You are on page 1of 5

‫السؤال‪ 

:‬سئل شيخ اإلسالم فيمن عزم على فعل محرم هل يأثم بمجرد العزم؟‬
‫اإلجابة‪ :‬ما تقول السادة‪ ‬العلماء‪ ‬فيمن عزم على فعل محرم‪ ،‬كالزنا والسرقة‪ ،‬وشرب الخمر عز ًما جاز ًما فعجز عن فعله‪ :‬إما‬
‫بموت‪ ،‬أو غيره‪.‬‬
‫هل يأثم بمجرد العزم أم ال؟ وإن قلتم‪ :‬يأثم‪ ،‬فما جواب من يحتج على عدم اإلثم بقوله‪" ‬إذا هم عبدي بسيئة ولم يعملها لم‬
‫تكتب عليه" وبقوله" إن هّللا تجاوز ألمتي عما حدثت به أنفسها‪ ،‬مالم تعمل أو تتكلم" واحتج به من وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه‬
‫أخبر بالعفو عن حديث‪ ‬النفس‪ ،‬والعزم داخل في العموم‪ T‬والعزم والهم واحد‪.‬‬
‫قاله ابن سيده‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه جعل التجاوز ممتدا إلى أن يوجد كالم أو عمل‪ ،‬وما قبل ذلك داخل في حد التجاوز‪ ،‬ويزعم أال داللة في‬
‫قول‪ ‬النبي‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪" ‬إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في‪ ‬النار"؛ ألن الموجب لدخول المقتول في‬
‫النار مواجهته أخيه‪ ،‬ألنه عمل ال مجرد قصد‪ ،‬وأال داللة في قوله صلى هللا عليه وسلم في الذي قال‪" ‬لو أن لي ماال لفعلت‬
‫وفعلت‪ ،‬إنهما في اإلثم سواء وفي األجر سواء"؛ ألنه تكلم‪ ،‬والنبي صلى هللا عليه وسلم قال‪" ‬ما لم تعمل به أو تتكلم" وهذا‬
‫قد تكلم‪ ،‬وقد وقع في هذه المسألة كالم كثير‪.‬‬
‫واحتيج إلى بيانها مطواًل مكشوفًا مستوفًا‪.‬‬
‫فأجاب شيخ اإلسالم‪ ‬ابن تيمية‪ ‬قدس هّللا روحه ونور ضريحه‪ :‬‬
‫الحمد هّلل ‪ ،‬هذه المسألة ونحوها تحتاج قبل الكالم في حكمها إلى حسن التصور لها‪ ،‬فإن اضطراب الناس في هذه المسائل وقع‬
‫عامته من أمرين‪ :‬‬
‫أحدهما‪ :‬عدم تحقيق أحوال‪ ‬القلوب‪ ‬وصفاتها‪ ،‬التي هي مورد الكالم‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬عدم إعطاء األدلة الشرعية حقها‪ ،‬ولهذا كثر اضطراب كثير من الناس في هذا الباب‪ ،‬حتى يجد الناظر في كالمهم‬
‫أنهم يدعون إجماعات متناقضة في الظاهر‪.‬‬
‫فينبغي أن يعلم أن كل واحـد من صفات الحي التي هي‪ ‬العلم‪ ‬والقدرة واإلرادة ونحوها له من المراتب ما بين أوله وآخره ماال‬
‫يضبطه العباد‪ :‬كالشك‪ ،‬ثم الظن‪ ،‬ثم العلم‪ ،‬ثم‪ ‬اليقين‪ ،‬ومراتبه؛ وكذلك‪ ‬الهم‪ ‬واإلرادة والعزم وغير ذلك؛ ولهذا كان الصواب‬
‫عند جماهير أهل السنة وهو ظاهر مذهب أحمـد‪ ،‬وهو أصح الروايتين عنه‪ ،‬وقول أكثر أصحابه أن العلم والعقل ونحوهما‬
‫يقبل الزيادة والنقصان‪ ،‬بل وكذلك الصفات التي تقوم بغير الحي‪ :‬كاأللوان والطعوم واألرواح‪.‬‬
‫فنقول أواًل ‪ :‬اإلرادة الجازمة هي التي يجب وقوع الفعل معها‪ ،‬إذا كانت القدرة حاصلة فإنه متى وجدت اإلرادة الجازمة مع‬
‫القدرة التامة وجب وجود الفعل‪ ،‬لكمال وجود المقتضى السالم عن المعارض المقاوم‪ ،‬ومتي وجدت اإلرادة والقدرة التامة ولم‬
‫يقع الفعل لم تكن اإلرادة جازمة‪ ،‬وهو إرادات الخلق لما يقدرون عليه من األفعال‪ ،‬ولم يفعلوه‪ ،‬وإن كانت هذه اإلرادات‬
‫متفاوتة في القوة والضعف تفاوتًا كثي ًرا؛ لكن حيث لم يقع الفعل المراد مع وجود القدرة التامة فليست اإلرادة جازمة جز ًما‬
‫تا ًما‪.‬‬
‫وهذه المسألة إنما كثر فيها النزاع؛ ألنهم قدروا إرادة جازمة للفعل ال يقترن بها شيء من الفعل‪ ،‬وهذا ال يكون‪ .‬وإنما يكون‬
‫ذلك في العزم على أن يفعل‪ ،‬فقد يعزم على الفعل في المستقبل من ال يفعل منه شيئا في الحال‪ ،‬والعزم على أن يفعل في‬
‫المستقبل ال يكفي في وجود الفعل‪ ،‬بل البد عند وجوده من حدوث تمام اإلرادة المستلزمة للفعل‪ ،‬وهذه هي اإلرادة الجازمة‪.‬‬
‫واإلرادة الجازمة إذا فعل معها اإلنسان ما يقدر عليه كان في الشرع بمنزلة الفاعل التام‪ :‬له ثواب الفاعل التام‪ ،‬وعقاب‬
‫الفاعل التام الذي فعل جميع الفعل المراد‪ ،‬حتى يثاب ويعاقب على ما هو خارج عن محل قدرته‪ ،‬مثل المشتركين والمتعاونين‬
‫سنة حسنة‪ ،‬وسنة سيئة‪ ،‬كما ثبت‬ ‫سان ّ‬
‫على أفعال البر‪ ،‬ومنها ما يتولد عن فعل اإلنسان كالداعي إلى هدى أو إلى ضاللة‪ ،‬وال ّ‬
‫في الصحيحين عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪" ‬من دعا إلى هدى كان له من األجر مثل أجور من تبعه‪ ،‬من غير أن‬
‫ينقص من أجورهم شيء‪ ،‬ومن دعا إلى ضاللة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه‪ ،‬من غير أن ينقص أوزارهم‬
‫شيء"‪ ،،‬وثبت عنه في الصحيحين أنه قال‪" ‬من سن سنة حسنة كان له أجرها‪ ،‬وأجر من عمل بها إلى يوم‪ ‬القيامة‪ ،‬من غير‬
‫أن ينقص من أجورهم شيء"‪.‬‬
‫فالداعي إلى الهدى وإلى الضاللة‪ ،‬هو طالب مريد كامل الطلب واإلرادة لما دعا إليه‪ ،‬لكن قدرته بالدعاء واألمر‪ ،‬وقدرة‬
‫صيبُ ُه ْم ظَ َمأ ٌ َواَل‬ ‫الفاعل باإلتباع والقبول؛ ولهذا قرن هّللا تعالى في كتابه بين األفعال المباشرة والمتولدة فقال‪َ { :‬ذلِكَ بِأَنَّ ُه ْم اَل يُ ِ‬
‫صالِ ٌح إِنَّ هَّللا َ اَل‬‫ار َواَل يَنَالُونَ ِمنْ َعد ٍُّو نَ ْياًل إِاَّل ُكتِ َب لَ ُه ْم بِ ِه َع َم ٌل َ‬ ‫سبِي ِل هَّللا ِ َواَل يَطَئُونَ َم ْو ِطئًا يَ ِغيظُ ا ْل ُكفَّ َ‬ ‫صةٌ فِي َ‬ ‫ب َواَل َم ْخ َم َ‬ ‫ص ٌ‬‫نَ َ‬
‫سنَ َما َكانُوا يَ ْع َملُونَ }‬ ‫يرةً َواَل يَ ْقطَعُونَ َوا ِديًا إِاَّل ُكتِ َب لَ ُه ْم لِيَ ْج ِزيَ ُه ْم هَّللا ُ أَ ْح َ‬ ‫ص ِغي َرةً َواَل َكبِ َ‬ ‫سنِينَ ‪َ .‬واَل يُنفِقُونَ نَفَقَةً َ‬ ‫ضي ُع أَ ْج َر ا ْل ُم ْح ِ‬ ‫يُ ِ‬
‫[التوبة‪.]120-121 :‬‬
‫فذكر في اآلية األولى ما يحدث عن أفعالهم بغير قدرتهم المنفردة‪ ،‬وهو ما يصيبهم من العطش والجوع والتعب‪ ،‬وما يحصل‬
‫للكفار بهم من الغيظ‪ ،‬وما ينالونه من العدو‪.‬‬
‫صالِ ٌح}‪ ،‬فأخبر أن هذه األمور التي تحدث وتتولد من فعلهم وفعل آخر منفصل عنهم يكتب لهم بها‬ ‫وقال‪ُ { :‬كتِ َب لَ ُه ْم بِ ِه َع َم ٌل َ‬
‫عمل صالح‪ ،‬وذكر في اآلية الثانية نفس أعمالهم المباشرة التي باشروها بأنفسهم‪ :‬وهي اإلنفاق‪ ،‬وقطع المسافة‪ ،‬فلهذا قال‬
‫فيها‪{ :‬إِاَّل ُكتِ َب لَ ُه ْم} فإن هذه نفسها عمل صالح‪ ،‬وإرادتهم في الموضعين جازمة على مطلوبهم الذي هو أن يكون الدين كله‬
‫هّلل ‪ ،‬وأن تكون كلمة هّللا هي العليا‪ ،‬فما حدث مع هذه اإلرادة الجازمة من األمور التي تعين فيها قدرتهم بعض اإلعانة هي لهم‬
‫عمل صالح‪.‬‬
‫وكذلك الداعي إلى الهدى والضاللة‪ ،‬لما كانت إرادته جازمة كاملة في هدي األتباع وضاللهم‪ ،‬وأتى من اإلعانة على ذلك بما‬
‫يقدر عليه‪ ،‬كان بمنزلة العامل الكامل‪ ،‬فله من الجزاء مثل جزاء كل من اتبعه‪ :‬للهادي مثل أجور المهتدين‪ ،‬وللمضل مثل‬
‫أوزار الضالين وكذلك السان سنة حسنة وسنة سيئة؛ فإن السنة هي ما رسم للتحري‪ ،‬فإن السان كامل اإلرادة لكل ما يفعل‬
‫من ذلك‪ ،‬وفعله بحسب قدرته‪.‬‬
‫ومن هذا‪ :‬قوله في الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪" ‬ال تقتل نفس ظل ًما إال كان‬
‫على ابن آدم األول كفل من دمها؛ ألنه أول من سن القتل"‪ ،‬فالكفل النصيب مثل نصيب القاتل‪.‬‬
‫كما فسره الحديث اآلخر‪ ،‬وهو كما استباح جنس قتل المعصوم‪ ،‬لم يكن مانع يمنعه من قتل نفس معصومة‪ ،‬فصار شري ًكا في‬
‫ض فَ َكأَنَّ َما‬ ‫سا ٍد فِي اأْل َ ْر ِ‬ ‫س أَ ْو فَ َ‬ ‫سا بِ َغ ْي ِر نَ ْف ٍ‬ ‫س َرائِي َل أَنَّهُ َمنْ قَتَ َل نَ ْف ً‬ ‫قتل كل نفس‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪ِ { :‬منْ أَ ْج ِل َذلِ َك َكتَ ْبنَا َعلَى بَنِي إِ ْ‬
‫اس َج ِمي ًعا} [المائدة‪.]32 :‬‬ ‫اس َج ِمي ًعا َو َمنْ أَ ْحيَاهَا فَ َكأَنَّ َما أَ ْحيَا النَّ َ‬ ‫قَتَ َل النَّ َ‬
‫سلِينَ } [الشعراء‪]105 :‬‬ ‫ويشبه هذا أنه من كذب رسواًل معينًا كان كتكذيب جنس الرسل‪ ،‬كما قيل فيه‪َ { :‬ك َّذبَتْ قَ ْو ُم نُ ٍ‬
‫وح ا ْل ُم ْر َ‬
‫سلِينَ } [الشعراء‪ ]123 :‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫{ َك َّذبَتْ عَا ٌد ا ْل ُم ْر َ‬
‫سبِيلَنَا َو ْلنَ ْح ِم ْل َخطَايَا ُك ْم َو َما ُه ْم بِ َحا ِملِينَ ِمنْ َخطَايَا ُه ْم ِمنْ‬ ‫ومن هذا الباب قوله تعالى‪َ { :‬وقَا َل الَّ ِذينَ َكفَ ُروا لِلَّ ِذينَ آ َمنُوا اتَّبِ ُعوا َ‬
‫سأَلُنَّ يَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِة َع َّما َكانُوا يَ ْفتَرُونَ } [ العنكبوت‪]13 -12 :‬‬ ‫َي ٍء إِنَّ ُه ْم لَ َكا ِذبُونَ ‪َ .‬ولَيَ ْح ِملُنَّ أَ ْثقَالَ ُه ْم َوأَ ْثقَااًل َم َع أَ ْثقَالِ ِه ْم َولَيُ ْ‬
‫ش ْ‬
‫فأخبر أن أئمة الضالل ال يحملون من خطايا األتباع شيئًا‪ ،‬وأخبر أنهم يحملون أثقالهم‪ ،‬وهي أوزار األتباع‪ ،‬من غير أن‬
‫ينقص من أوزار األتباع شيء؛ ألن إرادتهم كانت جازمة بذلك‪ ،‬وفعلوا مقدورهم‪ ،‬فصار لهم جزاء كل عامل؛ ألن الجزاء على‬
‫العمل يستحق مع اإلرادة الجازمة‪ ،‬وفعل المقدور منه‪.‬‬
‫وهو كما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس عن أبي سفيان‪ :‬أن النبي صلى هللا عليه وسلم كتب إلى هرقل"فإن توليت‬
‫فإن عليك إثم األريسيين"‪ ،‬فأخبر أن هرقل لما كان إمامهم المتبوع في دينهم أن عليه إثم األريسيين‪ ،‬وهم األتباع‪ ،‬وإن كان‬
‫قد قيل‪ :‬أن أصل هذه الكلمة من الفالحين واألكرة‪ ،‬كلفظ الطاء بالتركي‪ ،‬فإن هذه الكلمة تقلب إلى ما هو أعم من ذلك‪ ،‬ومعلوم‬
‫أنه إذا تولى عن اتباع الرسول كان عليه مثل آثامهم من غير أن ينقص من آثامهم شيء كما دل عليه سائر نصوص الكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬
‫ستَ ْكبِرُونَ ‪ .‬اَل َج َر َم أَنَّ هَّللا َ يَ ْعلَ ُم َما‬ ‫ومن هذا قوله تعالى‪{ :‬إِلَ ُه ُك ْم إِلَهٌ َوا ِح ٌد فَالَّ ِذينَ اَل يُؤْ ِمنُونَ بِاآْل ِخ َر ِة قُلُوبُ ُه ْم ُمن ِك َرةٌ َو ُه ْم ُم ْ‬
‫َار ُه ْم َكا ِملَةً يَ ْو َم‬ ‫اطي ُر اأْل َ َّولِينَ ‪ِ .‬ليَ ْح ِملُوا أَ ْوز َ‬ ‫س ِ‬ ‫ستَ ْكبِ ِرينَ ‪َ .‬وإِ َذا قِي َل لَ ُه ْم َما َذا أَن َز َل َربُّ ُك ْم قَالُوا أَ َ‬ ‫س ُّرونَ َو َما يُ ْعلِنُونَ إِنَّهُ اَل يُ ِح ُّب ا ْل ُم ْ‬ ‫يُ ِ‬
‫ضلُّونَ ُه ْم بِ َغ ْي ِر ِع ْل ٍم} [النحل‪.]22-25 :‬‬ ‫ا ْلقِيَا َم ِة َو ِمنْ أَ ْوزَا ِر الَّ ِذينَ يُ ِ‬
‫ضلُّونَ ُهم} [النحل‪ ]25 :‬هي األوزار الحاصلة لضالل األتباع‪ ،‬وهي حاصلة من جهة اآلمر‪ ،‬ومن‬ ‫فقوله‪َ { :‬و ِمنْ أَ ْوزَا ِر الَّ ِذينَ يُ ِ‬
‫جهة المأمور الممتثل‪ ،‬فالقدرتان مشتركتان في حصول ذلك الضالل؛ فلهذا كان علي هذا بعضه‪ ،‬وعلى هذا بعضه‪ ،‬إال أن كل‬
‫بعض من هذين البعضين هو مثل وزر عامل كامل‪ ،‬كما دلت عليه سائر النصوص‪ ،‬مثل قوله"من دعا إلى الضاللة كان عليه‬
‫وزرها ووزر من عمل بها إلى‪ ‬يوم القيامة"‪.‬‬
‫س فِي النَّا ِر ُكلَّ َما د ََخلَتْ أُ َّمةٌ لَ َعنَتْ أُ ْختَ َها َحتَّى‬ ‫ومن هذا الباب قوله تعالى‪{ :‬قَا َل اد ُْخلُوا فِي أُ َم ٍم قَ ْد َخلَتْ ِمنْ قَ ْبلِ ُك ْم ِمنْ ا ْل ِجنِّ َواإْل ِ ن ِ‬
‫ضعْفٌ َولَ ِكنْ اَل تَ ْعلَ ُمونَ }‬ ‫ض ْعفًا ِمنْ النَّا ِر قَا َل لِ ُك ٍّل ِ‬ ‫ضلُّونَا فَآتِ ِه ْم َع َذابًا ِ‬ ‫إِ َذا ادَّا َر ُكوا‪ T‬فِي َها َج ِمي ًعا قَالَتْ أُ ْخ َرا ُه ْم أِل ُواَل ُه ْم َربَّنَا َه ُؤاَل ِء أَ َ‬
‫[األعراف‪.]38 :‬‬
‫فأخبر سبحانه أن األتباع دعوا على أئمة الضالل بتضعيف العذاب‪ ،‬كما أخبر عنهم بذلك في قوله تعالى‪َ { :‬وقَالُوا َربَّنَا إِنَّا أَطَ ْعنَا‬
‫ب َوا ْل َع ْن ُه ْم لَ ْعنًا َكبِي ًرا} [األحزاب‪.]68 -67 :‬‬ ‫ض ْعفَ ْي ِن ِمنْ ا ْل َع َذا ِ‬
‫سبِي َل‪َ .‬ربَّنَا آتِ ِه ْم ِ‬ ‫ضلُّونَا ال َّ‬ ‫سا َدتَنَا َو ُكبَ َرا َءنَا فَأ َ َ‬
‫َ‬
‫وأخبر سبحانه أن لكل من المتبعين واألتباع تضعيفًا من العذاب‪.‬‬
‫ولكن ال يعلم األتباع التضعيف‪.‬‬
‫ولهذا وقع عظيم المدح والثناء ألئمة الهدى‪ ،‬وعظيم الذم واللعنة ألئمة الضالل‪ ،‬حتى روى في أثر ال يحضرني إسناده‪" ‬أنه‬
‫ما من عذاب في النار إال يبدأ فيه بإبليس ثم يصعد بعد ذلك إلى غيره‪ ،‬وما من نعيم في‪ ‬الجنة‪ ‬إال يبدأ فيه بالنبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم ثم ينتقل إلى غيره" فإنه هو اإلمام المطلق في الهدى ألول بني آدم وآخرهم‪.‬‬
‫كما قال‪" ‬أنا سيد ولد آدم وال فخر‪ ،‬آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة وال فخر"‪ ،‬وهو شفيع األولين واآلخرين‬
‫فيالحساب‪ ‬بينهم؛ وهو أول من يستفتح باب الجنة‪ ،‬وذلك أن جميع الخالئق أخذ هّللا عليهم ميثاق‪ ‬اإليمان‪ ‬به كما أخذ على كل‬
‫ب َو ِح ْك َم ٍة ثُ َّم‬ ‫نبي أن يؤمن بمن قبله من األنبياء؛ ويصدق بمن بعده‪ ،‬قال تعالى‪َ { :‬وإِ ْذ أَ َخ َذ هَّللا ُ ِميثَا َ‬
‫ق النَّبِيِّينَ لَ َما آتَ ْيتُ ُك ْم ِمنْ ِكتَا ٍ‬
‫ص ُرنَّهُ} اآلية [آل عمران‪.]81 :‬‬ ‫ق لِ َما َم َع ُك ْم لَتُؤْ ِمنُنَّ بِ ِه َولَتَ ْن ُ‬‫ص ِّد ٌ‬‫سو ٌل ُم َ‬ ‫َجا َء ُك ْم َر ُ‬
‫فافتتح الكالم بالالم الموطئة للقسم التي يؤتي بها إذا اشتمل الكالم على قسم وشرط؛ وأدخل الالم على ما الشرطية ليبين‬
‫العموم‪ ،‬ويكون المعنى‪ :‬مهما آتيكم من كتاب وحكمة فعليكم إذا جاءكم ذلك النبي المصدق اإليمان به ونصره‪.‬‬
‫كما قال ابن عباس‪ :‬ما بعث هّللا نبيا إال أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه‪.‬‬
‫وهّللا تعالى قد نوه بذكره وأعلنه في المأل األعلى‪ ،‬ما بين خلق جسد آدم ونفخ الروح فيه‪ ،‬كما في حديث ميسرة‪ ‬الفجرقال‪، :‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول هّللا ! متى كنت نبيًا؟ وفي رواية متى كتبت نبيًا ؟ فقال‪" ‬وآدم بين الروح والجسد" رواه أحمد‪.‬‬
‫وكذلك في حديث العرباض بن سارية الذي رواه أحمد وهو حديث حسن عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪" ‬إني عند هّللا‬
‫لخاتم النبيين‪ ،‬وإن آدم لمنجدل في طينته" الحديث‪.‬‬
‫فكتب هّللا وقدر في ذلك‪ ‬الوقت‪ ،‬وفي تلك الحال أمر إمام الذرية كما كتب وقدر حال المولود من ذرية آدم بين خلق جسده‬
‫ونفخ الروح فيه‪ ،‬كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود ‪.‬‬
‫فمن آمن به من األولين واآلخرين أثيب على ذلك‪ ،‬وإن كان ثواب من آمن به وأطاعه في الشرائع المفصلة أعظـم من ثـواب‬
‫من لم يأت إال باإليمان المجمل‪ ،‬على أنه إمام مطلق لجميع الذرية‪ ،‬وإن له نصيبا من إيمان كل مؤمن من األولين واآلخرين‪،‬‬
‫كما أن كل ضالل وغواية في‪ ‬الجن‪ ‬واإلنس إلبليس منه نصيب‪ ،‬فهذا يحقق األثر المروي ويؤيد ما في نسخة شعيب بن أبي‬
‫حمزة عن الزهري عن النبي صلى هللا عليه وسلم مرساًل إما من مراسيل الزهري‪ ،‬وإما من مراسيل من فوقه من التابعين‬
‫قال‪" ‬بعثت داعيًا وليس إلى من الهداية شيء‪ ،‬وبعث إبليس مزينا ومغويا وليس إليه من الضاللة شيء"‪.‬‬
‫ومما يدخل في هذا الباب من بعض الوجوه‪ :‬قوله في الحديث الذي في السنن"‪ ‬وزنت باألمة فرجحت‪ ،‬ثم وزن أبو بكر باألمة‬
‫فرجح‪ ،‬ثم وزن عمر باألمة فرجح‪ ،‬ثم رفع الميزان"‪.‬‬
‫راجحا باألمة فظاهر؛ ألن له مثل أجر جميع األمة مضافا إلى أجره‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فأما كون النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫وأما أبو بكر وعمر؛ فألن لهما معاونة مع اإلرادة الجازمة في إيمان األمة كلها‪ ،‬وأبو بكر كان في ذلك سابقًا لعمر وأقوى‬
‫إرادة منه‪ ،‬فإنهما هما اللذان كانا يعاونان النبي صلى هللا عليه وسلم على إيمان األمة في دقيق األمور وجليلها؛ في محياه‬
‫وبعد وفاته‪.‬‬
‫ولهذا سأل أبو سفيان يوم أحد‪" ‬أفي القوم محمد؟ أفي القوم‪ T‬ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال النبي ال تجيبوه‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أما هؤالء فقد كفيتموهم‪ .‬فلم يملك عمر نفسه أن قال‪ :‬كذبت ياعدو هّللا ! إن الذي ذكرت ألحياء وقد بقى لك ما‬
‫يسوؤك"‪ ‬رواه‪ ‬البخاري‪ ‬ومسلم من حديث البراء بن عازب‪ ،‬فأبو سفيان رأس الكفر حينئذ لم يسأل إال عن هؤالء الثالثة؛‬
‫ألنهم قادة المؤمنين‪.‬‬
‫كما ثبت في الصحيحين أن علي بن أبي طالب لما وضعت جنازة عمر قال‪ :‬وهّللا ما على وجه األرض أحد أحب أن ألقي هّللا‬
‫بعمله من هذا المسجي‪ ،‬وهّللا إني ألرجو أن يحشرك هّللا مع صاحبيك‪ ،‬فإني كثي ًرا ما كنت أسمع النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫يقول‪" ‬دخلت أنا وأبو بكر وعمر‪ ،‬وخرجت أنا وأبو بكر وعمر‪ ،‬وذهبت أنا وأبو بكر وعمر"‪.‬‬
‫وأمثال هذه النصوص كثيرة‪ ،‬تبين سبب استحقاقهما أن كان لهما مثل أعمال جميع األمة‪ ،‬لوجود اإلرادة الجازمة مع التمكن‬
‫من القدرة على ذلك كله‪ ،‬بخالف من أعان على بعض ذلك دون بعض‪ ،‬ووجدت منه إرادة في بعض ذلك دون بعض‪.‬‬
‫ضا فالمريد إرادة جازمة مع فعل المقدور هو بمنزلة العامل الكامل‪ ،‬وإن لم يكن إما ًما وداعيًا‪ ،‬كما قال سبحانه‪{ :‬اَل‬ ‫وأي ً‬
‫ض َل هَّللا ُ ا ْل ُم َجا ِه ِدينَ بِأ َ ْم َوالِ ِه ْم‬
‫س ِه ْم فَ َّ‬ ‫سبِي ِل هَّللا ِ بِأ َ ْم َوالِ ِه ْم َوأَنفُ ِ‬
‫ض َر ِر َوا ْل ُم َجا ِهدُونَ فِي َ‬‫ستَ ِوي ا ْلقَا ِعدُونَ ِمنْ ا ْل ُمؤْ ِمنِينَ َغ ْي ُر أُ ْولِي ال َّ‬ ‫يَ ْ‬
‫ض َل هَّللا ُ ا ْل ُم َجا ِه ِدينَ َعلَى ا ْلقَا ِع ِدينَ أَ ْج ًرا َع ِظي ًما‪ .‬د ََر َجا ٍ‬
‫ت ِم ْنهُ َو َم ْغفِ َرةً‬ ‫سنَى َوفَ َّ‬ ‫س ِه ْم َعلَى ا ْلقَا ِع ِدينَ َد َر َجةً َو ُكاًّل َو َع َد هَّللا ُ ا ْل ُح ْ‬
‫َوأَنفُ ِ‬
‫َو َر ْح َمةً َو َكانَ هَّللا ُ َغفُو ًرا َر ِحي ًما} [النساء‪.]96 -95 :‬‬
‫فاهّلل تعالى نفى المساواة بين المجاهد والقاعد الذي ليس بعاجز‪ ،‬ولم ينف المساواة بين المجاهد وبين القاعد العاجز‪ ،‬بل‬
‫يقال‪ :‬دليل الخطاب يقتضى مساواته إياه‪ .‬ولفظ اآلية صريح‪.‬‬
‫استثنى أولو الضرر من نفي المساواة‪ ،‬فاالستثناء هنا هو من النفي‪ ،‬وذلك يقتضي أن أولى الضرر قد يساوون القاعدين‪،‬‬
‫وإن لم يساووهم في الجميع‪ ،‬ويوافقه ما ثبت عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال في غزوة تبوك‪" ‬إن بالمدينة رجاال ما‬
‫سرتم مسيرا وال قطعتم واديا إال كانوا معكم‪ .‬قالوا‪ :‬وهم بالمدينة‪ .‬قال‪ :‬وهم بالمدينة حبسهم العذر"‪ ،‬فأخبر أن القاعد‬
‫بالمدينة الذي لم يحبسه إال العذر هو مثل من معهم في هذه الغزوة‪.‬‬
‫ومعلوم أن الذي معه في الغزوة يثاب كل واحد منهم ثواب غاز على قدر نيته‪ ،‬فكذلك القاعدون الذين لم يحبسهم إال العذر‪.‬‬
‫ومن هذا الباب‪ :‬ما ثبت في الصحيحين عن أبي موسي عن النبي صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪" ‬إذا مرض العبد أو سافر؛‬
‫كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم"‪ ،‬فإنه إذا كان يعمل في الصحة واإلقامة عمال ثم لم يتركه إال لمرض أو سفر؛ ثبت‬
‫أنه إنما ترك لوجود العجز والمشقة‪ ،‬ال لضعف النية وفتورها‪ ،‬فكان له من اإلرادة الجازمة التي لم يتخلف عنها الفعل إال‬
‫لضعف القدرة‪ ،‬ما للعامل والمسافر وإن كان قاد ًرا مع مشقة كذلك بعض‪ ‬المرض‪ ،‬إال أن القدرة الشرعية هي التي يحصل بها‬
‫سبِياًل } [آل عمران‪،]97 :‬‬ ‫ستَطَا َع إِلَ ْي ِه َ‬‫ت َمنْ ا ْ‬ ‫س ِح ُّج ا ْلبَ ْي ِ‬‫الفعل من غير مضرة راجحة‪ ،‬كما في قوله تعالى‪َ { :‬وهَّلِل ِ َعلَى النَّا ِ‬
‫س ِكينًا} [المجادلة‪ ،]4 :‬ونحو ذلك ليس المعتبر في الشرع القدرة التي يمكن وجود‬ ‫ستِّينَ ِم ْ‬ ‫ست َِط ْع فَإِ ْط َعا ُم ِ‬‫وقوله‪{ :‬فَ َمنْ لَ ْم يَ ْ‬
‫الفعل بها على أي وجه كان‪ ،‬بل البد أن تكون المكنة خالية عن مضرة راجحة‪ ،‬بل أو مكافية‪.‬‬
‫ومن هذا الباب ما ثبت عنه صلى هللا عليه وسلم أنه قال‪" ‬من جهز غازيًا فقد غزا‪ ،‬ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا"‪،‬‬
‫وقوله‪" ‬من فطر صائ ًما فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء"‪ ،،‬فإن الغزو يحتاج إلى جهاد بالنفس‪ ،‬وجهاد‬
‫بالمال‪ ،‬فإذا بذل هذا بدنه‪ ،‬وهذا ماله مع وجود اإلرادة الجازمة في كل منهما؛ كان كل منهما مجاهدًا بإرادته الجازمة ومبلغ‬
‫ضا غاز‪ ،‬وكذلك‪ ‬الصيام‪ ‬البد فيه من إمساك‪،‬‬ ‫قدرته‪ ،‬وكذلك البد للغازي من خليفة في األهل‪ ،‬فإذا خلفه في أهله بخير فهو أي ً‬
‫وال بد فيه من العشاء الذي به يتم الصوم‪ ،‬و إال فالصائم الذي ال يستطيع العشاء ال يتمكن من الصوم‪.‬‬
‫وكذلك قوله في الحديث الصحيح‪" ‬إذا أنفقت‪ ‬المرأة‪ ‬من مال زوجها غير مفسدة‪ ،‬كان لها أجرها بما أنفقت‪ ،‬ولزوجها مثل‬
‫ذلك‪ ،‬ال ينقص بعضهم من أجور بعض شيئًا" وكذلك قوله في حديث أبي موسى‪" ‬الخازن األمين الذي يعطي ما أمر به كامال‬
‫موفرا طيبة به نفسه أحد المتصدقين" أخرجاه‪.‬‬
‫وذلك أن إعطاء الخازن األمين الذي يعطي ما أمر به موف ًرا طيبة به نفسه ال يكون إال مع اإلرادة الجازمة الموافقة إلرادة‬
‫اآلمر‪ ،‬وقد فعل مقدوره وهو االمتثال‪ ،‬فكان أحد المتصدقين‪.‬‬
‫ومن هذا الباب حديث أبي كبشة األنماري الذي رواه أحمد وابن ماجه عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪" ‬إنما‪ ‬الدنياألربعة‪:‬‬
‫رجل آتاه هّللا علما وماال فهو يعمل فيه بطاعة هّللا ‪ ،‬فقال رجل‪ :‬لو أن لي مثل فالن لعملت بعمله‪ ،‬فقال النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ :‬فهما في األجر سواء"‪ ،‬وقد رواه الترمذي مطوال‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬فهذا التساوي مع (األجر والوزر) هو‬
‫في حكاية حال من قال ذلك‪ ،‬وكان صادقًا فيه‪ ،‬وعلم هّللا منه إرادة جازمة ال يتخلف عنها الفعل‪ T‬إال لفوات القدرة؛ فلهذا استويا‬
‫في الثواب والعقاب‪.‬‬
‫وليس هذه الحال تحصل لكل من قال‪( :‬لو أن لي ما لفالن لفعلت مثل ما يفعل) إال إذا كانت إرادته جازمة يجب وجود الفعل‬
‫معها إذا كانت القدرة حاصلة‪ ،‬وإال فكثير من الناس يقول ذلك عن عزم‪ ،‬لو اقترنت به القدرة النفسخت عزيمته‪ ،‬كعامة الخلق‬
‫يعاهدون وينقضون‪ ،‬وليس كل من عزم على شيء عز ًما جاز ًما قبل القدرة عليه وعدم الصوارف عن الفعل‪ T‬تبقى تلك اإلرادة‬
‫عند القدرة المقارنة للصوارف‪ ،‬كما قال تعالى‪َ { :‬ولَقَ ْد ُك ْنتُ ْم تَتَ َمنَّ ْون ا ْل َم ْوتَ ِمنْ قَ ْب ِل أَنْ تَ ْلقَ ْوهُ فَقَ ْد َرأَ ْيتُ ُموهُ َوأَ ْنتُ ْم تَ ْنظُرُونَ } [آل‬
‫عمران‪ ،]143 :‬وكما قال تعالى‪{ :‬يَاأَيُّ َها الَّ ِذينَ آَ َمنُوا لِ َم تَقُولُونَ َما اَل تَ ْف َعلُونَ } [الصف‪ ،]2 :‬وكما قال‪َ { :‬و ِم ْن ُه ْم َمنْ عَا َه َد هَّللا َ‬
‫ضلِ ِه بَ ِخلُوا بِ ِه َوت ََولَّوا َو ُه ْم ُم ْع ِرضُونَ } [التوبة‪-75 :‬‬ ‫صالِ ِحينَ ‪ .‬فَلَ َّما آتَا ُه ْم ِمنْ فَ ْ‬ ‫ص َّدقَنَّ َولَنَ ُكونَنَّ ِمنْ ال َّ‬ ‫لَئِنْ آتَانَا ِمنْ فَ ْ‬
‫ضلِ ِه لَنَ َّ‬
‫‪.]76‬‬
‫وحديث أبي كبشة في النيات مثل حديث البطاقة في الكلمات‪.‬‬
‫وهو الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن عبد هّللا بن عمرو عن النبي صلى هللا عليه وسلم‪" ‬أن رجاًل من أمة النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم ينشر هّللا له يوم القيامة تسعة وتسعين سجال كل سجل منها مدى البصر‪ ،‬ويقال له‪ :‬هل تنكر من هذا شيئًا؟ هل‬
‫ظلمتك؟ فيقول‪ :‬ال يارب‪ .‬فيقال له‪ :‬ال ظلم عليك اليوم‪ ،‬فيؤتي ببطاقة فيها‪ ‬التوحيد‪ ‬فتوضع في كفة والسجالت في كفة‪،‬‬
‫فطاشت السجالت وثقلت البطاقة"‪.‬‬
‫فهذا لما اقترن بهذه الكلمة من‪ ‬الصدق‪ ‬واإلخالص والصفاء وحسن النية‪ ،‬إذ الكلمات والعبادات وإن اشتركت في الصورة‬
‫الظاهرة‪ ،‬فإنها تتفاوت بحسب أحوال القلوب تفاوتا عظيما‪.‬‬
‫ومثل هذا الحديث الذي في حديث المرأة البغي التي سقت كلبًا فغفر هّللا لها‪ ،‬فهذا لما حصل في قلبها من حسن النية والرحمة‬
‫إذ ذاك‪ ،‬ومثله قوله صلى هللا عليه وسلم‪" ‬إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان هّللا ما يظن أن تبلغ ما بلغت؛ يكتب هّللا له بها‬
‫رضوانه إلى يوم القيامة‪ ،‬وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط هّللا ما يظن أن تبلغ ما بلغت؛ يكتب هّللا له بها سخطه إلى يوم‬
‫القيامة"‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‪ ‬‬
‫مجموع‪ ‬فتاوى‪ ‬شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا تعالى ‪ -‬الجزء العاشر‪.‬‬

You might also like