You are on page 1of 5

‫مثال‪ ،‬فدل ذلك على أ ّن القيد حيث وجد فهو مقصود‪.

‬‬
‫واحلنفية ال يرون هذا‪.‬‬
‫نصت اآلية الكرمية على أ ّن كفارة اليمني اإلطعام‪ ،‬أو الكسوة‪ ،‬أو التحرير‪.‬‬
‫إىل هنا ّ‬
‫وقد اختلف العلماء يف متعلّق خطاب التكليف‪ ،‬فذهب بعض املعتزلة إىل أ ّن الواجب اجلميع‪،‬‬
‫ويسقط ابلبعض‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الواجب واحد بعينه عند هللا‪ ،‬ويتعني بفعل املكلف‪ ،‬فيختلف ابلنسبة للمكلفني‪.‬‬
‫يام ثَالثَِة أ هَايٍّم واشرتط احلنفية فيها‬ ‫ِ‬
‫وقيل غري هذا‪ ،‬واملسألة معروفة يف علم األصول‪ ،‬فَ َم ْن َملْ َِجي ْد فَص ُ‬
‫التتابع‪ ،‬وهو مذهب ابن عباس وجماهد‪ ،‬وأخرج احلاكم وابن جرير وغريهم من طريق صحيح أ ّن أيب‬
‫بن كعب كان يقرأ اآلية هكذا (ثالثة أايم متتابعات) «‪ »1‬وروي هذا أيضا عن ابن مسعود‪ ،‬وقال‬
‫سفيان‪ :‬نظرت يف مصحف الربيع فرأيت فيه‪( :‬فمن مل جيد فصيام ثالثة أايم متتابعات) ‪.‬‬
‫حيتج هبا‪ ،‬ولعلها مل تثبت عنده‪.‬‬ ‫وأما الشافعي فال يشرتط التتابع‪ ،‬ألنه يرى أن هذه قراءات شاذّة ال ّ‬
‫اح َفظُوا أ َْميانَ ُك ْم أي احفظوا أنفسكم من احلنث فيها‪ ،‬أو ال‬‫ارةُ أ َْميانِ ُك ْم إِذا َحلَ ْفتُ ْم وحنثتم‪َ .‬و ْ‬ ‫ذلِ َ‬
‫ك َك هف َ‬
‫ضةً‬ ‫تبذلوها وأقلوا من احللف‪ ،‬فإ ّن ذلك مسقط هليبتكم‪ ،‬وهو حينئذ يف معىن قوله‪َ :‬وال َجتْ َعلُوا ه‬
‫اَّللَ ُع ْر َ‬
‫ِأل َْميانِ ُك ْم [البقرة‪ ]224 :‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫قليل األالاي حافظ ليمينه ‪ ...‬إذا بدرت منه األليّة ّبرت‬
‫وقيل‪ :‬إ ّن معىن ذلك راعوها حىت ال حتنثوا فيها‪ ،‬فتلزمكم الكفارة‪.‬‬
‫اَّللُ لَ ُك ْم آايتِِه لَ َعله ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن أي مثل هذا البيان الشايف ّبني هللا لكم أحكامه‪ ،‬لتشكروه‬
‫ني ه‬ ‫َكذلِ َ‬
‫ك يُـبَِّ ُ‬
‫على ما أنعم عليكم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه احلاكم يف املستدرك على الصحيحني (‪. )539 /2‬‬

‫(‪)388/1‬‬

‫طان‬ ‫س ِم ْن َع َم ِل ال ه‬
‫ش ْي ِ‬
‫الم ِر ْج ٌ‬
‫صاب َو ْاألَ ْز ُ‬
‫ِ‬
‫اخلَ ْم ُر َوال َْم ْيس ُر َو ْاألَنْ ُ‬‫آمنُوا إِ همنَا ْ‬ ‫هِ‬
‫قال هللا تعاىل‪ :‬اي أَيُّـ َها الذ َ‬
‫ين َ‬
‫ضاء ِيف ْ‬
‫اخلَ ْم ِر‬ ‫ِ‬ ‫اجتَنِبُوهُ لَ َعله ُك ْم تُـ ْفلِ ُحو َن (‪ )90‬إِ همنا يُ ِري ُد ال ه‬
‫ش ْيطا ُن أَ ْن يُوق َع بَـ ْيـنَ ُك ُم ال َْع َ‬
‫داوةَ َوالْبَـغْ َ‬ ‫فَ ْ‬
‫صالةِ فَـ َه ْل أَنْـتُ ْم ُم ْنـتَـ ُهو َن (‪ )91‬اخلمر‪ :‬اسم ملا خامر العقل‬ ‫اَّلل َو َع ِن ال ه‬ ‫والْمي ِس ِر ويص هد ُكم عن ِذ ْك ِر هِ‬
‫َ َْ ََ ُ ْ َ ْ‬
‫خاص مبا كان من ماء العنب النيّئ الذي غلى واشتد‬ ‫وغطّاه من األشربة‪ ،‬أاي كان نوعها‪ ،‬أو هو ّ‬
‫وقذف ابلزبد‪.‬‬
‫حرمت‪ ،‬ومل يكن العرب يعرفون اخلمر يف غري املأخوذ من ماء العنب‪ ،‬فاخلمر‬
‫يرى احلنفية أ ّن اخلمر ّ‬
‫عندهم اسم هلذا النوع فقط‪ ،‬وما وجد فيه خمامرة العقل من غري هذا النوع ال يسمى مخرا‪ ،‬أل ّن اللغة‬
‫ال تثبت من طريق القياس‪ ،‬واحلرمة عندهم تتعدى إىل املسكر ألهنا معلولة ابإلسكار‪ ،‬ال ألن املسكر‬
‫مخر‪.‬‬
‫ويرى غريهم أ ّن اخلمر اسم لكل ما خامر العقل وغلبه‪ ،‬فغري ماء العنب حرام ابلنص إِ همنَا ْ‬
‫اخلَ ْم ُر‬
‫َوال َْم ْي ِس ُر إخل‪.‬‬
‫والواقع‪ :‬أنه قد وردت آاثر خمتلفة يف معاين اخلمر‪ ،‬فقد روي عن ابن عمر أنّه قال‪« :‬حرمت اخلمر‬
‫وما ابملدينة منها شيء‪. »..‬‬
‫ولقد كان ابملدينة من املسكرات نقيع التمر والبسر‪ ،‬فدل ذلك على أن ابن عمر وهو عريب ما كان‬
‫يرى أ ّن اسم اخلمر يتناول هذين ‪...‬‬
‫ويف مقابل هذا روى عكرمة عن ابن عباس قال‪ :‬نزل حترمي اخلمر وهو الفضيخ نقيع البسر‪ ،‬وهذا‬
‫يدل على أ ّن ابن عباس يرى أ ّن غري العنب يسمى مخرا‪.‬‬
‫وروى اثبت عن أنس قال‪ :‬حرمت علينا اخلمر يوم ح ّرمت وما جند مخور األعناب إال القليل‪ ،‬وعامة‬
‫مخوران البسر والتمر‪.‬‬
‫حرمت اخلمر وهي من العنب والتمر والعسل واحلنطة‬
‫وروي عنه أنّه سئل عن األشربة‪ ،‬فقال‪ّ :‬‬
‫والشعري والذرة‪ ،‬فكان عنده أ ّن ما أسكر من هذه األشربة فهو مخر‪.‬‬
‫حرمت وهي من مخسة أشياء من‪ :‬العنب والتمر والعسل واحلنطة‬
‫وروي عن عمر أنه قال‪ :‬إ ّن اخلمر ّ‬
‫والشعري‪ ،‬واخلمر ما خامر العقل‪.‬‬
‫وروي عن النيب صلّى هللا عليه وسلّم أنه قال‪« :‬إن من احلنطة مخرا‪ ،‬وإن من الشعري مخرا‪ ،‬وإن من‬
‫الزبيب مخرا‪ ،‬وإن من التمر مخرا‪ ،‬وإن من العسل مخرا» «‪. »1‬‬
‫وروي عنه صلّى هللا عليه وسلّم أنه قال‪« :‬اخلمر من هاتني الشجرتني النخلة والعنب» «‪. »2‬‬
‫ولقد أطلنا بذكر هذه اآلاثر ملعرفة منشأ اخلالف‪ ،‬واحلنفية يقولون فيما خالف‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬و (‪ )2‬سبق خترجيه‪].....[ .‬‬

‫(‪)389/1‬‬
‫مذهبهم من هذه األخبار‪ :‬إهنا لبيان احلكم الشرعي‪ ،‬واحلرمة ابلقياس لتحقيق علة احلرمة‪ ،‬وهي‬
‫اإلسكار يف القدر املسكر من هذه األشياء‪.‬‬
‫وأنت تعلم أن النزاع لو اقتصر على هذا يكون نزاعا يف التسمية‪ ،‬والكالم إمنا هو يف احلكم‪،‬‬
‫واملسلمون مجيعا حبمد هللا متفقون يف احلكم من حيث احلرمة إال شيئا يروى عن أيب حنيفة يف حل‬
‫القليل من غري األصناف األربعة‪ ،‬وهو ما مل يبلغ ح ّد اإلسكار‪ ،‬وقد نص بعض املتأخرين من احلنفية‬
‫على أ ّن هذه الرواية ال جيوز العمل هبا وال الفتوى‪ ،‬حىت يف خاصة النفس‪ ،‬وأ ّن احلكم أ ّن ما أسكر‬
‫كثريه فقليله حرام‪.‬‬
‫غري أنّه يتبع الكالم يف احلرمة كالم يف األحكام األخرى كالنجاسة واحل ّد‪ ،‬فمن يرى أ ّن هذه األشياء‬
‫مخر‪ ،‬وأهنا يشملها اسم اخلمر يقول‪ :‬إهنا جنسة بقوله تعاىل‪:‬‬
‫ِر ْج ٌ‬
‫س وأ ّن فيها احلد الذي ثبت بدليله املعروف يف الفقه‪.‬‬
‫ومن يرى أهنا حرام من طريق القياس إلسكارها‪ .‬هل يرى أ ّن النجاسة ووجوب احلد ثبت للخمر‬
‫لإلسكار وخمامرة العقل‪ ،‬فينقل احلكم‪ ،‬وهو النجاسة ووجوب احلد‪ ،‬كما نقل احلرمة ابلقياس‬
‫لإلسكار‪ ،‬أم هو يرى أ ّن الذي ثبت بعلة اإلسكار إمنا هو احلرمة فقط‪ ،‬فال يعدي النجاسة ووجوب‬
‫احلد إىل غري ماء العنب واألشربة املعدودة عنده‪.‬‬
‫وهل يورث اخلالف الذي رويناه فيما تقدم شبهة تسقط احلد؟ ذلك جيب الرجوع فيه إىل الفقه‬
‫وقواعده‪ ،‬فإ ّن ذلك ال ارتباط له ابآلية اليت معنا‪.‬‬
‫وامليسر‪ :‬أصله من تيسري أمر اجلزور ابالجتماع على القمار يف توزيعه‪ .‬وقد ّبني ذلك عند تفسري قوله‬
‫اخلَ ْم ِر َوال َْم ْي ِس ِر [البقرة‪. ]219 :‬‬
‫ك َع ِن ْ‬
‫تعاىل‪ :‬يَ ْسئَـلُونَ َ‬
‫وقد روي عن اإلمام علي أنّه الشطرنج‪.‬‬
‫وعن عثمان ومجاعة أنّه النرد‪ ،‬وقال مجاعة من أهل العلم‪ :‬القمار كله من امليسر‪ .‬ويراد منه‪ :‬متليك‬
‫املال ابملخاطرة‪ ،‬فكل خماطرة ابملال قمار‪ ،‬وهو من امليسر‪ ،‬وهو حرام‪.‬‬
‫س أي قذر تعافه العقول‪ .‬وعن الزجاج‪ :‬الرجس كل ما استقذر من عمل قبيح‪ ،‬وقد يطلق الرجس‬ ‫ِر ْج ٌ‬
‫على النجس‪.‬‬
‫اجتَنِبُوهُ أي اجتنبوا الرجس لَ َعله ُك ْم تُـ ْفلِ ُحو َن راجني الفالح‬ ‫ِمن َعم ِل ال ه ِ‬
‫ش ْيطان من تسويله وتزيينه‪ .‬فَ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫هبذا االجتناب‪.‬‬
‫ولقد شدد هللا يف اآلية الكرمية أمر اخلمر وامليسر تشديدا يصرف النفوس عنه إىل غري عود‪ ،‬فص ّدرت‬
‫اجلملة (إبمنا) وقران ابألصنام واألزالم وَها ما َها من الشناعة‪ ،‬ومسيا رجسا من عمل الشيطان‪ ،‬وذاك‬
‫غاية القبح‪ ،‬مث أمر ابجتناهبما‪ ،‬وأضاف‬
‫(‪)390/1‬‬

‫يفر منهما‪ ،‬مث جعل اجتناهبما سببا للفالح والفوز‪ ،‬فهل مع هذا‬
‫االجتناب إىل أعياهنما‪ ،‬حىت كأهنم مما ّ‬
‫كله يعود الناس إليهما‪ ،‬إن ذلك حلسرة؟! ولقد أردف هللا ذلك ببيان املضار اليت تنجم من جراء‬
‫اخلمر وامليسر‪ ،‬عسى أن يكون يف ذلك ذكرى ملن ألقى السمع فقال‪:‬‬
‫اخلَ ْم ِر َوال َْم ْي ِس ِر أي بسبب تعاطيهما‪ ،‬أما‬
‫ضاء ِيف ْ‬ ‫ِ‬ ‫إِ همنا يُ ِري ُد ال ه‬
‫ش ْيطا ُن أَ ْن يُوق َع بَـ ْيـنَ ُك ُم ال َْع َ‬
‫داوةَ َوالْبَـغْ َ‬
‫اخلمر فإهنّا تذهب العقل‪ ،‬ومىت ذهب العقل جاءت العربدة وأفعال اجملانني‪ ،‬ولو كان جمنوان لغفر‬
‫الناس له ما يكون منه من أذى‪ ،‬فيتأذى الناس منه ويبغضونه ملا يلحقهم من شره‪ ،‬وال عذر له‪،‬‬
‫فيغرس يف قلوهبم الغل والضغينة‪ ،‬وما جر عليه ذلك إال اخلمر‪ .‬وأما امليسر فإنه يف حال انشغاله‬
‫ابلقمار يكون فاقد اإلحساس والشعور‪ ،‬ال يبايل ابملال َيرج من يده إىل غري رجعة‪ ،‬طمعا يف أن ينال‬
‫أكثر منه‪ ،‬فإذا رجع خاسرا أكل قلبه احلسد‪ ،‬وامتألت نفسه حقدا وحفيظة‪ ،‬ورمبا أداه ذلك إىل قتل‬
‫من ظن أنّه سبب خسارته إن أمكنته الفرصة‪ ،‬وإن مل متكنه رجع إىل نفسه ابلقتل‪ ،‬أو ابهلم‬
‫واالكتئاب‪ ،‬وإن صادفه احلظ وكان راحبا امتأل قلب صاحبه عليه غال وضغينة‪ .‬واحلوادث منا يف‬
‫السمع والبصر كل يوم أصدق شاهد‪ .‬دع ما يتخذه كل املتقامرين من وسائل خسيسة‪ ،‬وأميان كاذبة‬
‫يستعملوهنا يف سبيل حتقيق أطماعهم‪ ،‬وكثريا ما أودت تلك الوسائل أبصحاهبا‪.‬‬
‫صالةِ بعد أن ّبني األضرار اليت تعود على املتقامرين واملخمورين يف‬ ‫ويص هد ُكم عن ِذ ْك ِر هِ‬
‫اَّلل َو َع ِن ال ه‬ ‫ََ ُ ْ َ ْ‬
‫ضاران ابلدين أيضا‪ ،‬فإهنّما مينعان من‬
‫الدنيا ّبني أ ّن ضررَها ليس قاصرا على الدنيا فقط‪ ،‬بل َها ّ‬
‫الذكر ومن الصالة‪ ،‬ومىت منعا من الذكر والصالة فقد صار الشخص فاجرا‪ ،‬ال يرقب يف هللا إال وال‬
‫ذمة‪ ،‬فهو مستهرت‪ ،‬ال يبايل ما يرتكب من اآلاثم‪ ،‬فماذا مينعه‪ ،‬وقد بعد من الصالة اليت تنهى عن‬
‫الفحشاء واملنكر‪.‬‬
‫فَـ َه ْل أَنْـتُ ْم ُم ْنـتَـ ُهو َن يف هذه اجلملة من الردع والزجر والتهديد ما بلغ الغاية‪ ،‬وأ ّن األمر من الشدة‬
‫واهلول حبيث ال مينعه إال انتظار اجلواب (انتهينا) انظر كيف قال عمر حني مسعها‪ ،‬وقد كان طلب‬
‫البيان الشايف بعد آية البقرة قولة اخلائف الوجل‪ :‬انتهينا اي رب‪ .‬ولقد سبق القول يف سورة البقرة أن‬
‫آية اخلمر [‪ ]219‬اليت فيها‪ ،‬كانت أول ما نزل يف اخلمر‪ ،‬مث نزلت آية النساء‪ ،‬مث هذه‪.‬‬
‫وأخرج الربيع أنه ملا نزلت آية البقرة قال رسول هللا صلّى هللا عليه وسلّم‪« :‬إن ربكم يقدم يف حترمي‬
‫اخلمر» مث نزلت آية النساء‪ .‬فقال النيب صلّى هللا عليه وسلّم‪« :‬إن ربكم يقدم يف حترمي اخلمر» مث‬
‫فحرمت اخلمر عند ذلك‪.‬‬
‫نزلت آية املائدة ّ‬
‫(‪)391/1‬‬

‫اح َذ ُروا فَِإ ْن تَـ َولهْيـتُ ْم فَا ْعلَ ُموا أَهمنا َعلى َر ُسولِنَا الْبَالغُ‬
‫ول َو ْ‬
‫يعوا ال هر ُس َ‬ ‫َطيعوا ه ِ‬
‫اَّللَ َوأَط ُ‬
‫ِ‬
‫قال هللا تعاىل‪َ :‬وأ ُ‬
‫ني (‪ )92‬أمر ابلطاعة يف كل ما جاء عن هللا والرسول صلّى هللا عليه وسلّم ويدخل فيه ما جاء يف‬ ‫ال ُْمبِ ُ‬
‫اخلمر وامليسر دخوال أوليا‪ ،‬وحتذير عن املخالفة‪ ،‬فإهنّا موقعة يف املهالك فَِإ ْن تَـ َولهْيـتُ ْم أعرضتم ومل‬
‫ِ‬
‫ني وقد بلّغكم فانقطعت حجتكم‪ ،‬وانسد‬ ‫تعملوا مبا أمرمت به فَا ْعلَ ُموا أَهمنا َعلى َر ُسولنَا الْبَالغُ ال ُْمبِ ُ‬
‫أمامكم سبيل االعتذار‪ ،‬ومل يعد لكم مطمع يف التعلّة‪ ،‬وإن ذلك لتهديد شديد‪.‬‬
‫آمنُوا َو َع ِملُوا‬ ‫ِ‬ ‫ات ج ِ‬ ‫قال هللا تعاىل‪ :‬لَْيس َعلَى اله ِذين آمنُوا و َع ِملُوا ال ه ِ ِ‬
‫ناح فيما طَع ُموا إِذا َما اتهـ َق ْوا َو َ‬ ‫صاحل ُ ٌ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ه ِ ِ‬
‫ني (‪ )93‬روي عن ابن عباس وجابر‬ ‫ب ال ُْم ْحسن َ‬ ‫سنُوا َو ه‬
‫اَّللُ ُحي ُّ‬ ‫آمنُوا مثُه اتهـ َق ْوا َوأ ْ‬
‫َح َ‬ ‫صاحلات مثُه اتهـ َق ْوا َو َ‬
‫حرمت اخلمر قالت‬ ‫والرباء بن عازب وأنس بن مالك وغريهم يف سبب نزول هذه اآلية‪ :‬أنه ملا ّ‬
‫الصحابة‪ :‬كيف مبن ماتوا وهم يشربوهنا؟ فأنزل هللا تعاىل هذه اآلية «‪. »1‬‬
‫وقد فهم عمر بن اخلطاب هذا املعىن من اآلية‪ .‬وقد أراد أن يقيم احلد على قدامة بن مظعون حني‬
‫شهد عليه الشهود أبنه شرهبا‪ .‬روى الزهري أن اجلارود سيد بين عبد القيس وأاب هريرة شهدا على‬
‫قدامة بن مظعون أنه شرب اخلمر‪ ،‬وأراد عمر أن جيلده‪.‬‬
‫ناح فِيما‬ ‫فقال قدامة‪ :‬ليس لك ذلك‪ ،‬ألن هللا يقول‪ :‬لَْيس َعلَى اله ِذين آمنُوا و َع ِملُوا ال ه ِ ِ‬
‫صاحلات ُج ٌ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫حرم هللا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫طَع ُموا فقال عمر‪ :‬إنك أخطأت التأويل اي قدامة‪ ،‬إذا اتقيت اجتنبت ما ّ‬
‫والطعم يطلق يف اللغة على التذوق والتلذذ مبا يؤكل ويشرب وهو هنا هبذا املعىن‪.‬‬
‫وحبسب ما ذكران من سبب النزول يكون معىن اآلية‪ :‬ليس على من آمن ابهلل واتقاه وعمل صاحلا‬
‫جناح فيما تناوله من احملرمات قبل حترميها إذا ما اتقى هللا يف حمارمه‪ ،‬وآمن به‪ ،‬وعمل صاحلا‪ ،‬مث‬
‫استمر على هذه التقوى وهذا اإلميان يف املستقبل‪ ،‬مث اتقى هللا فيما أحل له‪ ،‬وأحسن يف استعماله‪.‬‬
‫املكررين يف اآلية‪ ،‬وتعرف معىن اإلحسان الذي زيد‬
‫ومن هذا الذي قلنا تعرف معىن التقوى واإلميان ّ‬
‫املفسرون لبيان أنه ال تكرار يف اآلية‪ ،‬ولنذكر بعضا منها‪ ،‬فقد‬
‫فيها‪ ،‬وهو وجه من وجوه كثرية أوردها ّ‬
‫قال بعضهم‪ :‬إن التقوى واإلميان األولني يراد هبما حصول أصل التقوى‪ ،‬وأصل اإلميان‪ ،‬والثانيني يراد‬
‫منهما الثبات والدوام‪ ،‬والتقوى الثالثة اتقاء ظلم العباد مع ضم اإلحسان إليه‪.‬‬
‫وذهب بعضهم إىل أن التقوى األوىل تقوى احملرمات قبل نزول هذه اآلية‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر الدر املنثور يف التفسري ابملأثور للسيوطي (‪. )171 /3‬‬

You might also like