Professional Documents
Culture Documents
السداسي الثاني
1
المحور األول :مفهوم قانون المنافسة
أ -لغة:
المنافسة هي من مصدر التنافس ،والذي يعني المسابقة إلى الشيء ،أي الرغبة في الشيء
على أساس المباراة ،فالمنافسة إذ ال يمكن تصورها إال بين طرفين على األقل ،يتسابقان
ويتباريان ،بحيث يبذل كل منها جهده من أجل التفوق على الطرف اآلجر.
إذا نظرنا إلى المنافسة نظرة عمومية أي كنمط لتنظيم المجتمع ،يمكن القول بأنها عملية
المواجهة ،بين رغبات وتوجهات ثالث أطراف معنية :المتعاملون االقتصاديون من جهة ،في
بحثهم عن اكبر ربح ممكن؛ ومن جهة أخرى العمال ،وسعيهم للحصول على أعلى راتب؛
وأخي ار المستهلكون ،ورغبتهم الدائمة في إشباع حاجاتهم المادية أو الخدمات بأقل تكلفة،
والختزال ذلك يمكننا القول أنها تمثل أحسن عالقة ممكنة بين كل من السعر والجودة.
وبالرجوع إلى القاموس القانوني ،نجد بأن المنافسة تعرف بأنها عملية التنافس االقتصادي،
أو الغرض المقدم من طرف عدة مؤسسات مختلفة ومتزاحمة لنفس السلع والخدمات ،محاولة
في ذلك إشباع حاجات متشابهة ،مع وجود حظوظ متقاربة وعكسية لدى هذه المؤسسات
لكسب أو خسارة امتيازات الزبائن.
المنافسة في األصل هي فكرة اقتصادية ،يقصد بها المسابقة بين المؤسسات التي تعرض
نفس السلع والخدمات في سوق واحد ،بهدف إشباع حاجيات المستهلك من جهة ،والحصول
على أكبر ربح ممكن من جهة أخرى.
2
ثانيا :تعريف قانون المنافسة
الدور األساسي الذي يؤديه قانون المنافسة هو التوفيق بين المصالح المتضاربة بين عناصر
ثالثة ،إذ يهدف إلى حماية المنافسة (الحرية التنافسية) ،وفي الوقت ذاته يحرص على حماية
المتنافسين ،ومن جهة أخرى حماية مصالح المستهلك.
-1حماية المنافسة
أول ما تهدف إلى تحقيقه قواعد المنافسة هو ضمان السير الحسن للسوق ،وتحقيق القابلية
فيه ،وبمعنى آخر ،حمايتها من كل ممارسة من شأنها المساس بحرية ونزاهة المنافسة؛ وذلك
من خالل منع الممارسات التي يكون موضوعها ،أو من أثارها ،منع أو تضييق المنافسة
في السوق المعني.
-2حماية المتنافسين
يهدف قانون المنافسة إلى حماية المتدخلين في السوق ،أي حماية الشركاء في المؤسسة
الواحدة والمؤسسات المتنافسة فيما بينها في السوق الواحد ،وذلك عن طريق الحظر والمعاقبة
عن كل فعل غير مشروع يرتكبه المتنافسون ،ويمس بنزاهة المنافسة.
-3حماية المستهلك
أصبح قانون المنافسة يضع المستهلك ضمن محور اهتمام قواعده ،والمستفيد النهائي من
المنافسة الفعلية والمنظمة ،على اعتباره أنه آخر حلقة من سلسلة اإلنتاج؛ ولقد أصبح
للمستهلك مكانة ضمن سياسة المنافسة ،فلم يعد المستهلك المحمي فقط وانما أصبح عنصر
3
فعاال في اقتصاد السوق؛ ألنه أصبح له إمكانية تقييد المعلومات حول السوق ،ال سيما في
حاالت عدم السير الحسن للسوق.
كما أن حماية المنافسة أو المؤسسات داخل السوق تتبعه بالضرورة حماية المستهلك،
ويتضح ذلك من خالل حظر عمليات االحتكار بهدف رفع األسعار ،والبيع بالخسارة التي قد
تعرقل حرية ونزاهة المنافسة ،مما قد يؤدي إلى انسحاب األعوان االقتصاديين األقل قدرة،
وبالتالي هيمنة األعوان االقتصاديين األكثر قدرة على السوق ،وهذا بما يستتبع ذلك من
ارتفاع األسعار بشكل غير مبرر اقتصاديا ،وهو ما يعود سلبا على المستهلك.
ظهر أول تشريع هو المنافسة في أواخر القرن 19بالواليات المتحدة األمريكية ،وذلك بعد
اتساع حركة التركيز االقتصادي وتبني مبدأ الحرية االقتصادية مما أدى إلى ظهور
مجموعات احتكارية وانتشار الممارسات المقيدة والمنافية للمنافسة .وصدرت مجموعة من
القوانين أطلق عليها "قوانين حظر التجمعات االحتكارية وتضمنت:
-1قانون شرمان .)Sherman acte( :وهو أول قانون فدرالي سنة 1690تضمن
نصوص تحمي حرفيي التجارة والمنافسة عن طريق منع كل التعاقدات أو التكتالت أو
التواطؤ المقيدة لها.
-2قانون كاليتون .)Clayton acte( :صدر سنة 1914وهو ثاني قانون فدرالي
لمواجهة األساليب المقيدة للمنافسة ،ويمنع اللجوء إلى األسعار التميزية ،وفي السنة ذاتها
صدر القانون المؤسس للجنة التجارية الفدرالية .
4
المحور الثاني :مجال تطبيق قانون المنافسة
تنص المادة 02من األمر 03/03المتعلق بالمنافسة على أن" :بغض النظر عن كل
األحكام األخرى المخالفة ،تطبق أحكام هذا األمر على ما يأتي:
-نشاطات التوزيع :ومنها تلك التي يقوم بها مستوردو السلع إلعادة بيعها على حالها
ووكالء ووسطاء بيع المواشي وبائعو اللحوم بالجملة.
-نشاطات الخدمات والصناعة التقليدية والصيد البحري :والتي يقوم بها أشخاص معنوية
عمومية ،وجمعيات ومنظمات مهنية ،مهما يكن وضعها القانوني وشكلها وهدفها .
-الصفقات العمومية :بدءا بنشر اإلعالن عن المناقصة إلى غاية المنح النهائي للصفقة.
غير أنه يجب أال يعيق تطبيق هذه األحكام أداء مهام المرفق العام أو ممارسة صالحيات
السلطة العمومية .
وفقا لهذه المادة تظهر أهمية تبيان نطاق تطبيق قانون المنافسة في تحديد النشاطات التي
تخضع لقانون المنافسة وكذلك األشخاص المعنية بأحكامه.
لقد تجلى الطابع االقتصادي لقانون المنافسة في خضوع جميع النشاطات االقتصادية
ألحكامه ،على اعتبار أن قانون المنافسة يهدف إلى حماية المنافسة في جميع القطاعات
االقتصادية مهما كانت طبيعة هذه النشاطات االقتصادية ،نشاطات اإلنتاج ،التوزيع،
الخدمات واالستيراد.
5
وهذا ما أكدته المادة 02السالفة الذكر ،بحيث جعل المشرع الجزائري من خاللها ،
النشاطات االقتصادية محل تطبيق قانون المنافسة وحددها المشرع الجزائري على سبيل
الحصر فيما يلي:
-1نشاطات اإلنتاج
عرفته المادة 03من القانون 03/09المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش اإلنتاج بأنه
"العمليات التي تمثل في تربية المواشي وجمع المحصول والجني والصيد البحري والذبح
والمعالجة والتصنيع والتحويل والتركيب وتوضيب المنتوج بما في ذلك تخزينه أثناء مرحلة
تصنيعه وهذا قبل تسويقه األول".
وفقا لهذه المادة يفهم أن اإلنتاج يشمل النشاط الصناعي والنشاط الفالحي وعرض المنتوج
في شكله الطبيعي كالصيد البحري ،ويشمل حتى التخزين أثناء التصنيع ،ويكون ذلك قبل
تسويقه األول ،وعليه التخزين بعد عملية التسويق ال يعتبر إنتاج.
وما يالحظ من هذا التعريف لنشاط اإلنتاج الوارد في المادة 03انه جاء واسع النطاق ،
مقارنة بالمادة 02من األمر رقم 03/03السالف الذكر ،التي ذكرت فقط النشاطات
الفالحية بما فيها تربية المواشي ،من عمليات نشاط اإلنتاج.
ولكن من عبارة "بما فيها" يفهم بأن المشرع الجزائري في المادة 02ذكر تلك العمليات
التابعة لنشاط اإلنتاج على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر؛ ومنه يمكن القول أن
نشاط اإلنتاج يشمل عمليات أخرى ،وهي التي ذكرتها المادة 03من القانون رقم 03/09
هذه األشخاص ليست تاج ار أو حرفي أو شركة تمارس نشاطات اإلنتاج أو التوزيع أو
الخدمات أو االستيراد بصفة دائمة ومع ذلك تخضع لقانون المنافسة ونذكرها فيما يلي:
6
أ-األشخاص العمومية:
لقد وسع المشرع الجزائري بموجب تعديل 2008لقانون المنافسة مفهوم المتدخل في السوق
إلى فئة األشخاص العمومية.
فحسب عبارة " :بما فيها تلك التي يقوم بها األشخاص العموميون ."..
فان قانون المنافسة يطبق على األشخاص العمومية ،سواء تعلق األمر بالدولة (الو ازرات) أو
الواليات أو البلديات ،وكذلك المؤسسات العمومية ذات الطباع اإلداري ،إذ قامت بنشاطات
اقتصادية وظهرت كمتدخل في السوق.
ولكن أضاف المشرع الجزائري فقرة أخرى في المادة 02السالف الذكر "هي أنه يجب أن ال
يعيق تطبيق هذه األحكام أداء مهام المرفق العام أو ممارسة صالحيات السلطة العمومية".
فهذه الفقرة دليل على أن تطبيق قانون المنافسة ال يرتبط بصفة األشخاص المتدخلين في
السوق وانما بطبيعة النشاط الذي يمارسونه .
وعليه يجب التمييز بين مختلف المهام الممنوحة للشخص المعنوي ،فإذا تضمن النشاط
الذي يقوم به امتيازات السلطة العامة ،وارتبط بمهام تلك األشخاص العمومية ،فان عمله ال
يضفي عليه الطابع االقتصادي وبالتالي يتم استبعاده من قانون المنافسة.
وأما إذا كان نشاط الشخص العمومي مرتبط بإحدى النشاطات االقتصادية من إنتاج أو
توزيع أو خدمات أو استيراد ،فانه يخضع لقانون المنافسة ،ومن هنا تظهر المساواة بين
المتعاملين الخواص واألشخاص العموميون في إطار قانون المنافسة الذي ال يعتد بالتفرقة
بين القانون العام والقانون الخاص إنما يعتد بالطابع االقتصادي للنشاط.
ب-الجمعيات
عرفت المادة 02من القانون 31-90المتعلق بالجمعيات الجمعيات بأنها "اتفاقية تخضع
للقوانين المعمول بها ويجتمع في إطارها أشخاص طبيعيون أو معنويون على أساس تعاقدي
7
لغرض غير مربح يشتركون في تسخير معارفهم ووسائلهم لمدة محددة أو غير محددة من
اجل ترقية األنشطة ذات الطابع المهني واالجتماعي والعلمي والديني والتربوي والثقافي
والرياضي على الخصوص".
فالجمعيات إذا ليس لها غرض مربح كالتاجر أو الشركة ،وانما هدفها مهني أو ديني أو
علمي أو ثقافي أو رياضي.
واذا قامت بنشاط اقتصادي ال يكون للربح الشخصي وال يكون بصفة مستمرة ،وانما للتمويل
فقط ،وتحقيق األهداف التي أسست من أجلها.
غير أ نه من الناحية الواقعية ممارسة بعض الجمعيات لنشاطات اقتصادية يجعلها في دور
المنافس لألعوان االقتصاديين الذي ينشطون في نفس المجال ،خاصة إذا كان إنتاجها واسع
بحيث يؤثر ذلك على السوق .
لذلك تنبه المشرع الجزائري لهذه المسألة وعدل المادة 02من األمر رقم 03/03المتعلق
بالمنافسة لسنة 2008بموجب القانون 12/08ونص صراحة على اعتبار الجمعيات من
بين األشخاص التي يطبق عليها قانون المنافسة ،وذلك مهما كان وضعها القانوني وشكلها
وهدفها ،ويفهم من ذلك حتى ولو لم يكن هدفها اقتصادي (أي الحصول على الربح) مثل
المؤسسات.
8