You are on page 1of 330

‫هذا الكتاب‬

‫يحاول هذا الكتاب جمع ما ورد من األحاديث في المصادر الس نية والش يعية‬
‫حول اإلمامة واالمتداد الرسالي‪ ،‬والتي تتوافق مع ما ورد في القرآن الكريم من‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن من مقتضيات عناية هللا تعالى بعباده‪ ،‬باعتباره ربهم وهاديهم‪ ،‬توف ير‬
‫كل أسباب الهداية التي تحميهم من الضاللة‪ ،‬ومن التحريف الذي يلحق األديان بع د‬
‫وفاة األنبياء عليهم السالم‪ ،‬وأن الذين يقومون بذلك يُطلق عليهم [األئمة]‪ ،‬أو [أئم ة‬
‫الهدى]‪ ،‬أو [الخلفاء]‪ ،‬أو [الورثة]‪ ،‬أو [الهداة]‬
‫‪ 2‬ـ أن أتب اع األنبي اء يف ترقون في م واقفهم من أولئ ك األئم ة اله داة ال ذين‬
‫اس تخلفهم أنبي اؤهم عليهم‪ ،‬وأوص وهم بهم؛ فبينم ا يطب ق بعض هم تل ك الوص ايا‪،‬‬
‫ويحرص عليها‪ ،‬بينما يخالف آخرون‪ ،‬وهم كثر‪ ،‬تلك الوصايا‪ ،‬ويرتضون ألنفسهم‬
‫أئمة ب دلهم‪ ،‬لكن ذل ك ال يع ني ان دراس ال دين األص يل‪ ،‬ألن في ذل ك فتن ة ك برى‪،‬‬
‫تجعل البش ر مح رومين من الهداي ة اإللهي ة الص افية‪ ..‬فل ذلك ال يخل وا عص ر من‬
‫العصور من المتمسكين بالدين الحقيقي‪ ،‬وأتباع أئمة الهدى‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أن األصل في إمامة األئمة ووراثتهم أن تكون شاملة لكل الج وانب ال تي‬
‫يرتبط بها الدين سواء تعلقت بالقضايا الديني ة البحت ة‪ ،‬أو تعلقت ب الجوانب الحياتي ة‬
‫ابتداء من الجانب السياس ي‪ ..‬ذل ك أنهم يمثل ون الهداي ة النبوي ة ويطبقونه ا في تل ك‬
‫الجوانب‪ ،‬لكن النصوص الكثيرة تشير إلى أن إمامة األئمة للجانب السياس ي تفتق ر‬
‫للقابلي ة الش عبية؛ ف إن لم تتحق ق‪ ،‬أو رغب الن اس عن حكم األئم ة لهم؛ ف إن ذل ك‬
‫يعفيهم من ه ذا الج انب‪ ،‬ليبقى الج انب األساس ي‪ ،‬وه و ج انب الهداي ة والتوجي ه‬
‫والبالغ عن هللا وتوضيح حقائق الدين في كل الجوانب بما فيها الجانب السياسي‪.‬‬
‫سنة بال مذاهب‬

‫(‪)2‬‬

‫الإمامة واالمتداد الرسالي‬


‫الأحاديث الواردة حول الإمامة والفتن التي تعترضها‬
‫د‪ .‬نور الدين أبو لحية‬
‫‪www.aboulahia.com‬‬

‫الطبعة الأولى‬

‫‪ 1441‬ـ ‪2019‬‬

‫دار الأنوار للنشر والتوزيع‬



‫فهرس المحتويات‬
‫‪2‬‬ ‫فهرس المحتويات‬
‫‪10‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪14‬‬ ‫القسم األول‪ :‬ما ورد حول اإلمامة وأهلها وشروطها‪:‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬ما ورد في شأن االمتداد الرسالي والفتن التي تعرض له‪18 :‬‬
‫‪26‬‬ ‫الفصل األول‬
‫‪26‬‬ ‫أئمة الهدى وأوصافهم في المصادر السنية‬
‫‪27‬‬ ‫أوال ـ الوصايا النبوية بالتمسك بالعترة الطاهرة‪:‬‬
‫‪34‬‬ ‫ثانيا ـ الوصايا النبوية بمحبة العترة الطاهرة واالرتباط بها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ما ورد في كون العترة الطاهرة سفينة نجاة األمة من الفتن‪34 :‬‬
‫‪ 2‬ـ ما ورد في الحث على حبها ونصرتها والتحذير من بغضها‬
‫‪35‬‬ ‫وإذيتها‪:‬‬
‫‪37‬‬ ‫‪ 3‬ـ ما ورد في الحث على الصالة عليهم في الصالة وغيرها‪:‬‬
‫‪38‬‬ ‫‪ 4‬ـ ما ورد في الجزاء المرتبط بمن يساندهم‪:‬‬
‫‪ 5‬ـ ما ورد في حق فاطمة الزهراء والتحذير من مخالفتها وإذيتها‪38 :‬‬
‫‪ 6‬ـ ما ورد في اعتبار رسول هللا ‪ ‬مثل األب ألوالد الزهراء‪42 :‬‬
‫‪43‬‬ ‫‪ 7‬ـ ما ورد في أن العترة ال يقاس بها أحد‪:‬‬
‫‪43‬‬ ‫ثالثا ـ تحديد مصاديق العترة الطاهرة‪:‬‬
‫‪55‬‬ ‫رابعا ـ تحديد عدد الخلفاء المهديين والدعوة إلى االستنان بسنتهم‪:‬‬
‫‪60‬‬ ‫خامسا‪ .‬اعتبار اإلمام علي أول أئمة الهدى‪:‬‬
‫‪61‬‬ ‫‪ 1‬ـ الوصية باإلمامة‪:‬‬
‫‪61‬‬ ‫أ ـ ما ورد في التصريح بإمامته‪:‬‬
‫‪73‬‬ ‫ب ـ ما ورد في اإلشارة إلى إمامته‪:‬‬
‫‪73‬‬ ‫ما ورد في بيان دوره في محاربة المحرفين للدين‪:‬‬
‫‪74‬‬ ‫ما ورد في عالقته الشديدة برسول هللا ‪:‬‬
‫‪76‬‬ ‫ما ورد في اعتباره موضع اختبار لألمة‪:‬‬
‫‪80‬‬ ‫ما ورد من فضائله في اآلخرة‪:‬‬
‫‪81‬‬ ‫ما ورد في الدعوة إلى ذكره واالهتمام به‪:‬‬
‫‪81‬‬ ‫‪ 2‬ـ أهلية اإلمامة‪:‬‬
‫‪87‬‬ ‫سادسا ـ اعتبار الحسن والحسين من أئمة الهدى‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ما ورد من األحاديث الدالة على كونهما منه‪ ،‬أو كونه منهما‪87 :‬‬
‫‪ 2‬ـ ما ورد من األحاديث الداعية إلى حبهما والتحذير من بغضهما‬
‫‪88‬‬ ‫وإذيتهما‪:‬‬
‫‪92‬‬ ‫‪ 3‬ـ ما ورد من األحاديث الدالة على كونهما من األسباط‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ 4‬ـ ما ورد من األحاديث الدالة على كونهما سيدي شباب أهل الجنة‪:‬‬
‫‪94‬‬
‫‪95‬‬ ‫‪ 5‬ـ ما ورد من األحاديث الدالة على وظائف كل منهما‪:‬‬
‫‪98‬‬ ‫سابعا ـ أحاديث البشارة باإلمام المهدي‪:‬‬
‫‪103‬‬ ‫‪ 1‬ـ األحاديث الواردة في التبشير به وذكر صفاته‪:‬‬
‫‪114‬‬ ‫‪ 2‬ـ األحاديث الواردة في التمهيد والتمحيص المرتبط بظهوره‪:‬‬
‫‪114‬‬ ‫أ ـ األحاديث المرفوعة إلى رسول هللا ‪:‬‬
‫‪121‬‬ ‫ب ـ األحاديث الموقوفة على غيره‪:‬‬
‫‪126‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪126‬‬ ‫أئمة الهدى وأوصافهم في المصادر الشيعية‬
‫‪128‬‬ ‫أوال ـ األدلة النقلية والعقلية على إمامة أئمة الهدى‪:‬‬
‫‪128‬‬ ‫‪ 1‬ـ األدلة النقلية‪:‬‬
‫‪128‬‬ ‫أ ـ األدلة المستنبطة من القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪133‬‬ ‫ب ـ األدلة من الحديث والروايات‪:‬‬
‫‪139‬‬ ‫‪ 2‬ـ األدلة العقلية‪:‬‬
‫‪146‬‬ ‫ثانيا ـ وظائف األئمة‪:‬‬
‫‪147‬‬ ‫‪ 1‬ـ حفظ الدين من التحريف‪:‬‬
‫‪160‬‬ ‫‪ 2‬ـ حفظ وحدة األمة‪:‬‬
‫‪161‬‬ ‫أ ـ حفظ الوحدة السياسية‪:‬‬
‫‪162‬‬ ‫ب ـ حفظ وحدة الوالء‪:‬‬
‫‪174‬‬ ‫‪ 3‬ـ تحقيق الحاكمية اإللهية‪:‬‬
‫‪186‬‬ ‫ثالثا ـ صفات األئمة‪:‬‬
‫‪187‬‬ ‫‪ 1‬ـ أئمة الهدى والعلم اليقيني‪:‬‬
‫‪191‬‬ ‫‪ 2‬ـ أئمة الهدى والمواقف العملية‪:‬‬
‫رابعا ـ اإلمام المهدي ووظائفه في تصحيح مسار األمة‪ ،‬وسر تأخر‬
‫‪193‬‬ ‫ظهوره‪:‬‬
‫‪208‬‬ ‫الفصل الثالث‬
‫‪208‬‬ ‫االمتداد الرسالي والفتن التي تعرض له في المصادر السنية‬
‫‪208‬‬ ‫أوال ـ أحاديث الفتن وعالقتها باالمتداد الرسالي‪:‬‬
‫‪208‬‬ ‫‪ .1‬ما ورد صريحا في الداللة على االمتداد الرسالي‪:‬‬
‫‪211‬‬ ‫‪ .2‬ما ذكره الصحابة من اشتمال النبوءات النبوية لكل الوقائع‪:‬‬
‫‪212‬‬ ‫‪ 3‬ـ ما ورد في بيان دور الفتن في تمحيص األمة‪:‬‬
‫‪214‬‬ ‫ثانيا ـ ما ورد في بيان أنواع الفتن‪ ،‬وكيفية التعامل معها‪:‬‬
‫‪218‬‬ ‫الفتنة األولى‪ :‬فتنة عزل العترة‪:‬‬
‫‪3‬‬
‫‪219‬‬ ‫أ ـ ما ورد في بيان قرب الفتن وكثرتها‪:‬‬
‫‪220‬‬ ‫ب ـ ما ورد من تحذير المبدلين والمغيرين‪:‬‬
‫‪221‬‬ ‫ج ـ ما ورد في بيان الموقف من الوصايا النبوية‪:‬‬
‫‪227‬‬ ‫د ـ ما ورد في شأن أبي ذر والبالء الذي يقع له‪:‬‬
‫‪233‬‬ ‫الفتنة الثانية‪ :‬فتنة حرب العترة‪:‬‬
‫أ‪ .‬ما ورد في الداللة على دور اإلمام علي في مقاتلة المبدلين للدين‪:‬‬
‫‪234‬‬
‫‪234‬‬ ‫ب‪ .‬ما ورد في مناقب أصحاب اإلمام علي‪:‬‬
‫‪234‬‬ ‫ما ورد في شأن عمار بن ياسر‪:‬‬
‫‪240‬‬ ‫ما ورد في شأن المقداد بن األسود‪:‬‬
‫‪243‬‬ ‫ما ورد في شأن أويس القرني‪:‬‬
‫‪246‬‬ ‫ج‪ .‬ما ورد في مثالب أعداء اإلمام علي‪:‬‬
‫‪252‬‬ ‫ما ورد في شأن معاوية بن أبي سفيان‪:‬‬
‫‪259‬‬ ‫ما ورد في شأن بني أمية ومن ساندهم من القرشيين‪:‬‬
‫‪266‬‬ ‫د‪ .‬ما ورد في التحذير من حرب اإلمام علي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ما ورد في تحذير الصحابة جمعيا من محاربة اإلمام علي‪:‬‬
‫‪267‬‬
‫‪267‬‬ ‫ما ورد في شأن الفتنة ودور اإلمام علي فيها‪:‬‬
‫‪268‬‬ ‫ما ورد في شأن حرب صفين‪:‬‬
‫‪269‬‬ ‫ما ورد في شأن المارقين‪:‬‬
‫ما ورد في تحذير بعض الصحابة من المشاركة في الفتنة‪:‬‬
‫‪271‬‬
‫‪ 2‬ـ ما ورد في تحذير آحاد الصحابة من محاربة اإلمام علي‪:‬‬
‫‪277‬‬
‫‪277‬‬ ‫ما ورد في تحذير عائشة من محاربة اإلمام علي‪:‬‬
‫‪282‬‬ ‫ما ورد في تحذير الزبير من محاربة اإلمام علي‪:‬‬
‫‪283‬‬ ‫الفتنة الثالثة‪ :‬فتنة محاوالت القضاء على العترة‪:‬‬
‫‪283‬‬ ‫أ ـ ما ورد في شأن األذى الذي تتعرض له العترة‪:‬‬
‫ب ـ ما ورد في شأن األذى الذي يتعرض له الموالون للعترة‪285 :‬‬
‫ج ـ ما ورد في شأن األذى الذي يتعرض له األنصار بسبب مواقفهم‬
‫‪288‬‬ ‫من العترة‪:‬‬
‫د ـ ما ورد في شأن سب العترة وإذيتها‪ ،‬وخصوصا اإلمام علي‪:‬‬
‫‪290‬‬

‫‪4‬‬
‫الفتنة الرابعة‪ :‬فتن وهن األمة وضعفها وارتدادها الكامل عن قيم دينها‪:‬‬
‫‪293‬‬
‫أ ـ ما ورد في التحذير من تحريف الدين وتشويهه والبعد عنه‪293 :‬‬
‫‪303‬‬ ‫ب ـ ما ورد في التحذير من االنحراف السياسي‪:‬‬
‫‪308‬‬ ‫ج ـ ما ورد في التحذير من تمزق األمة وهوانها‪:‬‬
‫‪311‬‬ ‫د ـ ما ورد في التحذير من التثاقل إلى الدنيا‪:‬‬
‫‪314‬‬ ‫هـ ـ ما ورد في التحذير من االنحرافات االجتماعية‪:‬‬
‫‪319‬‬ ‫و ـ ما ورد في الطائفة الناجية من الفتن‪:‬‬
‫‪320‬‬ ‫ما ورد في الحديث من أن األمة ال تجتمع على ضاللة‪:‬‬
‫‪321‬‬ ‫ما ورد في الحديث من أنه ستبقى طائفة ملتزمة بالحق‪:‬‬
‫‪323‬‬ ‫ما ورد فيمن يشتاق إليهم رسول هللا ‪:‬‬
‫‪324‬‬ ‫ما ورد في شأن مواطن الفئة المنصورة وغيرها‪:‬‬
‫‪327‬‬ ‫ما ورد في البشارة بانتصارات الطائفة المنصورة‪:‬‬
‫‪332‬‬ ‫الفصل الرابع‬
‫‪332‬‬ ‫االمتداد الرسالي والفتن التي تعرض له في المصادر الشيعية‬
‫‪334‬‬ ‫أوال ـ اهتمام أئمة الهدى بالفتن ومصادرهم فيها‪:‬‬
‫ثانيا ـ ما ورد في شأن هجر الوصية وكيفية مواجهة أئمة الهدى لها‪340 :‬‬
‫‪340‬‬ ‫‪ .1‬أنواع األذى التي تصيب العترة‪:‬‬
‫‪344‬‬ ‫‪ 3‬ـ ما ورد من احتجاجات اإلمام علي للرافضين لإلمامة‪:‬‬
‫‪345‬‬ ‫الحديث األول‪:‬‬
‫‪362‬‬ ‫الحديث الثاني‪:‬‬
‫‪367‬‬ ‫الحديث الثالث‪:‬‬
‫‪373‬‬ ‫ثالثا‪ .‬ما ورد في شأن التحريفات الناتجة عن هجر الوصية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ما ورد في شأن التحريفات الحاصلة بعد وفاة رسول هللا ‪373 :‬‬
‫‪ 2‬ـ ما ورد في شأن التحريفات التي قام بها معاوية وأصحابه‪387 :‬‬
‫‪388‬‬ ‫أ ـ ما ورد في تحذير اإلمام علي من معاوية وفتنته‪:‬‬
‫‪392‬‬ ‫ب ـ ما ورد من رسائل اإلمام علي إلى معاوية‪:‬‬
‫‪401‬‬ ‫ج ـ ما ورد في تحذير اإلمام الحسن من معاوية وفتنته‪:‬‬
‫‪414‬‬ ‫‪ 3‬ـ ما ورد في شأن التحريفات التي قام بها بنو أمية‪:‬‬
‫رابعا ـ ما ورد في الفتن الناتجة عن عدم مراعاة اإلمامة واالمتداد‬
‫‪422‬‬ ‫الرسالي‪:‬‬
‫‪428‬‬ ‫خامسا ـ ما ورد في شأن الناجين من الفتن وفضلهم وصفاتهم‪:‬‬
‫‪428‬‬ ‫‪1‬ـ األحاديث الواردة في الناجين من الفتن عموما‪:‬‬
‫‪ 2‬ـ األحاديث الواردة في أصحاب اإلمام المهدي والممهدين له‪434 :‬‬
‫‪5‬‬
‫‪441‬‬ ‫الفصل الخامس‬
‫‪441‬‬ ‫األحاديث المردودة حول اإلمامة واالمتداد الرسالي‬
‫‪443‬‬ ‫أوال ـ األحاديث المشوهة ألئمة الهدى والمسيئة لهم‪:‬‬
‫‪443‬‬ ‫‪ 1‬ـ األحاديث المشوهة ألئمة الهدى‪:‬‬
‫‪444‬‬ ‫النموذج األول‪ :‬تشويه اإلمام علي‬
‫‪446‬‬ ‫النموذج الثاني‪ :‬تشويه اإلمام الحسن‬
‫‪449‬‬ ‫‪ 2‬ـ أحاديث الغلو في حق أئمة الهدى‪:‬‬
‫أ ـ الغلو المرتبط باألحاديث الموضوعة الخالية من اإلسناد‪452 :‬‬
‫‪452‬‬ ‫الخطبة االفتخارية‪:‬‬
‫‪455‬‬ ‫الخطبة التطنجية‪:‬‬
‫ب ـ الغلو المرتبط باالجتهاد المبني على النظريات الصوفية‪458 :‬‬
‫‪461‬‬ ‫‪ 3‬ـ أحاديث الغلو في حق أتباع أئمة الهدى‪:‬‬
‫‪470‬‬ ‫ثانيا ـ أحاديث المناقب التي وضعتها الفئة الباغية‪:‬‬
‫‪475‬‬ ‫‪ 1‬ـ األحاديث الموضوعة في حق معاوية‪:‬‬
‫‪483‬‬ ‫‪ 2‬ـ األحاديث الموضوعة في المبشرين بالجنة‬
‫‪490‬‬ ‫‪ 3‬ـ األحاديث الموضوعة في فضائل التابعين ومن بعدهم‪:‬‬
‫‪494‬‬ ‫ثانيا ـ األحاديث المردودة حول االمتداد الرسالي‪:‬‬
‫‪494‬‬ ‫‪ 1‬ـ ما ورد في المصادر السنية‪:‬‬
‫‪494‬‬ ‫أ ـ األحاديث الغريبة الواردة في فتح القسطنطينية‪:‬‬
‫ب ـ ما ورد من األحاديث التي تبعث التشاؤم في مستقبل األمة‪497 :‬‬
‫‪499‬‬ ‫ج ـ ما ورد من األحاديث الغريبة المرتبطة بالمستقبل‪:‬‬
‫‪504‬‬ ‫‪ 2‬ـ ما ورد في المصادر الشيعية‪:‬‬
‫‪504‬‬ ‫أ ـ خطبة البيان الغريبة المنسوبة لإلمام علي‪:‬‬
‫‪510‬‬ ‫ب ـ ما ورد من األحاديث في تشويه حركة اإلمام المهدي‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫المقدمة‬
‫لم تكتف العناية اإللهية بتلك التعاليم المقدسة المنزل ة في وحي ه ألنبيائ ه‪ ،‬وال‬
‫بتلك الشروح والبيانات التفصيلية التي وضح بها األنبياء ما نُ زل إليهم‪ ،‬وإنم ا ض م‬
‫إلى ذلك توفير أسباب االمت داد الرس الي ح تى ال يحص ل لألدي ان التغي ير والتب ديل‬
‫الذي يحرفها عن مسارها‪.‬‬
‫وقد أخبر هللا تعالى عن ذلك في قوله عن زكريا علي ه الس الم حينم ا دع ا هللا‬
‫ث ِم ْن‬ ‫ك َولِيًّا (‪ )5‬يَ ِرثُنِي َويَ ِر ُ‬ ‫عز وجل في طلب الذرية الصالحة‪﴿ :‬فَهَبْ لِي ِم ْن لَ ُد ْن َ‬
‫ضيًّا﴾ [مريم‪]6 ،5 :‬‬ ‫وب َواجْ َع ْلهُ َربِّ َر ِ‬ ‫آ ِل يَ ْعقُ َ‬
‫فزكريا عليه السالم حسب هذا الدعاء‪ ،‬لم يكن يقصد الول د لذات ه‪ ،‬وال ليتمت ع‬
‫برؤيته‪ ،‬وتق ّر به عينه‪ ،‬وإنما كان لحرص ه على ب ني إس رائيل‪ ،‬خوف ا من أن ي ؤثر‬
‫فيهم غيابه عنهم‪ ،‬ليتحولوا عن الهداية التي جاء بها‪.‬‬
‫وهكذا أخبر عن موسى عليه السالم أنه لم يذهب للميعاد إال بع د أن اس تخلف‬
‫أخاه في بني إسرائيل حتى ال يضلوا من بعده‪ ،‬وق د أش ار إلى ذل ك‪ ،‬ب ل ص رح ب ه‬
‫﴿ولَقَ ْد قَ ا َل لَهُ ْم هَ ا ُرونُ ِم ْن قَ ْب ُل يَ اقَوْ ِم إِنَّ َم ا فُتِ ْنتُ ْم بِ ِه َوإِ َّن َربَّ ُك ُم ال رَّحْ َمنُ‬ ‫قوله تعالى‪َ :‬‬
‫وس ى‬ ‫فَاتَّبِعُونِي َوأَ ِطيعُوا أَ ْم ِري (‪ )90‬قَالُوا لَ ْن نَب َْر َح َعلَ ْي ِه عَا ِكفِينَ َحتَّى يَرْ ِج َع إِلَ ْينَ ا ُم َ‬
‫صيْتَ أَ ْم ِري (‪)93‬‬ ‫ضلُّوا (‪ )92‬أَاَّل تَتَّبِ َع ِن أَفَ َع َ‬ ‫ال يَاهَا ُرونُ َما َمنَ َعكَ إِ ْذ َرأَ ْيتَهُ ْم َ‬ ‫(‪ )91‬قَ َ‬
‫ول فَ َّر ْقتَ بَ ْينَ بَنِي إِ ْس َرائِي َل‬ ‫يت أَ ْن تَقُ َ‬ ‫َش ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫قَا َل يَ ْبنَ ُؤ َّم اَل تَأ ُخ ْذ بِلِحْ يَتِي َواَل بِ َرأ ِسي إِنِّي خ ِ‬
‫َولَ ْم تَرْ قُبْ قَوْ لِي (‪[ ﴾)94‬طه‪]94 - 90 :‬‬
‫وهكذا أخبر عن إبراهيم عليه السالم أنه دعا هللا أن يمد البشر باألئم ة اله داة‬
‫﴿وإِ ِذ ا ْبتَلَى إِ ْب َرا ِهي َم‬
‫الذين يحفظون مسيرة الدين من التحريف والتبديل‪ ،‬ق ال تع الى‪َ :‬‬
‫ال َو ِم ْن ُذرِّ يَّتِي قَا َل يَنَا ُل َع ْه ِدي‬
‫اَل‬ ‫ك لِلنَّ ِ‬
‫اس إِ َما ًما قَ َ‬ ‫ال إِنِّي َجا ِعلُ َ‬ ‫ت فَأَتَ َّمه َُّن قَ َ‬
‫َربُّهُ بِ َكلِ َما ٍ‬
‫الظَّالِ ِمينَ ﴾ [البقرة‪]124 :‬‬
‫فإبراهيم عليه السالم ـ لحرص ه الش ديد على هداي ة الخل ق ـ لم يكت ف بأه ل‬
‫زمانه‪ ،‬وإنما تطلع لسائر األزمنة‪ ،‬سائال هللا تع الى أن ي رزقهم من أئم ة اله دى من‬
‫يحفظون لهم الهداية اإللهية‪.‬‬
‫ومن هذه اآلية الكريمة اخترنا هذا االصطالح [اإلمام]‪ ،‬وربطناه بـ [االمتداد‬
‫الرسالي]‪ ..‬ذلك أن النبوة محدودة في مدتها‪ ،‬وأجلها‪ ،‬وقد انتهت أدوارها بوفاة آخ ر‬
‫الرسل عليهم السالم‪ ،‬ولذلك لم يبق إال اإلمام‪.‬‬
‫وسر ذلك واضح‪ ..‬ذلك أن النبوة تتضمن إيص ال التع اليم اإللهي ة إلى العب اد‬
‫لتطبيقها في حياتهم‪ ،‬ثم يقوم اإلمام بعد ذلك بشرح تلك التعاليم‪ ،‬وخاص ة في ال زمن‬
‫الذي يتسلل فيه البغاة للتحريف والتبديل‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذا قول ه تع الى ـ مش يرا إلى من ابع الهداي ة الثالث ة‪ :‬الكت اب‪،‬‬

‫‪7‬‬
‫اب فَاَل تَ ُك ْن فِي ِمرْ يَ ٍة ِم ْن لِقَائِ ِه َو َج َع ْلنَ اهُ‬ ‫وس ى ْال ِكتَ َ‬ ‫والنبوة‪ ،‬واإلمامة ـ‪َ ﴿ :‬ولَقَ ْد آتَ ْينَا ُم َ‬
‫صبَرُوا َو َك انُوا بِآيَاتِنَ ا‬ ‫يل (‪َ )23‬و َج َع ْلنَا ِم ْنهُ ْم أئِ َّمة يَ ْه ُدونَ بِأ ْم ِرنَا لَ َّما َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫هُدًى لِبَنِي إِ ْس َرائِ َ‬
‫يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة‪]24 ،23 :‬؛ فقد قرن هللا تعالى اإلمامة بالهداية‪ ،‬أي أن دور اإلمام‬
‫هو حفظ الهداية من أن يتسلل إليه ا المتس للون ع بر اس تثمار المتش ابه‪ ،‬واس تعماله‬
‫وسيلة للفتنة‪.‬‬
‫اب‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وهكذا ورد اإلخبار عن هذه السنة اإللهية في قوله تعالى‪﴿ :‬ث َّم أوْ َرثنَ ا ال ِكتَ َ‬
‫اص طَفَ ْينَا ِم ْن ِعبَا ِدنَ ا﴾ [ف اطر‪ ،]32 :‬ثم بين مواق ف األمم من ه ؤالء‬ ‫الَّ ِذينَ ْ‬
‫ت بِ إِ ْذ ِن‬ ‫ق بِ ْالخَ ْي َرا ِ‬ ‫َص ٌد َو ِم ْنهُ ْم َس ابِ ٌ‬‫المصطفين‪ ،‬فقال‪﴿ :‬فَ ِم ْنهُ ْم ظَ الِ ٌم لِنَ ْف ِس ِه َو ِم ْنهُ ْم ُم ْقت ِ‬
‫هَّللا ِ﴾ [فاطر‪]32 :‬‬
‫وبذلك؛ فإن القرآن الكريم يشير إلى أن أئمة الهدى يتعرضون ـ مثلما تعرض‬
‫األنبياء ـ لمواجه ة أص حاب الفتن‪ ،‬ومتبعي الش بهات‪ ،‬وال ذين ال يكتف ون بتحري ف‬
‫الدين‪ ،‬وإنما يضيفون إليه إقصاء األئمة‪ ،‬وتشويههم‪ ،‬واستبدالهم بأئمة آخرين‪.‬‬
‫ث هَّللا ُ النَّبِيِّينَ‬ ‫اح َدةً فَبَ َع َ‬ ‫وق د أش ار إلى ذل ك قول ه تع الى‪َ ﴿ :‬ك انَ النَّاسُ أُ َّمةً َو ِ‬
‫اختَلَفُوا فِي ِه َو َم ا‬ ‫اس فِي َما ْ‬ ‫ق لِيَحْ ُك َم بَ ْينَ النَّ ِ‬ ‫َاب بِ ْال َح ِّ‬
‫ُمبَ ِّش ِرينَ َو ُم ْن ِذ ِرينَ َوأَ ْنزَ َل َم َعهُ ُم ْال ِكت َ‬
‫َات بَ ْغيًا بَ ْينَهُ ْم فَهَدَى هَّللا ُ الَّ ِذينَ آ َمنُوا‬ ‫اختَلَفَ فِي ِه إِاَّل الَّ ِذينَ أُوتُوهُ ِم ْن بَ ْع ِد َما َجا َء ْتهُ ُم ْالبَيِّن ُ‬ ‫ْ‬
‫اط ُم ْس تَقِ ٍيم﴾ [البق رة‪:‬‬ ‫ص َر ٍ‬ ‫ق بِإِ ْذنِ ِه َوهَّللا ُ يَ ْه ِدي َم ْن يَ َش ا ُء إِلَى ِ‬ ‫اختَلَفُوا فِي ِه ِمنَ ْال َح ِّ‬ ‫لِ َما ْ‬
‫‪]213‬‬
‫ثم عقب هللا تعالى على هذه اآلية الكريمة ب أن س نته في ه ذه األم ة هي نفس‬
‫سنته في سائر األمم‪ ،‬وأن الش يطان ال ذي أض ل س ائر األمم بإبعاده ا عن س راطها‬
‫المستقيم‪ ،‬وممثلي ه الش رعيين‪ ،‬س يفعل ذل ك م ع ه ذه األم ة أيض ا‪ ،‬ق ال تع الى‪﴿ :‬أَ ْم‬
‫ضرَّا ُء‬ ‫َح ِس ْبتُ ْم أَ ْن تَ ْد ُخلُوا ْال َجنَّةَ َولَ َّما يَأْتِ ُك ْم َمثَ ُل الَّ ِذينَ خَ لَوْ ا ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم َم َّس ْتهُ ُم ْالبَأْ َسا ُء َوال َّ‬
‫ول ال َّرسُو ُل َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا َم َعهُ َمتَى نَصْ ُر هَّللا ِ أَاَل إِ َّن نَصْ َر هَّللا ِ قَ ِريبٌ ﴾‬ ‫َو ُز ْل ِزلُوا َحتَّى يَقُ َ‬
‫[البقرة‪]214 :‬‬
‫وبذلك يمكن أن نستنبط من اآليات الكريمة ثالثة معان‪:‬‬
‫أولها ـ أن من مقتض يات عناي ة هللا تع الى بعب اده‪ ،‬باعتب اره ربهم وه اديهم‪،‬‬
‫توف ير ك ل أس باب الهداي ة ال تي تحميهم من الض اللة‪ ،‬ومن التحري ف ال ذي يلح ق‬
‫األدي ان بع د وف اة األنبي اء عليهم الس الم‪ ،‬وأن ال ذين يقوم ون ب ذلك يُطل ق عليهم‬
‫[األئمة]‪ ،‬أو [أئمة الهدى]‪ ،‬أو [الخلفاء]‪ ،‬أو [الورث ة]‪ ،‬أو [اله داة]‪ ،‬كم ا نص على‬
‫ذلك قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّ َما أَ ْنتَ ُم ْن ِذ ٌر َولِ ُكلِّ قَوْ ٍم هَا ٍد﴾ [الرعد‪]7 :‬‬
‫ثانيها ـ أن أتباع األنبياء يفترقون في مواقفهم من أولئ ك األئم ة اله داة ال ذين‬
‫اس تخلفهم أنبي اؤهم عليهم‪ ،‬وأوص وهم بهم؛ فبينم ا يطب ق بعض هم تل ك الوص ايا‪،‬‬
‫ويحرص عليها‪ ،‬بينما يخالف آخرون‪ ،‬وهم كثر‪ ،‬تلك الوصايا‪ ،‬ويرتضون ألنفس هم‬
‫الص اَل ةَ َواتَّبَ ُع وا‬ ‫ض اعُوا َّ‬ ‫ف أَ َ‬ ‫أئم ة ب دلهم‪ ،‬كم ا ق ال تع الى‪﴿ :‬فَ َخلَ فَ ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم خَ ْل ٌ‬
‫ف َو ِرثُ وا‬ ‫ت فَ َسوْ فَ يَ ْلقَوْ نَ َغيًّا﴾ [م ريم‪ ،]59 :‬وق ال‪﴿ :‬فَخَ لَ فَ ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم خَ ْل ٌ‬ ‫ال َّشهَ َوا ِ‬
‫‪8‬‬
‫ض هَ َذا اأْل َ ْدنَى َويَقُولُ ونَ َس يُ ْغفَ ُر لَنَ ا َوإِ ْن يَ أْتِ ِه ْم َع َرضٌ ِم ْثلُ هُ‬ ‫اب يَأْ ُخ ُذونَ َع َر َ‬ ‫ْال ِكتَ َ‬
‫ق َود ََرسُوا َم ا فِي ِه‬ ‫ب أَ ْن اَل يَقُولُوا َعلَى هَّللا ِ إِاَّل ْال َح َّ‬
‫ق ْال ِكتَا ِ‬ ‫يَأْ ُخ ُذوهُ أَلَ ْم ي ُْؤخ َْذ َعلَ ْي ِه ْم ِميثَا ُ‬
‫َوال َّدا ُر اآْل ِخ َرةُ َخ ْي ٌر لِلَّ ِذينَ يَتَّقُونَ أَفَاَل تَ ْعقِلُونَ ﴾ [األعراف‪]169 :‬‬
‫لكن ذلك ال يعني ان دراس ال دين األص يل‪ ،‬ألن في ذل ك فتن ة ك برى‪ ،‬تجع ل‬
‫البشر محرومين من الهداية اإللهية الصافية‪ ..‬فل ذلك ال يخل وا عص ر من العص ور‬
‫من المتمسكين بالدين الحقيقي‪ ،‬واتباع أئمة الهدى‪ ،‬كم ا أش ار إلى ذل ك قول ه تع الى‬
‫ب َوأَقَ ا ُموا َّ‬
‫الص اَل ةَ إِنَّا اَل‬ ‫﴿والَّ ِذينَ يُ َم ِّس ُكونَ بِ ْال ِكتَ ا ِ‬
‫في اآلية التي تلت اآلي ة الس ابقة‪َ :‬‬
‫ضي ُع أَجْ َر ْال ُمصْ لِ ِحينَ ﴾ [األعراف‪]170 :‬‬ ‫نُ ِ‬
‫ولهذا يخبر هللا تعالى أن الح ق لن ينطفئ ن وره أب دا‪ ،‬ق ال تع الى‪ ﴿ :‬ي ُِري ُدونَ‬
‫ور ِه َولَوْ َك ِرهَ ْال َك افِرُونَ ﴾ [الص ف‪ ،]8 :‬وق ال‪:‬‬ ‫ور هَّللا ِ بِأ َ ْف َوا ِه ِه ْم َوهَّللا ُ ُمتِ ُّم نُ ِ‬
‫ُطفِئُوا نُ َ‬‫لِي ْ‬
‫اط َل َكانَ زَ هُوقًا ﴾ [اإلسراء‪]81 :‬‬ ‫ق ْالبَا ِط ُل إِ َّن ْالبَ ِ‬ ‫ق َو َزهَ َ‬ ‫﴿ َوقُلْ َجا َء ْال َح ُّ‬
‫وأخبر عن بني إسرائيل أنهم لم يجمع وا على تحري ف ال دين‪ ،‬ب ل بقيت منهم‬
‫وس ى أُ َّمةٌ‬ ‫﴿و ِم ْن قَ وْ ِم ُم َ‬
‫طائفة صالحة‪ ،‬إلى أن جاء اإلسالم فاتبعته‪ ،‬كما ق ال تع الى‪َ :‬‬
‫ق َوبِ ِه يَ ْع ِدلُونَ ﴾ [األعراف‪]159 :‬‬ ‫يَ ْه ُدونَ بِ ْال َح ِّ‬
‫وكل ذلك حتى تقوم الحجة على الخلق‪ ،‬ذلك أن وقوع جميع األمة في الباطل‬
‫يعني انتصاره على الحق‪ ،‬وهو ما يعني حرمان األجيال من الهداية اإللهية الصافية‬
‫التي لم تكدر باألهواء البشرية‪.‬‬
‫ثالثها ـ أن األصل في إمامة األئمة ووراثتهم أن تك ون ش املة لك ل الج وانب‬
‫ال تي يرتب ط به ا ال دين س واء تعلقت بالقض ايا الديني ة البحت ة‪ ،‬أو تعلقت ب الجوانب‬
‫الحياتية ابتداء من الجانب السياسي‪ ..‬ذلك أنهم يمثلون الهداية النبوية ويطبقونه ا في‬
‫تلك الجوانب‪.‬‬
‫لكن النصوص المقدسة الكثيرة تشير إلى أن إمام ة األئم ة للج انب السياس ي‬
‫تفتقر للقابلية الشعبية؛ فإن لم تتحقق‪ ،‬أو رغب الناس عن حكم األئمة لهم؛ ف إن ذل ك‬
‫يعفيهم من ه ذا الج انب‪ ،‬ليبقى الج انب األساس ي‪ ،‬وه و ج انب الهداي ة والتوجي ه‬
‫والبالغ عن هللا وتوضيح حقائق الدين في كل الجوانب بما فيها الجانب السياسي‪.‬‬
‫وه ذا م ا يزي ل ك ل اإلش كاالت ال تي يطرحه ا من لم يفهم تل ك النص وص‬
‫المقدسة؛ فيتصور أن إمامة اإلمام قاصرة على توليه لمسؤولية الخالفة‪ ،‬وله ذا نج د‬
‫الصوفية في المدرسة السنية يذكرون هذا االعتبار؛ فيقس مون الخالف ة إلى قس مين‪:‬‬
‫ظ اهرة وباطن ة‪ ..‬وي ذكرون أن اإلم ام علي‪ ،‬وغ يره من األئم ة‪ ،‬تول وا الخالف ة‬
‫الباطنة‪.‬‬
‫بناء على هذا سنحاول في هذا الكت اب جم ع األح اديث الموض حة لمص اديق‬
‫هذه المعاني والمؤكدة لها‪ ،‬والتي تنب ع جميع ا من ح رص رس ول هللا ‪ ‬على ه ذه‬
‫األمة‪ ،‬ال في جيله الذي عايشه فقط‪ ،‬وإنما في جمي ع األجي ال‪ ،‬وق د رأين ا أن ه يمكن‬
‫تقسيمها إلى قسمين‪:‬‬
‫‪9‬‬
‫القسم األول‪ :‬ما ورد حول اإلمامة وأهلها وشروطها‪:‬‬
‫وهي األح اديث ال تي ي بين فيه ا رس ول هللا ‪ ‬ب التلميح واإلش ارة‪ ،‬أو‬
‫بالتصريح والعبارة‪ ،‬المصاديق الذين ينطبق عليهم ألقاب األئمة والخلف اء والورث ة‪،‬‬
‫حتى تجتم ع األم ة عليهم‪ ،‬وتحف ظ نفس ها من الفرق ة والخالف بس بب الت وزع على‬
‫أئمة كثيرين مختلفين‪.‬‬
‫وبما أن هذه القضية من أكبر القضايا التي وق ع فيه ا الخالف في األم ة؛ فق د‬
‫ورد في القرآن الكريم اإلشارة إلى ناحية مهمة جدا‪ ،‬ربم ا يك ون اعتباره ا المعي ار‬
‫األول في تحديد مص اديق األئم ة‪ ،‬فاهلل تع الى يعطي أهمي ة خاص ة لذري ة األنبي اء‬
‫عليهم الص الة والس الم‪ ،‬وي بين أن لهم مكان ة كب يرة ال من الج انب الع اطفي فق ط‪،‬‬
‫وإنما من الجانب العملي أيض ا‪ ،‬باعتب ار أن لهم اص طفاء خاص ا‪ ،‬ودورا مهم ا في‬
‫الرسالة وحفظها والوفاء بمقتضياتها‪.‬‬
‫وقد ذكر هللا سبحانه وتعالى سنته في ذلك‪ ،‬فقال‪ ﴿ :‬إِ َّن هَّللا َ اصْ طَفَى آ َد َم َونُوحًا‬
‫ْض َوهَّللا ُ َس ِمي ٌع‬ ‫ْض هَا ِم ْن بَع ٍ‬ ‫َوآ َل إِ ْب َرا ِهي َم َوآ َل ِع ْم َرانَ َعلَى ْال َع الَ ِمينَ (‪ُ )33‬ذرِّ يَّةً بَع ُ‬
‫َعلِي ٌم﴾ [آل عمران‪]34 ،33 :‬‬
‫ومثلها قوله تعالى عند تسميته لألنبياء عليهم الصالة والسالم الم ذكورين في‬
‫ت َم ْن ن ََش ا ُء إِ َّن‬ ‫ك ُح َّجتُنَا آتَ ْينَاهَا إِ ْب َرا ِهي َم َعلَى قَوْ ِم ِه نَرْ فَ ُع د ََر َج ا ٍ‬ ‫القرآن الكريم‪َ ﴿ :‬وتِ ْل َ‬
‫وب ُك هَ َد ْينَا َونُو ًح ا هَ َد ْينَا ِم ْن قَ ْب ُل‬ ‫اًّل‬ ‫ق َويَ ْعقُ َ‬ ‫ك َح ِكي ٌم َعلِي ٌم (‪َ )83‬و َوهَ ْبنَا لَهُ إِ ْس َحا َ‬ ‫َربَّ َ‬
‫وس ى َوهَ ارُونَ َو َك َذلِكَ نَجْ ِزي‬ ‫ُوس فَ َو ُم َ‬ ‫ُّوب َوي ُ‬ ‫َو ِم ْن ُذ ِّريَّتِ ِه دَا ُوو َد َو ُس لَ ْي َمانَ َوأَي َ‬
‫الص الِ ِحينَ (‪)85‬‬ ‫َّ‬ ‫اس ُك لٌّ ِمنَ‬ ‫َ‬ ‫يس ى َوإِ ْليَ‬ ‫ْال ُمحْ ِس نِينَ (‪َ )84‬و َز َك ِريَّا َويَحْ يَى َو ِع َ‬
‫ض ْلنَا َعلَى ْال َع الَ ِمينَ (‪َ )86‬و ِم ْن آبَ ائِ ِه ْم‬ ‫اًّل‬
‫س َولُوطً ا َو ُك فَ َّ‬ ‫يل َو ْاليَ َس َع َويُ ونُ َ‬ ‫اع َ‬‫َوإِ ْس َم ِ‬
‫اط ُم ْستَقِ ٍيم (‪[ ﴾)87‬األنع ام‪- 83 :‬‬ ‫ص َر ٍ‬ ‫َو ُذ ِّريَّاتِ ِه ْم َوإِ ْخ َوانِ ِه ْم َواجْ تَبَ ْينَاهُ ْم َوهَ َد ْينَاهُ ْم إِلَى ِ‬
‫‪]87‬‬
‫فهذه اآليات الكريمة توضح الصالت النس بية بين األنبي اء جميع ا‪ ،‬وت بين أن‬
‫االجتباء اإللهي شملهم بهذا الشكل‪ ،‬وال راد الجتباء هللا‪.‬‬
‫ولم يكتف القرآن الكريم بهذا التعميم‪ ،‬بل ذكر تفاصيل كثيرة تدل عليه‪ ،‬ح تى‬
‫يترس خ في األذه ان أن اص طفاء األنبي اء فض ل إلهي باعتب اره اس تمرارا للنهج‬
‫الرسالي وتوحيدا لمسيرته حتى ال تنحرف به الطرق والمناهج‪.‬‬
‫ومن تلك التفاصيل ما ذكره هللا تعالى من اصطفائه آلل إبراهيم عليهم السالم‬
‫ق‬‫في آي ات متع ددة‪ ،‬كقول ه تع الى عن إب راهيم علي ه الس الم‪َ ﴿ :‬و َوهَ ْبنَ ا لَ هُ إِ ْس َحا َ‬
‫اب َوآتَ ْينَ اهُ أَجْ َرهُ فِي ال ُّد ْنيَا َوإِنَّهُ فِي اآْل ِخ َر ِة‬ ‫وب َو َج َع ْلنَا فِي ُذرِّ يَّتِ ِه النُّبُ َّوةَ َو ْال ِكتَ َ‬‫َويَ ْعقُ َ‬
‫لَ ِمنَ الصَّالِ ِحينَ ﴾ [العنكبوت‪]27 :‬‬
‫بل إن القرآن الكريم ي ذكر أن إب راهيم علي ه الس الم نفس ه دع ا هللا أن يك ون‬
‫ت فَ أَتَ َّمه َُّن قَ ا َل‬
‫﴿وإِ ِذ ا ْبتَلَى إِ ْب َرا ِهي َم َربُّهُ بِ َكلِ َم ا ٍ‬ ‫الخط الرسالي ممتدا في ذريته‪ ،‬فق ال‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫ال اَل يَنَ ا ُل َع ْه ِدي الظالِ ِمينَ ﴾ [البق رة‪:‬‬ ‫اس إِ َما ًم ا قَ ا َل َو ِم ْن ُذ ِّريَّتِي ق َ‬
‫َ‬ ‫ك لِلنَّ ِ‬‫إِنِّي َجا ِعلُ َ‬
‫‪10‬‬
‫‪]124‬‬
‫وقد صرح القرآن الكريم بانقس ام ذريت ه إلى محس ن وظ الم في قول ه تع الى‪:‬‬
‫ق َو ِم ْن‬‫ار ْكنَ ا َعلَ ْي ِه َو َعلَى إِ ْس َحا َ‬ ‫َّ‬
‫الص الِ ِحينَ (‪َ )112‬وبَ َ‬ ‫ق نَبِيًّ ا ِمنَ‬ ‫﴿ َوبَ َّش رْ نَاهُ بِإِ ْس َحا َ‬
‫ين﴾ [الصافات‪]113 ،112 :‬‬ ‫ُذ ِّريَّتِ ِه َما ُمحْ ِس ٌن َوظَالِ ٌم لِنَف ِس ِه ُمبِ ٌ‬
‫ْ‬
‫بل إن هللا تعالى صرح بأن األمر باق في عقبه‪ ،‬فق ال‪َ ﴿ :‬و َج َعلَهَ ا َكلِ َم ةً بَاقِيَ ةً‬
‫فِي َعقِبِ ِه لَ َعلَّهُ ْم يَرْ ِجعُونَ ﴾ [الزخرف‪]28 :‬‬
‫بل إن هللا تعالى ذكر أن إبراهيم عليه السالم ـ كما سأل رب ه أن يجع ل ذريت ه‬
‫أئمة للناس ـ س أله أيض ا أن يوف ق الن اس لم ودتهم واالقت داء بهم‪ ،‬فق ال على لس ان‬
‫ع ِع ْن َد بَ ْيتِ كَ‬ ‫ت ِم ْن ُذرِّ يَّتِي بِ َوا ٍد َغ ْي ِر ِذي زَرْ ٍ‬ ‫إبراهيم عليه الس الم‪َ ﴿ :‬ربَّنَ ا إِنِّي أَ ْس َك ْن ُ‬
‫الص اَل ةَ فَاجْ َع لْ أَ ْفئِ َدةً ِمنَ النَّ ِ‬
‫اس تَ ْه ِوي إِلَ ْي ِه ْم َوارْ ُز ْقهُ ْم ِمنَ‬ ‫ْال ُم َح ر َِّم َربَّنَ ا لِيُقِي ُم وا َّ‬
‫ت لَ َعلَّهُ ْم يَ ْش ُكرُونَ ﴾ [إبراهيم‪]37 :‬‬ ‫الثَّ َم َرا ِ‬
‫ومن تلك التفاصيل ما ذكره هللا تعالى من اص طفائه آلل موس ى وآل ه ارون‬
‫عليهم السالم‪ ،‬كما يشير إلى ذلك قوله تعالى في قصة طالوت‪َ ﴿ :‬وقَ ا َل لَهُ ْم نَبِيُّهُ ْم إِ َّن‬
‫وس ى َوآ ُل‬ ‫ُوت فِي ِه َس ِكينَةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم َوبَقِيَّةٌ ِم َّما تَ َركَ آ ُل ُم َ‬ ‫آيَ ةَ ُم ْل ِك ِه أَ ْن يَ أْتِيَ ُك ُم التَّاب ُ‬
‫هَارُونَ تَحْ ِملُهُ ْال َماَل ئِ َكةُ إِ َّن فِي َذلِكَ آَل يَةً لَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [البقرة‪]248 :‬‬
‫بل إننا نجد أن هللا تعالى اختار هارون أخا موسى عليه الس الم ليك ون معين ا‬
‫َاب َو َج َع ْلنَا َم َعهُ أَ َخ اهُ‬ ‫له ووزيرا بناء على طلب موسى‪ ،‬فقال‪َ ﴿:‬ولَقَ ْد آتَ ْينَا ُمو َسى ْال ِكت َ‬
‫هَارُونَ َو ِزيرًا ﴾ [الفرقان‪]35 :‬‬
‫ومن تل ك التفاص يل م ا ذك ره هللا تع الى من اص طفائه آلل يعق وب عليهم‬
‫الس الم‪ ،‬وهم وإن ك انوا ج زءا من آل إب راهيم‪ ،‬لكن الق رآن خص هم بال ذكر عن د‬
‫﴿و َك َذلِكَ يَجْ تَبِي كَ َربُّكَ‬ ‫الحديث عن يوسف بن يعقوب عليهما السالم في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫َ‬
‫وب َك َم ا أتَ َّمهَ ا َعلَى‬ ‫آل يَ ْعقُ َ‬ ‫ث َويُتِ ُّم نِ ْع َمتَ هُ َعلَ ْي كَ َو َعلَى ِ‬ ‫َويُ َعلِّ ُم كَ ِم ْن تَأْ ِوي ِل اأْل َ َح ا ِدي ِ‬
‫ق إِ َّن َربَّكَ َعلِي ٌم َح ِكي ٌم﴾ [يوسف‪]6 :‬‬ ‫ك ِم ْن قَ ْب ُل إِ ْب َرا ِهي َم َوإِ ْس َحا َ‬‫أَبَ َو ْي َ‬
‫وذكرهم عند الحديث عن زكريا عليه السالم حينما دعا هللا ع ز وج ل وطلب‬
‫وب‬ ‫ث ِم ْن آ ِل يَ ْعقُ َ‬ ‫الذرية الصالحة‪ ،‬فق ال‪﴿ :‬فَهَبْ لِي ِم ْن لَ ُد ْنكَ َولِيًّ ا (‪ )5‬يَ ِرثُنِي َويَ ِر ُ‬
‫ضيًّا ﴾ [مريم‪]6 ،5 :‬‬ ‫َواجْ َع ْلهُ َربِّ َر ِ‬
‫ومن تلك التفاصيل ما ذكره هللا تعالى من اصطفائه آلل داود عليهم الس الم‪،‬‬
‫ي‬ ‫وال ذين ورد ذك رهم في قول ه تع الى‪ ﴿ :‬ا ْع َملُ وا آ َل دَا ُوو َد ُش ْكرًا َوقَلِي ٌل ِم ْن ِعبَ ا ِد َ‬
‫ث‬ ‫ال َّش ُكو ُر ﴾ [سبأ‪ ،]13 :‬وقد بين القرآن الكريم أن سليمان ورث داود‪ ،‬فق ال‪َ ﴿ :‬و َو ِر َ‬
‫ُسلَ ْي َمانُ دَا ُوودَ﴾ [النمل‪]16 :‬‬
‫وهك ذا نج د ح ديث هللا عن اص طفائه آلل بيت أنبيائ ه‪ ،‬وإعط ائهم مكان ة‬
‫خاص ة‪ ،‬وهي س نته فيهم‪ ،‬ورس ول هللا ‪ ‬أولى ب ذلك منهم‪ ،‬إن لم يكن نظ يرا لهم‬
‫ت بِ ْدعًا ِمنَ الرُّ ُس ِل َو َم ا أَ ْد ِري َم ا يُ ْف َع ُل بِي َواَل‬ ‫فيه‪ ،‬وقد قال تعالى عنه‪﴿ :‬قُلْ َما ُك ْن ُ‬
‫ين﴾ [األحقاف‪]9 :‬‬ ‫ي َو َما أَنَا إِاَّل نَ ِذي ٌر ُمبِ ٌ‬ ‫بِ ُك ْم إِ ْن أَتَّبِ ُع إِاَّل َما يُو َحى إِلَ َّ‬
‫‪11‬‬
‫ولذلك؛ فإن وجود أحاديث تدل على هذه المعاني‪ ،‬وأن رسول هللا ‪ ‬يتحدث‬
‫عن أهل بيته‪ ،‬أو يوصي بهم‪ ،‬أو ي دل على أن لهم وظ ائف خاص ة ترتب ط بالهداي ة‬
‫ليس مستغربا؛ فالقرآن الكريم يؤكد ذلك‪ ،‬ويصرح به‪ ،‬وسر ذلك يعود ألم رين ي دل‬
‫عليهما العقل والنقل‪:‬‬
‫أم ا أولهما‪ :‬فه و نفس الس ر ال ذي بس ببه رفض إبليس الس جود آلدم علي ه‬
‫السالم‪ ،‬وهو أن األمم قد تخضع ألنبيائها بدافع المعجزات التي ظهرت على أيديهم‪،‬‬
‫ولكنها ترفض أن تخضع لقرابتهم من بعدهم حسدا وبغيا‪ ،‬كم ا ذك ر الق رآن الك ريم‬
‫ض لِ ِه فَقَ ْد آتَ ْينَ ا َ‬
‫آل إِ ْب َرا ِهي َم‬ ‫ذلك‪ ،‬فق ال‪ ﴿ :‬أَ ْم يَحْ ُس ُدونَ النَّ َ‬
‫اس َعلَى َم ا آتَ اهُ ُم هَّللا ُ ِم ْن فَ ْ‬
‫ص َّد َع ْن هُ‬ ‫َاب َو ْال ِح ْك َمةَ َوآتَ ْينَاهُ ْم ُم ْل ًكا َع ِظي ًم ا (‪ )54‬فَ ِم ْنهُ ْم َم ْن آ َمنَ بِ ِه َو ِم ْنهُ ْم َم ْن َ‬
‫ْال ِكت َ‬
‫َو َكفَى بِ َجهَنَّ َم َس ِعيرًا (‪[ ﴾)55‬النساء‪]55 ،54 :‬‬
‫وأما الثاني‪ :‬فهو ما تدل عليه الفط رة الس ليمة‪ ،‬ذل ك أن أق رب الن اس تم ثيال‬
‫لألنبياء واقتداء بهم وعلم ا ب أحوالهم هم أهل وهم ال ذين عاش وا معهم‪ ،‬وه ذا مت وفر‬
‫أله ل بيت النب وة بحكم ت ربيتهم في بيت الن بي ‪ ،‬ومن ثم األخ ذ عنهم بص فة‬
‫مباشرة‪ ،‬ومن ثم انتقال العلم بينهم بالتوالي من المصدر تماماً‪.‬‬
‫وهذا ما يدل عليه الواقع؛ فالصانع الحرفي اليدوي الماهر ينق ل س ر ص نعته‬
‫ومهارت ه تل ك إلی ابن ه وحفي ده‪ ..‬والرياض ي الب ارع ه و في الغ الب ابن رياض ي‬
‫بارع‪ ..‬والسياسي الحاذق نجده قد تربی ونقل عن والده نفس المهارة‪ ..‬حتى الساحر‬
‫والحاوي ينقل سر مهنته تلك عن أبيه‪ ،‬وبالمثل الط بيب الح اذق والموس قي المب دع‬
‫والعالم الباحث‪.‬‬
‫وهذا ال يعني أن اإلمامة تنطبق على كل أوالد الرسول أو أقارب ه‪ ،‬فق د أخ بر‬
‫هللا تعالى أن منهم من يكون ظالما‪ ،‬ولذلك ال يستحق ذلك الشرف‪ ..‬بل أخ بر أن ابن‬
‫نوح عليه السالم كان كافرا‪ ،‬ولذلك نزل عليه الع ذاب مثلم ا ن زل على غ يره‪ ،‬بن اء‬
‫على ما تقتضيه العدالة اإللهية‪.‬‬
‫ولهذا يحتاج التعرف على اإلمام وص فاته ووظائف ه إلى البي ان النب وي ال ذي‬
‫يحمي األمة من أن تضع مص اديق اإلمام ة في غ ير أهله ا؛ فتنح رف عن الس راط‬
‫المستقيم‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬ما ورد في شأن االمتداد الرسالي والفتن التي تعرض له‪:‬‬
‫وهي األحاديث التي يبين فيها رسول هللا ‪ ‬مواقف األم ة الواقعي ة من تل ك‬
‫الوصايا‪ ،‬والفتن التي تحصل لها بس بب ذل ك‪ ،‬مم ا ين درج ض من النب وءات‪ ..‬وهي‬
‫ليست مجرد نب وءات‪ ،‬وإنم ا هي وص ايا ت دل على الطري ق ال ذي ينجي من الفتن‪،‬‬
‫ويعيد األمة إلى مسارها الصحيح‪.‬‬
‫ذلك أن هللا تعالى أبلغ نبيه ‪ ‬بكل ما تفعله األمة من بعده‪ ..‬وهو لذلك ـ بن اء‬
‫على ش فقته وحرص ه عليهم ـ ال يكتفي ب أن يوص يهم بالوص ايا ال تي يعلم أنهم‬
‫سيقصرون فيها‪ ،‬وإنما يضيف إلى ذلك تحذيرهم من المواقف ال تي تص يبهم بس بب‬
‫‪12‬‬
‫ذلك التقصير‪ ،‬ويبين لهم كيفية الخروج منه‪.‬‬
‫وكل ذلك تابع لما تقتضيه الهداية اإللهية للخلق‪ ،‬والتي لم تكتف بتلك الوصايا‬
‫الداعية إلى مراعاة السراط المستقيم الذي يمثله أئمة الهدى‪ ،‬وع دم االنح راف عن ه‬
‫إلى غيره‪ ،‬وإنما أضافت إلى ذلك وصف الواقع ال ذي س يؤول إلي ه ح ال المس لمين‬
‫بسبب تفريطهم في الوصايا اإللهية‪ ،‬وبيان كيفية التعامل معه‪ ،‬وهو م ا يطل ق علي ه‬
‫[الفتن والمالحم]‬
‫ونرى أن أصل هذا النوع من األحاديث مقبول موافق للقرآن الكريم وللعقول‬
‫والفطر السليمة‪ ،‬ذلك أنها من دالئل الحرص على الهداية‪ ،‬وتوفير كل ما يؤدي إلى‬
‫إقامة الحجة على الخلق‪ ،‬حتى ال تبقى حج ة لمحتج؛ فأح اديث الفتن‪ ،‬ليس ت مج رد‬
‫استش راف للمس تقبل‪ ،‬ووص ف دقي ق ل ه‪ ،‬وإنم ا هي بمثاب ة التش ريعات المرتبط ة‬
‫بالظروف المختلفة‪ ،‬حتى يتعرف المؤمن على وجه الحق فيها؛ فيتبعه‪.‬‬
‫وبذلك‪ ،‬فإنه يمكن وصفها بأنها امت دادا للنب وة‪ ،‬وامت داد لنص حها وتوجيهه ا‪،‬‬
‫وكأن رسول هللا ‪ ‬حاضر عند كل فتنة‪ ،‬ليعلمنا كيفية تجنبها‪ ،‬مثلما كان في حيات ه‬
‫َزي ٌز َعلَ ْي ِه‬‫الدنيوية تماما‪ ،‬كما قال تعالى في وصفه‪﴿ :‬لَقَ ْد َجا َء ُك ْم َرسُو ٌل ِم ْن أَ ْنفُ ِس ُك ْم ع ِ‬
‫وف َر ِحي ٌم ﴾ [التوبة‪]128 :‬‬ ‫َما َعنِتُّ ْم َح ِريصٌ َعلَ ْي ُك ْم بِ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ َر ُء ٌ‬
‫فالحرص الشديد لرسول هللا ‪ ‬على نجاة البشرية وخالصها هو الذي جعل ه‬
‫ال يترك مناسبة إال ويخبر فيها عما يتربصها في جميع مراح ل تاريخه ا المس تقبلية‬
‫من خير أو شر‪ ،‬مبينا أسباب ذلك وعوامله‪ ،‬وموجها إلى كيفية التعامل معه‪.‬‬
‫وهذا ما ينسجم م ع م ا ورد في النص وص الكث يرة من وض وح أم ر ال دين‪،‬‬
‫وكل ما يعترض حركته وتطبيقه في التاريخ من عقبات‪.‬‬
‫وفوق ذلك؛ ف إن الواق ع أحس ن دلي ل على ص حتها‪ ،‬ذل ك أن الكث ير من تل ك‬
‫االستشرافات التي أخبر عنها رسول هللا ‪ ‬تحققت بالفعل‪ ،‬ولذلك لم تبق حجة لمن‬
‫ينكرها‪ ،‬ولذلك أدرجها العلماء في [دالئل النبوة]‬
‫باإلضافة إلى ذلك؛ فقد أخبر هللا تعالى عن استعمال األنبياء عليهم السالم لها‬
‫لبيان نبوتهم وصدقهم‪ ،‬مثلما فعل يوسف عليه السالم عن دما ق ال مخاطب ا ص احبيه‬
‫في السجن‪ ﴿ :‬اَل يَأْتِي ُك َما طَ َعا ٌم تُرْ َزقَانِ ِه إِاَّل نَبَّأْتُ ُك َما بِتَأْ ِويلِ ِه قَ ْب َل أَ ْن يَأْتِيَ ُك َم ا َذلِ ُك َم ا ِم َّما‬
‫عَلَّ َمنِي َربِّي﴾ [يوسف‪]37 :‬‬
‫ومثل ه قول ه تع الى على لس ان المس يح علي ه الس الم مخاطب ا ب ني إس رائيل‪:‬‬
‫﴿ َوأُنَبِّئُ ُك ْم بِ َما تَأْ ُكلُونَ َو َما تَ َّد ِخرُونَ فِي بُيُوتِ ُك ْم إِ َّن فِي َذلِ كَ آَل يَ ةً لَ ُك ْم إِ ْن ُك ْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾‬
‫[آل عمران‪]49 :‬‬
‫ولهذا نرى اليهود والمسيحيين وغيرهم من أصحاب األدي ان‪ ،‬يعتم دون على‬
‫النبوءات في إثبات عقائدهم‪ ،‬ولهذا نجد في كتبهم المقدسة اهتماما كب يرا ب النبوءات‬
‫الغيبية‪ ،‬ومحاولة تطبيقها على الواقع‪.‬‬
‫وسر ذلك أن [النبوءات]‪ ،‬وخاصة الدقيقة منها‪ ،‬خارجة عن القدرات العلمي ة‬
‫‪13‬‬
‫العادية‪ ،‬فاإلنسان ال يعرف إال ماضيه وحاض ره‪ ،‬أم ا المس تقبل فه و غيب مطل ق‪،‬‬
‫ولذلك ال يعرفه بدقته إال من يملك االتصال بعالم الغيب‪ ،‬وذلك ألن النط ق ب النبوءة‬
‫خطير جدا‪ ،‬ذلك أنه يميز الصادق من الكاذب‪ ،‬وفي الت اريخ نب وءات كث يرة ك ذبت‬
‫أصحابها‪ ،‬وكانت من أسباب ارتفاع ثقة جمهورهم بهم‪ ..‬ومن ذلك البي ان الش يوعي‬
‫المعروف الذي صدر س نة ‪ ،1848‬وال ذي تنب أ ب أن أول البالد ال تي س تقود الث ورة‬
‫الشيوعية هي (ألمانيا)‪ ،‬لكنه وبعد مض ي العق ود الكث ير من الس نين لم تتحق ق ه ذه‬
‫النبوءة‪ ،‬بل سقطت الشيوعية نفس ها قب ل أن تتحق ق‪ ..‬وق د كتب ك ارل م اركس في‬
‫مايو سنة ‪ 1849‬ق ائال‪( :‬إن الجمهوري ة الحم راء ت بزغ في س ماء ب اريس)‪ ،‬ورغم‬
‫أكثر من قرن على هذه النبوءة إال أنها لم تتحقق(‪.)1‬‬
‫بناء على هذا لقي هذا الن وع من األح اديث اهتمام ا كب يرا من المح دثين من‬
‫المدرستين السنية والشيعية‪ ،‬حيث ال نجد كتاب ا من كتب الح ديث‪ ،‬إال ويش تمل على‬
‫أبواب من هذا النوع‪.‬‬
‫ففي الصحيحين اللذين تعتبرهما المدرسة الس نية أص ح الكتب بع د كت اب هللا‬
‫نجد هذا النوع من األحاديث‪ ،‬ففي صحيح البخاري‪ ،‬نرى كتابا ً مخصص ا ألح اديث‬
‫الفتن والمالحم‪ ،‬ترجم له البخاري بعنوان (كتاب الفتن)‪ ،‬جمع فيه ما ال يقل عن ‪87‬‬
‫حديثا ً مقسمةً على ‪ 28‬باباً‪ ..‬ومثله نجد في صحيح مس لم كتاب ا تحت عن وان (كت اب‬
‫الفتن وأشراط الساعة)‪ ،‬جمع في ه م اال يق ل عن ‪ 143‬ح ديثا ً موزع ا على ‪ 28‬باب اً‪،‬‬
‫وكان فيه أكثر تفصيالً ودقة من البخاري‪.‬‬
‫أما ّ في كتب السنن األربع ال تي تعتبره ا المدرس ة الس نية تالي ة للص حيحين‪،‬‬
‫فنجد فيها جميعا كتبا وأبوابا خاصة بهذا الن وع من الح ديث‪ ..‬ومن أمثله ا س نن أبي‬
‫داوود ال ِّس ِجستاني‪ ،‬الذي جمع مروي ات الفتن في مص نفه المش هور في ثالث ة كتب‪،‬‬
‫األول بعن وان (كت اب الفتن والمالحم)‪ ،‬أورد في ه م ا يق ارب ‪ 88‬ح ديثاً‪ ،‬والث اني‬
‫بعنوان (كتاب المه دي)‪ ،‬وذك ر في ه ‪ 21‬ح ديثاً‪ ،‬والث الث بعن وان (كت اب المالحم)‪،‬‬
‫جمع فيها ما يزيد عن ‪ 50‬حديثاً‪.‬‬
‫ومثله فعل الحافظ الترمذي‪ ،‬والذي خص ص كتاب ا ألح اديث الفتن والمالحم‪،‬‬
‫وترجم له بعنوان (أبواب الفتن عن رسول هللا ‪ ،)‬وقد جمع في ه م ا يزي د عن ‪70‬‬
‫بابا ً في أحاديث ومرويات الفتن‪.‬‬
‫ومثلهما فعل الحاف ظ أب و عب د ال رحمن النس ائي‪ ،‬لكن ه لم يف رد كتاب ا ً خاص ا ً‬
‫ألحاديث الفتن‪ ،‬بل بثها في ثنايا سننه على شكل أبواب متفرقة في كتب مختلفة‪.‬‬
‫ومثلهم فعل الحافظ ابن ماجة محمد القزويني‪ ،‬ال ذي خ رّج أح اديث الفتن في‬
‫سننه في كتاب ترجم له بـ [كت اب الفتن]‪ ،‬قس مه إلى م ا يزي د على ‪ 30‬باب ا ً جمعت‬
‫أكثر من ‪ 100‬حديث للنبي ‪ ‬في الموضوع‪.‬‬

‫‪ )(1‬االسالم يتحدى مدخل علمي الى االيمان‪ ،‬وحيد الدين خان‪ ،‬ص ‪.١٢٨‬‬
‫‪14‬‬
‫بل إنهم خصصوا كتبا خاصة بذلك‪ ،‬وهي كث يرة‪ ،‬ومن أهمه ا [كت اب الفتن]‬
‫(‪ ،)2‬لنعيم بن حماد‪ ،‬وه و من المص ادر الرئيس ية في ه ذا الب اب‪ ،‬لكون ه من الكتب‬
‫المتقدمة التي جمعت أكثر ما يتعلق بهذا الموضوع من أحاديث‪ ،‬باإلضافة إلى كونه‬
‫لقي اهتماما كبيرا من أئم ة الح ديث‪ ،‬ذل ك أن مؤل ف الكت اب (نعيم بن حم اد) ك ان‬
‫ش يخا لكب ار أئم ة الح ديث من أمث ال البخ اري ومس لم وأبي داوود والترم ذي‬
‫والنسائي‪ ،‬بل إنهم استندوا إليه في تخريج هذا النوع من الحديث‪.‬‬
‫ومنها كتاب (السنن الواردة في الفتن وغوائله ا واألزمن ة وفس ادها والس اعة‬
‫وأشراطها)(‪ )2‬ألبي عم رو ال داني‪ ،‬وق د قس مه إلى أك ثر من مئ ة ب اب‪ ،‬جم ع فيه ا‬
‫الكثير من أحاديث الفتن وتفاصيلها وأزمنتها واألمكنة التي تقع فيها‪.‬‬
‫وهك ذا نج د اهتم ام المص ادر الحديثي ة للمدرس ة الش يعية بأح اديث الفتن‬
‫والمالحم والنب وءات‪ ،‬ب ل إن اهتمامه ا به ا أك بر بكث ير‪ ،‬ذل ك أنه ا تعتبره ا من‬
‫المع ارف الديني ة الض رورية‪ ،‬وال تي ترتب ط به ا الكث ير من المواق ف والس لوكات‬
‫بخالف المدرسة السنية‪ ،‬والتي تكتفي عادة بربطها بالعقائد أو دالئل النبوة‪.‬‬
‫ولهذا نجد في كتب الحج اج والمن اظرات والج دل ال ذي دار بين المدرس تين‬
‫احتج اج كب ار أعالم الش يعة ومتكلميهم بأمث ال تل ك الرواي ات والنص وص‪ ،‬وال تي‬
‫ينقلونها في مصادرهم عبر طرق كثيرة متواترة‪.‬‬
‫ونحب أن ننب ه هن ا إلى أن الكث ير من الرواي ات ال تي نج دها في المص ادر‬
‫الشيعية‪ ،‬هي نفسها في المصادر السنية‪ ،‬وربما يكون ذل ك العتم اد كال المدرس تين‬
‫على م ا كتب ه نعيم بن حم اد في [كت اب الفتن]‪ ،‬باإلض افة ألبي ص الح الس ليلي بن‬
‫أحمد بن عيسى ابن شيخ الحساني‪ ،‬وأبي يحيى زكريا بن يحيى بن الحارث البزار‪..‬‬
‫وقد جمعها جميع ا علي بن موس ى بن ط اووس في كتاب ه [المالحم والفتن]‪،‬‬
‫وال ذي ذك ر ه ذه الكتب الثالث ة‪ ،‬وبين م دى مص داقيتها‪ ،‬ثم ق ال‪( :‬وق د اقتض ت‬
‫االس تخارة أن أذك ر من ه ذه الثالث ة المص نفات م ا يوفق ني هللا ج ل جالل ه ل ذكره‬
‫وأكون في ثقله متابعا لمق دس أم ره وحافظ ا بجمع ه م ا تف رق من س ره ومس تفتحا‬
‫ألبواب بره ونصره‪ ،‬وتعظيم قدره والتعريف لما يجب على ذلك من حمده وش كره‪،‬‬
‫وأجعله أبوابا وفي كل باب أذكر ما اشتمل عليه الباب من خبره وخبره‪ ،‬وأقيد ذك ر‬
‫األبواب التي في ذلك الكتاب ليعرف الناظر فيها ما اش تملت علي ه فيطلب ه من حيث‬
‫يرشده إليه إن شاء هللا تعالى)(‪)3‬‬
‫ثم بين م دى قيم ة كت اب أبي نعيم خصوص ا‪ ،‬وذك ر أن ذل ك بس بب كون ه‬
‫(‪..‬أق رب عه د بالص حابة والت ابعين وق د زك اه جماع ة من المفس رين)(‪ ،)4‬ثم ذك ر‬

‫‪ )(2‬ويقال بأن اسمه الصحيح هو (الفتن والمالحم)‪ ،‬ولكنه اشتهر بكتاب [الفتن]‪.‬‬
‫‪ )( 2‬وقد قام بتحقيقه رضاء هللا المباركفوري‪ ،‬وطبعته دار العاصمة بالرياض في ستنة مجلدات‪.‬‬
‫‪ )( 3‬المالحم والفتن في ظهور الغائب المنتظر عجل هللا فرجه الشريف‪ ،‬السيد رض ي ال دين ابي القاس م علي بن‬
‫موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪15‬‬
‫بعض الروايات عن األعالم الذين وثقوه‪ ،‬وال ذين ذك روا عالقت ه الطيب ة بأص حاب‬
‫اإلمام علي‪ ،‬وروايته عنهم‪.‬‬
‫ول ذلك؛ ف إن معظم الخالف بين المدرس تين ليس في نص وص األح اديث‬
‫والروايات‪ ،‬وإنما في تطبيقها على المصاديق الالئقة بها‪ ،‬حيث نجد ك ل مص نف أو‬
‫شارح لتلك األحاديث يطبقها على ما يراه من الواقع الذي عاشه‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ما فعله أبو عمرو الداني في كتابه [الس نن ال واردة في‬
‫الفتن وغوائلها واألزمنة وفسادها والساعة وأشراطها] حيث طب ق أحاديث ه على م ا‬
‫وقع في زمانه من أحداث‪ ،‬ول ذلك ذك ر في كتاب ه أن الفتن ة ق د وص لت ذروته ا في‬
‫زمانه ولم يبق إالّ العالمة الكبرى لقيام الساعة‪ ،‬فقال‪( :‬فقد ظهر في وقتن ا وفش ا في‬
‫زماننا من الفتن وتغي ير األح وال وفس اد ال دين‪ ،‬واختالف القل وب‪ ،‬وإحي اء الب دع‪،‬‬
‫وإماتة السنن‪ ،‬ما دل على انقراض الدنيا وزوالها‪ ،‬ومجيء الساعة واقترابها‪ ،‬إذ كل‬
‫ما قد تواتر من ذلك وتتابع وانتشر‪ ،‬وفشا وظهر‪ ،‬قد أعلمنا به نبينا ‪ ‬وخوفناه)(‪)1‬‬
‫بناء على هذا كله‪ ،‬فقد قسمنا الكتاب إلى خمسة فصول‪ ،‬كما يلي‪:‬‬
‫الفصــل األول‪ :‬ح ول األح اديث المقبول ة المرتبط ة بتحدي د أئم ة اله دى‬
‫وأوصافهم في المصادر السنية‪.‬‬
‫الفصــل الثــاني‪ :‬ح ول األح اديث المقبول ة المرتبط ة بتحدي د أئم ة اله دى‬
‫وأوصافهم في المصادر الشيعية‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬حول األحاديث المقبولة المرتبط ة باالمت داد الرس الي‪ ،‬والفتن‬
‫التي تعرض له في المصادر السنية‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬حول األحاديث المقبولة المرتبط ة باالمت داد الرس الي‪ ،‬والفتن‬
‫التي تعرض له في المصادر الشيعية‪.‬‬
‫الفصــل الخــامس‪ :‬ح ول األح اديث الم ردودة المرتبط ة باإلمام ة واالمت داد‬
‫الرسالي‪.‬‬
‫وقد حاولنا االكتفاء بإيراد األحاديث‪ ،‬وبيان مدلوالتها العامة من دون تفصيل‬
‫كبير‪ ،‬إال إذا رأينا أن تأويال لحق بتلك األحاديث ليحرفها عن معناها؛ فنحتاج حينها‬
‫لرده‪.‬‬

‫‪ )(1‬السنن الواردة في الفتن وغوائلها واألزمنة وفسادها والساعة وأشراطها‪.1/177 ،‬‬


‫‪16‬‬
‫الفصل األول‬
‫أئمة الهدى وأوصافهم في المصادر السنية‬
‫وهي أح اديث كث يرة ج دا يوص ي فيه ا رس ول هللا ‪ ‬أمت ه بمن ابع الهداي ة‬
‫الصافية التي لم تختلط بغيرها‪ ،‬مثلما فعل كل األنبياء قبل ه‪ ،‬لعلم ه ب أن الش يطان لن‬
‫يترك اإلسالم صافيا نقيا‪ ،‬بل سيعمل على تشويهه وملئه باالنحرافات مثلما فعل م ع‬
‫األديان السابقة‪.‬‬
‫ول ذلك لم ي ترك األم ر س دى‪ ،‬وال جع ل حب ل األم ة في أي دي ك ل أفراده ا؛‬
‫فيستحيل أن يستقيم أمر أمة يكون لكل فرد منها الحق في الكالم في ال دين‪ ،‬وإدخ ال‬
‫ما شاء فيه‪ ،‬ألن ذلك ييسر أمر المندسين الذين قد يلبس ون لب اس التق وى‪ ،‬ليتحول وا‬
‫إلى ثقاة عند جمهور الناس‪ ،‬ليضيفوا من خالل ذلك إلى الدين من القيم والتشريعات‬
‫والعقائد ما يحلو لهم‪.‬‬
‫وله ذا؛ ف إن رس ول هللا ‪ ‬كم ا ك ان حريص ا في ك ل المع ارك على تحدي د‬
‫القادة‪ ،‬وكما كان يدعو كل ثالث ة من الن اس إلى اختي ار أم ير لهم؛ فإن ه دع ا األم ة‬
‫ك ذلك إلى االل تزام في أم ر دينه ا بأئم ة مح دودين مثلم ا ت أتم في ص التها بأئم ة‬
‫محدودين‪.‬‬
‫وبناء على كثرة األحاديث الدالة على هذا؛ فق د قس مناها إلى س بعة أص ناف‪،‬‬
‫كل صنف منها له داللته الخاصة‪ ،‬والتي ال تكتم ل إال بض مه إلى غيره ا‪ ،‬ح تى ال‬
‫نقع فيما وقع فيه أولئك ال ذين ي روون ه ذه األح اديث منفص لة عن بعض ها‪ ،‬وله ذا‬
‫يفهمونها فهما جزئيا ال كليا‪.‬‬
‫وهذه األقسام السبعة هي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الوصايا النبوية بالتمسك بالعترة الطاهرة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الوصايا النبوية بمحبة العترة الطاهرة واالرتباط بها‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تحديد مصاديق العترة الطاهرة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تحديد عدد الخلفاء المهديين والدعوة إلى االستنان بسنتهم‪.‬‬
‫‪ .5‬اعتبار اإلمام علي أول أئمة الهدى‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ اعتبار الحسن والحسين من أئمة الهدى‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ أحاديث البشارة باإلمام المهدي‪.‬‬
‫وهذه األقسام جميع ا‪ ،‬وم ا ينتج عنه ا تش كل أرض ية للتواف ق بين األح اديث‬
‫الواردة في المصادر الس نية والش يعية‪ ،‬وهي تجع ل منه ا أك ثر مقبولي ة؛ فاألم ة ال‬
‫تجتمع على ضاللة‪.‬‬
‫أوال ـ الوصايا النبوية بالتمسك بالعترة الطاهرة‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة‪ ،‬لكن أشهرها م ا يطل ق علي ه [ح ديث الثقلين]‪ ،‬ويس مى‬
‫ك فيكم الثَّقَلي ِن) ـ كم ا ي ذكر المح دثون ـ‬ ‫كذلك لقوله ‪ ‬في بعض ألفاظه‪( :‬إنِّي تار ٌ‬
‫ألهميتهما‪ ،‬قال القاضي عياض‪( :‬قِيل ُس ِّميَا بذلك؛ ل ِعظم أقدارهما‪ ،‬وقيل‪ :‬لش َّدة ْ‬
‫األخذ‬
‫بهما)(‪ ،)1‬وقال النوويُّ ‪( :‬س ِّميَا ثَقلين؛ لعظمهما‪ ،‬وكبير شأنهما)(‪)2‬‬
‫وقد روي عن جمع من الصحابة‪ ،‬وبصيغ متقارب ة‪ ،‬ت دل على أن رس ول هللا‬
‫‪ ‬كان يكثر من ذكره والتنبي ه علي ه‪ ،‬وه و بجمي ع ص يغه ي دل على ك ون الع ترة‬
‫الطاهرة منبعا من منابع الهداية الصافية‪ ،‬بدليل ذكرها مع القرآن الك ريم‪ ،‬واإلخب ار‬
‫بعدم افتراقها عنه‪ ،‬ومن تلك الصيغ‪:‬‬
‫ُ‬
‫(تركت فيكم م ا‬ ‫علي عن رسول هللا ‪ ‬أنه قال‪:‬‬ ‫حديث اإلمام ِّ‬ ‫ُ‬ ‫[الحديث‪ ]1 :‬ـ‬
‫وأهل بَيتي)(‪)3‬‬ ‫َ‬ ‫كتاب هللا‪ ،‬سببُه بيده وسببُه بأيديكم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫إن أخذتُم به لن تضلُّوا‪:‬‬ ‫ْ‬
‫ك‬ ‫ت عن رس ول هللا ‪ ‬أن ه ق ال‪( :‬إني ت ار ٌ‬ ‫حديث زَي د بن ث اب ٍ‬ ‫ُ‬ ‫[الحديث‪]2 :‬ـ‬
‫وع ترتي أه ل بي تي؛ فإنَّهم ا لن يفترقَ ا‬ ‫فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا‪ :‬كت اب هللا‪ِ ،‬‬
‫الحوض)(‪)4‬‬ ‫ي‬
‫يردَا عل َّ‬
‫َ‬ ‫حتى ِ‬
‫ك فيكم‬ ‫[الحديث‪ ]3 :‬حديث زَيد بن أرق َم عن رسول هللا ‪ ‬أنه قال‪( :‬إنِّي تار ٌ‬
‫ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا بعدي‪ .‬أحدُهما أعظ ُم من اآلخَ ر‪:.‬كتاب هللا‪ ،‬ح ْب ٌل مم دو ٌد‬
‫وض‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ي الح‬ ‫من السَّماء إلى األرض‪ ،‬و ِعترتي أهل بيتي‪ ،‬ولن يتف َّرقَا ح تى ي ِردَا عل َّ‬
‫فانظروا كيف تَخلُفوني فيهما)(‪)5‬‬
‫أمرين لن تضلُّوا إن اتَّبعتموهم ا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ك فيكم‬ ‫وفي لفظ آخر‪( :‬أيُّها الناس‪ ،‬إنِّي تار ٌ‬
‫عترتي)(‪)6‬‬ ‫وهما‪ :‬كتابُ هللا‪ ،‬وأه ُل بيتي ِ‬
‫جابر بن عبد هللا عن رس ول هللا ‪ ‬أن ه ق ال‪( :‬ي ا أيُّه ا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حديث‬ ‫[الحديث‪]4 :‬ـ‬
‫ل بَيتي)(‪)7‬‬ ‫وعترتي أ ْه َ‬ ‫إن أخذتُم به لن تضلُّوا‪ :‬كتاب هللا‪ِ ،‬‬ ‫تركت فيكم ما ْ‬ ‫ُ‬ ‫الناس‪ ،‬إني‬
‫[الحديث‪ ]5 :‬ـ حديث أبي سعي ٍد ال ُخدريِّ عن رسول هللا ‪ ‬أنه ق ال‪( :‬إنِّي ق د‬
‫ين‪ .‬أحدهما أكب ُر ِمن اآلخَر‪ .‬كتاب‬ ‫إن أخذتم به‪ ،‬لن تضلُّوا بعدي‪ :‬الثَّقلَ ِ‬ ‫تركت فيكم ما ْ‬ ‫ُ‬
‫فترقَ ا‬‫هللا‪ ،‬ح ْب ٌل ممدود من السَّماء إلى األرض‪ ،‬و ِعترتي أهل بي تي‪ ،‬أاَل وإنهم ا لن يَ ِ‬
‫الحوض)(‪)8‬‬ ‫ي‬ ‫يردَا عل َّ‬
‫َ‬ ‫حتى ِ‬
‫‪ )(1‬انظر‪( :‬مشارق األنوار على صحاح اآلثار) (‪)1/134‬‬
‫‪ )(2‬انظر‪( :‬شرح صحيح مسلم) (‪)15/180‬‬
‫‪ )(3‬رواه إسحاق بن راهويه كما في (إتحاف الخ يرة المه رة) للبوص يري (‪ ،)7/210‬و(المط الب العالي ة) البن‬
‫حج ر (‪ )4/252‬والطح اوي في (ش رح مش كل اآلث ار) ( ‪ ،)1760‬والح ديث ص حح إس ناده الحاف ظ ابن حج ر في‬
‫(المطالب العالية) (‪)4/252‬‬
‫‪ )(4‬رواه عبد بن حميد في (مسنده) (‪)240‬‬
‫‪ )(5‬رواه الترمذي (‪ ،)3788‬والفس وي في (المعرف ة والت اريخ) (‪ ،)1/536‬والش جري في (ت رتيب األم الي) (‬
‫‪ )738‬قال الترمذي‪( :‬حسن غريب)‬
‫‪ )(6‬رواه الحاكم (‪ ،)4577‬والشجري في (ترتيب األمالي) (‪)712‬‬
‫‪ )(7‬رواه الترمذي (‪ ،)3786‬والطبراني في (المعجم الكبير) (‪)2680( )3/66‬‬
‫‪ )(8‬رواه أحمد (‪ ،)11578‬وابن أبي عاصم في (السنة) (‪ ،)1553‬وأبو يعلى (‪ ،)1140‬والطبراني في (المعجم‬
‫الكبير) (‪ ،)2678( )3/65‬والبغوي في (شرح السنة) (‪)3914‬‬
‫‪18‬‬
‫تمس كتم ب ه‪ ،‬فلن تض لُّوا‪ :‬كت َ‬
‫اب هللا‪ ،‬وأه َل‬ ‫إن َّ‬ ‫ُ‬
‫ركت فيكم م ا ْ‬ ‫وفي رواي ة‪( :‬ت‬
‫بيتي)(‪)1‬‬
‫تمس كتم ب ه‪ ،‬لن تض لُّوا بع دي‪ .‬أح دهما‬ ‫إن َّ‬ ‫ك فيكم م ا ْ‬ ‫وفي رواي ة‪( :‬إني ت ار ٌ‬
‫وع ترتي أ ْه ل‬ ‫الس ماء إلى األرض‪ِ ،‬‬ ‫أعظ ُم من اآلخَر‪ :.‬كت اب هللا‪ ،‬حب ٌل مم دود من َّ‬
‫ي الحوض‪ ،‬فانظروا كيف تَخلُفوني فيهما)(‪)2‬‬
‫بيتي‪ ،‬ولن يتف َّرقَا حتى ِ‬
‫يردَا عل َّ‬
‫وال تع ارض بين ه ذه األح اديث وبين م ا ورد من الرواي ات في الجم ع بين‬
‫الوصية بالقرآن الكريم والسنة‪ ،‬على الرغم من كون المح دثين يض عفون الرواي ات‬
‫التي استبدل فيها لفظ [العترة] بلفظ [السنة]‪ ،‬ذلك أن ه وردت أح اديث أخ رى تض ع‬
‫سنة رسول هللا ‪ ،‬وس نة أئم ة اله دى في مح ل واح د‪ ،‬وله ذا يمكن اعتباره ا من‬
‫األحاديث المقبولة‪ ،‬والتي يمكن الجمع بينها وبين األحاديث الواردة بلفظ العترة‪.‬‬
‫ركت فيكم أم رين لن تض لُّوا‬ ‫ُ‬ ‫[الحديث‪ ]6 :‬ـ ومن تلك األحاديث قول ه ‪( :‬ت‬
‫وس نَّةَ‬
‫اب هللا ُ‬ ‫كتاب هللا ج َّل وع َّز‪ ،‬و ُسنَّةَ نبيِّه)(‪ ،)3‬وقوله‪ ..( :‬وما عطَّلوا كت َ‬
‫َ‬ ‫بعدهما‪:‬‬
‫ركت فيكم أيُّه ا الن اس‪ ،‬م ا إ ِن‬ ‫ُ‬ ‫بأس هم بينهم)(‪ ،)4‬وقول ه‪( :‬ت‬ ‫رس ولِه‪ ،‬إاَّل ج َع ل هللا َ‬
‫ركت فيكم‬ ‫ُ‬ ‫وس نَّة نبيِّه)(‪ ،)5‬وقول ه‪( :‬ق د ت‬‫اعتصمتم به‪ ،‬فلن تض لُّوا أب دًا‪ :‬كت اب هللا‪ُ ،‬‬
‫فت‬ ‫وس نَّة ن بيِّكم)(‪ ،)6‬وقول ه‪( :‬إنِّي ق د َخلَّ ُ‬ ‫بَعْدي ما إن أخ ذتُم‪ ،‬لم تض لُّوا‪ :‬كت اب هللا‪ُ ،‬‬
‫ي‬‫وس نتي‪ ،‬ولن يتف َّرقَ ا ح تى ي ِردَا عل َّ‬ ‫فيكم اثنين‪ ،‬لن تضلُّوا بعدهما أبدًا‪ :‬كت اب هللا‪ُ ،‬‬
‫وس نَّتي؛‬ ‫تركت فيكم الثَّقلين‪ :‬كت اب هللا‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الحوض)(‪ ،)7‬وقوله‪( :‬يا أيُّها الناس‪ ،‬إنِّي قد‬
‫فاستن ِطقوا القرآن ب ُسنَّتي‪ ،‬وال تعسفوه؛ فإنَّه لن تع َمى أبص ارُكم‪ ،‬ولن تَ ِز َّل أق دامكم‪،‬‬
‫ر أيديكم ما أخذتُم بهما)(‪)8‬‬ ‫ولن تقص َ‬
‫ومع ورود الحديث بتلك الصيغ الكثيرة الصحيحة الدال ة على وص ية رس ول‬
‫هللا ‪ ‬بالعترة‪ ،‬واعتبارها منبعا من منابع الهداية مثلها مثل القرآن الكريم‪ ،‬وأن ه ال‬
‫تعارض لذلك بينها وبين السنة النبوي ة‪ ،‬ذل ك أنه ا مكمل ة ومبين ة له ا‪ ،‬مثلم ا تكم ل‬
‫السنة القرآن وتبينه؛ إال أنه مع ذلك نجد من العلماء ال ذين أث رت فيهم الفئ ة الباغي ة‬
‫يردون تلك األحاديث‪ ،‬مع أنهم يسلمون بصحتها‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك قول ابن قدامة المقدسي‪( :‬ال نس لم أن الم راد ب الثقلين‪:‬‬

‫‪ )(1‬رواه أحمد في (فضائل الصحابة) (‪)170‬‬


‫‪ )(2‬رواه الترمذي (‪ )3788‬قال الترمذي‪ :‬حسنٌ غريب‪.‬‬
‫‪ )(3‬رواه بحشل في (تاريخ واسط) (ص‪)50‬‬
‫‪ )(4‬رواه البيهقي في (شعب اإليمان) (‪ ،)3315‬والسخاوي في (األجوبة المرضية) (‪)2/546‬‬
‫‪ )(5‬رواه الحاكم في (المستدرك)‪ ،‬والمروزي في (الس نة) (‪ ،)68‬والعقيلي في (الض عفاء الكب ير) (‪( ،)2/250‬‬
‫‪ ،)318‬والبيهقي في (دالئل النبوة) (‪)5/449‬‬
‫‪ )(6‬رواه أبو نعيم في (تاريخ أصبهان) (‪)1/138‬‬
‫‪ )(7‬رواه ال بزار (‪ )8993‬واللف ظ ل ه‪ ،‬والعقيلي في (الض عفاء الكب ير) (‪ ،)2/250‬وابن ع دي في (الكام ل في‬
‫الضعفاء) (‪ ،)4/69‬والدارقطني (‪ ،)4/245‬والحاكم (‪)4321‬‬
‫‪ )(8‬رواه الخطيب في (الفقيه والمتفقه) (‪ ،)1/275‬وفيه‪ :‬سيف بن عمر؛ قال ابن معين‪ :‬ضعيف الح ديث‪ .‬وق ال‬
‫أبو حاتم‪ :‬متروك الح ديث‪ ،‬يش به حديث ه ح ديث الواق دي‪ .‬وق ال أب و داود‪ :‬ليس بش يء‪ .‬وق ال النس ائي وال دارقطني‪:‬‬
‫ضعيف‪ .‬ينظر‪( :‬تهذيب التهذيب) البن حجر (‪)4/259‬‬
‫‪19‬‬
‫القرآن‪ ،‬والعترة‪ ،‬وإنما المراد‪ :‬الق رآن والس نة‪ ،‬كم ا في الرواي ة األخ رى‪( :‬ت ركت‬
‫فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما‪ :‬كت اب هللا‪ ،‬وس نة رس وله)‪ ،‬وإنم ا خص ‪‬‬
‫العترة بالذكر؛ ألنهم أخبر بحاله ‪)1()‬‬
‫وهنا نالحظ مدى التخبط الذي يقع فيه صاحب هذا القول؛ فبينما يسلم للع ترة‬
‫بكونها أخبر بحال رسول هللا ‪ ،‬وأعرف به من غيرهم‪ ،‬ومع ذلك ي رد الرواي ات‬
‫الدالة على الوصية بها وبهديها‪.‬‬
‫ومثل ذلك قول اآلمدي‪( :‬ال نس لم أن الم راد ب الثقلين‪ :‬الكت اب‪ ،‬والع ترة‪ ،‬ب ل‬
‫الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬على ما روي أنه قال‪( :‬كتاب هللا‪ ،‬وسنتي)(‪)2‬‬
‫مع أنه يقرر في كتبه األصولية‪ ،‬وفي مباحث التعارض وال ترجيح‪ ،‬أن ه يق دم‬
‫الح ديث الص حيح على الض عيف‪ ،‬وأن ه في ح ال إمك ان الجم ع بين األح اديث ال‬
‫يرفض أي منها‪.‬‬
‫ومن تلك التأويالت للح ديث م ع وض وحه قص ر الوص ية بأه ل ال بيت على‬
‫التعامل العاطفي المجرد عن اتباع هديهم‪ ،‬مع أن هذا الحديث وغيره يشير إلى ذل ك‬
‫بدليل اقتران العترة ب القرآن الك ريم واإلخب ار بع دم افتراقهم ا‪ ،‬وه و م ا ع بر عن ه‬
‫القرطبي بقوله‪( :‬وأهل بيتي‪ ،‬أذكركم هللا في أهل بيتي‪ .‬ثالثا)؛ ه ذه الوص ية‪ ،‬وه ذا‬
‫التأكي د العظيم يقتض ي‪ :‬وج وب اح ترام آل الن بي ‪ ‬وأه ل بيت ه‪ ،‬وإب رارهم‪،‬‬
‫وتوقيرهم‪ ،‬ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة‪ ،‬التي ال عذر ألحد في التخلف عنها‪.‬‬
‫هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي ‪ ،‬وبأنهم جز ٌء منه؛ فإنهم أصوله التي نشأ‬
‫منها‪ ،‬وفروعه التي تنشأ عنه)(‪)3‬‬
‫وق ال ابن كث ير‪( :‬وال تنك ر الوص اة بأه ل ال بيت‪ ،‬واألم ر باإلحس ان إليهم‪،‬‬
‫واح ترامهم وإك رامهم؛ ف إنهم من ذري ة ط اهرة‪ ،‬من أش رف بيت وج د على وج ه‬
‫األرض‪ ،‬فخرا وحسبا ونسبا‪ ،‬وال سيما إذا ك انوا متبعين للس نة النبوي ة‪ ،‬الص حيحة‬
‫الواضحة الجلية‪ ،‬كما كان عليه سلفهم‪ ،‬كالعباس وبني ه‪ ،‬وعلي وأه ل بيت ه وذريت ه)‬
‫(‪)4‬‬
‫ومن التأويالت الواردة في الحديث لصرفه عن معناه اس تعمال ك ل الوس ائل‬
‫إلدخال كل بني هاشم مع العترة‪ ،‬وكأن رسول هللا ‪ ‬يجعل الدين ميراث ا يقس م بين‬
‫األس رة‪ ،‬ال أن ه ك ان حريص ا على دالل ة األم ة على أف راد مح دودين مع دودين‬
‫يتعاقبون على حم ل اله دي الص حيح بس بب عالقتهم المتين ة برس ول هللا ‪ ،‬كم ا‬
‫يشير إلى ذل ك م ا ذك ره هللا تع الى عن وراث ة يحي لزكري ا عليهم ا الس الم‪ ،‬أو م ا‬
‫ث ُسلَ ْي َمانُ دَا ُوو َد ﴾ [النمل‪]16 :‬‬
‫يصرح به قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َو ِر َ‬
‫ومن األمثلة على ذل ك ق ول ابن تيمي ة‪( :‬إن الن بي ‪ ‬ق ال عن عترت ه‪ :‬إنه ا‬
‫‪ )(1‬روضة الناظر (‪)1/470‬‬
‫‪ )(2‬اإلحكام في أصول األحكام‪)1/308( ،‬‬
‫‪ )(3‬المف ِهم لِ َما أشكل من تلخيص كتاب مسلم‪)20/51( ،‬‬
‫‪ )(4‬تفسير ابن كثير‪)7/201( ،‬‬
‫‪20‬‬
‫والكتاب لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض‪ ،‬وهو الصادق المصدوق؛ فيدل على أن‬
‫إجماع العترة حجة‪ ،‬وهذا ق ول طائف ة من أص حابنا‪ ،‬وذك ره القاض ي في المعتم د‪،‬‬
‫لكن الع ترة هم بن و هاش م كلهم‪ :‬ول د العب اس‪ ،‬وول د علي‪ ،‬وول د الح ارث بن عب د‬
‫ي وحده ليس هو العترة‪ ،‬وسيد العترة‬ ‫المطلب‪ ،‬وسائر بني أبي طالب وغيرهم‪ ،‬وعل ٌ‬
‫هو رسول هللا ‪ ‬وإجماع األم ة حج ة بالكت اب والس نة واإلجم اع‪ ،‬والع ترة بعض‬
‫األمة‪ ،‬فيلزم من ثبوت إجماع األمة إجماع العترة)(‪)1‬‬
‫وهكذا تحول الح ديث عن ده من الوص ية باتب اع الع ترة إلى الوص ية باتب اع‬
‫األمة‪ ،‬وهو في ذلك يشبه الوالد الذي يوصي ولده بأن يتمسك بهدي نفسه‪.‬‬
‫ومثل ابن تيمية في المتقدمين نجد األلب اني يس تعمل س الح الطائفي ة لض رب‬
‫الحديث‪ ،‬وعدم االستفادة منه على الرغم من تصحيحه له ولطرقه الكثيرة؛ فقد ق ال‪:‬‬
‫(من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة‪ ،‬ويلهجون بذلك كث يرا‪ ،‬ح نى يت وهم‬
‫بعض أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك‪ ،‬وهم جميع ا واهم ون في ذل ك‪ ،‬وبيان ه من‬
‫وجهين)(‪)2‬‬
‫أم ا الوج ه األول ال ذي ذك ره؛ فق د ع بر عن ه بقول ه‪( :‬األول‪ :‬أن الم راد من‬
‫الحديث في قوله ‪( :‬عترتي) أكثر مما يريده الشيعة‪ ،‬وال يرده أهل السنة‪ ،‬ب ل هم‬
‫مستمسكون به‪ ،‬أال وهو أن العترة فيه هم أهل بيته ‪ ،‬وقد ج اء ذل ك موض حا في‬
‫بعض طرقه كحديث الترجم ة‪( :‬وع ترتي أه ل بي تي)‪ ،‬وأه ل بيت ه في األص ل‪ :‬هم‬
‫نساؤه ‪ ،‬وفيهن الصديقة عائشة‪ ..‬وتخصيص الشيعة (أهل البيت) في اآلي ة بعلي‬
‫وفاطمة والحسن والحسين‪ ،‬دون نسائه ‪ ‬من تحريفهم آلي ات هللا تع الى؛ انتص ارا‬
‫ألهوائهم)(‪)3‬‬
‫وهو وجه يتناقض مع األحاديث التي ص ححها ح ول مص اديق أه ل ال بيت‪،‬‬
‫والذي سنورده مع األحاديث الدالة عليه بعنوان خاص في هذا المبحث‪.‬‬
‫وأما الوجه الثاني‪ ،‬فذكر فيه (أن المقصود من (أهل البيت) إنم ا هم العلم اء‬
‫الصالحون منهم‪ ،‬والمتمسكون بالكت اب والس نة؛ ق ال اإلم ام أب و جعف ر الطح اوي‪:‬‬
‫(العترة‪ :‬هم أهل بيته صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬الذين هم على دينه‪ ،‬وك ذلك المتمس كون‬
‫بأمره)‬
‫ٌ‬
‫ومثله ما عبر عنه ابن باز بقول ه‪( :‬إني ت ارك فيكم ثقلين‪ :‬أولهم ا‪ :‬كت اب هللا‪،‬‬
‫فيه الهدى والنور؛ فخذوا بكتاب هللا‪ ،‬واستمسكوا ب ه‪ ،‬ثم ق ال‪ :‬وأه ل بي تي‪ ،‬أذك ركم‬
‫هللا في أهل بيتي)‪ ،‬يعني بهم‪ :‬زوجاته‪ ،‬وقراباته من بني هاشم‪ ،‬يذكر الن اس باهلل في‬
‫أه ل بيت ه‪ ،‬ب أن يرفق وا بهم‪ ،‬وأن يحس نوا إليهم‪ ،‬ويكف وا األذى عنهم‪ ،‬ويوص وهم‬
‫ب الحق‪ ،‬ويعط وهم حق وقهم م ا دام وا مس تقيمين على دين ه‪ ،‬متبعين لش ريعته علي ه‬

‫‪ )(1‬منهاج السنة النبوية‪)397-7/393( ،‬‬


‫‪ )(2‬سلسلة األحاديث الصحيحة‪)4/260( ،‬‬
‫‪ )(3‬سلسلة األحاديث الصحيحة‪)4/260( ،‬‬
‫‪21‬‬
‫والسالم)(‪)1‬‬
‫الصالة‬
‫وهك ذا راح الكث ير من العلم اء يؤول ون الح ديث عن معن اه على ال رغم من‬
‫وجود أحاديث أخرى كثيرة تدل على معن اه‪ ،‬باإلض افة لم ا ورد في الق رآن الك ريم‬
‫ك فيكم‬‫من ذل ك‪ ،‬ومنه ا ق ول ابن حج ر الهيتمي‪( :‬وفي رواي ة ص حيحة‪( :‬إني ت ار ٌ‬
‫أم رين‪ ،‬لن تض لوا إن تبعتموهم ا‪ ،‬وهم ا‪ :‬كت اب هللا‪ ،‬وأه ل بي تي ع ترتي)‪ ...‬وفي‬
‫رواية‪( :‬كتاب هللا‪ ،‬وسنتي) وهي المراد من األحاديث المقتص رة على الكت اب؛ ألن‬
‫السنة مبينة ل ه‪ ،‬ف أغنى ذك ره عن ذكره ا‪ ،‬والحاص ل‪ :‬أن الحث وق ع على التمس ك‬
‫بالكتاب‪ ،‬وبالسنة‪ ،‬وبالعلماء بهما من أهل البيت)(‪)2‬‬
‫ثانيا ـ الوصايا النبوية بمحبة العترة الطاهرة واالرتباط بها‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة توصي المؤمنين بمحب ة الع ترة الط اهرة‪ ،‬والتعل ق به ا‪،‬‬
‫والصالة عليها‪ ،‬باعتبارها سفينة نجاة األم ة من الفتن‪ ،‬وهي تح ذر في نفس ال وقت‬
‫من إذيتها أو الوق وف في ص ف أع دائها‪ ..‬وهي كله ا تحم ل إش ارات واض حة إلى‬
‫الوظ ائف ال تي أنيطت بتل ك الع ترة؛ فرس ول هللا ‪ ‬أعظم من أن تك ون وص اياه‬
‫متعلقة بالعواطف المجردة عن التفعيل واآلثار‪.‬‬
‫ولألسف؛ فإن الكث ير ممن ي ؤمن بتل ك األح اديث‪ ،‬ت وهم أنه ا مرتبط ة بك ل‬
‫منتسب ألهل البيت‪ ،‬وليس لتلك الع ترة ال تي ق اومت الظلم واالس تبداد‪ ،‬واس تعملت‬
‫كل الوسائل لمواجهة التحريف‪ ،‬لكنها لم تجد من يقف معها إال القليل‪.‬‬
‫بل نجد من يؤمن بتلك األحاديث‪ ،‬ممن لم يفتن ب أن يعيش في تل ك العص ور‪،‬‬
‫يقف موقفا سلبيا من تلك العترة‪ ،‬بتولي أعدائها‪ ،‬ومن حاربوها‪ ،‬والدفاع عنهم‪ ،‬وفي‬
‫نفس الوقت يتص ور أن ه ركب س فينة النج اة بمحبتهم‪ ،‬ولس ت أدري أي محب ة تل ك‬
‫التي تجعل الشخص يقف مع أعداء من يحبه؛ ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ما ورد في كون العترة الطاهرة سفينة نجاة األمة من الفتن‪:‬‬
‫[الحديث‪]6 :‬ـ عن ابن عباس قال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬النج وم أم ان أله ل‬
‫السماء‪ ،‬وأهل بيتي أمان ألمتي من االختالف‪ ،‬فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلف وا‬
‫فصاروا حزب إبليس)(‪)3‬‬
‫وهذا الحديث واضح في الداللة على أهمية وضع اإلمامة في مح ل مض بوط‬
‫محدد حتى ال تتيه بالمؤمن السبل‪ ،‬ويشتد الخالف‪.‬‬
‫[الحديث‪]7 :‬ـ عن سلمة بن األكوع‪ ،‬قال‪ :‬قال رس ول هللا ‪( :‬النج وم أم ان‬
‫ألهل السماء‪ ،‬وأهل بيتي أمان ألمتي)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪]8 :‬ـ عن ج ابر بن عب د هللا أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬النج وم أم ان‬

‫‪ )(1‬مجموع فتاوى ابن باز‪)9/34( ،‬‬


‫المحرقة‪)2/439( ،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ )(2‬الصواعق‬
‫‪ )(3‬رواه الحاكم‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/7‬‬
‫‪ )(4‬رواه ابن أبي شيبة ومسدد وأبو يعلى والحكيم والترمذي والط براني وابن عس اكر‪ ،‬س بل اله دي والرش اد (‬
‫‪)11/6‬‬
‫‪22‬‬
‫ألهل السماء‪ ،‬فإذا ذهبت أتاها ما توعدون‪ ،‬وأنا أمان ألصحابي‪ ،‬فإذا ذهبت أتاهم ما‬
‫يوعدون‪ ،‬وأهل بيتي أمان ألمتي‪ ،‬فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]9 :‬ـ عن اإلمام علي قال‪ :‬قال رس ول هللا ‪( :‬النج وم أم ان أله ل‬
‫السماء‪ ،‬فإذا ذهبت النجوم‪ ،‬ذهب أهل السماء‪ ،‬وأهل بي تي أم ان أله ل األرض ف إذا‬
‫ذهب أهل بيتي ذهب أهل األرض)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]10 :‬عن أبي سعيد الخدري وغيره‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬مثل‬
‫أهل بيتي فيكم كسفينة نوح في قوم نوح‪ ،‬من ركبها نج ا‪ ،‬ومن تخل ف عنه ا غ رق‪،‬‬
‫ومثل حطة بني إسرائيل)(‪)3‬‬
‫‪ 2‬ـ ما ورد في الحث على حبها ونصرتها والتحذير من بغضها وإذيتها‪:‬‬
‫[الحــديث‪ ]11 :‬ـ عن ابن عب اس ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬أحب وا هللا لم ا‬
‫يغذوكم به من نعمه‪ ،‬وأحبوني بحب هللا ـ تعالى ـ وأحبوا أهل بيتي بحبي)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪]12 :‬ــ عن اإلم ام علي ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬من آذاني في‬
‫أهلي‪ ،‬فقد آذى هللا عز وجل)(‪)5‬‬
‫[الحــديث‪ ]13 :‬ـ عن أبي س عيد ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬من أبغض أه ل‬
‫البيت فهو منافق)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]14 :‬عن ابن أبي ليلى قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬ال يؤمن أحد حتى‬
‫أكون أحب إليه من نفسه وتكون عترتي أحب إلي ه من عترت ه وأهلي أحب إلي ه من‬
‫أهله‪ ،‬وإني أحب إليه من ذاك)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪]15 :‬ـ عن أبي سعيد قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬ال‬
‫يبغض أهل البيت أحد إال أدخله هللا النار)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪]16 :‬ـ عن الحسن بن علي أنه ق ال لمعاوي ة بن خ ديج‪ :‬ي ا معاوي ة‪،‬‬
‫إياك وبغضنا‪ ،‬ف إن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬ال يبغض نا‪ ،‬وال يحس دنا أح د إال ذي د عن‬
‫الحوض يوم القيامة بسياط من نار)(‪)9‬‬
‫[الحديث‪]17 :‬ـ عن الحسين بن علي أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬من س ب أه ل‬

‫‪ )(1‬رواه الحاكم‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/6‬‬


‫‪ )(2‬رواه أحمد في المناقب‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/7‬‬
‫‪ )( 3‬رواه البزار والطبراني وأبو نعيم والبزار وابن جرير والحاكم والخطيب في (المتفق والمفترق) والط براني‬
‫في (الصغير) و(األوسط)‪ ،‬قال الحافظ أبو الخير السخاوي‪ :‬وبعض طرق ه ذا الح ديث يق وي بعض ها بعض ا‪ ،‬س بل‬
‫الهدي والرشاد (‪)11/11‬‬
‫‪ )(4‬رواه الترمذي وحس نه والط براني والح اكم وق ال ص حيح اإلس ناد وال بيهقي في (الش عب) وابن س عد وابن‬
‫الجوزي‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/8‬‬
‫‪ )(5‬رواه أبو نعيم‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/8‬‬
‫‪ )(6‬رواه أحمد في المناقب‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/8‬‬
‫‪ )(7‬رواه الطبراني وأبو الشيخ بن حيان في (الثواب) والبيهقي في (الشعب) وال ديلمي‪ ،‬س بل اله دي والرش اد (‬
‫‪)11/8‬‬
‫‪ )(8‬رواه الحاكم وابن حبان وصححاه‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/8‬‬
‫‪ )(9‬رواه الطبراني في األوسط‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/8‬‬
‫‪23‬‬
‫البيت‪ ،‬فإنما يسب هللا ورسوله‪ ،‬ومن واالن ا فلرس ول هللا ‪ ،‬ومن عادان ا فلرس ول‬
‫هللا ‪)1()‬‬
‫[الحديث‪]18 :‬ـ قال رسول هللا ‪( :‬حرمت الجن ة على من ظلم أه ل بي تي‪،‬‬
‫أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبهم)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]19 :‬ـ عن درة بنت أبي سهب قالت‪ :‬خ رج رس ول هللا ‪ ‬مغض با‬
‫حتى استوى على المنبر‪ ،‬فحمد هللا‪ ،‬وأثنى عليه ثم ق ال‪( :‬م ا ب ال الرج ال يؤذون ني‬
‫في أهلي؟ والذي نفسي بيده‪ ،‬ال يؤمن عبد حتى يحبني وال يحب ني ح تى يحب ذوي)‬
‫(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]20 :‬ـ عن أبي سعيد قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬إن هلل ـ ع ز وج ل ـ‬
‫ثالث حرمات من حفظهن حفظ هللا دينه ودني اه‪ ،‬ومن لم يحفظهن لم يحف ظ هللا دين ه‬
‫وال آخرته) قلت‪ :‬ما هن؟ قال‪( :‬حرمة اإلسالم وحرمتي وحرمة رحمي)(‪)4‬‬
‫‪ 3‬ـ ما ورد في الحث على الصالة عليهم في الصالة وغيرها‪:‬‬
‫[الحــديث‪ ]21 :‬ـ عن عب د ال رحمن ابن أبي ليلى ق ال‪ :‬لقيت كعب بن عج رة‬
‫فقال‪ :‬أال أهدي لك هدية س معتها من رس ول هللا ‪‬؟ قلت‪ :‬بلى‪ ،‬ق ال‪ :‬س ألنا رس ول‬
‫هللا ‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬كيف الصالة عليكم أهل البيت؟ قال (قولوا‪ :‬اللهم‪ ،‬صل‬
‫على محمد وعلى آل محمد كم ا ص ليت على إب راهيم وعلى آل إب راهيم إن ك حمي د‬
‫مجي د‪ ،‬وب ارك على محم د وعلى آل محم د كم ا ب اركت على إب راهيم وعلى آل‬
‫إبراهيم إنك حميد مجيد)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]22 :‬ـ عن إبراهيم بن يزي د النخعي ق ال‪ :‬ق الوا‪ :‬ي ا رس ول هللا‪ ،‬ق د‬
‫علمنا السالم عليك‪ ،‬فكيف الصالة عليك؟ قال‪ :‬قولوا (اللهم ص ل على محم د عب دك‬
‫ورسولك‪ ،‬وأهل بيته كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]23 :‬ـ عن أبي مسعود البدري قال‪ :‬قال رس ول هللا ‪( :‬من ص لى‬
‫صالة لم يص ل فيه ا علي وعلى أه ل بي تي لم تقب ل من ه)‪ ،‬وق ال أب و مس عود‪( :‬ل و‬
‫صليت صالة ال أصلي فيها على آل محمد ما رأيت أن صالتي تتم)(‪)7‬‬
‫وقد صاغ بعضهم ذلك شعرا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫فرض من هللا في القرآن‬ ‫يا أهل بيت رسول هللا‬
‫أنزله‬ ‫حبكم‬
‫من لم يصل عليكم ال صالة‬ ‫كفاكم من عظيم القدر أنكم‬
‫له‬
‫‪ 4‬ـ ما ورد في الجزاء المرتبط بمن يساندهم‪:‬‬
‫‪ )(1‬رواه أبو بكر البزقاني‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/8‬‬
‫‪ )(2‬رواه الديلمي‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/9‬‬
‫‪ )(3‬رواه أبو الشيخ‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/9‬‬
‫‪ )(4‬رواه الطبراني وأبو الشيخ‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/9‬‬
‫‪ )(5‬رواه البخاري ومسلم‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/10‬‬
‫‪ )(6‬رواه إسماعيل القاضي‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/10‬‬
‫‪ )(7‬رواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/10‬‬
‫‪24‬‬
‫وهي دعوة غ ير مباش رة لتش كيل حل ف بقي ادتهم لمواجه ة االس تبداد والظلم‬
‫والتحريف‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]24 :‬ـ عن اإلمام علي قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬من صنع إلى أح د‬
‫من أهل بيتي يدا كافأته عنه يوم القيامة)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]25 :‬ـ عن اإلمام علي قال‪ :‬أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬أربع ة أن ا لهم‬
‫ش فيع ي وم القيام ة‪ ،‬المك رم ل ذريتي‪ ،‬والقاض ي لهم ح وائجهم‪ ،‬والس اعي لهم في‬
‫أمورهم عند ما اضطروا إليه‪ ،‬والمحب لهم بقلبه ولسانه)(‪)2‬‬
‫‪ 5‬ـ ما ورد في حق فاطمة الزهراء والتحذير من مخالفتها وإذيتها‪:‬‬
‫وك أن رس ول هللا ‪ ‬ي دعو األم ة بع ده إلى البحث عن مواقفه ا‪ ،‬واتباعه ا‪،‬‬
‫باعتبارها بضعة منه‪ ،‬ألنه ا تمث ل موقف ه‪ ،‬لكن ذل ك لم يطب ق لألس ف؛ فق د ع زلت‬
‫الزهراء عن الساحة تماما إلى أن ماتت ودفنت دون أن يحضر جنازته ا إال القلي ل‪،‬‬
‫على الرغم أنها بنت رسول هللا ‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]26 :‬ـ عن اإلمام علي أن رسول هللا ‪‬قال لفاطم ة‪( :‬إن هللا تع الى‬
‫يغضب لغضبك ويرضى لرضاك)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪]27 :‬ـ عن عائشة ق الت‪ :‬كن ا أزواج رس ول هللا ‪‬عن ده لم يغ ادر‬
‫منهن واحدة‪ ،‬فأقبلت فاطمة تمشي‪ ،‬كأن مشيتها مشية رسول هللا ‪‬فقال‪( :‬مرحبا يا‬
‫بنتي) فأجلسها عن يمينه أو عن شماله‪ :‬ثم إنه أسر إليها حديثا فبكت فاطم ة‪ ،‬ثم إن ه‬
‫سارها فضحكت أيضا‪ ،‬فقلت لها‪ :‬ما يبكيك؟ فقالت‪ :‬ما كنت ألفش ي س ر رس ول هللا‬
‫‪‬فقلت‪ :‬ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن فقلت لها حين بكت‪ :‬أخصك رس ول‬
‫هللا ‪ ‬بحديثه دوننا ثم تبكين؟ وسألتها عما قال‪ :‬فقالت‪ :‬ما كنت ألفشي س ر رس ول‬
‫هللا ‪ ‬ح تى إذا قبض س ألتها فق الت‪ :‬أن ه ك ان ح دثني (إن جبري ل ك ان يعارض ه‬
‫بالقرآن كل عام مرة‪ ،‬وإن ه عارض ه ب ه في الع ام م رتين‪ ،‬وال أراني إال ق د حض ر‬
‫أجلي‪ ،‬وإنك أول أهلي لحوقا بي‪ ،‬ونعم السلف أنا ل ك) فبكيت ل ذلك‪ ،‬ثم إن ه س ارني‬
‫فق ال‪( :‬أال ترض ين أن تك وني س يدة نس اء المؤم نين أو س يدة نس اء ه ذه األم ة)؟‬
‫فضحكت لذلك)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪]28 :‬ـ عن عائشة ق الت‪ :‬م ا رأيت أح دا أش به س متا وال ه ديا‪ ،‬وال‬
‫حديثا برسول هللا ‪ ‬في قيامها وقعودها من فاطمة)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]29 :‬ـ عن عائشة قالت‪( :‬ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة إال أن‬
‫يكون أباها ‪)6()‬‬

‫‪ )(1‬رواه المال وأبو سعيد النيسابوري‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/11‬‬


‫‪ )(2‬رواه الديلمي‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/11‬‬
‫‪ )(3‬رواه الطبراني بإسناد حس ن وابن الس ني في معجم ه وأب و س عيد النيس ابوري في (الش رف)‪ ،‬س بل اله دي‬
‫والرشاد (‪)11/44‬‬
‫‪ )(4‬رواه مسلم‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/45‬‬
‫‪ )(5‬رواه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/45‬‬
‫‪ )(6‬رواه أبو يعلى برجال الصحيح‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/47‬‬
‫‪25‬‬
‫[الحديث‪ ]30 :‬عن عائشة قالت‪( :‬ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة‬
‫ـ رضي هللا تعالى عنها ـ إال أن يكون الذي والدها ‪)1()‬‬
‫[الحديث‪]31 :‬ـ عن عائشة ق الت‪ :‬ت وفيت الس يدة فاطم ة بع د رس ول هللا ‪‬‬
‫بستة أشهر ـ وفي رواية‪ :‬ليلة الثالثاء لثالث خلون من رمضان سنة إحدى عش رة ـ‬
‫ودفنها علي بن أبي طالب ليال)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]32 :‬ـ عن جعفر بن محمد قال‪( :‬مكثت فاطمة بع د الن بي ‪ ‬ثالث ة‬
‫أشهر‪ ،‬وما رؤيت ضاحكة بعد رسول هللا ‪‬إال أنهم قد امتروا في طرف نابها)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]33 :‬ـ عن عائش ة‪ :‬أن فاطم ة بنت الن بي ‪ ‬أرس لت إلى أبي بك ر‬
‫تس أله ميراثه ا من رس ول هللا ‪ ‬مم ا أف اء هللا علي ه بالمدين ة‪ ،‬وف دك وم ا بقي من‬
‫خمس خيبر‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬إن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬ال نورث‪ ،‬ما تركنا صدقة‪ ،‬إنم ا‬
‫يأكل آل محمد ‪ ‬في هذا المال‪ ،‬وإني وهللا ال أغير شيئا من ص دقة رس ول هللا ‪‬‬
‫عن حالها التي كان عليها في عهد رسول هللا ‪ ،‬وألعملن فيها بما عمل به رسول‬
‫هللا ‪ ،)‬فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا‪ ،‬فوجدت فاطم ة على أبي بك ر‬
‫في ذلك‪ ،‬فهجرته فلم تكلمه حتى ت وفيت‪ ،‬وعاش ت بع د الن بي ‪ ‬س تة أش هر‪ ،‬فلم ا‬
‫توفيت دفنها زوجها علي ليال‪ ،‬ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليه ا‪ ،‬وك ان لعلي من‬
‫الناس وجه حياة فاطمة‪ ،‬فلما توفيت اس تنكر علي وج وه الن اس‪ ،‬ف التمس مص الحة‬
‫أبي بكر ومبايعته‪ ،‬ولم يكن يب ايع تل ك األش هر‪ ،‬فأرس ل إلى أبي بك ر‪ :‬أن ائتن ا وال‬
‫يأتنا أحد معك‪ ،‬كراهية لمحضر عمر‪ ،‬فق ال عم ر‪ :‬ال وهللا ال ت دخل عليهم وح دك‪،‬‬
‫فقال أبو بكر‪ :‬وما عسيتهم أن يفعلوا بي‪ ،‬وهللا آلتينهم‪ ،‬فدخل عليهم أبو بكر‪ ،‬فتش هد‬
‫علي‪ ،‬فقال‪ :‬إنا قد عرفن ا فض لك وم ا أعط اك هللا‪ ،‬ولم ننفس علي ك خ يرا س اقه هللا‬
‫إليك‪ ،‬ولكنك استبددت علينا باألمر‪ ،‬وكن ا ن رى لقرابتن ا من رس ول هللا ‪ ‬نص يبا‪،‬‬
‫حتى فاضت عينا أبي بكر‪ ،‬فلما تكلم أبو بكر قال‪ :‬والذي نفسي بي ده لقراب ة رس ول‬
‫هللا ‪ ‬أحب إلي أن أص ل من قراب تي‪ ،‬وأم ا ال ذي ش جر بي ني وبينكم من ه ذه‬
‫األموال‪ ،‬فلم آل فيها عن الخير‪ ،‬ولم أترك أمرا رأيت رسول هللا ‪ ‬يصنعه فيها إال‬
‫صنعته‪ ،‬فقال علي ألبي بكر‪ :‬موعدك العشية للبيعة‪ ،‬فلما صلى أبو بكر الظهر رقي‬
‫على المنبر‪ ،‬فتشهد‪ ،‬وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة‪ ،‬وعذره بالذي اعت ذر إلي ه‪،‬‬
‫ثم استغفر وتشهد علي‪ ،‬فعظم حق أبي بكر‪ ،‬وحدث‪ :‬أنه لم يحمل ه على ال ذي ص نع‬
‫نفاسة على أبي بكر‪ ،‬وال إنكارا للذي فض له هللا ب ه‪ ،‬ولكن ا ن رى لن ا في ه ذا األم ر‬
‫نصيبا‪ ،‬فاستبد علينا‪ ،‬فوجدنا في أنفسنا‪ ،‬فسر بذلك المسلمون‪ ،‬وقالوا‪ :‬أصبت‪ ،‬وكان‬
‫المسلمون إلى علي قريبا‪ ،‬حين راجع األمر المعروف(‪.)4‬‬
‫[الحديث‪ ]34 :‬ـ عن عائشة قالت‪ :‬أرسلت فاطمة بنت رس ول هللا ‪ ‬إلى أبي‬
‫‪ )(1‬رواه أبو عمر‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/47‬‬
‫‪ )( 2‬رواه الطبراني بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح والبخاري‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/49‬‬
‫‪ )(3‬رواه الطبراني برجال الصحيح‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/49‬‬
‫‪ )(4‬رواه البخاري‪.4240 ،‬‬
‫‪26‬‬
‫بكر‪ ،‬تسأله ميراثها من رسول هللا ‪ ‬مما أفاء هللا عليه بالمدينة وفدك‪ ،‬وما بقي من‬
‫خمس خيبر‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬إن رسول هللا ‪ ،‬قال‪ :‬ال نورث‪ ،‬ما تركنا صدقة‪ ،‬إنم ا‬
‫يأكل آل محمد في هذا المال‪ ،‬وإني وهللا ال أغير شيئا من ص دقة رس ول هللا ‪ ‬عن‬
‫حالها التي كانت عليها في عهد رسول هللا ‪ ،‬وألعملن فيه ا بم ا عم ل ب ه رس ول‬
‫هللا ‪ ،‬فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها ش يئا‪ ،‬فوج دت فاطم ة على أبي بك ر‬
‫في ذلك‪ ،‬وقال أبو بكر‪ :‬والذي نفسي بيده لقراب ة رس ول هللا ‪ ‬أحب إلي أن أص ل‬
‫من قراب تي‪ ،‬وأم ا ال ذي ش جر بي ني وبينكم من ه ذه األم وال ف إني لم آل فيه ا عن‬
‫الحق‪ ،‬ولم أترك أمرا رأيت رسول هللا ‪ ‬يصنعه فيها إال صنعته)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]35 :‬ـ عن عبد هللا بن محمد بن عقيل أن فاطمة لما حضرتها الوفاة‬
‫أمرت عليا فوضع لها غسال‪ ،‬فاغتسلت وتطهرت ودعت بثياب أكفانها فأتيت بثياب‬
‫غالظ خش ن‪ ،‬فلبس تها ومس ت من حن وط ثم أم رت علي ا أن ال يكش ف عورته ا إذا‬
‫أقبضت وأن تدرج كما هي في ثيابها‪ ،‬فقلت له‪ :‬هل علمت أحدا فعل ذلك؟ قال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫كثير بن العباس‪ ،‬وكتب في أطراف أكفانه‪ :‬يشهد كثير أن ال إله إال هللا(‪.)2‬‬
‫[الحديث‪]36 :‬ـ عن أم سلمة قالت‪ :‬اشتكت الس يدة فاطم ة بنت س يدنا رس ول‬
‫هللا ‪ ‬شكواها التي قبضت فيه فكنت أمرضها فأصبحت يوما كأمثل م ا رأيته ا في‬
‫شكواها تلك‪ ،‬ق الت‪ :‬وخ رج علي لبعض حاجت ه فق الت‪ :‬ي ا أم ه‪ ،‬اس كبي لي غس ال‬
‫فسكبت لها غسال فاغتس لت كأحس ن م ا رأيته ا تغتس ل‪ ،‬ثم ق الت‪ :‬ي ا أمي‪ ،‬أعط ني‬
‫ثيابي الجدد فأعطيتها فلبستها ثم قالت‪ :‬يا أمه قدمي لي فراشي وسط ال بيت‪ ،‬ففعلت‪،‬‬
‫واس تقبلت واض طجعت القبل ة‪ ،‬وجعلت ي دها تحت خ دها‪ ،‬ثم ق الت‪ :‬ي ا أم ه‪ ،‬إني‬
‫مقبوض ة اآلن‪ ،‬وق د تطه رت‪ ،‬فال يكش فني أح د‪ ،‬فقبض ت مكانه ا‪ ،‬فج اء علي‬
‫فأخبرته(‪.)3‬‬
‫‪ 6‬ـ ما ورد في اعتبار رسول هللا ‪ ‬مثل األب ألوالد الزهراء‪:‬‬
‫[الحديث‪]37 :‬ـ عن عمر قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬كل ولد أب فإن عصبتهم‬
‫ألبيهم ما خال ولد فاطمة فإني أنا عصبتهم)(‪)4‬‬

‫[الحديث‪ ]38 :‬ـ عن عبد الملك بن عمير ق ال‪ :‬أرس ل الحج اج إلى يح يى بن‬
‫يعمر‪ ،‬قال‪ :‬بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية الن بي ‪ ‬ق ال‪ :‬تج ده في‬
‫كتاب هللا ـ عز وجل ـ وقد قرأته من أوله إلى آخ ره‪ ،‬فلم أج ده‪ ،‬ق ال يح يى‪ :‬ك ذبت‪،‬‬
‫قال الحجاج‪ :‬لتأتيني على ما قلت ببينة‪ ،‬فقال‪ :‬أليس تقرأ سورة األنع ام‪ :‬ومن ذريت ه‬
‫داود وسليمان [األنعام ‪ ]84‬حتى بلغ (ويحيى وعيسى) قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أليس عيس ى‬
‫من ذرية إبراهيم وليس له أب؟)(‪)5‬‬

‫‪ )(1‬البخاري (‪ )4240‬و(‪ ،)4241‬ومسلم (‪ ،)1759‬وأبو داود (‪ ،)2968‬والبيهقي ‪.142 / 10‬‬


‫‪ )(2‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/49‬‬
‫‪ )(3‬رواه أحمد‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/49‬‬
‫‪ )(4‬رواه أحمد في (المناقب)‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/56‬‬
‫‪ )( 5‬رواه ابن أبي حاتم والديلمي وأبو الشيخ والحاكم والبيهقي‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/56‬‬
‫‪27‬‬
‫‪ 7‬ـ ما ورد في أن العترة ال يقاس بها أحد‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]39 :‬ـ عن أنس قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬نحن أهل ال بيت ال يق اس‬
‫بنا أحد)(‪)1‬‬
‫ثالثا ـ تحديد مصاديق العترة الطاهرة‪:‬‬
‫لم يكتف رسول هللا ‪ ‬بذلك اإلجمال الذي دعا فيه إلى االلتزام بأهل ال بيت‪،‬‬
‫واتباعهم‪ ،‬والحرص على هديهم‪ ،‬وإنما وضح المقصود منهم‪ ،‬حتى ال يصبح مجرد‬
‫دعاية عاطفية ألسرة؛ فرسول هللا ‪ ‬أعظم من أن يدعو ألسرة‪ ،‬كما يتصور أولئك‬
‫الذين أدخلوا في الدين نوعا من أنواع الطبقية‪ ،‬حين توهموا أن كل المنتسبين أله ل‬
‫بيت النبوة وفي جميع العص ور داخلين في مس مى الع ترة‪ ،‬وأت احوا لهم الكث ير من‬
‫المراتب التي ينالونها من غير عمل‪.‬‬
‫مع أن رسول هللا ‪ ‬كان يخ اطب رحم ه وقرابت ه ق ائالً‪( :‬ي ا معش ر ق ريش‬
‫اشتروا أنفسكم ال أغني عنكم من هللا شيئا‪ ،‬يا بني عب د من اف ال أغ ني عنكم من هللا‬
‫شيئا‪ ،‬ي ا عب اس بن عب د المطلب ال أغ ني عن ك من هللا ش يئاً‪ ،‬وي ا ص فية بنت عب د‬
‫المطلب ال أغني عنك من هللا شيئاً‪ ،‬ويا فاطمة بنت محمد سليني من م الي م ا ش ئت‬
‫ال أغني عنك من هللا شيئاً)(‪)2‬‬
‫وقد أخبر ‪ ‬ـ محذرا ـ بما ك ان علي ه األمم الس ابقة من التفري ق بين الن اس‬
‫على أس اس أنس ابهم‪ ،‬فق ال‪( :‬إنّم ا أهل ك من ك ان قبلكم أنّهم ك انوا إذا س رق فيهم‬
‫الشريف ترك وه‪ ،‬وإذا س رق فيهم الض عيف أق اموا علي ه الح د‪ ،‬وأي ُم هللا ل و س رقت‬
‫ُ‬
‫لقطعت يدها)(‪)3‬‬ ‫فاطمة بنت محمد‬
‫لكن هذا التحذير لم يجد مفعوله لألسف في الكثير من أفراد األمة بس بب تل ك‬
‫األوهام حول الم رادين من أه ل ال بيت‪ ،‬وال ذين أوص ى رس ول هللا ‪ ‬بهم‪ ..‬حيث‬
‫تح ول من أف راد مع دودين إلى أجي ال من البش ر‪ ،‬يختل ط الص الح فيهم بالفاس د‪،‬‬
‫والص ادق من الم دعي‪ ،‬ح تى أص بح االنتس اب أله ل ال بيت تج ارة للكس الى‬
‫والمنتهزين والمنحرفين‪.‬‬
‫وكيف ال يتحول إلى ذلك‪ ،‬وقد قال بعضهم يبين المزايا ال تي أتيحت لك ل من‬
‫ينتسب لهم‪( :‬فدخل الشرفاء أوالد فاطمة كلهم‪ ،‬ومن هو من أهل البيت مث ل س لمان‬
‫الفارسي إلى يوم القيامة في حكم هذه اآلية من الغفران‪ ،‬فهم المطه رون اختصاص ا‬
‫من هللا تع الى‪ ،‬وعناي ة بهم لش رف محم د ‪ ‬وعناي ة هللا ب ه‪ ،‬وال يظه ر حكم ه ذا‬
‫الشرف ألهل البيت إال في الدار اآلخرة‪ ،‬فإنهم يحشرون مغفورا لهم‪ ،‬وأما في الدنيا‬
‫فمن أتى منهم ح دا أقيم علي ه‪ ،‬كالت ائب إذا بل غ الح اكم أم ره وق د زنى أو س رق أو‬
‫شرب أقيم عليه الحد مع تحقق المغفرة كما عز وأمثاله وال يجوز ذمه)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬رواه الديلمي وعمر المال‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/7‬‬


‫‪ )(2‬البخاري ‪ 2753‬و‪ 4771‬ومسلم ‪.424‬‬
‫‪ )(3‬البخاري ‪ 4/213‬و‪ 5/29‬وفي ‪ 5/2‬ومسلم ‪.5/114‬‬
‫‪ )(4‬الفتوحات المكية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.196 :‬‬
‫‪28‬‬
‫وهذا حكم خط ير ج دا‪ ،‬فمن أين علم أن هللا س يغفر لهم‪ ..‬وم ا ح ال من وق ع‬
‫منهم في ذنوب متعدية تفتقر لمسامحة الخصوم؟‬
‫لكن ك ل ذل ك لم يهتم ب ه‪ ،‬وال فهم دالل ة النص من خالل تفس ير رس ول هللا‬
‫‪ ..‬فالرسول ‪ ‬أخبر أن آية التطه ير تخص أف رادا مح دودين مع دودين علم هللا‬
‫صدقهم وإخالصهم وتفانيهم في خدمة الرس الة‪ ..‬وأنهم ـ ف وق ذل ك ـ سيتعرض ون‬
‫ألنواع من البالء تمحصهم‪ ..‬وأنهم سيكلفون بمهام كبيرة في هذه األمة‪ ،‬فلذلك أخبر‬
‫بطهارتهم‪ ،‬وبالعناية الخاصة بهم‪ ..‬ال عناية الجزاء‪ ،‬وإنما عناية التربية والتكلي ف‪..‬‬
‫فاهلل ال يحابي أحدا في الجزاء‪.‬‬
‫وبناء على هذا تأتي أهمية هذه األح اديث‪ ،‬وم ا يفس رها من أح اديث أخ رى‬
‫سنعرض لها في العناوين التالية‪.‬‬
‫وخالصة هذه األحاديث أنه ا ت ذكر أن الم راد بأه ل ال بيت هم علي وفاطم ة‬
‫والحسن والحسين‪ ،‬وهي متوافقة تماما مع قوله تعالى‪ ﴿ :‬فَ َم ْن َحا َّجكَ فِي ِه ِم ْن بَ ْع ِد َم ا‬
‫ع أَ ْبنَا َءنَا َوأَ ْبنَا َء ُك ْم َونِ َسا َءنَا َونِ َسا َء ُك ْم َوأَ ْنفُ َسنَا َوأَ ْنفُ َس ُك ْم ثُ َّم‬
‫ك ِمنَ ْال ِع ْل ِم فَقُلْ تَ َعالَوْ ا نَ ْد ُ‬ ‫َجا َء َ‬
‫نَ ْبتَ ِهلْ فَنَجْ َعلْ لَ ْعنَتَ هَّللا ِ َعلَى ْال َكا ِذبِينَ ﴾ [آل عمران‪ ،]61 :‬والتي اتّفق المفسّرون أنّها‬
‫نزلت في أهل البيت بسبب الروايات الواردة في ذلك‪ ،‬والتي تعتبر (أَ ْبنَا َءنَ ا) إش ارة‬
‫(وأَ ْنفُ َسنَا) إشارة إلى اإلمام علي(‪.)1‬‬ ‫إلى الح َسنَين‪َ ( ،‬ونِ َسا َءنَا) إشارة إلى فاطمة‪َ ،‬‬
‫وهذه روايات الحديث أو صيغه المختلفة الدالة على ذلك‪:‬‬
‫[الحديث‪]40 :‬ـ ما ح دثت ب ه عائش ة ق الت‪ :‬خ رج النَّبِ ُّي غ داةً وعلي ه ِم رْ طٌ‬
‫ُم َرحَّل ِمن َشعر أسود‪ ،‬فجاء الحسن بن علي فأدخله‪ ،‬ث َّم جاء الحُسين فدخل مع ه‪ ،‬ث َّم‬
‫ب َع ْن ُك ُم‬ ‫علي فأدخل ه‪ ،‬ث َّم ق ال‪﴿ :‬إِنَّ َم ا ي ُِري ُد هَّللا ُ لِيُ ْذ ِه َ‬ ‫جاءت فاطم ةُ فأدخلَه ا‪ ،‬ث َّم ج اء ٌّ‬
‫هيرًا﴾ [األحزاب‪)2( ]33 :‬‬ ‫َط ِ‬‫ت َويُطَهِّ َر ُك ْم ت ْ‬ ‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬ ‫الرِّجْ َ‬
‫[الحديث‪]41 :‬ـ ما حدث به َس عد بن أبي وقَّاص ق ال‪( :‬لَ َّما ن زلت ه ذه اآلي ةُ‬
‫ع أَ ْبنَا َءنَا َوأَ ْبنَا َء ُك ْم َونِ َسا َءنَا َونِ َس ا َء ُك ْم َوأَ ْنفُ َس نَا َوأَ ْنفُ َس ُك ْم ﴾ [آل عم ران‪:‬‬ ‫﴿فَقُلْ تَ َعالَوْ ا نَ ْد ُ‬
‫وحسنا ً وحُسيناً‪ ،‬فق ال‪ :‬اللَّه َّم ه ؤالء أه ل بيتِي)‬ ‫‪]61‬دعا رسو ُل هللا ‪ ‬عليًّا وفاطمةَ َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ُ‬
‫(انطلقت أن ا وحُص ين بن‬ ‫[الحــديث‪]42 :‬ـ ما ح دث ب ه يزي د بن حيَّان ق ال‪:‬‬
‫َسبْرة وعمر بنُ مسلم إلى زيد ب ِن أرقم‪ ،‬فل َّما جلسنا إليه‪ ،‬قال له حُص ين‪ :‬لق د لقيتَ ـ‬
‫يا زيد! ـ خيراً كثيراً؛ رأيتَ رسو َل هللا‪ ،‬وس معتَ حديثَ ه‪ ،‬وغ زوتَ مع ه‪ ،‬وص لَّيتَ‬
‫خلفه‪ ،‬لقد لقيتَ ـ يا زيد! ـ خيراً كثيراً‪ ،‬حد ِّْثنا ـ يا زيد! ـ م ا َس معتَ من رس و ِل هللا‪،‬‬
‫بعض ال ذي ُ‬
‫كنت‬ ‫َ‬ ‫ت ِس نِّي‪ ،‬وقَ دُم عه ِدي‪ ،‬ونس ُ‬
‫يت‬ ‫قال‪ :‬يا ابنَ أخي! وهللا! لق د َكبِ َر ْ‬
‫‪ )(1‬قد ذكر ذلك كل المفسرين والمحدثين‪ ،‬وه و مح ل اتف اق بينهم‪ ،‬ومن األمثل ة على ذل ك‪ :‬تفس ير ال رازي ‪/2‬‬
‫‪ ،699‬تفسير البيضاوي ‪ ،)76 /‬تفسير الكشاف ‪ ،49 /1‬تفسير روح البيان ‪ ،457 /1‬تفسير الجاللين ‪ ،35 /1‬صحيح‬
‫الترمذي ‪ ،166 /2‬سنن البيهقي ‪ ،63 /7‬صحيح مسلم ـ كت اب فض ائل الص حابة‪ ،‬مس ند أحم د بن حنب ل ‪،185 /1‬‬
‫مصابيح السنّة للبغوي ‪ ،201 /2‬سير أعالم النبالء ‪.193 /3‬‬
‫‪ )(2‬مسل ٌم (‪)2424‬‬
‫‪ )(3‬مسل ٌم (‪)2404‬‬
‫‪29‬‬
‫أ ِعي من رسول هللا‪ ،‬فما ح َّدثتُكم فاقبلوا‪ ،‬وما ال فال تُ َكلِّفونيه‪ ،‬ث َّم قال‪ :‬ق ام رس و ُل هللا‬
‫يوما ً فينا خطيبا ً بما ٍء يُدعى ُخ ّمًا‪ ،‬بين مكة والمدينة‪ ،‬فح ِم د هللاَ وأث نى علي ه‪ ،‬ووع ظ‬
‫وذ َّكر‪ ،‬ثم قال‪ :‬أ َّما بعد‪ ،‬أال أيُّها الناس! فإنَّم ا أن ا بش ٌر يوش ك أن ي أتي رس و ُل ربِّي‬
‫ك فيكم ثَقَلَيْن؛ أ َّولُهما كت اب هللا‪ ،‬في ه الهُ دى والنُّور‪ ،‬فخ ذوا بكت اب‬ ‫فأُجيب‪ ،‬وأنا تار ٌ‬
‫فحث على كت اب هللا ور َّغب في ه‪ ،‬ثم ق ال‪ :‬وأه ُل بَيتِي‪ ،‬أُذ ِّكرُكم‬ ‫َّ‬ ‫هللا‪ ،‬واستمسكوا به‪،‬‬
‫ُ‬
‫هللاَ في أه ل بيتِي‪ ،‬أذ ِّكرُكم هللاَ في أه ل بيتِي‪ ،‬أذ ِّكرُكم هللاَ في أه ل بيتِي‪ ،‬فق ال ل ه‬ ‫ُ‬
‫إن‬‫حُصين‪ :‬و َمن أه ُل بيتِه ي ا زي د؟ أليس نس اؤه من أه ل بيتِ ه؟ ق ال‪( :‬ال‪ ،‬واي ُم هللا! َّ‬
‫العصر من ال َّدهر‪ ،‬ثم يُطلِّقها‪ ،‬فترجع إلى أبيها وقومها‪ ،‬أهل‬ ‫َ‬ ‫المرأةَ تكون مع الرَّجل‬
‫صبتُه الذين حُرموا الصَّدقة بعده)(‪)1‬‬
‫ِ‬ ‫بيتِه أصلُه و َع َ‬
‫[الحديث‪]43 :‬ـ عن عم ر بن أبي س لمة‪ ،‬ربيب الن بي ‪ ،‬ق ال‪ :‬ن زلت ه ذه‬
‫ت َويُطَهِّ َر ُك ْم‬ ‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬
‫ب عَن ُك ُم ال رِّجْ َ‬ ‫اآلي ة على الن بي ‪ ﴿ :‬إِنَّ َم ا ي ُِري ُد هللا لِيُ ْذ ِه َ‬
‫َط ِهيرًا﴾ [األحزاب‪ ]33:‬في بيت أم سلمة‪ ،‬فدعا النبي ‪ ‬فاطمة‪ ،‬وحسنا‪ ،‬وحس ينا‪،‬‬ ‫ت ْ‬
‫فجللهم بكساء‪ ،‬وعلي خلف ظهره‪ ،‬فجلل ه بكس اء‪ ،‬ثم ق ال‪ :‬اللهم ه ؤالء أه ل بي تي‪،‬‬
‫فأذهب عنهم الرجس‪ ،‬وطهرهم تطهيرا‪ ،‬قالت أم سلمة‪ :‬وأنا معهم يا ن بي هللا؟ ق ال‪:‬‬
‫أنت على مكانك‪ ،‬وأنت إلى خير)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪ ]44 :‬ـ م ا ح دث ب ه ش داد أبي عم ار‪ ،‬ق ال‪ :‬دخلت على واثل ة بن‬
‫األسقع وعن ده ق وم‪ ،‬ف ذكروا علي ا‪ ،‬فلم ا ق اموا‪ ،‬ق ال لي‪ :‬أال أخ برك بم ا رأيت من‬
‫رس ول هللا ‪‬؟ قلت‪ :‬بلى‪ ،‬ق ال‪ :‬أتيت فاطم ة‪ ،‬رض ي هللا عنه ا‪ ،‬أس ألها عن علي‪،‬‬
‫قالت‪ :‬توجه إلى رسول هللا ‪ ،‬فجلست أنتظ ره‪ ،‬ح تى ج اء رس ول هللا ‪ ،‬ومع ه‬
‫علي وحسن وحسين‪ ،‬رضي هللا عنهم‪ ،‬آخذ كل واحد منهما بيده‪ ،‬حتى دخل‪ ،‬ف أدنى‬
‫عليا وفاطمة‪ ،‬فأجلسهما بين يديه‪ ،‬وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه‪،‬‬
‫ب عَن ُك ُم‬ ‫ثم لف عليهم ثوبه‪ ،‬أو ق ال‪ :‬كس اء‪ ،‬ثم تال ه ذه اآلي ة‪ ﴿ :‬إِنَّ َم ا ي ُِري ُد هللا لِيُ ْذ ِه َ‬
‫َط ِه يرًا﴾ [األح زاب‪ ،]33:‬وق ال‪( :‬اللهم ه ؤالء أه ل‬ ‫ت َويُطَه َِّر ُك ْم ت ْ‬ ‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬
‫الرِّجْ َ‬
‫بيتي‪ ،‬وأهل بيتي أحق)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]45 :‬ـ ما حدثت به أم سلمة‪ ،‬قالت‪ :‬جاءت فاطمة إلى رسول هللا ‪‬‬
‫ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحله ا على طب ق‪ ،‬فوض عته بين يدي ه‪ ،‬فق ال‪ :‬أين‬
‫ابن عمك وابناك؟ فقالت‪ :‬في البيت‪ ،‬فق ال‪ :‬ادعيهم؛ فج اءت إلى علي‪ ،‬فق الت‪ :‬أجب‬
‫النبي ‪ ‬أنت وابناك‪..‬قالت أم سلمة‪ :‬فلما رآهم مقبلين م د ي ده إلى كس اء ك ان على‬
‫المنامة‪ ،‬فم ده وبس طه وأجلس هم علي ه‪ ،‬ثم أخ ذ ب أطراف الكس اء األربع ة بش ماله‪،‬‬
‫فضمه فوق رؤوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربه‪ ،‬فقال‪( :‬هؤالء أه ل ال بيت‪ ،‬ف أذهب‬
‫عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم (‪)2408‬‬


‫‪ )(2‬رواه الترمذي (‪ 3205‬و‪)3787‬‬
‫‪ )(3‬رواه أحمد ‪)17113( 4/107‬‬
‫‪ )(4‬تفسير الطبريّ‪.12 /22 :‬‬
‫‪30‬‬
‫[الحديث‪ ]46 :‬ما حدثت به أم سلمة‪ ،‬قالت‪ :‬جاء النبي ‪ ‬إلى بيتي‪ ،‬فقال‪ :‬ال‬
‫تأذني ألحد‪ ،‬فجاءت فاطمة‪ ،‬فلم أس تطع أن أحجبه ا عن أبيه ا‪ ،‬ثم ج اء الحس ن‪ ،‬فلم‬
‫أستطع أن أمنعه أن يدخل على ج ده وأم ه‪ ،‬وج اء الحس ين‪ ،‬فلم أس تطع أن أحجب ه‪،‬‬
‫ف اجتمعوا ح ول الن بي ‪ ‬على بس اط‪ ،‬فجللهم ن بي هللا بكس اء ك ان علي ه‪ ،‬ثم ق ال‪:‬‬
‫هؤالء أهل بيتي‪ ،‬فأذهب عنهم ال رجس وطه رهم تطه يرا‪ ،‬ف نزلت ه ذه اآلي ة حين‬
‫اجتمعوا على البساط‪ ..‬قالت‪ :‬فقلت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬وأنا؟ قالت‪ :‬فوهللا ما أنعم‪ ،‬وق ال‪:‬‬
‫إنك إلى خير(‪.)1‬‬
‫[الحديث‪]47 :‬ـ م ا ح دثت ب ه أم س لمة‪ ،‬ق الت‪ :‬إن الن بي ‪ ‬جل ل على علي‬
‫وحسن وحس ين وفاطم ة كس اء‪ ،‬ثم ق ال‪( :‬اللهم ه ؤالء أه ل بي تي وخاص تي‪ ،‬اللهم‬
‫أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)‪ ،‬فق الت أم س لمة‪ :‬وأن ا منهم؟ ق ال‪ :‬إن ك إلى‬
‫خير(‪.)2‬‬
‫[الحديث‪]48 :‬ـ ما حدثت به أم سلمة‪ ،‬قالت‪ :‬جاءت فاطمة بنت النبي ‪ ‬إلى‬
‫رسول هللا ‪ ‬متوركة الحسن والحسين‪ ،‬في يدها برم ةٌ للحس ن فيه ا س ٌ‬
‫خين‪ ،‬ح تى‬
‫أتت بها النبي ‪ ،‬فلما وضعتها قدامه قال لها‪ :‬أين أب و الحس ن؟ ق الت‪ :‬في ال بيت‪،‬‬
‫ي وفاطمة والحسن والحسين يأكلون‪ ،‬قالت أم سلمة‪ :‬وما‬ ‫فدعاه فجلس النبي ‪ ‬وعل ٌ‬
‫سامني النبي ‪ ‬وما أكل طعاما قط إال وأنا عنده إال سامنيه قبل ذلك اليوم ـ تعني بـ‬
‫(سامني)‪ :‬دعاني إليه ـ فلما فرغ التف عليهم بثوبه‪ ،‬ثم قال‪( :‬اللهم عاد من ع اداهم‪،‬‬
‫ووال من واالهم)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]49 :‬ـ ما حدثت به أم سلمة‪ ،‬قالت‪ :‬إن رس ول هللا ‪ ‬ق ال لفاطم ة‪:‬‬
‫ائتيني بزوجك وابنيك‪ ،‬فجاءت بهم‪ ،‬فألقى عليهم كساء فدكيا‪ ،‬ثم وضع يده عليهم ثم‬
‫ق ال‪( :‬اللهم إن ه ؤالء آل محم د فاجع ل ص لواتك وبركات ك على محم د وعلى آل‬
‫محمد إنك حمي ٌد مجي ٌد)‪ ،‬قالت أم سلمة‪ :‬فرفعت الكساء ألدخل معهم‪ ،‬فجذبه من يدي‬
‫وقال‪ :‬إنك على خير(‪.)4‬‬
‫[الحديث‪]50 :‬ـ م ا ح دثت ب ه أم س لمة‪ ،‬ق الت‪ :‬ك ان الن بي ‪ ‬عن دي وعل ٌ‬
‫ي‬
‫وفاطمة والحسن والحسين‪ ،‬فجعلت لهم خزيرةٌ‪ ،‬فأكلوا ون اموا‪ ،‬وغطى عليهم عب اء‬
‫ة أو قطيفة‪ ،‬ثم قال‪( :‬اللهم هؤالء أهل بيتي‪ ،‬أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطه يرا)‬
‫(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]51 :‬ـ عن أبي سعيد قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬نزلت هذه اآلية‪ :‬في‬
‫خمسة في وفي علي وفاطمة وحسن وحسين‪ ﴿ :‬إِنَّ َما ي ُِري ُد هللا لِيُ ْذ ِه َ‬
‫ب عَن ُك ُم ال رِّجْ َ‬
‫س‬
‫ت َويُطَهِّ َر ُك ْم ت ْ ِ‬
‫َطهيرًا﴾ [األحزاب‪)6()]33:‬‬ ‫أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬
‫‪ )(1‬تفسير الطبريّ‪.12 /22 :‬‬
‫‪ )(2‬رواه أحمد‪ ،26659 / 197 / 10 :‬سنن الترمذيّ ‪ ،3871 / 699 / 5 :‬مسند أبي يعلى‪.6985 / 290 / 6 :‬‬
‫‪ )(3‬مسند أبي يعلى‪.6915 / 264 / 6 :‬‬
‫‪ )(4‬رواه أحمد‪ ،10/228/26808 :‬المعجم الكبير‪ ،3/53/2664 :‬وذكره أيضً ا في‪.779 / 336 / 23 :‬‬
‫‪ )(5‬تفسير الطبريّ‪.12 /22 :‬‬
‫‪ )(6‬رواه ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/13‬‬
‫‪31‬‬
‫[الحديث‪]52 :‬ـ عن أبي سعيد قال‪ :‬لما دخل علي بفاطمة جاء رس ول هللا ‪‬‬
‫أربعين ص باحا إلى بابه ا يق ول‪( :‬الس الم عليكم أه ل ال بيت ورحم ة هللا وبركات ه‪،‬‬
‫ت َويُطَه َِّر ُك ْم‬ ‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬ ‫ب عَن ُك ُم ال رِّجْ َ‬ ‫الص الة رحمكم هللا‪ ﴿ ،‬إِنَّ َم ا ي ُِري ُد هللا لِيُ ْذ ِه َ‬
‫َطهيرًا﴾ [األحزاب‪)1()]33:‬‬
‫ت ْ ِ‬
‫[الحديث‪]53 :‬ـ عن أبي الحمراء قال‪ :‬رأيت رسول هللا ‪ ‬بالمدين ة ليس من‬
‫مرة يخرج إلى صالة الغداة إال أتى باب علي فرفع ي ده على جن بي الب اب‪ ،‬ثم ق ال‪:‬‬
‫َط ِه يرًا﴾‬ ‫ت َويُطَه َِّر ُك ْم ت ْ‬‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬ ‫ب عَن ُك ُم ال رِّجْ َ‬ ‫الصالة الصالة ﴿ إِنَّ َما ي ُِري ُد هللا لِي ُْذ ِه َ‬
‫[األحزاب‪)2()]33:‬‬
‫[الحديث‪]54 :‬ـ عن ابن عباس قال‪ :‬شهدنا رس ول هللا ‪ ‬س بعة أش هر ي أتي‬
‫ك ل ي وم ب اب علي (ابن أبي ط الب) عن د وقت ك ل ص الة فيق ول‪( :‬الس الم عليكم‬
‫ت‬‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬ ‫ب عَن ُك ُم ال رِّجْ َ‬ ‫ورحمة هللا وبركاته أه ل ال بيت) ﴿ إِنَّ َم ا ي ُِري ُد هللا لِيُ ْذ ِه َ‬
‫َطهيرًا﴾ [األحزاب‪)3()]33:‬‬
‫َويُطَهِّ َر ُك ْم ت ْ ِ‬
‫[الحديث‪ ]55 :‬عن أنس أن رسول هللا ‪‬كان يمر بباب فاطمة إذا خرج إلى‬
‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬
‫ت‬ ‫ب عَن ُك ُم ال رِّجْ َ‬ ‫صالة الفجر يقول‪( :‬الصالة يا أهل ﴿ إِنَّ َما ي ُِري ُد هللا لِي ُْذ ِه َ‬
‫َطهيرًا﴾ [األحزاب‪)4()]33:‬‬
‫َويُطَهِّ َر ُك ْم ت ْ ِ‬
‫وقد أقر كبار العلماء من المذاهب المختلفة بمضمون هذه األحاديث‪ ،‬فقد ق ال‬
‫الطحاوي ـ وهو من كب ار علم اء الحنفي ة في [ش رح مش كل اآلث ار] تحت عن وان‪:‬‬
‫ب َع ْن ُك ُم‬ ‫[باب بيان مشكل ما روي عنه ‪ ‬في المراد بقول هللا‪﴿ :‬إِنَّ َما ي ُِري ُد هللاُ لِيُ ْذ ِه َ‬
‫َط ِهيراً﴾ من هم؟] ـ‪( :‬لما نزلت هذه اآلية دع ا رس ول‬ ‫ت َويُطَهِّ َر ُك ْم ت ْ‬ ‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬
‫الرِّجْ َ‬
‫أن‬ ‫هللا ‪ ‬عليا ً وفاطمة وحسنا ً وحسينا ً فقال‪( :‬اللهم هؤالء أهلي)‪ ..‬ففي هذا الح ديث ّ‬
‫المرادين بما في هذه اآلية هم رسول هللا ‪ ‬وعلي وفاطمة وحسن وحسن)(‪)5‬‬
‫ثم أورد مجموع ة من الرّواي ات لح ديث الكس اء من طري ق أم المؤم نين أم‬
‫سلمة‪ ،‬وعقب عليها بقوله‪( :‬فدل ما رويناه في ه ذه اآلث ار مم ا ك ان من رس ول هللا‬
‫‪ ‬إلى أم سلمة‪ ،‬مما ذكر فيها لم يرد به أنّها كانت ممن أريد به ما في اآلية المتل وة‬
‫وأن المرادين فيها رسول هللا ‪ ‬وعلي وفاطمة وحسن وحسين دون‬ ‫في هذا الباب‪ّ ،‬‬
‫من سواهم)(‪)6‬‬
‫ومثله قال العالمة أبو المحاسن يوسف بن موس ى الحنفي‪( :‬روي أن رس ول‬
‫ت َويُطَه َِّر ُك ْم‬ ‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬ ‫ب َع ْن ُك ُم الرِّجْ َ‬ ‫هللا ‪ ‬لما نزلت هذه اآلية ﴿إِنَّ َما ي ُِري ُد هللاُ لِي ُْذ ِه َ‬
‫َط ِهيراً﴾ دعا عليّا ً وفاطمة وحسنا ً وحسينا ً فقال‪ :‬اللهم هؤالء أهلي‪ .‬وروي أنّ ه جم ع‬ ‫ت ْ‬
‫‪ )( 1‬رواه ابن سعد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/13‬‬
‫‪ )(2‬رواه ابن جرير وابن المنذر والطبراني‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/13‬‬
‫‪ )(3‬رواه ابن مردويه‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/14‬‬
‫‪ )( 4‬رواه ابن أبي شيبة واإلمام أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والحاكم والط براني وص ححه‪،‬‬
‫سبل الهدي والرشاد (‪)11/14‬‬
‫‪ )(5‬شرح مشكل اآلثار ‪.٢٣٧ -٢/٢٣٥‬‬
‫‪ )(6‬شرح مشكل اآلثار ‪.٢٤٥ -٢/٢٤٤‬‬
‫‪32‬‬
‫عليّا ً وفاطمة والحس ن والحس ين‪ ،‬ثم أدخلهم تحت ثوب ه ثم ج أر إلى هللا تع الى‪ :‬رب‬
‫هؤالء أهلي‪ ،‬قالت أم سلمة‪ :‬يا رسول هللا فتدخلني معهم؟ قال‪ :‬أنت من أهلي‪ ،‬يع ني‬
‫من أزواجه كما في حديث اإلفك‪ :‬من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي‪ ،‬ال أنها‬
‫أهل اآلية المتلوة في هذا الباب‪ ،‬ويؤيده ما روي عن أم سلمة أن هذه اآلية نزلت في‬
‫بيتي فقلت‪ :‬يا رسول هللا ألست من أهل البيت؟ قال‪ :‬أنت على خير‪ ،‬إنّ ك من أزواج‬
‫النبي‪ ،‬وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين‪ ..‬فك ان قول ه ‪ ‬لواثل ة‪ :‬أنت من‬
‫أهلي إلتباعك إيّاي وإيمانك بي‪ ،‬وأهل األنبياء متّبع وهم‪ ،‬يؤي ده قول ه تع الى لن وح‪:‬‬
‫ح﴾‪ ،‬فكما خرج ابنه بالخالف من أهله‪ ،‬فك ذلك‬ ‫صالِ ٍ‬‫ك إِنَّهُ َع َم ٌل َغ ْي ُر َ‬ ‫ْس ِم ْن أَ ْهلِ َ‬
‫﴿إِنَّهُ لَي َ‬
‫يدخل المرء في أهله بالموافقة على دينه وإن لم يكن من ذوي نسبته)(‪)1‬‬
‫ثم فس ر س ر وج ود اآلي ة عن د الح ديث عن أزواج رس ول هللا ‪ ‬بقول ه‪:‬‬
‫الص الةَ َوآتِينَ ال َّز َك اةَ‪،﴾...‬‬ ‫َّ‬ ‫﴿وأَقِ ْمنَ‬
‫(والكالم لخطاب أزواج النبي ‪ ‬ت ّم عنـد قـوله‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫ت َويُطَه َِّر ُك ْم تَط ِه يراً﴾‬ ‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬ ‫ب َع ْن ُك ُم ال رِّجْ َ‬ ‫وقوله تع الى‪﴿ :‬إِنَّ َم ا ي ُِري ُد هللاُ لِيُ ْذ ِه َ‬
‫اس تئناف تش ريفا ً أله ل ال بيت وترفيع ا ً لمق دارهم‪ ،‬أال ت رى أن ه ج اء على خط اب‬
‫المذكر فقال‪َ ﴿ :‬ع ْن ُك ُم﴾ ولم يقل (عنكن)‪ ،‬فال حج ة ألح د في إدخ ال األزواج في ه ذه‬
‫اآلية‪ ،‬ويدل عليه ما روي أن رسول هللا ‪ ‬ك ان إذا أص بح أتى ب اب فاطم ة فق ال‪:‬‬
‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬
‫ت َويُطَهِّ َر ُك ْم‬ ‫ب َع ْن ُك ُم ال رِّجْ َ‬ ‫السالم عليكم أهل البيت ﴿إِنَّ َم ا ي ُِري ُد هللاُ لِيُ ْذ ِه َ‬
‫هيراً﴾)(‪)2‬‬ ‫ت ْ‬
‫َط ِ‬
‫وقال العالمة حسن بن علي الس قاف الش افعي‪( :‬وأه ل ال بيت هم س يدنا علي‬
‫والسيدة فاطمة‪ ،‬وس يدنا الحس ن‪ ،‬وس يدنا الحس ين‪ ،‬وذريتهم من بع دهم ومن تناس ل‬
‫منهم للحديث الصحيح الذي نص الن بي ‪ ‬في ه على ذل ك‪ ،‬ففي الح ديث الص حيح‪:‬‬
‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬
‫ت‬ ‫ب َع ْن ُك ُم ال رِّجْ َ‬ ‫ن زلت ه ذه اآلي ة على الن بي ‪﴿ :‬إِنَّ َم ا ي ُِري ُد هللاُ لِيُ ْذ ِه َ‬
‫َط ِهيراً﴾ في بيت أم سلمة ف دعا الن بي ‪ ‬فاطم ة وحس نا ً وحس ينا ً فجللهم‬ ‫َويُطَهِّ َر ُك ْم ت ْ‬
‫بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال‪ :‬اللهم هؤالء أه ل بي تي ف أذهب عنهم‬
‫الرجس وطهرهم تطهيرا‪ ،‬قالت أم سلمة‪ :‬وأنا معهم ي ا ن بي هللا؟ ق ال‪ :‬أنت مكان ك‪،‬‬
‫وأنت إلى خير)(‪)3‬‬
‫وقال ـ ردا على األلباني في تخصيص ه أه ل ال بيت ب أزواج رس ول هللا ‪:‬‬
‫(وهذا من تلبيساته وتمحله في رد السنة الثابتة في تفس يره أله ل ال بيت‪ ،‬وه و به ذا‬
‫أن أهل ال بيت هم أه ل الكس اء أنهم الش يعة‪،‬‬ ‫أراد أن يلبس على القارئ بأن من قال ّ‬
‫والحق أن من قال ذلك جميع أهل السنة والجماعة‪ ،‬وقبلهم الذي ال ينطق عن الهوى‬
‫(‪ ،‬ولكن ه ذا ه و النص ب ال ذي يفض ي بص احبه إلى م ا ت رى كم ا ش رحنا في‬
‫موضعه)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬معتصر المختصر ‪.٢٦٧-٢/٢٦٦‬‬


‫‪ )(2‬معتصر المختصر ‪.٢٦٧-٢/٢٦٦‬‬
‫‪ )(3‬صحيح شرح العقيدة الطحاوية ص ‪.٦٥٥‬‬
‫‪ )(4‬صحيح شرح العقيدة الطحاوية‪.657 ،‬‬
‫‪33‬‬
‫وقال العالمة أبو بكر الحضرمي في (رشفة الصادي من بحر فض ائل الن بي‬
‫الهادي)‪( :‬والذي قال به الجماهير من العلم اء وقط ع ب ه أك ابر األئم ة‪ ،‬وق امت ب ه‬
‫ال براهين وتظ افرت ب ه األدل ة أن أه ل ال بيت الم رادين في اآلي ة هم‪ :‬س يدنا علي‬
‫وفاطمة وابناهما‪ ،‬إذ المصير إلى تفسير من أنزلت عليه اآلي ة متعيّن؛ فإنّ ه ‪ ‬ه و‬
‫بأن أهل بيته المذكورين في اآلية الكريمة هم‪ :‬علي وفاطم ة وابناهم ا؛‬ ‫الذي فسّرها ّ‬
‫بنص أحاديثه الصحيحة الواردة عن أئمة الحديث المعتد بهم رواية ودراية)(‪)1‬‬
‫وقال‪( :‬واألح اديث في ه ذا الب اب كث يرة‪ ،‬وبم ا أوردت ه منه ا يعلم قطع ا ً أن‬
‫المراد بأهل البيت هم علي وفاطمة وابناهم ا (رض وان هللا عليهم)‪ ،‬وال التف ات إلى‬
‫ما ذكره صاحب (روح البيان) من أن تخص يص الخمس ة الم ذكورين بك ونهم أه ل‬
‫ألن ذلك محض تهوّر يقتضي بالعجب!‪ ،‬وبم ا س بق من‬ ‫البيت هو من أقوال الشيعة ّ‬
‫األحاديث وما في كتب أهل السنة السنية يسفر الصبح لذي عينين)(‪)2‬‬
‫وقال الشوكاني ـ ردا على من قال ب أن اآلي ة في نس اء الن بي ‪ ‬ـ ‪( :‬وأجيب‬
‫بأن سياق اآلية يفيد أنّه في نسائه‪ ،‬ويجاب عن هذا بأن ه ورد بال دليل الص حيح أنه ا‬
‫نزلت في علي وفاطمة والحسنين)(‪)3‬‬
‫وقال ابن الصباغ المالكي‪( :‬أهل البيت على ما ذكر المفسّرون في تفسير آي ة‬
‫المباهل ة وعلى م ا روي عن أم س لمة هم‪ :‬الن بي ‪ ‬وعلي وفاطم ة والحس ن‬
‫والحسين)(‪)4‬‬
‫أن أه ل ال بيت‬ ‫وقال الحافظ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي‪( :‬بل الص حيح ّ‬
‫علي وفاطمة والحسنان كما رواه مسلم بإسناده عن عائشة أن رس ول هللا ‪ ‬خ رج‬
‫ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود‪ ،‬فجاء الحسن بن علي فأدخله‪ ،‬ثم ج اء‬
‫الحسين فأدخله معه‪ ،‬ثم جاءت فاطمة فأدخلها‪ ،‬ثم ج اء علي فأدخل ه‪ ،‬ثم ق ال‪﴿ :‬إِنَّ َم ا‬
‫َط ِه يراً﴾‪ ،‬وه ذا دلي ل على أن‬ ‫ت َويُطَه َِّر ُك ْم ت ْ‬
‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬‫ب َع ْن ُك ُم ال رِّجْ َ‬ ‫ي ُِري ُد هللاُ لِيُ ْذ ِه َ‬
‫أهل البيت هم الذين ناداهم بقوله أهل البيت وأدخلهم رسول هللا ‪ ‬في المرط)(‪)5‬‬
‫ب َع ْن ُك ُم‬‫وقال اآلجري‪( :‬ب اب ذك ر ق ول هللا ع ّز وج ل‪﴿ :‬إِنَّ َم ا ي ُِري ُد هللاُ لِيُ ْذ ِه َ‬
‫َط ِه يراً﴾‪ ،‬ق ال محم د بن الحس ين‪ :‬هم األربع ة ال ذين‬ ‫ت َويُطَهِّ َر ُك ْم ت ْ‬‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬
‫الرِّجْ َ‬
‫حووا جميع الشرف وهم‪ :‬علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين)(‪)6‬‬
‫ألن مرج ع أه ل بيت الن بي‬ ‫وقال ابن حجر‪( :‬وفي ذكر (البيت) معنى آخ ر‪ّ ،‬‬
‫س أَ ْه َل‬ ‫ب َع ْن ُك ُم ال رِّجْ َ‬‫‪ ‬إليها‪ ،‬لما ثبت في تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّ َم ا ي ُِري ُد هللاُ لِيُ ْذ ِه َ‬
‫ت‪ ﴾...‬قالت أم سلمة‪ :‬لما نزلت دع ا الن بي ‪ ‬فاطم ة وعليّ ا ً والحس ن والحس ين‬ ‫ْالبَ ْي ِ‬

‫‪ )(1‬رشفة الصادي‪ ،‬ص ‪.٢٤-٢٣‬‬


‫‪ )(2‬رشفة الصادي‪ ،‬ص ‪.٣٥‬‬
‫‪ )(3‬إرشاد الفحول ‪.،٨٣‬‬
‫‪ )(4‬الفصول المهمة‪ ،‬ص ‪.٢٣‬‬
‫‪ )(5‬كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب‪ ،‬ص ‪.٤٩‬‬
‫‪ )(6‬الشريعة لآلجري ‪.٤/٣٧٨‬‬
‫‪34‬‬
‫فجللهم بكس اء فق ال‪ :‬اللهم ه ؤالء أه ل بي تي‪ ...‬الح ديث‪ ،‬أخرج ه الترم ذي وغ يره‬
‫ألن الحسنين من فاطمة‪ ،‬وفاطمة بنتها وعلي‬ ‫ومرجع أهل البيت هؤالء إلى خديجة‪ّ ،‬‬
‫نشأ في بيت خديجة وهو صغير‪ ،‬ثم ت زوج بنته ا بع دها فظه ر رج وع أه ل ال بيت‬
‫النبوي إلى خديجة دون غيرها)(‪)1‬‬
‫ب َع ْن ُك ُم‬ ‫وقال الذهبي‪( :‬وفي فاطمة وزوجها وبنيها نزلت‪﴿ :‬إِنَّ َما ي ُِري ُد هللاُ لِي ُْذ ِه َ‬
‫َط ِه يراً﴾ فجللهم رس ول هللا ‪ ‬بكس اء وق ال‪ :‬اللهم‬ ‫ت َويُطَهِّ َر ُك ْم ت ْ‬‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬ ‫ال رِّجْ َ‬
‫هؤالء أهل بيتي)(‪)2‬‬
‫ب َع ْن ُك ُم‬‫وق ال القرط بي‪( :‬وق راءة الن بي ‪ ‬ه ذه اآلي ة ﴿إِنَّ َم ا ي ُِري ُد هللاُ لِيُ ْذ ِه َ‬
‫أن أه ل ال بيت المع نيون في اآلي ة‬ ‫ت َويُطَهِّ َر ُك ْم ت ْ‬
‫َط ِهيراً﴾ دليل على ّ‬ ‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬‫الرِّجْ َ‬
‫هم المغطون بذلك المرط في ذلك الوقت)(‪)3‬‬
‫رابعا ـ تحديد عدد الخلفاء المهديين والدعوة إلى االستنان بسنتهم‪:‬‬
‫وهو ما أخبر عنه ‪ ‬من وجود اثني عشر خليفة من الص الحين ال ذين يق وم‬
‫عليهم أمر األم ة وه دايتها‪ ،‬ويب دو أن الح ديث ق د روي ـ ك الكثير من األح اديث ـ‬
‫بالمعنى‪ ،‬ولهذا اختلفت رواياته‪ ،‬وإن اتفقت على عدد الخلفاء المهديين وفضلهم‪.‬‬
‫أما ما يدل على ك ونهم من الص الحين‪ ،‬وليس وا مج رد خلف اء ع اديين ـ كم ا‬
‫يذكر بعض من أول تلك األحاديث؛ فهو‪:‬‬
‫[الحــديث‪ ]56 :‬ـ م ا روي عن أبي نجيح العرب اض بن س ارية ق ال‪ :‬وعظن ا‬
‫رسول هللا ‪ ‬موعظة وجلت منها القلوب‪ ،‬وذرفت منها العيون‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رسول هللا‬
‫كأنها موعظة مودع فأوصنا‪ ،‬قال‪( :‬أوصيكم بتقوى هللا‪ ،‬والسمع والطاعة وإن تأمر‬
‫عليكم عب ٌد‪ ،‬فإنه من يعش منكم فسيرى اختالفا كث يرا‪ ،‬فعليكم بس نتي وس نة الخلف اء‬
‫الراشدين المهديين‪ ،‬عضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإياكم ومحدثات األمور؛ فإن كل بدع ة‬
‫ضاللةٌ)(‪)4‬‬
‫وال يص ح تط بيق االص طالح الت اريخي لـ [الخلف اء الراش دين] هن ا‪ ،‬ألن‬
‫الخالفة المقصودة هنا مشترطة بما ورد في األحاديث األخرى من ش روط‪ ،‬وأوله ا‬
‫كونهم من العترة التي أوصى بها رسول هللا ‪.‬‬
‫باإلض افة إلى ذل ك‪ ،‬فق د ورد في الح ديث قول ه ‪( :‬فإن ه من يعش منكم‬
‫فسيرى اختالفا كثيرا‪ ،‬فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المه ديين)؛ وذل ك ي دل‬
‫على أن هؤالء الخلفاء الراشدين س يظهرون عن د االختالف والفرق ة والفتن ة‪ ،‬وه و‬
‫يشير إلى إعراض الناس عنهم‪ ،‬ولذلك دع ا إلى التمس ك بهم‪ ،‬وه و على خالف م ا‬
‫كان عليه الخلفاء التاريخيين الثالثة الذين كان األمر بأيديهم‪.‬‬
‫أما األحاديث الواردة في عددهم‪ ،‬فمن رواياتها‪:‬‬
‫‪ )(1‬فتح الباري ‪.٧/١٣٨‬‬
‫‪ )(2‬تاريخ اإلسالم ‪.٣/٤٤‬‬
‫‪ )(3‬المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ‪.٣٠٣-٦/٣٠٢‬‬
‫‪ )(4‬رواه أبو داود [رقم‪ ،]4607:‬والترمذي [رقم‪]266 :‬‬
‫‪35‬‬
‫[الحديث‪ ]57 :‬ـ ما رواه جابر بن سمرة‪ ،‬قال‪ :‬دخلت مع أبي على الن بي ‪،‬‬
‫(إن هذا األمر ال ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليف ة)‪ ،‬ث ّم تكلم‬ ‫فسمعته يقول‪ّ :‬‬
‫ي‪ ،‬فقلت ألبي‪ :‬ماذا قال؟ قال‪( :‬كلهم من قريش)(‪)1‬‬ ‫بكالم خفي عل ّ‬
‫هَّللا‬ ‫َ‬
‫(ولَقَ ْد أخَ َذ ُ ِميثَ ا َ‬
‫ق بَنِي‬ ‫[الحديث‪]58 :‬ـ ما ذكره المفسرون في قوله تعالى َ‬
‫ْرائيل وبَ َع ْثنَا ِم ْنهُ ُم ْاثن َْي َع َش َر نَقِيباً‪()...‬المائدة‪ )12:‬عن الشعبي عن مسروق ق ال‪:‬‬
‫َ‬ ‫إِس‬
‫كنا جلوسا عند عبد هللا بن مسعود وهو يقرئن ا الق رآن‪ ،‬فق ال ل ه رج ل‪ :‬ي ا أب ا عب د‬
‫الرحمن هل سألتم رسول هللا ‪ ‬كم يمل ك ه ذه األم ة من خليف ة؟ فق ال عب د هللا‪:‬م ا‬
‫سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ثم قال‪ :‬نعم ولقد س ألنا رس ول هللا ‪‬فق ال‪:‬‬
‫(إثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل)(‪)2‬‬
‫ويبدو أن هناك تصرفا في الحديث‪ ،‬باس تبدال ع ترة رس ول هللا ‪ ‬بق ريش‪،‬‬
‫مع أن كل أحاديث الخالفة والوصية ترتبط بأهل بيت النب وة‪ ،‬وله ذا ب دل أن تُطب ق‬
‫تلك األحاديث على هذا الحديث‪ ،‬صار يستدل به على ك ون الخالف ة أو اإلمام ة في‬
‫قريش‪ ،‬كما عنون لذلك مسلم في صحيحه بقوله‪( :‬باب الناس تب ع لق ريش والخالف ة‬
‫في قريش)‪ ،‬ثم أورد الحديث‪.‬‬
‫بل الطامة األعظم من ذلك هو تطبيق الح ديث على الواق ع السياس ي لألم ة‪،‬‬
‫مع أن رسول هللا ‪ ‬لم يكن يؤرخ للواقع السياسي‪ ،‬وإنما كان يؤرخ لواق ع الهداي ة‬
‫في األمة‪.‬‬
‫وقد حصلت تناقضات كثيرة نتيجة ذلك التطبيق؛ فبينما ترد األحاديث الكثيرة‬
‫المتفق عليها في تخلخل الواقع السياسي‪ ،‬وبعده عن مسار الهداي ة النبوي ة‪ ،‬وتحول ه‬
‫إلى الملك العضوض‪ ،‬ومع ذلك نجد أولئك الذين يؤمن ون بتل ك األح اديث يس تدلون‬
‫بهذا الحديث على فضل الخلفاء السياسيين الذين انحرفوا باألمة عن منهاج نبوتها‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك قول ابن كثير‪( :‬ومع نى ه ذا الح ديث البش ارة بوج ود‬
‫اثني عشر خليفة صالحا‪ ،‬يقيم الحق ويع دل فيهم‪ ،‬وال يل زم من ه ذا ت واليهم وتت ابع‬
‫أيامهم‪ ،‬بل قد وجد منهم أربعة على نسق‪ ،‬وهم الخلفاء األربع ة‪ :‬أب و بك ر‪ ،‬وعم ر‪،‬‬
‫وعثم ان‪ ،‬وعلي‪ ،‬ومنهم عم ر بن عب د العزي ز بال ش ك عن د األئم ة‪ ،‬وبعض ب ني‬
‫العباس‪ ..‬وال تقوم الساعة حتى تكون واليتهم ال محال ة‪ ،‬والظ اهر أن منهم المه دي‬
‫المبشر به في األحاديث الواردة بذكره)(‪)3‬‬
‫وقال القرطبي عند ذكره لألقوال في الح ديث‪( :‬إن ه ذا إخب ا ٌر عن الوالي ات‬
‫الواقعة بعده وبع د أص حابه‪ ،‬وكأن ه أش ار ب ذلك إلى م دة والي ة ب ني أمي ة‪ ،‬ويع ني‬
‫بالدين‪ :‬الملك والوالية‪ ،‬وهو شرح الح ال في اس تقامة الس لطنة لهم‪ ،‬ال على طري ق‬
‫المدح‪ ..‬ثم عدد هذا القائل ملوكهم فقال‪ :‬أولهم يزي د بن معاوي ة‪ ،‬ثم ابن ه معاوي ة بن‬
‫يزيد‪ ..‬ثم عبد الملك‪ ،‬ثم الوليد‪ ،‬ثم سليمان‪ ،‬ثم عمر بن عبد العزيز‪ ،‬ثم يزيد بن عب د‬
‫‪ )(1‬رواه البخاري (رقم‪ )7222/‬ومسلم (رقم‪)1821/‬‬
‫‪ )(2‬رواه أحمد (‪ )1398‬وذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره‪)2/33( ،‬‬
‫‪ )(3‬تفسير القرآن العظيم (‪)3/65‬‬
‫‪36‬‬
‫الملك‪ ،‬ثم هشام بن عبد الملك‪ ،‬ثم الوليد بن يزيد‪ ،‬ثم يزي د بن الولي د‪ ،‬ثم إب راهيم بن‬
‫الوليد‪ ،‬ثم مروان بن محم د‪ .‬فه ؤالء اثن ا عش ر‪ .‬ثم خ رجت الخالف ة منهم إلى ب ني‬
‫العباس)(‪)1‬‬
‫وقال ابن تيمية‪( :‬وهكذا كان فكان الخلفاء أبو بكر وعم ر وعثم ان وعلي‪ ،‬ثم‬
‫تولى من اجتمع الناس علي ه وص ار ل ه ع ز ومنع ة‪ :‬معاوي ة‪ ،‬وابن ه يزي د‪ ،‬ثم عب د‬
‫الملك‪ ،‬وأوالده األربعة‪ ،‬وبينهم عمر بن عب د العزي ز‪ ،‬وبع د ذل ك حص ل في دول ة‬
‫اإلس الم من النقص م ا ه و ب اق إلى اآلن‪ ،‬ف إن ب ني أمي ة تول وا على جمي ع أرض‬
‫اإلس الم‪ ،‬وك انت الدول ة في زمنهم عزي زة‪ ،‬والخليف ة ي دعى باس مه عب د المل ك‬
‫وسليمان‪ ،‬ال يعرفون عضد الدولة‪ ،‬وال عز الدين‪ ،‬وبهاء الدين‪ ،‬وفالن الدين‪ ،‬وكان‬
‫أح دهم ه و ال ذي يص لي بالن اس الص لوات الخمس‪ ،‬وفي المس جد يعق د الراي ات‪،‬‬
‫ويؤمر األمراء‪ ،‬وإنما يسكن داره‪ ،‬ال يسكنون الحصون‪ ،‬وال يحتجبون عن الرعية)‬
‫(‪)2‬‬
‫وقال ابن حجر في معرض الترجيح بين األقوال الكث يرة‪( :‬أرجحه ا الث الث؛‬
‫لتأيي ده بقول ه في بعض ط رق الح ديث الص حيحة‪( :‬كلهم يجتم ع علي ه الن اس)‪،‬‬
‫وإيضاح ذلك أن المراد باالجتماع انقي ادهم لبيعت ه‪ ،‬وال ذي وق ع أن الن اس اجتمع وا‬
‫على أبي بكر‪ ،‬ثم عمر‪ ،‬ثم عثم ان‪ ،‬ثم علي‪ ،‬إلى أن وق ع أم ر الحكمين في ص فين‪،‬‬
‫فسمي معاوية يومئذ بالخالفة‪ ،‬ثم اجتمع الناس على معاوي ة عن د ص لح الحس ن‪ ،‬ثم‬
‫اجتمعوا على ولده يزيد‪ ،‬ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك‪ ،‬ثم لم ا م ات يزي د‬
‫وقع االختالف‪ ،‬إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بع د قت ل ابن الزب ير‪ ،‬ثم‬
‫اجتمع وا على أوالده األربع ة‪ :‬الولي د‪ ،‬ثم س ليمان‪ ،‬ثم يزي د‪ ،‬ثم هش ام‪ ،‬وتخل ل بين‬
‫سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز‪ ،‬فه ؤالء س بعة بع د الخلف اء الراش دين‪ ،‬والث اني‬
‫عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد المل ك‪ ،‬اجتم ع الن اس علي ه لم ا م ات عم ه هش ام‪،‬‬
‫فولي نحو أربع سنين‪ ،‬ثم قاموا عليه فقتلوه‪ ،‬وانتش رت الفتن وتغ يرت األح وال من‬
‫يومئذ‪ ،‬ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك؛ ألن يزيد بن الوليد ال ذي ق ام‬
‫على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته‪ ،‬بل ثار عليه قب ل أن يم وت ابن عم أبي ه‬
‫مروان بن محمد بن مروان‪ ،‬ولما مات يزيد ولي أخ وه إب راهيم‪ ،‬فغلب ه م روان‪ ،‬ثم‬
‫ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل‪ ،‬ثم كان أول خلفاء بني العباس أب و العب اس‬
‫السفاح ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه‪ ،‬ثم ولي أخوه المنصور فط الت مدت ه‪،‬‬
‫لكن خرج عنهم المغرب األقصى باستيالء المروانيين على األندلس‪ ،‬واستمرت في‬
‫أيديهم متغل بين عليه ا إلى أن تس موا بالخالف ة بع د ذل ك‪ ،‬وانف رط األم ر في جمي ع‬
‫أقطار األرض‪ ،‬إلى أن لم يبق من الخالفة إال االسم في بعض البالد‪ ،‬بع د أن ك انوا‬
‫في أيام بني عبد المل ك بن م روان يخطب للخليف ة في جمي ع أقط ار األرض ش رقا‬

‫‪ )(1‬المفهم (‪)9-4/8‬‬
‫‪ )(2‬منهاج السنة (‪)8/170‬‬
‫‪37‬‬
‫وغربا وشماال ويمينا مم ا غلب علي ه المس لمون‪ ،‬وال يت ولى أح د في بل د من البالد‬
‫كلها اإلمارة على شيء منها اال بأمر الخليفة‪ ،‬ومن نظر في أخبارهم ع رف ص حة‬
‫ذلك‪ ،‬فعلى هذا يكون المراد بقوله‪( :‬ثم يكون الهرج) يعني‪ :‬القت ل الناش ئ عن الفتن‬
‫وقوعا فاشيا‪ ،‬يفشو ويستمر ويزداد على مدى األيام‪ ،‬وكذا كان)(‪)1‬‬
‫والمالحظة التي ذكرها ابن حجر مهمة جدا‪ ،‬وهي م ا ورد في األح اديث من‬
‫اإلش ارة إلى إجم اع األم ة عليهم‪ ،‬وه و قول ه‪( :‬كلهم يجتم ع علي ه الن اس)‪ ..‬ولكن‬
‫تأويله لذلك بعيد جدا‪ ،‬ذلك أن أولئ ك الخلف اء ال ذين ذك رهم لم يجم ع عليهم الن اس‪،‬‬
‫وإنم ا فرض ت بيعتهم قه را وتس لطا‪ ،‬بخالف أئم ة اله دى‪ ،‬وال ذين اجتمعت األم ة‬
‫جميعا على مكانتهم وفضلهم‪ ،‬وإن اختلفت في التبعية لهم‪.‬‬
‫ولم يكتف الف ارون من الح ديث ومقتض ياته به ذه الت أويالت البعي دة‪ ،‬ب ل إن‬
‫بعض هم ذهب إلى أن الم راد من ه تفاص يل الهيئ ة الحاكم ة‪ :‬الخليف ة‪ ،‬وال وزراء‪،‬‬
‫والنواب‪ ،‬والحكام‪ ،‬وغيره ا‪ ،‬كم ا ع بر عن ذل ك ابن تيمي ة بقول ه‪( :‬وق د ت أول ابن‬
‫هب يرة الح ديث على أن الم راد أن ق وانين المملك ة ب اثني عش ر‪ ،‬مث ل ال وزير‪،‬‬
‫والقاضي‪ ،‬ونحو ذلك)(‪)2‬‬
‫خامسا‪ .‬اعتبار اإلمام علي أول أئمة الهدى‪:‬‬
‫والكثير منها صحيح بحسب شروط الصحة في المصادر السنية‪ ،‬وعند أك ثر‬
‫المحدثين تشددا‪ ،‬بل إن بعضها بلغ مبلغ التواتر‪ ،‬وفوق ذل ك ال تع ارض بينه ا وبين‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وال العقل السليم‪ ،‬وال الفطرة الصافية‪.‬‬
‫فالقرآن الكريم يشير إلى أن الوظائف الكبرى قد تستدعي تدخال إلهيا حتى ال‬
‫يقع البشر في سوء االختي ار‪ ،‬ومن األمثل ة على ذل ك م ا قص ه هللا تع الى علين ا من‬
‫قصة ب ني إس رائيل ولج وئهم إلى ن بيهم ليح دد لهم المل ك ال ذي يخ رجهم من الذل ة‬
‫والهوان الذي ارتكسوا فيه بسبب سوء اختيارهم‪ ،‬كم ا نص على ذل ك قول ه تع الى‪:‬‬
‫ث لَنَ ا َملِ ًك ا‬ ‫وس ى إِ ْذ قَ الُوا لِنَبِ ٍّي لَهُ ُم ا ْب َع ْ‬
‫﴿أَلَ ْم ت ََر إِلَى ْال َمإَل ِ ِم ْن بَنِي إِ ْس َرائِي َل ِم ْن بَ ْع ِد ُم َ‬
‫نُقَاتِلْ فِي َسبِي ِل هَّللا ِ﴾ [البقرة‪]246 :‬‬
‫ومث ل ذل ك أخ بر عن عناي ة هللا تع الى ب إخراج المستض عفين من ن ير‬
‫المستكبرين‪ ،‬وذلك بتوفير أئمة اله دى ال ذين ي ؤدون ذل ك ال دور‪ ،‬كم ا ق ال تع الى‪:‬‬
‫ارثِينَ (‬ ‫ض َونَجْ َعلَهُ ْم أَئِ َّمةً َونَجْ َعلَهُ ُم ْال َو ِ‬
‫﴿ َونُ ِري ُد أَ ْن نَ ُم َّن َعلَى الَّ ِذينَ ا ْستُضْ ِعفُوا فِي اأْل َرْ ِ‬
‫ي فِرْ َع وْ نَ َوهَا َم انَ َو ُجنُو َدهُ َم ا ِم ْنهُ ْم َم ا َك انُوا‬ ‫ض َونُ ِر َ‬ ‫‪َ )5‬ونُ َم ِّكنَ لَهُ ْم فِي اأْل َرْ ِ‬
‫يَحْ َذرُونَ (‪[ ﴾)6‬القصص‪ 5 :‬ـ ‪]6‬‬
‫وهكذا أخبر عن إبراهيم عليه السالم أنه س أل هللا تع الى أن يك ون في ذريت ه‬
‫من األئم ة م ا يحفظ ون ب ه ال دين من التحري ف والتب ديل‪ ،‬ق ال تع الى‪َ ﴿ :‬وإِ ِذ ا ْبتَلَى‬
‫ال َو ِم ْن ُذ ِّريَّتِي قَ ا َل اَل‬ ‫اس إِ َما ًم ا قَ َ‬ ‫اعلُ كَ لِلنَّ ِ‬
‫ال إِنِّي َج ِ‬ ‫ت فَ أَتَ َّمه َُّن قَ َ‬
‫إِ ْب َرا ِهي َم َربُّهُ بِ َكلِ َم ا ٍ‬

‫‪ )(1‬فتح الباري‪)13/214( :‬‬


‫‪ )(2‬منهاج السنة (‪)8/173‬‬
‫‪38‬‬
‫يَنَا ُل َع ْه ِدي الظَّالِ ِمينَ ﴾ [البقرة‪]124 :‬‬
‫أما العقل والفطرة الس ليمة؛ في دالن على ذل ك أيض ا‪ ،‬ذل ك أن من مقتض يات‬
‫الح رص والعناي ة أال ي ترك العاق ل من ُكل ف برع ايتهم من دون أن ي وفر لهم من‬
‫النصائح ما يسد عليهم كل أبواب الفتنة والتنازع واالختالف‪.‬‬
‫وله ذا ك ان رس ول هللا ‪ ‬حريص ا على تع يين الق ادة في ك ل معرك ة من‬
‫المعارك‪ ،‬مثلما حصل في غزوة مؤتة‪ ،‬والتي يعلم خطرها؛ فلذلك لم يكت ف بتع يين‬
‫قائد واح د‪ ،‬وإنم ا عين ثالث ة ق ادة‪ ،‬بحيث إذا استش هد أح دهم لم يختل ف المس لمون‬
‫فيمن يولونه عليهم‪.‬‬
‫ولهذا؛ ف إن األح اديث ال تي ت دل على اعتب ار اإلم ام علي أول أئم ة اله دى‪،‬‬
‫وسيدهم‪ ،‬أدلة مقبولة عقال ونقال‪ ،‬وهي وحدها كافي ة في تحدي د س ائر األئم ة بع ده‪،‬‬
‫ذلك أن كل إمام يمكنه أن يختار من يخلفه من بع ده‪ ..‬ول و أن األح اديث الص حيحة‬
‫أشارت إلى إمامة الحسنين كما سنرى‪.‬‬
‫بناء على هذا سنذكر في هذا المبحث أمرين‪:‬‬
‫‪ .1‬األحاديث التي تشير إلى اهتمام رسول هللا ‪ ‬باإلمام علي‪ ،‬وداللة األم ة‬
‫عليه‪ ،‬إما عبر الوصية المباش رة باس تخالفه وواليت ه‪ ،‬أو ع بر ذك ر مناقب ه‪ ،‬وال تي‬
‫تشير إلى كونه األولى بإمامة األمة بعده‪.‬‬
‫‪ .2‬األحاديث التي تشير إلى أهليته لإلمامة والقي ادة‪ ،‬بحس ب الرؤي ة القرآني ة‬
‫لذلك‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ الوصية باإلمامة‪:‬‬
‫أ ـ ما ورد في التصريح بإمامته‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة‪ ،‬وواضحة الداللة في كون المقصود منها تنبيه األمة إلى‬
‫ضرورة اعتبار اإلمام علي هو أول أئمة األمة الهداة‪ ،‬وأنه خليفة رسول هللا ‪ ‬في‬
‫ذلك‪ ،‬وأن عليها الرجوع إليه في كل شؤونها‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪]59 :‬ـ وهو ما يعرف بـ [حديث الغدير]‪ ،‬والذي ورد بط رق كث يرة‬
‫جدا‪ ،‬ومما اتفقت على روايته المدارس اإلسالمية‪ ،‬وخالص ة م ا ورد في المص ادر‬
‫السنية أنه بعد أن قضى رسول هللا ‪ ‬مناسكه وقفل راجعا إلى المدين ة‪ ،‬فل ّم ا انتهى‬
‫إلى غدير خم‪ ،‬في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة نزل عليه قول ه تع الى‪ ﴿ :‬يَاأَيُّهَ ا‬
‫ك َوإِن لَّ ْم تَ ْف َعلْ فَ َما بَلَّ ْغتَ ِر َس الَتَهُ َوهّللا ُ يَع ِ‬ ‫ُ‬
‫ك ِمنَ‬ ‫ْص ُم َ‬ ‫ال َّرسُو ُل بَلِّ ْغ َما أ ِ‬
‫نز َل إِلَ ْيكَ ِمن َّربِّ َ‬
‫اس إِ َّن هللا الَ يَ ْه ِدي ْالقَوْ َم ْال َكافِ ِرين﴾ [المائدة‪]67:‬‬ ‫النَّ ِ‬
‫حينها طلب رسول هللا ‪ ‬أن يقام له من حدائج اإلبل‪ ،‬فصعد علي ه‪ ،‬ثم ق ال‪:‬‬
‫(إنّي أوشك أن أدعى فأجيب‪ ،‬وإنّي مسئول‪ ،‬وأنتم مس ئولون‪ ،‬فم ا ذا أنتم ق ائلون؟)‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬نشهد أنّك قد بلّغت‪ ،‬ونصحت وجهدت فجزاك هللا خيرا‪.‬‬
‫وأن مح ّمدا عب ده‬ ‫ثم قال لهم رسول هللا ‪( :‬ألستم تشهدون أن ال إله إالّ هللا‪ّ ،‬‬
‫وأن السّاعة آتي ة ال ريب‬ ‫ق‪ّ ،‬‬ ‫وأن الموت ح ّ‬ ‫ق‪ّ ،‬‬ ‫وأن ناره ح ّ‬ ‫ق‪ّ ،‬‬ ‫وأن جنّته ح ّ‬ ‫ورسوله‪ّ ،‬‬
‫‪39‬‬
‫وأن هللا يبعث من في القب ور‪ ،)...‬فق الوا‪ :‬بلى نش هد ب ذلك‪ ،‬فق ال ‪( :‬الله ّم‬ ‫فيه ا‪ّ ،‬‬
‫اشهد)‬
‫ثم ق ال ‪( :‬إنّي ف رط على الح وض‪ ،‬وأنتم واردون عل ّي الح وض‪ّ ،‬‬
‫وإن‬
‫فض ة‪ ،‬ف انظروا كي ف‬ ‫عرضه ما بين صنعاء وبصرى‪ ،‬فيه أقداح ع دد النّج وم من ّ‬
‫تخلّفوني في الثّقلين؟‪ ..‬الثّق ل األك بر كت اب هللا‪ ،‬ط رف بي د هللا ع ّز وج لّ‪ ،‬وط رف‬
‫وإن اللّطي ف الخب ير نبّ أني‬
‫بأيديكم فتمسّكوا به ال تضلّوا‪ ،‬واآلخر األصغر عترتي‪ّ ،‬‬
‫أنّهم ا لن يتفرّق ا حتّى ي ردا عل ّي الح وض‪ ،‬فس ألت ذل ك لهم ا ربّي‪ ،‬فال تق ّدموهما‬
‫فتهلكوا‪ ،‬وال تقصروا عنهما فتهلكوا)(‪)1‬‬
‫ث ّم وضع ‪ ‬يده في يد اإلمام علي‪ ،‬ثم رفعها‪ ،‬ح تى ب ان بي اض إبطيهم ا‪ ،‬ثم‬
‫ق ال مخاطب ا الجم وع الكث يرة ق ائال‪( :‬أيّه ا النّ اس‪ ،‬من أولى النّ اس ب المؤمنين من‬
‫أنفسهم؟)‪ ،‬فأجابوا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪.‬‬
‫(إن هللا م والي‪ ،‬وأن ا م ولى المؤم نين‪ ،‬وأن ا أولى ب المؤمنين من‬ ‫فق ال ‪ّ :‬‬
‫أنفسهم‪ ،‬فمن كنت مواله فعل ّي مواله)‬
‫وك رر ذل ك وأك ده‪ ،‬ثم ختم ه بقول ه‪( :‬الله ّم وال من وااله‪ ،‬وع اد من ع اداه‪،‬‬
‫وأحبّ من أحبّه‪ ،‬وأبغض من أبغضه‪ ،‬وانصر من نص ره‪ ،‬واخ ذل من خذل ه‪ ،‬وأدر‬
‫شاهد الغائب)(‪)2‬‬‫ق معه حيث دار‪ ،‬أال فليبلّغ ال ّ‬ ‫الح ّ‬
‫وهذا الحديث واضح لكل عاقل‪ ،‬ذلك أن رسول هللا ‪ ‬لم يوقف تلك الجموع‬
‫الكثيرة‪ ،‬وفي ذلك الحر الشديد‪ ،‬إال ليخبرهم خبرا مهم ا‪ ،‬أو يوص يهم وص ية بليغ ة‬
‫ترتبط بحياتهم ودينهم‪ ،‬وتل ك الوص ية هي م ا ع بر عن ه بوالي ة اإلم ام علي‪ ،‬وهي‬
‫تشمل كل ما تدل عليه كلمة الوالية من مع ان‪ ،‬وأوله ا التبعي ة والطاع ة والنص رة‪،‬‬
‫والمحبة والمودة‪.‬‬
‫أي أنه ‪ ‬دعاهم إلى التعامل م ع اإلم ام علي‪ ،‬بنفس المنهج ال ذي يتع املون‬
‫معه‪ ،‬أي أنهم يأخذون الدين عنه‪ ،‬ويكتفون بم ا ي ذكره لهم‪ ،‬ويس تندون إلي ه في ك ل‬
‫شيء‪.‬‬
‫لكن الحديث مع صحته ووضوحه تعرض للكثير من التأويالت التي تص رفه‬
‫عن معناه‪ ،‬وتحول من ه إلى كالم ع ام ع اطفي ال ج دوى ل ه في الحي اة‪ ،‬وال م برر‬
‫لتجميع كل تلك الجموع ألجل دعوتهم لالستماع إليه‪.‬‬
‫ومن تلك التبريرات ما عبر عنه ابن تيمي ة بقول ه‪( :‬وليس في الكالم م ا ي دل‬
‫‪ )(1‬صحيح مسلم (‪ )2408‬والترمذي (‪ )3788‬واللفظ له‪ .‬وغيرهما كثير‪.‬‬
‫‪ )(2‬الشطر األول من الحديث ـ كما ينص المحدثون ـ‪ :‬متواتر‪ ،‬نص على تواتره عدد من الحف اظ‪ ،‬وأم ا الزي ادة‬
‫الواردة في الحديث‪ ،‬وهي قول ه ‪( :‬اللهم وال من وااله‪،‬وع اد من ع اداه) فهي ص حيحة‪ ،‬وق د وردت عن ع دد من‬
‫الصحابة‪ ،‬وصححها عدد من الحفاظ من رواي ة أنس بن مال ك‪ ،‬وأبي س عيد الخ دري‪ ،‬وزي د بن أرقم‪ ،‬وس عد بن أبي‬
‫وقاص‪ .‬وقد خصص الحاف ظ ابن عق دة له ا مص نفا مس تقل‪ ،‬اس توعب في ه طرقه ا‪ ،‬ومثل ه الس يد أحم د بن الص ديق‬
‫الغم اري في‪( :‬اإلعالم بط رق المت واتر من حديث ه علي ه الس الم)‪ ،‬ب ل إن اإلم ام أحم د نفس ه ذك ر في (الفض ائل)‪،‬‬
‫والنسائي في (الخصائص)‪ ،‬وابن الج زري في (المن اقب)‪ ،‬والهيثمي في (المجم ع) رواي ات كث يرة في الدالل ة علي ه‬
‫وعلى معناه‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫داللة بينة على أن المراد ب ه الخالف ة‪ ،‬وذل ك أن الم ولى ك الولي‪ ،‬وهللا تع الى ق ال‪:‬‬
‫﴿إِنَّ َم ا َولِيُّ ُك ُم هَّللا ُ َو َر ُس ولُهُ َوالَّ ِذينَ آ َمنُ وا﴾ [المائ دة‪ ،]55 :‬ف بيَّن أن الرس ول ولي‬
‫أيض ا‪ ،‬كم ا بيَّن أن هللا ولي المؤم نين وأنهم أولي اؤهم‪ ،‬وأن‬ ‫المؤمنين‪ ،‬وأنهم مواليه ً‬
‫المؤمنين بعضهم أولياء بعض‪ ..‬ف المواالة ض د المع اداة‪ ،‬وهي تثبت من الط رفين‪،‬‬
‫وإن كان أحد المتواليين أعظم قدرًا وواليته إحسان وتفض ل‪ ،‬ووالي ة اآلخ ر طاع ة‬
‫وعبادة‪ ،‬كما أن هللا يحب المؤمنين‪ ،‬والمؤمنون يحبونه‪ ،‬ف إن الم واالة ض د المع اداة‬
‫والمحارب ة والمخادع ة‪ ،‬والكف ار ال يحب ون هللا ورس وله‪ ،‬ويح ادون هللا ورس وله‬
‫ويعادونه‪ ..‬وهو ولي المؤمنين وهو موالهم يخ رجهم من الظلم ات إلى الن ور‪ ،‬وإذا‬
‫كان كذلك فمعنى كون هللا ولي المؤمنين وموالهم‪ ،‬وكون الرسول وليهم وم والهم‪،‬‬
‫ي موالهم‪ ،‬هي المواالة التي هي ضد المعاداة)(‪)1‬‬ ‫وكون عل ّ‬
‫وهك ذا راح آخ رون يض عون ال ذرائع المختلف ة‪ ،‬ليص رفوا الكالم النب وي‬
‫المقدس عن حقيقته‪ ،‬ليقصروه على المحل ال ذي ورد في ه‪ ،‬م ع أنهم يعرف ون أن ه ال‬
‫يوجد موقف في الدنيا إال ويرتبط بس بب من األس باب‪ ،‬وم ع ذل ك تهم ل األس باب‪،‬‬
‫ويظل الموقف؛ فكيف إذا كان الموقف لنبي‪ ،‬وبعد نزول آيات تحثه على البالغ‪.‬‬
‫ومن تلك األقوال ما عبر عنه ابن حجر الهيتمي بقوله‪( :‬وسبب ذلك كما نقل ه‬
‫الحافظ شمس الدين الجزري عن ابن إس حاق أن علًيًّّا تكلم في ه بعض من ك ان مع ه‬
‫في اليمن‪ ،‬فلما قض ى ‪ ‬ح ّج ه خطبه ا تنبيهً ا على ق دره‪ ،‬ور ًًّّدا على من تكلم في ه‪:‬‬
‫كبريدة؛ لما في البخاري أنه كان يبغضه)(‪)2‬‬
‫علي بعده‪ ،‬فق د‬ ‫وقال البيهقي‪( :‬وأما حديث المواالة فليس فيه نص على والية ٍّ‬
‫ذكرنا من طرقه في كتاب الفضائل ما دل على مقصود النبي ‪ ‬من ذلك‪ ،‬وهو أن ه‬
‫لما بعثه إلى اليمن كثُرت الش كاة عن ه وأظه روا بغض ه‪ ،‬ف أراد الن بي ‪ ‬أن ي ذكر‬
‫اختصاصه به ومحبته إياه‪ ،‬ويحثهم بذلك على محبته ومواالته وترك معاداته)(‪)3‬‬
‫وقال ابن كثير‪( :‬فصل في إيراد الحديث الدال على أنه ‪ ‬خطب بمك ان بين‬
‫مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة‪ ،‬يقال ل ه‪ :‬غ دير ُخ ّم‪ ،‬ف بيَّن‬
‫فيها فضل علي بن أبي طالب وبراءة ِعرضه مما كان تكلم فيه بعض من ك ان مع ه‬
‫بأرض اليمن‪ ،‬بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة ال تي ظنه ا بعض هم ج ورًا‬
‫وتضييقًا وبخاًل ‪ ،‬والصواب كان معه في ذلك‪ ،‬ولهذا لما تفرغ ‪ ‬من بيان المناس ك‬
‫ورجع إلى المدينة بيَّن ذلك في أثناء الطريق‪ ،‬فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن‬
‫عشر من ذي الحجة عامئذ‪ ،‬وكان يوم األحد بغدير ُخ ّم تحت شجرة هناك‪ ،‬فبين فيها‬
‫علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نف وس‬ ‫أشياء‪ .‬وذكر من فضل ٍّ‬
‫كثير من الناس منه)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬منهاج السنة ‪.7/229‬‬


‫‪ )(2‬الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضالل والزندقة (‪)1/109‬‬
‫‪ )(3‬االعتقاد (ص ‪)354‬‬
‫‪ )(4‬البداية والنهاية ‪.5/227‬‬
‫‪41‬‬
‫وكان يمكنهم أن يتجاوزوا هذه النظرة القاصرة لحديث رسول هللا ‪ ‬لو أنهم‬
‫تخلوا عن الطائفية والصراع؛ فلو أن صاحب الفضل كان غير اإلمام علي‪ ،‬لفسروه‬
‫بما يتناسب معه‪ ،‬لكن لكونه خاصا به‪ ،‬راحوا يتالعبون بتأويله‪ ،‬كما يشتهون‪ ،‬غ ير‬
‫ناظرين لألحاديث الكثيرة األخرى التي تؤيده‪ ،‬وتبين معناه‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]60 :‬ـ ما ورد من الداللة على اختي اره للتبلي غ عن رس ول هللا ‪،‬‬
‫وه و ص ريح في كون ه أولى الن اس بالهداي ة والبي ان بع د رس ول هللا ‪ ،‬ونص‬
‫الحديث هو ما روي عن اإلمام علي أنه قال‪ :‬لما نزلت عش ر آي ات من ب راءة على‬
‫النبى ‪ ‬دعا النبى ‪ ‬أبا بكر فبعثه بها ليقرأها على أهل مكة‪ ،‬ثم دعانى النبى ‪‬‬
‫فقال‪ :‬أدرك أبا بكر فحيثما لحقت ه‪ ،‬فخ ذ الكت اب من ه‪ ،‬ف اذهب إلى أه ل مك ة ف اقرأه‬
‫عليهم‪ ،‬فلحقته بالجحفة‪ ،‬فأخذت الكتاب منه‪ ،‬ورجع أبو بكر إلى النبى ‪ ،‬فقال‪ :‬ي ا‬
‫رسول هللا نزل فى شيء‪ ،‬قال‪( :‬ال‪ ،‬ولكن جبريل جاءنى‪ ،‬فق ال‪ :‬لن ي ؤدى عن ك إال‬
‫أنت أو رجل منك)(‪)1‬‬
‫وقد روي أن اإلمام علي قال حينها لرسول هللا ‪ ،‬يعتذر له‪( :‬يا نبي هللا إني‬
‫لست باللسن وال بالخطيب)‪ ،‬فقال‪( :‬ما بد أن أذهب بها أنا‪ ،‬أو تذهب بها أنت)‪ ،‬فقال‬
‫اإلم ام علي‪( :‬ف إن ك ان وال ب د‪ ،‬فس أذهب أن ا)‪ ،‬فق ال ‪( :‬ف انطلق‪ ،‬ف إن هللا يثبت‬
‫لسانك ويهدي قلبك)‪ ،‬ثم وضع يده على فمه (‪.)2‬‬
‫[الحديث‪]61 :‬ـ ما يطلق علي ه [ح ديث المنزل ة]‪ ،‬وه و م ا ورد في الح ديث‬
‫المتفق عليه بين المدارس اإلسالمية من اعتباره بمنزلة هارون من موسى‪ ،‬وأن ه ال‬
‫فارق بينهما إال في النبوة‪ ،‬ألن النبوة ختمت برسول هللا ‪ ،‬ونص الح ديث ه و م ا‬
‫روي عن س عيد بن المس يب‪ ،‬ق ال‪ :‬قلت لس عد بن مال ك‪ :‬إني أري د أن أس ألك عن‬
‫حديث‪ ،‬وأنا أهابك أن أسألك عنه‪ ،‬فق ال‪ :‬ال تفع ل ي ا ابن أخي‪ ،‬إذا علمت أن عن دي‬
‫علم ا فس لني عن ه‪ ،‬وال تهب ني‪ ،‬ق ال‪ :‬فقلت‪ :‬ق ول رس ول هللا ‪ ‬لعلي حين خلف ه‬
‫بالمدينة في غزوة تبوك‪ ،‬فقال سعد‪ :‬خلف النبي ‪ ‬عليا بالمدين ة في غ زوة تب وك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬أتخلفني في الخالفة في النساء والصبيان؟ فقال‪ :‬أم ا ترض ى أن‬
‫تكون م ني بمنزل ة ه ارون من موس ى؟ ق ال‪ :‬بلى ي ا رس ول هللا‪ ،‬ق ال‪ :‬ف أدبر علي‬
‫مسرعا كأني أنظر إلى غبار قدميه يسطع(‪.)3‬‬
‫ومع وضوح الحديث في الداللة على المكانة الخاصة لإلمام علي‪ ،‬والتي تدل‬
‫عليه ا س ائر أح اديث المن اقب إال أن النظ رة الطائفي ة القاص رة ح الت دون تفعي ل‬
‫الحديث في الواقع‪ ،‬بل توهمته مجرد خطاب عاطفي من رسول هللا ‪ ‬ال عالقة ل ه‬
‫بالوحي اإللهي‪ ،‬وكأن ذلك التشبيه ال يختلف عن تشابيه الشعراء واألدب اء‪ ..‬ال كالم‬
‫األنبياء الذي ال يعتريه الباطل من بين يديه وال من خلفه‪.‬‬
‫‪ )(1‬رواه أحم د (‪ ،1/151‬رقم ‪ ،)1296‬وعب د هللا فى زوائ ده على المس ند‪ ،‬وأب و الش يخ‪ ،‬وابن مردوي ه‪[ ،‬ك نز‬
‫العمال ‪]4400‬‬
‫‪ )(2‬انظر الحديث في‪ :‬مسند أحمد ‪ 1‬ص ‪.150‬‬
‫‪ )(3‬رواه البخاري‪ ،‬فتح الباري ‪ ،7/71‬ح‪ ،3706‬ومسلم‪ ،4/1870 ،‬ح‪ ،2404‬وأحمد ‪.6/369 ،6/438‬‬
‫‪42‬‬
‫ومن تلك األقوال التي صرف بها الحديث عن مفهومه الذي أراده رس ول هللا‬
‫‪ ،‬والذي تدل عليه غيره من األح اديث م ا ع بر عن ه ابن ح زم بقول ه‪( :‬وه ذا ال‬
‫يوجب له فضالً على من سواه‪ ،‬وال استحقاق اإلمامة بعده‪ ،‬ألن ه ارون لم ي ل أم ر‬
‫بني إسرائيل بعد موسى عليهما السالم‪ ،‬وإنما ولي األمر بعد موسى يوش ع بن ن ون‬
‫فتى موسى وصاحبه ال ذي س افر مع ه في طلب الخض ر عليهم ا الس الم‪ ،‬كم ا ولي‬
‫األمر بعد رسول هللا ‪ ‬صاحبه في الغار الذي سافر معه إلى المدين ة‪ ،‬وإذا لم يكن‬
‫على نبيا ً كما كان هارون نبياً‪ ،‬وال كان ه ارون خليف ة بع د م وت موس ى على ب ني‬
‫إسرائيل فصح أن كونه من رسول هللا بمنزلة هارون من موسى إنما هو في القرابة‬
‫فقط‪ ،‬وأيضا فإنما قال له رس ول هللا ه ذا الق ول إذ اس تخلفه على المدين ة في غ زوة‬
‫تبوك‪ ،‬ثم قد استخلف قبل تبوك‪ ،‬وبعد تبوك في أسفاره رجاالً سوى علي‪ ،‬فص ح أن‬
‫هذا االستخالف ال ي وجب لعلي فض الً على غ يره‪ ،‬وال والي ة األم ر بع ده‪ ،‬كم ا لم‬
‫يوجب ذلك لغيره من المستخلفين)(‪)1‬‬
‫أما ابن تيمية‪ ،‬فقد قلبه رأسا على عقب‪ ،‬حيث حول ه من المنقب ة إلى المذم ة‪،‬‬
‫ومن أقواله فيه‪( :‬وقول القائل هذا بمنزلة هذا‪ ،‬وه ذا مث ل ه ذا‪ ،‬ه و كتش بيه الش يء‬
‫بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق‪ ،‬ال يقتضي المساواة في كل شيء‪ ..‬وكذلك‬
‫هنا هو بمنزلة هارون‪ ،‬فيما دل عليه السياق‪ ،‬وهو استخالفه في مغيبه كما استخلف‬
‫موس ى ه ارون‪ ،‬وه ذا االس تخالف ليس من خص ائص علي‪ ،‬ب ل وال ه و مث ل‬
‫استخالفاته‪ ،‬فضالً أن يكون أفضل منها‪ ،‬وقد استخلف َم ْن علي أفضل منه في كث ير‬
‫من الغزوات‪ ،‬ولم تكن تلك االستخالفات توجب تقديم ال ُم ْس تخلَف على عل ّي إذا قع د‬
‫معه‪ ،‬فكيف يك ون موجب ا ً لتفض يله على عل ّي‪ ..‬ب ل ق د اس تخلف على المدين ة غ ير‬
‫واحد‪ ،‬وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخالف عل ّي‪،‬‬
‫بل كان ذلك االستخالف يك ون على أك ثر وأفض ل ممن اس تخلف علي ه ع ام تب وك‬
‫وكانت الحاجة إلى االستخالف أكثر‪ ،‬فإنه كان يخاف من األعداء على المدينة‪ ،‬فأما‬
‫عام تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز‪ ،‬وفتحت مكة وظه ر اإلس الم وع ّز‪،‬‬
‫ولهذا أمر هللا نبيه أن يغزو أهل الكتاب بالشام‪ ،‬ولم تكن المدينة تحتاج إلى من يقاتل‬
‫بها العدو‪ ،‬ولهذا لم يدع النبي عند عل ّي أحداً من المقاتلة‪ ،‬كما كان يدع بها في س ائر‬
‫الغزوات بل أخذ المقاتلة كلهم معه)(‪)2‬‬
‫وهكذا راح هؤالء ينظرون إلى ظاهر الفعل‪ ،‬وه و االس تخالف‪ ،‬ال إلى تل ك‬
‫الكلمات التي قالها رسول هللا ‪ ،‬والتي لها مدلولها العميق‪ ،‬وخاصة عندما تص در‬
‫من مشكاة النبوة‪ ،‬فرسول هللا ‪ ‬مع كثرة من استخلفهم لم يق ل ألح د منهم م ا قال ه‬
‫لإلمام علي‪.‬‬
‫[الحديث‪]62 :‬ـ ما يطلق عليه [حديث الطير]‪ ،‬والذي ح اول بعض هم إنك اره‬

‫‪ )(1‬الفصل ‪.160-4/159‬‬
‫‪ )(2‬منهاج السنة ‪ ،332-7/330‬وانظر‪ :‬أيضا ً ‪ 5/34‬من الكتاب نفسه‪ ،‬ومجموع الفتاوى ‪.4/416‬‬
‫‪43‬‬
‫على الرغم من أسانيده الكثيرة(‪ ..)1‬ولو أن أح دها فق ط ك ان في غ يره‪ ،‬لط اروا ب ه‬
‫فرحا‪ ،‬ولحفظوه كما يحفظون السورة من القرآن‪ ،‬ونص الح ديث ه و م ا ح دث ب ه‬
‫أنس بن مالك ق ال‪ :‬كنت أخ دم رس ول هللا ‪ ،‬فق دم لرس ول هللا ‪ ‬ف رخ مش وي‪،‬‬
‫فقال‪( :‬اللهم ائت ني ب أحب خلق ك إلي ك يأك ل معي من ه ذا الط ير) ق ال‪ :‬فقلت‪ :‬اللهم‬
‫اجعله رجال من األنصار فجاء علي‪ ،‬فقلت‪ :‬إن رسول هللا ‪ ‬على حاجة‪ ،‬ثم ج اء‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬إن رس ول هللا ‪ ‬على حاج ة ثم ج اء‪ ،‬فق ال رس ول هللا ‪( :‬افتح) ف دخل‪،‬‬
‫فقال رسول هللا ‪( :‬ما حبسك علي) فقال‪( :‬إن هذه آخ ر ثالث ك رات ي ردني أنس‬
‫يزعم إنك على حاجة)‪ ،‬فق ال‪( :‬م ا حمل ك على م ا ص نعت؟) فقلت‪ :‬ي ا رس ول هللا‪،‬‬
‫سمعت دعاءك‪ ،‬فأحببت أن يكون رجال من قومي‪ ،‬فقال رس ول هللا‪( :‬إن الرج ل ق د‬
‫يحب قومه)(‪)2‬‬
‫وفي هذا الحديث إشارة واضحة إلى اإلمامة‪ ،‬ذلك أن المحبة اإللهية ال تك ون‬
‫إال لألصلح واألعلم واألتقى‪ ،‬والذي تتوفر في ه ك ل كم االت الهداي ة‪ ،‬وب ذلك يك ون‬
‫أهال لإلمامة فيها‪.‬‬
‫[الحديث‪]63 :‬ـ ما يطلق علي ه ح ديث ال دار‪ ،‬ونص ه أن ه بع د أن ن زل قول ه‬
‫ك األَ ْق َربِينَ ﴾ (الش عراء‪ )۲۱٤ :‬دع ا رس ول هللا ‪ ‬ب ني عب د‬ ‫تعالى‪َ ﴿:‬وأَن ِذرْ ع َِش ي َرتَ َ‬
‫المطلب‪ ،‬وبعد أن أطعمهم‪ ،‬قال‪( :‬يا بني عبد المطلب‪ ،‬وهللا ما اعلم شابا ً في الع رب‬
‫جاء قومه بأفضل م ّما قد جئتكم به‪ ،‬انّي جئتكم بخير الدنيا واآلخرة‪ ،‬وق د أم رني هللا‬
‫تعالى أن أدعوكم إليه‪ ،‬فأيّكم يؤازرني على هذا األمر على أن يكون أخي‪ ،‬ووصيي‬
‫وخليفتي فيكم)‪ ،‬قال اإلمام علي‪ :‬فأحجم الق وم عنه ا جميع اً‪ ،‬وقلت ـ وإنّي ألح دثهم‬
‫(إن هذا أخي ووص يي‬ ‫سنا ً ـ أنا يا نبي هللا أكون وزيرك عليه؛ فاخذ برقبتي ث ّم قال‪ّ :‬‬
‫وخليفتي فيكم‪ ،‬فاسمعوا له واطيعوا) فقام القوم يضحكون ويقولون ألبي طالب‪( :‬ق د‬
‫أمرك أن تسمع البنك وتطيع)(‪)3‬‬
‫ونحن لم ن ورد ه ذا الح ديث لص حته المطلق ة‪ ،‬وإنم ا لموافقت ه لغ يره من‬
‫النصوص‪ ،‬وتوافقه مع القرآن الكريم‪ ،‬وكونه يدل على السبب الذي ُشرف به اإلمام‬
‫علي في ذلك االختيار‪ ،‬وكون ه ص غيرا في ذل ك ال وقت ال يتن افى م ع المهم ة ال تي‬
‫أخبر رسول هللا ‪ ‬عنها‪ ،‬ذلك أن هللا تع الى ق ال عن يحي علي ه الس الم‪﴿ :‬يَ ا يَحْ يَى‬
‫صبِيًّا﴾ [مريم‪]12 :‬‬‫َاب بِقُ َّو ٍة َوآتَ ْينَاهُ ْال ُح ْك َم َ‬
‫ُخ ِذ ْال ِكت َ‬
‫باإلضافة إلى أن ذلك من مقتضيات االختبار اإللهي‪ ،‬ذل ك أن ه ينص رف إلى‬

‫‪ )(1‬رواه من الص حابة‪ :‬أنس بن مال ك‪ ،‬وعلي‪ ،‬وابن عب اس‪ ،‬وج ابر بن عب د هللا‪ ،‬وأبي راف ع‪ ،‬ويعلى بن م رة‪،‬‬
‫وسفينة‪ .‬ولذلك فإنه يكاد يصير من األحاديث من المتواترة‪ ،‬بل هناك من صرح بتواتره‪ .‬قد ذكر ابن كثير‪ّ :‬‬
‫أن الحافظ‬
‫الذهبي ألف جزءا في طرق الحديث‪ ،‬فبلغ عدد من رواه عن أنس‪ :‬بضعة وتسعين نفسا [البداية والنهاي ة (‪،])4/416‬‬
‫وقال الذهبي‪( :‬له طرق كثيرة جدا قد أفردتــُها بمصنــَّف‪ ،‬ومجموعه ا ي وجب أن يك ون الح ديث ل ه أص ل) [ت ذكرة‬
‫الحفاظ (‪])3/1043‬‬
‫‪ )(2‬المستدرك على الصحيحين للحاكم (‪،)141 /3‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬ولم يخرجاه‪.‬‬
‫‪ )(3‬تاريخ الطبري ‪ ،۲۱۷ /۲‬الكامل في التاريخ ‪ ٦۲ /۲‬ـ ‪ ،٦٤‬السيرة الحلبية ‪ ٤٦۱ :۱‬وغيرها‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫من يحتقرهم الن اس‪ ،‬ويتعجب ون من ك ونهم أهال لتل ك المناص ب‪ ،‬وه و م ا حص ل‬
‫لإلمام علي عند استبعاده بسبب صغر سنه‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]64 :‬ـ ما روي عن عمران بن حصين أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬إن‬
‫عليا مني وأنا منه‪ ،‬وهو ولي كل مؤمن)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]65 :‬ـ ما روي عن أبي سعيد وسليمان أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬إن‬
‫وصيي‪ ،‬وموضع سري‪ ،‬وخير من أترك بعدي‪ ،‬وينجز عدتي‪ ،‬ويقض ي دي ني علي‬
‫بن أبي طالب)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]66 :‬ـ ما روي عن ابن عباس أن رسول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬ي ا أم س لمة‬
‫إن عليا لحمه من لحمي‪ ،‬ودمه من دمي وهو مني بمنزل ة ه ارون من موس ى غ ير‬
‫أنه ال نبي بعدي)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]67 :‬ـ ما روي أن عمر قال‪ :‬كفوا عن علي فإني سمعت رس ول هللا‬
‫‪ ‬يق ول‪( :‬في علي ثالث خص ال ال يك ون لي واح دة منهن‪ :‬أحب إلي مم ا طلعت‬
‫عليه الشمس‪ ،‬كنت أنا وأبو بك ر وأب و عبي دة نف د والن بي ‪ ‬متكئ على علي ح تى‬
‫ضرب بيده على منكبه‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا علي‪ ،‬أنت أول المؤمنين إيمان ا‪ ،‬وأولهم إس الما‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬أنت مني بمنزلة هارون من موسى)(‪)4‬‬

‫[الحديث‪ ]68 :‬ـ ما روي عن زيد بن أرقم‪ ،‬والبراء بن ع ازب أن رس ول هللا‬


‫‪ ‬قال‪( :‬أال إن هللا وليي وأنا ولي كل مؤمن‪ ،‬من كنت مواله فعلي مواله)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]69 :‬ـ م ا روي عن اإلم ام علي أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال لبري دة (ي ا‬
‫بريدة‪ ،‬إن عليا وليكم بعدي‪ ،‬فأحب عليا‪ ،‬فإنه يفعل ما يؤمر)(‪)6‬‬

‫[الحــديث‪ ]70 :‬ـ م ا روي عن أنس أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال لعلي‪ :‬أنت ت بين‬
‫للناس ما اختلفوا فيه من بعدي)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]71 :‬ـ ما روي عن معاذ أن رسول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬أخص مك ب النبوة‬
‫وال نب وة بع دي وتخص م الن اس بس بع وال يحاج ك فيه ا أح د من ق ريش أنت أول‬
‫المؤم نين إيمان ا باهلل‪ ،‬وأوف اهم بعه د هللا‪ ،‬وأق ومهم ب أمر هللا‪ ،‬وأرأفهم وأع دلهم‬
‫بالرعي ة‪ ،‬وأقس مهم بالس وية‪ ،‬وأبص رهم وأعلمهم بالقض ية‪ ،‬وأعظمهم مزي ة ي وم‬
‫القيامة)‪ ،‬وفي رواية (سبع خصال ال يحاجك فيهن أحد‪)8()..‬‬

‫‪ )(1‬رواه أب و داود الطيالس ي والحس ن بن س فيان وأب و نعيم في فض ائل الص حابة‪ ،‬س بل اله دى والرش اد‪( ،‬‬
‫‪)11/291‬‬
‫‪ )(2‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/291( ،‬‬
‫‪ )(3‬رواه العقيلي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/291( ،‬‬
‫‪ )(4‬رواه الحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/291( ،‬‬
‫‪ )(5‬رواه أبو نعيم في فضائل الصحابة‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/292( ،‬‬
‫‪ )(6‬رواه الديلمي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/295( ،‬‬
‫‪ )(7‬رواه الديلمي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/295( ،‬‬
‫‪ )(8‬رواه أبو نعيم في الحلية‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/296( ،‬‬
‫‪45‬‬
‫[الحديث‪ ]72 :‬ما روي عن عمار بن ياسر قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬يا علي‬
‫إن هللا ق د زين ك بزين ة لم ت زين العب اد بزين ة أحب إلى هللا تع الى منه ا‪ ،‬هي زين ة‬
‫األبرار عند هللا عز وجل‪ .‬الزهد في الدنيا فجعلك ال ترزأ من ال دنيا ش يئا وال ت رزأ‬
‫الدنيا منك شيئا‪ ،‬ووهب لك حب المساكين فجعلك ترضى بهم أتباعا ويرض ون ب ك‬
‫إماما)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]73 :‬ما روي عن اإلمام علي أن رسول هللا ‪ ‬قال له‪( :‬سألت هللا‬
‫فيك خمسا فأعطاني أربعا ومنعني واحدة س ألته فأعط اني في ك أن ك أول من تنش ق‬
‫األرض عنه يوم القيامة وأنت معي مع ك ل واء الحم د وأنت تحمل ه وأعط اني أن ك‬
‫ولي المؤمنين من بعدي)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]74 :‬ـ ما روي عن زيد بن األرقم والبراء بن عازب أن رس ول هللا‬
‫‪ ‬قال‪( :‬أال إن هللا وليي وأنا ولي كل مؤمن‪ ،‬ومن كنت مواله فعلي مواله)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]75 :‬ـ ما روي عن عمر قال‪ :‬قال رس ول هللا ‪( :‬علي م ني وأن ا‬
‫منه‪ ،‬وعلي ولي كل مؤمن من بعدي)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪]76 :‬ـ م ا روي عن عب د هللا بن بري دة عن أبي ه أن رس ول هللا ‪‬‬
‫قال‪( :‬ال تقع في علي فإنه مني وأنا منه‪ ،‬وهو وليكم من بعدي)(‪)5‬‬
‫ب ـ ما ورد في اإلشارة إلى إمامته‪:‬‬
‫وهي األح اديث الكث يرة ال تي تش ير إلى مزاي اه وخصوص ياته‪ ،‬وت دعو إلى‬
‫رعايتها‪ ،‬واعتبارها‪ ،‬وذلك ما يشير إلى إمامته‪ ،‬وقد اتفق كل المح دثين على أن ه ال‬
‫يوجد أحد من الصحابة نال من المزايا والمناقب والخصائص م ا نال ه اإلم ام علي‪،‬‬
‫كما ع بر عن ذل ك أحم د بن حنب ل بقول ه‪( :‬م ا ج اء ألح د من أص حاب رس ول هللا‬
‫‪‬من الفضائل ما جاء لعلي)(‪)6‬‬
‫وحدث محم د بن منص ور الطوس ي ق ال‪ :‬كنّ ا عن د أحم د بن حنب ل فق ال ل ه‬
‫أن علي ا ً ق ال‪( :‬أن ا قس يم‬
‫رجل‪ :‬يا أبا عبد هللا‪ ،‬ما تقول في هذا الحديث الذي ي روى ّ‬
‫أن الن بي ‪ ‬ق ال لعلي‪( :‬اليحبّ ك إالّ‬ ‫النار)؟ فقال‪ :‬وما تنكرون من ذا؟ أليس روينا ّ‬
‫مؤمن وال يبغضك إالّ منافق)؟ قلنا‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬ف أين الم ؤمن؟ قلن ا‪ :‬في الجن ة‪ .‬ق ال‪:‬‬
‫فعلي قسيم النار)(‪)7‬‬
‫ٌّ‬ ‫وأين المنافق؟ قلنا‪ :‬في النار‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ومن اإلشارات الواردة في هذا المجال‪:‬‬
‫ما ورد في بيان دوره في محاربة المحرفين للدين‪:‬‬

‫‪ )(1‬رواه أبو نعيم في الحلية‪ ،،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/296( ،‬‬


‫‪ )(2‬رواه الخطيب والرافعي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/296( ،‬‬
‫‪ )(3‬رواه أبو نعيم في فضائل الصحابة‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/296( ،‬‬
‫‪ )(4‬رواه ابن أبي شيبة‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/296( ،‬‬
‫‪ )(5‬رواه أحمد‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/297( ،‬‬
‫‪ )(6‬البزار (كشف األستار ‪ ،)169 /3‬وعبد هللا في زيادات الفضائل (‪)1086‬‬
‫‪ )(7‬طبقات الحنابلة‪.320 /1:‬‬
‫‪46‬‬
‫وهي من أك بر األدل ة على إمام ة اإلم ام علي‪ ،‬ذل ك أن أول وظ ائف اإلم ام‬
‫حف ظ رس الة الرس ول من التغي ير والتب ديل‪ ،‬وق د خص اإلم ام علي من بين س ائر‬
‫األئمة بقيامه بحرب المؤولة والمحرفة الذين لم يكتفوا بتحريف عقائد الدين وقيم ه‪،‬‬
‫وإنما راحوا يحرفون نظامه السياس ي ليحول وه إلى كس روية وقيص رية‪ ،‬ومن تل ك‬
‫األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪]77 :‬ـ ما روي عن أبي سعيد قال‪ :‬سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪( :‬إن‬
‫منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله)‪ ،‬فقال أبو بك ر‪ :‬أن ا ه و ي ا‬
‫رسول هللا‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬قال عمر‪ :‬أنا هو يا رسول هللا‪ ،‬قال‪( :‬ال‪ ،‬ولكنه خاصف النعل‪،‬‬
‫وكان قد أعطى عليا نعله يخصفها)(‪)1‬‬
‫[الحــديث‪]78 :‬ـ م ا روي عن علي بن ربيع ة ق ال‪ :‬س معت علي ا يق ول على‬
‫منبركم هذا‪( :‬عهد إلي رسول هللا ‪ ‬أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين)(‪)2‬‬
‫ما ورد في عالقته الشديدة برسول هللا ‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة‪ ،‬تدل على اإلمامة‪ ،‬ذل ك أن أولى الن اس برس ول هللا ‪‬‬
‫أقربهم منه‪ ،‬ألن عالقته به دائمة‪ ،‬وص حبته ل ه متواص لة‪ ،‬وهي ت تيح ل ه ب ذلك من‬
‫معرفة الدين ما ال يتوفر لغيره‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪]79 :‬ـ ما روي عن جابر قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬ي ا علي‪ ،‬الن اس‬
‫من شجر شتى‪ ،‬وأنا وأنت من شجرة واحدة)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]80 :‬ـ ما روي عن عمران بن حصين أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬م ا‬
‫تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن عليا م ني وأن ا من‬
‫علي‪ ،‬وعلي ولي كل مؤمن)(‪)4‬‬

‫[الحديث‪]81 :‬ـ ما روي عن حبشي بن جنادة السلولي أن رسول هللا ‪ ‬قال‪:‬‬


‫(أنا من علي‪ ،‬وعلي مني‪ ،‬وال يؤدي عني إال أنا أو علي)(‪)5‬‬

‫[الحديث‪ ]82 :‬ـ ما روي عن سلمان ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬علي بن أبي‬
‫طالب ينجز بوعدي ويقضي ديني)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]83 :‬ـ ما روي أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬علي أصلي وجعفر فرعي)‬
‫(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]84 :‬ـ ما روي عن ابن عب اس أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬علي م ني‬

‫‪ )(1‬رواه أبو يعلى برجال الصحيح‪ ،،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/290( ،‬‬


‫‪ )(2‬رواه أبو يعلى‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/290( ،‬‬
‫‪ )(3‬رواه الحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/296( ،‬‬
‫‪ )( 4‬رواه الترمذي وقال‪ :‬حسن غريب والطبراني في الكبير والحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/297( ،‬‬
‫‪ )(5‬رواه ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وقال‪ :‬حسن صحيح غ ريب والنس ائي وابن ماج ة وابن أبي ع امر في‬
‫السنة والبغوي والباوردي وابن قانع والطبراني في الكبير والضياء‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/297( ،‬‬
‫‪ )(6‬رواه ابن مردويه والديلمي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/297( ،‬‬
‫‪ )( 7‬رواه الطبراني في الكبير وابن عساكر والضياء‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/297( ،‬‬
‫‪47‬‬
‫بدني)(‪)1‬‬
‫بمنزلة رأسي من‬
‫[الحديث‪]85 :‬ـ ما روي عن ابن عمر أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬علي أخي في‬
‫الدنيا واآلخرة)(‪)2‬‬

‫[الحديث‪]86 :‬ـ ما روي عن أم س لمة ق الت‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬علي م ع‬


‫القرآن‪ ،‬والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا على الحوض)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪]87 :‬ـ ما روي عن اإلم ام علي أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال ل ه‪( :‬قم ي ا‬
‫علي‪ ،‬فقد برئت وما سألت هللا شيئا إال سألت لك مثله)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪]88 :‬ـ م ا روي عن أم س لمة ق الت‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ال ينبغي‬
‫ألحد أن يبات في المسجد إال أنا وعلي)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]89 :‬ـ ما روي عن عمار بن ياسر أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬ي ا علي‬
‫ستقاتلك الفئة الباغية‪ ،‬وأنت على الحق‪ ،‬فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]90 :‬ـ ما روي عن زيد بن أرقم‪ ،‬وغيره من الصحابة ق ال‪( :‬ك انت‬
‫لنفر من أصحاب رسول هللا ‪ ‬أبواب ش ارعة في المس جد‪ ،‬فق ال ‪ ‬يوم اً‪ :‬س ّدوا‬
‫هذه األبواب االّ ب اب عل ّي ق ال‪ :‬فتكلّم في ذل ك ن اس‪ ،‬فق ام رس ول هللا ‪ ‬فحم د هللا‬
‫وأثنى عليه‪ ،‬ثم قال‪( :‬أما بعد‪ ،‬فاني أمرت بس ّد ه ذه األب واب غ ير ب اب علي‪ ،‬فق ال‬
‫فيه قائلكم‪ ،‬وهللا ما سددت شيئا ً وال فتحته‪ ،‬ولكن أمرت بشيء فاتبعته)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪]91 :‬ـ وروى الحرث بن مالك‪ ،‬قال‪( :‬أتيت مكة فلقيت س عد بن أبي‬
‫وقاص‪ ،‬فقلت له‪ :‬هل سمعت لعلّي منقبة؟ ق ال‪ :‬كن ا م ع رس ول هللا ‪ ‬في المس جد‬
‫فنودي فينا لس ّده ليخرج من في المس جد اال آل رس ول هللا ‪ ،‬ق ال‪ :‬فخرجن ا‪ ،‬فلم ا‬
‫أصبح أتاه ع ّمه‪ ،‬فق ال‪ :‬ي ا رس ول هللا‪ ،‬أخ رجت أص حابك وأعمام ك وأس كنت ه ذا‬
‫الغالم؟ فقال رسول هللا ‪ :‬ما أنا أمرت ب إخراجكم وال بإس كان ه ذا الغالم‪ ،‬ان هللا‬
‫هو أمر به)(‪)8‬‬
‫ما ورد في اعتباره موضع اختبار لألمة‪:‬‬
‫وهو يتناسب مع اآليات التي تدل على أن هللا تعالى سيختبر هذه األم ة مثلم ا‬

‫‪ )(1‬رواه الخطيب وابن مردويه والديلمي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/297( ،‬‬


‫‪ )(2‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/297( ،‬‬
‫‪ )(3‬رواه الحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/297( ،‬‬
‫‪ )(4‬رواه أبو نعيم في فضائل الصحابة‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/298( ،‬‬
‫‪ )(5‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/298( ،‬‬
‫‪ )(6‬رواه ابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/296( ،‬‬
‫‪ )(7‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال عقبه‪ :‬هذا حديث حسن غريب ال نعرفه إال من ه ذا الوج ه‪ ،‬وق د س مع م ني محم د بن‬
‫إسماعيل ـ يعني البخ اري ـ ه ذا الح ديث‪ ،‬س نن الترم ذي ج‪ 5‬ص‪ ،305‬ورواه ابن المغ ازلي في المن اقب ص‪260‬‬
‫الحديث ‪ 308‬وابن عساكر في ترجمة اإلمام علي بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق ج‪ 1‬ص‪.258‬‬
‫ومثلهم رواه أحمد في المسند (‪ ،)2/26‬وفي الفضائل (‪ ،)955‬وقال الحافظ ابن حج ر‪( :‬ه و ح ديث مش هور ل ه‬
‫طرق متعددة كل طريق منها على انفراده ال تقصر عن رتبة الحسن‪ ،‬ومجموعه مما يقطع بصحته على طريق كث ير‬
‫من أهل الحديث) [القول المسدد (‪])20‬‬
‫‪ )(8‬خصائص أميرالمؤمنين للنسائي‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪48‬‬
‫اخت بر غيره ا من األمم‪ ،‬واالختب ار ع ادة ال يك ون بالتك اليف‪ ،‬ألن ال دين اكتم ل‪،‬‬
‫والنعمة به تمت‪.‬‬
‫لكن االختبار يك ون ع بر أش خاص يمن ع الحس د من اتب اعهم‪ ،‬وأولى الن اس‬
‫ب ذلك ه و اإلم ام علي‪ ،‬لكون ه من ب ني هاش م‪ ،‬وق ريش ال ترض ى أن تك ون النب وة‬
‫واإلمامة في بني هاشم دون غيرها من القبائل‪ ،‬ومن األح اديث ال واردة في ه ذا م ا‬
‫ورد من األحاديث حول اعتبار محبته من اإليمان وبغضه من النفاق‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫[الحديث‪]92 :‬ـ ما روي عن ابن عباس أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬علي بن أبي‬
‫طالب باب حطة من دخل منه كان مؤمنا ومن خرج منه كان كافرا)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]93 :‬ـ ما روي عن اإلمام علي أن رسول هللا ‪ ‬قال له‪( :‬ي ا علي‪،‬‬
‫إن فيك من عيس ى مثال أبغض ته اليه ود ح تى بهت وا أم ه‪ ،‬وأحبت ه النص ارى ح تى‬
‫أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪]94 :‬ـ ما روي أن رجال ق ال لس لمان‪ :‬م ا أش د حب ك لعلي؟ فق ال‪:‬‬
‫سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪( :‬من أحب عليا ً فق د أحب ني‪ ،‬ومن أحب ني فق د أحب هللا‬
‫عز وجل‪ ،‬ومن أبغض عليا ً فقد أبغضني‪ ،‬ومن أبغضني فقد أبغض هللا ع ز وج ل)‬
‫(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]95 :‬ـ ما روي عن سلمان أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬ي ا علي محب ك‬
‫محبي‪ ،‬ومبغضك مبغضي)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪]96 :‬ـ م ا روي عن عم رو بن ش اش أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬من‬
‫آذى عليا فقد آذاني)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]97 :‬ـ ما روي عن أم سلمة أن رسول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬من أحب علي ا‬
‫فقد أحبني‪ ،‬ومن أحبني فقد أحب هللا‪ ،‬ومن أبغض عليا فقد أبغضني‪ ،‬ومن أبغض ني‬
‫فقد أبغض هللا)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]98 :‬ـ عن سلمان أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬من أحب عليا فقد أحبني)‬
‫وفي لفظ (ومن أحبني فقد أحب هللا‪ ،‬ومن أبغض عليا فقد أبغضني) وفي لف ظ (ومن‬
‫أبغضني فقد أبغض هللا)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪]99 :‬ـ ما روي أن رسول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬ي ا علي‪ ،‬من أحب ك فبح بي‬

‫‪ )(1‬رواه الدارقطني في اإلفراد رواه ابن عدي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/297( ،‬‬
‫‪ )( 2‬رواه عبد هللا بن أحمد وأبو نعيم في فضائل الصحابة والحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/298( ،‬‬
‫‪ )(3‬المستدرك (‪ )130 /3‬الطبراني في المعجم الكبير (‪ )380/901 /23‬عن أم سلمة‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع‬
‫(‪( :)132 /9‬وإسناده حس ن)‪ ،‬وق د عل ق علي ه الش يخ مم دوح بقول ه‪( :‬فه ذا طريق ان للح ديث كالهم ا حس ن لذات ه‪،‬‬
‫فالحديث‪ :‬صحيح بهما)‬
‫‪ )(4‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/293( ،‬‬
‫‪ )( 5‬رواه الصدفي وأبو يعلى والضياء وأحمد والبخاري في تاريخه وابن سعد والطبراني والحاكم‪ ،‬س بل اله دى‬
‫والرشاد‪)11/293( ،‬‬
‫‪ )(6‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/293( ،‬‬
‫‪ )(7‬رواه الطبراني في الكبير والحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/293( ،‬‬
‫‪49‬‬
‫بحبك)(‪)1‬‬
‫أحبك‪ ،‬فإن العبد ال ينال واليتي إال‬
‫[الحديث‪]100 :‬ـ م ا روي عن س لمان أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال لعلي‪( :‬محب ك‬
‫محبي‪ ،‬ومبغضك مبغضي)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]101 :‬ـ ما روي عن ابن عم ر أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬من ف ارق‬
‫عليا فارقني‪ ،‬ومن فارقني فارق هللا)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]102 :‬ـ ما روي عن أبي ذر أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬ي ا علي‪ ،‬من‬
‫فارقك فقد فارق هللا ومن فارقك فقد فارقني)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪]103 :‬ـ ما روي عن أم سلمة أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬من سب عليا‬
‫فقد سبني‪ ،‬ومن سبني فقد سب هللا)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]104 :‬ـ ما روي عن عمرو بن شراحيل ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪:‬‬
‫(اللهم‪ ،‬انصر من نصر عليا‪ ،‬اللهم أكرم من أكرم عليا‪ ،‬اللهم‪ ،‬اخذل من خذل علي ا)‬
‫وفي لفظ (اللهم‪ ،‬أعنه‪ ،‬وأعن به‪ ،‬وارحمه وارحم به‪ ،‬وانصره وانصر به)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]105 :‬ـ ما روي عن كعب بن عجرة ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ال‬
‫تسبوا عليا فإنه كان ممسوسا في ذات هللا(‪))7‬‬
‫[الحديث‪]106 :‬ـ ما روي عن اإلمام علي أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬ال يحب ك‬
‫إال مؤمن‪ ،‬وال يبغضك إال منافق)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪]107 :‬ـ ما روي أن رسول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬ال يحب علي ا من افق‪ ،‬وال‬
‫يبغضه مؤمن)(‪)9‬‬
‫[الحديث‪ ]108 :‬ـ ما روي عن أم سلمة ق الت‪( :‬ال يحب علي ا إال م ؤمن‪ ،‬وال‬
‫يبغضه إال منافق)(‪)10‬‬
‫[الحديث‪ ]109 :‬ما روي عن الحسن بن علي أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬أن هللا‬
‫تعالى يحب من أصحابك ثالثة فأحبهم‪ :‬علي بن أبي ط الب‪ ،‬وأب و ذر‪ ،‬والمق داد بن‬
‫األسود)(‪)11‬‬
‫[الحديث‪]110 :‬ـ ما روي عن عب د هللا بن بري دة عن أبي ه أن رس ول هللا ‪‬‬
‫قال‪( :‬إن هللا عز وج ل يحب من أص حابي أربع ة‪ :‬وأخ برني أن ه يحبهم علي منهم‪،‬‬

‫‪ )(1‬رواه الديلمي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/293( ،‬‬


‫‪ )(2‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/293( ،‬‬
‫‪ )(3‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/293( ،‬‬
‫‪ )(4‬رواه الحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/294( ،‬‬
‫‪ )(5‬رواه أحمد والطيالسي وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/294( ،‬‬
‫‪ )(6‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/295( ،‬‬
‫‪ )( 7‬رواه الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/295( ،‬‬
‫‪ )(8‬رواه مسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/295( ،‬‬
‫‪ )( 9‬رواه الترمذي وقال‪ :‬حسن غريب‪ ،‬والطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪.)11/295( ،‬‬
‫‪ )(10‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/295( ،‬‬
‫‪ )(11‬رواه أبو يعلى‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/290( ،‬‬
‫‪50‬‬
‫وسلمان)(‪)1‬‬‫وأبو ذر منهم‪ ،‬ومقداد‬
‫[الحديث‪]111 :‬ـ ما روي عن اإلمام علي أنه قال‪( :‬وال ذي فل ق الحب ة وب رأ‬
‫ي‪ ،‬أن ال يحب ني إال م ؤمن‪ ،‬وال يبغض ني إال‬ ‫النس مة إن ه لعه د الن بي األمي ‪ ‬إِل َّ‬
‫منافق)(‪)2‬‬
‫ْرفَنَّهُ ْم‬
‫﴿ولَتَع ِ‬
‫[الحديث‪]112 :‬ـ ما روي عن أبي سعيد الخدري في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ل﴾ [محمد‪ ،]30 :‬قال‪( :‬ببغضهم علي بن أبي طالب)(‪)3‬‬ ‫فِي لَحْ ِن ْالقَوْ ِ‬
‫[الحديث‪]113 :‬ـ ما روي عن ابن مسعود قال‪ :‬ما كنا نع رف المن افقين على‬
‫عهد رسول هللا ‪( ‬إال ببغضهم علي بن أبي طالب)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪]114 :‬ـ ما روي عن محمد بن عبي د هللا بن أبي راف ع عن أبي ه عن‬
‫جده أن رسول هللا ‪ ‬بعث عليا مبعثا‪ ،‬فلما قدم‪ ،‬ق ال‪( :‬هللا ورس وله وجبري ل عن ك‬
‫راضون)(‪)5‬‬
‫ما ورد من فضائله في اآلخرة‪:‬‬
‫وهي تدل على أن إمامت ه في اآلخ رة‪ ،‬تع ني كون ه إمام ا في ال دنيا‪ ،‬ذل ك أن‬
‫مناصب اآلخرة ومكارمها مرتبطة بمناصب الدنيا ومكارمها‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪]115 :‬ـ م ا روي عن أنس أن رس ول هللا ‪ ‬رأى علي ا فق ال‪( :‬أن ا‬
‫وهذا حجة على أمتي يوم القيامة)(‪)6‬‬
‫[الحــديث‪ ]116 :‬ـ م ا روي أن رس ول هللا ‪( ‬علي بن أبي ط الب ص احب‬
‫حوضي يوم القيامة)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]117 :‬ـ عن أنس عن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬الجنة تش تاق إلى ثالث ة‪،‬‬
‫علي وعمار وأبو ذر)(‪)8‬‬
‫ما ورد في الدعوة إلى ذكره واالهتمام به‪:‬‬
‫وهو من دالئل اإلمامة‪ ،‬ألن اإلمام مبلغ عن هللا بكالمه وسلوكه‪ ،‬ول ذلك ك ان‬
‫ذكره والتعرف عليه والدعوة إليه مرتبطة بالدين‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]118 :‬ما روي عن عائشة أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬النظر إلى وجه‬
‫علي عبادة)(‪)9‬‬
‫[الحديث‪]119 :‬ـ ما روي عن عائشة قالت‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ذك ر علي‬
‫‪ )(1‬رواه ابن ماج ه والح اكم وأب و نعيم في الحلي ة‪ ،‬والترم ذي‪ ،‬وق ال‪ :‬حس ن غ ريب والروي اني والح اكم في‬
‫المستدرك والضياء‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪.)11/291( ،‬‬
‫‪ )(2‬رواه مسلم ‪.1/86‬‬
‫‪ )(3‬رواه ابن مردويه وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/290( ،‬‬
‫‪ )(4‬رواه ابن مردويه‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/290( ،‬‬
‫‪ )(5‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/292( ،‬‬
‫‪ )(6‬رواه الخطيب‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/292( ،‬‬
‫‪ )(7‬رواه الطبراني في األوسط‪ ،،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/290( ،‬‬
‫‪ )( 8‬رواه البزار بسند حسن والترمذي وقال حسن غريب‪ ،‬وأبو يعلى والحاكم والطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرش اد‪،‬‬
‫(‪)11/290‬‬
‫‪ )(9‬رواه ابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/292( ،‬‬
‫‪51‬‬
‫عبادة)(‪)1‬‬
‫‪ 2‬ـ أهلية اإلمامة‪:‬‬
‫ونقصد باألهلية ما نص عليه قول ه تع الى في ح ق الرس الة‪ ﴿ :‬هَّللا ُ أَ ْعلَ ُم َحيْثُ‬
‫يَجْ َع ُل ِر َسالَتَهُ ﴾ [األنعام‪ ،]124 :‬والتي تدل على أن المناصب اإللهية الرفيع ة ال تي‬
‫ترتبط بها هداية األمم مبنية على العدالة والرحمة اإللهية التي تراعي المؤهالت‪ ،‬ال‬
‫األمزجة‪.‬‬
‫ولذلك فإن اختيار اإلمام علي لذلك المنص ب الرفي ع‪ ،‬ليس بس بب قرابت ه من‬
‫رسول هللا ‪ ،‬وإنما ألهليته لذلك‪ ،‬والتي مكنته منها تربيته من ذ ص غره الب اكر في‬
‫بيت رسول هللا ‪ ،‬كما عبر عن ذلك بقول ه‪( :‬وق د علمتم موض عي من رس ول هللا‬
‫‪ ‬بالقرابة القريبة‪ ،‬والمنزلة الخصيصة‪ .‬وض عني في حج ره وأن ا ولي د‪ ،‬يض ّمني‬
‫ويمس ني جس ده‪ ،‬ويش ّمني عرف ه‪ .‬وك ان يمض غ‬ ‫ّ‬ ‫إلى صدره‪ ،‬ويكنف ني في فراش ه‪،‬‬
‫ال ّشيء ث ّم يلقمنيه‪ ،‬وما وجد لي كذبة في قول‪ ،‬وال خطلة في فعل‪ .‬وكنت أتبعه اتب اع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ل يوم من أخالقه علما‪ ،‬ويأمرني باالقتداء به)(‪)2‬‬ ‫الفصيل أثر أ ّمه‪ ،‬يرفع لي في ك ّ‬
‫وهو ما يشير إليه قوله تعالى في تهيئة أص حاب المناص ب اإللهي ة الرفيع ة‪:‬‬
‫﴿ فَتَقَبَّلَهَا َربُّهَا بِقَبُو ٍل َح َس ٍن َوأَ ْنبَتَهَا نَبَاتًا َح َسنًا َو َكفَّلَهَا زَ َك ِريَّا ﴾ [آل عمران‪]37 :‬‬
‫ول ذلك؛ ف إن اإلم ام علي ك ان في عالقت ه م ع رس ول هللا ‪ ‬ال يختل ف عن‬
‫عالقة البنوة واألخوة‪ ،‬وهو ما يتيح له فرصا كبيرة من التربية والتعليم والتهذيب ال‬
‫تتاح لغيره‪.‬‬
‫ولهذا ورد في األحاديث الكثيرة اإلشارة إلى تلك المؤهالت التي تجعل ه أهال‬
‫ال اجْ َع ْلنِي َعلَى خَ زَ ائِ ِن اأْل َرْ ِ‬
‫ض‬ ‫لإلمامة‪ ،‬والتي أشار إلى مجامعها قول ه تع الى‪﴿ :‬قَ َ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اص طفَاهُ َعل ْيك ْم َوزَا َدهُ بَ ْس طة فِي‬ ‫َ‬ ‫إِنِّي َحفِيظٌ َعلِي ٌم ﴾ [يوس ف‪ ،]55 :‬وقول ه‪ ﴿ :‬إِ َّن هَّللا َ ْ‬
‫ْال ِع ْل ِم َو ْال ِج ْس ِم﴾ [البق رة‪ ،]247 :‬فاهلل تع الى أخ بر أن أهلي ة ط الوت ويوس ف لتل ك‬
‫المناصب لم تكن إال بسبب العلم الذي كان لهما‪ ،‬ولم يكن لغيرهما‪.‬‬
‫بل إن هللا تعالى عندما أراد أن ينصب آدم علي ه الس الم للخالف ة ذك ر علم ه‪،‬‬
‫ض هُ ْم َعلَى ْال َماَل ئِ َك ِة فَقَ ا َل‬ ‫﴿و َعلَّ َم آ َد َم اأْل َ ْس َما َء ُكلَّهَ ا ثُ َّم ع ََر َ‬ ‫واختبر به المالئكة‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫َّ‬ ‫اَّل‬ ‫ْ‬
‫صا ِدقِينَ (‪ )31‬قَالوا ُسب َْحانَكَ اَل ِعل َم لَنَا إِ َم ا عَل ْمتَنَ ا‬ ‫ُ‬ ‫أَ ْنبِئُونِي بِأ َ ْس َما ِء هَؤُاَل ِء إِ ْن ُك ْنتُ ْم َ‬
‫ال أَلَ ْم‬‫إِنَّكَ أَ ْنتَ ْال َعلِي ُم ْال َح ِكي ُم (‪ )32‬قَا َل يَاآ َد ُم أَ ْنبِ ْئهُ ْم بِأ َ ْس َمائِ ِه ْم فَلَ َّما أَ ْنبَ أَهُ ْم بِأ َ ْس َمائِ ِه ْم قَ َ‬
‫ض َوأَ ْعلَ ُم َم ا تُ ْب ُدونَ َو َم ا ُك ْنتُ ْم تَ ْكتُ ُم ونَ ﴾‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫الس َما َوا ِ‬‫ْب َّ‬ ‫أَقُ لْ لَ ُك ْم إِنِّي أَ ْعلَ ُم َغي َ‬
‫[البقرة‪]33 - 31 :‬‬
‫وبع دها أم ر هللا تع الى المالئك ة بالس جود آلدم علي ه الس الم‪ ،‬كعالم ة على‬
‫خضوعهم لذلك المنصب الذي أتيح له‪ ،‬مما ي دل على أن فض له في العلم ه و ال ذي‬
‫جعل له أهلية الخالفة‪.‬‬
‫‪ )(1‬رواه الخطيب والديلمي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/293( ،‬‬
‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ ،‬الخطبة ‪.192‬‬
‫‪52‬‬
‫وهذه المعايير القرآنية مما تتوافق عليه العقول‪ ،‬ذلك أن األمة اإلس المية بع د‬
‫رس ول هللا ‪ ‬وهي في مه دها وال ذي على أساس ه تك ون انطالقته ا في الري ادة‬
‫والش هادة على األمم‪ ،‬تحت اج إلى من تت وفر في ه األهلي ة العلمي ة الكافي ة ألداء ذل ك‬
‫الدور الخطير الذي تتوقف عليه مسيرة األمة جميعا‪.‬‬
‫وقب ل أن ن ذكر األح اديث ال واردة في ه ذا الج انب‪ ،‬ن ذكر أن ك ل الص حابة‬
‫والتابعين متفقون على كون اإلمام علي هو أعلم األمة بعد نبيها ‪ ،‬فق د ق ال س عيد‬
‫بن المسيب‪( :‬ما كان أحد من الناس يقول سلوني غير علي بن أبي طالب)(‪)1‬‬
‫وعن عبدالملك بن سليمان قال‪( :‬قلت لعط اء‪ :‬أك ان في أص حاب محم د أعلم‬
‫من علي؟ قال‪ :‬ال وهللا ! ال أعلمه)(‪)2‬‬
‫وقال مس روق‪( :‬ش اممت أص حاب رس ول هللا ‪ ‬فوج دت علمهم انتهى إلى‬
‫ستة‪ :‬إلى عمر وعلي وعبد هللا ومعاذ وأبي الدرداء وزيد بن ثابت‪ ،‬فشاممت ه ؤالء‬
‫الستة فوجدت علمهم انتهى إلى علي وعبدهللا)(‪)3‬‬
‫وهكذا شهد له بذلك كل من درس حياته‪ ،‬مثل العق اد ال ذي ذك ر ريادت ه لك ل‬
‫المجاالت العلمية من التوحيد والقضاء والفقه وعلم النح و وفن الكتاب ة وغيره ا‪ ،‬ثم‬
‫قال عنه‪( :‬مما يجوز لنا أن نسميه أساسا ً صالحا ً لموسوعة المع ارف اإلس المية في‬
‫جمي ع العص ور‪ ،‬أو يج وز لن ا أن نس ميه موس وعة المع ارف اإلس المية كله ا في‬
‫الصدر األول من اإلسالم)(‪)4‬‬
‫وقال عنه‪( :‬وليس اإلمام علي أول من كتب الرسائل‪ ،‬وألقى العظات‪ ،‬وأطال‬
‫الخطب على المن ابر‪ ،‬في األم ة اإلس المية‪ ..‬ولكن ه وال ريب أول من ع الج ه ذه‬
‫الفن ون معالج ة أديب‪ ،‬وأول من أض فى عليه ا ص بغة اإلنش اء ال ذي يقت دى ب ه في‬
‫األساليب)(‪)5‬‬
‫ومن األحاديث التي تدل على هذا الجانب وغيره من جوانب أهليته‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]120 :‬ما روي عن اإلمام علي في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وت َِعيَهَا أُ ُذ ٌن َوا ِعيَةٌ‬
‫﴾ [الحاق ة‪ ]12 :‬ق ال رس ول هللا ‪(:‬ي ا علي‪ ،‬أن هللا تع الى أم رني أن أدني ك وال‬
‫أقصيك‪ ،‬وأن أعلمك‪ ،‬وأن تعي وحق لك أن تعي‪ ،‬سألت ربي أن يجعلها أذنك)‪ ،‬قال‬
‫مكحول‪ :‬وكان علي يق ول‪ :‬م ا س معت من رس ول هللا ‪ ‬ش يئا فنس يته‪ ،‬زاد بري دة‬
‫فنزلت هذه اآلية ﴿ َوتَ ِعيَهَا أُ ُذ ٌن َوا ِ‬
‫عيَة ٌ ﴾ [الحاقة‪)6( ]12 :‬‬
‫[الحديث‪ ]121 :‬ما روي عن أنس أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬أعلم الناس بعدي‬

‫‪ )(1‬رواه أحمد في فضائل الصحابة‪ ،646 / 2 ،‬والحاكم في المستدرك ‪.352 / 2‬‬


‫‪ )(2‬ابن األثير‪ ،‬أسد الغابة ‪.22 / 4‬‬
‫‪ )(3‬رواه ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكبرى ‪.2/351‬‬
‫‪ )(4‬عبقرية اإلمام علي‪ ،‬ص‪.141‬‬
‫‪ )(5‬عبقرية اإلمام علي‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫‪ )(6‬رواه س عيد بن منص ور وابن جري ر وابن المن ذر وابن أبي ح اتم وابن مردوي ه‪ ،‬س بل اله دى والرش اد‪( ،‬‬
‫‪)11/289‬‬
‫‪53‬‬
‫طالب)(‪)1‬‬
‫علي بن أبي‬
‫[الحديث‪ ]122 :‬ـ ما روي عن معقل بن يسار أن رسول هللا ‪ ‬قال لفاطم ة‪:‬‬
‫(أما ترضين أن زوجتك أقدم أمتي إسالما‪ ،‬وأكثرهم علما‪ ،‬وأعظمهم حلما)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]123 :‬ما روي عن فاطمة أن رسول هللا ‪ ‬قال لها‪( :‬أما ترضين‬
‫أني زوجتك أول المسلمين إسالما‪ ،‬وأعلمهم علما‪ ،‬فإن ك س يدة نس اء أم تي‪ ،‬كم ا أن‬
‫مريم سيدة نساء قومها)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪]124 :‬ـ م ا روي عن ابن عب اس أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬أن ا دار‬
‫الحكمة) وفي لفظ (مدينة العلم‪ ،‬وعلي بابها‪ ،‬فمن أراد العلم فليأت الب اب) وفي لف ظ‬
‫(فليأته من بابه)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪]125 :‬ـ ما روي عن أبي ذر ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬علي ب اب‬
‫علمي ومبين ألمتي ما أرسلت به من بعدي‪ ،‬حبه إيمان‪ ،‬وبغضه نفاق‪ ،‬والنظر إلي ه‬
‫رأفة ومودته عبادة)(‪)5‬‬

‫[الحــديث‪ ]126 :‬ـ ما روي عن اإلم ام علي ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬علي‬
‫أعلم الناس باهلل وأكثر الناس حبا وتعظيما ألهل ال إله إال هللا)(‪)6‬‬
‫[الحــديث‪ ]127 :‬ـ م ا روي عن أبي س عيد الخ دري أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪:‬‬
‫(أيها الناس ال تشكوا عليا‪ ،‬فوهللا‪ ،‬إنه ألخشن في ذات هللا عز وج ل وفي س بيل هللا)‬
‫(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]128 :‬عن عامر بن واثلة‪ ،‬قال‪ :‬سمعت عليا ً قام‪ ،‬فقال‪ :‬سلوني قبل‬
‫أن تفقدوني‪ ،‬ولن تسألوا بعدي مثلي‪ ،‬فقام ابن الكواء فق ال‪ :‬من ال ذين بدلوانعم ة هللا‬
‫كفراً وأحلوا قومهم دار البوار؟‪ ،‬قال‪ :‬منافقو قريش‪ ،‬قال‪ :‬فمن الذين ضل سعيهم في‬
‫الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟‪ ،‬قال‪ :‬منهم أهل حروراء)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪ ]129 :‬ـ ما روي من األحاديث الدالة على ارتباط النصر به‪ ،‬وذل ك‬
‫إلخالصه وقوته وشجاعته‪ ،‬ومنها ما روي عن جمع من الص حابة أنهم ق الوا‪ :‬ك ان‬
‫رسول هللا ‪ ‬تأخذه ال ّشقيقة فيمكث اليوم واليومين ال يخرج‪ ،‬فلما نزل خيبر أخذت ه‬
‫ال ّشقيقة فلم يخرج إلى الناس‪ ،‬فأرس ل أب ا بك ر فأخ ذ راي ة رس ول هللا ‪ ،‬ثم نهض‬
‫فقات ل قت االً ش ديداً‪ ،‬ثم رج ع‪ ،‬ولم يكن فتح‪ ،‬وق د جه د‪ ،‬ثم أرس ل عم ر فأخ ذ راي ة‬
‫رسول هللا ‪ ‬فقاتل قتاال ش ديدا ه و أش د من القت ال األول‪ ،‬ثم رج ع‪ ،‬ولم يكن فتح؛‬

‫‪ )(1‬رواه الديلمي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/291( ،‬‬


‫‪ )(2‬رواه أحمد والطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/291( ،‬‬
‫‪ )(3‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/291( ،‬‬
‫‪ )(4‬رواه الترمذي‪ ،‬وأبو نعيم في الحلية‪ ،‬وفي المعرف ة والح اكم والخطيب والط براني في الكب ير‪ ،‬س بل اله دى‬
‫والرشاد‪)11/292( ،‬‬
‫‪ )(5‬رواه الديلمي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/293( ،‬‬
‫‪ )(6‬رواه أبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/298( ،‬‬
‫‪ )( 7‬رواه أحمد وأبو داود الطيالسي والضياء والحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/292( ،‬‬
‫‪ )(8‬رواه الحاكم‪ ،)3394( :‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح عال‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫ف أخبر رس ول هللا ‪ ‬ب ذلك فق ال‪( :‬ألعطين الراي ة غ دا رجال يفتح هللا علي ه‪ ،‬ليس‬
‫بفرار‪ ،‬يحب هللا ورسوله‪ ،‬يأخذها عنوة) وفي لفظ (يفتح هللا علي يديه)‬
‫قال بريدة‪ :‬فبتّنا طيّبة أنفس نا أن يفتح غ دا‪ ،‬وب ات النّ اس ي دوكون ليلتهم أيّهم‬
‫يعطاها‪ ،‬فلما أصبح الناس غدوا على رسول هللا ‪ ‬كلهم يرجو أن يعطاها‪ ،‬قال أبو‬
‫هريرة قال عمر‪ :‬فما أحببت اإلمارة قطّ حتى كان يومئذ‪.‬‬
‫قال بريدة‪ :‬فما منّا رجل له من رسول هللا ‪ ‬منزلة إال وهو يرجو أن يك ون‬
‫ذلك ال ّرجل‪ ،‬حتى تطاولت أنالها‪ ،‬ورفعت رأسي لمنزلة كانت لي منه‪ ،‬وليس منّة‪.‬‬
‫وكان عل ّي تخلف عن رسول هللا ‪ ‬لرمد شديد كان به ال يبص ر‪ ،‬فلم ا س ار‬
‫رسول هللا ‪ ‬قال‪ :‬ال‪ ،‬أنا أتخلف عن رسول هللا ‪ ‬فخرج‪ ،‬فلحق برسول هللا ‪..‬‬
‫فما أصبح رسول هللا ‪ ‬صلّى الغداة‪ ،‬ث ّم دعا باللّواء‪ ،‬وقام قائما‪ ،‬فوع ظ الن اس‪ ،‬ثم‬
‫قال‪( :‬أين على)؟ قالوا‪ :‬يش تكي عيني ه‪ ،‬ق ال‪( :‬فأرس لوا إلي ه) ق ال س لمة‪ :‬فجئت ب ه‬
‫أقوده‪ ،‬فأتى به رسول هللا ‪ ‬فقال له رسول هللا ‪( :‬مالك؟) ق ال‪ :‬رم دت ح تى ال‬
‫أبصر ما ق ّدامي‪ .‬قال‪( :‬ادن مني)‪ ،‬فوضع رأس ه عن د حج ره‪ ،‬ثم ب زق في ألي ة ي ده‬
‫فدلك بها عينيه‪ ،‬فبرأ كأن لم يكن به وجع قط‪ ،‬ودعا له وأعطاه الراية(‪.)1‬‬
‫سادسا ـ اعتبار الحسن والحسين من أئمة الهدى‪:‬‬
‫وهي أح اديث كث يرة يوص ي فيه ا رس ول هللا ‪ ‬باتب اع س بطيه الحس ن‬
‫والحسين‪ ،‬باعتبارهما إمامين من أئمة الهدى‪ ،‬تتعلق بهما نجاة األم ة من الفتن ال تي‬
‫تنتظرها‪.‬‬
‫وقد حصل ذلك بالفعل‪ ،‬فقد كانا أول من قاوم االستبداد والتحريف ال ذي س نه‬
‫بنو أمية‪ ،‬وحولوه دينا‪ ،‬ولكن لألسف لم يجدا من األنص ار واألع وان من يس اندهما‬
‫في أداء ما كلفا به‪ ،‬ألن الجماهير كانت تتصور أن تلك األحاديث مرتبطة بالعاطف ة‬
‫المجردة‪ ،‬ال بالوظائف الدينية والحياتية المرتبطة بهما‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ما ورد من األحاديث الدالة على كونهما منه‪ ،‬أو كونه منهما‪:‬‬
‫وهي تشير إلى العالقة ال تي تجم ع رس ول هللا ‪ ‬بهم ا‪ ،‬وهي أنهم ا يمثالن‬
‫رسول هللا ‪ ‬أصدق تمثيل ألنهما منه‪ ،‬وبكل أجزائه وجوانبه‪ ،‬وبالغ ة رس ول هللا‬
‫‪ ‬أعظم من أن تريد بذلك النسبة الطينية‪ ،‬فهي نسبة معروفة‪ ،‬ال يحتاج رس ول هللا‬
‫‪ ‬أن يذكرها أو يؤكدها‪.‬‬
‫وبما أن رسول هللا ‪ ‬هو الممثل الحقيقي للدين‪ ،‬وهو الق رآن الن اطق‪ ،‬وه و‬
‫الذي ال ينطق عن الهوى‪ ،‬وهو الذي ال يتحرك حركة إال وفق مرضاة هللا؛ ف إن من‬
‫ضرورات تلك النسبة أن يكون لهما كل تلك األوصاف‪ ،‬ألنه يستحيل أن يكونا منه‪،‬‬
‫ثم يكونان بعد ذلك مخالفين له‪ ،‬وإال لم يصدق ذلك الوصف عليهما‪.‬‬
‫وبذلك ف إن رس ول هللا ‪ ‬في ه ذه األح اديث لم يكن يخاطبهم ا‪ ،‬وإنم ا ك ان‬
‫يخاطب األمة جميعا‪ ،‬ويخبرها أنهما يحمالن نسخة أص لية من ال دين األق وم‪ ،‬وأن ه‬
‫‪ )(1‬البخاري ‪ )4210( ،4209( 544 /7‬والبيهقي في الدالئل ‪.205 /4‬‬
‫‪55‬‬
‫في حال غيابه‪ ،‬أو في حال الحاجة‪ ،‬أو في حال اختالط الملل والنحل‪ ،‬يمكن الع ودة‬
‫إليهما لتجنب الدين المزيف األعوج ال ذي يري د الش يطان أن يج ر إلي ه ه ذه األم ة‪،‬‬
‫مثلما فعل مع سائر األمم‪.‬‬
‫وأما الجزء الثاني من هذه األحاديث‪ ،‬وهو اعتبار رسول هللا ‪ ‬نفسه منهما؛‬
‫فيحمل دالالت كثيرة وعميق ة‪ ،‬منه ا أنهم ا امت داد لرس ول هللا ‪ ،‬فاإلمام ة امت داد‬
‫للنبوة‪ ،‬وللقيم التي تحملها‪ ،‬وهذا يعني أن ما أص ابهما من ك ل أن واع البالء أص اب‬
‫رسول هللا ‪ ‬نفسه‪ ،‬بل إن القتل الذي حصل في كربالء‪ ،‬والذبح الذي حصل بعده‪،‬‬
‫لم يكن لإلم ام الحس ين فق ط‪ ،‬وإنم ا ك ان لرس ول هللا ‪ ‬أيض ا‪ ..‬ول ذلك عظمت‬
‫المص يبة‪ ،‬واش تدت الرزي ة‪ ،‬وك ان المص اب أعظم من أن يُع بر عن ه‪ ،‬ومن تل ك‬
‫األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪]130 :‬ـ عن المقدام بن معدي كرب أن رسول هللا ‪‬ق ال‪( :‬الحس ن‬
‫مني‪ ،‬والحسين مني)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]131 :‬عن يعلى بن مرة العامري قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬حسين‬
‫مني‪ ،‬وأنا من حسين‪ ،‬أحب هللا من أحب حسينا‪ ،‬وحسين سبط من األسباط)(‪)2‬‬
‫‪ 2‬ــــ مـــا ورد من األحـــاديث الداعيـــة إلى حبهمـــا والتحـــذير من بغضـــهما‬
‫وإذيتهما‪:‬‬
‫وهي ال تش ير إلى تل ك المش اعر العاطفي ة المج ردة فق ط‪ ،‬وإنم ا ت دعو إلى‬
‫االنسياق التام وراء المحبوب‪ ،‬وتبعية مطلقة له‪ ،‬كما وضح ذل ك قول ه تع الى‪﴿ :‬قُ لْ‬
‫إِ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ِحبُّونَ هللا فَاتَّبِعُونِي يُحْ بِ ْب ُك ُم هللا﴾ [آل عمران‪ ،]31 :‬وب ذلك فإنه ا ت دعو إلى‬
‫ض رورة التبعي ة المطلق ة لهم ا‪ ،‬ألن ه ال يص ح في ع الم الحب أن يج ادل المحب‬
‫محبوبه‪.‬‬
‫ول ذلك ف إن ال ذين يتح دثون عنهم ا بتل ك الن برة االس تعالئية‪ ،‬وال تي تجعلهم‬
‫يناقشون حركاتهما‪ ،‬ويزنونها بما يتوهمونه من أوهام‪ ،‬وم ا يض عونه من م وازين‪،‬‬
‫لم تغب عنهم الحقائق الشرعية فقط‪ ،‬إنما غاب عنهم قبل ذل ك وبع ده تل ك المش اعر‬
‫العاطفية الجياشة التي دعا رسول هللا ‪ ‬أن يُعامال بها‪ ،‬ال لكونهما حفيدين لرس ول‬
‫هللا ‪ ،‬وإنما لكونهما يمثالن الحقيق ة والقيم ال تي أراده ا هللا‪ ،‬وال يص ح أن نن اقش‬
‫هللا فيما أراد‪.‬‬
‫ذل ك أن الحب في حقيقت ه ـ كم ا ينص على ذل ك علم اء النفس المس لمون‬
‫وغيرهم ـ هو اعتقاد كمال المحبوب من كل النواحي‪ ،‬ولذلك يستحيل على من يحب‬
‫شخصا أن يرى عيبا من عيوبه‪ ،‬ب ل إن ه ي رى العي وب نفس ها كم اال‪ ،‬ه ذا بالنس بة‬
‫لألشخاص العاديين؛ فكي ف بمن حظي بتل ك النس بة الش ريفة‪ ،‬فك ان من رس ول هللا‬
‫‪ ،‬وكان رسول هللا ‪ ‬منه‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه أحمد والطبراني في (الكبير) وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/57‬‬
‫‪ )(2‬رواه سعيد بن منصور والترمذي وحسنه‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/73‬‬
‫‪56‬‬
‫وبذلك فإن هذا الجانب العملي من هذه األحاديث ال يدعو فقط إلى البحث عن‬
‫القيم التي ارتبطت بهما اللتزامه ا والعم ل به ا‪ ،‬وإنم ا ي دعو قب ل ذل ك إلى التعام ل‬
‫معهما بالعاطفة المشحونة بمشاعر الحب‪ ،‬ذلك أن تلك المشاعر هي الكفيل ة بغ رس‬
‫كل القيم الرفيع ة؛ ف الحب أعظم مدرس ة تربوي ة‪ ،‬ذل ك أن ص فات المحب وب تنتق ل‬
‫بسالسة وسهولة إلى المحب‪ ،‬وبقدر المحبة التي امتأل بها قلبه‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]132 :‬ـ عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬من أحب الحس ن‬
‫والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]133 :‬عن زيد بن ثابت قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬من أحب هؤالء‬
‫فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني)‪ ،‬يعني الحسن والحسين وفاطمة وعليا(‪.)2‬‬
‫[الحديث‪]134 :‬ـ عن س لمان أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬الحس ن والحس ين من‬
‫أحبهما أحببته‪ ،‬ومن أحببت ه أحب ه هللا ومن أحب هللا تع الى أدخل ه هللا جن ات النعيم‪،‬‬
‫ومن أبغضهما أو بغى عليهم ا أبغض ته ومن أبغض ته أبغض ه هللا‪ ،‬ومن أبغض ه هللا‬
‫أدخله نار جهنم‪ ،‬وله عذاب مقيم)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]135 :‬ـ عن اإلمام علي قال‪ :‬قال رس ول هللا ‪( :‬من أحب ه ذين‪،‬‬
‫يعني الحسن والحسين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪ ]136 :‬ـ عن س لمان ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬من أحب الحس ن‬
‫والحس ين أحببت ه ومن أحببت ه أحب ه هللا ومن أحب ه هللا أدخل ه جن ات النعيم‪ ،‬ومن‬
‫أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته‪ ،‬ومن أبغضته أبغضه هللا‪ ،‬ومن أبغض ه هللا أدخل ه‬
‫نار جهنم وله عذاب مقيم)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]137 :‬ـ عن ابن مسعود أن رس ول هللا ‪‬ق ال‪( :‬من أحب ني فليحب‬
‫هذين)‪ ،‬يعني الحسن والحسين(‪.)6‬‬
‫[الحديث‪]138 :‬ـ عن اإلمام علي قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬من أحبني وأحب‬
‫هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة)(‪)7‬‬
‫[الحــديث‪ ]139 :‬ـ عن أس امة بن زي د وأبي هري رة أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪:‬‬
‫(اللهم‪ ،‬إني أحبهما فأحبهما‪ ،‬وأبغض من أبغضهما) يعني الحسن والحسين(‪.)8‬‬
‫[الحديث‪]140 :‬ـ عن الحسين بن علي ق ال‪( :‬من أحبن ا لل دنيا‪ ،‬ف إن ص احب‬
‫الدنيا يحبه البر والفاجر‪ ،‬ومن أحبنا هلل‪ ،‬كن ا نحن وه و ي وم القيام ة كه اتين وأش ار‬

‫‪ )( 1‬رواه احمد وابن ماجة وابن سعد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي‪ ،‬سبل اله دي والرش اد (‬
‫‪)11/57‬‬
‫‪ )(2‬رواه ابن عساكر‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/57‬‬
‫‪ )(3‬رواه ابن عساكر وأبو نعيم‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/57‬‬
‫‪ )(4‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/57‬‬
‫‪ )(5‬رواه الطبراني في (الكبير)‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/57‬‬
‫‪ )(6‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/57‬‬
‫‪ )(7‬رواه أحمد والترمذي‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/57‬‬
‫‪ )(8‬رواه الترمذي وقال حسن صحيح‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/58‬‬
‫‪57‬‬
‫والوسطى)(‪)1‬‬ ‫بإصبعيه السبابة‬
‫[الحديث‪]141 :‬ـ عن أنس قال‪ :‬سئل رسول هللا ‪ ‬أي أهل بيتك أحب إليك؟‬
‫ق ال‪( :‬الحس ن والحس ين) وك ان رس ول هللا ‪‬يق ول لفاطم ة‪( :‬ادعي لي اب ني)‪،‬‬
‫فيشمهما ويضمهما إليه(‪.)2‬‬
‫[الحديث‪]142 :‬ـ عن اإلمام علي أن رس ول هللا ‪‬أخ ذ بي د حس ن وحس ين‪،‬‬
‫وقال (من أحبني وأحب هذين وأباهم ا وأمهم ا ك ان معي في درج تي ي وم القيام ة‪،‬‬
‫وكان معي في الجنة)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪]143 :‬ــ عن اإلم ام علي ق ال‪( :‬أن ا وفاطم ة والحس ن والحس ين‬
‫مجتمعون‪ ،‬ومن أحبنا يوم القيامة نأك ل ونش رب ح تى يف رق هللا بين العب اد)‪ ،‬فبل غ‬
‫ذلك رجال من الناس فسألت عنه فأخبر به فقال‪ :‬كيف بالعرض والحساب؟ فقلت له‪:‬‬
‫كيف لصاحب ياسين بذلك حين أدخله الجنة من ساعته؟(‪.)4‬‬
‫[الحديث‪ ]144 :‬ـ عن أبي هريرة أن رسول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬اللهم‪ ،‬إني أحبهم ا‬
‫فأحبهما‪ ،‬وأبغض من أبغضهما)‪ ،‬يعني‪ :‬الحسن والحسين(‪.)5‬‬
‫[الحــديث‪ ]145 :‬ـ عن أس امة بن زي د ق ال‪ :‬إن رس ول هللا ‪ ‬ك ان يأخ ذني‬
‫والحسن‪ ،‬ويقول‪( :‬اللهم‪ ،‬إني أحبهما فأحبهما)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]146 :‬ـ عن ابن عباس قال‪ :‬كان رس ول هللا ‪ ‬حام ل الحس ين بن‬
‫علي على عاتقه‪ ،‬فقال رجل‪ :‬نعم المركب ركبت يا غالم‪ ،‬فقال رسول هللا ‪( :‬نعم‬
‫الراكب هو)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]147 :‬عن زهير بن األقمر رجل من األزد قال‪ :‬سمعت رسول هللا‬
‫‪ ‬يقول للحسن بن علي‪( :‬من أحبني فليحبه‪ ،‬فليبل غ الش اهد الغ ائب‪ ،‬ول وال عزم ة‬
‫رسول هللا ‪ ‬ما حدثتكم)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪ ]148 :‬ـ عن أنس أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬أن الحسن والحس ين هم ا‬
‫ريحنتاي من الدنيا)(‪)9‬‬
‫[الحــديث‪ ]149 :‬ـ عن أبي أي وب ق ال‪ :‬دخلت على رس ول هللا ‪ ‬والحس ن‬
‫والحسين يلعبان بين يديه أو في حجره فقلت‪ :‬يا رسول هللا أتحبهم ا؟ فق ال‪( :‬وكي ف‬
‫ال أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما)‪ ،‬يعني الحسن والحسين(‪.)10‬‬
‫‪ 3‬ـ ما ورد من األحاديث الدالة على كونهما من األسباط‪:‬‬
‫‪ )(1‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/58‬‬
‫‪ )(2‬رواه العقيلي والترمذي وقال حسن غريب‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/58‬‬
‫‪ )(3‬رواه أحمد في (المناقب)‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/58‬‬
‫‪ )(4‬رواه الطبراني وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/58‬‬
‫‪ )(5‬رواه ابن أبي شيبة والطبراني‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/56‬‬
‫‪ )(6‬رواه البخاري‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/65‬‬
‫‪ )(7‬رواه الترمذي‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/65‬‬
‫‪ )(8‬رواه أحمد في (المناقب)‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/65‬‬
‫‪ )(9‬رواه الترمذي والنسائي‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/58‬‬
‫‪ )(10‬رواه الطبراني في (الكبير) والضياء‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/59‬‬
‫‪58‬‬
‫وهي تشير إلى أن األمة ستنقسم إلى أسباط وف رق ونح ل كث يرة‪ ،‬كم ا أش ار‬
‫إلى ذلك قوله ‪( :‬تفرقت اليه ود على إح دى وس بعين فرق ة‪ ،‬أو اثن تين وس بعين‪،‬‬
‫والنصارى مثل ذلك‪ ،‬وستفترق أمتي على ثالث وسبعين فرقة)(‪ ،)1‬ويشير في نفس‬
‫الوقت إلى أنهم ا س يكونان س بطا من األس باط‪ ،‬وفرق ة من الف رق‪ ،‬ول ذلك من أراد‬
‫الدين األصيل‪ ،‬وقيمه الرفيعة؛ فعليه باتباعهما‪ ،‬وسلوك سبيلهما‪.‬‬
‫ُ‬
‫وهي في ذلك تشبه قوله تعالى في حق إبراهيم‪﴿ :‬إِ َّن إِب َْرا ِهي َم َكانَ أ َّمةً قَانِتً ا هلل‬
‫ك ِمنَ ْال ُم ْش ِر ِكينَ ﴾ [النح ل‪]120 :‬؛ فلم يكن رس ول هللا ‪ ‬يقص د تل ك‬ ‫َحنِيفً ا َولَ ْم يَ ُ‬
‫النظرة السطحية التي فسر بها الح ديث‪ ،‬وال تي تقص ره على كونهم ا س بطا نس بيا‪،‬‬
‫ذلك أن هذا النوع من السبطية ال يحوي أي ثناء أو مدح‪ ،‬ألن ه متحق ق لك ل الن اس‪،‬‬
‫فالكثير منهم يمكن أن يصير سبطا‪ ،‬وليس عليه ألجل تحقيق ذلك سوى اإلكث ار من‬
‫الذرية‪.‬‬
‫وربما يكون رسول هللا ‪ ‬ذكر السبطية بدل األمة‪ ،‬ألنهما تابعان لرسول هللا‬
‫‪ ،‬ومتمثالن بالهدي الذي جاء به‪ ،‬وهما بذلك يكونان كالمرآة الصافية التي تعكس‬
‫هديه ‪ ،‬أو كالصراط المس تقيم ال ذي يوض ح منهج ه النظ ري‪ ،‬ليحول ه إلى واق ع‬
‫عملي‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪]150 :‬ـ عن يعلى بن مرة أن رسول هللا ‪‬قال‪( :‬الحس ن والحس ين‬
‫سبطان من األسباط)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]151 :‬ـ عن يعلى العامري أنه خ رج م ع رس ول هللا ‪ ‬إلى طع ام‬
‫دعي إليه‪ ،‬ف إذا حس ين م ع غلم ان يلعب في طري ق فاس تهوى رس ول هللا ‪ ‬أم ام‬
‫القوم‪ ،‬ثم بسط يده‪ ،‬وانطلق الصبي بعدها هنا مرة‪ ،‬وها هنا مرة‪ ،‬وجعل رس ول هللا‬
‫‪ ‬يضاحكه‪ ،‬حتى أخذه رسول هللا ‪‬فجعل إحدى يديه تحت ذقنه‪ ،‬واألخرى تحت‬
‫قف اه‪ ،‬ثم أق ام رأس ه فقبل ه فق ال‪( :‬حس ين م ني وأن ا من حس ين‪ ،‬رحم هللا من أحب‬
‫حسينا‪ ،‬حسين سبط من األسباط)(‪)3‬‬
‫‪ 4‬ـ ما ورد من األحاديث الدالة على كونهما سيدي شباب أهل الجنة‪:‬‬
‫وهي تتج اوز البش ارة الغيبي ة المرتبط ة ب اآلخرة‪ ،‬لت دل على بش ارة أخ رى‬
‫ترتبط بالدنيا‪ ،‬وهي مضمنة في كلمة [السيد] والتي تعني في اللغ ة العربي ة االتب اع‬
‫(‪ ،)4‬أي أنهما سيدان أي ُمتبعان‪ ،‬يتبعهما شباب أهل الجنة‪ ..‬وهو بش ارة من رس ول‬
‫هللا ‪ ‬لمن يتخذ هذين اإلمامين الجليلين سيدين له بالجنة‪ ،‬وه و ي دل على ص وابية‬
‫ذلك االتباع‪ ،‬وكونه أشرف وأرقى أنواع االتباع‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحــديث‪]152 :‬ـ عن ابن عب اس أن رس ول هللا ‪‬ق ال‪( :‬الحس ن والحس ين‬

‫‪ )(1‬رواه أحمد (‪ ،)2/332‬وأبو داود‪ ،)4596( ،‬وابن ماجه‪ ،)3991( ،‬والترمذي (‪)2640‬‬
‫‪ )(2‬رواه الطبراني في (الكبير) وأبو نعيم وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/57‬‬
‫‪ )(3‬رواه أبو بكر بن أبي شيبة‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/71‬‬
‫‪ )(4‬انظر في معنى كلمة السيد‪ :‬لسان العرب‪)228 /3( ،‬‬
‫‪59‬‬
‫أبغضني)(‪)1‬‬ ‫سيدا شباب أهل الجنة من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد‬
‫[الحديث‪ ]153 :‬ـ عن أسامة بن زيد أن رسول هللا ‪‬قال‪( :‬الحسن والحس ين‬
‫سيدا شباب أهل الجنة‪ ،‬اللهم‪ ،‬إني أحبهما فأحبهما)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]154 :‬ـ عن حذيفة أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬أتاني جبري ل‪ ،‬فبش رني‬
‫أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]155 :‬ـ عن حذيفة أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬أت اني مل ك فس لم علي‬
‫نزل من السماء نزلة لم ينزل قبلها فبش رني أن الحس ن والحس ين س يدا ش باب أه ل‬
‫الجنة‪ ،‬وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]156 :‬ـ عن حذيفة قال‪ :‬رأينا في وجه رسول هللا ‪‬الس رور يوم ا‬
‫من األيام فقلنا‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬لقد رأينا في وجهك تباشير السرور‪ ،‬فق ال رس ول هللا‬
‫‪( :‬وكيف ال أسر وقد أتاني جبريل فبش رني أن حس نا وحس ينا س يدا ش باب أه ل‬
‫الجنة‪ ،‬وأبو هما أفضل منهما)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]157 :‬ـ عن أبي سعيد الخ دري ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬الحس ن‬
‫والحسين سيدا شباب أهل الجنة)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]158 :‬ـ عن حذيفة أن أمه بعثته يستغفر لها رسول هللا ‪ ‬فص ليت‬
‫معه المغرب فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل ‪ ‬فتبعته فسمع صوتي فق ال‪( :‬من‬
‫هذا‪ ،‬حذيفة؟) قلت نعم‪ ،‬قال‪( :‬ما حاجتك‪ ،‬غفر هللا لك وألمك؟ إن هذا مل ك لم ي نزل‬
‫األرض قط قبل هذه الليلة‪ ،‬استأذن ربه ـ ع ز وج ل ـ أن يس لم علي ويبش رني ب أن‬
‫فاطمة سيدة نساء أهل الجنة‪ .‬وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)(‪)7‬‬
‫‪ 5‬ـ ما ورد من األحاديث الدالة على وظائف كل منهما‪:‬‬
‫وهي تش ير إلى أن اإلم ام يتص رف بم ا تقتض يه الحكم ة؛ وأن لك ل ظ رف‬
‫أحكامه الخاصة به‪ ،‬ولذلك‪ ،‬فإن من يرجح م ا فعل ه اإلم ام الحس ن من الهدن ة ال تي‬
‫اضطر إليها على ما فعله اإلمام الحسين من الخروج ال يع رف اإلمام ة‪ ،‬وحال ه في‬
‫ذلك حال من يرجع ما فعله رسول هللا ‪ ‬في صلح الحديبية على ما فعله في غزوة‬
‫بدر‪ ،‬مع أن لكل وقت أحكامه الخاصة به‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]159 :‬قوله ‪ ‬في حق اإلمام الحسن‪( :‬إن ابني هذا سيد‪ ،‬ولعل هللا‬
‫أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪ ]160 :‬ـ عن عائشة أن رسول هللا ‪‬قال‪( :‬أخبرني جبريل أن اب ني‬
‫‪ )(1‬رواه ابن عساكر‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/57‬‬
‫‪ )(2‬رواه الطبراني في (الكبير)‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/57‬‬
‫‪ )(3‬رواه ابن سعد والحاكم‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/60‬‬
‫‪ )(4‬رواه ابن عساكر‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/60‬‬
‫‪ )(5‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/61‬‬
‫‪ )(6‬رواه الترمذي وقال حسن صحيح‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/61‬‬
‫‪ )(7‬رواه الترمذي وحسنه والنسائي‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/61‬‬
‫‪ )(8‬البخاري‪.2704 ،‬‬
‫‪60‬‬
‫مضجعه)(‪)1‬‬ ‫الحسين يقتل بأرض الطف‪ ،‬وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها‬
‫[الحديث‪ ]161 :‬ـ عن ثابت عن أنس قال‪ :‬استأذن ملك المطر أن ي أتي الن بي‬
‫‪ ‬فأذن له‪ ،‬فقال ألم سلمة‪( :‬احفظي علينا الباب ال يدخل أحد) فج اء حس ين ف وثب‬
‫حتى دخل فجعل يصعد على منكب رس ول هللا ‪ ‬فق ال المل ك‪ :‬أتحب ه‪ ،‬فق ال الن بي‬
‫‪(:‬نعم) قال‪ :‬إن أمتك تقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقت ل في ه ق ال‪ :‬فض رب‬
‫بيده‪ ،‬فأراه ترابا أحمر‪ ،‬فأخذت أم سلمه ذلك التراب فصرته في ط رف ثوبه ا ق ال‪:‬‬
‫فكنا نسمع بقتله بكربالء(‪.)2‬‬
‫[الحديث‪]162 :‬ـ عن وهب بن ربيعة ق ال‪ :‬أخبرت ني أم س لمة أن رس ول هللا‬
‫‪ ‬اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر ثم اضطجع فرقد‪ ،‬ثم استيقظ وه و خ اثر‪،‬‬
‫دون ما رأيت منه في المرة األولى‪ ،‬ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء وهو‬
‫يقبلها فقلت‪ :‬ما هذه التربة يا رسول هللا؟ ق ال‪( :‬أخ برني جبري ل أن اب ني ه ذا يقت ل‬
‫بأرض العراق)‪ ،‬قال‪ :‬قلت له‪ :‬يا جبريل‪ ،‬أرني تربة األرض‪ ،‬فقال‪ :‬هذه تربتها(‪.)3‬‬
‫[الحديث‪]163 :‬ـ عن ابن عب اس ق ال‪ :‬ك ان الحس ين جالس ا في حج ر الن بي‬
‫‪‬فقال له جبريل‪ :‬أتحبه؟ فقال‪( :‬وكيف ال أحبه‪ ،‬وهو ثمرة فؤادي؟)‪ ،‬فقال‪ :‬أم ا إن‬
‫أمتك ستقتله‪ ،‬أال أريك من موضع قبره‪ ،‬فقبض قبضة‪ ،‬فإذا تربة حمراء(‪.)4‬‬
‫[الحديث‪ ]164 :‬ـ عن عبد هللا بن يحيى عن أبيه أنه سار م ع أم ير المؤم نين‬
‫علي بن أبي طالب فلما حاذى شط الفرات قال‪ :‬خيرا ي ا عب د هللا‪ ،‬قلت‪ :‬وم ا ذاك ي ا‬
‫أمير المؤمنين؟ قال‪ :‬دخلت على النبي ‪ ‬وعيناه تفيضان‪ ،‬فقلت‪ :‬مم ذاك يا رس ول‬
‫هللا؟ قال‪( :‬قام من عندي جبريل وأخبرني أن الحسين يقتل بشط الفرات)‪ ،‬وقال‪ :‬هل‬
‫ل ك أن أش مك من تربت ه؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ،‬فقبض قبض ة من ت راب فأعطانيه ا فلم أمل ك‬
‫عيني أن فاضتا(‪.)5‬‬
‫[الحديث‪]165 :‬ـ عن أبي أمامة الباهلي ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ال تبك وا‬
‫هذا الصبي) يعني حسينا فكان ي وم أم س لمة ف نزل جبري ل فق ال رس ول هللا ‪ ‬ألم‬
‫سلمة‪( :‬ال تدعي أحدا يدخل)‪ ،‬فجاء الحسين فأخذت ه واحتض نته‪ ،‬فبكى فخلت ه ي دخل‬
‫ح تى قع د في حج ر الن بي ‪ ‬فق ال جبري ل‪ :‬إن أمت ك س تقتله‪ ،‬ق ال (يقتلون ه وهم‬
‫مؤمنون؟) قال‪ :‬نعم‪ ،‬وأراه من تربته(‪.)6‬‬
‫[الحديث‪]166 :‬ـ عن عائش ة أو أم س لمة أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬لق د دخ ل‬
‫على البيت ملك لم يدخل علي قبلها)‪ ،‬فقال‪ :‬إن ابنك ه ذا حس ين مقت ول‪ ،‬وإن ش ئت‬
‫أريتك األرض التي يقتل بها‪ ،‬قال‪ :‬فأخرج تربة حمراء(‪.)7‬‬
‫‪ )(1‬رواه الطبراني في (الكبير) وابن سعد‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/73‬‬
‫‪ )(2‬رواه أحمد‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/74‬‬
‫‪ )(3‬رواه البيهقي‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/74‬‬
‫‪ )(4‬رواه البزار‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/74‬‬
‫‪ )(5‬رواه أحمد‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/74‬‬
‫‪ )(6‬رواه أحمد‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/74‬‬
‫‪ )(7‬رواه أحمد‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/74‬‬
‫‪61‬‬
‫[الحديث‪]167 :‬ـ عن أنس بن الحارث قال‪ :‬سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪( :‬إن‬
‫ابني هذا يعني الحسين‪ ،‬يقتل بأرض يقال لها كربالء‪ ،‬فمن شهد ذلك فلينصره) قال‪:‬‬
‫فخرج أنس بن الحارث إلى كربالء‪ ،‬فقاتل مع الحسين فقتل(‪.)1‬‬
‫[الحديث‪]168 :‬ـ عن اإلمام علي أنه م ر بك ربالء‪ ،‬وه و ذاهب إلى ص فين‪،‬‬
‫فسأل عن اسمها‪ ،‬فقيل‪ :‬كربالء‪ ،‬فنزل فصلى عند شجرة هنالك‪ ،‬فقال‪ :‬يقتل ه ا هن ا‬
‫شهداء وهم خير الش هداء‪ ،‬ي دخلون الجن ة بغ ير حس اب‪ ،‬وأش ار إلى مك ان فعلم وه‬
‫بشيء‪ ،‬فقتل فيه الحسين(‪.)2‬‬
‫[الحديث‪]169 :‬ـ عن اإلمام علي بن زيد بن جدعان‪ ،‬قال‪ :‬استيقظ ابن عباس‬
‫من نومه‪ ،‬فاسترجع‪ ،‬فقال‪ :‬قتل الحسين‪ ،‬وهللا‪ ،‬فقال له أصحابه‪ :‬كال ي ا ابن عب اس‪،‬‬
‫قال‪ :‬رأيت رسول هللا ‪ ‬ومعه زجاجة من دم‪ ،‬فقال‪ :‬أال ترى ما ص نعت أم تي من‬
‫بعدي قتلوا ابني الحسين‪ ،‬وهذا دمه ودم أصحابه‪ ،‬أرفعه إلى هللا ـ عز وجل ـ فكتب‬
‫ذلك اليوم الذي قال فيه‪ ،‬وتلك الساعة‪ ،‬فجاء الخبر بعد أي ام أن ه قت ل في ذل ك الي وم‬
‫وتلك الساعة(‪.)3‬‬
‫[الحديث‪]170 :‬ـ عن سلمى‪ ،‬قالت‪ :‬دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقلت‪ :‬ما‬
‫يبكيك؟ قالت‪ :‬رأيت رسول هللا ‪‬في المنام‪ ،‬وعلى رأسه ولحيته ال تراب‪ ،‬قلت‪ :‬م ا‬
‫لك يا رسول هللا عليك؟ قال‪ :‬شهدت قتل الحسين آنفا(‪.)4‬‬
‫[الحــديث‪]171 :‬ــ عن ش هر بن حوش ب ق ال‪ :‬إن ا لعن د أم س لمة فس معتها‬
‫صارخة فأقبلت حتى انتهيت إلى أم سلمة‪ ،‬فقالت‪ :‬قتل الحسين‪ ،‬فق الت‪ :‬ق د فعلوه ا‪،‬‬
‫مأل هللا قبورهم أو بيوتهم نارا‪ ،‬ووقعت مغشيا عليها وقمنا(‪.)5‬‬
‫سابعا ـ أحاديث البشارة باإلمام المهدي‪:‬‬
‫وهي أح اديث ال يمكن رفض ها‪ ،‬كم ا فع ل بعض المتج رئين على الس نة‬
‫المطهرة‪ ،‬لسببين‪:‬‬
‫أولهما ـ داللة القرآن الكريم عليها‪ ،‬وتبشيره بها‪ ،‬ذلك أن كل النصوص ال تي‬
‫ت دل على انتص ار المش روع اإللهي على المش روع الش يطاني‪ ،‬وأن دول ة الح ق‬
‫ستقوم‪ ،‬وأن نور هللا لن ينطفئ كلها تدل عليها‪.‬‬
‫ور ِم ْن بَ ْع ِد ال ِّذ ْك ِر أَنَّ‬ ‫َّ‬
‫ومن األمثلة على ذلك قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ولَقَد كت ْبنَا فِي الزبُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫اأْل َرْ َ‬
‫ض يَ ِرثُهَا ِعبَا ِد َ‬
‫ي الصَّالِحُونَ (‪ )105‬إِ َّن فِي هَ َذا لَبَاَل ًغا لِقَوْ ٍم عَابِ ِدينَ ﴾ [األنبي اء‪:‬‬
‫‪ ،]106 ،105‬وه و ص ريح ينطب ق تمام ا على اإلم ام المه دي ومن بع ده من‬
‫الصالحين الذين يرثون األرض بع د أن ينه ار مش روع الش يطان‪ ،‬ويق وم مش روع‬
‫الرحمن‪.‬‬

‫‪ )(1‬رواه البغوي‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/75‬‬


‫‪ )(2‬رواه ابن سعد وغيره‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/75‬‬
‫‪ )(3‬رواه ابن أبي الدنيا‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/75‬‬
‫‪ )(4‬رواه الترمذي‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/75‬‬
‫‪ )(5‬رواه ابن سعد‪ ،‬سبل الهدي والرشاد (‪)11/75‬‬
‫‪62‬‬
‫وفي إخباره تعالى عن كون هذه القضية مذكورة في الزبور إش ارة ص ريحة‬
‫إلى أن البشارة باإلمام المهدي ليست خاصة بهذه األمة فق ط‪ ،‬ب ل ه و مبش ر ب ه في‬
‫سائر الديانات‪ ..‬فكلها يذكر وجود مخلص في آخر الزمان‪ ،‬وإن ك انوا يختلف ون في‬
‫اسمه‪.‬‬
‫وثانيهما ـ اتفاق األحاديث في المصادر الحديثية لألمة جميعا عليها‪ ،‬بل إنه ا‬
‫وردت بط رق كث يرة مت واترة‪ ،‬وألفت فيه ا الكتب والرس ائل ال تي ت دل على أن‬
‫األحاديث المرتبطة بها بلغت مبلغا ال يمكن للعاقل أن يرفضه‪ ،‬خاصة م ع ع دم م ا‬
‫يدعو إلى ذلك من العقل والنقل‪.‬‬
‫فمن المؤلفات التي ألفت في ذلك قديما وحديثا من علماء المدرسة السنية‪:‬‬
‫‪ .1‬كتاب (ذكر المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوت ه)‪ ،‬للحاف ظ أبى نعيم األص بهاني‬
‫المتوفى سنة ‪430‬هـ‪.‬‬
‫‪ .2‬كتاب (األربعون حديثا في المهدي) للحافظ أبي نعيم االصبهاني‪ ،‬وهو الذي لخص ه‬
‫الحافظ السيوطي في كتابه (العرف الوردي في أخبار المهدي)‬
‫‪ .3‬كتاب‪( :‬جزء في المه دي) للحاف ظ أبى الحس ين ابن المن ادى الحنبلي المت وفى س نة‬
‫‪ 336‬هـ‪.‬‬
‫‪ .4‬كت اب (البي ان في أخب ار ص احب الزم ان) للش يخ أبى عب د هللا محم د بن يوس ف‬
‫الكنجي الشافعي المتوفى سنة ‪658‬هـ‪.‬‬
‫‪ .5‬كتاب (عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر) لبدر الدين يوسف بن يح يى الش افعي‬
‫المشهور بالزكي أو ابن الزكي المتوفى سنة‪ 685‬هـ‪.‬‬
‫‪ .6‬كت اب (في أخب ار المه دي) للش يخ ب در ال دين الحس ن بن محم د القرش ي المطل بي‬
‫النابلسي الحنبلي المتوفى سنة ‪772‬هـ‪.‬‬
‫‪ .7‬كتاب (جزء في ذكر المهدي) للحافظ عماد الدين ابن كث ير الدمش قي المت وفى س نة‬
‫‪774‬هـ‪ ،‬أشار إليه في كتابه (النهاية في الفتن والمالحم)‬
‫‪ .8‬كتاب (العرف الوردي في أخبار المهدي) للحافظ جالل الدين السيوطي‪ ،‬وق د طب ع‬
‫ضمن (الحاوي للفتاوي)‬
‫‪ .9‬كت اب (تلخيص البي ان في عالم ات مه دي آخ ر الزم ان) للش يخ أحم د بن س ليمان‬
‫الرومي الحنفي المشهور بابن كمال باشا المتوفى سنة ‪ 940‬هـ‪.‬‬
‫‪ .10‬كت اب (الق ول المختص ر في عالم ات المه دي المنتظ ر) للفقي ه ابن حج ر الهيثمي‬
‫الش افعي المكي المت وفى س نة ‪ 973‬هـ واختص ره حفي ده رض ي ال دين بن‬
‫عبدالرحمن بن أحمد الهيثمي المتوفى سنة‪ 1014‬هـ‪.‬‬
‫‪ .11‬كتاب (تلخيص البيان في أخبار مهدي الزمان) للشيخ علي بن حسام المتقي الهن دي‬
‫صاحب كتاب (كنز العمال) المتوفى سنة ‪ 975‬هـ‪ ،‬ول ه أيض ا كت اب (البره ان‬
‫في عالمات مهدي آخر الزمان)‬
‫‪ .12‬كتاب (الرد على من حكم وقضى بأن المه دي الموع ود ج اء ومض ى) للش يخ علي‬
‫‪63‬‬
‫بن سلطان القاري الحنفي المتوفى‪ 1014‬هـ‪ ،‬وله كت اب (المش رب ال وردي في‬
‫م ذهب المه دي)‪ ،‬وق د ألفه ا ردا على بعض الحنفي ة ال ذين زعم وا أن‬
‫(المهدي)سيقلد مذهب أبي حنيفة‪.‬‬
‫‪ .13‬كت اب (م رآة الفك ر في المه دي المنتظ ر)‪ ،‬و(فرائ د الفك ر في المه دي المنتظ ر)‬
‫كالهما للشيخ مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي المتوفى سنة ‪ 1033‬هـ‪.‬‬
‫‪ .14‬كتاب (تنبيه الوسنان إلى أخب ار مه دي أخ ر الزم ان) ألحم د الن وبي المت وفى س نة‬
‫‪1037‬هـ‪.‬‬
‫‪ .15‬كتاب (جواب عن سؤال في المهدي) لمحمد بن إسماعيل األمير الص نعاني اليم اني‬
‫المتوفى سنة‪ 1182‬هـ‪.‬‬
‫‪ .16‬كت اب (الع رف ال وردي في دالئ ل المه دي) للش يخ وجي ه ال دين أبى الفض ل‬
‫عبدالرحمن بن مصطفى العيدروس الحضرمي اليمني نزيل مصر ‪1192‬هـ‪.‬‬
‫‪ .17‬كتاب (التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظ ر وال دجال والمس يح) لمحم د بن علي‬
‫الشوكاني اليماني المتوفى سنة ‪ 1250‬هـ‪.‬‬
‫‪ .18‬كتاب (الدر المنضود في ذكر المهدي الموعود) للعالمة صديق حسن خان القنوجي‬
‫الهندي المتوفى سنة ‪1307‬هـ‪.‬‬
‫‪ .19‬كتاب (القطر الشهدي في أوصاف المهدي) لشهاب الدين احم د بن احم د الحل واني‬
‫المصري المتوفى سنة‪ 1308‬هـ وهي (منظوم ة)‪ ،‬ش رحت في كت اب (العط ر‬
‫الوردي)‬
‫‪ .20‬كت اب (الهداي ة الندي ة لالم ة المحمدي ة في فض ل ال ذات المهدي ة) للش يخ مص طفى‬
‫البكري‪.‬‬
‫‪ .21‬كتاب (إبراز الوهم المكنون من كالم ابن خل دون) أو (المرش د المب دي لفس اد طعن‬
‫ابن خلدون في أحاديث المه دي) للش يخ أحم د بن محم د بن الص ديق الغم اري‬
‫المغربي المتوفى سنة ‪1380‬هـ‪ ،‬وقد تعقب فيه كالم الم ؤرخ ابن خل دون ال ذي‬
‫ضعف فيه أحاديث (المهدي)‬
‫‪ .22‬كتاب (الجواب المقنع المحرر في الرد على متن طغى وتجبر بدعوى أنه عيسى أو‬
‫المهدي المنتظر) للشيخ محمد حبيب هللا الشنقيطي المتوفى سنة‪ 1363‬هـ‪.‬‬
‫‪ .23‬كتاب (تنوير الرجال في ظهور المهدي والدجال) لرشيد الرشيد‪.‬‬
‫‪ .24‬كتاب (المهدي المنتظر) للشيخ أبى الفضل عبد هللا بن محم د بن الص ديق الغم اري‬
‫المغربي‪.‬‬
‫‪ .25‬كتاب (تح ديق النظ ر في أخب ار المه دي المنتظ ر) لمحم د بن عب دالعزيز بن م انع‬
‫النجدي‪.‬‬
‫‪ .26‬كتاب (الرد على من كذب باألحاديث الصحيحة الواردة في المهدي)‪ ،‬و(عقيدة أه ل‬
‫السنة واألثر في المهدي المنتظر) كالهما للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد‪.‬‬
‫‪ .27‬كتاب (االحتجاج باألثر على من أنكر المهدي المنتظر)‪ ،‬و(إقامة البره ان في ال رد‬
‫‪64‬‬
‫على من أنكر خروج المهدي والدجال ون زول المس يح آخ ر الزم ان) وه و رد‬
‫على مقال لعب د الك ريم الخطيب‪ ،‬وكالهم ا للش يخ حم ود بن عبدهللا الت ويجري‬
‫المتوفى سنة ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ .28‬كتاب (مختصر األخبار المشاعة في أشراط الساعة وأخبار المه دي) للش يخ عبدهللا‬
‫بن سليمان المشعل‪.‬‬
‫وغيرها كثير‪ ،‬وقد ذكرناها ردا على أولئك ال ذين ينش رون بين الن اس‪ ،‬ومن‬
‫خالل ما أتيح لهم من وسائل إعالم أن التبشير باإلمام المه دي خ اص بالش يعة‪ ،‬م ع‬
‫أن كل المصادر الحديثية لكبار علم اء المدرس ة الس نية يذكرون ه‪ ،‬ب ل يؤلف ون في ه‬
‫الكتب والرسائل‪.‬‬
‫بناء على هذا سنحاول في هذا المبحث ذك ر م ا ورد من أح اديث مقبول ة في‬
‫المصادر الحديثية‪ ،‬والتي نجدها بألفاظها تقريبا في المصادر الشيعية‪ ،‬وبذلك تك ون‬
‫ه ذه المس ألة من المس ائل المتف ق عليه ا بين األم ة جميع ا‪ ،‬وإن اختلف وا في بعض‬
‫مصاديقها‪.‬‬
‫وقد رأينا أنه يمكن تقسيمها إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ .1‬أحاديث تبشر باإلمام المه دي‪ ،‬وتش ير إلى كون ه من آل بيت النب وة‪ ،‬وفي‬
‫ذلك تأكيد لما سبق ذكره من األدلة على اعتب ار الع ترة الط اهرة هي مح ل اإلمام ة‬
‫والهداية‪.‬‬
‫‪ .2‬أح اديث تن بئ بتل ك التمهي دات والتمحيص ات ال تي تحص ل لألم ة ح تى‬
‫تصبح أهال لظهوره وخروجه ألداء دوره اإلصالحي الكبير‪.‬‬
‫وننبه إلى أن الغرض من ذكر الروايات الكثيرة هنا ليس تصديق كل ما فيه ا‬
‫من أوصاف أو أخبار‪ ،‬وإنما بيان تواتر ما ورد في ذلك من الروايات‪ ،‬واستخالص‬
‫الكثير من األوصاف واألحداث المشتركة‪ ،‬والتي نرى مثلها في المصادر الشيعية‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ األحاديث الواردة في التبشير به وذكر صفاته‪:‬‬
‫وقد تعمدنا ذكر م ا ورد في تخريجه ا بتفص يل من خالل المص ادر الس ابقة‪،‬‬
‫خاصة ما ورد في كتاب (العرف ال وردي في أخب ار المه دي) للحاف ظ جالل ال دين‬
‫السيوطي‪ ،‬مع تحقيقه‪ ،‬باعتباره من أكثر الكتب التي جمعت هذه األحاديث‪.‬‬
‫[الحديث‪]172 :‬ـ عن اإلمام علي عن رس ول هللا ‪ ‬أن ه ق ال‪( :‬المه دي من ا‬
‫أهل البيت‪ ،‬يصلحه هللا في ليلة)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]173 :‬ـ عن أبي سعيد الخدري ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬المه دي‬
‫مني أجلى الجبهة‪ ،‬أقنى األنف‪ ،‬يمأل األرض قسطا وعدال‪ ،‬كما ملئت جورا وظلما‪،‬‬
‫يملك سبع سنين)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]174 :‬ـ عن أبى سعيد عن النبي ‪ ‬قال‪( :‬المهدي منا أه ل ال بيت‪،‬‬
‫‪ )(1‬رواه أحم د (‪ ،)1/84/645‬وابن أبى ش يبة (‪ ،)37644‬وابن ماج ة (‪ ،)4085‬ونعيم بن حم اد في (الفتن)(‬
‫‪)1053‬‬
‫‪ )(2‬رواه أبو داود (‪ ،)4285‬ونعيم بن حماد (‪ ،)1065‬والحاكم (‪)4/558/8714‬‬
‫‪65‬‬
‫جورا)(‪)1‬‬
‫رجل من أمتي أشم األنف‪ ،‬يمأل األرض عدال كما ملئت‬
‫[الحــديث‪ ]175 :‬ـ عن أم س لمة أنه ا س معت الن بي ‪ ‬يق ول‪( :‬المه دي من‬
‫عترتي‪ ،‬من ولد فاطمة)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]176 :‬ـ عن أنس بن مالك قال س معت رس ول هللا ‪ ‬يق ول‪( :‬نحن‬
‫ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة‪ ،‬أنا‪ ،‬وحمزة‪ ،‬وعلي‪ ،‬وجعفر‪ ،‬والحسن‪ ،‬والحسين‪،‬‬
‫والمهدي)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]177 :‬ـ عن أبي سعيد الخدري ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬أبش ركم‬
‫بالمه دي‪ ،‬رج ل من ق ريش من ع ترتي‪ ،‬يبعث في أم تي على اختالف من الن اس‬
‫وزالزل‪ ،‬فيمأل األرض قسطا وعدال كما ملئت جورا وظلما‪ ،‬ويرض ى عن ه س اكن‬
‫السماء وساكن األرض‪ ،‬ويقسم المال صحاحا)‪ ،‬فقال له رج ل‪ :‬م ا ص حاحا؟‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫بالسوية بين الناس‪ ،‬قال‪ :‬ويمأل هللا قلوب أمة محمد ‪ ‬غنى‪ ،‬ويس عهم عدل ه‪ ،‬ح تى‬
‫يأمر مناديا فينادي فيقول‪:‬من له حاجة إلي؟ فما يأتيه أح د‪ ،‬إال رج ل واح د‪ ،‬فيق ول‪:‬‬
‫ائت الس ادن ح تى يعطي ك‪ ،‬فيأتي ه فيق ول‪:‬أن ا رس ول المه دي إلي ك لتعطي ني م اال‪،‬‬
‫فيقول‪:‬أحث فيح ثى وال يس تطيع أن يحمل ه‪ ،‬فيلقي ح تى يك ون ق در م ا يس تطيع أن‬
‫يحمله‪ ،‬فيخرج به فيندم فيقول‪ :‬أنا كنت أجشع أمة محمد نفس ا‪ ،‬كلهم دعي على ه ذا‬
‫المال فتركه غيري فيرده علي ه‪ ،‬فيق ول‪ :‬إن ا ال نقب ل ش يئا أعطين اه‪ ،‬فيلبث في ذل ك‬
‫ستا‪ ،‬أو سبعا‪ ،‬أو ثمانيا‪ ،‬أو تسع سنين‪ ،‬وال خير في العيش بعده)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]178 :‬ـ عن عبد هللا بن مسعود عن النبي ‪ ‬ق ال‪( :‬ل و لم يب ق من‬
‫الدنيا إال يوم‪ ،‬لطول هللا ذل ك الي وم‪ ،‬ح تى يبعث في ه رجال من أه ل بي تي ي واطىء‬
‫اسمه اسمي(‪ ..)5‬فيمأل األرض قسطا وعدال‪ ،‬كما ملئت ظلما وجورا)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]179 :‬ـ عن ابن مسعود عن النبي ‪( :‬ال تذهب الدنيا ح تى يمل ك‬
‫العرب رجل من أهل بيتي‪ ،‬اسمه يواطي اسمي)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪]180 :‬ـ عن ابن مسعود قال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ال ت ذهب ال دنيا‬
‫ح تى يبعث هللا رجال من أه ل بي تي‪ ،‬ي واطئ اس مه اس مي‪ ..‬فيمأل األرض ع دال‬

‫‪ )(1‬رواه أبو نعيم (‪)11‬‬


‫‪ )(2‬رواه أبو داود (‪ ،)4284‬وابن ماجة (‪ ،)4086‬والحاكم (‪ 4/600/8714‬و‪ ،)8715‬وقال األلب اني‪:‬ص حيح‪،‬‬
‫(صحيح أبى داود)(‪ ،)3603‬وقال في (الضعيفة)(‪ :)1/108/80‬هذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات وله شواهد كثيرة‪،‬و‬
‫قال في (المشكاة‪ :)5453( ،‬إسناده جيد‪ ،‬وقال الشيخ أحمد الغماري في (إبراز الوهم المكن ون)(ص‪ :)70‬ه و ح ديث‬
‫صحيح أو حسن كما حكم به الحفاظ‪ ،‬رجاله كلهم عدول أثبات‪.‬‬
‫‪ )(3‬رواه ابن ماجة (‪ ،)4087‬وأبو نعيم (‪ ،)30‬وأبو نعيم في (تاريخ أصفهان)(‪ ،)2/130‬والخطيب في (ت اريخ‬
‫بغداد)(‪)9/434‬‬
‫‪ )(4‬رواه أحم د (‪3/37‬و‪ ،)52/11346/11504/11505‬والب اوردي في (المعرف ة)‪ ،‬وأب و نعيم (‪ ،)18‬ق ال‬
‫الهيثمي في (المجم ع)(‪ :)7/314/12393‬رواه الترم ذي وغ يره باختص ار كث ير‪ ،‬ورواه أحم د بأس انيد وأب و يعلى‬
‫باختصار كثير ورجالهما ثقات‪.‬‬
‫‪ )(5‬حذفنا ما ورد من كون اسم أبيه مشابها السم أبي رسول هللا ‪ ‬لعدم وروده في أكثر األحاديث الصحيحة‪.‬‬
‫‪ )(6‬رواه أبو داود (‪ ،)4282‬قال األلباني‪ :‬حسن صحيح‪( ،‬صحيح أبى داود)(‪( ،3601‬صحيح الجامع)(‪)5304‬‬
‫‪ )(7‬رواه أحمد (‪ ،)1/376/3572‬وأبو داود (‪ ،)4282‬والترمذي (‪ ،)3230‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪66‬‬
‫وجورا)(‪)1‬‬
‫وقسطا‪ ،‬كما ملئت ظلما‬
‫[الحديث‪]181 :‬ـ عن ابن مسعود عن النبي ‪ ‬قال‪( :‬لو لم يبق من ال دنيا إال‬
‫ليلة لملك فيها رجل من أهل بيتي)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]182 :‬ـ عن اإلمام علي عن النبي ‪ ‬قال‪( :‬لو لم يبق من الدهر إال‬
‫يوم‪ ،‬لبعث هللا رجال من أهل بيتي‪ ،‬يمالهـا عدال كما ملئت جورا)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]183 :‬عن أبى سعيد الخدري قال‪( :‬خشينا أن يكون بعد نبينا حدث‬
‫فسألنا نبي هللا ‪ ‬فقال‪( :‬إن في أمتي المهدي‪ ،‬يخرج‪ ،‬يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا‬
‫ـ الشك من الراوي ـ)‪ ،‬قلنا‪ :‬وما ذاك‪ ،‬قال‪ :‬سنين قال‪ :‬فيجيء إليه الرجل فيق ول‪ :‬ي ا‬
‫مهدي‪ ،‬أعطني‪ ،‬أعطني‪ ،‬قال‪ :‬فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪]184 :‬ـ عن أبي سعيد الخدري أن النبي ‪ ‬ق ال‪( :‬يك ون في أم تي‬
‫المهدي‪ ،‬إن قصر فسبع وإال فتسع‪ ،‬فتنعم فيه أمتي نعمة لم ينعموا مثله ا ق ط‪ ،‬ت ؤتى‬
‫أكلها وال تدخر منهم شيئا‪ ،‬والم ال يومئ ذ ك دوس‪ ،‬فيق وم الرج ل فيق ول‪ :‬ي ا مه دي‬
‫أعطني‪ ،‬فيقول‪ :‬خذ)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]185 :‬ـ عن جابر ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا‪( :‬س يكون في أم تي خليف ة‬
‫يحثو المال في الناس حثيا‪ ،‬ال يعده عدا)‪ ،‬ثم قال‪( :‬والذي نفسي بيده لتعدون)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]186 :‬ـ عن ابن عمرو قال رس ول هللا ‪( :‬يخ رج المه دي وعلى‬
‫رأسه غمامة‪ ،‬فيأتي مناد ينادي‪:‬هذا المهدي خليفة هللا‪ ،‬فاتبعوه)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]187 :‬عن ابن عمرو ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬يخ رج المه دي‬
‫وعلى رأسه ملك ينادي‪ :‬إن هذا المهدي فاتبعوه)(‪)8‬‬
‫[الحــديث‪]188 :‬ـ عن عاصم بن عم رو البجلي أن أب ا أمام ة ق ال‪( :‬لين ادين‬
‫باسم رجل من السماء‪ ،‬ال ينكره الذليل‪ ،‬وال يمتنع منها العزيز)(‪)9‬‬
‫[الحديث‪ ]189 :‬ـ عن علي‪ :‬أنه قال للنبي ‪ :‬أمن ا المه دي أم من غيرن ا ي ا‬

‫‪ )(1‬رواه ابن أبى ش يبة (‪ ،)37648‬وال دراقطني في (األف راد)(‪ 3643‬ت رتيب ابن طاهـر)‪ ،‬وأب و نعيم (‪،)19‬‬
‫والحاكم (‪)4/442/8413‬‬
‫‪ )(2‬رواه الطبراني [ في الكبير ] (‪)10/133/10216‬‬
‫‪ )(3‬رواه أحمد (‪ ،)1/99/773‬وابن أبى شيبة(‪ ،)37648‬وأبو داود(‪ ،)4283‬قال األلباني‪:‬صحيح‪(،‬ص حيح ابي‬
‫داود)(‪ )3603‬وقال الشيخ أحمد الغماري في (إبراز الوهم المكنون)(ص‪ :)60‬ص حيح على ش رط البخ اري ومس لم‬
‫وال علة له وال مطعن في رجاله وقال أيضا (ص‪ :)65‬الحديث ليس فيه ما بنزل رتبته إلى درج ة الحس ن فض ال عن‬
‫أن يحط قدره إلى مرتبة الض عيف ب ل ه و ص حيح بال ش ك وال ش بهة وق ال أخ وه عب د هللا في كتاب ه ( ‪ :)29‬إس ناده‬
‫صحيح‪.‬‬
‫‪ )(4‬رواه الترمذي (‪)2239‬‬
‫‪ )(5‬رواه نعيم بن حماد (‪ ،)1127‬وابن ماجة (‪ ،)4083‬قال األلباني‪ :‬حسن‪(،‬صحيح ابن ماجة)( ‪)3299‬‬
‫‪ )(6‬رواه ال بزار (‪ ،)3327‬ق ال في (المجم ع‪ :)7/316/12407( ،‬رجال ه رج ال الص حيح‪ ،‬وق ال الحاف ظ في‬
‫(مختصر زوائد البزار)(‪ :)1652‬صحيح‪.‬‬
‫‪ )(7‬رواه أب و نعيم (‪ )16‬والط براني في (مس ند الش اميين‪ )937( ،‬وابن ع دي في (الكام ل)(‪)5/295/1933‬‬
‫والكنجي في (البيان)(ص‪ 92‬رقم ‪ ،)37‬قال الشيخ عبدهللا الغماري في كتابه (‪ :)60‬إسناده حسن‪.‬‬
‫‪ )(8‬رواه أبو نعيم (‪ ،)17‬والخطيب في (تلخيص المتشابه)( ‪ ،)1/417‬والكنجي في (البيان‪( ،‬ص‪ 93‬رقم ‪)38‬‬
‫‪ )(9‬رواه ابن أبى شيبة (‪)37755‬‬
‫‪67‬‬
‫رسول هللا؟ قال‪ :‬بل منا‪ ،‬بنا يختم هللا كما بنا فتح‪ ،‬وبن ا يس تنقذون من الش رك‪ ،‬وبن ا‬
‫يؤلف هللا بين قلوبهم بعد عداوة بينة‪ ،‬كما بنا ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك‪ ،‬قال‬
‫علي‪ :‬أمؤمنون أم كافرون؟‪ ،‬قال‪( :‬مفتون وكافر)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]190 :‬ـ عن اإلمام علي بن أبي طالب قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رس ول هللا أمن ا‬
‫آل محمد المهدي‪،‬أم من غيرنا؟ قال‪( :‬ال بل منا‪ ،‬يختم هللا به الدين كما فتح بنا‪ ،‬وبن ا‬
‫ينقذون من الفتن ة‪ ،‬كم ا أنق ذوا من الش رك‪ ،‬وبن ا يؤل ف هللا بين قل وبهم بع د ع داوة‬
‫الفتنة‪ ،‬كما ألف بين قل وبهم بع د ع داوة الش رك‪ ،‬وبن ا يص بحون بع د ع داوة الفتن ة‬
‫إخوانا‪ ،‬كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخوانا في دينهم)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]191 :‬ـ عن أبي سعيد الخ دري ق ال س معت رس ول هللا ‪ ‬يق ول‪:‬‬
‫(يخرج رج ل من أم تي يق ول بس نتي‪ ،‬ي نزل هللا ع ز وج ل ل ه القط ر من الس ماء‪،‬‬
‫وتخرج له األرض من بركته ا تمأل األرض من ه قس طا وعـدال‪ ،‬كم ا ملئت جـورا‬
‫وظلمـا‪ ،‬يعمل على هذه األمة سبع سنين‪ ،‬وينزل بيت المقـدس)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]192 :‬عن أبي هريرة عن النبي ‪ ‬قال‪( :‬يكون في أمتي المهدي‪،‬‬
‫إن قصر فسبع وإال فثمان وإال فتسع‪ ،‬تنعم أمتي فيها نعم ة لم ينعم وا مثله ا‪ ،‬يرس ل‬
‫هللا عليهم السماء مدرارا‪ ،‬وال تدخر األرض بشيء من النبات‪ ،‬والمال كدوس‪ ،‬يقوم‬
‫الرجل فيقول‪ :‬يا مهدي أعطني فيقول‪:‬خذ)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪]193 :‬ـ عن أبى س عيد ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬يك ون في آخ ر‬
‫الزمان عند تظاهـر من الفتن وانقطاع من الزمن أمير أول ما يك ون عط اؤه للن اس‬
‫أن يأتيه الرجل فيحثي له في حجره‪،‬يهمه من يقبل منه صدقة ذلك المال‪ ،‬لما يصيب‬
‫الناس من الفرج)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]194 :‬ـ عن أبى سعيد عن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬يكون في آخر أمتي‬
‫خليفة‪ ،‬يحثي المال حثيا وال يعده عدا)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]195 :‬ـ عن أبي س عيد وج ابر عن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬يك ون في‬
‫آخر الزمان خليفة‪ ،‬يقسم المال وال يعده)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]196 :‬ـ عن أبى سعيد عن النبي ‪ ‬قال‪( :‬يكون في أمتي المه دي‪،‬‬
‫إن قصر عم ره فس بع س نين‪ ،‬وإال فثم ان‪ ،‬وإال فتس ع س نين‪ ،‬تنعم أم تي في زمان ه‬
‫نعيما لم يتنعموا مثله قط‪ ،‬البر والفاجر‪ ،‬يرسل هللا السماء عليهم مدرارا‪ ،‬وال ت دخر‬
‫األرض شيئا من نباتها)(‪)8‬‬

‫‪ )(1‬رواه الطبراني [ في األوسط ] (‪)157‬‬


‫‪ )(2‬رواه نعيم بن حماد (‪ ،)1089‬وأبو نعيم (‪ ،)34‬وأخرجه الكنجي في (البيان‪( ،‬ص‪ 86‬رقم ‪)32‬‬
‫‪ )(3‬رواه الطبراني في (األوسط)(‪ ،)1079‬وأبو نعيم (‪)25‬‬
‫‪ )(4‬رواه الدراقطني في (األفراد‪ )5312( ،‬والطبراني في (األوسط)(‪)5406‬‬
‫‪ )(5‬رواه أبو يعلى (‪ ،)1100‬وابن عساكر(‪)64/267‬‬
‫‪ )(6‬رواه أحمد (‪ ،)3/317/14459‬ومسلم (‪)2913/67‬‬
‫‪ )(7‬رواه أحمد (‪ ،)3/38/11359‬ومسلم (‪ 2913‬و‪)2914/69‬‬
‫‪ )(8‬رواه أبو نعيم (‪)1‬‬
‫‪68‬‬
‫[الحديث‪ ]197 :‬ـ عن أبى سعيد عن النبي ‪( :‬تمأل األرض ظلم ا وج ورا‪،‬‬
‫فيقوم رجل من عترتي‪ ،‬فيملؤها قسطا وعدال‪ ،‬يملك سبعا‪ ،‬أو تسعا)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]198 :‬ـ عن أبى سعيد قال‪ :‬قال الن بي ‪( :‬ال تنقض ي ال دنيا ح تى‬
‫يملك األرض رجل من أهل بيتي‪ ،‬يمال األرض عدال‪ ،‬كما ملئت قبل ه ج ورا‪ ،‬يمل ك‬
‫سبع سنين)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]199 :‬ـ عن أبي سعيد أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬يخ رج المه دي في‬
‫أمتي‪ ،‬يبعثه هللا غياثا للناس‪ ،‬تنعم األم ة‪ ،‬وتعيش الماش ية‪ ،‬وتخ رج األرض نباته ا‪،‬‬
‫ويعطى المال صحاحا)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]222 :‬ـ عن عبدالرحمن بن عوف قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬ليبعثن‬
‫هللا من عترتي رجال أفرق الثناي ا‪ ،‬أعلى الجبه ة‪ ،‬يمأل األرض ع دال‪ ،‬يفيض الم ال‬
‫فيضا)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]201 :‬ـ عن حذيفة قال‪:‬قال رسول هللا ‪( :‬لو لم يبق من ال دنيا إال‬
‫يوم واح د‪ ،‬لبعث هللا رجال اس مه اس مي‪ ،‬وخلق ه خلقي‪ ،‬يك نى أب ا عبدهللا‪ ،‬يب ايع ل ه‬
‫الناس بين الركن والمقام‪ ،‬ي رد هللا ب ه ال دين‪ ،‬ويفتح ل ه فتوح ا‪ ،‬فال يبقى على ظه ر‬
‫األرض إال من يقول ال اله إال هللا)‪ ،‬فق ام س لمان فق ال‪ :‬ي ا رس ول هللا من أي ول دك‬
‫هو؟ قال‪( :‬من ولد ابني هذا)‪ ،‬وضرب بيده على الحسين(‪.)5‬‬
‫[الحــديث‪]202 :‬ـ عن أبى س عيد الخ دري ق ال ق ال رس ول هللا ‪( :‬لتمألن‬
‫األرض ظلما وعدوانا‪ ،‬ثم ليخرجن رجل من أهل بيتي حتى يمالهـا قس طا وع دال‪،‬‬
‫كما ملئت ظلما وعدوانا)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]203 :‬ـ عن ابن مسعود قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬يخرج رج ل من‬
‫أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي‪ ،‬وخلقه خلقي‪ ،‬يملؤه ا قس طا وع دال كم ا ملئت ظلم ا‬
‫وجورا)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]204 :‬ـ عن أبى سعيد قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬يكون عند انقط اع‬
‫من الزمان‪ ،‬وظهور من الفتن‪ ،‬رجل يقال له‪ :‬المهدي‪ ،‬يكون عطاؤه هنيئا)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪]205 :‬ـ عن ابن مس عود ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ل و لم يب ق من‬
‫الدنيا إال ليلة لطول هللا تلك الليل ة‪ ،‬ح تى يمل ك رج ل من أه ل بي تي‪ ،‬ي واطئ اس مه‬
‫اسمي‪ ..‬يملؤها قسطا وعدال‪،‬كما ملئت ظلما وجورا‪ ،‬ويقسم المال بالس وية‪ ،‬ويجع ل‬
‫‪ )(1‬رواه أبو نعيم (‪)2‬‬
‫‪ )(2‬رواه أحمد (‪ )1/377/3573‬وأبو نعيم (‪)3‬‬
‫‪ )(3‬رواه أبو نعيم (‪ ،)15‬والحاكم (‪ ،)4/556/8716‬قال الحاكم‪:‬هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرج اه‪ ،‬وأق ره‬
‫الذهبي‪،‬وقال الشيخ أحمد الغماري في (إبراز الوهم)(ص‪:)87‬وهو كما قال ألن رجاله كلهم ثقات على ش رط مس لم‪،‬‬
‫وقال الشيخ األلباني‪ :‬هو إسناد صحيح‪( ،‬الصحيحة)(‪)1529‬‬
‫‪ )(4‬رواه أبو نعيم (‪ ،)13‬والكنجي في (البيان) من طريق أبي نعيم (ص ‪ 96‬رقم ‪)42‬‬
‫‪ )(5‬رواه أبو نعيم (‪ ،)20‬والكنجي في (البيان)(ص‪ 90‬رقم ‪)35‬‬
‫‪ )(6‬رواه أبو نعيم (‪)21‬‬
‫‪ )(7‬رواه الطبراني في (الكبير)(‪ )10/136/10229‬وأبو نعيم (‪)23‬‬
‫‪ )(8‬رواه نعيم (‪1056‬و‪1213‬و‪ ،)1213‬وأبو نعيم (‪)24‬‬
‫‪69‬‬
‫هللا الغ نى في قل وب ه ذه األم ة‪ ،‬فيمكث س بعا أو تس عا‪ ،‬ثم ال خ ير في الحي اة بع د‬
‫المهدي)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]206 :‬ـ عن أبى هريرة عن النبي ‪ ‬قال‪( :‬لو لم يبق من ال دنيا إال‬
‫يوم‪ ،‬لطوله هللا حتى يملك رجل من أهل بيتي‪ ،‬يفتح القسطنطينية وجبل ال ديلم‪ ،‬ول و‬
‫لم يبق إال يوم لطول هللا ذلك اليوم حتى يفتحها)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]207 :‬ـ عن قيس بن جابر عن أبيه عن جده أن رسول هللا ‪ ‬قال‪:‬‬
‫(سيكون بعدي خلفاء‪،‬ومن بعد الخلف اء أم راء‪ ،‬ومن بع د األم راء مل وك‪ ،‬ومن بع د‬
‫الملوك جبابرة‪ ،‬ثم يخرج رجل من أهل بيتي‪ ،‬يمأل األرض عدال كم ا ملئت ج ورا)‬
‫(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]208 :‬ـ عن أبى سعيد قال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬من ا ال ذي يص لي‬
‫عيسى بن مريم خلفه)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪]209 :‬ـ عن أبى سعيد ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ي نزل عيس ى بن‬
‫مريم ‪ ،‬فيقول أميرهم المهدي‪ :‬تعال صل بنا‪ ،‬فيقول‪ :‬أال وإن بعضكم على بعض‬
‫أمراء‪ ،‬تكرمة لهذه األمة)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]210 :‬ـ وهو يدل على ط ول م دة مك وث المه دي‪ ،‬عن ابن عب اس‬
‫قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬لن تهلك أمة أنا في أولها‪ ،‬وعيس ى في آخره ا‪ ،‬والمه دي‬
‫في وسطها)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]211 :‬ـ عن أبي سعيد عن النبي ‪ ‬قال‪( :‬يخ رج في آخ ر الزم ان‬
‫خليفة‪ ،‬يعطي الحق بغير عدد)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪]212 :‬ـ عن أبي سعيد قال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬يخ رج رج ل من‬
‫أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن‪ ،‬يكون عطاؤه حثيا)(‪)8‬‬
‫[الحــديث‪]213 :‬ـ عن حذيف ة ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬المه دي رج ل من‬
‫ولدي‪ ،‬وجهه كالكوكب الدري)(‪)9‬‬
‫[الحديث‪]214 :‬ـ عن الحسين‪( :‬أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال لفاطم ة‪ :‬المه دي من‬
‫ولدك)(‪)10‬‬

‫‪ )(1‬رواه أبو نعيم (‪)35‬‬


‫‪ )(2‬رواه ابن ماجة (‪ ،)2779‬وأبو نعيم (‪)36‬‬
‫‪ )(3‬رواه الطبراني في (الكبير)(‪ )22/374/936‬وأبو نعيم (‪ ،)37‬وابن عساكر (‪)14/282‬‬
‫‪ )(4‬رواه أبو نعيم (‪ ،)38‬قال األلب اني‪ :‬ص حيح‪( ،‬الص حيحة)(‪ ،)2293‬قلت‪ :‬ويش هد ل ه الح ديث رقم (‪ )71‬و(‬
‫‪)188‬‬
‫‪ )(5‬رواه أبو نعيم (‪ ،)39‬وعزاه ابن القيم في (المن ار الم نيف)(ص ‪ )134‬البن أبي أس امة في (مس نده)‪ ،‬وس اق‬
‫سنده ثم قال‪ :‬هذا إسناد جيد‪ ،‬قال األلباني في (الصحيحة)(‪ :)2236‬وهو كما قال ابن القيم ف إن رجال ه كلهم ثق ات من‬
‫رجال أبي داود‪.‬‬
‫‪ )(6‬رواه أبو نعيم (‪)40‬‬
‫‪ )(7‬رواه ابن أبى شيبة (‪)37640‬‬
‫‪ )(8‬رواه ابن أبى شيبة (‪)37639‬‬
‫‪ )(9‬رواه الروياني في مسنده‪ ،‬وأبو نعيم (‪)8‬‬
‫‪ )(10‬رواه أبو نعيم (‪)7‬‬
‫‪70‬‬
‫[الحديث‪ ]215 :‬عن الوليد بن محمد الموقري قال‪ :‬كنا على باب الزهري‪،‬إذ‬
‫سمع جلبة‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا ي ا ولي د؟‪ ،‬فنظ رت ف إذا رأس زي د بن علي يط اف ب ه بي د‬
‫اللع ابين‪ ،‬فأخبرت ه‪ ،‬فبكى الزه ري ثم ق ال‪:‬أهـلك أه ل ه ذا ال بيت العجل ة‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫ويملكون قال‪ :‬نعم حدثني علي بن الحسين عن أبيه الحسين أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪:‬‬
‫(أبشري يا فاطمة المهدي منك)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]216 :‬عن علي بن علي الهاللي‪ ،‬عن أبيه قال‪ :‬دخلت على رسول‬
‫هللا ‪ ‬في شكاته التي قبض فيها‪ ،‬فإذا فاطم ة عن د رأس ه‪ ،‬ق ال‪ :‬فبكت ح تى ارتف ع‬
‫صوتها‪ ،‬فرفع رسول هللا ‪ ‬طرف ه إليه ا‪ ،‬فق ال‪ :‬حبيب تي فاطم ة م ا ال ذي يبكي ك؟‬
‫فقالت‪ :‬أخشى الضيعة بعدك‪ ،‬فقال‪ ،‬يا حبيبتي أما علمت أن هللا عز وج ل اطل ع إلى‬
‫األرض إطالعة‪ ،‬فاختار منه ا أب اك فبعث ه برس الته‪ ،‬ثم اطل ع إلى األرض إطالع ة‬
‫فاختار منها بعلك‪ ،‬ونحن أهل بيت قد أعطانا هللا سبع خص ال‪ ،‬لم تع ط ألح د قبلن ا‪،‬‬
‫وال تعطى أحدا بعدنا‪ ،‬أنا خ اتم النب يين‪ ،‬وأك رم النب يين على هللا‪ ،‬وأحب المخل وقين‬
‫إلى هللا عز وجل‪ ،‬وأنا أبوك‪ ،‬ووصيي خير األوص ياء وأحبهم إلى هللا‪،‬وه و بعل ك‪،‬‬
‫وش هيدنا خ ير الش هداء وأحبهم إلى هللا‪ ،‬وه و عم ك حم زة بن عب دالمطلب‪ ،‬وعم‬
‫بعلك‪ ،‬ومنا من له جناحان أخضران يطير م ع المالئك ة في الجن ة حيث ش اء وه و‬
‫ابن عم أبيك وأخو بعلك‪ ،‬ومنا سبطا هذا األمة‪ ،‬وهما ابناك الحسن والحسين‪ ،‬وهم ا‬
‫سيدا شباب أهل الجنة‪ ،‬وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهم ا‪ ،‬ي ا فاطم ة‪ ،‬وال ذي‬
‫بعثني بالحق إن منهما ـ ـ ـ يعني من الحسن والحسين ـ مهدي ه ذه األم ة‪ ،‬إذا ص ارت‬
‫الدنيا هرجا ومرجا وتظاهـرت الفتن وتقطعت الس بل‪ ،‬وأغ ار بعض هم على بعض‪،‬‬
‫فال كبير يرحم صغيرا‪،‬وال صغير ي وقر كب يرا‪ ،‬بعث هللا عن د ذل ك منهم ا من يفتح‬
‫حصون الضاللة وقلوبا غلفا‪ ،‬يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أول الزم ان‪،‬‬
‫ويمأل الدنيا عدال كما ملئت جورا‪ ..‬يا فاطم ة ال تح زني وال تبكي ف إن هللا ع ز ج ل‬
‫أرحم ب ك‪ ،‬وأرأف علي ك م ني‪ ،‬وذل ك لمكان ك من قل بي‪ ،‬وزوج ك هللا زوج ا وه و‬
‫أشرف أهل بيتك حس با‪ ،‬وأك رمهم منص با‪ ،‬وأرحمهم بالرعي ة‪ ،‬وأع دلهم بالس وية‪،‬‬
‫وأبصرهم بالقضية‪ ،‬وقد سألت ربي عز وج ل أن تك وني أول من يلحق ني من أه ل‬
‫بيتي)‪ ،‬قال علي‪ :‬فلما قبض النبي‪ ‬لم تب ق فاطم ة بع ده إال خمس ة وس بعين يوم ا‬
‫حتى ألحقها هللا عز وجل به ‪)2()‬‬
‫[الحديث‪ ]217 :‬عن الحسن أن رسول هللا ‪ ‬ذكر بالء يلقاه أهل بيته‪ ،‬حتى‬
‫يبعث هللا راية من المشرق س وداء‪ ،‬من نص رها نص ره هللا‪ ،‬ومن خ ذلها خذل ه هللا‪،‬‬
‫حتى يأتوا رجال اسمه كاسمي‪ ،‬فيوليه أمرهم‪ ،‬فيؤيده هللا وينصره)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]218 :‬ـ عن عائشة عن النبي ‪ ‬قال‪( :‬هو رجل من عترتي‪ ،‬يقاتل‬
‫‪ )(1‬رواه ابن عساكر(‪)19/457‬‬
‫‪ )(2‬رواه الطبراني في (الكبير)(‪ ،)3/57/2675‬وفي (األوسط)(‪ )6540‬ومن طريق ه الكنجي (ص‪ 55‬رقم ‪،)1‬‬
‫وأبو نعيم (‪)5‬‬
‫‪ )(3‬رواه نعيم(‪)904‬‬
‫‪71‬‬
‫الوحي)(‪)1‬‬
‫على سنتي‪ ،‬كما قاتلت أنا على‬
‫[الحديث‪ ]219 :‬عن جابر بن عبدهللا قال رسول هللا ‪( :‬ال تزال طائفة من‬
‫أمتي تقاتل عن الحق‪ ،‬حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفج ر ب بيت المق دس‪،‬‬
‫ينزل على المهدي‪ ،‬فيقال له‪ :‬تقدم يا نبي هللا فص ل لن ا‪ ،‬فيق ول‪ :‬إن ه ذه األم ة أمين‬
‫بعضهم على بعض‪ ،‬لكرامتهم على هللا عز وجل)(‪)2‬‬
‫‪ 2‬ـ األحاديث الواردة في التمهيد والتمحيص المرتبط بظهوره‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة‪ ،‬تشابه نظيراتها في المصادر الشيعية‪ ،‬وكله ا تش ير إلى‬
‫أن اإلمام المهدي ال يظهر إال بعد أن يتم تهيئة وتوطئة القابلية ألداء دوره الرسالي‪،‬‬
‫وتشير كذلك إلى حركة المعارضة التي يجدها‪ ،‬ومن المسلمين أنفسهم‪ ،‬كم ا وج دها‬
‫قبل ذل ك أج داده من الع ترة الط اهرة‪ ،‬وق د ذكرن ا بعض األح اديث الموقوف ة هن ا‪،‬‬
‫باعتبارها مما ال يمكن االجتهاد فيه‪ ،‬باإلضافة إلى موافقته ا لم ا ورد في األح اديث‬
‫المرفوعة‪ ،‬وبناء على ذلك قسمنا هذا المبحث إلى قسمين‪ :‬أولهم ا يح وي األح اديث‬
‫المرفوعة‪ ،‬والثاني األحاديث الموقوفة‪.‬‬
‫أ ـ األحاديث المرفوعة إلى رسول هللا ‪:‬‬
‫وهي كثيرة حاولنا جمع أكثرها‪ ،‬م ع التنبي ه إلى أن ا ال نج زم بك ل التفاص يل‬
‫الواردة فيها‪ ،‬ألن الغرض هو بيان اهتمام رسول هللا ‪ ‬بدعوة أمت ه للح رص على‬
‫اتباع اإلمام المهدي‪ ،‬وعدم الوقوع في فخ أعدائه‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]220 :‬ـ عن أم سلمة عن النبي ‪ ‬قال‪( :‬يكون اختالف عن د م وت‬
‫خليفة‪ ،‬فيخرج رج ل من أه ل المدين ة هارب ا إلى مك ة‪ ،‬فيأتي ه ن اس من أه ل مك ة‪،‬‬
‫فيخرجونه وهو ك اره‪ ،‬فيبايعون ه بين ال ركن والمق ام‪ ،‬ويبعث إلي ه بعث من الش ام‪،‬‬
‫فيخس ف بهم بالبي داء بين مك ة والمدين ة‪ ،‬ف إذا رأى الن اس ذل ك أت اه أب دال الش ام‬
‫وعص ائب أه ل الع راق‪ ،‬فيبايعون ه بين ال ركن والمق ام‪ ،‬ثم ينش أ رج ل من ق ريش‬
‫أخواله كلب‪ ،‬فيبعث إليهم بعثنا‪ ،‬فيظه رون عليهم وذل ك بعث كلب‪ ،‬والخيب ة لمن لم‬
‫يشهد غنيمة كلب‪ ،‬فيقس م الم ال‪ ،‬ويعم ل في الن اس بس نة ن بيهم ‪ ‬ويلقي اإلس الم‬
‫بجرانه إلى األرض‪ ،‬فيلبث سبع سنين(‪ ،)3‬ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪]221 :‬ـ عن اإلمام علي قال‪ :‬قال النبي ‪( :‬يخرج رجل من وراء‬
‫النهر‪ ،‬يقال له الحارث بن حراث‪ ،‬على مقدمته رجل يقال له منص ور‪ ،‬ي وطئ ـ أو‬
‫يمكن ـ آلل محمد كما مكنت ق ريش لرس ول هللا ‪ ،‬وجب على ك ل م ؤمن نص ره‬
‫وإجابته)(‪)5‬‬

‫‪ )(1‬رواه نعيم (‪)1092‬‬


‫‪ )(2‬رواه الداني (‪)686‬‬
‫‪ )(3‬قال أبو داود قال‪ :‬بعضهم عن هشام تسع سنين وقال بعضهم سبع سنين‪.‬‬
‫‪ )(4‬رواه ابن أبى ش يبة (‪ ،)37223‬وأحم د (‪ ،)6/316/27224‬وأب و داود (‪ ،)4286‬وأب و يعلى (‪،)6901‬‬
‫والطبراني [ في الكبير ](‪ )23/390/931‬و(‪ 1153‬األوسط)‪ ،‬قال ابن القيم في (المنار المنيف)(ص ‪ :)132‬الح ديث‬
‫حسن ومثله مما يجوز أن يقال فيه‪:‬صحيح‪.‬‬
‫‪ )(5‬رواه أبو داود (‪)4290‬‬
‫‪72‬‬
‫[الحديث‪]222 :‬ـ عن ابن مسعود قال‪ :‬بينما نحن عند رسول هللا ‪ ،‬إذ أقبل‬
‫فتية من بني هاشم‪ ،‬فلما رآهم النبي ‪ ‬اغرورقت عيناه وتغير لونه‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪:‬م ا‬
‫نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه‪ ،‬فقال‪( :‬إن ا أه ل بيت اخت ار هللا لن ا اآلخ رة على‬
‫الدنيا‪ ،‬وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بالء وتشريدا وتطريدا‪ ،‬حتى يأتي ق وم من قب ل‬
‫المشرق معهم رايات سود فيسألون الحق‪ ،‬فال يعطونه‪ ،‬فيقاتلون فينصرون فيعطون‬
‫ما سألوا‪ ،‬فال يقبلون ه ح تى ي دفعوها إلى رج ل من أه ل بي تي‪ ،‬فيملؤه ا قس طا كم ا‬
‫ملؤها جورا‪ ،‬فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم‪ ،‬ولو حبوا على الثلج‪ ،‬فإنه المهدي)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]223 :‬ـ عن ثوبان قال‪:‬قال رسول هللا ‪( :‬يقتتل عند كنزكم ثالثة‪،‬‬
‫كلهم ابن خليف ة‪ ،‬ثم ال يص ير إلى واح د منهم‪ ،‬ثم تطل ع الراي ات الس ود من قب ل‬
‫المشرق‪ ،‬فيقتل ونكم قتال لم يقتل ه ق وم‪،‬ثم يجيء خليف ة هللا المه دي‪ ،‬ف إذا س معتم ب ه‬
‫فأتوه‪ ،‬فبايعوه‪ ،‬ولو حبوا على الثلج‪ ،‬فإنه خليفة هللا المهدي)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]224 :‬عن عبدهللا بن الحارث بن جزء الزبيدي قال‪:‬قال رسول هللا‬
‫‪( :‬يخرج ناس من المشرق‪ ،‬فيوطئون للمهدي سلطانه)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪]225 :‬ــ عن أبي هري رة ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬تخ رج من‬
‫خراسان رايات سود‪ ،‬ال يردها شيء حتى تنصب بإيلياء)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]226 :‬ـ عن قرة بن إياس المزني قال‪:‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬لتمألن‬
‫األرض جورا وظلم ا‪ ،‬ف إذا ملئت ج ورا وظلم ا بعث هللا رجال م ني‪ ،‬اس مه اس مي‬
‫واسم أبيه اسم أبي‪ ،‬فيملؤها عدال وقسطا كما ملئت جورا وظلم ا‪ ،‬فال تمن ع الس ماء‬
‫ش يئا من قطره ا‪ ،‬وال األرض ش يئا من نباته ا‪ ،‬يمكث س بعا أو ثماني ا‪ ،‬ف إن أك ثر‬
‫فتسعا)(‪)5‬‬
‫[الحــديث‪]227 :‬ـ عن أنس‪ :‬أن رس ول هللا ‪ ‬ك ان نائم ا في بيت أم س لمة‪،‬‬
‫فانتبه وهو يسترجع‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول هللا مم تسترجع؟ قال‪ :‬من قبل جيش يجيء من‬
‫قبل العراق في طلب رج ل من المدين ة‪ ،‬يمنع ه هللا منهم‪ ،‬ف إذا عل وا البي داء من ذي‬
‫الحليفة خسف بهم‪ ،‬فال يدرك أعالهـم أس فلهم‪ ،‬وال ي درك أس فلهم أعالهـم إلى ي وم‬
‫القيامة‪ ،‬قيل‪ :‬يارس ول هللا يخس ف بهم ومص ادرهم ش تى؟ ق ال‪:‬إن منهم أو فيهم من‬
‫جبر)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]228 :‬ـ عن طلحة بن عبيد هللا عن النبي ‪ ‬قال‪( :‬س تكون فتن ة ال‬
‫يهدأ منها جانب‪ ،‬إال ج اش منه ا ج انب‪ ،‬ح تى ين ادي من اد من الس ماء‪ :‬أن أم يركم‬

‫‪ )(1‬رواه ابن أبى شيبة (‪ )37727‬ونعيم بن حماد في الفتن (‪ )895‬وابن ماجة (‪ )4082‬وأبو نعيم (‪)27‬‬
‫‪ )(2‬رواه ابن ماجة (‪ )4184‬والحاكم (‪ )1/463/4882‬وأب و نعيم (‪ ،)32‬ق ال ابن كث ير في (النهاي ة‪ ،‬ص‪:)26‬‬
‫تفرد به ابن ماجة وهذا إسناد قوي صحيح‪ ،‬وقال البوصيري في (زوائده)(‪ :)1442‬هذا إسناد صحيح رجاله ثقات‬
‫‪ )(3‬رواه ابن ماجة (‪ ،)4088‬والطبراني (‪ 287‬األوسط)‬
‫‪ )(4‬رواه أحمد (‪ )2/365/8760‬والترمذي (‪ )2276‬ونعيم بن حماد (‪)569‬‬
‫‪ )(5‬رواه البزار (‪ 3325‬كشف)‪ ،‬والحارث بن أبى أسامة (‪ ،)789‬والطبراني (‪)68 /19/32‬‬
‫‪ )(6‬رواه البزار (‪ 3338‬كشف)‬
‫‪73‬‬
‫فالن)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]229 :‬ـ عن أم سلمة ق الت‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬يب ايع لرج ل بين‬
‫ال ركن والمق ام ع دة أه ل ب در‪ ،‬فيأتي ه عص ائب أه ل الع راق وأب دال أه ل الش ام‪،‬‬
‫فيغزوهم جيش من أهل الشام‪ ،‬حتى إذا ك انوا بالبي داء خس ف بهم‪ ،‬فيغ زوهم رج ل‬
‫من ق ريش‪ ،‬أخوال ه من كلب‪ ،‬فيلتق ون فيه زمهم هللا‪ ،‬فالخ ائب من خ اب من غنيم ة‬
‫كلب)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]230 :‬ـ عن أم سلمة قالت‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬يسير ملك المغرب‬
‫إلى ملك المشرق فيقتله‪ ،‬فيبعث جيشا إلى المدينة فيخسف بهم‪ ،‬ثم يبعث جيشا فينش أ‬
‫ن اس من أه ل المدين ة فيع ود عائ د ب الحرم‪ ،‬فيجتم ع الن اس إلي ه ك الطير ال واردة‬
‫المتفرقة‪ ،‬حتى يجتمع إليه ثلثمائة وأربعة عشر رجال منهم نس وة‪ ،‬فيظه ر على ك ل‬
‫جبار وابن جبار‪ ،‬ويظهر من العدل ما يتمنى له األحياء أمواتهم فيحي ا س بع س نين‪،‬‬
‫ثم ما تحت األرض خير مما فوقها)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪]231 :‬ــ عن ابن عم ر‪ :‬ك ان رس ول هللا ‪ ‬جالس ا في نف ر من‬
‫المه اجرين واألنص ار‪ ،‬وعلي بن أبي ط الب عن يس اره والعب اس عن يمين ه‪ ،‬إذ‬
‫تالحى العباس ورجل من األنصار‪ ،‬فأغلظ األنصاري للعباس‪ ،‬فأخ ذ الن بي ‪ ‬بي د‬
‫العباس ويد علي‪ ،‬فقال‪( :‬س يخرج من ص لب ه ذا حي يمأل األرض ج ورا وظلم ا‪،‬‬
‫وس يخرج من ص لب ه ذا حي يمال األرض قس طا وع دال‪ ،‬ف إذا رأيتم ذل ك فعليكم‬
‫بالفتى التميمي‪ ،‬فإنه يقبل من قبل المشرق‪ ،‬وهو صاحب راية المهدي)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪]232 :‬ـ عن أم حبيبة قالت‪ :‬سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪( :‬يأتي ناس‬
‫من قبل المشرق‪ ،‬يريدون رجال عند البيت‪ ،‬حتى إذا كانوا ببيداء من األرض خسف‬
‫بهم‪ ،‬فيلحق بهم من تخلف فيصيبهم ما أصابهم)‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول هللا كي ف بمن ك ان‬
‫أخرج مستكرها؟ قال‪( :‬يصيبهم ما أصاب الناس‪ ،‬ثم يبعث هللا كل امرئ على نيت ه)‬
‫(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]233 :‬عن اإلمام علي بن أبي طالب أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬يكون‬
‫في آخر الزمان فتنة‪ ،‬تحصل الناس كما يحصل الذهب في المع دن‪ ،‬فال تس بوا أه ل‬
‫الشام‪ ،‬ولكن سبوا أش رارهم‪ ،‬ف إن فيهم األب دال‪ ،‬يوش ك أن يرس ل على أه ل الش ام‬
‫سيب فيفرق جماعتهم‪ ،‬حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم‪ ،‬فعند ذل ك يخ رج خ ارج من‬
‫أهل بيتي‪ ،‬في ثالث رايات‪ ،‬المكثر يقول‪:‬هم خمسة عشر ألفا والمق ل يق ول‪:‬هم اثن ا‬
‫عشر ألف ا‪ ،‬أم اراتهم (أمت أمت)‪ ،‬يلق ون س بع راي ات‪ ،‬تحت ك ل راي ة منه ا رج ل‬
‫يطلب المل ك‪ ،‬فيقتلهم هللا جميع ا‪ ،‬وي رد هللا إلى المس لمين ألفتهم ونعمتهم وقاص يهم‬

‫‪ )(1‬رواه الطبراني في (األوسط)(‪)4666‬‬


‫‪ )(2‬رواه الطبراني في (األوسط)(‪ ،)9459‬والحاكم (‪)4/430/8377‬‬
‫‪ )(3‬رواه الطبراني في (األوسط)(‪)5473‬‬
‫‪ )(4‬رواه الطبراني في (األوسط)(‪)4130‬‬
‫‪ )(5‬رواه الطبراني في (األوسط)(‪)4030‬‬
‫‪74‬‬
‫ودانيهم)(‪)1‬‬
‫[الحــديث‪ ]234 :‬ـ عن ثوب ان ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬إذا رأيتم الراي ات‬
‫الس ود ق د أقبلت من خراس ان‪ ،‬فائتوه ا ول و حب وا على الثلج‪ ،‬ف إن فيه ا خليف ة هللا‬
‫المهدي)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]235 :‬ـ عن حذيفة‪ ،‬ق ال‪ :‬س معت رس ول هللا ‪ ‬يق ول‪( :‬ويح ه ذه‬
‫األمة من ملوك جبابرة‪ ،‬كي ف يقتل ون ويخيف ون المطيعين‪ ،‬إال من أظه ر ط اعتهم‪،‬‬
‫فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه‪ ،‬ويقومهم بقلبه‪ ،‬فإذا أراد هللا أن يعيد اإلسالم عزيزا‬
‫قصم كل جبار عنيد‪ ،‬وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أمة بعد فسادها‪ ،‬ي ا حذيف ة‬
‫لو لم يبق من الدنيا إال يوم واحد لط ول هللا ذل ك الي وم‪ ،‬ح تى يمل ك رج ل من أه ل‬
‫بي تي‪ ،‬تج ري المالحم على يدي ه‪ ،‬ويظه ر اإلس الم‪،‬ال يخل ف وع ده وه و س ريع‬
‫الحساب)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]236 :‬ـ عن ثوبان قال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬تجئ الراي ات الس ود‬
‫من قبل المشرق‪ ،‬كأن قل وبهم زب ر الحدي د‪ ،‬فمن س مع بهم‪ ،‬فلي أتهم فليب ايعهم‪ ،‬ول و‬
‫حبوا على الثلج)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]237 :‬ـ عن أبي هريرة قال‪:‬قال رسول هللا ‪( :‬يخرج رجل يق ال‬
‫له السفياني في عم ق دمش ق‪ ،‬وعام ة من يتبع ه من كلب‪ ،‬فيقت ل ح تى يبق ر بط ون‬
‫النساء ويقتل الصبيان‪ ،‬فتجم ع لهم قيس فيقتله ا‪ ،‬ح تى ال يمن ع ذنب تلع ة‪ ،‬ويخ رج‬
‫رجل من أهـل بيتي في الحرة‪ ،‬فيبلغ السفياني فيبعث إليه جن دا من جن ده فيه زمهم‪،‬‬
‫فيسير إلي ه الس فياني بمن مع ه‪ ،‬ح تى إذا ص ار ببي داء من األرض خس ف بهم‪ ،‬فال‬
‫ينجو منهم إال المخبر عنهم)(‪)5‬‬
‫[الحــديث‪]238 :‬ـ عن أبي س عيد الخ دري ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ي نزل‬
‫بأمتي في آخر الزمان بالء شديد من سلطانهم‪ ،‬لم يسمع بالء أشد منه‪ ،‬ح تى تض يق‬
‫عنهم األرض الرحب ة‪ ،‬وح تى يمأل األرض ج ورا وظلم ا‪ ،‬ال يج د الم ؤمن ملج أ‬
‫يلتجئ إليه من الظلم‪ ،‬فيبعث هللا ع ز وج ل رجال من ع ترتي‪ ،‬فيمأل األرض قس طا‬
‫وعدال‪ ،‬كم ا ملئت ظلم ا وج ورا‪ ،‬يرض ى عن ه س اكن الس ماء وس اكن األرض‪ ،‬ال‬
‫تدخر األرض من بذرها شيئا إال أخرجته‪ ،‬وال السماء من قطرها شيئا إال ص به هللا‬
‫عليهم مدرارا‪ ،‬يعيش فيهم سبع سنين أو ثمان أو تسعا‪ ،‬تتمنى األحياء األموات‪ ،‬مما‬
‫صنع هللا عز وجل بأهل األرض من خيره)(‪)6‬‬

‫‪ )(1‬رواه الطبراني في (األوسط‪ )3905( ،‬ونعيم (‪ )94‬وابن عساكر (‪)1/335‬‬


‫‪ )(2‬رواه أحمد (‪ ،)5/277/22746‬ونعيم بن حماد (‪ ،)896‬والحاكم (‪ ،)4/502/8578‬وأبو نعيم (‪)26‬‬
‫‪ )(3‬رواه أبو نعيم (‪)28‬‬
‫‪ )(4‬رواه أبو نعيم (‪)33‬‬
‫‪ )(5‬رواه الحاكم (‪ ،)4/520/8633‬وقال‪ :‬هذا حديث ص حيح اإلس ناد على ش رط الش يخين ولم يخرج اه وأق ره‬
‫الذهبي‪.‬‬
‫‪ )(6‬رواه الحاكم (‪ ،)4/465/8486‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح اإلسناد ولم يخرجاه‪ ،‬وقال الش يخ عبدهللا الغم اري‬
‫في كتابه(المهدي المنتظر)(ص‪:)20‬وذكر تصحيح الحاكم ثم قال‪:‬كذا قال مع أن إسناده ضعيف ولكن الحاكم صححه‬
‫‪75‬‬
‫[الحديث‪]239 :‬ـ عن أبي أمامة الباهـلي قال‪ :‬خطبن ا رس ول هللا ‪ ‬ـ وذك ر‬
‫الدجال ـ ـ ـ وقال‪ :‬فتنفي المدينة الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد‪ ،‬وي دعي ذل ك‬
‫اليوم يوم الخالص‪ ،‬فق الت أم ش ريك‪ :‬ي ا رس ول هللا ف أين الع رب يومئ ذ؟ ق ال‪ :‬هم‬
‫يومئذ قليل‪ ،‬وجلهم ببيت المقدس‪ ،‬وإمامهم المهدي رج ل ص الح‪ ،‬فبينم ا إم امهم ق د‬
‫تقدم يصلي بهم الصبح‪ ،‬إذ نزل عليهم عيس ى بن م ريم‪ ،‬فرج ع ذل ك اإلم ام ينكص‬
‫يمشي القهقري ليتقدم عيسى‪ ،‬فيضع عيسى يده بين كتفيه‪ ،‬ثم يقول له‪ :‬تق دم فص ل‪،‬‬
‫فإنها لك أقيمت‪ ،‬فيصلي بهم إمامهم)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]240 :‬ـ مجاهد قال حدثني فالن رجل من أص حاب الن بي ‪( :‬أن‬
‫المهدي ال يخرج حتى تقتل النفس الزكية‪ ،‬فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من‬
‫في السماء‪ ،‬ومن في األرض‪ ،‬فأتى الناس المهدي فزف وه‪ ،‬كم ا ت زف الع روس إلى‬
‫زوجه ا ليل ة عرس ها‪ ،‬وه و يمأل األرض قس طا وع دال‪ ،‬وتخ رج األرض نباته ا‪،‬‬
‫وتمطر السماء مطرها‪ ،‬وتنعم أمتي في واليته نعمة لم تنعمها قط)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]241 :‬ـ عن أبى أمامة قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬سيكون بينكم وبين‬
‫الروم أربع هدن‪ ،‬يوم الرابعة على يدي رجل من أهل هرقل‪ ،‬يدوم سبع سنين‪ ،‬فقال‬
‫له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن خيالن‪ :‬يا رسول هللا من إمام المسلمين‬
‫يومئذ؟ قال‪ :‬المهدي من ولدي‪ ،‬كأن وجهه كوكب دري‪ ،‬في خده األيمن خال أسود‪،‬‬
‫علي ه عباءت ان قطوانيت ان‪ ،‬يمل ك عش رين س نة‪ ،‬يس تخرج الكن وز‪ ،‬ويفتح م دائن‬
‫الشرك)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]242 :‬ـ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‪ :‬قال رس ول هللا‬
‫‪( :‬في ذي القعدة تجادب القبائل‪ ،‬وعامئذ ينهب الحاج فتكون ملحمة بمنى‪ ،‬فيك ثر‬
‫فيها القتلى‪ ،‬وتسفك فيها الدماء‪ ،‬حتى تسيل دماؤهم على عقبة الجمرة‪ ،‬ح تى يه رب‬
‫ص احبهم‪ ،‬في ؤتى ب ه‪ ،‬بين ال ركن والمق ام‪ ،‬فيب ايع وه و ك اره‪ ،‬ويق ال ل ه‪ :‬إن أبيت‬
‫ض ربنا عنق ك‪ ،‬فيبايع ه مث ل ع دة أه ل ب در‪ ،‬يرض ى عن ه س اكن الس ماء وس اكن‬
‫األرض)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]243 :‬ـ عن عوف بن مالك أن النبي ‪ ‬قال‪( :‬كيف أنت ي ا ع وف‬
‫إذا افترقت ه ذه األم ة على ثالث وس بعين فرق ة‪ ،‬واح دة في الجن ة‪ ،‬وس ائرهن في‬
‫النار؟)‪ ،‬قلت‪ :‬ومتى ذاك يا رسول هللا؟ قال‪( :‬إذا الغرم اء الش رط‪ ،‬وملكت اإلم اء‪،‬‬
‫بالنظر إلى كثرة الطرق وهو كذلك والزيادات في المتن من المستدرك‪.‬‬
‫‪ )(1‬رواه ابن ماجة (‪ ،)4077‬والروياني (‪ ،)1269‬والح اكم (‪ )4/536/8664‬وأب و نعيم (‪ )14‬ونعيم بن حم اد‬
‫في (الفتن‪ 1446( ،‬و‪ 1516‬و‪ )1589‬والطبراني في (الكبير)(‪ )8/146/7844‬وابن أبى عاص م في (الس نة)(‪)391‬‬
‫والكنجي في (البيان)(ص ‪99‬رقم ‪)47‬‬
‫‪ )(2‬رواه ابن أبى شيبة (‪)37653‬‬
‫‪ )(3‬رواه أبو نعيم (‪ ،)12‬والطبراني في الكبير( ‪ )8/101/7495‬ومسند الشاميين (‪ )1600‬ومن طريق ه الكنجي‬
‫في البيان (ص‪ 95‬رقم ‪)41‬‬
‫‪ )(4‬رواه نعيم بن حم اد (‪ ،)986‬والح اكم (‪ ،)4/503/8584‬ق ال الش يخ عب د هللا الغم اري في كتاب ه(ص‬
‫‪:)55‬إسناد حسن‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫وقعدت الحمالن على المنابر‪ ،‬واتخذوا القرآن مزامير‪ ،‬وزخرفت المساجد‪ ،‬ورفعت‬
‫المنابر‪ ،‬واتخذ الفيء دوال‪ ،‬والزكاة مغرما‪ ،‬واألمان ة مغنم ا‪ ،‬وتفق ه في ال دين لغ ير‬
‫هللا‪ ،‬وأطاع الرجل امرأته‪ ،‬وعق أم ه‪ ،‬وأقص ى أب اه‪ ،‬ولعن آخ ر ه ذه األم ة أوله ا‪،‬‬
‫وساد القبيلة فاس قهم وك ان زعيم الق وم أرذلهم‪ ،‬وأك رم الرج ل اتق اء ش ره‪ ،‬فيومئ ذ‬
‫يكون ذلك ويفزع الناس يومئ ذ إلى الش ام‪ ،‬نعص مهم من ع دوهم)‪ ،‬قلت‪ :‬وه ل يفتح‬
‫الشام؟ قال‪ :‬نعم وشيكا‪ ،‬ثم تقع الفتن بعد فتحها‪ ،‬ثم تجيء فتنة غبراء مظلمة‪،‬ثم يتبع‬
‫الفتن بعضها بعضا‪ ،‬حتى يخرج رجل من أهل بيتي‪ ،‬يقال له المه دي‪ ،‬ف إن أدركت ه‬
‫فاتبعه‪ ،‬وكن من المهتدين)(‪)1‬‬
‫ب ـ األحاديث الموقوفة على غيره‪:‬‬
‫وقد اعتبرنا أن لها حكم األحاديث المرفوع ة‪ ،‬ألن ه ال يمكن أن تق ال ب الرأي‬
‫المجرد‪ ،‬وقد ذكرناها بناء على كونها وردت في المص ادر الس نية‪ ،‬وله ا نظيراته ا‬
‫في المصادر الشيعية‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]244 :‬ـ عن اإلمام علي بن أبي طالب ق ال‪( :‬س تكون فتن ة يحص ل‬
‫الناس منها كما يحصل الذهب في المع دن‪ ،‬فال تس بوا أه ل الش ام‪ ،‬وس بوا ظلمتهم‪،‬‬
‫ف إن فيهم األب دال‪ ،‬وسيرس ل هللا إليهم س يبا من الس ماء فيغ رقهم‪ ،‬ح تى ل و ق اتلهم‬
‫الثعالب غلبتهم‪ ،‬ثم يبعث هللا عند ذلك رجال من عترة الرس ول ‪ ،‬في اث ني عش ر‬
‫ألفا إن قلوا‪ ،‬وخمسة عشرة ألف ا إن ك ثروا‪ ،‬إم ارتهم أي عالمتهم (أمت أمت)‪ ،‬على‬
‫ثالث رايات‪ ،‬يقاتلهم أهل سبع رايات‪ ،‬ليس من صاحب راية إال وهو يطمع بالملك‪،‬‬
‫فيقتتلون ويهزمون‪ ،‬ثم يظهر الهاشمي فيرد هللا إلى الناس ألفتهم ونعمتهم‪ ،‬فيكون ون‬
‫على ذلك حتى يخرج الدجال)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪]245 :‬ــ عن اإلم ام علي ق ال‪( :‬الفتن أرب ع فتن ة‪ ،‬الس راء وفتن ة‬
‫الضراء وفتنة كذا ‪ -‬فذكر معدن الذهب‪ -‬ثم يخرج رجل من عترة الن بي ‪ ‬يص لح‬
‫هللا على يديه أمرهم)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]246 :‬عن اإلمام علي قال‪( :‬ال يخرج المهدي حتى يبصق بعضكم‬
‫في وجه بعض)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]247 :‬عن اإلمام علي قال‪( :‬إذا نادى مناد من السماء إن الحق في‬
‫آل محمد‪ ،‬فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس‪ ،‬ويشربون حب ه‪ ،‬وال يك ون لهم‬
‫ذكر غيره)(‪)5‬‬
‫[الحــديث‪ ]248 :‬ـ عن أبي الجل د ق ال‪( :‬تك ون فتن ة بع دها فتن ة‪ ،‬األولى في‬
‫‪ )(1‬رواه الط براني (‪ ،)18/51/91‬ق ال الهيثمي في (المجم ع‪ :)7/323/12435( ،‬روى ابن ماج ة (‬
‫‪)3992‬طرفا من أوله‪،‬وفيه عبدالحميد بن إبراهيم وثقه ابن حبان‪.‬‬
‫‪ )(2‬رواه نعيم بن حماد (‪ ،)1013‬والح اكم (‪ ،)8701 /553 /4‬ق ال الح اكم‪ :‬ه ذا ح ديث ص حيح اإلس ناد ولم‬
‫يخرجاه‪ ،‬وأقره الذهبي‪ ،‬وقال الشيخ أحمد الغماري في(إبراز الوهم المكنون)(ص ‪ :)108‬هو إسناد صحيح‬
‫‪ )(3‬رواه نعيم بن حماد (‪)94‬‬
‫‪ )(4‬رواه نعيم (‪)960‬‬
‫‪ )(5‬رواه نعيم (‪)965‬‬
‫‪77‬‬
‫اآلخرة كثم رة الس وط يتبعه ا ذب اب الس يف‪ ،‬ثم تك ون بع د ذل ك فتن ة تس تحل فيه ا‬
‫المحارم كلها‪ ،‬ثم تأتي الخالفة خير أهل األرض‪ ،‬وهو قاعد في بيته)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]249 :‬عن عبد هللا بن عمرو قال‪( :‬يا أهل الكوفة‪ ،‬أنتم أسعد الناس‬
‫بالمه دي)(‪ ،)2‬وفي رواية عن س الم بن أبى الجع د ق ال‪:‬خرجن ا حجاج ا فجئت إلى‬
‫عبدهللا بن عمرو بن الع اص فق ال‪:‬ممن أنت ي ا رج ل؟ ق ال‪:‬قلت‪:‬من أه ل الع راق‪،‬‬
‫قال‪:‬فكن إذا من أهل الكوفة‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪:‬أنا منهم قال‪( :‬فإنهم أسعد الناس بالمهدي)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]250 :‬ـ عن أرطاة ق ال‪ :‬ي دخل الس فياني الكوف ة‪ ،‬فيس تبيحها ثالث ة‬
‫أي ام‪ ،‬ويقت ل من أهله ا س تين ألف ا‪ ،‬ثم يمكث فيه ا ثماني ة عش ر ليل ة يقس م أمواله ا‪،‬‬
‫ودخوله مكة بعدما يقاتل ال ترك وال روم بقرقيس يا‪ ،‬ثم ينفت ق عليهم من خلفهم فت ق‪،‬‬
‫فترجع طائفة منهم إلى خراسان‪ ،‬فيقتل خيل السفياني ويهدم الحصون‪ ،‬ح تى ي دخل‬
‫الكوفة ويطلب أهل خراسان‪ ،‬ويظهر بخراس ان ق وم ي دعون إلى المه دي‪ ،‬ثم يبعث‬
‫السفياني إلى المدينة‪ ،‬فيأخذ قوما من آل محمد ‪ ‬حتى ي رد بهم الكوف ة‪ ،‬ثم يخ رج‬
‫المهدي ومنصور من الكوفة هاربين‪ ،‬ويبعث السفياني في طلبهما‪ ،‬فإذا بلغ المه دي‬
‫ومنصور مكة نزل جيش السفياني البيداء فيخسف بهم‪ ،‬ثم يخرج المهدي حتى يم ر‬
‫بالمدينة‪ ،‬فيستنقذ من كان فيها من بني هاشم‪ ،‬وتقبل الرايات السود ح تى ت نزل على‬
‫الماء‪ ،‬فيبلغ من بالكوفة من أصحاب الس فياني ن زولهم‪ ،‬فيهرب ون‪ ،‬ثم ي نزل الكوف ة‬
‫حتى يستنقذ من فيها من بني هاشم‪ ،‬ويخرج قوم من سواد الكوفة‪ ،‬يقال لهم العصب‬
‫ليس معهم سالح إال قليل‪ ،‬وفيهم نفر من أهل البصرة‪ ،‬فيدركون أصحاب السفياني‪،‬‬
‫فيستنفذون ما في أيديهم من سبي الكوفة‪ ،‬وتبعث الرايات السود بالبيعة إلى المهدي)‬
‫(‪)4‬‬
‫[الحديث‪]251 :‬ـ عن أبي جعفر قال‪( :‬ثم يظهر المه دي بمك ة عن د العش اء‪،‬‬
‫ومعه راية رسول هللا ‪ ‬وقميصه وسيفه وعالمات ونور وبيان‪ ،‬فإذا صلى العشاء‬
‫نادى بأعلى صوته‪ ،‬يقول‪ :‬أذكركم هللا أيها الناس ومق امكم بين ي دي ربكم فق د اتخ ذ‬
‫الحجة وبعث األنبياء وأنزل الكت اب وأم ركم أن ال تش ركوا ب ه ش يئا وأن تح افظوا‬
‫على طاعت ه وطاع ة رس وله ‪،‬وأن تحي وا م ا أحي ا الق رآن‪ ،‬وتميت وا م ا أم ات‪،‬‬
‫وتكونوا أعوانا على الهدى‪ ،‬ووزراء على التقوى‪ ،‬فإن الدنيا قد دنا فناؤه ا وزواله ا‬
‫وأذنت بالوداع‪ ،‬ف إني أدع وكم إلى هللا وإلى رس وله والعم ل بكتاب ه وإمات ة الباط ل‬
‫وإحي اء س نته‪ ،‬فيظه ر في ثالثمائ ة وثالث ة عش ر رجال‪ ،‬ع دة أه ل ب در على غ ير‬
‫ميعاد‪ ،‬قزعا كقزع الخري ف‪ ،‬رهب ان باللي ل أس د بالنه ار‪ ،‬فيفتح هللا للمه دي أرض‬
‫الحجاز‪ ،‬ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم‪ ،‬وتنزل الرايات السود الكوفة‬
‫فيبعث بالبيعة إلى المهدي‪ ،‬ويبعث المهدي جنوده في اآلفاق‪ ،‬ويميت الجور وأهل ه‪،‬‬
‫‪ )(1‬رواه ابن أبى شيبة (‪)37754‬‬
‫‪ )(2‬رواه ابن سعد (‪ ،)6/10‬وابن أبى شيبة (‪)37643‬‬
‫‪)(3‬ابن سعد في (طبقاته)(‪ )6/10‬والداني في (سننه)(‪)578‬‬
‫‪ )(4‬رواه نعيم بن حماد (‪)893‬‬
‫‪78‬‬
‫البلدان)(‪)1‬‬ ‫وتستقيم له‬
‫[الحـــديث‪]252 :‬ـــ عن عب د هللا بن مس عود ق ال‪( :‬إذا انقطعت التج ارات‬
‫والطرق‪ ،‬وكثرت الفتن‪ ،‬خرج سبعة رجال علماء من أف ق ش تى على غ ير ميع اد‪،‬‬
‫يب ايع لك ل رج ل منهم ثالثمائ ة وبض عة عش ر رجال‪،‬ح تى يجتمع وا بمك ة فيلتقي‬
‫السبعة‪ ،‬فيقول بعضهم لبعض‪:‬ما جاء بكم؟ فيقولون‪:‬جئنا في طلب هذا الرج ل ال ذي‬
‫ينبغي أن تهدأ على يديه هذه الفتن‪ ،‬قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأمه وحليت ه‪ ،‬فيتف ق‬
‫السبعة على ذلك‪ ،‬فيطلبونه فيصيبونه بمكة فيقولون له‪:‬أنت فالن بن فالن؟ فيقول‪:‬ال‬
‫بل أنا رجل من األنص ار‪ ،‬ح تى يفلت منهم فيص فونه أله ل الخ برة والمعرف ة ب ه‪،‬‬
‫فيقال‪:‬هو صاحبكم الذي تطلبونه وقد لحق بالمدينة‪ ،‬فيطلبونه بالمدين ة فيخ الفهم إلى‬
‫مكة‪ ،‬فيطلبونه بمكة فيصيبونه‪ ،‬فيقول ون‪:‬أنت فالن بن فالن وأم ك فالن ة بنت فالن‬
‫وفيك آية كذا وكذا وقد أفلت منا مرة فم د ي دك نبايع ك فيق ول‪ :‬لس ت بص احبكم أن ا‬
‫فالن بن فالن األنصاري مروا بنا أدلكم على صاحبكم‪ ،‬ح تى يفلت منهم‪ ،‬فيطلبون ه‬
‫بالمدين ة فيخ الفهم إلى مك ة‪ ،‬فيص يبونه بمك ة عن د ال ركن فيقول ون‪ :‬إثمن ا علي ك‪،‬‬
‫ودماؤنا في عنقك إن لم تمد يدك نبايعك‪ ،‬هذا عسكر الس فياني ق د توج ه في طلبن ا‪،‬‬
‫عليهم رجل من ج رم‪ ،‬فيجلس بين ال ركن والمق ام‪ ،‬فيم د ي ده‪ ،‬فيب ايع ل ه‪ ،‬ويلقي هللا‬
‫محبته في صدور الناس‪ ،‬فيسير مع قوم أسد بالنهار‪ ،‬رهبان بالليل)(‪)2‬‬

‫‪ )(1‬رواه نعيم(‪.)999‬‬
‫‪ )(2‬رواه نعيم(‪)1000‬‬
‫‪79‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫أئمة الهدى وأوصافهم في المصادر الشيعية‬
‫وهي أح اديث كث يرة ج دا يوض ح فيه ا أئم ة اله دى المع اني والمص اديق‬
‫المرتبطة بما ورد في المصادر الس نية من الح ديث عن الع ترة الط اهرة وأدواره ا‬
‫في حفظ دين األمة ووحدتها‪ ،‬وس المتها من الفتن والتحري ف‪ ،‬والمس تقبل المش رق‬
‫الذي ينتظرها‪ ،‬واألدوار التي عليها القيام بها تمهيدا لذلك‪.‬‬
‫ويمكننا أن نقول جازمين‪ ،‬أن هذه األحاديث ال تي س نوردها‪ ،‬وال تي ال ن رى‬
‫مثلها في تراث أي مذهب من المذاهب هي وحدها من يعطي التفسير ال واقعي لتل ك‬
‫األحاديث النبوية‪ ،‬وإال كانت مجرد نبوءات ووصايا ليس لها أي سند واقعي‪.‬‬
‫فكل هذه األح اديث ال تي س نوردها تؤك د أن أئم ة اله دى من الع ترة النبوي ة‬
‫الطاهرة‪ ،‬وكلهم يدعون إلى تحكيم اإلسالم في كل شؤون الحياة‪ ،‬ابتداء من الج انب‬
‫السياسي‪ ،‬وكلهم قدموا التضحيات في سبيل ذلك‪ ،‬وكلهم واجهوا التحري ف بمختل ف‬
‫أشكاله‪ ،‬وكلهم واجهوا ما واجهه األنبياء من التشويه والمنحرفين والغالة‪.‬‬
‫وهم بذلك ينطب ق عليهم قول ه تع الى‪َ ﴿ :‬و َج َع ْلنَ ا ِم ْنهُ ْم أَئِ َّمةً يَ ْه ُدونَ بِأ ْم ِرن ا ل َّما‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صبَرُوا َو َك انُوا بِآيَاتِنَ ا يُوقِنُ ونَ ﴾ [الس جدة‪]24 :‬؛ وال تي تجم ع بين العلم والتض حية‬ ‫َ‬
‫التي تدعو إلى الصبر‪.‬‬
‫وعن دما نطب ق تل ك المق اييس على أئم ة الفق ه والعقائ د والتفس ير والح ديث‬
‫وغيرها‪ ،‬والذين كان لهم أتباع كثيرون‪ ،‬ال نجد تلك المصاديق تنطبق عليهم‪ ،‬وب أي‬
‫ص ورة من الص ور‪ ،‬ألن أك ثرهم‪ ،‬أو كلهم ك انوا م داهنين لحك امهم‪ ،‬ولم يكون وا‬
‫يفكرون أبدا في حاكمية اإلسالم على جميع شؤون الحياة‪ ،‬باإلض افة إلى أنهم ك انوا‬
‫منشغلين بتالميذهم عن أداء األدوار الدعوية التي قام بها األئم ة‪ ،‬وال تي وف رت لهم‬
‫عداوة الحكام‪ ،‬حتى حصل لهم ما عبر عنه اإلمام الحسن بقوله عند استش هاد وال ده‬
‫أن هذا األمر يملك ه اثن ا عش ر إمام ا ً‬ ‫اإلمام علي‪( :‬وهللا لقد عهد إلينا رسول هللا ‪ّ ‬‬
‫ل(‪)2())1‬‬ ‫من ولد علي وفاطمة‪ ،‬ما منا إال مسمو ٌم أو مقتو ٌ‬
‫وفي الح ديث عن رس ول هللا ‪ ‬أن ه ق ال‪( :‬م ازلت أن ا ومن ك ان قبلي من‬

‫‪ )(1‬قال الصدوق في اعتقاداته‪( :‬اعتقادنا في النبي ‪ ‬أنه ُس ّم في غزاة خيبر‪ ،‬فما زالت هذه األكلة تعاوده ح تى‬
‫قطّعت أبهره فمات منها‪ ،‬واإلمام علي قتل ه عب د ال رحمن بن ملجم لعن ه هللا‪ ،‬ودفن ب الغري‪ ،‬والحس ن بن علي س ّمته‬
‫امرأته جعدة بنت‪ ،‬والحسين بن علي قُتل بكربالء‪ ،‬وعلي بن الحس ين س يد العاب دين (ع) س ّمه الولي د بن عب د المل ك‬
‫فقتله‪ ،‬والباقر محمد بن اإلمام علي س ّمه إبراهيم بن الوليد فقتله‪ ،‬والصادق جعفر بن محمد س ّمه أبو جعف ر المنص ور‬
‫فقتله‪ ،‬وموسى بن جعفر س ّم ه هارون الرشيد فقتله‪ ،‬والرضا علي بن موسى قتله المأمون بالس ّم‪ ،‬وأبو جعفر محمد بن‬
‫علي الثاني قتله المعتصم بالس ّم‪ ،‬وعلي بن محمد قتله المتو ّكل بالس ّم‪ ،‬والحسن بن اإلم ام علي قتل ه المعتض د بالس ّم)‪،‬‬
‫نقال عن‪ :‬بحار األنوار‪.27/215 :‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،27/217 :‬والكفاية‪.‬‬
‫‪80‬‬
‫النبيين والمؤمنين مبتلين بمن يؤذين ا‪ ،‬ول و ك ان الم ؤمن على رأس جب ل لقيّض هللا‬
‫ل له من يؤذيه ليأجره على ذلك)(‪)1‬‬
‫َ‬ ‫ع ّز وج ّ‬
‫بن اء على ه ذا نح اول في ه ذا المبحث جم ع م ا ن راه مقب وال من األح اديث‬
‫المرفوع ة إلى رس ول هللا ‪ ‬أو الموقوف ة على أئم ة اله دى‪ ،‬وال تي تش ير إلى‬
‫النواحي التالية‪:‬‬
‫األولى‪ :‬األدل ة النقلي ة والعقلي ة على ك ون أئم ة اله دى هم المص اديق ال ذين‬
‫أوصى بهم رسول هللا ‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬وظائف األئمة وأدوارهم في األمة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬صفات األئمة التي أتاحت لهم أن يكونوا أهال لإلمامة‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬اإلم ام المه دي ووظائف ه في تص حيح مس ار األم ة‪ ،‬وس ر ت أخر‬
‫ظهوره‪.‬‬
‫أوال ـ األدلة النقلية والعقلية على إمامة أئمة الهدى‪:‬‬
‫من خالل اس تقراء م ا ورد في األح اديث المنقول ة عن أئم ة اله دى‪ ،‬نج د‬
‫استعمالهم لنوعين من األدلة‪:‬‬
‫األول‪ :‬األدلة النقلي ة‪ ،‬باعتب ار اإلمام ة أم را ديني ا محض ا‪ ،‬ال يمكن التع رف‬
‫عليه من دون وروده في النصوص المقدسة القرآنية أو النبوية؛ وله ذا ن رى اهتم ام‬
‫أئمة الهدى ببيان أدلتها وبراهينها من خالل الرجوع إلى القرآن الكريم‪ ،‬أو ما روي‬
‫عن رسول هللا ‪ ‬إما مباشرة‪ ،‬أو موقوفا عليهم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬األدلة العقلية‪ ،‬وهي محاولة تقريب مع اني اإلمام ة من خالل م ا تق ر‬
‫ب ه الفط رة الس ليمة‪ ،‬أو م ا تس لم ل ه العق ول‪ ،‬وق د اس تعملوا ه ذا الن وع من األدل ة‬
‫خصوص ا في ال وقت ال ذي ابت دأ في ه علم الكالم‪ ،‬وأس اليب المتكلمين في ط رح‬
‫القضايا العقدية‪.‬‬
‫بناء على هذا سنورد هنا ما روي عنهم من ذلك‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ األدلة النقلية‪:‬‬
‫ويمكن تصنيفها إلى صنفين‪ :‬القرآن الكريم‪ ،‬وما ورد في األح اديث النبوي ة‪،‬‬
‫والروايات الواردة عن أئمة الهدى‪ ،‬وسنورد ما ورد فيهما من األحاديث فيما يلي‪:‬‬
‫أ ـ األدلة المستنبطة من القرآن الكريم‪.‬‬
‫اهتم أئم ة اله دى باالس تدالل ب القرآن الك ريم بن اء على م ا يذكرون ه من أن‬
‫المصاديق القرآني ة أعظم من أن تنحص ر في بيئ ة مح ددة‪ ،‬أو زم ان مح دد‪ ،‬وأنه ا‬
‫شاملة لكل زمان ومك ان‪ ،‬وله ذا ن راهم يس تخرجون من القص ص الق رآني وغ يره‬
‫المعاني الواقعية الكثيرة‪.‬‬
‫ومن هذا الب اب م ا روي عنهم من األح اديث ال تي ت برهن على اإلمام ة من‬
‫خالل القرآن الك ريم‪ ،‬س واء ك انت مرفوع ة إلى رس ول هللا ‪ ،‬أو ك انت موقوف ة‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،27/209 :‬والعلل‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫عليهم‪ ،‬وه و م ا لم يفهم ه المخ الفون لهم‪ ،‬حيث أنهم يتوهم ون أن األدل ة القرآني ة‬
‫لإلمامة تعني أن ينص الق رآن الك ريم على أس ماء األئم ة‪ ،‬ووظ ائفهم‪ ،‬وه ذا م ا ال‬
‫يمكن أن يكون‪ ،‬ولو أنه حصل لما وقع الخالف في اإلمامة‪ ،‬وال في مصاديقها‪.‬‬
‫ذلك أن االختبار اإللهي للبش ر إنم ا يك ون في تقري ر الحق ائق‪ ،‬وبي ان أدلته ا‬
‫وحججها‪ ،‬دون التفاصيل المرتبطة بها‪ ،‬ألن ذلك مجال البيان النبوي‪ ،‬فمن أق ر ب ه‪،‬‬
‫وسلم له‪ ،‬وصل إلى تلك التفاصيل‪ ،‬ومن جحده‪ ،‬أو نفر منه‪ ،‬لم يصل إليها‪.‬‬
‫ومث ال ذل ك الص الة وك ل الش عائر التعبدي ة؛ فمن طلب علمه ا وكيفيته ا من‬
‫خالل القرآن الكريم لم يصل إلى شيء‪ ،‬ولم يصل في حياته ركع ة واح دة‪ ،‬لكن ه إن‬
‫سلم للنبوة‪ ،‬وعاد إليها في معرفة كيفية الصالة استطاع أن يطبق ذلك األم ر اإللهي‬
‫بشأنها‪.‬‬
‫ولهذا؛ فإن أخطر مقولة وقعت في اإلسالم تل ك المقول ة ال تي تق ول‪( :‬حس بنا‬
‫كتاب هللا)‪ ،‬وال تي ح ذر منه ا رس ول هللا ‪ ،‬وبين ع واقب المعرض ين عن ه وعن‬
‫سنته‪ ،‬كما أوردنا أدلة ذلك في الفصل الثاني من هذا الكتاب‪.‬‬
‫بناء على هذا سنذكر هنا بعض األحاديث الدال ة على م ا يمكن اس تنباطه من‬
‫القرآن الكريم بشأن اإلمامة‪ ،‬فمنها‪:‬‬
‫[الحديث‪]253 :‬ـ ما روي أنه لما نزلت هذه اآلي ة‪ ﴿ :‬قُ لْ هُ َو ْالقَ ا ِد ُر َعلَى أَ ْن‬
‫ْض ُك ْم‬‫ق بَع َ‬ ‫ت أَرْ ُجلِ ُك ْم أَوْ يَ ْلبِ َس ُك ْم ِش يَعًا َويُ ِذي َ‬
‫ث َعلَ ْي ُك ْم َع َذابًا ِم ْن فَ وْ قِ ُك ْم أَوْ ِم ْن تَحْ ِ‬ ‫يَ ْب َع َ‬
‫ت لَ َعلَّهُ ْم يَ ْفقَهُونَ ﴾ [األنعام‪ ،]65 :‬ق ام الن بي ‪‬‬ ‫صرِّ فُ اآْل يَا ِ‬ ‫ْض ا ْنظُرْ َك ْيفَ نُ َ‬ ‫س بَع ٍ‬ ‫بَأْ َ‬
‫فتوضأ وضوءه‪ ،‬ثم قام وصلّى فأحسن صالته‪ ،‬ثم سأل هللا سبحانه أن ال يبعث على‬
‫أمته عذابا ً من فوقهم وال من تحت أرجلهم‪ ،‬وال يلبسهم شيعا وال يذيق بعضهم ب أس‬
‫إن هللا تعالى سمع مقالتك‪ ،‬وأنه‬ ‫بعض‪ ،‬فنزل جبرائيل عليه السالم‪ ،‬فقال‪( :‬يا محمد‪ّ ،‬‬
‫ق د أج ارهم من خص لتين‪ ،‬ولم يج رهم من خص لتين‪ :‬أج ارهم من أن يبعث عليهم‬
‫ع ذابا ً من ف وقهم أو من تحت أرجلهم‪ ،‬ولم يج رهم من الخص لتين األخ ريين‪ ،‬فق ال‬
‫‪ :‬يا جبريل‪ ،‬فما بقاء أمتي مع قتل بعضهم بعضا؟‪ ،‬فقام وعاد إلى الدعاء‪ ،‬فنزل‪:‬‬
‫ب النَّاسُ أَ ْن يُ ْت َر ُكوا أَ ْن يَقُولُ وا آ َمنَّا َوهُ ْم اَل يُ ْفتَنُ ونَ (‪َ )2‬ولَقَ ْد فَتَنَّا الَّ ِذينَ‬ ‫﴿الم (‪ )1‬أَ َح ِس َ‬
‫ص َدقُوا َولَيَ ْعلَ َم َّن ْال َكا ِذبِينَ ﴾ [العنكب وت‪ ،]3 - 1 :‬فق ال‪:‬‬ ‫ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم فَلَيَ ْعلَ َم َّن هَّللا ُ الَّ ِذينَ َ‬
‫ألن ال وحي‬ ‫(ال ب ّد من فتنة تبتلي بها األمة بع د نبيه ا‪ ،‬ليت بين الص ادق من الك اذب‪ّ ،‬‬
‫انقطع‪ ،‬وبقي السيف وافتراق الكلمة إلى يوم القيامة)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]254 :‬ـ قال اإلمام الباقر‪ :‬دعا رسول هللا ‪ ‬بطهور‪ ،‬فلما فرغ أخذ‬
‫بيد اإلمام علي فألزمها يده ثم قال‪ ﴿ :‬إِنَّ َما أَ ْنتَ ُم ْن ِذ ٌر﴾‪ ،‬ثم ض ّم يده إلى ص دره وق ال‪:‬‬
‫﴿ َولِ ُك ِّل قَ وْ ٍم هَ ا ٍد ﴾‪ ،‬ثم ق ال‪( :‬ي ا علي‪ ،‬أنت أص ل ال دين‪ ،‬ومن ار اإليم ان‪ ،‬وغاي ة‬
‫ر المحجّلين‪ ،‬أشه ُد لك بذلك)(‪)2‬‬ ‫الهدى‪ ،‬وقائد الغ ّ‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،88/ 9 :‬وتفسير الكلبي‪.‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،23/3 :‬وبصائر الدرجات ص‪.10‬‬
‫‪82‬‬
‫[الحــديث‪ ]255 :‬ـ عن اإلم ام الب اقر عن رس ول هللا ‪ ‬في ق ول هللا تع الى‪:‬‬
‫﴿ إِنَّ َم ا أَ ْنتَ ُم ْن ِذ ٌر َولِ ُك لِّ قَ وْ ٍم هَ ا ٍد ﴾ [الرع د‪( :]7 :‬رس ول هللا ‪ ‬المن ذر‪ ،‬وعلي‬
‫الهادي)‪ ،‬قال اإلمام الباقر‪( :‬وهللا ما ذهبت منا وما زالت فينا إلى الساعة) (‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]256 :‬ـ قال النبي ‪( :‬في ك ّل خلف من أمتي عد ٌل من أهل بي تي‪،‬‬
‫وإن‬‫ينفي عن ه ذا ال دين تحري ف الغ الين‪ ،‬وانتح ال المبطلين‪ ،‬وتأوي ل الج اهلين‪ّ ،‬‬
‫أئمتكم وف دكم إلى هللا‪ ،‬ف انظروا من توف دون في دينكم وص التكم)(‪ ،)2‬ق ال اإلم ام‬
‫(وإن أئمتكم ق ادتكم إلى هللا‪ ،‬ف انظروا بمن تقت دون في‬ ‫ّ‬ ‫الصادق بعد روايته الحديث‪:‬‬
‫دينكم وصالتكم)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]257 :‬ـ قال اإلمام الباقر في قول هللا تعالى‪ ﴿ :‬إِنَّ َما أَ ْنتَ ُم ْن ِذ ٌر َولِ ُك لِّ‬
‫قَوْ ٍم هَا ٍد ﴾ [الرعد‪( :]7 :‬المنذر في كل زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبي هللا‪،‬‬
‫ثم الهداة من بعده علي‪ ،‬ثم األوصياء واحدا بعد واحد) (‪)4‬‬
‫[الحديث‪]258 :‬ـ سئل اإلمام الصادق عن قول هللا تبارك وتعالى‪ ﴿ :‬إِنَّ َما أَ ْنتَ‬
‫ل قَوْ ٍم هَا ٍد ﴾ [الرعد‪ ،]7 :‬فقال‪( :‬كل إمام هاد للقرن الذي هو فيهم) (‪)5‬‬ ‫ُم ْن ِذ ٌر َولِ ُك ِّ‬
‫[الحديث‪]259 :‬ـ سئل اإلمام الصادق عن قول هللا تبارك وتعالى‪ ﴿ :‬إِنَّ َما أَ ْنتَ‬
‫ُم ْن ِذ ٌر َولِ ُك ِّل قَوْ ٍم هَا ٍد ﴾ [الرعد‪ ،]7 :‬فقال‪( :‬رسول هللا المن ذر‪ ،‬وعلي اله ادي‪ ،‬ي ا أب ا‬
‫محمد فهل منا هاد اليوم؟ قلت‪ :‬بلى جعلت فداك‪ ،‬ما زال فيكم هاد من بعد هاد ح تى‬
‫رفعت إليك‪ ،‬فقال‪( :‬رحمك هللا يا أبا محمد‪ ،‬ولو ك انت إذا ن زلت آي ة على رج ل ثم‬
‫مات ذلك الرجل ماتت اآلية مات الكت اب‪ ،‬ولكن ه حي يج ري فيمن بقي كم ا ج رى‬
‫فيمن مضى) (‪)6‬‬
‫ُ‬
‫[الحــديث‪ ]260 :‬ـ ق ال اإلم ام الب اقر في ق ول هللا تع الى‪َ ﴿ :‬و ِم َّم ْن َخلَ ْقنَ ا أ َّمةٌ‬
‫ق َوب ِه يَ ْع ِدلُونَ ﴾ [األعراف‪( :]181 :‬هم االئمة عليهم السالم) (‪)7‬‬
‫يَ ْه ُدونَ بِ ْال َح ِّ ِ‬
‫[الحديث‪]261 :‬ـ قال اإلمام الصادق‪( :‬لم تخلو االرض من ذ ك انت من حج ة‬
‫ُطفِئُ وا نُ و َر هَّللا ِ‬ ‫عالم يحيي فيها ما يميتون من الحق) ثم تال ه ذه اآلي ة‪ ﴿ :‬ي ُِري ُدونَ لِي ْ‬
‫ور ِه َولَوْ َك ِرهَ ْ‬
‫ال َكافِرُونَ ﴾ [الصف‪)8( )]8 :‬‬
‫بِأ َ ْف َوا ِه ِه ْم َوهَّللا ُ ُمتِ ُّم نُ ِ‬
‫[الحديث‪ ]262 :‬سئل اإلمام الباقر‪ :‬الي شئ يحتاج الناس إلى النبي واالمام؟‬
‫فقال‪( :‬لبق اء الع الم على ص الحه‪ ،‬وذل ك أن هللا ع ز وج ل يرف ع الع ذاب عن أه ل‬
‫االرض إذا ك ان فيه ا ن بي أو إم ام‪ ،‬ق ال هللا عزوج ل‪َ ﴿ :‬م ا َك انَ هَّللا ُ لِيُ َع ِّذبَهُ ْم َوأَ ْنتَ‬
‫فِي ِه ْم ﴾ [األنفال‪ ،]33 :‬وقال النبي ‪( :‬النجوم أمان الهل السماء‪ ،‬وأهل بيتي أم ان‬
‫‪ )(1‬بصائر الدرجات‪.10 :‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،23/30 :‬وقرب اإلسناد ص‪.37‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،23/30 :‬وإكمال الدين ص‪.128‬‬
‫‪ )(4‬بصائر الدرجات‪ 9 :‬و‪.10‬‬
‫‪ )(5‬بصائر الدرجات‪.10 :‬‬
‫‪ )(6‬بصائر الدرجات‪.10 :‬‬
‫‪ )(7‬بصائر الدرجات‪.11 :‬‬
‫‪ )(8‬اكمال الدين‪.128 :‬‬
‫‪83‬‬
‫الهل االرض‪ ،‬فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السمآء ما يكره ون وإذا ذهب أه ل بي تى‬
‫أتى أه ل االرض م ا يكره ون)‪ ،‬يع ني بأه ل بيت ه األئم ة ال ذين ق رن هللا عزوج ل‬
‫ول َوأُولِي اأْل َ ْم ِر‬ ‫طاعتهم بطاعته فقال‪﴿ :‬يَاأَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا أَ ِطيعُوا هَّللا َ َوأَ ِطيعُوا الر ُ‬
‫َّس َ‬
‫ِم ْن ُك ْم﴾ [النساء‪ ،]59 :‬وهم المعصومون المطه رون ال ذين ال ي ذنبون وال يعص ون‪،‬‬
‫وهم المؤيدون الموفقون المس ددون‪ ،‬بهم ي رزق هللا عب اده‪ ،‬وبهم يعم ر بالده‪ ،‬وبهم‬
‫ينزل القطر من السماء‪ ،‬وبهم تخ رج برك ات االرض‪ ،‬وبهم يمه ل أه ل المعاص ي‬
‫وال يعج ل عليهم بالعقوب ة والع ذاب‪ ،‬ال يف ارقهم روح الق دس وال يفارقون ه‪ ،‬وال‬
‫يفارقون القرآن وال يفارقهم صلوات هللا عليهم أجمعين) (‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]263 :‬ـ سأل اإلمام علي رسول هللا ‪ :‬يا رسول هللا أمنا اله داة أم‬
‫من غيرن ا؟ ق ال‪( :‬ال‪ ،‬ب ل من ا اله داة إلى ي وم القيام ة بن ا اس تنقذهم هللا من ض اللة‬
‫الشرك‪ ،‬وبنا يستنقذهم هللا من ضاللة الفتن ة‪ ،‬وبن ا يص بحون إخوان ا بع د الض اللة‪،‬‬
‫كما بنا اصبحوا اخوانا بعد ضاللة الشرك‪ ،‬وبنا يختم هللا كما بنا يفتح)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]264 :‬ـ قال اإلمام الصادق‪( :‬إن جبرئيل نزل على محمد ‪ ‬يخ بر‬
‫عن ربه عزوجل فقال له‪( :‬يا محمد لم أترك االرض إال وفيها عالم يع رف ط اعتي‬
‫وهداي‪ ،‬ويكون نجاة فيما بين قبض النبي إلى خ روج الن بي اآلخ ر‪ ،‬ولم أكن أت رك‬
‫إبليس يضل الناس‪ ،‬وليس في االرض حجة وداع إلي‪ ،‬وه اد إلى س بيلي‪ ،‬وع ارف‬
‫ب أمري‪ ،‬وإني ق د قض يت لك ل ق وم هادي ا أه دي ب ه الس عداء‪ ،‬ويك ون حج ة على‬
‫االشقياء) (‪)3‬‬
‫[الحــديث‪ ]265 :‬ـ قي ل لإلم ام الص ادق‪ :‬ي ا ابن رس ول هللا‪ ..‬كي ف ص ارت‬
‫اإلمامة في ول د الحس ين دون الحس ن‪ ،‬وهم ا جميع ا ً ول دا رس ول هللا ‪ ‬وس بطاه‪،‬‬
‫(إن موس ى وه ارون عليهم ا الس الم كان ا نب يين‬ ‫وسيدا شباب أه ل الجن ة؟‪ ..‬فق ال‪ّ :‬‬
‫مرسلين أخوين‪ ،‬فجع ل هللا النب وة في ص لب ه ارون دون ص لب موس ى‪ ،‬ولم يكن‬
‫وإن اإلمام ة خالف ة هللا ع ّز وج لّ‪ ،‬ليس ألح د أن‬ ‫ألحد أن يقول‪ :‬لِ َم فعل هللا ذلك؟‪ّ ..‬‬
‫ألن هللا ه و الحكيم في‬ ‫يقول‪ :‬لِ َم جعله ا هللا في ص لب الحس ين دون ص لب الحس ن‪ّ ،‬‬
‫أفعاله‪ ،‬ال ي ُسأل عما يفعل وهم ي ُسألون)(‪)4‬‬
‫ب ـ األدلة من الحديث والروايات‪:‬‬
‫وهي كثيرة‪ ،‬وكلها تدل على ضرورة وجود األئمة‪ ،‬وفي كل العصور‪ ،‬سواء‬
‫ك انوا من الظ اهرين ال ذين يمكن التواص ل الحس ي معهم‪ ،‬أو من الغ ائبين‪ ،‬وال ذين‬
‫يكتفى بالتواصل الروحي‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]266 :‬ـ ما يدل على أن اإلمامة بالنص‪ ،‬ونص الحديث هو أن ه لم ا‬
‫كان النبي ‪ ‬يعرض نفسه على القبائل‪ ،‬ج اء إلى ب ني كالب فق الوا‪( :‬نبايع ك على‬
‫‪ )(1‬علل الشرائع‪.52 :‬‬
‫‪ )(2‬اكمال الدين‪.134 :‬‬
‫‪ )(3‬علل الشرايع‪.76 :‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،23/70 :‬والخصال ‪.1/146‬‬
‫‪84‬‬
‫أن يكون لنا األمر بعدك‪ ،‬فق ال‪( :‬األم ر هلل ف إن ش اء ك ان فيكم‪ ،‬وك ان في غ يركم‪،‬‬
‫فمضوا ولم يبايعوه وقالوا‪( :‬ال نضرب لحربك بأسيافنا‪ ،‬ثم تح ّكم علينا غيرنا !‪)1().‬‬
‫[الحديث‪ ]267 :‬ـ قال النبي ‪َ ( :‬من استعمل غالما ً في عصابة فيها من ه و‬
‫أرضى هلل منه فقد خان هللا)(‪)2‬‬

‫[الحديث‪]268 :‬ـ قال رسول هللا ‪( :‬إنما مثل أهل بيتي في هذه االمة كمثل‬
‫نجوم السماء‪ ،‬كلما غاب نجم طلع نجم)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]269 :‬قال اإلمام علي‪( :‬اللهم إنك ال تخلي االرض من قائم بحجة‪،‬‬
‫إما ظاهر‪ ،‬أو خائف مغمور‪ ،‬لئال تبطل حججك وبيناتك) (‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]270 :‬ـ قال اإلمام علي في خطبة له على من بر الكوف ة‪( :‬اللهم إن ه‬
‫البد الرضك من حجة لك على خلقك‪ ،‬يهديهم إلى دينك‪ ،‬ويعلمهم علمك‪ ،‬لئال تبط ل‬
‫حجتك وال يضل تبع أولياءك بعد إذ هديتهم به إم ا ظ اهر ليس بالمط اع‪ ،‬أو مكتتم‪،‬‬
‫أو مترقب إن غاب من الناس شخص ه في ح ال ه دنتم ف إن علم ه وآداب ه في قل وب‬
‫المؤمنين مثبتة‪ ،‬فهم بها عاملون) (‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]271 :‬ـ قال اإلمام علي في خطبة خطبه ا بالكوف ة‪( :‬اللهم الب د ل ك‬
‫من حجج في أرضك‪ ،‬حج ة بع د حج ة على خلق ك يه دونهم إلى دين ك‪ ،‬ويعلم ونهم‬
‫علمك‪ ،‬لئال يتفرق أتباع أوليائ ك‪ ،‬ظ اهر غ ير مط اع‪ ،‬أو مكتتم خ ائف ي ترقب‪ .‬إن‬
‫غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم في دول ة الباط ل فلن يغيب عنهم مبث وث‬
‫علمهم وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة وهم بها عاملون‪ ،‬يأنسون بما يستوحش منه‬
‫المكذبون‪ ،‬ويأباه المسرفون باهلل‪ ،‬كالم يكال بال ثمن‪ ،‬من كان يسمعه يعقل ه فيعرف ه‬
‫ويؤمن به ويتبعه وينهج نهجه فيصلح به)‪ ،‬ثم قال‪( :‬فمن هذا ولهذا ي أرز العلم إذ لم‬
‫يوجد حملة يحفظونه ويؤدونه كما يسمعونه من العالم)‪ ،‬ثم قال بع د كالم طوي ل في‬
‫هذه الخطبة‪( :‬اللهم وإني ألعلم أن العلم ال يأرز كله وال ينقطع مواده‪ ،‬فإنك ال تخلي‬
‫أرضك من حجة على خلقك‪ ،‬إما ظاهر مطاع أو خائف مغم ور ليس بمط اع‪ ،‬لكيال‬
‫تبطل حجتك‪ ،‬ويضل أولياؤك بعد إذ هديتهم) (‪)6‬‬
‫[الحديث‪]272 :‬ـ قال اإلم ام الص ادق‪( :‬إن هللا عزوج ل أج ل وأعظم من أن‬
‫يترك االرض بغير إمام)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]273 :‬ـ عن نعمان الرازي قال‪ :‬كنت أنا وبشير الدهان عن د اإلم ام‬
‫الصادق‪ ،‬فقال‪( :‬لما انقضت نبوة آدم وانقطع أكله أوحى هللا عزوجل إليه‪ :‬أن ي ا آدم‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،23/75 :‬والمناقب ‪.1/221‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،23/75 :‬والمناقب ‪.1/221‬‬
‫‪ )(3‬اكمال الدين‪.164 :‬‬
‫‪ )(4‬اكمال الدين‪.171 :‬‬
‫‪ )(5‬اكمال الدين‪.176 :‬‬
‫‪ )(6‬غيبة النعمانى‪ 67 ،‬و‪.68‬‬
‫‪ )(7‬بصائر الدرجات‪.143 :‬‬
‫‪85‬‬
‫قد انقضت نبوتك‪ ،‬وانقطع أكل ك ف انظر إلى م ا عن دك من العلم وااليم ان وم يراث‬
‫النبوة وأثرة العلم واالسم االعظم فاجعله في العقب من ذريتك عند هبة هللا‪ ،‬ف إني لم‬
‫أدع االرض بغير عالم يعرف به طاعتي وديني‪ ،‬ويكون نجاة لمن أطاعه) (‪)1‬‬
‫[الحديث‪]274 :‬ـ قال اإلمام الصادق‪( :‬المنذر رسول هللا ‪ ،‬واله ادي أم ير‬
‫﴿ولِ ُك ِّل قَ وْ ٍم هَ ا ٍد﴾ [الرع د‪ ]7 :‬في‬
‫المؤمنين بعده واالئمة عليهم السالم‪ ،‬وهو قول ه‪َ :‬‬
‫كل زمان إمام هاد مبين‪ ،‬وهو رد على من ينك ر أن في ك ل عص ر وزم ان إمام ا‪،‬‬
‫وأنه ال يخلو االرض من حجة‪ ،‬كما ق ال أم ير المؤم نين‪ :‬ال يخل و االرض من ق ائم‬
‫بحجة هللا‪ ،‬إما ظاهر مشهور‪ ،‬وإما خائف مغمور‪ ،‬لئال تبطل حجج هللا وبيناته)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]275 :‬ـ قال اإلمام علي‪( :‬اللهم ال تخلو االرض من حج ة ل ك على‬
‫خلقك ظاهر أو خافي مغمور لئال تبطل حججك وبيناتك)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪ ]276 :‬ـ س ئل اإلم ام الص ادق‪ :‬تبقى االرض بال ع الم حي ظ اهر‬
‫يفرغ إليه الناس في حاللهم وحرامهم؟ فقال‪( :‬إذا ال يعبد هللا) (‪)4‬‬
‫[الحديث‪]277 :‬ـ سئل اإلم ام الص ادق‪ :‬تبقى االرض بغ ير إم ام؟ ق ال‪( :‬ل و‬
‫بقيت االرض بغير إمام ساعة لساخت)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]278 :‬ـ قال اإلمام الصادق‪( :‬إن هللا ال يدع االرض إال وفيه ا ع الم‬
‫يعلم الزيادة والنقصان؛ فإذا زاد المؤمنون شيئا ردهم‪ ،‬وإذا نقصوا أكمله لهم‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫خذوه كامال‪ ،‬ولوال ذلك اللتبس على المؤمنين أمرهم ولم يفرق بين الحق والباط ل)‬
‫(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]279 :‬ـ قال اإلمام الصادق‪( :‬ل و ك ان الن اس رجلين لك ان أح دهما‬
‫اإلمام)‪ ،‬وقال‪( :‬إن آخر من يموت اإلمام لئال يحتج أح دهم على هللا عزوج ل ترك ه‬
‫بغير حجة)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪]280 :‬ـ قال اإلمام الباقر‪( :‬وهللا م ا ت رك االرض من ذ قبض هللا آدم‬
‫إال وفيها إمام يهتدى له إلى هللا‪ ،‬وهو حج ة هللا على عب اده‪ ،‬وال تبقى االرض بغ ير‬
‫حجة هلل على عباده) (‪)8‬‬
‫[الحــديث‪]281 :‬ـ ق ال اإلم ام الب اقر‪( :‬ال تبقى االرض بغ ير إم ام ظ اهر أو‬
‫باطن) (‪)9‬‬
‫[الحديث‪ ]282 :‬قال اإلمام الصادق‪( :‬وهللا ما ترك هللا االرض منذ قبض آدم‬

‫‪ )(1‬المحاسن‪.235 :‬‬
‫‪ )(2‬تفسير القمى‪.336 :‬‬
‫‪ )(3‬علل الشرائع‪.76 :‬‬
‫‪ )(4‬علل الشرايع‪.76 ،‬‬
‫‪ )(5‬علل الشرايع‪.76 ،‬‬
‫‪ )(6‬علل الشرايع‪.76 ،‬‬
‫‪ )(7‬علل الشرايع‪.76 ،‬‬
‫‪ )(8‬علل الشرايع‪.76 :‬‬
‫‪ )(9‬علل الشرايع‪.76 :‬‬
‫‪86‬‬
‫إال وفيها إمام يهتدى ب ه إلى هللا عزوج ل وه و حج ة هللا عزوج ل على العب اد‪ ،‬من‬
‫تركه هلك‪ ،‬ومن لزمه نجا حقا على هللا عزوجل) (‪)1‬‬
‫[الحديث‪]283 :‬ـ ق ال اإلم ام الص ادق‪( :‬إن هللا عزوج ل لم ي دع االرض إال‬
‫وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان في االرض‪ ،‬وإذا زاد المؤمنون ش يئا ردهم‪ ،‬وإذا‬
‫نقصوا أكمله لهم‪ ،‬فقال‪ :‬خذوه كامال‪ ،‬ولوال ذلك اللتبس على المؤمنين امورهم‪ ،‬ولم‬
‫يفرقوا بين الحق والباطل) (‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]284 :‬ـ قال اإلمام الباقر‪( :‬إن عليا عالم هذه االمة‪ ،‬والعلم يت وارث‬
‫وليس يهلك منا أحد إال ترك من أهل بيتي من يعلم مثل علمه‪ .‬أو ما شاء هللا) (‪)3‬‬
‫[الحديث‪]285 :‬ـ قال اإلم ام الب اقر‪( :‬إن العلم ال ذي اهب ط م ع آدم لم يرف ع‪،‬‬
‫والعلم يتوارث‪ ،‬وكل شئ من العلم وآثار الرسل واالنبياء لم يكن من أهل هذا البيت‬
‫وهو باطل‪ ،‬وإن عليا عالم هذه االمة وإنه لن يموت منا عالم إال خل ف من بع ده من‬
‫يعلم مثل علمه‪ ،‬أو ما شاء هللا) (‪)4‬‬
‫[الحديث‪]286 :‬ـ قال اإلمام الصادق‪( :‬إن العلم الذي ان زل م ع آدم لم يرف ع‪،‬‬
‫وما مات منا عالم إال ورث علمه إن االرض ال تبقى بغير عالم) (‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]287 :‬ـ عن أبي عبيدة ق ال‪ :‬قلت لإلم ام الص ادق‪ :‬جعلت ف داك إن‬
‫سالم بن أبي حفص ة يلق اني فيق ول لي‪ :‬ألس تم ت روون أن ه من م ات وليس ل ه إم ام‬
‫فموتته موتة جاهلية؟ فأقول له‪ :‬بلى‪ ،‬فيق ول" ق د مض ى اإلم ام الب اقر‪ ،‬فمن إم امكم‬
‫اليوم؟ فأكره ـ جعلت فداك ـ أن أقول له‪ :‬جعفر‪ ،‬فأقول‪ :‬أئمتي آل محم د ‪ ،‬فيق ول‬
‫لي‪ :‬ما أراك صنعت شيئا‪ ،‬فق ال‪ :‬ويح س الم بن أبي حفص ة‪ ،‬لعن ه هللا‪ ،‬وه ل ي دري‬
‫سالم ما منزلة االمام؟ إن منزلة االمام أعظم مما يذهب إليه سالم والن اس أجمع ون‪،‬‬
‫فانه لن يهلك منا إمام قط إال ترك من بعده من يعلم مثل علمه‪ ،‬ويسير مث ل س يرته‪،‬‬
‫ويدعو إلى مثل ال ذي دع ا إلي ه فإن ه لم يمن ع هللا م ا أعطى داود أن أعطى س ليمان‬
‫أفضل منه)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]288 :‬ـ قال اإلمام الصادق‪( :‬ما زالت االرض إال وهلل تعالى ذك ره‬
‫فيه ا حج ة يع رف الحالل والح رام‪ ،‬وي دعو إلى س بيل هللا‪ ،‬وال تنقط ع الحج ة من‬
‫االرض إال أربعين يوما قبل يوم القيامة‪ ،‬ف إذا رفعت الحج ة أغل ق ب اب التوب ة وال‬
‫ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحج ة‪ ،‬اولئ ك ش رار من خل ق هللا‪،‬‬
‫وهم الذين يقوم عليهم القيامة)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪]289 :‬ـ قال اإلم ام الس جاد‪( :‬نحن أئم ة المس لمين‪ ،‬وحجج هللا على‬
‫‪ )(1‬علل الشرايع‪ 76 :‬و‪ ،77‬اكمال الدين‪.133 :‬‬
‫‪ )(2‬علل الشرايع‪.77 :‬‬
‫‪ )(3‬اكمال الدين‪.129 :‬‬
‫‪ )(4‬اكمال الدين‪.129 :‬‬
‫‪ )(5‬اكمال الدين‪.129 :‬‬
‫‪ )(6‬اكمال الدين‪.129 :‬‬
‫‪ )(7‬اكمال الدين‪.129 :‬‬
‫‪87‬‬
‫العالمين‪ ،‬وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجلين‪ ،‬وموالي المؤمنين‪ ،‬ونحن أمان أهل‬
‫االرض كما أن النجوم أمان الهل السماء‪ ،‬ونحن الذين بنا يمسك هللا الس ماء أن تق ع‬
‫على االرض إال باذنه‪ ،‬وبنا يمسك االرض أن تميد بأهلها‪ ،‬وبن ا ي نزل الغيث‪ ،‬وبن ا‬
‫ينشر الرحمة‪ ،‬ويخرج بركات االرض‪ ،‬ولوال ما في االرض من ا لس اخت بأهله ا)‪،‬‬
‫ثم ق ال‪( :‬ولم تخ ل االرض من ذ خل ق هللا آدم من حج ة هللا فيه ا ظ اهر مش هور أو‬
‫غائب مستور‪ ،‬وال تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة هللا فيه ا‪ ،‬ول وال ذل ك لم يعب د‬
‫هللا)‪ ،‬قال سليمان‪ :‬فقلت للصادق‪ :‬فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المس تور؟ ق ال‪:‬‬
‫(كما يتفعون بالشمس إذا سترها السحاب) (‪)1‬‬
‫‪ 2‬ـ األدلة العقلية‪:‬‬
‫مع إن اإلمامة قضية ديني ة محض ة‪ ،‬واألدل ة عليه ا نص ية نقلي ة إال أن أئم ة‬
‫اله دى‪ ،‬ك انوا ي دعون أتب اعهم إلى اس تعمال األس اليب العقلي ة والكالمي ة لتقريبه ا‬
‫للعقول‪ ،‬خاصة في األزمنة التي وجد فيها هذا الن وع من ال براهين‪ ،‬ومن األح اديث‬
‫الواردة في هذا‪:‬‬
‫[الحديث‪]290 :‬ـ سئل اإلمام الرضا‪ :‬لم جع ل اولي االم ر‪ ،‬وأم ر بط اعتهم؟‬
‫فقال‪( :‬لعلل كثيرة‪ ،‬منها أن الخلق مما وقفوا على حد محدود‪ ،‬وأم روا أن ال يتع دوا‬
‫ذلك الحد لما في ه من فس ادهم لم يكن يثبت ذل ك وال يق وم إال ب أن يجع ل عليهم في ه‬
‫أمين ا‪ ،‬يأخ ذهم ب الوقف عن دما أبيح لهم ويمنعهم من التع دى وال دخول فيم ا خط ر‬
‫عليهم‪ ،‬ألنه لو لم يكن ذلك كذلك لكان أحد ال يترك لذته ومنفعته لفساد غيره‪ ،‬فجعل‬
‫عليه قيما يمنعهم من الفساد‪ ،‬ويقيم فيهم الحدود واالحك ام‪ ..‬ومنه ا أن ا ال نج د فرق ة‬
‫من الفرق وال ملة من الملل بقوا وعاشوا إال بقيم ورئيس لم ا الب د لهم من ه في أم ر‬
‫الدين والدنيا‪ ،‬فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مم ا يعلم أن ه الب د لهم من ه‪،‬‬
‫وال ق وام لهم إال ب ه‪ ،‬فيق اتلون ب ه ع دوهم ويقس مون ب ه ف يئهم‪ ،‬ويقيم لهم جمعتهم‬
‫وجماعتهم‪ ،‬ويمنع ظالمهم من مظلومهم‪ ..‬ومنها أنه لو لم يجعل لهم إماما قيما أمين ا‬
‫حافظا مستودعا لدرست الملة‪ ،‬وذهب ال دين وغ يرت الس نة واالحك ام‪ ،‬ول زاد في ه‬
‫المبتدعون‪ ،‬ونقص منه الملحدون‪ ،‬وشبهوا ذلك على المسلمين‪ ،‬النا قد وجدنا الخلق‬
‫منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختالفهم واختالف أه وائهم‪ ،‬وتش تت أنح ائهم‪،‬‬
‫فلو لم يجع ل لهم قيم ا حافظ ا لم ا ج اء ب ه الرس ول فس دوا على م ا بين ا‪ ،‬وغ يرت‬
‫الشرائع والسنن واالحكام وااليمان‪ ،‬وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين) (‪)2‬‬
‫[الحديث‪]291 :‬ـ وهو حديث طويل ي دل على ض رورة اإلمام ة من الناحي ة‬
‫العقلية الواقعية‪ ،‬ونص الحديث هو أنه كان عند اإلمام الصادق جماعة من أص حابه‬
‫فيهم هشام بن الحكم‪ ،‬وحمران بن أعين‪ ،‬ومؤمن الطاق‪ ،‬وهشام بن س الم‪ ،‬والطي ار‬
‫وجماعة من أص حابه فيهم هش ام بن الحكم‪ ،‬وه و ش اب‪ ،‬فق ال اإلم ام الص ادق‪ :‬ي ا‬

‫‪ )(1‬اكمال الدين‪ 119 :‬و‪ ،120‬أمالى الصدوق‪.112 :‬‬


‫‪ )(2‬عيون االخبار‪ :249 :‬علل الشرائع ‪.95‬‬
‫‪88‬‬
‫هشام‪ ،‬قال‪ :‬لبيك يا بن رسول هللا‪ ،‬قال‪ :‬أال تح ّدثني كيف صنعت بعم رو بن عبي د؟‪،‬‬
‫وكيف سألته؟‪ ،‬قال هشام‪ :‬جعلت فداك ي ا بن رس ول هللا‪ ،‬إني أُجلّ ك وأس تحييك وال‬
‫يعمل لساني بين يديك‪ ،‬فقال اإلمام الص ادق‪ :‬ي ا هش ام‪ ،‬إذا أم رتكم بش يء ف افعلوه‪،‬‬
‫قال هشام‪ :‬بلغني ما كان في ه عم رو بن عبي د وجلوس ه في مس جد البص رة‪ ،‬وعظُم‬
‫ذلك عل ّي فخرجت إليه ودخلت البصرة في يوم الجمعة‪ ،‬فأتيت مسجد البصرة‪ ،‬ف إذا‬
‫أنا بحلقة كبيرة‪ ،‬وإذا أنا بعمرو بن عبيد علي ه ش ملةٌ س وداء متّ ز ٌر به ا من ص وف‬
‫وشملةٌ مرتد بها والناس يسألونه‪ ،‬فاستفرجت الناس فافرجوا لي‪ ،‬ثم قع دت في آخ ر‬
‫القوم على ركبتي ثم قلت‪ :‬أيها العالم‪ ،‬أنا رج ٌل غريبٌ تأذن لي فأسألك عن مس ألة؟‪،‬‬
‫فقال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت له‪ :‬ألك عين؟‪ ،‬قال‪ :‬يا بني‪ ،‬أي شيء هذا من السؤال؟‪ ،‬فقلت‪ :‬هك ذا‬
‫مسألتي‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا بني‪ ،‬سل وإن كانت مسألتك حمقا‪ ،‬فقلت‪ :‬أجبني فيها‪ ،‬فقال لي‪ :‬سل‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬ألك عين؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬فما ترى بها؟‪ ،‬قال‪ :‬األلوان واألشخاص‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬ألك أنف؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬فما تصنع بها؟‪ ،‬قال‪ :‬أتشمم بها الرائحة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ألك فم؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬وما تصنع به؟‪ ،‬قال‪ :‬أعرف به طعم األشياء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ألك لسان؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬وما تص نع ب ه؟‪ ،‬ق ال‪ :‬أتكلّم ب ه‪ .‬قلت‪ :‬أل ك‬
‫أذن؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬وما تصنع بها؟‪ ،‬قال‪ :‬أسمع بها األصوات‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ألك يد؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬وما تصنع بها؟‪ ،‬قال‪ :‬أبطش بها‪ ،‬وأعرف به ا‬
‫اللين من الخشن‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أل ك رجالن؟‪ ،‬ق ال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬م ا تص نع بهم ا؟‪ ،‬ق ال‪ :‬أنتق ل بهم ا من‬
‫مكان إلى مكان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ألك قلب؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬وما تصنع ب ه؟‪ ،‬ق ال‪ :‬أميّ ز ب ه ك ّل م ا ورد‬
‫على هذه الجوارح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أفليس في ه ذه الج وارح غ ن ًى عن القلب؟‪ ،‬ق ال‪ :‬ال‪ ،‬قلت‪ :‬وكي ف ذل ك‬
‫وهي صحيحة سليمة؟‬
‫ّ‬
‫إن الجوارح إذا شكت في شيء ش ّمته أو رأته أو ذاقت ه أو س معته‬ ‫قال‪ :‬يا بني ّ‬
‫أو لمسته ردته إلى القلب‪ ،‬فيس تيقن اليقين ويبط ل الش ك‪ ،‬فقلت‪ :‬إنم ا أق ام هللا القلب‬
‫ك الجوارح؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬فالب ّد من القلب وإال لم يستقم الجوارح؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫لش ّ‬
‫إن هللا تع الى ذك ره لم ي ترك جوارح ك ح تى جع ل له ا‬ ‫فقلت‪ :‬يا أبا مروان‪ّ ،‬‬
‫إمام ا ً يص حّح له ا الص حيح‪ ،‬وينفي م ا ش ككت في ه‪ ،‬وي ترك ه ذا الخل ق كلهم في‬
‫حيرتهم وش ّكهم واختالفهم‪ ،‬ال يقيم لهم إماما ً ير ّدون إليهم ش ّكهم وحيرتهم‪ ،‬ويقيم ل ك‬
‫إماما لجوارحك تر ّد إليه حيرتك وشكك؟‪ ،‬فسكت ولم يقل شيئاً‪.‬‬
‫ثم التفت إل ّي فق ال‪ :‬أنت هش ام؟‪ ،‬فقلت‪ :‬ال‪ ،‬فق ال لي‪ :‬أجالس ته؟‪ ،‬فقلت‪ :‬ال‪،‬‬
‫فق ال‪ :‬فمن أين أنت؟‪ ،‬قلت‪ :‬من أه ل الكوف ة‪ ،‬ق ال‪ :‬ف أنت إذاً ه و‪ ،‬ثم ض ّمني إلي ه‬
‫وأقعدني في مجلسه‪ ،‬وما نطق حتى قمت‪.‬‬
‫‪89‬‬
‫فضحك اإلمام الصادق ثم قال‪ :‬يا هشام‪َ ،‬من علّمك هذا؟‪ ،‬فقلت‪ :‬يا بن رس ول‬
‫هللا‪ ،‬ج رى على لس اني‪ ،‬ق ال‪ :‬ي ا هش ام‪ ،‬ه ذا وهللا مكت وب في ص حف إب راهيم‬
‫وموسى(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]292 :‬ـ عن يونس بن يعقوب قال‪ :‬كنت عند اإلم ام الص ادق ف ورد‬
‫رائض‪ ،‬وق د جئت لمن اظرة‬ ‫ٍ‬ ‫كالم وفق ٍه وف‬
‫عليه رج ٌل من الش ام فق ال‪ :‬إني ص احب ٍ‬
‫أص حابك‪ ،‬فق ال ل ه اإلم ام الص ادق‪ :‬كالم ك ه ذا من كالم رس ول هللا ‪ ‬أو من‬
‫عن دك؟‪ ،‬فق ال‪ :‬من كالم رس ول هللا بعض ه‪ ،‬ومن عن دي بعض ه‪ ،‬فق ال ل ه اإلم ام‬
‫الصادق‪ :‬فأنت إذاً شريك رسول هللا ‪‬؟‪ ،‬قال‪ :‬ال‪.‬‬
‫قال‪ :‬فسمعتَ الوحي عن هللا؟‪ ،‬قال‪ :‬ال‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول هللا ‪‬؟‪ ،‬قال‪ :‬ال‪.‬‬
‫خَصم نفسه قبل أن يتكلم‪.‬‬
‫َ‬ ‫فالتفت إل ّي اإلمام الصادق فقال‪ :‬يا يونس‪ ،‬هذا‬
‫ثم قال‪ :‬يا يونس‪ ،‬لو كنت تحسن الكالم كلمته‪.‬‬
‫قال يونس‪ :‬فيا له ا من حس رة‪ ،‬فقلت‪ :‬جعلت ف داك‪ ،‬س معتك تنهى عن الكالم‬
‫وتقول‪ :‬وي ٌل ألصحاب الكالم يقولون‪ :‬هذا ينقاد وهذا ال ينقاد‪ ،‬وهذا ينس اق وه ذا ال‬
‫ينساق‪ ،‬وهذا نعقله وهذا ال نعقله‪ ،‬فقال اإلمام الصادق‪ :‬إنم ا قُلت‪ :‬وي ٌل لق وم ترك وا‬
‫قولي ب الكالم وذهب وا إلى م ا يري دون ب ه‪ ،‬ثم ق ال‪ :‬اخ رج إلى الب اب من ت رى من‬
‫المتكلمين ْ‬
‫فأدخله‪.‬‬
‫فخرجت فوجدت [جماعة من المتكلمين سماهم]‪ ،‬فأدخلتهم عليه‪ ،‬فلم ا اس تق ّر‬
‫بنا المجلس‪ ،‬أخرج اإلمام الصادق رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخبّ ‪ ،‬قال‪ :‬هشام‬
‫أن هش اما رج ل من ول د عقي ل ك ان ش ديد المحب ة لإلم ام‬ ‫وربّ الكعبة‪ ،‬وكنا ظنن ا ّ‬
‫الصادق‪ ،‬فإذا هشام بن الحكم قد ورد وهو أول ما اختطت لحيته‪ ،‬وليس فين ا إال من‬
‫هو أكبر سنا منه‪ ،‬فوسّع له اإلمام الصادق وقال له‪ :‬ناصرنا بقلبه ويده ولسانه‪.‬‬
‫ثم قال الشامي لهشام‪ :‬يا غالم‪ ،‬سلني في إمامة هذا ـ يع ني اإلم ام الص ادق ـ‬
‫فغضب هشام حتى ارتعد‪ ،‬ثم قال ل ه‪ :‬أخ برني ي ا ه ذا‪ ،‬أربُّك أنظ ر لخلق ه أم خلُق ه‬
‫ألنفسهم؟‪ ،‬فقال الشامي‪ :‬بل ربي أنظر لخلقه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫قال‪ :‬ففعل بنظره لهم في دينهم ماذا؟‪ ،‬قال‪ :‬كلفهم وأق ام لهم حج ة ودليال على‬
‫ما كلّفهم‪ ،‬وأزاح في ذلك عللهم‪ ،‬فقال له هشام‪ :‬فما هذا الدليل الذي نصبه لهم؟‬
‫قال الشامي‪ :‬هو رسول هللا‪ ،‬قال هشام‪ :‬فبعد رسول هللا ‪َ ‬من؟‬
‫قال‪ :‬الكتاب والسنّة‪ ،‬فقال هشام‪ :‬فهل نفعنا اليوم الكت اب والس نة فيم ا اختلفن ا‬
‫فيه‪ ،‬حتى رفَع عنا االختالف ومكنّنا من االتفاق؟‪ ،‬فقال الشامي‪ :‬نعم‪ ،‬قال هشام‪ :‬فلِ َم‬
‫أن ال رأي طري ق ال دين‪ ،‬وأنت‬ ‫اختلفنا نحن وأنت‪ ،‬جئتنا من الشام فخالفتن ا وت زعم ّ‬
‫ّ‬
‫مق ٌّر بأن الرأي ال يجمع على القول الواحد المختلفين؟‪ ،‬فسكت الشامي كالمفكر‪.‬‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،23/8 :‬وإكمال الدين ص‪ ،120‬العلل ص‪ ،75‬أمالي الصدوق ص‪.351‬‬


‫‪90‬‬
‫فقال اإلمام الصادق‪ :‬ما لك ال تتكلم؟‪ ،‬ق ال‪ :‬إن قلتَ ‪ :‬إن ا م ا اختلفن ا ك ابرت‪،‬‬
‫إن الكتاب والسنّة يرفعان عنا االختالف أبطلتَ ‪ ،‬ألنهما يحتمالن الوجوه‪،‬‬ ‫وإن قلتَ ‪ّ :‬‬
‫ً‬
‫ق‪ ،‬فل ْم ينفعنا إذا الكتاب والس نّة‪ ،‬ولكن‬ ‫وإن قلتَ ‪ :‬قد اختلفنا وك ّل واحد منا ي ّدعي الح ّ‬
‫لي عليه مثل ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫فقال له اإلمام الصادق‪ :‬سله تجده مليّا‪ ،‬فقال الشامي لهشام‪َ :‬من أنظ ر للخل ق‬
‫ربهم أم أنفسهم؟‪ ،‬فقال‪ :‬بل ربهم أنظ ُر لهم‪ ،‬فق ال الش امي‪ :‬فه ل أق ام لهم من يجم ع‬
‫كلمتهم‪ ،‬ويرفع اختالفهم‪ ،‬ويبيّن لهم حقهم من باطلهم؟‪ ،‬فقال هشام‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال الشامي‪َ :‬من ه و؟‪ ،‬ق ال هش ام‪ :‬أم ا في ابت داء الش ريعة فرس ول هللا ‪،‬‬
‫وأما بعد النبي ‪ ‬فغيره‪ ،‬قال الشامي‪َ :‬من هو غير الن بي الق ائم مقام ه في حجّت ه؟‪،‬‬
‫قال هشام‪ :‬في وقتنا هذا أم قبله؟‬
‫قال الشامي‪ :‬بل في وقتنا هذا‪ ،‬قال هشام‪ :‬هذا الج الس يع ني اإلم ام الص ادق‬
‫الذي نش ّد إليه الرحال‪ ،‬ويخبرنا بأخبار السماء وراثة عن أبّ عن ج ّد‪.‬‬
‫قال الشامي‪ :‬وكيف لي بعلم ذلك؟‬
‫فقال هشام‪ :‬سله ما بدا لك‪ ،‬قال‪ :‬قطعت عذري‪ ،‬فعل ّي السؤال‪.‬‬
‫فقال اإلمام الصادق‪ :‬أنا أكفيك المسألة يا شامي‪ ،‬أُخبركَ عن مسيرك وسفرك‬
‫خرجت يوم كذا‪ ،‬وكان طريقك كذا‪ ،‬ومررت على كذا‪ ،‬وم ّر بك كذا‪ ،‬فأقبل الش امي‬
‫كلما وصف له شيئا ً من أمره يقول‪ :‬صدقت وهللا(‪.)1‬‬
‫[الحديث‪]293 :‬ـ عن ابن حازم قال‪ :‬قلت لإلمام الصادق‪ :‬إني ن اظرت قوم ا‬
‫فقلت‪ :‬ألستم تعلم ون أن رس ول هللا ‪ ‬ه و الحج ة من هللا على الخل ق؟ فحين ذهب‬
‫رسول هللا ‪ ‬من كان الحجة من بعده؟ فقالوا‪ :‬القرآن‪ ،‬فنظرت في القرآن ف إذا ه و‬
‫يخاصم فيه المرجى والحروري والزنذيق الذي ال يؤمن حتى يغلب الرجل خصمه‪،‬‬
‫فعرفت أن القرآن ال يكون حجة إال بقيم‪ ،‬ما قال فيه من شئ كان حقا‪ ،‬قلت‪ :‬فمن قيم‬
‫القرآن؟ قالوا‪ :‬قد كان عبدهللا بن مسعود وفالن وفالن وفالن يعلم‪ ،‬قلت‪ :‬كله؟ ق الوا‪:‬‬
‫ال فلم أجد أحدا يقال‪ :‬إنه يعرف ذلك كله إال علي بن أبي طالب‪ ،‬وإذا كان الشئ بين‬
‫القوم وقال هذا‪ :‬ال أدري‪ ،‬وقال ه ذا‪ :‬ال أدري‪ ،‬وق ال ه ذا‪ :‬ال أدري‪ ،‬وق ال ه ذا‪ :‬ال‬
‫أدري؛ فأش هد أن علي بن أبي ط الب ك ان قيم الق رآن‪ ،‬وك انت طاعت ه مفروض ة‪،‬‬
‫وكان حجة بعد رسول هللا ‪ ‬على الناس كلهم‪ ،‬وإنه م ا ق ال في الق رآن فه و ح ق‪،‬‬
‫فقال‪ :‬رحمك هللا‪ ،‬فقبلت رأس ه‪ ،‬وقلت‪ :‬إن علي بن أبي ط الب لم ي ذهب حيث ت رك‬
‫حجة من بع ده كم ا ت رك رس ول هللا ‪ ‬حج ة من بع ده‪ ،‬وإن الحج ة من بع د علي‬
‫الحسن بن علي‪ ،‬وأشهد على الحسن بن علي أنه كان الحجة وأن طاعت ه مفترض ة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬رحمك هللا فقبلت رأسه وقلت‪ :‬أشهد على الحس ن بن علي ان ه لم ي ذهب ح تى‬
‫ترك حجة من بعده كما ترك رسول هللا ‪ ‬وأبوه‪ ،‬وأن الحجة بع د الحس ن الحس ين‬
‫بن علي‪ ،‬وكانت طاعته مفترض ة‪ ،‬فق ال‪ :‬رحم ك هللا‪ ،‬فقبلت رأس ه‪ ،‬وقلت‪ ،‬وأش هد‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،23/13 :‬واالحتجاج ص‪.198‬‬
‫‪91‬‬
‫على الحسين بن علي أنه لم يذهب ح تى ت رك حج ة من بع ده وأن الحج ة من بع ده‬
‫علي بن الحس ين‪ ،‬وك انت طاعت ه مفترض ة‪ ،‬فق ال‪ :‬رحم ك هللا فقبلت رأس ه وقلت‪:‬‬
‫وأشهد على علي بن الحسين أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده‪ ،‬وأن الحج ة من‬
‫بع ده محم د بن علي أب وجعفر‪ ،‬وك انت طاعت ه مفترض ة فق ال‪ :‬رحم ك هللا‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫أصلحك هللا أعطني رأسك‪ ،‬فقبلت رأسه‪ ،‬فضحك‪ ،‬فقلت‪ :‬أص لحك هللا ق د علمت أن‬
‫أباك لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك أب وه‪ ،‬فأش هد باهلل أن ك أنت الحج ة‬
‫من بعده‪ ،‬وأن طاعتك مفترضة‪ ،‬فقال‪ :‬كف رحمك هللا‪ ،‬قلت‪ :‬أعط ني رأس ك أقبل ه‪،‬‬
‫فضحك قال‪ :‬سلني عما شئت فال أنكرك بعد اليوم أبدا)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]294 :‬ـ قال اإلمام الباقر‪ّ :‬‬
‫(إن َمن دان هللا بعبادة يجهد فيها نفسه بال‬
‫ّ‬
‫إمام عادل من هللا ضا ٌّل متحير‪ ،‬و َمثَله ك َمثَل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها فتاهت‬
‫ذاهبة وجائية يومها‪ ،‬فلم ا أن جنّه ا اللي ل بص رت بقطي ع غنم م ع راعيه ا فج اءت‬
‫إليه ا‪ ،‬فب اتت معه ا في ربض ها‪ ..‬فلم ا أن س اق ال راعي قطيع ه أنك رت راعيه ا‬
‫وقطيعها‪ ،‬فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها‪ ،‬فبصرت بسرح قطي ع غنم آخ ر‬
‫ك‪ ،‬فإن ك تائه ة‬‫فعم دت نحوه ا وحنّت إليه ا‪ ،‬فص اح به ا ال راعي‪ :‬إلحقي بقطيع ِ‬
‫ت عن راعي ك وقطيع ك‪ ،‬فهجمت ذع رةً متح يرةً‪ ،‬ال راعي له ا‬ ‫متح يرة‪ ،‬ق د ض لل ِ‬
‫يرش دها إلى مرعاه ا أو ير ّده ا‪ ..‬فبين ا هي ك ذلك إذا اغتنم ال ذئب ض يعتها فأكله ا‪،‬‬
‫وهكذا يا محمد بن مسلم‪َ ..‬من أصبح من هذه األمة ال إمام ل ه من هللا ع ادل‪ ،‬أص بح‬
‫تائها ً متحيراً)(‪)2‬‬
‫ثانيا ـ وظائف األئمة‪:‬‬
‫مع ك ثرة النص وص ال واردة في المص ادر الحديثي ة عن ض رورة اإلمام ة‪،‬‬
‫وأدوارها المختلفة إال أن التدليس والتأويل الذي مارس ته الفئ ة الباغي ة‪ ،‬ح ول منه ا‬
‫إلى مجرد أحاديث عاطفية‪ ،‬ال جدوى وال أثر لها في الواقع؛ بل ربما كان أثرها فيه‬
‫سلبيا باستغالل بعض أدعياء االنتساب إلى رسول هللا ‪ ‬تلك النسبة الشريفة ألج ل‬
‫مصالحه الشخصية في الجاه والمال‪.‬‬
‫ولهذا اضطر أئمة الهدى إلى توضيح معاني تلك النصوص‪ ،‬وأن المراد منها‬
‫أعمق من أن يك ون محص ورا في تل ك الج وانب‪ ،‬ب ل إن رس ول هللا ‪ ‬ي دعو من‬
‫خاللها إلى حفظ الدين واألمة‪ ،‬وذلك عبر اتب اع اله داة ال ذين يرثون ه ويخلفون ه‪ ،‬ال‬
‫النتسابهم لرسول هللا ‪ ‬فقط‪ ،‬وإنما لتوفرهم على كل ما تقتضيه اإلمامة لذلك‪.‬‬
‫ومن خالل استقراء ما ورد حول وظائف األئمة من أدوار‪ ،‬نجد ثالث ة أدوار‬
‫كبرى مهمة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫أوال ـ حفظ الدين من التحري ف والتب ديل والتغي ير‪ ،‬ح تى ال يق ع ل ه م ا وق ع‬
‫لسائر األديان‪ ،‬وهو ما سنختصر الحديث عنه هنا‪ ،‬ألن كل أج زاء السلس لة تح اول‬

‫‪ )(1‬علل الشرايع‪.75 :‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،23/87 :‬والمحاسن ص‪.92‬‬
‫‪92‬‬
‫أن تبين أدوار أئمة الهدى في ذلك‪.‬‬
‫ثانيا ـ حفظ وحدة األم ة من التص دع‪ ،‬ألن اإلم ام يت ولى ك ل ش ؤون األم ة‪،‬‬
‫ويمثل وحدتها السياسية كأمة واحدة‪ ،‬مثلما كان في عهد رسول هللا ‪.‬‬
‫ثالثا ـ تحقيق الحاكمية اإللهية‪ ..‬فأئمة اله دى ال يكتف ون ببي ان حق ائق ال دين‪،‬‬
‫وإنم ا يس عون إلى تنفي ذها في الواق ع‪ ،‬ع بر تحقي ق الحاكمي ة اإللهي ة في جمي ع‬
‫الشؤون‪.‬‬
‫وسنذكر في هذا المبحث ما يتعلق باألحاديث الواردة في هذه الجوانب‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ حفظ الدين من التحريف‪:‬‬
‫وهو أول األدوار وأهمها‪ ،‬ذلك أن الدين هو األساس ال ذي تق وم علي ه الحي اة‬
‫بك ل جوانبه ا‪ ،‬وتحريف ه يع ني تحري ف ك ل ش يء‪ ،‬ابت داء من المع ارف العقدي ة‪،‬‬
‫وانته اء ب القيم الس لوكية ال تي ال ترتب ط بحي اة الف رد فق ط‪ ،‬وإنم ا ترتب ط بحي اة‬
‫المجتمعات واألمة جميعا‪.‬‬
‫ولذلك ورد التعبير في القرآن الكريم عن الدين المحفوظ من التغيير والتب ديل‬
‫بكونه الصراط المستقيم‪ ،‬والذي أخبر رسول هللا ‪ ‬أن ه س راط واح د‪ ،‬وتمثل ه فئ ة‬
‫ص َراطَ‬ ‫الص َراطَ ْال ُم ْس تَقِي َم (‪ِ )6‬‬ ‫واحدة‪ ،‬وهي التي نص عليه ا قول ه تع الى‪﴿ :‬ا ْه ِدنَا ِّ‬
‫ب َعلَ ْي ِه ْم َواَل الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة‪]7 ،6 :‬‬ ‫الَّ ِذينَ أَ ْن َع ْمتَ َعلَ ْي ِه ْم َغي ِْر ْال َم ْغضُو ِ‬
‫وهي تش ير إلى أن من انح رف عن ذل ك الس راط المس تقيم س يقع في س راط‬
‫المغضوب عليهم أو الضالين‪ ..‬أما المغضوب عليهم؛ فأولئ ك ال ذين عرف وا وص ايا‬
‫رسول هللا ‪ ‬لكنهم أعرضوا عنها بالكتمان والتأويل‪ ،‬وأما الضالون؛ فأولئك الذين‬
‫تاهوا عنها بسبب الشغب الذي قام به المغض وب عليهم ليحرم وا األم ة من الهداي ة‬
‫في صورتها الناصعة الجميلة‪.‬‬
‫الص َراطَ ْال ُم ْس تَقِي َم ﴾ [الفاتح ة‪ ]6 :‬بقول ه‪:‬‬ ‫وق د فس ر اإلم ام الص ادق ﴿ا ْه ِدنَا ِّ‬
‫(أرشدنا للصراط المستقيم‪ ،‬للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك‪ ،‬والمبل غ إلى جنت ك‪،‬‬
‫والمانع أن نتبع أهواء نا فنعطب‪ ،‬ونأخذ بآرائنا فنهل ك)‪ ،‬ثم ق ال‪( :‬ط وبى لل ذين هم‬
‫كما قال رسول هللا ‪( :‬يحمل هذا العلم من كل خل ف ع دول ينف ون عن ه تحري ف‬
‫الغالين‪ ،‬وانتحال المبطلين‪ ،‬وتأويل الجاهلين) (‪)1‬‬
‫بناء على ه ذا ش اءت حكم ة هللا تع الى أن يخل ف أئم ة اله دى الرس ل عليهم‬
‫السالم‪ ،‬ذلك أن التحريف يعرض ويستشري بعد النبوة‪ ،‬مثلما حصل لب ني إس رائيل‬
‫عند غياب موسى عليه السالم عنهم‪ ،‬ول ذلك ك ان دور اإلمام ة ه و حف ظ ال دين من‬
‫ت ِم ْن قَ ْبلِ ِه الرُّ ُس ُل‬‫﴿و َما ُم َح َّم ٌد إِاَّل َرسُو ٌل قَ ْد خَ لَ ْ‬
‫التحريف الذي أشار إليه قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ً‬
‫ض َّر َ َش ْيئا﴾ [آل‬ ‫هَّللا‬ ‫أَفَإِ ْن َماتَ أَوْ قُتِ َل ا ْنقَلَ ْبتُ ْم َعلَى أَ ْعقَابِ ُك ْم َو َمن يَنقلِبْ َعلى َعقِبَ ْي ِه فلن يَ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫عمران‪]144 :‬‬
‫ولذلك أيضا كان من نعم هللا تعالى على هذه األمة ـ كما أخ بر رس ول هللا ‪‬‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار (‪)254 /92‬‬
‫‪93‬‬
‫ـ أن تمت د أجي ال ه ؤالء اله داة إلى اث ني عش ر إمام ا‪ ،‬ح تى تواج ه ك ل أص ناف‬
‫التحريفات‪ ،‬والتي يتأسس من خاللها الدين على أسس ص حيحة قوي ة‪ ،‬ال ي ؤثر في ه‬
‫بعدها أي تحريف‪.‬‬
‫بن اء على ه ذا‪ ،‬وبن اء على أنن ا س نعرض ألص ناف ردود األئم ة على‬
‫التحريف ات المختلف ة في الج وانب العقدي ة والس لوكية وغيره ا في س ائر األج زاء؛‬
‫فس نكتفي هن ا ب ذكر ردودهم وم واجهتهم ألخط ر الظ واهر ال تي ح اولت تش ويه‬
‫اإلمام ة‪ ،‬وتحويله ا عن مقاص دها في الهداي ة‪ ،‬إلى مقاص د أخ رى ال عالق ة له ا‬
‫بالدين‪ ،‬وال بالدنيا‪ ،‬بل إنها قد تصب في الشرك والض اللة ال تي ح ذر منه ا الق رآن‬
‫الكريم‪ ،‬وأخبر عن وقوع أصحاب الملل والنحل فيها‪.‬‬
‫وذل ك االنح راف الخط ير ه و ظ اهرة [الغل و في األئم ة]‪ ،‬وال تي لج أ إليه ا‬
‫أصحاب الفئ ة الباغي ة‪ ،‬ليش وهوا األئم ة‪ ،‬ويبع دوا جم اهير المؤم نين عنهم‪ ،‬مثلم ا‬
‫يفعلون مع أعدائهم لتشويههم‪ ،‬ولتنفير النفوس عنهم‪.‬‬
‫ومن األحاديث الواردة في هذا المعنى‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]295 :‬ـ قوله ‪( :‬يا علي‪َ ،‬مثَلك في أمتي َمثَ ل المس يح عيس ى بن‬
‫مريم‪ ،‬افترق قومه ثالث فرق‪ :‬فرقةٌ مؤمن ون وهم الحواري ون‪ ،‬وفرق ةٌ ع ادوه وهم‬
‫وإن أم تي س تفترق في ك ثالث ف رق‪:‬‬ ‫اليهود‪ ،‬وفرقةٌ َغلَوا فيه فخرجوا عن اإليمان‪ّ ،‬‬
‫ففرقةٌ شيعتك وهم المؤمنون‪ ،‬وفرق ةٌ ع دوك وهم الش ا ّكون‪ ،‬وفرق ةٌ تغل و في ك وهم‬
‫الجاحدون‪ ،‬وأنت في الجنة يا علي‪ ،‬وش يعتك ومحبّ ش يعتك‪ ،‬وع دوك والغ الي في‬
‫النار)(‪)1‬‬
‫إن هللا تع الى اتخ ذني‬ ‫[الحديث‪ ]296 :‬ـ قوله ‪( :‬ال ترفعوني ف وق حقي‪ ،‬ف ّ‬
‫عبداً قبل أن يتخذني نبياً)(‪)2‬‬

‫[الحديث‪]297 :‬ـ قال اإلمام علي في قوله تعالى‪َ ﴿ :‬غي ِْر ْال َم ْغضُو ِ‬
‫ب َعلَ ْي ِه ْم َواَل‬
‫الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة‪( :]7 :‬أمر هللا عزوجل عباده أن يسألوه طريق المنعم عليهم وهم‬
‫النبيون والص ديقون والش هداء والص الحون‪ ،‬وأن يس تعيذوا من طري ق المغض وب‬
‫عليهم‪ ،‬وهم اليهود الذين قال هللا فيهم‪﴿ :‬قُلْ هَ لْ أُنَبِّئُ ُك ْم بِ َش رٍّ ِم ْن َذلِ كَ َمثُوبَ ةً ِع ْن َد هَّللا ِ‬
‫ك َش ٌّر‬ ‫ير َو َعبَ َد الطَّا ُغوتَ أُولَئِ َ‬ ‫ب َعلَ ْي ِه َو َج َع َل ِم ْنهُ ُم ْالقِ َر َدةَ َو ْالخَ ن ِ‬
‫َاز َ‬ ‫ض َ‬‫َم ْن لَ َعنَهُ هَّللا ُ َو َغ ِ‬
‫ضلُّ ع َْن َس َوا ِء ال َّسبِي ِل﴾ [المائدة‪ ،]60 :‬وأن يس تعيذوا من طري ق الض الين‪،‬‬ ‫َم َكانًا َوأَ َ‬
‫ق َواَل تَتَّبِ ُع وا‬ ‫ب اَل تَ ْغلُوا فِي ِدينِ ُك ْم َغ ْي َر ْال َح ِّ‬ ‫وهم الذين قال هللا فيهم‪ ﴿ :‬قُلْ يَاأَ ْه َل ْال ِكتَا ِ‬
‫يل﴾ [المائ دة‪:‬‬ ‫ض لُّوا ع َْن َس َوا ِء َّ‬
‫الس بِ ِ‬ ‫ض لُّوا َكثِ يرًا َو َ‬ ‫ض لُّوا ِم ْن قَ ْب ُل َوأَ َ‬‫أَ ْه َوا َء قَوْ ٍم قَ ْد َ‬
‫‪ ،]77‬وهم النصارى)‪ ،‬ثم قال‪( :‬كل من كف ر باهلل فه و مغض وب علي ه وض ال عن‬
‫سبيل هللا)‪ ،‬ثم قال‪( :‬ال تتجاوزوا بنا العبودية‪ ،‬ثم قولوا ما ش ئتم ولن تبلغ وا‪ ،‬وإي اكم‬
‫والغلو كغلو النصارى‪ ،‬فاني برئ من الغالين)(‪)3‬‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،25/265 :‬وإيضاح دفائن النواصب ص‪.33‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،25/265 :‬ونوادر الراوندي ص‪.16‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار (‪)274 /25‬‬
‫‪94‬‬
‫[الحديث‪ ]298 :‬قال اإلمام السجاد‪( :‬لعن هللا َمن كذب علينا‪ ،‬إني ذكرت عبد‬
‫هللا بن سبأ فقامت ك ّل شعرة في جسدي‪ ،‬لق د ا ّدعى أم راً عظيم اً‪ ،‬م ا ل ه لعن ه هللا؟‪،‬‬
‫كان اإلمام علي وهللا عبداً هلل صالحاً‪ ،‬أخو رسول هللا ‪ ،‬ما نال الكرامة من هللا إال‬
‫بطاعته هلل ولرسوله‪ ،‬وما نال رسول هللا ‪ ‬الكرامة من هللا إال بطاعته هلل)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]299 :‬ـ قال اإلمام الصادق‪( :‬اتقوا هللا وعظّموا هللا وعظّموا رسوله‬
‫فإن هللا تبارك وتعالى قد فضّله‪ ،‬وأحبّ وا‬ ‫‪ ،‬وال تفضّلوا على رسول هللا ‪ ‬أحداً‪ّ ،‬‬
‫أهل بيت نبيكم حبّا ً مقتصداً‪ ،‬وال تغلوا وال تفرّقوا وال تقول وا م ا ال نق ول‪ ،‬ف إنكم إن‬
‫قلتم وقلنا متّم ومتّنا‪ ،‬ثم بعثكم هللا وبعثنا فكنا حيث يشاء هللا وكنتم)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]300 :‬ـ عن إسماعيل بن عبد العزيز قال‪ :‬قال لي اإلم ام الص ادق‪:‬‬
‫يا إسماعيل ضع لي في المتوض أ م اء‪ ،‬فقمت ل ه‪ ،‬ق ال‪ :‬ف دخل‪ ،‬فقلت في نفس ي أن ا‬
‫أقول فيه كذا وكذا ويدخل المتوضأ يتوضأ‪ ،‬فلم يلبث أن خرج فقال‪( :‬يا إس ماعيل ال‬
‫ترفع البناء فوق طاقته فينهدم‪ ،‬اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا) (‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]301 :‬ـ قال اإلمام الصادق عن بغض الغالة‪( :‬لعن هللا أبا الخط اب‬
‫ولعن هللا من قتل معه ولعن هللا من بقي منهم ولعن هللا من دخل قلبه رحمة لهم)(‪)4‬‬

‫[الحديث‪]302 :‬ـ قيل لإلمام الصادق‪ :‬جعلت فداك عجبت لق وم ك انوا ي أتون‬
‫معن ا إلى ه ذا الموض ع ف انقطعت آث ارهم وف نيت آج الهم‪ ،‬ق ال‪ :‬ومن هم؟ قي ل‪:‬‬
‫أبوالخطاب وأصحابه‪ ،‬وكان متكئ ا فجلس فرف ع أص بعه إلى الس ماء ثم ق ال‪( :‬على‬
‫أبي الخطاب لعنة هللا والمالئكة والناس أجمعين‪ ،‬فأشهد باهلل أنه كافر فاسق مشرك‪،‬‬
‫وأنه يحشر مع فرعون في أشد العذاب غدوا وعشيا)‪ ،‬ثم ق ال‪( :‬أم ا وهللا إني ألنفس‬
‫على أجساد صليت معه النار)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]303 :‬ـ عن زرارة قال‪ :‬ق ال اإلم ام الص ادق‪ :‬أخ برني عن حم زة‬
‫إن إبليس‬ ‫أيزعم أن أبي آتي ه؟!‪ ،‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬ق ال‪( :‬ك ذب وهللا م ا يأتي ه إال المتك وّن‪ّ ،‬‬
‫إن ش اء في ص ورة‬ ‫سلّط شيطانا ً يقال له المتكوّن يأتي الن اس في أي ص ورة ش اء‪ْ ،‬‬
‫كبيرة‪ ،‬وإن شاء في صورة صغيرة‪ ،‬وال وهللا ما يستطيع أن يجيء في صورة أبي)‬
‫(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]304 :‬ـ قال اإلمام الصادق‪( :‬تراءى وهللا إبليس ألبي الخطاب على‬
‫سور المدينة أو المسجد‪ ،‬فكأني أنظر إليه وه و يق ول‪ :‬إيه ا ً تظف ر اآلن‪ ،‬إيه ا ً تظف ر‬
‫اآلن)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]305 :‬ـ عن حفص بن عمرو النخعي ق ال‪:‬كنت جالس ا ً عن د اإلم ام‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،25/287 :‬والكشي ص‪.71‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،25/269 :‬وقرب اإلسناد ص‪.61‬‬
‫‪ )(3‬بصائر الدرجات‪ 64 :‬ـ و‪.65‬‬
‫‪ )(4‬رجال الكشى‪ 190 :‬ـ ‪.191‬‬
‫‪ )(5‬رجال الكشى‪ 190 :‬ـ ‪.191‬‬
‫‪ )(6‬بحار األنوار‪ ،25/281 :‬والكشي ص‪.193‬‬
‫‪ )(7‬بحار األنوار‪ ،25/281 :‬والكشي ص‪.195‬‬
‫‪95‬‬
‫إن أبا منصور ح ّدثني أنه رُفع إلى ربه وتمسح‬ ‫الصادق فقال له رجل‪ :‬جعلت فداك‪ّ ،‬‬
‫على رأسه‪ ،‬وقال له بالفارسية يا بس ر‪ ،‬فق ال ل ه اإلم ام الص ادق‪( :‬ح دثني أبي عن‬
‫إن إبليس اتخذ عرشا ً فيما بين السماء واألرض‪ ،‬واتخذ‬ ‫أن رسول هللا ‪ ‬قال‪ّ :‬‬ ‫جدي ّ‬
‫زبانية بعدد المالئكة‪ ،‬فإذا دعا رجالً فأجابه ُوطئ عقبُه وتخطت إليه األقدام‪ ،‬تراءى‬
‫وإن أبا منصور كان رس ول إبليس‪ ،‬لعن هللا أب ا منص ور‪ ،‬لعن‬ ‫له إبليس ورُفع إليه‪ّ ،‬‬
‫هللا أبا منصور‪ ،‬ثالثاً)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]306 :‬ـ قال اإلم ام الص ادق‪(:‬إن ا أه ل بيت ص ّديقون‪ ،‬ال نخل و من‬
‫كذاب يكذب علينا ويُسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس‪ ..‬كان رسول هللا ‪ ‬أصدق‬ ‫ّ‬
‫الناس لهجةً وأص دق البري ة كله ا‪ ،‬وك ان مس يلمة يك ذب علي ه‪ ،‬وك ان اإلم ام علي‬
‫أصدق َمن برأ هللا بعد رسول هللا‪ ،‬وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تك ذيب ص دقه‬
‫ويفتري على هللا الكذب عب ُد هللا بن سبأ)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]307 :‬ـ عن مصادف قال‪ :‬لما لبّى القوم الذين لبّ وا بالكوف ة‪ ،‬دخلت‬
‫على اإلمام الصادق فأخبرت ه ب ذلك‪ ،‬فخ ّر س اجداً وأل زق جؤج ؤه ب األرض‪ ،‬وبكى‬
‫قن داخ ر ـ م راراً كث يرةً ـ ثم رف ع رأس ه‬ ‫وأقبل يلوذ بإصبعه ويق ول‪ :‬ب ل عب ٌد هلل ّ‬
‫ودموعه تسيل على لحيته‪ ،‬فندمت ُعلى إخباري إياه فقلت‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬وم ا علي ك‬
‫إن عيسى لو سكتَ ع ّما قالت النص ارى في ه‪ ،‬لك ان‬ ‫أنت من ذا؟‪ ،‬فقال‪ :‬يا مصادف‪ّ ،‬‬
‫سكت ع ّما قال أب و الخط اب‪ ،‬لك ان‬ ‫ُّ‬ ‫حقّا ً على هللا أن يُص ّم سمعه ويُعمي بصره‪ ،‬ولو‬
‫حقّا ً على هللا أن ي ُص ّم سمعي وي ُعمي بصري)(‪)3‬‬
‫ي وبزيعا ـ لعنهم هللا ـ‬ ‫(إن بنانا والسر ّ‬ ‫[الحديث‪ ]308 :‬ـ قال اإلمام الصادق‪ّ :‬‬
‫تراءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون صورة آدمي من قرنه إلى س ّرته)‪ ،‬فقيل له‪:‬‬
‫ض إِلَ هٌ﴾ [الزخ رف‪:‬‬‫الس َما ِء إِلَ هٌ َوفِي اأْل َرْ ِ‬
‫﴿وهُ َو الَّ ِذي فِي َّ‬
‫إن بنانا يتأول هذه اآلية‪َ :‬‬ ‫ّ‬
‫‪ ،]84‬أن الذي في األرض غير إله السماء وإله الس ماء غ ير إل ه األرض‪ّ ،‬‬
‫وأن إل ه‬
‫وأن أه ل األرض يعرف ون فض ل إل ه الس ماء‬ ‫الس ماء أعظم من إل ه األرض‪ّ ،‬‬
‫ويعظّمونه‪ ،‬فقال‪( :‬وهللا ما هو إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬إلهٌ في الس ماوات وإل هٌ في‬
‫ل جالله‪ ،‬وص ّغر عظمته)(‪)4‬‬ ‫األرضين‪ ،‬كذب بنان ـ عليه لعنة هللا ـ ص ّغر هللا ج ّ‬
‫[الحديث‪ ]309 :‬عن أبي بصير قال‪ :‬قلت لإلمام الصادق‪ :‬إنهم يقولون‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وما يقولون؟ قلت‪ :‬يقولون‪ :‬يعلم قطر المطر وعدد النجوم وورق الش جر ووزن م ا‬
‫في البحر وعدد التراب‪ ،‬فرفع يده إلى السماء وقال‪( :‬س بحان هللا س بحان هللا ال وهللا‬
‫ما يعلم هذا إال هللا) (‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]310 :‬ـ ذكر اإلمام الصادق أصحاب أبي الخطاب والغالة فقال‪ :‬ي ا‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،25/282 :‬والكشي ص‪.195‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،25/287 :‬والكشي ص‪.71‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،25/293 :‬والكشي ص‪.192‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،25/296 :‬والكشي ص‪.196‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار (‪ ،)294 /25‬رجال الكشى‪.193 :‬‬
‫‪96‬‬
‫مفض ل‪ ،‬ال تقاع دوهم‪ ،‬وال تؤاكل وهم‪ ،‬وال تش اربوهم‪ ،‬وال تص افحوهم‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬
‫توارثوهم)(‪)1‬‬
‫إن فيهم َمن يكذب حتى ّ‬
‫أن‬ ‫[الحديث‪ ]311 :‬ذكر اإلمام الصادق الغالة وقال‪ّ :‬‬
‫الشيطان ليحتاج إلى كذبه)(‪)2‬‬
‫ضل بن عمر يقول‬ ‫[الحديث‪]312 :‬ـ قيل لإلمام الصادق‪ :‬جُعلنا فداك‪ّ ،‬‬
‫إن المف ّ‬
‫إنكم تق ّدرون أرزاق العباد‪ ،‬فق ال‪( :‬وهللا م ا يق ّدر أرزاقن ا إال هللا‪ ،‬ولق د احتجت إلى‬
‫طعام لعي الي فض اق ص دري‪ ،‬وأبلغت إل ّي الفك رة في ذل ك ح تى أح رزت ق وتهم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫فعندها طابت نفس ي‪ ،‬لعن ه هللا وب رئ من ه)‪ ،‬قي ل‪ :‬أفنلعن ه ونت برأ من ه؟‪ ،‬ق ال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫فلعناه وبرئنا منه‪ ،‬برئ هللا ورسوله منه(‪.)3‬‬
‫[الحديث‪]313 :‬ـ قال بعضهم‪ :‬خرج إلينا اإلمام الصادق وهو مغضب‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(إني خرجت آنفا ً في حاجة فتع ّرض لي بعض سودان المدينة فهتف بي‪ :‬لبيك جعفر‬
‫بن محمد لبيك‪ ،‬فرجعت عَودي على بدئي إلى منزلي‪ ،‬خائفا ً ذع راً مم ا ق ال‪ ،‬ح تى‬
‫سجدت في مسجدي لربي‪ ،‬وعفّرت ل ه وجهي‪ ،‬وذلّلت ل ه نفس ي‪ ،‬وب رئت إلي ه مم ا‬
‫هتف بي‪ ،،‬ولو أن عيسى بن مريم عليه السالم جاوز ما قال هللا فيه لص م ص مما ال‬
‫يسمع بعده أبدا وعمي عمى ال يبصر بعده أبدا‪ ،‬وخرس خرسا ال يتكلم بعده أبدا)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]314 :‬عن أبي هاشم الجعفري قال‪ :‬سألت اإلمام الرضا عن الغالة‬
‫والمفوضة‪ ،‬فقال‪( :‬الغالة كف ار‪ ،‬والمفوض ة مش ركون‪ ،‬من جالس هم أو خ الطهم أو‬
‫واكلهم أو ش اربهم أو واص لهم أوزوجهم أو ت زوج إليهم أو أمنهم أو ائتمنهم على‬
‫أمانة أو صدق حديثهم أو أعانهم بشطر كلمة خ رج من والي ة هللا عزوج ل ووالي ة‬
‫الرسول ‪ ‬وواليتنا أهل البيت)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]315 :‬عن أبي الصلت أنه قال لإلمام الرضا‪ :‬يا ابن رسول هللا‪ ،‬ما‬
‫شيء يحكيه عنكم الناس؟‪ ،‬قال‪ :‬وما هو؟‪ ،‬قلت‪ :‬يقولون‪ :‬إنكم ت ّدعون ّ‬
‫أن الن اس لكم‬
‫عبيد‪ ،‬فقال‪( :‬اللهم فاطر السماوات واألرض عالم الغيب والشهادة‪ ،‬أنت شاه ٌد ب أني‬
‫لم أقل ذلك قطّ‪ ،‬وال سمعت أحداً من آبائي قال قطّ‪ ،‬وأنت العالم بم ا لن ا من المظ الم‬
‫وإن هذه منها)‪ ،‬ثم أقبل عل ّي فقال‪( :‬ي ا عب د الس الم‪ ،‬إذا ك ان الن اس‬ ‫عند هذه األمة‪ّ ،‬‬
‫كلّهم عبيدنا على ما حكوه عنا فم ّمن ن بيعهم؟)‪ ،‬فقلت‪ :‬ي ا بن رس ول هللا ص دقتَ ‪ ،‬ثم‬
‫قال‪( :‬يا عبد السالم‪ ،‬أمنك ٌر أنت لما أوجب هللا ع ّز وج ّل لن ا من الوالي ة كم ا ينك ره‬
‫غيرك؟)‪ ،‬قلت‪ :‬معاذ هللا بل أنا مق ٌّر بواليتكم(‪.)6‬‬
‫[الحديث‪ ]316 :‬عن محمد بن زيد الطبري قال‪ :‬كنت قائما على رأس اإلمام‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،25/296 :‬والكشي‪.‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،25/296 :‬والكشي ص‪.191‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،25/301 :‬والكشي ص‪.207‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،25/321 :‬وروضة الكافي ص‪.225‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار (‪ ،)273 /25‬عيون االخبار‪.326 :‬‬
‫‪ )(6‬بحار األنوار‪ ،25/268 :‬والعيون ص‪.311‬‬
‫‪97‬‬
‫الرضا بخراسان وعنده جماعة من ب نى هاش م منهم إس حاق بن العب اس بن موس ى‬
‫فقال له‪( :‬يا إسحاق بلغني أنكم تقولون‪ :‬إن الناس عبي د لن ا‪ ،‬ال وقراب تي من رس ول‬
‫هللا ‪ ‬ما قلته قط وال سمعته من أحد من آبائي وال بلغني عن أح د منهم قال ه‪ ،‬لكن ا‬
‫نقول‪ :‬الناس عبيد لنا في الطاعة‪ ،‬موال لنا في الدين‪ ،‬فليبلغ الشاهد الغائب)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]317 :‬ـ كان اإلمام الرضا يق ول في دعائ ه‪( :‬اللهم‪ ،‬إني ب ري ٌء من‬
‫الحول والقوة‪ ،‬وال حول وال قوة إال بك‪ ..‬اللهم‪ ،‬إني أعوذ بك‪ ،‬وأبرأ إليك من ال ذين‬
‫ا ّدعوا لنا ما ليس لنا بحق‪ ..‬اللهم‪ ،‬إني أبرأ إلي ك من ال ذين ق الوا فين ا م ا لم نقل ه في‬
‫أنفسنا‪ ..‬اللهم‪ ،‬لك الخلق ومنك الرزق‪ ،‬وإياك نعبد وإياك نستعين‪ ..‬اللهم‪ ،‬أنت خالقنا‬
‫وخالق آبائن ا األولين وآبائن ا اآلخ رين‪ ..‬اللهم‪ ،‬ال تلي ق الربوبي ة إال ب ك وال تص لح‬
‫اإللهية إال لك‪ ،‬فالعن النصارى الذين ص ّغروا عظمت ك‪ ،‬والعن المض اهئين لق ولهم‬
‫من بريّتك‪ ..‬اللهم‪ ،‬إنا عبيدك وأبناء عبيدك‪ ،‬ال نملك ألنفسنا نفعا ً وال ضراً وال موت ا ً‬
‫وال حياةً وال نشوراً‪ ..‬اللهم‪َ ،‬من زعم أنّا أرباب فنحن منه ب را ٌء‪ ،‬و َمن زعم ّ‬
‫أن إلين ا‬
‫الخل ق وعلين ا ال رزق فنحن ب را ٌء من ه‪ ،‬ك براءة عيس ى بن م ريم علي ه الس الم من‬
‫النصارى‪ ..‬اللهم‪ ،‬إنّا لم ند ُعهُم إلى ما يزعمون‪ ،‬فال تؤاخذنا بما يقولون‪ ،‬واغف ر لن ا‬
‫م ا ي ّدعون‪ ،‬وال ت دع على األرض منهم دي ارا‪ ،‬إن ك إن ت ذرهم يض لّوا عب ادك وال‬
‫يلدوا إال فاجرا كفّاراً)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]318 :‬ـ وهو حديث طويل(‪ )3‬لإلمام الرضا مع بعض أص حابه ردا‬
‫على الغلو والمغالين‪ ،‬ومما جاء فيه قوله‪( :‬ومن تجاوز باإلمام علي العبودي ة‪ ،‬فه و‬
‫من المغضوب عليهم ومن الضالين‪ ،‬وقال اإلمام علي‪ :‬ال تتجاوزوا بن ا العبودي ة ثم‬
‫قولوا ما شئتم ولن تبلغوا‪ ،‬وإياكم والغلو كغلو النصارى‪ ،‬فإني بري ٌء من الغالين)‬
‫فقام إليه رجل فقال له‪ :‬يابن رسول هللا صف لنا ربك فإن من قبلنا قد اختلف وا‬
‫علينا‪ ،‬فق ال اإلم ام الرض ا‪( :‬إن ه من يص ف رب ه بالقي اس فان ه ال ي زال ال دهر في‬
‫االلتب اس‪ ،‬م ائال عن المنه اج طاعن ا في االعوج اج ض اال عن الس بيل ق ائال غ ير‬
‫الجميل) ثم قال‪( :‬اعرفه بما ع رف ب ه نفس ه‪ ،‬اعرف ه من غ ير رؤي ة‪ ،‬وأص فه بم ا‬
‫وص ف ب ه نفس ه أص فه من غ ير ص ورة‪ ،‬ال ي درك ب الحواس وال يق اس بالن اس‪،‬‬
‫معروف بااليات‪ ،‬بعيد بغير تشبيه‪ ،‬ومتدان في بعده بال نظ ير‪ ،‬ال يت وهم ديمومت ه‪،‬‬
‫وال يمثل بخليقته وال يجور في قضيته‪ ،‬الخلق إلى ما علم منهم منق ادون‪ ،‬وعلى م ا‬
‫سطر في المكن ون من كتاب ه ماض ون‪ ،‬ال يعمل ون بخالف م ا علم منهم‪ ،‬وال غ يره‬
‫يريدون‪ ،‬فهو قريب غير ملتزق‪ ،‬وبعيد غ ير متقص‪ ،‬يحق ق وال يمث ل‪ ،‬ويوح د وال‬
‫يبعض‪ ،‬يعرف باآليات‪ ،‬ويثبت بالعالمات وال إله غيره الكبير المتعال)‬
‫فقال الرجل‪ :‬بأبي أنت وأمي يا ابن رسول هللا ف إن معي من ينتح ل م واالتكم‬
‫ويزعم أن هذه كله ا ص فات اإلم ام علي‪ ،‬وأن ه ه و هللا رب الع المين؛ فلم ا س معها‬
‫‪ )(1‬امالى المفيد‪ ،148 :‬امالى ابن الشيخ‪.14 :‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،25/343 :‬واعتقادات الصدوق ص‪.109‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،25/278 :‬واالحتجاج ص‪ ،242‬تفسير اإلمام ص‪.18‬‬
‫‪98‬‬
‫اإلمام الرضا ارتعدت فرائصه وتصبب عرقا‪ ،‬وق ال‪( :‬س بحان هللا س بحان هللا عم ا‬
‫يقول الظالمون والك افرون عل وا كب يرا‪ ،‬أو ليس ك ان اإلم ام علي آكال في االكلين‪،‬‬
‫وشاربا في الشاربين‪ ،‬وناكحا في الناكحين‪ ،‬ومح دثا في المح دثين؟ وك ان م ع ذل ك‬
‫مصليا خاضعا بين يدي هللا ذليال‪ ،‬وإلي ه أواه ا منيب ا‪ ،‬أفمن ك ان ه ذه ص فته يك ون‬
‫إلهاء؟ فإن كان هذا إلها فليس منكم أحد إال وهو إله لمش اركته ل ه في ه ذه الص فات‬
‫الداالت على حدث كل موصوف بها)‬
‫فق ال الرج ل‪ :‬ي ابن رس ول هللا إنهم يزعم ون أن علي ا لم ا أظه ر من نفس ه‬
‫المعجزات ال تي ال يق در عليه ا غ ير هللا دل على أن ه إل ه‪ ،‬ولم ا ظه ر لهم بص فات‬
‫المحدثين العاجزين لبس ذلك عليهم وامتحنهم ليعرف وه وليك ون إيم انهم ب ه اختي ارا‬
‫من أنفسهم‪.‬‬
‫فقال اإلمام الرضا‪( :‬أول ما ههنا أنهم ال ينفصلون ممن قلب هذا عليهم‪ ..‬لم ا‬
‫ظه ر من ه الفق ر والفاق ة دل على أن من ه ذه ص فاته وش اركه فيه ا الض عفاء‬
‫المحتاجون ال تكون المعجزات فعله فعلم بهذا أن الذي ظهر منه من المعجزات إنما‬
‫ك انت فع ل الق ادر ال ذي ال يش به المخل وقين‪ ،‬ال فع ل المح دث المحت اج المش ارك‬
‫للضعفاء في صفات الضعف)‬
‫ثم قال‪( :‬إن هؤالء الضالل الكفرة ما أت وا إال من قب ل جهلهم بمق دار أنفس هم‬
‫ح تى اش تد إعج ابهم وك ثر تعظيمهم لم ا يك ون منه ا فاس تبدوا ب آرائهم الفاس دة‬
‫واقتصروا على عقولهم المسلوك بها غير سبيل ال واجب ح تى استص غروا ق در هللا‬
‫واحتقروا أمره وتهاونوا بعظيم شأنه‪ ،‬إذ لم يعلموا أنه القادر بنفسه الغني بذاته ال تي‬
‫ليست قدرته مستعارة وال غن اه مس تفادا‪ ،‬وال ذي من ش اء أفق ره‪ ،‬ومن ش اء أغن اه‪،‬‬
‫ومن شاء أعجزه بعد الق درة‪ ،‬وأفق ره بع د الغ نى؛ فنظ روا إلى عب د ق د اختص ه هللا‬
‫بقدرته ليبين بها فضله عنده‪ ،‬وآثره بكرامته ليوجب بها حجت ه على خلق ه‪ ،‬وليجع ل‬
‫ما آتاه من ذلك ثوابا على طاعته‪ ،‬وباعثا على اتب اع أم ره‪ ،‬ومؤمن ا عب اده المكلفين‬
‫من غلط من نصبه عليهم حج ة‪ ،‬ولهم ق دوة‪ ،‬وك انوا كطالب مل ك من مل وك ال دنيا‬
‫ينتجع ون فض له‪ ،‬وي أملون نائل ه‪ ،‬ويرج ون التفي ؤ بظل ه واالنتع اش بمعروف ه‪،‬‬
‫واالنقالب إلى أهلهم بجزي ل عطائ ه ال ذي يعينهم على كلب ال دنيا‪ ،‬وينق ذهم من‬
‫التع رض ل دني المكاس ب وخس يس المط الب‪ ،‬فبين ا هم يس ألون عن طري ق المل ك‬
‫ليترصدوه وقد وجهوا الرغبة نحوه وتعلقت قلوبهم برؤيته إذ قيل‪ :‬سيطلع عليكم في‬
‫جيوش ه ومواكب ه وخيل ه ورجل ه‪ ،‬ف إذا رأيتم وه ف أعطوه من التعظيم حق ه‪ ،‬ومن‬
‫االقرار بالمملكة واجبه‪ ،‬وإياكم أن تس موا باس مه غ يره‪ ،‬وتعظم وا س واه كتعظيم ه‬
‫فتكونوا قد بخستم المل ك حق ه‪ ،‬وأزريتم علي ه واس تحققتم ب ذلك من ه عظيم عقوبت ه‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬نحن كذلك فاعلون جهدنا وطاقتنا‪ ،‬فما لبثوا أن طلع عليهم بعض عبيد المل ك‬
‫في خيل قد ضمها إليه سيده ورجل قد جعلهم في جملته وأموال ق د حب اه به ا فنظ ر‬
‫هؤالء وهم للملك طالبون‪ ،‬واستكبروا ما رأوه بهذا العبد من نعم س يده ورفع وه عن‬
‫‪99‬‬
‫أن يك ون من ه و المنعم علي ه بم ا وج دوا مع ه عب دا ف أقبلوا يحيون ه تحي ة المل ك‬
‫ويسمونه باسمه‪ ،‬ويجحدون أن يكون فوقه ملك أو له مالك؛ فأقبل عليهم العبد المنعم‬
‫عليه وسائر جنوده بالزجر والنهي عن ذلك والبراءة مما يسمونه به ويخبرونهم بأن‬
‫الملك هو الذي أنعم علي ه به ذا واختص ه ب ه‪ ،‬وإن ق ولكم م ا تقول ون ي وجب عليكم‬
‫سخط الملك وعذابه ويفيتكم كل ما أملتموه من جهت ه وأقب ل ه ؤالء الق وم يك ذبونهم‬
‫ويردون عليهم قولهم؛ فما زال كذلك حتى غضب عليهم الملك لم ا وج د ه ؤالء ق د‬
‫ساووا به عبده وأزروا علي ه في مملكت ه وبخس وه ح ق تعظيم ه‪ ،‬فحش رهم أجمعين‬
‫إلى حبسه ووكل بهم من يسومهم سوء العذاب‪ ..‬فكذلك هؤالء وجدوا أمير المؤمنين‬
‫عبدا أكرمه هللا ليبين فضله ويقيم حجته فصغر عندهم خالقهم أن يكون جعل عليا له‬
‫عبدا‪ ،‬وأكبروا عليا عن أن يكون هللا عز وجل له رب ا‪ ،‬فس موه بغ ير اس مه‪ ،‬فنه اهم‬
‫هو وأتباعه من أهل ملته وشيعته‪ ،‬وقالوا لهم‪ :‬ياهؤالء إن عليا وولده عباد مكرمون‬
‫مخلوق ون م دبرون ال يق درون إال على م ا أق درهم علي ه هللا رب الع المين‪ ،‬وال‬
‫يملكون إال ما ملكهم‪ ،‬ال يملكون موتا وال حياة وال نش ورا وال قبض ا وال بس طا وال‬
‫حركة وال سكونا إال ما أقدرهم عليه وط وقهم وإن ربهم وخ القهم يج ل عن ص فات‬
‫المحدثين‪ ،‬ويتعالى عن نعوت المحدودين‪ ،‬فإن من اتخذهم أو واحدا منهم أرباب ا من‬
‫دون هللا فهو من الكافرين وقد ضل سواء السبيل‪ .‬فأبى القوم إال جماح ا وامت دوا في‬
‫طغيانهم يعمهون‪ ،‬فبطلت أمانيهم وخابت مطالبهم وبقوا في العذاب األليم)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]319 :‬ـ عن إبراهيم بن أبي محمود أن ه ق ال لإلم ام الرض ا‪ :‬ي ا بن‬
‫إن عندنا أخباراً في فضائل اإلمام علي‪ ،‬وفضلكم أه ل ال بيت‪ ،‬وهي من‬ ‫رسول هللا‪ّ ،‬‬
‫رواية مخالفيكم وال نعرف مثلها عنكم‪ ،‬أفندين بها؟‪ ،‬فقال‪( :‬يا ابن أبي محم ود‪ ،‬لق د‬
‫أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪ :‬من أص غى إلى ن اطق فق د‬ ‫أخ برني أبي عن أبي ه عن ج ده ّ‬
‫عبده‪ ،‬فإن كان الناطق عن هللا ع ّز وج ّل فق د عب َد هللا‪ ،‬وإن ك ان الن اطق عن إبليس‬
‫إن مخالفين ا وض عوا أخب اراً في‬ ‫فق د عب د إبليس)‪ ،‬ثم ق ال‪( :‬ي ا ابن أبي محم ود‪ّ ،‬‬
‫فض ائلنا وجعلوه ا على أقس ام ثالث ة‪ :‬أح دها‪ :‬الغل و‪ ،‬وثانيه ا‪ :‬التقص ير في أمرن ا‪،‬‬
‫وثالثها‪ :‬التصريح بمثالب أعدائنا‪ ،‬فإذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا ونس بوهم‬
‫إلى القول بربوبيتنا‪ ،‬وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فين ا‪ ،‬وإذا س معوا مث الب أع دائنا‬
‫﴿واَل ت َُس بُّوا الَّ ِذينَ يَ ْد ُعونَ ِم ْن دُو ِن‬
‫بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا‪ ،‬وقد قال هللا ع ّز وج لّ‪َ :‬‬
‫هَّللا ِ فَيَ ُسبُّوا هَّللا َ َع ْد ًوا بِ َغي ِْر ِع ْل ٍم﴾ [األنعام‪ ..]108 :‬ي ا بن أبي محم ود‪ ،‬إذا أخ ذ الن اس‬
‫إن أدنى م ا‬ ‫يمينا ً وشماالً فالزم طريقتنا‪ ،‬فإنه من لز َمنا لز ْمناه‪ ،‬ومن فارقَنا فار ْقن اه‪ّ ،‬‬
‫يُخرج الرج ل من اإليم ان أن يق ول للحص اة ه ذه ن واة‪ ،‬ثم ي دين ب ذلك وي برأ ممن‬
‫خالف ه‪ ..‬ي ا بن أبي محم ود‪ ،‬احف ظ م ا ح دثتك ب ه فق د جمعت ل ك في ه خ ير ال دنيا‬
‫واآلخرة)(‪)2‬‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار (‪)274 /25‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،25/278 :‬واالحتجاج ص‪ ،242‬تفسير اإلمام ص‪.18‬‬
‫‪100‬‬
‫[الحديث‪]320 :‬ـ ق ال اإلم ام الحس ن العس كري‪( :‬لعن هللا القاس م اليقطي ني‪،‬‬
‫إن ش يطانا ً ت راءى للقاس م‪ ،‬في وحي إلي ه زخ رف‬ ‫ولعن هللا علي بن حس كة القمي‪ّ ،‬‬
‫القول غرورا)(‪)1‬‬
‫[الحــديث‪]321 :‬ـ م ا روي عن اإلم ام الحج ة ر ّداً على الغالة جواب ا ً لكت اب‬
‫ُكتب إليه من طرف محمد بن علي بن هالل الكرخي‪( :‬يا محمد بن علي‪ ،‬تع الى هللا‬
‫ع ّز وج ّل ع ّم ا يص فون‪ ،‬س بحانه وبحم ده‪ ،‬ليس نحن ش ركاءه في علم ه‪ ،‬وال في‬
‫قدرته‪ ،‬بل ال يعلم الغيب غيره‪ ،‬كما قال في محكم كتابه تبارك وتعالى‪ ﴿ :‬قُلْ اَل يَ ْعلَ ُم‬
‫ْب إِاَّل هَّللا ُ ﴾ [النم ل‪ ،]65 :‬وأن ا وجمي ع آب ائي من‬ ‫ض ْال َغي َ‬
‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫َم ْن فِي َّ‬
‫الس َما َوا ِ‬
‫األولين‪ :‬آدم ونوح وإب راهيم وموس ى وغ يرهم من النب يين‪ ،‬ومن اآلخ رين‪ :‬محم د‬
‫رسول هللا وعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وغيرهم ممن مض ى من األئم ة‪،‬‬
‫إلى مبْلغ أي امي ومنتهى عص ري عبي ُد هللا ع ّز وج لّ‪ ،‬يق ول هللا ع ّز وج لّ‪َ ﴿ :‬و َم ْن‬
‫ض ْن ًكا َونَحْ ُش ُرهُ يَوْ َم ْالقِيَا َم ِة أَ ْع َمى (‪ )124‬قَا َل َربِّ‬
‫ض ع َْن ِذ ْك ِري فَإِ َّن لَهُ َم ِعي َشةً َ‬ ‫أَ ْع َر َ‬
‫ال َك َذلِكَ أَتَ ْت كَ آيَاتُنَ ا فَن َِس يتَهَا َو َك َذلِكَ‬
‫ص يرًا (‪ )125‬قَ َ‬ ‫ت بَ ِ‬ ‫لِ َم َحشَرْ تَنِي أَ ْع َمى َوقَ ْد ُك ْن ُ‬
‫ْاليَ وْ َم تُ ْن َس ى﴾ [ط ه‪ 124 :‬ـ ‪ ..]126‬ي ا محم د بن علي‪ ،‬ق د آذان ا جهالء الش يعة‬
‫وحمقاؤهم‪ ،‬ومن دين ه جن ا ُح البعوض ة أرج ُح من ه‪ ،‬وأُش هد هللا ال ذي ال إل ه إال ه و‬
‫وكفى به شهيداً‪ ،‬ومحمداً رسوله ومالئكته وأنبي اءه وأولي اءه‪ ،‬وأُش ِهدك وأُش ِهد ك ل‬
‫َمن سمع كتابي هذا‪ ،‬أني ب ري ٌء إلى هللا وإلى رس وله ممن يق ول إن ا نعلم الغيب‪ ،‬أو‬
‫نشارك هللا في ُملكه‪ ،‬أو يُحلّنا محالً سوى المحل ال ذي نص به هللا لن ا وخلقن ا ل ه‪ ،‬أو‬
‫أن كل من نتبرأ منه‪،‬‬ ‫يتع ّدى بنا ع ّما قد فسرتُه لك وبينتهُ في صدر كتابي‪ ..‬وأُشهدكم ّ‬
‫وجعلت ه ذا التوقي ع ال ذي في ه ذا‬ ‫ُ‬ ‫إن هللا ي برأ من ه ومالئكت ه ورس له وأولي اؤه‪،‬‬ ‫ف ّ‬
‫الكتاب أمانةً في عنقك وعنق َمن س معه‪ ،‬أن ال يكتم ه من أح د من م وال ّي وش يعتي‬
‫حتى يظهر على هذا التوقيع الكل من الموالي‪ ،‬لع ّل هللا ع ّز وج ّل يتالفاهم فيرجعون‬
‫ق‪ ،‬وينتهوا ع ّما ال يعلمون منتهى أمره وال يبلغ منتهاه‪ ،‬فك ّل َمن فهم‬ ‫إلى دين هللا الح ّ‬
‫كت ابي ولم يرج ع إلى م ا ق د أمرت ه ونهيت ه‪ ،‬فلق د حلّت علي ه اللعن ة من هللا‪ ،‬وممن‬
‫ذكرت من عباده الصالحين)(‪)2‬‬
‫‪ 2‬ـ حفظ وحدة األمة‪:‬‬
‫وهو مم ا يق ر ب ه أص حاب المدرس ة الس نية أنفس هم؛ فهم ي ذكرون من أدل ة‬
‫اعتبار الخالفة في قريش اجتماع كلمة المسلمين على أف راد مح دودين‪ ،‬بخالف م ا‬
‫لو وزعت على كل القبائل العربية أو العجمية‪ ،‬ذلك أن األمة تتفرق بسبب ذلك‪.‬‬
‫وقد كان يمكنهم استخدام هذا الدليل مع العترة الط اهرة‪ ،‬ألن ه حينه ا س يكون‬
‫أك ثر مقبولي ة؛ ف العترة أق ل ع ددا من القرش يين‪ ،‬وهي مقبول ة عن د ك ل المس لمين‬
‫عربهم وعجمهم‪ ،‬تعظيما لرسول هللا ‪.‬‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،25/316 :‬والكشي ص‪.321‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،25/268 :‬واالحتجاج ص‪.265‬‬
‫‪101‬‬
‫ولهذا نجد أحاديث أئمة الهدى تذكر األمة بهذا ا لجانب‪ ،‬ح تى تتوح د عليه ا‪،‬‬
‫ويمكن تقسيم ما ورد في ذلك إلى قسمين‪:‬‬
‫أ ـ حفظ الوحدة السياسية‪:‬‬
‫ومن األحاديث التي يمكن االستدالل بها لهذا الجانب‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]322 :‬ما روي أنه لما انتهت إلى اإلمام علي أنباء السقيفة بعد وفاة‬
‫رسول هللا ‪ ،‬قال‪ :‬ما قالت األنص ار؟ ق الوا‪ :‬ق الت‪ :‬من ا أم ير ومنكم أم ير‪ ،‬فق ال‬
‫اإلم ام علي‪( :‬فهال احتججتم عليهم ب أن رس ول هللا ‪ ‬وص ى ب أن يحس ن إلى‬
‫محسنهم ويتج اوز عن مس يئهم؟) ق الوا‪ :‬وم ا في ه ذا من الحج ة عليهم؟ ق ال‪( :‬ل و‬
‫ك انت اإلم ارة فيهم لم تكن الوص ية بهم)‪ ،‬ثم ق ال‪ :‬فم ا ذا ق الت ق ريش؟!‪ .‬ق الوا‪:‬‬
‫احتجت بأنها شجرة الرسول ‪ ،‬فقال‪( :‬احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة!) (‪)1‬‬
‫[الحــديث‪]323 :‬ــ م ا روي عن اإلم ام علي‪ ،‬وأن ه ق ال لمن احتج للخالف ة‬
‫بالصحبة‪( :‬وا عجباه أتكون الخالفة بالصحابة وال تكون بالصحابة والقرابة؟!)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]324 :‬ويروى عنه في هذا المعنى قوله(‪:)3‬‬
‫فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم‪ ...‬فكيف بهذا والمشيرون غيب‬
‫وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم‪ ...‬فغيرك أولى بالنبي وأقرب‬
‫[الحديث‪]325 :‬ـ ق ال اإلم ام الص ادق‪( :‬ك ان علي بن أبي ط الب ع الم ه ذه‬
‫االمة‪ ،‬والعلم يتوارث‪ ،‬وليس يمضي منا أحد حتى يرى من ولده من يعلم علم ه وال‬
‫تبقى االرض يوما بغير إمام منا تفزع إليه االمة)‪ ،‬قيل له‪ :‬يك ون إمام ان؟ ق ال‪( :‬ال‬
‫إال وأحدهما صامت ال يتكلم حتى يمضي األول) (‪)4‬‬
‫ب ـ حفظ وحدة الوالء‪:‬‬
‫فاألمة التي لم تستطع أن توفر لنفسها وحدة سياس ية يمكنه ا أن توفره ا ع بر‬
‫وحدة الوالء‪ ،‬ولهذا ذكر أئم ة اله دى أن من أدوار اإلم ام حف ظ وح دتها ع بر بيع ة‬
‫ومعاهدة اإلمام إما أثناء حضوره وتواجده‪ ،‬أو عند غيابه‪.‬‬
‫ولذلك؛ فإن غيبة اإلمام م ع بق اء ال والء والبيع ة والتمهي د‪ ،‬تجعل ه حاض را‪،‬‬
‫يؤدي دوره كامال في األمة‪ ،‬ألنها تشعر بأنه هو المحرك ال روحي له ا‪ ،‬ومن خالل‬
‫ذلك الوالء يمكنها أن تمارس دورها التصحيحي واإلصالحي‪.‬‬
‫ولعل أقرب األمثلة الدالة على هذا وأحسنها ما يذكره المؤرخون من أن قائ د‬
‫الدعوة العباسية السرية للثورة على الدولة األموية‪ ،‬وهو محمد بن علي بن عب د هللا‬
‫بن عباس‪ ،‬صاحب (الحميمة)‪ ،‬كان يطلب من مبعوثه السري إلى النقباء في العراق‬
‫وخراسان عدم ذكر اسمه الصريح في الدعوة‪ ،‬وكان يستعمل بدل ذلك اسم [الرض ا‬
‫من آل محم د]‪ ،‬وق د اس تطاع من خالل ه ذا االس م ال وهمي أن يجم ع أنص اره‪،‬‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار (‪)611 /29‬‬
‫‪ )(2‬نهج البالغة ـ محمد عبده ـ ‪ 4‬ـ ‪.179‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار (‪)609 /29‬‬
‫‪ )(4‬بصائر الدرجات‪.150 :‬‬
‫‪102‬‬
‫ويقضي على الدولة األموية‪ ..‬وبذلك كان لالسم المرتبط بآل بيت النبوة وحده تأثيره‬
‫الكبير في تهديم دولة‪ ،‬وإنشاء دولة أخرى‪.‬‬
‫وله ذا ن رى األح اديث ت دعو إلى البحث عن اإلم ام والتع رف علي ه وبيعت ه‬
‫واالرتب اط ال روحي ب ه‪ ،‬س واء ك ان حاض را أو غائب ا‪ ،‬ألن أث ره في كال الح الين‬
‫متحقق‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪]326 :‬ـ ق ال رس ول هللا ‪( :‬في الجن ة ثالث درج ات‪ ،‬وفي الن ار‬
‫ثالث دركات‪ :‬فأعلى درجات الجنة‪ :‬لمن أحبن ا بقلب ه‪ ،‬ونص رنا بلس انه وي ده‪ ،‬وفي‬
‫الدرجة الثانية‪َ :‬من أحبنا بقلبه‪ ،‬ونصرنا بلسانه‪ ،‬وفي الدرجة الثالثة‪ :‬من أحبنا بقلبه‪،‬‬
‫وفي أسفل الدرك من النار‪َ :‬من أبغضنا بقلبه‪ ،‬وأعان علينا بلسانه ويده‪ ،‬وفي الدرك‬
‫الثانية من النار‪َ :‬من أبغضنا بقلبه‪ ،‬وأعان علينا بلسانه‪ ،‬وفي الدرك الثالثة من النار‪:‬‬
‫من أبغضنا بقلبه)(‪)1‬‬
‫َ‬
‫[الحديث‪]327 :‬ـ قام ثوب ان م ولى رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬ب أبي أنت وأمي ي ا‬
‫رسول هللا‪ ،‬متى قيام الساعة؟‪ ،‬فقال رسول هللا ‪( :‬ما أعددتَ لها إذ تسأل عنها؟)‪،‬‬
‫ددت له ا كث ير عم ل إال أني أحبّ هللا ورس وله‪ ،‬فق ال‬ ‫ق ال‪( :‬ي ا رس ول هللا‪ ،‬م ا أع ُ‬
‫ق نبياً‪،‬‬
‫رسول هللا ‪( :‬وإلى ماذا بلغ حبك لرسول هللا ‪‬؟)‪ ،‬قال‪ :‬والذي بعثك بالح ّ‬
‫ت‬ ‫رت بالمناش ير‪ ،‬وقُرّض ُ‬‫عت بالس يوف‪ ،‬ونُش ُ‬ ‫إن في قل بي من محبت ك م ا ل و قُطّ ُ‬ ‫ّ‬
‫حنت بأرح اء الحج ارة‪ ،‬ك ان أحبّ إل ّي وأس هل‬ ‫حرقت بالنيران‪ ،‬وطُ ُ‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بالمقاريض‪ ،‬وأ‬
‫عل ّي من أن أجد لك في قلبي غ ّشا ً أو غالً أو بغضا ً ألحد من أه ل بيت ك وأص حابك‪،‬‬
‫وأحبّ الخلق إل ّي بعدك أحبّهم لك‪ ،‬وأبغض هم إل ّي من ال يحب ك ويبغض ك أو يبغض‬
‫أحداً من أصحابك‪ ،‬يا رسول هللا‪ ،‬هذا ما عندي من حبّ ك‪ ،‬وحبّ َمن يحبّ ك‪ ،‬وبغض‬
‫عدت‪ ،‬وإن أُري َد‬
‫ُ‬ ‫َمن يبغضك‪ ،‬أو يبغض أحداً ممن تحبّه‪ ،‬ف إن قُب ل ه ذا م ني فق د س‬
‫مني عمل غيره فم ا أعلم لي عمالً أعتم ده وأعت ّد ب ه غ ير ه ذا‪ ،‬أحبكم جميع ا ً أنت‬
‫وأصحابك وإن كنت ال أطيقهم في أعمالهم)‪ ،‬فقال ‪( :‬أبشر ّ‬
‫فإن المرء يوم القيامة‬
‫مع َمن أحبه‪ ،‬يا ثوبان‪ ،‬لو كان علي ك من ال ذنوب ملء م ا بين ال ثرى إلى الع رش‪،‬‬
‫النحسرت وزالت عنك بهذه المواالة‪ ،‬أسرع من انحدار الظ ّل عن الصخرة الملس اء‬
‫المستوية إذا طلعت عليه الشمس‪ ،‬ومن انحسار الشمس إذا غابت عنها الشمس)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]328 :‬ـ ق ال بعض هم‪ :‬كنت أرى رأي الخ وارج ال رأي لي غ يره‪،‬‬
‫حتى جلست إلى أبي سعيد الخدري فسمعته يقول‪( :‬أُمر الناس بخمس فعمل وا ب أربع‬
‫وتركوا واحدة)‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬يا أبا سعيد‪ ،‬ما هذه األرب ع ال تي عمل وا به ا؟‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫(الصالة والزكاة والح ّج وصوم شهر رمضان)‪ ،‬ق ال‪ :‬فم ا الواح دة ال تي تركوه ا؟‪،‬‬
‫قال‪( :‬والية علي بن أبي ط الب)‪ ،‬ق ال الرج ل‪ :‬وإنه ا المفترض ة معهن؟‪ ،‬ق ال أب و‬
‫سعيد‪( :‬نعم وربّ الكعبة)(‪)3‬‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،27/93 :‬والمحاسن ص‪.153‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،27/101 :‬وتفسير اإلمام العسكري‪.‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،27/102 :‬ومجالس المفيد ص‪.89‬‬
‫‪103‬‬
‫[الحديث‪ ]329 :‬ـ قال بعضهم‪ :‬كنا مع الن بي ‪ ‬في بعض أس فاره‪ ،‬إذ هت ف‬
‫بنا أعرابي بصوت جهوري فقال‪ :‬يا محمد‪ ،‬فقال له الن بي ‪( :‬م ا تش اء؟)‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫المرء يحبّ القوم وال يعمل بأعمالهم‪ ،‬فقال النبي ‪( :‬المرء م ع َمن أحبّ )‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫يا محمد‪ ،‬اع رض عل ّي اإلس الم‪ ،‬فق ال‪( :‬اش هد أن ال إل ه إال هللا‪ ،‬وأني رس ول هللا‪،‬‬
‫وتقيم الصالة وتؤتي الزكاة وتصوم شهر رمضان وتح ّج ال بيت)‪ ،‬فق ال‪ :‬ي ا محم د‪،‬‬
‫تأخذ على هذا أجراً؟‪ ،‬فقال‪( :‬ال‪ ،‬إال المودة في القربى قال‪ :‬قرباي أو قرباك؟‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫(بل قرباي‪ ،‬قال‪( :‬هل ّم يدك حتى أبايعك‪ ،‬ال خير فيمن يو ّدك وال يو ّد قرباك)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]330 :‬ـ قال رسول هللا ‪ ‬لبعض أصحابه ذات يوم‪( :‬ي ا عب د هللا‪..‬‬
‫أحبّ في هللا‪ ،‬وأبغضْ في هللا‪ ،‬ووال في هللا‪ ،‬وعا ِد في هللا‪ ،‬فإنه ال تُنال والي ة هللا إال‬
‫بذلك‪ ..‬وال يجد رج ٌل طعم اإليمان ـ وإن كثُرت صالته وصيامه ـ حتى يكون كذلك‪،‬‬
‫وقد صارت مواخ اة الن اس ي ومكم ه ذا أكثره ا في ال دنيا‪ ،‬عليه ا يت وا ّدون وعليه ا‬
‫يتباغضون‪ ،‬وذلك ال يغني عنهم من هللا شيئاً)‪ ،‬فق ال ل ه‪ :‬وكي ف لي أن أعلم أني ق د‬
‫واليت وع اديت في هللا ع ّز وج ل؟‪ ..‬و َمن ول ّي هللا ع ّز وج ّل ح تى أوالي ه؟‪ ..‬و َمن‬
‫عدوّه حتى أُعاديه؟‪ ..‬فأشار له رسول هللا ‪ ‬إلى اإلمام علي‪ ،‬فقال‪( :‬أترى ه ذا؟)‪..‬‬
‫فقال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪( :‬ول ّي هذا ولي هللا فواله‪ ،‬وعد ّو هذا ع د ّو هللا فع اده)‪ ،‬ثم ق ال‪( :‬وا ِل‬
‫ي هذا ولو أنه قاتل أبيك وولدك‪ ،‬وعا ِد عد ّو هذا ولو أنه أبوك أو ولدك)(‪)2‬‬ ‫ول ّ‬
‫[الحديث‪]331 :‬ـ قال رسول هللا ‪( :‬ال يؤمن عب ٌد حتى أكون أحبّ إلي ه من‬
‫نفسه‪ ،‬وأهلي أحبّ إليه من أهل ه‪ ،‬وع ترتي أحبّ إلي ه من عترت ه‪ ،‬وذاتي أحبّ إلي ه‬
‫من ذاته‪ ،‬فقال رج ٌل من القوم‪( :‬يا أبا عبد الرحمن‪ ..‬ما تزال تج يئ بالح ديث يح يي‬
‫هللا به القلوب)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]332 :‬ـ قال رس ول هللا ‪( :‬أحبّ وا هللا لم ا يغ ذوكم ب ه من نعم ه‪،‬‬
‫ز وجلّ‪ ،‬وأحبّوا أهل بيتي لحبّي)(‪)4‬‬ ‫وأحبّوني لحبّ هللا ع ّ‬
‫[الحديث‪ ]333 :‬ـ قال رسول هللا ‪ ‬لإلمام علي‪( :‬يا عل ّي‪ ..‬ما ثبت حبّ ك في‬
‫قلب امرئ مؤم ٍن فزلّت به قد ٌم على الصراط‪ ،‬إال ثبتت له ق د ٌم ح تى يُدخل ه هللا ع ّز‬
‫ل بحبك الجنة)(‪)5‬‬‫وج ّ‬
‫[الحديث‪]334 :‬ـ قال رسول هللا ‪َ ( :‬من رزقه هللا حبّ األئمة من أهل بيتي‬
‫فإن في حبّ أهل بي تي‬ ‫فقد أصاب خير الدنيا واآلخرة‪ ،‬فال يش ّك ّن أح ٌد أنه في الجنة‪ّ ،‬‬
‫عشرين خصلة‪ ،‬عشر منها في ال دنيا‪ ،‬وعش ر في اآلخ رة‪ :‬أم ا في ال دنيا‪ :‬فالزه د‪،‬‬
‫والحرص على العمل‪ ،‬والورع في الدين‪ ،‬والرغبة في العبادة‪ ،‬والتوبة قبل الم وت‪،‬‬
‫والنشاط في قيام الليل‪ ،‬واليأس مما في أي دي الن اس‪ ،‬والحف ظ ألم ر هللا ونهي ه ع ّز‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،27/103 :‬ومجالس المفيد ص‪.89‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،27/55 :‬وتفسير اإلمام العسكري ص‪ ،18‬معاني األخبار ص‪ ،113‬العيون ص‪.161‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،27/76 :‬وأمالي الصدوق ص‪.201‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،27/76 :‬وأمالي الصدوق ص‪.219‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪ ،27/77 :‬وأمالي الصدوق ص‪.348‬‬
‫‪104‬‬
‫وج لّ‪ ،‬والتاس عة بغض ال دنيا‪ ،‬والعاش رة الس خاء‪ ..‬وأم ا في اآلخ رة‪ :‬فال يُنش ر ل ه‬
‫يزان‪ ،‬ويُعطى كتاب ه بيمين ه‪ ،‬ويُكتب ل ه ب راءةٌ من الن ار‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وان‪ ،‬وال يُنص ب ل ه م‬ ‫دي ٌ‬
‫ّ‬
‫ويبيض وجهه‪ ،‬ويُكسى من حلل الجن ة‪ ،‬ويُش فع في مائ ة من أه ل بيت ه‪ ،‬وينظ ر هللا‬
‫ع ّز وج ّل إلي ه بالرحم ة‪ ،‬ويُت وّج من تيج ان الجن ة‪ ،‬والعاش رة ي دخل الجن ة بغ ير‬
‫حس اب‪ ،‬فط وبى لمحبّي أه ل بي تي)(‪ ،)1‬فق ال اإلم ام علي‪ :‬ي ا رس ول هللا‪ ..‬م ا لن ا‬
‫ولقريش‪ ،‬إذا تالقوا تالقوا بوج وه مستبش رة‪ ،‬وإذا لقون ا لقون ا بغ ير ذل ك‪ ،‬فغض ب‬
‫الن بي ‪ ‬ثم ق ال‪( :‬وال ذي نفس ي بي ده ال ي دخل قلب رج ل اإليم ان ح تى يحبكم هلل‬
‫ولرسوله)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]335 :‬ـ قال رس ول هللا ‪( :‬ق ال هللا ع ّز وج لّ‪ ﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ آ َمنُ وا‬
‫ت أُولَئِ كَ هُ ْم َخ ْي ُر ْالبَ ِريَّ ِة﴾ [البين ة‪ ،]7 :‬ثم التفت إلى اإلم ام علي‬ ‫َو َع ِملُ وا َّ‬
‫الص الِ َحا ِ‬
‫فقال‪( :‬نعم أنت يا علي وشيعتك‪ ،‬وميعادك وميعادهم الحوض غ ّراً محجّلين مكحّلين‬
‫مت َّوجين)(‪)3‬‬

‫[الحديث‪]336 :‬ـ قال رسول هللا ‪( :‬أثبتكم على الصراط أش ّدكم حبّ ا ً أله ل‬
‫بيتي وألصحابي)(‪)4‬‬

‫[الحديث‪]337 :‬ـ قال رس ول هللا ‪( :‬ال ي زول ق دم عب د ي وم القيام ة ح تى‬


‫يُسأل عن أربع‪( :‬عن جسده فيما أباله‪ ،‬وعن عمره فيما أفناه‪ ،‬وعن ماله مما اكتسبه‬
‫وفيما أنفقه‪ ،‬وعن حبنا أهل البيت)(‪)5‬‬

‫[الحديث‪]338 :‬ـ قال رسول هللا ‪( :‬عنوان صحيفة المؤمن‪( :‬حبّ علي بن‬
‫أبي طالب)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]339 :‬ـ عن أنس بن مالك قال‪ :‬رجعنا مع رسول هللا ‪ ‬ق افلين من‬
‫تبوك‪ ،‬فقال لي في بعض الطري ق‪( :‬ألق وا لي األحالس واألقت اب‪ ،‬ففعل وا)‪ ،‬فص عد‬
‫رسول هللا ‪ ‬فخطب فحمد هللا وأثنى عليه بما هو أهله‪ ،‬ثم قال‪( :‬معاشر الناس‪ ،‬ما‬
‫لي إذا ُذكر آل إبراهيم عليه السالم تهلّلت وجوهكم‪ ،‬وإذا ُذك ر آل محم د كأنم ا يُفق أ‬
‫ق نبياً‪ ،‬ل و ج اء أح دكم ي وم القيام ة‬ ‫في وجوهكم حبّ الرمان؟‪ ..‬فو الذي بعثني بالح ّ‬
‫بأعمال كأمثال الجبال‪ ،‬ولم يجيء بوالية علي بن أبي طالب ألكبّه هللا ع ّز وج ّل في‬
‫النار)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]340 :‬ـ قال رسول هللا ‪ُ ( :‬حرّمت الجنة على َمن ظلم أه ل بي تي‬
‫وآذاني في ع ترتي‪ ،‬ومن ص نع ص نيعةً إلى أح د من ول د عب د المطلب ولم يج ازه‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،27/79 :‬والخصال ‪.2/99‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،27/81 :‬وأمالي الطوسي ص‪.30‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،27/131 :‬والمحتضر ص‪.126‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،27/133 :‬ونوادر الراوندي‪.‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪ ،27/135 :‬وأمالي الطوسي ص‪.25‬‬
‫‪ )(6‬بحار األنوار‪ ،27/142 :‬والعمدة ص‪.193‬‬
‫‪ )(7‬بحار األنوار‪ ،27/171 :‬وأمالي الطوسي ص‪.17‬‬
‫‪105‬‬
‫القيامة)(‪)1‬‬
‫عليها‪ ،‬فإني أجازيه غدا إذا لقيني يوم‬
‫[الحديث‪]341 :‬ـ ق ال رس ول هللا ‪َ ( :‬من أراد التوس ل إل ّي‪ ،‬وأن يك ون ل ه‬
‫عندي ي ٌد أشفع له بها يوم القيامة‪ ،‬فليصلْ أهل بيتي‪ ،‬ويدخل السرور عليهم)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]342 :‬ـ قال رسول هللا ‪( :‬يا سلمان‪َ ..‬من أحبّ فاطمة ابنتي فه و‬
‫في الجنة معي‪ ،‬و َمن أبغضها فهو في النار‪ ..‬يا س لمان‪ ..‬حبّ فاطم ة ينف ع في مائ ة‬
‫م وطن‪ ،‬أيس ر تل ك الم واطن‪( :‬الم وت والق بر والم يزان والمحش ر والص راط‬
‫رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه‪ ،‬و َمن رض يت عن ه رض ي‬ ‫ْ‬ ‫والمحاسبة‪ ،‬ف َمن‬
‫ب هللا‬
‫بت علي ه غض َ‬ ‫غضبت عليه فاطم ة غض بت علي ه‪ ،‬و َمن غض ُ‬ ‫ْ‬ ‫هللا عنه‪ ،‬و َمن‬
‫ل لمن يظلمها ويظلم ذريتها وشيعتها)(‪)3‬‬ ‫عليه‪ ..‬يا سلمان‪ ..‬وي ٌ‬
‫[الحديث‪]343 :‬ـ كان النبي ‪ ‬كلما أصبح أقبل على أصحابه بوجه ه فق ال‪:‬‬
‫(هل رأى أح ٌد منكم رؤيا؟‪ ..‬وإن النبي ‪ ‬أصبح ذات ي وم فق ال‪( :‬رأيت في المن ام‬
‫عمي حمزة وابن عمي جعفراً جال َسين‪ ،‬وبين يديهما طبق تين وهما يأكالن منه‪ ،‬فما‬
‫لبث ا أن تح وّل رطب ا ً ف أكال من ه‪ ،‬فقلت لهم ا‪( :‬فم ا وج دتما أفض ل األعم ال في‬
‫اآلخرة؟)‪ ..‬قاال‪( :‬الصالة‪ ،‬وحبّ علي بن أبي طالب‪ ،‬وإخفاء الصدقة)(‪)4‬‬
‫أن رجالً ق دم على اإلم ام علي فق ال‪ :‬ي ا أم ير‬ ‫[الحـــديث‪]344 :‬ـــ روي ّ‬
‫المؤم نين‪ ..‬إني أحبّ ك وأحبّ فالن اً‪ ،‬وس ّمى بعض أعدائ ه‪ ،‬فق ال‪( :‬أم ا اآلن ف أنت‬
‫أعور‪ ،‬فإما أن تَعمى وإما أن تُبصر)(‪)5‬‬

‫[الحديث‪]345 :‬ـ قال اإلمام علي‪( :‬مازلت مظلوما ً منذ ولدتني أمي‪ ،‬حتى ّ‬
‫أن‬
‫تذروني حتى تذرّوا علياً‪ ،‬في ذرّوني وم ا بي رم د)‬ ‫عقيالً كان يصيبه رم ٌد فقال‪( :‬ال ّ‬
‫(‪)6‬‬
‫[الحــديث‪ ]346 :‬ـ ق ال اإلم ام علي‪( :‬ذكرن ا أه ل ال بيت ش فا ٌء من الوع ك‬
‫واألسقام ووسواس الريب‪ ،‬وحبنا رضى الرب تبارك وتعالى)(‪)7‬‬
‫[الحــديث‪ ]347 :‬ـ ق ال اإلم ام علي‪( :‬م ا خل ق هللا ع ّز وج ّل ش يئا ً أش ّر من‬
‫ر منه)(‪)8‬‬ ‫الكلب‪ ،‬والناصب أش ّ‬
‫[الحــديث‪]348 :‬ــ عن عم رو بن قيس المش رقي ق ال‪ :‬دخلت على اإلم ام‬
‫الحسين أنا وابن عم لي وهو في قصر بني مقاتل‪ ،‬فسلّمنا عليه فقال له ابن عمي‪ :‬ي ا‬
‫أبا عبد هللا‪ ..‬هذا الذي أرى خضابٌ أو شعرك؟‪ ..‬فقال‪( :‬خضابٌ والش يب إلين ا ب ني‬
‫هاشم يعجل)‪ ،‬ثم أقبل علينا فقال‪( :‬جئتما لنصرتي؟‪ ..‬فقلت‪( :‬إني رج ٌل كب ير الس ن‪،‬‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،26/229 :‬والعمدة ص‪.26‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،26/227 :‬وأمالي الصدوق ص‪.228‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،27/117 :‬وإيضاح دفائن النواصب ص‪.39‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،27/117 :‬ومدينة المعاجز ‪.3/43‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪ ،27/58 :‬والسرائر‪.‬‬
‫‪ )(6‬بحار األنوار‪ ،27/62 :‬واعتقادات الصدوق ص‪.111‬‬
‫‪ )(7‬بحار األنوار‪ ،26/227 :‬والمحاسن ص‪.62‬‬
‫‪ )(8‬بحار األنوار‪ ،27/221 :‬وأمالي الطوسي ص‪.171‬‬
‫‪106‬‬
‫كثير ال َّدين‪ ،‬كثير العي ال‪ ،‬وفي ي دي بض ايع للن اس وال أدري م ا يك ون‪ ،‬وأك ره أن‬
‫أضيّع أمانتي‪ ،‬وقال له ابن عمي مثل ذلك‪ ،‬ق ال لن ا‪( :‬فانطلق ا فال تس معا لي واعي ة‬
‫وال تريا لي سواداً‪ ،‬فإنه َمن سمع واعيتنا أو رأى س وادنا فلم يجبن ا ولم يغثن ا‪ ،‬ك ان‬
‫ل أن يكبّه على منخريه في النار)(‪)1‬‬ ‫حقّا ً على هللا ع ّز وج ّ‬
‫[الحديث‪ ]349 :‬قال اإلمام الباقر عن آبائه‪ :‬لما قضى رسول هللا ‪ ‬مناسكه‬
‫من حجة الوداع ركب راحلته وأنشأ يقول‪( :‬ال يدخل الجنة إال من كان مسلماً)‪ ،‬فقام‬
‫إليه أبو ذر الغفاري فقال‪ :‬ي ا رس ول هللا وم ا اإلس الم؟!‪ ..‬فق ال‪( :‬اإلس الم عري ان‪:‬‬
‫ولباسه التقوى‪ ،‬وزينته الحياء‪ ،‬ومالكه الورع‪ ،‬وكماله الدين وثمرته العم ل‪ ..‬ولك ل‬
‫شيء أساس وأساس اإلسالم حبنا أهل البيت)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]350 :‬ـ دخل بعضهم على اإلمام الباقر فقال‪( :‬بأبي أنت‪ ..‬ربما خال‬
‫ابت نفس ي‪،‬‬ ‫فخبثت نفس ي‪ ،‬ثم ذك رت ح بي إي اكم وانقط اعي إليكم فط ْ‬ ‫ْ‬ ‫بي الشيطان‬
‫فقال‪( :‬يا زياد ويح ك‪ ..‬وم ا ال دين إال الحبّ ‪ ،‬أال ت رى إلى ق ول هللا تع الى‪﴿ :‬قُ لْ إِ ْن‬
‫ُك ْنتُ ْم تُ ِحبُّونَ هَّللا َ فَ اتَّبِعُونِي يُحْ بِ ْب ُك ُم هَّللا ُ َويَ ْغفِ رْ لَ ُك ْم ُذنُ وبَ ُك ْم َوهَّللا ُ َغفُ و ٌر َر ِحي ٌم ﴾ [آل‬
‫عمران‪)3()]31 :‬‬
‫[الحديث‪ ]351 :‬قال بعضهم‪ :‬كنت عند اإلمام الباقر وعنده في الفسطاط نحو‬
‫من خمسين رجالً‪ ،‬فجلس بعد سكوت منا طوي ل فق ال‪( :‬م ا لكم؟‪ ..‬لعلكم ت رون أني‬
‫نبي هللا؟‪ ..‬وهللا ما أنا كذلك‪ ،‬ولكن لي قرابة من رس ول هللا ‪ ‬ووالدة‪ ،‬ف َمن وص لنا‬
‫وص له هللا‪ ،‬ومن أحبّن ا أحبّ ه هللا ع ّز وج لّ‪ ،‬و َمن حرمن ا حرم ه هللا‪ ..‬أفت درون أي‬
‫البقاع أفضل عند هللا منزلةً؟)‪ ..‬فلم يتكلّم أح ٌد من ا‪ ،‬فك ان ه و ال را ّد على نفس ه ق ال‪:‬‬
‫(ذلك مكة الحرام التي رضيها هللا لنفسه حرما ً وجعل بيته فيه ا)‪ ،‬ثم ق ال‪( :‬أت درون‬
‫أي البقاع أفضل فيها عند هللا حرمةً؟)‪ ..‬فلم يتكلّم أح ٌد منا فكان هو ال را ّد على نفس ه‬
‫فقال‪( :‬ذلك المسجد الحرام)‪ ،‬ثم قال‪( :‬أت درون أي بقع ة في المس جد الح رام أفض ل‬
‫عند هللا حرمةً؟)‪ ..‬فلم يتكلّم أح ٌد منا فكان هو الرا ّد على نفسه فقال‪( :‬ذاك بين الركن‬
‫والمقام وباب الكعبة‪ ،‬وذلك حطيم إسماعيل علي ه الس الم ذاك ال ذي ك ان ي زوّد في ه‬
‫صف قدميه في ذلك المكان‪ ،‬قام الليل مصليّا ً‬ ‫ّ‬ ‫أن عبداً‬ ‫غنيماته ويصلّي فيه‪ ،‬ووهللا لو ّ‬
‫حتى يجيئه النهار‪ ،‬وصام النهار حتى يجيئه اللي ل‪ ،‬ولم يع رف حقّن ا وحرمتن ا أه ل‬
‫البيت لم يقبل هللا منه شيئا ً أبداً)(‪)4‬‬
‫(إن أحبّ أص حابي إل ّي أفقههم وأورعهم‬ ‫[الحديث‪ ]352 :‬ـ قال اإلمام الباقر‪ّ :‬‬
‫وإن أسوأهم عندي حاالً‪ ،‬وأمقتهم إل ّي الذي إذا سمع الحديث يُنسب‬ ‫وأكتمهم لحديثنا‪ّ ،‬‬
‫إلينا ويُروى عنا‪ ،‬فلم يحتمله قلبُه واشمأ ّز منه‪ ،‬جحده وأكفر َمن دان ب ه‪ ،‬وال ي دري‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،27/204 :‬وثواب األعمال ص‪.250‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،27/82 :‬وأمالي الطوسي ص‪.52‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،27/94 :‬وتفسير العياشي ‪.167/1‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،27/178 :‬وثواب األعمال ص‪.197‬‬
‫‪107‬‬
‫أُسند)(‪)1‬‬‫لع ّل الحديث من عندنا خرج وإلينا‬
‫[الحديث‪]353 :‬ـ ق ال اإلم ام الب اقر‪( :‬إذا ك ان ي وم القيام ة جم ع هللا األولين‬
‫ق من‬ ‫واآلخرين فينادي منا ٍد‪َ ( :‬من كانت له عن د رس ول هللا ‪ ‬ي ٌد فليقم‪ ،‬فيق وم عن ٌ‬
‫نفض ل أه ل بيت ه‬ ‫ّ‬ ‫الناس فيقول‪ :‬ما كانت أياديكم عند رسول هللا ‪‬؟‪ ..‬فيقولون‪ :‬كن ا‬
‫من بعده‪ ،‬فيُقال لهم‪( :‬اذهبوا فطوفوا في الناس‪ ،‬فمن كانت له عندكم ي ٌد فخ ذوا بي ده‬
‫فأدخلوه الجنة)(‪)2‬‬
‫إن فالن ا ً ي واليكم إال أن ه يض عف عن‬ ‫[الحديث‪]354 :‬ـ قيل لإلمام الص ادق‪ّ :‬‬
‫البراءة من عدوكم‪ ،‬فقال‪( :‬هيهات‪..‬كذب من ا ّدعى محبتنا‪ ،‬ولم يتبرأ من عدونا)(‪)3‬‬
‫َ‬
‫[الحديث‪]355 :‬ـ قال اإلمام الصادق‪( :‬من قال فينا بيتَ شعر‪ ،‬بنى هللا له بيتا‬
‫في الجنة)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]356 :‬ـ قال اإلمام الصادق‪( :‬ما قال فينا قائ ٌل بيت ش عر ح تى يُؤيَّد‬
‫بروح القدس)(‪)5‬‬
‫(إن ملَك ا يُلقي علي ه الش عر‪،‬‬ ‫[الحديث‪]357 :‬ـ قال اإلم ام الص ادق لش اعر‪ّ :‬‬
‫وإني ألعرف ذلك الملك)(‪)6‬‬
‫(إن لنا خادمةً ال تعرف ما نحن عليه‪،‬‬ ‫[الحديث‪]358 :‬ـ قلت لإلمام الصادق‪ّ :‬‬
‫ق ال ذي إذا ذكرتم وه بكيتم‪،‬‬ ‫أذنبت ذنب ا ً وأرادت أن تحل ف بيمين ق الت‪ :‬ال وح ّ‬ ‫ْ‬ ‫ف إن‬
‫فقال‪( :‬رحمكم هللا من أهل بيت)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪]359 :‬ـ قيل لإلم ام الص ادق‪( :‬إني أل ّم بال ذنوب فأخ اف الهلك ة‪ ،‬ثم‬
‫أذكر حبكم فأرجو النجاة‪ ،‬فقال‪( :‬وهل الدين إال الحبّ ؟)‪ ..‬قال هللا تع الى‪َ ﴿ :‬ولَ ِك َّن هَّللا َ‬
‫َّب إِلَ ْي ُك ُم اإْل ِ ي َمانَ َو َزيَّنَهُ فِي قُلُوبِ ُك ْم﴾ [الحجرات‪ ،]7 :‬وقال‪﴿ :‬قُلْ إِ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ِحبُّونَ هَّللا َ‬
‫َحب َ‬
‫فَ اتَّبِعُونِي يُحْ بِ ْب ُك ُم هَّللا ُ﴾ [آل عم ران‪ ]31 :‬وق ال رج ل لرس ول هللا ‪ :‬إني أحبّ ك‪،‬‬
‫فقال‪( :‬إنك لتحبني؟)‪ ..‬فقال الرجل‪ :‬إي وهللا‪ ،‬فقال الن بي ‪( :‬أنت م ع َمن أحببت)‬
‫(‪)8‬‬
‫[الحديث‪]360 :‬ـ قال بعضهم‪ :‬دخلنا على اإلمام الص ادق فق ال‪( :‬مرحب ا ً بكم‬
‫وأهالً وس هالً‪ ،‬وهللا إن ا لنس تأنس ب رؤيتكم‪ ،‬إنكم م ا أحببتمون ا لقراب ة بينن ا وبينكم‪،‬‬
‫ولكن لقرابتنا من رسول هللا ‪ ،‬فالحبّ لرسول هللا ‪ ،‬على غير دني ا أص بتموها‬
‫إن هللا قض ى‬ ‫منا‪ ،‬وال ما ٍل أُعطيتم عليه‪ ،‬أجبتمونا في توحيد هللا وحده ال شريك له‪ّ ،‬‬
‫ك إِاَّل َوجْ هَ هُ﴾ [القص ص‪:‬‬
‫على أهل السماوات وأه ل األرض فق ال‪ُ ﴿ :‬ك لُّ َش ْي ٍء هَالِ ٌ‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،25/366 :‬ومختصر بصائر الدرجات ص‪.98‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،26/228 :‬وتفسير القمي‪.‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،27/58 :‬والسرائر ‪.3/640‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،26/231 :‬والعيون ص‪.5‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪ ،26/231 :‬والعيون ص‪.5‬‬
‫‪ )(6‬بحار األنوار‪ ،26/232 :‬والكشي ص‪.217‬‬
‫‪ )(7‬بحار األنوار‪ ،27/104 :‬والكشي ص‪.220‬‬
‫‪ )(8‬بحار األنوار‪ ،27/122 :‬ودعائم اإلسالم ‪ 1/71‬باختالف‪.‬‬
‫‪108‬‬
‫‪ ،]88‬وليس يبقى إال هللا وحده ال شريك له‪ ..‬اللهم كما كانوا مع آل محمد في ال دنيا‪،‬‬
‫ف اجعلهم معهم في اآلخ رة‪ ..‬اللهم كم ا ك ان س رّهم على س رّهم وعالنيتهم على‬
‫عالنيتهم‪ ،‬فاجعلهم في ثقل محمد يوم القيامة)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]361 :‬ـ قال بعضهم‪ :‬كنا عن د اإلم ام الص ادق أن ا وابن أبي يعف ور‬
‫كن فيه كان‬ ‫ست خصال َمن ّ‬ ‫وعبد هللا بن طلحة فقال ابتداء منه‪( :‬يا بن أبي يعفور‪ّ ..‬‬
‫بين يدي هللا ع ّز وج ّل وعن يمين هللا)‪ ،‬قال ابن أبي يعفور‪ :‬وما هي جعلت فداك؟!‪..‬‬
‫قال‪( :‬يحبّ المرء المسلم ألخيه ما يحبّ ألع ّز أهله‪ ،‬ويكره المرء المس لم ألخي ه م ا‬
‫يك ره ألع ّز أهل ه علي ه‪ ،‬ويناص حه الوالي ة)‪ ،‬فبكى ابن أبي يعف ور وق ال‪ :‬كي ف‬
‫يناصحه الوالية؟‪ ..‬قال‪( :‬يا بن أبي يعفور‪ ..‬إذا ك ان من ه بتل ك المنزل ة فه ّم ه ه ّم ه‪،‬‬
‫وفرحه فرحه إن هو فرح‪ ،‬حزنه لحزنه إن هو حزن‪ ،‬فإن كان عنده م ا يف رّج عن ه‬
‫فرّج عنه وإال دعا ل ه)‪ ،‬ثم ق ال اإلم ام الص ادق‪( :‬ثالث لكم وثالث لن ا‪ :‬أن تعرف وا‬
‫فضلنا‪ ،‬وأن تطأوا أعقابنا‪ ،‬وتنتظروا عاقبتنا)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]362 :‬ـ قال بعض هم‪ :‬قلت لإلم ام الص ادق‪ :‬جعلت ف داك‪ ..‬ق د ك بر‬
‫ق عظمي واقترب أجلي‪ ،‬وقد خفت أن يدركني قبل هذا األمر الموت‪ ،‬فق ال‬ ‫سني ود ّ‬
‫لي‪( :‬يا أبا حمزة‪ ..‬أ َو ما ترى الشهيد إال من قُتل؟)‪ ..‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬جعلت ف داك‪ ..‬فق ال‬
‫لي‪( :‬يا أبا حمزة‪َ ..‬من آمن بنا وص ّدق حديثنا وانتظرن ا‪ ،‬ك ان كمن قُت ل تحت راي ة‬
‫القائم‪ ،‬بل وهللا تحت راية رسول هللا ‪)3()‬‬
‫إن أبا الخطاب يذكر عنك أنك قلت له‪:‬‬ ‫[الحديث‪]363 :‬ـ قيل لإلمام الصادق‪ّ :‬‬
‫ق فاعمل ما شئت‪ ،‬فقال‪( :‬لعن هللا أبا الخطاب وهللا م ا قلت ل ه هك ذا‪،‬‬ ‫إذا عرفت الح ّ‬
‫إن هللا ع ّز‬ ‫ق‪ ،‬فاعم ل م ا ش ئت من خ ير يُقب ل من ك‪ّ ،‬‬ ‫ولكني قلت له‪ :‬إذا عرفت الح ّ‬
‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت ِم ْن َذ َك ٍر أَوْ أ ْنثَى َوهُ َو ُم ْؤ ِم ٌن فَأولَئِ َ‬‫الص الِ َحا ِ‬ ‫َّ‬ ‫وج ّل يق ول‪َ ﴿ :‬و َم ْن يَ ْع َم لْ ِمنَ‬
‫ُظلَ ُمونَ نَقِيرًا﴾ [النساء‪ ،]124 :‬ويقول تبارك وتعالى‪َ ﴿ :‬م ْن َع ِم َل‬ ‫يَ ْد ُخلُونَ ْال َجنَّةَ َواَل ي ْ‬
‫حيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل‪)4()]97 :‬‬ ‫صالِحًا ِم ْن َذ َك ٍر أَوْ أُ ْنثَى َوهُ َو ُم ْؤ ِم ٌن فَلَنُحْ يِيَنَّهُ َ‬‫َ‬
‫ّ‬
‫[الحديث‪]364 :‬ـ قال اإلمام الصادق‪( :‬إن هللا تب ارك وتع الى انتجبن ا لنفس ه‪،‬‬
‫فجعلنا صفوته من خلقه‪ ،‬وأمناءه على وحيه‪ ،‬وخ ّزان ه في أرض ه‪ ،‬وموض ع س رّه‪،‬‬
‫وعيبة علمه‪ ،‬ثم أعطانا الشفاعة فنحن أذنهُ السامعة‪ ،‬وعينه الناظرة‪ ،‬ولسانه الناطق‬
‫بإذنه‪ ،‬وأمناؤه على ما نزل من عذر ونُ ُذر وحجة)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]365 :‬ـ قال اإلم ام الص ادق‪( :‬نحن ب اب هللا وحجت ه وأمن اؤه على‬
‫خلقه‪ ،‬وخ ّزانه في سمائه وأرضه‪ ،‬حلّلنا عن هللا وح ّرمنا عن هللا‪ ،‬ال نحتجب عن هللا‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،27/126 :‬وبحار االنوارج‪/27‬ص‪.126‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،27/133 :‬والمحتضر‪.‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،27/138 :‬وكنز جامع الفوائد ص‪.332‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،27/174 :‬ومعاني األخبار ص‪.388‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪ ،26/247 :‬وبصائر الدرجات‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫شئنا)(‪)1‬‬ ‫(إن هللا جعل قلب وليّه وكراً إلرادته‪ ،‬فإذا شاء هللا‬ ‫إذا شئنا‪ ،‬وهو قوله ‪ّ :‬‬
‫مؤمن شعرا يمدحنا ب ه‪ ،‬إال‬‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫[الحديث‪ ]366 :‬ـ قال اإلمام الرضا‪( :‬ما قال فينا‬
‫بنى هللا تعالى له مدينة في الجنة أوسع من الدنيا سبع مرات‪ ،‬ي زوره فيه ا ك ل ملَ ك‬
‫ل نبي مرسل)(‪)2‬‬ ‫مقرّب‪ ،‬وك ّ‬
‫[الحديث‪]367 :‬ـ قال بعضهم‪ :‬كنت مع اإلمام الرضا لما دخل نيسابور‪ ،‬وهو‬
‫راكبٌ بغلة شهباء وقد خ رج علم اء نيس ابور في اس تقباله‪ ،‬فلم ا س ار إلى المربع ة‬
‫ق آبائ ك الط اهرين ح ديثا ً عن‬ ‫تعلّقوا بلجام بغلته وقالوا‪ :‬يا بن رسول هللا‪ ..‬حدثنا بح ّ‬
‫آبائك ص لوات هللا عليهم أجمعين‪ ..‬ف أخرج رأس ه من اله ودج وعلي ه مط رف خ ز‬
‫فقال‪( :‬ح ّدثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محم د بن علي‬
‫عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين سيد شباب أهل الجنة عن أم ير المؤم نين‬
‫عن رسول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬أخ برني جبرائي ل ال روح األمين عن هللا تق ّدس ت أس ماؤه‬
‫وج ّل وجهه قال‪( :‬إني أنا هللا ال إله إال أنا وحدي عبادي فاعبدوني‪ ،‬وليعلم من لقيني‬
‫منكم بشهادة أن ال إله إال هللا مخلصا ً بها أن ه ق د دخ ل حص ني‪ ،‬ومن دخ ل حص ني‬
‫أمن عذابي)‪ ،‬قالوا‪ :‬يا بن رسول هللا‪ ..‬وم ا إخالص الش هادة هلل؟‪ ..‬ق ال‪( :‬طاع ة هللا‬
‫ورسوله ووالية أهل بيته)(‪)3‬‬
‫‪ 3‬ـ تحقيق الحاكمية اإللهية‪:‬‬
‫وهي الغاي ة ال تي س عى إليه ا ك ل األئم ة‪ ،‬وال تي أخ بر رس ول هللا ‪ ‬أنه ا‬
‫ستتحقق عبر اإلمام المه دي ال ذي تتش كل على يدي ه الحكوم ة اإللهي ة على منه اج‬
‫النبوة‪ ،‬والتي تنقذ البشر جميعا من حكومات األهواء والضاللة‪.‬‬
‫أما غيره من األئمة‪ ،‬ابتداء من اإلمام علي؛ فق د س عوا إلى تحقي ق ذل ك‪ ،‬لكن‬
‫الظروف لم تسمح لهم‪ ،‬وهذا ال يعني فشلهم‪ ،‬وإنما يعني ع دم ت وفر القابلي ة الكافي ة‬
‫في األمة لتنال ذلك الشرف‪.‬‬
‫ومن األح اديث الدال ة على اعتب ار أئم ة اله دى ك ل حكم بغ ير ش ريعة هللا‬
‫ضاللة‪ ،‬ودعوتهم إلى السعي لتغييره‪ ،‬لتحقيق الحاكمية اإللهية‪:‬‬
‫[الحــديث‪]368 :‬ــ خطب ة االم ام الحس ين في م نى ح ول وظ ائف الفقي ه‬
‫ومسؤولياته‪ ،‬وأسباب جهاده وثورت ه الداخلي ة ض د الحكم األم وي‪ ،‬فق د ورد فيه ا‪:‬‬
‫(اعتبروا أيّها الناس بما وعظ هللا به أولي اءه من س وء ثنائ ه على األحب ار إذ يق ول‪:‬‬
‫س َم ا َك انُوا‬ ‫﴿ لَ وْ اَل يَ ْنهَ اهُ ُم ال َّربَّانِيُّونَ َواأْل َحْ بَ ا ُر ع َْن قَ وْ لِ ِه ُم اإْل ِ ْث َم َوأَ ْكلِ ِه ُم ُّ‬
‫الس حْ تَ لَبِ ْئ َ‬
‫يل َعلَى لِ َس ِ‬
‫ان‬ ‫ص نَعُونَ ﴾ [المائ دة‪ ،]63 :‬وق ال‪﴿:‬لُ ِعنَ الَّ ِذينَ َكفَ رُوا ِم ْن بَنِي إِ ْس َرائِ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ّ‬
‫َص وْ ا َو َك انوا يَ ْعتَ ُدونَ ﴾ [المائ دة‪ ،]78 :‬وإنم ا‬ ‫ُ‬ ‫ك بِ َم ا ع َ‬ ‫َ‬
‫دَا ُوو َد َو ِعي َسى ا ْب ِن َم رْ يَ َم ذلِ َ‬
‫ّ‬
‫عاب هللا ذلك عليهم ألنّهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفس اد‬
‫َ‬
‫فال ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم‪ ،‬ورهبة م ّما يحذرون وهللا يق ول‪:‬‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،26/256 :‬وتفسير الفرات ص‪.201‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،26/231 :‬والعيون ص‪.5‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،27/134 :‬وأمالي الطوسي ص‪.24‬‬
‫‪110‬‬
‫﴿و ْال ُم ْؤ ِمنُونَ َو ْال ُم ْؤ ِمن ُ‬
‫َات بَ ْع ُ‬
‫ضهُ ْم‬ ‫اس َو ْ‬
‫اخ َشوْ ِن ﴾ [المائدة‪ ،]44 :‬وقال‪َ :‬‬ ‫﴿فَاَل ت َْخ َش ُوا النَّ َ‬
‫ْ‬ ‫ْض يَأْ ُمرُونَ بِال َم ْعر ِ‬
‫ُوف َويَ ْنهَوْ نَ َع ِن ال ُم ْن َك ِر ﴾ [التوبة‪]71 :‬؛ فبدأ هللا باألمر‬ ‫ْ‬ ‫أَوْ لِيَا ُء بَع ٍ‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةً منه لعلم ه بأنّه ا إذا أُ ّديت وأُقيمت‪ ،‬اس تقامت‬
‫أن األمر بالمعروف والنهي عن المنك ر دع اء‬ ‫الفرائض كلّها هيّنها وصعبها‪ .‬وذلك ّ‬
‫إلى اإلسالم مع ر ّد المظالم‪ ،‬ومخالفة الظالم‪ ،‬وقسمة الفيء والغنائم‪ ،‬وأخذ الصدقات‬
‫من مواضعها ووضعها في حقّه ا‪.‬ثُ ّم أنتم أيّته ا العص ابة‪ ،‬عص ابة ب ال ِعلم مش هورة‪،‬‬
‫وب الخير م ذكورة‪ ،‬وبالنص يحة معروف ة‪ ،‬وباهلل في أنفس الن اس ُمهاب ة‪ ،‬يه ابكم‬
‫الشريف‪ ،‬ويُكرمكم الض عيف‪ ،‬ويُ ؤثركم من ال فض ل لكم علي ه‪ ،‬وال ي د لكم عن ده‪،‬‬
‫تش فعون في الح وائج إذا امتنعت من طاّل به ا‪ ،‬وتمش ون في الطري ق بهيب ة المل وك‬
‫ق هللا‪ ،‬وإن‬ ‫وكرامة األكابر‪ .‬أليس ك ّل ذلك إنّما نلتموه بما يُرجى عندكم من القيام بح ّ‬
‫ق الض عفاء فض يّعتم‪،‬‬ ‫ق األ ّم ة‪ ،‬فأ ّم ا ح ّ‬ ‫كنتم عن أكثر حقّه تُقصِّ رون؟ فاستخففتم بح ّ‬
‫وأ ّما حقّكم بزعمكم فطلبتم‪ ،‬فال ماالً بذلتم‪ ،‬وال نفس ا ً خ اطرتم به ا للّ ذي خلقه ا‪ ،‬وال‬
‫عشيرة ع اديتم في ذات هللا‪ .‬أنتم تتمنّ ون على هللا جنّت ه ومج اورة رس له وأمان ا ً من‬
‫عذابه‪ ،‬لقد خشيت عليكم أيّها المتمنّون على هللا أن تح ّل نقم ة من نقمات ه ألنّكم بلغتم‬
‫من كرامة هللا منزلةً فضّلتم بها‪ ،‬ومن يع رف باهلل ال تُكرم ون‪ ،‬وأنتم باهلل في عب اده‬
‫تُكرم ون‪ .‬وق د ت رون عه ود هللا منقوض ة فال تفزع ون‪ ،‬وأنتم لبعض ذمم آب ائكم‬
‫تفزعون‪ ،‬وذ ّمة رسول هللا ‪ ‬محقورة‪ ،‬والعمي والبكم وال زمن في الم دائن مهمل ة‬
‫ال ترحمون‪ ،‬وال في منزلتكم تعملون‪ ،‬وال من فيها تُعين ون‪ ،‬وباإلده ان والمص انعة‬
‫عن د الظلم ة ت أمنون‪ .‬ك ّل ذل ك م ّم ا أم ركم هللا ب ه من النهي والتن اهي وأنتم عن ه‬
‫غ افلون‪ .‬وأنتم أعظم الن اس مص يبة لم ا غلبتم علي ه من من ازل العلم اء ل و كنتم‬
‫بأن مج اري األم ور واألحك ام على أي دي العلم اء باهلل األمن اء على‬ ‫تسمعون‪ .‬ذلك ّ‬
‫ق‬‫حالله وحرامه‪ .‬فأنتم المسلوبون تلك المنزلة‪ ،‬م ا ُس لبتم ذل ك إاّل بتف رّقكم عن الح ّ‬
‫واختالفكم في السنّة بعد البيّنة الواضحة‪ .‬ولو صبرتم على األذى‪ ،‬وتح ّملتم المؤون ة‬
‫في ذات هللا ك انت أم ور هللا عليكم ت رد وعنكم تص در وإليكم ترج ع ولكنّكم م ّكنتم‬
‫الظّلمة من منزلتكم وأسلمتم أم ور هللا في أي ديهم‪ ،‬يعمل ون بالش بهات ويس يرون في‬
‫الش هوات‪ .‬س لّطهم على ذل ك ف راركم من الم وت وإعج ابكم بالحي اة الّ تي هي‬
‫مفارقتكم‪ ،‬فأس لمتم الض عفاء في أي ديهم‪ ،‬فمن بين مس تعبد مقه ور وبين مستض َعف‬
‫على معيشته مغل وب‪ ،‬يتقلّب ون في المل ك ب آرائهم‪ ،‬ويستش عرون الخ زي ب أهوائهم‬
‫اقتدا ًء باألشرار وج رأةً على الجبّ ار‪ ،‬في ك ّل بل ٍد منهم على من بره خطيب يص قع‪،‬‬
‫فاألرض شاغرة وأيديهم فيه ا مبس وطة‪ ،‬والن اس لهم خ ول‪ ،‬ال ي دفعون ي د المس‪،‬‬
‫ار عني د وذي س طو ٍة على الض عفة ش ديد مط اع ال يع رف المب دئ‬ ‫فمن بين جبّ ٍ‬
‫والمعيد‪ ،‬في ا عجب ا وم الي ال أعجب واألرض من غ اش غش وم ومتص ّدق ظل وم‪،‬‬ ‫ً‬
‫وعام ل على المؤم نين بهم غ ير رحيم‪ .‬فاهلل الح اكم فيم ا في ه تنازعن ا‪ ،‬والقاض ي‬
‫بحكمه فيما شجر بيننا‪ ..‬اللّه ّم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافس ا ً في س لطان وال‬
‫‪111‬‬
‫التماس ا ً من فُض ول الحط ام‪ ،‬ولكن لنُ ري المع الم من دين ك ونُظه ر اإلص الح في‬
‫بالدك ويأمن المظلومون من عبادك‪ ،‬ويُعم ل بفرائض ك وس ننك وأحكام ك‪ .‬ف إن لم‬
‫تنصرونا وتُنصفونا‪ ،‬قوي الظلمة عليكم وعملوا في إطف اء ن ور ن بيّكم‪ ،‬وحس بنا هللا‬
‫وعليه تو ّكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير)(‪)1‬‬
‫ومما ذكره الخميني من استدالالت بالحديث(‪:)2‬‬
‫‪ 1‬ـ من البديهي أن ه ذا ال ذم والتق بيح ال ذي ذك ره اإلم ام الحس ين ال يختص‬
‫بعلماء اليهود‪ ،‬وال بعلماء النص ارى‪ ،‬ب ل يش مل علم اء المجتم ع اإلس المي أيض اً‪،‬‬
‫وجميع علماء الدين بشكل عام؛ وبناءاً عليه‪ ،‬فعلماء الدين اإلسالمي مشمولون لل ذم‬
‫والتقبيح اإللهي أيضا ً فيما لو ظلوا ساكتين أمام سياسة الظلمة ونهجهم‪ ،‬وهذا االم ر‬
‫ال يخص السلف واالجيال الماضية‪ ،‬ب ل تتس اوى في ه االجي ال الماض ية م ع أجي ال‬
‫المستقبل‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن تس اهل العلم اء في وظ ائفهم ض رره أك ثر من تقص ير اآلخ رين في‬
‫القي ام بنفس تل ك الوظ ائف المش تركة‪ ،‬إذ عن دما ي رتكب الت اجر مخالف ة م ا‪ ،‬ف إن‬
‫ضررها يعود عليه‪ ،‬لكن إذا قصر العلماء في وظائفهم‪ ،‬فس كتوا مثال أم ام الظلم ة‪،‬‬
‫ف إن الض رر يع ود على اإلس الم‪ .‬وإذا عمل وا ب وظيفتهم‪ ،‬وتكلم وا حيث يجب أن‬
‫يتكلموا‪ ،‬فإن النفع سيعود على اإلسالم أيضاً‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ لقد ذكر قول االثم وأك ل الس حت م ع أن ه يجب النهي عن جمي ع األم ور‬
‫ال تي تخ الف الش رع‪ ،‬وذل ك من أج ل بي ان أن ه ذين المنك رين أخط ر من جمي ع‬
‫المنكرات‪ ،‬ويجب أن يعم ل على إنكارهم ا ومحاربتهم ا بش كل أك ثر جدي ة‪ ،‬إذ أن ه‬
‫أحيانا يكون ألقاوي ل األنظم ة الظالم ة ودعاي اتهم ض رر على اإلس الم والمس لمين‬
‫أك ثر من عملهم في سياس تهم‪ ،‬وغالب ا م ا يعرّض ون كرام ة واعتب ار اإلس الم‬
‫والمسلمين للهتك؛ فاهلل تعالى يؤاخذهم على عدم التصدي ألقاويل الباطل‪ ،‬ودعايات‬
‫السوء للظلمة‪ ،‬وعلى عدم تكذيبهم لمن يدعي أنه خليفة هللا‪ ،‬وأن األحكام اإللهية هي‬
‫تلك التي يطبقها هو‪ ،‬والعدالة اإلس المية هي م ا يقول ه وينف ذه م ع كون ه ال يخض ع‬
‫للعدالة أصال‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ لو قام شخص ما بتفسير األحكام بنح و ال يرض ي هللا‪ ،‬أو بإح داث بدع ة‬
‫بذريعة أن العدل اإلسالمي يقتض ي ذل ك‪ ،‬أو بتنفي ذ أحك ام مخالف ة لإلس الم‪ ،‬فيجب‬
‫على العلماء أن يبدوا معارضتهم له؛ فإذا لم يفعل وا‪ ،‬ف إنهم ملعون ون من هللا تع الى‪،‬‬
‫وه ذا واض ح من خالل اآلي ة ال تي اس تدل به ا اإلم ام الحس ين‪ ،‬وفي الح ديث‪( :‬إذا‬
‫ظهرت البدع‪ ،‬فللعالم أن يظهر علم ه‪ ،‬وإال فعلي ه لعن ة هللا)(‪ ،)3‬فإب داء المعارض ة‪،‬‬
‫وبيان األحكام والتعاليم اإللهية المخالفة للبدع والظلم والمعاصي مفيد في ح د ذات ه‪،‬‬
‫ألن ه ي ؤدي إلى إطالع الن اس على الفس اد االجتم اعي‪ ،‬ومظ الم الحك ام الخون ة‬
‫‪ )(1‬تحف العقول‪ ،‬ص‪.237‬‬
‫‪ )(2‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪ ،105‬فما بعدها‪.‬‬
‫‪ )(3‬اصول الكافي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.54‬‬
‫‪112‬‬
‫والفس قة‪ ،‬أو ال ذين ال دين لهم؛ فإب داء المعارض ة من قب ل علم اء ال دين في م وارد‬
‫كهذه هو نهي عن المنكر من قبل القادة الدينيين للمجتمع‪ ،‬ويس تتبع موج ة من النهي‬
‫عن المنكر‪ ،‬ونهضة معارضة وناهية عن المنكر‪ ،‬يشارك فيها جمي ع أبن اء الش عب‬
‫المتدينين والغيورين‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ح اول الخمي ني أن يعي د ص ياغة الخطب ة الس ابقة‪ ،‬بش كل يتناس ب م ع‬
‫العصر‪ ،‬ومن ذلك قوله مخاطبا العلماء والمراجع‪( :‬إذا لم تكونوا قادرين حاليا على‬
‫منع بدع الحكام‪ ،‬وإزالة هذه المفاسد‪ ،‬فعلى االقل ال تبقوا س اكتين‪ .‬إنهم يح اربونكم‪،‬‬
‫فض جوا واص رخوا واعترض وا‪ ،‬وال تستس لموا للظلم‪ .‬فاالستس الم للظلم أس وأ من‬
‫الظلم‪ .‬استنكروا واعترضوا واص رخوا‪ ،‬وانف وا اك اذيبهم‪ ،‬يجب عليكم أن تؤسس وا‬
‫أجهزة اعالمية مقابل أجه زتهم‪ ،‬لتفض ح وتنفي جمي ع أك اذيبهم‪ ،‬وتظه ر للمأل أنهم‬
‫يكذبون‪ ،‬وأن العدالة اإلسالمية ليست ما ي ّدعون‪ ،‬ويجب أن تُعلَن هذه األم ور لينتب ه‬
‫الناس‪ ،‬وال تجعل االجيال القادمة س كوت ه ذه الجماع ة حج ة‪ ،‬وتحس ب أن أعم ال‬
‫ومناهج الظلمة كانت مطابق ة للش رع‪ ،‬وأن ال دين اإلس المي الم بين ق د اقتض ى أن‬
‫يقوم بأكل السحت وسرقة اموال الشعب)(‪)1‬‬
‫وقال‪( :‬لقد أحرقوا المسجد االقصى‪ ،‬ونحن نصرخ‪ :‬دع وا المس جد االقص ى‬
‫على حال ه نص ف المح ترق ه ذا وال تزيل وا آث ار الج رم بينم ا نظ ام الش اه يفتتح‬
‫الحسابات ويجم ع الم ال من الن اس باس م بن اء المس جد االقص ى‪ ،‬ليتمكن من ج ني‬
‫الفوائد‪ ،‬ومأل جيوبه عبر هذا السبيل‪ ،‬ومن خالل ذلك يزيل آثار جرم إسرائيل)(‪)2‬‬
‫وقال‪( :‬إن االسباب األساسية لوج وب األم ر ب المعروف والنهي عن المنك ر‬
‫هي هذه األمور‪ .‬بينما نحن ق د جعلن ا األم ر ب المعروف والنهي عن المنك ر ض من‬
‫دائرة ص غيرة وحص رنا ذل ك في الم وارد ال تي ي ترتب فيه ا الض رر على الفاع ل‬
‫للمنكر‪ ،‬أو التارك للمعروف‪ ،‬وقد غرس في أذهاننا أن المنك رات هي تل ك األم ور‬
‫التي نراها ونسمع بها بشكل يومي في حياتنا االعتيادية فحسب‪ ،‬كس ماع الموس يقى‬
‫في الباص ات‪ ،‬أو ارتك اب بعض المخالف ات في المق اهي‪ ،‬أو تج اهر بعض الن اس‬
‫باالفطار‪ ،‬وأن هذه األم ور هي ال تي يجب أن ننهي عنه ا فق ط‪ ،‬وال نلتفت إلى تل ك‬
‫المنكرات الكبيرة‪ ،‬إلى أولئك الذين يقومون بضرب اإلسالم معنوياً‪ ،‬وس حق حق وق‬
‫الضعفاء وما شابه من الموارد ال تي يجب أن ينهى فيه ا عن المنك ر‪ .‬ل و ص ير إلى‬
‫االع تراض بش كل جم اعي على الظلم ة‪ ،‬وعلى المخالف ات ال تي يقوم ون به ا‪ ،‬أو‬
‫الجرائم التي يرتكبونها‪ ،‬ولو أرسلت اليهم آالف برقيات االس تنكار من جمي ع البالد‬
‫اإلسالمية‪ ،‬فمن المتيقن أنهم سوف يتخلون عما يقومون به)(‪)3‬‬
‫وقال‪( :‬إني أستوضحكم اآلن‪ :‬هل األمور التي ذكرها اإلمام في ه ذا الح ديث‬

‫‪ )(1‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.107‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.108‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫‪113‬‬
‫كانت خاصة بأص حابه المحيطين ب ه‪ ،‬وال ذين يس تمعون إلى كالم ه؟ أليس خط اب‬
‫[اعتبروا أيها الن اس] موجَّه ا ً لن ا؟ ألس نا مص داق الن اس وج ز ًء منهم؟ أال يجب أن‬
‫نأخذ العبرة من هذا الخطاب؟ وكما ذكرت في أول البحث‪ ،‬فإن هذه المطالب ليس ت‬
‫مختصة بجماعة معينة‪ ،‬وانم ا هي إعالن من اإلم ام إلى ك ل أم ير ووزي ر وح اكم‬
‫وفقيه‪ ،‬وإلى ك ل ال دنيا‪ ،‬وجمي ع البش ر‪ .‬فوص اياه قرين ة للق رآن ومثل ه‪ ،‬إذ وج وب‬
‫اتباعه ا مس تمرة إلى ي وم القيام ة‪ .‬واآلي ة ال تي اس تدل به ا أيض ا ً ﴿ل وال ينه اهم‬
‫الربانيون﴾ وإن كانت خطابا ً للربانيين واألحبار‪ ،‬لكن الخط اب موجَّه للجمي ع‪ .‬ولق د‬
‫ذ َّم هللا تعالى الربانيين واألحبار‪ ،‬واستنكر عليهم لسكوتهم أمام ظلم الظلمة خوف ا ً أو‬
‫طمعاً‪ ،‬م ع ك ونهم ق ادرين على القي ام بم ا يمن ع الظلم من خالل المعارض ة ورف ع‬
‫الصوت والكالم‪ ،‬فعلماء اإلسالم أيضا ً إذا سكتوا‪ ،‬ولم يقوموا بوجه الظالمين؛ ف إنهم‬
‫سوف يقعون محالً الستنكار هللا عز وجل)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]369 :‬ـ ما روي عن عمر بن حنظلة‪ ،‬أنه سأل اإلم ام الص ادق عن‬
‫رجلين حص لت بينهم ا منازع ة في دين أو م يراث‪ ،‬فتحاكم ا إلى الس لطان وإلى‬
‫ق أو باط ل فإنّم ا تح اكم إلى‬ ‫القضاة؛ فقال له اإلمام الصادق‪ :‬من تحاكم إليهم في ح ٍّ‬
‫الطاغوت‪ ،‬وما يُحكم له فإنّما يأخذه س حتا ً وإن ك ان حقّ ا ً ثابت ا ً ل ه‪ ،‬ألنّ ه أخ ذه بحكم‬
‫الط اغوت وم ا أم ر هللا أن يُكف ر ب ه‪ ،‬ق ال هللا تع الى‪﴿ :‬ي ُِري ُدونَ أَ ْن يَت ََح ا َك ُموا إِلَى‬
‫ت َوقَ ْد أُ ِمرُوا أَ ْن يَ ْكفُرُوا بِ ِه﴾ [النساء‪ ،]60 :‬فقال له عم ر‪ :‬فكي ف يص نعان؟‬ ‫الطَّا ُغو ِ‬
‫فأجابه اإلمام الصادق‪( :‬ينظ ران من ك ان منكم ق د روى ح ديثنا‪ ،‬ونظ ر في حاللن ا‬
‫وحرامنا‪ ،‬وعرف أحكامنا؛ فليرضوا به حكم اً‪ ،‬ف إني ق د جعلت ه عليكم حاكم اً؛ ف إذا‬
‫حكم بحكمنا فلم يقبل منه‪ ،‬فإنم ا اس تخف بحكم هللا‪ ،‬وعلين ا ر ّد‪ ،‬وال را ّد علين ا ال را ّد‬
‫على هللا‪ ،‬وهو على حد الشرك باهلل)(‪)2‬‬
‫وقد اهتم الخميني بهذه الرواية‪ ،‬وأشار إليها كثيرا عند استدالالته على والي ة‬
‫الفقيه‪ ،‬وقد قال عنها‪( :‬هذه الرواية من الواض حات‪ ،‬وليس ثم ة وسوس ة في س ندها‬
‫وداللتها‪ ،‬فال ترديد في أن اإلمام الصادق قد عين الفقهاء ألجل الحكوم ة والقض اء‪،‬‬
‫وعلى جميع المسلمين طاعة أمر اإلمام)(‪)3‬‬
‫ومع كون الرواية واضحة في الدعوة لتحكيم الفقه اء والعلم اء‪ ،‬ب دل القض اة‬
‫والسالطين‪ ،‬إال أننا سنقتبس بعض ما ذكره الخميني من وجوه االستدالل بها(‪:)4‬‬
‫‪1‬ـ كما يتحصل من صدر وذيل هذه الرواي ة‪ ،‬ومن استش هاد اإلم ام الص ادق‬
‫باآلية الشريفة‪ ،‬فإن موضوع السؤال كان حكما ً عاماً‪ ،‬كما أن اإلمام قد بين التكلي ف‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫‪ )(2‬الكافي‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ ،412‬رقم‪.5‬‬
‫‪ )(3‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.86‬‬
‫‪114‬‬
‫الع ام‪ ،‬وق د ذك رت الرج وع في ال دعاوى الحقوقي ة والجزائي ة إلى القض اة‪ ،‬وإلى‬
‫المسؤولين التنفيذيين والحكوم يين بش كل ع ام‪ ،‬ف الرجوع إلى القض اة يك ون ألج ل‬
‫اثبات الحق‪ ،‬وفص ل الخص ومات‪ ،‬وتع يين العقوب ة‪ ،‬والرج وع إلى الس لطة ألج ل‬
‫إل زام الط رف اآلخ ر في ال دعوى بقب ول النتيج ة‪ ،‬أو لتنفي ذ الحكم الحق وقي أو‬
‫الجزائي‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ في ه ذه الرواي ة يُس أل اإلم ام عن ج واز الرج وع إلى س الطين الج ور‬
‫وقضاتهم‪ ،‬ويجيب اإلمام بالنهي عن الرجوع إلى دوائر الحكومات غ ير الش رعية‪،‬‬
‫سواء التنفيذية أو القضائية‪ ،‬ويقول بأنه على الشعب المسلم أال يرجع في أموره إلى‬
‫سالطين وحكام الجور والقضاة العاملين لديهم‪ ،‬حتى لو كان حق الشخص المراج ع‬
‫ثابتاً‪ ،‬ويريد الرجوع إلحقاقه وتحصيله‪ ..‬ومن رجع إليهم في موارد كهذه فقد رج ع‬
‫إلى الطاغوت‪ ،‬أي الس لطات غ ير الش رعية‪ ،‬وم ا يأخ ذه من ح ق بواس طتهم فإنم ا‬
‫يأخذه سحتاً‪ ،‬وإن كان حقا ً ثابتا ً له‪ ،‬فهو حرام‪ ،‬وال حق له في التصرف فيه‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ بين الخميني بعض األسرار الثورية ال تي يحمله ا ق ول اإلم ام الص ادق؛‬
‫فقال‪( :‬هذا حكم سياسي لإلسالم‪ ،‬حكم يبعث على امتناع المسلمين عن الرج وع إلى‬
‫السلطات غير الشرعية والقضاة التابعين لهم‪ ،‬وذلك لكي تتوقف األجهزة الحكومي ة‬
‫الجائرة وغير اإلس المية‪ ،‬وتتعط ل ه ذه المح اكم الطويل ة العريض ة ال تي ال يع ود‬
‫للناس منها سوى التعب والمشقة‪ ،‬وتفتح الطري ق إلى أئم ة اله دى وإلى األش خاص‬
‫الموك ل اليهم ح ق الحكم والقض اة من قبلهم‪ ،‬واله دف األساس ي ه و ع دم الس ماح‬
‫للسالطين والقضاة التابعين لهم بأن يكونوا مرجعا ً لألم ور‪ ،‬وب أن يتبعهم الن اس في‬
‫ذلك‪ .‬فقد أعلن األئم ة لألم ة اإلس المية أن ه ؤالء ليس وا بمرج ع‪ ،‬وهللا تع الى أم ر‬
‫الناس بالكفر بهم وعصيانهم‪ ،‬والرجوع اليهم يتنافى مع الكفر بهم‪ ،‬ف إذا كنت ك افراً‬
‫بهم وتراهم ظالمين وغير الئقين‪ ،‬فيجب أال ترجع إليهم)(‪)1‬‬
‫‪ 4‬ـ بناء على هذا‪ ،‬وبناء على حاجة الناس للقضاة والحكام؛ ف إن ق ول اإلم ام‬
‫الصادق‪ ،‬ليس سوى دعوة لتحقيق والية الفقيه في الواق ع‪ ،‬كم ا ينص الخمي ني على‬
‫ذلك بقوله‪( :‬بناءاً على هذا‪ ،‬فما هو تكلي ف األم ة؟ وم ا ال ذي يجب عليهم عمل ه في‬
‫الح وادث والمنازع ات؟ وإلى من يرجع ون؟‪ ..‬فاإلم ام لم ي ترك ش يئا ً مبهم ا ً ليق ول‬
‫البعض إذن فرواة الحديث هم المرجع والحاكم‪ ،‬بل ذكر كل الجهات وقي د (ال رواة)‬
‫بكونهم ممن نظر في الحالل والحرام وفقا للقواعد‪ ،‬ول ه معرف ة باألحك ام‪ ،‬ويمتل ك‬
‫الموازين لتمييز الرواي ات الص ادرة على خالف الواق ع‪ ..‬ومن الواض ح أن معرف ة‬
‫األحكام ومعرفة الحديث أمر آخر غير نقل الحديث)(‪)2‬‬
‫‪ 5‬ـ يقول تعليقا على قول اإلمام الصادق‪( :‬فإني قد جعلته عليكم حاكماً)‪( :‬أي‬
‫منص با ً من قبلي للحكم واالم ارة‪ ،‬وللقض اء بين المس لمين‪ .‬وال يح ق للمس لمين أن‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.87‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.87‬‬
‫‪115‬‬
‫يرجع وا إلى غ يره‪ ،‬وبن اءاً علي ه‪ ،‬فل و اعت دى أح دهم على م ال لكم‪ ،‬ف المرجع في‬
‫الشكوى هي السلطة التي عينه ا اإلم ام‪ ،‬وإذا تن ازعتم م ع أح د على دَين‪ ،‬واحتجتم‬
‫إلى اثب ات ذل ك‪ ،‬ف المرجع ه و ذل ك القاض ي ال ذي عين ه أيض اً‪ ،‬وال ح ق لكم في‬
‫الرج وع إلى غ يره‪ .‬وه ذه وظيف ة جمي ع المس لمين‪ ،‬وليس تكليف ا ً خاص ا ً بعم ر بن‬
‫حنظل ة حين يواج ه تل ك المش كلة‪ ،‬ف أمر اإلم ام ه ذا ع ام وكلي‪ ،‬فكم ا ك ان أم ير‬
‫المؤم نين في زم ان حكومت ه يعين الحك ام وال والة والقض اة‪ ،‬وك ان على جمي ع‬
‫المس لمين أن يطيع وهم‪ ،‬فاإلم ام الص ادق أيض ا ً بم ا أن ه ولي االم ر المطل ق‪ ،‬ول ه‬
‫الوالية على جميع العلماء والفقهاء والناس‪ ،‬فهو يس تطيع أن يعيّن الحك ام والقض اة‬
‫لزمان حياته‪ ،‬ولما بعد مماته‪ .‬وقد قام بذلك وجعل هذا المنصب للفقه اء‪ ،‬وإنم ا ق ال‬
‫[حاكماً] لكيال يتوهم البعض أن األمر مختص بالمسائل القضائية‪ ،‬وال يش مل س ائر‬
‫أمور الحكم والدولة)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]370 :‬ما روي عن سالم بن مكرم المكنى بأبي خديجة(‪ ،)2‬أنه قال‪:‬‬
‫(بعثني أبو عبد هللا إلى أحد أصحابنا‪ ،‬فقال‪ :‬قل لهم‪ :‬إيّ اكم إذا وقعت بينكم خص ومة‬
‫أو تدارى في ش يء من األخ ذ والعط اء‪ ،‬أن تُح اكموا إلى أح ٍد من ه ؤالء ّ‬
‫الفس اق‪،‬‬
‫اجعلوا بينكم رجالً قد عرف حاللنا وحرامنا فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً‪ ،‬وإيّاكم أن‬
‫ي ُخاصم بعضكم بعضا ً إلى السلطان الجائر)(‪)3‬‬
‫وقد ذكرها الخميني في كتابه [الحكومة اإلسالمية]‪ ،‬وذك ر وج وه االس تدالل‬
‫بها بتفصيل نختصره فيما يلي (‪:)4‬‬
‫‪ .1‬المراد من التداري المذكور في الرواية هو االختالف الحق وقي؛ ف المعنى‬
‫أن ال ترجعوا إلى هؤالء الفساق في االختالفات الحقوقي ة والمنازع ات وال دعاوي‪.‬‬
‫ومن قوله بعد ذلك‪( :‬إني قد جعلته عليكم قاضياً) يتضح أن المقص ود من [الفس اق]‬
‫هم القضاة المعينون من قبل سالطين ذلك الوقت‪ ،‬والحكام غ ير الش رعيين‪ .‬ويق ول‬
‫في ذيل الحديث‪( :‬وإي اكم أن يخاص م بعض كم بعض ا ً إلى الس لطان الج ائر)‪ ،‬أي ال‬
‫ترجعوا في األمور ذات العالقة بالسلطة التنفيذية هؤالء الحكام غير الشرعيين‪.‬‬
‫‪ .2‬أن السلطان الجائر هو كل حاكم جائر وغير شرعي بش كل ع ام‪ ،‬ويش مل‬
‫جميع الحكام غير اإلس الميين‪ ،‬والس لطات الثالث القض ائية والتش ريعية والتنفيذي ة‬
‫جميع اً‪ ،‬لكن بااللتف ات إلى أن ه ق د نهى قب ل ذل ك عن الرج وع إلى قض اة الج ور‪،‬‬
‫يتضح أن المراد بهذا النهي فريق آخر‪ ،‬وهم السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أن قوله‪( :‬إيّاكم أن يُخاص م بعض كم بعض ا ً إلى الس لطان الج ائر) ليس ت‬
‫تكراراً للكالم السابق‪ ،‬أي النهي عن الرجوع إلى الفس اق‪ ،‬وذل ك ألن ه ق د نهى أوالً‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.88‬‬


‫وعلي بن ّ‬
‫فض ال‪ ،‬وعبَّر‬ ‫ّ‬ ‫‪ )(2‬كان من أصحاب اإلمامين الصادق والكاظم وروى عن كليهما‪ ،‬وثَّق ه ابن قولوي ه‪،‬‬
‫النجاشي بالثقة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الرجالي الكبير‬
‫ّ‬ ‫عنه‬
‫‪ )(3‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج‪ ،18‬ص‪.100‬‬
‫‪ )(4‬الحكومة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪116‬‬
‫عن الرجوع إلى القاضي الفاسق في األمور المتعلقة به من التحقيق‪ ،‬وإقامة البيّن ة‪،‬‬
‫وأمثال ذلك‪ ،‬وأوضح وظيفة اتباع القاضي الذي عينه‪ ،‬ثم منع بعد ذلك من الرج وع‬
‫إلى الس الطين أيض اً‪ ،‬مم ا ي دل على أن ب اب القض اء غ ير ب اب الرج وع إلى‬
‫السالطين‪ ،‬وأنهما صنفان‪ .‬وفي رواية عم ر بن حنظل ة حيث نهى عن التح اكم إلى‬
‫السالطين والقضاة أشار إلى كال الصنفين‪ ،‬غاية األم ر أن ه هن ا إنم ا عين القاض ي‬
‫فقط‪ ،‬بينما في رواية عمر بن حنظلة عين الحاكم المنفذ والقاضي كالهما‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ 4‬ـ أن اإلمام الصادق جع ل منص ب القض اء في حيات ه للفقه اء ـ وفق ا له ذه‬
‫الرواية ـ بينما جعل لهم منصب القضاء والرئاسة وفقا ً لرواية عمر بن حنظلة‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ال يمكن ألحد أن يقول باعتزال الفقهاء عن هذه المناصب بم وت اإلم ام؛‬
‫ففي انظمة الدنيا جميعا ال تلغي المناصب والمراك ز العس كرية والتنظيمي ة بمج رد‬
‫وفاة رئيس الجمهورية أو السلطان‪ ،‬أو تبديل األوضاع وتغيير النظام‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ بن اء على م ا س بق؛ ف إن مناص ب العلم اء باقي ة مس تمرة‪ ،‬وك ذلك مق ام‬
‫الرئاسة والقض اء ال ذي عيَّن ه االئم ة لفقه اء اإلس الم‪ ،‬فه و مس تمر وب اق؛ فاإلم ام‬
‫يعرف أنه في حكومات الدنيا تبقى المناصب مس تمرة ح تى ل و م ات ال رئيس؛ فل و‬
‫كان يريد سلب حق الرئاسة والقضاء من الفقه اء بع د وفات ه لك ان يجب أن يعلن أن‬
‫ذلك المنصب للفقهاء إنم ا ك ان ف ترة حيات ه فحس ب‪ ،‬وأنهم بع د رحيل ه معزول ون؛‬
‫فظهر إذن أن الفقهاء منصوبون من قبل اإلمام لمنصب الحكومة والقضاء‪ ،‬وأن هذا‬
‫المنصب لهم باق دائماً‪ ،‬واحتمال كون اإلمام المتأخر قد نقض ه ذا الحكم‪ ،‬وع زلهم‬
‫عن ذلك المنصب‪ ،‬احتمال باطل‪ .‬إذ عن دما ينهى اإلم ام عن الرج وع إلى س الطين‬
‫الجور وقضاتهم‪ ،‬ويقول أن الرج وع اليهم رج وع إلى الط اغوت‪ ،‬ويتمس ك باآلي ة‬
‫الش ريفة ال تي ت أمر ب الكفر بالط اغوت‪ ،‬ومن ث َّم ينص ب (الفقه اء) قض اة وحكام ا ً‬
‫للناس‪ ،‬فلو ألغي اإلمام المتأخر هذا الحكم‪ ،‬ولم ينصب حاكما ً وقاضيا ً آخر‪ ،‬فما ه و‬
‫تكلي ف المس لمين؟ ولمن يجب عليهم الرج وع في االختالف ات والمنازع ات؟ ه ل‬
‫يرجعون إلى الفساق والظلمة‪ ،‬والذي هو رجوع إلى الطاغوت‪ ،‬ومخالف ألمر هللا؟‬
‫أم يبقون دون مرجع وملجأ‪ ،‬وتع ّم الفوض ى؟ وليفع ل ك ل ام رئ م ا يري د من اك ل‬
‫حق‪ ،‬أو سرقة أو سواها؟‬
‫ثالثا ـ صفات األئمة‪:‬‬
‫بناء على العدالة والحكمة اإللهية التي تضع كل شيء في موضعه المناس ب‪،‬‬
‫وتوفر له من المزايا والخص ائص والكم االت م ا يحتاج ه ألداء وظيفت ه‪ ،‬كم ا ق ال‬
‫تعالى‪َ ﴿ :‬ربُّنَا الَّ ِذي أَ ْعطَى ُك َّل َش ْي ٍء خَ ْلقَهُ ثُ َّم هَ دَى ﴾ [ط ه‪]50 :‬؛ فق د ش اءت حكم ة‬
‫هللا تع الى أن يت وفر أئم ة اله دى على الكث ير من الص فات ال تي ت ؤهلهم ألداء تل ك‬
‫الوظائف الخطيرة المناطة بهم في هداية الخلق‪ ،‬وحفظ الدين‪.‬‬
‫﴿و َج َع ْلنَ ا ِم ْنهُ ْم أئِ َّمة يَ ْه ُدونَ بِأ ْم ِرنَ ا‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫وقد جمع هللا تعالى تلك الصفات في قوله‪َ :‬‬
‫صبَرُوا َو َكانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة‪ ،]24 :‬وهي تعني توفر وصفين كب يرين‬ ‫لَ َّما َ‬
‫‪117‬‬
‫تجتمع فيهما الكثير من الصفات والخصائص‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬القدرة على الصبر والتضحية‪ ،‬وذلك يعني أن ه ؤالء األئم ة يب ذلون‬
‫جهودا مضاعفة في أداء تكاليفهم الشرعية‪ ،‬وبصورتها الكاملة‪ ،‬خالفا لسائر الناس‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬اليقين بآي ات هللا‪ ،‬وذل ك يع ني أن مع ارفهم اإليماني ة ليس ت مج رد‬
‫معارف مكتسبة‪ ،‬وإنما هي ثمرة لليقين الذي رزقهم هللا تعالى إياه بس بب إخالص هم‬
‫﴿و َك َذلِكَ نُ ِري إِ ْب َرا ِهي َم َملَ ُك وتَ‬ ‫وصدقهم‪ ،‬كما قال تعالى عن إبراهيم علي ه الس الم‪َ :‬‬
‫ض َولِيَ ُكونَ ِمنَ ْال ُموقِنِينَ ﴾ [األنعام‪]75 :‬‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫اوا ِ‬ ‫ال َّس َم َ‬
‫وهذا يعني أن العلوم التي يتحدث بها أئمة الهدى ليست تلك العلوم الموروث ة‬
‫عن جدهم ‪ ‬فقط‪ ،‬وإنما هي علوم وهبية‪ ،‬اكتسبوها بناء على ص دقهم وإخالص هم‬
‫وتجردهم وصحبتهم الدائمة لكالم ربهم‪ ،‬وبعدهم عن الفتن وكل أسبابها‪ ،‬وعدم خلط‬
‫دينهم باليهودية أو غيرها‪ ،‬مثلما حصل لكثير من علماء األمة‪.‬‬
‫بناء على هذا سنذكر هن ا ن وعين من الص فات ال واردة في األح اديث‪ :‬أوله ا‬
‫يرتبط بالعلم وثانيها يرتبط بالمجاهدات والتضحيات والسلوك‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ أئمة الهدى والعلم اليقيني‪:‬‬
‫بم ا أن أئم ة اله دى يعت برون كاألس اتذة بالنس بة لس ائر األم ة‪ ،‬وذل ك ألنهم‬
‫يوضحون لها ما جاء به الرسل عليهم السالم‪ ،‬بعيدا عن كل التأثيرات؛ فق د اقتض ى‬
‫ذلك أن تكون لهم علومهم الخاصة‪ ،‬والتي عبر عنها القرآن الك ريم بكونه ا عميق ة‪،‬‬
‫ال تتعلق بالقشور‪ ،‬وإنما تتعلق باللباب‪.‬‬
‫فقد قال تعالى في وصف الذين يعلمون تأويل الق رآن الك ريم‪ ،‬ويبتع دون عن‬
‫َّاس ُخونَ‬‫الفتن التي تجرها المتشابهات‪ ،‬ويحذرون منها‪َ ﴿ :‬و َما يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَهُ إِاَّل هَّللا ُ َوالر ِ‬
‫ب﴾ [آل عم ران‪:‬‬ ‫فِي ْال ِع ْل ِم يَقُولُونَ آ َمنَّا بِ ِه ُك ٌّل ِم ْن ِع ْن ِد َربِّنَا َو َما يَ َّذ َّك ُر إِاَّل أُولُ و اأْل َ ْلبَ ا ِ‬
‫‪]7‬‬
‫فقد جمع هللا تعالى في هذه اآلية الكريمة بين الرسوخ في العلم‪ ،‬وال ذي يع ني‬
‫التعمق فيه‪ ،‬وبين كونهم أولي األلباب‪ ،‬أي أصحاب العقول الخالص ة ال تي لم تك در‬
‫باالهتمام بالقشور والشوائب‪.‬‬
‫بناء على هذا سنذكر هنا م ا ورد من أح اديث ح ول رس وخ أئم ة اله دى في‬
‫العلم‪ ،‬ومصادر علومهم‪ ،‬وأنواعها‪:‬‬
‫[الحــديث‪]371 :‬ـ ق ال اإلم ام علي‪( :‬س لوني قب ل أن تفق دوني‪ ،‬فوال ذي فل ق‬
‫الحبة وبرأ النسمة إني العلم بالتوراة من أهل التوراة وإني العلم باالنجيل من أه ل‬
‫االنجيل وإني العلم بالقرآن من أهل القرآن‪ ،‬والذي فلق الحب ة وب رأ النس مة م ا من‬
‫فئة تبلغ مائة رجل إلى يوم القيامة إال وأن ا ع ارف بقائ دها وس ائقها‪ ..‬وس لوني عن‬
‫القرآن فإن في القرآن بيان كل ش ئ في ه علم االولين واآلخ رين وإن الق رآن لم ي دع‬
‫لقائل مقاال‪ ،‬وم ا يعلم تأويل ه إال هللا والراس خون في العلم‪ ،‬ليس بواح د‪ ،‬رس ول هللا‬
‫‪ ‬منهم‪ ،‬أعلم ه هللا إي اه فعلمني ه رس ول هللا ‪ ‬ثم ال ت زال في عقبن ا إلى ي وم‬
‫‪118‬‬
‫وس ى َوآ ُل هَ ارُونَ ﴾ [البق رة‪ ،]248 :‬وأن ا من‬ ‫ك آ ُل ُم َ‬ ‫﴿وبَقِيَّةٌ ِم َّما ت ََر َ‬
‫القيامة)‪ ،‬ثم قرأ َ‬
‫رسول هللا بمنزلة هارون من موسى والعلم في عقبنا إلى أن تقوم الساعة)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]372 :‬ـ قال اإلمام علي‪( :‬يا طلحة إن كل آية أنزلها هللا على محم د‬
‫‪ ‬عندي بامالء رسول هللا ‪ ‬وخطي بيدي‪ ،‬وتأويل كل آية أنزلها هللا على محم د‬
‫‪ ‬وكل حالل وحرام أو حد أو حكم تحتاج إليه االمة إلى يوم القيامة عندي مكتوب‬
‫بامالء رسول هللا ‪ ‬وخطي بيدي ح تى أرش الخ دش)‪ ،‬ق ال طلح ة‪ :‬ك ل ش ئ من‬
‫ص غير أو كب ير أو خ اص أو ع ام أو ك ان أو يك ون إلى ي وم القيام ة فه و مكت وب‬
‫عندك؟ قال‪( :‬نعم وسوى ذلك أن رسول هللا ‪ ‬أسر إلي في مرضه مفتاح ألف باب‬
‫في العلم يفتح كل باب أل ف ب اب‪ ،‬ول وأن االم ة بع د قبض رس ول هللا ‪ ‬اتبع وني‬
‫وأطاعوني الكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪ ]373 :‬ـ ق ال اإلم ام الب اقر‪( :‬م ا بعث هللا نبي ا إال أعط اه من العلم‬
‫﴿ونَ َّز ْلنَ ا َعلَ ْي كَ ْال ِكتَ َ‬
‫اب تِ ْبيَانً ا‬ ‫بعضه ما خال النبي ‪ ‬فانه أعطاه من العلم كله فقال‪َ :‬‬
‫اح ِم ْن ُك لِّ َش ْي ٍء﴾ [األع راف‪:‬‬ ‫﴿و َكتَ ْبنَا لَهُ فِي اأْل َ ْل َو ِ‬
‫لِ ُك ِّل َش ْي ٍء ﴾ [النحل‪ ،]89 :‬وقال‪َ :‬‬
‫ب﴾ [النمل‪ ،]40 :‬ولم يخبر أن عنده علم‬ ‫ال الَّ ِذي ِع ْن َدهُ ِع ْل ٌم ِمنَ ْال ِكتَا ِ‬ ‫‪ ،]145‬وقال‪﴿ :‬قَ َ‬
‫الكتاب‪ ،‬ومن ال يقع من هللا على الجميع‪ ،‬وقال لمحمد ‪﴿ :‬ثُ َّم أَوْ َر ْثنَ ا ْال ِكتَ َ‬
‫اب الَّ ِذينَ‬
‫اصْ طَفَ ْينَا ِم ْن ِعبَا ِدنَا﴾ [فاطر‪ ،]32 :‬فه ذا الك ل ونحن المص طفون‪ ،‬وق ال الن بي ‪‬‬
‫فيما سأل رب ه ﴿ َوقُ لْ َربِّ ِز ْدنِي ِع ْل ًم ا﴾ [ط ه‪ ،]114 :‬فهي الزي ادة ال تي عن دنا من‬
‫العلم الذي لم يكن عند أحد من أوصياء االنبياء وال ذرية االنبياء غيرنا‪ ،‬فبه ذا العلم‬
‫علمنا الباليا والمنايا وفصل الخطاب)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪ ]374 :‬ـ ق ال أب و بص ير لإلم ام الب اقر‪ :‬بم ا يعلم ع ال ُمكم جعلت‬
‫إن عالمنا ال يعلم الغيب‪ ،‬ولو وكل هللا عالمنا إلى نفس ه‬ ‫فداك؟!‪ ..‬قال‪( :‬يا أبا محمد‪ّ ..‬‬
‫كان كبعضكم‪ ،‬ولكن ي ُح ّدث إليه ساعة بعد ساعة)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]375 :‬ـ قال اإلمام الباقر‪( :‬فلما قضى محمد ‪ ‬نبوت ه‪ ،‬واس تكملت‬
‫أيامه‪ ،‬أوحى هللا إليه‪( :‬يا محمد‪ ..‬قد قضيتَ نبوت ك واس تكملتَ أيام ك‪ ،‬فاجع ل العلم‬
‫الذي عندك‪ ،‬واإليمان‪ ،‬واالس م األك بر‪ ،‬وم يراث العلم‪ ،‬وآث ار النب وة في العقب من‬
‫ذريتك‪ ،‬كما لم أقطعها من بيوتات األنبياء)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]376 :‬ـ قيل لإلمام الباقر‪ :‬لو تعلمون الغيب‪..‬فقال‪( :‬يُبسط لنا فنعلم‪،‬‬
‫وي ُقبض عنا فال نعلم)(‪)6‬‬
‫ت‬
‫اوا ِ‬ ‫الس َم َ‬‫﴿و َك َذلِكَ نُ ِري إِب َْرا ِهي َم َملَ ُك وتَ َّ‬ ‫[الحديث‪ ]377 :‬ـ قيل لإلمام الباقر‪َ :‬‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار (‪ ،)64 /26‬تفسير فرات‪.47 :‬‬


‫‪ )(2‬كتاب سليم‪.109 :‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار (‪)64 /26‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،26/60 :‬وبصائر الدرجات ص‪.94‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪ ،26/63 :‬وبصائر الدرجات ص‪.138‬‬
‫‪ )(6‬بحار األنوار‪ ،26/96 :‬وبصائر الدرجات ص‪.151‬‬
‫‪119‬‬
‫فت ل ه الس ماوات‬ ‫ض َولِيَ ُك ونَ ِمنَ ْال ُم وقِنِينَ ﴾ [األنع ام‪ ،]75 :‬ق ال‪ُ ( :‬كش ْ‬ ‫َواأْل َرْ ِ‬
‫واألرض حتى رآها‪ ،‬ورأى ما فيها‪ ،‬قيل‪( :‬فأوتي محم د ‪ ‬مث ل م ا أوتي إب راهيم‬
‫عليه السالم؟)‪ ،‬قال‪( :‬نعم‪ ،‬وصاحبكم هذا أيضاً)(‪)1‬‬
‫صا ً وعلما ً عا ّماً‪ :‬فأما العلم‬ ‫(إن هلل علما ً خا ّ‬ ‫[الحديث‪ ]378 :‬قال اإلمام الباقر‪ّ :‬‬
‫الخاصّ فالعلم الذي لم يطّلع عليه مالئكته المقرّبين وأنبي اءه المرس لين‪ ،‬وأ ّم ا علم ه‬
‫العام فإنه علمه الذي أطّلع عليه مالئكته المقرّبين وأنبياءه المرسلين‪ ،‬وقد وق ع إلين ا‬
‫من رسول هللا ‪)2()‬‬
‫[الحــديث‪ ]379 :‬ـ س ئل اإلم ام الص ادق عن اإلم ام يعلم الغيب؟‪ ..‬ق ال‪( :‬ال‪،‬‬
‫ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلَمه هللا ذلك)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]380 :‬ـ قيل لإلمام الصادق‪( :‬إنا نسألك أحيانا ً فتسرع في الج واب‪،‬‬
‫وأحيانا ً تطرق ثم تجيبن ا‪ ،‬ق ال‪( :‬نعم‪ ،‬إن ه يُنكت في آذانن ا وقلوبن ا‪ ،‬ف إذا نُكت نطقن ا‬
‫وإذا أمسك عنا أمسكنا)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]381 :‬ـ قيل لإلمام الصادق‪( :‬هذا العلم الذي يعلمه ع ال ُمكم‪ :‬أش يء‬
‫ي ُلقى في قلبه أو ي ُنكت في أذنه؟‪ ..‬فسكت حتى غفل القوم ثم قال‪( :‬ذاك وذاك)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]382 :‬ـ قال زرارة لإلمام الص ادق‪ :‬كي ف يُعلم أن ه ك ان الملَ ك وال‬
‫يخ اف أن يك ون من الش يطان إذا ك ان ال ي رى الش خص؟‪ ..‬ق ال‪( :‬إن ه يُلقى علي ه‬
‫ع‪ ،‬وإن كان الشيطان ـ‬ ‫السكينة فيعلم أنه من الملَك‪ ،‬ولو كان من الشيطان اعتراه فز ٌ‬
‫يا زرارة ـ ال يتعرض لصاحب هذا األمر)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]383 :‬ـ قيل لإلمام الصادق‪( :‬جعلت فداك‪ ..‬يفرض هللا طاع ة عب ٍد‬
‫على العباد‪ ،‬ثم يحجب عن ه خ بر الس ماء؟)‪ ..‬ق ال‪( :‬هللا أك رم وأرأف بعب اده من أن‬
‫يفرض عليهم طاعة عب ٍد يحجب عنه خبر السماء صباحا ً أو مسا ًء)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪]384 :‬ـ خرج اإلمام الصادق وهو مغضب‪ ،‬فلما أخ ذ مجلس ه ق ال‪:‬‬
‫(يا عجبا ً ألقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب‪ ،‬وما يعلم الغيب إال هللا‪ ،‬لقد كنت أبحث عن‬
‫خادمتي فالنة‪ ،‬فما عرفتها في أي ال بيوت من ال دار هي)‪ ،‬فقي ل ل ه‪( :‬جعلن ا ف داك‪،‬‬
‫سمعناك تقول كذا وكذا في أمر خادمتك‪ ،‬ونحن نعلم أنك تعلم علم ا ً كث يراً ال يُنس ب‬
‫إلى علم الغيب‪ ،‬فقال‪( :‬يا سدير‪ ..‬ما تقرأ القرآن؟)‪ ،‬قال‪ :‬قرأن اه جعلت ف داك‪ ..‬ق ال‪:‬‬
‫ب أَنَ ا آتِي َ‬
‫ك بِ ِه‬ ‫ال الَّ ِذي ِع ْن َدهُ ِع ْل ٌم ِمنَ ْال ِكتَ ا ِ‬
‫(فهل وجدتَ فيما قرأت من كتاب هللا‪﴿ :‬قَ َ‬
‫ك﴾ [النمل‪ ،]40 :‬ق ال‪ :‬جعلت ف داك‪ ..‬ق د قرأت ه‪ ،‬ق ال‪( :‬فه ل‬ ‫قَب َْل أَ ْن يَرْ تَ َّد إِلَ ْي َ‬
‫ك طَرْ فُ َ‬
‫عرفت َالرجل‪ ،‬وعلمت ما كان عنده من علم الكت اب؟)‪ ،‬ق ال‪ :‬ف أخبرني ح تى أعلم‪،‬‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،26/115 :‬وبصائر الدرجات ص‪.30‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،26/160 :‬والتوحيد ص‪.128‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،26/57 :‬واالختصاص ص‪ ،285‬بصائر الدرجات ص‪.91‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،26/57 :‬وبصائر الدرجات ص‪.91‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪ ،26/58 :‬وبصائر الدرجات ص‪.91‬‬
‫‪ )(6‬بحار األنوار‪ ،26/60 :‬وبصائر الدرجات ص‪.92‬‬
‫‪ )(7‬بحار األنوار‪ ،26/109 :‬وبصائر الدرجات ص‪.34‬‬
‫‪120‬‬
‫ق ال‪( :‬ق در قط رة من المط ر الج ود‪ ،‬في البح ر األخض ر م ا يك ون ذل ك من علم‬
‫الكتاب؟) قال‪ :‬جعلت فداك ما أق ّل هذا !‪ ..‬قال‪( :‬ي ا س دير‪ ..‬م ا أك ثره لمن لم ينس به‬
‫إلى العلم الذي أُخبرك به‪ ..‬يا سدير‪ ..‬فهل وجدت فيما قرأت من كتاب هللا‪﴿ :‬قُلْ َكفَى‬
‫ب﴾ [الرعد‪ ]43 :‬كله؟‪ ..‬وأوم أ بي ده إلى‬ ‫بِاهَّلل ِ َش ِهيدًا بَ ْينِي َوبَ ْينَ ُك ْم َو َم ْن ِع ْن َدهُ ِع ْل ُم ْال ِكتَا ِ‬
‫صدره فقال‪( :‬علم الكتاب كلّه وهللا عندنا‪ ،‬ثالثاً)(‪)1‬‬
‫‪ 2‬ـ أئمة الهدى والمواقف العملية‪:‬‬
‫من األخطاء التي يقع فيها بعض الدارسين لتاريخ أئمة اله دى وم واقفهم ه و‬
‫إجراء المقارنات بينها بغية تفضيل بعضها على بعض‪ ،‬مثلم ا يق ارنون بين موق ف‬
‫اإلم امين الحس ن والحس ين؛ فيتص ورون أن اإلم ام الحس ن ك ان مس الما ص ابرا‪،‬‬
‫واإلمام الحسين كان ثائرا محاربا‪.‬‬
‫وهذا وهم كبير؛ فكال اإلمامين إمامي ه دى‪ ،‬وه ذا يع ني أنهم ا ال يتص رفان‬
‫بمزاجهما‪ ،‬وال بهواهما‪ ،‬وإنما بما يرينه مناسبا للوقت والبيئة والظروف‪ ،‬ولذلك ل و‬
‫أن اإلمام الحسن عاش إلى أن رأى معاوية يترك الحكم ليزيد لقام ثائرا عليه‪ ،‬مثلم ا‬
‫فعل أخوه تماما‪.‬‬
‫وهكذا كان لكل إم ام ظروف ه الخاص ة ب ه‪ ،‬وال تي تجع ل من ه مدرس ة قائم ة‬
‫بذاتها يمكن أن تستفيد منها في ظروفها المختلفة‪ ،‬وذلك ما يتيح له ا البع د عن الفتن‬
‫مهما كان نوعها‪ ،‬ألن لديها من الهدي المرتبط بها ما يحفظها منها‪.‬‬
‫ومن األحاديث الدالة على هذا‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]385 :‬ـ قيل لإلمام الصادق‪ :‬أيما أفضل الحس ن أم الحس ين؟ فق ال‪:‬‬
‫(إن فضل أولنا يُلح ق بفض ل آخرن ا‪ ،‬وفض ل آخرن ا يُلح ق بفض ل أولن ا‪ ،‬وك لٌّ ل ه‬ ‫ّ‬
‫وس ع عل ّي في الج واب‪ ،‬ف إني وهللا م ا س ألتك إال‬ ‫فض ل)‪ ،‬قي ل ل ه‪ :‬جعلت ف داك‪ّ ،‬‬
‫مرت ادا‪ ،‬فق ال‪( :‬نحن من ش جرة طيبّ ة‪ ،‬برأن ا هللا من طين ة واح دة‪ ،‬فض لنا من هللا‬
‫وعلمنا من عند هللا‪ ،‬ونحن أمناؤه على خلقه وال دعاة إلى دين ه‪ ،‬أزي دك ي ا زي د؟!)‪،‬‬
‫(خلقنا واح ٌد وعلمنا واح ٌد وفضلنا واح ٌد وكلنا واح ٌد عند هللا تعالى)‪،‬‬ ‫قيل‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ْ :‬‬
‫فقال‪ :‬أخبرني بعدتكم‪ ،‬فقال‪( :‬نحن اثنا عشر هكذا ح ول ع رش ربن ا ع ّز وج ّل في‬
‫مبتدأ خلقنا‪ ،‬أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]386 :‬ـ قال اإلمام الباقر‪( :‬ال يستكمل عب ٌد اإليمان‪ ،‬حتى يعرف أنه‬
‫يج ري آلخ رهم م ا يج ري ألولهم في الح ّج ة والطاع ة‪ ،‬والحالل والح رام س واء‪،‬‬
‫ولمحمد ‪ ‬واإلمام علي فضلهما)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]387 :‬ـ قال اإلم ام الك اظم‪( :‬نحن في العلم والش جاعة س واء‪ ،‬وفي‬
‫العطايا على قدر ما نؤمر)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،26/171 :‬وبصائر الدرجات ص‪.58‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،25/363 :‬والمحتضر ص‪.159‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،25/353 :‬وقرب اإلسناد ص‪.152‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،25/357 :‬وبصائر الدرجات ص‪.141‬‬
‫‪121‬‬
‫أن أم ير المؤم نين اإلم ام علي‬‫[الحديث‪]388 :‬ـ قال اإلم ام الص ادق‪( :‬اعلم ّ‬
‫ض لوا) ‪، 5‬‬
‫)‬ ‫(‬ ‫ُ‬
‫أفضل عند هللا من األئمة كلهم‪ ،‬وله ثواب أعمالهم‪ ،‬وعلى قدر أعم الهم ف ّ‬
‫وهذا التفض يل الخ اص لإلم ام علي‪ ،‬بن اء على ورود النص ب ذلك‪ ،‬وليس من ب اب‬
‫المقارنة بين أعماله وأعمال غيره من األئمة؛ فلو كانوا في عهده لفعلوا ما فعل‪.‬‬
‫رابعــا ـ اإلمــام المهــدي ووظائفــه في تصــحيح مســار األمــة‪ ،‬وســر تــأخر‬
‫ظهوره‪:‬‬
‫وهي أحاديث كث يرة ج دا‪ ،‬وكله ا تتواف ق م ع م ا ورد في المص ادر الس نية‪،‬‬
‫وتختلف عنها في أمرين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬في تحدي د اإلم ام المه دي‪ ،‬وكون ه اإلم ام الث اني عش ر من الع ترة‬
‫الطاهرة‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬ذكر غيابه الطويل‪ ،‬وتفسير سبب ذلك‪ ،‬ودع وة األم ة إلى االرتب اط‬
‫الروحي ب ه‪ ،‬في تل ك الف ترة باعتب اره إم ام المس لمين‪ ،‬م ع ال دعوة لتهيئ ة األج واء‬
‫لظهوره‪.‬‬
‫وال نرى في كال األم رين أي ح رج‪ ،‬ال من الناحي ة العقلي ة‪ ،‬وال من الناحي ة‬
‫الشرعية‪ ،‬بل نرى في ذلك الكثير من المصالح التي ال تتحقق من دون ذلك‪.‬‬
‫وأولها قطع الطريق على أولئك الذين ي دعون المهدوي ة ك ل حين‪ ،‬ويغ رون‬
‫السذج من الناس‪ ،‬ويستعملون البشارات النبوية مطية لذلك‪.‬‬
‫والثاني التخلص من التبعية المطلقة للحكام المس تبدين ال ذين يحكم ون بغ ير‬
‫شريعة هللا؛ فالمؤمن يعتقد ب أن حاكم ه الحقيقي ه و اإلم ام المه دي‪ ،‬وأن غ يره من‬
‫المس تبدين أخ ذوا ح ق غ يرهم‪ ،‬واس تولوا علي ه ظلم ا؛ وأم ا الع ادلون منهم؛ فإن ه‬
‫يعتبرهم نواب مؤقتين له إلى حين ظهوره‪.‬‬
‫والثالث االرتباط الروحي به‪ ،‬والذي يحدث آثارا كثيرة في النفس‪ ،‬ال تختلف‬
‫عن آثار الحاضرين لعصره‪ ،‬مثلما حصل ألويس القرني والذي لم يتشرف بجلوسه‬
‫مع رسول هللا ‪ ،‬ولكن أشواقه الروحية أوص لته إلى المح ال ال تي لم يص ل إليه ا‬
‫الذين تشرفوا بذلك‪.‬‬
‫والرابع‪ ،‬ما يطلق عليه إيجابي ة االنتظ ار‪ ،‬وذل ك بتحض ير النفس والمجتم ع‬
‫لظهوره‪ ،‬وهو ما يجعل كل فرد من المنتظرين جنديا إلمامه الغائب‪.‬‬
‫وغيرها من المصالح التي أشارت إليها أحاديث أئمة الهدى‪ ،‬أم ا تواف ق ذل ك‬
‫مع العقل؛ فنحن ال نتحدث مع عقل غير المسلم‪ ،‬أو غير المؤمن باهلل‪ ،‬ذلك أنه عق ل‬
‫ينكر النبوة نفسها‪ ،‬بل ينك ر ك ل الخ وارق‪ ،‬ول ذلك ال يس تطيع أن يعق ل ه ذا‪ ،‬ح تى‬
‫يتعرف أوال على قدرة هللا المطلقة‪ ،‬والتي ال تعجز عن شيء‪.‬‬
‫وأما عقل المسلم؛ فإنه ال يسأل مث ل ه ذه األس ئلة‪ ،‬لت وفر إجابته ا في الق رآن‬
‫الكريم؛ فاهلل تعالى حدثنا عن أهل الكه ف وأعم ارهم الطويل ة‪ ،‬وح دثنا عن عزي ز‪،‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪ ،25/361 :‬والمحتضر ص‪.89‬‬
‫‪122‬‬
‫وحدثنا عن المسيح عليه السالم‪ ،‬واألحاديث ت ذكر ط ول عم ره‪ ،‬وأن ه س يظهر م ع‬
‫اإلمام المهدي في وقت واحد على الرغم من أنه رفع قبل ذلك بقرون كثيرة‪.‬‬
‫وهكذا؛ فإن الذي يستغرب مثل هذا‪ ،‬وي رده باس م العق ل‪ ،‬ال عالق ة ل ه بعق ل‬
‫المؤمن‪ ،‬وإنما بعقل الملحد والكافر الذي ال يؤمن بالمعجزات والخوارق‪ ،‬وال بقدرة‬
‫هللا المطلقة‪.‬‬
‫ولهذا‪ ،‬فإن عقل المؤمن الذي ينطلق من ثقت ه في تل ك األخب ار الكث يرة ال تي‬
‫تذكر ذلك‪ ،‬وهي متواترة عن أئمة أهل البيت‪ ،‬ابتداء من اإلمام علي‪ ..‬ال حرج عليه‬
‫في ذلك اإليمان‪ ،‬وال يستطيع أحد من الناس أن ينكر عليه‪ ،‬باس م العق ل إال إذا ك ان‬
‫ملحدا أو كافرا‪..‬‬
‫ولذلك نرى أن تلك النصوص وح دها كافي ة لمن يري د أن يس لم له ا من دون‬
‫حاج ة للبحث في ميالده‪ ،‬أو ع دم ميالده‪ ..‬فيكفي ه أن يعلم أن ه ال تخل و األرض من‬
‫إمام إما ظاهر‪ ،‬أو غائب‪ ..‬وما دام ال يوجد إمام ظاهر؛ فإن ذلك يعني أنه غائب‪.‬‬
‫انطالقا من ه ذا ن ورد هن ا األح اديث الدال ة على ذل ك‪ ،‬وف ق الش روط ال تي‬
‫ذكرناها في مقدمة السلسلة‪:‬‬
‫ق من ا‪،‬‬‫[الحديث‪]389 :‬ـ وهو قوله ‪( :‬ال تقوم الساعة حتى يقوم القائم الح ّ‬
‫وذلك حين يأذن هللا ع ّز وج ّل له‪ ،‬و َمن تبعه نجا و َمن تخلّف عنه هل ك‪ ،‬هللا هللا عب اد‬
‫هللا!‪ ،‬فأتوه ولو على الثلج‪ ،‬فإنه خليفة هللا ع ّز وج ّ‬
‫ل وخليفتي)(‪)1‬‬
‫ّ‬
‫ليغيبن القائم من‬ ‫[الحديث‪ ]390 :‬وهو قوله ‪( :‬والذي بعثني بالحق بشيراً‪،‬‬
‫ولدي بعه ٍد معهو ٍد إلي ه م ني‪ ،‬ح تى يق ول أك ثر الن اس‪:‬م ا هلل في آل محم د حاج ة‪،‬‬
‫ك آخرون في والدته‪ ،‬فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه‪ ،‬وال يجعل للشيطان إليه‬ ‫ويش ّ‬
‫سبيالً بش ّكه‪ ،‬فيزيله عن ملتي ويخرجه من دي ني‪ ،‬فق د أخ رج أب ويكم من الجن ة من‬
‫ل جعل الشياطين أولياء الذين ال يؤمنون)(‪)2‬‬ ‫قبل‪ ،‬وإن هللا ع ّز وج ّ‬
‫[الحــديث‪]391 :‬ـ قول ه ‪( :‬إن خلف ائي وأوص يائي وحجج هللا على الخل ق‬
‫بعدي اثنا عشر أولهم أخي وآخ رهم ول دي)‪ ،‬قي ل‪ :‬يارس ول هللا ومن أخ وك؟ ق ال‪:‬‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬قيل فمن ولدك؟ قال‪( :‬المه دي يماله ا قس طا وع دال كم ا ملئت‬
‫جورا وظلما والذي بعثني بالحق نبيا ل و لم يب ق من ال دنيا إال ي وم واح د الط ال هللا‬
‫ذلك الي وم ح تى يخ رج في ه ول دي المه دي في نزل روح هللا عيس ى بن م ريم علي ه‬
‫السالم فيصلي خلفه وتشرق االرض بنور ربها ويبلغ س لطانه المش رق والمغ رب)‬
‫(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]392 :‬ـ قوله ‪( :‬طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتم ب ه في‬
‫غيبت ه قب ل قيام ه ويت ولى أولي اءه ويع ادي أع داءه ذاك من رفق ائي وذوي م ودتي‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،51/65 :‬والعيون‪.‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،51/68 :‬وإكمال الدين‪.‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار (‪)71 /51‬‬
‫‪123‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫وأكرم امتي علي يوم القيامة)‬
‫[الحديث‪ ]393 :‬قوله ‪( :‬المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه‬
‫الناس بي خلقا وخلقا تكونه له غيبة وحيرة حتى يضل الخلق عن أدي انهم فعن د ذل ك‬
‫يقبل كالشهاب الثاقب فيمالها عدال وقسطا كما ملئت ظلما وجورا) (‪)2‬‬
‫[الحديث‪]394 :‬ـ قوله ‪( :‬المهدي من ولدي تكون ل ه غيب ة وح يرة تض ل‬
‫فيها االمم يأتي بذخيرة االنبياء فيمالها عدال وقسطا كما ملئت جورا وظلما) (‪)3‬‬
‫[الحديث‪]395 :‬ـ قول ه ‪( :‬علي بن أبي ط الب إم ام ام تي وخليف تي عليهم‬
‫بعدي ومن ولده القائم المنتظر الذي يمال هللا عزوجل به االرض ع دال وقس طا كم ا‬
‫ملئت جورا وظلما والذي بعثني بالحق بش يرا إن الث ابتين على الق ول ب ه في زم ان‬
‫غيبت ه الع ز من الك بريت األحم ر)‪ ،‬فق ام إلي ه ج ابر بن عبدهللا االنص اري فق ال‪:‬‬
‫ص هَّللا ُ الَّ ِذينَ آ َمنُ وا‬
‫﴿ولِيُ َم ِّح َ‬
‫يارس ول هللا وللق ائم من ول دك غيب ة؟ فق ال‪( :‬إي وربي َ‬
‫ق ْال َكافِ ِرينَ ﴾ [آل عمران‪ ،]141 :‬يا جابر إن هذا المر من أم ر هللا وس ر من‬ ‫َويَ ْم َح َ‬
‫سر هللا‪ ،‬مطوي عن عباده‪ ،‬فاياك والشك في أمر هللا فهو كفر) (‪)4‬‬
‫[الحــديث‪ ]396 :‬ـ قول ه ‪( :‬الق ائم من ول دي اس مه اس مي وكنيت ه كني تي‬
‫وشمائله شمائلي وسنته سنتي يقيم الناس على ملتي وش ريعتي وي دعوهم إلى كت اب‬
‫هللا عزوج ل من أطاع ه أط اعني ومن عص اه عص اني ومن أنك ره في غيبت ه فق د‬
‫أنكرني ومن كذبه فقد كذبني ومن صدقه فقد صدقني إلى هللا أشكو المك ذبين لي في‬
‫أمره والجاحدين لقولي في شأنه والمضلين المتي عن طريقته) وسيعلم الذين ظلموا‬
‫أي منقلب ينقلبون) (‪)5‬‬
‫[الحــديث‪]397 :‬ــ عن جب ير بن ن وف أبي ال وداك ق ال‪ :‬قلت ألبي س عيد‬
‫الخدري‪ :‬وهللا مايأتي علينا ع ام إال وه و ش ر من الماض ي وال أم ير إال وه و ش ر‬
‫ممن كان قبله‪ ،‬فقال أبوسعيد‪ :‬سمعته من رسول هللا ‪ ‬يقول ما تقول‪ ،‬ولكن سمعت‬
‫رسول هللا ‪ ‬يقول‪( :‬ال يزال بكم االمر حتى يول د في الفتن ة والج ور من اليع رف‬
‫غيرها حتى تمأل االرض جورا فال يقدر أحد يقول‪ :‬هللا‪ ،‬ثم يبعث هللا عزوجل رجال‬
‫مني ومن عترتي فيمال االرض عدال كم ا ماله ا من ك ان قبل ه ج ورا‪ ،‬ويخ رج ل ه‬
‫االرض أفالذ كبدها ويحثو المال حثوا وال يع ده ع دا وذل ك ح تى يض رب االس الم‬
‫بجرانه)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]398 :‬ـ عن عبدالرحمان بن أبي ليلى عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬بكى النبي ‪‬‬
‫فقي ل‪ :‬مم بك اؤك يارس ول هللا ق ال‪ :‬أخ برني جبري ل علي ه الس الم أنهم يظلمون ه‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار (‪)71 /51‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار (‪)71 /51‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار (‪)71 /51‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار (‪)73 /51‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار (‪)73 /51‬‬
‫‪ )(6‬بحار األنوار (‪)68 /51‬‬
‫‪124‬‬
‫ويمنعونه حقه ويقاتلونه ويقتلون ولده ويظلمونهم بعده‪ ،‬وأخبرني عن ربه عز وجل‬
‫أن ذل ك ي زول إذا ق ام ق ائمهم وعلت كلمتهم وأجمعت االم ة على محبتهم‪ ،‬وك ان‬
‫الشانئ لهم قليال والكاره لهم ذليال وكثر المادح لهم وذلك حين تغير البالد وتض عف‬
‫العباد واالياس من الفرج وعن د ذل ك يظه ر الق ائم فيهم‪ ..‬اس مه كاس مي واس م أبي ه‬
‫كاسم ابني وهو من ولد ابنتي يظهر هللا الح ق بهم ويخم د الباط ل بأس يافهم ويتبعهم‬
‫الناس بين راغب إليهم وخائف لهم)‪ ،‬ثم قال‪( :‬معاشر المؤمنين ابشروا ب الفرج ف إن‬
‫وعد هللا اليخلف وقضاؤه اليرد‪ ،‬وه و الحكيم الخب ير ف ان فتح هللا ق ريب اللهم إنهم‬
‫أهلي ف أذهب عنهم ال رجس وطه رهم تطه يرا اللهم اكألهم واحفظهم وارعهم وكن‬
‫لهم وانصرهم وأعنهم وأعزهم وال تذلهم واخلفني فيهم إنك على كل شئ قدير) (‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]399 :‬ـ عن جابر أنه سأل رسول هللا ‪ :‬فهل يقع لشيعته االنتف اع‬
‫به في غيبته؟‪ .‬فقال ‪( :‬إي والذي بعثني بالنب ّوة إنهم يستضيئون بنوره‪ ،‬وينتفع ون‬
‫بواليته في غيبته كا´نتفاع النّاس بالشمس وإن جلّلها سحاب)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]400 :‬وهو ما روي عن أصبغ بن نباتة‪ ،‬قال‪ :‬أتيت أمير المؤمنين‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬فوجدته مف ّكراً ينكت في األرض‪ ،‬فقلت‪:‬ي ا أم ير المؤم نين‪ ،‬م ا‬
‫لي أراك مف ّكراً تنكت في األرض أرغبة فيها؟‪ ،‬ق ال‪:‬ال وهللا م ا رغبت فيه ا وال في‬
‫رت في مولو ٍد يكون من ظه ري الح ادي عش ر من ول دي‬ ‫الدنيا يوما ً قطّ‪ ،‬ولكني ف ّك ُ‬
‫هو المهدي‪ ،‬يمألها عدالً كما ُملئت ظلما ً وجوراً‪ ،‬تكون له حيرة وغيبة‪ ،‬يض ّل فيه ا‬
‫ٌ‬
‫لكائن؟‪ ،‬فقال‪:‬نعم‪ ،‬كما‬ ‫أقوا ٌم ويهتدي فيها آخرون‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬وإن هذا‬
‫ق‪ ،‬وأنى لك بالعلم بهذا األمر يا أصبغ؟!‪ ،‬أولئك خيار هذه األمة مع أب رار‬ ‫أنه مخلو ٌ‬
‫ت‬ ‫هذه العترة‪ ،‬قلت‪:‬وما يكون بع د ذل ك؟‪ ،‬ق ال‪:‬ثم يفع ل هللا م ا يش اء‪ ،‬ف ّ‬
‫إن ل ه إرادا ٍ‬
‫ت)(‪)3‬‬
‫ت ونهايا ٍ‬ ‫وغايا ٍ‬
‫[الحديث‪]401 :‬ـ قال اإلمام علي‪( :‬صاحب هذا األمر الشريد الطري د الفري د‬
‫الوحيد)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪]402 :‬ـ قال اإلم ام علي يص ف حكوم ة اإلم ام المه دي‪( :‬يعط ف‬
‫الهوى على الهدى إذا عطفوا اله دى على اله وى‪ ،‬ويعط ف ال رّأي على الق رآن إذا‬
‫عطفوا القرآن على الرّأي‪ ،‬حتّى تقوم الحرب بكم على ساق‪ ،‬باديا نواجذها‪ ،‬مملوءة‬
‫أخالفها‪ ،‬حلوا رضاعها‪ ،‬علقما عاقبتها‪ ،‬أال وفي غد ـ وسيأتي غد بم ا ال تعرف ون ـ‬
‫يأخ ذ ال والي من غيره ا ع ّماله ا على مس اوئ أعماله ا‪ ،‬وتخ رج ل ه األرض أفالي ذ‬
‫الس يرة‪ ،‬ويح يي ميّت الكت اب‬‫كبدها‪ ،‬وتلقي إليه سلما مقاليدها‪ ،‬ف يريكم كي ف ع دل ّ‬
‫وال ّسنّة)‬
‫ثم قال‪( :‬كأنّي به قد نعق بال ّشام‪ ،‬وفحص براياته في ضواحي كوفان‪ ،‬فعطف‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار (‪)67 /51‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار (‪)250 /36‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،51/118 :‬وإكمال الدين‪.‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،51/120 :‬وإكمال الدين‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫عليها عطف الضّروس‪ ،‬وفرش األرض ب الرّؤوس‪ ،‬ق د فغ رت فاغرت ه‪ ،‬وثقلت في‬
‫الص ولة‪ ،‬وهللا ليش رّدنّكم في أط راف األرض‪،‬‬ ‫األرض وطأته‪ ،‬بعيد الجولة‪ ،‬عظيم ّ‬
‫حتّى ال يبقى منكم إاّل قلي ل كالكح ل في العين‪ ،‬فال تزال ون ك ذلك حتّى ت ؤوب إلى‬
‫الس نن القائم ة‪ ،‬واآلث ار البيّن ة‪ ،‬والعه د الق ريب‬ ‫العرب عوازب أحالمها‪ ..‬ف الزموا ّ‬
‫شيطان إنّما يسنّي لكم طرقه لتتّبعوا عقبه) (‪)1‬‬ ‫الّذي عليه باقي النّبوّة‪ ،‬واعلموا ّ‬
‫أن ال ّ‬
‫[الحديث‪]403 :‬ـ روي أنه لما صالح اإلمام الحسن معاوية‪ ،‬دخل عليه الناس‬
‫فالمه بعضهم على بيعته‪ ،‬فقال‪( :‬ويحكم‪ ،‬م ا ت درون م ا عملت؟‪ ،‬وهللا ال ذي عملت‬
‫ترض‬ ‫خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت‪ ،‬أال تعلم ون أن ني إم امكم مف َ‬
‫الطاعة عليكم‪ ،‬وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول هللا ‪‬؟)‪ ،‬قالوا‪ :‬بلى‪،‬‬
‫أن الخضر لما خرق السفينة‪ ،‬وقتل الغالم‪ ،‬وأقام الجدار‪ ،‬ك ان ذل ك‬ ‫قال‪( :‬أما علمتم ّ‬
‫سخطا ً لموسى بن عمران‪ ،‬إذ خفي عليه وجه الحكمة فيه‪ ،‬وكان ذلك عند هللا حكم ةً‬
‫وصواباً‪ ،‬أما علمتم أنه ما منا أح ٌد إال ويقع في عنقه بيع ةٌ لطاغي ة زمان ه‪ ،‬إال الق ائم‬
‫فإن هللا ع ّز وج ّل يُخفي والدت ه ويُغيّب‬ ‫الذي يصلي روح هللا عيسى بن مريم خلفه‪ّ ،‬‬
‫شخصه‪ ،‬لئال يكون ألحد في عنقه بيعةٌ‪ ،‬إذا خرج ذاك التاسع من ول د أخي الحس ين‬
‫ابن سيدة اإلماء‪ ،‬يطيل هللا عمره في غيبته‪ ،‬ثم يظهره بقدرته في ص ورة ش اب ابن‬
‫أن هللا على كل شيء قدير)(‪)2‬‬ ‫دون أربعين سنة‪ ،‬ذلك ليعلم ّ‬
‫[الحديث‪]404 :‬ـ روي أن بعضهم دخل على اإلمام الك اظم فق ال ل ه‪ :‬ي ا ابن‬
‫رسول هللا‪ ،‬أنت الق ائم ب الحق؟‪ ،‬فق ال‪( :‬أن ا الق ائم ب الحق‪ ،‬ولكن الق ائم ال ذي يطهّ ر‬
‫األرض من أعداء هللا ويمألها عدالً كم ا ُملئت ج وراً‪ ،‬ه و الخ امس من ول دي‪ ،‬ل ه‬
‫غيبةٌ يطول أمدها خوفا ً على نفسه‪ ،‬يرتد فيه ا أق وام ويثبت فيه ا آخ رون)‪ ،‬ثم ق ال‪:‬‬
‫(طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبنا في غيبة قائمنا‪ ،‬الثابتين على مواالتنا وال براءة من‬
‫أعدائنا‪ ،‬أولئك منّا ونحن منهم‪ ،‬قد رضوا بنا أئمة ورض ينا بهم ش يعة وط وبى لهم‪،‬‬
‫هم وهللا معنا في درجتنا يوم القيامة)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]405 :‬ـ قول اإلمام الصادق في بعض مصاديق قوله تع الى‪ ﴿ :‬أَ َّم ْن‬
‫ض﴾ [النم ل‪:]62 :‬‬ ‫الس و َء َويَجْ َعلُ ُك ْم ُخلَفَ ا َء اأْل َرْ ِ‬ ‫يُ ِجيبُ ْال ُم ْ‬
‫ض طَ َّر إِ َذا َد َع اهُ َويَ ْك ِش فُ ُّ‬
‫(نزلت في القائم‪ ،‬هو وهللا المضطر إذا صلّى في المق ام ركع تين ودع ا هللا فأجاب ه‪،‬‬
‫ويكشف السوء ويجعله خليفةً في األرض)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪]406 :‬ـ ق ول اإلم ام الب اقر في بعض مص اديق قول ه تع الى‪﴿ :‬قُ لْ‬
‫أَ َرأَ ْيتُ ْم إِ ْن أَصْ بَ َح َما ُؤ ُك ْم َغوْ رًا فَ َم ْن يَأْتِي ُك ْم بِ َما ٍء َم ِعي ٍن ﴾ [الملك‪( :]30 :‬هذه ن زلت في‬
‫الق ائم‪ ،‬يق ول‪ :‬إن أص بح إم امكم غائب ا ً عنكم ال ت درون أين ه و‪ ،‬فمن ي أتيكم بإم ام‬
‫ظاهر يأتيكم بأخبار السماء واألرض‪ ،‬وحالل هللا ع ّز وج ّل وحرام ه؟‪ ،‬ثم ق ال‪:‬وهللا‬
‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪)138‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،51/132 :‬وإكمال الدين‪.‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،51/151 :‬وإكمال الدين‪.‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،51/48 :‬وتفسير القمي‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫تأويلها)(‪)1‬‬ ‫ما جاء تأويل اآلية‪ ،‬وال ب ّد أن يجيء‬
‫ْ‬
‫﴿وتِل كَ‬‫[الحديث‪ ]407 :‬ـ قول اإلمام الصادق في بعض مصاديق قوله تعالى‪َ :‬‬
‫اس﴾ [آل عم ران‪( :]140 :‬م ا زال من ذ خل ق هللا آدم دول ة هلل‬ ‫َاولُهَا بَ ْينَ النَّ ِ‬ ‫اأْل َيَّا ُم نُ د ِ‬
‫ودولة إلبليس‪ ،‬فأين دولة هللا؟‪ ،‬أما هو قائ ٌم واحد)(‪)2‬‬
‫﴿ولَئِ ْن‬
‫[الحديث‪ ]408 :‬ـ قول اإلمام الصادق في بعض مصاديق قوله تع الى‪َ :‬‬
‫ص رُوفًا‬ ‫ْس َم ْ‬‫اب إِلَى أُ َّم ٍة َم ْعدُو َد ٍة لَيَقُولُ َّن َما يَحْ بِ ُس هُ أَاَل يَ وْ َم يَ أْتِي ِه ْم لَي َ‬ ‫أَ َّخرْ نَا َع ْنهُ ُم ْال َع َذ َ‬
‫ق بِ ِه ْم َما َكانُوا بِ ِه يَ ْستَه ِْزئُونَ ﴾ [هود‪( :]8 :‬يعني عدة كعدة ب در‪ ،‬يُجمع ون‬ ‫َع ْنهُ ْم َو َحا َ‬
‫له في ساعة واحدة قزعا ً كقزع الخريف)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]409 :‬ـ قول اإلمام الباقر في بعض مصاديق قوله تعالى‪ ﴿ :‬ي ُِري ُدونَ‬
‫ور ِه َولَ وْ َك ِرهَ ْال َك افِرُونَ ﴾ [الص ف‪( :]8 :‬ل و‬ ‫ُطفِئُ وا نُ و َر هَّللا ِ بِ أ َ ْف َوا ِه ِه ْم َوهَّللا ُ ُمتِ ُّم نُ ِ‬ ‫لِي ْ‬
‫تركتم هذا األمر‪ ،‬ما تركه هللا)(‪)4‬‬

‫[الحديث‪]410 :‬ـ قول اإلمام علي‪( :‬لتعطفن الدنيا علينا بع د شماس ها عط ف‬


‫ض ِعفُوا‬ ‫﴿ونُ ِري ُد أَ ْن نَ ُم َّن َعلَى الَّ ِذينَ ا ْستُ ْ‬ ‫الضروس على ول دها)‪ ،‬ثم تال قول ه تع الى‪َ :‬‬
‫ال َوارثِينَ ﴾ [القصص‪)5()]5 :‬‬
‫ض َونَجْ َعلَهُ ْم أَئِ َّمةً َونَجْ َعلَهُ ُم ْ ِ‬ ‫فِي اأْل َرْ ِ‬
‫[الحديث‪]411 :‬ـ قال اإلمام السجاد‪( :‬تمت ُّد الغيب ة ب ول ّي هللا الث اني عش ر من‬
‫إن أه ل زم ان غيبت ه الق ائلون‬ ‫أوصياء رسول هللا ‪ ،‬واألئمة بع ده‪ .‬ي ا أب ا خال د‪ّ :‬‬
‫ألن هللا تعالى ذكره أعط اهم من‬ ‫بإمامته المنتظرون لظهوره أفضل أهل كلِّ زمان‪ّ ،‬‬
‫العقول واألفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المش اهدة‪ ،‬وجعلهم في‬
‫ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول هللا ‪ ‬بالس يف؛ أولئ ك المخلص ون‬
‫راً‪ ،‬وجهراً)(‪)6‬‬ ‫حقاً‪ ،‬وشيعتنا صدقاً‪ ،‬وال ّدعاة إلى دين هللا س ّ‬
‫[الحديث‪ ]412 :‬ـ قيل لإلمام الرضا‪ :‬إنا نرجو أن تكون صاحب ه ذا األم ر‪،‬‬
‫وأن يسوقه هللا إليك عفوا بغير سيف‪ ،‬فقد بويع لك وضُربت الدراهم باس مك‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫وس ئل عن المس ائل‪ ،‬وحُملت‬ ‫(ما منا أح ٌد اختلف الكتب إليه‪ ،‬وأُشير إليه باألصابع‪ُ ،‬‬
‫إليه األموال‪ ،‬إال اغتيل أو مات على فراشه‪ ،‬ح تى يبعث هللا له ذا األم ر غالم ا ً من ا‬
‫خفي المولد والمنشأ غير خفي في نفسه)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]413 :‬ـ قيل لإلمام الصادق‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬قد طال هذا األم ر علين ا‬
‫(إن هذا األمر آيس ما يكون وأش ّد غ ّماً‪ ،‬ينادي‬ ‫حتى ضاقت قلوبنا ومتنا كمداً‪ ،‬فقال‪ّ :‬‬
‫مناد من السماء باسم القائم واسم أبيه)‪ ،‬قيل‪ :‬ما اسمه؟!‪ ،‬قال‪( :‬اسمه اسم نبي‪ ،‬واسم‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،51/52 :‬وإكمال الدين‪.‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،51/54 :‬وتفسير العياشي‪.‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪.51/55 :‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪.51/59 :‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪.51/64 :‬‬
‫‪ )(6‬بحار األنوار (‪)122 /52‬‬
‫‪ )(7‬بحار األنوار‪ ،51/37 :‬وغيبة النعماني‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫وصي)(‪)1‬‬ ‫أبيه اسم‬
‫[الحديث‪]414 :‬ـ عن سدير الصيرفي قال‪ :‬دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو‬
‫بصير وأب ان بن تغلب‪ ،‬على موالن ا اإلم ام الص ادق‪ ،‬فرأين اه جالس ا ً على ال تراب‪،‬‬
‫صر الكمين‪ ،‬وهو يبكي بكاء الواله الثكلى‪،‬‬ ‫ق بال جيب‪ ،‬مق ّ‬ ‫ي مط ّو ٌ‬ ‫وعليه مس ٌح خيبر ٌّ‬
‫ذات الكبد الحرّى‪ ،‬قد ن ال الح زن من وجنتي ه‪ ،‬وش اع التغ ير في عارض يه‪ ،‬وأبلى‬
‫الدموع محجريه‪ ،‬وهو يقول‪( :‬سيدي‪ ،‬غيبت ك نفت رق ادي‪ ،‬وض يّقت عل ّي مه ادي‪،‬‬
‫وأسرت مني راحة ف ؤادي‪ ..‬س يدي‪ ،‬غيبت ك أوص لت مص ابي بفج ائع األب د‪ ،‬وفق د‬
‫الواحد بعد الواحد‪ ،‬يفني الجمع والعدد‪ ،‬فما أحسّ بدمع ٍة ترقى من عيني‪ ،‬وأنين يفتر‬
‫من ص دري عن دوارج الرزاي ا‪ ،‬وس والف البالي ا‪ ،‬إال ُمثّ ل لعي ني عن مص ائب‬
‫أعظمها وأفظعه ا‪ ،‬وت راقي أش ّدها وأنكره ا‪ ،‬ون وائب مخلوط ة بغض بك‪ ،‬ون وازل‬
‫معجونة بسخطك)‪ ،‬قال سدير‪ :‬فاستطارت عقولنا ولهاً‪ ،‬وتص ّدعت قلوبنا جزع ا ً من‬
‫ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل‪ ،‬وظننا أنه س مة لمكروه ة قارع ة‪ ،‬أو حلّت ب ه‬
‫من الدهر بائقةٌ‪ ،‬فقلنا‪:‬ال أبكى هللا يا بن خير الورى عينيك‪ ،‬من أي حادث ة تس تنزف‬
‫دمعت ك‪ ،‬وتس تمطر عبرت ك؟‪ ،‬وأي ة حال ة حتمت علي ك ه ذا الم أتم؟‪ ،‬فزف ر اإلم ام‬
‫الصادق زفرةً انتفخ منها جوفه‪ ،‬واشت ّد منها خوفه‪ ،‬وق ال‪( :‬ويحكم‪ ،‬إني نظ رت في‬
‫كتاب الجف ر ص بيحة ه ذا الي وم ـ وه و الكت اب المش تمل على علم المناي ا والبالي ا‬
‫والرزايا‪ ،‬وعلم ما كان وم ا يك ون إلى ي وم القيام ة‪ ،‬ال ذي خصّ هللا ب ه محم داً ‪‬‬
‫واألئمة من بعده ـ وتأملت فيه مولد قائمنا وغيبته‪ ،‬وإبط اؤه وط ول عم ره‪ ،‬وبل وى‬
‫المؤمنين به من بعده في ذلك الزمان‪ ،‬وتولّ د الش كوك في قل وبهم من ط ول غيبت ه‪،‬‬
‫وارتداد أكثرهم عن دينهم‪ ،‬وخلعهم ربقة اإلسالم من أعن اقهم‪ ،‬ال تي ق ال هللا تق ّدس‬
‫ان أَ ْل َز ْمنَاهُ طَائِ َرهُ فِي ُعنُقِ ِه﴾ [اإلسراء‪ ]13 :‬يعني الوالية‪ ،‬فأخ ذتني‬‫ذكره‪َ ﴿ :‬و ُك َّل إِ ْن َس ٍ‬
‫ي األحزان)(‪)2‬‬ ‫الرقة‪ ،‬واستولت عل ّ‬
‫[الحديث‪ ]415 :‬عن عبد هللا بن الفضل الهاشمي قال‪ :‬سمعت الصادق جعفر‬
‫إن لصاحب هذا األمر غيبة الب ّد منها يرتاب فيه ا ك ل مبط ل‪ .‬فقلت‬ ‫بن محمد يقول‪ّ :‬‬
‫ألمر لم يؤذن لنا في كش فه لكم‪ .‬قلت‪ :‬فم ا وج ه الحكم ة في‬ ‫ٍ‬ ‫ولِ َم‪ ،‬جعلت فداك؟ قال‪:‬‬
‫غيبته؟ قال‪( :‬وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غي اب من تقدم ه من حجج هللا‬
‫تعالى ذكره‪ ،‬إن وجه الحكمة في ذلك ال ينكشف إالّ بعد ظه وره كم ا ل و لم ينكش ف‬
‫وجه الحكمة فيما أتاه الخضر عليه السالم من خ رق الس فينة‪ ،‬وقت ل الغالم‪ ،‬وإقام ة‬
‫إن ه ذا األم ر أم ر‬ ‫الجدار لموسى عليه السالم إلى وقت افتراقهما‪ ..‬يا ابن الفض ل‪ّ :‬‬
‫من (أمر) هللا تعالى‪ ،‬وس ٌّر من س رِّ هللا‪ ،‬وغيب من غيب هللا‪ ،‬وم تى علمن ا أن ه ع ز‬
‫وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف)(‪)3‬‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،51/38 :‬وغيبة النعماني‪.‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،51/220 :‬وإكمال الدين‪.‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار (‪)91 /52‬‬
‫‪128‬‬
‫[الحديث‪]416 :‬ـ قول اإلمام الصادق‪( :‬وكذلك القائم تمتد أيام غيبته ليص رِّ ح‬
‫ق عن محضه‪ ،‬ويصفو اإليمان من الكدر‪ ،‬بارتداد ك ّل من كانت طينته خبيثة من‬ ‫الح ُّ‬
‫الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا باالستخالف‪ ،‬والتمكين واألمن المنتش ر‬
‫إن النواصب تزعم أن هذه اآلي ة ﴿ َو َع َد‬ ‫في عهد القائم)‪ ،‬فقيل له‪ :‬يا ابن رسول هللا‪ّ ،‬‬
‫َّ‬
‫اس ت َْخلَفَ ال ِذينَ‬ ‫ض َك َم ا ْ‬ ‫َ‬ ‫أْل‬
‫ت لَيَ ْست َْخلِفَنَّهُ ْم فِي ا رْ ِ‬ ‫هَّللا ُ الَّ ِذينَ آ َمنُوا ِم ْن ُك ْم َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ‬
‫َض ى لَهُ ْم َولَيُبَ ِّدلَنَّهُ ْم ِم ْن بَ ْع ِد خَ وْ فِ ِه ْم أَ ْمنً ا﴾‬ ‫ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم َولَيُ َم ِّكن ََّن لَهُ ْم ِدينَهُ ُم الَّ ِذي ارْ ت َ‬
‫[الن ور‪ ،]55 :‬ن زلت في أبي بك ر وعم ر وعثم ان وعلي ق ال‪ :‬ال يه دي هللا قل وب‬
‫الناصبة‪ ،‬متى كان الدين الذي ارتضاه هللا ورسوله متمكن ا ً بانتش ار األمن في األم ة‬
‫ك من صدورها في عه د أح د من ه ؤالء؟‪،‬‬ ‫وذهاب الخوف من قلوبها‪ ،‬وارتفاع الش ّ‬
‫وفي عه د اإلم ام علي م ع ارت داد المس لمين والفتن ال تي ك انت تث ور في أي امهم‪،‬‬
‫﴿حتَّى إِ َذا‬ ‫والح روب ال تي ك انت تنش ب بين الكف ار وبينهم‪ ،‬ثم تال اإلم ام الص ادق‪َ :‬‬
‫ْ‬
‫ِّي َم ْن ن ََش ا ُء َواَل يُ َر ُّد بَأ ُس نَا‬ ‫َص ُرنَا فَنُج َ‬ ‫س الرُّ ُس ُل َوظَنُّوا أَنَّهُ ْم قَ ْد ُك ِذبُوا َج ا َءهُ ْم ن ْ‬ ‫ا ْستَيْأ َ َ‬
‫إن هللا تب ارك‬ ‫ع َِن ْالقَوْ ِم ْال ُمجْ ِر ِمينَ ﴾ [يوسف‪ ،]110 :‬وأم ا العب د الص الح الخض ر ف ّ‬
‫ب ينزله عليه‪ ،‬وال لشريع ٍة ينسخ بها‬ ‫وتعالى ما طوّل عمره لنبو ٍة ق ّدرها له‪ ،‬وال لكتا ٍ‬
‫شريعة من كان قبلها من األنبياء‪ ،‬وال إلمام ٍة يل زم عب اده االقت داء به ا‪ ،‬وال لطاع ٍة‬
‫إن هللا تبارك وتعالى لما ك ان في س ابق علم ه أن يق ّدر من عم ر‬ ‫يفرضها له‪ ،‬بلى‪ّ ،‬‬
‫القائم في أيام غيبته ما يق ّدر‪ ،‬وعلم ما يكون من إنكار عب اده بمق دار ذل ك العم ر في‬
‫ب أوجب ذلك‪ ،‬إال لعل ة االس تدالل ب ه‬ ‫الطول‪ ،‬طوّل عمر العبد الصالح من غير سب ٍ‬
‫على عمر القائم‪ ،‬وليقطع بذلك حجة المعاندين لئال يكون للناس على هللا حجة)(‪)4‬‬

‫[الحديث‪]417 :‬ـ وعن المفضّل بن عمر أنه قال‪ :‬سألت سيدي الصادق علي ه‬
‫السالم هل الم أمول المنتظ ر المه دي علي ه الس الم ِم ْن وقت م وقّت يعلم ه الن اس؟‬
‫فقال‪ :‬حاشا هلل أن يوقّت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا‪ .‬فقلت‪ :‬يا سيدي! ولم ذاك؟ قال‪:‬‬
‫الس ا َع ِة أَيَّانَ ُمرْ َس اهَا قُ لْ إِنَّ َم ا‬ ‫ألنه هو الساعة ال تي ق ال هللا تع الى‪﴿ :‬يَ ْس أَلُونَكَ ع َِن َّ‬
‫ض اَل تَ أْتِي ُك ْم إِاَّل‬‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫الس َما َوا ِ‬ ‫ت فِي َّ‬ ‫ِع ْل ُمهَا ِع ْن َد َربِّي اَل ي َُجلِّيهَا لِ َو ْقتِهَ ا إِاَّل هُ َو ثَقُلَ ْ‬
‫الس ا َع ِة‬ ‫بَ ْغتَةً﴾ [األعراف‪ ،]187 :‬وهو الساعة التي ق ال هللا تع الى‪ ﴿ :‬يَ ْس أَلُونَكَ َع ِن َّ‬
‫أَيَّانَ ُمرْ َس اهَا﴾ [النازع ات‪ ،]42 :‬وق ال عن ده علم الس اعة ولم يق ل أنه ا عن د أح د‪،‬‬
‫الس ا َعةَ أَ ْن تَ أْتِيَهُ ْم بَ ْغتَ ةً فَقَ ْد َج ا َء أَ ْش َراطُهَا فَ أَنَّى لَهُ ْم إِ َذا‬ ‫وق ال‪﴿ :‬فَهَ لْ يَ ْنظُ رُونَ إِاَّل َّ‬
‫ق ْالقَ َم رُ﴾ [القم ر‪،]1 :‬‬ ‫ت السَّا َعةُ َوا ْن َش َّ‬ ‫َجا َء ْتهُ ْم ِذ ْك َراهُ ْم ﴾ [محمد‪ ،]18 :‬وقال‪﴿ :‬ا ْقت ََربَ ِ‬
‫ْج ُل بِهَا الَّ ِذينَ اَل ي ُْؤ ِمنُونَ بِهَا َوالَّ ِذينَ‬ ‫ك لَ َع َّل السَّا َعةَ قَ ِريبٌ (‪ )17‬يَ ْستَع ِ‬ ‫وقال‪َ ﴿ :‬و َما يُ ْد ِري َ‬
‫ض اَل ٍل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ق أاَل إِ َّن ال ِذينَ يُ َمارُونَ فِي َّ‬
‫الس ا َع ِة لفِي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫آ َمنُوا ُم ْشفِقُونَ ِم ْنهَا َويَ ْعل ُمونَ أنهَا ال َح ُّ‬
‫َ‬
‫بَ ِعي ٍد﴾ [الشورى‪ ،]18 ،17 :‬قلت فما معنى يمارون؟ ق ال‪ :‬يقول ون م تى ول د‪ ،‬ومن‬
‫رآه‪ ،‬وأين يكون‪ ،‬ومتى يظه ر؛ وك لُّ ذل ك اس تعجاالً ألم ر هللا‪ ،‬وش ّكا ً في قض ائه‪،‬‬

‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،51/223 :‬وإكمال الدين‪.‬‬


‫‪129‬‬
‫ودخوالً في قدرته‪ ،‬أولئك الذين خسروا الدنيا‪ ،‬وان للك افرين لش ر م آب‪ ..‬قلت‪ :‬أفال‬
‫إن َم ْن وقّت‬ ‫يوقّت له وقت؟ فقال‪( :‬يا مفضّل! ال أوقِّت له وقتاً‪ ،‬وال يوقّت ل ه وقت؛ ّ‬
‫لمهدينا وقتا ً فقد شارك هللا تعالى في علمه‪ ،‬وادعى إنّه ظهر على س رِّ ه‪ ،‬وم ا هلل من‬
‫سرٍّ إالّ وقد وقع إلى هذا الخلق المعكوس‪ ،‬الضال عن هللا‪ ،‬ال راغب عن أولي اء هللا‪،‬‬
‫وما هلل من خبر إالّ وهم أخص به لسرِّ ه وهو عندهم‪ ،‬وق د أص ين من جهلهم‪ ،‬وإنّم ا‬
‫ألقى هللا إليهم ليكون حجة عليهم)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]418 :‬ـ سئل اإلمام محمد التقي عن الح ّجة اإلمام المهدي‪ ،‬فقيل له‪:‬‬
‫يا بن رسول هللا لِ َم س ّمي الق ائم؟ ق ال‪( :‬ألنّ ه يق وم بع د م وت ذك ره‪ ،‬وارت داد أك ثر‬
‫(ألن له غيبة يكثر أيامه ا‪ ،‬ويط ول‬ ‫ّ‬ ‫القائلين بإمامته)‪ ،‬قيل‪ :‬ولِم س ّمي المنتظر؟ فقال‪:‬‬
‫أمدها فينتظر خروجه المخلصون‪ ،‬وينكره المرتابون‪ ،‬ويستهزئ بذكره الجاحدون‪،‬‬
‫ويكذب فيها الوقّاتون‪ ،‬ويهلك فيها المستعجلون‪ ،‬وينجو فيها المسلمون)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪ ]419 :‬ـ س ئل اإلم ام العس كري‪ :‬ي ا ابن رس ول هللا! ف َم ْن الحج ة‪،‬‬
‫واإلمام بعدك؟ قال‪( :‬ابني هو اإلمام‪ ،‬والحجّة من بعدي؛ َم ْن م ات ولم يع رف إم ام‬
‫إن ل ه غيب ةً يح ار فيه ا الج اهلون‪ ،‬ويهل ك المبطل ون‬ ‫زمانه مات ميتة جاهلية‪ ،‬أم ا ّ‬
‫ويكذب فيه ا الوقّ اتون‪ ،‬ث ّم يخ رج ك أنّي أنظ ر إلى األعالم ال تي تخف ق ف وق رأس ه‬
‫بنجف الكوفة)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]420 :‬ـ ما روي عن اإلمام الحجة أنه قال‪( :‬وأ ّم ا علّ ة م ا وق ع من‬
‫فإن هللا عز وجل يقول‪( :‬يَا أَيُّهَ ا الَّ ِذينَ آ َمنُ وا ال ت َْس أَلوا ع َْن أَ ْش يَا َء إِ ْن تُ ْب َد لَ ُك ْم‬
‫الغيبة ّ‬
‫ت َُس ْؤ ُك ْم)؛ إن ه لم يكن ألح د من آب ائي عليهم الس الم إالّ وق د وقعت في عنق ه بيع ة‬
‫لطاغية زمانه‪ ،‬وإنّي أخ رج حين أخ رج وال بيع ة ألح ٍد من الط واغيت في عنقي‪..‬‬
‫وأ ّم ا وج ه اإلنتف اع بي في غيب تي فكاالنتف اع بالش مس إذا غيّبته ا عن األبص ار‬
‫السُّحاب‪ ،‬وإنّي ألمان ألهل األرض كما أن النجوم أمان ألهل السماء؛ فأغلقوا ب اب‬
‫السؤال ع ّما ال يعنيكم‪ ،‬وال تتكلفوا علم ما قد كفيتم‪ ،‬وأكثروا ال ّدعاء بتعجي ل الف رج‪،‬‬
‫فإن في ذلك فرجكم‪ ،‬والسالم عليك يا اسحاق بن يعقوب‪ ،‬وعلى من اتّبع الهدى)(‪)4‬‬ ‫ّ‬
‫َ‬

‫بحار األنوار (‪)1 /53‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫بحار األنوار (‪)30 /51‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫بحار األنوار (‪)160 /51‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫بحار األنوار (‪)92 /52‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫‪130‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫االمتداد الرسالي والفتن التي تعرض له في المصادر السنية‬
‫من خالل استقرائنا للمضامين ال واردة في المص ادر الس نية يمكنن ا تقس يمها‬
‫إلى قسمين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫‪ .1‬ما ورد في بي ان م دى أهمي ة ه ذا الن وع من األح اديث‪ ،‬وكونه ا امت دادا‬
‫للرسالة‪ ،‬وليست مجرد أحاديث للتسلية‪ ،‬أو إلقامة الحجة على النبوة‪ ،‬وقد نذكر هن ا‬
‫من أحاديث الصحابة ما يدل على فهمهم لذلك‪.‬‬
‫‪ .2‬ما ورد في بيان أنواع الفتن‪ ،‬وكيفية التعامل معها‪.‬‬
‫وسنورد هذه األحاديث في هذا المبحث بحس ب أص نافها‪ ،‬م ع بي ان ص عوبة‬
‫التصنيف ال دقيق‪ ،‬ذل ك أن الح ديث الواح د ق د ت رد في ه جمي ع أن واع التص نيف أو‬
‫بعضها‪.‬‬
‫أوال ـ أحاديث الفتن وعالقتها باالمتداد الرسالي‪:‬‬
‫ورد في الكث ير من أح اديث الفتن والمالحم م ا ي دل دالل ة ص ريحة على أن‬
‫المقصد منها ليس مجرد التنبؤ بالواقع‪ ،‬مما ي دخل في دالئ ل النب وة‪ ،‬وإنم ا المقص د‬
‫األكبر هو استعمالها واالستفادة منها في مواجهة الفتن‪ ،‬وذلك ما يعني امت داد النب وة‬
‫ونصحها لكل األجيال‪.‬‬
‫وس نورد هن ا م ا ورد في ذل ك من األح اديث مقس مين له ا بحس ب وج وه‬
‫االستدالل لها على هذا المعنى‪:‬‬
‫‪ .1‬ما ورد صريحا في الداللة على االمتداد الرسالي‪:‬‬
‫وهي األحاديث التي يصرح فيها رسول هللا ‪ ‬أو الصحابي الراوي للحديث‬
‫بأن المقصد من تلك األحاديث‪ ،‬ليس مجرد التنبؤ بما سيحصل في المس تقبل‪ ،‬وإنم ا‬
‫االستفادة منه في الحذر والحيطة واتخاذ الموقف المناسب‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪]421 :‬ـ قوله ‪( :‬إنه لم يكن قبلي ن بي إال ك ان حق ا علي ه أن ي دل‬
‫أمت ه على خ ير م ا يعلم ه لهم‪ ،‬وين ذرهم ش ر م ا يعلم ه لهم‪ ،‬وإن أمتكم ه ذه جع ل‬
‫عافيته ا في أوله ا‪ ،‬وسيص يب آخره ا بالء وأم و ٌر تنكرونه ا‪ ،‬وتجيء فتن ةٌ ف يزلق‬
‫بعضها بعضا‪ ،‬وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلك تي‪ ،‬ثم تنكش ف وتجيء الفتن ة‬
‫فيقول المؤمن هذه هذه‪ ،‬فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجن ة‪ ،‬فلتأت ه منيت ه‬
‫وهو يؤمن باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتي إليه‪ ،‬ومن ب ايع‬
‫إماما فأعط اه ص فقة ي ده وثم رة قلب ه فليطع ه إن اس تطاع‪ ،‬ف إن ج اء آخ ر ينازع ه‬
‫فاضربوا عنق اآلخر)(‪)1‬‬

‫‪ )(1‬مسلم (‪ )1844‬والنسائي (‪)4191‬‬


‫‪131‬‬
‫[الحــديث‪]422 :‬ـ قول ه ‪( :‬إنه ا س تكون بع دي أث رة‪ ،‬وأم ور تنكرونه ا)‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال‪( :‬تؤدون الح ق ال ذي عليكم‪،‬‬
‫وتسألون هللا الذي لكم)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]423 :‬ـ قول حذيفة‪ :‬كان الناس يسألون النبي ‪ ‬عن الخير‪ ،‬وكنت‬
‫أسأله عن الشر مخافة أن يدركني‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رس ول هللا! إن ا كن ا في جاهلي ة وش ر‪،‬‬
‫فجاءنا هللا بهذا الخير‪ ،‬فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال‪( :‬نعم)‪ ،‬قلت‪ :‬وهل بعد ذل ك‬
‫دخن)‪ ،‬قلت‪ :‬وم ا دخن ه ؟ ق ال‪( :‬ق و ٌم يس تنون بغ ير‬ ‫ٌ‬ ‫الشر من خير؟ قال‪( :‬نعم وفيه‬
‫سنتي ويهدون بغير هديي‪ ،‬تعرف منهم وتنكر)‪ ،‬فقلت‪ :‬فهل بعد ذلك الخير من شر؟‬
‫قال‪( :‬نعم‪ ،‬دعاةٌ على أبواب جهنم‪ ،‬من أجابهم قذفوه فيها)‪ ،‬فقلت يا رس ول هللا‪ :‬فم ا‬
‫ترى إن أدركني ذلك؟ قال‪( :‬تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)‪ ،‬قلت‪ :‬ف إن لم يكن لهم‬
‫جماعةٌ وال إما ٌم؟ قال‪( :‬فاعتزل تلك الفرق كلها‪ ،‬ولو أن تعض بأص ل ش جرة ح تى‬
‫يدركك الموت وأنت على ذلك)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]424 :‬ـ س ئل رس ول هللا ‪ ‬عن قول ه تع الى‪ ﴿ :‬يَاأَيُّهَ ا الَّ ِذينَ آ َمنُ وا‬
‫ض َّل إِ َذا ا ْهتَ َد ْيتُ ْم إِلَى هَّللا ِ َم رْ ِج ُع ُك ْم َج ِمي ًع ا فَيُنَبِّئُ ُك ْم بِ َم ا‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم أَ ْنفُ َس ُك ْم اَل يَ ُ‬
‫ض رُّ ُك ْم َم ْن َ‬
‫ُك ْنتُ ْم تَ ْع َملُونَ ﴾ [المائدة‪ ]105 :‬فقال‪(:‬ائتمروا بالمعروف‪ ،‬وانتهوا عن المنك ر‪ ،‬ح تى‬
‫إذا رأيتم شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه‪ ،‬فعلي ك‬
‫بنفس ك ودع عن ك الع وام‪ ،‬ف إن من ورائكم أيام ا الص بر فيهن مث ل القبض على‬
‫الجمر‪ ،‬للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجال يعمل ون مث ل عملكم)‪ ،‬قي ل‪ :‬ي ا رس ول‬
‫هللا‪ ،‬أجر خمسين منا أو منهم؟ قال‪(:‬بل أجر خمسين منكم)(‪)3‬‬
‫وهو يش ير إلى االمت داد الرس الي‪ ،‬حيث أن الن بي ‪ ‬ذك ر أن تط بيق اآلي ة‬
‫الكريمة مرتبط بالزمن التي تنتشر فيه تلك القيم التي وصفها‪.‬‬
‫[الحديث‪]425 :‬ـ قوله ‪( :‬إنكم في زمان من ترك فيه عشر م ا أم ر هل ك‪،‬‬
‫زمان من عمل فيه بعشر ما أمر به نجا)(‪)4‬‬ ‫ٌ‬ ‫ثم يأتي‬
‫ٌ‬
‫[الحديث‪ ]426 :‬ـ قوله ‪( :‬ستكون فتن القاعد فيها خ ي ٌر من الق ائم‪ ،‬والق ائم‬
‫فيها خي ٌر من الماشي‪ ،‬والماشي فيها خي ٌر من الساعي‪ ،‬من تش رف إليه ا تستش رفه‪،‬‬
‫ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]427 :‬ـ قوله ‪( :‬يوشك أن يكون خير م ال المس لم غن ٌم يتب ع به ا‬
‫شعف الجبال ومواقع القطر‪ ،‬يفر بدينه من الفتن)(‪)6‬‬
‫‪ .2‬ما ذكره الصحابة من اشتمال النبوءات النبوية لكل الوقائع‪:‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري ومسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/141‬‬


‫‪ )(2‬البخاري (‪ )3606‬ومسلم (‪ )1847‬وأبو داود (‪)4244‬‬
‫‪ )(3‬أبو داود (‪ ،)4341‬والترمذي (‪ ،)3058‬وقال‪ :‬حديث حسن غريب‪.‬‬
‫‪ )(4‬الترمذي (‪)2267‬‬
‫‪ )(5‬البخاري (‪ )3601‬ومسلم (‪)2886‬‬
‫‪ )(6‬البخاري (‪)19‬‬
‫‪132‬‬
‫وهي األحاديث التي يصرح فيها الصحابة بأن رس ول هللا ‪ ‬ك ان يهتم به ذا‬
‫النوع من الحديث‪ ،‬ويبينه لهم مفص ال‪ ،‬وأنهم ك انوا ي رون ك ل م ا ذك ره محقق ا في‬
‫الواقع‪ ،‬إال أن منهم من نسي بعض ذلك‪ ،‬أو كله‪ ،‬ولهذا وقع التقصير في التعامل مع‬
‫تلك التنبيهات النبوية بسبب نسيانها‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪]428 :‬ـ قول حذيفة‪( :‬قام فين ا رس ول هللا ‪ ‬مقام ا فم ا ت رك ش يئا‬
‫يكون بين يدي الساعة إال ذكره في مقامه ذلك‪ ،‬حفظه من حفظه‪ ،‬ونس يه من نس يه‪،‬‬
‫وقد علمه أصحابي هؤالء‪ ،‬وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته‪ ،‬فأراه فأذكره كما يذكر‬
‫الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه‪ ،‬ثم إذا رآه عرفه)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]429 :‬ـ قول حذيفة‪( :‬أخ برني رس ول هللا ‪ ‬بم ا ه و ك ائن إال أن‬
‫تقوم الساعة‪ ،‬فما منه شيء‪ ،‬إال وقد سألته إال أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من‬
‫المدينة؟)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]430 :‬ـ قول حذيفة‪( :‬وهللا ما أدري أنسي أصحابي أم تناس وا‪ ،‬وهللا‬
‫م ا ت رك رس ول هللا ‪ ‬من قائ د فتن ة إلى انقض اء ال دنيا‪ ،‬يبل غ من مع ه ثالثمائ ة‬
‫فصاعدا إال قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]431 :‬ـ قول المغيرة‪( :‬قام فينا رسول هللا ‪ ‬مقاما فأخبرنا بما ه و‬
‫كائن في أمته إلى يوم القيامة‪ ،‬وعاه من وعاه ونسيه من نسيه)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]432 :‬قول عمرو بن أخطب األنصاري‪( :‬صلى بنا رسول هللا ‪‬‬
‫يوما الفجر‪ ،‬وصعد المنبر‪ ،‬فخطبنا حتى حضرت الظهر‪ ،‬ف نزل‪ ،‬فص لى‪ ،‬ثم ص عد‬
‫المنبر‪ ،‬فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى‪ ،‬ثم صعد المنبر‪ ،‬فخطب ح تى‬
‫غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن إلى ي وم القيام ة فم ا علمن ا احتفظن اه‬
‫فأعلمنا أحفظنا)(‪)5‬‬
‫[الحــديث‪]433 :‬ـ ق ول أبي ذر‪( :‬لق د تركن ا رس ول هللا ‪ ‬وم ا يقلب ط ائر‬
‫جناحين في السماء إال ذكر لنا منه علما)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]434 :‬ـ قول أبي سعيد‪( :‬قام فينا رسول هللا ‪ ‬مقاما فحدثنا بما هو‬
‫كائن إلى يوم القيامة)(‪)7‬‬
‫‪ 3‬ـ ما ورد في بيان دور الفتن في تمحيص األمة‪:‬‬
‫وهو ما يتوافق مع اآليات القرآنية الكثيرة التي تخبر ب أن ك ل األمم تتع رض‬
‫للفتن واالبتالء واالختب ار‪ ،‬ح تي يم يز طيبه ا من خبيثه ا‪ ،‬وص الحها من فاس دها‪،‬‬
‫كقول ه تع الى‪﴿ :‬أَ ْم َح ِس ْبتُ ْم أَ ْن تَ ْد ُخلُوا ْال َجن ةَ َولَ َّما يَ ْعلَ ِم هللا الَّ ِذينَ َجاهَ دُوا ِم ْن ُك ْم َويَ ْعلَ َم‬
‫‪ )(1‬رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/139‬‬
‫‪ )(2‬رواه أحمد ومسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/139‬‬
‫‪ )(3‬أبو داود (‪ )4243‬وقال األلباني‪ :‬ضعيف (‪)913‬‬
‫‪ )(4‬رواه أحمد‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/139‬‬
‫‪ )(5‬رواه أحمد ومسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/139‬‬
‫‪ )(6‬رواه أحمد وابن سعد‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/140‬‬
‫‪ )(7‬رواه عبد بن حميد‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/140‬‬
‫‪133‬‬
‫الصَّابِ ِرينَ ﴾ [آل عمران‪]142 :‬‬
‫وأخ بر عن الفتن ال تي ستحص ل لألم ة‪ ،‬واعتبره ا من االختب ارات الالزم ة‬
‫خَذنَا أَ ْهلَهَ ا بِ ْالبَأْ َس ا ِء َو َّ‬
‫الض رَّا ِء لَ َعلَّهُ ْم‬ ‫﴿و َما أَرْ َس ْلنَا فِي قَرْ يَ ٍة ِم ْن نَبِ ٍّي إِاَّل أَ ْ‬
‫لألمم‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫الس يِّئَ ِة ال َح َس نَةَ َحتَّى َعفَ وْ ا َوقَ الوا قَ ْد َمسَّ آبَا َءنَ ا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ض َّر ُعونَ (‪ )94‬ث َّم بَ َّدلنَا َم َك انَ َّ‬ ‫يَ َّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ضرَّا ُء َوال َّسرَّا ُء فَأخَذنَاهُ ْم بَ ْغتَةً َوهُ ْم اَل يَ ْش ُعرُونَ ﴾ [األعراف‪]95 ،94 :‬‬ ‫ال َّ‬
‫ومن األحاديث الواردة في هذا المعنى‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]435 :‬ـ عن عبد هللا بن عم رو أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬يوش ك أن‬
‫يأتي زمان يغربل الناس فيه غربل ة‪ ،‬وتبقى حثال ة من الن اس‪ ،‬ق د م رجت عه ودهم‬
‫وأماناتهم واختلفوا هكذا وهكذا‪ ،‬وشبك بين أص ابعه)‪ ،‬ق الوا‪ :‬ي ا رس ول هللا‪ ،‬فكي ف‬
‫تأمرن ا؟ ق ال‪( :‬تأخ ذون م ا تعرف ون وت دعون م ا تنك رون‪ ،‬وتقبل ون على األم ر‬
‫خاصتكم‪ ،‬وتدعون أمر عامتكم)(‪)1‬‬
‫[الحــديث‪]436 :‬ــ عن عم ر ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬س تغربلون ح تى‬
‫تصيروا في حثالة من الناس‪ ،‬قد مرجت عهودهم‪ ،‬وخرجت أمان اتهم)‪ ،‬فق ال قائ ل‪:‬‬
‫فكيف بنا يا رسول هللا؟ قال‪( :‬تعملون بما تعرفون‪ ،‬وتنكرون م ا تنكرون ه بقل وبكم)‬
‫(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪]437 :‬ــ عن عم ر ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬س تغربلون ح تى‬
‫تصيروا في حثالة من الن اس ق د م رجت عه ودهم وخ ربت أمان اتهم)‪ ،‬فق ال قائ ل‪:‬‬
‫فكيف بنا يا رسول هللا؟ فقال‪( :‬تقولون بما تعرفون‪ ،‬وتتركون ما تنكرون ه بقل وبكم)‬
‫(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪]438 :‬ــ عن النعم ان بن بش ير أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪ :‬ب ادروا‬
‫باألعمال فتنا كقطع الليل المظلم‪ ،‬يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمس ي ك افرا‪ ،‬ويمس ي‬
‫مؤمنا‪ ،‬ويصبح كافرا‪ ،‬يبيع دينه بعرض من الدنيا)(‪)4‬‬
‫ومما يدل على حصول ذلك في ذلك الجيل ما علق ب ه راوي الح ديث علي ه‪،‬‬
‫فق د ق ال‪( :‬ولق د رأين اهم ص ورا وال عق وال‪ ،‬جس ام وال أحالم‪ ،‬ف راش ب ار وذب اب‬
‫يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين‪ ،‬يبيع أحدهم دينه بثمن العير)‬
‫[الحديث‪ ]439 :‬ـ عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬لتفتنن أم تي بع دي‬
‫فتنا كقطع الليل المظلم‪ ،‬يص بح الرج ل فيه ا مؤمن ا ويمس ي ك افرا‪ ،‬ويمس ي مؤمن ا‬
‫ويصبح كافرا‪ ،‬يبيع أقوام دينهم لعرض من الدنيا قليل)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]440 :‬ـ قال ابن مسعود‪( :‬ال يق ول أح دكم (اللهم إني أع وذ ب ك من‬
‫الفتن ة‪ ،‬فإن ه ليس منكم أح ٌد إال يش تمل على فتن ة‪ ،‬ولكن من اس تعاذ فليس تعذ من‬

‫‪ )( 1‬رواه الحاكم واللفظ له والحارث وأحمد وأبو داود وابن ماجه‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/160‬‬
‫‪ )(2‬رواه أبو نعيم في الحلية‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/160‬‬
‫‪ )( 3‬رواه الدارقطني في اإلفراد والطبراني في األوسط وأبو نعيم في الحلية‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/160‬‬
‫‪ )(4‬رواه مسلم والترمذي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/142‬‬
‫‪ )(5‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/142‬‬
‫‪134‬‬
‫﴿وا ْعلَ ُموا أَنَّ َما أَ ْم َوالُ ُك ْم َوأَوْ اَل ُد ُك ْم فِ ْتنَ ةٌ َوأَ َّن هَّللا َ ِع ْن َدهُ‬
‫مضالتها)‪ ،‬فإن هللا تعالى يقول‪َ :‬‬
‫أَجْ ٌر َع ِ‬
‫ظي ٌم ﴾ [األنفال‪)1()]28 :‬‬
‫[الحديث‪ ]441 :‬ـ ما روي أنه لما صار طلحة والزبير وعائشة إلى البص رة‪،‬‬
‫بعث علي عمار بن ياسر وحسنا‪ ،‬فقدما علينا الكوفة‪ ،‬فصعدا المنبر وكان حس ن بن‬
‫علي في أعاله وعم ار أس فل من ه‪ ،‬فاجتمعن ا إليهم ا‪ ،‬فق ال عم ار‪( :‬إن عائش ة ق د‬
‫صارت إلى البصرة‪ ،‬وهللا إنها لزوجة نبيكم‪ ،‬ولكن هللا ابتالكم ليعلم إياه تطيع ون أم‬
‫هي)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]442 :‬ـ ما روي أنه دخل أبو موسى وأبو مسعود على عم ار حيث‬
‫أتى الكوفة ليستنفر الناس‪ ،‬فق اال‪ :‬م ا رأين ا من ك أم را من ذ أس لمت أك ره عن دنا من‬
‫إسراعك في هذا األمر‪ ،‬فقال‪( :‬ما رأيت منكم ا أم را من ذ أس لمتما أك ره عن دي من‬
‫إبطائكما عن هذا األمر)(‪)3‬‬
‫ثانيا ـ ما ورد في بيان أنواع الفتن‪ ،‬وكيفية التعامل معها‪:‬‬
‫لم يكت ف رس ول هللا ‪ ‬باإلش ارة إلى الفتن والتح ذير منه ا‪ ،‬ومن أس بابها‪،‬‬
‫وإنما كان ي ذكر أنواعه ا‪ ،‬وكيفي ة التعام ل م ع ك ل ن وع منه ا‪ ،‬ويخ بر عن أس بابه‬
‫ومواطنه ومن تكون له اليد الطولى فيه‪.‬‬
‫ومن التصنيفات التي وردت حولها ما ورد في األحاديث التالية‪:‬‬
‫[الحديث‪]443 :‬ـ قوله ‪( :‬أربع فتن تكون بعدي‪ :‬األولى تسفك فيها الدماء‪،‬‬
‫والثاني ة تس تحل فيه ا ال دماء واألم وال‪ ،‬والثالث ة تس تحل فيه ا ال دماء واألم وال‬
‫والفروج‪ ،‬والرابعة صماء عمياء مطبقة تمور م ور الم وج في البح ر ح تى ال يج د‬
‫أحد من الناس منها ملج أ تطي ف بالش ام‪ ،‬وتغش ى الع راق‪ ،‬وتخب ط الجزي رة بي دها‬
‫ورجلها‪ ،‬تعدل األمة فيها بالبالء عدل األديم‪ ،‬ثم ال يستطيع أحد من الن اس أن يق ول‬
‫فيها‪ :‬مه مه‪ ،‬ال يدفعونها من ناحية إال انفقعت من ناحية أخرى)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]444 :‬ـ قول حذيفة‪( :‬وهللا إني ألعلم الناس بكل فتنة هي كائنةٌ فيم ا‬
‫بيني وبين الساعة‪ ،‬وما بي إال أن يكون رسول هللا ‪ ‬أسر إلي في ذلك ش يئا م ا لم‬
‫يحدثه غيري‪ ،‬ولكنه قال يوما وهو في مجلس يتحدث فيه عن الفتن ويع دهن‪ :‬منهن‬
‫فتن كرياح الصيف‪ ،‬ومنها ص غارٌ‪ ،‬ومنه ا كب ارٌ‪،‬‬ ‫ثالث ال يكدن يذرن شيئا‪ ،‬ومنهن ٌ‬ ‫ٌ‬
‫فذهب أولئك الرهط الذين سمعوه معي كلهم غيري(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]445 :‬قول حذيفة‪ :‬كنا عند عمر‪ ،‬فقال‪ :‬أيكم يحفظ من حديث النبي‬
‫‪ ‬في الفتنة؟ فقلت‪ :‬أنا أحفظه‪ ،‬فقال‪ :‬هات إنك لجري ٌء‪ ،‬وكيف ق ال؟ قلت‪ :‬س معته‬
‫يقول‪( :‬فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وول ده وج اره‪ ،‬يكفره ا الص يام والص الة‬

‫‪ )(1‬الطبراني (‪ )8931‬وقال الهيثمي (‪ )7/223‬وإسناده منقطع وفيه المسعودي وقد اختلط‪.‬‬


‫‪ )(2‬البخاري (‪)7100‬‬
‫‪ )(3‬البخاري (‪)7104‬‬
‫‪ )( 4‬رواه نعيم بن حماد في الفتن بسند جيد رجاله ثقات‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/164‬‬
‫‪ )(5‬مسلم (‪)2891‬‬
‫‪135‬‬
‫والصدقة واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر)‪ ،‬فق ال عم ر‪ :‬ليس ه ذا أري د‪ ،‬إنم ا‬
‫أريد التي تموج كموج البحر‪ ،‬قلت‪ :‬مالك ولها يا أمير المؤمنين؟ إن بينك وبينها بابا‬
‫مغلقا‪ ،‬قال‪ :‬فيكسر الباب أو يفتح؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬بل يكسر‪ ،‬قال‪ :‬ذلك أحرى أن ال يغل ق‬
‫أبدا‪ ،‬قال فقلنا لحذيفة‪ :‬هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬كما يعلم أن دون غ د‬
‫ليلة‪ ،‬إني حدثته حديثا ليس باألغاليط‪ ،‬ق ال‪ :‬فهبن ا أن نس أل حذيف ة من الب اب؟ فقلن ا‬
‫لمسروق سله‪ ،‬فسأله فقال‪ :‬عمر(‪.)1‬‬
‫وقد أسيء فهم هذا الحديث؛ حيث توهم البعض أن الجيل ال ذي نش أ في عه د‬
‫الخليفة األول والثاني كانا بمنجاة من الفتن‪ ،‬وهذا غ ير ص حيح‪ ،‬ذل ك أن األح اديث‬
‫تشير إلى أن الفتن واالختبارات اإللهية ال تعفي أي جي ل من األجي ال‪ ،‬ح تى الجي ل‬
‫الذي ك ان في ه رس ول هللا ‪ ،‬وع اش مع ه؛ فق د ذك ر هللا تع الى تل ك االختب ارات‬
‫الكثيرة التي سقط فيها من زعموا اتباعهم لرسول هللا ‪ ،‬لكنهم تخلفوا عن ه أح وج‬
‫ما يكون إليهم‪ ،‬كما ذكر ذلك في سورة التوبة‪.‬‬
‫ولهذا؛ فإن هذا الحديث يخبر فيه حذيفة بأن الفتنة الثانية‪ ،‬وال تي هي أش د من‬
‫األولى‪ ،‬ستبدأ بعد عمر‪ ،‬وال يع ني ذل ك أن عم ر ومن قبل ه لم يكون وا يعيش ون في‬
‫ظالل فتنة أخرى‪.‬‬
‫[الحديث‪]446 :‬ـ قول حذيف ة‪ :‬س معت الن بي ‪ ‬يق ول‪( :‬تع رض الفتن على‬
‫القلوب كالحصير عودا عودا‪ ،‬ف أي قلب أش ربها نكتت في ه نكت ة س وداء‪ ،‬وأي قلب‬
‫أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء‪ ،‬ح تى تص ير على قل بين على أبيض مث ل الص فا فال‬
‫تضره فتنةٌ م ا دامت الس موات واألرض‪ ،‬واآلخ ر أس ود مرب ا ٌد ك الكوز مجخي ا ال‬
‫يعرف معروفا وال ينكر منكرا إال ما أشرب من هواه)‪ ،‬وحدثته أن بينك وبينها باب ا‬
‫مغلقا يوشك أن يكسر‪ ،‬قال عمر‪ :‬أكسرا ال أبا لك‪ ،‬فلو أنه فتح لعله كان يع اد‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫ال بل يكسر‪ ،‬وحدثته أن ذلك الباب رج ٌل يقتل أو يموت ح ديثا ليس باألغالي ط‪ ،‬ق ال‬
‫أبو خالد‪ :‬فقلت لسعد‪ :‬يا أبا مالك! ما أسود مربا ٌد؟قال‪:‬شدة البي اض في س واد‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫فما الكوز مجخيا؟قال‪:‬منكوسا(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]447 :‬ـ وهو ما يشير إلى أنواع الفتن التي س تمر به ا األم ة ونص‬
‫الحديث هو ما حدث به ابن عمر قال‪ :‬كنا قع ودا عن د الن بي ‪ ،‬ف ذكر الفتن ف أكثر‬
‫في ذكره ا‪ ،‬ح تى ذك ر فتن ة األحالس‪ ،‬ق ال‪( :‬هي ه ربٌ وح ربٌ ‪ ،‬ثم فتن ة الس راء‬
‫دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني‪ ،‬وإنم ا أولي ائي‬
‫المتقون‪ ،‬ثم يصطلح الناس على رجل ك ورك على ض لع‪ ،‬ثم فتن ة ال دهيماء ال ت دع‬
‫أحدا من هذه األمة إال لطمته لطمة‪ ،‬فإذا قي ل انقض ت تم ادت‪ ،‬يص بح الرج ل فيه ا‬
‫مؤمنا ويمسي كافرا‪ ،‬حتى يصير الناس إلى فسطاطين‪ ،‬فسطاط إيمان ال نف اق في ه‪،‬‬
‫وفسطاط نفاق ال إيمان فيه‪ ،‬فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو غده)(‪)3‬‬

‫‪ )(1‬البخاري (‪ )1435‬واللفظ له‪،‬ومسلم (‪،)144‬والترمذي (‪)2258‬‬


‫‪ )(2‬أخرجها مسلم (‪)144‬‬
‫‪ )(3‬أبو داود (‪ )4242‬وأحمد (‪ )2/133‬وقال األلباني‪ :‬صحيح (‪)3568‬‬
‫‪136‬‬
‫[الحــديث‪]448 :‬ــ م ا روي عن اإلم ام علي ق ال‪ :‬ق ال لي رس ول هللا ‪:‬‬
‫(ستكون فتن وستحاج قومك) قلت فما تأمرني؟ قال‪( :‬أحكم بالكتاب)(‪)1‬‬
‫[الحــديث‪ ]449 :‬ـ م ا روي عن ابن مس عود ق ال‪ :‬ق ال لن ا رس ول هللا ‪:‬‬
‫(أحذركم سبع فتن فتنة تقبل من المدينة‪ ،‬وفتن ة بمك ة‪ ،‬وفتن ة من اليمن‪ ،‬وفتن ة تقب ل‬
‫من الشام‪ ،‬وفتنة تقبل من المشرق‪ ،‬وفتن ة تقب ل من المغ رب‪ ،‬وفتن ة من بطن الش ام‬
‫وهي السفياني)‪ ،‬قال ابن مس عود منكم من ي درك أوله ا ومن ه ذه األم ة من ي درك‬
‫آخرها‪ .‬قال الوليد بن عياش‪ :‬فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير‪ ،‬وفتن ة مك ة‬
‫فتنة ابن الزبير وفتنة الشام من قبل بني أمية‪ ،‬وفتنة المشرق من قبل هؤالء(‪.)2‬‬
‫بن اء على ه ذه األح اديث وغيره ا‪ ،‬رأين ا أن ه يمكن تقس يم الفتن إلى خمس ة‬
‫أنواع كبرى‪ ،‬وذلك بحس ب الموق ف من وص ايا رس ول هللا ‪ ‬المرتبط ة ب العترة‪،‬‬
‫ذلك أنه ‪ ‬أخبر أن األمة لو تمس كت بهم‪ ،‬ألمنت من الفتن‪ ،‬وه و م ا ي دل على أن‬
‫ك ثرة الفتن وأنواعه ا مرتبط ة بم دى ذل ك التمس ك؛ فكلم ا ك ان الع زل لهم أك ثر‪،‬‬
‫والتفريط فيهم أعظم‪ ،‬كانت الفتن أشد‪ ،‬وهذه األنواع هي‪:‬‬
‫الفتنة األولى‪ :‬وهي التي يمكن تسميتها فتنة [عزل العترة]‪ ،‬وهي م ع كونه ا‬
‫أخف الفتن من حيث مظاهره ا‪ ،‬لكنه ا ك انت األس اس ال ذي ق امت علي ه ك ل الفتن‬
‫بعدها‪.‬‬
‫الفتنــة الثانية‪ :‬وهي تطورت فيه ا المواجه ة م ع الع ترة إلى إعالن الح رب‬
‫عليها‪ ،‬وقد حصل بسبب ذلك تسلط المستبدين الظلم ة‪ ،‬لينحرف وا بقيم ال دين إلى م ا‬
‫يتناسب مع طبيعتهم‪.‬‬
‫الفتنة الثالثة‪ :‬وهي التي استعملها أصحاب الملك العضوض في قت ل الع ترة‬
‫والموالين لها‪ ،‬وعدم االكتفاء بالتضييق الحسي عليها‪.‬‬
‫الفتنة الرابعة‪ :‬وهي الفتن المرتبطة بوهن األمة وض عفها وارت دادها عن قيم‬
‫دينها‪.‬‬
‫الفتنــة الخامسة‪ :‬وهي الفتن الكث يرة المرتبط ة ب آخر الزم ان‪ ،‬وال تي تنتهي‬
‫بقيام الساعة‪.‬‬
‫وسنذكر في هذا المبحث ما ورد من أحاديث حول الفتن األربعة األولى‪ ،‬أم ا‬
‫ما يرتبط بعالمات الساعة؛ فسنذكرها في محلها من هذه السلسلة‪.‬‬
‫الفتنة األولى‪ :‬فتنة عزل العترة‪:‬‬
‫ت ِمنْ‬‫﴿و َم ا ُم َح َّم ٌد إِاَّل َر ُس و ٌل قَ ْد خَ لَ ْ‬
‫وهي الفتنة التي أشار إليها قول ه تع الى‪َ :‬‬
‫قَ ْبلِ ِه الرُّ ُس ُل أَفَإِ ْن َماتَ أَوْ قُتِ َل ا ْنقَلَ ْبتُ ْم َعلَى أَ ْعقَ ابِ ُك ْم َو َمن يَنقلِبْ َعلى َعقِبَ ْي ِه فلن يَ ُ‬
‫ض َّر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫هَّللا َ َش ْيئًا َو َسيَجْ ِزي هَّللا ُ ال َّشا ِك ِرينَ ﴾ [آل عمران‪]144 :‬‬
‫ويشير إليها من قصص األنبياء عليهم السالم ما حصل من قوم موس ى علي ه‬

‫‪ )(1‬رواه أبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/151‬‬


‫‪ )(2‬رواه الحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/151‬‬
‫‪137‬‬
‫السالم‪ ،‬والذين تركوا وصيته بمجرد أن غاب عنهم‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َم ا أَ ْع َجلَ كَ‬
‫ضى (‪)84‬‬ ‫ك يَا ُمو َسى (‪ )83‬قَا َل هُ ْم أُواَل ِء َعلَى أَثَ ِري َوع َِج ْل ُ‬
‫ت إِلَ ْيكَ َربِّ لِتَرْ َ‬ ‫ع َْن قَوْ ِم َ‬
‫ضلهُ ُم السَّا ِم ِريُّ ﴾ [طه‪]85 - 83 :‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ك َوأ َ‬ ‫قَا َل فَإِنَّا قَ ْد فَتَنَّا قَوْ َم َ‬
‫ك ِم ْن بَ ْع ِد َ‬
‫ولهذا كان رسول هللا ‪ ‬يش ير إلى ه ذه الفتن ة‪ ،‬ويح ذر منه ا في الكث ير من‬
‫األحاديث‪ ،‬والتي يمكن تصنيفها إلى‪:‬‬
‫أ ـ ما ورد في بيان قرب الفتن وكثرتها‪:‬‬
‫وهي أحاديث يخاطب فيها رسول هللا ‪ ‬أص حابه‪ ،‬ليح ذرهم من الفتن ال تي‬
‫تنتظرهم‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]450 :‬ـ عن أسامة أن النبي ‪ ‬أشرف على أطم من آطام المدين ة‪،‬‬
‫فق ال‪(:‬ه ل ت درون م ا أرى؟) ق ال‪ :‬ال‪ ،‬ق ال‪(:‬ف إني أرى مواق ع الفتن خالل بي وتكم‬
‫كمواقع المطر)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]451 :‬ـ عن ابن عمر‪ ،‬قال رسول هللا ‪( :‬ال ترجعوا بعدي كف ارا‬
‫يضرب بعضكم رقاب بعض)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]452 :‬ـ عن أم سلمة أن رس ول هللا ‪ ‬اس تيقظ ليل ة فزع ا‪ ،‬يق ول‪:‬‬
‫(سبحان هللا! ماذا فتح هللا من الخزائن‪ ،‬وماذا أنزل من الفتن)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]453 :‬ـ عن كرز بن علقمة الخزاعي أن رجال سأل رس ول هللا ‪‬‬
‫هل لإلسالم منتهى؟ فقال رس ول هللا ‪( :‬أيم ا أه ل بيت من الع رب أو العجم أراد‬
‫هللا بهم خيرا أدخل عليهم اإلسالم)‪ ،‬قال‪ :‬ثم ماذا؟ قال‪( :‬ثم تقع الفتن كالظلل)‪ ،‬فق ال‬
‫الرجل كال‪ ،‬وهللا إن شاء هللا قال‪( :‬بلى والذي نفسي بيده ثم تعودون فيها أساود صبا‬
‫يضرب بعضكم رقاب بعض)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]454 :‬عن حذيفة‪ ،‬قال‪ :‬قال رس ول هللا ‪( :‬أحص وا لي كم يلف ظ‬
‫اإلسالم؟) فقلنا يا رس ول هللا‪ :‬أتخ اف علين ا ونحن م ا بين الس تمائة إلى الس بعمائة؟‬
‫قال‪( :‬إنكم ال تدرون لعلكم أن تبتلوا)‪ ،‬فابتلين ا ح تى جع ل الرج ل من ا ال يص لي إال‬
‫سرا(‪.)5‬‬
‫ب ـ ما ورد من تحذير المبدلين والمغيرين‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة‪ ،‬يحذر فيها رسول هللا ‪ ‬أصحابه المق ربين من التب ديل‬
‫والتغيير وترك ما أمروا به من وصايا‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحــديث‪]455 :‬ـ عن ابن عب اس‪ ،‬ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬إال إن ه يج اء‬
‫برجال من أمتي‪ ،‬فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول‪ :‬أصيحابي‪ ،‬فيقال‪ :‬إنك ال تدري م ا‬
‫ت فِي ِه ْم فَلَ َّما‬ ‫﴿و ُك ْن ُ‬
‫ت َعلَ ْي ِه ْم َش ِهيدًا َم ا ُد ْم ُ‬ ‫أحدثوا بعدك‪ ،‬فأقول كما قال العبد الص الح‪َ :‬‬
‫‪ )(1‬البخاري (‪ )2467‬ومسلم (‪)2885‬‬
‫‪ )(2‬البخاري (‪ )7077‬ومسلم (‪ )66‬وأبو داود (‪ )4686‬والنسائي (‪)127 -7/126‬‬
‫‪ )(3‬رواه مسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/143‬‬
‫‪ )( 4‬رواه الطيالسي والبيهقي وأحمد والطبراني في الكبير والحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/142‬‬
‫‪ )(5‬البخاري (‪ )3060‬ومسلم (‪)149‬‬
‫‪138‬‬
‫يب َعلَ ْي ِه ْم َوأَ ْنتَ َعلَى ُكلِّ َش ْي ٍء َش ِهي ٌد﴾ [المائدة‪ ،]117 :‬فيقال‪:‬‬
‫ت ََوفَّ ْيتَنِي ُك ْنتَ أَ ْنتَ ال َّرقِ َ‬
‫(إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]456 :‬ـ عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬أال ليذادن رج ال‬
‫من حوضي كما يذاد البعير الضال‪ ،‬فأناديهم‪ ،‬أال هلم‪ ،‬فيق ال‪ :‬إنهم ق د ب دلوا ف أقول‪:‬‬
‫فسحقا فسحقا)(‪)2‬‬
‫ج ـ ما ورد في بيان الموقف من الوصايا النبوية‪:‬‬
‫وهو ما يعرف بحديث [رزية الخميس]‪ ،‬والذي كان يذكره ابن عباس متأس فا‬
‫متألما‪ ،‬لكونه السبب في كل ما حصل لألمة من فتن‪.‬‬
‫[الحديث‪]457 :‬ـ ونص الح ديث ه و م ا روي عن ابن عب اس أن ه ق ال‪ :‬لم ا‬
‫حضر رس ول هللا ‪ ،‬وفي ال بيت رج ال منهم عم ر بن الخط اب‪ ،‬ق ال الن بي ‪:‬‬
‫(هلم أكتب لكم كتابا ً ال تضلوا بعده)‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إن النبي ‪ ‬قد غلب عليه الوج ع‪،‬‬
‫وعندكم القرآن‪ ،‬حسبنا كتاب هللا؛ ف اختلف أه ل ال بيت فاختص موا‪ ،‬منهم من يق ول‪:‬‬
‫قربوا يكتب لكم النبي ‪ ‬كتابا ً لن تضلوا بعده‪ ،‬ومنهم من يقول ما ق ال عم ر‪ ،‬فلم ا‬
‫أكثروا اللغو‪ ،‬واالختالف عند الن بي ‪ ،‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬قوم وا)‪ ،‬ق ال عبي د‬
‫هللا‪( :‬راوي الحديث عن ابن عباس‪ ،‬وهو ابنه)‪ :‬فكان ابن عباس يق ول‪( :‬إن الرزي ة‬
‫كل الرزية‪ ،‬ما حال بين رسول هللا ‪ ‬وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختالفهم‪،‬‬
‫ولغطهم)(‪)3‬‬
‫وال يعنينا هنا البحث عمن رمى رس ول هللا ‪ ‬ب الهجر ال ذي يع ني الخ رف‬
‫والهذيان وعدم العقل‪ ،‬وإنما يعنينا البحث عن الوصية التي كان رس ول هللا ‪ ‬ي ود‬
‫أن يبلغها أمته‪ ،‬ألن ذلك في كل األحوال يبقى غيب ا مخزون ا نتأس ف علي ه ونح زن‬
‫حزنا شديدا‪ ،‬ألن رسول هللا ‪ ‬أخبر أنهم ل و طبق وا م ا في ذل ك الكت اب لم يض لوا‬
‫أبدا‪.‬‬
‫وقد كان سببها هو النظر إلى رسول هللا ‪ ‬باعتب اره بش را عادي ا يمكن ه أن‬
‫يهجر ويصيبه الخرف‪ ،‬وبذلك ال يُترك له المج ال‪ ،‬لي ذكر وص يته األخ يرة لألم ة‪،‬‬
‫والتي تحفظها من كل انحراف قد يقع لها‪.‬‬
‫بل إن الهجر ليس خاصا بالسنة المطهرة‪ ،‬واالكتفاء بدلها بالكت اب ع بر تل ك‬
‫المقولة الخطيرة (حسبنا كتاب هللا)‪ ،‬والتي تعني االكتف اء بالكت اب عن الس نة‪ ،‬وه و‬
‫ئ على‬ ‫ما أشار إليه ‪ ‬في قوله‪( :‬أال هل عسى رج ٌل يبلغه الحديث ع ني وه و متك ٌ‬
‫أريكته فيقول‪ :‬بيننا وبينكم كتاب هللا‪ ،‬فما وجدنا فيه حالال استحللناه وم ا وج دنا في ه‬
‫حراما حرمناه وإن ما حرم رسول هللا كما حرم هللا)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري ‪ ،69 /6‬مسلم ‪.2195 /4‬‬


‫‪ )(2‬رواه مسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/95‬‬
‫‪ )(3‬رواه البخاري (‪ )6932‬ومسلم (‪)1637‬‬
‫‪ )(4‬رواه الترمذي (‪ )2664‬وقال‪ :‬ه ذا الح ديث حس ن غ ريب من ه ذا الوج ه‪ ،‬وابن ماج ة (‪ ،)12‬وال دارمي (‬
‫‪)586‬‬
‫‪139‬‬
‫وإنما كان الهجر للقرآن الكريم نفس ه‪ ،‬ذل ك أن ه ي ذكر وص ية األنبي اء عليهم‬
‫السالم‪ ،‬وهو ما يدل على أنه من سنن األنبياء‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َوصَّى بِهَا إِ ْب َرا ِهي ُم‬
‫ي إِ َّن هَّللا َ اصْ طَفَى لَ ُك ُم ال ِّدينَ فَاَل تَ ُموتُ َّن إِاَّل َوأَ ْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمونَ ( ‪ )132‬أَ ْم‬ ‫بَنِي ِه َويَ ْعقُوبُ يَابَنِ َّ‬
‫ال لِبَنِي ِه َم ا تَ ْعبُ ُدونَ ِم ْن بَ ْع ِدي قَ الُوا نَ ْعبُ ُد‬ ‫ت إِ ْذ قَ َ‬‫وب ْال َموْ ُ‬
‫ض َر يَ ْعقُ َ‬ ‫ُك ْنتُ ْم ُشهَدَا َء إِ ْذ َح َ‬
‫احدًا َونَحْ نُ لَهُ ُم ْسلِ ُمونَ ﴾ [البق رة‪:‬‬ ‫ق إِلَهًا َو ِ‬ ‫إِلَهَكَ َوإِلَهَ آبَائِكَ إِ ْب َرا ِهي َم َوإِ ْس َما ِعي َل َوإِس َ‬
‫ْحا َ‬
‫‪]133 ،132‬‬
‫ولألسف؛ فإن األم ة في أجب ال كث يرة ب دل أن تبحث في األح اديث األخ رى‬
‫عن تلك الوصية في مظان أخرى ـ ألن ه يس تحيل على رس ول هللا ‪ ‬أال ي ذكر م ا‬
‫يريده إال في لحظات موته ـ بدل ذلك راحت تبرر ما فعله الصحابة الذين حالوا بين‬
‫رسول هللا ‪ ‬واإلدالء بوصيته‪.‬‬
‫ومن أمثل ة ذل ك م ا قال ه الم ازري عن ه ذه الحادث ة؛ فق د ق ال‪( :‬إنم ا ج از‬
‫للص حابة االختالف في ه ذا الكت اب م ع ص ريح أم ره لهم ب ذلك‪ ،‬ألن األوام ر ق د‬
‫يقارنها ما ينقلها من الوج وب‪ ،‬فكأن ه ظه رت من ه أي من كالم الرس ول ‪ ‬قرين ة‬
‫دلت على أن األمر ليس على التحتم‪ ،‬بل على االختيار‪ ،‬فاختلف اجته ادهم‪ ،‬وص مم‬
‫عمر على االمتناع لما قام عنده من القرائن بأنه ‪ ‬قال ذلك عن غير قص د ج ازم‪،‬‬
‫وعزمه ‪ ‬كان إما بالوحي وإما باالجتهاد‪ ،‬وكذلك تركه إن كان ب الوحي فب الوحي‬
‫وإال فباالجتهاد أيضاً‪)1()..‬‬
‫وما قاله عجيب جدا‪ ،‬فكيف يقال ألم ر رس ول هللا ‪ ‬أن ه لم يكن على س بيل‬
‫الحتم واللزوم‪ ،‬وقد ورد في القرآن الكريم التشديد على إجابة رسول هللا ‪ ‬مطلق ا‪،‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬يَاأَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ا ْستَ ِجيبُوا هَّلِل ِ َولِل َّرس ِ‬
‫ُول إِ َذا َدعَا ُك ْم لِ َما يُحْ يِي ُك ْم﴾ [األنفال‪:‬‬
‫‪ ،]24‬بل حذر بعدها من الفتنة التي قد تنجر من عدم إجابته‪ ،‬فقال‪َ ﴿ :‬واتَّقُ وا فِ ْتنَ ةً اَل‬
‫ب ﴾ [األنفال‪]25 :‬‬ ‫صةً َوا ْعلَ ُموا أَ َّن هَّللا َ َش ِدي ُد ْال ِعقَا ِ‬‫صيبَ َّن الَّ ِذينَ ظَلَ ُموا ِم ْن ُك ْم خَا َّ‬‫تُ ِ‬
‫ثم كيف يقال بأن ذلك األم ر لم يكن على س بيل الحتم والل زوم‪ ،‬وق د ق ال ‪‬‬
‫مبينا أهميته وخطره‪( :‬هلم أكتب لكم كتابا ً ال تضلوا بعده)‪ ،‬فهل هناك ش يء أهم من‬
‫عدم الضالل‪ ..‬بل عدم الضالل األبدي؟‬
‫وقريب مما ذكره المازري ما ذكره ال بيهقي في (دالئ ل النب وة) عن دما ق ال‪:‬‬
‫(إنما قصد عمر التخفيف على رسول هللا ‪ ‬حين غلبه الوجع‪ ،‬ولو كان م راده ‪‬‬
‫أن يكتب ما ال يس تغنون عن ه لم يترك ه الختالفهم وال لغ يره لقول ه تع الى ﴿ بَلِّ ْغ َم ا‬
‫أُ ْن ِز َل إِلَ ْيكَ ﴾ [المائدة‪ ]67 :‬كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من‬
‫عاداه‪ ،‬وكما أمر في ذلك الحال بإخراج اليهود من جزي رة الع رب وغ ير ذل ك مم ا‬
‫ذكره في الحديث)(‪)2‬‬
‫وما ذكره البيهقي ال يقل غرابة عما ذكره المازري‪ ،‬ألنه يتن افى م ع م ا ورد‬

‫‪ )(1‬كما نقله ابن حجر في الفتح (‪)7/740‬‬


‫‪ )(2‬نقله عنه النووي في شرح مسلم (‪)11/132‬‬
‫‪140‬‬
‫في الحديث من االهتمام بالوصية‪ ،‬أم ا ت رك رس ول هللا ‪ ‬للكتاب ة‪ ،‬فليس تقص يرا‬
‫منه ‪ ،‬وإنما يفسر األمر فيها كما يفسر سكوته عن تحديد ليلة القدر بع دما حص ل‬
‫التنازع‪.‬‬
‫فعن عبادة بن الصامت قال‪ :‬خرج النبي ‪ ‬ليخبرن ا ليل ة الق در فتالحى (أي‬
‫تخاصم وتنازع) رجالن من المسلمين‪ ،‬فقال‪( :‬خرجت ألخبركم بليلة القدر‪ ،‬فتالحى‬
‫فالن وفالن فرُفعت‪ ،‬وعسى أن يك ون خ يراً لكم‪ ،‬فالتمس وها في التاس عة والس ابعة‬
‫والخامسة)(‪)1‬‬
‫وهك ذا ك ان التن ازع س ببا في الحرم ان من تحدي د ليل ة الق در‪ ..‬ألنه ا نعم ة‬
‫كبرى‪ ..‬فلما لم يقدروها حق قدرها حرموا من ذلك‪ ..‬وهكذا ك ان حرم انهم من تل ك‬
‫الوصية العظيمة بسبب التنازع‪ ..‬ألنه حصل له علم ‪ ‬ب أن ه ؤالء ال ذين اج ترأوا‬
‫على التنازع بين يديه لن يصعب عليهم أن يمزقوا وصيته أو يؤولوها أو يفعلوا به ا‬
‫أي شيء‪.‬‬
‫وال يقل عما ذكره المازري والبيهقي من التأويل ما ذكره القرطبي حين قال‪:‬‬
‫(ائتوني أمر‪ ،‬وكان حق المأمور أن يبادر لالمتثال‪ ،‬لكن ظهر لعم ر م ع طائف ة أن ه‬
‫ليس على الوجوب‪ ،‬وأنه من باب اإلرشاد لألصلح‪ ،‬فكرهوا أن يكلف وه من ذل ك م ا‬
‫ب ِم ْن‬ ‫َّطنَ ا فِي ْال ِكتَ ا ِ‬ ‫يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم لقول ه تع الى‪َ ﴿ :‬م ا فَر ْ‬
‫َاب تِ ْبيَانًا لِ ُكلِّ َش ْي ٍء ﴾ [النحل‪:‬‬ ‫﴿ونَ َّز ْلنَا َعلَ ْيكَ ْال ِكت َ‬
‫َش ْي ٍء﴾ [األنعام‪ ،]38 :‬وقوله تعالى‪َ :‬‬
‫‪ ،]89‬ولهذا قال عمر‪ :‬حسبنا كت اب هللا‪ ،‬وظه ر لطائف ة أخ رى أن األولى أن يكتب‬
‫لم ا في ه من زي ادة اإليض اح‪ ،‬ودل أم ره لهم بالقي ام على أن أم ره األول ك ان على‬
‫االختيار‪ ،‬ولهذا عاش ‪ ‬بعد ذلك أياما ً ولم يعاود أمرهم ب ذلك‪ ،‬ول و ك ان واجب ا ً لم‬
‫يترك ه الختالفهم‪ ،‬ألن ه لم ي ترك التبلي غ لمخالف ة من خ الف‪ ،‬وق د ك ان الص حابة‬
‫يراجعونه في بعض األمور ما لم يجزم باألمر فإذا عزم امتثلوا)(‪)2‬‬
‫أما النووي فقد نقل إجماع الشراح على أن الحكمة كانت مع عمر وغيره من‬
‫الصحابة الذين منعوا النبي ‪ ‬من الكتابة‪ ،‬فقال‪( :‬أما كالم عم ر فق د اتف ق العلم اء‬
‫المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دالئ ل فق ه عم ر وفض ائله ودقي ق نظ ره‪،‬‬
‫ألنه خشي أن يكتب ‪ ‬أموراً ربم ا عج زوا عنه ا واس تحقوا العقوب ة عليه ا ألنه ا‬
‫منصوصة ال محالة لالجتهاد فيها‪ ،‬فق ال عم ر‪ :‬حس بنا كت اب هللا لقول ه تع الى‪َ ﴿ :‬م ا‬
‫﴿اليَ وْ َم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫ت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم﴾‬ ‫ب ِم ْن َش ْي ٍء﴾ [األنع ام‪]38 :‬وقول ه تع الى‪ْ :‬‬ ‫فَر ْ‬
‫َّطنَا فِي ْال ِكتَا ِ‬
‫[المائدة‪ ،]3 :‬فعلم أن هللا تعالى أكمل دينه ف أمن الض اللة على األم ة وأراد الترفي ه‬
‫على رسول هللا ‪ ،‬فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه)(‪)3‬‬
‫أما ابن تيمية‪ ،‬فقد استطاع بذكائه الالمحدود‪ ،‬وبحكمته الالنهائية أن يكتش ف‬
‫ما في ذلك الكتاب الذي لم يمله ‪ ،‬فقال ـ بكل جرأة ـ‪( :‬الذي وقع في مرض ه ك ان‬
‫‪ )(1‬رواه البخاري [‪]2/64‬‬
‫‪ )(2‬نقله ابن حجر في الفتح ‪)1/252‬‬
‫‪ )(3‬النووي في شرح مسلم (‪)11/132‬‬
‫‪141‬‬
‫من أهون األشياء وأبينها‪ ،‬وقد ثبت في الصحيح أنّه قال لعائشة في مرض ه‪( :‬ادعي‬
‫لي أباك وأخاك حتّى أكتب ألبي بكر كتابا ً ال يختلف عليه الناس من بعدي)‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫يأبى هللا والمؤمنون إاّل أبا بكر‪ ،‬فل ّما كان يوم الخميس ه َّم أن يكتب كتابا ً فقال عم ر‪:‬‬
‫فش ك عم ر ه ل ه ذا الق ول من هج ر الحمى؟ أو ه و م ّم ا يق ول على‬ ‫مال ه أهج ر؟ ّ‬
‫عادته؟ فخاف عمر أن يكون من هجر الحمى‪ ،‬فكان هذا م ّم ا خفى على عم ر‪ ،‬كم ا‬
‫خفى عليه موت النبي ‪ ‬بل أنكره‪ ،‬ث ّم قال بعضهم‪ :‬هاتوا كتاب اً‪ ،‬وق ال بعض هم‪ :‬ال‬
‫أن الكت اب في ه ذا ال وقت لم يب ق في ه فائ دة؛ ألنّهم‬ ‫ت أتوا بكت اب‪ ،‬ف رأى الن بي ‪ّ ‬‬
‫يشكون ه ل أماله م ع تغ يره ب المرض أم م ع س المته من ذل ك‪ ،‬فال يرف ع ال نزاع‪،‬‬
‫فتركه‪ ،‬ولم تكن كتابة الكتاب م ّما أوجبه هللا عليه أن يكتبه أو يبلغه في ذل ك ال وقت؛‬
‫إذ لو كان كذلك لما ترك ‪ ‬ما أمره هللا به‪ ،‬لكن ذلك م ّما رآه مصلحة ل دفع ال نزاع‬
‫في خالف ة أبي بك ر‪ ،‬ورأى أن الخالف ال ب ّد أن يق ع‪ ،‬وق د س أل ربّ ه أل ّمت ه ثالث ا ً‬
‫فأعطاه اثنتين‪ ،‬ومنعه واحدة‪ ،‬سأله أن ال يهلكهم بسنة عام ة‪ ،‬فأعط اه إياه ا‪ ،‬وس أله‬
‫أن ال يسلط عليهم عدواً من غيرهم‪ ،‬فأعطاه إياها‪ ،‬وسأله أن ال يجع ل بأس هم بينهم‪،‬‬
‫فمنعه إياها‪ ،‬وهذا ثبت في الصحيح)(‪)1‬‬
‫ثم قال معقبا على قول ابن عباس‪( :‬الرزية ك ّل الرزية ما حال بين رسول هللا‬
‫ق الذين ش كوا في خالف ة‬ ‫‪ ‬وبين أن يكتب الكتاب)‪( :‬فإنّها رزية أي مصيبة في ح ّ‬
‫أبي بكر‪ ،‬وطعنوا فيها‪ ،‬وابن عباس قال ذلك ل ّم ا ظه ر أه ل األه واء من الخ وارج‬
‫والروافض ونحوهم‪ ،‬وإاّل فابن عباس كان يف تي بم ا في كت اب هللا‪ ،‬ف إن لم يج د في‬
‫كتاب هللا فبما في سنّة رسول هللا‪ ،‬فإن لم يجد في سنّة رسول هللا ‪ ‬فبم ا أف تى أب و‬
‫إن النبي ‪ ‬ترك كتابة الكتاب باختياره‪ ،‬فلم يكن في ذلك نزاع‪ ،‬ولو‬ ‫بكر وعمر‪ ،‬ث ّم ّ‬
‫استّمر على إرادة الكتاب ما قدر أحد أن يمنعه)(‪)2‬‬
‫ولألس ف؛ ف إن ه ؤالء ال ذين وقف وا ه ذا الموق ف من كتاب ة رس ول هللا ‪‬‬
‫لوص يته في م رض موت ه‪ ،‬اختل ف م وقفهم تمام ا م ع أص حابه ال ذين أحل وهم من‬
‫المنزلة ما لم يحلوا رسول هللا ‪ ،‬بل أج ازوا لهم م ا لم يج يزوا ل ه‪ ،‬وله ذا ن راهم‬
‫ي ذكرون بإعج اب ش ديد موق ف أبي بك ر في م رض موت ه عن د وص يته لعم ر‪،‬‬
‫ويعتبرون ذلك من حرص أبي بكر على األمة من بعده‪ ،‬ورحمته بها‪ ،‬مع أن الحالة‬
‫التي أملى فيها أبو بكر وصيته أخطر من الحالة التي كان فيها رسول هللا ‪.‬‬
‫فقد روى الطبري في تاريخه‪ ،‬وابن عساكر في تاريخ دمشق‪ ،‬وابن س عد في‬
‫الطبقات‪ ،‬وابن حبّان في الثقات‪( :‬دعا أبو بكر عثمان خاليا ً فق ال ل ه‪ :‬أكتب بس م هللا‬
‫الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين‪ :‬أ ّم ا بع د‪ ..‬ق ال‪ :‬ث ّم‬
‫أغمي عليه‪ ،‬فذهب عنه‪ ،‬فكتب عثمان‪ :‬أ ّما بع د‪ :‬ف إنّي ق د اس تخلفت عليكم عم ر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬ولم آلكم خيراً منه‪ .‬ث ّم أفاق أبو بكر فقال‪ :‬أقرأ عل ًًََّي‪ .‬فقرأ عليه‪ ،‬فكبّ ر أب و‬

‫‪ )(1‬منهاج السنة (‪)318-6/315‬‬


‫‪ )(2‬منهاج السنة (‪)318-6/315‬‬
‫‪142‬‬
‫بكر وقال‪ :‬أراك خفت أن يختلف الناس إن أفتتلت نفسي في غشيتي! قال‪ :‬نعم! قال‪:‬‬
‫ج زاك هللا خ يراً عن اإلس الم وأهل ه‪ .‬وأقره ا أب و بك ر رض ي هللا عن ه من ه ذا‬
‫الموضع)(‪)1‬‬
‫وهكذا نجدهم يروون عن أم المؤمنين عائشة قولها مخاطبه عبدهللا بن عم ر‪:‬‬
‫(يا بني أبلغ عمر سالمي وقل له‪ :‬ال تدع أم ة محم د بال راع‪ ،‬اس تخلف‌ عليهم‪ ،‬وال‬
‫تدعهم بعدك همالً‪ ،‬فإني أخشى عليهم الفتنة)(‪)2‬‬
‫د ـ ما ورد في شأن أبي ذر والبالء الذي يقع له‪:‬‬
‫والذي أخبر رسول هللا ‪ ‬أنه يمثل الهدى والصدق‪ ،‬وأخ بر في نفس ال وقت‬
‫أنه من الناجين من الفتنة األولى‪ ،‬وأن ه س يتعرض بس بب ذل ك للبالء والنفي‪ ،‬ح تى‬
‫يموت وحيدا‪ ،‬وفي كل ذلك ي دعو رس ول هللا ‪ ‬إلى البحث عن أس باب م ا حص ل‬
‫ألبي ذر‪ ،‬ولماذا حل به ذلك البالء‪ ،‬حتى تفرق بين أئمة الهدى وغيرهم‪.‬‬
‫ومن األحاديث الواردة في هذا‪:‬‬
‫[الحــديث‪ ]458 :‬ـ م ا ورد عن رس ول هللا ‪ ‬من اعتب اره لس انا من ألس نة‬
‫الحق‪ ،‬التي إن اختلفنا عدنا إليها(‪ ..)3‬فقد قال في حقه‪( :‬م ا أقلت الغ براء‪ ،‬وال أظلت‬
‫الخضراء‪ ،‬من رجل أصدق لهجة من أبي ذر)(‪ ،)4‬وق ال‪( :‬م ا أظلت الخض راء وال‬
‫أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر‪ ،‬شبيه عيسى ابن مريم)‪ ،‬فق ال عم ر‪:‬‬
‫يا رسول هللا‪ ،‬أفنعرف ذلك له؟‪ .‬قال‪( :‬نعم‪ ،‬فاعرفوه)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]459 :‬ما ورد من الداللة على كون بالئه كان جهادا في سبيل هللا‪،‬‬
‫فقد روي عنه قوله‪ :‬بينا أنا واقف مع رسول هللا ‪ ،‬فقال لي‪( :‬يا أبا ذر أنت رج ل‬
‫ص الح‪ ،‬وسيص يبك بالء بع دي)‪ ،‬قلت‪ :‬في هللا؟ ق ال‪( :‬في هللا)‪ ،‬قلت‪ :‬مرحب ا ب أمر‬
‫هللا(‪.)6‬‬
‫[الحديث‪]460 :‬ـ ما ورد في تشبيهه بالمسيح علي ه الس الم ووقوف ه في وج ه‬
‫التحريف‪ ،‬فقد قال ‪( :‬أبو ذر يمشي في األرض بزهد عيسى ابن م ريم)(‪ ،)7‬وق د‬
‫روي عنه قوله‪( :‬أوصاني خليلي ‪ ‬بست‪ :‬حب المس اكين‪ ،‬وأن أنظ ر إلى من ه و‬

‫‪ )(1‬تاريخ الطبري ‪ .618 :2‬تاريخ مدينة دمشق ‪ .411 :3‬الطبقات الكبرى ‪ .200 :3‬الثقات ‪.192 :2‬‬
‫االمامة والسياسة‪.28 / 1 :‬‬
‫‪ِ )(2‬‬
‫‪ )( 3‬يمكن اعتبار حديث صدق أبي ذر وزهده من أظهر مصاديق التواتر المعنوي‪ ،‬إذ أخرجه جملة الحفاظ على‬
‫اختالف ألفاظه كابن سعد والترمذي وابن ماج ة وأحم د وابن أبي ش يبة وابن جري ر وأبي عم ر وأبي نعيم والبغ وي‬
‫والحاكم وابن عساكر والطبراني وابن الجوزي وغيرهم‪ .‬انظر‪ :‬الطبق ات ‪ 4‬ـ ‪ 167‬و‪ ،168‬س نن ابن ماج ة ‪ 1‬ـ ‪،68‬‬
‫مس ند أحم د ‪ 2‬ـ ‪ 163‬و‪ 175‬و‪ ،223‬و‪ 5‬ـ ‪ ،197‬و‪ 6‬ـ ‪ ،442‬مس تدرك الح اكم ‪ 3‬ـ ‪ ،342‬و‪ 4‬ـ ‪ 480‬وق د ص ححه‬
‫وأقره عليه الذهبي‪ ،‬مصابيح السنة ‪ 2‬ـ ‪ ،228‬صفة الصفوة ‪ 1‬ـ ‪ ،340‬االستيعاب ‪ 1‬ـ ‪ ،84‬مجم ع الزوائ د ‪ 9‬ـ ‪،329‬‬
‫اإلص ابة البن حج ر ‪ 3‬ـ ‪ 622‬و‪ 4‬ـ ‪ ،62‬ك نز العم ال ‪ 6‬ـ ‪ 169‬و‪ 8‬ـ ‪ 15‬ـ ‪ ،17‬وجمل ة كتب الح ديث والرج ال‬
‫والتراجم‪.‬‬
‫‪ )(4‬رواه الترمذي وابن ماجة (‪)156‬‬
‫‪ )(5‬الترمذي ‪ 2‬ـ ‪.221‬‬
‫‪ )(6‬حلية األولياء وطبقات األصفياء (‪)162 /1‬‬
‫‪ )(7‬االستيعاب ‪ 1‬ـ ‪ ،83‬وأسد الغابة ‪ 5‬ـ ‪ ،188‬واإلصابة ‪ 4‬ـ ‪.164‬‬
‫‪143‬‬
‫تحتي‪ ،‬وال أنظر إلى من هو فوقي‪ ،‬وأن أقول الحق وإن ك ان م را‪ ،‬وأن ال تأخ ذني‬
‫في هللا لومة الئم)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]461 :‬ـ ما ورد في نفيه بسبب مواجهته للفتن ة األولى‪ ،‬فعن أبي ذر‬
‫أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬ي ا أب ا ذر‪ ،‬كي ف تص نع‪ ،‬إن أخ رجت من المدين ة؟) ق ال‪:‬‬
‫للسعة والدعة إلى مكة فأكون حمامة من حمام مكة‪ ،‬قال‪( :‬فكيف تصنع إذا أخرجت‬
‫من مكة؟) قال‪ :‬للسعة والدعة‪ ،‬إلى الشام واألرض المقدسة‪ ،‬قال‪( :‬فكيف تص نع إذا‬
‫أخرجت من الشام؟) قال‪ :‬قلت‪ :‬والذي بعثك بالحق أضع س يفي على ع اتقي وأقات ل‬
‫حتى أموت قال‪( :‬أو خير من ذلك؟ تسمع وتطيع وإن كان عبدا حبشيا)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]462 :‬ـ وعن أبي ذر قال‪ :‬بينا أنا نائم في المسجد خرج رس ول هللا‬
‫‪ ‬فضربني برجله وقال‪( :‬أال أراك نائم ا في ه؟) قلت‪ :‬ي ا ن بي هللا‪ ،‬غلبت ني عي ني‪.‬‬
‫قال‪( :‬كيف تصنع إذا أخرجت منه)‪ ،‬قال‪ :‬آتي الشام واألرض المقدسة‪ .‬قال‪( :‬فكيف‬
‫تصنع إذا أخرجت منه) قال‪ :‬ما أصنع يا ن بي هللا أض رب بس يفي‪ .‬فق ال الن بي ‪:‬‬
‫(أال أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدا تسمع وتطيع وتنس اق لهم حيث‬
‫ساقوك) قال أبو ذر‪ :‬وهللا‪ ،‬أللقين هللا‪ ،‬وأنا سامع مطيع لعثمان(‪.)3‬‬
‫[الحديث‪ ]463 :‬ـ وعن القرظي قال‪ :‬خرج أبو ذر إلى الربذة فأص ابه ق دره‪،‬‬
‫فأوص اهم أن غس لوني وكفن وني‪ ،‬ثم ض عوني على قارع ة الطري ق‪ ،‬ف أول ركب‬
‫يمرون بكم فقولوا‪ :‬هذا أبو ذر ص احب رس ول هللا ‪ ‬فأعينون ا على غس له ودفن ه‬
‫ففعلوا‪ ،‬فأقبل عبد هللا بن مسعود في ركب من الع راق‪ ،‬وق د وض عت الجن ازة على‬
‫قارعة الطريق‪ ،‬فقام عليه غالم‪ ،‬فقال‪ :‬هذا أبو ذر صاحب رسول هللا ‪ ‬قال‪ :‬فبكى‬
‫عبد هللا بن مسعود قال‪ :‬سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪( :‬تمشي وحدك‪ ،‬وتموت وحدك‬
‫وتبعث وحدك)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪]464 :‬ـ وعن إبراهيم بن األش تر عن أبي ه ق ال‪ :‬أن أب ا ذر حض ره‬
‫الموت‪ ،‬وهو بالربذة‪ ،‬فبكت امرأته‪ ،‬ق ال‪ :‬م ا يبكي ك؟ ق الت‪ :‬وم ا لي ال أبكي وأنت‬
‫تموت بفالة من األرض وليس عندي ثوب يسع لك كفنا فقال‪ :‬ال تبكي‪ ،‬فإني سمعت‬
‫رس ول هللا ‪ ‬يق ول‪( :‬ليم وتن رج ل منكم بفالة من األرض فيش هده عص ابة من‬
‫المؤم نين)‪ ،‬فك ل من ك ان معي في المجلس م ات في جماع ة وقري ة فلم يب ق منهم‬
‫غيري‪ ،‬وقد أصبحت بفالة أموت فراقبي الطريق‪ ،‬فإنك سوف ترين ما أق ول‪ ،‬ف إني‬
‫وهللا ما كذبت‪ ،‬وال كذبت‪ ،‬قالت‪ :‬أنى وقد انقطع الحاج‪ ،‬قال‪ :‬راق بي الطري ق‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫فبينا هي كذلك‪ ،‬إذا هي بق وم تخب بهم رواحلهم ك أنهم ال رخم على رح الهم‪ ،‬فأقب ل‬
‫القوم حتى وقفوا عليها‪ ،‬فقالوا‪ :‬مالك؟ قالت‪ :‬امرؤ من المسلمين تكفنون ه وت ؤجرون‬

‫‪ )(1‬حلية األولياء وطبقات األصفياء (‪)159 /1‬‬


‫‪ )(2‬رواه أحم د بن م نيع وابن حب ان‪ ،‬والنس ائي في الك برى وابن ماج ه مختص را‪ ،‬س بل اله دى والرش اد (‬
‫‪)10/102‬‬
‫‪ )(3‬رواه أحمد‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/102‬‬
‫‪ )(4‬رواه أحمد وإسحاق‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/102‬‬
‫‪144‬‬
‫في ه ق الوا‪ :‬ومن ه و؟ ق الت‪ :‬أب و ذر‪ ،‬فغ دوه ب إبلهم ووض عوا الس ياط في نحوره ا‬
‫يبتدرونه‪ ،‬قال‪ :‬أبش روا‪ ،‬ف أنتم ال ذين ق ال رس ول هللا ‪ ‬فيكم م ا ق ال‪ :‬ثم أص بحت‬
‫اليوم حيث ترون‪ ،‬ولو أن لي ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن إال في ه‪ ،‬فأنش دكم هللا ال‬
‫يكفنني رجل منكم كان عريفا أو أميرا أو بريدا‪ ،‬فكل القوم قد ن ال من ذل ك إال ف تى‬
‫من األنصار‪ ،‬وكان مع القوم‪ ،‬قال‪ :‬أنا أكفنك في ردائي ه ذا ال ذي علي وفي ث وبين‬
‫في عيبتي من غزل أمي‪ ،‬قال‪ :‬أنت فكفني(‪.)1‬‬
‫[الحديث‪ ]465 :‬ـ عن أبي ذر قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬ي ا أب ا ذر‪ ،‬إني أراك‬
‫منفيا‪ ،‬وإني أحب لك ما أحب لنفسي‪ ،‬ال تأمرن على اثنين وال تولين مال يتيم)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪]466 :‬ــ عن أبي ذر ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ي ا أب ا ذر‪ ،‬إن ك‬
‫ضعيف‪ ،‬وإنها أمانة‪ ،‬وإنها يوم القيامة خزي وندامة إال من أخذها بحقها وأدى الذي‬
‫عليه فيها)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]467 :‬ـ ما روي عنه من أن كل ما كان يدعو إليه هو نفس ما ك ان‬
‫يدعو إليه رسول هللا ‪ ،‬وه و م ا ي دل على ك ون أحاديث ه في حكم المرف وع‪ ،‬فق د‬
‫روي عنه قوله‪( :‬ما قلت إال شيئا قد سمعته من نبيهم ‪)4()‬‬
‫[الحديث‪]468 :‬ـ من قوله في بعض خطب ة في مواجه ة الفتن ة األولى‪( :‬أ ّم ا‬
‫بعد‪ ،‬فإنّا كنّا في جاهليّتنا‪ ،‬قبل أن ينزل علين ا الكت اب‪ ،‬ويبعث فين ا الرس ول‪ ،‬ونحن‬
‫نوفي بالعهد‪ ،‬ونصدق الحديث‪ ،‬ونحسن الجوار‪ ،‬ونقري الض يف‪ ،‬ونواس ي الفق ير‪.‬‬
‫فل ّما بعث هللا تعالى فينا رسول هللا‪ ،‬وأنزل علينا كتابه‪ ،‬كانت تلك األخالق يرض اها‬
‫ق بها أهل اإلسالم‪ ،‬وأولى أن يحفظوها‪ ،‬فلبثوا بذلك م ا ش اء‬ ‫هللا ورسوله‪ ،‬وكان أح ّ‬
‫هللا أن يلبث وا‪ ..‬ث ّم إن ال والة‪ ،‬ق د أح دثوا أعم االً قِباح ا ً ال نعرفه ا‪ .‬من س نَّة تطفى !‬
‫وبدعة تحيى ! وقائل بح ق مك َّذب‪ ،‬وأث رة لغ ير تقى‪ ،‬وأمين ـ ُمس تأثر علي ه ـ من‬
‫الصالحين)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]469 :‬ـ من أقواله في ذكر التهديدات التي كان يتعرض له ا بس بب‬
‫مواقفه من الفتنة‪( :‬إن بني أمية تهددني بالفقر والقت ل‪ ،‬ولبطن األرض أحب إلي من‬
‫ظهرها‪ ،‬وللفقر أحب إلي من الغنى)‪ ،‬فسأله بعضهم عن سر تل ك التهدي دات‪ ،‬وق ال‬
‫ل ه‪ :‬ي ا أب ا ذر م ا ل ك إذا جلس ت إلى ق وم ق اموا وترك وك؟ فق ال‪( :‬إني أنه اهم عن‬
‫الكنوز)(‪)6‬‬
‫[الحــديث‪]470 :‬ــ وروي أن رجال أت اه فق ال‪ :‬إن مص دقي عثم ان ازدادوا‬
‫علينا‪ ،‬أنغيب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟ فقال‪( :‬ال‪ ،‬قف مالك‪ ،‬وقل ما كان لكم من‬
‫‪ )(1‬رواه أحمد‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/102‬‬
‫‪ )( 2‬رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/103‬‬
‫‪ )(3‬رواه أبو داود والطيالسي وابن أبي شيبة ومسلم وابن سعد وابن خزيمة وأب و عوان ة والح اكم‪ ،‬س بل اله دى‬
‫والرشاد (‪)10/103‬‬
‫‪ )(4‬رواه مسلم‪)992( - 34 :‬‬
‫‪ )(5‬أعيان الشيعة‪ ٣٥٥ / ١٦ :‬ـ ‪.٣٥٦‬‬
‫‪ )(6‬حلية األولياء وطبقات األصفياء (‪)163 /1‬‬
‫‪145‬‬
‫حق فخذوه‪ ،‬وما كان باطال فذروه‪ ،‬فما تعدوا عليك جعل في ميزان ك ي وم القيام ة)‪،‬‬
‫فسمعه بعض القرشيين‪ ،‬فقال‪( :‬أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتي ا؟)‪ ،‬فق ال‪( :‬أرقيب‬
‫أنت علي؟ فوالذي نفسي بيده لو وضعتم الصمصامة ههنا‪ ،‬ثم ظننت أني منفذ كلم ة‬
‫سمعتها من رسول هللا ‪ ‬قبل أن تحتزوا ألنفذتها)(‪)1‬‬
‫[الحــديث‪]471 :‬ـ وروي أن ه دخ ل مجلس ا‪ ،‬فوج دهم يقتس مون م اال لبعض‬
‫األثرياء‪ ،‬وكان في المجلس كعب األحبار‪ ،‬وب دل أن يس ألوا أب ا ذر‪ ،‬وه و ص احب‬
‫رسول هللا ‪ ،‬وتلميذه‪ ،‬راحوا يسألون كعبا‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما تقول فيمن جم ع ه ذا الم ال‬
‫فكان يتصدق منه ويعطي في السبل ويفعل ويفعل؟ فقال كعب‪ :‬إني ألرجو له خيرا‪،‬‬
‫فغضب أبو ذر ورفع العصا على كعب‪ ،‬وقال‪( :‬وما يدريك يا ابن اليهودي ة؟ لي ودن‬
‫صاحب هذا المال يوم القيامة لو كانت عقارب تلسع السويداء من قلبه)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪]472 :‬ـ وروى األحن ف بن قيس بعض مواقف ه في مواجه ة الفتن ة‬
‫األولى‪ ،‬فقال‪ :‬جلست إلى مإل من قريش‪ ،‬فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئ ة‪،‬‬
‫حتى قام عليهم فسلم‪ ،‬ثم قال‪ :‬بشر الك انزين برض ف يحمى علي ه في ن ار جهنم‪ ،‬ثم‬
‫يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه‪ ،‬ويوضع على نغض كتفه‬
‫حتى يخرج من حلمة ثدي ه‪ ،‬ي تزلزل‪ ،‬ثم ولى‪ ،‬فجلس إلى س ارية‪ ،‬وتبعت ه وجلس ت‬
‫إليه وأنا ال أدري من هو؟ فقلت له‪ :‬ال أرى القوم إال قد كرهوا الذي قلت‪ ،‬ق ال‪ :‬إنهم‬
‫ال يعقلون ش يئا‪ ،‬ق ال لي خليلي‪ ،‬ق ال‪ :‬قلت‪ :‬من خليل ك؟ ق ال الن بي ‪( :‬ي ا أب ا ذر‬
‫أتبصر أحدا؟) قال‪ :‬فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار‪ ،‬وأن ا أرى أن رس ول هللا‬
‫‪ ‬يرسلني في حاجة له‪ ،‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪( :‬ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا‪ ،‬أنفقه كل ه‪،‬‬
‫إال ثالثة دنانير) وإن هؤالء ال يعقلون‪ ،‬إنما يجمعون الدنيا‪ ،‬ال وهللا‪ ،‬ال أسألهم دني ا‪،‬‬
‫وال أستفتيهم عن دين‪ ،‬حتى ألقى هللا)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]473 :‬ـ وروي أن بعضهم قال له‪( :‬ما لك وإلخوتك من ق ريش‪ ،‬ال‬
‫تع تريهم وتص يب منهم)‪ ،‬قلت ل ه بك ل ق وة‪( :‬ال‪ ،‬ورب ك‪ ،‬ال أس ألهم عن دني ا‪ ،‬وال‬
‫أستفتيهم عن دين‪ ،‬حتى ألحق باهلل ورسوله)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪]474 :‬ـ قال فيه اإلمام علي يثني عليه‪ ،‬ويعتبره من صحابة رس ول‬
‫هللا ‪ ‬المنتج بين الص ادقين‪( :‬وعى علم ا‪ ،‬ش حيحا حريص ا؛ ش حيحا على دين ه‪،‬‬
‫حريصا على العلم‪ ،‬وكان يكثر السؤال‪ ،‬فيعطى ويمنع‪ ،‬أما أن قد ملئ له في وعائ ه‬
‫حتى امتأل)(‪ ،)5‬وذكر نصرته للحق‪ ،‬فقال‪( :‬لم يبق اليوم أح د ال يب الي في هللا لوم ة‬
‫الئم غير أبي ذر) ثم ضرب بيده إلى صدره(‪.)6‬‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق(‪)160 /1‬‬


‫‪ )(2‬حلية األولياء وطبقات األصفياء (‪)160 /1‬‬
‫‪ )(3‬رواه البخاري‪.1408 ،1407 ،‬‬
‫‪ )(4‬رواه مسلم‪)992( - 34 :‬‬
‫‪ )(5‬رواه الضياء في المختارة (‪)123 /2‬‬
‫‪ )(6‬رواه ابن سعد الطبقات الكبرى‪)4/231( ،‬‬
‫‪146‬‬
‫الفتنة الثانية‪ :‬فتنة حرب العترة‪:‬‬
‫وهي الفتنة التي لم يكتف الواقعون فيها بع زل اإلم ام علي عن اعتب اره إم ام‬
‫الهدى الذي ترجع إليه األمة في كل شؤونها‪ ،‬مثلما كانت ترجع إلى رس ول هللا ‪،‬‬
‫وإنما راحوا يعلنون الحرب عليه‪ ،‬مع أنهم كانوا من أك ثر المس المين لمن س بقه من‬
‫الخلفاء‪.‬‬
‫ولم تكن تلك الح رب خاص ة بشخص ه‪ ،‬وإنم ا ك انت مرتبط ة بال دين نفس ه‪،‬‬
‫ولهذا أخبر رسول هللا ‪ ‬أن حرب اإلمام علي ليست حربا ألجل مناصب سياسية‪،‬‬
‫وإنما هي حرب في مواجهة تأويل القرآن وتحريفه عن القيم النبيلة التي جاء بها‪.‬‬
‫ولهذا ورد في األحاديث الكثيرة م ا ي دعو األم ة إلى الوق وف في ص فه حين‬
‫تُعلن عليه تلك الحرب‪ ،‬مع ذكر العالمات الدالة على ذلك‪ ،‬وسنذكر هنا م ا ورد من‬
‫إشارات إلى ذلك من خالل المصادر السنية‪:‬‬
‫أ‪ .‬ما ورد في الداللة على دور اإلمام علي في مقاتلة المبدلين للدين‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة سبق ذكرها في فضل اإلمام علي‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫[الحديث‪]475 :‬ـ ما روي عن أبي سعيد ق ال‪ :‬س معت رس ول هللا ‪ ‬يق ول‪:‬‬
‫(إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله)‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬أنا ه و‬
‫يا رسول هللا‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬قال عمر‪ :‬أن ا ه و ي ا رس ول هللا‪ ،‬ق ال‪( :‬ال‪ ،‬ولكن ه خاص ف‬
‫النعل‪ ،‬وكان قد أعطى عليا نعله يخصفها)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]476 :‬ـ ومنها ما روي عن علي بن ربيعة قال‪ :‬س معت علي ا يق ول‬
‫على منبركم هذا‪( :‬عهد إلي رسول هللا ‪ ‬أن أقاتل الناكثين والقاسطين والم ارقين)‬
‫(‪)2‬‬
‫ب‪ .‬ما ورد في مناقب أصحاب اإلمام علي‪:‬‬
‫وهي إش ارات واض حة من رس ول هللا ‪ ‬على أن ه ؤالء األص حاب‬
‫الصادقين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا عبارة عن راي ات تمث ل الحقيق ة واله دى؛ فمن‬
‫اتبعهم اهتدى‪ ،‬ومن خالفهم ضل‪ ،‬وسنذكر بعض ما ورد في ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫ما ورد في شأن عمار بن ياسر‪:‬‬
‫وهي أح اديث كث يرة بلغت مبل غ الت واتر‪ ،‬وله ذا ك ان الكث ير من الص حابة‬
‫يتبعون عمارا أيام الفتنة‪ ،‬ليروا الجهة التي يكون فيها‪ ،‬ليكونوا معه فيها‪.‬‬
‫وما ذكره رسول هللا ‪ ‬في هذا الشأن ليس خاصا بذلك الجيل‪ ،‬ب ل ه و لك ل‬
‫األجي ال؛ فل ذلك ك ان على األم ة أن تبحث في مواق ف عم ار بن ياس ر‪ ،‬وتعتبره ا‬
‫ممثلة لموقف رسول هللا ‪ ،‬ذلك أن كل األحاديث تشير إلى ذلك‪.‬‬
‫وقبل أن نذكر أحاديث رسول هللا ‪ ‬الصحيحة الص ريحة ح ول دور عم ار‬
‫في بيان الموقف من تلك الفتنة‪ ،‬نذكر بعض أحاديث ه فيه ا‪ ،‬فق د روي عن ه أن ه ك ان‬

‫‪ )(1‬رواه أبو يعلى برجال الصحيح‪ ،،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/290( ،‬‬


‫‪ )(2‬رواه أبو يعلى‪ ،‬سبل الهدى والرشاد‪)11/290( ،‬‬
‫‪147‬‬
‫يقول‪( :‬يا أهل اإلسالم أتريدون أن تنظروا إلى من ع ادى هللا ورس وله وجاه دهما‪،‬‬
‫فلما أراد هللا أن ينصر دين ه وينص ر رس وله أتى الن بي ‪ ‬فأس لم‪ ،‬وه و وهللا فيم ا‬
‫يُ رى راهب غ ير راغب‪ ،‬وقبض رس ول هللا ‪ ‬وإن ا وهللا لنعرف ه بع داوة المس لم‬
‫ومودة المجرم! أال وإنه معاوية ف العنوه لعن ه هللا‪ ،‬وق اتلوه فإن ه ممن يطفئ ن ور هللا‬
‫ويظاهر أعداء هللا)(‪)1‬‬
‫وكان يقول‪( :‬اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رض اك في أن أق ذف بنفس ي في‬
‫هذا البحر لفعلته‪ ،‬اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظب ة س يفي في‬
‫صدري ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت‪ ،‬وإني ال أعلم اليوم عمالً هو‬
‫أرضى لك من جهاد هؤالء الفاسقين‪ ،‬ولو أعلم أن عمالً من األعمال هو أرضى لك‬
‫منه لفعلته)(‪)2‬‬
‫وحدث عبد هللا بن سلمة عنه‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند عمار بصفين وعنده شاعر ينشده‬
‫هجاء في معاوية وعمرو؛ وعمار يقول له‪ :‬الصق بالعجوزين‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬أيق ال‬
‫الشعر عندكم ويسب أصحاب رسول هللا ‪ ‬ويسب أصحاب بدر؟! فقال‪( :‬إن ش ئت‬
‫فاسمع‪ ،‬وإن شئت فاذهب‪ ،‬ف إن معاوي ة وعم راً قع دا بس بيل هللا يص دان عن ه‪ ،‬فاهلل‬
‫سابهما وكل مسلم‪ ،‬وإنه لما هجانا المشركون شكونا ذل ك إلى رس ول هللا ‪ ‬فق ال‪:‬‬
‫(قولوا لهم كما يقولون لكم فإن كنا لنعلمه اإلماء بالمدينة)(‪)3‬‬
‫وعنه قال‪ :‬رأيت عماراً يوم صفين شيخا ً كب يراً آدم ط واالً أخ ذ الحرب ة بي ده‬
‫ويده ترعد فقال‪( :‬والذي نفسي بيده لقد قاتلت صاحب هذه الراية مع رس ول هللا ‪‬‬
‫ثالث مرات وهذه الرابعة‪ ،‬والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هج ر‬
‫لعرفت أن مصلحينا على الحق وأنهم على الضاللة)(‪)4‬‬
‫ومن تلك األحاديث المرتبطة بدور عمار في تحديد الفئة الباغية‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]477 :‬ما روي عن حذيفة بن اليمان ـ مع أنه لم يحضر تلك الفتنة‪،‬‬
‫ولكن رسول هللا ‪ ‬أخبره عنها كما أخبر األم ة جميع ا ـ فق د روي أن ه ج اءه نف ر‬
‫يسألونه عن الفتنة وكيفية التعامل معها‪ ،‬وقالوا له‪ :‬يا أبا عب د هللا‪ ،‬إن رس ول هللا ‪‬‬
‫استجار من أن تصطلم أمته‪ ،‬فأجير من ذلك‪ ،‬واس تجار من أن ي ذوق بعض ها ب أس‬
‫بعض فمنع من ذلك‪ ،‬فقال حذيفة‪ :‬إنى سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪( :‬إن ابن سمية لم‬
‫يخير بين أمرين قط إال اختار أرشدهما ـ يعنى عمارا فالزموا ـ سمته)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]478 :‬ـ روي أن بني عبس قالوا لحذيفة‪ :‬إن أمير المؤم نين عثم ان‬
‫قد قتل فما تأمرنا؟ قال‪ :‬آمركم أن تلزموا عم ارا‪ ،‬ق الوا‪ :‬إن عم ارا ال يف ارق علي ا‪،‬‬
‫‪ )(1‬وقعة صفين (ص ‪ ،)213‬تاريخ الطبري‪.82 /3 :‬‬
‫‪ )(2‬تاريخ الطبري‪ :‬ج ‪ / 3‬ص ‪.96‬‬
‫‪ )(3‬أنساب األشراف‪.328 /1 :‬‬
‫‪ )(4‬قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج ‪ / 7‬ص ‪ :)175‬رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير‬
‫عبد هللا بن سلمة وهو ثقة‪ ،‬وقال البوصيري في كتابه‪( :‬إتحاف الخيرة المه رة بزوائ د المس انيد العش رة‪( ،‬ج ‪ / 8‬ص‬
‫‪ :)5‬رواه أبوداود الطيالسي وأبو يعلى وأحمد بن حنبل بسند صحيح‪.‬‬
‫‪ )(5‬وقعة صفين (ص‪)342 :‬‬
‫‪148‬‬
‫ي‬
‫قال‪ :‬إن الحسد هو أهلك الجسد‪ ،‬وإنما ينف ركم من عم ار قرب ه من علي‪ ،‬فوهللا لعل ٌ‬
‫أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب‪ ،‬وإن عمارا لمن األخي ار‪ ،‬وه و يعلم‬
‫أنهم إن لزموا عمارا كانوا مع علي‪ )1(.‬للكبير بمبهم‪.‬‬
‫[الحديث‪]479 :‬ـ روي عن عبد هللا بن عمرو أن ه ق ال ل رجلين اختص ما في‬
‫رأس عمار‪ ،‬يقول‪ :‬كل واحد منهما أنا قتلته‪ ،‬فق ال عب د هللا‪ :‬ليطب ب ه أح دكما نفس ا‬
‫لصاحبه فإني سمعت رسول هللا ‪ ،‬يقول‪( :‬تقتله الفئة الباغية)‪ ،‬فق ال معاوي ة‪ :‬فم ا‬
‫بالك معن ا؟ ق ال‪ :‬إن أبي ش كاني إلى الن بي ‪ ،‬فق ال‪( :‬أط ع أب اك م ا دام حي ا وال‬
‫تعصه‪ ،‬فأنا معكم ولست أقاتل أحدا)(‪.)2‬‬

‫[الحديث‪]480 :‬ـ قوله ‪( :‬إني ال أدري ما قدر بقائي فيكم‪ ..‬فاهت دوا به دي‬
‫عمار)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]481 :‬عن علقمة‪ ،‬قال‪( :‬قدمت الشام‪ ،‬فقلت‪ :‬من ها هنا؟‪ ،‬قالوا أبو‬
‫ال درداء‪ ،‬ق ال‪ :‬أفيكم ال ذي أج اره هللا من الش يطان على لس ان نبي ه ‪‬؟)(‪ ،)4‬وه و‬
‫يقصد عمار بن ياسر‪.‬‬
‫[الحديث‪]482 :‬ـ عن موالة لعم ار بن ياس ر ق الت‪ :‬اش تكى عم ار بن ياس ر‬
‫شكوى ثقل منها‪ ،‬فغشي عليه فأف اق‪ ،‬ونحن نبكي حول ه ق ال‪ :‬م ا يبكيكم؟ أتحس بون‬
‫أني أموت على فراشي‪ ،‬أخبرني حبيبي رسول هللا ‪ ‬أنه تقتلني الفئة الباغية‪ ،‬وأن ا‬
‫آخر زادي مذقة من لبن‪ ،‬وفي رواية ضياح لبن وفي لفظ‪( :‬أن آخر زادك من ال دنيا‬
‫ضياح من لبن)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]483 :‬ـ عن أم سلمة وعمار بن ياس ر وغيرهم ا أن رس ول هللا ‪‬‬
‫قال‪ ،‬وهو يبني المسجد لعمار بن ياسر‪( :‬تقتلك الفئة الباغية)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]484 :‬ـ عن إسماعيل بن عبد الرحمن األنصاري أن رسول هللا ‪‬‬
‫قال لعمار‪( :‬أبشر‪ ،‬عمار‪ ،‬تقتلك الفئة الباغية)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪]485 :‬ـ قوله ‪ ‬في الحديث الذي روي بط رق مت واترة كث يرة(‪:)8‬‬
‫‪ )(1‬قال الهيثمي (‪ )7/243‬الطبراني رجاله ثقات إال أني لم أعرف الرجل المبهم‪.‬‬
‫ويقصد بالرجل المبهم هو (سيار أبي الحكم) الراوي عن حذيفة)‬
‫‪ )(2‬أحمد (‪ )165 -2/164‬وقال الهيثمي (‪ :)7/244‬رجاله ثقات‪.‬‬
‫‪ )(3‬رواه الترمذي (‪)3799‬‬
‫‪ )(4‬رواه البخاري (‪)3287‬‬
‫‪ )(5‬رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/151‬‬
‫‪ )(6‬رواه مسلم وابن عساكر وابن أبي شيبة‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/152‬‬
‫‪ )(7‬رواه الترمذي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/152‬‬
‫‪ )( 8‬فقد رواه مسلم وابن عساكر وابن أبي شيبة عن أم سلمة‪ ،‬واإلمام أحمد وابن عساكر والط براني في الكب ير‪،‬‬
‫وأبو يعلى‪ ،‬والخطيب عن عثمان‪ ،‬واإلمام أحمد وابن سعد وابن أبي شيبة وأب و يعلى والط براني في الكب ير والح اكم‬
‫عن عمرو بن العاص‪ ،‬وابن عساكر وابن أبي شيبة وأبو يعلى وأبو عوانة والطبراني في الكبير عن أبي رافع‪ ،‬وأب و‬
‫يعلى وابن سعد في كتاب المواالة والطبراني في الكبير وال دار قط ني في األف راد عن عم ار بن ياس ر وابن عس اكر‬
‫عن ابن عباس وعن حذيفة وعن أبي هريرة وعن ج ابر بن عب د هللا وعن ج ابر بن س مرة وعن أنس عن أبي أمام ة‬
‫وعن عبد هللا بن كعب بن مالك عن أبيه وعن عمرو بن العاص‪ ،‬وابن أبي شيبة‪ ،‬واإلم ام احم د وابن س عد والبغ وي‬
‫‪149‬‬
‫النار)(‪)1‬‬
‫(ويح عمار تقتله الفئة الباغية‪ ،‬عمار يدعوهم إلى هللا‪ ،‬ويدعونه إلى‬
‫وقد تعرض ه ذا الح ديث وغ يره للتالعب والتأوي ل من الم دافعين عن الفئ ة‬
‫الباغية‪ ،‬بل إنهم حولوه إلى مدح معاوية بدل ثلبه‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك قول ابن كثير في شرحه للح ديث‪( :‬وه ذا الح ديث من‬
‫دالئل النبوة حيث أخبر ‪ ‬عن عمار أنه تقتله الفئة الباغية‪ ،‬وقد قتله أهل الش ام في‬
‫وقع ة ص فين‪ ،‬وعم ار م ع علي وأه ل الع راق‪ ..‬وق د ك ان علي أح ق ب األمر من‬
‫معاوي ة‪ ..‬وال يل زم من تس مية أص حاب معاوي ة بغ اة تكف يرهم‪ ،‬كم ا يحاول ه جهل ة‬
‫الفرقة الض الة من الش يعة وغ يرهم‪ ،‬ألنهم‪ ،‬وإن ك انوا بغ اة في نفس األم ر‪ ،‬ف إنهم‬
‫كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال‪ ،‬وليس ك ل مجته د مص يبا‪ ،‬ب ل المص يب ل ه‬
‫أجران‪ ،‬والمخطئ له أجر)(‪)2‬‬
‫وق ال في تأوي ل قول ه ‪( :‬ي دعوهم إلى الجن ة‪ ،‬ويدعون ه إلى الن ار)‪( :‬ف إن‬
‫عمارا وأصحابه يدعون أهل الشام إلى األلفة واجتماع الكلمة‪ ،‬وأهل الش ام يري دون‬
‫أن يستأثروا باألمر دون من هو أحق به‪ ،‬وأن يك ون الن اس أوزاع ا على ك ل قط ر‬
‫إمام برأس ه‪ ،‬وه ذا ي ؤدي إلى اف تراق الكلم ة‪ ،‬واختالف األم ة‪ ،‬فه و الزم م ذهبهم‬
‫وناشئ عن مسلكهم‪ ،‬وإن كانوا ال يقصدونه)(‪)3‬‬
‫ولست أدري كيف عرف أنهم ال يقصدونه‪ ،‬وأن كل تلك ال دماء ال تي س الت‬
‫والتحريف الذي حصل كان مجرد اجتهاد مأجور عليه‪ ،‬يؤدي إلى الجن ة ب دل أدائ ه‬
‫إلى النار‪.‬‬
‫[الحديث‪]486 :‬ـ ما روي في ص دقه وإيمان ه وتبش يره بالجن ة‪ ،‬ومنه ا قول ه‬
‫‪( :‬ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه)(‪ ،)4‬وقوله‪( :‬دم عمار ولحم ه؛ ح رام على الن ار‬
‫أن تأكله أو تمسه)(‪ ،)5‬وقوله‪( :‬إن الجنة تشتاق إلى ثالثة‪ :‬علي وعمار وأبي ذر)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]487 :‬ـ عن جابر بن عبد هللا‪(:‬مر رسول هللا ‪ ‬بعمار وأهل ه وهم‬
‫يعذبون‪ ،‬فقال‪( :‬أبشروا آل عمار‪ ،‬وآل ياسر‪ ،‬ف إن موع دكم الجن ة)(‪ )7‬وفي رواي ة‪:‬‬

‫وأبو نعيم والطبراني في الكبير‪ ،‬والحاكم عن عمرو بن حرام‪ ،‬واإلم ام احم د وأب و يعلى والط براني في الكب ير وابن‬
‫عساكر عن ابن عمرو وأبو يعلى والطبراني في الكبير عن معاوي ة بن عتب ة‪ ،‬والط براني عن أبي راف ع والط براني‬
‫عن أبي أيوب‪ ،‬والطبراني في الكبير‪ ،‬والباوردي وابن قانع‪ ،‬والدار قطني في األفراد عن أبي البش ير بن عم رو عن‬
‫زي اد بن الج رد‪ ،‬وال بزار برج ال الص حيح عن أبي س عيد الخ دري‪ ،‬وأب و يعلى برج ال الص حيح عن أبي هري رة‬
‫والطبراني برجال ثقات عن عبد هللا بن عمرو وأبيه عم رو ومعاوي ة وال بزار عن أبي مس عود‪ ،‬وحذيف ة والط براني‬
‫بإسناد حسن‪ .‬انظر‪ :‬معجزات حسية (ص‪)240 :‬‬
‫‪ )(1‬رواه أحمد [‪ ،]306 /5‬والبخاري (‪ ،)2812‬ومسلم [‪ ،]2915 /71 /70[ ،]226 /9‬والنسائي في الكبرى‬
‫[‪ ،]156 /5‬كتاب الخصائص‪ :‬حديث [‪ ،]8548‬وابن سعد [‪ ]191 /3‬وغيرهم‬
‫‪ )(2‬البداية والنهاية‪)538 /4( ،‬‬
‫‪ )(3‬البداية والنهاية‪)538 /4( ،‬‬
‫‪ )(4‬رواه النسائي (‪)5007‬‬
‫‪ )(5‬رواه البزار (‪ ،)51 /3‬وابن عساكر (‪)1 /314 /12‬‬
‫‪ )(6‬الهيثمي في مجمع الزوائد ‪ 9‬ـ ‪39‬‬
‫‪ )(7‬رواه الحاكم (‪ ،)5666‬وقال‪( :‬صحيح على شرط مسلم‪ ،‬ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫(عذب المشركون عمارا بالنار‪ ،‬فكان النبي ‪ ‬يمر به فيمر يده على رأسه ويق ول‪:‬‬
‫(يا نار كوني بردا وسالما على عمار كما كنت على إب راهيم‪ ،‬تقتل ك الفئ ة الباغي ة)‬
‫(‪)1‬‬
‫ما ورد في شأن المقداد بن األسود‪:‬‬
‫وه و من أص حاب اإلم ام علي المخلص ين‪ ،‬وال ذين ورد في حقهم من‬
‫األحاديث ما ي دل على اعتب ارهم من العالم ات ال تي يُم يز به ا بين الح ق والباط ل‬
‫عندما تختلط األمور‪ ،‬فهو أحد األربعة الذين أخ بر رس ول هللا ‪ ‬عن ش وق الجن ة‬
‫لهم‪ ،‬وهو أحد الذين أمر رسول هللا ‪ ‬بحبهم‪ ،‬والتأسي به في ذلك‪.‬‬
‫ففي الحديث‪ ،‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬إن الجن ة تش تاق إلى أربع ة‪ :‬إلى عم ار‪،‬‬
‫وعلي وسلمان‪ ،‬والمقداد)(‪ ،)2‬وقال‪( :‬إن هللا تعالى أمرني بحب أربعة‪ ،‬وأخبرني أنه‬
‫يحبهم‪ ،‬وإنك يا علي منهم‪ ،‬والمقداد وأبو ذر وسلمان)(‪)3‬‬
‫وهو صاحب ذلك المشهد الذي تمنى عبد هللا بن مسعود ـ على جالل ة ق دره ـ‬
‫أن يكون صاحبه‪ ،‬فقال‪( :‬لقد شهدت من المقداد مش هدا ألن أك ون أن ا ص احبه أحب‬
‫إلي مما في األرض من شيء‪ ،‬وكان رجال فارسا‪ ،‬وكان رس ول هللا ‪ ‬إذا غض ب‬
‫احمرت وجنتاه‪ ،‬فأتاه المقداد على تل ك الح ال فق ال‪( :‬أبش ر ي ا رس ول هللا‪ ،‬فوهللا ال‬
‫نقول لك كما قالت بنو إس رائيل لموس ى علي ه الس الم‪ :‬اذهب أنت ورب ك فق اتال إن ا‬
‫هاهنا قاعدون‪ ،‬ولكن والذي بعثك ب الحق لنك ونن من بين ي ديك‪ ،‬ومن خلف ك‪ ،‬وعن‬
‫يمينك‪ ،‬وعن شمالك‪ ،‬أو يفتح هللا عز وجل لك)(‪)4‬‬
‫وهو من الذين آتاهم هللا البصيرة؛ الذين ميزوا بين الجاهلية واإلس الم‪ ،‬والقيم‬
‫ال تي تمثلهم ا‪ ،‬ولم يغ تر بالص حبة المج ردة عن القيم‪ ،‬وق د رد على من ق ال ل ه‪:‬‬
‫(طوبى لهاتين العينين الل تين رأت ا رس ول هللا ‪ ،‬وهللا لوددن ا أن ا رأين ا م ا رأيت‪،‬‬
‫وشهدنا ما شهدت)‪ ،‬بقوله‪( :‬م ا يحم ل الرج ل أن يتم نى محض را غيب ة هللا عن ه ال‬
‫يدري كيف يكون فيه‪ ،‬وهللا لقد حضر رس ول هللا ‪ ‬أق وام كبهم هللا على من اخرهم‬
‫في جهنم لم يجيبوه ولم يصدقوه‪ ،‬أال يحم د هللا تع الى أح دكم أن ال تعرف وا إال ربكم‬
‫مصدقين بما جاء به ن بيكم‪ ،‬فق د كفيتم البالء بغ يركم‪ ،‬وهللا لق د بعث الن بي ‪ ‬على‬
‫أشد حال بعث عليها نبي من األنبياء في ف ترة وجاهلي ة لم ي روا أن دين ا أفض ل من‬
‫عبادة األوثان‪ ،‬فجاء بفرقان فرق بين الحق والباطل‪ ،‬وفرق بين الوالد وولده‪ ،‬ح تى‬
‫إن ك ان الرج ل ل يرى وال ده أو ول ده أو أخ اه ك افرا‪ ،‬وق د فتح هللا تع الى قف ل قلب ه‬
‫لإليمان ليعلم أنه قد هلك من دخل النار‪ ،‬فال تقر عينه وهو يعلم أن حميمه في النار‪،‬‬
‫وأنها التي ق ال هللا تع الى‪َ ﴿ :‬ربَّنَ ا هَبْ لَنَ ا ِم ْن أَ ْز َوا ِجنَ ا َو ُذرِّ يَّاتِنَ ا قُ َّرةَ أَ ْعيُ ٍن َواجْ َع ْلنَ ا‬

‫‪ )(1‬سير أعالم النبالء (‪)247 /3‬‬


‫‪ )(2‬حلية األولياء وطبقات األصفياء (‪)142 /1‬‬
‫‪ )(3‬حلية األولياء وطبقات األصفياء (‪)172 /1‬‬
‫‪ )(4‬حلية األولياء وطبقات األصفياء (‪)172 /1‬‬
‫‪151‬‬
‫لِ ْل ُمتَّقِينَ إِ َما ًما﴾ [الفرقان‪:‬‬
‫‪)1()]74‬‬
‫وه و من رواة أح اديث الفتن‪ ،‬والمخ بر بوقوعه ا‪ ،‬ال ذين أدرك وا ب أن‬
‫االختبارات اإللهية ليست متوقفة على فترة دون فترة‪ ،‬وأن ادعاء اإلسالم والصحبة‬
‫ليسا ك افيين‪ ،‬وق د ق ال في ذلك‪( :‬العجب من ق وم م ررت بهم آنف ا‪ ،‬يتمن ون الفتن ة‪،‬‬
‫ويزعم ون ليبتلينهم هللا فيه ا بم ا ابتلى ب ه رس ول هللا ‪ ‬وأص حابه‪ ،‬وأيم هللا لق د‬
‫سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪( :‬إن السعيد لمن جنب الفتن ـ يرددها ثالث ا ـ وإن ابتلي‬
‫فصبر)‪ ،‬وأيم هللا ال أشهد ألحد أنه من أه ل الجن ة ح تى أعلم بم ا يم وت علي ه بع د‬
‫حديث سمعته من رسول هللا ‪ ،‬سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪( :‬لقلب ابن آدم أس رع‬
‫انقالبا من القدر إذا استجمعت غليا)(‪)2‬‬
‫وروي من دفاعه عن آل بيت النبوة‪ ،‬وتنفيذه لوصايا رس ول هللا ‪ ‬في ذل ك‬
‫أنه قال‪( :‬ما رأيت مثل ما أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم)‪ ،‬فقال له عب د ال رحمن‬
‫بن ع وف‪ :‬وم ا أنت وذاك ي ا مق داد‪ ،‬فق ال‪( :‬إني وهللا ألحبهم لحب رس ول هللا ‪‬‬
‫إياهم‪ ،‬وإن الحق معهم وفيهم‪ ،‬يا عبد الرحمن أعجب من قريش وإنما تط ولهم على‬
‫الناس بفضل أهل هذا البيت‪ ،‬قد اجتمعوا على نزع سلطان رس ول هللا ‪ ‬بع ده من‬
‫أيديهم‪ ،‬أما وأيم هللا يا عبد الرحمن لو أجد على قريش أنصارا لقاتلتهم كقتالي إي اهم‬
‫مع النبي ‪ ‬يوم بدر)(‪)3‬‬
‫ويدل لهذا ما ورد في المصادر الشيعية من أن اإلمام الصادق ذكره في جملة‬
‫ال ذين ط البوا بع د وف اة رس ول هللا ‪ ‬بتط بيق وص يته‪ ،‬وحكم اإلم ام علي‪ ،‬ولم‬
‫يرجعوا عن ذلك إال خشية من تفرق صف المسلمين‪ ،‬فقد قال‪( :‬كان الذي أنكر على‬
‫أبي بكر اثنى عشر رجال من المهاجرين‪ :‬خالد بن سعيد بن العاص‪ ،‬وك ان من ب ني‬
‫أمية وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن األسود وعمار بن ياسر وبريدة‬
‫األسلمي ومن األنصار أبو الهشيم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وخزيمة بن‬
‫ث ابت ذو الش هادتين وأبي بن كعب وأب و أي وب األنص اري)‪ ،‬وق ال‪( :‬إنم ا منزل ة‬
‫المقداد في هذه األُمة كمنزلة ألف في القرآن‪ ،‬ال يلزق بها شيء)(‪)4‬‬
‫ومما كتبه اإلمام الرضا للم أمون في محض اإلس الم‪ ،‬وش رائع ال دين قول ه‪:‬‬
‫(والذين مضوا على منهاج نبيهم ‪ ‬ولم يغيروا‪ ،‬ولم يبدِّلوا‪ ،‬مثل‪ :‬سلمان الفارسي‪،‬‬
‫وأبي ذر الغفاري‪ ،‬وال ِمقداد بن األسود)(‪)5‬‬
‫وقد روي من نصائحه التي أسداها للخليف ة األول منك را علي ه قول ه‪( :‬ي ا أب ا‬
‫بكر تب إلى ربك والزم بيتك‪ ،‬وابك على خطيئتك‪ ،‬وسلم األم ر لص احبه ال ذي ه و‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم (‪250 )3154 /4‬‬


‫‪ )(2‬حلية األولياء وطبقات األصفياء (‪)175 /1‬‬
‫‪ )(3‬مروج الذهب ج ‪ ،2‬ص ‪.352‬‬
‫‪ )(4‬االختصاص‪.10:‬‬
‫‪ )(5‬عيون أخبار الرضا عليه السالم للشيخ الصدوق ‪134:2‬‬
‫‪152‬‬
‫أولى به منك‪ ،‬فقد علمت ما عق ده رس ول هللا ‪ ‬في عنق ك من بيعت ه‪ ،‬وألزم ك من‬
‫النفوذ تحت راية أسامة بن زيد وهو مواله‪ ،‬ونبه على بطالن وجوب هذا األمر ل ك‬
‫ولمن عضدك عليه بضمه لكما إلى علم النف اق ومع دن الش نان والش قاق عم رو بن‬
‫العاص الذي أنزل هللا فيه على نبي ه ‪﴿ :‬إِ َّن َش انِئَكَ هُ َو اأْل َ ْبتَ رُ﴾ [الك وثر‪ ،]3 :‬فال‬
‫اختالف بين أهل العلم أنها نزلت في عمرو‪ ،‬وهو كان أميرا عليكما في الوقت الذي‬
‫أنفذه رسول هللا ‪ ‬في غزاة ذات السالسل‪ ،‬وأن عمرا قلد كما حرس عسكره‪ ،‬فأين‬
‫الحرس إلى الخالفة‪ ،‬ات ق هللا وب ادر باالس تقالة قب ل فوته ا‪ ،‬ف إن ذل ك أس لم ل ك في‬
‫حيات ك وبع د وفات ك‪ ،‬وال ت ركن إلى دني اك وال تغرن ك ق ريش وغيره ا‪ ،‬فعن قلي ل‬
‫تضمحل عنك دنياك ثم تصير إلى ربك فيجزيك بعملك‪ ،‬وقد علمت وتيقنت أن علي‬
‫ابن أبي طالب هو صاحب األمر بعد رسول هللا ‪ ،‬فسلمه إليه بما جعله هللا له فإنه‬
‫أتم لسترك واخف لوزرك‪ ،‬فق د وهللا نص حت ل ك إن قبلت نص حي وإلى هللا ترج ع‬
‫األمور)(‪)1‬‬
‫ما ورد في شأن أويس القرني‪:‬‬
‫وهو من أصحاب اإلم ام علي المخلص ين ال ذين استش هدوا مع ه في ص فين‪،‬‬
‫وهو من الذين اتفقت األمة على كونه من الذين أثنى عليهم رسول هللا ‪ ‬م ع كون ه‬
‫من الت ابعين‪ ،‬ولم يكت ف رس ول هللا ‪ ‬بالثن اء علي ه‪ ،‬وإنم ا دع ا إلى البحث عن ه‪،‬‬
‫وطلب االس تغفار من ه‪ ،‬وفي ذل ك إش ارة إلى كون ه علم ا من أعالم الهداي ة عن دما‬
‫تتنزل الفتن‪ ،‬ومما ورد في حقه من األحاديث في المصادر السنية‪:‬‬
‫[الحــديث‪]488 :‬ـ عن عب د ال رحمن بن أبي ليلى ق ال‪ :‬ن ادى رج ل من أه ل‬
‫الشام يوم صفين‪ ،‬فقال‪ :‬فيكم أويس القرني؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬إني س معت رس ول هللا‬
‫‪ ‬يقول‪( :‬إن من خير التابعين أويس القرني)‪ ،‬ثم ضرب دابته فدخل فيهم(‪.)2‬‬
‫[الحديث‪ ]489 :‬عن اإلمام علي أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬خير التابعين أويس‬
‫القرني)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪ ]490 :‬ـ عن عم ر أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬ي أتي عليكم أويس بن‬
‫عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن‪ ،‬وكان به برص فبرأ منه إال موضع‬
‫درهم‪ ،‬له والدة‪ ،‬وهو بها بر‪ ،‬لو أقسم على هللا ألبره‪ ،‬فإن اس تطعت أن يس تغفر ل ك‬
‫فافعل)(‪)4‬‬
‫وفي رواية‪( :‬إن رجال من أهل اليمن يقدم عليكم‪ ،‬وال يدع باليمن غ ير أم ل ه‬
‫قد كان به بياض فدعا هللا أن يذهبه عنه فأذهب ه عن ه إال موض ع ال دينار أو ال درهم‬
‫فمن لقيه منكم فليستغفر لكم)‬
‫وفي رواية‪( :‬إن خير التابعين رجل يقال له‪ :‬أويس‪ ،‬وله والدة هو بها بر‪ ،‬ل و‬
‫‪ )(1‬االحتجاج‪ ،‬ص‪.102‬‬
‫‪ )(2‬رواه ابن سعد والحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/101‬‬
‫‪ )(3‬رواه الحاكم والبيهقي وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/101‬‬
‫‪ )(4‬رواه أحمد ومسلم والحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/101‬‬
‫‪153‬‬
‫أقسم على هللا ألبره‪ ،‬وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم)‬
‫[الحديث‪]491 :‬ـ عن عمر قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬إنه سيكون في الت ابعين‬
‫رجل من قرن يقال له‪ :‬أويس بن عامر يخرج به وض ح في دعو هللا أن يذهب ه عن ه‪،‬‬
‫فيذهب‪ ،‬فيقول‪ :‬اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمتك علي‪ ،‬فيدع له منه م ا‬
‫يذكر به نعمته عليه‪ ،‬فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]492 :‬ـ عن ابن عب اس أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬س يكون في أم تي‬
‫رجل يقال له أويس بن عبد هللا القرني وإن شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]493 :‬ـ عن أسيد بن جابر عن عمر أنه قال ألويس القرني‪ :‬استغفر‬
‫لي‪ ،‬قال‪ :‬كيف أستغفر لك وأنت صاحب رسول هللا ‪‬؟ قال‪ :‬سمعت رسول هللا ‪‬‬
‫يقول‪( :‬إن خير التابعين رجل يقال له أويس القرني)(‪)3‬‬
‫ومما ورد في حقه في المصادر الشيعية‪:‬‬
‫[الحديث‪]494 :‬ـ قال اإلمام علي‪( :‬أخبرني حبي بي رس ول هللا ‪ ‬أنّي أدرك‬
‫رجالً من أُ ّمته يُق ال ل ه أُويس القَ رني‪ ،‬يك ون من ح زب هللا ورس وله‪ ،‬يم وت على‬
‫الشهادة‪ ،‬يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪]495 :‬ــ وق ال اإلم ام الب اقر‪( :‬ش هد م ع علي بن أبي ط الب من‬
‫التابعين ثالثة نفر بصفّين شهد لهم رس ول هللا ‪ ‬بالجنّ ة ولم ي رهم‪ :‬أويس القَ رني‬
‫وزيد بن صوحان العبدي وجُندب الخير األزدي رحمة هللا عليهم)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]496 :‬ـ وقال اإلمام الكاظم‪( :‬إذا ك ان ي وم القيام ة ن ادى من ا ٍد‪ :‬أين‬
‫حواري مح ّمد بن عب د هللا رس ول هللا ‪ ،‬ال ذين لم ينقض وا العه د ومض وا علي ه؟‬
‫فيقوم سلمان والمق داد وأب و ذر‪ ..‬ث ّم ين ادي من اد‪ :‬أين ح واري علي بن أبي ط الب‪،‬‬
‫وص ّي مح ّمد بن عبد هللا رسول هللا؟ فيقوم… وأُويس القَرني… فهؤالء المتح وّرة أوّل‬
‫السابقين‪ ،‬وأوّل المقرّبين‪ ،‬وأوّل المتحوّرين من التابعين)(‪)6‬‬
‫ج‪ .‬ما ورد في مثالب أعداء اإلمام علي‪:‬‬
‫وهي إشارات واضحة من رسول هللا ‪ ‬إلى أئمة الفتن ة ورؤوس ها‪ ،‬وال ذين‬
‫تنحرف بسببهم األمة عن سراطها المستقيم إلى تلك المسالك ال تي وقعت فيه ا األمم‬
‫األخرى‪.‬‬
‫ولألسف؛ فإن األحاديث الواردة في ذلك‪ ،‬م ع وض وحها الش ديد‪ ،‬وص حتها‪،‬‬
‫واتفاق األمة عليها‪ ،‬وداللة الواقع والتاريخ على مقتضياتها إال أن هناك من ال يزال‬
‫يكتمه ا أو يؤوله ا أو يح اول التالعب به ا‪ ،‬كم ا ش رحنا ذل ك بتفص يل في كت اب‬
‫‪ )(1‬رواه أبو يعلى والبيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/101‬‬
‫‪ )(2‬رواه ابن عدي‪ ،‬وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/101‬‬
‫‪ )(3‬رواه ابن سعد والحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/101‬‬
‫‪ )(4‬اإلرشاد ‪.۳۱4/ ۱‬‬
‫‪ )(5‬االختصاص‪.۸۱ :‬‬
‫‪ )(6‬رجال الك ّشي‪.43/ ۱‬‬
‫‪154‬‬
‫(معاوية بن أبي سفيان في الميزان)‬
‫وسنذكر هنا ما ورد في شأن معاوية خصوصا‪ ،‬باعتباره رأس الفتنة األكبر‪،‬‬
‫ومثل ه م ا ورد في ش أن يزي د وب ني أمي ة‪ ،‬وال ذين حول وا اإلس الم إلى كس روية‬
‫وقيصرية‪ ،‬ومكنوا لليهود وتالميذ اليهود من تحريف الدين وتفسير القرآن وتأس يس‬
‫الكثير من القيم البعيدة عن الدين األصيل‪.‬‬
‫وقبل أن نذكر ذلك ننبه إلى اآليات القرآنية المشيرة إليه ا‪ ،‬وهي تل ك اآلي ات‬
‫التي تشير إلى النفاق الذي لجأ إليه أئمة الفتنة بع د أن انتص ر رس ول هللا ‪ ‬عليهم‬
‫بفتح مكة‪ ،‬ولهذا تظاهروا باإلسالم‪ ،‬وانتظروا الفرص لالنقضاض عليه من جديد‪.‬‬
‫كم ا أش ار إلى ذل ك عم ار بن ياس ر ي وم ص فين‪ ،‬عن دما ذك ر أم رهم وأم ر‬
‫الصلح فقال‪( :‬وهللا ما أسلموا‪ ،‬ولكن استسلموا وأسروا الكفر فلما رأوا علي ه أعوان ا ً‬
‫أظهروه) (‪)1‬‬
‫وقال في حديث آخر‪( :‬يا أهل اإلسالم أتريدون أن تنظروا إلى من ع ادى هللا‬
‫ورسوله وجاهدهما فلما أراد هللا أن ينصر دينه وينصر رسوله أتى النبي ‪ ‬فأس لم‬
‫وهو هللا فيما يُرى راهب غير راغب وقبض رسول هللا ‪ ‬وإنا وهللا لنعرفه بع داوة‬
‫المسلم ومودة المجرم! أال وإنه معاوية فالعنوه لعنه هللا وقاتلوه فإنه ممن يطفي ن ور‬
‫هللا ويظاهر أعداء هللا)(‪)2‬‬
‫وعن عبد هللا بن سلمة قال‪ :‬رأيت عماراً يوم ص فين ش يخا ً كب يراً آدم ط واالً‬
‫أخذ الحربة بيده ويده ترعد فقال‪( :‬والذي نفسي بيده لقد ق اتلت ص احب ه ذه الراي ة‬
‫مع رسول هللا ‪ ‬ثالث مرات وهذه الرابعة‪ ،‬والذي نفس ي بي ده ل و ض ربونا ح تى‬
‫يبلغونا سعفات هجر لعرفت أن مصلحينا على الحق وأنهم على الضاللة)(‪)3‬‬
‫وعن عبد هللا بن سلمة‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند عمار بصفين وعنده شاعر ينشده هجاء‬
‫في معاوية وعمرو؛ وعمار يقول له‪ :‬الصق بالعجوزين فقال له رجل‪ :‬أيقال الش عر‬
‫عن دكم ويس ب أص حاب رس ول هللا ‪ ‬ويس ب أص حاب ب در؟! فق ال‪( :‬إن ش ئت‬
‫فاسمع‪ ،‬وإن شئت فاذهب‪ ،‬ف إن معاوي ة وعم راً قع دا بس بيل هللا يص دان عن ه‪ ،‬فاهلل‬
‫سابهما وكل مسلم‪ ،‬وإنه لما هجانا المشركون شكونا ذل ك إلى رس ول هللا ‪ ‬فق ال‪:‬‬

‫‪ )(1‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬ورواه ابن أبي خيثم ة في تاريخ ه المس مى ت اريخ ابن أبي خيثم ة‪،)991 / 2 :‬‬
‫وانظر‪ :‬الهيثمي في مجمع الزوائد (‪)1/118‬‬
‫وقد علق الشيخ حسن بن فرحان على هذا الحديث الخطير بقوله‪( :‬السند صحيح على شرط الشيخين إال س عد بن‬
‫حذيفة بن اليمان وهو تابعي كبير ثقة‪ ،‬بل يحتمل أن له صحبة‪ .‬فالسند ص حيح ورجال ه كلهم ثق ات س مع بعض هم من‬
‫بعض‪ .‬وعنعنة األعمش في الصحيحين‪ ،‬وهذا القول قاله عمار بن ياسر يوم صفين‪ ،‬ومعناه واضح؛ فعم ار بن ياس ر‬
‫ميزان تلك الحروب يقس م باهلل أن معاوي ة وأمثال ه من رم وز أه ل الش ام لم يس لموا ي وم فتح مك ة‪ ،‬وإنم ا استس لموا‬
‫وخضعوا حتى يجدوا على الح ق أعوان اً‪ ،‬ول ه ش اهد من ح ديث ابن عم ر في قص ة التحكيم‪( :‬أولى به ذا األم ر من‬
‫ضربك وأباك على اإلسالم حتى دخلتم فيه كرهاً) واصله في صحيح البخاري) [بحث في إسالم معاوية‪ ،‬ص‪]67‬‬
‫‪ )(2‬نصر (ص‪ ،)213‬تاريخ الطبري‪)82 / 3 :‬‬
‫‪ )(3‬قال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج ‪ / 7‬ص ‪ :)175‬رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير‬
‫عبد هللا بن سلمة وهو ثقة‪ ،‬وقال البوصيري في كتابه‪( :‬إتحاف الخيرة المه رة بزوائ د المس انيد العش رة‪( ،‬ج ‪ / 8‬ص‬
‫‪ :)5‬رواه أبوداود الطيالسي وأبو يعلى وأحمد بن حنبل بسند صحيح‪.‬‬
‫‪155‬‬
‫بالمدينة)(‪)1‬‬ ‫قولوا لهم كما يقولون لكم فإن كنا لنعلمه اإلماء‬
‫ومن اآليات التي تشير إلى هذا‪ ،‬ب ل تك اد تص رح ب ه قول ه تع الى‪﴿:‬لَقَ ْد َح َّ‬
‫ق‬
‫ْالقَوْ ُل َعلَى أَ ْكثَ ِر ِه ْم فَهُ ْم اَل ي ُْؤ ِمنُونَ (‪ )7‬إِنَّا َج َع ْلنَا فِي أَ ْعنَاقِ ِه ْم أَ ْغاَل اًل فَ ِه َي إِلَى اأْل َ ْذقَا ِن‬
‫فَهُ ْم ُم ْق َم ُح ونَ (‪َ )8‬و َج َع ْلنَ ا ِم ْن بَي ِْن أَ ْي ِدي ِه ْم َس ًّدا َو ِم ْن خَ ْلفِ ِه ْم َس ًّدا فَأ َ ْغ َش ْينَاهُ ْم فَهُ ْم اَل‬
‫صرُونَ (‪َ )9‬و َس َوا ٌء َعلَ ْي ِه ْم أَأَ ْن َذرْ تَهُ ْم أَ ْم لَ ْم تُ ْن ِذرْ هُ ْم اَل ي ُْؤ ِمنُونَ ﴾ [يس‪]10 - 7 :‬‬ ‫يُ ْب ِ‬
‫فهذه اآليات ـ باتفاق جميع المفسرين ـ نزلت في كف ار ق ريش‪ ،‬وهي تقص د ـ‬
‫أول ما تقصد ـ رؤس اءهم الكب ار ال ذين ح ولهم الس لفية إلى مؤم نين ص ادقين‪ ،‬ب ل‬
‫صحابة أجالء‪ ،‬مع أن القرآن الكريم أخبر أن ه س واء أن ذروا أولم ين ذروا‪ ،‬ف إنهم ال‬
‫يؤمنون‪..‬‬
‫ونحن في ذل ك بين أن نص دق الق رآن الك ريم‪ ،‬وإخبارات ه الغيبي ة‪ ،‬وإم ا أن‬
‫نصدق تلك المقوالت التي خالفت القرآن مخالفة شديدة حين لم تكتف بإثبات اإليمان‬
‫ألولئ ك ال ذين أخ بر هللا تع الى أنهم لن يؤمن وا‪ ،‬وإنم ا أض افت إلي ه ال دفاع عنهم‪،‬‬
‫واعتبارهم من أركان الدين وأعمدته‪ ،‬بل أخرجت من الملة من لم يؤمن بذلك‪.‬‬
‫ومن اآليات الكريمة الدالة على هذا المعنى قوله تع الى‪َ ﴿ :‬ويَقُولُ ونَ َمتَى هَ َذا‬
‫ح اَل يَ ْنفَ ُع الَّ ِذينَ َكفَ رُوا إِي َم انُهُ ْم َواَل هُ ْم‬ ‫ص ا ِدقِينَ (‪ )28‬قُ لْ يَ وْ َم ْالفَ ْت ِ‬ ‫ْالفَ ْت ُح إِ ْن ُك ْنتُ ْم َ‬
‫يُ ْنظَرُونَ (‪ )29‬فَأ َ ْع ِرضْ َع ْنهُ ْم َوا ْنتَ ِظرْ إِنَّهُ ْم ُم ْنت َِظرُونَ ﴾ [السجدة‪]30 - 28 :‬‬
‫فمن مصاديق الفتح في هذه اآلي ة ـ وبحس ب التفس ير الق رآني ال ذي ه و أهم‬
‫التفاسير وأدقها وأصحها ـ فتح مكة‪ ،‬أو الفتح الذي حصل بعد صلح الحديبي ة‪ ،‬حيت‬
‫أسرع الكثير إلى اإلسالم ال قناعة ب ه‪ ،‬وإنم ا بس بب انتص اراته‪ ،‬فأس لموا رغب ة أو‬
‫رهبة‪ ،‬ولم يسلموا قناعة وإذعانا‪.‬‬
‫ولألسف فإن الكث ير من األم ة تب نى أولئ ك ال ذين أس لموا بع د الفتح‪ ،‬أو بع د‬
‫ص لح الحديبي ة أك ثر مم ا تتب نى غ يرهم من الس ابقين‪ ،‬م ع أن هللا تع الى أش ار في‬
‫القرآن الكريم إلى الفرق الكبير بينهما‪.‬‬
‫وبناء على هذا يجتهدون في نفي ارتباط اآليات الكريمة بفتح مك ة م ع ورود‬
‫الكثير من الروايات عن السلف الذين يعتمدونهم في الداللة على ذلك‪ ،‬وق د ق ال ابن‬
‫كث ير مع برا عن ه ذا‪ ..( :‬ومن زعم أن الم راد من ه ذا الفتح فتح مك ة فق د أبع د‬
‫النجعة‪ ،‬وأخطأ فأفحش‪ ،‬فإن ي وم الفتح ق د قب ل رس ول هللا ‪ ‬إس الم الطلق اء‪ ،‬وق د‬
‫كانوا قريبا من ألفين‪ ،‬ولو كان المراد فتح مكة لما قبل إسالمهم)(‪)2‬‬
‫وهذا تبرير عجيب‪ ،‬فرسول هللا ‪ ‬كان يقب ل إس الم أي ك ان من غ ير بحث‬
‫في باطن ه‪ ،‬ول ذلك قب ل إس الم المن افقين‪ ،‬وتعام ل معهم كم ا يتعام ل م ع المس لمين‬
‫أنفسهم‪ ،‬مع علمه بباطنهم‪ ،‬وبكف رهم‪ ،‬ب ل بك ونهم أش د كف را من الكف ار الص رحاء‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫‪ )(1‬أنساب األشراف‪)328 / 1 :‬‬
‫‪ )(2‬تفسير ابن كثير‪ :‬ج ‪ / 6‬ص ‪.374‬‬
‫‪156‬‬
‫ومشكلة هؤالء هي أنهم يتصورون أن قريشا ال يمكن أن تنافق‪ ..‬وأن النف اق‬
‫خاص باألوس والخزرج‪ ،‬فلذلك يذكرون أن عبد هللا بن أبي بن س لول ن افق عن دما‬
‫دخل رسول هللا ‪ ‬المدين ة حرص ا على نفس ه ومص الحه‪ ..‬وال يتص ورون أن أب ا‬
‫سفيان أو معاوية أو غيرهم ا من ص ناديد ق ريش ن افقوا بع د دخ ول رس ول هللا ‪‬‬
‫مكة‪ ..‬ولست أدري الدليل الذي خصوا به النفاق في أهل المدينة‪ ،‬وعصموا منه أهل‬
‫مكة‪ ،‬مع أن األدلة الواقعية الكث يرة ت دل على أن ص ناديد ق ريش ك انوا أك ثر عت وا‬
‫وطغيانا من صناديد المدينة‪.‬‬
‫ومن اآليات القرآنية الواضحة والصريحة في ش دة كف ر كب ار كف ار ق ريش‪،‬‬
‫وأنهم ال يختلف ون عن كب ار ق وم ع اد وثم ود‪ ،‬تل ك اآلي ات ال تي ت ذكر ش روطهم‬
‫لإليم ان‪ ،‬باعتباره ا ش روطا تعجيزي ة ال يمكن تحققه ا‪ ،‬ومنه ا قول ه تع الى‪َ ﴿ :‬ولَقَ ْد‬
‫اس إِاَّل ُكفُ ورًا (‪َ )89‬وقَ الُوا‬ ‫اس فِي هَ َذا ْالقُرْ آ ِن ِم ْن ُك ِّل َمثَ ٍل فَ أَبَى أَ ْكثَ ُر النَّ ِ‬ ‫ص َّر ْفنَا لِلنَّ ِ‬‫َ‬
‫ك َجنَّةٌ ِم ْن ن َِخي ٍل‬ ‫ض يَ ْنبُو ًع ا (‪ )90‬أَوْ تَ ُك ونَ لَ َ‬ ‫ِ‬ ‫رْ‬ ‫َ‬ ‫أْل‬‫ا‬ ‫نَ‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ى‬‫َّ‬ ‫ت‬‫ح‬‫َ‬ ‫كَ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫نَ‬ ‫لَ ْن ِ‬
‫م‬ ‫ؤ‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬
‫ب فَتُفَ ِّج َر اأْل َ ْنهَا َر ِخاَل لَهَا تَ ْف ِجيرًا (‪ )91‬أَوْ تُ ْسقِطَ ال َّس َما َء َك َم ا َز َع ْمتَ َعلَ ْينَ ا ِك َس فًا‬ ‫َو ِعنَ ٍ‬
‫ُف أَوْ تَرْ قَى فِي ال َّس َما ِء‬ ‫ْت ِم ْن ُز ْخر ٍ‬ ‫أَوْ تَأْتِ َي بِاهَّلل ِ َو ْال َماَل ئِ َك ِة قَبِياًل (‪ )92‬أَوْ يَ ُكونَ لَ َ‬
‫ك بَي ٌ‬
‫ت إِاَّل بَ َش رًا‬ ‫َولَ ْن نُ ْؤ ِمنَ لِ ُرقِيِّكَ َحتَّى تُن َِّز َل َعلَ ْينَا ِكتَابً ا نَ ْق َر ُؤهُ قُ لْ ُس ب َْحانَ َربِّي هَ لْ ُك ْن ُ‬
‫ث هَّللا ُ بَ َش رًا‬ ‫اس أَ ْن ي ُْؤ ِمنُوا إِ ْذ َجا َءهُ ُم ْالهُدَى إِاَّل أَ ْن قَ الُوا أَبَ َع َ‬
‫َر ُسواًل (‪َ )93‬و َما َمنَ َع النَّ َ‬
‫َر ُسواًل ﴾ [اإلسراء‪]94 - 89 :‬‬
‫ويؤيد هذا تلك الوقائع التاريخية المس جلة في كتب الح ديث والس يرة‪ ،‬وال تي‬
‫ت بين تعنت رؤوس الش رك ـ بمن فيهم ال بيت الس فياني نفس ه ـ أم ام المعج زات‬
‫والخوارق التي كان يظهرها هللا على يدي نبيه ‪.‬‬
‫فهل يمكن لمن رأى القمر منشقا في الس ماء ـ كم ا دلت على ذل ك الرواي ات‬
‫الكثيرة ـ ثم ال يؤمن‪ ،‬بل يزداد كفرا وعتوا‪ ،‬ب ل يض يف إلى ذل ك ك ل أن واع الص د‬
‫عن سبيل هللا‪ ..‬هل يمكن لمن كان هذا حاله أن ي ؤمن‪ ،‬ويحس ن إيمان ه عن دما ي رى‬
‫جيش المسلمين داخال إلى بلده‪ ،‬وليس له أي حيلة في صده؟‬
‫ومن اآليات القرآنية المخبرة عن مستقبل كفار قريش ال ذين واجه وا رس ول‬
‫﴿واَل يَ زَ ا ُل الَّ ِذينَ َكفَ رُوا فِي ِمرْ يَ ٍة ِم ْن هُ َحتَّى‬ ‫هللا ‪ ‬بالمحاربة والصد قول ه تع الى‪َ :‬‬
‫تَأْتِيَهُ ُم السَّا َعةُ بَ ْغتَةً أَوْ يَأْتِيَهُ ْم َع َذابُ يَوْ ٍم َعقِ ٍيم ﴾ [الحج‪]55 :‬‬
‫وهي إخب ار من هللا تع الى ب أن أولئ ك المش ركين ختم على قل وبهم‪ ،‬وأنهم ال‬
‫يؤمنون حتى تأتيهم الساعة‪.‬‬
‫ومن اآلي ات القرآني ة المخ برة عن موق ف كف ار ق ريش من الق رآن الك ريم‪،‬‬
‫ال الَّ ِذينَ َكفَ رُوا اَل ت َْس َمعُوا‬ ‫﴿وقَ َ‬‫وسعيهم الدؤوب لمعارضته ومحاربته قول ه تع الى‪َ :‬‬
‫لِهَ َذا ْالقُ رْ آ ِن َو ْال َغ وْ ا فِي ِه لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْغلِبُ ونَ (‪ )26‬فَلَنُ ِذيقَ َّن ال ِذينَ َكف رُوا َع ذابًا َش ِديدًا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫َولَنَجْ ِزيَنَّهُ ْم أَ ْس َوأَ الَّ ِذي َكانُوا يَ ْع َملُ ونَ (‪َ )27‬ذلِ كَ َج زَ ا ُء أَ ْع دَا ِء هَّللا ِ النَّا ُر لَهُ ْم فِيهَ ا دَا ُر‬
‫ْال ُخ ْل ِد َج َزا ًء بِ َما َكانُوا بِآيَاتِنَا يَجْ َح ُدونَ ﴾ [فصلت‪]28 - 26 :‬‬
‫‪157‬‬
‫وهي في تطبيقه ا الت اريخي ال تنحص ر في مك ة المكرم ة‪ ،‬وال في أولئ ك‬
‫الص ناديد من المش ركين‪ ،‬وإنم ا تمت د إلى الف ترة ال تي ق ام فيه ا أولئ ك الص ناديد‬
‫وأبناؤهم ب االنقالب على اإلس الم المحم دي األص يل‪ ،‬فق د اس تمر معاوي ة في ص د‬
‫المسلمين عن كتاب هللا وش غلهم باإلس رائيليات وغيره ا‪ ،‬وال ي زال ت أثير ذل ك إلى‬
‫اليوم‪.‬‬
‫ومن اآليات القرآنية المخبرة عن طبع هللا على قلوب المح اربين لرس ول هللا‬
‫‪ ‬من كفار قريش‪ ،‬قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ذلِكَ بِأَنَّهُ ُم ا ْست ََحبُّوا ْال َحيَاةَ ال ُّد ْنيَا َعلَى اآْل ِخ َر ِة َوأَ َّن‬
‫هَّللا َ اَل يَ ْه ِدي ْالقَ وْ َم ْال َك افِ ِرينَ (‪ )107‬أُولَئِ كَ الَّ ِذينَ طَبَ َع هَّللا ُ َعلَى قُلُ وبِ ِه ْم َو َس ْم ِع ِه ْم‬
‫َاس رُونَ (‬ ‫ك هُ ُم ْال َغ افِلُونَ (‪ )108‬اَل َج َر َم أَنَّهُ ْم فِي اآْل ِخ َر ِة هُ ُم ْالخ ِ‬ ‫ار ِه ْم َوأُولَئِ َ‬ ‫ْص ِ‬ ‫َوأَب َ‬
‫ك ِم ْن‬ ‫ص بَرُوا إِ َّن َربَّ َ‬ ‫‪ )109‬ثُ َّم إِ َّن َربَّكَ لِلَّ ِذينَ هَا َجرُوا ِم ْن بَ ْع ِد َم ا فُتِنُ وا ثُ َّم َجاهَ دُوا َو َ‬
‫بَ ْع ِدهَا لَ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم (‪[ ﴾ )110‬النحل‪]110 - 107 :‬‬
‫فهذه اآليات لم تستثن إال المهاجرين‪ ،‬وب ذلك ف إن الطلق اء قس م ث الث‪ ،‬ليس وا‬
‫مهاجرين وال أنصارا‪ ،‬وهم واقعون بذلك تحت الوعيد وخاصة رؤساؤهم وكبارهم‪.‬‬
‫ومن اآليات القرآنية المخبرة عن طبع هللا على قلوب المح اربين لرس ول هللا‬
‫‪ ‬من كف ار ق ريش‪ ،‬قول ه تع الى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ َكفَ رُوا َس َوا ٌء َعلَ ْي ِه ْم أَأَ ْن َذرْ تَهُ ْم أَ ْم لَ ْم‬
‫ار ِه ْم ِغ َش ا َوةٌ‬ ‫ْص ِ‬ ‫تُ ْن ِذرْ هُ ْم اَل ي ُْؤ ِمنُونَ (‪َ )6‬ختَ َم هَّللا ُ َعلَى قُلُوبِ ِه ْم َو َعلَى َس ْم ِع ِه ْم َو َعلَى أَب َ‬
‫َظي ٌم ﴾ [البقرة‪]7 ،6 :‬‬ ‫َولَهُ ْم َع َذابٌ ع ِ‬
‫وأول المقصودين باآلية ـ باعتبارها من أوائل ما نزل بالمدين ة المن ورة ـ هم‬
‫كفار قريش الذين أخرجوا رسول هللا ‪ ‬والمؤمنين معه من مكة المكرمة‪ ،‬واآليات‬
‫واضحة في كون هللا طبع على قلوبهم‪ ،‬وختم عليها‪ ،‬فلذلك يستحيل أن يؤمنوا‪.‬‬
‫ومن اآليات القرآنية المخبرة عن مستقبل المحاربين لرسول هللا ‪ ‬من كفار‬
‫قريش‪ ،‬اآليات الكريمة التي تشبههم بكفار األمم من قبلهم‪ ،‬ألن س نة هللا فيهم جميع ا‬
‫واحدة‪ ،‬ومنها قوله تعالى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ َكفَ رُوا لَ ْن تُ ْغنِ َي َع ْنهُ ْم أَ ْم َوالُهُ ْم َواَل أَوْ اَل ُدهُ ْم ِمنَ‬
‫آل فِرْ عَوْ نَ َوالَّ ِذينَ ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم َك َّذبُوا بِآيَاتِنَا‬ ‫ب ِ‬ ‫ار (‪َ )10‬كد َْأ ِ‬ ‫ُ‬
‫هَّللا ِ َش ْيئًا َوأولَئِكَ هُ ْم َوقُو ُد النَّ ِ‬
‫ب (‪ )11‬قُ لْ لِلَّ ِذينَ َكفَ رُوا َس تُ ْغلَبُونَ َوتُحْ َش رُونَ‬ ‫فَأ َ َخ َذهُ ُم هَّللا ُ بِ ُذنُوبِ ِه ْم َوهَّللا ُ َش ِدي ُد ْال ِعقَ ا ِ‬
‫س ْال ِمهَادُ﴾ [آل عمران‪]12 - 10 :‬‬ ‫إِلَى َجهَنَّ َم َوبِ ْئ َ‬
‫واآلية األخيرة واضحة الداللة في بيان مستقبل أولئ ك المش ركين‪ ،‬س واء في‬
‫الدنيا أو في اآلخرة‪.‬‬
‫هذه مجرد نماذج عن اآليات القرآني ة الكث يرة الدال ة على موق ف ق ريش من‬
‫اإلسالم‪ ،‬والتي لم تكتف باستعمال ك ل الوس ائل لحرب ه‪ ،‬وإنم ا امت د ذل ك بع د وف اة‬
‫رس ول هللا ‪ ‬بع د أن مكن الطلق اء من المناص ب بحج ة ك ونهم قرش يين‪ ،‬و ُع زل‬
‫األنص ار وغ يرهم إلى أن تم لهم م ا يري دون؛ فأع ادوا الكس روية والقيص رية إلى‬
‫األمة‪.‬‬
‫بناء على هذا سنذكر هنا ما ورد من األحاديث في ذلك‪ ،‬والتي ال تزال مح ل‬
‫‪158‬‬
‫ريبة عند الكثيرين من أبناء المدرسة السنية رغم وجودها في مصادرهم‪.‬‬
‫ما ورد في شأن معاوية بن أبي سفيان‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة جدا‪ ،‬يدعمها الواقع والصحابة الكب ار ال ذين أث نى عليهم‬
‫رسول هللا ‪ ،‬وسنذكر هن ا م ا ورد من تل ك األح اديث‪ ،‬وم ا ي دعمها من مواق ف‬
‫الص حابة المتف ق على جاللتهم‪ ،‬وال ذين أثنت األح اديث الص حيحة على م واقفهم‬
‫ودينهم‪.‬‬
‫وننبه إلى أن النواصب لم يكتف وا بكتم ان تل ك األح اديث‪ ،‬أو تك ذيبها‪ ،‬وإنم ا‬
‫راحوا يضعون األحاديث التي تعظم معاوية وتذكر فضله‪ ،‬والتي سنتعرض لها عند‬
‫الحديث عن األحاديث المردودة‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]497 :‬عن أبي عبيدة بن الجراح قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬ال يزال‬
‫أمر هذه األمة قائما بالقسط‪ ،‬حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]498 :‬قال ‪( :‬أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية)(‪)2‬‬
‫وقد صححه األلباني‪ ،‬وال شك في انطباقه على معاوية‪ ..‬ألن يزيد ك ان تابع ا‬
‫ألبي ه‪ ،‬ولم ي أت بجدي د‪ ،‬وأولي ات معاوي ة في تغي ير الس نن كث يرة ج دا‪ ،‬وأوله ا‬
‫وأعظمها تغيير نظام الحكم اإلسالمي‪.‬‬
‫[الحـــديث‪ ]499 :‬قول ه ‪( :‬الخالف ة ثالث ون عام اً‪ ،‬ثم يك ون المل ك‬
‫العضوض)(‪)3‬‬
‫وقد تالعب بعضهم بهذا الحديث بما ش اءت لهم أه واؤهم‪ ،‬ف رووا في نقض ه‬
‫أحاديث أخرى أق ل من ه درج ة‪ ،‬لكنهم ق دموها علي ه‪ ،‬كم ا ه و ش أنهم في التالعب‬
‫بالنصوص‪ ،‬منها هذه الرواية العجيبة التي تنط ق ألفاظه ا بك ذبها‪( :‬أول ه ذا األم ر‬
‫نبوة ورحمة‪ ،‬ثم يكون خالفة ورحمة‪ ،‬ثم يك ون مل ًك ا ورحم ة‪ ،‬ثم يتك ادمون عليه ا‬
‫تك ادم الحم ير‪ ،‬فعليكم بالجه اد‪ ،‬وإن أفض ل جه ادكم الرب اط‪ ،‬وإن أفض ل رب اطكم‬
‫عسقالن)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]500 :‬ما حدث به عبد هللا بن عمرو بن الع اص ق ال‪ :‬كنت جالس ا‬
‫عند رسول هللا ‪ ‬فقال‪( :‬يطلع عليكم من هذا الفج رج ل يم وت على غ ير مل تى)‪،‬‬
‫قال‪ :‬وكنت تركت أبي قد وضع له وضوءا‪ ،‬فكنت كحابس الب ول مخاف ة أن يجىء‪،‬‬
‫قال‪ :‬فطلع معاوية‪ ،‬فقال النبي ‪( :‬هذا هو)(‪)5‬‬
‫قال الشيخ حسن بن فرحان معلقا عليه‪( :‬وهو صحيح اإلسناد وفق منهج أهل‬

‫‪ )(1‬رواه الحارث وابن منيع ونعيم بن حماد في الفتن وابن عساكر وأبو يعلى‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/89‬‬
‫‪ )(2‬رواه ابن أبي ش يبة في المص نف (‪ ،)35866‬وابن أبي عاص م (‪ ،)63‬وأب و نعيم في ت اريخ أص بهان (‬
‫‪ ،)1/132‬وابن عدي في الكامل (‪ ،)3/164‬وابن عساكر في تاريخ دمشق (‪)18/160‬‬
‫‪ )(3‬سنن الترمذي‪ 4/436 :‬ــ سنن أبي داوود‪ ،5/36 :‬فضائل الصحابة‪ -‬لالم ام أحم د بن حنب ل ص ‪ ،17‬مس ند‬
‫احمد ج ‪ 5‬ص ‪.221‬‬
‫‪ )(4‬رواه الطبراني‬
‫‪ )(5‬البالذري في كتابه جمل من أنساب األشراف (‪ )1978 / 5‬وغيره‪.‬‬
‫‪159‬‬
‫الحديث‪ ،‬إال أن بعضهم إذا لم يلتزم بمنهجه الذي ارتضاه فهذا شأنه‪ ،‬كأي جماعة أو‬
‫دولة‪ ،‬فإذا وضعت دولة لها قانونا ً فيه معايير الفساد‪ ،‬ثم ال تطبقه على الفاسدين فهذا‬
‫شأنها‪ ،‬وال يعني أنهم غير فاسدين‪ ،‬والحديث قد روي بأسانيد على شرط الص حيح‪،‬‬
‫في قوة الرجال واالتصال في السند‪ ،‬ورجاله كلهم رج ال الش يخين‪ ،‬وأش هر طرق ه‬
‫طريق عبد هللا بن عم رو بن الع اص (وأرجح أن ه أذاع ه بع د م وت معاوي ة وبع د‬
‫توبته على يد الحسين بن علي بمكة في أواخر عهد معاوية)‪ ،‬وقد روي بأسانيد أق ل‬
‫صحة عن جابر بن عبد هللا وعبد هللا بن عمر‪ ،‬وله شواهد من طري ق آخ ر عن ابن‬
‫عم ر (وبس بب ذل ك ه دد معاوي ة بقت ل عم ر)‪ ،‬ول و ك ان هن اك إنص اف لك ان من‬
‫عالمات النبوة)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]501 :‬عن البراء بن عازب‪ ،‬قال‪ :‬أقبل أبو س فيان ومع ه معاوي ة‪،‬‬
‫فقال رسول هللا ‪( :‬اللهم العن الت ابع والمتب وع اللهم علي ك ب األقيعس)‪ ،‬فق ال ابن‬
‫البراء ألبيه‪ :‬من األقيعس؟ قال‪ :‬معاوية(‪.)2‬‬
‫ق ال الش يخ حس ن بن فرح ان الم الكي تعليق ا علي ه‪( :‬ورد في معاوي ة وأبي ه‬
‫وأخيه‪ ،‬وله طرق كثيرة جداً‪ ،‬أغلبها صحيح لذاته‪ ،‬وفق منهج أهل الح ديث‪ ،‬ب ل ق د‬
‫يصل هذا الحديث للتواتر‪ ،‬فهو مروي من طرق سفينة والحسن بن علي والبراء بن‬
‫عازب وعاصم اللي ثي وابن عم ر والمه اجر بن قنف ذ‪ ،‬وك ل ه ذه الط رق ص حيحة‬
‫األسانيد مع أقرار بعض أصحاب معاوي ة كعم رو بن الع اص والمغ يرة بن ش عبة‪،‬‬
‫فالح ديث يق ترب من الت واتر ألن الط رق كله ا بين الص حيح والحس ن‪ ،‬وس يتفاجأ‬
‫هؤالء الغالة قطعا ً بصحة األسانيد‪ ،‬وإذا ضعفوها فأنا معهم بش رط أن نط رد ذل ك‪،‬‬
‫ثم ينظرون هل يبقى لنا حديث كثير بعد هذا التشدد)(‪)3‬‬
‫قلت لعم ار أرأيتم ص نيعكم‬ ‫[الحــديث‪ ]502 :‬عن أبي نض رة عن قيس ق ال‪ُ :‬‬
‫هذا الذي صنعتم في أم ر علي‪ :‬أرأي ا ً رأيتم وه أو ش يئا ً عه ده إليكم رس ول هللا ‪‬؟‬
‫فقال‪ :‬ما عهد إلينا رسول هللا ‪ ‬شيئا ً لم يعهده إلى الناس كافة ولكن حذيفة أخ برني‬
‫عن الن بي ‪ ‬ق ال‪ :‬ق ال الن بي ‪( :‬في أص حابي اثن ا عش ر منافق ا ً فيهم ثماني ة ال‬
‫يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط‪ ،‬ثمانية منهم تكفيكهم‪ :‬الدبيلة‪ ،‬وأربع ة‬
‫لم أحفظ ما قال شعبة فيهم)(‪)4‬‬
‫وفي رواية أخرى في صحيح مسلم‪ ،‬قال رسول هللا ‪( :‬في أمتي اثنا عش ر‬
‫منافقا ً ال يدخلون الجنة وال يج دون ريحه ا ح تى يلج الجم ل في س م الخي اط ثماني ة‬
‫منهم تكفيكهم‪ :‬الدبيلة سراج من النار يظهر في أكتافهم حتى ينجم من صدورهم)‬
‫وقد روي بروايات أخرى سبب ورود الحديث‪ ،‬وك ون معاوي ة من المن افقين‬
‫الذين هموا بقتل رسول هللا ‪ ،‬فعن حذيفة ق ال‪ :‬كنت آخ ذاً بزم ام ناق ة رس ول هللا‬
‫‪ )(1‬مثالب معاوية في األحاديث الصحيحة‪.1/17 :‬‬
‫‪ )(2‬وقعة صفين‪.217:‬‬
‫‪ )(3‬مثالب معاوية في األحاديث الصحيحة‪.1/18 :‬‬
‫‪ )(4‬صحيح مسلم)‪4/2143‬‬
‫‪160‬‬
‫‪ ‬أقود وعمار يس وق أو عم ار يق ود وأن ا أس وق ب ه إذ اس تقبلنا اثن ا عش ر رجالً‬
‫قلت‪ :‬يا رس ول هللا أال تبعث إلى ك ل‬‫متلثمين قال‪ :‬هؤالء المنافقون إلى يوم القيامة‪ُ ،‬‬
‫ً‬
‫رجل منهم فتقتله؟ فق ال‪ :‬أك ره أن يتح دث الن اس أن محم دا يقت ل أص حابه وعس ى‬
‫يكفينيهم الدبيلة‪ ،‬قلنا‪ :‬وما الدبيلة؟ قال‪ :‬شهاب من نار يوضع على ني اط قلب أح دهم‬
‫فيقتله)(‪)1‬‬
‫وقد ثبت تاريخيا ومن خالل مصادر السنة أن معاوية أصيب بالدبيلة‪ ،‬وم ات‬
‫به ا‪ ،‬ومن تل ك الرواي ات م ا روي عن أبي ب ردة بن أبي موس ى ق ال‪ :‬دخلت على‬
‫معاوية بن أبي سفيان وبه قرحة بظهره وهو يتأوه منها تأوها ً شديدا ً فقلت‪ :‬أكل هذا‬
‫من هذه؟ فقال‪ :‬ما يسرني أن هذا التأوه لم يكن سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪( :‬م ا من‬
‫مسلم يصيبه أذى في جسده إال كان كفارة لخطاياه) وهذا أشد األذى)(‪)2‬‬
‫والمح دثون ي ذكرون بفخ ر عظيم م ا ذك ره معاوي ة من األج ر المرتب ط‬
‫بالمرض‪ ،‬وينسون حديث حذيفة وعمار‪ ،‬وأصحاب الدبلي ة ال ذين أخ بر رس ول هللا‬
‫‪ ‬بنفاقهم‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك كله ف إن في الح ديث (إش ارة واض حة لنف اق معاوي ة‪ ،‬وال‬
‫يعرف هذا إال من تدبر الحديث به دوء‪ ،‬فق د قال ه عم ار وه و متج ه إلى قت ال أه ل‬
‫الشام جوابا ً على قيس بن عباد‪ ،‬والحديث يفيد التخليد في النار‪ ،‬ألن فيه (ال يدخلون‬
‫الجنة حتى يلج الجمل في سم الخي اط)‪..‬وه و رأي راوي الح ديث عم ار بن ياس ر‪،‬‬
‫وبه احتج وهو منطلق لقتال معاوية)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]503 :‬ما روي أن عبادة بن الصامت‪ ،‬قام قائما في وسط دار أمير‬
‫المؤمنين عثمان بن عفان فقال‪ :‬إني سمعت رسول هللا ‪ ‬محم دا أب ا القاس م يق ول‪:‬‬
‫(سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون‪ ،‬وينكرون عليكم ما تعرف ون‪،‬‬
‫فال طاعة لمن عص ى هللا‪ ،‬فال تعتب وا أنفس كم‪ ،‬فوال ذي نفس ي بي ده‪ ،‬إن معاوي ة من‬
‫أولئك)‪ ،‬فما راجعه عثمان حرفا)(‪)4‬‬
‫وقد علق عليه الشيخ حسن المالكي بقوله‪( :‬وسنده حسن‪ ،‬وعبادة بن الصامت‬
‫بدري كبير‪ ،‬ليس من الطلقاء وال األعراب وال المنافقين ح تى نتهم ه في روايت ه أو‬

‫‪ )(1‬رواه الطبراني في (األوسط)‪( ،‬مجمع الزوائد)‪111-1/109‬‬


‫‪ )(2‬المعجم األوسط) للطبراني‪6/78‬‬
‫‪ )(3‬مثالب معاوية في األحاديث الصحيحة‪.1/18 :‬‬
‫‪ )(4‬رواه الحاكم (‪ )402 ،3/401‬والشاشي (‪ )3/172‬والبزار (‪ )7/164‬ثم أحم د في المس ند (‪ – )8/415‬م ع‬
‫بتره‪ -‬قال الشيخ حسن‪( :‬قد تبرع بعض المحدثين كأحمد فحذف أول الحديث –قصة بقر روايا الخمر‪ -‬وح ذف آخ ره‬
‫(قول عبادة‪ :‬وهللا إن معاوية لمنهم)!! وهذه من أخطاء أحمد – وعلى منهجه شيخه سفيان بن عيينة وتلميذه البخ اري‬
‫لكن أهل الجرح والتعديل ال يتكلمون!‪ -‬وهؤالء المحدثون يحذفون من الحديث مايخالف عقيدتهم! فكل ما يخشون أنه‬
‫قدح في فالن أو فالن! أو ما يخشون أن يحتج به عليهم المخالفون‪ ،‬حذفوه أو بتروه وهم يعترفون بهذا وال ي رون في‬
‫ذلك ضرراً‪ ،‬فمن يجرؤ على تض عيفهم؟ وق د ص رح أحم د في ه ذا الح ديث بالح ذف –ح ذف قص ة الخم ر‪ -‬عن دما‬
‫قال)فذكر الحديث)‪ !!-‬فهو يلمح إلى أن الحديث معروف عند أهل الحديث لكنه تحرج من إيراد هذا) [مثالب معاوي ة‬
‫في األحاديث الصحيحة‪].1/146 :‬‬
‫‪161‬‬
‫تفس يره للح ديث‪ ،‬وعلى ك ل ح ال ف إذا لم يكن فهم ه له ذا الح ديث من فهم الس لف‬
‫الصالح فأين سنجد فهم السلف الصالح؟ والحديث رواه الشاشي في مس نده والح اكم‬
‫في المستدرك كامالً ورواه أحمد مبتوراً)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]504 :‬عن ابن عمر قال‪ :‬قال رس ول هللا ‪( :‬لك ل أم ة فرع ون‪،‬‬
‫وفرعون هذه األمة معاوية بن أبي سفيان)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]505 :‬عن عبد هللا بن عمر قال‪( :‬م ا بين ت ابوت معاوي ة وت ابوت‬
‫فرعون إال درجة‪ ،‬وما انخفضت تلك الدرجة إال أنه قال‪( :‬أنا ربكم األعلى)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]506 :‬عن أبي ذر ق ال‪ :‬قلت لمعاوي ة‪ ،‬أم ا ان ا فأش هد إني س معت‬
‫رسول هللا ‪ ‬يقول‪ :‬إن أحدنا فرعون هذه األمة‪ ،‬فقال معاوية‪ :‬أما أنا فال(‪.)4‬‬
‫وقد خصص الش يخ حس ن الم الكي ه ذا الح ديث بروايات ه المختلف ة بدراس ة‬
‫مهم ة ذك ر فيه ا ط رق الح ديث وأس انيده‪ ،‬وكي ف تالعب المح دثون في الق ديم‬
‫والحديث به‪ ،‬ومما جاء في مقدمته قوله‪( :‬ه ل له ذه األم ة فرع ون؟ أتت األح اديث‬
‫السنية برجلين‪ ،‬وردت في كل منهم ا أح اديث بأن ه فرع ون ه ذه األم ة‪ ،‬وهم ا أب و‬
‫جهل ومعاوية‪ ،‬إال أن الحديث في أبي جهل ض عيف منقط ع وال واق ع ل ه من حيث‬
‫السلطة والجنود والسحرة‪ ،‬والحديث في معاوية صحيح اإلسناد ويدعم ه الواق ع من‬
‫حيث المل ك والجن ود والس حرة واالض طهاد وتفري ق األم ة ش يعاً‪ ..‬وك ان ح ديث‬
‫معاوية مت داوالً يعرف ه خ واص أه ل العلم في الوس ط الس ني إال ش هرته ت ذبل م ع‬
‫الزمن حتى كانت النكبة الثقافية األخيرة في عهد المتوكل العباسي‪ ،‬فأضاعت كثيراً‬
‫من األحاديث واألحداث المتداولة قبله ا‪ ،‬ح تى أص بح مش هورها غريب اً‪ ،‬فالمرحل ة‬
‫المتوكلية نص رت الش ق الناص بي في أه ل الس نة وك ان قليالً إلى أبل غ ح د ممكن‪،‬‬
‫وك انت نتيج ة ه ذه المرحل ة المتوكلي ة أن ق ادت الس لفيةُ المحدث ةُ أه َل الس نة إلى‬
‫االنغالق والتقوقع والتعص ب الش ديد والتكف ير والتص نيف‪ ،‬م ع عملي ات هائل ة من‬
‫العبث بالحديث من اإلخف اء لألح اديث غ ير المرغ وب فيه ا والب تر له ا وتحريفه ا‬
‫وتقوية ما يضادها ولو كان موضوعاً)(‪)5‬‬
‫وقال في موض ع آخ ر ذاك را م دى قوت ه‪ ،‬وكي ف ح اول المح دثون تحريف ه‬
‫وتجاهله‪( :‬وهو من حديث أبي ذر‪ ،‬وله شاهد من ح ديث ابن عم ر من ثالث ط رق‬
‫عنه‪ ،‬وأس انيده ص حيحة في الجمل ة‪ ،‬وهي أص ح من تل ك ال تي في أبي جه ل على‬
‫األق ل‪ ،‬م ع ت وفر ال دواعي على كتم األولى ونش ر الثاني ة‪ ،‬ثم ل ه ش واهد كح ديث‬
‫التابوت والم وت على غ ير المل ة وال دعوة إلى الن ار‪ ..‬وك ل مث الب معاوي ة تش هد‬

‫‪ )(1‬مثالب معاوية في األحاديث الصحيحة‪.1/20 :‬‬


‫‪ )(2‬المنتخب من علل الخالل‪.1/32 :‬‬
‫‪ )(3‬وقعة صفين‪ :‬ج ‪ / 1‬ص ‪.211‬‬
‫‪ )(4‬أخبار أصبهان (ج‪/7‬ص‪ ،)40‬وهذا تعريض من أبي ذر بمعاوية‪ ،‬وقد كذب معاوية عندما قلب الح ديث إلى‬
‫ابي ذر‪ ،‬فهو يعلم أن ابى ذر أبعد عن أن يكون فرعون هذه األمة‪.‬‬
‫‪ )(5‬دراسة حديثية موسعة لحديث (معاوية فرعون هذه األمة)‪ ،‬ص‪.5‬‬
‫‪162‬‬
‫لبعض ها‪ ،‬كله ا نف اق وبغي ون ار وظلم وفرعن ة‪ ..‬وق د ح اول بعض أه ل الح ديث‬
‫زحلقة هذا الحديث إلى أبي جهل والسند في ذلك منقطع‪ ،‬وأبو جهل ال يشبه فرعون‬
‫ال في سلطانه وال سحرته! وليس له أث ر في األم ة‪ ،‬إنم ا ذل ك معاوي ة‪ ،‬خاص ة م ع‬
‫صحة األسانيد في ذلك‪ ،‬ويمكن للتحقق من ذلك استعراض اآليات التي تح دثت عن‬
‫فرع ون‪ ،‬ثم النظ ر في س يرة معاوي ة‪ ،‬وس يندهش المت دبر‪ ،‬وال يمن ع الس لفية من‬
‫التصحيح إال ألفتهم للمألوف ووحشتهم من الغريب‪ ،‬مع اعترافهم بأن الح ق س يعود‬
‫غريبا ً مع غربة اإلسالم نفسه‪ ،‬فالغربة قد تك ون من مع ايير الص حة وليس العكس‪،‬‬
‫وقد فهم النواصب هذا الحديث في معاوية‪ ،‬فلذلك حاول بعض هم معارض ته وتش بيه‬
‫علي بفرعون بدالً من معاوية؛ كما فع ل ابن تيمية(‪)1‬وه ذه طريق ة ابن تيمي ة‪ ،‬فك ل‬
‫األوصاف التي عاب بها عليا ً في منهاج السنة إنما وجدها وتحقق أنه ا في معاوي ة‪،‬‬
‫فلذلك أراد قطع الطريق على من تس ول ل ه نفس ه اته ام معاوي ة‪ ،‬بتهدي ده ب أن ه ذا‬
‫الوصف أو ذاك أقرب إلى علي بن أبي طالب‪ ،‬فآذن هللا بالمحاربة كمعاوية‪ ،‬حاربه‬
‫معاوية بالسيف بدعوى دم عثمان وحاربه ابن تيمية بالقلم بدعوى السلفية‪ ،‬واالثن ان‬
‫من الدهاة‪ ،‬أخذ األول أكثر األمة في القرون األولى‪ ،‬وأخذ الث اني نص ف األم ة في‬
‫القرون األخيرة! فإذا كان هذا دهاء الفقيه ‪ -‬ال ذي ليس مع ه دول ة ‪ -‬وه و ابن تيمي ة‬
‫في محاربة اإلمام علي‪ ،‬وقد أخذ نصف األمة معه‪ ،‬فكيف بدهاء المن افق ال ذي بي ده‬
‫الدولة وعلمائها وقصاصها وجيوش ها؟ ال ب د أن يك ون أث ره كب يراً ج داً عن د أك ثر‬
‫األمة ولو بمستويات متفاوتة)(‪)2‬‬
‫ما ورد في شأن بني أمية ومن ساندهم من القرشيين‪:‬‬
‫وهي أحاديث صريحة متفق عليها بين المدارس اإلسالمية‪ ،‬وموافق ة للق رآن‬
‫الكريم تبين الثورة المضادة‪ ،‬أو االنقالب الذي يقوم ب ه القرش يون‪ ،‬وخاص ة أع دى‬
‫أعداء رسول هللا ‪ ‬بني أمية من ج رائم في تب ديل ال دين وقيم ه النبيل ة‪ ،‬ومن تل ك‬
‫األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]507 :‬ـ عن حذيفة أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬إن هذا الحي من مض ر‬
‫ال ي دع عب دا هلل ص الحا في األرض إال فتنت ه وأهلكت ه ح تى ي دركها هللا ع ز وج ل‬
‫بجنود من عنده أو من السماء‪ ،‬فيذلها حتى ال تمنع ذنب تلعة)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]508 :‬ـ عن صخرة بن حبيب قال‪ :‬أتى رس ول هللا ‪ ‬بم روان بن‬
‫الحكم‪ ،‬وهو مولود‪ ،‬ليحنكه فلم يفعل وقال‪( :‬ويل ألمتي من هذا وولد هذا)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]509 :‬ـ عن جبير بن مطعم قال‪ :‬كنا م ع الن بي ‪ :‬فم ر الحكم بن‬

‫‪ )(1‬منهاج السنة (‪)292 /4‬‬


‫‪ )(2‬مثالب معاوية في األحاديث الصحيحة‪.1/20 :‬‬
‫‪ )(3‬رواه ابن أبي ش يبة وأحم د والطيالس ي وابن أبي ش يبة وأحم دوالطبراني والح اكم والض ياء‪ ،‬س بل اله دى‬
‫والرشاد (‪)10/155‬‬
‫‪ )(4‬رواه ابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/90‬‬
‫‪163‬‬
‫هذا)(‪)1‬‬
‫أبي العاص فقال‪( :‬ويل ألمتي مما في صلب‬
‫[الحــديث‪ ]510 :‬ـ عن أبي ذر وغ يره أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬إذا بل غ بن و‬
‫الحكم ـ أو بنو أبي العاص أو بنو أمية ـ ثالثين رجال‪ ،‬اتخذوا عباد هللا خ وال‪ ،‬وم ال‬
‫هللا دوال‪ ،‬وكتاب هللا دغال)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]511 :‬ـ عن أبي هري رة أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬رأيت في من امي‬
‫كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]512 :‬ـ روي أن رسول هللا ‪ ‬رأى بني الحكم ينزون على منبره‪،‬‬
‫فأصبح كالمتغيظ‪ ،‬فما رؤي رسول هللا ‪ ‬مستجمعا ضاحكا حتى مات(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪]513 :‬ـ عن ثوب ان ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬رأيت ب ني م روان‬
‫يتعاورون منبري‪ ،‬فساءني ذل ك‪ ،‬ورأيت ب ني العب اس يتع اورون من بري‪ ،‬فس رني‬
‫ذلك)‪ ،‬وفي لفظ‪( :‬بني هاشم مكان بني العباس)(‪)5‬‬
‫[الحــديث‪]514 :‬ــ عن ابن عم ر ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪ ‬للحكم‪( :‬إن ه ذا‬
‫سيخالف كتاب هللا‪ ،‬وسنة نبيه‪ ،‬ويخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء‪ ،‬وبعضكم‬
‫يومئذ شيعته)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪]515 :‬ـ عن محم د بن يزي د بن أبي زي اد الثقفي ق ال‪ :‬ق دم قيس بن‬
‫خرش ة على الن بي ‪ ،‬فق ال‪ :‬أبايع ك على م ا ج اء من هللا تع الى وعلى أن أق ول‬
‫ب الحق‪ ،‬فق ال الن بي ‪( :‬ي ا قيس‪ ،‬عس ى أن يم دك ال دهر‪ ،‬أن يلق اك بع دي من ال‬
‫تستطيع أن تقول ب الحق معهم)‪ ،‬ق ال قيس‪ :‬وهللا ال أبايع ك على ش يء إال وفيت ل ك‬
‫به‪ ،‬فق ال الن بي ‪( :‬إذا ال يض رك بش ر)‪ ،‬وك ان قيس يعيب زي اد بن أبي س فيان‪،‬‬
‫وابنه عبيد هللا‪ ،‬فبلغ ذلك عبيد هللا‪ ،‬فأرسل إليه فقال‪ :‬أنت الذي تفتري على هللا تعالى‬
‫وعلى رسوله؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن إن شئت أخبرتك بمن يفتري على هللا وعلى رس وله؟‬
‫قال‪ :‬من ذاك؟ قال‪ :‬أنت وأبوك الذي أمركما‪ ،‬قال قيس‪ :‬وما ال ذي اف تريت على هللا‬
‫ورسوله؟ فق ال‪ :‬ت زعم أن ه ال يض رك بش ر‪ ،‬ق ال‪ :‬نعم‪ ،‬ق ال‪ :‬لتعلمن الي وم أن ك ق د‬
‫كذبت‪ ،‬ائتوني بصاحب العذاب وبالعذاب‪ ،‬قال‪ :‬فمال قيس عند ذلك‪ ،‬فمات(‪.)7‬‬
‫[الحديث‪]516 :‬ـ عن ثوبان ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ال ت زال الخالف ة في‬
‫بني أمية يتلقفونها تلقف الكرة)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪ ]517 :‬ما رواه سعيد بن عمرو بن العاص ق ال‪ :‬كنت م ع م روان‬

‫‪ )(1‬رواه ابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/90‬‬


‫‪ )(2‬رواه الط براني في الكب ير‪ ،‬وال بيهقي وأب و يعلى وأحم د وأب و يعلى والط براني في الكب ير‪ ،‬والح اكم‬
‫والدارقطني ونعيم بن حماد في الفتن‪ ،‬وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/90‬‬
‫‪ )(3‬رواه الحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/90‬‬
‫‪ )(4‬رواه البيهقي في الدالئل‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/90‬‬
‫‪ )(5‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/90‬‬
‫‪ )(6‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/90‬‬
‫‪ )(7‬رواه الطبراني والبيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/118‬‬
‫‪ )(8‬رواه الطبراني في األوسط‪ ،‬وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/91‬‬
‫‪164‬‬
‫وأبي هري رة في مس جد الن بي ‪ ،‬فس معت أب ا هري رة يق ول‪ :‬س معت الص ادق‬
‫المصدوق يقول‪( :‬هالك أمتي على يدي أغيلمة من قريش‪ ،‬فقال مروان‪ :‬غلمة‪ ،‬قال‬
‫أبو هريرة‪( :‬إن شئت أن أسميهم بني فالن وبني فالن)(‪)1‬‬
‫وقد علق الشيخ حسن بن فرحان على الحديث بقوله‪( :‬والسؤال‪ :‬ي ا ت رى من‬
‫هم هؤالء الذين يكون هالك األمة على أي ديهم‪ ،‬س واء الهالك الم ادي أو المعن وي؟‬
‫فهل نقبت عنهم السلفية المحدثة لتعرف سبب بالء هذه األمة وهالكه ا؟ ه ل اهتم وا‬
‫بهذا الحديث كما اهتموا بأسطورة عبد هللا بن سبأ والفرق الضالة وذم العقل والرأي‬
‫وغيرها من األمور التي لم يحذر منها ال كتاب وال سنة؟ كال‪ ..‬إذن فهذا نبي هللا ‪‬‬
‫يخبرنا بأصل الضالل والهالك والبدعة والفتنة ال ذي أص اب ه ذه األم ة‪ ،‬وق ال لن ا‬
‫بص راحة ووض وح ونص يحة تام ة‪ :‬إن س بب ذل ك س فهاء من ق ريش يك ون فس اد‬
‫وهالك األم ة برمته ا على أي ديهم‪ ،‬وم ع ذل ك تج د الس لفية المحدث ة ت ذهب إلى أن‬
‫الخطر ال ذي أدى إلى فس اد األم ة ه و عب د هللا بن س بأ والعق ل والمنط ق والفلس فة‬
‫والفرق الض الة وأه ل ال رأي والص وفية والش يعة والمعتزل ة والجهمي ة‪...‬الخ! وال‬
‫يأتون على ذكر سفهاء قريش بحرف واحد)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]518 :‬عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬يهل ك الن اس ه ذا‬
‫الحى من قريش)‪ ،‬قالوا‪ :‬فما تأمرنا؟ قال‪( :‬لو أن الناس اعتزلوهم؟)(‪)3‬‬
‫وهذا الحديث مع أحاديث أخرى دالله من ه ‪ ‬على كيفي ة التعام ل م ع الفئ ة‬
‫الباغية بعد أن يتحق ق نص رها على الفئ ة المؤمن ة الص ادقة‪ ،‬وهي القي ام بن وع من‬
‫العصيان المدني تجاهه ا ح تى ال يمت د تأثيره ا لب اقي ش ؤون الحي اة‪ ،‬بع د أن امت د‬
‫للسياسة واالقتصاد‪.‬‬
‫لكن الكثير لألسف لم يلقوا لهذا الحديث باال‪ ،‬بل راحوا ينشرون فض ائل تل ك‬
‫الفئة‪ ،‬ويدافعون عنها‪ ،‬ويتقربون إليها‪.‬‬
‫يقول الشيخ حسن المالكي تعليقا على الحديث‪( :‬لكن أكثر األمة لم يعتزلوهم‪،‬‬
‫بل أعانوهم وسوغوا لهم‪ ،‬ووضعوا في فضائلهم األحاديث ودخل هذا الذم الصحيح‬
‫م ع ذل ك الوض ع الق بيح في كتب الص حيح! وهن ا يتم إفس اد ح ديث بح ديث!‬
‫واضطربت معالم الدين وأوام ر الش ريعة‪ ،‬وه ذا نتيج ة طبيعي ة للحل ف بين الغفل ة‬
‫والظلم‪ ،‬فلو أن سلفكم اعتزل الظالمين من سفهاء قريش (األمراء) كما أوص ى ه ذا‬
‫الحديث ألمكن اإلبقاء على الدين صافيا ً عند العلماء والفقهاء والصالحين‪ ،‬بال خشية‬
‫من تأثير السلطة وال انتقاء وال بتر وال تحريف فضالً عن الوضع الذي يشهد ال دين‬
‫والعقل والواقع ببطالنه‪ ،‬أنتم يجب أن تعترفوا ب أن عق ولكم ص غار‪ ،‬ول ذلك رحمكم‬
‫الشرع وأمركم بأمر كاالعتزال ألن الشرع يعرف أن اإلنس ان خل ق ض عيفاً‪ ،‬لكنكم‬
‫قلتم‪ :‬ال‪ ..‬لن نخش ى في هللا لوم ة الئم‪ ،‬ولن يس تطيعوا إض اللنا‪ ،‬ف وكلكم هللا إلى‬
‫‪ )(1‬أحمد (‪ )2/324‬والبخاري (‪)4/242‬‬
‫‪ )(2‬مثالب معاوية في األحاديث الصحيحة‪.1/18 :‬‬
‫‪ )(3‬صحيح البخاري‪)242 / 4 :‬‬
‫‪165‬‬
‫أنفسكم فضللتم بض اللهم وظلمتهم بظلمهم وأفس دتم بإفس ادهم وأهلكتم بهالكم‪ ،‬ومن‬
‫ترك التوك ل على هللا وتنفي ذ أوام ره حرفي ا ً وكل ه هللا إلى نفس ه‪ ،‬فك ان اله وى إلي ه‬
‫أقرب والضعف به ألصق)(‪)1‬‬
‫وقد رد الشيخ حسن على كل االحتماالت التي ق د ي ؤول به ا الح ديث‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫(وهذا الح ل النب وي الع تزال س فهاء ق ريش وظلمتهم لم يكن المقص ود ب ه من افقي‬
‫األنص ار قطع اً‪ ،‬ألن نص الح ديث ينص على ق ريش‪ ،‬وال ي راد ب ه كف ار ق ريش‬
‫المقتولين ببدر قطعا ً ألن التحذير مستقبلي‪ ،‬وعن سفهاء قريش ال كفاره ا‪ ،‬ف إذا قلن ا‬
‫بعدالة الخلفاء األربعة في الجملة – مع أن الح اكم الفعلي أي ام عثم ان ك ان معاوية‪-‬‬
‫فلم يبق إال سفهاء بني أمية ومعاوية أولهم‪ ،‬ف البالء من هنا يب دأ‪ ،‬من س فهاء ق ريش‬
‫ال ذين يهلك ون األمة دين ا ً ودني ا‪ ،‬من تب ديل الس نن وتعطيل مع الم ال دين وأحك ام‬
‫الشريعة وسن الملك العضوض‪ ،‬فهل جاء التحذير الخاص منهم على لسان أحرص‬
‫األمة وأدلها على أبواب السالمة؟ الجواب نعم‪ ،‬ولكن أه ل الرواي ة بع د أن هج روا‬
‫كت اب هللا حمل وا األح اديث على ظه ورهم كب ني إس رائيل‪ ..‬فال يمعن ون في مع نى‬
‫الح ديث الص حيح‪ ،‬وال يهت دون لعل ل الح ديث الض عيف‪ ،‬وه ذا مرجع ه إلى هج ر‬
‫الكتاب وضعف العقل وألفة السائد من المعايير واألفكار)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]519 :‬ـ عن سعيد بن المسيب قال‪ :‬ولد ألخي أم سلمة غالم فسموه‬
‫الوليد‪ ،‬فقال رسول هللا ‪( :‬تسمون باسم ف راعنتكم؟ س يكون في ه ذه األم ة رج ل‬
‫يقال له الوليد هو شر ألمتي من فرعون لقومه)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]520 :‬ـ عن عمر‪ ،‬ق ال‪ :‬ول د ألخي أم س لمة زوج الن بي ‪ ‬غال ٌم‪،‬‬
‫فسموه الوليد‪ ،‬فقال ‪( :‬سميتموه بأس ماء ف راعنتكم‪ ،‬ليك ونن في ه ذه األم ة رج ٌل‬
‫يقال له الوليد‪ ،‬لهو أشد على هذه األمة من فرعون لقومه)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]521 :‬ما ورد حول يزيد بن معاوية وجرائمه‪ ،‬ومنها ما روي عن‬
‫ام رأة ب ني المغ يرة أنه ا س ألت عب د هللا بن عم رو‪ :‬ه ل تج د يزي د بن معاوي ة في‬
‫الكتاب؟ قال‪( :‬ال أج ده باس مه‪ ،‬ولكن أج د رجال من ش جرة معاوي ة‪ ،‬يس فك ال دماء‬
‫ويستحل األموال‪ ،‬وينقض ه ذا ال بيت حج را حج را‪ ،‬ف إن ك ان ذل ك وأن ا حي وإال‬
‫فذكريني)‪ ،‬قال ابن الحويرث‪ :‬وكان منزلها على أبي قبيس‪ ،‬فلما كان زمن الحج اج‬
‫وابن الزبير‪ ،‬ورأيت البيت ينقض قالت‪ :‬رحم هللا ابن عمرو‪ ،‬ق د ك ان يح دثنا به ذا)‬
‫(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]522 :‬ـ عن أي وب بن بش ير المع اوي أن رس ول هللا ‪ ‬خ رج في‬

‫‪ )(1‬مثالب معاوية في األحاديث الصحيحة‪.2/81 :‬‬


‫‪ )(2‬مثالب معاوية في األحاديث الصحيحة‪.2/83 :‬‬
‫‪ )(3‬رواه البيهقي وقال‪ :‬مرسل حسن‪ ،‬وأبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/104‬‬
‫‪ )(4‬أحمد (‪ )1/18‬وقال ابن حبان في المجروحين (‪ :1/125‬هذا خبر باطل ما قال رسول هللا ‪ ‬ه ذا وال عم ر‬
‫وال سعيد حدث به وال الزهري رواه‪.‬‬
‫‪ )(5‬رواه الحاكم بسند جيد‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/90‬‬
‫‪166‬‬
‫سفر فلما مر بحرة زهرة وقف‪ ،‬فاسترجع فسألوه فقال‪( :‬يقتل بهذه الحرة خيار أمتي‬
‫بعد أصحابي)(‪)1‬‬

‫وقد وقع ذلك في عهد يزيد وبأمر منه‪ ،‬وقد قال ابن عب اس‪ :‬ج اء تأوي ل ه ذه‬
‫ارهَ ا ثُ َّم ُس ئِلُوا ْالفِ ْتنَ ةَ آَل تَوْ هَ ا‬
‫ت َعلَ ْي ِه ْم ِم ْن أَ ْقطَ ِ‬
‫اآلية على رأس ستين سنة‪َ ﴿ :‬ولَوْ ُد ِخلَ ْ‬
‫َو َما تَلَبَّثُوا بِهَا إِاَّل يَ ِسيرًا ﴾ [األحزاب‪ ]14 :‬قال‪ :‬ألعطوها يع ني إدخ ال ب ني حارث ة‬
‫أهل الشام على المدينة)(‪)2‬‬
‫وعن الحسن قال‪( :‬لما كان ي وم الح رة قت ل أه ل المدين ة ح تى ك اد ال ينفلت‬
‫منهم أحد)(‪)3‬‬
‫وعن مالك بن أنس قال‪( :‬قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن منهم‬
‫ثالثمائة من الصحابة‪ ،‬وذلك في خالفة يزيد)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]523 :‬ـ عن عبد هللا بن عمرو قال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬يزي د‪ ،‬ال‬
‫ب ارك هللا في يزي د الطع ان اللع ان أم ا إن ه نعي إلي حبي بي حس ين‪ ،‬أتيت بتربت ه‪،‬‬
‫ورأيت قاتله‪ ،‬أما إنه ال يقتل بين ظهراني ق وم‪ ،‬فال ينص رونه إال عمهم هللا بعق اب)‬
‫(‪)5‬‬
‫[الحديث‪]524 :‬ـ ما ورد في شأن الوليد بن عقبة‪ ،‬وقد روي عنه أنه قال‪ :‬لما‬
‫فتح رس ول هللا ‪ ‬مك ة جع ل أه ل مك ة ي أتون بص بيانهم‪ ،‬فيمس ح على رؤوس هم‬
‫ويدعو لهم‪ ،‬فخرجت بي أمي إليه وأن ا مطيب ب الخلوق‪ ،‬فلم يمس ح على رأس ي ولم‬
‫يمسني)(‪)6‬‬
‫وقد علق البيهقي على الحديث بقوله‪( :‬هذا الس ابق علم هللا تع الى في الولي د‪،‬‬
‫فمنع بركة رسول هللا ‪ ‬وأخبار الولي د حين اس تعمله عثم ان معروف ة‪ ،‬من ش ربه‬
‫الخمر وتأخيره الصالة‪ ،‬وهو من جملة األسباب ال تي نقم وا به ا على عثم ان ح تى‬
‫قتلوه)(‪)7‬‬
‫د‪ .‬ما ورد في التحذير من حرب اإلمام علي‪:‬‬
‫ونريد بها تلك األحاديث التي حذر فيها رسول هللا ‪ ‬تصريحا أو تلميحا من‬
‫ح رب اإلم ام علي‪ ،‬أو اإلس اءة إلي ه‪ ،‬وهي أح اديث متف ق عليه ا من ط رف األم ة‬
‫جميعا‪ ،‬لكنها لألسف لقيت الكثير من اإلعراض والتأويل والته وين من ش أنها على‬
‫الرغم من كونها وصايا نبوية ترتبط بمص ير األم ة جميع ا؛ فلك ل خط أ يح دث في‬
‫ذلك الوقت تأثيره في صياغة الدين وعلى جميع العصور‪ ،‬وقد صنفنا تلك األحاديث‬

‫‪ )(1‬رواه البيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/155‬‬


‫‪ )(2‬رواه البيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/155‬‬
‫‪ )(3‬رواه البيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/155‬‬
‫‪ )(4‬رواه البيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/155‬‬
‫‪ )(5‬رواه ابن عساكر في تاريخه‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/90‬‬
‫‪ )(6‬رواه الحاكم والبيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/111‬‬
‫‪ )(7‬رواه الحاكم والبيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/111‬‬
‫‪167‬‬
‫بحسب مواردها ومن تتعلق به إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ .1‬األحاديث التي وجهها رسول هللا ‪ ‬إلى الصحابة جميعا‪ ،‬مح ذرا لهم من‬
‫الوقوع في فتنة حرب اإلمام علي‪ ،‬أو المشاركة فيها بأي وجه من الوجوه‪.‬‬
‫‪.2‬األحاديث ال تي وجهه ا رس ول هللا ‪ ‬إلى آح اد الص حابة وتح ذيرهم من‬
‫المشاركة في الفتنة‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ ما ورد في تحذير الصحابة جمعيا من محاربة اإلمام علي‪:‬‬
‫وهي أحاديث واضحة صريحة‪ ،‬تتناسب مع تلك األحاديث الكثيرة التي تخبر‬
‫عن البغض الذي كان يكنه البعض لإلمام علي‪ ،‬وال ذي تح ول بع د ذل ك إلى ح رب‬
‫له‪ ،‬وهي حرب ال ترتبط بشخصه فقط‪ ،‬وإنما بالصراط المس تقيم ال ذي ك ان يمثل ه‪،‬‬
‫ويمكن تقسيم تلك األحاديث إلى قسمين‪:‬‬
‫ما ورد في شأن الفتنة ودور اإلمام علي فيها‪:‬‬
‫ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪]525 :‬ـ عن اإلمام علي قال‪( :‬إن مما عه د إلي الن بي ‪ ‬أن األم ة‬
‫ستغدر بي بعده)(‪)1‬‬
‫[الحــديث‪]526 :‬ـ عن ابن عب اس أن الن بي ‪ ‬ق ال لعلي‪( :‬أم ا إن ك س تلقى‬
‫بعدي جهدا) قال في سالمة من ديني؟ قال‪( :‬نعم)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]527 :‬ـ عن أبي أيوب قال‪( :‬أمر رسول هللا ‪ ‬عليا بقتال الن اكثين‬
‫والقاسطين والمارقين)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪]528 :‬ـ عن أبي األسود ال ديلي أن عب د هللا بن س الم أتى علي ا وق د‬
‫وض ع رجل ه في الغ رز‪ ،‬فق ال‪ :‬ال ت أتي الع راق‪ ،‬فإن ك إن أتيت ه أص ابك ب ه ذب اب‬
‫السيف‪ ،‬فقال علي‪( :‬وأيم هللا لقد قالها لي رسول هللا ‪ ‬قبلك)(‪)4‬‬
‫ولألسف فإن المغرضين والمؤولة يغفلون عن الق ائم ب الحروب ال تي ووج ه‬
‫بها اإلمام علي‪ ،‬والتي يشير إليها هذا الحديث‪ ،‬ويقصرون اهتمامهم بالعراق وأهله‪،‬‬
‫مع أن أكثر الذين حاربوا اإلمام علي من الشام والحجاز‪.‬‬
‫ما ورد في شأن حرب صفين‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة واضحة في الداللة على ما سينتج عن ح رب ص فين من‬
‫األذى ال للمقتولين فقط‪ ،‬والذين بلغ عددهم ـ حسبما تذكر بعض المص ادر ـ س بعين‬
‫ألفا‪ ،‬بل إلى الدين نفسه‪ ،‬فآثار حرب صفين ال تزال ممتدة طول الت اريخ إلى الي وم‪،‬‬
‫ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪]529 :‬ـ عن أبي هريرة قال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ال تق وم الس اعة‬
‫‪ )(1‬رواه أبو يعلى والحاكم وصححه والبيهقي وأبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/149‬‬
‫‪ )(2‬رواه أبو يعلى والحاكم وصححه‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/149‬‬
‫‪ )(3‬رواه الحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/149‬‬
‫‪ )(4‬رواه الحميدي وابن أبي عمرو ال بزار وأب و يعلى وابن حب ان والح اكم وأب و نعيم‪ ،‬س بل اله دى والرش اد (‬
‫‪)10/149‬‬
‫‪168‬‬
‫عظيمة)(‪)1‬‬ ‫حتى يقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة‬
‫وقد أضاف بعض الرواة إلى الحديث عبارة [دعواهما واحدة]‪ ،‬وهي مخالف ة‬
‫لما ورد في األحاديث الكثيرة المتواترة التي تخ بر عن اختالف دع وى ك ل منهم ا‪،‬‬
‫ومنها قوله ‪ ‬عن عمار بن ياسر‪( :‬ويح عمار تقتله الفئة الباغي ة‪ ،‬عم ار ي دعوهم‬
‫إلى هللا‪ ،‬ويدعونه إلى النار)(‪ ،)2‬وفي رواية (يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار)‬
‫وقد تعلق بذلك الذين يهونون من شأن حرب ص فين‪ ،‬ويعت برون أنه ا مج رد‬
‫اجتهاد من أصحابها‪ ،‬وأنهم لذلك معذورون‪ ،‬بل م أجورون على ال رغم من المقتل ة‬
‫العظيمة التي حصلت فيها‪ ،‬وآثارها السلبية الكبرى على الدين‪ ،‬وفي جمي ع مراح ل‬
‫التاريخ‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]530 :‬ـ عن اإلمام علي قال قال رس ول هللا ‪( :‬أن ب ني إس رائيل‬
‫اختلف وا فلم ي زل اختالفهم بينهم ح تى بعث وا حكمين فض ال وأض ال وأن ه ذه األم ة‬
‫ستختلف‪ ،‬فال يزال اختالفهم بينهم حتى يبعثوا حكمين ضال وضل من اتبعهما)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]531 :‬ـ عن أبي موسى األشعري قال‪ :‬قال رس ول هللا ‪( :‬يك ون‬
‫في هذه األمة حكمان ضاالن ض ال من تبعهم ا) ق ال س ويد بن غفل ة‪ ،‬فقلت‪ :‬ي ا أب ا‬
‫موسى أنشدك هللا أليس إنما عناك رسول هللا ‪ ،‬فقال‪( :‬إنها ستكون فتن ة في أم تي‬
‫أنت فيها يا أبا موسى نائما خير منك قاعدا وقاعدا خير منك قائما وقائما خ ير من ك‬
‫ماشيا فخصك رسول هللا ‪ ‬ولم يعم الناس)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]532 :‬ـ عن الحارث قال‪ :‬كنت مع علي بصفين‪ ،‬ف رأيت بع يرا من‬
‫إبل الشام جاء عليه راكبه ونقله‪ ،‬فألقى م ا علي ه وجع ل يتخل ل الص فوف إلى علي‪،‬‬
‫فجعل مشفره فيما بين رأس علي ومنكبه وجع ل يحركه ا بجران ه فق ال علي‪( :‬وهللا‬
‫إنها للعالمة التي بيني وبين رسول هللا ‪)5()‬‬
‫[الحديث‪ ]533 :‬ـ عن حذيفة‪ ،‬قال‪( :‬كيف أنتم وقد خ رج أه ل بيت ن بيكم ‪‬‬
‫فرقتين يضرب بعضكم وجوه بعض بالسيف‪ ،‬فقيل‪ :‬يا أبا عبد هللا‪ :‬فكي ف نص نع إن‬
‫أدركنا ذلك الزمان؟ قال‪ :‬انظروا الفرق ة ال تي ت دعو إلى أم ر علي فالزموه ا فإنه ا‬
‫على الهدى(‪.)6‬‬
‫ما ورد في شأن المارقين‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة واضحة في تح ذير الم ارقين ال ذين خرج وا على اإلم ام‬
‫علي بس بب التحكيم‪ ،‬وهم أح د أص ناف المؤول ة ال ذين أخ بر رس ول هللا ‪ ‬عنهم‪،‬‬
‫وحذر منهم‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫‪ )(1‬رواه البخاري ومسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/149‬‬
‫‪ )(2‬رواه أحمد [‪ ،]306 /5‬والبخاري (‪ ،)2812‬ومسلم [‪ ،]2915 /71 /70[ ،]226 /9‬والنسائي في الكبرى‬
‫[‪ ،]156 /5‬كتاب الخصائص‪ :‬حديث [‪ ،]8548‬وابن سعد [‪ ]191 /3‬وغيرهم‬
‫‪ )(3‬رواه البيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/150‬‬
‫‪ )(4‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/149‬‬
‫‪ )(5‬رواه أبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/149‬‬
‫‪ )(6‬قال الهيثمي (‪ :)7/236‬البزار ورجاله ثقات (‪)3283‬‬
‫‪169‬‬
‫[الحديث‪ ]534 :‬عن زيد بن وهب‪ :‬أنه كان في الجيش الذين ك انوا م ع علي‬
‫ي‪ :‬أيها الناس! إني سمعت رسول هللا ‪ ‬يق ول‪:‬‬ ‫الذين ساروا إلى الخوارج‪ ،‬فقال عل ٌ‬
‫(يخ رج ق و ٌم من أم تي يق رؤون الق رآن ليس ت ق راءتكم إلى ق راءتهم بش يء وال‬
‫ص التكم إلى ص التهم بش يء وال ص يامكم إلى ص يامهم بش يء‪ ،‬يق رؤون الق رآن‬
‫يحسبون أنه لهم وهو عليهم‪ ،‬ال تجاوز صالتهم تراقيهم‪ ،‬يمرق ون من اإلس الم كم ا‬
‫يمرق السهم من الرمية‪ ،‬لو يعلم الجيش ال ذين يص يبونهم م ا قض ى لهم على لس ان‬
‫نبيهم لنكلوا عن العمل وآية ذلك أن فيهم رجال له عضٌ ليس له ذراع‪ ،‬على عض ده‬
‫شعرات بيضٌ ‪ ،‬فتذهبون إلى معاوي ة وأه ل الش ام وت تركون‬ ‫ٌ‬ ‫مثل حلمة الثدي‪ ،‬عليه‬
‫ه ؤالء الق وم يخلف ونكم في ذراريكم وأموالكم‪ ،‬وهللا إني ألرج و أن يكون وا ه ؤالء‬
‫القوم‪ ،‬فإنهم قد سفكوا الدم الحرام‪ ،‬وأغاروا في سرح الناس فسيروا)‪ ،‬قال س لمة بن‬
‫كهيل‪ :‬فنزلني زيد بن وهب منزال منزال‪ ،‬حتى قال‪ :‬مررنا على قنظ رة فلم ا التقين ا‬
‫وعلى الخوارج يومئ ذ عب د هللا بن وهب الراس بي‪ ،‬فق ال لهم‪ :‬ألق وا الرم اح وس لوا‬
‫سيوفكم من جفونها‪ ،‬فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم ي وم ح روراء‪ ،‬فرجع وا‬
‫فوحشوا برماحهم وسلوا السيوف‪ ،‬وش جرهم الن اس برم احهم‪ ،‬وقت ل بعض هم على‬
‫ي‪ :‬التمس وا فيهم المخ دج‪،‬‬ ‫بعض‪ ،‬وما أصيب يومئذ من الن اس إال رجالن‪ ،‬فق ال عل ٌ‬
‫ي بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فالتمسوه فلم يجدوه‪ ،‬فقام عل ٌ‬
‫أخرجوهم فوجدوه مما يلي األرض‪ ،‬فكبر ثم قال‪ :‬صدق هللا وبلغ رسوله‪ ،‬فق ام إلي ه‬
‫عبيدة السلماني فقال‪ :‬يا أمير المؤمنين! هللا الذي ال إله إال هو أس معت ه ذا الح ديث‬
‫من رسول هللا ‪ ‬؟ ق ال‪ :‬أي‪ ،‬وهللا ال ذي ال إل ه إال ه و‪ ،‬ح تى اس تحلفه ثالث ا وه و‬
‫يحلف له(‪.)1‬‬
‫وفي رواي ة‪( :‬واس تخرجوه من تحت قتلى في الطين‪ ،‬ق ال أب و الوض يء‪:‬‬
‫ق‪ ،‬له إحدى يديه مثل ثدي المرأة عليها ش عيرات‬ ‫ي عليه قريط ٌ‬ ‫فكأني أنظر إليه حبش ٌ‬
‫مثل الشعيرات التي تكون على ذنب اليربوع)(‪)2‬‬
‫قال أبو مريم‪ :‬إن كان ذل ك المخ دج لمعن ا يومئ ذ في المس جد نجالس ه باللي ل‬
‫والنهار‪ ،‬وكان فقيرا ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي م ع الن اس‪ ،‬وق د كس وته‬
‫برنسا‪ ،‬وكان يسمى نافعا ذا الثدية‪ ،‬وكان في يده مثل ثدي المرأة‪ ،‬على رأسه حلم ة‬
‫ٌ‬
‫شعيرات مثل سبالة السنور(‪.)3‬‬ ‫مثل حلمة الثدي‪ ،‬عليه‬
‫[الحديث‪ ]535 :‬عن عب د هللا بن أبي راف ع‪ :‬أن الحروري ة لم ا خرج وا على‬
‫علي‪ ،‬فقالوا ال حكم إال هلل‪ ،‬قال علي‪ :‬كلمة ح ق أري د به ا باط لٌ‪ ،‬إن رس ول هللا ‪‬‬
‫وصف لنا ناسا إني ألعرف صفتهم في هؤالء‪ ،‬يقولون الحق بألسنتهم ال يجاوز هذا‬
‫منهم‪ ،‬وأشار إلى حلقه‪ ،‬ومن أبغض خلق هللا إلي ه‪ ،‬منهم أس ود إح دى يديه ط بى(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬مسلم (‪ )1066‬وأبو داود (‪)4768‬‬


‫‪ )(2‬أبو داود (‪)4769‬‬
‫‪ )(3‬أبو داود (‪)4770‬‬
‫‪ )(4‬طُ ْب ُى شاه أش ضرع شاة‪ .‬النهاية‪.‬‬
‫‪170‬‬
‫ي‪ ،‬ق ال‪ :‬انظ روا فنظ روا فلم يج دوا ش يئا‪ ،‬فق ال‪:‬‬ ‫شاة أو حلم ة ث دي‪ ،‬فلم ا قتلهم عل ٌ‬
‫ارجعوا فوهللا ما كذبت وال كذبت مرتين أو ثالثا ثم وجدوه في خربة فأتوا ب ه ح تى‬
‫وضعوه بين يديه(‪.)1‬‬
‫ما ورد في تحذير بعض الصحابة من المشاركة في الفتنة‪:‬‬
‫وهي تش مل تل ك األح اديث ال تي ي أمر فيه ا رس ول هللا ‪ ‬ب اعتزال الفتن ة‪،‬‬
‫وكسر السيوف‪ ،‬ولزوم البيوت‪ ،‬والتي توهم البعض عمومها‪ ،‬ولو ك ان األم ر ذل ك‬
‫لكانت متناقضة مع األحاديث الكثيرة التي يأمر فيه ا رس ول هللا ‪ ‬بمتابع ة اإلم ام‬
‫علي‪ ،‬ونصره‪ ،‬واعتبار ذلك حفظا للدين من التأويل والتحريف‪.‬‬
‫ولذلك نحن بين أمرين‪ :‬إم ا أن ن رجح إح دي الن وعين من الرواي ات‪ ،‬ونلقي‬
‫األخ رى على ال رغم من ك ثرة األح اديث ال واردة فيه ا‪ ،‬والمتف ق عليه ا بين األم ة‬
‫جميعا‪ ،‬أو نفعّلهما جميعا‪ ،‬وذلك باعتب ار الرواي ات ال تي ي دعو فيه ا رس ول هللا ‪‬‬
‫إلى اعتزال الفتنة خاصة بأولئك الصحابة الذين شاركوا فيها‪ ،‬وك أن رس ول هللا ‪‬‬
‫يقول لهم‪ :‬إن ابتليتم بالفتنة‪ ،‬ولم تستطيعوا نصر اإلمام علي‪ ،‬فاكتفوا بهذه الخطيئ ة‪،‬‬
‫وال تتجاوزوها إلى حربه‪..‬‬
‫ويدل لهذا ما روي عن أبي موسى األشعري قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬يكون‬
‫في هذه األمة حكمان ضاالن ضال من تبعهم ا)‪ ،‬ق ال س ويد بن غفل ة‪ ،‬فقلت‪ :‬ي ا أب ا‬
‫موسى أنشدك هللا أليس إنما عناك رسول هللا ‪ ،‬فقال‪( :‬إنها ستكون فتن ة في أم تي‬
‫أنت فيها يا أبا موسى نائما خير منك قاع دا‪ ،‬وقاع دا خ ير من ك قائم ا‪ ،‬وقائم ا خ ير‬
‫منك ماشيا؛ فخصك رسول هللا ‪ ‬ولم يعم الناس)(‪)2‬‬
‫وه ذا ليس خاص ا ب ذلك الزم ان‪ ،‬ب ل ه و مرتب ط بجمي ع الفتن‪ ،‬ذل ك أن‬
‫الصالحين ال يعتزلون الفتن‪ ،‬وإنما يش اركون في مواجهته ا وإظه ار الح ق‪ ،‬وع دم‬
‫الوق وف موق ف الحي اد‪ ،‬أم ا غ يرهم من الض عفاء؛ فاألح اديث ت دعوهم إلى ع دم‬
‫االنغماس فيها حتى ال يقعوا في مضالتها‪.‬‬
‫ومن األحاديث الواردة في هذا الباب‪ ،‬والتي فيها ما يش ير إلى أن س وء الفهم‬
‫المرتبط به ا ك ان من العص ر االول نتيج ة ع دم تط بيق وص ايا رس ول هللا ‪ ‬في‬
‫الفتنة‪ ،‬وخاصة في الدعوة لمتابعة عم ار بن ياس ر وكون ه علم ا على الطائف ة ال تي‬
‫يجب نصرتها‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]536 :‬ـ عن األحنف بن قيس‪ ،‬قال‪ :‬خرجت وأنا أريد ه ذا الرج ل ـ‬
‫يقصد اإلمام علي ـ فلقيني أبو بكرة فقال‪ :‬أين تريد يا أحن ف؟ قلت‪ :‬أري د نص ر ابن‬
‫عم رس ول هللا ‪ ،‬فق ال‪ :‬ي ا أحن ف! ارج ع ف إني س معته ‪ ‬يق ول‪( :‬إذا تواج ه‬
‫المسلمان بس يفيهما‪ ،‬فالقات ل والمقت ول في الن ار)‪ ،‬فقلت أو قي ل ي ا رس ول هللا‪ :‬ه ذا‬
‫القاتل فما بال المقتول؟ قال‪( :‬إنه قد أراد قتل صاحبه)(‪)3‬‬

‫‪ )(1‬مسلم (‪)1066‬‬
‫‪ )(2‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/149‬‬
‫‪ )(3‬البخاري (‪ )7083‬ومسلم (‪ ،)2888‬وأبو داود (‪ )4268‬والنسائي (‪)7/125‬‬
‫‪171‬‬
‫فأبو بكرة أساء فهم الحديث‪ ،‬ولو أن ه فهم ه على ض وء األح اديث األخ رى‪،‬‬
‫لعرف المقصودين من اعتزال الفتنة‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]537 :‬ـ ما روي عن ابن عمرو‪ ،‬أنه قال‪ :‬ش بك الن بي ‪ ‬أص ابعه‬
‫وق ال‪(:‬كي ف أنت ي ا عب د هللا بن عم رو إذا بقيت في حثال ة ق د م رجت عه ودهم‬
‫وأماناتهم‪ ،‬واختلفوا فصاروا هكذا؟) قال‪ :‬فكيف يا رسول هللا؟ قال‪(:‬تأخذ م ا تع رف‬
‫وتدع ما تنكر‪ ،‬وتقبل على خاصتك‪ ،‬وتدعهم وعوامهم)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]538 :‬ما روي عن أبي ذر‪ ،‬أنه ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ي ا أب ا‬
‫ذر) قلت‪ :‬لبيك يا رسول هللا وسعديك‪ ،‬قال‪(:‬كي ف أنت إذا رأيت أحج ار ال زيت ق د‬
‫غرقت بالدم؟) قلت‪ :‬م ا خ ار هللا لي ورس وله‪ ،‬ق ال‪(:‬علي ك بمن أنت من ه) قلت‪ :‬ي ا‬
‫رسول هللا‪ ،‬أفال آخذ سيفي فأضعه على عاتقي؟ ق ال‪(:‬ش اركت الق وم إذا) قلت‪ :‬فم ا‬
‫تأمرني؟ قال‪(:‬تلزم بيتك) قلت‪ :‬فإن دخ ل علي بي تي؟ ق ال‪(:‬ف إن خش يت أن يبه رك‬
‫شعاع السيف فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]539 :‬عن عديسة بنت أهبان‪ ،‬قالت‪ :‬ج اء علي إلى أبي ف دعاه إلى‬
‫الخروج معه‪ ،‬فقال له‪ :‬إن خليلي وابن عمك عهد إلي إذا اختلف الناس أن أتخذ سيفا‬
‫من خشب فقد اتخذته‪ ،‬فإن شئت خرجت به معك‪،‬فتركه(‪.)3‬‬
‫[الحــديث‪ ]540 :‬عن أبي موسى‪ ،‬ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬إن بين ي دي‬
‫الساعة فتنا كقطع الليل المظلم‪ ،‬يصبح الرج ل فيه ا مؤمن ا ويمس ي ك افرا‪ ،‬ويمس ي‬
‫مؤمنا ويصبح كافرا‪ ،‬القاعد فيها خي ٌر من الق ائم‪ ،‬والماش ي فيه ا خ ير من الس اعي‪،‬‬
‫فكسروا قسيكم‪ ،‬وقطعوا أوتاركم واضربوا سيوفكم بالحج ارة‪ ،‬ف إن دخ ل على أح د‬
‫منكم فليكن كخير ابني آدم)(‪)4‬‬
‫وفي رواية‪ :‬قالوا‪ :‬فما تأمرنا؟ قال‪(:‬كونوا أحالس بيوتكم)(‪)5‬‬
‫[الحــديث‪ ]541 :‬عن أم مال ك البهزي ة‪ ،‬ق الت‪ :‬ذك ر الن بي ‪ ‬فتن ة فقربه ا‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬من خير الناس فيها؟ قال‪(:‬رج ٌل في ماش ية ي ؤدي حقه ا ويعب د‬
‫ربه‪ ،‬ورج ٌل آخذ برأس فرسه يخيف العدو ويخوفونه)(‪..)6‬‬
‫والمقصود بالخيرية هنا هي كون المعتزل في الفتنة خير من الذي كان موقفه‬
‫سلبيا فيها‪ ،‬أما الذي كان موقفه إيجابيا فهو أفضل بكث ير‪ ،‬ب ل ال يمكن المقارن ة بين‬
‫المحايد وصاحب الدور اإليجابي كما سنرى ذلك في سائر األحاديث‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]542 :‬عن محم د بن علي‪ ،‬أن حرمل ة م ولى أس امة أخ بره‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫أرسلني أسامة إلى علي ليعطيني‪ ،‬وقال‪ :‬إنه سيسألك اآلن فيقول‪ :‬ما خلف صاحبك؟‬

‫‪ )(1‬البخاري (‪ )380‬مختصرً ا‪ ،‬وذكر الزيادة ابن حجر في الفتح (‪)8/566‬‬


‫‪ )(2‬أبو داود (‪)4261‬‬
‫‪ )(3‬الترمذي (‪ )2203‬وقال‪ :‬حديث حسن غريب‪.‬‬
‫‪ )(4‬أبو داود (‪ )4259‬والترمذي (‪ )2204‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن غريب صحيح‪.‬‬
‫‪ )(5‬أبو داود (‪)2262‬‬
‫‪ )(6‬الترمذي (‪ )2177‬وقال‪ :‬حديث حسن غريب‪.‬و أحمد (‪)6/419‬‬
‫‪172‬‬
‫فقل له‪ :‬يقول لك لو كنت في شدق األسد ألحببت أن أكون مع ك‪ ،‬ولكن ه ذا أم ٌر لم‬
‫أره‪ ،‬قال حرملة‪ :‬فسألني فأخبرته فلم يعطني ش يئا ف ذهبت إلى حس ن وحس ين وابن‬
‫جعفر فأوقروا لي راحلتي(‪.)1‬‬
‫[الحديث‪ ]543 :‬عن حذيفة ق ال‪( :‬م ا أح ٌد من الن اس تدرك ه الفتن ة إال وأن ا‬
‫أخافه ا علي ه‪،‬إال محم د بن مس لمة ف إني س معت رس ول هللا ‪ ‬يق ول‪(:‬ال تض رك‬
‫الفتنة)(‪.)2‬‬
‫وه ذا الح ديث أس يء فهم ه بن اء على ع دم تط بيق م ا ذكرن ا من مع ايير‪..‬‬
‫فرسول هللا ‪ ‬أثنى على عمار بن ياسر أكثر مما أثنى على محمد بن مسلمة‪ ،‬وهو‬
‫يدل على أن موقف عمار هو الموقف الشرعي السليم‪ ..‬أما موق ف ابن مس لمة فه و‬
‫موقف الضعفاء‪ ،‬وهو أفضل من الذين ارتكسوا في الفتنة وسلوا سيوفهم فيها‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]544 :‬عن أبي بردة قال‪ :‬مررت بالرب ذة ف إذا فس طاط‪ ،‬فقلت لمن‬
‫هذا؟ فقيل لمحمد بن مسلمة فاستأذنت عليه‪ ،‬فدخلت عليه فقلت رحم ك هللا‪ ،‬إن ك من‬
‫هذا األمر بمكان فلو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت فقال‪ :‬إن رسول هللا ‪ ‬قال‪:‬‬
‫(إنه س تكون فتن ة وفرق ة واختالف ف إذا ك ان ذل ك ف أت بس يفك أح دا فاض رب ب ه‬
‫عرضه واكسر نبلك‪ ،‬واقطع وت رك‪ ،‬واجلس في بيت ك‪ ،‬فق د ك ان ذل ك‪ ،‬ثم اس تنزل‬
‫سيفا كان معلقا بعمود الفسطاط فاخترطه فإذا سيف من خش ب)‪ ،‬ق ال‪ :‬ق د فعلت م ا‬
‫أمرني به رسول هللا ‪ ‬واتخذت هذا أرهب به الناس)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]545 :‬عن معق ل بن يس ار ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬العب ادة في‬
‫الهرج كهجرة إلي)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]546 :‬عن المقداد قال رسول هللا ‪( :‬إن الس عيد لمن جنب الفتن‪،‬‬
‫إن السعيد لمن جنب الفتن‪ ،‬إن السعيد لمن جنب الفتن‪ ،‬ولمن ابتلي فصبر فواها)(‪)5‬‬
‫وه ذا الح ديث ص ريح في أن ال ذي يبتلى به ا ويك ون إيجابي ا فيه ا‪ ،‬درجت ه‬
‫أعظم‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]547 :‬عن يزيد بن أبي عبيد قال‪ :‬لما قت ل عثم ان خ رج س لمة بن‬
‫األكوع إلى الربذة وتزوج هناك امرأة وولدت له أوالدا‪ ،‬فلم ي زل به ا ح تى قب ل أن‬
‫يموت بليال‪ ،‬فنزل المدينة فمات بها(‪.)6‬‬
‫وفي رواية‪ :‬أن سلمة دخل على الحجاج فقال‪ :‬ي ا ابن األك وع‪ ،‬ارت ددت على‬
‫عقبيك تعربت؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن رسول هللا ‪ ‬أذن لي في البدو‪.‬‬
‫وهو يدل على أن ذلك خاصا به‪ ،‬وليس عاما لجميع المسلمين‪.‬‬

‫‪ )(1‬البخاري (‪)7110‬‬
‫‪ )(2‬أبو داود (‪)4663‬‬
‫‪ )( 3‬رواه أحمد بن منيع والبيهقي في الكبرى وابن أبي شيبة وابن ماجة‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/128‬‬
‫‪ )(4‬مسلم (‪ ،)2948‬والترمذي (‪)2201‬‬
‫‪ )(5‬أبو داود (‪)4263‬‬
‫‪ )(6‬البخاري (‪ )7087‬ومسلم (‪)1862‬‬
‫‪173‬‬
‫[الحديث‪ ]548 :‬عن ابن عباس قال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬وي ٌل للع رب من‬
‫شر قد اقترب‪ ،‬أفلح من كف يديه)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]549 :‬عن سعيد بن زيد قال‪ :‬كن ا عن د الن بي ‪ ‬ف ذكر فتن ة عظم‬
‫أمرها فقلنا أو قالوا‪ :‬يا رسول هللا‪،‬لئن أدركتنا ه ذه لتهلكن ا؟ فق ال‪(:‬كال‪ ،‬إن بحس بكم‬
‫القتل) قال سعيد‪ :‬فرأيت إخواني قتلوا(‪.)2‬‬
‫[الحديث‪ ]550 :‬عن ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬دخلت على حفصة ونوساتها(‪ )3‬تنطف‪،‬‬
‫قلت‪ :‬قد كان من الن اس م ا ت رين فلم يجع ل من األم ر ش ي ٌء‪ ،‬فق الت‪ :‬الح ق ف إنهم‬
‫ينتظرونك وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرق ةٌ‪ ،‬فلم تدع ه ح تى ت ذهب‪ ،‬فلم ا‬
‫تفرق الناس خطب معاوية‪ ،‬وقال‪ :‬من كان يريد أن يتكلم في ه ذا األم ر فليطل ع لن ا‬
‫قرنه فلنحن أحق به منه ومن أبيه‪ ،‬قال حبيب بن مسلمة‪ :‬فهال أجبت ه؟ ق ال عب د هللا‪:‬‬
‫فحللت حب وتي وهممت أن أق ول‪ :‬أح ق به ذا األم ر من ك من قاتل ك وأب اك على‬
‫اإلسالم‪ ،‬فخشيت أن أقول كلم ة تف رق بين الجم ع وتس فك ال دم وتحم ل ع ني غ ير‬
‫ذلك‪ ،‬فذكرت ما أعد هللا في الجنان‪ ،‬قال حبيب‪ :‬حفظت وعصمت(‪.)4‬‬
‫وقد روي ندمه على ذلك‪ ،‬حيث ق ال‪( :‬لم أج دني آس ي على ش يء إال أني لم‬
‫أقاتل الفئة الباغية مع علي)(‪)5‬‬
‫‪ 2‬ـ ما ورد في تحذير آحاد الصحابة من محاربة اإلمام علي‪:‬‬
‫وقد ورد فيها روايات كثيرة في مصادر السنة والش يعة‪ ،‬وأهمه ا م ا ورد في‬
‫شأن تحذير أم المؤمنين عائشة والزبير بن العوام‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫ما ورد في تحذير عائشة من محاربة اإلمام علي‪:‬‬
‫وهي أحاديث متفق عليه ا بين الم دارس اإلس المية‪ ،‬وهي م ع كونه ا وردت‬
‫بصيغة النبوءات إال أنها تحمل في طياتها تحذيرا شديدا‪ ،‬ولكن لألسف ه وّن ش أنه‪،‬‬
‫واعتبر وكأنه مجرد وصف لما سيقع لألمة بعد رس ول هللا ‪ ‬على ال رغم من أن ه‬
‫قت ل في تل ك الح رب م ا بين س تة آالف إلى خمس وعش رين أل ف قتيل(‪ ،)6‬وعلى‬
‫الرغم من أن آثارها ال تزال ممتدة إلى اآلن‪ ،‬وك ان يمكن تفاديه ا ل و طبقت وص ايا‬
‫رسول هللا ‪ ‬بمجرد تذكرها‪.‬‬
‫وأحب أن أنبه أن نقطة الخالف الفارق ة بين الس نة والش يعة في الموق ف من‬
‫عائشة‪ ،‬هو في موقفها من حرب الجمل‪ ،‬أو موقفها من اإلمام علي خصوصا‪ ،‬وه و‬
‫موقف متفق عليه في تخطئتها بس بب ذل ك‪ ،‬وق د نق ل ال زيلعي اإلجم اع على ذل ك‪،‬‬
‫فق ال‪( :‬وأجمع وا على أن علي ا ك ان مص يبا في قت ال أه ل الجم ل‪ ،‬وهم طلح ة‪،‬‬
‫‪ )(1‬أبو داود (‪)4249‬‬
‫‪ )(2‬أبو داود (‪)4277‬‬
‫‪ )(3‬نوساتها‪ :‬بفتح النون أي ذوائبها ومعنى تنطف أي تقطر كأنها قد اغتسلت‪.‬‬
‫‪ )(4‬البخاري (‪)4108‬‬
‫‪ )(5‬قال الهيثمي (‪ )7/242‬الطبراني بأسانيد وأحدها رجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫‪ )(6‬خليف ة بن خي اط‌‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‌ ‪112‬؛ الط بري‌‪ ،‬ت اريخ‌ الط بري‪ ،‬ج‌ ‪ ،4‬ص‌ ‪539‬؛ ابن أعثم‌ الك وفي‌‪ ،‬كت ا ‌‬
‫ب‬
‫الفتوح‌‪ ،‬ج‌ ‪ ،2‬ص‪488 - ‌487‬؛ المسعودي‪ ،‬مروج الذهب‪ ،‬ج‌ ‪ ،3‬ص‌ ‪.96 - 95‬‬
‫‪174‬‬
‫والزبير‪ ،‬وعائشة‪ ،‬ومن معهم‪ ،‬وأهل صفين‪ ،‬وهم معاوية‪ ،‬وعسكره‪ ،‬وق د أظه رت‬
‫عائشة الندم‪ ،‬كما أخرجه ابن عبد البر في كتاب االستيعاب عن ابن أبي عتيق‪ ،‬وهو‬
‫عبد هللا بن محم د بن عب د ال رحمن بن أبي بك ر الص ديق‪ ،‬ق ال‪ :‬ق الت عائش ة البن‬
‫عمر‪ :‬يا أبا عبد الرحمن‪ ،‬ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟! ق ال‪ :‬رأيت رجال غلب‬
‫عليك ‪ -‬يعني ابن الزبير‪ -‬فقالت‪ :‬أما وهللا لو نهيتني ما خرجت)(‪)1‬‬
‫وعلق األلباني على بعض األحاديث التي تذكر نبوءة رسول هللا ‪ ‬بخ روج‬
‫عائش ة في ح رب الجم ل‪ ،‬فق ال‪( :‬وجمل ة الق ول أن الح ديث ص حيح اإلس ناد‪ ،‬وال‬
‫إشكال في متن ه‪ ..‬ف إن غاي ة م ا في ه أن عائش ة لم ا علمت ب الحوأب ك ان عليه ا أن‬
‫ترج ع‪ ،‬والح ديث ي دل أنه ا لم ترج ع! وه ذا مم ا ال يلي ق أن ينس ب ألم المؤم نين‪.‬‬
‫وجوابنا على ذلك أنه ليس كل ما يقع من الكمل يكون الئقا بهم‪ ،‬إذ ال عص مة إال هلل‬
‫وحده‪ .‬والسني ال ينبغي له أن يغالي فيمن يحترمه ح تى يرفع ه إلى مص اف األئم ة‬
‫الشيعة المعصومين! وال نشك أن خروج أم المؤمنين ك ان خط أ من أص له‪ ،‬ول ذلك‬
‫همت بالرجوع حين علمت بتحقق نبوءة النبي ‪‬عند الحوأب‪ ،‬ولكن الزبير أقنعه ا‬
‫بترك الرجوع بقوله‪( :‬عسى هللا أن يصلح بك بين الناس) وال نشك أنه ك ان مخطئ ا‬
‫في ذل ك أيض ا‪ .‬والعق ل يقط ع بأن ه ال من اص من الق ول بتخطئ ة إح دى الط ائفتين‬
‫المتق اتلتين الل تين وق ع فيهم ا مئ ات القتلى‪ .‬وال ش ك أن عائش ة المخطئ ة ألس باب‬
‫كث يرة‪ ،‬وأدل ة واض حة‪ ،‬ومنه ا ن دمها على خروجه ا‪ ،‬وذل ك ه و الالئ ق بفض لها‬
‫وكمالها‪ ،‬وذلك مما يدل على أن خطأها من الخطأ المغفور بل المأجور)(‪)2‬‬
‫باإلضافة لهذا؛ فإن كل مراجع الشيعة الكبار‪ ،‬وعلى مدار التاريخ‪ ،‬اح ترموا‬
‫عرض رسول هللا ‪ ،‬بل احترموا عرض جميع األنبياء‪ ،‬ب ل اعت بروا من عص مة‬
‫النبي عصمة عرضه‪ ،‬ولذلك لم يسيئوا لرسول هللا ‪ ‬في عرضه‪ ،‬حتى لو اختلف وا‬
‫مع بعض أمهات المؤم نين بس بب ح ربهم لإلم ام علي‪ ..‬ألن أمه ات المؤم نين وإن‬
‫عصموا في أعراضهم بسبب ارتب اطهم بالمعص وم إال أنهم ليس وا معص ومين فيم ا‬
‫عدا ذلك‪ ،‬وقد نص القرآن الكريم على ذلك‪ ،‬بل ذك ر أن من نس اء األنبي اء من وق ع‬
‫في الكفر ذاته‪ ..‬وفرق كبير بين الكفر والفاحش ة‪ ..‬فالفاحش ة ترتب ط بع رض الن بي‪،‬‬
‫بخالف الكفر وغيره‪ ،‬فال عالقة لذلك بعرض النبي‪ ..‬بل إن الق رآن الك ريم ذك ر أن‬
‫أبناء األنبياء أنفسهم ليسوا معصومين من الكفر‪ ،‬وقد قص علينا من قص ة ابن ن وح‬
‫عليه السالم ما يثبت ذلك‪ ،‬وقص علينا من أمر امرأة نوح ول وط م ا ي دل على ذل ك‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ما قاله العالمة السيد شرف الدين الموسوي‪ ،‬وه و من‬
‫أعالم الشيعة الكبار في هذا العصر‪ ،‬فقد قال في أجوبة مسائل جار هللا‪( :‬من الوجوه‬
‫التي اعتمد عليها الناصب موسى جار هللا في تكف ير الش يعة اإلمامي ة أنهم يطول ون‬

‫‪ )(1‬نصب الراية (‪)69 /4‬‬


‫‪ )(2‬نصب الراية (‪)70 - 69 / 4‬‬
‫‪175‬‬
‫ألس نتهم على عائش ة‪ ،‬ويتكلم ون في حقه ا من أم ر االف ك والعي اذ باهلل م ا ال يلي ق‬
‫بش أنها‪ ..‬إلى آخ ر افك ه وبهتان ه‪ ..‬والج واب أنه ا عن د االمامي ة‪ ،‬وفي نفس األم ر‬
‫والواقع أنقى جيب ا‪ ،‬وأطه ر ثوب ا وأعلى نفس ا وأغلى عرض ا وامن ع ص وتا وارف ع‬
‫جنابا وأعز خدرا واسمى مقاما من أن يجوز عليها غ ير النزاه ة أو يمكن في حقه ا‬
‫اال العفة والصيانة‪ ،‬وكتب االمامية قديمها وحديثها ش اهد ع دل بم ا أق ول‪ ،‬على أن‬
‫أصولهم في عصمة االنبياء تحي ل م ا بهته ا ب ه أه ل االف ك بتات ا‪ ،‬وقواع دهم تمن ع‬
‫وقوعه عقال ولذا صرح فقيه الطائفة وثقتها أستاذنا المقدس الشيخ محمد طه النجفي‬
‫أعلى هللا مقامه بما يستقل بحكمه العق ل من وج وب نزاه ة األنبي اء عن أق ل عائب ة‬
‫ول زوم طه ارة أعراض هم عن أدنى وص مة‪ ،‬فنحن وهللا ال نحت اج في براءته ا الى‬
‫دليل‪ ،‬وال نجوز عليها وال على غيرها من أزواج األنبياء واألوص ياء ك ل م ا ك ان‬
‫من هذا القبيل)‬
‫ثم نقل عن الشريف المرتضى علم الهدى ردا على من نسب الخنا الى ام رأة‬
‫نوح ـ كما يقول بذلك ابن تيمي ة نفس ه ـ‪( :‬إن األنبي اء عليهم الص الة والس الم يجب‬
‫عقال ان ينـزهوا عن مثل هذه الحال ألنها تعر وتشين وتغض من الق در‪ ،‬وق د جنب‬
‫هللا تعالى أنبياءه عليهم الصالة والسالم ما هو دون ذلك تعظيما لهم وتوقيرا لكل م ا‬
‫ينفر عن القبول منهم)‬
‫ثم نق ل اإلجم اع على ذل ك‪ ،‬فق ال‪( :‬وعلى ذل ك اجم اع مفس ري الش يعة‬
‫ومتكلميهم وسائر علمائهم)‬
‫ثم بين موضع انتقاد الشيعة لها‪ ،‬وهو مما يتفقون في ه م ع الس نة‪ ،‬فق ال‪( :‬نعم‬
‫ننتقد من أفعال أم المؤمنين خروجها من بيتها بعد قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وقَرْ نَ فِي بُيُ وتِ ُك َّن ﴾‬
‫[األحزاب‪ ]33 :‬وركوبها الجمل بعد تحذيرها من ذل ك ومجيئه ا الى البص رة تق ود‬
‫جيشا عرمرما تطلب على زعمها بدم عثمان‪ ،‬وهي التي أم الت حرب ه وألبت علي ه‬
‫وقالت فيه ما قالت‪ ،‬ونلومها على أفعالها في البصرة يوم الجمل األصغر مع عثمان‬
‫بن حنيف وحكيم بن جبلة ونستنكر أعمالها ي وم الجم ل األك بر م ع أم ير المؤم نين‬
‫ويوم البغ ل حيث ظنت أن ب ني هاش م يري دون دفن الحس ن المجت بى عن د ج ده ‪‬‬
‫فكان ما كان منها ومن م روان‪ ،‬ب ل نعتب عليه ا في س ائر س يرتها م ع س ائر أه ل‬
‫البيت عليهم السالم)‬
‫وهذا الذي قاله شرف الدين الموسوي هو نفسه الذي تنص عليه كل المراج ع‬
‫الش يعية المعتم دة‪ ..‬أم ا الرواي ات الباطل ة ال تي اعتم دها عليه ا المغرض ون فهي‬
‫مرفوضة من جميع المراجع لمعارضتها العقل والفطرة والقرآن الكريم‪.‬‬
‫وأحب أن أنب ه هن ا أيض ا إلى أن الرواي ات ال واردة عن الش يعة في حادث ة‬
‫اإلفك‪ ،‬وكونها مرتبطة بمارية القبطية ال عالقة له باتهام عائشة‪ ،‬ب ل ل و أنن ا تمعن ا‬
‫في األمر‪ ،‬وتدبرناه بعقولنا ال بأهوائنا لوجدنا القول بذلك أكرم لعائش ة‪ ،‬ألن ه ؤالء‬
‫الذين يتصورون أنهم يدافعون عن عرض رسول هللا ‪ ‬يذكرون في رواياتهم التي‬
‫‪176‬‬
‫يعتقدون صحتها أن رسول هللا ‪ ‬راوده الشك في كون األمر كما يذكر األف اكون‪..‬‬
‫وفي ذلك تج ويز لوق وع مث ل ه ذا األم ر المس تحيل في ح ق أزواج األنبي اء عليهم‬
‫الصالة والسالم‪.‬‬
‫بناء على هذه التنبيهات نذكر األحاديث الواردة في هذا في المصادر السنية‪:‬‬
‫[الحــديث‪ ]551 :‬ـ عن أم س لمة ق ال‪ :‬ذك ر الن بي ‪ ‬خ روج بعض أمه ات‬
‫المؤمنين‪ ،‬فضحكت عائشة‪ ،‬فقال‪( :‬أنظري يا حميراء أن ال تك وني أنت)‪ ،‬ثم التفت‬
‫إلى علي فقال‪( :‬إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها)(‪)1‬‬
‫وقد روي في المصادر المعتبرة عند الشيعة أن عليا بعد انتصاره في معرك ة‬
‫الجمل لم يس ئ إليه ا ولم يؤذه ا‪ ،‬ب ل رده ا مكرم ة إلى بيته ا‪ ،‬بع د أن عاتبه ا على‬
‫خروجها الذي سبب فتنة للمسلمين‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]552 :‬عن قيس قال‪ :‬لما بلغت عائشة بعض ديار بني عامر نبحت‬
‫عليها الكالب‪ ،‬فقالت‪ :‬أي ماء هذا؟ قالوا الحوأب قالت‪ :‬م ا أظن ني إال راجع ة‪ ،‬ق ال‬
‫الزب ير‪ :‬ال بع د تق دمي ف يراك الن اس ويص لح هللا ذات بينهم‪ .‬ق الت م ا أظن ني إال‬
‫راجعة‪ ،‬سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪( :‬كيف بإحداكن إذا نبحتها كالب الحوأب)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪]553 :‬ـ عن ابن عب اس ق ال‪ ،‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬أيتكن ص احبة‬
‫الجمل األحمر األدبب تخرج حتى تنبحها كالب الحوأب يقتل حولها قتلى كثير)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]554 :‬ـ عن حذيفة أنه قيل له‪ :‬حدثنا م ا س معت من رس ول هللا ‪‬‬
‫قال‪( :‬لو فعلت لرجمتموني) قلن ا‪ :‬س بحان هللا! ق ال‪( :‬ل و ح دثتكم أن بعض أمه اتكم‬
‫تغزوكم في كتيبة تضربكم بالسيف ما صدقتموني) قالوا‪ :‬سبحان هللا‪ ،‬ومن يص دقك‬
‫بهذا قال‪( :‬أتتكم الحمراء في كتيبة تسوق به ا أعالجه ا)‪ ،‬ق ال ال بيهقي‪ ،‬أخ بر به ذا‬
‫حذيفة ومات قبل مسير عائشة(‪.)4‬‬
‫[الحــديث‪]555 :‬ـ عن أبي بك رة س معت رس ول هللا ‪ ‬يق ول‪( :‬يخ رج ق وم‬
‫هلكى ال يفلحون قائدهم امرأة)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]556 :‬عن أبي رافع أن رسول هللا ‪ ‬قال لعلي‪( :‬إنه سيكون بينك‬
‫وبين عائشة أمر فإذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها)(‪)6‬‬
‫ما ورد في تحذير الزبير من محاربة اإلمام علي‪:‬‬
‫وهو من قادة فتن ة ح رب الجم ل‪ ،‬وق د ح ذره رس ول هللا ‪ ‬من ذل ك‪ ،‬لكن ه‬
‫أخبر عن نسيانه لوصية الرسول ‪ ‬مع أهميتها الشديدة‪ ،‬ومع ما انجر عن نس يانها‬
‫من اآلثار الخطيرة‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬

‫‪ )(1‬رواه الحاكم وصححه والبيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/148‬‬


‫‪ )( 2‬رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم والبيهقي وأبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/148‬‬
‫‪ )(3‬رواه البزار وأبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/148‬‬
‫‪ )(4‬رواه الحاكم وصححه والبيهقي وأبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/149‬‬
‫‪ )(5‬رواه البزار والبيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/149‬‬
‫‪ )(6‬رواه أحمد والبزار والطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/149‬‬
‫‪177‬‬
‫[الحديث‪ ]557 :‬عن أبي األسود قال‪ :‬شهدت الزبير خرج يريد عليا‪ ،‬فقال له‬
‫علي‪ :‬أنشدك هللا هل سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪( :‬تقاتل ه وأنت ل ه ظ الم)‪ ،‬فق ال‪ :‬لم‬
‫أذكر‪ ،‬ثم مضى الزبير منصرفا(‪.)1‬‬
‫[الحــديث‪]558 :‬ـ عن أبي جروة الم ازني ق ال‪ :‬س معت علي ا يق ول للزب ير‪:‬‬
‫نشدتك باهلل أما سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول إن ك تق اتلني وأنت ظ الم لي؟ ق ال‪ :‬بلى‪،‬‬
‫ولكن نسيت(‪.)2‬‬
‫[الحديث‪]559 :‬ـ قال علي للزب ير‪ :‬أم ا ت ذكر ي وم كنت أن ا وأنت‪ ،‬فق ال ل ك‬
‫رسول هللا ‪( :‬أتحبه) فقلت وم ا يمنع ني‪ ،‬فق ال‪( :‬أم ا إن ك س تخرج علي ه وتقاتل ه‬
‫وأنت ظالم)‪ ،‬قال‪ :‬فرجع الزبير(‪.)3‬‬
‫[الحديث‪]560 :‬ـ عن عبد السالم قال‪ :‬قال علي للزبير يوم الجمل‪ :‬أنشدك هللا‬
‫هل سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪( :‬لتقاتلنه وأنت ظالم له ثم لينصرن عليك)‪ ،‬قال‪ :‬ق د‬
‫سمعته ال جرم ال أقاتلك(‪.)4‬‬
‫الفتنة الثالثة‪ :‬فتنة محاوالت القضاء على العترة‪:‬‬
‫وهي الفتنة التي حاولت أن تقض ي على الع ترة وذكره ا وك ل أن واع التعل ق‬
‫بها‪ ،‬ولم تكتف بذلك‪ ،‬بل قامت بتلك المجزرة العظيمة في حقها‪ ،‬وحق الموالين لها‪.‬‬
‫وقد ذكرنا سابقا ما ورد من األحاديث في حق اإلمام الحسين وم ا حص ل في‬
‫كربالء‪ ،‬ولهذا سنكتفي هنا بذكر غيرها من األحاديث‪:‬‬
‫أ ـ ما ورد في شأن األذى الذي تتعرض له العترة‪:‬‬
‫وهي تشير إلى أن ك ل م ا حص ل لألم ة من فتن ك ان بس بب إعراض ها عن‬
‫وصايا رسول هللا ‪ ‬بأهل بيته‪ ،‬باعتبارهم اختبار هللا تع الى لألم ة‪ ،‬وهي في ذل ك‬
‫تشبه ما حصل لبني إسرائيل بسبب إعراضهم عن هارون‪ ،‬وتشبه ما حص ل لثم ود‬
‫وموقفهم من الناقة‪ ،‬بعد أن أوصاهم نبيهم بمراعاتها وعدم إذيتها‪ ،‬ولهذا ن زل عليهم‬
‫ال يَ اقَوْ ِم‬‫ص الِحًا قَ َ‬‫العذاب بمجرد ذبحهم لها‪ ،‬كما ق ال تع الى‪َ ﴿ :‬وإِلَى ثَ ُم و َد أَخَ اهُ ْم َ‬
‫ا ْعبُدُوا هَّللا َ َما لَ ُك ْم ِم ْن إِلَ ٍه َغ ْي ُرهُ قَ ْد َجا َء ْت ُك ْم بَيِّنَةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم هَ ِذ ِه نَاقَةُ هَّللا ِ لَ ُك ْم آيَةً فَ َذرُوهَا‬
‫ض هَّللا ِ َواَل تَ َم ُّس وهَا بِ ُس و ٍء فَيَأْ ُخ َذ ُك ْم َع َذابٌ أَلِي ٌم ﴾ [األع راف‪ ،]73 :‬ثم‬ ‫تَأ ُك لْ فِي أَرْ ِ‬
‫ْ‬
‫ذكر ما حصل لهم‪ ،‬فقال‪ ﴿ :‬فَ َعقَرُوا النَّاقَةَ َو َعتَوْ ا ع َْن أَ ْم ِر َربِّ ِه ْم َوقَ الُوا يَ َ‬
‫اص الِ ُح ا ْئتِنَ ا‬
‫َار ِه ْم‬
‫ص بَحُوا فِي د ِ‬ ‫بِ َم ا ت َِع ُدنَا إِ ْن ُك ْنتَ ِمنَ ْال ُمرْ َس لِينَ (‪ )77‬فَأَخَ َذ ْتهُ ُم الرَّجْ فَ ةُ فَأ َ ْ‬
‫َجاثِ ِمينَ ﴾ [األعراف‪]78 ،77 :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫هَّللا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وقال في موضع آخر‪َ ﴿ :‬ويَاقوْ ِم هَ ِذ ِه نَاق ة ِ لك ْم آيَ ة ف ذرُوهَا تَأك لْ فِي أرْ ِ‬
‫ض‬
‫َار ُك ْم‬
‫ال تَ َمتَّ ُع وا فِي د ِ‬ ‫هَّللا ِ َواَل تَ َمسُّوهَا بِسُو ٍء فَيَأْ ُخ َذ ُك ْم َع َذابٌ قَ ِريبٌ (‪ )64‬فَ َعقَرُوهَ ا فَقَ َ‬
‫ب﴾ [هود‪]65 ،64 :‬‬ ‫ك َو ْع ٌد َغ ْي ُر َم ْك ُذو ٍ‬ ‫ثَاَل ثَةَ أَي ٍَّام َذلِ َ‬
‫‪ )(1‬رواه الحاكم وصححه والبيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/149‬‬
‫‪ )(2‬رواه أبو يعلى والحاكم والبيهقي وأبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/149‬‬
‫‪ )(3‬رواه الحاكم‪ ،‬عن قيس‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/149‬‬
‫‪ )(4‬رواه أبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/149‬‬
‫‪178‬‬
‫وال يس تغرب ه ذا؛ فاهلل تع الى اخت بر المالئك ة وإبليس بالس جود آلدم‪ ،‬ومن‬
‫خالله تحدد مصيرهم‪ ،‬أما المالئك ة فبق وا على ك رامتهم‪ ،‬وأم ا إبليس فانح در ذل ك‬
‫االنحدار السحيق‪.‬‬
‫ومن األحاديث الواردة في هذا‪:‬‬
‫[الحــديث‪ ]561 :‬ـ عن أبي س عيد ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬أن أه ل بي تي‬
‫سيلقون من بعدي من أمتي قتال وتشريدا‪ ،‬وإن أشد قومنا لن ا بغض ا بن و أمي ة وبن و‬
‫المغيرة وبنو مخزوم)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]562 :‬ـ عن ابن مسعود قال‪( :‬بينا نحن عند رسول هللا ‪ ‬إذا أقب ل‬
‫فئة من بني هاشم‪ ،‬فلما رآهم رسول هللا ‪ ‬اغرورقت عينه)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪]563 :‬ـ أنه ‪ ‬ق ال لعلي‪( :‬أت دري من أش قى اآلخ رين؟) ق ال‪ :‬هللا‬
‫ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪( :‬قاتلك)(‪)3‬‬
‫وهذا الحديث يشير إلى الفتنة التي تعرضت لها ثمود بقتله ا الناق ة‪ ،‬كم ا ق ال‬
‫ث أَ ْشقَاهَا (‪ )12‬فَقَ َ‬
‫ال لَهُ ْم َرسُو ُل هَّللا ِ نَاقَ ةَ‬ ‫ت ثَ ُمو ُد بِطَ ْغ َواهَا (‪ )11‬إِ ِذ ا ْنبَ َع َ‬‫تعالى‪َ ﴿ :‬ك َّذبَ ْ‬
‫هَّللا ِ َو ُس ْقيَاهَا (‪ )13‬فَ َك َّذبُوهُ فَ َعقَرُوهَ ا فَ َد ْم َد َم َعلَ ْي ِه ْم َربُّهُ ْم بِ َذ ْنبِ ِه ْم فَ َس َّواهَا (‪َ )14‬واَل‬
‫يَخَافُ ُع ْقبَاهَا﴾ [الشمس‪]15 - 11 :‬‬
‫[الحديث‪]564 :‬ـ قال رسول هللا ‪( :‬إنك امرؤ مستخلف وإنك مقت ول‪ ،‬وإن‬
‫هذه مخضوبة من هذه) لحيته من رأسه)(‪)4‬‬
‫ب ـ ما ورد في شأن األذى الذي يتعرض له الموالون للعترة‪:‬‬
‫وذلك بعد أن سن معاوية سنة سب اإلمام علي‪ ،‬والتي رفض ها الموال ون ل ه؛‬
‫فتعرضوا بسبب ذلك لكل أنواع األذى‪ ،‬ومن األحاديث الواردة في هذا‪:‬‬
‫[الحديث‪]565 :‬ـ ما ورد في حق عمرو بن الحمق واألذى ال ذي تع رض ل ه‬
‫بسبب صحبته ووالئه ووفائه لإلمام علي‪ ،‬فقد روي عن ه أن ه ق ال‪ :‬بعث رس ول هللا‬
‫‪ ‬س رية‪ ،‬فق الوا‪ :‬ي ا رس ول هللا‪ ،‬إن ك تبعثن ا‪ ،‬وال لن ا زاد وال طع ام‪ ،‬وال علم لن ا‬
‫بالطريق‪ ،‬فقال‪( :‬إنكم ستمرون برجل صبيح الوجه يطعمكم من الطعام ويسقيكم من‬
‫الشراب‪ ،‬ويدلكم على الطريق‪ ،‬وهو من أهل الجنة)‪ ،‬فلم يزل القوم على جعل يشير‬
‫بعضهم إلى بعض‪ ،‬وينظ رون إلي فقلت‪ :‬يش ير بعض كم إلى بعض وينظ رون إلي؟‬
‫فقلت‪ :‬م ا لكم يش ير بعض كم إلى بعض وتنظ رون إلي فق الوا‪ :‬أبش ر ببش رى هللا‬
‫ورسوله ‪ ‬فإنا نعرف فيك نعت رسول هللا ‪ ،‬فأخبروني بما قال لهم‪ ،‬ف أطعمتهم‬
‫وس قيتهم وزودتهم وخ رجت معهم ح تى دللتهم على الطري ق‪ ،‬ثم رجعت إلى أهلي‬
‫وأوص يتهم ب إبلي ثم خ رجت إلى رس ول هللا ‪ ‬فقلت‪ :‬م ا ال ذي ت دعو إلي ه؟ ق ال‪:‬‬
‫(أدعو إلى شهادة أن ال إل ه إال هللا‪ ،‬وأني رس ول هللا وإق ام الص الة‪ ،‬وإيت اء الزك اة‪،‬‬
‫‪ )( 1‬رواه ابن عساكر ونعيم بن حماد في الفتن‪ ،‬والحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/152‬‬
‫‪ )(2‬رواه البيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/152‬‬
‫‪ )(3‬رواه أحمد في المناقب‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/153‬‬
‫‪ )(4‬رواه الطبراني وأبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/153‬‬
‫‪179‬‬
‫وحج ال بيت‪ ،‬وص وم رمض ان) فقلت‪ :‬إذا أجبن اك إلى ه ذا فنحن آمن ون على أهلن ا‬
‫ودمائن ا وأموالن ا؟ ق ال‪( :‬نعم)‪ ،‬فأس لمت ثم رجعت إلى أهلي‪ ،‬ف أعلمتهم بإس المي‪،‬‬
‫فأسلم على يدي بشر كثير منهم‪ ،‬ثم هاجرت إلى رس ول هللا ‪ ‬فبين ا أن ا عن ده ذات‬
‫يوم فقال‪( :‬يا عمرو‪ ،‬هل لك أن أريك آي ة الجن ة‪ ،‬تأك ل الطع ام‪ ،‬وتش رب الش راب‬
‫وتمشي في األسواق؟) قلت‪ :‬بلى‪ ،‬ب أبي أنت وأمي‪ ،‬ق ال‪( :‬ه ذا وقوم ه‪ ،‬وأش ار إلى‬
‫علي بن أبي طالب) وقال لي‪( :‬يا عمرو‪ ،‬هل لك أن أري ك آي ة الن ار تأك ل الطع ام‪،‬‬
‫وتشرب الشراب‪ ،‬وتمشي في األسواق؟) قلت‪ :‬بلى‪ ،‬ب أبي أنت وأمي‪ ،‬ق ال‪( :‬ه ذا)‪،‬‬
‫وأشار إلى رجل‪ ،‬فلما وقعت الفتنة ذكرت قول رسول هللا ‪ ‬ففررت من آي ة الن ار‬
‫إلى آية الجنة‪ ،‬ويرى بني أمية قاتلي بعد هذا‪ ،‬قلت‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬وهللا‪ ،‬لو‬
‫كنت حجرا في جوف حجر الستخرجني بنو أمية حتى يقتل وني‪ ،‬ح دثني ب ه حبي بي‬
‫رسول هللا ‪ ‬أن رأسي أول رأس تجز ويحتز في اإلسالم وينقل من بلد إلى بلد(‪.)1‬‬
‫وقد حصل ما أخبر عنه رسول هللا ‪ ‬فقد كان عم رو بن الحم ق أي ام الفتن ة‬
‫من أعظم الموالين لإلمام علي‪ ،‬وقد قال له في وقعة ص فّين‪( :‬وهللا‪ ،‬م ا جئت ك لم ال‬
‫من الدنيا تعطينيها‪ ،‬وال اللتماس السلطان ترفع به ذك ري‪ ،‬إاّل ألنّ ك ابن ع ّم رس ول‬
‫هللا ‪ ،‬وأولى الناس بالناس‪ ،‬وزوج فاطمة سيّدة نساء العالمين‪ ،‬وأب و الذرّي ة ال تي‬
‫بقيت لرس ول هللا ‪ ،‬وأعظم س هما ً لإلس الم من المه اجرين واألنص ار‪ ،‬وهللا‪ ،‬ل و‬
‫كلّفتني نقل الجبال الرواسي‪ ،‬ون زح البح ور الط وامي أب داً حتّى ي أتي علي ي ومي‪،‬‬
‫وفي يدي سيفي أه ّز ب ه ع دوّك‪ ،‬وأق وي ب ه وليّ ك‪ ،‬ويعل و ب ه هللا كعب ك‪ ،‬ويفلج ب ه‬
‫ق الذي يجب لك عل ّي)‪ ،‬فقال ل ه اإلم ام‬ ‫حجّتك‪ ،‬ما ظننت أنّي أ ّديت من حقّك ك ّل الح ّ‬
‫علي‪( :‬اللّهم نوّر قلبه ب اليقين‪ ،‬واه ده إلى الص راط المس تقيم‪ ،‬ليت في ش يعتي مائ ة‬
‫مثلك) (‪)2‬‬
‫ُ‬
‫وقد استُشهد عام ‪ 50‬هـ‪ ،‬بالموص ل في ش مال الع راق‪ ،‬وأرس ل برأس ه إلى‬
‫معاوية هدية‪ ،‬وهو (أوّل رأس أُهدي في اإلسالم) (‪)3‬‬
‫وقد قال اإلمام الحسين في رسالته إلى معاوية يذكر جرائم ة‪( :‬أو لس ت قات ل‬
‫عمرو بن الحمق صاحب رس ول هللا ‪ ،‬العب د الص الح ال ذي أبلت ه العب ادة‪ ،‬فنح ل‬
‫جسمه وصفرّت لونه؟ بعدما آمنته وأعطيته من عه ود هللا ومواثيق ه م ا ل و أعطيت ه‬
‫طائراً لنزل إليك من رأس الجبل‪ ،‬ث ّم قتلته ج رأة على ربّ ك واس تخفافا ً ب ذلك العهد)‬
‫(‪)4‬‬
‫وقال اإلمام الكاظم يثني عليه‪( :‬إذا كان يوم القيام ة ن ادى من ا ٍد‪ :‬أين ح واري‬
‫مح ّمد بن عبد هللا رسول هللا ‪ ،‬الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان‬

‫‪ )(1‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/113‬‬


‫‪ )(2‬رجال الك ّشي ‪.253/ ۱‬‬
‫‪ )(3‬المصنّف البن أبي شيبة ‪.۷۲۳/ ۷‬‬
‫‪ )(4‬رجال الك ّشي ‪.253/ ۱‬‬
‫‪180‬‬
‫والمقداد وأبو ذر‪ ..‬ث ّم ينادي مناد‪ :‬أين حواري علي بن أبي طالب‪ ،‬وص ّي مح ّم د بن‬
‫عبد هللا رس ول هللا ‪‬؟ فيق وم عم رو بن الحمق؛ فه ؤالء المتح وّرة أوّل الس ابقين‪،‬‬
‫وأوّل المقرّبين‪ ،‬وأوّل المتحوّرين من التابعين) (‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]566 :‬عن رفاعة بن شداد البجلي أنه خرج م ع عم رو بن الحم ق‬
‫حين طلبه معاوية قال‪ :‬فقال لي يا رفاعة أن القوم قاتلي‪ ،‬إن رسول هللا ‪ ‬أخ برني‬
‫أن الجن واإلنس تشترك في دمي‪ ،‬قال رفاعة‪ :‬فما تم حديثه حتى رأيت أعنة الخي ل‬
‫فودعته وواثبت ه حي ة فلس عته وأدرك وه ف احتزوا رأس ه وك ان أول رأس أه دي في‬
‫اإلسالم)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]567 :‬ما ورد في إخباره ‪ ‬عن قتل بعض الم والين لإلم ام علي‬
‫ظلما بعذراء من دمشق‪ ،‬ومنها م ا روي عن أبي األس ود‪ ،‬ق ال‪ :‬دخ ل معاوي ة على‬
‫عائشة فقالت‪ :‬ما حملك على قتل أهل عذراء حجر وأصحابه؟ فقال‪ :‬يا أم المؤمنين‪،‬‬
‫إني رأيت قتلهم صالحا لألمة‪ ،‬وبقاءهم فسادا لألمة‪ ،‬فقالت‪ :‬س معت رس ول هللا ‪‬‬
‫يقول‪( :‬سيقتل بعذراء ناس يغضب هللا لهم‪ ،‬وأهل السماء)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]568 :‬عن س عيد بن أبي هالل أن معاوي ة حج ف دخل على عائش ة‬
‫فقالت‪ :‬يا معاوية قتلت حجر بن األدبر وأص حابه؟ أم ا وهللا‪ ،‬لق د بلغ ني أن ه س يقتل‬
‫بعذراء سبعة نفر يغضب هللا لهم وأهل السماء)(‪)4‬‬
‫ج ـ ما ورد في شأن األذى الــذي يتعــرض لــه األنصــار بســبب مــواقفهم من‬
‫العترة‪:‬‬
‫وهو ما حصل أيام الفتن حيث عزل أكثر األنصار بسبب مواقفهم الطيب ة من‬
‫اإلمام علي والعترة الطاهرة‪ ،‬ذلك أن بعض الصحابة تص وروا أن لق ريش حق ا في‬
‫حكم المسلمين؛ وأنهم لذلك يمكنهم أن يقرب وا من ش اءوا‪ ،‬ويبع دوا من ش اءوا‪ ،‬وق د‬
‫ك ان األنص ار من جمل ة المبع دين‪ ،‬ومن األح اديث ال تي تح ذر من ه ذا الن وع من‬
‫األذى‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]569 :‬عن أسيد بن حضير وأنس أن رسول هللا ‪ ‬ق ال لألنص ار‬
‫حين أفاء هللا عليه أموال هوازن‪( :‬إنكم ستلقون بع دي أث رة فاص بروا ح تى تلق وني‬
‫على الحوض)(‪)5‬‬
‫[الحــديث‪ ]570 :‬عن ابن مسعود ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬س تكون بع دي‬
‫أثرة وأمور تنكرونها)‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬م ا تأمرن ا؟ ق ال‪( :‬ت ؤدون الح ق ال ذي‬
‫عليكم‪ ،‬وتسألون هللا الذي لكم)(‪)6‬‬

‫‪ )(1‬رجال الك ّشي ‪.43/ ۱‬‬


‫‪ )(2‬رواه ابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/156‬‬
‫‪ )(3‬رواه يعقوب بن سفيان وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/156‬‬
‫‪ )(4‬رواه ابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/156‬‬
‫‪ )(5‬رواه أحمد والبخاري ومسلم والبيهقي والترمذي والنسائي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/115‬‬
‫‪ )(6‬رواه أحمد والبخاري ومسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/115‬‬
‫‪181‬‬
‫[الحديث‪ ]571 :‬عن أنس أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال لألنص ار‪( :‬س تلقون بع دي‬
‫أثرة في القسم‪ ،‬واألمر‪ ،‬فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]572 :‬عن مقسم أن أبا أيوب أتى معاوية فذكر حاجة له فجف اه ولم‬
‫يرفع به رأسا‪ ،‬فقال أبو أيوب‪ :‬أم ا أن رس ول هللا ‪ ‬ق د خبرن ا أن ه ستص يبنا بع ده‬
‫أثرة قال‪ :‬فبم أمركم؟ قال‪ :‬أمرنا أن نصبر حتى نرد عليه الحوض‪ ،‬ق ال‪ :‬فاص بروا‬
‫إذا‪ ،‬فغضب أبو أيوب‪ ،‬وحلف أن ال يكلمه أبدا(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]573 :‬ومن هذا الباب ما وري من اعتب ار بغض األنص ار عالم ة‬
‫النفاق‪ ،‬وقد تحقق هذا أيام الفتنة‪ ،‬ومن تلك األح اديث‪( :‬آي ة اإليم ان حب األنص ار‪،‬‬
‫وآية النفاق بغض األنصار) (‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]574 :‬عن البراء‪ :‬عن الن بي ‪ ‬أن ه ق ال في األنص ار‪( :‬ال يحبهم‬
‫ق‪َ ،‬من أحبهم أحب ه هللا‪ ،‬ومن أبغَض هم أبغَض ه هللا)‬ ‫ُبغضهم إال من اف ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مؤمن‪ ،‬وال ي ِ‬ ‫إال‬
‫(‪)4‬‬
‫ُبغض‬ ‫[الحـــديث‪ ]575 :‬عن أبي س عي ٍد‪ ،‬ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ال ي ِ‬
‫ل يؤمن باهلل واليوم اآلخر) (‪)5‬‬ ‫األنصار رج ٌ‬‫َ‬
‫د ـ ما ورد في شأن سب العترة وإذيتها‪ ،‬وخصوصا اإلمام علي‪:‬‬
‫وهو في تحقق ما تنبأ به رسول هللا ‪ ،‬وحذر منه من عدم اكتفاء النواص ب‬
‫بعزل العترة أو قتالهم‪ ،‬وإنما إضافة سبهم وتشويههم واستعمال كل الوس ائل إلذيتهم‬
‫وإذية مناصريهم‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]576 :‬عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال‪ :‬أمر معاوي ة‬
‫بن أبي سفيان سعداً فقال‪ :‬ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال‪ :‬أما ذكرت ثالث ا ً ق الهن‬
‫ل ه رس ول هللا ‪ ،‬فلن أس به ألن تك ون لي واح دة منهن أحب إلي من حم ر النعم‪،‬‬
‫سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول له‪ :‬خلفه في مغازيه فقال ل ه علي‪ :‬ي ا رس ول هللا خلفت ني‬
‫مع النساء والص بيان ؟ فق ال ل ه رس ول هللا ‪ :‬أم ا ترض ى أن تك ون م ني بمنزل ة‬
‫هارون من موسى‪ ،‬إال أنه ال نبوة بعدي‪ ،‬وسمعته يق ول ي وم خي بر‪ :‬ألعطين الراي ة‬
‫رجالً يحب هللا ورسوله ويحبه هللا ورسوله‪ ،‬قال‪ :‬فتطاولنا لها فقال‪ :‬ادعوا لي علي اً‪،‬‬
‫فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه‪ ،‬ففتح هللا عليه‪ ،‬ولما نزلت هذه اآلي ة‬
‫ع أَ ْبنَا َءنَا َوأَ ْبنَا َء ُك ْم َونِ َسا َءنَا َونِ َس ا َء ُك ْم َوأَ ْنفُ َس نَا َوأَ ْنفُ َس ُك ْم﴾ [آل عم ران‪:‬‬
‫﴿ فَقُلْ تَ َعالَوْ ا نَ ْد ُ‬
‫‪ ]61‬دعا رسول هللا ‪ ‬عليا ً وفاطمة وحسنا ً وحسينا ً فقال‪ :‬اللهم هؤالء أهلي) (‪)6‬‬

‫‪ )(1‬رواه الحاكم وأبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/115‬‬


‫‪ )(2‬رواه الحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/115‬‬
‫‪ )(3‬رواه البخاري (‪ ،)١٧‬ومسلم (‪)٢٤٤‬‬
‫‪ )(4‬مسلم‪ ،‬حديث (‪)75‬‬
‫‪ )(5‬مسلم حديث (‪)77‬‬
‫‪ )(6‬رواه مسلم (برقم ‪)2404‬‬
‫‪182‬‬
‫وقد اتف ق على ه ذا جمي ع الم ؤرخين‪ ،‬ومن األمثل ة على ذل ك م ا ذك ره ابن‬
‫األث ير في أح داث س نة ‪ 51‬هـ‪ ،‬حيث ق ال‪( :‬في ه ذه الس نة قت ل حج ر بن ع دي‬
‫وأصحابه‪ ،‬وسبب ذلك أن معاوية استعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة إح دى‬
‫وأربعين‪ ،‬فلما أمره عليها دعاه وقال له‪ :‬أما بعد فإن لذي الحلم قب ل الي وم م ا تق رع‬
‫العصا‪ ،‬وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم‪ ،‬وقد أردت إيص اءك بأش ياء كث يرة أن ا‬
‫تاركها اعتمادا على بص رك‪ ،‬ولس ت تارك ا إيص اءك بخص لة‪ :‬ال ت ترك ش تم علي‬
‫وذمه‪ ،‬والترحم على عثمان واالستغفار له‪ ،‬والعيب ألص حاب علي واإلقص اء لهم‪،‬‬
‫واإلطراء بشيعة عثمان واإلدناء لهم‪ ،‬فقال له المغيرة‪ :‬قد جربت وج ربت‪ ،‬وعملت‬
‫قبلك لغيرك فلم يذممني‪ ،‬وستبلو فتحم د أو ت ذم‪ .‬فق ال‪ :‬ب ل نحم د إن ش اء هللا؛ فأق ام‬
‫المغ يرة ع امال على الكوف ة وه و أحس ن ش يء س يرة‪ ،‬غ ير أن ه ال ي دع ش تم علي‬
‫والوقوع فيه والدعاء لعثمان واالستغفار له‪ ،‬فإذا سمع ذلك حجر بن ع دي ق ال‪ :‬ب ل‬
‫إياكم ذم هللا ولعن! ثم قام وقال‪ :‬أنا أشهد أن من تذمون أحق بالفض ل‪ ،‬ومن تزك ون‬
‫أولى بالذم‪ .‬فيقول له المغيرة‪ :‬يا حج ر ات ق ه ذا الس لطان وغض به وس طوته‪ ،‬ف إن‬
‫غضب السلطان يهلك أمثالك‪ ،‬ثم يكف عنه ويصفح) (‪)1‬‬
‫أن قوما ً من ب ني أُميّ ة ق الوا لمعاوي ة‪( :‬إنّ ك ق د بلغت م ا أ ّملت‪ ،‬فل و‬
‫وينقلون ّ‬
‫كففت عن لعن هذا الرجل)‪ ،‬فقال‪ :‬ال وهللا ح تى يرب و علي ه الص غير‪ ،‬ويه رم علي ه‬
‫الكبير‪ ،‬وال يذكر له ذاكر فضالً) (‪)2‬‬

‫وم ع وض وح دالل ة ه ذا الح ديث‪ ،‬واتف اق الم ؤرخين على وقوع ه إال أن ه‬
‫لألس ف وج د في أعالم المدرس ة الس نية من ي ؤول م ا فعل ه معاوي ة وي دافع عن ه‪،‬‬
‫وبتكلف شديد‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك قول النووي تعليقا على الحديث‪( :‬قول معاوية‬
‫هذا‪ ،‬ليس فيه تصريح بأنه أمر س عداً بس به‪ ،‬وإنم ا س أله عن الس بب الم انع ل ه من‬
‫الس ب‪ ،‬كأن ه يق ول‪ :‬ه ل امتنعت تورع ا ً أو خوف ا ً أو غ ير ذل ك‪ .‬ف إن ك ان تورع ا ً‬
‫وإجالالً له عن السب‪ ،‬فأنت مصيب محسن‪ ،‬وإن كان غ ير ذل ك فل ه ج واب آخ ر‪،‬‬
‫ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبون‪ ،‬فلم يسب معهم‪ ،‬وعج ز عن اإلنك ار‪ ،‬أو أنك ر‬
‫عليهم‪ ،‬فسأله هذا السؤال‪ ،‬قالوا‪ :‬ويحتمل تأويالً آخر أن معناه‪ :‬ما منع ك أن تخطئ ه‬
‫في رأيه واجتهاده‪ ،‬وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ) (‪)3‬‬
‫وق ال القرط بي‪( :‬وه ذا ليس بتص ريح بالس ب‪ ،‬وإنم ا ه و س ؤال عن س بب‬
‫امتناعه ليستخرج من عنده من ذلك‪ ،‬أو من نقيضه‪ ،‬كما ق د ظه ر من جواب ه‪ ،‬ولم ا‬
‫سمع ذلك معاوية سكت وأذعن‪ ،‬وعرف الحق لمستحقه) (‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]577 :‬عن سهل بن س عد ق ال‪ :‬اس تُعمل على المدين ة رج ل من آل‬
‫مروان قال‪ :‬فدعا سهل بن سعد فأمر أن يشتم عليا ً‪ ،‬فأبى سهل‪ ،‬فقال له‪ :‬أما إذا أبيت‬
‫‪ )(1‬الكامل في التاريخ (‪)69 /3‬‬
‫‪ )(2‬شرح نهج البالغة ‪.57 :4‬‬
‫‪ )(3‬شرح صحيح مسلم (‪)175 / 15‬‬
‫‪ )(4‬المفهم (‪)278 / 6‬‬
‫‪183‬‬
‫فقل‪ :‬لعن هللا أبا تراب‪ ،‬فقال سهل‪( :‬ما كان لعلي اسم أحب إلي ه من أبي ت راب‪ ،‬وإن‬
‫كان ليفرح به إذا ُد ِع َي بها‪ ،‬جاء رسول هللا ‪ ‬بيت فاطمة‪ ،‬فلم يجد عليّا َ في ال بيت‪،‬‬
‫فقال إلنسان‪ :‬انظر أين هو؟ فجاء فقال‪ :‬ي ا رس ول هللا ه و في المس جد راق د‪ ،‬فج اء‬
‫رسول هللا ‪ ‬وهو مضطجع‪ ،‬قد سقط رداؤه عن ِشقِّه فأصاب تراب‪ ،‬فجعل رسول‬
‫هللا ‪ ‬يمسحه عنه وهو يقول‪ :‬قم أبا تراب‪ ،‬قم أبا تراب) (‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]578 :‬كتبت أُ ّم سلمة إلى معاوي ة‪( :‬إنّكم تلعن ون هللا ورس وله على‬
‫منابركم‪ ،‬وذلك أنّكم تلعنون عل ّي بن أبي ط الب ومن أحبّ ه‪ ،‬وأن ا أش ه ُد َّ‬
‫أن هللا أحبّ ه‬
‫ورسوله)(‪)2‬‬
‫الفتنة الرابعة‪ :‬فتن وهن األمة وضعفها وارتدادها الكامل عن قيم دينها‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة ج دا‪ ،‬وتك اد تك ون مح ل اتف اق بين األم ة جميع ا‪ ،‬وهي‬
‫ناتجة عن الفتن السابقة‪ ،‬ذل ك أن األم ة بع د تركه ا لوص ايا نبيه ا ‪ ،‬وتش تتها في‬
‫دينها‪ ،‬وتوسع ذلك التشتت مع الزمن ليتحول إلى صراع وطائفي ة‪ ،‬يص يبها ال وهن‬
‫والفشل في جميع النواحي‪.‬‬
‫وقد رسمت األحاديث النبوية الكثير مما يحصل من فتن‪ ،‬بل ذكرت أس بابها‪،‬‬
‫وكيفية النجاة منها‪ ،‬حتى يتحصن بها كل من أراد أن يتمسك بحبل النبوة الممتد لكل‬
‫ف رد من أف راد األم ة‪ ،‬وفي ك ل األجي ال‪ ،‬وق د رأين ا أن ه يمكن تص نيف األح اديث‬
‫الواردة في هذا المجال إلى األصناف التالية‪:‬‬
‫أ ـ ما ورد في التحذير من تحريف الدين وتشويهه والبعد عنه‪:‬‬
‫وهي أح اديث كث يرة تش ير إلى أن م ا يحص ل لألم ة من فتن يع ود س ببه‬
‫للتحريفات والتشويهات التي قام بها األئمة المضللون لل دين ليتناس ب م ع األمزج ة‬
‫واألهواء‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحــديث‪ ]579 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬س يأتي على أم تي زم ان يك ثر في ه‬
‫القراء‪ ،‬ويقل الفقهاء‪ ،‬ويقبض العلم‪ ،‬ويكثر الهرج ثم يأتي من بع د ذل ك زم ان يق رأ‬
‫القرآن رجال من أمتي ال يجاوز تراقيهم‪ ،‬ثم يأتي من بعد ذلك زمان يجادل المن افق‬
‫الكافر المشرك باهلل المؤمن بمثل ما يقول)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪ ]580 :‬قال رس ول هللا ‪( :‬ي درس اإلس الم كم ا ي درس وش يء‬
‫الثوب‪ ،‬ح تى ال يعلم أح د ال ص الة وال ص يام وال نس ك‪ ،‬ح تى إن الرج ل والم رأة‬
‫ليقوالن‪ :‬قد كان من قبلنا‪ ،‬يقولون‪ :‬ال إله إال هللا؟)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]581 :‬قال رسول هللا ‪( :‬لتنتقضن عرى اإلس الم ع روة ع روة‬
‫فكلما انقضت عروة تشبثت بالتي تليها‪ ،‬فأولها نقضا الحكم وآخرها الصالة)(‪)5‬‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم (برقم ‪)2409‬‬


‫‪ )(2‬مسند أحمد ‪ .455 :7‬والمعجم الكبير ‪.323 :23‬‬
‫‪ )( 3‬رواه الطبراني في األوسط والحاكم وأبو نصر السجزي في اإلبانة‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/146‬‬
‫‪ )( 4‬رواه مسدد برجال ثقات وابن ماجة‪ ،‬والحاكم وصححه‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/161‬‬
‫‪ )( 5‬رواه أحمد والبخاري في تاريخه وأبو يعلى وابن حبان والطبراني في الكبير‪ ،‬وال بيهقي والح اكم في الس نن‬
‫‪184‬‬
‫[الحديث‪ ]582 :‬قال رسول هللا ‪( :‬لتنتقضن عرى اإلسالم عروة ع روة‪،‬‬
‫وليكونن أئمة مضلون‪ ،‬وليخرجن على أثر ذلك الدجالون الثالثة)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]583 :‬قال رسول هللا ‪( :‬كيف أنتم إذا مرج أمر الدين‪ ،‬وظهرت‬
‫الرغبة‪ ،‬واختلفت اإلخوان وحرق البيت العتيق)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]584 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ي ا أيه ا الن اس خ ذوا من العلم قب ل أن‬
‫يقبض العلم‪ ،‬وقبل أن يرفع العلم)‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬كيف يرفع العلم وهذا الق رآن‬
‫بين أظهرنا؟ فقال‪( :‬ثكلت ك أم ك‪ ،‬وه ذه اليه ود والنص ارى أو ليس ت بين أظه رهم‬
‫المصاحف لم يصبحوا يتعلقوا بالحرف مما جاءتهم به أنبي اؤهم أال وإن ذه اب العلم‬
‫أن تذهب حملته)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]585 :‬قال رس ول هللا ‪( :‬ي ا أيه ا الن اس‪ ،‬عليكم ب العلم قب ل أن‬
‫يقبض‪ ،‬وقبل أن يرفع‪ ،‬العالم والمتعلم شريكان في األجر وال خ ير في س ائر الن اس‬
‫بعد)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]586 :‬قال رسول هللا ‪( :‬إن هللا ال يقبض العلم انتزاع ا ينتزع ه‬
‫من العب اد‪ ،‬ولكن يقبض العلم بقبض العلم اء‪ ،‬ح تى إذا لم يب ق عالم ا‪ ،‬اتخ ذ الن اس‬
‫رؤوسا جهاال‪ ،‬فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]587 :‬قال رسول هللا ‪( :‬إن هللا ال يقبض العلم انتزاع ا ينتزع ه‬
‫من الناس ولكن يقبض العلماء‪ ،‬فإذا ذهب العلماء اتخذ الناس رؤوسا جه اال‪ ،‬ف أفتوا‬
‫بغير علم فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]588 :‬قال رسول هللا ‪( :‬سيكون في آخر أمتي ن اس يح دثونكم‬
‫بما لم تسمعوا أنتم وال آباؤكم فإياكم وإياهم)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]589 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ال تقوم الساعة حتى يطوف إبليس في‬
‫األسواق‪ ،‬ويقول حدثني فالن ابن فالن بكذا وكذا)(‪)8‬‬
‫[الحــديث‪ ]590 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ال تق وم الس اعة ح تى تقتت ل فئت ان‬
‫عظيمتان‪ ،‬يكون بينهما مقتله عظيمةٌ دعواهما واحدةٌ‪ ،‬وحتى يبعث دجالون ك ذابون‬
‫قريبٌ من ثالثين‪ ،‬كلهم يزعم أنه رسول هللا‪ ،‬وح تى يقبض العلم‪ ،‬وتك ثر ال زالزل‪،‬‬
‫ويتقارب الزمان‪ ،‬وتظهر الفتن‪ ،‬ويكثر الهرج‪ ،‬وهو القتل‪ ،‬وح تى يك ثر فيكم الم ال‬
‫فيفيض‪ ،‬حتى يهم رب المال من يقبل صدقته‪ ،‬وحتى يعرض ه فيق ول ال ذي ع رض‬
‫والشعب‪ ،‬والضياء‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/162‬‬
‫‪ )(1‬رواه الحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/161‬‬
‫‪ )(2‬رواه ابن أبي شيبة وأحمد وأحمد بن منيع بسند حسن‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/162‬‬
‫‪ )(3‬رواه أحمد والدارمي والطبراني في الكبير وأبو الشيخ في تفس يره‪ ،‬وابن مردوي ه‪ ،‬س بل اله دى والرش اد (‬
‫‪)10/127‬‬
‫‪ )(4‬رواه الطبراني في الكبير والخطيب‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/127‬‬
‫‪ )( 5‬رواه أحمد وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/127‬‬
‫‪ )(6‬رواه الطبراني في األوسط‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/127‬‬
‫‪ )(7‬رواه مسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/124‬‬
‫‪ )(8‬رواه ابن عدي والبيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/124‬‬
‫‪185‬‬
‫هو عليه‪ :‬ال أرب لي فيه‪ ،‬وحتى يتطاول الناس في البنيان‪ ،‬وحتى يمر الرج ل بق بر‬
‫الرجل فيقول‪ :‬يا ليتني مكانه‪ ،‬وحتى تطل ع الش مس من مغربه ا ف إذا طلعت ورآه ا‬
‫الناس آمنوا أجمعون‪ ،‬فذلك حين ال ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت‬
‫في إيمانها خيرا‪ ،‬فلتقومن الساعة وقد نشر الرجالن ثوبهما بينهم ا فال يتبايعان ه وال‬
‫يطويانه‪ ،‬ولتقومن الس اعة وق د انص رف الرج ل بلبن لقحت ه فال يطعم ه‪ ،‬ولتق ومن‬
‫الساعة وهو يليط حوضه فال يسقى فيه‪ ،‬ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى في ه فال‬
‫يطعمها)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]591 :‬قال رس ول هللا ‪( :‬اف ترقت اليه ود على إح دى وس بعين‬
‫فرق ة‪ ،‬واف ترقت النص ارى على اثن تين وس بعين فرق ة‪ ،‬وتف ترق أم تي على ثالث‬
‫وسبعين فرقة‪ ،‬الناجية منهم واحدة)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪ ]592 :‬قال رس ول هللا ‪( :‬س يأتي على أم تي م ا أتى على ب ني‬
‫إسرائيل مثال بمثل حذو النعل بالنعل‪ ،‬إن بني إس رائيل تفرق وا على ثن تين وس بعين‬
‫ملة‪ ،‬وستفرق أمتي على ثالث وسبعين ملة كلها في النار غير واحدة) قيل‪ :‬وما تلك‬
‫الواحدة؟ قال‪( :‬ما أنا عليه اليوم وأصحابي)(‪)3‬‬
‫والمقصود بأصحابه في الحديث أولئك الذين ح افظوا على هدي ه‪ ،‬ولم يب دلوا‬
‫ويغيروا‪ ،‬كما يشير إلى ذلك ح ديث الح وض‪ ،‬وال ذي ي ذكر في ه رس ول هللا ‪ ‬م ا‬
‫استحدثه بعض أصحابه‪ ،‬ويتبرأ منه‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]593 :‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬بينا نحن نقرأ‪ ،‬فينا العربي والعجمي‬
‫واألسود إذ خ رج علين ا رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬أنتم بخ ير تق رؤون كت اب هللا‪ ،‬وفيكم‬
‫رس ول هللا ‪ ،‬وس يأتي ق وم يثقفون ه كم ا يثقف ون الق دح يتعجل ون أج ورهم وال‬
‫يتأجلونها)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪ ]594 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬يظه ر ال دين ح تى يج اوز التج ار‪،‬‬
‫وتخاض البح ار بالخي ل في س بيل هللا‪ ،‬ح تى ي رد الكف ر إلى موطن ه‪ ،‬ولي أتين على‬
‫الناس زمان يتعلمون فيه القرآن يتعلمون ه ويقرأون ه‪ ،‬ثم يقول ون‪ :‬ق د قرأن ا الق رآن‪،‬‬
‫فمن أقرأ منا؟ ومن أفقه منا ومن أعلم من ا؟) ثم التفت إلى أص حابه‪ ،‬فق ال‪( :‬ه ل في‬
‫أولئك من خير؟) قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪( :‬أولئك منكم من هذه األمة‪ ،‬وأولئك هم وقود النار)‬
‫(‪)5‬‬
‫[الحــديث‪ ]595 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ثم ي أتي من بع دهم أق وام يق رأون‬
‫القرآن‪ ،‬يقولون‪ :‬قد قرأنا القرآن من أقرأ منا؟ أو من أفقه منا؟ أو من أعلم منا؟)(‪)6‬‬
‫[الحــديث‪ ]596 :‬عن ج ابر أن رس ول هللا ‪ ‬رأى قوم ا يق رأون الق رآن‪،‬‬
‫‪ )(1‬البخاري (‪ )7121‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم (‪ )157‬باختصار‪.‬‬
‫‪ )(2‬رواه أحمد واألربعة والحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/159‬‬
‫‪ )(3‬رواه الحاكم وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/159‬‬
‫‪ )(4‬رواه أحمد‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/131‬‬
‫‪ )(5‬رواه أبو يعلى والبزار والطبراني والبزار‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/131‬‬
‫‪ )(6‬رواه ابن أبي شيبة‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/131‬‬
‫‪186‬‬
‫يتأجلونه)(‪)1‬‬ ‫فقال‪( :‬اقرأوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه وال‬
‫[الحديث‪ ]597 :‬قال رسول هللا ‪( :‬س يخرج في آخ ر الزم ان ق وم ح دثاء‬
‫األسنان سفهاء األحالم يق رأون الق رآن ال يتج اوز ت راقيهم‪ ،‬يقول ون من ق ول خ ير‬
‫البرية يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية‪ ،‬فإذا رأيتموهم‪ ،‬ف اقتلوهم ف إن‬
‫قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة)(‪)2‬‬
‫وأمر رسول هللا ‪ ‬بقتالهم دليل على أنهم يمارسون العنف‪ ،‬وه و م ا تحق ق‬
‫في الواقع‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]598 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يخرج قوم من أم تي يق رؤون الق رآن‬
‫ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئا‪ ،‬وال ص التكم إلى ص التهم ش يئا وال ص يامكم إلى‬
‫ص يامهم ش يئا‪ ،‬يق رأون الق رآن يحس بون أن ه لهم وه و عليهم ال تج اوز ص التهم‬
‫تراقيهم‪ ،‬يمرقون من اإلسالم كما يمرق السهم من الرمية)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]599 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يرث هذا القرآن ق وم يش ربونه ش رب‬
‫اللبن‪ ،‬ال يجاوز تراقيهم)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]600 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يخ رج في آخ ر الزم ان ق وم يق رأون‬
‫القرآن ال يجاوز تراقيهم سيماهم التحليق إذا لقيتموهم فاقتلوهم)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]601 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يخرج في آخر الزم ان ق وم ك أن ه ذا‬
‫منهم يقرأون القرآن ال يجاوز حناجرهم‪ ،‬يمرقون من اإلسالم كما يم رق الس هم من‬
‫الرمية سيماهم التحليق ال يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم م ع المس يح ال دجال‬
‫فإذا لقيتموهم فاقتلوهم‪ ،‬هم شر الخلق والخليفة)(‪)6‬‬
‫وه و دلي ل على وج ود ه ذا الن وع من المت دينين في جمي ع األزمن ة‪ ،‬وليس‬
‫خاصا بالخوارج فقط كما يذكر من يؤول الحديث ليصرفه عن مصاديقه‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]602 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يخرج قوم أحداء أشداء ذليق ة ألس نتهم‬
‫بالقرآن يقرأونه ينثرونه نثر الدقل ال يجاوز تراقيهم فإذا رأيتموهم ف أتوهم ف اقتلوهم‬
‫فالمأجور من قتل هؤالء)(‪)7‬‬
‫[الحــديث‪ ]603 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬يخ رج ق وم من المش رق حلق ان‬
‫الرؤوس‪ ،‬يقرأون القرآن ال يجاوز حناجرهم‪ .‬طوبى لمن قتلوه‪ ،‬وطوبى لمن قتلهم)‬
‫(‪)8‬‬

‫‪ )(1‬رواه أحمد بن منيع‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/131‬‬


‫‪ )( 2‬رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وابن جرير وأبو داود الطيالسي وابن ماجه‪ ،‬س بل اله دى والرش اد (‬
‫‪)10/131‬‬
‫‪ )(3‬رواه مسلم وأبو داود وأبو عوانة‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/131‬‬
‫‪ )(4‬رواه أبو نصر السجزي في اإلبانة والديلمي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/132‬‬
‫‪ )(5‬رواه ابن ماجه‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/132‬‬
‫‪ )( 6‬رواه ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي والطبراني في الكبير والحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/132‬‬
‫‪ )( 7‬رواه أحمد والبخاري والطبراني في الكبير‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/132‬‬
‫‪ )(8‬رواه السجزي في اإلبانة والخطيب وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/132‬‬
‫‪187‬‬
‫[الحديث‪ ]604 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يخرج فيكم قوم تحقرون ص التكم م ع‬
‫صالتهم‪ ،‬وصيامكم م ع ص يامهم‪ ،‬وعلمكم م ع علمهم‪ ،‬ويق رأون الق رآن ال يج اوز‬
‫حناجرهم‪ ،‬يمرقون من ال دين كم ا يم رق الس هم من الرمي ة‪ ،‬ينظ ر في النص ل فال‬
‫ي رى ش يئا‪ ،‬وينظ ر في الق دح فال ي رى ش يئا‪ ،‬وينظ ر في ال ريش فال ي رى ش يئا‪،‬‬
‫ويتمارى في الفوق هل علق به من الدم شيء)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]605 :‬قال اإلمام علي ـ وهو حديث موقوف ل ه حكم المرف وع ـ‪:‬‬
‫(إذا رأيتم الرايات السود فالزموا األرض فال تحركوا أي ديكم وال أرجلكم‪ ،‬ثم يظه ر‬
‫قوم ضعفاء ال يؤبه لهم‪ ،‬قلوبهم كزبر الحديد‪ ،‬هم أصحاب الدولة‪ ،‬ال يفون بعهد وال‬
‫ميث اق‪ ،‬ي دعون إلى الح ق وليس وا من أهل ه‪ ،‬أس ماؤهم الك نى ونس بتهم الق رى‪،‬‬
‫وشعورهم مرخاة كشعور النساء‪ ،‬ح تى يختلف وا فيم ا بينهم‪ ،‬ثم ي ؤتي هللا الح ق من‬
‫يشاء)(‪)2‬‬
‫وه ذا الح ديث يص ف داعش‪ ،‬أو م ا يس مى بتنظيم الدول ة اإلس المية بدق ة‬
‫عالية(‪ ،)3‬فأول لفظة في الحديث وهي قوله‪( :‬ال يؤبه بهم)‪ :‬وهذا متحقق في الواقع‪،‬‬
‫اذ أنه لم يأبه بهم أحد إلى أن اجتاحوا نصف العراق‪ ،‬وهزموا المسلحين في سوريا‪.‬‬
‫أما قوله‪( :‬قلوبهم كزبر الحديد)‪ ،‬فهذا واقع‪ ،‬فقسوة قلوبهم محل إتفاق‪ ،‬ول ذلك‬
‫ارتفعوا عند المتطرفين ألنهم مرجعهم الفكري‪.‬‬
‫أما قول ه‪( :‬هم أص حاب الدول ة) فه ذا اللف ظ ه و الش فرة‪ ،‬وه و الس ر‪ ،‬وه و‬
‫المعجزة‪ ،‬فهذا متحقق بشكل ال يمكن ألحد أن يخترعه قبل ‪ 1200‬سنة‪.‬‬
‫أما قوله‪( :‬ال يفون بعهد وال ميثاق) وهذا أيضا ً متواتر عنهم‪ ،‬وقصص نكثهم‬
‫بالعهود وقتلهم الوسطاء والضيوف متواترة‪.‬‬
‫أما قوله‪( :‬يدعون إلى الحق وليس وا من أهل ه) وه ذا متحق ق أيض ا ً ـ ول ذلك‬
‫يغرون كثيراً من الناس‪ ،‬فيظن ونهم أه ل ح ق‪ ،‬والعلم بهم هش‪ ،‬ألن الن اس يتبع ون‬
‫أشباههم‪.‬‬
‫أم ا قول ه‪( :‬أس ماؤهم الك نى ونس بتهم الق رى)‪ ،‬فه و ص حيح حيث نج دهم‬
‫يسمون‪ :‬أبو فالن البغدادي‪ ،‬أو فالن الشيشاني‪ ،‬أبو فالن اللي بي‪ ،‬وه ذا متحق ق فيهم‬
‫كلهم‪ ،‬وليس مجرد نسبة نادرة‪.‬‬
‫ً‬
‫أما قوله‪( :‬وشعورهم مرخاة كشعور النس اء) وه ذه غريب ة ج دا‪ ،‬وه ذا ي دل‬
‫على أن الصحابة والت ابعين لم يكون وا هك ذا‪ ،‬وإنم ا ك ان ش عرهم متوس طا ً م رجالً‬
‫كأهل السراة‪.‬‬
‫هذه حوالي ثمان صفات مجتمعة فيهم ال تجتم ع في غ يرهم‪ ،‬ك ل من س واهم‬
‫على األقل ليست فيهم كلمة (هم أصحاب الدولة)‬
‫‪ )(1‬رواه البخاري ومسلم والنسائي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/132‬‬
‫‪ )(2‬رواه نعيم بن حماد في كتاب الفتن (ص ‪ ،)573‬وقد ذكر الشيخ حسن بن فرحان المالكي أن إس ناده حس ن ‪-‬‬
‫بالقرائن ‪ -‬السيما مع تصديق الواقع له‪ ،‬ثم هو أثر في المالحم وليس حديثا ً في التشريع‪ ،‬فاألثر صحيح إن شاء هللا‪.‬‬
‫‪ )(3‬انظر‪ :‬حديث علي بن أبي طالب في داعش‪ ،‬لحسن بن فرحان المالكي‪.‬‬
‫‪188‬‬
‫وهذا يدل على أن النبوءات ليست كلها باطلة كما يزعم البعض‪ ،‬وال يش ترط‬
‫فيها صحة الس ند م ادام ظه رت المص اديق على األرض واجتمعت به ذا الوض وح‬
‫الفج في داعش‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]606 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يأتي على الناس زمان يتعلمون القرآن‬
‫فيجمعون حروفه‪ ،‬ويضيعون حدوده‪ ،‬ويل لهم مما جمع وا ووي ل لهم مم ا ص نعوا‪،‬‬
‫إن أولى الناس بهذا القرآن من جمعه لم ير عليه أثره)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]607 :‬قال رسول هللا ‪( :‬س يكون بع دي من أم تي ق وم يق رأون‬
‫القرآن‪ ،‬ال يجاوز حالقيمهم‪ ،‬يخرجون من الدين كما يخ رج الس هم من الرمي ة ثم ال‬
‫يعودون فيه‪ ،‬هم شر الخلق والخليقة سيماهم التحليق)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]608 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ال تقوم الساعة حتى يتباهى الن اس في‬
‫المساجد)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]609 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ما أم رت بتش ييد المس اجد)‪ ،‬ق ال ابن‬
‫عباس‪ :‬لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى(‪.)4‬‬
‫[الحديث‪ ]610 :‬قال رسول هللا ‪( :‬أراكم ستشرفون مساجدكم بع دي كم ا‬
‫شرفت اليهود كنائسها وكما شرفت النصارى بيعها)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]611 :‬قال رسول هللا ‪( :‬سيكون في آخر أمتي أقوام يزخرف ون‬
‫مساجدهم ويخربون قلوبهم‪ ،‬يتقي أحدهم على ثوب ه م ا ال يتقي على دين ه‪ ،‬ال يب الي‬
‫أحدهم إذا سلمت له دنياه ما كان من أمر دينه)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]612 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬من ق رأ الق رآن فليس أل ب ه هللا‪ ،‬فإن ه‬
‫ستجيء أقوام يقرأون القرآن‪ ،‬ويسألون به الناس)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]613 :‬قال رسول هللا ‪( :‬اقرؤوا الق رآن‪ ،‬وس لوا هللا ب ه قب ل أن‬
‫يأتي قوم يقرأون القرآن فيسألون الناس به)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪ ]614 :‬قال رسول هللا ‪( :‬اقرأوا القرآن‪ ،‬وابتغوا ب ه هللا من قب ل‬
‫أن يأتي قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه وال يتأجلونه)(‪)9‬‬
‫[الحديث‪ ]615 :‬قال رسول هللا ‪( :‬اق رأوا الق رآن‪ ،‬واس ألوا هللا ب ه‪ ،‬فإن ه‬
‫سيقرؤه قوم يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه وال يتأجلونه)(‪)10‬‬
‫[الحديث‪ ]616 :‬قال رسول هللا ‪( :‬لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بش بر‬
‫‪ )(1‬رواه أبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/133‬‬
‫‪ )( 2‬رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/133‬‬
‫‪ )(3‬رواه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/133‬‬
‫‪ )(4‬رواه أبو داود‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/133‬‬
‫‪ )(5‬رواه ابن ماجه‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/133‬‬
‫‪ )(6‬رواه الحاكم في تاريخه‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/133‬‬
‫‪ )(7‬رواه أحمد وابن منده‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/133‬‬
‫‪ )(8‬رواه أحمد والطبراني في الكبير‪ ،‬والبيهقي في الشعب‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/133‬‬
‫‪ )( 9‬رواه أحمد وأبو داود وابن منيع والبيهقي في الشعب والضياء‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/135‬‬
‫‪ )(10‬رواه ابن أبي شيبة‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/135‬‬
‫‪189‬‬
‫وذراعا بذارع‪ ،‬حتى لو دخلوا جحر ض ب لتبعتم وهم)‪ ،‬فقلن ا ي ا رس ول هللا اليه ود‬
‫والنصارى؟ قال‪( :‬فمن هما)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]617 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ال يذهب الليل والنهار حتى تعبد الالت‬
‫والع زى)‪ ،‬قلت‪ :‬ي ا رس ول هللا! إن كنت ألظن حين أن زل هللا‪﴿ ،‬هُ َو الَّ ِذي أَرْ َس َل‬
‫ِّين ُكلِّ ِه َولَ وْ َك ِرهَ ْال ُم ْش ِر ُكونَ ﴾ [التوب ة‪:‬‬ ‫ق لِي ْ‬
‫ُظ ِه َرهُ َعلَى ال د ِ‬ ‫ين ْال َح ِّ‬
‫َرسُولَهُ بِ ْالهُدَى َو ِد ِ‬
‫‪ ]33‬أن ذلك ت ا ٌم‪ ،‬ق ال‪( :‬إن ه س يكون من ذل ك م ا ش اء هللا ثم يبعث هللا ريح ا طيب ة‬
‫فيتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان‪ ،‬فيبقى من ال خ ير في ه‪،‬‬
‫فيرجعون إلى دين آبائهم)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]618 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ال تقوم الس اعة ح تى يلح ق قبائ ل من‬
‫أمتي بالمشركين‪ ،‬وحتى يعبدوا األوثان)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪ ]619 :‬قال رس ول هللا ‪( :‬من اق تراب الس اعة أن ي رى الهالل‬
‫قبال‪ ،‬فيقال للثالثين‪ ،‬وأن تتخذ المساجد طرقا‪ ،‬وأن يظهر موت الفجأة)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]620 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يدرس اإلسالم كما يدرس وشي الثوب‬
‫ك وال ص دقةٌ‪ ،‬وليس رى على كت اب هللا‬ ‫حتى ال يدرى م ا ص يا ٌم وال ص الةٌ وال نس ٌ‬
‫تعالى في ليلة فال يبقى في األرض منه آيةٌ‪ ،‬وتبقى طوائف من الناس الش يخ الكب ير‬
‫والعجوز‪ ،‬يقولون‪ :‬أدركنا آباءنا على هذه الكلمة‪ ،‬ال إله إال هللا‪ ،‬فنحن نقولها)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]621 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يكون أمام الدجال سنون خوادع‪ ،‬يكثر‬
‫فيها المطر ويقل النبت‪ ،‬ويكذب فيها الصادق ويص دق فيه ا الك اذب‪ ،‬وي ؤتمن فيه ا‬
‫الخ ائن ويخ ون فيه ا األمين‪ ،‬وينط ق فيه ا الرويبض ة)‪ ،‬قي ل‪ :‬ي ا رس ول هللا! وم ا‬
‫الرويبضة؟ قال‪( :‬من ال يؤبه له)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]622 :‬قال رسول هللا ‪( :‬إن من أشراط الس اعة أن يت دافع أه ل‬
‫المسجد فال يجدون إماما يصلي بهم‪ ،‬وهللا تعالى الموفق للصواب)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]623 :‬وهو يش ير إلى التغي ير ال ذي يحص ل في قس مة الف رائض‬
‫والمواريث‪ ،‬ونص الحديث هو قوله ‪( :‬تعلم وا الف رائض وعلموه ا الن اس‪ ،‬فإن ه‬
‫نصف العلم‪ ،‬وإنه ينسى‪ ،‬وهو أول شيء ينزع من أمتي)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪ ]624 :‬قال رسول هللا ‪( :‬تعلموا الفرائض‪ ،‬وعلموا الناس‪ ،‬فإني‬
‫امرؤ مقبوض‪ ،‬وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة‪ ،‬فال‬

‫‪ )(1‬البخاري (‪ )4356‬ومسلم (‪)2669‬‬


‫‪ )(2‬مسلم (‪)2907‬‬
‫‪ )(3‬رواه مسلم والترمذي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/95‬‬
‫‪ )(4‬الطبراني في األوسط (‪ )9376‬والصغير (‪)2/129/1132‬‬
‫‪ )(5‬ابن ماجة (‪ )4049‬وقال األلباني‪ :‬صحيح (‪)3273‬‬
‫‪ )(6‬الطبراني (‪ )68 ،18/67‬وقال الهيثمي (‪)7/330‬‬
‫‪ )(7‬رواه أحمد وأبو داود والبيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/157‬‬
‫‪ )( 8‬رواه ابن ماجه والدارقطني والحاكم والشيرازي في األلقاب والبيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/126‬‬
‫‪190‬‬
‫بينهما)(‪)1‬‬
‫يجدان من يفصل‬
‫ب ـ ما ورد في التحذير من االنحراف السياسي‪:‬‬
‫وهي أحاديث كث يرة تح ذر من العلماني ة ال تي تح ول إليه ا النظ ام السياس ي‬
‫اإلسالمي بسبب إبعاد أحكام ال دين وقيم ه عن الحكم‪ ،‬وذل ك بس بب ت وهم أن الحكم‬
‫من ال دنيا وليس من ال دين‪ ،‬ول ذلك لم يراع وا في اختي ارهم لل والة دينهم وتق واهم‬
‫وفقههم‪ ،‬وه و م ا تس بب في ذل ك االنفص ال الح اد بين القيم اإلس المية والنظ ام‬
‫السياس ي في العص ر األول‪ ،‬بع د أن تح ول إلى ملكي ة ودكتاتوري ة ال تختل ف عن‬
‫غيره ا من الملكي ات وال دكتاتوريات ال تي ج اء اإلس الم لمحاربته ا وتخليص‬
‫المستضعفين منها‪.‬‬
‫واألحاديث الواردة في هذا المجال ت دعو إلى اس تعمال أس لوبين في التعام ل‬
‫مع هؤالء الظلمة المنحرفين عن عدالة اإلسالم‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬المواجهة‪ ،‬والتي تكون عند تحقق القدرة وتوفر الش وكة ال تي تس مح‬
‫بذلك‪ ،‬مثلما كان عليه حال المسلمين في المدينة المنورة‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬ممارسة التقية‪ ،‬وعدم المواجهة‪ ،‬حرصا على خدم ة القيم اإلس المية‬
‫في الجوانب األخرى‪ ،‬مثلما كان عليه حال المسلمين في مكة المكرمة‪.‬‬
‫ولذلك ال نرى تعارضا بين األحاديث الواردة في هذا الباب‪ ،‬وقد ذكرنا أنه ال‬
‫يجوز طرح أي حديث ما دام من الممكن الجمع بينه وبين غيره‪.‬‬
‫ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]625 :‬قال رسول هللا ‪( :‬خذوا العطاء ما دام عطاء‪ ،‬فإذا ص ار‬
‫رشوة على الدين فال تأخ ذوه ولس تم بتاركي ه‪ ،‬يمنعكم من ذل ك المخاف ة والفق ر‪ ،‬أال‬
‫وإن رحى اإليمان دائرة‪ ،‬وإن رحى اإلسالم دائرة‪ ،‬فدوروا مع الكتاب حيث ي دور‪،‬‬
‫أال وإن السلطان والكت اب س يفترقان أال فال تف ارقوا الكت اب‪ ،‬أال إن ه س يكون عليكم‬
‫أم راء إن أطعتم وهم أض لوكم‪ ،‬وإن عص يتموهم قتل وكم)‪ ،‬ق الوا‪ :‬فكي ف نص نع ي ا‬
‫رسول هللا؟ قال‪( :‬كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم حملوا على الخش ب ونش روا‬
‫بالمناشير‪ ،‬موت في طاعة هللا‪ ،‬خير من حياة في معصية هللا)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]626 :‬عن أبي سعيد قال‪ :‬خطبنا رسول هللا ‪ ‬فق ال في خطبت ه‪:‬‬
‫(أال إني أوش ك أن أدعى ف أجيب‪ ،‬فيليكم عم ال من بع دي يعمل ون بم ا تعمل ون‬
‫ويعملون ما تعرفون‪ ،‬وطاعة أولئك طاعة‪ ،‬فتلبثون كذلك زمانا‪ ،‬ثم فيليكم عمال من‬
‫بع دهم يعمل ون بم ا ال تعمل ون‪ ،‬ويعمل ون بم ا ال تعرف ون فمن ق ادهم‪ ،‬وناص حهم‪،‬‬
‫فأولئك قد هلكوا وأهلكوا خ الطوهم بأجس ادكم‪ ،‬وذايل وهم بأعم الكم‪ ،‬واش هدوا على‬
‫المحسن أنه محسن وعلى المسيء أنه مسيء)(‪)3‬‬

‫‪ )( 1‬رواه أحمد والترمذي والنسائي والبيهقي والحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/127‬‬
‫‪ )(2‬رواه أحمد بن منيع وإسحاق‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/136‬‬
‫‪ )(3‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/137‬‬
‫‪191‬‬
‫الوالة؟)(‪)1‬‬ ‫[الحديث‪ ]627 :‬قال رسول هللا ‪( :‬كيف أنتم إذا جاءت عليكم‬
‫[الحديث‪ ]628 :‬قال رس ول هللا ‪( :‬س تكون بع دي أئم ة يعط ون الحكم ة‬
‫على منابرهم‪ ،‬فإذا نزلوا نزعت منهم‪ ،‬وأجسادهم شر من الجيف)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪ ]629 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬س يكون عليكم أم راء من بع دي‪،‬‬
‫يأمرونكم بما تعرفون‪ ،‬ويعملون بما تنكرون‪ ،‬فليس أولئك عليكم بأئمة)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]630 :‬قال رسول هللا ‪( :‬إال إن ه س يكون عليكم أم راء يقض ون‬
‫ألنفس هم م ا ال يقض ون لكم‪ ،‬ف إذا عص يتموهم قتل وكم‪ ،‬وإن أطعتم وهم أض لوكم)‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬كيف نصنع؟ قال‪( :‬كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم نش روا‬
‫بالمناشير وحملوا على الخشب‪ ،‬موت في طاعة‪ ،‬خير من حياة في معصية هللا)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]631 :‬عن عبادة بن الص امت ق ال‪ :‬ذك ر رس ول هللا ‪ ‬األم راء‬
‫فقال‪( :‬يكون عليكم أمراء إن أطعتموهم أدخل وكم الن ار‪ ،‬وإن عص يتموهم قتل وكم)‪،‬‬
‫فقال رجل منهم‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬س مهم لن ا‪ ،‬لعلن ا نحث وا في وج وههم ال تراب‪ ،‬فق ال‬
‫رسول هللا ‪( :‬لعلهم يحثون في وجهك ويفقئون عينيك)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]632 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ثالثون نبوة‪ ،‬وثالث ون ملك ا وجبروت ا‬
‫وما وراء ذلك ال خير فيه)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]633 :‬عن كعب بن عجرة قال‪ :‬خ رج علين ا رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪:‬‬
‫(إنه ا س تكون عليكم أم راء من بع دي يعظ ون بالحكم ة على من ابر‪ ،‬ف إذا نزل وا‬
‫اختلست منهم‪ ،‬وقلوبهم أنتن من الجيف)(‪)7‬‬
‫[الحـــديث‪ ]634 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬إنم ا أخ اف على أم تي األئم ة‬
‫المضلون)(‪)8‬‬
‫[الحــديث‪ ]635 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬إني ال أخ اف على أم تي إال األئم ة‬
‫المضلين‪ ،‬وإذا وضع السيف في أمتي ال يرفع عنهم إلى يوم القيامة)(‪)9‬‬
‫[الحديث‪ ]636 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يكون في آخ ر الزم ان أم راء ظلم ة‪،‬‬
‫ووزراء فسقة‪ ،‬وقضاة خونة‪ ،‬وفقهاء كذب ة‪ ،‬فمن أدرك ذل ك الزم ان فال يك ونن لهم‬
‫جابيا‪ ،‬وال عريفا وال شرطيا)(‪)10‬‬
‫[الحديث‪ ]637 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ال تقوم الس اعة ح تى يبعث هللا أم راء‬
‫كذبة ووزراء فجرة‪ ،‬وأمناء خونة‪ ،‬وقراء فسقة‪ ،‬سمتهم سمت الرهب ان فيلبس هم هللا‬
‫‪ )(1‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/137‬‬
‫‪ )(2‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/137‬‬
‫‪ )(3‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/83‬‬
‫‪ )(4‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/137‬‬
‫‪ )(5‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/137‬‬
‫‪ )(6‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/137‬‬
‫‪ )(7‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/137‬‬
‫‪ )(8‬رواه أحمد‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/137‬‬
‫‪ )(9‬رواه أحمد‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/138‬‬
‫‪ )(10‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/138‬‬
‫‪192‬‬
‫الظلم)(‪)1‬‬
‫فتنة غبراء مظلمة يتهوكون فيها تهوك اليهود في‬
‫[الح ــديث‪ ]638 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬يك ون عليكم أم راء هم ش ر من‬
‫المجوس)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]639 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يخرج رج ال من ه ذه األم ة في آخ ر‬
‫الزمان معهم سياط كأذناب البقر‪ ،‬يغدون في سخط هللا ويروحون في غضبه)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]640 :‬قال رسول هللا ‪( :‬إن طالت بك حياة يوشك أن ترى قوما‬
‫يغدون في سخط هللا ويروحون في لعنة هللا‪ ،‬بأيديهم مثل أذناب البقر)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪ ]641 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬س يكون أم راء ال ي رد عليهم ق ولهم‬
‫يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة‪ ،‬يتبع بعضهم بعضا)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]642 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ليأتين على الن اس زم ان يك ون عليهم‬
‫أمراء سفهاء‪ ،‬يقدمون شرار الن اس‪ ،‬ويظه رون بخي ارهم‪ ،‬وي ؤخرون الص الة عن‬
‫مواقيتها‪ ،‬فمن أدرك ذلك منكم‪ ،‬فال يكونن عريفا وال ش رطيا وال جابي ا وال خازن ا)‬
‫(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]643 :‬قال رس ول هللا ‪( :‬تع وذوا باهلل من رأس الس بعين‪ ،‬ومن‬
‫إمارة الصبيان)‪ ،‬وقال‪( :‬ال تذهب الدنيا حتى تصير للكع بن لكع)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]644 :‬قال رسول هللا ‪( :‬اسمعوا‪ ،‬إنه سيكون عليكم أم راء‪ ،‬فال‬
‫تعينوهم على ظلمهم‪ ،‬وال تصدقوهم بكذبهم‪ ،‬فإن ه من أع انهم على ظلمهم وص دقهم‬
‫بكذبهم‪ ،‬فلن يرد علي الحوض)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪ ]645 :‬قال رسول هللا ‪( :‬اسمعوا‪ ،‬هل سمعتم أنه سيكون بع دي‬
‫أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم‪ ،‬وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه‪،‬‬
‫وليس بوارد علي الحوض‪ ،‬ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم‬
‫بكذبهم‪ ،‬فهو مني وأنا منه‪ ،‬وهو وارد على الحوض)(‪)9‬‬
‫[الحـــديث‪ ]646 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬س تفتح عليكم مش ارق األرض‬
‫ومغاربها أال وعمالها في النار إال من اتقى هللا وأدى األمانة)(‪)10‬‬
‫ج ـ ما ورد في التحذير من تمزق األمة وهوانها‪:‬‬
‫وهي أحاديث تشير إلى أن من عقوبات هللا تعالى لهذه األم ة نتيج ة تفرطيه ا‬
‫في هدي ربها‪ ،‬ووص ايا نبيه ا الفرق ة ال تي تحص ل بينه ا‪ ،‬وال تي تجعله ا ض عيفة‪،‬‬
‫‪ )(1‬رواه البزار‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/138‬‬
‫‪ )(2‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/138‬‬
‫‪ )(3‬رواه أحمد والطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/138‬‬
‫‪ )(4‬رواه البزار‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/138‬‬
‫‪ )(5‬رواه أبو يعلى‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/138‬‬
‫‪ )(6‬رواه أبو يعلى وابن حبان‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/138‬‬
‫‪ )(7‬رواه أحمد بن منيع وابن أبي شيبة‪ ،‬وأبو يعلى‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/138‬‬
‫‪ )( 8‬رواه أحمد وابن حبان وأبو يعلى والطبراني في الكبير والضياء‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/139‬‬
‫‪ )( 9‬رواه الترمذي وقال‪ :‬صحيح غريب وابن حبان والنسائي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/139‬‬
‫‪ )(10‬رواه الحسن‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/164‬‬
‫‪193‬‬
‫ولقمة سائغة ألعدائها ينهشونها‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحــديث‪ ]647 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬يوش ك أن ت داعى عليكم األمم كم ا‬
‫تداعى األكلة إلى قصعتها) قيل‪ :‬من قلة؟ قال‪( :‬ال‪ ،‬ولكنكم غثاء كغثاء السيل‪ ،‬يجعل‬
‫الوهن في قلوبكم‪ ،‬وينزع الرعب من قلوب عدوكم بحبكم الدنيا وكراهيتكم الم وت)‬
‫(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]648 :‬قال رسول هللا ‪( :‬إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون‬
‫في جزيرة العرب‪ ،‬ولكن في التحريش بينهم)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]649 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يكون بعدي ق وم يأخ ذون المل ك يقت ل‬
‫عليه بعضهم بعضا)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪ ]650 :‬قال رس ول هللا ‪( :‬س ألت ربي أربع ا‪ ،‬فأعط اني ثالث ا‪،‬‬
‫ومنعني واحدة‪ ،‬سألته أال يجمع أمتي على ض اللة فأعطانيه ا‪ ،‬وس ألته أن ال يهلكهم‬
‫بالسنين كما أهلكت األمم قبلهم فأعطانيها‪ ،‬وسألته أن ال يلبسهم شيعا ويذيق بعضهم‬
‫بأس بعض فمنعنيها)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪ ]651 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬س ألت ربي ثالث ا فأعط اني اثن تين‬
‫ومنعني واحدة‪ ،‬سألته أن ال يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها‪ ،‬وس ألته أن ال يهل ك أم تي‬
‫بالغرق فأعطانيها‪ ،‬وسألته أال يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]652 :‬وهو يشير إلى ما يفعله األتراك بالمسلمين‪ ،‬وهو م ا تحق ق‬
‫في الكثير من الفترات التاريخية(‪ ،)6‬وربما يش ير إلى أح داث الحق ة في المس تقبل‪،‬‬
‫ونص الح ديث ه و قول ه ‪( :‬يجيء ق وم ص غار العي ون‪ ،‬ع راض الوج وه ك أن‬
‫وجوههم الحجف‪ ،‬فيلحقون أهل اإلسالم بمنابت الشيح كأني أنظر إليهم‪ ،‬وقد ربطوا‬
‫خيولهم بسواري المسجد)‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬من هم؟ قال‪( :‬الترك)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]653 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ال تقوم الساعة ح تى يقات ل المس لمون‬
‫الترك‪ ،‬صغار األعين‪ ،‬حمر الوجوه‪ ،‬ذلف األنوف‪ ،‬كأن وجوههم المجان المطرقة)‬
‫وفي لفظ‪( :‬قوما وجوههم كالمجان المطرقة‪ ،‬يلبسون الشعر‪ ،‬ويمشون في الش عر)‪،‬‬
‫وفي لفظ‪( :‬ال تقوم الس اعة ح تى تق اتلوا قوم ا نع الهم الش عر‪ ،‬ولي أتين على أح دكم‬
‫زمان ألن يراني أحب إليه من أن يكون له مثل أهله‪ ،‬وماله)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪ ]654 :‬قال رسول هللا ‪( :‬إن أمتي يسوقها قوم ع راض الوج وه‬
‫‪ )(1‬رواه الطيالسي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/162‬‬
‫‪ )(2‬رواه مسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/97‬‬
‫‪ )( 3‬رواه ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير رواه أبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/94‬‬
‫‪ )(4‬رواه أحمد والطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/160‬‬
‫‪ )( 5‬رواه ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وابن خذيمة وابن حبان‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/161‬‬
‫‪ )( 6‬أشرنا إلى الكثير من التفاصيل التاريخية المرتبطة بذلك في مقال بعنوان‪ :‬أيهم ا أك ثر جرم ا‪ :‬العثم انيون أم‬
‫الصفويون؟‪ ،‬من كتاب‪ :‬صفحات من أسفار المجد المزيف (ص‪)193 :‬‬
‫‪ )(7‬رواه الحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/93‬‬
‫‪ )(8‬رواه ابن أبي شيبة والبخ اري ومس لم وأب و داود والترم ذي وابن ماج ه والنس ائي‪ ،‬س بل اله دى والرش اد (‬
‫‪)10/93‬‬
‫‪194‬‬
‫صغار األعين‪ ،‬حتى كأن وج وههم الحج ف ثالث م رات‪ ،‬ح تى يلحق وهم بجزي رة‬
‫العرب‪ ،‬أما السابقة األولى فينجو من هرب منهم‪ ،‬وأما الثاني ة فينج و بعض ويهل ك‬
‫بعض‪ ،‬وأما الثالثة فيصطلمون من بقي منهم)‪ ،‬ق الوا‪ :‬ي ا رس ول هللا‪ ،‬من هم؟ ق ال‪:‬‬
‫(الترك والذي نفسي بيده ليربطن خيولهم إلى جنب سواري المسلمين)(‪)1‬‬
‫[الحــديث‪ ]655 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬لتظه رن ال ترك على الع رب ح تى‬
‫تلحقها بمنابت الشيح والقيصوم)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]656 :‬قال رسول هللا ‪( :‬اتركوا الترك ما تركوكم‪ ،‬فإن أول من‬
‫يسلب أمتي ملكهم وما خولهم هللا بنو قنطوراء)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪ ]657 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ك أني ب الترك ق د أتتكم على ب راذين‬
‫محدمة اآلذان حتى تربطها بشط الفرات)(‪)4‬‬
‫د ـ ما ورد في التحذير من التثاقل إلى الدنيا‪:‬‬
‫وهي أح اديث كث يرة تش ير إلى أن م ا يحص ل لألم ة من فتن ه و بس بب‬
‫انغماسها في الترف واألهواء‪ ،‬كما قال تعالى مخبرا عما وقع في أتب اع األنبي اء من‬
‫َاب يَأْ ُخ ُذونَ‬ ‫ف َو ِرثُوا ْال ِكت َ‬ ‫ذلك بسبب هجرهم لوصايا أنبيائهم‪﴿ :‬فَخَ لَفَ ِم ْن بَ ْع ِد ِه ْم خَ ْل ٌ‬
‫ض هَ َذا اأْل َ ْدنَى َويَقُولُ ونَ َس يُ ْغفَ ُر لَنَ ا َوإِ ْن يَ أْتِ ِه ْم َع َرضٌ ِم ْثلُ هُ يَأ ُخ ُذوهُ أَلَ ْم ي ُْؤخَ ْذ‬
‫ْ‬ ‫ع ََر َ‬
‫ق َود ََر ُس وا َم ا فِي ِه َوال َّدا ُر اآْل ِخ َرةُ‬ ‫ب أَ ْن اَل يَقُولُوا َعلَى هَّللا ِ إِاَّل ْال َح َّ‬
‫ق ْال ِكتَا ِ‬
‫َعلَ ْي ِه ْم ِميثَا ُ‬
‫خَ ْي ٌر لِلَّ ِذينَ يَتَّقُونَ أَفَاَل تَ ْعقِلُونَ ﴾ [األعراف‪]169 :‬‬
‫ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحــديث‪ ]658 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬يوش ك األمم أن ت داعى عليكم كم ا‬
‫تداعى األكلة إلى قصعتها)‪ ،‬فقال قائ لٌ‪ :‬من قل ة نحن يومئ ذ؟ فق ال‪( :‬ب ل أنتم يومئ ذ‬
‫كثيرون‪ ،‬ولكنكم غثا ٌء كغثاء السيل‪ ،‬ولينزعن هللا من صدور ع دوكم المهاب ة منكم‪،‬‬
‫وليقذفن في قلوبكم الوهن)‪ ،‬قيل وما الوهن يا رسول هللا؟ قال‪( :‬حب الدنيا وكراهية‬
‫الموت)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]659 :‬قال رسول هللا ‪( :‬إن بين ي دي الس اعة فتن ا كقط ع اللي ل‬
‫المظلم‪ ،‬فتنا كقطع الدخان‪ ،‬يموت فيها قلب الرجل المؤمن كم ا يم وت بدن ه يص بح‬
‫الرجل مؤمنا‪ ،‬ويمسي كافرا‪ ،‬ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ي بيع فيه ا ق وم أخالقهم‪،‬‬
‫ودينهم بعرض من الدنيا قليل)(‪)6‬‬
‫[الحــديث‪ ]660 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ال ت ذهب اللي الي واألي ام ح تى يق وم‬
‫القائم‪ ،‬فيقول‪ :‬من يبيعنا دينه بكف من دراهم؟)(‪)7‬‬

‫‪ )(1‬رواه أحمد والبزار والحاكم بسند صحيح‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/93‬‬
‫‪ )(2‬رواه أبو يعلى‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/93‬‬
‫‪ )(3‬رواه الطبراني وأبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/93‬‬
‫‪ )(4‬رواه الطبراني والحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/93‬‬
‫‪ )(5‬أبو داود (‪ )4297‬وقال األلباني‪ :‬صحيح (‪)3610‬‬
‫‪ )(6‬رواه ابن أبي شيبة وأحمد‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/145‬‬
‫‪ )(7‬رواه أبو يعلى‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/145‬‬
‫‪195‬‬
‫[الحديث‪ ]661 :‬قال رسول هللا ‪( :‬أصابتكم فتن ة الض راء فص برتم‪ ،‬وإن‬
‫أخوف ما أخاف عليكم فتنة السراء من قبل النساء إذا تسورن ال ذهب‪ ،‬ولبس ن ري ط‬
‫الشام‪ ،‬وعصب اليمن وأتعبن الغني وكلفن الفقير ما ال يجد)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]662 :‬قال رسول هللا ‪( :‬إذا مشت أم تي المطيط اء(‪ )2‬وخ دمتها‬
‫أبناء الملوك وفارس والروم‪ ،‬سلط شرارها على خيارها)(‪)3‬‬
‫[الحـــديث‪ ]663 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬إن ال دنيا خض رة حل وة‪ ،‬وإن هللا‬
‫مستخلفكم فيها‪ ،‬لينظر كيف تعملون‪ ،‬فاتقوا الدنيا واتق وا النس اء ف إن أول فتن ة ب ني‬
‫إسرائيل كانت في النساء)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪ ]664 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬وهللا‪ ،‬م ا أخش ى عليكم الفق ر‪ ،‬ولكن‬
‫أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا‪ ،‬كما بس طت على من ك ان قبلكم‪ ،‬فتنافس وا كم ا‬
‫تنافسوا وتلهيكم كما ألهتهم)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]665 :‬قال رسول هللا ‪( :‬هل لكم من أنماط؟) قلنا‪ :‬يا رسول هللا‪،‬‬
‫وأنى لنا أنماط؟ قال‪( :‬إنها ستكون لكم أنماط‪ ،‬فأن ا أق ول الي وم الم رأتي نحي ع ني‬
‫أنماطك‪ ،‬فتقول‪ :‬ألم يقل رسول هللا ‪ ‬إنها ستكون لكم أنماط بعدي)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]666 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬عس ى أن ت دركوا زمان ا ح تى يغ دى‬
‫على أحدكم بجفنة‪ ،‬ويراح عليه بأخرى‪ ،‬وتلبس ون أمث ال أس تار الكعب ة)‪ ،‬ق الوا‪ :‬ي ا‬
‫رس ول هللا‪ ،‬أنحن الي وم خ ير أم ذاك الي وم؟ ق ال‪(:‬ب ل أنتم الي وم خ ير‪ ،‬أنتم الي وم‬
‫متحابون‪ ،‬وأنتم يومئذ متباغضون‪ ،‬يضرب بعضكم رقاب بعض)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]667 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ستفتح مشارق األرض ومغاربه ا على‬
‫أمتي أال وعمالها في النار‪ ،‬إال من اتقى هللا‪ ،‬وأدى األمانة)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪ ]668 :‬قال رسول هللا ‪( :‬لعلكم ستفتحون بع دي م دائن عظام ا‪،‬‬
‫وتتخذون في أسواقها مجالس‪ ،‬فإذا كان ذلك فردوا السالم‪ ،‬وغض وا من أبص اركم‪،‬‬
‫وأهدوا األعمى‪ ،‬وأعينوا المظلوم)(‪)9‬‬
‫[الحديث‪ ]669 :‬قال رسول هللا ‪( :‬إنكم ستدركون زمان ا من أدرك ه منكم‬
‫يلبسون فيه مثل أستار الكعبة‪ ،‬ويغدى ويراح عليه بالجفان)(‪)10‬‬
‫[الحديث‪ ]670 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يظهر معدن في أرض بني سليم‪ ،‬يق ال‬
‫‪ )(1‬رواه الخطيب‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/164‬‬
‫‪ )(2‬المطيطاء‪ :‬مشية فيها تبختر ومد اليدين‪.‬‬
‫‪ )(3‬الترمذي (‪)2261‬‬
‫‪)(4‬رواه مسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/71‬‬
‫‪)(5‬رواه البخاري ومسلم‪ ،،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/71‬‬
‫رواه البخاري ومسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/71‬‬
‫‪ )(6‬رواه البخاري ومسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/71‬‬
‫‪ )(7‬رواه اإلمام أحمد‪ ،‬والحاكم وصححه‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/71‬‬
‫‪ )(8‬رواه أبو نعيم في الحلية‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/71‬‬
‫‪ )(9‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/72‬‬
‫‪ )(10‬رواه البغوي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/72‬‬
‫‪196‬‬
‫له‪ :‬فرعون أو فرعون وذلك بلسان أبي الجهم قريب من الس واء يخ رج إلي ه ش رار‬
‫الناس‪ ،‬أو يحشر إليه شرار الناس)(‪)1‬‬
‫[الحــديث‪ ]671 :‬عن ابن عم ر ق ال‪ :‬أتى رس ول هللا ‪ ‬بقطع ة من ذهب‬
‫كانت أول صدقة جاءته من معدن لنا‪ ،‬فقال‪( :‬إنها ستكون معادن وسيكون فيه ا ش ر‬
‫الخلق)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]672 :‬عن رافع بن خديج عن رجل من بني سليم عن جده أنه أتى‬
‫رس ول هللا ‪ ‬بفض ة‪ ،‬فق ال‪ :‬من مع دن لن ا؟ فق ال الن بي ‪( :‬إن ه س يكون مع ادن‬
‫يحضرها شرار الناس)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]673 :‬قال رسول هللا ‪( :‬إنها س تفتح عليكم ال دنيا ح تى تتخ ذوا‬
‫بي وتكم كم ا نتخ ذ الكعب ة‪ )،‬قلن ا‪ :‬ونحن على دينن ا الي وم؟ ق ال‪( :‬وأنتم على دينكم‬
‫اليوم)‪ ،‬قلنا فنحن يومئذ خير أم ذلك اليوم؟ قال‪( :‬بل أنتم اليوم خير)(‪)4‬‬
‫هـ ـ ما ورد في التحذير من االنحرافات االجتماعية‪:‬‬
‫وهي أح اديث كث يرة تش ير إلى أن من مظ اهر االبتع اد عن دين هللا وهج ر‬
‫وصايا رس ول هللا ‪ ‬الوق وع في االنحراف ات االجتماعي ة ال تي وقعت فيه ا س ائر‬
‫األمم نتيجة بعدها عن دينها‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحـــديث‪ ]674 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬إن من أش راط الس اعة الفحش‬
‫والتفحش‪ ،‬وس وء الج وار‪ ،‬وقط ع األرح ام‪ ،‬وأن ي ؤتمن الخ ائن‪ ،‬ويخ ون األمين‪،‬‬
‫كمثل القطعة الذهب الجيدة أوقد عليها‪ ،‬فخلصت ووزنت فلم تنقص‪ ،‬ومث ل الم ؤمن‬
‫كمثل النحلة أكلت طيبا ووض عت طيب ا‪ ،‬أال إن أفض ل الش هداء المقس طون‪ ،‬أال إن‬
‫أفض ل المه اجرين من هج ر م ا ح رم هللا علي ه‪ ،‬إال أن أفض ل المس لمين من س لم‬
‫المسلمون من لسانه ويده‪ ،‬أال إن حوضي طوله كعرضه أبيض من اللبن وأحلى من‬
‫العسل آنيته عدد النجوم من أقداح ال ذهب والفض ة‪ ،‬من ش رب من ه ش ربة لم يظم أ‬
‫آخر ما عليها أبدا)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]645 :‬قال رسول هللا ‪( :‬إن من أش راط الس اعة أن يرف ع العلم‬
‫ويثبت الجهل‪ ،‬ويفشو الزن ا‪ ،‬ويش رب الخم ر‪ ،‬ويق ل الرج ال‪ ،‬وتك ثر النس اء ح تى‬
‫يكون لخمسين امرأة قيم واحد)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]646 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يتقارب الزم ان‪ ،‬وينقص العلم‪ ،‬ويلقى‬
‫الشح‪ ،‬وتظهر الفتن‪ ،‬ويكثر الهرج)‪ ،‬قيل‪ :‬يا رس ول هللا‪ ،‬إن ا لنقت ل في الع ام األل ف‬
‫واأللفين من المشركين؟ قال‪( :‬ال أعني ذلك‪ ،‬ولكن يقتل بعض كم بعض ا)‪ ،‬ق الوا‪ :‬ي ا‬
‫‪ )(1‬رواه أبو يعلى‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/125‬‬
‫‪ )(2‬رواه الطبراني برجال الصحيح رواه أبو يعلى‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/125‬‬
‫‪ )(3‬رواه ابن أبي شيبة رواه أبو يعلى‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/125‬‬
‫‪ )( 4‬رواه البزار برجال ثقات‪ ،‬والطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/135‬‬
‫‪ )(5‬رواه الخرائطي في (مساوئ األخالق)‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/164‬‬
‫‪ )(6‬رواه أبو داود الطيالسي وأحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخ اري ومس لم والترم ذي والنس ائي وابن‬
‫ماجة‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/164‬‬
‫‪197‬‬
‫رسول هللا أنى يقتل بعضنا بعضا‪ ،‬ونحن أحياء ونفعل؟ ق ال‪( :‬يميت هللا قل وب أه ل‬
‫ذلك الزمان كما يميت أبدانهم)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]677 :‬قال رسول هللا ‪( :‬إن من أشراط الساعة إخراب العامر‪،‬‬
‫وإعمار الخراب‪ ،‬وأن يكون الغزو فداء‪ ،‬وأن يتم رس الرج ل بأمانت ه كم ا يتم رس‬
‫البعير بالشجرة)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪ ]678 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬بين ي دي الس اعة فتن كقط ع اللي ل‬
‫المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي ك افرا ويمس ي مؤمن ا ويص بح ك افرا ي بيع‬
‫أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]679 :‬قال رسول هللا ‪( :‬صنفان من أه ل الن ار لم أرهم ا‪ ،‬ق وم‬
‫معهم سياط كأذناب البق ر يض ربون به ا الن اس‪ ،‬ونس اء كاس يات عاري ات مميالت‬
‫م ائالت رؤوس هن كأس نمة البخت ال ي دخلن الجن ة وال يج دن ريحه ا‪ ،‬وإن ريحه ا‬
‫ليوجد من مسيرة كذا وكذا)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]680 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ال تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون‬
‫بألسنتهم كما يأكل البقر بألسنتهم من األرض)(‪)5‬‬
‫[الحــديث‪ ]681 :‬عن حذيف ة ق ال‪ :‬ح دثنا رس ول هللا ‪ ‬ح ديثين‪ ،‬ق د رأين ا‬
‫أحدهما وأنا أنتظر اآلخر‪ ،‬حدثنا أن األمانة ن زلت في ج ذر قل وب الرج ال ثم ن زل‬
‫القرآن‪ ،‬فعلموا من القرآن وعلموا من السنة‪ ،‬ثم حدثنا عن رفع األمان ة‪ ،‬ق ال‪( :‬ين ام‬
‫الرجل النومة فتقبض األمانة من قلبه‪ ،‬فيظل أثرها مثل أثر ال وكت‪ ،‬ثم ين ام النوم ة‬
‫فتقبض األمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجم ر‪ ،‬دحرجت ه على رجل ك فنف ط‬
‫ف تراه منت برا‪ ،‬وليس في ه ش يء فيص بح الن اس يتب ايعون‪ ،‬فال يك اد أح دهم ي ؤدي‬
‫األمانة‪ ،‬حتى يقال‪ :‬إن في بني فالن رجال أمينا‪ ،‬ح تى يق ال للرج ل‪ :‬م ا أجل ده‪ ،‬م ا‬
‫أكرمه ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]682 :‬قال رسول هللا ‪( :‬أول ما تفقدون من دينكم األمانة)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]683 :‬قال رسول هللا ‪( :‬أول ما يرفع من الناس األمانة‪ ،‬وآخ ر‬
‫ما يبقى من دينهم الصالة‪ ،‬ورب مصل ال خالق له عند هللا)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪ ]684 :‬قال رس ول هللا ‪( :‬أول لم ا يرف ع من ه ذه األم ة الحي اء‬
‫واألمانة)(‪)9‬‬

‫‪ )( 1‬رواه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والحارث والبخاري ومسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/146‬‬
‫‪ )(2‬رواه البغوي وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/164‬‬
‫‪ )(3‬رواه الحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/164‬‬
‫‪ )(4‬رواه مسلم رواه أبو يعلى‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/125‬‬
‫‪ )( 5‬رواه مسدد وابن أبي شيبة وأحمد والضياء في المختارة والنسائي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/126‬‬
‫‪ )(6‬رواه مسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/126‬‬
‫‪ )(7‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/126‬‬
‫‪ )(8‬رواه الحكيم الترمذي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/126‬‬
‫‪ )(9‬رواه الطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/126‬‬
‫‪198‬‬
‫[الحــديث‪ ]685 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ال تق وم الس اعة ح تى يقبض العلم‪،‬‬
‫وتكثر الزالزل‪ ،‬ويتقارب الزمان‪ ،‬وتظهر الفتن ويكثر الهرج وهو القتل حتى يك ثر‬
‫فيكم المال فيفيض)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]686 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ليكونن من أمتي ق و ٌم يس تحلون الح ر‬
‫والحرير والخمر والمعازف‪ ،‬ولينزلن أقوا ٌم إلى جنب علم تروح عليهم سارحةٌ لهم‪،‬‬
‫فيأتيهم رج ٌل لحاجة فيقولون ارجع إلينا غدا‪ ،‬فيبيتهم هللا ويضع العلم ويمسخ آخرين‬
‫قردة وخنازير إلى يوم القيامة) (‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]687 :‬قال رسول هللا ‪( :‬سيكون في آخر أمتي رج ال يركب ون‬
‫على سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد‪ ،‬نساؤهم كاسيات عاريات‪،‬‬
‫على رؤوسهم كأسنمة البخت فالعنوهن ف إنهن ملعون ات ل و ك انت وراءكم أم ة من‬
‫األمم‪ ،‬لخدم نس اؤكم نس اءهم كم ا خ دمتكم نس اء األمم من قبلكم) ولف ظ الط براني‪:‬‬
‫(سيكون في أمتي رجال يركب نساؤهم على سروج كأشباه الرجال)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]688 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬إذا رأيتم الالتي ألقين على رؤوس هن‬
‫مثل أسنمة البقر‪ ،‬فأعلموهن أنهن ال تقبل لهن صالة)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]689 :‬قال رسول هللا ‪( :‬صنفان من أه ل الن ار لم أرهم ا بع د‪:‬‬
‫قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس‪ ،‬ونساء كاسيات عاري ات مميالت‬
‫مائالت رؤوسهن كأس نمة البخت المائل ة‪ ،‬ال ي دخلن الجن ة وال يج دن ريحه ا‪ ،‬وإن‬
‫ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا!)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]690 :‬وهو ما يشير إلى ظواهر العنف التي تحدث بين المسلمين‪،‬‬
‫ونص الحديث ه و قول ه ‪( :‬س تكون فتن ةٌ ص ماء بكم اء عمي اء‪ ،‬من أش رف له ا‬
‫استشرفت له‪ ،‬وإشراف اللسان فيها كوقوع السيف)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]691 :‬قال رس ول هللا ‪( :‬من مش ى إلى رج ل من أم تي ليقتل ه‬
‫فليقل هكذا‪ ،‬فالقاتل في النار والمقتول في الجنة)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]692 :‬وهو ما يشير إلى انتشار التشاؤم واالنتحار بسبب البعد عن‬
‫الدين الحقيقي وقيمه النبيلة‪ ،‬ومن تلك األحاديث قوله ‪( :‬ال تقوم الساعة حتى يمر‬
‫الرجل بقبر الرجل فيقول‪ :‬يا ليتني كنت مكانك)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪ ]693 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ال تقوم الساعة حتى يمر الرج ل على‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/127‬‬


‫‪ )(2‬ذكره البخاري تعليقًا (‪)5590‬‬
‫‪ )(3‬رواه أحمد والطبراني‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/135‬‬
‫‪ )(4‬رواه الطبراني في الكبير‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/136‬‬
‫‪ )(5‬رواه أحمد ومسلم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/136‬‬
‫‪ )(6‬أبو داود (‪)4264‬‬
‫‪ )(7‬أبو داود (‪)4260‬‬
‫‪ )( 8‬رواه اإلمامان مالك وأحمد والبخاري ومسلم والبيهقي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/144‬‬
‫‪199‬‬
‫الفتن)(‪)1‬‬ ‫القبر‪ ،‬فيقول‪ :‬لوددت أني مكان صاحبه لما يلقى الناس من‬
‫[الحديث‪ ]694 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ال تقوم الساعة حتى يرى الحي الميت‬
‫على أعواده‪ ،‬فيقول‪ :‬يا ليته ك ان مك ان ه ذا‪ ،‬فيق ول ل ه القائ ل‪ :‬ه ل ت دري على م ا‬
‫مات؟ فيقول كائن ما كان)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]695 :‬قال رسول هللا ‪( :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬ال تذهب الدنيا حتى‬
‫يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول‪ :‬يا ليتني كنت مك ان ص احب ه ذا الق بر‬
‫وليس به الدين إال البالء)(‪)3‬‬
‫و ـ ما ورد في الطائفة الناجية من الفتن‪:‬‬
‫وهي أح اديث تتواف ق م ع الق رآن الك ريم باإلض افة إلى توافقه ا م ع العق ل‬
‫والفطرة السليمة‪:‬‬
‫أما توافقه ا م ع الق رآن الك ريم؛ في دل علي ه م ا ورد في ه من اإلش ارة إلى أن‬
‫وقوع جميع األمة في الباطل يعني انتص اره على الح ق م ع أن هللا تع الى أخ بر أن‬
‫ور هَّللا ِ بِ أ َ ْف َوا ِه ِه ْم َوهَّللا ُ‬ ‫الحق لن ينطفئ نوره أبدا‪ ،‬كما قال تعالى‪ ﴿ :‬ي ُِري ُدونَ لِي ْ‬
‫ُطفِئُوا نُ َ‬
‫ق ْالبَا ِط ُل‬ ‫ق َوزَ هَ َ‬ ‫﴿وقُلْ َجا َء ْال َح ُّ‬
‫ور ِه َولَوْ َك ِرهَ ْال َكافِرُونَ ﴾ [الصف‪ ،]8 :‬وقال‪َ :‬‬ ‫ُمتِ ُّم نُ ِ‬
‫إِ َّن ْالبَا ِط َل َكانَ َزهُوقًا ﴾ [اإلسراء‪]81 :‬‬
‫وأخبر عن بني إسرائيل أنهم لم يجمع وا على تحري ف ال دين‪ ،‬ب ل بقيت منهم‬
‫وس ى أُ َّمةٌ‬ ‫﴿و ِم ْن قَ وْ ِم ُم َ‬ ‫طائفة صالحة‪ ،‬إلى أن جاء اإلسالم فاتبعته‪ ،‬كما ق ال تع الى‪َ :‬‬
‫ق َوبِ ِه يَ ْع ِدلُونَ ﴾ [األعراف‪]159 :‬‬ ‫يَ ْه ُدونَ بِ ْال َح ِّ‬
‫وأخبر عن أن هذا سنة جميع األقوام‪ ،‬فقال‪﴿ :‬فَلَوْ اَل َكانَ ِمنَ ْالقُ ر ِ‬
‫ُون ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم‬
‫ض إِاَّل قَلِياًل ِم َّم ْن أَ ْن َج ْينَا ِم ْنهُ ْم ﴾ [هود‪]116 :‬‬ ‫ُ‬
‫أولُو بَقِيَّ ٍة يَ ْنهَوْ نَ ع َِن ْالفَ َسا ِد فِي اأْل َرْ ِ‬
‫وأم ا دالل ة العق ل والفط رة على ذل ك؛ ف إن من رحم ة هللا تع الى بعب اده‪،‬‬
‫ورعايته لهم‪ ،‬أن يوفر لهم سبل الهداية في كل األجيال؛ فال يبقى جيل إال ويج د من‬
‫يمكنه أن يستند إليه في الهداية‪.‬‬
‫باإلضافة إلى أن ذلك أيضا مما تقتض يه العدال ة في االختب ار واالبتالء‪ ،‬ففي‬
‫كل عصر يوجد الصالحون الذين تجب مواالتهم‪ ،‬والمنحرف ون ال ذين تجب ال براءة‬
‫منهم‪ ،‬وربما قتالهم‪ ،‬ولهذا ورد في األحاديث تحديد أوصافهم وأماكنهم وأنواع الفتن‬
‫التي تظهر منهم‪ ،‬حتى يكون ذلك عالمة على تمييز الصالحين من غيرهم‪.‬‬
‫ومن تلك األحاديث المصرحة بهذا‪ ،‬أو المشيره إليه‪:‬‬
‫ما ورد في الحديث من أن األمة ال تجتمع على ضاللة‪:‬‬
‫وهي أحاديث متوافقة مع القرآن الكريم والفط رة والعق ل الس ليم‪ ،‬ذل ك أن هللا‬
‫ك َج َع ْلنَ ا ُك ْم‬ ‫تعالى جعل هذه األمة هي طوق النجاة لكل البشر‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َك َذلِ َ‬
‫اس َويَ ُكونَ ال َّرسُو ُل َعلَ ْي ُك ْم َش ِهيدًا ﴾ [البقرة‪]143 :‬‬ ‫أُ َّمةً َو َسطًا لِتَ ُكونُوا ُشهَدَا َء َعلَى النَّ ِ‬
‫‪ )(1‬رواه نعيم بن حماد في الفتن‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/144‬‬
‫‪ )(2‬رواه الديلمي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/144‬‬
‫‪ )(3‬رواه مسلم وابن ماجه‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/144‬‬
‫‪200‬‬
‫ولذلك إن وقع االنحراف فيها جميعا‪ ،‬ارتفعت عناية هللا تعالى بعباده‪ ،‬بتوف ير‬
‫كل فرص الهداية لهم‪ ،‬وذلك مستحيل‪ ،‬ومن األحاديث الواردة في هذا‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]696 :‬م ا ورد في الح ديث من أن األم ة ال تجتم ع على ض اللة‪،‬‬
‫وهو ما عبر عنه رس ول هللا ‪ ‬بقول ه‪( :‬إن هللا ق د أج ار أم تي من أن تجتم ع على‬
‫ضاللة)(‪)1‬‬
‫والمراد باإلجماع هنا إجماع األمة‪ ،‬ال إجماع الطائف ة ال ذي ع بر عن ه أحم د‬
‫بقوله‪( :‬من ادعى اإلجماع فقد كذب‪ ،‬وما يدريك لعلهم اختلفوا)(‪ ،)2‬ذلك أنه ال يصح‬
‫أن يسمى هذا الن وع إجماع ا‪ ،‬فاألم ة اإلس المية تش مل جمي ع الطوائ ف‪ ،‬ال طائف ة‬
‫بعينها‪ ،‬ولذلك فإن الذي يذكر اإلجماع يحتاج أن يعرف موقف الم دارس اإلس المية‬
‫المختلفة من القضية المطروحة‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]697 :‬قال رس ول هللا ‪( :‬إن هللا أج اركم من ثالث خالل‪ :‬أن ال‬
‫يدعو عليكم نبيكم‪ ،‬فتهلكوا جميعا‪ ،‬وأن ال يظهر أهل الباط ل على أه ل الح ق‪ ،‬وأن‬
‫ال تجتمعوا على ضاللة) (‪)3‬‬

‫أما ما روي في رواية أخ رى‪( :‬إن أم تي ال تجتم ع على ض اللة‪ ،‬ف إذا رأيتم‬
‫اختالفا فعليكم بالسواد األعظم)(‪)4‬‬
‫فغير صحيحة‪ ،‬وتتنافى مع ما ورد في القرآن الكريم من ذم الكثرة‪ ،‬كم ا ق ال‬
‫تعالى‪َ ﴿ :‬و َما أَ ْكثَ ُر النَّ ِ‬
‫اس َولَوْ َح َرصْ تَ بِ ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [يوس ف‪ ،]103 :‬كم ا تتن افى م ع‬
‫األحاديث الواردة في مدح الغرباء والصالحين وبيان قلتهم‪.‬‬
‫ما ورد في الحديث من أنه ستبقى طائفة ملتزمة بالحق‪:‬‬
‫وهي أحاديث متفق عليها بين المدارس اإلسالمية‪ ،‬ولألسف الكل يدعيها م ع‬
‫عدم مراعاة شروطها‪ ،‬وهي تطبيق جميع وص ايا رس ول هللا ‪ ،‬وع دم االقتص ار‬
‫على بعضها‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]698 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ال يزال من أمتي أمة قائمة بأمر هللا ال‬
‫يضرهم من خذلهم وال من خالفهم حتى يأتي أمر هللا)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]699 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ال تق وم الس اعة ح تى يظه ر الفحش‬
‫وقطيعة الرحم وسوء الجوار‪ ،‬ويخون األمين)‪ ،‬قيل‪ :‬ي ا رس ول هللا! فكي ف الم ؤمن‬
‫يومئذ؟ قال‪( :‬كالنخلة وقعت ولم تفسد‪ ،‬وأكلت فلم تكسر‪ ،‬ووضعت طيبا)(‪)6‬‬
‫[الحــديث‪ ]700 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ي أتي على الن اس زم ان تح ل في ه‬
‫الغربة‪ ،‬وال يسلم لذي دين دينه إال من فر بدينه من شاهق إلى ش اهق‪ ،‬أو من جح ر‬

‫‪ )(1‬أبو داود ‪ ،4/98‬حديث ‪ ،4253‬وابن ماجه‪ ،‬حديث رقم‪.3950‬‬


‫‪ )(2‬إقامة الدليل على إبطال التحليل ص‪.275‬‬
‫‪ )(3‬ابن ماجه‪ ،‬رقم‪.3950‬‬
‫‪ )(4‬سنن ابن ماجه (‪)٣٩٥٠‬‬
‫‪ )(5‬البخاري ‪ ،6/731‬حديث ‪ ،3641‬ومسلم ‪.3/1524‬‬
‫‪ )(6‬البزار (‪)6/407/2432‬‬
‫‪201‬‬
‫إلى جحر‪ ،‬كالطائر يغ ير فراخ ه‪ ،‬وك الثعلب بأش باله‪ ،‬يقيم الص الة وي ؤتي الزك اة‪،‬‬
‫ويعتزل الناس إال من خير)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]701 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ال تزال طائفةٌ من أم تي يق اتلون على‬
‫الحق ظاهرين إلى يوم القيامة‪ ،‬فينزل عيسى‪ ،‬فيقول أميرهم‪ :‬تعال صل لنا‪ ،‬فيق ول‪:‬‬
‫ال‪ ،‬إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة هللا هذه األمة)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪ ]702 :‬م ا ورد في الح ديث من تح ول اإلس الم إلى دين غ ريب‪،‬‬
‫وفضل الغرباء الذين يتمسكون فيه‪ ،‬ومنها قول ه ‪( :‬ب دأ اإلس الم غريبً ا وس يعود‬
‫غريبًا كما بدأ‪ ،‬فطوبى للغرباء)(‪)3‬‬
‫زاع من القبائل(‪)5())4‬‬ ‫وفي رواية‪ :‬قيل‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬ومن الغرباء؟ قال‪( :‬النُّ َّ‬
‫وفي رواية‪( :‬الَّذين ي ُصْ لِحون إذا فسد الناس)(‪)6‬‬
‫وفي رواية‪ :‬قيل‪ :‬ومن الغرباء؟ قال‪( :‬الفرَّارون بدينهم‪ ،‬يبعثهم هللا تعالى م ع‬
‫عيسى ابن مريم)(‪)7‬‬
‫(إن اإلسالم بدأ غريبً ا‪ ،‬ويرج ع غريبً ا‪ ،‬فط وبى‬ ‫[الحديث‪ ]703 :‬قوله ‪َّ :‬‬
‫للغرباء‪ ،‬الذين يُصْ لِحونَ ما أ ْف َسد الناس بعدي من ُ‬
‫سنَّتي)(‪)8‬‬
‫[الحديث‪ ]704 :‬قوله ‪( :‬طوبى للغرباء)‪ ،‬قيل‪ :‬وما الغرب اء؟ ق ال‪( :‬ق وم‬
‫ر ِم َّمن ي ُطيعهم)(‪)9‬‬‫صالحون قليل في ناس سوء كثير‪َ ،‬م ْن يَعصي ِه ْم أكثَ ُ‬
‫ما ورد فيمن يشتاق إليهم رسول هللا ‪:‬‬
‫وهي مح ل اتف اق من األم ة وت دل على أن المعي ة الحقيقي ة لرس ول هللا ‪‬‬
‫ليست خاصة بالصحابة فقط‪ ،‬وإنما هي شاملة لجميع العصور‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]705 :‬قال رس ول هللا ‪( :‬إن أناس ا من أم تي ي أتون بع دي ي ود‬
‫أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله)(‪)10‬‬
‫[الحديث‪ ]706 :‬روي أن رسول هللا ‪ ‬أتى المق برة‪ ،‬فق ال‪( :‬الس الم عليكم‬
‫دار قوم مؤم نين وإن ا إن ش اء هللا بكم الحق ون وددت أن ا ق د رأين ا إخوانن ا) ق الوا‪:‬‬
‫أولسنا إخوانك ي ا رس ول هللا؟ ق ال‪( :‬أنتم أص حابي وإخوانن ا ال ذين لم ي أتوا بع د)‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬كيف تع رف من لم ي أت بع د من أمت ك ي ا رس ول هللا؟ فق ال‪( :‬أرأيت ل و أن‬
‫رجال له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم أال يعرف خيله؟)‪ ،‬قالوا‪ :‬بلى ي ا‬
‫رس ول هللا‪ .‬ق ال‪( :‬ف إنهم ي أتون غ را محجلين من الوض وء‪ ،‬وأن ا ف رطهم على‬
‫‪ )(1‬رواه الحارث‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/164‬‬
‫‪ )(2‬مسلم (‪)156‬‬
‫‪ )(3‬رواه مسلم (‪)208‬‬
‫‪ )(4‬أي من القبيلة الرجل والرجالن‪.‬‬
‫‪ )(5‬ابن ماجه (‪)3978‬‬
‫‪ )(6‬السنن الواردة في الفتن ألبي عمرو الداني (‪ )25 /1‬وغيره‪.‬‬
‫‪ )(7‬حلية األولياء‪)25 /1( ،‬‬
‫‪ )(8‬الترمذي (‪)2630‬‬
‫‪ )(9‬أحمد (‪)177 /2‬‬
‫‪ )(10‬رواه الحاكم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/117‬‬
‫‪202‬‬
‫الحوض‪ ،‬أال ليذادن رج ال عن حوض ي كم ا ي ذاد البع ير الض ال أن اديهم‪ :‬أال هلم؛‬
‫فيقال إنهم قد بدلوا بعدك‪ ،‬فأقول‪ :‬سحقا سحقا)(‪)1‬‬
‫ما ورد في شأن مواطن الفئة المنصورة وغيرها‪:‬‬
‫وهي أح اديث كث يرة‪ ،‬تعرض ت للتأوي ل بس بب ع دم مراعاته ا لألح اديث‬
‫األخرى‪ ،‬وخاصة المتعلقة بوصايا رسول هللا ‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]707 :‬قوله ‪( :‬اللهم بارك لنا في ش أمنا وفي يمنن ا‪ .‬ق الوا‪ :‬وفي‬
‫نجدنا ؟ قال‪ :‬اللهم ب ارك لن ا في ش أمنا وفي يمنن ا‪ .‬ق الوا‪ :‬وفي نج دنا ؟ ق ال‪ :‬هن اك‬
‫الزالزل والفتن‪ ،‬وبها يطلع قرن الشيطان)(‪)2‬‬
‫وهذا الحديث مع أحاديث أخرى كثيرة يش ير إلى الم واطن ال تي تظه ر فيه ا‬
‫الفتن‪ ،‬وتنتشر في العالم اإلسالمي‪ ،‬كما يدل على المواضع المباركة‪ ،‬وال تي تس اهم‬
‫في وعي األمة وخروجها من الفتن‪.‬‬
‫ونحب أن ننبه هنا مجموعة تنبيهات ترتبط بالحديث‪:‬‬
‫‪ .1‬أن هذا الحديث ال يعني أن كل سكان الشام واليمن مباركون‪ ،‬وك ل س كان‬
‫نجد أهل فتنة؛ فالحديث ال يقصد ذلك‪ ،‬وهو يتنافى مع قوله تعالى‪ ﴿ :‬يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا‬
‫خَ لَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن َذ َك ٍر َوأُ ْنثَى َو َج َع ْلنَا ُك ْم ُشعُوبًا َوقَبَائِ َل لِتَ َع َ‬
‫ارفُوا إِ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد هَّللا ِ أَ ْتقَ ا ُك ْم‬
‫إِ َّن هَّللا َ َعلِي ٌم خَ بِيرٌ﴾ [الحجرات‪ ،]13 :‬ولكن المقصود هو ربط تلك الجه ات بأح داث‬
‫تقع فيها‪ ،‬مما يدخل في النبوءات الغيبية‪.‬‬
‫‪ .2‬أن الجه ات الش امية أو اليمني ة التابع ة لنج د في فكره ا ومواقفه ا نجدي ة‬
‫وليست شامية وال يمنية‪ ،‬ذلك أن العبرة ليست باألماكن‪ ،‬وإنما باألفك ار والمواق ف‪،‬‬
‫وقد ظهرت أكثر الفتن التي فرقت صف األمة‪ ،‬ونش رت األحق اد بينه ا‪ ،‬في منطق ة‬
‫نجد المعروفة‪ ،‬حتى أن الرسائل والكتب التي ص درت منه ا إب ان ال دعوة الوهابي ة‬
‫سميت [مجموعة الرسائل والمسائل النجدية]‬
‫‪ .3‬أنه مع وضوح الحديث‪ ،‬وداللته على نجد التي يعرفها العالم أجم ع إال أن‬
‫المؤولة حاولوا صرفها عن محالها الحقيقية‪ ،‬وتحوي ل المقص ود منه ا إلى الع راق‪،‬‬
‫مع أن كل العلماء قبل الدعوة الوهابية‪ ،‬كانوا يفهم ون من نج د المنطق ة المعروف ة‪،‬‬
‫كما قال ابن تيمية الذي يستند إليه أصحاب الدعوة السلفية في أكثر أطروحاتهم‪( :‬قد‬
‫تواتر عن النبي ‪ ‬إخباره بأن الفتن ة ورأس الكف ر من المش رق ال ذي ه و مش رق‬
‫مدينت ه كنج د وم ا يش رق عنه ا)‪ ..‬ثم س اق بعض األح اديث ال واردة في ذل ك في‬
‫الصحيحين وغيرهما إلى أن قال‪( :‬وال ريب أن من ه ؤالء ظه رت ال ردة وغيره ا‬
‫من الكف ر‪ ،‬من جه ة مس يلمة الك ذاب وأتباع ه وطليح ة األس دي وأتباع ه‪ ،‬وس جاح‬
‫وأتباعها‪ ،‬حتى قاتلهم أبو بكر الصديق ومن معه من المؤمنين‪ ،‬ح تى قت ل من قت ل‪،‬‬
‫وعاد إلى اإلسالم من عاد مؤمنا أو منافقا) (‪)3‬‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم (‪)367‬‬


‫‪ )(2‬رواه البخاري (‪ )1037‬ومسلم (‪)2905‬‬
‫‪ )(3‬انظر‪ :‬بيان تلبيس الجهمية البن تيمية ج ‪ 1‬ص ‪.24 - 17‬‬
‫‪203‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك؛ فإن معنى النجد في اللغة هو المرتفع‪ ،‬والرياض التي هي‬
‫قاعدة نجد يبلغ ارتفاعها عن سطح األرض ‪ 635‬مترًا‪ ،‬أما ارتفاع العراق التقري بي‬
‫عن سطح البحر فال يعدو (‪ 34‬مترًا)‬
‫[الحديث‪ ]708 :‬م ا ورد في اإلش ارة إلى دور ف ارس في خ روج األم ة من‬
‫الفتنة‪ ،‬ودورها في التمهيد لإلمام المهدي‪ ،‬وقد سبق ذك ر بعض األح اديث في ذل ك‬
‫عند الحديث عن اإلم ام المه دي‪ ،‬ومن تل ك األح اديث م ا ورد في بي ان الم راد من‬
‫قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ ْن تَتَ َولَّوْ ا يَ ْستَ ْب ِدلْ قَوْ ًم ا َغ ْي َر ُك ْم ثُ َّم اَل يَ ُكونُ وا أَ ْمثَ الَ ُك ْم﴾ [محم د‪،]38 :‬‬
‫﴿وإِ ْن تَتَ َولَّوْ ا يَ ْس تَ ْب ِدلْ‬
‫فقد روي عن أبي هري رة أن ه ق ال‪ :‬تال رس ول هللا ه ذه اآلي ة‪َ :‬‬
‫قَوْ ًما َغ ْي َر ُك ْم ثُ َّم اَل يَ ُكونُوا أَ ْمثَالَ ُك ْم﴾‪ ،‬قالوا‪ :‬ومن يستبدل بنا؟ قال‪ :‬فض رب رس ول هللا‬
‫‪ ‬على منكب سلمان ـ أي سلمان الفارسي ـ ثم قال‪( :‬هذا وقومه)(‪)1‬‬
‫واآلية واضحة في تهديد هللا سبحانه وتعالى للعرب الذين نـزل القرآن الكريم‬
‫بين ظهرانيهم أنهم في حال توليهم وتخليهم عن الدور المناط بهم‪ ،‬سيتولى ذلك ق وم‬
‫آخ رون‪ ،‬وأنهم س يؤدون األمان ة بص دق وإخالص‪ ،‬وأنهم لن يكون وا أمث ال الق وم‬
‫األولين ال ذين ش وهوا الرس الة‪ ..‬وق د وض ح رس ول هللا ‪ ‬في الح ديث أن ه ؤالء‬
‫البدائل هم سلمان وقومه‪.‬‬
‫[الحــديث‪ ]709 :‬وهو م ا ورد في تفس ير قول ه تع الى‪َ ﴿ :‬وآخَ ِرينَ ِم ْنهُ ْم لَ َّما‬
‫يَ ْل َحقُوا بِ ِه ْم َوه َُو ْال َع ِزي ُز ْال َح ِكي ُم﴾ [الجمعة‪ ،]3 :‬فقد أخ بر رس ول هللا ‪ ‬أن مص داق‬
‫ه ذه اآلي ة منطب ق على ف ارس‪ ،‬فعن أبي هري رة‪ ،‬ق ال‪ :‬كن ا جلوس ا عن د الن بي ‪‬‬
‫فأنـزلت علي ه س ورة الجمع ة‪َ ﴿ :‬وآ َخ ِرينَ ِم ْنهُ ْم لَ َّما يَ ْل َحقُ وا بِ ِه ْم ﴾ ق الوا‪ :‬من هم ي ا‬
‫رسول هللا؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثالثا‪ ،‬وفينا سلمان الفارس ي‪ ،‬فوض ع رس ول هللا‬
‫‪ ‬يده على سلمان ثم قال‪( :‬لو كان اإليمان عند الثريا لناله رجال ـ أو‪ :‬رجل ـ من‬
‫هؤالء)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪ ]710 :‬عن ابن عباس ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪ ‬ـ وذك رت عن ده‬
‫فارس ـ فقال‪( :‬فارس عصبتنا أهل البيت)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪ ]711 :‬عن أبي هري رة ق ال‪( :‬ذك رت الم والي أو األع اجم عن د‬
‫رسول هللا ‪ ‬فقال‪( :‬وهللا ألنا أوثق بهم منكم‪ ،‬أو من بعضكم)(‪)4‬‬
‫وهذا يدل على اشتهار ذلك في الزمن األول‪ ،‬حتى أنه روي أن األشعث ج اء‬
‫إلى اإلمام علي؛ فجعل يتخطى الرقاب حتى قرب منه‪ ،‬ثم قال له‪ :‬يا أمير المؤم نين‬
‫غلبتن ا ه ذه الحم راء على قرب ك‪ ،‬يع ني العجم‪ ،‬ف ركض المن بر برجل ه ح تى ق ال‬
‫صعصعة بن صوحان‪ :‬ما لن ا ولألش عث! ليق ولن أم ير المؤم نين الي وم في الع رب‬
‫قوالً ال يزال يذكر‪ ،‬فقال اإلم ام علي‪( :‬من ع ذيري من ه ؤالء الض ياطرة‪ ،‬يتم رغ‬
‫‪ )(1‬رواه الترمذي‪ ،‬ح(‪)3260‬‬
‫‪ )( 2‬رواه مسلم‪ ،‬والترمذي‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن أبي حاتم‪ ،‬وابن جرير‪ ،‬تفسير ابن كثير‪)116 /8( ،‬‬
‫‪ )(3‬رواه أبو نعيم في أخبار أصبهان (‪ ،)11 /1‬والديلمي (‪)332 /2‬‬
‫‪ )(4‬رواه أبو نعيم في ذكر أصبهان‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪204‬‬
‫أحدهم على فراشه تمرغ الحمار‪ ،‬ويهجر قوما لل ذكر! أفت أمرني أن أط ردهم؟! م ا‬
‫كنت ألطردهم فأكون من الجاهلين‪ ،‬أما والذي فلق الحب ة وب رأ النس مة‪ ،‬ليض ربنكم‬
‫على الدين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً)(‪)1‬‬
‫ويدل لهذا الكثير من األحاديث الواردة في المصادر الشيعية‪ ،‬ومنها م ا روي‬
‫عن اإلمام الكاظم أنه قال‪( :‬رجل من قم‪ ،‬يدعو الن اس إلى الح ق‪ ،‬يجتم ع مع ه ق وم‬
‫قلوبهم كزبر الحديد‪ ،‬ال تزلهم الرياح العواصف‪ ،‬ال يملون من الحرب وال يجبنون‪،‬‬
‫وعلى هللا يتوكلون والعاقبة للمتقين)(‪)2‬‬
‫ما ورد في البشارة بانتصارات الطائفة المنصورة‪:‬‬
‫وهي متوافق ة م ع م ا ورد في الق رآن الك ريم من اإلش ارة إلى انتص ار‬
‫المستضعفين‪ ،‬وظهور اإلسالم على الدين كله‪ ،‬وتخلص البشرية من كل الط واغيت‬
‫والدجالين‪.‬‬
‫وقد سبق ذكر بعض األحاديث المرتبطة بانتصارات اإلم ام المه دي‪ ،‬ومنه ا‬
‫غيرها‪ ،‬والتي لم يحدد فيها قادة االنتصار‪ ،‬ونحن نورده ا ال من ب اب قبوله ا قب وال‬
‫مطلقا‪ ،‬ألنها قد تكون من إضافات الرواة‪ ،‬ولكنا كذلك ال يمكننا رفضها؛ فق د تك ون‬
‫صحيحة إلى رسول هللا ‪ ،‬وليس في العقل وال في القرآن الكريم م ا ينفيه ا‪ ..‬ومن‬
‫تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]712 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ال تقوم الس اعة ح تى يقات ل المس لمون‬
‫اليهود‪ ،‬فيقتلهم المسلمون‪ ،‬حتى يختبئ اليه ودي من وراء الحج ر والش جر‪ ،‬فيق ول‬
‫ي خلفي‪ ،‬فتعال فاقتل ه‪ ،‬إال الغرق د‪،‬‬‫الحجر أو الشجر‪ :‬يا مسل ٌم‪ ،‬يا عبد هللا‪ ،‬هذا يهود ٌ‬
‫فإنه من شجر اليهود)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪ ]713 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬تق اتلكم اليه ود فتس لطون عليهم‪ ،‬ثم‬
‫ي ورائي‪ ،‬فاقتله)(‪)4‬‬ ‫يقول الحجر‪ :‬يا مسلم هذا يهود ٌ‬
‫وال يستغرب حصول مثل ه ذه الكرام ات اإللهي ة‪ ،‬وه و ي دل على أن ال ذين‬
‫يتمكنون من االنتصار على اليهود في قمة التقوى والص الح‪ ،‬وليس وا مج رد جن ود‬
‫عاديين‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]714 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ينزل الدجال في هذه السبخة بمر قن اة‬
‫[واد في المدينة]‪ ،‬فيكون أكثر من يخرج إلي ه النس اء‪ ،‬ح تى إن الرج ل ل يرجع إلى‬
‫حميمه وإلى أمه وابنته وأخته وعمته‪ ،‬فيوثقها رباطا مخافة أن تخرج إليه‪ ،‬ثم يسلط‬

‫‪ )(1‬رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج‪.284 / 20 :‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،216 / 60 :‬وقد نقلها صاحب البحار عن كتاب ت اريخ قم لمؤلف ه الحس ن بن محم د الحس ن‬
‫القمي الذي ألفه قبل أكثر من ألف سنة‪.‬‬
‫‪ )(3‬البخاري (‪،)2926‬ومسلم (‪)2922‬‬
‫‪ )(4‬البخاري (‪ ،)3593‬ومسلم (‪)2921‬‬
‫‪205‬‬
‫هللا المسلمين عليه‪ ،‬فيقتلونه ويقتلون شيعته‪ ،‬حتى إن اليهودي ليختبئ تحت الش جرة‬
‫ي تحتي فاقتله) (‪)1‬‬
‫أو الحجر فيقول الحجر أو الشجرة للمسلم‪ :‬هذا يهود ٌ‬
‫[الحديث‪ ]715 :‬قال رسول هللا ‪( :‬بين الملحمة وفتح المدينة ست س نين‪،‬‬
‫ويخرج المسيح الدجال في السابعة)(‪.)2‬‬
‫وكل هذه األحاديث السابقة محل اتفاق بين األمة جميعا‪ ،‬وق د روي عن أئم ة‬
‫الهدى اإلشارة إلى مكان الملحم ة في م رج ابن ع امر من عك ا وياف ا على الس احل‬
‫حتّى القدس في السهل الفلسطيني‪ ،‬ويش يرون الى زمانه ا وأنه ا بع د ظه ور اإلم ام‬
‫المهدي وتحريره القدس من قبضة اليهود ونقض الروم الهدنة معه التي توسط فيه ا‬
‫المسيح عليه السالم بعد نزوله(‪.)3‬‬
‫وهي مح ل اتف اق بين اليه ود والمس يحيين س واء ك انوا من رج ال دينهم أو‬
‫سياسييهم؛ فهم يذكرون معركة هرمج دون ـ أو الملحم ة الفاصلـة ـ كمـا يسميهـا‬
‫المس لمون ـ ويهتم ون به ا‪ ،‬تق ول الكاتب ة األمريكي ة (ج ريس هالس ل) في كتابه ا‪:‬‬
‫(النبوءة والسياسة)‪( :‬أظهرت دراسة لمؤسسة سن لنسن نش رت في اكت وبر ‪١٩٨٥‬‬
‫أن واح داً وس تين ملي ون أم ريكي يس تمعون بانتظ ام إلى م ذيعين يبش رون على‬
‫شاشات التلفزيون األمريكي بقرب وقوع معركة هرمجدون‪ ،‬وبأنها ستكون معرك ة‬
‫نووية‪ ،‬وأن الشعوب المسيحية يجب أن تستعد لخوض هذه المعركة الرهيبة) (‪)4‬‬
‫وفي اس تطالع لل رأي أج راه الواع ظ األم ريكي (ه ول لندس اي)‪( :‬أثبت أن‬
‫‪ %٧٢.٥‬من المسيحيين األمريكيين أكدوا أنهم يعتقدون أن الحرب قادم ة وس تؤدي‬
‫عاجالً أو آجالً إلى وقوع معركة هرمجدون)(‪)5‬‬
‫وت ذكر الكاتب ة‪( :‬أن النب وءات التوراتي ة تح ولت في الوالي ات المتح دة‬
‫االمريكية الى مصدر يستمد منه عش رات الماليين من الن اس نس ق معتق داتهم ومن‬
‫بينهم أناس يرش حون أنفس هم النتخاب ات الرئاس ة االمريكي ة وكلهم يعتق دون ق رب‬
‫نهاي ة الع الم ووق وع معرك ة هرمج دون‪ ،‬وله ذا فهم يش جعون التس لح الن ووي‬
‫ويستعجلون وقوع هذه المعركة باعتبار ان ذلك سيقرب مجيء المسيح) (‪)6‬‬
‫ومن األمثلة على هذا ما تحدث به ال رئيس االم ريكي ريكن ع ام ‪ ١٩٨٠‬م ع‬
‫المذيع االنجيلي (جيم بيكر) في مقابل ة تلفزيوني ة أج ريت مع ه‪ ،‬فق د ق ال‪( :‬إنن ا ق د‬
‫نكون الجيل الذي سيشهد معركة هرمجدون)‪ ،‬وفي تصريح آخر له‪( :‬ان هذا الجي ل‬

‫‪ )(1‬رواه أحمد (‪)9/255‬‬


‫‪ )(2‬أبو داود (‪)4296‬‬
‫‪ )(3‬انظر مقاال بعنوان‪ :‬معركة هرمجدون الفاصلة‪ ،‬حسن عب د األم ير الظ المي‪ ،‬مجل ة االنتظ ار‪ ،‬وق د اس تفدنا‬
‫االقتباسات الواردة في هذا المحل من مقاله‪.‬‬
‫‪ )(4‬د‪ .‬أحمد حجازي‪ ،‬معركة هرمجدون وعودة المسيح والمهدي المنتظر‪ ،‬ص ‪.٦٦‬‬
‫‪ )(5‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪ )(6‬معركة هرمجدون‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫‪206‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫بالتحديد هو الجيل الذي سيرى هرمجدون)‬
‫أما الرئيس األمريكي بوش؛ فقد كان مهتما بها كث يرا‪ ،‬وق د ق الت عن ه مجل ة‬
‫[دير ش بيغل] االلماني ة‪( :‬من ذ ذل ك ال وقت أص بح ب وش واح داً من الس تين ملي ون‬
‫أمريكي الذين يؤمنون بالوالدة الثانية للمسيح وهذا ما دعاه الى الق ول‪ :‬ب أن المس يح‬
‫هو أهم الفالسفة السياسيين في جميع األزمنة ألنه ساعدني على التوق ف عن ش رب‬
‫الخمر) (‪)2‬‬
‫وورد في تقري ر لمنظم ة حق وق اإلنس ان ص در في ق برص ع ام ‪:١٩٩٠‬‬
‫(توجد هيئات وجمعيات سياس ية وأص ولية في الوالي ات المتح دة وك ل دول الع الم‬
‫تتفق في أن نهاية العالم قد اقتربت‪ ،‬واننا نعيش اآلن في األي ام األخ يرة ال تي س تقع‬
‫فيها معركة هرمجدون‪ ،‬وهي المعركة الفاصلة التي ستبدأ بقي ام الع الم بش ن ح رب‬
‫ضد اسرائيل‪ ،‬وبعد ان ينهزم اليهود يأتي المسيح ليحاسب أعداءهم ويحقق النص ر‪،‬‬
‫ثم يحكم المسيح العالم لمدة ألف عام يعيش العالم في حب وسالم كاملين)(‪)3‬‬
‫ونحب أن ننبه هنا إلى أنه ورد في [قاموس الكتاب المقدس] تحدي د لمكانه ا‪،‬‬
‫وهو يتوافق م ع م ا ورد في الرواي ات‪ ،‬فق د ج اء في ه‪( :‬تق ع مج دون في م رج ابن‬
‫عامر‪ ،‬وزاد في قيمتها االستراتيجية أنه ا تق ع على خ ط المواص الت بين القس مين‬
‫الشمالي والجنوبي من فلسطين‪ ..‬وهرمجدون‪ :‬كلمة عبرية مكونة من مقطعين‪ ،‬ه ر‬
‫أو هار‪ :‬بمعنى جبل‪ ،‬مجدون‪ :‬اسم وا ٍد في فلسطين يقع في مرج ابن عامر على بعد‬
‫‪ ٥٥‬ميالً ش مال ت ل أبيب و‪ ٢٠‬ميالً جن وب ش رق حيف ا وعلى بع د ‪ ١٥‬ميالً من‬
‫ش اطيء البح ر المتوس ط‪ ،‬وتع رف مج دون اآلن باس م (ت ل المتس لم) وكلم ة‬
‫هرمجدون‪ :‬بمعنى جبل مجدون)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]715 :‬عن عبد هللا بن عمرو قال‪ :‬بينما نحن عند الن بي ‪ ‬نكتب‪،‬‬
‫إذ سئل‪ :‬أي المدينتين تفتح أوال‪ ،‬قس طنطينة أو رومي ة؟ فق ال‪( :‬ال ب ل مدين ة هرق ل‬
‫أوال)(‪)5‬‬
‫وليس المراد بالفتح هن ا م ا اش تهر في الت اريخ من الغ زو العس كري‪ ،‬وإنم ا‬
‫يراد به انضمام هاتين المدينتين لمعسكر الصالحين‪.‬‬

‫‪ )(1‬معركة هرمجدون‪ ،‬ص‪.68‬‬


‫‪ )(2‬النبوءة والسياسة‪ ،‬ص ‪.٤٧‬‬
‫‪ )(3‬أحمد السقا‪ ،‬عودة المسيح المنتظر‪ ،‬ص‪.٧١‬‬
‫‪ )(4‬قاموس الكتاب المقدس للدكتور بطرس عبد الملك ص‪.٩٩‬‬
‫‪ )(5‬الدارمي (‪)486‬‬
‫‪207‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫االمتداد الرسالي والفتن التي تعرض له في المصادر الشيعية‬
‫من خالل استقرائنا للمضامين ال واردة في المص ادر الش يعية ح ول االمت داد‬
‫الرسالي والفتن التي تعرض له نج د أن له ا تش ابها كب يرا بنظيراته ا في المص ادر‬
‫السنية‪ ،‬وربما يعود ذلك لم ا ذكرن اه في مقدم ة الكت اب من اعتم اد كال المدرس تين‬
‫على ما كتبه نعيم بن حماد في [كتاب الفتن]‪ ،‬كما عبر عن ذل ك علي بن موس ى بن‬
‫طاووس في كتابه [المالحم والفتن] عند بيانه لقيمة كت اب أبي نعيم‪ ،‬وذك ر أن ذل ك‬
‫بسبب كونه (‪..‬أقرب عهد بالصحابة والتابعين وقد زكاه جماع ة من المفس رين)(‪،)1‬‬
‫ثم ذك ر بعض الرواي ات عن األعالم ال ذين وثق وه‪ ،‬وال ذين ذك روا عالقت ه الطيب ة‬
‫بأصحاب اإلمام علي‪ ،‬وروايته عنهم‪.‬‬
‫ول ذلك؛ ف إن معظم الخالف بين المدرس تين ليس في نص وص األح اديث‬
‫والروايات‪ ،‬وإنما في تطبيقها على المصاديق الالئقة بها‪ ،‬حيث نجد ك ل مص نف أو‬
‫شارح لتلك األحاديث يطبقها على ما يراه من الواقع الذي عاشه‪.‬‬
‫وبناء على هذا‪ ،‬وحتى ال نكرر األحاديث التي سبق ذكره ا؛ فسنقتص ر على‬
‫ما ورد من أحاديث ترتب ط بزي ادة بي ان وتوض يح مص اديق األح اديث ال واردة في‬
‫المصادر السنية‪ ،‬ذلك أن دور أئم ة اله دى بالنس بة للس نة النبوي ة يش به دور الس نة‬
‫بالنسبة للقرآن الكريم؛ فهي تزيده توضيحا وتبين طريقة تنفيذه‪.‬‬
‫وبن اء على ه ذا س نذكر األح اديث المرتبط ة ب الفتن المتعلق ة بهج ر وص ية‬
‫رسول هللا ‪ ‬بأهل بيته عموما‪ ،‬وباإلمام علي خصوصا‪ ،‬ثم الفتن الناتجة عن ذلك‪،‬‬
‫والتي يؤول إليها حال األمة في الفترات التاريخية الالحقة‪.‬‬
‫ونحب أن ننبه هنا أولئ ك المتس رعين ال ذين يس تغربون أن ين اط جمي ع أم ر‬
‫األم ة إلى الموق ف من تل ك الوص ايا النبوي ة المرتبط ة بخالفت ه إلى أن ذل ك ليس‬
‫مستغربا؛ فقد ربط هللا تعالى مصير إبليس بسجدة واحدة آلدم عليه السالم‪ ،‬كما ربط‬
‫مصير آدم وزوجه باألكل من ش جرة واح دة‪ ..‬وهك ذا ك ان مص ير البش رية جميع ا‬
‫مرتبطا بتلك السجدة واألكلة‪.‬‬
‫وهو في الحقيقة ليس مرتبطا به ا بق در ارتباط ه ب التكليف اإللهي ومراعات ه‬
‫واحترامه‪ ،‬ذل ك أن إبليس لم يع اقب بس بب ع دم س جوده آلدم‪ ،‬وإنم ا بس بب تك بره‬
‫وبغيه وحسده‪ ..‬ومن نفس الدوافع انطلق أولئك الذين استكبروا على وص ايا رس ول‬
‫هللا ‪ ‬الخاصة بخالفته وامتداد وظيفته‪.‬‬
‫وأم ا غ يرهم ممن لم يم ارس ذل ك اإلقص اء؛ ف إن تكليف ه الش رعي مرتب ط‬

‫‪ )(1‬المالحم والفتن في ظهور الغائب المنتظر‪ ،‬ص ‪.19‬‬


‫‪208‬‬
‫بالقبول به‪ ،‬والرضا عنه‪ ،‬أو ممارسة ما فعله أولئك الذين ضيعوا الوصايا النبوية‪.‬‬
‫ولهذا نجد في الروايات الشيعية ربط كل ما حدث لألمة في تاريخه ا الطوي ل‬
‫من فتن بتقصيرها في ح ق اإلمام ة‪ ،‬وتض ييعها له ا‪ ،‬ووض عها في غ ير أهله ا‪ ،‬ثم‬
‫ربط ذلك بما ورد في القرآن الك ريم من اإلخب ار عن تع رض ه ذه األم ة لالبتالء‪،‬‬
‫مثلها مث ل س ائر األمم‪ ،‬وال تي أخ بر هللا تع الى عن تض ييعهم له ذا الج انب‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫صا َرى أَخ َْذنَا ِميثَاقَهُ ْم فَنَسُوا َحظًّا ِم َّما ُذ ِّكرُوا بِ ِه فَأ َ ْغ َر ْينَ ا بَ ْينَهُ ُم‬ ‫﴿ َو ِمنَ الَّ ِذينَ قَالُوا إِنَّا نَ َ‬
‫ص نَعُونَ ﴾ [المائ دة‪:‬‬ ‫ضا َء إِلَى يَوْ ِم ْالقِيَا َم ِة َو َس وْ فَ يُنَبِّئُهُ ُم هَّللا ُ بِ َم ا َك انُوا يَ ْ‬ ‫َاوةَ َو ْالبَ ْغ َ‬‫ْال َعد َ‬
‫‪]14‬‬
‫فاآلية الكريمة تشير إلى أن ما حصل من عداوة وبغضاء بين النصارى ك ان‬
‫بسبب نسيانهم بعض ا مم ا ذك روا ب ه‪ ..‬ومث ل ذل ك أخ بر عن اليه ود‪ ،‬فق ال‪ ﴿ :‬فَبِ َم ا‬
‫اض ِع ِه َونَسُوا َحظًّ ا‬ ‫اسيَةً ي َُحرِّ فُونَ ْال َكلِ َم ع َْن َم َو ِ‬ ‫ض ِه ْم ِميثَاقَهُ ْم لَ َعنَّاهُ ْم َو َج َع ْلنَا قُلُوبَهُ ْم قَ ِ‬‫نَ ْق ِ‬
‫ِم َّما ُذ ِّكرُوا بِ ِه ﴾ [المائدة‪]13 :‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬قسمنا هذا الفصل إلى خمسة أقسام‪:‬‬
‫األول‪ :‬تأسي أئمة الهدى برسول هللا ‪ ‬باالهتمام بالفتن وأس بابها والح رص‬
‫على التحذير منها مع بيان أن مصادرهم فيها هي ما توارثوه من رسول هللا ‪ ‬من‬
‫العلوم‪ ،‬وليس من العلم بالغيب الذي يقول به الغالة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما ورد في شأن هجر الوصية‪ ،‬وكيفية مواجهة أئمة اله دى له ا‪ ،‬وق د‬
‫رأينا أن كل األحاديث الواردة فيها متفقة مع نظيراتها في المص ادر الس نية‪ ،‬وال تي‬
‫تحذر من تضييع األمة لوصايا نبيها في حق عترتها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ما ورد في التحريفات الناتجة عن هجر الوصية‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬ما ورد في الفتن التي ستبتلى بها األمة بسبب عدم مراعاته ا لإلمام ة‬
‫واالمتداد الرسالي‪ ،‬وهي نتيجة طبيعية لهجر الوصية‪.‬‬
‫الخــامس‪ :‬م ا ورد في ش أن الن اجين من الفتن وفض لهم وص فاتهم وفض ل‬
‫الممهدين لإلمام المهدي‪.‬‬
‫أوال ـ اهتمام أئمة الهدى بالفتن ومصادرهم فيها‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة ي ذكر فيه ا أئم ة اله دى أن مص ادرهم في التع رف على‬
‫الفتن هي القرآن الكريم والنبوة‪ ،‬وأن كل ما يذكرونه منه ا ليس من عن دهم‪ ،‬وال من‬
‫آرائهم وال من االطالع على الغيب‪ ،‬وإنم ا هي من العل وم ال تي ال يمكن أن تتحق ق‬
‫إمامتهم من دونها‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫[الحديث‪ ]717 :‬قال اإلمام علي‪( :‬ال يقولن أح دكم‪ :‬الله ّم إني أع وذ ب ك من‬
‫الفتن ة‪ ،‬ألنّ ه ليس أح د إاّل وه و مش تمل على فتن ة‪ ،‬ولكن من اس تعاذ فليس تعذ من‬
‫﴿وا ْعلَ ُم وا أَنَّ َم ا أَ ْم َوالُ ُك ْم َوأَوْ اَل ُد ُك ْم فِ ْتنَ ةٌ﴾‬ ‫إن هللا س بحانه يق ول‪َ :‬‬ ‫مض اّل ت الفتن‪ ،‬ف ّ‬
‫[األنفال‪)1()]28 :‬‬

‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ :‬الحكمة(‪ ،)93‬واألمالي للطوسي‪ :‬ص ‪.580‬‬


‫‪209‬‬
‫[الحديث‪ ]718 :‬بع د أن ذك ر اإلم ام علي بعض النب وءات الغيبي ة‪ ،‬ق ال ل ه‬
‫بعض أصحابه‪ :‬لقد أعطيت ي ا أم ير المؤم نين علم الغيب؟!‪ ،‬فض حك اإلم ام علي‪،‬‬
‫وقال للرّجل وكان كلبيّا‪( :‬يا أخ ا كلب‪ ،‬ليس ه و بعلم غيب‪ ،‬وإنّم ا ه و تعلّم من ذي‬
‫علم‪ ،‬وإنّما علم الغيب‪ :‬علم السّاعة‪ ،‬وما ع ّدده اهلل سبحانه بقول ه‪﴿ :‬إِ َّن هَّللا َ ِع ْن َدهُ ِع ْل ُم‬
‫ْث َويَ ْعلَ ُم َم ا فِي اأْل َرْ َح ِام َو َم ا تَ ْد ِري نَ ْفسٌ َم ا َذا تَ ْك ِس بُ َغ دًا َو َم ا‬‫السَّا َع ِة َويُن َِّز ُل ْال َغي َ‬
‫وت إِ َّن هَّللا َ َعلِي ٌم خَ بِيرٌ﴾ [لقمان‪ ،]34 :‬فيعلم هللا س بحانه م ا‬ ‫ض تَ ُم ُ‬ ‫ي أَرْ ٍ‬ ‫تَ ْد ِري نَ ْفسٌ بِأ َ ِّ‬
‫في األرحام‪ :‬من ذكر أو أنثى‪ ،‬وقبيح أو جميل‪ ،‬وسخ ّي أو بخي ل‪ ،‬وش ق ّي أو س عيد‪،‬‬
‫ومن يكون في النّ ار حطب ا أو في الجن ان للنّ بيّين مرافق ا‪ ،‬فه ذا علم الغيب الّ ذي ال‬
‫يعلمه أحد إاّل هللا‪ ،‬وما سوى ذلك فعلم علّمه هللا نبيّه ‪ ‬فعلّمنيه‪ ،‬ودعا لي بأن يعي ه‬
‫صدري‪ ،‬وتضط ّم عليه جوانحي) (‪)1‬‬
‫ّ‬
‫[الحديث‪ ]719 :‬سئل اإلمام علي عن الفتنة‪ ،‬فقال‪ :‬إنه ل ّما أن زل هللا س بحانه‬
‫ب النَّاسُ أَ ْن يُ ْت َر ُك وا أَ ْن يَقُولُ وا آ َمنَّا َوهُ ْم اَل يُ ْفتَنُ ونَ ﴾ [العنكب وت‪]2 :‬‬ ‫قول ه‪﴿ :‬أَ َح ِس َ‬
‫أن الفتنة ال تنزل بن ا ورس ول هللا ‪ ‬بين أظهرن ا‪ ،‬فقلت‪ :‬ي ا رس ول هللا‪ ،‬م ا‬ ‫علمت ّ‬
‫إن أ ّم تي س يفتنون بع دي)‪،‬‬ ‫هذه الفتنة التي أخبرك هللا تع الى به ا؟ فق ال‪( :‬ي ا عل ّي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫فقلت‪ :‬ي ا رس ول هللا‪ ،‬أو ليس ق د قلت لي ي وم أح د حيث استش هد من استش هد من‬
‫الش هادة من‬ ‫فإن ّ‬ ‫ق ذلك عل ّي‪ ،‬فقلت لي‪( :‬أبشر ّ‬ ‫المسلمين‪ ،‬وحيزت عنّي ال ّشهادة‪ ،‬فش ّ‬
‫(إن ذلك لكذلك‪ ،‬فكيف ص برك إذا؟)‪ ،‬فقلت‪ :‬ي ا رس ول هللا‪ ،‬ليس‬ ‫ورائك)‪ ،‬فقال لي‪ّ :‬‬
‫إن‬‫والش كر‪ ،‬وق ال‪( :‬ي ا عل ّي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الص بر‪ ،‬ولكن من م واطن البش رى‬ ‫هذا من م واطن ّ‬
‫الق وم س يفتنون ب أموالهم‪ ،‬ويمنّ ون ب دينهم على ربّهم‪ ،‬ويتمنّ ون رحمت ه‪ ،‬وي أمنون‬
‫سطوته‪ ،‬ويستحلّون حرامه بال ّشبهات الكاذبة‪ ،‬واألهواء السّاهية؛ فيس تحلّون الخم ر‬
‫ي المن ازل أن زلهم‬ ‫بالنّبيذ‪ ،‬والسّحت بالهديّة‪ ،‬والرّبا بالبيع)‪ ،‬قلت‪ :‬يا رس ول هللا‪ ،‬فب أ ّ‬
‫عند ذلك؟ أ بمنزلة ر ّدة أم بمنزلة فتنة؟ فقال‪( :‬بمنزلة فتنة)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]720 :‬قال اإلمام علي‪( :‬أ ّما بعد حمد هللا والثّناء عليه‪ ،‬أيّها النّاس‪،‬‬
‫فإنّي فقأت عين الفتن ة‪ ،‬ولم يكن ليج ترئ عليه ا أح د غ يري بع د أن م اج غيهبه ا‪،‬‬
‫واشت ّد كلبها‪ ،‬فاسألوني قبل أن تفقدوني‪ ،‬فو الّذي نفس ي بي ده ال تس ألوني عن ش يء‬
‫فيما بينكم وبين السّاعة‪ ،‬وال عن فئة تهدي مائ ة وتض ّل مائ ة‪ ،‬إاّل أنب أتكم بناعقه ا‪،‬‬
‫وقائدها وس ائقها‪ ،‬ومن اخ ركابه ا‪ ،‬ومح طّ رحاله ا‪ ،‬ومن يقت ل من أهله ا قتال‪ ،‬ومن‬
‫يموت منهم موتا‪ ،‬ولو قد فقدتموني‪ ،‬ونزلت بكم كرائه األمور‪ ،‬وحوازب الخطوب‪،‬‬
‫ألطرق كثير من السّائلين‪ ،‬وفشل كث ير من المس ؤولين‪ ،‬وذل ك إذا قلّص ت ح ربكم‪،‬‬
‫وش ّمرت عن ساق‪ ،‬وضاقت ال ّدنيا عليكم ض يقا‪ ،‬تس تطيلون مع ه أيّ ام البالء عليكم‪،‬‬
‫حتّى يفتح هللا لبقيّة األبرار منكم) (‪)3‬‬

‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪ ،)128‬وغرر الحكم ودرر الكلم‪ :‬ص ‪.118‬‬
‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪)156‬‬
‫‪ )(3‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪ ،)93‬وكتاب سليم بن قيس‪ :‬ص ‪.713 -712‬‬
‫‪210‬‬
‫[الحــديث‪ ]421 :‬قال اإلم ام علي في وقت الش ورى بع د وف اة عثم ان‪( :‬لن‬
‫ق‪ ،‬وصلة رحم‪ ،‬وعائ دة ك رم‪ ،‬فاس معوا ق ولي‪ ،‬وع وا‬ ‫يسرع أحد قبلي إلى دعوة ح ّ‬
‫منطقي‪ ،‬عسى أن تروا هذا األمر من بعد هذا اليوم تنتضى فيه السّيوف‪ ،‬وتخان فيه‬
‫العهود‪ ،‬حتّى يكون بعضكم أئ ّمة ألهل الضّاللة‪ ،‬وشيعة ألهل الجهالة)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪]722 :‬ـ قال اإلم ام علي في خطب ة ل ه يح ذر من الفتن‪( :‬وأحمد هللا‬
‫وأستعينه على مداحر ال ّشيطان ومزاجره‪ ،‬واالعتصام من حبائل ه ومخاتل ه‪ ،‬وأش هد‬
‫أن مح ّم دا عب ده ورس وله‪ ،‬ونجيب ه وص فوته‪ ،‬ال ي ؤازى‬ ‫أن ال إل ه إاّل هللا‪ ،‬وأش هد ّ‬
‫فضله‪ ،‬وال يجبر فقده‪ ،‬أضاءت به البالد بع د ّ‬
‫الض اللة المظلم ة‪ ،‬والجهال ة الغالب ة‪،‬‬
‫والجفوة الجافية‪ ،‬والنّاس يس تحلّون الح ريم‪ ،‬ويس تذلون الحكيم‪ ،‬يحي ون على ف ترة‪،‬‬
‫ّ‬
‫ويموتون على كفرة‪ ،‬ث ّم إنّكم معشر العرب أغراض باليا قد اقتربت‪ ،‬فاتّقوا سكرات‬
‫النّعمة‪ ،‬واحذروا بوائق النّقمة‪ ،‬وتثبّتوا في قتام العشوة‪ ،‬واعوجاج الفتنة‪ ،‬عند طلوع‬
‫جنينها‪ ،‬وظهور كمينها‪ ،‬وانتصاب قطبه ا‪ ،‬وم دار رحاه ا‪ ،‬تب دأ في م دارج خفيّ ة‪،‬‬
‫وتؤول إلى فظاعة جليّ ة‪ ،‬ش بابها كش باب الغالم‪ ،‬وآثاره ا كآث ار ّ‬
‫الس الم‪ ،‬يتوارثه ا‬
‫الظّلمة بالعهود‪ ،‬أوّلهم قائد آلخرهم‪ ،‬وآخرهم مقتد بأوّلهم‪ ،‬يتنافس ون في دني ا دنيّ ة‪،‬‬
‫ويتكالبون على جيفة مريحة‪ ،‬وعن قليل يتبرّأ التّابع من المتبوع‪ ،‬والقائد من المقود‪،‬‬
‫فيتزايلون بالبغضاء‪ ،‬ويتالعنون عند اللّقاء‪ ..‬ث ّم يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرّج وف‪،‬‬
‫والقاصمة ال ّزحوف‪ ،‬فتزيغ قلوب بعد استقامة‪ ،‬وتض ّل رجال بع د س المة‪ ،‬وتختل ف‬
‫األهواء عند هجومها‪ ،‬وتلتبس اآلراء عن د نجومه ا‪ ،‬من أش رف له ا قص مته‪ ،‬ومن‬
‫سعى فيه ا حطمت ه‪ ،‬يتك ادمون فيه ا تك ادم الحم ر في العان ة‪ ،‬ق د اض طرب معق ود‬
‫ق أه ل‬ ‫الحبل‪ ،‬وعمي وجه األمر‪ ،‬تغيض فيه ا الحكم ة‪ ،‬وتنط ق فيه ا الظّلم ة‪ ،‬وت د ّ‬
‫البدو بمسحلها‪ ،‬وترضّهم بكلكلها‪ ،‬يضيع في غباره ا الوح دان‪ ،‬ويهل ك في طريقه ا‬
‫الرّكبان‪ ،‬ترد بم ّر القض اء‪ ،‬وتحلب عبي ط ال ّدماء‪ ،‬وتثلم من ار ال ّدين‪ ،‬وتنقض عق د‬
‫اليقين‪ ،‬يهرب منها األكياس‪ ،‬ويدبّرها األرجاس‪ ،‬مرعاد م براق‪ ،‬كاش فة عن س اق‪،‬‬
‫تقطع فيها األرحام‪ ،‬ويفارق عليها اإلسالم‪ ،‬بريئه ا س قيم‪ ،‬وظاعنه ا مقيم‪ ،‬بين قتي ل‬
‫مطل ول‪ ،‬وخ ائف مس تجير‪ ،‬يختل ون بعق د األيم ان‪ ،‬وبغ رور اإليم ان‪ ،‬فال تكون وا‬
‫أنصاب الفتن‪ ،‬وأعالم الب دع‪ ،‬والزم وا م ا عق د علي ه حب ل الجماع ة‪ ،‬وب نيت علي ه‬
‫أركان الطّاعة‪ ،‬واقدموا على هللا مظلومين‪ ،‬وال تقدموا عليه ظالمين‪ ،‬واتّقوا م دارج‬
‫ال ّشيطان‪ ،‬ومهابط العدوان‪ ،‬وال تدخلوا بط ونكم لع ق الح رام؛ ف إنّكم بعين من ح رّم‬
‫عليكم المعصية‪ ،‬وسهّل لكم سبل الطّاعة)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪ ]723 :‬ق ال اإلم ام علي‪( :‬أيّه ا النّ اس‪ ،‬ال يج رمنّكم ش قاقي‪ ،‬وال‬
‫يستهوينّكم عصياني‪ ،‬وال تتراموا باألبص ار عن د م ا تس معونه منّي‪ ،‬ف و الّ ذي فل ق‬
‫إن الّذي أنبّئكم به عن النّب ّي األ ّم ّي ‪ ‬ما كذب المبلّغ‪ ،‬وال جه ل‬
‫الحبّة وبرأ النّسمة‪ّ ،‬‬

‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪ ،)139‬وتاريخ الطبري‪ :‬ج ‪ 3‬ص ‪.300‬‬


‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪ ،)151‬وبحار األنوار‪ :‬ج ‪ 34‬ص ‪ 227 -226‬ب ‪.33‬‬
‫‪211‬‬
‫بالش ام‪ ،‬وفحص برايات ه في ض واحي‬ ‫الس امع‪ ..‬لك أنّي أنظ ر إلى ض لّيل ق د نع ق ّ‬
‫ّ‬
‫عض ت‬‫ّ‬ ‫كوفان‪ ،‬فإذا فغرت فاغرت ه‪ ،‬واش ت ّدت ش كيمته‪ ،‬وثقلت في األرض وطأت ه‪،‬‬
‫الفتن ة أبناءه ا بأنيابه ا‪ ،‬وم اجت الح رب بأمواجه ا‪ ،‬وب دا من األيّ ام كلوحه ا‪ ،‬ومن‬
‫اللّي الي ك دوحها‪ ..‬ف إذا أين ع زرع ه‪ ،‬وق ام على ينع ه‪ ،‬وه درت شقاش قه‪ ،‬وب رقت‬
‫بوارقه‪ ،‬عقدت رايات الفتن المعضلة‪ ،‬وأقبلن كاللّي ل المظلم‪ ،‬والبح ر الملتطم‪ ..‬ه ذا‬
‫ف الق رون‬‫وكم يخرق الكوفة من قاصف‪ ،‬ويم ّر عليها من عاص ف‪ ،‬وعن قلي ل تلت ّ‬
‫بالقرون‪ ،‬ويحصد القائم‪ ،‬ويحطم المحصود) (‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]724 :‬قال اإلمام علي‪( :‬إنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ه‬
‫ق‪ ،‬وال أظهر من الباطل‪ ،‬وال أكثر من الكذب على هللا ورسوله‪،‬‬ ‫شيء أخفى من الح ّ‬
‫ق تالوته‪ ،‬وال أنفق منه‬ ‫وليس عند أهل ذلك ال ّزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي ح ّ‬
‫إذا حرّف عن مواض عه‪ ،‬وال في البالد ش يء أنك ر من المع روف‪ ،‬وال أع رف من‬
‫المنكر‪ ،‬فق د نب ذ الكت اب حملت ه‪ ،‬وتناس اه حفظت ه‪ ..‬فالكت اب يومئ ذ وأهل ه طري دان‬
‫منفيّان‪ ،‬وصاحبان مصطحبان في طريق واحد ال يؤويهما مؤو‪ ..‬فالكتاب وأهل ه في‬
‫ألن الضّاللة ال توافق الهدى‬‫ذلك ال ّزمان في النّاس وليسا فيهم‪ ،‬ومعهم وليسا معهم‪ّ ،‬‬
‫وإن اجتمعا‪ .‬فاجتمع القوم على الفرقة‪ ،‬وافترقوا على الجماعة‪ ،‬كأنّهم أئ ّمة الكت اب‪،‬‬
‫وليس الكتاب إمامهم‪ ،‬فلم يبق عندهم منه إاّل اس مه‪ ،‬وال يعرف ون إاّل خطّ ه وزب ره‪،‬‬
‫ومن قبل ما مثّلوا بالصّالحين ك ّل مثلة‪ ،‬وس ّموا ص دقهم على اهلل فري ة‪ ،‬وجعل وا في‬
‫ال ّ‬
‫سيّئة)(‪)2‬‬
‫الحسنة عقوبة‬
‫[الحــديث‪ ]725 :‬ق ال اإلم ام علي‪( :‬إنّم ا س ّميت ّ‬
‫الش بهة ش بهة؛ ألنّه ا تش به‬
‫الح ّ‬
‫ق‪ ،‬فأ ّما أولياء هللا فض ياؤهم فيه ا اليقين‪ ،‬ودليلهم س مت اله دى‪ ،‬وأ ّم ا أع داء هللا‬
‫الض الل‪ ،‬ودليلهم العمى‪ ،‬فم ا ينج و من الم وت من خاف ه‪ ،‬وال يعطى‬ ‫فدعاؤهم فيها ّ‬
‫البقاء من أحبّه) (‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]726 :‬قال اإلمام علي‪( :‬إنّما بدء وقوع الفتن‪ :‬أهواء تتّبع‪ ،‬وأحك ام‬
‫تبتدع‪ ،‬يخالف فيها كتاب هللا‪ ،‬ويتولّى عليها رجال رجاال على غير دين هللا‪ ،‬فل و ّ‬
‫أن‬
‫ق خلص من‬ ‫أن الح ّ‬‫ق‪ ،‬لم يخ ف على المرت ادين‪ ،‬ول و ّ‬ ‫الباطل خلص من مزاج الح ّ‬
‫لبس الباطل‪ ،‬انقطعت عنه ألس ن المعان دين‪ ،‬ولكن يؤخ ذ من ه ذا ض غث ومن ه ذا‬
‫ضغث فيمزجان‪ ،‬فهنالك يستولي ال ّشيطان على أوليائه‪ ،‬وينجو الّذين س بقت لهم من‬
‫اهلل الحسنى) (‪)4‬‬

‫[الحديث‪ ]727 :‬روي أن اإلمام الصادق‪ ،‬بكى بكاء شديد‪ ،‬فسئل عن س ببه‪،‬‬
‫فقال‪( :‬ويكم إني نظرت في كتاب الجفر صبيحة ه ذا الي وم‪ ،‬وه و الكت اب المش تمل‬
‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪ ،)101‬وشرح نهج البالغة البن أبي الحديد‪ :‬ج ‪ 7‬ص ‪ 96‬الخطبة رقم(‪)100‬‬
‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم ‪.147‬‬
‫‪ )(3‬نهج البالغة للشريف الرضي‪ :‬الخطبة رقم(‪ ،)38‬وغرر الحكم ودرر الكلم‪ :‬ص ‪.72‬‬
‫‪ )(4‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪ ،)50‬والمحاسن‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪.208‬‬
‫‪212‬‬
‫على علم المنايا والباليا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص‬
‫هللا تقدس اسمه ب ه محم دا ‪ ‬واألئم ة من بع ده‪ ،‬وت أملت في ه مول د قائمن ا وغيبت ه‬
‫وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين به من بعده في ذل ك الزم ان وتول د الش كوك‬
‫في قل وبهم من ط ول غيبت ه وارت داد أك ثرهم عن دينهم وخلعهم ربق ة اإلس الم من‬
‫أعناقهم)(‪)1‬‬
‫ثانيا ـ ما ورد في شأن هجر الوصية وكيفية مواجهة أئمة الهدى لها‪:‬‬
‫وهي األحاديث التي تؤكد ما ورد في المصادر السنية من هجر األمة لوصية‬
‫نبيه ا ‪ ‬المرتبط ة باإلمام ة واالمت داد الرس الي‪ ،‬بس بب تص ورها ع دم الحاج ة‬
‫لإلمامة‪ ،‬وأنه يمكن أن يتوالها أي أحد ظفر بشرف الصحبة‪.‬‬
‫وقد قسمنا األحاديث الواردة في هذا الشأن إلى األقسام التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬أنواع األذى التي تصيب العترة‪:‬‬
‫وهي أح اديث كث يرة تتف ق م ع نظيراته ا ال واردة في المص ادر الس نية‪،‬‬
‫باإلضافة إلى توافقها مع ما اتفق عليه المؤرخون من ذل ك البالء العظيم ال ذي ن زل‬
‫بأهل بيت النبوة ابتداء من العصر األول لإلسالم إلى الدرجة التي أصبح فيها س بهم‬
‫عبادة‪.‬‬
‫وهي تتوافق مع القرآن الك ريم ال ذي يش ير كث يرا إلى الخالف ال ذي يق ع في‬
‫األمم بعد أنبيائها بسبب البغي والحسد‪ ،‬وهذا ما حص ل أله ل بيت النب وة‪ ،‬وخاص ة‬
‫في ظل النظام العشائري الذي كانت تقوم عليه ق ريش خصوص ا‪ ،‬ول ذلك تص وروا‬
‫أنه ال يحق لبني هاش م أن يجمع وا بين النب وة واإلمام ة‪ ،‬العتق ادهم أن اإلمام ة من‬
‫الدنيا‪ ،‬وليست من الدين‪.‬‬
‫وذلك الخالف رد طبيعي على عدم اإليمان باإلمامة‪ ،‬ذل ك أن ال ذي ال ي ؤمن‬
‫بها يتيح ألي شخص أن يفتي ويفسر الدين بحس ب م ا ي راه‪ ،‬وه و م ا يجع ل لل دين‬
‫قراءات ومصادر متعددة ال ينتج عنها إال الخالف وربما الشقاق‪.‬‬
‫ومن األحاديث الواردة في هذا‪:‬‬
‫ً‬
‫[الحديث‪ ]728 :‬قال اإلمام علي‪ :‬كنا جلوسا عند النبي ‪ ‬وهو ن ائ ٌم ورأس ه‬
‫في حجري‪ ،‬فتذاكرنا ال ّدجال فاستيقظ النبي ‪ ‬محم ّراً وجهه‪ ،‬فق ال‪( :‬لغ ير ال ّدجال‬
‫المض لون‪ ،‬وس فك دم اء ع ترتي من بع دي‪ ،‬أن ا‬ ‫ّ‬ ‫أخ وف عليكم من ال ّدجال‪ :‬األئم ة‬
‫حربٌ لمن حاربهم وسل ٌم لمن سالمهم)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]729 :‬عن سلمان الفارس ى ق ال‪ :‬كنت جالس ا ً بين ي دي رس ول هللا‬
‫‪ ‬في مرضته التي قُبض فيها‪ ،‬فدخلت فاطمة فلما رأت ما بأبيها ‪ ‬من الضعف‪،‬‬
‫كيا‬ ‫بكت ح تى ج رت دموعه ا على خ ديها‪ ،‬فق ال له ا رس ول هللا ‪( :‬م ا يبكي ِ‬
‫فاطم ة؟!)‪ ،‬ق الت‪ :‬ي ا رس ول هللا‪ ،‬أخش ى الض يعة على نفس ي وول دي بع دك‪،‬‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪.219 / 51 :‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،28/48 :‬وأمالي الطوسي ‪.2/126‬‬
‫‪213‬‬
‫ت‬ ‫ت أنّ ا أه ل بي ٍ‬
‫فاغرورقت عينا رسول هللا ‪ ‬بالبكاء‪ ،‬ثم قال‪( :‬يا فاطمة‪ ،‬أم ا علم ِ‬
‫اختار هللا لنا اآلخرة على الدنيا‪ ،‬وإن ه حتَم الفن اء على جمي ع خلق ه‪ّ ،‬‬
‫وأن هللا تب ارك‬
‫وتعالى اطّلع إلى األرض اطالعةً فاختارني منهم وجعلني نبياً‪ ،‬واطّل ع إلى األرض‬
‫أزوجك إياه‪ ،‬وأن أتخ ذه ولي ا ً‬
‫ِ‬ ‫اطالعةً ثانيةً‪ ،‬فاختار منها زوجك‪ ،‬فأوحى هللا إل ّي أن‬
‫ووزيراً‪ ،‬وأن أجعله خليفتي في أمتي‪ ،‬ف أبوك خ ير أنبي اء هللا ورس له‪ ،‬وبعل ك خ ير‬
‫األوصياء‪ ،‬وأنت أول من يلح ق بي من أهلي‪ ..‬ثم اطّل ع إلى األرض اطالع ةً ثالث ةً‬
‫حسن وحسين ٍسيدا شباب أه ل‬ ‫ٍ‬ ‫وابناك‬
‫ِ‬ ‫فاختارك ِوولدك ِوأنت سيدة نساء أهل الجنة‪،‬‬
‫إن هللا‬ ‫بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة‪ ،‬كلهم هادون مهديون‪ ..‬يا علي‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫الجنة‪ ،‬وأبناء‬
‫تبارك وتعالى قد قضى الفرقة واالختالف على ه ذه األم ة‪ ،‬ول و ش اء لجمعهم على‬
‫الهدى حتى ال يختلف اثنان من هذه األمة‪ ،‬وال ينازع في شيء من أمره‪ ،‬وال يجح د‬
‫ب الظالم‪ ،‬ويعلم‬ ‫المفضول ذا الفضل فضله‪ ،‬ولو شاء لعجّل النقمة والتغيير حتى ي ّ‬
‫ُكذ َ‬
‫ق أين مص يره‪ ،‬ولكن ه جع ل ال دنيا دار األعم ال وجع ل اآلخ رة دار الق رار‬ ‫الح ّ‬
‫ُس نَى﴾ [النجم‪،]31 :‬‬ ‫ي الَّ ِذينَ أَحْ َس نُوا بِ ْالح ْ‬
‫ي الَّ ِذينَ أَ َس ا ُءوا بِ َم ا َع ِملُ وا َويَجْ ِز َ‬
‫﴿ لِيَجْ ِز َ‬
‫فقال اإلمام علي‪( :‬الحمد هلل شكراً على نعمائه‪ ،‬وصبراً على بالئه)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]730 :‬ق ال اإلم ام علي‪ :‬كنت أمش ي م ع رس ول هللا ‪ ‬في بعض‬
‫طرق المدينة‪ ،،‬فلما خال له الطريق اعتنق ني‪ ،‬ثم أجهش باكي ا ً وق ال‪( :‬ب أبي الوحي د‬
‫الشهيد)‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول هللا ما يبكي ك؟!‪ ،‬فق ال ‪( :‬ض غاين في ص دور أق وام ال‬
‫يبدونها لك إال من بعدي‪ :‬أحقاد بدر وترات أُحد)‪ ،‬قلت‪ :‬في سالمة من ديني؟‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫إن حيات ك وموت ك معي‪ ،‬وأنت أخي وأنت‬ ‫(في س المة من دين ك‪ ،‬فأبش ر ي ا علي ف ّ‬
‫وصيي وأنت صفيي ووزيري ووارثي‪ ،‬والمؤدِّي ع ني وأنت تقض ي دي ني وتنج ز‬
‫عداتي عني‪ ،‬وأنت تبرئ ذمتي وتؤ ّدي أمانتي‪ ،‬وتقاتل على سنّتي الناكثين من أمتي‬
‫والقاسطين والمارقين‪ ،‬وأنت مني بمنزلة ه ارون من موس ى‪ ،‬ول ك به ارون أس وة‬
‫حس نة إذ استض عفه قوم ه وك ادوا يقتلون ه‪ ،‬فاص بر لظلم ق ريش إي اك‪ ،‬وتظ اهرهم‬
‫عليك‪ ،‬فإنك بمنزلة ه ارون من موس ى ومن تبع ه‪ ،‬وهم بمنزل ة العج ل ومن تبع ه‪،‬‬
‫وإن موسى أمر هارون ـ حين استخلفه عليهم ـ إن ضلّوا فوجد أعوان ا ً أن يجاه دهم‬
‫يكف يده ويحقن دمه‪ ،‬وال يفرق بينهم‪ ..‬يا علي‪ ،‬م ا بعث‬ ‫ّ‬ ‫بهم‪ ،‬وإن لم يجد أعوانا ً أن‬
‫هللا رسوالً إال وأسلم معه قومه طوعاً‪ ،‬وقوم آخرون كرهاً‪ ،‬فس لّط هللا ال ذين أس لموا‬
‫كرها ً على الذين أسلموا طوعاً‪ ،‬فقتل وهم ليك ون أعظم ألج ورهم‪ ..‬ي ا علي‪ ،‬إن ه م ا‬
‫اختلفت أمة بعد نبيّها إال ظهر أه ل باطله ا على أه ل حقه ا‪ ،‬وإن هللا قض ى الفرق ة‬
‫واالختالف على هذه األمة)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]731 :‬وهو حديث طويل روي عن ابن عب اس ن رى أن ه تص رف‬
‫فيه الرواة‪ ،‬ولذلك نكتفي منه بما وقع االتفاق عليه في األحاديث األخرى‪ ،‬ونصه أن‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،28/54 :‬وكمال الدين ص‪.262‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،28/55 :‬وكتاب سليم ص‪.72‬‬
‫‪214‬‬
‫رسول هللا ‪ ‬جمع أهل بيته‪ ،‬فبكى‪ ،‬فسئل عن ذلك‪ ،‬فقال‪( :‬أم ا علي بن أبي ط الب‬
‫فإن ه أخي وش قيقي‪ ،‬وص احب األم ر بع دي وص احب ل وائي في ال دنيا واآلخ رة‪،‬‬
‫وصاحب حوضي وشفاعتي‪ ،‬وهو مولى ك ّل مسلم وإمام ك ّل مؤمن‪ ،‬وقائد ك ّل تقي‪،‬‬
‫وه و وص يي وخليف تي على أهلي وأم تي في حي اتي وبع د م وتي‪ ،‬محبّ ه مح بي‪،‬‬
‫ومبغضه مبغضي‪ ،‬وبواليته صارت أمتي مرحومةً‪ ،‬وبعداوته صارت المخالف ة ل ه‬
‫منها ملعونةً‪ ..‬وإني بكيت حين أقبل‪ ،‬ألني ذك رت غ در األم ة ب ه بع دي‪ ،‬ح تى أن ه‬
‫ليُزال عن مقعدي وقد جعله هللا له بعدي‪ ،‬ثم ال ي زال األم ر ب ه ح تى يض رب على‬
‫قرنه ضربةً تخضب منها لحيته في أفضل الشهور)‬
‫وقال عن فاطمة الزهراء‪( :‬وأما ابنتي فاطمة فإنه ا س يدة نس اء الع المين من‬
‫األولين واآلخرين‪ ،‬وهي بضعة م ني‪ ،‬وهي ن ور عي ني‪ ،‬وهي ثم رة ف ؤادي‪ ،‬وهي‬
‫روحي التي بين جنب ّي‪ ،‬متى ق امت في محرابه ا بين ي دي ربه ا ج ّل جالل ه‪ ،‬زه ر‬
‫نورها لمالئكة السماء‪ ،‬كما يزه ر ن ور الك واكب أله ل األرض‪ ..‬وإني لم ا رأيته ا‬
‫ذكرت م ا يُص نع به ا بع دي‪ ،‬ك أني به ا وق د دخ ل ال ذ ّل بيته ا‪ ،‬وانتُهكت حرمته ا‪،‬‬
‫ُ‬
‫و ُغصبت حقّها‪ ،‬و ُمنعت إرثها‪ ،‬و ُكسرت جنبته ا‪ ،‬وأس قط جنينه ا‪ ..‬فال ت زال بع دي‬
‫محزونةً مكروبةً باكيةً‪ ،‬تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة‪ ،‬وتتذكر فراقي أخرى)‬
‫وقال عن اإلمام الحسن‪( :‬أما الحسن فإنه اب ني وول دي وم ني‪ ،‬وق رة عي ني‪،‬‬
‫وضياء قلبي‪ ،‬وثمرة فؤادي‪ ،‬وه و س يد ش باب أه ل الجن ة‪ ،‬وح ّج ة هللا على األم ة‪،‬‬
‫أمره أمري‪ ،‬وقول ه ق ولي‪ ،‬من تبع ه فإن ه م ني‪ ،‬ومن عص اه فليس م ني‪ ،‬وإني لم ا‬
‫نظرت إليه تذكرت ما يجري عليه من ال ذ ّل بع دي؛ فال ي زال األم ر ب ه ح تى يُقت ل‬
‫بالس ّم ظلما ً وعدواناً)‬
‫وقال عن اإلمام الحسين‪( :‬أما الحسين فإنه مني‪ ،‬وهو ابني‪ ،‬وخير الخلق بعد‬
‫أخيه‪ ،‬وه و إم ام المس لمين‪ ،‬وه و س يد ش باب أه ل الجن ة‪ ،‬أم ره أم ري‪ ،‬وطاعت ه‬
‫طاعتي‪ ،‬من تبعه فإن ه م ني‪ ،‬ومن عص اه فليس م ني‪ ،‬وإني لم ا رأيت ه ت ذ ّكرت م ا‬
‫يُصنع به بعدي)‬
‫ثم بكى رسول هللا ‪ ‬وبكى من حوله‪ ،‬ثم قام وه و يق ول‪( :‬اللهم‪ ،‬إني أش كو‬
‫إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي‪ ،‬ثم دخل منزله)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]732 :‬عن أم الفضل بن العباس قالت‪ :‬لم ا ثَقُ ل رس ول هللا ‪ ‬في‬
‫مرضه ال ذي ت وفى في ه‪ ،‬أف اق إفاق ةً ونحن نبكي فق ال‪ :‬م ا ال ذي يبكيكم؟‪ ،‬قلت‪ :‬ي ا‬
‫رس ول هللا‪ ،‬نبكي لغ ير خص لة‪ ،‬نبكي لفراق ك إيان ا‪ ،‬والنقط اع خ بر الس ماء عن ا‪،‬‬
‫ونبكي األمة من بعدك‪ ،‬فقال ‪( :‬أم ا إنكم المقه ورون والمستض عفون من بع دي)‬
‫(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]733 :‬قال اإلمام الصادق‪( :‬لم ا أُس رى ب النبي ‪ ‬قي ل ل ه‪ّ :‬‬
‫إن هللا‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،28/40 :‬وأمالي الصدوق ص‪.68‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،28/40 :‬وأمالي الطوسي ‪.1/122‬‬
‫‪215‬‬
‫مختبرك في ثالث لينظر كيف صبرك؟‪ ،‬قال‪ :‬أسلّم ألمرك يا ربّ ‪ ،‬وال قوة لي على‬
‫هن؟ قيل‪ :‬أولهن‪ :‬الجوع واألثرة على نفس ك وعلى أهل ك أله ل‬ ‫الصبر إال بك‪ ،‬فما ّ‬
‫قبلت يا ربّ ورضيت وسلمت‪ ،‬ومنك التوفيق والصبر‪ ..‬وأما الثاني ة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫الحاجة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فالتكذيب والخوف الشديد‪ ،‬وبذلك مهجتَك ف ّي‪ ،‬ومحاربة أهل الكف ر بمال ك ونفس ك‪،‬‬ ‫ُ‬
‫والص بر على م ا يص يبك منهم من األذى ومن أه ل النف اق‪ ،‬واأللم في الح رب‬
‫والج راح‪ ،‬ق ال‪ :‬ي ا ربّ قبلت ورض يت وس لّمت‪ ،‬ومن ك التوفي ق والص بر‪ ..‬وأم ا‬
‫الثالثة‪ :‬فم ا يلقى أه ل بيت ك من بع دك من القت ل‪ :‬أم ا أخ وك فيلقى من أمت ك الش تم‬
‫والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجهد والظلم وآخر ذلك القتل‪ ،‬فقال‪ :‬ي ا ربّ س لّمت‬
‫وقبلت‪ ،‬ومنك التوفيق والصبر)(‪)1‬‬
‫‪ 3‬ـ ما ورد من احتجاجات اإلمام علي للرافضين لإلمامة‪:‬‬
‫وهي أحاديث تتوافق مع ما ورد في المصادر السنية من غ در األم ة باإلم ام‬
‫علي‪ ،‬وعدم وفائه ا ل ه بحق ه في اإلمام ة‪ ،‬وم ا تقتض يه من اعتب اره المرج ع ال ذي‬
‫يؤول إليه المسلمون في أمور دينهم بعد رسول هللا ‪.‬‬
‫ولهذا كان اإلم ام علي ي ذكر بتل ك األح اديث ومقتض ياتها‪ ،‬وي بين آث ار ذل ك‬
‫وعواقبه في مسيرة االنحراف الذي ستقع فيه األمة‪.‬‬
‫وقد رأينا أنه يمكن االكتفاء من تلك االحتجاجات هنا بثالث ة أح اديث طويل ة‪،‬‬
‫تجمع ما ورد ذكره في سائر األحاديث‪.‬‬
‫الحديث األول‪:‬‬
‫وهو حديث طويل(‪ )2‬يذكر فيه اإلم ام علي بعض م ا امتحن ه هللا ب ه ليس تحق‬
‫اإلمامة‪ ،‬وهو يتوافق مع ما ورد في القرآن الكريم من أن اإلمامة هبة إلهية ال تُن ال‬
‫ت فَ أَتَ َّمه َُّن‬
‫إال بعد االبتالء واالختبار‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ ِذ ا ْبتَلَى إِب َْرا ِهي َم َربُّهُ بِ َكلِ َم ا ٍ‬
‫ال اَل يَنَ ا ُل َع ْه ِدي الظَّالِ ِمينَ ﴾ [البق رة‪:‬‬ ‫ال َو ِم ْن ُذرِّ يَّتِي قَ َ‬‫اس إِ َما ًما قَ َ‬ ‫قَا َل إِنِّي َجا ِعلُكَ لِلنَّ ِ‬
‫ص بَرُوا َو َك انُوا بِآيَاتِنَ ا يُوقِنُ ونَ ﴾‬ ‫﴿و َج َع ْلنَا ِم ْنهُ ْم أَئِ َّمةً يَ ْه ُدونَ بِأ َ ْم ِرنَا لَ َّما َ‬
‫‪ ،]124‬وقال‪َ :‬‬
‫[السجدة‪]24 :‬‬
‫وقد قسمنا الحديث إلى مقاطع بحسب معانيه‪ ،‬وحذفنا ما نرى أن ه من الحش و‬
‫الذي قد يصرف عن المعاني الواردة فيه‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]734 :‬عن محمد بن الحنفي ة‪ ،‬ق ال‪ :‬أتى رأس اليه ود علي بن أبي‬
‫طالب عند منصرفه من وقعة النه روان‪ ،‬وه و ج الس في مس جد الكوف ة‪ ،‬فق ال‪ :‬ي ا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬إني أريد أن أسألك عن أشياء ال يعلمها إاّل نب ّي أو وصي نب ّي‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫أن هللا ع ّز وج ل إذا بعث نبيّ ا‬ ‫سل ع ّما بدا لك يا أخا اليهود‪ ،‬قال‪ :‬إنّا نجد في الكتاب ّ‬
‫أوحى إليه‪ :‬أن يتخذ من أهل بيته من يق وم ب أمر ربّ ه في أمت ه من بع ده‪ ،‬وأن يعه د‬
‫وأن اهلل ع ّز وج ل يمتحن‬ ‫إلي ه فيهم عه دا يحتذي ه ويعم ل ب ه في أ ّمت ه من بع ده‪ّ ،‬‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،28/62 :‬وكامل الزيارات ص‪.332‬‬
‫‪ )(2‬الخصال ‪ 2‬ـ ‪ 572‬ـ ‪ ،580‬بحار األنوار (‪)432 /31‬‬
‫‪216‬‬
‫أخبرني كم يمتحن اهلل‬ ‫األوص ياء في حي اة األنبي اء‪ ،‬ويمتحنهم بع د وف اتهم‪ ،‬ف‬
‫األوصياء في حي اة األنبي اء من م رّة؟ وكم يمتحنهم بع د وف اتهم من م رّة؟ وإلى م ا‬
‫يصير آخر أمر األوصياء إذا رضي اهلل محنتهم؟ فقال ل ه علي‪ :‬وال ذي فل ق البح ر‬
‫ق عما تسأل عن ه لتق ر ّّن‬ ‫لبني إسرائيل‪ ،‬وأنزل التوراة على موسى‪ ،‬لئن أخبرتك بح ّ‬
‫لمن؟ ق ال‪ :‬نعم‪ ،‬ق ال علي‪:‬‬ ‫به؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فو الذي ال إله غيره لئن ص دقتك لتس ّ‬
‫(إن هللا تبارك وتعالى ذك ره‪ ،‬يمتحن األوص ياء في حي اة األنبي اء في س بعة م واطن‬ ‫ّ‬
‫ليبتلي ط اعتهم‪ ،‬ف إذا رض ي محنتهم أم ر األنبي اء أن يتخ ذوهم أولي اء في حي اتهم‬
‫وأوصياء بعد وف اتهم‪ ،‬فص يّر طاع ة األوص ياء في أعن اق األمم موص ولة بطاع ة‬
‫األنبياء عليهم السّالم‪ ،‬ث ّم يمتحن األوصياء بعد وفاة األنبياء في سبعة مواطن‪ ،‬ليبل و‬
‫ص برهم‪ ،‬ف إذا رض ي محنتهم ختم لهم بالش هادة ليلحقهم باألنبي اء‪ ،‬فق د أكمل هللا لهم‬
‫السعادة)‪ ،‬فقال له اليهودي‪ :‬صدقت ي ا أم ير المؤم نين‪ ،‬فأخبرن ا كم امتحنك هللا ع ّز‬
‫وج ّل في حياة مح ّمد ‪ ‬من مرّة؟ وكم امتحنك بعد وفاته من م رّة؟ وإلى م ا يص ير‬
‫آخر أمرك؟‬
‫ّ‬
‫[الحديث‪ ]735 :‬قال اإلمام علي‪( :‬إن هللا تعالى ذكره امتحن ني في حي اة نبيّن ا‬
‫فيهن ـ من غير تزكية لنفسي بنعم ة هّللا ـ ل ه مطيع ا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬في سبعة مواطن فوجدني‬
‫أولهن ّ‬
‫فإن هللا تبارك وتع الى أوحى إلى نبيّن ا ‪ ‬ب النبوّة‪ ،‬وح ّمل ه الرس الة‪ ،‬وأن ا‬ ‫ّ‬ ‫أما‬
‫ّ‬
‫أحدث أهل بيتي سنا‪ ،‬أخدمه في بيته‪ ،‬وأسعى بين يديه في أمره‪ ،‬ف دعا ص غير ب ني‬
‫عبد المطلب وكبيرهم إلى شهادة أن ال إله إاّل هللا وأنّه رسول هّللا ‪ ،‬ف امتنعوا من ذل ك‬
‫وأنكروه‪ ،‬وجحدوه ونابذوه‪ ،‬واعتزلوه واجتنبوه‪ ،‬وسائر الناس‪ ،‬معصية ل ه وخالف ا‬
‫عليه‪ ،‬واستعظاما لما أورد عليهم م ّما لم تحتمله قلوبهم‪ ،‬ولم تدركه عق ولهم‪ ،‬وأجبت‬
‫رسول اهلل ‪ ‬وحدي إلى ما دعا إليه‪ ،‬مسرعا مطيع ا موقن ا لم تتخ الجني في ذل ك‬
‫األخ اليج‪ ،‬فمكثن ا ب ذلك ثالث حجج‪ ،‬ليس على ظه ر األرض خل ق يص لّي ويش هد‬
‫لرسول اهلل ‪ ‬بم ا آت اه اهلل غ يري وغ ير ابن ة خويل د (رحمه ا هّللا )‪ ،‬ثم التفت إلى‬
‫أصحابه فقال‪ :‬أليس كذلك؟ قالوا‪ :‬بلى يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]736 :‬ق ال اإلم ام علي‪( :‬وأم ا الثاني ة‪ ،‬ف ّ‬
‫إن قريش ا لم ت زل تخيّ ل‬
‫اآلراء‪ ،‬وتعمل الحيل في قتل النبي ‪ ،‬حتّى إذا كان آخر يوم اجتمعت في ه في دار‬
‫الندوة‪ ،‬وإبليس الملعون لحاضر في صورة أع ور ثقي ف‪ ،‬فلم ي زل يض رب أمره ا‬
‫ظهورا وبطونا‪ ،‬حتّى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من ك ّل فخذ من قريش رج ل‪،‬‬
‫ث ّم يأخذ ك ّل رجل منهم سيفه‪ ،‬ث ّم ي أتوا الن ب ّي ‪ ‬وه و ن ائم على فراش ه‪ ،‬فيض ربوه‬
‫بأسيافهم جميع ا ض ربة رج ل واح د فيقتل وه‪ ،‬ف إذا قتل وه منعت ق ريش رجاله ا ولم‬
‫الس الم على الن بي ‪ ‬فأنب أه ب ذلك‪،‬‬
‫تسلمه‪ ،‬فيمضي دمه هدرا‪ ،‬فهبط جبرئيل علي ه ّ‬

‫‪217‬‬
‫وأخبره باللّيلة ال تي يجتمع ون ل ه فيه ا‪ ،‬والس اعة ال تي ي أتون فراش ه فيه ا‪ ،‬وأم ره‬
‫ب الخروج في ال وقت ال ذي خ رج في ه إلى الغ ار‪ ،‬وأنب أني رس ول هللا ‪ ‬ب الخبر‪،‬‬
‫وأم رني أن أض طجع مض جعه وأن أقي ه بنفس ي‪ ،‬فأس رعت إلى ذل ك مطيع ا ل ه‬
‫الس الم لوجه ه‪،‬‬ ‫مس رورا ب ه‪ ،‬ولنفس ي على أن أفت ك موطن ا‪ ،‬فمض ى علي ه ّ‬
‫واضطجعت مضجعه‪ ،‬وأقبلت رجاالت قريش موقنة في أنفسها بقتل النبي ‪ ،‬فلما‬
‫استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه نهضت بسيفي‪ ،‬فدفعتهم عن نفسي بم ا ق د علم ه‬
‫النّاس)‪ ،‬ثم أقبل على أصحابه فقال‪ :‬أليس كذلك؟ قالوا‪ :‬بلى يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫إن اب ني ربيع ة وابن عتب ة‬ ‫[الحديث‪ ]737 :‬قال اإلم ام علي‪( :‬أم ا الثالث ة‪ ،‬ف ّ‬
‫ك انوا فرس ان ق ريش‪ ،‬دع وا إلى ال براز ي وم ب در‪ ،‬فلم ي برز لهم خل ق‪ ،‬فأنهض ني‬
‫رسول هللا ‪ ‬إلى صاحبي وأنا أحدث أصحابي سنّا‪ ،‬وأقلهم للحرب تجربة‪ ،‬فقتل هللا‬
‫بيدي وليدا وشيبة‪ ،‬سوى م ا قتلت من جحاجح ة ق ريش في ذل ك الي وم‪ ،‬وس وى من‬
‫أسرت‪ ،‬وكان منّي أكثر مما كان من أحد من أصحابي‪ ،‬فاستشهد ابن ع ّمي في ذل ك‬
‫الي وم (رحم ه هّللا )‪ ،‬ث ّم التفت إلى أص حابه فق ال‪ :‬أليس ك ذلك؟ ق الوا‪ :‬بلى ي ا أم ير‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫إن قريش ا والع رب تج ّمعت‬ ‫[الحديث‪ ]738 :‬قال اإلمام علي‪( :‬أما الرابعة‪ ،‬ف ّ‬
‫وعق دت بينه ا عق دا وميثاق ا أن ال ترج ع من وجوهه ا‪ ،‬حتّى تقت ل رس ول هللا ‪،‬‬
‫وتقتلنا معه معاشر بني عبد المطلب‪ ،‬ث ّم أقبلت بح ّدها وحدي دها‪ ،‬ح تى أن اخت علين ا‬
‫الس الم على الن بي ‪‬‬ ‫بالمدينة‪ ،‬واثقة في أنفسها بما ت وجّهت‪ ،‬فهب ط جبرئي ل علي ه ّ‬
‫فأنبأه الخبر‪ ،‬فخندق على نفس ه وعلى من مع ه من المه اجرين واألنص ار‪ ،‬فق دمت‬
‫قريش وأقامت على الخندق محاصرة‪ ،‬ترى في أنفسها القوّة وفين ا الض عف‪ ،‬ت برق‬
‫وترعد‪ ،‬ورسول هللا ‪ ‬يدعوها ويناشدها القرابة والرحم‪ ،‬فتأبى وال يزيدها ذلك إاّل‬
‫عتوّا‪ ،‬وفارسها وف ارس الع رب يومئ ذ عم رو بن عب د ود‪ ،‬يه در ك البعير المغتلم‪،‬‬
‫يدعو إلى البراز ويرتجز‪ ،‬ويخطر برمحه م ّرة وبسيفه م ّرة‪ ،‬ال يقدم عليه مقدم‪ ،‬وال‬
‫يطمع فيه طامع‪ ،‬ال حميّة تهيّجه‪ ،‬وال بصيرة تشجعه‪ ..‬فأنهضني إليه رسول هللا ‪،‬‬
‫وع ّممني بي ده‪ ،‬وأعط اني س يفه ه ذا‪ ،‬وض رب بي ده إلى ذي الفق ار‪ ،‬فخ رجت إلي ه‬
‫ونس اء أه ل المدين ة ب واك إش فاقا عل ّي من ابن عب د ود الع امريّ‪ ،‬فقتله هللا بي دي‪،‬‬
‫والعرب ال تع ّد لها فارسا غيره‪ ،‬وضربني ه ذه الض ربة ـ وأوم أ بي ده إلى هامت ه ـ‬
‫فه زم هللا قريش ا والع رب ب ذلك وبم ا ك ان منّي فيهم من النكاي ة)‪ ،‬ث ّم التفت إلى‬
‫أصحابه فقال‪ :‬أليس كذلك؟ قالوا‪ :‬بلى يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫ّ‬
‫[الحديث‪ ]739 :‬قال اإلمام علي‪( :‬أم ا الخامس ة‪ ،‬ف إن أه ل مك ة أقبل وا إلين ا‬
‫على بك رة أبيهم‪ ،‬استحاش وا من يليهم من قبائ ل الع رب وق ريش‪ ،‬ط البين بث أر‬
‫مشركي قريش في يوم بدر ويوم الخندق‪ ،‬فهبط جبرئيل عليه السّالم على الن بي ‪‬‬
‫فأنبأه ذلك‪ ،‬فتأهب النبي ‪ ‬لهم‪ ،‬وعسكر بأصحابه في سفح أحد‪ ،‬وأقبل المش ركون‬
‫إلينا بحملة رجل واحد‪ ،‬فاستشهد من المسلمين من استشهد‪ ،‬وكان ممن بقي منهم م ا‬
‫‪218‬‬
‫ك ان من الهزيم ة عفا هللا عنهم‪ ،‬وبقيت م ع رس ول هللا ‪ ،‬ومض ى المه اجرون‬
‫واألنص ار إلى من ازلهم من المدين ة‪ ،‬ك ّل يق ول‪ :‬قت ل الن بي ‪ ‬وقت ل أص حابه‪ ،‬ث ّم‬
‫ضرب هللا بوجوه المشركين‪ ،‬وقد جرحت بين يدي النبي ‪ ‬نيف ا وس بعين جراح ة‪،‬‬
‫ومنها هذه ومنها هذه ـ ث ّم ألقى رداءه وأم ّر بيده على جراحاته ـ وك ان منّي في ذل ك‬
‫اليوم ما كان هللا على ثواب ه إن ش اء هّللا )‪ ،‬ثم التفت إلى أص حابه فق ال‪ :‬أليس ك ذلك؟‬
‫قالوا‪ :‬بلى يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]740 :‬قال اإلمام علي‪( :‬أما السادسة‪ ،‬فإنّا وردنا مع رس ول هللا ‪‬‬
‫مدين ة أص حابك خي بر‪ ،‬على رج ال اليه ود وفرس انها من ق ريش وغيره ا‪ ،‬فلقون ا‬
‫بأمثال الجبال من الخيل والرجال والسالح‪ ،‬في أمنع دار وأكثر عدد‪ ،‬كل ينادي إلى‬
‫ال براز ويب ادر في القت ال‪ ،‬فلم ي برز لهم من أص حابنا أح د إاّل وهم قتل وه‪ ،‬حتّى إذا‬
‫احمرّت الح دق‪ ،‬ودعيت إلى ال براز‪ ،‬وأه ّمت ك ل رج ل منهم نفس ه‪ ،‬والتفت بعض‬
‫أصحابي إلى بعض وك ّل يقول‪( :‬أوجلهم يا أب ا الحس ن‪ ،‬انهض)‪ ،‬فأنهض ني رس ول‬
‫هللا ‪ ‬إليهم‪ ،‬فلم ي برز إل ّي منهم أح د إاّل قتلت ه‪ ،‬وال ثبت لي ف ارس إاّل طعنت ه‪ ،‬ثم‬
‫ش ددت عليهم ش ّد الليث على فريس ته‪ ،‬حتّى إذا أدخلتهم ج وف م دينتهم‪ ،‬يكس ع‬
‫بعضهم بعضا‪ ..‬حتّى افتتحتها وحدي‪ ،‬لم يكن لي معاون إال هللا وحده)‪ ،‬ث ّم التفت إلى‬
‫أصحابه فقال‪ :‬أليس كذلك؟ قالوا‪ :‬بلى يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]741 :‬قال اإلمام علي‪( :‬أ ّما السابعة ف إن رس ول هللا ‪ ‬ل ّم ا توج ه‬
‫بفتح م ّكة‪ ،‬أحبّ أن يعذر إليهم‪ ،‬ويدعوهم إلى هللا ع ّز وج ّل آخ را كم ا دع اهم أوال‪،‬‬
‫فكتب إليهم كتاب ا يح ّذرهم وين ذرهم ع ذاب ربّهم‪ ،‬ويع دهم الص فح فيهم‪ ،‬ويم نيّهم‬
‫مغفرة ربّهم‪ ،‬ونسخ لهم في آخره س ورة ب راءة ليتل و عليهم‪ ،‬ث ّم ع رض على جمي ع‬
‫أصحابه المضي إليهم بالكتاب‪ ،‬وكلّهم يرى في ه التثاق ل‪ ،‬فل ّم ا رأى ذل ك ن دب منهم‬
‫رجال ليوجّهه به‪ ،‬فأتاه جبرئيل فقال‪( :‬يا محمد‪ ،‬إنّه ال يؤ ّدي عن ك إاّل رج ل من ك)‪،‬‬
‫فأنبأني رس ول هللا ‪ ‬ذل ك‪ ،‬ووجه ني بكتاب ه ورس الته إلى أه ل م ّك ة‪ ،‬ف أتيت م ّك ة‬
‫وأهلها من قد عرفتم‪ ،‬ليس منهم أحد إاّل ولو قدر على أن يض ع منّي على ك ل جب ل‬
‫إربا لفعل‪ ،‬ول و بب ذل مال ه ونفس ه وأهل ه وول ده‪ ،‬فبلّغتهم رس الة الن بي ‪ ‬وق رأت‬
‫عليهم كتابه‪ ،‬فك ّل تلقاني بالتهدد والوعي د‪ ،‬ويب دي البغض اء‪ ،‬ويظه ر الش حناء‪ ،‬من‬
‫رجالهم ونسائهم‪ ،‬وكان منّي في ذلك ما قد رأيتم)‪ ،‬ث ّم التفت إلى أصحابه فقال‪ :‬أليس‬
‫كذلك؟ قالوا‪ :‬بلى يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫ّ‬
‫[الحديث‪ ]742 :‬قال اإلمام علي‪( :‬هذه المواطن التي امتحنني فيهن رب ّي م ع‬
‫فيهن كلّها بمنّه مطيع ا ليس ألح د فيه ا مث ل ال ذي لي‪ ،‬ول و‬
‫ّ‬ ‫رسول هللا ‪ ،‬فوجدني‬
‫وصفت ذلك ال تسع لي في ه الق ول‪ ،‬ولكن هللا نهى عن التزكي ة)‪ ،‬فق الوا‪ :‬ص دقت ي ا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬فو هللا لق د أعط اك هللا الفض يلة بالقراب ة من نبيّن ا ‪ ،‬وأس عدك ب أن‬
‫جعلك أخاه‪ ،‬تنزل منه بمنزلة هارون من موسى‪ ،‬وفضّلك بالمواقف ال تي باش رتها‪،‬‬
‫واألهوال التي ركبتها‪ ،‬وذخرك الذي ذك رت‪ ،‬وأك ثر من ه مم ا لم ت ذكره‪ ،‬م ّم ا ليس‬
‫‪219‬‬
‫ألحد من المسلمين مثله‪ ،‬يقول ذلك من شهدك منّا مع نبيّن ا‪ ،‬ومن ش هدك منّ ا بع ده‪،‬‬
‫فأخبرنا يا أمير المؤمنين‪ ،‬بما امتحنك اهلل به بعد نبيّنا ‪ ‬فاحتملته وصبرت علي ه‪،‬‬
‫فإنّا لو شئنا أن نصف ذلك لك لوصفناه‪ ،‬علما منّا به‪ ،‬وظهورا عليه‪ ،‬إاّل أنّا نحبّ أن‬
‫نسمع منك ذلك‪ ،‬كما سمعنا منك ما امتحنك هللا به في حياته فأطعته فيه‪.‬‬
‫(إن هللا تب ارك وتع الى امتحن ني بع د وف اة‬ ‫[الحديث‪ ]743 :‬قال اإلمام علي‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫فيهن ـ من غ ير تزكي ة لنفس ي بمن ه ونعمت ه ـ‬ ‫ّ‬ ‫نبيّه ‪ ‬في سبعة مواطن‪ ،‬فوج دني‬
‫أولهن‪ :‬فإنّه لم يكن لي خاصّة دون المس لمين عا ّم ة أح د آنس ب ه‪ ،‬وال‬
‫ّ‬ ‫صبورا‪ ..‬أما‬
‫أعتمد عليه‪ ،‬وال أستنيم إليه‪ ،‬وال أتق رّب إلى هللا بطاعت ه‪ ،‬وال أنهج ب ه في الس رّاء‪،‬‬
‫وال أستريح إليه في الض رّاء‪ ،‬غ ير رس ول هللا ‪ ،‬وه و ربّ اني ص غيرا‪ ،‬وب وأني‬
‫كبيرا‪ ،‬وكفاني العيل ة‪ ،‬وج برني من اليتم‪ ،‬وأغن اني عن الطلب‪ ،‬ووق اني المكس ب‪،‬‬
‫خص ني ب ه من‬ ‫ّ‬ ‫وعال لي النفس واألهل والولد‪ ،‬هذا في تصاريف أمر الدنيا‪ ،‬مع ما‬
‫الدرجات التي قادتني إلى معالي الحظوة عند هللا‪ ،‬فنزل بي بوفاة رس ول هللا ‪ ‬م ا‬
‫أظن أن الجبال لو حملت عنوة كانت لتنهض به‪ ،‬فرأيت الن اس من أهلي من‬ ‫لم أكن ّ‬
‫بين جازع ال يملك جزعه‪ ،‬وال يضبط نفسه‪ ،‬وال يقوى على حمل فادح ما ن زل ب ه‪،‬‬
‫ق د أذهب الج زع ص بره‪ ،‬وأذه ل عقل ه‪ ،‬وح ال بين ه وبين الفهم واإلفه ام‪ ،‬والق ول‬
‫واالستماع‪ ،‬وسائر الناس من غير بني عب د المطلب بين مع ّز ي أمر بالص بر‪ ،‬وبين‬
‫مساعد باك لبكائهم‪ ،‬جازع لجزعهم‪ ،‬وحملت نفسي على الصبر بع د وفات ه‪ ،‬ل زمت‬
‫الصمت واالش تغال بم ا أم رني اهلل ب ه‪ ،‬من تجه يزه وتغس يله‪ ،‬وتحنيط ه وتكفين ه‪،‬‬
‫وكتاب ه‪ ،‬وعه ده ال ذي حملن اه‬ ‫والصالة عليه‪ ،‬ووضعه في حفرته‪ ،‬وجم ع أمانة اهلل‬
‫إلى خلقه‪ ،‬واستودعناه فيهم‪ ،‬ال يشغلني عن ذل ك ب ادر دمع ة‪ ،‬وال ه ائج زف رة‪ ،‬وال‬
‫ق ال واجب هلل ع ّز وج ل‬ ‫الذع حرق ة‪ ،‬وال جلي ل مص يبة‪ ،‬حتّى أ ّديت في ذل ك الح ّ‬
‫ولرسوله ‪ ‬عل ّي‪ ،‬وبلّغت منه الذي أمرني به‪ ،‬فاحتملته صابرا محتس با)‪ ،‬ث ّم التفت‬
‫إلى أصحابه فقال‪ :‬أليس كذلك؟ قالوا‪ :‬بلى يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫فإن رس ول هللا ‪ ‬أ ّم رني في‬ ‫[الحديث‪ ]744 :‬قال اإلمام علي‪( :‬أما الثانية‪ّ ،‬‬
‫حياته على جميع أ ّمته‪ ،‬وأخذ على من حضره منهم البيعة بالسمع والطاعة ألم ري‪،‬‬
‫وأم رهم أن يبلّ غ الش اهد الغ ائب في ذل ك‪ ،‬فكنت الم ؤ ّدي إليهم عن رس ول هللا ‪‬‬
‫أمره إذا حضرته‪ ،‬واألم ير على من حض رني منهم إذا فارقت ه‪ ،‬ال تختلج في نفس ي‬
‫منازعة أحد من الخلق لي في شيء من األمور في حياة النبي ‪ ‬وال بعد وفاته‪ ،‬ث ّم‬
‫أمر هللا رسوله ‪ ‬بتوجيه الجيش الذي وجّهه مع أسامة بن زيد‪ ،‬عن د ال ذي أح دث‬
‫هللا له من المرض الذي توفّاه فيه‪ ،‬فلم يدع النبي ‪ ‬أحدا من قبائل العرب وقريش‪،‬‬
‫واألوس والخزرج‪ ،‬وغيرهم من سائر الناس‪ ،‬ممن يخاف عل ّي نقضه أو منازعت ه‪،‬‬
‫وال أحدا ممن يراني بعين البغضاء‪ ،‬ممن قد قهرته بقتل أبيه أو أخيه أو حميم ه‪ ،‬إاّل‬

‫‪220‬‬
‫وجه ه في ذل ك الجيش‪ ،‬وال من المه اجرين واألنص ار والمس لمين وغ يرهم من‬
‫المؤلفة قلوبهم والمنافقين‪ ،‬لتصفو قلوب من يبقى معي بحض رته‪ ،‬ولئال يق ول قائ ل‬
‫شيئا مما أكره في جواره‪ ،‬وال يدفعني دافع عن الوالي ة والقي ام ب أمر رعيّت ه وأ ّمت ه‬
‫من بعده‪ ،‬ث ّم كان آخر ما تكلّم به في شيء من أمر أ ّمته أن يمضي جيش أسامة‪ ،‬وال‬
‫يتخلّف عنه أحد ممن أنهض معه‪ ،‬وتق ّدم في ذلك الجيش أش ّد التق ّدم‪ ،‬وأوعز فيه أبلغ‬
‫اإليعاز‪ ،‬وأكد في ه أك ثر التأكي د‪ ،‬فلم أش عر بع د أن قبض رس ول هللا ‪ ‬إاّل برج ال‬
‫ممن بعث مع أسامة وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم‪ ،‬وأخلوا مواض عهم‪ ،‬وخ الفوا‬
‫أمر رسول هللا ‪ ‬فيما أنهضهم ل ه وأم رهم ب ه‪ ،‬وتق ّدم إليهم في مالزم ة أم يرهم‪،‬‬
‫والمسير مع ه تحت لوائ ه‪ ،‬ينف ذ لوجه ه ال ذي نف ذه إلي ه‪ ،‬فخلّف وا أم يرهم مقيم ا في‬
‫عسكره‪ ،‬وأقبلوا يتبادرون على الحيل‪ ،‬ركضا إلى ح ّل عقدة عق دها هللا لي ورس وله‬
‫‪ ‬في أعن اقهم فحلّوه ا‪ ،‬وعه د عاهد هللا ورس وله فنكث وه‪ ،‬وعق دوا ألنفس هم عق دا‬
‫واختص ت ب ه آراؤهم‪ ،‬من غ ير من اظرة ألح د منّ ا ب ني عب د‬ ‫ّ‬ ‫ضجّت به أصواتهم‪،‬‬
‫المطلب‪ ،‬أو مشاركة في رأي‪ ،‬أو استقامة لما في أعناقهم من بيعتي‪ ،‬فعلوا ذلك وأنا‬
‫برس ول هللا ‪ ‬مش غول‪ ،‬وبتجه يزه عن س ائر األش ياء مص دود‪ ،‬فإنّ ه ك ان أه ّمه ا‬
‫ق ما بدئ به منها‪ ،‬فكانت ه ذه أف دح م ا ي رد على قل بي‪ ،‬م ع ال ذي أن ا في ه من‬ ‫وأح ّ‬
‫عظيم الرزية‪ ،‬ومفاجع المصيبة‪ ،‬وفقد من ال خلف له إاّل هللا‪ ،‬فصبرت عليها إذ أتت‬
‫بعد أختها على تقاربها وسرعة اتّصالها)‪ ،‬ثم التفت إلى أصحابه فقال‪ :‬أليس ك ذلك؟‬
‫قالوا‪ :‬بلى يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫فإن الق ائم بع د الن بي ‪ ‬ك ان‬ ‫[الحديث‪ ]745 :‬قال اإلمام علي‪( :‬أما الثالثة‪ّ ،‬‬
‫يلقاني معتذرا في كل أيّامه‪ ،‬ويلزم غ يره م ا ارتكب ه من أخ ذ حقّي‪ ،‬ونقض بيع تي‪،‬‬
‫ويسألني تحليل ه‪ ،‬فكنت أق ول‪ :‬تنقض ي أيّام ه ث ّم يرج ع إل ّي حقّي ال ذي جعله هللا لي‬
‫عفوا هيّنا‪ ،‬من غير أن أحدث في اإلسالم ـ مع حدثه وقرب عهده بالجاهلي ة ـ ح دثا‬
‫في طلب حقّي بمنازعة‪ ،‬لعل قائال يقول فيها‪ :‬نعم‪ ،‬وقائال يقول‪ :‬ال‪ ،‬فيؤول ذل ك من‬
‫القول إلى الفعل‪ ،‬وجماعة من خواص أصحاب رسول هللا ‪ ‬أعرفهم بالنصيحة هلل‬
‫ولرس وله ‪ ‬ولكتاب ه ودين ه اإلس الم‪ ،‬ي أتونني ع ودا وب دءا‪ ،‬وعالني ة وس رّا‪،‬‬
‫ق بيع تي‬ ‫فيدعونني إلى أخذ حقّي‪ ،‬ويبذلون أنفسهم في نصرتي‪ ،‬ليؤ ّدوا إل ّي بذلك ح ّ‬
‫في أعناقهم‪ ،‬فأقول‪ :‬رويدا وصبرا قليال‪ ،‬لع ّل هللا أن ي أتيني ب ذلك عف وا بال منازع ة‬
‫وال إراقة الدماء‪ ،‬فقد ارتاب كث ير من الن اس بع د وف اة الن بي ‪ ‬وطم ع في األم ر‬
‫بعده من ليس ل ه بأه ل‪ ،‬فق ال ك ل ق وم‪ :‬منّ ا أم ير‪ ،‬وم ا طم ع الق ائلون في ذل ك إاّل‬
‫ليتناول األمر غيري‪ ،‬فل ّما دنت وفاة الق ائم وانقض ت أيّام ه‪ ،‬ص يّر األم ر من بع ده‬
‫لصاحبه‪ ،‬وكانت هذه أخت أختها‪ ،‬ومحلّه ا منّي مث ل محلّه ا‪ ،‬وأخ ذها منّي م ا جعل‬
‫هللا لي مثل أخذها‪ ،‬واجتمع إل ّي نفر من أصحاب محمد ‪ ‬ممن مضى (رحم ه هللا)‬
‫وممن بقي أخرّه هللا م ّمن اجتمع‪ ،‬فقالوا لي فيه ا مث ل ال ذي ق الوا لي في أخته ا‪ ،‬فلم‬
‫يعد قولي الثاني قولي األول‪ ،‬صبرا واحتس ابا‪ ،‬ويقين ا وإش فاقا من أن تف نى عص بة‬
‫‪221‬‬
‫تألّفها رسول هللا ‪ ‬باللين مرّة وبالش ّدة أخرى‪ ،‬وبالبذل م ّرة وبالسيف أخرى‪ ،‬حتّى‬
‫لقد كان من تألفه لهم‪ :‬أن كان الناس في الس كن والق رار‪ ،‬والش بع وال رّي‪ ،‬واللّب اس‬
‫والوطاء وال ّدثار‪ ،‬ونحن أهل بيت مح ّمد ‪ ‬ال سقوف لبيوتنا‪ ،‬وال أبواب وال سور‪،‬‬
‫إاّل الجرائد وم ا أش بهها‪ ،‬وال وط اء لن ا وال دث ار علين ا‪ ،‬ت داولنا الث وب الواح د في‬
‫الصالة أكثرنا‪ ،‬ونطوي األيّام واللّيالي جوعا عا ّمتنا‪ ،‬فرّبم ا أتان ا الش يء مم ا أف اءه‬
‫خاص ة دون غيرن ا‪ ،‬ونحن على م ا وص فت من حالن ا‪ ،‬في ؤثر ب ه‬ ‫ّ‬ ‫اهلل وص يّره لن ا‬
‫‪ ‬أرباب النعم واألموال‪ ،‬تألفا منه لهم‪ ،‬واستكانة من ه لهم‪ ،‬فكنت أح ّ‬
‫ق‬ ‫رسول اهلل‬
‫‪ ‬ولم يحمله ا على الخطّ ة ال تي ال‬ ‫من لم يفرّق هذه العصبة التي ألّفها رسول اهلل‬
‫خالص لها منها‪ ،‬دون بلوغها أو فناء آجالها؛ ألني ل و نص بت نفس ي ف دعوتهم إلى‬
‫نصرتي‪ ،‬كانوا منّي وفي أمري على إحدى منزلتين‪ :‬إ ّما متبع مقاتل أو مقتول إن لم‬
‫يتبع الجميع‪ ،‬وإ ّما خاذل يكفر بخذالنه إن قصّر عن نصرتي أو أمسك عن ط اعتي‪،‬‬
‫وقد علم أنّي منه ‪ ‬بمنزلة هارون من موسى‪ ،‬يح ّل به في مخالفتي واإلمس اك عن‬
‫نصرتي‪ ،‬ما أح ّل قوم موسى بأنفس هم في مخ الفتهم ه ارون وت رك طاعت ه‪ ،‬ورأيت‬
‫تجرّع الغصص‪ ،‬ور ّد أنفاس الصعداء‪ ،‬ولزوم الصبر‪ ،‬حتّى يفتح هللا أو يقض ي بم ا‬
‫أحب‪ ،‬أزيد لي في حظّي من هللا‪ ،‬وأرفق بالعصابة التي وصفت أم رهم‪ ،‬وك ان أمر‬
‫هللا قدرا مقدورا‪ ،‬ولو لم أتّق ه ذه الح ال ث ّم طلبت حقّي لكنت أولى ممن طلب ه‪ ،‬لعلم‬
‫من مضى من أصحاب مح ّمد ‪ ‬ومن بحضرتك منهم‪ ،‬أنّي كنت أكثر عددا‪ ،‬وأع ّز‬
‫عشيرة‪ ،‬وأمنع رجاال‪ ،‬وأطوع أمرا‪ ،‬وأوضح ح ّج ة‪ ،‬وأك ثر في ه ذا من اقب وآث ارا‬
‫بسوابقي وقرابتي ووراثتي‪ ،‬فضال عن استحقاقي في ذلك بالوص يّة ال تي ال مخ رج‬
‫للعباد منها‪ ،‬والبيع ة المتق ّدم ة في أعن اقهم ممن تناوله ا‪ ،‬ولق د قبض ‪ ‬وإ ّن والي ة‬
‫األ ّمة في يده وفي بيته‪ ،‬ال في أيدي الذين تناولوها وال في بيوتهم‪ ،‬وألهل بيته الذين‬
‫أذهب هللا عنهم ال رجس وطهّ رهم تطه يرا‪ ،‬أولى ب األمر من بع ده من غ يرهم في‬
‫جمي ع الخص ال)‪ ،‬ثم التفت إلى أص حابه فق ال‪ :‬أليس ك ذلك؟ ق الوا‪ :‬بلى ي ا أم ير‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫ّ‬
‫[الحديث‪ ]746 :‬قال اإلمام علي‪( :‬أما الرابعة‪ ،‬ف إن الق ائم بع د ص احبه ك ان‬
‫يش اورني في م وارد األم ور‪ ،‬ويص درها عن أم ري‪ ،‬وين اظرني في غوامض ها‪،‬‬
‫فيمضيها على رأيي‪ ،‬ال أعلم أحدا ـ وال يعلم أصحابي ـ يناظره في ذلك غيري‪ ،‬وال‬
‫يطمع في األمر بعده سواي‪ ،‬فل ّما أتته منيّته على فجأة بال مرض كان قبله‪ ،‬وال أم ر‬
‫كان أمضاه في صحة من بدنه‪ ،‬لم أشك أنّي قد اس ترجعت حقّي في عافي ة بالمنزل ة‬
‫التي كنت أطلبها‪ ،‬والعاقبة التي كنت ألتمسها‪ ،‬وأن هللا س يأتي ب ذلك على أحس ن م ا‬
‫رجوت‪ ،‬وأفضل ما أ ّملت‪ ،‬وكان من فعله أن ختم أمره بأن س ّمى قوما أن ا سادس هم‪،‬‬
‫ولم يساوني بواحد منهم‪ ،‬وال ذكر منّي حاال في وراث ة الرس ول ‪ ،‬وال قراب ة وال‬
‫‪222‬‬
‫صهر وال نسب‪ ،‬وال كان لواحد منهم مثل س ابقة من س وابقي‪ ،‬وال أث ر من آث اري‪،‬‬
‫وصيّرها شورى بيننا‪ ،‬وصيّر ابنه فيها حاكما علينا‪ ،‬وأمره أن يضرب أعناق النف ر‬
‫الستّة الذين ص يّر األم ر فيهم إن لم ينف ذوا أم ره‪ ،‬وكفى بالص بر على ه ذا ص برا‪،‬‬
‫فمكث القوم أيّامهم كلّها‪ ،‬ك ّل يخطبه ا لنفس ه وأن ا ممس ك‪ ،‬ف إذا س ألوني عن أم ري‬
‫فناظرتهم في أيّامي وأيّامهم‪ ،‬وآثاري وآثارهم‪ ،‬وأوضحت لهم ما جهل وه من وج وه‬
‫اس تحقاقي له ا دونهم‪ ،‬وذ ّك رتهم عه د رس ول هللا ‪ ‬لي إليهم‪ ،‬وتأكي ده م ا أك د من‬
‫البيع ة لي في أعن اقهم‪ ،‬دع اهم حبّ اإلم ارة‪ ،‬وبس ط األي دي واأللس ن في األم ر‬
‫والنهي‪ ،‬والركون إلى ال دنيا باالقت داء بالماض ين قبلهم‪ ،‬إلى تن اول م ا لم يجع ل هللا‬
‫وحذرته ما ه و ق ادم علي ه‬ ‫ّ‬ ‫لهم‪ ،‬فإذا خلوت بالواحد منهم بعد الواحد ذ ّكرته أيّام هللا‪،‬‬
‫وصائر إليه‪ ،‬التمس منّي شرطا بطائفة من الدنيا أصيّرها له‪ ،‬فل ّم ا لم يج دوا عن دي‬
‫إاّل المحجّة البيض اء‪ ،‬والحم ل على الكت اب ووص ية الرس ول ‪ ،‬من إعط اء ك ل‬
‫امرئ منهم ما جعل هللا له‪ ،‬ومنعه م ّما لم يجعل هللا له‪ ،‬ش ّد من الق وم مس تب ّد فأزاله ا‬
‫عنّي إلى ابن عفّ ان‪ ،‬طمع ا في الش حيح مع ه فيه ا‪ ،‬وابن عفّ ان رج ل لم يس تو ب ه‬
‫وبواحد ممن حض ر ح ال ق ط‪ ،‬فض ال ع ّمن دونهم‪ ،‬ال يب در الق وم ال تي هي واح دة‬
‫الق وم وس نام فخ رهم‪ ،‬وال غيره ا من الم آثر ال تي أك رم هللا به ا رس وله ‪ ،‬ومن‬
‫اختصّه معه من أه ل بيت ه‪ ،‬ث ّم لم أعلم الق وم أمس وا من ي ومهم ذل ك‪ ،‬حتّى ظه رت‬
‫ندامتهم‪ ،‬ونكصوا على أعقابهم‪ ،‬وأحال بعض هم على بعض‪ ،‬ك ّل يل وم نفس ه ويل وم‬
‫أصحابه‪ ،‬ث ّم لم تطل األيّام بالمستب ّد ب األمر ابن عف ان حتّى أكف روه‪ ،‬وت برّؤوا من ه‪،‬‬
‫صة‪ ،‬وسائر أصحاب الن بي ‪ ‬عا ّم ة‪ ،‬يس تقليهم من بيعت ه‪،‬‬ ‫ومشى إلى أصحابه خا ّ‬
‫ويتوب إلى اهلل من فلتته‪ .‬وكانت هذه أكبر من أختيها وأفظع‪ ،‬وأحرى أن ال يص بر‬
‫عليها‪ ،‬فنالني منها الذي ال يبل غ وص فه‪ ،‬وال يح ّد وقته ا ولم يكن عن دي إاّل الص بر‬
‫على ما أمض وأبلغ منها‪ ،‬ولقد أتاني الباقون من الستة من ي ومهم‪ ،‬ك ّل راج ع ع ّم ا‬
‫كان منه‪ ،‬يس ألني خل ع ابن عفّ ان والوث وب علي ه في أخ ذ حقّي‪ ،‬ويعطي ني ص فقته‬
‫وبيعته على الم وت تحت راي تي‪ ،‬أو ي رد هللا عل ّي حقّي‪ ،‬ث ّم بع د ذل ك م رّة أخ رى‪،‬‬
‫امتحن القوم فيها بألوان المحن‪ ،‬مرّة بحلق الرؤوس‪ ،‬ومرّة بمواعيد الخلوات‪ ،‬ومرّة‬
‫بموافاة األماكن‪ ،‬ك ّل ذلك بقي القوم بوعدهم‪ ،‬فو هللا ما منعني منه ا إاّل ال ذي منع ني‬
‫من أختيها قبلها‪ ،‬ورأيت اإلبقاء على من بقي من الطائف ة أبهج لي‪ ،‬وآنس لقل بي من‬
‫فنائها‪ ،‬وعلمت أنّي إن حملته ا على دع وة الم وت ركبت ه‪ ،‬وأم ا نفس ي فق د علم من‬
‫أن الموت عندي بمنزلة الش ربة‬ ‫حضر ممن ترى ومن غاب من أصحاب محمد ‪ّ ‬‬
‫الب اردة في الي وم الش ديد الح ّر من ذي العطش الص دي‪ ،‬ولق د كنت عاه دت هللا‬
‫ورسوله ‪ ‬أنا وع ّمي حمزة‪ ،‬وأخي جعفر‪ ،‬وابن ع ّمي عبيدة‪ ،‬على أمر وفينا به هلل‬
‫ولرسوله ‪ ‬فتقدمني أصحابي‪ ،‬وتخلّفت بع دهم لم ا أراد هللا ع ّز وج ل‪ ،‬ف أنزل هللا‬
‫فينا‪ِ ﴿ :‬منَ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ِر َجا ٌل َ‬
‫ص َدقُوا َما عَاهَدُوا هَّللا َ َعلَ ْي ِه فَ ِم ْنهُ ْم َم ْن قَ َ‬
‫ض ى نَحْ بَ هُ َو ِم ْنهُ ْم‬

‫‪223‬‬
‫َم ْن يَ ْنت َِظ ُر َو َم ا بَ َّدلُوا تَ ْب ِدياًل ﴾ [األح زاب‪ ،]23 :‬فمن قض ى نحب ه‪ :‬حم زة وعبي دة‬
‫وجعفر‪ ،‬وأنا المنتظ ر وم ا ب ّدلت تب ديال‪ ،‬وم ا أس كتني عن ابن عفّ ان‪ ،‬وحثّ ني عن‬
‫اإلمساك عنه‪ ،‬إاّل أنّي عرفت من أخالقه فيما اختبرت منه ما لم يدعه حتّى يستدعي‬
‫األباعد إلى قتله وخلعه‪ ،‬فض ال عن األق ارب‪ ،‬وأن ا في عزل ة‪ ،‬فص برت حتّى ك ان‬
‫ذلك‪ ،‬لم أنطق فيه بحرف من‪( :‬ال) وال (نعم)‪ ،‬ث ّم أتاني القوم وأنا ـ علم هللا ـ ك اره‪،‬‬
‫بأن تل ك‬‫لمعرفتي ما تطاعموا به من اعتقال األموال‪ ،‬والمرح في األرض‪ ،‬وعلمهم ّ‬
‫ّ‬
‫ليس ت لهم عن دي‪ ،‬وش ديد ولهم ع ادة منتزع ة‪ ،‬فل ّم ا لم يج دوها عن دي تعلل وا‬
‫األعاليل)‪ ،‬ث ّم التفت إلى أصحابه فقال‪ :‬أليس كذلك؟ قالوا‪ :‬بلى يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]747 :‬قال اإلمام علي‪( :‬أما الخامسة‪ّ ،‬‬
‫فإن المبايعين ل ّما لم يطمعوا‬
‫في ذلك منّي‪ ،‬وثبوا بامرأة عل ّي‪ ،‬وأن ا ول ّي أمره ا والوص ّي عليه ا‪ ،‬فحملوه ا على‬
‫الجمل‪ ،‬وش ّدوها على الرحال‪ ،‬وأقبلوا به ا تخب ط الفي افي‪ ،‬وتقط ع ال براري‪ ،‬وتنبح‬
‫عليها كالب الحوأب‪ ،‬وتظهر لهم عالمات الندم في ك ّل س اعة وعلى ك ّل ح ال‪ ،‬في‬
‫عصبة قد بايعوني ثانية‪ ،‬بعد بيعتهم األولى في حياة الن بي ‪ ،‬حتّى أتت أه ل بل دة‬
‫قصيرة أيديهم‪ ،‬طويلة لح اهم‪ ،‬قليل ة عق ولهم‪ ،‬عازب ة آراؤهم‪ ،‬ج يران ب دو‪ ،‬وورّاد‬
‫بحر‪ ،‬فأخرجتهم يخبطون بسيوفهم بغير علم‪ ،‬يرمون بسهامهم بغير فهم‪ ،‬فوقفت من‬
‫أمرهم على اثنتين‪ ،‬كلتاهما في محلّة المكروه‪ :‬إن كففت لم يرجعوا ولم يصلوا‪ ،‬وإن‬
‫أقمت كنت قد صرت إلى الذي كرهت‪ ،‬فق ّدمت الحجة باإلع ذار واإلن ذار‪ ،‬ودع وت‬
‫المرأة إلى الرجوع إلى بيتها‪ ،‬والقوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي‪ ،‬وال ترك‬
‫لنقض هم عهد اهلل ع ّز وج ّل ف ّي‪ ،‬وأعطيتهم من نفس ي ك ّل ال ذي ق درت علي ه‪،‬‬
‫ون اظرت بعض هم فرج ع‪ ،‬وذ ّكرت ه ف ذكر‪ ..‬ث ّم أقبلت على الن اس بمث ل ذل ك‪ ،‬فلم‬
‫يزدادوا إاّل جهال وتماديا وغيّا‪ ،‬فل ّما أبوا إاّل هي ركبتها منهم‪ ،‬فكانت عليهم ال دبرة‪،‬‬
‫وبهم الهزيمة‪ ،‬ولهم الحسرة‪ ،‬وفيهم الفناء والقت ل‪ ،‬وحملت نفس ي على ال تي لم أج د‬
‫منها ب ّدا‪ ،‬ولم يسعني إذا فعلت ذلك‪ ،‬وأظهرته آخرا مثل الذي وس عني في ه أوال‪ ،‬من‬
‫اإلغضاء واإلمساك‪ ،‬ورأيتني إن أمسكت كنت معينا لهم بإمساكي على م ا ص اروا‬
‫إليه‪ ،‬وطمعوا فيه من تناول األطراف‪ ،‬وسفك الدماء‪ ،‬وقتل الرعيّة‪ ،‬وتحكيم النساء‪،‬‬
‫كعادة بني األصفر ومن مضى من ملوك سبأ واألمم الخالية‪ ،‬فأصير إلى ما ك رهت‬
‫أوال آخرا‪ ،‬وقد أهملت المرأة وجندها يفعل ون م ا وص فت بين الف ريقين من الن اس‪،‬‬
‫وألقى م ا ح ذرت‪ ،‬ولم أهجم على األم ر إاّل بع د م ا ق ّدمت وأخ رّت‪ ،‬وت أنّيت‬
‫وراجعت‪ ،‬وراسلت وشافهت‪ ،‬وأعذرت وأنذرت‪ ،‬وأعطيت القوم ك ّل شيء التمسوه‬
‫منّي‪ ،‬بعد أن عرضت عليهم ك ّل شيء لم يلتمسوه‪ ،‬فل ّما أبوا إاّل تلك أق دمت‪ ،‬فبلغ هللا‬
‫بي وبهم ما أراد‪ ،‬وكان لي عليهم بما كان منّي إليهم ش هيدا)‪ ،‬ثم التفت إلى أص حابه‬
‫فقال‪ :‬أليس كذلك؟ قالوا‪ :‬بلى يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]748 :‬قال اإلمام علي‪( :‬أما السادس ة‪ ،‬فتحكيم الحكمين‪ ،‬ومحارب ة‬

‫‪224‬‬
‫ابن آكلة األكباد‪ ،‬وهو طليق معاند هلل ولرسوله والمؤم نين من ذ بعث هللا رس وله ‪‬‬
‫إلى أن فتح عليه م ّكة عنوة‪ ،‬فأخذت بيعته وبيع ة أبي ه لي مع ه في ذل ك الي وم‪ ،‬وفي‬
‫ثالثة مواطن بعده‪ ،‬وأبوه باألمس أول من سلّم عل ّي بإمرة المؤمنين‪ ،‬ويحضّني على‬
‫النهوض في أخذ حقّي من الماضين قبلي‪ ،‬يجدد لي بيعته ك ّل م ا أت اني‪ ،‬ث ّم يتث اءب‬
‫عل ّي بما يطعم من أموال المسلمين‪ ،‬والتحكم عليهم‪ ،‬ليستديم قليل ما يفنى بم ا يفوت ه‬
‫من كث ير م ا يبقى‪ ..‬وأعجب العجب‪ :‬أنّ ه ل ّم ا رأى ربّي تب ارك وتع الى ق د ر ّد إل ّي‬
‫حقّي‪ ،‬وأق ّره في معدنه‪ ،‬وانقطع طمعه أن يصبح في دين هللا رابعا‪ ،‬وفي أمانته التي‬
‫حملناها حاكما‪ ،‬ك ّر عل ّي العاصي ابن العاصي فاستماله فمال إلي ه‪ ،‬ث ّم أقب ل ب ه بع د‬
‫أن أطمعه مصر‪ ،‬وحرام عليه أن يأخذ من الفيء ف وق قس مه درهم ا‪ ،‬وح رام على‬
‫الراعي إيصال درهم إليه فوق حقّه‪ ،‬واإلغضاء له على ما يأخذه‪ ،‬فأقبل يخبط البالد‬
‫بالظلم‪ ،‬ويطأها بالغش م‪ ،‬فمن بايع ه أرض اه‪ ،‬ومن خالف ه ن اواه‪ ،‬ث ّم تو ّج ه إل ّي ناكث ا‬
‫علينا‪ ،‬مغيرا في البالد‪ ،‬شرقا وغربا‪ ،‬ويمينا وشماال‪ ،‬واألنباء تأتيني‪ ،‬واألخبار ترد‬
‫عل ّي بذلك‪ ،‬فأتاني أعور ثقيف فأشار عل ّي بأن أولّيه الناحية ال تي ه و به ا‪ ،‬ألداري ه‬
‫بما الذي أولّيه منها‪ ،‬وفي الذي أشار به الرأي في أمر الدنيا‪ ،‬لو وجدت عند اهلل في‬
‫توليته لي مخرج ا وأص بت لنفس ي فيم ا أتى من ذل ك ع ذرا‪ ،‬فم ا عملت ال رأي في‬
‫ذلك‪ ،‬وشاورت من أثق بنصيحته هلل ع ّز وجل ولرسوله ‪ ‬ولي وللمؤم نين‪ ،‬فك ان‬
‫رأيه في ابن آكلة األكباد ك رأيي‪ ،‬ينه اني عن توليت ه‪ ،‬ويح ذرني أن أدخ ل في أم ر‬
‫المسلمين يده‪ ،‬ولم يكن اهلل ليعلم أنّي أتخذ من المض لّين عض دا‪ ،‬ف وجّهت إلي ه أخ ا‬
‫بجيلة مرّة‪ ،‬وأخا األشعريين مرّة أخرى‪ ،‬فكالهما ركن إلى دنياه‪ ،‬وت ابع ه واه فيم ا‬
‫أرضاه‪ ،‬فل ّما رأيته لم يزد فيما انتهك من محارم هللا إاّل تماديا‪ ،‬شاورت من معي من‬
‫أصحاب مح ّمد ‪ ‬البدريين‪ ،‬والذين ارتضى هللا أمرهم‪ ،‬ورضي عنهم عند بيعتهم‪،‬‬
‫وغ يرهم من ص لحاء المس لمين والت ابعين‪ ،‬فك ّل يواف ق رأي ه رأيي‪ ،‬في غزوت ه‬
‫ومحاربته ومنعه مما نالت يده‪ ،‬فنهضت إليه بأص حابي‪ ،‬أنف ذ إلي ه من ك ّل موض ع‬
‫كتبي‪ ،‬وأوجّه إليه رس لي‪ ،‬وأدع وه إلى الرج وع ع ّم ا ه و في ه‪ ،‬وال دخول فيم ا في ه‬
‫الن اس معي‪ ،‬فكتب يتح ّكم عل ّي‪ ،‬ويتمنّى عل ّي األم اني‪ ،‬ويش ترط عل ّي ش روطا ال‬
‫يرضاها هللا ع ّز وجل وال رسوله ‪ ‬وال المس لمون‪ ،‬ويش ترط عل ّي في بعض ها أن‬
‫أدفع إليه أقواما من أصحاب مح ّمد ‪ ‬أخيارا وأبرارا‪ ،‬منهم ع ّم ار بن ياس ر‪ ،‬وأين‬
‫مثل ع ّمار؟ فو هللا لقد أتينا مع الن بي ‪ ‬وال يع ّد منّ ا خمس ة إاّل ك ان سادس هم‪ ،‬وال‬
‫أربع ة إاّل ك ان ع ّم ار خامس هم‪ ،‬اش ترط دفعهم إلي ه ليقتلهم ويص لبهم‪ ،‬وانتح ل دم‬
‫عثمان ولعمر اهلل ما ألّب على عثمان وال أجمع الن اس على قتل ه‪ ،‬إاّل ه و وأش باهه‬
‫من أهل بيته‪ ،‬أصحاب الشجرة الملعونة في القرآن‪ .‬فل ّما لم أجبه إلى م ا اش ترط من‬
‫ذلك‪ ،‬ك ّر مستعليا في نفسه بطغيانه وبغي ه‪ ،‬بحم ير ال عق ول لهم وال بص ائر‪ ،‬فم وّه‬
‫‪225‬‬
‫لهم أم را ف اتّبعوه‪ ،‬وأعط اهم من ال دنيا م ا أم الهم ب ه إلي ه‪ ،‬فناجزن اهم إلى هللا بع د‬
‫اإلعذار واإلنذار‪ ،‬فل ّما لم يزده ذلك إاّل تماديا وبغيا‪ ،‬لقيناه بعادة هللا التي عوّدن اه من‬
‫النصر على أعدائه وعدوّنا‪ ،‬وراية رسول هللا ‪ ‬بأيدينا‪ ،‬لم يزل هللا تبارك وتع الى‬
‫يف ّل حزب الشيطان بها‪ ،‬حتى أفضى الموت إليه‪ ،‬فح ّل منه مح ّل الس حا‪ ،‬وه و معلم‬
‫رايات أبيه‪ ،‬ال تي لم أزل أقاتله ا م ع رس ول هللا ‪ ‬في ك ل الم واطن‪ ،‬فلم يج د من‬
‫الموت منجى إاّل الهرب‪ ،‬فركب فرسه‪ ،‬وقلب رايته‪ ،‬ال يدري كيف يحتال‪ ،‬فاستعان‬
‫برأي ابن العاص‪ ،‬فأشار إليه بإظه ار المص احف‪ ،‬ورفعه ا على األعالم‪ ،‬وال دعاء‬
‫إلى ما فيها‪ ،‬فقال له‪ :‬إن ابن أبي طالب وحزبه أه ل بص يرة ورحم ة ومع نى‪ ،‬وق د‬
‫دعوك إلى كتاب هللا أوال‪ ،‬وهم مجيبوك إليه آخ را‪ ،‬فأطاع ه فيم ا أش ار ب ه إلي ه‪ ،‬إذ‬
‫رأى أنّه ال منجى من القتل غيره‪ ،‬فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه‪ ،‬فمالت‬
‫إلى المصاحف قلوب من بقي من أصحابي‪ ،‬بعد فناء خيارهم وج ّدهم في قتال أعداء‬
‫أن ابن آكل ة األكب اد ل ه الوف اء بم ا دع ا إلي ه‪،‬‬‫هللا وأعدائهم على بصائرهم‪ ،‬وظنّ وا ّ‬
‫والتم ام على م ا يف ارقهم علي ه‪ ،‬فأص غوا إلى دعوت ه‪ ،‬وأقبل وا عل ّي ب أجمعهم في‬
‫أن ذلك منه مكر‪ ،‬ومن ابن العاص معه‪ ،‬وأنهم ا إلى المك ر أق رب‬ ‫إجابته‪ ،‬فأعلمتهم ّ‬
‫منهما إلى الوفاء‪ ،‬فلم يقبلوا قولي‪ ،‬ولم يطيعوا أم ري‪ ،‬وأب وا إاّل إجابت ه‪ ،‬ك رهت أم‬
‫هويت‪ ،‬شئت أم أبيت‪ ،‬حتّى أخ ذ بعض هم يق ول لبعض‪( :‬إن لم يفع ل ف ألحقوه ب ابن‬
‫عفّان‪ ،‬أو ادفعوه إلى ابن هند بر ّمته)‪ ،‬فجهدت ـ علم اهلل جهدي ـ ولم أدع غاي ة في‬
‫نفس ي إاّل بلغته ا‪ ،‬في أن يخلّ وني ورأيي‪ ،‬فلم يفعل وا‪ ،‬وراودتهم على الص بر على‬
‫مقدار فواق الناقة‪ ،‬أو ركضة الفرس فلم يفعلوا‪ ،‬ما خال هذا الشيخ ـ وأوم أ بي ده إلى‬
‫األشتر ـ وعص بة من أه ل بي تي‪ .‬فو هللا م ا منع ني أن أمض ي على بص يرتي‪ ،‬إاّل‬
‫مخافة أن يقتل هذان ـ وأومأ بيده إلى الحسن والحسين ـ فينقطع نسل رس ول هللا ‪‬‬
‫وذريّته من أ ّمته‪ ،‬ومخافة أن يقتل هذان ـ وأومأ بيده إلى عبد هللا بن جعف ر‪ ،‬ومحم د‬
‫ابن الحنفية ـ فإنّي أعلم لو ال مكاني لم يقفا ذلك الموقف‪ ،‬فلذلك صبرت على ما أراد‬
‫الق وم‪ ،‬م ع م ا س بق في ه من علم هللا‪ ،‬فل ّم ا أن رفعن ا عن الق وم س يوفنا تح ّكم وا في‬
‫األمور‪ ،‬وتخيّ روا األحك ام واآلراء‪ ،‬وترك وا المص احف‪ ،‬وم ا دع وا إلي ه من حكم‬
‫ك‬‫القرآن‪ ،‬فأبيت أن أح ّكم في دين هللا أحدا‪ ،‬إذ كان التحكيم في ذلك الخطأ الذي ال ش ّ‬
‫فيه وال امتراء‪ .‬فلما أبوا إاّل ذلك أردت أن أح ّكم رجال من أهل بيتي‪ ،‬أو من أرضى‬
‫رأيه وعقله‪ ،‬وأثق بنصيحته ومو ّدته ودينه‪ ،‬وأقبلت ال أس ّمي أحدا إال امتنع ابن هن د‬
‫ق إاّل أدبر عنه‪ ،‬وأقبل ابن هند يسومنا عسفا‪ ،‬وم ا‬ ‫منه‪ ،‬وال أدعوه إلى شيء من الح ّ‬
‫ذلك إاّل باتّباع أصحابي له على ذلك‪ ،‬فل ّما أبوا قالوا‪ :‬بلى يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]749 :‬قال اإلمام علي‪( :‬أما السابعة‪ ،‬فإن رسول هللا ‪ ‬ك ان عه د‬
‫إل ّي‪ :‬أن أقاتل في آخر أيّامي قوما من أصحابي‪ ،‬يصومون النهار‪ ،‬ويقوم ون اللّي ل‪،‬‬
‫ويتلون كتاب هللا‪ ،‬يمرقون من الدين بخالفهم لي‪ ،‬ومحاربتهم إيّاي مروق السهم من‬

‫‪226‬‬
‫الرمية‪ ،‬فيهم ذو الثدية‪ ،‬يختم لي بقتلهم بالسعادة‪ ،‬فل ّما انصرفت إلى موض عي ه ذا ـ‬
‫يعني بعد الحكمين ـ أقب ل بعض الق وم على بعض بالالئم ة فيم ا ص اروا إلي ه‪ ،‬من‬
‫تحكيم الحكمين‪ ،‬ولم يج دوا ألنفس هم من ذل ك مخرج ا إاّل أن ق الوا‪( :‬ك ان ينبغي‬
‫ألميرنا أن اّل يبايع من أخطأ منّا‪ ،‬وأن يمضي بحقيقة رأيه على قتل نفسه‪ ،‬وقتل من‬
‫خالفه منّا‪ ،‬فقد كفر بمتابعته إيّانا‪ ،‬وطاعته في الخطأ لنا‪ ،‬وأح ّل لنا بذلك قتله‪ ،‬وسفك‬
‫دمه)‪ .‬فتج ّمع وا على ذل ك من ح الهم‪ ،‬وخرج وا راك بين رؤوس هم‪ ،‬ين ادون ب أعلى‬
‫أص واتهم‪ :‬ال حكم إاّل هلل‪ .‬ثم تفرّق وا فرق ا فرق ا‪ ،‬فرق ة بالنخيل ة‪ ،‬وفرق ة بح روراء‪،‬‬
‫وأخرى راكبة رأسها تخبط األرض شرقا‪ ،‬ح تى ع برت دجل ة‪ ،‬فلم تم ّر بمس لم إاّل‬
‫امتحنته‪ ،‬فمن بايعها استحيت‪ ،‬ومن خالفها قتلت‪ ،‬فخرجت إلى األول يين واح دة بع د‬
‫أخرى‪ ،‬أدع وهم إلى طاعة اهلل ومتابع ة الح ّ‬
‫ق والرج وع إلي ه‪ ،‬فأبي ا إاّل الس يف ال‬
‫ه ذه‬ ‫يقنعهما غيره‪ ،‬فل ّما أعيت الحيلة فيهما حاكمتهم ا إلى اهلل ع ّز وج ل‪ ،‬فقتل اهلل‬
‫وهذه‪ ،‬وكانوا لو ال ما فعلوا ركنا لي قويا وسدا منيعا‪ ،‬فأبى اهلل إاّل ما صاروا إلي ه‪،‬‬
‫ث ّم كتبت إلى الفرقة الثالثة ووجّهت رسلي تترى‪ ،‬وكانوا من أجلّ ة أص حابي‪ ،‬وأه ل‬
‫التعبّ د منهم‪ ،‬والزه د في ال دنيا‪ ،‬ف أبت إاّل إتب اع أختيه ا‪ ،‬واالحت ذاء على مثالهم ا‪،‬‬
‫وأسرعت في قتل من خالفها من المسلمين‪ ،‬وتتابعت إل ّي األخب ار بفعله ا‪ ،‬فخ رجت‬
‫حتّى قطعت إليهم دجلة‪ ،‬وأو ّج ه الس فراء النص حاء‪ ،‬وأطلب العت بى بجه دي‪ ،‬به ذا‬
‫م رّة وبه ذا م رّة ـ وأوم أ بي ده إلى األش تر‪ ،‬واألحن ف بن قيس‪ ،‬أو س عيد بن قيس‬
‫الكندي ـ فلما أبوا إاّل تلك‪ ،‬ركبتها منهم‪ ،‬فقتلهم اهلل عن آخرهم‪ ،‬وهم أربعة آالف أو‬
‫يزيدون‪ ،‬حتّى لم يفلتني منهم مخ بر‪ ،‬فاس تخرجت ذا الثديّ ة من قتالهم بحض رة من‬
‫يرى)‪ ،‬ثم التفت إلى أصحابه فقال‪ :‬أليس كذلك؟ قالوا‪ :‬بلى يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫[الحديث‪ ]750 :‬قال اإلمام علي‪( :‬ق د وفيت ك س بعا وس بعا وبقيت األخ رى‪،‬‬
‫وأوشك بها وكان قد ق ربت)‪ ،‬فبكى أص حاب علي‪ ،‬وبكى رأس اليه ود‪ ،‬وق الوا‪ :‬ي ا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬أخبرنا باألخرى‪ .‬فقال‪( :‬األخرى أن تخضب هذه ـ وأوم أ بي ده إلى‬
‫لحيته ـ من هذه ـ وأومأ إلى هامت ه)‪ ،‬ف ارتفعت أص وات الن اس في المس جد الج امع‬
‫بضجّة البكاء‪ ،‬وأسلم رأس اليه ود على ي دي أم ير المؤم نين من س اعته‪ ،‬ولم ي زل‬
‫مقيما حتى قتل أمير المؤمنين‪.‬‬
‫الحديث الثاني‪:‬‬
‫وه و ح ديث طويل(‪ )1‬يفص ل في ه اإلم ام علي مناقب ه ال تي ت دل على أهليت ه‬
‫لإلمامة‪ ،‬وقد ذكرنا الكثير من تفاصيل أدلتها عند ذكرنا للمصادر الس نية‪ ،‬م ع العلم‬
‫أننا حذفنا بعض ما ُذكر العتقادنا أنه روي بالمعنى‪.‬‬

‫‪ )(1‬الخصال ‪ 2‬ـ ‪ 572‬ـ ‪ ،580‬بحار األنوار (‪)432 /31‬‬


‫‪227‬‬
‫[الحديث‪ ]751 :‬ونص الحديث هو قوله‪( :‬لقد علم المستحفظون من أصحاب‬
‫النبي محم د ‪ ‬أن ه ليس فيهم رج ل ل ه منقب ة إال وق د ش ركته فيه ا وفض لته‪ ،‬ولي‬
‫سبعون منقبة لم يشركني فيها أحد منهم)‪ ،‬فقيل له‪ :‬يا أمير المؤمنين! فأخبرني بهن‪،‬‬
‫فق ال‪ :‬إن أول منقب ة لي أني لم أش رك باهلل طرف ة عين‪ ،‬ولم أعب د الالت والع زى‪..‬‬
‫والثانية‪ :‬أني لم أشرب الخمر قط‪ ..‬والثالثة‪ :‬أن رسول هللا ‪ ‬استوهبني من أبي في‬
‫ص باي‪ ،‬فكنت أكيل ه وش ريبه ومؤنس ه ومحدث ه‪ ..‬والرابع ة‪ :‬أني أول الن اس إيمان ا‬
‫وإسالما‪ ..‬والخامسة‪ :‬أن رسول هللا ‪ ‬قال لي‪ :‬ي ا علي! أنت م ني بمنزل ة ه ارون‬
‫من موسى إال أنه ال نبي بعدي‪ ..‬والسادسة‪ :‬أني كنت آخر الن اس عه دا برس ول هللا‬
‫‪ ‬ودليته في حفرته‪ ..‬والسابعة‪ :‬أن رس ول هللا ‪ ‬أن امني على فراش ه حيث ذهب‬
‫إلى الغار وسجاني ببرده‪ ،‬فلما جاء المشركون ظنوني محمدا فأيقظوني‪ ،‬وقالوا‪ :‬م ا‬
‫فعل صاحبك؟‪ .‬فقلت‪ :‬ذهب في حاجته‪ .‬فقالوا‪ :‬لو كان هرب لهرب هذا مع ه‪ ..‬وأم ا‬
‫الثامنة‪ :‬فإن رسول هللا ‪ ‬علمني ألف باب من العلم يفتح ك ل ب اب أل ف ب اب‪ ،‬ولم‬
‫يعلم ذلك أحدا غيري‪ ..‬وأما التاسعة‪ :‬فإن رسول هللا ‪ ‬ق ال لي‪ :‬ي ا علي! إذا حش ر‬
‫هللا عز وجل األولين واآلخرين نص ب لي من برا ف وق من ابر النب يين‪ ،‬ونص ب ل ك‬
‫منبرا فوق منابر الوصيين‪ ،‬فترتقي عليه‪ ..‬وأم ا العاش رة‪ :‬ف إني س معت رس ول هللا‬
‫‪ ‬يقول‪ :‬ال أعطى في القيامة شيئا إال سألت لك مثله‪ ..‬وأم ا الحادي ة عش رة‪ :‬ف إني‬
‫سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪ :‬يا علي! أنت أخي وأنا أخوك يدك في يدي حتى ن دخل‬
‫الجنة‪ ..‬وأما الثاني ة عش رة‪ :‬ف إني س معت رس ول هللا ‪ ‬يق ول‪ :‬ي ا علي! مثل ك في‬
‫أمتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غ رق‪ ..‬وأم ا الثالث ة عش رة‪:‬‬
‫فإن رسول هللا ‪ ‬عممني بعمامة نفسه بيده ودع ا لي ب دعوات النص ر على أع داء‬
‫هللا‪ ،‬فهزمتهم بإذن هللا عز وجل‪ ..‬وأما الرابعة عشرة‪ :‬فإن رسول هللا ‪ ‬أم رني أن‬
‫أمسح يدي على ضرع شاة قد يبس ضرعها‪ ،‬فقلت‪ :‬ي ا رس ول هللا! ب ل امس ح أنت‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا علي! فعلك فعلي‪ ،‬فمسحت عليها يدي فدر علي من لبنها فسقيت رس ول هللا‬
‫‪ ‬شربة‪ ،‬ثم أتت عجوز فشكت الظمأ فسقيتها‪ ،‬فقال رس ول هللا ‪ :‬إني س ألت هللا‬
‫عز وجل أن يبارك في يدك ففعل‪ ..‬وأما الخامسة عشرة‪ :‬فإن رسول هللا ‪ ‬أوصى‬
‫إلي وقال‪ :‬يا علي! ال يلي غسلي غيرك‪ ،‬فقلت له‪ :‬كيف؟ فكيف لي بتقليبك يا رسول‬
‫هللا؟‪ .‬فقال‪ :‬إنك ستعان‪ ،‬فو هللا م ا أردت أن أقلب عض وا من أعض ائه إال قلب لي‪..‬‬
‫وأما السابعة عشرة‪ :‬فإن هللا ع ز وج ل زوج ني فاطم ة وق د ك ان خطبه ا أب و بك ر‬
‫وعمر فزوجني هللا من فوق سبع سماواته‪ ،‬فقال رس ول هللا ‪ :‬هنيئ ا ل ك ي ا علي‪،‬‬
‫فإن هللا عز وجل قد زوجك فاطمة سيدة نساء أهل الجن ة‪ ،‬وهي بض عة م ني‪ .‬فقلت‪:‬‬
‫يا رسول هللا ‪ !‬أولست منك؟‪ .‬قال‪ :‬بلى يا علي‪ ،‬وأنت مني وأنا من ك كيمي ني من‬
‫شمالي‪ ،‬ال أستغني عنك في الدنيا واآلخرة‪ ..‬وأما الثامنة عشرة‪ :‬فإن رس ول هللا ‪‬‬
‫قال‪ :‬يا علي! أنت صاحب لواء الحمد في اآلخرة‪ ،‬وأنت يوم القيامة أق رب الخالئ ق‬
‫م ني مجلس ا يبس ط لي ويبس ط ل ك ف أكون في زم رة النب يين‪ ،‬وتك ون في زم رة‬
‫‪228‬‬
‫الوصيين‪ ،‬ويوضع على رأسك تاج النور وإكليل الكرامة‪ ..‬وأما التاسعة عشرة‪ :‬فإن‬
‫رسول هللا ‪ ‬قال‪ :‬ستقاتل الناكثين والقاس طين والم ارقين‪ ..‬وأم ا العش رون‪ :‬ف إني‬
‫سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪ :‬مثلك في أمتي مثل ب اب حط ة في ب ني إس رائيل‪ ،‬فمن‬
‫دخل في واليتك فقد دخل الباب كما أمره هللا عز وج ل‪ ..‬وأم ا الحادي ة والعش رون‪:‬‬
‫فإني سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪ :‬أنا مدينة العلم وعلي بابها‪ ،‬ولن ي دخل المدين ة إال‬
‫من بابها‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا علي! إنك سترعى ذمتي وتقات ل على س نتي‪ ،‬وتخالف ك أم تي‪..‬‬
‫وأم ا الثالث ة والعش رون‪ :‬ف إن رس ول هللا ‪ ‬أعط اني خاتم ه في حيات ه ودرع ه‬
‫ومنطقته وقلدني سيفه وأصحابه كلهم حضور وعمي العباس حاض ر‪ ،‬فخص ني هللا‬
‫عز وجل منه بذلك دونهم‪ ..‬وأما الخامسة والعش رون‪ :‬ف إني س معت رس ول هللا ‪‬‬
‫يقول‪ :‬الجنة محرم ة على األنبي اء ح تى أدخله ا أن ا‪ ،‬وهي محرم ة على األوص ياء‬
‫حتى تدخلها أنت يا علي‪ ،‬إن هللا تبارك وتعالى بشرني فيك ببشرى لم يبشر بها نبي ا‬
‫قبلي‪ ،‬بشرني بأنك سيد األوص ياء‪ ،‬وأن ابني ك الحس ن والحس ين س يدا ش باب أه ل‬
‫الجنة يوم القيامة‪ ..‬وأما الثامنة والعش رون‪ :‬ف إن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪ :‬إن هللا تب ارك‬
‫وتعالى وعدني فيك وعدا لن يخلفه‪ ،‬جعلني نبي ا وجعل ك وص يا‪ ،‬وس تلقى من أم تي‬
‫من بع دي م ا لقي موس ى من فرع ون‪ ،‬فاص بر واحتس ب ح تى تلق اني ف أوالي من‬
‫واالك وأعادي من عاداك‪ ..‬وأما التاس عة والعش رون‪ :‬ف إني س معت رس ول هللا ‪‬‬
‫يق ول‪ :‬ي ا علي! أنت ص احب الح وض ال يملك ه غ يرك وس يأتيك ق وم فيستس قونك‬
‫فتقول‪ :‬ال‪ ..‬وأما الثانية والثالثون‪ :‬فإني سمعت رس ول هللا ‪ ‬يق ول‪ :‬إن هللا تب ارك‬
‫وتعالى نصرني بالرعب فسألته أن ينصرك بمثله فجعل لك من ذلك مثل الذي جعله‬
‫لي‪ ..‬وأما الثالثة والثالثون‪ :‬فإن رسول هللا ‪ ‬التقم أذني وعلمني ما كان وما يك ون‬
‫إلى ي وم القيام ة‪ ،‬فس اق هللا تب ارك وتع الى إلى لس ان نبي ه ‪ ..‬وأم ا الرابع ة‬
‫ك فِي ِه ِم ْن بَ ْع ِد‬ ‫والثالثون‪ :‬فإن النصارى ادعوا أمرا فأنزل هللا ع ز وج ل‪ :‬فَ َم ْن َحا َّج َ‬
‫ع أَبْنا َءن ا َوأَبْن ا َء ُك ْم َونِس ا َءنا َونِس ا َء ُك ْم َوأَ ْنفُ َس نا‬
‫ك ِمنَ ْال ِع ْل ِم فَقُ لْ تَع الَوْ ا نَ ْد ُ‬
‫م ا ج ا َء َ‬
‫َوأَ ْنفُ َس ُك ْم فك انت نفس ي نفس رس ول هللا ‪ ،‬والنس اء فاطم ة‪ ،‬واألبن اء الحس ن‬
‫والحسين‪ ،‬ثم ندم القوم فسألوا رسول هللا ‪ ‬اإلعفاء فأعفاهم‪ ،‬وال ذي أن زل الت وراة‬
‫على موس ى والفرق ان على محم د ‪ ‬ل و باهلون ا لمس خوا ق ردة وخن ازير‪ ..‬وأم ا‬
‫السادسة والثالثون‪ :‬فإني سمعت رس ول هللا ‪ ‬يق ول‪ :‬وي ل لقاتل ك‪ ،‬إن ه أش قى من‬
‫ثمود ومن عاقر الناقة‪ ،‬وإن عرش الرحمن ليه تز لقتل ك‪ ،‬فأبش ر ي ا علي‪ ،‬فإن ك في‬
‫الص الِ ِحينَ ‪ ..‬وأم ا الس ابعة والثالث ون‪ :‬ف إن هللا تب ارك‬ ‫الش هَدا ِء َو َّ‬ ‫الص دِّيقِينَ َو ُّ‬ ‫زمرة ِّ‬
‫وتع الى ق د خص ني من بين أص حاب محم د ‪ ‬بعلم الناس خ والمنس وخ والمحكم‬
‫والمتشابه والخاص والعام‪ ،‬وذلك مم ا من هللا ب ه علي وعلى رس وله ‪ ،‬وق ال لي‬
‫الرسول ‪ :‬يا علي! إن هللا عز وجل أم رني أن أدني ك وال أقص يك‪ ،‬وأعلم ك وال‬
‫أجفوك‪ ،‬وحق علي أن أطي ع ربي وح ق علي ك أن تعي‪ ..‬وأم ا التاس عة والثالث ون‪:‬‬
‫فإني سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪ :‬كذب من زعم أنه يحبني ويبغض عليا‪ ،‬ال يجتم ع‬
‫‪229‬‬
‫حبي وحبه إال في قلب مؤمن‪ ،‬إن هللا عز وجل جع ل أه ل ح بي وحب ك ي ا علي في‬
‫أول زمرة السابقين إلى الجنة‪ ،‬وجعل أهل بغضي وبغضك في أول زم رة الض الين‬
‫من أمتي إلى النار‪ ..‬وأما األربعون‪ :‬فإن رسول هللا ‪ ‬وجهني في بعض الغ زوات‬
‫إلى ركي فإذا ليس فيه م اء‪ ،‬ف رجعت إلي ه فأخبرت ه‪ ،‬فق ال‪ :‬أفي ه طين؟‪ .‬فقلت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ايتني منه‪ ،‬فأتيت منه بطين‪ ،‬فتكلم فيه‪ ،‬ثم قال‪ :‬ألق ه في ال ركي‪ ،‬فألقيت ه‪ ،‬ف إذا‬
‫الماء قد نبع حتى امتأل جوانب الركي‪ ،‬فجئت إليه فأخبرته‪ ،‬فقال لي‪ :‬وفقت ي ا علي‬
‫وببركت ك نب ع الم اء‪ ،‬فه ذه المنقب ة خاص ة لي من دون أص حاب الن بي ‪ ..‬وأم ا‬
‫الحادية واألربعون‪ :‬فإني سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪ :‬أبش ر ي ا علي! ف إن جبرئي ل‬
‫عليه السالم أتاني فقال لي‪ :‬يا محمد! إن هللا تبارك وتعالى نظر إلى أصحابك فوج د‬
‫ابن عمك وختنك على ابنتك فاطمة خير أصحابك‪ ،‬فجعله وص يك والم ؤدي عن ك‪..‬‬
‫وأما الثانية واألربعون‪ :‬فإني سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪ :‬أبشر يا علي! فإن منزلك‬
‫في الجن ة مواج ه م نزلي‪ ،‬وأنت معي في الرفي ق األعلى في أعلى عل يين‪ ..‬وأم ا‬
‫الثالثة واألربعون‪ :‬فإن رسول هللا ‪ ‬قال‪ :‬إن هللا ع ز وج ل رس خ ح بي في قل وب‬
‫المؤمنين وكذلك رسخ حبك يا علي في قلوب المؤمنين‪ ،‬ورسخ بغضي وبغضك في‬
‫قلوب المنافقين‪ ،‬فال يحبك إال مؤمن تقي وال يبغضك إال منافق كافر‪ ..‬وأما الخامسة‬
‫واألربعون‪ :‬فإن رسول هللا ‪ ‬دعاني ـ وأنا رمد العين فتفل في عيني‪ ،‬وق ال‪ :‬اللهم‬
‫اجعل حرها في بردها وبردها في حرها‪ ،‬فو هللا ما اشتكت عيني إلى هذه الس اعة‪..‬‬
‫وأما السادسة واألربعون‪ :‬فإن رسول هللا ‪ ‬أمر أص حابه وعمومت ه بس د األب واب‬
‫وفتح ب ابي ب أمر هللا ع ز وج ل‪ ،‬فليس ألح د منقب ة مث ل منقب تي‪ ..‬وأم ا الس ابعة‬
‫واألربعون‪ :‬فإن رسول هللا ‪ ‬أمرني في وصيته بقض اء ديون ه وعدات ه‪ ،‬فقلت‪ :‬ي ا‬
‫رسول هللا! قد علمت أنه ليس عن دي م ال‪ .‬فق ال‪ :‬س يعينك هللا‪ ،‬فم ا أردت أم را من‬
‫قضاء ديونه وعدات ه إال يس ره هللا لي ح تى قض يت ديون ه وعدات ه‪ ..‬وأم ا التاس عة‬
‫واألربع ون‪ :‬ف إن هللا تب ارك وتع الى خص نبي ه ‪ ‬ب النبوة وخص ني الن بي ‪‬‬
‫بالوص ية‪ ،‬فمن أحب ني فه و س عيد يحش ر في زم رة األنبي اء عليهم الس الم‪ ..‬وأم ا‬
‫الخمسون‪ :‬فإن رس ول هللا ‪ ‬بعث ب براءة م ع أبي بك ر‪ ،‬فلم ا مض ى أتى جبرئي ل‬
‫عليه السالم‪ ،‬فقال‪ :‬يا محم د! ال ي ؤدي عن ك إال أنت أو رج ل من ك‪ ،‬فوجه ني على‬
‫ناقته الغضباء‪ ،‬فلحقته بذي الحليفة فأخذتها منه‪ ،‬فخصني هللا عز وجل ب ذلك‪ ..‬وأم ا‬
‫الحادية والخمسون‪ :‬فإن رسول هللا ‪ ‬أقامني للناس كافة يوم غ دير خم‪ ،‬فق ال‪ :‬من‬
‫كنت مواله فعلي م واله‪ ،‬فَبُ ْع داً وس حقا لِ ْلقَ وْ ِم الظَّالِ ِمينَ ‪ ..‬وأم ا الرابع ة والخمس ون‪:‬‬
‫فإني سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪ :‬يا علي! سيلعنك بنو أمي ة وي رد عليهم مل ك بك ل‬
‫لعنة ألف لعنة‪ ..‬وأما السادسة والخمسون‪ :‬فإن هللا تبارك وتعالى خص ني بم ا خص‬
‫به أولياءه وأهل طاعته وجعلني وارث محمد ‪ ،‬فمن ساءه ساءه ومن سره سره‪..‬‬
‫وأومى بيده نحو المدينة‪ ..‬وأم ا الثامن ة والخمس ون‪ :‬ف إن رس ول هللا ‪ ‬أم رني في‬
‫بعض غزواته وقد نفد الماء‪ ،‬فقال‪ :‬يا علي! ائت بتور‪ ،‬فأتيته به‪ ،‬فوضع يده اليم نى‬
‫‪230‬‬
‫وي دي معه ا في الت ور‪ ،‬فق ال‪ :‬انب ع‪ ،‬فنب ع الم اء من بين أص ابعنا‪ ..‬وأم ا التاس عة‬
‫والخمسون‪ :‬فإن رسول هللا ‪ ‬وجه ني إلى خي بر‪ ،‬فلم ا أتيت ه وج دت الب اب مغلق ا‬
‫فزعزعته شديدا فقلعته ورميت به أربعين خطوة‪ ،‬فدخلت ف برز إلي م رحب فحم ل‬
‫علي وحملت عليه‪ ،‬وس قيت األرض من دم ه‪ ،‬وق د ك ان وج ه رجلين من أص حابه‬
‫فرجع ا منكس فين‪ ..‬وأم ا الس تون‪ :‬ف إني قتلت عم رو بن عب د ود‪ ،‬وك ان يع د ب ألف‬
‫رج ل‪ ..‬وأم ا الثاني ة والس تون‪ :‬ف إني كنت م ع رس ول هللا ‪ ‬في جمي ع الم واطن‬
‫والحروب وكانت رايته معي‪ ..‬وأما الثالثة والستون‪ :‬ف إني لم أف ر من الزح ف ق ط‪،‬‬
‫ولم يبارزني أحد إال سقيت األرض من دمه‪ ..‬وأما الرابعة والستون‪ :‬فإن رسول هللا‬
‫‪ ‬أتي بطير مشوي من الجنة فدعا هللا عز وجل أن ي دخل علي ه أحب الخل ق إلي ه‬
‫فوفقني هللا للدخول عليه حتى أكلت معه من ذلك الط ير‪ ..‬وأم ا الخامس ة والس تون‪:‬‬
‫ف إني كنت أص لي في المس جد فج اء س ائل فس أل وأن ا راك ع‪ ،‬فناولت ه خ اتمي من‬
‫إصبعي‪ ،‬فأنزل هللا تبارك وتع الى في‪﴿ :‬إِنَّ َم ا َولِيُّ ُك ُم هَّللا ُ َو َر ُس ولُهُ َوالَّ ِذينَ آ َمنُ وا الَّ ِذينَ‬
‫الص اَل ةَ َوي ُْؤتُ ونَ ال َّز َك اةَ َوهُ ْم َرا ِك ُع ونَ ﴾ [المائ دة‪ ..]55 :‬وأم ا الس ابعة‬ ‫َّ‬ ‫يُقِي ُم ونَ‬
‫والستون‪ :‬فإن رسول هللا ‪ ‬أمر أن أدعى بإمرة المؤمنين في حياته وبعد موته ولم‬
‫يطلق ذلك ألحد غيري‪ ..‬وأما التاسعة والستون‪ :‬فإني س معت رس ول هللا ‪ ‬يق ول‪:‬‬
‫لوالك ما ع رف المن افقون من المؤم نين‪ ..‬وأم ا الس بعون‪ :‬ف إن رس ول هللا ‪ ‬ن ام‬
‫ونومني وزوجتي فاطمة وابني الحسن والحسين وألقى علينا عباءة قطوانية‪ ،‬ف أنزل‬
‫ت َويُطَه َِّر ُك ْم‬ ‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬
‫ب َع ْن ُك ُم ال رِّجْ َ‬ ‫هللا تبارك وتع الى فين ا‪﴿ :‬إِنَّ َم ا ي ُِري ُد هَّللا ُ لِيُ ْذ ِه َ‬
‫َط ِهيرًا﴾ [األحزاب‪]33 :‬‬ ‫ت ْ‬
‫الحديث الثالث‪:‬‬
‫وهي رواي ة طويلة(‪ ،)1‬تص ور بعض المحاج ات والمن اظرات ال تي ك ان‬
‫يجريها اإلمام علي مع المخالفين له في اإلمام ة‪ ،‬وهي تختص ر أك ثر م ا يوج د في‬
‫محاجات في هذا المجال‪ ،‬وننبه إلى أنا حذفنا منها ما ال ن رى الحاج ة إلي ه من ب اب‬
‫االختصار‪ ،‬وفق الشروط التي ذكرناها في مقدمة السلسلة‪.‬‬
‫[الحديث‪]752 :‬ـ ونص الحديث هو ما ح دث ب ه س ليم بن قيس الهاللي‪ ،‬أن ه‬
‫ق ال‪ :‬رأيت علي ا في مس جد رس ول هللا ‪ ‬في خالف ة عثم ان وجماع ة يتح دثون‬
‫ويتذاكرون العلم‪ ،‬فذكروا قريش ا وفض لها وس وابقها وهجرته ا‪ ..‬وذك روا األنص ار‬
‫وفضلها وسوابقها ونصرتها‪ ..‬فلم ي دعوا ش يئا من فض لهم ح تى ق ال ك ل حي‪ :‬من ا‬
‫فالن وفالن‪ ،‬وقالت قريش‪ :‬منا رسول هللا ‪ ،‬ومنا حمزة‪ ،‬ومنا جعفر‪ ،‬ومنا عبيدة‬
‫بن الحارث‪ ،‬وزيد بن حارثة‪ ،‬ومنا أبو بك ر وعم ر وس عد وأب و عبي دة وس الم وابن‬
‫عوف‪ ..‬فلم يدعوا من الحيين أحدا من أهل السابقة إال س موه‪ ،‬وفي الحلق ة أك ثر من‬
‫مائتي رجل فيهم علي بن أبي طالب‪ ،‬وذلك من بك رة إلى حين ال زوال وعثم ان في‬
‫داره ال يعلم بشيء مما هم فيه‪ ،‬وعلي بن أبي طالب ال ينطق ه و وال أح د من أه ل‬
‫‪ )(1‬االحتجاج ‪ 145 / 1‬ـ ‪ ،155‬كتاب سليم بن قيس‪ 111 :‬ـ ‪.125‬‬
‫‪231‬‬
‫بيته‪.‬‬
‫فأقبل القوم عليه‪ ،‬فق الوا‪ :‬ي ا أب ا الحس ن! م ا يمنع ك أن تتكلم؟‪ .‬فق ال‪ :‬م ا من‬
‫الحيين أحد إال وقد ذكر فضال وقال حقا‪ ،‬فأنا أسألكم ي ا معاش ر ق ريش واألنص ار!‬
‫بمن أعطاكم هللا هذا الفضل؟ أبأنفسكم وعشائركم وأهل بيوتاتكم أم بغيركم؟‪ ..‬ق الوا‪:‬‬
‫بل أعطانا هللا ومن ب ه علين ا بمحم د ‪ ‬وعش يرته ال بأنفس نا وعش ائرنا وال بأه ل‬
‫بيوتاتنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬صدقتم‪ ،‬يا معاشر قريش واألنصار! ألستم تعلمون أن ال ذي نلتم ب ه من‬
‫خير الدنيا واآلخرة منا أهل البيت خاصة دون غيرهم؟ فإن ابن عمي رسول هللا ‪‬‬
‫قال‪ :‬إني وأهل بيتي لم يزل هللا عز وجل ينقلنا من األص الب الكريم ة إلى األرح ام‬
‫الطاهرة‪ ،‬ومن األرحام الطاهرة إلى األصالب الكريمة من اآلباء واألمهات لم يلتق‬
‫واحد منهم على سفاح قط‪ ..‬فقالوا‪ :‬نعم قد سمعنا ذلك من رسول هللا ‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأنشدكم هللا‪ ،‬أتقرون أن رسول هللا ‪ ‬آخى بين كل رجلين من أصحابه‬
‫وآخى بيني وبين نفسه‪ ،‬وقال‪ :‬أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا واآلخرة؟‪ .‬فقالوا‪ :‬اللهم‬
‫نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أتقرون أن رسول هللا ‪ ‬اشترى موضع مسجده ومنازله فأتيناه ثم ب نى‬
‫عشرة منازل تسعة له وجعل لي عاش رها في وس طها‪ ،‬ثم س د ك ل ب اب ش ارع إلى‬
‫المسجد غير بابي‪ ،‬فتكلم في ذلك من تكلم‪ ،‬فقال‪ :‬ما أنا س ددت أب وابكم وفتحت باب ه‬
‫ولكن هللا أم رني بس د أب وابكم وفتح باب ه‪ ،‬ولق د نهى الن اس جميع ا أن ين اموا في‬
‫المسجد غيري‪ ..‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫ق ال‪ :‬أفتق رون أن عم ر ح رص على ك وة ق در عين ه ي دعها من منزل ه إلى‬
‫المسجد ف أبى علي ه‪ ،‬ثم ق ال ‪ :‬إن هللا أم ر موس ى علي ه الس الم أن يب ني مس جدا‬
‫طاهرا ال يسكنه غيره وغير هارون وابنيه‪ ،‬وإن هللا أمرني أن أبني مس جدا ط اهرا‬
‫ال يسكنه غيري وغير أخي وابنيه؟‪ .‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أفتقرون أن رسول هللا ‪ ‬قال في غزوة تبوك‪ :‬أنت مني بمنزلة هارون‬
‫من موسى وأنت ولي كل مؤمن من بعدي؟‪ .‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أفتقرون أن رسول هللا ‪ ‬حين دعا أهل نجران إلى المباهلة أنه لم ي أت‬
‫إال بي وبصاحبتي وابني؟‪ .‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أتعلمون أنه دفع إلي اللواء يوم خي بر‪ ،‬ثم ق ال‪ :‬ألدفعه ا إلى رج ل يحب ه‬
‫هللا ورسوله ويحب هللا ورسوله‪ ،‬ليس بجبان وال فرار يفتحها هللا على يديه ؟‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫اللهم نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أفتقرون أن رسول هللا ‪ ‬بعث ني ب براءة وق ال‪ :‬ال يبل غ ع ني إال رج ل‬
‫مني؟‪ .‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أفتقرون أن رسول هللا ‪ ‬لم ينزل به شديدة قط إال ق دمني له ا ثق ة بي‪،‬‬
‫وأنه لم يدع باسمي قط إال أن يقول‪ :‬يا أخي‪ ..‬وادعوا لي أخي‪..‬؟‪ .‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫‪232‬‬
‫قال‪ :‬أفتقرون أن رسول هللا ‪ ‬قضى بيني وبين جعفر وزيد في ابنة حم زة‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا علي! أنت مني وأنا منك وأنت ولي كل مؤمن بعدي؟‪ .‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أفتقرون أنه كانت لي من رسول هللا ‪ ‬في كل يوم وليلة دخلة وخل وة‪،‬‬
‫إذا سألته أعطاني‪ ،‬وإذا سكتت ابتدأني؟‪ .‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أفتقرون أن رسول هللا ‪ ‬فضلني على حمزة وجعفر‪ ،‬فقال لفاطم ة‪ :‬إن‬
‫زوجك خير أهلي وخير أمتي‪ ،‬أقدمهم سلما‪ ،‬وأعظمهم حلما ؟‪ .‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫ق ال‪ :‬أفتق رون أن رس ول هللا ‪ ‬أم رني بغس له وأخ برني أن جبرئي ل علي ه‬
‫السالم يعينني عليه؟‪ .‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أفتقرون أن رسول هللا ‪ ‬قال في آخر خطبة خطبكم‪ :‬أيه ا الن اس! إني‬
‫قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما‪ :‬كتاب هللا وأهل بي تي؟‪ .‬ق الوا‪ :‬اللهم‬
‫نعم‪.‬‬
‫ثم ق ال‪ :‬أنش دكم باهلل‪ ،‬أتعلم ون أني أول األم ة إيمان ا باهلل وبرس وله؟‪ .‬ق الوا‪:‬‬
‫اللهم نعم‪.‬‬
‫ق ال‪ :‬نش دتكم باهلل‪ ،‬أتعلم ون أن هللا ع ز وج ل فض ل في كتاب ه الس ابق على‬
‫المسبوق في غير آية‪ ،‬وإني لم يسبقني إلى هللا عز وج ل وإلى رس وله ص أح د من‬
‫هذه األمة؟‪ .‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫ُ‬
‫الس ابِقُونَ (‪ )10‬أولَئِ كَ‬ ‫الس ابِقُونَ َّ‬ ‫﴿و َّ‬ ‫قال‪ :‬أنشدكم باهلل‪ ،‬أتعلم ون حيث ن زلت‪َ :‬‬
‫ْال ُمقَ َّربُونَ ﴾ [الواقعة‪ ]11 ،10 :‬سئل عنها رسول هللا ‪ ،‬فقال‪ :‬أنزلها هللا عز وجل‬
‫في األنبي اء وفي أوص يائهم‪ ،‬فأن ا أفض ل أنبي اء هللا ورس له وعلي بن أبي ط الب‬
‫وصيي أفضل األوصياء؟‪ .‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫ق ال‪ :‬فأنش دكم باهلل‪ ،‬أتعلم ون حيث ن زلت‪﴿ :‬يَاأَيُّهَ ا الَّ ِذينَ آ َمنُ وا أَ ِطي ُع وا هَّللا َ‬
‫َوأَ ِطيعُوا ال َّرسُو َل َوأُولِي اأْل َ ْم ِر ِم ْن ُك ْم﴾ [النس اء‪ ،]59 :‬وحيث ن زلت‪﴿ :‬إِنَّ َم ا َولِيُّ ُك ُم هَّللا ُ‬
‫صاَل ةَ َوي ُْؤتُونَ ال َّز َكاةَ َوهُ ْم َرا ِكعُونَ ﴾ [المائ دة‪:‬‬ ‫َو َرسُولُهُ َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا الَّ ِذينَ يُقِي ُمونَ ال َّ‬
‫‪ ،]55‬وحيث ن زلت‪﴿ :‬أَ ْم َح ِس ْبتُ ْم أَ ْن تُ ْت َر ُك وا َولَ َّما يَ ْعلَ ِم هَّللا ُ الَّ ِذينَ َجاهَ دُوا ِم ْن ُك ْم َولَ ْم‬
‫يجةً﴾ [التوب ة‪ ،]16 :‬ق ال الن اس‪ :‬ي ا‬ ‫ُون هَّللا ِ َواَل َرسُولِ ِه َواَل ْال ُم ْؤ ِمنِينَ َولِ َ‬
‫يَتَّ ِخ ُذوا ِم ْن د ِ‬
‫رسول هللا! أخاصة في بعض المؤمنين أم عامة بجميعهم ؟ فأمر هللا عز وج ل نبي ه‬
‫أن يعلمهم والة أمرهم وأن يفسر لهم من الوالية ما فس ر لهم من ص التهم وزك اتهم‬
‫وصومهم وحجهم‪ ،‬فنصبني للناس بغ دير خم‪ ،‬ثم خطب‪ ،‬فق ال‪ :‬أيه ا الن اس! إن هللا‬
‫أرسلني برسالة ضاق بها صدري فظننت أن الن اس مك ذبوني فأوع دني ألبلغه ا أو‬
‫ليعذبني‪ ،‬ثم أمر فنودي بالصالة جامعة ثم خطب‪ ،‬فقال‪ :‬أيها الناس! أتعلم ون أن هللا‬
‫عز وجل م والي وأن ا م ولى المؤم نين‪ ،‬وأن ا أولى بهم من أنفس هم؟‪ .‬ق الوا‪ :‬بلى ي ا‬
‫رسول هللا‪ .‬قال‪ :‬قم يا علي‪ ،‬فقمت‪ ،‬فقال‪ :‬من كنت مواله فعلي م واله‪ ،‬اللهم وال من‬
‫وااله وعاد من ع اداه‪ ،‬فق ام س لمان‪ ،‬فق ال‪ :‬ي ا رس ول هللا والء كم ا ذا؟‪ .‬ق ال‪ :‬والء‬
‫كوالئي‪ ،‬من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفس ه‪ ،‬ف أنزل هللا ع ز وج ل‪:‬‬
‫‪233‬‬
‫يت لَ ُك ُم اإْل ِ ْس اَل َم ِدينً ا﴾ [المائ دة‪:‬‬ ‫ت َعلَ ْي ُك ْم نِ ْع َمتِي َو َر ِ‬
‫ض ُ‬ ‫ت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوأَ ْت َم ْم ُ‬
‫﴿اليَوْ َم أَ ْك َم ْل ُ‬
‫ْ‬
‫‪ ،]3‬فك بر رس ول هللا ‪ ،‬وق ال‪ :‬هللا أك بر تم ام نب وتي وتم ام دين هللا والي ة علي‬
‫بعدي‪ ..‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫هَّللا‬
‫قال‪ :‬أيها الن اس! أتعلم ون أن هللا ع ز وج ل أن زل في كتاب ه‪﴿ :‬إِنَّ َم ا ي ُِري ُد ُ‬
‫َط ِه يرًا﴾ [األح زاب‪ ]33 :‬فجمع ني‬ ‫ت َويُطَهِّ َر ُك ْم ت ْ‬ ‫س أَ ْه َل ْالبَ ْي ِ‬ ‫ب َع ْن ُك ُم ال رِّجْ َ‬ ‫لِيُ ْذ ِه َ‬
‫وفاطمة وابني حسنا وحسينا ثم ألقى علينا كس اء‪ ،‬وق ال‪ :‬اللهم إن ه ؤالء أه ل بي تي‬
‫ولحمتي يؤلمني ما يؤلمهم‪ ،‬ويجرحني ما يجرحهم‪ ،‬فأذهب عنهم الرجس وطه رهم‬
‫تطهيرا‪ .‬فقالت أم سلمة‪ :‬وأنا يا رسول هللا ؟‪ .‬فقال‪ :‬أنت إلى خير‪ ،‬فقالوا كلهم‪ :‬نشهد‬
‫أن أم سلمة حدثتنا بذلك‪.‬‬
‫هَّللا‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬أنشدكم باهلل‪ ،‬أتعلمون أن هللا أنزل‪ ﴿ :‬يَاأيُّهَا ال ِذينَ آ َمنُوا اتَّقُ وا َ َو ُكونُ وا‬
‫الص ا ِدقِينَ ﴾ [التوب ة‪ ]119 :‬فق ال س لمان‪ :‬ي ا رس ول هللا! عام ة ه ذه اآلي ة أم‬ ‫َم َع َّ‬
‫خاصة؟‪ .‬فقال‪ :‬أما المأمورون فعامة المؤمنين أمروا بذلك‪ ،‬وأما الصادقون فخاص ة‬
‫ألخي علي وأوصيائي بعده إلى يوم القيامة؟‪ .‬فقالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫ق ال‪ :‬فأنش دكم باهلل‪ ،‬أتعلم ون أني قلت لرس ول هللا ‪ ‬في غ زوة تب وك‪ :‬ولم‬
‫خلفتني مع النساء والصبيان ؟‪ .‬فقال‪ :‬إن المدينة ال تصلح إال بي أو ب ك‪ ،‬وأنت م ني‬
‫بمنزلة هارون من موسى إال أنه ال نبي بعدي؟‪ .‬قالوا‪ :‬اللهم نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬أنشدكم باهلل‪ ،‬أتعلمون أن رسول هللا ‪ ‬قام خطيبا ولم يخطب بعد ذل ك‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أيها الناس! إني تارك فيكم الثقلين كتاب هللا وعترتي أهل بيتي فتمس كوا بهم ا‬
‫ال تضلوا‪ ،‬فإن اللطيف الخبير أخبرني وعه د إلي أنهم ا لن يفترق ا ح تى ي ردا علي‬
‫الحوض‪ ،‬فقام عمر بن الخطاب‪ ،‬فقال‪ :‬يا رس ول هللا! أك ل أه ل بيت ك؟!‪ .‬فق ال‪ :‬ال‪،‬‬
‫ولكن أوصيائي منهم‪ ،‬أولهم علي أخي ووزيري وخليفتي في أمتي وولي كل م ؤمن‬
‫بعدي‪ ،‬هو أولهم‪ ،‬ثم ابني الحسن‪ ،‬ثم ابني الحسين‪ ،‬ثم تسعة من ول د الحس ين واح د‬
‫بع د واح د ح تى ي ردوا علي الح وض ش هداء هلل في أرض ه وحجج ه على خلق ه‪،‬‬
‫وخزان علمه‪ ،‬ومعادن حكمته‪ ،‬من أطاعهم أطاع هللا‪ ،‬ومن عصاهم فقد عص ى هللا‪.‬‬
‫فقالوا كلهم‪ :‬نشهد أن رسول هللا ‪ ‬قال ذلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬أتقرون بأن رسول هللا ‪ ‬ق ال‪ :‬من زعم أن ه يحب ني ويبغض علي ا فق د‬
‫كذب وليس يحبني؟!‪ .‬ووضع يده على رأسي‪ ،‬فقال ل ه قائ ل‪ :‬كي ف ذل ك ي ا رس ول‬
‫هللا؟‪ .‬قال‪ :‬ألنه مني وأنا منه‪ ،‬ومن أحبه فقد أحبني‪ ،‬ومن أحبني فق د أحب هللا‪ ،‬ومن‬
‫أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض هللا‪ .‬ق ال‪ :‬نح و من عش رين رجال من‬
‫أفاضل الحيين‪ :‬اللهم نعم‪ .‬وسكت بقيتهم‪.‬‬
‫فقال للسكوت‪ :‬م ا لكم س كتم؟!‪ .‬ق الوا‪ :‬ه ؤالء ال ذين ش هدوا عن دنا ثق ات في‬
‫قولهم وفضلهم وسابقتهم‪ ،‬قالوا‪ :‬اللهم اشهد عليهم‪.‬‬
‫ثالثا‪ .‬ما ورد في شأن التحريفات الناتجة عن هجر الوصية‪:‬‬
‫وهي أحاديث تتوافق مع نظيراتها في المصادر السنية‪ ،‬باإلضافة إلى توافقها‬
‫‪234‬‬
‫مع القرآن الكريم في إخب اره عم ا تق ع في ه األمم من لجوئه ا إلى آرائه ا‪ ،‬واتباعه ا‬
‫ألهوائها‪ ،‬وهجرها لوصايا نبيها‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك هجر بني إسرائيل له ارون‬
‫عليه السالم‪ ،‬ولجوئهم بدله إلى السامري‪ ،‬والذي كان أول ما فعله تحوي ل دينهم من‬
‫التنزيه إلى التجسيم‪.‬‬
‫وقد قسمنا األحاديث الواردة في هذا المعنى بحسب مص در التغي ير والتب ديل‬
‫إلى األقسام التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ما ورد في شأن التحريفات الحاصلة بعد وفاة رسول هللا ‪:‬‬
‫﴿و َم ا ُم َح َّم ٌد إِاَّل‬
‫واألح اديث ال واردة في ه ذا الب اب تتواف ق م ع قول ه تع الى‪َ :‬‬
‫ت ِم ْن قَ ْبلِ ِه الرُّ ُس ُل أَفَ إِ ْن َم اتَ أَوْ قُتِ َل ا ْنقَلَ ْبتُ ْم َعلَى أَ ْعقَ ابِ ُك ْم َو َم ْن يَ ْنقَلِبْ‬
‫َرسُو ٌل قَ ْد َخلَ ْ‬
‫هَّللا‬
‫ض َّر َ َش ْيئًا َو َسيَجْ ِزي ُ ال َّشا ِك ِرينَ ﴾ [آل عمران‪]144 :‬‬ ‫هَّللا‬ ‫َعلَى َعقِبَ ْي ِه فَلَ ْن يَ ُ‬
‫كما أنها تتوافق مع نظيراتها في المصادر السنية‪ ،‬وال تي ت دل على أن األم ة‬
‫بعد رسول هللا ‪ ‬ستختبر في مواقفها‪ ،‬وأن هناك من يفشل في ذلك االختبار‪ ،‬ومن‬
‫تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحـــديث‪ ]753 :‬عن جب ير بن ن وف أبي ال وداك ق ال‪ :‬قلت ألبي س عيد‬
‫الخدري‪ :‬وهللا ما يأتي علينا عا ٌم إال وهو ش ّر من الماض ي‪ ،‬وال أم ي ٌر إال وه و ش ّر‬
‫ممن ك ان قبل ه‪ ،‬فق ال أب و س عيد‪ :‬س معته من رس ول هللا ‪ ‬يق ول م ا تق ول‪ ،‬ولكن‬
‫سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪( :‬ال يزال بكم األمر حتى يولد في الفتن ة والج ور من ال‬
‫يعرف عددها‪ ،‬حتى تمأل األرض جوراً‪ ،‬فال يقدر أح ٌد يق ول‪ :‬هللا‪ ،‬ثم يبعث هللا ع ّز‬
‫وج ّل رجالً مني ومن عترتي فيمأل األرض عدالً‪ ،‬كما مأله ا َمن ك ان قبل ه ج وراً‪،‬‬
‫حث وا وال يع ّده ع ّداً‪ ،‬وذل ك حين‬ ‫وتُخ رج ل ه األرض أفالذ كب دها‪ ،‬ويحث و الم ال ْ‬
‫يضرب اإلسالم بجرانه)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]754 :‬سئل اإلمام الرضا عن قول الن بي ‪( :‬أص حابي ك النجوم‬
‫بأيهم اقتديتم اهتديتم)‪ ،‬وعن قول ه ‪( :‬دع وا لي أص حابي)‪ ،‬فق ال‪( :‬ه ذا ص حيح‪،‬‬
‫يريد َمن لم يغيّر بعده ولم يب ّدل)‪ ،‬قيل‪ :‬وكيف نعلم أنهم قد غيّروا وب ّدلوا؟‪ ..‬قال‪( :‬لما‬
‫(ليذادن رجال من أصحابي يوم القيام ة عن حوض ي‪ ،‬كم ا‬ ‫ّ‬ ‫يروونه من أنه ‪ ‬قال‪:‬‬
‫تذاد (أي تُدفع) غرائب اإلبل عن الماء‪ ،‬فأقول‪ :‬يا ربّ ‪ ..‬أص حابي أص حابي‪ ،‬فيق ال‬
‫لي‪ :‬إنك ال تدري ما أحدثوا بعدك‪ ،‬فيؤخذ بهم ذات الشمال‪ ،‬فأقول بُعداً لهم وس حقاً‪،‬‬
‫أفترى هذا لمن لم يغيّر ولم يب ّدل؟)(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪ ]755 :‬دخلت على أنس بن مال ك بدمش ق وه و يبكي فقلت‪( :‬م ا‬
‫أدركت إال ه ذه الص الة‪ ،‬وه ذه الص الة ق د‬ ‫ُ‬ ‫يبكي ك؟)‪ ..‬ق ال‪( :‬ال أع رف ش يئا ً مم ا‬
‫ضيّعت)(‪)3‬‬ ‫ُ‬
‫(إن َمثلي كمث ل رج ل اس توقد ن ارا‪ ،‬فلم ا‬ ‫َ‬ ‫[الحــديث‪ ]756 :‬ق ال الن بي ‪ّ :‬‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،28/18 :‬وأمالي الطوسي ‪.2/126‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،28/19 :‬وعيون األخبار ‪.2/87‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،28/32 :‬والطرائف ص‪.113‬‬
‫‪235‬‬
‫أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه ال دواب ال تي تق ع في الن ار تق ع فيه ا‪ ،‬وجع ل‬
‫يحجـزهن فيغلبن ويقتحمن فيها‪ ،‬قال‪( :‬وذلك َمثلي ومثلكم‪ ..‬أنا آخذ بحجزتكم هل ّم وا‬
‫عن النار‪ ،‬هل ّموا عن النار‪ ،‬فتغلبونني وتقتحمون فيها)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]757 :‬وهو حديث طويل(‪ )2‬يبين فيه اإلمام علي بعض ما غير من‬
‫أحك ام ال دين‪ ،‬وص عوبة تغي يره‪ ،‬ونص الح ديث ه و م ا روي عن س ليم بن قيس‬
‫الهاللي قال‪ :‬خطب أمير المؤمنين فحمد هللا وأثنى عليه ثم ص لى على الن بي ‪ ‬ثم‬
‫إن أخوف ما أخاف عليكم خلّتان‪ :‬اتّباع اله وى‪ ،‬وط ول األم ل؛ أ ّم ا اتّب اع‬ ‫قال‪( :‬أال ّ‬
‫إن ال دنيا ق د ت رحّلت‬ ‫ق‪ ،‬وأ ّما طول األمل‪ :‬فينسي اآلخرة‪ ،‬أال ّ‬ ‫الهوى‪ :‬فيص ّد عن الح ّ‬
‫وإن اآلخرة قد ترحّلت مقبلة‪ ،‬ولك ّل واحدة بنون‪ ،‬فكون وا من أبن اء اآلخ رة‪،‬‬ ‫مدبرة‪ّ ،‬‬
‫وإن غداً حساب وال عمل‪.‬‬ ‫فإن اليوم عمل وال حساب‪ّ ،‬‬ ‫وال تكونوا من أبناء الدنيا‪ّ .‬‬
‫وإنّما بدء وقوع الفتن من أه واء تتّب ع وأحك ام تبت دع‪ ،‬يخ الف فيه ا حكم هَّللا ‪،‬‬
‫أن الباط ل‬ ‫ق ل و خلص لم يكن اختالف‪ ،‬ول و ّ‬ ‫يتولّى فيه ا رج ال رج االً‪ ،‬أال ّ‬
‫إن الح ّ‬
‫خلص لم يخفَ على ذي حجى‪ .‬لكنّه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان‬
‫فيجلّالن معاً‪ ،‬فهنالك يستولي الشيطان على أوليائ ه‪ ،‬ونج ا ال ذين س بقت لهم من هَّللا‬
‫الحسنى‪.‬‬
‫وإنّي س معت رس ول هَّللا ‪ ‬يق ول‪( :‬كي ف أنتم إذا لبس تكم فتن ة يرب و فيه ا‬
‫الصغير‪ ،‬ويهرم فيها الكبير‪ ،‬يجري الناس عليه ا ويتّخ ذونها س نّة‪ ،‬ف إذا غيّ ر منه ا‬
‫شيء قيل‪ :‬قد غيّرت السنّة‪ ،‬وقد أتى الن اس منك راً! ث ّم تش ت ّد البليّ ة وتس بى الذرّي ة‪،‬‬
‫ق الرح ا بثفاله ا‪ ،‬ويتفقّه ون لغ ير هَّللا ‪،‬‬ ‫ق النار الحطب‪ ،‬وكما تد ّ‬ ‫وتدقّهم الفتنة كما تد ّ‬
‫ويتعلّمون لغير العمل‪ ،‬ويطلبون الدنيا بأعمال اآلخرة)‬
‫وخاص ته‪ ،‬فق ال‪( :‬ق د عملت ال والة‬ ‫ّ‬ ‫ث ّم أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيت ه‬
‫قبلي أعماالً خالفوا فيها رس ول هَّللا ‪ ‬متع ّم دين لخالف ه‪ ،‬ناقض ين لعه ده‪ ،‬مغيّ رين‬
‫حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها‪ ،‬وإلى ما كانت في عهد‬ ‫ُ‬ ‫لسنّته‪ ،‬ولو‬
‫رس ول هَّللا ‪ ،‬لتف رّق عنّي جن دي ح تى أبقى وح دي‪ ،‬أو قلي ل من ال ذين عرف وا‬
‫فضلي وفرض إمامتي من كتاب هَّللا ع ّزوج ّل وسنّة رسول هَّللا ‪.‬‬
‫أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السالم فرددته إلى الموضع ال ذي وض عه‬
‫ك إلى ورثة فاطمة‪ ،‬ورددت صاع رسول هَّللا ‪ ‬كما‬ ‫فيه رسول هَّللا ‪ ،‬ورددت فد َ‬
‫كان‪ ،‬وأمضيت قطائع أقطعها رسول هَّللا ‪ ‬ألق وام لم تمض لهم ولم تنف ذ‪ ،‬ورددت‬
‫دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المس جد‪ ،‬ورددت قض ايا من الج ور قض ي به ا‪،‬‬
‫أزواجهن‪ ..‬ورددت م ا قس م من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫رددتهن إلى‬ ‫ونزعت نسا ًء تحت رجال بغير ح ّ‬
‫قف‬
‫أرض خي بر‪ ،‬ومح وت دواوين العطاي ا‪ ،‬وأعطيت كم ا ك ان رس ول هَّللا ‪ ‬يعطي‬
‫بالس ويّة‪ ،‬ولم أجعله ا دول ة بين األغني اء وألقيت المس احة‪ ،‬وس وّيت بين المن اكح‪،‬‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،28/32 :‬والطرائف ص‪.114‬‬


‫‪ )(2‬الكافي‪ ،8/58/21 :‬االحتجاج‪ ،1/626/146 :‬كتاب سليم بن قيس‪.2/718/18 :‬‬
‫‪236‬‬
‫وأنفذت خمس الرسول كما أنزل هَّللا ع ّزوج ّل وفرض ه‪ ،‬ورددت مس جد رس ول هَّللا‬
‫‪ ‬إلى ما كان عليه‪ ،‬وسددت ما فتح فيه من األبواب‪ ،‬وفتحت ما س ّد منه‪ ،‬وحرّمت‬
‫المسح على الخفّين‪ ،‬وحددت على النبيذ‪ ،‬وأمرت بإحالل المتعتين‪ ،‬وأمرت ب التكبير‬
‫على الجن ائز خمس تكب يرات‪ ،‬وأل زمت الن اس الجه ر ببس م هَّللا ال رحمن ال رحيم‪،‬‬
‫وأخرجت من أُدخل مع رسول هَّللا ‪ ‬في مسجده م ّمن كان رسول هَّللا ‪ ‬أخرج ه‪،‬‬
‫وأدخلت من أخ رج بع د رس ول هَّللا ‪ ‬م ّمن ك ان رس ول هَّللا ‪ ‬أدخل ه‪ ،‬وحملت‬
‫الناس على حكم القرآن وعلى الطالق على السنّة‪ ،‬وأخذت الص دقات على أص نافها‬
‫وحدودها‪ ،‬ورددت الوضوء والغسل والصالة إلى مواقيتها وش رائعها ومواض عها‪،‬‬
‫ورددت أهل نجران إلى مواضعهم‪ ،‬ورددت سبايا فارس وسائر االُمم إلى كتاب هَّللا‬
‫وسنّة نبيّه ‪ ،‬إذاً لتفرّقوا عنّي‪.‬‬
‫وهَّللا لق د أم رت الن اس أن ال يجتمع وا في ش هر رمض ان إاّل في فريض ة‪،‬‬
‫أن اجتماعهم في النواف ل بدع ة‪ ،‬فتن ادى بعض أه ل عس كري م ّمن يقات ل‬ ‫وأعلمتهم ّ‬
‫معي‪ :‬ي ا أه ل اإلس الم‪ ،‬غيّ رت س نّة عم ر‪ ،‬ينهان ا عن الص الة في ش هر رمض ان‬
‫تطوّعاً‪ .‬ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري م ا لقيت من ه ذه االُ ّم ة من‬
‫الفرقة‪ ،‬وطاعة أئ ّمة الضاللة‪ ،‬والدعاة إلى النار)(‪)1‬‬
‫[الحــديث‪ ]758 :‬خطب ة فاطم ة الزه راء المعروف ة بالخطب ة الفدكي ة‪ ،‬وهي‬
‫خطبة طويلة وردت في المصادر السنية والشيعية(‪ ،)2‬وقب ل أن ن ورد نص ها‪ ،‬ن بين‬
‫أن هناك أدلة من المصادر السنية عليه ا‪ ،‬ومن الص حاح‪ ،‬وه و م ا س بق ذك ره من‬
‫الخالف الشديد بين الزهراء وأبي بكر في شأن فدك‪ ،‬وأنها ظلت غاض بة علي ه إلى‬
‫أن توفيت‪ ،‬ولم يحضر جنازتها إال القليل‪ ،‬وذلك يدل على أن لها حوارات وأحاديث‬
‫معه في هذا الشأن‪ ،‬ومن المستغرب عدم نقلها مع كونها بنت رسول هللا ‪ ،‬وله ذا‬
‫نرى أن هذه الخطبة‪ ،‬وإن لم تنقل بحروفه ا إال أنه ا ت دل على المع اني ال تي ك انت‬
‫تتحدث عنها‪ ،‬خاصة وأن الكثير منها يستند للقرآن الكريم‪.‬‬
‫أم ا ق وة المع اني ال واردة في الخطب ة؛ فه و مم ا يؤك د وروده ا عنه ا‪ ،‬ألن ه‬
‫يستحيل أن تكون سيدة نساء العالمين غير قادرة على مث ل ذل ك التعب ير‪ ،‬وكي ف ال‬
‫تك ون ك ذلك‪ ،‬وهي بنت رس ول هللا ‪ ،‬وزوج اإلم ام علي‪ ،‬وال أح د يج ادل في‬
‫بالغتهما‪.‬‬

‫‪ )(1‬الكافي‪ ،8/58/21 :‬االحتجاج‪ ،1/626/146 :‬كتاب سليم بن قيس‪.2/718/18 :‬‬


‫‪ )(2‬رواها بعدة طرق عبد الحميد ابن أبي الحديد المتوفى س نة ‪ 656‬في كتاب ه (ش رح نهج البالغ ة) ج ‪ 16‬ص‬
‫‪ 213-211‬وص‪249‬و‪ .252‬ورواها أبو بكر الجوهري المتوفى س نة ‪ 323‬في كتاب ة (الس قيفة وف دك) بع دة ط رق‪.‬‬
‫ورواها ابن طيفور المتوفى سنة ‪ 280‬في كتابه (بالغات النساء) بعدة طرق‪ .‬ورواها ابن األث ير المت وفى س نة ‪606‬‬
‫في كتابه (منال الطالب في شرح طوائل ال راغب) الص فحات ‪ .507-501‬ورواه ا الخ وارزمي المت وفى س نة ‪568‬‬
‫عن الحافظ ابن مردويه في (مقتل الحسين) ج‪ 1‬ص‪.77‬‬
‫‪237‬‬
‫أما تشددها مع أبي بكر أو مع غيره في الخطبة؛ فيكفي للدالل ة علي ه م ا ورد‬
‫في جميع المصادر التاريخية الس نية والش يعية من كونه ا لم تبايع ه إلى أن ت وفيت‪،‬‬
‫وكانت ترى مثل بعض الصحابة أن رسول هللا ‪ ‬أوصى لإلمام علي‪.‬‬
‫ونص الحديث ه و أن ه لم ا من ع أب و بك ر فاطم ة ف دك‪ ،‬وبلغه ا ذل ك‪( ،‬الثت‬
‫خمارها على رأسها‪ ،‬واشتملت بجلبابها‪ ،‬وأقبلت في لمة من نساء قومه ا‪ ،‬م ا تخ رم‬
‫مش يتها مش ية رس ول هللا ‪ ،‬ح تى دخلت على أبي بك ر وه و في حش د من‬
‫المهاجرين واألنص ار وغ يرهم ف نيطت دونه ا مالءةٌ‪ ،‬فجلس ت‪ ،‬ثم أنت أن ة أجهش‬
‫القوم لها بالبكاء‪ .‬فارتج المجلس‪ .‬ثم أمهلت هنية حتى إذا سكن نشيج القوم‪ ،‬وه دأت‬
‫فورتهم‪ ،‬افتتحت الكالم بحمد هللا والثناء عليه والصالة على رس ول هللا‪ ،‬فع اد الق وم‬
‫في بكائهم‪ ،‬فلما أمس كوا ع ادت في كالمه ا‪ ،‬فق الت ـ بع د الثن اء على هللا تع الى ـ‪:‬‬
‫(وأشهد أن أبي محمدا ‪ ‬عبده ورسوله‪ ،‬اختاره وانتجبه قبل أن أرسله‪ ،‬وسماه قبل‬
‫أن اجتبله‪ ،‬واصطفاه قبل أن ابتعثه‪ ،‬إذ الخالئ ق ب الغيب مكنون ةٌ‪ ،‬وبس تر األهاوي ل‬
‫مصونةٌ‪ ،‬وبنهاية العدم مقرونةٌ‪ ،‬علما من هللا تعالى بمآيل األمور‪ ،‬وإحاطة بح وادث‬
‫الدهور‪ ،‬ومعرف ة بمواق ع المق دور‪ .‬ابتعث ه هللا تع الى إتمام ا ألم ره‪ ،‬وعزيم ة على‬
‫إمضاء حكمه‪ ،‬وإنفاذا لمقادير حتمه‪.‬‬
‫فرأى األمم فرقا في أديانها‪ ،‬عكفا على نيرانها‪ ،‬عابدة ألوثانها‪ ،‬منكرة هلل م ع‬
‫عرفانه ا‪ .‬فأن ار هللا بمحم د ‪ ‬ظلمه ا‪ ،‬وكش ف عن القل وب بهمه ا‪ ،‬وجلى عن‬
‫األبص ار غممه ا‪ ،‬وق ام في الن اس بالهداي ة‪ ،‬وأنق ذهم من الغواي ة‪ ،‬وبص رهم من‬
‫العماية‪ ،‬وهداهم إلى الدين القويم‪ ،‬ودعاهم إلى الطريق المستقيم‪.‬‬
‫ثم قبضه هللا إليه قبض رأفة واختيار‪ ،‬ورغبة وإيثار بمحمد ‪ ‬عن تعب هذه‬
‫الدار في راحة‪ ،‬قد حف بالمالئكة األبرار‪ ،‬ورضوان الرب الغفار‪ ،‬ومجاورة الملك‬
‫الجب ار‪ .‬ص لى هللا على أبي نبي ه وأمين ه على ال وحي‪ ،‬وص فيه وخيرت ه من الخل ق‬
‫ورضيه‪ ،‬والسالم عليه ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬
‫ثم التفتت إلى أهل المجلس وق الت‪ :‬أنتم عب اد هللا نص ب أم ره ونهي ه وحمل ة‬
‫ق لكم هلل فيكم‪،‬‬‫دينه ووحيه‪ ،‬وأمناء هللا على أنفسكم‪ ،‬وبلغ اؤه إلى األمم‪ ،‬وزعمتم ح ٌ‬
‫عه ٌد قدمه إليكم‪ ،‬وبقيةٌ استخلفها عليكم‪ .‬كتاب هللا الناطق‪ ،‬والقرآن الصادق‪ ،‬والن ور‬
‫الساطع‪ ،‬والضياء الالمع‪ ،‬بينةٌ بصائره‪ ،‬منكشفةٌ سرائره‪ ،‬متجليةٌ ظواهره‪ ،‬مغتبط ةٌ‬
‫به أشياعه‪ ،‬قائ ٌد إلى الرضوان اتباع ه‪ ،‬م ؤد إلى النج اة إس ماعه‪ .‬ب ه تن ال حجج هللا‬
‫المنورة‪ ،‬وعزائمه المفسرة‪ ،‬ومحارمه المحذرة‪ ،‬وبيناته الجالية‪ ،‬وبراهين ه الكافي ة‪،‬‬
‫وفضائله المندوبة‪ ،‬ورخصه الموهوبة‪ ،‬وشرايعه المكتوبة‪.‬‬
‫فجعل هللا اإليم ان تطه يرا لكم من الش رك‪ ،‬والص الة تنزيه ا لكم عن الك بر‪،‬‬
‫والزكاة تزكي ة للنفس ونم اء في ال رزق‪ ،‬والص يام تثبيت ا لإلخالص‪ ،‬والحج تش ييدا‬
‫لل دين‪ ،‬والع دل تنس يقا للقل وب‪ ،‬وطاعتن ا نظام ا للمل ة‪ ،‬وإمامتن ا أمان ا من الفرق ة‪،‬‬
‫والجهاد عزا لإلسالم‪ ،‬والص بر معون ة على اس تيجاب األج ر‪ ،‬واألم ر ب المعروف‬
‫‪238‬‬
‫مص لحة للعام ة‪ ،‬وب ر الوال دين وقاي ة من الس خط‪ ،‬وص لة األرح ام منم اة للع دد‪،‬‬
‫والقص اص حص نا لل دماء‪ ،‬والوف اء بالن ذر تعريض ا للمغف رة‪ ،‬وتوفي ة المكايي ل‬
‫والموازين تغييرا للبخس‪ ،‬والنهي عن شرب الخمر تنزيه ا عن ال رجس‪ ،‬واجتن اب‬
‫القذف حجابا عن اللعنة‪ ،‬وترك السرقة إيجابا للعفة‪ .‬وح رم هللا الش رك إخالص ا ل ه‬
‫ق تُقَاتِ ِه َواَل تَ ُموتُ َّن إِاَّل َوأَ ْنتُ ْم ُم ْس لِ ُمونَ ﴾ [آل عم ران‪]102 :‬‬ ‫بالربوبية‪ ،‬فـ ﴿اتَّقُوا هَّللا َ َح َّ‬
‫وأطيعوا هللا فيما أمركم به ونه اكم عن ه‪ ،‬فإن ه ﴿إِنَّ َم ا يَ ْخ َش ى هَّللا َ ِم ْن ِعبَ ا ِد ِه ْال ُعلَ َم ا ُء﴾‬
‫[فاطر‪]28 :‬‬
‫ثم قالت‪ :‬أيها الناس! اعلموا أني فاطمة‪ ،‬وأبي محم ٌد ‪ ،‬أقول ع ودا وب دءا‪،‬‬
‫وال أقول ما أقول غلطا‪ ،‬وال أفعل ما أفعل ش ططا‪﴿ :‬لَقَ ْد َج ا َء ُك ْم َر ُس و ٌل ِم ْن أَ ْنفُ ِس ُك ْم‬
‫وف َر ِحي ٌم ﴾ [التوب ة‪ ،]128 :‬ف إن‬ ‫َزي ٌز َعلَ ْي ِه َما َعنِتُّ ْم َح ِريصٌ َعلَ ْي ُك ْم بِ ْال ُم ْؤ ِمنِينَ َر ُء ٌ‬
‫ع ِ‬
‫تع زوه وتعرف وه تج دوه أبي دون نس ائكم‪ ،‬وأخ ا ابن عمي دون رج الكم‪ ،‬ولنعم‬
‫المع زي إلي ه ‪ ،‬فبل غ الرس الة ص ادعا بالن ذارة‪ ،‬م ائال عن مدرج ة المش ركين‪،‬‬
‫ضاربا ثبجهم‪ ،‬آخذا بأكظامهم‪ ،‬داعيا إلى س بيل رب ه بالحكم ة والموعظ ة الحس نة‪،‬‬
‫يكسر األصنام‪ ،‬وينكت الهام‪ ،‬حتى انهزم الجمع وولوا الدبر‪ ،‬حتى تف رى اللي ل عن‬
‫صبحه‪ ،‬وأسفر الحق عن محضه‪ ،‬ونطق زعيم الدين‪ ،‬وخرست شقاشق الش ياطين‪،‬‬
‫وطاح وشيظ النفاق‪ ،‬وانحلت عق د الكف ر والش قاق‪ ،‬وفهتم بكلم ة اإلخالص في نف ر‬
‫من ال بيض الخم اص‪ ،‬وكنتم على ش فا حف رة من الن ار‪ ،‬مذق ة الش ارب‪ ،‬ونه زة‬
‫الطامع‪ ،‬وقبسة العجالن‪ ،‬وموطئ األقدام‪ ،‬تشربون الطرق‪ ،‬وتقتاتون ال ورق‪ ،‬أذل ة‬
‫خاسئين‪﴿ ،‬تَخَافُونَ أَ ْن يَتَخَطَّفَ ُك ُم النَّاسُ فَآ َوا ُك ْم َوأَيَّ َد ُك ْم بِنَصْ ِر ِه ﴾ [األنفال‪]26 :‬‬
‫فأنقذكم هللا تب ارك وتع الى بمحم د ‪ ‬بع د اللتي ا وال تي‪ ،‬وبع د أن م ني ببهم‬
‫طفَأَهَ ا هَّللا ُ ﴾‬ ‫ب أَ ْ‬‫الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب‪ُ ﴿ ،‬كلَّ َما أَوْ قَدُوا نَ ارًا لِ ْل َح رْ ِ‬
‫قرن للشيطان‪ ،‬وفغ رت ف اغرةٌ من المش ركين ق ذف أخ اه في‬ ‫[المائدة‪ ،]64 :‬أونجم ٌ‬
‫لهواتها‪ ،‬فال ينكفئ حتى يطأ ص ماخها بأخمص ه‪ ،‬ويخم د لهبه ا بس يفه‪ ،‬مك دودا في‬
‫ذات هللا‪ ،‬مجتهدا في أمر هللا‪ ،‬قريبا من رسول هللا سيد أولي اء هللا‪ ،‬مش مرا ناص حا‪،‬‬
‫مجدا كادحا ـ وأنتم في رفاهية من العيش‪ ،‬وادعون ف اكهون آمن ون‪ ،‬تتربص ون بن ا‬
‫الدوائر‪ ،‬وتتوكفون األخبار‪ ،‬وتنكصون عند النزال‪ ،‬وتفرون عند القتال‪.‬‬
‫فلما اختار هللا لنبي ه دار أنبيائ ه وم أوى أص فيائه‪ ،‬ظه ر فيكم حس يكة النف اق‬
‫وس مل جلب اب ال دين‪ ،‬ونط ق ك اظم الغ اوين‪ ،‬ونب غ خام ل األقلين‪ ،‬وه در ف نيق‬
‫المبطلين‪.‬‬
‫فخطر في عرصاتكم‪ ،‬وأطلع الشيطان رأسه من مغ رزه‪ ،‬هاتف ا بكم‪ ،‬فألف اكم‬
‫لدعوته مستجيبين‪ ،‬وللغرة فيه مالحظين‪ .‬ثم استنهض كم فوج دكم خفاف ا‪ ،‬وأحمش كم‬
‫فألفاكم غضابا‪ ،‬فوسمـتم غير إبلكم‪ ،‬وأوردتم غير شربكم‪ ،‬هذا والعهد قريبٌ ‪ ،‬والكلم‬
‫رحيبٌ ‪ ،‬والجرح لما يندمل‪ ،‬والرسول لما يقبر‪ ،‬ابتدارا زعمتم خوف الفتنة‪﴿ ،‬أَاَل فِي‬
‫ْالفِ ْتنَ ِة َسقَطُوا َوإِ َّن َجهَنَّ َم لَ ُم ِحيطَةٌ بِ ْال َكافِ ِرينَ ﴾ [التوبة‪]49 :‬‬
‫‪239‬‬
‫فهيه ات منكم‪ ،‬وكي ف بكم‪ ،‬وأنى تؤفك ون؟ وكت اب هللا بين أظه ركم‪ ،‬أم وره‬
‫ظاهرةٌ‪ ،‬وأحكامه زاهرةٌ‪ ،‬وأعالمه باهرةٌ‪ ،‬وزواجره الئحةٌ‪ ،‬وأوام ره واض حةٌ‪ ،‬ق د‬
‫س لِلظَّالِ ِمينَ‬ ‫خلفتموه وراء ظهوركم‪ ،‬أرغب ة عن ه تري دون‪ ،‬أم بغ يره تحكم ون‪﴿ ،‬بِ ْئ َ‬
‫بَ َداًل ﴾ [الكهف‪َ ﴿ ]50 :‬و َم ْن يَ ْبت َِغ َغي َْر اإْل ِ ْساَل ِم ِدينًا فَلَ ْن يُ ْقبَ َل ِم ْنهُ َوهُ َو فِي ا ِخ َر ِة ِمنَ‬
‫آْل‬
‫خَاس ِرينَ ﴾ [آل عم ران‪ ،]85 :‬ثم لم تلبث وا إال ريث أن تس كن نفرته ا‪ ،‬ويس لس‬ ‫ْال ِ‬
‫قيادها ثم أخذتم ت ورون وق دتها‪ ،‬وتهيج ون جمرته ا‪ ،‬وتس تجيبون لهت اف الش يطان‬
‫الغوي‪ ،‬وإطفاء أنوارالدين الجلي‪ ،‬وإهم اد س نن الن بي الص في‪ ،‬تس رون حس وا في‬
‫ارتغاء‪ ،‬وتمشون ألهل ه وول ده في الخم ر والض راء‪ ،‬ونص بر منكم على مث ل ح ز‬
‫الم دى‪ ،‬ووخ ز الس نان في الحش ا‪ ،‬وأنـتم تزعم ون أال إرث لن ا‪﴿ ،‬أَفَ ُح ْك َم ْال َجا ِهلِيَّ ِة‬
‫يَ ْب ُغونَ َو َم ْن أَحْ َسنُ ِمنَ هَّللا ِ ُح ْك ًما لِقَوْ ٍم يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة‪ ]50 :‬أفال تعلمون؟ بلى تجلى‬
‫لكم كالشمس الضاحية أني ابنته‪.‬‬
‫أيها المس لمون أأغلب على إرثي ه ي ا ابن أبي قحاف ة! أفي كت اب هللا أن ت رث‬
‫ت َش ْيئًا فَ ِريًّ ا ﴾ [م ريم‪ ،]27 :‬أفعلى عم د ت ركتم كت اب‬ ‫أباك‪ ،‬وال أرث أبي؟ ﴿لَقَ ْد ِج ْئ ِ‬
‫ث ُسلَ ْي َمانُ دَا ُوودَ﴾ [النم ل‪ ،]16 :‬وق ال‬ ‫هللا‪ ،‬ونبذتموه وراء ظهوركم اذ يقول‪َ ﴿ :‬و َو ِر َ‬
‫فيما اختص من خبر يحيي بن زكريا عليهما الس الم اذ ق ال رب ﴿هَبْ لِي ِم ْن لَ ُد ْنكَ‬
‫وب﴾ [م ريم‪ ،]6 ،5 :‬وق ال‪َ ﴿ :‬وأُولُ و اأْل َرْ َح ِام‬ ‫ث ِم ْن آ ِل يَ ْعقُ َ‬ ‫َولِيًّ ا (‪ )5‬يَ ِرثُنِي َويَ ِر ُ‬
‫صي ُك ُم هَّللا ُ فِي أَوْ اَل ِد ُك ْم‬
‫ب هَّللا ِ﴾ [األنفال‪ ،]75 :‬وقال‪ ﴿ :‬يُو ِ‬ ‫ْض فِي ِكتَا ِ‬ ‫ضهُ ْم أَوْ لَى بِبَع ٍ‬‫بَ ْع ُ‬
‫ص يَّةُ لِ ْل َوالِ َد ْي ِن‬ ‫ُ‬
‫لذ َك ِر ِم ْث ُل َحظِّ اأْل ْنثَيَ ْي ِن ﴾ [النس اء‪ ،]11 :‬وق ال‪ ﴿ :‬إِ ْن تَ َركَ خَ ْي رًا ْال َو ِ‬ ‫لِ َّ‬
‫ُوف َحقّ ا َعلَى ْال ُمتَّقِينَ ﴾ [البق رة‪ ،]180 :‬وزعمتم أال حظ وة لي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َواأْل َ ْق َربِينَ بِ ْال َم ْعر ِ‬
‫وال إرث من أبي والرحم بيننا!‬
‫أفخصكم هللا بآية أخرج منها أبي؟ أم هل تقولون أه ل مل تين ال يتوارث ان‪ ،‬أو‬
‫لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعموم ه من أبي‬
‫وابن عمي؟ فدونكها مخطومة مرحولة‪ ،‬تلقاك يوم حشرك‪ ،‬فنعم الحكم هللا‪ ،‬والزعيم‬
‫محم ٌد‪ ،‬والموع د القيام ة‪ ،‬وعن د الس اعة يخس ر المبطل ون‪ ،‬وال ينفعكم إذ تن دمون‪،‬‬
‫و﴿لِ ُك ِّل نَبَإٍ ُم ْستَقَ ٌّر َو َسوْ فَ تَ ْعلَ ُمونَ ﴾ [األنعام‪]67 :‬‬
‫ثم رمت بطرفه ا نح و األنص ار فق الت‪ :‬ي ا معاش ر الفتي ة‪ ،‬وأعض اد المل ة‪،‬‬
‫وأنصار اإلسالم! ما هذه الغميزة في حقي؟ والسنة عن ظالمتي؟ أما كان رسول هللا‬
‫‪ ‬أبي يقول‪( :‬المرء يحفظ في ولده؟) سرعان ما أح دثتم‪ ،‬وعجالن ذا إهال ة‪ ،‬ولكم‬
‫طاقةٌ بما أحاول‪ ،‬وقوةٌ على ما أطلب وازاول!‬
‫أتقولون مات محم ٌد ‪‬؟! فخطبٌ جلي ٌل استوسع وهيه‪ ،‬واستنهر فتقه‪ ،‬وانفتق‬
‫رتقه‪ ،‬وأظلمت األرض لغيبته‪ ،‬وكسفت النجوم لمصيبته‪ ،‬وأكدت اآلم ال‪ ،‬وخش عت‬
‫الجبال‪ ،‬وأضيع الح ريم‪ ،‬وأزيلت الحرم ة عن د ممات ه؛ فتل ك وهللا النازل ة الك برى‪،‬‬
‫والمصيبة العظمى‪ ،‬ال مثلها نازلةٌ وال بائقةٌ عاجلةٌ أعلن بها كتاب هللا جل ثن اؤه في‬
‫أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم هتافا وصراخا وتالوة وإلحانا‪ ،‬ولقبله ما ح ل بأنبي اء‬
‫‪240‬‬
‫َرسُو ٌل قَ ْد َخلَ ْ‬
‫ت ِم ْن قَ ْبلِ ِه الرُّ ُس ُل‬ ‫﴿و َما ُم َح َّم ٌد إِاَّل‬
‫هللا ورسله‪ ،‬حك ٌم فص ٌل وقضا ٌء حت ٌم‪َ :‬‬
‫هَّللا‬
‫ض َّر َ َش ْيئًا‬ ‫َعلَى َعقِبَ ْي ِه فَلَ ْن يَ ُ‬ ‫أَفَ إِ ْن َم اتَ أَوْ قُتِ َل ا ْنقَلَ ْبتُ ْم َعلَى أَ ْعقَ ابِ ُك ْم َو َم ْن يَ ْنقَلِبْ‬
‫َو َسيَجْ ِزي هَّللا ُ ال َّشا ِك ِرينَ ﴾ [آل عمران‪]144 :‬‬
‫أيها بني قيلة! أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع‪ ،‬ومبتدأ ومجم ع؟!‬
‫تلبسكم الدعوة‪ ،‬وتشملكم الخبرة‪ ،‬وأنتم ذوو الع دد والع دة‪ ،‬واألداة والق وة‪ ،‬وعن دكم‬
‫السالح والجنة؛ ت وافيكم ال دعوة فال تجيب ون‪ ،‬وت أتيكم الص رخة فال تغيث ون‪ ،‬وأنتم‬
‫موصوفون بالكفاح‪ ،‬معرفون بالخير والصالح‪ ،‬والنجبة التي انتجبت‪ ،‬والخيرة التي‬
‫اختيرت! قاتلتم العرب‪ ،‬وتحملتم الك د والتعب‪ ،‬ون اطحتم األمم‪ ،‬وك افحتم البهم‪ ،‬فال‬
‫ن برح أو ت برحون‪ ،‬ن أمركم فت أتمرون ح تى دارت بن ا رحى اإلس الم‪ ،‬ودر حلب‬
‫األيام‪ ،‬وخضعت نعرة الشرك‪ ،‬وسكنت فورة اإلفك‪ ،‬وخمدت نيران الكفر‪ ،‬وه دأت‬
‫دعوة الهرج‪ ،‬واستوسق نظام الدين؛ فأنى جرتم بعد البيان‪ ،‬وأسررتم بع د اإلعالن‪،‬‬
‫ول َوهُ ْم‬
‫َّس ِ‬
‫اج الر ُ‬ ‫ونكصتم بعد اإلقدام؟ ﴿أَاَل تُقَاتِلُونَ قَوْ ًما نَ َكثُ وا أَ ْي َم انَهُ ْم َوهَ ُّموا بِ إِ ْخ َر ِ‬
‫ق أَ ْن ت َْخ َشوْ هُ إِ ْن ُك ْنتُ ْم ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [التوبة‪]13 :‬‬ ‫بَ َد ُءو ُك ْم أَ َّو َل َم َّر ٍة أَت َْخ َشوْ نَهُ ْم فَاهَّلل ُ أَ َح ُّ‬
‫أال قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض‪ ،‬وأبعدتم من هو أحق بالبس ط والقبض‪،‬‬
‫وخل وتم بالدع ة‪ ،‬ونج وتم من الض يق بالس عة‪ ،‬فمججتم م ا وعيتم‪ ،‬ودس عتم ال ذي‬
‫ض َج ِميعًا فَإِ َّن هَّللا َ لَ َغنِ ٌّي َح ِمي ٌد﴾ [إب راهيم‪]8 :‬‬ ‫تسوغتم‪﴿ ،‬إِ ْن تَ ْكفُرُوا أَ ْنتُ ْم َو َم ْن فِي اأْل َرْ ِ‬
‫أال وق د قلت م ا قلت على معرف ة م ني بالخذل ة ال تي خ امرتكم‪ ،‬والغ درة ال تي‬
‫استشعرتها قلوبكم‪ ،‬ولكنها فيضة النفس‪ ،‬ونفثة الغيظ‪ ،‬وخور القن ا‪ ،‬وبث ة الص دور‪،‬‬
‫وتقدمة الحجة‪.‬‬
‫فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر‪ ،‬نقبة الخف‪ ،‬باقية العار‪ ،‬موسومة بغض ب‬
‫هللا وشنار األب د‪ ،‬موص ولة بن ار هللا الموق دة ال تي تطل ع على األفئ دة‪ .‬فبعين هللا م ا‬
‫ب يَ ْنقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء‪ ،]227 :‬وأنا ابنة ن ذير‬ ‫تفعلون ﴿ َو َسيَ ْعلَ ُم الَّ ِذينَ ظَلَ ُموا أَ َّ‬
‫ي ُم ْنقَلَ ٍ‬
‫لكم بين يدي عذاب شديد‪ ،‬فـ ﴿ا ْع َملُوا َعلَى َم َكانَتِ ُك ْم إِنَّا عَا ِملُونَ (‪َ )121‬وا ْنت َِظ رُوا إِنَّا‬
‫ُم ْنت َِظرُونَ ﴾ [هود‪]122 ،121 :‬‬
‫فأجابها أبوبكر‪ ،‬فقال‪ :‬يا ابن ة رس ول هللا‪ ،‬لق د ك ان أب وك ب المؤمنين عطوف ا‬
‫كريم ا‪ ،‬رؤوف ا رحيم ا‪ ،‬وعلى الك افرين ع ذابا أليم ا وعقاب ا عظيم ا؛ ف إن عزون اه‬
‫وجدناه أباك دون النساء‪ ،‬وأخا لبعل ك دون األخالء‪ ،‬آث ره على ك ل حميم‪ ،‬وس اعده‬
‫في كل أمر جسيم‪ ،‬ال يحبكم إال كل س عيد‪ ،‬وال يبغض كم إال ك ل ش قي؛ ف أنتم ع ترة‬
‫رسول هللا ‪ ‬الطيبون‪ ،‬والخيرة المنتجبون‪ ،‬على الخير أدلتنا‪ ،‬وإلى الجنة مسالكنا‪،‬‬
‫وأنت يا خيرة النساء وابنة خير األنبياء صادقةٌ في قول ك‪ ،‬س ابقةٌ في وف ور عقل ك‪،‬‬
‫غير مردودة عن حقك‪ ،‬وال مصدودة عن صدقك‪ ،‬ووهللا‪ ،‬ما عدوت رأي رسول هللا‬
‫‪ ‬يقول‪( :‬نحن معاشر األنبياء ال نورث ذهبا وال فضة وال دارا وال عق ارا‪ ،‬وإنم ا‬
‫نورث الكتب والحكمة‪ ،‬والعلم والنبوة‪ ،‬وما كان لنا من طعمة فلولي األمر بع دنا أن‬
‫يحكم فيه بحكمه)‪ ،‬وقد جعلنا ما حاولت ه في الك راع والس الح يقاب ل ب ه المس لمون‪،‬‬
‫‪241‬‬
‫ويجاهدون الكفار‪ ،‬ويجالدون المردة ثم الفجار‪ ،‬وذلك بإجماع من المسلمين لم أتفرد‬
‫به وحدي‪ ،‬ولم أستبد بما كان الرأي في ه عن دي‪ .‬وه ذه ح الي‪ ،‬وم الي هي ل ك وبين‬
‫يديك‪ ،‬النزوي عنك وال ندخر دونك‪ ،‬وأنت سيدة أمة أبيك‪ ،‬والشجرة الطيبة لبني ك‪،‬‬
‫ال يدفع ما لك من فضلك‪ ،‬وال يوضع من فرع ك وأص لك؛ حكم ك ناف ٌذ فيم ا ملكت‬
‫يداي‪ ،‬فهل ترين أن اخالف في ذلك أباك صلى هللا عليه وآله؟)‬
‫فقالت‪ :‬سبحان هللا! ما كان رسول هللا ‪ ‬عن كتاب هللا صادفا‪ ،‬وال ألحكام ه‬
‫مخالفا‪ ،‬بل كان يتبع أثره‪ ،‬ويقفو سوره‪ ،‬أفتجمعون إلى الغدر اغتالال عليه ب الزور؛‬
‫وهذا بعد وفاته شبيهٌ بما بغي له من الغوائل في حيات ه‪ .‬ه ذا كت اب هللا حكم ا ع دال‪،‬‬
‫ث ُس لَ ْي َمانُ‬‫وب ﴾ [م ريم‪َ ﴿ ،]6 :‬و َو ِر َ‬ ‫آل يَ ْعقُ َ‬ ‫ث ِم ْن ِ‬‫وناطقا فصال‪ ،‬يقول‪﴿ :‬يَ ِرثُنِي َويَ ِر ُ‬
‫دَا ُوودَ﴾ [النم ل‪ ،]16 :‬ف بين ع ز وج ل فيم ا وزع علي ه من األقس اط‪ ،‬وش رع من‬
‫الفرائض والميراث‪ ،‬وأباح من حظ الذكران واإلناث ما أزاح عل ة المبطلين‪ ،‬وأزال‬
‫ص ْب ٌر َج ِمي ٌل َوهَّللا ُ‬ ‫ت لَ ُك ْم أَ ْنفُ ُس ُك ْم أَ ْم رًا فَ َ‬
‫التظني والشبهات في الغابرين‪ ،‬كال ﴿بَلْ َس َّولَ ْ‬
‫َصفُونَ ﴾ [يوسف‪]18 :‬‬ ‫ْال ُم ْستَ َعانُ َعلَى َما ت ِ‬
‫فق ال أب و بك ر‪ :‬ص دق هللا ورس وله‪ ،‬وص دقت ابنت ه؛ أنت مع دن الحكم ة‪،‬‬
‫وموطن اله دى والرحم ة‪ ،‬وركن ال دين وعين الحج ة‪ ،‬ال أبع د ص وابك‪ ،‬وال أنك ر‬
‫خطابك هؤالء المسلمون بيني وبين ك‪ ،‬قل دوني م ا تقل دت‪ ،‬وباتف اق منهم أخ ذت م ا‬
‫أخذت غير مكابر وال مستبد وال مستأثر‪ ،‬وهم بذلك شهو ٌد‪.‬‬
‫فالتفتت فاطمة وق الت‪ :‬معاش ر الن اس المس رعة إلى قي ل الباط ل‪ ،‬المغض ية‬
‫ب أَ ْقفَالُهَا﴾ [محم د‪]24 :‬‬ ‫على الفعل القبيح الخاسر ﴿ أَفَاَل يَتَ َدبَّرُونَ ْالقُرْ آنَ أَ ْم َعلَى قُلُو ٍ‬
‫كال بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم‪ ،‬فأخذ بسمعكم وأبصاركم‪ ،‬ول بئس م ا‬
‫تأولتم‪ ،‬وساء ما أشرتم‪ ،‬وشر ما منه اعتضتم‪ ،‬لتجدن وهللا محمله ثقيال‪ ،‬وغبه وبيال‬
‫إذا كش ف لكم الغط اء‪ ،‬وب ان م ا وراءه الض راء‪َ ﴿ ،‬وبَ دَا لَهُ ْم ِمنَ هَّللا ِ َم ا لَ ْم يَ ُكونُ وا‬
‫َس َر هُنَالِكَ ْال ُمب ِْطلُونَ ﴾ [غافر‪]78 :‬‬ ‫يَحْ تَ ِسبُونَ ﴾ [الزمر‪ ]47 :‬و﴿ َوخ ِ‬
‫[الحديث‪ ]759 :‬قال اإلمام علي مبينا مقاصده من الحروب التي ق ام به ا في‬
‫وجه المحرفين‪( :‬أال وقد قطعتم قيد اإلسالم‪ ،‬وعطلتم حدوده‪ ،‬وأمتم أحكامه‪ ،‬أال وقد‬
‫أمرني هللا بقتال أهل البغي والنكث والفساد في األرض‪ ،‬فأم ا الن اكثون فق د ق اتلت‪،‬‬
‫وأما القاسطون فقد جاهدت‪ ،‬وأما المارقة فقد دوخت‪ ،‬وأما شيطان الردهة فقد كفيته‬
‫بصعقة سمعت لها وجبة قلبه ورج ة ص دره‪ ،‬وبقيت بقي ة من أه ل البغي‪ .‬ولئن أذن‬
‫هللا في الكرة عليهم ألديلن منهم إال ما يتشذر في أطراف البالد تشذرا) (‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]760 :‬ق ال الن بي ‪ ‬لإلم ام علي‪( :‬كيف بك يا علي إذ ولوها من‬
‫بعدى فالنا)‪ ،‬قال‪ :‬هذا سيفي أحول بينهم وبينه ا‪ ،‬ق ال الن بي ‪( :‬أو تك ون ص ابرا‬
‫محتسبا فهو خير لك منها)‪ ،‬قال على‪ :‬فإذا ك ان خ يرا لي فأص بر وأحتسب‪ ،‬ثم ذكر‬
‫فالنا وفالنا ك ذلك‪ ،‬ثم ق ال‪( :‬كيف بك إذا ب ويعت ثم خلعت)‪ ،‬فأمسك علي‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.192‬‬
‫‪242‬‬
‫(اختر يا علي السيف أو النار)‪ ،‬قال علي‪( :‬فما زلت أضرب أمري ظهرا لبطن فم ا‬
‫يسعني إال جهاد القوم وقتالهم)(‪)1‬‬
‫[الحــديث‪]761 :‬ـ ق ال اإلم ام علي مح ذرا من ت رك وص ية رس ول هللا ‪:‬‬
‫(وأخذوا يمينا وشماال‪ :‬ظعنا في مسالك الغ ّي‪ ،‬وتركا لمذاهب الرّش د‪ ،‬فال تس تعجلوا‬
‫ما هو كائن مرصد‪ ،‬وال تستبطئوا ما يجيء به الغد‪ ،‬فكم من مستعجل بما إن أدركه‬
‫و ّد أنّه لم يدرك ه‪ ،‬وم ا أق رب الي وم من تباش ير غ د‪ ..‬ي ا ق وم‪ ،‬ه ذا إبّ ان ورود ك ّل‬
‫وإن من أدركها منّا يس ري فيه ا بس راج‬ ‫موعود‪ ،‬ودن ّو من طلعة ما ال تعرفون‪ ..‬أال ّ‬
‫منير‪ ،‬ويحذو فيها على مثال الصّالحين؛ ليح ّل فيها ربقا‪ ،‬ويعتق فيها رقّ ا‪ ،‬ويص دع‬
‫شعبا‪ ،‬ويشعب صدعا في سترة عن النّاس‪ ،‬ال يبصر القائف أثره‪ ،‬ولو ت ابع نظ ره‪..‬‬
‫ليشحذن فيها قوم شحذ القين النّصل‪ ،‬تجلى بالتّنزيل أبصارهم‪ ،‬وي رمى بالتّفس ير‬
‫ّ‬ ‫ث ّم‬
‫الص بوح‪ ،‬وط ال األم د بهم ليس تكملوا‬ ‫في مس امعهم‪ ،‬ويغبق ون ك أس الحكم ة بع د ّ‬
‫الخ زي‪ ،‬ويس توجبوا الغ ير‪ ،‬حتّى إذا اخلول ق األج ل‪ ،‬واس تراح ق وم إلى الفتن‪،‬‬
‫وأشالوا عن لقاح حربهم‪ ،‬لم يمنّوا على هللا بالصّبر‪ ،‬ولم يستعظموا ب ذل أنفس هم في‬
‫ق‪ ،‬حتّى إذا واف ق وارد القض اء انقط اع م ّدة البالء‪ ،‬حمل وا بص ائرهم على‬ ‫الح ّ‬
‫أسيافهم‪ ،‬ودانوا لربّهم بأمر واعظهم‪ ،‬حتّى إذا قبض هللا رسوله ‪ ،‬رجع ق وم على‬
‫الس بل‪ ،‬واتّكل وا على ال والئج ووص لوا غ ير ال رّحم‪ ،‬وهج روا‬ ‫األعق اب‪ ،‬وغ التهم ّ‬
‫السّبب الّذي أمروا بمو ّدته‪ ،‬ونقلوا البناء عن رصّ أساسه‪ ،‬فبنوه في غ ير موض عه‪،‬‬
‫معادن ك ّل خطيئة‪ ،‬وأبواب ك ّل ضارب في غمرة‪ ،‬قد ماروا في الحيرة‪ ،‬وذهل وا في‬
‫الس كرة على س نّة من آل فرع ون‪ ،‬من منقط ع إلى ال ّدنيا راكن‪ ،‬أو مف ارق لل ّدين‬ ‫ّ‬
‫مباين)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]762 :‬روي أن الحارث بن ح وط أتى اإلم ام علي فق ال‪ :‬أ ت راني‬
‫أظن أصحاب الجمل كانوا على ضاللة فقال اإلمام‪( :‬يا حارث‪ ،‬إن ك نظ رت تحت ك‬
‫ولم تنظر فوقك فح رت إن ك لم تع رف الح ق فتع رف من أت اه‪ ،‬ولم تع رف الباط ل‬
‫فتعرف من أتاه)‪ ،‬فقال الحارث‪ :‬فإني أعتزل مع سعيد بن مالك وعب د هللا بن عم ر‪،‬‬
‫فقال اإلمام‪( :‬إن سعيدا وعبد هللا بن عمر لم ينصرا الحق‪ ،‬ولم يخذال الباطل)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]763 :‬قال اإلمام علي لعمار بن ياسر‪ ،‬وقد س معه يراج ع المغ يرة‬
‫بن شعبة كالما‪( :‬دعه يا عمار‪ ،‬فإنه لم يأخذ من الدين إال ما قاربه من ال دنيا‪ ،‬وعلى‬
‫عمد لبس على نفسه‪ ،‬ليجعل الشبهات عاذرا لسقطاته) (‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]764 :‬قال بعض اليهود لإلم ام علي‪ :‬م ا دفنتم ن بيكم ح تى اختلفتم‬
‫فيه‪ ،‬فقال اإلمام‪( :‬إنما اختلفنا عنه ال في ه‪ ،‬ولكنكم م ا جفت أرجلكم من البح ر ح تى‬

‫‪ )(1‬المناقب ج ‪ 3‬ص ‪.203‬‬


‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪ ،)150‬والمسترشد للطبري اإلمامي‪ :‬ص ‪ 401‬ح ‪.134‬‬
‫‪ )(3‬نهج البالغة‪ ،‬قصار ‪.262‬‬
‫‪ )(4‬نهج البالغة‪ ،‬قصار ‪.405‬‬
‫‪243‬‬
‫قلتم لنبيكم‪( :‬اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون)‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ 2‬ـ ما ورد في شأن التحريفات التي قام بها معاوية وأصحابه‪:‬‬
‫وهي أحاديث تتوافق مع نظيراتها في المدرسة الس نية‪ ،‬وال تي س بق ذكره ا‪،‬‬
‫وهي مما يدل عليه العقل والواق ع‪ ،‬ذل ك أن األم ة جميع ا متفق ة على الح رب ال تي‬
‫جرت بين اإلمام علي ومعاوي ة‪ ،‬ويس تحيل أن يك ون اإلم ام علي اكتفى بحرب ه م ع‬
‫معاوي ة على الج انب العس كري دون التح ذير من تحريفات ه وتبديالت ه وتأويالت ه‪،‬‬
‫والتي أخبر رسول هللا ‪ ‬أنها الدافع األول لتلك الحروب(‪.)2‬‬
‫وقد رأينا أنه يمكن تقسيم األحاديث الواردة في هذا الباب إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أ ـ ما ورد في تحذير اإلمام علي من معاوية وفتنته‪:‬‬
‫وهي أح اديث كث يرة ذكره ا في خطب ه‪ ،‬وهي ت دل على أن فتن ة معاوي ة ال‬
‫ترتبط فقط بذلك الواقع‪ ،‬أو تلك المطالب التي يظهرها‪ ،‬وإنما هي فتنة تمتد لإلس الم‬
‫نفسه لتحرفه عن قيمه النبيلة التي جاء بها‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]765 :‬قال اإلمام علي ي ذكر األس اليب ال تي يس تعملها معاوي ة في‬
‫حروبه‪ ،‬والفرق بينه وبينه‪( :‬وهللا ما معاوية بأدهى مني‪ ،‬ولكنه يغ در ويفج ر‪ .‬ول و‬
‫ال كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس‪ ،‬ولكن كل غ درة فج رة‪ ،‬وك ل فج رة كف رة‪.‬‬
‫ولكل غادر ل واء يع رف ب ه ي وم القيام ة)‪ ،‬وهللا م ا أس تغفل بالمكي دة‪ ،‬وال أس تغمز‬
‫بالشديدة) (‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]766 :‬قال اإلمام علي في وصف معاوية‪ ،‬وما يفع ل باألم ة بع ده‪:‬‬
‫(أما إنه سيظهر عليكم بع دي رج ل رحب البلع وم‪ ،‬من دحق البطن‪ ،‬يأك ل م ا يج د‪،‬‬
‫ويطلب ما ال يجد‪ ،‬فاقتلوه‪ ،‬ولن تقتلوه إال وإنه س يأمركم بس بي وال براءة م ني فأم ا‬

‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ ،‬قصار ‪.317‬‬


‫ص فِّين‪ ،‬وقول ه‪( :‬زعم وا أن ا ب َغ ْينَ ا عليهم‪،‬‬
‫علي وموقف ه من ي وم ِ‬ ‫‪ )(2‬من األمثلة على ذلك ما ي رون عن اإلم ام ّ‬
‫وزع ْمنا أنهم ب َغوْ ا علينا؛ فقاتلناهم على ذلك‪( ،‬تاريخ دمشق (‪)343 /1‬‬
‫والتي تبناها كل من رفض األحاديث الكثيرة التي تضخم تلك الحرب‪ ،‬وتبين آثارها الخطيرة على اإلسالم‪ ،‬ومن‬
‫ذلك قول ابن كثير‪( :‬ثم كان ما كان بينه ـ أي معاوية ـ وبين علي بعد قتل عثمان على سبيل االجتهاد والرأي‪ ،‬فج رى‬
‫بينهما قتال عظيم‪ ..‬وكان الحق والصواب مع علي‪ ،‬ومعاوية معذور عند جمهور العلماء سلفًا وخلفًا) البداية والنهاي ة‬
‫(‪)126 /8‬‬
‫وق ال ابن خل دون‪( :‬ولم ا وقعت الفتن ة بين علي ومعاوي ة ك ان ط ريقهم فيه ا الح ق واالجته اد‪ ،‬ولم يكون وا في‬
‫محاربتهم لغرض دنيوي‪ ،‬أو إليثار باطل‪ ،‬أو الستشعار حقد كما قد يتوهمه متوهم‪ ،‬وينزع إليه ملح د‪ ،‬وإنم ا اختل ف‬
‫اجتهادهم في الحق‪ ،‬وسفه كل واحد نظر صاحبه في اجتهاده في الح ق‪ ،‬ف اقتتلوا علي ه‪ ،‬وإن ك ان المص يب علًيًّّا‪ ،‬فلم‬
‫يكن معاوية قائ ًما فيها بقصد الباطل وإنما قصد الح ق وأخط أ‪ ،‬والك ل ك انوا في مقاص دهم على الح ق) المقدم ة (‪/1‬‬
‫‪)257‬‬
‫ومثل ذلك ما ورد في نهج البالغة من تلك الخطبة المدسوسة لإلمام علي والتي جاء فيها‪( :‬وبدء أمرنا أنا التقينا‬
‫والقوم من أهل الشام‪ ،‬والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد‪ ،‬ودعوتنا في اإلسالم واحدة‪ ،‬وال نستزيدهم في اإليمان باهلل‬
‫والتصديق برسوله‪ ،‬وال يستزيدوننا‪ ،‬األمر واحد إال ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن من ه ب راء‪( ،‬نهج البالغ ة (‪/3‬‬
‫‪)648‬‬
‫وهي تخ الف ك ل م ا روي من أح اديث عن اإلم ام علي وغ يره‪ ،‬وال تي ت ذكر أن الح رب س ببها تأوي ل ال دين‬
‫وتحريفه‪ .‬وأما قتل عثمان فلم يكن سوى ذريعة‪ ،‬وهو ما أثبتته األيام‪.‬‬
‫‪ )(3‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.200‬‬
‫‪244‬‬
‫السب فسبوني‪ ،‬فإنه لي زكاة‪ ،‬ولكم نجاة‪ ،‬وأما البراءة فال تتبرؤوا مني ف إني ول دت‬
‫على الفطرة‪ ،‬وسبقت إلى اإليمان والهجرة)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]767 :‬قال اإلمام علي متألما على تبعية أص حاب معاوي ة ل ه م ع‬
‫باطله‪( :‬ليظهرن هؤالء القوم عليكم‪ ،‬ليس ألنهم أولى بالحق منكم‪ ،‬ولكن إلس راعهم‬
‫إلى باطل صاحبهم‪ ،‬وإبط ائكم عن حقي‪ .‬أيه ا الق وم الش اهدة أب دانهم‪ ،‬الغائب ة عنهم‬
‫عقولهم‪ ،‬المختلفة أهواؤهم‪ ،‬المبتلى بهم أمراؤهم‪ .‬صاحبكم يطيع هللا وأنتم تعصونه‪،‬‬
‫وصاحب أهل الشام يعصي هللا وهم يطيعونه‪ .‬لوددت وهللا أن معاوية ص ارفني بكم‬
‫صرف الدينار بالدرهم‪ ،‬فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجال منهم) (‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]768 :‬قال اإلمام علي يصف ما فعله معاوية‪( :‬أال وإن معاوية ق اد‬
‫لمة من الغواة‪ ،‬وعمس عليهم الخبر‪ ،‬حتى جعلوا نحورهم أغراض المنية) (‪)3‬‬
‫[الحــديث‪ ]769 :‬ق ال اإلم ام علي‪( :‬أوليس عجب ا أن معاوي ة ي دعو الجف اة‬
‫الطغام فيتبعونه على غير معونة وال عط اء‪ ،‬وأن ا أدع وكم ـ وأنتم تريك ة اإلس الم‪.‬‬
‫وأقرب بقوم من الجهل باهلل قائدهم معاوية ومؤدبهم ابن النابغة) (‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]770 :‬قال اإلمام علي‪( :‬وإني وهللا ألظن أن هؤالء القوم س يدالون‬
‫منكم باجتماعهم على ب اطلهم‪ ،‬وتف رقكم عن حقكم‪ ،‬وبمعص يتكم إم امكم في الح ق‪،‬‬
‫وطاعتهم إمامهم في الباطل‪ ،‬وبأدائهم األمانة إلى صاحبهم وخيانتكم) (‪)5‬‬
‫[الحــديث‪ ]771 :‬ق ال اإلم ام علي‪( :‬وهلم الخطب في ابن أبي س فيان‪ ،‬فلق د‬
‫أضحكني الدهر بعد إبكائه وال غرو وهللا‪ ،‬فيا له خطبا يستفرغ العجب‪ ،‬ويكثر األود‬
‫حاول القوم إطفاء ن ور هللا من مص باحه‪ ،‬وس د ف واره من ينبوع ه‪ ،‬وج دحوا بي ني‬
‫وبينهم ش ربا وبيئ ا‪ ،‬ف إن ترتف ع عن ا وعنهم محن البل وى‪ ،‬أحملهم من الح ق على‬
‫محض ه‪ ،‬وإن تكن األخ رى‪﴿ ،‬فَاَل تَ ْذهَبْ نَ ْف ُس كَ َعلَ ْي ِه ْم َح َس َرا ٍ‬
‫ت إِ َّن هَّللا َ َعلِي ٌم بِ َم ا‬
‫يَصْ نَعُونَ ﴾ [فاطر‪)6( )]8 :‬‬
‫[الحديث‪ ]772 :‬قال اإلمام علي في رسالة إلى سهل بن حنيف األنص اري‪،‬‬
‫وهو عامله على المدينة‪ ،‬في قوم من أهلها لحقوا بمعاوية‪( :‬أم ا بع د‪ ،‬فق د بلغ ني أن‬
‫رجاال ممن قبلك يتسللون إلى معاوية‪ ،‬فال تأسف على ما يفوتك من عددهم‪ ،‬ويذهب‬
‫عن ك من م ددهم‪ ،‬فكفى لهم غي ا‪ ،‬ول ك منهم ش افيا‪ ،‬ف رارهم من اله دى والح ق‪،‬‬
‫وإيضاعهم إلى العمى والجهل فإنما هم أهل دني ا مقبل ون عليه ا‪ ،‬ومهطع ون إليه ا‪،‬‬
‫وقد عرفوا العدل ورأوه‪ ،‬وسمعوه ووعوه‪ ،‬وعلموا أن الناس عندنا في الحق أس وة‪،‬‬
‫فهربوا إلى األثرة‪ ،‬فبعدا لهم وس حقا إنهم ـ وهللا ـ لم ينف روا من ج ور‪ ،‬ولم يلحق وا‬

‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.57‬‬


‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.97‬‬
‫‪ )(3‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.51‬‬
‫‪ )(4‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.180‬‬
‫‪ )(5‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.25‬‬
‫‪ )(6‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.162‬‬
‫‪245‬‬
‫بعدل‪ ،‬وإنا لنطمع في هذا األمر أن يذلل هللا لنا صعبه‪ ،‬ويس هل لن ا حزن ه‪ ،‬إن ش اء‬
‫هللا‪ ،‬والسالم) (‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]773 :‬قال اإلمام علي في ذكر عم رو بن الع اص‪ ،‬وم ا ك ان يبث ه‬
‫من إشاعات لتش ويهه‪( :‬عجب ا البن النابغ ة ي زعم أله ل الش ام أن في دعاب ة‪ ،‬وأني‬
‫امرؤ تلعابة‪ :‬أعافس وأمارس لقد قال باطال‪ ،‬ونطق آثما‪ ،‬أما ـ وشر الق ول الك ذب ـ‬
‫إنه ليقول فيك ذب‪ ،‬ويع د فيخل ف‪ ،‬ويس أل فيبخ ل‪ ،‬ويس أل فيلح ف‪ ،‬ويخ ون العه د‪،‬‬
‫ويقطع اإلل فإذا كان عند الحرب فأي زاجر وآمر هو ما لم تأخذ الس يوف مآخ ذها‪،‬‬
‫فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القرم سبته‪ .‬أم ا وهللا إني ليمنع ني من اللعب‬
‫ذكر الموت‪ ،‬وإنه ليمنعه من قول الح ق نس يان اآلخ رة‪ ،‬إن ه لم يب ايع معاوي ة ح تى‬
‫شرط أن يؤتيه أتية‪ ،‬ويرضخ له على ترك الدين رضيخة) (‪)2‬‬
‫[الحــديث‪ ]774 :‬قال اإلم ام علي في خطب ة ي ذكر عم رو بن الع اص‪( :‬ولم‬
‫يبايع حتى شرط أن يؤتي ه على البيع ة ثمن ا‪ ،‬فال ظف رت ي د الب ائع‪ ،‬وخ زيت أمان ة‬
‫المبتاع‪ ،‬فخذوا للحرب أهبتها‪ ،‬وأع دوا له ا ع دتها‪ ،‬فق د ش ب لظاه ا‪ ،‬وعال س ناها‪،‬‬
‫واستشعروا الصبر‪ ،‬فإنه أدعى إلى النصر)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]775 :‬قال اإلمام علي‪( :‬أال وإن القوم اختاروا ألنفسهم أقرب القوم‬
‫مما تحبون‪ ،‬وإنكم اخترتم ألنفسكم أقرب القوم مما تكرهون‪ .‬وإنما عه دكم بعب د هللا‬
‫بن قيس باألمس يقول‪( :‬إنها فتنة فقطعوا أوتاركم‪ ،‬وشيموا سيوفكم) فإن كان صادقا‬
‫فقد أخطأ بمسيره غير مستكره‪ ،‬وإن كان كاذبا فقد لزمته التهمة‪ .‬ف ادفعوا في ص در‬
‫عمرو بن العاص بعبد هللا بن العباس) (‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]776 :‬قال اإلمام علي في رسالة إلى عمرو بن العاص‪( :‬فإن ك ق د‬
‫جعلت دينك تبع ا ل دنيا ام رئ ظ اهر غي ه‪ ،‬مهت وك س تره‪ ،‬يش ين الك ريم بمجلس ه‪،‬‬
‫ويس فه الحليم بخلطت ه‪ ،‬ف اتبعت أث ره‪ ،‬وطلبت فض له‪ ،‬اتب اع الكلب للض رغام يل وذ‬
‫بمخالبه‪ ،‬وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته‪ ،‬فأذهبت دنياك وآخرتك ولو ب الحق‬
‫أخ ذت أدركت م ا طلبت‪ .‬ف إن يمك ني هللا من ك ومن ابن أبي س فيان أجزكم ا بم ا‬
‫قدمتما‪ ،‬وإن تعجزا وتبقيا فما أمامكما شر لكما‪ ،‬والسالم) (‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]777 :‬قال اإلمام علي في رسالة إلى جرير بن عبد هللا البجلي لما‬
‫أرسله إلى معاوية‪( :‬أما بعد‪ ،‬ف إذا أت اك كت ابي فاحم ل معاوي ة على الفص ل‪ ،‬وخ ذه‬
‫باألمر الجزم‪ ،‬ثم خيره بين حرب مجلية‪ ،‬أو سلم مخزي ة ف إن اخت ار الح رب فانب ذ‬
‫إليه‪ ،‬وإن اختار السلم فخذ بيعته‪ ،‬والسالم) (‪)6‬‬

‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.70‬‬


‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.84‬‬
‫‪ )(3‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.26‬‬
‫‪ )(4‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.238‬‬
‫‪ )(5‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.39‬‬
‫‪ )(6‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.8‬‬
‫‪246‬‬
‫ب ـ ما ورد من رسائل اإلمام علي إلى معاوية‪:‬‬
‫وهي رسائل كثيرة تبين الدوافع الحقيقية لحرب صفين‪ ،‬وكونها حرب ا لل دفاع‬
‫عن اإلسالم في وجه الثورة المضادة التي أعلنها الطلقاء‪ ،‬واس تعانوا فيه ا بض عاف‬
‫القلوب من الذين لم يعرفوا حقيقة اإلسالم‪ ،‬ومن تلك الرسائل‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]778 :‬قال اإلمام علي في رس الة كتبه ا إلى معاوي ة‪( :‬إن ه ب ايعني‬
‫القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم علي ه‪ ،‬فلم يكن للش اهد أن‬
‫يختار‪ ،‬وال للغائب أن يرد‪ ،‬وإنما الشورى للمهاجرين واألنصار‪ ،‬فإن اجتمعوا على‬
‫رجل وسموه إماما كان ذلك هلل رضا‪ ،‬فإن خرج عن أم رهم خ ارج بطعن أو بدع ة‬
‫ردوه إلى ما خرج منه‪ ،‬فإن أبى قاتلوه على اتباع ه غ ير سبيل المؤم نين‪ ،‬وواله هللا‬
‫ما تولى‪ .‬ولعمري‪ ،‬يا معاوية‪ ،‬لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ الن اس من‬
‫دم عثمان‪ ،‬ولتعلمن أني كنت في عزلة عنه إال أن تتجنى فتجن ما بدا ل ك والس الم)‬
‫(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]779 :‬قال اإلمام علي في رسالة إلى معاوية‪( :‬أما بع د‪ ،‬فق د أتت ني‬
‫منك موعظة موصلة‪ ،‬ورسالة مح برة‪ ،‬نمقته ا بض اللك‪ ،‬وأمض يتها بس وء رأي ك‪،‬‬
‫وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه‪ ،‬وال قائد يرشده‪ ،‬ق د دع اه اله وى فأجاب ه‪ ،‬وق اده‬
‫الضالل فاتبعه‪ ،‬فهجر الغطا وضل خابطا) (‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]780 :‬قال اإلمام علي في رسالة إلى معاوية‪ ..( :‬فأراد قومنا قت ل‬
‫نبينا‪ ،‬واجتي اح أص لنا‪ ،‬وهم وا بن ا الهم وم وفعل وا بن ا األفاعي ل‪ ،‬ومنعون ا الع ذب‪،‬‬
‫وأحلسونا الخوف‪ ،‬واضطرونا إلى جبل وعر‪ ،‬وأوقدوا لنا نار الحرب‪ ،‬فعزم هللا لنا‬
‫على ال ذب عن حوزت ه‪ ،‬وال رمي من وراء حرمت ه‪ .‬مؤمنن ا يبغي ب ذلك األج ر‪،‬‬
‫وكافرنا يحامي عن األصل‪ .‬ومن أسلم من قريش خلو مما نحن فيه بحلف يمنعه‪ ،‬أو‬
‫عشيرة تقوم دونه‪ ،‬فهو من القتل بمكان أمن‪ ،‬وكان رسول هللا ‪ ‬إذا احم ر الب أس‪،‬‬
‫وأحجم الناس‪ ،‬قدم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حر السيوف واألسنة‪ ،‬فقتل عبيدة بن‬
‫الحارث يوم بدر‪ ،‬وقتل حمزة يوم أحد‪ ،‬وقتل جعفر ي وم مؤت ة‪ ،‬وأراد من ل و ش ئت‬
‫ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة‪ ،‬ولكن آج الهم عجلت‪ ،‬ومنيت ه أجلت‪ .‬في ا‬
‫عجبا للدهر إذ ص رت يق رن بي من لم يس ع بق دمي‪ ،‬ولم تكن ل ه كس ابقتي ال تي ال‬
‫يدلي أحد بمثله ا‪ ،‬إال أن ي دعي م دع م ا ال أعرف ه‪ ،‬وال أظن هللا يعرف ه‪ .‬والحم د هلل‬
‫على كل حال‪ ،‬وأما ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك‪ ،‬فإني نظرت في ه ذا األم ر‪،‬‬
‫فلم أره يسعني دفعهم إليك وال إلى غيرك‪ ،‬ولعمري لئن لم تنزع عن غي ك وش قاقك‬
‫لتعرفنهم عن قليل يطلبونك‪ ،‬ال يكلفونك طلبهم في بر وال بحر‪ ،‬وال جبل وال س هل‪،‬‬
‫إال أنه طلب يسوؤك وجدانه‪ ،‬وزور ال يسرك لقيانه‪ ،‬والسالم ألهله) (‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]781 :‬قال اإلمام علي في رسالة إلى معاوية‪( :‬وكيف أنت ص انع‬
‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.6 6‬‬
‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.7 7‬‬
‫‪ )(3‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.9‬‬
‫‪247‬‬
‫إذا تكشفت عنك جالبيب م ا أنت في ه من دني ا ق د تبهجت بزينته ا‪ ،‬وخ دعت بل ذتها‬
‫دعتك فأجبتها‪ ،‬وقادتك فاتبعتها‪ ،‬وأمرتك فأطعتها‪ .‬وإنه يوشك أن يقف ك واق ف على‬
‫ما ال ينجيك منه مجن‪ ،‬فاقعس عن هذا األم ر‪ ،‬وخ ذ أهب ة الحس اب‪ ،‬وش مر لم ا ق د‬
‫نزل بك‪ ،‬وال تمكن الغواة من سمعك‪ ،‬وإال تفعل أعلمك م ا أغفلت من نفس ك‪ ،‬فإن ك‬
‫مترف قد أخذ الشيطان منك مأخ ذه‪ ،‬وبل غ في ك أمل ه‪ ،‬وج رى من ك مج رى ال روح‬
‫والدم‪ ..‬ومتى كنتم يا معاوية ساسة الرعية‪ ،‬ووالة أم ر األم ة بغ ير ق دم س ابق‪ ،‬وال‬
‫شرف باسق‪ ،‬ونعوذ باهلل من ل زوم س وابق الش قاء‪ .‬وأح ذرك أن تك ون متمادي ا في‬
‫غرة األمنية‪ ،‬مختلف العالنية والسريرة‪ .‬وقد دعوت إلى الحرب‪ ،‬فدع الن اس جانب ا‬
‫واخرج إلي‪ ،‬وأعف الفريقين من القتال‪ ،‬لتعلم أينا المرين على قلب ه‪ ،‬والمغطى على‬
‫بصره فأنا أبو حسن قاتل جدك وأخيك وخالك شدخا يوم ب در‪ ،‬وذل ك الس يف معي‪،‬‬
‫وبذلك القلب ألقى عدوي‪ ،‬ما استبدلت دينا‪ ،‬وال اس تحدثت نبي ا‪ .‬وإني لعلى المنه اج‬
‫الذي تركتموه طائعين‪ ،‬ودخلتم فيه مكرهين‪ .‬وزعمت أن ك جئت ث ائرا ب دم عثم ان‪.‬‬
‫ولقد علمت حيث وقع دم عثمان فاطلبه من هن اك إن كنت طالب ا‪ ،‬فك أني ق د رأيت ك‬
‫تضج من الحرب إذا عضتك ض جيج الجم ال باألثق ال‪ ،‬وك أني بجماعت ك ت دعوني‬
‫جزعا من الضرب المتتابع‪ ،‬والقضاء الواق ع‪ ،‬ومص ارع بع د مص ارع‪ ،‬إلى كت اب‬
‫هللا‪ ،‬وهي كافرة جاحدة‪ ،‬أو مبايعة حائدة) (‪)1‬‬
‫[الحــديث‪ ]782 :‬ق ال اإلم ام علي في رس الة إلى معاوي ة‪( :‬وأم ا طلب ك إلي‬
‫الشام فإني لم أكن ألعطيك اليوم ما منعت ك أمس‪ ،‬وأم ا قول ك‪ :‬إن الح رب ق د أكلت‬
‫العرب إال حشاشات أنفس بقيت‪ ،‬أال ومن أكله الحق فإلى الجن ة‪ ،‬ومن أكل ه الباط ل‬
‫فإلى النار‪ .‬وأما استواؤنا في الحرب والرجال فلست بأمضى على الش ك م ني على‬
‫اليقين‪ ،‬وليس أهل الش ام ب أحرص على ال دنيا من أه ل الع راق على اآلخ رة‪ .‬وأم ا‬
‫قولك‪ :‬إن ا بن و عب د من اف‪ ،‬فك ذلك نحن‪ ،‬ولكن ليس أمي ة كهاش م‪ ،‬وال ح رب كعب د‬
‫المطلب‪ ،‬وال أبو سفيان كأبي طالب‪ ،‬وال المهاجر كالطليق‪ ،‬وال الصريح كاللصيق‪،‬‬
‫وال المحق كالمبطل‪ ،‬وال المؤمن كالمدغل‪ .‬ولبئس الخلف خلف يتبع سلفا ه وى في‬
‫نار جهنم‪ .‬وفي أيدينا بعد فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز‪ ،‬ونعشنا بها الذليل‪ .‬ولما‬
‫أدخل هللا العرب في دينه أفواجا‪ ،‬وأسلمت ل ه ه ذه األم ة طوع ا وكره ا‪ ،‬كنتم ممن‬
‫دخل في الدين‪ :‬إم ا رغب ة وإم ا رهب ة‪ ،‬على حين ف از أه ل الس بق بس بقهم‪ ،‬وذهب‬
‫المه اجرون األول ون بفض لهم‪ .‬فال تجعلن للش يطان في ك نص يبا‪ ،‬وال على نفس ك‬
‫سبيال‪ ،‬والسالم) (‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]783 :‬قال اإلمام علي في رسالة إلى معاوية جوابا‪( :‬أت اني كتاب ك‬
‫تذكر فيه اصطفاء هللا محمدا ‪ ‬لدينه‪ ،‬وتأييده إياه لمن أيده من أصحابه فلقد خبأ لنا‬
‫الدهر منك عجب ا إذ طفقت تخبرن ا ببالء هللا تع الى عن دنا‪ ،‬ونعمت ه علين ا في نبين ا‪،‬‬

‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.10‬‬


‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.17‬‬
‫‪248‬‬
‫فكنت في ذل ك كناق ل التم ر إلى هج ر‪ ،‬أو داعي مس دده إلى النض ال‪ .‬وزعمت أن‬
‫أفضل الناس في اإلسالم فالن وفالن فذكرت أمرا إن تم اعتزلك كل ه‪ ،‬وإن نقص لم‬
‫يلحقك ثلمه‪ .‬وما أنت والفاضل والمفضول‪ ،‬والسائس والمسوس وما للطلقاء وأبن اء‬
‫الطلق اء‪ ،‬والتمي يز بين المه اجرين األولين‪ ،‬وت رتيب درج اتهم وتعري ف طبق اتهم‬
‫هيهات لقد حن قدح ليس منها‪ ،‬وطفق يحكم فيها من علي ه الحكم له ا أ ال ترب ع أيه ا‬
‫اإلنسان على ظلعك‪ ،‬وتعرف قصور ذرعك‪ ،‬وتتأخر حيث أخرك الق در فم ا علي ك‬
‫غلبة المغلوب‪ ،‬وال ظفر الظافر وإنك لذهاب في التيه‪ ،‬رواغ عن القصد‪ .‬أ ال ترى ـ‬
‫غير مخبر لك‪ ،‬ولكن بنعمة هللا أحدث ـ أن قوم ا استش هدوا في س بيل هللا تع الى من‬
‫المهاجرين واألنصار‪ ،‬ولكل فض ل‪ ،‬ح تى إذا استش هد ش هيدنا قي ل‪ :‬س يد الش هداء‪،‬‬
‫وخصه رسول هللا ‪ ‬بسبعين تكبيرة عن د ص الته علي ه أوال ت رى أن قوم ا قطعت‬
‫أيديهم في سبيل هللا ـ ولكل فضل ـ ح تى إذا فع ل بواح دنا م ا فع ل بواح دهم‪ ،‬قي ل‪:‬‬
‫(الطيار في الجنة وذو الجناحين) ول و ال م ا نهى هللا عن ه من تزكي ة الم رء نفس ه‪،‬‬
‫لذكر ذاكر فضائل جمة‪ ،‬تعرفه ا قل وب المؤم نين‪ ،‬وال تمجه ا آذان الس امعين‪ .‬ف دع‬
‫عنك من مالت به الرمية فإنا صنائع ربنا‪ ،‬والن اس بع د ص نائع لن ا‪ .‬لم يمنعن ا ق ديم‬
‫عزنا وال عادي طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فع ل األكف اء‪،‬‬
‫ولستم هناك وأنى يكون ذلك ومن ا الن بي ومنكم المك ذب‪ ،‬ومن ا أس د هللا ومنكم أس د‬
‫األحالف‪ ،‬ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار‪ ،‬ومنا خير نساء الع المين‪،‬‬
‫ومنكم حمالة الحطب‪ ،‬في كثير مما لنا وعليكم فإسالمنا قد سمع‪ ،‬وجاهليتنا ال تدفع‪،‬‬
‫ْض هُ ْم‬ ‫﴿وأُولُو اأْل َرْ َح ِام بَع ُ‬ ‫وكتاب هللا يجمع لنا ما شذ عنا‪ ،‬وهو قوله سبحانه وتعالى‪َ :‬‬
‫ب هَّللا ِ﴾ [األنفال‪ ،]75 :‬وقوله تع الى‪ ﴿ :‬إِ َّن أَوْ لَى النَّ ِ‬
‫اس بِ إِب َْرا ِهي َم‬ ‫ْض فِي ِكتَا ِ‬ ‫أَوْ لَى بِبَع ٍ‬
‫لَلَّ ِذينَ اتَّبَعُوهُ َوهَ َذا النَّبِ ُّي َوالَّ ِذينَ آ َمنُوا َوهَّللا ُ َولِ ُّي ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾ [آل عم ران‪ ،]68 :‬فنحن‬
‫مرة أولى بالقرابة‪ ،‬وتارة أولى بالطاعة‪ .‬ولما احتج المهاجرون على األنص ار ي وم‬
‫السقيفة برسول هللا ‪ ‬فلج وا عليهم‪ ،‬ف إن يكن الفلج ب ه ف الحق لن ا دونكم‪ ،‬وإن يكن‬
‫بغيره فاألنصار على دعواهم‪ .‬وزعمت أني لكل الخلفاء حس دت‪ ،‬وعلى كلهم بغيت‬
‫فإن يكن ذلك كذلك فليست الجناية عليك‪ ،‬فيكون العذر إليك‪ .‬وتلك شكاة ظاهر عن ك‬
‫عارها‪ ،‬وقلت‪ :‬إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخش وش ح تى أب ايع ولعم ر هللا لق د‬
‫أردت أن تذم فمدحت‪ ،‬وأن تفضح فافتضحت وما على المسلم من غضاض ة في أن‬
‫يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دين ه‪ ،‬وال مرتاب ا بيقين ه وه ذه حج تي إلى غ يرك‬
‫قصدها‪ ،‬ولكني أطلقت ل ك منه ا بق در م ا س نح من ذكره ا‪ .‬ثم ذك رت م ا ك ان من‬
‫أمري وأمر عثمان‪ ،‬فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه‪ ،‬فأينا كان أعدى له‪ ،‬وأهدى‬
‫إلى مقاتله أ من بذل له نص رته فاس تقعده واس تكفه‪ ،‬أم من استنص ره ف تراخى عن ه‬
‫وبث المن ون إلي ه‪ ،‬ح تى أتى ق دره علي ه‪ .‬كال وهللا لـ ﴿قَ ْد يَ ْعلَ ُم هَّللا ُ ْال ُم َع ِّوقِينَ ِم ْن ُك ْم‬
‫س إِاَّل قَلِياًل ﴾ [األح زاب‪ ]18 :‬وم ا كنت‬ ‫َو ْالقَائِلِينَ إِل ِ ْخ َوانِ ِه ْم هَلُ َّم إِلَ ْينَ ا َواَل يَ أْتُونَ ْالبَ أْ َ‬
‫ألعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثا فإن كان الذنب إليه إرشادي وهدايتي له ف رب‬
‫‪249‬‬
‫اس تَطَع ُ‬
‫ْت‬ ‫ملوم ال ذنب له‪ .‬وقد يستفيد الظنة المتنصح وم ا أردت ﴿إِاَّل اإْل ِ ْ‬
‫ص اَل َح َم ا ْ‬
‫ت َوإِلَ ْي ِه أُنِيبُ ﴾ [ه ود‪ ،]88 :‬وذك رت أن ه ليس لي‬ ‫َو َم ا تَ وْ فِيقِي إِاَّل بِاهَّلل ِ َعلَ ْي ِه تَ َو َّك ْل ُ‬
‫وألص حابي عن دك إال الس يف‪ ،‬فلق د أض حكت بع د اس تعبار م تى ألفيت ب ني عب د‬
‫المطلب عن األع داء ن اكلين‪ ،‬وبالس يف مخ وفين فلبث قليال يلح ق الهيج ا حمل‪،‬‬
‫فس يطلبك من تطلب‪ ،‬ويق رب من ك م ا تس تبعد‪ ،‬وأن ا مرق ل نح وك في جحف ل من‬
‫المه اجرين واألنص ار‪ ،‬والت ابعين لهم بإحس ان‪ ،‬ش ديد زح امهم‪ ،‬س اطع قت امهم‪،‬‬
‫متسربلين سرابيل الموت أحب اللقاء إليهم لق اء ربهم‪ ،‬وق د ص حبتهم ذري ة بدري ة‪،‬‬
‫وسيوف هاشمية‪ ،‬قد عرفت مواقع نص الها في أخيك‪ ،‬وخال ك وج دك وأهل ك ﴿ َو َم ا‬
‫هي ِمنَ الظَّالِ ِمينَ ببَ ِعي ٍد ﴾ [هود‪)1()]83 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ َ‬
‫[الحديث‪ ]784 :‬قال اإلمام علي في رسالة إلى معاوية‪( :‬فاتق هللا فيما لديك‪،‬‬
‫وانظر في حقه عليك‪ ،‬وارجع إلى معرفة ما ال تعذر بجهالت ه‪ ،‬ف إن للطاع ة أعالم ا‬
‫واضحة‪ ،‬وس بال ن يرة‪ ،‬ومحج ة نهج ة‪ ،‬وغاي ة مطلب ة‪ ،‬يرده ا األكي اس‪ ،‬ويخالفه ا‬
‫األنكاس من نكب عنها جار عن الحق‪ ،‬وخبط في التيه‪ ،‬وغير هللا نعمته‪ ،‬وأح ل ب ه‬
‫نقمته‪ .‬فنفسك نفسك فقد بين هللا لك سبيلك‪ ،‬وحيث تناهت ب ك أم ورك‪ ،‬فق د أج ريت‬
‫إلى غاية خسر‪ ،‬ومحلة كفر‪ ،‬فإن نفسك قد أولجتك ش را‪ ،‬وأقحمت ك غي ا‪ ،‬وأوردت ك‬
‫المهالك‪ ،‬وأوعرت عليك المسالك) (‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]785 :‬قال اإلم ام علي في رس الة إلى معاوي ة‪( :‬وأرديت جيال من‬
‫الناس كثيرا خدعتهم بغي ك‪ ،‬وألقيتهم في م وج بح رك‪ ،‬تغش اهم الظلم ات‪ ،‬وتتالطم‬
‫بهم الشبهات‪ ،‬فجازوا عن وجهتهم‪ ،‬ونكص وا على أعق ابهم‪ ،‬وتول وا على أدب ارهم‪،‬‬
‫وعولوا على أحسابهم‪ ،‬إال من فاء من أهل البص ائر‪ ،‬ف إنهم ف ارقوك بع د معرفت ك‪،‬‬
‫وهرب وا إلى هللا من موازرت ك‪ ،‬إذ حملتهم على الص عب‪ ،‬وع دلت بهم عن القص د‪.‬‬
‫فاتق هللا يا معاوية في نفس ك‪ ،‬وج اذب الش يطان قي ادك‪ ،‬ف إن ال دنيا منقطع ة عن ك‪،‬‬
‫واآلخرة قريبة منك‪ ،‬والسالم) (‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]786 :‬قال اإلمام علي في رسالة إلى معاوية‪( :‬فسبحان هللا ما أش د‬
‫لزومك لألهواء المبتدعة‪ ،‬والحيرة المتبعة‪ ،‬مع تض ييع الحق ائق واط راح الوث ائق‪،‬‬
‫التي هي هلل طلبة‪ ،‬وعلى عباده حجة‪ .‬فأما إكثارك الحجاج على عثمان وقتلته‪ ،‬فإنك‬
‫إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك‪ ،‬وخذلته حيث ك ان النص ر ل ه‪ ،‬والس الم)‬
‫(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]787 :‬قال اإلمام علي في رسالة إلى معاوية‪( :‬ف إن البغي وال زور‬
‫يوتغان المرء في دينه ودنياه‪ ،‬ويب ديان خلل ه عن د من يعيب ه‪ ،‬وق د علمت أن ك غ ير‬
‫مدرك ما قضي فواته‪ ،‬وقد رام أقوام أمرا بغير الحق فتألوا على هللا فأكذبهم‪ ،‬فاحذر‬
‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.28‬‬
‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.30‬‬
‫‪ )(3‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.32‬‬
‫‪ )(4‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.37‬‬
‫‪250‬‬
‫يوما يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله‪ ،‬ويندم من أمكن الشيطان من قياده فلم يجاذب ه‪.‬‬
‫وقد دعوتنا إلى حكم القرآن ولست من أهله‪ ،‬ولسنا إياك أجبن ا‪ ،‬ولكن ا أجبن ا الق رآن‬
‫في حكمه‪ ،‬والسالم) (‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]788 :‬قال اإلمام علي في رس الة إلى معاوي ة‪( :‬إن هللا س بحانه ق د‬
‫جعل الدنيا لما بعدها‪ ،‬وابتلى فيها أهلها‪ ،‬ليعلم أيهم أحسن عمال‪ ،‬ولسنا للدنيا خلقن ا‪،‬‬
‫وال بالسعي فيها أمرنا‪ ،‬وإنما وض عنا فيه ا لنبتلي به ا‪ ،‬وق د ابتالني هللا ب ك وابتالك‬
‫بي‪ :‬فجعل أحدنا حجة على اآلخر‪ ،‬فعدوت على الدنيا بتأويل القرآن‪ ،‬فطلبتني بما لم‬
‫تجن يدي وال لساني‪ ،‬وعصيته أنت وأهل الشام بي‪ ،‬وألب عالمكم جاهلكم‪ ،‬وقائمكم‬
‫قاعدكم فاتق هللا في نفسك ون ازع الش يطان قي ادك‪ ،‬واص رف إلى اآلخ رة وجه ك‪،‬‬
‫فهي طريقن ا وطريق ك‪ .‬واح ذر أن يص يبك هللا من ه بعاج ل قارع ة تمس األص ل‪،‬‬
‫وتقط ع ال دابر‪ ،‬ف إني أولي ل ك باهلل ألي ة غ ير ف اجرة‪ ،‬لئن جمعت ني وإي اك جوام ع‬
‫األقدار ال أزال بباحتك ﴿ َحتَّى يَحْ ُك َم هَّللا ُ بَ ْينَنَا َوهُ َو َخ ْي ُر ْال َحا ِك ِمينَ ﴾ [األع راف‪)]87 :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]789 :‬قال اإلمام علي في رس الة إلى معاوي ة‪( :‬إن ا كن ا نحن وأنتم‬
‫على ما ذكرت من األلفة والجماعة‪ ،‬ففرق بيننا وبينكم أمس أنا آمنا وكفرتم‪ ،‬والي وم‬
‫أن ا اس تقمنا وفتنتم‪ ،‬وم ا أس لم مس لمكم إال كره ا‪ ،‬وبع د أن ك ان أن ف اإلس الم كل ه‬
‫لرسول هللا ‪ ‬حزبا وذكرت أني قتلت طلح ة والزب ير‪ ،‬وش ردت بعائش ة‪ ،‬ون زلت‬
‫بين المصرين وذلك أم ر غبت عن ه فال علي ك‪ ،‬وال الع ذر في ه إلي ك‪ .‬وذك رت أن ك‬
‫زائري في المهاجرين واألنصار‪ ،‬وقد انقطعت الهجرة ي وم أس ر أخ وك‪ ،‬ف إن ك ان‬
‫فيه عجل فاسترفه‪ ،‬فإني إن أزرك فذلك جدير أن يكون هللا إنم ا بعث ني إلي ك للنقم ة‬
‫منك وإن تزرني فكما قال أخو بني أسد‪ :‬مستقبلين رياح الصيف تضربهم بحاص ب‬
‫بين أغوار وجلمود‪ ..‬وعندي السيف الذي أعضضته بجدك وخالك وأخي ك في مق ام‬
‫واحد‪ .‬وإنك وهللا ما علمت األغلف القلب‪ ،‬المقارب العقل واألولى أن يقال لك‪ :‬إن ك‬
‫رقيت سلما أطلعك مطلع سوء عليك ال لك‪ ،‬ألنك نشدت غير ضالتك‪ ،‬ورعيت غير‬
‫سائمتك‪ ،‬وطلبت أمرا لست من أهله وال في معدنه‪ ،‬فما أبعد قولك من فعلك وقريب‬
‫ما أشبهت من أعمام وأخوال حملتهم الشقاوة‪ ،‬وتمني الباط ل‪ ،‬على الجح ود بمحم د‬
‫‪ ‬فصرعوا مصارعهم حيث علمت‪ ،‬لم يدفعوا عظيما‪ ،‬ولم يمنع وا حريم ا‪ ،‬بوق ع‬
‫سيوف ما خال منها الوغى‪ ،‬ولم تماشها الهوينى‪ .‬وقد أكثرت في قتلة عثمان‪ ،‬فادخل‬
‫فيما دخل فيه الناس‪ ،‬ثم حاكم القوم إلي‪ ،‬أحمل ك وإي اهم على كت اب هللا تع الى وأم ا‬
‫تلك التي تريد فإنها خدعة الصبي عن اللبن في أول الفصال‪ ،‬والسالم ألهله) (‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]790 :‬قال اإلمام علي في رسالة إلى معاوية‪( :‬أما بعد‪ ،‬فقد آن ل ك‬
‫أن تنتف ع ب اللمح الباص ر من عي ان األم ور‪ ،‬فق د س لكت م دارج أس الفك بادعائ ك‬
‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.48‬‬
‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.55‬‬
‫‪ )(3‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.64‬‬
‫‪251‬‬
‫األباطيل‪ ،‬واقتحامك غرور المين واألكاذيب‪ ،‬وبانتحالك ما قد عال عنك‪ ،‬وابتزازك‬
‫لما قد اختزن دونك‪ ،‬فرارا من الحق‪ ،‬وجحودا لما هو ألزم لك من لحمك ودمك مما‬
‫قد وعاه سمعك‪ ،‬وملئ به صدرك‪ ،‬فما ذا بعد الحق إال الضالل المبين‪ ،‬وبع د البي ان‬
‫إال اللبس فاحذر الشبهة واشتمالها على لبستها‪ ،‬فإن الفتن ة طالم ا أغ دفت جالبيبه ا‪،‬‬
‫وأغشت األبصار ظلمتها‪ .‬وقد أتاني كتاب منك ذو أف انين من الق ول ض عفت قواه ا‬
‫عن الس لم‪ ،‬وأس اطير لم يحكه ا من ك علم وال حلم أص بحت منه ا كالخ ائض في‬
‫الدهاس‪ ،‬والخابط في الديماس‪ ،‬وترقيت إلى مرقب ة بعي دة الم رام‪ ،‬نازح ة األعالم‪،‬‬
‫تقصر دونها األنوق ويحاذى بها العيوق‪ .‬وحاش هلل أن تلي للمس لمين بع دي ص درا‬
‫أو وردا‪ ،‬أو أجري لك على أحد منهم عقدا أو عهدا فمن اآلن فتدارك نفسك‪ ،‬وانظر‬
‫لها‪ ،‬فإنك إن فرطت حتى ينهد إليك عباد هللا أرتجت عليك األمور‪ ،‬ومنعت أمرا هو‬
‫منك اليوم مقبول‪ ،‬والسالم) (‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]791 :‬قال اإلمام علي في رسالة إلى معاوية‪( :‬أما بعد‪ ،‬فإني على‬
‫التردد في جوابك‪ ،‬واالستماع إلى كتابك‪ ،‬لموهن رأيي‪ ،‬ومخطئ فراس تي‪ .‬وإن ك إذ‬
‫تحاولني األم ور وتراجع ني الس طور‪ ،‬كالمس تثقل الن ائم تكذب ه أحالم ه‪ ،‬والمتح ير‬
‫القائم يبهظه مقامه‪ ،‬ال يدري أ له ما يأتي أم علي ه‪ ،‬ولس ت ب ه‪ ،‬غ ير أن ه ب ك ش بيه‪.‬‬
‫وأقس م باهلل إن ه ل و ال بعض االس تبقاء‪ ،‬لوص لت إلي ك م ني ق وارع‪ ،‬تق رع العظم‪،‬‬
‫وتهلس اللحم واعلم أن الش يطان ق د ثبط ك عن أن تراج ع أحس ن أم ورك‪ ،‬وت أذن‬
‫لمقال نصيحتك‪ ،‬والسالم ألهله) (‪)2‬‬
‫ج ـ ما ورد في تحذير اإلمام الحسن من معاوية وفتنته‪:‬‬
‫وق د خصص ناها بال ذكر ردا على أولئ ك ال ذين يتوهم ون أن الص لح ال ذي‬
‫اض طر إلي ه اإلم ام الحس ن ك ان مبني ا على ص الحية معاوي ة للحكم‪ ،‬وأن ه أعط اه‬
‫شرعية بذلك‪ ،‬مع أنه لم يكن كذلك‪ ،‬بل اضطر إليه اإلم ام الحس ن اض طرارا مثلم ا‬
‫اضطر رسول هللا ‪ ‬إلى صلح الحديبية‪ ،‬ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]792 :‬روي أن عمرو بن العاص قال لمعاوية‪ :‬إن الحسن بن علي‬
‫رجل عيي وإنه إذا صعد المنبر ورمقوه بأبصارهم خجل وانقطع‪ ،‬لو أذنت له‪ ،‬فقال‬
‫معاوية‪ :‬يا أبا محمد لو صعدت المنبر ووعظتنا! فقام فحمد هللا وأثنى عليه‪ ،‬ثم ق ال‪:‬‬
‫(من عرف ني فق د عرف ني ومن لم يعرف ني فأن ا الحس ن بن علي وابن س يدة النس اء‬
‫فاطم ة بنت رس ول هللا ‪ ،‬أن ا ابن رس ول هللا‪ ،‬أن ا ابن ن بي هللا‪ ،‬أن ا ابن الس راج‬
‫المنير‪ ،‬أنا ابن البشير النذير‪ ،‬أنا ابن من بعث رحمة للع المين‪ ،‬أن ا ابن من بعث إلى‬
‫الجن واالنس‪ ،‬أنا ابن خير خلق هللا بعد رسول هللا‪ ،‬أنا ابن صاحب الفضائل أن ا ابن‬
‫صاحب المعجزات والدالئل‪ ،‬أنا ابن أمير المؤمنين‪ ،‬أنا المدفوع عن حقي أن ا واح د‬
‫سيدي شباب أهل الجنة‪ ..‬أنا ابن الشفيع المطاع‪ ،‬أنا ابن من قاتل مع ه المالئك ة‪ ،‬أن ا‬

‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.65‬‬


‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ ،‬رسالة ‪.73‬‬
‫‪252‬‬
‫ابن من خضعت له قريش‪ ،‬أنا ابن إمام الخل ق وابن محم د رس ول هللا ‪ ،)‬فخش ي‬
‫معاوية أن يفتتن به الناس‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا محمد انزل فقد كفى ما جرى ف نزل فق ال ل ه‬
‫معاوية‪ :‬ظننت أن ستكون خليف ة‪ ،‬وم ا أنت وذاك‪ ،‬فق ال الحس ن‪( :‬إنم ا الخليف ة من‬
‫س ار بكت اب هللا‪ ،‬وس نة رس ول هللا‪ ،‬ليس الخليف ة من س ار ب الجور وعط ل الس نة‪،‬‬
‫واتخذ الدنيا أبا واما‪ ،‬ملك ملكا متع به قليال‪ ،‬ثم تنقطع لذته‪ ،‬وتبقى تبعته)‬
‫ثم نفض ثوبه‪ ،‬ونهض ليخرج‪ ،‬فقال ابن العاص‪ :‬اجلس فاني أس ألك مس ائل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬سل عما بدا لك‪ ،‬قال عمرو‪ :‬أخبرني عن الكرم والنجدة والمروءة‪ ،‬فقال‪( :‬أما‬
‫الكرم فالتبرع بالمعروف واالعطاء قبل السؤال‪ ،‬وأم ا النج دة فال ذب عن المح ارم‪،‬‬
‫والصبر في المواطن عند المكاره‪ ،‬وأما المروءة فحفظ الرجل دينه‪ ،‬وإحرازه نفس ه‬
‫من الدنس وقيامه بأداء الحقوق وإفشاء السالم)‪ ،‬فخرج‪ .‬فعذل معاوي ة عم را فق ال‪:‬‬
‫أفسدت أهل الشام‪ ،‬فق ال عم رو‪ :‬إلي ك ع ني إن أه ل الش ام لم يحب وك محب ة إيم ان‬
‫ودين‪ ،‬إنما أحبوك للدنيا ينالونها منك والسيف والمال بي دك‪ ،‬فم ا يغ ني عن الحس ن‬
‫كالمه(‪.)1‬‬
‫[الحــديث‪ ]793 :‬روي أن معاوي ة ق دم المدين ة فق ام خطيب ا فن ال من اإلم ام‬
‫علي‪ ،‬فقام اإلمام الحسن فخطب فحمد هللا وأثنى عليه ثم ق ال ل ه‪( :‬إن ه لم يبعث ن بي‬
‫إال جعل له وصي من أهل بيته‪ ،‬ولم يكن نبي إال وله عدو من المجرمين‪ ،‬وإن علي ا‬
‫كان وصي رسول هللا ‪ ‬من بعده‪ ،‬وأنا ابن علي‪ ،‬وأنت ابن صخر‪ ،‬وج دك ح رب‬
‫وجدي رسول هللا ‪ ‬وأمك هند وأمي فاطمة‪ ،‬وج دتي خديج ة وج دتك نثيل ة‪ ،‬فلعن‬
‫هللا أألمنا حسبا وأقدمنا كفرا وأخملنا ذكرا وأشدنا نفاقا)‪ ،‬فق ال عام ة أه ل المس جد‪:‬‬
‫آمين‪ ،‬فنزل معاوية فقطع خطبته(‪.)2‬‬
‫[الحديث‪ ]794 :‬روي أنه لما قدم معاوية الكوفة قي ل ل ه إن الحس ن بن علي‬
‫مرتفع في أنفس الناس‪ ،‬فلو أمرته أن يقوم دون مقامك على المن بر فتدرك ه الحداث ة‬
‫والعي فيسقط من أنفس الناس‪ ،‬فأبى عليهم وأبوا عليه إال أن يأمره بذلك‪ ،‬فأمره فقام‬
‫دون مقامه في المنبر فحمد هللا وأثنى عليه ثم قال‪( :‬أما بع د ف انكم ل و طلبتم م ا بين‬
‫كذا وكذا لتجدوا رجال جده نبي لم تجدوه غيري وغير أخي‪ ،‬وإنا أعطيا صفقتنا هذا‬
‫الطاغية ـ وأشار بيده إلى أعلى المنبر إلى معاوية وهو في مق ام رس ول هللا ‪ ‬من‬
‫المنبر ـ ورأين ا حقن دم اء المس لمين أفض ل من إهراقه ا‪ ،‬وإن أدري لعل ه فتن ة لكم‬
‫ومتاع إلى حين)‪ ،‬وأشار بيده إلى معاوية‪ ،‬فق ال ل ه معاوي ة‪ :‬م ا أردت بقول ك ه ذا؟‬
‫فقال‪ :‬أردت به ما أراد هللا عزوجل‪.‬‬
‫فقام معاوية فخطب خطبة عيية فاحشة‪ ،‬فثلب فيها أمير المؤمنين عليه السالم‬
‫فقام الحسن فقام وهو على المنبر‪( :‬يا ابن آكلة االكباد‪ ،‬أو أنت تسب أمير المؤمنين‪،‬‬
‫وقد قال رسول هللا ‪ :‬من سب عليا فقد سبني‪ ،‬ومن سبني فقد سب هللا‪ ،‬ومن س ب‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار (‪)88 /44‬‬


‫‪ )(2‬االحتجاج ص ‪.145‬‬
‫‪253‬‬
‫هللا أدخله هللا نار جهنم خالدا فيه ا مخل دا‪ ،‬ول ه ع ذاب مقيم)‪ ،‬ثم انح در الحس ن عن‬
‫المنبر فدخل داره ولم يصل هناك بعد ذلك(‪.)1‬‬
‫[الحديث‪ ]795 :‬روي أن معاوية قال لإلمام الحسن‪ :‬أنا أخير منك يا حس ن‪،‬‬
‫قال‪ :‬وكيف ذاك؟ قال‪ :‬ألن الناس قد أجمعوا علي ولم يجمع وا علي ك‪ ،‬فق ال اإلم ام‪:‬‬
‫(هيهات هيهات لشر ما علوت‪ ،‬يا ابن آكلة األكب اد‪ ،‬المجتمع ون علي ك رجالن‪ :‬بين‬
‫مطيع ومك ره‪ ،‬فالط ائع ل ك ع اص هلل‪ ،‬والمك ره مع ذور بكت اب هللا‪ ،‬وح اش هلل أن‬
‫أق ول‪ :‬أن ا خ ير من ك فال خ ير في ك‪ ،‬ولكن هللا ب رأني من الرذائ ل كم ا ب رأك من‬
‫الفضائل) (‪)2‬‬
‫[الحــديث‪ ]796 :‬وه و ح ديث طوي ل عن اإلم ام الحس ن ي بين الف روق بين‬
‫العترة والموالين لها‪ ،‬وغيرهم من أصحاب الفئة الباغية‪ ،‬وخصوص ا معاوي ة‪ ،‬وق د‬
‫رواه الشعبي وأبو مخنف‪ ،‬وغيرهما قالوا‪ :‬لم يكن في اإلسالم يوم في مشاجرة ق وم‬
‫اجتمعوا في محفل‪ ،‬أكثر ضجيجا وال أعلى كالما‪ ،‬وال أشد مبالغة في قو ٍل‪ ،‬من يوم‬
‫اجتم ع في ه عن د معاوي ة بن أبي س فيان‪ :‬عم رو بن عثم ان بن عف ان‪ ،‬وعم رو بن‬
‫العاص‪ ،‬وعتبة بن أبي سفيان‪ ،‬والوليد بن عتبة بن أبي معي ط‪ ،‬والمغ يرة بن ش عبة‪،‬‬
‫وقد تواطؤوا على أمر واحد‪.‬‬
‫فقال عمرو بن العاص لمعاوية‪ :‬أال تبعث إلى الحسن بن علي فتُحض ره‪ ،‬فق د‬
‫ص ّدق‪ ،‬وهذان يرفعان‬ ‫أحيا سيرة أبيه وخفقت النعال خلفه‪ :‬إن أمر فأطيع‪ ،‬وإن قال ف ُ‬
‫ّ‬
‫مقص ر وبأبي ه‪،‬‬ ‫به إلى ما هو أعظم منهما‪ ،‬فلو بعثت إليه فقصّرنا به أي أظهرنا أنه‬
‫وسببناه وسببنا أباه‪ ،‬وصعّرنا بقدره وقدر أبيه‪ ،‬وقع دنا ل ذلك ح تى ص دق ل ك في ه‪،‬‬
‫فق ال لهم معاوي ة‪ :‬إني أخ اف أن يقلّ دكم قالئ د يبقى عليكم عاره ا ح تى ت دخلكم‬
‫قب وركم‪ ،‬وهللا م ا رأيت ه ق ط إال ك رهت جناب ه‪ ،‬وهبت عتاب ه‪ ،‬وإني إن بعثت إلي ه‬
‫ألنصفتُه منكم‪ ،‬قال عمرو بن العاص‪ :‬أتخاف أن يتسامى باطلُه على حقنا‪ ،‬ومرضُه‬
‫على صحتنا؟‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬فابعث إذاً إليه‪.‬‬
‫فقال عتبة‪ :‬هذا رأي ال أعرف ه‪ ،‬وهللا ماتس تطيعون أن تلق وه ب أكثر وال أعظم‬
‫مما في أنفسكم عليه‪ ،‬وال يلقاكم إال بأعظم مما في نفس ه عليكم‪ ،‬وإن ه لمن أه ل بيت‬
‫خَص ٍم َج ِد ٍل‪ ،‬فبعثوا إلى اإلمام الحسن فلما أتاه الرسول قال له‪ :‬يدعوك معاوية‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫و َمن عنده؟‪ ،‬قال الرسول‪ :‬عنده فالن وفالن‪ ،‬وس ّمى كال منهم باس مه‪ ،‬فق ال اإلم ام‬
‫الحسن‪ :‬ما لهم خ ّر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث ال يشعرون‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬اللهم إني أدرأ بك في نحورهم‪ ،‬وأعوذ بك من شرورهم‪ ،‬وأس تعين ب ك عليهم‪،‬‬
‫فاكفنيهم بما شئت وأنى شئت‪ ،‬من حولك وقوتك يا أرحم الراحمين‪ ،‬وقال للرس ول‪:‬‬
‫هذا كالم الفرج‪.‬‬
‫فلما أتى معاوية‪ ،‬وتكلم الجميع‪ ،‬وسبوا اإلمام علي‪ ،‬قال اإلمام الحسن‪ :‬الحمد‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار (‪)91 /44‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار (‪)104 /44‬‬
‫‪254‬‬
‫هلل الذي هدى أولكم بأولنا‪ ،‬وآخركم بآخرنا‪ ،‬وصلى هللا على سيدنا محمد النبي وآل ه‬
‫وسلّم‪ ،‬ثم قال‪ :‬اسمعوا مني مقالتي‪ ،‬وأعيروني فهمكم‪ ،‬وبك أبدأ ي ا معاوي ة‪ ،‬ثم ق ال‬
‫لمعاوية‪ :‬إنه لعمر هللا يا أزرق‪ ،‬ما شتمني غ يرك وم ا ه ؤالء ش تموني‪ ،‬وال س بّني‬
‫غيرك وما هؤالء سبّوني‪ ،‬ولكن شتمتني وس ببتني فحش ا ً من ك‪ ،‬وس وء رأي‪ ،‬وبغي ا‬
‫وعدوانا وحسدا علينا‪ ،‬وعداوة لمحمد ‪ ‬قديما وحديثا‪.‬‬
‫كنت أنا وهؤالء يا أزرق‪ ،‬من ازعين في مس جد رس ول هللا ‪‬‬ ‫وإنه وهللا‪ ،‬لو ُ‬
‫وحولن ا المه اجرون واألنص ار‪ ،‬م ا ق دروا أن يتكلم وا بمث ل م ا تكلم وا ب ه‪ ،‬وال‬
‫استقبلوني بما استقبلوني ب ه‪ ،‬فاس معوا م ني أيه ا المأل المجتمع ون المع اونون عل ّي‬
‫ُ‬
‫نطقت به‪ ،‬وس أبدأ ب ك ي ا معاوي ة‪ ،‬فال‬ ‫وال تكتموا حقا علمتموه‪ ،‬وال تص ّدقوا بباطل‬
‫أقول فيك إال دون ما فيك‪.‬‬
‫ّ‬
‫أنشدكم باهلل‪ ،‬هل تعلمون أن الرج ل ال ذي ش تمتموه ص لى القبل تين كلتيهم ا‪،‬‬
‫وأنت تراهم ا جميع ا ض اللة‪ ،‬تعب د الالت والع زى؟‪ ،‬وب ايع البيع تين كلتيهم ا بيع ة‬
‫الرضوان وبيعة الفتح‪ ،‬وأنت يا معاوية باألولى كافر‪ ،‬وباألخرى ناكث‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬أنشدكم باهلل‪ ،‬هل تعلمون أنما أقول حق ا إن ه لقيكم م ع رس ول هللا ‪‬‬
‫يوم بدر ومعه راية النبي ‪ ‬ومعك يا معاوية راية المشركين‪ ،‬تعبد الالت والعزى‪،‬‬
‫وترى حرب رسول هللا ‪ ‬والمؤمنين فرض ا ً واجب اً‪ ،‬ولقيكم ي وم أُح د ومع ه راي ة‬
‫النبي ‪ ‬ومعك يا معاوية راية المشركين‪ ،‬ولقيكم يوم األح زاب ومع ه راي ة الن بي‬
‫ق دعوت ه‪،‬‬ ‫‪ ‬ومع ك ي ا معاوي ة راي ة المش ركين‪ ،‬ك ل ذل ك يفلج هللا حجّت ه‪ ،‬ويح ّ‬
‫ويص ّدق أحدوثته‪ ،‬وينصر رايت ه‪ ،‬وك ل ذل ك رس ول هللا ‪ ‬يُ رى عن ه راض يا في‬
‫المواطن كلها‪.‬‬
‫ثم أنش دكم باهلل‪ ،‬ه ل تعلم ون أن رس ول هللا ‪ ‬حاص ر ب ني قريظ ة وب ني‬
‫النضير‪ ،‬ثم بعث عمر بن الخطاب ومع ه راي ة المه اجرين‪ ،‬وس عد بن مع اذ ومع ه‬
‫راية األنصار‪ ،‬فأما سعد بن معاذ فجُرح وحُمل جريحا‪ ،‬وأما عمر فرجع وهو يجبّن‬
‫أصحابه ويجبّنه أصحابه‪ ،‬فقال رس ول هللا ‪ :‬ألعطين الراي ة غ داً رجالً يحب هللا‬
‫ورسوله‪ ،‬ويحبه هللا ورسوله‪ ،‬ك رّار غ ير ف رّار‪ ،‬ثم ال يرج ع ح تى يفتح هللا علي ه‪،‬‬
‫فتعّرض لها أبوبكر وعمر وغيرهما من المهاجرين واألنصار‪ ،‬وعل ّي يومئ ذ أرم د‬
‫شديد الرمد‪ ،‬ف دعاه رس ول هللا ‪ ‬فتف ل في عيني ه ف برأ من الرم د‪ ،‬فأعط اه الراي ة‬
‫فمضى ولم يثن حتى فتح هللا عليه بمنّه وطوله‪ ،‬وأنت يومئذ بمكة ع دو هلل ورس ولُه‬
‫فهل يُسوّى بين رجل نصح هلل ولرس وله‪ ،‬ورج ل ع ادى هللا ورس وله ‪ ،‬ثم أقس م‬
‫ولكن اللسان خائف‪ ،‬فهو يتكلم بما ليس في القلب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫باهلل ما أسلم قلبك بعد‪،‬‬
‫ثم أنشدكم باهلل‪ ،‬أتعلم ون أن رس ول هللا ‪ ‬اس تخلفه على المدين ة في غ زوة‬
‫تبوك وال سخطه ذلك وال كرهه‪ ،‬وتكلم في ه المن افقون‪ ،‬فق ال‪ :‬ال تخلّف ني ي ا رس ول‬
‫هللا‪ ،‬فإني لم أتخلّف عنك في غزوة قط‪ ،‬فقال رس ول هللا ‪ :‬أنت وص يي وخليف تي‬
‫في أهلي بمنزلة هارون من موسى‪ ،‬ثم أخذ بيد اإلمام علي ثم قال‪ :‬أيه ا الن اس‪ ،‬من‬
‫‪255‬‬
‫توالني فقد تولى هللا‪ ،‬ومن تولى عليا فقد توالني‪ ،‬ومن أطاعني فق د أط اع هللا‪ ،‬ومن‬
‫أطاع عليا فقد أط اعني‪ ،‬ومن أحب ني فق د أحب هللا‪ ،‬ومن أحب علي ا فق د أحب ني‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬أنشدكم باهلل‪ ،‬أتعلمون أن رسول هللا قال في حجّة ال وداع‪ :‬أيه ا الن اس‪ ،‬إني ق د‬
‫تركت فيكم ما لم تضلوا بعده‪ :‬كتاب هللا ف أحلّوا حالل ه‪ ،‬وحرّم وا حرام ه‪ ،‬واعمل وا‬
‫بمحكمه‪ ،‬وآمنوا بمتشابهه‪ ،‬وقولوا آمنا بما أنزل هللا من الكت اب‪ ،‬وأحبّ وا أه ل بي تي‬
‫وعترتي‪ ،‬ووالوا من واالهم‪ ،‬وانصروهم على من عاداهم وإنهما لم يزاال فيكم حتى‬
‫ي الحوض يوم القيامة‪ ،‬ثم دعا وه و على المن بر عليّ ا فاجتذب ه بي ده‪ ،‬فق ال‪:‬‬ ‫يردا عل َّ‬
‫اللهم‪ ،‬وال من وااله‪ ،‬وع اد من ع اداه‪ ،‬اللهم‪ ،‬من ع ادى علي ا فال تجع ل ل ه في‬
‫األرض مقعدا‪ ،‬وال في السماء مصعدا‪ ،‬واجعله في أسفل درك من النار‪.‬‬
‫أنشدكم باهلل‪ ،‬أتعلمون أن رسول هللا ‪ ‬قال له‪ :‬أنت الذائ د عن حوض ي ي وم‬
‫القيامة‪ ،‬تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله‪.‬‬
‫أنشدكم باهلل‪ ،‬أتعلمون أن ه دخ ل على رس ول هللا ‪ ‬في مرض ه ال ذي ت وفي‬
‫فيه‪ ،‬فبكى رسول هللا ‪ ،‬فق ال عل ّي‪ :‬م ا يبكي ك ي ا رس ول هللا؟‪ ،‬فق ال‪ :‬يُبكي ني أني‬
‫أعلم أن لك في قلوب رجال من أمتي ضغائن ال يبدونها حتى أتولى عنك‪.‬‬
‫أنشدكم باهلل‪ ،‬أتعلمون أن رس ول هللا ‪ ‬حين حض رته الوف اة‪ ،‬واجتم ع أه ل‬
‫بيته ق ال‪ :‬اللهم‪ ،‬ه ؤالء أهلي وع ترتي‪ ،‬اللهم‪ ،‬وال من واالهم‪ ،‬وانص رهم على من‬
‫عاداهم‪ ،‬وقال‪ :‬إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح‪ ،‬من دخل فيها نجا‪ ،‬ومن تخل ف‬
‫عنها غرق‪.‬‬
‫أنشدكم باهلل‪ ،‬أتعلمون أن أصحاب رسول هللا قد سلّموا عليه بالوالية في عه د‬
‫رسول هللا وحياته ‪.‬‬
‫أنشدكم باهلل‪ ،‬أتعلمون أن عليا كان عن ده علم المناي ا‪ ،‬وعلم القض ايا‪ ،‬وفص ل‬
‫الخطاب‪ ،‬ورسوخ العلم‪ ،‬وم نزل الق رآن‪ ،‬وك ان في ره ٍط ال نعلمهم يت ّم ون عش رة‬
‫نبّأهم هللا أنهم به مؤمنون‪ ،‬وأنتم في ره ط ق ريب من ع دة أولئ ك لُعن وا على لس ان‬
‫رسول هللا ‪ ‬فأشهد لكم وأشهد عليكم‪ ،‬أنكم لعناء هللا على لسان نبي ه ‪ ‬كلكم أه ل‬
‫البيت‪.‬‬
‫وأنشدكم باهلل‪ ،‬هل تعلم ون أن رس ول هللا ‪ ‬بعث إلي ك لتكتب لب ني خزيم ة‬
‫حين أصابهم خالد بن الوليد‪ ،‬فانصرف إليه الرسول‪ ،‬فقال‪ :‬هو يأكل‪ ،‬فأعاد الرسول‬
‫إليك ثالث مرات‪ ،‬كل ذلك ينصرف الرسول ويقول‪ :‬هو يأكل‪ ،‬فقال رسول هللا ‪:‬‬
‫اللهم‪ ،‬ال تشبع بطنه‪ ،‬فهي وهللا في نهمتك وأكل ك إلى ي وم القيام ة‪ ،‬ثم ق ال‪ :‬أنش دكم‬
‫باهلل‪ ،‬هل تعلمون أنما أقول حقا إنك يا معاوية كنت تسوق بأبي ك على جم ل أحم ر‪،‬‬
‫ويقوده أخوك هذا القاعد‪ ،‬وهذا يوم األحزاب‪ ،‬فلعن رس ول هللا ‪ ‬ال راكب والقائ د‬
‫والسائق‪ ،‬فكان أبوك الراكب‪ ،‬وأنت يا أزرق السائق‪ ،‬وأخوك هذا القاعد القائد؟‪،‬‬
‫ثم أنش دكم باهلل‪ ،‬ه ل تعلم ون أن رس ول هللا ‪ ‬لعن أب ا س فيان في س بعة‬
‫مواطن‪ :‬أولهن‪ :‬حين خرج من مكة إلى المدينة وأبوسفيان جاء من الشام‪ ،‬فوقع في ه‬
‫‪256‬‬
‫أبوسفيان فسبه وأوعده وه ّم أن يبطش به‪ ،‬ثم صرفه هللا عز وجل عنه‪.‬‬
‫والث اني‪ :‬ي وم الع ير‪ ،‬حيث طرده ا أبوس فيان ليحرزه ا من رس ول هللا ‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬يوم أُحد يوم قال رسول هللا ‪ :‬هللا موالنا وال مولى لكم‪ ،‬وقال أبوس فيان‪:‬‬
‫لنا العزى وال لكم العزى‪ ،‬فلعنه هللا ومالئكته ورسوله والمؤمنون أجمعون‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬يوم حنين يوم جاء أبوس فيان بجم ع ق ريش وه وازن‪ ،‬وج اء عيين ة‬
‫بغطفان واليهود فر ّدهم هللا عز وجل بغيظهم لم ينالوا خيرا‪ ،‬هذا قول هللا ع ز وج ل‬
‫له في سورتين‪ ،‬في كلتيهما يسمي أبا سفيان وأصحابه كفارا‪ ،‬وأنت يا معاوية يومئذ‬
‫مشرك على رأى أبيك بمكة‪ ،‬وعل ّي يومئذ مع رسول هللا ‪ ‬وعلى رأيه ودينه‪.‬‬
‫ْج ِد ْال َح َر ِام‬
‫ص ُّدو ُك ْم َع ِن ْال َمس ِ‬
‫والخامس‪ :‬قول هللا عز وجل‪﴿ :‬هُ ُم الَّ ِذينَ َكفَرُوا َو َ‬
‫ي َم ْع ُكوفًا أَ ْن يَ ْبلُ َغ َم ِحلَّهُ ﴾ [الفتح‪ ]25 :‬وصددت أنت وأب وك ومش ركو ق ريش‬ ‫َو ْالهَ ْد َ‬
‫رسو َل هللا ‪ ‬فلعنه هللا لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫والسادس‪ :‬يوم األحزاب ي وم ج اء أبوس فيان بجم ع ق ريش‪ ،‬وج اء عيين ة بن‬
‫حصن بن بدر بغطفان فلعن رسول هللا ‪ ‬القادة واألتباع والساقة إلى ي وم القيام ة‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬يا رسول هللا أ َما في األتباع مؤمن؟‪ ،‬فقال‪ :‬ال تصيب اللعنة مؤمنا من األتباع‪،‬‬
‫وأما القادة فليس فيهم مؤمن وال مجيب وال ناج‪.‬‬
‫والسابع‪ :‬يوم الثنية‪ ،‬يوم ش ّد على رسول هللا اثن ا عش ر رجالً س بعة منهم من‬
‫بني أمية‪ ،‬وخمسة من سائر ق ريش‪ ،‬فلعن هللا تب ارك وتع الى ورس ولُه ‪ ‬من ح ّل‬
‫الثنية غير النبي وسائقه وقائده‪.‬‬
‫ثم أنشدكم باهلل‪ ،‬ه ل تعلم ون أن أب ا س فيان دخ ل على عثم ان حين بوي ع في‬
‫مس جد رس ول هللا ‪ ،‬فق ال‪ :‬ي ا بن أخي ه ل علين ا من عين؟‪ ،‬فق ال‪ :‬ال‪ ،‬فق ال‬
‫أبوسفيان‪ :‬تداولوا الخالفة فتيان بني أمية‪ ،‬فو الذي نفس أبي سفيان بيده‪ ،‬ما من جنة‬
‫وال نار‪.‬‬
‫وأنشدكم باهلل‪ ،‬أتعلمون أن أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان وق ال‪:‬‬
‫يا بن أخي‪ ،‬اخرج معي إلى بقيع الغرقد‪ ،‬فخرج حتى إذا توسّط القبور اجترّه فصاح‬
‫بأعلى صوته‪ :‬يا أهل القبور‪ ،‬الذي كنتم تقاتلونا عليه‪ ،‬صار بأيدينا وأنتم رميم‪ ،‬فقال‬
‫الحسين بن علي‪ :‬قبّح هللا شيبتك‪ ،‬وقبّح وجهك‪ ،‬ثم نتر يده وتركه‪ ،‬فلوال النعم ان بن‬
‫بشير أخذ بيده ور ّده إلى المدينة لهل ك‪ ،‬فه ذا ل ك ي ا معاوي ة‪ ،‬فه ل تس تطيع أن ت ر ّد‬
‫علينا شيئا؟‬
‫ومن لعنتك يا معاوية أن أباك أبا سفيان كان يهّم أن يس لم‪ ،‬فبعثتَ إلي ه بش عر‬
‫معروف مروي في قريش عندهم تنهاه عن اإلسالم‪ ،‬وتص ّده‪.‬‬
‫ومنها أن عمر بن الخطاب والّك الشام فخنت به‪ ،‬ووالّك عثمان فتربّصت به‬
‫ريب المنون‪ ،‬ثم أعظم من ذلك أنك قاتلت عليا‪ ،‬وقد عرفت سوابقه وفضله وعلم ه‪،‬‬
‫على أمر هو أولى به منك‪ ،‬ومن غيرك عند هللا وعند الن اس‪ ،‬وال دني ة ب ل أوط ات‬
‫الناس عشوة‪ ،‬وأرقت دماء خلق من خلق هللا بخدعك وكيدك وتمويه ك‪ ،‬ف ْع َل من ال‬
‫‪257‬‬
‫يؤمن بالمعاد‪ ،‬وال يخشى العقاب‪.‬‬
‫فلما بلغ الكتاب أجله صرت إلى ش ّر مث وى‪ ،‬وعل ّي إلى خ ير منقلب وهللا ل ك‬
‫أمسكت عنه من مس اويك وعيوب ك‪ ،‬فق د‬ ‫ُ‬ ‫بالمرصاد‪ ،‬فهذا لك يا معاوية خاصة‪ ،‬وما‬
‫كرهت به التطويل‪.‬‬
‫وأما أنت يا عم رو بن عثم ان‪ ،‬فلم تكن حقيق ا لحمق ك أن تتب ع ه ذه األم ور‪،‬‬
‫فإنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة‪ :‬استمسكي فإني أُريد أن أنزل عنك‪ ،‬فق الت‬
‫ق عل ّي نزولك؟‪ ،‬وإني وهللا ما شعرت أنك‬ ‫شعرت بوقوعك‪ ،‬فكيف يش ّ‬ ‫ُ‬ ‫لها النخلة‪ :‬ما‬
‫إن س بّك علي ا‬ ‫ق عل ّي ذل ك‪ ،‬وإني لمجيب ك في ال ذي قلت‪ّ ،‬‬ ‫تحسن أن تع ادي لي فيش ّ‬
‫أبنقص في حسبه؟‪ ،‬أو تباع ده من رس ول هللا ‪‬؟‪ ،‬أو بس وء بالء في اإلس الم؟‪ ،‬أو‬
‫بجور في حكم‪ ،‬أو رغبة في الدنيا؟‪ ،‬فإن قلت واحدة منها فقد كذبت‪.‬‬
‫إن لكم فينا تسعة عشر دما بقتلى مشركي بني أمية ببدر‪ ،‬ف إن هللا‬ ‫وأما قولك‪ّ :‬‬
‫ورسوله قتلهم‪ ،‬ولعمري ليُقتلن من بني هاشم تسعة عشر وثالثة بعد تسعة عشر‪ ،‬ثم‬
‫يُقتل من بني أمية تسعة عشر وتسعة عشر في موطن واحد‪ ،‬سوى م ا قت ل من ب ني‬
‫أمية ال يحصي عددهم إال هللا‪.‬‬
‫إن رسول هللا ‪ ‬قال‪ :‬إذا بلغ ول د ال وزغ ثالثين رجال أخ ذوا م ال هللا بينهم‬
‫دُوال‪ ،‬وعباده َخ وال‪ ،‬وكتاب ه دغَال‪ ،‬ف إذا بلغ وا ثالثمائ ة وعش راً حقّت عليهم اللعن ة‬
‫ولهم‪ ،‬فإذا بلغوا أربعمائة وخمسة وسبعين كان هالكهم أسرع من لوك تمرة‪ ،‬فأقب ل‬
‫الحكم بن أبي الع اص وهم في ذل ك ال ذكر والكالم‪ ،‬فق ال رس ول هللا ‪ :‬اخفض وا‬
‫أصواتكم‪ ،‬فإن الوزغ يسمع‪ ،‬وذلك حين رآهم رس ول هللا ‪ ‬ومن يمل ك بع ده منهم‬
‫أمر هذه االمة ـ يعني في المنام ـ فس اءه ذل ك وش ق علي ه ف أنزل هللا ع ز وج ل في‬
‫كتابه‪﴿ :‬إِنَّا أَ ْن َز ْلنَاهُ فِي لَ ْيلَ ِة ْالقَ ْد ِر (‪َ )1‬و َما أَ ْد َراكَ َما لَ ْيلَةُ ْالقَ ْد ِر (‪ )2‬لَ ْيلَةُ ْالقَ ْد ِر َخ ْي ٌر ِم ْن‬
‫ف َشه ٍْر﴾ [القدر‪ ]3 - 1 :‬فأشه ُد لكم وأشهد عليكم‪ ،‬ما س لطانكم بع د قت ل عل ّي إال‬ ‫أَ ْل ِ‬
‫ألف شهر‪ ،‬التي أجّلها هللا عز وجل في كتابه‪.‬‬
‫وأما أنت يا عمرو بن العاص الشانئ اللعين األبتر‪ ،‬فأول أم رك أ ّم ك لبغيّ ة‪،‬‬
‫اكمت في ك رج ال ق ريش منهم‪ :‬أبوس فيان بن‬ ‫ْ‬ ‫وإنك ولدت على فراش مشترك‪ ،‬فتح‬
‫حرب‪ ،‬والولي د بن المغ يرة‪ ،‬وعثم ان بن الح ارث‪ ،‬والنض ر بن الح ارث بن كل دة‪،‬‬
‫والعاص بن وائل‪ ،‬كلهم يزعم أنك ابنه‪ ،‬فغلبهم علي ك من بين ق ريش أألمهم حس با‪،‬‬
‫وأخبثهم منص با‪ ،‬وأعظمهم بغي ة‪ ،‬ثم قمت خطيب ا وقلتَ ‪ :‬أن ا ش انئ محم د‪ ،‬وق ال‬
‫العاص بن وائل‪ :‬إن محمدا رجل أبتر ال ولد له‪ ،‬فلو قد مات انقطع ذكره‪.‬‬
‫فأنزل هللا تبارك وتع الى‪﴿ :‬إِ َّن َش انِئَكَ هُ َو اأْل َ ْبتَ رُ﴾ [الك وثر‪ ]3 :‬فك انت أ ّم ك‬
‫تمشي إلى عبد قيس لطلب البُغي ة‪ ،‬ت أتيهم في دورهم ورح الهم وبط ون أوديتهم‪ ،‬ثم‬
‫كنتَ في كل مشهد يشهد رسول هللا عدوّه‪ ،‬أشدهم له عداوة وأشدهم له تكذيبا‪.‬‬
‫ثم كنتَ في أص حاب الس فينة ال ذين أت وا النجاش ي‪ ،‬والمهج ر الخ ارج إلى‬
‫الحبش ة في اإلش اطة أي التع ريض بالقت ل ب دم جعف ر بن أبي ط الب‪ ،‬وس ائر‬
‫‪258‬‬
‫المهاجرين إلى النجاش ي‪ ،‬فح اق المك ر الس يئ ب ك‪ ،‬وجع ل ج دك األس فل‪ ،‬وأبط ل‬
‫أمنيتك‪ ،‬وخيّب سعيك‪ ،‬وأكذب أُحدوثتك وجعل كلمة الذين كفروا السفلى‪ ،‬وكلمة هللا‬
‫هي العليا‪.‬‬
‫وأما قول ك في عثم ان‪ ،‬ف أنت ي ا قلي ل الحي اء وال دين‪ ،‬ألهبت علي ه ن ارا‪ ،‬ثم‬
‫هربت إلى فلسطين ت تربص ب ه ال دوائر‪ ،‬فلم ا أتت ك خ بر قتل ه حبس ت نفس ك على‬
‫خبيث ب دنيا غ يرك‪ ،‬ولس نا نلوم ك على بغض نا‪ ،‬وال نعاقب ك‬ ‫ُ‬ ‫معاوية‪ ،‬فبعته دينك يا‬
‫عدو لبني هاشم في الجاهلية واإلسالم‪ ،‬وقد هجوت رس ول هللا ‪‬‬ ‫على حبنا‪ ،‬وأنت ٌّ‬
‫ُ‬
‫بسبعين بيتا من شعر‪ ،‬فقال رسول هللا ‪ :‬اللهم‪ ،‬إني ال أحسن الشعر وال ينبغي لي‬
‫أن أقوله‪ ،‬فالعن عمرو بن العاص بكل بيت ألف لعنة‪.‬‬
‫ثم أنت يا عمرو المؤثر دنيا غيرك على دينك‪ ،‬أه ديت إلى النجاش ي اله دايا‪،‬‬
‫ورحلت إليه رحلتك الثاني ة‪ ،‬ولم تنه ك األولى عن الثاني ة‪ ،‬ك ل ذل ك ترج ع مغل والً‬
‫حسيراً تريد بذلك هالك جعف ر وأص حابه‪ ،‬فلم ا أخط أكَ م ا رج وتَ وأ ّملت‪ ،‬أحلتَ‬
‫على صاحبك ع ّمارة بن الوليد‪.‬‬
‫وأما أنت يا وليد بن عقب ة‪ ،‬ف و هللا م ا ألوم ك أن تبغض علي ا وق د جل دك في‬
‫الخمر ثمانين‪ ،‬وقتل أباك صبراً بيده يوم بدر‪ ،‬أم كيف تسبّه فقد س ّماه هللا مؤمن ا في‬
‫عشر آيات من القرآن‪ ،‬وسماك فاسقا‪ ،‬وه و ق ول هللا ع ز وج ل‪﴿ :‬أَفَ َم ْن َك انَ ُم ْؤ ِمنً ا‬
‫اس قًا اَل يَ ْس تَوُونَ ﴾ [الس جدة‪ ]18 :‬وقول ه‪﴿ :‬يَاأَيُّهَ ا الَّ ِذينَ آ َمنُ وا إِ ْن َج ا َء ُك ْم‬ ‫َك َم ْن َكانَ فَ ِ‬
‫ص بِحُوا َعلَى َم ا فَ َع ْلتُ ْم نَ ا ِد ِمينَ ﴾‬ ‫ص يبُوا قَوْ ًم ا بِ َجهَالَ ٍة فَتُ ْ‬ ‫ق بِنَبَ إٍ فَتَبَيَّنُ وا أَ ْن تُ ِ‬
‫اس ٌ‬ ‫فَ ِ‬
‫[الحجرات‪]6 :‬‬
‫وما أنت وذكر قريش‪ ،‬وإنما أنت ابن عليج من أهل صفورية يقال له ذكوان‪،‬‬
‫وأما زع ُمك أنا قتلنا عثمان‪ ،‬فو هللا م ا اس تطاع طلح ة والزب ير وعائش ة أن يقول وا‬
‫ذلك لعلي بن أبي طالب‪ ،‬فكيف تقول ه أنت؟‪ ،‬ول و س ألتَ أ ّم ك من أب وك‪ ،‬إذ ت ركت‬
‫اكتست بذلك عند نفسها س ناء ورفع ة‪ ،‬م ع م ا‬ ‫ْ‬ ‫ذكوان فألصق ْتك بعقبة بن أبي معيط‪،‬‬
‫أع د هللا ل ك وألبي ك وأم ك من الع ار والخ زى في ال دنيا واآلخ رة‪ ،‬وم ا هللا بظالّم‬
‫للعبيد‪.‬‬
‫َّ‬
‫ثم أنت يا وليد ـ وهللا ـ أك بر في الميالد ممن ت دعي ل ه النس ب‪ ،‬فكي ف تس بُّ‬
‫ّنت نسبك إلى أبيك ال إلى من ت ّدعي له‪ ،‬ولقد قالت ل ك‬ ‫عليا؟‪ ،‬ولو اشتغلت بنفسك لبي ُ‬
‫أ ّمك‪ :‬يا بُني‪ ،‬أبوك وهللا أألم وأخبث من عقبة‪.‬‬
‫وأما أنت يا عتبة بن أبي سفيان‪ ،‬فو هللا ما أنت بحصيف أي بعاقل فأجاوب ك‪،‬‬
‫كنت ول و س ببتَ‬ ‫وال عاقل فأعاتبك‪ ،‬وما عندك خي ٌر يُ رجى‪ ،‬وال ش رٌّ يُخش ى‪ ،‬وم ا ُ‬
‫عليا ألغار به عليك‪ ،‬ألنك عندي لستَ بكف ٍو لعب ِد عب ِد علي بن أبي ط الب ع ف أر ّد‬
‫عليك واعاتبك‪ ،‬ولكن هللا عز وجل لك وألبيك وأمك وأخيك بالمرصاد‪ ،‬فأنت ذري ة‬
‫َص لَى نَ ارًا َحا ِميَ ةً (‪)4‬‬ ‫َاصبَةٌ (‪ )3‬ت ْ‬ ‫آبائك الذين ذكرهم هللا في القرآن فقال‪﴿ :‬عَا ِملَةٌ ن ِ‬
‫يع (‪ )6‬اَل ي ُْس ِمنُ َواَل يُ ْغنِي ِم ْن‬ ‫ض ِر ٍ‬ ‫ْس لَهُ ْم طَ َع ا ٌم إِاَّل ِم ْن َ‬
‫تُ ْس قَى ِم ْن َع ْي ٍن آنِيَ ٍة (‪ )5‬لَي َ‬
‫‪259‬‬
‫ُوع﴾ [الغاشية‪]7 - 3 :‬‬ ‫ج ٍ‬
‫وال ألومك أن تسبّ علي ا وق د قت ل أخ اك مب ارزة‪ ،‬واش ترك ه و وحم زة بن‬
‫عب دالمطلب في قت ل ج دك ح تى أص الهما هللا على أي ديهما ن ار جهنم‪ ،‬وأذاقهم ا‬
‫العذاب األليم‪ ،‬ونُفي ع َّمك بأمر رسول هللا ‪.‬‬
‫وأما رجائي الخالفة‪ ،‬فلعمر هللا لئن رجوتُها ف إن لي فيه ا لملتَ َمس ا‪ ،‬وم ا أنت‬
‫بنظير أخيك وال خليفة أبيك‪ ،‬ألن أخاك أكثر تم ّردا على هللا‪ ،‬وأشد طلبا إلراقة دماء‬
‫المسلمين‪ ،‬وطلب ما ليس له بأه ل‪ ،‬يخ ادع الن اس ويمك رهم‪ ،‬ويمك ر هللا وهللا خ ير‬
‫الماكرين‪ ،‬وأما قولك‪ :‬إن عليا كان شر قريش لقريش‪ ،‬فو هللا ما حقّر مرحوم ا‪ ،‬وال‬
‫قتل مظلوما‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأما أنت يا مغيرة بن شعبة‪ ،‬فانك هلل عدو‪ ،‬ولكتابه نابذ‪ ،‬ولنبيه مكذب‪ ،‬وأنت‬
‫الزاني‪ ،‬وشهد عليك العدول البررة األتقياء‪ ،‬فأ ُ ّخرت عقوبتك‪ ،‬ودفع الحق بالباط ل‪،‬‬
‫والص دق باألغالي ط‪ ،‬وذل ك لم ا أع ّد هللا ل ك من الع ذاب األليم والخ زي في الحي اة‬
‫الدنيا‪ ،‬ولعذاب اآلخرة أخزى‪.‬‬
‫ي الثالثة سببتَ عليّا‪ :‬أنقصا من َح َسبه‪ ،‬أم بُعداً من رسول هللا ‪ ،‬أم سوء‬ ‫فبأ ّ‬
‫بالء في اإلس الم‪ ،‬أم ج وراً في حكم‪ ،‬أم رغب ةً في ال دنيا‪ ،‬إن قلت به ا فق د ك ذبت‬
‫وكذبك الناس‪.‬‬ ‫ّ‬
‫أت زعم أن علي ا قت ل عثم ان مظلوم ا؟‪ ،‬فعل ّي وهللا أتقى وأنقى من الئم ه في‬
‫ذلك‪ ،‬ولعمري إن كان عليّا قتل عثمان مظلوما‪ ،‬فوهللا ما أنت من ذلك في شيء‪ ،‬فما‬
‫نصرته حيا وال تعصّبت له ميتا‪ ،‬وما زالت الطائف دارك‪ ،‬تتبّع البغايا وتح يي أم ر‬
‫الجاهلية‪ ،‬وتميت اإلسالم حتى كان في أمس ما كان‪.‬‬
‫ات لِ ْل َخبِيثِينَ َو ْالخَ بِيثُ ونَ‬
‫﴿الخَ بِيثَ ُ‬‫ثم قام اإلمام الحسن فنفض ثيابه‪ ،‬وهو يق ول‪ْ :‬‬
‫ت ﴾ [الن ور‪ ]26 :‬هم وهللا ي ا معاوي ة‪ :‬أنت وأص حابك ه ؤالء وش يعتك‬ ‫لِ ْلخَ بِيثَ ا ِ‬
‫ت أُولَئِكَ ُمبَ َّرءُونَ ِم َّما يَقُولُونَ لَهُ ْم َم ْغفِ َرةٌ َو ِر ْز ٌ‬
‫ق‬ ‫ات لِلطَّيِّبِينَ َوالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَا ِ‬
‫﴿ َوالطَّيِّبَ ُ‬
‫َك ِري ٌم﴾ [النور‪ ]26 :‬هم علي بن أبي طالب وأصحابه وشيعته‪.‬‬
‫كسبت يداك‪ ،‬وما جنيت‪ ،‬وما قد أع ّد هللا ل ك‬ ‫ْ‬ ‫ثم خرج وهو يقول‪ :‬ذق وبال ما‬
‫ولهم من الخزي في الحياة الدنيا والعذاب األليم في اآلخرة‪.‬‬
‫وفي نفس الحديث أن ه بع د أن انص رف ج اءه م روان‪ ،‬فق ال‪ :‬أنت ي ا حس ن‬
‫رجال قريش؟‪ ،‬فق ال‪ :‬وم ا ال ذي أردتَ ؟‪ ،‬فق ال‪ :‬وهللا ألس بّنك وأب اك وأه ل‬ ‫َ‬ ‫السبّاب‬
‫بيتك سبّا‪ ،‬تغنى به اإلماء والعبيد‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فقال اإلمام الحسن‪ :‬أما أنت يا مروان فلست أنا سببتك وال سببت أباك‪ ،‬ولكن‬
‫هللا عز وجل لعنك ولعن أباك‪ ،‬وأهل بيتك وذريتك‪ ،‬وهللا يا مروان ما تنك ر أنت وال‬
‫أحد ممن حضر هذه اللعنة من رسول هللا ‪ ‬لك وألبيك من قبلك‪ ،‬وما زادك هللا ي ا‬
‫مروان بما خوّف ك إال طغيان ا كب يرا ص دق هللا وص دق رس وله‪ ،‬يق ول‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫الش َج َرةَ‬
‫ْال َم ْلعُونَةَ فِي ْالقُرْ آ ِن َونُ َخ ِّوفُهُ ْم فَ َما يَ ِزي ُدهُ ْم إِاَّل طُ ْغيَانًا َكبِيرًا ﴾ [اإلسراء‪ ]60 :‬وأنت ي ا‬
‫‪260‬‬
‫‪)1()‬‬ ‫مروان وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن عن رسول هللا‬
‫‪ 3‬ـ ما ورد في شأن التحريفات التي قام بها بنو أمية‪:‬‬
‫وهي أحاديث تتوافق مع نظيراتها في المدرسة الس نية‪ ،‬وال تي س بق ذكره ا‪،‬‬
‫وهي توجب على األمة أن تراجع كل تراثها ورواياتها في ذلك العهد‪ ،‬ألن بني أمية‬
‫لم يكتفوا بالتسلط واالستبداد السياسي‪ ،‬وإنما ق اموا بث ورة ثقافي ة ليجه زوا به ا على‬
‫ك ل قيم ال دين النبيل ة‪ ،‬لتتناس ب م ع نظ ام حكمهم وقيمهم الجاهلي ة‪ ،‬ومن تل ك‬
‫األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]797 :‬قال اإلمام علي في خطبة ل ه‪( :‬أال وإن أخ وف الفتن عن دي‬
‫عليكم فتن ة ب ني أمي ة‪ ،‬فإنه ا فتن ة عمي اء مظلم ة‪ :‬عمت خطته ا‪ ،‬وخص ت بليته ا‪،‬‬
‫وأصاب البالء من أبصر فيه ا‪ ،‬وأخط أ البالء من عمي عنه ا‪ .‬وأيم هللا لتج دن ب ني‬
‫أمية لكم أرباب سوء بعدي‪ ،‬كالناب الضروس‪ :‬تع ذم بفيه ا‪ ،‬وتخب ط بي دها‪ ،‬وت زبن‬
‫برجله ا‪ ،‬وتمن ع دره ا‪ ،‬ال يزال ون بكم ح تى ال ي تركوا منكم إال نافع ا لهم‪ ،‬أو غ ير‬
‫ضائر بهم‪ .‬وال يزال بالؤهم عنكم حتى ال يكون انتص ار أح دكم منهم إال كانتص ار‬
‫العبد من ربه‪ ،‬والصاحب من مستصحبه‪ ،‬ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية‪ ،‬وقطع ا‬
‫جاهلية‪ ،‬ليس فيها منار هدى‪ ،‬وال علم يرى‪ ..‬نحن أه ل ال بيت منه ا بمنج اة‪ ،‬ولس نا‬
‫فيها بدعاة‪ ،‬ثم يفرجها هللا عنكم كتفريج األديم‪ :‬بمن يسومهم خسفا‪ ،‬ويس وقهم عنف ا‪،‬‬
‫ويسقيهم بكأس مصبرة ال يعطيهم إال السيف‪ ،‬وال يحلسهم إال الخوف‪ ،‬فعند ذلك تود‬
‫قريش ـ بالدنيا وما فيها ـ لو يرونني مقاما واحدا‪ ،‬ولو قدر جزر جزور‪ ،‬ألقبل منهم‬
‫ما أطلب اليوم بعضه فال يعطونيه)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]798 :‬ق ال اإلم ام علي في خطب ة ل ه ي ذكر ب ني أمي ة وتح ريفهم‬
‫للدين‪( :‬الحمد هّلل المتجلّي لخلقه بخلق ه‪ ،‬والظّ اهر لقل وبهم بحجّت ه‪ ،‬خل ق الخل ق من‬
‫الض مائر‪ ،‬وليس ب ذي ض مير في‬ ‫غير رويّة‪ ،‬إذ كانت الرّويّ ات ال تلي ق إاّل ب ذوي ّ‬
‫الس ريرات‪ ،‬اخت اره‬‫نفسه‪ ،‬خرق علمه باطن غيب السّترات‪ ،‬وأحاط بغموض عقائد ّ‬
‫‪ ‬من شجرة األنبياء‪ ،‬ومشكاة الضّياء‪ ،‬وذؤابة العلياء‪ ،‬وسرّة البطحاء‪ ،‬ومص ابيح‬
‫الظّلمة‪ ،‬وين ابيع الحكم ة‪ .‬ط بيب دوّار بطبّ ه‪ ،‬ق د أحكم مراهم ه‪ ،‬وأحمى مواس مه‪،‬‬
‫يضع ذلك حيث الحاجة إليه‪ ،‬من قلوب عمي‪ ،‬وآذان ص ّم‪ ،‬وألسنة بكم‪ ،‬متتبّع بدوائه‬
‫مواضع الغفلة‪ ،‬ومواطن الحيرة)‬
‫ثم قال ي ذكر ب ني أمي ة‪( :‬لم يستض يئوا بأض واء الحكم ة‪ ،‬ولم يق دحوا بزن اد‬
‫العلوم الثّاقبة‪ ،‬فهم في ذلك كاألنعام السّائمة‪ ،‬والصّخور القاسية‪ ،‬قد انجابت السّرائر‬
‫الس اعة عن وجهه ا‪،‬‬ ‫ق لخابطه ا‪ ،‬وأس فرت ّ‬ ‫ألهل البص ائر‪ ،‬ووض حت مح ّج ة الح ّ‬
‫وظهرت العالمة لمتوسّمها‪ ..‬م ا لي أراكم أش باحا بال أرواح‪ ،‬وأرواح ا بال أش باح‪،‬‬
‫ونسّاكا بال صالح‪ ،‬وتجّارا بال أرباح‪ ،‬وأيقاظا نوّما‪ ،‬وشهودا غيّبا‪ ،‬وناظرة عمي اء‪،‬‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،44/86 :‬واالحتجاج ص‪.137‬‬


‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.93‬‬
‫‪261‬‬
‫وسامعة ص ّماء‪ ،‬وناطقة بكماء؟)‬
‫ثم قال في وصف ب ني أمي ة‪( :‬راي ة ض الل ق د ق امت على قطبه ا‪ ،‬وتف رّقت‬
‫بش عبها‪ ،‬تكيلكم بص اعها‪ ،‬وتخبطكم بباعه ا‪ ،‬قائ دها خ ارج من الملّ ة‪ ،‬ق ائم على‬
‫الضّلّة‪ ،‬فال يبقى يومئذ منكم إاّل ثفالة كثفالة القدر‪ ،‬أو نفاضة كنفاضة العكم‪ ،‬تعرككم‬
‫ع رك األديم‪ ،‬وتدوس كم دوس الحص يد‪ ،‬وتس تخلص الم ؤمن من بينكم اس تخالص‬
‫الطّير الحبّة البطينة من بين هزيل الحبّ )(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]799 :‬قال اإلمام علي في خطبة له يبين قص ر الف ترة ال تي يحكم‬
‫فيها بنو أمية‪ ..( :‬حتى يظن الظان أن ال دنيا معقول ة على ب ني أمي ة تمنحهم دره ا‪،‬‬
‫وتوردهم صفوها‪ ،‬وال يرفع عن هذه األمة سوطها وال سيفها‪ ،‬وك ذب الظ ان ل ذلك‪.‬‬
‫بل هي مجة من لذيذ العيش يتطعمونها برهة‪ ،‬ثم يلفظونها جملة) (‪)2‬‬
‫[الحــديث‪ ]800 :‬لم ا أخ ذ م روان بن الحكم أس يرا ي وم الجم ل‪ ،‬فاستش فع‬
‫بعضهم إلى اإلمام علي فيه فخلّى سبيله‪ ،‬فقيل ل ه‪ :‬يبايع ك ي ا أم ير المؤم نين؟ ق ال‪:‬‬
‫ف يهوديّ ة‪ ،‬ل و ب ايعني‬ ‫(أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ ال حاجة لي في بيعته‪ ،‬إنّها ك ّ‬
‫إن ل ه إم رة كلعق ة الكلب أنف ه‪ ،‬وه و أب و األكبش األربع ة‪،‬‬ ‫بكفّه لغ در بس بّته‪ ،‬أم ا ّ‬
‫وستلقى األ ّمة منه ومن ولده يوما أحمر) (‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]801 :‬قال اإلمام علي لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم‬
‫عثمان‪( :‬أولم ين ه ب ني أمي ة علمه ا بي عن ق رفي؟ أوم ا وزع الجه ال س ابقتي عن‬
‫تهم تي؟! ولم ا وعظهم هللا ب ه أبل غ من لس اني‪ ..‬أن ا حجيج الم ارقين‪ ،‬وخص يم‬
‫المرتابين‪ ،‬على كتاب هللا تعرض االمثال‪ ،‬وبما في الصدور تجازى العباد!) (‪)4‬‬
‫[الحــديث‪ ]802 :‬ق ال اإلم ام علي في بي ان آث ار الدول ة األموي ة على ال دين‬
‫والدنيا‪( :‬وهللا ال يزالون حتى ال يدعوا هلل محرما إال اس تحلوه‪ ،‬وال عق دا إال حل وه‪،‬‬
‫وحتى ال يبقى بيت مدر وال وبر إال دخله ظلمهم ونبا به س وء رعيهم‪ ،‬وح تى يق وم‬
‫الباكيان يبكيان‪ :‬باك يبكي لدينه‪ ،‬وباك يبكي لدنياه‪ ،‬وحتى تك ون نص رة أح دكم من‬
‫أحدهم كنصرة العب د من س يده‪ ،‬إذا ش هد أطاع ه‪ ،‬وإذا غ اب اغتاب ه‪ ،‬وح تى يك ون‬
‫أعظمكم فيه ا عن اء أحس نكم باهلل ظن ا‪ ،‬ف إن أت اكم هللا بعافي ة ف اقبلوا‪ ،‬وإن ابتليتم‬
‫﴿ال َعاقِبَةَ لِ ْل ُمتَّقِينَ ﴾ [هود‪)5( )]49 :‬‬
‫فاصبروا‪ ،‬فإن ْ‬
‫[الحــديث‪ ]803 :‬ق ال اإلم ام علي‪( :‬فم ا احل ولت لكم ال دنيا في ل ذتها‪ ،‬وال‬
‫تمكنتم من رضاع أخالفها إال من بعد ما صادفتموها جائال خطامها‪ ،‬قلق ا وض ينها‪،‬‬
‫قد صار حرامها عند أقوام بمنزلة السدر المخض ود‪ ،‬وحالله ا بعي دا غ ير موج ود‪،‬‬
‫وصادفتموها‪ ،‬وهللا‪ ،‬ظال مم دودا إلى أج ل مع دود؛ ف األرض لكم ش اغرة‪ ،‬وأي ديكم‬

‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪ ،)108‬وغرر الحكم ودرر الكلم‪ :‬ص ‪ 109‬ق ‪ 1‬ب ‪ 4‬ف ‪ 2‬ح ‪.1945‬‬
‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.87‬‬
‫‪ )(3‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪ ،)73‬وأنساب األشراف للبالذري‪ :‬ص ‪.363‬‬
‫‪ )(4‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.75‬‬
‫‪ )(5‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.98‬‬
‫‪262‬‬
‫فيها مبسوطة وأيدي القادة عنكم مكفوف ة‪ ،‬وس يوفكم عليهم مس لطة‪ ،‬وس يوفهم عنكم‬
‫مقبوضة؛ أال وإن لكل دم ثائرا‪ ،‬ولكل حق طالبا‪ .‬وإن الث ائر في دمائن ا كالح اكم في‬
‫حق نفسه‪ ،‬وهو هللا الذي ال يعج زه من طلب‪ ،‬وال يفوت ه من ه رب‪ .‬فأقس م باهلل‪ ،‬ي ا‬
‫ب ني أمي ة‪ ،‬عم ا قلي ل لتعرفنه ا في أي دي غ يركم وفي دار ع دوكم أال إن أبص ر‬
‫األبصار ما نفذ في الخير طرفه أال إن أسمع األسماع ما وعى التذكير) (‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]804 :‬قال اإلمام علي في خطبة له يذكر فتنة بني أمية‪( :‬فعند ذل ك‬
‫ال يبقى بيت مدر وال وبر إال وأدخله الظلم ة ترح ة‪ ،‬وأولج وا في ه نقم ة‪ .‬فيومئ ذ ال‬
‫يبقى لهم في الس ماء ع اذر‪ ،‬وال في األرض ناص ر‪ .‬أص فيتم ب األمر غ ير أهل ه‪،‬‬
‫وأوردتموه غير مورده‪ ،‬وسينتقم هللا ممن ظلم‪ ،‬مأكال بمأك ل ومش ربا بمش رب‪ ،‬من‬
‫مطاعم العلقم‪ ،‬ومشارب الصبر والمقر‪ ،‬ولباس شعار الخوف‪ ،‬ودثار السيف‪ .‬وإنما‬
‫هم مطايا الخطيئات وزوامل اآلث ام‪ .‬فأقس م‪ ،‬ثم أقس م لتنخمنه ا أمي ة من بع دي كم ا‬
‫تلفظ النخامة‪ ،‬ثم ال تذوقها وال تطعم بطعمها أبدا ما كر الجديدان) (‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]805 :‬قال اإلمام علي عن بني أمية‪( :‬افترقوا بع د ألفتهم‪ ،‬وتش تتوا‬
‫عن أصلهم‪ .‬فمنهم آخذ بغصن أينما مال مال معه‪ .‬على أن هللا تعالى سيجمعهم لش ر‬
‫يوم لبني أمية‪ ،‬كما تجتمع قزع الخري ف يؤل ف هللا بينهم‪ ،‬ثم يجمعهم ركام ا كرك ام‬
‫السحاب ثم يفتح لهم أبوابا‪ .‬يسيلون من مستثارهم كسيل الجنتين‪ ،‬حيث لم تسلم عليه‬
‫قارة‪ ،‬ولم تثبت عليه أكمة‪ ،‬ولم يرد س ننه رص ط ود‪ ،‬وال ح داب أرض‪ .‬يذع ذعهم‬
‫هللا في بطون أوديته‪ ،‬ثم يسلكهم ينابيع في األرض‪ ،‬يأخ ذ بهم من ق وم حق وق ق وم‪،‬‬
‫ويمكن لقوم في ديار قوم‪ .‬وأيم هللا‪ ،‬ليذوبن م ا في أي ديهم بع د العل و والتمكين‪ ،‬كم ا‬
‫تذوب األلية على النار) (‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]806 :‬قال اإلم ام علي في كت اب كتب ه إلى أه ل مص ر م ع مال ك‬
‫االشتر لما واله إمارتها‪( :‬أما بعد‪ ،‬فإن هللا سبحانه بعث محم دا ‪ ‬ن ذيرا للع المين‪،‬‬
‫ومهيمنا على المرسلين‪ ،‬فلما مضى تنازع المسلمون االمر من بعده‪ ،‬فوهللا م ا ك ان‬
‫يلقى في روعي‪ ،‬وال يخطر بب الي‪ ،‬أن الع رب ت زعج ه ذا االم ر من بع ده ‪ ‬عن‬
‫أهل بيته‪ ،‬وال أنهم منح وه ع ني من بع ده؛ فم ا راع ني إال انثي ال الن اس على فالن‬
‫يبايعونه‪ ،‬فأمسكت يديحتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن االسالم‪ ،‬ي دعون إلى‬
‫محق دين محمد ‪ ‬فخشيت إن لم أنصر االس الم أهل ه أن أرى في ه ثلم ا أو ه دما‪،‬‬
‫تكون المصيبة به علي أعظم من فوت واليتكم التي إنما هي متاع أيام قالئل‪ ،‬يزول‬
‫منها ما كان‪ ،‬كما يزول السراب‪ ،‬أو كما يتقشع السحاب‪ ،‬فنهضت في تلك االح داث‬
‫حتى زاح الباطل وزهق‪ ،‬واطم أن ال دين وتنهن ه‪ ..‬وإني وهللا ل و لقيتهم واح دا وهم‬
‫طالع االرض كله ا م ا ب اليت وال استوحش ت‪ ،‬وإني من ض اللهم ال ذي هم في ه‬
‫واله دى ال ذي أن ا علي ه لعلى بص يرة من نفس ي ويقين من ربي‪ ،‬وإني إلى لق اء هللا‬
‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.105‬‬
‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.158‬‬
‫‪ )(3‬نهج البالغة‪ ،‬خطبه ‪.166‬‬
‫‪263‬‬
‫لمشتاق‪ ،‬ولحسن ثوابه لمنتظر راج‪ ،‬ولكنني آسى أن يلي أمر ]هذه االم ة س فهاؤها‬
‫وفجارها‪ ،‬فيتخذوا مال هللا دوال‪ ،‬وعباده خوال‪ ،‬والصالحين حربا‪ ،‬والفاسقين حزب ا‪،‬‬
‫فإن منهم الذي قد شرب فيكم الحرام‪ ،‬وجلد ح دا في االس الم‪ ،‬وإن منهم من لم يس لم‬
‫حتى رضخت له على االسالم الرض ائخ‪ ،‬فل وال ذل ك م ا أك ثرت ت أليبكم وت أنيبكم‪،‬‬
‫وجمعكم وتحريضكم‪ ،‬ولتركتكم إذ أبيتم وونيتم‪ ،‬أال ترون إلى أطرافكم قد انتقصت‪،‬‬
‫وإلى أمص اركم ق د افتتحت‪ ،‬وإلى مم الككم ت زوى‪ ،‬وإلى بالدكم تغ زى‪ ..‬انف روا ـ‬
‫رحمكم هللا ـ إلى قت ال ع دوكم‪ ،‬وال تث اقلوا إلى االرض فتق روا بالخس ف‪ ،‬وتب وؤوا‬
‫بال ذل‪ ،‬ويك ون نص يبكم االخس‪ ،‬وإن أخ ا الح رب االرق‪ ،‬ومن ن ام لم ينم عن ه‪،‬‬
‫والسالم) (‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]807 :‬قال اإلمام علي في ذكر الكوفة والفتن التي تنزل به ا بع ده‪:‬‬
‫(كأنّي بك يا كوفة تم ّدين م ّد األديم العكاظ ّي‪ ،‬تعركين بالنّوازل‪ ،‬وتركبين بال ّزالزل‪،‬‬
‫وإنّي ألعلم أنّه ما أراد بك جبّار سوء إاّل ابتاله هللا بشاغل‪ ،‬ورماه بقاتل) (‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]808 :‬قال اإلمام علي في ذكر الحج اج بن يوس ف وتس ليطه على‬
‫الذين تكاسلوا نصرته‪( :‬لو تعلمون ما أعلم م ّما ط وي عنكم غيب ه‪ ،‬إذا لخ رجتم إلى‬
‫صعدات تبكون على أعمالكم‪ ،‬وتلتدمون على أنفسكم‪ ،‬ولتركتم أم والكم ال ح ارس‬ ‫ال ّ‬
‫له ا وال خ الف عليه ا‪ ،‬وله ّمت ك ّل ام رئ منكم نفس ه ال يلتفت إلى غيره ا‪ ،‬ولكنّكم‬
‫حذرتم‪ ،‬فتاه عنكم رأيكم‪ ،‬وتشتّت عليكم أمركم‪ ،‬ول وددت‬ ‫نسيتم ما ذ ّكرتم‪ ،‬وأمنتم ما ّ‬
‫ق بي منكم‪ :‬ق وم وهللا مي امين ال رّأي‪،‬‬ ‫أن هللا فرّق بيني وبينكم‪ ،‬وألحقني بمن هو أح ّ‬ ‫ّ‬
‫ق‪ ،‬متاريك للبغي‪ ،‬مضوا ق دما على الطّريق ة‪ ،‬وأوجف وا‬ ‫مراجيح الحلم‪ ،‬مقاويل بالح ّ‬
‫طن عليكم‬ ‫على المح ّجة‪ ،‬فظفروا بالعقبى ال ّدائم ة‪ ،‬والكرام ة الب اردة‪ ،‬أم ا وهللا ليس لّ ّ‬
‫الذيّال الميّال‪ ،‬يأكل خضرتكم‪ ،‬ويذيب شحمتكم‪ ،‬إيه أبا وذحة(‪)4())3‬‬ ‫غالم ثقيف ّ‬
‫[الحــديث‪ ]809 :‬ق ال اإلم ام علي في ذك ر البص رة والفتن ال تي ت نزل به ا‬
‫بعده‪( :‬يا أحنف‪ ،‬كأنّي به وقد سار ب الجيش الّ ذي ال يك ون ل ه غب ار وال لجب‪ ،‬وال‬
‫قعقعة لجم‪ ،‬وال حمحمة خيل‪ ،‬يثيرون األرض بأقدامهم كأنّه ا أق دام النّع ام(‪ ،)5‬وي ل‬
‫لسكككم العامرة‪ ،‬وال ّدور المزخرف ة الّ تي له ا أجنح ة كأجنح ة النّس ور‪ ،‬وخ راطيم‬
‫كخراطيم الفيلة‪ ،‬من أولئك الّذين ال يندب ق تيلهم‪ ،‬وال يفق د غ ائبهم‪ ،‬أن ا ك ابّ ال ّدنيا‬
‫كأن وج وههم المج ّ‬
‫ان‬ ‫لوجهها‪ ،‬وقادرها بقدرها‪ ،‬وناظرها بعينها‪ ،‬كأنّي أراهم قوما ّ‬
‫المطرّقة‪ ،‬يلبسون السّرق وال ّديباج‪ ،‬ويعتقبون الخيل العتاق‪ ،‬ويكون هناك اس تحرار‬

‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ ،‬ص‪.742‬‬


‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪ ،)47‬ومستدرك الوسائل‪ :‬ج ‪ 10‬ص ‪ 203‬ب ‪ 12‬ح ‪.11854‬‬
‫‪ )( 3‬قال الشريف الرضي‪ :‬الوذحة‪ :‬الخنفساء‪ ،‬وهذا القول يومئ به إلى الحجّ اج‪ ،‬وله مع الوذحة حديث ليس ه ذا‬
‫موضع ذكره‪.‬‬
‫‪ )(4‬نهج البالغ ة‪ :‬الخطب ة رقم(‪ ،)116‬ومن ال يحض ره الفقي ه‪ :‬ج ‪ 1‬ص ‪ 428 -427‬ب اب وج وب الجمع ة‬
‫وفضلها ح ‪.1263‬‬
‫‪ )(5‬قال الشريف الرضي‪ :‬يومئ بذلك إلى صاحب الزنج‪.‬‬
‫‪264‬‬
‫المأسور)(‪)1‬‬ ‫قتل‪ ،‬حتّى يمشي المجروح على المقتول‪ ،‬ويكون المفلت أق ّل من‬
‫[الحديث‪ ]810 :‬قال اإلمام علي مخاطب ا أه ل البص رة‪(:‬فمن اس تطاع عن د‬
‫ذلك أن يعتقل نفسه على هللا ع ّز وجل فليفعل‪ ،‬فإن أطعتموني فإنّي حاملكم ـ إن ش اء‬
‫هللا ـ على س بيل الجنّ ة‪ ،‬وإن ك ان ذا مش قّة ش ديدة‪ ،‬ومذاق ة مري رة‪ ...‬وأ ّم ا فالن ة‬
‫فأدركها رأي النّساء‪ ،‬وضغن غال في صدرها كمرج ل القين‪ ،‬ول و دعيت لتن ال من‬
‫غيري ما أتت إل ّي لم تفعل‪ ،‬وله ا بع د حرمته ا األولى‪ ،‬والحس اب على هللا تع الى‪..‬‬
‫ّ‬
‫وبالص الحات‬ ‫الص الحات‪،‬‬‫سبيل أبلج المنهاج‪ ،‬أنور السّراج‪ ،‬فباإليمان يس تد ّل على ّ‬
‫يستد ّل على اإليمان‪ ،‬وباإليمان يعمر العلم‪ ،‬وب العلم ي رهب الم وت‪ ،‬وب الموت تختم‬
‫ال ّدنيا‪ ،‬وبال ّدنيا تحرز اآلخرة‪ ،‬وبالقيامة تزل ف الجنّ ة‪ ،‬وت برّز الجحيم للغ اوين‪ّ ،‬‬
‫وإن‬
‫الخل ق ال مقص ر لهم عن القيام ة‪ ،‬م رقلين في مض مارها إلى الغاي ة القص وى‪ ،‬ق د‬
‫شخصوا من مس تق ّر األج داث‪ ،‬وص اروا إلى مص اير الغاي ات‪ ،‬لك ّل دار أهله ا‪ ،‬ال‬
‫إن األم ر ب المعروف والنّهي عن المنك ر لخلق ان‬ ‫يستبدلون بها‪ ،‬وال ينقلون عنه ا‪ ،‬و ّ‬
‫من خلق هللا س بحانه‪ ،‬وإنّهم ا ال يقرّب ان من أج ل‪ ،‬وال ينقص ان من رزق‪ ..‬وعليكم‬
‫ي النّ اقع‪،‬‬ ‫ّ‬
‫والش فاء النّ افع‪ ،‬وال ّر ّ‬ ‫بكت اب هللا؛ فإنّ ه الحب ل الم تين‪ ،‬والنّ ور الم بين‪،‬‬
‫والعصمة للمتمسّك‪ ،‬والنّجاة للمتعلّق‪ ،‬ال يعو ّج فيقام‪ ،‬وال يزيغ فيستعتب‪ ،‬وال تخلق ه‬
‫ر ّد‪ ،‬وولوج السّمع‪ ،‬من قال به صدق‪ ،‬ومن عمل به سبق)(‪)2‬‬ ‫كثرة ال ّ‬
‫[الحديث‪ ]811 :‬عن اإلمام الحسن أن ه م ر في مس جد رس ول هللا ‪ ‬بحلق ة‬
‫فيها قوم من بني امية‪ ،‬فتغامزوا به‪ ،‬وذل ك عن د م اتغلب معاوي ة على ظ اهر أم ره‬
‫فرآهم وتغامزهم به‪ ،‬فصلى ركعتين ثم قال‪( :‬قد رأيت تغامزكم أم ا وهللا ال تملك ون‬
‫يوما إال ملكنا يومين‪ ،‬وال ش هرا إال ملكن ا ش هرين وال س نة إال ملكن ا س نتين‪ ،‬وإن ا‬
‫لنأك ل في س لطانكم‪ ،‬ونش رب ونلبس ون ركب‪ ،‬وأنتم ال ت أكلون في س لطاننا وال‬
‫تشربون)‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬فكيف يكون ذلك يا أبا محم د؟ وأنتم أج ود الن اس وأرأفهم‬
‫وأرحمهم‪ ،‬تأمنون في سلطان القوم‪ ،‬وال يأمنون في سلطانكم؟ فق ال‪( :‬ألنهم عادون ا‬
‫بكيد الشيطان‪ ،‬وكيد الشيطان ضعيف‪ ،‬وعاديناهم بكيد هللا وكيد هللا شديد)(‪)3‬‬
‫رابعــا ـــ مــا ورد في الفتن الناتجــة عن عــدم مراعــاة اإلمامــة واالمتــداد‬
‫الرسالي‪:‬‬
‫وهي أح اديث كث يرة تخ بر عن االنحراف ات ال تي تق ع فيه ا األم ة بس بب‬
‫تضييعها لوصايا نبيها ‪ ،‬وهي ال تختلف كثيرا عن شبيهاتها في المصادر السنية‪،‬‬
‫والفرق الوحي د بينهم ا أن الترك يز فيه ا ح ول س بب تل ك الفتن‪ ،‬وه و تض ييع أم ر‬
‫اإلمامة‪ ،‬وتحويلها إلى غير أهلها‪ ،‬ولذلك ت ذكر أن انجالء الفتن يك ون بع ودة األم ة‬

‫‪ )(1‬نهج البالغ ة‪ :‬الخطب ة رقم(‪ ،)128‬وغ رر الحكم ودرر الكلم‪ :‬ص ‪ 118‬ق ‪ 1‬ب ‪ 5‬ف ‪ 2‬فض ائله ح ‪2060‬‬
‫وشرح نهج البالغة البن أبي الحديد‪ :‬ج ‪ 8‬ص ‪ 125‬الخطبة رقم(‪)128‬‬
‫‪ )(2‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪ ،)156‬وشرح نهج البالغة البن أبي الحديد‪ :‬ج ‪ 9‬ص ‪ 189‬الخطب ة رقم(‪،)156‬‬
‫وكنز العمال‪ :‬ج ‪ 16‬ص ‪ 197 -183‬ح ‪.44216‬‬
‫‪ )(3‬مناقب آل أبى طالب ج ‪ 4‬ص ‪.8‬‬
‫‪265‬‬
‫إلى اإلمامة‪ ،‬والذي يتحقق بكماله في العصر الذي يظهر فيه اإلمام المهدي‪.‬‬
‫وهي تتوافق مع م ا ورد في الق رآن الك ريم من أن اإلمام ة هي ال تي تعص م‬
‫األمة من الفتن ومظاهرها‪ ،‬وأنه في حال عدم االع تراف به ا وتفعيله ا يس هل على‬
‫المندسين أن يحرفوا الدين بحسب ما تقتضيه أهواؤهم وأمزجتهم‪ ،‬مثلم ا حص ل في‬
‫األديان السابقة‪.‬‬
‫ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]812 :‬عن أنس بن مالك قال‪( :‬كان رس ول هللا ‪ ‬يق ول‪ :‬تف رقت‬
‫أمة موسى على إح دى وس بعين ملة س بعون منها في الن ار‪ ،‬وواح دة في الجنة‪،‬‬
‫وتف رقت أمة عيسى على اثن تين وس بعين فرقة إح دى وس بعون فرقة في الن ار‪،‬‬
‫وواحدة في الجنة‪ ،‬وتعلوا أمتي على الفريقين جميع ا بمل ة واح دة في الجن ة وثنت ان‬
‫وس بعون في الن ار‪ ،‬ق الوا‪ :‬من هم يارس ول هللا؟ ق ال‪ :‬الجماع ات الجماع ات‪ ..‬ق ال‬
‫يعقوب بن زيد‪ :‬كان علي بن أبي ط الب إذا ح دث ه ذا الح ديث عن رس ول هللا ‪‬‬
‫يل َو َما أُ ْن ِز َل إِلَ ْي ِه ْم ِم ْن َربِّ ِه ْم أَل َ َكلُ وا ِم ْن‬
‫تال فيه قرآنا ﴿ َولَوْ أَنَّهُ ْم أَقَا ُموا التَّوْ َراةَ َواإْل ِ ْن ِج َ‬
‫َص َدةٌ َو َكثِي ٌر ِم ْنهُ ْم َس ا َء َم ا يَ ْع َملُ ونَ ﴾ [المائ دة‪:‬‬ ‫ت أَرْ ُجلِ ِه ْم ِم ْنهُ ْم أُ َّمةٌ ُم ْقت ِ‬
‫فَوْ قِ ِه ْم َو ِم ْن تَحْ ِ‬
‫ق َوبِ ِه يَ ْع ِدلُونَ ﴾ [األع راف‪:‬‬ ‫ُ‬
‫﴿و ِم َّم ْن َخلَ ْقنَ ا أ َّمةٌ يَ ْه ُدونَ بِ ْال َح ِّ‬ ‫‪ ،]66 ،65‬وتال أيضا َ‬
‫‪ ]181‬يعنى أمة محمد ‪)1()‬‬
‫‪( :‬س يأتي على أم تي ما أتى على ب ني‬ ‫[الحــديث‪ ]813 :‬ق ال رس ول هللا ‌‬
‫إسرائيل مثل بمثل وإنهم تفرقوا على اثنتين وسبعين ملة‪ ،‬وستفرق أم تي على ثالث‬
‫وسبعين ملة‪ ،‬تزيد عليهم واحدة كلها في النار غير واحدة‪ ،‬قال‪ :‬قي ل‪ :‬ي ا رس ول هللا‬
‫وما تلك الواحدة؟ قال‪( :‬هو ما نحن عليه الي وم أن ا وأه ل بي تي)‪ ،‬وفي رواي ة‪( :‬أن ا‬
‫وأصحابى)(‪)2‬‬
‫والمراد بأصحابه ـ كما فسر ذلك في أح اديث أخ رى ـ ال ذين لم يغ يروا ولم‬
‫يب دلوا‪ ،‬وظل وا مح افظين على وص ية رس ول هللا ‪ ‬بأه ل بيت ه‪ ،‬وب ذلك تتواف ق‬
‫الروايتان‪.‬‬
‫[الحــديث‪ ]814 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬تف ترق أم تي ثالث ف رق فرقة على‬
‫الحق لاينقص الباطل من ه ش يئا يحبون ني ويحب ون أه ل بي تي‪ ،‬مثلهم كمث ل ال ذهب‬
‫الجيد كلما أدخلته النار فأوقدت عليه لم يزده إال جودة‪ ،‬وفرقة على الباطل ال ينقص‬
‫الحق منه شيئا يبغضونني ويبغضون أهل بيتي مثلهم مثل الحديد كلم ا أدخلت ه الن ار‬
‫فأوق دت علي ه لم ي زده إال ش را‪ ،‬وفرق ة مدهده ة على مل ة الس امري اليقول ون‬
‫المساس‪ ،‬لكنهم يقولون القتال) (‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]815 :‬قال رسول هللا ‪( :‬كل ما كان في األمم السالفة فانه يك ون‬

‫‪ )(1‬تفسير العياشى ج ‪ 1‬ص ‪.331‬‬


‫‪ )(2‬معانى االخبار‪.323 :‬‬
‫‪ )(3‬امالى المقيد‪.26 :‬‬
‫‪266‬‬
‫(‪)1‬‬‫في هذه االمة مثله‪ ،‬حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة)‬
‫[الحديث‪ ]816 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يأتى على الن اس زم ان الص ابر منهم‬
‫على دينه كالقابض على الجمر) (‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]817 :‬قال رسول هللا ‪( :‬ي أتى على الن اس زم ان الص ابر منهم‬
‫على دينه له أجر خمس ين منكم)‪ ،‬ق الوا ي ا رس ول هللا ‪ ‬أجر خمس ين من ا؟! ق ال‪:‬‬
‫(نعم أجر خمسين منكم قالها ثالثا)(‪)3‬‬
‫[الحــديث‪ ]818 :‬قال رس ول هللا ‪( :‬س يأتي على الن اس زم ان تخبث في ه‬
‫سرائرهم‪ ،‬وتحسن فيه عالنيتهم طمعا ً في الدنيا‪ ،‬ال يريدون به ما عن د ربّهم‪ ،‬يك ون‬
‫دينهم رياء ال يخالطهم خوف‪ ،‬يع ّمهم هللا بعقاب‪ ،‬فيدعونه دعاء الغريق فال يستجيب‬
‫لهم)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪ ]819 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬كي ف بكم إذا فس د نس اؤكم‪ ،‬وفس ق‬
‫شبّانكم‪ ،‬ولم تأمروا بالمعروف ولم تنه وا عن المنك ر؟)‪ ،‬فقي ل ل ه‪ :‬ويك ون ذل ك ي ا‬
‫رس ول هللا؟ ق ال‪( :‬نعم‪ ،‬وش ٌّر من ذل ك‪ ،‬كي ف بكم إذا أم رتم ب المنكر‪ ،‬ونهيتم عن‬
‫المعروف؟ قيل‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬ويكون ذلك؟ قال‪( :‬نعم‪ ،‬وشرٌّ من ذلك‪ ،‬كي ف بكم إذا‬
‫رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟)(‪)5‬‬

‫ان على أم تي ال يبقى من‬‫[الحــديث‪ ]820 :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬س يأتي زم ٌ‬


‫الق رآن إال رس مه‪ ،‬وال من اإلس الم إال اس مه‪ ،‬يُس ّمون ب ه وهم أبع د الن اس من ه‪،‬‬
‫مساجدُهم عامرةٌ‪ ،‬وهي خرابٌ من الهدى‪ ،‬فقهاء ذلك الزم ان ش ّر فقه اء تحت ظ ّل‬
‫السماء‪ ،‬منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود)(‪)6‬‬
‫[الحديث‪ ]821 :‬عن خال د بن خال د اليش كري ق ال‪ :‬خ رجت س نة فتح تس تر‬
‫حتى قدمت الكوفة‪ ،‬فدخلت المسجد فاذا أنا بحلقة فيها رجل جهم من الرجال‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫من ه ذا؟ فق ال الق وم‪ :‬أم ا تعرف ه؟ فقلت‪ :‬ال‪ ،‬فق الوا ه ذا حذيف ة بن اليم ان ص احب‬
‫رسول هللا ‪ ،‬قال‪ :‬فقعدت إليه فحدث القوم فق ال‪ :‬ك ان الن اس يس ألون رس ول هللا‬
‫‪ ‬عن الخ ير‪ ،‬وكنت أس أله عن الشر‪ ،‬ف أنكر ذلك الق وم عليه فق ال‪ :‬س أحدثكم بما‬
‫أنك رتم‪ ،‬إنه ج اء أمر االس الم فج اء أمر ليس ك أمر الجاهلي ة‪ ،‬وكنت أعطيت من‬
‫القرآن فقها‪ ،‬وكان رجال يجيئون فيسألون النبي ‪ ‬فقلت‪ :‬يا رس ول هللا أيك ون بعد‬
‫هذا الخير شر؟ قال نعم‪ ،‬قلت‪ :‬فما العصمة من ه؟ ق ال‪ :‬الس يف‪ ،‬ق ال‪ :‬قلت‪ :‬وما بعد‬
‫السيف بقي ة؟ ق ال‪ :‬نعم‪ ،‬يك ون إم ارة على أق ذاء‪ ،‬وهدن ة على دخن‪ ،‬ق ال‪ :‬قلت‪ :‬ثم‬
‫ماذا؟ قال‪ :‬ثم تفشو رعاة الضاللة‪ ،‬فان رأيت يومئذ خليف ة ع دل فالزم ه‪ ،‬وإال فمت‬

‫‪ )(1‬كمال الدين‪.576 :‬‬


‫‪ )(2‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪ 360‬ـ ‪.363‬‬
‫‪ )(3‬امالى الطوسى ج ‪ 2‬ص ‪.99‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،69/290 :‬والكافي ‪.2/296‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪ ،52/181 :‬وقرب اإلسناد‪.‬‬
‫‪ )(6‬بحار األنوار‪ ،52/191 :‬وثواب األعمال‪.‬‬
‫‪267‬‬
‫عاضا على جذل شجرة)‬
‫(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]822 :‬سئل اإلمام علي عن موع د خ روج ال دجّال‪ ،‬فق ال للس ائل‪:‬‬
‫ت يتب ع بعض ها‬ ‫ت وهيئ ا ٍ‬‫(م ا المس ؤول عن ه ب أعلم من الس ائل‪ ،‬ولكن ل ذلك عالم ا ٍ‬
‫بعضاً‪ ،‬كحذو النّعل بالنّعل‪ ،‬وإن شئت أنبأتك بها؟)‬
‫فإن عالمة ذلك إذا أمات الناس الص الة‪ ،‬وأض اعوا األمان ة‪،‬‬ ‫ثم قال‪( :‬احفظ‪ّ ،‬‬
‫واستحلّوا الكذب‪ ،‬وأكلوا الرّبا‪ ،‬وأخذوا الرّشا‪ ،‬وشيّدوا البنيان‪ ،‬وباعوا الدين بالدنيا‪،‬‬
‫واستعملوا السفهاء‪ ،‬وقطعوا األرح ام‪ ،‬واتّبع وا األه واء‪ ،‬واس تخفّوا بال دماء‪ .‬وك ان‬
‫الحلم ضعفاً‪ ،‬والظلم فخراً‪ ،‬وكانت األمراء فجرةً‪ ،‬والوزراء ظلمةً‪ ،‬والعرفاء خونةً‪،‬‬
‫والقرّاء فسقةً‪ ،‬وظهرت شهادات ال زور‪ ،‬واس تعلن الفج ور‪ ،‬وق ول البهت ان‪ ،‬واإلثم‬
‫والطغي ان‪ ،‬وحُليت المص احف‪ ،‬و ُزخ رفت المس اجد‪ ،‬وطُ وّلت المن ار‪ ،‬وأُك رم‬
‫األش رار‪ ،‬وازدحمت الص فوف‪ ،‬واختلفت األه واء‪ ،‬ونُقض ت العق ود‪ ،‬واق ترب‬
‫الفس اق واس تمع منهم‪ ،‬وك ان زعيم الق وم أرذلهم‪ ،‬واتُّقي‬ ‫الموعود‪ ،‬وعلت أص وات ّ‬
‫ص ّدق الك اذب‪ ،‬واُؤتمن الخ ائن‪ ،‬واتُخ ذت القي ان والمع ازف‪،‬‬ ‫الفاجر مخافةَ شرّه‪ ،‬و ُ‬
‫ولعن آخر هذه األمة أولها‪ ،‬وتشبّه النساء بالرج ال والرج ال بالنس اء‪ ،‬وش هد ش اه ٌد‬
‫ق عرفه‪ ،‬وتُفقّ ه لغ ير ال دين‪،‬‬ ‫لذمام بغير ح ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫من غير أن يُستشهد‪ ،‬وشهد اآلخر قضا ًء‬
‫وآثروا عمل الدنيا على اآلخرة‪ ،‬ولبسوا جلود الض أن على قل وب ال ذئاب‪ ،‬وقل وبهم‬
‫أنتن من الجيف‪ ،‬وأم رُّ من الص بر‪ ،‬فعن د ذل ك الوح ا الوح ا‪ ،‬العج ل العج ل‪ ،‬خ ير‬
‫زمان يتمنى أح دهم أن ه من س كانه)‬ ‫ٌ‬ ‫المساكن يومئذ بيت المقدس‪ ،‬ليأتين على الناس‬
‫(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]823 :‬قال اإلمام علي محذرا من الفتن‪( :‬أين تذهب بكم الم ذاهب‪،‬‬
‫وتتيه بكم الغياهب‪ ،‬وتخدعكم الكواذب؟ ومن أين تؤتون؟ وأنّى تؤفكون؟ فلك ّل أج ل‬
‫كتاب‪ ،‬ولك ّل غيبة إياب‪ ،‬فاستمعوا من ربّ انيّكم‪ ،‬وأحض روه قل وبكم‪ ،‬واس تيقظوا إن‬
‫هتف بكم‪ ،‬وليصدق رائد أهله‪ ،‬وليجمع شمله‪ ،‬وليحضر ذهنه‪ ،‬فلق د فل ق لكم األم ر‬
‫فلق الخرزة‪ ،‬وقرفه قرف الصّمغة‪ ..‬فعن د ذل ك أخ ذ الباط ل مآخ ذه‪ ،‬وركب الجه ل‬
‫مراكب ه‪ ،‬وعظمت الطّاغي ة‪ ،‬وقلّت ال ّداعي ة‪ ،‬وص ال ال ّدهر ص يال ّ‬
‫الس بع العق ور‪،‬‬
‫وهدر فنيق الباطل بعد كظوم‪ ،‬وتواخى النّاس على الفجور‪ ،‬وته اجروا على ال ّدين‪،‬‬
‫وتحابّوا على الكذب‪ ،‬وتباغض وا على ّ‬
‫الص دق؛ ف إذا ك ان ذل ك‪ :‬ك ان الول د غيظ ا‪،‬‬
‫والمطر قيظا‪ ،‬وتفيض اللّئام فيضا‪ ،‬وتغيض الكرام غيضا‪ ،‬وكان أه ل ذل ك ال ّزم ان‬
‫الص دق‪ ،‬وف اض‬ ‫ذئابا‪ ،‬وسالطينه سباعا‪ ،‬وأوساطه أ ّك اال‪ ،‬وفق راؤه أموات ا‪ ،‬وغ ار ّ‬
‫الكذب‪ ،‬واستعملت المو ّدة باللّسان‪ ،‬وتشاجر النّاس ب القلوب‪ ،‬وص ار الفس وق نس با‪،‬‬
‫والعفاف عجبا‪ ،‬ولبس اإلسالم لبس الفرو مقلوبا)(‪)3‬‬

‫‪ )(1‬أمالى الطوسى ج ‪ 1‬ص ‪.224‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،52/193 :‬وإكمال الدين‪.2/207‬‬
‫‪ )(3‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪ ،)108‬وغرر الحكم ودرر الكلم‪ :‬ص ‪ 109‬ق ‪ 1‬ب ‪ 4‬ف ‪ 2‬ح ‪.1945‬‬
‫‪268‬‬
‫[الحديث‪ ]824 :‬قال اإلمام علي مخبرا عن استمرار الفتن وع دم اقتص ارها‬
‫على زمانه‪ ،‬وقد قاله لما قيل له بعد وقعة النهروان‪( :‬يا أمير المؤم نين‪ ،‬هل ك الق وم‬
‫بأجمعهم)‪ ،‬فقال‪( :‬كاّل وهللا‪ ،‬إنّهم نطف في أصالب الرّجال وق رارات النّس اء‪ ،‬كلّم ا‬
‫نجم منهم قرن قطع حتّى يكون آخرهم لصوصا ساّل بين)(‪)1‬‬
‫ق ق د م ات وذهب أهل ه‪،‬‬ ‫[الحديث‪ ]825 :‬قال اإلمام الصادق‪( :‬إذا رأيتَ الح ّ‬
‫ورأيتَ الجور قد ش مل البالد‪ ،‬ورأيت الق رآن ق د خل ق‪ ،‬وأُح دث في ه م ا ليس في ه‪،‬‬
‫و ُو ّجه على األهواء‪ ،‬ورأيتَ الدين قد انكفأ كما ينكفئ اإلناء‪ ،‬ورأيتَ أهل الباطل ق د‬
‫ق‪ ،‬ورأيت الش ّر ظاهراً ال يُنهى عنه ويُعذر أص حابه‪ ،‬ورأيتَ‬ ‫استعلوا على أهل الح ّ‬
‫الفسق قد ظهر‪ ،‬واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء‪ ،‬ورأيتَ المؤمن ص امتا ً ال‬
‫يُقب ل قول ه‪ ،‬ورأيتَ الفاس ق يك ذب وال يُ ر ّد علي ه كذب ه وفريت ه‪ ،‬ورأيتَ الص غير‬
‫يستحقر بالكبير‪ ،‬ورأيتَ األرحام قد تقطّعت‪ ،‬ورأيتَ من يمتدح بالفسق يضحك من ه‬
‫وال يرد عليه قوله‪ ،‬ورأيتَ الغالم يُعطى ما تُعطى الم رأة‪ ،‬ورأيتَ النس اء ي تزوّجن‬
‫النساء‪ ،‬ورأيتَ الكافر فرحا ً لما ي رى في الم ؤمن‪ ،‬مرح ا ً لم ا ي رى في األرض من‬
‫الفساد‪ ،‬ورأيتَ الخمور تُشرب عالنيةً‪ ،‬ويجتمع عليه ا من ال يخ اف هللا ع ّز وج لّ‪،‬‬
‫ورأيتَ اآلم ر ب المعروف ذليالً‪ ،‬ورأيتَ الفاس ق فيم ا ال يحبّ هللا قوي ا ً محم وداً‪،‬‬
‫ورأيتَ الليل ال يُستخفى به من الجرأة على هللا‪ ،‬ورأيتَ المرأة تقهر زوجها‪ ،‬وتعمل‬
‫م ا ال يش تهي‪ ،‬وتنف ق على زوجه ا‪ ،‬ورأيتَ الق رآن ق د ثقُ ل على الن اس اس تماعه‪،‬‬
‫وخف على الناس استماع الباطل‪ ،‬ورأيتَ الغيبة تُستملح‪ ،‬ويبشر بها الناس بعض هم‬ ‫ّ‬
‫بعضاً‪ ،‬ورأيتَ طلب الح ّج والجهاد لغير هللا‪ ،‬ورأيتَ الرجل يطلب الرئاس ة ل َع رض‬
‫الدنيا‪ ،‬ورأيتَ الرجل عنده المال الكث ير لم يز ّك ه من ذ ملك ه‪ ،‬ورأيتَ الرج ل يُمس ي‬
‫نش وان‪ ،‬ويص بح س كران‪ ،‬ورأيتَ البه ائم تُنكح‪ ،‬ورأيتَ قل وب الن اس ق د قس ت‪،‬‬
‫الذكر عليهم‪ ،‬ورأيتَ ك ّل ع ٍام يح دث في ه من البدع ة والش ّر‬ ‫وجمدت أعينهم‪ ،‬وثقُل ّ‬
‫أكثر مما كان‪ ،‬ورأيتَ الناس يتسافدون كما تسافد البهائم‪ ،‬ال ينكر أح ٌد منكراً تخوّف ا ً‬
‫أمر‪ ،‬ال يُؤتى إال م ا‬‫من الناس‪ ،‬ورأيتَ النساء قد غلبن على الملك‪ ،‬وغلبن على ك ّل ٍ‬
‫لهن فيه هوى‪ ،‬ورأيتَ المساجد محتش يةً ممن ال يخ اف هللا‪ ،‬مجتمع ون فيه ا للغيب ة‬
‫خف بأوقاتها‪ ،‬فكن على ح ذر‪ ،‬واطلب‬ ‫ّ‬
‫ورأيت الصالة قد استُ ّ‬ ‫وأكل لحوم أهل الح ّ‬
‫ق‪،‬‬
‫أن الناس في سخط هللا ع ّز وجلّ‪ ،‬وإنما يمهلهم ألم ٍر‬ ‫من هللا ع ّز وج ّل النجاة‪ ،‬واعلم ّ‬
‫يُراد بهم‪ ،‬فكن مترقّباً‪ ،‬واجتهد ليراك هللا ع ّز وج ّل في خالف ما هم عليه‪ ،‬فإن ن زل‬
‫بهم العذاب وكنت فيهم‪ ،‬عجّلت إلى رحمة هللا‪ ،‬وإن أُ ّخرت ابتلوا وكنت ق د خ رجت‬
‫أن هللا ال يض يع أج ر المحس نين‪،‬‬ ‫مما هم فيه‪ ،‬من الجرأة على هللا ع ّز وج لّ‪ ،‬واعلم ّ‬
‫وأن رحمة هللا قريبٌ من المحسنين)(‪)2‬‬ ‫ّ‬
‫خامسا ـ ما ورد في شأن الناجين من الفتن وفضلهم وصفاتهم‪:‬‬
‫‪ )(1‬نهج البالغة‪ :‬الخطبة رقم(‪ ،)60‬وشرح نهج البالغة البن أبي الحديد‪ :‬ج ‪ 5‬ص ‪ 14‬الخطبة رقم(‪)59‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،52/260 :‬وروضة الكافي ص‪.36‬‬
‫‪269‬‬
‫وهي أحاديث تتوافق مع نظيراتها في المصادر السنية‪ ،‬ومع الق رآن الك ريم‪،‬‬
‫والذي يبين أن نور هللا لن ينطفئ أبدا‪ ،‬وأن الق ائمين على الح ق س يظل لهم وج ود‪،‬‬
‫حتى ال تنقطع الهداية والرعاية اإللهية‪ ،‬وقد سبق ذكر ما يدل على ذل ك من الق رآن‬
‫الكريم واألحاديث الواردة في المصادر السنية‪.‬‬
‫وقد قسمنا األحاديث الواردة في هذا الشأن إلى قسمين‪:‬‬
‫‪1‬ـ األحاديث الواردة في الناجين من الفتن عموما‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة تتوافق مع نظيراتها في المصادر السنية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫(إن اإلسالم بدأ غريباً‪ ،‬وسيعود غريب اً‪،‬‬
‫[الحديث‪ ]826 :‬قال رسول هللا ‪ّ :‬‬
‫فطوبى للغرباء)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]827 :‬قال رسول هللا ‪ ‬ذات يوم ـ وعنده جماعة من أص حابه ـ‪:‬‬
‫(اللهم‪ ،‬لقّني إخ واني) م رتين‪ ،‬فق ال َمن حول ه من أص حابه‪( :‬أ َم ا نحن إخوان ك ي ا‬
‫رسول هللا؟!‪ ،‬فقال‪( :‬ال‪ ،‬إنكم أص حابي‪ ،‬وإخ واني ق و ٌم في آخ ر الزم ان آمن وا ولم‬
‫يروني‪ ،‬لقد عرّفنيهم هللا بأسمائهم وأسماء آبائهم‪ ،‬من قب ل أن يخ رجهم من أص الب‬
‫آب ائهم وأرح ام أمه اتهم‪ ،‬ألح دُهم أش ُّد بقيّ ةً على دين ه من خ رط القت اد في الليل ة‬
‫الظلماء‪ ،‬أو كالقابض على جمر الغضا‪ ،‬أولئك مصابيج ال دجى‪ ،‬ينجيهم هللا من ك ّل‬
‫فتن ٍة غبراء مظلمة)(‪)2‬‬
‫أن أعظم‬ ‫[الحــديث‪ ]828 :‬ق ال رس ول هللا ‪ ‬لإلم ام علي‪( :‬ي ا علي‪ ،‬اعلم ّ‬
‫الن اس يقين ا ً ق و ٌم يكون ون في آخ ر الزم ان‪ ،‬لم يلحق وا الن بي وحُجب عنهم الحج ة‪،‬‬
‫فآمنوا بسواد في بياض)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]829 :‬قال رسول هللا ‪( :‬سيأتي قو ٌم من بعدكم‪ ،‬الرج ل الواح د‬
‫منهم له أجر خمسين منكم)‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬نحن كنا معك ببدر وأُح د وح نين‪،‬‬
‫ح ّملوا لم تصبروا صبرهم)(‪)4‬‬ ‫ونزل فينا القرآن‪ ،‬فقال‪( :‬إنكم لو تح ّملوا لما ُ‬
‫[الحديث‪ ]830 :‬قال رسول هللا ‪( :‬يا ليتني قد لقيت إخواني)‪ ،‬فقال له أب و‬
‫أو لسنا إخوانك آمنا بك وهاجرنا معك؟ ق ال‪( :‬ق د آمنتم وه اجرتم‪ ،‬وي ا‬ ‫بكر وعمر‪َ :‬‬
‫ليتني قد لقيت إخ واني)‪ ،‬فأع ادا الق ول‪ ،‬فق ال رس ول هللا ‪( :‬أنتم أص حابي ولكن‬
‫إخواني الذين يأتون من بعدكم‪ ،‬يؤمنون بي ويحبوني وينصروني ويصدقوني‪ ،‬وم ا‬
‫رأوني‪ ،‬فيا ليتني قد لقيت إخواني)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]831 :‬بعد قتال اإلمام علي الخوارج يوم النهروان‪ ،‬قام إليه رج ٌل‬
‫فقال‪( :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬طوبى لنا إذ شهدنا معك هذا الموقف‪ ،‬وقتلن ا مع ك ه ؤالء‬
‫الخوارج‪ ،‬فقال اإلم ام علي‪( :‬وال ذي فل ق الحب ة وب رأ النس مة‪ ،‬لق د ش هدَنا في ه ذا‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،52/191 :‬وإكمال الدين ‪.1/308‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،52/124 :‬وبصائر الدرجات‪.‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،52/125 :‬وإكمال الدين‪.‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،52/130 :‬وغيبة الشيخ ص‪.291‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪ ،52/132 :‬ومجالس المفيد‪.‬‬
‫‪270‬‬
‫الموقف أناسٌ لم يخلق هللا آباءهم وال أجدادهم بعد)‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬وكيف يشهدنا قو ٌم‬
‫لم يُخلق وا؟‪ ،‬ق ال‪( :‬بلى‪ ،‬ق و ٌم يكون ون في آخ ر الزم ان يش ركوننا فيم ا نحن في ه‪،‬‬
‫ويسلّمون لنا‪ ،‬فأولئك شركاؤنا فيما كنا فيه حقّا ً حقّاً)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]832 :‬قال اإلمام السجاد‪( :‬تمتد الغيب ة ب ولي هللا الث اني عش ر من‬
‫وإن أه ل زم ان غيبت ه‪ ،‬الق ائلون بإمامت ه‪،‬‬ ‫أوص ياء رس ول هللا ‪ ‬واألئم ة بع ده‪ّ ،‬‬
‫ألن هللا ـ تع الى ذك ره ـ أعط اهم من‬ ‫المنتظرون لظهوره أفض ل أه ل ك ل زم ان‪ّ ،‬‬
‫العقول واألفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المش اهدة‪ ،‬وجعلهم في‬
‫ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول هللا ‪ ‬بالس يف‪ ،‬أولئ ك المخلص ون‬
‫راً وجهراً)(‪)2‬‬ ‫حقا‪ ،‬وشيعتنا صدقاً‪ ،‬والدعاة إلى دين هللا س ّ‬
‫[الحديث‪ ]833 :‬قيل لإلم ام الب اقر‪ :‬أوص نا ي ا ابن رس ول هللا‪ ،‬فق ال‪( :‬ليُ ِعن‬
‫قويُّكم ضعيفَكم‪ ،‬وليعطف غنيّكم على فقيركم‪ ،‬ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفس ه‪،‬‬
‫واكتموا أسرارنا‪ ،‬وال تحملوا الناس على أعناقنا‪ ،‬وانظروا أمرن ا وم ا ج اءكم عن ا‪،‬‬
‫فإن وجدتموه في القرآن موافقا ً فخذوا به‪ ،‬وإن لم تج دوه موافق ا ً ف ر ّدوه‪ ،‬وإن اش تبه‬
‫األمر عليكم فقفوا عنده‪ ،‬ور ّدوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما ُشرح لنا‪ ،‬ف إذا كنتم‬
‫ّت قب ل أن يخ رج قائمن ا ك ان‬ ‫كما أوص يناكم‪ ،‬ولم تع دوا إلى غ يره‪ ،‬فم ات منكم مي ٌ‬
‫شهيداً‪ ،‬ومن أدرك قائمنا فقُتل معه كان له أجر شهيدين‪ ،‬ومن قتل بين يديه عد ّواً لنا‬
‫كان له أجر عشرين شهيداً)(‪)3‬‬
‫ان يغيب عنهم‬ ‫[الحــديث‪ ]834 :‬ق ال اإلم ام الب اقر‪( :‬ي أتي على الن اس زم ٌ‬
‫إن أدنى م ا يك ون لهم من‬ ‫إمامهم‪ ،‬فيا طوبى للث ابتين على أمرن ا في ذل ك الزم ان‪ّ ،‬‬
‫الثواب أن يناديهم الباري ع ّز وجل‪ :‬عبادي‪ ،‬آمنتم بسرّي‪ ،‬وصدقتم بغيبي‪ ،‬فأبشروا‬
‫بحسن الثواب مني‪ ،‬فأنتم عبادي وإمائي حقا‪ ،‬منكم أتقبّل‪ ،‬وعنكم أعفو‪ ،‬ولكم أغفر‪،‬‬
‫وبكم أسقي عبادي الغيث‪ ،‬وأدفع عنهم البالء‪ ،‬ولوالكم ألنزلت عليهم عذابي)‪ ،‬قي ل‪:‬‬
‫يا ابن رسول هللا‪ ،‬فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟ قال‪( :‬حفظ اللسان‬
‫ولزوم البيت)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]835 :‬قيل لإلمام الصادق‪( :‬ما تق ول فيمن م ات على ه ذا األم ر‬
‫منتظراً له؟)‪ ،‬قال‪( :‬هو بمنزلة من كان مع القائم في فس طاطه‪ ،‬ثم س كت هنيئ ةً‪ ،‬ثم‬
‫قال‪( :‬هو كمن كان مع رسول هللا ‪)5()‬‬
‫[الحــديث‪ ]836 :‬قيل لإلم ام الص ادق‪ :‬العب ادة م ع اإلم ام منكم المس تتر في‬
‫ق ودولت ه م ع اإلم ام الظ اهر‬ ‫الس ّر في دولة الباطل أفضل‪ ،‬أم العبادة في ظهور الح ّ‬
‫منكم؟)‪ ،‬فق ال‪( :‬الص دقة في الس ّر وهللا أفض ل من الص دقة في العالني ة‪ ،‬وك ذلك‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،52/131 :‬والمحاسن‪.‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،52/122 :‬واالحتجاج‪.‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،52/123 :‬وأمالي الطوسي‪.‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،52/145 :‬وإكمال الدين ‪.1/446‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪ ،52/125 :‬والمحاسن ص‪.172‬‬
‫‪271‬‬
‫عبادتكم في الس ّر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل‪ ،‬لخوفكم من عدوكم في‬
‫ق مع اإلمام الظاهر في دولة‬ ‫دولة الباطل وحال الهدنة‪ ،‬ممن يعبد هللا في ظهور الح ّ‬
‫ق‪ ،‬وليس العبادة م ع الخ وف في دول ة الباط ل مث ل العب ادة م ع األمن في دول ة‬ ‫الح ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن َمن صلى منكم صالة فريضة وحدانا‪ ،‬مستترا به ا من ع دوه في‬ ‫ّ‬ ‫ق‪ ،‬واعلموا ّ‬ ‫الح ّ‬
‫وقتها فأت ّمها‪ ،‬كتب هللا ع ّز وج ّل له به ا خمس ة وعش رين ص الة فريض ة وحداني ة‪،‬‬
‫ومن ص لّى منكم ص الة نافل ة في وقته ا فأتمه ا‪ ،‬كتب هللا ع ّز وج ّل ل ه به ا عش ر‬
‫صلوات نوافل‪ ،‬ومن عمل منكم حسنةً كتب هللا له بها عشرين حسنة‪ ،‬ويُضاعف هللا‬
‫تع الى حس نات الم ؤمن منكم إذا أحس ن أعمال ه‪ ،‬ودان هللا بالتقي ة على دين ه وعلى‬
‫إن هللا ع ّز وج ّل‬ ‫إمامه وعلى نفس ه‪ ،‬وأمس ك من لس انه أض عافا مض اعفة كث يرة‪ّ ،‬‬
‫كريم)‬
‫فقيل له‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬قد ر ّغبتني في العمل‪ ،‬وحثثتني علي ه‪ ،‬ولك ني أحب أن‬
‫أعلم‪ :‬كيف ص رنا نحن الي وم أفض ل أعم االً من أص حاب اإلم ام منكم الظ اهر في‬
‫دولة الحق‪ ،‬ونحن وهم على دي ٍن واح ٍد‪ ،‬وهو دين هللا ع ّز وجلّ؟‬
‫فقال‪( :‬إنكم سبقتموهم إلى ال دخول في دين هللا وإلى الص الة والص وم والح ّج‬
‫وإلى كل فقه وخير‪ ،‬وإلى عبادة هللا س ّراً من ع دوكم م ع اإلم ام المس تتر‪ ،‬مطيع ون‬
‫له‪ ،‬صابرون معه‪ ،‬منتظرون لدولة الح ق‪ ،‬خ ائفون على إم امكم وعلى أنفس كم من‬
‫ق إم امكم وحقكم في أي دي الظلم ة‪ ،‬ق د منع وكم ذل ك‬ ‫المل وك‪ ،‬تنظ رون إلى ح ّ‬
‫واض طروكم إلى ج ذب ال دنيا وطلب المع اش‪ ،‬م ع الص بر على دينكم‪ ،‬وعب ادتكم‪،‬‬
‫وطاعة ربكم‪ ،‬والخوف من عدوكم‪ ،‬فبذلك ضاعف هللا أعمالكم‪ ،‬فهنيئا ً لكم هنيئاً‪.‬‬
‫فقيل له‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬فما نتمنى إذاً أن نك ون من أص حاب الق ائم في ظه ور‬
‫الحق‪ ،‬ونحن الي وم في إمامت ك وطاعت ك أفض ل أعم االً من أعم ال أص حاب دول ة‬
‫الحق؟‬
‫ق والعدل في البالد‪،‬‬ ‫فقال‪( :‬سبحان هللا‪ ،‬أما تحبون أن يُظهر هللا ع ّز وجل الح ّ‬
‫ويحسّن ح ال عام ة الن اس‪ ،‬ويجم ع هللا الكلم ة‪ ،‬ويؤل ف بين القل وب المختلف ة‪ ،‬وال‬
‫ق إلى أهل ه‪ ،‬فيظه روه‬ ‫يُعصى هللا في أرضه‪ ،‬ويُقام ح دود هللا في خلق ه‪ ،‬ويُ ر ّد الح ّ‬
‫ق مخافة أح ٍد من الخل ق؟‪ ..‬أم ا وهللا‪ ،‬ال يم وت منكم‬ ‫حتى ال يستخفي بشي ٍء من الح ّ‬
‫ّت على الحال التي أنتم عليها‪ ،‬إال ك ان أفض ل عن د هللا ع ّز وج ّل من كث ير ممن‬ ‫مي ٌ‬
‫شهد بدراً وأُحداً‪ ،‬فأبشروا !)(‪)1‬‬
‫[الحديث‪ ]837 :‬قال اإلمام الصادق‪( :‬فما تمدون أعينكم؟‪ ،‬فم ا تس تعجلون؟‪،‬‬
‫ألس تم آم نين؟‪ ،‬أليس الرج ل منكم يخ رج من بيت ه فيقض ي حوائج ه ثم يرج ع لم‬
‫يُختط ف؟‪ ،‬إن ك ان من قبلكم على م ا أنتم علي ه ليؤخ ذ الرج ل منهم فتُقط ع ي داه‬
‫ورجاله‪ ،‬ويُصلب على جذوع النخل‪ ،‬ويُنشر بالمنشار ثم ال يعدو ذنب نفس ه‪ ،‬ثم تال‬
‫هذه اآلية‪﴿ :‬أَ ْم َح ِس ْبتُ ْم أَ ْن تَ ْد ُخلُوا ْال َجنَّةَ َولَ َّما يَ أْتِ ُك ْم َمثَ ُل الَّ ِذينَ خَ لَ وْ ا ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْم َم َّس ْتهُ ُم‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،52/128 :‬وإكمال الدين ‪.2/357‬‬
‫‪272‬‬
‫َص ُر هَّللا ِ أَاَل‬ ‫ْالبَأْ َسا ُء َوال َّ‬
‫ضرَّا ُء َو ُز ْل ِزلُوا َحتَّى يَقُو َل الر ُ‬
‫َّس و ُل َوالَّ ِذينَ آ َمنُ وا َم َع هُ َمتَى ن ْ‬
‫ر هَّللا ِ قَريبٌ ﴾ [البقرة‪)1()]214 :‬‬ ‫إِ َّن نَصْ َ‬
‫ِ‬
‫[الحديث‪ ]838 :‬قال اإلمام الص ادق ذات ي وم‪( :‬أال أخ بركم بم ا ال يقب ل هللا‬
‫ع ّز وج ّل من العباد عمالً إال به؟)‪ ،‬فقيل‪ :‬بلى‪ ،‬فق ال‪( :‬ش هادة أن ال إل ه إال هللا‪ّ ،‬‬
‫وأن‬
‫محمداً عبده ورس وله‪ ،‬واإلق رار بم ا أم ر هللا‪ ،‬والوالي ة لن ا‪ ،‬وال براءة من أع دائنا‪،‬‬
‫يعني أئمة خاصة والتسليم لهم‪ ،‬والورع‪ ،‬واالجتهاد‪ ،‬والطمأنينة‪ ،‬واالنتظار للق ائم)‪،‬‬
‫(إن لنا دولةً يجيء هللا بها إذا شاء)‪ ،‬ثم قال‪( :‬من ُس ّر أن يكون من أصحاب‬ ‫ثم قال‪ّ :‬‬
‫القائم‪ ،‬فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن األخالق وهو منتظر‪ ،‬فإن مات وقام الق ائم‬
‫بع ده ك ان ل ه من األج ر مث ل أج ر من أدرك ه‪ ،‬فج ّدوا وانتظ روا‪ ،‬هنيئ ا ً لكم أيته ا‬
‫العصابة المرحومة !)(‪)2‬‬
‫[الحديث‪ ]839 :‬قيل لإلمام الصادق‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬متى الفرج؟‪ ،‬فق ال‪( :‬أنت‬
‫ممن يريد الدنيا؟‪ ،‬من عرف هذا األمر فقد فُرّج عنه بانتظاره)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]840 :‬قال اإلمام الصادق‪( :‬ستصيبكم ش بهةٌ فتبق ون بال علم يُ رى‬
‫وال إم ام ه دى‪ ،‬ال ينج و منه ا إال من دع ا ب دعاء الغري ق)‪ ،‬قي ل‪( :‬وكي ف دع اء‬
‫الغريق؟)‪ ،‬قال‪ :‬تقول‪( :‬يا هللا‪ ،‬يا رحمن‪ ،‬يا رحيم‪ ،‬يا مقلّب القل وب‪ ،‬ثبّت قل بي على‬
‫(إن هللا ع ّز‬ ‫دينك)‪ ،‬قيل‪ :‬يا مقلّب القل وب واألبص ار‪ ،‬ثبّت قل بي على دين ك‪ ،‬فق ال‪ّ :‬‬
‫وج ّل مقلّب القلوب واألبصار‪ ،‬ولكن قل كما أقول‪( :‬يا مقلّب القلوب‪ ،‬ثبّت قلبي على‬
‫دينك)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪ ]841 :‬س ئل اإلم ام الرض ا عن ش ي ٍء من الف رج‪ ،‬فق ال‪( :‬أليس‬
‫إن هللا ع ّز وج ّل يق ول‪﴿ :‬فَ ا ْنت َِظرُوا إِنِّي َم َع ُك ْم ِمنَ‬ ‫انتظ ار الف رج من الف رج؟‪ّ ..‬‬
‫َظرينَ ﴾ [األعراف‪)5()]71 :‬‬
‫ْال ُم ْنت ِ ِ‬
‫[الحديث‪ ]842 :‬قال اإلمام الرضا‪( :‬ما أحس ن الص بر وانتظ ار الف رج‪ ،‬أم ا‬
‫سمعت قول هللا تعالى‪َ ﴿ :‬وارْ تَقِبُوا إِنِّي َم َع ُك ْم َرقِيبٌ ﴾ [هود‪ ،]93 :‬وقول ه ع ّز وج لّ‪:‬‬
‫﴿فَ ا ْنت َِظرُوا إِنِّي َم َع ُك ْم ِمنَ ْال ُم ْنتَ ِظ ِرينَ ﴾ [األع راف‪ ،]71 :‬فعليكم بالص بر‪ ،‬فإن ه إنم ا‬
‫يجيء الفرج على اليأس‪ ،‬فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم)(‪)6‬‬
‫‪ 2‬ـ األحاديث الواردة في أصحاب اإلمام المهدي والممهدين له‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة تتوافق مع نظيراتها في المصادر السنية‪ ،‬وهي تدل على‬
‫أن االنتظ ار الحقيقي لإلم ام المه دي ه و ال ذي يرتب ط بالعم ل اإليج ابي في خدم ة‬
‫اإلس الم وقيم ه النبيل ة‪ ،‬وليس انتظ ار الكس الى المقع دين ال ذين لم يفهم وا ال دور‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،52/130 :‬وغيبة الشيخ‪.‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪ ،52/140 :‬وغيبة النعماني‪.‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،52/142 :‬وغيبة النعماني‪.‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،52/149 :‬وإكمال الدين ‪.2/21‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪ ،52/128 :‬وإكمال الدين‪.‬‬
‫‪ )(6‬بحار األنوار‪ ،52/129 :‬وإكمال الدين‪.‬‬
‫‪273‬‬
‫الحقيقي لإلمام المهدي‪.‬‬
‫ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[الحديث‪ ]843 :‬قال رسول هللا ‪( :‬طوبى لمن أدرك قائم أه ل بي تي وه و‬
‫مقت ٍد به قبل قيامه‪ ،‬يتولّى وليه‪ ،‬ويتبرّأ من ع دوه‪ ،‬ويت ولى األئم ة الهادي ة من قبل ه‪،‬‬
‫ي)(‪)1‬‬ ‫أولئك رفقائي وذوو و ّدي ومودتي‪ ،‬وأكرم أمتي عل َّ‬
‫ي‪ ،‬وأكرم خلق هللا عل َّ‬
‫[الحديث‪ ]844 :‬قال رسول هللا ‪( :‬إذا كان عند خ روج الق ائم ين ادي من اد‬
‫من السماء‪ :‬أيها الناس إن هللا قطع عنكم مدة الجبارين‪ ،‬وولى األمر خير أمة محم د‬
‫‪ ‬فالحقوا بمكة‪ ،‬فيخرج النجباء من مصر‪ ،‬واألبدال من الشام وعصائب الع راق‪،‬‬
‫رهبان بالليل‪ ،‬ليوث بالنهار‪ ،‬كأن قلوبهم زبر الحديد‪ ،‬فيبايعونه بين الركن والمق ام)‬
‫(‪)2‬‬
‫[الحــديث‪ ]845 :‬عن ج ابر بن عب د هللا في الل وح ال ذي وج ده عن د فاطم ة‬
‫الزهراء‪( :‬ثم أُك ّمل ذلك بابن ه رحم ةً للع المين علي ه كم ال موس ى‪ ،‬وبه اء عيس ى‪،‬‬
‫وصبر أيوب‪ ،‬س يذ ّل أولي ائي في زمان ه‪ ،‬ويته ادون رؤوس هم كم ا يته ادى رؤوس‬
‫ال ترك وال ديلم‪ ،‬فيُقتل ون ويُحرق ون‪ ،‬ويكون ون خ ائفين مرع وبين وجلين‪ ،‬تُص بغ‬
‫األرض بدمائهم‪ ،‬ويفشو الويل والرنين في نس ائهم‪ ،‬أولئ ك أولي ائي حق اً‪ ،‬بهم أرف ع‬
‫ك ّل فتن ٍة عمياء حندس (أي الشديد الظلم ة)‪ ،‬وبهم أكش ف ال زالزل‪ ،‬وأدف ع اآلص ار‬
‫لوات من ربهم ورحم ةٌ‪ ،‬وأولئ ك هم‬ ‫ٌ‬ ‫(أي األثق ال) واألغالل أولئ ك عليهم ص‬
‫المهتدون)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]846 :‬قال اإلمام علي يذكر اإلمام المهدي‪( :‬كأنني به ق د ع بر من‬
‫س محج ٍّل له شمرا ٌخ يزهر‪ ،‬يدعو ويقول في‬ ‫وادي السالم إلى مسيل السهلة على فر ٍ‬
‫دعائه‪( :‬ال اله إال هللا حقّا ً حقّاً‪ ،‬ال إله إال هللا إيمانا ً وصدقاً‪ ،‬ال إله إال هللا تعبّداً ورّق ا‪ً،‬‬
‫ّار عني ٍد‪ ،‬أنت كنفي حين تُعييني المذاهب‪،‬‬ ‫اللهم‪ ،‬مع ّز ك ّل مؤم ٍن وحي ٍد‪ ،‬ومذ ّل ك ّل جب ٍ‬
‫ً‬
‫وتض يق عل ّي األرض بم ا رحبت‪ ،‬اللهم‪ ،‬خلقت ني وكنت غني ا عن خلقي‪ ،‬ول وال‬
‫لكنت من المغلوبين‪ ،‬يا منشر الرحمة من مواضعها‪ ،‬ومخرج البركات‬ ‫ُ‬ ‫نصرك إياي‬
‫من معادنها‪ ،‬ويا من خصّ نفسه بش موخ الرفع ة‪ ،‬فأولي اؤه بع ّزه يتع ززون‪ ،‬ي ا من‬
‫وضعت له الملوك نير المذلة على أعناقهم‪ ،‬فهم من سطوته خائفون‪ ،‬أسألك باس مك‬
‫الذي فطرتَ به خلقك‪ ،‬فك ٌّل لك مذعنون‪ ،‬أس ألك أن تص لي على محم د وآل محم د‪،‬‬
‫وأن تنجز لي أمري‪ ،‬وتع ّجل لي في الفرج‪ ،‬وتكفيني وتع افيني‪ ،‬وتقض ي ح وائجي‪،‬‬
‫الساعة الساعة‪ ،‬الليلة الليلة‪ ،‬إنك على كل شي ٍء قدير)(‪)4‬‬
‫[الحــديث‪ ]847 :‬ق ال اإلم ام علي‪( :‬لتمألن األرض ظلم ا ً وج وراً ح تى ال‬
‫يقول أحد هللا إال متخفياً‪ ،‬ثم يأتي هللا بقوم صالحين يملؤنه ا قس طا ً وع دالً كم ا ملئت‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،52/130 :‬وغيبة الشيخ ص‪.290‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار ج‪ 52‬ص‪.304‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،52/143 :‬والكافي ‪.1/527‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،52/392 :‬والعدد‪.‬‬
‫‪274‬‬
‫وجوراً)(‪)1‬‬ ‫ظلما ً‬
‫[الحديث‪ ]848 :‬قال اإلمام علي‪( :‬أال وإن المهدي أحسن الناس خلقا ً وخلق اً‪،‬‬
‫ثم إذا قام اجتمع إليه أصحابه‪ ،‬على عدة أهل بدر وهم ثالثمائة وثالث ة عش ر رجالً‪،‬‬
‫كأنهم ليوث قد خرجوا من غاباتهم‪ ،‬مثل زبر الحدي د‪ ،‬ل و أنهم هم وا بإزال ة الجب ال‬
‫ألزالوه ا عن مواض عها‪ ،‬فهم ال ذين وح دوا هللا ح ق توحي ده‪ ،‬لهم باللي ل أص وات‬
‫كأصوات الثواكل‪ ،‬خوف ا ً وخش ية من هللا تع الى‪ ،‬ق وام اللي ل‪ ،‬ص وام النه ار‪ ،‬كأنم ا‬
‫رباهم أب وأحد وأم واحدة‪ ،‬قلوبهم مجتمعة بالمحبة والنصيحة)(‪)2‬‬
‫بقوم قد خرجوا بالمشرق‪ ،‬يطلب ون‬ ‫[الحديث‪ ]849 :‬قال اإلمام الباقر‪( :‬كأني ٍ‬
‫ق فال يُعطَون ه ثم يطلبون ه فال يُعطَون ه‪ ،‬ف إذا رأوا ذل ك وض عوا س يوفهم على‬ ‫الح ّ‬
‫عواتقهم‪ ،‬فيُعطَون ما سألوا فال يقبلونه حتى يقوموا‪ ،‬وال يدفعونها إال إلى ص احبكم‪،‬‬
‫قتالهم شهدا ٌء‪ ،‬أما إني لو أدركت ذلك ألبقيت نفسي لصاحب هذا األمر)(‪)3‬‬
‫[الحديث‪ ]850 :‬قال اإلمام الباقر‪( :‬ك أني بأص حاب الق ائم وق د أح اطوا بم ا‬
‫بين الخافقين‪ ،‬ليس من شي ٍء إال وهو مطي ٌع لهم‪ ،‬حتى سباع األرض وس باع الط ير‬
‫تطلب رضاهم في ك ل ش ي ٍء‪ ،‬ح تى تفخ ر األرض على األرض‪ ،‬وتق ول‪( :‬م ّر بي‬
‫ل من أصحاب القائم)(‪)4‬‬‫اليوم رج ٌ‬
‫[الحديث‪ ]851 :‬قال اإلم ام الب اقر‪( :‬ت نزل الراي ات الس ود ال تي تخ رج من‬
‫خراسان إلى الكوفة‪ ،‬فإذا ظهر المهدي بعث إليه بالبيعة)(‪)5‬‬
‫[الحديث‪ ]852 :‬قال اإلم ام الب اقر‪( :‬أص حاب الق ائم ثالثمائ ة وثالث ة عش ر‬
‫رجالً‪ ،‬أوالد العجم‪ ،‬بعضهم يحمل في السحاب نهاراً(‪ ،)6‬يع رف باس مه واس م أبي ه‬
‫ونسبه وحليته‪ ،‬وبعضهم نائم على فراشه فيوافيه في مكة على غير ميعاد)(‪)7‬‬
‫[الحديث‪ ]853 :‬قال اإلمام الباقر‪( :‬يبايع الق ائم بين ال ركن والمق ام ثالثمائ ة‬
‫وني ف‪ ،‬ع دة أه ل ب در‪ ،‬فيهم النجب اء من أه ل مص ر‪ ،‬واألب دال من أه ل الش ام‪،‬‬
‫واألخيار من أهل العراق)(‪)8‬‬
‫(إن هللا ع ّز وج ّل يُلقي في قل وب‬‫[الحــديث‪ ]854 :‬ق ال اإلم ام الص ادق‪ّ :‬‬
‫شيعتنا الرعب‪ ،‬فإذا قام قائمنا وظهر مهدينا‪ ،‬كان الرجل أجرأ من ليث وأمضى من‬
‫سنان)(‪)9‬‬
‫[الحديث‪ ]855 :‬سئل اإلمام الصادق‪ :‬كم يخرج مع القائم‪ ،‬فإنهم يقول ون إن ه‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار ج‪ 13‬ص‪.29‬‬
‫‪ )(2‬إلزام الناصب ج‪ 2‬ص‪.200‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪ ،52/243 :‬وغيبة النعماني ص‪.145‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،52/327 :‬وإكمال الدين‪.‬‬
‫‪ )(5‬الغيبة للطوسي ص ‪.289‬‬
‫‪ )(6‬وربما يشير هذا إلى السفر بالطائرات‪ ،‬وخاصة عند ذكره للنوم فيها أثن اء الس فر‪ ،‬وربم ا يش ير إلى كرام ة‬
‫إلهية خاصة‪.‬‬
‫‪ )(7‬الغيبة للنعماني باب ‪ 20‬حديث ‪.8‬‬
‫‪ )(8‬بحار األنوار ج‪ 52‬ص‪.224‬‬
‫‪ )(9‬بحار األنوار‪ ،371 /52 :‬وكشف الغمة‪.‬‬
‫‪275‬‬
‫يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثالثمائة وثالثة عش ر رجالً‪ ،‬ق ال‪( :‬م ا يخ رج إال في‬
‫أولي قوة‪ ،‬وما يكون أولو القوة أقل من عشرة آالف)(‪)1‬‬
‫ومقصوده أن من يمهد له ال ينحصرون في أصحابه الثالثمائة وثالثة عش ر‪،‬‬
‫بل هذا العدد هم المجتمعون عنده في بدو خروجه(‪.)2‬‬
‫[الحديث‪ ]856 :‬قال اإلمام الصادق‪( :‬ورج ال ك أن قل وبهم زب ر الحدي د‪ ،‬ال‬
‫يشوبها شك في ذات هللا‪ ،‬أش د من الحج ر‪ ،‬ل و حمل وا على الجب ال ألزالوه ا‪ ..‬ك أن‬
‫على خيولهم العقبان يتمس حون بس رج اإلم ام يطلب ون ب ذلك البرك ة‪ ،‬ويحف ون ب ه‪،‬‬
‫يقونه بأنفسهم في الحروب‪ ،‬ويكفونه ما يريد‪ ..‬رجال ال ين امون اللي ل‪ ،‬لهم دوي في‬
‫صالتهم كدوي النحل‪ ،‬يبيتون قياما ً على أطرافهم‪ ،‬ويصبحون على خيولهم‪ ،‬رهبان‬
‫بالليل‪ ،‬ليوث بالنهار‪ ،‬هم أطوع له من األمة لسيدها‪ ،‬كأن قل وبهم القنادي ل‪ ،‬وهم من‬
‫خشية هللا مشفقون‪ ،‬يدعون بالشهادة‪ ،‬ويتمنون أن يقتلوا في س بيل هللا‪ ،‬ش عارهم‪ :‬ي ا‬
‫لث ارات الحس ين(‪ ،)3‬إذا س اروا يس ير ال رعب أم امهم مس يرة ش هر‪ ،‬يمش ون إلى‬
‫المولى إرساالً‪ ،‬بهم ينصر هللا إمام الحق)(‪)4‬‬
‫[الحديث‪ ]857 :‬قال اإلمام الكاظم يذكر الممهدين لإلمام المهدي‪( :‬رج ل من‬
‫قم‪ ،‬يدعو الناس إلى الحق‪ ،‬يجتمع معه قوم قل وبهم كزب ر الحدي د‪ ،‬ال ت زلهم الري اح‬
‫العواصف‪ ،‬ال يملون من الحرب وال يجبنون‪ ،‬وعلى هللا يتوكل ون والعاقب ة للمتقين)‬
‫(‪)5‬‬
‫ومع أن الرواية ـ كسائر الروايات واألحاديث المرتبطة بالنبوءات ـ لم ت ذكر‬
‫اسم الرجل‪ ،‬وال زمانه‪ ،‬ولكنا ـ من خالل عرض ها على الت اريخ ـ ال نج د شخص ا‬
‫تنطبق عليه كانطباقها على اإلم ام الخمي ني والش عب اإلي راني‪ ،‬والل ذين أث ني على‬
‫كليهما في الرواية‪.‬‬
‫﴿وإِ ْن تَت ََولَّوْ ا يَ ْس تَ ْب ِدلْ قَوْ ًم ا‬
‫ويؤيد هذه الرواية ما ورد في تفسير قول ه تع الى‪َ :‬‬
‫َغ ْي َر ُك ْم ثُ َّم اَل يَ ُكونُوا أَ ْمثَالَ ُك ْم﴾ [محمد‪ ،]38 :‬فقد ورد في تفسيرها في مص ادر الس نة‬
‫﴿وإِ ْن تَت ََولَّوْ ا يَ ْس تَ ْب ِدلْ قَوْ ًم ا َغ ْي َر ُك ْم‬
‫عن أبي هريرة أنه قال‪ :‬تال رسول هللا هذه اآلية‪َ :‬‬
‫ثُ َّم اَل يَ ُكونُوا أَ ْمثَ الَ ُك ْم﴾‪ ،‬ق الوا‪ :‬ومن يس تبدل بن ا؟ ق ال‪ :‬فض رب رس ول هللا ‪ ‬على‬
‫منكب سلمان ـ أي سلمان الفارسي ـ ثم قال‪( :‬هذا وقومه)(‪)6‬‬
‫ويؤيدها ما ورد من الروايات حول مدينة قم‪ ،‬واألدوار المناطة بها‪ ،‬ومنها ما‬
‫روي عن اإلمام الصادق أنه قال‪(:‬إنما سمي قم ألن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد‬

‫‪ )(1‬إكمال الدين ‪.2/368‬‬


‫‪ )(2‬بحار األنوار‪.52/323 :‬‬
‫‪ )(3‬يكنى بثارات الحسين عن نصرة المستضعفين‪.‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار ج‪ 52‬ص ‪.308‬‬
‫‪ )(5‬بحار األنوار‪ ،216 / 60 :‬وقد نقلها صاحب البحار عن كتاب ت اريخ قم لمؤلف ه الحس ن بن محم د الحس ن‬
‫القمي الذي ألفه قبل أكثر من ألف سنة‪.‬‬
‫‪ )(6‬رواه الترمذي‪ ،‬ح(‪)3260‬‬
‫‪276‬‬
‫وينصرونه)(‪)1‬‬ ‫‪ ‬ويقومون معه‪ ،‬ويستقيمون عليه‬
‫وروي أن جماع ة من أهل ال ري دخل وا علي ه‪ ،‬وق الوا‪ :‬نحن من أهل ال ري‪،‬‬
‫فقال‪ :‬مرحبا ً بإخواننا من أهل قم‪ .‬فقالوا‪ :‬نحن من أهل الري‪ ،‬فقال‪ :‬مرحبا ً بإخوانن ا‬
‫من أهل قم‪ .‬فقالوا‪ :‬نحن من أهل الري‪ .‬فأعاد الكالم! قالوا ذلك مراراً وأجابهم بمثل‬
‫ما أجاب به أوالً‪ ،‬فقال‪( :‬إن هلل حرما ً وه و مك ة وإن لرس وله حرم ا ً وه و المدين ة‪،‬‬
‫وإن ألميرالمؤمنين حرما ً وهو الكوف ة‪ ،‬وإن لن ا حرم ا ً وه و بل دة قم‪ ،‬وس تدفن فيه ا‬
‫امرأة من أوالدي تسمى فاطمة‪ ،‬فمن زارها وجبت له الجن ة)‪ ،‬ق ال ال راوي‪ :‬وك ان‬
‫هذا الكالم منه قبل أن يولد الكاظم(‪.)2‬‬
‫وق ال‪( :‬إن هللا احتج بالكوفة على س ائر البالد‪ ،‬وب المؤمنين من أهلها على‬
‫غ يرهم من أهل البالد‪ ،‬واحتج ببل دة قم على س ائر البالد‪ ،‬وبأهلها على جميع أهل‬
‫المش رق والمغ رب من الجن واإلنس‪ ،‬ولم يَ دَع قم وأهل ه مستض عفا ً ب ل وفقهم‬
‫وأيدهم)‪ ،‬ثم قال‪( :‬سيأتي زمان تكون بلدة قم وأهلها حج ة على الخالئ ق‪ ،‬وذل ك في‬
‫زمان غيبة قائمن ا إلى ظه وره‪ ،‬ول وال ذل ك لس اخت األرض بأهله ا‪ .‬وإن المالئك ة‬
‫لتدفع الباليا عن قم وأهله‪ ،‬وما قصده جبار بسوء إال قصمه قاصم الجبارين‪ ،‬وشغله‬
‫عنه بداهية أو مصيبة أو عدو‪ ،‬ويُنسي هللا الجبارين في دولتهم ذك ر قم وأهل ه‪ ،‬كم ا‬
‫نسوا ذكر هللا)(‪)3‬‬

‫[الحديث‪ ]858 :‬قي ل لإلم ام الرض ا‪ :‬أنت ص احب ه ذا األم ر؟‪ ،‬فق ال‪( :‬أن ا‬
‫لست بالذي أمألها عدالً كم ا ُملئت ج وراً‪ ،‬وكي ف أك ون‬ ‫ُ‬ ‫صاحب هذا األمر‪ ،‬ولكني‬
‫وإن الق ائم ه و ال ذي إذا خ رج ك ان في س ن‬ ‫ذاك على ما ترى من ض عف ب دني؟‪ّ ،‬‬
‫الشيوخ‪ ،‬ومنظر الشباب‪ ،‬قويا ً في بدنه‪ ،‬حتى لو م ّد يده إلى أعظم ش جرة على وج ه‬
‫األرض لقلعها‪ ،‬ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها‪ ،‬يكون معه عصا موسى‪،‬‬
‫وخاتم س ليمان‪ ،‬ذاك الراب ع من ول دي‪ ،‬يغيّب ه هللا في س تره م ا ش اء هللا‪ ،‬ثم يُظه ره‬
‫فيمأل به األرض قسطا ً وعدالً كما ُملئت جوراً وظلماً)(‪)4‬‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪.57/215:‬‬
‫‪ )(2‬بحار األنوار‪.57/217:‬‬
‫‪ )(3‬بحار األنوار‪.57/213:‬‬
‫‪ )(4‬بحار األنوار‪ ،52/322 :‬وإكمال الدين‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫األحاديث المردودة حول اإلمامة واالمتداد الرسالي‬
‫بما أن الوصايا النبوية المتعلقة باإلمام ة وم ا يق ف في وجهه ا من الفتن‪ ،‬من‬
‫أكبر العقب ات ال تي تح ول بين الفئ ة الباغي ة ومش روعها الش يطاني المض اد لل دين‬
‫الحق؛ فقد استعملت كل إمكانياتها في تحري ف تل ك الوص ايا وتش ويهها ع بر ض خ‬
‫الكثير من الروايات المضادة لمعانيها‪ ،‬أو المشوهة لها‪.‬‬
‫وهو نفس المنهج الذي قام به المشركون حين كانوا يستعملون الباطل واللغ و‬
‫ال الَّ ِذينَ َكفَ رُوا اَل ت َْس َمعُوا لِهَ َذا‬ ‫﴿وقَ َ‬ ‫للصرف عن القرآن الك ريم‪ ،‬كم ا ق ال تع الى‪َ :‬‬
‫ْالقُرْ آ ِن َو ْال َغوْ ا فِي ِه لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْغلِبُونَ ﴾ [فصلت‪]26 :‬‬
‫وقد وصف هللا تعالى ما كانوا يمارسونه لصرف الن اس عن الق رآن الك ريم‪،‬‬
‫يل هَّللا ِ بِ َغ ْي ِر ِع ْل ٍم َويَتَّ ِخ َذهَا‬
‫ض َّل ع َْن َسبِ ِ‬‫ث لِيُ ِ‬ ‫اس َم ْن يَ ْشت َِري لَ ْه َو ْال َح ِدي ِ‬ ‫فقال‪َ ﴿ :‬و ِمنَ النَّ ِ‬
‫ين (‪َ )6‬وإِ َذا تُ ْتلَى َعلَ ْي ِه آيَاتُنَا َولَّى ُم ْستَ ْكبِرًا َكأ َ ْن لَ ْم يَ ْس َم ْعهَا‬ ‫هُ ُز ًوا أُولَئِكَ لَهُ ْم َع َذابٌ ُم ِه ٌ‬
‫ب أَلِ ٍيم﴾ [لقمان‪]7 ،6 :‬‬ ‫َكأ َ َّن فِي أُ ُذنَ ْي ِه َو ْقرًا فَبَ ِّشرْ هُ بِ َع َذا ٍ‬
‫والمراد باللهو كل األحاديث الفارغة الممل وءة بم ا تنبه ر ب ه األس ماع‪ ،‬مم ا‬
‫يغذي الخيال‪ ،‬لكنه ال يفيد في الواقع أي فائدة‪.‬‬
‫ولهذا؛ فإن الفئة الباغية ـ بشقيها السياسي والديني ـ استعملت إلنج اح الث ورة‬
‫المضادة التي ق امت به ا في مواجه ة اإلمام ة واالمت داد الرس الي‪ ،‬ثالث ة أن واع من‬
‫الروايات‪:‬‬
‫األولى‪ :‬تلك الروايات المشوهة والمسيئة ألئمة اله دى‪ ،‬وتص ويرهم بص ورة‬
‫مخالفة تماما لم ا ورد في الرواي ات الص حيحة الكث يرة عنهم‪ ،‬وهي رواي ات تخ دم‬
‫المشروع الذي قام به بنو أمية للقضاء على ك ل أث ر لل والء لخص ومهم من آل بيت‬
‫النبوة‪.‬‬
‫(إن مخالفين ا‬ ‫وق د أش ار إلى ه ذا الن وع من الرواي ات اإلم ام الرض ا بقول ه‪ّ :‬‬
‫وض عوا أخب اراً في فض ائلنا وجعلوه ا على أقس ام ثالث ة‪ :‬أح دها‪ :‬الغل و‪ ،‬وثانيه ا‪:‬‬
‫التقصير في أمرنا‪ ،‬وثالثها‪ :‬التصريح بمثالب أع دائنا‪ ،‬ف إذا س مع الن اس الغل و فين ا‬
‫كفّروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا‪ ،‬وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فين ا‪ ،‬وإذا‬
‫سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا)(‪)1‬‬
‫الثانية‪ :‬تل ك الرواي ات ال تي وض عت لمن اقب الكث ير من الص حابة‪ ،‬وال تي‬
‫تخالف في معانيها القرآن الك ريم‪ ،‬أو تض اد تل ك الوص ايا المرتبط ة بأئم ة اله دى‪،‬‬
‫والغرض من ذلك تمييع ما ورد عنهم‪ ،‬وكأن رسول هللا ‪ ‬كان يثني كل حين على‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ ،25/278 :‬واالحتجاج ص‪ ،242‬تفسير اإلمام ص‪.18‬‬


‫‪278‬‬
‫من يستحق ومن ال يستحق‪.‬‬
‫وقد أشار إلى هذا النوع من الروايات اإلمام أحمد؛ فقد ح دث عن ه ابن ه عب د‬
‫هللا بن أحمد قال‪ :‬سألت أبي فقلت‪ :‬ما تقول في علي ومعاوية؟ فأطرق ثم قال‪( :‬إيش‬
‫إن عليا ً كان كثير األعداء‪ ،‬ففتش أعداؤه له عيبا ً فلم يجدوا‪ ،‬فجاءوا إلى‬‫أقول فيهما؟ ّ‬
‫(‬ ‫ً‬
‫فأطروه كيادا منهم له) ‪)1‬‬
‫َ‬ ‫رجل قد حاربه وقاتله‬
‫وق د عل ق ابن حج ر على ه ذه الرواي ة بقول ه‪( :‬فأش ار به ذا إلى م ا اختلق وه‬
‫لمعاوية من الفضائل م ّما ال أصل له‪ ،‬وق د ورد في فض ائل معاوي ة أح اديث كث يرة‬
‫لكن ليس فيها ما يص ّح من طريق اإلسناد‪ ،‬وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي‬
‫وغيرهما)(‪)2‬‬
‫الثالثة‪ :‬الرواي ات ال تي وض عت في المالحم والفتن‪ ،‬وال تي تغرقه ا في‬
‫األساطير والخرافات‪ ،‬وتبعدها عن الواقع‪ ،‬وهي أشبه بتلك اإلسرائيليات التي فُس ر‬
‫بها القصص القرآني‪ ،‬ليبعده عن تأثيره الواقعي‪.‬‬
‫بناء على هذا سنذكر هنا مجاميع ألمثال تلك الروايات واألحاديث التي ن رى‬
‫ضرورة ردها لمخالفتها للقرآن الكريم‪ ،‬ولسائر األح اديث الص حيحة المتف ق عليه ا‬
‫بين األمة جميعا‪.‬‬
‫أوال ـ األحاديث المشوهة ألئمة الهدى والمسيئة لهم‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة لألس ف تمأل ال تراث الس ني والش يعي‪ ،‬وال تتناس ب م ع‬
‫غيرها من األحاديث المقبولة التي ذكرناها‪ ،‬وقد قام بوضعها صنفان من البغاة‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬النواصب من أعداء العترة الطاهرة‪ ،‬والذين تمتلئ بهم كتب الح ديث‬
‫والرجال‪ ،‬وينال بعضهم أشرف أنواع األوسمة م ع أن رس ول هللا ‪ ‬اعت بر بغض‬
‫اإلمام علي نفاقا‪ ،‬وكان األص ل رمي ك ل راو متهم في والئ ه لإلم ام علي والع ترة‬
‫الطاهرة‪ ،‬لكن العكس هو الذي حصل‪.‬‬
‫ثانيهما ـ الغالة من الش يعة‪ ،‬وال ذين ح ذر منهم األئم ة تح ذيرا ش ديدا‪ ،‬ب ل‬
‫اعتبروهم أخطر من النواصب أنفسهم‪ ،‬وذل ك بس بب تش ويههم لإلمام ة بالمبالغ ات‬
‫في حقه ا‪ ،‬وتحويله ا إلى ن وع من الش رك‪ ،‬كم ا ذكرن ا األح اديث الدال ة على ذل ك‬
‫سابقا‪.‬‬
‫ويمكننا من خالل االستقراء حصر األحاديث المردودة الواردة في هذا الباب‬
‫إلى األنواع التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ األحاديث المشوهة ألئمة الهدى‪:‬‬
‫وهي أحاديث نجدها لألسف في مصادر السنة والشيعة‪ ،‬وتخالف كل م ا ورد‬
‫عن أئمة الهدى من قيم نبيلة‪ ،‬باإلضافة إلى مخالفتها للقرآن الكريم‪ ،‬وهي فوق ذل ك‬
‫مروية بأسانيد مملوءة بالضعف‪.‬‬

‫‪ )(1‬الموضوعات البن الجوزي‪.24 /2 :‬‬


‫‪ )(2‬فتح الباري‪.104 /7:‬‬
‫‪279‬‬
‫وسنكتفي هنا بنموذجين منه ا‪ ،‬كالهم ا ل ه عالق ة بتع دد الزوج ات‪ ..‬أح دهما‬
‫مرتبط باإلمام علي‪ ،‬والثاني باإلمام الحسن‪.‬‬
‫النموذج األول‪ :‬تشويه اإلمام علي‬
‫وهي رواية ال تشوه اإلمام علي فقط‪ ،‬وإنما تشوه رسول هللا ‪ ،‬وتجعل ه من‬
‫المخالفين للقرآن الكريم‪ ،‬والمعقبين على أحكامه‪.‬‬
‫ونص الرواية ه و م ا ح دث ب ه المس ور بن مخرم ة أن علي بن أبي ط الب‬
‫خطب بنت أبي جهل‪ ،‬وعنده فاطمة بنت رسول هللا ‪ ،‬فلم ا س معت ب ذلك فاطم ة‬
‫ي ناكحا‬‫أتت النبي ‪ ،‬فقالت له‪ :‬إن قومك يتحدثون أنك ال تغضب لبناتك‪ ،‬وهذا عل ٌ‬
‫ابنة أبي جهل‪ ،‬فقام رسول هللا ‪‬؛ فسمعته حين تشهد يقول‪( :‬أما بع د ف إني أنكحت‬
‫أبا العاص بن الربيع فحدثني فصدقني‪ ،‬ووعدني فوفى لي‪ ،‬وإنما فاطمة بضعةٌ مني‬
‫يؤذيني ما آذاها‪ ،‬وإنها وهللا ال تجتمع بنت رسول هللا وبنت عدو هللا عند رجل واحد‬
‫ي الخطبة(‪.)1‬‬ ‫أبدا)‪ ،‬قال‪ :‬فترك عل ٌ‬
‫وهي رواي ة ظ اهرة الوض ع‪ ،‬وأن ال ذي وض عها من النواص ب الممتل ئين‬
‫بالحقد على اإلمام علي؛ فلذلك راح يطعنه في وفائه لرسول هللا ‪ ‬ووفائه لزوجت ه‬
‫فاطمة بضعة رس ول هللا ‪ ،‬ليس بتعدي د الزوج ات فق ط‪ ،‬وإنم ا ب الزواج من بنت‬
‫أبي جهل عدو رسول هللا ‪ ‬اللدود‪.‬‬
‫وربما يك ون مقص ده من ذل ك ال رد على م ا ورد من الرواي ات الكث يرة عن‬
‫غضب الزهراء على أبي بكر وغيره من الصحابة في شأن حقه ا في ف دك‪ ،‬ول ذلك‬
‫راحوا يضعون من الحديث ما يبين غضبها على اإلمام علي‪ ،‬ليستوي الطرفان‪.‬‬
‫ول ذلك ن رى النواص ب يش يدون به ذه الرواي ة‪ ،‬ويعتبرونه ا‪ ،‬ويعظمونه ا‪،‬‬
‫ويبنون مواقفهم من اإلمام علي على أساسها(‪ ،)2‬مع أن أي قارئ لها يكتشف أنها ال‬
‫تشوه اإلمام علي فقط‪ ،‬وإنما تشوه قبل ذل ك رس ول هللا ‪ ،‬ب ل تطعن ه في تحكيم ه‬
‫لكتاب ربه‪ ،‬ورحمته بأمته‪.‬‬
‫فهي تص ور أن رس ول هللا ‪ ‬رحم ابنت ه‪ ،‬ول بى مطلبه ا في نفوره ا من‬
‫التعدد‪ ،‬في نفس الوقت الذي يرض ى ذل ك لغيره ا من النس اء‪ ،‬وه و م ا يتن افى م ع‬
‫عدالة رسول هللا ‪ ‬ورحمته الشاملة التي تجعله يتعامل مع جميع نساء األمة بنفس‬
‫معاملته البنته‪.‬‬
‫ومن العجيب أن الذين يدافعون عن هذه الرواية ويبررونها يستش هدون ل ذلك‬
‫بما ورد في رواية أخرى‪ ،‬قال فيها رسول هللا ‪( :‬وأنا أتخوف أن تفتن في دينه ا)‬

‫‪ )(1‬رواه البخاري (‪ ،)3110‬ومسلم (‪)2449‬‬


‫‪ )(2‬من األمثلة على ذلك قول ابن القيم‪( :‬وفى ذكره ‪ ‬صهره اآلخر‪ ،‬وثناءه عليه بأن ه حدث ه فص دقه‪ ،‬ووع ده‬
‫فوفى له‪ ،‬تعريضٌ بعلي رضي هللا عنه‪ ،‬وتهيي ٌج له على االقتداء به‪ ،‬وهذا يشعر بأنه جرى منه وعد له بأنه ال يريبه ا‬
‫وال يؤذيها‪ ،‬فهيجه على الوفاء له‪ ،‬كما وفى له صهره اآلخر) زاد المعاد (‪)5/118‬‬
‫‪280‬‬
‫دينها)(‪)2‬‬ ‫(‪ ،)1‬و(إن فاطمة مني‪ ،‬وإني أتخوف أن تفتن في‬
‫والتي علق عليه ا بعض هم بقول ه‪( :‬إن الغ يرة من األم ور ال تي جبلت عليه ا‬
‫المرأة‪ ،‬فخشي النبي ‪ ‬أن تدفعها الغيرة لفع ل م ا ال يلي ق بحاله ا ومنزلته ا‪ ،‬وهي‬
‫سيدة نساء العالمين‪ ،‬خاصة وأنها فقدت أمها‪ ،‬ثم أخواتها واحدة بعد واحدة‪ ،‬فلم يب ق‬
‫لها من تستأنس به ممن يخفف عليها األمر ممن تفضي إليه بس رها إذا حص لت له ا‬
‫الغيرة)‬
‫وقال آخر‪( :‬السياق يشعر بأن ذلك مب ا ٌح لعلي‪ ،‬لكن ه منع ه الن بي ‪ ‬رعاي ة‬
‫لخاطر فاطمة‪ ،‬وقبل هو ذلك امتثاال ألمر النبي ‪ ‬والذي يظهر لي أن ه ال يبع د أن‬
‫يعد في خصائص النبي ‪ ‬أن ال يتزوج على بناته‪ ،‬ويحتمل أن يك ون ذل ك خاص ا‬
‫بفاطمة)(‪)3‬‬
‫ول و أن ه ؤالء نظ روا إلى س ند الرواي ة وح ده لكف اهم دالل ة على وض عها‬
‫وتدليس ها؛ فرواته ا من النواص ب ش ديدي البغض لإلم ام علي؛ فمنهم ع روة بن‬
‫الزب ير‪ ،‬والمس ور بن مخرم ة‪ ،‬وك ان من أع وان عبدهللا بن الزب ير وأنص اره‬
‫والمقتولين معه في الكعبة‪ ،‬وكان من الخ وارج‪ ،‬ومنهم عبدهللا بن أبي مليك ة‪ ،‬وه و‬
‫قاضي الزب ير ومؤذن ه‪ ،‬وك ل ه ؤالء (على م ذهب إم امهم عبدهللا بن الزب ير ال ذي‬
‫اشتهر بعدائه ألهل البيت‪ ،‬وتلك أخباره في واقعة الجم ل وغيره ا‪ ،‬ثم حص ره ب ني‬
‫هاشم في الشعب بمكة فإما البيعة ل ه وإم ا القت ل‪ ،‬ثم إخراج ه محم د بن الحنفي ة من‬
‫مكة والمدينة وابن عب اس إلى الط ائف‪ ..‬وق د ق ال أم ير المؤم نين كلمت ه القص يرة‬
‫المعروفة‪( :‬ما زال الزبير رجالً منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد هللا)(‪)4‬‬
‫النموذج الثاني‪ :‬تشويه اإلمام الحسن‬
‫وهي روايات كثيرة وردت في المص ادر الس نية والش يعية‪ ،‬نقله ا النواص ب‬
‫بعض هم عن بعض‪ ،‬ثم تلقفه ا أص حاب كتب الح ديث ال تي تهتم بالرواي ة أك ثر من‬
‫اهتمامها بالدراية‪.‬‬
‫وهي تذكر أن اإلمام الحسن كان كثير ال زواج والطالق‪ ،‬وأن ه لم يكن يطل ق‬
‫نساءه إال ألجل أن يتزوج نساء جددا‪ ،‬ألن الش رع ال ي بيح ل ه أن يجم ع ف وق أرب ع‬
‫نسوة‪.‬‬
‫وهذه الروايات تتنافى مع ما كان عليه اإلمام الحسن وس ائر أئم ة اله دى من‬
‫الزهد في الدنيا‪ ،‬واالهتمام بأداء الواجبات الرسالية الكث يرة المناط ة بهم‪ ،‬باإلض افة‬
‫إلى أنها ترميه بالقسوة والشدة؛ فالذي يق دم على الطالق لغ ير س بب س وى ال زواج‬
‫مرة أخرى‪ ،‬وبعدد جديد من النسوة‪ ،‬ليس في قلبه أدنى رحم ة وعط ف‪ ،‬وه و أم ر‬
‫يتنزه عنه المؤمنون العوام؛ فكيف بإمام من أئمة الهدى‪.‬‬
‫‪ )(1‬البخاري (‪)3110‬‬
‫‪ )(2‬مسلم (‪)2449‬‬
‫‪ )(3‬فتح الباري (‪)9/329‬‬
‫‪ )(4‬نهج البالغة‪.555/453 ،‬‬
‫‪281‬‬
‫ومن الروايات الواردة في ه ذا في المص ادر الش يعية م ا روي أن علي ا ق ال‬
‫وهو على المنبر‪( :‬ال تزوج وا الحس ن فإن ه رج ل مطالق)‪ ،‬فق ام رج ل من هم دان‬
‫فق ال‪ :‬بلى وهللا لنزوجن ه وه و ابن رس ول هللا ‪ ‬وابن أم ير المؤم نين؛ ف إن ش اء‬
‫أمسك وإن شاء طلق(‪.)1‬‬
‫وفي سند هذه الرواية‪ :‬محمد بن أبي عمير‪ ،‬وقد ذكره السيد الخ وئي‪ ،‬ورجح‬
‫أنه بياع السابري ولم يوثقه‪ ،‬وعلى هذا يكون سند الرواية ضعيفا ً(‪.)2‬‬
‫ومنها ما روي عن اإلمام الصادق أنه قال‪ :‬إن الحسن بن علي طل ق خمس ين‬
‫امرأة فقام علي بالكوفة فقال‪ :‬يا معاش ر أه ل الكوف ة ال تنكح وا الحس ن فإن ه رج ل‬
‫مطالق فقام إليه رجل فقال‪ :‬بلى وهللا لننكحنه فإنه ابن رسول هللا وابن فاطم ة‪ ،‬ف إن‬
‫أعجبته أمسك وإن كره طلق(‪.)3‬‬
‫والرواية ضعيفة السند؛ فإن يحيى بن أبي العالء مجهول ولم يوثق فال يعتم د‬
‫عليها‪ ،‬ولذلك حكم المجلسي بأن الحديث مجهول‪ ،‬وق ال الس يد الخ وئي في ال راوي‬
‫مجهول(‪.)4‬‬
‫ومثلها روايات أخرى في المصادر السنية‪ ،‬منها أن اإلمام علي قال‪( :‬يا أه ل‬
‫العراق أو ي ا أه ل الكوف ة ال تزوج وا حس نا فإن ه رج ل مطالق)‪ ،‬وقول ه‪( :‬م ا زال‬
‫الحسن يتزوج ويطلق حتى حسبت أن يكون عداوة في القبائل) (‪)5‬‬
‫وهو يدل على أن مصدر هذه الروايات جميعا واحد‪ ،‬وهو تل ك الفئ ة الباغي ة‬
‫التي استعملت كل الوسائل لتشويه أئمة اله دى‪ ،‬والح ط من ش أنهم‪ ،‬كم ا اتفقت على‬
‫ذلك كل المصادر التاريخية‪.‬‬
‫وقد اختلفت تلك الرواي ات في ع دد زوجات ه‪ ..‬فق د ذك ر بعض هم أن أزواج ه‬
‫أربعة وستين عدا الجواري‪ ..‬وذكر أبو ط الب المكي في [ق وت القل وب] أن ت زوج‬
‫مائتين وخمسين امرأة وقيل ثالثمائة‪ ..‬وروي في مكارم األخالق‪ :‬أنه ت زوج زي ادة‬
‫على مائتين وربما كان يعقد على أربع في عقد واحد‪.‬‬
‫وقد استعرض الشيخ حسين الراضي الروايات الواردة في هذا الباب‪ ،‬وناقش‬
‫أس انيدها‪ ،‬وبين ض عفها جميع ا‪ ،‬ثم عل ق عليه ا بمجموع ة من االنتق ادات المهم ة‬
‫نلخصها فيما يلي(‪:)6‬‬
‫‪ .1‬أن هذه الروايات اختلفت في عدد الزوجات‪ ،‬وهو ي دل على اض طرابها‪..‬‬
‫فبعض الروايات تذكر ‪ 50‬امرأة‪ ..‬وبعض ها ت ذكر ‪ 70‬ام رأة‪ ..‬وبعض ها ت ذكر ‪90‬‬
‫امرأة‪ ..‬وبعضها تذكر ‪ 250‬امرأة‪ ..‬وبعضها ت ذكر ‪ 300‬ام رأة‪ ،‬وربم ا يق ال أك ثر‬
‫‪ )(1‬مرآة العقول ج‪ 21‬ص ‪.96‬‬
‫‪ )(2‬معجم رجال الحديث ج ‪ 20‬ص ‪.25‬‬
‫‪ )(3‬وسائل الشيعة‪ ،‬ج ‪ 22‬ص ‪.9‬‬
‫‪ )(4‬الحدائق الناضرة ـ المحقق البحراني ج ‪ 2‬ص ‪.148‬‬
‫‪ )(5‬المصنف ـ ابن أبي شيبة الكوفي ج ‪ 4‬ص ‪.172‬‬
‫‪ )( 6‬انظر مقاال بعنوان [من التهم التي الصقت باالمام الحسن أنه كثير الزواج والطالق]‪ ،‬وقد نشرت في الموقع‬
‫الرسمي للشيخ حسين الراضي‪ ،‬تحت عنوان [شبهات حول اإلمام الحسن]‬
‫‪282‬‬
‫من ذل ك ألن المغ يرة بن ش عبة ت زوج بـ ‪ 1000‬ام رأة‪ ،‬كم ا ه و مش هور‪ ،‬وهن ا‬
‫يريدون أن يقيسوا اإلمام الحسن بالمغيرة بن شعبة‪.‬‬
‫‪ .2‬أن عدد أوالده ال يتناسب مع ما روي من كثرة نسائه‪ ،‬فق د ذك ر الم دائني‬
‫وغيره أن اإلمام الحسن إنما خلّف ‪ 12‬ولداً وبنتاً‪ ،‬وه و ال يتناس ب م ع ‪ 300‬ام رأة‬
‫التي ذكرها المدائني وغيره‪..‬‬
‫ً‬
‫‪ .3‬أن اإلمام الحسن كان كثيرا ما يناظر أعداءه سواء كان معاوي ة أو عم رو‬
‫بن الع اص‪ ،‬أو غيرهم ا‪ ،‬ولم ن ر في من اظرة من المن اظرات أنهم تطرق وا إلى أن‬
‫اإلمام الحسن كان كثير الزواج ألن هذه تهمة ليست قليلة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أحاديث الغلو في حق أئمة الهدى‪:‬‬
‫وهي أح اديث ب دأ نش رها ابت داء من عه د اإلم ام علي‪ ،‬كم ا ت دل على ذل ك‬
‫الروايات‪ ،‬واستمر في جميع العهود‪ ،‬وربما إلى يومنا هذا؛ فال يزال الغالة يضعون‬
‫في كل حين أحاديث جديدة‪ ،‬يروونها من غير سند‪ ،‬ليحول وا األئم ة إلى شخص يات‬
‫أسطورية ال تختلف عن تلك الشخصيات التي تتحدث عنها األساطير الوثنية‪.‬‬
‫وق د ذكرن ا في الفص ل الس ابق مواجه ة األئم ة الش ديدة له ؤالء الغالة‪ ،‬ب ل‬
‫حكمهم عليهم بالتكفير‪ ،‬واعتبارهم شرا من النواصب‪ ،‬وال نريد أن نكرر ذل ك هن ا‪،‬‬
‫ولكنا سنذكر نماذج عن الغلو الذي حدث بعد األئم ة نتيج ة ت أثر بعض الش يعة بم ا‬
‫يُطلق عليه التصوف الفلسفي‪ ،‬والذي جعل هؤالء يطبقون نفس م ا ي ردده الص وفية‬
‫على األئمة‪.‬‬
‫ومص درنا في ه ذه النم اذج كت اب [مش ارق أن وار اليقين في أس رار أم ير‬
‫المؤمنين]‪ ،‬للحافظ رجب البرسي‪ ،‬وال ذي ال ت زال بعض المج امع الش يعية تت داول‬
‫رواياته لألسف مع كونها متناقضة مع تلك األحاديث ال تي يح ذر فيه ا أئم ة اله دى‬
‫من التصوف الفلسفي‪ ،‬كما يحذرون من الغلو‪.‬‬
‫وقبل سرد بعض ما ورد فيه من نماذج الغلو نذكر أن جميع من ترجم للكاتب‬
‫ذكر تأثره بالتصوف وعالقته بالغلو‪ ،‬وإن اختلفوا في تقدير مدى غلوه‪.‬‬
‫ومن األمثل ة على ذل ك م ا قال ه العالم ة األمي ني في ترجمت ه ل ه‪ ،‬فق د ق ال‪:‬‬
‫(الشيخ رضي الدين رجب بن محم د بن رجب البرس ي الحلي المع روف بالحاف ظ‪:‬‬
‫من عرفاء علماء اإلماميّة وفقهائها المشاركين في العل وم‪ ،‬على فض له الواض ح في‬
‫فن الحديث‪ ،‬وتق ّدمه في األدب وقرض الشعر وإجادت ه‪ ،‬وتض لّعه في علم الح روف‬ ‫ّ‬
‫وأسرارها واستخراج فوائدها‪ ،‬وبذلك كله تجد كتبه طافح ة ب التحقيق ودقّ ة النظ ر‪،‬‬
‫أن ل ه في والء أئم ة ال دين‬ ‫خاص ة‪ ،‬كم ا ّ‬
‫ّ‬ ‫ول ه في العرف ان والح روف مس الك‬
‫عليهم‌الس الم آراء ونظري ات ال يرتض يها لفيف من الن اس‪ ،‬ول ذلك رم وه ب الغل ّو‬
‫أن جميع ما يثبته الم ترجم لهم عليهم‌الس الم من الش ؤون‬ ‫ق ّ‬‫أن الح ّ‬
‫واالرتفاع‪ ،‬غير ّ‬
‫هي دون مرتبة الغل ّو وغير درجة النبوّة)(‪)1‬‬

‫‪ )(1‬الغدير‪ 33 / 7 :‬ـ ‪.68‬‬


‫‪283‬‬
‫وبخالفه نجد العالمة المجلسي ـ مع كونه من اإلخب اريين ـ يق ف من ه موقف ا‬
‫متشددا؛ فقد قال عنه في البحار‪( :‬ال أعتمد على ما يتفرد في نقل ه الش تمال كتابي ه ـ‬
‫مشارق االنوار واأللفين ـ على ما يوهم الخبط واالرتفاع والخلط)‬
‫وقال عنه الحر العاملي‪( :‬في كتابه افراط وربما نسب الى الغلو)‬
‫وقال عنه محسن االمين في أعي ان الش يعة‪( :‬في طبع ه ش ذوذ‪ ،‬وفي مؤلفات ه‬
‫خبط وخلط وشيء من الغلو)‬
‫وعلى النقيض من هؤالء نجد من يقدس الكتاب‪ ،‬ويجعله من الكتب المعتبرة‪،‬‬
‫ويتوهم أن ذلك هو عين التحقيق‪ ،‬ومن ذلك ما عبر عنه محقق كتابه بقول ه ـ تعليق ا‬
‫على من انتق ده ـ‪( :‬ول ذلك تج د كث يرا من علمائن ا المحقّقين في المعرف ة باألس رار‬
‫يثبتون ألئمة الهدى ك ّل هاتيك الش ؤون وغيره ا م ّم ا ال يتح ّمل ه غ يرهم‪ ،‬وك ان في‬
‫علماء قم من يرمي بالغلو ك ّل من روى شيئا من تلكم األسرار حتى ق ال ق ائلهم‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫أوّل مراتب الغل ّو نفي الس هو عن الن ب ّي ‪ ‬إلى أن ج اء بع دهم المحقّق ون وعرف وا‬
‫الحقيقة فلم يقيموا لكثير من تلكم التضعيفات وزنا‪ ،‬وهذه بليّة م ني به ا كث يرون من‬
‫أهل الحقائق والعرف ان ومنهم الم ترجم‪ ،‬ولم ت زل الفئت ان على ط رفي نقيض‪ ،‬وق د‬
‫تقوم الحرب بينهما على أش ّدها‪ ،‬والصلح خير)(‪)1‬‬
‫وهو يقصد بالتحقيق والمحققين هن ا تل ك النظري ات العرفاني ة المس تلهمة من‬
‫كتب ابن عربي والجيلي والقونوي وغ يرهم‪ ،‬وال تي تح اول أن تعطي فلس فة لمث ل‬
‫هذه المعاني‪ ،‬وهي ال تكتفي بها في مصاديق ومحال محدودة‪ ،‬ب ل تعممه ا لك ل من‬
‫يشم فيه رائحة الوالية‪ ،‬بل أصبح لقب الوالية خاص ا بمن يتف وه بمث ل ه ذه األبي ات‬
‫التي يقول فيها صاحبها(‪:)2‬‬
‫من الفضل واستدعاه حكم‬ ‫تقدم لي عند المهيمن سابق‬
‫المشيئة‬
‫بعزة ربي في العوالم عزتي‬ ‫فلي عزة الملك القديم ألنني‬
‫ولي حضرة التجريد عن كل‬ ‫ولي مقعد التنزيه عن كل‬
‫شركة‬ ‫حادث‬
‫‪.‬من هللا عرش لي على ماء‬ ‫جلست بكرسي التفرد‬
‫قدرتي‬ ‫فاستوى‬
‫وما ثم غيري ظاهر حين غيبتي‬ ‫تراني ببطن الغيب إذ أنا‬
‫ظاهر‬
‫تجلى منه غير تحقيق حكمتي‬ ‫تجليت من لوح البطون ولم‬
‫يكن‬
‫ولم يك كون غير تلوين بهجتي‬ ‫ألني قبل الكون إذ أنا بعده‬
‫تجليت بعد باسم ناري وجنتي‬ ‫تجليت قبل باسم لوح القضا‬
‫كما‬
‫‪ )(1‬مشارق أنوار اليقين‪ ،‬ص‪.7‬‬
‫‪ )(2‬القصيدة للشيخ الصوفي محمد الحراق‪.‬‬
‫‪284‬‬
‫عجيبٌ بدت في كثرتي أحديتي‬ ‫ترامت بأنواري المقادير إنني‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫أنت قطبٌ على جميع‬ ‫قالت األولياء جمعا بعزم‬
‫األنام‬
‫إنما القطب خادمي‬ ‫قلت كفوا ثم اسمعوا نص‬
‫وغالمي‬ ‫قولي‬
‫ٌ‬
‫طائف بخيامي‬ ‫وأنا البيت‬ ‫كل قطب يطوف بالبيت سبعا‬
‫ودعاني لحضرة ومقام‬ ‫كشف الحجب والستور لعيني‬
‫عند عرش اإلله كان‬ ‫فاخترقت الستور جمعا لحبي‬
‫مقامي‬
‫وطراز وخلعة باختتام‬ ‫وكساني بتاج تشريف عز‬
‫وركابي عال وعزمي‬ ‫فرس العز تحت سرج جوادي‬
‫لجامي‬
‫كان نار الجحيم منها‬ ‫وإذا ما جذبت قوس مرامي‬
‫سهامي‬
‫وهي في قبضتي كفرخ‬ ‫سائر األرض كلها تحت‬
‫حمام‬ ‫حكمي‬
‫خطوتي وأقلها باهتمام‬ ‫مطلع الشمس ثم أقصى‬
‫الغروب‬
‫وعلى مثال هذه القصائد الواردة في كتب المدرسة الس نية نج د ه ذه النم اذج‬
‫في هذا الكتاب المتأثر بهذا النوع من التصوف‪ ،‬وال تي يمكن تص نيفها إلى األن واع‬
‫التالية‪:‬‬
‫أ ـ الغلو المرتبط باألحاديث الموضوعة الخالية من اإلسناد‪:‬‬
‫وهي أحاديث تشابه األحاديث التي يرويها الصوفية عادة في كتبهم خالية من‬
‫كل سند‪ ،‬وربما يكون إسنادها هي م ا ي راه الش يخ في رؤاه المنامي ة أو كش وفه‪ ،‬ثم‬
‫يذكرها بكل ثقة‪ ،‬ويتقبلها من بعده‪ ،‬باعتبارها أحاديث مسندة‪.‬‬
‫وسنكتفي منها هنا بنموذجين‪ ،‬كالهما رفضه أكثر علم اء الش يعة المعت دلين‪،‬‬
‫وهما‪:‬‬
‫الخطبة االفتخارية‪:‬‬
‫وهي خطبة طويلة عزاها ـ من غير سند ـ الشيخ رضي الدين البرس ي الحلي‬
‫إلى األصبغ بن نباتة‪ ،‬وهي متناقضة مع كل المعاني والقيم والتي مثلها اإلم ام علي‬
‫بسلوكه وأخالقه‪ ،‬كما دعا إليها في أحاديثه وخطبه وحكمه‪.‬‬
‫ومن الغلو ال وارد فيه ا‪( :‬أعطيت الص راط والم يزان والل واء والك وثر‪ ،‬أن ا‬
‫المقدم على بني آدم يوم القيامة‪ ،‬أنا المحاسب للخلق‪ ،‬أنا منزلهم منازلهم‪ ،‬أن ا ع ذاب‬
‫أهل النار‪ ،‬أال كل ذل ك من فض ل هللا علي‪ ،‬ومن أنك ر أن لي في األرض ك رة بع د‬
‫‪285‬‬
‫كرة وعودا بعد رجعة‪ ،‬حديثا كما كنت قديما‪ ،‬فق د رد علين ا‪ ،‬ومن رد علين ا فق د رد‬
‫على هللا‪ .‬أنا ص احب ال دعوات‪ ،‬أن ا ص احب الص لوات‪ ،‬أن ا ص احب النقم ات‪ ،‬أن ا‬
‫صاحب الدالالت‪ ،‬أنا صاحب اآليات العجيبات‪ ،‬أنا عالم أس رار البري ات‪ ،‬أن ا ق رن‬
‫من حديد‪ ،‬أنا أبدا جديد‪ ،‬أنا منزل المالئكة منازلها‪ ،‬أنا آخ ذ العه د على األرواح في‬
‫األزل‪ ،‬أنا المنادي لهم‪ ﴿ :‬أَلَس ُ‬
‫ْت بِ َربِّ ُك ْم ﴾ [األع راف‪ ]172 :‬ب أمر قي وم لم ي زل‪ .‬أن ا‬
‫كلمة هللا الناطقة في خلقه‪ ،‬أنا آخذ العهد على جميع الخالئق في الصلوات‪ ،‬أنا غوث‬
‫األرامل واليتامى‪ ،‬أنا ب اب مدين ة العلم‪ ،‬أن ا كه ف الحلم‪ ،‬أن ا عام ة هللا القائم ة‪ ،‬أن ا‬
‫صاحب لواء الحمد‪ ،‬أنا صاحب الهبات بعد الهبات ول و أخ برتكم لكف رتم‪ .‬أن ا قات ل‬
‫الجبابرة‪ ،‬أنا الذخيرة في الدنيا واآلخرة‪ ،‬أن ا س يد المؤم نين‪ ،‬أن ا علم المهت دين‪ ،‬أن ا‬
‫ص احب اليمين‪ ،‬أن ا اليقين‪ ،‬أن ا إم ام المتقين‪ ،‬أن ا الس ابق إلى ال دين‪ ،‬أن ا حب ل هللا‬
‫المتين‪ ،‬أنا الذي أمألها عدال كما ملئت ظلما وجورا بسيفي هذا‪ .‬أنا صاحب جبريل‪،‬‬
‫أنا تابع ميكائيل‪ ،‬أنا شجرة الهدى‪ ،‬أن ا علم التقى‪ ،‬أن ا حاش ر الخل ق إلى هللا بالكلم ة‬
‫التي بها يجمع الخاليق‪ ،‬أنا منشئ األنام‪ ،‬أن ا ج امع األحك ام‪ ،‬أن ا ص احب القض يب‬
‫األزهر والجمل األحمر‪ ،‬أنا باب اليقين)(‪)1‬‬
‫ومنه‪( :‬أنا المتكلم بالوحي‪ ،‬أنا صاحب النج وم‪ ،‬أن ا م دبرها ب أمر ربي وعلم‬
‫هللا الذي خصني به‪ ،‬أنا صاحب الرايات الص فر‪ ،‬أن ا ص احب الراي ات الحم ر‪ ،‬أن ا‬
‫الغائب المنتظر ألمر العظيم‪ ،‬أنا المعطي‪ ،‬أنا المبذل‪ ،‬أنا القابض يدي على القبض‪،‬‬
‫الواص ف لنفس ي‪ ،‬أن ا الن اظر ل دين ربي‪ ،‬أن ا الح امي البن عمي‪ ،‬أن ا مدرج ة في‬
‫األكفان‪ ،‬أنا والي الرحمن‪ ،‬أنا صاحب الخضر وهارون‪ ،‬أنا صاحب موسى ويوشع‬
‫بن ن ون‪ ،‬أن ا ص احب الجن ة‪ ،‬أن ا ص احب القط ر والمط ر‪ ،‬أن ا ص احب ال زالزل‬
‫والخسوف‪ ،‬أنا مروع األلوف‪ ،‬أنا قاتل الكفار‪ ،‬أنا إمام األبرار‪ ،‬أنا البيت المعم ور‪،‬‬
‫أنا الس قف المرف وع‪ ،‬أن ا البح ر المس جور‪ ،‬أن ا ب اطن الح رم‪ ،‬أن ا عم اد األمم‪ ،‬أن ا‬
‫صاحب األمر األعظم‪ ،‬هل من ناطق يناطقني؟ أنا النار‪ ،‬ول وال أني أس مع كالم هللا‬
‫وقول رسول هللا ‪ ‬لوضعت سيفي فيكم وقتلتكم عن آخركم‪ ،‬أنا شهر رمضان‪ ،‬أن ا‬
‫ليلة القدر‪ ،‬أنا أم الكتاب‪ ،‬أنا فصل الخطاب‪ ،‬أنا س ورة الحم د‪ ،‬أن ا ص احب الص الة‬
‫في الحضر والسفر‪ ،‬بل نحن الصالة والصيام والليالي واأليام والش هور واألع وام‪،‬‬
‫أنا صاحب الحشر والنحر‪ ،‬أنا الواضع عن أمة محمد الوزر‪ ،‬أنا ب اب الس جود‪ ،‬أن ا‬
‫العابد‪ ،‬أنا المخلوق‪ ،‬أنا الش اهد‪ ،‬أن ا المش هود‪ ،‬أن ا ص احب الس ندس األخض ر‪ ،‬أن ا‬
‫الم ذكور في الس ماوات واألرض‪ ،‬أن ا الماض ي م ع رس ول هللا في الس ماوات‪ ،‬أن ا‬
‫صاحب الكتاب والقوس‪ ،‬أنا صاحب شيت بن آدم‪ ،‬أنا صاحب موسى وإرم‪ ،‬أن ا بي‬
‫تضرب األمثال‪ ،‬أنا السماء الخضر‪ ،‬أنا صاحب ال دنيا الغ براء‪ ،‬أن ا ص احب الغيث‬
‫بعد القنوط‪ .‬ها أن ا ذا فمن ذا مثلي‪ ،‬أن ا ص احب الرع د األك بر‪ ،‬أن ا ص احب البح ر‬
‫األكدر‪ ،‬أنا مكلم الشمس‪ ،‬أنا الصاعقة على األعداء‪ ،‬أنا غوث من أطاع من ال ورى‬
‫‪ )(1‬مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين ص‪.166-165 :‬‬
‫‪286‬‬
‫غيره)(‪)1‬‬ ‫وهللا ربي ال إله‬
‫وبعد هذه الخطبة المملوءة بالغلو الذي يتن اقض م ع ك ل م ا روي عن اإلم ام‬
‫علي من خطب ومواعظ وأدعية يذكر بعض ما يحصل بعده من فتن‪ ،‬وهي أيضا ال‬
‫تختلف عما ذكره في الخطبة من المعاني المتناقضة مع القرآن الكريم ومع المع اني‬
‫الواردة في سائر خطبه‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك قوله فيها‪( :‬ثم تقبل دولة بني العباس‬
‫ب الفرج والب أس‪ ،‬وتب نى مدين ة يق ال له ا ال زوراء بين دجل ة والف رات‪ ،‬ملع ون من‬
‫سكنها‪ ،‬منها تخرج طينة الجبارين‪ ،‬تعلى فيها القص ور‪ ،‬وتس بل الس تور‪ ،‬ويتعل ون‬
‫بالمكر والفجور‪ ،‬فيتداولها بنو العباس ‪ 42‬ملكا على عدد سني الملك)(‪)2‬‬
‫وهذه التفاصيل تدل على أنها كتبت بعد سقوط الدول ة العباس ية‪ ،‬وأن راويه ا‬
‫على علم بتاريخها وعدد ملوكها‪ ،‬وإال فإن عادة النبوءات أال تشتمل على أمثال هذه‬
‫التفاصيل‪.‬‬
‫باإلض افة إلى ذل ك؛ ف إن م ا ذك ره عن مدين ة ال زوراء‪ ،‬ولعن من س كنها‬
‫يتناقض م ع م ا ورد في النص وص المقدس ة من ع دم ارتب اط اللعن باألم اكن‪ ،‬ب ل‬
‫باألعمال‪ ،‬ولذلك فإن ساكن الزوراء وغيرها ال يتحمل جرائر ما حص ل فيه ا‪ ،‬كم ا‬
‫از َرةٌ ِو ْز َر أُ ْخ َرى﴾ [األنعام‪]164 :‬‬
‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬واَل ت َِز ُر َو ِ‬
‫الخطبة التطنجية‪:‬‬
‫وهي خطب ة طويل ة ق دم له ا الش يخ البرس ي بقول ه‪( :‬ومن خطب ة ل ه تس ّمى‬
‫التطنجية‪ ،‬ظاهرها أنيق‪ ،‬وباطنها عميق‪ ،‬فليحذر قارئها من سوء ظنّه‪ ،‬فإن فيها من‬
‫تنزيه الخالق ما ال يطيقه أحد من الخالئق‪ ،‬خطبه ا أم ير المؤم نين عليه‌الس الم بين‬
‫الكوفة والمدينة)(‪)3‬‬
‫ثم س اق الخطب ة بطوله ا‪ ،‬وهي خطب ة ركيك ة األس لوب‪ ،‬ظ اهرة التكل ف‪،‬‬
‫وواضعها يحاول استعمال بعض الكلمات أو التعابير التي يس تعملها اإلم ام علي في‬
‫سائر خطبه ليموه بها‪.‬‬
‫ومن األمثل ة على م ا ورد فيه ا من الغل و والخراف ة‪( :‬أن ا الواق ف على‬
‫التطنجين‪ ،‬أنا الناظر إلى المغ ربين والمش رقين‪ ،‬رأيت رحم ة هللا والف ردوس رأي‬
‫العين‪ ،‬وهو في البحر السابع يجري في الفلك في زخاخيره النجوم والحب ك‪ ،‬ورأيت‬
‫األرض ملتفة كالتفاف الثوب القصور‪ ،‬وهي في خ زف من التطنج األيمن م ّم ا يلي‬
‫المشرق والتطنجان‪ ،‬خليجان من ماء كأنهما أيسار تطنجين‪ ،‬وأنا المت ولي دائرته ا‪،‬‬
‫وما الفردوس وما هم فيه إاّل كالخاتم في اإلصبع‪ ،‬ولقد رأيت الش مس عن د غروبه ا‬
‫وهي كالط اير المنص رف إلى وك ره‪ ،‬ول و ال اص طكاك رأس الف ردوس‪ ،‬واختالط‬
‫التطنجين‪ ،‬وصرير الفلك‪ ،‬يسمع من في السّموات واألرض رميم حميم دخوله ا في‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.166 :‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫‪ )(3‬مشارق األنوار‪ ،‬ص ‪.263‬‬
‫‪287‬‬
‫الحمئة)(‪)1‬‬ ‫الماء األسود‪ ،‬وهي العين‬
‫اّل‬
‫ومنها‪( :‬ولقد علمت من عجائب خلق هللا ما ال يعلمه إ هللا‪ ،‬وعرفت ما ك ان‬
‫وم ا يك ون وم ا ك ان في ال ذر األوّل م ع من تق ّدم من آدم األول‪ ،‬ولق د كش ف لي‬
‫فعرفت‪ ،‬وعلمني ربي فتعلّمت‪ ،‬أال فعوا وال تضجوا وال ترتجوا فلوال خ وفي عليكم‬
‫أن تقولوا جن أو ارتد ألخبرتكم بما كانوا وما أنتم فيه وم ا تلقون ه إلى ي وم القيام ة‪،‬‬
‫علم أو عز إلي فعلمت‪ ،‬ولقد ستر علمه عن جميع النبيين إاّل صاحب ش ريعتكم ه ذه‬
‫صلوات هللا عليه وآله‪ ،‬فعلّم ني علم ه‪ ،‬وعلمت ه علمي‪ ،‬أال وإنّ ا نحن الن ذر األولى‪،‬‬
‫ونحن نذر اآلخرة واألولى‪ ،‬ونذر كل زمان وأوان‪ ،‬وبنا هلك من هلك‪ ،‬وبنا نجا من‬
‫نجا‪ ،‬فال تستطيعوا ذلك فينا‪ ،‬فو الذي فل ق الحب ة‪ ،‬وب رأ النس مة‪ ،‬وتف رّد ب الجبروت‬
‫والعظمة‪ ،‬لقد سخرت لي الرياح والهواء والطير‪ ،‬وعرضت عل ّي الدنيا‪ ،‬فأعرضت‬
‫عنها‪ ،‬أنا كاب ال دنيا لوجهه ا فح نى‪ ،‬م تى يلح ق بي اللواح ق‪ ،‬لق د علمت م ا ف وق‬
‫الس موات العلى‪ ،‬وم ا بينهم ا‬ ‫الفردوس األعلى‪ ،‬وما تحت السابعة الس فلى‪ ،‬وم ا في ّ‬
‫وما تحت الثرى كل ذلك علم إحاطة ال علم أخبار‪ ،‬أقس م ب ربّ الع رش العظيم‪ ،‬ل و‬
‫شئت أخبرتكم بآب ائكم وأس الفكم أين ك انوا وم ّمن ك انوا وأين هم اآلن وم ا ص اروا‬
‫إليه)(‪)2‬‬
‫ومنها‪( :‬أنا صاحب الطوفان األوّل‪ ،‬أنا صاحب الطوفان الثاني‪ ،‬أن ا ص احب‬
‫سيل العرم‪ ،‬أنا صاحب األسرار المكنونات‪ ،‬أنا صاحب عاد والجنات‪ ،‬أن ا ص احب‬
‫ثمود واآليات‪ ،‬أنا مد ّمرها‪ ،‬أنا مزلزلها‪ ،‬أنا مرجعه ا‪ ،‬أن ا مهلكه ا‪ ،‬أن ا م دبرها‪ ،‬أن ا‬
‫بانيها‪ ،‬أنا داحيها‪ ،‬أنا مميته ا‪ ،‬أن ا محييه ا‪ ،‬أن ا األوّل‪ ،‬أن ا اآلخ ر‪ ،‬أن ا الظ اهر‪ ،‬أن ا‬
‫الباطل‪ ،‬أنا مع الكور قبل الكور‪ ،‬أنا مع الدور قبل الدور‪ ،‬أنا مع القلم قب ل القلم‪ ،‬أن ا‬
‫مع اللوح قبل اللوح‪ ،‬أنا صاحب األزلية األولية‪ ،‬أن ا ص احب جابلق ا وجابرس ا‪ ،‬أن ا‬
‫صاحب الرفوف وبهرم‪ ،‬أنا مدبر العالم األول حين ال س ماؤكم ه ذه وال غ براؤكم)‬
‫(‪)3‬‬
‫ومنها‪( :‬كأني بضعيفكم يق ول أال تس معون إلى م ا ي ّدعي ه ابن أبي ط الب في‬
‫نفسه‪ ،‬وباألمس تكفهر عليه عس اكر أه ل الش ام فال يخ رج إليه ا؟‪ ..‬وب اعث محم د‬
‫ّ‬
‫ألقتلن أه ل‬ ‫وإب راهيم ألقتلن أه ل الش ام بكم قتالت وأي قتالت‪ ،‬وحقي وعظم تي‬
‫ّ‬
‫وألردن إلى‬ ‫الشام بكم قتالت وأي قتالت‪ ،‬وألقتلن أهل صفين بكل قتلة سبعين قتلة‪،‬‬
‫كل مسلم حياة جديدة‪ ،‬وألس لمن إلي ه ص احبه وقاتل ه‪ ،‬إلى أن يش فى غلي ل ص دري‬
‫منه‪ ،‬وألقتلن بع ّمار بن ياسر وبأويس الق رني أل ف قتي ل أو ال يق ال ال وكي ف وأين‬
‫وم تى وأنى وح تى‪ ،‬فكي ف إذا رأيتم ص احب الش ام ينش ر بالمناش ير‪ ،‬ويقط ع‬
‫بالمساطير‪ ،‬ثم ألذيقنّ ه أليم العق اب‪ ،‬أال فابش روا‪ ،‬ف إل ّي ي رد أم ر الخل ق غ دا ب أمر‬
‫ربي‪ ،‬فال يس تعظم م ا قلت‪ ،‬فإن ا أعطين ا علم المناي ا والبالي ا‪ ،‬والتأوي ل والتنزي ل‪،‬‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.263‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.264‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.264‬‬
‫‪288‬‬
‫شيء)(‪)1‬‬ ‫وفصل الخطاب وعلم النوازل‪ ،‬والوقايع والباليا‪ ،‬فال يعزب عنّا‬
‫ومنه ا‪( :‬أال وكم عج ائب تركته ا‪ ،‬ودالئ ل كتمته ا‪ ،‬ال أج د له ا حمل ة‪ ،‬أن ا‬
‫معذبه وجنوده على الكبر والغرور ب أمر هللا‪ ،‬أن ا راف ع‬ ‫صاحب إبليس بالسجود‪ ،‬أنا ّ‬
‫إدريس مكانا عليا‪ ،‬أنا منط ق عيس ى في المه د ص بيا‪ ،‬أن ا م دين المي ادين وواض ع‬
‫األرض‪ ،‬أن ا قاس مها أخماس ا‪ ،‬فجعلت خمس ا ب را‪ ،‬وخمس ا بح را‪ ،‬وخمس ا جب اال‪،‬‬
‫وخمسا ع ّمارا‪ ،‬وخمسا خراب ا‪ ،‬أن ا خ رقت القل زم من ال ترجيم‪ ،‬وخ رقت العقيم من‬
‫الحيم‪ ،‬وخرقت كاّل من كل‪ ،‬وخرقت بعضا في بعض‪ ،‬أنا طيرث ا‪ ،‬أن ا جانبوث ا‪ ،‬أن ا‬
‫البارحلون‪ ،‬أنا عليوثوثا‪ ،‬أنا المس ترق على البح ار في ن واليم الزخ ار عن د البي ار‪،‬‬
‫ح تى يخ رج لي م ا أع د لي في ه من الخي ل والرج ل‪ ،‬فآخ ذ م ا أحببت‪ ،‬وأت رك م ا‬
‫أردت)(‪)2‬‬
‫ومنها‪( :‬أنا مبرج األبراج وعاقد الرياح‪ ،‬ومفتح األفراج وباسط العج اج‪ ،‬أن ا‬
‫صاحب الطور‪ ،‬أنا ذلك النور الظاهر‪ ،‬أنا ذلك البرهان الباهر‪ ،‬وإنما كشف لموسى‬
‫شقص من شقص الذر من المثقال‪ ،‬وك ل ذل ك بعلم من هللا ذي الجالل‪ ،‬أن ا ص احب‬
‫جنّات الخلود‪ ،‬أنا مجري األنهار أنهارا من ماء تيار‪ ،‬وأنه ارا من لبن‪ ،‬وأنه ارا من‬
‫عسل مصفّى‪ ،‬وأنه ارا من خم ر ل ّذة للش اربين‪ ،‬أن ا حجبت جهنّم وجعلته ا طبق ات‬
‫السعير‪ ،‬وسقير الجير‪ ،‬واألخ رى عمقي وس أع ددتها للظ المين‪ ،‬وأودعت ذل ك كلّ ه‬
‫وادي برهوت‪ ،‬وهو والفلق ورب ما خلق‪ ،‬يخلد فيه الجبت والط اغوت وعبي دهما‪،‬‬
‫ومن كفر بذي الملك والملكوت‪ ،‬أنا صانع األقاليم بأمر العليم الحكيم‪ ،‬أنا الكلمة التي‬
‫بها ت ّمت األمور ودهرت الدهور‪ ،‬أنا جعلت األقاليم أرباعا‪ ،‬والجزائر س بعا‪ ،‬ف إقليم‬
‫الجن وب مع دن البرك ات‪ ،‬وإقليم الش مال مع دن الس طوات‪ ،‬وإقليم الص با مع دن‬
‫الزالزل وإقليم الدبور معدن الهلكات)(‪)3‬‬
‫ب ـ الغلو المرتبط باالجتهاد المبني على النظريات الصوفية‪:‬‬
‫وأمثلتها كثيرة ج دا‪ ،‬وهي تنتهج نفس منهج ابن ع ربي وغ يره‪ ،‬من التفس ير‬
‫الب اطني للق رآن الك ريم‪ ،‬وال ذي ال يعتم د على أي دلي ل س وى التخريج ات‬
‫واالستنباطات المبنية على أسرار الحروف أو الكشف واإللهام وغيرها من مصادر‬
‫التلقي غير المعصومة‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك ما حاول به البرسي تطبيقه على اإلمام علي في فص ل‬
‫إن هللا سبحانه أوحى إلى نبيّ ه‬ ‫بعنوان‪[ :‬علي الس ّر في فواتح السور]‪،‬حيث قال‪( :‬ثم ّ‬
‫‪ ‬أن عليا معه في الس ّر المودع في فواتح السور‪ ،‬واالسم األكبر األعظم الم وحى‬
‫إلى الرسل من السرّ‪ ،‬والس ّر المكتوب على وج ه الش مس والقم ر والم اء والحج ر‪،‬‬
‫وأنه ذات الذوات‪ ،‬والذات في الذات‪ ،‬في الذات لل ذات‪ ،‬ألن أحدي ة الب اري متن ّزه ة‬
‫عن األسماء والصفات‪ ،‬متعالية عن النعوت واإلشارات‪ ،‬وأنه هو االس م ال ذي إلي ه‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.265‬‬
‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.265‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.266‬‬
‫‪289‬‬
‫ترجع الح روف والعب ارات‪ ،‬والكلم ة المتض رّع به ا إلى هللا س ائر البري ات‪ ،‬وأن ه‬
‫الغيب المخزون بين الالم والفاء والواو والهاء والكاف والنون‪ ،‬فق ال س بحانه‪﴿ :‬حم‬
‫ك َوإِلَى الَّ ِذينَ ِم ْن قَ ْبلِكَ هَّللا ُ ْال َع ِزي ُز ْال َح ِكي ُم﴾ [الشورى‪:‬‬
‫ك يُو ِحي إِلَ ْي َ‬
‫(‪ )1‬عسق (‪َ )2‬ك َذلِ َ‬
‫)‬ ‫(‬ ‫اّل‬
‫‪ ..]3 - 1‬وإليه اإلشارة بقوله‪( :‬ال صالة إ بفاتح ة الكت اب) ‪ ، 1‬ومعن اه ال ص الة‬
‫للعبد وال صلة له بالرب‪ ،‬إاّل بحب علي ومعرفته)(‪)2‬‬
‫وقال في فصل بعنوان‪[ :‬اإلمام محيط بالكون]‪( :‬ث ّم ص رّح لن ا أن ال ولي ه و‬
‫المحيط بكل شيء‪ ،‬فهو محيط بالعالم‪ ،‬وهللا من ورائهم محي ط‪ ،‬فق ال‪َ ﴿ :‬و ُك َّل َش ْي ٍء‬
‫ين﴾ [يس‪ ،]12 :‬فأخبرن ا س بحانه أن جمي ع م ا ج رى ب ه قلم ه‬ ‫أَحْ َ‬
‫ص ْينَاهُ فِي إِ َم ٍام ُمبِ ٍ‬
‫وخطه في اللوح المحفوظ في الغيب‪ ،‬أحصيناه في إم ام م بين‪ ،‬وه و الل وح الحفي ظ‬
‫لما في األرض والسماء‪ ،‬هو اإلمام المبين وهو علي‪ ،‬ف اللوح المحف وظ علي‪ ،‬وه و‬
‫ألن اللوح وعاء الخط وظ رف الس طور‪،‬‬ ‫أعلى وأفضل من اللوح بوجوده‪( ،‬األوّل) ّ‬
‫واإلمام محي ط بالس طور وأس رار الس طور‪ ،‬فه و أفض ل من الل وح‪( ..‬الث اني) ّ‬
‫ألن‬
‫اللوح المحفوظ بوزن مفعول‪ ،‬واإلمام المبين بوزن فعيل‪ ،‬وه و بمع نى فاع ل‪ ،‬فه و‬
‫عالم بأس رار الل وح‪ ،‬واس م الفاع ل أش رف من اس م المفع ول‪( ..‬الث الث) أن ال ولي‬
‫المطلق واليته شاملة للكل‪ ،‬ومحيط بالك ل والل وح داخ ل فيه ا فه و دال على الل وح‬
‫المحفوظ وعال عليه‪ ،‬وعالم بما فيه)(‪)3‬‬
‫وق ال في فص ل عقب ه ذا مطبق ا م ا يطبق ه الص وفية مم ا يس مونه أس رار‬
‫﴿س اَل ٌم قَ وْ اًل‬
‫الحروف‪( :‬ثم ذكر في آخر هذه السورة آية فيها اس م هللا األعظم فق ال‪َ :‬‬
‫ِم ْن َربٍّ َر ِح ٍيم﴾ [يس‪ ،]58 :‬ويخ رج من تكس ير حروفه ا الس بيل الس الم أن ا ه و‬
‫محمد‪ ،‬ثم دلّنا بعد هذا المقام العظيم لنبيّه على مقام آخر فيها لولي ه‪ ،‬وأن ه ه و كلم ة‬
‫الجبّار ومنبع سائر األسرار‪ ،‬ومطلع فائض األنوار‪ ،‬فقال‪﴿ :‬إِنَّ َما أَ ْم ُرهُ إِ َذا أَ َرا َد َش ْيئًا‬
‫أَ ْن يَقُو َل لَهُ ُك ْن فَيَ ُكونُ ﴾ [يس‪ ،]82 :‬فجع ل وج وده الوج ود‪ ،‬والموج ود بين ح رفي‬
‫األمر وهما الكاف والنون‪ ،‬وب اطن الك اف والن ون االس م المخ زون المكن ون‪ ،‬لمن‬
‫ق َواأْل َ ْم رُ﴾ [األع راف‪:‬‬ ‫عرف هذا الس ّر المصون‪ ،‬وإليه اإلشارة بقوله‪﴿ :‬أَاَل لَهُ ْال َخ ْل ُ‬
‫‪ ،]54‬والخلق واألم ر هم ا العين والميم‪ ،‬وذل ك ألن ظه ور األفع ال عن الص فات‪،‬‬
‫وتجلّي الصفات عن الذات)(‪)4‬‬
‫وقال في فصل آخر تحت عنوان [آل مح ّم د االس م األعظم]‪( :‬ألم تعلم أنّ ا إذا‬
‫اعتبرنا األسماء والصفات‪ ،‬فإنّا ال نج د أعظم من ثالث ة أس ماء‪ :‬اس م ال ذات‪ ،‬واس م‬
‫الص فات‪ ،‬واس م ه و س ّر ال ذات وروح الص فات‪ ،‬وهي الكلم ة الجاري ة في س ائر‬
‫الموجودات‪ ،‬فهي س ّر الذات وس ّر الصفات وبها تنفعل الكائنات‪ ،‬فاس م هللا ا ل ه ا ل‬
‫ه وهو اسم المقدس وهو علم على ذات األحد الح ق‪ ،‬واس م الص فات لألح د الواح د‬
‫‪ )(1‬صحيح مسلم‪ 295 / 1 :‬ح ‪.595‬‬
‫‪ )(2‬مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين ص‪.191 :‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.236‬‬
‫‪ )(4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.192‬‬
‫‪290‬‬
‫وهو محمد‪ ،‬واالسم الذي هو روح الصفات وس ّر الذات ع ل ي‪ ،‬وه و ن ور الن ور‪،‬‬
‫وكل واحد من هذه الثالثة اس م أعظم‪ ،‬فاس م الجالل ة ه و االس م المق ّدس والمك ّرم‪،‬‬
‫واس م مح ّم د ‪ ‬هو ظ اهر االسم األعظم‪ ،‬ألن الواحد ص ورة الوج ود‪ ،‬ومنب ع‬
‫الموجود‪ ،‬وظاهر المعدود‪ ،‬واسم ع ل ي ظاهر الباطن وباطن الظاهر‪ ،‬فه و االس م‬
‫األعظم بالحقيقة‪ ،‬ألنه جامع س ّر الربوبية‪ ،‬وس ّر النب وّة‪ ،‬وس ّر الوالي ة‪ ،‬وس ّر الحكم‬
‫والسلطنة‪ ،‬وس ّر الجبروت والعظمة‪ ،‬وس ّر التص رّف اإللهي‪ .‬وإلي ه اإلش ارة بقول ه‪:‬‬
‫ض﴾ [ال روم‪ ،]27 :‬وه و علي؛ وبي ان ذلك‬ ‫ت َواأْل َرْ ِ‬ ‫﴿ َولَهُ ْال َمثَ ُل اأْل َ ْعلَى فِي َّ‬
‫الس َما َوا ِ‬
‫أنك إذا قلت‪ :‬ا ل م تضمن بكل حرف منها محمد وعلي‪ ،‬وإذا قلت هللا فإنّه علم على‬
‫ذات المعب ود واجب الوج ود‪ ،‬وإذا قلت‪ :‬يا هللا‪ ،‬فالي اء ن اديت‪ ،‬واالسم ن اجيت‪،‬‬
‫والمعنى عنيت‪ ،‬فه و اس م ال ذات المق ّدس ة‪ ،‬أو إذا أش بعت ض مة اله اء من ه ب رزت‬
‫ال ذات وفي طي حروف ه اس م علي‪ ،‬فه و يش ير ب المعنى إلى ذات ال ربّ المعب ود‪،‬‬
‫وبالحروف إلى الكلمة التي قام به ا الوج ود‪ ،‬إذا قلت‪ :‬ال إل ه إاّل ه و‪ ،‬وهي ح روف‬
‫التنزيه والنفي واإلثبات وهي عشرة)(‪)1‬‬
‫وهكذا يطبق القرآن الكريم جميعا على هذه المعاني‪ ،‬مستدال له ا بم ا ورد في‬
‫الرواية التي س بق الح ديث عن رده ا‪ ،‬وال تي تنص على (أن الق رآن الك ريم ثالث ة‬
‫أثالث‪ :‬ثلث في م دح علي وعترت ه ومحبّي ه‪ ،‬وثلث في مث الب أعدائ ه ومخالفي ه‪،‬‬
‫والثلث اآلخر ظاهره الشرائع واألحكام وتبيين الحالل والحرام وباطن ه اس م محم د‬
‫وعلي)(‪)2‬‬
‫‪ 3‬ـ أحاديث الغلو في حق أتباع أئمة الهدى‪:‬‬
‫وهي أح اديث كث يرة تتن اقض م ع القيم ال واردة في الق رآن الك ريم والس نة‬
‫المطهرة‪ ،‬باإلضافة إلى تناقضها مع ما ورد من األحاديث عن أئم ة اله دى‪ ،‬وال تي‬
‫تجعل الوالء لهم رهنا على األعمال الصالحة‪ ،‬وليس مجرد دعاوى‪.‬‬
‫ومن أحسن األمثلة على ذلك ما ورد في كت اب [مش ارق األن وار] في فص ل‬
‫تحت عنوان [حديث الطين]‪ ،‬حيث نقل فيه هذا الحديث الغريب عن اإلمام الص ادق‬
‫أنه قال‪( :‬إن هللا لما أراد أن يخلق الخلق وال شيء هناك خلق أرضا طيّبة‪ ،‬وأج رى‬
‫عليها ماء عذبا سبعة أيام‪ ،‬وعرض عليها واليتنا فقبلت‪ ،‬فأخذ من ذلك الماء الع ذب‬
‫طينتنا‪ ،‬ثم خلق من ثفل ذلك الم اء طينة ش يعتنا فهم منّا ولو كنّ ا وآب اؤهم من الم اء‬
‫الذي نحن منه لكنّا وآباؤهم سواء‪ ،‬ثم خلق أرضا سبخة وأخرى عليها م اء م الح ثم‬
‫عرض عليها واليتنا فأبت فأجرى عليها ذلك الماء سبعة أيام ثم خلق من ذلك الم اء‬
‫﴿و َج َع ْلنَ اهُ ْم أَئِ َّمةً يَ ْد ُعونَ إِلَى النَّ ِ‬
‫ار ﴾‬ ‫الطغ اة واألئم ة الكف ار‪ ،‬وإلي ه اإلش ارة بقول ه‪َ :‬‬
‫[القصص‪ ]41 :‬ثم خلق من ثفل ذلك شيعة أعدائنا‪ ،‬ثم مزج ثف ل ذل ك الطين بطين ة‬
‫ش يعتنا‪ ،‬لم يش هد أع داؤنا الش هادتين ولم يص لوا ولم يص وموا فم ا ظه ر منهم من‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.247‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.236‬‬
‫‪291‬‬
‫الخيرات والحسنات فليست منهم وال لهم‪ ،‬إنّم ا ه و من م زاج طين ة ش يعتنا لهم‪ ،‬ثم‬
‫مزج الم اء الث اني بالم اء األوّل ثم عرك ه ع رك األديم ثم قبض من ه قبض ة وق ال‪:‬‬
‫وهذه الجنة وال أبالي‪ ،‬ثم قبض قبضة وقال‪ :‬وهذه النار وال أبالي)(‪)1‬‬
‫(تمس ك أه ل األخب ار بأذي ال ه ذا‬ ‫ّ‬ ‫وقد عل ق علي ه ص احب المش ارق بقول ه‪:‬‬
‫الحديث ظاهر‪ ،‬وأنكره أك ثر أه ل الع دل لدالل ة ظ اهره على األخب ار وه و ح ديث‬
‫حسن مملوء بالعدل كيف يتكلّم وقد صرّح القرآن به‪ ،‬وإلي ه اإلش ارة بقول ه‪﴿ :‬فَ ِري ٌ‬
‫ق‬
‫ير﴾ [الشورى‪ ،]7 :‬وقوله‪ ﴿ :‬فَ ِم ْنهُ ْم َش قِ ٌّي َو َس ِعي ٌد ﴾ [ه ود‪:‬‬ ‫فِي ْال َجنَّ ِة َوفَ ِري ٌ‬
‫ق فِي ال َّس ِع ِ‬
‫‪)]105‬‬
‫وهكذا راح يقتطع ما شاء من اآلي ات القرآني ة عن محاله ا ليثبت من خالله ا‬
‫أن التكلي ف اإللهي مج رد عبث ال مع نى ل ه‪ ،‬ذل ك أن مص ير ك ل إنس ان مرتب ط‬
‫بالطينة التي خلق منها‪ ،‬وال يمكنه الفكاك من ذلك أبدا‪.‬‬
‫ولم يكتف بتلك اآليات التي حرف معانيه ا‪ ،‬ب ل راح يح اول تأيي دها بالعق ل؛‬
‫فيقول‪( :‬وذل ك ألن علم هللا س بحانه س ابق على أفع ال العب اد والح ق وكاش ف فه و‬
‫سبحانه يعلم قبل إيج ادهم من المطي ع ومن العاص ي‪ ،‬ألن ه ليس عن د هللا زم ان وال‬
‫مك ان‪ ،‬ثم أخ ذ عليهم العه د في ال ذرات وه و رم ز رفي ع ومعن اه علم قب ل إنش اء‬
‫ذراتهم‪ ،‬من جبلته االنقياد للطاعة‪ ،‬ومن جبلت ه الظلم واالنقي اد للمعص ية فم ا يغ ني‬
‫الن ذر فص اروا في العلم قبض تين‪ :‬مطي ع ب القوّة‪ ،‬وع اص ب القوّة‪ ،‬ثم لم ا أوج دهم‬
‫وكلّفهم كشف العلم السابق ما في جبالتهم فص اروا ف ريقين‪ ،‬كم ا ق ال وقول ه الح ق‬
‫مؤمن بالفعل وكافر‪ ،‬ولذلك قال‪ :‬وال أبالي‪ ،‬وفيه إشارة لطيف ة معناه ا ال أب الي بع د‬
‫أن فطرتهم على التوحي د‪ ،‬وعرض ت عليهم اإليم ان في ع الم األرواح‪ ،‬ثم ذك رتهم‬
‫العه د في ظلم األش باح‪ ،‬فمنهم من أبص ر فاستبص ر ومنهم من أنك ر فاس تكبر‪ ،‬فال‬
‫أبالي إن نسب الجبرية الظلم إل ّي وأنا العدل الحكيم‪ ،‬وال أبالي يوم القيام ة فريق ا في‬
‫الجنة بإيمانهم وفريقا في السعير بكفرهم وطغيانهم)(‪)2‬‬
‫ثم ي ورد ح ديثا آخ ر يجع ل من الم والين لإلم ام علي أدوات لكس ر الم يزان‬
‫والصراط والحساب وكل ما ورد في القرآن الكريم حول المحكم ة اإللهي ة الممتلئ ة‬
‫بالعدالة‪ ،‬فقد ورد فيه مرفوعا إلى رس ول هللا ‪( :‬ي ا علي إن هللا يحبّ ك ويحبّ من‬
‫يحبّك‪ ،‬وإن المالئكة تس تغفر ل ك ولش يعتك ولمحبّي ش يعتك‪ ،‬وإذا ك ان ي وم القيام ة‬
‫نادى مناد‪ :‬أين محبّو علي؟ فيقوم قوم من الصالحين؟ فيقال لهم‪ :‬خذوا بي د من ش ئتم‬
‫وادخلوا الجنة‪ ،‬وإن الرجل الواحد ينجي من النار ألف رجل‪ ،‬ثم ينادي المنادي‪ :‬أين‬
‫البقية من محبّ و علي؟ فيق وم ق وم مقتص دون‪ ،‬فيق ال لهم‪ :‬تمنّ وا على هللا م ا ش ئتم؛‬
‫فيعطى كل واحد منهم ما طلب؛ ثم ينادي‪ :‬أين البقية من محبّي علي؟ فيق وم ق وم ق د‬
‫ظلموا أنفسهم‪ ،‬فيقال‪ :‬أين مبغضو علي؟ فيقوم خلق كث ير‪ ،‬فيق ال‪ :‬اجعل وا ك ل أل ف‬

‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ 279 / 26 :‬ح ‪.22‬‬


‫‪ )(2‬مشارق أنوار اليقين‪ ،‬ص ‪.243‬‬
‫‪292‬‬
‫من هؤالء لواحد من محبّي علي فيجعل أعمال أع دائك لمحبي ك فينج ون من الن ار‪،‬‬
‫وأنت األج ّل األك رم‪ ،‬وأنت العلي العظيم‪ ،‬محبّ ك محبّ هللا ورس وله‪ ،‬ومبغض ك‬
‫مبغض هللا ورسوله)(‪)1‬‬
‫ومن األحاديث المردودة في هذا الباب‪ ،‬والتي يكفي نص ها في معرف ة ك ذبها‬
‫ووضعها وتدليسها ما روي عن أبي الحجاج قال‪ :‬قال لي أبو جعفر‪( :‬يا أبا الحج اج‬
‫إن هللا خلق محمداً وآل محمد من طينة عليين‪ ،‬وخل ق قل وبهم من طين ة ف وق ذل ك‪،‬‬
‫وخلق شيعتنا من طينة دون عليين‪ ،‬وخلق قل وبهم من طين ة عل يين‪ ،‬فقل وب ش يعتنا‬
‫من أبدان آل محمد‪ ،‬وإن هللا خلق عدو آل محم د من طين س جين وخل ق قل وبهم من‬
‫طين أخبث من ذل ك‪ ،‬وخل ق ش يعتهم من طين دون طين س جين وخل ق قل وبهم من‬
‫طين سجين‪ ،‬فقلوبهم من أبدان أولئك وكل قلب يحن إلى بدنه)(‪)2‬‬
‫ومنها ما روي عن اإلمام الصادق أنه ق ال‪( :‬إن هللا خلقن ا من عل يين‪ ،‬وخل ق‬
‫أرواحنا من فوق ذل ك‪ ،‬وخل ق أرواح ش يعتنا من عل يين‪ ،‬وخل ق أجس ادهم من دون‬
‫ذلك‪ ،‬فمن أجل ذلك القرابة بيننا وبينهم وقلوبهم تحن إلينا)(‪)3‬‬
‫ومنها ما روي عن اإلمام الصادق أنه قال‪( :‬إن هللا خلقنا من نور عظمته‪ ،‬ثم‬
‫ص َّو َر خَ ْلقَنَا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش‪ ،‬فأسكن ذلك النور فيه‪ ،‬فكنا‬ ‫َ‬
‫نحن خلقا ً وبشراً نورانيين لم يجع ل ألح د في مث ل ال ذي خلقن ا من ه نص يباً‪ ،‬وخل ق‬
‫أرواح شيعتنا من طينتنا‪ ،‬وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذل ك الطين ة‪،‬‬
‫ولم يجعل هللا ألحد في مثل الذي خلقهم منه نص يبا ً إال لألنبي اء‪ ،‬ول ذلك ص رنا نحن‬
‫وهم‪ :‬الناس‪ ،‬وصار سائر الناس همج للنار وإلى النار)(‪)4‬‬
‫ومنها ما روي عن أبي اس حاق اللي ثي ق ال‪ :‬قلت ألبي جعف ر محم د بن علي‬
‫الباقر يا ابن رسول هللا أخبرني عن المؤمن المستبص ر إذا بل غ في المعرف ة وكم ل‬
‫هل يزني؟ قال‪ :‬اللهم ال‪ ،‬قلت‪ :‬فيل وط؟ ق ال‪ :‬اللهم ال‪ ،‬قلت‪ :‬فيس رق؟ ق ال‪ :‬ال‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫فيش رب الخم ر؟ ق ال‪ :‬ال‪ ،‬قلت‪ :‬في أتي بكب يرة من ه ذه الكب ائر أو فاحش ة من ه ذه‬
‫الفواحش؟ قال‪ :‬ال قلت‪ :‬فيذنب ذنباً؟ قال‪ :‬نعم ه و م ؤمن م ذنب ملم‪ ،‬قلت م ا مع نى‬
‫ملم؟ قال‪ :‬الملم بالذنب ال يلزمه وال يصير عليه قال‪ :‬فقلت سبحان هللا ما أعجب هذا‬
‫ال يزني وال يل وط وال يس رق وال يش رب الخم ر وال ي أتي بكب يرة من الكب ائر وال‬
‫فاحشة! فقال‪ :‬ال عجب من أمر هللا‪ ،‬إن هللا تعالى يفعل ما يشاء و﴿اَل يُسْأ َ ُل َع َّما يَ ْف َع ُل‬
‫َوهُ ْم يُسْأَلُونَ ﴾ [األنبياء‪ ]23 :‬فمم عجبت يا اب راهيم؟ س ل وال تس تنكف وال تس تحي‬
‫فإن هذا العلم ال يتعلم ه مس تكبر وال مس تحي‪ ،‬قلت‪ :‬ي ا ابن رس ول هللا اني أج د من‬
‫شيعتكم من يشرب الخمر ويقطع الطريق ويخيف السبل ويزني ويلوط ويأك ل الرب ا‬
‫ويرتكب الفواحش ويتهاون بالصالة والصيام والزكاة ويقطع الرحم وي أتي الكب ائر‪،‬‬
‫‪ )(1‬بحار األنوار‪ 28 / 42 :‬ح ‪.7‬‬
‫‪ )(2‬بصائر الدرجات ص‪.34‬‬
‫‪ )(3‬الكافي ج‪ 1‬ص‪ ،117‬عنه البحار ج‪ 58‬ص‪ ،44‬بصائر الدرجات ص‪.39‬‬
‫‪ )(4‬الكافي ج‪ 1‬ص‪.389‬‬
‫‪293‬‬
‫فكيف هذا ولم ذاك؟!‪ ..‬فقال‪ :‬يا ابراهيم هل يختلج في صدرك شيء غير ه ذا‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫نعم يا ابن رسول هللا أخرى أعظم من ذلك! فقال‪ :‬وهو ما يا أبا اس حاق؟ ق ال‪ :‬فقلت‬
‫يا بن رسول هللا وأج د من أع دائكم ومناص بيكم من يك ثر من الص الة ومن الص يام‬
‫ويخ رج الزك اة ويت ابع بين الحج والعم رة ويح رص على الجه اد وي أثر على ال بر‬
‫وعلى ص لة األرح ام ويقض ي حق وق إخوان ه ويواس يهم من مال ه ويتجنب ش رب‬
‫الخمر والزنا واللواط وسائر الفواحش فمم ذاك؟! ولم ذاك؟! فسره لي يا ابن رسول‬
‫هللا وبرهنه وبيّن ه‪ ،‬فق د وهللا ك ثر فك ري وأس هر ليلي وض اق ذرعي‪ ..‬ق ال‪ :‬فتبس م‬
‫الباقر‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا ابراهيم خذ إليك بيانا ً شافيا ً فيم ا س ألت وعلم ا ً مكنون ا ً من خ زائن‬
‫علم هللا وسره‪ ،‬أخبرني يا ابراهيم كيف تجد اعتقادهما قلت‪ :‬ي ا ابن رس ول هللا أج د‬
‫محبيكم وشيعتكم على ما هم فيه مما وص فته من أفع الهم ل و أُعطي أح دهما م ا بين‬
‫المشرق والمغرب ذهب ا ً وفض ة أن ي زول عن واليتكم ومحبتكم إلى م واالة غ يركم‬
‫وإلى محبتهم ما زال ولو ضربت خياشيمه بالس يوف فيكم ول و قت ل فيكم م ا ارت دع‬
‫وال رجع عن محبتكم وواليتكم‪ ،‬ورأي الناصب على ما ه و علي ه مم ا وص فته من‬
‫أفعالهم لو أعطى أحدكم ما بين المشرق والمغرب ذهبا ً وفض ة أن ي زول عن محب ة‬
‫الطواغيت ومواالتهم إلى مواالتكم ما فعل وال زال ولو ضربت خياشيمه بالس يوف‬
‫فيهم ولو قتل فيهم ما ارتدع وال رجع وإذا سمع أحدهم منقبة لكم وفضالً اش مأز من‬
‫ذلك وتغير لونه ورأي كراهية ذلك في وجهه بغضا ً لكم ومحبة لهم‪ ..‬فتبس م الب اقر‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬يا ابراهيم ها هنا هلكت العاملة الناصبة ﴿تَصْ لَى نَ ارًا َحا ِميَ ةً (‪ )4‬تُ ْس قَى ِم ْن‬
‫﴿وقَ ِد ْمنَا إِلَى َم ا َع ِملُ وا ِم ْن‬
‫َعي ٍْن آنِيَ ٍة﴾ [الغاشية‪ ]5 ،4 :‬ومن أجل ذل ك ق ال تع الى‪َ :‬‬
‫َع َم ٍل فَ َج َع ْلنَاهُ هَبَ ا ًء َم ْنثُ ورًا﴾ [الفرق ان‪ ]23 :‬ويح ك ي ا اب راهيم‪ ،‬أت دري م ا الس بب‬
‫والقصة في ذلك وما الذي قد خفي على الناس منه‪ ،‬قلت‪ :‬يا ابن رسول هللا فبين ه لي‬
‫واشرحه وبرهنه؟ قال‪ :‬يا ابراهيم إن هللا تب ارك وتع الى لم ي زل عالم ا ً ق ديما ً خل ق‬
‫األشياء ال من شيء ومن زعم أن هللا تعالى خلق األشياء من شيء فقد كفر ألن ه ل و‬
‫كان ذلك الشيء الذي خلق منه األشياء قديما ً معه في أزليته وهويته كان ذلك الشيء‬
‫أزليا ً بل خلق هللا تعالى األشياء كلها ال من شيء‪ ،‬فكان مم ا خل ق هللا تع الى أرض ا ً‬
‫طيبة ثم فجر منها ماء عذبا ً زالالً فعرض عليها واليتنا أه ل ال بيت فقبلته ا ف أجرى‬
‫ذلك الماء عليها سبعة أيام طبقها وعمها‪ ،‬ثم أنضب ذلك الماء عنها‪ ،‬فأخذ من صفوة‬
‫ذلك الطين طينا ً فجعله طين األئمة عليهم السالم‪ ،‬ثم أخذ ثفل ذل ك الطين فخل ق من ه‬
‫شيعتنا ول و ت رك طينتكم ي ا إب راهيم على حال ه كم ا ت رك طينتن ا لكنتم ونحن ش يئا ً‬
‫واحداً‪ ،‬قلت‪ :‬يا ابن رسول هللا فما فع ل بطينتن ا؟ ق ال‪ :‬أخ برك ي ا اب راهيم خل ق هللا‬
‫تعالى بعد ذلك أرضا ً سبخة خبيثة منتنة‪ ،‬ثم فجر منها ماء أجاجا ً آسنا ً مالحا ً فعرض‬
‫عليها واليتنا أهل البيت فلم تقبلها فأجرى ذلك الم اء عليه ا س بعة أي ام ح تى طبقه ا‬
‫وعمها‪ ،‬ثم نضب ذلك الماء عنها‪ ،‬ثم أخذ من ذلك الطين فخلق منه الطغ اة وأئمتهم‪،‬‬
‫ثم مزجه بثف ل طينتكم ول و ت رك طينتهم على حاله ا ولم يم زج بطينتكم لم يش هدوا‬
‫‪294‬‬
‫الشهادتين وال صلوا وال صاموا وال زكوا وال حجوا وال أدوا األمان ة وال أش بهوكم‬
‫في الصور وليس شيء أكبر على المؤمن من أن يرى صورة عدوه مث ل ص ورته‪.‬‬
‫قلت يا بن رسول هللا فما ص نع ب الطينتين؟ ق ال‪ :‬م زج بينهم ا بالم اء األول والم اء‬
‫الثاني‪ ،‬ثم عركه ا ع رك األديم‪ ،‬ثم أخ ذ من ذل ك قبض ة‪ ،‬فق ال‪ :‬ه ذه إلى الجن ة وال‬
‫أبالي‪ ،‬وأخذ قبضة أخرى‪ ،‬وقال‪ :‬هذه إلى النار وال أب الي ثم خل ط بينهم ا ووق ع من‬
‫سنخ المؤمن وطينته على سنخ الكافر وطينت ه ووق ع من س نخ الك افر وطينت ه على‬
‫سنخ المؤمن وطينته‪ ،‬فما رأيته من شيعتنا من زنا أو لواط أو ترك ص الة أو ص وم‬
‫أو حج أو جهاد أو خيانة أو كبيرة من هذه الكبائر فهو من طينة الناص ب وعنص ره‬
‫الذي قد مزج فيه ألن من سنخ الناصب وعنصره وطينته اكتساب المآثم والف واحش‬
‫والكبائر‪ ،‬وما رأيت من الناصب من مواظبته على الصالة والصيام والزك اة والحج‬
‫والجهاد وأبواب البر فهو من طينة المؤمن وسنخه الذي قد م زج في ه ألن من س نخ‬
‫المؤمن وعنصره وطينته اكتساب الحسنات واس تعمال الخ ير واجتن اب الم آثم ف إذا‬
‫عرضت هذه االعمال كلها على هللا تعالى قال‪ :‬أنا ع دل ال أج ور ومنص ف ال أظلم‬
‫وحكم ال أحيف وال أميل وال أشطط الحقوا األعم ال الس يئة ال تي اجترحه ا الم ؤمن‬
‫بس نخ الناص ب وطينت ه‪ ،‬وألحق وا االعم ال الحس نة ال تي اكتس بها الناص ب بس نخ‬
‫المؤمن وطينته ردوها كلها إلى أصلها‪ ،‬فإني أنا هللا ال إله إال أنا عالم الس ر وأخفى‪،‬‬
‫وأنا المطلع على قلوب عبادي ال أحيف وال أظلم وال أل زم أح داً إال م ا عرفت ه من ه‬
‫قبل أن أخلقه‪ ..‬ثم قال الباقر‪ :‬اقرأ يا اب راهيم ه ذه اآلي ة قلت‪ :‬ي ا ابن رس ول هللا أي ة‬
‫آي ة‪ ،‬ق ال‪ :‬قول ه تع الى‪﴿ :‬قَ ا َل َم َع ا َذ هَّللا ِ أَ ْن نَأْ ُخ َذ إِاَّل َم ْن َو َج ْدنَا َمتَا َعنَ ا ِع ْن َدهُ إِنَّا إِ ًذا‬
‫لَظَالِ ُمونَ ﴾ [يوسف‪ ]79 :‬هو في الظاهر ما تفهمونه هو وهللا في الباطن ه ذا بعين ه‪،‬‬
‫يا ابراهيم إن للقرآن ظاهراً وباطنا ً ومحكم ا ً ومتش ابها ً وناس خا ً ومنس وخاً‪ ،‬ثم ق ال‪:‬‬
‫أخبرني ي ا اب راهيم عن الش مس إذا طلعت وب دا ش عاعها في البل دان أه و ب اين من‬
‫الق رص؟ قلت‪ :‬في ح ال طلوع ه ب اين‪ ،‬ق ال‪ :‬أليس إذا غ ابت الش مس اتص ل ذل ك‬
‫الشعاع بالقرص حتى يعود إليه؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ك ذلك يع ود ك ل ش يء إلى س نخه‬
‫وجوهره وأصله‪ ،‬فإذا كان ي وم القيام ة ن زع هللا تع الى س نخ الناص ب وطينت ه م ع‬
‫أثقاله وأوزاره من المؤمن فيلحقها كلها بالناصب وينزع س نخ الم ؤمن وطينت ه م ع‬
‫حسناته وأبواب بره واجتهاده من الناص ب فيلحقه ا كله ا ب المؤمن‪ ،‬أف ترى ه ا هن ا‬
‫ظلما ً أو عدواناً؟ قلت‪ :‬ال يا ابن رسول هللا‪ ،‬ق ال‪ :‬ه ذا وهللا القض اء الفاص ل والحكم‬
‫القاطع والعدل البين ﴿اَل يُسْأ َ ُل َع َّما يَ ْف َع ُل َوهُ ْم يُسْأَلُونَ ﴾ [األنبياء‪ ]23 :‬هذا يا اب راهيم‬
‫الحق من ربك فال تكن من الممترين هذا من حكم الملكوت‪ ،‬قلت‪ :‬ي ا ابن رس ول هللا‬
‫وم ا حكم الملك وت؟ ق ال‪ :‬حكم هللا حكم أنبيائ ه‪ ،‬وقص ة الخض ر وموس ى ‘ حين‬
‫ص ْبرًا (‪َ )67‬و َك ْيفَ تَصْ بِ ُر َعلَى َما لَ ْم تُ ِح ْ‬
‫ط‬ ‫ك لَ ْن تَ ْستَ ِطي َع َم ِع َي َ‬ ‫استصحبه‪ ،‬فقال‪ ﴿ :‬إِنَّ َ‬
‫بِ ِه ُخ ْب رًا ﴾ [الكه ف‪ ]68 ،67 :‬افهم يا إب راهيم واعقل‪ ،‬أنكر موسى على الخضر‬
‫واس تفظع أفعاله‪ ،‬ح تى ق ال له الخضر يا موسى ما فعلته عن أم ري إنما فعلته عن‬
‫‪295‬‬
‫أمر هللا تعالى‪ ،‬من هذا ويحك يا إب راهيم‪ ،‬ق رآن يُتلى‪ ،‬وأخب ار ت ؤثر عن هللا تع الى‬
‫من رد منها حرفا ً فقد كفر وأشرك ورد على هللا تعالى‪ ..‬قال الليثي‪ :‬فك أني لم أعق ل‬
‫اآليات وأنا أقرأها أربعين سنة إال ذلك اليوم فقلت‪ :‬يا ابن رسول هللا م ا أعجب ه ذا‬
‫تؤخ ذ حس نات أع دائكم ف ترد على ش يعتكم‪ ،‬وتؤخ ذ س يئات مح بيكم ف ترد على‬
‫مبغض يكم؟! ق ال‪ :‬أي هللا ال ذي ال إل ه إال ه و ف الق الحب ة وب ارئ النس مة وف اطر‬
‫االرض والسماء ما أخبرتك إال بالحق وما أنبأت ك إال الص دق وم ا ظلمهم هللا‪ ،‬وم ا‬
‫هللا بظالم للعبيد‪ ،‬وإن ما أخبرتك لموجود في القرآن كله‪ ،‬قلت‪ :‬هذا بعين ه يوج د في‬
‫القرآن؟! قال‪ :‬نعم يوجد في أكثر من ثالثين موضعا ً في القرآن‪ ،‬أتحب أن أقرأ ذل ك‬
‫ال الَّ ِذينَ َكفَ رُوا لِلَّ ِذينَ‬ ‫عليك؟ قلت بلى يا ابن رس ول هللا‪ ،‬فق ال‪ :‬ق ال هللا تع الى ﴿ َوقَ َ‬
‫آ َمنُوا اتَّبِعُوا َسبِيلَنَا َو ْلنَحْ ِملْ َخطَايَ ا ُك ْم َو َم ا هُ ْم بِ َح ا ِملِينَ ِم ْن خَ طَايَ اهُ ْم ِم ْن َش ْي ٍء إِنَّهُ ْم‬
‫لَ َكا ِذبُونَ (‪َ )12‬ولَيَحْ ِملُ َّن أَ ْثقَالَهُ ْم َوأَ ْثقَ ااًل َم َع أَ ْثقَ الِ ِه ْم َولَي ُْس أَلُ َّن يَ وْ َم ْالقِيَا َم ِة َع َّما َك انُوا‬
‫يَ ْفتَرُونَ ﴾ [العنكبوت‪)1()]13 ،12 :‬‬
‫إلى آخر الرواية‪ ،‬والتي تتنافى مع كل القيم الواردة في القرآن الكريم والس نة‬
‫المطهرة وأحاديث أئم ة اله دى‪ ،‬وم ع ذل ك نج د أن هن اك من يتعل ق به ا‪ ،‬ويح اول‬
‫تبريرها وتأويلها بإيراد نصوص نظيرة لها في كتب المدرسة السنية‪ ..‬مع أن كل ما‬
‫يخالف القرآن الكريم مرفوض سواء ورد في المصادر السنية أو الشيعية‪.‬‬
‫وأول ما يرفضه هو ما ورد في القرآن الكريم من أن طينة البشر واحدة‪ ،‬قال‬
‫طفَ ةً فِي قَ َر ٍ‬
‫ار‬ ‫ين (‪ )12‬ثُ َّم َج َع ْلنَ اهُ نُ ْ‬ ‫تع الى‪َ ﴿ :‬ولَقَ ْد َخلَ ْقنَ ا اإْل ِ ْن َس انَ ِم ْن ُس اَل لَ ٍة ِم ْن ِط ٍ‬
‫ضى أَ َجاًل َوأَ َج ٌل‬ ‫َم ِكي ٍن﴾ [المؤمنون‪ ،]13 ،12 :‬وقال‪﴿ :‬ه َُو الَّ ِذي خَ لَقَ ُك ْم ِم ْن ِطي ٍن ثُ َّم قَ َ‬
‫ُم َس ّمًى ِع ْن َدهُ ثُ َّم أَ ْنتُ ْم تَ ْمتَرُونَ ﴾ [األنعام‪]2 :‬‬
‫وهكذا أخبر أن جميع النفوس مصدرها من نفس واح دة‪ ،‬ق ال تع الى‪﴿ :‬يَاأَيُّهَ ا‬
‫ث ِم ْنهُ َم ا ِر َج ااًل‬ ‫ق ِم ْنهَا زَ وْ َجهَا َوبَ َّ‬ ‫اح َد ٍة َوخَ لَ َ‬
‫س َو ِ‬ ‫النَّاسُ اتَّقُوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي َخلَقَ ُك ْم ِم ْن نَ ْف ٍ‬
‫اح َد ٍة فَ ُم ْس تَقَ ٌّر‬‫س َو ِ‬ ‫َكثِ يرًا َونِ َس ا ًء ﴾ [النس اء‪ ،]1 :‬وق ال‪َ ﴿ :‬وهُ َو الَّ ِذي أَ ْن َش أ َ ُك ْم ِم ْن نَ ْف ٍ‬
‫ت لِقَوْ ٍم يَ ْفقَهُونَ ﴾ [األنعام‪]98 :‬‬ ‫ع قَ ْد فَص َّْلنَا اآْل يَا ِ‬ ‫َو ُم ْستَوْ َد ٌ‬
‫ولهذا يخاطب هللا تعالى البشر جميعا بكونهم من مص در واح د‪ ،‬ق ال تع الى‪:‬‬
‫اس هُ َما﴾‬ ‫ع َع ْنهُ َم ا لِبَ َ‬ ‫الش ْيطَانُ َك َم ا أَ ْخ َر َج أَبَ َو ْي ُك ْم ِمنَ ْال َجنَّ ِة يَ ْن ِز ُ‬ ‫﴿يَابَنِي آ َد َم اَل يَ ْفتِنَنَّ ُك ُم َّ‬
‫[األعراف‪ ،]27 :‬وقال‪ ﴿ :‬يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَ لَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن َذ َك ٍر َوأُ ْنثَى َو َج َع ْلنَ ا ُك ْم ُش عُوبًا‬
‫َوقَبَائِ َل لِتَ َعا َرفُوا إِ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد هَّللا ِ أَ ْتقَا ُك ْم إِ َّن هَّللا َ َعلِي ٌم خَ بِيرٌ﴾ [الحجرات‪]13 :‬‬
‫وأحب أن أنبه هنا إلى الجريم ة ال تي يرتكبه ا الط ائفيون حين يس رعون إلى‬
‫استعمال أمثال هذه الروايات لضرب كل ما ورد عن أئمة الهدى من المع اني والقيم‬
‫الطيبة الكثيرة‪ ،‬بدل أن يكتفوا برد الضعيف والموضوع والمدلس‪.‬‬
‫أما ورود بعض تلك األحاديث في الكافي وغيره من الكتب المعتبرة؛ فه و ال‬
‫يعني صحتها؛ فليس هناك كتاب ص حيح ص حة مطلق ة‪ ،‬وق د كتب بعض هم دراس ة‬
‫‪ )(1‬علل الشرائع ج‪ 2‬ص‪ ،606‬عنه البحار ج‪ 5‬ص‪ ،228‬مختصر البصائر ص‪.223‬‬
‫‪296‬‬
‫علمي ة ح ول الك افي وال رواة الم تروكين في ه بعن وان [الم تروكون ومروي اتهم في‬
‫أصول الكافي]‪ ،‬وقد ذكر فيه أن الع دد اإلجم الي ألح اديث الك افي ‪ 16199‬ح ديثًا‪،‬‬
‫وأن منها م ا ال يق ل عن ‪ 9485‬ح ديثًا من الض عيف بش هادة ع دد من نق اد الش يعة‬
‫اإلمامية أنفسهم‪.‬‬
‫ً‬
‫باإلضافة إلى ذلك ذكر أن في كتاب الكافي مجموع ة كب يرة ج ّدا من ال رواة‬
‫المتروكين عن د نق اد الح ديث من الش يعة‪ ،‬منهم من نص على ترك ه معظم رج الهم‬
‫وعلمائهم في الجرح والتعديل‪ ،‬ومنهم من اختُلِف فيه عندهم‪ ،‬وبلغ ع دد الم تروكين‬
‫في هذا الكتاب نحو مائة را ٍو‪ ،‬وبلغ عدد مروياتهم (‪)2130‬‬
‫مع العلم أن الحديث المتروك عن د الش يعة اإلمامي ة‪ ،‬ش ر أن واع الح ديث‪ ،‬إذ‬
‫تأتي مرتبته بعد الموضوع مباشرة‪.‬‬
‫ثانيا ـ أحاديث المناقب التي وضعتها الفئة الباغية‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة جدا‪ ،‬والكثير منها يتناقض مع األحاديث األخرى المتف ق‬
‫عليها بين األمة جميع ا‪ ،‬وهي ال تتن اقض معه ا فق ط‪ ،‬ب ل تتن اقض م ع م ا تقتض يه‬
‫اإلمامة من تفرد شخص واحد بالمزايا التي تقتضيها‪.‬‬
‫ومن األمثل ة على ذل ك أن األح اديث الكث يرة تثبت علم اإلم ام علي ب القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وبكل قضايا الدين أصولها وفروعها‪ ،‬وأنه ال يدانيه في ذلك أحد من الناس‪،‬‬
‫وأنه لذلك استحق أن يكون إماما ومرجعا لألمة‪ ،‬والواقع يدل علي ه؛ فق د ك ان أك ثر‬
‫الناس معاشرة لرسول هللا ‪ ،‬وأكثرهم تلمذة على يديه‪ ،‬ول ذلك ك ان وعي ه وفهم ه‬
‫وعلمه بالدين أعظم وعي وفهم وعلم‪.‬‬
‫لكن روايات المناقب تخ الف ه ذه الناحي ة‪ ،‬حيث أنه ا ت وزع ه ذه الفض ائل‪،‬‬
‫وفي غير محاله ا المناس بة له ا‪ ،‬وال تي دل عليه ا الواق ع‪ ،‬وكأنه ا تري د أن ترض ي‬
‫الجميع‪ ،‬ولو على حساب الحقيقة‪.‬‬
‫ومثال ذلك مثال من يشهد لشخص بأنه أعلم الناس بالرياضيات‪ ..‬لكن ه ي ذكر‬
‫في نفس الوقت أن آخر هو األعلم بالجبر‪ ..‬وآخر ه و األعلم بالهندس ة‪ ..‬وآخ ر ه و‬
‫األعلم بالرياضيات التطبيقية‪ ..‬وآخر هو األعلم بفرع آخر من ف روع الرياض يات‪..‬‬
‫وهكذا يزال عن األول أعلميته بالرياضيات بطريقة غير مباشرة‪.‬‬
‫ومن األمثل ة على ذل ك م ا روي عن رس ول هللا ‪ ‬أن ه ق ال‪( :‬أرحم أم تى‬
‫بأمتى أبو بكر‪ ،‬وأشدهم فى أمر هللا عمر‪ ،‬وأصدقهم حياء عثم ان‪ ،‬وأق رؤهم لكت اب‬
‫هللا أبى بن كعب‪ ،‬وأفرضهم زيد بن ثابت‪ ،‬وأعلمهم بالحالل والحرام معاذ بن جبل‪،‬‬
‫أال وإن لكل أمة أمينا‪ ،‬وإن أمين هذه األمة أبو عبيدة بن الجراح)(‪)1‬‬
‫وهو حديث مشهور متداول لكنه معلول سندا ومتنا‪ ،‬أما إعالل ه الس ندي؛ فق د‬
‫ع بر عن ه الحاف ظ أب و الحس ن ال دارقطني بقول ه‪( :‬يروي ه خال ٌد الح ذاء‪ ،‬وعاص ٌم‬
‫األحول‪ ،‬واختلف عنهما‪ :‬فأما ح ديث خال د الح ذاء‪ ،‬ف رواه إس ماعيل ابن علي ة عن‬
‫‪ )(1‬الترمذي (ح‪)3791‬‬
‫‪297‬‬
‫خالد عن أبي قالبة مرسال‪ ..‬واختلف عن الث وري‪ :‬ف رواه قبيص ة عن الث وري عن‬
‫خالد وعاصم عن أبي قالب ة عن أنس‪ ..‬وخالف ه معلى بن عب د ال رحمن‪ ،‬ف رواه عن‬
‫الث وري عن عاص م عن أبي قالب ة عن ابن عم ر‪ ،‬وعن خال د عن أبي قالب ة عن‬
‫أنس‪ ..‬ورواه وكي ٌع عن الث وري عن خال د عن أبي قالب ة عن أنس‪ ..‬ورواه ابن‬
‫عيينة‪ ،‬وحماد بن سلمة‪ ،‬وحماد بن زي د عن عاص م عن أبي قالب ة مرس ال‪ ..‬ورواه‬
‫أبو قحذم النضر بن معبد عن أبي قالبة مرسال أيضا‪ ..‬وروى شعبة من هذا الحديث‬
‫كلمة‪ ،‬وهي فضيلة أبي عبيدة بن الجراح خاصة عن خالد عن أبي قالب ة عن أنس‪..‬‬
‫واختلف عن شعبة في ذلك‪ :‬فقي ل‪ :‬عن س ليمان بن ح رب عن ش عبة عن ث ابت عن‬
‫أنس‪ .‬وقي ل‪ :‬عن أبي علي عبي د هللا بن عب د المجي د الحنفي عن ش عبة عن عاص م‬
‫األح ول عن أنس‪ .‬وقي ل‪ :‬عن أبي عم ر الحوض ي عن ش عبة عن قت ادة عن أنس‪.‬‬
‫وأصحها‪ :‬عن شعبة عن خالد عن أبي قالبة عن أنس)(‪)1‬‬
‫بل إن ابن تيمية نفسه ضعفه‪ ،‬فقد قال‪( :‬وبعضهم يحتج لذلك بقوله‪( :‬أفرضكم‬
‫ضعيف؛ ال أصل ل ه‪ .‬ولم يكن زي ٌد على عه د الن بي ‪ ‬معروف ا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫زيد)‪ .‬وهو‬
‫بالفرائض‪ ،‬حتى أبو عبيدة لم يصح فيه إال قول ه‪( :‬لك ل أم ة ٌ‬
‫أمين وأمين ه ذه األم ة‬
‫أبو عبيدة بن الجراح)(‪)2‬‬
‫وأما إعالل متنه‪ ،‬فقد عبر عنه الفضل بن شاذان في قوله في بعض حجاج ه‪:‬‬
‫أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪ّ ( :‬‬
‫إن‬ ‫(فأوّل ما ننقم عليكم من ذلك م ا رويتم وه عن علم ائكم ّ‬
‫زي دا أفرض كم وعل ّي أقض اكم وأب ّى أق رؤكم ومع اذ أعلمكم ب الحالل والح رام وق د‬
‫أن القاضى ال يك ون قاض يا حتّى يع رف ه ذه الخالل كلّه ا ال ش ّ‬
‫ك في ه إذ ال‬ ‫علمتم ّ‬
‫يكون أقضاهم حتّى يعرف الف رائض فيك ون عالم ا بم ا أم ر هللا ب ه منه ا فى كتاب ه‬
‫وسنّة نبيّه‪ ،‬وال يكون أعلمهم بالحالل والحرام حتّى يعرف الف رائض ألنّه ا هى من‬
‫الحالل والحرام)(‪)3‬‬
‫ومثل ذلك األحاديث الكثيرة التي وضعت في حق أبي بكر وعمر خصوصا‪،‬‬
‫والتي وضعت في عهد معاوية للحط من شأن اإلمام علي من جه ة‪ ،‬ولكونهم ا كان ا‬
‫سببا في ت ولي معاوي ة وغ يره من الطلق اء تل ك المناص ب الرفيع ة ال تي لم يكون وا‬
‫يستحقونها‪.‬‬
‫ومن األمثلة عنها م ا رووه مرفوع ا إلى رس ول هللا ‪ ‬أن ه ق ال‪( :‬أب و بك ر‬
‫وعمر سيدا كهول أهل الجنة من األولين واآلخرين ما خال النبيين والمرسلين)(‪)4‬‬
‫وهو ظاهر الوضع‪ ،‬وأن المقصود منه سلب تلك المنقبة العظيم ة ال تي خص‬
‫بها رسول هللا ‪ ‬اإلمامين الحس ن والحس ين‪ ،‬وكونهم ا س يدي ش باب أه ل الجن ة‪،‬‬
‫ولذلك استعمله ابن تيمية في التهوين من ش أنهما‪ ،‬فق د ق ال‪( :‬وهم ا ‪ -‬يع ني الحس ن‬
‫‪ )(1‬العلل‪( ،‬ح‪)2676‬‬
‫‪ )(2‬مجموع الفتاوى (‪)342 /31‬‬
‫‪ )(3‬اإليضاح‪ ،‬ص‪.314‬‬
‫‪ )(4‬الترمذي (‪ ،)3666‬وابن ماجة (‪)95‬‬
‫‪298‬‬
‫والحسين ‪ -‬وإن كانا سيدا شباب أهل الجنة‪ ،‬فأبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجن ة‪،‬‬
‫وهذا الصنف أكمل من ذلك الصنف)(‪)1‬‬
‫وهكذا حاول الق اري أن يثبت ب ذلك الح ديث أن من ك ان س يدا على الكه ول‬
‫فهو سيد على الشباب‪ ،‬فقال‪( :‬الكهول‪ :‬جمع الكه ل‪ ،‬وه و ‪ -‬على م ا في الق اموس ‪-‬‬
‫من جاوز الثالثين أو أربعا وثالثين إلى إحدى وخمسين‪ ،‬فاعتبر م ا ك انوا علي ه في‬
‫الدنيا حال هذا الحديث‪ ،‬وإال لم يكن في الجنة كهلٌ‪ ،‬وقي ل‪ :‬س يدا من م ات كهال من‬
‫المسلمين فدخل الجنة‪ ،‬ألنه ليس فيه ا كه لٌ‪ ،‬ب ل من ي دخلها ابن ثالث وثالثين‪ ،‬وإذ‬
‫كانا سيدي الكهول‪ ،‬فأولى أن يكونا سيدي شباب أهلها)(‪)2‬‬
‫وبم ا أن أمث ال ه ذه التحالي ل ال تكفي؛ فق د راح وا يض عون أح اديث أخ رى‬
‫يلغون فيها السيادة عن الحسنين‪ ،‬فقد رووا عن علي أنه قال‪( :‬كنت عن د الن بي ‪،‬‬
‫فأقبل أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬فقال‪( :‬يا علي‪ ،‬ه ذان س يدا كه ول أه ل الجن ة وش بابها بع د‬
‫النبيين والمرسلين)(‪)3‬‬
‫ومثل ذلك ما ورد من تخصيص عمر بن الخطاب بتحديث المالئك ة ل ه دون‬
‫سائر الصحابة مع أسبقيتهم له في اإلسالم‪ ،‬وتضحياتهم الكثيرة في سبيله‪ ،‬ذل ك ألن‬
‫الفئة الباغية تعظم عمر أكثر من غيره من الصحابة‪ ،‬ب ل تعت بره ولي نعمته ا‪ ،‬فه و‬
‫الذي ولى معاوية على الشام‪ ،‬ولذلك ب الغت كث يرا في تفض يله ح تى على من س بقه‬
‫إلى اإلسالم من الصحابة متخلين عن نظريتهم في كون األفضل هو األسبق‪.‬‬
‫فقد روى أبو هريرة عن رسول هللا ‪ ‬أنه قال‪( :‬لقد كان فيمن كان قبلكم من‬
‫بني اسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبي اء ف إن يكن من أم تي منهم أح د‬
‫فعمر)(‪)4‬‬
‫ومثله ذلك األحاديث المرتبطة بمناقب عثمان‪ ،‬ومنها قوله سمعت رس ول هللا‬
‫‪ ،‬يقول‪( :‬إنكم تلقون بعدي فتنة واختالفا)‪ ،‬أو قال‪( :‬اختالفا وفتنة)‪ ،‬فقال له قائ ل‬
‫من الناس‪ :‬فمن لنا يا رسول هللا؟ قال‪( :‬عليكم ب األمين وأص حابه)‪ ،‬وه و يش ير إلى‬
‫عثمان بذلك(‪.)5‬‬
‫وال شك أن أصحابه ال ذين يقص دهم هن ا هم م روان ومعاوي ة وغيرهم ا من‬
‫الفئة الباغية‪.‬‬
‫بناء على هذا سنذكر هنا بعض النماذج عن تلك األحاديث ال تي لم ي رد منه ا‬
‫إال التهوين من شأن العترة‪ ،‬ووصايا رسول هللا ‪ ‬المرتبطة بها‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ األحاديث الموضوعة في حق معاوية‪:‬‬
‫وهي أحاديث كثيرة‪ ،‬وضعت في عه د معاوي ة أو بع ده‪ ،‬تزلف ا ل ه‪ ،‬أو تزلف ا‬

‫‪ )(1‬منهاج السنة النبوية (‪)169 /4‬‬


‫‪ )(2‬مرقاة المفاتيح (‪)3913 /9‬‬
‫‪ )(3‬رواه عبد هللا بن أحمد في زوائد الزهد (‪)602‬‬
‫‪ )(4‬رواه البخاري في باب (مناقب عمر) في‪.2/194 :‬‬
‫‪ )(5‬أحمد ‪)8522( 2/344‬‬
‫‪299‬‬
‫لألمويين‪ ،‬أو ربما تزلفا للعباسيين الذين اعتبروا أئمة الهدى أعداء منافسين لهم‪.‬‬
‫ول ذلك أض يفت في عه دهم [العقي دة في معاوي ة] إلى ج انب العقي دة في هللا‬
‫ورسله ومالئكته في عقائد أهل السنة والجماعة؛ فال يعتبر سنيا عن دهم إال من عظم‬
‫معاوية‪ ،‬وله ذا ألف وا الكتب والرس ائل في بي ان فض ائله وال دفاع عنه(‪ ،)1‬وال يمكن‬
‫الدفاع عنه من دون التهوين من عدوه األكبر اإلمام علي‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك قول اآلجري في (الشريعة)‪( :‬معاوية رحمه هللا ك اتب‬
‫رسول هللا ‪ ‬على وحي هللا عز وجل وه و الق رآن ب أمر هللا ع ز وج ل وص احب‬
‫رسول هللا ‪ ‬ومن دعا له النبي ‪ ‬أن يقيه العذاب ودع ا ل ه أن يعلم ه هللا الكت اب‬
‫ويمكن له في البالد وأن يجعله هاديا ً مهديا ً‪ ..‬وهو ممن ق ال هللا ع ز وج ل ﴿ يَ وْ َم ال‬
‫ي َوالَّ ِذينَ آ َمنُ وا َم َع هُ ﴾ (التح ريم‪ )8 :‬فق د ض من هللا الك ريم ل ه أن ال‬
‫ي ُْخ ِزي هَّللا ُ النَّبِ َّ‬

‫‪ )(1‬من الكتب المؤلفة عنه ما كتبه الحافظ أبوبكر بن أبي الدنيا (ت‪ )281 :‬في حلم معاوية (الموجود منتقى من ه‬
‫مجرد األسانيد‪ ،‬مخطوط في الظاهرية‪ ،‬ويستخرج أغلبه من تاريخ ابن عساكر)‪،‬‬
‫وصنف في مناقبه أبوبكر ابن أبي عاصم (ت‪ ،)287 :‬وأب وعمر غالم ثعلب (ت‪ ،)345 :‬وأب وبكر النق اش (ت‪:‬‬
‫‪ )351‬ذكر كتابهما ابن حجر في فتح الباري ‪.7/104‬‬
‫وجمع أبوالفتح بن أبي الفوارس (ت‪ )412 :‬في فضائل معاوية (منهاج السنة ‪ ،)4/84‬وصنف أبوالقاسم السقطي‬
‫(ت‪ )406 :‬جزءا في فضائل معاوية (مخط وط في الظاهري ة)‪ ،‬وك ذا علي بن الحس ن الص يقلي القزوي ني (الت دوين‬
‫‪ ،)3/352‬وللحس ين بن علي األه وازي (ت‪ )446 :‬كت اب ش رح عق د أه ل اإليم ان في معاوي ة بن أبي س فيان (في‬
‫الظاهرية الجزء السابع عشر منه)‬
‫وألحم د رض ا ال بريلوي (ت‪ )1340 :‬كت اب األح اديث الراوي ة لمن اقب الص حابي معاوي ة (كم ا في معجم‬
‫الموضوعات المطروقة ص‪)595‬‬
‫وقد طبعت مؤخرا رسائل‪ :‬ابن أبي الدنيا‪ ،‬والسقطي‪ ،‬واألهوازي مع ا‪ ،‬بتحقي ق هزايم ة وياس ين‪ ،‬نش ر مؤسس ة‬
‫حمادة‪ ،‬إربد‪ ،‬األردن‪ ،‬كما طبع رسالة ابن أبي الدنيا لوحدها‪ :‬إبراهيم صالح في دار البشائر بدمشق‪.‬‬
‫أما من ذب عن معاوية ودافع عن ه‪ :‬فمنهم أب ويعلى محم د بن الحس ين الف راء في كتاب ه‪ :‬تنـزيه خ ال المؤم نين‬
‫معاوية بن أبي سفيان من الظلم والفسق في مطالبته بدم أمير المؤمنين عثمان (حققه عب د الحمي د بن علي الفقيهي‪ ،‬ثم‬
‫حققه أبوعبد هللا األثري وطبعه بدار النبالء بعمان)‬
‫والبن تيمية جواب سؤال عن معاوية بن أبي سفيان (حققه صالح الدين المنجد‪ ،‬وطبع ب دار الكت اب الع ربي في‬
‫بيروت‪ ،‬وطبع ناقصا ضمن مجموع الفتاوى ‪ 4/453‬وانظر ‪ 79-35/58‬منه)‬
‫وألحد علماء اليمن سنة ‪ :1137‬نصيحة اإلخ وان في ت رك الس ب لمعاوي ة بن أبي س فيان (كم ا في ذي ل كش ف‬
‫الظنون ‪)4/652‬‬
‫وألحمد بن حجر الهيتمي‪ :‬تطهير الجنان واللسان عن الخوض والتف وه بثلب معاوي ة بن أبي س فيان (طب ع آخ ر‬
‫الصواعق المحرقة له‪ ،‬وطبع في مكتبة الصحابة بطنطا وغيرها مفردا‪ ،‬واختصره الشيخ سليمان الخراشي‪ ،‬وقدم ل ه‬
‫مقدمة مفيدة)‬
‫وللشيخ حسن بن علوي بن شهاب الدين العلوي الحضرمي (ت ‪ :)1332‬الرقية الشافية من نفثات سموم النصائح‬
‫الكافية (طبع في سنغافورة عام ‪ 1328‬ويعاد طبعه إن شاء هللا)‬
‫ولعصريه القاسمي كتاب نقد النصائح الكافية (طبع)‪ ،‬ولعبد العزيز بن حامد الفرهاوري‪ :‬الناهي ة عن الطعن في‬
‫أمير المؤمنين معاوية (طبع)‬
‫وقد جمع الشيخ محمد مال هللا كالم ابن تيمية عن معاوية في منهاج السنة (طب ع)‪ ،‬وللش يخ زي د الفي اض رس الة‬
‫في الدفاع عن معاوية (لم تطبع‪ ،‬كما في ذيل األعالم للعالونة ‪)2/68‬‬
‫وللشيخ عبد المحسن العباد رسالة‪ :‬أقوال المنصفين في الصحابي الخليفة معاوي ة (طب ع بالجامع ة اإلس المية في‬
‫طيبة)‬
‫وللمؤرخ محمود شاكر ترجمة مفردة لمعاوية ضمن سلسلة خلفاء اإلسالم (طبع في المكتب اإلسالمي ببيروت)‬
‫ولألستاذ منير الغضبان كتاب معاوية بن أبي سفيان صحابي كبير وملك مجاهد (طبع بدار القلم في دمشق)‬
‫‪300‬‬
‫‪)1()‬‬
‫يخزيه ألنه ممن آمن برسول هللا‬
‫وقال ابن بطة في (اإلبانة الصغرى)‪( :‬تترحم على أبي عبد ال رحمن معاوي ة‬
‫بن أبي سفيان أخي أم حبيبة زوج النبي ‪ ‬خ ال المؤم نين أجمعين وك اتب ال وحي‬
‫وتذكر فضائله)(‪)2‬‬
‫ولهذا ـ أيضا ـ ن راهم يج يزون نق د عم ار والطعن في ه وتأوي ل م ا ورد في‬
‫فضله من نصوص‪ ،‬بينما يعتبرون الكالم في معاوية طامة كبرى‪ ،‬وزندقة عظمى‪،‬‬
‫وبدعة ليس لصاحبها قرار سوى في النار‪ ،‬فقد رووا عن عبد هللا بن المب ارك قوله‪:‬‬
‫(معاوية عندنا محنة‪ ،‬فمن رأيناه ينظر إلى معاوية َش ْزراً؛ اتهمناه على القوم‪ ،‬أع ني‬
‫على أصحاب محمد ‪)3()‬‬
‫ورووا عن الربيع بن نافع قوله‪( :‬معاوية بن أبي سفيان ستر أصحاب رسول‬
‫هللا ‪ ‬فإذا كشف الرجل الستر اجترئ على ما وراءه)(‪)4‬‬
‫ورووا كذبا وزورا عن النس ائي أن ه ُس ئِ َل عن معاوية‪ ،‬فق ال‪( :‬إنم ا اإلس الم‬
‫كدار لها باب‪ ،‬فباب اإلس الم الص حابة فمن آذى الص حابة إنم ا أراد اإلس الم‪ ،‬كمن‬
‫نقر الباب إنما يريد دخول الدار‪ ،‬قال‪ :‬فمن أراد معاوية؛ فإنما أراد الصحابة)(‪)5‬‬
‫وهذا تزوير وك ذب على اإلم ام النس ائي‪ ،‬ألن الم ؤرخين ي ذكرون تعرض ه‬
‫لمحنة سببها كتابه في في فضل اإلمام علي بن أبي طالب الذي جمع في ه األح اديث‬
‫الواردة في فضل االم ام علي وأه ل بيت ه‪ ،‬فق د ذك روا أن ه بع د أن ت رك مص ر في‬
‫أواخر عمره قصد دمشق ونزلها‪ ،‬فوجد الكثير من أهلها منحرفين عن االم ام علي‪،‬‬
‫فأخذ على نفسه وضع كتاب يضم مناقبه وفضائله رجاء أن يهتدي به من يطالعه أو‬
‫يلقى إليه سمعه‪ ،‬فأتى به والقاه على مسامعهم بص ورة دروس متواص لة‪ ..‬وبع د ان‬
‫فرغ منه س ئل عن معاوي ة وم ا روي من فض ائله‪ ،‬فق ال‪( :‬أم ا يرض ى معاوي ة أن‬
‫يخرج رأسا برأس حتى يفضل؟)‪ ،‬وفي رواية‪( :‬ما أعرف له فضيلة إال ال أش بع هللا‬
‫بطنك)‪ ،‬فهجموا عليه وداسوه حتى أخرجوه من المسجد‪ ،‬فقال‪ :‬احمل وني إلى مك ة‪،‬‬
‫فحمل إليها‪ ،‬فتوفى بها(‪.)6‬‬
‫بناء على ه ذا س نذكر هن ا بعض النم اذج عن تل ك األح اديث ال تي وض عت‬
‫لتحسين ص ورة معاوي ة‪ ،‬وال تي ي دافع عنه ا ويح اول تص حيحها ك ل أولئ ك ال ذين‬
‫يستعملون كل الوسائل للتهوين من شأن اإلمام علي‪ ،‬وتضعيف ك ل ح ديث ص حيح‬
‫ورد فيه‪ ،‬أو تأويله‪ ،‬أو تمييعه‪.‬‬
‫[النموذج‪ ]1 :‬ـ وهي األحاديث التي وضعت إلعط اء ش رعية لحكم ه‪ ،‬وهي‬
‫‪ )(1‬الشريعة [ ‪.496 / 3‬‬
‫‪ )(2‬اإلبانة الصغرى [ ص‪.] 299 :‬‬
‫‪ )(3‬تاريخ دمشق‪.59/209‬‬
‫‪ )(4‬تاريخ بغداد ‪.1/209‬‬
‫‪ )(5‬تهذيب الكمال ‪.،340-1/339‬‬
‫‪ )(6‬انظر‪ :‬تذكرة الحفاظ للذهبي ص‪،699‬ووفيات األعيان البن خلكان ج‪ 1‬ص‪ 77‬والمقفى الكبير للمقري زي ج‬
‫‪ 1‬ص‪ ،402‬والبداية والنهاية البن كثير ج‪ 11‬ص‪ 124‬وغيرها كثير‪.‬‬
‫‪301‬‬
‫متناقضة مع كل تلك األحاديث التي تحذر من الملك العضوض‪ ،‬ومن عالقة معاوية‬
‫به‪ ،‬والتي سبق ذكرها‪.‬‬
‫ومن تلك األحاديث ال تي ي دافعون عنه ا م ا رواه معاوي ة ق ال‪ :‬كنت أوض ئ‬
‫رس ول هللا ‪ ‬ذات ي وم؛ أف رغ علي ه من إن اء في ي دي‪ ،‬فنظ ر إلي نظ رة ش ديدة‪،‬‬
‫ففزعت‪ ،‬فسقط اإلناء من يدي‪ ،‬فقال‪( :‬يا معاوية؛ إن وليت شيئا من أمر أم تي ف اتق‬
‫هللا واعدل‪ ،‬فما زلت أطمع فيها منذ ذلك اليوم‪ ،‬وأسأل هللا أن يرزقني العدل فيكم)()‬
‫والمحدثون الذين رووا هذا الحديث‪ ،‬ويس تدلون ب ه‪ ،‬يجته دون في تص حيحه‬
‫يذكرون وثاقة الرواة الذين رووه‪ ،‬ويغفل ون عن معاوي ة‪ ،‬م ع أنهم ل و طبق وا علي ه‬
‫أحاديث رسول هللا ‪ ‬العتبروه أكبر المدلس ين والوض اعين والك اذبين‪ ،‬وكي ف ال‬
‫يكون كذلك وهو الذي لم يكتف ببغض اإلمام علي‪ ،‬بل كان يقاتل ه ويس به ويس تعمل‬
‫كل الوسائل للتهوين من شأنه‪.‬‬
‫ولهذا نرى ابن تيمية وتالميذه يستعملون أمثال ذلك الحديث‪ ،‬ويعتبرون عه د‬
‫معاوية أفضل من عهد اإلم ام علي‪ ،‬فق د ق ال‪( :‬ج رى بع د م وت معاوي ة من الفتن‬
‫والفرقة واالختالف ما ظهر به مصداق ما أخبر ب ه الن بي ‪ ،‬حيث ق ال‪( :‬س يكون‬
‫ك ورحم ة‪ ،‬ثم يك ون مل ٌ‬
‫ك‬ ‫نبوة ورحمة‪ ،‬ثم يكون خالفة نبوة ورحم ة‪ ،‬ثم يك ون مل ٌ‬
‫عضوض)‪ ،‬فكانت نبوة الن بي ‪ ‬نب وة ورحم ة‪ ،‬وك انت خالف ة الخلف اء الراش دين‬
‫ك عض وض)‬ ‫خالفة نبوة ورحمة‪ ،‬وكانت إمارة معاوية ملكا ورحمة‪ ،‬وبعده وقع مل ٌ‬
‫(‪)1‬‬

‫[النموذج‪]2 :‬ـ ما يروونه من أدعية رس ول هللا ‪ ‬ل ه‪ ،‬ومنه ا أن ه ‪ ‬ذك ر‬


‫معاوية‪ ،‬فقال‪( :‬اللهم اجعله هاديا مهديا‪ ،‬واهد به)(‪ ،)2‬وأنه دعا لمعاوية فق ال‪( :‬اللهم‬
‫علمه الكتاب والحساب‪ ،‬وقه العذاب)(‪)3‬‬

‫أما دعاؤه عليه؛ فق د حول وه إلى فض يلة من الفض ائل‪ ،‬وس أذكر الح ديث‪ ،‬ثم‬
‫أذكر تالعبهم ب ه‪ ،‬فق د روي عن ابن عب اس ق ال‪( :‬كنت ألعب م ع الص بيان‪ ،‬فج اء‬
‫رسول هللا ‪ ،‬فتواريت خلف باب‪ ،‬قال‪ :‬فجاء فحط أني حط أة‪ ،‬وق ال‪ :‬اذهب وادع‬
‫لي معاوية‪ ،‬قال‪ :‬فجئت فقلت‪ :‬ه و يأك ل‪ .‬ق ال‪ :‬ثم ق ال لي‪ :‬اذهب ف ادع لي معاوي ة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فجئت فقلت‪ :‬هو يأكل‪ ،‬فقال‪ :‬ال أشبع هللا بطنه)(‪)4‬‬

‫فهذا الحديث مع وضوحه في تحذير األم ة من معاوي ة‪ ،‬وذم ه إال أنهم ع دوه‬
‫‪ )(1‬مجموع الفتاوى (‪)19 /35‬‬
‫‪ )(2‬رواه البخاري في التاريخ (‪ )5/240‬والترم ذي (‪ )3842‬وابن س عد (‪ )7/418‬وابن أبي عاص م في اآلح اد‬
‫والمثاني (‪ 2/358‬رقم ‪ )1129‬والبغوي في معجم الصحابة (‪)4/491‬‬
‫‪ )(3‬رواه أحمد في المسند (‪ )4/127‬وفضائل الصحابة (‪- )1748‬ومن طريقه الخالل في العل ل (‪ )141‬والس نّة‬
‫(‪ )2/449‬وابن عساكر (‪)59/75‬‬
‫‪ )(4‬مسل ٌم (‪ 4/2010‬رقم ‪)2604‬‬
‫‪302‬‬
‫من فضائله معاوية(‪ ،)1‬كما عبر عن ذلك ابن كث ير بقوله‪( :‬وق د انتف ع معاوي ة به ذه‬
‫الدعوة في دنياه وأخراه‪ ،‬أما فى دنياه فإنه لما صار إلى الش ام أم يرا ك ان يأك ل في‬
‫اليوم سبع مرات‪ ،‬يجاء بقصعة فيها لح ٌم كثير وبص ٌل فيأك ل منه ا‪ ،‬ويأك ل فى الي وم‬
‫سبع أكالت بلحم‪ ،‬ومن الحلوى والفاكهة شيئا كثيرا‪ ،‬ويقول‪( :‬وهللا م ا أش بع‪ ،‬وإنم ا‬
‫أعيا)‪ ،‬وهذه نعمة ٌ ومعدة ٌ يرغب فيها كل الملوك)(‪)2‬‬

‫وقال الشيخ ربيع بن عبد الرؤوف الزواوي معلقا على هذه التأويالت‪( :‬انظر‬
‫إلى أهل العلم كيف يبحث ون عن الفض ائل‪ ،‬ويَجمع ون ش تاتها‪ ،‬ويُر ّكب ونَ ُمتَف ِّرقَه ا‪،‬‬
‫ألن قلوبَهم َسلِ َمت ألصحاب الرسول ‪ ،‬واليوم يبتُ ُر بعضُ أهل الكالم النصوص؛‬
‫ليخترع للقوم ُذنوبا ونقائص ي ْ‬
‫ُطلِقون األلسنة بها)(‪)3‬‬
‫وق ال عب د هللا بن جعف ر بن ف ارس‪( :‬معن اه وهللا أعلم‪ :‬ال أش بع هللا بطن ه في‬
‫الدنيا حتى ال يكون ممن يجوع يوم القيامة‪ ،‬ألن الخبر عن النبي ‪ ‬أنه قال‪ :‬أط ول‬
‫الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة)(‪)4‬‬

‫بل إنهم اخترعوا ألجله حديثا مسيئا لرسول هللا ‪ ،‬وهم ال يروونه إال ألجل‬
‫الرفع من شأن معاوية‪ ،‬فقد رووا أنه ‪ ‬قال ألم س ليم‪( :‬ي ا أم س ليم؛ أم ا تعلمين أن‬
‫شرطي على ربي؟ أني اشترطت على ربي فقلت‪ :‬إنما أنا بش ٌر أرضى كما يرض ى‬
‫البشر؛ وأغضب كما يغضب البشر‪ ،‬فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها‬
‫بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة تقربه بها منه يوم القيامة)(‪)5‬‬

‫ولهذا ال يذكرون دعاء رس ول هللا ‪ ‬على معاوي ة‪ ،‬إال وي ذكرون مع ه ه ذا‬


‫الحديث‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك قول النووي تحت عنوان‪( :‬ب اب من لعن ه الن بي ‪‬‬
‫أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهال لذلك؛ ك ان ل ه زك اة وأج را ورحم ة)‪ ،‬ثم س اق‬
‫الح ديث‪ ،‬وق ال بع ده‪( :‬وق د فهم مس لم من ه ذا الح ديث أن معاوي ة لم يكن مس تحقا‬
‫للدعاء عليه‪ ،‬فلهذا أدخله في هذا الباب‪ ،‬وجعله غ يره من من اقب معاوي ة؛ ألن ه في‬
‫الحقيقة يصير دعاء له)(‪)6‬‬
‫ولم يكتف بذلك‪ ،‬بل راح يقول‪( :‬إن ما وقع من سبه ‪ ‬ودعائ ه ونح وه ليس‬
‫بمقصود‪ ،‬بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كالمها بال نية‪ ،‬كقوله‪ :‬ت ربت‬
‫يمينك‪ ،‬وعقرى‪ ،‬وحلقى‪ ،‬وفي هذا الحديث‪ :‬ال كبرت سنك‪ ،‬وفي حديث معاوي ة‪ :‬ال‬
‫‪ )(1‬وأشار لهذا البيهقي في دالئل النبوة (‪ )6/243‬والذهبي في السير (‪ 3/124‬و‪ ،)14/130‬وفي تذكرة الحف اظ‬
‫(‪ ،)2/699‬وابن كثير في البداية والنهاية (‪)11/402‬‬
‫‪ )(2‬البداية والنهاية (‪)11/402‬‬
‫خالف بين الصحابة ال ِكرام ص‪.62‬‬
‫ٍ‬ ‫‪ )(3‬تصحيح األفهام حول ما أُثير من‬
‫‪ )(4‬في زياداته على مسند الطيالسي (‪)4/465‬‬
‫‪ )(5‬رواه مسلم (‪ 2010-4/2009‬رقم ‪)2603‬‬
‫‪ )(6‬شرح النووي على مسلم (‪)16/156‬‬
‫‪303‬‬
‫أشبع هللا بطنه‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬ال يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء‪ ،‬فخ اف ‪ ‬أن‬
‫يصادف شيء من ذلك إجابة‪ ،‬فسأل ربه سبحانه وتع الى ورغب إلي ه في أن يجع ل‬
‫ذلك رحمة وكفارة وقربة وطهورا وأجرا‪ ،‬وإنما كان يقع هذا منه في النادر والش اذ‬
‫من األزمان‪ ،‬ولم يكن ‪ ‬فاحشا وال متفحشا وال لعانا وال منتقما لنفسه)(‪)1‬‬

‫[النموذج‪ ]3 :‬ما يروونه من نبوءات رسول هللا ‪ ‬عنه وعن ابنه يزيد‪ ،‬فقد‬
‫رووا عن أم حرام‪ ،‬قالت‪ :‬أتانا النبي ‪ ‬يوما فق ال عن دنا‪ ،‬فاس تيقظ وه و يض حك‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬م ا يض حكك ي ا رس ول هللا؛ ب أبي أنت وأمي؟ ق ال‪( :‬أريت قوم ا من أم تي‬
‫يركبون ظه ر البح ر ك الملوك على األس رة) فقلت‪ :‬ادع هللا أن يجعل ني منهم‪ .‬ق ال‪:‬‬
‫(فإنك منهم) قالت‪ :‬ثم نام‪ ،‬فاستيقظ أيضا وه و يض حك‪ ،‬فس ألته‪ ،‬فق ال مث ل مقالت ه‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬ادع هللا أن يجعل ني منهم‪ .‬ق ال‪( :‬أنت من األولين)‪ ،‬ق ال‪ :‬فتزوجه ا عب ادة بن‬
‫الصامت بعد‪ ،‬فغزا في البحر؛ فحملها معه‪ ،‬فلما أن جاءت قربت لها بغلة فركبته ا‪،‬‬
‫فصرعتها؛ فاندقت عنقها)(‪)2‬‬

‫وقد تعلق به كل من يذكر فض ائل معاوي ة ويزي د‪ ،‬ويعتبرون ه من األح اديث‬


‫التي تضمن لهما الجنة (‪.)3‬‬
‫[النموذج‪ ]4 :‬ما يروونه من أحاديث ت ذكر تدين ه وتق واه‪ ،‬وال تي يتالعب ون‬
‫بواسطتها بعقول من يغفلون عن سائر األحاديث الواردة في شأنه‪ ،‬والتي تبين دوره‬
‫السلبي الخطير في األمة‪ ،‬والذي ال يختلف عن دور السامري في بني إسرائيل‪.‬‬
‫ومن تلك األحاديث ما يروونه عن مرجانة أم علقم ة ق الت‪( :‬ق دم معاوي ة بن‬
‫أبي س فيان المدين ة‪ ،‬فأرس ل إلى عائش ة‪ :‬أن أرس لي إلي بأنبجاني ة رس ول هللا ‪‬‬
‫وشعره‪ ،‬فأرسلت به معي‪ ،‬حتى دخلت به عليه‪ ،‬فأخذ األنبجانية فلبسها‪ ،‬وأخذ شعره‬
‫فدعا بماء فغسله‪ ،‬فشربه وأفاض على جلده)(‪)4‬‬

‫ومنها ما يروونه عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬ق ال‪ :‬خ رج معاوي ة على حلق ة في‬
‫المسجد‪ ،‬فقال‪ :‬ما أجلس كم؟ ق الوا‪ :‬جلس نا ن ذكر هللا‪ .‬ق ال‪ :‬آهلل! م ا أجلس كم إال ذاك؟‬
‫قالوا‪ :‬وهللا م ا أجلس نا إال ذاك‪.‬ق ال‪ :‬أم ا إني لم أس تحلفكم تهم ة لكم‪ ،‬وم ا ك ان أح ٌد‬
‫بمنـزلتي من رس ول هللا ‪ ‬أق ل عن ه ح ديثا م ني‪ ،‬وإن رس ول هللا ‪ ‬خ رج على‬
‫حلقة من أصحابه‪ ،‬فقال‪( :‬ما أجلسكم؟" قالوا‪ :‬جلسنا نذكر هللا ونحمده على ما ه دانا‬
‫لإلسالم؛ ومن به علينا‪ .‬قال‪( :‬آهلل! م ا أجلس كم إال ذاك؟" ق الوا‪ :‬وهللا م ا أجلس نا إال‬

‫‪ )(1‬شرح النووي على مسلم (‪)16/156‬‬


‫‪ )(2‬رواه البخاري (‪ 6282‬و‪ )6283‬ومسلم (‪.)1912‬‬
‫‪ )(3‬من األمثلة على ذلك قول ابن عبد البر عن هذا الحديث في التمهيد ( ‪( :)1/235‬وفيه فض ٌل لمعاوية‪ ،‬إذ جعل‬
‫من غزا تحت رايته من األولين)‪ ،‬وعده اآلجري (‪ )5/2441‬والاللكائي (‪ )8/1438‬وغيرهما من فضائل معاوية‪.‬‬
‫‪ )(4‬رواه ابن سعد (‪ )1/112‬ومن طريقه ابن عساكر (‪)59/153‬‬
‫‪304‬‬
‫ذاك‪ .‬قال‪( :‬أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم‪ ،‬ولكنه أتاني جبري ل ف أخبرني أن هللا ع ز‬
‫وجل يباهي بكم المالئكة)(‪)1‬‬

‫والشاهد من الحديث قول معاوية‪( :‬وما كان أح ٌد بمنـزلتي من رس ول هللا ‪‬‬


‫أقل عنه حديثا مني)‬
‫[النموذج‪ ]4 :‬ما يروونه من أحاديث في فضل أم ه وأبي ه‪ ،‬في ال وقت ال ذي‬
‫يكفرون فيه أبا طالب‪ ،‬ويحكم ون علي ه ب الخلود في جهنم‪ ،‬ومن تل ك األح اديث م ا‬
‫يروونه عن هند بنت عتبة (امرأة أبي سفيان‪ ،‬وأم معاوية) أنها جاءت إلى النبي ‪‬‬
‫فقالت‪ :‬يا رس ول هللا‪ ،‬وهللا م ا ك ان على ظه ر األرض أه ل خب اء أحب إلي من أن‬
‫يذلهم هللا من أهل خبائك‪ ،‬ثم ما أصبح اليوم على ظهر األرض أهل خب اء أحب إلي‬
‫من أن يعزهم هللا من أهل خبائك‪ .‬فقال النبي ‪( :‬وأيضا والذي نفسي بيده)(‪)2‬‬

‫قال ابن كثير‪( :‬فالمدحة في قوله‪( :‬وأيضا وال ذي نفس ي بي ده)‪ ،‬وه و أن ه ‪‬‬
‫كان يود أن هند وأهلها وكل كافر يذلوا في حال كفرهم‪ ،‬فلم ا أس لموا ك ان يحب أن‬
‫يعزوا‪ ،‬فأعزهم هللا‪ ،‬يعني أهل خبائها)(‪)3‬‬

‫‪ 2‬ـ األحاديث الموضوعة في المبشرين بالجنة‬


‫وهي أحاديث قد يك ون بعض ها ص حيحا‪ ،‬ولكن الفهم الخ اطئ تط رق إليه ا‪،‬‬
‫ذلك أن من مهام رسول هللا ‪ ‬ـ كما يذكر القرآن الكريم ـ التبش ير بالجن ة‪ ،‬ول ذلك‪،‬‬
‫فإنه يبشر بها ك ل من عم ل عمال ص الحا‪ ،‬لي ذكر ل ه من خالل ذل ك التبش ير أن ه ـ‬
‫بعمله ذلك ـ يمكنه أن يدخل الجنة‪ ،‬وهو ال يعني الضمان المطلق بدخولها‪.‬‬
‫وذلك يشبه من يرى تلميذا يجتهد في دراسته؛ فيبش ره أن ه إن دام على ذل ك‪،‬‬
‫فسينجح‪ ،‬وهو ال يعني ضمان النجاح له‪ ،‬ذلك أن التلميذ قد يقصر بعد ذل ك‪ ،‬ول ذلك‬
‫يتخلف عن النجاح الذي بشر به‪.‬‬
‫وهكذا؛ فإن كل اآلي ات القرآني ة ال تي وردت في فض ل الص حابة وتبش يرهم‬
‫ض َي‬ ‫برضوان هللا وجنته ينطبق عليها هذا المعيار‪ ،‬فعندما يق ول هللا تع الى‪﴿ :‬لَقَ ْد َر ِ‬
‫ك تَحْ تَ ال َّش َج َر ِة فَ َعلِ َم َما فِي قُلُوبِ ِه ْم فَ أ َ ْنزَ َل َّ‬
‫الس ِكينَةَ َعلَ ْي ِه ْم‬ ‫هَّللا ُ َع ِن ْال ُم ْؤ ِمنِينَ إِ ْذ يُبَايِعُونَ َ‬
‫َوأَثَابَهُ ْم فَ ْتحًا قَريبًا (‪َ )18‬و َم َغ انِ َم َكثِ َ ْ‬
‫َزي ًزا َح ِكي ًم ا﴾ [الفتح‪:‬‬ ‫يرةً يَأ ُخ ُذونَهَا َو َك انَ هَّللا ُ ع ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ]19 ،18‬ال يعني الرضوان المطلق‪ ،‬بل يعني الرضوان المرتبط بذلك العمل‪ ،‬وهو‬
‫بيعة رسول هللا ‪ ‬في ذلك الموقف‪.‬‬
‫وله ذا ق دم هللا تع الى على تل ك اآلي ات احتم ال حص ول النكث من بعض‬
‫المبايعين‪ ،‬وهو يعني تخلفه عن الرضون بع د اس تحقاقه ل ه‪ ،‬ق ال تع الى‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذينَ‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم (‪ 4/2075‬رقم ‪)2701‬‬


‫‪ )(2‬رواه البخاري في مناقب هند (رقم ‪ )3825‬ومسلم (‪ 3/1339‬رقم ‪)1714‬‬
‫‪ )(3‬البداية والنهاية (‪)11/411‬‬
‫‪305‬‬
‫ث َعلَى نَ ْف ِس ِه َو َم ْن‬ ‫ق أَ ْي ِدي ِه ْم فَ َم ْن نَ َك َ‬
‫ث فَإِنَّ َم ا يَ ْن ُك ُ‬ ‫يُبَايِعُونَكَ إِنَّ َما يُبَايِعُونَ هَّللا َ يَ ُد هَّللا ِ فَ وْ َ‬
‫َظي ًما﴾ [الفتح‪]10 :‬‬ ‫أَوْ فَى بِ َما عَاهَ َد َعلَ ْيهُ هَّللا َ فَ َسي ُْؤتِي ِه أَجْ رًا ع ِ‬
‫وهذا ما فهم ه الص حابة أنفس هم‪ ،‬فق د روي عن العالء بن المس يب عن أبي ه‬
‫ق ال‪ :‬لقيت ال براء بن ع ازب فقلت‪ :‬ط وبى ل ك‪ ،‬ص حبت الن بي ‪ ،‬وبايعت ه تحت‬
‫الشجرة‪ ،‬فقال‪( :‬يا ابن أخي إنك ال تدري ما أحدثنا بعده)(‪)1‬‬
‫بل إن أبا الغادية‪ ،‬قاتل عمار‪ ،‬كان ممن حضر بيعة الرضوان‪ ،‬وق د ورد في‬
‫الحديث ما يدل على كونه من أهل النار‪ ،‬فقد قال ‪( :‬قاتل عمار وسالبه في النار)‬
‫(‪)2‬‬
‫وقد قال األلباني عنه‪( :‬وأبو الغادية هو الجهني وهو صحابي كم ا أثبت ذل ك‬
‫جمع‪ ،‬وقد قال الحافظ في آخر ترجمته من اإلص ابة بع د أن س اق الح ديث‪ ،‬وج زم‬
‫ابن معين بأن ه قات ل عم ار‪ :‬والظن بالص حابة في تل ك الح روب‪ ،‬أن ه ك انوا فيه ا‬
‫مت أولين‪ ،‬وللمجته د المخطىء أج ر‪ ،‬وإذا ثبت ه ذا في ح ق آح اد الن اس‪ ،‬فثبوت ه‬
‫للصحابة بالطريق األولى) (‪)3‬‬
‫ولهذا راح أولئك الذين لم يفهموا معنى البش ارة بالرض وان والجن ة يت أولون‬
‫هذا الحديث على الرغم من اعترافهم بصحته؛ فق د ق ال ابن ح زم‪( :‬وعم ار رض ي‬
‫هللا عنه قتله أبو الغادية يسار ابن سبع السلمي ش هد بيع ة الرض وان‪ ،‬فه و من ش هد‬
‫هللا له بأنه علم ما في قلبه وأنزل السكينة عليه ورضي عنه‪ ،‬فأبو الغادية رض ي هللا‬
‫عنه متأول مجتهد مخطئ فيه‪ ،‬باغ عليه مأجور أجرا واحدا)(‪)4‬‬
‫وق د عل ق علي ه األلب اني بقول ه‪( :‬ه ذا ح ق‪ ،‬لكن تطبيق ه على ك ل ف رد من‬
‫أفرادهم مشكل؛ ألن ه يل زم تن اقض القاع دة الم ذكورة بمث ل ح ديث الترجم ة‪ ،‬إذ ال‬
‫يمكن القول بأن أبا غادية القاتل لعمار مأجور؛ ألن ه قتل ه مجته دا‪ ،‬ورس ول هللا ‪‬‬
‫يقول‪ :‬قاتل عمار في النار! فالصواب أن يقال‪ :‬إن القاعدة صحيحة إال ما دل ال دليل‬
‫القاطع على خالفها فيستثنى ذلك منها كم ا ه و الش أن هن ا‪ ،‬وه ذا خ ير من ض رب‬
‫الحديث الصحيح بها‪ .‬وهللا أعلم)(‪)5‬‬
‫وربما يكون الذي دفع األلباني إلى هذا التعليق كون أحد قتلة عثمان بن عفان‬
‫من أهل بيعة الرضوان‪ ،‬وهو الصحابي عبد الرحمن بن عديس البل وي‪ ،‬ال ذي ق ال‬
‫عنه ابن عبد البر في ترجمت ه‪( :‬ش هد الحديبي ة ممن ب ايع تحت الش جرة رس ول هللا‬
‫‪ ،‬هو ك ان األم ير على الجيش الق ادمين من مص ر إلى المدين ة ال ذين حاص روا‬
‫عثمان وقتلوه)(‪)6‬‬

‫‪ )(1‬البخاري ‪.56 /5‬‬


‫‪ )(2‬المستدرك للحاكم (‪)5661‬‬
‫‪ )(3‬سلسلة األحاديث الصحيحة لأللباني‪،‬ج‪ ،5‬ص‪.18‬‬
‫‪ )(4‬الفصل في الملل واألهواء والنحل البن حزم‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.125‬‬
‫‪ )(5‬سلسلة األحاديث الصحيحة لأللباني‪،‬ج‪ ،5‬ص‪.18‬‬
‫‪ )(6‬االستيعاب في معرفة األصحاب البن عبد البر‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.840‬‬
‫‪306‬‬
‫الس ابِقُونَ اأْل َ َّولُ ونَ ِمنَ ْال ُمهَ ِ‬
‫اج ِرينَ‬ ‫﴿و َّ‬ ‫ومث ل ذل ك م ا ورد في قول ه تع الى‪َ :‬‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫ض وا َع ْن هُ َوأ َع َّد لَهُ ْم َجنَّا ٍ‬ ‫ض َي هَّللا ُ َع ْنهُ ْم َو َر ُ‬
‫ان َر ِ‬ ‫ار َوالَّ ِذينَ اتَّبَعُوهُ ْم بِإِحْ َس ٍ‬ ‫ص ِ‬ ‫َواأْل َ ْن َ‬
‫تَجْ ِري تَحْ تَهَا اأْل َ ْنهَا ُر خَالِ ِدينَ فِيهَا أَبَدًا َذلِ كَ ْالفَ وْ ُز ْال َع ِظي ُم ﴾ [التوب ة‪ ،]100 :‬وقول ه‪:‬‬
‫ُح َم ا ُء بَ ْينَهُ ْم تَ َراهُ ْم ُر َّك ًع ا ُس َّجدًا‬
‫ار ر َ‬ ‫﴿ ُم َح َّم ٌد َرسُو ُل هَّللا ِ َوالَّ ِذينَ َم َع هُ أَ ِش َّدا ُء َعلَى ْال ُكفَّ ِ‬
‫يَ ْبتَ ُغونَ فَضْ اًل ِمنَ هَّللا ِ َو ِرضْ َوانًا ِسي َماهُ ْم فِي ُوجُو ِه ِه ْم ِم ْن أَثَ ِر ال ُّسجُو ِد َذلِ كَ َمثَلُهُ ْم فِي‬
‫اس ت ََوى َعلَى ُس وقِ ِه‬ ‫طأَهُ فَآز ََرهُ فَا ْستَ ْغلَظَ فَ ْ‬ ‫ع أَ ْخ َر َج َش ْ‬ ‫يل َكزَرْ ٍ‬ ‫التَّوْ َرا ِة َو َمثَلُهُ ْم فِي اإْل ِ ْن ِج ِ‬
‫ار َو َع َد هَّللا ُ الَّ ِذينَ آ َمنُوا َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ‬
‫ت ِم ْنهُ ْم َم ْغفِ َرةً‬ ‫الزرَّا َع لِيَ ِغيظَ بِ ِه ُم ْال ُكفَّ َ‬‫يُ ْع ِجبُ ُّ‬
‫َوأَجْ رًا َع ِظي ًما﴾ [الفتح‪]29 :‬‬
‫فهي ال تعني الضمان المطلق بالرضوان ودخول الجن ة‪ ،‬وإنم ا ت بين أهليتهم‬
‫له ا إن هم ثبت وا ولم يغ يروا ويب دلوا‪ ،‬كم ا أش ار إلى ذل ك م ا ورد في الح ديث‪ :‬أن‬
‫رسول هللا ‪ ‬قال لشهداء أحد‪ :‬هؤالء أشهد عليهم‪ ،‬فقال أبو بك ر‪ :‬ألس نا ي ا رس ول‬
‫هللا بإخوانهم‪ ،‬أسلمنا كما أسلمو‪ ،‬وجاهدنا كما جاه دوا‪ ،‬فق ال رس ول هللا ‪( :‬بلى‪،‬‬
‫ولكن ال أدري ما تح دثون بع دي)‪ ،‬فبكى أب و بك ر‪ ،‬ثم بكى‪ .‬ثم ق ال‪( :‬أئن ا لك ائنون‬
‫بعدك؟!)(‪)1‬‬
‫ومما يؤكد ذلك أن بعض أولئك السابقين ارت د عن اإلس الم‪ ،‬فك ل من أرخ وا‬
‫للص حابة ي ذكرون عبي د هللا بن جحش‪ ،‬وس ابقيته لإلس الم‪ ،‬وهجرت ه إلى الحبش ة‪،‬‬
‫وارتداده بعد ذلك‪ ،‬فقد قال ابن حجر العس قالني‪( :‬وعلى ه ذا يحم ل ح ال من ارت د‬
‫من قريش ولهذا لم يعرج ابو سفيان على ذكرهم وفيهم صهره زوج ابنت ه ام حبيب ة‬
‫وه و عبي د هللا بن جحش فان ه ك ان اس لم وه اجر الى الحبش ة بزوجت ه ثم تنص ر‬
‫بالحبشة ومات على نصرانيته)(‪)2‬‬
‫لكن مع كل ه ذا‪ ،‬وم ع ك ثرة األح اديث ال واردة في البش ارات بالجن ة‪ ،‬وفي‬
‫شمولها للكثير من الصحابة‪ ،‬من أمثال بالل وعمار وأبي ذر والمق داد وغ يرهم من‬
‫المستضعفين من غير قريش‪ ،‬إال أنهم يختص رون المبش رين بالجن ة في عش رة من‬
‫القرشيين‪ ،‬على الرغم من تأخر إسالم بعضهم‪.‬‬
‫ونص الحديث هو ما روي عن سعيد بن زيد قال‪ :‬أش هد على رس ول هللا ‪‬‬
‫أني سمعته يقول‪( :‬عشرة في الجنة‪ :‬النبي في الجنة‪ ،‬وأب و بك ر في الجن ة‪ ،‬وطلح ة‬
‫في الجنة‪ ،‬وعمر في الجن ة‪ ،‬وعثم ان في الجن ة‪ ،‬وس عد بن مال ك في الجن ة‪ ،‬وعب د‬
‫الرحمن بن عوف في الجنة‪ ،‬ولو شئت لسميت العاشر)‪ ،‬قال‪ :‬فقالوا‪ :‬من هو ؟ ق ال‪:‬‬
‫سعيد بن زيد(‪.)3‬‬
‫ونص الحديث نفسه يدل على ت نزه رس ول هللا ‪ ‬عن ذك ره به ذه الص يغة‪،‬‬
‫ذلك أن رسول هللا ‪ ‬كان مبشرا لألمة جميعا؛ فكي ف يختص ر بش ارته في عش رة‬

‫‪ )(1‬موطأ مالك ‪.461 :2‬‬


‫‪ )(2‬فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪.8/162‬‬
‫‪ )(3‬الترمذي (ج ‪)334 / 4‬‬
‫‪307‬‬
‫من أصحابه‪ ،‬ألن ذل ك ي ؤذي اآلخ رين‪ ،‬ويس يء إليهم‪ ،‬ومثل ه مث ل أس تاذ يخ اطب‬
‫تالميذه النجباء الكثيرين قائال‪ :‬سينجح منكم فالن وفالن وفالن‪ ..‬ف ذلك مم ا يفت في‬
‫عضد غيرهم‪ ،‬ويؤذيهم‪ ،‬ورسول هللا ‪ ‬أرحم بأمته من أن يفعل ذلك‪.‬‬
‫ولذلك كانت تقترت بش اراته باألعم ال‪ ،‬كوس يلة من وس ائل ال ترغيب فيه ا‪،‬‬
‫مثلما روي في الحديث أنه ‪ ‬قال لبالل عند صالة الغداة‪( :‬يا بالل‪ ،‬حدثني بأرجى‬
‫ي في‬ ‫ُ‬
‫سمعت الليلة خش ف نعلي ك بين ي د َّ‬ ‫عمل عملتَه عندك في اإلسالم منف َعة؛ فإنِّي‬
‫علمت عمالً في اإلس الم أرجى عن دي منف َع ة‪ِ ،‬من أني ال‬ ‫ُ‬ ‫الجن ة!)‪ ،‬ق ال بالل‪( :‬م ا‬
‫صليت بذلك الطهور ما كتب هللا‬‫ُ‬ ‫أتطهَّر طهورًا تا ّمًا في ساعة ِمن ليل وال نهار‪ ،‬إال‬
‫أن أصلي)(‪)1‬‬ ‫لي ْ‬
‫فرسول هللا ‪ ‬في هذا الحديث كان يريد من أصحابه أن يقتدوا ببالل في هذا‬
‫العمل‪ ،‬ولذلك دلهم عليه من خالل ه ذا األس لوب‪ ،‬وه و ال يع ني الض مانة المطلق ة‬
‫بدخول الجنة‪ ،‬وقد وضحنا معنى ذلك بتفصيل في كتاب [أسرار ما بع د الم وت بين‬
‫الدين والعقل]‪ ،‬وه و ارتب اط ال دنيا ب اآلخرة‪ ،‬كم ا ورد في الح ديث عن ه ‪ ‬قول ه‪:‬‬
‫(الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله‪ ،‬والنار مثل ذلك)(‪)2‬‬
‫ومثله ما روي عن أنس بن مالك ق ال‪ :‬كن ا جلوس ا م ع رس ول هللا ‪ ‬فق ال‪:‬‬
‫(يطلع عليكم اآلن رج ٌل من أهل الجنة) فطلع رج ٌل من األنص ار تنط ف لحيت ه من‬
‫وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال‪ ،‬فلما كان الغد قال النبي ‪ ‬مث ل ذل ك‪ ،‬فطل ع‬
‫ذلك الرجل مثل المرة األولى‪ ،‬فلما كان اليوم الثالث قال النبي ‪ ‬مثل مقالت ه أيض ا‬
‫فطلع ذلك الرجل على مثل حاله األولى‪ ،‬فلما قام النبي ‪ ‬تبع ه عب د هللا بن عم رو‬
‫بن الع اص فق ال‪ :‬إني الحيت أبي فأقس مت أن ال أدخ ل علي ه ثالث ا‪ ،‬ف إن رأيت أن‬
‫تؤويني إليك حتى تمضي فعلت‪ .‬قال نعم ق ال أنسٌ ‪ :‬وك ان عب د هللا يح دث أن ه ب ات‬
‫معه تلك الليالي الثالث فلم يره يقوم من اللي ل ش يئا‪ ،‬غ ير أن ه إذا تع ار وتقلب على‬
‫فراشه ذكر هللا عز وجل وكبر حتى يقوم لص الة الفج ر‪ .‬ق ال عب د هللا‪ :‬غ ير أني لم‬
‫أسمعه يقول إال خيرا‪ .‬فلما مضت الثالث ليال وكدت أن أحتق ر عمل ه قلت‪ :‬ي ا عب د‬
‫هللا إني لم يكن بي ني وبين أبي غض بٌ وال هج ٌر ثم‪ ،‬ولكن س معت رس ول هللا ‪‬‬
‫يقول لك ثالث مرار‪( :‬يطلع عليكم اآلن رج ٌل من أه ل الجن ة) فطلعت أنت الثالث‬
‫مرار‪ ،‬فأردت أن آوي إليك ألنظر ما عملك فأقتدي به‪ ،‬فلم أرك تعم ل كث ير عم ل‪،‬‬
‫فما الذي بلغ بك ما قال رسول هللا ‪ ‬؟ فقال م ا ه و إال م ا رأيت‪ ،‬ق ال‪ :‬فلم ا وليت‬
‫دعاني فقال‪ :‬ما هو إال ما رأيت؛ غير أني ال أجد في نفسي ألحد من المسلمين غش ا‬
‫وال أحسد أحدا على خير أعطاه هللا إي اه‪ .‬فق ال عب د هللا‪ :‬ه ذه ال تي بلغت ب ك‪ ،‬وهي‬
‫التي ال نطيق(‪.)3‬‬
‫‪ )(1‬رواه البخاري ‪ 110 / 1‬رقم‪ ،1149 :‬صحيح مسلم ‪ 1910 / 4‬رقم‪.2458 :‬‬
‫‪ )(2‬رواه البخاري ‪)6123( 2380 /5‬‬
‫‪ )(3‬رواه أحمد (‪ ،)12720‬وعبد الرزاق في المصنف (‪ )20559‬وابن المبارك في الزهد (‪ )694‬والنس ائي في‬
‫الكبرى (‪ )10699‬وعبد بن حميد في مسنده (‪ )1157‬والضياء في المختارة (‪.)2619‬‬
‫‪308‬‬
‫وعلى هذا المعنى تحمل كل األحاديث الواردة في هذا الباب‪ ،‬ولو أن بعض ها‬
‫كان ظاهر الوضع‪ ،‬مثلما يروى عن أبي موسى األش عري‪ :‬أن ه توض أ في بيت ه‪ ،‬ثم‬
‫خرج‪ ،‬فقلت‪ :‬أللزمن رسول هللا ‪ ‬وألكونن مع ه ي ومي ه ذا‪ .‬ق ال‪ :‬فج اء المس جد‬
‫فسأل عن النبي ‪ ‬فقالوا‪ :‬خرج ووجه ههنا‪ ،‬فخ رجت على أث ره أس أل عن ه ح تى‬
‫دخل بئر أريس‪ ،‬فجلست عند الب اب وبابه ا من جري د‪ ،‬ح تى قض ى رس ول هللا ‪‬‬
‫حاجته‪ ،‬فتوضأ فقمت إليه‪ ،‬فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها‪ ،‬وكشف عن‬
‫ساقيه ودالهما في البئر فسلمت عليه ثم انصرفت‪ ،‬فجلست عند الب اب فقلت‪ :‬أك ونن‬
‫بواب رسول هللا ‪ .‬فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت‪ :‬من هذا؟ فقال‪ :‬أبو بكر‪ .‬فقلت‪:‬‬
‫على رس لك‪ ،‬ثم ذهبت فقلت‪ :‬ي ا رس ول هللا ه ذا أب و بك ر يس تأذن فق ال‪( :‬ائ ذن ل ه‬
‫وبشره بالجنة)‪ .‬فأقبلت حتى قلت ألبي بكر‪ :‬ادخل ورس ول هللا ‪ ‬يبش رك بالجن ة‪.‬‬
‫فدخل أبوبكر فجلس عن يمين رسول هللا ‪ ‬معه في الق ف‪ ،‬ودلى رجلي ه في الب ئر‬
‫كما صنع النبي ‪ ‬وكشف عن ساقيه‪ ،‬ثم رجعت وجلست‪ ،‬وقد تركت أخي يتوض أ‬
‫ويلحقني فقلت‪ :‬إن يرد هللا بفالن خيرا ‪-‬يريد أخاه‪ -‬يأت به‪ ،‬فإذا إنسان يحرك الب اب‬
‫فقلت‪ :‬من هذا؟ فقال‪ :‬عمر بن الخطاب‪ .‬فقلت‪ :‬على رس لك‪ .‬ثم جئت إلى رس ول هللا‬
‫‪ ‬فس لمت علي ه فقلت‪ :‬ه ذا عم ر بن الخط اب يس تأذن‪ .‬فق ال‪( :‬ائ ذن ل ه وبش ره‬
‫بالجنة)‪ .‬فجئت فقلت‪ :‬ادخل وبشرك رسول هللا ‪ ‬بالجنة‪ .‬فدخل فجلس م ع رس ول‬
‫هللا ‪ ‬في القف عن يس اره‪ ،‬ودلى رجلي ه في الب ئر‪ ،‬ثم رجعت فجلس ت‪ .‬فقلت‪ :‬إن‬
‫يرد هللا بفالن خيرا يأت به‪ ،‬فجاء إنسان يحرك الباب فقلت‪ :‬من ه ذا؟ فق ال‪ :‬عثم ان‬
‫بن عف ان‪ .‬فقلت‪ :‬على رس لك‪ .‬فجئت إلى رس ول هللا ‪ ‬فأخبرت ه فق ال‪( :‬ائ ذن ل ه‬
‫وبشره بالجن ة على بل وى تص يبه)‪ ،‬فجئت فقلت ل ه‪ :‬ادخ ل وبش رك رس ول هللا ‪‬‬
‫بالجنة على بلوى تصيبك‪ ،‬فدخل فوجد القف قد ملئ فجلس وجاهه من الشق اآلخر‪.‬‬
‫قال شرك بن عبد هللا قال سعيد بن المسيب‪ :‬فأولتها قبورهم(‪.)1‬‬
‫‪ 3‬ـ األحاديث الموضوعة في فضائل التابعين ومن بعدهم‪:‬‬
‫وهي من األح اديث ال تي اس تعملت ألغ راض سياس ية أو مذهبي ة‪ ،‬وربم ا‬
‫لمواجهة تلك الحجاج التي كان يحتاج به ا أئم ة اله دى على وص ايا رس ول هللا ‪‬‬
‫المتعلقة بهم‪ ،‬ولذلك وضعت األح اديث ال تي تض عهم م ع غ يرهم في مح ل واح د‪،‬‬
‫ومن تلك األحاديث‪:‬‬
‫[النموذج‪]1 :‬ـ األحاديث الموضوعة في فض ائل العباس يين‪ ،‬وهي ق د يك ون‬
‫بعض ها ص حيحا‪ ،‬لكن ه غ ير وب دل وتص رف فيه ا ال رواة ليحول وه إلى فض يلة‬
‫للعباسيين مع أنه ينطبق عليهم نفس ما ينطبق على األمويين من األح اديث ال واردة‬
‫في الملك العضوض‪.‬‬
‫ومن تلك األحاديث ما يذكرون ه في فض ل الس فاح العباس ي‪ ،‬وأن رس ول هللا‬
‫‪ ‬بشر به‪ ،‬فقال‪( :‬يخرج رجل من أهل بيتي عند انقط اع من الزم ان)‪ ،‬وفي لف ظ‪:‬‬
‫‪ )(1‬البخاري‪ ،‬الفتح [‪ ]7/25‬رقم‪.]3674[ :‬‬
‫‪309‬‬
‫(يخرج من أهل بيتي رجل يقال له‪ :‬السفاح‪ ،‬فيكون عط اؤه الم ال حثي ا)(‪ ،)1‬وربم ا‬
‫يك ون الح ديث ص حيحا‪ ،‬والم راد من ه اإلم ام المه دي‪ ،‬وليس أب ا العب اس الس فاح‬
‫صاحب الجرائم الكثيرة‪.‬‬
‫ومنها ما يروونه عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬منا الس فاح‪ ،‬ومن ا‬
‫المنصور‪ ،‬ومنا المهدي)(‪)2‬‬
‫ومنها ما يروونه عن ابن عباس والخطيب عن أبي سعيد قال‪ :‬قال رسول هللا‬
‫‪( :‬منا القائم‪ ،‬ومنا المنصور‪ ،‬ومنا السفاح ومنا المهدي‪ ،‬فأما القائم فتأتيه الخالفة‬
‫ولم يهرق فيها محجمة من دم‪ ،‬وأما المنصور فال ت رد ل ه راي ة‪ ،‬وأم ا الس فاح فه و‬
‫يسفح المال والدم‪ ،‬وأما المهدي فيمأل األرض عدال كما ملئت ظلما)(‪)3‬‬
‫ومنها ما يروونه عن جابر قال‪ :‬قال رسول هللا ‪( :‬ليكونن في ولد العب اس‬
‫ملوك يلون أمر أمتي‪ ،‬يعز هللا تعالى بهم الدين)(‪)4‬‬
‫ومنه ا م ا يروون ه عن ابن عب اس عن أم الفض ل أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‬
‫للعباس‪( :‬ي ا عب اس‪ ،‬أنت عمي وص نو أبي‪ ،‬وخ ير من أخل ف بع دي من أهلي‪ ،‬إذا‬
‫كانت سنة خمس وثالثين ومائة فهي ل ك ولول دك‪ ،‬منهم الس فاح‪ ،‬ومنهم المنص ور‪،‬‬
‫ومنهم المهدي)(‪)5‬‬
‫ومنها ما يروونه عن عمار بن ياسر أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬يا عباس إن هللا‬
‫بدأ هذا األمر بي وسيختمه بغالم من ولدك يملؤها عدال كما ملئت جورا‪ ،‬وهو الذي‬
‫يصلي بعيسى عليه الصالة والسالم)(‪)6‬‬
‫ومنها ما يروونه عن ابن عباس قال‪ :‬حدثتني أم الفضل‪ ،‬قالت‪ :‬مررت بالنبي‬
‫‪ ‬فقال‪( :‬إنك حامل بغالم فإذا ولدت فأتيني به)‪ ،‬قلت‪ :‬يا رس ول هللا أنى ذاك‪ ،‬وق د‬
‫تحالفت قريش أن ال يأتوا النساء؟ قال‪( :‬هو ما قد أخبرتك)‪ ،‬قالت‪ :‬فلما ولدت ه أتيت ه‬
‫به‪ ،‬فأذن في أذنه اليمنى‪ ،‬وأقام في اليسرى وألبأه من ريق ه‪ ،‬وس ماه عب د هللا وق ال‪:‬‬
‫(اذهبي بأبي الخلفاء)‪ ،‬فأخبرت العباس فأتاه فذكر له‪ ،‬فقال‪( :‬ه و م ا أخبرت ك‪ ،‬ه ذا‬
‫أبو الخلفاء حتى يكون منهم السفاح‪ ،‬حتى يكون منهم المهدي‪ ،‬ح تى يك ون منهم من‬
‫يصلي بعيسى عليه الصالة والسالم)(‪)7‬‬
‫ومنها ما يروونه عن رسول هللا ‪ ‬أنه قال‪( :‬المهدي من ولد العب اس عمي)‬
‫(‪)8‬‬

‫‪ )(1‬رواه أحمد‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/91‬‬


‫‪ )(2‬رواه البيهقي وأبو نعيم كالهما في الدالئل والخطيب‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/91‬‬
‫‪ )(3‬رواه الخطيب والبيهقي وأبو نعيم كالهما في الدالئل‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/91‬‬
‫‪ )( 4‬رواه الدارقطني في اإلفراد وابن عساكر وابن النجار‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/91‬‬
‫‪ )(5‬رواه الخطيب‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/91‬‬
‫‪ )( 6‬رواه الدارقطني في اإلفراد والخطيب وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/91‬‬
‫‪ )(7‬رواه أبو نعيم‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/91‬‬
‫‪ )(8‬ورواه ابن الجوزي في (العلل المتناهية)(‪ )1431\855\2‬وقال‪:‬حديث عثمان تفرد به محمد بن الوليد‪ ،‬ق ال‬
‫ابن عدي‪:‬كان يضع الحديث ويصله ويسرق ويقلب األسانيد والمت ون‪ ،‬ق ال س معت الحس ن بن أبى معش ر يق ول ه و‬
‫كذاب قال األلباني‪ :‬موضوع‪.،‬وذك ر نح وا من الكالم المتق دم في الولي د وزاد‪ :‬وق ال أب و عروب ة‪:‬ك ذاب‪،‬وبه ذا أعل ه‬
‫‪310‬‬
‫[النمــوذج‪]2 :‬ـ األح اديث الموض وعة في من اقب الفقه اء‪ ،‬وال تي ق د يك ون‬
‫بعضها صحيحا لكنهم يؤولونه‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك قوله ‪( :‬لو كان العلم معلقا‬
‫بالثريا لناله رجال من فارس)(‪ ،)1‬والذي قال الصالحي فيه تعليقا علي ه‪( :‬وم ا ج زم‬
‫به شيخنا من أن اإلمام أبا حنيفة هو المراد من ه ذا الح ديث الس ابق ظ اهر ال ش ك‬
‫فيه‪ ،‬ألنه لم يبلغ من أبناء فارس في العلم مبلغ ه‪ ،‬وال مبل غ أص حابه‪ ،‬وليس الم راد‬
‫بفارس البلد المعروف‪ ،‬بل جنس من العجم وهم الفرس‪ ،‬كان ج د اإلم ام أبي حنيف ة‬
‫منهم(‪.)2‬‬
‫ومن األمثلة عنها ما يروونه عن رسول هللا ‪ ‬أنه ق ال‪( :‬إن في أم تي رجال‬
‫اسمه النعمان وكنيته أبو حنيفة هو سراج أمتي هو سراج أمتي‪ .‬هو سراج أمتي)(‪)3‬‬
‫ومنها‪( :‬يكون في آخر الزمان رجل يكنى بأبي حنيفة هو خير هذه األمة)(‪)4‬‬
‫ومنها‪( :‬إن سائر األنبياء تفتخر بي وأنا أفتخر ب أبي حنيف ة‪ ،‬وه و رج ل تقي‬
‫عند ربي‪ ،‬وكأنه جبل من العلم‪ ،‬وكأنه نبي من أنبي اء ب ني إس رائيل‪ ،‬فمن أحب ه فق د‬
‫أحبني‪ ،‬ومن أبغضه فقد أبغضني)(‪)5‬‬
‫ومنه ا‪( :‬ل و ك ان في أم ة موس ى وعيس ى مث ل أبي حنيف ة لم ا ته ودوا وم ا‬
‫تنصروا)(‪)6‬‬
‫ومثله ما يذكرونه في مناقب اإلمام مالك‪ ،‬فعن أبي هري رة ق ال‪ :‬ق ال رس ول‬
‫هللا ‪( :‬يوش ك الن اس أن يض ربوا أكب اد اإلب ل‪ ،‬فال يج دوا عالم ا أعلم من ع الم‬
‫المدينة)‪ ،‬قال سفيان بن عيينة نوى هذا العالم مالك بن أنس‪ ،‬ولم يعرف به ذا االس م‬
‫غيره‪ ،‬وال ضربت أكباد اإلبل إلى أحد مثل ما ضربت إليه(‪.)7‬‬
‫وقال أبو مصعب‪ :‬كان الناس يزدحمون على ب اب مال ك ويقتتل ون علي ه من‬
‫الزح ام‪ ،‬يع ني لطلب العلم‪ ،‬وممن روي عن ه من األئم ة المش هورين‪ ،‬محم د بن‬
‫ش هاب الزه ري‪ ،‬والس فيانان‪ ،‬والش افعي‪ ،‬واألوزاعي إم ام أه ل الش ام‪ ،‬والليث بن‬
‫سعد إمام أهل مصر‪ ،‬وأبو حنيف ة النعم ان بن ث ابت اإلم ام‪ ،‬وص احباه أب و يوس ف‬
‫ومحم د بن الحس ن‪ ،‬وعب د ال رحمن بن مه دي ش يخ اإلم ام أحم د‪ ،‬ويح يى ش يخ‬
‫البخاري‪ ،‬وأبو رجاء قتيب ة بن س عد ش يخ البخ اري ومس لم‪ ،‬وذا الن ون المص ري‪،‬‬

‫المناوي في (الفيض) نقال عن ابن الجوزي وبه تبين خطأ السيوطي في إيراده لهذا الحديث في الجامع الص غير ق ال‪:‬‬
‫ومما يدل على كذب هذا الحديث أن ه مخ الف لقول ه ‪( :‬المه دي من ع ترتي من ول د فاطم ة) وق د تق دم ب رقم ( ‪)7‬‬
‫(الضعيفة) ‪ )80‬قال الشيخ أحمد في (إبراز الوهم المكنون)(ص‪ :)133‬قد جمع بأنه عباسي األم‪ ،‬حسني األب‪ ،‬وليس‬
‫بذاك‪ ،‬والحديث ال يصح وقال أخوه عبد هللا في كتابه (المهدي)(‪ :)44‬هو ضعيف جدا‬
‫‪ )( 1‬رواه أحمد وأبو نعيم والبخاري ومسلم والترمذي‪ ،،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/116‬‬
‫‪ )(2‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/116‬‬
‫‪ )(3‬الخطيب البغدادي في تاريخه ‪ 13‬ص ‪.335‬‬
‫‪ )(4‬الخطيب الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة ‪ 1‬ص ‪.14‬‬
‫‪ )(5‬قال العجلوني‪ :‬ال يصلح وإن تعددت طرقه‪ .‬كشف الخفاء ج ‪ 1‬ص ‪.33‬‬
‫‪ )(6‬كشف الخفاء ‪ 1‬ص ‪.33‬‬
‫‪ )(7‬رواه الحاكم وصححه‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/117‬‬
‫‪311‬‬
‫والفضل بن عياض‪ ،‬وعبد هللا بن المبارك‪ ،‬وإبراهيم بن أدهم(‪.)1‬‬
‫ومثله ما يذكرونه في مناقب اإلمام الشافعي‪ ،‬فق د رووا عن ابن عب اس ق ال‪:‬‬
‫قال رسول هللا ‪( :‬اللهم اهد قريشا‪ ،‬فإن علم الع الم يس ع طب اق األرض)(‪ ،)2‬وفي‬
‫رواية‪( :‬فإن عالمها يمأل طباق األرض علما)(‪)3‬‬
‫ثانيا ـ األحاديث المردودة حول االمتداد الرسالي‪:‬‬
‫وهي أيضا كثيرة‪ ،‬والقصد في أكثره ا اإلغ راب ال ذي يش ابه اإلس رائيليات‪،‬‬
‫باإلضافة إلى تفاصيلها الكثيرة التي ال ترد عادة في النبوءات الغيبية‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫أن بعضها يتناقض مع القيم القرآنية والفطرية‪.‬‬
‫وقد يكون من بين تلك األحاديث بعض م ا أوردن اه س ابقا من تفاص يل ح ول‬
‫الفتن ال تي تس بق اإلم ام المه دي‪ ،‬وخاص ة تل ك ال تي ت ذكر األس ماء بدق ة‪ ،‬وإنم ا‬
‫ذكرناه ا في مح ل األح اديث المقبول ة باعتب ار معانيه ا العام ة متف ق عليه ا بين‬
‫المسلمين جميعا‪.‬‬
‫وبما أن هذا النوع من الحديث مما تمتلئ به مصادر السنة والشيعة؛ فس نذكر‬
‫هنا نماذج عما ورد في كليهما‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ ما ورد في المصادر السنية‪:‬‬
‫من النماذج عن األحاديث الغريبة‪ ،‬وال تي ن رى رده ا‪ ،‬ال بجمي ع تفاص يلها‪،‬‬
‫وإنما بالكثير منها‪:‬‬
‫أ ـ األحاديث الغريبة الواردة في فتح القسطنطينية‪:‬‬
‫ومن أمثلتها ما رواه أبو هريرة عن رسول هللا ‪ ‬أنه قال‪( :‬ال تق وم الس اعة‬
‫حتى ينزل الروم باألعماق أو بدابق‪ ،‬فيخرج إليهم جيش من المدينة‪ ،‬من خيار أه ل‬
‫األرض يومئذ‪ ،‬فإذا تصافوا‪ ،‬قالت الروم‪ :‬خلوا بينن ا وبين ال ذين س بوا من ا نق اتلهم‪.‬‬
‫فيق ول المس لمون‪ :‬ال‪ ،‬وهللا ال نخلي بينكم وبين إخوانن ا‪ .‬فيق اتلونهم‪ ،‬فينه زم ثلث ال‬
‫يتوب هللا عليهم أبدا‪ ،‬ويقتل ثلثهم‪ ،‬أفضل الشهداء عن د هللا‪ ،‬ويفتتح الثلث‪ ،‬ال يفتن ون‬
‫أبدا‪ ،‬فيفتتحون قسطنطينية‪ ،‬فبينما هم يقتسمون الغنائم‪ ،‬قد علقوا س يوفهم ب الزيتون‪،‬‬
‫إذ صاح فيهم الشيطان‪ :‬إن المس يح ق د خلفكم في أهليكم‪ ،‬فيخرج ون‪ ،‬وذل ك باط ل‪،‬‬
‫ف إذا ج اءوا الش أم خ رج‪ ،‬فبينم ا هم يع دون للقت ال‪ ،‬يس وون الص فوف‪ ،‬إذ أقيمت‬
‫الصالة‪ ،‬فينزل عيسى ابن مريم صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فأمهم‪ ،‬فإذا رآه ع دو هللا ذاب‬
‫كما يذوب الملح في الماء‪ ،‬فلو تركه النذاب حتى يهلك‪ ،‬ولكن يقتله هللا بيده‪ ،‬ف يريهم‬
‫دمه في حربته)(‪)4‬‬
‫فهذا الحديث الغريب يربط فتح القسطنطينية بال دجال‪ ،‬ب ل يجعل ه عالم ة من‬
‫عالمات الساعة الكبرى من خروج الدجال‪ ،‬ونزول المسيح‪ ..‬وذلك مم ا لم يحص ل‬
‫‪ )(1‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/117‬‬
‫‪ )(2‬رواه أحمد والترمذي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/117‬‬
‫‪ )(3‬رواه الخطيب وابن عساكر‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/117‬‬
‫‪ )(4‬رواه مسلم في صحيحه (‪)8/175‬رقم (‪ )2897‬في الفتن‪ ،‬باب فتح قسطنطينية‪ ،‬ونزول عيسى ابن مريم‪.‬‬
‫‪312‬‬
‫في الواقع التاريخي‪.‬‬
‫باإلض افة إلى ذل ك‪ ،‬ف إن الح ديث ي برر ك ل تل ك الس لوكات العدواني ة ال تي‬
‫مورس ت باس م الفتح م ع أن اله دف ه و الغن ائم‪ ،‬فق د ورد في الح ديث (فيفتتح ون‬
‫قسطنطينية‪ ،‬فبينما هم يقتسمون الغنائم‪ ،‬قد علقوا س يوفهم ب الزيتون)‪ ،‬ولس ت أدري‬
‫كيف يتناسب اسم الفتح مع اقتسام الغنائم‪ ،‬وهل الذي يقوم بإنقاذ الناس يس تل م ا في‬
‫جيوبهم‪.‬‬
‫ومن األحاديث المتعلقة بهذا ما رواه عن النبي ‪ ‬أنه ق ال‪( :‬س معتم بمدين ة‪،‬‬
‫جانب منها في البر‪ ،‬وجانب منها في البحر؟ قالوا‪ :‬نعم يا رس ول هللا‪ ،‬ق ال‪ :‬ال تق وم‬
‫الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من ب ني إس حاق‪ ،‬ف إذا جاؤوه ا نزل وا‪ ،‬فلم يق اتلوا‬
‫بسالح‪ ،‬ولم يرموا بسهم‪ ،‬قالوا‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬وهللا أكبر‪ ،‬فيسقط أح د جانبيه ا ‪ -‬ق ال‬
‫ثور بن يزيد‪ :‬ال أعلمه إال قال‪ :‬ال ذي في البح ر ‪ -‬ثم يقول ون الثاني ة‪ :‬ال إل ه إال هللا‪،‬‬
‫وهللا أكبر‪ ،‬فيسقط جانبها اآلخر‪ ،‬ثم يقولون الثالثة‪ :‬ال إله إال هللا‪ ،‬وهللا أك بر‪ ،‬فيف رج‬
‫في دخلونها فيغنم ون‪ ،‬فبينم ا هم يقتس مون المغ انم‪ ،‬إذ ج اءهم الص ريخ‪ ،‬فق ال‪ :‬إن‬
‫الدجال قد خرج‪ ،‬فيتركون كل شيء ويرجعون(‪.)1‬‬
‫وهذا الحديث الذي رواه مسلم أيضا يتناقض مع الحديث السابق‪ ،‬وق د اس تفاد‬
‫منه المحدثون أن الروم أو األتراك من ب ني إس حاق‪ ،‬م ع أن ذل ك ال ي دل علي ه أي‬
‫شيء‪.‬‬
‫ومن عجائب الحديث أن هؤالء يفتحون هذه المدينة ذات الجيش القوي ب دون‬
‫سالح‪ ،‬بل بأذكار يرددونها فقط‪.‬‬
‫والح ديث ال ينس ى كس ابقه اقتس ام المغ انم باعتباره ا ه دفا من األه داف‬
‫الكبرى‪..‬‬
‫والحديث يربط مثل س ابقه فتح القس طنطينية بظه ور ال دجال‪ ..‬ولس ت أدري‬
‫ه ل م ا حص ل قب ل ق رون من فتح القس طنطينية وتحوله ا إلى عاص مة للخالف ة‬
‫اإلس المية‪ ،‬وامتالئه ا بالمس اجد ليس فتح ا‪ ،‬ف إن ك ان ك ذلك فليس هن اك أي أرض‬
‫مفتوحة للمسلمين‪.‬‬
‫وقد حاول أحمد شاكر أن يتالعب بمعنى الفتح في ه ذا الح ديث‪ ،‬فق ال‪( :‬فتح‬
‫القسطنطينية المبشر به في الحديث سيكون في مستقبل قريب أو بعيد يعلمه هللا ع ز‬
‫وجل‪ ،‬وهو الفتح الصحيح لها حين يعود المسلمون إلى دينهم ال ذي أعرض وا عن ه‪،‬‬
‫وأما فتح الترك الذي كان قبل عصرنا هذا فإنه كان تمهيدا للفتح األعظم‪ ،‬ثم هي ق د‬
‫خرجت بعد ذلك من أيدي المسلمين من ذ أعلنت حك ومتهم هن اك أنه ا حكوم ة غ ير‬
‫إسالمية وغير دينية وعاهدت الكفار أعداء اإلسالم‪ ،‬وحكمت أمتها بأحكام الق وانين‬
‫الوثنية الكافرة‪ ،‬وسيعود الفتح اإلسالمي لها إن شاء هللا كما بشر به رس ول هللا ‪)‬‬

‫‪ )(1‬رواه مسلم في الفتن (‪)33 :18‬‬


‫‪313‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وحديثه هذا يتناقض مع ما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره‬
‫أن النبي ‪ ‬قال‪( :‬تغزون جزيرة العرب فيفتحها هللا‪ ،‬ثم تغزون فارس فيفتحها هللا‪،‬‬
‫ثم تغزون الروم فيفتحها هللا‪ ،‬ثم تغزون الدجال فيفتحه هللا)(‪)2‬‬
‫فقد ذكر فتحا واحدا لجزيرة العرب ولفارس وللقس طنطينية‪ ..‬لكنهم في س بيل‬
‫تصحيح أحاديث أبي هريرة‪ ،‬وعدم القبول بنقدها يخترعون العجائب‪.‬‬
‫ب ـ ما ورد من األحاديث التي تبعث التشاؤم في مستقبل األمة‪:‬‬
‫وهو ما يتناقض مع تلك النصوص المقدسة الكثيرة التي تبين عودة األمة إلى‬
‫دينها‪ ،‬وظهور اإلسالم على الدين كله‪ ،‬وتنعم البشرية به أجياال طويلة‪.‬‬
‫ومن تلك األحاديث م ا يروون ه عن رس ول هللا ‪ ‬أن ه ق ال‪( :‬ال ي أتي عليكم‬
‫عام وال يوم إال والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم)(‪)3‬‬
‫ومنها ما روي عن النواس بن سمعان أنه قال‪( :‬ذك ر رس ول هللا ‪ ‬ال دجال‬
‫ذات غداة‪ ،‬فخفض فيه ورفع‪ ،‬حتى ظنناه في طائف ة النخ ل‪ ،‬فلم ا رحن ا إلي ه ع رف‬
‫ذلك فينا‪ ،‬فقال‪ :‬ما شأنكم؟ قلنا‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬ذكرت ال دجال الغ داة‪ ،‬فخفض ت في ه‪،‬‬
‫ورفعت‪ ،‬حتى ظنناه في طائفة النخل‪ ،‬فقال‪ :‬غير الدجال أخوف ني عليكم‪ ،‬إن يخ رج‬
‫وأن ا فيكم فأن ا حجيج ه دونكم‪ ،‬وإن يخ رج ولس ت فيكم ف امرؤ حجيج نفس ه‪ ،‬وهللا‬
‫خليفتي على كل مسلم‪ ،‬إنه شابٌ قطط‪ ،‬عينه طافئة‪ ،‬كأني أشبهه بـ (عب د الع زى بن‬
‫قطن)‪ ،‬فمن أدركه منكم فليق رأ علي ه ف واتح (س ورة الكه ف)‪ ،‬إن ه خ ارج خل ة بين‬
‫الشام والعراق‪ ،‬فعاث يمينا‪ ،‬وعاث شماال‪ ،‬يا عباد هللا‪ ،‬فاثبتوا‪ ،‬قلن ا‪ :‬ي ا رس ول هللا‪،‬‬
‫وما لبثه في األرض؟ قال‪ :‬أربعون يوما‪ :‬يوم كس نة‪ ،‬وي وم كش هر‪ ،‬وي وم كجمع ة‪،‬‬
‫وسائر أيامه كأيامكم‪ ،‬قلنا‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬فذاك اليوم الذي كس نة‪ :‬أتكفين ا في ه ص الة‬
‫يوم؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬اقدروا له قدره‪ ،‬قلنا‪ :‬ي ا رس ول هللا‪ ،‬وم ا إس راعه في األرض؟ ق ال‪:‬‬
‫كالغيث استدبرته الريح‪ ،‬فيأتي على القوم‪ ،‬فيدعوهم فيؤمن ون ب ه‪ ،‬ويس تجيبون ل ه‪،‬‬
‫فيأمر السماء فتمطر‪ ،‬واألرض فتنبت‪ ،‬فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت درا‪،‬‬
‫وأسبغه ض روعا‪ ،‬وأم ده خواص ر‪ ،‬ثم ي أتي الق وم في دعوهم‪ ،‬ف يردون علي ه قول ه‪،‬‬
‫فينص رف عنهم‪ ،‬فيص بحون ممحلين‪ ،‬ليس بأي ديهم ش يء من أم والهم‪ ،‬ويم ر‬
‫بالخربة‪ ،‬فيقول لها‪ :‬أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل‪ ،‬ثم يدعو رجال‬
‫ممتلئا شبابا‪ ،‬فيضربه بالسيف‪ ،‬فيقطعه جزل تين‪ ،‬رمي ة الغ رض‪ ،‬ثم ي دعوه فيقب ل‪،‬‬
‫ويتهلل وجهه يضحك‪ ،‬فبينما هو كذلك‪ ،‬إذ بعث هللا المس يح بن م ريم علي ه الس الم‪،‬‬
‫فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق‪ ،‬بين مهرودتين‪ ،‬واضعا كفيه على أجنح ة‬
‫ملكين‪ ،‬إذا طأطأ رأسه قطر‪ ،‬وإذا رفعه تحدر من ه جم ان ك اللؤلؤ‪ ،‬فال يح ل لك افر‬

‫‪ )(1‬حاشية عمدة التفسير ‪ 2 / 256‬تحقيق أحمد شاكر‪.‬‬


‫‪ )(2‬مسلم وأحمد وابن ماجه وغيرهم‪.‬‬
‫‪ )(3‬رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن حبان‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/122‬‬
‫‪314‬‬
‫يجد ريح نفسه إال مات‪ ،‬ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه‪ ،‬فيطلبه حتى يدرك ه بب اب‬
‫لد‪ ،‬فيقتله‪ ،‬ثم يأتي عيسى بن مريم قو ٌم قد عص مهم هللا من ه‪ ،‬فيمس ح عن وج وههم‪،‬‬
‫ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة‪ ،‬فبينما هو كذلك إذ أوحى هللا عز وج ل إلى عيس ى بن‬
‫مريم‪ :‬إني قد أخرجت عبادا لي‪ ،‬ال يدان ألح د بقت الهم‪ ،‬فح رز عب ادي إلى الط ور‪،‬‬
‫ويبعث هللا يأجوج ومأجوج‪ ،‬وهم من كل ح دب ينس لون‪ ،‬فيم ر أوائلهم على بح يرة‬
‫طبرية‪ ،‬فيشربون ما فيها‪ ،‬ويمر آخرهم‪ ،‬فيقولون‪ :‬لقد كان بهذه مرة م اء‪ ،‬ويحص ر‬
‫نبي هللا عيسى عليه السالم‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬ح تى يك ون رأس الث ور ألح دهم خ يرا من‬
‫مائة دينار‪ ،‬فيرغب نبي هللا عيسى عليه السالم وأصحابه‪ ،‬فيرس ل هللا عليهم النغ ف‬
‫في رقابهم‪ ،‬فيصبحون فرسى‪ ،‬كم وت نفس واح دة‪ ،‬ثم يهب ط ن بي هللا عيس ى علي ه‬
‫السالم وأصحابه إلى األرض‪ ،‬فال يجدون في األرض موضع ش بر إال مأله زهمهم‬
‫ونتنهم‪ ،‬فيرغب نبي هللا عيسى وأصحابه إلى هللا‪ ،‬فيرسل هللا طيرا كأعن اق البخت‪،‬‬
‫فتحملهم فتط رحهم حيثم ا ش اء هللا‪ ،‬ثم يرس ل هللا مط را ال يكن من ه بيت م در وال‬
‫وبر‪ ،‬فيغسل األرض حتى يتركها كالزلفة‪ ،‬ثم يق ال لألرض‪ :‬أنب تي ثمرت ك‪ ،‬وردي‬
‫بركتك‪ ،‬فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة‪ ،‬ويستظلون بقحفها‪ ،‬ويب ارك في الرس ل‪،‬‬
‫حتى إن اللقحة من اإلبل لتكفي الفئام من الناس‪ ،‬واللقحة من البق ر لتكفي القبيل ة من‬
‫الناس‪ ،‬واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس‪ ،‬فبينم ا هم ك ذلك‪ ،‬إذ بعث هللا ريح ا‬
‫طيبة‪ ،‬فتأخذهم تحت آباطهم‪ ،‬فتقبض روح كل مؤمن ومس لم‪ ،‬ويبقى ش رار الن اس‪،‬‬
‫يتهارجون فيها تهارج الحمر‪ ،‬فعليهم تقوم الساعة)(‪)1‬‬
‫ونحن ال نرد كل التفاصيل الواردة في هذا الحديث‪ ،‬وخاص ة تل ك ال تي دلت‬
‫عليها غيرها من األحاديث‪ ،‬وإنما نرد ذلك الترتيب‪ ،‬والزم ان المرتب ط ب ه‪ ،‬وال ذي‬
‫يجعل من الفترة التي يظهر هللا فيها اإلسالم على الدين كل ه‪ ،‬ف ترة قص يرة‪ ،‬ال تنعم‬
‫فيها البشرية إال بتلك البركات المادية التي وصفها الحديث‪.‬‬
‫ج ـ ما ورد من األحاديث الغريبة المرتبطة بالمستقبل‪:‬‬
‫والتي هي محل شك‪ ،‬خاص ة أن ال ذين رووه ا من المتعلقين باإلس رائيليات‪،‬‬
‫والمهتمين بالغرائب والخرافات‪.‬‬
‫ومن األمثلة عنها ما روي عن فاطمة بنت قيس‪ ،‬قالت‪ :‬سمعت ن داء المن ادي‬
‫منادي رسول هللا ‪ ‬ين ادي‪ :‬الص الة جامع ة‪ ،‬فخ رجت إلى المس جد‪ ،‬فص ليت م ع‬
‫رسول هللا ‪ ،‬فكنت في النساء التي تلي ظه ور الق وم‪ ،‬فلم ا قض ى رس ول هللا ‪‬‬
‫صالته‪ ،‬جلس على المنبر وهو يض حك‪ ،‬فق ال‪ :‬ليل زم ك ل إنس ان مص اله‪ ،‬ثم ق ال‪:‬‬
‫أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬إني وهللا م ا جمعتكم لرغب ة‪ ،‬وال‬
‫لرهبة‪ ،‬ولكن جمعتكم ألن تميم ا ال داري ك ان رجال نص رانيا‪ ،‬فج اء فب ايع وأس لم‪،‬‬
‫وحدثني حديثا وافق ال ذي كنت أح دثكم عن المس يح ال دجال‪ ،‬ح دثني أن ه ركب في‬
‫‪ )(1‬رواه مسلم رقم (‪ )2937‬وأبو داود رقم (‪ )4321‬و(‪ )4322‬والترمذي رقم (‪)2241‬‬
‫‪315‬‬
‫سفينة بحرية مع ثالثين رجال من لخم وجذام‪ ،‬فلعب بهم الموج شهرا في البح ر‪ ،‬ثم‬
‫أرف ؤوا إلى جزي رة في البح ر ح تى مغ رب الش مس‪ ،‬فجلس وا في أق رب الس فينة‪،‬‬
‫فدخلوا الجزيرة‪ ،‬فلقيتهم دابة أهلب‪ ،‬كثير الشعر‪ ،‬ال يدرون ما قبله من دبره‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫ويلك‪ ،‬ما أنت؟ قالت‪ :‬أنا الجساسة‪ ،‬قالوا‪ :‬وما الجساسة؟ قالت‪ :‬أيه ا الق وم‪ ،‬انطلق وا‬
‫إلى هذا الرجل الذي في الدير‪ ،‬فإنه إلى خبركم باألشواق‪ ،‬قال‪ :‬لما سمت لن ا رجال‪،‬‬
‫فرقنا منها أن تكون شيطانة‪ ،‬قال‪ :‬فانطلقنا سراعا حتى دخلنا ال دير‪ ،‬ف إذا في ه أعظم‬
‫إنسان رأيناه قط خلق ا‪ ،‬وأش ده وثاق ا‪ ،‬مجموع ة ي داه إلى عنق ه‪ ،‬م ا بين ركبتي ه إلى‬
‫كعبيه بالحديد‪ ،‬قلنا‪ :‬ويلك ما أنت؟ قال‪ :‬قد قدرتم على خ بري‪ ،‬ف أخبروني‪ :‬م ا أنتم؟‬
‫قالوا‪ :‬نحن أناس من العرب‪ ،‬ركبن ا في س فينة بحري ة‪ ،‬فص ادفنا البح ر حين اغتلم‪،‬‬
‫فلعب بن ا الم وج ش هرا‪ ،‬ثم أرفأن ا إلى جزيرت ك ه ذه‪ ،‬فجلس نا في أقربه ا ف دخلنا‬
‫الجزي رة‪ ،‬فلقيتن ا داب ة أهلب‪ ،‬كث ير الش عر‪ ،‬ال ن دري م ا قبل ه من دب ره‪ ،‬من ك ثرة‬
‫الشعر‪ ،‬فقلنا‪ :‬ويلك ما أنت؟ فقالت‪ :‬أنا الجساسة‪ ،‬قلنا‪ :‬وما الجساسة؟ ق الت‪ :‬اعم دوا‬
‫إلى هذا الرج ل ال ذي في ال دير‪ ،‬فإن ه إلى خ بركم باألش واق‪ ،‬فأقبلن ا إلي ك س راعا‪،‬‬
‫وفزعنا منها‪ ،‬ولم نأمن أن تكون شيطانة‪ ،‬فقال‪ :‬أخبروني عن نخل بيسان‪ ،‬قلنا‪ :‬عن‬
‫أي شأنها تستخبر؟ قال‪ :‬أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬أما إنه يوشك‬
‫أن ال تثمر‪ ،‬قال‪ :‬أخبروني عن بحيرة الطبرية‪ ،‬قلن ا‪ :‬عن أي ش أنها تس تخبر؟ ق ال‪:‬‬
‫هل فيها ماء؟ قالوا‪ :‬هي كثيرة الم اء‪ ،‬ق ال‪ :‬أم ا إن ماءه ا يوش ك أن ي ذهب‪[ ،‬ص‪:‬‬
‫‪ ]335‬قال‪ :‬أخبروني عن عين زغر‪ ،‬ق الوا‪ :‬عن أي ش أنها تس تخبر؟ ق ال‪ :‬ه ل في‬
‫العين ماء‪ ،‬وهل ي زرع أهله ا بم اء العين؟ قلن ا ل ه‪ :‬نعم‪ ،‬هي كث يرة الم اء‪ ،‬وأهله ا‬
‫يزرعون من مائها‪ ،‬قال‪ :‬أخبروني عن نبي األميين‪ ،‬ما فعل؟ قالوا‪[ :‬ق د] خ رج من‬
‫مكة‪ ،‬ونزل يثرب‪ ،‬قال‪ :‬أقاتله العرب؟ قلنا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أن ه‬
‫قد ظهر على من يليه من العرب‪ ،‬وأطاعوه‪ ،‬قال لهم‪ :‬قد كان ذل ك؟ قلن ا‪ :‬نعم‪ ،‬ق ال‪:‬‬
‫أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه‪ ،‬وإني مخ بركم ع ني‪ ،‬أن ا المس يح‪ ،‬وإني أوش ك أن‬
‫ي ؤذن لي في الخ روج‪ ،‬ف أخرج فأس ير في األرض‪ ،‬فال أدع قري ة إال هبطته ا في‬
‫أربعين ليلة‪ ،‬غير مكة وطيبة‪ ،‬فهم ا محرمت ان علي كلتاهم ا‪ ،‬كلم ا أردت أن أدخ ل‬
‫واحدة‪ ،‬أو واحدا منهما‪ ،‬استقبلني ملك بي ده الس يف ص لتا يص دني عنه ا‪ ،‬وإن على‬
‫كل نقب منها مالئكة يحرسونها‪ ،‬ق الت‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪ :‬وطعن بمخص رته في‬
‫المنبر‪ :‬هذه طيبة‪ ،‬هذه طيبة ـ يعني المدين ة ـ أال ه ل كنت ح دثتكم عن ذل ك؟ فق ال‬
‫الناس‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فإنه أعجبني حديث تميم‪ :‬أنه واف ق ال ذي كنت أح دثكم عن ه وعن‬
‫المدينة ومكة‪ ،‬أال إنه في بحر الشام أو بحر اليمن‪ ،‬ال بل من قبل المشرق‪ ،‬م ا ه و؟‬
‫من قبل المشرق‪ ،‬ما هو؟ ـ وأومأ بيده إلى المشرق ـ قالت‪ :‬فحفظت ه ذا من رس ول‬
‫هللا ‪)1()‬‬

‫ومنها ما رواه أبو هريرة عن رسول هللا ‪ ‬أنه قال‪( :‬ال تق وم الس اعة ح تى‬
‫‪ )(1‬رواه مسلم رقم (‪ ،)2942‬وأبو داود رقم (‪ )4325‬و(‪ )4326‬و(‪ ،)4327‬والترمذي رقم (‪)2254‬‬
‫‪316‬‬
‫مكانه)(‪)1‬‬ ‫يمر الرجل بقبر الرجل فيقول‪ :‬يا ليتني‬
‫ومثل هذا حصل في كل األزمنة‪ ،‬ففيها جميعا كان هن اك من يتم نى الم وت‪،‬‬
‫بسبب اآلالم التي تصيبه في الحياة‪ ،‬بل إن رسول هللا ‪ ‬نفس ه نهى عن ذل ك‪ ،‬كم ا‬
‫ورد في الح ديث عن أنس بن مال ك ق ال‪ :‬ق ال رس ول هللا ‪( :‬ال يتم نين أح دكم‬
‫الموت من ضر أصابه‪ ،‬فإن كان ال بد ف اعال‪ ،‬فليق ل‪ :‬اللهم أحي ني م ا ك انت الحي اة‬
‫خ يرا لي‪ ،‬وتوف ني إذا ك انت الوف اة خ يرا لي)‪ ،‬وق د عقب أنس على ه ذا الح ديث‬
‫بقوله‪( :‬لوال أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬ال يتمنين أحدكم الموت‪ ،‬لتمنيته)(‪)2‬‬
‫ومن تلك األحاديث الغريبة التي حدث بها أبو هري رة عن رس ول هللا ‪ ‬وال‬
‫ندري معناها‪ ،‬وال نثق فيه ثقة مطلق ة‪ ،‬قول ه‪( :‬ال تق وم الس اعة ح تى يمط ر الن اس‬
‫مطرا ال تكن منه بيوت المدر‪ ،‬وال تكن منه إال بيوت الشعر)(‪)3‬‬
‫ومنها حكايت ه أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬ال تق وم الس اعة ح تى تق اتلوا خ وزا‬
‫وكرم ان من األع اجم حم ر الوج وه فطس األن وف ص غار األعين ك أن وج وههم‬
‫المجان المطرقة نعالهم الشعر)(‪)4‬‬

‫ومنها إخباره عن طلوع الشمس من مغربها‪ ،‬فقد روى عن رسول هللا ‪ ‬أنه‬
‫قال‪( :‬ال تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ف إذا طلعت من مغربه ا ورآه ا‬
‫ت‬‫َت ِم ْن قَ ْب ُل أَوْ َك َسبَ ْ‬
‫الناس آمنوا أجمعون فذلك حين ﴿اَل يَ ْنفَ ُع نَ ْفسًا إِي َمانُهَا لَ ْم تَ ُك ْن آ َمن ْ‬
‫فِي إِي َمانِهَا َ‬
‫خ ْيرًا﴾[األنعام‪)5()]158 :‬‬
‫ومثل هذا الحدث الكوني العظيم يقتضي أدلة أقوى‪ ،‬وأسانيد أكثر‪ ،‬وال يجدي‬
‫في ه أمث ال أبي هري رة‪ ..‬باإلض افة إلى أن الح ديث مم ا يس تدل ب ه الس لفية على أن‬
‫الشمس تدور حول األرض‪.‬‬
‫ومن أحاديثه المرتبط ة به ذا الب اب‪ ،‬وال تي أث ارت ج دال كب يرا بين الش راح‬
‫حكايته أن رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬ال تق وم الس اعة ح تى يحس ر الف رات عن جب ل من‬
‫ذهب يقتتل الناس عليه‪ ،‬فيقتل من كل مائة تسعة وتس عون‪ ،‬فيق ول ك ل رج ل منهم‪:‬‬
‫لعلي أكون أنا أنجو)(‪)6‬‬

‫و في رواي ة (يوش ك الف رات أن يحس ر عن ك نز من ذهب فمن حض ره فال‬


‫يأخذ منه شيئا)(‪)7‬‬
‫وفي رواي ة (ال ت ذهب ال دنيا ح تى ينجلي ف راتكم عن جزي رة من ذهب‪،‬‬
‫‪ )(1‬رواه البخاري ‪ ،75 / 6‬ومسلم رقم (‪)2922‬‬
‫‪ )(2‬رواه البخاري ‪ 107 / 10‬و‪ ،108‬ومسلم رقم (‪)2680‬‬
‫‪ )(3‬أحمد (‪ ،2/262‬رقم ‪)7554‬‬
‫‪ )(4‬رواه أحمد (‪ ،2/319‬رقم ‪ ،)8223‬والبخارى (‪ ،3/1315‬رقم ‪.)3395‬‬
‫‪ )(5‬رواه أحمد (‪ ،2/231‬رقم ‪ ،)7161‬والبخارى (‪ ،4/1697‬رقم ‪ ،)4359‬ومسلم (‪ ،1/137‬رقم ‪ ،)157‬وأب و‬
‫داود (‪ ،4/115‬رقم ‪ ،)4312‬وابن ماجه (‪ ،2/1352‬رقم ‪)4068‬‬
‫‪ )(6‬رواه البخاري (‪ ،)100 / 8‬ومسلم (برقم ‪)2894‬‬
‫‪ )(7‬أبو داود (برقم ‪ )4313‬والترمذي (برقم ‪)2572‬‬
‫‪317‬‬
‫وتسعون)(‪)1‬‬
‫فيقتتلون عليه‪ ،‬فيقتل من كل مائة تسعة‬
‫وقد اختلف شراح الحديث كثيرا في بيان الزمن الذي يحسر في ه الف رات عن‬
‫جبل الذهب‪ ،‬وأكثرهم خصه بزمن ن زول المس يح علي ه الس الم‪ ،‬وفي ال زمن ال ذي‬
‫يكثر فيه المال‪ ،‬كما ذكر أبو هريرة‪.‬‬
‫وقد ذهب بعض المعاصرين إلى أن معنى حسر الف رات عن ال ذهب‪ ،‬الم راد‬
‫به البترول‪.‬‬
‫وقد رد السلفية على هذا الوجه ردودا كثيرة‪.‬‬
‫منها أن النص جاء فيه جبل من ذهب نصا ال يحتمل التأويل‪ ،‬والب ترول ليس‬
‫بذهب على الحقيقة فإن الذهب هو المعدن المعروف‪.‬‬
‫ومنه ا أن الن بي ‪ ‬أخ بر أن م اء النه ر ينحس ر عن جب ل من ذهب‪ ،‬ف يراه‬
‫الناس‪ ،‬والنفط أو البترول يستخرج من باطن األرض باآلالت من مسافات بعيدة‪.‬‬
‫ومنها أن النبي ‪ ‬خص الفرات بهذا دون غيره من البحار واألنهار‪ ،‬والنفط‬
‫نراه يستخرج من البحار كما يستخرج من األرض‪ ،‬وفي أماكن كثيرة متعددة‪.‬‬
‫ومنها أن النبي ‪ ‬أخبر أن الناس سيقتتلون عند هذا الكنز‪ ،‬ولم يحص ل أنهم‬
‫اقتتلوا عند خروج النفط من الفرات أو غيره‪ ،‬بل إن الن بي ‪ ‬نهى من حض ر ه ذا‬
‫الكنز أن يأخذ منه شيئا(‪.)2‬‬
‫ومنها ما رواه عن رسول هللا ‪ ‬أنه ق ال‪( :‬س يكون في آخ ر الزم ان يخ رج‬
‫الرجل من بيته فيرجع‪ ،‬فتخبره عصاه ونعله بما أحدث أهله)(‪)3‬‬
‫ومنها ما رواه أبو سعيد أن رس ول هللا ‪ ‬ق ال‪( :‬وال ذي نفس محم د بي ده ال‬
‫تقوم الساعة حتى تكلم السباع اإلنس‪ ،‬وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعل ه‪،‬‬
‫وتخبره فخذه بما أحدث أهله من بعده)(‪)4‬‬
‫وغيرها من األحاديث التي قد ال تُرد ردا مطلق ا‪ ،‬ولكنه ا لغرابته ا عن س ائر‬
‫األحاديث‪ ،‬وك ون ال ذين يروونه ا ممن اختلط وا بأه ل الكت اب‪ ،‬ورووا عنهم؛ فإن ه‬
‫يستحسن التوقف في شأنها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ما ورد في المصادر الشيعية‪:‬‬
‫وهي ال تقل عن نظيراته ا الس نية‪ ،‬ولألس ف؛ فإنه ا تش وه م ا ورد عن أئم ة‬
‫اله دى من المع اني الطيب ة الموافق ة للق رآن الك ريم‪ ،‬وله ذا ال يس تبعد أن يك ون‬
‫الناشرون لها من الفئ ة الباغي ة ال تي اخ ترقت ص فوف الم والين لهم‪ ،‬لتنش ر الغل و‬
‫والخرافة واألسطورة‪.‬‬
‫ولهذا تقترن هذه األح اديث بأح اديث الغل و‪ ،‬وال تي س بق أن أش رنا إليه ا في‬
‫المبحث السابق‪ ،‬وسنكتفي هنا بنموذجين من تلك األحاديث الغريبة المشتهرة‪.‬‬
‫‪ )(1‬رواه حنبل بن إسحاق في كتابه الفتن (ص ‪)216‬‬
‫‪ )(2‬انظر‪ :‬إتحاف الجماعة (‪ )186 185 / 2‬فقد ذكر الشيخ حمود التويجري وجوها كثيرة للرد على هذا‪.‬‬
‫‪ )(3‬رواه مسدد وأحمد‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/163‬‬
‫‪ )(4‬رواه ابن منيع‪ ،‬وعبد بن حميد‪ ،‬والترمذي‪ ،‬سبل الهدى والرشاد (‪)10/163‬‬
‫‪318‬‬
‫أ ـ خطبة البيان الغريبة المنسوبة لإلمام علي‪:‬‬
‫والتي يمتزج فيها الغلو بالغرابة‪ ،‬ولألسف؛ فإن هذه الخطبة ـ مع ك ون كب ار‬
‫علماء الش يعية يرفض ونها ـ إال أن الكث ير يس تدل به ا‪ ،‬وينس ب تفاص يلها الغريب ة‬
‫لإلمام علي‪.‬‬
‫وقد يكون سبب ذلك أولئك المتساهلين في التصحيح‪ ،‬من أمثال كاظم الرشتي‬
‫الذي داف ع عنه ا على ال رغم من ذك ره لمواق ف المنك رين له ا‪ ،‬فق د ق ال‪( :‬اعلم أن‬
‫العلم اء في ه ذه الخطب ة الش ريفة وأمثاله ا من الخطب‪ ،‬كخطب ة البي ان‪ ،‬وخطب ة‬
‫االفتخار وغيرها‪ ،‬تشعبوا على أربع شعب‪ :‬األول‪ :‬طرحوا هذه األخبار وأس قطوها‬
‫عن نظر االعتبار‪ ،‬وقالوا أنها أخب ار آح اد ال تفي د علم ا وال عمال‪ ..‬وتل ك األخب ار‬
‫أكثر ها ضعيفة سيما الخطب وأغلبها في مشارق األنوار للشيخ رجب البرسى وق د‬
‫حكم العلماء بغلوه وما هذا شأنه ال حجة في ه م ع أن ه ذا األخب ار والخطب تخالفه ا‬
‫العق ول فثبت أن ه ذه الخطب ليس ت من أم ير المؤم نين وال الخي ار من أوالده‬
‫المعصومين وإنما هي من موضوعات الغالة والمفوضة)(‪)1‬‬
‫وممن أنكرها المجلسي‪ ،‬فقد قال عنه ا‪( :‬لكن األخب ار الكث يرة مم ا أوردناه ا‬
‫في كتاب بحار األنوار يمنع من القول به فيما عدا المعجزات ظاهرا بل صريحا مع‬
‫أن القول به قول بما ال يعلم إذ لم يرد ذلك في األخبار المعت برة فيم ا نعلم وم ا ورد‬
‫من األخب ار الدال ة على ذل ك كخطب ة البي ان‪ ،‬وأمثاله ا فلم توج د إال في كتب الغالة‬
‫وأشباههم)(‪)2‬‬
‫وقال مصطفى آل السيد حيدر الكاظمى‪( :‬أنا لم نعثر على مستند صحيح لهذه‬
‫الخطبة المس ماة بالبي ان‪ ،‬ولم يثبته ا أح د من المح دثين كالش يخ الطوس ى والكلي نى‬
‫ونظائرهم وعدم ذكر المجلسى لها توهين لها إلحاطته باألخبار ويبعد عدم اطالع ه‬
‫عليها مع أنها غير بليغة كثيرة التكرار غير بينة األلفاظ)(‪)3‬‬
‫ومن الوجوه التي ذكرها جعفر مرتضى العاملي في ردها(‪:)4‬‬
‫‪ 1‬ـ خلوها من السند‪ ،‬فقد ورد في مطلعه ا‪( :‬وق د ثبت عن ه علم اء الطريق ة‪،‬‬
‫ومشايخ الحقيقة‪ ،‬بالنقل الصحيح‪ ،‬والكشف الصريح‪ :‬أن أمير المؤمنين علي بن أبي‬
‫طالب كرم هللا وجهه قام على منبر الكوفة الخ‪)..‬‬
‫وهذه الفقرة تدل على أن الراوي لها هو من أهل السنة الذين يختارون عبارة‬
‫(ك رم هللا وجه ه) في ثن ائهم على أم ير المؤم نين‪ ،‬باإلض افة إلى أن ه ذه الفق رة‬
‫صرحت بأن سند هذه الخطب ة‪ :‬ه و النق ل الص حيح والكش ف الص ريح‪ ،‬ولكن ه ذا‬
‫الصحيح‪ ،‬وذلك الصريح إنما ثبت لخصوص علماء الطريقة‪ ،‬ومشايخ الحقيق ة‪ ،‬وال‬
‫ندري لماذا لم يثبت ذلك أيضا عند العلماء والباحثين‪ ،‬أو نقاد الحديث والمحدثين‪.‬‬
‫‪ )(1‬كاظم الرشتي‪ ،‬شرح الخطبة التطنجية صفحه ‪.٣٥٠ ٣٤٩‬‬
‫‪ )(2‬محمد باقر المجلسي‪ ،‬مرآة العقول‪ ،‬ج ‪ ٣‬ص‪.١٤٣‬‬
‫‪ )( 3‬مصطفى آل السيد حيدر الكاظمي‪ ،‬بشارة اإلسالم في عالمات ظهور صاحب الزمان ص ‪.81‬‬
‫‪ )(4‬جعفر مرتضى العاملى دراسة في عالمات الظهور‪ ،‬ص ‪.٩٤‬‬
‫‪319‬‬
‫‪ 2‬ـ يبدو أن واضع هذا النص للخطبة قد ك ان من الص وفية‪ ،‬كم ا يش ير إلي ه‬
‫هذا السند‪ ،‬ويش ير إلي ه أيض ا العب ارة ال تي وردت في نهاي ة الخطب ة‪ ،‬حيث يق ول‪:‬‬
‫(والص الة على قطب األقط اب‪ ،‬ورس ول مل ك الوه اب‪ ،‬وعلى آل ه المنتج بين‬
‫األطي اب‪ ،‬م ا أش رقت ش موس الغي وب من غي اهب القل وب)‪ ،‬وج اء في الرواي ة‪:‬‬
‫(فيظهر عند ذلك صاحب الراية المحمدية‪ ،‬والدولة األحمدية‪ ،‬القائم بالسيف الح ال‪،‬‬
‫الصادق في المقال‪ ،‬يمهد األرض‪ ،‬ويحيي السنة والف رض‪ .‬س يكون ذل ك بع د أل ف‬
‫ومئة‪ ،‬وأربع وثمانين سنة من سني الفترة بعد الهجرة)‪ ،‬وحسبنا في تك ذيب ه ذا م ا‬
‫ورد من الروايات التي تؤكد على تكذيب الوقاتين‪ ،‬ورد مزاعمهم في ذلك‪.‬‬
‫ثم ختم ردوده على الخطبة بقوله‪( :‬وأخيرا‪ ،‬فنحن أمام احتمالين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن‬
‫يكون البعض قد اطل ع على بعض عالم ات الظه ور‪ ،‬والس يما م ا روي من ط رق‬
‫الشيعة وغيرهم‪ ،‬فنسجها من عند نفسه على هذا النحو البديع‪ ،‬وض منها م ا راق ل ه‬
‫من تلك العالمات‪ ،‬التي ليس لها في األغلب سند يعتمد عيه‪ ..‬ثم نسب ذل ك إلى علي‬
‫أمير المؤمنين ليكون لها وقع في القلوب‪ ،‬ومكانة في النفوس‪ .‬وقد يك ون ق د ج رب‬
‫ذلك مرتين أو ثالثا‪ ،‬كما رأينا في نصوصها المختلف ة‪ ..‬والث اني‪ :‬أن يك ون للخطب ة‬
‫أصل أصيل‪ ،‬ثم تالعبت بها األهواء‪ ،‬وحرفها المحرفون‪ ،‬وزيد عليها ونقص منها‪،‬‬
‫وح رفت إلى ح د جعله ا تفق د معظم معالمه ا األص يلة‪ ،‬وخ رجت عن االنس جام‬
‫والبالغ ة لتص بح على درج ة من الركاك ة والس قوط‪ ،‬مش حونة باألباطي ل‪،‬‬
‫واألض اليل‪ ،‬وح تى أص بح من أب رز مميزاته ا الخ روج على أبس ط قواع د اللغ ة‪،‬‬
‫والنحو‪ ،‬واالشتقاق‪ ،‬وعن أصول الخطاب بصورة كلي ة‪ ،‬وق د يك ون لبعض الغالة‪،‬‬
‫والباطنية‪ ،‬والصوفية‪ ،‬وربما اليهود أيض ا الي د الط ولى في ه ذا البالء‪ ،‬ال ذي ح اق‬
‫بها‪ ،‬حيث وجد هؤالء وأولئك فيها مرتعا خصبا‪ ،‬وم ادة ص الحة إلش اعة أض اليلهم‬
‫وأباطيلهم‪ ..‬ولكن الشي الذي الشك في ه ه و‪ :‬أن أولئ ك المتالع بين والوض اعين لم‬
‫يكن لهم حظ وافر من العلم‪ ،‬وال من المعرفة باللغة وقواعدها واشتقاقاتها فكانت لهم‬
‫الفضيحة الردية‪ ،‬والنكبة والبلية‪ .‬وذلك هو صنع هللا بهم‪ ،‬وما ظلمن اهم ولكن ك انوا‬
‫أنفسهم يظلمون)(‪)1‬‬
‫بناء على هذا‪ ،‬سنذكر هنا الخطبة‪ ،‬ليتأملها القارئ؛ فأعظم دليل على وضعها‬
‫وكذبها قراءتها‪ ،‬ومقارنة ما فيها بما ورد عن اإلمام علي‪.‬‬
‫وتبدأ الخطبة بأن اإلمام علي قام على المنبر بالكوفة وهو يخطب فق ال‪ :‬بس م‬
‫هللا ال رحمن ال رحيم‪ ،‬الحم د هلل ب ديع الس ماوات واألرض وفاطره ا‪ ،‬وس اطح‬
‫المدحيات ووازرها‪ ،‬ومط ود الجب ال وقافره ا‪ ،‬ومفج ر العي ون ونافره ا‪ ،‬ومرس ل‬
‫الرياح وزاجره ا‪ ،‬ون اهي القواص ف وآمره ا‪ ،‬وم زين الس ماء وزاهره ا‪ ،‬وم دبر‬
‫األفالك ومسيرها‪ ،‬ومقسم المنازل ومق درها‪ ،‬ومنش ئ الس حاب ومس خرها‪ ،‬وم وج‬
‫الحنادس ومنورها‪ ،‬ومحدث األجسام ومقررها‪ ،‬ومكور الدهور ومك درها‪ ،‬وم ورد‬
‫‪ )(1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪320‬‬
‫األمور ومص درها‪ ،‬وض امن األرزاق وم دبرها‪ ،‬ومح يي الرف اة وناش رها‪ .‬أحم ده‬
‫على آالئه وتوفرها‪ ،‬وأشكره على نعمائه وتواترها‪ .‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال‬
‫شريك له‪ ،‬شهادة تؤدي إلى السالمة ذاكرها‪ ،‬وتؤمن من العذاب ذاخرها‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمدا ‪ ‬الخ اتم لم ا س بق من الرس ل وفاخره ا‪ ،‬ورس وله الف اتح لم ا اس تقبل من‬
‫الدعوة وناشرها‪ ،‬أرس له إلى أم ة ق د ش عر بعب ادة األوث ان ش اعرها‪ ،‬ف أبلغ ‪ ‬في‬
‫النصيحة وافرها‪ ،‬وأنار منار أعالم الهداية ومنابره ا‪ ،‬ومح ا بمعج ز الق رآن دع وة‬
‫الشيطان ومكاثرها‪ ،‬وأرغم معاطيس غواة العرب وكافرها‪ ،‬ح تى أص بحت دعوت ه‬
‫الحق بأول زائرها‪ ،‬وشريعته المطهرة إلى المعاد يفخ ر فاخره ا ‪ ‬الدوح ة العلي ا‬
‫وطيب عناص رها‪ .‬أيه ا الن اس س ار المث ل‪ ،‬وحق ق العم ل‪ ،‬وتس لمت الخص يان‪،‬‬
‫وحكمت النس وان‪ ،‬واختلفت األه واء‪ ،‬وعظمت البل وى‪ ،‬واش تدت الش كوى‪،‬‬
‫واس تمرت ال دعوى‪ ،‬وزل زلت األرض‪ ،‬وض يع الف رض‪ ،‬وكتمت األمان ة‪ ،‬وب دت‬
‫الجناية‪ ،‬وقام األدعياء‪ ،‬ونال األشقياء‪ ،‬وتقدمت السفهاء‪ ،‬وتأخرت الصلحاء وازور‬
‫الق ران‪ ،‬واحم ر ال دبران‪ ،‬وكملت الف ترة‪ ،‬وسدس ت الهج رة‪ ،‬وظه رت األف اطس‪،‬‬
‫فحسمت المالبس‪ ،‬يملكون السرائر‪ ،‬ويهتكون الحرائر‪ ،‬ويجيؤن كيسان‪ ،‬ويخرب ون‬
‫خراسان‪ ،‬فيهدمون الحصون‪ ،‬ويظهرون المصون‪ ،‬ويفتحون العراق بدم يراق‪ ،‬ف آه‬
‫آه‪ ،‬ثم آه آه‪ ،‬لعريض األفواه‪ ،‬وذبول الشفاه)‬
‫ثم التفت يمين ا وش ماال‪ ،‬وتنفس الص عداء مالال‪ ،‬وت أوه خش وعا‪ ،‬وتغ ير‬
‫خضوعا‪ ،‬فقام إليه سويد بن نوفل الهاللي فقال‪ :‬يا أم ير المؤم نين أنت حاض ر بم ا‬
‫ذكرت وعالم به! فالتفت إليه بعين الغض ب وق ال ل ه‪ :‬ثكلت ك الثواك ل‪ ،‬ون زلت ب ك‬
‫النوازل‪ ،‬يا ابن الجبان الخب ائث‪ ،‬والمك ذب الن اكث‪ ،‬سيقص ر ب ك الط ول‪ ،‬ويغلب ك‬
‫الغول‪ ،‬أنا سر االسرار‪ ،‬أنا شجرة األنوار‪ ،‬أنا دليل السماوات‪ ،‬أنا أنيس المسبحات‪،‬‬
‫أنا خليل جبرائيل‪ ،‬أنا صفي ميكائيل‪ ،‬أنا قائد األمالك‪ ،‬أنا سمندل األفالك‪ ،‬أنا سرير‬
‫الص راح‪ ،‬أن ا حفي ظ األل واح‪ ،‬أن ا قطب ال ديجور‪ ،‬أن ا ال بيت المعم ور‪ ،‬أن ا م زن‬
‫السحائب‪ ،‬أنا نور الغياهب‪ ،‬أنا فلك الحجج‪ ،‬أنا حجة الحجج‪ ،‬أنا مسدد الخالئق‪ ،‬أن ا‬
‫محقق الحقائق‪ ،‬أنا مأول التأويل‪ ،‬أنا مفسر اإلنجي ل‪ ،‬أن ا خ امس الكس اء‪ ،‬أن ا تبي ان‬
‫النساء‪ ،‬أنا ألفة االيالف‪ ،‬أنا رجال األعراف‪ ،‬أنا سر إب راهيم‪ ،‬أن ا ثعب ان الكليم‪ ،‬أن ا‬
‫ولي األولياء‪ ،‬أنا ورثة األنبياء‪ ،‬أن ا أوري ا الزب ور‪ ،‬أن ا حج اب الغف ور‪ ،‬أن ا ص فوة‬
‫الجليل‪ ،‬أنا إيليا اإلنجيل‪ ،‬أنا شديد القوى‪ ،‬أنا حامل اللوا‪ ،‬أنا إمام المحشر‪ ،‬أنا س اقي‬
‫الكوثر‪ ،‬أنا قسيم الجنان‪ ،‬أنا مشاطر النيران‪ ،‬أنا يعسوب الدين‪ ،‬أنا إمام المتقين‪ ،‬أن ا‬
‫وارث المختار‪ ،‬أنا ظهير االظهار‪ ،‬أنا مبيد الكفرة‪ ،‬أنا أبو األئم ة ال بررة‪ ،‬أن ا ق الع‬
‫الباب‪ ،‬أنا مفرق األحزاب‪ ،‬أنا الجوهرة الثمينة‪ ،‬أنا باب المدينة‪ ،‬أنا مفس ر البين ات‪،‬‬
‫أنا مبين المشكالت‪ ،‬أنا النون والقلم‪ ،‬أنا مصباح الظلم‪ ،‬أنا س ؤال م تى‪ ،‬أن ا مم دوح‬
‫هل أتى‪ ،‬أنا النبأ العظيم‪ ،‬أنا الصراط المستقيم‪ ،‬أنا لؤلؤ األص داف‪ ،‬أن ا جب ل ق اف‪،‬‬
‫أنا سر الحروف‪ ،‬أنا نور الظروف‪ ،‬أنا الجبل الراسخ‪ ،‬أن ا العلم الش امخ‪ ،‬أن ا مفت اح‬
‫‪321‬‬
‫الغي وب‪ ،‬أن ا مص باح القل وب‪ ،‬أن ا ن ور األرواح‪ ،‬أن ا روح األش باح‪ ،‬أن ا الف ارس‬
‫الكرار‪ ،‬أنا نصرة األنص ار‪ ،‬أن ا الس يف المس لول‪ ،‬أن ا الش هيد المقت ول‪ ،‬أن ا ج امع‬
‫القرآن‪ ،‬أنا بنيان البيان‪ ،‬أنا شقيق الرسول‪ ،‬أنا بعل البت ول‪ ،‬أن ا عم ود االس الم‪ ،‬أن ا‬
‫مكسر األصنام‪ ،‬أن ا ص احب االذن‪ ،‬أن ا قات ل الجن‪ ،‬أن ا ص الح المؤم نين‪ ،‬أن ا إم ام‬
‫المفلحين‪ ،‬أن ا إم ام أرب اب الفت وة‪ ،‬أن ا ك نز أس رار النب وة‪ ،‬أن ا المطل ع على أخب ار‬
‫األولين‪ ،‬أنا المخبر عن وقائع اآلخرين‪ ،‬أنا قطب األقطاب‪ ،‬أنا حبيب األحب اب‪ ،‬أن ا‬
‫مهدي األوان‪ ،‬أنا عيسى الزمان‪ ،‬أنا وهللا وجه هللا‪ ،‬أنا وهللا أسد هللا‪ ،‬أنا سيد العرب‪،‬‬
‫أنا كاشف الكرب‪ ،‬أنا ليث بني غالب‪ ،‬أنا علي بن أبي طالب‪.‬‬
‫قال‪ :‬فصاح السائل صيحة عظيمة وخر ميتا‪ .‬فعقب أمير المؤم نين (ك رم هللا‬
‫وجهه) كالمه بان قال‪ :‬الحمد هلل بارئ النس م‪ ،‬وذارئ األمم والص لوات على االس م‬
‫األعظم‪ ،‬والنور األقدم‪ ،‬محمد وآله وس لم‪ .‬ثم ق ال‪ :‬س لوني عن ط رق الس ماء ف اني‬
‫أعلم بها من طرق األرض‪ ،‬سلوني قبل أن تفق دوني‪ ،‬ف ان بين جن بي علوم ا كث يرة‬
‫كالبحار الزواخر‪ .‬فنهض إليه الرسخ من العلماء‪ ،‬والمهرة من الحكماء‪ ،‬وأح دق ب ه‬
‫الكمل من األولياء والندر من األص فياء‪ ،‬يقبل ون م واطئ قدمي ه‪ ،‬ويقس مون باالس م‬
‫األعظم عليه‪ ،‬بان يتم كالمه‪ ،‬ويكمل نظامه‪ .‬فقال بحر الراسخين‪ ،‬وحبر الع ارفين‪،‬‬
‫االمام الغالب علي بن أبي طالب (كرم هللا وجهه)‪ :‬يظهر صاحب الراية المحمدي ة‪،‬‬
‫والدولة األحمدية‪ ،‬القائم بالسيف‪ ،‬والحال الصادق في المقال‪ ،‬يمهد األرض‪ ،‬ويحيى‬
‫السنة والفرض‪ .‬ثم قال‪ :‬أيها المحجوب عن ش أني‪ ،‬الغاف ل عن ح الي‪ ،‬إن العج ائب‬
‫آثار خواطري‪ ،‬والغرائب أسرار ض مائري‪ ،‬ألني ق د خ رقت الحج اب‪ ،‬وأظه رت‬
‫العجاب‪ ،‬وأتيت بالباب‪ ،‬ونطقت بالصواب‪ ،‬وفتحت خ زائن الغي وب‪ ،‬وفتقت دق ائق‬
‫القل وب‪ ،‬وك نزت لط ائف المع ارف‪ ،‬ورم زت ع وارف اللط ائف‪ ،‬فط وبى لمن‬
‫استمسك بعروة هذا الكالم‪ ،‬وصلى خلف هذا االمام‪ ،‬فإنه يق ف على مع اني الكت اب‬
‫المسطور‪ ،‬والرق المنشور‪ ،‬ثم يدخل إلى البيت المعمور‪ ،‬والبحر المسجور)(‪)1‬‬
‫ب ـ ما ورد من األحاديث والروايات في تشويه حركة اإلمام المهدي‪:‬‬
‫حيث تجعل منه مجرد صاحب سيف‪ ،‬ال هم له إال القتل‪ ،‬وهو م ا يتن افى م ع‬
‫الوراثة النبوية الكاملة‪ ،‬والتي تنطل ق من الرحم ة والهداي ة والح رص على إظه ار‬
‫اإلسالم بصورته الجميل ة‪ ،‬وه ذا ال يع ني ع دم حص ول القت ال‪ ،‬ولكن ف رق بين أن‬
‫يقاتل دفاعا عن الحق‪ ،‬وبين ما ورد في الروايات من القتل الكثير الذي ال مبرر له‪.‬‬
‫ومثل تلك الروايات ما ورد عن التفاصيل المرتبطة بحكمه‪ ،‬والتي تجعل منه‬
‫صاحب دين جديد‪ ،‬ال محيي دين جده ‪.‬‬
‫وسنلخص هنا بعض الردود المهمة على أمثال تلك الروايات من مق ال لع الم‬
‫شيعي له اطالع واسع على المصادر الشيعية‪ ،‬ويميز بين أسانيد أحاديثها الصحيحة‬

‫‪ )(1‬ينابيع المودة لذوي القربى‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.209 - 205‬‬


‫‪322‬‬
‫من غيرها‪ ،‬فمن تلك الردود‪ ،‬قوله(‪:)1‬‬
‫إن عقيدتنا في المهدي المنتظر أنّه تابع لدين ج ده المص طفى ‪ ‬وس ائر‬ ‫‪1‬ـ ّ‬
‫على هديه‪ ،‬وهو خليفته كما تنص على ذلك الكثير من الرواي ات ال وارة عن األئم ة‬
‫من أهل البيت‪ ،‬وعليه فكيف ينسخ دينه أو يأتي بدين جديد!؟‬
‫ويستدل لهذا بما روي عن اإلم ام الص ادق أن ه ق ال في تفس ير قول ه تع الى‪:‬‬
‫ت َواأْل َرْ ِ‬
‫ض طَوْ ًع ا َوكَرْ هً ا ﴾ [آل عم ران‪( :]83 :‬إذا ق ام‬ ‫﴿ َولَهُ أَ ْسلَ َم َم ْن فِي ال َّس َم َ‬
‫اوا ِ‬
‫القائم ال يبقى أرض إال ن ودي فيه ا بش هادة أن ال إل ه إال هللا وأن محم داً رس ول هللا‬
‫‪)2()‬‬
‫إن اإلمام المهدي ه و مح يي كت اب هللا تع الى وس نة رس وله ‪ ‬وليس‬ ‫‪2‬ـ ّ‬
‫ناس خا ً لهم ا‪ ،‬فعن اإلم ام علي في ذك ر المه دي ونهض ته‪( :‬ويح يي ميت الكت اب‬
‫أن رأي المهدي هو تب ع للكت اب والس نة‪:‬‬ ‫والسنة) (‪ ،)3‬ويشير في الخطبة عينها إلى ّ‬
‫(ويعطف الهوى على اله دى إذا عطف وا اله دى على اله وى‪ ،‬ويعط ف ال رأي على‬
‫القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي)‬
‫‪ 3‬ـ أن أ ّما ما جاء في بعض الروايات من أنّه (يقوم بأمر جديد وكت اب جدي د‬
‫وس نة جدي دة وقض اء جدي د)‪ ،‬كم ا ج اء في رواي ة أبي حم زة الثم الي عن اإلم ام‬
‫الباقر(‪ )4‬ال يراد بها أنّ ه ي أتي ب دين جدي د مغ اير ل دين ج ده المص طفى ‪ ،‬وإنّم ا‬
‫المقص ود من ه مواجه ة الزي ف والب دع ال تي أدخلت على اإلس الم وال تي ش وّهت‬
‫صورته النقية‪ ،‬وأ ّدت إلى اندراس مفاهيمه وقيمه وحدوده‪.‬‬
‫ويشير إلى ذلك ما ورد في األحاديث من غربة األمة عن دينها وابتعادها عن‬
‫صفاء التوحيد وإشراقة الرسالة‪ ،‬كما نبّهت على ذلك األحاديث النبوية الشريفة كم ا‬
‫(إن اإلسالم بدأ غريبا ً وسيعود غريبا ً كم ا ب دا فط وبى‬ ‫في قوله ‪ ‬فيما روي عنه‪ّ :‬‬
‫للغرباء) (‪ ،)5‬وفي كتب أهل السنة روي عنه ‪( :‬يدرس اإلسالم كما يدرس وشي‬
‫الثوب حتى ال يدري ما صام وال صدقة وال نسك) (‪)6‬‬
‫ومثل ذلك ما روي عن اإلمام الصادق أنه قال‪( :‬إذا قام القائم دعا الن اس إلى‬
‫اإلسالم جديداً وهداهم إلى أمر قد دثر‪ ،‬فضّل عنه الجمهور‪ ،‬وإنّما سمي القائم مهديا ً‬
‫ألنه يهدي إلى أمر قد ضلوا عنه‪ ،‬وسمي بالقائم لقيامه بالحق) (‪)7‬‬
‫ّ‬
‫وبناء على هذا؛ فإنه إن وردت بعض الرواي ات ال تي ت وهم أن ه ي أتي بس نة‬

‫‪ )(1‬المقال بعنوان‪ :‬شبهات حول مش روع اإلم ام المه دي‪ ،‬الش يخ حس ين الخش ن‪ ،‬من موقع ه االلك تروني على‬
‫النت‪.‬‬
‫‪ )(2‬تفسير العياشي ج‪ 1‬ص‪ ،183‬وعنه منتخب األثر في اإلمام الثاني عشر ص‪.136‬‬
‫‪ )(3‬نهج البالغة‪ :‬ج‪ 2‬ص‪.21‬‬
‫‪ )(4‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص‪.239‬‬
‫‪ )(5‬صحيح مسلم‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ 90‬والحديث مروي من طرق الشيعة أيضاً‪ ،‬فالحظ‪ :‬كم ال ال دين وتم ام النعم ة ص‬
‫‪.66‬‬
‫‪ )(6‬المستدرك للحاكم النيسابوري‪ :‬ج‪ 4‬ص‪.473‬‬
‫‪ )(7‬اإلرشاد للمفيد‪ :‬ج‪ 2‬ص‪.383‬‬
‫‪323‬‬
‫مغايرة لسنّة جده المصطفى ‪ ،‬أو بكت اب غ ير كت اب هللا تع الى فال ب ّد أن ت رمى‬
‫وتضرب عرض الحائط بإجماع علماء األمة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ من أخطر اإلساءات والتشويهات التي تعرضت له ا النهض ة المهدوي ة‬
‫الموع ودة تل ك المحاول ة ال تي تعم ل على تص ويرها باعتباره ا مش روعا ً دموي اً‪،‬‬
‫ويتحول اإلمام المهدي في هذا المشروع إلى ش خص س فاح وقتّ ال‪ ،‬ون ابش للقب ور‬
‫ومنكل بأجساد الموتى‪.‬‬
‫فإن العقل الدموي المتوحش ل دى بعض المس لمين ق د أس اء إلى‬ ‫ومع األسف ّ‬
‫كل العقائد اإلسالمية وصورّها بصورة العنف ولون الدم‪ ،‬فاهلل تع الى في نظ ر ه ذا‬
‫العقل ليس سوى منتقم جبار يتلذذ بتعذيب عباده‪ ،‬والنبي ‪ ‬إنما أرسل بالذبح‪.‬‬
‫واألمر على خالف ذلك‪ ،‬فمش روع اإلم ام المه دي ه و بس ط األمن والس الم‬
‫والعدل‪ ،‬وليس القتل وسفك الدماء‪ ،‬وهذا م ا أك دت علي ه النص وص المعت برة‪ ،‬ففي‬
‫الح ديث عن اإلم ام علي‪( :‬ول و ق د ق ام قائمن ا ألن زلت الس ماء قطره ا وألخ رجت‬
‫األرض نباتها ولذهبت الشحناء من قلوب العباد واص طلحت الس باع والبه ائم ح تى‬
‫تمشي الم رأة بين الع راق إلى الش ام ال تض ع ق دميها إال على النب ات وعلى رأس ها‬
‫زينتها ال يهيجها سبع وال تخافه لو تعلمون) (‪)1‬‬
‫فهذا الحديث يشير إلى الكثير من المعاني الجميلة ال تي تنعم به ا البش رية في‬
‫حكومة اإلمام المهدى‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ .1‬وفرة النعم اإللهية‪( ،‬ألنزلت السماء قطرها وألخرجت األرض نباتها)‬
‫‪ .2‬إقام ة الع دل‪( ،‬اص طلحت الس باع والبه ائم) فه ذا التعب ير كناي ة عن بس ط‬
‫العدل‪ ،‬فال يحصل عدوان‪ ،‬كما أنّه تعبير عن حصول االكتفاء ووفرة النعم‪.‬‬
‫‪ .3‬األمن‪( ،‬تمشي الم رأة بين الع راق والش ام ال تض ع ق دميها إال على النب ات‬
‫وعلى رأسها زينتها)‪ ،‬وهذا تعبير واضح عن االستقرار األم ني ال ذي تنعم‬
‫به البشرية وعن تحسن وضع البيئة‪ ،‬بحيث تتحول الص حاري إلى واح ات‬
‫أن مش روعه ه و اإلعم ار‪ ،‬وليس ال دمار‪ ،‬وإنق اذ اإلنس ان‬ ‫خض راء‪ ،‬أي ّ‬
‫وليس إبادته‪.‬‬
‫وبناء على هذا فإن كل الروايات التي تخ الف ه ذه المع اني مرفوض ة‪ ،‬ومن‬
‫أمثلتها ما روي عن اإلمام الباقر أنه قال‪( :‬ليس شأنه إال القتل وال يس تتب أح داً وال‬
‫تأخذه في هللا لومة الئم) (‪)2‬‬
‫ومثلها ما روي عن زرارة أنه سأل اإلمام الباقر‪ ،‬فقال‪( :‬أيسير بسيرة محم د‬
‫‪‬؟) (قال‪( :‬هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته)‪ ،‬قلت‪ :‬جعلت فداك لِ َم؟ قال‪:‬‬
‫(إن رسول هللا ‪ ‬سار في أمته ب اللين وك ان يت ألف الن اس‪ ،‬والق ائم يس ير بالقت ل‪،‬‬
‫بذلك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل وال يستتب أحداً) (‪)3‬‬

‫‪ )(1‬الخصال ص ‪.626‬‬
‫‪ )(2‬مختصر بصائر الدرجات‪ :‬ص‪.213‬‬
‫‪ )(3‬الغيبة للنعماني‪ :‬ص‪.236‬‬
‫‪324‬‬
‫وكال الرواي تين مرفوض تان س ندا(‪ )1‬ومتن ا‪ ،‬ألنه ا تخ الف ك ل م ا ورد في‬
‫القرآن الكريم والسنة المطهرة والرواي ات ال واردة عن أئم ة اله دى‪ ،‬باإلض افة إلى‬
‫أنها تحول من الخالص الذي سيأتي به اإلمام المهدى والذي تنتظره البشرية جميع ا‬
‫مشروعا للدمار‪ ،‬ال للسالم واإلنقاذ‪.‬‬
‫وهذا ال يعني ـ كما أشرنا سابقا ـ إلى عدم حصول المواجهات والقتال؛ فقت ال‬
‫الظلمة والمستبدين ضروري لتحقيق السالم‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ أسوء تشويه يمكن أن تتع رض ل ه نهض ة اإلم ام المه دي ه و م ا تلوك ه‬
‫بعض األلسن من أنّه يتوجه منذ اليوم األول لخروجه إلى قبور بعض الناس فينبشها‬
‫وينشر أجس اد أص حابها ويص لبهم على ج ذوع الش جر‪ ،‬مم ا ي وحي بأن ه ص احب‬
‫مشروع انتقامي وثأري‪.‬‬
‫وقد حاول بعض المغرضين المتاجرين بالفتن‪ ،‬تحميل الش يعة اإلمامي ة وزر‬
‫هذا االعتقاد زاعما ً أنهم يؤمنون بأن المهدي يُخرج فالنا ً وفالنا ً من حج رة الرس ول‬
‫‪ ‬ويأمر بصلبهما‪ ،‬مع أن هذا الكالم افتراء واضح‪ ،‬وال يمت إلى الحقيق ة بص لة‪،‬‬
‫ألن مثل هذا التصرف هو أمر مرف وض وال يمكن القب ول ب ه‪ ،‬ألنّ ه يمث ل تج اوزاً‬
‫وانتهاكا ً لكل القيم األخالقية واإلسالمية التي نهت عن التمثيل بجثث الموتى‪.‬‬
‫أن قائل هذا الكالم ينق ل مث ل ه ذا االعتق اد عن الس يد المرتض ى‪،‬‬ ‫والعجيب ّ‬
‫(إن أب ا بك ر وعم ر يص لبان يومئ ذ على‬ ‫وأنه قال في كتاب ه [المس ائل الناص رية]‪ّ :‬‬
‫شجرة في زمن المهدي‪ ..‬وتكون تلك الشجرة رطبة قبل الصلب فتصير يابسة بعده)‬
‫(‪)2‬‬
‫وهو كالم ال صحة له على اإلطالق‪ ،‬فال يوج د مث ل ه ذا الكالم في المس ائل‬
‫أن المسائل الناص رية كت اب فقهي‬ ‫الناصرية والمعروف بـ [الناصريات]‪ ،‬وال سيما ّ ّ‬
‫فرعي‪ ،‬وليس فيه ما يتصل بالعقيدة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى أنه إذا ورد ش يء من ذل ك في بعض المروي ات ال يمكن بن اء‬
‫تص ور عقائ دي ح ول دور اإلم ام المه دي ومش روعه على أس اس ه ذه الرواي ات‬
‫الضعيفة‪ ،‬وال يمكن نسبة مضمونها إلى أهل البيت وال إلى أتباع نهجهم‪.‬‬
‫إن مشروع اإلمام المهدي ه و مش روع اإلس الم‪ ،‬واإلس الم ق د ه دم ك ل‬ ‫‪6‬ـ ّ‬
‫العصبيات ودفنها إلى غير رجعة‪﴿ ،‬إِ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد هَّللا ِ أَ ْتقَ ا ُك ْم﴾ [الحج رات‪،]13 :‬‬
‫وهدف اإلمام المهدي هو إحقاق الحق وإقامة العدل‪ ،‬وليس من العدل من ش يء وال‬
‫من قيم اإلسالم وال العدالة في ش يء أن يتم اس تعداء ص نف من البش ر على أس اس‬
‫عرقي‪ ،‬سوا ًء كانوا من العرب أو العجم‪ ،‬فكيف يُنسب إلى المهدي عداوة العرب؟‬
‫‪ )(1‬وذلك ألن الرواية األولى قد اشتمل سندها على الحسن بن علي بن أبي حمزة البط ائني وه و ك ذاب ملع ون‬
‫وفيه يوسف بن كليب وهو مجهول‪ ،‬أما الرواية الثانية فهي أشد وهنا ً وضعفا ً من األولى فقد اشتمل الس ند على محم د‬
‫بن علي الكوفي المعروف بأبي سمينة وهو ضعيف حداً فاسد االعتق اد ال يعتم د في ش يء‪ ،‬ول ذلك أخرج ه أحم د بن‬
‫محمد بن عيسى األشعري من قم‪ ،‬انظ ر رج ال النجاش ي ص ‪ ،332‬إلى غ ير ذل ك من الرواي ات ال تي أج اد الش يخ‬
‫المنتظري في تفنيدها وردها انظر‪ :‬موعود األديان ص‪ 191‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ )(2‬نقالً عن كتاب المهدي المنتظر في ضوء األحاديث واآلثار الصحيحة‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪325‬‬
‫فهذا تشويه لصورة المهدي ولمشروعه النهضوي‪ ،‬ليغدو مشروعا ً عنصرياً‪،‬‬
‫كما حولته بعض التص ورات إلى مش روع م ذهبي خ اص‪ ،‬يخ الف م ا ورد من أن‬
‫مشروع المهدي هو مشروع إنساني‪ ،‬ألن محقق العدل ورافع رايت ه ولوائ ه‪ ،‬وليس‬
‫من العدل في شيء استعداء جماعة على أساس العرق أو اللون‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫هذا الكتاب‬
‫يحاول هذا الكتاب جمع ما ورد من األحاديث في المص ادر الس نية والش يعية‬
‫حول اإلمامة واالمتداد الرسالي‪ ،‬والتي تتوافق مع ما ورد في القرآن الكريم من‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن من مقتضيات عناية هللا تعالى بعباده‪ ،‬باعتباره ربهم وه اديهم‪ ،‬توف ير‬
‫كل أسباب الهداية التي تحميهم من الضاللة‪ ،‬ومن التحريف الذي يلحق األديان بع د‬
‫وفاة األنبياء عليهم السالم‪ ،‬وأن الذين يقومون بذلك يُطلق عليهم [األئم ة]‪ ،‬أو [أئم ة‬
‫الهدى]‪ ،‬أو [الخلفاء]‪ ،‬أو [الورثة]‪ ،‬أو [الهداة]‬
‫‪ 2‬ـ أن أتب اع األنبي اء يف ترقون في م واقفهم من أولئ ك األئم ة اله داة ال ذين‬
‫اس تخلفهم أنبي اؤهم عليهم‪ ،‬وأوص وهم بهم؛ فبينم ا يطب ق بعض هم تل ك الوص ايا‪،‬‬
‫ويحرص عليه ا‪ ،‬بينم ا يخ الف آخ رون‪ ،‬تل ك الوص ايا‪ ،‬ويرتض ون ألنفس هم أئم ة‬
‫بدلهم‪ ،‬لكن ذلك ال يعني ان دراس ال دين األص يل‪ ،‬ألن في ذل ك فتن ة ك برى‪ ،‬تجع ل‬
‫البشر محرومين من الهداية اإللهية الصافية‪ ..‬فل ذلك ال يخل وا عص ر من العص ور‬
‫من المتمسكين بالدين الحقيقي‪ ،‬وأتباع أئمة الهدى‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أن األصل في إمامة األئمة ووراثتهم أن تكون شاملة لكل الج وانب ال تي‬
‫يرتبط بها الدين سواء تعلقت بالقضايا الديني ة البحت ة‪ ،‬أو تعلقت ب الجوانب الحياتي ة‬
‫ابتداء من الجانب السياس ي‪ ..‬ذل ك أنهم يمثل ون الهداي ة النبوي ة ويطبقونه ا في تل ك‬
‫الجوانب‪ ،‬لكن النصوص الكثيرة تشير إلى أن إمامة األئمة للج انب السياس ي تفتق ر‬
‫للقابلية الشعبية؛ فإن لم تتحقق‪ ،‬أو رغب الناس عن حكم األئمة لهم؛ فإن ذلك يعفيهم‬
‫من هذا الجانب‪ ،‬ليبقى الجانب األساسي‪ ،‬وهو ج انب الهداي ة والتوجي ه والبالغ عن‬
‫هللا وتوضيح حقائق الدين في كل الجوانب بما فيها الجانب السياسي‪.‬‬

‫‪327‬‬

You might also like