You are on page 1of 1

‫‪11‬‬ ‫‪ALMADA CULTURE‬‬

‫املدى الثقايف‬
‫تشكيل وعمارة‬
‫العدد (‪)477‬الثالثاء(‪ )30‬آب ‪2005‬‬
‫‪NO (477) Tus. (30)August‬‬

‫ملوية سامراء ومتحف كوكنهايم‪ ..‬واستلهام الرتاث يف احلداثة املعامرية‬

‫أستلهم املشرفون على مؤمتر يتعلق بالشأن العراقي يف إسبانيا رمز‬


‫ملوية سامراء له‪ ،‬وميكن أن يكون ذلك خير اختيار لرمز معماري يجدر أن‬
‫يكون شعارا وطنيا‪ ،‬فامللوية فتح معماري يستاهل تلك احلظوة التي‬
‫كانت منارة تتوج مسجد مدينة سامراء الواقعة على بعد ‪ 100‬كلم شمال‬
‫بغداد‪،‬و التي تعتبر حتى اليوم أكبر مدينة إسالمية و أكبر موقع أثري‬
‫يف العالم حيث تتربع أطاللها على بطحاء من األرض طولها ‪ 70‬كلم‬
‫بنيت على مراحل‪ .‬واملدينة الدارسة اليوم كانت قد خططت على هيئة‬
‫شريطية متتد متوازية مع سجية نهر دجلة‪ ،‬مستغلة إلتواءاته وخلجانه‬
‫لتنبير معاملها وإضفاء مسحات شاعريه عليها‪.‬‬

‫احل ــرك ــة ال ــرأسـي ــة تـتج ـس ــد فـيه مـن‬ ‫فأن معالـم العمارة ومنها امللـوية‪،‬تبقى‬ ‫طــول ــون والي الـعب ــاسيـني علــى مـصــر‬ ‫يجـب أن ي ـسـتـم ــر لـيهـب دنـي ــا املعـم ــار‬ ‫املعــاب ــد العــراقـيــة (الــزقــورات)‪ ،‬ورمبــا‬ ‫منـسجمـة وغيـر متعـارضـة مع اخلط‬ ‫د‪.‬علي ثويني‬
‫ال ـ ــداخل ولـي ــس مـن اخلـ ــارج كـمـ ــا يف‬ ‫الق ــراءة امللـمــوســة الـص ــريح ــة للـفكــر‬ ‫الـذي بناه يف مايس عام ‪265‬هـ(‪879‬م)‪.‬‬ ‫فكـرا جتديديا‪ ،‬مفتـاحه حرية الشوط‬ ‫تـك ـ ــون الـث ـ ــانـي ـ ــة أج ـ ــدر ك ـ ــون األب ـ ــراج‬ ‫األخالقــي واجل ـمـ ـ ــالــي الـ ـ ــذي رس ــمه‬
‫املل ــوي ــة‪.‬أن تـلك احل ــرك ــة االلـت ــوائـي ــة‬ ‫احملف ـ ـ ــز عل ــيهـ ـ ــا‪ ،‬وهـ ـ ــو مـ ـ ــا ميـكــن أن‬ ‫ولـم نعـد نـسـمع عـن تلك الـتجـربـة يف‬ ‫واملــدى واخليــال‪،‬يتـداعـى الــى تهــاجن‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ــزرادش ـ ـت ـ ـيـه‪،‬لـ ــم ت ـكـ ــن إال ص ـ ـ ـ ـ ــورة‬ ‫اإلسالم لـلعـم ـ ــارة والفـن والـ ــذي كـ ــان‬
‫املـ ـ ـس ـتـ ـ ـ ــرسل ـ ـ ــة ت ـنـفع يف اس ــتغـالله ـ ـ ــا‬ ‫يـتــداعــى علــى حتلـيل عـمــارة الـتــراث‪،‬‬ ‫الـع ـ ـمـ ـ ـ ـ ــارة اإلسـالم ـ ـيـ ـ ـ ـ ــة ال ش ـكـال وال‬ ‫ف ــذ مفــاده الـتك ــامل بـني (الــوظـيفـيــة‬ ‫م ـ ـس ـت ـن ـ ــسخ ـ ــة ومم ـ ــوه ـ ــة و م ــصغ ـ ــرة‬ ‫وراء انطالقته الالحقة‪.‬‬
‫ملساحات العرض الفني على احليطان‬ ‫بحـيـث يـنـ ـش ــأ الــبحــث عل ــى األس ــاس‬ ‫مـضـم ــون ــا حـت ــى وج ــدت طـ ــريقه ــا يف‬ ‫وال ــرم ــزي ــة واجلـم ــالـيـ ــة) يف العـم ــارة‪،‬‬ ‫ومتــأخ ــرة عن الــزقــورة الع ــراقي ــة‪،‬ولم‬ ‫ولل ــرم ــزي ــة هـن ــا دوره ــا يف الـتـن ـظـي ــر‬
‫املـت ـضـ ــامـ ــة الـتـي تـ ــرسـم شـكل املـعلّـم‬ ‫احملف ـ ــز والـ ـسـبـب الـك ـ ــامــن وراء كل أو‬ ‫القـ ــرن الع ـش ــريـن ال ــى االسـتـله ــام يف‬ ‫حـيـث ك ــرس جت ــري ــداً شـكلـيـ ـاً مــطلقـ ـاً‬ ‫تـ ــوج ـ ــد عل ـ ــى أرض الع ـ ــراق أصال‪ .‬وال‬ ‫اجلـ ـمـ ـ ـ ــال ــي لـلـ ـمـعـل ــم‪،‬بـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــرغ ــم م ــن‬
‫اجلــبهـ ــوي‪ .‬وقـ ــد جـ ــاء بـ ــرجـه امللـ ــوي‬ ‫تفـصيـل معمـاري تـراثـي‪ ،‬وليـس تكـرار‬ ‫عمـارة أحـد معمـاريي القـرن العشـرين‬ ‫وإنـسيــابيـة مـريحـة‪ ،‬للـعمل الـوظـيفي‬ ‫ن ـ ـس ـتــبع ـ ــد املـ ـ ــدد اإلله ـ ــامــي الف ـ ــذ يف‬ ‫اإلخـتالف الفـقهي املــذهبـي اإلسالمي‬
‫املقلــوب متـربعـا علـى قـاعـدة عــريضـة‬ ‫أشكـالهـا وإسـتنـسـاخ هـيئـاتهــا ببغـاويـا‬ ‫ال ــرواد وه ــو األمـ ــريكـي فـ ــرانك ل ــوي ــد‬ ‫للــمعلـم‪ .‬لق ــد متخـض الـته ــاجـن مـن‬ ‫حـيـثـي ــات ه ــذه ال ــشج ــون‪،‬الـتـي أوحـت‬ ‫يف مـوضوع الـرمزيـة عمومـا‪ .‬لكن جند‬ ‫سامراء هي (سر من رأى) كما وردت يف‬
‫يلج مـن خاللهــا الــى الـبهــو ال ــرحب و‬ ‫كـم ـ ــا ه ـ ــو دائ ـ ــر الـي ـ ــوم‪ ،‬مب ـ ــا ميـكـن أن‬ ‫رايـت(‪ )1959-1869‬ال ــذي يعـتـبــر رائــد‬ ‫مكــونــات اإلبــداع تـلك عـن إخـتــزالـيــة‬ ‫ملـعـ ـمـ ـ ـ ــارهـ ـ ـ ــا الـعـ ـ ـ ــراق ــي الـ ـن ـ ـصـ ـ ـ ــران ــي‬ ‫أن الـ ـ ـشـكـل احللـ ـ ــزون ــي أو اللـ ـ ــول ـبــي‬ ‫الـ ـتـ ـ ـ ـ ــراث اإلسـالم ــي‪ ،‬ل ـك ــن أظـهـ ـ ـ ـ ــرت‬
‫مـنـطقــة املـصــاعــد الـكهــربــائـيــة الـتـي‬ ‫يحـ ـ ــاكــي ص ــنع ال ـنـحل ـ ـ ــة خلاليـ ـ ــاهـ ـ ــا‬ ‫العـم ـ ــارة الع ـضـ ــويـ ــة بـ ــالـ ــرغـم مـن أن‬ ‫شكـليــة وزهــد مـعم ــاري‪،‬جعله يـتخلــى‬ ‫الـ ـنـ ـ ـ ـسـ ـ ـط ـ ـ ـ ــوري (دلـ ـيـل ب ــن يـعـق ـ ـ ـ ــوب‬ ‫(‪)Spiral‬لـلمعلم‪،‬يـوحي لـدى املنظـرين‬ ‫الــبح ـ ــوث احلف ـ ــري ـ ــة أن أســمه ـ ــا ه ـ ــذا‬
‫تـنـقل الـ ــزوار الـ ــى أعلـ ــى الـبـ ــرج لـيـتـم‬ ‫املسـدسة بدون وعي أو تـبديل أو تطور‪.‬‬ ‫س ــابـقه (ل ــويــس س ــالــيف ــان) ك ــان ق ــد‬ ‫ط ـ ـ ــوعـ ـي ـ ـ ــا ع ــن أي بـه ـ ـ ــرج زخ ـ ـ ــريف أو‬ ‫النصـراني)‪ ،‬القـادم من البيـئة والـتابع‬ ‫واجلمـاليني بتـسامي الـروح نحو امللك‬ ‫محـرف من أسـم سومـري قدمي مـوائم‬
‫هـبـ ــوطهـم عل ــى املـنح ــدر ال ــذي ي ــدور‬ ‫فـتفـكيـك آلي ــات املعلـم التــراثـي كفـيل‬ ‫تـبـن ــاهـ ــا‪ ،‬ولكـن اســمه ملع مــن خالله ــا‬ ‫مل ـم ـ ـســي أو لـ ـ ــونــي‪،‬ح ـي ـن ـمـ ـ ــا أن ــتفــت‬ ‫واملتـأثـر بهـا بصـريـا وروحيـا‪ ،‬والـراصـد‬ ‫األعـلـ ـ ـ ــى وبـ ـ ـ ــارئ األرواح‪،‬الـ ـ ـ ــواردة م ــن‬ ‫للمعنى العربي‪،‬ومازال املوقع والتخوم‬
‫حــول بــاحــة وســطي ــة يلج الـض ــوء من‬ ‫بـفهـم كـنـهه ومـبـ ــرره‪،‬وهـ ــو مـ ــا يف ـضـي‬ ‫مببـرر أميانه و إخـالصه لذلك املـشرب‬ ‫احلاجـة إليه‪،‬و سمت مقاصد املضمون‬ ‫خلـص ــوصيــاتهــا‪ ،‬ورمبــا كــان ق ــد أطلع‬ ‫املـ ـشـ ــرب (الـ ــروحـي ‪)Spiritual‬و حـتـ ــى‬ ‫حتـ ـ ـمـل الـ ـكـ ـ ـث ـ ــي ـ ـ ـ ـ ـ ــر م ـ ــن األس ـ ــم ـ ـ ـ ـ ـ ــاء‬
‫خـالل القـب ــة ال ــزج ــاجـي ــة الـتـي تـقع‬ ‫حتمـا الى مـفاهـيم تطـبيقيـة حداثـية‬ ‫املعماري‪.‬‬ ‫ال ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ــذروة بـحـ ـي ــث ل ــم تـ ـتـ ـ ـطـل ــب‬ ‫علـى آثـارهـا املــاكثــة حتـى ذلـك احلني‬ ‫املشـروب الـروحـي ( سبيـرتـو ‪ )Spirit‬يف‬ ‫اآلرامية‪،‬ومازالـت آثارها متـرعة بفنون‬
‫موقع العمامة يف مـركزه‪،‬ويطلع الزائر‬ ‫راسخـة وعاقلـة‪،‬التقتبـس إال معطـيات‬ ‫لق ــد ب ــدأ الـتـيـ ــار الع ـض ــوي بـفح ــوى‬ ‫إستـجداء تـرقيعـات شكليـة أو زخرفـية‬ ‫يف محـي ــطه الـب ـ ــابلــي‪ .‬لقـ ــد قـ ــدم مـن‬ ‫الـلغ ـ ــات الغـ ــربـيـ ــة الـ ــوارد مـن أصـ ــول‬ ‫األزمنـة الغـابرة الـباقـية شـاهدا أخـيرا‬
‫يف هبوطه البطئ على املعروضات‪.‬‬ ‫العـ ـص ـ ــر ووس ـ ــائـله مب ـ ــا ي ـث ـ ــري األداء‬ ‫اع ـت ـب ـ ــار (ال ـ ـشــكل ي ـت ــبع ال ـ ــوظ ــيف ـ ــة)‬ ‫مكـملــة ومــصلحــة لـنقـص معـني‪،‬كـمــا‬ ‫احليرة يحمل ارث الدهور الناهضة يف‬ ‫يـونـانيـة‪ .‬وكـان قـد شـاع إسـتعمـالهـا يف‬ ‫عـلـ ـ ـ ــى فـ ـنـ ـ ـ ــون الـ ـ ـ ــرافـ ـ ـ ــدي ــن الـقـ ـ ـ ــدمي‬
‫لقد صرح رايت عن مصدر الهامة هذا‬ ‫التراثي‪.‬‬ ‫والـوظـيفـة لــديهـم هي مـدى االنـتفـاع‬ ‫هي جـدليـة الشـكل واملضمـون املتـعددة‬ ‫داخـله ليـصـنع ذلك الـصــرح املعمـاري‪،‬‬ ‫الف ـنـ ـ ــون الع ـ ــراق ـيـ ـ ــة الق ـ ــدمي ـ ــة قــبل‬ ‫املـسترسلة بـسالسة يف عصور اإلسالم‪.‬‬
‫ب ــأنه م ــأخ ــوذ مـن ال ـشـكل وال ــوظـيف ــة‬ ‫وبغض النـظر عـن التداخل بـني الفكر‬ ‫مـن الفـض ــاءات املعـم ــاري ــة وه ــو ال ــذي‬ ‫التطبيقات يف مجاالت احلياة‪.‬‬ ‫الــذي احـتـضـنه اإلسالم ورعــاه وسـمـي‬ ‫اليـونـان بـدهـور‪ ..‬وقـد عـزا املـستـشـرق‬ ‫وميـكن إعـتبــارمــسجــدهــا اجلــامع هــو‬
‫الـتي رفـعت بهـا ملـويـة سـامـراء‪ ،‬ولقـد‬ ‫املـعـ ـم ـ ـ ــاري لـإلسـالم امل ـ ـ ــاض ـ ـ ــوي وب ــني‬ ‫يـوجـد الــشكل‪،‬وجنـاح الــشكل مــرتبـط‬ ‫وإذ ن ـ ـ ــرجـع األم ـ ـ ــر ب ـ ـ ــرم ـتـه ال ـ ـ ــى ذروة‬ ‫به واحتسب منه وأفتخر به‪.‬‬ ‫ومـنـظ ــر الفـن الف ــرن ـسـي‪-‬الـي ــون ــانـي‬ ‫األكبـر يف املساحة منذ إنشائه يف العام‬
‫أثــار رايـت لغـطــا وفـتح جــدال عـنــدمــا‬ ‫العـمارة العضـوية احلـداثية بكـثير من‬ ‫دائـ ـم ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ــاخل ـ ـ ـ ــدم ـ ـ ـ ــة والـ ـتـعـ ـبـ ـي ـ ـ ـ ــر‬ ‫احلــري ــة يف الفكــر الـتي وطــأهــا ع ــالم‬ ‫ويجدر القول هنا بأن اإلسالم لم يهب‬ ‫ب ــاب ــادوب ــول ــوس‪ ،‬ال ــى تـلك ال ــرم ــزي ــة‬ ‫(‪221‬هـ –‪ 836‬م)‪ ،‬واملل ــوي ــة هـي املـن ــارة‬
‫رفـضــوا تـنفـيــذ م ـش ــروعه مبـبــرر عــدم‬ ‫الــوجــوه‪ ،‬ف ــإن صفــات عـم ــارة امللــويــة‬ ‫املقـصــود‪.‬ووصل بهـم ذلك الــى اعـتبــار‬ ‫اإلسالم إب ــان الـفكـ ــر املعـت ــزلـي‪ ،‬ال ــذي‬ ‫احلظوة الصريحـة لرمزية شكل معني‬ ‫الـ ــواردة مـن (سـبّـ ــاح) العـنـب أو الـكـ ــرم‬ ‫التـي تقع يف محـور اخملـطط الــرئيـس‬
‫فهـم جلنــة بلــدي ــة نيــويــورك املـشــرفــة‬ ‫تـنطـبق علـى تلـك املبـادئ الـتي أرتـآهـا‬ ‫الـشكل والـوظيفـة شيئـا واحـداً وميكن‬ ‫شــاع قـبـيل وإبــان أيــام إن ـش ــاء امللــويــة‪،‬‬ ‫أو يح ــدد م ــدى اسـتعـمـ ــاله ــا أو حـت ــى‬ ‫املــوحي بــالنـشــوة بعــد اخلمـرة الـواردة‬ ‫منفـصلـة عـن سيـاج املـسجـد مبـسـافـة‬
‫لهــذا احللـزون الـذي أريــد به أن يكـون‬ ‫العضويـون يف عمارتهم‪.‬ورمبـا كان هذا‬ ‫أن يلـد أحــدهمـا األخــر‪.‬حتـى اعـتبـرت‬ ‫ميكن أن يكون هـذا اإلبداع يف العمارة‪،‬‬ ‫يقـسر علـى املبـدعني اختـيارهـا‪ ،‬مثلـما‬ ‫منها‪ ،‬وقد تفذلك الرجل وربط وفسر‬ ‫‪25‬م يف موقع عقبي للقبلة‪.‬‬
‫من أهم معـالم املدينـة جماال ومـكوثا‪.‬‬ ‫الت ــداخل نقـطــة ضــوء جعـلت املـعمــار‬ ‫الـطـبـيع ــة واشك ــاله ــا املعلـم امل ـسـتلهـم‬ ‫أحـ ــد أوجه املـمـ ــارسـ ــات الـتـي تـ ــداعـ ــى‬ ‫هو احلال يف عـمائر العقـائد األخرى‪،‬‬ ‫الـتشكيل التصـاعدي والهيئـة الهرمية‬ ‫وامللـويــة السـامـرائيـة إسـتثنـاء إبـداعي‬
‫وقف رايت مدافعا عن ملويته املبطنة‪،‬‬ ‫رايـت يشـيد بـأكثـر من منـاسبـة بعـمارة‬ ‫األول‪ ،‬وإعـتـب ــار دروسه ــا امل ـسـتق ــاة زاداً‬ ‫إليهـا هــذا الفكـر احملــرر مللكــات العقل‬ ‫ولكـن يبقــى للمــربع والتـربـيع منـزلـة‬ ‫يف جمـيع املـنمـنمــات اإلسـالميــة بهــذا‬ ‫يف العـم ـ ــارة اإلسالمـي ـ ــة‪ ،‬وتعـتـبـ ــر مـن‬
‫الـتـي أراد لهـ ــا أن تك ــون ت ــاج العـم ــائ ــر‬ ‫اإلسـالم كمــا تـشهــد علـيه شهــادتـه عن‬ ‫يتــزود به املـعمــار يف رحلــة الـبحـث عن‬ ‫وبـواطـن النفـس‪.‬ولـكن لألسف أن هـذا‬ ‫إستـثنــائيــة مبــا تــوحيـه من عــدل وارد‬ ‫الشكل الهـندسـي‪ ،‬الذي أراد أن يـربطه‬ ‫أمهـات املـســاهمـات العــراقيـة الـتي لهـا‬
‫الـتي أقامـها والسيـما انه كـان متقـدماً‬ ‫عـم ــارة م ــدرس ــة ال ــسل ـط ــان ح ـسـن يف‬ ‫اجلـديـد‪ .‬وبـذلك فــأن املنفعــة واملتـانـة‬ ‫امل ــدد اضــمحـل وحجـم و انــطفـ ــأ بع ــد‬ ‫من تسـاوي أضالعه‪ ،‬وقـد جند لـلشكل‬ ‫بأصول أغـريقية عنوة وجـزافا‪ ،‬كما هو‬ ‫أكـبــر األثــر يف مــرفــولــوجـي ــة وشجــون‬
‫بـالعـمر حـينئـذ وتويف بـعدهـا مبـاشرة‪.‬‬ ‫القــاه ــرة عنــدمــا تـســاءل مبــا مـعنــاه ‪:‬‬ ‫واجلمـال ال ميـكن فـصل أحــدهمــا عن‬ ‫حني‪ ،‬بـسبب الـنزعـة السلفـية واملـوقف‬ ‫امل ـ ـ ــربع ممـ ـ ــارسـ ـ ــات يف امل ـنـ ـظـ ـ ــومـ ـ ــات‬ ‫ديـدن املستـشرقني ومـن تبعهم‪ .‬وميكن‬ ‫تلـك العمــارة‪ .‬واملنـارة بـرج صــرحي ذو‬
‫وقــد أضـط ــر يف حيـنهــا الــى أن يـصـنع‬ ‫(كـيف ميـكن ملـن له مـثل هــذه الـعمــارة‬ ‫اآلخر‪ ،‬كمـا هو احلال يف وحدة عناصر‬ ‫املتشنج لفقهـاء الدين بحجة اخلشية‬ ‫التخـطيـطيـة والـزخــرفيــة يف العمـائـر‬ ‫أن يـكـ ـ ــون ال ـ ـشــكل الـ ـ ــدائـ ـ ــري ورد مــن‬ ‫ق ـ ــاع ـ ــدة مـ ـ ــربع ـ ــة طـ ـ ــول ضلـعه ـ ــا ‪33‬م‬
‫منـ ــوذج ـ ــا مجـ ـسـم ـ ــا للـمـ ـش ـ ــروع علـ ــى‬ ‫ال ــراقـي ــة أن يـبحـث عـن ب ــديـل له ــا يف‬ ‫الـكـ ــائـن احلــي‪ ،‬بحـيــث يحــمل اجلـ ــزء‬ ‫مــن إطـالق الـع ـن ـ ـ ــان حل ـ ـ ــري ـ ـ ــة الـعـقـل‬ ‫والفنــون اإلسالميـة‪.‬وجنـد له تفـسيـراً‬ ‫إمـالءات وظيـفيـة أيـضـا‪ ،‬مبـا ميـكن أن‬ ‫وارتفــاعهـا ‪55‬م‪ .‬وقـد اخـتيــر لهــا شكل‬
‫مقيـاس ‪ %10‬ويـولج هـو نفـسه يف ذلك‬ ‫حضيض ما يبنى يف الغرب؟)‪.‬‬ ‫صف ــات الـكل وي ــدل علــيه ويعـب ــر عـنه‬ ‫وانـزالقه نحـو الضاللـة‪ .‬وهكـذا مـكثت‬ ‫اجـمـ ــالـي ـ ـاً يف رس ـ ــائل أخـ ــون ال ــصفـ ــا‬ ‫يــشكل مــرتقـى ومـنحــدراً سهالً يخـدم‬ ‫هن ــدسي ل ــولبـي علــى هـيئــة قــرطــاس‬
‫الـبـيــت الك ــرت ــونـي لــيفحـم مع ــارضـيه‬ ‫لق ــد تلقف هــذا املـعمــار احلــاذق فكــرة‬ ‫والب ــد مـن أن ي ــربـط املـبـن ــى ب ــأج ــزائه‬ ‫ع ـمـ ـ ــارة امل ـ ــسل ـم ــني بعـ ـ ــد ذلـك الـ ـ ــدور‬ ‫الـفل ــسفـيـ ــة‪ ،‬مبـ ــا ميـكـن أن يـكـ ــون مـن‬ ‫سالسة صعـود األنغام الـتي يستـعملها‬ ‫ملف ــوف‪ ،‬تنــازلـي االرتفــاعــات‪ ،‬يـحيـط‬
‫ويقـنـعهـم بـ ــوظــيفـيـ ــة الـ ـشـكل الـ ــذي‬ ‫االنــسي ــابيــة ال ــوظيـفيــة والــشكـليــة يف‬ ‫إيقاع دقيق منـسجم كما يف اخملـلوقات‬ ‫محـددة الـشــوط ومكـتفيـة مبـا كـسـبت‬ ‫التـربيعـات العـراقيـة التـي جند آثـارها‬ ‫املـؤذنون يف العادة‪ ،‬وجند لها تطبيقات‬ ‫بهــا درج يــرتقـي حلــزونيــا علــى ظــاهــر‬
‫اختاره حتـى فلح يف مسعاه‪ .‬وقد أثبت‬ ‫املل ـ ــوي ـ ــة‪،‬ولـك ـنـه جعـله ـ ــا مــثل ال ـ ــرداء‬ ‫والكون‪.‬‬ ‫من ســالف االيــام‪ ،‬جتتــر من مــاضيهـا‬ ‫حتــى يف التـسـميــات كمـا هـو يف (اربع‬ ‫ح ـت ـ ــى يف صـ ـ ــوامع (م ـن ـ ــائـ ـ ــر) املغ ـ ــرب‬ ‫املن ــارة من اخلــارج بــست دورات تـشـمل‬
‫لنـا رايت بان خزين التراث مازال نبعا‬ ‫املقل ــوب يف عمــارة مـتحف كــوكـنهــامي(‬ ‫كل تلك املفـاهيـم كان قـد طبقهـا دليل‬ ‫يف اجلـانب الـفني والـزخـريف أكثـر ممـا‬ ‫أيـل) أو (أربـ ـيـل) اآلشـ ـ ـ ــوريـ ـ ـ ــة وتـعـ ـن ــي‬ ‫اإلسالمـي املـ ــربعـ ــة الهـيـئ ــة‪،‬وأجـمـله ــا‬ ‫‪ 399‬درجـ ــة‪،‬وهـي بـ ــذلـك متـثـل طفـ ــرة‬
‫ال يـنضـب ملن أراد الــى ذلك سـبيال‪،‬وأن‬ ‫( ‪Guggenheim museum‬الـ ــذي أجنـ ــزه‬ ‫الـ ـن ـ ـص ـ ـ ــران ــي احلـ ـي ـ ـ ــري قـ ـبـل (راي ــت)‬ ‫يف اجلـ ـ ـ ـ ــانـ ــب الـف ـكـ ـ ـ ـ ــري الـفـلـ ـ ـ ـسـفـ ــي‬ ‫لـ ــديهـم (األربـ ــاب األربعـ ــة)‪ .‬وميكـن أن‬ ‫منارة املنصورة الدارسة يف تلمسان‪.‬‬ ‫نــوعيــة يف الفكـر الـتصـميـمي لـلعمـارة‬
‫أي عمارة الميكن لهـا أن تدوم وتستمر‬ ‫عام ‪ 1959‬على شـاطئ مدينة نيويورك‬ ‫األم ـ ــريـكـي ب ـ ــإثـنـي عـ ـش ـ ــر ق ـ ــرنـ ـ ـاً مـن‬ ‫والوظيفي والهيكلي والرمزي‪.‬‬ ‫يكـون هـذا سـببـا وراء إخـتيـار القـاعـدة‬ ‫لقـ ــد ذهـب مـن ـظ ـ ــرو العـمـ ــارة الـ ــى أن‬ ‫حينـما وطـأ مسـتوى الـذروة يف اجلمع‬
‫بع ـيـ ـ ــدا عــن ب ـي ـئ ــتهـ ـ ــا ومتـ ـ ــاش ـي ـ ـ ــا مع‬ ‫محـتفيـا بــأسم االقـتصـادي األمــريكي‬ ‫الـزمـان‪ .‬وبـالـرغـم من عـدم وجــود من‬ ‫وقــد تكـررت حـالـة هــذه املنــارة بتـقليـد‬ ‫الصماء أو املنصة املربعة للمعلم‪.‬‬ ‫املنارة منسـوخة أو مستلـهمة من أبراج‬ ‫بــني ال ـ ـ ــرم ـ ـ ــزي ـ ـ ــة والـ ـ ـشـكـل وال ـنـ ـ ـســب‬
‫مقتضياتها وخصوصياتها‪.‬‬ ‫(س ــول ــوم ــون ك ــوكـنه ــامي)‪ .‬حـيــث جعل‬ ‫ينـظر لهـا أو يكتـب فحواهـا يف حيـنها‪،‬‬ ‫غـي ــر ذي ش ــأن يف م ــسج ــد أحـم ــد بـن‬ ‫واملل ــوي ــة بال ريـب فــتح معـم ــاري ك ــان‬ ‫النار الزرادشـتية(كور )‪Gur‬أو من أبراج‬ ‫اجلمـاليــة متالقحـة مع وظـيفيـة فـذة‬

‫الفنان التشكيلي عباس حويجي‪:‬‬

‫حتول من رصاع نظريات إىل رصاع أساليب‬


‫التنقيب يبدأ يف خماض الفكرة‪ ..‬والفن َّ‬
‫الـفنــان أن يـتحــول مـن أسلــوب إلــى آخــر حـيث‬ ‫والتكـوين العـام‪ ،‬وعنـدمـا يـشعـر الفنـان بحـالـة‬ ‫األلهيني على مبعدة نظر ليسَ غير‪..‬‬ ‫ما زالـت مديـنته " السـماوة " الفـراتيـة حتتفظ‬ ‫ال يـسـتطـيع الفـن التـشـكيـلي العــراقي جتـاوزه‪،‬‬ ‫أجرى احلوار ‪ :‬زيد الشهيد‬
‫سـيـتـ ــآلـف األسل ـ ــوب مع مـ ــوض ـ ــوعه يف وحـ ــدة‬ ‫امـتالء مب ــوض ــوعه يـب ــدأ الـتـنفـي ــذ غـيـبـ ـاً ومـن‬ ‫يف م ــرسـمه ال ــذي ي ــشغل الـطـ ــابق األعل ــى مـن‬ ‫بهـ ـ ــا كـ ـ ــرق ـيــم ذاكـ ـ ــراتــي يـ ـ ـس ــتل ف ــنه م ــن ارثه‬ ‫وليــس من مـصــادفــة القــول أنّـه فنــان ونحــات‬
‫مـتنـاغمـة ؟ أم علـيه أن يطـوّع مـوضـوعـاتـه لكي‬ ‫الذاكرة‪.‬‬ ‫محله املليء باللوحات والتحفيات واملعروضات‬ ‫السومـري الذي ال يبعد عن مكـان إقامته سوى‬ ‫وكاتب‪ ،‬جهوده اإلبداعية يف التشكيل ال تتجاوز‬
‫تـتقـبل األسلــوب الــذي عــانــى كـثـيــراً يف سـبـيل‬ ‫أقــول أن هــذا الـتنـقيـب ليـس بـحثـ ـاً عن أثــر أو‬ ‫اجلـب ـسـي ــة الـتـي تـثـي ــر الـن ــاظ ــر فـتـ ــدفعه إل ــى‬ ‫ثالثـني كيلــومتــراً حيـث ينــام جلجـامــش عنـد‬ ‫أعمالـه النحتيـة ؛ وأشعاره ال تـلوذ متـوارية عن‬
‫اكتشافه؟ أنها ثنائية قابلة للحل‪.‬‬ ‫فكــرة وإمنــا هــو تـنقـيـب خلـض الــذاكــرة‪ ،‬وشــد‬ ‫الوقـوف أمام الـزجاجـة العاجّـة مبنـتجات الـيد‬ ‫سـوره ومـديـنته " أوروك " والــذي إذا رفع عبّـاس‬ ‫ذائقــته الـتـ ـشـكــيلـيـ ــة‪ ..‬أقـ ــام املعـ ــارض الفـنـيـ ــة‬
‫س‪ :‬مــرةً قــال بـيكــاســو ‪ " :‬حـني يعــوزنـي اللــون‬ ‫البـصيرة‪ ،‬وتثوير اخلـبرة حتى يكون العقل يف‬ ‫الفـنـيــة والــذوق الــرهـيف‪ ..‬يف م ــوقفه أجـب ــرته‬ ‫رأسه شــاهــده يـنتـصـب بثـلثـه البـشــري وثـلثـيه‬ ‫وسـاهم يف تنفـيذ العـديد مـن اجلداريـات التي‬
‫األزرق أستـعمل األحمـر " ما الـذي جعله يـقول‬ ‫حالـة يقظـة دائمـة‪ ،‬وحتـى تكـون اليـد مشغـولة‬ ‫علـى احلـديـث عبــر أسئلـة حـملت إثـارةً له تـارة‬
‫هـ ــذا الـكالم الـ ــذي يـبـ ــدو للـ ــوهلـ ــة األولـ ــى أنه‬ ‫ب ــال ــوالدة‪ ...‬إنَّ م ــواصل ــة مهـم ــة الـتـنقـيـب هـي‬ ‫واس ــتف ـ ـ ــزازاً ت ـ ـ ــارات ‪ :‬س ‪ :‬ك ـيـف تق ـ ـ ــرأ ال ـن ــص‬
‫يستهني بشهية العني الباصرة ؟‬ ‫البطولة بعينها‪.‬‬ ‫التشكيلي وأنت تقف عند حالة امتالكه ؟‬
‫ج ‪ :‬الكـثيـر الـذي جنهـله عن بـيكـاسـو يجـعلنـا‬ ‫س‪ :‬حـدّثنـا عن املـراحل أو التـأثـر بـالـنظـريـات‬ ‫ج ‪ :‬تبـدأ قــراءة النـص التـشكـيلي بـاحلــس قبل‬
‫نـقع يف سـ ــوء حتلـيل ألقـ ــواله أو أعـمـ ــاله‪ .‬كـم ــا‬ ‫الفـنيــة الـتي مــررت بهــا‪ ،‬ثم آخــر مــرفــأ وجــدت‬ ‫العقل ؛ بــالفطـرة قـبل الثقـافـة‪ ،‬بـاحلــدس قبل‬
‫عــرفـتُ مــؤخــراً أن م ــرحلـتـي بـيكــاســو الــزرقــاء‬ ‫نـفـ ـ ـ ـســك فـ ـيـه‪ ..‬أي كـ ـيـف وصـل ــت مل ـ ـ ـ ــدرسـ ـتــك‬ ‫اخلـبرة‪ ..‬فـنحن نقـرأ ونتـطلع لكي نـتمتع أوال‪،‬‬
‫والــورديــة ( حـيـث يـطغـي هــذان اللــونــان علــى‬ ‫اخلاصة بالفن ؟‬ ‫لكـي ميتـزج وجـداننـا بـالفـرح‪ .‬فـاجلمـال نـشـوة‬
‫أعـم ــاله ) حـني ك ــان ح ــديــث العه ــد بـب ــاريــس‪،‬‬ ‫ج ‪ :‬نحـن ننــشغل بــاملــدارس الفـني ــة أكثــر ممّــا‬ ‫قبل أن يكون معـرفة‪ .‬فإذا لـم تتحقق املتعة فال‬
‫يحيـا يف عـوز كـبقيــة الفنـانني الـشبـاب يف ذلك‬ ‫نـنـ ـشـغل بـ ــالفـن‪ .‬نـن ــشغـل بهـ ــا للــتعـ ــرف علـ ــى‬ ‫سـبب لـلمــواصلــة‪ .‬ذلك يـعنـي أن النـص الفـني‬
‫الـوقت‪ .‬كان بـيكاسـو يرسم مبـا لديـه من ألوان‪.‬‬ ‫امل ــراحل الـتـي قــطعه ــا الفـن يف ت ــاريخ تـط ــوره‪.‬‬ ‫ي ـ ـشـك ـ ــو مــن خـلل يف ال ـتـك ـ ــويــن أو الــت ـ ــوصــيل‪،‬‬
‫فحني كـان يـرسم بـاألزرق فألنه ال ميلك ألـوانـاً‬ ‫فكل خطـوة للفن هـي مدرسـة ؛ وكل فنـان كبـير‬ ‫وكالهــم ـ ــا ميــنع ـ ــان ال ـن ــص مــن أن يــتحـقق يف‬
‫أخرى بـديلة‪ ،‬كـان مضطـراً لتـدجني هـذا اللون‬ ‫هـو مدرسـة‪ .‬فاملـدارس الفنيـة هي مشـاغل عمل‬ ‫بــاصــرة امل ـشــاهــد ويف وعـيه فـيفـتــرق االثـنــان‪.‬‬
‫لـكـي يـ ـسـكـن مـ ــوضـ ــوع ـ ــاته األسـ ــى وال ـصـمـت‬ ‫ق ــبل أن تـك ـ ــون ن ــظ ـ ــري ـ ــات ؛ وهــي مـخل ـ ــوق ـ ــات‬ ‫وعـنــدمــا تـتـحقق املـتعــة يـنفـتح بــاب الــدخــول‬
‫احلــزين ذاتــاهمــا‪ ،‬البغـايــا والفقــراء املعـزولـون‬ ‫الفنانني قبل أن تصبح من مقتنيات النقاد‪.‬‬ ‫ألسـرار العمل الفـني‪ .‬وهذا الـدخول قـد يحدث‬
‫واملهـمَّ ـش ــون املـت ــدث ــرون ب ــاألسـمـ ــال واحلكـم ــة‬ ‫الثقافة تدفعنا لالنغماس بها كمعرفة‪ ،‬وهموم‬ ‫بعـد سـريـان املـتعــة مبـاشــرةً أو بعـدهـا بـأيـام ؛‬
‫والفقر‪.‬‬ ‫حتديث اللوحة يدفعنا من جانب آخر‪.‬‬ ‫ذلـك أن العقل والـذاكــرة واخلبــرة تبـدأ بـالـعمل‬
‫فبيكاسو خالق عظيـم للموضوعات ومنظِّم فذ‬ ‫هناك صراع يف داخل كل فنـان ؛ صراع يبدأ من‬ ‫إل ــى م ــدىً غـي ــر مح ــدود‪ .‬وعـنـ ــد ذلك تـتح ــول‬
‫لألفكــار‪ .‬أمــا اللــون فـيبــدو خــادم ـاً لـلمــوضــوع‬ ‫أول وعـيه بـت ــاريخ الفـن‪ ،‬عـن مكــانـته بـني هــذه‬ ‫العـني مـن ب ــاص ــرة إل ــى ب ـصّـ ــارة تق ــرأ امل ـسـت ــور‬
‫وتــابع ـاً لـه‪ ،‬وحتــى يف مــوضــوعــاته الـتجــريــديــة‬ ‫املـدارس‪ ،‬وأي منها قريب من فنه ؛ وماذا ينبغي‬ ‫وتـتلمـس اخلفـي‪ ،‬ويبــدأ العـقل النـاقـد بـشحـذ‬
‫والتـركيبيـة يبدو اللـون ثانـوياً بـالنسبـة لتوزيع‬ ‫أن يـأخـذ منهـا ‪ ،‬ومـاذا يـصح أن يضـيف إليهـا ؟‬ ‫مجـسـاته الـتحلـيليـة لـرؤيـة الـنص مـن داخله‪.‬‬
‫الـكــتل وصـ ــراحـ ــة اخلــط‪ .‬ويف دراسـ ــات تـت ـبَّعـت‬ ‫وأنــا ك ــأي فنــان مــررتُ بهــذه املــرحلــة‪ ،‬يــدفعـني‬ ‫ورغـم أن هنــاك عــدة مــستــويــات لقــراءة العـمل‬
‫بـيكــاســو وهــو يعـمل يف لــوحــاته ظهــر أن الــذي‬ ‫االنبهـار بـرؤى " دالـي " السـريـاليـة‪ ،‬ويـأخـذني‬ ‫الفـني إال أن كل هـذه املـستـويـات تعجــز أحيـانـا‬
‫يـتغـيَّــر ويـنـمــو هــو املــوضــوع ؛ أم ــا الل ــون فهــو‬ ‫إيقـ ـ ــاع الل ـ ــون عــن ـ ــد " بـ ـ ــول كلــيه "‪ ،‬وت ـ ـشـكــيل‬ ‫عـن خلق مفـاتـيح استـدالليــة مقنعــة رغم أنهـا‬
‫محـ ــدود ومقـت ـصـ ــد‪ ،‬ولـعلَّ هـ ــذا االقـت ـصـ ــاد يف‬ ‫املـ ــوضـ ــوعـ ــات عـنـ ــد " بـيـكـ ــاسـ ــو "‪ ،‬وقـ ــوة اخلــط‬ ‫تـنجح يف طــرح فقه نـظــري ومقــدم ــات عمـليــة‬
‫الل ــون ه ــو يف ص ــالح امل ــوض ــوع‪ .‬ألنَّ االشـتغ ــال‬ ‫والــتلـ ــويـن عـن ـ ــد الفـنـ ــان الـ ــرومـي " ديـنـيـكـ ــا "‬ ‫للرؤية الفنية‪.‬‬
‫علــى اللـون يــزيح املـوضـوع إلــى جهـات عـصيّـة‬ ‫وملحمية العمل يف املدرسة املكسيكية‪.‬‬ ‫س ‪ :‬هل تعـذبك فكـرة تـشكّل النـص التـشكـيلي‬
‫علـى الـربط والـتحليل‪ .‬هـذا يعـني أننـا وصلنـا‬ ‫ومرة وقعت حتت تأثير مدرسة الواقعية اآللية‪،‬‬ ‫كم ــا هي عــذاب ــات النـص الـســردي أو الــشعــري‬
‫إلــى حتليل مـقنع ملقـولــة بيكـاسـو‪ ..‬ألنّ جتـربـة‬ ‫ولكنني بعد عدة لوحات شعرت بعقم احملاولة‪،‬‬ ‫مثالً‪ ..‬وما نوع هذا العذاب إن صحَّ وجوده؟‬
‫هـ ــذا الفـنـ ــان الع ـظـيـم تـت ــشعـب وتـتح ــول إل ــى‬ ‫ذلـك أن تـلـك امل ـ ـ ــدارس هــي ولــي ـ ـ ــدة ظ ـ ـ ــرفـه ـ ـ ــا‬ ‫ج ‪ :‬مـ ــا تـ ـسـمــيه عـ ــذاب ـ ـاً أسـمــيه أنـ ــا تــنقـيـب ـ ـاً‪.‬‬
‫مقاصد وأسرار ورؤى ما زالت موضوع بحث‪.‬‬ ‫التــاريـخي‪ ،‬ونــسخهــا يف ظــرف آخــر‪ ،‬ظ ــرف لم‬ ‫والتـنقـيب يــسبـب معــان ــاة متــواصلــة يـكتـنفهــا‬
‫لكـنـن ــا ق ــد ن ــرى رم ــزي ــة هـ ــذا الق ــول يف ق ــدرة‬ ‫تـصـبح فـيه اآلل ــة مـتـحكـم ــة وخ ــالق ــة لهـم ــوم‬ ‫اإلحباط والفـشل والعجز أحيـاناً‪ ،‬ذلك أنك يف‬
‫بيكـاسـو الفـذة وبــديهته الـفطـريـة علـى اخللق‬ ‫إنسانيـة جديدة تصبح زيفـاً‪ ...‬بعدها اختلطت‬ ‫الـتنقـيب قـد جتـد وقـد ال جتـد‪ .‬قـد جتـد شـيئـاً‬ ‫عباس حويجي‬
‫ما جعل الـفن يبدو لـديه كاللعب‪ ،‬لـعب اقترف‬ ‫املـ ــدارس بــبعــضهـ ــا وأصــبحـت تـ ــولـ ــد بـ ـسـ ــرعـ ــة‬ ‫تــافهـاً مـرةً‪ ،‬ومـهمّـاً مـرة أخـرى‪ ،‬قـد جتــد كنـزاً‬
‫فـيه اإلنـس ــان الكـبيــر سلـطــة الــطفل الـصـغيــر‬ ‫وتنـطفئ بـسرعـة مثل مـوضات األزيـاء‪ .‬وحتول‬ ‫ثميناً وقد جتد حفنة رمل‪.‬‬
‫بــامتـالك كل شيء ورؤيـة كـل شيء‪ ،‬ومعـرفـة كل‬ ‫الفـن من صــراع نـظــريــات إلــى صــراع أســالـيب‪.‬‬ ‫فـالـتنقـيب يبـدأ يف مخـاض الفكـرة وال ينـتهي‬
‫شيء‪ .‬وهـذا مــا يبــرر انتقــال بيكـاسـو بـني فتـرة‬ ‫فالفنان هو األسلوب ؛ واللوحة هي األثر‪.‬‬ ‫بــانـتهــاء اللــوحــة‪ ،‬وإمنــا يـسـتمــر بعــدهــا ‪ ،‬ألنَّ‬
‫وأخـ ــرى مــن أسلـ ــوب إلـ ــى آخـ ــر‪ ،‬ومـن م ـ ــرحلـ ــة‬ ‫والـتحول إلـى األسلوب هـو عملـية شـاقة أيـضاً‪،‬‬ ‫اللــوحــة هـي مجــرد لـقيــة وإذا لـم تتـبعهــا لُقــى‬
‫ألخ ــرى‪ ،‬ومن مــوضــوع ملــوض ــوع ينــاقـضـه‪ ،‬ومن‬ ‫حيث يـتملكـك اخلوف مـن أن يصبح األسـلوب‬ ‫أخـريـات ال ميـكن أن تـنجــز معـرضـاً أو مـتحفـاً‬
‫أعمـال رومانـسيـة رعويـة إلى أعـمال ثـورية ذات‬ ‫طرازاً جامـداً‪ ،‬أو أن األسلوب يصلح ملوضوع وال‬ ‫يبـدأ الـتنقـيب بـدراسـة مــرجعيـات املـوضــوع ثم‬
‫صبغة سياسية‪.‬‬ ‫يـصلح ملعـاجلـة مـوضـوعـات أخــرى‪ .‬فهل علـى‬ ‫بــالـتخــطيـط والــدراس ــة للج ــزئيــات واملفــردات‬

You might also like