You are on page 1of 56

‫أكاديمية نبراس لتعليم القرآن الكريم‬

‫تأصيل وتطبيق‬

‫مقرر المقاصد القرآنية‬

‫إعداد فوزية بنت محمد وخي‬


‫المشرفة العامة على أكاديمية نبراس لتعليم القرآن الكريم‪.‬‬

‫دبلوم رياض القرآن‬


‫الدفعة األولى‬

‫مقتبس في عدد من محاوره من مقرر المقاصد القرآنية للدكتور‬


‫محمد الربيعة‪.‬‬

‫‪ 1441‬هـ ‪ 2019 -‬م‬


‫يحرلا نمحرلا هللا مسب م‬
‫م‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على نبيه الصادق األمين‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن اقتفى‬
‫أثره إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫فإن من أعظم ما يعين على فهم كتاب هللا تعالى ومعرفة دقائق ألفاظه ومعانيه‪ ،‬والوصول إلى‬
‫كمال هداياته وعظاته؛ معرفة مقاصده التي أُنزل من أجلها بصورة عامة‪ ،‬ومقاصد سوره وآياته‬
‫بتفصيلها‪ ،‬وذلك ألن المقاصد تهدي إلى مراد المتكلم في كالمه‪ ،‬وبالتالي العمل بما أمر ونهى‬
‫وشرع وحكم‪ ،‬ومن هنا يمكن لنا القول بأن علم المقاصد من أجل العلوم المعينة على تدبر‬
‫َََ‬
‫كتاب هللا تعالى‪ ،‬بل هي العمدة في ذلك‪ ،‬كما قال الشاطبي رحمه هللا عن قوله تعالى‪﴿ :‬أفَل‬
‫َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َ ُ ُ َ ْ ُ‬
‫وب أق َفال َها‪[ ﴾٢٤‬محمد‪ :]24 :‬فالتدبر إنما يكون لمن التفت إلى المقاصد)) )‪.(1‬‬
‫يتدبرون القرآن أم لَع قل ٍ‬

‫ومن هنا تم وضع هذا المقرر الدراسي ليتم تدريسه في أكاديمية نبراس لتعليم القرآن الكريم ‪-‬‬
‫مسار رياض القرآن‪ ،-‬ويشتمل المقرر على المحاور التالية‪:‬‬

‫احملور األول‪ :‬مقدمات أساسية‪.‬‬

‫احملور الثاين‪ :‬املقاصد العامة‪.‬‬

‫احملور الثالث‪ :‬مقاصد السور‪.‬‬

‫الموافقات (‪.)209 /4‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪1‬‬
‫احملور الرابع‪ :‬مقاصد القصص‪.‬‬

‫احملور اخلامس‪ :‬مقاصد اآلايت‪.‬‬

‫ونسأل هللا اإلخالص والقبول والتوفيق والسداد‪ ،‬وأن ينفع به وأن يكون حجة لنا يوم الدين‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫فوزية بنت محمد وخي‬
‫الثالثاء‪ 26 ،‬جمادى األولى‪1441 ،‬‬

‫‪2‬‬
‫المحور األول‪ :‬مقدمات في المقاصد‪:‬‬
‫أول‪ :‬تعريف املقاصد‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪.1‬‬
‫لغة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ميمي‬
‫ومقصد مصدر ّ‬ ‫ص َد َم َكا َن ا ْْلَْف ِل‪ :‬تَـ َو َّجهَ إِلَْيه‪َ .‬‬
‫ص ًدا‪ ،‬فهو قاصد‪ ،‬قَ َ‬
‫قص َد لـ يَقصد‪ ،‬قَ ْ‬
‫قص َد يف ‪َ /‬‬
‫قص َد إىل ‪َ /‬‬
‫قص َد ‪َ /‬‬
‫َ‬
‫من قص َد ‪ /‬قص َد إىل ‪ /‬قص َد يف ‪ /‬قص َد لـ‪ :‬قَصد و ِّاّتاه‪ .‬ومقاصد الشريعة‪ :‬األهداف اليت وضعت هلا‪ .‬وامل ْق ِ‬
‫صد‪ :‬موضع‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صد‪ .2‬اسم املكان بكسر الصاد‪.‬‬ ‫ال َق ْ‬
‫عامدا‪ ،‬م ْق ِ‬
‫صد الكالم‪َ ،‬مدلوله‪ ،‬مضمونه‪.3‬‬ ‫توجهَ إليه ً َ‬
‫قصد للمكان‪َّ :‬‬
‫قصد إىل املكان‪َ /‬‬
‫صد املكا َن‪َ /‬‬
‫قَ‬

‫صداً‪ ،‬ومن الباب‪:‬‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫القاف والصاد والدال أصول ثالثة‪ُّ ،‬‬


‫وم ْق َ‬
‫صداً َ‬
‫قصدته قَ ْ‬
‫يدل أحدها على إتيان شيء وأ َّمه‪ ،‬فاألصل‪َ :‬‬
‫‪4‬‬
‫قيل ذلك ألنَّه مل ََِيد عنه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السهم‪ ،‬إذا أصابه فقتل َمكانَه‪ ،‬وكأنّه َ‬
‫ص َده َّ‬
‫أقْ َ‬

‫اصطالحا‪:‬‬
‫م ْق ِ‬
‫صد الكالم‪َ ،‬مدلوله‪ ،‬مضمونه‪ .5‬أو الغاية اليت يريدها املتكلم من كالمه‪.‬‬ ‫َ‬

‫الش ِر َيع ِة‪ :‬مَر ِام َيها وأ َْه َدافـ َها‪.‬‬ ‫م َق ِ‬


‫اصد َّ‬ ‫َ‬

‫عرف عالل الفاسي املقاصد بقوله‪ " :‬املراد مبقاصد الشريعة‪ :‬الغاية منها‪ ،‬واألسرار اليت وضعها الشارع عند كل‬
‫وقد َّ‬
‫حكم من أحكامها"‪.6‬‬

‫وأما املقاصد عرفها الدكتور عبد الكرمي حامدي أبهنا‪ :‬الغاايت اليت أنزل القرآن ألجلها حتقيقا ملصاحل العباد‪.7‬‬

‫‪ 2‬معجم المعاني‪.‬‬
‫‪ 3‬معجم اللغة العربية المعاصرة (‪ )1819 /3‬و(‪)1617 /2‬‬
‫‪ 4‬مقاييس اللغة‪ .‬قصد‬
‫‪ 5‬معجم اللغة العربية المعاصرة (‪ )1819 /3‬و(‪)1617 /2‬‬
‫(‪ )6‬مقاصد الشريعة‪ ،‬عالل الفاسي‪.3 /‬‬
‫(‪ )7‬مقاصد القرآن للحامدي ص‪.29‬‬
‫‪3‬‬
‫﴿ ُهدى ل ِلْ ُم َّتق َ‬
‫ِي‪﴾٢‬‬ ‫واملقاصد يف كتاب هللا عز وجل منها ما هو صريح أي غايته صرَية مثل‪ :‬قول هللا عز و جل‪:‬‬
‫[البقرة‪ ، ]2 :‬يبني هللا تعاىل أن غاية هذا الكتاب ومقصده اهلدى‪ ،‬فهذه الغاية صرَية‪.‬‬
‫يستنبط من خالل ختري األلفاظ واألساليب والسياق وغريها‪ ،‬مثال‪ :‬قول هللا عز وجل ﴿ َذل َِك الْك َِت ُ‬
‫اب﴾‬ ‫ومنها ما هو خفي‬
‫[البقرة‪ ]2 :‬غايتها‪ :‬هو بيان علوه وارتفاع منزلته‪ .‬هذه غاية مل يصرح هبا‪ ،‬وإمنا فهمناها من اسم اإلشارة ذلك‪.‬‬

‫اثنيًا‪ :‬مرادفات كلمة مقصد‪:‬‬ ‫‪.2‬‬


‫من املفردات املرادفة لكلمة مقصد كلمة‪:‬‬

‫• حكمة‪.‬‬
‫• هدف‪.‬‬
‫• غاية‪.‬‬
‫• غرض‪.‬‬
‫• مراد‪.‬‬

‫وكلها قريبة يف املدلول‪ ،‬ال تكاد ّتد فرق بينها‪.‬‬

‫اثلثًا‪ :‬استمداد هذا العلم‬ ‫‪.3‬‬


‫علم املقاصد القرآنية يستمد مادته من عدة علوم‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ .1‬علم التفسري‪.‬‬
‫‪ .2‬علوم القرآن‪.‬‬
‫‪ .3‬علم املناسبات يف القرآن الكرمي‪ ،‬وهو من أوثق العلوم اتصاال بعلم املقاصد‪.‬‬
‫‪ .4‬اللغة العربية وعلومها من بالغة وحنوها‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ابعا‪ :‬أمهية املقاصد‪:‬‬
‫رً‬ ‫‪.4‬‬
‫مقاصد القرآن هي الغاايت اليت أنزل ألجلها القرآن‪ ،‬واألسرار واْلكم املودعة يف نصوصه وأحكامه‪ ،‬صيغت‬
‫يف ألفاظ وأساليب متنوعة متضمنة ملراد هللا عز وجل من إنزال كتابه‪ ،‬وأتيت أمهيتها من‪:‬‬
‫أن املقاصد حتقق لنا فهم القرآن وتفسريه بصورة صحيحة‪ .‬فمقاصد القرآن خري معني على فهم آايت‬ ‫‪-1‬‬
‫القرآن وتفسريها وحتديد مدلوالت األلفاظ ومعرفة معانيها‪ ،‬فقد تتعدد املعاين فيكون املقصد أحد املرجحات‬
‫ملعىن معني‪ ،‬فالنظر إىل مقصد هللا ومراده َيدد معىن اللفظ‪. .‬‬
‫مبعرفة املقاصد َيصل العمل؛ روى البزار وغريه‪( :‬أن أاب الدحداح رضي هللا عنه كان عند النيب عليه الصالة‬ ‫‪-2‬‬
‫َ َ َ َ َ ْ‬ ‫َ ْ َ َّ ُ ْ ُ َّ َ َ‬
‫اَّلل ق ْرضا َح َسنا ف ُيضاعِف ُه َُل أض َعافا‬ ‫والسالم يوماً‪ ،‬فنزل على النيب ‪ ‬قوله تبارك وتعاىل‪﴿ :‬من ذا اَّلِي يق ِرض‬
‫َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ َ َ ْ ُ ُ َ ْ ُ ْ َ ُ َ‬
‫ون‪[ ﴾٢٤٥‬البقرة‪ ،]245 :‬فقال أبو الدحداح‪ :‬اي رسول هللا! هللا يريد منا‬ ‫كثِرية واَّلل يقبِض ويبسط ِإَوَلهِ ترجع‬
‫القرض؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬عندي حائط يف املدينة ‪-‬وكان يف هذا اْلائط ستمائة خنلة – ما يل عند ريب إن‬
‫أقرضته حائطي هذا؟ قال‪ :‬لك اجلنة‪ ،‬قال‪ :‬فإين أشهدك أنين أقرضت حائطي هذا ريب‪ ،‬وخرج من اجمللس‬
‫وذهب إىل البستان‪ ،‬وكان يف داخل البستان زوجته وأوالده‪ ،‬فوقف على الباب‪ ،‬وقال‪ :‬اي أم الدحداح‪،‬‬
‫اخرجي أبوالدك فإين أقرضت حائطي هذا ريب‪ ،‬فقالت املرأة‪ :‬ربح البيع اي أاب الدحداح)‪.‬‬
‫أن املقاصد تؤمن لنا العصمة من التأويل الفاسد‪ :‬ففهم القرآن هو األهم وهو الذي يقطع طريق االحنراف‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫كل من زاغ ومال عن الطريق املستقيم هو مبقدار ما فاته من فهم مقصد القرآن وعلمه هبا‪ ،‬وكل من أصاب‬
‫اْلق فهو على قدر ما حصل له من فهم مقاصده‪ .‬قال ابن تيمية رمحه هللا‪" :‬ال بد يف تفسري القرآن والسنة‬
‫من أن يعرف ما يدل على مراد هللا ورسوله من األلفاظ‪ ،‬وكيف يفهم كالمه‪ ،‬فمعرفة العربية اليت خوطبنا‬
‫هبا مما يعني على أن نفقه مراد هللا ورسوله بكالمه‪ ،‬وكذلك معرفة داللة األلفاظ على املعاين‪ ،‬فإن عامة‬
‫ضالل أهل البدع كانوا هبذا السبب‪ ،‬فإهنم محلوا كالم الشارع على ما يدعون أنه دال عليه‪ ،‬وال يكون األمر‬
‫كذلك‪ ،‬وجيعلون هذه الداللة حقيقة‪ ،‬وهذه جمازا‪ ،‬كما أخطأ املرجئة يف اسم اإلميان‪ ،‬إذ جعلوا لفظ اإلميان‬
‫حقيقة يف جمرد تصديق‪ ،‬جمازا يف األعمال "‪.8‬‬
‫َ َ‬
‫ْ َ َ َْ ُ‬ ‫إدراك بعض أسرار التشـريع ِ‬
‫كم األحكام االطمئنان ْلكم هللا عز وجل وقضائه‪ِ﴿ ،‬إَوذ قال إِبراهِيم ر ِ‬
‫ب أرِ ِِن‬ ‫وح َ‬ ‫‪-4‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كيْ َف ُتْ ِِي ال َم ْوت قَال أ َول ْم تُ ْؤم ِْن قَال بَ ََل َولك ِْن َِلَ ْط َمئ ِ َّن قَل ِب﴾ [البقرة‪ ،]260 :‬فمعرفة اْلكمة من األمر أو النهي‬
‫اَّلل ِف أَ ْو ََلد ُ‬
‫يك ُم َّ ُ‬
‫ُ‬
‫ِك ْم‬ ‫ِ‬ ‫يزد يف طمأنينة القلب والرضا به‪ ،‬وقال تعاىل تعقيبا على تقسيم أنصبة اإلرث‪﴿ :‬يُوصِ‬

‫مجموع الفتاوى‪ ،‬ابن تيمية ‪.116/7‬‬


‫(‪)8‬‬
‫‪5‬‬
‫ْ ُ َ َََ ْ ُ‬ ‫ك َّن ن َِساء فَ ْو َق اثْنَ َت ْ َ َ ُ َّ ُ ُ َ َ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َ‬ ‫ل َِّذل َكر مِثْ ُل َحظ ْاْلُنْثَ َي ْي فَإ ْن ُ‬
‫ِك َواح ٍِد‬
‫ي فلهن ثلثا ما ترك ِإَون َكنت واحِدة فلها ال ِصف و ِْلبويهِ ل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُّ ُ ُ َ ْ َ َ ُ ْ‬
‫خ َو دة فَ ِِل ِمهِ ُّ‬
‫الس ُد ُس مِنْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ ُ َ ُّ ُ ُ َّ َ َ َ ْ َ َ ُ َ د َ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ َ د َ َ َ ُ َ َ ُ َ‬
‫مِنهما السدس مِما ترك إِن َكن َل ول فإِن لم يكن َل ول وورِثه أبواه ف ِِل ِمهِ اثللث فإِن َكن َل إ ِ‬
‫َ َّ َّ َّ َ َ َ‬ ‫َ ُ َْ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ َ ُ ُ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫وِص ب ِ َها أ ْو دي ْ ٍن آبَاؤك ْم َوأبْ َناؤك ْم َل ت ْد ُرون أ ُّي ُه ْم أق َر ُب لك ْم نفعا ف ِريضة مِن اَّللِ إِن اَّلل َكن عل ِيما‬
‫َ‬ ‫َب ْع ِد َوصِ َّي ٍة يُ ِ‬
‫َحكِيما‪[ ﴾١١‬النساء‪ ]11 :‬وبني جانبا من مقاصد هذه األنصبة‪.‬‬
‫ّ‬
‫كشف حكمة تكرار بعض القصص القرآين‪ ،‬وتناوهلا أبوجه خمتلفة‪ :‬يرى قارئ القرآن الكرمي القصة تتكرر‬ ‫‪-5‬‬
‫أبوجه خمتلفة وأحياان للمشهد الواحد‪ ،‬حىت يلتبس عليه‪ ،‬ويزيل معرفة املقاصد هذا اللبس ويكشف عن‬
‫براعة القرآن الكرمي يف سرد القصة مناسبا لسياق السورة الواردة فيها‪.‬‬
‫فمثال قصة آدم عليه السالم يف سورة البقرة من مقاصدها بيان وظيفة آدم عليه السالم (اخلالفة‪ :‬عمارة‬
‫األرض) ومميزاته (العلم) وعناية هللا به بتلقينه التوبة‪.‬‬
‫أما يف سورة األعراف فمقصدها بيان اتريخ (سنة) الصراع بني اْلق والباطل منذ آدم عليه السالم وسبل‬
‫حرب الباطل للحق بداية من طريقة إغواء إبليس آلدم عليه السالم وسبل الوقاية من الغواية‪.‬‬
‫تذوق مجالية القرآن الكرمي وحسن سبكه وروائع نسقه مبا يعني على تدبره‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫الرد على شبهات أعداء اإلسالم حول مناسبة األحكام الشرعية للواقع املعاصر وحول املرأة وغريها‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫فهم املنهج الرابين ومعاجلته لألحداث؛ مثال‪ :‬مقصد سورة هود والقصص الواردة فيها ومناسبتها ألحوال‬ ‫‪-8‬‬
‫النيب صلى هللا عليه وسلم حني نزوهلا‪.‬‬
‫زايدة يف اإلميان وتعظيم القرآن الكرمي ومنهجه‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬استنباط األحكام للنوازل‪.‬‬
‫‪ -11‬استنباط الدالالت واستخراج العمل ابآلايت‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬العالقة بني التدبر واملقاصد‪:‬‬


‫ً‬ ‫‪.5‬‬
‫التدبر لغة‪ :‬هو من دبر الشيء وعاقبته‪ ،‬وتدبر القرآن هو النظر إىل غاايت كالم هللا تعاىل ومقاصده وهداايته وما‬
‫أراده هللا عز وجل من عباده وما ينبغي حتقيقه من وراء ذلك‪.‬‬

‫ومن هنا كانت العالقة بني املقاصد والتدبر ظاهرة جدا وحاجة املتدبر للمقاصد حاجة مهمة‪.‬‬

‫قال إمام املقاصد‪ ،‬الشاطيب رمحه هللا‪ " :‬إمنا التدبر يكون ملن التفت إىل املقاصد"‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫بذلك نستطيع أن نفسر التدبر أبنه النظر إىل املقاصد‪ ،‬وإن كان املتدبر البد أن مير من خالل نظره إىل املعاين وكشفها‪،‬‬
‫وفهم النص إال أنه يف النهاية غايته الوصول إىل املراد من اآلية‪.‬‬
‫َ‬
‫مثال يف قول هللا عز وجل‪﴿ " :‬قُ ْل ُه َو َّ ُ‬
‫اَّلل أ َح دد‪[ ﴾١‬اإلخالص‪ :]1 :‬املراد هنا أن نعلم أن هللا واحد وأن األلوهية له وحده‪.‬‬

‫وهنا تنبيه مهم وهو أنه قد يكون نظران إىل كتاب هللا بقصد الوصول إىل مراده سبحانه فال نصل إال إىل جزء منه‬
‫صغري أو كبري‪ ،‬وال َييط مبراد هللا كامالً أحد‪ ،‬فمراد هللا الكامل يف هذه اآلية ال َيصره أحد إذ أنه ال تنقضي عجائبه‬
‫وال خيلق من كثرة الرد عليه‪.‬‬

‫خالصة األمر‪ :‬أننا نقول أن مادة املقاصد مادة عظيمة للمتدبر‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬الفرق بني مقاصد الشريعة واملقاصد القرآنية‪:‬‬


‫ً‬ ‫‪.6‬‬
‫مقاصد الشريعة هو لقب لعلم من علوم الشريعة املختصة ببيان مقاصد الشارع يف األحكام‪ ،‬وهو ألصق بعلم الفقه‬
‫وأصوله‪ ،‬واإلمام الشاطيب رمحه هللا هو حامل راية هذا العلم‪ ،‬وأحد أكرب رواده‪ ،‬وقد ألف يف ذلك كتابَهَ العظيم‬
‫عرف ابن عاشور علم مقاصد‬ ‫(املوافقات)‪ ،‬وتتابع العلماء بعدهَ يف التأليف هبذا العلم‪ ،‬السيما علماء املغرب العريب‪ ،‬وقد ّ‬
‫الشريعة أبنه‪ " :‬املعاين واْلكم امللحوظة للشارع يف مجيع أحوال التشريع أو معظَ ِمها‪ .‬وتدخل يف ذلك أوصاف الشريعة‬
‫‪10‬‬
‫وغاايهتا العامة "‪ 9‬وقيل‪" :‬األهداف العامة اليت تسعى الشريعة إىل حتقيقها يف حياة الناس"‬

‫صا من وجه‪:‬‬
‫وخصو ً‬
‫ً‬ ‫عموماً‬
‫وهبذا يتضح أن بني مقاصد السور ومقاصد الشرع ً‬

‫فعلم مقاصد الشريعة أعم من جهة أخذه للمقاصد من الكتاب والسنة‪.‬‬

‫وعلم املقاصد القرآنية أعم من جهة أنه يف مجيع آايت القرآن الكرمي وموضوعاته‪ ،‬وخيتص علم مقاصد الشريعة‬
‫ابألحكام‪.‬‬

‫‪ 9‬مقاصد الشريعة اإلسالمية (‪)21 /2‬‬


‫‪ 10‬مقاصد الشريعة اإلسالمية (ص‪ ،1 :‬بترقيم الشاملة آليا)‬
‫‪7‬‬
‫سابعا‪ :‬املقاصد وخطر التأويل الفاسد‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪.7‬‬
‫مع أمهية املقاصد وعظمها إال أهنا أيضا ابب لالحنراف‪ ،‬حيث دخل آهل التأويل من طريقها أبن انطلقوا أبفهمهم‬
‫املنحرفة وأتويالهتم فتأولوا كتاب هللا عز وجل حبسب ما فهموه من مقاصده العامة‪.‬‬

‫فاعتبار املقاصد يف تدبر القرآن الكرمي ال يربر لنا النظر إىل القرآن حبسب أهوائنا يف فهم مقاصده‪ ،‬بل مقاصد القرآن‬
‫املعتربة إمنا هي راجعة إىل هدي القرآن وسلوك سبيله القومي‪ ،‬وبذلك نغلق الباب على دعاة التسيب واالنفالت ابسم‬
‫املقاصد واملصاحل؛ فالفهم املقاصدي ليس احنرافاً يف املنهج‪ ،‬بل هو رد على االّتاهات املنحرفة‪.11‬‬

‫اثمنًا‪ :‬طرق الكشف عن املقاصد‪:‬‬ ‫‪.8‬‬


‫استحضار اآلايت الصرَية يف ذكر املقصد‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫النظر يف ظاهر النصوص وما تضمنته من ِحكم ظاهرة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫النظر يف أحوال نزول اآلايت‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫النظر يف وجوه اخلطاب واملخاطبني‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫النظر يف سياق اآلايت‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫االستقراء‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬استحضار اآليات الصريحة في ذكر المقصد‪:‬‬
‫تضمنت العديد من اآلايت القرآنية مقاصد صرَية نصت عليها مثل‪:‬‬
‫ََ َ ْ ُ‬‫َّ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اْل َّن َو ِاْلن َس إَِل َِلَ ْع ُب ُدو ِن‪[ ﴾٥٦‬الذاريات‪ :]56 :‬صرحت اآلية أن مقصد خلق اجلن‬
‫‪ -‬قوله تعاىل‪﴿ :‬وما خلقت ِ‬
‫واإلنس املكلفني هو إخالص العبودية هلل عز وجل‪.‬‬
‫ْ ْ َ ْ َ ُ‬ ‫ث ِف ْاْلُمِي َ‬
‫ي َر ُسوَل مِنْ ُه ْم َيتْلُو َعلَيْه ْم آيَاتِهِ َويُ َزكِيه ْم َويُ َعل ُِم ُه ُم الْك َِت َ‬
‫اب َواْل ِك َمة ِإَون َكنوا‬
‫ََ َ‬ ‫ُ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬ه َو اَّلِي بع ِ‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِْن َقبْ ُل ل ِِف َضَل ٍل ُمبِ ٍي‪[ ﴾٢‬الجمعة‪ :]2 :‬التزكية من مقاصد بعثة النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهي مقصد‬
‫صريح يف اآلية‪.‬‬

‫زهير رياالت‪ ،‬التفسير المقاصدي(المقدمة)‪.‬‬


‫(‪)11‬‬
‫‪8‬‬
‫ك ْم ََل ُُتْر ُج ُ‬
‫اَّلل َر َّب ُ‬ ‫وه َّن ل ِع َِّدتِه َّن َوأَ ْ‬
‫ح ُصوا الْع َِّدةَ َو َّات ُقوا َّ َ‬ ‫ب إ ِ َذا َطلَّ ْق ُت ُم الن َِس َ‬
‫اء َف َطل ُِق ُ‬ ‫َ‬
‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬يَا أ ُّي َها الَّ ُّ‬
‫وه َّن م ِْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬‬
‫َ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ َّ َ َ َ ْ ُ ْ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ ُ ُ َّ َ َ ْ َ َ َ َّ ُ ُ َ َّ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ‬
‫بيوت ِ ِهن وَل َيرجن إَِل أن يأت ِي بِفاحِش ٍة مبيِن ٍة وت ِلك حدود اَّللِ ومن يتعد حدود اَّللِ فقد ظلم نفسه َل تدرِي لعل‬
‫َ‬
‫اَّلل ُُيْد ُِث َب ْع َد َذل َِك أ ْمرا‪[ ﴾١‬الطالق‪ :]1 :‬مقصد من مقاصد العدة صريح وهو إمكانية مراجعة الزوج لزوجته‬ ‫َّ َ‬

‫يف هذه الفرتة‪.‬‬


‫ثانيًا‪ :‬النظر في ظاهر النصوص وما تضمنته من حكم ظاهرة‪:‬‬
‫العديد من اآلايت تتضمن مقاصدا واضحة يف اآلية‪ ،‬وإن مل تصرح هبا نصا؛ مثل‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫اَّلل لَ ِط ديف بِع َِبادِه ِ يَ ْر ُز ُق َم ْن ي َ َش ُاء َو ُه َو ال َقوِ ُّي ال َع ِز ُيز‪[ ﴾١٩‬الشورى‪ :]19 :‬مقصدها واضح يف‬
‫‪ .‬قوله تعاىل‪ُ َّ ﴿ :‬‬ ‫‪-‬‬
‫التعريف ابهلل عز وجل وربط القلوب به رغبة ورهبة‪.‬‬
‫قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ول َِم ْن َخ َاف َم َق َام َربِهِ َج َّن َتا ِن‪[ ﴾٤٦‬الرحمن‪ :]46 :‬مقصدها واضح يف الرتغيب يف اجلنة والفوز يف‬ ‫‪-‬‬
‫اآلخرة‪.‬‬
‫ََْ َُ ُ َ ْ َ َ َ‬ ‫ََ َ ْ ْ ُ َ‬ ‫خ َر َج ِ ْ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ‬‫ََ ْ‬ ‫َ ُْ َ َْ ُ ْ َ‬
‫ارها‪٤‬‬ ‫اْلن َسان َما ل َها‪ ٣‬يومئ ِ ٍذ ُتدِث أخب‬
‫ت اْلرض أثقالها‪ ٢‬وقال ِ‬ ‫ت اْل ْرض زِل َزال َها‪ ١‬وأ‬ ‫قوله تعاىل‪﴿ :‬إِذا زل ِزل ِ‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بِأ َّن َر َّب َك أ ْو ََح ل َ َها‪[ ﴾٥‬الزلزلة‪ :]5-1 :‬مقصدها ظاهر يف الرتهيب من الدار اآلخرة واْلساب واْلث على‬
‫االستعداد هلا‪.‬‬
‫ُ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ُ َّ ُ َّ َ َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫َْ ُ َ َ ْ‬ ‫قوله تعاىل‪ََ ﴿ :‬ل ََتْ َعلُوا ُد ََع َء َّ‬
‫ضكم بعضا قد يعلم اَّلل اَّلِين يتسللون مِنكم ل ِواذا فليحذرِ‬ ‫الر ُسو ِل بَينك ْم ك ُدَعءِ َبع ِ‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ َ ُ َ ُ َ‬
‫ون َع ْن أ ْمرِه ِ أ ْن تُ ِص َيب ُه ْم فِتْ َن دة أ ْو يُ ِص َيب ُه ْم َع َذ داب أ َِل دم‪[ ﴾٦٣‬النور‪ :]63 :‬مقصدها واضح وهو تعظيم‬ ‫اَّلِين َيال ِف‬

‫شأن النيب صلى هللا عليه وسلم ‪-‬دون الغلو فيه‪ -‬الباعث على حبه واالقتداء به‪.‬‬
‫اَّلل َّاَّل َ‬ ‫َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ ُ َ ْ َ ُ ُ َ َّ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ُ َ‬
‫ون‪َ ٢‬ولَ َق ْد َف َت َّنا َّاَّل َ‬
‫ِين م ِْن َقبْلِه ْم فَلَ َي ْعلَ َم َّن َّ ُ‬
‫ِين‬ ‫ِ‬ ‫وقوله تعالى‪﴿ :‬أحسِب الاس أن يْتكوا أن يقولوا آمنا وهم َل يفتن‬ ‫‪-‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫َص َدقُوا َوَلَ ْعلَ َم َّن ال ََكذِب ِ َي‪[ ﴾٣‬العنكبوت‪ :]3-2 :‬بيان لسنة االبتالء والغاية منها‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬النظر في أحوال نزول اآليات‪:‬‬


‫أحوال نزول آلايت هي الظروف واملالبسات احمليطة حبياة النيب صلى هللا عليه وسلم والصحابة حني نزول اآلايت‪.‬‬
‫وهو غري معلوم لكل اآلايت‪ ،‬وخمتلف يف بعضها‪.‬‬

‫وأحوال النزول ‪-‬إن علم‪ -‬غالبا ما يوضح املقصد أو يعطي إشارات عنه‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫مثال‪ :‬قصة موسى يف سورة القصص‪ :‬نزلت مع هجرة النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وذكرت السورة قصة موسى عليه‬
‫السالم وهجرته ملدين مث عودته ملصر‪ ،‬ويف هذا بيان ملقصد القصة‪ ،‬وهو تسلية للرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ووعد‬
‫ابلعودة إىل مكة‪ ،‬واعتبار بسنن هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬النظر في وجوه الخطاب والمخاطبين‪:‬‬


‫خيتلف املقصد ابختالف املخاطب يف اآلية؛ مثال‪:‬‬
‫‪ -‬من مقاصد اخلطاب ب ـ {اي أيها النيب} بيان جلوانب الرتبية‪.‬‬
‫‪ -‬من مقاصد اخلطاب ب ـ {اي أيها الرسول} بيان جلوانب التبليغ‪.‬‬
‫‪ -‬من مقاصد اخلطاب ب ـ {اي أيها الذين آمنوا} بيان ملقتضيات اإلميان‪.‬‬
‫‪ -‬من مقاصد اخلطاب ب ـ {اي أيها الناس} بيان لعاملية الدعوة والدين‪.‬‬
‫‪ -‬من مقاصد اخلطاب ب ـ {اي بين آدم} تذكري لبين آدم إبغواء إبليس ألبيهم ما يدفعهم إىل بغض إبليس‬
‫وزايدة اْلذر منه‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬النظر في سياق اآليات‪:‬‬


‫علم املقاصد وعلم املناسبات متالزمان‪ ،‬حيث أن من أبرز ما يساعد على معرفة املقصد هو النظر يف مناسبة اآلايت‬
‫وما قبلها وما بعدها‪.‬‬

‫مثال‪:‬‬

‫‪ -‬ابلنظر إىل مناسبة قصة آدم عليه السالم يف سورة البقرة‪ ،‬وما قبلها وما بعدها يتبني أن من مقاصدها بيان‬
‫وظيفة البشر ومؤهالته لعمارة األرض‪.‬‬
‫‪ -‬مقصد القسم يف سورة الذارايت‪ :‬من خالل مقصد سورة الذارايت الذي هو تعريف املخلوقني مبصدر رزقهم‬
‫وهو هللا سبحانه وتعاىل‪ ،‬يتبني لنا مقصد القسم وهو النظر يف خملوقات هللا اليت جعلها هللا أسبااب للرزق‬
‫وليس للعبد تصرف فيها‪.‬‬

‫سادسًا‪ :‬الستقراء‪:‬‬
‫استقراء عدد من اآلايت يف موضوع واحد يكشف يف جممله عن املقاصد املرادة منها‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫مثال‪ :‬ابستقراء اآلايت اليت تتحدث عن األسرة والعالقة بني الزوجني‪ ،‬يتبني أن من مقاصدها استقرار األسرة‬
‫ومتاسكها وترابط بنائها ونفعها للمجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬آايت تذكر العالقة الزوجية‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِك ْم أ ْز َواجا لِتَ ْس ُك ُنوا إَِلْ َها﴾ [الروم‪ ،]21 :‬مقصد السكن والطمأنينة‪.‬‬
‫ك ْم م ِْن أنْ ُفس ُ‬
‫‪َ ﴿ .1‬وم ِْن آيَاتِهِ أ ْن َخل َق ل ُ‬
‫َ‬
‫‪َ ﴿ .2‬وبَ َّث مِنْ ُه َما رِ َجاَل كثِريا َون َِساء ﴾ [النساء‪ ،]1 :‬مقصد التكاثر والتناسل‪.‬‬
‫ت َأ ْي َمانُ ُ‬
‫ك ْم م ِْن َف َت َيات ُ‬ ‫َ ْ َ ََ َ‬
‫ك ْ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َْ َ‬
‫ِك ُم‬ ‫ات ف ِمن ما مل‬ ‫‪َ ﴿ .3‬و َم ْن ل ْم يست ِط ْع مِنك ْم َط ْوَل أن َينك َِح ال ُمح َصن ِ‬
‫ات ال ُمؤمِن ِ‬
‫ْ‬
‫ال ُم ْؤم َِناتِ ﴾ [النساء‪ ،]25 :‬مقصد التحصني والعفة‪.‬‬
‫َ‬ ‫د َ ُ َ‬
‫ك ْم َوأنْ ُت ْم ِلِ َ داس ل ُه َّن ﴾ [البقرة‪ :]187 :‬مقصد السرت‪ ،‬واألمان‪ ،‬والراحة‪ ،‬والدفء‬ ‫‪ُ ﴿ .4‬ه َّن ِلِ َاس ل‬

‫واالحتواء والقرب‪.‬‬
‫‪َ ﴿ .5‬و َج َع َل بَيْ َن ُ‬
‫ك ْم َم َو َّدة َو َر ْ َ‬
‫ْحة ﴾ [الروم‪ :]21 :‬املودة‪ ،‬واْلب‪ ،‬والرتاحم‪.‬‬
‫‪ -‬فتكون من مقاصد الزواج‪ :‬السكن‪ ،‬والطمأنينة‪ ،‬والتكاثر والتناسل‪ ،‬والتحصني والعفة‪ ،‬والسرت واألمان‬
‫والراحة والدفء‪ ،‬واالحتواء والقرب‪ ،‬واملودة واْلب والرتاحم‪.‬‬

‫اتسعا‪ :‬املقاصد ليست توقيفية‪:‬‬


‫ً‬ ‫‪.9‬‬
‫أمر توقيفيًّا‪ ،‬ولكنها تعتمد على اجتهاد المفسر ومبلغ تذوقه إلعجاز القرآن وأس ارره‬
‫ومعرفة المقاصد ليس ًا‬
‫البالغية وأوجه بيانه الفريد‪ ،‬وأوجه مناسباته‪ ،‬ومعرفته بالمقاصد الكلية للقرآن الكريم‪ ،‬كونه كتاب هداية ورحمة‬
‫ونور وروح للبشرية لتنعم به ما اتبعته في الدنيا وتفوز كذلك في اآلخرة‪.‬‬

‫واستخراج المقاصد يحتاج إلى استنباط ورسوخ في العلم‪ ،‬كما أنه ال يتكلف فيه‪ ،‬وال يتعسف‪.‬‬

‫وقد تتعدد المقاصد للسورة الواحدة والقصة الواحدة واآلية الواحدة‪ ،‬بل وقد تتعدد لآلية الواحدة‪ .‬ولذلك ال يجزم‬
‫به وال يرفض مخالفته إذا ما ورد من األدلة ما يشير إليه‪.‬‬

‫عاشرا‪ :‬أنواع املقاصد القرآنية‪:‬‬


‫ً‬ ‫‪.10‬‬
‫‪ -1‬املقاصد العامة‪.‬‬
‫‪ -2‬مقاصد السور‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪ -3‬مقاصد القصص‪.‬‬
‫‪ -4‬مقاصد األحكام‪.‬‬
‫‪ -5‬مقاصد اآلايت‪.‬‬
‫‪ -6‬مقاصد املفردة القرآنية‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬المقاصد العامة‪:‬‬

‫أولً‪ :‬التعريف ابملقاصد القرآنية العامة‪:‬‬ ‫‪.1‬‬


‫عرفها الدكتور عبد الكرمي حامدي أبهنا الغاايت العليا اليت أنزل القرآن ألجلها حتقيقاً ملصاحل العباد‪.12‬‬

‫قال العز بن عبد السالم‪" :‬معظم مقاصد القرآن‪ ،‬األمر ابكتساب املصاحل وأسباهبا والزجر عن اكتساب املفاسد‬
‫وأسباهبا"‪.13‬‬

‫والعمرانية"‪.14‬‬ ‫وقال ابن عاشور‪" :‬املقصد األعلى من القرآن صالح األحوال الفردية واجلماعية‬

‫‪ .11‬اثنياً‪ :‬أقوال العلماء يف حصرها‪:‬‬


‫اختلف العلماء يف حصر املقاصد العامة مع اتفاقهم على جمملها كاآليت‪:‬‬

‫‪ o‬الغزايل‪ :‬جعلها ستة أنواع‪ :‬ثالثة مهمة‪ ،‬وهي‪ :‬التعريف ابهلل‪ ،‬والتعريف ابلصراط املستقيم (الشريعة والتكاليف)‪،‬‬
‫والتعريف ابليوم اآلخر‪ .‬وثالثة متممة وهي‪ :‬تعريف أحوال املؤمنني والكافرين ترغيباً وترهيباً‪ .‬وجمادلة اجلاحدين‬
‫(‪.)15‬‬ ‫تنفرياً منهم وتثبيتاً للمؤمنني‪ .‬والتعريف بعمارة منازل الطريق وأخذ الزاد‬

‫(‪ )12‬مقاصد القرآن للدكتور عبدالكرمي حامدي ص‪.29‬‬


‫(‪ )13‬قواعد األحكام ‪.8/1‬‬
‫(‪ )14‬التحرير والتنوير ‪.18/3‬‬
‫(‪ )15‬جواهر القرآن ص‪.24-23‬‬
‫‪12‬‬
‫ويالحظ على الغزايل أنه غلبت عليه لغته الصوفية يف صياغته هلذه املقاصد‪.‬‬
‫(‪.)16‬‬ ‫‪ o‬العز بن عبد السالم‪ :‬مجعها يف مقصد واحد وهو جلب املصاحل وأسباهبا‪ ،‬ودرئ املفاسد وأسباهبا‬
‫ويالحظ أهنا أكثر تركيزاً على اآلاثر العملية‪.‬‬
‫‪ o‬البقاعي‪ :‬حصرها يف بيان العقائد واألحكام والقصص(‪ .)17‬ويالحظ على أهنا تركز على التقسيم املوضوعي‪.‬‬
‫‪ o‬رشيد رضا‪ :‬حصرها يف عشرة مقاصد‪ )1( :‬اإلصالح الديين‪ )2( ،‬بيان أمر النبوة والرسالة‪ )3( ،‬بيان أن‬
‫اإلسالم دين الفطرة السليمة والعقل‪ ،‬والعلم واْلكمة‪ ،‬والضمري والوجدان‪ ،‬واْلرية واالستقالل‪ )4( ،‬اإلصالح‬
‫االجتماعي‪ )5( ،‬تقرير مزااي اإلسالم العامة يف التكاليف‪ )6( ،‬بيان حكم اإلسالم السياسي الدويل‪)7( ،‬‬
‫اإلرشاد إىل اإلصالح املايل‪ )8( ،‬إصالح نظام اْلرب‪ )9( ،‬إعطاء النساء حقوقهن‪ )10( ،‬حترير الرقبة‪.)18( .‬‬
‫ويالحظ على أهنا تركز على أسس التنظيم وجوانب اإلصالح اإلنساين‪ ،‬وبيان مزااي اإلسالم‪ .‬مع أن املقصدين‬
‫األخريين يتضمنهما مقصد اإلصالح االجتماعي‪.‬‬
‫‪ o‬ابن عاشور‪ :‬خصص املقدمة الرابعة يف تفسريه عن مقاصد القرآن‪ .‬ومما قال فيها‪ :‬املقصد األعلى من القرآن‬
‫صالح األحوال الفردية واجلماعية والعمرانية‪ .‬مث فصل يف ذكر املقاصد وحصرها يف مثانية مقاصد‪ )1( :‬إصالح‬
‫االعتقاد‪ )2( ،‬هتذيب األخالق‪ )3( ،‬التشريع‪ )4( ،‬سياسة األمة‪ )5( ،‬القصص واألخبار للتأسي واالعتبار‪،‬‬
‫(‪ )6‬املواعظ واإلنذار (‪ )7‬والتحذير والتبشري‪ )8( ،‬اإلعجاز ابلقرآن (‪ .)19‬ويالحظ تركيزه على وجوه اإلصالح‪،‬‬
‫وقسمه إىل اإلصالح الفردي‪ ،‬واالجتماعي والعاملي‪ ،‬وهو تقسيم بديع‪.‬‬
‫‪ o‬حممود شلتوت‪ :‬قال‪ :‬مقاصد القرآن تدور حول نواح ثالثة‪ :‬انحية العقيدة‪ ،‬وانحية األخالق‪ ،‬وانحية األحكام‪.‬‬
‫‪ . .‬فالعقائد‪ :‬تطهر القلب من بذور الشرك والوثنية‪ ،‬وتربطه مببدأ الروحية الصافية وهي تشمل ما جيب اإلميان‬
‫به‪ .‬واألخالق‪ :‬هتذب النفس وتزكيها وترفع من شأن الفرد واجلماعة‪ .‬واألحكام‪ :‬وهي ما بيّنه هللا يف كتابه أو ّبني‬
‫أصوله من النظم اليت جيب اتباعها‪.)20(.‬‬

‫(‪ )16‬قواعد األحكام ‪.10/1‬‬


‫(‪)17‬نظم الدرر ‪.593/8‬‬
‫(‪ )18‬تفسري املنار ‪.239-171 /11‬‬
‫(‪ )19‬التحرير والتنوير ‪.18/3‬‬
‫(‪ )20‬إىل القرآن الكرمي ص‪.6‬‬
‫‪13‬‬
‫‪ .12‬اثلثاً‪ :‬القول املختار يف أنواع املقاصد‪:‬‬
‫ميكن تقسيمها من جهة ما حيقق اإلميان والتزكية يف سبعة مقاصد وهي‪:‬‬

‫املقصد األول‪ :‬التعريف ابهلل تعاىل وربط القلوب به‪.‬‬

‫املقصد الثاين‪ :‬بيان عظمة القرآن وإعجازه وغاايته‪.‬‬

‫املقصد الثالث‪ :‬التعريف ابليوم اآلخر وتعليق القلوب هبا (ترغيباً وترهيباً)‪.‬‬

‫املقصد الرابع‪ :‬التعريف ابألنبياء عليهم السالم وهديهم‪.‬‬

‫املقصد اخلامس‪ :‬بيان السنن والعرب من القصص واألخبار‪.‬‬

‫املقصد السادس‪ :‬بيان الصفات واألخالق اْلسنة والسيئة‪.‬‬

‫املقصد السابع‪ :‬بيان التشريعات (األوامر والنواهي)‪.‬‬

‫وميكن تقسيمها من جهة ما حيقق اإلصالح يف ثالثة مقاصد‪:‬‬

‫املقصد األول‪ :‬إصالح الفرد‪.‬‬

‫املقصد الثاين‪ :‬إصالح األسرة‪.‬‬

‫املقصد الثالث‪ :‬إصالح اجملتمع‪.‬‬

‫املقصد الرابع‪ :‬إصالح العامل‪.‬‬

‫أول‪ :‬من جهة ما يحقق اإليمان والتزكية‪:‬‬


‫المقصد األول‪ :‬التعريف باهلل تعالى وربط القلوب به‪:‬‬
‫هو أعظم مقصد من مقاصد القرآن الكرمي‪ ،‬فما أرسل الرسل إال لتعريف الناس ابهلل عز وجل وإخالص العبودية‬
‫له‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫وال تكاد ختلو آية من التعريف ابهلل عز وجل‪ ،‬من خالل‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أمساء هللا وصفاته وأفعاله‪:‬‬


‫ً‬

‫وقد ورد يف القرآن الكرمي أكثر من مثانني امسا من أمساء هللا اْلسىن‪ ،‬تكررت أكثر من أربعة آالف مرة‪ ،‬كان‬
‫السم اجلاللة "هللا" النصيب األكرب أكثر من ‪ 2500‬مرة واسم الرب أكثر من ‪ 900‬مرة‪.‬‬

‫وأول ما نزل من القرآن الكرمي ورد فيه ثالثة أمساء هلل عز وجل (الرب مرتني واألكرم)‪ ،‬وأربعة أفعال هلل عز وجل‬
‫َّ‬ ‫َ َْ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ ْ ْ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ْ َ ْ ْ َ َ َّ‬
‫اْلن َسان م ِْن َعل ٍق‪ ٢‬اق َرأ َو َر ُّبك اْلك َر ُم‪ ٣‬اَّلِي‬
‫(خلق مرتني وعلم مرتني)؛ قال تعاىل‪﴿ :‬اقرأ بِاس ِم ربِك اَّلِي خلق‪ ١‬خلق ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ َ ْ ْ َ َ‬ ‫َ َّ َ ْ َ َ‬
‫اْلن َسان َما ل ْم َي ْعل ْم‪[ ﴾٥‬العلق‪.]5-1 :‬‬
‫علم بِالقل ِم‪ ٤‬علم ِ‬

‫اثنيًا‪ :‬خملوقاته الدالة على بديع صنعه سبحانه‪:‬‬

‫االستدالل مبعظم خملوقات هللا عز وجل وإتقاهنا الدالة على قدرة هللا عز وجل وسعة علمه وحكمته وعظمته‬
‫املوجب إلخالص العبودية له سبحانه والرهبة من خمالفة شرعه والرغبة فيما عنده من األجر والتسليم ْلكمه‬
‫والرضا به‪.‬‬
‫ام أَ ْز َواجا يَ ْذ َر ُؤ ُ‬
‫ك ْم فِيهِ لَيْ َس َك ِمثْلِهِ َ ْ‬
‫َْ‬ ‫ُ َ‬
‫ِك ْم أ ْز َواجا َوم َِن اْلنْ َع ِ‬ ‫َُْ‬ ‫او َو ْاْلَ ْر ِض َج َع َل لَ ُ‬ ‫﴿فَاط ُِر َّ‬
‫َش دء َو ُه َو‬ ‫ك ْم م ِْن أنفس‬ ‫الس َم َ اتِ‬ ‫قال تعاىل‪:‬‬
‫ص ُ‬ ‫َّ ُ ْ‬
‫ري‪[ ﴾١١‬الشورى‪.]11 :‬‬ ‫يع اِلَ ِ‬ ‫الس ِم‬

‫اثلثًا‪ :‬خلق اإلنسان وعناية هللا به وتسخري املخلوقات له‪:‬‬

‫االستدالل خبلق اإلنسان وعناية هللا عز وجل به‪ ،‬ويظهر ذلك من خالل أول آية نزلت على النيب صلى هللا عليه وسلم‬
‫َ ََ ْ ْ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ْ َ ْ ْ َ َ َّ‬
‫اْلن َسان م ِْن‬
‫﴿اقرأ بِاس ِم ربِك اَّلِي خلق‪ ١‬خلق ِ‬ ‫يف بيان خلق اإلنسان وتعليمه ما مل يعلم وأمره ابالستعانة به يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َّ َ ْ ْ َ َ‬ ‫َ َّ َ ْ َ َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ُّ َ ْ َ ْ َ ُ َّ‬ ‫َ‬
‫اْلن َسان َما ل ْم َي ْعل ْم‪[ ﴾٥‬العلق‪.]5-1 :‬‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫‪٤‬‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ال‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ِي‬
‫اَّل‬ ‫َعل ٍق‪ ٢‬اقرأ وربك اْلكرم‪٣‬‬

‫َْ َ‬ ‫اَّلل َّاَّلِي َخلَ َق َّ‬


‫وقد ورد يف القرآن الكرمي تسخري هللا عز وجل املخلوقات لإلنسان؛ منها قوله تعاىل‪ُ َّ ﴿ :‬‬
‫ات َواْل ْرض‬ ‫او ِ‬‫الس َم َ‬
‫ك ُم ْاْلَنْ َه َ‬
‫ار‪﴾٣٢‬‬
‫ْ َ ْ َ ْ َ َ َّ‬
‫خ َر لَ ُ‬ ‫ْ َ ُ ْ َ َ َّ َ َ ُ ُ ْ ُ ْ َ‬
‫ك ِلِ َ ْ‬
‫ج ِر َي ِِف اِلح ِر بِأم ِره ِ وس‬ ‫ات رِزقا لكم وسخر لكم الفل‬ ‫َّ‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫َو َأن ْ َز َل م َِن َّ‬
‫الس َماءِ َماء فأخ َرج بِهِ م َِن اثل َم َر ِ‬
‫[إبراهيم‪.]32 :‬‬

‫‪15‬‬
‫وهذا مما يوجب حب هللا عز وجل والتوكل عليه وتعلق القلب به رغبة ورهبة وحياء وتعظيما وتسليما ورضا حبكمه‬
‫وقدره‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬تشريعاته‪:‬‬
‫رً‬

‫تشريعات هللا الدالة على علمه وحكمته سبحانه وتعاىل وعنايته بعباده‪.‬‬

‫وغري ذلك من املواضيع الدالة على صفات هللا عز وجل وكماله‪ ،‬فال تكاد ختلو آية من تعريف ابهلل عز وجل وتعظيمه‬
‫يف النفوس وتعليق القلب به‪.‬‬

‫مثال‪ :‬سورة الفاحتة تضمنت تركيزاً على هذا املقصد من وجوه‪:‬‬

‫بيان صفات الكمال هلل تعاىل املوجبة لعبوديته يف الثالث اآلايت األوىل‪ .‬وهذا يبعث على استشعار‬ ‫‪-1‬‬
‫كمال هللا تعاىل ورمحته وقدرته وعظمته الباعث على حبه وإخالص العبودية له وحده‪.‬‬
‫بيان عنايته بعباده إبخراجهم من عبودية خملوق ال ينفع وال يضر إىل عبودية رب العاملني‪ ،‬وهو سبحانه‬ ‫‪-2‬‬
‫اك َن ْع ُب ُد ِإَويَّ َ‬
‫اك‬ ‫الذي أيمرهم ابالستعانة به ويعينهم وأيجرهم على ذلك! فكيف نتوجه إىل غريه؟!‪﴿ :‬إيَّ َ‬
‫ِ‬
‫ن َ ْس َتع ُِي‪[ ﴾٥‬الفاتحة‪.]5 :‬‬

‫المقصد الثاني‪ :‬بيان عظمة القرآن وإعجازه وخصائصه‪:‬‬


‫وردت العديد من اآلايت اليت تصرح مبكانة القرآن الكرمي وخصائصه تعظيما له يف النفوس‪ ،‬الباعث على االستجابة‬
‫ْ‬
‫ْلكمه‪ ،‬واالهتداء هبديه‪ .‬وقال تعاىل‪﴿ :‬إِ َن َه َذا ال ُق ْر َآن َي ْهدِي لليت يه أقوم﴾ [اإلسراء‪.]9 :‬‬

‫وال ختلوا آية من آايت هللا عز وجل إال فيها داللة على إعجاز القرآن الكرمي يف نظمه وبيانه وأحكامه ومنهجه‪.‬‬
‫وقد عين القرآن الكرمي ابلتعريف بذاته من خالل‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اب َل ْي َنا ل َع ِ د‬ ‫﴿ِإَونَ ُه ِف أُ ِم الْك َ‬ ‫ْ‬
‫آن َ‬ ‫ْ‬
‫َ ُ ْ‬
‫َل‬ ‫ِ‬ ‫ِت‬ ‫ِ‬ ‫اْلكِي ِم‪[ ﴾٢‬يس‪ ،]2 :‬وقوله تعاىل‪:‬‬ ‫أول‪ :‬بيان صفاته‪ :‬منها قوله تعاىل‪﴿ :‬والقر ِ‬
‫ً‬
‫َحك دِيم﴾ [الزخرف‪.]4 :‬‬

‫‪16‬‬
‫َ َ َ‬ ‫ْ َ َ ُْ ْ َ ُْ َ ْ‬ ‫ْ ْ ُ َ ْ ُّ َ َ َ ْ َ ْ ُ‬ ‫َْ‬ ‫ُْ َ‬
‫آن َل يَأتون ب ِ ِمثلِهِ َول ْو َكن‬ ‫اْلن لَع أن يأتوا ب ِ ِمث ِل هذا القر ِ‬ ‫اْلنس و ِ‬ ‫اثنيًا‪ :‬التحدي به‪ :‬منها قوله تعاىل ﴿قل لئ ِ ِن اجت َم َع ِ‬
‫ت ِ‬
‫َ ْ َُ ُ َ ََْ ُ ُْ َُْ ُ َ ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫اس َت َط ْع ُت ْم م ِْن ُدو ِن‬ ‫ض ُه ْم ِلِ َ ْع ٍض ظ ِهريا‪ ،﴾٨٨‬وقوله تعاىل‪[ :‬اإلسراء‪﴿]88 :‬أم يقولون افْتاه قل فأتوا بِسور ٍة مِثلِهِ و‬
‫اد ُعوا َمن ْ‬ ‫َب ْع ُ‬
‫ِ‬
‫ِي‪[ ﴾٣٨‬يونس‪.]38 :‬‬‫اَّللِ إ ْن ُكنْ ُت ْم َصادِق َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬

‫اثلثًا‪ :‬تعدد جوانب اإلعجاز فيه‪ :‬اشتمل القرآن الكرمي على أوجه متعددة لإلعجاز‪ ،‬منها اإلعجاز البياين واإلعجاز‬
‫العملي واإلعجاز العددي‪ ،‬وإعجاز املنهج الرابين الذي يقدم خلري البشرية واستقامة حياهتم وسعادهتم يف الدنيا‬
‫والفوز ابآلخرة‪.‬‬

‫مثال‪:‬‬

‫ُهدى ل ِل ُم َّتق َِي‪[ ﴾٢‬البقرة‪ ، ]2 :‬بيان عظمة القرآن من عدة وجوه‪:‬‬


‫ْ‬
‫‪ -‬قوله تعاىل‪:‬‬ ‫اب ََل َريْ َ‬
‫ب فِيهِ‬ ‫﴿ َذل َِك الْك َِت ُ‬

‫ك)‪ :‬اسم اإلشارة للبعيد‪ :‬أتكيدا على عظمة القرآن‪ ،‬واشتماله للحق املبني‪ ،‬وهذا يبعث على تعظيم‬ ‫ِ‬
‫‪( -1‬ذَل َ‬
‫القرآن يف النفوس‪.‬‬
‫(الْكِتَاب)‪ :‬يف بيان كمال مضمونه وهيمنته على بقية الكتب‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ب فِ ِيه)‪ :‬بيان كمال هذا الكتاب واشتماله على اْلق دون ريب أو شك‪ ،‬وهذا ابعث على اإلميان‬
‫َ(ال َريْ َ‬ ‫‪-3‬‬
‫والعمل به واالطمئنان ْلكمه‪.‬‬
‫ني)‪ :‬بيان مقصد هذا الكتاب وهو اهلداية وهذا يبعث على اختاذه منهج حياة وجناة لنا يف‬ ‫ِ ِ‬
‫(ه ًدى للْمتَّق َ‬ ‫‪-4‬‬
‫دنياان وآخرتنا‪.‬‬

‫المقصد الثالث‪ :‬التعريف باألنبياء والصالحين وهديهم‪:‬‬


‫متثل القدوة حاجة بشرية يف خمتلف مراحل حياة اإلنسان‪ ،‬ويقدم لنا القرآن الكرمي مناذج من خرية البشر "األنبياء‬
‫والصاْلني" لالقتداء هبم واالهتداء هبديهم‪ ،‬وقدمت هذه النماذج املختلفة يف أحواهلا ويف الظروف املالبسة هلا حىت‬
‫يتسىن ألي فرد من املسلمني يف أي حال كان أن جيد منوذج مشاهبا ْلاله لالقتداء به‪.‬‬

‫وقدمت هؤالء اخلرية من األنبياء والصاْلني ابلضعف البشري حىت نعلم أن الكمال هلل عز وجل وأيتينا التوجيه الرابين‬
‫من حاهلم على خمتلف أحوالنا من ضعف وقوة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫ُ ْ َ ََ ْ‬ ‫َ‬
‫ِيفة ُم َ‬ ‫َْ‬ ‫ََ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َُ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ َُْ َ َ‬
‫وس‪ ٦٧‬قل َنا َل ُتف‬ ‫ِص ُّي ُه ْم َي َّيل إَِلْهِ م ِْن سِح ِره ِْم أن َها ت ْس َع‪ ٦٦‬فأ ْو َج َس ِِف نف ِ‬
‫سهِ خ‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬قال بَل ألقوا فإِذا ح َِبال ُه ْم َوع ِ‬
‫ُْ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫حر َو ََل ُي ْفل ُِح َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ََْ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َّ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ‬
‫جدا‬ ‫ح َر ُة ُس َّ‬
‫الس َ‬ ‫ث أ َت‪ ٦٩‬فَأل ِ َ‬
‫ِق َّ‬ ‫الساح ُِر حي‬
‫َّ‬
‫ت اْللَع‪َ ٦٨‬وأل ِق َما ِِف يَ ِمينِك تلقف َما َص َن ُعوا إِن َما َص َن ُعوا كيْ ُد َسا ٍِ‬ ‫إِنك أن‬
‫ون َو ُم َ‬‫َ ُ َ َّ َ َ ُ َ‬
‫وس‪[ ﴾٧٠‬طه‪.]70-66 :‬‬ ‫ب هار‬ ‫قالوا آمنا بِر ِ‬

‫يف هذه اآلية تظهر بشرية موسى عليه السالم يف شعوره ابخلوف حال إلقاء السحرة ْلباهلم وعصيهم وختيله هلا ‪-‬من‬
‫سحرهم‪-‬تسعى‪ ،‬ومع هذا الشعور ابخلوف مل يهتز يقينه يف نصر هللا عز وجل له‪ ،‬ومن اْلكمة أن يبقى هذا يف نفس‬
‫اإلنسان وال يظهر هذا الشعور للعدو وخاصة يف حال التحدي‪ ،‬فما ظهر على موسى إال القوة واليقني قال تعاىل‪:‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫اَّلل َسيُبْ ِطل ُه إ َّن َّ َ‬‫ُ‬
‫ِح ُر إ َّن َّ َ‬
‫ْ‬ ‫﴿فَل َّما أل َق ْوا قَال ُم َ‬
‫وس َما ْ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫سد َ‬
‫ِين‪[ ﴾٨١‬يونس‪.]81 :‬‬ ‫اَّلل َل يُصل ُِح ع َمل ال ُمف ِ‬ ‫ِ‬ ‫جئتم بِهِ الس ِ‬ ‫ِ‬

‫المقصد الرابع‪ :‬التعريف باليوم اآلخر (ترغيبا ً وترهيبا ً)‪:‬‬


‫اإلميان ابليوم اآلخر هو أعظم أركان اإلميان ‪-‬بعد اإلميان ابهلل عز وجل‪ -‬الباعث على العمل وتقوى هللا عز وجل‪،‬‬
‫ولذلك كثر اْلديث عنه يف القرآن الكرمي تقريرا وترغيبا وترهيبا‪ ،‬وكان ذلك من خالل‪:‬‬
‫أول‪ :‬الدلئل على البعث واجلزاء‪ :‬ببيان قدرة هللا عز وجل‪ ،‬واْلكمة منه‪ ،‬مثل قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬أل َ ْم يَ ُ‬
‫ك ُن ْط َفة م ِْن َ‬
‫ن‬
‫ٍِ‬ ‫م‬ ‫ً‬
‫ََ َ ْ ُْ َ َْ ْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ْ ُ َّ ْ َ ْ َّ‬ ‫َ‬
‫ُ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ي اَّلك َر َواْلنث‪ ٣٩‬أليْ َس ذل ِك بِقاد ٍِر لَع أن ُي ِِي الموت‪[ ﴾٤٠‬القيامة‪-37 :‬‬ ‫يمن‪ ٣٧‬ثم َكن علقة فخلق فسوى‪ ٣٨‬فجعل ِمنه الزوج ِ‬
‫ُ َْ‬
‫جرم َ‬‫ي ََكل ْ ُم ْ‬ ‫ِي عِنْ َد َربه ْم َج َّن الَّعِيم‪ ٣٤‬أَ َف َن ْ‬
‫ج َع ُل ال ْ ُم ْسلِم َ‬ ‫‪ ،]40‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬إ َّن ل ِلْ ُم َّتق َ‬
‫ِي‪[ ﴾٣٥‬القلم‪]35-34 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اتِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬

‫َّ َّ ُ‬
‫الصاخة‪[ ﴾٣٣‬عبس‪.]33 :‬‬ ‫ت‬ ‫﴿ َمال ِِك يَ ْو ِم الِين‪[ ﴾٤‬الفاتحة‪﴿]4 :‬فَإ َذا َج َ‬
‫اء ِ‬ ‫اثنيًا‪ :‬تعدد أمسائه الدالة عليه وعلى صفاته‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ُ ْ‬ ‫َ َّ‬
‫﴿إِذا الش ْم ُس كوِ َرت‪١‬‬ ‫اثلثًا‪ :‬أهوال يوم القيامة والنقالب الكوين‪ :‬الباعثة على الرهبة واالستعداد له‪ ،‬مثل قوله تعاىل‪:‬‬
‫َ ْ َ ُ ُ َ ْ‬ ‫َ ُّ ُ ُ ْ َ َ َ ْ‬
‫ريت‪[ ﴾٣‬التكوير‪]3-1 :‬‬‫اْلبال س ِ‬
‫ِإَوذا الجوم انكدرت‪ِ ٢‬إَوذا ِ‬

‫َ َْ‬ ‫َْ‬ ‫وت ك َِتابَ ُه ب َيمينِهِ‪ ٧‬فَ َس ْو َف ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬


‫رابعا‪ :‬وصف مشاهد النشور واحلساب‪﴿ :‬فَأ َّما َم ْن أ َ‬
‫ب ح َِسابا يَسِريا‪َ ٨‬ويَنقل ُِب إَِل أهلِهِ‬
‫اس ُ‬
‫ُي َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اء ظه ِره ِ‪ ١٠‬ف َس ْوف يدعو ث ُبورا‪َ ١١‬ويصَل َسعِريا‪[ ﴾١٢‬االنشقاق‪]12-7 :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َم ْ ُ‬
‫ْسورا‪َ ٩‬وأما م ْن أ َ‬
‫وت كِتابه َو َر َ‬
‫ِ‬

‫َ َّ ُ َ‬ ‫ََ ْ َ ُ َْ ْ ََ َ َ ْ َ ُ ْ ْ َ‬
‫السابِقون‬ ‫اب ال َمشأ َمةِ‪ ٩‬و‬ ‫خامسا‪ :‬وصف نعيم أهل اجلنة وعذاب أهل النار‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬وأصحاب المشأمةِ ما أصح‬ ‫ً‬
‫ي َعلَيْهاَ‬ ‫كئ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ُ ُ َ ْ ُ َ‬ ‫ََ د َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َّ د َ ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َ ُ َ َ ْ ُ َ َّ ُ َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ات العِي ِم‪ ١٢‬ثلة مِن اْلولِي‪ ١٣‬وقل ِيل مِن اْلخ ِِرين‪ ١٤‬لَع ُس ٍر موضون ٍة‪ ١٥‬مت ِ ِ‬ ‫السابِقون‪ ١٠‬أولئِك المقربون‪ِِ ١١‬ف جن ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ْ ُ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫اب ِ َ‬ ‫ص َ‬
‫ح ُ‬ ‫َ‬
‫اب الش َمال َما أ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ِي‪[ ﴾١٦‬الواقعة‪َ ﴿]16-9 :‬وأَ ْ‬ ‫ُم َت َقابل َ‬
‫يم‪﴾٤٤‬‬ ‫ِيم‪ ٤٢‬وظ ٍِل مِن ُيمو ٍم‪َ ٤٣‬ل بارِ ٍد وَل ك ِر ٍ‬
‫الشما ِل‪ِِ ٤١‬ف سمو ٍم وْح ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫[الواقعة‪]44-41 :‬‬

‫‪18‬‬
‫المقصد الخامس‪ :‬بيان الصفات واألخالق الحسنة والسيئة‪.‬‬
‫عين اإلسالم بتهذيب األخالق منذ بداية نزول الوحي‪ ،‬قال تعاىل يف أوائل ما نزل من القرآن الكرمي يف سورة القلم‪:‬‬
‫َّ َ َ َ َ ُ ُ َ‬
‫ق‪.21 .‬‬
‫مكارم وفي رواي ٍة (صال َح) األخال ِ‬
‫َ‬ ‫يم‪[ ﴾٤‬القلم‪ ]4 :‬وقال صلى هللا عليه وسلم‪ :‬إنما بُ ِع ْثتُ ألُت َِم َم‬
‫﴿ِإَونك لعَل خل ٍق ع ِظ ٍ‬

‫وكثريا ما اقرتن سوء اخللق ابلكفر تقبيحا له وحتذيرا من الوقوع فيه‪ ،‬وهنيا للمسلم عن االتصاف بذلك؛ مثل قال تعاىل‪:‬‬
‫َ َ َ َّ َ ُ ُّ ْ َ َ َ َ ُ ُّ َ َ َ َ ْ ْ‬ ‫َ َ َ ْ َ َّ ُ َ ُ‬
‫﴿أرأيت اَّلِي يكذِب بِالِي ِن‪ ١‬فذل ِك اَّلِي يدع اَلَت ِيم‪ ٢‬وَل ُيض لَع طعا ِم ال ِمسك ِ‬
‫ِي‪[ ﴾٣‬الماعون‪]3-1 :‬‬

‫َ ْ‬
‫كما أنه أييت يف املدح والثناء على اهل حماسن اخللق وبيان عظيم األجر املرتتب عليه؛ قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َسارِ ُعوا إَِل َمغف َِر ٍة‬
‫اس‬ ‫ِي َع ِن الَّ ِ‬ ‫ي الْ َغيْ َظ َوالْ َعاف َ‬ ‫الَّضاءِ َوالْ ََك ِظم َ‬
‫الْساءِ َو َّ َّ‬ ‫َّ َ ُ ْ ُ َ‬
‫ون ِف َّ َّ‬ ‫ْ َ ُ ْ َ َ َّ َ ْ ُ َ َّ َ َ ُ َ ْ َ ْ ُ ُ َّ ْ ْ ُ َّ َ‬
‫ِ‬ ‫مِن ربِكم وجن ٍة عرضها السماوات واْلرض أعِدت ل ِلمتقِي‪ ١٣٣‬اَّلِين ينفِق ِ‬
‫وب إ ََّل َّ ُ‬
‫اَّلل َول َ ْم يُ ِ ُّ‬ ‫ُّ ُ َ‬ ‫ُُ ْ ََ ْ َ ْ‬ ‫َّ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ َ ُ َ ْ ُ َ ُ ْ َ َ‬ ‫اَّلل ُُي ُّ ْ ْ‬
‫َو َّ ُ‬
‫صوا‬ ‫سنِي‪ ١٣٤‬واَّلِين إِذا فعلوا فاحِشة أو ظلموا أنفسهم ذك ُروا اَّلل فاستغف ُروا َِّلنوب ِ ِهم ومن يغف ُِر اَّلن ِ‬ ‫ِب ال ُمح ِ‬
‫ج ُر الْ َعا ِمل َ‬‫ِيها َون ِْع َم أَ ْ‬
‫ِين ف َ‬
‫ال َ‬ ‫ْ َْ َ ََْْ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ُ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ ْ َ ْ َ د ْ َ ْ َ َ َّ د َ ْ‬
‫ِي‪[ ﴾١٣٦‬آل‬ ‫ار خ ِ‬ ‫ات َت ِري مِن ُتتِها اْلنه‬ ‫لَع ما فعلوا وهم يعلمون‪ ١٣٥‬أولئِك جزاؤهم مغفِرة مِن رب ِ ِهم وجن‬
‫عمران‪.]136-133 :‬‬

‫المقصد السادس‪ :‬بيان التشريعات (األوامر والنواهي)‪:‬‬


‫وهو أول ابب من أبواب املقاصد اليت تناوهلا العلماء "مقاصد الشريعة"‪ ،‬وكذلك إذا أطلق علم املقاصد دون تقييد‬
‫ينصرف الذهن إليه‪ ،‬وهو من إعجاز املنهج الرابين القومي والذي جعل من حمدودية حروف القرآن الكرمي صاحل كمنهج‬
‫لكل زمان ومكان مع ظهور العديد من النوازل واْلوادث‪.‬‬

‫وكذلك هو ابب من أبواب الرد على شبهات املغرضني واملشككني يف التشريع اإلسالمي ومناسبته لزماننا من انحية‬
‫العدالة وحقوق اإلنسان وغريها من الشبهات الباطلة‪.‬‬

‫ومثلها مثل بقية املقاصد منها ما هو ظاهر ومنها ما هو خفي‪.‬‬

‫مثال على مقصد ظاهر‪ :‬حكم القصاص‪:‬‬


‫َ ُ ْ َ َّ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َْْ‬ ‫ُ‬
‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ول ُ‬
‫ك ْم ِف الق َِص ِ َ َ د َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ون‪[ ﴾١٧٩‬البقرة‪ ،]179 :‬فاهلل سبحانه شرع القصاص ‪-‬مع‬ ‫اب لعلكم تتق‬ ‫وِل اْلِل ِ‬
‫اص حياة يا أ ِ‬ ‫ِ‬
‫ما تدعيه مجعيات حقوق اإلنسان من شدة يف حق القاتل‪ -‬رمحة ابألمة والقاتل على حد السواء‪ ،‬وقد قيل أن "القتل‬
‫أنفى للقتل"‪.‬‬

‫‪ 21‬السلسلة الصحيحة لأللباني ‪.45‬‬


‫‪19‬‬
‫قال ابن عاشور‪ :‬وحكمة ذلك ردع أهل العدوان عند اإلقدام على قتل األنفس إذا علموا أن جزاءهم القتل‪ ،‬فإن اْلياة‬
‫أعز شيء على اإلنسان يف اجلبلة فال تعادل عقوبة القتل يف الردع واالنزجار‪ ،‬ومن حكمة ذلك تطمني أولياء القتلى‬
‫ُ َ ْ ُ ََ‬ ‫اَّلل إِ ََّل ب ْ َ‬
‫اْل ِق َو َم ْن قتِل َمظلوما فق ْد‬ ‫أبن القضاء ينتقم هلم ممن اعتدى على قتيلهم قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و ََل َت ْق ُتلُوا الَّ ْف َس الَّيت َح َّر َم َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ َْ ََ ُْ ْ‬ ‫َ َ َْ َ‬
‫ْسف ِِف ال َقتْ ِل إِنَّ ُه ََك َن َمنْ ُصورا‪[ ﴾٣٣‬اإلسراء‪ ]33 :‬أي لئال يتصدى أولياء القتيل لالنتقام من قاتل‬ ‫جعلنا ل ِو َِلِهِ سلطانا فَل ي ِ‬
‫‪22‬‬
‫موالهم أبنفسهم ألن ذلك يفضي إىل صورة اْلرب بني رهطني فيكثر فيه إتالف األنفس‬

‫كما أهنا رمحة للقاتل من أهنا تكفري لذنبه وهو من أعظم الذنوب يف حق الناس بعضهم البعض‪ ،‬وأول ما يقضى فيه‬
‫بني الناس‪.‬‬

‫مثال على مقصد خفي‪ :‬غض البصر‪:‬‬


‫َ‬ ‫وج ُه ْم َذل َِك أَ ْز ََك ل َ ُه ْم إ َّن َّ َ‬
‫اَّلل َخب د‬
‫ري ب ِ َما يَ ْص َن ُعون‪[ ﴾٣٠‬النور‪]30 :‬‬ ‫ِي َي ُغ ُّضوا م ِْن َأب ْ َصاره ِْم َويَ ْ‬
‫ح َف ُظوا فُ ُر َ‬ ‫تعاىل‪ُ ﴿ :‬ق ْل ل ِلْ ُم ْؤ ِمن َ‬ ‫قال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫غض البصر من أسباب حفظ الفرج‪.‬‬

‫المقصد السابع‪ :‬بيان السنن والعبر من القصص واألخبار‪:‬‬


‫اشتمل القرآن الكرمي يف جزء كبري منه على القصص الواقعي من حياة األمم السابقة‪ ،‬وإن كان فيها جانب من‬
‫ِْب دة ِْلُوِل ا ْْلَ ِْلَاب َما ََك َن َحدِيثا ُي ْف َ َ‬
‫ْتى َولَك ِْن تَ ْصد َ‬ ‫صه ْم ع ْ َ‬ ‫ََ ْ َ َ َ َ‬
‫ِيق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫التسلية فهي لالعتبار واالتعاظ‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬لقد َكن ِِف قص ِ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫َّ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫يل ُك َ ْ‬
‫ْحة لِق ْو ٍم يُؤم ُِنون‪[ ﴾١١١‬يوسف‪.]111 :‬‬‫َش ٍء َو ُهدى ور‬ ‫ِ‬ ‫ص‬
‫اَّلِي بي يديهِ وتف ِ‬
‫َْ َ َ َ‬ ‫َ َْ َ َ َ‬
‫جبْ َنا َُل َوَنَّيْ َناهُ م َِن الغ ِم َوكذل ِك‬ ‫وقد وردت ضمن هذه القصص سنن وقواعد إهلية ْلياة مستقيمة؛ قال تعاىل‪﴿ :‬فاست‬
‫َ ُ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َْ ْ‬ ‫ُننِْج ال ْ ُم ْؤ ِمن َ‬
‫ِي‪[ ﴾٨٨‬األنبياء‪ ،]88 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬وك ْم أهلك َنا م ِْن ق ْريَ ٍة بَ ِط َرت َمعِيش َت َها فتِلك َم َساك ُِن ُه ْم ل ْم ت ْسك ْن م ِْن َب ْع ِده ِْم‬ ‫ِ‬
‫ْ ُ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫إ ََّل قَل ِيَل َوك َّنا َنْ ُن ال َوارث َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِي‪َ ٥٨‬و َما َكن َر ُّبك ُم ْهل ِك الق َرى َح َّيت َيبْ َعث ِِف أم َِها َر ُسوَل َيتلو َعليْ ِه ْم آيَات َِنا َو َما ك َّنا ُم ْهل ِِِك القرى إَِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ ْ َُ َ ُ َ‬
‫وأهلها ظال ِمون‪[ ﴾٥٩‬القصص‪]59-58 :‬‬
‫فجعل سنة إهلية وهو أنه ال أييت هالك عام ألمة من األمم إال وهي ظاملة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من جهة ما يحقق اإلصالح‪:‬‬
‫المقصد األول‪ :‬إصالح الفرد‪.‬‬
‫عين القرآن الكرمي بصالح الفرد عناية خاصة‪ ،‬كنواة أوىل لألسرة واجملتمع‪ ،‬وبصالحه يصلح حال األمة مجيعا‪ ،‬وكانت‬
‫هذه العناية من بداية نزول القرآن الكرمي‪ ،‬بل من أول آية فيه عنيت بتعريف الفرد بربه وعالقته به من انحية عناية هللا‬
‫َ َْ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ ْ ْ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ْ َ ْ ْ َ َ َّ‬
‫اْلن َسان م ِْن َعل ٍق‪ ٢‬اق َرأ َو َر ُّبك اْلك َر ُم‪٣‬‬
‫عز وجل به واستعانته بربه وحاجته له؛ قال تعاىل‪﴿ :‬اقرأ بِاس ِم ربِك اَّلِي خلق‪ ١‬خلق ِ‬

‫‪ 22‬التحرير والتنوير (‪)136 /2‬‬


‫‪20‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫﴿يَا أ ُّي َها‬ ‫اَّلِي َعل َم بِال َقل ِم‪َ ٤‬عل َم ِاْلن َس َان َما ل ْم َي ْعل ْم‪[ ﴾٥‬العلق‪ .]5-1 :‬مث تتالت فكانت أول ما نزل بعدها قوله تعاىل‪:‬‬
‫اص ْ‬‫ُ ْ َ َ ْ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ َ ُّ ْ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ َ َ َ ْ‬ ‫ْ ُ َّ‬
‫ْب‪[ ﴾٧‬المدثر‪ ]7-1 :‬وقوله‬ ‫المدث ُِر‪ ١‬قم فأنذِر‪ ٢‬وربك فك ِْب‪ ٣‬وثِيابك فط ِهر‪ ٤‬والرجز فاهجر‪ ٥‬وَل تمُن تستك ِث‪ ٦‬ول َِربِك ف ِ‬
‫ُْ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫ُ َّ َ َّ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬
‫تعالى‪﴿ :‬يَا أ ُّي َها ال ُم َّز ِمل‪ ١‬ق ِم الليْل إ َِل قل ِيَل‪ ٢‬ن ِْصف ُه أوِ انق ْص مِن ُه قل ِيَل‪ ٣‬أ ْو زِد َعليْهِ َو َرت ِِل الق ْرآن ت ْرتِيَل‪[ ﴾٤‬المزمل‪]4-1 :‬‬
‫تعىن ببناء ذات الفرد وعالقته بربه وخاصة من خالل الذكر وقيام الليل وبناء إجيابية الفرد بدعوته غريه ابتداء بتطهري‬
‫نفسه واآلخرين وغري ذلك مما ورد يف اآلايت السابقة‪.‬‬

‫فتضمنت اآلايت صالح اعتقاده وإخراجه من عبودية اهلوى واملخلوق إىل عبودية اخلالق سبحانه وتعاىل‪ .‬كما عنيت‬
‫بتصحيح أخالقه وبيان سبل استقامته والفوز حبياة سعيدة هنية مطمئنة يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬

‫المقصد الثاني‪ :‬إصالح األسرة‪:‬‬


‫عين القرآن الكرمي عناية خاصة ابألسرة‪ ،‬ووردت األحكام اخلاصة هبا يف العديد من السور املدنية‪ ،‬ألهنا حتقق أساس‬
‫بناء اجملتمع كما تعني على صالح الفرد وثباته‪.‬‬

‫كرم ابن‬ ‫ِ‬


‫قال ابن عاشور‪ :‬أبن انتظام أمر العائلة يف األمة أساس حضارهتا وانتظام جامعتها‪ . . .‬وإن هللا اخلبري العليم ّ‬
‫آدم فلم جيعله كغريه من اخللق‪ .‬وجعل من عالقة الرجل للمرأة تقوم على اْلب والود واللطف والرمحة‪ ،‬والتعاون والتناسل‬
‫واالحتاد وإقامة نظام األسرة ونظام القبيلة‪ ،‬مث نظام األمة‪.23‬‬

‫﴿ َو َأنْك ُ‬
‫ِحوا‬ ‫فجاءت اآلايت شاملة ْلياة األسرة حال الوفاق والفراق‪ ،‬ابتداء من اْلث على النكاح؛ منها قوله تعاىل‪:‬‬
‫ِيم‪[ ﴾٣٢‬النور‪.]32 :‬‬
‫ُ ْ َ ُ ْ ْ َ ُ ُ ُ َ َ َ ُ ْ ُ َّ ُ ْ َ ْ‬
‫ضلِهِ َو َّ ُ‬
‫اَّلل َواس دِع َعل د‬ ‫اْل َ‬
‫ِي م ِْن ِع َبادِكم ِإَومائِكم إِن يكونوا فقراء يغنِ ِهم اَّلل مِن ف‬ ‫ك ْم َو َّ‬
‫الص ِ‬ ‫ْاْلَيَ َ‬
‫اَم مِنْ ُ‬

‫ََ د ْ د‬ ‫ْ‬ ‫ََ َْ ُ ُْ ْ َ‬


‫ت َح َّيت يُؤم َِّن َوْل َمة ُمؤم َِنة‬‫ْشَك ِ‬ ‫كما وردت اآلايت حتث على اختيار الزوجة الصاْلة؛ منها قوله تعاىل‪﴿ :‬وَل تنكِحوا الم ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ري م ِْن ُم ْْشك َول َ ْو أ ْع َ‬
‫ِي َح َّيت يُ ْؤم ُِنوا َولَ َعبْ دد ُم ْؤم دِن َخ ْ د‬ ‫ِحوا ال ْ ُم ْْشك َ‬ ‫ك ْم َو ََل ُتنْك ُ‬ ‫ج َبتْ ُ‬ ‫ري م ِْن ُم ْْش َكة َول َ ْو أَ ْع َ‬ ‫َخ ْ د‬
‫ك ْم أولئِك يَ ْد ُعون إَِل‬ ‫ج َب ُ‬
‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫َ َّ َ‬
‫اس ل َعل ُه ْم َي َتذك ُرون‪[ ﴾٢٢١‬البقرة‪.]221 :‬‬
‫َ َّ‬ ‫ي آيَاتِهِ ل َّ‬
‫ِلن ِ‬ ‫اَّلل يَ ْد ُعو إِ ََل ْ َ‬
‫اْل َّنةِ َوال ْ َم ْغف َِرة ِ بإذْنِهِ َويُ َب ُ‬ ‫الَّار َو َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ضلُ ُ‬‫اء َك ْرها َو ََل َت ْع ُ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ َ ُّ َ ُ َ‬
‫وه َّن ِلِ َذه ُبوا ب ِ َب ْع ِض َما‬ ‫ك ْم أ ْن تَرثُوا الن َِس َ‬ ‫وأتمر حبسن املعاشرة؛ قال تعاىل‪﴿ :‬يا أيها اَّلِين آمنوا َل ُيِل ل‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اَّلل فِيهِ خ ْريا كثِريا‪﴾١٩‬‬ ‫ج َع َل َّ ُ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫ك َر ُهوا َشيْئا َويَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ُُْ ُ َ‬
‫وه َّن ف َع ََس أن ت‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ْ ُ ُ ُ َّ َّ َ ْ َ ْ َ‬
‫ِي ب َفاح َِشة ُم َبي َنة َو ََع ُ ُ‬
‫ِشوه َّن بِال َمع ُر ِ‬
‫وف فإِن ك ِرهتم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫آتيتموهن إَِل أن يأت ِ‬
‫[النساء‪]19 :‬‬

‫كما تبني أحوال الفراق ابملوت والطالق وما جيب على كال الطرفني‪.‬‬

‫‪ 23‬مقاصد الشريعة اإلسالمية (‪)341 /2‬‬


‫‪21‬‬
‫كما وردت اآلايت حتدد أنصبة اإلرث حىت ال ترتك جماال للخالفات فيه‪.‬‬

‫وأتمر برب الوالدين وصلة الرحم وإعطاء ذي القرىب حقه مبا يوطد العالقات األسرية وجيعلها متماسكة‪.‬‬

‫كما وردت اآلايت اليت تعىن أبحوال املرأة وتراعي خصوصياهتا وما يناسبها‪ ،‬وتبني العالقة التكاملية بني الرجل واملرأة‬
‫وحاجة كل منهما إىل الثاين وحتدد دوره يف هذا البناء األسري‪.‬‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ ُ ُ ُ َ‬
‫وسف ِْلبِيهِ يَا أبَ ِ‬
‫ت إِ ِّن‬ ‫وتشري إىل قيمة املرأة يف األسرة؛ ومن اللطائف اليت ذكرت يف قيمة املرأة يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿إِذ قال ي‬
‫ِين‪[ ﴾٤‬يوسف‪ ،]4 :‬أشارت الشمس إىل املرأة مبا فيها من نور ودفئ‬ ‫الش ْم َس َوالْ َق َم َر َر َأ ْي ُت ُه ْم َل َساجد َ‬
‫َ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َّ‬
‫رأيت أحد عْش كوكبا و‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأشار القمر والكواكب إىل األب واألبناء‪ ،‬حىت تعي املرأة قيمتها اْلقيقة يف إشاعة النور يف بيتها‪ ،‬وأهنا مصدر النور‬
‫لزوجها وأبنائها إن كانت صاْلة ومصدر ظلمة هلم لو مل تكن‪.‬‬

‫وحفاظا على األسرة وردت اآلايت يف حترمي الزان وحترمي التبين واألمر بغض البصر والسرت والعفاف وغريها من األحكام‬
‫األسرية املباشرة والغري مباشرة‪.‬‬

‫المقصد الثالث‪ :‬إصالح المجتمع‪:‬‬


‫لقد عين القرآن الكرمي حفظ نظام األمة واستدامة صالحها بصالح مكوانهتا؛ الفرد واألسرة‪ ،‬وبتنظيم العالقات املالية‬
‫واالجتماعية واحملافظة على اْلقوق واملصاحل‪ ،‬حال الوفاق وحال اخلالف‪.‬‬

‫فنظم مسألة الدين‪ ،‬وحرم الراب‪ ،‬ورغب يف الصدقة والعفو عن املعسر وغريها مما يتعلق ابملعامالت املالية‪.‬‬

‫كما حرم االستهزاء والسخرية وكل ما يسيء للعالقات االجتماعية‪.‬‬


‫َ ْ‬ ‫اق َت َتلُوا فَأَ ْ‬
‫َ ُْ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫صل ُِحوا بَيْ َن ُه َما فإِن‬ ‫كما جعل كل فرد مسؤول عن نفسه وأسرته وجمتمعه؛ قال تعاىل‪ِ﴿ :‬إَون َطائِف َتا ِن مِن المؤ ِمنِي‬
‫صل ُِحوا بَيْ َن ُه َما بالْ َع ْدل َوأَقْس ُِطوا إ َّن َّ َ‬
‫اَّلل ُُي ُّ‬
‫ِب‬ ‫ت فَأَ ْ‬
‫َ َّ َ َ َ َ ْ َّ َ ْ َ َ ْ‬ ‫َ َ ُ َّ َ‬ ‫ََ ْ ْ َ ُ ََ ُْ ْ‬
‫اه َما لَع اْلخ َرى فقات ِلوا ال ِيت تبْ ِِغ حيت ت ِِفء إَِل أم ِر اَّللِ فإِن فاء‬‫بغت إِحد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سط َ‬ ‫ْ ْ‬
‫ي‪[ ﴾٩‬الحجرات‪.]9 :‬‬ ‫ال ُمق ِ ِ‬

‫كما نظم اْلقوق املشرتكة بني اجلماعات‪ ،‬وأمر ابلتكافل االجتماعي ورغب يف اإلحسان وأمر بتقوى هللا عز وجل‬
‫وحذر من اإلساءة إىل الناس ابلقول والفعل وغري ذلك مما يزيد األلفة بني أفراد اجملمع ويقوي بناء األمة‪.‬‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫َّ َ ُ ْ ُ َ ْ َ د َ ْ ُ َ ْ َ َ َ ْ ُ ْ َ َّ ُ َّ َ َ ُ ْ ُ ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ون‪[ ﴾١٠‬الحجرات‪ ]10 :‬هذه اآلية‬‫مثال‪ :‬قال هللا تعاىل‪﴿ :‬إِنما المؤمِنون إِخوة فأصلِحوا بي أخويكم واتقوا اَّلل لعلكم ترْح‬
‫قاعدة يف صالح اجملتمع املسلم واألمة مجيعا‪ ،‬والذي يبىن على األخوة اليت توجب القيام حبقوق املؤمنني بعضهم لبعض‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫ومبا به َيصل التآلف‪ ،‬والتوادد‪ ،‬والتواصل‪ ،‬واإلصالح بينهم‪ ،‬وأن هذا من سبب استجالب رمحة هللا سبحانه وتعاىل‬
‫ابملسلمني‪.‬‬

‫المقصد الثالث‪ :‬إصالح العالم‪:‬‬


‫بدأ الوحي ابلتدرج أبمر النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬إبنذار عشريته األقربني مث ابلصدع ابألمر مث ببيان عاملية الدعوة‬
‫َ َ َّ َ ْ‬
‫كََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َْ َ‬
‫اك إ ََّل ََكفَّة ل َّ‬
‫ث‬ ‫اس بَشِ ريا َونذِيرا ولكِن أ‬
‫ِلن ِ‬ ‫﴿وما أرسلن ِ‬ ‫وعاملية املنهج الرابين القومي الذي أرسله للناس كافة‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫[اْلاقة‪.]52-51 :‬‬ ‫ون ﴾ [سبأ‪ ،]28 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َما ُه َو إَِل ذِك در لِل َعال ِم َي (‪﴾)52‬‬ ‫الَّ ِ‬
‫اس َل يعلم‬

‫كرهوا على الدخول يف الدين‪.‬‬


‫كما أمر بتبليغ الدعوة للناس كافة‪ ،‬على أن ال ي َ‬
‫ولذلك كان خطاب القرآن الكرمي للناس كافة‪ ،‬وورد النداء للناس يف القرآن الكرمي ‪ 20‬مرة وورد "رب العاملني" ‪ 37‬مرة‬
‫وغريها مما يدل على عاملية املنهج‪.‬‬

‫كما شرع هللا عز وجل اجلهاد لتبليغ الدعوة إىل الناس كافة‪.‬‬

‫وكما وضع القرآن الكرمي أسس تعامل املسلمني فيما بينهم‪ ،‬وضع أسس تعامل املسلمني مع الكافرين؛ القائم على العدل‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َُ َ َ َ ُْ ْ ََْ ْ َُ َ َ َ‬
‫نف ُقوا ۚ َذل ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِك ْم ُحك ُم‬ ‫﴿ َوَل ت ْمسِكوا بِع َِص ِم الك َواف ِِر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أ‬ ‫وعدم التعدي وإن كان كافرا؛ قال تعاىل‪:‬‬
‫ك ْم َو َّ ُ‬ ‫اَّلل ۚ َُيْ ُ‬
‫َّ‬
‫[املمتحنة‪.]10 :‬‬ ‫اَّلل َعل دِيم َحك دِيم﴾‬ ‫ك ُم بَيْ َن ُ‬
‫ِ‬

‫َ‬ ‫ون ل ُّ ْ‬ ‫َ َّ ُ َ‬ ‫َ َّ ُ َ ْ َ‬
‫ت ۚ فإِن‬‫ِلسح ِ‬ ‫ِب أكال‬ ‫كما وضع أسس حكم املسلم بني املشركني بعضهم البعض؛ قال تعاىل‪﴿ :‬سماعون ل ِلكذ ِ‬
‫كم بَيْ َن ُه ْم بالْق ِْس ِط ۚ إ َّن َ‬
‫اَّلل‬ ‫اح ُ‬‫ت فَ ْ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ك ْم َ‬ ‫ح‬ ‫ِإَون‬ ‫ۚ‬ ‫ئا‬‫وك َشيْ‬ ‫كم بَيْ َن ُهم أَ ْو أَ ْعر ْض َعنْ ُه ْم ۚ ِإَون ُت ْعر ْض َعنْ ُه ْم فَلَن يَ ُ ُّ‬
‫َّض َ‬ ‫اح ُ‬‫وك َف ْ‬ ‫َ ُ‬
‫آؤ َ‬ ‫ج‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سط َ‬ ‫ُ ُّ ْ ْ‬
‫ي﴾ [املائدة‪.]42 :‬‬ ‫ِب ال ُمق ِ ِ‬ ‫ُي‬

‫المحور الثالث‪ :‬مقاصد السور‬


‫‪ -1‬التعريف مبقاصد السور واعتباره عند العلماء‪.‬‬
‫‪ -2‬ظهور علم مقاصد السور‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪ -3‬مرادفات مصطلح مقاصد السور‬
‫‪ -4‬الفرق بني موضوعات السور ومقاصدها‬
‫‪ -5‬أمهية مقاصد السور‪.‬‬
‫‪ -6‬أقوال العلماء يف مقاصد السور واعتبارها‪.‬‬
‫‪ -7‬عناية العلماء واملفسرين بعلم مقاصد السور ومناهجهم فيه‪ ،‬والكتب والتفاسري‬
‫املؤلفة فيه‪.‬‬
‫‪ -8‬طرق كشف مقاصد السور‪.‬‬
‫أول‪ :‬تعريف مقاصد السور‪:‬‬
‫ً‬ ‫‪.1‬‬
‫تعريف املقصد‪ :‬أخذان يف املقدمات تعريف املقصد وهو يدور حول التوجه والنهوض حنو الشيء‪.‬‬

‫تعريف السورة‪:‬‬

‫لغة‪ :‬السني والواو والراء أصل واحد ُّ‬


‫يدل على ٍّ‬
‫علو وارتفاع‪.24‬‬

‫ورة من البناء‪ :‬ما طال وحسن‪.‬‬


‫الس َ‬
‫ُّ‬
‫ورة‪ :‬املنزلة الرفيعة‪.‬‬
‫الس َ‬
‫ُّ‬
‫‪25‬‬
‫كل ما َييط بشيء من بناء أو غريه‬
‫السور‪ُّ :‬‬
‫ُّ‬
‫السمو والرفعة‪.‬‬
‫وعليه فإن اسم سورة يتضمن‪ :‬معىن اإلحاطة‪ ،‬ومعىن ُّ‬
‫ومثل السور اليت يبىن لبنة‪ ،‬لبنة كذلك السورة تبىن آية آية‪.‬‬

‫والسورة اصطالحا‪:‬‬

‫السورة من القرآن هي جمموعة من اآلايت الكرمية‪ ،‬منفصلة عن غريها من آايت القرآن‪ ،‬حمفوظة مصونة من الزايدة‬
‫أو النقصان أو التبديل أو التحريف وقيل‪ :‬سورة ؛ تسمية شرعية توقيفية‪ ،‬ثبتت يف القرآن‪ ،‬حيث وردت تسع مرات‬

‫‪ 24‬مقاييس اللغة‬
‫‪( 25‬معجم المعاني)‬
‫‪24‬‬
‫َ َ َ َّ َّ َ َ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ ُ َ ُ‬ ‫َ َ ُْ َ ْ ُ َد َ ْ‬
‫ورة ف ِمن ُه ْم َم ْن َيقول أيُّك ْم َزادت ُه ه ِذه ِ إِيمانا فأما اَّلِين آمنوا فزادتهم إِيمانا وهم يستب ِ‬
‫ْشون‪﴾١٢٤‬‬ ‫منها قوله تعاىل‪ِ﴿ :‬إَوذا ما أن ِزلت س‬
‫َ‬
‫ُ َ د ْ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ َ َ َّ َ‬ ‫َ‬
‫ك ْم تذك ُرون‪[ ﴾١‬النور‪]1 :‬‬ ‫ات لعل‬
‫ات بيِن ٍ‬ ‫[التوبة‪ ،]124 :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬سورة أنزلاها وفرضناها وأنزلا فِيها آي ٍ‬

‫وقيل أهنا مسيت سورة لِ َشَرفِ َها َو ْارتَِفاعِ َها‪َ ،‬ك َما يـ َقال لِ َما ْارتَـ َف َع ِم َن ْاأل َْر ِ‬
‫ض سور‪.‬‬

‫ثبت أن النيب صلى هللا عليه وسلم َمسَّى بعض سور القرآن‪ ،‬كالفاحتة‪ ،‬والبقرة‪ ،‬وآل عمران‪ ،‬والكهف‪.‬‬

‫تعريف مقصد السورة‪ :‬هو الغاية اجلامعة اليت تتوجه إليها معاين السورة ومضموهنا‪ ،‬ومتثل روحها الذي يسري‬
‫يف مجيع أجزائها‪.‬‬

‫اثنيًا‪ :‬ظهور علم مقاصد السور‪:‬‬ ‫‪.2‬‬


‫علم مقاصد السور ظهر مع نزول القرآن الكرمي‪ ،‬شأنه شأن بقية العلوم كالتفسري وعلوم القرآن وغريها‪ ،‬ولكن مل‬
‫تكن تصرَيا ابسم العلم‪ ،‬فقد ورد عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪(( :‬كان عمر يدخلين مع أشياخ بدر فقال‪:‬‬
‫ْ‬ ‫«ما تقولون يف ﴿إِ َذا َج َ‬
‫ص َّاَّللِ َوال َفتْ ُح‪[ ﴾١‬النصر‪ ]1 :‬؟‪ ،‬حىت ختم السورة‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬أمران أن حنمد هللا ونستغفره‬
‫اء نَ ْ ُ‬

‫إذا نصران وفتح علينا‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬ال ندري‪ ،‬فقال يل‪ :‬اي ابن عباس‪ ،‬أكذاك تقول؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فما تقول؟‬
‫‪26‬‬
‫قلت‪ :‬هو أجل رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أعلمه هللا له‪ .‬فقال عمر‪ :‬ما أعلم منها إال ما تعلم»‪.‬‬

‫كما أن الصحابة رضي هللا عنهم كانوا يصفون بعض السور ويذكرون هلا أمساء اجتهادية دالة على مقصدها‪،‬‬
‫كالكاشفة والفاضحة يطلقوهنا على سورة التوبة ألهنا فاضحة وكاشفة للمنافقني‪ .‬كما دل تعدد أمساء السورة الواحدة‬
‫على عناية العلماء ابملقاصد ألن غالبا ما تكون األمساء االجتهادية دالة عليه‪.‬‬

‫اثلثًا‪ :‬مرادفات مصطلح مقاصد السور‪:‬‬ ‫‪.3‬‬


‫مصطلح مقاصد السور مصطلح متأخر‪ ،‬لذا جند التفاوت يف التعبري عنه عند املتأخرين‪ .‬فقد يعرب عنه بسياق السورة‪،‬‬
‫وغرض السورة‪ ،‬والوحدة املوضوعية‪ ،‬الوحدة السياقية للسورة‪ ،‬وموضوع السورة العام‪ ،‬وعمدة السورة‪ ،‬وهدف السورة‪،‬‬
‫وحمور السورة‪ ،‬ومضمون السورة‪ ،‬ومدار السورة‪ ،‬وفلك السورة‪ ،‬وجو السورة‪ ،‬وشخصية السورة‪ ،‬وروح السورة‪.‬‬

‫‪ 26‬أخرجه البخاري (‪.)4294( )149 /5‬‬


‫‪25‬‬
‫وكلها تصب يف معىن واحد هو أن ترجع السورة إىل معىن واحد جيمعها‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬الفرق بني موضوعات السورة ومقاصدها‪:‬‬


‫رً‬ ‫‪.4‬‬
‫قد جند يف بعض التفاسري وغريها إطالق لفظ مقاصد السورة على موضوعاهتا‪ ،‬كما يفعله الفريوز أابدي يف (بصائر‬
‫ذوي التمييز) وابن عاشور يف (التحرير والتنوير) وغريمها‪.‬‬

‫وإن كان هناك ارتباط بينهما‪ ،‬لكننا ابلتأمل جند فرقاً أساسياً بني املوضوعات واملقاصد‪ ،‬فاملوضوعات هي‪ :‬جممل ما‬
‫اشتملت عليه السورة من القضااي واألحكام والقصص‪.‬‬

‫واملقاصد هي‪ :‬الغاية اليت هتدف إليها السورة وترجع إليها مجيع موضوعاهتا‪.‬‬

‫فاملوضوعات ظاهرة‪ ،‬واملقصد معىن ابطن يستنبط ابلتأمل‪.‬‬

‫فمثالً سورة البقرة جندها اشتملت على موضوعات منها (األحكام التشريعية) لكن مجيع املوضوعات فيها جيمعها‬
‫مقصد واحد وهو إعداد األمة ملوجبات االستخالف وهو تلقي أوامر هللا وتشريعاته بعد ختلي بين إسرائيل عنها‪ .‬ولذلك‬
‫‪.‬‬
‫تضمنت كليات الشريعة‪.‬‬

‫وقال الشاطيب‪ " :‬ملا هاجر النيب صلى هللا عليه وسلم كان أول ما نزل سورة البقرة اليت قررت قواعد التقوى‪ ،‬فبينت‬
‫العبادات والعادات واملعامالت واجلناايت‪ ،‬وحفظ الدين والنفس والعقل والنسل واملال‪ ،‬فكان غريها من السور املدنية‬
‫" (‪. )27‬‬ ‫مبنيًا عليها‬

‫فتأمل كيف كان املقصد جامعاً للموضوعات‪ .‬وهذا ملحظ مهم جيب التنبه له يف حتديد املقصد‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬أمهية علم مقاصد السور ومنزلته‪:‬‬


‫ً‬ ‫‪.5‬‬
‫تتبني أمهية علم مقاصد السور أبمور‪:‬‬

‫أولً‪ :‬علم مقاصد السور يعني على فهم كتاب هللا تعاىل فهماً صحيحاً‪ ،‬ويوصل إىل معرفة الراجح يف تفسري كالم‬
‫هللا تعاىل‪.‬‬

‫اثنيًا‪ :‬علم مقاصد السور يعني على تدبر القرآن واستخراج دالالته وهداايته‪ ،‬ودقائق معانيه‪.‬‬

‫(‪(()27‬الموافقات)) (‪.)704/3‬‬
‫‪26‬‬
‫اثلثًا‪ :‬علم مقاصد السورة يزيد يف بيان إعجاز النظم القرآين وائتالف موضوعاته ومعانيه؛ فمع أن سورة البقرة نزلت‬
‫على مدى عشر سنوات وهي أطول سورة يف القرآن الكرمي ومع ذلك جند ترابط كبري بني موضوعاهتا حبيث تدور حول‬
‫وحدة أو حمور واحد وهو هتيئة األمة لعمارة األرض وفق ما يريده هللا عز وجل ويرضاه‪ .‬فنجد املواضيع مع اختالفها بني‬
‫العقائد والقصص واألحكام أتسس ْلمل هذه األمة راية القيام بدين هللا عز وجل وتبليغ الدعوة إىل العاملني‪.‬‬

‫قال سعيد حوى يف تفسريه األساس‪ " :‬قد استطعت حبمد هللا أن أبرهن على أن كمال القرآن يف وحدة آايته يف‬
‫السورة الواحدة‪ ،‬وكماله يف الوحدة اجلامعة اليت ّتمع ما بني سوره وآايته على طريقة مل يعرف هلا العامل مثيال‪ ،‬وال ختطر‬
‫بشر" )‪.(28‬‬ ‫على قلب‬

‫ابعا‪ :‬ضبط املتشابه من اآلايت‪ :‬من أفضل ما يعني على ضبط متشابه اآلايت والقصص هو علمي املناسبات‬
‫رً‬
‫واملقاصد‪.‬‬

‫فمع تكرار قصة آدم عليه السالم فنجدها ركزت على مميزات آدم ووظيفته يف سورة البقرة‪ ،‬وركزت على طرق إغواء‬
‫إبليس آلدم يف سورة األعراف‪ ،‬حبيث أن كل قصة انسبت حمور السورة اليت وردت فيها‪.‬‬
‫ت مِنْ ُه اثْنَ َتا َع ْ َ‬‫ْ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ْ َ َ َ َْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ‬
‫ْش َة‬ ‫اْضب بِعصاك اْلجر فانفجر‬ ‫تطبيق‪ :‬ضبط املتشابه يف قوله تعاىل‪ِ﴿ :‬إَوذِ استسِق موس لِقو ِمهِ فقلنا ِ‬
‫ت مِنْ ُه اثْنَ َتا َع ْ َ‬
‫ْش َة‬ ‫ج َر فَانْ َب َ‬
‫ج َس ْ‬ ‫اك ْ َ‬
‫اْل َ‬ ‫استَ ْس َقاهُ قَ ْو ُم ُه أَن ْ ْ‬
‫ب ب َع َص َ‬ ‫َعيْنا﴾ [البقرة‪ ]60 :‬وقوله تعالى‪َ . . .﴿ :‬وأَ ْو َحيْ َنا إ ََل ُم َ‬
‫وس إذِ ْ‬
‫اْض ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫عيْنا ﴾ [األعراف‪]160 :‬‬

‫خامسا‪ :‬مقاصد السور من أعظم ما يبعث على تصور القارئ للسورة كلها مبعىن واحد جيمع موضوعاهتا‪.‬‬
‫ً‬
‫سادسا‪ :‬أن هذا العلم يبعث على رسوخ اإلميان‪ ،‬وزايدة نور القلب‪ ،‬وقرار العني مبا يتضح من روائع هذا العلم‬
‫ً‬
‫العظيم‪ ،‬وَيصل معه من اللذة‪ ،‬واملتعة‪ ،‬والسرور ما ال َيصل يف غريه‪ ،‬ذلك أنه علم يبحث يف اْلكم واملقاصد الدقيقة‬
‫اليت متثل روح القرآن‪ ،‬وأسراره العظيمة‪.‬‬

‫(‪(()28‬األساس)) (‪.)27/1‬‬
‫‪27‬‬
‫ساد ًسا‪ :‬أقوال العلماء يف مقاصد السور واعتبارها‪:‬‬ ‫‪.6‬‬
‫تضافرت أقوال العلماء يف اعتبار علم مقاصد السور‪ ،‬وأنه أصل معترب يف كتاب هللا تعاىل كاعتبار علم املناسبات بني‬
‫السور واآلايت‪ ،‬بل هو أعظم أمهية وأقوى داللة‪ ،‬وأكثر أثراً يف بيان املعاين وكشف دقائقها‪ ،‬وأجلى يف بيان نظام القرآن‬
‫وبالغته وإعجازه‪.‬‬

‫قال البقاعي‪ " :‬فإن كل سورة هلا مقصد واحد يدار عليه أوهلا وآخرها ويستدل عليه فيها")‪. (29‬‬

‫ويقول حممد دراز يف كتابه النبأ العظيم مؤكداً هذا املعىن‪ " :‬إنك لتقرأ السورة الطويلة املنجمة حيسبها اجلاهل‬
‫أضغااثً من املعاين حشوت حشواً‪ ،‬وأوزاعاً من املباين مجعت عفواً‪ ،‬فإذا هي لو تدبرت بنية متماسكة قد بنيت من‬
‫)‪.(30‬‬ ‫املقاصد الكلية على أساس وأصول "‬

‫)‪.(31‬‬ ‫ويقول الفراهي‪ " :‬اعلم أن تعيني عمود السورة هو إقليد ملعرفة نظامها "‬

‫ويقول أمحد بدوي يف بالغة القرآن‪ " :‬وهكذا ّتد هدفاً عاماً تدور حوله السورة‪ ،‬وتتبعه معان أخرى تؤكده ويستتبعها‬
‫)‪.(32‬‬ ‫"‬

‫ويقول حممد حجازي يف حبثه (الوحدة املوضوعية يف القرآن)‪ " :‬كل سورة هلا هدف وغرض تسعى لتحقيقه‪ ،‬وتسلك‬
‫يف سبيل ذلك مسلكاً خاصاً‪ ،‬فتطرق عدة معان أتخذ من كل ما يناسبها‪ ،‬وكل سورة تكون وحدة كاملة مرتابطة‬
‫" )‪.(33‬‬ ‫األجزاء‪ ،‬وهلذا مسيت سورة‬

‫سابعا‪ :‬أتصيل علم مقاصد السور‪ ،‬وأدلته من الكتاب والسنة وأقوال السلف‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪.7‬‬
‫ابلتأمل يف القرآن جند ما يدل على هذا العلم من وجوه‪:‬‬

‫تقسيم القرآن إىل سور وآايت‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫ظهور الفرق بني السور املكية واملدنية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫(‪(()29‬مصاعد النظر)) (‪.)149/1‬‬


‫(‪(()30‬النبأ العظيم)) (ص‪.)155‬‬
‫(‪(()31‬دالئل النظام)) (ص‪.)16‬‬
‫(‪(()32‬من بالغة القرآن)) (ص‪.)230‬‬
‫(‪(()33‬الوحدة الموضوعية في القرآن)) (ص‪.)450‬‬
‫‪28‬‬
‫تسمية السور سواء التوقيفية أو االجتهادية‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫األحاديث الواردة يف فضائل السور‪ ،‬وختصيص بعضها أبوقات‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫تكرار القصص يف السور‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫اآلاثر الواردة عن السلف يف بيان املقصد‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫ومن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬تسمية عمر وابن عباس رضي هللا عنهم لسورة التوبة ابلفاضحة كما أخرج البخاري عن سعيد بن جبري قال‪" :‬‬
‫قلت البن عباس سورة التوبة؟ قال‪ :‬التوبة‪ ،‬هي الفاضحة مازالت تنزل‪ :‬ومنهم‪ ،‬ومنهم حىت ظنوا أهنا مل تبق أحداً منهم‬
‫)‪.(34‬‬ ‫إال ذكر فيها "‬

‫‪ -‬ومن األمثلة‪ :‬وما ورد عن قتادة وعلي بن زيد والكليب أهنم قالوا‪ :‬سورة النحل هي سورة النعم‪ ،‬لكثرة تعداد النِّعم‬
‫فيها‪.(35) .‬‬

‫ومن األمثلة أيضاً‪ :‬ما ورد عن ابن عباس يف سورة الليل كما أورده السيوطي يف الدر املنثور قال‪( :‬وأخرج ابن مردويه‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫﴿ َوالليْ ِل إِذا َيغش‪[ ﴾١‬الليل‪، (36) ]1 :‬‬ ‫عن ابن عباس قال‪ :‬إين ألقول هذه السورة نزلت يف السماحة والبخل‪:‬‬

‫‪ -‬وما ورد عن عمرو بن دينار يف سورة التكاثر‪ ،‬كما أورده القرطيب قال‪( :‬وعن عمرو بن دينار‪ :‬حلف أن هذه‬
‫السورة نزلت يف التجار) )‪.(37‬‬
‫‪ -‬وما ورد عن حممد بن الفضل قال‪( :‬سورة اإلخالص‪ ،‬ألنه ليس فيها إال التوحيد فقط))‪. (38‬‬

‫اثمنًا‪ :‬عناية املفسرين بعلم املقاصد‪ ،‬ومناهجهم فيه‪ ،‬والكتب املؤلفة فيه‪:‬‬ ‫‪.8‬‬
‫الصنف األول‪ :‬المفسرون الذين أشاروا لمقاصد السورة من غير تصريح‪:‬‬
‫جند أن غالب املفسرين املتقدمني قد عنوا هبذا العلم ضمن عنايتهم بعلم النزول وأحواله وما يتعلق به‪ ،‬وعنايتهم‬
‫ابملناسبات‪ ،‬دون التصريح بلفظ الغرض أو املقصد‪.‬‬

‫(‪ )34‬أخرجه البخاري برقم ‪ ،4882‬ومسلم برقم ‪.3031‬‬


‫(‪ )35‬زاد المسير‪ ،)426-425 / 4( :‬الدر المنثور‪.)107 / 5( :‬‬
‫(‪(()36‬الدر المنثور)) (‪.)591/6‬‬
‫(‪(()37‬أحكام القرآن)) (‪.)169/20‬‬
‫(‪(()38‬أحكام القرآن)) (‪.)10/4‬‬
‫‪29‬‬
‫ومن أولئك املفسرين ابن جرير الطربي وابن عطية وابن كثري والقرطيب رمحهم هللا‪.‬‬

‫‪ -‬فمثالً جند ابن جرير عند كالمه عن سورة آل عمران يقول‪ " :‬وقد ذكر أن هذه السورة ابتدأ هللا بتنزيله فاحتتها‬
‫احتجاجا منه بذلك‬
‫ً‬ ‫وصفها به يف ابتدائها‪،‬‬
‫ابلذي ابتدأ به‪ :‬من نفي "األلوهية" أن تكون لغريه‪ ،‬ووصفه نفسه ابلذي َ‬
‫على طائفة من النصارى قدموا على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من َْجنَران ُّ‬
‫فحاجوه يف عيسى صلوات هللا عليه‪،‬‬
‫احتجاجا عليهم‬
‫ً‬ ‫وأْلدوا يف هللا‪ .‬فأنزل هللا عز وجل يف أمرهم وأمر عيسى من هذه السورة ني ًفا ومثانني آية من أوهلا‪،‬‬
‫)‪.(39‬‬ ‫وعلى من كان على مثل مقالتهم‪ ،‬لنبيّه حممد صلى هللا عليه وسلم "‬

‫وجند ابن عطية يشري لذلك يف كالمه عن سورة القدر ويقرر قوله مجاعة من املفسرين فيقوله‪ " :‬وقال مجاعة‬ ‫‪-‬‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫فضلها" )‪.(40‬‬ ‫من املتأولني معىن قوله‪﴿ :‬إِنَّا أنْ َزلَاهُ ِِف َلْلةِ ال َق ْدرِ‪[ ﴾١‬القدر‪ ]1 :‬إان أنزلنا هذه السورة يف شأن ليلة القدر ويف‬
‫وجند القرطيب يشري لذلك يف كالمه عن سورة األنعام‪ ،‬وينقل قول العلماء يف تقرير الغرض فيقول‪ " :‬قال‬ ‫‪-‬‬
‫العلماء‪ :‬هذه السورة أصل يف حماجة املشركني وغريهم من املبتدعني‪ ،‬ومن كذب ابلبعث والنشور وهذا يقتضي إنزاهلا‬
‫مجلة واحدة أل هنا يف معىن واحد من اْلجة وإن تصرف ذلك بوجوه كثرية وعليها بىن املتكلمون أصول الدين ألن فيها‬
‫)‪.(41‬‬ ‫آايت بينات ترد على القدرية دون السور اليت تذكر واملذكورات "‬
‫وجند ابن كثري يشري لذلك أيضاً يف كالمه عن سورة الكافرون فيقول‪ " :‬هذه السورة سورة الرباءة من العمل‬ ‫‪-‬‬
‫)‪.(42‬‬ ‫الذي يعمله املشركون‪ ،‬وهي آمرة ابإلخالص فيه"‬
‫الصنف الثاني‪ :‬المفسرون الذين صرحوا بمقصد السورة‪ ،‬وكان لهم عناية في هذا‬
‫العلم‪ ،‬من غير أن يكون لهم منهج مطرد أو عناية ظاهرة في ذلك‪.‬‬
‫ومنهم‪ ،‬الزخمشري والرازي‪ ،‬وابن الزبري‪ ،‬والشاطيب‪ ،‬وابن تيمية ـ وابن القيم رمحهم هللا‪.‬‬

‫‪ -‬فأما الزخمشري‪ :‬فقد أشار إىل أمهية مقصد السورة حبكمة تفصيل القرآن وتقطيعه إىل سور‪ ،‬وأن ذلك داع العتبار‬
‫النظم فيها‪ ،‬فقال‪ " :‬إن من فوائد تفصيل القرآن وتقطيعه سوراً‪ ،‬أن التفصيل سبب تالحق األشكال والنظائر‪ ،‬ومالءمة‬
‫بعضها لبعض‪ ،‬وبذلك تتالحظ املعاين‪ ،‬ويتجاوب النظم ")‪.(43‬‬

‫(‪(()39‬جامع البيان)) (‪.)150/6‬‬


‫(‪(()40‬احملرر الوجيز)) (‪.)48/7‬‬
‫(‪(()41‬الجامع ألحكام القرآن)) (‪.)382/6‬‬
‫(‪(()42‬تفسري ابن كثري)) (‪.)507/8‬‬
‫(‪(()43‬النظم القرآني في كشاف الزمخشري) لدرويش الجندي ص‪.221‬‬
‫‪30‬‬
‫‪ -‬وأما ابن الزبري فقد ظهرت عنايته يف هذا الباب يف كتابه الربهان يف تناسب سور القرآن فمثالً يف املناسبة بني‬
‫سوريت سبأ وفاطر يقول‪ّ " :‬تردت سورة سبأ لتعريف العباد بعظيم ملكه سبحانه‪ ،‬وّتردت هذه األخرى –يعين فاطر‬
‫–للتعريف ابالخرتاع واخللق‪ ،‬وشهد هلذا استمرار آي سورة فاطر على هذا الغرض من التعريف‪ ،‬وتنبيهها على‬
‫االبتداءات‪ . . .‬يتضح لك ما ذكرانه‪ ،‬وما اجنر يف السورتني مما ظاهره اخلروج عن هذين الغرضني‪ ،‬ملتحم ومستدعى‬
‫" )‪.(44‬‬ ‫حبكم االجنرار حبسب استدعاء مقاصد اآلي‪ .‬رزقنا هللا الفهم عنه مبنه‬

‫ويف بيان مقصد سورة الفرقان يقول‪ " :‬وقد تضمنت هذه السورة من النعي على الكفار والتعريف ببهتهم وسوء‬
‫)‪.(45‬‬ ‫مرتكبهم ما مل يتضمن كثري من نظائرها "‬

‫‪ -‬وأما الشاطيب فقد كان له عناية فائقة ابملقاصد‪ ،‬ويكفي يف ذلك كتابه املوافقات‪ ،‬وقد ألفت رسالتان يف إبراز‬
‫عنايته هبذا العلم‪ ،‬وهي رسالة (نظرية املقاصد عند الشاطيب) للدكتور أمحد الريسوين‪ ،‬ورسالة بعنوان (قواعد املقاصد‬
‫عند اإلمام الشاطيب) لعبد الرمحن الكيالين‪.‬‬
‫وقد ظهرت عنايته مبقاصد السور تبعاً لذلك‪ ،‬بل إنه جيعل تدبر القرآن كله راجع إىل املقاصد فيقوله‪" :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫املقاصد" )‪.(46‬‬ ‫وب أ ْق َفال َها‪[ ﴾٢٤‬محمد‪ ، ]24 :‬التدبر إمنا يكون ملن التفت إىل‬ ‫َ َ َ َ َّ ُ َ ُ ْ َ ْ َ ُ‬
‫﴿أفَل يتدبرون القرآن أم لَع قل ٍ‬

‫وميثل هلذه القاعدة بعدة سور فيقول‪ " :‬فسورة البقرة مثال كالم واحد ابعتبار النظم‪ ،‬واحتوت على أنواع من الكالم‬
‫حبسب ما بث فيها منها ما هو كاملقدمات والتمهيدات بني يدي األمر املطلوب‪ ،‬ومنها ما هو كاملؤكد واملتمم ومنها‬
‫ما هو املقصود يف اإلنزال وذلك تقرير األحكام على تفاصيل األبواب ومنها اخلوامت العائدة على ما قبلها ابلتأكيد‬
‫والتثبيت وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫فسورة الكوثر‪﴿ :‬إِنَّا أ ْع َطيْ َن َاك الك ْوثَ َر‪[ ﴾١‬الكوثر‪ ]1 :‬انزلة يف قضية واحدة‪.‬‬

‫‪ -‬أما ابن تيمية فقد كان له فهم اثقب بعلم املقاصد عموماً‪ ،‬بل هو إمام فيه‪ ،‬وقد ألفت رسالة خاصة إلبراز عنايته‬
‫هبذا العلم بعنوان (مقاصد الشريعة عند شيخ اإلسالم ابن تيمية) ليوسف بن أمحد البدوي‪.‬‬

‫وظهرت عنايته مبقاصد القرآن وسوره تبعاً لذلك‪ ،‬بل قد ظهر تركيزه يف إبراز املعىن اجلامع ملعاين السورة وهو الغرض‪.‬‬

‫(‪(()44‬البرهان في تناسب سور القرآن)) (ص‪.)287‬‬


‫(‪(()45‬البرهان في تناسب سور القرآن)) (ص‪.)261‬‬
‫(‪(()46‬الموافقات)) (‪.)383/3‬‬
‫‪31‬‬
‫فمثالً يقول يف سورة البقرة‪ " :‬وقد ذكرت يف مواضع ما اشتملت عليه سورة البقرة من تقرير أصول العلم وقواعد‬
‫" )‪.(48‬‬ ‫الدين" (‪ .)47‬ويقول يف سورة براءة‪ " :‬فأكثرها يف وصف املنافقني وذمهم‬

‫‪ -‬وأما ابن القيم فهو من أبرز من كان له عناية ابستكشاف مقاصد السور مبا وهبه هللا من دقة فهم األدلة‬
‫والنصوص‪ ،‬والرتكيز على جوانب اْلكمة فيها وإبراز مراد الشارع فيها‪.‬‬

‫فمثالً جنده قد نص على مغزى سورة الكافرون ومقصدها فقال‪ " :‬إن مغزى سورة الكافرون ولبها ومقصودها هو‬
‫)‪.(49‬‬ ‫براءته صلى هللا عليه وسلم من دينهم ومعبودهم "‬

‫وقال يف كالمه على سوريت املعوذتني‪ " :‬تضمنت هااتن السوراتن االستعاذة من الشرور كلها أبوجز لفظ وأمجعه " )‪.(50‬‬

‫الصنف الثالث‪ :‬المفسرون والعلماء الذين عنوا بعلم مقاصد السور‪ ،‬وسلكوا فيه منهجا‬
‫في تفاسيرهم‪:‬‬
‫عين بعض املفسرين بعلم مقاصد السور عناية خاصة‪ ،‬وسلكوا فيها منهجاً مطرداً يف مجيع السور‪ ،‬مع اختالف‬
‫مناهجهم يف ذلك‪.‬‬

‫ولعلي أعرض لبعض منها‪:‬‬


‫ً‬
‫أول‪ :‬البقاعي في (مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور) و(نظم الدرر في تناسب اآليات والسور)‪.‬‬
‫يعترب البقاعي ـ رمحه هللا ـ هو العمدة يف هذا علم مقاصد السور‪ ،‬فهو الذي أرسى قواعده‪ ،‬وخط منهجه‪ ،‬وألف فيه‬
‫أتليفاً مستقالً‪.‬‬

‫ويبني البقاعي معامل هذا العلم والتعريف به فيقول يف كتابه مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور‪ " :‬هو علم‬
‫يعرف منه مقاصد السور‪ ،‬وموضوعه‪ :‬آايت السور‪ ،‬كل سورة على حياهلا‪ ،‬وغايته‪ :‬معرفة اْلق من تفسري كل آية من‬
‫تلك السور‪ ،‬ومنفعته‪ :‬التبحر يف علم التفسري‪ ،‬فإنه يثمر التسهيل له والتيسري‪ ،‬ونوعه‪ :‬التفسري‪ ،‬ورتبته‪ :‬أوله‪ ،‬فيشتغل به‬
‫)‪.(51‬‬ ‫قبل الشروع فيه ـ فإنه كاملقدمة له من حيث إنه كالتعريف‪ ،‬ألنه معرفة تفسري كل سورة إمجاالً‪ ،‬وأقسامه‪ :‬السور "‬

‫(‪(( )47‬مجموع الفتاوى)) (‪.)41/14‬‬


‫(‪(( )48‬مجموع الفتاوى) (‪.)222/1‬‬
‫(‪(()49‬التفسير القيم)) (ص‪.)531‬‬
‫(‪(()50‬بدائع الفوائد)) (‪.)431/2‬‬
‫(‪(()51‬مصاعد النظر)) (ص‪.)155‬‬
‫‪32‬‬
‫‪ -1‬مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور‪:‬‬

‫هذا الكتاب يعترب مقدمة لتفسريه‪( :‬نظم الدرر)‪ ،‬فهو يعترب من علوم القرآن الكرمي املساعدة لعلم تفسري القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬إذ هو مما يتحدث عن القرآن العظيم وليس مما يتحدث فيه‪.‬‬

‫‪ -2‬نظم الدرر يف تناسب اآلايت والسور‪.‬‬

‫وهذا الكتاب يعترب تفصيل لكتابه األول‪ ،‬ففيه بسط للمقصد الذي َيدده على آايت السورة كلها‪ .‬وقد ركز فيه‬
‫على علم املناسبات‪ ،‬إذ أنه يفتتح كل سورة بذكر مناسبتها ملا قبلها‪ ،‬مث يفصل يف ذكر املناسبات بني اآلايت مع نظمها‬
‫ابملقصد األعلى للسورة‪.‬‬

‫وَيدد منهجه يف ذلك فيقول‪ " :‬األمر الكلي املفيد لعرفان مناسبات اآلايت يف مجيع القرآن؛ هو أنك تنظر الغرض‬
‫الذي سيقت له السورة‪ ،‬وتنظر ما َيتاج إليه ذلك الغرض من املقدمات‪ ،‬وتنظر إىل مراتب تلك املقدمات يف القرب‬
‫والبعد من املطلوب‪ ،‬وتنظر عند اجنرار الكالم يف املقدمات إىل ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إىل األحكام‬
‫واللوازم التابعة له")‪.(52‬‬

‫ويعترب هذا الكتاب عمدة يف علم املقاصد بعد الكتاب األول له‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المفسرون المتأخرون وأصحاب المدرسة الحديثة‪:‬‬
‫من أبرز من عىن مبقاصد السور‪ ،‬املفسرون املتأخرون وأصحاب املدرسة اْلديثة‪ .‬ولعلي أعرض ألبرزهم عناية هبذا‬
‫العلم‪:‬‬

‫‪( -1‬التحرير والتنوير) لبن عاشور ـ رمحه هللا ـ‪:‬‬


‫يعترب ابن عاشور من أبرز من عىن هبذا العلم وتطبيقه يف تفسريه‪ ،‬وقد وضع مقدمة من مقدمات تفسريه يف املقاصد‪،‬‬
‫وألف كتاابً مستقالً يف (مقاصد الشريعة)‪ ،‬لكن منهجه يف بيان مقاصد السور ليس على حتديد املقصد األساسي يف‬

‫(‪(()52‬نظم الدرر)) (‪.)17 /1‬‬


‫‪33‬‬
‫السورة وإمنا يعرض يف مقدمة كل سورة جملموعة أغراض تتضمنها السورة‪ ،‬وهي يف الواقع موضوعات‪ .‬وطريقته يف ذلك‬
‫تشبه طريق الفريوز أابدي يف البصائر‪ ،‬يف ذكر ما اشتملت عليه السورة‪.‬‬

‫‪ -2‬تفسري املراغي ـ رمحه هللا ـ‪:‬‬


‫املراغي عىن مبقاصد السور‪ ،‬فكان يقدم للسورة مناسبتها ملا قبلها‪ ،‬وختم السورة بذكر مقاصدها وبيان جممل ما‬
‫اشتملت عليه‪ ،‬ومنهجه يف ذلك منهج الفريوز أابدي‪ ،‬وابن عاشور يف ذكر جممل ما تشتمل عليه السورة‪.‬‬

‫‪( -3‬نظام القرآن) للفراهي ـ رمحه هللا ـ‪:‬‬


‫يعترب الفراهي من أبرز الذين أصلوا منهج مقاصد السور‪ ،‬وقد ألف كتابه نظام القرآن هلذا الغرض‪ ،‬وجعل له مقدمة‬
‫أصل فيه منهج استخراج املقصد يف السورة‪ .‬ويقصد ابلنظام‪ :‬معرفة روابط الكالم وتركيبه وأجزائه‪،‬‬
‫مساها دالئل النظام‪ّ ،‬‬
‫وتناسب بعضه‪ ،‬أو عمود الكالم وحسن ترتيبه‪.‬‬

‫ويقصد ابلعمود‪ :‬مجاع مطالب اخلطاب‪ ،‬وهو احملصول واملقصود منه‪ ،‬فهو روح الكالم وسره‪ ،‬فهو يكون خفياً ال يطلع‬
‫عليه إال بعد استيفاء الكالم والتدبر فيه‪ ،‬والكالم شرحه وتفصيله‪ ،‬وإنتاجه وتعليله‪.(53) .‬‬

‫‪( -4‬قبس من نور القرآن) وصفوة التفاسري حملمد علي الصابوين ـ رمحه هللا‪:‬‬
‫عىن الصابوين عناية خاصة بعلم مقاصد السور وتطبيقه‪ ،‬ولذا ألف كتاابً مستقالً فيه مساه (قبس من نور القرآن‪،‬‬
‫دراسة حتليلية موسعة أبهداف ومقاصد السور الكرمية)‪.‬‬

‫‪( -5‬التفسري املنري لوهبة الزحيلي) ـ رمحه هللا ـ‪:‬‬


‫هذا الكتاب هنج فيه مؤلفه منهجاً جيداً حبيث يفتتح السورة مبقدمات تعريفية عن السورة تتضمن بيان ما اشتملت‬
‫عليه من املوضوعات وأسباب تسمية السورة‪ ،‬وفضلها‪ ،‬ونزوهلا‪ ،‬مث يقطع السورة إىل مقاطع حسب موضوعاهتا‪ ،‬ويقسم‬
‫اْلديث عن كل مقطع إىل أقسام سبعة‪ ،‬وهي اللغوايت‪ ،‬مث أسباب النزول‪ ،‬مث التفسري التحليلي مث فقه اْلياة أو‬
‫األحكام‪.‬‬

‫‪( -6‬معارج التفكر ودقائق التدبر) لعبد الرمحن حسن حبنكة رمحه هللا‪.‬‬
‫هذا الكتاب هنج فيه مؤلفه منحاً جديداً حيث رتبه حسب ترتيب النزول‪ .‬وقد مساه (معارج التفكر ودقائق التدبر‪،‬‬
‫تفسري تدبري للقرآن الكرمي حبسب ترتيب النزول‪ ،‬وفق منهج كتاب قواعد التدبر األمثل لكتاب هللا عز وجل)‬

‫(‪(()53‬دالئل النظام)) (ص‪.)72‬‬


‫‪34‬‬
‫وفيما يتعلق مبنهجه يف حتديد موضوع السورة جنده غالباً ما يضمنه املوضوعات الرئيسة فيه‪ .‬وقد جيملها يف موضوع‬
‫واحد‪ .‬فمثالً يف كالمه عن سورة املزمل يعرض ملا ركزت عليه السورة من توجيهات‪ .‬وخيتم كالمه بقوله‪ " :‬فموضوع‬
‫السورة يدور حول (أوامر ووصااي سلوكية للرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وللمؤمنني مقرونة ابلوعد‪ ،‬ومعاجلة للكافرين‬
‫)‪(54‬‬
‫ابلوعيد مع أتكيد أن رسالة اإلسالم رسالة تذكري ال رسالة سوق ابإلجبار "‬

‫(أهداف كل سورة) لعبد هللا شحاته ـ رمحه هللا‪:.‬‬ ‫‪-7‬‬


‫يقدم لكل سورة بذكر أهداف السور‪ ،‬ويذكر جممل ما تضمنت السورة‪ ،‬ولذلك مساه (أهداف كل سورة) ومل يسمه‬
‫(هدف كل سورة)‪.‬‬

‫فمثالَ‪ :‬يف سورة اْلديد يقول‪ " :‬أهداف سورة اْلديد‪ :‬وهي سورة تعاجل التقوى والصدق واإلميان‪ ،‬وحتث على‬
‫الصدقة والبذل واإلخالص يف التضحية‪ ،‬وحتذر من غرور الدنيا وفتنتها))‪.(55‬‬

‫اتسعا‪ :‬كيفية الكشف عن مقاصد السور‪:‬‬


‫ً‬ ‫‪.9‬‬
‫الكشف عن مقصد السورة والوصول إليه مبين على االجتهاد ودقة االستنباط‪ ،‬وإدراكه مما ختتلف فيه العقول‪ ،‬وذلك‬
‫أنه مرتبة بعد إدراك املعىن العام‪ ،‬ويتطلب فهمه إشغاالً للذهن وصحة يف الذوق‪.‬‬

‫ويقول الفراهي‪ " :‬اعلم أن تعيني عمود السورة هو إقليد ملعرفة نظامها‪ .‬ولكنه أصعب املعارف‪ ،‬وَيتاج إىل شدة‬
‫)‪.(56‬‬ ‫التأمل والتمحيص "‬

‫ومما يدل على أن مقصد السورة معىن دقيق خفي َيتاج إىل دقة فهم ونظر اثقب‪ ،‬ما متيز به ابن عباس رضي هللا عنه‬
‫من دقة الفهم ملغزى سورة النصر حني علم أنه أجل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أعلمه إايه‪.‬‬

‫وطريق الكشف عن مقصد السورة والوصول إليه واستنباطه حيتاج إىل أمور منها ما هو خاص ابلباحث وقدرته‬
‫على استنباط املقاصد‪ ،‬ومنها ما هو خاص ابلسورة‪:‬‬

‫(‪(()54‬معارج التفكر ودقائق التدبر)) (‪.)155/1‬‬


‫(‪(( )55‬أهداف كل سورة)) (‪.)195/2‬‬
‫(‪(()56‬دالئل النظام)) (ص‪.)16‬‬
‫‪35‬‬
‫طرق الكشف عن مقاصد السور خاصة بالباحث‪:‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬الفهم الصحيح للمقصد وحده وضابطه‪:‬‬
‫أول ما ينبغي معرفته للوصول ملقاصد السور هو الفهم الصحيح للمقصد وضابطه والتفرقة بينه وبني املوضوعات‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إدامة التأمل في كتاب هللا تعالى‪ ،‬وبعد الغوص فيه‪ ،‬وتكرار البحث والتحري فيه لطلب الغرض‬
‫وتعيينه بقرائنه المختلفة‪:‬‬
‫من أعظ م ما يستلزم كشف املقصد دقة النظر وتكرار البحث وإدامة النظر‪ ،‬ذلك ألن الباحث يبحث عن أمر خفي‬
‫جيري يف الكالم فريبط بني حلقاته‪ .‬فال يستعجل الثمرة‪ ،‬بل اليزال يقرأ ويكرر حىت يفتح هللا له‪.‬‬

‫قال الفراهي‪ " :‬لكنه – يعين عمود السورة – أصعب املعارف‪ ،‬وَيتاج إىل شدة التأمل والتمحيص‪ ،‬وترداد النظر يف‬
‫مطالب السورة املتماثلة واملتجاورة‪ ،‬حىت يلوح كفلق الصبح‪ ،‬فتضيء به السورة كلها‪ ،‬ويتبني نظامها‪ ،‬وأتخذ كل آية‬
‫حملها اخلاص‪ ،‬ويتعني من التأويالت أرجحها‪.(57)" .‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬صدق النية في طلب فهم كالم هللا تعالى وإقبال القلب عليه‪ ،‬واللجوء إلى هللا وطلب توفيقه‪:‬‬
‫ال شك أن إخالص النية يف طلب فهم كتاب هللا تعاىل‪ ،‬وإقبال القلب على هذا القرآن برغبة صادقة يف العلم به‬
‫والعمل مبا فيه‪ ،‬وامتالء القلب شوقاً ورغبة وتعظيماً وحمبة له‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬معرفة مقاصد القرآن العامة‪ ،‬والنطالق منها في تحديد مقصد كل سورة‪.‬‬
‫من أعظم ما يعني على معرفة مقاصد السور وتعيينها عرفة مقاصد القرآن واالنطالق منها يف حتديد مقصد كل‬
‫سورة‪ ،‬وذلك أن مقاصد السور البد وأن تتفرع من املقاصد العامة للقرآن‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ـ "‪ :‬فمن تدبر القرآن‪ ،‬وتدبر ما قبل اآلية وما بعدها‪ ،‬وعرف مقصود القرآن‪،‬‬
‫تبني له املراد‪ ،‬وعرف اهلدى والرسالة‪ ،‬وعرف السداد من االحنراف واالعوجاج‪ ،‬وأما تفسريه مبجرد ما َيتمله اللفظ اجملرد‬
‫ّ‬
‫الغالطني" )‪.(58‬‬ ‫عن سائر ما يبني معناه‪ ،‬فهذا منشأ الغلط من‬
‫خامسًا‪ :‬المدراسة والمباحثة بين شخصين أو أكثر‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬الستعانة ببعض الكتب والتفاسير التي تعتني بمقاصد السور‪.‬‬
‫مما يعني على معرفة املقاصد قراءة ما كتبه العلماء حول ذلك وإن اختلفوا يف حتديده‪ ،‬فكالمهم يعطي إضاءات‬
‫حوله‪.‬‬

‫(‪(()57‬دالئل النظام)) (ص‪.)16‬‬


‫(‪(( )58‬مجموع الفتاوى)) (‪.)94/15‬‬
‫‪36‬‬
‫طرق الكشف عن مقاصد السور خاصة بالسورة‪:‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬النظر لسم السورة وما ورد من أسمائها‪ ،‬وإمعان النظر في الرابط بينها‪.‬‬
‫من أعظم الطرق الستكشاف الغرض‪ ،‬هو تدقيق النظر يف اسم السورة الوارد عن النيب صلى هللا عليه وسلم أو عن‬
‫صحابته رضوان هللا عليهم‪ ،‬أو ما ورد من أمسائها عن السلف‪.‬‬

‫يقرر ذلك البقاعي فيقول‪ " :‬وقد ظهر يل ابستعمايل هذه القاعدة بعد وصويل إىل سورة سبأ يف السنة العاشرة من‬
‫ابتدائي يف عمل هذا الكتاب أن اسم كل سورة مرتجم عن مقصودها‪ ،‬ألن كل شيء تظهر املناسبة بينه وبني مسماة‬
‫)‪.(59‬‬ ‫عنوانه الدال إمجاالً على تفصيل ما فيه "‬

‫ثانيًا‪ :‬معرفة مقدمات السورة من أحوال نزولها‪ ،‬وفضائها وخصائصها‪.‬‬


‫البد ملن رام الوصول ملقصد السورة أن يبدأ حبثه يف السورة ومقصدها مبعرفة ما يتعلق ابلسورة من الظروف واألحوال‬
‫اليت نزلت فيها السورة من كوهنا مكية أو مدنية‪ ،‬وسبب نزوهلا‪ ،‬وفضائلها‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬فإن ذلك مفتاح رئيس للوصول‬
‫لغرضها‪.‬‬

‫قال ابن عاشور مؤكداً أمهية أسباب النزول مبعناها العام يف معرفة املقصد "‪ :‬ومنها ‪ -‬أي أسباب النزول ‪ -‬ما ينبه املفسر‬
‫الكالم" )‪.(60‬‬ ‫إىل إدراك خصوصيات بالغية تتبع مقتضى املقامات‪ ،‬فإن من أسباب النزول ما يعني على تصوير مقام‬

‫وقال د‪ .‬حممد حجازي‪ " :‬ومما يؤخذ بيده إىل فهم املقصود األعلى‪ ،‬والغرض األمسى للكالم النظر يف أسباب النزول‬
‫)‪.(61‬‬ ‫مع ضوابطه العلمية اليت توقفه على حقائق الكالم‪ ،‬وال تتضح إال عن هذا الطريق "‬

‫وأما معرفة فضائلها وخصائصها‪ ،‬فذلك ظاهر‪ ،‬إذ أن ختصيصها بفضل معني كما يف سورة الفاحتة أبهنا أعظم سورة‬
‫يف القرآن ظاهر فلكوهنا متضمنة مجيع مقاصده‪ ،‬وختصيص سور مبشروعية قراءهتا يف وقت معني دال على مناسبة غرضها‬
‫هلذا الوقت‬

‫مثالً نرى سوريت الكافرون واإلخالص ورد ختصيص قراءهتما يف ركعيت الفجر وركعيت الوتر‪ ،‬ولو أتملنا يف حكمة ذلك‬
‫لتبني لنا أن الغرض هو افتتاح اليوم واختتامه ابلتوحيد‪ ،‬ومنه نعرف غرضهما ومقصدمها‪ .‬وكذلك يف سورة الكهف‬

‫(‪(()59‬نظم الدرر)) (‪.)12/1‬‬


‫(‪(()60‬التحرير والتنوير)) (‪.)47/1‬‬
‫(‪)61‬الوحدة الموضوعية ص‪.40‬‬
‫‪37‬‬
‫ومشروعية قراءهتا يوم اجلمعة‪ ،‬وورد يف فضلها أن من حفظ عشر آايت عصم من الدجال‪ ،‬فذلك كله دال على مقصدها‬
‫األعظم وهو سبيل االعتصام من الفنت‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬النظر في دللت األلفاظ ودللة اختيارها‪.‬‬


‫مما يكشف للباحث الغرض الذي جيري يف السورة ويلتحم بكل لفظة منه‪ ،‬إمعان النظر يف مفردات ألفاظ اآلية‬
‫وأصول معناها اللغوي‪ ،‬وداللتها على الغرض‪ .‬فإن ذلك يدلك على معان دقيقة مقصودة يف اآلية‪ ،‬وأن اللفظة حتمل‬
‫معاين متعددة حبسب الغرض الذي سيقت من أجله‪.‬‬

‫يقول الفراهي مؤكداً ذلك‪ " :‬مث إذا صرف التوجه الستخراج العمود والنظام‪ ،‬لزم إمعان النظر يف دالالت الكلمات‬
‫)‪.(62‬‬ ‫والسياق "‬

‫ولو ضربنا مثالً لذلك لتأكد املراد ففي سورة الضحى‪ ،‬يفتتح هللا تعاىل القسم ابلضحى‪ ،‬للداللة على االنكشاف‬
‫وزوال الظلمة وانبعاث السرور يف النفس‪ ،‬وهو مناسب لغرض السورة ونزوهلا يف أتنيس النيب صلى هللا عليه وسلم وإزالة‬
‫مهه بعد أن سخر منه املشركون وقالوا قاله ربه‪ .‬فكان اللفظ داالً على الغرض من السورة‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬النظر في الكلمات واآليات التي تتكرر في السورة‪.‬‬
‫كثرياً ما تكون األلفاظ املكررة يف السورة دالة على الغرض ومشرية إليه وكذلك اآلايت املكررة‪ .‬يقول البقاعي‪" :‬‬
‫وسورة مرمي مقصودها مشول الرمحة ففتحت بذكر الرمحة وختمت أبن كل من كان على هنج اخلضوع هلل جيعل له وداً‪ ،‬مث‬
‫)‪.(63‬‬ ‫كرر الوصف ابلرمحن فيها تكريراً يالئم مقصودها "‬

‫أتمل تكرر حرف ص يف سورة (ص) وداللته على حمور السورة فإهنا تدور حول اخلصومات‪ .‬وأتمل تكرر حرف ق‬
‫يف سورة (ق) وتكرر لفظ (القرآن) و(القلب) و(اْلق) يف السورة‪ ،‬وداللة هذا اْلرف وهذه األلفاظ على ما تدور عليه‬
‫السورة من وعظ القلوب ابلتذكري ابلبعث واملصري واْلساب‪ ،‬فتأمل عالقة حرف القاف الذي هو من حروف القلقلة‬
‫وداللته على معىن التوثيق والتحقيق والتأكيد‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬

‫(‪ )62‬المصدر السابق (ص‪.)81‬‬


‫(‪(()63‬نظم الدرر)) (‪.)156/12‬‬
‫‪38‬‬
‫خامسًا‪ :‬النظر في افتتاحية السورة وخاتمتها والتأمل في الروابط بينهما‪.‬‬
‫افتتاحيات السور هلا خاصية يف الداللة على الغرض الذي يراد عرضه يف سائر السورة‪ ،‬إذ أهنا املنطلق للسورة‪ .‬يقول‬
‫السيوطي يف ذلك‪ " :‬وقد قدمنا غري مرة أن سور القرآن تستفتح مبا يشري إىل املقصود‪ ،‬مث يستطرد منه إىل غريه أبدىن‬
‫مالئمة‪ . . .‬مث يشار يف آخر السورة إىل مثل ما افتتح به " )‪.(64‬‬

‫ويقول د‪ .‬حممد دراز مؤكداً ذلك‪ " :‬توضح اآلايت االفتتاحية يف السورة املوضوع الذي ستعاجله يف خطوطه الرئيسة‪،‬‬
‫مث يتبع ذلك التدرج يف عرض املوضوع بنظام ال يتداخل فيه جزء مع جزء آخر‪ ،‬وإمنا َيتل كل جزء املكان املناسب له‬
‫)‪.(65‬‬ ‫يف مجلة السورة‪ ،‬وأخرياً أتيت اخلامتة اليت تقابل الديباجة "‬

‫ويؤكد السيوطي ذلك ابملثال فيقول‪ " :‬ويف تذكرة الشيخ اتج الدين السبكي ومن خطه نقلت‪ :‬سأل اإلمام‪ ،‬ما‬
‫اْلكمة يف افتتاح سورة اإلسراء ابلتسبيح والكهف ابلتحميد؟ وأجاب أبن التسبيح حيث جاء يقدم على التحميد حنو‬
‫فسبح حبمد ربك سبحان هللا واْلمد هلل‪ .‬وأجاب ابن الزملكاين أبن سورة سبحان ملا اشتملت على اإلسراء الذي كذب‬
‫املشركون به النيب صلى هللا عليه وسلم وتكذيبه تكذيب هلل سبحانه وتعاىل أتى بسبحان لتنزيه هللا تعاىل عما نسب إليه‬
‫نبيه من الكذب‪.‬‬

‫ويؤكد لنا ابن القيم ذلك بدراسته لسورة الكافرون فيقول‪ " :‬وهو أن مقصود السورة براءته من دينهم ومعبودهم هذا‬
‫هو لبها ومغزاها وجاء ذكر براءهت م من دينه ومعبوده ابلقصد الثاين مكمال لرباءته وحمققا هلا فلما كان املقصود براءته‬
‫من دينهم بدأ به يف أول السورة مث جاء قوله لكم دينكم مطابقا هلذا املعىن أي ال أشارككم يف دينكم وال أوافقكم عليه‬
‫بل هو دين ختتصون أنتم به ال أشرككم فيه أبدا فطابق آخر السورة أوهلا فتأمله" )‪.(66‬‬

‫سادسًا‪ :‬النظر في خصائص القصص الواردة في السورة‪.‬‬


‫ّتد ارتباطا وثيقا بني مقصد السورة والقصص الواردة فيها‪.‬‬

‫فمثال سورة األعراف اليت تتحدث عن سنة الصراع بني اْلق والباطل وسنة إهالك الظاملني‪ ،‬أوردت قصص األمم اليت‬
‫أهلكت ومل تورد قصة إبراهيم عليه السالم‪ ،‬وكذلك أوردت القصص يف سياق وصفي لألحداث وهذا ظاهر يف‬
‫جمملها‪.‬‬

‫(‪(( )64‬قطف األزهار)) (‪.)108/2‬‬


‫(‪(()65‬مدخل إلى القرآن)) (ص‪.)119-118‬‬
‫(‪(()66‬بدائع الفوائد)) (‪.)147 /1‬‬
‫‪39‬‬
‫سابعًا‪ :‬النظر في مواضيع السورة ومناسباتها والروابط بينها‪.‬‬
‫غالبا ما يكون املقصد يدور حول موضوع مكرر يف السورة أو املناسبات والروابط بني خمتلف املوضوعات‪ .‬فمثال‬
‫سورة آل عمران تتحدث عن الثبات على الدين‪ ،‬جنده من خالل البحث يف الروابط واملناسبات بني خمتلف املواضيع‬
‫الواردة فيها‪.‬‬

‫المحور الرابع‪ :‬مقاصد القصص‬

‫متثل القصص القرآين جزءاً كبريا من القرآن الكرمي‪ ،‬وتكمن أمهية القصة من انحية أسلوهبا وقوة أتثريها على النفس‬
‫البشرية‪ ،‬وال شك أن هذا يؤكد أمهية دراستها‪ ،‬إذ أن القصة القرآنية ليست سرداً اترخيياً إمنا هي متضمنة ملقاصد وقواعد‬
‫ِْب دة ِْلُوِل ْاْلَ ِْلَاب َما ََك َن َحدِيثا ُي ْف َ َ‬
‫صه ْم ع ْ َ‬ ‫ََ ْ َ َ َ َ‬
‫ْتى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وسنن إهلية‪ ،‬ولذلك تضمنت مواطن االعتبار كما قال تعاىل‪﴿ :‬لقد َكن ِِف قص ِ ِ‬
‫َ َ َْ َ ْ ُْ ُ َ‬ ‫يل ُك ْ‬‫َ‬
‫ََْ ََ ْ ََْ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ون‪[ ﴾١١١‬يوسف‪.]111 :‬‬‫َش ٍء َو ُهدى ورْحة ل ِقو ٍم يؤمِن‬ ‫ِ‬ ‫َولك ِْن تصدِيق اَّلِي بي يديهِ وتف ِ‬
‫ص‬

‫ت َت ْعلَ ُم َها َأن ْ َ‬


‫ت‬
‫ْ َ ْ ََْ ِ َْْ ُ َ َْ َ‬
‫ك َما ُكنْ َ‬ ‫ب نوحِيها إَِل‬ ‫يؤكد هذا املعىن حممد رشيد رضا يف معرض تفسريه لقوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿ت ِلك مِن أنباء الغي ِ‬
‫ََ َُْ َ ْ َْ َ َ َ ْ ْ‬
‫ْب إ َّن الْ َعاق َِب َة ل ِلْ ُم َّتق َ‬
‫ِي‪٤٩‬‬ ‫وَل قومك مِن قب ِل هذا فاص ِ ِ‬

‫﴾ [هود‪ ]49 :‬فيقول " أحداث التاريخ وضبط وقائعه وأزمنتها وأمكنتها ليس من مقاصد القرآن‪ . . .‬وإمنا املراد به سنن‬
‫هللا" وما تتضمنه من أصول الدين واإلصالح‪ ،‬وألن املسائل التارخيية ليست من مقاصد القرآن‪ ،‬مل يبينها بنص قطعي‪،‬‬
‫ولذلك وجب أال نتخذها عقيدة دينية قطعية‪.67‬‬

‫وسنأخذ مقاصد القصص من خالل العناوين التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬تعريف القصة لغة واصطالحا‪.‬‬


‫‪ .2‬أنواع القصص القرآين‪.‬‬
‫‪ .3‬خصائص القصص القرآين‪.‬‬
‫‪ .4‬أمهية معرفة مقاصد القصص‪.‬‬

‫(‪)67‬تفسير المنار‪.101/12 :‬‬


‫‪40‬‬
‫‪ .5‬مقاصد عامة لكل القصص‪.‬‬
‫‪ .6‬مقاصد خاصة للقصة‪.‬‬
‫‪ .7‬طرق معرفة مقاصد القصص‪.‬‬

‫أول‪ :‬تعريف القصة لغة واصطالحا‪.‬‬


‫ً‬ ‫‪.1‬‬
‫َ‬ ‫َ َْ ََ َ‬
‫ارت َّدا لَع آثارِه َِما ق َصصا‪[ ﴾٦٤‬الكهف‪:‬‬ ‫القص‪ :‬تتبع األثر‪ .‬يقال‪ :‬قصصت أثره‪ :‬أي تتبعته‪ ،‬والقصص مصدر‪ ،‬قال تعاىل‪ ﴿ :‬ف‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪ ،]64‬أي رجعا يقصان األثر الذي جاءا به‪ .‬وقال على لسان أم موسى‪َ ﴿ :‬و َقال ْت ِْل ْختِهِ قُ ِصيهِ ﴾ [القصص‪ ،]11 :‬أي‬
‫تتبعي أثره حىت تنظري من أيخذه‪.‬‬

‫والقصة‪ :‬األمر‪ ،‬واخلرب‪ ،‬والشأن‪ ،‬واْلال‪.‬‬

‫القصة‪ :‬اْلادثة املرتبطة ابألسباب والنتائج‪ ،‬اإلخبار عن قضية ذات مراحل يتبع بعضها بعضا‪.‬‬

‫ِيم‪[ ﴾٦٢‬آل عمران‪:‬‬ ‫يز ْ َ‬


‫اْلك ُ‬ ‫اَّلل ل َ ُه َو الْ َعز ُ‬ ‫َّ َ َ َ ُ َ ْ َ َ ُ ْ َ ُّ َ َ ْ َ َّ َّ ُ َّ‬
‫ِإَون َّ َ‬ ‫القصص‪ :‬األخبار املتَـتَبعة‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬إِن هذا لهو القصص اْلق وما مِن إ ِ ٍَل إَِل اَّلل‬
‫ِ‬
‫يل ُك َ ْ‬
‫ََْ ََ ْ ََْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ْتى َولك ِْن تصدِيق اَّلِي بي يديهِ وتف ِ‬
‫َ‬ ‫ِْب دة ِْلُوِل ْاْلَ ِْلَاب َما ََك َن َحدِيثا ُي ْف َ َ‬
‫صه ْم ع ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ْ َ َ‬
‫َش ٍء‬ ‫ِ‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،]62‬وقال‪﴿ :‬لقد َكن ِِف قص ِ ِ‬
‫َ َ َْ َ ْ ُْ ُ َ‬
‫ون‪[ ﴾١١١‬يوسف‪.]111 :‬‬ ‫َو ُهدى ورْحة ل ِقو ٍم يؤمِن‬

‫وقصص القرآن‪ :‬إخباره عن أحوال األمم املاضية‪ ،‬والنبوءات السابقة‪ ،‬واْلوادث الواقعة ‪ -‬وقد اشتمل القرآن على كثري‬
‫‪68‬‬
‫من وقائع املاضي‪ ،‬واتريخ األمم‪ ،‬وذكر البالد والداير‪ ،‬وتتبع آاثر كل قوم‪ ،‬وحكى عنهم صورة انطقة ملا كانوا عليه‪.‬‬

‫اثنيًا‪ :‬أنواع القصص القرآين‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫أنواع القصص القرآني من حيث الموضوع‪.‬‬


‫القصص يف القرآن الكرمي من حيث املوضوع ثالثة أنواع‪:‬‬

‫‪ 68‬مباحث في علوم القرآن لمناع القطان (ص‪.)316 :‬‬


‫‪41‬‬
‫النوع األول‪ :‬قصص األنبياء‪ ،‬وقد تضمن دعوهتم إىل قومهم‪ ،‬واملعجزات اليت أيدهم هللا هبا‪ ،‬وموقف املعاندين منهم‪،‬‬
‫ومراحل الدعوة وتطورها وعاقبة املؤمنني واملكذبني‪ ،‬كقصص نوح‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬وموسى‪ ،‬وهارون‪ ،‬وعيسى‪ ،‬وغريهم من‬
‫مجيعا أفضل الصالة والسالم‪.‬‬
‫األنبياء واملرسلني‪ ،‬عليهم ً‬

‫النوع الثاين‪ :‬قصص قرآين يتعلق أبمم وأشخاص صاْلني أو مكذبني‪ ،‬كقصة الذين خرجوا من دايرهم وهم ألوف حذر‬
‫املوت‪ ،‬وطالوت وجالوت‪ ،‬وابين آدم‪ ،‬وأهل الكهف‪ ،‬وذي القرنني‪ ،‬وقارون‪ ،‬وأصحاب السبت‪ ،‬وأصحاب األخدود‪،‬‬
‫وأصحاب الفيل وحنوهم‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬أحداث من السرية النبوية‪ :‬قصص يتعلق ابْلوادث اليت وقعت يف زمن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫كغزوة بدر وأحد يف سورة آل عمران‪ ،‬وغزوة حنني وتبوك يف التوبة‪ ،‬وغزوة األحزاب يف سورة األحزاب‪ ،‬واهلجرة‪،‬‬
‫واإلسراء‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬

‫أنواع القصص القرآني من حيث الزمان‪.‬‬


‫النوع األول‪ :‬قصص يف املاضي‪ :‬قصص تتحدث عن أمم غابرة يف الزمن‪.‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬اْلاضر‪ :‬أحداث حصلت زمن نزول الوحي وهي أحداث السرية النبوية‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬قصص قرآين يتعلق حبوادث مستقبلية وهي ليست كثرية يف القرآن الكرمي‪:‬‬

‫ومن ذلك‪:‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ َّ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫ََْ َْ‬ ‫ُ‬
‫ِي َِّللِ اْل ْم ُر م ِْن قبْل َوم ِْن َب ْع ُد‬ ‫وم‪ِِ ٢‬ف أدّن اْل ْر ِض َو ُه ْم م ِْن َب ْع ِد غلبِ ِه ْم َس َيغل ُِبون‪ِِ ٣‬ف بِضعِ ِسن‬ ‫الر ُ‬
‫ت ُّ‬ ‫قوله تعاىل‪﴿ :‬غل َِب ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َْ َ ْ َ ُ ُْ ْ ُ َ‬
‫ص َم ْن ي َ َش ُاء َو ُه َو ال َع ِز ُيز َّالرحِي ُم‪[ ﴾٥‬الروم‪ ،]5-2 :‬فأخرب هللا سبحانه عن‬ ‫اَّللِ َينْ ُ ُ‬
‫َ ْ َّ‬
‫ص‬
‫ويومئ ِ ٍذ يفرح المؤمِنون‪ ٤‬بِن ِ‬
‫حرب ستقع وأخرب عن نتيجتها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ ْ ْ َ َ ُْ ْ َََ َ َ َ َ َ ْ ُ ْ َِ َ ُ ُ ُ ُ َ‬ ‫َُْ‬ ‫ْ َ ْ َ ُْ ْ َ ْ ْ‬
‫ك ْم َو َِلَ ْد ُخلوا‬
‫وه ُ‬ ‫ح َسن ُت ْم ِْلنفسِكم ِإَون أسأتم فلها فإِذا جاء وعد اْلخِرة لِيسوءوا وج‬ ‫و قوله تعاىل‪﴿ :‬إِن أحسنتم أ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ال َم ْس ِج َد ك َما َد َخلوهُ أ َّول َم َّر ٍة َو َِلُ َت ِ ُْبوا َما َعل ْوا تَتْبِريا‪[ ﴾٧‬اإلسراء‪.]7 :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َّ َ ْ َ ْ ُ َ ُ ُ ْ َ َّ َّ َ َ ُ‬
‫اس َكنوا بِآيَات َِنا َل يُوق ُِنون‪[ ﴾٨٢‬النمل‪:‬‬ ‫﴿ِإَوذا وقع القول علي ِهم أخرجنا لهم دابة مِن اْلر ِض تكلِمهم أن ال‬ ‫وقوله تعاىل‪:‬‬
‫‪.]82‬‬

‫‪42‬‬
‫أنواع القصص القرآني من حيث التكرار‪.‬‬
‫ثالثة أنواع‪:‬‬

‫قصص تكررت‪ ،‬مع أن القصة ال تتكرر يف السورة الواحدة مهما كثر تكرارها‪.‬‬

‫النوع األول‪ :‬قصص كثر تكرارها يف القرآن الكرمي‪ :‬مثل قصة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السالم‪.‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬قصص تكررت مرينت أو ثالث‪ :‬يوسف ورد ذكره يف ‪ 3‬سور (سردت القصة بتفاصيلها يف السورة إال جانبا‬
‫واحدا وهو دعوته جهرا ألهل مصر‪ ،‬هذه النقطة الوحيدة اليت ذكرت يف سورة غافر لتكتمل قصة يوسف عليه السالم‬
‫النيب الداعية)‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬قصص مل ترد إال مرة واحدة‪ :‬مثل قصة لقمان‪ ،‬أصحاب الكهف‪ ،‬ذو القرنني وغريهم‪.‬‬

‫فوائد تكرار القصص القرآني‪:‬‬


‫‪ )1‬بيان بالغة القرآن يف أعلى مراتبها‪ :‬فمن خصائص البالغة إبراز املعىن الواحد يف صور خمتلفة‪ ،‬والقصة املتكررة‬
‫ترد يف كل موضع أبسلوب يتمايز عن اآلخر‪ ،‬وتصاغ يف قالب غري القالب‪ ،‬وال ميل اإلنسان من تكرارها‪ ،‬بل‬
‫تتجدد يف نفسه معان ال حتصل له بقراءهتا يف املواضع األخرى‪ ،‬وهذا معجز يف ذاته‪.‬‬
‫‪ )2‬قوة اإلعجاز‪ :‬فإيراد املعىن الواحد يف صور متعددة مع عجز العرب عن اإلتيان بصورة منها أبلغ يف التحدي‪.‬‬
‫‪ )3‬االهتمام بشأن القصة لتمكني عربها يف النفس‪ :‬فإن التكرار من طرق التأكيد وأمارات االهتمام‪ ،‬كما هو‬
‫اْلال يف قصة موسى مع فرعون؛ ألهنا متثل الصراع بني اْلق والباطل أمت متثيل‪ ،‬وكل ما تكرر تقرر‪.‬‬
‫‪ )4‬مناسبة املشهد من القصة للغاية اليت تساق ألجله‪ :‬خيتلف املشهد من القصة وأسلوب عرضه للغاية اليت تساق‬
‫من أجله القصة‪ ،‬ووجه االعتبار من القصة‪ ،‬ولذلك فتذكر بعض معانيها الوافية ابلغرض يف مقام‪ ،‬وتربز معان‬
‫أخرى يف سائر املقامات حسب اختالف مقتضيات األحوال‪.‬‬
‫‪ )5‬اكتمال القصة جبمعها من خمتلف مواطن ورودها‪.‬‬

‫اثلثًا‪ :‬خصائص القصص القرآين‪.‬‬ ‫‪.3‬‬


‫‪ )1‬حق‪ :‬حقيقة اترخيية‪ :‬كل قصص القرآن حقائق اترخيية صادقة ال يصادمها عقل وال خيالفها نقل‪ ،‬وال يوجد‬
‫قصة يف القرآن فيها افرتاء وال خيال وال إضافات عما حصل حقيقة على غري ما جرت عليه عادة القصص‪:‬‬

‫‪43‬‬
‫ِيم‪[ ﴾٦٢‬آل عمران‪َ ﴿ ]62 :‬ما ََك َن َحدِيثا ُي ْف َ َ‬
‫ْتى‬ ‫يز ْ َ‬
‫اْلك ُ‬ ‫اَّلل ل َ ُه َو الْ َعز ُ‬ ‫َّ َ َ َ ُ َ ْ َ َ ُ ْ َ ُّ َ َ ْ َ َّ َّ ُ َّ‬
‫ِإَون َّ َ‬ ‫﴿إِن هذا لهو القصص اْلق وما مِن إ ِ ٍَل إَِل اَّلل‬
‫ِ‬
‫﴾ [يوسف‪.]111 :‬‬
‫َ َ َْ َ َْ َ ْ‬
‫ح َملت ُه فانت َبذت‬‫واقعية وغري مثايلة‪ :‬تربز الشخصية الواقعية بضعفها البشري‪ ،‬وليس مبثالية القصص اخليالية‪﴿ .‬ف‬ ‫‪)2‬‬
‫ْ‬ ‫ُّ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ ُ َ‬ ‫َّ ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ َ َ َْ َ ُ َ‬ ‫بهِ َم ََكنا قَ ِ ًّ‬
‫ت ن ْسيا َمنس ًِّيا‪[ ﴾٢٣‬مريم‪.]23-22 :‬‬ ‫ت يَا َلْ َت ِن مِت قبل هذا وكن‬ ‫جذ ِع الخلةِ قال‬‫صيا‪ ٢٢‬فأجاءها المخاض إَِل ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ )3‬مشولية القصص القرآين‪:‬‬
‫‪ o‬من حيث اشتماهلا على مناذج متنوعة حبيث كل حال كنت فيه ستجد نظريه يف القصص القرآين‪ :‬قوة‬
‫وضعف‪ ،‬غىن وفقر‪ ،‬فتنة مال زايدة أو نقصان‪ ،‬ملك أو قهر‪ْ ،‬لظة قوة‪ْ ،‬لظة ضعف‪ ،‬سراء وضراء‪.‬‬
‫‪ o‬ختاطب الغين يف قصة سليمان وختاطب املريض يف قصة أيوب وختاطب اإلنسان الذي فقد ابنه يف‬
‫قصة يعقوب وختاطب املرأة اليت بينها وبني زوجها مشكلة يف سورة التحرمي‪ ،‬كل إنسان سيجد خطااب‬
‫للقصة يف حياته‪.‬‬
‫‪ o‬الشمولية من حيث تنوع الزمن فالقصة تتحدث عن املاضي وعن اْلاضر وعن املستقبل‪.‬‬
‫‪ o‬مشولية القصة من خالل إبرازها جوانب خمتلفة لنفس اْلدث‪ :‬تربز اجلانب الظاهر‪ ،‬واجلانب الباطن‪،‬‬
‫وال يكون هذا صادقا إال ممن يعلم السر وأخفى‪:‬‬

‫مثال أول‪:‬‬

‫جئْ ُت ْم‬ ‫ا‬ ‫ون‪ ٨٠‬فَلَ َّما َألْ َق ْوا قَ َال ُم َ‬


‫وس َ‬
‫م‬
‫َ َ َّ َ َ َّ َ َ ُ َ َ َ ُ ْ ُ َ َ ْ ُ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬
‫‪ -‬قال تعاىل‪﴿ :‬فلما جاء السحرة قال لهم موس ألقوا ما أنتم ملق‬
‫ِ‬
‫َ َ ْ ْ‬ ‫اَّلل َسيُبْطلُ ُه إ َّن َّ َ َ ْ‬
‫ِح ُر إ َّن َّ َ‬
‫ْ‬
‫ِين‪[ ﴾٨١‬يونس‪ :]81-80 :‬جانب القوة‬ ‫سد َ‬ ‫اَّلل َل يُصل ُِح ع َمل ال ُمف ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫بِهِ الس ِ‬
‫الظاهر‪.‬‬
‫َ‬
‫ِيفة ُم َ‬ ‫َْ‬ ‫ََ‬
‫إبراز جانب الضعف البشري‪.‬‬ ‫وس‪[ ﴾٦٧‬طه‪]67 :‬‬ ‫وقال تعاىل‪﴿ :‬فأ ْو َج َس ِِف نف ِ‬
‫سه ِ خ‬ ‫‪-‬‬
‫مثال اثن‪:‬‬
‫وس‬ ‫‪ -‬قصة موسى يف سورة النمل‪ :‬أبرزت صفات موسى القائد القوي الشجاع‪﴿ :‬إذْ َق َال ُم َ‬
‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ َ َ َّ ُ َ‬ ‫ِب َْب أَ ْو آت ُ‬
‫ُ ْ َْ َ‬ ‫ِْلَ ْهلِهِ إّن آن َ ْس ُ‬
‫ت نَارا َ‬
‫ك ْم ت ْص َطلون‪[ ﴾٧‬النمل‪]7 :‬‬ ‫اب قب ٍس لعل‬ ‫ٍ‬
‫ِيك ْم بش َ‬
‫ِه‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ِن‬‫م‬ ‫م‬ ‫ِيك‬ ‫ت‬ ‫آ‬‫س‬ ‫ِِ‬
‫ََ َ َ‬
‫‪ -‬قصة موسى يف سورة القصص تربز جانب موسى اإلنسان مبا فيه من ضعف‪﴿ :‬فل َّما قَض‬
‫ُ ْ‬ ‫َْ ُ َ َ‬ ‫ُّ َ َ َ َ ْ ْ ُ ُ‬ ‫ُ َ َْ ََ ََ َ َ ْ ََ‬
‫ِيك ْم مِن َها‬ ‫ت نارا ل َع َِل آت‬ ‫امكثوا إ ِ ِّن آنس‬ ‫ِب الطورِ نارا قال ِْلهلِهِ‬ ‫ْ َ‬
‫موس اْلجل وسار بِأهلِهِ آنس مِن جان ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ْ َ َ َّ َ َ َّ ُ َ‬
‫ك ْم ت ْص َطلون‪[ ﴾٢٩‬القصص‪]29 :‬‬ ‫ْب أو جذو ٍة مِن الارِ لعل‬ ‫ِِب ٍ‬
‫‪ )4‬قصص جامعة بني التسلية والفائدة‪ :‬ال يوجد بينها قصص من غري عرب‪.‬‬
‫‪ )5‬اإلجياز‪ :‬كل كلمة فيها هلا مقصد خاص‪ ، .‬وكل تفصيل ذكر يف القصة فهو مراد بذاته وفيه عربة وخيدم مقصد‬
‫القصة الذي يوافق مقصد السور‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫‪ )6‬كل تكرار للقصة فيها أتكيد ملعاين وأتسيس ملعاين جديدة‪.‬‬
‫‪ )7‬موضوعية القصة‪ :‬مثل قصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش رضي هللا عنهما‪.‬‬
‫‪ )8‬خاطب القلب والعقل معا‪ :‬لديها قوة يف االقناع‪ :‬ألهنا زايدة إىل ما متتاز به من أسلوب قصصي بديع تتسم‬
‫ابلصدق‪( .‬ننبه هنا على بعض من يعتمد األسلوب القصصي من الدعاة‪ ،‬أن ال بد هلا من ضوابط‪ ،‬وأمهها‬
‫الصدق)‪.‬‬
‫‪ )9‬كل ما سكت عنه فال حاجة ملعرفته ولن يضيف يف الغاية اليت من أجلها وردت القصة‪.‬‬
‫تعيني الشخصية أو عدم تعيينه مراد بذاته‪:‬‬ ‫‪)10‬‬
‫أمثلة يف التعيني‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ ْ َ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫ْ َ ُ ُ َّ‬
‫ت َعليْهِ أ ْمسِك َعليْك َز ْو َجك‬ ‫تعيني زيد رضي هللا عنه تكرميا له‪ِ﴿ :‬إَوذ تقول ل ِذلِي أنعم اَّلل عليهِ وأنعم‬ ‫‪o‬‬
‫َّ َ َ َّ ُ َ َ ُّ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ َّ َ َ َ ْ د ْ َ َ َ َ َّ ْ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َْ َ‬
‫ِك َما َّ ُ‬ ‫َ َّ َّ َ ُ ْ‬
‫ج َناك َها‬‫اَّلل ُمبْدِيهِ َوُتش الاس واَّلل أحق أن ُتشاه فلما قَض زيد مِنها وطرا زو‬ ‫اَّلل َوُت ِِف ِِف نفس‬ ‫وات ِق‬
‫َ ْ َ َ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ د َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ْ ُ َّ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َّ َ ُْ‬
‫اج أدعِيائ ِ ِهم إِذا قضوا مِنهن وطرا وَكن أمر اَّللِ مفعوَل‪[ ﴾٣٧‬األحزاب‪:‬‬ ‫ل ِِك َل يكون لَع المؤ ِمنِي حرج ِِف أزو ِ‬
‫‪ ،]37‬فوائد تربوية من تعيينه وذكره ابالسم ومنها مراعات النفسية‪ ،‬وتكرميه‪ ،‬وإبطاال للتبين وغري ذلك‪.‬‬
‫‪..‬‬
‫‪ o‬تعيني أبو هلب‪ :‬تنكيال به‪ ،‬وتعريضا لفعله وخاصة أنه عم النيب صلى هللا عليه وسلم فكان حىت من‬
‫ابب العصبية القبلية والقرابة إن مل يتبعه ال َياربه‪ ،‬وتعريضا كذلك أبول من أظهر الصد عن دين هللا‪.‬‬

‫عدم التعيني يعين أن البطل احلقيقي ليس األشخاص إمنا األعمال‪.‬‬

‫أمثلة يف عدم التعيني‪:‬‬


‫َ َ َْ ُ َ‬ ‫يف سورة املدثر‪ :‬يف قصة الوليد ابن املغرية؛ قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ذ ْرِن َو َم ْن َخلَ ْق ُ‬
‫ت َُل َماَل‬ ‫ت َوحِيدا‪ ١١‬وجعل‬ ‫ِ‬ ‫‪o‬‬
‫لَك إنَّ ُه ََك َن ِْليَات َِنا َعنِيدا‪َ ١٦‬سأُ ْره ُِقهُ‬
‫َ َّ‬
‫يد‪١٥‬‬‫ت َ َُل َت ْمهيدا‪ُ ١٤‬ث َّم َي ْط َم ُع أَ ْن أَز َ‬
‫ِي ُش ُهودا‪َ ١٣‬و َم َّه ْد ُ‬
‫َم ْم ُدودا‪َ ١٢‬وبَن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َص ُعودا‪[ ﴾١٧‬المدثر‪ ،]17-11 :‬فهذا ليس خاصا ابلوليد بن املغرية‪ ،‬إمنا هي يف الفعل ذاته‪.‬‬
‫اإلعجاز‪ :‬ألهنا متثل جزءا كبريا من القرآن الكرمي فلها خصائص من خصائصه‪ ،‬فهي معجزة يف لفظها‬ ‫‪)11‬‬
‫ويف معناها ويف بالغتها‪ ،‬ابإلضافة إىل وجوه اإلعجاز اخلاصة ابإلخبار عن حوادث ووقائع مل َيضرها النيب‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫كذلك خيتلف وجه اإلعجاز على حسب نوع القصص القرآين‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫قصص األمم الغابرة‪ :‬يكمن وجه اإلعجاز يف إخباره عن أحداث مل َيضرها ومل يكن له علم مسبق‬
‫ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ْ َّ‬
‫ْب إِن‬ ‫هبا‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ت ِلك مِن أنبا ِء الغي ِ‬
‫ب نوحِيها إَِلك ما كنت تعلمها أنت وَل قومك مِن قب ِل هذا فاص ِ‬
‫الْ َعاق َِب َة ل ِلْ ُم َّتق َ‬
‫ِي‪[ ﴾٤٩‬هود‪]49 :‬‬

‫قصص السرية‪ :‬يكمن وجه إعجازها يف إخبارها يف أكثر من وجه‪:‬‬

‫أوال‪ :‬لو حضران حنن كلنا نفس اْلادثة‪ ،‬مث أخربَان هبا لكان لكل واحد منا استطراد على اآلخر‬
‫ً‬
‫وتصحيح لبعض املشاهد‪ ،‬وذلك أننا ال ميكن أن نرى اْلادثة من كل جوانبها‪.‬‬
‫ْ ُ‬ ‫ْ ُ ْ َ ْ ُ ُ ُّ ْ‬
‫الن َيا َومِنك ْم‬ ‫اثنيًا‪ :‬مشول القصة على ظواهر األحداث وبواطن النفوس؛ قال تعاىل‪ ﴿ :‬مِنكم من ي ِريد‬
‫ِين َخ َر ُجوا م ِْن دِيَاره ِْم َب َطرا َورئَ َ‬ ‫يد ْاْلخ َِرةَ ﴾ [آل عمران‪ ،]152 :‬وقال تعاىل‪َ ﴿ :‬و ََل تَ ُ‬
‫كونُوا ََك ََّّل َ‬ ‫َم ْن يُر ُ‬
‫اء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ون ُُم دِيط‪[ ﴾ ٤٧‬األنفال‪ ]47 :‬إال أن الكفار أنفسهم مل يستطيعوا‬ ‫َّ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ‬
‫يل اَّللِ واَّلل بِما يعمل‬ ‫الَّ ِ َ َ ُ ُّ َ َ ْ َ‬
‫اس ويصدون عن سب ِ ِ‬
‫االستطراد على ما ذكره هللا عز وجل من أحواهلم يف كتابه‪.‬‬

‫اثلثًا‪ :‬مشوهلا على أحداث يف الفريق املؤمن ويف الفريق الكافر واليت مل َيضرها النيب صلى هللا عليه‬
‫َ َ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫وه ْم إذِ ْاِلَ َقيْ ُت ْم ِف أَ ْع ُين ُ‬
‫ك ْم قَل ِيَل َويُ َقل ِلُ ُ‬ ‫وسلم؛ قال تعاىل‪ِ﴿ :‬إَوذْ يُر ُ‬
‫اَّلل أ ْمرا َكن‬ ‫ك ْم ِِف أ ْع ُينِ ِه ْم َِلَ ْق ِ َ‬
‫َض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يك ُم ُ‬
‫ِ‬
‫َ َ َ ُ ُ َ َّ َ َ‬
‫ين خ َر ُجوا م ِْن دِيَارِه ِْم َب َطرا‬ ‫ور‪[ ﴾٤٤‬األنفال‪ ]44 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬وَل تكونوا َك ِ‬
‫َّل‬ ‫اَّللِ تُ ْر َج ُع ْاْلُ ُم ُ‬
‫َ َّ‬
‫َمف ُعوَل ِإَوَل‬
‫ْ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫ُ َ ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ َّ ُ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫ون ُُم د‬ ‫اء الَّ ِ َ َ ُ ُّ َ َ ْ َ‬ ‫َورئ َ َ‬
‫ِيط‪ِ ٤٧‬إَوذ َز َّي َن ل ُه ُم الشيْ َطان أع َمال ُه ْم َوقال َل َغل َِب‬ ‫يل اَّللِ واَّلل بِما يعمل‬ ‫اس ويصدون عن سبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ْم إّن أَ َرى ماَ‬ ‫يء مِنْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ان نكص لَع عقِبيهِ وقال إِ ِّن بر د‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ت الفِئت ِ‬ ‫ِإَوّن جار لكم فلما ت َراء ِ‬ ‫اس ِ‬ ‫لكم اَلَوم مِن ال ِ‬
‫َ َ ُ َّ َ َ َّ ُ َ ُ ْ َ‬ ‫َ ََ ْ َ‬
‫اب‪[ ﴾٤٨‬األنفال‪]48-44 :‬‬ ‫َل ترون إِ ِّن أخاف اَّلل واَّلل شدِيد العِق ِ‬

‫أحداث مستقبلية‪ :‬يظهر وجه اإلعجاز في اإلخبار عن الغيب وتصديق ما ذكر منه‪.‬‬

‫تتميز بتناسقها ومناسبتها ملقصد السورة‪( .‬ختدم وهلا ارتباط شديد مبقصد لسورة)‪.‬‬ ‫‪)12‬‬
‫تناسب بني القصص الوارد يف السورة الواحدة‪ ،‬وال تتكرر القصة يف السورة مطلقا‪.‬‬ ‫‪)13‬‬
‫هلا أهداف ومقاصد مشرتكة بني كل القصص القرآين‪.‬‬ ‫‪)14‬‬
‫لكل قصة مقاصد خاصة هبا‪.‬‬ ‫‪)15‬‬
‫أييت املشهد أبوصاف متعددة‪ ،‬كل واحدة منها مناسبة للسياق الوارد فيها وجبمعها يكتمل املشهد‪:‬‬ ‫‪)16‬‬

‫مثال قصة عصى موسى‪:‬‬

‫‪46‬‬
‫ََ ُْ َ‬ ‫َ َ ُ ْ َ ََ ََ ْ َ ُ ُ َ‬ ‫د َ‬ ‫َََْ َ‬
‫اها فَإِ َذا ِ َ‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬قَ َال َألْق َِها يَا ُم َ‬
‫ِريت َها اْلوِل‪٢١‬‬
‫ِيدها س‬ ‫يه َح َّية ت ْس َع‪ ٢٠‬قال خذها وَل ُتف سنع‬ ‫وس‪ ١٩‬فألق‬ ‫‪o‬‬
‫﴾ [طه‪ :]21-19 :‬انسب هنا ذكر اسم اجلنس أهنا حية‪ ،‬انسبت اْلالة وهي وصف عصى يف حتوهلا‬
‫أمام موسى عليه السالم‪ ،‬وانسبت السورة اليت تتحدث عن عدم الشقاء ابلدين ومحل الرسالة‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ o‬قال تعاىل‪﴿ :‬فَألْ َِق َع َصاهُ َفإِ َذا ِ َ‬
‫يه ُث ْع َب دان ُمبِ دي‪[ ﴾١٠٧‬األعراف‪ ،]107 :‬انسب ذكر ضخامة اْلية وعظمتها‬
‫إرهااب لفرعون وملئه‪.‬‬
‫َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ ْ َ ُّ َ َ َّ َ َ ٌّ َ َّ ُ ْ َ َ ْ ُ َ ْ َ ُ َ َ ْ ْ َ َ َ ْ َّ َ‬
‫وس أقبِل َوَل ُتف إِنك م َِن‬ ‫﴿وأن أل ِق عصاك فلما رآها تهَت كأنها جان وِل مدبِرا ولم يعقِب يا م‬ ‫‪ o‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ْ‬
‫اْل ِمن َِي‪[ ﴾٣١‬القصص‪ :]31 :‬انسبت ذكر سورة القصص بوصف الضعف البشري ملوسى‪ ،‬وخاصة‬
‫بوصف مشهد هروبه من العصا‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬أمهية معرفة مقاصد القصص‪.‬‬


‫رً‬ ‫‪.4‬‬
‫تكمن أمهية معرفة مقاصد القصص يف‪:‬‬

‫‪ )1‬معرف املنهج القرآين يف عرض القصص فهي ليست لسرد األحداث التارخيية‪ ،‬وإمنا لالتعاظ واالعتبار‪.‬‬
‫‪ )2‬الرتكيز على مواضع االهتداء يف القصة‪.‬‬
‫‪ )3‬إبراز جانب من أوجه إعجاز القرآن الكرمي‪.‬‬
‫‪ )4‬ضبط املتشابه وتثبيت اْلفظ‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬مقاصد عامة لكل القصص‪.‬‬


‫ً‬ ‫‪.5‬‬
‫‪ )1‬تسلية وتثبيت قلب النيب صلّى هللا عليه وسلم وأمته من بعده‪ .‬ابلقدوة‪ ،‬ابلعاقبة‪ ،‬ولذلك كثر نزول القصص‬
‫القرآين يف أصعب فرتة يف الدعوة وهي يف خروجه من شعب أيب طالب وموت األخري‪ ،‬وتقراب توقفت الدعوة‪،‬‬
‫آنذاك نزلت سورة يوسف‪ ،‬وهود‪ ،‬يونس‪ ،‬القصص وغريها من السور‪ :‬تكاد تكون أكثر فرتة نزل فيها القرآن‬
‫الكرمي‪.‬‬
‫‪ )2‬إثبات صدق النيب صلّى هللا عليه وسلم يف رسالته إبخباره عن الغيب سواء كان ماضي أو مستقبل‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َّ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫ََْ َْ‬ ‫ُ‬
‫ِي َِّللِ اْل ْم ُر م ِْن قبْل َوم ِْن َب ْع ُد َويَ ْو َمئ ِ ٍذ َيف َر ُح‬ ‫وم‪ِِ ٢‬ف أدّن اْل ْر ِض َو ُه ْم م ِْن َب ْع ِد غلبِ ِه ْم َس َيغل ُِبون‪ِِ ٣‬ف بِضعِ ِسن‬
‫الر ُ‬
‫ت ُّ‬‫﴿غل َِب ِ‬
‫ُْ ْ ُ َ‬
‫ون‪[ ﴾٤‬الروم‪.]4-2 :‬‬ ‫المؤمِن‬

‫‪47‬‬
‫بيان وحدة الرسالت‪َ ﴿ .‬و َما أَ ْر َسلْ َنا م ِْن َقبْل َِك م ِْن َر ُسول إ ََّل نُ ِ َ َ َّ ُ َ َ َ َّ َ َ َ ْ ُ ُ‬
‫وَح إَِلْهِ أنه َل إَِل إَِل أنا فاعبد ِ‬
‫ون‪[ ﴾٢٥‬األنبياء‪]25 :‬‬ ‫ٍ ِ‬ ‫‪)3‬‬
‫َّ‬ ‫َ َ ْ َ َْ ْ َ ْ َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫تصحيح العقيدة‪ .‬وكل األنبياء يدعون إىل توحيد هللا عز وجل؛ قال تعاىل‪﴿ :‬وما أرسلنا مِن قبل ِك مِن رس ٍ‬
‫ول إَِل‬ ‫‪)4‬‬
‫َ َ َّ َ َ َّ َ َ َ ْ‬ ‫ُ‬
‫وَح إَِلْهِ أن ُه َل إ ِ ََل إَِل أنا فاع ُب ُدو ِن‪[ ﴾٢٥‬األنبياء‪]25 :‬‬
‫ن ِ‬
‫‪ )5‬العتبار والتعاظ من خالل النظر يف سنن هللا عز وجل‪ ،‬النتائج تعرب عن سنن‪ ،‬وليست أحداث استثنائية‪،‬‬
‫فمن أخذ بنفس السبب وصل إىل نفس النتيجة إبذن هللا تعاىل‪ .‬وهنا تكمن اخلطورة يف حتريف قصص األنبياء‬
‫أو سرية النيب صلى هللا عليه وسلم سواء يف الكتب واألخطر منها يف املسلسالت واألفالم‪ .‬من السنن ما جنده‬
‫من أذى الداعية ما جاء أحد ابلذي جئت به إال أوذي‪ ،‬فنراها جلية يف قصص األنبياء‪ ،‬التمكني بعد االبتالء‪،‬‬
‫نصر املستضعفني‪ ،‬عاقبة الظلم‪. . .‬‬
‫‪ )6‬تقومي األخالق والسلوك الفردي واجلماعي وغرس القيم اْلميدة‪ .‬مثل قصة موسى مع بنات شعيب‪ :‬ضوابط‬
‫االختالط‪.‬‬
‫َّ ُ َ ُ َ ُ ُ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َ ْ َ ْ ْ‬ ‫ُ َ َ َّ َ َ‬
‫جرا إِن‬ ‫ِين ه َدى اَّلل فبِهداهم اقتدِه قل َل أسألكم عليهِ أ‬
‫﴿أولئِك اَّل‬ ‫‪ )7‬انتهاج مواضع القتداء اْلسنة يف األنبياء‪.‬‬
‫ُه َو إ ََّل ذ ِْك َرى ل ِلْ َعالَم َ‬
‫ي‪[ ﴾٩٠‬األنعام‪.]90 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫سادسا‪ :‬مقاصد خاصة للقصة‪.‬‬


‫ً‬ ‫‪.6‬‬
‫ابإلضافة إىل املقاصد العامة للقصص‪ ،‬فإن لكل قصة مقاصد خاصة هبا‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ )1‬العدل وترسيخ مكارم األخالق‪.‬‬


‫‪ )2‬تعليم آداب اْلوار‪.‬‬
‫‪ )3‬فقه الدعوة‪.‬‬
‫‪ )4‬غرس القيمة كالعلم واْلياء‪. . .‬‬
‫‪ )5‬املسؤولية االجتماعية مثال يف قصة النملة‪. . .‬‬

‫سابعا‪ :‬طرق معرفة مقاصد القصص‪.‬‬


‫ً‬ ‫‪.7‬‬
‫‪ .1‬النظر إىل مقصد السورة وربط القصص الوارد فيها به‪.‬‬
‫‪ .2‬النظر الفتتاح القصة وخامتتها وما يركز عليه فيها‪.‬‬
‫‪ .3‬التأمل يف القصص املتشاهبة والفرق بينها‪ ،‬واستخالص مقصد كل موضع حبسب سياق القصة‪.‬‬
‫‪ .4‬الرتكيز على مواضع االهتداء واليت فصلت فيها أو أبرزهتا القصة‪.‬‬
‫‪ .5‬النظر للحدث األهم يف القصة وحتليله واستخالص مقصد القصة من خالله‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫‪ .6‬النظر إىل القصص األخرى الواردة يف نفس السورة والبحث عن مناسباهتا ببعضها‪.‬‬

‫المحور الخامس‪ :‬مقاصد اآليات‬


‫مقاصد اآلايت جانب مهم من جوانب فهم اآلية للوصول إىل الفهم الصحيح هلا والعمل هبا واالهتداء هبداايهتا‪.‬‬

‫أول‪ :‬معىن اآلية لغة واصطالحا‪:‬‬


‫ً‬ ‫‪.1‬‬
‫ِين دة م ِْن َرب ُ‬ ‫لغة‪ :‬وردت مبعىن العالمة‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َق َال ل َ ُه ْم نَب ُّي ُه ْم إ َّن آيَ َة ُملْكهِ أَ ْن يَأْت َِي ُ‬
‫ك ُم اِلَّابُ ُ‬
‫وت فِيهِ َسك َ‬
‫ك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك ُة إ َّن ِف َذل َِك َْليَة لَ ُ‬ ‫َ َ َّ د َّ َ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ ُ َ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ‬
‫ك ْم إِ ْن ُكنْ ُت ْم ُم ْؤ ِمن َِي‪[ ﴾٢٤٨‬البقرة‪ ]248 :‬اآلية أي‪:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫وبقِية مِما ترك آل موس وآل هارون ُت ِمله المَلئ ِ‬
‫َ َ َ َ ََ َ َ َ ْ‬
‫ك َ ُث ُه ْم ُم ْؤ ِمن َِي‪[ ﴾٨‬الشعراء‪ ]8 :‬أي عربة ملن‬ ‫َّ‬
‫عالمة ملكه‪ ،‬ومبعىن العربة‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪﴿ :‬إِن ِِف ذل ِك ْلية وما َكن أ‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ك ْم آتَيْ َن ُاه ْم م ِْن آيَ ٍة بَيِ َن ٍة ﴾ [البقرة‪ }]211 :‬أي من معجزة‬ ‫بعدهم‪ .‬ومبعىن املعجزة‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬سل بَ ِن إُِسائِيل‬

‫ات ﴾ [اإلسراء‪ ]101 :‬إىل غري ذلك من املعاين‪.‬‬ ‫وس ت ِْس َع آيَ َ َ‬ ‫واضحة‪ ،‬وقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ َق ْد آتَيْ َنا ُم َ‬
‫ات بيِن ٍ‬ ‫ٍ‬

‫ويف االصطالح‪ :‬جزء من السورة هلا مبدأ وهناية‪ ،‬وآخرها يسمى فاصلة‪ ،‬وقيل‪ :‬طائفة من القرآن منقطعة عما‬
‫قبلها وعما بعدها‪.‬‬

‫واملناسبة بني املعىن اللغوي واالصطالحي ظاهرة ألهنا عالمة على نفسها ابنفصاهلا عما قبلها وما بعدها؛ أو‬
‫ألن فيها عربا ودالئل ملن أراد أن يتذكر‪ ،‬أو ألهنا ابنضمامها إىل غريها تكون معجزة دالة على صدق الرسول‪.‬‬

‫اثنيًا‪ :‬تعريف مقاصد اآلايت‪:‬‬ ‫‪.2‬‬


‫مقاصد اآلايت هي األغراض اخلاصة اليت تضمنتها اآلية الكرمية يف ضوء سياقها‪.‬‬

‫اثلثًا‪ :‬أمهية مقاصد اآلايت‪:‬‬ ‫‪.3‬‬


‫يظهر أمهية معرفة املقصد من خالل‪:‬‬

‫‪ -1‬معرفة املراد يف اآلية‪.‬‬


‫‪ -2‬معرفة الرابط بني اآلية وما قبلها وبعدها حبسب السياق‪.‬‬
‫‪ -3‬بيان عظمة القرآن أبن تكون كل آية دالة على مقصود مستقل‪ ،‬ومقصود اتبع ومكمل‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫‪ -4‬ضبط املتشابه وتثبيت اْلفظ‪.‬‬
‫‪ -5‬حتقيق املعىن الصحيح يف اآلايت املشكلة‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬أنواع مقاصد اآلايت‪:‬‬


‫رً‬ ‫‪.4‬‬
‫مقاصد اآليات مستقلة‪:‬‬
‫لكل آية مقصد مستقل ميكن استنباطه من خالل السياق‪ ،‬خيتلف عما قبلها وبعدها‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫مثال‪ :‬قوله تعاىل‪ :‬إِ َّاي َك نـَ ْعبد وإِ َّاي َك نَ ْستَعِني‪‬‬

‫هذه اآلية هي عمود سورة الفاحتة‪ ،‬وإليها يرجع مضمون السورة كلها بل القرآن كله‪ ،‬إذ أهنا واردة لغرض عظيم وهو‬
‫تقرير استحقاقه تعاىل واختصاصه ابلعبودية واالستعانة‪.‬‬

‫مثال‪ :‬آية الكرسي‪:‬‬

‫هذه أعظم آية يف كتاب هللا تعاىل‪ ،‬ومل تكن أعظم آية إال ألهنا قد تضمنت مقصداً عظيما‪ ،‬وحني نتدبرها جند أن‬
‫غرضها‪ :‬تقرير التوحيد وبيان عظمة اخلالق وكمال صفاته‪.‬‬

‫وقد تظاهرت أقوال العلماء واملفسرين يف أتكيد ذلك‪ ،‬ومن أقواهلم‪:‬‬

‫العلى"(‪.)70‬‬ ‫قال ابن عطية‪" :‬هذه سيدة آي القرآن‪ ،‬وهي متضمنة التوحيد والصفات‬

‫وقال أبو حيان‪" :‬وفضلت هذا التفضيل ملا اشتملت عليه من توحيد هللا وتعظيمه‪ ،‬وذكر صفاته العلى‪ ،‬وال مذكور‬
‫ذكر" (‪.)71‬‬ ‫أعظم من هللا‪ ،‬فذكره أفضل من كل‬

‫وكربايئه"(‪.)72‬‬ ‫وقال الرازي عند كالمه على الكرسي‪" :‬املقصود تعريف عظمة هللا‬

‫(‪ )69‬سورة الفاتحة اآلية (‪.)5‬‬


‫(‪(( )70‬المحرر الوجيز)) (‪.)340/1‬‬
‫(‪(( )71‬البحر المحيط)) (‪.)607/2‬‬
‫(‪(( )72‬مفاتيح الغيب)) (‪.)12/7‬‬
‫‪50‬‬
‫التوحيد" (‪.)73‬‬ ‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪" :‬آية الكرسي فيها تقرير‬

‫العلى"(‪.)74‬‬ ‫وقال السيوطي‪" :‬ضمت قواعد التوحيد والصفات‬

‫وألجل ذلك شرعت قراءهتا يف دبر كل صالة‪ ،‬ويف أول اليوم وآخره‪ ،‬وعند النوم‪ ،‬لرتسيخ اإلميان وتعظيم هللا يف‬
‫النفوس‪ ،‬ولتكون هبذا الغرض حرزاً للقلب من الشيطان‪.‬‬

‫اآليات الفتتاحية أو الخاتمة‪:‬‬


‫اآلايت الواردة يف افتتاح السور والقصص ويف ختامها هلا مقاصد خاصة مناسبة ملوقعها‪ ،‬مرتبطة مبقصد السورة كلها‪،‬‬
‫ومثلها اآلايت الواردة يف خامتتها غالباً‪.‬‬

‫ِي‪[ ﴾٢‬البقرة‪]2-1 :‬‬ ‫اب ََل َريْ َ‬


‫ب فِيهِ ُهدى ل ِلْ ُم َّتق َ‬ ‫﴿الم‪َ ١‬ذل َِك الْك َِت ُ‬ ‫مثال‪ :‬قوله تعاىل‪:‬‬

‫غرض اآليتني هو بيان كمال القرآن وسالمته من النقص وكمال مقصده‪.‬‬

‫وهذه اآلية مرتكز السورة كلها؛ إذ أن السورة ركزت على القرآن ببيان مقصده ودعوة الناس إليه‪ ،‬مث فصلت السورة‬
‫بعد ذلك يف األسس العلمية‪ ،‬والعملية اليت بين عليها هذا القرآن‪.‬‬

‫قال ابن كثري رمحه هللا‪ " :‬وهلذا كل سورة افتتحت ابْلروف فالبد أن يذكر فيها االنتصار للقرآن وبيان إعجازه‬
‫ابالستق ـراء"(‪.)75‬‬ ‫وعظمته‪ ،‬وهذا معلوم‬

‫وحني نرى اآليتني اخلامتتني للسورة جند أن هلما غرضاً يف ختام السورة‪.‬‬

‫وهو‪ :‬شهادة هللا تعاىل للمؤمنني بكمال اإلميان‪ ،‬وكمال القبول واالنقياد بعد بيان التشريعات‪ ،‬وتكرميه هلم ابلتخفيف‬
‫ورفع اْلرج فيما وقع منهم من خطأ أو نسيان‪ ،‬وتكليفها حسب الوسع يف التشريع‪ ،‬وهذا حبق أعظم تكرمي‪ ،‬من أعظم‬
‫مكرم‪ .‬وهو أعظم بشارة لألمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مكرم‪ ،‬ألعظم َ‬

‫(‪(( )73‬مجموع الفتاوى)) (‪.)382 /13‬‬


‫(‪(( )74‬آية الكرسي معانيها وفضائلها)) (ص‪ )27‬ط دار االعتصام‪.‬‬
‫(‪(( )75‬تفسير القرآن العظيم)) (‪.)160/1‬‬
‫‪51‬‬
‫قال ابن عطية‪" :‬مجع هلم تعاىل التشريف ابملدح والثناء برفع املشقة يف أمر اخلواطر‪ ،‬وهذه مثرة الطاعة واالنقطاع إىل‬
‫هللا تعاىل‪ ،‬كما جرى لبين إسرائيل ضد ذلك من ذمهم وحتميلهم املشقات من املذلة واملسكنة واجلالء إذ قالوا‪ :‬مسعنا‬
‫تعاىل"(‪.)76‬‬ ‫وعصينا‪ ،‬وهذه مثرة العصيان والتمرد على هللا‬

‫مقاصد اآليات في ضوء سياقها‪:‬‬


‫َ د ُ ْ َ ْ ُ ُ‬
‫ت آيَات ُه ث َّم‬ ‫﴿الر كِتاب أحكِم‬ ‫اآلية البد أن تكون واردة يف سياق اآلايت اليت قبلها وبعدها‪ ،‬ويؤكد ذلك قوله تعاىل‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فُ ِصل ْت م ِْن ُل ْن َحك ٍِيم َخبِ ٍري‪[ ﴾١‬هود‪ ]1 :‬واإلحكام يستلزم االنتظام والرتابط‪ .‬ومن هذا الباب يدخل علم املناسبات بني‬
‫اآلايت‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ َّ َ‬
‫وموا ِ ََّّللِ قَانِت َِي‪[ ﴾٢٣٨‬البقرة‪ ]238 :‬يف سياق الطالق قبلها‬
‫الصَلة ِ ال ُو ْس َطى َو ُق ُ‬
‫َو َّ‬
‫﴿ َحاف ِظوا لَع الصل َواتِ‬ ‫مثال‪ :‬قوله تعاىل‪:‬‬
‫واْلرب بعدها‪.‬‬
‫فهذه اآلية جاءت يف موقع عجيب حيث وردت يف سياق آايت الطالق‪ ،‬وقرنت آبية اخلوف‪ ،‬وذلك أهنا تضمنت‬
‫غرضاً عظيماً مرتبطاً مبا قبلها وما بعدها‪ ،‬وهو بيان عظم الصالة‪ ،‬وأثرها يف حل األزمات الداخلية واخلارجية‪ ،‬فناسب‬
‫أن يكون التوجيه فيهما أبعظم سبيل للخالص واخلروج من األزمة وحصول األمن الداخلي واخلارجي‪ ،‬وهو الصالة وهذا‬
‫أمر ظاهر مطرد يف الشريعة‪ ،‬ولذا شرعت الصالة حال اخلسوف‪ ،‬واالستسقاء‪ ،‬واالستخارة‪ .‬فالصالة خري معني لإلنسان‬
‫يف حال قلقه وفزعه؛ ألهنا فزع إىل هللا واتصال به‪ ،‬وال شك أن اإلنسان حال حصول حاالت طارئة له فإنه يفزع إىل‬
‫أقرب الناس له وأرجاهم معونة وجندة له‪ .‬فما أعظم هذا التوجيه اإلهلي الكرمي‪ ،‬وما أعظم ورود هذه اآلية يف موقعها بني‬
‫اْلدثني‪.‬‬

‫مقاصد اآليات المتشابهة‪:‬‬


‫املتشابه اللفظي كثري يف القرآن‪ ،‬وقد سبق لنا بني املتشابه اللفظي يف القصص‪ ،‬وأن اْلكم يف بيان الفرق هو مقصد‬
‫كل قصة يف ضوء مقصد السورة‪.‬‬
‫وكذلك املتشابه بني اآلايت‪ ،‬فإن اْلكم يف الفرق بينهما هو املقصد والسياق‪ .‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫ك ْم‬ ‫ك بِهِ عِلْ دم فَ ََل تُ ِط ْع ُه َما إِ َ َّ‬


‫َل َم ْرج ُع ُ‬ ‫َ َْ َ َ َ‬
‫ْش َك ِب ما ليس ل‬
‫ْ َ َ َ َ ُ ْ‬ ‫الفرق بني قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬و َو َّصيْ َنا ْ ْ َ َ َ َ ْ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫اْلنسان بِو ِاليهِ حسنا ِإَون جاهداك لِت ِ‬
‫ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ََ ْ‬ ‫اليْهِ إ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ََُ ُ ُ ْ َ ُ ُْ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫ْحلت ُه أ ُّم ُه ك ْرها َو َوض َعت ُه‬ ‫ح َسانا‬ ‫َ‬
‫اْلنسان ب ِ َو ِ ِ‬
‫َ َ َّ ْ َ‬
‫فأنبِئكم بِما كنتم تعملون‪[ ﴾٨‬العنكبوت‪ ،]8 :‬وبني قوله تعاىل‪﴿ :‬ووصينا ِ‬

‫(‪( )76‬المحرر الوجيز) (‪.)391/1‬‬


‫‪52‬‬
‫ُ ْ َ َ ْ ُ ُ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ ْ َ َّ َ َ َ َ َ ُ َّ ُ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ْ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ َ َ‬
‫لَع َو ِ َ‬
‫ال َّي‬ ‫ب أوزِع ِن أن أشكر ن ِعمتك ال ِيت أنعمت لَع و‬ ‫كرها وْحله وف ِصاَل ثَلثون شهرا حيت إِذا بلغ أشده وبلغ أربعِي سنة قال ر ِ‬
‫ْ‬
‫ِإَوّن م َِن ال ُم ْسلِ ِم َي‪[ ﴾١٥‬األحقاف‪.]15 :‬‬ ‫ُْ ُ َ َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َوأَ ْن أَ ْع َم َل َص ِ َ ْ َ ُ َ َ ْ ْ‬
‫اْلا ترضاه وأصلِح َِل ِِف ذرِي ِيت إِ ِّن تبت إَِلْك ِ‬

‫فاآلية األوىل غرضها بيان حال التعامل مع الوالدين الكافرين ولذلك عرب ب{ح ْسنًا} دون {إِ ْح َس ً‬
‫اان}‪،‬‬

‫واآلية الثانية غرضها بيان حال التعامل مع الوالدين املؤمنني‪ ،‬ولذلك عرب ب {إِ ْح َس ً‬
‫اان}‪.‬‬

‫مقاصد اآليات المشكلة‪:‬‬


‫اآلايت املشكلة عند املفسرين يلجأ يف بياهنا إىل عدة أمور من أقرهبا بياانً معرفة مقصد اآلية وسياقها‪ ،‬ومن األمثلة‬
‫يف ذلك‪:‬‬
‫َ َ ُ َ َّ ُ ُ َ َ ْ ُ َ‬ ‫َ ُ ُ ُ َ َ َ ََ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َْ ُ ُ‬
‫ك ْم ش ِهيدا ﴾ [البقرة‪:‬‬‫اس ويكون الرسول علي‬‫اء لَع الَّ ِ‬‫اك ْم أ َّمة َو َسطا ِلِ كونوا شهد‬‫تعاىل‪﴿ :‬وكذل ِك جعلن‬ ‫قوله‬ ‫‪.1‬‬

‫‪.]143‬‬

‫أشكل على أكثر املفسرين موقع اآلية ومناسبتها وغرضها‪ ،‬وإن كان بعضهم قد ّبني غرضها من غري ربط بسياق القبلة‪.‬‬
‫والذي يتحقق بعد التأمل يف السياق أن هذه اآلية وما تضمنته من إعالن لفضيلة األمة ومكانتها وخاصيتها العظمى‬
‫واردة يف االستدالل على أن توجيه هذه األمة إىل البيت اْلرام هو اْلق وهو األنسب واألكمل ملكانتها بني األمم‪ ،‬ويف‬
‫ذلك من التثبيت للمؤمنني وتقوية يقينهم ابلدين ما ال خيفى‪.‬‬

‫َ َ َ ْ َُ ْ ُْ ُ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫َّ ُ ُ َّ ُ َ ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫ون‪[ ﴾٢٨١‬البقرة‪ ]281 :‬هذه اآلية آخر‬ ‫قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬واتقوا يَ ْوما ت ْر َج ُعون فِيهِ إَِل اَّللِ ث َّم ت َوَّف ك نف ٍس ما كسبت وهم َل يظلم‬

‫آية نزلت يف كتاب هللا تعاىل‪ ،‬كما دل على ذلك ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال‪( :‬آخر آية نزلت على النيب‬
‫اللِ}‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫صلى هللا عليه وسلم { َواتـَّقواْ يَـ ْوماً تـ ْر َجعو َن فيه إِ َىل ّ‬

‫وقد أشكل على بعض املفسرين كوهنا آخر آية نزلت مع تقدمها على آية الدين يف السورة‪ ،‬وهي من آخر‬
‫مانزل أيضاً‪ ،‬إال أن آية { َواتـَّقواْ يـَ ْوماً} أرجح يف أتخر نزوهلا‪ ،‬وسياقها دال على أهنا آخر ما نزل‪ ،‬من حيث‬
‫أهنا تضمنت األمر بتذكر يوم اْلساب واجلزاء‪ .‬فهي موعظة عامة للناس‪ ،‬فكأهنا موعظة مودع‪ ،‬ووصية من هللا‬

‫‪53‬‬
‫ورسوله للمؤمنني يف ختام الوحي وانقطاعه‪ ،‬وهذا غرضها‪ .‬قال ابن عطية‪" :‬وقوله تعاىل‪َ { :‬واتـَّقواْ يـَ ْوماً تـ ْر َجعو َن‬
‫اللِ} وعظ جلميع الناس‪ ،‬وأمر خيص كل إنسان"(‪.)77‬‬ ‫ِِ‬
‫فيه إِ َىل ّ‬
‫وأما تقدميها على آية الدين ووضعها بني آايت الراب والدين‪ ،‬فلغرض آخر مقصود وهو أهنا جاءت موثقة للنفوس‪،‬‬
‫ومذكرة هلا يف انشغاهلا ابألموال تذكرياً بيوم اْلساب‪ ،‬ومزيد وعيد وهتديد ملن خالف ذلك‪ .‬فهذه اآلية أعظم ما يوعظ‬
‫به أهل الراب وأصحاب األموال املشتغلني أبمواهلم يف غري طاعة هللا‪ ،‬والذين أشغلتهم أمواهلم عن طاعة هللا‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬طرق ومهارات كشف مقاصد اآلايت‪:‬‬


‫ً‬ ‫‪.5‬‬

‫‪ .1‬النظر يف مقصد السورة‪ ،‬وربط اآلية به‪.‬‬


‫‪ .2‬النظر يف سياق القصة أو املقطع الذي وردت فيه اآلية‪.‬‬
‫‪ .3‬النظر ملا قبل اآلية وما بعدها والتفريق بينها‪.‬‬
‫‪ .4‬النظر إىل موقع اآلية يف كوهنا فاحتة سورة أو قصة أو يف اخلامتة أو يف وسط قصة أو كوهنا حلقة‬
‫وصل بني موضوعني‪.‬‬
‫‪ .5‬النظر إىل دالالت ألفاظ اآلية فإن فيها ما يكشف املقصد‪.‬‬

‫(‪(( )77‬المحرر الوجيز)) (‪.)379/1‬‬


‫‪54‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫وبعد‪ ،‬فإن العلم بمقاصد السور من أنفع الطرق التي تعين المتدبر للوصول بالفهم الصحيح إلى‬
‫الهدف والغاية التي أنزل هللا تعالى كتابه الكريم بسور وآياته وألفاظه‪ ،‬وقصصه وأحكامه وما فيها‬
‫من الموعظة والعبرة للمؤمن وللداعي في طريقه إلى ربه‪.‬‬
‫ونلمس من خالل هذا العلم إعجاز القرآن الكريم في نظمه وتناسق آياته وسوره‪ ،‬وأحكامه وحكمه‪،‬‬
‫وعناية هللا عز وجل بعباده بل وحاجة البشرية إلى هذا المنهج الرباني العظيم والحكيم الذي لو‬
‫طبقناه لصلح حال الناس أجمعين‪.‬‬
‫رجال‪،‬‬
‫يظهر من خالل علم المقاصد عناية هللا عز وجل باإلنسان في كل أحواله‪ ،‬امرأة كان أو ً‬
‫صغي ار أو كبيرا‪ ،‬فقي ار أو غنيا‪ ،‬ضعيفا أو قويا‪ ،‬عربيا أو أعجميا‪ ،‬بل مسلما كان أو كافرا‪ ،‬يقدم‬
‫لهم منهجا متكامال‪ ،‬شامال لكل نواحي حياتهم‪ ،‬منسجما مع الحاجات الفطرية‪ ،‬لتستقيم به أحوالهم‬
‫على هذه الحياة الدنيا‪.‬‬
‫وينبهنا إلى مسؤوليتنا أمام ربنا وأمام الناس لنوصل هذا المنهج الحكيم نقيا واضحا بمعالمه من‬
‫غير تشويه من أعدائه وممن اتبعوه وأخطأوا فهمه فخالفوه جهال أو عمدا‪.‬‬
‫فكم خسرت البشرية ببعد المسلمين عن دين ربهم واالنشغال عن هذا الكنز العظيم!‪.‬‬
‫نفعنا هللا وإياكم بالقرآن الكريم‪ ،‬ورزقنا الفهم السليم والعمل الصالح القويم وفق شرع هللا تعالى التي‬
‫أرسل بها رسوله الكريم محمد صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫وصلى هللا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪‬‬
‫الثالثاء‪ 26 ،‬جمادى األولى‪1441 ،‬‬

‫‪55‬‬

You might also like