Professional Documents
Culture Documents
مقرر المقاصد القرآنية
مقرر المقاصد القرآنية
تأصيل وتطبيق
مقدمة:
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على نبيه الصادق األمين ،وعلى آله وصحبه ومن اقتفى
أثره إلى يوم الدين ،وبعد:
فإن من أعظم ما يعين على فهم كتاب هللا تعالى ومعرفة دقائق ألفاظه ومعانيه ،والوصول إلى
كمال هداياته وعظاته؛ معرفة مقاصده التي أُنزل من أجلها بصورة عامة ،ومقاصد سوره وآياته
بتفصيلها ،وذلك ألن المقاصد تهدي إلى مراد المتكلم في كالمه ،وبالتالي العمل بما أمر ونهى
وشرع وحكم ،ومن هنا يمكن لنا القول بأن علم المقاصد من أجل العلوم المعينة على تدبر
َََ
كتاب هللا تعالى ،بل هي العمدة في ذلك ،كما قال الشاطبي رحمه هللا عن قوله تعالى﴿ :أفَل
َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َ ُ ُ َ ْ ُ
وب أق َفال َها[ ﴾٢٤محمد :]24 :فالتدبر إنما يكون لمن التفت إلى المقاصد)) ).(1
يتدبرون القرآن أم لَع قل ٍ
ومن هنا تم وضع هذا المقرر الدراسي ليتم تدريسه في أكاديمية نبراس لتعليم القرآن الكريم -
مسار رياض القرآن ،-ويشتمل المقرر على المحاور التالية:
1
احملور الرابع :مقاصد القصص.
ونسأل هللا اإلخالص والقبول والتوفيق والسداد ،وأن ينفع به وأن يكون حجة لنا يوم الدين.
وصلى هللا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فوزية بنت محمد وخي
الثالثاء 26 ،جمادى األولى1441 ،
2
المحور األول :مقدمات في المقاصد:
أول :تعريف املقاصد.
ً .1
لغة:
ِ ِ ِ
ميمي
ومقصد مصدر ّ ص َد َم َكا َن ا ْْلَْف ِل :تَـ َو َّجهَ إِلَْيهَ .
ص ًدا ،فهو قاصد ،قَ َ
قص َد لـ يَقصد ،قَ ْ
قص َد يف َ /
قص َد إىل َ /
قص َد َ /
َ
من قص َد /قص َد إىل /قص َد يف /قص َد لـ :قَصد و ِّاّتاه .ومقاصد الشريعة :األهداف اليت وضعت هلا .وامل ْق ِ
صد :موضع
َ ْ َ َ َ َ
صد .2اسم املكان بكسر الصاد. ال َق ْ
عامدا ،م ْق ِ
صد الكالمَ ،مدلوله ،مضمونه.3 توجهَ إليه ً َ
قصد للمكانَّ :
قصد إىل املكانَ /
صد املكا َنَ /
قَ
اصطالحا:
م ْق ِ
صد الكالمَ ،مدلوله ،مضمونه .5أو الغاية اليت يريدها املتكلم من كالمه. َ
عرف عالل الفاسي املقاصد بقوله " :املراد مبقاصد الشريعة :الغاية منها ،واألسرار اليت وضعها الشارع عند كل
وقد َّ
حكم من أحكامها".6
وأما املقاصد عرفها الدكتور عبد الكرمي حامدي أبهنا :الغاايت اليت أنزل القرآن ألجلها حتقيقا ملصاحل العباد.7
2معجم المعاني.
3معجم اللغة العربية المعاصرة ( )1819 /3و()1617 /2
4مقاييس اللغة .قصد
5معجم اللغة العربية المعاصرة ( )1819 /3و()1617 /2
( )6مقاصد الشريعة ،عالل الفاسي.3 /
( )7مقاصد القرآن للحامدي ص.29
3
﴿ ُهدى ل ِلْ ُم َّتق َ
ِي﴾٢ واملقاصد يف كتاب هللا عز وجل منها ما هو صريح أي غايته صرَية مثل :قول هللا عز و جل:
[البقرة ، ]2 :يبني هللا تعاىل أن غاية هذا الكتاب ومقصده اهلدى ،فهذه الغاية صرَية.
يستنبط من خالل ختري األلفاظ واألساليب والسياق وغريها ،مثال :قول هللا عز وجل ﴿ َذل َِك الْك َِت ُ
اب﴾ ومنها ما هو خفي
[البقرة ]2 :غايتها :هو بيان علوه وارتفاع منزلته .هذه غاية مل يصرح هبا ،وإمنا فهمناها من اسم اإلشارة ذلك.
• حكمة.
• هدف.
• غاية.
• غرض.
• مراد.
.1علم التفسري.
.2علوم القرآن.
.3علم املناسبات يف القرآن الكرمي ،وهو من أوثق العلوم اتصاال بعلم املقاصد.
.4اللغة العربية وعلومها من بالغة وحنوها.
4
ابعا :أمهية املقاصد:
رً .4
مقاصد القرآن هي الغاايت اليت أنزل ألجلها القرآن ،واألسرار واْلكم املودعة يف نصوصه وأحكامه ،صيغت
يف ألفاظ وأساليب متنوعة متضمنة ملراد هللا عز وجل من إنزال كتابه ،وأتيت أمهيتها من:
أن املقاصد حتقق لنا فهم القرآن وتفسريه بصورة صحيحة .فمقاصد القرآن خري معني على فهم آايت -1
القرآن وتفسريها وحتديد مدلوالت األلفاظ ومعرفة معانيها ،فقد تتعدد املعاين فيكون املقصد أحد املرجحات
ملعىن معني ،فالنظر إىل مقصد هللا ومراده َيدد معىن اللفظ. .
مبعرفة املقاصد َيصل العمل؛ روى البزار وغريه( :أن أاب الدحداح رضي هللا عنه كان عند النيب عليه الصالة -2
َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َّ ُ ْ ُ َّ َ َ
اَّلل ق ْرضا َح َسنا ف ُيضاعِف ُه َُل أض َعافا والسالم يوماً ،فنزل على النيب قوله تبارك وتعاىل﴿ :من ذا اَّلِي يق ِرض
َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ َ َ ْ ُ ُ َ ْ ُ ْ َ ُ َ
ون[ ﴾٢٤٥البقرة ،]245 :فقال أبو الدحداح :اي رسول هللا! هللا يريد منا كثِرية واَّلل يقبِض ويبسط ِإَوَلهِ ترجع
القرض؟ قال :نعم ،قال :عندي حائط يف املدينة -وكان يف هذا اْلائط ستمائة خنلة – ما يل عند ريب إن
أقرضته حائطي هذا؟ قال :لك اجلنة ،قال :فإين أشهدك أنين أقرضت حائطي هذا ريب ،وخرج من اجمللس
وذهب إىل البستان ،وكان يف داخل البستان زوجته وأوالده ،فوقف على الباب ،وقال :اي أم الدحداح،
اخرجي أبوالدك فإين أقرضت حائطي هذا ريب ،فقالت املرأة :ربح البيع اي أاب الدحداح).
أن املقاصد تؤمن لنا العصمة من التأويل الفاسد :ففهم القرآن هو األهم وهو الذي يقطع طريق االحنراف، -3
كل من زاغ ومال عن الطريق املستقيم هو مبقدار ما فاته من فهم مقصد القرآن وعلمه هبا ،وكل من أصاب
اْلق فهو على قدر ما حصل له من فهم مقاصده .قال ابن تيمية رمحه هللا" :ال بد يف تفسري القرآن والسنة
من أن يعرف ما يدل على مراد هللا ورسوله من األلفاظ ،وكيف يفهم كالمه ،فمعرفة العربية اليت خوطبنا
هبا مما يعني على أن نفقه مراد هللا ورسوله بكالمه ،وكذلك معرفة داللة األلفاظ على املعاين ،فإن عامة
ضالل أهل البدع كانوا هبذا السبب ،فإهنم محلوا كالم الشارع على ما يدعون أنه دال عليه ،وال يكون األمر
كذلك ،وجيعلون هذه الداللة حقيقة ،وهذه جمازا ،كما أخطأ املرجئة يف اسم اإلميان ،إذ جعلوا لفظ اإلميان
حقيقة يف جمرد تصديق ،جمازا يف األعمال ".8
َ َ
ْ َ َ َْ ُ إدراك بعض أسرار التشـريع ِ
كم األحكام االطمئنان ْلكم هللا عز وجل وقضائهِ﴿ ،إَوذ قال إِبراهِيم ر ِ
ب أرِ ِِن وح َ -4
ْ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ
كيْ َف ُتْ ِِي ال َم ْوت قَال أ َول ْم تُ ْؤم ِْن قَال بَ ََل َولك ِْن َِلَ ْط َمئ ِ َّن قَل ِب﴾ [البقرة ،]260 :فمعرفة اْلكمة من األمر أو النهي
اَّلل ِف أَ ْو ََلد ُ
يك ُم َّ ُ
ُ
ِك ْم ِ يزد يف طمأنينة القلب والرضا به ،وقال تعاىل تعقيبا على تقسيم أنصبة اإلرث﴿ :يُوصِ
ومن هنا كانت العالقة بني املقاصد والتدبر ظاهرة جدا وحاجة املتدبر للمقاصد حاجة مهمة.
قال إمام املقاصد ،الشاطيب رمحه هللا " :إمنا التدبر يكون ملن التفت إىل املقاصد"،
6
بذلك نستطيع أن نفسر التدبر أبنه النظر إىل املقاصد ،وإن كان املتدبر البد أن مير من خالل نظره إىل املعاين وكشفها،
وفهم النص إال أنه يف النهاية غايته الوصول إىل املراد من اآلية.
َ
مثال يف قول هللا عز وجل﴿ " :قُ ْل ُه َو َّ ُ
اَّلل أ َح دد[ ﴾١اإلخالص :]1 :املراد هنا أن نعلم أن هللا واحد وأن األلوهية له وحده.
وهنا تنبيه مهم وهو أنه قد يكون نظران إىل كتاب هللا بقصد الوصول إىل مراده سبحانه فال نصل إال إىل جزء منه
صغري أو كبري ،وال َييط مبراد هللا كامالً أحد ،فمراد هللا الكامل يف هذه اآلية ال َيصره أحد إذ أنه ال تنقضي عجائبه
وال خيلق من كثرة الرد عليه.
صا من وجه:
وخصو ً
ً عموماً
وهبذا يتضح أن بني مقاصد السور ومقاصد الشرع ً
وعلم املقاصد القرآنية أعم من جهة أنه يف مجيع آايت القرآن الكرمي وموضوعاته ،وخيتص علم مقاصد الشريعة
ابألحكام.
فاعتبار املقاصد يف تدبر القرآن الكرمي ال يربر لنا النظر إىل القرآن حبسب أهوائنا يف فهم مقاصده ،بل مقاصد القرآن
املعتربة إمنا هي راجعة إىل هدي القرآن وسلوك سبيله القومي ،وبذلك نغلق الباب على دعاة التسيب واالنفالت ابسم
املقاصد واملصاحل؛ فالفهم املقاصدي ليس احنرافاً يف املنهج ،بل هو رد على االّتاهات املنحرفة.11
ً
أول :استحضار اآليات الصريحة في ذكر المقصد:
تضمنت العديد من اآلايت القرآنية مقاصد صرَية نصت عليها مثل:
ََ َ ْ َُّ ْ ْ ْ َ
اْل َّن َو ِاْلن َس إَِل َِلَ ْع ُب ُدو ِن[ ﴾٥٦الذاريات :]56 :صرحت اآلية أن مقصد خلق اجلن
-قوله تعاىل﴿ :وما خلقت ِ
واإلنس املكلفني هو إخالص العبودية هلل عز وجل.
ْ ْ َ ْ َ ُ ث ِف ْاْلُمِي َ
ي َر ُسوَل مِنْ ُه ْم َيتْلُو َعلَيْه ْم آيَاتِهِ َويُ َزكِيه ْم َويُ َعل ُِم ُه ُم الْك َِت َ
اب َواْل ِك َمة ِإَون َكنوا
ََ َ ُ َّ
ِ ِ ِ وقوله تعاىل﴿ :ه َو اَّلِي بع ِ -
َ َ
م ِْن َقبْ ُل ل ِِف َضَل ٍل ُمبِ ٍي[ ﴾٢الجمعة :]2 :التزكية من مقاصد بعثة النيب صلى هللا عليه وسلم ،وهي مقصد
صريح يف اآلية.
شأن النيب صلى هللا عليه وسلم -دون الغلو فيه -الباعث على حبه واالقتداء به.
اَّلل َّاَّل َ َ َ َ َّ ُ َ ْ ُ ْ َ ُ َ ْ َ ُ ُ َ َّ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ُ َ
ونَ ٢ولَ َق ْد َف َت َّنا َّاَّل َ
ِين م ِْن َقبْلِه ْم فَلَ َي ْعلَ َم َّن َّ ُ
ِين ِ وقوله تعالى﴿ :أحسِب الاس أن يْتكوا أن يقولوا آمنا وهم َل يفتن -
ْ َ
َص َدقُوا َوَلَ ْعلَ َم َّن ال ََكذِب ِ َي[ ﴾٣العنكبوت :]3-2 :بيان لسنة االبتالء والغاية منها.
وأحوال النزول -إن علم -غالبا ما يوضح املقصد أو يعطي إشارات عنه.
9
مثال :قصة موسى يف سورة القصص :نزلت مع هجرة النيب صلى هللا عليه وسلم ،وذكرت السورة قصة موسى عليه
السالم وهجرته ملدين مث عودته ملصر ،ويف هذا بيان ملقصد القصة ،وهو تسلية للرسول صلى هللا عليه وسلم ،ووعد
ابلعودة إىل مكة ،واعتبار بسنن هللا سبحانه وتعاىل.
مثال:
-ابلنظر إىل مناسبة قصة آدم عليه السالم يف سورة البقرة ،وما قبلها وما بعدها يتبني أن من مقاصدها بيان
وظيفة البشر ومؤهالته لعمارة األرض.
-مقصد القسم يف سورة الذارايت :من خالل مقصد سورة الذارايت الذي هو تعريف املخلوقني مبصدر رزقهم
وهو هللا سبحانه وتعاىل ،يتبني لنا مقصد القسم وهو النظر يف خملوقات هللا اليت جعلها هللا أسبااب للرزق
وليس للعبد تصرف فيها.
سادسًا :الستقراء:
استقراء عدد من اآلايت يف موضوع واحد يكشف يف جممله عن املقاصد املرادة منها.
10
مثال :ابستقراء اآلايت اليت تتحدث عن األسرة والعالقة بني الزوجني ،يتبني أن من مقاصدها استقرار األسرة
ومتاسكها وترابط بنائها ونفعها للمجتمع.
واالحتواء والقرب.
َ ﴿ .5و َج َع َل بَيْ َن ُ
ك ْم َم َو َّدة َو َر ْ َ
ْحة ﴾ [الروم :]21 :املودة ،واْلب ،والرتاحم.
-فتكون من مقاصد الزواج :السكن ،والطمأنينة ،والتكاثر والتناسل ،والتحصني والعفة ،والسرت واألمان
والراحة والدفء ،واالحتواء والقرب ،واملودة واْلب والرتاحم.
واستخراج المقاصد يحتاج إلى استنباط ورسوخ في العلم ،كما أنه ال يتكلف فيه ،وال يتعسف.
وقد تتعدد المقاصد للسورة الواحدة والقصة الواحدة واآلية الواحدة ،بل وقد تتعدد لآلية الواحدة .ولذلك ال يجزم
به وال يرفض مخالفته إذا ما ورد من األدلة ما يشير إليه.
قال العز بن عبد السالم" :معظم مقاصد القرآن ،األمر ابكتساب املصاحل وأسباهبا والزجر عن اكتساب املفاسد
وأسباهبا".13
والعمرانية".14 وقال ابن عاشور" :املقصد األعلى من القرآن صالح األحوال الفردية واجلماعية
oالغزايل :جعلها ستة أنواع :ثالثة مهمة ،وهي :التعريف ابهلل ،والتعريف ابلصراط املستقيم (الشريعة والتكاليف)،
والتعريف ابليوم اآلخر .وثالثة متممة وهي :تعريف أحوال املؤمنني والكافرين ترغيباً وترهيباً .وجمادلة اجلاحدين
(.)15 تنفرياً منهم وتثبيتاً للمؤمنني .والتعريف بعمارة منازل الطريق وأخذ الزاد
املقصد الثالث :التعريف ابليوم اآلخر وتعليق القلوب هبا (ترغيباً وترهيباً).
14
وال تكاد ختلو آية من التعريف ابهلل عز وجل ،من خالل:
وقد ورد يف القرآن الكرمي أكثر من مثانني امسا من أمساء هللا اْلسىن ،تكررت أكثر من أربعة آالف مرة ،كان
السم اجلاللة "هللا" النصيب األكرب أكثر من 2500مرة واسم الرب أكثر من 900مرة.
وأول ما نزل من القرآن الكرمي ورد فيه ثالثة أمساء هلل عز وجل (الرب مرتني واألكرم) ،وأربعة أفعال هلل عز وجل
َّ َ َْ ْ ْ ْ َ َ ََ ْ ْ َ َ ََ ْ َ ْ ْ َ َ َّ
اْلن َسان م ِْن َعل ٍق ٢اق َرأ َو َر ُّبك اْلك َر ُم ٣اَّلِي
(خلق مرتني وعلم مرتني)؛ قال تعاىل﴿ :اقرأ بِاس ِم ربِك اَّلِي خلق ١خلق ِ
َ َ َّ َ ْ ْ َ َ َ َّ َ ْ َ َ
اْلن َسان َما ل ْم َي ْعل ْم[ ﴾٥العلق.]5-1 :
علم بِالقل ِم ٤علم ِ
االستدالل مبعظم خملوقات هللا عز وجل وإتقاهنا الدالة على قدرة هللا عز وجل وسعة علمه وحكمته وعظمته
املوجب إلخالص العبودية له سبحانه والرهبة من خمالفة شرعه والرغبة فيما عنده من األجر والتسليم ْلكمه
والرضا به.
ام أَ ْز َواجا يَ ْذ َر ُؤ ُ
ك ْم فِيهِ لَيْ َس َك ِمثْلِهِ َ ْ
َْ ُ َ
ِك ْم أ ْز َواجا َوم َِن اْلنْ َع ِ َُْ او َو ْاْلَ ْر ِض َج َع َل لَ ُ ﴿فَاط ُِر َّ
َش دء َو ُه َو ك ْم م ِْن أنفس الس َم َ اتِ قال تعاىل:
ص ُ َّ ُ ْ
ري[ ﴾١١الشورى.]11 : يع اِلَ ِ الس ِم
االستدالل خبلق اإلنسان وعناية هللا عز وجل به ،ويظهر ذلك من خالل أول آية نزلت على النيب صلى هللا عليه وسلم
َ ََ ْ ْ َ َ ََ ْ َ ْ ْ َ َ َّ
اْلن َسان م ِْن
﴿اقرأ بِاس ِم ربِك اَّلِي خلق ١خلق ِ يف بيان خلق اإلنسان وتعليمه ما مل يعلم وأمره ابالستعانة به يف قوله تعاىل:
َ َ َّ َ ْ ْ َ َ َ َّ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ ُّ َ ْ َ ْ َ ُ َّ َ
اْلن َسان َما ل ْم َي ْعل ْم[ ﴾٥العلق.]5-1 :
ِ م ل ع ٤ م
ِ ل ق الِ ب م ل ع ِي
اَّل َعل ٍق ٢اقرأ وربك اْلكرم٣
15
وهذا مما يوجب حب هللا عز وجل والتوكل عليه وتعلق القلب به رغبة ورهبة وحياء وتعظيما وتسليما ورضا حبكمه
وقدره.
ابعا :تشريعاته:
رً
تشريعات هللا الدالة على علمه وحكمته سبحانه وتعاىل وعنايته بعباده.
وغري ذلك من املواضيع الدالة على صفات هللا عز وجل وكماله ،فال تكاد ختلو آية من تعريف ابهلل عز وجل وتعظيمه
يف النفوس وتعليق القلب به.
بيان صفات الكمال هلل تعاىل املوجبة لعبوديته يف الثالث اآلايت األوىل .وهذا يبعث على استشعار -1
كمال هللا تعاىل ورمحته وقدرته وعظمته الباعث على حبه وإخالص العبودية له وحده.
بيان عنايته بعباده إبخراجهم من عبودية خملوق ال ينفع وال يضر إىل عبودية رب العاملني ،وهو سبحانه -2
اك َن ْع ُب ُد ِإَويَّ َ
اك الذي أيمرهم ابالستعانة به ويعينهم وأيجرهم على ذلك! فكيف نتوجه إىل غريه؟!﴿ :إيَّ َ
ِ
ن َ ْس َتع ُِي[ ﴾٥الفاتحة.]5 :
وال ختلوا آية من آايت هللا عز وجل إال فيها داللة على إعجاز القرآن الكرمي يف نظمه وبيانه وأحكامه ومنهجه.
وقد عين القرآن الكرمي ابلتعريف بذاته من خالل:
َ َ
اب َل ْي َنا ل َع ِ د ﴿ِإَونَ ُه ِف أُ ِم الْك َ ْ
آن َ ْ
َ ُ ْ
َل ِ ِت ِ اْلكِي ِم[ ﴾٢يس ،]2 :وقوله تعاىل: أول :بيان صفاته :منها قوله تعاىل﴿ :والقر ِ
ً
َحك دِيم﴾ [الزخرف.]4 :
16
َ َ َ ْ َ َ ُْ ْ َ ُْ َ ْ ْ ْ ُ َ ْ ُّ َ َ َ ْ َ ْ ُ َْ ُْ َ
آن َل يَأتون ب ِ ِمثلِهِ َول ْو َكن اْلن لَع أن يأتوا ب ِ ِمث ِل هذا القر ِ اْلنس و ِ اثنيًا :التحدي به :منها قوله تعاىل ﴿قل لئ ِ ِن اجت َم َع ِ
ت ِ
َ ْ َُ ُ َ ََْ ُ ُْ َُْ ُ َ ْ َ ْ َ
اس َت َط ْع ُت ْم م ِْن ُدو ِن ض ُه ْم ِلِ َ ْع ٍض ظ ِهريا ،﴾٨٨وقوله تعاىل[ :اإلسراء﴿]88 :أم يقولون افْتاه قل فأتوا بِسور ٍة مِثلِهِ و
اد ُعوا َمن ْ َب ْع ُ
ِ
ِي[ ﴾٣٨يونس.]38 :اَّللِ إ ْن ُكنْ ُت ْم َصادِق َ
َّ
ِ
اثلثًا :تعدد جوانب اإلعجاز فيه :اشتمل القرآن الكرمي على أوجه متعددة لإلعجاز ،منها اإلعجاز البياين واإلعجاز
العملي واإلعجاز العددي ،وإعجاز املنهج الرابين الذي يقدم خلري البشرية واستقامة حياهتم وسعادهتم يف الدنيا
والفوز ابآلخرة.
مثال:
ك) :اسم اإلشارة للبعيد :أتكيدا على عظمة القرآن ،واشتماله للحق املبني ،وهذا يبعث على تعظيم ِ
( -1ذَل َ
القرآن يف النفوس.
(الْكِتَاب) :يف بيان كمال مضمونه وهيمنته على بقية الكتب. -2
ب فِ ِيه) :بيان كمال هذا الكتاب واشتماله على اْلق دون ريب أو شك ،وهذا ابعث على اإلميان
َ(ال َريْ َ -3
والعمل به واالطمئنان ْلكمه.
ني) :بيان مقصد هذا الكتاب وهو اهلداية وهذا يبعث على اختاذه منهج حياة وجناة لنا يف ِ ِ
(ه ًدى للْمتَّق َ -4
دنياان وآخرتنا.
وقدمت هؤالء اخلرية من األنبياء والصاْلني ابلضعف البشري حىت نعلم أن الكمال هلل عز وجل وأيتينا التوجيه الرابين
من حاهلم على خمتلف أحوالنا من ضعف وقوة.
17
مثال:
ُ ْ َ ََ ْ َ
ِيفة ُم َ َْ ََ َ َّ َ ْ َُ ُ َ ُ َ َ ْ َُْ َ َ
وس ٦٧قل َنا َل ُتف ِص ُّي ُه ْم َي َّيل إَِلْهِ م ِْن سِح ِره ِْم أن َها ت ْس َع ٦٦فأ ْو َج َس ِِف نف ِ
سهِ خ قال تعاىل﴿ :قال بَل ألقوا فإِذا ح َِبال ُه ْم َوع ِ
ُْ َْ ُ َ حر َو ََل ُي ْفل ُِح َّ َ َ ََْ ْ َْ َّ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ
جدا ح َر ُة ُس َّ
الس َ ث أ َت ٦٩فَأل ِ َ
ِق َّ الساح ُِر حي
َّ
ت اْللَعَ ٦٨وأل ِق َما ِِف يَ ِمينِك تلقف َما َص َن ُعوا إِن َما َص َن ُعوا كيْ ُد َسا ٍِ إِنك أن
ون َو ُم ََ ُ َ َّ َ َ ُ َ
وس[ ﴾٧٠طه.]70-66 : ب هار قالوا آمنا بِر ِ
يف هذه اآلية تظهر بشرية موسى عليه السالم يف شعوره ابخلوف حال إلقاء السحرة ْلباهلم وعصيهم وختيله هلا -من
سحرهم-تسعى ،ومع هذا الشعور ابخلوف مل يهتز يقينه يف نصر هللا عز وجل له ،ومن اْلكمة أن يبقى هذا يف نفس
اإلنسان وال يظهر هذا الشعور للعدو وخاصة يف حال التحدي ،فما ظهر على موسى إال القوة واليقني قال تعاىل:
ْ َ َ ْ
ْ َ
اَّلل َسيُبْ ِطل ُه إ َّن َّ َُ
ِح ُر إ َّن َّ َ
ْ ﴿فَل َّما أل َق ْوا قَال ُم َ
وس َما ْ ُ ْ َ َْ َ
سد َ
ِين[ ﴾٨١يونس.]81 : اَّلل َل يُصل ُِح ع َمل ال ُمف ِ ِ جئتم بِهِ الس ِ ِ
َّ َّ ُ
الصاخة[ ﴾٣٣عبس.]33 : ت ﴿ َمال ِِك يَ ْو ِم الِين[ ﴾٤الفاتحة﴿]4 :فَإ َذا َج َ
اء ِ اثنيًا :تعدد أمسائه الدالة عليه وعلى صفاته:
ِ ِ
ُ ْ َ َّ
﴿إِذا الش ْم ُس كوِ َرت١ اثلثًا :أهوال يوم القيامة والنقالب الكوين :الباعثة على الرهبة واالستعداد له ،مثل قوله تعاىل:
َ ْ َ ُ ُ َ ْ َ ُّ ُ ُ ْ َ َ َ ْ
ريت[ ﴾٣التكوير]3-1 :اْلبال س ِ
ِإَوذا الجوم انكدرتِ ٢إَوذا ِ
َ َّ ُ َ ََ ْ َ ُ َْ ْ ََ َ َ ْ َ ُ ْ ْ َ
السابِقون اب ال َمشأ َمةِ ٩و خامسا :وصف نعيم أهل اجلنة وعذاب أهل النار :قال تعاىل﴿ :وأصحاب المشأمةِ ما أصح ً
ي َعلَيْهاَ كئ َ َّ ُ ََ ُ ُ َ ْ ُ َ ََ د َ ْ َ َّ ُ َّ د َ ْ َ َّ َ َّ ُ َ ُ َ َ ْ ُ َ َّ ُ َ
َ َّ
ات العِي ِم ١٢ثلة مِن اْلولِي ١٣وقل ِيل مِن اْلخ ِِرين ١٤لَع ُس ٍر موضون ٍة ١٥مت ِ ِ السابِقون ١٠أولئِك المقربونِِ ١١ف جن ِ
ََ َ َ َ ْ
ْ َُ َ َ َ ُ َ اب ِ َ ص َ
ح ُ َ
اب الش َمال َما أ ْ
ح ُ ص َ ِي[ ﴾١٦الواقعةَ ﴿]16-9 :وأَ ْ ُم َت َقابل َ
يم﴾٤٤ ِيم ٤٢وظ ٍِل مِن ُيمو ٍمَ ٤٣ل بارِ ٍد وَل ك ِر ٍ
الشما ِلِِ ٤١ف سمو ٍم وْح ٍ ِ ِ ِ
[الواقعة]44-41 :
18
المقصد الخامس :بيان الصفات واألخالق الحسنة والسيئة.
عين اإلسالم بتهذيب األخالق منذ بداية نزول الوحي ،قال تعاىل يف أوائل ما نزل من القرآن الكرمي يف سورة القلم:
َّ َ َ َ َ ُ ُ َ
ق.21 .
مكارم وفي رواي ٍة (صال َح) األخال ِ
َ يم[ ﴾٤القلم ]4 :وقال صلى هللا عليه وسلم :إنما بُ ِع ْثتُ ألُت َِم َم
﴿ِإَونك لعَل خل ٍق ع ِظ ٍ
وكثريا ما اقرتن سوء اخللق ابلكفر تقبيحا له وحتذيرا من الوقوع فيه ،وهنيا للمسلم عن االتصاف بذلك؛ مثل قال تعاىل:
َ َ َ َّ َ ُ ُّ ْ َ َ َ َ ُ ُّ َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ ْ َ َّ ُ َ ُ
﴿أرأيت اَّلِي يكذِب بِالِي ِن ١فذل ِك اَّلِي يدع اَلَت ِيم ٢وَل ُيض لَع طعا ِم ال ِمسك ِ
ِي[ ﴾٣الماعون]3-1 :
َ ْ
كما أنه أييت يف املدح والثناء على اهل حماسن اخللق وبيان عظيم األجر املرتتب عليه؛ قال تعاىلَ ﴿ :و َسارِ ُعوا إَِل َمغف َِر ٍة
اس ِي َع ِن الَّ ِ ي الْ َغيْ َظ َوالْ َعاف َ الَّضاءِ َوالْ ََك ِظم َ
الْساءِ َو َّ َّ َّ َ ُ ْ ُ َ
ون ِف َّ َّ ْ َ ُ ْ َ َ َّ َ ْ ُ َ َّ َ َ ُ َ ْ َ ْ ُ ُ َّ ْ ْ ُ َّ َ
ِ مِن ربِكم وجن ٍة عرضها السماوات واْلرض أعِدت ل ِلمتقِي ١٣٣اَّلِين ينفِق ِ
وب إ ََّل َّ ُ
اَّلل َول َ ْم يُ ِ ُّ ُّ ُ َ ُُ ْ ََ ْ َ ْ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َّ َ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ َ ُ َ ْ ُ َ ُ ْ َ َ اَّلل ُُي ُّ ْ ْ
َو َّ ُ
صوا سنِي ١٣٤واَّلِين إِذا فعلوا فاحِشة أو ظلموا أنفسهم ذك ُروا اَّلل فاستغف ُروا َِّلنوب ِ ِهم ومن يغف ُِر اَّلن ِ ِب ال ُمح ِ
ج ُر الْ َعا ِمل َِيها َون ِْع َم أَ ْ
ِين ف َ
ال َ ْ َْ َ ََْْ ُ َ َ َ َ َ َ ُ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ ُ َ َ َ َ ُ ُ ْ َ ْ َ د ْ َ ْ َ َ َّ د َ ْ
ِي[ ﴾١٣٦آل ار خ ِ ات َت ِري مِن ُتتِها اْلنه لَع ما فعلوا وهم يعلمون ١٣٥أولئِك جزاؤهم مغفِرة مِن رب ِ ِهم وجن
عمران.]136-133 :
وكذلك هو ابب من أبواب الرد على شبهات املغرضني واملشككني يف التشريع اإلسالمي ومناسبته لزماننا من انحية
العدالة وحقوق اإلنسان وغريها من الشبهات الباطلة.
كما أهنا رمحة للقاتل من أهنا تكفري لذنبه وهو من أعظم الذنوب يف حق الناس بعضهم البعض ،وأول ما يقضى فيه
بني الناس.
فتضمنت اآلايت صالح اعتقاده وإخراجه من عبودية اهلوى واملخلوق إىل عبودية اخلالق سبحانه وتعاىل .كما عنيت
بتصحيح أخالقه وبيان سبل استقامته والفوز حبياة سعيدة هنية مطمئنة يف الدنيا واآلخرة.
﴿ َو َأنْك ُ
ِحوا فجاءت اآلايت شاملة ْلياة األسرة حال الوفاق والفراق ،ابتداء من اْلث على النكاح؛ منها قوله تعاىل:
ِيم[ ﴾٣٢النور.]32 :
ُ ْ َ ُ ْ ْ َ ُ ُ ُ َ َ َ ُ ْ ُ َّ ُ ْ َ ْ
ضلِهِ َو َّ ُ
اَّلل َواس دِع َعل د اْل َ
ِي م ِْن ِع َبادِكم ِإَومائِكم إِن يكونوا فقراء يغنِ ِهم اَّلل مِن ف ك ْم َو َّ
الص ِ ْاْلَيَ َ
اَم مِنْ ُ
كما تبني أحوال الفراق ابملوت والطالق وما جيب على كال الطرفني.
وأتمر برب الوالدين وصلة الرحم وإعطاء ذي القرىب حقه مبا يوطد العالقات األسرية وجيعلها متماسكة.
كما وردت اآلايت اليت تعىن أبحوال املرأة وتراعي خصوصياهتا وما يناسبها ،وتبني العالقة التكاملية بني الرجل واملرأة
وحاجة كل منهما إىل الثاين وحتدد دوره يف هذا البناء األسري.
َ ْ َ َ ُ ُ ُ َ
وسف ِْلبِيهِ يَا أبَ ِ
ت إِ ِّن وتشري إىل قيمة املرأة يف األسرة؛ ومن اللطائف اليت ذكرت يف قيمة املرأة يف قوله تعاىل:
﴿إِذ قال ي
ِين[ ﴾٤يوسف ،]4 :أشارت الشمس إىل املرأة مبا فيها من نور ودفئ الش ْم َس َوالْ َق َم َر َر َأ ْي ُت ُه ْم َل َساجد َ
َ َ ْ ُ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َّ
رأيت أحد عْش كوكبا و
ِ ِ
وأشار القمر والكواكب إىل األب واألبناء ،حىت تعي املرأة قيمتها اْلقيقة يف إشاعة النور يف بيتها ،وأهنا مصدر النور
لزوجها وأبنائها إن كانت صاْلة ومصدر ظلمة هلم لو مل تكن.
وحفاظا على األسرة وردت اآلايت يف حترمي الزان وحترمي التبين واألمر بغض البصر والسرت والعفاف وغريها من األحكام
األسرية املباشرة والغري مباشرة.
فنظم مسألة الدين ،وحرم الراب ،ورغب يف الصدقة والعفو عن املعسر وغريها مما يتعلق ابملعامالت املالية.
كما نظم اْلقوق املشرتكة بني اجلماعات ،وأمر ابلتكافل االجتماعي ورغب يف اإلحسان وأمر بتقوى هللا عز وجل
وحذر من اإلساءة إىل الناس ابلقول والفعل وغري ذلك مما يزيد األلفة بني أفراد اجملمع ويقوي بناء األمة.
َ َّ َ
َّ َ ُ ْ ُ َ ْ َ د َ ْ ُ َ ْ َ َ َ ْ ُ ْ َ َّ ُ َّ َ َ ُ ْ ُ ْ َ ُ َ َ ْ
ون[ ﴾١٠الحجرات ]10 :هذه اآليةمثال :قال هللا تعاىل﴿ :إِنما المؤمِنون إِخوة فأصلِحوا بي أخويكم واتقوا اَّلل لعلكم ترْح
قاعدة يف صالح اجملتمع املسلم واألمة مجيعا ،والذي يبىن على األخوة اليت توجب القيام حبقوق املؤمنني بعضهم لبعض،
22
ومبا به َيصل التآلف ،والتوادد ،والتواصل ،واإلصالح بينهم ،وأن هذا من سبب استجالب رمحة هللا سبحانه وتعاىل
ابملسلمني.
كما شرع هللا عز وجل اجلهاد لتبليغ الدعوة إىل الناس كافة.
وكما وضع القرآن الكرمي أسس تعامل املسلمني فيما بينهم ،وضع أسس تعامل املسلمني مع الكافرين؛ القائم على العدل
ْ َ ْ َُ َ َ َ ُْ ْ ََْ ْ َُ َ َ َ
نف ُقوا ۚ َذل ُ ْ َ ُ َ ُ
ِك ْم ُحك ُم ﴿ َوَل ت ْمسِكوا بِع َِص ِم الك َواف ِِر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أ وعدم التعدي وإن كان كافرا؛ قال تعاىل:
ك ْم َو َّ ُ اَّلل ۚ َُيْ ُ
َّ
[املمتحنة.]10 : اَّلل َعل دِيم َحك دِيم﴾ ك ُم بَيْ َن ُ
ِ
َ ون ل ُّ ْ َ َّ ُ َ َ َّ ُ َ ْ َ
ت ۚ فإِنِلسح ِ ِب أكال كما وضع أسس حكم املسلم بني املشركني بعضهم البعض؛ قال تعاىل﴿ :سماعون ل ِلكذ ِ
كم بَيْ َن ُه ْم بالْق ِْس ِط ۚ إ َّن َ
اَّلل اح ُت فَ ْ ْ َ َ
ك ْم َ ح ِإَون ۚ ئاوك َشيْ كم بَيْ َن ُهم أَ ْو أَ ْعر ْض َعنْ ُه ْم ۚ ِإَون ُت ْعر ْض َعنْ ُه ْم فَلَن يَ ُ ُّ
َّض َ اح ُوك َف ْ َ ُ
آؤ َ ج
ِ ِ ِ ِ
سط َ ُ ُّ ْ ْ
ي﴾ [املائدة.]42 : ِب ال ُمق ِ ِ ُي
تعريف السورة:
والسورة اصطالحا:
السورة من القرآن هي جمموعة من اآلايت الكرمية ،منفصلة عن غريها من آايت القرآن ،حمفوظة مصونة من الزايدة
أو النقصان أو التبديل أو التحريف وقيل :سورة ؛ تسمية شرعية توقيفية ،ثبتت يف القرآن ،حيث وردت تسع مرات
24مقاييس اللغة
( 25معجم المعاني)
24
َ َ َ َّ َّ َ َ ُ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ َ َْ َ ُ ُ َ ُ َ َ ُْ َ ْ ُ َد َ ْ
ورة ف ِمن ُه ْم َم ْن َيقول أيُّك ْم َزادت ُه ه ِذه ِ إِيمانا فأما اَّلِين آمنوا فزادتهم إِيمانا وهم يستب ِ
ْشون﴾١٢٤ منها قوله تعاىلِ﴿ :إَوذا ما أن ِزلت س
َ
ُ َ د ْ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ َ َ َّ َ َ
ك ْم تذك ُرون[ ﴾١النور]1 : ات لعل
ات بيِن ٍ [التوبة ،]124 :وقوله تعاىل﴿ :سورة أنزلاها وفرضناها وأنزلا فِيها آي ٍ
وقيل أهنا مسيت سورة لِ َشَرفِ َها َو ْارتَِفاعِ َهاَ ،ك َما يـ َقال لِ َما ْارتَـ َف َع ِم َن ْاأل َْر ِ
ض سور.
ثبت أن النيب صلى هللا عليه وسلم َمسَّى بعض سور القرآن ،كالفاحتة ،والبقرة ،وآل عمران ،والكهف.
تعريف مقصد السورة :هو الغاية اجلامعة اليت تتوجه إليها معاين السورة ومضموهنا ،ومتثل روحها الذي يسري
يف مجيع أجزائها.
إذا نصران وفتح علينا ،وقال بعضهم :ال ندري ،فقال يل :اي ابن عباس ،أكذاك تقول؟ قلت :ال ،قال :فما تقول؟
26
قلت :هو أجل رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -أعلمه هللا له .فقال عمر :ما أعلم منها إال ما تعلم».
كما أن الصحابة رضي هللا عنهم كانوا يصفون بعض السور ويذكرون هلا أمساء اجتهادية دالة على مقصدها،
كالكاشفة والفاضحة يطلقوهنا على سورة التوبة ألهنا فاضحة وكاشفة للمنافقني .كما دل تعدد أمساء السورة الواحدة
على عناية العلماء ابملقاصد ألن غالبا ما تكون األمساء االجتهادية دالة عليه.
وإن كان هناك ارتباط بينهما ،لكننا ابلتأمل جند فرقاً أساسياً بني املوضوعات واملقاصد ،فاملوضوعات هي :جممل ما
اشتملت عليه السورة من القضااي واألحكام والقصص.
واملقاصد هي :الغاية اليت هتدف إليها السورة وترجع إليها مجيع موضوعاهتا.
فمثالً سورة البقرة جندها اشتملت على موضوعات منها (األحكام التشريعية) لكن مجيع املوضوعات فيها جيمعها
مقصد واحد وهو إعداد األمة ملوجبات االستخالف وهو تلقي أوامر هللا وتشريعاته بعد ختلي بين إسرائيل عنها .ولذلك
.
تضمنت كليات الشريعة.
وقال الشاطيب " :ملا هاجر النيب صلى هللا عليه وسلم كان أول ما نزل سورة البقرة اليت قررت قواعد التقوى ،فبينت
العبادات والعادات واملعامالت واجلناايت ،وحفظ الدين والنفس والعقل والنسل واملال ،فكان غريها من السور املدنية
" (. )27 مبنيًا عليها
فتأمل كيف كان املقصد جامعاً للموضوعات .وهذا ملحظ مهم جيب التنبه له يف حتديد املقصد.
أولً :علم مقاصد السور يعني على فهم كتاب هللا تعاىل فهماً صحيحاً ،ويوصل إىل معرفة الراجح يف تفسري كالم
هللا تعاىل.
اثنيًا :علم مقاصد السور يعني على تدبر القرآن واستخراج دالالته وهداايته ،ودقائق معانيه.
((()27الموافقات)) (.)704/3
26
اثلثًا :علم مقاصد السورة يزيد يف بيان إعجاز النظم القرآين وائتالف موضوعاته ومعانيه؛ فمع أن سورة البقرة نزلت
على مدى عشر سنوات وهي أطول سورة يف القرآن الكرمي ومع ذلك جند ترابط كبري بني موضوعاهتا حبيث تدور حول
وحدة أو حمور واحد وهو هتيئة األمة لعمارة األرض وفق ما يريده هللا عز وجل ويرضاه .فنجد املواضيع مع اختالفها بني
العقائد والقصص واألحكام أتسس ْلمل هذه األمة راية القيام بدين هللا عز وجل وتبليغ الدعوة إىل العاملني.
قال سعيد حوى يف تفسريه األساس " :قد استطعت حبمد هللا أن أبرهن على أن كمال القرآن يف وحدة آايته يف
السورة الواحدة ،وكماله يف الوحدة اجلامعة اليت ّتمع ما بني سوره وآايته على طريقة مل يعرف هلا العامل مثيال ،وال ختطر
بشر" ).(28 على قلب
ابعا :ضبط املتشابه من اآلايت :من أفضل ما يعني على ضبط متشابه اآلايت والقصص هو علمي املناسبات
رً
واملقاصد.
فمع تكرار قصة آدم عليه السالم فنجدها ركزت على مميزات آدم ووظيفته يف سورة البقرة ،وركزت على طرق إغواء
إبليس آلدم يف سورة األعراف ،حبيث أن كل قصة انسبت حمور السورة اليت وردت فيها.
ت مِنْ ُه اثْنَ َتا َع ْ َْ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ ْ َ َ َ َْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ
ْش َة اْضب بِعصاك اْلجر فانفجر تطبيق :ضبط املتشابه يف قوله تعاىلِ﴿ :إَوذِ استسِق موس لِقو ِمهِ فقلنا ِ
ت مِنْ ُه اثْنَ َتا َع ْ َ
ْش َة ج َر فَانْ َب َ
ج َس ْ اك ْ َ
اْل َ استَ ْس َقاهُ قَ ْو ُم ُه أَن ْ ْ
ب ب َع َص َ َعيْنا﴾ [البقرة ]60 :وقوله تعالىَ . . .﴿ :وأَ ْو َحيْ َنا إ ََل ُم َ
وس إذِ ْ
اْض ِ
ِ ِ ِ ِ
َ
عيْنا ﴾ [األعراف]160 :
خامسا :مقاصد السور من أعظم ما يبعث على تصور القارئ للسورة كلها مبعىن واحد جيمع موضوعاهتا.
ً
سادسا :أن هذا العلم يبعث على رسوخ اإلميان ،وزايدة نور القلب ،وقرار العني مبا يتضح من روائع هذا العلم
ً
العظيم ،وَيصل معه من اللذة ،واملتعة ،والسرور ما ال َيصل يف غريه ،ذلك أنه علم يبحث يف اْلكم واملقاصد الدقيقة
اليت متثل روح القرآن ،وأسراره العظيمة.
((()28األساس)) (.)27/1
27
ساد ًسا :أقوال العلماء يف مقاصد السور واعتبارها: .6
تضافرت أقوال العلماء يف اعتبار علم مقاصد السور ،وأنه أصل معترب يف كتاب هللا تعاىل كاعتبار علم املناسبات بني
السور واآلايت ،بل هو أعظم أمهية وأقوى داللة ،وأكثر أثراً يف بيان املعاين وكشف دقائقها ،وأجلى يف بيان نظام القرآن
وبالغته وإعجازه.
قال البقاعي " :فإن كل سورة هلا مقصد واحد يدار عليه أوهلا وآخرها ويستدل عليه فيها"). (29
ويقول حممد دراز يف كتابه النبأ العظيم مؤكداً هذا املعىن " :إنك لتقرأ السورة الطويلة املنجمة حيسبها اجلاهل
أضغااثً من املعاين حشوت حشواً ،وأوزاعاً من املباين مجعت عفواً ،فإذا هي لو تدبرت بنية متماسكة قد بنيت من
).(30 املقاصد الكلية على أساس وأصول "
).(31 ويقول الفراهي " :اعلم أن تعيني عمود السورة هو إقليد ملعرفة نظامها "
ويقول أمحد بدوي يف بالغة القرآن " :وهكذا ّتد هدفاً عاماً تدور حوله السورة ،وتتبعه معان أخرى تؤكده ويستتبعها
).(32 "
ويقول حممد حجازي يف حبثه (الوحدة املوضوعية يف القرآن) " :كل سورة هلا هدف وغرض تسعى لتحقيقه ،وتسلك
يف سبيل ذلك مسلكاً خاصاً ،فتطرق عدة معان أتخذ من كل ما يناسبها ،وكل سورة تكون وحدة كاملة مرتابطة
" ).(33 األجزاء ،وهلذا مسيت سورة
سابعا :أتصيل علم مقاصد السور ،وأدلته من الكتاب والسنة وأقوال السلف.
ً .7
ابلتأمل يف القرآن جند ما يدل على هذا العلم من وجوه:
-تسمية عمر وابن عباس رضي هللا عنهم لسورة التوبة ابلفاضحة كما أخرج البخاري عن سعيد بن جبري قال" :
قلت البن عباس سورة التوبة؟ قال :التوبة ،هي الفاضحة مازالت تنزل :ومنهم ،ومنهم حىت ظنوا أهنا مل تبق أحداً منهم
).(34 إال ذكر فيها "
-ومن األمثلة :وما ورد عن قتادة وعلي بن زيد والكليب أهنم قالوا :سورة النحل هي سورة النعم ،لكثرة تعداد النِّعم
فيها.(35) .
ومن األمثلة أيضاً :ما ورد عن ابن عباس يف سورة الليل كما أورده السيوطي يف الدر املنثور قال( :وأخرج ابن مردويه
ْ َ َ َّ
﴿ َوالليْ ِل إِذا َيغش[ ﴾١الليل، (36) ]1 : عن ابن عباس قال :إين ألقول هذه السورة نزلت يف السماحة والبخل:
-وما ورد عن عمرو بن دينار يف سورة التكاثر ،كما أورده القرطيب قال( :وعن عمرو بن دينار :حلف أن هذه
السورة نزلت يف التجار) ).(37
-وما ورد عن حممد بن الفضل قال( :سورة اإلخالص ،ألنه ليس فيها إال التوحيد فقط)). (38
اثمنًا :عناية املفسرين بعلم املقاصد ،ومناهجهم فيه ،والكتب املؤلفة فيه: .8
الصنف األول :المفسرون الذين أشاروا لمقاصد السورة من غير تصريح:
جند أن غالب املفسرين املتقدمني قد عنوا هبذا العلم ضمن عنايتهم بعلم النزول وأحواله وما يتعلق به ،وعنايتهم
ابملناسبات ،دون التصريح بلفظ الغرض أو املقصد.
-فمثالً جند ابن جرير عند كالمه عن سورة آل عمران يقول " :وقد ذكر أن هذه السورة ابتدأ هللا بتنزيله فاحتتها
احتجاجا منه بذلك
ً وصفها به يف ابتدائها،
ابلذي ابتدأ به :من نفي "األلوهية" أن تكون لغريه ،ووصفه نفسه ابلذي َ
على طائفة من النصارى قدموا على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من َْجنَران ُّ
فحاجوه يف عيسى صلوات هللا عليه،
احتجاجا عليهم
ً وأْلدوا يف هللا .فأنزل هللا عز وجل يف أمرهم وأمر عيسى من هذه السورة ني ًفا ومثانني آية من أوهلا،
).(39 وعلى من كان على مثل مقالتهم ،لنبيّه حممد صلى هللا عليه وسلم "
وجند ابن عطية يشري لذلك يف كالمه عن سورة القدر ويقرر قوله مجاعة من املفسرين فيقوله " :وقال مجاعة -
ْ َ َ َ ْ
فضلها" ).(40 من املتأولني معىن قوله﴿ :إِنَّا أنْ َزلَاهُ ِِف َلْلةِ ال َق ْدرِ[ ﴾١القدر ]1 :إان أنزلنا هذه السورة يف شأن ليلة القدر ويف
وجند القرطيب يشري لذلك يف كالمه عن سورة األنعام ،وينقل قول العلماء يف تقرير الغرض فيقول " :قال -
العلماء :هذه السورة أصل يف حماجة املشركني وغريهم من املبتدعني ،ومن كذب ابلبعث والنشور وهذا يقتضي إنزاهلا
مجلة واحدة أل هنا يف معىن واحد من اْلجة وإن تصرف ذلك بوجوه كثرية وعليها بىن املتكلمون أصول الدين ألن فيها
).(41 آايت بينات ترد على القدرية دون السور اليت تذكر واملذكورات "
وجند ابن كثري يشري لذلك أيضاً يف كالمه عن سورة الكافرون فيقول " :هذه السورة سورة الرباءة من العمل -
).(42 الذي يعمله املشركون ،وهي آمرة ابإلخالص فيه"
الصنف الثاني :المفسرون الذين صرحوا بمقصد السورة ،وكان لهم عناية في هذا
العلم ،من غير أن يكون لهم منهج مطرد أو عناية ظاهرة في ذلك.
ومنهم ،الزخمشري والرازي ،وابن الزبري ،والشاطيب ،وابن تيمية ـ وابن القيم رمحهم هللا.
-فأما الزخمشري :فقد أشار إىل أمهية مقصد السورة حبكمة تفصيل القرآن وتقطيعه إىل سور ،وأن ذلك داع العتبار
النظم فيها ،فقال " :إن من فوائد تفصيل القرآن وتقطيعه سوراً ،أن التفصيل سبب تالحق األشكال والنظائر ،ومالءمة
بعضها لبعض ،وبذلك تتالحظ املعاين ،ويتجاوب النظم ").(43
ويف بيان مقصد سورة الفرقان يقول " :وقد تضمنت هذه السورة من النعي على الكفار والتعريف ببهتهم وسوء
).(45 مرتكبهم ما مل يتضمن كثري من نظائرها "
-وأما الشاطيب فقد كان له عناية فائقة ابملقاصد ،ويكفي يف ذلك كتابه املوافقات ،وقد ألفت رسالتان يف إبراز
عنايته هبذا العلم ،وهي رسالة (نظرية املقاصد عند الشاطيب) للدكتور أمحد الريسوين ،ورسالة بعنوان (قواعد املقاصد
عند اإلمام الشاطيب) لعبد الرمحن الكيالين.
وقد ظهرت عنايته مبقاصد السور تبعاً لذلك ،بل إنه جيعل تدبر القرآن كله راجع إىل املقاصد فيقوله" :وقال تعاىل:
ُ َ ُ َ َ ْ َ َ
املقاصد" ).(46 وب أ ْق َفال َها[ ﴾٢٤محمد ، ]24 :التدبر إمنا يكون ملن التفت إىل َ َ َ َ َّ ُ َ ُ ْ َ ْ َ ُ
﴿أفَل يتدبرون القرآن أم لَع قل ٍ
وميثل هلذه القاعدة بعدة سور فيقول " :فسورة البقرة مثال كالم واحد ابعتبار النظم ،واحتوت على أنواع من الكالم
حبسب ما بث فيها منها ما هو كاملقدمات والتمهيدات بني يدي األمر املطلوب ،ومنها ما هو كاملؤكد واملتمم ومنها
ما هو املقصود يف اإلنزال وذلك تقرير األحكام على تفاصيل األبواب ومنها اخلوامت العائدة على ما قبلها ابلتأكيد
والتثبيت وما أشبه ذلك.
ْ َ َ
فسورة الكوثر﴿ :إِنَّا أ ْع َطيْ َن َاك الك ْوثَ َر[ ﴾١الكوثر ]1 :انزلة يف قضية واحدة.
-أما ابن تيمية فقد كان له فهم اثقب بعلم املقاصد عموماً ،بل هو إمام فيه ،وقد ألفت رسالة خاصة إلبراز عنايته
هبذا العلم بعنوان (مقاصد الشريعة عند شيخ اإلسالم ابن تيمية) ليوسف بن أمحد البدوي.
وظهرت عنايته مبقاصد القرآن وسوره تبعاً لذلك ،بل قد ظهر تركيزه يف إبراز املعىن اجلامع ملعاين السورة وهو الغرض.
-وأما ابن القيم فهو من أبرز من كان له عناية ابستكشاف مقاصد السور مبا وهبه هللا من دقة فهم األدلة
والنصوص ،والرتكيز على جوانب اْلكمة فيها وإبراز مراد الشارع فيها.
فمثالً جنده قد نص على مغزى سورة الكافرون ومقصدها فقال " :إن مغزى سورة الكافرون ولبها ومقصودها هو
).(49 براءته صلى هللا عليه وسلم من دينهم ومعبودهم "
وقال يف كالمه على سوريت املعوذتني " :تضمنت هااتن السوراتن االستعاذة من الشرور كلها أبوجز لفظ وأمجعه " ).(50
الصنف الثالث :المفسرون والعلماء الذين عنوا بعلم مقاصد السور ،وسلكوا فيه منهجا
في تفاسيرهم:
عين بعض املفسرين بعلم مقاصد السور عناية خاصة ،وسلكوا فيها منهجاً مطرداً يف مجيع السور ،مع اختالف
مناهجهم يف ذلك.
ويبني البقاعي معامل هذا العلم والتعريف به فيقول يف كتابه مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور " :هو علم
يعرف منه مقاصد السور ،وموضوعه :آايت السور ،كل سورة على حياهلا ،وغايته :معرفة اْلق من تفسري كل آية من
تلك السور ،ومنفعته :التبحر يف علم التفسري ،فإنه يثمر التسهيل له والتيسري ،ونوعه :التفسري ،ورتبته :أوله ،فيشتغل به
).(51 قبل الشروع فيه ـ فإنه كاملقدمة له من حيث إنه كالتعريف ،ألنه معرفة تفسري كل سورة إمجاالً ،وأقسامه :السور "
هذا الكتاب يعترب مقدمة لتفسريه( :نظم الدرر) ،فهو يعترب من علوم القرآن الكرمي املساعدة لعلم تفسري القرآن
الكرمي ،إذ هو مما يتحدث عن القرآن العظيم وليس مما يتحدث فيه.
وهذا الكتاب يعترب تفصيل لكتابه األول ،ففيه بسط للمقصد الذي َيدده على آايت السورة كلها .وقد ركز فيه
على علم املناسبات ،إذ أنه يفتتح كل سورة بذكر مناسبتها ملا قبلها ،مث يفصل يف ذكر املناسبات بني اآلايت مع نظمها
ابملقصد األعلى للسورة.
وَيدد منهجه يف ذلك فيقول " :األمر الكلي املفيد لعرفان مناسبات اآلايت يف مجيع القرآن؛ هو أنك تنظر الغرض
الذي سيقت له السورة ،وتنظر ما َيتاج إليه ذلك الغرض من املقدمات ،وتنظر إىل مراتب تلك املقدمات يف القرب
والبعد من املطلوب ،وتنظر عند اجنرار الكالم يف املقدمات إىل ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إىل األحكام
واللوازم التابعة له").(52
ويعترب هذا الكتاب عمدة يف علم املقاصد بعد الكتاب األول له.
ثانيا :المفسرون المتأخرون وأصحاب المدرسة الحديثة:
من أبرز من عىن مبقاصد السور ،املفسرون املتأخرون وأصحاب املدرسة اْلديثة .ولعلي أعرض ألبرزهم عناية هبذا
العلم:
ويقصد ابلعمود :مجاع مطالب اخلطاب ،وهو احملصول واملقصود منه ،فهو روح الكالم وسره ،فهو يكون خفياً ال يطلع
عليه إال بعد استيفاء الكالم والتدبر فيه ،والكالم شرحه وتفصيله ،وإنتاجه وتعليله.(53) .
( -4قبس من نور القرآن) وصفوة التفاسري حملمد علي الصابوين ـ رمحه هللا:
عىن الصابوين عناية خاصة بعلم مقاصد السور وتطبيقه ،ولذا ألف كتاابً مستقالً فيه مساه (قبس من نور القرآن،
دراسة حتليلية موسعة أبهداف ومقاصد السور الكرمية).
( -6معارج التفكر ودقائق التدبر) لعبد الرمحن حسن حبنكة رمحه هللا.
هذا الكتاب هنج فيه مؤلفه منحاً جديداً حيث رتبه حسب ترتيب النزول .وقد مساه (معارج التفكر ودقائق التدبر،
تفسري تدبري للقرآن الكرمي حبسب ترتيب النزول ،وفق منهج كتاب قواعد التدبر األمثل لكتاب هللا عز وجل)
فمثالَ :يف سورة اْلديد يقول " :أهداف سورة اْلديد :وهي سورة تعاجل التقوى والصدق واإلميان ،وحتث على
الصدقة والبذل واإلخالص يف التضحية ،وحتذر من غرور الدنيا وفتنتها)).(55
ويقول الفراهي " :اعلم أن تعيني عمود السورة هو إقليد ملعرفة نظامها .ولكنه أصعب املعارف ،وَيتاج إىل شدة
).(56 التأمل والتمحيص "
ومما يدل على أن مقصد السورة معىن دقيق خفي َيتاج إىل دقة فهم ونظر اثقب ،ما متيز به ابن عباس رضي هللا عنه
من دقة الفهم ملغزى سورة النصر حني علم أنه أجل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أعلمه إايه.
وطريق الكشف عن مقصد السورة والوصول إليه واستنباطه حيتاج إىل أمور منها ما هو خاص ابلباحث وقدرته
على استنباط املقاصد ،ومنها ما هو خاص ابلسورة:
قال الفراهي " :لكنه – يعين عمود السورة – أصعب املعارف ،وَيتاج إىل شدة التأمل والتمحيص ،وترداد النظر يف
مطالب السورة املتماثلة واملتجاورة ،حىت يلوح كفلق الصبح ،فتضيء به السورة كلها ،ويتبني نظامها ،وأتخذ كل آية
حملها اخلاص ،ويتعني من التأويالت أرجحها.(57)" .
ثال ًثا :صدق النية في طلب فهم كالم هللا تعالى وإقبال القلب عليه ،واللجوء إلى هللا وطلب توفيقه:
ال شك أن إخالص النية يف طلب فهم كتاب هللا تعاىل ،وإقبال القلب على هذا القرآن برغبة صادقة يف العلم به
والعمل مبا فيه ،وامتالء القلب شوقاً ورغبة وتعظيماً وحمبة له.
رابعًا :معرفة مقاصد القرآن العامة ،والنطالق منها في تحديد مقصد كل سورة.
من أعظم ما يعني على معرفة مقاصد السور وتعيينها عرفة مقاصد القرآن واالنطالق منها يف حتديد مقصد كل
سورة ،وذلك أن مقاصد السور البد وأن تتفرع من املقاصد العامة للقرآن.
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا ـ " :فمن تدبر القرآن ،وتدبر ما قبل اآلية وما بعدها ،وعرف مقصود القرآن،
تبني له املراد ،وعرف اهلدى والرسالة ،وعرف السداد من االحنراف واالعوجاج ،وأما تفسريه مبجرد ما َيتمله اللفظ اجملرد
ّ
الغالطني" ).(58 عن سائر ما يبني معناه ،فهذا منشأ الغلط من
خامسًا :المدراسة والمباحثة بين شخصين أو أكثر.
سادسًا :الستعانة ببعض الكتب والتفاسير التي تعتني بمقاصد السور.
مما يعني على معرفة املقاصد قراءة ما كتبه العلماء حول ذلك وإن اختلفوا يف حتديده ،فكالمهم يعطي إضاءات
حوله.
يقرر ذلك البقاعي فيقول " :وقد ظهر يل ابستعمايل هذه القاعدة بعد وصويل إىل سورة سبأ يف السنة العاشرة من
ابتدائي يف عمل هذا الكتاب أن اسم كل سورة مرتجم عن مقصودها ،ألن كل شيء تظهر املناسبة بينه وبني مسماة
).(59 عنوانه الدال إمجاالً على تفصيل ما فيه "
قال ابن عاشور مؤكداً أمهية أسباب النزول مبعناها العام يف معرفة املقصد " :ومنها -أي أسباب النزول -ما ينبه املفسر
الكالم" ).(60 إىل إدراك خصوصيات بالغية تتبع مقتضى املقامات ،فإن من أسباب النزول ما يعني على تصوير مقام
وقال د .حممد حجازي " :ومما يؤخذ بيده إىل فهم املقصود األعلى ،والغرض األمسى للكالم النظر يف أسباب النزول
).(61 مع ضوابطه العلمية اليت توقفه على حقائق الكالم ،وال تتضح إال عن هذا الطريق "
وأما معرفة فضائلها وخصائصها ،فذلك ظاهر ،إذ أن ختصيصها بفضل معني كما يف سورة الفاحتة أبهنا أعظم سورة
يف القرآن ظاهر فلكوهنا متضمنة مجيع مقاصده ،وختصيص سور مبشروعية قراءهتا يف وقت معني دال على مناسبة غرضها
هلذا الوقت
مثالً نرى سوريت الكافرون واإلخالص ورد ختصيص قراءهتما يف ركعيت الفجر وركعيت الوتر ،ولو أتملنا يف حكمة ذلك
لتبني لنا أن الغرض هو افتتاح اليوم واختتامه ابلتوحيد ،ومنه نعرف غرضهما ومقصدمها .وكذلك يف سورة الكهف
يقول الفراهي مؤكداً ذلك " :مث إذا صرف التوجه الستخراج العمود والنظام ،لزم إمعان النظر يف دالالت الكلمات
).(62 والسياق "
ولو ضربنا مثالً لذلك لتأكد املراد ففي سورة الضحى ،يفتتح هللا تعاىل القسم ابلضحى ،للداللة على االنكشاف
وزوال الظلمة وانبعاث السرور يف النفس ،وهو مناسب لغرض السورة ونزوهلا يف أتنيس النيب صلى هللا عليه وسلم وإزالة
مهه بعد أن سخر منه املشركون وقالوا قاله ربه .فكان اللفظ داالً على الغرض من السورة.
رابعًا :النظر في الكلمات واآليات التي تتكرر في السورة.
كثرياً ما تكون األلفاظ املكررة يف السورة دالة على الغرض ومشرية إليه وكذلك اآلايت املكررة .يقول البقاعي" :
وسورة مرمي مقصودها مشول الرمحة ففتحت بذكر الرمحة وختمت أبن كل من كان على هنج اخلضوع هلل جيعل له وداً ،مث
).(63 كرر الوصف ابلرمحن فيها تكريراً يالئم مقصودها "
أتمل تكرر حرف ص يف سورة (ص) وداللته على حمور السورة فإهنا تدور حول اخلصومات .وأتمل تكرر حرف ق
يف سورة (ق) وتكرر لفظ (القرآن) و(القلب) و(اْلق) يف السورة ،وداللة هذا اْلرف وهذه األلفاظ على ما تدور عليه
السورة من وعظ القلوب ابلتذكري ابلبعث واملصري واْلساب ،فتأمل عالقة حرف القاف الذي هو من حروف القلقلة
وداللته على معىن التوثيق والتحقيق والتأكيد .وهللا أعلم.
ويقول د .حممد دراز مؤكداً ذلك " :توضح اآلايت االفتتاحية يف السورة املوضوع الذي ستعاجله يف خطوطه الرئيسة،
مث يتبع ذلك التدرج يف عرض املوضوع بنظام ال يتداخل فيه جزء مع جزء آخر ،وإمنا َيتل كل جزء املكان املناسب له
).(65 يف مجلة السورة ،وأخرياً أتيت اخلامتة اليت تقابل الديباجة "
ويؤكد السيوطي ذلك ابملثال فيقول " :ويف تذكرة الشيخ اتج الدين السبكي ومن خطه نقلت :سأل اإلمام ،ما
اْلكمة يف افتتاح سورة اإلسراء ابلتسبيح والكهف ابلتحميد؟ وأجاب أبن التسبيح حيث جاء يقدم على التحميد حنو
فسبح حبمد ربك سبحان هللا واْلمد هلل .وأجاب ابن الزملكاين أبن سورة سبحان ملا اشتملت على اإلسراء الذي كذب
املشركون به النيب صلى هللا عليه وسلم وتكذيبه تكذيب هلل سبحانه وتعاىل أتى بسبحان لتنزيه هللا تعاىل عما نسب إليه
نبيه من الكذب.
ويؤكد لنا ابن القيم ذلك بدراسته لسورة الكافرون فيقول " :وهو أن مقصود السورة براءته من دينهم ومعبودهم هذا
هو لبها ومغزاها وجاء ذكر براءهت م من دينه ومعبوده ابلقصد الثاين مكمال لرباءته وحمققا هلا فلما كان املقصود براءته
من دينهم بدأ به يف أول السورة مث جاء قوله لكم دينكم مطابقا هلذا املعىن أي ال أشارككم يف دينكم وال أوافقكم عليه
بل هو دين ختتصون أنتم به ال أشرككم فيه أبدا فطابق آخر السورة أوهلا فتأمله" ).(66
فمثال سورة األعراف اليت تتحدث عن سنة الصراع بني اْلق والباطل وسنة إهالك الظاملني ،أوردت قصص األمم اليت
أهلكت ومل تورد قصة إبراهيم عليه السالم ،وكذلك أوردت القصص يف سياق وصفي لألحداث وهذا ظاهر يف
جمملها.
متثل القصص القرآين جزءاً كبريا من القرآن الكرمي ،وتكمن أمهية القصة من انحية أسلوهبا وقوة أتثريها على النفس
البشرية ،وال شك أن هذا يؤكد أمهية دراستها ،إذ أن القصة القرآنية ليست سرداً اترخيياً إمنا هي متضمنة ملقاصد وقواعد
ِْب دة ِْلُوِل ْاْلَ ِْلَاب َما ََك َن َحدِيثا ُي ْف َ َ
صه ْم ع ْ َ ََ ْ َ َ َ َ
ْتى ِ ِ وسنن إهلية ،ولذلك تضمنت مواطن االعتبار كما قال تعاىل﴿ :لقد َكن ِِف قص ِ ِ
َ َ َْ َ ْ ُْ ُ َ يل ُك َْ
ََْ ََ ْ ََْ َ َ ْ َ َّ َ
ون[ ﴾١١١يوسف.]111 :َش ٍء َو ُهدى ورْحة ل ِقو ٍم يؤمِن ِ َولك ِْن تصدِيق اَّلِي بي يديهِ وتف ِ
ص
﴾ [هود ]49 :فيقول " أحداث التاريخ وضبط وقائعه وأزمنتها وأمكنتها ليس من مقاصد القرآن . . .وإمنا املراد به سنن
هللا" وما تتضمنه من أصول الدين واإلصالح ،وألن املسائل التارخيية ليست من مقاصد القرآن ،مل يبينها بنص قطعي،
ولذلك وجب أال نتخذها عقيدة دينية قطعية.67
القصة :اْلادثة املرتبطة ابألسباب والنتائج ،اإلخبار عن قضية ذات مراحل يتبع بعضها بعضا.
وقصص القرآن :إخباره عن أحوال األمم املاضية ،والنبوءات السابقة ،واْلوادث الواقعة -وقد اشتمل القرآن على كثري
68
من وقائع املاضي ،واتريخ األمم ،وذكر البالد والداير ،وتتبع آاثر كل قوم ،وحكى عنهم صورة انطقة ملا كانوا عليه.
النوع الثاين :قصص قرآين يتعلق أبمم وأشخاص صاْلني أو مكذبني ،كقصة الذين خرجوا من دايرهم وهم ألوف حذر
املوت ،وطالوت وجالوت ،وابين آدم ،وأهل الكهف ،وذي القرنني ،وقارون ،وأصحاب السبت ،وأصحاب األخدود،
وأصحاب الفيل وحنوهم.
النوع الثالث :أحداث من السرية النبوية :قصص يتعلق ابْلوادث اليت وقعت يف زمن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-
كغزوة بدر وأحد يف سورة آل عمران ،وغزوة حنني وتبوك يف التوبة ،وغزوة األحزاب يف سورة األحزاب ،واهلجرة،
واإلسراء ،وحنو ذلك.
النوع الثاين :اْلاضر :أحداث حصلت زمن نزول الوحي وهي أحداث السرية النبوية.
النوع الثالث :قصص قرآين يتعلق حبوادث مستقبلية وهي ليست كثرية يف القرآن الكرمي:
ومن ذلك:
َ ُ َ َّ ْ َ ْ ْ َ ََ ََْ َْ ُ
ِي َِّللِ اْل ْم ُر م ِْن قبْل َوم ِْن َب ْع ُد ومِِ ٢ف أدّن اْل ْر ِض َو ُه ْم م ِْن َب ْع ِد غلبِ ِه ْم َس َيغل ُِبونِِ ٣ف بِضعِ ِسن الر ُ
ت ُّ قوله تعاىل﴿ :غل َِب ِ
ْ َ َ َْ َ ْ َ ُ ُْ ْ ُ َ
ص َم ْن ي َ َش ُاء َو ُه َو ال َع ِز ُيز َّالرحِي ُم[ ﴾٥الروم ،]5-2 :فأخرب هللا سبحانه عن اَّللِ َينْ ُ ُ
َ ْ َّ
ص
ويومئ ِ ٍذ يفرح المؤمِنون ٤بِن ِ
حرب ستقع وأخرب عن نتيجتها.
ُ ُ ْ ْ َ َ ُْ ْ َََ َ َ َ َ َ ْ ُ ْ َِ َ ُ ُ ُ ُ َ َُْ ْ َ ْ َ ُْ ْ َ ْ ْ
ك ْم َو َِلَ ْد ُخلوا
وه ُ ح َسن ُت ْم ِْلنفسِكم ِإَون أسأتم فلها فإِذا جاء وعد اْلخِرة لِيسوءوا وج و قوله تعاىل﴿ :إِن أحسنتم أ
َ ُ َ َ َ ْ
ال َم ْس ِج َد ك َما َد َخلوهُ أ َّول َم َّر ٍة َو َِلُ َت ِ ُْبوا َما َعل ْوا تَتْبِريا[ ﴾٧اإلسراء.]7 :
َ َ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َّ َ ْ َ ْ ُ َ ُ ُ ْ َ َّ َّ َ َ ُ
اس َكنوا بِآيَات َِنا َل يُوق ُِنون[ ﴾٨٢النمل: ﴿ِإَوذا وقع القول علي ِهم أخرجنا لهم دابة مِن اْلر ِض تكلِمهم أن ال وقوله تعاىل:
.]82
42
أنواع القصص القرآني من حيث التكرار.
ثالثة أنواع:
قصص تكررت ،مع أن القصة ال تتكرر يف السورة الواحدة مهما كثر تكرارها.
النوع األول :قصص كثر تكرارها يف القرآن الكرمي :مثل قصة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السالم.
النوع الثاين :قصص تكررت مرينت أو ثالث :يوسف ورد ذكره يف 3سور (سردت القصة بتفاصيلها يف السورة إال جانبا
واحدا وهو دعوته جهرا ألهل مصر ،هذه النقطة الوحيدة اليت ذكرت يف سورة غافر لتكتمل قصة يوسف عليه السالم
النيب الداعية).
النوع الثالث :قصص مل ترد إال مرة واحدة :مثل قصة لقمان ،أصحاب الكهف ،ذو القرنني وغريهم.
43
ِيم[ ﴾٦٢آل عمرانَ ﴿ ]62 :ما ََك َن َحدِيثا ُي ْف َ َ
ْتى يز ْ َ
اْلك ُ اَّلل ل َ ُه َو الْ َعز ُ َّ َ َ َ ُ َ ْ َ َ ُ ْ َ ُّ َ َ ْ َ َّ َّ ُ َّ
ِإَون َّ َ ﴿إِن هذا لهو القصص اْلق وما مِن إ ِ ٍَل إَِل اَّلل
ِ
﴾ [يوسف.]111 :
َ َ َْ َ َْ َ ْ
ح َملت ُه فانت َبذتواقعية وغري مثايلة :تربز الشخصية الواقعية بضعفها البشري ،وليس مبثالية القصص اخليالية﴿ .ف )2
ْ ُّ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ ُ َ َّ ْ َ َ َ ْ َ ْ ََ َ َ َ َْ َ ُ َ بهِ َم ََكنا قَ ِ ًّ
ت ن ْسيا َمنس ًِّيا[ ﴾٢٣مريم.]23-22 : ت يَا َلْ َت ِن مِت قبل هذا وكن جذ ِع الخلةِ قالصيا ٢٢فأجاءها المخاض إَِل ِ ِ
)3مشولية القصص القرآين:
oمن حيث اشتماهلا على مناذج متنوعة حبيث كل حال كنت فيه ستجد نظريه يف القصص القرآين :قوة
وضعف ،غىن وفقر ،فتنة مال زايدة أو نقصان ،ملك أو قهرْ ،لظة قوةْ ،لظة ضعف ،سراء وضراء.
oختاطب الغين يف قصة سليمان وختاطب املريض يف قصة أيوب وختاطب اإلنسان الذي فقد ابنه يف
قصة يعقوب وختاطب املرأة اليت بينها وبني زوجها مشكلة يف سورة التحرمي ،كل إنسان سيجد خطااب
للقصة يف حياته.
oالشمولية من حيث تنوع الزمن فالقصة تتحدث عن املاضي وعن اْلاضر وعن املستقبل.
oمشولية القصة من خالل إبرازها جوانب خمتلفة لنفس اْلدث :تربز اجلانب الظاهر ،واجلانب الباطن،
وال يكون هذا صادقا إال ممن يعلم السر وأخفى:
مثال أول:
45
قصص األمم الغابرة :يكمن وجه اإلعجاز يف إخباره عن أحداث مل َيضرها ومل يكن له علم مسبق
ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ ْ َ َ َ ْ ْ َّ
ْب إِن هبا ،قال تعاىل﴿ :ت ِلك مِن أنبا ِء الغي ِ
ب نوحِيها إَِلك ما كنت تعلمها أنت وَل قومك مِن قب ِل هذا فاص ِ
الْ َعاق َِب َة ل ِلْ ُم َّتق َ
ِي[ ﴾٤٩هود]49 :
أوال :لو حضران حنن كلنا نفس اْلادثة ،مث أخربَان هبا لكان لكل واحد منا استطراد على اآلخر
ً
وتصحيح لبعض املشاهد ،وذلك أننا ال ميكن أن نرى اْلادثة من كل جوانبها.
ْ ُ ْ ُ ْ َ ْ ُ ُ ُّ ْ
الن َيا َومِنك ْم اثنيًا :مشول القصة على ظواهر األحداث وبواطن النفوس؛ قال تعاىل ﴿ :مِنكم من ي ِريد
ِين َخ َر ُجوا م ِْن دِيَاره ِْم َب َطرا َورئَ َ يد ْاْلخ َِرةَ ﴾ [آل عمران ،]152 :وقال تعاىلَ ﴿ :و ََل تَ ُ
كونُوا ََك ََّّل َ َم ْن يُر ُ
اء ِ ِ ِ
ُ
ون ُُم دِيط[ ﴾ ٤٧األنفال ]47 :إال أن الكفار أنفسهم مل يستطيعوا َّ َ َّ ُ َ َ ْ َ َ
يل اَّللِ واَّلل بِما يعمل الَّ ِ َ َ ُ ُّ َ َ ْ َ
اس ويصدون عن سب ِ ِ
االستطراد على ما ذكره هللا عز وجل من أحواهلم يف كتابه.
اثلثًا :مشوهلا على أحداث يف الفريق املؤمن ويف الفريق الكافر واليت مل َيضرها النيب صلى هللا عليه
َ َ َّ ُ َ َ وه ْم إذِ ْاِلَ َقيْ ُت ْم ِف أَ ْع ُين ُ
ك ْم قَل ِيَل َويُ َقل ِلُ ُ وسلم؛ قال تعاىلِ﴿ :إَوذْ يُر ُ
اَّلل أ ْمرا َكن ك ْم ِِف أ ْع ُينِ ِه ْم َِلَ ْق ِ َ
َض ِ ِ ِ
يك ُم ُ
ِ
َ َ َ ُ ُ َ َّ َ َ
ين خ َر ُجوا م ِْن دِيَارِه ِْم َب َطرا ور[ ﴾٤٤األنفال ]44 :وقال تعاىل﴿ :وَل تكونوا َك ِ
َّل اَّللِ تُ ْر َج ُع ْاْلُ ُم ُ
َ َّ
َمف ُعوَل ِإَوَل
ْ
َ َ َ َ ُ َ ْ َ َّ َ ْ َّ َ َّ ُ َ َ ْ َ ُ َ
ون ُُم د اء الَّ ِ َ َ ُ ُّ َ َ ْ َ َورئ َ َ
ِيطِ ٤٧إَوذ َز َّي َن ل ُه ُم الشيْ َطان أع َمال ُه ْم َوقال َل َغل َِب يل اَّللِ واَّلل بِما يعمل اس ويصدون عن سبِ ِ ِ
ك ْم إّن أَ َرى ماَ يء مِنْ ُ َ َ َ َ ْ َ َ َ
ان نكص لَع عقِبيهِ وقال إِ ِّن بر دَ َ َ َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ ُ َ د َ َّ َ َ ْ ْ ُ ُ َ
ِِ ِ ت الفِئت ِ ِإَوّن جار لكم فلما ت َراء ِ اس ِ لكم اَلَوم مِن ال ِ
َ َ ُ َّ َ َ َّ ُ َ ُ ْ َ َ ََ ْ َ
اب[ ﴾٤٨األنفال]48-44 : َل ترون إِ ِّن أخاف اَّلل واَّلل شدِيد العِق ِ
أحداث مستقبلية :يظهر وجه اإلعجاز في اإلخبار عن الغيب وتصديق ما ذكر منه.
تتميز بتناسقها ومناسبتها ملقصد السورة( .ختدم وهلا ارتباط شديد مبقصد لسورة). )12
تناسب بني القصص الوارد يف السورة الواحدة ،وال تتكرر القصة يف السورة مطلقا. )13
هلا أهداف ومقاصد مشرتكة بني كل القصص القرآين. )14
لكل قصة مقاصد خاصة هبا. )15
أييت املشهد أبوصاف متعددة ،كل واحدة منها مناسبة للسياق الوارد فيها وجبمعها يكتمل املشهد: )16
46
ََ ُْ َ َ َ ُ ْ َ ََ ََ ْ َ ُ ُ َ د َ َََْ َ
اها فَإِ َذا ِ َ قال تعاىل﴿ :قَ َال َألْق َِها يَا ُم َ
ِريت َها اْلوِل٢١
ِيدها س يه َح َّية ت ْس َع ٢٠قال خذها وَل ُتف سنع وس ١٩فألق o
﴾ [طه :]21-19 :انسب هنا ذكر اسم اجلنس أهنا حية ،انسبت اْلالة وهي وصف عصى يف حتوهلا
أمام موسى عليه السالم ،وانسبت السورة اليت تتحدث عن عدم الشقاء ابلدين ومحل الرسالة.
َ
oقال تعاىل﴿ :فَألْ َِق َع َصاهُ َفإِ َذا ِ َ
يه ُث ْع َب دان ُمبِ دي[ ﴾١٠٧األعراف ،]107 :انسب ذكر ضخامة اْلية وعظمتها
إرهااب لفرعون وملئه.
َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ ْ َ ُّ َ َ َّ َ َ ٌّ َ َّ ُ ْ َ َ ْ ُ َ ْ َ ُ َ َ ْ ْ َ َ َ ْ َّ َ
وس أقبِل َوَل ُتف إِنك م َِن ﴿وأن أل ِق عصاك فلما رآها تهَت كأنها جان وِل مدبِرا ولم يعقِب يا م oقال تعاىل:
ْ
اْل ِمن َِي[ ﴾٣١القصص :]31 :انسبت ذكر سورة القصص بوصف الضعف البشري ملوسى ،وخاصة
بوصف مشهد هروبه من العصا.
)1معرف املنهج القرآين يف عرض القصص فهي ليست لسرد األحداث التارخيية ،وإمنا لالتعاظ واالعتبار.
)2الرتكيز على مواضع االهتداء يف القصة.
)3إبراز جانب من أوجه إعجاز القرآن الكرمي.
)4ضبط املتشابه وتثبيت اْلفظ.
47
بيان وحدة الرسالتَ ﴿ .و َما أَ ْر َسلْ َنا م ِْن َقبْل َِك م ِْن َر ُسول إ ََّل نُ ِ َ َ َّ ُ َ َ َ َّ َ َ َ ْ ُ ُ
وَح إَِلْهِ أنه َل إَِل إَِل أنا فاعبد ِ
ون[ ﴾٢٥األنبياء]25 : ٍ ِ )3
َّ َ َ ْ َ َْ ْ َ ْ َ ْ َ ُ َ
تصحيح العقيدة .وكل األنبياء يدعون إىل توحيد هللا عز وجل؛ قال تعاىل﴿ :وما أرسلنا مِن قبل ِك مِن رس ٍ
ول إَِل )4
َ َ َّ َ َ َّ َ َ َ ْ ُ
وَح إَِلْهِ أن ُه َل إ ِ ََل إَِل أنا فاع ُب ُدو ِن[ ﴾٢٥األنبياء]25 :
ن ِ
)5العتبار والتعاظ من خالل النظر يف سنن هللا عز وجل ،النتائج تعرب عن سنن ،وليست أحداث استثنائية،
فمن أخذ بنفس السبب وصل إىل نفس النتيجة إبذن هللا تعاىل .وهنا تكمن اخلطورة يف حتريف قصص األنبياء
أو سرية النيب صلى هللا عليه وسلم سواء يف الكتب واألخطر منها يف املسلسالت واألفالم .من السنن ما جنده
من أذى الداعية ما جاء أحد ابلذي جئت به إال أوذي ،فنراها جلية يف قصص األنبياء ،التمكني بعد االبتالء،
نصر املستضعفني ،عاقبة الظلم. . .
)6تقومي األخالق والسلوك الفردي واجلماعي وغرس القيم اْلميدة .مثل قصة موسى مع بنات شعيب :ضوابط
االختالط.
َّ ُ َ ُ َ ُ ُ ْ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َ ْ َ ْ ْ ُ َ َ َّ َ َ
جرا إِن ِين ه َدى اَّلل فبِهداهم اقتدِه قل َل أسألكم عليهِ أ
﴿أولئِك اَّل )7انتهاج مواضع القتداء اْلسنة يف األنبياء.
ُه َو إ ََّل ذ ِْك َرى ل ِلْ َعالَم َ
ي[ ﴾٩٠األنعام.]90 : ِ ِ
ات ﴾ [اإلسراء ]101 :إىل غري ذلك من املعاين. وس ت ِْس َع آيَ َ َ واضحة ،وقوله تعاىلَ ﴿ :ولَ َق ْد آتَيْ َنا ُم َ
ات بيِن ٍ ٍ
ويف االصطالح :جزء من السورة هلا مبدأ وهناية ،وآخرها يسمى فاصلة ،وقيل :طائفة من القرآن منقطعة عما
قبلها وعما بعدها.
واملناسبة بني املعىن اللغوي واالصطالحي ظاهرة ألهنا عالمة على نفسها ابنفصاهلا عما قبلها وما بعدها؛ أو
ألن فيها عربا ودالئل ملن أراد أن يتذكر ،أو ألهنا ابنضمامها إىل غريها تكون معجزة دالة على صدق الرسول.
69
مثال :قوله تعاىل :إِ َّاي َك نـَ ْعبد وإِ َّاي َك نَ ْستَعِني
هذه اآلية هي عمود سورة الفاحتة ،وإليها يرجع مضمون السورة كلها بل القرآن كله ،إذ أهنا واردة لغرض عظيم وهو
تقرير استحقاقه تعاىل واختصاصه ابلعبودية واالستعانة.
هذه أعظم آية يف كتاب هللا تعاىل ،ومل تكن أعظم آية إال ألهنا قد تضمنت مقصداً عظيما ،وحني نتدبرها جند أن
غرضها :تقرير التوحيد وبيان عظمة اخلالق وكمال صفاته.
العلى"(.)70 قال ابن عطية" :هذه سيدة آي القرآن ،وهي متضمنة التوحيد والصفات
وقال أبو حيان" :وفضلت هذا التفضيل ملا اشتملت عليه من توحيد هللا وتعظيمه ،وذكر صفاته العلى ،وال مذكور
ذكر" (.)71 أعظم من هللا ،فذكره أفضل من كل
وكربايئه"(.)72 وقال الرازي عند كالمه على الكرسي" :املقصود تعريف عظمة هللا
وألجل ذلك شرعت قراءهتا يف دبر كل صالة ،ويف أول اليوم وآخره ،وعند النوم ،لرتسيخ اإلميان وتعظيم هللا يف
النفوس ،ولتكون هبذا الغرض حرزاً للقلب من الشيطان.
وهذه اآلية مرتكز السورة كلها؛ إذ أن السورة ركزت على القرآن ببيان مقصده ودعوة الناس إليه ،مث فصلت السورة
بعد ذلك يف األسس العلمية ،والعملية اليت بين عليها هذا القرآن.
قال ابن كثري رمحه هللا " :وهلذا كل سورة افتتحت ابْلروف فالبد أن يذكر فيها االنتصار للقرآن وبيان إعجازه
ابالستق ـراء"(.)75 وعظمته ،وهذا معلوم
وحني نرى اآليتني اخلامتتني للسورة جند أن هلما غرضاً يف ختام السورة.
وهو :شهادة هللا تعاىل للمؤمنني بكمال اإلميان ،وكمال القبول واالنقياد بعد بيان التشريعات ،وتكرميه هلم ابلتخفيف
ورفع اْلرج فيما وقع منهم من خطأ أو نسيان ،وتكليفها حسب الوسع يف التشريع ،وهذا حبق أعظم تكرمي ،من أعظم
مكرم .وهو أعظم بشارة لألمة. ِ
مكرم ،ألعظم َ
فاآلية األوىل غرضها بيان حال التعامل مع الوالدين الكافرين ولذلك عرب ب{ح ْسنًا} دون {إِ ْح َس ً
اان}،
واآلية الثانية غرضها بيان حال التعامل مع الوالدين املؤمنني ،ولذلك عرب ب {إِ ْح َس ً
اان}.
.]143
أشكل على أكثر املفسرين موقع اآلية ومناسبتها وغرضها ،وإن كان بعضهم قد ّبني غرضها من غري ربط بسياق القبلة.
والذي يتحقق بعد التأمل يف السياق أن هذه اآلية وما تضمنته من إعالن لفضيلة األمة ومكانتها وخاصيتها العظمى
واردة يف االستدالل على أن توجيه هذه األمة إىل البيت اْلرام هو اْلق وهو األنسب واألكمل ملكانتها بني األمم ،ويف
ذلك من التثبيت للمؤمنني وتقوية يقينهم ابلدين ما ال خيفى.
آية نزلت يف كتاب هللا تعاىل ،كما دل على ذلك ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال( :آخر آية نزلت على النيب
اللِ}. ِِ
صلى هللا عليه وسلم { َواتـَّقواْ يَـ ْوماً تـ ْر َجعو َن فيه إِ َىل ّ
وقد أشكل على بعض املفسرين كوهنا آخر آية نزلت مع تقدمها على آية الدين يف السورة ،وهي من آخر
مانزل أيضاً ،إال أن آية { َواتـَّقواْ يـَ ْوماً} أرجح يف أتخر نزوهلا ،وسياقها دال على أهنا آخر ما نزل ،من حيث
أهنا تضمنت األمر بتذكر يوم اْلساب واجلزاء .فهي موعظة عامة للناس ،فكأهنا موعظة مودع ،ووصية من هللا
53
ورسوله للمؤمنني يف ختام الوحي وانقطاعه ،وهذا غرضها .قال ابن عطية" :وقوله تعاىلَ { :واتـَّقواْ يـَ ْوماً تـ ْر َجعو َن
اللِ} وعظ جلميع الناس ،وأمر خيص كل إنسان"(.)77 ِِ
فيه إِ َىل ّ
وأما تقدميها على آية الدين ووضعها بني آايت الراب والدين ،فلغرض آخر مقصود وهو أهنا جاءت موثقة للنفوس،
ومذكرة هلا يف انشغاهلا ابألموال تذكرياً بيوم اْلساب ،ومزيد وعيد وهتديد ملن خالف ذلك .فهذه اآلية أعظم ما يوعظ
به أهل الراب وأصحاب األموال املشتغلني أبمواهلم يف غري طاعة هللا ،والذين أشغلتهم أمواهلم عن طاعة هللا.
الثالثاء 26 ،جمادى األولى1441 ،
55