You are on page 1of 140

‫كتاب ‪ :‬أجوبة علماء فزان‪.

‬‬

‫المجموعة األولى‬

‫حققها وكتب مقدمتها‪:‬‬

‫الدكتور عمروخليفة النامي‬


‫بسم هللا الرحمان الرحيم‬

‫حول عنوان المخطوطة‪:‬‬

‫العنوان الذي اخترناه لهذه المخطوطة هو » أجوبة علماء فزان « هذه المجموعة هي‬

‫المجموعة األولى‪ .‬والمجموعة الثانية من هذه األجوبة هي جوابات وفتاوى الشيخ بكار‬

‫بن محمد الفزاني‪ .‬وستصدر في فصلة مستقلة بعد هذه التي نصدرها اليوم‪.‬‬

‫‪...‬وهذا العنوان أقرب شيء للداللة على محتويات المخطوطة وطبيعتها‪ ،‬العنوان‬

‫األصلي الذي يظهر في بداية هذه األجوبة في المخطوطة البارونية بجربة هو ‪ :‬جوابات‬

‫جناو بن فتى المديوني إلى بعض أهل فزان‪.‬‬

‫وظاهر أن العنوان من وضع الناسخ لتمييز المحتوى المدرج في المخطوطة عما سبقه‬

‫من األجوبة ـ وهي أجوبة جابر بن زيد (‪ . )1‬وقد كنا نحتفظ بهذا العنوان لو كان يدل‬
‫على محتوى المخطوطة‪ ،‬ولكنه ال يفنى بذلك ـ فأجوبة جناو بن فتى هي جزء من‬

‫المخطوطة‪ ،‬وتوجد إلى جانبها أجوبة عبد القهار بن خلف‪ ،‬ثم تأتي أجوبة بكار بن‬

‫محمد الفزاني‪ .‬وعند إعداد هذه األجوبةوتحقيقها رأيت أن أجعلها مجموعتين‪:‬‬

‫األولى تحتوي أجوبة جنا و بن فتى و عبد القهار بن خلف‪...‬‬

‫والثانية وتحتوي فتاوى وأجوبة بكار بن محمد الفزاني‪....‬‬

‫وقد دفعني إلى هذا أن الشماخي عند كالمه عن هذه األخيرة ذكر أنها نقلت من كتاب‬

‫له (‪ ) 2‬فهي إذا جزء من كتاب‪ ،‬ومن ثم تختلف في بنائها وطبيعتها إلى حد ما عن‬

‫المجموعة األولى التي تتميز باإلضافة إلى طبيعتها الفقهية العلمية‪ ،‬بأنها رسائل إخوانية‬

‫وعظية‪.........‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬انظر مقالتنا‬
‫)‪(2‬الشماخي ‪ ،‬السير ص ‪ 192‬و نص تلك الفقرة و منهم محمد بن بكار الفزاني و‬

‫انطلقت له على مسائل نقلت من كتابه‪.‬‬

‫)‪(1/1‬‬

‫________________________________________‬

‫وكذلك فإن هذه المجموعة األولى قد حققتها من أصل واحد قديم‪ ،‬ولم أتمكن من‬

‫الحصول على نسخة أخرى منها مع طول البحث‪ ،‬بينما توفر لدي نسخة أخرى جيدة‬

‫ألجوبة بكار بن محمد الفزاني بخط المحقق الفاضل الشيخ عبد هللا بن يحي الباروني‬

‫رحمه هللا‪ ،‬ودفعني هذا إلى فصل مجموعة الشيخ بكار واخراجها في جزء مستقل مع‬

‫دراسة تالئم طبيعتها وقيمتها الفقهية ‪ ...‬وبعد هذا اإليضاح البسيط حول عنوان هذه‬

‫المجموعة من األجوبة ننتقل إلى الكالم عن محتواها‪.‬‬

‫تحتوي هذه المخطوطة على مجموعتين متداخلتين من األجوبة الفقهية كتبها كل من‬

‫جناو بن فتى المديوني‪ ،‬وعبد القهار بن خالف‪ .‬والكتاب األول كتبه عبد القهار بن‬
‫خالف إلى أبي يوسف وريون بن الحسن وهو كالمقدمة لألجوبة األخرى التي وجهها‬

‫جميعا إلى أبي يوسف‪ ،‬ما كتبه هو أو ما كتبه أبو الحسن جناو بن فتى إلى عبد القهار‬

‫وأبي يوسف وأبي بكر عتيق بن أسدين‪.‬‬

‫والجواب الثاني من جناو بن فتى المديوني إلى عبد القهار بن خالف‪ ،‬وهو كما يظهر‬

‫رد على كتاب وصل إليه من عبد القهار ‪ ...‬وفي هذا الكتاب يعظ جناو بن فتى عبد‬

‫القهار بن خلفويذكره ويحثه على تالوة القرآن وتدبر آياته‪ ،‬ويعتذر إليه عن عدم إمكان‬

‫الجواب ألسباب منها‪:‬‬

‫‪ » ....‬أنه تباعدت بنا وبك الدور‪ ،‬وتفرقت بنا وبك األوطان فال يمكن وصول الكتاب‬

‫أو الجواب إال بعد أشهر (‪) «.1‬‬

‫وهو في هذا الجواب – يدعو عبد القهار إلى القدوم عليه » للمناظرة والمذاكرةوالتفقه في‬

‫الكتاب والسنة « ويقول له ‪ »:‬واعلم – يرحمك هللا – أني شديد الشوق إلى قدومك‬

‫واحداث العهد بك لعلك تستفيد من كتب أبي عبيدة –رحمه هللا‪ ، -‬فإني أرجو أن تمكن‬
‫اليوم إن شاء هللا لعل هللا يحي بك أهل هذه الدعوة فتحي لهم آثار سلفهم المهتدين‬

‫وتكون لهم منا ار « (‪) .2‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬جواب رقم ‪2‬‬

‫)‪(2‬جواب رقم ‪2‬‬

‫)‪(1/2‬‬

‫________________________________________‬

‫وترد في هذا الجواب إشارة إلى عالم من علماء فزان المعاصرين لهما هو إدريس الفزاني‬

‫‪-‬وهوعالم فقيه صاحب كتب وتآليف – وقد ذكر جناو بن فتى في خطابه هذا أنه رد‬

‫جوابه إليه‪ .‬ثم طلب من عبد القهار بن خلف أن يحضر كتب إدريس لمدارستها والنظر‬

‫فيها ‪ .....» :‬فإن قدر لك النهوض إلى ما قبلنا فليكن معك ما سننظر فيه من كتب‬

‫أخينا إدريس أكرمه هللا تعالى وأعانه ووفقه بالتوبة واإلزدياد مما طلب وجعل ذلك له في‬
‫هللا وله « (‪ )1‬وقال أيضا ‪ »:‬وقد رددت جواب كتابه وغيره « (‪ )2‬وفي هذا إشارة‬

‫صريحة إلى أن كتابا قد كتب به إدريس الفزاني إلى جناو بن فتى وأنه قد رد جواب‬

‫كتابه إليه‪.‬‬

‫‪...‬ولكننا ال نجد رده على جواب إدريس في هذه المجموعة التي بين أيدينا – ولعل‬

‫المستقبل يكشف لنا عنه وعن غيره‪.‬‬

‫‪...‬والكتاب الثالث من جناو بن فتى إلى أبى يوسف وريون بن الحسن ‪ ..‬وبعد مقدمة‬

‫تحتوي على مواعظ معبرة مؤثرة يوصيه فيها بالتقوى والقيام بالقسط والعدل‪ ،‬ويؤكد فيها‬

‫على التمسك بالحق والحكم بما أنزل هللا ويعتذر فيها عن نفسه اعتذار العلماء األتقياء‪،‬‬

‫يجب على أربعة عشر سؤاال من مسائل األحكام أجوبة طويلة مستفيضة‪ ،‬يعرض‬

‫السؤال ملخصا أوال‪ ،‬ثم يندفع في اإلجابة عليه حتى إذا استوفى جوابه انتقل إلى غيره‪.‬‬

‫‪...‬والجواب الرابع من جناو بن فتى أيضا إلى أبي بكر عتيق بن أسدين‪ ،‬وفي هذا‬

‫الجواب يدخل على المسائل بدون مقدمة على غير عادته‪ .‬ونحن نرجح أن الناسخ قد‬
‫أسقط المقدمة من هذه األجوبة واكتفى باألسئلة وردودها‪ .‬ويحتوي هذا الجواب على‬

‫أجوبة ألربع عشرة مسألة أخرى‪.‬‬

‫‪ ...‬أما الجوابان الخامس والسادس فقد كتبهما عبد القهار بن خلف‪ .‬كتب األول ردا‬

‫على رجل من إخوانه‪ ،‬ولم يسمه‪ ،‬أرسل إليه يهنئه بزواجه من ربيبة أبيه‪ ،‬ويستوضحه‬

‫عن سبب عودته في فتياه واباحته هذا الزواج بعد ما كان يقول بكراهته‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬جواب رقم ‪2‬‬

‫)‪(2‬جواب رقم ‪2‬‬

‫)‪(1/3‬‬

‫________________________________________‬
‫‪...‬وقد أجا ب عبد القهار عن هذه المسألة في رسالة مستفيضة يذكر فيها تفاصيل هذا‬

‫األمر وما اكتنفه‪ ،‬وأنه قد إستخار هللا تعالى في ذلك َف َخ َار له زواجها وبسط له أمرها‬

‫ويسره‪ ،‬كل ذلك في تفصيل شيق ممتع‪.‬‬

‫‪...‬أما الكتاب اآلخر فهو من عبد القهار إلى أبي يوسف وريون بن الحسن‪ .‬ردا على‬

‫كتاب بعث به إليه وريون يطلب إليه فيه أن يكون له عينا على قاضي شباهة (سبها)‪،‬‬

‫وأن يأخذ بنصيبه من أمور اإلسالم‪ .‬ويكشف جواب عبد القهار في هذا الشأن عن‬

‫صورة من صور التنزه والتحرج عن الدخول في أمور الناس عند فساد الزمان‪ .‬وقد برر‬

‫موقف العزلة الذي ارتضاه بضعفه وتقدمه في العمر‪ ،‬عرض أمره هذا في إطار من‬

‫النصيحة الصادقة‪ ،‬والموعظة البالغة لنفسه ولوريون في أسلوب مؤثر وجميل‪...‬‬

‫‪...‬واذا تأملنا مادة هذه األجوبة وجدنا أنفسنا أمام نماذج رفيعة من الفقه الحي الذي‬

‫يرتبط بروح الدين اإلسالمي الحنيف غضا طريا لم يشبه جمود الشكل الذي ظهر على‬

‫الفقه في عصوره المتأخرة‪ ،‬مما يؤكد تقدم هذه األجوبة من الناحية الزمنية‪.‬‬
‫‪ ...‬وأنت تق أر أجوبة هذين الشيخين على ما وجه إليهم من مسائل ومشاكل فتجد نفسك‬

‫مع كل منهما أمام فقيه مجتهد مصلح بمهمة قيام الحق وحصول التقوى مع الوقوف عند‬

‫حدود الحكم الصحيح الثابت‪ .‬كل منهما ينبه إلى ذلك ويحث عليه مع تمام الشفقة‬

‫وكامل النصيحة للسائل‪ ،‬هذا مع تواضع َجم‪ ،‬وانابة وتسليم هلل‪ ،‬واهتمام باتباع أحكامه‬

‫والتزام أوامره واإلقتداء بسنة نبيه عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫)‪(1/4‬‬

‫________________________________________‬

‫‪...‬تلمس ذلك واضحا في توجيهات جناو بن فتى إلى وريون‪ ،‬فهو يقول له ‪ »:‬وال‬

‫ينجيك من هللا إال الحكم بما أنزل هللا « (‪ . )1‬ويقول ‪ » :‬فلم يكن الحكم إلى آراء‬

‫الرجال – وقد أغناهم بما أنزل عن آراء الرجال (‪ ..... )2‬وهو في أجوبته إلى كل من‬

‫كتب إليهم يحرج على سائليه أن يفتوا من قوله بغير ما وافق كتاب هللا وسنة رسوله‪،‬‬

‫ويجعل الحكم إليهما وحدهما‪ ،‬ويطلب من عبدالقهار أن يسقط من أجوبته ما خالف‬


‫الكتاب والسنة‪ ،‬وذلك قوله في آخر كتابه إلى عبد القهار ‪":‬ولم أجعلهم في حل من فتوى‬

‫ما كتبت به إليهم إال ما وافق كتاب هللا وسنة نبيه عليه السالم‪ .‬فإن رأيت تطلع ذلك‬

‫وتسقط منه ما أرابك فافعل" (‪) .3‬‬

‫وهو ال يكاد يورد حكما في أجوبته هذه إال مقترنا بدليله الناصع من الكتاب أو السنة‪،‬‬

‫بما يسوقه من آيات الكتاب الكريم أو أحاديث النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وروايات‬

‫المسلمينن وأحكام الخلفاء الراشدين المهديين‪ ،‬مع التأكيد على امتثال أحكام ذلك الجيل‬

‫األول واإلقتداء بسيرته‪ .‬وما ذكرناه عن جناو بن فتى هنا يصدق على زميله عبدالقهار‬

‫بن خلف‪.‬‬

‫ويظهر أن مادة هذه األجوبة ترجع في أصولها إلى تابع التابعين‪ ،‬ونحن ال نجد ذك ار‬

‫للفقهاء المقتدمين عدا جابر بن زيد وأبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة‪ ،‬مما يجعلنا نفترض‬

‫أن جناو بن فتى خاصة‪ ،‬ينتمي إلى طبقة حملة العلم من إباضية المغرب الذين ذهبوا‬
‫إلى البصرة من أطراف شتى من البالد اإلسالمية لتلقي العلم عن إمام اإلباضية بالبصرة‬

‫أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬مقدمة الجواب رقم ‪3‬‬

‫)‪(2‬مقدمة الجواب رقم ‪3‬‬

‫)‪(3‬الفقرة األخيرة من الجواب رقم ‪2‬‬

‫)‪(1/5‬‬

‫________________________________________‬

‫والمشهورون من هؤالء الطلبة الذين قصدوا أبا عبيدة من شمال إفريقيا لتلقي العلم هم‬

‫عبدالرحمان بن رستم‪ ،‬وأبو درار إسماعيل بن درار الغدامسي‪ .‬وعاصم السدراتي‪ ،‬وأبو‬

‫داود القبلي (‪ . )1‬وقد عرف هؤالء في كتب السير اإلباضية بحملة العلم‪ .‬ولكن‬

‫المصادر اإلباضية تذكر‪ ،‬غير هؤالء‪ ،‬ابن مغطير الجناوي الذي رحل إلى البصرة قبل‬
‫هؤالء وتتلمذ على أبي عبيدة في فترة مبكرة ورجع إلى الجبل وجلس لإلفتاء به قبل رجوع‬

‫حملة العلم (‪ . )2‬ونحن ال نستبعد‪ ،‬بل نرجح أن يكون هذا االتصال العلمي بالبصرة قد‬

‫شمل غير هؤالء‪ ،‬وفي فترات متالحقة متتابعة – وأن يكون إلى جانب حملة العلم‬

‫الخمسة المشهورين الذين ساهموا في تأسيس اإلمامة اإلباضية في طرابلس وتاهرت –‬

‫غيرهم من المغمورين الذين شغلهم تلقي العلم وتدريسه والقيام به‪ ،‬عن أمور السياسة‬

‫والحكم‪ ،‬ولعل أن يكون جناو بن فتى منهم – نستظهر لذلك بإشارته إلى كتب أبي عبيدة‬

‫التي يدعو عبد القهار للحضور إليهم لإلستفادة منها – واذا تأسس هذا الفرض‪ ،‬فإن هذه‬

‫األجوبة وهذه الطبقات من العلماء تنتمي إلى تلك الفترة التاريخية المبكرة ‪-‬أواخر القرن‬

‫الثاني‪ ،‬وأوائل القرن الثالث للهجرة – ونستأنس لذلك أيضا بترتيب الشماخي رحمه هللا‪،‬‬

‫فقد جعل هؤالء العلماء ضمن الطبقة الرابعة وهي طبقة اإلمام عبد الوهاب بن عبد‬

‫الرحمن بن رستم (‪) .3‬‬


‫وهذا أشبه بحقائق التاريخ‪ .‬فإن هذه الفترة قد شهدت إمتداد نفوذ الدولة اإلباضية واتساعه‬

‫س ِِ ِِ ِِ ِِ ِِ ِِ ِِ ِِ ِِ ْرت مع كل المناطق الداخلية في المنطقة الممتدة بين‬


‫مابين تاهرت إلى ِ‬

‫فزان والشريط الساحلي –وما يوازيها في المغرب األوسط (‪) .4‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬أخبارهم في ‪ :‬الطبقات للدرجيني‪ :‬تحقيق إبراهيم طالي‪:‬ج ‪ : 1‬وما بعدها‪ .‬أنظر‬

‫)‪(2‬الشماخي‪ :‬السير‪143 :‬‬

‫)‪(3‬الشماخي‪ :‬السير‪192-144 :‬‬

‫)‪ (4‬أنظر حول حدود الدولة الرستمية ‪ :‬الدكتور سعد زغلول عبدالحميد تااليخ المغرب‬

‫العربي(دار المعارف‪)1964 :‬ص‪398-396‬‬

‫)‪(1/6‬‬

‫________________________________________‬
‫‪ ...‬غير أن بعض اإلشارات في هذه األجوبة تشير إلى ضعف أمر الدولة اإلباضية‬

‫وضعف أهلها والقائمين عليها في الشرق والغرب (‪ ، )1‬وتذكر في موضع آخر » إن‬

‫المسلمين اليوم في كتمان « (‪ )2‬والكتمان إصطالح يعني عدم قيام اإلمامة الظاهرة‪.‬‬

‫وفي هذا إشارة واضحة إلى تقلص نفوذ اإلمامة عن هذه المناطق مما يرجح أنها تشير‬

‫إلى ما بعد وقعة » مانو « التي تضعضع بعدها بنيان الدولة الرسمية سنة ‪ 280‬هـ‪...‬‬

‫وينبغي أن ننبه هنا إلى أن سقوط اإلمامة ال يعني إنهيار المجتمعات اإلباضية معها‪،‬‬

‫ولكن هذه المجتمعات ضلت متماسكة تربطها صالت وثيقة تعمل من خاللها على‬

‫المحافظة على كيانها الديني والعلمي واإلجتماعي وان لم تتمكن من إقامة اإلمامة بعد‬

‫سقوط الدولة الرستمية – إال أن مناطق كثيرة بسبب شحوطها عن مراكز النفوذ لدول‬

‫السواحل اإلفريقية في الشمال – كانت تتمتع بواقع سياسي فريد‪ ،‬تختار فيه من أهل‬

‫الحل والعقد فيها من يقوم بإنفاذ األحكام في نطاق محدود –وقد كان هذا هو الحال في‬

‫جبل نفوسة (‪ ، )3‬ولعل دور وريون بن الحسن في مناطق فزان – وعليه مدار أكثر هذه‬
‫األجوبة – لعل دوره كان من هذا اللون‪ .‬فقد وصفه الشماخي بأنه من القائمين باألمر‬

‫في فزان (‪ ) 4‬وهذه هو أقرب ما يمكن أن ينتهي إليه الدارس في تحديد المرحلة الزمنية‬

‫لهذه األجوبة‪.‬‬

‫وترد في كتب السير اإلباضية إشا ارت تفيد وجود صالة وثيقة بين جبل نفوسة وبين فزان‬

‫مما يدل على إرتباط فزان ودواخلها ببقية الجماعات اإلباضية في الجبل وغيره‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬الجواب رقم ‪ 3‬سؤال رقم ‪7‬‬

‫)‪(2‬الجواب رقم ‪ 4‬سؤال رقم ‪4‬‬

‫)‪(3‬علي معمر‪ :‬اإلباضية في موكب التاريخ الحلقة رقم ‪ :2‬ص‪ 145‬و ما بعدها‪.‬‬

‫)‪(4‬الشماخي‪ :‬السير‪.192 :‬‬

‫)‪(1/7‬‬

‫________________________________________‬
‫فقد روى عن أبي خليل صال الدركلي‪ ،‬وقد عاش في النصف األول من القرن الثالث‬

‫الهجري (‪ ، )1‬أنه قال لتالميذه ‪ »:‬إيتوا المجالس يا كسالى «‪ ،‬فقد حضرها من حضرها‬

‫ما بينه وبين قايس‪ ،‬وما بينه وبين فزان‪ ،‬حتى وقع عليه السارق فجرحوه سبعة عشر‬

‫جرحا فدخل في مغارة فمكث فيها أربعين يوما ما أكل وال شرب إال ما رأى في منامه أنه‬

‫أطعم وأسقي‪ ،‬فخرج وقد نضر بدنه نضرة لم يرها قط » فظنوا أنه ذلك الرجل «‪)2( .‬‬

‫ويظهر من هذا النص أنه كانت اإلباضية مناطق عامرة بحلقات الدرس ومجالس العلم‬

‫ما بين جبل نفوسة وقايس وما بين جبل نفوسة وفظان‪.‬‬

‫ويذكر الشيخ مقرن بن محمد البغطوري إجتماع مواكب الحج من إباضية المغرب بعد‬

‫منصرفهم من الحج‪ ،‬قال ‪ »:‬فكانوا يجتمعون أماس ؛ أهل أفريقية وأهل جربه وأهل‬

‫طرابلس‪ ،‬وقد بلغنا أنهم يجتمعون في نحو ألف أو أقل أو أكثر ال يكون المجلس بينهم‬

‫إال بالترجمان‪ ،‬فكانوا يجتمعون في الصحراء ما بينهم وبين فزان ‪ )3( « ..‬وهذا بعد‬

‫انقطاع األمر من تاهرت (‪ . )4‬وكذلك فإن صلة ثقافية علمية متينة كانت تربط بين‬
‫فزان ومناطق اإلباضية األخرى‪ .‬فهذا أبو مدراس عندما يذكر أمر الوالية يقول‪ » :‬ال‬

‫أعرف إلى هذا اإلمام ؛ يعني عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم‪ ،‬ووزيره‪ ،‬وهذا‬

‫الفزاني ‪ ،‬ولم أره وانما أعرفه بكتابه ؛ يعني عبد الخالق « (‪) .5‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬أبو عبدا هلل محمد بن وكرياء الباروني‪ :‬طبقات اإلباضية(مخطوط) ص‪21‬‬

‫)‪(2‬البغورطي‪ :‬سير مشائخ نفوسة (مخطوطتي الخاصة) [أ‪،]20:‬الدرجيني‪ :‬الطبقات‪:‬‬

‫‪ ،301 :2‬الشماخي‪:‬السير‪:‬‬

‫)‪(3‬البغورطي‪ :‬السير‪[ :‬ب‪]6 :‬‬

‫)‪(4‬السابق‪.‬‬

‫)‪(5‬البغورطي‪ :‬مشائخ نفوسة‪[ :‬ب‪ ،]37 :‬الشماخي‪ :‬السير‪190 :‬‬

‫)‪(1/8‬‬

‫________________________________________‬
‫ويذكر نفس المصدر أن أبا مدراس قد كاتب عبد الخالق يسأله أن يدعو هللا ليغيث‬

‫الجبل‪ ،‬وأن يصف له دواء الريح وتحفظ لنا كتب السير جواب عبد الخالق الذي يزخر‬

‫بمعنى التوكل واإلعتماد على هللا والتسليم له سبحانه فيما يمتحن به عباده من الشدة في‬

‫الحياة أو المرض في البدن‪ ،‬وذلك قوله في جوابه ألبي مدراس (‪» : )1‬إن دواء مرض‬

‫الريح دواء الذنوب‪ ،‬فمثلك يا أبا مدراس ال يسأل إال عن دواء الذنوب‪« .‬‬

‫أما عن سؤاله أن يدعو هللا أن يخلف على الناس فقد كتب له بهذه اآلية الكريمة ‪.... {:‬‬

‫اء }‪)2( .‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫الرز َق لِ ِعَب ِاد ِه َلَب َغوا ِفي ْ ِ‬


‫األرض‪َ ،‬وَلكن ُي ْنزُل بَق ْدر َما َي َش ُ‬ ‫ْ‬ ‫ط هللا ْ‬
‫َوَل ْو َب َس َ‬

‫ونص الدرجيني في » الطبقات « أكثر وضوحا في ذكر إعتماد إباضية الجبل على‬

‫فتوى عبدالخالق الفزاني خصوصا في أمر الدماء – ولعل هذا يكشف لنا عن المكانة‬

‫العظيمة التي يحتلها عبد الخالق الفزاني لدى زمالئه من علماء المذهب في الجبل إذا‬

‫عرفنا أمر الدماء وخطرها وما ينبغي أن يتحلى به المفتي في شأنها من شدة الورع‬

‫وكمال التقوى وبلوغ الغاية القصوى في العلم‪ .‬يقول الدرجيني في الطبقات ‪ » :‬وكان أبو‬
‫مدراس إذا نزلت عنده نازلة من مسائل الدماء كتب بها إلى عبدالخالق الفزاني يستفيته‬

‫فيكون العمل بما يجاوبه به‪ ،‬وذلك لكونه يرى عبد الخالق أعلم أهل زمانه بالدماء‬

‫وأحكامها « (‪) .3‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬البغورطي‪ :‬مشائخ نفوسة‪[ :‬ب‪]37 :‬‬

‫)‪(2‬سورة الشورى‪27 :‬‬

‫)‪(3‬الدرجيني‪ :‬الطبقات‪293 :2 :‬‬

‫)‪(1/9‬‬

‫________________________________________‬

‫وفي السير أن بعض األشياخ المتكلمين من أهل فزان بعث إلى عمروس بن فتح‬

‫المساكني(متوفى سنة ‪ 280‬هـ) أن يؤلف له كتابه كتابا في األصول فكتب إليه الكتاب‬

‫المعروف بالعمروسي‪ .‬وكتب له رسالة‪ .‬فلما رآه الفزاني‪ ،‬وهو الذي وضع الكتابين‬
‫المعروفين بأصول الكالم قال‪ »:‬النفوسي أقوى مني « (‪ )1‬ولم ينبه البغطوري وال‬

‫الشماخي على اسم هذا العالم المتكلم من فزان‪ ،‬وقد يكون عبدالخالق أو غيره‪.‬‬

‫وتحفظ لنا كتب » السير « إسم عالم آخر وهو عبد الحميد الفزاني الذي يقول عنه‬

‫الوسياني ‪ »:‬وهو عالم كبير من علماء أهل الدعوة وكان في بالد السودان مسيرة شهر‬

‫من جبل نفوسة « (‪ . ) 2‬ويذكر في الروايات أن أبا معروف ويار بن جواد الويغوي‬

‫عندما أصيب ببصره بعث إلى السيخ عبد الحميد فقال ‪ :‬أرسل لي دواء العين‪ ،‬وكان‬

‫جواب الشيخ عبد الحميد من جنس جواب عبدالخالق الذي ذكرناه آنفا فقد قال حين‬

‫بلغته رسالة أبي معروف ‪ »:‬عجبا لهذا الشيخ‪ ،‬أعطاه هللا شفاء الذنوب ثم يسأل ما يزيله‬

‫عنه !! « (‪) .3‬‬

‫وعدا ما ذكرناه من النصوص التي تصور العالقة العلمية بين جبل نفوسة وفظان‪ ،‬فنحن‬

‫ال نعلم تماما متى انقطعت هذه الصلة الثقافية وال نجد ما يعيننا على تصور مظاهر‬

‫إتصالها‪ .‬وقد جاء في بعض الروايات أن هذه الصلة كانت قائمة حتى أواخر أيام أبي‬
‫الربيع سليمان بن هارون الملوشائي (عاش خالل الخمسين األخيرة من المائة الرابعة‬

‫للهجرة (‪ . )4‬قال البغطوري في سير مشائخ نفوسة ‪:‬وقد جاءته الكتب من فزان بعدما‬

‫كبر وضعف عن القراءة‪ ،‬فيقول ‪ :‬ياليتني أدركتهم في شبيبتي‪ ،‬فيق أر عليه واحد منهم‪،‬‬

‫يعني طلبته‪ ،‬حتى يفتر ثم يرجع اآلخر فيدرس عليه إلى آخر الليل (‪) .5‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬البغورطي‪:‬سير مشائخ نفوسة‪[:‬ب‪ ،]117 :‬الشماخي‪ :‬السير‪229 :‬‬

‫)‪(2‬الوسياني‪ :‬السير‪4:‬‬

‫)‪(3‬الوسياني‪ :‬السير‪ ،4 :‬الشماخي‪ :‬السير‪294:‬‬

‫)‪(4‬الباروني‪ :‬طبقات اإلباضية‪29 :‬‬

‫)‪(5‬البغطوري‪ :‬سير مشائخ نفوسة‪[:‬ب ‪ ،]27‬لبشماخي‪ :‬السير‪ ،305 :‬وهو يذكر‬

‫أسماء الطلبة‪.‬‬

‫)‪(1/10‬‬
‫________________________________________‬

‫ويظهر مما تجمع لدينا من معلومات‪ ،‬أن هذا اإلقليم لم يكن يتمتع باإلستقرار الذي يعين‬

‫على إزدهار الحياة العلمية والثقافية‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪ ،‬حيث الغارات وما‬

‫يصحبها من نهب وقتل وتدمير كانت الطابع الذي يفرض نفسه على الحياة في هذه‬

‫البالد‪.‬‬

‫وتحفظ لنا كتب " السير" هذه القصة عن أهل " تامزاوت " الذين تعرضوا للغارة والقتل‬

‫فأزعجوا عن بلدهم وغدروها فخلت منهم بعد عمرانها فقد روى عن" أبي بحر الفزاني من‬

‫أهل تامزاوت صلى بهم العيد بأربعمائة ثم صلى بهم العيد المقبل بمائتين وقيل بمائة‬

‫فلتفت إليهم بعدما فرغ فقال لهم ‪ :‬إنتقصتم يا أهل تامزاوت فربي يعلم ماذا يحل عليكم‪.‬‬

‫ثم صلى بهم العيد الثالث بخمسين رجال فالتفت إليهم فقال لهم مثل مقالته األولى‪ ،‬ثم‬

‫صلى بهم العيد الرابع بثالث وهو وابنان معه‪ ،‬فلما فرغوا إلتفت إلى إبنيه فقال لهم ‪:‬‬
‫الرحيل‪ .‬فاشتغلوا بالرحيل ففاجأهم العدو فوجدهم على الرحيل فدخل إبناه في القتال فقتال‬

‫فدخل العدو البلد فوجدوا أبا بحر فلم يجدوا ما يقتلون من الكبر " (‪) .1‬‬

‫فطابع الغارة والصراع قبل كان فيما يظهر هو الغالب على الحياة في هذه المناطق في‬

‫تلك الفترات‪ ،‬وهو ما نلمس مالمحه في هذه األجوبة التي بين أيدينا والتي تتعرض‬

‫بعض المسائل إلى الموقف الصحيح من مثل هذا القتال‪ ،‬وما ينبغي على المسلم في‬

‫مثل تلك الحال‪ .‬بل أن أحدها يصور لنا لونا من تلك الوقائع وما يترتب عليها عند‬

‫الحديث عن هزيمة واريون بن الحسن وابراهيم بن أسدين وورودهم على شباهة (سبها)‬

‫من موقع هزيمتهم (تراغن) وما كان من خروج الشيخ عبد القهار بن خلف عن سبها إلى‬

‫زريعة‪ .‬حيث األمور – فيما يظهر – أكثر استق ار ار وأمنا (‪) .2‬‬

‫واعتمادا على المصادر اإلباضية فإننا نستطيع أن نستخرج القائمة التالية من أسماء‬

‫المشائخ‬

‫__________‬
‫)‪(1‬البغطوري‪ :‬سير مشائخ نفوسة‪[ :‬ب ‪ ،]136-135‬الشماخي‪ :‬السير‪245-244 :‬‬

‫)‪(2‬الجواب رقم ‪5‬‬

‫)‪(1/11‬‬

‫________________________________________‬

‫والعلماء من أهل فزان‪ .‬وأول هؤالء هو عبدالخالق الذي يقول عنه الشماخي ‪» :‬كان في‬

‫المنزلة العليا علما وعمال وورعا وتقى « (‪) .1‬‬

‫وعبد الحمي د الفزاني الذي قال عنه الوسياني " عالم كبير من علماء أهل الدعوة " (‪)2‬‬

‫وفي الرسالة المجهولة المؤلف التي تذكر أسماء بعض شيوخ الوهبية نجد إسم أبي‬

‫إسحاق إبراهيم بن زناد " (زياد ؟) الفزاني (‪ ، )3‬وال نجد له ذك ار في كتب "السير"‪ .‬ثم‬

‫انفرد الشماخي بإيراد بقية القائمة في سيره " ؛ ومصدره فيما يظهر هو هذه األجوبة التي‬

‫ننشرها اليوم فهو لم يخرج عما ورد فيها من أسماء‪.‬‬


‫قال‪ " :‬ومن مشائخنا بفزان عبد القهار بن خلف رحمه هللا‪ ،‬وكان عالما ورعا مفتيا " (‪)4‬‬

‫ثم أورد جل جوابه الذي يذكر فيه أمر عودته عن فتياه في مسألة زواج اإلبن بربيبة أبيه‬

‫(‪) . 5‬‬

‫ثم ذكر بعده وريون بالحسن بالمعجمة (وزيون) قال "وكان قائما هو وابراهيم بن أسدين‬

‫أظن بفزان من أهل الدعوة " (‪) .6‬‬

‫ثم ذكر إدريس الفزاني‪ ،‬واورد إشارة جناو بن فتى الى كتبه عند دعوته لعبد القهار‬

‫للقراءة عليه (‪ . )7‬وذكر معهم أبا الحسن جناو بن فتى – وال وجه لذكره بين علماء‬

‫فزان‪ ،‬فهو كما سترى من المغرب األوسط من قبيلة مديونه‪ ،‬وموطنه هو موطن هذه‬

‫القبيلة – وآخر من ذكرهم من المشائخ الشيخ بكار بن محمد الفزاني قال ‪ :‬وأطلعت له‬

‫على مسائل نقلت من كتابه (‪) .8‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬الشماخي‪ :‬السير‪.221 :‬‬


‫)‪(2‬الوسياني‪ :‬السير‪4:‬‬

‫)‪(3‬الشماخي‪ :‬السير‪ ،‬الملحق رقم‪ 2‬ص‪590‬‬

‫)‪(4‬الشماخي‪ :‬السير‪190 :‬‬

‫)‪(5‬السابق‪191-190 :‬ن وانظر هذ األجوبة‪ :‬الجواب رقم ‪5‬‬

‫)‪(6‬الشماخي‪ :‬السير‪ :‬ص‪191‬‬

‫)‪(7‬الشماخي‪ :‬السير‪192 ،191 :‬‬

‫)‪(8‬المصدر السابق‪192 :‬‬

‫)‪(1/12‬‬

‫________________________________________‬

‫وواضح أن الشم اخي في أصل مادته عن هؤالء األشياخ‪ ،‬كان يعتمد على مادة تماثل‬

‫محتويات هذه األجوبة التي ننشرها اليوم‪ .‬وهكذا فإننا نجد أنفسنا محدودين في حدود‬
‫المعلومات التي تقدمها لنا هذه الرجاالت والمواقع‪ ،‬وما يرد فيها من األحداث والوقائع‪،‬‬

‫وال نستطيع أن نعتمد فيما وراءها على أي شيء من المصادر المتوفرة لدينا‪.‬‬

‫وفي إطار هذه الحقيقة سنحاول أن نقدم هنا فكرة عن شخصيات هذه األجوبة في إطار‬

‫ما تقدمه هذه األجوبة من معلومات‪:‬‬

‫وهذه األجوبة تتكون كما سبقت اإلشارة من مجموعتين متداخلتين كتبهما علمان‬

‫متعاصران هما جناو بن فتى‪ ،‬وعبدالقهار بن خلف موجهة إلى مجموعة من األشخاص‬

‫ردا على أسئلة محددة وردت منهم‪.‬‬

‫)‪(1/13‬‬

‫________________________________________‬

‫والكاتبان وان جمعتهما هذه األجوبة في صعيد واحد‪ ،‬إال أنهما من مكانين متباعدين‪،‬‬

‫نجد اإلشارة إلى هذه في إعتذار جناو بن فتى في كتابه إلى عبدالقهار بن خلف عن‬

‫التقصير في رد جوابه في قوله ‪":‬مع أنه تباعدت بنا وبك الدور‪ ،‬وتفرقت بنا وبك‬
‫األوطان‪ ،‬فال يمكن وصول الكتاب أو الجواب إال بعد أشهر" (‪ . )1‬ورغم معاصرة‬

‫الكاتبين بعضهما لآلخر جناو بن فتى فيما يظهر أسن من عبدالقهار‪ ،‬وغالب الظن أنه‬

‫أستاذه قد تتلمذ عليه في فترة سابقة‪ ،‬فهو هنا في جوابه إليه بدعوة إلى الحضور إليه‬

‫واحداث العهد به للتعلم واإلستفادة‪ " :‬أننا شديد الشوق إلى قدومك واحداث العهد بك‬

‫لعلك تستفيد من كتب أبي عبيدة رحمه هللا" (‪ )2‬وأبو عبيدة المشار إليه هنا هو أبو‬

‫عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي البصري من علماء القرن الثاني للهجرة‪ ،‬من التابعي‬

‫وامام اإلباضية بالبصرة بعد جابر بن زيد‪ ،‬وهو الذي تلقى عنه " حملة العلم " من‬

‫المغرب وغيره وال يستبعد أن يكون جناو بن فتى من تالميذه المباشرين الذين رحلوا إلى‬

‫البصرة وتلقوا عليه العلم‪ .‬والذي يؤكد أن اإلشارة هنا إلى أبي عبيدة مسلم وليس إلى‬

‫غيره هو ما أردف به جناو فتى عباراته بقوله‪ :‬فإني أرجو أن تمكن اليوم إن شاء هللا‬

‫لعل هللا يحي بك هذه الدعوة فتحي لهم أثار سلفهم المهتدين (‪ ، )3‬وما تكون أثار هذا‬
‫السلف غير كتب أبى عبيدة مسلم وما حفظه عن جابر بن زيد وأساتذته من الصحابة‬

‫رضوان هللا عليهم ودونه في تلك الكتب ؟!‬

‫ويذكر جناو عن نفسه أنه في آخر مدته وأنه قد تقدم به العمر‪ ،‬وهو يقول في نفس‬

‫الكتاب ‪ ":‬وأنا أحب تعجيل ذلك منك‪ ،‬يعني قدومه عليه ألني على آخر أيامي واقتراب‬

‫أجلي وفناء مدتي وورودي على ما كنت أصدر عنه" (‪) .4‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬الجواب رقم ‪2‬‬

‫)‪(2‬الجواب رقم ‪2‬‬

‫)‪(3‬الجواب رقم ‪2‬‬

‫)‪(4‬الجواب رقم ‪2‬‬

‫)‪(1/14‬‬

‫________________________________________‬
‫ثم يصف نفسه في موضع آخر بالبدوية والبلوهة – وذلك من باب تواضع العلماء –‬

‫فان في أجوبته – كما ترى – علم عزيز وفكر منير ولغة عالية‪ ،‬وبيان رصين – إال أن‬

‫هذا النص على "بدويته يكشف لنا عن جانب من حياة الرجل التي كانت – على طبيعة‬

‫حياة البادية حياة منتجعات متنقلة متصلة الترحال‪ ،‬وليست حياة الحاضرة المستقرة‬

‫الثابتة‪.‬‬

‫)‪(1/15‬‬

‫________________________________________‬

‫ونسبة هذا الشيخ في قبيلة "مديونة" البربرية‪ .‬ونص على إسمه بهذا وضوح فهو جناو بن‬

‫فتى المديوني‪ .‬وهذه القبيلة فرع من زناته‪ ،‬وهم من شعوب البربر البتر‪ ،‬لقد أورد إبن‬

‫خلدون نسب هذه القبيلة على الصورة التالية ‪ :‬مديونة إبن فاتن بن تمصيت بن ضري‬

‫بن زحيك بن مادغيس األبتر (‪ . )1‬وذكر إبن خلدون أن ديار هذه القبيلة " المغرب‬

‫األوسط " (‪ )2‬وفي موضع آخر قال ‪" :‬وكانت مواطن مديونة من قبائل البربر قبلة‬
‫تاسالة (‪ )3‬وفي موضع آخر يذكر أنهم أخوة بني واسين‪ ،‬وقال ‪ :‬وربما يشهد بذلك‬

‫جوار موطنهم ‪ ..........‬ما بين صا وملوية" (‪ )4‬فالمواطن األصلية لهذه القبيلة كما‬

‫يحددها إبن خلدون هي قبلة تاسالة ما بين وادي صا (زا) وملوية في المغرب األوسط‪.‬‬

‫وفي نطاق هذه الرقعة الواسعة من البالد ال نستطيع أن نشير إلى المقر المحدد‪ ،‬أو إلى‬

‫الموطن الذي كان يعيش فيه جناو بن فتى الدماء لذهاب العلماء" (‪ ، )5‬وقال أيضا ‪":‬‬

‫وأما أهل زماننا يقاتلون المفسدين بمن هو شر منهم وأكثر فسادا في األرض وتنهب‬

‫األموال وتحرق المنازل وكالهما مفسدون وال يكزن بعض المفسدين أحب إلى هللا من‬

‫بعض" (‪ )6‬وقال في موضع آخر المسلمون اليوم في كتمان‪ ،‬وانما يجوز الدفع لما لم‬

‫يجدوا من دفعه بدا مثل نار أقبلت عليهم إن لم يطفوها عن أنفسهم هلكوا (‪ )7‬وقال ‪":‬‬

‫وأهل هذا الزمان ال ينبغي الخروج معهم إال أن يكون خروجهم إلى جراد أو سمك فال‬

‫بأس أن تخرج معهم‪ ،‬وأما غير ذلك من خروج بعضهم إلى بعض فاحذر‪ ،‬واهرب من‬

‫الناس كهروبك من السبع" (‪) .8‬‬


‫ثم أضاف بعد ذلك ‪ ":‬ونفير أهل التوحيد إلى أهل التوحيد بأسباب تكون بينهم فاحذر ثم‬

‫احذر‪.....‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬إبن خلدون‪ :‬التاريخ‪475، :6 :‬‬

‫)‪(2‬إبن خلدون‪ :‬التاريخ‪203 :6 :‬‬

‫)‪(3‬إبن خلدون‪ :‬التاريخ‪350 :7 :‬‬

‫)‪(4‬إبن خلدون‪ :‬التاريخ‪343 :7 :‬‬

‫)‪(5‬الجواب رقم ‪ ،3‬السؤال رقم ‪8‬‬

‫)‪(6‬الجواب رقم ‪ ،3‬السؤال رقم ‪8‬‬

‫)‪(7‬الجواب رقم ‪ ، 4‬السؤال رقم ‪4‬‬

‫)‪(8‬الجواب رقم ‪ ، 4‬السؤال رقم ‪6‬‬

‫)‪(1/16‬‬
‫________________________________________‬

‫فإنكم أن تتركوا دما حالال خير من أن تفسكوا دما حراما وتكثروا سواد من سفكها" (‪) .1‬‬

‫والشكوى من إضطراب الزمان وفساد الناس ورقة الدين‪ ،‬وتفضيل العزلة عن هذا‬

‫المجتمع‬

‫وتجنب أهله واإلشتغال بالنفس كل هذه المعاني التي رأيناها فيما تقدم من أقوال أبي‬

‫الحسن جناو بن فتى نجدها كذلك لدى زميله وتلميذه عبدالقهار بن خلف‪ .‬فهو يقول فيما‬

‫كتب له إلى يوسف وريون بن الحسن ردا على كتاب طلب إليه فيه أن يكون له عينا‬

‫على قاضي شباهة (سبها) ‪ " :‬واعلم أني في معزل من هذا وذلك لما أراه من عنايتي‬

‫بما في بيتي واشتغالي به‪ ،‬ولقد أقيم ما شاء هللا وأنا غير عارف بما الناس فيه من‬

‫األمور إن شاء هللا‪ ،‬ولو أن عندي ما يصلحني في عيالي لطبعت على بابي ثم لم أخرج‬

‫على بشر ولم يدخل علي حتى ألحق باهلل‪ ،‬إال ما شاء هللا من ذلك" (‪ . )2‬ويقول في‬

‫موضع آخر بعد هذا ‪ :‬وينبغي للعاقل أن يكون بصي ار بأهل زمانه مقبال على شأنه" (‪)3‬‬
‫‪ .‬ثم يختم رسالته بهذا الدعاء " وأسأل هللا أن يجعل غنائي في نفسي ويرزقني لزوم ما‬

‫ينفعني والعمل به‪ .‬وترك ما ال يعنيني واجتنابه فإن ذلك عليه يسير " (‪) .4‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬الجواب رقم ‪ ، 4‬السؤال رقم ‪6‬‬

‫)‪(2‬الجواب رقم ‪6‬‬

‫)‪(3‬الجواب رقم ‪6‬‬

‫)‪(4‬الجواب رقم ‪6‬‬

‫)‪(1/17‬‬

‫________________________________________‬

‫ويجرنا هذا الحديث إلى الكالم على عبدالقهار بن خلف‪ ،‬وكل ما يمكن أن نستخلصه‬

‫عنه هنا أنه من العملماء النابهين الذين يتمتعون بمكانة مرموقة بين أقرانهم علما‬

‫وعمال‪ .‬وهو فيما يظهر من مواطنى مدينة (سبها) والتي وردت االشارة اليها أكثر من‬
‫مرة في أجوبته‪-‬وظاهر األمر أنه بربري األصل‪ ،‬نستظهر لذلك بما ورد في رسالته من‬

‫أسماء‪ ،‬فهو يذكر عمته أخت أبيه باسم أميمة بنت الحباب‪ ،‬واسم أبيه خلف‪ ،‬وهذه‬

‫أسماء عربية صحيحة ال تشوبها عجمة‪ ،‬وهي خاصة تميزها عن بقية األسماء التي‬

‫وردت في هذه األجوبة‪ ،‬والتي تلتقي جميعا في عجمة بعضها مثل وريون ( وزيون )‬

‫وجناو‪ ،‬وأسدين‪ ،‬ومصطار وعبيدس وعبدوس‪ ،‬ونحن ال نستبعد فرضية عربية عبدالقهار‬

‫فهناك إشارة صريحة في كتب الرحالت المتقدمة أن بعض مناطق فزان مثل ودان‬

‫وزويلة وغيرها كان يقطنها قبائل شتى من حضرميين وسهميين ووافدين من الكوفة‬

‫والبصرة وخراسان (‪ . )1‬ونحن نرجح أن يكون عبدالقهار من هذه األسرة التي تنتمي في‬

‫أصلها القديم إلى بعض القبائل العربية التي وفدت مع جند الفتح في زحفهم المبكر إلى‬

‫هذه الديار‪...‬‬
‫ويبدو أن عبدالقهار كان يرتبط بصلة وثيقة بالشيخ جناو بن فتى والظاهر أن جناو كان‬

‫أستاذا لعبدالقهار‪ ،‬وكان يعقد عليه آماال كبيرة في أن يحيي لقومه آثار سلفهم المهتدين‬

‫ويكون لهم منا ار (‪) .2‬‬

‫وهو معنى يؤكده مرة أخرى عندما يقول له في جوابه ‪ " :‬فوددت لقياك للمناظرة والمذاكرة‬

‫والتفقه في الكتاب والسنة مع ما يرجى في المشاورة من عزم هللا لهم ألهل المشاورة في‬

‫الدين من إرشادهم في أمورهم" (‪ . )3‬وهذا المعنى يؤكده أيضا مضمون رسالة إلى أبي‬

‫الحسن وريون إلى عبدالقهار‪ ،‬حيث يطلب إليه أن يأخذ بحضه من اإلسالم واال يستغني‬

‫عن أموره‪ ،‬ويطلب إليه أن يكون له عينا على قاضي شباهة (سبها) وأن ما رأى منه من‬

‫خير أو شر أعلمه بذلك (‪) .4‬‬

‫__________‬

‫)‪(2‬الجواب رقم ‪2‬‬

‫)‪(3‬الجواب رقم ‪2‬‬


‫)‪(4‬الجواب رقم ‪6‬‬

‫)‪(1/18‬‬

‫________________________________________‬

‫ويظهر أن الرجل كان متقدما في العمر وكان شديد الزهد‪ ،‬معرضا عن الدنيا غير مقبل‬

‫عليها منصرفا إلى آخرته وما عناه من أمر نفسه وعياله – ونقرأه يستشهد لضعفه بهذه‬

‫األبيات ‪)1( :‬‬

‫الب ِع ِ‬
‫ير ِإ ْن َن ِف َار‪.......‬‬ ‫ْس َ‬‫ك َأر َ‬
‫ِ‬ ‫أَصبحت الَ أ ِ‬
‫َحم ُل السالَ َح َوالَ أ َْمل ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ َْ ُ‬

‫ِ ِ‬
‫ط َار‪...‬‬
‫الم َ‬ ‫َخ َشاهُ ِإ ْن َم َرْر ُت ِبه َو ْحدي َوأ ْ‬
‫َخ َشى الرَيا َح َو َ‬ ‫َوالذ ْئ ُب أ ْ‬

‫وهو رغم إعراضه عن المساهمة الفعالة في أمور الناس وشؤونهم العامة إال أنه ال يدخر‬

‫خالص النصيحة عن سائله‪ ،‬يبلغ له في الموعظة والتحذير ‪":‬أوصيك ونفسي بتقوى هللا‬

‫العظيم‪ ،‬والعمل لما أنت صائر إليه عن قليل ‪ "....‬ثم يختتم رسالته إليه بقوله ‪":‬ويقال ‪:‬‬

‫شر النسك نسك العجم‪ ،‬فاحذر على نفسك‪ ،‬والبربر من العجم " (‪) .2‬‬
‫وننتقل إلى الحديث عن أبي يوسف وريون بن الحسن‪ ،‬وهو مدار هذه األجوبة ومحمر‬

‫هذه المكاتبات‪ ،‬يكاتب هؤالء األشياخ ويسألهم الرأي والفتوى فيما يحدث عليه من نوازل‬

‫ويحل به من مشاكل‪ ،‬ويكتبون إليه باألحكام والنصائح والمواعظ‪....‬‬

‫والذي تعرفه عن وريون أقل مما نعرفه عن غيره من أشخاص هذه األجوبة‪ ،‬وهو عند‬

‫الشماخي وزيون بالزاي المعجمة (‪ ، )3‬وقد يكون هذا من تصحيف النساخ‪ ،‬وال يفيدنا‬

‫الشماخي بأكثر مما عندنا في هذه المخطوطة عن هذا الشيخ‪ .‬فهو عند حديثه عن‬

‫عبدالقهار يقول ‪":‬وكان كثير النصح لوزيون بن الحسن وكان قائما هو وابراهيم بن‬

‫أسدين أظن بفزان من أهل الدعوة وهللا أعلم " (‪) .4‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬الجواب رقم ‪6‬‬

‫)‪(2‬الجواب رقم ‪6‬‬

‫)‪(3‬الشماخي‪ :‬السير‪191 :‬‬


‫)‪(4‬الشماخي‪ :‬السير‪191 :‬‬

‫)‪(1/19‬‬

‫________________________________________‬

‫وال شك أن الشماخي قد إستقى معلوماته هذه من الجواب رقم "‪ "5‬الذي يذكر فيه‬

‫عبدالقهار خبر هزيمة وريون عن تراغن وانسحابه إلى سبها أو شباهة كما يسميها وهذا‬

‫سياق القصة كما يوردها عبدالقهار‪....." ،‬أنه لما جاء الخبر بالليل أن عساكر وريون‬

‫وغيره قد انهزمت من تراغن جائني الخبير بذلك‪ ،‬وهو عبد هللا بن عبيدس الشباهي وكان‬

‫لي صديقا مصافيا وخليال مواتيا‪ ،‬فأيقظني من نومتي وأنا مريض بمرضي‪ ،‬وقد كنت‬

‫مريضا قبل ذلك أربعة أيام‪ ،‬فذكر لي الخبير أن العساكر قد انهزمت وأن وريون وابراهيم‬

‫بن أسدين قد جاء كالهما مهزومين وقد نزال في بيت أبي الرؤوس‪ .‬فقلت أكذلك الخبر ؟‬

‫قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقمت مباد ار واتكأت على رمحي فدخلت الدار التي فيها وريون وابراهيم‬

‫فوقفت عليهما وأخذت منهما تصحيح الخبر ‪) .1( ".....‬‬


‫فهذا النص يذكر بوضوح أن وريون هو قائد هذه العساكر فهي عساكر وريون‪ .‬ويذكر‬

‫أيضا إبراهيم بن أسدين من كتب التاريخ والسير ذك ار لهذه المعركة‪ ،‬ومن ثم فنحن ال‬

‫نعرف شيئا عن الطرف المنتصر وال عما آل إليه أمر وريون وابراهيم بعد هذه المعركة‪.‬‬

‫ولكننا نجد في الخطاب اآلخر الذي وجهه عبد القادر إلى أبي يوسف وريون إشارة إلى‬

‫قيامه على أمور الحكم ومراقبة القضاة وتعيينهم فهو يقول ‪ ":‬أعلم أن كتابك وصل إلي‬

‫تذكر فيه أن أكون لك عينا على قاضي شباهة‪ ،‬وأن ما رأيت منه من خير أو شر‬

‫أعلمتك بذلك في سر‪ .‬وقلت ‪ :‬وخذ بحضك من اإلسالم وال تستغني عن أموره " (‪) .2‬‬

‫وال تعرف عن هذا الكتاب هل كان قبل تلك الهزيمة أو بعدها إال أن هذا النص يكشف‬

‫عن مكانة وريون التي تصوره في مركز المسؤولية‪ ،‬يطلب من هذا الشيخ أن يوافيه بما‬

‫يقيم به سيرة قاضي‬

‫__________‬

‫)‪(1‬الجواب رقم ‪5‬‬


‫)‪(2‬الجواب رقم ‪6‬‬

‫)‪(1/20‬‬

‫________________________________________‬

‫" سبها " ( شباهة ) ويطلب إليه كذلك أن يأخذ بحضه من اإلسالم – ونفهم من هذا أنه‬

‫يطلب إليه المشاركة في تحمل أعباء األمة ومسؤولياتها‪ ،‬وهذا ما جعل الشماخي يقدر‬

‫أنه كان قائما باألمر في فزان (‪) .1‬‬

‫وهناك العديد من اإلشارات في أجوبة جناو بن فتى التي نستطيع أن نستنتج منها أن‬

‫وريون كان على مكانة هامة من المسؤولية‪ ،‬فهو يوصي بالقيام هلل بقسطه وعدله في‬

‫بالده وعباده‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر واغاثة الملهوف والقيام للمظلوم (‪) 2‬‬

‫‪.‬‬

‫وفي ثمانية أسئلة (‪ )3‬من الجواب رقم "‪ "3‬في هذه المجموعة نجد السؤال يدور على‬

‫مسائل تتصل بالسلطان وعالقته برعيته وفي إثنين منها يشير وريون إلى نفسه صراحة‪.‬‬
‫ففي السؤال رقم (‪ )8‬يقول ‪ ":‬وعن قوم سفاكين الدماء الحرام واألموال الحرام‪ ،‬فإذا‬

‫انتهكوا ما حرم هللا من ذلك هربوا إلى موضع ال يقدر عليه ويبقى من إخوانهم معنا‬

‫ألنهم آمنون من سطوتنا فإذا أردنا القيام إلى القوم المفسدين خرجوا من غير علم منا‬

‫إلى إخوانهم فيخبروهم بخروجنا إليهم فيبتعدوا ويدخلوا الوعر‪ ،‬فما ترى لنا ؟ الخ‪....." .‬‬

‫وفي السؤال رقم (‪ )13‬يسأل وريون الشيخ جناو بن فتى ‪ ":‬وما تقول – رحمك هللا – في‬

‫قوم من أهل الدعوة ولي عليهم الجبابرة وهم الحاكمون عليهم بما ال يخفي عليك من‬

‫الجور وما ال تستطاع له صفة‪ ،‬هل ترى لسلطان المسلمين أن ينهض إلى أولئك‬

‫الجبابرة ليزيلهم عنهم ويحول بينهم‪ ،‬أو يولي على أهل الدعوة ذلك إلى سلطان المسلمين‬

‫أو لم يطلبوه ؟ ‪ " ....‬فهو هنا يسأل عن واجب سلطان المسلمين تجاه أهل الدعوة ممن‬

‫وقعوا تحت سطوة الجبابرة‪ ،‬وهو وأن لم يشر إلى نفسه صراحة إال أن جواب الشيخ جناو‬

‫إليه يكشف عن أن المعني هو وريون نفسه‪ .‬قال في جوابه ‪ ":‬أحب إلينا في ذلك‬

‫السالمة لدينك‪ ،‬فإن السالمة ال يعدلها شيء ‪ ....‬الخ‪" .‬‬


‫__________‬

‫)‪(1‬الشماخي‪ :‬السير‪191 :‬‬

‫)‪(2‬األسئلة رقم ‪ 5‬إلى ‪14 ،13 ،10‬‬

‫)‪(3‬األسئلة رقم ‪ 5‬إلى ‪14 ،13 ،10‬‬

‫)‪(1/21‬‬

‫________________________________________‬

‫وهذه نصوص يساند بعضها بعضا في تأكيد ما ذهب إليه الشماخي – رحمه هللا – من‬

‫أن وريون "كان قائما باألمر في فزان من أهل الدعوة ‪) .1( " .......‬‬

‫ونختتم هذه الجولة بالكالم عن أبي بكر عتيق بن أسدين – وهو صاحب أسئلة الجواب‬

‫رقم ‪ .)4( :‬وهذا الجواب‪ ،‬على غير ما عليه األمر في بقية األجوبة‪ ،‬ال مقدمة له‪،‬‬

‫والراجح أن الناسخ قد أسقطها‪ ،‬واكتفى باألسئلة وردودها‪ .‬وهكذا فقد فقدنا مادة كان‬

‫يمكن أن تعطينا فكرة عن شخصية السائل ولو محدودة‪.‬‬


‫وترد اإلشارة في جوابات عبدالقهار بن خلف إلى شخص آخر باسم إبراهيم بن أسدين –‬

‫رفيق وريون – وال ندري هل تربطه صلة نسب مع أبي بكر عتيق بن أسدين ولعلهم أن‬

‫يكونا أخوين‪....‬‬

‫الخالصة أننا ال نعرف عن أبي بكر هذا شيئا غير ما يمكن أن نستخلصه من طبيعة‬

‫أسئلته‪ .‬هي بين أن تكون أسئلة خاصة عن نوازل عرضت له شخصيا فعندئد يمكن‬

‫القطع به بحال‪ .‬وأما أن يكون قاضيا أو فقيها مفتيا لجأ فيما استعصى عليه من مسائل‬

‫– كما هي العادة –إلى من هو أعلم منه‪ ،‬وهو جناو بن فتى‪ ،‬ويستوضحه ويستفتيه‪.‬‬

‫وفي كال الحالتين فإن شخصية السائل ذات بال وخطر فيما يبدو من تلك أألسئلة‪.‬‬

‫بقيت مسألة أخرى‪ ،‬وهي أسماء بعض المواضع التي وردت اإلشارة إليها في هذه‬

‫األجوبة ونعنى بها هنا "شباهة"‪ ،‬و"زريعة"‪،‬و"تراغن‪".‬‬


‫أما "تراغن" فقد وردت اإلشارة إليها عند ذكر هزيمة عساكر وريون (‪ )2‬وقد وردت خالية‬

‫عن األعجام عدا حرف النون هكذا ‪( :‬تراعن) وواضح أنها بلدة الحالية وتقع هذه البلدة‬

‫جنوب مدينة " سبها" على بعد مئة وعشرين كيلومت ار تقريبا‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬الشماخي‪ :‬السير‪191 :‬‬

‫)‪(2‬الجواب رقم ‪ 5‬ولمزيد من المعلومات عن بلدة تراغن أنظر‪ :‬د‪.‬عبدالعزيز طريح‬

‫شرف‪:‬جغرافية ليبيا‪ ،‬ط‪ 1963.‬صفحات ‪961-560‬‬

‫)‪(1/22‬‬

‫________________________________________‬

‫أما " رزيعة "‪ ،‬وهي التي يذكرها عبدالقهار بن خلف عند الكالم على رحيله عن "سبها"‬

‫واإلنتقال إليها بعد هزيمة وريون (‪ ، )1‬فليس لدينا فيما بين يدينا من المصادر ما يعيننا‬
‫على تحديد موقعها‪ ،‬وقد تكون عن ضواحي سبها أو بعض القالع الحصينة المجاورة‬

‫لها‪.‬‬

‫أما " شبهاهة" فقد وردت اإلشارة إليها في أكثر من موضع في أجوبة عبدالقهار بن‬

‫خلف (‪ ، )2‬وأورد النسبة إليها هكذا‪" :‬الشباهي" (‪ )3‬ونحن نرجح أن يكون " شباهة "‬

‫هو اإلسم الذي تطور عنه إسم " سبها " الحالي‪ ،‬وبعض أهل الجنوب ال يزال ينطقها‬

‫معجمة حتى اليوم فيقال "شبها" بالشين المعجمة بدال من السين (‪ . )4‬وال ندري متى بدأ‬

‫ظهور إسم "سبها" ولعل اإلسمين سا ار معا منذ البداية‪ ،‬وبقيا كذلك تصرفهما األلسن‬

‫على ما يوافقها من نطق حرف السين معجما أو مهمال ‪ ...‬ونجد إسم " سبها " يرد‬

‫برسمه الحالي " سبها " في بعض النصوص اإلباضية القديمة‪ ،‬وبالتحديد عند أبي‬

‫يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجالني ( المتوفى سنة ‪ 570 :‬هـ ) فى قصيدته " الحجازية‬

‫" التى يصف فيها رحلته إلى الديار المقدسة لتأدية فريضة الحج‪ .‬قال أبو يعقوب يصف‬

‫طريقة لدى مروره بفزان متجها إلى الحجاز (‪) :5‬‬


‫)‪(33‬جزى هللا عنا "جرمة" وبالدها ‪ ... ...‬و"فزان" خي ار شاك ار غير كافر‬

‫)‪(34‬هم أوسعنا ما استطاعو بخيرهم ‪ ... ...‬وعافية جلت ومن تمر تامر‬

‫)‪(35‬وكانت" تبستو" منزال نزلت به ‪ ...‬وراحت إلى "سبها" (‪ )6‬و" سمنو"و "فاطر"‬

‫)‪(36‬وجازت على "زرديج" وهي مشيحة ‪ ... ...‬إلى "منزل العباد" ذات الفطائر‬

‫(‬

‫__________‬

‫)‪(1‬الجواب رقم ‪5‬‬

‫)‪(2‬الجواب رقم ‪6 ،5‬‬

‫)‪(3‬الجواب رقم ‪5‬‬

‫)‪(4‬استفدت هذه المالحظة من الزميل حبيب وداعة الحسناوي‬

‫)‪(5‬من نسخة مخطوطة للقصيدة ضمن مجموع بامكتبة البارونية‪-‬بالحشان بجربة‪..‬‬

‫وتوجد نسخ أخرى في جربه ووادي ميزاب‬


‫)‪(6‬ورد رسمها في المخطوطة بألف مقصورة هكذا "سبهى"‬

‫)‪(1/23‬‬

‫________________________________________‬

‫)‪37‬وقد هرج "الهاروج " فيها سمانها ‪ ... ...‬ومرمرها "زرديج" كل المرامر (‪ )38‬فلما‬

‫أنخناها إلى "قصر زلة" ‪ ... ...‬أنحنا إلى قوم همام مغاور‪.‬‬

‫إلى أخر األبيات ‪...‬وهي قصيدة طويلة على جانب من األهمية قد نفرغ لدراستها‬

‫وتحقيقها إذا يسر هللا تعالى السبيل لذلك‪.....‬ولم يذكر أبو يعقوب "سبها" سوى هذه‬

‫المرة‪ ,‬ويظهر أن طريق عودته لم يكن عليها إذ أنه لم يذكرها ضمن المواضع التي مر‬

‫عليها في عودته‪.....‬‬

‫وصف المخطوطة‪:‬‬
‫‪...‬يقع نص هذه "األجوبة" ضمن "مجموع" حفظته الخزانة البارونية بالحشان‪-‬جربه‪.‬‬

‫وقد تفضل صاحبها األستاذ يوسف محمد الباروني فأعارها لي ضمن مخطوطات أخرى‪,‬‬

‫وقد استخرجت نسخة مصورة عنها‪ .‬وال يفوتني هنا أن أعبرعن كامل الشكر لهذا األخ‬

‫الكريم لحسن محافظته على هذه المجموعة القيمة من المخطوطات‪ ,‬ثم لحسن تعاونه مع‬

‫الباحثين والمهتمين بالدراسات اإلباضية وما هيأه من وسائل تيسر ذلك‪.‬‬

‫ويحتوي هذا "المجموع" على عدد من النصوص اإلباضية الهامة منها أجوبة اإلمام‬

‫جابر بن زيد‪ ,‬من كبار التابعين (توفي سنة ‪93‬هـ‪711/‬م) وأجوبة منسوبة لإلمامين عبد‬

‫الوهاب بن عبد الرحمان بن رستم‪( ,‬توفي سنة ‪190‬هـ‪805/‬م)‪ ,‬وابنه أفلح بن عبد‬

‫الوهاب (توفي سنة ‪ 24‬هـ‪854/‬م)‪.‬وقد وصفت محتويات هذه النصوص في مقالة نشرت‬

‫سنة ‪1970‬م‪)1( .‬‬

‫وتمثل" أجوبة علماء فزان" النص الثاني في هذا المجموع ‪,‬وتأتي بعد إنتهاء جوابات‬

‫جابر بن زيد مباشرة‪ .‬وتقع في (‪)28‬صفحة ومسطرتها ‪ 26-25‬سط ار للصفحة‪,‬‬


‫ومقاسها ‪21×15‬سم‪ .‬أما خطها فمغربي قديم‪ ,‬وال نعرف الناسخ وال تاريخ النسخة‪ .‬ويبدأ‬

‫نص األجوبة بالسطرالسادس في الصفحة التي تنتهي فيها أجوبة جابر‪ ,‬وقد جاء ترتيب‬

‫العنوان هكذا‪:‬‬

‫بسم هللا الرحمان الرحيم‪ .‬صلى هللا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫جوابات جناو بن فتى المديوني‬

‫إلى بعض أهل فزان‬

‫__________‬

‫)‪(1‬أنظر‬

‫)‪(1/24‬‬

‫________________________________________‬

‫ثم يبدأ الجواب األول ‪ ...‬وقد كتب العنوان بحبر أحمر‪ ,‬وكذلك بدايات األجوبة‪ ,‬وميزت‬

‫بدايات األجوبة األسئلة والردود عليها بحبرأحمر على أول كل كلمة‪ ,‬وكتبت تلك الكلمات‬
‫أحيانا بخط عريض ليميزها عن بقية المخطوطة‪ ....‬وتنتهي هذه األجوبة بنهاية الجواب‬

‫السادس‪":‬ويقال ‪ :‬شر النسك نسك العجم فاحذر على نفسك‪ .‬والبربر من العجم"‪ .‬وتأتي‬

‫بعد ذلك مباشرة وفي نفس الصفحة النصوص المنقولة من " كتاب بكار بن محمد‬

‫الفزاني‪".‬‬

‫ولم أعتمد ترتيب الصفحات الذي وجدته على هذا المجموع الضطرابه وتعدده ‪ -‬ورقمت‬

‫كل نص من أول بدايته إلى نهايته على الصفحات وتظهر في هذا النص المحقق‪ ,‬على‬

‫يسار النص بالحاشية‪...‬‬

‫وكتب‪:‬‬

‫عمرو خليفة النامي‬

‫آن آربر ‪ 5 :‬جمادى األول ‪1396‬هـ‪.‬‬

‫‪4‬مايو ‪1976‬م‪.‬‬
‫بسم هللا الرحمان الرحيم ‪.‬صلى هللا على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم جوابات‬

‫جناو بن فتى المديوني‬

‫إلى بعض أهل فزان‬

‫"?"‬

‫ألبي يوسف وريون بن الحسن من عبد القهار بن خلف‪ .‬سالم عليك‪.‬‬

‫فأنى أحمد هللا الذي ال إله إال هو‪.‬‬

‫‪.‬‬

‫)‪(1/25‬‬

‫________________________________________‬

‫‪...‬أما بعد أوصيك ونفسي بتقوى هللا العظيم الذي يجازي بالطاعة والمعصية وال يظلم‬

‫أحدا‪ .‬يقول في كتابه ‪ {:‬ومن يعمل مِِنِ َّ ِ ِ‬


‫ظْل ًما َوال‬ ‫الصال َحات َو ُه َو ُمو ِم ٌن َفال َي َخ ُ‬
‫اف ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ َْ َ ْ‬

‫الو ِع ِيد }‪ ،‬يقول من عمل كذا فله كذا‪َ { ،‬ل َعَّل ُه ْم‬ ‫ِِ ِ‬
‫ص َّرْفَنا فيه م ْن َ‬
‫ض ًما } إلى قوله ‪َ { :‬و َ‬
‫َه ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫إلسال ِم } (‪)2‬‬
‫ص ْد َرهُ ل ْ‬ ‫َيتُقو َن أ َْو ُي ْحد َث َل ُه ْم ذ ْك ًار } (‪َ { . )1‬ف َم ْن ُي ِرْد هللاُ أ َ‬
‫َِ ْن َي ْهدَي ُه َي ْش َرْح َ‬

‫فإن النور إذا دخل القلب انفسح وانشرح‪ ،‬ولذلك عالمة وهو التجافي عن دار الغرور‪،‬‬

‫واإلنابة إلى دار الخلود‪ ،‬واإلستعداد للموت قبل نزوله‪ { .‬ومن ي ِرِد أ ِ َّ‬
‫ص ْد َرهُ‬
‫َن ُيضل ُه َي ْج َع ْل َ‬
‫ََْ ُ ْ‬

‫السم ِ‬
‫اء } (‪ )3‬اآلية‪ .‬واعلم أن المتقين يعرفون [بها] (‪، )4‬‬ ‫ضيًِقا ح ِرجا َكأََّنما ي َّ ِ‬
‫ص َّع ُد في َّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬

‫ولغيرهم كذلك‪.‬‬

‫قال جابر بن زيد رحمه هللا ‪:‬قلوب المؤمنين تغلى باإليمان وقلوب المنافقين تغلي‬

‫بالنفاق‪ .‬وقال جابر أيضا ‪:‬يعرف إيمان الناس في أعمالهم‪ .‬فأسأل هللا أن يزينا بالعلم‬

‫ويكرمنا بالحلم ويجمعنا بالعافية وال يجعل ألحد من الظالمين علينا سبيال إنه منان كريم‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة طه ‪113-112 :‬‬

‫)‪(2‬سورة األنعام ‪125:‬‬

‫)‪(3‬سورة األنعام ‪125:‬‬


‫)‪(4‬زيادة ليستقيم بها الكالم‬

‫)‪(1/26‬‬

‫________________________________________‬

‫ثم إن كتبها وردت علي [من قبل] (‪ )1‬أبي الحسن جناو بن فتى المريوني حفظه [هللا]‬

‫(‪ )2‬جواب فيها إليك والى غيرك كان قدم بها الحامل فنسيها في متاعه ومضى بها إلى‬

‫مصر فردت من مصر إلى زويلة ودفعت إلى رجل ودفعها إلى رجل من بني جلدين‬

‫فقال له وصلها إلى عبد القهار فوصلها إلي فنظرت في عنوانها [وفرزت] (‪ )3‬لكل كتابه‬

‫فنشرت كتابي فقرأته فوجدت فيه أن أنظر فيها إن رأيت ذلك‪ ،‬فنشرتها وقرأتها ‪/‬وعلمت‬

‫الذي كتب به إلى كل ذي جواب فرأيت [أن أبعث إليك] (‪ )4‬بكتابه إلي‬

‫وتنظر فيه ثم ترده على عجل إن شاء هللا‪ .‬والسالم عليك ورحمة هللا‪.‬‬

‫"?"‬
‫بسم هللا الرحمان الرحيم صلى هللا على محمد‬

‫ألبي سفيان عبد القهار بن خلف‪ ،‬من جناو بن فتى ؛‬

‫__________‬

‫)‪(1‬بياض في األصل وأضفت هذه الزيادة ليستقيم بها الكالم‬

‫)‪(2‬زيادة ليستقيم بها الكالم‬

‫)‪(3‬بياض في األصل وهذا ما اقترحته ليستقيم الكالم‬

‫)‪(4‬بياض في األصل وقد أضفت هذه الزيادة ليستقيم بها الكالم‬

‫)‪(1/27‬‬

‫________________________________________‬

‫سالم عليك ورحمة هللا وبركاته‪ .‬أوصيك ونفسي بتقوى هللا العظيم فإن في تقوى هللا‬

‫النجاة من شر يتقى‪ .‬وعليك بتالوة القرآن والتفقه [فيه] (‪ )1‬وتدبره فإنه حياة القلوب من‬

‫العمى والقسوة والران (‪.. )2‬يقول هللا تبارك وتعالى ‪َ { :‬بَي ًانا لِ ُك ِل َشيء َو ُه ًدى َوَر ْح َم ًة‬
‫ْ‬
‫َوِشَفاء لِما ِفي الص ًد ِ‬
‫ور} (‪ . )3‬فليس للقلوب وال لضيق الصدور دواء إال في القرآن‪ ،‬به‬ ‫ُ‬ ‫ً َ‬

‫تلين القلوب وتنشرح الصدور وتنجلي الغموة والران والظلمة عن القلوب‪ .‬قال هللا تعالى‬

‫ِ‬ ‫في الذين آمنوا إذا يتلى عليهم ‪ْ َ{ :‬ق َش ِع ِِ ُّر ِمنه جلُ ِ‬
‫ود ُه ْم‬
‫ين ُجلُ ُ‬ ‫ين َي ْخ َش ْو َن َرب ُ‬
‫َّه ْم ثُ َّم َتل ُ‬ ‫ود الذ َ‬
‫ُْ ُ ُ‬

‫وب ُه ْم ِإلى ِذ ْك ِر هللاِ } (‪ )4‬وقد نعتهم بمثل هذا في غير آي من القرآن مثل قوله‪ِ { :‬إ َذا‬
‫َوُقلُ ُ‬

‫ان } اآلية (‪ ، )5‬ومثل قوله ‪ِ { :‬إ َذا تُلَِي ْت َعَل ْي ِه ْم َآياتُ ُه َزَاد ْت ُه ْم‬
‫ُي ْتَلى َعَل ْي ِهم َي ِخ ُّرو َن لِألَ ْذ َق ِ‬
‫ْ‬

‫ان َحيًّا } (‪ )7‬يعني حي (‪ )8‬القلوب‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫يم ًانا } (‪ . )6‬ولكنه كما قال ‪ { :‬لتُْنذ َر َم ْن َك َ‬
‫إَ‬

‫ور } (‪ . )9‬وهو للقلوب (‪ )10‬كالمطر‬ ‫ان َمِيتًا َفأ ْ‬


‫َحَي ْيَناهُ َو َج َعْلَنا َل ُه ُن ًا‬ ‫‪.‬كقوله ‪ { :‬أ ََو َم ْن َك َ‬

‫لألرض‪ ،‬فالمطر يصيب األرض وهي بقاع شتى‪ ،‬فالبقعة الطيبة يخرج نباته بإذن ربها‬

‫فتحيا بعد موتها‪ ،‬والسبخة ال يزيدها إال ملوحة‪ .‬وهي كالماء لألشجار‪ ،‬والشجرة الطيبة‬

‫تثمر ويزيدها في الخير (‪،) 11‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬زيادة ليستقيم بها الكالم‬


‫)‪(2‬الران ‪ :‬اسم لما يتراكم من الظالم على القلب بسبب ما يرتكبه المرء من اآلثام‬

‫والذنوب وأصله من قول هللا تعالى ‪":‬كال بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" سورة‬

‫المطففين ‪14 :‬‬

‫)‪(4‬سورة الزمر‪23 :‬‬

‫)‪(5‬سورةاإلسراء‪107:‬‬

‫)‪(6‬سورة األنفال‪2 :‬‬

‫)‪(7‬سورة يس‪70:‬‬

‫)‪(8‬كذا في المخطوطة‪.‬‬

‫)‪(9‬سورة األنعام ‪122:‬‬

‫)‪(10‬في المخطوطة ‪ :‬القلوب و يظهر أنه تصحيف‪.‬‬

‫)‪ (11‬هذه المخطوطة غير واضحة في األصل‪ ,‬و ما هنا هو أقرب شيء يدل عليه‬

‫الرسم‪..‬‬
‫)‪(1/28‬‬

‫________________________________________‬

‫والحنظل ال يزيده إال م اررة وريحها خبيث فقال تبارك وتعالى ‪َ { :‬وُنَن ِزُل ِم َن الُق ْر ِ‬
‫آن َما ُه َو‬

‫ين ِإآلَّ َخ َس ًا‬


‫ار } (‪ )2‬لمقت هللا إياهم فأضلهم‬ ‫ِشَفاء } (‪ )1‬لمن اتبعه‪ { ،‬وال ي ِزيد ال َ ِ ِ‬
‫ظالم َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ٌ‬

‫وأعمى أبصارهم عن نوره فال (‪..... )3‬وغاب عنهم نورهم باألقفال التي على قلوبهم‬

‫والران والطبع فحال بينهم وبين نوره‪ ،‬كالقمر إذا كان دونه سحاب غاب نوره عن‬

‫ظلُ َمات ِفي َب ْحر لُ ِجي َي ْغ َشاهُ َم ْو ٌج‬


‫األبصار‪ .‬وصارت القلوب في ظلمة دمساء‪ ،‬بل { َك ُ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اها }‬ ‫ض َها َف ْو َق َب ْعض إ َذا أ َ‬
‫َِ ْخ َرَج َي َدهُ َل ْم َي َك ْد َي َر َ‬ ‫ات َب ْع ُ‬
‫ظُل َم ٌ‬ ‫م ْن َف ْوِقه َم ْو ٌج م ْن َف ْوِقه َس َح ٌ‬
‫اب ُ‬

‫(‪ . ) 4‬يقول‪ :‬إن بصر له الحق لم يبصره لألمواج التي تراكمت على قلبه في جوف‬

‫مظلم مع الغمرة والران والطبع فتراكم ذلك ركما فال يصل إلى بصره‪ /‬إلى نور القرآن‪.‬‬

‫اج ُة‬ ‫اجةِ ُّ‬ ‫المصب ِ‬‫وقلب المؤمن أبيض أزهر نير ‪َ { :‬ك ِم ْش َكاة ِفيها ِمصباح ِ‬
‫الز َج َ‬ ‫اح في ُز َج َ‬
‫َْ ُ‬ ‫َ َْ ٌ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َكأََّن َها َك ْوَك ٌب ُد ِرٌّي ُيوَق ُد م ْن َش َج َرة ُمَب َارَكة َزْيتُ َ‬
‫ونة ال َش ْرقيَّة َوال َغ ْرِبيَّة َي َك ُاد َزْيتُ َها ُيض ُ‬
‫يء‬
‫للن ِ‬
‫األمثاَ َل َّ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫اس‬ ‫ض ِر ُب هللاُ ْ‬
‫اء َوَي ْ‬
‫ور ُِ َعَلى ُنور َي ْهدي هللاُ ل ُنوره َم ْن َي َش ُ‬
‫َوَل ْو َل ْم تَ ْم َس ْس ُه َن ٌار‪ُ ،‬ن ُ‬

‫يم } (‪ . )5‬فالقلب في غالف أبيض وشبَّه نوره بالكوكب الدري‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫َوهللاُ ب ُكل َش ْيء َعل ٌ‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة اإلسراء‪82:‬‬

‫)‪(2‬سورة اإلسراء‪82:‬‬

‫)‪(3‬هنا بياض يتسع لكلمة واحدة‪ ،‬لعلها يرونه‪ ،‬أو يبصرونه أو ما في معناها‪.‬‬

‫)‪(4‬سورة النور‪40:‬‬

‫)‪(5‬سورة النور‪35:‬‬

‫)‪(1/29‬‬

‫________________________________________‬

‫فاآلن ‪-‬رحمك هللا‪ -‬تفكر في عجائبه وأمثاله يسطع في قلبك نوره وتدخل حالوته قلبك‬

‫فيكشف لك الغطاء عن أمور األخرة فتعاين باليقين كرامتها‪ ،‬ألن القرآن كرامة لمن تدبر‬
‫آياته وتفكر فيها‪ ،‬فإن الفكرة نور ومرآة للقلوب يميز بها الرشد من الغي والمنافع من‬

‫المضار‪ ،‬وال يوجد ذلك إال بالتقوى‪ ،‬والتقوى إنما هي في أداء الفرائض واجتناب المحارم‬

‫وتركها خوفا من المقام بين يدي هللا تعالى وقمع الهوى خوفا من هللا ورغبة فيما عنده‪.‬‬

‫وذكرت‪-‬يرحمك هللا ‪-‬أتاني منك غير كتاب فلم تر جوابها‪ ،‬فما أبرئ نفسي من التقصير‬

‫في ذلك‪ .‬فإنه يقال ‪ :‬رد الجواب حق على المؤمن كرد السالم‪ .‬وما أعلم أنه وصل إلي‬

‫كتاب قبل هذا إال واحد ولم يمكني الجواب من أوجه حتى ضاعت وسقطت ولم أجد لها‬

‫مسقطا وال ملقطا‪ .‬مع أنه تباعدت بنا وبك الدور‪ ،‬وتفرقت بنا وبك األوطان فال يمكن‬

‫وصول الكتاب أو الجواب إال بعد أشهر‪.‬‬

‫واعلم ‪-‬يرحمنا هللا واياك ‪-‬أني شديد الشوق إلى قدومك واحداث العهد بك لعلك تستفيد‬

‫من كتب أبي عبيدة رحمه هللا‪ ،‬فإني أرجو أن تمكن اليوم إن شاء هللا لعل هللا يحي بك‬

‫أهل هذه الدعوة فتحي لهم آثار سلفهم المهتدين‪ ،‬وتكون لهم منارا‪ ،‬فإن فضل العلم ما قد‬
‫بلغنا أن خطوة من خطوات طالبه تعدل عبادة ألف سنة قيامها وصيامها وحفته المالئكة‬

‫بأجنحتها وصلى عليه طير السماء وحيتان البحر ودواب األرض‪.‬‬

‫)‪(1/30‬‬

‫________________________________________‬

‫وأنا أحب تعجيل ذلك مني ألني على آخر أيامي واقتراب أجلي وفناء مدتي وورودي‬

‫على ما كنت أصدر عنه‪ .‬فوددت لقياك للمناظرة والمذاكرة والتفقه في الكتاب والسنة مع‬

‫ما يرجى المشاورة من عزم هللا لهم ألهل المشاورة في الدين من إرشادهم في أمورهم‪.‬‬

‫فإن قدر لك هللا النهوض إلى ما قبلنا فليكن معك ما سننظر فيه من كتب أخينا إدريس‬

‫أكرمه هللا هللا تعالى وأعانه ووفقه بالتوبة واإلزدياد مما طلب‪ ،‬وجعل ذلك له في هللا وله‪.‬‬

‫وقد رددت‪ /‬جواب كتابه وغيره على قصر علمي‪ ،‬وذلك ال ينبغي لمن علم من نفسه مثل‬

‫الذي علمت من جفوة البدو مع قلة العلم‪ .‬ولم أجعلهم في حل من فتوى ما كتبت به‬
‫إليهم إال ما وافق كتاب هللا وسنة نبيه عليه السالم فإن رأيت تطلع ذلك وتسقط منه ما‬

‫أرابك فافعل‪ .‬والسالم عليك ورحمة هللا‪.‬‬

‫"?"‬

‫بسم هللا الرحمان الرحيم‬

‫ألبي يوسف وريون بن الحسن‪ ،‬من جناو بن فتى‪...‬‬

‫عافانا هللا واياك من السوء برحمته‪ ،‬ونوصيك ونفسي بتقوى هللا العظيم‪ ،‬والقيام هلل بقسطه‬

‫وعدله في بالده وعباده واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر واغاثة الملهوف والقيام‬

‫للمظلوم‪ ،‬فإن هلل صلحاء وحفظة يزينون أمره ويعينون طالبه‪ ،‬فمن كان الحق هواه‬

‫وضمير قلبه كان هللا وليه وناصره‪ ،‬فإنه يقال ‪:‬خير المؤمنين للمؤمنين أنفعهم للمؤمنين‪.‬‬
‫أتاني كتابك وفهمت ما سألت عنه‪ .‬بعض ما سألت عن األحكام‪ ،‬فاعلم ‪-‬يرحمنا هللا‬

‫واياك‪ -‬أن علمي يقصر عن ذلك مع بدويتي وبلوهتي وكرهت أن أمسك عنك الجواب‬

‫لمكانك مني مع ما يجب على المسلمين من معاونة الحق وأهله والقائمين به‪.‬‬

‫)‪(1/31‬‬

‫________________________________________‬

‫واعلم أن من تقلد الحكم بين الناس فهو بين أمرين‪ ،‬إن أصاب فيه الحق فبالح ار أن‬

‫ينجو‪ ،‬وان خطأ أخطأ طريق الجنة‪ .‬ومن يكن في الدنيا ذليال وضعيفا خموال كان أهون‬

‫عليه في المعاد من أن يكون حكما شريفا (‪ ، )1‬ومن إختار الدنيا يخسر كليهما‪ .‬وهذا‬

‫زمان الخاصة‪ ،‬ينبغي للرجل أن ينكر من يعرف وال يتعرف إلى من يعرف‪ .‬فإني أجبتك‬

‫في بعض مسائلك بجهدي ومبلغ علمي فإن يكن صواب فمن هللا ورسوله‪ ،‬وهلل المنة‪.‬‬

‫وان يكن خطأ فمني‪ ،‬وهللا ورسوله منه أبرياء‪ .‬وال ينجيك من هللا إال الحكم بما أنزل هللا‬

‫الك ِافرون } (‪ )2‬و { َّ‬


‫الظالِ ُمو َن } (‪)3‬‬ ‫ِ‬
‫فإنه قال‪َ { :‬و َم ْن َل ْم َي ْح ُك ْم ِب َما أ َْن َزَل هللا َفأُوَلئ َ‬
‫ك ُه ُم َ ُ َ‬
‫الف ِ‬
‫اسُقو َن } (‪ . )4‬وهذه اآلية لم تنقطع من لدن آدم إلى يوم القيامة وهي في كالمه‪،‬‬ ‫و{ َ‬

‫ور َي ْح ُكم ِب ِه َّ‬


‫النِب ُيئو َن } (‪ )5‬إلى قوله ‪{ :‬‬ ‫يها ُه ًدى َوُن ٌ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ َّ‬
‫ُ‬ ‫أال تراه يقول ‪ { :‬إنا أ َْن َزْلَنا الت ْوَرَاة ف َ‬

‫اإل ْن ِج ِ‬
‫يل ِب َما أ َْن َزَل هللا } (‪ . )6‬ثم قال لنبينامحمد صلى هللا عليه وسلم ‪{ :‬‬ ‫َهل ِ‬
‫َولَِي ْح ُك ْم أ ْ ُ‬

‫َِ ْن َزَل هللا } اآلية (‪/ )7‬فلم يكن الحكم إلى آراء الرجال‪ ،‬وقد أغناهم‬ ‫ِ‬ ‫َوأ ِ‬
‫ُح ُك ْم َب ْيَن ُه ْم ب َما أ َ‬
‫َن أ ْ‬

‫بما أنزل عن آراء الرجال‪ .‬اللهم سلمني وسلم مني‪.‬‬

‫(‬

‫__________‬

‫)‪(1‬هكذا في المخطوطة ولعله ‪ :‬حاكما‬

‫)‪(2‬سورة المائدة‪44:‬‬

‫)‪(3‬سورة المائدة‪45:‬‬

‫)‪(4‬سورة المائدة‪47:‬‬

‫)‪(5‬سورة المائدة‪44:‬‬
‫)‪(6‬سورة المائدة‪47:‬‬

‫)‪(7‬سورة المائدة‪49:‬‬

‫)‪(1/32‬‬

‫________________________________________‬

‫)‪ 1‬سألت عن رجل تزوج صبية لم تبلغ وتزوج عليها إمرأة فطلب أبو الصبية أن يأخذ‬

‫صداقها من زوجها‪ ،‬وادعى أنه دخل عليها‪ .‬فأنكر الزوج الدخول‪ .‬فأثبت البينة أنه أقر‬

‫بالدخول عليها ومعها خادم لها‪ ،‬وأثبت أيضا البينة أنه رئي دخل باب الدار وأغلق عليه‬

‫وهي دار أبويه ولم يعاينوا الصبية معه‪ .‬وقال الزوج ‪ :‬للدار أبواب شتى فعلى أيها‬

‫أغلقت بابا على إبنتك‪ ،‬وأرخيت عليها سترا؟ فأما باب الدار فليس بموضع يمكن‬

‫فيه[الخلوة] (‪ )1‬أنا وابنتك فكيف الدخول عليها؟! وقلت‪ :‬كيف بما يوجب على الزوج‬

‫الصداق كله رحمك هللا ؟‪.‬‬

‫__________‬
‫)‪(1‬زيادة ليستقيم بها الكالم‬

‫)‪(1/33‬‬

‫________________________________________‬

‫قال ‪ :‬إذا قامت البينة على إق ارره بالدخول عليها فجائز للحاكم أن يحكم عليها بالصداق‪،‬‬

‫ألن الحاكم إنما يحكم على المدعي عليه بأحد ثالثة أوجه ‪:‬إما البينة العادلة‪ ،‬أو‬

‫باإلقرارطائعا غير مكرها أو بالنكول عن اليمين‪ .‬فإق ارره بالدخول تصديق للمدعي‬

‫بالدخول‪ ،‬وشهادة منه على نفسه‪ .‬قال هللا تعالى‪َ { :‬و َش ِهٌدوا َعَلى أ َْنُف ِس ِه ْم أََّن ُه ْم كا ُنوا‬

‫َك ِاف ِرين } (‪ )1‬وذلك إلقرارهم بالضالل‪ .‬وقال تعالى لقوم ‪َ { :‬ذلِ ُكم َقوُل ُكم ِبأَ ْفو ِ‬
‫اه ُك ْم } (‪)2‬‬ ‫ْ ْ ْ َ‬ ‫َ‬

‫‪ .‬فألزمهم ما قالوا وحكم به عليهم‪ .‬وأما قولك أن البينة شهدوا أنه أغلق باب الدار‪ ،‬وقول‬

‫اآلخر ‪ :‬للدار عدة أبواب‪ ،‬فإن قامت البينة أنه خال في بيت أو دار فأغلق بابا أو أرخى‬

‫ست ار أوجب الصداق‪ .‬وأما إن كان للبيت أو الدار أبواب شتى كلها مداخل مثل المسجد‬

‫فليس في غلق الباب دون األبواب ما يحصن الرجل‪ .‬أال ترى إلى إمرأة العزيز حين‬
‫خلت بمن شغفها حبا لم تأمن على نفسها الداخل والناظر حتى أغلقت األبواب وقالت‪،‬‬

‫ال ‪َ :‬م َعا َذ هللاُ } (‪ . )3‬وذكر نعيم أهل‬ ‫ِ‬


‫يت َل ْك‪َ .‬ق َ‬
‫بعد ما أغلقت األبواب وتحصنت ‪ { :‬ه َ‬

‫الجنة فقال ‪ { :‬مَفتَّح ًة َلهم األَبواب } (‪ . )4‬وقال ‪ { :‬والم ِ‬


‫الئ َك ُة َي ْد ُخلُو َن َعَل ْي ِه ْم ِم ْن ُك ِل‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ُ ُ َْ ُ‬

‫َباب } (‪ . ) 5‬فإذا قامت البينة أنه خال بها وغلق األبواب إن كانت شتى أو أغلق بابا أو‬

‫أرخى ست ار للتي لها باب واحد فقد وجب له الصداق إال إن قالت ‪ :‬لم يمسني‪ ،‬فإنها‬

‫تصدق في الذي لها من المهر فإنها تبطله بإقرارها‪ .‬وقالوا ال تصدق في القديم ‪ /‬الذي‬

‫عليها من العدة‪ .‬وان كانت طفلة فليس إقرارها وال إنكارها بشيء إلى أن تبلغ‪.‬‬

‫(‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة األنعام‪30:‬‬

‫)‪(2‬سورة األحزاب‪4:‬‬

‫)‪(3‬سورة يوسف‪23:‬‬
‫)‪(4‬سورة ص‪50:‬‬

‫)‪(5‬سورة الرعد‪23:‬‬

‫)‪(1/34‬‬

‫________________________________________‬

‫)‪2‬سألت إن طلب أبو الصبية إلى الزوج أن يعتزل عن جميع ما أنحله لها وتكون عنده‬

‫حتى تبلغ الصبية أو يأتي ببرهان الدخول عليها‪ .‬وقال الزوج ‪ :‬إن ابنتك صغيرة لم تبلغ‬

‫فكيف تحول بيني وبين ما أنحلتها ولم تعلم منها سخطا وال رضى‪ .‬أرأيت إن قال أبوها‬

‫لزوجها صحح ما نحلتها به حتى أعلمه فأنكر الزوج النحلة‪ .‬فادعى األب ستة أرؤس‬

‫(‪ ) 1‬فجحد الزوج‪ .‬فأثبت األب أن الزوج أصدقها ستة أرؤس بذكر أسمائهم فكلفهم‬

‫السلطان معرفة األشخاص فلم يقفوا على ذلك ولكنهم شهدوا على األسماء وللزوج أيضا‬

‫تلك األسماء في رقيقه‪ .‬وقال الزوج لم أنحل إبنتك هذه الرقيق‪ ،‬ولكن أشتري هذه األسماء‬

‫التي شهدت لها بها البينة ثم أدفعها له‪ ،‬كيف القول فيها؟‬
‫قال ‪:‬أما قول األب اعتزل النحلة تكون عندي‪ .‬فال سبيل إلى أخذ الصداق إال بأحد‬

‫الوجهين ‪:‬إما أن يكون دخل بها فوجب صداقها بالمسيس‪ .‬أو تكون قد بلغت فأجازت‬

‫النكاح‪ ،‬فقد وجب لها بالرضى والمال بيد الزوج فترضى‪ .‬وهذه بمنزلة البنت البالغ إذا‬

‫عقد عليها الولي النكاح فال سبيل له إلى الصداق حتى يستأمرها‪ ،‬فإذا استأمرها ورضيت‬

‫صار الحكم في مهرها إليها وزال حكم الولي في المهر‪ .‬وكذلك إذا كانت طفلة ولم‬

‫يدخل بها فهي بمنزلة الغائبة ما لم تبلغ‪ ،‬فإذا بلغت إستأمرها في نفسها‪ ،‬فإذا رضيت‬

‫تمت العقدة ووجب الصداق‪ ،‬فإذا أنكرت إنفسخ النكاح ولم يجب لها الصداق ألن‬

‫الصداق والنكاح ال يثبتان (‪ ) 2‬إال بعد الرضى‪ .‬وهذه بمنزلة دين له أجل ال يجوز أخذه‬

‫إال بعد حلول األجل‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬في المخطوطة‪ :‬أرأس‬

‫)‪(2‬في المخطوطة‪ :‬ال يثبتوا‬


‫)‪(1/35‬‬

‫________________________________________‬

‫وأما قولك إن األب إدعى أن يقر له بالنحلة فأنكر فأقام البينة أنه زوجها بستة أرؤس‬

‫مسميات‪ .‬والبينة ال يعرفون الرقيق بأشخاصهم‪ ،‬وهذه المسميات في ملك الزوج حين‬

‫تزوج‪ .‬وقال الزوج ‪ :‬أنا أشتري هذه األسماء‪ .‬قال ‪:‬إذا كانت هذه الرقيق المسميات في‬

‫ملك الزوج يوم أصدقها إياهن فقد وجبن لها‪ .‬أال ترى أن الرجل تكون له أربع نسوة‬

‫فيطلق وا حدة منهن بإسمها فأقامت المرأة البينة عليه بذلك أنها طالق وجازت عليه البينة‬

‫وان لم تعرفها بشخصها‪ .‬أوال ترى أنه لو كان له عبيد فقال أعتقت ‪ /‬فالنا‪ ،‬سماه باسمه‪،‬‬

‫فأقام العبد البينة بذلك أنه يعتق بشهادتهم وان لم يعرفوه بشخصه إال أن يكون له عبدان‬

‫أو ثالثة على اسم واحد فإنهم يعتقون عليه ويستسعي كل واحد منهم بما ينوبه‪ ،‬إن كانوا‬

‫إثنين فنصف ثمنه أو ثالثة فثلث ثمنه وكذلك أيضا أن الرجل يبيع الدار أو الجنان‬

‫فيحدها المشتري بحدودها‪ ،‬وأشهدت له بذلك البينة أن الدار يحكم له بها إذا حددها‬
‫بحدودها وان لم يعرفوها‪ .‬وقوله ‪:‬أنا أشتري له هذه األسماء‪ ،‬وهي عنده فليس ذلك‬

‫بحجة‪ .‬وقد تبين للمتوسمين لدده‪ .‬يقول هللا تبارك وتعالى ‪ِ { :‬إ َّن ِفي َذِلك آلي ِ‬
‫ات ِِ‬ ‫َ َ‬

‫{‪...‬أع َملُوا َف َسَي َرى‬ ‫ين } (‪ )1‬الذين يتوسمون الحق من الباطل‪ .‬وقال هللا تعالى ‪:‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫ْ‬ ‫لْل ُمتََوسم َ‬

‫الم ْؤ ِم ُنو َن } (‪ ، )2‬ألنهم ينظرون بنور هللا الذي شرح به صدورهم‬


‫هللا َع َمَل ُك ْم َوَرُسولُ ُه َو ُ‬

‫وأنار به قلوبهم‪ .‬وقال‪ { :‬وَلتَ ْع ِرَفَّنهم ِفي َل ْح ِن الَق ْو ِل ‪ )3( } ....‬والحق له منار يوزن‬
‫ُْ‬ ‫َ‬

‫بالعقول وتفهمه أهل الفطن‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة الحجر‪75:‬‬

‫)‪(2‬سورة التوبة‪105:‬‬

‫)‪(3‬سورة محمد‪30:‬‬

‫)‪(1/36‬‬

‫________________________________________‬
‫)‪ ... (3‬وقلت أرأيت إن شهدت البينة أن رجال باع لرجل جميع ماله أو أصدق جميع‬

‫ماله إلمرأته فأخذ بموضع من ماله في البيع أو الصداق فجحد البائع ذلك فكلف المدعي‬

‫البينة فأثبت جميع ماله‪ ،‬وقال الجاحد‪ :‬أتيت على هذا الموضع ولم أخاصمك الجميع ما‬

‫تقول في ذلك‪ ،‬يرحمك هللا ؟ قال‪ :‬إن كان المدعي قصد إلى شئ بعينه فادعى فيه‬

‫وكلف البينة على ما ادعى فأتى ببينة يشهدون له على ما لم يدع مع ما ادعى فال أرى‬

‫شهادتهم جائزة‪ ،‬ألنهم شهدوا للمدعي على ما لم يدع‪.‬‬

‫وأما قولك‪ :‬باع جميع ماله أو أصدق جميع ماله ولم تعرف البينة ما كان له يومئذ من‬

‫مال ولم يحط به علمهم‪ ،‬فإن الناس يستأنفون األموال وربما يقع الفسخ في جميع ما‬

‫يملك إذا كان فيه ذهب أو فضة فال يباع بالذهب والفضة‪ .‬وان عرف وزن الذهب‬

‫والفضة فوزنهما فجائز أن يبيع ذلك بالعروض‪ .‬أما الصداق فجائز أن يصدق لها جميع‬

‫ما يملك قل أو كثر‪ ،‬محدود أو غير محدود‪ .‬وهذا ليس كالبيوع الذي يدخل فيه الفسخ‬

‫والربا‪ .‬والصداق ليس هو بمؤقت إنما هو على ما اتفقنا عليه من قليل أو كثير أال تسمع‬
‫اه َّن ِق ْن َ‬ ‫هللا يقول‪ { :‬واِن أَردتُم ِ‬
‫ار ‪ )1( } ...‬والقنطار‬
‫ط ًا‬ ‫ان َزْوج َوآتَ ْيتُ ْم ِإ ْح َد ُ‬
‫ال َزْوج َم َك َ‬
‫أست ْب َد َ‬
‫َ ْ َْ ْ ْ‬

‫ألف دينار وخمسمائة دينار ويكون في بعض الصداق أقل من ذلك أو أكثر ‪ /‬فليس فيه‬

‫شيء مؤقت‪ .‬وأما ما فيه الذهب والفضة إذا معزوال معروفا بوزنه فجائز شراؤه بالذهب‬

‫أو الفضة يدا بيد أضعف أو لم يضاعف فيما يروى جابر بن زيد عن إبن عباس فإنما‬

‫الربا عنده في النسيئة‪.‬‬

‫)‪ (4‬وعن رجل إدعى أنه أسلم إلى رجل دنانير في شعير وادعى عليه أيضا دنانير‬

‫وتم ار ‪.‬فقال المدعي عليه‪ :‬أما الشعير الذي تسألني إنما أسلمت لي دنانير فيها كانت لك‬

‫الم ْسَل ُم إليه‪ :‬إنما‬


‫علي‪ ،‬فأنكر ذلك المدعي‪ .‬ثم إن صاحب السلم سأله دنانيره فأجابه ُ‬

‫تسألني هذه الدنانير التي صيرتها علي شعيرا‪ .‬فأنكر ذلك رب السلم‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة النساء‪20:‬‬

‫)‪(1/37‬‬
‫________________________________________‬

‫ما ترى إن كانت هذه دعوى مختلفة أو دعوى واحدة ؟ ثم ادعى المسلم إليه على رب‬

‫السلم أنه تب أر بالسلم من جميع ما يدعي قبله من دنانير وتمر أن قضيت لي هذا الشعير‬

‫الم ْسَل ُم إليه أن يبطل له‬


‫األول الذي أراد فسادها وأثبت على ذلك بينة‪ .‬وانما أراد بذلك ُ‬

‫دعواه في الدنانير ببراءته وأراد أن يبطل له الشعير بقوله‪ :‬إنما أسلمت إلي دنانير كانت‬

‫لك قبلي‪.‬‬

‫قال‪ :‬إذا أقر بما ادعى من الشعير وزعم أنها إنما صارت إليه من قبل السلم فعليه البينة‬

‫بما ادعى من الفسخ واال َفي ِمين الطالب على ما أدى المسلم إليهوأما قوله‪ :‬تبرأت لك من‬

‫الدنانير والتمر إذا قضيت لي الشعير فإذا قبض الشعير ورجع فيما ترك فجائز له‬

‫الرجوع فى الحكم ألنه أراد استخراج حقه‪ ،‬بمنزلة من يقول للغريم‪ :‬تركت من حقي لك‬

‫كذا وكذا واذا أعطيتني كذا وكذا‪ ،‬فجائز له الرجوع فيما ترك قبل القبض إال أن يقول له‬
‫الغريم‪ :‬بعد ذلك‪ :‬بقي لك كذا وكذا‪ ،‬فأنا أسعى لك فيه فيتركه عند ذلك بعدما اعترف له‬

‫ضتُ ْم }‬ ‫ِ‬
‫ف َما َف َر ْ‬
‫صُ‬‫بحقه‪ ،‬فجائز إذا عفا عن بعض حقه‪ .‬وذلك أن هللا يقول للزوج‪َ { :‬فن ْ‬

‫(‪ )1‬إذا طلق قبل أن يمس { ِإال ْ‬


‫أن َي ْعُفو َن} (‪ )2‬يعني أن تترك المرأة النصف الذي‬

‫وجب لها بعد اإلنصاف واإلعتراف لها بحقها فجائز تركها‪ .‬وقوله‪ { :‬أ َْو َي ْعُف َو ال ِذي ِبَي ِد ِه‬

‫اح } (‪ ) 3‬يعني الزوج يوفي الصداق كله فيعطي النصف الذي لم يجب لها مع‬ ‫عْقدة ِ‬
‫الن َك ِ‬ ‫ُ َُ‬

‫ض َل‬
‫الف ْ‬
‫الذي وجب لها‪ .‬وهذا كله من المعروف والفضل‪ .‬وقال للزوج والمرأة‪َ { :‬وال تَ ْن ُس ُوا َ‬

‫َب ْيَن ُك ْم } (‪ )4‬وكل ما كان من الفضل واإلحسان بعد اإلعتراف واإلنصاف فجائز بين‬

‫الناس‪.‬‬

‫(‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة البقرة‪237:‬‬

‫)‪(2‬سورة البقرة‪237:‬‬
‫)‪(3‬سورة البقرة‪237:‬‬

‫)‪(4‬سورة البقرة‪237:‬‬

‫)‪(1/38‬‬

‫________________________________________‬

‫)‪5‬وعن رجل جاء بسارق الى السلطان ومعه السرقة وزعم أنه سرق هدا الشيء من مال‬

‫أخيه ‪/‬أو من قريب له ولم يجيء صاحب الشيء يطلبه ‪ ،‬أكان للسلطان أن يؤدبه أم ال؟‬

‫أو كان عبدا‪ ،‬هل ينبغي للسلطان أدبه بغير محضر من سيده‪ ،‬وكم منتهى دلك العقوبة‬

‫للسارق إذا سرق ما ال يجب فيه القطع‪ ،‬أو ما يجب فيه القطع؟‬

‫)‪(1/39‬‬

‫________________________________________‬

‫قال ‪ :‬أما حد من حدود هللا فال يجوز لسلطان المسلمين تعطيله وال تأخيره في حر وال‬

‫فى عبد‪ .‬وأما أدب فليس فيه شيء مؤقت‪ ،‬غير أنه يقال ‪ :‬من بلغ الحد فى غير كنهه‬
‫فعليه لعنة هللا ‪ .‬وأدنى الحدود خمسون جلدة لقول هللا تعالى فى اإلماء ‪َ { :‬ف َعَل ْي ِه َّن‬

‫ِنصف ما عَلى المحصن ِ‬


‫ات ِم َن الع َذ ِ‬
‫اب } (‪ . )1‬والتعزيز دون الحد‪ .‬وهو أكثر من‬ ‫َ‬ ‫ُْ ََ‬ ‫ْ ُ َ َ‬

‫األدب وال يبلغ به خمسون‪ .‬واألدب أقل من ذلك‪ ،‬وانما هو على قدر الذنب والتمرد‪،‬‬

‫فالمتمرد المعروف باألذى ليس كمن عثر عثرتين أو ثالثا‪ .‬وينبغي أن يعفى عن‬

‫صاحب الزلة إذا لم يعرف له قبل دلك إال هذه‪ ،‬فالعفو عن هذا أحسن وأقرب للتقوى‪.‬‬

‫واألدب عظة له ولغيره لكي ال يتمادى‪ .‬وال يعرف له وقت‪ ،‬منه ثالثا أو أربعة إلى عشرة‬

‫أو إثني عشر‪ ،‬ومنه ما يحبس به حتى تؤمن بوائقه‪ ،‬وهكذا باجتهاد النظر من أحكام‬

‫لقطع الفساد واصالح العباد ممن يغضب هلل ويرضىلله‪ ،‬ويقول هلل ويعمل هلل مخلصا ال‬

‫اي َو َم َم ِاتي هلل َر ِب‬


‫َ‬
‫يريد بذلك علوا وال أن يهاب ‪ُ { :‬قل ِإ َّن ص ِ‬
‫التي َوُن ُس ِكي َو َم ْحَي‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬

‫ِ‬
‫الش ِر َ‬
‫يك َل ُه } (‪ )2‬في شيء من عملي‪ ،‬وانما أمرت أن أعبد هللا مخلصا له‬ ‫ين َ‬‫العاَلم َ‬
‫َ‬

‫ص } (‪ . )3‬فأحسنوا نياتكم وضمائركم‪ ،‬وليكن العفو أكبر‬ ‫ديني‪ { .‬أَال هلل ِ‬


‫الدين َ ِ‬
‫الخال ُ‬ ‫ُ‬

‫همتكم وهواكم‪ ،‬ألن عمر قال ‪ :‬ألن أخطأ في العفو أحب من أن أخطأ في العقوبة‪ .‬وقد‬
‫ِِ‬ ‫قال هللا ألكرم األمة ‪ { :‬خ ِذ العْفو وامر ِب ِ‬
‫ين } (‪ )4‬وقال {‬ ‫ض َع ِن َ‬
‫الجاهل َ‬ ‫أع ِر ْ‬
‫الع ْرف َو ْ‬
‫ُ َ َ َ ُْ ُ‬

‫َفِب َما َر ْح َمة ِم َن هللا لِ ْن َت َل ُه ْم } (‪ )5‬فدله على مكارم األخالق ليشغل به أمته فقال بعد ما‬

‫ان َل ُكم ِفي رس ِ‬


‫ول هللا ِإ ْس َوةٌ َح َسَنةٌ‪}.‬‬ ‫َُ‬ ‫أقام فيهم سنين وعرفوا أدبه وحاله ‪َ { :‬لَق ْد َك َ ْ‬

‫(‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة النساء‪25:‬‬

‫)‪(2‬سورة األنعام‪162:‬‬

‫)‪(3‬أنظر سورة الزمر آيات‪2،11،14:‬‬

‫)‪(4‬سورة الزمر‪3:‬‬

‫)‪(5‬سورة األحزاب‪21:‬‬

‫)‪(1/40‬‬

‫________________________________________‬
‫)‪ 6‬وعن السلطان إستعمل عامال في بعض الكور فرفض له نصف ما يجيء منها من‬

‫العشر فعمل سنة فأخذ نصف العشر‪ ،‬ثم دارت (‪ )1‬السنة الثانية فوقف لهم حتى جمعوا‬

‫ثمراتهم فعزل نصفها فوضعها في موضع من غير أمر من األمير الذي استعمله ثم قدم‬

‫إلى واليه فاستعذر عنده فعذره فقال له ‪ :‬بعد ما استعذرت فعذرناك (‪ ، )2‬رد نصف‬

‫صدقة المسلمين التي قبضتها فوضعتها حيث تأمن ولم يحل عليك الحول‪ ،‬فليس لك‬

‫فيها شيء‪ .‬فقال له العامل ‪ :‬إني عملت على ‪/‬هذه الثمر فأحسنت فيها القيام حتى‬

‫جمعت نصفي فإنها لي‪ .‬فقال السلطان ‪ :‬إغرم ما أهلكت من الثمر فإني ال أقبل لك فيها‬

‫مقاال ألنك جمعتها ولم تتم في عملي سنة بعد جمعها فحينئذ تستوجبها‪ ،‬فغرمه ثمن تلك‬

‫الثمر‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬في المخطوطة ‪ :‬دار‬

‫)‪(2‬في األصل‪:‬استعذر فعذرناك‪ ،‬فأصلحناها بما يآلئم السياق‪.‬‬


‫)‪(1/41‬‬

‫________________________________________‬

‫إنما األمور على أساسها التي أسسها عليه نبي هللا وأئمة الهدى من بعده والتابعون لهم‬

‫بإحسان وذلك أنه إذا كانت اإلمامة عن شورى المسلمين وأتمروا بينهم فاجتمعوا على‬

‫رجل يرون أنه أفضل زمانه وأعلمهم بكتاب هللا وسنة نبيه وأورعهم وأشدهم إجتهادا‬

‫وأكثرهم نصيحة فقدموه إلحياء كتاب هللا وسنة نبيه محمد عليه السالم ليحي الحق‬

‫ويميت الباطل ويسلك منهاج أهل العدل في سيرتهم‪ ،‬قال عمر بن الخطاب رحمه هللا‪:‬‬

‫أال واني تركت اإلمام الذي من بعدي على مثل المحجة إال أن يتركها تارك‪ .‬فأحسن هللا‬

‫له الجزاء‪ ،‬فإن بحسن سيرته ظهرت فضائح المعتدين‪ .‬فجائز لمثل هذا أن يستعمل‬

‫العمال ويبعث الجباة ليأخذوا من أهل األموال ما أوجب هللا عليه (‪ )1‬في الحبوب‬

‫والثمار والمواشي‪ ،‬فإذا أخذوا ذلك من أهل األموال كما جاءت به السنة‪ ،‬ووضعوها في‬

‫أهلها كما أمرهم إمام الهدى‪ ،‬فال أعرف في ذلك شيئا مؤقتا‪ ،‬ألن هذه سعايته تطول‬
‫وتقصر‪ ،‬وأوقاتها مختلفة وبلدانها متفاوتة‪ ،‬غير أنه إذا قدم الساعي على ما استعاه جمع‬

‫صلحاء المسلمين وعلمائهم فشاورهم فيما يرضخ له من ذلك‪ ،‬فإذا عرفوا عدد األشهر‬

‫واأليام التي غاب عن أهله وضيعته‪ ،‬وعلموا ما سعى عليه وما طاف به من أهل البلد‬

‫أعطوه من ذلك على قدر عناه ومؤنته باجتهاد النظر من غير محاباة وال إثرة‪ ،‬فيستسلم‬

‫المعطي لذلك ويرضى إذ لم يتولى أموره والنظر فيها إال أهل الدين والنصيحة الناظرين‬

‫هلل وألهل دينه‪ .‬أما شيء مؤقت فال أعرفه‪ .‬وكل من ائتمنته فال تتهمه‪ ،‬ومن إتهمته فال‬

‫تأمنه‪ ،‬وال سيما ما هو من الدين‪ .‬ال ينبغي أن يتولى القدوة فيها بالناس إال أهل العلم‬

‫والصالح‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬كذا‪ ،‬وله وجه‪ ،‬أي ما أوجب اللله عليه أخذه في الحبوب إلخ‪ ....‬وقد يكون ‪":‬أوجب‬

‫هللا عليهم" والذي هنا تصحيف‪.‬‬

‫)‪(1/42‬‬
‫________________________________________‬

‫َهَل ُه‬
‫ْم ُر أ ْ‬
‫ان َيأ ُ‬
‫والصالة والزكاة مقرونتان في كل ملة‪ .‬أال تراه قال في إسماعيل ‪َ { :‬وَك َ‬

‫الزَك ِاة } (‪ )1‬وآخر أنبياء بني إسرائيل عيسى بن مريم‪ ،‬فأول ما نطق به‬ ‫ِب َّ ِ‬
‫الة و َّ‬
‫الص َ‬

‫الزَك ِاة َما ُد ْم ُت َحيًّا } (‪ )2‬وقال ‪{ :‬‬ ‫اإلقرار بالعبودية هلل ثم قال ‪ { :‬وأَوص ِاني ِب َّ ِ‬
‫الة و َّ‬
‫الص َ‬ ‫َْ َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اة ‪} ....‬‬ ‫الة وُي ْؤتُوا َّ‬
‫الزَك َ‬ ‫الص َ َ‬
‫يموا َّ‬
‫اء َوُيق ُ‬
‫ين ُحَنَف َ‬ ‫َو َما أُم ُروا ِإال لَي ْع ُب ُدوا هللا ُم ْخلص َ‬
‫ين َل ُه الد َ‬

‫(‪ )3‬اآلية‪ .‬أال ترى إلى ‪ /‬حجة المهاجرين يوم سقيفة بني ساعدة واحتجاجهم ألبي بكر‬

‫الصديق حين قالوا ‪ :‬إئتمنه رسول هللا على الصالة فنحن نأتمنه على الزكاة ألنها‬

‫مقرونة بها‪ .‬والصالة ال يؤم الناس إال أقرأهم لكتاب هللا وأعلمهم لسنة رسوله وأكثرهم (‪)4‬‬

‫صالحا‪ .‬وكذلك الزكاة ال يؤتمن على جبايتها إال أهل الفضل في الدين وذلك أن معتديها‬

‫كمانعها‪ ،‬فلما كان معتديها إذا لم يعمل فيها بالسيرة صار كمن منعها‪ ،‬فاتقوا هللا وال تولوا‬

‫دينكم إال أهل الرضى والقناعة‪.‬‬


‫)‪(7‬وعن السلطان طلب إلى مشائخ البلد وصلحائهم أن يجعلوا له من عشور المسلمين‬

‫وصدقاتهم شيئا‪ .‬فجعلوا له ثلث العشر فاستقلل ذلك فلما أروا ال تقوم األمور إال بقيامه‬

‫وأن ال يجد في نفسه‪ ،‬فرضوا له نصف العشر من الثمر والشعير والصدقات فيصرفه‬

‫حيث شاء‪ .‬وبعد ذلك طلب من بعضهم أن يكون معه رجل يقوم في ضيعته حتى يشغل‬

‫بأمور اإلس الم على أن يؤاجروه من النصف الباقي ففعلوا له ذلك‪ .‬وهل له ذلك ولهم فيه‬

‫سعة ؟‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة مريم‪55:‬‬

‫)‪(2‬سورة مريم‪31:‬‬

‫)‪(3‬سورة البينة‪5:‬‬

‫)‪(4‬هذه الكلمة غير واضحة في األصل و هذا أقرب شيء لمقتضى المعتني‪.‬‬

‫)‪(1/43‬‬
‫________________________________________‬

‫قال ‪ :‬هذه مثل المسألة األولى‪ .‬وقد بلغنا أن عمر بن الخطاب رحمه هللا قال ‪ :‬أ ُْن ِزل‬

‫ان َغِنًيا‬
‫نفسي وكل عامل لي من هذا المال بمنزلة ما ذكر من مال اليتيم ‪َ { :‬م ْن َك َ‬

‫ْكل ِبالمعر ِ‬
‫وف } (‪ )1‬وذلك أنه ولي الحرمين والشام والعراق‬ ‫ان َف ِق ًا‬ ‫ِ‬
‫ير َفْلَيأ ُ ْ َ ْ ُ‬ ‫ف َو َم ْن َك َ‬
‫َفْلَي ْستَ ْعف ْ‬

‫وهما جناحا الدنيا مع اليمن‪ .‬وقد إنتهت عساكره بسبرة التي بين قايس وطرابلس‪ ،‬وفي‬

‫قميصه وردائه رقاع مختلفة األلوان‪ .‬فكيف بمن ولي كرعة من كراع األرض أن يشترط‬

‫لنفسه أو يؤثرها على الرعية ؟ ومن قام هلل لم يطلب لعمله ثواب الدنيا‪ .‬قالت الرسل ‪{ :‬‬

‫َج ِر َي ِإال َعَلى َّال ِذي َف َ‬ ‫ِ‬


‫ط َرِني ‪ )2( } ....‬وقال ‪َ { :‬وال‬ ‫َج ًار ِإ ْن أ ْ‬
‫َسأَُل ُك ْم َعَل ْيه أ ْ‬
‫َيا َق ْو ِم ال أ ْ‬

‫َج ًار (على قيامك لهم بهذا األمر)‬


‫َي ْسأُل ُك ْم أ َْم َواَل ُك ْم ‪ )3( } ..‬اآلية‪ .‬وقال ‪ { :‬أ َْم تَ ْسأَُل ُه ْم أ ْ‬

‫َف ُه ْم ِم ْن َم ْغ َرم ُم ْثَقلُو َن } (‪ )4‬عن إجابته فال يسرعوا إليها إذا كان ذلك ال يوجد إال ببذل‬

‫المال‪ ،‬ومع أن األمر اليوم قد رق وضعف وصار الرجال مثل النساء ال يدفعون عن‬

‫أنفسهم فكيف غيرهم ؟ واألمر قد شمل وهذه الدعوة قد طفئت مصابيحها وذهبت‬
‫أعالمها والقوام بها‪ ،‬وأعوانها والمعنيون بها في الشرق والغرب‪ ،‬ومن صدق هللا وحاسب‬

‫نفسه إعتزال الناس وفر منهم ف ارره من السبع ‪ .‬وقد بلغنا أن حذيفة بن اليمان ‪ /‬قال‬

‫إلبنه ‪ :‬يا بني إنك في زمان األشرار‪ ،‬وظهر فيه أهل المنكر‪ ،‬وظهر فيه المجانين‬

‫بجمعتهم‪ ،‬واستخفى فيه العلماء بعلمهم‪ .‬فأخف مكانك وابك على خطيئتك‪ .‬وهذا يقوله‬

‫والصحابة بوفره ا‪ .‬وهذا في أيام عثمان بن عفان قبل فتنة الدار‪ .‬وعائشة وأم سلمة نساء‬

‫النبي عليه السالم في الحياة َّ‬


‫وهن يقلن لعثمان ‪ :‬يا عثمان‪ ،‬تخلق ما في يدك ولم تَ ْخَلق‬

‫ثياب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫(‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة النساء‪6:‬‬

‫)‪(2‬سورة هود‪51:‬‬

‫)‪(3‬سورة محمد‪36:‬‬
‫)‪(4‬سورة الظور‪،40:‬سورة القلم‪46:‬‬

‫)‪(1/44‬‬

‫________________________________________‬

‫)‪8‬وعن قوم سفاكين الدماء الحرام واألموال الحرام‪ ،‬فإذا انتهكوا ما حرم هللا من ذلك‬

‫هربوا إلى موضع ال ُيقدر عليه ويبقى من إخوانهم معنا ألنهم آمنون من سطوتنا‪ .‬فإذا‬

‫أردنا القيام إلى القوم المفسدين خرجوا من غير علم منا إلى إخوانهم فيخبروهم بخروجنا‬

‫إليهم فيبتعدوا ويدخلوا الوعر‪ .‬فما ترى لنا ؟ أنأخذ الولي بالولي منهم حتى يذعنوا إلى‬

‫الحق‪ ،‬والقوم كلهم حميتهم وعصبيتهم واحدة ؟‬

‫)‪(1/45‬‬

‫________________________________________‬

‫قال ‪ :‬أما ما ذكرت من أمور الدماء والخروج في طلب من ذكرت فإن ذلك يفوقني‪،‬‬

‫وليس مثلي يسأل (‪ )1‬عن ذلك‪ .‬وال أعلم اليوم أحدا تسخو نفسي أن أسفك به الدماء‬
‫لذهاب العلماء‪ .‬وذلك أن النبي عليه السالم إنما ولي سيف العرب المشركين‪ ،‬وولي بعده‬

‫أبو بكر الصديق قتال أهل الردة‪ ،‬وولي عمر بن الخطاب أهل الملل من أهل الذمة‬

‫وغيرهم‪ .‬وذلك أن هللا بعث نبيه عليه السالم بأربعة أسياف‪ .‬و مات عليه [السالم] (‪)2‬‬

‫وأبو بكر وعمر وهم الذين ولوا قتال ثالثة أسياف يطول بذكر تفسيرهم الكتاب‪ ،‬وذلك‬

‫مفهوم من القرآن‪ .‬وسيف أهل القبلة فوليها علي بن أبي طالب مع صدر من خيار‬

‫أصحا ب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ .‬فهو الذي سنها وسن السيرة فيها‪ .‬وهو قوله ‪:‬‬

‫لوال أنا من كان يسن قتال أهل القبلة ويسن السيرة فيها‪ ،‬لوال أنا من كان يقاتل عائشة‬

‫وطلحة والزبير ؟ فولي قتال الفئة الباغية‪ .‬وكان إذا صاف العدو بعدما دعاهم إلى كتاب‬

‫هللا وسنة نبيه فعاندوا ولم يذعنوا لحكم هللا و رسوله‪ ،‬وكان علي يقول ألصحابه ‪ :‬كفوا‬

‫عن القوم حتى يبدؤوكم‪،‬فإن قتالهم بعدما يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم‪ .‬ويقول ‪ :‬ال‬

‫تطلبوا مدب ار وال تجيزوا على جريح‪ ،‬وال تمثلوا بقتيل‪ ،‬وال تدخلوا بيتا بغير إذن‪ ،‬ألن من‬

‫وجب عليه القتل بالحد الذي أمر هللا به لم يكن للمسلمين سبيل على ماله وولده‪ /‬ولم‬
‫يستحلوا منه ما كان حراما قبل حدثه‪ .‬وذلك أن القتل من الحدود وال يقيم الحدود إال‬

‫األئمة العادلة‪ .‬وال يقاتل بالناس إال من هو أوالهم باهلل لتكون كلمة هللا هي العليا ليعلو‬

‫الحق على الباطل‪ ،‬وال يجت أر على الدماء التي حرم هللا بالقرآن بتحليلها بالقرآن بالحدث‬

‫الذي جعل هللا به سبيل على المجترحين‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬في األصل( سيل)‬

‫)‪(2‬من األصل‬

‫)‪(1/46‬‬

‫________________________________________‬

‫اعتبر ذلك بالحدود‪ ،‬إذا وقعت شبهة زال الحد لقوله [صلى هللا عليه و سلم] (‪( )1‬إدرأو‬

‫الحدود بالشبهات) (‪ . )2‬فالدماء أشد ما يكون من الحدود‪ .‬ولقد يقال ‪ :‬ألن أترك دما‬

‫حالال أحب إلي من أن أسفك دما حراما‪ .‬ويقال ‪ :‬ما يزال الرجل في فسحة من دينه‬
‫حتى يسفك الدم الحرام‪ ،‬فإذا سفك الدم الحرام نزع ربعة اإلسالم من عنقه‪ .‬فما ظنك‬

‫بقوله [تعالى] (‪...{ : )3‬م ْن َقتَ َل َنْفسا ِب َغ ْي ِر َنْفس أَو َفساد ِفي األ َْر ِ‬
‫ض (‪َ )4‬ف َكأََّن َما َقتَ َل‬ ‫ْ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬

‫يعا } (‪ )5‬من مطلع الشمس إلى مغربها لم يدع طفال وال مسلما وال بدال (‪، )6‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫اس َجم ً‬
‫الن َ‬

‫ألن البدالء هم أوتاد األرض بعد األنبياء‪ ،‬بهم يصرف هللا البالء‪ .‬أال ترى إلى بني‬

‫يل هللاِ } (‪ )7‬ألن القتل من‬


‫إسرائيل حين قالوا لنبي لهم { ابع ْث َلَنا ملِ ًكا ُنَق ِاتل ِفي سِب ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬

‫الحدود‪ ،‬وال يقيم الحدود إال األئمة‪ .‬فلم يروا القتل إال بإمام يقيم الحدود‪ ،‬ولم يتقدموا أن‬

‫يؤمروا أمي ار إال من إختاره نبي من أنبياء هللا‪ ،‬ألنه أوالهم باهلل وأعلمهم بمن يستحق‬

‫ذلك‪ .‬وليس لمؤمن وال مؤمنة الخيرة‪ ،‬إنما الخيرة لمن خلق الخلق‪ ،‬فهو يصطفي منهم ما‬

‫َعَل ُم َح ْي ُث َي ْج َع ُل ِرَساَلتَ ُه } (‪ )8‬ومن هو أفضل من عبيده‪ ،‬وأولى بالتقدمة‬


‫يشاء‪ ،‬و{ هللاُ أ ْ‬

‫والقيام بأموره فقال لهم نبيهم على النصح لهم والرضى بإقامتهم على ما كانوا عليه من‬

‫الكتمان كي ال يجب عليهم الجهاد‪ ،‬وال يقوموا به على حال ما كلفوا‪ .‬فقال ‪َ { :‬ه ْل‬
‫ع ِسيتُم ِإن ُكِتب عَلي ُكم اْل ِقتَال أَالَّ تَُق ِاتُلوا } (‪ )9‬خاف إن وجب عليهم الذي سألوا أالَّ‬
‫ُ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫َ ُ ْ‬

‫يقوموا به فيهلكوا{ ‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬من األصل‬

‫)‪(2‬ابن عدى في جزء له من حديث أهل مصر و الجزيرة عن ابن عباس‪ ،‬و أبو مسلم‬

‫الكجي عن عمر بن عبدالعزيز مرسال‪.‬‬

‫)‪(3‬من األصل‬

‫)‪(4‬من األصل‬

‫)‪(5‬سورة المائدة‪32:‬‬

‫)‪(6‬في األصل ‪ :‬بديال‪ .‬والمعروف المشهور ‪:‬البدل‪ ،‬جمع‪ ،‬أبدال أو بدالء‪.‬‬

‫)‪(7‬انظر سورة البقرة‪246:‬‬

‫)‪(8‬انظر سورة األنعام‪124:‬‬


‫)‪(9‬سورة البقرة‪246:‬‬

‫)‪(1/47‬‬

‫________________________________________‬

‫ُخ ِر ْجَنا ِم ْن ِدَي ِ‬


‫ارَنا َوأ َْبَن ِائَنا } (‪ )1‬وذلك أن‬ ‫َقالُوا ‪ :‬وما َلنا أَالَّ نَق ِاتل ِفي سِب ِ ِ‬
‫يل هللا َوَق ْد أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََ َ‬

‫المجوس أخرجوهم من فلسطين واألردن والشام‪ .‬فتشجعوا – بزعمهم‪ -‬على جهاد أعداء‬

‫ال تََوَّلوا ‪ } ....‬اآلية (‪ )2‬ولم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫هللا وعلى إنقاذ أمره‪ .‬قال تعالى ‪َ { :‬فَل َّما ُكت َب َعَل ْيه ُم اْلقتَ ُ‬

‫يتقدموا على سفك الدماء إال بمن اختاره نبي من أنبياء هللا‪ .‬وأن ذلك النبي لم يتقدم أن‬

‫وت َملِ ًكا‪.‬‬ ‫ُّه ْم ِ‪:‬إَّن هللاَ َق ْد َب َع َث َل ُك ْم َ‬


‫طاُل َ‬ ‫ِ‬
‫ال َل ُه ْم َنبي ُ‬ ‫يختار َف َّرَّد ْ‬
‫األم َر إلى العالم بخلقهم ‪َ { /‬وَق َ‬

‫وت سع ًةِ ِم َن الم ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ‬


‫ال ‪} ...‬‬ ‫َ‬ ‫بالمْلك م ْن ُه َوَل ْم ُي َ َ َ ً‬
‫َح ُّقِ ُ‬
‫ك َعَل ْيَنا َوَن ْح ُن أ َ‬ ‫َقاُلوا أَنى َي ُكو ُن َل ُه ُ‬
‫المْل ُ‬

‫(‪ )3‬وذلك أن طالوت ليس من بيت المملكة‪ ،‬وانما الملوك في بيوتاتهم‪ ،‬أي يقولون‬

‫ط ًة ِفي‬
‫طَفاهُ َعَل ْي ُك ْم َوَزَادهُ َب ْس َ‬
‫اص َ‬ ‫‪:‬ليس من أهل ملك وال بذي سعة في المال { َق ِ‬
‫ال إ َّن هللاَ ْ‬
‫َ‬

‫ِ‬
‫العْل ِم َوال ِج ْس ِم } (‪ . ) 4‬وذلك أن الجسم يستعين به على عبادة هللا‪ ،‬وعلمه دليل على‬
‫الهدى وعلى ما يرضى هللا‪ .‬وهذا دليل أنه ليس أحد يؤتى علما يفوقه به أهل زمانه إال‬

‫وهو أفضلهم‪ ،‬والعلماء ورثة األنبياء‪ ،‬وال يكون خلفا منهم إال أفضل من بقي منهم‪ .‬إلى‬

‫قوله ‪ { :‬أَن يأِْتيكم التَّابوت ِف ِ‬


‫يه َس ِك َين ٌة ِم ْن َرِب ُك ْم } (‪ )5‬والتابوت فيه آية معجبة يطول‬ ‫ْ َ َُ ُ ُ ُ‬

‫ذكرها‪ .‬وهم إذا صافوا العدو لم يتقدموا على القتال حتى يأذن هللا لهم‪ .‬يقال إن السحابة‬

‫تظل البقرة فيقوم في التابوت دوي فتحمل البقرة فيحملوا معها فمن كان أمامها لم يرجع‬

‫القهقري إال قدما حتى يفتح هللا لهم أو يموتوا{ ‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة البقرة‪246:‬‬

‫)‪(2‬سورة البقرة‪247:‬‬

‫)‪(3‬سورة البقرة‪247:‬‬

‫)‪(4‬يشير إلى استئناف اإلستشهاد باآلية بعد أن قطع عليها بما تقدم من التفسير‬

‫)‪(5‬سورة البقرة‪247:‬‬
‫)‪(1/48‬‬

‫________________________________________‬

‫س ِمِني } (‪)1‬‬
‫يكم ِبَنهر َفم ْن َش ِر َب ِم ْن ُه َفَل ْي ِ‬ ‫ِ‬ ‫وت ِباْلج ُنوِد َق ِ‬
‫ال إ َّن هللاَ ُم ْب َتل ُ ْ َ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫طالُ ُ‬
‫ص َل َ‬
‫َفَل َّما َف َ‬

‫يقول ‪ :‬ال يصحبني وأنا منه بريء‪ ،‬يختبرهم بذلك يميز المطيع هلل المعظم لحرما ته من‬

‫العاصي المنتهك لها المتهاون بأمره‪َ { .‬ف َش ِرُبوا ِم ْن ُه ِإالَّ َقلِيالً ِم ْن ُه ْم } (‪ )2‬وهم يقال ثالث‬

‫مائة ألف وثالثة عشر ألفا فلم يجاوز النهر إال بثالث مائة وثالثة عشر على عدة‬

‫أصحاب بدر‪ ،‬فلم ينج إال رجل من كل ألف‪ .‬وذلك بعضهم حين جاوزه بالقليل { الَ‬

‫وت َو ُج ُنوِد ِه } (‪ )3‬فقال هل الشجاعة منهم‪ ،‬الموقنون بلقاء هللا فحكى‬


‫الي ْوَم ِب َجاُل َ‬
‫طا َق َة َلَنا َ‬
‫َ‬

‫هللا مقالتهم ‪َ { :‬ك ْم ِم ْن ِفَئة َقلِيَلة َغَلَب ْت ِفَئة َكِث َيرة ِبِإ ْذ ِن هللاِ ِوهللاُ َم َع َّ‬
‫الصاِب ِر َ‬
‫ين } (‪)4‬‬

‫فهزموا الجم الغفير والخلق الجليل وهم قلة قبل أن ترجع الكثرة منهم ألن جالوت وجنوده‬

‫أكثر من عامتهم بأضعاف‪.‬‬


‫وأما أهل زماننا يقاتلون المفسدين بمن هو شر منهم وأكثر فسادا في األرض‪ ،‬وتُْن َهب‬

‫األموال وتحرق المنازل‪ .‬وكالهما مفسدون وال يكون بعض المفسدين أحب إلىاهلل من‬

‫آم ُنوا‬ ‫َّ ِ‬ ‫بعض‪ .‬قال هللا ‪ { :‬وما ُك ْنت متَّ ِخِ َذ ِ ِ‬
‫ين َ‬
‫ض ًدا } (‪ )5‬وقال { أ َْم َن ْج َع ْل الذ َ‬
‫ين َع ُ‬
‫المضل َ‬
‫ُ ُ َ ُ‬ ‫ََ‬

‫ين ِفي األ َْر ِ‬


‫ض } (‪ )6‬والمفسدون ليسوا من الذين آمنوا وعملوا‬ ‫ات َك ِ ِ‬
‫الصالِح ِ‬ ‫ِ‬
‫المْفسد َ‬
‫ُ‬ ‫َو َعملُوا َّ َ‬

‫الصالحات ألنهم حزب الشيطان‪ ،‬والمصلحون في األرض حزب هللا‪ ،‬وحزب هللا هم‬

‫المفلحون وحزب الشيطان هم الخاسرون‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة البقرة‪249:‬‬

‫)‪(2‬سورة البقرة‪249:‬‬

‫)‪(3‬سورة البقرة‪249:‬‬

‫)‪(4‬سورة البقرة‪249:‬‬

‫)‪(5‬سورة الكهف‪51:‬‬
‫)‪(6‬سورة ص‪28:‬‬

‫)‪(1/49‬‬

‫________________________________________‬

‫الولي بالولي‪ ،‬فهذا أول حكم وضعه إبليس في األرض فيما بلغنا‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫وأما قولك ‪/:‬أن يأخد‬

‫ال تَ ِزُر َو ِازَرةٌ ِوْزَر أ ْ‬


‫ُخ َرى } (‪ )1‬وقد قال لعبد‬ ‫وقد كفاك هللا السؤال عن ذلك فقال ‪َ { :‬و َ‬

‫اعَنا ِع ْن َدهُ } (‪ )2‬هذا وقد‬ ‫َّ‬


‫ْخ َذ ِإال َم ْن َو َج ْدَنا َمتَ َ‬
‫َن َنأ ُ‬
‫أثنى عليه ورضى حكمه { َم َعا َذ هللا أ ْ‬

‫بذلوا له أنفسهم فأبى أن يقبلهم فكيف يجبرهم عن ذلك ؟ وقد قال رسول هللا صلى هللا‬

‫عليه وسلم( اليؤخد األب بجريرة إبنه وال اإلبن بجريرة أبيه ) (‪ )3‬فاتقوا هللا واصبروا على‬

‫دينكم‪ ،‬وال تغيروا سيرة أسالفكم فإنه يقال ‪ :‬يأتي من الناس زمان ال يبقى في أيديهم من‬

‫آليات لِ ُك ِل‬ ‫ِ ِ‬
‫ك َ‬ ‫دينهم إال ما وافق دنياهم‪ .‬والصبر نصف اإليمان‪ .‬قال هللا ‪ِ { :‬إ َّن في َذل َ‬

‫صَب ْرتُ ْم َفِن ْع َم‬ ‫ِ‬


‫الم َعَل ْي ُك ْم ب َما َ‬
‫صبَّار َش ُكور } (‪ )4‬وانما قالت المالئكة ألهل الجنة { َس ٌ‬
‫َ‬

‫الد ِار} (‪ )5‬فعوا أنه بالصبر ورثوا نعيما‪ ،‬وملكا دائما‪.‬‬


‫ُعْقَبى َّ‬
‫)‪(9‬وعن من يعين السلطان في بعض أموره‪ ،‬ولم يفرض له من الصدقات شيئا ترضى‬

‫به نفسه‪ ،‬وان أعطاه السلطان شيئا يقول بقدرعناه‪ ،‬ولكن الرجل يقول عنائي يستوجب‬

‫أكثر من ذلك‪ ،‬أوال ترى أن يرفع ذلك إلى من ينظر فيما بينهما ال وكس وال شطط ‪ ،‬ألن‬

‫السلطان عنده بخيل‪.‬‬

‫أو أرأيت إن رفع الرجل نفسه عن معونته‪ ،‬ولم ينقم عليه إال ما أخبرتك عن شحه عليه‪،‬‬

‫ولم تفرض له فوجد في نفسه بذلك ويحسب ذلك رجال (‪ )6‬من سخرة يسخره في‬

‫إستعانته إياه‪ .‬ويحتشم الرجل أن يرد عليه طلبته منه‪ ،‬هل يكون في سعة من ذلك أن‬

‫يرفع نفسه عن معونة السلطان إال بشيء معلوم‪.‬‬

‫قال ‪ :‬إنما الصد قات لمن سماها هللا‪ .‬وأما من طلب اإلجارة في معونته للسلطان فال‬

‫نعلم هذا في شيء من سيرة من مضى وال تحل اإلجارة على القيام بأمر هللا‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة األنعام‪ ، 164:‬اإلسراء‪15:‬‬


‫)‪(2‬سورة يوسف‪79:‬‬

‫)‪(4‬سورة إبراهيم‪ ، 5:‬سورة لقمان‪ ، 31:‬سورة سبأ‪ ، 19:‬وسورة الشورى‪33:‬‬

‫)‪(5‬سورة الرعد‪24:‬‬

‫)‪(6‬في األصل ‪:‬رجل‬

‫)‪(1/50‬‬

‫________________________________________‬

‫وأما ما ذكرت من معونة السلطان‪ ،‬فإذا كان من أهل العدل وأمر بالمعروف وستعان‬

‫على األمور التي تلزمه القيام بها فعلى الرعية السمع والطاعة لمن دعا من األئمة إلى‬

‫ما هو هلل رضى‪ .‬وذلك أن هللا أمر بالتعاون على البر والتقوى‪ ،‬ونهى عن التعاون على‬

‫ولَ وأُولِي األ َْم ِرِ ِم ْن ُك ْم } (‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الرُس َ‬
‫يعوا َّ‬
‫يعوا هللا َوأَط ُ‬
‫اإلثم والعدوان‪ ،‬وقال تعالى ‪َ { :‬وأَط ُ‬

‫وأما اإلجارة في ذلك فهذا ما ال يجوز‪ .‬وخذالن أئمة الهدى على األمر بالمعروف‬
‫وكم ِفي ِ‬
‫الد ِ‬
‫ين َف َعَل ْي ُك ُم‬ ‫ص ُر ُ ْ‬
‫استَْن َ‬
‫والنهي عن المنكر معصية‪ .‬وقال هللا تعالى ‪َ { :‬واِ ْن ْ‬

‫ص ُر } (‪)2‬‬ ‫َّ‬
‫الن ْ‬

‫)‪(10‬وعن قوم لقوا قوما وهم عابروا سبيل في طلب عبد لهم هرب فقتلوهم وغنموا‬

‫أموالهم‪ ،‬والمقتولون تحت أمير ُم َع ِطل لألمور وال يشتغل بإصالح اإلسالم‪ ،‬فلم يشتغل‬

‫بأمرهم ولم يطلب قتلهم حتى عزل فولي غيره ممن يطلب إعزاز اإلسالم وأهله فطلب‬

‫(‪ ) 3‬إليه أولياء المقتولين أن ينصفهم من القاتلين وليس القاتلين برعية له والمقتولين‬

‫رعية لألول ولهذا‪ ،‬فهل ترى له أن يطلب ثاراتهم (‪ )4‬وهم المفسدون اليوم‪ ،‬طلب ذلك‬

‫أولياء المقتولين أو لم يطلبوه ؟‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة النساء‪59:‬‬

‫)‪(2‬سورة األنفال‪72:‬‬

‫)‪(3‬في األصل ‪ .‬فطلبوا إليه‪ ،‬و هي لغة ضعيفة‪.‬‬


‫)‪(4‬في األصل ‪ :‬ثارتهم‪....‬‬

‫)‪(1/51‬‬

‫________________________________________‬

‫قال‪ :‬الناس كلهم عند سلطان العدل كأسنان المشط‪ ،‬ال فضل ألحد على اآلخر‪ ،‬إذا قام‬

‫بأمر هللا وانفاذ أحكامه إذ ال حكم إال هلل‪ ،‬وانما قام بقطع الشكية عن هللا‪ ،‬فالضعيف‬

‫عنده قوي حتى يأخد له حقه‪ ،‬والقوي عنده ضعيف حتى ينصف منه ويكون لذي الحق‬

‫اسيرا‪ .‬ويقال ‪ :‬من مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت هللا له قدميه يوم تزول‬

‫األقدام وليس في تقصير من قصر في إيصال األحكام ما يزيلها عمن وجبت عليه‬

‫فليحكم فيما يستقبل بما أنزل هللا‪ .‬وأما من عفا عن حقه فليس عليه أن يلجئه إلى الطلب‬

‫ألن العفو مما أمر هللا به‪ ،‬وهو إلى التقوى أقرب‪ .‬وكل ما ذكرت في مسائلك إنما ذلك‬

‫في الظهور‪ ،‬وعلى أئمة المسلمين إذا كانوا حكاما ظاهرين أن ينفدوا األحكام في القريب‬

‫والبعيد والوضيع والشريف‪ .‬واإلمام الظاهر ال عذر له في تعطيل األحكام ما دام في‬
‫أربعين رجال فغن أنقص منهم واحد حل اللواء واعتزل اإلمامة‪ .‬قال عمر بن الخطاب‬

‫رحمه هللا ‪/‬إن كنت ولي األمر فجد‪ ،‬وان كنت خلوا فعليك بنفسك‪.‬‬

‫)‪(11‬وما تقول – رحمك هللا – في أب أعطى جميع ماله إلبنه فباع اإلبن ذلك كله من‬

‫ساعته أو من يومه أو بعد ذلك فطلب المشتري ذلك إلى األب فقال األب‪ .‬إنما أرضيت‬

‫إبنى بكالم كان مني‪ ،‬هل ترى بيع الصبي يكون حيازة‪ ،‬والمال في يد األب حتى‬

‫خاصمه المشتري ؟‬

‫)‪(1/52‬‬

‫________________________________________‬

‫فقال ‪ :‬ال يجوز ألحد أن يعطي ماله فيبقى حاس ار من المال فيجحف بنفسه‪ .‬اال ترى‬

‫ك َم ْغلُوَل ًة ِإَلى ُع ُن ِق َك َوالَ‬


‫غلى قول هللا تعالى وما أدب به نبيه فقال ‪َ { :‬وال تَ ْج َع ْل َي َد َ‬

‫حاسر من المال‪ ،‬فكما ال يجوز له‬


‫ا‬ ‫ور } (‪ )1‬يعني‬
‫وما َم ْح ُس ًا‬ ‫ِ‬
‫الب ْسط َفتَْق ُع َد َملُ ً‬
‫تَْب َس ْط َها ُك َّل َ‬

‫أن يمسك يده عن النفقة في طاعة هللا فكذا ال يجوز له أن يعطي ماله كله‪ ،‬وانما قال ‪":‬‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫أ َْن ِفُقوا ِم َّما َرَزْقَن ُ‬
‫َِ ْنَفٌقوا َل ْم ُي ْس ِرُفوا َوَل ْم ُيْقت ُروا َوَك َ‬
‫ان َب ْي َن‬ ‫ين إ َذا أ َ‬
‫اك ْم } (‪ )2‬وقوله ‪َ { : /‬والذ َ‬

‫اء أ َْم َواَل ُك ْم } (‪ )4‬يعني بالسفهاء النساء واألوالد‬ ‫ِ‬


‫السَف َه َ‬
‫اما} (‪ )3‬وقوله ‪َ { :‬والَ تُ ْؤتُوا ُّ‬
‫ك َق َو ً‬
‫َذل َ‬

‫الصغار‪ ،‬فال يملكهم ماله فيفسدوه عليه‪،‬فعطية األب قد خالف فيها أدب هللا‪ .‬و كل ما‬

‫خولف فيه السنة في السنة نقضه‪ .‬وليس بيع اإلبن بشيء ألن البيع عقوق لوالده في‬

‫شيء لم يمكن ه الملك فيه بحيازة وال بعطية تجوز وليس لإلبن من عطية األب –إذا كان‬

‫بالغا – إال إذا حاز‪ .‬وما لم يحز فليس بشيء‪.‬‬

‫)‪(12‬وما تقول في عطية رجل عمد إلى طريق الشارع فبنى أعمدة جنانه وفيه أعمدة‬

‫فهل ترى للسلطان أن يحرج ذلك أو حتى يرفع إليه ذلك كله ؟‬

‫قال ‪ :‬الزقاق والط ريق الناس فيه شرع سواء ليس ألحد أن يقطع منه دكانا يجلس فيه‬

‫ويجعل على حيطانها سقفا‪ .‬وقد بلغنا أن أبا بكر الصديق رحمه هللا قال ‪ :‬من اقتطع‬

‫من طريق المسلمين أو من أفنيتهم شب ار طوقه هللا من سبع أرضين يوم القيامة‪ .‬وال‬

‫يجوز لسلطان المسلمين أن يدع حدثا في اإلسالم رفع إليه أو لم يرفع إليه‪ ،‬وعليه‬
‫اإلجتهاد في رعاية اإلسالم وأهله وقد جاء في الحديث ‪ (:‬من أحدث حدثا أو آوى محدثا‬

‫فعليه لعنة هللا ) (‪)5‬‬

‫(‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة اإلسراء‪29:‬‬

‫)‪(2‬سورة البقرة‪245:‬‬

‫)‪(3‬سورة الفرقان‪67:‬‬

‫)‪(4‬سورة النساء‪5:‬‬

‫)‪(1/53‬‬

‫________________________________________‬

‫)‪13‬وما تقول –رحمك هللا – في قوم من أهل الدعوة ولي عليهم الجبابرة وهم الحاكمون‬

‫عليهم بما ال يخفى عليك من الجور وما ال يستطاع له الصفة‪ ،‬هل ترى لسلطان‬
‫المسلمين أن ينهض إلى أولئك الجبابرة ليزيلهم عنهم ويحول بينهم‪ ،‬أو يولي على أهل‬

‫الدعوة والة وال يقصد إلى الجبابرة فأيما أحب إليك من ذلك ؟ طلب أهل الدعوة ذلك إلى‬

‫السلطان المسلمين أو لم يطلبوه ؟‬

‫قال ‪ :‬أحب إلينا في ذلك السالمة لدينك‪ ،‬فإن السالمة ال يعدلها شيء وال يتكلف من‬

‫األمور ما تعجز عنه طاقته‪ ،‬فإن األمر قد رق وضعف وعاد اإلسالم غريبا كما بدأ‪.‬‬

‫واعل م أن الظهور لم يستقم للمهاجرين واألنصار إال ثالث سنين وأشهر ألبي بكر وعشر‬

‫سنين لعمر بن الخطاب وصد ار من سني عثمان بن عفان‪ ،‬ثم صارت األمور بعد ذلك‬

‫إلى ما قد علمت من الخبال والتنازع‪ .‬فلم يزل اإلسالم في نقصان بعد كماله إلى أن عاد‬

‫غريبا‪ .‬واليوم قد كملت أشراط الساعة إال ما بقي من اآليات الالتي ال ينفع معها العمل‬

‫وال قبول التوبة (‪ . )1‬فال تنتظر اليوم إال تلك العالمات ومجيء القيامة‪ .‬فبادر نفسك‬

‫والتمس السالمة قبل نزولها‪ ،‬فإنه بلغني أن النبي عليه السالم ‪(/‬لما بعث التقم صاحب‬

‫الصور الصور ووضع فاه فقدم رجال وأخر أخرى ينتظر األذن لألخرى ) (‪ )2‬وقد قال‬
‫اس ِح َس ُاب ُهم ‪} . ... ...‬اآلية (‪) 4‬‬
‫طها } (‪ )3‬وقال ‪ِ { :‬إ ْقتََر َب لِ َّلن ِ‬
‫َش َار ُ َ‬
‫اء أ ْ‬
‫تعالى ‪َ { :‬فَق ْد َج َ‬

‫‪.‬‬

‫(‬

‫__________‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َآيات َربِ َك ال َي ْنَف ُع َنْف ًسا َ‬
‫إيم ُان َها َل ْم تَ ُك ْن‬ ‫)‪(1‬يشير إلى قول هللا تعالى‪َ ":‬ي ْوَم َيأتي َب ْع ُ‬

‫آمَن ْت ِم ْن َق ْب ُل " سورة األنعام‪158:‬‬


‫َ‬

‫)‪(3‬سورة محمد‪18:‬‬

‫)‪(4‬سورة األنبياء‪1:‬‬

‫)‪(1/54‬‬

‫________________________________________‬

‫)‪14‬وعن قوم أهل بغي وفساد غصبوا أرضا لقوم من المسلمين ففسلوها (‪ )1‬فشكا أهلها‬

‫إلى وال من والة المسلمين‪ ،‬و لم يكونوا له برعية‪ .‬وانما ولي عليهم جبار من الجبابرة‪.‬‬
‫هل ينبغي لسلطان المسلمين أن يقطع تلك النخيل التي اغتصبوها ؟ وانما ذلك الغصب‬

‫مشهور يشهد بذلك أهل تلك البلدة الذين زعموا أنه غصب منهم وقد مضت سنون عدة‬

‫في يد الغاصبين‪.‬‬

‫قال ‪ :‬قد بينت في المسائل التي قبلها أن عليه نزع الحدث وتغيير المنكر وقطع الشكية‬

‫عن هللا والقيام مع المظلوم‪ .‬فإذا لم يفعل فال طاعة له وهو خليع بقول النبي عليه السالم‬

‫‪ (:‬وانما أشهد هللا على من وليناه شيئا من أمور المسلمين قل أو كثر فلم يعدل فال‬

‫طاعة له وهو خليع مما وليناه) (‪) .2‬‬

‫وأما قولك ‪ :‬أن يقطع النخيل‪ ،‬فكلما غرس الغاصب أو زرع فليس له إال زريعته أو قيمة‬

‫األعواد التي غرس‪ .‬وما نبت وأدرك فهو لصاحب األرض‪ .‬أال ترى أن من حرث أرضا‬

‫محجو ار عليها ليس له إال زريعته التي زرع والزرع لصاحب األرض وليس لعرق الظالم‬

‫حق‪.‬‬

‫وقولك ‪:‬مضت سنون عدة‪ ،‬والحق ال يبطله عدد السنين‪.‬‬


‫والسالم عليك‪.‬‬

‫"?"‬

‫بسم هللا الرحمان الرحيم‬

‫ألبي بكر عتيق بن أسدين من جناو بن فتى حفظه هللا‬

‫)‪ (1‬سألت عن رجل يدخله الشك في صالته ووضوئه وفي الكالم وعندما يتكلم حتى‬

‫يكثر ذلك منه‪ ،‬هل ترى له ـ يرحمك هللا ـ أن يمضي على ما هو فيه فإن قال في نفسه‬

‫لم يتم وضوءه أو صالته‪ .‬والرجل ترى منه الوسوسة حتى يخف أن تخرج صالته ؟‬

‫__________‬

‫)‪ (1‬فسلوها‪:‬أي غرسوا فيها فسائل النخل‪ .‬واحدتها‪ ،‬فيسلة‪ .‬وهي الصغيرة من النخل‪،‬‬

‫وأفسل الفسيلة‪ :‬انتزعها من أمها واغترسها‪ .‬انظر اللسان‪ :‬مادة(فسل‪).‬‬

‫)‪(1/55‬‬
‫________________________________________‬

‫قال ‪:‬إن الشيطان لإلنسان عدو مبين‪ ،‬وانه يرصدكم عند كل عمل وقول‪ .‬وقد علمكم هللا‬

‫الخَّن ِ‬
‫اس" (‪ )1‬وذلك أنه‬ ‫اس َ‬‫الذي ترجى به النجاة من وساوسه فقال ‪ِ { :‬م ْن َش ِر الوسو ِ‬
‫َ َْ‬

‫يوسوس في قلب ابن آدم بخطرات لو جرى معها ألفسد عليه دينه ودنياه نغص عليه‬

‫العيش وكدر له األمور وخلط عليه‪ .‬فكثرة الذكر هلل به يخنس الشيطان‪ ،‬ألن ابن آدم إذا‬

‫اهتم بخير وذكر هللا ودعاه مخلصا سطع نور ذلك في قلبه‪ .‬فإذا سطع نور ذلك خنس‬

‫الشيطان وهرب‪ ،‬ألنه إنما يوسوس مع الغفلة‪ ،‬وانما اليقظة واإلنتباه والحذر‪ ،‬بذلك يخنس‬

‫ان تَ َذ َّك ُروا َفِإ َذا ُه ْم‬


‫طِ‬ ‫ف ِم َن َّ‬
‫الش ْي َ‬ ‫الشيطان وال يطمع‪ .‬قال هللا تعالى ‪ِ { :‬إ َذا م َّسهم َ ِ‬
‫طائ ٌ‬ ‫َ ُْ‬

‫مب ِ‬
‫ص ُرو َن } (‪ ) 2‬فالرجل إذا دخل في الوضوء فإنما ضميره ونيته أن لو تم ذلك كما‬ ‫ُْ‬

‫أمر‪ ،‬وكذلك إذا دخل في الصالة فنيته وضميره تمامها‪ .‬فإذا عارضه الشيطان بعدما فرغ‬

‫بخطرات يشكك عليه فعله ويلبس عليه أمره فليمض على ما استيقن عليه أمره ويلقي‬

‫عن نفسه ما أدخل عليه الشيطان من الشك‪ .‬ولو كان في إعادته الوضوء والصالة رشدا‬
‫لم يحمله على ذلك بل كان يحسن عليه فعله‪ ،‬أال ترى إلى قول المسلمين فيمن أحس‬

‫من نفسه خروج الريح أنه إذا لم يسمع صوتا أو يجد ريحا أنه يمضي على وضوئه أو‬

‫صالته إذا لم يكن على يقين من تقصيره‪ .‬أال ترى أن الحدود تد أر بالشبهات إذا لم يكن‬

‫األمر مجردا مشهورا‪ .‬وما كان هللا ليعذب على أمر قد أبهمه ولم يبينه اعتبر ذلك بقول‬

‫ابن عباس ‪ :‬كل ما شككت حتى ال تشك (‪) .3‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة الناس‪4 :‬‬

‫)‪(2‬سورة األعراف ‪201:‬‬

‫)‪(3‬يعني بذلك األكل قبل التأكد من وقت اإلمساك في رمضان فأباح األكل عند وجود‬

‫شك و حمله على اإلباحة حتى يستبن‬

‫)‪(1/56‬‬

‫________________________________________‬
‫أال تراه أبطل الشك حتى يكون على اليقين المجرد‪ .‬ولو أطاع الناس الشيطان فيما يدخل‬

‫عليهم من الشكوك ألفسد عليهم دينهم ودنياهم ولم يصف لهم عمل‪ .‬وقد بلغنا أن رجال‬

‫سأل فقيها من المسلمين وذلك أنه وقع في نفسه أنه فارق امرأته وشك في ذلك‪ ،‬فوسوس‬

‫إليه الشيطان أال يقيم على ريبة وأن يفارق امرأته فسأل عن ذلك فقال له المسئول ‪:‬‬

‫طلق امرأتك(‪ )1( )...‬فقال له ‪ :‬بماذا ؟ فقال له ‪ :‬يا لكع‪ ،‬أنا آمرك أن تطلق امرأتك‬

‫فتقول بماذا‪ ،‬والشيطان يأمرك أن تطلقها فتفعل ذلك! لو جرى الناس معه لنغص عليهم‬

‫حاللهم وخبث عليهم أنفسهم‪.‬‬

‫وقد بلغنا عن السلف أنهم قالوا ‪ :‬من كثرت أيمانه ولم يذكر حيث حنث أنهم قالوا يكفر‬

‫عن ما حفظ أيمانه و أما ما شك فيه فال كفارة عليه فيه‪ .‬ولوال أن يطول الكتاب لشرحنا‬

‫لك في مثل هذا كثيرا‪ .‬وفيما ذكرنا كفاية فامض على ما كان عليه ضميرك األول فإذا‬

‫تماديت على ذلك أيس منك فاقطع ذلك عن نفسك‪ .‬قد بلغنا أن النبي عليه السالم إذا‬
‫اجتمع عليه أمران أخذ بأيسرهما (‪ ، )2‬والييسر أحب إلى هللا‪ ،‬وقد قال هللا لقوم ‪{ :‬‬

‫استَْيَقَن ْت َها أ َْنُف ُس ُه ْم } (‪ )3‬فلم يعاقبهم إال بالتمادي باليقين‬ ‫ِ‬


‫َو َج َح ُدوا ب َها َو ْ‬

‫)‪... (2‬وذكرت في رجل بين ظهراني قوم يرون أن يجبروا الناس في الخروج إلى‬

‫المحاربة ‪ .‬فسرق له عبد فبلغ ذلك األمير ‪ /‬فحشد من الناس رجاال كثيرا‪ .‬هل ترى لهذا‬

‫الرجل الذي سرق عبده أن يخرج معهم وال يعينهم على ما هم فيه بشيء إال أنه يتبعهم‪،‬‬

‫فإذا نزلوا نزل واذا ساروا سار وكف‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬ها هنا كلمة لم أتمكن من قراءتها و رسمها هكذا ‪ :‬بنبرت‬

‫)‪(2‬البخاري في كتاب األدب ‪ ،‬باب قول النبي صلى هللا عليه و سلم " يسروا و ال‬

‫تعسروا " و بهامش فتح الباري ‪ ،436/1.‬و مسلم كتاب الفضائل باب مباعدته ‪،‬صلى‬

‫هللا عليه و سلم لآلثام و اختيلره المباح ‪ .‬و انظر البيهقي‪ :‬دالئل النبوة ‪،‬تحقيق السيد‬

‫أحمد صقر ‪265 : 1 :‬‬


‫)‪(3‬سورة النمل ‪14‬‬

‫)‪(1/57‬‬

‫________________________________________‬

‫قال ‪ :‬ال أرى له صحبتهم‪ ،‬ألن من كثر سواد قوم فهو منهم‪ .‬والناس حزبان‪ ،‬حزب هللا‬

‫وحزب الشيطان‪ .‬فكل حزب مفسد أو يتعدى الحق إلى الباطل وليس قبله سيرة المسلمين‬

‫وحالهم فهم من خيل إبليس ورجله (‪ )1‬ألنهم إذا ظفروا وغلبوا أفسدوا فكل مفسد‪،‬‬

‫والمفسدان كالهما سواء ليس بعضهم أحب إلى هللا من بعض‪ ،‬ألنهم كلهم مفسدون‪،‬‬

‫ين ُيَق َاتُلو َن‬ ‫ِ َِّ ِ‬


‫والمؤمنون يصلحون في األرض وال يفسدون‪ .‬قال هللا تعالى (‪ { : )2‬أُذ َن للذ َ‬

‫ين ِإ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِبأََّنهم ُ ِ‬


‫ص ِرِه ْم َلَقد ٌير } (‪ )3‬ثم نعت المأذنون لهم فقال ‪ { :‬الذ َ‬
‫ظل ُموا َوِا َّن هللاَ َعَلى َن ْ‬ ‫ُْ‬

‫اهم ِفي ْ ِ‬ ‫َّ‬


‫الصالَ َة ‪ )4( } ....‬اآلية يقول ‪:‬إنما أذنت لهم في القتال ألنهم‬ ‫األرض أََق ُ‬
‫اموا َّ‬ ‫َم َكن ُ ْ‬

‫إذا غلبوا قاموا بصالح البالد والعباد واحياء الحق واماتة الباطل ‪.‬وذلك أن طاعة هللا‬
‫غلت أيديهم عن ما ال يحل‪ ،‬وأما من أطلق يده ولم تغلها الطاعة فهو مفسد فال سبيل‬

‫للمؤمن إلى عونه وال إلى تكثير سواده‪.‬‬

‫)‪... (3‬وأما قولك ‪ :‬هل يحرض قاضيهم على الخروج ؟‬

‫إنما قال هللا لنبيه { ح ِرض المؤ ِمِنين عَلى ِ‬


‫القتَ ِ‬
‫ال } (‪ )5‬فإذا لم يكن ممن يجوز له القيام‬ ‫َ ْ ُْ َ َ‬

‫بأمر هللا‪ ،‬فالمحرض إنما يثوره ليشعل ناره‪ .‬فالكف واإلعتزال له أسلم‪.‬‬

‫)‪(4‬وأما قولك إذا أراد التوبة‪.......‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬أنظر سورة اإلسراء ‪64 :‬‬

‫)‪ (2‬العبارة في األصل ‪:‬فإن هللا أذن ‪...‬الخ و هو تصحيف فيما يبدو و قد أصلحته كما‬

‫ترى‪.‬‬

‫)‪(3‬سورة الحج ‪39‬‬

‫)‪(4‬سورة الحج ‪41‬‬


‫)‪(5‬سورة األنفال ‪65‬‬

‫)‪(1/58‬‬

‫________________________________________‬

‫فليستغفر هللا ويضمر أال يعود‪ ،‬ألن الرجل الذي حرض مالك بنفسه‪ ،‬ولو كان األمر‬

‫حاكما عليه للزمه الفعل‪ ،‬ولو كان عبدا له أو طفال له للزمه الفعل أيضا‪ .‬فأما البالغ‬

‫المالك لنفسه فأرجو أن تسعه التوبة ألنه أمر بالمنكر إذ [أمر] (‪ )1‬بالبسط من ال يجوز‬

‫له البسط‪ .‬المسلمون اليوم في كتمان‪ .‬وانما يجوز الدفع لما لم يجدوا من دفعه بدا مثل‬

‫نار أقبلت عليهم إن لم يطفوها (‪ )2‬عن أنفسهم هلكوا‪.‬‬

‫)‪(5‬وكيف ترى لي إن سرقت داري أو نزل اللصوص في خزائني فأخرج األمير سرية‬

‫فخرجت معهم على وجه حفظ مالي أو دفاع اللصوص عن مالي بغير قتال‪ ،‬وان كان‬

‫قتال خرجت بنفسي‪....‬‬


‫قال ‪ :‬قد بينت لك المسألة األولى الذي جاء في الحديث أن من كثر سواد قوم فهو منهم‬

‫ض ًدا } (‪ . )4‬وجاء في‬ ‫(‪. )3‬قال هللا تعالى ليتأسى به ‪ { :‬و ما ُك ْنت متَّ ِخ َذ ِ ِ‬
‫ين َع ُ‬
‫المضل َ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬

‫الحديث (اعتبروا الناس بأخذانهم‪ ،‬فإنما يخاذن الرجل مثله) (‪ . )5‬يعني ال يصاحب‬

‫الرجل إال مثله الطالح مع الطالح والصالح مع الصالح‪ .‬وانما تنزل الطير [ على‬

‫ص َار هللاِ } (‪ )7‬إلى‬


‫ونوا أ َْن َ‬
‫آم ُنوا ُك ُ‬
‫ين َ‬
‫أشباهها (‪ /] )6‬وقد قال هللا تعالى ‪ { :‬يا أَي ِ‬
‫ُّها الذ َ‬
‫َ َ‬

‫ص ُار هللاِ } (‪ . )8‬وأنصار هللا يصلحون في األرض وال‬ ‫ال َ ِ‬


‫الح َوارُيو َن َن ْح ُن أ َْن َ‬ ‫قوله ‪َ { :‬ق َ‬

‫يفسدون‪ ،‬وأنصار الشيطان يفسدون في األرض وال يصلحون‪.‬‬

‫)‪(6‬وأما قولك ‪ :‬ثارت الصيحة‪..‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬زيادة ليستقيم بها الكالم ‪ :‬و يعني بالبسط هنا ‪ .‬بسط اليد بالقتل أو غيره‬

‫)‪(2‬هكذا في األصل بحذف الهمزة من الكلمة‬

‫)‪(4‬سورة الكهف‬
‫)‪(6‬ما بين المعقوفتين ساقط من األصل ‪ .‬و هذا أقرب شيء يدل عليه المعنى‬

‫)‪(7‬سورة آل عمران ‪52‬‬

‫)‪(8‬سورة آل عمران ‪52‬‬

‫)‪(1/59‬‬

‫________________________________________‬

‫وأهل هذا الزمان ال ينبغي الخروج معهم إال أن يكون خروجهم إلى جراد أو سمك فال‬

‫بأس أن تخرج معهم‪ ،‬وأما غير ذلك من خروج بعضهم إلى بعض فاحذر واهرب من‬

‫الناس كهروبك من السبع‪ .‬أال ترى إلى قول حذيفة البنه ‪ :‬يا بني إنك في زمان األشرار‬

‫وظهر فيه المجانين بحمقهم واستخفى فيه العلماء بعلمهم فأخف مكانك وابك على‬

‫خطيئتك‪ .‬أال تراه أمره بالعزلة في ذلك الزمان والصحابة بوفرها‪ .‬إال أنه لم ولي أمور‬

‫الناس من حاد عن طريق ه من كان قبله قال ابن مسعود ‪ :‬كن حلسا من أحالس بيتك‬

‫واعتزل الناس وما هم فيه‪ .‬ونفير أهل التوحيد إلى أهل التوحيد بأسباب تكون بينهم‬
‫فاحذر ثم احذر فإنكم أن تتركوا دما حالال خير من أن تسفكوا دما حراما وتكثروا سواد‬

‫من سفكها‪.‬‬

‫)‪(7‬وكيف ترى في رجل وقع في بئر فمات فيها فأخرج من يومه ذلك والبئر كثيرة الماء‬

‫فتوضأ من ذلك الماء وصلى به وأسقاه بقوله‪.‬‬

‫قال‪ :‬بلغنا أن زنجيا وقع في زمزم فأمر ابن عباس أن تسد عيونها وينزح ماؤها كلها‪.‬‬

‫فإن كان البئر تنزف فلينزحوا ماءها‪ .‬وان كانت ال تنزف فليرفعوا منها أربعين دلوا إلى‬

‫خمسين‪.‬‬

‫وأما قولك ‪ :‬توضأ منه رجل وسقى منه بقوله فإنه يقال عن الربيع بن حبيب ‪ :‬إذا كان‬

‫في الماء أربعين قلة بقالل هجر فلم ير بأسا إذا لم يتغير طعمه أو لونه أو رائحته‪.‬‬

‫وقالل هجر إنما هي حباب كبار‪ .‬ولعلك رأيتها بمكة بمنى عند السقاية بياعة الماء‪.‬‬

‫)‪(8‬فكيف ترى في رجل بين ظهراني قوم يدينون بملوكهم فيؤذنون‪ ،‬أفينبغي لنا أن‬

‫نصلي بأذانهم ولم نعلم أم الوقت قد حان‪ ،‬أو أذن رجل ليس بأمين ؟‬
‫)‪(1/60‬‬

‫________________________________________‬

‫قال ‪ :‬كان يقال ‪:‬المؤذنون (‪ )1‬أمناء‪ ،‬واألئمة ضمناء (‪ . )2‬ويقال ‪:‬إن الصالة وجه‬

‫اإلسالم وعمود الدين‪ .‬فال يأتمن المسلمون على دينهم إال أهل الرضا والقناعة‪ .‬فإن‬

‫علمت أنه يؤذن قبل الوقت في الظهر والعصر والمغرب والعشاء فال تثق به في أذانه‬

‫إال في وقت المغرب‪ ،‬فإنه ال يؤذن للمغرب قبل غيوب الشمس‪ .‬وأما صالة الصبح فقد‬

‫يجوز األذان لما قبل طلوع الفجر‪ /‬ولذلك يثوب المسلمون لما يعلمون للناس أنه قد‬

‫انفجر الفجر وحلت الصالة‪.‬‬

‫)‪(9‬وكيف ترى أن لم تعرف دخول الشتاء وخروج الصيف‪ ،‬أي وقت نصلي العصر في‬

‫ذلك؟‬

‫قال ‪ :‬وقت األولى في الشتاء والصيف واحد‪ .‬إنما هي إذا زالت الشمس وفاء الفيء‬

‫ودلوكها‪ .‬وذلك أن ظل الشيء ما دام ينتقص فليس الوقت‪ ،‬فإذا امتد زائدا فقد حان‬
‫الوقت وهو وقت الظهر في الشتاء والصيف‪ .‬فالزيادة إذا كانت مثل ظل الشيء بعد‬

‫الوقت فهو وقت العصر والظل إنما يمتد في الشتاء ثم يبدأ في الزيادة وربما يقصر ثم‬

‫يبدأ في الزيادة‪ .‬وأما جملة قولهم إذا كانت الزيادة أكثر من ظل الشيء مثليه وهو وقت‬

‫العصر في الشتاء والصيف‪.‬‬

‫)‪(10‬وذكرت رجال مات أبوه وترك ولدا صغي ار ال يعلم مال أبيه‪ ،‬وألبيه عبد غير‬

‫مؤتمن فجعل العبد يريه ما ورث من النخل وغيرها من األصول‪ .‬أو للصبي عم غير‬

‫مؤتمن أيضا فجعل يخبر الصبي بقوله ‪ :‬هذا مال أبيك‪ .‬وهذا إنما ورثناه‪ ،‬أنا وأبيك من‬

‫أبينا‪ ،‬فاقتسمنا هذا حظ أبيك‪ .‬أو رجل قال له بعث ألبيك هذه النخلة‪ ،‬والرجل غير‬

‫مؤتمن فجاء من يدعي تلك النخلة‪ ،‬هل لي أن أحول بينه وبينها ؟‬

‫__________‬

‫)‪(1‬في األصل ‪ :‬ان المؤذنون ‪ .‬و حذفت إن و أبقيت الحديث على نصه ليستقيم‬

‫الكالم‬
‫)‪(2‬جاء في الحديث عن ابي هريرة قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه و سلم ‪":‬‬

‫اإلمام ضامن ‪ ،‬و المؤذن مؤتمن ‪ .‬اللهم أرشد األئمة ‪،‬و اغفر للمؤذنين" رواه أحمد و‬

‫أبو داود و الترمذي‪.‬‬

‫)‪(1/61‬‬

‫________________________________________‬

‫قال ‪ :‬إن كان ذلك في يد العبد أو العم فأقروا له بذلك فجاء مدعيه فالبينة على المدعي‬

‫ألن الشيء في يد المقر لليتيم قبل ذلك‪ .‬وان كان ذلك في يد غيرهم‪ .‬يجوز ويبيع‪ ،‬فإنما‬

‫هذا متهم‪ .‬الشهادة على القاعد فيما ادعوا وليس شهادة غير عدل بشيء‪ .‬فإن شاء حلف‬

‫المدعي عليه باهلل الذي ال إله إال هو أنه ليس له فيما ادعى شيء بوجه من الوجوه‪.‬‬

‫)‪(11‬وذكرت رجال إ ستأجر أجي ار فمات الرجل وبقي األجير فأخذه الورثة فقال لهم‬

‫األجير‪:‬ليس أنا مثل العبد حتى ترثوني‪ .‬وقال له الورثة ‪ :‬إعمل لنا كما وأجرك أبونا واال‬

‫رد لنا ما إستأجرك به أبونا‪ .‬هل للورثة أن يستعملوه أو يجبره السلطان في عمل الورثة؟‬
‫قال‪ :‬ليس للورثة حق فيما ذكروا‪ ،‬ويأخذ األجير حساب ما مضى‪ ،‬ألن الملك قد زال‬

‫عن الذي إستأجره‪ .‬ولو قالوا ‪:‬ال نستأجرك‪ .‬جاز لهم ذلك‪ ،‬وال يجبروا على إتمام شرط‬

‫الميت‪ ،‬فكذلك ال يجبر األجير فال يجوز لهم قبول الباطل ممن حكم لهم به‪.‬‬

‫)‪(12‬وذكرت رجال تفكر في أعمال العباد من المعاصي وعلم أن هللا تعالى ال يكره على‬

‫شيء‪ ،‬فما الحكم في المعاصي التي يعملها العباد؟‬

‫)‪(1/62‬‬

‫________________________________________‬

‫َن لِ ُك ِل َنْفس َل َها‬


‫قال ‪ :‬ال يقال هلل تعالى فيما حكم كيف حكمك في هذا‪ ،‬وقد ‪ /‬حكم { أ َّ‬

‫ان ِإالَّ َما َس َعى } (‪. )2‬‬ ‫ِِ‬


‫إل ْنس ِ‬
‫َن َل ْي َس ل َ‬
‫اكتَ َسَب ْت } (‪ . )1‬وقضى { أ ْ‬
‫َما َك َسَب ْت َو َعَل ْي َها َما ْ‬

‫وال نرغم أن هللا تعالى يجبر على الطاعة أو يجبر على المعصية‪ .‬وال نرغم أن هللا تعالى‬

‫يعصى كرها‪ ،‬ولو لم يحب أن يعصى لما خلق إبليس‪ .‬وما شاء هللا ال بد أن يكون‪ .‬وما‬

‫شاء أال يكون ال يكون‪ .‬أال له الخلق واألمر في الخلق‪ .‬وقد سب قوما قبل أن يخلقوا‬
‫وذمهم‪ ،‬وأثنى على قوم وهم لم يخلقوا‪ .‬أال تراه ذكر نبيه عليه السالم وأثنى عليه بفعله‬

‫في التوراة واإلنجيل باسمه قبل أن كون شخصه ونعت أصحابه باتباعهم فقال ‪ُ { :‬م َح َّمٌد‬

‫ار } (‪ )3‬إلى قوله ‪َ { :‬ذلِ َك َم َثلُ ُه ْم ِفي التَّْوَرِاة } (‪)4‬‬


‫الكَّف ِ‬
‫اء َعَلى ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ين َم َع ُه أَش َد ُ‬
‫ول هللا َوالذ َ‬
‫َرُس ُ‬

‫يقول هذا نعتهم في التوراة‪ ،‬وذكر نعتهم في اإلنجيل وقال ‪ { :‬وم َثلُهم ِفي ِ‬
‫اإل ْن ِج ِ‬
‫يل } (‪)5‬‬ ‫َ َ ُْ‬

‫طأَهُ } (‪ )6‬إلى آخر اآلية‪.‬‬


‫َخ َرَج َش ْ‬
‫يقول نعتهم في اإلنجيل { َك َزْرع أ ْ‬

‫__________‬

‫)‪(1‬انظر سورة البقرة ‪286‬‬

‫)‪(2‬انظر سورة النجم ‪39‬‬

‫)‪(3‬سورة الفتح ‪29‬‬

‫)‪(4‬سورة الفتح ‪29‬‬

‫)‪(5‬سورة الفتح ‪29‬‬

‫)‪(6‬سورة الفتح ‪29‬‬


‫)‪(1/63‬‬

‫________________________________________‬

‫َّت َي َدا أَِبي َل َهب َوتَ َّب } (‪ )1‬فكرر عليه الشتيمة والسورة مكتوبة في اللوح‬
‫وقال ‪ { :‬تَب ْ‬

‫ص ْيَناهُ ِفي ِإ َمام ُمِبين } (‪ . )2‬يعني‬ ‫المحفوظ قبل أن يخلق آدم‪ .‬وقال ‪َ { :‬وُّك َّل َش ْيء أ ْ‬
‫َح َ‬

‫النِب َّي‬
‫في اللوح المحفوظ‪ .‬وأثنى على النبي عليه السالم قبل كون شخصه فقال ‪َّ .. { :‬‬

‫َغالَ َل‬
‫يل } (‪ . )3‬إلى قوله ‪َ { :‬واأل ْ‬ ‫وبا ِع ْن َد ُهم ِفي التَّورِاة و ِ‬
‫اإل ْن ِج ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫األُم َّي الذي َي ِج ُد َ‬
‫ون ُه َم ْكتُ ً‬
‫َْ َ‬ ‫ْ‬

‫َّالِتي َك َان ْت َعَل ْي ِه ْم " (‪ . )4‬فنسب إليه األمر والنهي قبل أن يخلق‪ .‬وذم قوما (‪ )5‬فقال ‪:‬‬

‫{ وَلهم أَِِِِِعمال ِمن دو ِن َذلِك هم َلها ع ِ‬


‫امُلو َن } (‪ . )6‬فنسبها إليهم قبل أن‬ ‫َ ُْ َ َ‬ ‫َ ُْ ْ ْ ْ ْ ْ ْ َ ٌ ْ ُ‬

‫يعملوها‪ .‬والمسلمون يؤمنون بالقدر خيره وشره أنه من هللا‪ .‬وقال مسلموا الجن ‪َ { :‬وأََّنا الَ‬

‫ُّه ْم َرَش ًدا } (‪ . )7‬فالشر والخير ال يكون‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ْد ِري أ َ ِ ِ ِ‬


‫َشٌّر أُر َيد ب َم ْن في األ َْرض أ َْم أ ََرَاد به ْم َرب ُ‬ ‫َ‬

‫منهم إال ما أراد هللا من كونهما‪.‬‬

‫)‪(13‬وعن رجل قال ‪ :‬حرام ال أفعل‪ ،‬ففعل‪ ،‬ما عليه في ذلك ؟‬


‫قال ‪ :‬هللا أعلم‪.‬‬

‫)‪(14‬وعن رجل له على آخر دين‪ ،‬فلزمه‪ ،‬فاستأجر نفسه لرجل‪.‬‬

‫قال ‪ :‬إن كان الملزوم قد حكم عليه السلطان باألداء فزعم أنه ال مال له فال سبيل له أن‬

‫يستأجر نفسه حتى يقيم البينة أنه مفلس ال مال له‪ ،‬فعند ذلك ينادي عليه السلطان‬

‫باإلفالس (‪ )8‬كي يحذر الناس منه‪ ،‬ويخلي سبيله وسبيل للغريم إلى لزومه‪ ،‬فلزوم‬

‫ان ُذو ُع ْس َرة َفَن ِظ َرةٌ ِإَلى‬


‫المعسر ظلم‪ ،‬كما أن مطل الغني ظلم‪ .‬قال هللا تعالى ‪َ { :‬واِ ْن َك َ‬

‫َم ْي ُس َرة } (‪ . )9‬والحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وصلى هللا على نبينا محمد‪.‬‬

‫"?"‬

‫بسم هللا الرحمان الرحيم‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة اللهب ‪1‬‬


‫)‪(2‬سورة يس ‪12‬‬

‫)‪(3‬سورة األعراف ‪157‬‬

‫)‪(4‬سورة األعراف ‪157‬‬

‫)‪(5‬في المخطوطة ‪ :‬قوم‬

‫)‪(6‬سورة المؤمنون ‪63‬‬

‫)‪(7‬سورة الجن ‪10‬‬

‫)‪(8‬في المخطوطة ‪ :‬بالفالس‬

‫)‪(9‬سورة البقرة ‪280‬‬

‫)‪(1/64‬‬

‫________________________________________‬

‫ألبي سفيان عبد القهار بن خلف حفظه هللا‪ ،‬من رجل من إخوانه السالم عليك ورحمة‬

‫هللا‪ ،‬وأوصيك ونفسي بتقوى هللا‪ .‬كتابي إليك بعدما بلغني أنك تزوجت امرأة من قرابتك ‪/‬‬
‫وهي إبنة عمك‪ .‬فالحمد هلل على ما هيأ لك من أمرها وكفاك الكثير من مهم أمورها‪.‬‬

‫وهناك هللا كرامته‪ ،‬وألبسك عافيته وأسأل هللا أن يذلل لك صعوبتها‪ ،‬ويرزقك منها الود‬

‫والذرية الطيبة‪ ،‬ويجعلها لك أنسا تسكن إليها‪ ،‬وعونا على دنياك بحسن تدبيرها‪ ،‬وال‬

‫أحرمك هللا من ذلك ما اختص به أولياءه فإن الرجل حسن جميل أن تكون له زوجة أو‬

‫ذرية طيبة‪ .‬وألن الرجل إذا تزوج فقد حصن نصف دينه‪ ،‬وما كان له من ولد فهم قوة‬

‫ك ُرُسالً َو َج َعْلَنا َل ُه ْم‬ ‫ِ ِ‬


‫لإلسالم‪ .‬ولقد قال هللا تعالى في أفضل خلقه ‪َ { :‬وَلَق ْد ْأرَسْلَنا م ْن َقْبل َ‬

‫اجا َوُذ ِرَّي ًة } (‪ )1‬فقد طال مكثك بال زوجة‪ ،‬وقد إستبطأنا ذلك منك ورجونا لك من هللا‬
‫ْأزَو ً‬

‫– مع ذلك – التوفيق والسداد‪ ،‬فتزوجتها على أحسن التزويج أمرت به الفقهاء من كفك‬

‫عن الدخول في المهر الثقيل وقد صدق هللا ظنك به‪ ،‬وقديما كنا نسمع منك إذا نحن‬

‫خاطبناك في هذا األمر وما أبطأت عنه من النكاح‪ ،‬تقول‪:‬‬

‫ص ِان ُع‬ ‫ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫َِّ‬ ‫َّ‬


‫َِ ْر ُجو هللاَ َحتى َكأَنني َأرى ب َجميل الظن َما هللا َ‬
‫ِ‬
‫َوأَني أل َ‬
‫ونحوه من القول‪ .‬وكنت تقول ‪ :‬سيجعل هللا بعد عسر يسرا‪ .‬والحمد هلل الذي وفقك‬

‫وهداك‪ ،‬وأسأل هللا لنا ولك الثبات في األمر والعزيمة على الرشاد‪ .‬غير أني أكلمك كالم‬

‫سائل متثبت ال كالم عابث متعنت‪ ،‬إني كنت أسمعك تفتي في مسائلك أن تزويج ربيبة‬

‫األب لإلبن‪ ،‬أن ذلك مكروه‪ ،‬وكنت تذكر ذلك عن جابر بن زيد رضي هللا عنه‪ .‬وقديما‬

‫كانت عليك هذه الجارية أن تتزوجها فيمنعك ما قد بلغك عن جابر‪ .‬وقد كنت أسمع‬

‫أيضا تفتي فيها بأرخص من هذا عن جابر‪ .‬فأخبرني بالذي حملك اليوم على تزويجها‪،‬‬

‫وأخذت بقول غيره بعدما كنت أخذت بقول جابر‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة الرعد ‪38‬‬

‫)‪(1/65‬‬

‫________________________________________‬
‫قال ‪ :‬قد كان الذي قلت وذكرت كما هو‪ ،‬غير أني أخبرك عن أمر جال عني الغشاء‬

‫وكشف عني الغطاء وأذهب عني الشك‪ ،‬إنه لما جاء الخبر بالليل أن عساكر وريون‬

‫وغيره انهزمت في "تراغن" (‪ )1‬جاءني الخبير بذلك وهو عبد هللا بن عبيدس الشباهي‪،‬‬

‫وكان لي صديقا مصافيا وخليال مواتيا فأيقظني من نومتي وأنا مريض بمرضي‪ ،‬وقد‬

‫كنت مريضا ذلك أربعة أيام‪ ،‬فذكر لي الخبر أن العساكر قد انهزمت‪ ،‬وأن وريون‬

‫وابراهيم بن أسدين قد جاءا كالهما مهزومين وقد نزال في بيت أبي الروس‪ .‬فقلت أكذلك‬

‫الخبر؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقمت مباد ار واتكأت على رمحي فدخلت الدار التي فيها وريون و‬

‫إبراهيم فوقفت عليهما وأخذت منهما تصحيح الخبر‪ ،‬فرجعت ‪ /‬إلى داري فلقيت رجاال‬

‫يقصدون الدار دار أبي الروس للخبر‪ .‬فقلت ‪:‬إرجعوا فإن معي لكم الخبر‪ ،‬فعجزت قوتي‬

‫عن البالغ إلى داري فاعتمدت على رجل من قرابتي حتى جئت داري واضطجعت على‬

‫فراشي فجعلت أقص الخبر عن القوم فبينما أنا كذلك إذ أتاني رجال من أهل "زريعة "‬

‫معهم مصطار بن عبدوس وغيره فقالوا ‪ :‬إن كانت لك طاقة بالثبوت على الحمار فارحل‬
‫بنا ساعتنا إلى "زريعة" ‪ :‬فقلت ‪ :‬بل إصبروا أطيق ذلك‪ .‬فعملت على الخروج إلى‬

‫"زريعة " ساعتئذ بال أن أستشير رجال في ذلك‪ .‬فخرجت حتى فصلت خارجا من "شباهة‬

‫"‪ ،‬وتفكرت في خرجتي من "شباهة " بال مشورة مشير فألزمت نفسي أم ار ثم هممت‬

‫بالرجوع فخفت على ما معي من العبيد وغير ذلك‪ .‬فرجعت إلى نفسي وقلت ‪ :‬يا نفسي‪،‬‬

‫خرجتك هذه إنما هي خرجة قضاها هللا‪ ،‬وقد كنت أعرف أن فيما قضى هللا الخيرة كان‬

‫ذلك فيما كرهت أو أحببت‪ ،‬فامض على ما قضى هللا وأحسن الظن باهلل‪ ،‬فإن ما علمت‬

‫فيما مضى أن الخيرة فيما قضى هللا‪ ،‬والعلم علم التجارب‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬رسم الكلمة في األصل عار عن األعجام عدا حرف النون ‪ ،‬و الموضع المعروف‬

‫بهذا اإلسم اليوم هو "تراغن " و تقع جنوب سبها و تبتعد عنها حوالي ‪ 120‬كيلوا متر‬

‫تقريبا‬

‫)‪(1/66‬‬
‫________________________________________‬

‫فمضيت أمامي حتى نزلت "زريعة " ليال وأنا مريض فبت بها بقية ليلتي فأصبحت من‬

‫الغد فذكروا لي أمرها فقلت في نفسي ‪ :‬أنا مشغول عما يقولون‪ .‬فدأبوا على الكالم‬

‫وأكثروا ورجعت إلى نفسي وقلت ألم تختبري فيما مضى أن كل أمر سهلت عليك أسبابه‬

‫وانفتحت لك أبوابه أن ذلك الخير وفيه الخيرة‪ ،‬وأن فيما اختبرت أن كل أمر أغلق عليك‬

‫أبوابه وضاق عليك مذهبه وتعسرت عليك أسبابه في ترك ذلك الخيرة والخير‪ ،‬والعلم علم‬

‫التجارب‪ .‬ثم رجعت إلى ربي فقلت‪:‬اللهم إنك ترى ما انفتح من أبواب هذه الجارية وسهل‬

‫من أسبابها‪ ،‬فإني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم‪ ،‬رب‬

‫إنك تعلم وال أعلم وتقدر وال أقدر وأنت عالم الغيوب‪ ،‬أسألك أن تأخذ بناصيتي في أمر‬

‫هذه الجارية إلى خير وال تكلني إلى نفسي وال تذرني وهواي فأكون مخطئا وأنت تعلم‬

‫قدرها في نفسي إنه صغير وغايتي لو كانت الخيرة في تركها وأنت تعلم كراهتي لها‪،‬‬

‫غير أني فيما اختبرت أن كل أمر سهلت علي أسبابه وانفتحت لي أبوابه أن فيه الخيرة‬
‫والعلم علم التجارب فإن كانت لي فيه الخيرة لديني ودنياي وآخرتي ومعيشتي وعاقبة‬

‫أمري فيسرها لي‪ .‬وان لم تكن لي فيه الخيرة فحل بيني وبينها وارزقني اإلستسالم ألمرك‬

‫والرضى بقضائك‪ .‬وان كان منك ‪ /‬في هذا أمر يا رب فأرني ذلك في المنام وليكن على‬

‫وح ِف ْظِني ما يقول رسول هللا حتى ال أنساه‪ .‬فدعوت بهذا كله أو‬
‫يد النبي عليه السالم‪َ ،‬‬

‫بعامته فنمت على شقي األيسر‪ ،‬وانما هي نومة أغلقت فيها عيني فرأيت النبي عليه‬

‫السالم قادما مع أربعة من األولياء‪ ،‬أولياء الجارية‪ ،‬غير أنهم ليسوا األولياء الذين‬

‫نعرف‪ ،‬فوقف عليهم واقفا بيني وبين هؤالء األولياء مقدار عشر خطوات أو أقل وأنا‬

‫خلفهم وخلفي مسجد مصلى العيد فقال لهم صلى هللا عليه ‪ :‬إن جبريل بعثني إليكم أن‬

‫زوجوا فالنة لفالن‪ ،‬فذكر إسمي واسمها وقعد صلى هللا عليه وسلم‪ .‬وعلمت أني في رؤيا‬

‫ووددت لو أنها طالت‪ ،‬وذلك وأنا في المنام‪.‬‬

‫)‪(1/67‬‬

‫________________________________________‬
‫واستيقظت من نومتي وحفظت كل ما رأيت كما ذكرته لك في كتابي حرفا حرفا‪ .‬فقلت‬

‫في نفسي ونطق به لساني ‪ :‬ما بعد هذا من البصائر لقوم [يوقنون] (‪ . )1‬وقلت‬

‫أيضا‪:‬اللهم إنك قلت ‪ { :‬واِ ْذ َق ِ ِ‬


‫ال أ ََوَل ْم تُ ْؤ ِم ْن؟‬
‫الم ْوتَى‪َ .‬ق َ‬ ‫يم َر ِب أ َِرِني َك ْي َ‬
‫ف تُ ْح ِي َ‬ ‫ال إ ْب َراه ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫ط َمِئ َّن َقْلِبي } (‪ . )2‬اللهم زدني بيانا أو كما قلت في دعائي‪ .‬فنمت‬
‫ال ‪َ :‬بَلى َوَل ِك ْن لَِي ْ‬
‫َق َ‬

‫ولم أر شيئا‪ .‬فقلت ‪ :‬ما بعد ما قد سبق من البيان والخبر عن النبي عليه السالم من‬

‫البصائر لقوم يوقنون‪ ،‬وانما سألت هللا أن يريني النبي عليه السالم فزادني مع محمد‬

‫جبريل عليه السالم‪ .‬ومحمد وجبريل صلوات هللا عليهما هما صاحبا الوحي‪ ،‬وهما أمينا‬

‫هللا في وحيه‪ ،‬وهما أفضل خلقه‪ .‬والنبي يقول فيما بلغنا عنه ‪(:‬من رآني في المنام فقد‬

‫رآني فإن الشيطان ال يتمثل بي ) (‪ )3‬وأحسب أنه قال ‪ (:‬وال بالكعبة )‪ .‬فما كذبت فيما‬

‫قصصته من رؤياي‪ .‬وما كذب رسول هللا فيما جاء به عن جبريل‪ ،‬وما كذب واحد منا‬

‫فيما جاء به‪ .‬كل جاء بالحق وقال به والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫__________‬
‫)‪(1‬هذه كلمة ساقطة من األصل ‪ :‬و انظر النص في الشماخي ‪ :‬السير ‪191:‬‬

‫)‪(2‬سورة البقرة ‪260‬‬

‫)‪(3‬رواه أحمد و ابن ماجة و الترمذي عن أنس و ابن ماجة في الرؤيا‬

‫)‪(1/68‬‬

‫________________________________________‬

‫فلما رأيت هذا كله رجعت إلى ما كنت علمته قبل ذلك من ضيق طبيعة الجارية‪ ،‬وسوء‬

‫خلقها‪ .‬وقلت‪:‬كيف لي بهذا ؟فجئت إلى عمة لي وهي عمة الجارية يقال لها أميمة بنت‬

‫الحباب فقلت لها‪:‬إني فيما خال كنت أعرف هذه الجارية ضيقة الطبيعة وحرجة الخليقة‪.‬‬

‫فقالت‪:‬إنه قد اتسع ما كنت تعرفه ضيقا‪ .‬وسألت أختي أيضا بمثل ذلك فقالت مثل قول‬

‫عمتي‪ .‬فتزوجتها بعد ذلك بأيام ثم انقلبت من "زريعة " إلى "شباهة " فأقمت ما شاء هللا‪،‬‬

‫ثم أتيت بها وأقامت معي ما شاء هللا ثم ابتنيت بها فظهر لي منها ضيق طبيعة وسوء‬

‫خلق وصالفة منطق بالفراء (‪ )1‬من القول‪ ،‬والمنكر في المنطق‪ ،‬والزور في الشهادة ‪/‬‬
‫احتَ َمُلوا‬ ‫وقد قال هللا تعالى‪َّ { :‬ال ِذين يؤُذون المؤ ِمِنين والمؤ ِمن ِ‬
‫ات ِب َغ ْي ِر َما ْ‬
‫اكتَ َس ُبوا َفَق ْد ْ‬ ‫َ ُْ َ ُ ْ َ َ ُ ْ َ‬

‫الت المؤ ِمن ِ‬


‫ات ُل ِع ُنوا‬ ‫بهتَانا وِا ْثما مِبينا } (‪ . )2‬وقال‪ِ { :‬إ َّن َّال ِذين يرمون المحصن ِ‬
‫ات الغ ِاف ِ‬
‫ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ َ ُ ْ َ َ‬ ‫ُْ ً َ ً ُ ً‬

‫يه ْم َو ْأر ُجلُ ُه ْم ِب َما َك ُانوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِفي ُّ‬
‫يم‪َ .‬ي ْوَم تَ ْش َه ُد َعَل ْيه ْم أَْلسَنتُ ُه ْم َو ْأيد ُ‬
‫اب َعظ ٌ‬
‫الد ْنَيا واآلخ َرة َوَل ُه ْم َع َذ ُ‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫لمِب ُ‬
‫ين } (‪ . )3‬ونظرت‬ ‫الح ُّق ا ُ‬
‫هللا ُه َو َ‬
‫َن َ‬ ‫الح ُّق َوَي ْعَل ُمو َن أ َّ‬ ‫َي ْع َملُو َن‪َ .‬ي ْو َمئذ ُي َوف ُ‬
‫يه ُم هللاُ د َين ُه ُم َ‬

‫في ضيق خلقها‪ ،‬وقلت في نفسي‪:‬كيف لي بترك ما جاء به سبب عن النبي عليه‬

‫السالم‪ ،‬وكيف لي بالدخول على ما قد علمت من ضيق الطبيعة‪ ،‬وأنا أكره خالف ما‬

‫جاء فيه سبب عن النبي عليه السالم‪ .‬ثم رجعت إلى نفسي وقلت يا نفسي‪ ،‬إقصدي‬

‫على العمل بما جاء النب ي عليه السالم‪ .‬فإن وافقت طبيعتها ما جاء النبي فهو الرجاء‬

‫وان خالفت طبيعتها ذلك كان ما كان‪ .‬والنبي عليه السالم لم يضمن لي فيها حسن‬

‫الخلق‪.‬‬

‫__________‬
‫)‪ (1‬في األصل ‪ :‬بالفراء من الفراء من القول ‪ .‬و هو هنا بمدة فهمزة و الذي في كتب‬

‫اللغة الفرى مقصور ‪،‬و هو الكذب‪.‬‬

‫)‪(2‬سورة األحزاب ‪58‬‬

‫)‪(3‬سورة النور ‪25-23‬‬

‫)‪(1/69‬‬

‫________________________________________‬

‫فتزوجتها إتباعا لما جاء من السبب عن رسول هللا وعن جبريل عليه السالم‪ .‬غير أني‬

‫أرجو مع ذلك – إن شاء هللا – وان كثر فراؤها وقولها بالزور والمنكر على المؤمنات‬

‫والمؤمنين‪ ،‬أن تصلح يوما من الدهر أو تتوب من قولها وترجع عن مقالها فإن هللا هو‬

‫التواب الرحيم‪.‬‬

‫يم } (‪ )1‬فبدأ بالتوبة من هللا‬ ‫قال تعالى‪ { :‬ثُ َّم تَاب عَلي ِهم لِيتُوبوا ِإ َّن هللا هو التََّّواُب َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َْ ْ َ ُ‬

‫استَ َج ْبَنا َلهُ‬ ‫الو ِارِث َ‬ ‫َّه َر ِب َ ِ‬


‫وقد قال‪َ { :‬وَزَك ِريَّا ِإ ْذ َن َادى َرب ُ‬
‫ين‪َ ،‬ف ْ‬ ‫ال تَ َذ ْرني َف ْرًدا َوأ َْن َت َخ ْي ُر َ‬
‫َصَل ْحَنا َل ُه َزْو َج ُه‪ )2( } ....‬فيقال – وهللا أعلم – إنه كان في لسانها‬
‫َوَو َه ْبَنا َل ُه َي ْح َي َوأ ْ‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طول‪ .‬وقال‪ِ { :‬إَّنهم َك ُانوا ُيس ِ‬


‫ين‬
‫ونَنا َرَغًبا َوَرَهًبا َوَك ُانوا َلَنا َخاشع َ‬ ‫ارُعو َن في َ‬
‫الخ ْي َرات َوَي ْد ُع َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اله َوى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صاح ُب ُك ْم َو َما َغ َوى‪َ ،‬و َما َي ْنط ُق َعن َ‬ ‫الن ْج ِم ِإ َذا َه َوى‪َ ،‬ما َ‬
‫ض َّل َ‬
‫} (‪ . )3‬وقال‪َ { :‬و َّ‬

‫وحى‪َ .‬عَّل َم ُه َش ِد ُيد الُق َوى } (‪ . )4‬اآليات‪ .‬وأسأل التوفيق للصواب‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫إ ْن ُه َو إال َو ْح ٌي ُي َ‬

‫وخيرة األسباب‪ .‬فإن هللا هو ا لموفق للخير والمعين عليه‪ ،‬فأسأله أن يأخذ بنواصينا إلى‬

‫الخير ويبدينا إلى مراشد األمور وأحبها إليه إنه جواد كريم‪ .‬وصلى هللا على محمد‪.‬‬

‫"?"‬

‫بسم هللا الرحمان الرحيم‬

‫ألبي يوسف وريون بن الحسن من عبد القهار بن خلف‬

‫السالم عليك ورحمة هللا‪ .‬أوصيك ونفسي بتقوى هللا العظيم‪ ،‬والعمل لما أنت صائر إليه‬

‫عن قليل‪ .‬فأدم على ذلك حتى تالقي عملك‪ ،‬إن يكن خي ار سرك‪ ،‬وان يكن ش ار ساءك‪،‬‬
‫واعلم وال تغفل‪ ،‬فإنك إن تغفل لن يغفل عنك‪ ،‬وخذ حذرك وحاسب نفسك‪ .‬فإن المؤمن‬

‫من يعلم أن ما قال هللا كما قال‪ ،‬وهو من أحسن الناس معونة‪ ،‬والمنافق يقول‪:‬سود‬

‫الناس كثير وسيغفر لي وال بأس‪ ،‬ويتمنى على هللا األماني‪.‬‬

‫__________‬

‫)‪(1‬سورة التوبة ‪118‬‬

‫)‪(2‬سورة األنبياء ‪89‬‬

‫)‪(3‬سورة األنبياء ‪90‬‬

‫)‪(4‬سورة النجم ‪4-1‬‬

‫)‪(1/70‬‬

‫________________________________________‬

‫إعلم أن كتبابك وصل إلي تذكر فيه أن أكون لك عينا على قاضي "شباهة" وأن ما رأيت‬

‫منه من خير أو من شر أعلمتك بذلك في سر وقلت ‪ /:‬وخذ بحظك من اإلسالم وال‬


‫تستغني عن أموره فإن المؤمنين يشد بعضهم بعضا كالبنيان‪ ،‬مع ما قلت من هذا أو‬

‫نحوه‪ .‬فقد قرأت كتابك وفهمته‪ .‬وأعلم أني في معزل من هذا وذلك لما أراه من عنايتي‬

‫بما في بيتي واشتغالي به‪ .‬ولقد أقيم ما شاء هللا وأنا غير عارف بم الناس فيه من‬

‫األمور إن شاء هللا‪ .‬ولو أن عندي ما يصلحني في عيالي لطبعت على بابي ثم لم أخرج‬

‫على بشر ولم يدخل علي حتى ألحق باهلل‪ .‬إال ما شاء هللا من ذلك‪ .‬وأنت طلبت الشيء‬

‫مني في غير موضعه‪ ،‬وأنا اليوم كما قال القائل‪:‬‬

‫ْس اْلَب ِع َير ِإ ْن َن ِف َار‬


‫ك َأر َ‬
‫ِ‬ ‫أَصبحت الَ أ ِ ِ‬
‫َحم ُل السالَ َح َوالَ أ َْمل ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ َْ ُ‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ط َار‬
‫الم َ‬
‫اح َو َ‬
‫الرَي َ‬ ‫َخ َشاهُ ِإ ْن َم َرْر ُت ِبه َو ْحدي َوأ ْ‬
‫َخ َشى ِ‬ ‫َوالذ ْئ ُب أ ْ‬

‫فكيف أتعرض لهذه المعاني مع ما أنا فيه من ضعف القدرة‪:‬وما عالم أم ار كمن ال‬

‫يجرب‪ .‬وكفى بالمرء جهال إن لم يعرف قدره‪ .‬وينبغي للعاقل أن يكون بصي ار بأهل‬

‫زمانه‪ ،‬مقبال على شأنه وسيأتي ما وصفت لك في صدر كتابي هذا‪ ،‬وباهلل التوفيق‬

‫والصواب وأسأل هللا أن يجعل غنائي في نفسي‪ ،‬ويرزقني لزوم ما ينفعني والعمل به‪،‬‬
‫وترك ما ال يعنيني واجتنابه‪ .‬فإن ذلك عليه يسير‪ ،‬وما شيء عليه بعزيز والسالم عليك‬

‫ورحمة هللا وصلى هللا على النبي‪.‬‬

‫الع َجم‪.‬‬
‫الب ْرَب ُر من َ‬
‫ذر على نفسك‪ ،‬و َ‬
‫فاح ْ‬
‫الع َجمِ‪ْ ،‬‬
‫ك َ‬ ‫ويقال ‪ :‬شر النسك ُن ْس ُ‬

‫)‪(1/71‬‬

You might also like