You are on page 1of 15

‫تفريغ الدروس (‪)2‬‬

‫كلية العلوم الشرعية والعربية‬

‫البداية في‬
‫العقيدة‬
‫الدرس السابع عشر‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني وأصلي وأسلم على عبد هللا ورسوله ٍ‬


‫حممد وعلى آله‬
‫وأصحابه أمجعني‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬

‫أيها اإلخوة الفضالء‪ ،‬كانت والدة عيسى عليه السالم معجزةً للبشرية مجعاء‪،‬‬
‫أب وذكر هللا عز وجل قصته يف القرآن الكرمي‬ ‫حيث جعله هللا عز وجل من ٍأم بال ٍ‬
‫يف أماكن متعددة‪.‬‬
‫ت يم ْن أ َْهلي َها َم َك ً‬
‫اًن‬ ‫ي‬ ‫يقول تعاىل يف سورة مرمي‪  :‬واذْ ُكر ييف الْكيتَ ي‬
‫اب َم ْرَميَ إيذ انتَبَ َذ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫َش ْرقييًّا (‪ )16‬‬
‫رفيعا‪.‬‬
‫مكاًن عاليًا و ً‬ ‫مكاًن شرقياا‪ :‬يعين ً‬ ‫‪ -‬ا‬
‫‪ ‬فَ خاَّتَ َذ ْ ي يي ي‬
‫خل ََلَا بَ َشًرا َس يوًًّّي ‪.‬‬ ‫ت من ُدوِن ْم ح َج ًاًب فَأ َْر َس ْلنَا إيلَْي َها ُر َ‬
‫وحنَا فَتَ َمث َ‬
‫‪ -‬أي فأرسلنا َلا جربيل عليه السالم‬
‫نت تَيقيًّا (‪. )18‬‬ ‫نك إين ُك َ‬ ‫محَ ين يم َ‬ ‫ت إييِّن أَعُوذُ يًبلخر ْ َٰ‬
‫‪ ‬قَالَ ْ‬
‫اتبعة لبيت املقدس حيث كانت َّتدم بيت املقدس‪،‬‬ ‫غرفة ٍ‬ ‫‪ -‬ألِنا كانت وحدها يف ٍ‬
‫رجال‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫بشرا بني يديها ً‬ ‫ي‬
‫مث تتخلى يف هذه الغرفة تتعبد لرهبا عز وجل فرأت ً‬
‫نت تَيقيًّا (‪  )18‬أي أعوذ ًبهلل عز وجل‬ ‫محَ ين يم َ‬
‫نك إين ُك َ‬ ‫ت إييِّن أَعُوذُ يًبلخر ْ َٰ‬
‫‪ ‬قَالَ ْ‬
‫بشرا‬
‫منك إن كنت َّتاف هللا فابتعد وال تقرتب مين‪ ،‬فطَمأِنا أبنه ملك وليس ً‬
‫فليس له يف النساء وال األكل ال والشرب فإن املالئكة ال أيكلون وال يشربون وال‬
‫يتناكحون‪.‬‬
‫ك غُ َال ًما َزكييًّا (‪ )19‬‬ ‫ك يأل ََهب لَ ي‬ ‫ول ربي ي‬
‫َ‬ ‫ال إيخَّنَا أ ًََن َر ُس ُ َِ‬
‫‪ ‬قَ َ‬
‫طاهرا‪ ،‬فتعجبت من ذلك‬ ‫غالما ً‬ ‫‪ -‬جئت أبشرك أبن هللا عز وجل سوف يرزقك ً‬
‫وقالت‪ :‬كيف يكون يل غالم ومل ميسسين بشر قط ومل أكن امرأة ًبغية زانية والعياذ‬
‫ًبهلل‪.‬‬
‫َّن يَ ُكو ُن ييل غُ َال ٌم َوَملْ ميَْ َس ْس يين بَ َشٌر َوَملْ أ َُك بَغييًّا (‪ )20‬‬
‫ت أ خَٰ‬ ‫‪ ‬قَالَ ْ‬
‫وسهل على هللا جل وعال‪ ،‬وأن‬ ‫ٌ‬ ‫هني‬
‫‪ -‬فبني َلا جربيل عليه السالم أن هذا األمر ٌ‬
‫أب آيةً للناس‪ ،‬أي معجزةً للناس‬ ‫ولدا من ٍأم بال ٍ‬ ‫هللا تبارك وتعاىل أراد أن جيعله ً‬
‫أمرا مقضيًا‪ ،‬يعين قد قضاه‬ ‫وداللةً على قدرة هللا جل وعال‪ ،‬مث قال َلا‪ :‬وكان ً‬
‫وقدره فال بد أن يكون‪.‬‬

‫ني ۖ َولينَ ْج َعلَهُ آيَةً لِيلن ي‬


‫خاس َوَر ْمحَةً يِمنخا ۚ َوَكا َن أ َْمًرا‬ ‫ال ربُّ ي‬
‫ك ُه َو َعلَ خي َهيِ ٌ‬ ‫‪ ‬قَ َ َٰ ي ي‬
‫ال َك َذلك قَ َ َ‬
‫ضيًّا (‪۞ )21‬‬ ‫خم ْق ي‬
‫‪ -‬مث نفخ يف درعها‪ :‬أي نفخ يف فتحة ثوهبا فحملت إبذن هللا تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫قال بعض العلماء محلت تسعة أشهر‪ ،‬وقال بعض العلماء محلت ً‬
‫شهرا‪ ،‬وقال‬
‫آن واحد أو يف ٍ‬
‫يوم واحد‪ ،‬فاهلل أعلم ًبلصواب‪.‬‬ ‫بعض العلماء محلت ووضعت يف ٍ‬

‫ت بييه م َكا ًًن قَ ي‬


‫صيًّا (‪ )22‬‬ ‫‪‬فَ َح َملَْتهُ فَانتَبَ َذ ْ َ‬
‫‪ -‬ملا شعرت آبالم الوضع ذهبت وخرجت من بيت املقدس وخرجت إىل احلقول‬
‫مكاًن قصياا‪ :‬أي بعي ًدا‪.‬‬
‫‪ -‬ا‬
‫فجاءها خماض الوالدة جبوار جذع خنلة حينها ملا وجدت نفسها تلد وهي ليس‬
‫َلا زوج متنت لو أِنا ماتت قبل ذلك ومل تكن ُخلقت وكانت نسيًا منسيًا‪.‬‬
‫ت ًَّي لَْي تَيين يم ُّ‬ ‫ي‬
‫ت قَ ْب َل ََٰه َذا‬ ‫خخلَ ية قَالَ ْ‬
‫اض إي َ َٰىل ج ْذ يع الن ْ‬
‫قال تعاىل‪  :‬فَأَ َجاءَ َها الْ َم َخ ُ‬
‫نسيًّا (‪ )23‬‬ ‫وُكنت نَسيا خم ي‬
‫َ ُ ًْ‬
‫فأراد أن يطمئنها رهبا تبارك وتعاىل‪،‬‬
‫اد َاها يمن ََْتتي َها‪‬‬
‫‪‬فَنَ َ‬
‫‪ -‬قيل من َتتها هو جربيل عليه السالم‪،‬‬
‫اد َاها يمن ََْتتي َها‪ ‬الذي ًنداها هو عيسى الذي ولدته‪.‬‬ ‫‪ -‬وقيل ‪‬فَنَ َ‬
‫لكن ابن كث ٍري رمحه هللا رجح أن الذي ًنداها هو جربيل عليه السالم‪،‬‬
‫أيضا ‪ ‬فناداها َمن َتتها ‪‬‬ ‫‪ -‬قرئت ً‬

‫ت ًَّي لَْي تَيين يم ُّ‬ ‫ي‬


‫ت قَ ْب َل ََٰه َذا‬ ‫خخلَ ية قَالَ ْ‬
‫اض إي َ َٰىل ج ْذ يع الن ْ‬ ‫َجاءَ َها الْ َم َخ ُ‬ ‫قال تعاىل‪  :‬فَأ َ‬
‫ك ََْتتَ ي‬
‫ك َس يرًًّّي‬ ‫اد َاها يمن ََْتتيها أخَال ََْتزيّن قَ ْد جعل ربُّ ي‬ ‫ي‬
‫نت نَ ْسيًا خمنسيًّا (‪ )23‬فَنَ َ‬ ‫َوُك ُ‬
‫ََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪ )24‬‬
‫ِنرا يسري فاشريب منه وال َتزّن‪ ،‬وهزي جبذع النخلة ستتساقط‬ ‫ي‬
‫‪ -‬جعل هللا َتتك ً‬
‫رطبًا فكلي من الرطب واشريب من هذا النهر السري الذي يسري‪.‬‬
‫ك ُرطَبًا َجنييًّا (‪ )25‬فَ ُكليي َوا ْشَرييب َوقَ ِيري‬ ‫خخلَ ية تُساقي ْط َعلَي ي‬
‫ْ‬
‫ي ي ي يي‬
‫‪َ ‬و ُهِزي إلَْيك جب ْذ يع الن ْ َ‬
‫ص ْوًما فَلَ ْن أُ َكلِي َم الْيَ ْوَم‬ ‫ت ليلخر ْ َٰ‬
‫محَ ين َ‬ ‫َح ًدا فَ ُق يويل إييِّن نَ َذ ْر ُ‬
‫ي‬
‫َعْي نًا ۖ فَإي خما تَ َري خن م َن الْبَ َش ير أ َ‬
‫نسيًّا (‪ )26‬‬ ‫إي ي‬
‫‪ -‬كأِنا عليها السالم احتارت ماذا أقول للناس وكيف ولدت وكيف أدافع عن‬
‫نفسي وكيف أثبت َلم قدرة هللا جل وعال يف هذا الولد الذي جاء بال ٍ‬
‫أب‪،‬‬
‫أحدا فقويل إّن نذرت‬
‫ني من البشر ً‬‫‪ -‬فقال َلا جربيل عليه السالم‪ :‬فإما تري خ‬
‫صوما‪ ،‬أي أًن نذرت أن أصوم‪ ،‬وكان الصوم عندهم امتناعٌ عن تناول‬ ‫للرمحن ً‬
‫الطعام والشراب والكالم‪،‬‬

‫‪ {‬فَلَن أُ َكلِيم الْي وم إي ي‬


‫نسيًّا ‪‬‬ ‫ْ َ ََْ‬
‫‪ -‬يعين أشريي إىل فمك فيفهمون أنك صائمة ال تتكلمني‪.‬‬

‫ت بييه قَومها ََْت يملُه ۖ قَالُوا ًّي مرَمي لََق ْد يجئْ ي‬


‫ت َشْي ئًا فَ يرًًّّي (‪ )27‬‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬فَأَتَ ْ ْ َ َ‬
‫عظيما تلدين وليس لك زوج‪ ،‬وهذا‬ ‫‪ -‬قال َلا قومها‪ :‬ما هذا؟ لقد جئت شيئًا ً‬
‫والعياذ ًبهلل فُرًّي هذا زًن‪.‬‬

‫ك بَغييًّا (‪ )28‬‬


‫ت أ ُُّم ي‬ ‫ٍ‬ ‫‪ًّ ‬ي أُخت هارو َن ما َكا َن أَب ي‬
‫وك ْامَرأَ َس ْوء َوَما َكانَ ْ‬‫ُ‬ ‫َ ْ َ َُ َ‬
‫ت َه ُارو َن» اختلف فيها العلماء‪،‬‬ ‫ُخ َ‬
‫‪ًَّ « -‬ي أ ْ‬
‫إنسان ٍ‬
‫متعبد مصاحل‪،‬‬ ‫بعض العلماء قالوا‪ :‬أبن كلمة هارون كلمة تطلق على كل ٍ‬
‫فيقال‪ :‬فالن أخو هارون يعين فالن صاحل‪.‬‬
‫ضرب به املثل يف الكرم فيقال أخو حامت الطائي‪ ،‬أخو حامت أي يف‬
‫‪ -‬مثل إذا ُ‬
‫الكرم أي كرميًا مثل حامت‪.‬‬
‫وبعض العلماء قال‪ :‬بل كان َلا أخ صاحل متعبد امسه هارون حقيقة‪،‬‬
‫‪ -‬وهذا الذي رجحه ابن كثري رمحه هللا تعاىل يف التفسري ويف البداية والنهاية ‪.‬‬
‫ك بَغييًّا (‪ )28‬‬
‫ت أ ُُّم ي‬ ‫ٍ‬ ‫‪ًّ ‬ي أُخت هارو َن ما َكا َن أَب ي‬
‫وك ْامَرأَ َس ْوء َوَما َكانَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ َُ َ‬
‫رجل صاحل وأمك امرأةٌ صاحلة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫رجل صاحل وأبوك ٌ‬ ‫‪ -‬أي أخوك ٌ‬
‫‪ -‬ما كانت أمك بغيًا‪ :‬يعين مل تكن مشهورةً ًبلفحشاء والعياذ ًبهلل بل كانت‬
‫طاهرةً مطهرة‪.‬‬

‫‪ -‬حينها أشارت إىل ولدها فتعجبوا يعين تقول َلم كلموه فتعجبوا كيف نكلم من‬
‫كان يف املهد صبيًا؟ كيف نكلم من كان صغريا ال ينطق وال يتكلم بعد؟‬
‫فجلس وتكلم فأعجز اجلميع وأدهشهم بكالمه‪.‬‬

‫ي‬ ‫ي‬ ‫َشار ْ ي‬


‫ال‬‫صبييًّا (‪ )29‬قَ َ‬ ‫ف نُ َكلِ ُم َمن َكا َن ييف الْ َم ْهد َ‬ ‫ت إيلَْيه ۖ قَالُوا َكْي َ‬ ‫قال تعاىل‪  :‬فَأ َ َ‬
‫اَّللي َ ي‬ ‫إييِّن َعْب ُد خ‬
‫ص ياّن‬ ‫اب َو َج َعلَيين نَبييًّا (‪َ )30‬و َج َعلَيين ُمبَ َارًكا أَيْ َن َما ُك ُ‬
‫نت َوأ َْو َ‬ ‫آاتيّنَ الْكتَ َ‬
‫ت َحيًّا (‪َ )31‬وبًَّرا بيَوالي َديِت َوَملْ َْجي َعلْ يين َجبخ ًارا َش يقيًّا (‪)32‬‬ ‫الزَكاة َما ُد ْم ُ‬
‫ص َالةي و خ ي‬
‫ًبل خ َ‬
‫ي‬
‫يسى ابْ ُن‬ ‫كع َ‬
‫ث حيًّا (‪ََٰ )33‬ذلي َ ي‬
‫وت َويَ ْوَم أُبْ َع ُ َ‬
‫دت َويَ ْوَم أ َُم ُ‬ ‫َوال خس َال ُم َعلَ خي يَ ْوَم ُولي ُّ‬
‫خخ َذ يمن َولَ ٍد ۖ ُسْب َحانَهُ ۚ‬‫احل يق الخ يذي في ييه ميَْرتو َن (‪ )34‬ما َكا َن يخَّللي أَن ي ت ي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َم ْرَميَ ۚ قَ ْو َل َْ ِ‬
‫ول لَهُ ُكن فَيَ ُكو ُن (‪. )35‬‬ ‫ض َٰى أ َْمًرا فَإيخَّنَا يَ ُق ُ‬
‫إي َذا قَ َ‬
‫عجيب وهو يف املهد ودعاهم إىل هللا جل‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -‬حينها دافع عن أمه وتكلم ٍ‬
‫بكالم‬
‫وعال‪ ،‬وإلقامة الصالة وإيتاء الزكاة وعبادة رهبم تبارك وتعاىل فربأَ أمهُ الطاهرة البتول‬
‫مرمي عليها السالم‪.‬‬
‫عدد آخر‬ ‫عدد كبريٌ من قومه‪ ،‬وكفر به ٌ‬ ‫‪ -‬وكرب عيسى عليه السالم وآمن به ٌ‬
‫فأيده هللا تبارك وتعاىل ًبملعجزات‪،‬‬
‫‪ -‬إبراء األكمه واألبرص‪.‬‬
‫‪ -‬وإحياء املوتى إبذن هللا تبارك وتعاىل‪.‬‬

‫ذكر ابن كث ٍري رمحه هللا تعاىل يف البداية والنهاية فقال‪:‬‬


‫ب بن‬ ‫ووه ٍ‬
‫وقد روى أبو حذيفة إسحاق بن بشر أبسانيده عن كعب األحبار ْ‬
‫عباس وسلمان الفارسي دخل حديث بعضهم يف بعض قالوا‪” :‬ملا بُعث‬ ‫منبه وابن ٍ‬
‫عيسى عليه السالم وجاءهم ًبلبينات جعل املنافقون والكافرون من بين إسرائيل‬
‫يعجبون منه ويستهزئون به‪ ،‬فيقولون له ما أكل فال ٌن البارحة؟ وما ادخر يف منزله؟‬
‫إمياًن والكافرون واملنافقون ش ًكا وكفرًًن‪.‬‬
‫فيُخربهم‪ ،‬فيزداد املؤمنون ً‬
‫منزل أيوي إليه إَّنا يسيح يف‬
‫قال‪ :‬وكان مع ذلك عيسى عليه السالم ليس له ٌ‬
‫األرض‪ ،‬ليس له قر ٌار وال موض ٌع يعرف به‪،‬‬
‫فكان أول ما أحيا من املوتى أنه مر ذات ٍ‬
‫يوم على امرأةٍ قاعدةٍ عند ق ٍرب وهي‬ ‫َ‬
‫تبكي‪ ،‬فقال َلا‪ :‬ما لك أيتها املرأة؟‬
‫فقالت‪ :‬ماتت ابنةٌ يل مل يكن يل ول ٌد غريها وإّن عاهدة ريب أال أبرح من موضعي‬
‫هذا حىت أذوق ما ذاقت من املوت أو ُُْييها هللا يل فأنظر إليها‪.‬‬
‫نظرت إليها أراجعةٌ ي‬
‫أنت؟‬ ‫أيت إن ي‬ ‫فقال َلا عيسى‪ :‬أر ي‬
‫قالت‪ :‬نعم‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬فقام فصلى ركعتني مث جاء فجلس عند القرب فنادى‪ًّ :‬يفالنة قومي إبذن‬
‫الرمحن فاخرجي‪،‬‬
‫قال‪ :‬فتحرك القرب‪،‬‬
‫مث ًندى اثنية فانْصدع القرب إبذن هللا تبارك وتعاىل‪،‬‬
‫مث ًندى الثالثة‪ ،‬فخرجت وهي تنفض رأسها من الرتاب‪.‬‬
‫فقال َلا عيسى‪ :‬ما أبطأ بك عين؟‬
‫فقالت‪ :‬ملا جاءتين الصيحة األوىل بعث هللا يل مل ًكا فرخكب َخلقي‪ ،‬مث جاءتين‬
‫إيل روحي‪ ،‬مث جاءتين الصيحة الثالثة فخفت أِنا صيحة‬ ‫الصيحة الثانية فرجع خ‬
‫وحاجباي وأشفار عيين من خمافة القيامة‪ ،‬مث أقبلت على‬ ‫القيامة فشاب رأسي َ‬
‫أمها فقالت‪ًّ :‬ي أماه ما محلك على أن أذوق كرب املوت مرتني؟ ًّي أماه اصربي‬
‫واحتسيب فال حاجة يل يف الدنيا‪ًّ ،‬ي روح هللا وكلمته سل ريب أن يردّن إىل اآلخرة‬
‫علي ُكرب املوت فدعا ربه فقبضها إليه واستوت عليها األرض‪،‬‬ ‫وأن يهون ِ‬
‫فبلغ ذلك اليهود فازدادوا عليه غضبًا‪.‬‬
‫ْمةَ‬ ‫وقال تعاىل عن معجزات عيسى عليه السالم‪  :‬وي علِيمه الْكيتَاب و ْي‬
‫احلك َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََُ ُ ُ‬
‫ٍي‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫يي‬
‫َّن قَ ْد جْئ تُ ُكم يآبيَة ِمن خربيِ ُك ْم ۖ أيِ‬
‫َّن‬ ‫يل أيِ‬ ‫ي‬
‫يل (‪َ )48‬وَر ُس ًوال إ َ َٰىل بَيين إ ْسَرائ َ‬ ‫َوالت ْخوَراةَ َو ْاإلجن َ‬
‫ئ ْاألَ ْك َمهَ‬ ‫اَّللي ۖ َوأُبْ ير ُ‬
‫ني َك َهْي ئَ ية الطخْيري فَأَن ُف ُخ في ييه فَيَ ُكو ُن طَْ ًريا إبيي ْذ ين خ‬
‫َخلُ ُق لَ ُكم يِمن ال يطِ ي‬
‫َ‬ ‫أْ‬
‫خخ ُرو َن ييف بُيُوتي ُك ْم ۚ‬ ‫اَّللي ۖ وأُنَبيئُ ُكم يِبَا ََتْ ُكلُو َن وما تَد ي‬ ‫ي‬
‫ََ‬ ‫ُح ْْيي الْ َم ْوتَ َٰى إبيي ْذن خ َ ِ‬ ‫ص َوأ ْ‬‫َو ْاألَبْ َر َ‬
‫يي‬ ‫ي‬
‫ني ‪.‬‬ ‫ك َآليَةً لخ ُك ْم إين ُكنتُم ُّم ْؤمن َ‬ ‫إي خن ييف ََٰذل َ‬
‫فقد كان عيسى عليه السالم يُشكل من الطني كهيئة الطري مث ينفخ فيه ويقول‪:‬‬
‫نيب‬ ‫ي‬
‫طر إبذن هللا‪ ،‬فيطري إبذن هللا‪ ،‬تبارك وتعاىل أمامهم لكي يتعظوا ويعلموا أنه ٌ‬
‫مرسل من قبل هللا تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫مث إنه كان ميسح على األكمه وهو الذي ولد أعمى فيبصر إبذن هللا جال وعال‪.‬‬
‫وكذلك ميسح على األبرص فيشفيه هللا تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫وكان خيربهم ًّي فالن أنت يف بيتك من الطعام كذا وكذا وكذا إىل آخره‪.‬‬
‫كل ذلك من معجزات عيسى عليه السالم أيده هللا تبارك وتعاىل هبا لكي يستمع‬
‫الناس لدعوته ويستجيبوا لتوحيد هللا تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫ومن ذلك أِنم سألوا عيسى عليه السالم أن ينزل عليهم مائدة عليها طعام‬
‫أيكلون ويشربون منها تنزل من السماء أمام أعينهم‪.‬‬
‫ك أَن يُنَ ِيزَل‬ ‫يع َربُّ َ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ال ْ ي‬ ‫قال تعاىل‪  :‬إي ْذ قَ َ‬
‫يسى ابْ َن َم ْرَميَ َه ْل يَ ْستَط ُ‬ ‫احلََواريُّو َن ًَّي ع َ‬
‫يد أَن َّنخْ ُك َل‬‫ني (‪ )112‬قَالُوا نُير ُ‬ ‫يي‬
‫اَّللَ إين ُكنتُم ُّم ْؤمن َ‬
‫ال اتخ ُقوا خ‬ ‫َعلَْي نَا َمائي َدةً يِم َن ال خس َم ياء ۖ قَ َ‬
‫ين (‪)113‬‬ ‫يي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ص َدقْ تَنَا َونَ ُكو َن َعلَْي َها م َن الشخاهد َ‬ ‫مْن َها َوتَطْ َمئ خن قُلُوبُنَا َونَ ْعلَ َم أَن قَ ْد َ‬
‫يدا ِيألَخولينَا‬
‫يسى ابْ ُن َم ْرَميَ اللخ ُه خم َربخنَا أَن يزْل َعلَْي نَا َمائي َدةً يِم َن ال خس َم ياء تَ ُكو ُن لَنَا عي ً‬ ‫قَ َ ي‬
‫ال ع َ‬
‫ي‬
‫اَّللُ إييِّن ُمنَ ِيزَُلَا َعلَْي ُك ْم ۖ‬
‫ال خ‬ ‫ني (‪ )114‬قَ َ‬ ‫َنت َخ ْريُ الخرا يزق َ‬
‫نك ۖ َو ْارُزقْ نَا َوأ َ‬ ‫آخ يرًَن َوآيَةً يِم َ‬
‫وي‬
‫َ‬
‫ني (‪. )115‬‬ ‫ي‬ ‫فَمن ي ْك ُفر ب ع ُد يمن ُكم فَإييّن أُع ِيذبه ع َذاًب خال أُع ِيذبه أ ي‬
‫َح ًدا ِم َن الْ َعالَم َ‬
‫ْ ِ َ ُُ َ ً َ ُُ َ‬ ‫َ َ ْ َْ‬
‫‪ -‬وعند ذلك قام عيسى عليه السالم ودعا ربه وتضرع إليه وسأله أن ُجيابوا إىل‬
‫ما طلبوا‪ ،‬فأنزل هللا تبارك وتعاىل مائدةً من السماء والناس ينظرون إليها تنحدر‬
‫ليال وكلما دنت دعا عيسى ربه جال وعال أن‬ ‫قليال ق ً‬
‫بني غمامتني وجعلت تدنو ً‬
‫وسالما‪ ،‬فلم تزل تدنو حىت استقرت بني‬
‫ً‬ ‫جيعلها رمحةً ال نقمة‪ ،‬وأن جيعلها بركةً‬
‫يدي عيسى عليه السالم وهي مغطاةٌ ِبنديل‪ ،‬فقام عيسى عليه السالم بكشفها‬
‫مثار‬
‫وهو يقول‪ :‬بسم هللا خري الرازقني‪ ،‬فإذا عليها سبعةٌ من احليتان وسبعة أرغفة‪ ،‬و ٌ‬
‫َلا رائحةٌ عظيمةٌ ج ًدا‪ ،‬مث أمرهم ًبألكل منها‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال َّنكل حىت َتكل فقال‬
‫إنكم الذين ابتدأمت ًبلسؤال‪ ،‬فأبوا أن أيكلوا منها ابتداءً‪ ،‬فأمر عيسى عليه السالم‬
‫الفقراء واملحاويج واملرضى وكانوا قريبًا من ألف وثالمثائة فأكلوا منها فربأ كل من‬
‫َ‬
‫به عاهةٌ أو آفةٌ أو مرض‪.‬‬
‫قال ابن كث ٍري رمحه هللا تعاىل‪:‬‬
‫وقيل إِنا كانت تنزل كل ٍ‬
‫يوم مرةً فيأكل آخرهم كما أيكل أوَلم حىت قيل إِنا‬
‫كان أيكل منها حنو سبعة ٍ‬
‫آالف‪.‬‬
‫مث كانت تنزل يوما بعد ٍ‬
‫يوم وهكذا‪ ،‬مث أمر هللا عيسى أن يُقصرها على الفقراء أو‬ ‫ً‬
‫احملاويج دون األغنياء فشق ذلك على كثري منهم‪ .‬وتكلم املنافقون يف ذلك ُفرفعت‬
‫ًبلكلية‪.‬‬
‫(( كل هذه من اإلسرائيليات هذه التفاصيل من اإلسرائيليات أما أصل املائدة‬
‫فقد نزل يف القرآن الكرمي كما مسعنا ))‪.‬‬
‫وهذه اإلسرائيليات اليت تذكر عن بعض الصحابة والتابعني وكعب األحبار وغريها‬
‫موقفنا منها ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ )1‬القسم الذي يؤيده القرآن نصدقه‪.‬‬
‫‪ )2‬والقسم الذي يكذبه القرآن نُكذبه‪.‬‬
‫بصدق وال ٍ‬
‫كذب فال نصدقه وال نكذبه‬ ‫‪ )3‬والقسم الذي ال ُيكم القرآن فيه ٍ‬
‫وجيوز أن نرويه‪.‬‬
‫وهذا الذي معنا اآلن من القسم الثالث‪.‬‬
‫حلما أو كان عليها حيتان يعين مسك أو كان عليها‬
‫هذه التفاصيل هل كان عليها ً‬
‫أرغفة أو كان عليها ماذا؟ هذه التفاصيل مل ي‬
‫أيت القرآن بتكذيبها وال بتصديقها‬
‫فيجوز لنا أن نرويها‪ ،‬وال نكذب يف مثل هذه التفاصيل‪.‬‬

‫علي متعم ادا‬


‫لقول النيب ﷺ‪” :‬حدثوا عن بين إسرائيل وال حرج ومن كذب ّ‬
‫فليتبوأ مقعده من النار“‪.‬‬
‫كيف ُرفع عيسى عليه السالم إىل السماء؟‬
‫صحيح عن ابن ٍ‬
‫عباس رضي هللا عنهما قال‪” :‬ملا أراد هللا‬ ‫ٍ‬ ‫روى ابن كث ٍري يف ٍ‬
‫سند‬
‫رجال من‬
‫أن يرفع عيسى إىل السماء خرج على أصحابه ويف البيت اثنا عشر ً‬
‫ني يْ يف البيت ورأسه يقطر ماءً فقال‪ :‬إن منكم من‬
‫احلواريني‪ ،‬فخرج عليهم من ع ٍ‬
‫يكفر يب اثين عشرة مرةً بعد أن آمن يب‪ ،‬مث قال‪ :‬أيكم يُل َقى عليه شبهي فيُقتل‬
‫مكاّن فيكون معي يف درجيت؟‬
‫شاب من أحداثهم فقال‪ :‬أًن‪ ،‬فقال له‪ :‬اجلس‪ ،‬مث أعاد مقالته فقام ذلك‬ ‫فقام ٌ‬
‫ورفع‬ ‫ٍ‬
‫الشاب ثالث مرات‪ .‬فقال‪ :‬هو ذاك‪ ،‬فأُلقي عليه شبه عيسى عليه السالم ُ‬
‫عيسى من روز ٍنة يف البيت إىل السماء‪.‬‬
‫(والروزنة‪ :‬هي الفتحة اليت تفتح يف السقف)‪.‬‬
‫وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبيه فقتلوه مث صلبوه فكفر به بعضهم اثين‬
‫عشرة مرة بعد أن آمن به وافرتقوا ثالث ٍ‬
‫فرق‪:‬‬
‫فقالت فرقة‪ :‬كان هللا فينا ما شاء هللا مث صعد إىل السماء وهؤالء اليعقوبية‪.‬‬
‫وقالت فرقة‪ :‬كان فينا ابن هللا ما شاء مث رفعه هللا إليه وهؤالء النسطورية‪.‬‬
‫وقالت فرقة‪ :‬كان فينا عبد هللا ورسوله ما شاء مث رفعه هللا إليه وهؤالء املسلمون‪.‬‬

‫طامسا حىت بعث هللا‬


‫فتظاهرت الكافراتن على املسلمة فقتلوها فلم يزل اإلسالم ً‬
‫حمم ًدا ﷺ‪.‬‬

‫ي‬ ‫خي‬
‫آمنُوا َعلَ َٰى َع ُد ِيوه ْم فَأ ْ‬
‫َصبَ ُحوا‬ ‫ين َ‬
‫قال ابن عباس‪ :‬وذلك قوله تعاىل‪  :‬فَأَيخ ْد ًَن الذ َ‬
‫ي‬
‫ظَاه ير َ‬
‫ين (‪. )14‬‬
‫‪ -‬إذن الذي قتل هو الشبيه وليس عيسى عليه السالم ‪.‬‬

‫صلَبُوهُ َوَٰلَكين ُشبِيهَ ََلُْم ۚ‪‬‬


‫قال تعاىل‪َ  :‬وَما قَتَلُوهُ َوَما َ‬
‫ومن عقيدتنا يف عيسى عليه السالم أن هللا عز وجل رفعه إىل السماء حيًا وأنه‬
‫سوف ينزل يف آخر الزمان‪ ،‬كما أخرب النيب ﷺ أنه يكسر الصليب‪ ،‬ويقتل اخلنزير‬
‫وال يقبل اجلزية وإَّنا يدعو الناس مجيعا إىل اإلسالم إىل شريعة ٍ‬
‫حممد ﷺ‪.‬‬ ‫ً‬
‫أيها اإلخوة الفضالء نرجو التكرم ًبإلجابة على هذه األسئلة‪:‬‬

‫اذكر ًبلتفصيل ثالث معجزات من معجزات عيسى عليه السالم‪.‬‬

‫اذكر خرب املائدة اليت نزلت من السماء‪.‬‬


‫واذكر الرواًّيت الواردة فيها من كتاب البداية والنهاية لإلمام ابن كث ٍري رمحه هللا‬
‫تعاىل‪.‬‬

‫كيف ُرفع عيسى عليه السالم إىل السماء؟‬

‫أسأل هللا تبارك وتعاىل أن جيعلين وإًّيكم من الذين يستمعون القول فيتبعون‬
‫أحسنه‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورمحة هللا وبركاته‪.‬‬

You might also like