأيت رج ً‬


‫ال اشتد ع يح الوجع م رسول اهلل ﷺ )‪ .‬روى البخوواري‬

‫ومس م ع عبد اهلل ب مسعوا ريض اهلل عنح‪( :‬أنح اخل عىل الرسول ﷺ و و يوعووك وعريو ًا‬

‫شديد ًا‪ ،‬فيأول عبد اهلل‪ :‬فمسستح بيدي‪ ،‬فأ ت‪ :‬يا رسول اهلل ملنك لتوعك وعري ًا شديد ًا؟ فأووال‬

‫ﷺ ‪ :‬أجل ملين أوعك ك يوعك رجووالن موونريم‪ ،‬فأ ووت‪ :‬ذلووك أن لووك أجووري ؟ فأووال ﷺ ‪:‬‬

‫أجل)‪، ،‬م قال ﷺ ‪( :‬ما م مس م يصيبح أذى م مرض ف سواى ملال مووط اهلل بووح سوويئات كو‬

‫قط الطجرة ورقها)‪.‬‬

‫قبل الوفاة بخمسة أيام‬

‫ع يوم األربعاء سبعة ربيع أول سنة ملمدى عرشة جريووة قبوول الوفوواة بخمسووة أيووام ارتفعووت‬

‫ارجة مرارة الرسول ﷺ جد ًا‪ ،‬واشتد أمل الرسول ﷺ متث أ مي ع يح أكةوور مو موورة‪ ،‬ف و‬

‫أفا ع ملمدى اةرات أراا أن خيرج ملد اةس مني متث يوصيهم‪ ،‬ف است اا أن يت رك ﷺ ‪.‬‬

‫فأال أل ح‪ ( :‬ريأوا عيل سبع قرب م آبار شتث‪ ،‬متث أخرج ملد النوواس فثعهوود مللوويهم) مو‬

‫شدة احلرارة ال يست يع احلركة في ب منهم أن يصبوا ع يح اةاء فصبوا ع يح اةاء واسووتمروا ع‬

‫ذلك متث طفد يأول ﷺ ‪ :‬مسبريم مسبريم‪ ،‬وشعر عند ذلووك ﷺ بخفووة‪ ،‬فوودخل اةسووجد‬

‫و و معصوب الرأس‪ ،‬وصعد اةنرب والناس جمتمعون مولح فأال‪ :‬لعنة عىل اليهوا والنصووارى‬

‫‪1125‬‬
‫اختذوا قبور أنبيائهم مساجد) وبال بع ذى ملشارة شديدة الوضوح باقرتاب أج ح ﷺ ‪، ،‬ووم ملنووح‬

‫ﷺ عرض نفسح ل أصاص‪ ،‬فأال‪( :‬م كنت ج دت لح ظهر ًا فهذا ظهري ف يستأد منح‪ ،‬ومو‬

‫كنت شتمت لح عرض ًا فهذا عريض ف يستأد منح)‪ .‬يأول ذلك ﷺ و و الذي مل يظ م ع مياتووح‬

‫قط‪ ،‬بل كان اائم التنالل ع مأح‪ ،‬وما ضب لنفسح قط ﷺ ‪ .‬يأووول ذلووك و ووو الووذي كووان‬

‫حيب الرفد ع كل يشء‪ ،‬و و الذي مل يت فظ بف ش وال سوء‪ ،‬وال طع متث ع أشوود مواقووف‬

‫مياتح صعوبة ﷺ ‪.‬‬

‫‪،‬م أوىص ﷺ باألنصار‪ ،‬فأال‪( :‬أوصوويريم باألنصووار؛ فووإهنم كوريش وعيبتووي) أي‪ :‬خاصووتي‬

‫وموضع رسي‪( :‬وقد قضوا الذي ع يهم وبأي الذي هلم‪ ،‬فاقب وا م حمسنهم‪ ،‬وووواولوا عو‬

‫مسيئهم)‪.‬‬

‫‪،‬م قال ﷺ بعد ذلك كالم ًا مؤ‪،‬ر ًا اية التث‪،‬ىل‪ ،‬روى البخاري ع أع سعيد ا وودري ريض اهلل‬

‫عنح وأرضاى ع النبي ﷺ أنح قال‪( :‬ملن عبد ًا خىلى اهلل أن يؤتيح م ل رة الدنيا ما شاء وبني مووا‬

‫عندى‪ ،‬فاختار ما عندى‪ ،‬يأول أبو سعيد ريض اهلل عنووح‪ :‬فبريووث أبووو بريوور وقووال‪ :‬فووديناك ب بائنووا‬

‫وأمهاتنا‪ ،‬فتعجب الص ابة ريض اهلل عنهم م برياء الصووديد ريض اهلل عنووح‪ ،‬قووال أبووو سووعيد‬

‫ا دري‪ :‬فعجبنا لح‪ ،‬قال الناس‪ :‬انظروا ملد ذا الطيخ ‪-‬يأصوودون أبووا بريور الصووديد ‪ -‬خيوورب‬

‫رسول اهلل ﷺ ع عبد خىلى اهلل أن يؤتيح م ل رة الدنيا وبني ما عندى‪ ،‬و ووو يأووول‪ :‬فووديناك‬

‫ب بائنا وأمهاتنا)‪.‬‬

‫مل يدرك الص ابة ع ذى الساعة ومل يتصوروا أن الرسول ﷺ ووو العبوود اةأصوووا بووالتخيىل‪،‬‬

‫ولري الصديد ريض اهلل عنح ب لح م مع مر ف وع م واسع أارك ذلك األمر فبريووث ريض‬

‫اهلل عنح وقال‪( :‬فديناك ب بائنا وأمهاتنا)‪ ،‬يأول أبو سووعيد ‪(:‬فريووان رسووول اهلل ﷺ ووو اةخووىل‬

‫وكان أبو برير أع منا)‪، .‬م قال ﷺ ‪( :‬ملن أم الناس عيل ع ص بتح ومالح أبو بريوور‪ ،‬ولووو كنووت‬
‫‪1126‬‬
‫متخذ ًا خ ي ً‬
‫ال ىل رع الختذت أبا برير خ يالً‪ ،‬ولري أخوة اإلسالم ومواتح‪، ،‬م قووال‪ :‬ال يبأووني‬

‫ووذى الوصووايا اةووؤ‪،‬رة ع ذلووك‬ ‫ع اةسجد باب ملال سد‪ ،‬ملال باب أع برير)‪ .‬ف انتهث ﷺ مو‬

‫اليوم اخل بيتح‪.‬‬

‫قبل الوفاة بثربعة أيام‬

‫ع يوم ا ميع الةام م ربيع أول يعني‪ :‬قبل الوفاة بثربعووة أيووام موودث موقووف ووام‪ ،‬روى‬

‫البخاري ع عبد اهلل ب عباس ريض اهلل عنه ‪( :‬أن الرسووول ﷺ ةووا اشووتد بووح الوجووع قووال‪:‬‬

‫وواب ريض‬ ‫ائتوين بريتاب أكتب لريم كتاب ًا ال تض وا بعدى ‪-‬وع البيت رجال فيهم عمر بو ا‬

‫اهلل عنح وأرضاى‪ -‬فو عمر ريض اهلل عنح أشفد عىل الرسول ع يح والسالم‪ ،‬فأووال‪ :‬ملن النبووي ﷺ‬

‫بح الوجع‪ ،‬مسبنا كتاب اهلل)‪ ،‬عمر ريض اهلل عنح وأرضاى كووان يوورى أنووح ال ااعووي إلر ووا‬

‫الرسول ﷺ بالريتابة‪ ،‬وقد مفظ اهلل عز وجل هلم الأرآن‪ ،‬لري بعض الص ابة اعرتضوا عووىل‬

‫ذلك‪ ،‬وأرااوا أن يريتب هلم الرسول ﷺ الريتاب الذي يريد‪ ،‬فاخت ف أ ل البيت واختصووموا‬

‫وكةر ال غط‪ ،‬وارتفع الصوت‪ ،‬ف و موودث ذلووك قووال ﷺ ‪( :‬قوموووا عنووي وال ينبغووي عنوودي‬

‫التنالا)‪ .‬م الواضح أن الرسول ﷺ مل يري يرى أن كتابة ذا الذي يريد كتابتح أموور واجووب‬

‫و أمر اختياري تأديري؛ ألنح ﷺ عاش بعد ذا أربعة أيام ومل ي ب الريتوواب‬ ‫رضوري‪ ،‬ملن‬

‫مرة أخرى ليريتب‪ ،‬ولو كان رضوري ًا ألمر بح ﷺ ‪ ،‬لري عىل الر م م أن كتابة الريتاب مل تري‬

‫أمر ًا متمي ًا‪ ،‬ملال أنح كان لغرض اإليضاح‪ ،‬وكان فيح خىل ما‪ ،‬لريو منووع اةسو مون ووذا ا ووىل؛‬

‫بسبب اختالفهم وكةرة لغ هم‪ .‬االختالو اوم ًا يمنع كةووىل ًا مو ا ووىل‪ .‬ضو ث الرسووول ﷺ‬

‫لذا ا ىل الذي كانوا سي ص ونح ع سبيل أن يمنع عنهم التنالا‪ .‬ومدهتم كانت مأدمة عنوودى‬

‫عىل ما اوهنا م مصالح‪.‬‬

‫‪1127‬‬
‫ع نفع ذا اليوم ‪ ،‬نية ربيع أول سنة ملمدى عرشة جريووة أوىص ﷺ بووةالث وصووايا‪ :‬قووال‬

‫ﷺ‪( :‬أخرجوا اةرشكني م جزيرة العرب)‪.‬‬

‫والوصية الةانية‪( :‬وأجيزوا الوفد‪ ،‬بن و ما كنت أجيز م بح) أي‪ :‬أع وا الوفد جائزة ك كنووت‬

‫أع يهم‪ ،‬يعني‪ :‬أقرو م وأمسنوا ضيافتهم‪.‬‬

‫أما الوصية الةالةة‪ :‬فنسيها أمد رواة احلديث‪ ،‬واخت ووف الع و ء ع قديوود ا‪ ،‬فبعضووهم قووال‪:‬‬

‫الأرآن‪ ،‬وبعضهم قال‪ :‬وهيز جيش أسامة ب ليد ريض اهلل عنه ‪ ،‬وبعضهم قال‪ :‬الصالة‪.‬‬

‫وكان ﷺ متث ذلك اليوم وبر م مرضح يصيل بالناس كل الص وات‪ ،‬فصىل لم ع ذلك اليوم‬

‫الصبح والظهر والعرص‪ ،‬وبعد ذلك صىل لم اةغرب وقرأ ع اةغرب بو (اةرسالت عرفو ًا) ‪،‬ووم‬

‫عاا ملد بيتح ﷺ وقد ‪،‬أل ع يح اةرض جد ًا‪ ،‬ما قدر عىل أي مركة‪ ،‬فسثل و و شبح ائووب عو‬

‫الوعي ك روى البخاري ع عائطة ريض اهلل عنها‪( :‬أصىل الناس؟‪-‬يأصوود صووالة العطوواء‪-‬‬

‫قال الص ابة‪ :‬ال‪ ،‬م ينتظرونك‪ ،‬فأال ﷺ ضعوا يل ماء ع اةخضب) مريان يغتسل فيووح ﷺ ‪،‬‬

‫أراا اال تسال لتخفيف ارجة احلرارة متث يأوم لتثاية صووالة العطوواء‪ ،‬تأووول السوويدة عائطووة‬

‫ريض اهلل عنها‪( :‬ففع نا‪ ،‬فا تسل فذ ب لينوء ‪-‬أي قام بجهد كبىل ليذ ب ل مسجد‪ -‬فووث مي‬

‫ع يح ﷺ ‪، ،‬م أفا ‪ ،‬فأال ﷺ أصىل الناس؟ ق نا‪ :‬ال يا رسول اهلل‪ ،‬م ينتظرونك‪ ،‬قال‪ :‬ضووعوا‬

‫يل ماء ع اةخضب‪ ،‬قالت‪ :‬فأعد فا تسل ‪،‬م ذ ب لينوء فث مي ع يح‪، ،‬م أفووا ‪ ،‬فأووال‪ :‬أصووىل‬

‫الناس؟ ق نا‪ :‬ال يا رسول اهلل‪ ،‬م ينتظرونك‪ ،‬فأال ل مرة الةالةووة‪ :‬ضووعوا يل موواء ع اةخضووب‬

‫فأعد فا تسل‪، ،‬م ذ ب لينوء فث مي ع يح ل مرة الةالةة‪، ،‬م أفا ‪ :‬فأال‪ :‬أصىل الناس؟ فأ نووا‪:‬‬

‫ال‪ ،‬و م ينتظرونك يا رسول اهلل) أرأيتم احلرص عىل صالة اجل عة‪ ،‬واحلرص عىل الذ اب ملد‬

‫اةسجد مع ذا اةرض الةأيل و ذا اإل ء اةتريرر؟! يا مرستاى عىل أقوووام أصو اء يتخ فووون‬

‫‪1128‬‬
‫ع صالة العطاء و ىل ا م ص وات اجل عة‪ ،‬واةساجد عووىل بعوود خ وووات معوودواات مو‬

‫بيوهتم‪ ،‬وال مول وال قوة ملال باهلل؟!‬

‫بعد ذى اة اوالت اةضنية م رسول اهلل ﷺ أارك أنح ل يست يع ا روج لصووالة اجل عووة‪،‬‬

‫ول مرة األود ع مياتح ﷺ ‪-‬وال يري ف اهلل نفس ًا ملال وسعها‪ -‬مل يست ع أن يت رك‪ ،‬لرينووح مووع‬

‫ذلك كان مريص ًا عىل أمتح متث ع أشد ماالت مرضووح ﷺ ‪ ،‬فو لال يووراا‪( :‬أصووىل النوواس؟‬

‫أصىل الناس؟)‪ .‬تأول عائطة ريض اهلل عنها‪( :‬والناس عريوو ع اةسجد ينتظوورون النبووي ﷺ‬

‫لصالة العطاء اآلخرة)‪ .‬ع ذا الوقت قوورر ﷺ أن ينوووب عنووح واموود مو اةسو مني إلمامووة‬

‫اةس مني ع الصالة‪ ،‬فأال ﷺ ‪( :‬مروا أبووا بريوور ف يصوول بالنوواس) فخافووت السوويدة عائطووة أن‬

‫يتطاءم الناس بثبيها لو وقف مريان الرسول ﷺ فأالت‪( :‬ملن أبا برير رجل أسيف ‪-‬وع روايووة‪:‬‬

‫رقيد‪ ،‬ملذا قرأ بح البرياء) ف أرص ﷺ عىل اختيار أع برير هلذا األموور فثعوواات ع يووح عائطووة‬

‫ريض اهلل عنها وم معها م أمهات اةؤمنني اإلقرتاح بتغيىل أع برير وأهن أرشن بإمامووة عموور‬

‫ريض اهلل عنح‪ ،‬فغضب ﷺ وقال‪( :‬ملنري صوامب يوسف‪ ،‬مووروا أبووا بريوور ف يصوول بالنوواس)‬

‫فصىل أبو برير ريض اهلل عنح بالناس صالة العطاء ل مرة األود ع وجوا الرسووول ﷺ ‪ ،‬وكووان‬

‫ذا اليوم يوم ا ميع الةام م ربيع أول سنة ملمدى عرشة جرية‪.‬‬

‫قبل الوفاة بةال‪،‬ة أيام‬

‫ع يوم اجلمعة‪ ،‬صىل أبو برير مجيع الص وات باةسو مني وخ ووب لووم اجلمعووة ع ذلووك اليوووم‬

‫أيض ًا‪ ،‬ومل يست ع ﷺ احلركة م أ ًا ع ذلك اليوم‪ ،‬وكان ا أوىص بووح ع ذلووك اليوووم مووا رواى‬

‫مس م ع جابر ريض اهلل عنح قال‪( :‬سمعت رسول اهلل ﷺ قبوول موتووح بةال‪،‬ووة أيووام يأووول‪ :‬ال‬

‫يموت أمدكم ملال و و حيس الظ باهلل عز وجل)‪.‬‬

‫‪1129‬‬
‫ع يوم السبت أو األمد العارش أو احلااي عرشم ربيع أول صىل أبووو بريوور مجيووع الصو وات‬

‫بالناس‪ ،‬لري ع أ‪،‬ناء صالة الظهر وأبو برير يصيل بالناس شووعر ﷺ ع نفسووح خفووة‪ ،‬فأوورر أال‬

‫يضيع الفرصة‪ ،‬ف اول أن يصيل مع اجل عة مرة ‪،‬انية‪ ،‬فخرج هيااى بني رج ووني‪ :‬العبوواس بو‬

‫عبد اة ب‪ ،‬وعيل ب أع طالب ريض اهلل عنه ‪ ،‬ورجالى خت ان ع األرض‪ ،‬متث وصال بح ملد‬

‫الصف األول‪ ،‬فريان أبو برير يؤم الناس ع ذلك الوقت‪ ،‬ف أمع أبووو بريوور بأوودوم الرسووول‬

‫ع يح والسالم‪ ،‬أراا أن يتثخر فثومث ملليح النبي ﷺ أن مريانك‪، ،‬ووم أيت بووح ﷺ متووث ج ووع ملد‬

‫جنب أع برير الصديد ريض اهلل عنووح مو ناميووة اليسووار‪ ،‬أي‪ :‬كووان الرسووول ﷺ ع موضووع‬

‫اإلمام‪ ،‬فريان النبي ﷺ يصيل جالس ًا ال يست يع الأيام‪ ،‬وأبو برير يصيل بصالتح‪ ،‬ويرفع صوووتح‬

‫فيصيل الناس بصالة أع برير‪ .‬جمهوا ائل م رسول اهلل ﷺ متث ال يفوت صالة وامدة مووع‬

‫اجل عة و و يست يع‪ ،‬مع أنح قد وصل ملد ذى احلالة التي وصفنا م التعب واةرض واإل ء‪.‬‬

‫قبل يوم م وفاتح ﷺ‬

‫ع يوم األمد احلااي عرش م شهر ربيع أول‪ ،‬يعني‪ :‬قبل الوفوواة بيوووم واموود صووىل أبووو بريوور‬

‫باةس مني كل الص وات‪ ،‬وخت ص ﷺ م كل بأايا الدنيا التووي عنوودى عووىل بسوواطتها وق تهووا‪،‬‬

‫نح‪ ،‬وتصد بسبعة انانىل كانت عندى‪ ،‬وو ب ل مسو مني أسو تح‪ ،‬ومل‬ ‫فثعتد ما تبأث م‬

‫يرتك ع بيتح عند موتح م ال عام ملال الأ يل‪ .‬روى البخاري ومس م ع عائطة ريض اهلل عنهووا‬

‫قالت‪( :‬توع رسول اهلل ﷺ وما ع بيتووي مو يشء يثك ووح ذو كبوود ملال شو ر شووعىل ع رو يل‪،‬‬

‫فثك ت منح متث طال عيل‪ ،‬فري تح ففني)‪ .‬يأول أنع ريض اهلل عنح‪( :‬ما أمسث عند آل حممد ﷺ‬

‫صاا بر وال صاا مب‪ ،‬وملن عندى لتسع نسوة) أي‪ :‬كل بيوتح ﷺ مل يريو فيهووا ال عووام الووذي‬

‫يريفيهم‪.‬‬

‫‪1130‬‬
‫آخر يوم م مياتح ﷺ‬

‫جاء يوم اإل‪،‬نني الةاين عرش م شهر ربيع األول ملمدى عرشة جرية‪ ،‬و و اليوم الووذي شووهد‬

‫أعظم مصيبة ع تاريخ البرشية‪.‬‬

‫يأول أنع ب مالك ريض اهلل عنح‪( :‬ما رأيت يوم ًا قط كان أمسو وال أضوووأ مو يوووم اخوول‬

‫ع ينا فيح ﷺ يوم أن اجر م مرية ملد اةدينة‪ ،‬وما رأيت يوم ًا كووان أقووبح وال أظ ووم مو يوووم‬

‫مات فيح رسول اهلل ﷺ )‪ ،‬وشتان بني بداية ذا اليوم وبني هنايتح‪ ،‬فثول ذا اليوم صىل أبو برير‬

‫ريض اهلل عنح وأرضاى صالة الصبح بالناس‪ ،‬وكانت ذى الصووالة ووي السووابعة عوورشة التووي‬

‫يص يها أبو برير بالناس ع وجوا الرسول ﷺ ‪.‬‬

‫يأول أنع ريض اهلل عنح‪( :‬كان أبو برير يصيل بنا ع وجع النبي ﷺ الذي توووع فيووح‪ ،‬متووث ملذا‬

‫كان يوم اإل‪،‬نني و م صفوو ع الصالة‪ ،‬كطف النبي ﷺ سرت مجوورة عائطووة ريض اهلل عنهووا‬

‫ينظر مللينا‪ ،‬ونظر ملد الص ابة ريض اهلل عنهم وأرضا م ‪،‬م تبسم يض ك ﷺ ) سعيد برؤيتهم‬

‫و م يص ون جمتمعني وراء أع برير الصديد ريض اهلل عنح‪ .‬يأول أنع (فهممنووا أن نفتووت مو‬

‫الفرح برؤية النبي ﷺ ‪ ،‬فنريص أبو برير عىل عأبيح ليصل الصف‪ ،‬وظ أن النبووي ﷺ يريوود أن‬

‫خيرج ملد الصالة‪ ،‬فثشار النبي ﷺ أن أمتوا صالتريم‪، ،‬م اخل احلجرة وأرخث السرت)‪.‬‬

‫مل يست ع ﷺ أن يصيل معهم‪ ،‬ومل يثت ع يح ع الدنيا صالة أخرى ﷺ ‪ ،‬ةا ارتفع الض ث مو‬

‫ذلك اليوم اعا ﷺ ابنتح فاطمة ريض اهلل عنها‪، ،‬م أرس ع أذهنا أمر ًا فبريت بريووا ًء شووديد ًا ريض‬

‫اهلل عنها وأرضا ا‪ ،‬قال هلووا‪( :‬ال أرى األجوول ملال قوود اقوورتب فوواتأي اهلل واصووربي؛ فووإين نعووم‬

‫الس ف أنا لك‪ ،‬ف رأى ﷺ برياء ا قال‪ :‬يا فاطمة أال ترضني أن تريوين سيدة نساء اةووؤمنني‪،‬‬

‫فض ريت ريض اهلل عنها وأرضا ا)‪ ،‬وع رواية‪( :‬أنح برش ا بثهنا أول أ ل بيتح حلوقو ًا بووح ﷺ )‬

‫‪1131‬‬
‫لري السيدة فاطمة ريض اهلل عنهووا كانووت تطووا د األمل واةعانوواة التووي يطووعر لووا احلبيووب ﷺ‬

‫فدفعها ذلك ملد أن تأول‪( :‬وا كرب أبوواى) فأووال ﷺ ‪( :‬لوويع عووىل أبيووك كوورب بعوود اليوووم)‪،‬‬

‫وصد ﷺ كيف يطعر بالريرب م رأى مأعدى م اجلنة و و مي عىل وجووح األرض؟! فأوود‬

‫كان الرسول ﷺ يأول قبل أن يمرض‪( :‬ملنح مل يأبض نبي متث يرى مأعدى م اجلنة‪، ،‬م خيووىل)‬

‫أي‪ :‬خيىل بني اةوت‪ ،‬وبني البأاء ع الدنيا‪.‬‬

‫تأول السيدة عائطة ريض اهلل عنها‪( :‬ةا نزل بح ورأسح عىل فخذي يش ع يح سوواعة ‪،‬ووم أفووا ‪،‬‬

‫فثشخص برصى ملد السأف) أي‪ :‬نظر ملد السأف وكثنح يرى مأعدى م اجلنووة‪ ،‬وكثنووح يعوورض‬

‫ع يح التخيىل ع ذى ال ظة‪، ،‬م قال‪( :‬ال هم الرفيد األعىل) فاختار لأاء اهلل عز وجوول‪ ،‬تأووول‬

‫السيدة عائطة ريض اهلل عنها‪( :‬ملذ ًا ال خيتارنا‪ ،‬وعرفت أنح احلديث الووذي كووان حيود‪،‬نا بووح و ووو‬

‫ص يح) أي‪ :‬أنح ﷺ كان أخرب م بالتخيىل‪.‬‬

‫واقرتبت ال ظات األخىلة م مياتح ﷺ و و يريد أن ينصح أمتووح متووث آخوور أنفاسووح ﷺ ‪،‬‬

‫فريانت عامة وصية الرسول ﷺ مني مرضى اةوت‪( :‬الصالة الصالة‪ ،‬ومووا م ريووت أي نريووم‪،‬‬

‫الصالة الصالة‪ ،‬وما م ريت أي نريم‪ ،‬متث جعل ﷺ يغر ر لا صدرى‪ ،‬ومووا يريوواا يفوويض لووا‬

‫لسانح)‪ .‬يويص الرسول ﷺ يويص ب وواجتني ع ايووة األ يووة‪ ،‬األود‪ :‬الصووالة‪، ،‬ووم كووذلك‬

‫يويص بالرقيد والعبيد ا م ريت أي نريم‪ ،‬وجيمع بينه ‪ ،‬لريي يؤكد عىل وجوووب اإلمسووان ملد‬

‫الرقيد‪.‬‬

‫يروي البخاري أن السيدة عائطة ريض اهلل عنها كانت تأول‪( :‬ملن م نعم اهلل عيل أن رسول اهلل‬

‫ﷺ توع ع بيتي وع يومي‪ ،‬وبني س ري ون ري) الس ر و الصدر أو الرئووة‪ ،‬والن وور ووو‬

‫الرقبة‪ .‬أي‪ :‬كان الرسول ﷺ يسند رأسح عىل صدر ورقبة السوويدة عائطووة ريض اهلل عنهووا‪، ،‬ووم‬

‫تريمل عائطة ريض اهلل عنها وتأول‪( :‬وملن اهلل مجع بووني ريأووي وريأووح عنوود موتووح) اخوول عبوود‬
‫‪1132‬‬
‫الرمح ب أع برير وبيدى السواك‪ ،‬وأنا مسندة رسول اهلل ﷺ ‪ ،‬فرأيتح ينظوور ملليووح‪ ،‬وعرفووت أنووح‬

‫حيب السواك‪ ،‬فأ ت آخذى لك؟ فثشار برأسح أن نعم‪ ،‬فتناولتح‪ ،‬فاشتد ع يح‪ ،‬وق ت‪ :‬ل رسووول‬

‫ﷺ ‪ ،‬مل يست يع م صالبة السواك اجلاو أن حيركح بني أسنانح ﷺ فأالت السيدة ألينووح لووك؟‬

‫فثشار برأسح أن نعم‪ ،‬ف ينتح‪ .‬فثمرى‪ -‬وع رواية‪ :-‬أنح است بح كثمس ما كان مستن ًا‪ ،‬وبني يديح‬

‫ركوة فيها ماء‪ ،‬فجعل يدخل يديح ع اةاء‪ ،‬فيمسح ل وجهح‪ ،‬يأول‪ :‬ال مللح ملال اهلل‪ ،‬ملن ل موووت‬

‫سريرات‪ ،‬ملن ل موت سريرات) متث عىل رسول اهلل ﷺ ‪ ،‬و و أمب ا د ملد اهلل عووز وجوول‪:‬‬

‫(ملن ل موت سريرات‪ ،‬وةا فرغ رسول ﷺ م السواك رفع يدى أو ملصووبعح وشووخص ببوورصى‬

‫ن و السأف‪ ،‬وقركت شفتاى بري ت يتمتم ل بصوت منخفض‪ ،‬فثصغت ملليح عائطووة ريض‬

‫اهلل عنها و و يأول‪ :‬مع الذي أنعمت ع يهم م النبيووني والصووديأني والطووهداء والصوواحلني‪،‬‬

‫ال هم ا فر يل وارمحني‪ ،‬وأحلأني بالرفيد األعىل‪ ،‬ال هم الرفيد األعىل‪ ،‬ال هووم الرفيوود األعووىل‪،‬‬

‫ال هم الرفيد األعىل‪، ،‬م مالت يدى وحلد بالرفيد األعىل) مات رسول اهلل ﷺ وملنا هلل وملنا ملليووح‬

‫راجعون‪.‬‬

‫تفاقم األمزان عىل الص ابة‬

‫أظ مت مدينة رسول اهلل ﷺ ‪ ،‬وكان رسول اهلل ع يح السالم قد نور ا يوووم اخ هووا‪ ،‬فت ولووت‬

‫م يةرب ملد اةدينة اةنورة‪ ،‬واآلن أظ مت نفع اةدينة يوم مات احلبيب ﷺ ‪ ،‬وكان موتح فتنووة‬

‫مأيأة لألمة اإلسالمية‪.‬‬

‫اض رب اةس مون اض راب ًا شديد ًا متث ذ ل بعضهم ومل يست ع التفريىل‪ ،‬وقعوود بعضووهم ومل‬

‫يست ع الأيام‪ ،‬وسريت بعضهم ومل يست ع الريالم‪ ،‬وأنرير بعضهم ومل يست ع التصديد‪.‬‬

‫‪1133‬‬
‫موقف عمر م خرب موتح ﷺ‬

‫روى البخاري ع عائطة ريض اهلل عنها‪( :‬أن رسول اهلل ﷺ مووات وأبووو بريوور بالسوونح‪ ،‬فأووام‬

‫عمر ريض اهلل عنح وأرضاى‪ ،‬يأول‪ :‬واهلل ما مات رسول اهلل ﷺ ) كان يعتأد متام ًا بعوودم موتووح‪،‬‬

‫متث ملنح يأول ع رواية أخرى‪( :‬واهلل ما كان يأع ع نفيس ملال ذاك) أي‪ :‬أنني كنت ال أعتأد ملال‬

‫أنح مل يمت فعالً‪، ،‬م قال عمر ريض اهلل عنح‪( :‬وليبعةنووح اهلل عووز وجوول ف وويأ ع أيوودي رجووال‬

‫وأرج هم يزعمون أنح مات)‪ ،‬ويأول ع رواية‪( :‬ملن رجاالً م اةنافأني يزعمون أن رسووول اهلل‬

‫ﷺ قد مات‪ ،‬وملن رسول اهلل ﷺ ما مات‪ ،‬لري ذ ب ملد ربح ك ذ ووب موسووث بو عمووران‪،‬‬

‫فغاب ع قومح أربعني لي ة ‪،‬م رجع ملليهم بعد أن قيل‪ :‬قد مات)‪.‬‬

‫و عمر‪ .‬يأول ﷺ و ووو يت وودث‬ ‫كان ذا موقف عمر ريض اهلل عنح وأرضاى‪ ،‬وما أاراك م‬

‫ع أص ابح ويصف أص ابح قال‪( :‬وأشد م ع أمر اهلل عمر)‪ .‬ذى و أ‪،‬ر اةصوويبة عووىل أشوود‬

‫الص ابة ع أمر اهلل عز وجل‪ .‬انظروا ملد موقف عمر ريض اهلل عنح وأرضاى؛ لتع موا عظم أ‪،‬وور‬

‫اةصيبة عىل الص ابة ريض اهلل عنهم أمجعني‪.‬‬

‫موقف أع برير الصديد م خرب موتح ﷺ‬

‫ظل اةس مون عىل ذى احلال يتمنون صد كالم عمر ريض اهلل عنح‪ ،‬متث جاء الصووديد ريض‬

‫اهلل عنح‪ ،‬واخل مرسع ًا ملد بيت الرسول ﷺ ‪ ،‬بيت ابنتح عائطة ريض اهلل عنهووا‪ ،‬فوجوود رسووول‬

‫وا وجهح‪ ،‬فريطف ع وجهح‪ ،‬ف أارك احلأيأة اةوورة أن رسووول اهلل‬ ‫اهلل ﷺ عىل فراشح قد‬

‫ﷺ قد مات‪ ،‬بريث الصديد ريض اهلل عنح وأرضاى برياء مر ًا؛ ألن الرسول ﷺ كان بالنسووبة لووو‬

‫أع برير كل يشء‪ ،‬مل يري رسوالً فأط بالنسبة لووح‪ ،‬لريو كووان صووامب ًا وموووط رس‪ ،‬ومووبرش ًا‬

‫وم مئن ًا‪ ،‬ولوج ًا البنتح‪ ،‬ورئيس ًا لدولتح‪ ،‬و ااي ًا ل ريأح‪ ،‬كان كل يشء‪ ،‬ومع كل ذلك أنزل اهلل‬

‫‪1134‬‬
‫عز وجل عيل الصديد ‪،‬بات ًا عجيب ًا‪ ،‬لو مل يري لح م اةواقف ع اإلسالم ملال ذا اةوقووف لريووان‬

‫كافي ًا عىل عظمتح ريض اهلل عنح وأرضاى‪.‬‬

‫فثكب الصديد ريض اهلل عنح وأرضاى عىل مبيبح ﷺ فأب ح ع جبهتح‪، ،‬م قووال و ووو يضووع يوودى‬

‫عىل صد ي الرسول ﷺ ‪( :‬وا نبياى‪ ،‬وا خ يالى‪ ،‬وا صفياى)‪، ،‬م متاسك قائ ً‬
‫ال (بثع أنووت وأمووي‬

‫طبت مي ًا وميت ًا‪ ،‬والذي نفيس بيدى ال يذيأك اهلل عز وجل اةوتتني أبد ًا‪ ،‬أما اةوتووة التووي كتبووت‬

‫ع يك فأد متها)‪، ،‬م أرسا ريض اهلل عنح وأرضاى خارجو ًا ملد النوواس‪ ،‬فوجوود عموور يأووول مووا‬

‫يأول‪ ،‬ويأسم عىل أن الرسول ﷺ ما مات‪ ،‬فأال‪( :‬أهيا احلالف عىل رس ك)‪ ،‬وع رواية قووال‪:‬‬

‫(اج ع يا عمر)‪ ،‬لري عمر مل يري يسمع شيئ ًا‪ ،‬فرتكح أبو برير الصديد ريض اهلل عنح واوووح ملد‬

‫الناس‪ ،‬فثقبل الناس ع يح وتركوا عمر‪ ،‬فخ ب فيهم خ بتح اةطهورة اةوفأة‪ ،‬التي تعتوورب عووىل‬

‫ب ع تاريخ البرشية‪، .‬بت اهلل عز وجل لا أمة كاات أن تضل‪ ،‬وأوشريت‬ ‫قرص ا م أ م ا‬

‫أن تفت ‪.‬قال ريض اهلل عنح وأرضاى ع مزم بعد أن محوود اهلل وأ‪،‬نووث ع يووح‪( :‬أال مو كووان يعبوود‬

‫حممد ًا ﷺ فإن حممد ًا قد مات‪ ،‬وم كان يعبد اهلل فإن اهلل مي ال يموت)‪.‬‬

‫ينبح الصديد بفأح عميد عىل مأيأة األمر‪ ،‬ويضعح ع مجمح ال بيعي‪ ،‬فرب م عظم اةصوويبة ملال‬

‫أهنا ال جيب أبد ًا أن خترج اةس مني ع شعور م وع مريمتهم وع ملي هنم‪ ،‬ف أيأة األمر أن‬

‫رسول اهلل ﷺ برش‪ ،‬ومأيأة األمر أن البرش مجيع ًا يموتون‪ ،‬ومأيأة األمر أننا ما عبوودناى حلظووة‬

‫وامدة‪ ،‬ولريننا مجيع ًا عبدنا معح رب العاةني سووب انح وتعوواد‪ ،‬واهلل مووي ال يموووت‪ ،‬ال ااعووي‬

‫لالختالط‪ ،‬وال ااعي ل فتنة‪ ،‬وال ااعي لالض راب‪ ،‬وما موودث أموور متوقووع‪ ،‬وربنووا مووي ال‬

‫يموت‪ ،‬و و الذي سيجزينا عىل صربنا ويعاقبنا عىل جزعنا‪.‬‬

‫‪،‬م قرأ الصديد ريض اهلل عنح وأرضوواى ع تو‪،‬يوود عجيووب آيووة مو سووورة آل عمووران‪ ،‬تووبرص‬

‫اةس مني باحلأيأة كام ة‪ ،‬وتعرفهم متام ًا ب جيب ع يهم واى ذا األمر‪ .‬قوورأ الصووديد ريض اهلل‬
‫‪1135‬‬
‫الرسل أفإي ْ مات أ ْو قتل انْأ ْبوت ْم عوىل أ ْعأوابري ْم‬
‫عنح‪{ :‬وما حممد ملال رسول قدْ خ ْت م ْ ق ْب ح ُّ‬
‫ب عىل عأب ْيح ف ْ يرض اهلل ش ْي ًئا وسي ْجزي اهلل الطاكري } [آل عمران‪.]144:‬‬
‫وم ْ ينْأ ْ‬

‫يأول اب عباس ريض اهلل عنه ‪( :‬واهلل لريثن الناس مل يع موا أن اهلل عز وجل أنزل ووذى اآليووة‬

‫متث تال ا أبو برير‪ ،‬فت أا ا الناس ك هم‪ ،‬ف أسمع برش ًا م الناس ملال يت و ا)‪.‬‬

‫ع ذى ال ظة أارك الناس مأيأة أن رسول اهلل ﷺ قد مات‪ .‬أخرجت ووذى اآليووة الريريمووة‬

‫اب ريض اهلل عنووح وأرضوواى‪:‬‬ ‫اةس مني م أو ام األمالم ملد مأيأة اةوت‪ .‬يأول عمر ب ا‬

‫(واهلل ما و ملال أن سمعت أبا برير تال ا فعأرت‪ ،‬متث مووا تأ نووي رجووالي‪-‬أي سووأ ت عووىل‬

‫األرض‪ -‬ومتث أ ويت ملد األرض مني سمعتح تال ا‪ ،‬وع مت أن النبي ﷺ قد مات‪ .‬عموور‬

‫العمال ريض اهلل عنح وأرضاى مل يت مل اةصيبة‪ ،‬فسأط مغطي ًا ع يووح‪ ،‬وارتفووع البريوواء ع كوول‬

‫أن اء اةدينة‪ .‬قال أبو ذؤيب اهلذيل ريض اهلل عنح‪( :‬قوودمت اةدينووة وأل هووا ضووجيج بالبريوواء‪،‬‬

‫كضجيج احلجيج أ وا مجيع ًا باإلمرام‪ ،‬فأ ت‪ :‬مح؟ موواذا مصوول؟ فأووالوا‪ :‬قووبض رسووول اهلل‬

‫ﷺ) ‪.‬‬

‫أ‪،‬رت اةصيبة تث‪،‬ىل ًا شديد ًا عىل أم اةؤمنني عائطة ريض اهلل عنها‪ ،‬فريانت تأول‪( :‬مووات رسووول‬

‫اهلل ﷺ بني س ري ون ري‪ ،‬وع اولتي مل أظ ووم فيووح أموود ًا‪ ،‬فمو سووفهي ومدا‪،‬ووة سووني أن‬

‫رسول اهلل ﷺ قبض و و ع مجري‪ ،‬فوضعت رأسح عىل وسااة وقمووت ألتوودم) أي‪ :‬أرضب‬

‫صدري ووجهي مع النساء‪ .‬مصيبة كبىلة أخرجت معظم احلري ء ع مريمتهم‪ ،‬لري احلمد هلل‬

‫الذي م عىل ذى األمة بووو الصووديد ريض اهلل عنووح وأرضوواى‪ ،‬فةبووت اهلل عووز وجوول بووح األمووة‬

‫بريام ها‪ ،‬وبدأت األمة ع أخذ خ وات عم ية ل خروج م األلمة اهلائ ة‪.‬‬

‫‪1136‬‬
‫ما بعد وفاة رسول اهلل ﷺ‬

‫كان أمام اةس مني أمران ع اية األ ية‪ ،‬ال بد م مسمه برسعة‪ ،‬و ا‪:‬‬

‫م ييل أمور اةس مني بعد وفاة الرسول ﷺ ؟ فهووذى اولووة كووربى اآلن ال بوود هلووا مو لعامووة‪،‬‬

‫وبر م فدامة اةصاب ملال أن واقعية الص ابة متمت ع يهم أن خيتاروا م بينهم م حيريمهووم‬

‫بعد رسول اهلل ﷺ‪ .‬اجتمع الص ابة ع سأيفة بني ساعدة وبعد مطاورات ومداوالت اختاروا‬

‫الصديد ريض اهلل عنح وأرضاى‪، ،‬اين ا‪،‬نني‪ ،‬والصامب األول لرسول اهلل ﷺ ‪ ،‬وأع م الص ابة‬

‫وأتأث الص ابة وأفأح الص ابة ريض اهلل عنهم وأرضا م أمجعني‪ ،‬وقد فص نا كةىل ًا ذا األموور‬

‫عندما تري منا ع الصديد ريض اهلل عنح وأرضاى ع جمموعة اة ارضات ا اصة بح‪.‬‬

‫أما األمر الةاين فهو قضية تغسيل وتريفني واف الرسول ﷺ ‪ ،‬فهي قضية مساسة جد ًا وحمىلة‪،‬‬

‫وم الأضايا األود التي سيثخذ فيها الص ابة ريض اهلل عنهم قوورار ًا ع يوواب الرسووول ﷺ ‪.‬‬

‫ناك م األمريام الفأهية ما قد يريون خاص ًا بح ﷺ ‪ ،‬و ناك مووا قوود يريووون عامو ًا عووىل عموووم‬

‫اةس مني‪.‬‬

‫أما الغسل جلسدى الرشيف فأد امتار الص ابة ع أمرى‪ ،‬قالوا‪ :‬واهلل ما ندري أنجرا رسول اهلل‬

‫ﷺ م ‪،‬يابح ك نجرا موتانا‪ ،‬أم نغس ح وع يح ‪،‬يابح؟ ف اخت فوا ألأووث اهلل عووز وجوول ع وويهم‬

‫النوم‪ ،‬متث ما منهم رجل ملال ورأسح عىل صدرى‪، ،‬م ك مهم متري م م ناميووة البيووت ال يوورون‬

‫و‪( :‬أن ا س وا النبي ﷺ وع يح ‪،‬يابح)‪ ،‬فأاموا ملد الرسول ﷺ فغسو وى وع يووح قميصووح‪،‬‬ ‫م‬

‫يصبون اةاء م فو الأميص‪ ،‬ويدلريونح بالأميص اون أيدهيم‪ .‬ذا مديث ص يح رواى أبو‬

‫ااوا وأمحد واب مبان واحلاكم واب ماجة والبيهأي ‪ ..‬و ىل م‪.‬‬

‫‪1137‬‬
‫قام بعم ية الغسل جمموعة م الص ابة معظمهم م آل البيت‪.‬كان عوويل بو أع طالووب ريض‬

‫اهلل عنح يغس ح‪ ،‬وأسامة ب ليد وشأران مود الرسووول ﷺ يصووبان اةوواء‪ ،‬والعبوواس بو عبوود‬

‫اة ب عم النبي ﷺ وولداى قةم والفضل يأ بونح‪ ،‬وأوس ب خويل األنصاري ريض اهلل عنووح‬

‫وأرضاى يسندى عىل صدرى‪، ،‬م بعد ذلك كف ﷺ ع ‪،‬ال‪،‬ة أ‪،‬واب ي نية مو ق و ‪ ،‬لوويع فيهووا‬

‫قميص وال ع مة‪ .‬كان ذا الغسل والتريفني ع صووباح يوووم الةال‪،‬وواء الةالووث عرشو مو ربيووع‬

‫األول‪ ،‬وكان الص ابة ع ذا اليوم مطغولني بأضية االستخالو‪.‬‬

‫بعد الغسل والتريفني وضعوا الرسول ﷺ عىل فراشووح‪، ،‬ووم بوودءوا ع الصووالة ع يووح‪ ،‬واخوول‬

‫الناس أرساالً؛ كانوا يدخ ون عوورشة عوورشة‪ ،‬صووىل ع يووح أوالً أ وول البيووت‪ ،‬أ وول بيتووح ﷺ‬

‫وعطىلتح‪، ،‬م اةهاجرون‪، ،‬م األنصار‪، ،‬م بأية الرجال ع اةدينووة‪، ،‬ووم اخ ووت النسوواء فصو ت‬

‫ع يح‪، ،‬م بعد ذلك الصبيان‪ ،‬متث صىل ع يح مجيع م باةدينة م اةؤمنني‪.‬‬

‫‪،‬م كانت بعد ذلك قضية الدف ‪ ،‬واخت ف الصو ابة ع مريووان الوودف وع كيفيتووح‪ .‬أمووا مريووان‬

‫الدف فأد قال بعضهم‪ :‬يدف ع مسجدى‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬يوودف مووع أصو ابح ع البأيووع فأووال‬

‫الصديد ريض اهلل عنح وأرضاى ملين سمعت رسول اهلل ﷺ يأول‪( :‬ما قبض نبي ملال اف ميووث‬

‫يأبض) فأرروا أن يوودفنوى ﷺ ع اةريووان الووذي مووات فيووح ع مجوورة عائطووة ريض اهلل عنهووا‬

‫وأرضا ا‪.‬‬

‫ل يطد لح ع قربى أم ي د؟ عىل أن ي دوا لح‪،‬‬ ‫أما ع كيفية الدف فأد اخت فوا أيض ًا ع الدف‬

‫فجاء أبو ط ة األنصاري ريض اهلل عنووح وأرضوواى ورفووع فووراش الرسووول ﷺ ومفوور قووت‬

‫الفراش ال د الذي سيدف فيح الرسول ﷺ ‪ ،‬وع لي ة األربعاء بدأ الصو ابة ريض اهلل عوونهم‬

‫وأرضا م ع ملنزال رسول اهلل ﷺ ع قربى‪ .‬نزل ع قربى عيل ب أع طالب والفضل ب العبوواس‬

‫‪1138‬‬
‫وقةم ب عباس ‪ ،‬وشأران مود الرسول ﷺ ريض اهلل عنهم أمجعني‪ ،‬وقيل‪ :‬نزل معهم عبد اهلل‬

‫ب عوو وقيل‪ :‬أوس ب خويل ‪.‬‬

‫بعد أن وضع ﷺ ع قربى أ الوا ع يووح الوورتاب‪ ،‬لتغ وود أ ووم صووف ة مو صووف ات التوواريخ‬

‫البرشية‪ .‬مل يصد الص ابة أنفسهم م كوهنم يعيطون ع احلياة بدون رسووول اهلل ﷺ ‪ ،‬ومو‬

‫كوهنم يمطون عىل األرض و و يرقد قتها ﷺ ‪ .‬يأول أنع ب مالك ‪( :‬وةا نفضنا ع رسول‬

‫اهلل ﷺ األيدي‪ ،‬وملنا لفي افنح متث أنريرنووا ق وبنووا)‪ .‬الأ وووب وكثهنووا ليسووت الأ وووب‪ ،‬كووان‬

‫الرسول ﷺ يمد ا بنور و دى وأمان ورامة واطمئنان‪.‬اآلن فأ وبنا ليست ي الأ وب التي‬

‫كانت يوم كان ﷺ مي ًا بني أظهرنا‪.‬‬

‫تأول السيدة فاطمة ريض اهلل عنها وأرضا ا‪ ،‬ك جاء ع البخاري ‪( :‬يا أنع ! أطابت أنفسووريم‬

‫أن قةوا عىل رسول اهلل ﷺ الرتاب ؟)‪ .‬مو اةؤكوود أن نفوسووهم مل ت ووب بووذلك‪ ،‬لريو موواذا‬

‫يفع ون؟ قدر كتبح اهلل عز وجل عىل كل عبااى‪ ،‬وال راا لأضائح‪ ،‬وملنا هلل وملنا ملليح راجعون‪.‬‬

‫لعل اليشء الوميد الذي كان يصرب الص ابة عىل فرا الرسول ﷺ أهنم كانوا عىل موعد معح‬

‫يوم الأيامة‪ ،‬فأد كان ﷺ يأول قبل أن يموت‪( :‬موعدكم احلوض) والص ابة ريض اهلل عنهم‬

‫وأرضا م مل يري أم هم فأط ال أاء عند احلوض‪ ،‬ولري كان أم هم مرافأة النبي ﷺ ع اجلنة‪،‬‬

‫مع الفار اهلائل بني عم ح ﷺ وبني أع هلم‪ ،‬فأد جاء ع البخاري ومس م ع أنع ب مالك‪:‬‬

‫(جاء رجل ملد الرسول ﷺ وسثلح ع الساعة‪ ،‬فأال‪ :‬متث الساعة؟ فأال ﷺ ‪ :‬وماذا أعوودات‬

‫هلا؟ قال‪ :‬ال يشء ملال أين أمب اهلل ورسولح‪ ،‬فأال ﷺ ‪ :‬أنت مع م أمببت‪ .‬يأووول أنووع ‪ :‬فو‬

‫‪1139‬‬
‫فرمنا بيشء فرمنا بأول النبي ﷺ ‪ :‬أنت مع م أمببت‪ ،‬فثنا أمب النبي ﷺ وأبا برير وعمر ‪،‬‬

‫وأرجو أن أكون معهم ب بي مليا م‪ ،‬وملن مل أعمل بمةل أع هلم) ‪.‬‬

‫كان الص ابة يعيطون عىل أمل ال أاء مع احلبيب ﷺ ع اجلنة‪ ،‬و ذا الذي افعهووم بعوود ذلووك‬

‫الستأبال اةوت بنفع راضية‪ ،‬متث رأينا بالالً ريض اهلل عنح و و عووىل فووراش اةوووت سووعيد ًا‬

‫فرم ًا بثنح سيموت؛ ألنح سيأابل مبيبح ﷺ ‪ ،‬يأول بالل ريض اهلل عنح وأرضاى عند موتووح‪ :‬وود ًا‬

‫ألأث األمبة‪ ،‬حممد ًا وص بح‪ .‬ذا الذي أسعد فاطمة ريض اهلل عنها وأرضووا ا بنووت الرسووول‬

‫ﷺ ‪ ،‬متث ض ريت؛ ألهنا أول م سيموت م آل الرسووول ﷺ ‪ ،‬ولووذلك سوورتاى قريبو ًا بعوود‬

‫موهتا‪ .‬و ذا الذي جعل أنس ًا ريض اهلل عنح وأرضاى اائم التذكر لرسول اهلل ﷺ ‪ ،‬متث ملنح كووان‬

‫يأول‪( :‬قل لي ة تثيت عيل ملال وأنا أرى فيها خ ييل ﷺ )‪.‬‬

‫خالصة الأول‪ :‬أن الرسووول ﷺ قوود فووار بجسوودى الوودنيا‪ ،‬ملال أن الصو ابة ريض اهلل عوونهم‬

‫وأرضا م كانوا يعيطون معح اائ ً بثفريار م وعواطفهم وع مواقفهم اةخت فة‪ ،‬بل وع نووومهم‬

‫وأمالمهم‪ ،‬و ذا الذي صرب م عىل فرا احلبيب‪ ،‬وملال فم يصرب عىل فرا رسول اهلل ﷺ ‪.‬‬

‫ونسثل اهلل عز وجل ك آمنا برسولنا ﷺ ومل نرى أن حيرشنا ع لمرتح‪ ،‬وأن جيمع بيننا وبينح عووىل‬

‫موضح فيسأينا بيدى الرشيفة رشبة نيئة مريئة ال نظمث بعد ا أبد ًا‪ ،‬ال هم آمني‪.‬‬

‫‪1140‬‬
‫‪46‬‬

‫خامتة السرية‬

‫ملن الصعب عىل النفس أن نتحدث عن خامتةةل لريةةةفإن أةةسن أنفةةةنا ةةد اعريكةةا اعريكةةا ةةفا‬

‫باحلديث عن رسولنا ﷺ ؛ أحديثنا عنه ان أسعد حديثن وادبرنا لةةةفاه ةةان أدةة‪ ،‬اةةدبرن‬

‫عةةىل اةةظي الةةةفإ الع ت ةةلن‬ ‫واستفادانا انا أ ىص استفادإن لكن ال بةةد ةةن اعريتةةي ختةةا‬

‫وعزاؤنا أن اظا لن يكون ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬آخر حديثنا عن ح ت نةةا ﷺ ن بةة‪ ،‬سةةتتواد بعةةد لة‬

‫دراسات ودراسات اتناول جوانب شتى ن حتااه ﷺ ‪.‬‬

‫إن سفاه انا ثاال حيتظى به يف ‪ ،‬يشءن انا ثاال لريفرد واجلامعةةلن ثةةاال واملةةمل املعةةا‬

‫لري جت عات الصغفإ والك فإ ل ناء األ من أكد استطاع ﷺ باملنهج الرباين الظي أوحة إلتةةه‬

‫أن ي ن أ ل ن ال يشءن وأن جي ع العرب والعجم عىل ديةةن واحةةد و ةةدأ واحةةدن وأن يكةةتم‬

‫حضارإ استحال عىل الز ان أن جيود ب ثريها‪.‬‬

‫بعث ﷺ يف أ ل فر ل شتتلن أشا أتها ال ريمن واعةةددت أتهةةا اةةور ال اثةة‪،‬ن و ثةةرت أتهةةا‬

‫اآلثام والرشورن ومتكن أتها املتكةةنون واملتجةةنونن أ ةةدأ يف أنةةاإ عجت ةةل واةةن را ةةع يغةةف‬

‫األوملاعن يعدل ن املةارن يكوم املعوجن يوململ الطريين يك ‪ ،‬األخالقن ا ارك عروأةةا إال‬

‫وأ ر بهن وال نكرا إال وهنى عنه‪ .‬ثريكه يكن سهالن ب‪ ،‬ان ريتئا بالصعاب واألشواكن أكد‬

‫‪1141‬‬
‫عارمله الكثفونن وحاربه الكريب وال عتدن حتى حاربته عشفاه و او ه أاريهن و ةةع اةةظا ةةا‬

‫النا له ناإن و ا أرتت له عزي ل ﷺ ‪.‬‬

‫ر ﷺ يف بنا ه أل ته ب راح‪ ،‬حمددإ ال بد أن متر هبا ‪ ،‬أ ل لك ا نىن و ان لةةه سةةنل ثابتةةل يف‬

‫‪ ،‬رحريل‪.‬‬

‫رحريل اإلعداد‬

‫ر هبا ﷺ اس تها‪ :‬رحريل اإلعدادن اظي املرحريل بدأت نظ نزول الةةوح ن‬ ‫املرحريل األود الت‬

‫واست رت حوايل مخس عرشإ سنل ن حتااه ﷺ ن وا أرتإ بكا ه يف كل وسةةنتم ةةن املدينةل‬

‫املنورإ إد ت‪ ،‬و عل بدر‪ .‬يف اظي الفةةرتإ بةةدأ ﷺ بانتكةةاء األأةةراد الصةةاحلم حل ةة‪ ،‬األ انةةل‬

‫الثكتريلن ونجمل ﷺ يف اربتتهم وإعدادام هلظي امله ل الضخ ل؛ ه ل محةة‪ ،‬الةةدين اإلسةةال ن‬

‫لتس أكط إد أا‪ ،‬كل أو إد العربن ب‪ ،‬إد العا أدع‪.‬‬

‫ان بناء اع ا شا ان ان بناء لإلنةان ن جديد حرص أتةةه ﷺ عةةىل اوجتةةه نتةةات و ريةةوب‬

‫الصحابل ريض اهلل عنهم وأرملاام إد رهبم س حانه واعاد الواحد األحد الةةظي بتةةدي كالتةةد‬

‫الةاموات واألرض‪ .‬خريصا ريوهبم هلل عز وج‪،‬ن ع وا درين أح وا جنتهن خاأوا ن نةةاري؛‬

‫أتحر ا ‪ ،‬رإ يف تاهنم له س حانه واعاد‪ .‬أاة مل نتهةةى آ ةةاهلم أن يع ريةةوا لةةه سة حانه‬

‫واعادن وأن يرىض عنهمن وأن يك ‪ ،‬نهمن وأن يغفر هلةةم ويةةرمحهمن أريةةام أاة حوا عةةىل اةةظي‬

‫الصورإ اانا عريتهم ‪ ،‬املصاعبن واانا عريتهم ‪ ،‬املشكالت‪ .‬اغرت يف أعتنهم ج ةةابرإ‬

‫األرض و ن ثم محريوا رسالل اإلسالم الع ت لن و او وا بسرصار ‪ ،‬ن حاول أن يثنةةتهم عةةن‬

‫الواول هبظي الرسالل إد آأاق األرض وإد ‪ ،‬العاملم‪ .‬بدون جت‪ ،‬جت‪ ،‬الصحابل ريض اهلل‬

‫عنهم وأرملاام يةتحت‪ ،‬بناء األ ل اإلسال تل‪.‬‬

‫‪1142‬‬
‫اظي انا أول خطوإ‪ :‬إعداد الطا فل الت حت ‪ ،‬عىل أ تاأها األ ةةل اإلسةةال تل‪ .‬يرت ةةه أاةة‪،‬‬

‫كل يفع‪ ،‬اظا دون كاو ل أو ادن ب‪ ،‬حاربوي اةةو وأاةةحابه ﷺ بكةة‪ ،‬ثريكةةل‪ .‬عةةظبوامن‬

‫هروامن بطشوا هبمن و تريوا نهم حتى املطروام إد اهلجرإ إد بالد احل شل رإ ثةةم الثانتةةلن‬

‫ان املؤ نون يف ازدياد يف العدد وازدياد يف اإليامن‪ .‬املطر املةرش ون أن حيةرصوام‬ ‫وع ل‬

‫يف شعب أيب ثالب ثالث سنم ا ريل أام ملعفوا و ا استكانوان وخرجوا ن الشعب أشد وإ‬

‫وأع م بأسا‪.‬‬

‫ات نصفي ن أعام ه أبو ثالبن و ااا زوجته الوأتل خدجيل ريض اهلل عنهةةا؛ أاشةةتد إيةةظاء‬

‫و ه له أ ثر ن ي ‪،‬ن حتى خرج إد الطا ف ي حث عن الةةنرصإ أةةام وجةةداان بةة‪ ،‬وجةةد‬

‫الصد واإلعراض والتكظيب والشكاق وسوء األخالق‪ .‬عاد رإ ثانتل إد كل ﷺ يكريةةم ةة‪،‬‬

‫اغف و ف يف اإلسالمن خياثب ‪ ،‬واأد عىل كل يف حج أو يف غفي لتةرشح لةةه رسةةالل ربةةه‬

‫س حانه واعادن أكظبته عا ل الك ا ‪ ،‬ورأضوا دعواه بك‪ ،‬إرصارن حتى شاء اهلل عز وج‪ ،‬له أن‬

‫يكاب‪ ،‬ستل ن اخلزرج ن أا‪ ،‬يثرب ‪-‬املدينل املنورإ‪ -‬أآ نوا به واةةد وي وعةةادوا إد ةةو هم‬

‫بالدين اجلديد يدعون إد اإلسالم يف املدينل املنورإن أآ ن عهم آخرون وجةةاءوا بعةةد عةةام إد‬

‫كل لت ايعوا رسول اهلل ﷺ بتعل العك ل األودن ثم عادوا إد املدينل و عهم صعب بن ع ف أام‬

‫ار وا بتتا وال شارعا وال حديكل وال جمت عةةا إال وعرأةةوي بالةةدينن أانترشة اإلسةةالم يف املدينةةل‬

‫انتشارا هران وجاء نهم بعد عام آخر ثالثل وس عم ن الرجةةال وا رأاةةانن جةةاءوا لت ةةايعوا‬

‫الرسول ﷺ بتعل العك ل الثانتل لتص حوا بظل أنصار اهلل ورسولهن و ا ا إال أشهر ريتريل بعد‬

‫اري ال تعل حتى ارك رسول اهلل ﷺ كل بكفراان وااجر إد املدينل املؤ نل الت اةةارت بعةةد‬

‫عك‪ ،‬اإلسالمن واارت نواإ الدولةةل اإلسةةال تل األودن واةةاجر الصةةحابل املكتةةون إد‬ ‫ل‬

‫‪1143‬‬
‫املدينل ع رسوهلم ﷺ ن وعرأوا بعد ل باملهاجرينن واجت ةةع املهةةاجرون واألنصةةار بكتةةادإ‬

‫الرسول ﷺ عىل بناء الدولل اإلسال تل ام ين غ أن ا نى الدول‪.‬‬

‫بنى ﷺ دولته بش ول عجتةةبن بنااةةا بتةةوازن الأةةا لرين ةةرن اسةةتك ‪ ،‬ةة‪ ،‬جوانةةب دولتةةه‬

‫الةتاستل والعةكريل واال تصاديل واالجتامعتل والعري تل و ‪ ،‬ل العكا ديلن واارت دولته‬

‫واحلضارإ والة و واألخةةالقن و ةةع اةةغر حجةةم‬ ‫رضبا لري ث‪ ،‬ألي دولل يف العا يف الر‬

‫دولته و ريل إ كاناهتا املاديل‪ .‬يرت ه أعداؤام ن املرش م ةةن أاةة‪ ،‬ةةرين أو ةةن الةةظين‬

‫يؤ نوا ن أا‪ ،‬املدينلن ب‪ ،‬اعاونوا ع األعراب و ع التهود عىل حربةةه والكتةةد لةةه ﷺ ن لكنةةه‬

‫او هم بحك ل وحنكل الأتل لرين رن اارإ باملعااداتن واارإ باإلعراضن واارإ بالرسايان وظ‪،‬‬

‫يف ‪ ،‬ل حماأ ا عىل هنجه الرتبوي لري هاجرين واألنصار حتى أ ن اهلل عةةز وجةة‪ ،‬لريصةةدام‬

‫األول بم الكفر واإليامنن وبم أا‪ ،‬احلي وأا‪ ،‬ال اث‪.،‬‬

‫أ ن اهلل عز وج‪ ،‬أن حيدث اظا الصدام أدخ‪ ،‬املةري ون بة ه يف رحريل جديدإ‪ .‬انا غزوإ‬

‫بدر الكنى أو يوم الفر انن وحدث أتها ا ال يتختريه عا ل ال رشن أكد انترصت الفئةةل الكريتريةةل‬

‫املؤ نل عىل الكثرإ املرش لن وحتكي وعد اهلل عز وج‪،‬ن وارافع شأن املةري م يف اجلزيرإ العربتلن‬

‫وس ع هبم ‪ ،‬العربن وخضع رش و املدينل ودخريوا يف اإلسالم إ ا ا تناعا به وإ ا نفا ا لةةهن‬

‫أ هرت بظل ثا فل املناأكم اخلطفإ الظين ي طنون الكفر وي هرون اإلسالمن واارت اظي‬

‫الفئل أخطر الفئات عىل األ ل اإلسال تل طريكا؛ لكوهنم يدبرون ويكتدون لإلسالمن بتةةنام اةةم‬

‫يف ال اار عكس ل متا ان و ان ال بد ن وستريل لريتفر ل بم املؤ ن واملناأين وبةةم الصةةادق‬

‫والكا ب‪.‬‬

‫‪1144‬‬
‫رحريل وملوح الرؤيل‬

‫بعد غزوإ بدر دخ‪ ،‬املةري ون يف رحريل جديدإ اا ل أس تها‪ :‬رحريةةل ز ةةن وملةةوح الرؤيةةلن‬

‫وا ع ارإ عن سريةريل ضنتل ن األز ات واالبةةتالءات واملعةةاركن أكةةد و عةةا غةةزوإ بنة‬

‫تنكاع بعد أ ‪ ،‬ن شهر ن غزوإ بدرن وحدثا فااريل ع التهود ع شدإ احتتاج املةةةري م‬

‫يف ل الو ا ملال وسالح التهةةودن لكةةن املةةؤ ن الصةةادق يكةةرتث هبةةظان بتةةنام ظهةةر والء‬

‫املناأكم لريتهودن ثم انا صت ل أحد و أساإ بئةةر عونةةل وحادثةةل ةةاء الرجتةةعن أكةةان هلةةظي‬

‫األز ات املتتالتل أبريغ األثر يف متتتز الصف‪.‬‬

‫اظي املصا ب خيرتاا الرسول ﷺ ن ب‪ ،‬ا الةنل اإلهلتل يف اخت ةةار املجت ةةع املةةةريمن أتث ةةا‬

‫الصاد ون وينجحونن وهيتز املناأكون ويفشريونن و ع اظي الفرتإ العصت ل انا االنتصةةارات‬

‫ةةن‬ ‫تنكاع وعىل بن النضف وغف لة‬ ‫الت ا رش املؤ نمن أكد ان االنتصار املهتب عىل بن‬

‫بعض االنتصارات الت رأينااا يف بعض الرسايا والغزوات‪ .‬حتى شاء اهلل عز وج‪ ،‬أن حيةةدث‬

‫الت حتص الك ف واالبتالء الع ةةتمن والتفر ةةل الواملةةحل بةةم املةةؤ نم الصةةاد م واملنةةاأكم‬

‫الكا بمن أكان اجتامع املرش م ن رين وغطفان وغفمها عىل حةةرب املةةةري م ب ةةةاعدإ‬

‫هيود ختن بام عرف ل يف الةفإ بغزوإ األحزاب أو غزوإ اخلندق‪ .‬اظي انةةا واحةةدإ ةةن‬

‫رت باأل ل اإلسال تل إن اكن أشداا عىل اإلثةةالقن وبفضةة‪ ،‬اهلل ث ةةا‬ ‫أشد األز ات الت‬

‫املةري ون وانوا وحت ريوا اجلوع واخلوف والندن و تةةب اهلل هلةةم يف النهايةةل النةةرص بعةةد أن‬

‫شفا هلم متا ا أوراق املناأكم‪.‬‬

‫عال نجم املؤ نم بعد اظي الغزوإن حتى ال ﷺ بعد رحت‪ ،‬األحزاب ري تةةه املشةةهورإ التة‬

‫اعن عن دخول رحريل جديدإن ال‪( :‬اآلن نغزوام وال يغزونا)ن نحن نةف إلةةتهم‪ .‬ثةةم تةةب‬

‫ري لن وا الك تريل التهوديل الثالثل باملدينل بعد بن‬ ‫اهلل عز وج‪ ،‬النرص لري ةري م يف غزوإ بن‬
‫‪1145‬‬
‫تنكاع وبن النضفن وبظل أ نا املدينةةل ةةن د هيةةود يف الةةداخ‪،‬ن و ي ةةي ةةن التهةةود إال‬

‫التج ع الك ف خارج املدينل واو جت ع ختنن و ان العام الةادس الظي اال غةةزوإ األحةةزاب‬

‫عا ا عةكريا بحتا انترشت أته رسايا املةري م انا واناكن ودانا هلم الةتطرإ عىل بكاع ثةةفإ‬

‫يف اجلزيرإن وانتهى اظا العام بحدث جريت‪ ،‬هتب سامي رب العاملم س حانه واعاد أتحا تنان‬

‫أال واو اريمل احلدي تلن والظي اعرتأا أته رين ولري ةةرإ األود بدولةةل املةةةري من وازدادت‬

‫ات ل املةري م يف اجلزيرإ بشك‪ ،‬واململن وأعكب ل حتر ات ستاستل وعةكريل ودعويل ةةن‬

‫املةري م عىل أعىل ةتوىن وانتك‪ ،‬املةري ون ن املحريتل إد العاملتلن و ةةن اجلزيةةرإ العربتةةل إد‬

‫األ املامل واإل ناثوريات املعارصإ يف ل الو ا‪.‬‬

‫راس‪ ،‬ﷺ ريوك وأ راء العا يدعوام إد اإلسالمن وأعكب ل بانتصار جريت‪ ،‬عةةىل التهةةود‬
‫يف ختنن ثم انتصار ّ‬
‫أج‪ ،‬عىل الرو ان يف ؤالن وأسريم الكثف ن ع امء وأرسان العرب حتةةى‬

‫اوجا االنتصارات اإلسال تل بالفتمل الع تم يف العام الثا ن ن اهلجرإن حتةةث أتحةةا كةةل‬

‫أحب بالد اهلل عز وج‪ ،‬إد اهلل ورسولهن وآ ن أا‪ ،‬كةةل بعةةد رحريةةل ثويريةةل ةةن الصةةد عةةن‬

‫اإليامن‪.‬‬

‫وبعداا ادإ انترص املةري ون انتصارا باارا عةةىل تريتة اةةوازن وثكتةةف يف و عةةل حنةةم‬

‫املشهورإ بعد ازإ وانكةارإ أود هبجوم ساحي وستطرإ ا ريةةل عةةىل جمريةةات األ ةةورن وغةةنم‬

‫املةري ون يف اظي الغزوإ ا ال يتختريونه ن األ ةةوال واألنعةةامن و اع اةةتا املةةةري م يف ةة‪،‬‬

‫كانن وجاءت الوأود ن ‪ ،‬ناحتل إد املدينل املنورإ ا ايع عةةىل اإلسةةالمن وأد ةةا األرض‬

‫بنور رهبان و رت عم احل تب ﷺ برؤيل اإلسالم يدخ‪ ، ،‬بتةةان وبرؤيةةل النةةاس يةةةعدون‬

‫بسيامهنم وينكظون ن النار‪.‬‬

‫‪1146‬‬
‫ختري‪ ،‬اظا اإل ال عىل دين اإلسالم دعوإ جريئل ن رسول اهلل ﷺ إد جهاد الرو ان يف ا وكن‬

‫الرا ع يف ثالثم ألةةف كااةة‪ ،‬ةةؤ ن يكطعةةون الصةةحراء يف ظةةروف‬ ‫و ان التج ع اإلسال‬

‫اع ل استل دون اردد وال وج‪،‬ن أأنزل اهلل عز وج‪ ،‬عريتهم نرصي دون تالن وأرت جحاأةة‪،‬‬

‫الرو ان ن جتوش اإليامنن وارافعا رايل اإلسالم يف ‪ ،‬ربوع اجلزيرإن ب‪ ،‬ويف أثراأها و ةةا‬

‫حوهلا‪.‬‬

‫ثم ختم رسول اهلل ﷺ حتااه بحجل الوداع يف العام العاد ن اهلجةةرإ ب ةةاار إيامنتةةل را عةةل‬

‫حرضاا ا يزيد عىل ا ل ألف ؤ نن أكانا اظي احلجل اتوجيا جلهةةود ضةةنتلن ولتضةةحتات‬

‫سختلن واث أن ﷺ عىل اجتامع أ ته وعىل أكهها وعةةىل دينهةةان و ةة‪ ،‬الةةدين ومتةةا النع ةةل‬
‫بنزول وله اعاد‪{ :‬ا ْل َت ْو َم َأ ْ َ ْريا َلك ْم ِدينَك ْم َو َأ ْمت َ ْ ا َع َري ْتك ْم نِ ْع َ تِ َو َر ِملةتا َلكةم ِ‬
‫اإل ْسةال َم‬

‫ِدينا} [املا دإ‪ ]3:‬و ن ثم انتها ه ل رسول اهلل ﷺ يف ا ريتةةغ الرسةةالل وبنةةاء األ ةةلن وحةةان‬

‫و ا رحتريه لتنتك‪ ،‬بعد ل إد حتاإ ال اعةةب أتهةةا وال نصةةب يف كعةةد اةةدق عنةةد ريتة‬

‫كتدر‪.‬‬

‫حتاإ حاأريلجدا ي ‪ ،‬ال رش إد يوم الكتا ةةل ينهريةةون ةةن خفاةةان ويةةةتفتدون ةةن دروسةةهان‬

‫ويتعري ون ن وا فهان ويةت تعون بأحداثها‪ .‬إهنا سفإ خف ال ةرشن وسةةتد املرسةةريمن وإ ةةام‬

‫الدعاإن وخاام الن تمن ح تب الرمحنن وحا ‪ ،‬لةةواء احل ةةد يةةوم الكتا ةةلن وأول شةةاأع وأول‬

‫شفع ﷺ ‪.‬‬

‫‪1147‬‬
‫الةامت العا ل لريةفإ الن ويل‬

‫بعد اظا العرض الرسيع هلظي الةفإ الع ت ل سفإ احل تب ﷺ ن ال بد لنا ن و فةةل أو و فةةات‬

‫عها نةتخرج نها بعض الةامت الع ت ل ‪-‬ال ةة‪ ،‬الةةةامت‪ -‬التة ا هةةر يف ع ةةوم ال عةةث‬

‫الن وي ال يف و ف عابر ولتس يف حدث عمن سامت عا ل اصاحب ‪ ،‬وا ف الةةةفإ ةةن‬

‫أوهلا إد آخراان ونةأل اهلل عز وج‪ ،‬أن ينفعنا هبا دتعا‪.‬‬

‫شخصتل الن ﷺ ال اارإ الع ت ل‬

‫الشخصتل ال اارإ لرسول اهلل ﷺ ن إهنا أعال شخصتل‬ ‫أول س ل نالح ها يف الةفإ الن ويل ا‬

‫باارإ‪ .‬اظي الشخصتل ظريا حماأ ل عىل اظا اإلهبار نظ املتالد وإد املامتن واظا أ ر يف نتهةةى‬

‫العجب ال يفرس إال بكون اظا الرج‪ ،‬ﷺ رسوال ن رب العاملم س حانه واعةةادن عصةةو ا‬

‫ن اآلثام والرشورن ال أثر لريشتطان عريته ن ريب وال بعتد‪ .‬ال س ت‪ ،‬إد غوايته بصةةورإ ةةن‬

‫الصور ﷺ ن اظي أع م شخصتل يف ااريخ اخلريين لتس أكط يف الةابكمن ولكن أيضةةا إد يةةوم‬

‫الكتا لن ولتس أكط يف ع وم ال رش ب‪ ،‬يف األن تاء واملرسريم‪.‬‬

‫رسول اهلل ﷺ ع أنه يكن رسوال أكطن ب‪ ،‬ان حا ام و ا دا وزعتامن و ةةع اةةظا عةةاش ةةع‬

‫أاحابه وأا اعه واحد نهمن ا افض‪ ،‬عريتهم بطعام وال برشاب وال بةكن وال باملن حت ةة‪،‬‬

‫عهم األ ى يف ‪ ،‬وملعن وجاع عهم ام جيوعون ب‪ ،‬أ ثرن واعةةب عهةةم ةةام يتع ةةون بةة‪،‬‬

‫أشدن وحورص عهم وااجر و اا‪،‬ن ب‪ ،‬ان أ رهبم لريعدو‪ .‬ا أر يو ا يف حتااه ال يف أحةةد وال‬

‫يف حنم وال يف غفمهان يزدي ثرإ األ ى إال انان و يةةزدي إرساف اجلةةااريم إال حريةةامن ةةا‬

‫غضب لظااه ط ﷺ ن و ا انتكم لنفةه أبدان إال أن انته حر ل اهلل عز وج‪ ،‬أتنتكم حتنئظ هلل‪.‬‬

‫‪1148‬‬
‫ان ريام واسع الكرمن جاءت له الدنتا راغ ل أأنفكها ريها يف س ت‪ ،‬اهللن ان يعط عطاء ةةن‬

‫ال خيشى الفكرن و ات ودرعه راونل عند هيودي يف ثالثم ااعا ن شعفن ع ونه يف لة‬

‫الو ا ان يرأس دولل اش ‪ ،‬اجلزيرإ العربتل بكا ريهان يورث درمها وال دينةةاران وال عةةرف‬

‫عنه ط أنه خص نفةه بيشء دون أاحابه وأا اعهن ان ثف املخالطل لشع هن ينعةةزل عةةنهم‬

‫أبدان ان جيالس الفكراء ويرحم املةا م واةف به األ ل يف شوارع املدينل حلاجتها أينام شاءتن‬

‫و ان يعود املرىض ويشهد اجلنا زن وخيطةةب اجل ةةعن ويعطة الةةدروسن ويةةزور أاةةحابه يف‬

‫بتوهتم ويزورونه يف بتته ﷺ ن واو يف ‪ ،‬ل دا م االبتةامن ن ةط األساريرن تهري‪ ،‬الوجةةه‬

‫ﷺ‪.‬‬

‫ان رحتام بأ ته متام الرمحلن ا خف بم أ رين إال اختار أيرسمها ا يكن إثامن أسن ان إثام ان‬

‫أبعد الناس عنهن ان ثف العفو حتى ع ن ظري ه وبالغ يف ظري هن ان وااال لريرحم حتى ملةةن‬

‫طع رمحه وبالغ يف الكطع‪.‬‬

‫اكن ع ته ﷺ يف عا الاه ع الناس أو يف أخال ةةه الكري ةةل أكةةطن ولكنةةه ةةان ستاسةةتا‬

‫بارعان و ا دا حكتامن وخطت ا فواا ال افوت عريتةةه اةةغفإ وال ةةفإن أوع جوا ةةع الكريةةمن‬

‫يتكريم بالكريامت الكريتريل أت كث العريامء واحلكامء األعوام والكرون يةةةتخرجون املعةةاين اهلا ريةةل‬

‫نهان حياور أأض‪ ،‬ا اكون املحةةاورإن ويفةةاوض أةةام يتنةةازل أو يةةزل أو ي ريةةم أو يغضةةبن‬

‫يةتعم بأاحابه ويشاورام ع رجاحل عكريه عنهمن وارافاع نزلته أو همن ا يةفه رأيةةا وال‬

‫ينتكص أحدان احلك ل ملالته أينام وجداا أخظاا ا دا ا يف حدود الرشع‪.‬‬

‫انا حتااه ريها عىل اظي الصورإ ال هتل النكتلن حتى ان هر به أعةةداؤي ةة‪ ،‬أاةةحابهن وحتةةى‬

‫ع ه وبجريه و دري ن س ع عنه و يرين ب‪ ،‬الظين يعارصوي أاالن ب‪ ،‬حتى ةةن اةةم ةةن‬

‫غف املةري م‪.‬‬


‫‪1149‬‬
‫‪ -‬يكول بةامرك زعتم أملانتا املشهور يف الكةةرن التاسةةع عةةرش‪( :‬إين أدعة أن حم ةةدا ﷺ‬

‫دوإ ممتازإن ولتس يف اإل كان إجياد دوإ ح د ثانتا) ﷺ ‪.‬‬

‫‪ -‬برناردشو األديب النيطاين املشهور ان يكول‪( :‬لو ان حم د بن ع د اهلل ‪ -‬ﷺ ‪ -‬بتننا‬

‫اآلن حل‪ ،‬شا ‪ ،‬العا ريها واو يرشب وبا ن الكهوإ)‪.‬‬

‫‪ -‬يكول ال ارام الشاعر الفرنيس املت تز‪ ( :‬ن ا الظي جيرؤ ةةن الناحتةةل الةة رشيل عةةىل‬

‫اش ته رج‪ ،‬ن رجال التاريخ ب ح د؟ ‪ -‬ﷺ ‪ -‬و ن او الرج‪ ،‬الظي ظهر أع م نةةه‬

‫عند الن ر إد دتع املكايتس الت اكاس هبا ع ل اإلنةان)‪.‬‬

‫‪ -‬يكول اولةتوي األديب الرويس املشهور‪( :‬أنا واحةةد ةةن امل هةةورين بةةالن حم ةةد ﷺ‬

‫الظي اختاري اهلل الواحد لتكون آخر الرسةةاالت عةةىل يديةةهن ولتكةةون اةةو أيضةةا آخةةر‬

‫األن تاء)‪.‬‬

‫‪ -‬يكول جواه الشاعر األملاين الشهف‪( :‬بحثا يف التةةاريخ عةةن ثةة‪ ،‬أعةةىل هلةةظا اإلنةةةان‬

‫أوجداه يف الن العريب حم د ﷺ) ‪.‬‬

‫اظا او رسولنا ﷺ ن اعرأنا يف اظي الةريةريل عىل ثرف ملئت‪ ،‬جةةدا ةةن شخصةةتته الع ت ةةلن‬

‫ولن نةتطتع بأي حال ن األحوال أن نحتط بع ته؛ ألن حماولل اإلحاثل بع ته ادخ‪ ،‬أعال‬

‫يف باب املةتحت‪،‬ن ا اظي الة ل األود ال ارزإ ن خالل دراسل الةفإ الن ويل‪.‬‬

‫ع ل جت‪ ،‬الصحابل‬

‫اجلت‪ ،‬الظي عارص رسةةول اهلل ﷺ ةةن‬ ‫الة ل الثانتل يف الةفإ الن ويل ا روعل وع ل ور‬

‫املؤ نمن وام الصحابل ريض اهلل عنهم وأرملاام‪ .‬الصحابل ام خف ال رش بعد األن تاءن يكول‬

‫ﷺ ‪( :‬خف الناس رين ثم الظين يريوهنم ثم الظين يريوهنم) إد آخر احلديث‪ .‬اختار اهلل عز وج‪،‬‬
‫‪1150‬‬
‫الصحابل لصح ل ن ته ﷺ متا ا ام اختار ن ته ﷺ ن والرسول ﷺ ان أ تا ال يكتب وال يكةةرأن‬

‫أكان ال بد ن وجود جت‪ ،‬االمل ورع حكتم د تي لتنك‪ ،‬بأ انل وبد ل ا اله أو أعريةةه أو أ ةةري‬

‫رسول اهلل ﷺ ن ظهر لنا نظ أول حل ات اظي الةفإ وحتى خامتتها أن اظا اجلتةة‪ ،‬ةةان جةةتال‬

‫أ تنا ضحتا جماادا تجردا هلل عز وج‪،‬ن حريصا عىل ‪ ،‬خفن آ را باملعروف نااتا عن املنكرن‬

‫با ال الوسع ‪ ،‬الوسع لنرصإ اهلل ورسوله ودين اإلسالم‪.‬‬

‫رأينا يف اظي املحارضات وا ف رشأل ال حتىصة يف ةة‪ ،‬املوا ةةفن يف كةةل واملدينةةلن يف بةةدر‬

‫وأحد واألحزاب واحلدي تل و كل وا وك وغفاا وغفاان ولتس أكط يف الغزوات أو املعةةارك‬

‫ولكن يف ‪ ،‬وا ف الةفإن ولتس عنى اظا أهنم جت‪ ،‬بال أخطةةاء أو أهنةةم عصةةو ون ةةن‬

‫الزل‪،‬ن ولكن ام يكولون‪ :‬أخطاؤام اةةظوب يف بحةةار حةةةناهتمن ةةام أهنةةم بفضةة‪ ،‬اهلل ةةانوا‬

‫يةةتهم واحةةد ةةنهم‬ ‫رسيع التوبل ن نوهبمن رسيع األوبل إد اهلل عز وج‪،‬ن وأةةوق لة‬

‫بالكظب أو اخلتانل أو التضريت‪.،‬‬

‫اؤالء ام احابل الرسول ﷺ ن والظين وافهم ع ةةد اهلل بةةن ةةةعود ريض اهلل عنةةه بكولةةه‪:‬‬

‫( انوا أأض‪ ،‬اظي األ لن وأبراا ريوبان وأع كها عريامن وأ ريها اكريفان اختارام اهلل لصح ل ن تةةه‬

‫وإل ا ل دينهن أاعرأوا هلم أضريهم واا عوام آثةةارامن ومتةةةكوا بةةام اسةةتطعتم ةةن أخال هةةم‬

‫وسفامن أسهنم انوا عىل اهلدى املةتكتم)‪.‬‬

‫الةنل صدر أسايس لريترشيع‬

‫الة ل الثالثل الةنل صدر أسايس لريترشيع‪ :‬ث ا بام ال يدع جماال لريش أن الةنل الن ويل صدر‬

‫نهجه ﷺ‬ ‫ر تس ال غنى عنه أبدا ن صادر الترشيع يف اإلسالم‪ .‬الةنل الت أ صداا انا ا‬

‫‪ ،‬ول أو أع‪ ،‬ادر نهن ‪ ،‬اكرير أ ري ﷺ ن لتس الكرآن وحةةدي اةةو املصةةدر‬ ‫يف احلتاإن ا‬

‫‪1151‬‬
‫الترشيع الوحتد ام يدع بعض املنكرين لريةنلن بةة‪ ،‬رأينةةا بوملةةوح يف الةةةفإ الن ويةةل ةةن‬

‫خالل اظي الدراسل‪ :‬أن حتااه ﷺ انا ارشةةيعا ةةا ال ل ةةلن انةةا افةةةفا جريتةةا آليةةات‬

‫الكرآن الكريمن انا افصتال ملا أد‪ ،‬يف الكرآنن انا بةطا ملا اخترص يف الكةةرآنن بةة‪ ،‬انةةا‬

‫أحتانا رشعل ألحكام اأت أاال يف الكرآنن رأينا ل يف غزوإ ختن عنةةد ا حةةرم الرسةةول‬

‫ﷺ احل ر اإلنةتل‪ .‬رأينا بوملوح يف الةفإ الن ويل أن صةةل الرسةةول ﷺ اكةةن جمةةرد صةةل‬

‫لعابد يصيل ويصوم ويكوم ويكرأ الكرآنن لكن حتااه انا ارشيعا ا ال تكا الن ام أتها ﷺ‬

‫بتوملتمل و ف الرشع ن ‪ ،‬ضتل ن ضايا احلتاإ‪.‬‬

‫اظا ا جيعرينا نكول وبصدق‪ :‬إن االستغناء عن الةنل يعن االستغناء عةةن الةةدينن والطعةةن يف‬

‫حجتل الةنل او الطعن يف اإلسالم ااهن ودراسل الةفإ أ ن دلت‪ ،‬عىل املوملوع‪.‬‬

‫ش ولتل اإلسالم‬

‫الة ل الرابعل‪ :‬ش ولتل اإلسالم‪ .‬اإلسالم لتس ام يعتكدي الكثةةفون اةةتام واةةالإ؛ إ لةةتس‬

‫وثن اط تي اإلسالم املةجد أكطن ولكن اإلسالم دين حيكم ‪ ،‬د ا ي احلتاإن ام يتضمل ةةن‬

‫اس هن أاإلسالم او إسالم ا ‪ ،‬هلل رب العاملمن وي هر عنى اإلسالم الظي نكصدي يف ولةةه‬

‫دي َ َله َوبِ َظلِ َ أ ِ ْرت َو َأنَا‬ ‫اي َو َمم َ ِاع هللَِّ َر ِّب ا ْل َعاملَِ َ‬
‫م * ال َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اعاد‪ ،ْ { :‬إِ َّن َا ِ‬
‫الع َونةك َو َحم ْ َت َ‬
‫م} [األنعام‪ ]163 - 162:‬الع ادإ واحلتاإ واملامت ريها هلل عز وج‪،‬ن ولتس عنةةى‬ ‫َأ َّول املْ ْة ِري ِ َ‬

‫اظا أن الترشيع دود ي نع ن وا ل اغفات الز انن لكن الترشيع به رونل فإ جدا جتعريةةه‬

‫ااحلا لك‪ ،‬ظرفن ابال لريتط تي يف اجلزيرإ العربتل ويف غفاا ن بكاع العةةا املختريفةةلن ةةابال‬

‫لريتط تي يف ز ان الرسول ﷺ ويف األز ةةان التة حلكتةةه ويف ز اننةةا وإد يةةوم الكتا ةةل‪ .‬واجةةه‬

‫ةةان انةةاك ةةانون لكةة‪،‬‬ ‫الرسول ﷺ ظروأا ت اينل متا ا يف راح‪ ،‬حتااه املختريفلن و ع ل‬

‫أرتإ حةب ال روف واملتغفاتن و ان اظا الكانون ن الش ول بحتث إنه غطى ‪ ،‬جوانةةب‬
‫‪1152‬‬
‫احلتاإ اإليامنتل والتع ديل والةتاستل واال تصاديل واالجتامعتل والكضا تل والعةكريل وغف ل‬

‫عا الت الرسول ﷺ وأاحابه يف أرتإ كلن أرتإ‬ ‫ن اجلوانبن استوعب الكانون اإلسال‬

‫االملطهاد والتعظيب والتنكت‪،‬ن ام أنه استوعب عا الت الرسول ﷺ وأاةةحابه يف املدينةةل‬

‫املنورإ يف ‪ ،‬راحريهان سواء يف أرتإ اإلعدادن أو يف أرتإ الصدام ع العدون أو يف أرتإ الت كم‬

‫ةة‪،‬‬ ‫والعريو يف اجلزيرإن يف أرتإ دعوإ العا ن يف ‪ ،‬اظي الفرتات استوعب الكةةانون اإلسةةال‬

‫املتغفات وال روف‪.‬‬

‫ا جيعرينا نجزم بوملوح بش ول املنهج اإلسال ن وأنه نهج بال ثغرات طريكان و تف يكةةون‬

‫به ثغرات واو نهج رب العاملم س حانه واعاد؟! تف يص‪ ،‬املخريوق إد ا او أبدع وأروع‬

‫مما انعه اخلالي؟! اظا ةتحت‪،‬ن اظا او نهجنا ةةنهج اإلسةةالمن و ةةان اةةظا واملةةحا متةةام‬

‫الوملوح يف دراسل الةفإ الن ويل‪.‬‬

‫الوسطتل يف نهج الن ﷺ‬

‫الة ل اخلا ةل ال ارزإ يف الةفإ الن ويل ا ‪ :‬الوسطتل يف نهجه ﷺ ‪ :‬وال بد أن نتحةةدث عةةن‬

‫الوسطتل بعد حديثنا عن الش ول؛ أالظي يدرس الةفإ الن ويل ويتجول بم اةةفحاهتا يةةدرك‬

‫متا ا أن رسول اهلل ﷺ اعا ‪ ،‬ع ضايا حتااه املختريفل بتوازن را عن أريتس عنى أنه ةةان جيةةد‬

‫رإ عتنه يف الصالإ أن هي ‪ ،‬بتتهن بةة‪ ،‬ةةان يةةأ ر الصةةحابل ريض اهلل عةةنهم وأرملةةاام الةةظين‬

‫ي الغون يف الع ادإ إد درجل إمهال شئون حتاهتم األخرىن يأ رام أن يكريريوا ةةن الع ةةادإن وأن‬

‫يأخظوا ن و ا الصالإ والصتام ويعطوا زوجاهتم وأوالداةةم‪ .‬نعةةم ةةان حيةةب اإلنفةةاق يف‬

‫س ت‪ ،‬اهلل وحيض عريتهن لكنه ا ان يرتك أاةةحابه ينفكةةون ةة‪ ،‬أ ةةواهلم يف سة ت‪ ،‬اهلل دون أن‬

‫يرت وا شتئا ألوالدامن ب‪ ،‬أ رام أن يرت وا ورثتهم أغنتاءن و يك ‪ ،‬نهم ﷺ إنفاق املال ريةةه‬

‫‪1153‬‬
‫يف س ت‪ ،‬إال يف ظروف عتنلن و ن أأراد بأعتاهنم ة الصةةديي ريض اهلل عنةةه يف صةةل اهلجةةرإ‬

‫وا وك‪.‬‬

‫لتس عنى أنه ان حيب املوت يف س ت‪ ،‬اهلل ﷺ حتى ال‪( :‬لوددت أن أ تةة‪ ،‬يف سة ت‪ ،‬اهلل ثةةم‬

‫أحتا ثم أ ت‪ ،‬ثم أحتا ثم أ ت‪ ،‬ثم أحتا ثم أ ت‪ )،‬لتس عنى اظا أن يريك بنفةه يف املهالة دون‬

‫ا رتاث أبدان ب‪ ،‬رأيناي ﷺ يري س درعم ن حديدن ويضع اخلطل املناسة ل لري عر ةةلن ويرسةة‪،‬‬

‫جتوشه وشع هن اكظا رأيناي يف‬ ‫العتونن ويأخظ بجوانب احلتطل واحلظرن ويؤ ن ظهرين وحي‬

‫دروس الةفإ الن ويل ﷺ ‪.‬‬

‫حتاإ توازنل را تل ال إأراط وال افريطن ال اشدد واطرفن و ةةظل ال اةةةتب وانةةازلن حتةةاإ‬

‫توازنل عن عنها ربنا س حانه واعاد بكوله واو يصف اظي األ ل الع ت ل‪َ { :‬و ََظلِ َ َج َع ْرينَا ْم‬

‫أ َّ ل َو َسطا} [ال كرإ‪.]143:‬‬

‫لريترشيعات اإلسال تل‬ ‫ال عد األخال‬

‫الة ل الةادسلن و د رأينااةةا واملةةحل يف الةةةفإ الن ويةةل‪ :‬ال عةةد األخال ة الع ةةتم يف ةة‪،‬‬

‫الترشيعات اإلسال تلن ال الرسول ﷺ أتام رواي ال تهك عن أيب اريرإ ريض اهلل عنه وأرملاي‬

‫واو يصف بعثته ﷺ ن ويكرصاا ﷺ عىل إمتام كةةارم األخةةالقن يكةةول‪( :‬إنةةام بعثةةا ألمتةةم‬

‫كارم األخالق)‪ .‬عند الن ر إد ‪ ،‬شعا ر اإلسالم جتد أهنا يف املكام األول اةة و بةةاألخالقن‬

‫الصالإ انهى عن الفحشاء واملنكرن الصوم ينهى عن ول الزور والشكاق والعراك والتشاحنن‬

‫الصد ل اطهر النفس واوثد العال ات الطت ل يف املجت عن واكظا يف ‪ ،‬الترشيعات‪.‬‬

‫يف ةة‪،‬‬ ‫يف أحداث الةفإ الن ويل رأينا أن الرسول ﷺ ان حريصا عىل اظا اجلانب األخال‬

‫وا فه ويف ‪ ،‬عا الاه ﷺ ‪ .‬يكف أكط أن نظ ر جمالم يتعجةةب الكثةةف يف ز اننةةا اآلن ةةن‬

‫‪1154‬‬
‫ارا اط األخالق هبام‪ :‬أ ا املجال األول أهو املجال الةتايسن ألِف الناس يف ز اننةةا اآلن و ةة‪،‬‬

‫ل اصوير الةتاسل عىل أهنا خ ث و تد وختانل وغةةدر ونفةةاق وعنةةفن لكةةن الرسةةول ﷺ‬

‫أث ا لنا عكس ل متا ان رأيناي يف كل ويف املدينل حياور ويفاوضن ولكنه ا ظب وال غةةدر‬

‫وال خان ﷺ‪ .‬ب‪ ،‬إنه خترج نه ري ل سوء واحدإ يندم عريتها ﷺ ن يكن أاحشا وال تفحشا‬

‫حتى ع أعتى األعداءن ب‪ ،‬ان واسع الصدر ﷺ ن ان تةام ااد ا حتتان ان خريو ةةا ﷺ يف‬

‫ستاسته الداخريتل ع شع ه وحكو ته وأعوانه وأنصاري ب‪ ،‬و ع عارملتهن بةة‪ ،‬حتةةى املنةةاأكم‬

‫ان حيةن اح تهم ويعفو عن س اهبم أو طتعتهم ﷺ ‪ .‬ةةان خريو ةةا‬ ‫النفاق بالوح‬ ‫عريو‬

‫ظل يف ستاسته اخلارجتل ع رس‪ ،‬وأ راء و ريوك العا حتى ن حاربه ةةنهم أسنةةه خيةةرج‬

‫أبدا عن حدود الريتا ل واألدب وحةن اخلريي ﷺ ن وراجةةع ‪-‬إ ا أح ةةا‪ -‬حماورااةةه ﷺ ةةع‬

‫فار كل أ ثال عت ل بن ربتعل والولتد بن املغفإ ووأود رين املتتالتل‪.‬‬

‫أيضا ان ر إد احثااه ﷺ ع بن عا ر وبن شت ان وغفمهةةان وراجةةع بتعتة العك ةةل األود‬

‫املدينلن راجع اةةريمل احلدي تةةلن‬ ‫والثانتلن راجع املعاادات واملحاورات ع التهود و ع رش‬

‫راجع استك اله ﷺ لريوأود املختريفل عىل دار الةةةنوات املتعا ةةلن راجةةع الرسةةا ‪ ،‬إد ريةةوك‬

‫العا ن واخلطب الةتاستل واملكاا ات إد العامل واأل راء‪ .‬ال ن الغ إ ا رينا (إن عريتنا أن نراجةةع‬

‫ةةر هبةةا يف‬ ‫حتااه بكا ريها ألنه ا خريا حل ل ن حل ات حتااهن وال رحريل ن املراحةة‪ ،‬التة‬

‫ستاسته ن أخالق رأتعل وخةةالل محتةةدإ يف ةة‪ ،‬املوا ةةف)‪ .‬اةةظي انةةا أخال ةةه يف اجلانةةب‬

‫الةتايس ن حتااه ﷺ ن والكالم يةتغربه ستاستو العرص احلةةديث وحمريريةةو العةةا و فكةةروين‬

‫لكن اظا وا ع رأيناي يف الةفإ الن ويل‪.‬‬

‫املجال اآلخر واو اعب أن جتد زعتام ن زعامء العا إال ن رحم اهلل عةةز وجةة‪ ،‬أن يفريةةمل يف‬

‫التحيل باألخالق يف اجلانب العةكري والوا ع أن الضوابط األخال تةةل التة وملةةعها ﷺ يف‬

‫‪1155‬‬
‫حروبه ن املةتحت‪ ،‬أعال اإلملام هبا يف اظي العجاللن أهة حتتةةاج إد بحةةث فصةة‪ ،‬ودراسةةل‬

‫تأنتلن ويكف أن نظ ر أنه ان دا ام جيع‪ ،‬احلروب آخر احلريولن يكن أبدا ‪ -‬ام يشاع عنةةه يف‬

‫بعض الكتابات أو الرسوم‪ -‬تعطشا لريد اء ام نرى الكثف اآلن ةةن ةةادإ وعةةةكري العةةا ‪.‬‬

‫لكن ان ثف العفو ﷺ عن عدوي يف حالل اةةةريتم العةةدو ورملةةوخهن وراجعةةوا أةةتمل كةةلن‬

‫راجعوا و عل حنم وغفمهان و ان حيرم ﷺ اخلتانل يف احلربن أو نكض العهةةودن أو اهلجةةوم‬

‫دون إنظارن و ان حيرم ت‪ ،‬النةاء واألثفال و ار الةن ورجال الدين غف املحةةاربمن و ةةان‬

‫يكرم األرسى ويويص هبمن و ان حيرم طع النخت‪ ،‬واألشجار إال برضورإ عةكريلن و ان ال‬

‫هيدم الديار وال خيرب األرايض ﷺ ن ةةان ال يعتةةث يف األرض أةةةادا بةةام اعتةةدنا أن نةةراي يف‬

‫احلروب غف اإلسال تل سواء يف الكديم أو احلةةديث‪ .‬دعةةوإ اإلسةةالم دعةةوإ أخةةالق يف املكةةام‬

‫األولن والظي يدرس أحداث الةفإ ستجد أن اظي الة ل بارزإ ال ختفى عىل أي حمريةة‪،‬ن ولةةن‬

‫جيهريها أي نصفن وادق اهلل عز وج‪ ،‬عند ا واف ح ت نا ﷺ بكوله‪َ { :‬وإِ َّنة َ َل َعةىل خريةي‬

‫َع ِتم} [الكريم‪ .]4:‬اظي ا الة ل الةادسل ن الةامت ال ارزإ يف الةفإ الن ويل‪.‬‬

‫أبديل احلرب والرصاع بم الكفر واإليامن يف احلتاإ‬

‫الة ل الةابعل‪ :‬أن احلرب بم احلي وال اث‪ ،‬وبم اإليامن والكفر حرب أبديل يةتحت‪ ،‬أن ختريو‬

‫نها أرتإ ن أرتات احلتاإن أاحلي ن وظتفته أن يكاوم ال اث‪،‬ن و ظل ال اث‪ ،‬لن يرىض أبةةدا‬

‫أن ي كى احلي يف األرض دون كاو لن والرسول ﷺ ةةان يةةدرك لة جتةةدان و ةةان جيااةةد‬

‫الكفار بطرق خمتريفةةل حةةةب املرحريةةلن أأحتانةةا جيااةةد بالريةةةان والكةةرآنن وأحتانةةا بالةةةالح‬

‫والةنانن د ختتريف الوستريل ولكنه يف ‪ ،‬األحوال جيااد ﷺ ن أحتانا خيتريةةف العةةدو حةةةب‬

‫املدينلن واةةارإ‬ ‫املرحريلن لكن دا ام اناك عدون اارإ يكون األعداء ن رينن واارإ ن رش‬

‫ن املناأكمن واارإ ن األعرابن واارإ ن التهودن واارإ ن النصارىن واارإ ةةن املجةةوسن‬

‫‪1156‬‬
‫يتنوع أعداء األ ل حةب املكان والز انن لكةةن يغريةةب عةةىل اةةفل ةة‪ ،‬احلةةروب أهنةةا حةةرب‬

‫عكا ديل ادور يف حموراا الر تس حول ضتل الدينن يةةدخ‪ ،‬أتهةةا أحتانةةا عوا ةة‪ ،‬أخةةرى ثةة‪،‬‬

‫اال تصاد أو بعض األ ور االجتامعتل أو حب الةريطلن لكن ي ‪ ،‬العا ‪ ،‬الر تيس يف املعر ل او‬

‫ون ي َكااِريونَك ْم َحتَّى َير ُّدو ْم َع ْن ِدينِك ْم‬


‫الدين‪ .‬يف اظا املعنى ال ربنا س حانه واعاد‪َ { :‬وال َي َزال َ‬
‫ِ‬
‫اس َت َطاعوا} [ال كةةرإ‪]217:‬ن واةةظا أ ةةر رأينةةاي يف ةة‪ ،‬راحةة‪ ،‬الةةةفن ثاملةةا أن املةةةري م‬ ‫إِن ْ‬
‫ةت ةكون بدينهم ست ‪ ،‬احلرب دا رإ بتنهم وبم أعدا هم‪.‬‬

‫الرسول ﷺ ان يعريم أن اظا الرصاع لتس رصاعا شخصتا عه ﷺ ن إنام او رصاع عكا ةةدي‬

‫ستةت ر ع أاحابه وأا اعه إد يوم الكتا لن لظا ان ن آخر وااياي ﷺ إنفةةا بعةةث أسةةا ل‬

‫بن زيد ريض اهلل عنهام إد حرب الرو ةةانن وأوب بةسخراج املةةرش م ةةن جزيةةرإ العةةربن‬

‫وجع‪ ،‬اجلهاد ﷺ روإ سنام اإلسالمن ولن يأع ز ةةان أبةةدا عةةىل األرض خيتفة أتةةه الةةرش‬

‫وينته ال اث‪،‬ن أو يرىض أته أا‪ ،‬ال اث‪ ،‬عن أا‪ ،‬احلي أتكةةون حالةةل ةةن احلةةوار أكةةط دون‬

‫تالن والةالم أكط دون حربن و د وعةةد اهلل عةةز وجةة‪ ،‬الشةةتطان بال كةةاء إد يةةوم ي عثةةونن‬

‫وست ‪ ،‬لريشتطان حماوالت وحماوالت إلملالل اخلريين ولن يك ‪ ،‬املؤ ن الصادق هبظا اإلأةةةاد‬

‫يف األرضن وست كى أيضا حماوالت اإلاالح ةت رإ إد يوم الكتا لن و ن ثم أاجلهاد ةةاض‬

‫إد يوم الكتا ل‪.‬‬

‫اظا ا رأيناي يف الةفإ ورأيناي بعد ل بعد أحداث الةفإن ونراي يف ز اننا اظان وسةةت كى إد‬

‫َّاس َب ْع َضه ْم بِ َ ْعض َهلدِّ َ ْا َاة َوا ِ ع‬


‫يوم الكتا لن سنل ن سنن رب العاملم‪َ { :‬و َل ْوال َد ْأع اهللَِّ الن َ‬
‫نرص َّن اهللَّ َ ْن َينرصي إِ َّن اهللََّ َل َك ِو ٌّي َع ِزية ٌةز}‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َو ة ِ‬
‫اسم اهللَِّ َثفا َو َل َت َ‬ ‫اجد ي ْظ َر أ َ‬
‫تها ْ‬ ‫َوبِ َت ٌع َو َا َري َو ٌ َ َ‬
‫[احلج‪.]40:‬‬

‫‪1157‬‬
‫بث األ ‪ ،‬يف املةري م‬

‫الة ل الثا نل ن الةامت ال ارزإ يف الةفإ الن ويةةل اة سة ل األ ةة‪ ،‬الةةظي ةةان ي ثةةه ﷺ يف‬

‫املةري م يف ‪ ،‬املوا ف وبال استثناء‪ .‬املؤ ن ال يكنط أبدا ن رمحل اهلل عز وج‪،‬ن وال يكنط أبدا‬

‫محة ِل َر ِّبة ِه إِ َّال َّ‬


‫الضةا ُّل َ‬
‫ون}‬ ‫ن أضريه و ر ه س حانه واعادن ال اهلل اعاد‪َ َ { :‬ال َو َ ْن َي ْكنَط ِ ْن َر ْ َ‬

‫[احلجر‪.]56:‬‬

‫لظا أسن املؤ ن ع رؤيته لري روف الكاستل الت متر هبا األ ل اإلسال تل ال يتةةأثر طريكةةا بةةظل ن‬

‫ويعريم دا ام أن تزان الكوى يف ااحله ا دام اهلل عز وج‪ ،‬عهن ن اةةظا املنطريةةي ي كننةةا أهةةم‬

‫ان يتصف هبا املجت ع املةريم يف ‪ ،‬راح‪ ،‬الةفإ الن ويل حتةةى يف أشةةد‬ ‫الروح املتفا ريل الت‬

‫اظي املراح‪ ،‬ظال ا‪ .‬رأينا ل يف ‪ ،‬سنوات كل الصع لن ب‪ ،‬رأينا الرسول ﷺ ي رش رسا ةةل‬

‫بن ال بةواري رسى واو طارد يف اجراه ةةن كةةل إد املدينةةلن ورأينةةاي ي ةةرش بنةةرص‬

‫املةري م يف بدر ع ون املرش م ثالثل أملعاف املةري من ورأيناي يط ئن املةري م بعد صت ل‬

‫أحد أن الدولل األخفإ ستكون لري ؤ نمن ورأيناي ي رش املؤ نم لتس بف احلصار عن املدينةةل‬

‫أيام األحزاب أكطن ولكن أيضا بفتمل أارس والشام والت نن نهج حتاإ ا ‪ ،‬رأينةةاي بةةارزا يف‬

‫الةفإ الن ويل يف ‪ ،‬املراحةة‪ .،‬يكةةن اةةظا الت شةةف أكةةط يف املةةواثن الصةةع ل أو يف وا ةةف‬

‫األز اتن ب‪ ،‬ان ستاسل عا ل انتهجها ﷺ يف ‪ ،‬أحاديثه وخط ه وحوارااه واعريتكااه ﷺ ‪.‬‬

‫يكول ﷺ أتام رواي اإل ام ةريم عةةن ثوبةةان ريض اهلل عنةةه وأرملةةاي‪( :‬إن اهلل زوى يل األرض‬

‫ةةن‬ ‫وي يل نهةةا)ن إد غةةف لة‬


‫أرأيا شةةار ها و غارهبةةان وإن أ تة سةةت ريغ ريكهةةا ةةا ز َ‬
‫األحاديث الكثفإ مما جيع‪ ،‬اظي ال رشى واظا األ ‪ ،‬نهجا واملحا ن نااج رسةةول اهلل ﷺ‬

‫يف بناء أ ته‪.‬‬

‫‪1158‬‬
‫سعادإ املةري م باملنهج اإلسال‬

‫حتى‬ ‫الة ل التاسعل ن الةامت ال ارزإ يف حتااه ﷺ ا سعادإ املةري م ب نهجهم اإلسال‬

‫يف أشد حاالت التعب واملعاناإ‪ .‬لعرينا نفرس س ب الةعادإ بعد بدر واألحزاب وأتمل كل وغف‬

‫ن االنتصارات واإلنجازاتن لكن د يتةاءل أحد ممةةن يدرسةةون الةةةفإ أتكةةول‪ :‬اةة‪،‬‬ ‫ل‬

‫اناك سعادإ يف اعظيب أا‪ ،‬كل لري ؤ نم؟ ا‪ ،‬اناك سعادإ يف صت ل أحد؟ ا‪ ،‬اناك سعادإ‬

‫يف أز ل حنم؟‬

‫احلي‪ :‬أنه لتس اناك أرتإ ن أرتات الةفإ الن ويل إال واريحظ أتها لونةةا ةةن ألةةوان الةةةعادإن‬

‫حتى ولو ان ال اار حزنا وأملا؛ أاملةريم الصادق يعاين ويتأ واو يعريةةم أن العا ةةل لري تكةةمن‬

‫وأنه ستأع يوم ي كن اهلل عز وج‪ ،‬أته لإلسالم ويعز أته الدينن واةةظا األ ةة‪ ،‬ي عةةث يف نفةةةه‬

‫الراحل والةعادإ واالث ئنانن إملاأل إد سةةعادإ املةةؤ ن بعةةدم خصةةا ه ةةع الكةةون واألرض‬

‫واملخريو اتن أالك‪ ،‬يع د اهلل عز وج‪ ،‬يف اناسي دت‪،‬ن وانةجام ث تع ‪ .‬أ ا الكاأر أهو يعتن‬

‫يف انا ض ع نفةه و ع الكونن الكون ريه يشةةهد بكةة‪ ،‬رإ أتةةه بع ةةل اخلةةالي ووحدانتتةةه‬

‫وحك تهن والكاأر ال يكر بظل ن أأي اعاسل اكون يف نفةه؟ وأي سةةعادإ يعةةتن أتهةةا املةةؤ ن‬

‫بتواأكه ع الكون يف ع ادإ رب العاملم سة حانه واعةةاد؟! املةةةريم أةةوق لة ينت ةةر جنةةل يف‬

‫اآلخرإن أتها ا ال عم رأتن وال أ ن س عان وال خطر عةةىل ريةةب بةةرشن ويعريةةم يكتنةةا أنةةه‬

‫ستعوض يوم الكتا ل عن ‪ ،‬ظريم و ع عريتهن وعن ‪ ،‬أ حت ريهن وعن ةة‪ ،‬اةةم أو غةةم عةةاش‬

‫أتهن اظا التعويض املنت ر خيفف عريته ثفا ن أمله ونص هن حتى رأينا ةةن يفكةةد حتااةةهن و ةةع‬

‫ل يكول ريامت اعن عن نتهى الةعادإن ث‪ ،‬حرام بن ريحان ريض اهلل عنه وأرملةةاي واةةو‬

‫يطعن باحلربل يف ظهري أتخةةرج ةةن اةةدري واةةو يكةةول‪( :‬أةةزت ورب الكع ةةلن أةةزت ورب‬

‫ثفإ يف الةفإ الن ويلن ولعرينةةا ال ن ةةالغ إن‬ ‫الكع ل)‪ .‬س حان اهلل! اظي أيضا سعادإ‪ .‬أ ثريل ل‬

‫‪1159‬‬
‫رينا‪ :‬إن يف باثن ‪ ،‬أ سعادإ؛ ألن املةريم يةتشعر و ا و وع األ أنه د فر عنه جانب ةةن‬

‫خطاياين ورأع دري بدرجل عتنل يف اجلنلن أانت ار املؤ ن لريجنل وحةةب املةةؤ ن لريجنةةل جيعريةةه‬

‫يك ‪ ،‬األ ن ب‪ ،‬ويرىض بهن واظا نوع ن أنواع الةعادإ ال جتدي إال عند املؤ نم حكتكل‪.‬‬

‫انا اظي الة ل التاسعل ن سامت الةفإ الن ويل‪ :‬الةعادإ يف ‪ ،‬وا ةةف الةةةفإ حتةةى وإن‬

‫انا وا ف ؤملل‪.‬‬

‫وملوح ه ل ال الغ يف الدعوإ‬

‫الة ل العادإ واألخفإ ا وملوح ه ل الرسول ﷺ ن و ن ثم ه ل الداعتل ن بعدين اظي‬

‫امله ل انا ن أول يوم يف ال عثل إد آخر يوم يف حتااه ﷺ واملحل متا ةةان أال واة الة الغن‬
‫يكول ربنا س حانه واعاد‪ { :‬ا َع َىل الرس ِ‬
‫ول إِ َّال ا ْل َالغ} [املا دإ‪.]99:‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬

‫الرسول ﷺ ان يعريم ا يريد ن أول أيام الدعوإن وحرص الرسول ﷺ عىل ا ريتغ ةة‪ ،‬ةةن‬

‫يعرف و ن ال يعرف‪ .‬اختريفا وسا ‪ ،‬ال الغ يف ‪ ،‬رحريلن لكن ال الغ ان س ل عا ل يف ‪،‬‬

‫راح‪ ،‬الةفإن يف أول أيام الدعوإ ان ال الغ رسا وعن ثريي االنتكالن واست ر لة ثةةالث‬

‫سنوات ا ريلن ثم أعرين الرسول ﷺ األ ر عىل الناسن وبريغ أا‪ ،‬كل دتعةةان ونةةاداام تريةةل‬

‫تريل وراطا راطان وادوي عن دعواه و او وين لكنه ا رصة ﷺ يف الة الغ أبةةدان بةة‪ ،‬ةةان‬

‫يظاب إلتهم يف اجتامعاهتم وبتوهتمن و ان ال يرتك زا را يدخ‪ ،‬كل إال وحدثةةه عةةن اإلسةةالم‬

‫وبريغه إياين و ان ال يرتك وأدا وال أردا أاى لريحج إال ودح لةةه الرسةةالل اإلسةةال تل وبةةرشي‬

‫ا اوانى حل ةةل عةةن إيصةةال رسةةالته‬ ‫وأنظرين و ان جيد إعراملا ثفا وسخريل رإن و ع ل‬

‫لريناس ﷺ ‪ .‬يف أرتإ املدينل املنورإ اجتهد يف نرش دعواه وا ريتةةغ النةةاسن لةةتس أكةةط يف املدينةةل‬

‫ولكن يف ‪ ،‬أرجاء اجلزيرإن ووا‪ ،‬األ ةةر يف الةةةنل الةةةابعل ةةن اهلجةةرإ إد كاا ةةل زعةةامء‬

‫‪1160‬‬
‫و ريوك العا لت ريتغهم دعوإ اإلسالمن انا امله ل واملحل متةةام الوملةةوح يف انةةه ﷺ ن إنةةه‬

‫ال الغ ه ل الرس‪،‬ن و ه ل أا اعهم الظين يةفون يف ثريكهم‪.‬‬

‫الرسول ﷺ ان تفانتا يف أداء اظي امله ل الن تريل إد درجل أنه ان حيةةزن حزنةةا شةةديدا يكةةاد‬

‫هيريكه عند ا ال هيتدي إنةان بكريةةامت الكةةرآنن ةةع أن ه ةةل الرسةةول ﷺ اة الة الغ أكةةط‬

‫ولتةا اهلدايلن إد الدرجل الت رأي اهلل عز وج‪ ،‬به وأنزل آيات يف واثن عةةدإ ةةن الكةةرآن‬
‫الكريم انهاي عن احلزن الشديدن ال اعاد‪َ { :‬وال َ ْحت َز ْن َع َري ْت ِه ْم َوال َا ِيف َملة ْتي ِمم َّةا َي ْ كةر َ‬
‫ون}‬

‫ثف يف الكرآن الكريم‪ .‬عىل املةريم الفاام الواع أن يريةةتكط اةةظي‬ ‫[النح‪ ]127:،‬وأ ثال ل‬

‫امله ل الن تريل لتجعريها ه ل حتااهن ال يرىض أبدا بأ ‪ ،‬نها رساللن ال يرىض أبةةدا بأبةةةط نهةةا‬

‫ضتل املةريم يف حتااه بكا ريهان واظا ا أه نةةاي بوملةةوح ةةن خةةالل الةةةفإ‬ ‫ضتلن اظي ا‬

‫الن ويل‪.‬‬

‫انا اظي الة ل العادإ ن الةامت ال ارزإ يف الةفإ الن ويلن أتري عرشإ ا ريل‪.‬‬

‫سامت أخرى يف الةفإ الن ويل‬

‫ا‪ ،‬اظا ‪ ،‬يشء أردنا أن نظ ري عن رسةةولنا ﷺ ؟ الن أةةال عض يتعجةةب ةةن احلةةديث عةةن‬

‫الةفإ الن ويل يف سا وأربعم حمارضإ تتالتل (‪ 1200‬افحل يف الصورإ املكةةروءإ)ن شة ريا‬

‫الفرتإ املكتل واملدنتلن وي ن أن اظا يعتن ثفان ولكن أ ول‪ :‬إن اظي بدايل ولتةا هنايةةل؛ ألن‬

‫الةفإ الن ويل أتها جوانب اا ريل ن املةتحت‪ ،‬أن نحتط هبا يف ئات املحارضاتن ونحن أاتنةةا‬

‫عىل بعض اجلوانب يف اظي الةفإ الن ويل ن حتااه ﷺ أكط‪.‬‬

‫‪1161‬‬
‫اناك جوانب أخرى ثفإ ن جوانب ع ته ﷺ حتتاج إد افريغ و ان وإد بظل جهد لكة‬

‫ادْ َرس وافهم؛ لظا سنحاول إعداد بعض املحارضات اخلاال بح ت نا ﷺ ن أعىل س ت‪ ،‬املثةةال‪:‬‬

‫سنتكريم عن الرسول ﷺ وأخطاء املؤ نمن وعن الرسةةول ﷺ والدولةةل الشةةا ريلن والرسةةول‬

‫ﷺ وح‪ ،‬شكالت العا ن والرسول ﷺ وأكه املعا التن وأخالق الرسةةول ﷺ ن واجلانةةب‬

‫األخال ةة يف التشةةةريعات اإلسةةال تل املختريفةةلن والرسةةول ﷺ وأةةن ا ةةتالك الكريةةوبن‬

‫والرسولﷺ و ا متتز به عن ع ةةوم املةةةري من وخصةةا ص حتةةاإ الرسةةول ﷺ ن و عجةةزات‬

‫الرسول ﷺ سواء انا الكرآن الكريم أو املعجزات احلةتل الت رآاةةا عةةارصوين أو اإلن ةةاء‬

‫بالغتبن أو اإلرساء واملعراجن إد أشتاء ثفإ جدا نحتاج أن نفص‪ ،‬أتها يف حتاإ ح ت نا ﷺ ‪.‬‬

‫باإلملاأل إد جوانب ثفإ تعريكل بخصا ص حتااه ﷺ ن ثةة‪ ،‬أةةن اإلدارإن أةةن الكتةةادإن أةةن‬

‫ن أنون دعل حتتاج إد افصةةت‪ ،‬ودراسةةل‬ ‫التغتفن أن اخلطابلن أن اربتل األثفالن وغف ل‬

‫واع ي‪ .‬اظي بعض ال حوث الت سنع ريها إن شاء اهلل يف الفرتات الكاد لن وا جمةةرد أصةةول‬

‫ن سفر ملخم ف يةتحت‪ ،‬إمتا ه أبدان وست ‪ ،‬الدعاإ والعريامء ينهريون ن اظا الن ع الصةةايف‬

‫إد يوم الكتا ل‪.‬‬

‫واج اانا جتاي ن تنا ﷺ‬

‫اناك و فل ه ل بعد دراسل اظي الةفإ الرا عل‪ :‬ال بد أن ي هر عريتنا يف سريو نا وحتاانةةا ‪-‬بةة‪،‬‬

‫ويف اعتكادنا‪ -‬أثر هلظي الدراسلن ال بد أن اناك أ انل عريكا يف ر ابنان ال بد أن اناك واج ا مح‪،‬‬

‫عريتنا‪.‬‬

‫يف إجياز شديد‪ :‬جيب عىل ‪ ،‬ؤ ن و ؤ نل بعد راءإ اةةظي الةةةفإ أن يكةةوم بةةاأل ور التالتةةلن‬

‫وا واج ات يف غايل األمهتل‪:‬‬

‫‪1162‬‬
‫أوال‪ :‬أن حيب رسول اهلل ﷺ ‪.‬‬

‫أهظي ضتل صفيل أعالن وا عال ل ن عال ةةات ا ةةتامل اإليةةامنن أالرسةةول ﷺ يكةةول يف‬

‫احلديث الرشيف ام يف ال خاري عن أنس ريض اهلل عنه‪( :‬ال يؤ ن أحد م حتى أ ةةون أحةةب‬

‫إلته ن والدي وولدي والناس أدعم)‪ .‬الظي يكرأ الةفإ وال حيب رسول اهلل ﷺ إنةان جمنون‬

‫ال عك‪ ،‬لهن أو ناأي ال إيامن يف ري هن أو عاص غ رت املعايص ري هن أو تكن ينكر احلي واةةو‬

‫يةتتكنهن ‪ ،‬وا ف الةفإ بال استثناء ادأع دأعا إد حب الرسول ﷺ ن ب‪ ،‬وإد اكةةديم ح ةةه‬

‫عىل أي حب آخرن واظا ن أام أاداف دراسل الةفإ الن ويل‪.‬‬

‫ثانتا‪ :‬أن اعرأه ﷺ بأن ادرس افاات‪ ،‬سفاه بصورإ أ ن؛‬

‫أنحن اكري نا يف سا وأربعم حمارضإ عن لكطات رسيعل ن حتااه ﷺ ن و ا أ ثةةر ةةا تةةب‬

‫عنه و ا ستكتبن وسفاه ال انته عجا ها ﷺ ن ا أ ثر ن اكريم عنه ﷺ ن الدعاإ والعريامء‬

‫و ن املةري م و ن غف املةري من نحتاج أن نجع‪ ،‬ألنفةنا يو تا وردا ثابتا نعرف أته شتئا عن‬

‫ح ت نا ﷺ ن اظا الواجب الثاين‪ :‬أن نعرأه ﷺ ‪.‬‬

‫عرف به اآلخرين ممن ال يعرأونه؛‬


‫ثالثا‪ :‬أن ن ِّ‬

‫أو يعرأونه بصورإ شوال غايرإ لريحكتكلن وأن نح ب أته خريةةي اهلل عةةز وجةة‪،‬ن وأ ثةةر ةةن‬

‫أوات هبم أوالدك وأثفال املةري من أهؤالء إن اربوا عىل حب رسةةول اهلل ﷺ واةةريوا إد‬

‫‪ ،‬نجاح يف الدنتا واآلخرإن وواريا هبم األ ل إد أعىل الدرجات‪.‬‬

‫‪1163‬‬
‫رابعا‪ :‬أن ات عه واكريدي ﷺ يف ‪ ،‬اغفإ و فإ يف حتاا ؛‬

‫أنحن است عنا إد الةفإن وعرأنا نهجه ﷺ ن واثريعنا عىل سريو ه وأخال هن وأدر نا جهةةادي‬

‫واني و فاحهن نريد أن نةكط ‪ ،‬و ف ن وا فه ﷺ عىل وا ع حتاانان نريد أن نط ي ‪،‬‬

‫سنل ن سننه ا استطعنا إد ل س تال‪ .‬اعريم أن عال ل احلب الر تةل اة االا ةةاعن وأن ح ةةا‬

‫بال اا اع يعن غرورا وبطرا وجهال ومحا ل‪.‬‬

‫خا ةا‪ :‬أن اصد ه يف ‪ ،‬ا اله أو أخن عنه ﷺ ‪.‬‬

‫ةةد افةةتن بعكرية أةةرتد‬ ‫ا ‪ ، ،‬ا اله ﷺ دون ارددن ادق أحاديثه دون ريبن اعريم أنة‬

‫حديثا احتحا لرسول اهلل ﷺ ن واظا او ثريي اهلاويلن و نحدر اهلالك أال اريكم أبدا بنفة‬

‫أته‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬أن اداأع عنه احل الت الرشسل الت حتاول النت‪ ،‬نه ﷺ ن وا محالت ال انته ‪.‬‬

‫رأينا يف الةفإ الن ويل الصحابل ريض اهلل عنهم وأرملةةاام رجةةاال ونةةةاء وشةةتوخا وأثفةةاال‬

‫يداأعون بالغايل والث م عن رسول اهلل ﷺ ن رأينا الرج‪ ،‬يت نى أن يكت‪ ،‬وال يشاك رسةةول اهلل‬

‫ﷺ شو ل يف د ه‪ .‬رأينا األثفال يكااريون الفرسانن والنةاء حي رين الةتوفن ورأينا األ ةةوال‬

‫انفين واجلهود ا ظل حتى يتم الدأاع عن رسول اهلل ﷺ ن اظا او املنهج الةةظي نريةةد أن نةةةف‬

‫عريته يف حتاانا ريها‪ :‬أن نداأع عن الرسول ﷺ بك‪ ،‬رإ يف حتاانان بك‪ ،‬أ والنان بك‪ ،‬جهةةدنان‬

‫بك‪ ،‬أكرنان بك‪ ،‬حتاانا‪.‬‬

‫سابعا‪ :‬أن نشتاق إلته ﷺ ‪.‬‬

‫والظي او شتاق أعال إلنةان يت نى أن يكابريهن واظا يف الدنتا يكون يف ع رإ أو حةةج إن نةةا‬

‫ةتطتعم لظل نظاب ونزوري يف ةجدي ﷺ ونةريم عريته يف نين وسةةفد عريتة الةةةالم‬
‫‪1164‬‬
‫حتام ام ال ﷺ يف احلديث الرشيفن لكن األام ن ل واألع م‪ :‬أن نشتاق إد لكا ه عنةةد‬

‫حومله ﷺ يوم الكتا لن وال يكون ل إال بسيامن ع تين وبع ‪ ،‬االملن وباا اع د تةةي لةةةنته‬

‫ﷺ ن وإال ال لنا يوم الكتا ل‪ :‬سحكان سحكان ونةأل اهلل عز وج‪ ،‬أن يةكتنا ن حومله دبةةل‬

‫انتئل ريئل ال ن أ بعداا أبدا‪.‬‬

‫ثا نا‪ :‬أن حتب آل بتته ﷺ ‪.‬‬

‫اظا أ ر اام جدا وع تمن ول سف أالكثف ةةن املةةةري م ال ي هةةر لة خوأةةا ةةن التشة ه‬

‫ب غاالإ الشتعل يف أ ر أا‪ ،‬ال تان لكن الصواب أن يكف املةريم و ف االعتدال الةةظي أرادي‬

‫لنا رسول اهلل ﷺ ن أهو د أوب بآل بتته وبح همن ويف نفس الو ا ربط اظي املح ل بطاعتهم‬

‫هلل عز وج‪ ،‬وعدم خمالفتهم لهن اظا او املتزان األ ث‪ ،‬يف التعا ‪.،‬‬

‫يكول الرسول ﷺ يف حديث زيد بن أر م ريض اهلل عنةةه يف اةةحتمل ةةةريم ‪( :‬أ ةةر م اهلل يف‬

‫أا‪ ،‬بتت ن أ ر م اهلل يف أا‪ ،‬بتت ن أ ر م اهلل يف أاةة‪ ،‬بتتة ) اهلةةا ثالثةةا ﷺ ن ةة‪ ،‬اةةظا ال‬

‫الكويم حتةةى اكةةدم‬ ‫يتعارض ع وجوب اا اع الرج‪ ،‬أو املرأإ ن آل ال تا لري نهج اإلسال‬

‫حم تهن وارأع درجته بدلت‪ ،‬ول رسول اهلل ﷺ يف احتمل ال خاري و ةريم عةةن عا شةةل ريض‬

‫اهلل عنها‪( :‬وايم اهلل! لو أن أاث ل بنا حم د ﷺ رس ا لكطعا يداا)ن وحاشااا أن اراكةةب‬

‫نكران ولكن ر ل ﷺ لتضع تزان التعا ‪ ،‬ع آل ال تا دتعا‪ .‬جيب أن نحةةرص دتعةةا‬

‫عىل حب آل بتا رسول اهلل ﷺ ا دا وا ت عم ملنهجه ﷺ ‪.‬‬

‫ااسعا‪ :‬حب احابته ﷺ ؛‬

‫اظا ن واج ات املةةةريمن وخااةةل بعةةد سةةامعه لةةدروس الةةةفإ اةةظي ورؤيتةةه لكةةدر ال ةةظل‬

‫ةةن ال ةةرش‪ .‬أواةةانا ﷺ أن‬ ‫والتضحتل والتجرد واإلخالص الظي متتز به اظا اجلت‪ ،‬الرا ة‬

‫‪1165‬‬
‫نح همن وأن نتك اهلل عز وج‪ ،‬أتهمن جاء ل يف روايل الرت ظي عن ع د اهلل بن غفةة‪ ،‬ريض‬

‫اهلل عنه عند ا ال ﷺ ‪( :‬اهلل اهلل يف أاحايبن ال اتخظوام غرملا بعدين أ ن أحة هم أ َح ِّة‬

‫أح همن و ن أبغضهم أ غيض أبغضهمن و ن آ اام أكد آ اينن و ن آ اين أكةةد آ ى اهللن و ةةن‬

‫آ ى اهلل يوش أن يأخظي) واظا احلديث ال أته الرت ظي ‪ :‬اظا حديث حةن‪ .‬و ةةظل رواي‬

‫اإل ام أمحد رمحه اهلل‪ .‬اظا ارصيمل اد ن رسول اهلل ﷺ أن حب اةةحابته ريض اهلل عةةنهم‬

‫ن ح ه ﷺ ن أنةأل اهلل عز وج‪ ،‬أن جي عنا وإياام يف الفردوس األعىل ع ح ت نا ﷺ ‪.‬‬

‫عادا‪ :‬أن ندعو له ﷺ ؛‬

‫وال عض د يةتغرب أن نطريب ن املؤ نم أن يةةدعوا لرسةةول اهلل ﷺ بحجةةل أنةةه ال حيتةةاج‬

‫تةةب اهلل‬ ‫لدعا نا ﷺ ن وأنه د غفر له ا اكدم ن ن ه و ا اأخرن وأنه يف املكانل الرأتعةةل التة‬

‫لهن نعم الرسول ﷺ يف اظي املكانل الرأتعل ال نش يف ل ن ولكننا جيب أن نواظب دا ام عةةىل‬

‫الدعاء له ﷺ عرأانا ووأاء وبرا وإعرتاأا بجهدي ﷺ ن املةةةريم جيةةب أن يواظةةب عةةىل الةةدعاء‬

‫لريرسول ﷺ بأن جيازيه اهلل عنا وعن ‪ ،‬املةري م خف اجلزاء‪.‬‬

‫الرسول ﷺ نفةه سألنا سؤاال ادا أن ندعو لهن روى ةةةريم عةةن ع ةةد اهلل بةةن ع ةةرو بةةن‬

‫العاص ريض اهلل عنهام أن رسول اهلل ﷺ ال‪( :‬إ ا س عتم املؤ ن أكولوا ثةة‪ ،‬ةةا يكةةولن ثةةم‬

‫اريوا عيل؛ أسنه ن اىل عيل االإ اىل اهلل عريته هبا عةةرشان ثةةم سةةريوا اهلل يل الوسةةتريل؛ أسهنةةا‬

‫نزلل يف اجلنل ال ان غ إال لع د ن ع اد اهلل وأرجو أن أ ون أنةةا اةةون أ ةةن سةةأل يل الوسةةتريل‬

‫حريا له الشفاعل)ن أالرسول ﷺ ثريب نا أن نةأل اهلل له الوستريلن ونحن نةأل اهلل عز وج‪،‬‬

‫له ل ن واظا يعود عريتنا نحن بالنفعن ألن الرسول ﷺ ال‪ ( :‬ن اىل عةةيل اةةالإ اةةىل اهلل‬

‫عريته هبا عرشا) أنحن نةتفتد أيضا ن دعا نا حل ت نا ﷺ ‪.‬‬

‫‪1166‬‬
‫ال ش أن األ ر حيتاج إد افصةةت‪،‬ن وإن شةةاء اهلل سةةتكون يف بحةةث فصةة‪ ،‬نةةتكريم أتةةه عةةىل‬

‫الوسا ‪ ،‬املعتنل عىل ح ه ﷺ ن وعال ات اظا احلبن وثامر اظا احلب‪.‬‬

‫اعتظار‬

‫يف النهايل بعد أن عشنا اظي الريح ات الةعتدإ يف ظالل الةةةفإ الن ويةةل أحةةب أن أخةةتم اةةظي‬

‫الريح ات برسالل أوجهها بك‪ ،‬رإ يف تاين إد ح ت وح ت نا رسول اهلل ﷺ ن أ ول له‪:‬‬

‫‪-‬عظرا يا رسول اهللن عظرا إن نا نجه‪ ،‬الكثف والكثف عن حتاا وسفا أاإلحاثل هبا أ ر‬

‫ةتحت‪،‬ن لكن عزاؤنا أننا نحاول ونحاول ونكرأ ون حث ونج ع ونحفظ وال يكريف اهلل نفةا‬

‫إال وسعها‪.‬‬

‫‪ -‬عظرا ‪-‬يا رسول اهلل‪ -‬إن نا د رصنا يف الكثف ن سنن ن أريتس اظا ‪-‬أبةةدا‪ -‬اكريةةتال ةةن‬

‫شأهنا أو إمهاال لكدراان أسنا ‪-‬واهلل‪ -‬نعريم أن اخلف ‪ ،‬اخلف أتهةةان وأن الرمحةةل ةة‪ ،‬الرمحةل يف‬

‫باثنهان ونعدك أن نأع نها ا اسةةتطعنا ةةام أ رانةةان وأن نةةدرب أنفةةةنا وأزواجنةةا وأوالدنةةا‬

‫وإخواننا و ‪ ،‬أارينا و ن وارينا إلته ن أا اع وأح اب ن نةةدرب ةة‪ ،‬اةةؤالء عةةىل اط تكهةةا‬

‫واا اعها والتحيل هبا‪.‬‬

‫‪-‬عظرا ‪-‬يا رسول اهلل‪ -‬إن انا متر عريتنا أيا ٌم أال نةةظ ر ثرأةةا ةةن سةفا ن وال و فةةا ةةن‬

‫وا ف ن وال حديثا ن أحاديث ن أسنا ‪-‬وال حول وال وإ إال باهلل‪ -‬د شغريتنا أ والنا وأاريونا‬

‫عن اظ ر رياما العاثرإن واوجتهاا احلكت لن لتس اظا ‪-‬واهلل‪ -‬نفا ا وال جحةةودان ولكةةن‬

‫ن ب‪ ،‬نحةةب‬ ‫اكصف نرجو له ادار ا إن شاء اهللن وخطأ نرجو له إاالحان أنحن ‪-‬واهلل‪ -‬نح‬

‫‪1167‬‬
‫الثرى الظي شتا عريتهن والديار الت سكنا أتهان وال الد الت عشا أتهةةان وال نصةةن عةةىل‬

‫وال عد عن ن وأ رينا أن نريكاك عىل احلوض إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫أرا‬

‫‪-‬عظرا ‪-‬يا رسول اهلل‪ -‬إن جهةة‪ ،‬عريتة بعةةض اجلةةااريم ةةن أبنةةاء أ تة أتطةةاولوا عريتة‬

‫بسعرتاضن أو هتج وا عريت بش هلن أهظا اجله‪ ،‬نهم ال يكري‪ ،‬إال ن شأهنم امن وال حيةةط إال‬

‫‪ -‬ام نعريم‪ -‬أوسع ن جهريهمن وعري ة أشة ‪ ،‬ةةن عري هةةمن و ةةا‬ ‫ن درام امن وحري‬

‫جرأام عريت إال سوء اربتتهمن وأةاد نااجهمن وجرهيم وراء ‪ ،‬غريبن وأتنتهم برش ا هم‬

‫ن اجلن واإلنسن وسوف يعري ون يف يوم ريب ن الةعتد و ن الشك ن و ن الةةظي يرحةةب‬

‫به ويةكى ن حومل ن و ن الظي يكال له‪ :‬سحكا سحكا‪.‬‬

‫‪-‬عظرا ‪-‬يا رسول اهلل‪ -‬إن انا أ ت اآلن لتةا عىل الصورإ الت حتبن ولتةا يف املكةةان‬

‫الظي اريد؛ أهظي ارا امت سنم وأخطاء أجتالن لكن عزاؤنةةا أننةةا عةةدنا بفضةة‪ ،‬اهلل إد جةةادإ‬

‫الطريين أكا ا الصحوإ اإليامنتلن وازدارت الدعوإ اإلسةةال تلن وحةةرص الكثةةف ةةن أبنةةاء‬

‫أ ت عىل ادارك ا أاهتم والريحاق بر ب الصاحلمن وال نش أبدا أن اظا ثريي العةةزإ هلةةظي‬

‫عنا أنه ال اةةزال ثا فةةل‬ ‫األ لن أنحن ‪-‬إن شاء اهلل‪ -‬أته سا رون اابرون جماادونن وبشارا‬

‫ن أ ت ظاارين عىل احلي ال يرضام ن خظهلم حتى يأع أ ر اهلل وام ظل ن نةةةأل اهلل أن‬

‫نكون نهم‪.‬‬

‫وختا ا‪ :‬نةأل اهلل عز وج‪ ،‬أن يشفع أتنان وأن يترس لنا أن نرشب ن حومل يةةوم الكتا ةةل‬

‫دبل انتئل ال ن أ بعداا أبدان وأن جيعرينا ممن يدخريون اجلنل عة ن ويرأعةةون إد اةةح ت ن‬

‫ونحب أاحاب وإن نع ةة‪،‬‬ ‫أكد برشانا بأن املرء حيرش ع ن أحبن ونحن ‪-‬واهلل‪ -‬نح‬

‫بأعاملكم‪.‬‬

‫‪1168‬‬
‫نةأل اهلل أن يغفر لنا اكصفنان وأن يةرت عتوبنان وأن يكفر عنا ستئاانان وأن يرأع لنةةا درجاانةةان‬

‫وأن جيعرينا ع الظين أنعم عريتهم ن الن تم والصديكم والشهداء والصاحلم‪.‬‬

‫الريهم ا‪ ،‬عىل حم د وعىل آل حم د ام اريتا عىل إبرااتم وعىل آل إبرااتم إنة محتةةد‪.‬الريهم‬

‫بارك عىل حم د وعىل آل حم د ام بار ا عىل إبرااتم وعىل آل إبرااتم إن محتد جمتةةد‪ .‬الريهةةم‬

‫ا‪ ،‬عىل حم د وأزواجه و ريته ام اريتا عىل آل إبرااتمن وبارك عىل حم د وأزواجه و ريتةةه‬

‫ةةام اةةريتا‬ ‫ام بار ا عىل آل إبرااتم إن محتد جمتد‪ .‬الريهم ا‪ ،‬عىل حم د ع دك ورسةةول‬

‫عىل آل إبرااتمن وبارك عىل حم د وعىل آل حم د ام بار ا عىل إبرااتمن الريهم ا‪ ،‬عىل حم ةةد‬

‫وأزواجه أ هات املؤ نم و ريته وأا‪ ،‬بتته ام اريتا عىل آل إبرااتم إن محتةةد جمتةةد‪ .‬الريهةةم‬

‫اجع‪ ،‬االا ورمحت وبر اا عىل ستد املرسريم وإ ام املتكم وخاام الن تم حم ةةد ع ةةدك‬

‫ورسول إ ام اخلف و ا د اخلف ورسول الرمحلن الريهم ابعثه كا ا حم ودا يغ طةةه بةةه األولةةون‬

‫واآلخرونن الريهم آت حم دا الوستريل والفضتريلن وابعثه كا ا حم ودا الظي وعداهن الريهم جازي‬

‫عنا وعن املةري م وعن العاملم خف اجلزاءن وا‪ ،‬الريهم عريته يف األولمن وا‪ ،‬الريهم عريته يف‬

‫اآلخرينن وا‪ ،‬الريهم عريته يف امل األعىل إد يوم الدينن آ من آ م‪.‬‬

‫وآخر دعوانا أن احل د هلل رب العاملم‪.‬‬

‫‪1169‬‬
1170

You might also like