Professional Documents
Culture Documents
- النخب المحلية والعلاقات الزبونية - دراسة في بعض آليات إعادة إنتاج النفوذ بالمجال القروي المغربي
- النخب المحلية والعلاقات الزبونية - دراسة في بعض آليات إعادة إنتاج النفوذ بالمجال القروي المغربي
دبع قيفش
مقدمة
تقتضي مـقــاربــة مــوضــوع الــزبــونـيــة ق ــدر ًا مــن الـحــذر اإليبيستيمولوجي ،تـفــرضــه طبيعة
الـمــوضــوع ذاتــه ،إذ بقدر مــا يغري الباحث السوسيولوجي بقدر مــا يطرح إشـكــاالت نظرية
ومنهجية .فتناوله ينطوي على قدر من التعقيد والتركيب ،ويتداخل فيه العلمي باأليديولوجي،
ويصبح في كثير من األحيان موضوع ًا لخطاب الحس المشترك .هكذا ،يبدو مفهوم الزبونية
كــأحــد أه ــم الـمـفــاهـيــم اسـتـعـمــا ًال وأكـثــرهــا تـ ــداو ًال وان ـت ـشــار ًا ،خــاصــة فــي األوسـ ــاط السياسية
واإلعالمية .بيد أنه يحمل من اللبس ما يجعله مفهوم ًا صعب التحديد .والظاهر أن تناوله من
الزاوية السوسيولوجية ،يطرح أمــام الــدارس صعوبة التقعيد له وتأصيله بغية أجرأته ،حيث
ينطوي استعماله ،في غالب األحيان ،على أحكام ق ِّيمة ،تذهب في اتجاه ربطه بعبارات أكثر
التباس ًا منه ،من قبيل الفساد والرشوة ...إلخ.
ولئن كان ترويج المفاهيم اآلنفة الذكر ،يؤشر إلى وجود خلل في العالقات بين الفاعلين
االجتماعيين ويكشف االنحرافات التي تطاول السير العادي للمؤسسات ولسلوكيات الفاعلين
االجتماعيين ولممارساتهم ،فإن تناولها كموضوع للدراسة السوسيولوجية يقتضي إبعادها
عــن الخطابات اليومية الـمـتــداولــة ،وإخضاعها إلــى التحليل العلمي الــدقـيــق .تحليل ال تعود
فيه الــزبــونـيــة ،مـث ـ ًا ،كتعبير عــن عــاقــة سياسية كما تتبدى للحس المشترك ،بــل باعتبارها
عالقة لها جذور اجتماعية تخترق البنى وتغذيها أطراف تتبادل المصالح ،وتوجه فعلها وفق
استراتيجيات تحافظ من خاللها على تلك المصالح وتعيد من خاللها إنتاج عالقات الهيمنة
والتبعية في إطار تقسيم محكم لألدوار واستحواذ على قنوات النفوذ والسلطة.
وإذ نستحضر هذه العالقات ،فإن مبتغانا أن نقف ضمن هذا المقال عند أهميتها لدى
أفــراد الفئات القيادية محلي ًا ،أو مــا يسمى بالنخب المحلية .هكذا سنحاول تسليط الضوء
(*) يشكل هذا المقال جزء ًا من دراسة ميدانية أنجزناها بإقليم إفران بوسط المغرب ،وشملت حوالى
302فرد من أفراد النخبة المحلية.
sociochaf@gmail.com. (**) البريد اإللكتروني:
إضـافـات /العدد ،35صيف 2016 142
على الكيفية التي تشتغل وفقها تلك العالقات ،وكيف يتم استثمارها من قبل الفئات المشار
إليها ،بكيفية تجعل من الزبونية استراتيجية يتم اعتمادها في بناء التحالفات وإعادة إنتاج
الزعامات محلي ًا ووطني ًا.
من التبعية الشخصية ،غير المرتبطة حصري ًا بالقرابة ،بين شخصين على األقل وهما السيد
والزبون ،يفترض أال يتوفرا على موارد متكافئة» ).(Médard, 1976: 103
ال تخضع التبادالت بين الوجيه/القطب (الباطرون) والزبون للعامل الزمني ،إذ ال يتعلق
األمــر بعالقات تـبــادل لحظية .فيمكن للعين المحلي ،على سبيل الــذكــر فحسب ،أن يستفيد
من أصــوات ناخبين ينتمون ألسرة أو قبيلة ،مقابل خدمات مــؤداة مسبق ًا ،أو بعد حين (بعد
يقرها العرف ،كما يع ّبر عن ذلك العديد سنوات) .فالعملية هنا مشروطة باعترافات ضمنية ّ
مــن أفــراد المجتمع المحلي (خـيــرو ســابــق ،الخير بــالـخـيــر .)...فــالــذي يتلقى العطية (المزايا
والـخــدمــات) هنا «يظل مستعد ًا لالعتراف بالجميل لكل مــن أســدى لــه مـعــروفـ ًا ،ويظل على
استعداد لرد ذلك الجميل بكيفية يتحول فيها التبادل إلى استراتيجية» (Bourdieu, 1999:
) .107إن العالقة التي تنتظم بين طرفي التبادل تتحول إلــى عالقة ثقة وعــرفــان ،فتصبح
بذلك بمنزلة تعاقد أو ضرورة ،كما رسم مارسيل موس العالقة بين أطراف التبادل في نسق
العطية ).(Mauss, 1983
فالهبة تستوجب االعتراف وتفرض الوالء وترسخه في العالقة بين الطرفين ،كما هو حال
عالقة الشيخ والمريد ،التي تمثل عالقة من التبعية المحكمة ،كما صورها الباحث عبد الله
ح ـمــودي ،وهــي عــاقــة ال تـحـيــد عــن قـنــوات الــزبــائـنـيــة .فـمــن خــال اسـتـثـمــاره لمجموعة من
الشهادات التاريخية وتحليل الوثائق التي تدعمها وما تضمنته من وقائع سياسية واجتماعية
في حقب هامة من تاريخ المغرب ،أوضــح حمودي الكيفية التي تتهيكل وفقها العالقة بين
الشيخ والمريد وكيف تؤطر هذه الخطاطة «الشيخ والمريد» عالقات القوة والتبعية والوالء
التي تحكم الحقل السياسي ،ومجمل العالقات االجتماعية األخرى( .حمودي.)109 :2003 ،
الـمـكــانــة والـنـفــوذ) تـظــل مــن اسـتــراتـيـجـيــات الـنـخـبــة ،خــاصــة الـفـئــة المتنافسة حــول السلطان
السياسي )( (Pouvoir Politiqueالمنتخبون الجماعيون ،والمنتخبون البرلمانيون.)...
تتجلى أهمية دراسة العالقات الزبونية في الواقع المغربي ،في مميزات هذا األخير وفي
خصوصيات العالقات االجتماعية .فقد ترسخت في الحقلين السياسي واالجتماعي لفترات
عديدة ،أنماط من السلوكيات والممارسات التي تحكمها عالقات متشابكة يمتزج فيها الوجه
القرابي بالعشائري فالزبوني بشكل معقد ومتداخل ،وبكيفية تحولت فيها تلك العالقات إلى
منظومة من القيم والمعتقدات ،جعلت جل األطــراف (وخاصة عامة الناس) تبحث عن من
يحميها ويؤمن لها دور الوساطة في عالقتها بمالكي السلطة واإلكراه (المخزن).
لقد الحــظ الـبــاحــث المختار الـهــراس فــي دراسـتــه قبائل جبالة شـمــال الـمـغــرب (منطقة
أنجرة) أن تحريك الوالءات واالرتباطات العمودية هو الشائع واألكثر تداو ًال ،فإيجاد الحلول
واكتساب الحقوق لم يعد في غالب األحيان يتم عبر أية تعبئة جماعية لسكان المدشر ،بل
أصبح كل فرد على حدة يبحث عن الوسيط المالئم ،والذي قد يكون رجل سلطة ،مسؤو ًال في
زاوية ،أو من األقرباء البارزين في المدينة ،وقد يصل إلى حد تقديم هدايا عند االقتضاء.
ويسجل الباحث نفسه ،أن الوسطاء المعتمدين هم في غالبيتهم ممن خلقوا مصالح في
المدينة ،واكتسبوا مكانة مرموقة بين سكانها ،إما بفعل مؤهالتهم الثقافية والعلمية ،أو بما
حصلوا عليه من مكتسبات اقتصادية أو غطاء سياسي (الهراس.)241 :1988 ،
وفــي السياق ذاتــه ،يكشف التاريخ االجتماعي للمغرب عن وجــود عائالت متنفذة ظلت
تعمل عـلــى تــأمـيــن الــوســاطــة (الـحـمــايــة) بـيــن الـسـكــان والـمـخــزن ،أو بـيــن الـقـبــائــل فيما بينها.
ويمكن استحضار مــا قــامــت بــه الــزوايــا مــن دور هــام فــي هــذا الـصــدد .فلقد أشــار الباحث
محمد جـســوس إلــى كــون الـعــاقــات الــزبــونـيــة قــد ظـلــت مـتــرسـخــة فــي الـعــاقــات االجتماعية
للمغاربة «فالقبائل والجماعات واألفــراد ،كانوا يلجؤون مــرار ًا إلى بعض الوجهاء ،وبخاصة
الـشــرفــاء والـمــرابـطـيــن ورؤس ــاء الــزوايــا وغـيــرهــم ممن كــان يعتقد أن بإمكانهم الـتــدخــل في
يسر عملية عدة مجاالت» (أقفلي )2002 ،هذا األمر ،جعل من قنوات الوساطة هذه ،منفذ ًا ّ
الضبط االجتماعي ،وساهم في تجسير الهوة بين المجتمع المحلي والسلطة المركزية .فلقد
استغلت الــدولــة (الـمـخــزن) هــذه الـقـنــوات ،وعملت على التقرب منها وتوظيفها فــي عالقتها
بالقواعد االجتماعية .وفي هذا اإلطار ،كانت السياسة المخزنية اتجاه الزوايا ،مثـ ًال ،ترتكز
بكيفية واضحة على كرم المخزن وإغداقه االمتيازات على شيوخ الزوايا ،وهو ما يمكن أن
نفهمه هنا كمحاولة الستقطاب هــؤالء الشيوخ وضـمــان والئـهــم وخدمتهم لــه ،ومــن خاللهم
القبائل التي كانوا يؤطرونها (جحاح.)254 :2015 ،
وغ ـنــي عــن ال ـب ـيــان ،أن ه ــؤالء ال ـش ـيــوخ الــذيــن أوك ــل إلـيـهــم دور ال ـتــوســط بـيــن الـمـخــزن
المركزي والمجتمع المحلي ،قد كانوا يتوفرون على قواعد اجتماعية ،واألهم من ذلك على
قوة اقتصادية ،مما جعل من تنظيم الزوايا ،على حد تعبير الباحث محمد جحاح ،التجسيد
الفعلي لسلطة سياسية محلية ،تدعو حق ًا إلى القلق واالنزعاج (جحاح.)254 :2015 ،
إضـافـات /العدد ،35صيف 2016 146
وبالعودة إلى التاريخ االجتماعي للمغرب وإلى بعض إنتاجات السوسيولوجيا السياسية،
ينكشف لنا ثقل الـعــاقــات الزبونية التي ظلت تخترق البنى االجتماعية فــي الـحــواضــر كما
ال ـبــوادي ،حـيــث «يــوضــح نـظــام الخماسين فــي ال ـبــوادي هــذا األم ــر ،إذ انـتـظـمــوا فــي شبكات
مـحــددة مــن صــات الـقــرابــة ،أو الــزبــونـيــة ،جعلت الـخـ ّمــاس يبحث ليس فقط عــن حصة من
اإلنتاج الزراعي ،ولكن أيض ًا عن نصيب من الحماية األبوية ،أو القبلية ،أو الدينية» (حبيدة،
.)115 :2015واألمــر نفسه ،يكاد ينطبق على جــل أنـمــاط العالقات السائدة داخــل المجتمع،
خاصة العالقات السياسية منها.
ففي دراسته التي حملت عنوان أمير المؤمنين :الملكية والنخبة السياسية المغربية
وال ـتــي عـمــل مــن خــالـهــا وات ــرب ــوري عـلــى تعميم مـنـظــوره الـتـجــزيـئــي عـلــى الـحـقــل الـسـيــاســي،
مـسـتـخــدمـ ًا لــذلــك الـغــرض الـمـفـهــوم الـفـيـبـيــري للسلطة الــوراث ـيــة .بـيــن كـيــف تــرتــوي الممارسة
السياسية في المغرب من قنوات تقليدية من خالل ارتكازها على نموذج النسب والعالقات
الــزبــونـيــة ضـمــن أح ـكــام قــانــون الـتـضــامــن وال ــرش ــوة ال ــذي يـتـخـلــل مـجـمــل الـمـجـتـمــع الـمـغــربــي
(واتربوري.)2004 ،
فالوزن السياسي للفرد ال يتحدد وال يكتسب أدنــى أهمية إال في إطــار ما يتمتع به من
عالقات ،ومــدى قدرته على تعبئة والءاتــه الشخصية الستقطاب المزيد من األتباع والظفر
بموقع من مواقع النفوذ والوجاهة ،خاصة لحظة احتدام التنافس حول المواقع السياسية.
إن تــراجــع ال ـقــدرة االسـتـقـطــابـيــة لبعض أف ــراد النخبة المحلية وانـحـســارهــا داخ ــل مجال
جغرافي ضـ ّيــق ،مــن جــراء ضعف شبكات الـعــاقــات الزبونية الممتدة التي يـتــوفــرون عليها،
غالب ًا ما يــؤدي إلى اندحارهم من صفوف المتنافسين حول النفوذ .ويرجع األمــر في كثير
من األحيان إما إلى ضعف مــوارد العين/كفاعل في العالقة الزبونية ،أو إلى ظهور أوضاع
جديدة تتطلب مــوارد من نوع آخر .وفي أحيان أخرى يصاحب هذا التراجع ظهور فاعلين
تنفض من حول العين لتبحث أشد قوة ورأسما ًال .وفي حالة كهذه ،يمكن لقاعدة الزبناء أن ّ
لها عن مسبغ نعمة جديد (قطب/شخص من الوجهاء) يؤمن لها حاجاتها .هذه اللعبة المتغيرة
األطوار تؤدي إلى إعادة تشكيل األحالف واالصطفافات محلي ًا ،جهوي ًا ووطني ًا .اصطفافات
يظل الفرد خارجها ،من دون تأثير وال مكانة اجتماعية.
هـكــذا يسعى العين المحلي بــدايــة إلــى كسب رؤســاء العشائر والـعــائــات األكـثــر امـتــداد ًا
ونفوذ ًا على المستوى المحلي ،وقد يحتاج في ذلك إلى خدمات وسطاء متعددين يتدرجون
ضمن هرم تسلسلي ،كما يوضحه الشكل الرقم (:)1
الشكل الرقم ()1
الهرم التسلسلي للوسطاء
نــرى كيف يعمل الشخص الــوجـيــه (الـبــاطــرون) على توظيف عــاقــاتــه ،للنفاذ إلــى عمق
الوحدات االجتماعية .فكلما استحال تواصل القطب مع الزبناء كلما حرص على حشد وكالء
) (Agentsللمهمة تلك.
ففي الخطوة األولى ،يعتمد وسطاء يتوفرون على معارف (مفاتيح) وعالقات اجتماعية
واسـعــة .يمكن أن نطلق على هــؤالء صفة الــوسـطــاء مــن الــدرجــة الثانية ).(Second Broker
لكن دور هــؤالء يتحدد فــي كثير مــن األح ـيــان ،فــي البحث عــن وسـطــاء ملتحمين بالقواعد
االجـتـمــاعـيــة (ال ـعــامــة) ،خــاصــة لـمــا يـتـعــذر عليهم اخ ـتــراق تـلــك الـقــواعــد وكـســب ثـقـتـهــا .هكذا
تصبح أدواره ــم رهينة بعالقتهم بــالــوسـطــاء مــن الــدرجــة األول ــى .فــي مقابل ذلــك ،تعد هذه
الفئة األخيرة أكثر أهمية بالنسبة إلى السكان ،كونها المؤمنة النتقال الموارد المتوفرة لدى
الوجيه/القطب إليهم ،ونقل طلباتهم إلى الوجيه/القطب.
تسهم هذه العملية في خلق تراتبية داخل المجتمع ،وتؤدي بالتالي إلى خلق سلسلة من
النخب الوسيطة ) (Elites Intermédiairesأو نخب القرب ) ،(Elites de Proximitésتختلف
مواقعها تبع ًا لألدوار والمهام التي تؤديها.
إن الفرق بين القطب األكبر/الشخص ذو الوجاهة ) (High Patronوالوسطاء باعتبارهم
أقطاب ًا في عالقتهم بالقواعد (عامة السكان) ،هو أن األول يتوفر على موارد مادية أو رمزية
قابلة للتبادل(ذات قيمة في سوق التبادالت) ،بينما تفتقر األطراف الثانية (أي الوسطاء من
الــدرجــة األولــى والثانية) لهذه الـمــوارد .فمهمة هــؤالء ال تعدو أن تكون تصريف ًا ونق ًال لتلك
الموارد بين األطراف الرئيسية في اللعبة (وجهاء - زبناء).
إضـافـات /العدد ،35صيف 2016 148
وبالعودة إلى الوسطاء من الدرجة األولى والذين يمثلون نخبة القرب (فاعلين حزبيين،
جمعويين ،فاعلين نقابيين ،)...فــإن عملهم يقوم على استراتيجية اختراق أصغر الوحدات
االجتماعية .إنهم يحرصون على كسب من هم أكثر فعالية داخل الوحدة أو التنظيم ...فكلما
تمكن مــن كسب الفاعل المؤثر استطاع أن يكسب الجماعة (إقـنــاع رب األســرة بالتصويت
في االنتخابات المحلية لمصلحة فرد معين أو تيسير والء األســرة جميعها لنفس الشخص...
ضمان أصوات زعماء قبائل معينة يعد مكسب ًا ومدخـ ًال الستقطاب معظم األفراد إن لم يكن
جـمـيـعـهــم .)...هـكــذا ،فالوسيط ال يتمكن مــن الـتــواصــل مــع جــل أفــراد المجموعة األســريــة أو
العشائرية محلي ًا ما دام األمر صعب التحقق ،بل يسعى جاهد ًا إلى كسب كل من لهم تأثير
ويمارسون إكراه ًا على جماعاتهم ،فيتحول هؤالء بدورهم إلى وسطاء.
هــذه االستراتيجية تجعل الوسطاء أكثر قــدرة على تدبير الـمــوارد المقدمة لهم كذلك،
وتــوزيـعـهــا بكيفية تضمن لهم تأمين مصالحهم أو ًال .فقد يـكــون مــن بــاب المستحيل تأمين
حاجات جل أفــراد المجتمع المحلي من قبل الوجيه (الـبــاطــرون) أو الوسيط (مــن الصعب
مثـ ًال على الوجيه تقديم رشا لجميع مكونات المجتمع المحلي للتصويت لمصلحته ،)...لذلك
فــإن اللعبة هنا تقوم على تحقيق مطالب وحاجات األشخاص المؤثرين الذين ال يوظفون
سوى عالقاتهم القرابية أو العشائرية في بعض األحيان إلقناع العامة .وبالتالي فإننا ال نجد
من ضمن المستفيدين من المزايا إال الزبناء األكثر قــدرة على حشد العامة دون أن يكون
ذلك مشروط ًا بتقديم مزايا لها (للعامة).
وإذا ما تعذر األمر وبرز أفراد رافضين لذلك (وهو أمر كثير ًا ما يواجهه الوسيط) ،فإن
الشخص الــوسـيــط يضطر إلــى الـتـفــاوض معهم مــن أجــل احـتــوائـهــم ،إذ كلما وســع مــن دائــرة
التفاوض ووســع مـجــاالت استقطابه ،كلما كــان أكثر قــدرة على التفاوض مــع الوجيه وقـ ّوى
بالتالي من موقعه ضمن الفاعلين في العملية التبادلية .فقد يتيح احتواء األطراف الرافضة
إمـكــان تسخيرها فــي مرحلة الحـقــة ،إلقـنــاع أطــراف وقــواعــد واسـعــة واستقطابها .بناء عليه،
تتوزع المزايا والمصالح تبع ًا لهذه التراتبية في األدوار ،بكيفية تجعل العالقات الزبونية أكثر
تشعب ًا وأكثر ارتباط ًا بوضعيات استراتيجية مختلفة.
وإذا كان القطب يحرص في بادئ األمر على التقرب من وسطاء أو من بعض الفاعلين
الذين يتسمون بالمصداقية والثقة في صفوف قواعدهم ،ساعي ًا من وراء ذلــك إلــى تلميع
صورته وتوسيع شهرته من خاللهم ،فإنه ال يقتصر على ذلك فحسب .إنه كثير ًا ما يلجأ إلى
وسطاء من ذوي السوابق أو من المرفوضين اجتماعي ًا ،كما يفعل العديد منهم محلي ًا وذلك
للترهيب بد ًال من الترغيب.
لـقــد أبــرزنــا أهـمـيــة الــوســاطــة فــي اخ ـتــراق الــوجـيــه/الـبــاطــرون (الـعـيــن الـمـحـلــي) للقاعدة
االجـتـمــاعـيــة الـمـحـلـيــة .لـكــن فــي كـثـيــر مــن ال ـحــاالت تنتفي الــوســاطــة بـيــن الـعـيــن كـقـطــب ومــا
بين العامة كمجموعة زبناء ،فيتحول الوجيه مسبغ النعمة إلى فاعل يــؤدي األدوار مجتمعة
لمصلحته الخاصة .فقد يقوم بنهج استراتيجية استباقية يسعى بموجبها للتقرب من القواعد
وكسب أهم األفراد المشكلين لتلك الوحدات ،من خالل مساعدات مختلفة (زكاوات وأعشار،
149 ينوبزلا تاقالعلاو ةيلحملا بخنلا /ينغلا دبع قيفش
خدمات مجانية ،مساعدات في أفراح ،تضامن في بعض فترات الحزن ،تسهيل الولوج إلى
خــدمــات ،التقرب مــن السكان وزيــارتـهــم فــي مناسبات ،تسديد ديــون فــي ذمــة بعض األســر،
توفير سرير ألحد المرضى بالمستشفى ...إلخ).
هذه األدوار التي يقوم بها هؤالء الوجهاء والمزايا التي يقدمونها ،كما تبين العديد من
الوقائع عبر التراب المغربي ،تشكل قنوات اتصال شخصية يفتحها العين المحلي ويسعى
إلى استثمارها ،خاصة في فترات التنافس حول المنصب السياسي .وال يقتصر في ذلك على
شريحة بعينها ،بل إنه يقدم خدماته إلى كل الذين يمكن أن يشكلوا سند ًا له وعضد ًا لمكانته
وحظوته؛ فالوالء لشخصه هو الدافع الذي يوجهه .وهذا األمر ،غالب ًا ما يتطلب التوفر على
مــوارد ضخمة وعلى عــاقــات نــافــذة ،خاصة مــع الممتلكين للسلطة واإلك ــراه على المستوى
الوطني (نخب سياسية ،مسؤولون إداريون ،فئات نافذة في الدولة.)...
وإذا كانت المزايا المادية تشكل أهم الموارد التي يقدمها العين المحلي أو النخبة عامة
ألفراد المجتمع من الزبناء ،فإن المزايا كثير ًا ما تتشكل من وعود ،قد تكون صعبة التحقق
(كما يحدث فــي االنـتـخــابــات) ومــع ذلــك ،فــإن هــذه الوسيلة كثير ًا مــا تساهم فــي استقطاب
أفراد النخبة لقواعد شعبية هامة تستغلها ظرفي ًا.
- 1المعيار القرابي
حيث يمكن التمييز في إطاره بين الوسطاء من ذوي القرابة ،الذين ينتمون إلى الخط
النسبي نفسه للفاعل الـنـخـبــوي .وهــم أبـنــاء عمومته وخــؤولـتــه وأقــاربــه مــن األصـهــار .ويركز
الـفــاعــل فــي إطــار هــذا الصنف مــن الــوســاطــة على ذوي الـنـفــوذ ممن لهم قــاعــدة اجتماعية
ورأسمال مادي ،ويكون استثمارهم أكثر جدوى بالنسبة إلى الفاعل النخبوي ،خاصة األعيان
الجدد ،الذين ولجوا حقل التنافس على السلطان المحلي ألول مرة ،أو أولئك الذين يفتقدون
إضـافـات /العدد ،35صيف 2016 150
رساميل مــاديــة ورمــزيــة تمكنهم مــن مضاهاة منافسيهم .فالوسطاء مــن المقربين يشكلون
ركائز العين المحلي ،وهو ما يعبر عنه العديد منهم بكلمة «هادو ركايزي»(((.
- 2المعيار الجغرافي
يتم التمييز في إطاره بين الوسطاء المحليين ممن ينتمون إلى نفس الدوار أو الجماعة
القروية ،وتكون مهمتهم تسهيل اختراق الوحدات العائلية ممن يصعب إقناعها ،أو تلك التي
تحسب في دوائر المنافسين وقواعدهم المؤيدة.
في مقابل هذا الصنف ،هنالك صنف ثانٍ ممن يدرجون ضمن الوسطاء غير المحليين.
وهــم مــن مـعــارف الفاعل النخبوي (العين المحلي) ،حيث ينتشرون فــي مـجــاالت جغرافية
مختلفة .غـيــر أن أهـمـهــم هــم أولـئــك الــذيــن ينتمون إلــى اإلقـلـيــم نفسه أو الـجـهــة الجغرافية
التي ينتمي إليها العين .فهم أجــدر بالتوسط لــه فــي المنافسة حــول المجالس اإلقليمية أو
الجهوية أو البرلمانية .وهنا يصبح هؤالء قنوات لتسويق قوة ونفوذ العين المحلي ،والتشهير
لــه ،وإع ــادة تجذير نـفــوذه وأحقيته بالزعامة وقـيــادة مجتمعه .فهم بمنزلة قـنــوات الخـتــراق
المجال المحلي ،وتوسيع سلطان العين وإعادة إنتاج شرعيته .فبقدر ما يخترق نفوذه المجال
المحلي بقدر ما يزداد قوة ورسوخ ًا لدى أفراد المجتمع.
((( هؤالء ركائزي.
151 ينوبزلا تاقالعلاو ةيلحملا بخنلا /ينغلا دبع قيفش
يعمل كل طرف على اختراق الوحدات الدنيا وحشد أكبر عدد من الزبناء مع إقناعهم
بضرورة الوالء لشخص ما (مثـ ًال إقناع القواعد بالتصويت لشخص معين) .هذه العملية تحضر
بقوة ،خاصة لما تقدم بعض الشخصيات المعروفة محلي ًا والتي تتوفر على حظوة ،على تعبئة
البراني لدى المغاربة على الشخص الدخيل الذي ال ينتمي إلى نفس المجال الترابي أو
(( ( يحيل مفهوم ّ
اإلثني أو القبلي .وتستعمل كلمة براني كمفهوم تصنيفي إلعادة إحياء االنتماء وإقصاء اآلخر الدخيل،
خاصة في لحظات التنافس حول السلطان .فالبراني شخص غير أهل لتمثيل الجماعة أو القبيلة.
إضـافـات /العدد ،35صيف 2016 152
عالقاتها بأفراد النخبة المحلية لحشد قواعدهم لمصلحتها في االنتخابات البرلمانية مقابل
تخلّيها عــن منافسة هــؤالء فــي االنتخابات المحلية .فالعملية ،وفــق ذلــك ،تتجلى فــي إعــادة
توزيع المزايا والموارد المحلية بكيفية توافقية تؤمن للكل الحصول على غنائم .ويمكن أن
نطلق على هــذا الحلف من الفاعلين النخبويين تكتل األقطاب/الوجهاء (Monopoly of a
) Patron((( على حد تعبير مونو ) ،(Wolfgang, 2010: 108وإن كــان هــذا المفهوم ينطبق
أكثر وأكثر على األقطاب بالمركز (النخب الوطنية).
((( يتحدث مونو عن تكتل األقطاب عندما يتعلق األمــر بشبكات زبونية ترعى مصالح أوليغارشية من
ذوي النفوذ معينة ،لكن يمكن أن نستعمل هــذا المفهوم لتوصيف تكتل األعيان أو النخب المحلية
الذي يوطد العالقات الزبونية والمصالح الخاصة داخل مجال محلي.
153 ينوبزلا تاقالعلاو ةيلحملا بخنلا /ينغلا دبع قيفش
يسهم فــي قلب األدوار بكيفية دائـمــة ،ويجعل مــن الزبونية ،وفــق ذلــك ،عــاقــات تشتغل في
اتجاهات شتى وتخترق مجاالت جغرافية عدة ،كما يظهر من خالل الشكل الرقم (:)3
إذا كــانــت هــذه الـخــدمــة تـحــول الــوجـيــه إلــى زب ــون أو وسـيــط فــي كـثـيــر مــن األح ـيــان،
فإنها بالمقابل تؤمن لــه نـفــوذ ًا أوســع ،وتحمي مصالحه ،كما تعمل على تحصين وتقوية
امـتـيــازاتــه االقـتـصــاديــة والـسـيــاسـيــة .وال تـعـنــي هــذه الـعــاقــة بــأي حــال مــن األح ــوال تبعية
النخبة المحلية للنخبة الوطنية بشكل مطلق وبدون جــزاءات ،كما حاولت أن تظهر ذلك
بـعــض ال ــدراس ــات ) .(Levau, 2011بــل إن ـهــا تـعـمــل فــي إط ــار مــن ال ـتــواف ـقــات والـمـصــالــح
الـمـعـلـنــة والـخـفـيــة الـتــي بــانـتـفــائـهــا تـنـحــل تـلــك الـعــاقــة الـتـبــادلـيــة ،وقــد تـتـحــول إلــى منافسة
وتعبئة ضد حلفاء األمس.
تـصـبــح الـعــاقــات الــزبــونـيــة وفــق ذلــك عــاقــات أكـثــر تــركـيـبـ ًا وتـعـقـيــد ًا ،حـيــث يـتـعــدد فيها
الـفــاعـلــون وتـتـنــوع قـنــوات االتـصــال والـتـبــادل فــي اتـجــاهــات شـتــى ،وتـخـتــرق الـعــاقــات بذلك
الفضاء المحلي موسعة من نفوذ الفاعل النخبوي المحلي ،وفاتحة أمامه رهــانــات جديدة
تشكل مجا ًال الحتدام التنافس .ولعل هذا ما يجعل من دراســة العالقات الزبونية ،ليس في
إضـافـات /العدد ،35صيف 2016 154
المغرب فحسب ،بل بالوطن العربي بشكل عام ،أمر ًا صعب ًا وأكثر تعقيد ًا كما يقر بذلك جون
ليكا وإيف شمييل ) Leca et Schemeil, 1983: 457((((.
يمكن أن نعثر فــي فـضــاء محلي ضـيــق (دور ًا مـث ـ ًا) عـلــى نـمــاذج شـتــى لشبكات زبونية
متضاربة المصالح .لكن التنافس والصراع حول المصالح يبقى مرن ًا ،وقابـ ًال إلعادة التشكيل
وفق قوانين السوق (منطق اللعب) ومصالح األفراد والجماعات المنخرطة في اللعبة.
يمكن لوسيط في هذا السياق أن يــؤدي أدوار ًا مختلفة ومتضاربة في اآلن ذاتــه ،حيث
يصبح الحقل السياسي واالجـتـمــاعــي مجالين لتعدد االنـتـمــاءات وتناقض ال ــوالءات ،بكيفية
تسمح للفاعل نفسه فــي الــوســاطــة أن ينتقل بين شبكات زبونية متضاربة المصالح ،إذا ما
كان األمــر يؤمن مصالحه الخاصة .إن األمــر يتعلق هنا بقلب األدوار بكيفية دائمة ومعقدة
في اآلن نفسه .فالمصالح والرهانات هي الحافز ) (Motivationالذي يوجه سلوك الفاعل
كـطــرف فــي هــذه الـعــاقــة ،فحيثما تـتـنــاقــص ال ـمــوارد وتـشــح تـبــرز مـمــارســات تـغــذيـهــا سياسة
الدسائس والتغير الفجائي لألدوار.
تـنــدرج الـعــاقــة الــزبــونـيــة فــي هــذا الـصــدد ضـمــن دائ ــرة أوس ــع مــن الـخـيــارات الـتـنــاوبـيــة،
وال تتخذ بأي حال من األحوال اتجاه ًا واحد ًا .يخضع هذا األمر لطبيعة األهداف والمصالح
الـتــي يسعى كــل طــرف لتحقيقها .كـمــا يـتــوقــف عـلــى طبيعة األف ــراد الــذيــن يــدخـلــون فــي تلك
العالقات ،باإلضافة إلى مدى اقتصار تلك المصالح على فرد أو ارتباطها بمصالح مجموعة
اجتماعية معينة .وتخترق العالقات الزبونية في كثير من الحاالت مستوى اإلطــار الترابي
المحلي إلى مجال أوسع (اإلقليم ،الجهة ،مجموع التراب الوطني) إن هذه الخصوصية هي
ما يجعل من هذا النسق العالئقي نسق ًا دينامي ًا وطوعي ًا كما أشرنا آنف ًا.
((( يــؤكــد كــل مــن جــون ليكا وإيــف شيميل صعوبة دراســة الـعــاقــات الزبونية بالوطن الـعــربــي ،بالنظر
إلى تداخل العالقات القرابية والعشائرية والمؤسساتية بكيفية تجعل أنساق الزبونية تشتغل عمودي ًا
وأفقي ًا ،ما يجعل الفاعلين في تلك العالقات دائمي التغير من حيث األدوار والوظائف .هذا باإلضافة
إلى كون تلك العالقات تقوم على تبادل مصالح ومزايا مختلفة ومتعددة .فنجد مثـ ًال ،بأن الفاعلين
أنفسهم يولّفون/يجمعون بين موارد عديدة قابلة للتبادل.
155 ينوبزلا تاقالعلاو ةيلحملا بخنلا /ينغلا دبع قيفش
الذين ينتفعون جميعهم من الصلة .في هذا النظام ،حتى العمال المأجورون ليسوا كذلك إال
بمعروف األعيان ...واألجر ال يسعف في الخروج من نظام يفرض قيده على األعيان وعلى
أولئك الذين يتولى األعيان قوتهم ،في سياق يتذرع فيه دائم ًا بالصالت القديمة .فاألعيان
ال يمكنهم أن يغيروا بصورة مباغتة عالقات تك ِّيف نفوذهم وتأثيرهم» (حمودي.)59 :2003 ،
إن ال ـفــاعــل الـنـخـبــوي (خــاصــة ال ـع ـيــن) ،ال يـقـبــل كـلـمــة االسـتـحــالــة أو الــرفــض أو إظـهــار
العجز ،يعطي االنطباع على أن كــل شــيء يتوفر على مفاتيحه ،وهــذا أمــر يعرف العين أنه
يستثمره على المدى البعيد «وقــت الـشــدة» .ومثلما يشكل العين رمــز سلطة وإكــراه في نظر
المجتمع المحلي فإنه يشكل الوسيط بين المخزن والسكان أيض ًا ،أو بين المدرسة والسكان،
والمستشفى والسكان ،حيث يقصده األفــراد من كل طــرف ،فمنهم من يسعى إلــى الحصول
على عمل البنه ،ومنهم من يريد الحصول على سرير لقريب له بالمستشفى ،وبعضهم تعذر
عليه الحصول على وثيقة إداريــة يلجأ إليه ،بل إن من الموظفين من يلجأ إليه لحل خالف
بينه وبين مديره أو رئيسه المباشر.
تتجسد فــي الـعـيــن كــل الـسـلــط حسبما يتمثله المجتمع ،وي ـحــاول جــاهــد ًا أن يــرســخ لــدى
الجميع هذه الصورة ،من خالل تمريرها عبر أعوانه ووسطائه ،الذين يعطون االنطباع بأن
قوته ال حدود لها وثروته وخيراته ال تنضب .فهو صاحب العطايا ،هكذا يتباهى بأنه صديق
القائد ،والوزير .فحظوته ووجاهته متصلة بوجاهة هؤالء ،وعبره يحضر الدولة/المخزن في
الذاكرة المحلية بما يمثله من سلطة وقوة وإكراه.
ال يمكن للعين ضمان استمراريته وبقائه خــارج هــذه األدوار ،فهو يتواطأ في الحفاظ
عـلــى هــذه ال ـصــورة الـتـقـلـيــديــة لـلـعـيــن ،بـمــا يمثله مــن رمــز لـلـقــوة وال ـن ـفــوذ ،ويـبــالــغ فــي تقديم
اإلكراميات حيث تظل الهبة والعطايا سمة بارزة في سلوكه ،إنه دائم العطاء بكيفية يتحول
منزله إلى قبلة لكل الوافدين على الــدوار ،كما ينعت بمول «الــدار الكبيرة/أخام أمقران»(((،
وال يرضيه أن ينافسه في ذلك منافس .فالكرم خاصيته ،لذلك يحرص دومـ ًا على استقبال
الـ ــزوار ،خــاصــة إن كــانــوا مــن أجـهــزة الــدولــة ،ســاعـيـ ًا مــن وراء ذلــك إلــى إرضــائـهــم وإعـطــاء
االنطباع أنه خادم المخزن وركيزة يعتمد عليها .هكذا تجد كل أفراد السلطة المحلية (القائد،
الشيخ ،المقدم ،اإلداريين) يقصدونه .لكنه يعرف أن كل ذلك لن يذهب سدى .وفضـ ًال عن
ذلك فهو ال يتراخى في مساعدة الساكنة في لحظات الشدة (يتكلف بالجنائز ويقدم الهدايا
تهرب ،فحتى الزكاة واألعشار يستثمرها كعطية لتحقيق في األفراح ،)...وال يظهر أي بخل أو ُّ
هدف خفي.
حتى األعيان من الجيل الجديد ،يعملون جاهدين على احترام طقوس المرور واالنتماء،
لذلك تجدهم حرصاء على تتبع خطى سابقيهم ،فال وجــود للعين قبـ ًال إن لم يتشبث بهذه
الخصال ،فهي مواصفات اجتماعية تضفي على النفوذ والحظوة طابع المشروعية وتعترف
((( عبارة أمازيغية تدل على الخيمة الكبيرة/الدار الكبيرة ،وهي كذلك تعبير عن الكرم والعطاء والسخاء
وحسن الضيافة.
إضـافـات /العدد ،35صيف 2016 156
بالشخص كعين .فاالنتماء إلى مصاف النخبة يستلزم درجة من التميز ،ال تدركه العامة إال
في الهبات والعطايا ،حيث لن يضمن الفرد استقطاب األتباع إال بحضور هذه المظاهر.
خـاتمة
من حصاد ما سبق ،يتضح أن العالقات الزبونية تشتغل على أكثر من واجـهــة ،وتشكل
بذلك أحد المشارب التي ترتوي منها العالقات االجتماعية .كما تسهم في إعادة رسم معالم
العالقات والتحالفات الخاصة بأفراد النخبة المحلية.
إن ال ـت ـن ــاف ــس حـ ــول ال ـن ـف ــوذ ال ـس ـي ــاس ــي ،ي ــدف ــع أف ـ ــراد ال ـن ـخ ـبــة إلـ ــى ت ــوس ـي ــع ش ـب ـكــات
التحالفات ،متجاوزين بذلك المجال الجغرافي المحلي .فكلما اتسعت شبكات الزبونية
ل ــدى ال ـفــاعــل ال ـس ـيــاســي ال ـم ـح ـلــي ،كـلـمــا وت ـم ـكــن مــن ال ـح ـفــاظ ع ـلــى مــوق ـعــه ض ـمــن دائ ــرة
الـفـئــات الـقـيــاديــة ،بــل كـثـيــر ًا مــا يــؤدي االسـتـثـمــار الـجـيــد لـمـثــل تـلــك الـعــاقــات إلــى صـعــود
بـعــض األف ــراد فــي سـلــم ال ـهــرم االجـتـمــاعــي ،وتـمـكـنـهــم مــن اخ ـتــراق دوائ ــر ال ـقــرار جـهــويـ ًا
ووطـنـيـ ًا ،مـمــا يسهم فــي تشكل تــراتـبـيــة داخــل دوائــر الـنـخـبــة المحلية نـفـسـهــا ،ويـقــوي من
أدوار الوساطة.
وهنا ال بد من أن نسجل اختالفنا مع مالحظة أبداها علي السدجاري في إحدى مقاالته
) Sedjari, 2002: 97‑99(((( ،بخصوص غـيــاب الــوســاطــة أو نخب الــوســاطــة إن صــح الـقــول،
داخــل المجتمع المغربي .إننا نعتقد أن هــذه النخب قد ظلت ومــا تــزال تقوم بــأدوار ،لكنها
تغ ِّلب مصالحها الخاصة ،كما أن عملها يظل ظرفي ًا ،تتحكم فيه رهــانــات ومصالح لحظية.
فهي تـبــدو أكـثــر فعالية فــي «فـتــرات الجني/فترة االنـتـخــابــات مـثـ ًا» ،لكن هــذا ال يعني أنها
غائبة عن قواعد اللعبة وعن شبكات الزبونية.
بـقــدر مــا تلعب الــزبــونـيــة دور ًا فــي تـحــديــد شبكة الـتـحــالـفــات وتــذكــي االصـطـفــافــات بين
تكتالت محلية ،جهوية ووطنية ،فإنها تساهم في تأجيج الصراعات وسياسة الدسائس بين
مختلف الفاعلين المتنافسين حول السلطان السياسي .مما يجعل السلوك السياسي للفاعل
المحلي سـلــوكـ ًا مــر ّكـبـ ًا ،يمتح مــن مـمــارســات تقليدية تغذيها الـعــاقــات الـقــرابـيــة والعشائرية
والقبلية ،وتحضر فيها الزبونية والــريــع كوسائل وآلـيــات تحكّم ،تــؤثــر فــي عمل المؤسسات
العصرية الطابع (أحزاب ،إدارات ،جمعيات.)...
((( ي ــرى ال ـبــاحــث ال ـســدجــاري أن ال ـم ـغــرب ي ـعــرف غ ـيــاب نـخـبــة الــوســاطــة .ف ــإذا كــانــت الـنـخــب مـتـعــددة
ومفرقة ،فليس لكونها منفصلة عن السكان فقط ،بل أيض ًا لكونها منفصلة عن الطبقات الوسطى
مــن المجتمع .ويعتقد الـبــاحــث نفسه أن مــن المهم إعــادة االعـتـبــار لنخب الــوســاطــة .لكننا نــرى أن
هــذه النخب في تقديرنا ليست غائبة ،بل مأزقها هو أنها تغلب مصالحها الفردية ،فما يميزها هو
الطابع النفعي الظرفي ،لذلك فهي تنشط في لحظات يكثر فيها الطلب عليها .نرى مثـ ًال كيف يعمل
الفاعلون الجمعويون والنقابيون والحزبيون على تقديم خدماتهم لبعض أفراد النخبة الوطنية ،أو
بعض األعيان المحليين في فترات االنتخابات ...فالكل يتحول إلى وسيط.
157 دبع قيفش ينغلا/ ينوبزلا تاقالعلاو ةيلحملا بخنلا
المراجع
بن مركز طارق: الرباط. السلوك االجتماعي والسياسي للنخب المحلية.)2002( حماني،أقفلي
.زياد
في التاريخ االجتماعي والسياسي للزاوية.. الزاوية بين القبيلة والدولة.)2015( محمد،جحاح
. أفريقيا الشرق: الدار البيضاء.الخمليشية بالريف
. دار األمان: الرباط. مراجعات ومقاربات: بؤس التاريخ.)2015( محمد،حبيدة
النسق الثقافي للسلطة فــي المجتمعات العربية:) الشيخ والـمــريــد2003( الـلــه عـبــد،ح ـمــودي
. منشورات دار توبقال: الرباط.3 ط.المجيد جحفة ترجمة عبد.الحديثة
سياسية- قراءة اجتماعية: الزبونية السياسية في المجتمع العربي.)2006( حافظ،عبد الرحيم
(سلسلة أطروحات. مركز دراســات الوحدة العربية: بيروت.في تجربة البناء الوطني بتونس
)59 الدكتوراه؛
: الــربــاط.بن الـشـيــخ ترجمة محمد. الفالح المغربي المدافع عن الـعــرش.)2011( ريـمــي،لــوفــو
.منشورات وجهة نظر
: الرباط. تطور البنيات االجتماعية شمال المغرب: القبيلة والسلطة.)1988( الهراس،المختار
.المركز الوطني لتنسيق وتخطيط البحث العلمي والتقني
الغني ترجمة عبد. الملكية والنخبة السياسية المغربية: أمير المؤمنين.)2004( جون،واتربوري
. مؤسسة دار الغني: الرباط.األحد السبتي وعبد اللطيف القلق عبد،العزم أبو
Bourdieu, Pierre (1999). «L’Echange différé crée la stratégie.» dans: Jean Etienne et Henri
Mendras. Les Grands Thèmes de la sociologie. Paris: Armond Colin.
Leca, Jean et Yves Schemeil (1983). «Clientélisme et Patrimonialisme dans le Monde Arabe.»
International Political Science Review: vol. 4, no. 4, October.
Levau, Rémy (1976). Le Fellah Marocain défenseur du trône. Paris: Presses de la fondation
Nationale des sciences politiques (Coll. no. 203)
Mauss, Marcel (1983). Sociologie et Anthropologie. Paris: Ed. Presses universitaires de
France.
Médard, Jean François (1976). «Le Rapport de clientèle: Du phénomène social à l’analyse
politique.» Revue Français des Sciences Politiques: février.
Sedjari, Ali (2002). «Figure moderne de l’elite marocaine.» dans: Ali Sedjari. Elites,
Gouvernance et gestion du changement. Paris: L’Harmattan.
Waterbury John (1999). «La Notion de la clientèle.» dans: Jean Etienne et Henri Mendras.
Les Grands Thèmes de la sociologie. Paris: Armond Colin.
Wolfgang, Muno (2010). «Conceptualizing and Measuring Clientelism.» Paper presented
at: The workshop: «Neopatrimonialism in Various World Regions, 23 August, GIGA,
German Institute of Global and Area Studies - Hamburg.