You are on page 1of 17

‫‪141‬‬ ‫ينوبزلا تاقالعلاو ةيلحملا بخنلا ‪ /‬ينغلا‪ 

‬دبع قيفش‬

‫النخب المحلية والعالقات الزبونية‪ :‬دراسة في بعض‬


‫(*)‬
‫آليات إعادة إنتاج النفوذ بالمجال القروي المغربي‬
‫(**)‬
‫شفيق عبد‪ ‬الغني‬
‫أستاذ علم االجتماع‪ ،‬جامعة ابن طفيل‪ ،‬القنيطرة‪ - ‬المغرب‪.‬‬

‫مقدمة‬
‫تقتضي مـقــاربــة مــوضــوع الــزبــونـيــة ق ــدر ًا مــن الـحــذر اإليبيستيمولوجي‪ ،‬تـفــرضــه طبيعة‬
‫الـمــوضــوع ذاتــه‪ ،‬إذ بقدر مــا يغري الباحث السوسيولوجي بقدر مــا يطرح إشـكــاالت نظرية‬
‫ومنهجية‪ .‬فتناوله ينطوي على قدر من التعقيد والتركيب‪ ،‬ويتداخل فيه العلمي باأليديولوجي‪،‬‬
‫ويصبح في كثير من األحيان موضوع ًا لخطاب الحس المشترك‪ .‬هكذا‪ ،‬يبدو مفهوم الزبونية‬
‫كــأحــد أه ــم الـمـفــاهـيــم اسـتـعـمــا ًال وأكـثــرهــا تـ ــداو ًال وان ـت ـشــار ًا‪ ،‬خــاصــة فــي األوسـ ــاط السياسية‬
‫واإلعالمية‪ .‬بيد أنه يحمل من اللبس ما يجعله مفهوم ًا صعب التحديد‪ .‬والظاهر أن تناوله من‬
‫الزاوية السوسيولوجية‪ ،‬يطرح أمــام الــدارس صعوبة التقعيد له وتأصيله بغية أجرأته‪ ،‬حيث‬
‫ينطوي استعماله‪ ،‬في غالب األحيان‪ ،‬على أحكام ق ِّيمة‪ ،‬تذهب في اتجاه ربطه بعبارات أكثر‬
‫التباس ًا منه‪ ،‬من قبيل الفساد والرشوة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ولئن كان ترويج المفاهيم اآلنفة الذكر‪ ،‬يؤشر إلى وجود خلل في العالقات بين الفاعلين‬
‫االجتماعيين ويكشف االنحرافات التي تطاول السير العادي للمؤسسات ولسلوكيات الفاعلين‬
‫االجتماعيين ولممارساتهم‪ ،‬فإن تناولها كموضوع للدراسة السوسيولوجية يقتضي إبعادها‬
‫عــن الخطابات اليومية الـمـتــداولــة‪ ،‬وإخضاعها إلــى التحليل العلمي الــدقـيــق‪ .‬تحليل ال‪ ‬تعود‬
‫فيه الــزبــونـيــة‪ ،‬مـث ـ ًا‪ ،‬كتعبير عــن عــاقــة سياسية كما تتبدى للحس المشترك‪ ،‬بــل باعتبارها‬
‫عالقة لها جذور اجتماعية تخترق البنى وتغذيها أطراف تتبادل المصالح‪ ،‬وتوجه فعلها وفق‬
‫استراتيجيات تحافظ من خاللها على تلك المصالح وتعيد من خاللها إنتاج عالقات الهيمنة‬
‫والتبعية في إطار تقسيم محكم لألدوار واستحواذ على قنوات النفوذ والسلطة‪.‬‬
‫وإذ نستحضر هذه العالقات‪ ،‬فإن مبتغانا أن نقف ضمن هذا المقال عند أهميتها لدى‬
‫أفــراد الفئات القيادية محلي ًا‪ ،‬أو مــا يسمى بالنخب المحلية‪ .‬هكذا سنحاول تسليط الضوء‬
‫(*) يشكل هذا المقال جزء ًا من دراسة ميدانية أنجزناها بإقليم إفران بوسط المغرب‪ ،‬وشملت حوالى‬
‫‪ 302‬فرد من أفراد النخبة المحلية‪.‬‬
‫‪sociochaf@gmail.com.‬‬ ‫(**) البريد اإللكتروني‪:‬‬
‫إضـافـات ‪ /‬العدد ‪ ،35‬صيف ‪2016‬‬ ‫‪142‬‬

‫على الكيفية التي تشتغل وفقها تلك العالقات‪ ،‬وكيف يتم استثمارها من قبل الفئات المشار‬
‫إليها‪ ،‬بكيفية تجعل من الزبونية استراتيجية يتم اعتمادها في بناء التحالفات وإعادة إنتاج‬
‫الزعامات محلي ًا ووطني ًا‪.‬‬

‫أو ًال‪ :‬في خصوصية العالقات الزبونية وكيفية اشتغالها‬


‫تشكل العالقات الزبونية إحدى القنوات الهامة التي تؤدي دور ًا ال‪ ‬يستهان به في تقوية‬
‫النفوذ‪ ،‬خاصة بالنسبة إلى األفراد المتنافسين حول السلطان السياسي‪ ،‬سواء على المستوى‬
‫المحلي أو الوطني‪.‬‬
‫فالعالقات الزبونية أو عالقات االستزالم‪ ،‬كما يحلو للكثير من الباحثين تسميتها‪ ،‬تشتغل‬
‫في اتجاهات شتى‪ ،‬وتضمن للفرد التحكم في مجموعة من الموارد‪ ،‬وأحيان ًا تكوين قاعدة‬
‫ويؤمنون له الموقع‪ .‬وتخترق هــذه العالقات بشكل واسع‬ ‫من األتـبــاع الذين يكسبونه شهرة ِّ‬
‫مختلف البنى والمؤسسات بالمجتمعات التقليدية‪ ،‬وهو ما حدا بالكثير من الدارسين على‬
‫ربــط انتشارها بسيادة نمط الــدولــة الباتريمونيالية والنيوباتريمونيالية ‪(Patrimonial and‬‬
‫)‪ ،Neo patrimonial State‬كما هو الحال بخصوص دراســة صاموئيل ازنستادت ‪(Samuel‬‬
‫)‪.Eisenstadt‬‬
‫هذا الربط بين انتشار العالقات الزبونية وترسخ النموذج الباتريمونيالي‪ ،‬هو ما نجده‬
‫حاضر ًا‪ ،‬كذلك‪ ،‬في دراسة الباحث حافظ عبد‪ ‬الرحيم حول الزبونية السياسية في المجتمع‬
‫العربي‪ ،‬من خالل تجربة البناء الوطني في تونس‪ .‬فقد أشار إلى كون االستزالم من أصعب‬
‫الممارسات الباتريمونيالية التي تعتمدها األحزاب المتحكمة في السلطة‪ .‬كما حاول الباحث‬
‫نفسه‪ ،‬تحليل هذه الممارسات من خالل تركيزه على الفترة البورقيبية في تونس خاصة من‬
‫سنة ‪ 1956‬إلى ‪( 1970‬عبد الرحيم‪.)2006 ،‬‬
‫هذه األهمية القصوى للعالقات الزبونية شكلت مرتكز ًا لدراسة النسق السياسي المغربي‬
‫وآلـيــات اشـتـغــالــه‪ ،‬مــن قـبــل الـبــاحــث األمــريـكــي جــون واتــربــوري‪ ،‬كـمــا أبــرز الـبــاحــث الفرنسي‬
‫ريمي لوفو‪ - ‬بــدوره‪ - ‬ثقل ومركزية الشبكات الزبونية في عالقات النخبة المحلية بالسلطة‬
‫المركزية‪ ،‬فدافع عن أطروحته حول التبعية المطلقة للنخبة المحلية للدولة المركزية‪ ،‬والتي‬
‫تعد العالقات الزبونية آلية من آليات تقويتها واستدامتها (واتربوري‪ ،2004 ،‬و‪.)Levau, 1976‬‬
‫اع ـت ـبــار ًا لـكــون الـعــاقــات الــزبــونـيــة تـشـكــل أحــد أوج ــه الـعــاقــات االجـتـمــاعـيــة كـمــا يذهب‬
‫إلى ذلك كــارل النــدي )‪ (Karl Landé‬فإن تلك العالقات تفترض وجــود طرفين على األقل‪:‬‬
‫الــزبــون والـبــاطــرون‪/‬الــوجـيــه‪ .‬بــاإلضــافــة إلــى وجــود وسيط يعمل على تأمين الـتــواصــل بينهما‬
‫)‪ .(Wolfgang, 2010‬كل ذلك‪ ،‬يجعل العالقات الزبونية تتميز بخصائص عدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬أنها عالقة ديناميكية‬
‫‪ -‬عالقة المتكافئة‬
‫‪143‬‬ ‫ينوبزلا تاقالعلاو ةيلحملا بخنلا ‪ /‬ينغلا‪ ‬دبع قيفش‬

‫‪ -‬عالقة ثنائية‪ ،‬شخصية (وجه ًا لوجه)‬


‫‪ -‬ذات طابع تبادلي‬
‫‪ -‬عالقة طوعية‬
‫ال تقوم الزبونية إال بتوفر أطــراف العالقة على خدمات قابلة للتبادل‪ ،‬بشكل يجعل كل‬
‫طــرف فــي َأمـ ِّـس الحاجة إلــى الـطــرف الثاني‪ .‬إن هــذه الخاصية هــي مــا يجعل أفــراد النخبة‬
‫أكثر حرص ًا على امتالك موارد وخدمات ذات رواج في سوق المنافسة حول النفوذ (خاصة‬
‫فــي الـســوق السياسية)‪ .‬أمــا الـطــرف الوسيط فــإن عمله كحلقة وصــل بين الــزبــون والوجيه‪/‬‬
‫الباطرون يدفعه كذلك إلــى أن يكون أكثر خبرة ومعرفة بالطرفين وبكيفية اشتغال النسق‬
‫برمته‪ ،‬باإلضافة إلى قدرته اإلقناعية وخبرته وصدقيته‪ .‬وهي مواصفات تمثل رأسما ًال يسعى‬ ‫َّ‬
‫إلى توظيفه لتحقيق مصالحه الخاصة‪ .‬وهو ما يجعل العالقات الزبونية عالقات تتشابك فيها‬
‫المصالح الشخصية المختلفة وتتعدد فيها االستراتيجيات وتخترق مجاالت متنوعة يصعب‬
‫على ال ــدارس حـصــرهــا‪ .‬فـهــذا النمط العالئقي يحضر على مستويات عــدة وداخ ــل مجاالت‬
‫مختلفة (اقـتـصــاديــة‪ ،‬سـيــاسـيــة‪ ،‬ديـنـيــة‪ ،‬جـمـعــويــة‪ )...‬ويــركــز فــي الـمـقــام األول عـلــى استعمال‬
‫وتوظيف العالقات القرابية‪ ،‬األسرية‪ ،‬العشائرية‪ ...‬لتوسيع قاعدة األتباع وكسب الشهرة‪ ،‬لكنه‬
‫يتجاوزها إلى فضاءات أوسع‪.‬‬
‫تخضع العالقات الزبونية وفق هذا األمر‪ ،‬لمنطق األخذ والعطاء (قضي لي نقضي ليك)‪.‬‬
‫وتتطلب كل عالقة من هــذا النوع أن يتوفر الطرفان المتبادالن على مــوارد تشكل حوافز‬
‫بالنسبة إليهما‪ .‬إذ ال‪ ‬يمكن والحالة هــذه‪ ،‬أن يقع تبادل بين طرفين يتوفران على الموارد‬
‫نفسها‪ ،‬كما ال‪ ‬يمكن أن تنتظم بين الطرفين عالقة تبادلية‪ ،‬إذا كــان أحدهما في غنى عن‬
‫الموارد المتوفرة لدى اآلخــر‪ .‬ولعل هذا ما يجعل كل طرف يسعى جاهد ًا إلى كسب الموارد‬
‫وتنويعها سواء مادية كانت أو رمزية لجعلها بضاعة قابلة للترويج لدى األطراف الراغبة في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫لقد سبق لواتربوري أن أشار إلى الطابع الالمتكافئ للعالقات الزبونية‪ .‬حيث الحظ أن‬
‫أحد الطرفين المنخرطين في مثل هذه العالقة‪ ،‬يكون أكثر قوة وتفوق ًا من الطرف المقابل‬
‫)‪ .(Waterbury, 1999: 108‬وهــو مــا دفـعــه إلــى إث ــارة الـتـســاؤل الـتــالــي‪ :‬إلــى أي مــدى يمكن‬
‫للعالقة غير المتوازنة للسلطة أن تخول ألحــد الطرفين التمتع بصفة الباطرون (القطب أو‬
‫الوجيه)؟‬
‫إن فعالية الـطــرف المهيمن فــي تلك الـعــاقــة‪ ،‬ال‪ ‬تنكشف إال بنوع الـمــزايــا التي يقدمها‬
‫ومدى فعاليتها في سوق التبادالت المادية والرمزية‪ .‬فنسق التبادل هنا يشبه إلى أبعد حد‬
‫منطق اشتغال العطية كما أظهرها مارسيل موس لدى المجتمعات الميالنيزية واألميريندية‬
‫في عملية البوتالتش )‪ .(Mauss, 1983‬ذلك أن العطاء هو إظهار للرفعة والمكانة االجتماعية‬
‫األسمى‪ ،‬والقبول بدون مقابل أو دفع مقابل أقل قيمة‪ ،‬يشكل من الناحيتين المادية والرمزية‬
‫الوجه الــذي يؤمن تبعية طرف آلخــر‪ ،‬ويجعل منه زبون ًا وخادم ًا تابع ًا للوجيه (القطب)‪ .‬من‬
‫هذا المنطلق‪ ،‬يمكن توصيف العالقة الزبونية‪ ،‬بحسب تعريف جون مدار «باعتبارها عالقة‬
‫إضـافـات ‪ /‬العدد ‪ ،35‬صيف ‪2016‬‬ ‫‪144‬‬

‫من التبعية الشخصية‪ ،‬غير المرتبطة حصري ًا بالقرابة‪ ،‬بين شخصين على األقل وهما السيد‬
‫والزبون‪ ،‬يفترض أال يتوفرا على موارد متكافئة» )‪.(Médard, 1976: 103‬‬
‫ال تخضع التبادالت بين الوجيه‪/‬القطب (الباطرون) والزبون للعامل الزمني‪ ،‬إذ ال‪ ‬يتعلق‬
‫األمــر بعالقات تـبــادل لحظية‪ .‬فيمكن للعين المحلي‪ ،‬على سبيل الــذكــر فحسب‪ ،‬أن يستفيد‬
‫من أصــوات ناخبين ينتمون ألسرة أو قبيلة‪ ،‬مقابل خدمات مــؤداة مسبق ًا‪ ،‬أو بعد حين (بعد‬
‫يقرها العرف‪ ،‬كما يع ّبر عن ذلك العديد‬ ‫سنوات)‪ .‬فالعملية هنا مشروطة باعترافات ضمنية ّ‬
‫مــن أفــراد المجتمع المحلي (خـيــرو ســابــق‪ ،‬الخير بــالـخـيــر‪ .)...‬فــالــذي يتلقى العطية (المزايا‬
‫والـخــدمــات) هنا «يظل مستعد ًا لالعتراف بالجميل لكل مــن أســدى لــه مـعــروفـ ًا‪ ،‬ويظل على‬
‫استعداد لرد ذلك الجميل بكيفية يتحول فيها التبادل إلى استراتيجية» ‪(Bourdieu, 1999:‬‬
‫)‪ .107‬إن العالقة التي تنتظم بين طرفي التبادل تتحول إلــى عالقة ثقة وعــرفــان‪ ،‬فتصبح‬
‫بذلك بمنزلة تعاقد أو ضرورة‪ ،‬كما رسم مارسيل موس العالقة بين أطراف التبادل في نسق‬
‫العطية )‪.(Mauss, 1983‬‬
‫فالهبة تستوجب االعتراف وتفرض الوالء وترسخه في العالقة بين الطرفين‪ ،‬كما هو حال‬
‫عالقة الشيخ والمريد‪ ،‬التي تمثل عالقة من التبعية المحكمة‪ ،‬كما صورها الباحث عبد‪ ‬الله‬
‫ح ـمــودي‪ ،‬وهــي عــاقــة ال‪ ‬تـحـيــد عــن قـنــوات الــزبــائـنـيــة‪ .‬فـمــن خــال اسـتـثـمــاره لمجموعة من‬
‫الشهادات التاريخية وتحليل الوثائق التي تدعمها وما تضمنته من وقائع سياسية واجتماعية‬
‫في حقب هامة من تاريخ المغرب‪ ،‬أوضــح حمودي الكيفية التي تتهيكل وفقها العالقة بين‬
‫الشيخ والمريد وكيف تؤطر هذه الخطاطة «الشيخ والمريد» عالقات القوة والتبعية والوالء‬
‫التي تحكم الحقل السياسي‪ ،‬ومجمل العالقات االجتماعية األخرى‪( .‬حمودي‪.)109 :2003 ،‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬أهمية العالقات الزبونية‬


‫في استراتيجيات النخبة المحلية‬
‫أشرنا‪ ،‬آنف ًا‪ ،‬إلى أن المصالح والمزايا المتبادلة بين األطــراف تشكل المرتكز األساسي‬
‫لقيام العالقات الزبونية‪ .‬وتكتسب هذه الفكرة جدواها‪ ،‬في ما يكشفه واقع المجال القروي‬
‫بــالـمـغــرب مــن أهـمـيــة لـتـلــك ال ـمــزايــا وال ـم ـصــالــح فــي تـقــويــة الـشـبـكــات الـعــائـقـيــة وف ــي حشد‬
‫واستقطاب أتباع خارج منطق الوالءات العشائرية والمذهبية‪ .‬نقصد بذلك أن تلك العالقات‬
‫الزبونية المبنية على العطاء‪ ،‬تستطيع التأثير وإقـنــاع قــواعــد ال‪ ‬تستطيع العالقات األسرية‬
‫والقبلية أن تؤثر فيها في كثير من األحيان‪ .‬فهي عالقة ال‪ ‬تفترض بالضرورة وجود أواصر‬
‫قرابة أو نفس االنتماءات الفكرية واأليديولوجية بين أطــراف اللعبة‪ ،‬وإنما تخضع كما قلنا‬
‫سابق ًا لمنطق المصلحة‪ .‬على أن ذلك ال‪ ‬ينفي كون العالقات الزبونية ترتوي من العالقات‬
‫األسرية والقرابية في كثير من األحيان‪ ،‬لكن سرعان ما تتوسع‪.‬‬
‫وما دامــت العالقات الزبونية تتسم بالدينامية وتخضع لموازين القوة وتجدد منظومة‬
‫الرهانات‪ ،‬فإن الحرص على االستفادة منها وجعلها إحــدى قواعد اللعبة (لعبة إعــادة إنتاج‬
‫‪145‬‬ ‫ينوبزلا تاقالعلاو ةيلحملا بخنلا ‪ /‬ينغلا‪ ‬دبع قيفش‬

‫الـمـكــانــة والـنـفــوذ) تـظــل مــن اسـتــراتـيـجـيــات الـنـخـبــة‪ ،‬خــاصــة الـفـئــة المتنافسة حــول السلطان‬
‫السياسي )‪( (Pouvoir Politique‬المنتخبون الجماعيون‪ ،‬والمنتخبون البرلمانيون‪.)...‬‬
‫تتجلى أهمية دراسة العالقات الزبونية في الواقع المغربي‪ ،‬في مميزات هذا األخير وفي‬
‫خصوصيات العالقات االجتماعية‪ .‬فقد ترسخت في الحقلين السياسي واالجتماعي لفترات‬
‫عديدة‪ ،‬أنماط من السلوكيات والممارسات التي تحكمها عالقات متشابكة يمتزج فيها الوجه‬
‫القرابي بالعشائري فالزبوني بشكل معقد ومتداخل‪ ،‬وبكيفية تحولت فيها تلك العالقات إلى‬
‫منظومة من القيم والمعتقدات‪ ،‬جعلت جل األطــراف (وخاصة عامة الناس) تبحث عن من‬
‫يحميها ويؤمن لها دور الوساطة في عالقتها بمالكي السلطة واإلكراه (المخزن)‪.‬‬
‫لقد الحــظ الـبــاحــث المختار الـهــراس فــي دراسـتــه قبائل جبالة شـمــال الـمـغــرب (منطقة‬
‫أنجرة) أن تحريك الوالءات واالرتباطات العمودية هو الشائع واألكثر تداو ًال‪ ،‬فإيجاد الحلول‬
‫واكتساب الحقوق لم يعد في غالب األحيان يتم عبر أية تعبئة جماعية لسكان المدشر‪ ،‬بل‬
‫أصبح كل فرد على حدة يبحث عن الوسيط المالئم‪ ،‬والذي قد يكون رجل سلطة‪ ،‬مسؤو ًال في‬
‫زاوية‪ ،‬أو من األقرباء البارزين في المدينة‪ ،‬وقد يصل إلى حد تقديم هدايا عند االقتضاء‪.‬‬
‫ويسجل الباحث نفسه‪ ،‬أن الوسطاء المعتمدين هم في غالبيتهم ممن خلقوا مصالح في‬
‫المدينة‪ ،‬واكتسبوا مكانة مرموقة بين سكانها‪ ،‬إما بفعل مؤهالتهم الثقافية والعلمية‪ ،‬أو بما‬
‫حصلوا عليه من مكتسبات اقتصادية أو غطاء سياسي (الهراس‪.)241 :1988 ،‬‬
‫وفــي السياق ذاتــه‪ ،‬يكشف التاريخ االجتماعي للمغرب عن وجــود عائالت متنفذة ظلت‬
‫تعمل عـلــى تــأمـيــن الــوســاطــة (الـحـمــايــة) بـيــن الـسـكــان والـمـخــزن‪ ،‬أو بـيــن الـقـبــائــل فيما بينها‪.‬‬
‫ويمكن استحضار مــا قــامــت بــه الــزوايــا مــن دور هــام فــي هــذا الـصــدد‪ .‬فلقد أشــار الباحث‬
‫محمد جـســوس إلــى كــون الـعــاقــات الــزبــونـيــة قــد ظـلــت مـتــرسـخــة فــي الـعــاقــات االجتماعية‬
‫للمغاربة «فالقبائل والجماعات واألفــراد‪ ،‬كانوا يلجؤون مــرار ًا إلى بعض الوجهاء‪ ،‬وبخاصة‬
‫الـشــرفــاء والـمــرابـطـيــن ورؤس ــاء الــزوايــا وغـيــرهــم ممن كــان يعتقد أن بإمكانهم الـتــدخــل في‬
‫يسر عملية‬ ‫عدة مجاالت» (أقفلي‪ )2002 ،‬هذا األمر‪ ،‬جعل من قنوات الوساطة هذه‪ ،‬منفذ ًا ّ‬
‫الضبط االجتماعي‪ ،‬وساهم في تجسير الهوة بين المجتمع المحلي والسلطة المركزية‪ .‬فلقد‬
‫استغلت الــدولــة (الـمـخــزن) هــذه الـقـنــوات‪ ،‬وعملت على التقرب منها وتوظيفها فــي عالقتها‬
‫بالقواعد االجتماعية‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬كانت السياسة المخزنية اتجاه الزوايا‪ ،‬مثـ ًال‪ ،‬ترتكز‬
‫بكيفية واضحة على كرم المخزن وإغداقه االمتيازات على شيوخ الزوايا‪ ،‬وهو ما يمكن أن‬
‫نفهمه هنا كمحاولة الستقطاب هــؤالء الشيوخ وضـمــان والئـهــم وخدمتهم لــه‪ ،‬ومــن خاللهم‬
‫القبائل التي كانوا يؤطرونها (جحاح‪.)254 :2015 ،‬‬
‫وغ ـنــي عــن ال ـب ـيــان‪ ،‬أن ه ــؤالء ال ـش ـيــوخ الــذيــن أوك ــل إلـيـهــم دور ال ـتــوســط بـيــن الـمـخــزن‬
‫المركزي والمجتمع المحلي‪ ،‬قد كانوا يتوفرون على قواعد اجتماعية‪ ،‬واألهم من ذلك على‬
‫قوة اقتصادية‪ ،‬مما جعل من تنظيم الزوايا‪ ،‬على حد تعبير الباحث محمد جحاح‪ ،‬التجسيد‬
‫الفعلي لسلطة سياسية محلية‪ ،‬تدعو حق ًا إلى القلق واالنزعاج (جحاح‪.)254 :2015 ،‬‬
‫إضـافـات ‪ /‬العدد ‪ ،35‬صيف ‪2016‬‬ ‫‪146‬‬

‫وبالعودة إلى التاريخ االجتماعي للمغرب وإلى بعض إنتاجات السوسيولوجيا السياسية‪،‬‬
‫ينكشف لنا ثقل الـعــاقــات الزبونية التي ظلت تخترق البنى االجتماعية فــي الـحــواضــر كما‬
‫ال ـبــوادي‪ ،‬حـيــث «يــوضــح نـظــام الخماسين فــي ال ـبــوادي هــذا األم ــر‪ ،‬إذ انـتـظـمــوا فــي شبكات‬
‫مـحــددة مــن صــات الـقــرابــة‪ ،‬أو الــزبــونـيــة‪ ،‬جعلت الـخـ ّمــاس يبحث ليس فقط عــن حصة من‬
‫اإلنتاج الزراعي‪ ،‬ولكن أيض ًا عن نصيب من الحماية األبوية‪ ،‬أو القبلية‪ ،‬أو الدينية» (حبيدة‪،‬‬
‫‪ .)115 :2015‬واألمــر نفسه‪ ،‬يكاد ينطبق على جــل أنـمــاط العالقات السائدة داخــل المجتمع‪،‬‬
‫خاصة العالقات السياسية منها‪.‬‬
‫ففي دراسته التي حملت عنوان أمير المؤمنين‪ :‬الملكية والنخبة السياسية المغربية‬
‫وال ـتــي عـمــل مــن خــالـهــا وات ــرب ــوري عـلــى تعميم مـنـظــوره الـتـجــزيـئــي عـلــى الـحـقــل الـسـيــاســي‪،‬‬
‫مـسـتـخــدمـ ًا لــذلــك الـغــرض الـمـفـهــوم الـفـيـبـيــري للسلطة الــوراث ـيــة‪ .‬بـيــن كـيــف تــرتــوي الممارسة‬
‫السياسية في المغرب من قنوات تقليدية من خالل ارتكازها على نموذج النسب والعالقات‬
‫الــزبــونـيــة ضـمــن أح ـكــام قــانــون الـتـضــامــن وال ــرش ــوة ال ــذي يـتـخـلــل مـجـمــل الـمـجـتـمــع الـمـغــربــي‬
‫(واتربوري‪.)2004 ،‬‬
‫فالوزن السياسي للفرد ال‪ ‬يتحدد وال‪ ‬يكتسب أدنــى أهمية إال في إطــار ما يتمتع به من‬
‫عالقات‪ ،‬ومــدى قدرته على تعبئة والءاتــه الشخصية الستقطاب المزيد من األتباع والظفر‬
‫بموقع من مواقع النفوذ والوجاهة‪ ،‬خاصة لحظة احتدام التنافس حول المواقع السياسية‪.‬‬
‫إن تــراجــع ال ـقــدرة االسـتـقـطــابـيــة لبعض أف ــراد النخبة المحلية وانـحـســارهــا داخ ــل مجال‬
‫جغرافي ضـ ّيــق‪ ،‬مــن جــراء ضعف شبكات الـعــاقــات الزبونية الممتدة التي يـتــوفــرون عليها‪،‬‬
‫غالب ًا ما يــؤدي إلى اندحارهم من صفوف المتنافسين حول النفوذ‪ .‬ويرجع األمــر في كثير‬
‫من األحيان إما إلى ضعف مــوارد العين‪/‬كفاعل في العالقة الزبونية‪ ،‬أو إلى ظهور أوضاع‬
‫جديدة تتطلب مــوارد من نوع آخر‪ .‬وفي أحيان أخرى يصاحب هذا التراجع ظهور فاعلين‬
‫تنفض من حول العين لتبحث‬ ‫أشد قوة ورأسما ًال‪ .‬وفي حالة كهذه‪ ،‬يمكن لقاعدة الزبناء أن ّ‬
‫لها عن مسبغ نعمة جديد (قطب‪/‬شخص من الوجهاء) يؤمن لها حاجاتها‪ .‬هذه اللعبة المتغيرة‬
‫األطوار تؤدي إلى إعادة تشكيل األحالف واالصطفافات محلي ًا‪ ،‬جهوي ًا ووطني ًا‪ .‬اصطفافات‬
‫يظل الفرد خارجها‪ ،‬من دون تأثير وال‪ ‬مكانة اجتماعية‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬تراتبية الوسطاء وتشكل نخب القرب‬


‫ترتكز العالقات الزبونية بالنسبة إلى النخبة المحلية على استراتيجية االختراق الدائم‬
‫والتوغل إلى عمق الوحدات االجتماعية التي تشكل القاعدة المؤمنة للوجاهة‪ .‬وتقوم لعبة‬
‫االخـتــراق تلك كما بينّاها سابق ًا‪ ،‬على محاولة كسب أشــد الوسطاء تأثير ًا وإقـنــاعـ ًا للقاعدة‬
‫االجتماعية المحلية‪ ،‬والذين يشكلون قنوات وسيطة )‪.(Broker Channels‬‬
‫‪147‬‬ ‫ينوبزلا تاقالعلاو ةيلحملا بخنلا ‪ /‬ينغلا‪ ‬دبع قيفش‬

‫هـكــذا يسعى العين المحلي بــدايــة إلــى كسب رؤســاء العشائر والـعــائــات األكـثــر امـتــداد ًا‬
‫ونفوذ ًا على المستوى المحلي‪ ،‬وقد يحتاج في ذلك إلى خدمات وسطاء متعددين يتدرجون‬
‫ضمن هرم تسلسلي‪ ،‬كما يوضحه الشكل الرقم (‪:)1‬‬
‫الشكل الرقم (‪)1‬‬
‫الهرم التسلسلي للوسطاء‬

‫نــرى كيف يعمل الشخص الــوجـيــه (الـبــاطــرون) على توظيف عــاقــاتــه‪ ،‬للنفاذ إلــى عمق‬
‫الوحدات االجتماعية‪ .‬فكلما استحال تواصل القطب مع الزبناء كلما حرص على حشد وكالء‬
‫)‪ (Agents‬للمهمة تلك‪.‬‬
‫ففي الخطوة األولى‪ ،‬يعتمد وسطاء يتوفرون على معارف (مفاتيح) وعالقات اجتماعية‬
‫واسـعــة‪ .‬يمكن أن نطلق على هــؤالء صفة الــوسـطــاء مــن الــدرجــة الثانية )‪.(Second Broker‬‬
‫لكن دور هــؤالء يتحدد فــي كثير مــن األح ـيــان‪ ،‬فــي البحث عــن وسـطــاء ملتحمين بالقواعد‬
‫االجـتـمــاعـيــة (ال ـعــامــة)‪ ،‬خــاصــة لـمــا يـتـعــذر عليهم اخ ـتــراق تـلــك الـقــواعــد وكـســب ثـقـتـهــا‪ .‬هكذا‬
‫تصبح أدواره ــم رهينة بعالقتهم بــالــوسـطــاء مــن الــدرجــة األول ــى‪ .‬فــي مقابل ذلــك‪ ،‬تعد هذه‬
‫الفئة األخيرة أكثر أهمية بالنسبة إلى السكان‪ ،‬كونها المؤمنة النتقال الموارد المتوفرة لدى‬
‫الوجيه‪/‬القطب إليهم‪ ،‬ونقل طلباتهم إلى الوجيه‪/‬القطب‪.‬‬
‫تسهم هذه العملية في خلق تراتبية داخل المجتمع‪ ،‬وتؤدي بالتالي إلى خلق سلسلة من‬
‫النخب الوسيطة )‪ (Elites Intermédiaires‬أو نخب القرب )‪ ،(Elites de Proximités‬تختلف‬
‫مواقعها تبع ًا لألدوار والمهام التي تؤديها‪.‬‬
‫إن الفرق بين القطب األكبر‪/‬الشخص ذو الوجاهة )‪ (High Patron‬والوسطاء باعتبارهم‬
‫أقطاب ًا في عالقتهم بالقواعد (عامة السكان)‪ ،‬هو أن األول يتوفر على موارد مادية أو رمزية‬
‫قابلة للتبادل(ذات قيمة في سوق التبادالت)‪ ،‬بينما تفتقر األطراف الثانية (أي الوسطاء من‬
‫الــدرجــة األولــى والثانية) لهذه الـمــوارد‪ .‬فمهمة هــؤالء ال‪ ‬تعدو أن تكون تصريف ًا ونق ًال لتلك‬
‫الموارد بين األطراف الرئيسية في اللعبة (وجهاء‪ - ‬زبناء)‪.‬‬
‫إضـافـات ‪ /‬العدد ‪ ،35‬صيف ‪2016‬‬ ‫‪148‬‬

‫وبالعودة إلى الوسطاء من الدرجة األولى والذين يمثلون نخبة القرب (فاعلين حزبيين‪،‬‬
‫جمعويين‪ ،‬فاعلين نقابيين‪ ،)...‬فــإن عملهم يقوم على استراتيجية اختراق أصغر الوحدات‬
‫االجتماعية‪ .‬إنهم يحرصون على كسب من هم أكثر فعالية داخل الوحدة أو التنظيم‪ ...‬فكلما‬
‫تمكن مــن كسب الفاعل المؤثر استطاع أن يكسب الجماعة (إقـنــاع رب األســرة بالتصويت‬
‫في االنتخابات المحلية لمصلحة فرد معين أو تيسير والء األســرة جميعها لنفس الشخص‪...‬‬
‫ضمان أصوات زعماء قبائل معينة يعد مكسب ًا ومدخـ ًال الستقطاب معظم األفراد إن لم يكن‬
‫جـمـيـعـهــم‪ .)...‬هـكــذا‪ ،‬فالوسيط ال‪ ‬يتمكن مــن الـتــواصــل مــع جــل أفــراد المجموعة األســريــة أو‬
‫العشائرية محلي ًا ما دام األمر صعب التحقق‪ ،‬بل يسعى جاهد ًا إلى كسب كل من لهم تأثير‬
‫ويمارسون إكراه ًا على جماعاتهم‪ ،‬فيتحول هؤالء بدورهم إلى وسطاء‪.‬‬
‫هــذه االستراتيجية تجعل الوسطاء أكثر قــدرة على تدبير الـمــوارد المقدمة لهم كذلك‪،‬‬
‫وتــوزيـعـهــا بكيفية تضمن لهم تأمين مصالحهم أو ًال‪ .‬فقد يـكــون مــن بــاب المستحيل تأمين‬
‫حاجات جل أفــراد المجتمع المحلي من قبل الوجيه (الـبــاطــرون) أو الوسيط (مــن الصعب‬
‫مثـ ًال على الوجيه تقديم رشا لجميع مكونات المجتمع المحلي للتصويت لمصلحته‪ ،)...‬لذلك‬
‫فــإن اللعبة هنا تقوم على تحقيق مطالب وحاجات األشخاص المؤثرين الذين ال‪ ‬يوظفون‬
‫سوى عالقاتهم القرابية أو العشائرية في بعض األحيان إلقناع العامة‪ .‬وبالتالي فإننا ال‪ ‬نجد‬
‫من ضمن المستفيدين من المزايا إال الزبناء األكثر قــدرة على حشد العامة دون أن يكون‬
‫ذلك مشروط ًا بتقديم مزايا لها (للعامة)‪.‬‬
‫وإذا ما تعذر األمر وبرز أفراد رافضين لذلك (وهو أمر كثير ًا ما يواجهه الوسيط)‪ ،‬فإن‬
‫الشخص الــوسـيــط يضطر إلــى الـتـفــاوض معهم مــن أجــل احـتــوائـهــم‪ ،‬إذ كلما وســع مــن دائــرة‬
‫التفاوض ووســع مـجــاالت استقطابه‪ ،‬كلما كــان أكثر قــدرة على التفاوض مــع الوجيه وقـ ّوى‬
‫بالتالي من موقعه ضمن الفاعلين في العملية التبادلية‪ .‬فقد يتيح احتواء األطراف الرافضة‬
‫إمـكــان تسخيرها فــي مرحلة الحـقــة‪ ،‬إلقـنــاع أطــراف وقــواعــد واسـعــة واستقطابها‪ .‬بناء عليه‪،‬‬
‫تتوزع المزايا والمصالح تبع ًا لهذه التراتبية في األدوار‪ ،‬بكيفية تجعل العالقات الزبونية أكثر‬
‫تشعب ًا وأكثر ارتباط ًا بوضعيات استراتيجية مختلفة‪.‬‬
‫وإذا كان القطب يحرص في بادئ األمر على التقرب من وسطاء أو من بعض الفاعلين‬
‫الذين يتسمون بالمصداقية والثقة في صفوف قواعدهم‪ ،‬ساعي ًا من وراء ذلــك إلــى تلميع‬
‫صورته وتوسيع شهرته من خاللهم‪ ،‬فإنه ال‪ ‬يقتصر على ذلك فحسب‪ .‬إنه كثير ًا ما يلجأ إلى‬
‫وسطاء من ذوي السوابق أو من المرفوضين اجتماعي ًا‪ ،‬كما يفعل العديد منهم محلي ًا وذلك‬
‫للترهيب بد ًال من الترغيب‪.‬‬
‫لـقــد أبــرزنــا أهـمـيــة الــوســاطــة فــي اخ ـتــراق الــوجـيــه‪/‬الـبــاطــرون (الـعـيــن الـمـحـلــي) للقاعدة‬
‫االجـتـمــاعـيــة الـمـحـلـيــة‪ .‬لـكــن فــي كـثـيــر مــن ال ـحــاالت تنتفي الــوســاطــة بـيــن الـعـيــن كـقـطــب ومــا‬
‫بين العامة كمجموعة زبناء‪ ،‬فيتحول الوجيه مسبغ النعمة إلى فاعل يــؤدي األدوار مجتمعة‬
‫لمصلحته الخاصة‪ .‬فقد يقوم بنهج استراتيجية استباقية يسعى بموجبها للتقرب من القواعد‬
‫وكسب أهم األفراد المشكلين لتلك الوحدات‪ ،‬من خالل مساعدات مختلفة (زكاوات وأعشار‪،‬‬
‫‪149‬‬ ‫ينوبزلا تاقالعلاو ةيلحملا بخنلا ‪ /‬ينغلا‪ ‬دبع قيفش‬

‫خدمات مجانية‪ ،‬مساعدات في أفراح‪ ،‬تضامن في بعض فترات الحزن‪ ،‬تسهيل الولوج إلى‬
‫خــدمــات‪ ،‬التقرب مــن السكان وزيــارتـهــم فــي مناسبات‪ ،‬تسديد ديــون فــي ذمــة بعض األســر‪،‬‬
‫توفير سرير ألحد المرضى بالمستشفى‪ ...‬إلخ)‪.‬‬
‫هذه األدوار التي يقوم بها هؤالء الوجهاء والمزايا التي يقدمونها‪ ،‬كما تبين العديد من‬
‫الوقائع عبر التراب المغربي‪ ،‬تشكل قنوات اتصال شخصية يفتحها العين المحلي ويسعى‬
‫إلى استثمارها‪ ،‬خاصة في فترات التنافس حول المنصب السياسي‪ .‬وال‪ ‬يقتصر في ذلك على‬
‫شريحة بعينها‪ ،‬بل إنه يقدم خدماته إلى كل الذين يمكن أن يشكلوا سند ًا له وعضد ًا لمكانته‬
‫وحظوته؛ فالوالء لشخصه هو الدافع الذي يوجهه‪ .‬وهذا األمر‪ ،‬غالب ًا ما يتطلب التوفر على‬
‫مــوارد ضخمة وعلى عــاقــات نــافــذة‪ ،‬خاصة مــع الممتلكين للسلطة واإلك ــراه على المستوى‬
‫الوطني (نخب سياسية‪ ،‬مسؤولون إداريون‪ ،‬فئات نافذة في الدولة‪.)...‬‬
‫وإذا كانت المزايا المادية تشكل أهم الموارد التي يقدمها العين المحلي أو النخبة عامة‬
‫ألفراد المجتمع من الزبناء‪ ،‬فإن المزايا كثير ًا ما تتشكل من وعود‪ ،‬قد تكون صعبة التحقق‬
‫(كما يحدث فــي االنـتـخــابــات) ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن هــذه الوسيلة كثير ًا مــا تساهم فــي استقطاب‬
‫أفراد النخبة لقواعد شعبية هامة تستغلها ظرفي ًا‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬أنواع الوسطاء في العالقات الزبونية‬


‫ي ــدرأ الـفــاعــل الـنـخـبــوي كــل مـمــارســة تــؤثــر فــي عــاقـتــه ب ـقــواعــده‪ ،‬ولــذلــك تـظــل عــاقــاتــه‬
‫وتحالفاته مرنة للغاية‪ ،‬يراعى فيها كل ما يؤمن مصالحه أو يؤثر سلب ًا في تحقيقها‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫تجده يستثمر كل عالقاته الخاصة والعائلية بغية تعضيد نفوذه وهيمنته‪ .‬األمــر الــذي يسهم‬
‫في تنوع الوسطاء بينه وبين قواعده‪ ،‬فهو دائم الحرص على استعمال كل المنافذ لالقتراب‬
‫من السكان‪.‬‬
‫وحــرص ـ ًا مـنــه عـلــى الـحـفــاظ عـلــى عــاقــاتــه تـلــك وعـلــى اسـتـثـمــارهــا لتعضيد ن ـفــوذه محلي ًا‬
‫ووطني ًا‪ ،‬يتعدد الوسطاء الذين يستعملهم في تأمين اختراقه للوحدات العائلية والعشائرية‪.‬‬
‫ويمكننا وضع تصنيف ألنواع الوسطاء‪ ،‬انطالق ًا من ثالثة معايير أساسية في اشتغال العالقة‬
‫الزبونية‪:‬‬

‫‪ - 1‬المعيار القرابي‬
‫حيث يمكن التمييز في إطاره بين الوسطاء من ذوي القرابة‪ ،‬الذين ينتمون إلى الخط‬
‫النسبي نفسه للفاعل الـنـخـبــوي‪ .‬وهــم أبـنــاء عمومته وخــؤولـتــه وأقــاربــه مــن األصـهــار‪ .‬ويركز‬
‫الـفــاعــل فــي إطــار هــذا الصنف مــن الــوســاطــة على ذوي الـنـفــوذ ممن لهم قــاعــدة اجتماعية‬
‫ورأسمال مادي‪ ،‬ويكون استثمارهم أكثر جدوى بالنسبة إلى الفاعل النخبوي‪ ،‬خاصة األعيان‬
‫الجدد‪ ،‬الذين ولجوا حقل التنافس على السلطان المحلي ألول مرة‪ ،‬أو أولئك الذين يفتقدون‬
‫إضـافـات ‪ /‬العدد ‪ ،35‬صيف ‪2016‬‬ ‫‪150‬‬

‫رساميل مــاديــة ورمــزيــة تمكنهم مــن مضاهاة منافسيهم‪ .‬فالوسطاء مــن المقربين يشكلون‬
‫ركائز العين المحلي‪ ،‬وهو ما يعبر عنه العديد منهم بكلمة «هادو ركايزي»‏(((‪.‬‬

‫‪ - 2‬المعيار الجغرافي‬
‫يتم التمييز في إطاره بين الوسطاء المحليين ممن ينتمون إلى نفس الدوار أو الجماعة‬
‫القروية‪ ،‬وتكون مهمتهم تسهيل اختراق الوحدات العائلية ممن يصعب إقناعها‪ ،‬أو تلك التي‬
‫تحسب في دوائر المنافسين وقواعدهم المؤيدة‪.‬‬
‫في مقابل هذا الصنف‪ ،‬هنالك صنف ثانٍ ممن يدرجون ضمن الوسطاء غير المحليين‪.‬‬
‫وهــم مــن مـعــارف الفاعل النخبوي (العين المحلي)‪ ،‬حيث ينتشرون فــي مـجــاالت جغرافية‬
‫مختلفة‪ .‬غـيــر أن أهـمـهــم هــم أولـئــك الــذيــن ينتمون إلــى اإلقـلـيــم نفسه أو الـجـهــة الجغرافية‬
‫التي ينتمي إليها العين‪ .‬فهم أجــدر بالتوسط لــه فــي المنافسة حــول المجالس اإلقليمية أو‬
‫الجهوية أو البرلمانية‪ .‬وهنا يصبح هؤالء قنوات لتسويق قوة ونفوذ العين المحلي‪ ،‬والتشهير‬
‫لــه‪ ،‬وإع ــادة تجذير نـفــوذه وأحقيته بالزعامة وقـيــادة مجتمعه‪ .‬فهم بمنزلة قـنــوات الخـتــراق‬
‫المجال المحلي‪ ،‬وتوسيع سلطان العين وإعادة إنتاج شرعيته‪ .‬فبقدر ما يخترق نفوذه المجال‬
‫المحلي بقدر ما يزداد قوة ورسوخ ًا لدى أفراد المجتمع‪.‬‬

‫‪ - 3‬معيار الديمومة واالستمرارية‬


‫نميز في إطــاره بين وسطاء دائمين وآخرين ظرفيين أو بين وسطاء رسميين وآخرين‬
‫موسميين‪.‬‬
‫فالصنف األول هو األكثر ندرة واألقل حضور ًا‪ .‬إذ من ثوابت العالقات الزبونية ديناميتها‬
‫المستمرة‪ .‬فهي ال‪ ‬ترتكز على عالقات ثابتة وقارة بكيفية مطلقة‪ ،‬بل تخضع لتعدد الفاعلين‬
‫ولتعدد المصالح وتضاربها‪ ،‬ولنوع المزايا المتبادلة بين الفاعل النخبوي والوسطاء‪.‬‬
‫وعلى هــذا األســاس‪ ،‬فــإن أكثر الوسطاء ديمومة ووفــا ًء للعين هم األقــربــاء في النسب‪،‬‬
‫وربـمــا أولـئــك الــذيــن ينتمون إلــى الخط النسبي األول (اإلخ ــوان‪ ،‬واآلب ــاء أو أبـنــاء العمومة)‪.‬‬
‫فهؤالء هم األكثر قرب ًا والتصاق ًا بالعين‪ ،‬بالنظر إلى كون نفوذهم العائلي مرتبط ًا به أشد‬
‫االرتباط‪ ،‬حيث يمثل نفوذه نفوذ ًا لهم كذلك‪.‬‬
‫أمــا الوسطاء الظرفيون‪/‬الموسميون‪ ،‬فهم ممن تجمهعم بالعين عالقة تبادل للمصالح‬
‫في بعض فترات التنافس حول السلطان المحلي (فترات التنافس االنتخابي)‪.‬‬

‫((( هؤالء ركائزي‪.‬‬
‫‪151‬‬ ‫ينوبزلا تاقالعلاو ةيلحملا بخنلا ‪ /‬ينغلا‪ ‬دبع قيفش‬

‫خامس ًا‪ :‬استراتيجية التوافق وإعادة ترتيب‬


‫أدوار الوساطة بين أفراد النخبة المحلية‬
‫إن التحليل الــذي قدمناه حول العالقات الزبونية يشكل مستوى من مستويات اشتغال‬
‫الـنـســق‪ ،‬بـيــد أن هـنــاك ام ـت ــدادات أخ ــرى‪ .‬وإذا كـنــا قــد أظـهــرنــا أهـمـيــة الــوســاطــة فــإنـهــا تظل‬
‫حاضرة بين أفراد النخبة المحلية أنفسهم‪ ،‬حيث يمثل هذا الجانب‪ ،‬المستوى األفقي الشتغال‬
‫العالقات الزبونية‪.‬‬
‫تقوم بين بعض أفراد النخبة المحلية في المستوى األفقي‪ ،‬عالقات مصالح ذات طابع‬
‫ظــرفــي‪ .‬حيث يــؤمــن كــل منهم مــزيــد ًا مــن األتـبــاع لبعضهم بعض ًا فــي إطــار مصالح متبادلة‬
‫يـفــرضـهــا مـنـطــق ال ـصــراعــات وال ـتــواف ـقــات‪ .‬ه ـكــذا‪ ،‬يـكـشــف الـتـنــافــس الـجــامــح ح ــول الـسـلـطــان‬
‫المحلي‪ ،‬كيف يعمل بعض األف ــراد مــن األعـيــان والفاعلين السياسيين على االنـسـحــاب من‬
‫المنافسة االنتخابية البرلمانية لمصلحة فرد بعينه‪ ،‬فيحشدون أتباعهم وقواعدهم لنصرته‪.‬‬
‫بــل إنهم يشكلون فــي كثير مــن األحـيــان جبهات مــوحــدة لمقاومة نفوذ شخص آخــر أو عين‬
‫ممن يعد منافس ًا دخي ًال والذي ينعت لدى المجتمع المحلي بعبارة ّ‬
‫(البراني)‏(((‪.‬‬
‫ويـجــري الـتـبــادل فــي ح ــاالت كـهــذه‪ ،‬وفــق قــاعــدة األخ ــذ والـعـطــاء كـمــا يـحــدث فــي عالقة‬
‫القطب (الـبــاطــرون) بــالــزبـنــاء‪ .‬والـحــال أن هــذه العملية‪ ،‬كثير ًا مــا تسهل استقطاب القواعد‬
‫لمصلحة فرد بعينه‪ ،‬حيث يتكفل كل فاعل من النخبة بحشد جزء من قواعده أو جعلها كاملة‬
‫فــي خدمة طــرف بعينه مقابل امـتـيــازات‪ .‬وتتم تلك العملية مــن خــال سلسلة مــن العالقات‬
‫المزدوجة (أفقية وعمودية)‪.‬‬
‫الشكل الرقم (‪)2‬‬
‫عالقات زبونية أفقية بين أفراد النخبة المحلية‬

‫يعمل كل طرف على اختراق الوحدات الدنيا وحشد أكبر عدد من الزبناء مع إقناعهم‬
‫بضرورة الوالء لشخص ما (مثـ ًال إقناع القواعد بالتصويت لشخص معين)‪ .‬هذه العملية تحضر‬
‫بقوة‪ ،‬خاصة لما تقدم بعض الشخصيات المعروفة محلي ًا والتي تتوفر على حظوة‪ ،‬على تعبئة‬

‫البراني لدى المغاربة على الشخص الدخيل الذي ال‪ ‬ينتمي إلى نفس المجال الترابي أو‬
‫(( ( يحيل مفهوم ّ‬
‫اإلثني أو القبلي‪ .‬وتستعمل كلمة براني كمفهوم تصنيفي إلعادة إحياء االنتماء وإقصاء اآلخر الدخيل‪،‬‬
‫خاصة في لحظات التنافس حول السلطان‪ .‬فالبراني شخص غير أهل لتمثيل الجماعة أو القبيلة‪.‬‬
‫إضـافـات ‪ /‬العدد ‪ ،35‬صيف ‪2016‬‬ ‫‪152‬‬

‫عالقاتها بأفراد النخبة المحلية لحشد قواعدهم لمصلحتها في االنتخابات البرلمانية مقابل‬
‫تخلّيها عــن منافسة هــؤالء فــي االنتخابات المحلية‪ .‬فالعملية‪ ،‬وفــق ذلــك‪ ،‬تتجلى فــي إعــادة‬
‫توزيع المزايا والموارد المحلية بكيفية توافقية تؤمن للكل الحصول على غنائم‪ .‬ويمكن أن‬
‫نطلق على هــذا الحلف من الفاعلين النخبويين تكتل األقطاب‪/‬الوجهاء ‪(Monopoly of a‬‬
‫)‪ Patron‬‏((( على حد تعبير مونو )‪ ،(Wolfgang, 2010: 108‬وإن كــان هــذا المفهوم ينطبق‬
‫أكثر وأكثر على األقطاب بالمركز (النخب الوطنية)‪.‬‬

‫سادس ًا‪ :‬النخبة كوسيط في العالقة الزبونية‬


‫بين المركزي والمحلي‪ :‬عملية قلب األدوار‬
‫تلعب الــرســامـيــل الـمــاديــة والــرمــزيــة دور ًا مـحــوريـ ًا فــي جـعــل الـشـخــص وجـيـهـ ًا (بــاطــرونـ ًا)‬
‫أو حتى وسيط ًا في العالقات الزبونية‪ .‬لكن العالقة كثير ًا ما تتغير قوانينها بتغير المواقع‬
‫واألدوار‪ .‬يمكن فــي هــذا الـصــدد‪ ،‬أن نجد عين ًا محلي ًا أو فــاع ـ ًا سياسي ًا يلعب أدوار ًا شتى‬
‫فــي هــذه العملية‪ .‬إذ يــؤدي وظيفة الوجيه صاحب الـمــوارد ولكن فــي اآلن نفسه‪ ،‬يظل ً‬
‫مهيأ‬
‫لتأدية دور الوسيط إذا اقتضى األمر ذلك‪ .‬فهو يظل قطب ًا محوري ًا وركيزة وسند ًا للعديد من‬
‫األسر‪ ،‬من خالل مساعدتها وتأمين بعض حاجاتها‪ ،‬وذلك بتقديم خدمات مادية لها (سلف‬
‫مــادي‪ ،‬تقديم أدوات وآليات فالحية‪ ،‬مبيدات‪ ،‬أسمدة‪ ،‬المساعدة في الـحــرث‪ )...‬أو معنوية‬
‫(حمايتها من شطط بعض أفــراد السلطة‪/‬المخزن‪ ،‬أو من شطط عين محلي آخر‪ ،‬أو تقديم‬
‫خدمات لبعض األسر كالتوسط ألبنائها للحصول على شغل أو منحة جامعية‪ )...‬كل ذلك سعي ًا‬
‫إلى ضمان والئها وتبعيتها له‪ .‬لكن العين نفسه (كوجيه‪/‬قطب) يظل قابـ ًال ألن يكون زبون ًا‬
‫ألحد أفــراد النخبة الوطنية أو حتى المحلية‪ ،‬فيجعل من قاعدته رأسما ًال رمزي ًا يقايض بها‬
‫شخصيات وفاعلين في أعلى الهرم الدولتي‪ ،‬مقابل حصوله على مزايا (صفقات‪ ،‬التزكية‬
‫الحزبية‪ ،‬تسهيل الحصول على معلومات‪ ،‬قضاء أغــراض شخصية‪ .)...‬وبهذه الكيفية يتحول‬
‫إلــى وسـيــط‪ ،‬وهــو أمــر يــزكــي نـفــوذه ويــوسـعــه‪ .‬فبموجب ثقافة األعـيــان «الـتــي تمثل سمة من‬
‫سمات الثقافة السياسية المعممة‪ ،‬يصير أحــد األعـيــان شيخ ًا فــي مجاله حــال حصوله على‬
‫موافقة األشياخ األعلين بعد المخالطة المواظبة وتبادل األفضال وعالمات الخدمة المخلصة‬
‫الوفية‪ .‬إنه المسلك اإلجباري‪ ،‬مع ما يصاحبه من اإلظهار الضروري ألشكال طقوس الخضوع‬
‫والهيمنة»‪( .‬حمودي‪.)175 :2004 ،‬‬
‫إن ثنائيتي الخضوع والهيمنة اللتين تطبعان اشتغال العالقة بين الشيخ والمريد في‬
‫الحقل الصوفي وترسخها تمثالن ركيزتين الشتغال العالقات الزبونية بين أفراد النخبة‪ ،‬مما‬

‫((( يتحدث مونو عن تكتل األقطاب عندما يتعلق األمــر بشبكات زبونية ترعى مصالح أوليغارشية من‬
‫ذوي النفوذ معينة‪ ،‬لكن يمكن أن نستعمل هــذا المفهوم لتوصيف تكتل األعيان أو النخب المحلية‬
‫الذي يوطد العالقات الزبونية والمصالح الخاصة داخل مجال محلي‪.‬‬
‫‪153‬‬ ‫ينوبزلا تاقالعلاو ةيلحملا بخنلا ‪ /‬ينغلا‪ ‬دبع قيفش‬

‫يسهم فــي قلب األدوار بكيفية دائـمــة‪ ،‬ويجعل مــن الزبونية‪ ،‬وفــق ذلــك‪ ،‬عــاقــات تشتغل في‬
‫اتجاهات شتى وتخترق مجاالت جغرافية عدة‪ ،‬كما يظهر من خالل الشكل الرقم (‪:)3‬‬

‫الشكل الرقم (‪)3‬‬


‫خريطة تظهر مجاالت اشتغال العالقات الزبونية والفاعلين فيها‬

‫إذا كــانــت هــذه الـخــدمــة تـحــول الــوجـيــه إلــى زب ــون أو وسـيــط فــي كـثـيــر مــن األح ـيــان‪،‬‬
‫فإنها بالمقابل تؤمن لــه نـفــوذ ًا أوســع‪ ،‬وتحمي مصالحه‪ ،‬كما تعمل على تحصين وتقوية‬
‫امـتـيــازاتــه االقـتـصــاديــة والـسـيــاسـيــة‪ .‬وال‪ ‬تـعـنــي هــذه الـعــاقــة بــأي حــال مــن األح ــوال تبعية‬
‫النخبة المحلية للنخبة الوطنية بشكل مطلق وبدون جــزاءات‪ ،‬كما حاولت أن تظهر ذلك‬
‫بـعــض ال ــدراس ــات )‪ .(Levau, 2011‬بــل إن ـهــا تـعـمــل فــي إط ــار مــن ال ـتــواف ـقــات والـمـصــالــح‬
‫الـمـعـلـنــة والـخـفـيــة الـتــي بــانـتـفــائـهــا تـنـحــل تـلــك الـعــاقــة الـتـبــادلـيــة‪ ،‬وقــد تـتـحــول إلــى منافسة‬
‫وتعبئة ضد حلفاء األمس‪.‬‬
‫تـصـبــح الـعــاقــات الــزبــونـيــة وفــق ذلــك عــاقــات أكـثــر تــركـيـبـ ًا وتـعـقـيــد ًا‪ ،‬حـيــث يـتـعــدد فيها‬
‫الـفــاعـلــون وتـتـنــوع قـنــوات االتـصــال والـتـبــادل فــي اتـجــاهــات شـتــى‪ ،‬وتـخـتــرق الـعــاقــات بذلك‬
‫الفضاء المحلي موسعة من نفوذ الفاعل النخبوي المحلي‪ ،‬وفاتحة أمامه رهــانــات جديدة‬
‫تشكل مجا ًال الحتدام التنافس‪ .‬ولعل هذا ما يجعل من دراســة العالقات الزبونية‪ ،‬ليس في‬
‫إضـافـات ‪ /‬العدد ‪ ،35‬صيف ‪2016‬‬ ‫‪154‬‬

‫المغرب فحسب‪ ،‬بل بالوطن العربي بشكل عام‪ ،‬أمر ًا صعب ًا وأكثر تعقيد ًا كما يقر بذلك جون‬
‫ليكا وإيف شمييل )‪ Leca et Schemeil, 1983: 457‬‏((((‪.‬‬
‫يمكن أن نعثر فــي فـضــاء محلي ضـيــق (دور ًا مـث ـ ًا) عـلــى نـمــاذج شـتــى لشبكات زبونية‬
‫متضاربة المصالح‪ .‬لكن التنافس والصراع حول المصالح يبقى مرن ًا‪ ،‬وقابـ ًال إلعادة التشكيل‬
‫وفق قوانين السوق (منطق اللعب) ومصالح األفراد والجماعات المنخرطة في اللعبة‪.‬‬
‫يمكن لوسيط في هذا السياق أن يــؤدي أدوار ًا مختلفة ومتضاربة في اآلن ذاتــه‪ ،‬حيث‬
‫يصبح الحقل السياسي واالجـتـمــاعــي مجالين لتعدد االنـتـمــاءات وتناقض ال ــوالءات‪ ،‬بكيفية‬
‫تسمح للفاعل نفسه فــي الــوســاطــة أن ينتقل بين شبكات زبونية متضاربة المصالح‪ ،‬إذا ما‬
‫كان األمــر يؤمن مصالحه الخاصة‪ .‬إن األمــر يتعلق هنا بقلب األدوار بكيفية دائمة ومعقدة‬
‫في اآلن نفسه‪ .‬فالمصالح والرهانات هي الحافز )‪ (Motivation‬الذي يوجه سلوك الفاعل‬
‫كـطــرف فــي هــذه الـعــاقــة‪ ،‬فحيثما تـتـنــاقــص ال ـمــوارد وتـشــح تـبــرز مـمــارســات تـغــذيـهــا سياسة‬
‫الدسائس والتغير الفجائي لألدوار‪.‬‬
‫تـنــدرج الـعــاقــة الــزبــونـيــة فــي هــذا الـصــدد ضـمــن دائ ــرة أوس ــع مــن الـخـيــارات الـتـنــاوبـيــة‪،‬‬
‫وال‪ ‬تتخذ بأي حال من األحوال اتجاه ًا واحد ًا‪ .‬يخضع هذا األمر لطبيعة األهداف والمصالح‬
‫الـتــي يسعى كــل طــرف لتحقيقها‪ .‬كـمــا يـتــوقــف عـلــى طبيعة األف ــراد الــذيــن يــدخـلــون فــي تلك‬
‫العالقات‪ ،‬باإلضافة إلى مدى اقتصار تلك المصالح على فرد أو ارتباطها بمصالح مجموعة‬
‫اجتماعية معينة‪ .‬وتخترق العالقات الزبونية في كثير من الحاالت مستوى اإلطــار الترابي‬
‫المحلي إلى مجال أوسع (اإلقليم‪ ،‬الجهة‪ ،‬مجموع التراب الوطني) إن هذه الخصوصية هي‬
‫ما يجعل من هذا النسق العالئقي نسق ًا دينامي ًا وطوعي ًا كما أشرنا آنف ًا‪.‬‬

‫سابع ًا‪ :‬الخدمات المتبادلة بين الفاعل النخبوي‬


‫والسكان‪ :‬وجه آخر الستمرار العالقات الزبونية‬
‫ال يكل الفاعل النخبوي‪ ،‬خاصة العين المحلي‪ ،‬وال‪ ‬يمل من تنفيذ طلبات أبناء الــدوار‪،‬‬
‫فهو األب والمثل األعلى بالنسبة إلــى الجماعة‪ ،‬حيث يحرص على الــدوام على ترسيخ هذه‬
‫الصورة‪ .‬صورة الشخص «فكاك الوحايل» وكل من لجأ إليه إال وسمع‪( :‬مرحب ًا‪ ،‬ما يكون غير‬
‫الخير‪ ،‬غادي نفكوا المشكل‪ ،‬دابا نشوف مع واحد المسؤول كبير في الرباط‪ ،‬فكرني نشوف‬
‫مــع الـقــايــد‪ .)...‬فعلى العين «أن يتضامن بــوجــه أو بــآخــر‪ ،‬مــع األقــربــاء والـجـيــران والـمـعــارف‬

‫((( يــؤكــد كــل مــن جــون ليكا وإيــف شيميل صعوبة دراســة الـعــاقــات الزبونية بالوطن الـعــربــي‪ ،‬بالنظر‬
‫إلى تداخل العالقات القرابية والعشائرية والمؤسساتية بكيفية تجعل أنساق الزبونية تشتغل عمودي ًا‬
‫وأفقي ًا‪ ،‬ما يجعل الفاعلين في تلك العالقات دائمي التغير من حيث األدوار والوظائف‪ .‬هذا باإلضافة‬
‫إلى كون تلك العالقات تقوم على تبادل مصالح ومزايا مختلفة ومتعددة‪ .‬فنجد مثـ ًال‪ ،‬بأن الفاعلين‬
‫أنفسهم يولّفون‪/‬يجمعون بين موارد عديدة قابلة للتبادل‪.‬‬
‫‪155‬‬ ‫ينوبزلا تاقالعلاو ةيلحملا بخنلا ‪ /‬ينغلا‪ ‬دبع قيفش‬

‫الذين ينتفعون جميعهم من الصلة‪ .‬في هذا النظام‪ ،‬حتى العمال المأجورون ليسوا كذلك إال‬
‫بمعروف األعيان‪ ...‬واألجر ال‪ ‬يسعف في الخروج من نظام يفرض قيده على األعيان وعلى‬
‫أولئك الذين يتولى األعيان قوتهم‪ ،‬في سياق يتذرع فيه دائم ًا بالصالت القديمة‪ .‬فاألعيان‬
‫ال‪ ‬يمكنهم أن يغيروا بصورة مباغتة عالقات تك ِّيف نفوذهم وتأثيرهم» (حمودي‪.)59 :2003 ،‬‬
‫إن ال ـفــاعــل الـنـخـبــوي (خــاصــة ال ـع ـيــن)‪ ،‬ال‪ ‬يـقـبــل كـلـمــة االسـتـحــالــة أو الــرفــض أو إظـهــار‬
‫العجز‪ ،‬يعطي االنطباع على أن كــل شــيء يتوفر على مفاتيحه‪ ،‬وهــذا أمــر يعرف العين أنه‬
‫يستثمره على المدى البعيد «وقــت الـشــدة»‪ .‬ومثلما يشكل العين رمــز سلطة وإكــراه في نظر‬
‫المجتمع المحلي فإنه يشكل الوسيط بين المخزن والسكان أيض ًا‪ ،‬أو بين المدرسة والسكان‪،‬‬
‫والمستشفى والسكان‪ ،‬حيث يقصده األفــراد من كل طــرف‪ ،‬فمنهم من يسعى إلــى الحصول‬
‫على عمل البنه‪ ،‬ومنهم من يريد الحصول على سرير لقريب له بالمستشفى‪ ،‬وبعضهم تعذر‬
‫عليه الحصول على وثيقة إداريــة يلجأ إليه‪ ،‬بل إن من الموظفين من يلجأ إليه لحل خالف‬
‫بينه وبين مديره أو رئيسه المباشر‪.‬‬
‫تتجسد فــي الـعـيــن كــل الـسـلــط حسبما يتمثله المجتمع‪ ،‬وي ـحــاول جــاهــد ًا أن يــرســخ لــدى‬
‫الجميع هذه الصورة‪ ،‬من خالل تمريرها عبر أعوانه ووسطائه‪ ،‬الذين يعطون االنطباع بأن‬
‫قوته ال‪ ‬حدود لها وثروته وخيراته ال‪ ‬تنضب‪ .‬فهو صاحب العطايا‪ ،‬هكذا يتباهى بأنه صديق‬
‫القائد‪ ،‬والوزير‪ .‬فحظوته ووجاهته متصلة بوجاهة هؤالء‪ ،‬وعبره يحضر الدولة‪/‬المخزن في‬
‫الذاكرة المحلية بما يمثله من سلطة وقوة وإكراه‪.‬‬
‫ال يمكن للعين ضمان استمراريته وبقائه خــارج هــذه األدوار‪ ،‬فهو يتواطأ في الحفاظ‬
‫عـلــى هــذه ال ـصــورة الـتـقـلـيــديــة لـلـعـيــن‪ ،‬بـمــا يمثله مــن رمــز لـلـقــوة وال ـن ـفــوذ‪ ،‬ويـبــالــغ فــي تقديم‬
‫اإلكراميات حيث تظل الهبة والعطايا سمة بارزة في سلوكه‪ ،‬إنه دائم العطاء بكيفية يتحول‬
‫منزله إلى قبلة لكل الوافدين على الــدوار‪ ،‬كما ينعت بمول «الــدار الكبيرة‪/‬أخام أمقران»‏(((‪،‬‬
‫وال‪ ‬يرضيه أن ينافسه في ذلك منافس‪ .‬فالكرم خاصيته‪ ،‬لذلك يحرص دومـ ًا على استقبال‬
‫الـ ــزوار‪ ،‬خــاصــة إن كــانــوا مــن أجـهــزة الــدولــة‪ ،‬ســاعـيـ ًا مــن وراء ذلــك إلــى إرضــائـهــم وإعـطــاء‬
‫االنطباع أنه خادم المخزن وركيزة يعتمد عليها‪ .‬هكذا تجد كل أفراد السلطة المحلية (القائد‪،‬‬
‫الشيخ‪ ،‬المقدم‪ ،‬اإلداريين) يقصدونه‪ .‬لكنه يعرف أن كل ذلك لن يذهب سدى‪ .‬وفضـ ًال عن‬
‫ذلك فهو ال‪ ‬يتراخى في مساعدة الساكنة في لحظات الشدة (يتكلف بالجنائز ويقدم الهدايا‬
‫تهرب‪ ،‬فحتى الزكاة واألعشار يستثمرها كعطية لتحقيق‬ ‫في األفراح‪ ،)...‬وال‪ ‬يظهر أي بخل أو ُّ‬
‫هدف خفي‪.‬‬
‫حتى األعيان من الجيل الجديد‪ ،‬يعملون جاهدين على احترام طقوس المرور واالنتماء‪،‬‬
‫لذلك تجدهم حرصاء على تتبع خطى سابقيهم‪ ،‬فال وجــود للعين قبـ ًال إن لم يتشبث بهذه‬
‫الخصال‪ ،‬فهي مواصفات اجتماعية تضفي على النفوذ والحظوة طابع المشروعية وتعترف‬

‫((( عبارة أمازيغية تدل على الخيمة الكبيرة‪/‬الدار الكبيرة‪ ،‬وهي كذلك تعبير عن الكرم والعطاء والسخاء‬
‫وحسن الضيافة‪.‬‬
‫إضـافـات ‪ /‬العدد ‪ ،35‬صيف ‪2016‬‬ ‫‪156‬‬

‫بالشخص كعين‪ .‬فاالنتماء إلى مصاف النخبة يستلزم درجة من التميز‪ ،‬ال‪ ‬تدركه العامة إال‬
‫في الهبات والعطايا‪ ،‬حيث لن يضمن الفرد استقطاب األتباع إال بحضور هذه المظاهر‪.‬‬

‫خـاتمة‬
‫من حصاد ما سبق‪ ،‬يتضح أن العالقات الزبونية تشتغل على أكثر من واجـهــة‪ ،‬وتشكل‬
‫بذلك أحد المشارب التي ترتوي منها العالقات االجتماعية‪ .‬كما تسهم في إعادة رسم معالم‬
‫العالقات والتحالفات الخاصة بأفراد النخبة المحلية‪.‬‬
‫إن ال ـت ـن ــاف ــس حـ ــول ال ـن ـف ــوذ ال ـس ـي ــاس ــي‪ ،‬ي ــدف ــع أف ـ ــراد ال ـن ـخ ـبــة إلـ ــى ت ــوس ـي ــع ش ـب ـكــات‬
‫التحالفات‪ ،‬متجاوزين بذلك المجال الجغرافي المحلي‪ .‬فكلما اتسعت شبكات الزبونية‬
‫ل ــدى ال ـفــاعــل ال ـس ـيــاســي ال ـم ـح ـلــي‪ ،‬كـلـمــا وت ـم ـكــن مــن ال ـح ـفــاظ ع ـلــى مــوق ـعــه ض ـمــن دائ ــرة‬
‫الـفـئــات الـقـيــاديــة‪ ،‬بــل كـثـيــر ًا مــا يــؤدي االسـتـثـمــار الـجـيــد لـمـثــل تـلــك الـعــاقــات إلــى صـعــود‬
‫بـعــض األف ــراد فــي سـلــم ال ـهــرم االجـتـمــاعــي‪ ،‬وتـمـكـنـهــم مــن اخ ـتــراق دوائ ــر ال ـقــرار جـهــويـ ًا‬
‫ووطـنـيـ ًا‪ ،‬مـمــا يسهم فــي تشكل تــراتـبـيــة داخــل دوائــر الـنـخـبــة المحلية نـفـسـهــا‪ ،‬ويـقــوي من‬
‫أدوار الوساطة‪.‬‬
‫وهنا ال‪ ‬بد من أن نسجل اختالفنا مع مالحظة أبداها علي السدجاري في إحدى مقاالته‬
‫)‪ Sedjari, 2002: 97‑99‬‏((((‪ ،‬بخصوص غـيــاب الــوســاطــة أو نخب الــوســاطــة إن صــح الـقــول‪،‬‬
‫داخــل المجتمع المغربي‪ .‬إننا نعتقد أن هــذه النخب قد ظلت ومــا تــزال تقوم بــأدوار‪ ،‬لكنها‬
‫تغ ِّلب مصالحها الخاصة‪ ،‬كما أن عملها يظل ظرفي ًا‪ ،‬تتحكم فيه رهــانــات ومصالح لحظية‪.‬‬
‫فهي تـبــدو أكـثــر فعالية فــي «فـتــرات الجني‪/‬فترة االنـتـخــابــات مـثـ ًا»‪ ،‬لكن هــذا ال‪ ‬يعني أنها‬
‫غائبة عن قواعد اللعبة وعن شبكات الزبونية‪.‬‬
‫بـقــدر مــا تلعب الــزبــونـيــة دور ًا فــي تـحــديــد شبكة الـتـحــالـفــات وتــذكــي االصـطـفــافــات بين‬
‫تكتالت محلية‪ ،‬جهوية ووطنية‪ ،‬فإنها تساهم في تأجيج الصراعات وسياسة الدسائس بين‬
‫مختلف الفاعلين المتنافسين حول السلطان السياسي‪ .‬مما يجعل السلوك السياسي للفاعل‬
‫المحلي سـلــوكـ ًا مــر ّكـبـ ًا‪ ،‬يمتح مــن مـمــارســات تقليدية تغذيها الـعــاقــات الـقــرابـيــة والعشائرية‬
‫والقبلية‪ ،‬وتحضر فيها الزبونية والــريــع كوسائل وآلـيــات تحكّم‪ ،‬تــؤثــر فــي عمل المؤسسات‬
‫العصرية الطابع (أحزاب‪ ،‬إدارات‪ ،‬جمعيات‪.)...‬‬

‫((( ي ــرى ال ـبــاحــث ال ـســدجــاري أن ال ـم ـغــرب ي ـعــرف غ ـيــاب نـخـبــة الــوســاطــة‪ .‬ف ــإذا كــانــت الـنـخــب مـتـعــددة‬
‫ومفرقة‪ ،‬فليس لكونها منفصلة عن السكان فقط‪ ،‬بل أيض ًا لكونها منفصلة عن الطبقات الوسطى‬
‫مــن المجتمع‪ .‬ويعتقد الـبــاحــث نفسه أن مــن المهم إعــادة االعـتـبــار لنخب الــوســاطــة‪ .‬لكننا نــرى أن‬
‫هــذه النخب في تقديرنا ليست غائبة‪ ،‬بل مأزقها هو أنها تغلب مصالحها الفردية‪ ،‬فما يميزها هو‬
‫الطابع النفعي الظرفي‪ ،‬لذلك فهي تنشط في لحظات يكثر فيها الطلب عليها‪ .‬نرى مثـ ًال كيف يعمل‬
‫الفاعلون الجمعويون والنقابيون والحزبيون على تقديم خدماتهم لبعض أفراد النخبة الوطنية‪ ،‬أو‬
‫بعض األعيان المحليين في فترات االنتخابات‪ ...‬فالكل يتحول إلى وسيط‪.‬‬
157 ‫دبع قيفش‬ ‫ ينغلا‬/ ‫ينوبزلا تاقالعلاو ةيلحملا بخنلا‬

‫المراجع‬
‫بن‬ ‫ مركز طارق‬:‫ الرباط‬.‫ السلوك االجتماعي والسياسي للنخب المحلية‬.)2002( ‫ حماني‬،‫أقفلي‬
.‫زياد‬
‫ في التاريخ االجتماعي والسياسي للزاوية‬..‫ الزاوية بين القبيلة والدولة‬.)2015( ‫ محمد‬،‫جحاح‬
.‫ أفريقيا الشرق‬:‫ الدار البيضاء‬.‫الخمليشية بالريف‬
.‫ دار األمان‬:‫ الرباط‬.‫ مراجعات ومقاربات‬:‫ بؤس التاريخ‬.)2015( ‫ محمد‬،‫حبيدة‬
‫ النسق الثقافي للسلطة فــي المجتمعات العربية‬:‫) الشيخ والـمــريــد‬2003( ‫الـلــه‬ ‫ عـبــد‬،‫ح ـمــودي‬
.‫ منشورات دار توبقال‬:‫ الرباط‬.3 ‫ ط‬.‫المجيد جحفة‬ ‫ ترجمة عبد‬.‫الحديثة‬
‫ سياسية‬- ‫ قراءة اجتماعية‬:‫ الزبونية السياسية في المجتمع العربي‬.)2006( ‫ حافظ‬،‫عبد الرحيم‬
‫ (سلسلة أطروحات‬.‫ مركز دراســات الوحدة العربية‬:‫ بيروت‬.‫في تجربة البناء الوطني بتونس‬
)59 ‫الدكتوراه؛‬
:‫ الــربــاط‬.‫بن الـشـيــخ‬ ‫ ترجمة محمد‬.‫ الفالح المغربي المدافع عن الـعــرش‬.)2011( ‫ ريـمــي‬،‫لــوفــو‬
.‫منشورات وجهة نظر‬
:‫ الرباط‬.‫ تطور البنيات االجتماعية شمال المغرب‬:‫ القبيلة والسلطة‬.)1988( ‫ الهراس‬،‫المختار‬
.‫المركز الوطني لتنسيق وتخطيط البحث العلمي والتقني‬
‫الغني‬ ‫ ترجمة عبد‬.‫ الملكية والنخبة السياسية المغربية‬:‫ أمير المؤمنين‬.)2004( ‫ جون‬،‫واتربوري‬
.‫ مؤسسة دار الغني‬:‫ الرباط‬.‫األحد السبتي وعبد اللطيف القلق‬ ‫ عبد‬،‫العزم‬ ‫أبو‬
Bourdieu, Pierre (1999). «L’Echange différé crée la stratégie.» dans: Jean Etienne et Henri
Mendras. Les Grands Thèmes de la sociologie. Paris: Armond Colin.
Leca, Jean et Yves Schemeil (1983). «Clientélisme et Patrimonialisme dans le Monde Arabe.»
International Political Science Review: vol. 4, no. 4, October.
Levau, Rémy (1976). Le Fellah Marocain défenseur du trône. Paris: Presses de la fondation
Nationale des sciences politiques (Coll. no. 203)
Mauss, Marcel (1983). Sociologie et Anthropologie. Paris: Ed. Presses universitaires de
France.
Médard, Jean François (1976). «Le Rapport de clientèle: Du phénomène social à l’analyse
politique.» Revue Français des Sciences Politiques: février.
Sedjari, Ali (2002). «Figure moderne de l’elite marocaine.» dans: Ali Sedjari. Elites,
Gouvernance et gestion du changement. Paris: L’Harmattan.
Waterbury John (1999). «La Notion de la clientèle.» dans: Jean Etienne et Henri Mendras.
Les Grands Thèmes de la sociologie. Paris: Armond Colin.
Wolfgang, Muno (2010). «Conceptualizing and Measuring Clientelism.» Paper presented
at: The workshop: «Neopatrimonialism in Various World Regions, 23 August, GIGA,
German Institute of Global and Area Studies - Hamburg.

You might also like