You are on page 1of 47

‫ى بن أبى طالب )‬

‫كتاب ( مسلسل ال ُحمق في ذرية عل ّ‬


‫هذا الكتاب ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ سبق نشر حلقات من مسلسل الدماء في تاريخ الخلفاء وتوقف الجزء األول بالعصر‬
‫العباسى األول ‪ .‬وسبق نشر أجزاء من الحروب األهلية بين الصحابة في ( الفتنة الكبرى ) من‬
‫كتاب ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) ‪ ،‬ثم الحروب األهلية التالية في كتب (‬
‫مذبحة كربالء ‪ ) ..‬ثم ( الفتنة الكبرى الثانية ) ‪ .،‬ونكمل في هذا الكتاب ( مسلسل ال ُحمق في‬
‫ى بن أبى طالب ) أحداثا أخرى من العصر األموى الى مطلع العصر العباسى ‪،‬‬ ‫ذرية ‪ :‬عل ّ‬
‫تجلّى فيها ُحمق الطموحين من ذرية ( على ابن أبى طالب ) ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وبعد المقدمة يبدأ الكتاب بأروع إنسان من ذرية (على ) ‪ ،‬وهو ( على زين العابدين ) ‪ ،‬ثم‬
‫يسير مع الحمقى الثائرين في العصر األموى ‪ :‬زيد بن على زين العابدين ‪ ،‬ثم ابنه يحيى ‪،‬‬
‫وهذا في الفصل األول ‪ .‬ثم في الفصل الثانى ‪ :‬ثورة دمحم النفس الزكية وأخوه في خالفة أبى‬
‫جعفر المنصور ‪ .‬ثم خاتمة الكتاب ‪.‬‬
‫وهللا جل وعال هو المستعان‬
‫أحمد صبحى منصور‬
‫فرجينيا ـ الثانى من نوفمبر ‪2222‬‬

‫مقدمة كتاب ( مسلسل ال ُحمق في ذرية " على بن أبى طالب " )‪ ( .‬الحمق المقدّس )‬
‫أوال ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ يتمتع على بن أبى طالب وذريته ( خصوصا الحسين ) بتقديس يفوق عند معظم السنيين‬
‫كرم هللا وجهه )‪.‬‬
‫التقديس للخلفاء أبى بكر وعمر وعثمان ‪ ،‬فهو الوحيد عندهم الذى يقال فيه ( ّ‬
‫وعند الشيعة يتضاءل تقديس رب العزة جل وعال ويتفوق عليه عندهم تقديس (على ) وأكثر‬
‫منه ( الحسين ) ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وقد عرضنا في كتابنا ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) لشخصية ( على بن‬
‫أبى طالب ) ‪ ،‬وأوضحنا ُحمقه السياسى ‪ ،‬وقتها لم نستعمل كلمة ( الحمق ) واستعملنا كلمة‬
‫الفشل ‪ .‬ثم تبين لنا اآلن أن األنسب هو كلمة ( ال ُحمق ) ألن االنسان قد يُعد لمشروع ما كل‬
‫عوامل النجاح ‪ ،‬ثم يفشل ألسباب خارجة عن إرادته أو لظروف قهرية فوق طاقته ‪ .‬أما أن‬
‫يو ّجه إنسان الطعنات لنفسه ‪ ،‬ويتسبب في هزيمة نفسه ثم يصمم على ذلك دون أن يتعلم من‬
‫الخطأ فهذا ـ لو تعلمون ـ ُحمق عظيم ‪ .‬برجاء أن ترجعوا الى ما كتبناه وتقرأوه بموضوعيه‪،‬‬
‫واحكموا بأنفسكم ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ األشد ُحمقا كان الحسين الذى ص ّمم على الخروج بأهله في مغامرة دون استعداد ‪ ،‬وأص ّم‬
‫ظلفه ‪ ،‬وأضاع معه حياة العشرات ممن أهله ‪.‬‬‫أُذُنيه عن نُصح الناصحين ‪ ،‬وسعى الى حتفه ب ُ‬
‫وقد عرضنا لهذا بالتفصيل في كتاب منشور هنا عن ( مذبحة كربالء ‪ :‬دراسة بحثية ‪ /‬ترفع‬
‫الضّغط ) ‪ .‬برجاء أن ترجعوا الى ما كتبناه وتقرأوه بموضوعيه‪ ،‬واحكموا بأنفسكم ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ نجا من هذا الحمق ( دمحم ( ابن الحنفية ) ابن على ابن أبى طالب ) وعرضنا له في‬
‫تفصيالت كتابنا ( الفتنة الكبرى الثانية ‪ /‬صفحة من التاريخ األسود للسلف الصالح ) ‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ونعرض في هذا الكتاب لمسلسل الحمق في ذرية ( على بن أبى طالب ) ‪ ،‬ونبدأ فيه بمن‬
‫نجا من هذا ال ُحمق على زين العابدين ابن الحسين بن على بن أبى طالب ‪ .‬وهو شخصية فريدة‬
‫في عائلته وأسرته ‪ ،‬ووصفناه بالقرآنى ‪ ،‬نظرا اليثاره السالم واإلحسان والعفو والصفح ‪،‬‬
‫برغم ما قاساه وهو يرى مصرع أبيه ومعظم أسرته في كربالء ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ بعده عرضنا إلبنه زيد بن على بن الحسين الذى ص ّمم على السير في طريق الحمق الذى‬
‫سار عليه جده الحسين ‪ ،‬ومثله رفض نُصح الناصحين ‪ ،‬ومثله خدعه أنصاره ‪ ،‬ومثله لقى‬
‫مصرعه ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وبعده سار على نفس طريق ال ُحمق أبنه ( يحيى بن زيد بن على بن الحسين ) ‪ .‬ولقى‬
‫مصرعه ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ثم إنتقل ُمسلسل ال ُحمق الى ذرية الحسن بن على بن أبى طالب في ثورة دمحم النفس الزكية‬
‫وأخيه إبراهيم ‪ .‬وكالهما انهزم وفقد رأسه ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ بعده نتوقف في الخاتمة مع تحليل تاريخى وتدبّر قرآنى في الموضوع‪.‬‬
‫أخيرا‬
‫‪ 1‬ـ الغريب إن أحدا منهم لم يتّعظ ‪ ،‬ولم يتعلم ‪ .‬صنعوا تاريخا من مسلسل من الحمق ال نظير‬
‫له في تاريخ العالم ــ حسب علمنا ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ األغرب هو ُحمق من يقدّس هذه الشخصيات الحمقاء ‪ .‬نرى ُحمقهم متجسدا في مظاهرات‬
‫التطبير ‪ ،‬يضربون أنفسهم ويسيلون دماءهم بأيديهم ُحزنا على مقتل شخص أحمق ‪ ،‬فيزايدون‬
‫عليه في ال ُحمق ‪ .‬إن لم يكن ما سبق ُحمقا ‪ ،‬فماذا نُس ّميه ؟ كان التطبير ُحمقا محليا ‪ ،‬أصبح‬
‫اآلن عالميا ‪ ،‬تنتشر صور االحتفال به في اآلفاق ‪ ،‬تثير العجب والسخرية ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إذا كان ال خير في قوم يعبدون مخلوقات عادية ‪ ،‬فكيف بقوم يعبدون مخلوقات غبية حمقاء‬
‫؟ ثم يرفعونهم فوق مستوى رب العزة جل وعال ‪!.‬‬
‫‪ 4‬ـ العجيب إنهم يعبدون مخلوقات ت ّم قطع رءوسها ‪ ،‬وطيف برءوسهم في اآلفاق ‪ .‬آلهة بال‬
‫رءوس ‪ !..‬آلهة عجزت عن حماية رءوسها ‪ .‬إذا كان ال بد عندهم من التقديس فاألولى‬
‫بالتقديس هو السيف الذى قطع تلك الرءوس ‪ .‬أو الشخص الذى قطع تلك الرءوس ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ قد يحتج بعضهم علينا استعمال وصف الحمق ‪ ..‬ولكنه يسكت عن ُحمق الشيعة وهم في‬
‫تقديسهم للحسين يرفعونه فوق مستوى الخالق جل وعال ‪ .‬ونرجو مراجعة ما يقولونه في‬
‫تفضيل الحسين ( صاحب الرأس المقطوع )على رب العزة جل وعال ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ كفى ُحمقا أيها الناس ‪ ..‬فقد ضحكت من ُحمقكم األُمم ‪.‬‬

‫)‪ (2‬التعليقات‬
‫سعيد علي تعليق بواسطة ‪1‬‬ ‫في األحد ‪ 21‬نوفمبر ‪2222‬‬
‫]‪[92938‬‬

‫!! بين ( الجعفرية المنصورية ) و ( السادية المازوخية )‬

‫تاريخ العرب قبل بعثة النبي دمحم عليه السالم و من خالل قراءة للحروب التي دارت بينهم لم‬
‫تكن فيها تلك المشاهد التي تنم عن االنتقام السادي كقطع الرؤوس و تعليق الجثث و انتزاع‬
‫األحشاء ‪ ..‬ربما يذكر التاريخ حدث حز عبد هللا بن مسعود لرقبة عمرو بن هشام ( أبا الحكم ‪/‬‬
‫أبو جهل ) بعد قوله ‪ :‬لقد ارتقيت مرتقا صعبا يا روعي الغنم ! و يذكر التاريخ انتقام هند بنت‬
‫عتبة في معركة أحد من حمزة بن عبد المطلب عم النبي عليه السالم عن طريق انتزاع كبده‬
‫! انتقاما و تشفيا لمقتل عائلتها في معركة بدر‬

‫و خالل فترة النبي دمحم عليه السالم و التي يفترض أن تروض سادية البعض من خالل حرمة‬
‫‪ .‬قتل النفس و عظم الجزاء إال أن التاريخ يحكي عن سادية قادة بني أمية و بني العباس بعدهم‬

‫في مشهد رأس إبراهيم – أخ دمحم النفس الزكية – مقطوعا أمام أبو جعفر لنتأمل هذا المشهد ‪:‬‬
‫( فلما رآه بكى حتى خرجت دموعه على خد إبراهيم ثم قال‪ :‬أما وهللا إني كنت لهذا كارها ً !‬
‫ولكنك ابتليت بي وابتليت بك! ثم أمر بالرأس فنصب بالسوق‪).‬‬

‫مشاهد السادية كثيرة جدا في التاريخ العربي بعد وفاة النبي عليه السالم و لكن كيف نفسر هذا‬
‫!! العمل الحيواني‬

‫البعد عن القران الكريم و عدم تدبره و العمل به هو ما جعل من تلك النفوس طالبة للدنيا‬
‫‪ .‬متناسية اآلخرة‬

‫آحمد صبحي منصور تعليق بواسطة ‪2‬‬ ‫في األحد ‪ 21‬نوفمبر ‪2222‬‬
‫]‪[92939‬‬

‫‪ :‬شكرا ابنى الحبيب استاذ سعيد على ‪ ،‬واقول‬

‫ـ قطع الرءوس كان معتادا ‪ ،‬ودليل النصر للمنتصر ‪ ،‬ولقد قال ابوجعفر المنصور اما رأسه ‪1‬‬
‫أو رأس ابراهيم ‪ ،‬أى إما أن ينتصر ويؤتى اليه برأس ابراهيم ‪ ،‬وإما أن ينهزم ويؤتى برأسه‬
‫البراهيم ‪ .‬وهو أيضا وسيلة للسيطرة وإرهاب الخصوم ‪ ،‬لذا كان مرتبطا بالطواف بالرأس‬
‫المقطوع فى اآلفاق ‪ .‬وبالمناسبة فإن رأس ابراهيم اخ دمحم النفس الزكية قد وصلت فى‬
‫الطواف بها الى مصر ‪ ،‬وتم دفنها فى مدينة عين شمس ‪ ،‬وأقيم فوقها مسجد اسمه إسمه اآلن‬
‫مسجد تبر وال يزال موجودا ‪ .‬أيضا كان معتادا تعليق الجثة برأسها أو بدونه ‪ ،‬ويظل الجسد‬
‫‪ .‬معلقا يراه الناس‬

‫ـمع فظاعة هذا العمل فهو ال يخلو من العبرة‪ .‬فى العصر المملوكى كانت تتكاثر الفتن ‪2‬‬
‫والمؤامرات ‪ ،‬والمهزوم يدخل السجن أو يفقد رأسه‪ .‬يكون فى حياته ظالما شديد الظلم ‪ ،‬ثم‬
‫يخسر ويفقد راسه ‪ ،‬ويُطاف بها فى الشوارع ‪ ،‬للتشهير والتجريس ‪ ،‬وكان يحدث أن يدفع‬
‫بعض الناس األموال للمشاعلى ( حامل الرأس ) كى يتيح لمن يدفع له المال أن يتبول على‬
‫‪ .‬الرأس‬

‫ـ لم يُفلح قطع الرءوس فى قطع دابر الفتن ‪ ،‬بدليل ما جاء فى هذا الكتاب ‪ ،‬وبدليل مقدمة ‪3‬‬
‫‪ .‬كتابنا عن الفتنة الكبرى الثانية‬

‫(على زين العابدين ابن الحسين)‪ :‬القرآنى الحقيقى‬


‫الذى يؤلهه الشيعة ويخالفونه‬
‫مقدمة‬
‫‪ 1‬ـ على بن الحسين بن على بن أبى طالب ( على زين العابدين ) شخصية تاريخية تستحق‬
‫االحترام ‪ ،‬ومن التناقض أن الشيعة يؤلهونه وفى نفس الوقت يتناقضون في عقائدهم‬
‫وسلوكياتهم مع ما كان عليه في حياته ‪ .‬كان مؤمنا بالقرآن الكريم وحده حديثا وكافرأ بما‬
‫يخالف القرآن من حديث وتشريع وسلوك ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نعرض لشخصية على زين العابدين القرآنية من خالل المكتوب عنه في المصادر السنّية‬
‫لنتعرف على التناقض بينه وبين أئمة الكهنوت الشيعي ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬لمحات من حياته‬
‫مولده ووفاته‬
‫مات علي بن حسين بالمدينة ودفن بالبقيع سنة‪ ، 44‬وقيل سنة ‪ . 42‬وكان عمره ‪ 55‬عاما ‪.‬‬
‫ويرفض المؤرخ الواقدى القول بأن عليا زين العابدين كان صغيرا وقت مذبحة كربالء ‪،‬‬
‫ويقول إنه كان رجال تجاوز العشرين ‪ ،‬ولكن كان مريضا لم يشترك في القتال ‪ .‬وهذا صحيح‬
‫بدليل الدور الذى قام به في موقعة الحرة ‪ ،‬وهو دور ال يقوم به طفل مراهق بل شخص مكتمل‬
‫الرجولة ‪.‬‬
‫في محنة كربالء‬
‫قالوا إنه كان مريضا نائما على فراشه ‪ ،‬وبعد هزيمة الحسين وقتل أصحابه أراد ( شمر بن‬
‫ذي الجوشن ) قتله ‪ ،‬فقال له رجل من أصحابه ‪ " :‬سبحان هللا أنقتل فتى حدثا مريضا لم‬
‫يقاتل‪ "!.‬وجاء عمر بن سعد بن أبى وقّاص قائد الجيش فقال‪ " :‬ال تعرضوا لهؤالء النسوة وال‬
‫لهذا المريض‪" .‬‬
‫مع عبيد هللا بن زياد والى الكوفة‬
‫بعد المذبحة إختفى على زين العابدين في الكوفة عند رجل من الشيعة ‪ ،‬وأخذ جنود ابن زياد‬
‫الوالى يبحثون عنه ‪ ،‬وقد جعلوا مكافأة لمن يسلّمه لهم ‪ .‬يقول على زين العابدين عن قصته‬
‫صني ‪ ،‬وجعل يبكي‬ ‫مع هذا الرجل الشيعي الكوفى ‪ ( :‬فغيبني رجل منهم وأكرم نزلي واخت ّ‬
‫كلما خرج ودخل ‪،‬حتى كنت أقول ‪ " :‬إن يكن عند أحد من الناس خير ووفاء فعند هذا‪ " .‬إلى‬
‫أن نادى منادي ابن زياد ‪ " :‬أال من وجد علي بن حسين فليأت بهن فقد جعلنا فيه ثالثمائة درهم‬
‫‪ ) " .‬وباع هذا الشيعي ضيفه ب‪ 322‬درهم ‪ . !.‬يقول على زين العابدين ‪ ( :‬فدخل وهللا علي ‪،‬‬
‫وهو يبكي ‪ ،‬وجعل يربط يدي إلى عنقي‪ ،‬وهو يقول ‪ " :‬أخاف‪ ، " .‬فأخرجني وهللا إليهم‬
‫مربوطا حتى دفعني إليهم وأخذ ثالثمائة درهم ‪) .‬‬
‫ويحكى عن مقابلته ابن زياد ‪ ( :‬فأ ُخذت وأ ُدخلت على ابن زياد ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ما اسمك ؟ " فقلت ‪:‬‬
‫"علي بن حسين " ‪ ،‬قال ‪" :‬أو لم يقتل هللا عليا ؟ " ‪ ..‬قلت ‪" :‬كان لي أخ يقال له علي أكبر مني‬
‫قتله الناس‪ " .‬قال ‪" :‬بل هللا قتله ‪ " .‬قلت‪ " :‬هللا يتوفى األنفس حين موتها " ) ( وأمر ابن زياد‬
‫بقتله ‪ ،‬فصاحت زينب بنت علي ‪ " :‬يا بن زياد حسبك من دمائنا ‪ ،‬أسألك باهلل إن قتلته إال‬
‫قتلتني معه‪ ".‬فتركه )‪ ..‬نالحظ هنا عقيدة الجبرية األموية ‪ ،‬والتي تعنى أن أفعال البشر تصدر‬
‫بأمر هللا ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ) ‪ ،‬وأن البشر مجبورون على ما يفعلون ‪ ،‬وبالتالي فليس‬
‫األمويون هم من قتل الحسين وآله ‪ ،‬بل هللا هو الذى قتلهم ‪ .‬ولقد إعترض على هذه الجبرية (‬
‫القدرية ) القائلون ‪ :‬ليس األمر بالقدر االلهى وإنما هو بالقوة رغم أنف الناس ‪ .‬ولنا بحث‬
‫منشور عن الجبرية وعن القدرية في موضوع حرية الرأي بين اإلسالم والمسلمين ‪.‬‬
‫على زين العابدين ويزيد بن معاوية‬
‫أدخلوه على يزيد بن معاوية مع نساء الحسين ‪ ،‬فقام رجل من أهل الشام فقال ( " إن سباءهم‬
‫لنا حالل‪ " .‬فقال علي بن حسين ‪" :‬كذبت ولؤمت ‪ ،‬ما ذاك لك إال أن تخرج من ملتنا وتأتي‬
‫بغير ديننا‪ " .‬فأطرق يزيد مليا ‪ ،‬ثم قال للشأمي ‪ " :‬اجلس " ‪ ،‬وقال لعلي بن حسين ‪ " :‬إن‬
‫أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك ونعرف لك حقك فعلت ‪ ،‬وإن أحببت أن أردك إلى بالدك‬
‫وأصلك " قال ‪" :‬بل تردني إلى بالدي" ‪ ،‬فرده إلى بالده ‪ ،‬ووصله )‬
‫ثانيا ‪ :‬كان قرآنيا بدليل ‪:‬‬
‫السالم والمسالمة‬
‫‪ 1‬ـ مع إنه شهد بعينيه مصرع أبيه واخوته واسرته فقد آثر مسالمة أعدائه األمويين ‪ .‬لقد رجع‬
‫على زين العابدين ونساء بيته ومنهن زينب بنت على الى المدينة ‪ ،‬فثارت المدينة ثورة عارمة‬
‫‪ ،‬وخلعت طاعة يزيد بن معاوية ‪ ،‬وحاول يزيد إسترضاءهم فرفضوا ‪ ،‬فأرسل لهم جيشا يقوده‬
‫مسلم بن عقبة ‪ .‬لم ينضم على زين العابدين الى الثوار ‪ ،‬واعتكف بأهله بعيدا عن المدينة ‪.‬‬
‫ولما انتصر مسلم بن عقبة على المدينة استدعى اليه عليا زين العابدين وأكرمه ‪ ،‬وأبلغه أن‬
‫يزيد ابن معاوية أوصاه به خيرا‪ .‬هذا في الوقت الذى أساء فيه مسلم بن عقبة استقبال الوفد‬
‫األموى بزعامة مروان بن الحكم وابنه عبد الملك ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ حين ثار أهل المدينة أخرجوا األمويين الذين كانوا يسكنون المدينة وعلى رأسهم مروان بن‬
‫الحكم بعد أن أخذوا عليهم العهود ّأال يدلوا مسلم بن عقبة ‪ .‬عندما قابلوه حنث عبد الملك بالعهد‬
‫ونصح مسلم بن عقبة بالطريقة المثلى في الهجوم على المدينة ‪ ،‬ونفّذها مسلم وانتصر ‪ ،‬وفعل‬
‫بأهل المدينة األفاعيل قتال وسلبا ونهبا وإغتصابا للنساء ‪ .‬على خالف أهل المدينة وقف على‬
‫زين العابدين الى جانب األمويين المطرودين من المدينة ‪ ،‬فآوى اليه نساء مروان بن الحكم‬
‫وأثقاله وجعلهم في بيته ‪ .‬لذا كان محبوبا من األمويين ‪ ،‬قالوا ‪ ( :‬كان الزهري إذا ذكر علي‬
‫بن حسين قال كان أقصد أهل بيته وأحسنهم طاعة ‪ ،‬وأحبهم إلى مروان بن الحكم وعبد الملك‬
‫بن مروان )‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وكان صادقا في بيعته لألمويين ‪ ،‬يصلى خلفهم بال تقيّة ‪ ،‬قال أبو جعفر ‪ ( :‬إنا لنصلي‬
‫خلفهم في غير تقية ‪ ،‬وأشهد على علي بن حسين أنه كان يصلي خلفهم في غير تقية )‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وكانت التقيّة عند على زين العابدين بالمفهوم االسالمى القرآنى ‪ ،‬قال جل وعال ‪ ( :‬ال‬
‫َيءٍ إِالَّ أ َ ْن‬ ‫ُون ْال ُمؤْ ِمنِينَ َو َم ْن يَ ْفعَ ْل ذَ ِل َك فَلَي َ‬
‫ْس ِم ْن َّ ِ‬
‫َّللا فِي ش ْ‬ ‫يَت َّ ِخ ْذ ْال ُمؤْ ِمنُونَ ْال َكافِ ِرينَ أ َ ْو ِليَا َء ِم ْن د ِ‬
‫ُور ُك ْم أ َ ْو‬ ‫ير (‪ )25‬قُ ْل ِإ ْن ت ُ ْخفُوا َما فِي ُ‬
‫صد ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫َّللا ْال َم ِ‬
‫سهُ َو ِإلَى َّ ِ‬ ‫تَتَّقُوا ِم ْن ُه ْم تُقَاة ً َويُ َحذّ ُِر ُك ْم َّ‬
‫َّللاُ نَ ْف َ‬
‫ِير (‪ )24‬آل‬ ‫َيءٍ قَد ٌ‬ ‫علَى ُك ِّل ش ْ‬ ‫َّللاُ َ‬
‫ض َو َّ‬ ‫ت َو َما فِي األ َ ْر ِ‬ ‫س َم َوا ِ‬‫َّللاُ َويَ ْعلَ ُم َما فِي ال َّ‬ ‫ت ُ ْبدُوهُ يَ ْعلَ ْمهُ َّ‬
‫عمران ) يقترب من هذا قول على زين العابدين ‪ " ( :‬التارك األمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر كالنابذ كتاب هللا وراء ظهره إال أن يتقي تقاة ‪ " .‬قيل ‪ " :‬وما تقاته ؟" قال ‪ " :‬يخاف‬
‫جبارا عنيدا يخاف أن يفرط عليه أو أن يطغى ‪ .) ".‬لم يقل ( التارك للسنّة ) فلم يكن هذا‬
‫المصطلح معروفا وقتها ‪ ،‬كان الكتاب وفقط ‪ .‬يهمنا هنا أن التقية الشيعية تعنى التآمر ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ كراهيته لسفك الدماء‬
‫‪ : 1 / 5‬جعلته يقول ‪ ( :‬وهللا ما قتل عثمان على وجه الحق )‬
‫‪ : 2 / 5‬وجعلته يرفض الثورات ‪ .‬قالوا ‪ ( :‬إن علي بن حسين كان ينهى عن القتال ‪ ،‬وأن قوما‬
‫من أهل خراسان لقوه فشكوا إليه ما يلقون من ظلم والتهم فأمرهم بالصبر والكف ‪ ،‬وقال ‪" :‬‬
‫إني أقول كما قال عيسى عليه السالم إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز‬
‫الحكيم)‪.‬‬
‫العفو عند المقدرة‬
‫‪ 1‬ـ كان يضيق صدره من لعن األمويين جده عليا على المنابر ‪ ،‬وكان يعبر عن هذا الضيق‬
‫َّللاُ ْال َج ْه َر ِبالس ِ‬
‫وء‬ ‫أحيانا بما ال يصل الى الجهر بالسوء من القول ‪ ،‬قال جل وعال ‪ ( :‬ال ي ُِحب َّ‬
‫سوءٍ‬ ‫ع ِليما ً (‪ِ )145‬إ ْن ت ُ ْبدُوا َخيْرا ً أ َ ْو ت ُ ْخفُوهُ أ َ ْو ت َ ْعفُوا َ‬
‫ع ْن ُ‬ ‫س ِميعا ً َ‬ ‫ِم ْن ْالقَ ْو ِل ِإالَّ َم ْن ُ‬
‫ظ ِل َم َو َكانَ َّ‬
‫َّللاُ َ‬
‫عفُ ّوا ً قَدِيرا ً (‪ )144‬النساء )‪.‬‬ ‫َّللا َكانَ َ‬‫فَإِ َّن َّ َ‬
‫‪ 2‬ـ قال المنهال بن عمرو ‪ ( :‬دخلت على علي بن حسين فقلت‪ " :‬كيف أصبحت أصلحك هللا‬
‫"؟ ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ما كنت أرى شيخا من أهل المصر مثلك ال يدري كيف أصبحنا ‪ ،‬فأما إذ لم تدر‬
‫أو تعلم فسأخبرك ‪ :‬أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون إذ كانوا يذبحون‬
‫تقرب إلى عدونا بشتمه أو سبه على‬ ‫أبناءهم ويستحيون نساءهم ‪ ،‬وأصبح شيخنا وسيدنا يُ ّ‬
‫المنابر ‪ ،‬وأصبحت قريش تعد أن لها الفضل على العرب ألن دمحما ملسو هيلع هللا ىلص منها ال يعد لها فضل إال‬
‫به ‪ ،‬وأصبحت العرب مقرة لهم بذلك ‪ ،‬وأصبحت العرب تعد أن لها الفضل على العجم ألن‬
‫دمحما ملسو هيلع هللا ىلص منها ال يعد لها فضل إال به ‪ ،‬وأصبحت العجم مقرة لهم بذلك ‪ .‬فلئن كانت العرب‬
‫صدقت أن لها الفضل على العجم وصدقت قريش أن لها الفضل على العرب ألن دمحما صلى هللا‬
‫عليه وسلم إن لنا أهل البيت الفضل على قريش ألن دمحما ملسو هيلع هللا ىلص منا ‪ ،‬فأصبحوا يأخذون بحقنا وال‬
‫يعرفون لنا حقا ‪ ،‬فهكذا أصبحنا إذ لم تعلم كيف أصبحنا "‪. ) .‬‬
‫‪ 3‬ـ كان يغضب من لعن جدّه على المنبر‪ ،‬ومع ذلك يحرص على الصالة خلف من يلعن جده ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أكثر من هذا أن الوالى على المدينة هشام بن إسماعيل كان يؤذي علي بن حسين وأهل‬
‫تقربا لألمويين ‪ ،‬و يخطب بذلك على المنبر ‪ ،‬وينال من علي بن أبى طالب ‪ ،‬ويتح ّمله‬ ‫بيته ّ‬
‫زين العابدين ‪ .‬ثم غضب الخليفة الوليد بن عبد الملك على هذا الوالى فعزله ‪ ،‬وأمر به أن‬
‫يحرض الناس‬ ‫يوقف للناس ليضربوه ويهينوه ‪ ،‬فكان يخشى إنتقام على زين العابدين ‪ ،‬وأن ّ‬
‫على إهانته وهم له يطيعون ‪ .‬ولكن حدث العكس‪ .‬بعد محنته يقول هذا الوالى السابق ‪ ( :‬ال‬
‫وهللا ما كان أحد من الناس أه ّم إلي من علي بن حسين ‪ ،‬كنت أقول رجل صالح يُسمع قوله‪،‬‬
‫صته ونهاهم عن التعرض ‪ ( ) .‬وغدا علي بن‬ ‫فوقف للناس ‪..‬فجمع علي بن حسين ولده وخا ّ‬
‫مارا لحاجة ‪ ،‬فما عرض له ‪ .‬فناداه هشام بن إسماعيل قائال ‪ " :‬هللا أعلم حيث يجعل‬ ‫حسين ّ‬
‫رساالته‪ .) !!".‬وذكر عبد هللا بن على أن والده على زين العابدين جمع بنيه وأهله ونهاهم عن‬
‫عزل وقد أ ُمر بوقفه للناس ‪ ،‬فال‬
‫التعرض لهشام بن اسماعيل ‪ ،‬وقال لهم ‪ ( :‬إن هذا الرجل قد ُ‬
‫ّ‬
‫يتعرضن له أحد منكم ‪ .‬فقلت ‪ " :‬يا أبت ولم ؟ وهللا إن أثره عندنا لسيء‪ ،‬وما كنا نطلب إال‬
‫مثل هذا اليوم ‪ " .‬قال ‪ " :‬يا بني نكله إلى هللا‪ " .‬فوهللا ما عرض له أحد من آل حسين بحرف‬
‫تصرم أمره ‪. ).‬‬
‫ّ‬ ‫حتى‬
‫ضد التطرف الشيعي في تقديس آل البيت‬
‫‪ 1‬ـ كان يعتبر التطرف في حُبّ آل على عارا ‪ .‬قال يحيى بن سعيد ‪ ( :‬سمعت علي بن‬
‫حسين ــ وكان أفضل هاشمي أدركته ــ يقول ‪ " :‬يا أيها الناس أحبونا حب اإلسالم‪ ،‬فما برح بنا‬
‫حبكم حتى صار علينا عارا ) وروى أيضا يحيى بن سعيد ‪ ( :‬قال علي بن حسين أحبونا حب‬
‫اإلسالم ‪ ،‬فوهللا ما زال بنا ما تقولون حتى بغضتمونا إلى الناس )‪ ،‬ورواية أخرى عنه ‪( :‬‬
‫جاء نفر إلى علي بن الحسين فأثنوا عليه ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ما أكذبكم وما أجرأكم على هللا‪ .‬نحن من‬
‫صالحي قومنا ‪ ،‬وبحسبنا أن نكون من صالحي قومنا )‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ المختار الثقفى هو الذى انتقم م ّمن قتل الحسين وآله ‪ ،‬وإتّخذ من االنحياز لهم شعارا حكم‬
‫به العراق فترة من الزمن ‪ ،‬وهو الذى نشر خرافات دينية ‪ .‬من المتوقع أن يكون على زين‬
‫العابدين كارها للمختار الثقفى ‪ ،‬مع إن المختار الثقفى هو الذى بعث بجيش الخشبية لينقذ بنى‬
‫هاشم من الحرق بالنار ‪ ،‬إذ كان ابن الزبير قد حصرهم في شعب ابى طالب ‪ ،‬وأوشك على‬
‫إضرام النار فيهم لرفضهم البيعة له ‪ ،‬وقد عرضنا لهذا بالتفصيل في كتابنا عن الفتنة الكبرى‬
‫الثانية ‪ ،‬وهو منشور هنا ‪.‬‬
‫أراد المختار إستمالة على زين العابدين فبعث له بمائة ألف‪ ،‬فكره أن يقبلها وخاف أن يردها‬
‫‪ ،‬فأخذها فاحتبسها عنده ‪ .‬فلما قتل المختار كتب علي بن حسين إلى عبد الملك بن مروان ‪" :‬‬
‫إن المختار بعث إلي بمائة ألف درهم فكرهت أن أردها وكرهت أن آخذها فهي عندي فابعث‬
‫من يقبضها ‪ " .‬فكتب إليه عبد الملك ‪ " :‬يا ابن عم خذها فقد طيبتها لك ‪ " .‬فقبلها ‪) .‬‬
‫وكانت مفتريات المختار من أحاديث ينسبها للنبى ومن منامات أكثر م ّما يكرهه على زين‬
‫العابدين ‪ .‬وبسببها أعلن على زين العابدين لعن المختار بعد مقتله ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬إن علي‬
‫بن حسين قام على باب الكعبة فلعن المختار‪ .‬فقال له رجل ‪ " :‬جعلني هللا فداك‪ ،‬تلعنه وإنما‬
‫ذُبح فيكم " فقال ‪ " :‬إنه كان كذابا يكذب على هللا وعلى رسوله ‪ .) .‬ماذا لو عاش على زين‬
‫العابدين في العصر العباسى ؟‬
‫لم يزعم لنفسه العلم اللدنى كما يفترى أئمة الشيعة‬
‫كان متواضعا مع العلماء ‪ ،‬يذهب اليهم ويستفتيهم ‪ ،‬وهم أقل مكانة إجتماعية منه ‪ ،‬وكانوا‬
‫يعاملونه كتلميذ لهم‪ .‬نفهم هذا من قولهم ‪ ( :‬جاء علي بن حسين بن علي بن أبي طالب إلى‬
‫عبيد هللا بن عبد هللا بن عتبة بن مسعود يسأله عن بعض الشيء وأصحابه عنده ‪ ،‬وهو يصلي‬
‫فجلس حتى فرغ من صالته ‪ ،‬ثم أقبل عليه عبيد هللا ‪ .‬فقال أصحابه ‪ " :‬أمتع هللا بك جاءك هذا‬
‫الرجل وهو ابن ابنة رسول هللا وفي موضعه يسألك عن بعض الشيء فلو أقبلت عليه فقضيت‬
‫حاجته ثم أقبلت على ما أنت فيه ؟" فقال عبيد هللا لهم‪ " :‬البد لمن طلب هذا الشأن من أن يتعنّى‬
‫)أي يعانى ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ ( :‬كان علي بن حسين يخرج على راحلته إلى مكة ويرجع‪ ..‬وكان يجالس أسلم مولى‬
‫عمر‪ .‬فقال له رجل من قريش ‪ " :‬تدع قريشا وتجالس عبد بني عدي ؟ " فقال علي‪ " :‬إنما‬
‫يجلس الرجل حيث ينتفع ‪. ) ".‬‬
‫الكرم والعطاء وليس أخذ ال ُخمس‬
‫جعل دين التشيع الخمس فريضة للكهنوت الشيعي عدا مميزات أخرى ‪ .‬على زين العابدين كان‬
‫يعطى وال يأخذ ‪ .‬تقول الروايات ‪ ( :‬كنا عند علي بن حسين قال فكان يأتيه السائل قال فيقوم‬
‫حتى يناوله ويقول إن الصدقة تقع في يد هللا قبل أن تقع في يد السائل قال وأومأ بكفيه )‪ .‬وبعد‬
‫سرا‬
‫سر‪ .‬أئمة الشيعة تمتلىء خزائنهم بالباليين ّ‬ ‫موته وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة في ال ّ‬
‫وعالنية ‪.‬‬
‫تعليق د عثمان دمحم على‬
‫كان رجل سالم‬
‫أكرمك هللا استاذنا دكتور ‪ -‬منصور ‪ -‬هذا المقال من المقاالت التى تُعلمنا القراءة عن‬
‫الشخصيات التاريخية والكتابة عنها بحيادية ودراسة مدى اقترابها او بعدها فى أقوالها وأفعالها‬
‫من تشريعات القرءان الكريم ‪ .‬ومن هذا المقال نستطيع أن نقول أن (على زين العابدين ) كان‬
‫يتبرأ علنا من أقوال وأفعال الشيعة أتباع أبيه وجده ‪ ،‬وكان يقترب من القرءان العظيم فى‬
‫تسيير أمور حياته فى عفوه عمن قتلوه ابيه وظلموا اسرته ‪،‬ولم يستجب لمحالوالت بنى أمية‬
‫فى إستمالته بالمال والمناصب متمثال قول هللا هلالج لج( الذين ينفقون في السراء والضراء‬
‫والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وهللا يحب المحسنين ) وقوله سبحانه ( تلك الدار االخرة‬
‫نجعلها للذين ال يريدون علوا في االرض وال فسادا والعاقبة للمتقين )‬

‫مسلسل ال ُحمق في ذرية (على بن أبى طالب ) ‪ :‬ثورة زيد بن على زين العابدين‬
‫مقدمة‬
‫متفردا في أسرته من العلويين ‪ .‬برغم ما عاناه عاش‬ ‫ّ‬ ‫كان ( على زين العابدين بن الحسين )‬
‫ُمسالما ُمتسامحا فعّاال للخير ُمتواضعا ‪ .‬لم يتّبعه إبنه ( زيد بن على ) بل إتّبع طريق جدّه‬
‫الحسين ‪ ،‬وجده ( على بن أبى طالب ) في طلب الدنيا ولو بسفك الدماء ‪ ،‬ومنها دماؤهم ودماء‬
‫أتباعهم وأعدائهم ‪ .‬نتوقف مع مأساة ( زيد بن على زين العابدين ) الذى ثار عام ‪، 121‬‬
‫وفشلت ثورته وقتلوه وصلبوه عام ‪. 122‬‬
‫أسباب الثورة ‪:‬‬
‫تتجمع في طموح زيد بن على ‪ ،‬وعدم تسامح األمويين مع أي بادرة خروج عليهم ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ قيل إن زيد بن على نقم على األمويين محاسبتهم له على مال كان خالد القسرى كان قد‬
‫أعطاه له حين كان واليا على العراق ‪ .‬جذور هذا السبب ترجع الى الصراع القبلى ( نسبة‬
‫للقبيلة ) بين قبائل اليمن القحطانية وقبائل ُمضر العدنانية ‪ .‬وصل نفوذ القبائل اليمنية القحطانية‬
‫أقصاه في خالفة هشام بن عبد الملك الذى عيّن خالد بن عبد هللا القسرى البجلى واليا على‬
‫العراق فعيّن خالد أخاه أسد القسرى على شرق العراق ‪ .‬ثم غضب الخليفة هشام على صديقه‬
‫خالد القسرى فعزله وعزل أخاه ‪ ،‬وعيّن مكانه يوسف بن عمر الثقفى ال ُمضرى المشهور‬
‫بقسوته ‪ ،‬فتسلّم يوسف ( خالدا القسرى ) وأوقع به تعذيبا هائال ‪ ،‬وحقّق في مصروفاته وثروته‬
‫‪ ،‬وجاء إتهام بأن خالدا القسرى قد أعطى أمواال لزيد بن على زين العابدين وآخرين من‬
‫الهاشميين ‪ ،‬واستلزم هذا ُمساءلة ُمهينة لزيد بن على شجعته على الثورة ‪ .‬رجع الهاشميون من‬
‫حرضه على‬ ‫مقابلة يوسف بن عمر الى المدينة بينما بقى في الكوفة زيد بن على فوجد فيها من ّ‬
‫الثورة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وقالوا إن زيد بن على زين العابدين ذهب الى دمشق ليقابل الخليفة هشام ‪ ،‬فرفض هشام‬
‫مقابلته ‪ ،‬ثم أذن له ‪ ،‬ودار بينهما حوار غير ّودّى ‪ ،‬إذ حلف زيد للخليفة هشام في موضوع‬
‫خالد القسرى فقال له الخليفة ‪ " :‬ال أصدقك " ‪ ،‬فقال زيد ‪ " :‬يا أمير المؤمنين إن هللا لم يرفع‬
‫قدر أحد عن أن يرضى باهلل ولم يضع قدر أحد عن أال يرضى بذلك منه‪ " .‬فقال له هشام ‪" :‬‬
‫لقد بلغني يا زيد أنك تذكر الخالفة وتتمناها ولست هناك وأنت ابن أمة ‪ " .‬وكانت أم زيد‬
‫جارية هندية ‪ ،‬وكانت العرب خصوصا األمويين يحتقرون أبناء اإلماء ‪ .‬ورد زيد بما أغاظ‬
‫الخليفة ‪ ( :‬فقال زيد ‪ " :‬إن لك يا امير المؤمنين جوابا " ‪ .‬قال ‪ " :‬تكلم ‪ ".‬قال ‪ " :‬ليس أحد‬
‫أولى باهلل وال أرفح عنده منزلة من نبي ابتعثه‪ ،‬وقد كان إسماعيل من خير األنبياء وولد‬
‫خيرهم دمحما ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬وكان إسماعيل ابن أمة وأخوه ابن صريحة مثلك ‪ ،‬فاختاره هللا عليه ‪ ،‬وأخرج‬
‫منه خير البشر ‪ ،" ..‬فقال هشام ‪ " :‬اخرج ‪ " .‬قال ‪ " :‬أخرج ثم ال تراني إال حيث تكره " ) ‪.‬‬
‫محاولة األمويين إخراجه من الكوفة قبيل الثورة‬
‫وبينما عاد اآلخرون الى المدينة ذهب زيد بن على الى الكوفة ‪ ،‬أقام بها أربعة أو خمسة أشهر‪،‬‬
‫فأقلق ذهابه للكوفة الخليفة هشام‪ .‬وكتب هشام إلى والى العراق يوسف بن عمر الثقفى أن يرغم‬
‫زيدا على الخروج من الكوفة والرجوع الى المدينة ‪ .‬فكتب يوسف الى والى الكوفة بهذا ‪،‬‬
‫وأرسل الي زيد يستدعيه ‪ ،‬فكان زيد يماطل ‪ ،‬فأرسل من قبض عليه فلحقته الشيعة وأنقذوه (‬
‫فقالوا له ‪ " :‬أين تذهب عنا ومعك مائة ألف رجل من أهل الكوفة يضربون دونك بأسيافهم غدا‬
‫وليس قبلك من أهل الشأم إال عدة قليلة لو أن قبيلة من قبائلنا نحو مذحج أو همدان أو تميم أو‬
‫بكر نصبت لهم لكفتهم بإذن هللا تعالى فننشدك هللا لما رجعت‪ " .‬فلم يزالوا به حتى ردوه إلى‬
‫الكوفة‪) .‬‬
‫االختفاء بالكوفة وزواجه بها مرتين‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إختفى زيد بن على في الكوفة ‪ ،‬بضعة عشر شهرا ‪ ،‬وقضى شهرين في البصرة ‪ ،‬ثم عاد‬
‫الى الكوفة فأقام بها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وتزوج فيها ابنة يعقوب بن عبد هللا السلمي أحد بني فرقد ‪ ،‬وتزوج أيضا ابنة عبد هللا بن‬
‫أبي العنبس األزدي‪ ( .‬وكان سبب تزوجه إياها أن أمها أم عمرو بنت الصلت كانت ترى رأي‬
‫الشيعة ‪ ،‬فبلغها مكان زيد فأتته لتسلم عليه ‪ ،‬وكانت امرأة جسيمة جميلة لحيمة قد دخلت في‬
‫سن إال أن الكبر ال يستبين عليها ‪ ،‬فلما دخلت على زيد بن علي ‪ ،‬فسلمت عليه ‪ ،‬ظن أنها‬ ‫ال ّ‬
‫شابة‪ ،‬فكلمته فإذا أفصح الناس لسانا وأجمله منظرا ‪ ،‬فسألها عن نسبها فانتسبت له وأخبرته‬
‫ممن هي‪ .‬فقال لها ‪ " :‬هل لك رحمك هللا ان تتزوجيني ؟ " قالت ‪ " :‬أنت وهللا رحمك هللا‬
‫رغبة لو كان من أمري التزويج‪ " .‬قال لها ‪ " :‬وما الذي يمنعك ؟ " قالت ‪ " :‬يمنعني من ذلك‬
‫أني قد أسننت ‪ " .‬فقال لها ‪ " :‬كال قد رضيت ما أبعدك من أن تكوني قد أسننت‪ " .‬قالت ‪" :‬‬
‫رحمك هللا أنا أعلم بنفسي منك وبما أتى علي من الدهر ولو كنت متزوجة يوما من الدهر لما‬
‫عدلت بك ‪ ،‬ولكن لي ابنة أبوها ابن عمي وهي أجمل مني وأنا أزوجكها إن أحببت ‪... " .‬‬
‫فتزوجها )‪ .‬وكان زيد يتنقّل في الكوفة في منازل شتى منها بيوت أصهاره ‪ ،‬إلى أن ظهر‪.‬‬
‫الدعوة والمبايعة‬
‫بايعه خمسة عشر ألفاً‪ ،‬وقيل‪ :‬اربعون ألفاً‪ ،‬فأمر أصحابه باالستعداد‪ ،‬وأرسل إلى أهل السواد‬
‫وأهل الموصل رجاال يدعون إليه وشاع أمره في الناس ‪.‬‬
‫زيد ( مثل جدّه الحسين يرفض النصيحة )‬
‫‪ 1‬ـ قال له ابن عمه ‪ ( :‬داود بن علي )‪ ( :‬يا ابن عم إن هؤالء يغرونك من نفسك‪ ،‬أليس قد‬
‫خذلوا من كان أعز عليهم منك ؟ جدك علي بن أبي طالب حتى قتل؟ والحسن من بعده بايعوه‬
‫ثم وثبوا عليه فانتزعوا رداءه وجرحوه؟ أوليس قد أخرجوا جدك الحسين وحلفوا له وخذلوه‬
‫وأسلموه ولم يرضوا بذلك حتى قتلوه‪ .‬فال ترجع معهم‪ ).‬فقال زيد لداود‪ ( :‬إن عليا ً قاتله معاوية‬
‫بداهية وبكراهية‪ ،‬وإن الحسين قاتله يزيد واألمر مقبل عليهم‪ ).‬فقال داود‪ ( :‬إني خائف إن‬
‫رجعت معهم أن ال يكون أحد أشد عليك منهم‪ ،‬وأنت أعلم‪).‬‬
‫‪ 2‬ـ أتاه سلمة بن كهيل فذكر له فرابته من رسول هللا‪ ،‬ملسو هيلع هللا ىلص وحقه‪ ،‬فأحسن ثم قال له‪ :‬ننشدك هللا‬
‫كم بايعك؟ قال‪ :‬أربعون ألفا ً‪ .‬قال‪ :‬فمن بايع جدك؟ قال‪ :‬ثمانون ألفا ً‪ .‬قال‪ :‬فكم حصل معه؟ قال‪:‬‬
‫ثالثمائة‪ .‬قال‪ :‬نشدتك هللا أنت خير أم جدك؟ قال‪ :‬جدي‪ .‬قال‪ :‬فهذا القرن خير أم ذلك القرن؟‬
‫قال‪ :‬ذلك القرن‪ .‬قال‪ :‬أفتطمع أن يفي لك هؤالء وقد غدر أولئك بجدك؟ قال‪ :‬قد بايعوني‬
‫ووجبت البيعة في عنقي وأعناقهم‪ .‬قال‪ :‬أفتأذن لي أن أخرج من هذا البلد؟ فال آمن أن يحدث‬
‫حدث فال أملك نفسي‪ .‬فأذن له فخرج إلى اليمامة‪. ) .‬‬
‫‪ 3‬ـ وكتب عبد هللا بن الحسن بن الحسن إلى يزيد‪ ( :‬أما بعد فإن أهل الكوفة نفخ العالنية خور‬
‫السريرة هرج في الرخاء جزع في اللقاء‪ ،‬تقدمهم ألسنتهم وال تشايعهم قلوبهم‪ ،‬ولقد تواترت‬
‫ي كتبهم بدعوتهم‪ ،‬فصمت عن ندائهم وألبست قلبي غشاء عن ذكرهم يأسا ً منهم واطراحا ً‬ ‫إل ّ‬
‫لهم‪ ،‬وما لهم مثل إال ما قال علي بن أبي طالب‪ :‬إن أهملتم خضتم‪ ،‬وإن حوربتم خرتم‪ ،‬وإن‬
‫اجتمع الناس على غمام طعنتم‪ ،‬وإن أجبتم إلى مشاقة نكصتم‪ ( . ) .‬فلم يصغ زيد إلى شيء من‬
‫ذلك‪.) .‬‬
‫‪ 4‬ـ وقال له دمحم بن عمر بن علي بن أبي طالب ‪ ( :‬أذكرك هللا يا زيد لما لحقت بأهلك ولم تقبل‬
‫قول أحد من هؤالء الذين يدعونك إلى ما يدعونك إليه ‪ ،‬فإنهم ال يوفون لك )‪ .‬فلم يقبل منه ذلك‬
‫‪.‬‬
‫الثورة‬
‫‪ 1‬ـ بدأ التجهيز للثورة ‪ ،‬ووصلت األنباء الى الوالى على العراق يوسف بن عمر الثقفى عن‬
‫إنشق عن زيد بعض الشيعة ألنه رفض‬ ‫ّ‬ ‫طريق سليمان بن سراقة البارقي ‪ ،‬هذا في الوقت الذى‬
‫تكفير أبى بكر وعمر ‪ ،‬وقالوا بإمامة جعفر الصادق ابن دمحم الباقر ‪ ،‬فسماهم زيد ( الرافضة )‬
‫‪ .‬ثم أصبح هذا اللقب يشمل كل الشيعة في العصر العباسى وما بعده‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وكانت جواسيس يوسف بن عمر قد أخبروا يوسف أن زيدا واعد أصحابه على الخروج‬
‫أول ليلة من صفر‪ ،‬وبعث يوسف بن عمر‪ ،‬الى واليه على الكوفة ( الحكم بن الصلت ) يأمره‬
‫أن يجمع أهل الكوفة في المسجد األعظم ‪ ،‬يحصرهم فيه‪ ،‬فجمعهم فيه‪ .‬وأرسل قوة حربية‬
‫العتقال زيد وهو في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة األنصاري‪ ،‬فخرج زيد منها‬
‫ليالً‪ ،‬وحدثت مناوشات قليلة وأصحاب زيد محصورون في المسجد األعظم بالكوفة ‪ .‬وحضر‬
‫بنفسه يوسف بن عمر والى العراق فوصل إلى تل قريب من الحيرة فنزل عليه ومعه رءوس‬
‫القبائل ‪ ،‬وبعث بفرقة من الجيش لمواجهة زيد ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أحرز زيد بعض انتصارات متفرقة ‪ .‬كان من أتباعه نصر بن خزيمة العبسي الذى هزم‬
‫عمرو بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت ‪ ،‬فقتل عمرا ‪ .‬وسار زيد بمن معه‬
‫ى الكناسة ‪ ،‬فهزم فرقة من جيش األمويين ‪.‬‬
‫الى ح ّ‬
‫‪ 4‬ـ ومع ذلك فقد بدت نُذُر الهزيمة تتضح مبكرا أمام زيد ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬وأصبح زيد فكان‬
‫جميع من وافاه تلك الليلة مائتي رجل وثمانية عشر رجالً‪ ،‬فقال زيد‪ :‬سبحان هللا أين الناس؟‬
‫فقيل‪ :‬إنهم في المسجد األعظم محصورون‪ .‬فقال‪ :‬وهللا ما هذا بعذر لمن بايعنا! ) ‪.‬‬
‫وذهب زيد بمن معه الى دار أنس بن عمرو األزدى ( وكان في من بايعه وهو في الدار‪،‬‬
‫فنودي فلم يجبهم‪ ،‬وناداه زيد فلم يخرج إليه‪ ،‬فقال زيد‪ :‬ما أخلفكم؟ قد فعلتموها‪ ،‬وهللا حسيبكم‬
‫‪ ، ) !..‬وتذ ّكر ما حدث لجدّه الحسين في كربالء ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬فلما رأى زيد خذالن الناس‬
‫إياه قال‪ :‬يا نصر بن خزيمة أنا أخاف أن يكونوا قد فعلوها حسينية‪ " .‬قال‪ ":‬أما أنا وهللا ألقاتلن‬
‫معك حتى أموت‪.) ".‬‬
‫كان أتباع زيد محصورين في المسجد األعظم وسعداء بهذا الحصار ليكون ُح ّجة لهم للقعود‬
‫عن القتال ‪ .‬نهض زيد بمن معه الى هذا المسجد لتخليص أصحابه ‪ ،‬وفى الطريق هزم فرقة‬
‫للجيش األموى يقودها عبيد هللا بن العباس الكندي ‪ ،‬ووصل الى باب المسجد ‪ ،‬وأخذ جنود‬
‫األمويين يقذفونهم بالحجارة من أعلى المسجد ‪ ،‬بينما أصحاب زيد ( يدخلون راياتهم من فوق‬
‫األبواب ويقولون‪ :‬يا أهل المسجد اخرجوا من الذل إلى العز‪ ،‬اخرجوا إلى الدين والدنيا فإنكم‬
‫لستم في دين وال دنيا‪ . ).‬ولم يخرجوا ‪ ،‬وفى النهاية انصرف زيد بمن من معه‪.‬‬
‫شابة من ُرماة السهام‬ ‫‪ 5‬ـ وتوالت معارك متفرقة ‪ ،‬كان آخرها معركة استعمل فيها األمويون الن ّ‬
‫فرمي زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فثبت في دماغه‪ ،‬ورجع‬ ‫‪ ،‬تقول الرواية ‪ُ ( :‬‬
‫أصحابه‪ ...‬ونزل زيد في دار من دور أرحب‪ ،‬وأحضر أصحابه طبيباً‪ ،‬فانتزع النصل‪،‬‬
‫فضج زيد‪ ،‬فلما نزع النصل مات زيد‪ ،‬فقال أصحابه‪ :‬اين ندفنه؟ قال بعضهم‪ :‬نطرحه في‬
‫الماء‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬بل نحتز رأسه ونلقيه في القتلى‪ .‬فقال ابنه يحيى‪ :‬وهللا ال تأكل لحم أبي‬
‫الكالب‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬ندفنه في الحفرة التي يؤخذ منها الطين ونجعل عليه الماء ‪ ،‬ففعلوا‪،‬‬
‫فلما دفنوه أجروا عليه الماء‪.. ،‬وكان معهم مولى لزيد سندي‪ ...‬فدل عليه‪ ،‬وتفرق الناس عنه‪،‬‬
‫ثم إن يوسف بن عمر تتبع الجرحى في الدور‪ ،‬فدلّه السندي مولى زيد يوم الجمعه على زيد‪،‬‬
‫فاستخرجه من قبره وقطع رأسه ‪ ....‬وبعث الرأس إلى هشام ‪ )....‬وصلبوا جثة زيد ‪ ،‬ثم أمر‬
‫هشام بإحراق جثته ‪!! .‬‬

‫اساسيات اهل القران ‪ :‬للمزيد يمكنك قراءة‬


‫)‪ (3‬التعليقات‬
‫عمر على دمحم تعليق بواسطة ‪1‬‬ ‫في األحد ‪ 11‬اكتوبر ‪2222‬‬
‫]‪[92897‬‬

‫مسلسل الحمق الطويل‬

‫‪ :‬صالحيات خاصة‬
‫حذف التعليق‬
‫تعديل التعليق‬

‫السالم عليكم‬

‫نعم انه مسلسل حمق ‪ ،‬ولك ان تتخيل دكتوري العزيز اني من الذين شاهدة على مدار اربع‬
‫سنوات الني في مرحلة البكالوريس تخصصي في التاريخ االسالمي ‪ ،‬كانت نفس الصفحة‬
‫تمدح القاتل والمقتول ونفس الصفحه تضع القاتل والمقتول في الجنة ونفس الصفحه تلفق‬
‫رويات ومنامات للرسول سعيد بعمل فالن وحزين لمقتل فالن ومن هذة رويات رواية ان النبي‬
‫جاءة جبريل يبلغة باستشهاد الحسين وحفيدة زيد ‪..‬وال أعلم هل زيد هذة قتله حمقه عندما ثار‬
‫ام غروره النه لم يتقبل استحقار هشام له في مجلسة ام للسببين معا ‪..‬واستغرب كيف كان‬
‫احدهم يجد الوقت للزواج والمعاشرة وكل اوقاتهم في حرب او االستعداد للحرب ‪ ،‬هذا زيد‬
‫وهو يستعد للثورة وبنفس الوقت يريد ان يتزوج عجوز اعجب بقوامها ‪ ،‬وهشام هلك وعنده‬
‫‪ 22‬ولد وبنت!! برغم ان الرويات تذكر انه لم يجد يوما واحدا بدون غم او دم ‪ ....‬المشكلة‬
‫علماء البخاري في هذا الوقت يتغنون بسفك الدماء في عهد هؤال الفسقة ويسمونها فتوحات‬
‫ويذكرونها كانجازات ستشفع لهم عند هللا النها ساهمت في نشر الدين ‪ ..‬خليفة فاسق مثل هشام‬
‫ينبش قبر زيد ويصلبة اربع سنوات قبل حرقة ‪،‬ثم يأتي العباسيون من بعدهم ينبشون قبور‬
‫االموين ويحرقون عظامها ونسمي هذا الهبل انجازات !! ال أقول اال كما قال الشاعر الراحل‬
‫"نزار قباني في مرثيتة بلقيس ‪"..‬إنني من كل تاريخي خجول هذي بال ٌد يقتلون بها الخيول‬

‫سعيد علي تعليق بواسطة ‪2‬‬ ‫في اإلثنين ‪ 12‬اكتوبر ‪2222‬‬


‫]‪[92899‬‬

‫‪ .‬النقد الموضوعي للرواية يضع الشخصيات التأريخية في حجمها الطبيعي‬

‫‪ :‬صالحيات خاصة‬
‫حذف التعليق‬
‫تعديل التعليق‬

‫إزاحة القدسية عن الشخصية التاريخية و تحليل الفعل الذي قامت به وفق كتاب هللا عز و جل‬
‫يضعها في حجمها الطبيعي و لكن إسباغ القدسية عليها يغيب العقل و يجعل كل فعل قامت به‬
‫محبوب و رائع و يقتدى به‪.‬‬
‫بداية األحداث خالفات ( شخصية ) و ( معايرة و تنابذ باأللقاب ) و ( عنصرية قبلية ) و كل‬
‫ذلك نهى عنه الحق جل و عال في قرآنه الكريم و النتيجة مازلنا إلى اليوم و بنفس األسباب‬
‫!! تدفع الشعوب نتيجة هذا الحمق األصيل‬

‫آحمد صبحي منصور تعليق بواسطة ‪3‬‬ ‫في الثالثاء ‪ 13‬اكتوبر ‪2222‬‬
‫]‪[92900‬‬

‫شكرا استاذ عمر على دمحم ـ وشكرا استاذ سعيد على ‪ ،‬وأقول‬

‫‪ :‬صالحيات خاصة‬
‫حذف التعليق‬
‫تعديل التعليق‬
‫‪ :‬صالحيات كاتب التعليق‬
‫‪Top of Form‬‬
‫الغاء التعليق الغاء التعليق‬
‫تعديل التعليق‬ ‫|‬
‫‪Bottom of Form‬‬

‫‪1‬ـ الحقيقة التاريخية هى نسبية وليست مطلقة‪ .‬هى أخبار متضاربة ومختلفة و متداخلة ‪،‬‬
‫وتطل من بينها ما يعتبره الباحث حقيقة تاريخية‪ .‬وما يصل اليه الباحث يكون أيضا إجتهادا‬
‫يقبل الخطأ والصواب ‪.‬‬

‫‪2‬ـ األزمة الكبرى حين يعتبر الناس هذا التاريخ دينا‪ .‬وتلك أزمة األديان األرضية‬
‫مسلسل ال ُحمق في ذرية (على بن أبى طالب ) ‪ :‬ثورة يحيى بن زيد‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫شهد ( على زين العابدين ) مصرع أبيه الحسين ومعظم أهله في كربالء ‪ ،‬ورأى قبلها كيف‬
‫رفض أبوه نُصح الناصحين وتسبّب في مذبحة كان يمكن تفاديها ‪ .‬إتّعظ ( على زين العابدين )‬
‫وتفرد بشخصية مختلفة عن جده وأبيه ‪ ( .‬زيد بن على زين العابدين ) سار على‬ ‫ّ‬ ‫بهذه المأساة ‪،‬‬
‫طريق جده الحسين ‪ ،‬رفض نُصح الناصحين وأعطى الفرصة لمن خدعه بالوعد ‪ ،‬وثار ولقى‬
‫مصرعه ‪ .‬كان إبنه يحيى مرافقا له في ثورته ورأى جثته ‪ ،‬وشهد مواراته في قبر مجهول‬
‫خشية أن يعثر عليه األمويون ‪ ،‬ولكن عثر عليه األمويون فصلبوا الجسد بدون رأس ‪ .‬لم‬
‫يتّعظ يحيى بما شاهد ‪ .‬ما عدا الوالى يوسف بن عمر الثقفى فلم يتعرض األمويون ليحيى ‪،‬‬
‫تركوه يختبىء وكان يمكنهم العثور عليه ‪ ،‬ولكن مدوا له يد ال ُمسالمة وأعطوه ماال ‪ ،‬وأن يقابل‬
‫الخليفة ‪ ،‬لكنه راوغهم ‪ ،‬وانتهى أمره بالثورة ثم بالقتل‪ .‬هذا يؤكد أنه سار بإخالص على‬
‫طريق ال ُحمق الذى سار فيه (على ) و ( الحسين وزيد بن على ) ‪ .‬ونعطى تفصيال عن ثورة‬
‫يحيى عام ‪ 125‬هجرية‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬المسرح الجغرافي ‪:‬‬
‫كانت مأساة على والحسين وزيد في العراق ‪ .‬أما مأساة يحيى فكانت في خراسان شرق‬
‫العراق‪ .‬اإلمبراطورية األموية كانت تمتد من جنوب فرنسا غربا الى مقربة من الصين شرقا‪.‬‬
‫العراق كان يُمثّل القسم الشرقى من اإلمبراطورية ‪ .‬والى العراق لألمويين كان األقوى مكانة ‪،‬‬
‫إذ يتبعه شرق العراق أو مان كان يس ّمى بالعراق العجمى ‪ ،‬يمتد من خراسان الى القرب من‬
‫الصين ‪ .‬وقت ثورة يحيى بن زيد بن على بن الحسين كان الوالى على العراق هو نفسه يوسف‬
‫بن عمر الثقفى الذى كان يماثل الحجاج بن يوسف الثقفى في جبروته وقسوته ‪ .‬وكان يتبعه‬
‫والى خراسان واسمه ( نصر بن سيّار ) ‪ ،‬ولم يكن في غلظة يوسف بن عمر ‪ .‬وتقسمت‬
‫خراسان الى واليات صغيرة لكل منها حاضرتها أو المدينة األساس فيها ‪ ،‬وعليها وال ‪ ،‬ومعه‬
‫جنود من القبائل العربية التي تح ّكم بهم األمويون ‪ ،‬وقد توزعوا في هذه اإلمبراطورية الشاسعة‬
‫تحت قيادة الوالة العرب المحليين ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬قبيل ثورة يحيى بن زيد‬
‫‪ 1‬ـ هناك رواية تقول إن يحيى بعد مقتل أبيه زيد قال له رجل من قبيلة أسد ‪ " ( :‬إن أهل‬
‫خراسان لكم شيعة‪ ،‬والرأي أن تخرج إليها"‪ .‬قال‪ " :‬وكيف لي بذلك؟ " قال‪ " :‬تتوارى حتى‬
‫يسكن عنك الطلب ثم تخرج‪ " .‬فواراه عنده ليلةً‪ ،‬ثم خاف ‪ ،‬فأتى به عبد الملك بن بشر بن‬
‫مروان ( ابن عم الخليفة ) فقال له‪ " :‬إن قرابة زيد بك قريبة وحقه عليك واجب‪ .".‬قال‪ " :‬أجل‬
‫ولقد كان العفو عنه أقرب للتقوى" ‪ .‬قال ‪ " :‬فقد قتل وهذا ابنه ( يحيى )غالم حدث ال ذنب له‪،‬‬
‫فإن علم به يوسف ( بن عمر ) قتله‪ ،‬أفتجيره؟" قال‪ " :‬نعم" ‪ ،‬فأتاه به فأقام عنده‪ ،‬فلما سكن‬
‫الطلب سار في نفر من الزيدية إلى خراسان‪ .‬فغضب يوسف بن عمر بعد قتل زيد فقال‪ :‬يا أهل‬
‫العراق‪ ،‬إن يحيى ابن زيد ينتقل في حجال نسائكم كما كان يفعل أبوه‪ ،‬وهللا لو بدا لي لعرقت‬
‫خصييه كما عرقت خصيي أبيه! )‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وصل يحيى الى مدينة ( بلخ ) و إختفى فيها عند شخص من شيعته هو ( الحريش بن‬
‫عمرو بن داود) ‪ .‬ظل مختفيا من مقتل أبيه الى ان مات الخليفة هشام بن عبد الملك عام ‪125‬‬
‫‪ ،‬وتولى إبن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك ‪ .‬عرف يوسف بن عمر والى العراق والشرق‬
‫مكان يحيى ‪ ،‬فكتب الى واليه على خراسان ( نصر بن سيار ) يأمره بتسيير يحيى بن زيد اليه‬
‫في العراق ‪ ،‬وأخبره إنه يختبىء عند الحريش بن عمرو ‪ ،‬وأن يأخذه ( أشد األخذ )‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ كان والى ( بلخ ) من لدن ( نصر بن سيار) هو ( عقيل بن معقل العجلي )‪ .‬بعث له (‬
‫نصر بن سيّار ) الى ( عقيل بن معقل العجلى ) أن ( يأخذ الحريش وال يفارقه حتى تزهق‬
‫نفسه أو يأتيه بيحيى بن زيد بن علي) ‪ .‬إستجوب الوالى ( عقيل العجلى ) ( الحريث ) فرفض‬
‫اإلفصاح عن مكان يحيى ‪ ( :‬فبعث إليه عقيل فسأله عنه فقال ال علم لي به ‪ ،‬فجلده ستمائة‬
‫سوط ‪ ،‬فقال له الحريش ‪ ( :‬وهللا لو أنه كان تحت قدمي ما رفعتهما لك عنه ) ‪ ،‬وخشى ابن‬
‫الحريش ( قريش ) أن يموت أبوه من السياط فقال لعقيل ‪ (:‬ال تقتل أبي وأنا أدلك عليه) (‬
‫فأرسل معه فدله عليه‪ ،‬وهو في بيت في جوف بيت ‪ ،‬فأخذه ومعه إثنان من أصحابه ( يزيد بن‬
‫عمر والفضل مولى عبد القيس ) صحباه من الكوفة ‪ ،‬فأتى به نصر بن سيار فحبسه‪ ،‬وكتب‬
‫إلى يوسف بن عمر يخبره‪ ،‬فكتب يوسف بن عمر بذلك إلى الخليفة الوليد بن يزيد‪ ،‬فكتب‬
‫الخليفة الوليد الى نصر بن سيار يأمره أن يؤ ّمنه ‪ ،‬ويخلي سبيله وسبيل أصحابه‪ .‬فدعاه نصر‬
‫بن سيار فأمره بتقوى هللا وحذّره الفتنة‪ ،‬وأمره أن يلحق بالوليد بن يزيد وأمر له بألفي درهم‬
‫وبغلين ‪ .) .‬هذه بادرة خير رائعة من الخليفة األموى الجديد ‪ ،‬ولكن لم يستجب لها يحيى ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ لم يذهب يحيى الى دمشق ‪ ،‬بل في الطريق أقام بمدينة سرخس ‪ ،‬وكان واليها ( عبد هللا بن‬
‫قيس بن عباد )‪ .‬خشى ( نصر بن سيّار ) من نوايا ( يحيى ) فكتب الى والى سرخس أن‬
‫يطرده من سرخس‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ بعد طرده من سرخس أراد يحيى اإلقامة في مدينة ( طوس ) رافضا السفر الى لقاء‬
‫الخليفة في دمشق ‪ .‬كتب والى خراسان ( نصر بن سيار) إلى واليه في طوس ( الحسن بن زيد‬
‫التميمي ) وكان رأس قبيلة بنى تميم فيها ــ كتب له أن يمنع يحيى من اإلقامة في طوس ‪،‬‬
‫فأرسل بعض الجنود يقودهم (سرحان بن فروخ بن مجاهد بن بلعاء العنبري ) ليرافقوه‬
‫ويسلموه الى ( عمر بن زرارة ) والى مدينة ( ابرشهر ) ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ في اللقاء بين يحيى و( سرحان بن فروخ بن مجاهد بن بلعاء العنبري ) دار بينهما حديث‬
‫ع ّما أعطاه ( نصر بن سيّار ) الى يحيى ‪ ،‬وعبّر يحيى عن إستيائه م ّما أعطاه له ( نصر بن‬
‫يتخوف من الوالى ( يوسف بن عمر ) ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫سيّار ) وأنه كان يطمع في المزيد ‪ .‬وقال يحيى إنه‬
‫تلطف به ( سرحان ) الى أن أوصله الى ( عمرو بن زرارة ) في مدينة ابرشهر ‪ .‬فأعطاه (‬ ‫ّ‬
‫عمر بن زرارة ) والى ابرشهر ألف درهم ‪ .‬وساروا به الى المدينة التالية ( بيهق )‪ 6 .‬ـ في‬
‫الطريق تج ّمع أنصار حول يحيى حوالى سبعين رجال ‪ ،‬فأخذوا من بعض التجار دوابا بثمن‬
‫مؤجل‪ ،‬بهذا إنكشفت نوايا يحيى ‪ ،‬فكتب ( عمرو بن زرارة ) والى ابرشهر إلى ( نصر بن‬
‫سيار ) فكتب ( نصر) إلى ( عبد هللا بن قيس ) وإلى ( الحسن بن زيد) أن يمضيا إلى (‬
‫عمرو بن زرارة ) ليكون أميرا عليهم في جيش لحرب يحيى بن زيد ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬المواجهة الحربية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ وصل عدد الجيش عشرة آالف ‪ ،‬بقيادة ( عمر بن زرارة ) لحرب يحيى بن زيد ‪ .‬كان‬
‫عدد أصحاب يحيى سبعين رجال فقط ‪ ،‬وقد هزموا الجيش األموى وقتلوا ( وقتل عمرو بن‬
‫زرارة ) ‪ ،‬وسلبوا جيشه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ استمر يحيى في طريقه و دخل مدينة هراة ‪ ،‬وواليها (مغلس بن زياد العامري ) ‪ ( ،‬فلم‬
‫يعرض واحد منهما لصاحبه) ‪ .‬وسار يحيى من هراة ‪ ،‬فأرسل خلفه ( نصر بن سيّار ) جيشا‬
‫يقوده ( سلم بن أحوز ) ‪ ،‬وكان يحيى قد وصل والية جوزجان ‪ ،‬وواليها ( حماد بن عمرو‬
‫السغدي ) ‪ .‬وج ّهز ( نصر بن سيّار ) مددا لجيش ( سلم بن أحوز ) يقوده ( سورة بن دمحم بن‬
‫عزيز الكندي ) وكان على ميمنته و ( حماد بن عمرو السغدي ) على ميسرته ‪ .‬واقتتل‬
‫وصوب ( عيسى بن سليمان العنزي ) سهما‬ ‫ّ‬ ‫الجيشان ‪ ،‬وأفنى الجيش األموى أصحاب يحيى ‪،‬‬
‫ومر ( سورة بن دمحم بن‬
‫فأصاب جبهة يحيى فصرعه ‪ .‬مثلما حدث ألبيه زيد بن على من قبل ‪ّ .‬‬
‫عزيز الكندي ) بجثة ( يحيى بن زيد ) فأخذ رأسه ‪ ،‬وأخذ ( عيسى بن سليمان العنزي )‬
‫مالبس يحيى ‪ .‬وبلغ الخبر الخليفة األموى الوليد بن يزيد فكتب الى الوالى ( يوسف بن عمر)‬
‫يقول ‪ ( :‬إذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل العراق فأحرقه ثم انسفه في اليم نسفا ) ‪ .‬يقصد جثة‬
‫زيد بن على زين العابدين ‪ ،‬وكان جسده مصلوبا ال يزال ‪ ،‬تقول الرواية إن يوسف ابن خراش‬
‫أنزل جسد زيد بن على زين العابدين من الجذع الذى كان مصلوبا عليه ‪ ( : ،‬وأحرقه بالنار ‪،‬‬
‫ثم رضّه فجعله في قوصرة ‪ ،‬ثم جعله في سفينة ‪ ،‬ثم ذراه في الفرات ‪. !!.) .‬‬
‫وأما يحيى فقد صلبوه بالجوزجان‪ ،‬فلم يزل مصلوبا ً حتى ظهر أبو مسلم الخرساني يقود‬
‫الجيش العباسى في خراسان ‪ ،‬بعد أن أستولى عليها أنزله جثة يحيى وصلّى عليه ودفنه‪،‬‬
‫وامر بالنياحة عليه ‪ ،‬واخذ ابو مسلم ديوان بني أمية‪ ،‬وعرف منه أسماء من حضر قتل يحيى‪،‬‬
‫فمن كان حيا ً قتله‪ ،‬ومن كان ميتاعاقب أهله ‪.‬‬
‫أخيرا ‪ :‬جدير بالذكر ( أو غير جدير بالذكر ) ‪:‬‬
‫شر إنتقام ‪ .‬مع انهم‬
‫‪ 1‬ـ أن العباسيين بعد أن هزموا األمويين عام ‪ 132‬هجرية إنتقموا منهم ّ‬
‫أوالد عمومة ‪ ،‬ينتمون الى ( عبد مناف ) ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تقول الروايات عن عبد بن على قائد الجيش العباسى إنه أمر‪ ( :‬بنبش قبور بني أمية‬
‫بدمشق‪ ،‬فنبش قبر معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬فلم يجدوا فيه إال خيطا ً مثل الهباء‪ ،‬ونبش قبر يزيد‬
‫بن معاوية بن أبي سفيان فوجدوا فيه حطاما ً كأنه الرماد‪ ،‬ونبش قبر عبد الملك فإنه وجد‬
‫صحيحا ً لم يبل منه إال أرنبة أنفه‪ ،‬فضربه بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح‪.‬وتتبع بني‬
‫امية من أوالد الخلفاء وغيرهم فأخذهم‪ ،‬ولم يفلت منهم إال رضيع أو من هرب إلى األندلس ‪..‬‬
‫واستصفى كل شيء لهم من مال وغير ذلك ‪ ( ).‬وقتل سليمان بن علي بن عبد هللا بن عباس‬
‫بالبصرة أيضا ً جماعةً من بني أمية عليهم الثياب الموشية المرتفعة‪ ،‬وأمر بهم ف ُجروا بأرجلهم‬
‫فألقوا على الطريق فأكلتهم الكالب‪.‬فلما رأى بنو أمية ذلك اشتد خوفهم وتشتت شملهم واختفى‬
‫من قدر على االختفاء‪ . ) .‬عبد هللا بن على العباسى حاصر دمشق ودخلها ‪ ( :‬فقتل من أهلها‬
‫خلقا ً كثيرا ً وأباحها ثالث ساعات‪ ( )..‬حتى قيل‪ :‬إنه قتل بها في هذه المدة نحوا ً من خمسين‬
‫ألفا ً‪ ) .‬وقال دمحم بن سليمان بن عبد هللا النوفلي ‪ ( :‬كنت مع عبد هللا بن علي أول ما دخل‬
‫دمشق‪ ،‬دخلها بالسيف‪ ،‬وأباح القتل فيها ثالث ساعات‪ ،‬وجعل جامعها سبعين يوما ً إسطبالً‬
‫لدوابه وجماله‪ ..‬ثم تتبع عبد هللا بن علي بني أمية من أوالد الخلفاء وغيرهم‪ ،‬فقتل منهم في يوم‬
‫واحد اثنين وتسعين ألفا ً عند نهر بالرملة‪ ،‬وبسط عليهم األنطاع ومد عليهم سماطا ً فأكل وهم‬
‫يختلجون تحته ‪..‬وأرسل امرأة هشام بن عبد الملك وهي‪ :‬عبدة بنت عبد هللا بن يزيد بن معاوية‬
‫صاحبة الخال‪ ،‬مع نفر من الخراسانية إلى البرية ماشية حافية حاسرة على وجهها وجسدها‬
‫وثيابها ثم قتلوها‪ .‬ثم أحرق ما وجد من عظم ميت منهم‪. ) !.‬‬
‫‪ 3‬ـ ذرية بعضها من بعض ‪!!..‬‬

‫الفصل الثانى ‪:‬‬


‫في العصر العباسى في خالفة أبى جعفر المنصور‬
‫مسلسل ال ُحمق في ذرية (على بن أبى طالب ) ‪ :‬ثورة دمحم النفس الزكية عام ‪) 1 ( 145‬‬
‫مقدمة‬
‫‪ 1‬ـ في خالفة أبى جعفر المنصور شهد عام ‪ 145‬ثورة دمحم النفس الزكية وأخيه إبراهيم من‬
‫ذرية الحسن بن على بن أبى طالب ‪ ،‬وانتهت الثورة بفشلهما وقتلهما ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نعطى تحليال وتفصيال ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬صراع كهنوتى‬
‫‪ 1‬ـ خالفا للدولة األموية التي ال ترفع شعارا دينيا كانت الدولة العباسية كهنوتية مؤسسة‬
‫على النسب للنبى دمحم وما يترتب عليه م ّما أسموه ( ميراث دمحم ) ‪ ،‬وهو التعبير الذى صاغه‬
‫(على بن أبى طالب ) وزعم أن له الحق في الخالفة وثروات الفتوحات‪ ،‬والتي من أجلها دخل‬
‫( على ) في الفتنة الكبرى ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الجديد هنا أنه تشاجر العباسيون والعلويون في هذه الثورة على ( ميراث دمحم ) كل منهما‬
‫يرى نفسه األحق ‪ ،‬كما يظهر من الرسائل المتبادلة بين دمحم النفس الزكية ( أمير المؤمنين‬
‫الثائر ) وأبى جعفر المنصور ( أمير المؤمنين القائم في السلطة )‪ .‬وهى خطابات ايدلوجية‬
‫دينية ‪.‬‬
‫‪ : 2‬تقول الرواية ‪ ( :‬لما بلغ أبا جعفر المنصور ظهور دمحم بن عبد هللا المدينة كتب إليه ‪( :‬‬
‫بسم ميحرلا نمحرلا هللا من عبد هللا عبد هللا أمير المؤمنين إلى دمحم بن عبد هللا ‪ ( .‬إنما جزاء الذين‬
‫يحاربون هللا ورسوله ويسعون في األرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم‬
‫من خالف أو ينفوا من األرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في اآلخرة عذاب عظيم إال الذين‬
‫ي عهد هللا وميثاقه وذمته‬ ‫تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن هللا غفور رحيم ) ‪ .‬ولك عل ّ‬
‫وذمة رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص إن تبت ورجعت من قبل أن أقدر عليك ‪ :‬أن أؤمنك وجميع ولدك وإخوتك‬
‫وأهل بيتك ومن اتبعكم على دمائكم وأموالكم ‪ ،‬وأسوغك ما أصبت من دم ومال ‪ ،‬وأعطيك‬
‫ألف ألف درهم وما سألت من الحوائج ‪ ،‬وأنزلك من البالد حيث شئت ‪ ،‬وأن أطلق من في‬
‫حبسي من أهل بيتك ‪ ،‬وأن أؤمن كل من جاءك وبايعك واتبعك أو دخل معك في شيء من‬
‫أمرك ‪ ،‬ثم ال أتبع أحدا منهم بشيء كان منه أبدا ‪ ،‬فإن أردت أن تتوثق لنفسك فوجه إلي من‬
‫أحببت يأخذ لك من األمان والعهد والميثاق ما تثق به‪ ).‬وكتب على العنوان من عبد هللا عبد هللا‬
‫أمير المؤمنين إلى دمحم بن عبد هللا )‪.‬‬
‫نالحظ ‪:‬‬
‫‪ : 1 / 2‬أبو جعفر المنصور يصف نفسه بأمير المومنين ‪ ،‬و ال يجعل لغريمه ( دمحم النفس‬
‫الزكية ) سوى إسمه ( دمحم بن عبد هللا )‪.‬‬
‫‪ : 2 / 2‬يبدأ خطابه بالتهديد بآية قرآنية يتهم بها غريمه بما يُعرف بالحرابة وعقوبتها القاسية‬
‫إن لم يتُب ‪.‬‬
‫‪ : 3 / 2‬بعد التهديد يعرض عليه األمان ورشاوى مختلفة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ‪ :‬فكتب إليه دمحم بن عبد هللا ( النفس الزكية ) ‪:‬‬
‫( بسم ميحرلا نمحرلا هللا من عبد هللا المهدي دمحم بن عبد هللا إلى عبد هللا بن دمحم‪ ( :‬طسم تلك آيات‬
‫الكتاب المبين نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون إن فرعون عال في‬
‫األرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من‬
‫المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في األرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين‬
‫ونمكن لهم في األرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) ‪ .‬وأنا‬
‫ي ‪ ،‬فإن الحق حقنا ‪ ،‬وإنما ادعيتم هذا األمر بنا‬ ‫أعرض عليك من األمان مثل الذي عرضت عل ّ‬
‫‪ ،‬وخرجتم له بشيعتنا ‪ ،‬وحظيتم بفضلنا ‪ ،‬وإن أبانا عليا كان الوصي وكان اإلمام ‪ ،‬فكيف‬
‫ورثتم واليته وولده أحياء ؟ ثم قد علمت أنه لم يطلب هذا األمر أحد له مثل نسبنا وشرفنا‬
‫وحالنا وشرف آبائنا ‪ .‬لسنا من أبناء اللعناء وال الطرداء وال الطلقاء ‪ ،‬وليس يمت أحد من بني‬
‫هاشم بمثل الذي نمت به من القرابة والسابقة والفضل ‪ ،‬وإنا بنو أم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فاطمة بنت‬
‫عمرو في الجاهلية ‪ ،‬وبنو بنته فاطمة في اإلسالم دونكم‪ .‬إن هللا اختارنا واختار لنا ‪ ،‬فوالدنا‬
‫من النبيين دمحم ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬ومن السلف أولهم إسالما علي ‪ ،‬ومن األزواج أفضلهن خديجة الطاهرة ‪،‬‬
‫وأول من صلى القبلة ‪ ،‬ومن البنات خيرهن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ‪ ،‬ومن المولودين في‬
‫اإلسالم حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة ‪ ،‬وإن هاشما ولد عليا مرتين ‪ ،‬وإن عبد المطلب‬
‫ولد حسنا مرتين ‪ ،‬وإن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ولدني مرتين من قبل حسن وحسين ‪ ،‬وإني أوسط بني‬
‫ي أمهات األوالد ‪ ،‬فما زال هللا‬ ‫هاشم نسبا وأصرحهم أبا ‪ ،‬لم تعرق في العجم ‪ ،‬ولم تنازع ف ّ‬
‫يختار لي اآلباء واألمهات في الجاهلية واإلسالم حتى اختار لي في النار‪ ،‬فأنا ابن أرفع الناس‬
‫درجة في الجنة وأهونهم عذابا في النار ‪،‬وأنا ابن خير األخيار وابن خير األشرار ‪ ،‬وابن خير‬
‫ي ‪ :‬إن دخلت في طاعتي وأجبت دعوتي أن أؤمنك‬ ‫أهل الجنة وابن خير أهل النار‪ .‬ولك هللا عل ّ‬
‫على نفسك ومالك وعلى كل أمر أحدثته إال حدا من حدود هللا أو حقا لمسلم أو معاهد ‪ ،‬فقد‬
‫علمت ما يلزمك من ذلك ‪ .‬وأنا أولى باألمر منك وأوفى بالعهد ‪ .‬ألنك أعطيتني من العهد‬
‫واألمان ما أعطيته رجاال قبلي ‪ ،‬فأي األمانات تعطيني ؟ أمان ابن هبيرة ؟ أم أمان عمك عبد‬
‫هللا بن علي ؟ أم أمان أبي مسلم ؟ ‪) .‬‬
‫نالحظ ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ دمحم بن عبد هللا يصف نفسه بالمهدى ويخاطب أبا جعفر المنصور باسمه المجرد ( عبد هللا‬
‫بن دمحم )‪ ،‬أي ال يعترف بخالفته ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ثم يبدأ بجعل ابى جعفر المنصور فرعونا ‪ ،‬مستشهدا بأوائل سورة القصص ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ يعرض عليه األمان ‪ ،‬ثم يدخل مباشرة في تأكيد أنه له الحق دون العباسيين في الخالفة ‪،‬‬
‫ُعرض بأن أم ابى جعفر المنصور كانت جارية مملوكة ‪،‬‬ ‫ويُسهب في ذلك مفتخرا بنسبه ‪ ،‬وي ّ‬
‫‪ 4‬ـ ثم يتندر باألمان الذى عرضه عليه أبو جعفر المنصور ‪ ،‬ألن أبا جعفر المنصور إشتهر‬
‫بنكث العهود والمواثيق ‪ ،‬أعطى عهودا البن هبيرة وأبى مسلم الخراسانى وعمه عبد هللا بن‬
‫على ‪ ،‬ونكث بها‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬صراع عسكرى ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ليس ُمه ّما من هو صاحب ال ُح ّجة ‪ .‬األهم هو صاحب القوة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ كانت ال ُح ّجة مع العلويين ‪ ،‬فابن عباس كان تابعا البن عمه ( على ) ‪ ،‬ولم ينازع بنو‬
‫العباس ورثة على في طموحهم السياسى ‪ .‬وبدأت الكيسانية المنتمية البن دمحم بن على بن أبى‬
‫طالب ( دمحم بن الحنفية ) الدعوة السرية تحت شعار ( الرضى من آل دمحم ) ‪ ،‬وليس معلوما‬
‫سرا الى العباسيين ‪ ،‬فأعطوها زخما لتنتشر‬ ‫رأس الدعوة ومكانه ‪ .‬ثم أدّت ظروف الى انتقالها ّ‬
‫أكثر في خراسان على أن صاحبها من ذرية ( على بن أبى طالب ) ‪ .‬وقت تغلغل الدعوة‬
‫قرر البيعة بالخالفة لدمحم النفس الزكية ‪،‬‬
‫سريا ّ‬
‫العباسية في خراسان عقد بنو هاشم مؤتمرا ّ‬
‫س ّرية حتى ال ينكشف أمرهم ‪ ،‬وبايع عبد هللا بن دمحم‬ ‫وشارك فيه العباسيون أصحاب الدعوة ال ّ‬
‫الذى أصبح إسمه فيما بعد ( أبو جعفر المنصور ) دمحما النفس الزكية بالخالفة ‪ .‬ثم كانت‬
‫المفاجأة الكبرى بإقامة الخالفة العباسية على أنقاض الدولة األموية عام ‪ . 132‬ظل دمحم النفس‬
‫توطدت الدولة العباسية في خالفة أبى جعفر المنصور ثم ــ في الوقت‬ ‫ّ‬ ‫الزكية ساكنا الى أن‬
‫الضائع ــ أعلن ثورته في المدينة وبعث أخاه إبراهيم ليثور في العراق الى جانب أبى جعفر‬
‫المنصور ‪ ،‬ليضيف ُحمقا إضافيا الى المتوارث من أغلب بنى (على بن أبى طالب )‪.‬‬
‫صدفة تاريخية ( إنتقال الدعوة العلوية الكيسانية السرية الى العباسيين ) ‪ ،‬وبدونها‬
‫‪ 3‬ـ أي هي ُ‬
‫لم يكن للعباسيين طموح لمنافسة بنى عمومتهم ‪ .‬وترتب على هذا الصدفة التاريخية تأسيس‬
‫الدولة العباسية ‪ ،‬ولجأ دمحم النفس الزكية للثورة بكل ما يملك من ُحمق ‪ ،‬أهلك به نفسه‬
‫واآلخرين ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ مبايعة ( عبد هللا بن دمحم ) ( أبو جعفر المنصور ) لدمحم النفس الزكية كانت نقطة ضعف‬
‫خطيرة في أحقية المنصور بالخالفة ‪ .‬واستغلها ضده خصومه الذين شايعوا دمحما النفس الزكية‬
‫وأخلصوا له حتى بعد فشله وهزيمته ومقتله ‪ .‬منهم ( عثمان بن دمحم بن خالد ) ‪ ،‬جىء به‬
‫أسيرا الى أبى جعفر المنصور فقال له ‪ " ( :‬يا عثمان أنت الخارج على أمير المؤمنين والمعين‬
‫عليه " ؟ قال ‪ " :‬بايعت أنا وأنت رجال بمكة فوفيت ببيعتي وغدرت ببيعتك " ‪ ...‬فأمر به‬
‫فضربت عنقه ‪ . ).‬ورواية أخرى تقول إن أبا جعفر سأله ‪ " ( :‬أين المال الذي عندك ؟" قال ‪:‬‬
‫" دفعته إلى أمير المؤمنين رحمه هللا ‪ ".‬قال ‪ " :‬ومن أمير المؤمنين ؟ " قال ‪ " :‬دمحم بن عبد‬
‫هللا‪ " .‬قال ‪ " :‬أبايعته ؟ " قال ‪ " :‬نعم كما بايعته أنت " ‪ .‬قال ‪ " :‬يابن اللخناء " ‪ .‬قال‪" :‬‬
‫ذاك من قامت عنه اإلماء " قال ‪ " :‬اضرب عنقه " ‪...‬فأخذ فضربت عنقه ‪ ).‬هنا يُضاف سبب‬
‫الى تحقير أبى جعفر المنصور ـ في الثقافة العربية السائدة وقتها ـ وهى أن أبا جعفر المنصور‬
‫كانت أُمه من اإلماء ‪.‬‬
‫سب لثورة دمحم النفس الزكية ‪ ،‬وهو ال ينسى أنه بايعه من قبل‬ ‫‪ 5‬ـ كان أبو جعفر المنصور يتح ّ‬
‫بالخالفة ‪ ،‬أو بالتعبير السائد وقتها إن في عنقه بيعة لدمحم بن عبد هللا ‪ ،‬وقد غدر به وبها‪ .‬وحين‬
‫تراخى دمحم بن عبد هللا في اعالن ثورته مكر به أبو جعفر المنصور يشجعه على اعالن ثورته‬
‫قبل أن يستكمل االستعداد‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬كان أبو جعفر يكتب إلى دمحم عن ألسن قواده‬
‫ي القواد‬
‫يدعونه إلى الظهور ويخبرونه أنهم معه‪ ) .‬وانخدع دمحم ( فكان يقول لو التقينا مال إل ّ‬
‫كلهم ‪ . ).‬ولما إنخدع دمحم وأعلن ثورته مبكرا قال أبو جعفر المنصور مفتخرا ‪ ( :‬أنا أبو‬
‫جعفر استخرجت الثعلب من حجره )‪!.‬‬
‫‪ 6‬ـ هذا في الوقت الذى إستعد فيه أبو جعفر ‪:‬‬
‫س ّرى الدعائى الذى يصنع له‬ ‫قواده ‪ ،‬بل إستوثق من جهازه ال ّ‬
‫‪ : 1 / 6‬إستوثق من جيشه ووالء ّ‬
‫شر بخالفة بنى العباس ‪ ،‬وكان زعيم هذا الجهاز الدعائى األعمش (‬ ‫األحاديث وينسبها للنبى تُب ّ‬
‫سليمان بن مهران ـ ‪ ) 145‬الرفيق السابق ألبى جعفر في مجالس العلم ‪ .‬تقول الرواية ‪( :‬‬
‫كتب أبو جعفر إلى األعمش كتابا على لسان دمحم يدعو إلى نصرته فلما قرأه قال ‪ " :‬قد‬
‫خبرناكم يا بني هاشم فإذا أنتم تحبون الثريد ‪ " .‬فلما رجع الرسول إلى أبي جعفر فأخبره قال ‪:‬‬
‫" أشهد أن هذا كالم األعمش‪ .)".‬أي إختبر أبو جعفر والء األعمش بكتاب مزور منسوب لدمحم‬
‫بن عبد هللا ‪ ،‬وفهم األعمش اللعبة فتندّر على أبى جعفر المنصور‪.‬‬
‫‪ : 2 / 6‬واستشار أبو جعفر المنصور أصحاب الخبرة في الحروب ‪ ،‬حتى من أعدائه السابقين‬
‫‪:‬‬
‫‪ : 1 / 2 / 6‬كان منهم عمه عبد هللا بن على العباسى ‪ ،‬والذى إنقلب عليه وحاربه ‪ ،‬فأعطاه‬
‫المنصور األمان ثم غدر به وسجنه ( ثم فيما بعد قتله ) ‪ .‬أرسل أبو جعفر وفدا يستشيره في‬
‫أمر دمحم النفس الزكية ‪ ،‬فطلب عبد هللا بن على اطالق سراحه قائال ‪" :‬إن المحبوس محبوس‬
‫الرأي فأخرجني حتى يخرج رأيي‪ " .‬فأرسل إليه أبو جعفر ‪ " :‬لو جاءني حتى يضرب بابي‬
‫ما أخرجتك ‪ ،‬وأنا خير لك منه ‪ ،‬وهو ملك أهل بيتك‪ ) " .‬فنصحه عبد هللا بن على بأن يحاصر‬
‫الكوفة ألنها شيعة العلويين ‪ ،‬ويمنع الدخول اليها والخروج منها ‪ ،‬ومن دخل أو خرج‬
‫ّ‬
‫فليضربن عنقه ‪ ،‬وأن يستقدم جنوده من فارس وأن يستعين بأهل الشام ‪ ،‬لينضموا اليهم وأن‬
‫يفرق فيهم األموال ‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ : 2 / 2 / 6‬وكان جعفر بن حنظلة البهراني من أتباع األمويين وقد حارب مع مروان بن‬
‫دمحم ضد العباسيين ‪ ،‬ثم إعتزل وكان مشهورا بالخبرة الحربية ‪ .‬واستشاره أبو جعفر المنصور‬
‫‪ ،‬فقال له ‪ " :‬قد ظهر دمحم فما عندك ؟ قال ‪ " :‬وأين ظهر ؟ " قال ‪ " :‬بالمدينة ؟‪ .‬قال ‪" :‬‬
‫فاحمد هللا ‪ .‬ظهر حيث ال مال وال رجال وال سالح وال كراع ‪ ،‬إبعث مولى لك تثق به فليسر‬
‫حتى ينزل بوادي القرى فيمنعه ميرة الشأم فيموت مكانه جوعا ‪ ،‬ففعل ‪) .‬‬
‫‪ : 3 / 6‬وزرع أبو جعفر المنصور المدينة بجواسيسه ينقلون له أخبار دمحم النفس الزكية ‪،‬‬
‫بحيث يكون أول من يعلم به إذا خرج ثائرا ‪ .‬وبمجرد أن أعلن ثورته أسرع أحدهم فوصل‬
‫ليال الى قصر أبى جعفر المنصور بعد سفر إستغرق تسع ليال ‪ ،‬وص ّمم على أن يرى أبا جعفر‬
‫‪ ،‬وأيقظوا الخليفة وجىء به اليه فأسرع الرجل يقول ‪ "( :‬يا أمير المؤمنين خرج دمحم بن عبد‬
‫هللا بالمدينة " ) واستجوبه الخليفة ‪ ،‬ثم حبسه ليتيقن صدقه‪ .‬ولما تبين صدقه كافأه بألف درهم‬
‫عن كل ليلة سارها ‪.‬‬
‫‪ : 4 / 6‬وهناك جواسيس ألبى جعفر المنصور كانوا قريبين من دمحم النفس الزكية ‪ ،‬منهم ابن‬
‫القسرى الذى غدر بدمحم ثم لحق بأبى جعفر المنصور ‪ .‬والحديث في هذا يطول ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ أي نحن هنا بين جانب يملك ( ال ُح ّجة السياسية ) ومعها ُحمق ‪ ،‬وجانب ال يملك ( ال ُح ّجة‬
‫السياسية ) ولكن معه المكر والدهاء والقوة والعتاد ‪ .‬أي هي قضية محسومة سلفا ‪.‬‬

‫مسلسل ال ُحمق في ذرية (على بن أبى طالب ) ‪ :‬ثورة دمحم النفس الزكية عام ‪) 2 ( 145‬‬
‫ثالثا ‪ :‬دمحم النفس الزكية يستولى على المدينة ومكة‬
‫‪ 1‬ـ نجحت خطة أبى جعفر المنصور فجعل غريمه يعلن الثورة قبل االستعداد الكامل ‪ ،‬ولهذا‬
‫بدأ دمحم النفس الزكية في المدينة الثورة قبل أخيه إبراهيم في البصرة ‪ .‬وبمجرد إعالن ثورته‬
‫دعا أبو جعفر المنصور ولى العهد (عيسى بن موسى ) فقال له‪ ( :‬قد ظهر دمحم‪ ،‬فسر إليه )‪.‬‬
‫أرسله لحرب دمحم في المدينة ‪ ،‬وقال ‪ ( :‬ال أبالي أيهما قتل صاحبه ) ‪ ،‬ذلك ان أبا جعفر‬
‫المنصور كان يريد عزل عيسى بن موسى عن والية العهد ليولى مكانه ابنه ( المهدى ) ‪.‬‬
‫وفعال مازال بعيسى حتى اضطره للتنازل عن والية العهد للمهدى ‪ .‬وهذه قصة أخرى ‪ ،‬ولكن‬
‫يتبيّن منها ( حذق ) أبى جعفر المنصور مقابل ( حمق ) دمحم النفس الزكية ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ بادر أبوجعفر المنصور فاعتقل من إستطاع من أقارب دمحم النفس الزكية من ذرية ( الحسن‬
‫بن على بن أبى طالب )‬
‫إعالن الثورة في المدينة‬
‫‪ 1‬ـ صعد دمحم المنبر فحمد هللا وأثنى عليه ثم قال ‪) :‬أما بعد أيها الناس فإنه كان من أمر هذا‬
‫الطاغية عدو هللا أبي جعفر ما لم يخف عليكم من بنائه القبة الخضراء التي بناها معاندا هلل في‬
‫ملكه وتصغيرا للكعبة الحرام ‪ ،‬وإنما أخذ هللا فرعون حين قال أنا ربكم األعلى ‪ ،‬وإن أحق‬
‫الناس بالقيام بهذا الدين أبناء المهاجرين األولين واألنصار المواسين ‪ .‬اللهم إنهم قد أحلوا‬
‫حرامك وحرموا حاللك وآمنوا من أخفت وأخافوا من آمنت ‪ ،‬اللهم فأحصهم عددا واقتلهم بددا‬
‫وال تغادر منهم أحدا ‪ .‬أيها الناس إني وهللا ما خرجت من بين أظهركم وأنتم عندي أهل قوة وال‬
‫شدة ولكني اخترتكم لنفسي ‪ ،‬وهللا ما جئت هذه وفي األرض مصر يعبد هللا فيه إال وقد أخذ لي‬
‫فيه البيعة (‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ هذا خطاب دينى كهنوتى وليس سياسيا ‪ ،‬وهو يتهم فيه غريمه أبا جعفر المصور بالكفر ‪.‬‬
‫وليس في هذا جديد ‪ .‬الجديد والمؤلم أنه يجعل رب العزة مؤيدا لبيعته بالخالفة ‪ ،‬وهذا زعم‬
‫كاذب ‪ ،‬فقد عارض دمحما النفس الزكية كثيرون حتى من أقرب اقاربه ‪.‬‬
‫بوادر فشله‬
‫لم ينضم له الجميع ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ عندما أعلن ثورته كان والى المدينة ألبى جعفر المنصور هو رياح بن عثمان بن حيان‬
‫المري ‪ .‬وقد هدّد كبار أهل المدينة بقطع أعناقهم لو مالوا الى دمحما ‪ ،‬وأعلن بعض أقارب دمحم‬
‫للوالى رياح إنهم على طاعة أبى جعفر المنصور‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وظهر سريعا عزوف كثيرين عن دمحم ورغبتهم عنه ‪ ،‬وقال له بعضهم ‪ ( :‬وهللا ما نجد في‬
‫هذه األمة أحدا أشأم عليها منك ‪ !.‬ما يمنعك أن تخرج وحدك ؟ ) ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ولم يبايع لدمحم بعض كبار القوم منهم الضحاك بن عثمان بن عبد هللا بن خالد بن حزام‬
‫وعبد هللا بن المنذر بن المغيرة بن عبد هللا بن خالد بن حزام وأبو سلمة بن عبيد هللا بن عبد هللا‬
‫بن عمر بن الخطاب وخبيب بن ثابت بن عبد هللا بن الزبير‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ودعا دمحم ( إبن عمه ) إسماعيل بن عبد هللا بن جعفر بن ابى طالب أن يبايعه ‪ ،‬فقال ‪ " :‬يا‬
‫ابن أخي أنت وهللا مقتول فكيف أبايعك ؟ "‪ .‬لم يكتف إسماعيل هذا برفض مبايعة دمحم النفس‬
‫الزكية بل نهى الناس عن بيعته ‪ ،‬فقتلته حمادة بنت معاوية من نسل جعفر بن أبى طالب ‪.‬‬
‫واتهم عبد هللا ابن القتيل دمحما بالتحريض على قتل أبيه ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ وعارض دعوة دمحم ابن عمه عبيد هللا بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي ‪ ،‬فأقسم دمحم‬
‫إن رآه ليقتلنّه ‪ ،‬فجىء به اليه ‪ ،‬فقال عيسى بن زيد لدمحم ‪ " :‬دعني أضرب عنقه ‪ ".‬ورفض دمحم‬
‫يتسرع في سفك الدماء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫قتله ‪ .‬وهنا نرى دمحما سريع الغضب مترددا وال‬
‫‪ 6‬ـ وبعضهم إنضم الى الثورة ثم غيّر رأيه وقال ‪ " :‬نفسى ال تطاوعنى على الخروج ‪".‬‬
‫‪ 7‬ـ وبعث إلى دمحم بن عبد العزيز يقول له ‪ " :‬إني كنت ألظنك ستنصرنا وتقيم معنا " ‪،‬‬
‫فاعتذر إليه وقال ‪ " :‬أفعل " ) ثم هرب الى مكة ‪.‬‬
‫رفض النصيحة‬
‫وبعضهم نصح دمحما أن يترك الحجاز الى بلد فيه وفرة مثل ( مصر ) فلم يسمع له ‪ .‬منهم ‪:‬‬
‫‪: 1‬أبو نافع بن ثابت ‪ ،‬الذى رفض مبايعة دمحم مع إلحاح دمحم عليه ‪ ،‬حتى لقد ترجاه أن يلبس‬
‫السالح يوهم الناس أنه معه ‪ ،‬فرفض ‪ .‬قال له دمحم ‪ " : ( :‬يا أبا عبد هللا لم أرك جئتنا؟" قال ‪:‬‬
‫يتأس بك غيرك ‪ ".‬فقال ‪ " :‬أيها‬
‫ّ‬ ‫ي ما تريد‪ ".‬فألح عليه دمحم حتى قال ‪" :‬البس السالح‬ ‫" ليس ف ّ‬
‫الرجل إني وهللا ما أراك في شيء‪ ،‬خرجت في بلد ليس فيه مال وال رجال وال كراع وال‬
‫سالح ‪ ،‬وما أنا بمهلك نفسي معك وال معين على دمي "‪ .‬قال ‪ ":‬انصرف فال شيء فيك بعد‬
‫هذا ‪" .‬‬
‫‪ : 2‬وبعض من أطلقهم دمحم من الحبس تح ّمس في طاعته ‪ ،‬قال ‪ ( :‬لما ظهر دمحم وأنا في‬
‫حبس ابن حيان أطلقني‪ ،‬فلما سمعت دعوته التي دعا إليها على المنبر قلت ‪ " :‬هذه دعوة حق‬
‫وهللا ألبلين هللا فيها بالء حسنا‪ " .‬فقلت ‪ " :‬يا أمير المؤمنين إنك قد خرجت في هذا البلد وهللا‬
‫لو ُوقف على نقب من أنقابه مات أهله جوعا وعطشا فانهض معي فإنما هي عشر حتى‬
‫أضربه بمائه ألف سيف ‪ . " .‬انتهى أمر هذا الرجل بالتجسس على دمحم ‪ ،‬وكتابة أخباره الى‬
‫أبى جعفر المنصور‪ .‬واكتشف دمحم أمره فحبسه ‪ ،‬فظل في الحبس الى مقتل دمحم ‪ ،‬واطلقه عيسى‬
‫بن موسى ‪.‬‬
‫‪ : 3‬وتكررت النصيحة فتردد دمحم بين البقاء في المدينة أو الخروج عنها ‪ ،‬استشار أصحابه‬
‫عندما إقترب جيش عيسى بن موسى من المدينة ‪ ،‬تقول الرواية عن بعضهم ‪ ( :‬إنا لعند دمحم‬
‫ليلة وذلك عند دنو عيسى من المدينة ‪ ،‬إذا قال دمحم ‪ " :‬أشيروا علي في الخروج والمقام‬
‫ي فقال ‪ " :‬أشر علي يا أبا جعفر" قلت ‪ " :‬ألست تعلم أنك أقل بالد هللا‬ ‫"‪...‬فاختلفوا‪ ،‬فأقبل عل ّ‬
‫فرسا وسالحا وأضعفها رجاال ؟ " قال ‪" :‬بلى " قلت ‪ " :‬تعلم أنك تقاتل أشد بالد هللا رجال‬
‫وأكثرها ماال وسالحا ؟ " قال ‪ " :‬بلى " ‪ .‬قلت ‪ " :‬فالرأي أن تسير بمن معك حتى تأتي‬
‫مصر فوهللا ال يردك راد ‪ ،‬فتقاتل الرجل بمثل سالحه وكراعه ورجاله وماله ‪ " .‬ورفض ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ كان إبن خضير من ذرية مصعب بن الزبير مخلصا لدمحم النفس الزكية ‪ ،‬تقول الرواية ‪( :‬‬
‫وظل الى جانبه يناشده هللا إال مضى إلى البصرة أو غيرها ‪ ،‬ودمحم يقول‪ " :‬وهللا ال تبتلون بي‬
‫مرتين ولكن اذهب حيث شئت فأنت في حل" قال ابن خضير وأين المذهب عنك ؟"‪ .).‬وقاتل‬
‫مع دمحم حتى قُتل ‪.‬‬
‫مما سبق نتعرف على بعض مالمح من ُحمق دمحم النفس الزكية ‪ ،‬فهو يرفض النصيحة ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فهو متردد ‪ ،‬وليس فيه حزم غريمه أبى جعفر المنصور ‪ ،‬وليس فيه ال ُجرأة على سفك‬
‫الدماء مثله‪.‬‬
‫إستيالء دمحم على المدينة‬
‫‪ 2‬ـ بظهور دمحم أسرع أهل المدينة في شراء الطعام حتى باع بعضهم حلي نسائه ‪.‬‬
‫وهناك رواية مختصرة تقول ‪( :‬خرج دمحم في أول يوم من رجب سنة خمس وأربعين ومائة ‪،‬‬
‫فبات بالمذاد هو وأصحابه ‪ ،‬ثم أقبل في الليل ‪ ،‬فدق السجن وبيت المال ‪ ،‬وأمر برياح وابن‬
‫مسلم فحبسا معا في دار ابن هشام )‪ .‬وروايات تفصيلية نفهم منها ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ عرف رياح أن دمحما ذهب بأتباعه الى حى المذاد فأسرع اليه في جنده ‪ ،‬ولم يتواجها ‪،‬‬
‫وتو ّجه دمحم الى السجن فأطلق من فيه من خصوم رياح فانضموا الى دمحم ‪ .‬وحدثت مناوشات‬
‫قتل فيها أصحاب دمحم النفس الزكية رجال سنديا كان يخدم في المسجد ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ كان رياح مع أصحابه في دار مروان ‪ ،‬وحاصره دمحم ‪ ،‬واقتحم الدار ‪ ،‬وإعتقل رياحا‬
‫وكبار أصحابه ‪ .‬وسيطر دمحم على المدينة ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وفى النهاية قتل ابن خضير الزبيرى رياحا ‪ .‬ولما رأى ابن خضير أن الجيش العباسى قد‬
‫أفنى معظم جيش دمحم النفس الزكية ترك ميدان المعركة وذهب فذبح رياحا وأخاه ‪ .‬تقول‬
‫الرواية إنّه ‪ ( :‬استأذن دمحما في دخول المدينة فأذن له ‪ ،‬وال يعلم ما يريد ‪ ،‬فدخل على رياح بن‬
‫عثمان بن حيان المري وأخيه فذبحهما ‪ ،‬ثم رجع فأخبر دمحما ‪ ،‬ثم تقدم فقاتل حتى قتل من‬
‫ساعته‪ ) .‬وتقول رواية أخرى ‪ ( :‬ذبح ابن خضير رياحا ولم يجهز عليه ‪ ،‬فجعل يضرب‬
‫برأسه الجدار حتى مات ‪ ،‬وقتل معه عباسا أخاه ‪ ،‬وكان مستقيم الطريقة فعاب الناس ذلك‬
‫عليه‪) .‬‬
‫‪ 5‬ـ وتقول الرواية ‪ ( :‬لما أخذ دمحم المدينة استعمل عليها عثمان بن دمحم بن خالد بن الزبير ‪،‬‬
‫وعلى قضائها عبد العزيز بن المطلب بن عبد هللا المخزومي ‪ ،‬وعلى الشرط أبا القلمس عثمان‬
‫بن عبيد هللا بن عبد هللا بن عمر بن الخطاب ‪ ،‬وعلى ديوان العطاء عبد هللا بن جعفر بن عبد‬
‫الرحمن بن المسور بن مخرمة‪ )،‬ويتضح أن هؤالء من قريش ليس منهم أحد من أبناء‬
‫األنصار ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ وألن أهل المدينة كانوا قد بايعوا أبا جعفر المنصور من قبل فقد إستفتوا فقيه المدينة (‬
‫مالك بن أنس ) في الخروج مع دمحم ‪ ،‬وقالوا لمالك ‪ " :‬إن في أعناقنا بيعة ألبي جعفر‪ ".‬فقال‬
‫‪ " :‬إنما بايعتم ُمكرهين وليس على كل ُمكره يمين‪ " .‬فأسرع الناس إلى بيعة دمحم ‪ .‬وفيما بعد‬
‫تعرض مالك بن أنس لعقاب أبو جعفر المنصور‪.‬‬
‫روايات استيالء دمحم على مكة‬
‫‪ 1‬ـ كان والى مكة للعباسيين هو السرى بن عبد هللا من بنى العباس ‪ .‬أرسل دمحم النفس الزكية‬
‫جيشا الى مكة يقوده الحسن بن معاوية بن عبد هللا بن جعفر بن أبى طالب ‪ ،‬ومعه العباس بن‬
‫القاسم رجل من آل أبي لهب‪ .‬فلم يشعر بهم السري بن عبد هللا ( والى مكة ) حتى دنوا من مكة‬
‫‪ ،‬فخرج إليهم ‪ ،‬فقال له مواله ‪ " :‬ما رأيك قد دنونا منهم ؟ " قال ‪ " :‬انهزموا على بركة هللا‬
‫وموعدكم بئر ميمون ‪ ".‬فانهزموا ‪ ،‬ودخلها الحسن بن معاوية بال قتال ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وهناك رواية تقول إن الحسن قبل ان يذهب الى مكة استشار دمحما النفس الزكية فيما يفعله‬
‫س ّرى إن إلتحم القتال ‪ : ( .‬أرأيت إن التحم القتال بيننا وبينهم ما ترى في السري ؟‬
‫مع الوالى ال ّ‬
‫" قال ‪ " :‬يا حسن إن السري لم يزل مجتنبا لما كرهنا كارها للذي صنع أبو جعفر ‪ .‬إن‬
‫ظفرت به فال تقتله ‪ ،‬وال تحركن له أهال ‪ ،‬وال تأخذن له متاعا‪ ،‬وإن تنحى فال تطلبن له أثرا ‪.‬‬
‫")‬
‫‪ 3‬ـ وهناك رواية أخرى مختلفة تصف قتاال جرى بين جيش دمحم النفس الزكية وجيش‬
‫س ّرى بن عبد هللا ‪ ،‬ودخل الحسن مكة واليا‬
‫العباسيين ‪ ،‬وانهزم جيش العباسيين ‪ ،‬وهرب ال ّ‬
‫عليها من طرف دمحم النفس الزكية ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وفيما بعد وعندما أشرف دمحم النفس الزكية على الهزيمة أمام الجيش العباسى بقيادة عيسى‬
‫بن موسى بعث الى واليه على مكة يستنجد به ‪ ،‬فجمع الحسن وابن القاسم جيشا واستخلف‬
‫الحسن واليا على مكة من ذرية األنصار ‪ .‬وعندما وصال قديد وصلهما نبأ قتل دمحم النفس‬
‫الزكية ‪ ،‬فتفرق الجيش ‪ ،‬وهرب الحسن الى البصرة لينضم الى جيش إبراهيم أخ دمحم النفس‬
‫الزكية ‪ ،‬وظل مع إبراهيم الى مقتل إبراهيم ‪ .‬أما ابن القاسم فتأ ّخر في الهروب الى البصرة ‪،‬‬
‫وفى الطريق اليها جاءه نبأ مقتل إبراهيم فرجع واختفى في المدينة‪ .‬وظل مختفيا حتى أخذت‬
‫لهم األمان زوجة عيسى بن موسى ‪ ،‬وهى من ذرية عبد هللا بن جعفر بن أبى طالب ‪ .‬أي هي‬
‫حرب عائلية بين بنى هاشم قتلوا فيها أنفسهم واآلخرين‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ بعد إستيالئه على مكة بعث دمحم النفس الزكية باثنين دُعاة له ‪ ( :‬القاسم بن إسحاق ) الى‬
‫اليمن ‪ ،‬و( موسى بن عبد هللا ) الى الشام ‪ .‬فقتلهما عمالء العباسيين قبل أن يصال ‪ .‬بما يدل‬
‫على أن جواسيس أبى جعفر المنصور تحيط بدمحم النفس الزكية‪.‬‬

‫مسلسل ال ُحمق في ذرية (على بن أبى طالب ) ‪ :‬ثورة دمحم النفس الزكية عام ‪) 3 ( 145‬‬
‫قبيل القضاء على ثورة دمحم النفس الزكية‬
‫صفة الجيش العباسى‬
‫‪ 1‬ـ قائد الجيش العباسى هو ولى العهد عيسى بن موسى كان عمره ‪ 43‬عاما وقتها‪ ،‬وكان معه‬
‫دمحم ابن الخليفة أبى جعفر المنصور‪.‬‬
‫تكون جيشه من أربعة آالف جندي مع عدد من القواد الخراسانيين منهم داود بن كراز ‪،‬‬
‫‪2‬ـ ّ‬
‫والقائد العربى حميد بن قحطبة الطائى ‪ ،‬ومعهم المال والخيل والبغال والسالح والمؤن ‪.‬‬
‫تحرك الجيش‬
‫‪ 1‬ـ قبل وصول الجيش الى المدينة أقام كثير بن حصين العبدي معسكرا بخندق في ( فيد ) ‪،‬‬
‫وانتظر مجىء عيسى بن موسى ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نزل عيسى بقصر سليمان بالجرف صبيحة اثنتي عشرة من رمضان سنة خمسة وأربعين‬
‫ومائة يوم السبت ‪ ،‬فأقام يوم السبت ويوم األحد ‪ ،‬وغدا يوم االثنين حتى استوى على سلع ‪،‬‬
‫فنظر إلى المدينة وإلى من دخلها وخرج منها ‪ ،‬وحاصر جوانبها كلها بالخيل والرجال ‪ ،‬إال‬
‫ناحية مسجد أبي الجراح ‪ ،‬وهو على بطحان ‪ ،‬فإنه تركه لخروج من هرب من أهل المدينة‪.‬‬
‫اإلجراءات األولى قبل المواجهة الحربية‬
‫‪ 1‬ـ كان الخليفة أبو جعفر قد أمر عيسى بأن يكتب اليه أسماء من يأتيه من آل أبى طالب‬
‫مفارقا دمحما النفس الزكية‪ ،‬ومن ال يأتيه منهم يصادر أمواله ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وهو في ( فيد ) أرسل عيسى بن موسى برسائل من أبى جعفر المنصور تحمل أمواال في‬
‫أكياس حرير ‪ ،‬للكبار من أهل المدينة ليشترى والءهم ‪ ،‬ونجحت هذه الطريقة في إنفضاض‬
‫كثيرين عن دمحم ‪ ،‬وعرف دمحم بهذا فحبس في القيود جماعة منهم وضربهم ‪ ،‬وظلوا في الحبس‬
‫الى أن إنتصر عيسى بن موسى فأطلقهم ‪.‬‬
‫إعطاء األمان لدمحم ومن معه‬
‫تقول الروايات أن عيسى بن موسى عرض األمان مرارا على دمحم ومن معه ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ دعوة حملها القاسم بن الحسن بن زيد إبن عم دمحم ‪ (:‬لما قرب عيسى أرسل إلى دمحم القاسم‬
‫بن الحسن بن زيد يدعوه إلى الرجوع عما هو عليه ويخبره أن أمير المؤمنين قد آمنه وأهل‬
‫بيته ‪ ،‬فقال دمحم للقاسم ‪ " :‬وهللا لوال أن الرسل ال تقتل لضربت عنقك ‪) "..‬‬
‫‪ 2‬ـ يقول أحدهم ‪ ( :‬قدمنا مع عيسى فدعا دمحما ثالثا ‪ ،‬الجمعة والسبت واألحد )‬
‫‪ 3‬ـ ( لما عسكر عيسى أقبل على دابة ‪ ،‬يمشي حواليه نحو من خمسمائة ‪ ،‬وبين يديه راية‬
‫يُسار بها معه ‪ ،‬فوقف على الثنية ونادى ‪ " :‬يا أهل المدينة‪ ،‬إن هللا قد حرم دماء بعضنا على‬
‫بعض ‪ ،‬فهلموا إلى األمان ‪ ،‬فمن قام تحت رايتنا فهو آمن‪ ،‬ومن دخل داره فهو آمن ‪ ،‬ومن‬
‫دخل المسجد فهو آمن ‪ ،‬ومن ألقى سالحه فهو آمن ‪ ،‬ومن خرج من المدينة فهو آمن‪ ،‬خلوا‬
‫بيننا وبين أصحابنا ‪ ،‬فإما لنا أو له ‪ .. " .‬فشتموه وأقذعوا له‪ ،‬وقالوا ‪ :‬يا إبن الشاة ‪ ،‬يا إبن كذا‬
‫يا إبن كذا ‪ .‬فانصرف يومه ذاك وعاد من الغد ففعل مثل ذلك ‪ ،‬فشتموه ‪ ،‬فلما كان اليوم‬
‫الثالث أقبل بما لم أر مثله قط من الخيل والرجال والسالح فوهللا ما لبثنا أن ظهر علينا ونادى‬
‫باألمان فانصرف إلى معسكره‪) .‬‬
‫‪ 4‬ـ ( لما التقينا نادى عيسى بنفسه ‪ " :‬أيا دمحم ‪ ،‬إن أمير المؤمنين أمرني أال أقاتلك حتى‬
‫ي نفسك وأهلك وولدك وأصحابك ‪ ،‬وتُعطى من المال كذا وكذا‬ ‫أعرض عليك األمان ‪ ،‬فلك عل ّ‬
‫‪ ،‬ويقضى عنك دينك ‪ ،‬ويفعل بك ويفعل ‪ "..‬فصاح دمحم ‪ :‬إلهُ عن هذا ‪ ،‬فوهللا لو علمت أنه ال‬
‫يثنيني عنكم فزع وال يقربني منكم طمع ‪)".‬‬
‫‪ 5‬ـ كان في جيش عيسى عشرة من شيوخ بنى هاشم وبنى أبى طالب ‪ ،‬بعث بهم الى دمحم‬
‫يحملون األمان له ‪ .‬قال لهم ‪ " :‬انطلقوا إلى القوم فادعوهم وأعطوهم أمانا " ‪ ..‬يقول الراوى‬
‫وهو واحد منهم ‪ ( :‬فخرجنا حتى جئنا سوق الحطابين ‪ ،‬فدعوناهم فسبونا ورشقونا بالنبل ‪،‬‬
‫وقالوا ‪" :‬هذا ابن رسول هللا معنا ‪ ،‬ونحن معه‪ ، ".‬فكلمهم القاسم بن الحسن بن زيد فقال ‪" :‬‬
‫وأنا ابن رسول هللا وأكثر من ترون بنو رسول هللا ‪ ،‬ونحن ندعوكم إلى كتاب هللا وسنة نبيه‬
‫وحقن دمائكم واألمان لكم " ‪ ،‬فجعلوا يسبوننا ويرشقوننا بالنبل ‪ ،‬فقال القاسم لغالمه ‪ " :‬القط‬
‫هذه النبل " فلقطها ‪ ،‬فأخذها قاسم بيده‪ ،‬ثم دخل بها إلى عيسى ‪ .‬فقال ‪.. :‬انظر ما صنعوا بنا "‬
‫) فأرسل عيسى بن حميد قحطبة في مائة ‪..‬‬
‫‪ 6‬ـ ( وقف القاسم بن الحسن ورجل معه من آل أبي طالب على رأس ثنية الوداع ‪ ،‬فدعوا دمحما‬
‫إلى األمان ‪ ،‬فسبهما ‪ ،‬فرجعا ‪)..‬‬
‫‪ 7‬ـ ردّا على عروض األمان من عيسى أرسل دمحم إلى عيسى برسالة تقول ‪ " :‬يا هذا إن لك‬
‫برسول هللا قرابة قريبة وإني أدعوك إلى كتاب هللا وسنة نبيه والعمل بطاعته وأحذرك نقمته‬
‫وعذابه‪ ،‬وإني وهللا ما أنا بمنصرف عن هذا األمر حتى ألقى هللا عليه ‪ ،‬فإياك أن يقتلك من‬
‫يدعوك إلى هللا فتكون شر قتيل أو تقتله فيكون أعظم لوزرك وأكثر لمأثمك " ‪ ،‬فأرسل هذه‬
‫الرسالة مع إبراهيم بن جعفر فبلغه فقال ‪ " :‬ارجع إلى صاحبك فقل له ‪" :‬ليس بيننا إال القتال ‪.‬‬
‫" ) ‪ .‬دمحم النفس الزكية ال يزال في ُحمقه سادرا يخاطب غريمه خطابا كهنوتيا يجعل نفسه‬
‫داعيا الى هللا جل وعال ‪ ،‬وهو يطلب الدنيا بسفك الدماء دون جدارة سياسية أو حربية ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ وحتى بعد هزيمة دمحم عرض عليهم عيسى األمان‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬وبعث عيسى بألوية‪،‬‬
‫فوضع على باب أسماء بنت حسن بن عبد هللا واحد وعلى باب العباس بن عبد هللا بن الحارث‬
‫آخر وعلى باب دمحم بن عبد العزيز الزهري آخر وعلى باب عبيد هللا بن دمحم بن صفوان آخر‬
‫وعلى باب دار أبي عمرو الغفاري آخرا ‪ .‬وصاح مناديه ‪ " :‬من دخل تحت لواء منها أو دخل‬
‫دارا من هذه الدور فهو آمن "‪) .‬‬
‫تطورات المواجهة الحربية ‪:‬‬
‫قواده على أنقاب المدينة وأركانها ‪ ،‬وقاد هو فرقة للرماة‬ ‫‪ 1‬ـ حاصر عيسى المدينة ‪ّ ،‬‬
‫وزع ّ‬
‫بالنشاب والمقاليع ‪ ( .‬المجانيق ) ‪ ،‬واستمر ضربها ساعة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ كان دمحم قد حفر خندقا ‪ ،‬فشهد هذا الخندق عمليات عسكرية ‪ .‬فلم يكن مانعا من ضربات‬
‫النشاب وأحجار المقاليع ‪ .‬أمرهم عيسى فطرحوا حقائب اإلبل في الخندق فجازت الخيل ‪،‬‬
‫فالتقوا عند مفاتح خشرم فاقتتلوا حتى كان العصر‪ .‬وتقدم حميد بن قحطبة في مائة رجل‬
‫بالنشاب واشتبكوا مع جنود دمحم في قتال استمر من الصباح الى العصر‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وتقول رواية ان القتال استمر ثالثة أيام ‪ ،‬وكان مع دمحم نفر من بنى شجاع من قبيلة‬
‫جهينة‪ ،‬قاتلوا بضراوة حتى قُتلوا ‪.‬‬
‫الطابور الخامس للعباسيين داخل المدينة‬
‫سرا ) الى العباسيين ‪ ،‬ففتحوا طريقا سريا لجيشهم‬
‫‪ 1‬ـ انض ّم بنو ابى عمر من قبيلة غفار ( ّ‬
‫فهاجموا جيش دمحم من الخلف ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ( وأمرت أسماء بنت حسن بن عبيد هللا بن عبيد هللا بن عباس بن عبد المطلب ــ وكانت‬
‫تحت عبد هللا بن حسين بن عبد هللا بن عبيد هللا بن عباس ــ بخمار أسود ‪ ،‬فنُصب على منارة‬
‫مسجد رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص ‪ ،‬فلما رأى ذلك أصحاب دمحم تنادوا ‪ " :‬دُخلت المدينة ‪ ، " .‬وهربوا ‪) .‬‬
‫هذه إمرأة من بنى العباس متزوجة من ابن عمها ‪ ،‬وقد رفعت علم بنى العباس على منارة‬
‫المسجد ‪ ،‬فتو ّهم أصحاب دمحم ان جند العباسيين اقتحموا المدينة فهربوا ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إتخذ العباسيون لهم شعارا هو اللون األسود ‪ ،‬حزنا على من قتلهم األمويون من ذرية أبناء‬
‫سود‬
‫عمومتهم من ذرية (على ) ‪ ،‬وكان من يثور على العباسيين يرفع علما أبيض ‪ ،‬ويقال ( ّ‬
‫) أي انضم للعباسيين ‪ ،‬و( بيّض ) أي ثار على العباسيين ‪ .‬من المضحك أن أصحاب دمحم‬
‫رفعوا الرايات البيضاء ‪!.‬‬
‫ُحمق دمحم وتردده‬
‫‪ 1‬ـ دعا أهل المدينة في خطاب دينى لقتال الجيش العباسى ‪ ،‬خطبهم فقال ‪ ( :‬إن عدو هللا‬
‫وعدوكم عيسى بن موسى قد نزل األعوص ‪ ،‬وإن أحق الناس بالقيام بهذا الدين أبناء‬
‫المهاجرين األولين واألنصار المواسين ) ‪ .‬الخطاب الدينى منه ُحمق ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ثم كان تردده وتناقضه مظهرا آخر من مظاهر ال ُحمق ‪ .‬ونعطى أمثلة ‪:‬‬
‫‪ : 1 / 2‬قال أحدهم وكان في جيش دمحم ‪ ( :‬اجتمع مع دمحم جمع لم أر مثله وال أكثر منه ‪ ،‬إني‬
‫ألحسب أنا قد كنا مائة ألف ‪ ،‬فلما قرب عيسى خطبنا فقال ‪ " :‬يأيها الناس إن هذا الرجل قد‬
‫عدّة ‪ ،‬وقد حللتكم من بيعتي ‪ ،‬فمن أحب المقام فليقم ‪ ،‬ومن أحب‬‫قرب منكم في عدد و ُ‬
‫االنصراف فلينصرف" ‪ ،‬فتسللوا حتى بقي في شرذمة ليست بالكثيرة )‪ .‬أي هو الذى سمح‬
‫لجنوده بأن يتركوه ‪.‬‬
‫‪ : 2 / 2‬تقول رواية أخرى ‪ ( :‬لما ظهر دمحم جمع الناس وحشرهم وأخذ عليهم المناقب فال‬
‫يخرج أحد ‪ .‬فلما سمع بعيسى وحميد بن قحطبة قد أقبال صعد المنبر فقال ‪ " :‬يأيها الناس إنا قد‬
‫جمعناكم للقتال وأخذنا عليكم المناقب‪ ،‬وإن هذا العدو منكم قريب ‪ ،‬وهو في عدد كثير ‪،‬‬
‫والنصر من هللا واألمر بيده ‪ ،‬وإنه قد بدا لي أن آذن لكم وأفرج عنكم المناقب ‪ ،‬فمن أحب أن‬
‫يقيم أقام ومن أحب أن يظعن ظعن‪ ... " .‬فخرج عالم من الناس كنت فيهم ‪ . ) ..‬هنا نراه قد‬
‫حبس الناس ‪ ،‬ثم سمح لهم بالرحيل ‪ ،‬فرحلوا ‪ .‬وهو يقول ( وإنه قد بدا لي )‪!.‬‬
‫‪ : 3 / 2‬ثم ( بدا له ) أن يُطارد الذين سمح لهم بالخروج من المدينة ‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬خرج‬
‫ناس كثير من أهل المدينة بذراريهم وأهليهم إلى األعراض والجبال ‪ ،‬فأمر دمحم أبا القلمس فرد‬
‫من قدر عليه منهم ‪ ،‬فأعجزه كثير منهم ‪ ،‬فتركهم )‪ .‬هذا التردد والتخبّط في القرارات يضيّع‬
‫الثقة في القائد ( العلمانى ) فكيف بقائد يجعل نفسه متحدثا باسم الدين ؟ ‪.‬‬

‫مسلسل ال ُحمق في ذرية (على بن أبى طالب ) ‪ :‬ثورة دمحم النفس الزكية عام ‪) 4 ( 145‬‬
‫هزيمة دمحم النفس الزكية وقطع رأسه‬
‫االلتحام الحربى‬
‫‪ 1‬ـ حاصر جيش عيسى بن موسى المدينة ‪ ،‬في نفس الوقت الذى أمر فيه عيسى بس ّد الطريق‬
‫لم ّكة حتى ال يهرب اليها دمحم النفس الزكية في الهروب ‪ .‬تقول الرواية عن أحدهم ‪ ( :‬لما‬
‫نزل عيسى طرف القدوم أرسل إلي نصف الليل ‪ ،‬فوجدته جالسا والشمع واألموال بين يديه ‪،‬‬
‫فقال ‪ " :‬جاءتني العيون تخبرني أن هذا الرجل في ضعف ‪ ...‬وقد ظننت أال مسلك له إال إلى‬
‫مكة ‪ ،‬فاضمم إليك خمسمائة رجل ‪ ،‬فامض بهم معاندا عن الطريق ‪ ،‬حتى تأتي الشجرة فتقيم‬
‫بها ‪ )" .‬وخاف أهلها منه ومن جنوده ‪ ،‬فزعم لهم أنه دمحم النفس الزكية ‪ ،‬واشترى منه مؤنا‬
‫وشرابا ‪ ،‬واقام يحرس الطريق حتى قُتل دمحم ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ في المبارزات بين الفريقين برزت بطوالت في جيش دمحم النفس الزكية ‪،‬‬
‫‪ : 1 / 2‬كان أشهرهم أبو القلمس ‪ .‬تقول عنه الروايات ‪:‬‬
‫‪ ( : 1 / 1 / 2‬لقي أبو القلمس دمحم بن عثمان أخا أسد بن المرزبان بسوق الحطابين ‪ ،‬فاجتلدا‬
‫بسيفيهما حتى تقطعا ‪ ،‬ثم تراجعا إلى مواقفهما ‪ ،‬فأخذ أخو أسد سيفا وأخذ أبو القلمس بأسقية‬
‫فوضعها على قربوس سرجه وسترها بدرعه ‪ ،‬ثم تعاودا ‪ ،‬فلما تدانيا قام أبو القلمس في ركائبه‬
‫ّ‬
‫فاحتز رأسه )‪.‬‬ ‫ثم ضرب بها صدره فصرعه ‪ ،‬ونزل‬
‫‪ ( : 2 / 1 / 2‬كنا مع دمحم ( النفس الزكية ) فبرز رجل من أهل المدينة مولى آلل الزبير يدعى‬
‫القاسم بن وائل ‪ ،‬فدعا للبراز فبرز إليه رجل لم أر مثل كماله وعدته فلما رآه ابن وائل‬
‫انصرف ‪ ..‬فوجدنا ( أي غضبنا ) من ذلك وجدا شديدا‪ ،‬فإنا لعلى ذلك إذ سمعت خشف رجل‬
‫ورائي ‪ ،‬فالتفت ‪ ،‬فإذا أبو القلمس ‪ ،‬فسمعته يقول ‪ " :‬لعن هللا أمير السفهاء أن ترك مثل هذا‬
‫اجترأ علينا ‪ ) " .‬وبارز أبو القلمس هذا الرجل وقتله ‪ .‬ورواية أخرى تقول ‪ ( :‬خرج القاسم‬
‫بن وائل يومئذ من الخندق ‪ ،‬ثم دعا للبراز ‪ ،‬فبرز له هزارمرد ( الخراسانى ) فلما رآه القاسم‬
‫هابه‪ ،‬فرجع ‪ ،‬فبرز له أبو القلمس ‪...‬ثم ضربه على حبل عاتقه فقتله ‪) .‬‬
‫‪ : 3 / 1 / 2‬بعد مقتل دمحم النفس الزكية إختفى أبو القلمس في منطقة الفرع ‪ ،‬وكان معه زوجته‬
‫( أم ولد له ) وعبد مملوك له‪ .‬وانتهز العبد فرصة فشدخ رأس أبى القلمس بصخرة فقتله ‪ .‬ثم‬
‫قال للزوجة ‪ " :‬إني قد قتلت سيدك فهلمي أتزوجك " قالت ‪ " :‬رويدا أتصنع لك " أي تتج ّمل‬
‫شدخ رأسه ‪).‬‬‫وتتزين له ‪ ( .‬فأمهلها ‪ ،‬فأتت السلطان فأخبرته‪ ،‬فأُخذ العبد ‪ ،‬ف ُ‬
‫‪ 3‬ـ وهناك بطل لم تذكر الرواية إسمه مع إنه قتل ثالثة من جيش عيسى في المبارزة ‪ ،‬ولم‬
‫يجرؤ جنود عيسى على مواجهته فرموه بالسهام فأوقعوه ثم تعاونوا على قتله ‪ .‬يقول الراوى ‪:‬‬
‫( ‪...‬فإني ألنظر إليهم عند أحجار الزيت وأنا مشرف عليهم من الجبل ( جبل سلع ) إذ نظرت‬
‫إلى رجل من أصحاب عيسى قد أقبل مستلئما في الحديد ال ترى منه إال عيناه على فرس ‪،‬‬
‫حتى فصل من صف أصحابه ‪ ،‬فوقف بين الصفين ‪ ،‬فدعا للبراز ‪ ،‬فخرج إليه رجل من‬
‫أصحاب دمحم عليه ‪ ،‬قباء أبيض وكمه بيضاء ‪ ،‬وهو راجل ‪ ،‬فكلمه مليا ‪ ،‬ظننت أنه استرجله (‬
‫أي طلب من الفارس أن يتر ّجل على قدميه ) لتستوي حاالهما ‪ ،‬فنظرت إلى الفارس ثنى‬
‫رجله ‪ ،‬فنزل ‪ ،‬ثم التقيا ‪ ،‬فضربه صاحب دمحم ضربة على خوذة حديد على رأسه ‪ ،‬فأقعده على‬
‫استه وقيذا ال حراك به ‪ ،‬ثم انتزع الخوذة فضرب رأسه فقتله ‪ ،‬ثم رجع فدخل في أصحابه‪.‬‬
‫فلم ينشب أن خرج من صف عيسى آخر ‪ ،‬كأنه صاحبه ‪ ،‬فبرز له الرجل األول ‪ ،‬فصنع به‬
‫مثل ما صنع بصاحبه ‪ ،‬ثم عاد إلى صفه‪ .‬وبرز ثالث فدعاه فبرز له فقتله ‪ .‬فلما قتل الثالث‬
‫ولّي يريد أصحابه فاعتوره أصحاب عيسى ‪ ،‬فرموه فأثبتوه ‪ ،‬وأسرع يريد أصحابه‪ ،‬فلم يبلغهم‬
‫حتى خر صريعا ‪ ،‬فقتلوه دونهم )‬
‫‪ 4‬ـ إبن خضير‬
‫‪ : 1 / 4‬من ذرية مصعب بن الزبير ‪ ،‬وكان مخلصا لدمحم النفس الزكية ‪ ،‬ولما رأى ابن‬
‫خضير أن الجيش العباسى قد أفنى معظم جيش دمحم النفس الزكية ترك ميدان المعركة وذهب‬
‫فذبح والى المدينة رياحا وأخاه وهما في الحبس ‪ ،‬ثم عاد يقاتل مستميتا في القتال بجانب دمحم‬
‫النفس الزكية ‪ ،‬رافضا نداء عيسى بن موسى له باألمان ‪ ،‬وقد كان عيسى ال يريد قتله ‪ .‬تقول‬
‫الرواية عن احدهم ‪ ( :‬كنت بالثنية يوم قتل دمحم بن عبد هللا بن حسن ‪ ،‬ومعه ابن خضير ‪...‬‬
‫فجعل ابن قحطبة يدعو ابن خضير إلى األمان ‪ ،‬ويشح به عن الموت ‪ ،‬وهو يشد على الناس‬
‫بسيفه مترجال ‪ ،‬فخالط الناس ( أي دخل في جيش العباسيين ) فضربه ضارب على إليته‬
‫فخلعها ) أي ضربه من خلفه ( فرجع إلى أصحابه ‪ ،‬فشق ثوبا فعصبها إلى ظهره ‪ ،‬ثم عاد إلى‬
‫وخر ‪ ،‬فابتدره القوم ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫القتال ‪ ،‬فضربه ضارب على حجاج عينه فأغمد السيف في عينه‪،‬‬
‫فحزوا رأسه ‪ , ) .‬يقول الراوى بعدها ( فلما قتل ترجل دمحم فقاتل على جيفته حتى قتل ) أي‬
‫قاتل دمحم النفس الزكية مترجال ليمنعهم من قطع رأس ابن خضير ‪ ،‬وظل يقاتل حتى قتلوه ‪.‬‬
‫‪ : 2 / 4‬وعن ُجثة ابن خضير ورأسه تقول الرواية عن أحدهم ‪ ( :‬أتينا برأس ابن خضير ‪،‬‬
‫فوهللا ما جعلنا نستطيع حمله ‪ ،‬لما كان به من الجراح ‪ ،‬وهللا لكأنه باذنجانة مفلقة وكنا نضم‬
‫أعظمه ضما ‪) .‬‬
‫‪ : 3 / 4‬وفى صلب جسده مع اآلخرين بعد قتل دمحم النفس الزكية تقول الرواية ‪ ( :‬ل ّما كان‬
‫الغد من قتل دمحم ‪ ،‬أذن عيسى في دفنه ‪ ،‬وأمر بأصحابه فصلبوا ما بين ثنية الوداع إلى دار‬
‫عمر بن عبد العزيز ‪..‬فرأيتهم صفين ‪ ،‬وو ّكل بخشبة ابن خضير من يحرسها ‪ ،‬فاحتمله قوم‬
‫في الليل فواروه ‪ ،‬ولم يُقدر عليهم ‪ .‬واقام اآلخرون مصلبين ثالثا ‪ ،‬ثم تأذى بهم الناس ‪ ،‬فأمر‬
‫عيسى بهم فألقوا على المفرح من سلع ‪ ،‬وهي مقبرة اليهود ‪ ،‬فلم يزالوا هنالك ‪ ،‬ثم ألقوا في‬
‫خندق بأصل ذباب ‪) .‬‬
‫دمحم النفس الزكية يقاتل بنفسه‬
‫‪ 1‬ـ حين تأكدت هزيمته نصحه بعضهم بالهرب الى مكة وفيها واليه الحسن بن معاوية من‬
‫ذرية جعفر بن أبى طالب ‪ .‬فرفض ‪ .‬تقول الرواية عن عبد هللا بن جعفر‪ ( :‬دنوت منه فقلت‬
‫له ‪ " :‬بأبي أنت ‪ ،‬إنه وهللا مالك بما رأيت طاقة ‪ ،‬وما معك أحد يصدق القتال ‪ ،‬فاخرج الساعة‬
‫حتى تلحق بالحسن بن معاوية بمكة ‪ ،‬فإن معه ُجلّة أصحابك ‪ " .‬فقال ‪ " :‬يا أبا جعفر وهللا لو‬
‫خرجت لقتل أهل المدينة ‪ ،‬وهللا ال أرجع حتى أقتل أو أُقتل ‪ ،‬وأنت مني في سعة ‪ ،‬فاذهب‬
‫حيث شئت ‪ . " .‬ونصحته ربيحة بنت أبي شاكر القرشية ‪ ،‬فقالت له ‪ُ " :‬جعلت فداك ‪ ،‬انج‬
‫بنفسك " قال ‪ " :‬إذا ال يبقى بها ديك يصرخ‪)" .‬‬
‫‪ 2‬ـ كانت سهام العباسيين تحصد أصحابه ‪ ،‬وقال لمن بقى من أصحابه‪ ( :‬قد بايعتموني ولست‬
‫بارحا حتى أقتل ‪ ،‬فمن أحب أن ينصرف فقد أذنت له ‪ " .‬ثم أقبل على ابن خضير فقال له‪" :‬‬
‫قد أحرقت الديوان "؟ قال ‪ " :‬نعم ‪ ،‬خفت أن يؤخذ الناس عليه" قال ‪ " :‬أصبت ")‪ .‬أي أحرق‬
‫السجالت التي فيها أسماء أصحابه وبياناتهم ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ثم اغتسل وتحنط ( إستعدادا للموت ) وصلّى العصر ‪ ،‬وعرقب دابته ليقاتل راجال ‪ ،‬وفعل‬
‫غ ُمد سيوفهم ‪ ،‬والتحم في القتال ‪ ،‬وتبالغ بعض الروايات فتقول (‬‫مثله أصحابه ‪ ،‬وكسروا ُ‬
‫وترجل دمحم ‪ ،‬فإني ألحسبه قتل بيده يومئذ سبعين رجال ‪ ).‬وتقول رواية أخرى ( لقد هزمنا‬
‫يومئذ أصحاب عيسى مرتين أو ثالثا ولكنا لم نكن نعرف الهزيمة ‪) .‬‬
‫‪ 4‬ـ وفى معمعة القتال دعا دمحم النفس الزكية للمبارزة حميدا بن قحطبة ‪ .‬تقول الرواية ‪ ( :‬نادى‬
‫دمحم يومئذ حميد بن قحطبة ‪ " :‬إن كنت فارسا وأنت تعتد ذاك على أهل خراسان فابرز لي فأنا‬
‫دمحم بن عبد هللا ‪ :‬قال ‪ " :‬قد عرفتك‪ ،‬وأنت الكريم ابن الكريم الشريف ابن الشريف‪ .‬ال وهللا يا‬
‫أبا عبد هللا ال أبرز لك وبين يدي من هؤالء األغمار إنسان واحد ‪ ،‬فإذا فرغت منهم فسأبرز لك‬
‫لعمري ‪) " .‬‬
‫‪ 5‬ـ و إتّهم عيسى بن موسى قائده ابن قحطبة بالتهاون في أمر دمحم النفس الزكية ‪ ،‬تقول الرواية‬
‫( قال عيسى لحميد بن قحطبة عند العصر ‪ " :‬أراك قد أبطأت في أمر هذا الرجل فول حمزة‬
‫بن مالك حربه" ) أي طلب منه أن يعتزل القيادة ‪ .‬وغضب ابن قحطبة فقال ‪ " :‬وهللا لو رمت‬
‫أنت ذاك ما تركتك ‪ .‬أحين قتلت الرجال ووجدت ريح الفتح ؟‪ " .‬ثم ج ّد في القتال حتى قتل‬
‫دمحم )‪ .‬وتقول رواية أخرى ‪ ( :‬اتهم عيسى حميد بن قحطبة يومئذ ‪ ،‬وكان على الخيل ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫" يا حميد ما أراك تبالغ ‪ " !.‬قال ‪ " :‬أتتهمني ؟ فوهللا ألضربن دمحما حين أراه بالسيف أو اقتل‬
‫ليبر بيمينه ‪ ،) .‬وهذه رواية تتعارض مع‬
‫فمر به وهو مقتول ‪ ،‬فضربه بالسيف ّ‬ ‫دونه‪ّ ..." .‬‬
‫روايات أخرى في قتل دمحم النفس الزكية ‪.‬‬
‫مقتل دمحم النفس الزكية‬
‫‪ 1‬ـ باختصار تقول الرواية ‪ ( :‬كثروا دمحما ( أي تكاثروا عليه وكانوا أكثر منه عددا ) وألحوا‬
‫في القتال ‪ ،‬حتى قتل دمحم في النصف من شهر رمضان سنة خمسة وأربعين ومائة‪ .‬و ُحمل‬
‫رأسه إلى عيسى بن موسى ‪ ،‬فدعا ابن أبي الكرام فأراه إياه فعرفه ‪ ،‬فسجد عيسى بن موسى ‪،‬‬
‫ودخل المدينة وآمن الناس كلهم ‪ .‬وكان مكث دمحم بن عبد هللا من حين ظهر إلى أن قتل شهرين‬
‫وسبعة عشر يوما ‪ ).‬وتقول رواية أخرى ‪ ( :‬قتل دمحم بعد العصر يوم االثنين ألربع عشرة ليلة‬
‫خلت من شهر رمضان ‪) .‬‬
‫‪ 2‬ـ وهناك تفصيالت مختلفة في مقتله ‪:‬‬
‫‪ : 1 / 2‬منها من يجعل قاتله حميد بن قحطبة ‪:‬‬
‫‪ ( : 1 / 1 / 2‬ودخل حميد بن قحطبة من زقاق أشجع على دمحم فقتله ‪ ،‬وهو ال يشعر ‪ ،‬وأخذ‬
‫رأسه فأتى به عيسى ‪ ،‬وقتل معه بشرا كثيرا )‬
‫‪ ( : 2 / 1 / 2‬طعنه ابن قحطبة في صدره فصرعه ثم نزل فاحتز رأسه‪ ،‬فأتى به عيسى )‬
‫‪ : 2 / 2‬ومنها ما لم يحدد له قاتال ‪:‬‬
‫‪ ( : 1 / 2 / 2‬رأيت دمحما يومئذ باشر القتال بنفسه فأنظر إليه حين ضربه رجل بسيف دون‬
‫شحمة أذنه اليمنى ‪ ،‬فبرك لركبتيه وتعاوروا عليه ‪ ،‬وصاح حميد بن قحطبة ‪ " :‬ال تقتلوه " ‪،‬‬
‫ّ‬
‫فاحتز رأسه ‪) !.‬‬ ‫فكفوا وجاء حميد‬
‫‪ ( : 2 / 2 / 2‬برك دمحم يومئذ لركبتيه وجعل يذب عن نفسه ويقول ‪ " :‬ويحكم أنا ابن نبيكم‬
‫محرج مظلوم )‪.‬‬
‫‪ ( : 3 / 2 / 2‬رأيت دمحما يومئذ ‪ ....‬يهذ الناس بسيفه هذا ‪ ،‬ما يقاربه أحد إال قتله‪ ،‬ومعه سيف‬
‫ال وهللا ما يليق شيئا ‪ ،‬حتى رماه إنسان بسهم ‪ ،‬كأني أنظر إليه أحمر أزرق ‪ ،‬ثم دهمتنا الخيل‬
‫‪ ،‬فوقف إلى ناحية جدار ‪ ،‬فتحاماه الناس ‪ ،‬فوجد الموت فتحامل على سيفه فكسره ‪).‬‬
‫الروايات عن رأس دمحم النفس الزكية‬
‫‪ 1‬ـ أحدهم ( أبو كعب ) قال ‪ ( :‬حضرت عيسى حين قتل دمحما ‪ ،‬فوضع رأسه بين يديه ‪ ،‬فأقبل‬
‫على أصحابه فقال ‪ " :‬ما تقولون في هذا ؟ " فوقعوا فيه ‪ ( ،‬أي شتموه ) ‪..‬فأقبل عليهم قائد له‬
‫فقال ‪ " :‬كذبتم وهللا وقلتم باطال‪ .‬ما على هذا قاتلناه ‪ ،‬ولكنه خالف أمير المؤمنين وشق عصا‬
‫قواما ‪ " .‬فسكت القوم ‪) .‬‬
‫لصواما ّ‬
‫ّ‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وإن كان‬
‫‪ 2‬ـ ( لما قتل دمحم ولحق عيسى بعسكره بالجرف ‪ ،‬فكان به ( أي أقام فيه ) حتى أصبح ‪ ،‬ثم‬
‫بعث بالبشارة مع القاسم بن حسن بن زيد ‪ ،‬وبعث بالرأس مع ابن أبي الكرام ) ( حدثنا ابن‬
‫أبي الكرام قال ‪ :‬بعثني عيسى برأس دمحم وبعث معي مائة من الجند‪ ....‬فجئنا حتى إذا أشرفنا‬
‫على النجف كبّرنا‪ ..‬فقال أبو جعفر ( المنصور ) للربيع ( الحاجب ) " ويحك ما هذا التكبير؟"‬
‫قال ‪ " :‬هذا ابن أبي الكرام جاء برأس دمحم بن عبد هللا ‪ " .‬قال ‪ " :‬ائذن له ولعشرة ممن معه "‬
‫‪ ..‬فأذن لي فوضعت الرأس بين يديه في ترس ‪.) " .‬‬
‫‪ 3‬ـ ( لما قُدم برأس دمحم على أبي جعفر ( المنصور ) وهو بالكوفة‪ ،‬أمر به فطيف في طبق‬
‫أبيض ‪ ....‬فلما أمسى من يومه بعث به إلى اآلفاق ) أي الى الواليات ‪..‬‬
‫أخيرا ‪:‬‬
‫سلف الصالح ‪!.‬‬
‫يا أهال بال ّ‬

‫مسلسل ال ُحمق في ذرية (على بن أبى طالب ) ‪ :‬فشل ثورة إبراهيم ومقتله عام ‪145‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ في نفس السنة شارك إبراهيم أخاه دمحما النفس الزكية ثورته و ُحمقه وخيبته ‪ ،‬وفى النهاية‬
‫قتلوه وقطعوا رأسه وطافوا بها تماما كما فعلوا مع أخيه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ُحمق إبراهيم كان أكبر من ُحمق أخيه دمحم ألن إبراهيم توفرت له من أسباب القوة ما لم‬
‫يتوفر ألخيه بسبب الموقع في العراق حيث الوفرة من الرجال ومن المؤن والعتاد ‪ ،‬ومن حيث‬
‫إقترابه من الكوفة عاصمة العباسيين وقتها ‪ ،‬وهى مليئة بالشيعة أعداء أبى جعفر المنصور ‪،‬‬
‫وكان أبو جعفر وقتها في قليل من الجنود ‪ ،‬وأغلب جنوده قد بعثهم الى المدينة وغيرها ‪ُ .‬حمق‬
‫إبراهيم أضاع عليه إستغالل كل الفرص ال ُمتاحة له ‪ ،‬فانهزم وفقد رأسه ‪ ،‬وطيف بها في‬
‫اآلفاق كما فعلوا برأس أخيه ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ونعطى لمحة عن ثورة إبراهيم وفشله ‪.‬‬
‫تحركاته األولى في البصرة‬
‫‪ 1‬ـ جاء للبصرة في مستهل رمضان سنة خمس وأربعين ومائة‪ ،‬بعثه أخوه إليها بعد ظهوره‬
‫بالمدينة‪ .‬إختفى في دار الحارث بن عيسى‪ ،‬من بني ضبيعة ‪ ،‬وكان ال يراه أحد بالنهار‪ ،‬وتنقل‬
‫في دور أخرى ‪ ،‬منها يحيى بن زياد بن حسان النبطي‪ ،‬و دار أبي فروة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أول من بايعه‪ :‬نميلة بن مرة‪ ،‬وعبد هللا بن سفيان‪ ،‬وعبد الواحد بن زياد‪ ،‬وعمر بن سلمة‬
‫الهجيمي‪ ،‬وعبيد هللا بن يحيى بن حصين الرقاشي‪ .‬وجمعوا له األنصار ( فبايعه كثيرون ‪،‬‬
‫واستفحل أمره‪ ،‬تفاقم الخطب به‪ ( ) .‬وكان ديوانه قد أحصى مائة ألف‪)،‬‬
‫‪ 3‬ـ وخرج إبراهيم ليلة االثنين لغرة شهر رمضان من سنة خمس وأربعين ‪ ،‬فصار إلى مقبرة‬
‫سا ‪ ،‬فاستولى على دواب وأسلحة لوالى البصرة (سفيان بن‬ ‫بني يشكر في بضعة عشر فار ً‬
‫معاوية ) ‪ ،‬وصلى بالناس الغداة بالمسجد الجامع ‪ ،‬وتحصن والى البصرة في الدار ‪ ،‬ثم طلب‬
‫ففرق‬‫األمان ‪ ،‬فأجيب له ‪.‬وحبسه في القصر ‪ ،‬وقيده قيدًا خفيفًا‪ .‬ووجد ببيت المال ستمائة ألف‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫رجال إلى األهواز فبايعوا له ‪ ،‬وهزم إبراهيم والى‬ ‫على أصحابه لكل رجل خمسين ‪ .‬ووجه‬
‫جعفر ومحمدًا‬
‫ً‬ ‫األهواز ‪ ،‬وجاء مدد من العباسيين لنجدة والى البصرة من ستمائة رجل يقودهم‬
‫ً‬
‫راجال ‪.‬‬ ‫سا وثالثين‬
‫ابني سليمان بن علي ‪ ،‬فهزمهما إبن المضاء بن جعفر في ثمانية عشر فار ً‬
‫وصارت البصرة واألهواز وفارس في سلطان إبراهيم ‪ ،‬وظل إبراهيم مقي ًما بالبصرة يبعث‬
‫بالوالة في النواحي ويوجه الجيوش إلى البلدان ‪ ،‬حتى أتاه نعي أخيه دمحم ‪ ،‬فأخبر الناس بذلك‬
‫فازدادوا بصيرة في قتال أبي جعفر المنصور‪.‬‬
‫موقف المنصور‬

‫‪ 1‬ـ كان في قلّة من الجنود ‪ .‬حين بلغه الخبر قال ‪ ( :‬وهللا ما أدري ما أصنع ‪ .‬ما في عسكري‬
‫سوى ألفي رجل ‪ ،‬فرقت جندي مع المهدي‪ ،‬بالري ثالثون ألفًا ‪ ،‬ومع دمحم بن األشعث بإفريقية‬
‫أربعون ألفًا ‪ ،‬والباقون مع عيسى بن موسى‪ .‬وهللا لئن سلمت من هذا ال يفارق عسكري ثالثون‬
‫ألفًا‪ ( ).‬ولم يبق مع المنصور سوى ألفي فارس‪).‬‬

‫‪ 2‬ـ ثم أرسل يستدعى قواده وجنوده ‪ ( .‬كتب إلى عيسى‪ :‬إذا قرأت كتابي هذا فأقبل ودع ما‬
‫أنت فيه‪ .‬فلم يلبث أن قدم فبعثه على الناس ‪ ،‬وكتب إلى سالم بن قتيبة فقدم عليه من الري‬
‫فضمه إلى جعفر بن سليمان ‪ ،‬وكتب إلى المهدي يأمره بتوجيه خازم بن خزيمة إلى األهواز‬
‫فوجهه في أربعة آالف من الجند ‪ ( ).‬فوصلها وقاتل المغيرة‪ ،‬فرجع المغيرة إلى البصرة‪،‬‬
‫واستباح خزيمة األهواز ثالثا ً )( واستباح خزيمة األهواز ثالثا ً )‬

‫‪ 3‬ـ وكان المنصور وقتها في حال بائس ‪ .‬تقول الروايات ‪:‬‬


‫‪ (: 1 / 3‬وتوالت على المنصور الفتوق من البصرة واألهواز وفارس وواسط والمدائن‬
‫والسواد‪ ،‬وكان إلى جانب إبراهيم أهل الكوفة في مائة ألف مقاتل ‪).‬‬
‫‪ (: 2 / 3‬وبقي المنصور على مصاله خمسين يوما ً ينام عليه‪ ،‬ويجلس عليه‪ ،‬وعليه جبة ملونة‬
‫قد اتسخ جيبها ال غيرها وال هجر المصلى‪ ،‬إال أنه كان إذا ظهر للناس لبس السواد‪ ،‬فإذا‬
‫فارقهم رجع إلى هيئته‪ .‬وأهديت إليه امرأتان من المدينة‪ ،‬إحداهما فاطمة بنت دمحم بن عيسى بن‬
‫طلحة بن عبيد هللا‪ ،‬واألخرى أم الكريم ابنة عبد هللا من ولد خالد بن أسيد‪ ،‬فلم ينظر إليهما‪،‬‬
‫فقيل له‪ :‬إنهما قد ساءت ظنونهما‪ .‬فقال‪ ":‬ليست هذه أيام نساء وال سبيل إليهما حتى أنظر رأس‬
‫إبراهيم لي أو رأسي له ‪) " .‬‬
‫‪ (: 3 / 3‬وكان قد أعد دواب ً‬
‫وإبال فإن كانت الكرة عليه خرج للري‪ ).‬أي أعد وسيلة للهرب لو‬
‫انتصر إبراهيم ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تحركات ُمضادة ألبى جعفر المنصور‪:‬‬
‫فتحول عن موقعها الى الكوفة التي كانت‬
‫ّ‬ ‫سس مدينة بغداد ‪،‬‬
‫‪ : 1 / 4‬وقتها كان المنصور يؤ ّ‬
‫عاصمة له ‪ .‬وكان يبعث عمالءه يقتلون كل من يشتبهون به أن هواه مع إبراهيم ‪.‬‬
‫‪ : 2 / 4‬كانت الوفود تأتى الى البصرة لمناصرة إبراهيم ‪ ،‬فأرسل أبو جعفر المنصور كمائن‬
‫تقتلهم في الطريق ‪ ،‬ثم يعلّق رءوسهم في الكوفة إلرهاب أهلها‪.‬‬
‫‪ : 3 / 4‬إستدعى القائد حرب الراوندي‪ ،‬وكان مرابطا ً بالجزيرة في ألفي فارس لقتال الخوارج‬
‫‪ ،‬فأقبل بمن معه ‪ ،‬وفى الطريق تقاتل مع أهل قرية من أتباع إبراهيم‪ ،‬فقتل منهم خمسمائة‬
‫وأرسل برؤوسهم إلى المنصور‪ .‬فقال‪ :‬هذا أول الفتح‪).‬‬
‫‪ ( : 4 / 4‬وكان يأمر بالنيران الكثيرة فتوقد ليالً‪ ،‬فيحسب الناظر إليها أن ث َّم جندا ً كثيرا ً‪).‬‬

‫المواجهة الحربية‬

‫‪ 1‬ـ رواية موجزة تقول ‪ ( :‬وكان قد أحصى ديوان إبراهيم من أهل البصرة مائة ألف‪ ،‬فالتقى‬
‫عيسى وإبراهيم فاقتتلوا ً‬
‫قتاال شديدًا ‪ ،‬إلى أن جاء سه ٌم غائر ال يدرون من رمى به ‪ ،‬فوقع في‬
‫أمرا وأراد هللا‬
‫حلق إبراهيم‪ ،‬فنحوه عن موضعه وقال‪ :‬أنزلوني‪ .‬فأنزلوه وهو يقول‪ ":‬أردنا ً‬
‫غيره "‪ ،‬فأنزل وهو مثخن ‪ ،‬واجتمع عليه أصحابه يقاتلون دونه ‪ ،‬فشدوا عليهم فخلصوا إليه‪،‬‬
‫فجزوا رأسه ‪ ،‬فأتوا به عيسى ‪ ،‬فسجد ‪ ،‬وبعث به إلى أبي جعفر فقال‪ :‬وهللا لو كنت لهذا كار ًها‬
‫ولكني ابتليت بك وابتليت بي‪ .‬فنصبه في السوق وكان قتله يوم االثنين لخمس بقين من ذي‬
‫القعدة سنة خمس وأربعين وكان يوم قتل ابن ثمان وأربعين سنة‪ .‬ومكث منذ خرج إلى أن قتل‬
‫ثالثة أشهر إال خمسة أيام‪) .‬‬

‫‪ 2‬ـ روايات تفصيلية ‪:‬‬

‫‪ ( : 1 / 2‬وأقبل الجيشان فتصافوا في باخمرى‪ ،‬وهي على ستة عشر فرسخا ً من الكوفة‪،‬‬
‫فاقتتلوا بها قتاالً شديدا ً ‪ ،‬فانهزم حميد بن قحطبة بمن معه من المقدمة‪ ،‬فجعل عيسى يناشدهم‬
‫هللا في الرجوع والكرة فال يلوي عليه أحد‪ ،‬وثبت عيسى بن موسى في مائة رجل من أهله‪،‬‬
‫فقيل له‪ " :‬لو تنحيت من مكانك هذا لئال يحطمك جيش إبراهيم‪ ،".‬فقال‪ " :‬وهللا ال أزول منه‬
‫حتى يفتح هللا لي‪ ،‬أو أقتل هاهنا ‪ . " .‬ثم اجتلدوا هم وأصحاب إبراهيم فاقتتلوا قتاالً شديداً‪،‬‬
‫كثير‪ ،‬ثم انهزم أصحاب إبراهيم وثبت هو في خمسمائة‪ .‬وقيل‪ :‬في‬ ‫ٌ‬ ‫وقتل من كال الفريقين ٌ‬
‫خلق‬
‫أربعمائة‪ .‬وقيل‪ :‬في تسعين رجالً‪.) .‬‬
‫‪ ( : 2 / 2‬فاقتتل الناس قتاالً شديدا ً وانهزم حميد بن قحطبة وانهزم الناس معه‪ ،‬فعرض لهم‬
‫عيسى يناشدهم هللا والطاعة فال يلوون عليه‪ .‬فأقبل حميد منهزماً‪ ،‬فقال له عيسى‪ " :‬هللا هللا‬
‫ومر الناس فلم يبق مع عيسى إال نفر يسير‪ ،‬فقيل له‪:‬‬ ‫والطاعة!" فقال‪ " :‬ال طاعة في الهزيمة!" ّ‬
‫" لو تنحيت عن مكانك حتى تؤوب إليك الناس فت ُك ّر بهم‪ " .‬فقال‪ " :‬ال أزول عن مكاني هذا‬
‫أبدا ً حتى أ ُقتل أو يفتح هللا على يدي‪ ،‬وهللا ال ينظر أهل بيتي إلى وجهي أبدا ً وقد انهزمت عن‬
‫عدوهم!" وجعل يقول لمن يمر به‪ " :‬أقريء أهل بيتي السالم وقل لهم لم أجد فدا ً أفديكم به أعز‬
‫من نفسي وقد بذلتها دونكم! " فبيناهم على ذلك ال يلوي أحد على أحد إذ أتى جعفر ودمحم ابنا‬
‫سليمان ابن علي من ظهور أصحاب إبراهيم‪ ،‬وال يشعر باقي أصحابه الذين يتبعون المنهزمين‬
‫حتى نظر بعضهم فرأى القتال من ورائهم فعطفوا نحوه‪ ،‬ورجع أصحاب المنصور يتبعونهم‪،‬‬
‫فكانت الهزيمة على أصحاب إبراهيم‪ ،‬فلوال جعفر ودمحم لتمت الهزيمة‪ ،‬وكان من صنع هللا‬
‫للمنصور أن أصحابه لقيهم نهر في طريقهم فلم يقدروا على الوثوب ولم يجدوا مخاضة‪ ،‬فعادوا‬
‫بأجمعهم‪ ،‬وكان أصحاب إبراهيم قد مخروا الماء ليكون قتالهم من وجه واحد‪ ،‬فلما انهزموا‬
‫منعهم الماء من الفرار‪ ،‬وثبت إبراهيم في نفر من أصحابه يبلغون ستمائة‪ ،‬وقيل أربعمائة‪،‬‬
‫وقاتلهم حميد وجعل يرسل بالرؤوس إلى عيسى‪ ،‬وجاء إبراهيم سه ٌم عائر فوقع في حلقه‬
‫فنحره‪ ،‬فتنحى عن موقفه وقال‪ :‬أنزلوني‪ ،‬فأنزلوه عن مركبه ‪....‬واجتمع عليه أصحابه‬
‫شدوا على تلك الجماعة‬ ‫وخاصته يحمونه ويقاتلون دونه‪ ،‬فقال حميد بن قحطبة ألصحابه‪ُ " :‬‬
‫حتى تزيلوهم عن موضعهم وتعلموا ما اجتمعوا عليه‪" .‬؛ فشدوا عليهم فقاتلوهم أشد قتال حتى‬
‫أفرجوهم عن إبراهيم ‪ ،‬ووصلوا إليه وحزوا رأسه ‪ ،‬فأتوا به عيسى‪ ،‬فأراه ابن أبي الكزام‬
‫الجعفري فقال‪ ":‬نعم هذا رأسه "‪ .‬فنزل عيسى إلى األرض فسجد وبعث برأسه إلى المنصور‪.‬‬
‫) ( وكان قتله يوم األثنين لخمس ليا ٍل بقين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة‪ ،‬وكان‬
‫عمره ثمانيا ً وأربعين سنة‪ ،‬ومكث منذ خرج إلى أن قتل ثالثة أشهر إال خمسة أيام‪.‬قال أبو نعيم‬
‫الفضل بن دكين‪ :‬كان مقتل إبراهيم في يوم الخميس لخمس بقين من ذي الحجة من هذه السنة‪).‬‬

‫رأس إبراهيم‬
‫العثور على جثة إبراهيم ‪ :‬تقول رواية‪ (:‬استظهر عيسى بن موسى وأصحابه‪ ،‬وقتل إبراهيم‬
‫في جملة من قتل ‪ ،‬واختلط رأسه مع رؤوس أصحابه‪ ،‬فجعل حميد يأتي بالرؤوس إلى عيسى‬
‫بن موسى حتى عرفوا رأس إبراهيم فبعثوه مع البشير إلى المنصور ‪) .‬‬
‫الروايات المختلفة عن موقف المنصور من رأس إبراهيم ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ( ولما جيء بالرأس تمثل المنصور ببيت معقر بن أوس بن حمار البارقي‪:‬‬

‫قر عينا ً باإلياب المسافر )‬


‫فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما َّ‬
‫‪ 2‬ـ ( و ُحمل رأس إبراهيم إلى المنصور فوضع بين يديه‪ ،‬فلما رآه بكى حتى خرجت دموعه‬
‫على خد إبراهيم ثم قال‪ :‬أما وهللا إني كنت لهذا كارها ً! ولكنك ابتليت بي وابتليت بك! ثم أمر‬
‫بالرأس فنصب بالسوق‪).‬‬
‫الروايات عن موقف أصحاب المنصور من رأس إبراهيم ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ( ثم جلس ( المنصور ) مجلسا ً عاما ً وأذن للناس‪ .‬فكان الداخل يدخل فيتناول إبراهيم‬
‫ويسيء القول فيه ويذكر فيه القبيح التماسا ً لرضاء المنصور‪ ،‬والمنصور ممسك متغير لونه‪،‬‬
‫حتى دخل جعفر بن حنظلة الدارمي فوقف فسلم ثم قال‪" :‬أعظم هللا أجرك يا أمير المؤمنين في‬
‫ابن عمك‪ ،‬وغفر له ما فرط فيه من حقك! " ‪ ،‬فأسفر لون المنصور وأقبل عليه وقال‪ :‬يا أبا‬
‫خالد مرحبا ً ها هنا! فعلم الناس أن ذلك يرضيه‪ ،‬فقاتلوا مثل قوله )‬

‫‪ 2‬ـ ( وقيل‪ :‬لما وضع الرأس بصق في وجهه رجل من الحرس‪ ،‬فأمر به المنصور فضرب‬
‫بالعمد فهشمت أنفه ووجهه‪ ،‬وضرب حتى خمد‪ ،‬وأمر به فجروا رجله فألقوه خارج الباب ‪).‬‬

‫أخيرا ‪ُ :‬حمق إبراهيم‬

‫تجلى ُحمق إبراهيم في تردده ورفضه النصائح ‪ .‬ونعطى أمثلة ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ أضاع فرصة هائلة ؛ كان لديه مائة ألف مقاتل ‪ ،‬كان يستطيع أن يهزم بهم المنصور وقت‬
‫أن كان في جنود قليلين ‪ : ،‬نصحه بعضهم فقال ‪ " :‬إنك قد اقتربت من المنصور فلو أنك سرت‬
‫إليه بطائفة من جيشك ألخذت بقفاه فإنه ليس عنده من الجيوش ما يردون عنه‪ ".‬رفض ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ نصحه بعضهم أن يهاجم عيسى ليال وفجأة ‪ ،‬فرفض قائال ‪ " :‬أكره البيات إال بعد اإلنذار‪".‬‬

‫‪ 3‬ـ رفض نصيحة بأن يجعل جيشه مقسما الى ( كراديس ) ‪ ،‬تقول الرواية ‪ ( :‬ثم إنهم‬
‫تصافوا‪ ،‬فصف إبراهيم أصحابه صفا ً واحداً‪ ،‬فأشار عليه بعض أصحابه بأن يجعلهم كراديس‪،‬‬
‫فإذا انهزم كردوس ثبت كردوس‪ ،‬فإن الصف إذا انهزم بعضه تداعى سائره‪ .‬فقال الباقون‪ :‬ال‬
‫صفّا ً )‬
‫سبِيِ ِل ِه َ‬ ‫هللا ي ُِحب الَّذِينَ يُقَا ِتلُونَ في َ‬ ‫إن َ‬ ‫صف أهل اإلسالم‪ ،‬يعني قول هللا ( َّ‬ ‫ّ‬ ‫صف إال‬ ‫ن ُ‬
‫الصف ‪ .) 4‬أخذ إبراهيم برأيهم ‪ ،‬ونسى قول هللا جل وعال ‪ ( :‬يَا أَي َها الَّذِينَ آ َمنُوا ِإ َذا لَ ِقيت ُ ْم‬
‫ار (‪َ )15‬و َم ْن ي َُو ِلّ ِه ْم يَ ْو َمئِ ٍذ ُدب َُرهُ ِإالَّ ُمت َ َح ِ ّرفا ً ِل ِقت َا ٍل أ َ ْو ُمت َ َح ِيّزا ً‬ ‫الَّذِينَ َكفَ ُروا زَ ْحفا ً فَال ت ُ َولو ُه ْم األ َ ْدبَ َ‬
‫ير (‪ ) 16‬األنفال )‬ ‫ص ُ‬ ‫س ْال َم ِ‬ ‫َّللا َو َمأ ْ َواهُ َج َهنَّ ُم َو ِبئْ َ‬
‫ب ِم ْن َّ ِ‬ ‫ِإلَى فِئ َ ٍة فَقَ ْد بَا َء ِبغَ َ‬
‫ض ٍ‬

‫‪ 4‬ـ عندما هزموا جيش المنصور في البداية منع إبراهيم جنوده من تعقبهم ‪ ،‬تقول الرواية ‪( :‬‬
‫كان سبب انهزام أصحابه أنهم لما هزموا أصحاب المنصور وتبعوهم ونادى منادي إبراهيم‪:‬‬
‫أال ال تتبعوا مدبرا ً! فرجعوا‪ ،‬فلما رآهم أصحاب المنصور راجعين ظنوهم منهزمين فعطفوا‬
‫في آثارهم‪ ،‬وكانت الهزيمة‪.) .‬‬
‫الخاتمة‬
‫أوال ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ تخيّل قرية ما يعيش سكانها في هدوء ال يسمع بهم أحد ‪ .‬ثم ظهرت فيها عصابة ‪ ،‬إشتهرت‬
‫العصابة ‪ ،‬وارتبط إسم القرية بهذه العصابة ‪ .‬ال أحد يعرف أهل القرية الطيبين ‪ ،‬ولكن‬
‫المجرمين هم الذين ترددت شهرتهم في اإلعالم ‪ .‬وفيما بع ُد لن يتذكر الناس من هذه القرية‬
‫سوى أسماء مجرميها ‪ ،‬أما األهالى فلن يعرفهم أحد ‪ .‬ولو جاء مؤرخ فلن يسجل إال ما هو‬
‫مذكور في الصحف وما تواتر على ألسنة الناس ‪ ،‬أي لن يذكر من هذه القرية سوى مجرميها ‪.‬‬
‫لهذا نقول إن التاريخ ينام في أحضان الطغاة ‪.‬‬
‫في ألمانيا في أربعينيات القرن الماضى كان فيها الماليين من غير النازيين ‪ ،‬لم يذكرهم‬
‫التاريخ ألنه إنشغل بهتلر وأتباعه ‪ ،‬وهكذا في نفس الحال في كل زمان ومكان ‪ .‬ربما تغيّر‬
‫األمر بعض الشىء بظهور السوشيال ميديا التي أتاحت حيّزا للناس العاديين أن يعبروا عن‬
‫أنفسهم وأحوالهم وآرائهم ‪ .‬لكن تظل الحقيقة سافرة ‪ :‬إن التاريخ ال يهتم إال بأكابر المجرمين‬
‫من المستبدين ورجال الدين ‪ ،‬الذين يصلون للحكم وبالفساد ‪ ،‬وبهم يعُم الفساد ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ينطبق هذا على تاريخ المسلمين ‪ ،‬فهو يدور حول أكابر المجرمين من الخلفاء والسالطين‬
‫وأعوانهم من رجال الدين ‪ .‬أما المستضعفون فال يهتم بهم التاريخ إال باألوصاف ‪ ،‬أو عندما‬
‫يتعرضون لكارثة ‪ ،‬يذكرهم بدون أسماء ‪ ،‬في سياق خبر فعله أحد كبار المجرمين المذكور‬
‫باالسم والوصف والوظيفة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ يظهر هذا واضحا في التناقض بين القصص القرآنى عن عصر النبى دمحم عليه السالم ‪،‬‬
‫والتاريخ المكتوب عن الصحابة بعده ‪ .‬لقد ذكر رب العزة جل وعال في سورة التوبة السابقين‬
‫ار َوالَّذِينَ‬ ‫ص ِ‬‫اج ِرينَ َواألَن َ‬ ‫سا ِبقُونَ األ َ َّولُونَ ِم ْن ْال ُم َه ِ‬ ‫األولين من المهاجرين واألنصار ‪َ ( :‬وال َّ‬
‫ار خَا ِلدِينَ‬ ‫ت ت َ ْج ِري ت َ ْحت َ َها األ َ ْن َه ُ‬ ‫ع ْنهُ َوأ َ َ‬
‫ع َّد لَ ُه ْم َجنَّا ٍ‬ ‫ضوا َ‬ ‫ع ْن ُه ْم َو َر ُ‬
‫َّللاُ َ‬
‫ي َّ‬ ‫ض َ‬ ‫ان َر ِ‬ ‫س ٍ‬ ‫اتَّبَعُو ُه ْم ِبإِ ْح َ‬
‫ِفي َها أَبَدا ً َذ ِل َك ْالفَ ْو ُز ْالعَ ِظي ُم (‪ ، )122‬وذكر في سورة األحزاب الصحابة الذين صدقوا هللا جل‬
‫َّللاُ‬
‫ص َدقَ َّ‬ ‫سولُهُ َو َ‬ ‫َّللاُ َو َر ُ‬
‫ع َدنَا َّ‬‫اب قَالُوا َهذَا َما َو َ‬ ‫وعال ما وعدهم‪َ ( :‬ولَ َّما َرأَى ْال ُمؤْ ِمنُونَ األ َ ْحزَ َ‬
‫علَ ْي ِه‬
‫َّللا َ‬
‫عا َهدُوا َّ َ‬ ‫ص َدقُوا َما َ‬ ‫سولُهُ َو َما زَ ا َد ُه ْم إِالَّ إِي َمانا ً َوت َ ْس ِليما ً (‪ِ )22‬م ْن ْال ُمؤْ ِمنِينَ ِر َجا ٌل َ‬ ‫َو َر ُ‬
‫ضى ن َْحبَهُ َو ِم ْن ُه ْم َم ْن يَ ْنت َ ِظ ُر َو َما بَ َّدلُوا ت َ ْبدِيالً (‪ ، )23‬والصحابة في سورة الحشر‬ ‫فَ ِم ْن ُه ْم َم ْن قَ َ‬
‫الذين هاجروا تاركين أموالهم وديارهم إبتغاء مرضاة الرحمن جل وعال فأصبحوا فقراء في‬
‫ضالً ِم ْن َّ ِ‬
‫َّللا‬ ‫اج ِرينَ الَّذِينَ أ ُ ْخ ِر ُجوا ِم ْن د ِ‬
‫ِيار ِه ْم َوأ َ ْم َوا ِل ِه ْم يَ ْبتَغُونَ فَ ْ‬ ‫المدينة ‪ِ ( :‬ل ْلفُقَ َر ِاء ْال ُم َه ِ‬
‫صا ِدقُونَ (‪ .))5‬القصص القرآنى ال يهتم بذكر‬ ‫سولَهُ أ ُ ْولَئِ َك ُه ْم ال َّ‬
‫َّللاَ َو َر ُ‬
‫ص ُرونَ َّ‬ ‫َو ِرض َْوانا ً َويَ ْن ُ‬
‫األسماء ألنه ليس تاريخا ‪ ،‬هو قصص للعبرة والهداية ‪ .‬التأريخ للمسلمين تم تدوينه بعد عقود‬
‫من الروايات الشفوية ‪ ،‬صنع أحداثا ال أصل لها ‪ ،‬واشخاصا ال أصل لهم ‪ ،‬وإختلف مع ما‬
‫ذكره رب العزة جل وعال في تصوير شخصية النبى دمحم الذى أرسله هللا جل وعال بالقرآن‬
‫الكريم رحمة للعالمين ‪.‬‬
‫هذه كلها خطايا هائلة ‪ .‬ولكن يهمنا منها في موضوعنا أن هذا التاريخ وقع في نفس الخطأ ‪،‬‬
‫أي أهمل تماما الصحابة السابقين بالعمل الصالح ‪ ،‬ور ّكز على أكابر المجرمين الذين قاموا‬
‫وكونوا امبراطورية تحت شعار اإلسالم ‪،‬‬ ‫بالفتوحات ‪ ،‬وغيّروا موازين القوى في عصرهم ‪ّ ،‬‬
‫وهى ضد اإلسالم ‪ .‬جعلهم التاريخ آلهة ‪ ،‬وأطلق عليهم لقب ( الخلفاء الراشدين )‪ ،‬تمييزا لهم‬
‫ع ّمن جاء بعدهم من الخلفاء األمويين والعباسيين والفاطميين والعثمانيين ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ مع هذا نجد العُذر للتاريخ والمؤرخين ‪ ،‬فقد كتبوا التاريخ بأثر رجعى ‪ ،‬كتبوه بعد عقود‬
‫من الروايات الشفهية ‪ ،‬وفى ظل عصور الخالفة التي تستمد شرعيتها السياسية والدينية من‬
‫الخلفاء األوائل مؤسسى اإلمبراطورية العربية ‪ ،‬وألنهم ــ وهذا هو األهم ـ لم يعثروا على أي‬
‫أخبار عن السابقين األولين من المهاجرين واألنصار ‪ .‬لماذا ؟ ألن السابقين حافظوا على‬
‫التقوى حتى موتهم فاستحقوا الجنة ‪ .‬أي رفضوا المشاركة في الفتوحات ‪ ،‬ورفضوا التصارع‬
‫على ُحطام الدنيا ورفضوا إستخدام إسم اإلسالم العظيم في االعتداء على أقوام لم يبدأوا العرب‬
‫باالعتداء ‪ ،‬ورفضوا إحتالل بالد الغير وسلب أموالهم وإسترقاق نسائهم وذراريهم باسم‬
‫اإلسالم ظلما وعدوانا ‪ .‬هؤالء السابقون رأوا في كل ذلك تناقضا مع ما عاشوا عليه في‬
‫صحبتهم للنبى دمحم عليه السالم ‪ ،‬لذا آثروا االبتعاد عن المشهد واالنسحاب من مسرح األحداث‬‫ُ‬
‫‪ ،‬فجاء التاريخ فلم يجد سوى أكابر المجرمين ‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ هذا يذ ّكرنا بقوله جل وعال ‪:‬‬
‫سادا ً َو ْالعَاقِبَةُ‬ ‫اآلخ َرة ُ نَ ْجعَلُ َها ِللَّذِينَ ال ي ُِريدُونَ ُ‬
‫علُ ّوا ً ِفي األ َ ْر ِ‬
‫ض َوال فَ َ‬ ‫‪ِ ( : 1 / 1‬ت ْل َك الد ُ‬
‫َّار ِ‬
‫علُ ّوا في األرض وال فسادا هم المتقون أصحاب‬ ‫ِل ْل ُمتَّقِينَ (‪ )53‬القصص) ‪ .‬فالذين ال يريدون ُ‬
‫الجنة في الدار اآلخرة ‪ .‬أما الذين يريدون العُلُ ّو فوق رءوس الناس فال يمكن أن يصلوا لهذا إال‬
‫بالفساد وسفك الدماء واإلرهاب ‪ ،‬وال يمكن أن يحتفظوا بالعلو إال بالفساد وسفك الدماء‬
‫واإلرهاب ‪.‬‬
‫سالما ً‬ ‫طبَ ُه ْم ْال َجا ِهلُونَ قَالُوا َ‬ ‫ض ه َْونا ً َوإِذَا خَا َ‬ ‫علَى األ َ ْر ِ‬
‫شونَ َ‬ ‫الر ْح َم ِن الَّذِينَ يَ ْم ُ‬
‫‪َ ( : 2 / 1‬و ِعبَا ُد َّ‬
‫اب َج َهنَّ َم ِإ َّن‬ ‫عذَ َ‬ ‫عنَّا َ‬
‫ف َ‬ ‫س َّجدا ً َو ِقيَاما ً (‪َ )64‬والَّذِينَ يَقُولُونَ َربَّنَا ا ْ‬
‫ص ِر ْ‬ ‫(‪َ )63‬والَّذِينَ يَبِيتُونَ ِل َر ِبّ ِه ْم ُ‬
‫ت ُم ْستَقَ ّرا ً َو ُمقَاما ً (‪َ )66‬والَّذِينَ ِإذَا أَنفَقُوا لَ ْم يُس ِْرفُوا َولَ ْم‬ ‫سا َء ْ‬‫عذَابَ َها َكانَ غ ََراما ً (‪ِ )65‬إنَّ َها َ‬ ‫َ‬
‫س الَّ ِتي‬ ‫يَ ْقت ُ ُروا َو َكانَ بَيْنَ ذَ ِل َك قَ َواما ً (‪َ )67‬والَّذِينَ ال يَ ْدعُونَ َم َع َّ ِ‬
‫َّللا ِإلَها ً آخ ََر َوال يَ ْقتُلُونَ النَّ ْف َ‬
‫اب يَ ْو َم ْال ِقيَا َم ِة‬‫ف لَهُ ْالعَذَ ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ق َوال يَ ْزنُونَ َو َم ْن يَ ْفعَ ْل ذَ ِل َك يَ ْلقَ أَثَاما ً (‪ )65‬يُ َ‬
‫ضا َ‬ ‫َّللاُ إِالَّ بِ ْال َح ّ ِ‬
‫َح َّر َم َّ‬
‫ت‬‫سنَا ٍ‬ ‫س ِيّئَاتِ ِه ْم َح َ‬ ‫صا ِلحا ً فَأ ُ ْولَئِ َك يُبَ ِ ّد ُل َّ‬
‫َّللاُ َ‬ ‫ع َمالً َ‬ ‫ع ِم َل َ‬ ‫َويَ ْخلُ ْد فِي ِه ُم َهانا ً (‪ِ )64‬إالَّ َم ْن ت َ َ‬
‫اب َوآ َمنَ َو َ‬
‫َّللا َمتَابا ً (‪َ )71‬والَّذِينَ ال‬ ‫وب إِلَى َّ ِ‬ ‫صا ِلحا ً فَإِنَّهُ يَت ُ ُ‬
‫ع ِم َل َ‬ ‫غفُورا ً َر ِحيما ً (‪َ )72‬و َم ْن ت َ َ‬
‫اب َو َ‬ ‫َو َكانَ َّ‬
‫َّللاُ َ‬
‫ت َر ِبّ ِه ْم لَ ْم يَ ِخروا‬ ‫ور َو ِإذَا َمروا بِاللَّ ْغ ِو َمروا ِك َراما ً (‪َ )72‬والَّذِينَ ِإذَا ذُ ِ ّك ُروا بِآيَا ِ‬ ‫يَ ْش َهدُونَ الز َ‬
‫اجعَ ْلنَا‬
‫اجنَا َوذُ ِ ّريَّاتِنَا قُ َّرة َ أ َ ْعي ٍُن َو ْ‬‫ع ْميَانا ً (‪َ )73‬والَّذِينَ يَقُولُونَ َربَّنَا هَبْ لَنَا ِم ْن أ َ ْز َو ِ‬
‫ص ّما ً َو ُ‬‫علَ ْي َها ُ‬ ‫َ‬
‫ِل ْل ُمتَّقِينَ ِإ َماما ً (‪ )74‬الفرقان ) ‪.‬‬
‫‪ : 1 / 2 / 1‬يتّضح من اآليات الكريمة أن عباد الرحمن هم المتقون أصحاب الجنة ‪ .‬يستحيل‬
‫علُ ّوا في األرض وفسادا ‪ .‬على النقيض من ( عباد الرحمن‬‫أن يكون منهم أولئك الذين يريدون ُ‬
‫تتصور أحدهم‬
‫ّ‬ ‫) تجد ( شياطين اإلنس ‪ ،‬من أكابر المجرمين من المستبدين ورجال الدين ‪ .‬هل‬
‫س ّجدا‬
‫يمشى على األرض هونا وإذا خاطبه الجاهلون قال سالما ؟ هل تتصورهم يبيتون لربهم ُ‬
‫وقياما ؟ هل تتخيلهم يخشون عذاب اآلخرة ؟ هل تتصورهم ال يقعون في خطايا الكفر والقتل‬
‫والزنا ؟‬
‫‪ : 2 / 2 / 1‬تاريخ الخلفاء والسالطين والحكام المستبدين كان ــ وال يزال ـ مسلسال من سفك‬
‫الدماء والتعذيب والظلم والقهر والبهتان ‪ ،‬ويعينهم عليه أتباعهم من رجال الدين ‪ ،‬وهما معا‬
‫( أكابر المجرمين ) ‪ ،‬وهما معا ( األبطال في التاريخ )‪ ،‬وهم حاليا نجوم المجتمعات التي‬
‫تتناثر أخبارهم في الصحف والمجالت والقنوات ‪.‬‬
‫ثالثا ‪:‬‬
‫سس سلطانه على زعم‬ ‫‪ 1‬ـ أكابر المجرمين من السالطين أنواع ‪ ،‬منهم ‪:‬العلمانى الذى ال يؤ ّ‬
‫دينى ‪ .‬قد يلجأ أحيانا الى مسوغات دينية هامشية ‪ ،‬لكن تظ ُل قوته في مهارته السياسية وفى‬
‫إمتالكه أدوات القوة‪ .‬هذا لو فشل في الوصول الى الحكم أو في االحتفاظ به فهو فاشل ‪ ،‬ولكن‬
‫ال يصح وصفه بال ُحمق ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ المستحق للوصف بالحمق هو الذى يرى نفسه متميزا عن اآلخرين بسبب دينى ‪ ،‬ويرى‬
‫هذا كافيا للوصول للحكم أو االحتفاظ به ‪ .‬بسبب هذا التميّز ـ الذى يؤمن ـ به تراه ال يأخذ‬
‫بأسباب القوة ‪ ،‬وال بأالعيب السياسة ‪ ،‬وبهذا الحمق يخسر وينهزم ويفقد حياته ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الشيء الغريب هو توارث هذا ال ُحمق في (على ) والطامحين للحكم من ذريته ‪( .‬على )‬
‫كان يرى نفسه متميزا عن زمالئه خلفاء الفتوحات بأنه الوحيد صاحب ( تراث دمحم )‪ ،‬أي الذى‬
‫سنّته سار‬
‫ينبغي أن يكون الوارث سياسيا بالخالفة والوارث ماليا في غنائم الفتوحات ‪ .‬وعلى ُ‬
‫الحسين ثم زيد بن على بن الحسين ثم يحيى بن زيد ‪ ،‬ثم دمحم النفس الزكية وأخوه إبراهيم ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ لو كان (على ) من السابقين عمال وإخالصا ما عرفه أحد ‪ .‬ولكنه دخل في صراع دنيوى‬
‫‪ ،‬يسفك الدماء في الفتنة الكبرى ‪ ،‬وبدون أن يتّخذ لألمر ُ‬
‫عدّته كما فعل غريمه معاوية ‪ ،‬بل بلغ‬
‫(على ) في حمقه أنه هو الذى أعان معاوية على نفسه بسوء سياسته ‪ ،‬والتفصيل في كتابنا (‬
‫المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ‪ .‬وسلك بعض ذريته مسلكه في الصراع على‬
‫السلطة بنفس ال ُحمق ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ‪ ،‬هم ذرية حمقاء بعضها من بعض ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ واألحمق منهم من يؤلههم ويتخذهم أربابا من دون هللا جل وعال ‪.‬‬

‫فتوى متعلقة بالموضوع‬


‫عن ابنى والحسين ‪.‬؟‬
‫الثالثاء ‪ 23‬نوفمبر ‪2222‬‬

‫نص السؤال ‪:‬‬


‫المشرف قرر شريف‬‫ّ‬ ‫هذا ما كتبته أنت عن إبنك "فى شجاعة نادرة تتفق مع تاريخه النضالى‬
‫منصور الرجوع الى مصر ليكون مع رفاقه النشطاء (المتهمين) بالدعوة للديمقراطية فى قضية‬
‫‪" https://www.ahl-‬التمويل األجنبى‬
‫ما قام به إبنك في رأيك ‪alquran.com/arabic/show_news.php?main_id=24342‬‬
‫إنه شجاعه نادره تستحق المدح لكن لما كتبت عن علي بن أبي طالب والثائرين من ذريته‬
‫وصفتهم بإنهم كانوا حمقى‪ .‬إبنك شجاع لكن الحسين أحمق ‪ ..‬إبنك الذي جلس في طائره ودخل‬
‫السجن بباسبور أمريكي وربما زجاجه مياه وتليفون في يده شجاع لكن زيد بن علي زين‬
‫العابدين أحمق وما رأيك في من قال بإن ثورة زيد بن علي زين العابدين قد مهدت لسقوط‬
‫الدولة األمويه أي إن جهاده كان له ثمره ولو بعد حين أما ما تراه بأن علي زين العابدين قد‬
‫كان مسالما إلنه لم يشترك في موقعة الحره أو إلنه أوى نساء الحاكم المطرود من المدينه أو‬
‫إلنه نهى أسرته عن اإلنتقام من شخص موقوف ليضربه الناس فهذا تحليل معيب ألن زين‬
‫العابدين كان للتو قد أفرج عنه يذيد وعفاه من القتل وعفى قريباته من السبي فالطبيعي أال‬
‫يلتفت فورا بعد أن يخرج من القصر ويطعن فورا ويقاتل ‪ ,‬وكونه أوى نساء غير مقاتالت فهذا‬
‫من الشرف وأخالق اإلسالم وكل إنسان مسؤول فقط عن أفعاله هو ال عن أفعال فرد أخر من‬
‫أسرته فنساء الحاكم الظالم ال ذنب لهن في أفعال الحاكم ‪ ,‬والصفح عن شخص كان ذو قوه ثم‬
‫أصبح مذلوال ال حول له وال قوه ال هو مجرد موقف أخالقي وإيماني مع شخص إنقلبت به‬
‫الدنيا وال يعني ذلك إنكار مبدأ الثوره على الحاكم الظالم ‪ ..‬والدليل على ذلك إن تحت إشراف‬
‫زين العابدين وتحت تربيته قد إمتألت نفس إبنه بكراهية الحكام الظلمه ألن في نفس الروايه‬
‫التي نقلتها يقول اإلبن إن اليوم الذي تم فيه توقيف الحاكم ليضربه الناس هو اليوم الذي كانوا‬
‫يطلبونه وأيضا تحت إشراف زين العابدين وتحت تربيته تكونت نفسيه إبنه زيد الذي ثار نيابه‬
‫عن آل دمحم وعن آل علي بن أبي طالب ضد بني أميه‬
‫‪:‬‬
‫آحمد صبحي منصور‬

‫‪ :‬أوال‬
‫ابنى الشريف منصور يجاهد سلميا فى سبيل الديمقراطية وحقوق االنسان وهو حاليا المسئول‬
‫عن الشرق األوسط وشمال أفريقيا فى اللجنة الدولية لحماية الصحفيين‪ .‬إبنى لم يحمل سالحا ‪.‬‬
‫وعندما وضعوا رفاقه فى السجن باتهامات مزورة صمم على ان يكون معهم ‪ ،‬وحذرته منظمة‬
‫فريدوم هاوس التى كان يعمل بها وقتها فقدم لهم استقالته ‪ ،‬وعاد ليدخل السجن مع رفاقه ‪،‬‬
‫وبعد االفراج عنه ظل ممنوعا من العودة الى أمريكا ‪ ،‬ثم عاد بعد حكم قضائى ‪ .‬وبالمناسبة لم‬
‫‪ .‬يكن معه وقتها جواز سفر أمريكى‪.‬‬
‫‪ :‬ثانيا‬
‫ال ُحمق أن تدخل فى صراع حربى فى سبيل ُحطام الدنيا ‪ ،‬ويتم خداعك مرات ‪ ،‬وترفض‬
‫نصيحة الناصحين ‪ ،‬وأكبر ال ُحمق ان تعتقد أن لك حقا سياسيا لمجرد القرابة للنبى دمحم عليه‬
‫السالم‪.‬‬
‫ثالثا‬
‫سيظل الشيعة فى تخلّف طالما يعبدون آلهة حمقى ‪ ..‬ربما لو عبدوا معاوية لكانوا أكثر‬
‫إحتراما‪!!.‬‬

You might also like