You are on page 1of 46

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫العلم‬
‫ي‬ ‫النظم االجتماعية الكلية يف رؤية القرآن للعالم‪ :‬نحو برنامج للبحث‬
‫محمد الحسن بريمة إبراهيم (‪2020‬م)‬

‫ٱَّلل‬ ‫وك َع ۢن َب ۡع َ ٓ َ َ َ ه ُ َ ۡ َ َۖ َ َ َ ه ۡ ْ َ ۡ‬
‫ٱع َل ۡم َأ َّن َما ُير ُيد ه ُ‬ ‫َ َ ۡ ُ َ ۡ َ ُ َ ٓ َ َ َ ه ُ َ َ َ َّ ۡ َ ۡ َ ٓ َ ُ ۡ َ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ َ ۡ ُ َ‬
‫ض َ َۚما َأنزل َٱَّلل ِإليك ف ِإ هن تول ۡوا ف ِّ َ ُ ُ َِ‬ ‫ِ‬ ‫َ﴿وأ ِن ٱحكم بينهم ِبما أنز ۗۡل ٱَّلل وَل تت ِبع أهواءهم وٱحذرهم أن يف ِتن‬
‫َ َ ُ ۡ َ ۡ َ َٰ َّ َ ۡ ُ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫ُ ُ ۡ َ َّ َ ٗ ِّ َ َّ‬
‫ۡ‬
‫ٱَّلل حكما لقو ٖم يو ِقنون‪﴾٥٠‬‬ ‫ٗ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫اس لف َٰ ِسقون‪ ٤٩‬أفحكم ٱلج ِه ِلي ِة يبغون ومن أحسن ِمن ِ‬ ‫ُ َُ َ ۡ‬
‫وب ِهم و ِإن ك ِث ريا من ٱلن ِ‬
‫ض ذن ِ‬‫أن ي ِصيبهم ِببع ِ‬
‫(المائدة)‪.‬‬

‫‪ -1‬مقدمة‬
‫الن تم التوصل إليها فيهما‪ .‬الورقة األوىل كانت‬
‫وتبن عىل النتائج ي‬
‫ي‬ ‫هذه الورقة سبقتها ورقتان من تأليف هذا الباحث‪،‬‬
‫المنهج لرؤية القرآن للعالم (خطة‬
‫ي‬ ‫بعنوان "رؤية القرآن للعالم وداللتها عىل النظم االجتماعية"‪ ،‬وكان جوهرها هو التأسيس‬
‫الخلق العامة)‪ ،‬واستنباط النظم االجتماعية النسانية الكلية الدالة عليها‪ .‬الورقة الثانية جاءت بعنوان "الطريقة النظمية يف‬
‫ُ ُ‬
‫م السائد يف العلوم الطبيعية واالجتماعية الغربية‪ ،‬واالقتاح بأن يكون‬‫دراسة النظم االجتماعية"‪ ،‬وتم فيها تقديم المنهج النظ ي‬
‫هو األساس لدراسة النظم االجتماعية المستخلصة من رؤية القرآن للعالم بعد التصديق عليه بالدالالت الوجودية والمعرفية‬
‫والمنهجية لتلك الرؤية‪ .‬لذلك البد لكل من يريد االطالع عىل هذا البحث بغرض فهمه من أجل نقده‪ ،‬أو االستفادة منه‪ ،‬أن‬
‫ّ‬
‫وه منشورة يف مجلة "تفكر"‪ ،‬ومرفوعة يف موقع (‪.)biraima.net‬‬ ‫يستوعب ما جاء يف ورقة المنهج المذكورة أعاله‪ ،‬ي‬
‫علم يستند‬‫ي‬ ‫األختة يف وضع األسس العلمية لتنامج بحث‬ ‫ر‬ ‫إذن‪ ،‬يف إطار السياق أعاله‪ ،‬يمثل محتوى هذه الورقة الخطوة‬
‫النظم‪ ،‬الذي تم وصفه يف الورقة‬
‫ي‬ ‫الوح الكريم يف مجال النظم االجتماعية‪ ،‬حيث تتم محاولة توظيف المنهج‬ ‫ي‬ ‫إىل مرجعية‬
‫الثانية‪ ،‬يف الدراسة األولية للنظم االجتماعية الكلية المستخلصة من رؤية القرآن للعالم يف الورقة األوىل‪ .‬ي‬
‫وه دراسة أولية‬
‫العالم من حيث قضايا البحث‬
‫ي‬ ‫نظته‬
‫السالم عىل قدم المساواة مع ر‬
‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫العلم‬
‫ي‬ ‫استكشافية تطمح إىل أن تضع البحث‬
‫الوح الكريم‪ ،‬المعادل‬
‫ي‬ ‫العلم المطروحة‪ ،‬ومناهج بحثها‪ ،‬وتتقدم عليها من حيث مرجعيتها الوجودية والمعرفية المرتكزة عىل‬‫ي‬
‫واالجتماع‪.‬‬
‫ي‬ ‫الطبيع‬
‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫العلم‬
‫ي‬ ‫البحث‬ ‫موضوع‬ ‫هو‬ ‫الذي‬ ‫وجود‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫موضوع‬
‫ي‬ ‫ال‬

‫اإلنسان يف القرآن الكريم‬


‫ي‬ ‫‪ -2‬الرؤية الوجودية لعالم االجتماع‬
‫الن يرس هللا تعاىل الباحث للتوصل إليها‬
‫الشكل رقم (‪ )1‬أدناه يلخص رؤية القرآن الوجودية للعالم (خطة الخلق العامة) ي‬
‫كثتة‬
‫وف بحوث ر‬ ‫ر‬
‫المنهج يف القرآن الكريم‪ ،‬وتم بسطها يف الورقة األوىل المشار إليها يف مرسوع البحث أعاله‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫من خالل النظر‬
‫سابقة ومنشورة لذات الباحث‪.‬‬

‫ليىل للنظم‬ ‫لقد اعتمد هذا ال ر‬


‫العلم منهج عالم فلسفة العلوم "ماريو بنج" لتحليل النظم كأساس تح ي‬ ‫ي‬ ‫البحن‬
‫ي‬ ‫مرسوع‬
‫النظم لبنج عىل رؤية وجودية مادية للعالم قمنا بتلخيصها يف‬
‫ي‬ ‫االجتماعية المستنبطة من رؤية القرآن للعالم‪ .‬يتأسس المنهج‬
‫وه بعنوان "الطريقة النظمية يف دراسة النظم االجتماعية"‪ ،‬وقد آن لنا أن نعيد إنتاج الداللة‬ ‫ر‬
‫الن أشنا إليها‪ ،‬ي‬‫الورقة الثانية ي‬
‫وبي‬‫عرب يسمح بالمقارنة بينها ر‬‫ي‬ ‫الن يجسدها الشكل (‪ ،)1‬عىل النظم االجتماعية بلسان‬ ‫الوجودية للرؤية القرآنية للعالم‪ ،‬ي‬
‫النساب مبسوطة يف بحثنا المنشور بمجلة‬
‫ي‬ ‫الرؤية الوجودية المادية لماريو بنج‪ .‬وهذه الرؤية الوجودية القرآنية لعالم االجتماع‬
‫‪1‬‬
‫ّ‬
‫تف بغرضنا الراهن‪ .‬هذه الرؤية الوجودية القرآنية تستوعب‬ ‫الن ي‬
‫تفكر مما يسمح لنا أن نقتبس منه يف هذا المقام تلك األبعاد ي‬

‫ّ‬
‫‪" -1‬مفهوم إقامة الدين يف القرآن الكريم‪ :‬أبعاده الوجودية‪ ،‬والمعرفية‪ ،‬والمنهجية"؛ محمد الحسن بريمة‪ .‬مجلة تفكر؛ م ‪ ،17‬ع ‪2017 ،1‬م؛ إمام‪،‬‬
‫جامعة الجزيرة‪ ،‬السودان‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫ينتم إليها‪ ،‬المحدودة بعالم الشهادة‪ ،‬المحجوبة‬
‫ي‬ ‫الن‬
‫وتتجاوز الرؤية الوجودية المادية لماريو بنج‪ ،‬وللمدرسة الوجودية النقدية ي‬
‫كبتا يف‬
‫لعالم الغيب والشهادة‪ ،‬ومن ثم تتيح ثراء ر‬
‫ي‬ ‫بظاهر من الحياة الدنيا‪ ،‬ألن الرؤية القرآنية مؤسسة عىل األبعاد الوجودية‬
‫عالم الغيب‬
‫ي‬ ‫النساب المتجذر يف‬
‫ي‬ ‫تفست مظاهر الوجود‬
‫ر‬ ‫غت محدود يف‬ ‫معطيات التحليل للنظم االجتماعية‪ ،‬وتنوعا وعمقا ر‬
‫والشهادة‪.‬‬

‫شكل رقم (‪)1‬‬

‫رؤية القرآن للعالم‬


‫جل جالله‬
‫هللا ّ‬
‫الشيطان‬ ‫الملك‬
‫الكون (السماوات‪+‬األرض)‬ ‫الوحي (قرآن‪+‬‬
‫زينة األرض (المال‪+‬البنون))‬ ‫سنة صحيحة)‬
‫الوسواس‬ ‫اإللهام‬
‫فتنة (المال‪ +‬البنون)‬
‫علم الوحي‬
‫ابتالء العمل‬
‫النفس (فجورها وتقواها)‬

‫الهوى‬ ‫العلم التوحيدي(الوحي‪+‬الكون)‬

‫(ج)‬ ‫(ب)‬ ‫(أ)‬


‫الش ِْرك‬ ‫التوحيد‬
‫الكفر‬ ‫التخليط‬ ‫اإليمان‬

‫ملهمات الفجور‪ :‬الهلع‪،‬‬ ‫الرؤية‬ ‫خليط من ملهمات‬ ‫الرؤية‬ ‫ملهمات التقوى‪ :‬العدل‪،‬‬
‫الضعف‪ ،‬العجلة‪ ،‬الكبر ‪ ...‬إلخ)‬ ‫الدنيوية‬ ‫التقوى والفجور‬ ‫التوحيدية‬ ‫اإلحسان‪ ،‬الصبر‪ ،‬العلم‪،‬‬
‫للعالم‬ ‫للعالم‬ ‫الرحمة ‪ ...‬إلخ )‬

‫العمل السيىء‬ ‫سيادة الهوى‬ ‫عمل (صالح ‪ +‬سيىء)‬ ‫سيادة العلم‬ ‫العمل الصالح‬
‫(كفر النعمة)‬ ‫والشهوات‬ ‫والحكمة‬ ‫(شكر النعمة)‬

‫اإلسالم‬ ‫ذبذبة النفس‬ ‫اإلسالم‬ ‫تزكية النفس‬


‫دس النفس‬ ‫هلل‬
‫للشهوات‬

‫النفس الفاجرة‬ ‫المعيشة‬ ‫ّ‬


‫(األم ارة ‪ +‬اللوامة)‬ ‫النفس‬ ‫الحياة‬ ‫النفس المطمئنة‬
‫الضنكة‬ ‫الطيبة‬

‫الدنيوي العقالني‬ ‫اإلنسان‬ ‫اإلنسان‬


‫اإلنسان العادي‬ ‫المسلم الراشد‬
‫الدنيوي‬ ‫التوحيدي‬

‫تعظيم متاع الحياة الدنيا‬ ‫العقالنية‬ ‫الرشد‬ ‫تعظيم العمل الصالح‬


‫مقاصد متشاكسة‬
‫الدنيوية‬ ‫اإلسالمي‬

‫السياسات‬ ‫السياسات‬
‫النظام االجتماعي‬ ‫الدنيوية نحو‬ ‫الواقع االجتماعي‬ ‫الشرعية نحو‬ ‫النظام االجتماعي‬
‫الدنيوي المعيار‬ ‫النظام الدنيوي‬ ‫النظام التوحيدي‬
‫التوحيدي المعيار‬

‫‪2‬‬
‫نتبي القوى الفاعلة اآلتية يف‬
‫النساب فسوف ر‬
‫ي‬ ‫إذا نظرنا إىل الشكل (‪ )1‬أعاله الذي يلخص رؤية القرآن لعالم االجتماع‬
‫االجتماع‪:‬‬
‫ي‬ ‫فضاء الوجود‬

‫مباشة‪ ،‬ومن خالل السي االجتماعية المذكورة‬ ‫أوال؛ هللا المتعاىل‪ ،‬المصدق‪ ،‬والمهيمن عىل جملة الفضاء االجتماع‪ ،‬إحاطة ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫شء يحدث يف هذا‬ ‫غتها مما اختص هللا تعاىل بعلمه‪ ،‬وأشار إليه ف كتابه المتل‪ ،‬فال ر‬ ‫ر‬ ‫خالل‬ ‫ومن‬ ‫الكريم‪،‬‬ ‫يف القرآن‬
‫ي‬ ‫يُ ۡ َ َ َ َ ۡ َ ُ َ‬
‫ون م ۡن َع َمل إ اَل ُك انا َع َل ۡي ُكمۡ‬ ‫َ ۡ َ َ َ ُۡ ْ ۡ ُ‬ ‫‪ُ ُ َ َ َ :‬‬
‫ذنه‪ ،‬أو بأمره وفعله ﴿وما تكون ِ يف شأ ٖن َوما تتلوا ِمنه ِمن قرء ٖان َ وَل تعمل‬ ‫بعلمه َوبإ ِۚ‬ ‫الفضاء إال‬
‫َ‬ ‫َ ِ َ َ ا َ ٍۡ ِ ا‬ ‫ا ٓ َا َ‬ ‫َ‬ ‫يه َو َما َي ۡع ُز ُب َعن ا ِّرب َك من ِّم ۡث َقال َذ ارة ف ۡٱأل ۡ‬ ‫ُ ُ ً ۡ ُ ُ‬
‫ٱلس َما ِء َول أ ۡصغ َر ِمن ذ َٰ ِلك َول أ ك َ َت ِإَل ِ يف ِكت َٰ ٖب‬ ‫ض َوَل ِ يف‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ ٖ ِي‬ ‫ِ‬ ‫ف‬
‫ِ ِ‬ ‫ون‬ ‫يض‬ ‫ف‬ ‫شهودا ِإذ ِ‬
‫ت‬
‫ي‪( ﴾٦١‬يونس)‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫م ِب ر ن‬
‫الدين المطلوب إقامته‬
‫ي‬ ‫مبي‪ ،‬وهو يحوي المثال‬
‫عرب ر‬
‫االجتماع يف كتاب بلسان ي‬
‫ي‬ ‫الله المتل عىل فضاء الوجود‬ ‫ي‬ ‫الوح‬
‫ي‬ ‫ثانيا؛‬
‫‪.‬‬
‫الظرف‪ ،‬وهو كالم هللا وعلمه‪ ،‬وهو محفوظ من التحريف بحفظ هللا له إىل قيام الساعة وهو كتاب‬ ‫ي‬ ‫االجتماع‬ ‫يف الواقع‬
‫يُ‬ ‫ُ‬
‫النساب‪ ،‬وتفاعالته الكونية‬
‫ي‬ ‫االجتماع‬ ‫يسع‬ ‫فيه‬ ‫الذي‬ ‫العلم‬ ‫أن‬ ‫إال‬ ‫العدد‬ ‫متناهية‬ ‫ته‬ ‫آيا‬ ‫كانت‬ ‫وإن‬ ‫لت‪،‬‬ ‫ص‬‫ف‬ ‫ثم‬ ‫آياته‪،‬‬ ‫حكمت‬ ‫أ‬
‫إىل قيام الساعة‪،‬‬
‫الظرف‬
‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫االجتماع وقاعدته الكونية (النفس‪ ،‬المال‪ ،‬البنون) المحددان بالزمان والمكان‪ ،‬باعتباره الواقع‬
‫ي‬ ‫ثالثا؛ الوجود‬
‫الدين‬ ‫الظرف (الدين المقام) نحو التوحد مع مثاله‬ ‫االجتماع‬ ‫ُ‬
‫الذي سوف يشاد فيه بنيان الدين‪ ،‬ومن ثم االتجاه بالواقع‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الله‪ .‬فالنفس‪ ،‬أي النسان يف كليته المادية والمعنوية‪ ،‬أهم ما تتزه فيها رؤية القرآن لعالم االجتماع‬ ‫ي‬ ‫الوح‬
‫ي‬ ‫الثاوي يف‬
‫ُ‬
‫آب‪ ،‬ألنه الموضع الذي يصب فيه ساس‬ ‫النساب‪ ،‬فيما يتعلق بإقامة الدين (مجتمع التوحيد)‪ ،‬هو "القلب" بمعناه القر ي‬
‫ي‬
‫الدين(اليمان)‪ .‬واالهتمام بأمر القلب أمر بالغ األهمية ألي رؤية اجتماعية يراد لها أن تقام يف الواقع‪ .‬هناك أيضا "النفس"‬
‫بفجورها وتقواها‪ ،‬وهواها من حيث تعلقها بشهوات المتاع الدنيوي‪ ،‬وأثر ذلك عىل "القلب"‪.‬‬

‫"المال" و"البنون" بشهواتهما هما زينة الحياة الدنيا حيث االبتالء واالمتحان الذي قامت عليه "خطة الخلق العامة"‪،‬‬
‫وفضاؤهما هو مضمار السباق‪ ،‬والتنافس لمن أراد الدنيا‪ ،‬ولمن أراد اآلخرة‪ ،‬ولمن أرادهما معا‪ .‬فالذين يريدون الحياة الدنيا‬
‫وزينتها إنما يتنافسون عىل تعظيم حظوظهم من متاعها‪ ،‬والذين يريدون الدار اآلخرة يتنافسون عىل تعظيم صالحات األعمال‬
‫و"البني"‪ ،‬هو المجال‬
‫ر‬ ‫يف فضائها‪ .‬إذن فضاء زينة الحياة الدنيا‪ ،‬حيث تتفاعل "النفس" (بفجورها وتقواها) مع "المال"‬
‫ر‬
‫النساب‪ .‬لذلك يعتت العلم الدقيق بمكونات هذا الفضاء‪ ،‬وبتفاعالته‪ ،‬برسوط الزمان والمكان‪،‬‬ ‫الحقيف لفهم ظاهرة االجتماع‬
‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ي‬
‫القناطت المقنطرة من الذهب والفضة‪ ،‬والخيل المسومة‪ ،‬واألنعام‪،‬‬ ‫ر‬ ‫يف مجال "المال" حيث زين للناس حب الشهوات من‬
‫بالمتان‬
‫"البني" حيث عالقة الفتنة الجنسية ربي النساء والرجال‪ ،‬وما يتتب عليها من فتنة الذرية‪ ،‬والعلم ر‬ ‫ر‬ ‫وف مجال‬
‫والحرث‪ ،‬ي‬
‫ينبع أن يحكم التفاعل الدائم يف هذا الفضاء‪ ،‬هو أساس علم النظم االجتماعية من منظور رؤية القرآن لعالم‬ ‫ي‬ ‫الله الذي‬
‫ي‬
‫النساب‪.‬‬
‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫النساب الجوهرية أن الناس لها مقاصد حياتية‪ ،‬تتجه غالبا‪ ،‬إن لم يكن الدين مقاما‪ ،‬نحو تعظيم‬
‫ي‬ ‫من سمات االجتماع‬
‫ر‬
‫المتاع الدنيوي‪ ،‬وهذا أساس الرصاعات واالضطرابات االجتماعية عت التاري خ البرسي‪ ،‬ألن المتاع الدنيوي المحدود يف الزمان‬
‫البرسية الالمحدودة‪ .‬لكن عندما تتأسس المقاصد االجتماعية عىل تعظيم اليمان باهلل‬ ‫والمكان ال يسع جميع أطماع النفوس ر‬
‫االجتماع يف عمل الصالحات‪،‬‬
‫ي‬ ‫النساب فإنه يسع جميع أنواع التنافس‬
‫ي‬ ‫تعاىل من خالل تعظيم العمل الصالح يف فضاء االجتماع‬
‫ترقيا نحو الكماالت اللهية‪ ،‬ألنه يف حقيقته تعاون عىل الت والتقوى‪ ،‬وليس تعاونا عىل الثم والعدوان الذي يحتمه خيار الحياة‬
‫ه األساس لمقاصد المجتمع وأفراده‪،‬‬ ‫الدنيا‪ .‬والدرس المستفاد هنا‪ ،‬فيما يتعلق بإقامة الدين‪ ،‬هو أن تكون مقاصد الدين ي‬
‫وه من السعة بحيث تستوعب جميع تطلعات النسان المحققة للحياة الطيبة يف العاجل‪ ،‬ولحسن المآب يف اآلجل‪ .‬ي‬
‫ولك‬ ‫ي‬
‫ه أساس الدين المقام‪ ،‬وحفظها عىل الدوام هو الضامن لحفظ نظام االجتماع التوحيدي‪ ،‬البد‬ ‫تكون هذه المقاصد الدينية ي‬
‫االجتماع الذي يثمره هذا التفاعل‪ ،‬بما يحقق تلك‬
‫ي‬ ‫االجتماع وأحكامه‪ ،‬وللنظام‬
‫ي‬ ‫ه أيضا المحدد للفعل والتفاعل‬‫أن تكون ي‬
‫ه المحدد لوسائل تحقيقها‪.‬‬ ‫برسوط الزمان والمكان‪ ،‬فالمنطق الثاوي ف الفطرة ر‬‫المقاصد‪ ،‬ر‬
‫يقتض أن تكون المقاصد ي‬
‫ي‬ ‫البرسية‬ ‫ي‬

‫‪3‬‬
‫االجتماع من منطلقات الفجور يف النفس كوسيلة لتحقيق المقاصد‬ ‫ي‬ ‫النساب الفعل‬
‫ي‬ ‫أيضا من السمات البارزة لالجتماع‬
‫الدنيوية المحضة‪ ،‬أو من منطلقات التقوى كوسيلة لتحقيق المقاصد الدينية‪ ،‬باعتبار الدنيا مزرعة اآلخرة‪ .‬ويتتب عىل الفعل‬
‫جتماع ربي أفراد المجتمع‪ ،‬ويتم ذلك يف إطار نسيج‪ ،‬أو بنية اجتماعية جوهرية‬ ‫ي‬ ‫ه التفاعل اال‬
‫االجتماع سمة بارزة أخرى ي‬
‫ي‬
‫الن تعنينا هنا عبارة عن فعالية عالقاتية‬
‫ي‬ ‫االجتماعية‬ ‫والبنية‬ ‫‪.‬‬‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫مكونات‬ ‫تربط‬ ‫الن‬
‫ي‬ ‫العالقات‬ ‫مجموع‬ ‫ه‬
‫ي‬
‫تمت عنهما بنوع من االستقالل‪ ،‬وتؤثر فيهما‬‫االجتماع‪ ،‬وإن كانت ت ر‬
‫ي‬ ‫والتفاعل‬ ‫الفعل‬ ‫عىل‬ ‫وجودها‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫تعتمد‬ ‫)‬‫‪relational‬‬ ‫(‬
‫بدورها‪.‬‬

‫النساب أن من أهم خواص النسان قدرته عىل كسب العلم‪ ،‬من خالل وسائل الدراك‬ ‫ي‬ ‫تتز رؤية القرآن لعالم االجتماع‬
‫الوح من السماء‪ ،‬والوفاء بحق‬ ‫ي‬ ‫الن تسمح له بعمران األرض‪ ،‬وباستيعاب رسالة‬ ‫وه الخاصية ي‬ ‫لديه (السمع‪ ،‬البرص‪ ،‬الفؤاد)‪ ،‬ي‬
‫الله يعتمد كليا يف‬ ‫ي‬ ‫الوح‬
‫ي‬ ‫الدين الثاوي يف‬ ‫ي‬ ‫ستخالف‪ .‬والدرس المستفاد‪ ،‬فيما يتعلق بإقامة الدين‪ ،‬هو أن المثال‬ ‫ي‬ ‫التكليف اال‬
‫والطبيع‬
‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫بالوح‪ ،‬وعلم بالواقع‬ ‫ي‬ ‫االجتماع‪ ،‬واستدامته‪ ،‬عىل خاصية كسب العلم عند النسان‪ ،‬علم‬ ‫ي‬ ‫إقامته يف الواقع‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫يف الزمان والمكان الذي سوف يقام فيه الدين‪ .‬ولذلك أمر هللا تعاىل النسان أال يقف ما ليس له به علم‪ ،‬وأن السمع والبرص‬
‫والفؤاد‪ ،‬كل أولئك كان عنه مسؤوال‪.‬‬
‫َ ُ ۡ‬
‫﴿وق ِل ٱل َح ُّق ِمن‬ ‫لعالم االجتماع َالنساب ه "الحرية"‪( :‬‬ ‫ۖۡ لعل الخاصية األبرز عند النسان بما أكدت عليه رؤية القرآن‬
‫ُ يُّ ُ ۡ ي َ ً ِۚ َ َ َ َ ُ ۡ ُ ا‬ ‫﴿و َل ۡو َش ٓا َء َرُّب َك َ األ َم َن َمن ف ۡٱأل ۡ‬
‫ارِّب ُك ۡم َف َمن َش ٓا َء َف ۡل ُي ۡؤمن َو َمن َش ٓا َء َف ۡل َي ۡك ُف ۡ ِۚر﴾ (الكهف)؛ َ‬
‫اس َح ا َٰن‬‫ٱلن َ‬ ‫ه‬‫ر‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫نت‬ ‫أ‬‫ف‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫يع‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ض‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ۡ َ ُ ْ َ ٓ َ َۡ َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ َ ِّ ا ٓ َ َ َ ِّ‬ ‫وا ُم ۡؤمن َ‬ ‫َ ُ ُ ْ‬
‫﴿فذك ۡر ِإن َما أنت ُمذكر‪ ٢١‬ل ۡست َعل ۡي ِهم ِب ُم َص ۡي ِط نر‪( ﴾٢٢‬الغاشية)؛ ﴿ف ِإن أ ۡع َرضوا ف َما أ ۡر َسلن َٰ ك‬ ‫ُۗ‬ ‫(‬ ‫(يونس)؛‬ ‫ي‪﴾٩٩‬‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يكون‬
‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ۡ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ۡ َُ ْ َ ُۡ ۡ ا ُ َ َ ۡ َُ َ‬ ‫َ َ ۡ ۡ َ ً ۖۡ ۡ َ َ ۡ َ ا ۡ َ َ َٰ ُ‬
‫علي ِهم ح ِفيظا ِإن عليك ِإَل ٱلبل غ﴾ (الشورى)؛ ﴿ٱعملوا ما َ ِشئتم ِإنهۥ ِبما تعملون ب ِص رت‪( ﴾٤٠‬فصلت)؛ (﴿خلق ِٱلنس ن ِمن‬
‫ٓ‬ ‫َا َا َۡ‬ ‫ُّ ۡ َ َ َ ُ َ َ‬
‫ووع النسان العميق بهذه الحرية‪ ،‬وما‬ ‫ي‬ ‫ض َما أ َم َر ُهۥ‪( ﴾٢٣‬عبس)‪...‬إلخ‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫نطف ٖة ف ِإذا هو خ ِصيم م ِب ري‪( ﴾٤‬النحل)؛ (﴿كَّل لما يق ِ‬
‫تلقيه عليه من تبعات تتتب عىل حق االمتياز بها‪.‬‬
‫التغيت والتطوير‪ ،‬سواء يف ذاتها‪ ،‬أو يف بنية االجتماع‬ ‫ر‬ ‫النساب قدرة النفس عىل‬ ‫ي‬ ‫خاصية بارزة من خصائص االجتماع‬
‫التغيت هو من طبيعة‬ ‫ر‬ ‫يعن أن‬ ‫‪.‬‬
‫النساب بما تعمله يد النسان فيها وهذا ي‬ ‫ي‬ ‫الن تدعم الوجود‬ ‫النساب‪ ،‬أو يف القاعدة المادية ي‬
‫ي‬
‫النساب‪ ،‬وما لم يتم استيعاب هذه الخاصية فقد تجمد القوالب البنيوية للمجتمع‪ ،‬بينما محتواها من الفعل‬ ‫ي‬ ‫المجتمع‬
‫االجتماع يف حالة مد يفيض عنها‪ ،‬وتضيق به‪ ،‬وهذا مصدر للتوترات االجتماعية‪ .‬والدرس المستفاد هنا‪ ،‬بالنسبة‬ ‫ي‬ ‫والتفاعل‬
‫الوح‪ ،‬الثابتة نصا‪ ،‬الالمتناهية معن‪ ،‬أمر‬ ‫ي‬ ‫الدين الثاوي يف نصوص‬ ‫ي‬ ‫المعرف الدائم يف المثال‬
‫ي‬ ‫لقامة الدين‪ ،‬هو أن االجتهاد‬
‫االجتماع سوف يتجاوز‬ ‫الظرف‪ ،‬وإال فإن الواقع‬
‫ي‬ ‫االجتماع‬ ‫التغيت‬
‫ر‬ ‫الن تناسب وتستوعب حركة‬ ‫حتم الستنباط صورته ي‬
‫َي َ‬ ‫ي‬ ‫َ َ‬ ‫ي‬
‫ور يف ُمستودع ٍ‬
‫ن‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫‪،‬‬‫المجتمع‬ ‫كة‬
‫حر‬ ‫وتصبح‬ ‫اتجاه‪،‬‬ ‫كل‬ ‫ف‬ ‫ها‬
‫ِ ي‬‫ر‬ ‫د‬ ‫بق‬ ‫أوديته‬ ‫تسيل‬ ‫وسوف‬ ‫قبل‪،‬‬ ‫من‬ ‫يستوعبه‬ ‫كان‬ ‫الذي‬ ‫الدين‬
‫ُ ي‬ ‫القالب‬
‫َ‬
‫و"التغيت" مع "اليمان" فإن‬ ‫ر‬ ‫و"العلمية"‪،‬‬ ‫"الحرية"‪،‬‬ ‫اص‬ ‫خو‬ ‫تجتمع‬ ‫وعندما‬ ‫‪.‬‬‫ار‬
‫ر‬ ‫ق‬ ‫لها‬ ‫يقر‬ ‫أن‬ ‫قبل‬ ‫الكثت‬
‫ر‬ ‫ب‬‫خر‬ ‫للخ َزف‪ ،‬ت‬
‫الكوب الذي‬ ‫يكاف عظمة الخلق‬ ‫ئ‬ ‫يأب من األعمال العظيمة ما‬
‫ي‬ ‫ختة هائلة‪ ،‬ي‬ ‫يصت‪ ،‬يف المجتمع المقام فيه الدين‪ ،‬طاقة ر‬ ‫النسان ر‬
‫ُجعل مجاال لحركته‪ ،‬والذي هو ال محالة بالغه‪ ،‬سواء بحوافز دينية‪ ،‬أو دنيوية‪ .‬والعكس صحيح عندما تجتمع خواص‬
‫يصت‪ ،‬يف المجتمع الدنيوي‪ ،‬طاقة إفساد يف‬ ‫ه إال حياتنا الدنيا" فإن النسان ر‬ ‫و"التغيت" مع "إن ي‬
‫ر‬ ‫"الحرية"‪ ،‬و"العلمية"‪،‬‬
‫األرض هائلة‪.‬‬

‫الساع لمنع إقامة بنيان الدين من ِق َبل النسان‪ ،‬أو لتقويضه بعد بنائه‪ ،‬ذو المهارات الفائقة‪،‬‬
‫ي‬ ‫رابعا؛ الشيطان‪ ،‬عدو النسان‪،‬‬
‫التأثت عىل خيارات النسان‪ ،‬وأفعاله‪ .‬الشيطان‪ ،‬بحكم تسليطه عىل النسان‪ ،‬له طرق ر‬
‫كثتة نافذة يف‬ ‫ر‬ ‫والح َيل الناجعة يف‬
‫ِ‬
‫تفزز بصوته‪ ،‬ويجلب بخيله‬ ‫س‬‫التأثت عىل خيارات النسان‪ ،‬فهو أحيانا يأمر‪ ،‬وهو يوسوس‪ ،‬وهو ُيزين‪ ،‬وهو َيعد‪ ،‬وهو َي ْ‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورجله‪ ،‬وهو يشارك يف األموال واألوالد‪...‬إلخ‪ ،‬كما ربي ذلك القرآن الكريم‪.‬‬
‫ُ‬
‫خامسا؛ المالئكة‪ ،‬رسل هللا تعاىل‪ ،‬ال تفعل حن تؤمر‪ ،‬وال يعصون هللا ما أمرهم‪ ،‬ويفعلون ما يؤمرون‪ .‬لذلك نستنتج أن‬
‫تأثت سببية ذاتية كما هو الحال مع الشيطان‪.‬‬ ‫النساب‪ ،‬إال إنها ال تملك قوة ر‬
‫ي‬ ‫المالئكة‪ ،‬رغم وجودها يف فضاء االجتماع‬

‫‪4‬‬
‫الكريم"‪2‬‬
‫وف بحث لنا بعنوان "الحركة الكونية لإلنسان يف القرآن‬ ‫النساب‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫الكوب لفضاء االجتماع‬
‫ي‬ ‫أختا هناك البعد‬
‫سادسا‪ ،‬ر‬
‫يف ذكرهما بالغرض يف هذا المقام‪ .‬جاء يف الفرضية األوىل أن‪ " :‬األرض‪ ،‬بقمرها وشمسها‪،‬‬
‫أساسيتي ي‬
‫ر‬ ‫فرضيتي‬
‫ر‬ ‫توصلنا إىل‬
‫اآلب‪" :‬سوف‬
‫لها ما يماثلها يف كل سماء من السماوات السبع‪ ،‬وجميعها مستخلف فيها النسان"‪ .‬وجاء يف الفرضية الثانية ي‬
‫اب عليها‬
‫يبلغ النسان بعلمه وعمله جميع المتماثالت من األرض يف السماوات السبع ليحقق مغزى االستخالف العمر ي‬
‫قبل قيام الساعة"‪.‬‬

‫اإلنسان‬
‫ي‬ ‫‪ -3‬النظم االجتماعية يف رؤية القرآن لعالم االجتماع‬
‫النساب‬
‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫النساب‪ " :‬النظام‬
‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫اآلب للنظام‬
‫الن مض ذكرها التعريف ي‬ ‫جاء يف ورقة "الطريقة النظمية‪ "...‬ي‬
‫المعايت‬
‫ر‬ ‫اجتماع يتشكل من الناس‪ ،‬ومما عملته أيديهم من أشياء‪ ،‬ويمسكه روابط من األحاسيس‪ ،‬المعتقدات‪،‬‬ ‫ي‬ ‫هو نظام‬
‫الن تم استخالصها من رؤية القرآن‬ ‫‪.‬‬
‫األخالقية والقانونية‪ ،‬وأفعال اجتماعية مشتكة" النظم االجتماعية الكلية‪ ،‬التأسيسية ي‬
‫‪:‬‬
‫ه أربعة‪ ،‬ويمكن الرجوع إىل منهج استخالصها كما هو موضح يف الورقة األوىل وعنوانها "رؤية القرآن للعالم وداللتها‬ ‫للعالم ي‬
‫االجتماع العام‪ ،‬ويمثله الشكل رقم (‪ )2‬أدناه‪ ،‬نظام االجتماع الدنيوي (شكل‬
‫ي‬ ‫‪:‬‬
‫ه النظام‬ ‫‪.‬‬
‫عىل النظم االجتماعية" وتلك النظم ي‬
‫االجتماع (شكل رقم ‪ ،)5‬و(شكل رقم ‪ .)7‬نستخدم مصطلح‬ ‫ي‬ ‫الواقع‬ ‫نظام‬ ‫‪،‬‬ ‫)‬‫‪4‬‬ ‫رقم‬ ‫(شكل‬ ‫رقم ‪ ،)3‬نظام االجتماع التوحيدي‬
‫"نموذج" ألن النموذج يشبه الصورة المقطعية‪ ،‬أو اللقطة الفوتوغرافية للنظام يف لحظة زمانية محددة‪ ،‬بينما النظام ذاته هو‬
‫التغت الدائم‪.‬‬
‫ر‬ ‫كائن يف حالة مد وجزر بال انقطاع‪ ،‬أي إنه يف حال من‬
‫الن يلخصها النموذج يف‬ ‫االجتماع العام المستخلص من "خطة الخلق العامة" ي‬ ‫ي‬ ‫الشكل رقم (‪ )2‬أدناه يمثل نموذج النظام‬
‫اجتماع‬
‫ي‬ ‫الشكل رقم (‪ )1‬أعاله‪ ،‬المستخلصة بدورها منهجيا من القرآن الكريم‪ .‬النموذج يف الشكل رقم (‪ )2‬هو نموذج لنظام‬
‫االجتماع الفطري العام الذي نفتض أنه يبدأ يف‬ ‫ي‬ ‫مثاىل (‪ )Ideal Type‬تأسيسا عىل تعريف (ماكس فيت)‪ ،‬يعت عن النظام‬ ‫ي‬
‫الن تكون فيها جميع المكونات الوجودية لخطة الخلق العامة قد اكتملت كما كانت يف‬ ‫ي‬ ‫اللحظة‬ ‫وه‬
‫ي‬ ‫صفر‪،‬‬ ‫اللحظة‬ ‫من‬ ‫العمل‬
‫َ‬
‫والمكاب عىل‬
‫ي‬ ‫الزماب‬
‫ي‬ ‫الواقع‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫تم‬ ‫قد‬ ‫ذلك‬ ‫أن‬ ‫رغم‬ ‫العلم‪،‬‬ ‫ذلك‬ ‫بمقتض‬ ‫العمل‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫تبدأ‬ ‫أن‬ ‫لخطة‬ ‫ل‬ ‫تعاىل‬ ‫الله‪ ،‬وأ ِذن هللا‬
‫ي‬ ‫العلم‬
‫التأطت‬‫ر‬ ‫السني‪ ،‬وتمدد‪ ،‬وما زال يتمدد مكانا يف الكون كله‪ .‬الغرض من هذا‬ ‫ر‬ ‫اح الذي امتد‪ ،‬وما زال يمتد زمانا إىل مليارات‬ ‫الت ي‬
‫االجتماع بحيث‬
‫ي‬ ‫النساب عندما يسوده هذا النظام‬
‫ي‬ ‫الن تتم يف فضاء االجتماع‬ ‫النظري هو الوقوف عىل طبيعة التفاعالت ي‬
‫االجتماع‬ ‫غته‪ ،‬علما بأن منته (‪ )limits‬هذا النظام‬ ‫ُ‬
‫ي‬ ‫عي دون ر‬ ‫اجتماع م ر‬
‫ي‬ ‫يؤدي هذا التفاعل‪ ،‬يف الزمان والمكان‪ ،‬إىل واقع‬
‫االجتماع التوحيدي (شكل رقم‬‫ي‬ ‫االجتماع الدنيوي (شكل رقم ‪ ،)3‬والنظام‬
‫ي‬ ‫اجتماعيي‪ ،‬هما النظام‬
‫ر‬ ‫نظامي‬
‫ر‬ ‫الفطري هو أحد‬
‫‪.)4‬‬

‫االجتماع العام يف الشكل رقم (‪ )2‬رغم أن الهوى هو يف حقيقته‬


‫ي‬ ‫أختة تتعلق بتوز "الهوى" كأحد مكونات النظام‬
‫نقطة ر‬
‫المكون الجزبئ‬
‫ومحفز لملهمات الفجور فيها‪ ،‬ومن ثم يمكن أخذه ف االعتبار عند تحليل النفس باعتبارها ُ‬ ‫حال للنفس‪ُ ،‬‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اب الهوى بأنه‪:‬‬ ‫َ‬
‫األساس للنظام‪ .‬وقد عرف المرحوم الدكتور حسن الت ي‬
‫الن تتجه بالنسان إىل متاع الحياة الدنيا‪ ،‬فإذا طاوعه واتبع دواعيه أوقعه يف أش اللذات األرضية‬
‫"جماع الميول الفطرية ي‬
‫وبي عالم‬‫الروح‪ ،‬وينبت الحبل بينه ر‬
‫ي‬ ‫المحسوسة حن يصبح كل همه يف أن يأكل ويتمتع كشأن البهائم‪ ،‬وحن يذبل عنرصه‬
‫الغيب‪ .‬وال يزال الهوى بصاحبه حن يبطل ش كرامته عىل سائر األشياء‪ ،‬ويعطل تعلقاته العلوية من فرط شغله بالشهوة‬
‫بصتته جميعا فال يرى إال ما تحت قدميه‪ ،‬وال ُيعن إال بالقريب العاجل‪ ،‬ال ينظر يف حياته لمآالتها‬
‫يغض ر‬
‫ي‬ ‫السفلية‪ ،‬بل حن‬
‫ر‬ ‫‪.‬‬ ‫ُ‬
‫تدبتا‪ ،‬أو‬
‫البعيدة‪ ،‬وال يقدم شيئا آلجلته وما دام عبد الهوى أعماه يف دنياه يأخذ منها كيفما اتفق عاجال بعاجل‪ ،‬وال يخط لها ر‬
‫نهجا شامال‪ ،‬فأوىل أن يغفل جملة واحدة عن آخرته"‪3 .‬‬

‫السالم؛‬
‫ي‬ ‫العالم للفكر‬
‫ي‬ ‫‪" - 2‬الحركة الكونية لإلنسان يف القرآن الكريم"؛ محمد الحسن بريمة‪ .‬مجلة إسالمية المعرفة‪ ،‬ع‪2016 ،83‬م‪ .‬المعهد‬
‫واشنجطن‪.‬‬
‫‪ - 3‬اإليمان‪ :‬أثره في حياة اإلنسان؛ حسن عبد هللا الترابي‪ .‬دار القلم (‪ ،)1983‬الكويت‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫الممت هو أنه يقوم مقام (‪" )proxy‬الشيطان" عند تحليل النموذج‪ ،‬إذ ال يمكن‬‫ر‬ ‫السبب يف إفراد "الهوى" بهذا الوضع‬
‫الوح الكريم‪ ،‬أن‬ ‫ر‬
‫مباشة‪ ،‬ألنه يرانا هو وقبيله من حيث ال نراهم نحن البرس‪ ،‬ولكنا نفتض‪ ،‬تأسيسا عىل‬‫رصد الشيطان وفعله ر‬
‫ي‬
‫االجتماع لدى المؤمن من محض الهوى‪ ،‬ويؤثر سلبا‬
‫ي‬ ‫االجتماع يمكن رصده عندما ينطلق الفعل‬
‫ي‬ ‫أثره عىل الفعل والتفاعل‬
‫ر‬
‫ه مقاصد الرسيعة السالمية‪ ،‬عىل‬ ‫الن ي‬
‫عىل خيارات الفرد الحياتية الراشدة‪ ،‬ومن ثم عىل قدرته عىل تحقيق مقاصده الدينية ي‬
‫مستويي‪ ،‬األول جعله يستحب الكفر عىل اليمان‪،‬‬
‫ر‬ ‫غت المسلم فيكون أثر الشيطان عىل‬‫أي مستوى من مستوياتها‪ .‬أما يف حالة ر‬
‫تأثته عىل فعله وعىل خياراته الحياتية عندما يكون الفعل مخالفا‬
‫الثاب ر‬
‫ي‬ ‫ومن ثم يؤثر الحياة الدنيا عىل اآلخرة؛ والمستوى‬
‫معايت الرص والنفع‪ ،‬المصلحة والمفسدة‪ .‬وسوف نذكر الحقا كيفيات العمل‬ ‫ر‬ ‫للمصالح الدنيوية المعتتة عقال‪ ،‬المؤسسة عىل‬
‫الن أمر الشارع المسلم بتفعيلها للنجاة من كيده‪.‬‬
‫الن يوظفها الشيطان لإليقاع بالنسان‪ ،‬وتلك ي‬ ‫"المكتمات" ي‬
‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫الشكل رقم (‪ )3‬يحتوي عىل نموذج نظام االجتماع الدنيوي الخالص‪ ،‬الذي هو أحد نهايات (‪ )limits‬النظام‬
‫ّ‬
‫النساب‬
‫ي‬ ‫الن تجري يف فضاء االجتماع‬‫ثاىل يمكننا من رصد وتحليل التفاعالت ي‬ ‫اجتماع م ي‬
‫ي‬ ‫الفطري العام‪ ،‬وهو نموذج لنظام‬
‫عندما يسوده نظام االجتماع الدنيوي الخالص‪ .‬الشكل رقم (‪ )4‬يحتوي عىل نموذج نظام االجتماع التوحيدي الخالص‪ ،‬وهو‬
‫ثاىل‬
‫اجتماع م ي‬
‫ي‬ ‫االجتماع العام‪ ،‬وهو نموذج لنظام‬
‫ي‬ ‫ينته إليها النظام‬
‫ي‬ ‫الن‬
‫النهاية األخرى‪ ،‬المقابلة لنظام االجتماع الدنيوي‪ ،‬ي‬
‫ّ‬
‫النساب عندما يسوده نظام االجتماع التوحيدي الخالص‪.‬‬
‫ي‬ ‫الن تجري يف فضاء االجتماع‬
‫يمكننا من رصد وتحليل التفاعالت ي‬
‫النظامي‬
‫ر‬ ‫االجتماع‪ ،‬وهو يقع يف المنطقة الحدودية ربي‬
‫ي‬ ‫الشكالن رقم (‪ ،)5‬ورقم (‪ )7‬يعتان عن نموذج نظام الواقع‬
‫ه نظم‬‫الدنيوي والتوحيدي‪ ،‬حيث يتقاطع النظامان‪ ،‬أو يتجاوران يف الزمان والمكان‪ ،‬وذلك بسبب أن النظم االجتماعية ي‬
‫الن تتأثر بها وتؤثر فيها‪ .‬لذلك فإن‬
‫ه بيئتها ي‬
‫الن ي‬
‫مفتوحة‪ ،‬بمعن أن حدودها قابلة لالختاق من قبل النظم المجاورة لها‪ ،‬ي‬
‫النظامي الدنيوي والتوحيدي‪ ،‬وقد تغلب عليه سمات أحد‬
‫ر‬ ‫االجتماع هو دائما محصلة التفاعل الحدودي ربي‬
‫ي‬ ‫نظام الواقع‬
‫التأثت لعوامل المد والجزر المتبادل بينهما عىل الدوام‪.‬‬
‫ر‬ ‫النظامي بحسب قوة‬
‫ر‬
‫وه‬
‫بعد هذا التوصيف للنظم االجتماعية الجوهرية المنبثقة من رؤية القرآن للعالم ننتقل إىل المرحلة األهم من البحث ي‬
‫النظم الموصوف يف بحثنا المشار إليه سابقا للتعرف عىل أهم سمات هذه النظم من حيث مكوناتها؛‬ ‫ي‬ ‫توظيف المنهج‬
‫األختة من هذا البحث‪ ،‬الذي يمثل برنامج البحث‬
‫ر‬ ‫وه المرحلة‬
‫نسيجها؛ بيئتها وكيفيات العمل (المكتمات) الفاعلة فيها‪ ،‬ي‬
‫النساب بحسب اجتهاد الباحث‪.‬‬
‫ي‬ ‫العلم يف النظم االجتماعية ومنهج دراستها تأسيسا عىل رؤية القرآن لعالم االجتماع‬
‫ي‬

‫‪6‬‬
7
8
9
10
‫النظم عىل النظم االجتماعية‬
‫ي‬ ‫‪ -4‬داللة المنهج‬
‫‪ -1.4‬انبثاق اإلنسان يف رؤية القرآن للعالم‬
‫االجتماع ربي آحاد الناس يف إطار‬
‫ي‬ ‫ه كائنات اجتماعية "تنبثق" من الفعل والتفاعل‬‫النظم االجتماعية يف هذا البحث ي‬
‫المنهج الصحيح هو الجابة عن سؤال‪:‬‬
‫ي‬ ‫جماعة معينة من الناس يحدها الزمان ولربما المكان‪ .‬لذلك البد أن يكون المدخل‬
‫ُ‬
‫الن ال تحض؟‬
‫الن تحدث كل هذه اآلثار االجتماعية بظواهرها ي‬
‫من هو هذا النسان ذو الخواص السببية ي‬
‫تقتض استدعاء أمرين‪ ،‬أولهما مفهوم "االنبثاق" الذي رشحنا معناه يف بحثنا سابق الذكر عن‬
‫ي‬ ‫الجابة عن هذا السؤال‬
‫اآلب من ذلك البحث بما يخدم الغرض الذي نحن بصدده‪:‬‬ ‫"الطريقة النظمية" لماريو بنج‪ .‬نقتطف ي‬
‫معي من التنظيم (‪" )organization‬منبثقا"‬ ‫ُ‬
‫"يعتت أي مظهر من مظاهر الوجود تم العثور عليه يف مستوى ر‬
‫(‪ )emergent‬إن كان هناك احتمال لنشأته من مستوى وجودي أدب‪ ،‬وتم تكييفه (‪ )conditioned‬من ِق َبل خواص‬
‫(‪ )properties‬ذلك المستوى األدب ويعتمد عليها‪ ،‬ولكن ال يمكن التنبؤ به من خالل العلم التام بتلك الخواص‪ ،‬أي من خالل‬
‫النظام‪.‬‬
‫بالنسبة لماريو بنج فإن "االنبثاق" هو تصنيف وجودي (‪ )ontological category‬للخواص النوعية الجديدة والطريفة‬
‫تفسته من خالل أجزاء النظام والتفاعل بينها‪ .‬ويرى كذلك أن هدف العلم ليس‬ ‫ر‬ ‫(‪ )novel‬يف النظم‪ ،‬ويمكن‪ ،‬من حيث المبدأ‪،‬‬
‫ّ‬
‫تفسته‪،‬‬
‫ر‬ ‫فقط االعتاف بالتصنيف (‪ ،)categorization‬والوضع الوجودي "لالنبثاق"‪ ،‬ولكن إدراجه يف نظريات تمكن من‬
‫تفسته‬
‫ر‬ ‫يعن زوال صفة االنبثاق عنه‪ ،‬ألن االنبثاق الذي تم‬
‫تفست "االنبثاق" ال ي‬
‫ر‬ ‫وأحيانا التنبؤ به‪ .‬ولكن علينا أن نتذكر دائما أن‬
‫ال يقل طرافة عن الذي ما زال لغزا‪ ،‬فاالنبثاق هو قضية وجودية (‪ )ontological‬وليست معرفية (‪ .)epistemological‬إن‬
‫ه دعوى تتعلق بالعالقة ربي خواص (‪ )properties‬الكليات (‪ )wholes‬وخواص أجزائها (‪ )parts‬يف إطار‬ ‫دعوى "االنبثاق" ي‬
‫التفست (‪ ،)explanation‬أو التنبؤ (‪ )prediction‬هو فرضية (‪ )thesis‬معرفية تتعلق بقدرات ر‬
‫البرس يف‬ ‫ر‬ ‫عملية التطور‪ ،‬بينما‬
‫تفست الخواص المنبثقة من خالل خواص مكونات النظام‪ ،‬أو استنباط األوىل من‬ ‫ر‬ ‫العلم عىل‬
‫ي‬ ‫لحظة محددة من التطور‬
‫الثانية"‪.‬‬
‫الن بها يؤثر سببيا يف العالم‪ ،‬فمثال‪ ،‬من الخواص‬ ‫ويقصد بالخواص المنبثقة لكائن ما تلك الخواص‪ ،‬أو القوى الذاتية له ي‬
‫واألوكسجي‪.‬‬
‫ر‬ ‫األيدروجي‬
‫ر‬ ‫يطف النار‪ ،‬وأنه يروي الظمأ‪ ،‬بينما تنعدم هذه الخواص يف مكوناته من‬ ‫ئ‬ ‫المنبثقة الذاتية للماء أنه‬
‫َ ْ‬
‫الله لإلنسان إال به هو ما أطلقت عليه اصطالحا "خطة الخلق‬ ‫ي‬ ‫الثاب الذي ال يستقيم فهم طبيعة وحكمة الخلق‬ ‫األمر ي‬
‫الله من خلق‬ ‫المقصد‬ ‫ألن‬ ‫‪،‬‬‫الورقة‬ ‫هذه‬ ‫مبتدأ‬ ‫ف‬ ‫إليه‬ ‫ت‬ ‫أش‬ ‫العامة" الن فص َلتها رؤية القرآن للعالم ف البحث األول الذي ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫نتبي معالمها أدناه‪ .‬إن‬‫الن سوف ر‬ ‫ي‬ ‫الهيئة‬ ‫عىل‬ ‫النسان‬ ‫تعاىل‬ ‫هللا‬ ‫خلق‬ ‫لم‬ ‫لنا‬ ‫فرس‬ ‫ي‬ ‫الخطة‬ ‫ف‬ ‫الله‬
‫ي ي‬ ‫التدبت‬
‫ر‬ ‫نه‬‫بي‬ ‫الذي‬ ‫النسان‬
‫‪....‬‬
‫سافلي إال الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) إنما يفهم‬ ‫ر‬ ‫‪:‬‬
‫قول هللا تعاىل (لقد خلقنا النسان يف أحسن تقويم‪ ،‬ثم رددناه أسفل‬
‫يف إطار نسبة هذا الخلق إىل االبتالء واالمتحان يف زينة الحياة الدنيا (المال والبنون) ومآله مما بينته خطة الخلق العامة‪ ،‬وهو‬
‫مآلي أشارت إليهما اآلية الكريمة بعد الخلق يف‬ ‫امتحان البد أن يخوض كل إنسان غماره يف هذه الحياة الدنيا ليؤول أمره إىل ر‬
‫النساب فسوف يعرس الفهم‬ ‫ي‬ ‫أحسن تقويم‪ .‬لكن إن لم نستحرص هذه العالقة التناسبية ربي حقيقة االبتالء وحقيقة الخلق‬
‫تمت عن سائر الخلق‪ ،‬كما بينها القرآن الكريم‪ ،‬وكما سوف‬ ‫الن خلقه هللا بها‪ ،‬وب ها ر‬ ‫للحكمة من خلق النسان بالطريقة المعجزة‬
‫ُي ُ‬
‫م‪.‬‬‫نحاول يف الصفحات التالية نمذجتها يف قالب نظ ي‬
‫سني عددا أن خلق النسان شهد أربعة أنواع من‬ ‫ر‬ ‫وتطويرها‬ ‫باستخالصها‬ ‫الباحث‬ ‫الن قام‬
‫نستنبط من رؤية القرآن للعالم ي‬
‫وف أحسن تقويم من حيث استعداداته الفطرية لخوض امتحان زينة الحياة‬ ‫ر‬
‫"االنبثاق" قبل أن يستوي النسان برسا سويا‪ ،‬ي‬
‫اآلب‪:‬‬
‫الدنيا الذي هو قدره يف هذه الحياة‪ .‬نوجز هذه األربعة أنواع من االنبثاق يف ي‬

‫بشي‬ ‫‪ -1.1.4‬انبثاق الجسم ال ر‬


‫َََ ۡ َ ََۡ‬ ‫ر‬
‫الطي المتخمر ﴿ولُقد خلقنا‬ ‫الج من تفاعالت ر‬
‫آب هو انبثاق الجسم البرسي ي‬ ‫بحسب التتيب القر ي‬ ‫االنبثاق األول لإلنسان‬
‫البرسي أ ِعد‪ ،‬فيما‬ ‫ر‬
‫ون‪( ﴾٢٦‬الحجر)‪ ،‬وقد جعل هللا تعاىل من الماء كل شء ح‪ .‬والجسم ر‬ ‫َ ۡ َ َٰ ِّ ۡ َ َ ا ۡ ُ‬
‫ن‬‫س‬ ‫م‬ ‫إ‬ ‫ۡ َ َٰ َ‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ٖ‬ ‫ِٱلنس ن ِمن صلص ٖل من ٖ‬
‫م‬ ‫ح‬
‫وه‬ ‫ر‬
‫أرى‪ ،‬لثالث مهام يف هذه الحياة الدنيا‪ ،‬أولها؛ استقبال الروح المنفوخة فيه والتفاعل معها‪ ،‬والثانية؛ أشت إليها أعاله‪ ،‬ي‬
‫البرس َي عن طريق التناسل‪،‬‬ ‫خوض غمار ابتالء زينة الحياة الدنيا الذي هو قدر النسان ف هذه الحياة‪ ،‬والثالثة‪ ،‬حفظ النوع ر‬
‫﴿وإ ۡذ أ َخ َذ َرُّب َك ِم ۢن َب ِ ا‬
‫ن َء َادمَ‬ ‫وحفظ تنوعه عن طريق نقل المورثات الجينية‪ ،‬فقد جعل يهللا تعاىل نسل بن آدم ف ظهورهم‪َ :‬‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫‪11‬‬
‫وا َي ۡو َم ۡٱلق َي َٰ َمة إ انا ُك انا َع ۡن َه َٰ َذا َغ َٰ فل َ‬ ‫ۡ َ َ ۡ ُ َ ِّ ُ ۡ ۖۡ َ ُ ْ َ َ َٰ َ ۡ َ ِٓۚ َ َ ُ ُ ْ‬ ‫ۡ ُ ِّ ا َ ُ ۡ َ َ ۡ َ َ ُ ۡ َ َ َٰا َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ي‪﴾١٧٢‬‬ ‫ِ ِ ُر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ىل أنف ِس ِهم أل َست ِبربكم قالوا بىل ش ِهدنا أن تقول‬ ‫ور ِهم ذريتهمَ وأشهدهم ع‬ ‫ِ‬ ‫ِمن ظ ُه‬
‫ا َ ا َٰ ُ‬ ‫ٓ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نس َٰ ن من طي‪ ٧‬ث ام َج َع َل ن ۡسلهۥ م ُ َٰ ِّ ا ا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫شء خلقهۥ َو َبدأ خل َق ٱل َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۖۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ا ۡ َ َ ا‬ ‫َّ‬
‫ي‪ ٨‬ثم سوىه‬ ‫ن سل ل ٖة من ما ٖء م ِه ر ن‬ ‫ِ َ‬ ‫ر‬ ‫(األعراف)؛ ﴿ٱل ِذي أحسن كل ر ۡ ٍ‬
‫﴿أ َل ۡم َي ُك ُن ۡط َف اة ِّمن امن ُي ۡم َ َٰن‪ُ ٣٧‬ثما‬ ‫ۖۡ َ َ َ َ َ ُ ُ ي ا ۡ َ َ ۡ َ ۡ َ َٰ َ َ ۡ َ ۡ َِ ِۚ َ َ ِ ا ِ ا َ ِ ۡ ُ ن ُ َ‬ ‫ََ َ‬
‫ٖ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫وح ِهۦوجعل لكم ٱلسمع وٱألبص ر وٱألف ِ د ُة ق ِليَّل ما تشكرون‪(﴾٩‬السجدة)؛‬ ‫ِ‬ ‫يه ِمن ُّر‬ ‫ِ‬ ‫َونفخ ِف‬
‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ٱلز ۡو َج ۡي ٱلذك َر َوٱأل َ َٰا‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ان َعل َقة ف َخل َق ف َس او َٰى‪ ٣٨‬ف َج َع َل م ۡن ُه ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫نس َٰ ُن ِم ام خ ِل َق‪ ٥‬خ ِل َق ِمن اما ٖء د ِاف ٖق‪٦‬‬ ‫نظر ٱل َ‬
‫نن‪(﴾٣٩‬القيامة)؛ ﴿فلي ِ ِ‬ ‫رِ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬
‫ُّ ۡ َ ا َ ٓ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۢ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ۡ‬
‫ي ٱلصل ِب وٱلتا ِئ ِب‪(﴾٧‬الطارق)‪ ،‬فلم تعد هناك حاجة إىل أن يخلق هللا تعاىل كل إنسان كما خلق أباه آدم بيديه‬ ‫يخرج ِمن ب ر ِ‬
‫الطين لكل إنسان قدر هللا أن يخلقه عىل هيئة جسم آدم إن كان ذكرا‪ ،‬وجسم حواء إن كانت‬ ‫ي‬ ‫تكف برمجة الجسم‬ ‫أول مرة‪ ،‬بل ي‬
‫برسا سويا يف الزمان والمكان‪،‬‬ ‫أنن‪ ،‬لتتناقل عت األجيال ف أصالب الرجال وترائب النساء حن إذا اقتب الوعد الحق ف تجسده ر‬
‫ي‬ ‫﴿ما َخ ۡل ُق ُك ۡم َو ََل َب ۡع ُث ُك ۡ يم إ اَل َك َن ۡفس َ َٰو ح َد ِۚة إ ان َّ َ‬
‫يع َب ِص ر رت‪( ﴾٢٨‬لقمان)‪ .‬ولعلنا نستخدم مجازا لغة الكومبيوتر ليصال‬ ‫ٱَّلل َسم ُ ۢ‬
‫ِ‬ ‫ن ِ ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫كان‪ :‬ا‬
‫‪َ ُ َ ۡ َ َ َ ۡ ُ َ َ َ ُ َّ َ :‬‬
‫المراد بأقرص طريق‪ ،‬ألن هللا تعاىل خلق النسان وما يعمله ﴿وٱَّلل خلقكم وما تعملون‪(﴾٩٦‬الصافات)‪ ،‬فنعتت يف هذا بذاك‪،‬‬
‫ّ‬
‫البرسي تتحكم يف كل مراحل نموه برمجيات ُم ْحكمة عىل شاكلة برمجيات الكومبيوتر‪ ،‬لعلها برمجيات‬ ‫فنقول‪ :‬ربما إن الجسم ر‬
‫المورثات الجينية‪ ،‬حن إذا تمت تسويته يف الرحم جاء الملك فنفخ فيه الروح‪ ،‬لينتج عن ذلك التفاعل االنبثاق الثالث لإلنسان‬
‫نبي الحقا إن شاء هللا تعاىل‪ .‬قال هللا تعاىل يف محكم التتيل‪:‬‬ ‫الثاب له‪ ،‬كما سوف ر‬ ‫ي‬ ‫وهو "النفس"‪ ،‬بينما الروح ه االنبثاق‬
‫ُ َ َ ۡ َ ُّ ۡ َ َ َ َ ا َ َ َ ۡ َ ۡ َ َ َ ۡ َ ا‬
‫ي‪ ١٣‬ث ا َم خلقنا ٱلنطفة َعلقة فخلقنا ٱل َعلقة ُمضغة‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫نس َٰ َن من ُس َل َٰ ي َلة ِّمن طي‪ُ ١٢‬ث ام َج َع ۡل َن َٰ ُه ُن ۡط َف اة ف َق َرار ا‬ ‫﴿و َل َق ۡد َخ َل ۡق َنا ۡٱل َ‬ ‫َ‬
‫ۡ‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ٖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي‪ ،﴾١٤‬وقد ورد يف صحيح‬
‫َ‬
‫ٱَّلل أ ۡح َس ُن ٱلخ َٰ لق َ‬ ‫َف َخلقنا ٱل ُمضغة عظ َٰ اما فك َس ۡونا ٱلعظ َٰ َم ل ۡح اما ث ام أنشأن َٰ ه خلقا َءاخ َر فت َب َارك ُ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِۚ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َََ ْ َ َ َ ُا َ ُ ُ‬ ‫‪ :‬ا َ َ َ ُ ْ ُ ْ َ ُ َ ْ ُ ُ َ ْ ُ ِّ َ ْ َ َ َ ْ ً ُ ا َ ُ ُ‬ ‫ر‬
‫ط ِن أم ِه أرب ِع ري يوما ثم يك َون ِ يف ذ ِلك علقة ِمث َل ذ ِلك ثم يكون‬ ‫اآلب نصه " ِإن أحدكم يجمع خلقه ِ يف ب‬ ‫مسلم الحديث الرسيف‬
‫ْ َ َ َ َ َ َ َ ٌّ ْ َ ر َ َّ‬ ‫َْ‬ ‫وح َو ُي ْؤ َم ُر ب َأ ْرَب ع َكل َ‬ ‫الر َ‬ ‫َ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ ُ ا يُ ْ َ ُ ْ َ َ ُ َ َ ْ ُ ُ‬
‫يد ف َوال ِذي‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫و‬‫أ‬ ‫ف‬ ‫ش‬‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫ِِ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫ِِ‬ ‫ج‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ز‬‫ر‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ات‬ ‫ِ ٍ‬ ‫م‬ ‫ُّ‬ ‫يه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ف‬ ‫خ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫ف ذ ِلك مضغة ِمثل ذ ِل‬
‫ا‬ ‫َِ ي َ َ َ ْ ُ ُ ا َ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ ْ َ ا َ ا َ َ ُ ُ َ ْ َ ُ ِ َ َ ْ ِ َ َ ا َ ِ ر َ ِ َ ْ ِ ِ ُ َ َ ْ ْ َ ُ َ َ ْ ِ َ ي ُ َ َ َ ْ‬
‫َل ِإله غ رته ِإن َ أحدكم ليعمل ِبعم ِل َ أه ِل الجن ِة حن ما يكون بينه وبينها ِإَل ِذراع فيس ِبق علي ِه ال ِكتاب فيعمل ِبعم ِ َل أه ِل الن ِار‬
‫ْ ْ ا‬ ‫ا َ ا َ َ ُ ُ ََْ ُ ََََْ ا َ ر ََ ْ ُ ََْ ْ َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ا‬ ‫َ ْ ُ ُ‬
‫اب ف َي ْع َم ُل ِب َع َم ِل أه ِل ال َجن ِة‬ ‫ف َيدخل َها َو ِإن أ َحدك ْم ل َي ْع َم ُل ِب َع َم ِل أه ِل الن ِار حن ما يكون بينه وبينها ِإَل ِذراع فيس ِبق علي ِه ال ِكت‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف َي ْد ُخل َها"‪.‬‬
‫الج‪ ،‬وله خواصه السببية‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫يستوف جميع الرسوط الوجودية المادية لنظام الكائن ي‬ ‫ي‬ ‫الج هو نظام حيوي‬ ‫الجسم البرسي ي‬
‫الن ال توجد يف عنارصه األولية المكونة له (الخاليا)‪ ،‬مثل إمكان‪" :‬الحركة‪ ،‬السمع‪ ،‬البرص‪ ،‬الشم‪ ،‬اللمس‪ ،‬الذوق‪،‬‬ ‫المنبثقة ي‬
‫الن ال يمكن تفعيلها عمليا إال من خالل ما يشاكلها من‬ ‫ي‬ ‫الروحية‬ ‫السببية‬ ‫الخواص‬ ‫محل‬ ‫باعتباره‬ ‫"‬ ‫إلخ‬ ‫‪.‬‬ ‫‪..‬‬ ‫العاطفة‬ ‫التفكت‪،‬‬ ‫ر‬
‫وه قوى سببية موجودة فيه بالقوة‪ ،‬ولكنها تتحول إىل الفعل بعد اكتمال مراحل االنبثاق األخرى‬ ‫الخواص السببية الجسمية‪ .‬ي‬
‫توأمي‪ ،‬فلكل إنسان بصمته اللونية‪ ،‬والبنانية‪،‬‬ ‫ر‬ ‫لإلنسان‪ .‬ولكل إنسان بصمة جسمية خاصة به بحيث ال يتطابق جسمان ولو كانا‬
‫يبي ذلك العلم الحديث‪.‬‬ ‫والعينية‪ ،‬واللسانية‪...‬إلخ يكتسبها من خالل مورثاته الجينية كما ر‬
‫البرسي يف العلوم الغربية السائدة اآلن‪ ،‬طبيعية واجتماعية‪ ،‬باعتباره النسان يف كليته‪ ،‬وباعتباره نظاما‬ ‫وتتم دراسة الجسم ر‬
‫ئ‬
‫ياب‪،‬‬ ‫الفت ي‬ ‫حيويا ماديا‪ ،‬من حيث "مكوناته"‪" ،‬نسيجه"‪" ،‬مكتماته" و"بيئته"‪ .‬كذلك يتم البحث يف هذا النسان عىل المستوى ر‬
‫الج‪ ،‬وال يبحثون فيما‬ ‫ر‬ ‫ئ‬
‫نبن عليها الجسم البرسي ي‬ ‫الن ي ي‬ ‫واالجتماع باعتبارها المستويات الجوهرية ي‬ ‫ي‬ ‫النفس‬
‫ي‬ ‫الكيمياب‪ ،‬الحيوي‪،‬‬ ‫ي‬
‫البرسي يرصب‬ ‫غت مادي‪ .‬إذن الجسم ر‬ ‫وه فلسفة مادية ال تؤمن بوجود ر‬ ‫وراء ذلك بحكم فلسفة العلوم الوجودية المهيمنة‪ ،‬ي‬
‫بجذوره يف الكون وتتجسم فيه جميع العنارص المكونة له بمستوياتها المختلفة‪ ،‬رفتيائية وكيميائية وحيوية‪.‬‬

‫َ‬ ‫ُّ ۖۡ‬ ‫‪ -2.1.4‬انبثاق الروح‬


‫ٓ‬ ‫وح ُقل ُّ‬
‫ٱلر ُ‬
‫وح ِم ۡن أ ۡم ِر َر ِّ يب َو َما‬ ‫ٱلر‬ ‫ن‬‫ع‬‫ون َك َ‬ ‫ََ ۡ ُ َ‬
‫ل‬ ‫س‬ ‫ي‬‫﴿و‬ ‫‪:‬‬ ‫الروح‬ ‫انبثاق‬ ‫ف‬ ‫يتمثل‬ ‫الكريم‬ ‫آن‬ ‫ر‬ ‫الق‬ ‫بحسب‬ ‫لإلنسان‬ ‫االنبثاق الثاب‬
‫ََ َُْ َ ِ َ ِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ اُۡ ُ َََ ۡ ي‬ ‫ُ ُ ِّ َ ۡ ۡ ا ي َ ا‬
‫وح فقعوا لهۥس ِج ِدين‪( ﴾٢٩‬الحجر)‪ .‬نسبة لألهمية‬ ‫َٰ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫يه ِمن ر ِ ي‬
‫وتيتم من ٱل ِعل ِم ِإَل ق ِليَّل‪( ﴾٨٥‬الشاء)؛ ﴿ف ِإذا سويتهۥونفخت ِف ِ‬‫أ ِ‬
‫علم يف مجال العلوم االجتماعية انطالقا‬ ‫ي‬ ‫لمفهوم "الروح" و"النفس" يف بحثنا هذا‪ ،‬وما يتتب عليه من برنامج بحث‬ ‫ي‬ ‫البالغة‬
‫ُُ‬
‫م الذي‬ ‫ي‬ ‫ظ‬ ‫الن‬ ‫الطار‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫وداللتهما‬ ‫بقسم‪،‬‬ ‫السالم‬
‫ي‬ ‫المعرف‬
‫ي‬ ‫اث‬ ‫الت‬ ‫ف‬ ‫المفهومي‬
‫ر ي‬ ‫داللة‬ ‫أخص‬ ‫أن‬ ‫أيت‬ ‫ر‬ ‫فقد‬ ‫الكريم‪،‬‬ ‫الوح‬
‫ي‬ ‫من‬
‫يقوم عليه البحث بقسم آخر‪.‬‬
‫اإلسالم‬ ‫المعرف‬ ‫‪ -1.2.1.4‬مفهوم الروح ف ر‬
‫التاث‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الن أثارها التاثيون عن الروح مما حوى‬ ‫يجمع هذا القسم خالصات ترجيحات ابن قيم الجوزية يف القضايا الجوهرية ي‬
‫تقدمي‬
‫ر‬ ‫كتابه "الروح" الذي جمع فأوع‪ 4.‬وقد اعتمدت عىل خالصات ابن القيم لمرجعيته العلمية عند أهل السنة‪ ،‬المس‬
‫ُ‬
‫ظم يف الجابة عن سؤال‬ ‫الن يدخلها المنهج الن ي‬ ‫منهم والمتأخرين‪ ،‬كما يوفر ذلك فرصة للقارئ لالطالع عىل النقلة النوعية ي‬
‫من هو النسان‪.‬‬

‫‪ - 4‬الروح؛ ابن قيم الجوزية‪ ،‬تحقيق محمد أجمل أيوب الصالح‪ ،‬دار عالم الفوائد ر‬
‫للنرس والتوزي ع‪.‬‬ ‫ي‬
‫‪12‬‬
‫اآلب‪:‬‬ ‫ر‬
‫يورد ابن القيم يف المسألة السابعة عشة السؤال ي‬

‫"هل الروح قلييملة أم مثليثلة مةلوقلة وإذا كلانلم مثليثلة مةلوقلة‪ ،‬و ي م أمر ي‪ ،‬يكين يكون أمر ي مثليثلا‬
‫أخت سل ل ل ل ل للفثان أن نف يف آدم م روح ‪ ،‬يهذه اإلضل ل ل ل ل ل للاية إلي ه تيل عىل أنها قييمة أم ال وما حقيقة‬
‫مةلوقا وقي ر‬
‫خت ع آدم أن خلق بييه‪ ،‬ونف يي م روح ‪ ،‬يأضاف اليي والروح إلي إضاية واحية"‪.‬‬ ‫هذه اإلضاية يقي أ ر‬

‫اآلب‪ ،‬مبتدئا‬
‫يس تعرض ابن القيم آراء مختلف الفرق الس المية والعلماء يف األس ئلة أعاله ثم يرد عليها‪ ،‬وقد ترجح لديه ي‬
‫بآية نفخ الروح يف آدم‪:‬‬

‫وف ذلك خالف ربي السلف والخلف‪ ،‬وأ كت السلف بل كلهم عىل‬ ‫"وهذا بناء عىل أن المراد بالروح يف اآلية روح النسان ي‬
‫بن آدم بل هو الروح الذي أخت هللا عنه يف كتابه أنه يقوم يوم القيامة مع‬
‫أن الروح المس ؤول عنها يف اآلية ليس ت أرواح ي‬
‫بن آدم فليس ت من الغي ب‪ ،‬وق د تكلم فيه ا طوائف من الن اس من أه ل المل ل‬ ‫المالئك ة‪ ،‬وهو مل ك عظيم‪ ....‬وأم ا أرواح ي‬
‫وغتهم‪ ،‬فلم يكن الجواب عنها من أعالم النبوة"‪.‬‬‫ر‬

‫أما بشأن إضافة الروح إليه تعاىل فيقول ابن القيم‪:‬‬

‫فينبع أن يعلم أن المض اف إىل هللا س بحانه‬


‫ي‬ ‫روح)‪،‬‬
‫ي‬ ‫"وأما اس تداللهم بإض افتها إليه س بحانه بقوله‪( :‬ونفخت فيه من‬
‫نوعان‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫ص فات ال تقوم بأنفس ها‪ ،‬كالعلم والقدرة والكالم والس مع والبرص ‪ ،‬فهذه إض افة ص فة إىل الموص وف بها فعلمه وكالمه‬
‫غت مخلوقة‪ .‬وكذلك وجهه ويده سبحانه‪.‬‬‫وإرادته وقدرته وحياته صفات له ر‬
‫والثاب‪ :‬إض افة أعيان منفص لة عنه‪ ،‬كالبيت والناقة والعبد والرس ول والروح فهذه إض افة مخلوق إىل خالقه‪ ،‬ومص نوع إىل‬
‫ي‬
‫غته‪ ،‬كبيت هللا‪ ،‬وإن كانت البيوت كلها ملكا له‪.‬‬
‫يتمت به المض اف إليه عن ر‬ ‫ص انعه‪ ،‬لكنها إض افة تقتض تخص يص ا ر‬
‫وترسيفا ر‬ ‫ي‬
‫وترس يفه‪ ،‬بخالف‬ ‫وكذلك "ناقة هللا"‪ ،‬والنوق كلها ملكه وخلقه لكن هذه إض افة إىل إلهيته تقتض محبته لها وتكريمه ر‬
‫ي‬
‫تقتض خلقه وإيجاده‪.‬‬
‫ي‬ ‫الضافة العامة إىل ربوبيته حيث‬
‫تقتض االختيار‪ .‬وهللا يخلق ما يش اء ويختار مما خلقه‪ ،‬كما قال‬
‫ي‬ ‫تقتض الخلق واليجاد‪ ،‬والخاص ة‬
‫ي‬ ‫فالض افة العامة‬
‫تعاىل‪( :‬وربك يخلق ما يش اء ويختار) (القص ص‪ .)68 ،‬وإض افة الروح إليه من هذه الض افة الخاص ة‪ ،‬ال من العامة‪ ،‬وال من‬
‫باب إضافة الصفات"‪.‬‬

‫ويقول فيما يتعلق بخلق الروح ر‬


‫البرسية‪:‬‬

‫بن آدم كلها مخلوقة هلل‪ ،‬خلقها وأنش أها‪،‬‬ ‫الن يف آدم وبنيه وعيس ومن س واه من ي‬ ‫لمي أن األرواح ي‬‫"وال خالف ربي المس ر‬
‫اآلدم مخلوقة‬
‫ي‬ ‫وكونها‪ ،‬واختعها؛ ثم أض افها إىل نفس ه كما أض اف إليه س ائر خلقه‪ .....‬وقال ش يخ الس الم ابن تيمية‪ :‬روح‬
‫مبتدعة باتفاق سلف األمة وائمتها وسائر أهل السنة"‪.‬‬
‫الن‬
‫ي ي‬ ‫وه‬ ‫‪،‬‬ ‫الموت‬ ‫ك‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫اه‬ ‫يتوف‬ ‫الن‬
‫ي ي‬ ‫وه‬ ‫ا‪،‬‬ ‫امه‬ ‫من‬ ‫وف‬‫ي‬ ‫ا‬ ‫موته‬ ‫حي‬
‫ر‬ ‫هللا‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫الن يتوف ا‬‫ه النفس ي‬ ‫"فه ذه الروح المقبوض ة ي‬
‫الن يجلس الملك عند رأس ص احبها‪ ،‬ويخرجها من بدنه كرها‪ ،‬ويكفنها بكفن من الجنة أو‬ ‫وه ي‬ ‫تتوفاها رس ل هللا س بحانه‪ .‬ي‬
‫‪.‬‬
‫فيقض فيها بأمره ثم تعاد إىل األرض‬ ‫ي‬ ‫ىل عليها المالئكة أو تلعنها‪ ،‬وتوقف ربي يدي رب ها‪،‬‬ ‫النار‪ ،‬ويص عد بها إىل الس ماء‪ ،‬فتص ي‬
‫وترس ب من‬ ‫الطت الخرص تأ كل ر‬ ‫الن تجعل يف أجواف ر‬ ‫وه‬ ‫‪.‬‬ ‫م‬‫ع‬ ‫وتن‬ ‫اقب‬ ‫وتع‬ ‫وتمتحن‬ ‫فتدخل ربي الميت وأكفانه‪ ،‬فتس أل‬
‫ي ي‬
‫الن تعرض عىل النار غدوا وعشيا‪.‬‬ ‫وه ي‬‫الجنة‪ .‬ي‬
‫الن‬
‫ي ي‬‫وه‬ ‫‪.‬‬ ‫وذكره‬ ‫وأمره‬ ‫ها‬ ‫رب‬ ‫إىل‬ ‫المطمئنة‬ ‫وه‬
‫ي‬ ‫اللوامة‪،‬‬ ‫وه‬
‫ي‬ ‫وء‪،‬‬ ‫بالس‬ ‫ارة‬ ‫م‬ ‫األ‬ ‫ه‬
‫ي‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫تعض‬
‫ي‬ ‫و‬ ‫وتطيع‬ ‫وتكفر‪،‬‬ ‫تؤمن‬ ‫الن‬
‫وه ي‬‫ي‬
‫تعذب وتنعم‪ ،‬وتس عد وتش ف‪ ،‬وتحبس وترس ل‪ ،‬وتص ح وتس قم‪ ،‬وتلذ وتألم‪ ،‬وتخاف وتحزن‪ .‬وما ذاك إال س مات مخلوق‬
‫رصف تحت مشيئة خالقه وفاطره وبارئه"‪.‬‬ ‫مدبر ُم ا‬ ‫ختع‪ ،‬وأحكام مربوب ا‬ ‫ُم َبدع‪ ،‬وصفات ُم َنشأ ُم َ‬
‫الوح‪ ،‬كقول ه تع اىل‪( :‬وك ذل ك أوحين ا إلي ك روح ا من أمرن ا) (الش ورى ‪)52‬؛‬ ‫ي‬ ‫"والروح يف القرآن عىل ع دة أوج ه‪ :‬أحليهلا‬
‫ُ‬
‫الوح روحا لما يحص ل به من حياة القلوب واألرواح‪.‬‬ ‫ي‬ ‫(يلف الروح من أمره عىل من يش اء من عباده) (غافر‪ .)15 :‬وس ي‬
‫م‬

‫‪13‬‬
‫المؤمني‪ ،‬كما قال‪( :‬أولئك كتب يف قلوب هم اليمان وأيدهم‬‫ر‬ ‫الن يايد بها من يش اء من عباده‬ ‫الثان‪ :‬القوة والثبات والنرص ة ي‬
‫ي‬
‫بروح منه) (المجادلة؛ ‪.)22‬‬
‫األمي ‪ 193‬عىل قلبك) (الش عراء؛ ‪ ،)194 -193‬وقال تعاىل‪( :‬من كان عدوا‬ ‫الثلالل جتيل‪ ،‬كقوله تعاىل‪( :‬نزل به الروح ر‬
‫لجتيل فإنه نزله عىل قلبك بإذن هللا) (البقرة؛ ‪ .)97‬وهو روح القدس‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬قل نزله روح القدس) (النحل‪.)102 ،‬‬
‫الن س أل عنها اليهود‪ ،‬فأجيبوا بأنها من أمر هللا‪ .‬وقد قيل إنها الروح المذكورة يف قوله تعاىل‪( :‬يوم يقوم‬ ‫الرابع الروح ي‬
‫‪:‬‬
‫الروح والمالئك ة ص ف ا ال يتكلمون) (النبأ‪ ،)38 ،‬وأنه ا الروح الم ذكورة يف قوله تع اىل (تتل المالئك ة والروح فيه ا ب إذن رب هم)‬
‫(القدر‪.)4 ،‬‬
‫الةامس‪ :‬المس يح ابن مريم قال تعاىل‪( :‬إنما المس يح عيس ابن مريم رس ول هللا وكلمته ألقاها إىل مريم‪ ،‬وروح منه)‬
‫(النساء‪.)171 ،‬‬
‫بن آدم‪ ،‬فلم يقع تس ميته ا يف القرآن إال بالنفس‪ .‬قال تع اىل‪( :‬يا أيتها النفس المطمئن ة) (الفجر‪ ،)27،‬وقال‪:‬‬ ‫وأما أرواح ي‬
‫(وال أقس م بالنفس اللوامة) (القيامة‪ ،)2 ،‬وقال‪( :‬إن النفس ألمارة بالس وء) (يوس ف‪ ،)53 ،‬وقال‪( :‬أخرجوا أنفس كم) (األنعام‪،‬‬
‫‪ ،)93‬وقال‪( :‬ونفس وما س واها‪ 7 ،‬فألهمها فجورها وتقواها) (الش مس‪ ،)8 -7 ،‬وقال‪( :‬كل نفس ذائقة الموت) (آل عمران‪،‬‬
‫غت مخلوقة"‪.‬‬ ‫‪ .)185‬وأما يف السنة فجاءت بلفظ النفس والروح‪ .‬والمقصود أن كونها من أمر هللا ال يدل عىل قدمها وأنها ر‬

‫اآلب‪ :‬ه تقيم خلق األرواح عىل األجساد أو تأخر خلقها عنها‬ ‫ر‬
‫أورد ابن القيم‪ ،‬يف المسألة الثامنة عشة‪ ،‬السؤال ي‬
‫بعد اس تعراضه لعدد وافر من آراء الفقهاء يف المسألة ترجح البن القيم تأخر خلق الروح عن خلق الجسد مقدما أدلته يف‬
‫ذلك‪:‬‬
‫"وأما الدليل عىل أن خلق األرواح متأخر عن خلق أبدانها‪ ،‬فمن وجوه‪ :‬أحيها أن خلق أب ر‬
‫البرس وأصلهم كان هكذا‪ .‬فإن‬ ‫ي‬
‫هللا سبحانه أرسل جتيل‪ ،‬فقبض قبضة من األرض‪ ،‬ثم خمرها حن صارت طينا‪ ،‬ثم صوره‪ ،‬ثم نفخ فيه الروح بعد أن صوره‪.‬‬
‫فلما دخلت الروح فيه ص ار لحما ودما‪ ،‬حيا ناطقا‪ .....‬فالقرآن والحديث واآلثار تدل عىل أن هللا س بحانه نفخ فيه من روحه‬
‫بعد خلق جسده‪ ،‬فمن تلك النفخة حدثت فيه الروح"‪.‬‬
‫كثتة من القرآن والسنة النبوية‪ ،‬يمكن للقارئ أن يرجع إليها يف كتابه المذكور‪.‬‬
‫وقد رفد ابن القيم آراءه السابقة بأدلة ر‬

‫‪ -2.2.1.4‬مفهوم الروح يف نظرية النظم االجتماعية يف رؤية القرآن للعالم‬


‫ُ ُ‬
‫م الذي نعتمده يف هذا البحث‪ ،‬وبعد تلخيص موجز لرأي السلف الذي أورده ابن القيم يف القضايا‬ ‫بحسب المنهج النظ ي‬
‫ه كائن مخلوق‪ ،‬وبما أن كل‬ ‫المتعلقة بالروح والنفس‪ ،‬فإننا نبن عىل فرض أن "الروح" الن نفخها هللا تعاىل ف ر‬
‫الطين ي‬
‫ي‬ ‫البرس‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ه أن "الروح" نظام انبثق عن تفاعل مكوناته‪ ،‬ويعتمد وجوده‬ ‫ي‬ ‫النتيجة‬ ‫فإن‬ ‫نظام‬ ‫هو‬ ‫الكائنات‬ ‫غته من‬‫متمت وجوديا عن ر‬ ‫كائن ر‬
‫وه الصفات‪ ،‬أو القوى‬ ‫عليها‪ .‬تأسيسا عىل ذلك نعرف الروح بأنها "كائن معنوي منبثق عن التفاعل ربي عنارصه المكونة له‪ ،‬ي‬
‫الن خلق هللا تعاىل بها الكون‪ ،‬وجاء الكون استجابة رصورية لفعاليتها مثل العلم‪ ،‬اليمان‪ ،‬المودة‪ ،‬الرأفة‪،‬‬ ‫السببية اللهية ي‬
‫الرحمة‪ ،‬السمع‪ ،‬البرص‪ ،‬العدل‪ ،‬الحسان‪ ،‬الصت‪ ،‬الشكر‪ ،‬السالم‪ ،‬البداع‪ ،‬اللطف‪ ،‬العزة‪ ،‬القوة‪ ،‬الجتة‪ ،‬المتانة‪ ،‬الهيمنة‪،‬‬
‫القدرة‪ ،‬الرادة‪...‬إلخ"‪ .‬ولما قدر هللا تعاىل أن يكون النسان خليفته يف األرض‪ ،‬وسخر له ما يف السماوات وما يف األرض جميعا‬
‫النساب‪،‬‬
‫ي‬ ‫يقتض استجابة الكون لوقعها بالفعل‬ ‫ي‬ ‫منه حن يتحرك فيهما بال عوائق‪ ،‬كان البد أن يكون له من الخواص السببية ما‬
‫جاء الكون استجابة‬ ‫وليس من قوى سببية أعظم وأدع أن يستجيب الكون المسخر لوقعها بهذا الفعل النساب من تلك الن‬
‫ا َ ٓ َيۡ ُ ُ ا َ ٓ ََ َ يَ ۡ َ َ ُ َ َ ُ ُ‬
‫﴿إنما أمرهۥ ِإذا أراد شي ا أن يقول لهۥكن‬ ‫الله‪ .‬وإذا كانت القوى السببية اللهية مطلقة عند هللا تعاىل‪ِ :‬‬ ‫ي‬ ‫لوقعها بالفعل‬
‫َ ُ ُ‬
‫نسن‪ ،‬وهذا النصيب مخلوق خلقا يناسب النسان يف مهمته االستخالفية عن هللا‬ ‫ي‬ ‫منها‬ ‫النسان‬ ‫فنصيب‬ ‫(يس)‪،‬‬ ‫ف َيكون‪﴾٨٢‬‬
‫ه جعل هذه القوى السببية اللهية عنرصا جوهريا يف خلق النسان من خالل‬ ‫تعاىل يف األرض‪ .‬ومهمة الروح ككائن معنوي ي‬
‫الطين الذي انبثق أوال كما أسلفنا‪ .‬أما أن هذه الصفات اللهية يخلقها هللا تعاىل يف شكل خلق يناسب‬ ‫ي‬ ‫نفخها يف الجسد‬
‫َ ا َ َ َ‬ ‫‪ :‬ا‬
‫(إن َّ َ‬ ‫ر‬
‫يوم خلقها‬ ‫اَّلل خلق الرحمة‬ ‫الصحيحي‬
‫ر‬ ‫ف‬‫ُ ي‬‫المروي‬ ‫يف‬ ‫الرس‬ ‫الحديث‬ ‫ذلك‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫فدليلنا‬ ‫تكوينها‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫تدخل‬ ‫المخلوقات الن‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ا ا ا اَ‬ ‫مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة فبها يت ُ‬ ‫َي ْ‬ ‫َ‬
‫واحتبس عنده‬ ‫ولدها من تلك االر ِ‬
‫حمة‬ ‫حافرها عن ِ‬ ‫احم الخلق حن إن الدابة لتفع َ‬
‫َ ُ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فرح َم ِبها عباده)‪ .‬ولنتذكر كذلك أن "الماء" هو رحمة مخلوقة‪:‬‬ ‫َ‬
‫هذ ِه إىلِۚ تلك‬ ‫َ‬
‫القيامة جمع‬ ‫يوم‬ ‫كان‬ ‫فإذا‬ ‫رحمة‬ ‫َ‬
‫وتسعي‬ ‫ً‬
‫تسعا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ ۡ َ َ ۡ َ ٓ ا َ َ َ ۡ ۡ ۡ َ ۖۡ َ ُ َ َ َ ُ ِّ َ‬
‫َ‬ ‫َّ َ َ ُ ۡ ۡ َ ۡ‬
‫ض بعد موتها إن ذ َٰ ل ُ‬ ‫َ ُ َا َ َ َ ۡ‬
‫ٱَّلل ك ۡيف يج ٱألر َ‬
‫ش ٖء ق ِدير‪( ﴾٥٠‬الروم)‪ .‬والرسول‪،‬‬‫ىل كل ر ۡ‬
‫ج َ ٱل امو َ َٰبۡ و اه ِّو ۡع ََٰ َ ي‬
‫ك لَم ۡ َ ِي‬
‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫﴿فٱنظ ۡر ِإ َٰىل ءاث َٰ ِر رح َم ِت ِ‬
‫﴿و َما أ ۡرسلن َٰ ك ِإَل رح َمة لل َع َٰ ل ِم ري‪( ﴾١٠٧‬األنبياء)‪ .‬إن القيمة العملية‬ ‫صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬هو رحمة متجسدة ف شكل إنسان‪َ :‬‬
‫ي‬
‫األختين لإلنسان‪ ،‬وهما انبثاق "النفس"‪ ،‬وانبثاق "النسان" يف‬ ‫ر‬ ‫االنبثاقي‬
‫ر‬ ‫التنظت سوف تظهر عندما نتناول‬
‫ر‬ ‫لهذا المنهج يف‬
‫كليته كإنسان‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫المؤدي َإىل‬ ‫تفاعلها َ ۡ َ‬ ‫النسيج الذي يربط ربي هذه القوى السببية اللهية‪ ،‬المخلوقة بما يتناسب مع خلق النسان‪ ،‬يف‬
‫ٱَّلل ُي ۡم ِسك ٱلسم َٰو ِت وٱألرض أن‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫انبثاق "الروح"‪ ،‬هو (ال إله إال هللا)‪ ،‬وهو ذات النسيج الذي يمسك الكون من الزوال‪﴿ :‬إ ان َّ َ‬
‫ِ‬ ‫َ ُ َ ِۚ َ َ ئ َ َ َ ٓ ۡ َ ۡ َ َ ُ َ ۡ َ َ ِّ ۢ َ ۡ ا ِۚ ا ُ َ َ‬
‫واصل سعيه َالحثيث اآلن‬ ‫النسان‬ ‫أن‬ ‫ولو‬ ‫‪،‬‬ ‫(فاطر)‬ ‫﴾‬ ‫‪٤١‬‬ ‫ا‬
‫ور‬‫يما َغ ُف ا‬ ‫ان َحل ً‬ ‫تزوَل ول ِي زالتا ِإن أمسكهما ِمن أح ٖد من بع ِد ِهۦ ِإنهۥك‬
‫ۡاَ َ ا ُ‬ ‫ِ‬
‫‪َ َٰ َ َ ۡ ُ َ :‬‬
‫ف أنف ِس ِه ۡم َح ا َٰن‬ ‫ِ ِي‬ ‫و‬ ‫اق‬ ‫ف‬ ‫ٱأل‬ ‫ف‬ ‫ا‬‫ن‬
‫ِ ِي‬ ‫ت‬ ‫اي‬ ‫ء‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِ ِ‬ ‫ي‬
‫ت‬ ‫﴿س‬ ‫هللا)‬ ‫إال‬ ‫إله‬ ‫(ال‬ ‫إىل‬ ‫النته‬ ‫األولية‬ ‫تفكيكَ المادة الكونية إىل عنارصها‬ ‫إىل منتهاه ف‬
‫ر‬ ‫َ ِّ َ َ ا ُ َ َ َٰ ُ ِّ رَ ۡ َ‬ ‫َ َ َ ا َ َ ُ ۡ َ اي ُ ۡ َ ُّ ُۗ َ َ ۡ َ ۡ‬
‫ش ٖء ش ِهيد‪( ﴾٥٣‬فصلت)‪.‬‬ ‫يتب ري لهم أنه ٱلحق أو لم يك ِف ِبربك أنهۥ عىل كل ي‬
‫السبن جاء "الكون" استجابة رصورية لكن فيكون‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الصفات اللهية مطلقة السببية يف الذات اللهية‪ ،‬ولهذا الطالق‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫النساب الذي سقفه ُخلق الرسول محمد‪ ،‬صىل هللا عليه وسلم‪:‬‬ ‫ي‬ ‫وه أساس الخلق‬ ‫السببية يف الذات النسانية‪ ،‬ي‬ ‫ولكنها نسبية‬
‫َ‬ ‫َ ا َ َ َ َ َٰ ُ ُ‬
‫النساب نسبية أيضا بمقدار تفعيل النسان‬
‫َ َ ا َ َُ‬ ‫ي‬ ‫تأب استجابة الكون بالصالح للعمل‬ ‫﴿و ِإنك لعىل خل ٍق ع ِظ ٖيم‪( ﴾٤‬القلم)‪ .‬ولذلك ي‬
‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫ه الكون المسخر لإلنسان ﴿وسخر لكم ما ِ يف ٱلسم و ِت‬ ‫‪:‬‬ ‫هللا‪ ،‬و"بيئته" ي‬ ‫اللهية كنظام "نسيجه" ال إله إال‬
‫َ َٰ َ َ ا َ َٰ ِّ َ ۡ َ َ َ َّ ُ َ‬ ‫َ ا ِّ ۡ ُِۚ ا‬
‫القوى السببية‬ ‫لهذه ۡ َ‬
‫النساب يف سعيه‬ ‫ي‬ ‫العمل‬ ‫كيفيات‬ ‫ه‬ ‫"‬
‫َ ُ َ َ َ ُ َ ي‬‫ماته‬ ‫مكت‬ ‫"‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬‫(الجاثية)‬ ‫﴾‬ ‫‪١٣‬‬ ‫ون‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫م‬‫ٖ‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫َٖ‬ ‫ي‬ ‫أل‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ف‬
‫ِ ُ ِ ي ِۡ‬‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫يع‬ ‫م‬ ‫ج‬
‫ِ ِ‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫ٱأل ۡ‬ ‫َو َما ِ يف‬
‫ۡ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫تمكي‬ ‫ر‬ ‫ض ِم ۢن َب ۡع ِد ِه ۡم ِلننظ َر ك ۡيف ت ۡع َملون‪(َ ﴾١٤‬يونس)‪ ،‬ووظيفته ه‬ ‫ۡ‬ ‫ا َ َ َٰ ۡ َٰ َ‬
‫االستخالف يف األرض ‪﴿ :‬ثم جعلن كم خل ِئف ِ يف ٱألر ِ‬
‫‪5‬‬
‫ي‬
‫ا َ ا َ َ يَ َ ۡ ُ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الختات بالحسان ف هذا العمل النساب‪﴿ :‬وهو ٱل ِذي خلق ٱلسم َٰ َٰو ت وٱألر َ‬‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ض ِ يف ِست ِة أي ٖام وكان عرشهۥ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫استباق‬ ‫من‬ ‫النسان‬
‫َّل َو ُه َو ۡٱل َعز ُيز ۡٱل َغ ُف ُ‬ ‫َ َ َ ي ۡ َ ۡ َ َ ۡ َ َ َٰ َ َ ۡ ُ َ ُ ۡ َ ُّ ُ ۡ َ ۡ َ ُ َ َ ا ِۚ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫َ َ ۡ َ ٓ َ ۡ ُ َ ُ ۡ َ ُّ ُ ۡ َ ۡ َ ُ َ َ ا ُۗ‬
‫ور‪﴾٢‬‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ك‬‫و‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ٱل‬‫و‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ٱل‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ذ‬ ‫﴿ٱل‬
‫ۡ َ ر ُ َ ُ َ ِّ َ ۖۡ َ ۡ َ ُ ْ ۡ َ ۡ َ ِ ِۚ َ ۡ َ َ َ ُ ُ ْ َ ۡ‬ ‫(هود)؛‬ ‫﴾‬ ‫‪٧‬‬ ‫‪...‬‬‫َّل‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ء‬ ‫ا‬‫عىل ٱلم‬
‫ُ ُ ِ َّ ُ َ ً ِۚ ا َّ َ َ َ َٰ ُ ِّ رَ ۡ ِ َ‬ ‫ِ ِ َ ُ‬
‫ش ٖء ق ِدير‪﴾١٤٨‬‬ ‫ٱَّلل َ ۡج ِم ِۚيعا َ ِإن َّٱَّلل عىل كل ي‬ ‫ت ِت أين ما تكونوا يأت بكم‬ ‫(الملك)؛ ﴿و ِلك ٖل ِوجهة هو موليها فٱست ِبقوا ٱلخ ر َٰ‬
‫يعا َف ُي َن ِّب ُئ ُكم بماَ‬ ‫ٱَّلل َم ۡرج ُع ُك ۡم َجم ا‬ ‫َ‬ ‫َ ٓ َ َ َٰ ُ ۡ ۖۡ َ ِ ۡ ِ َ ُ ْ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِّ َ ۡ ُ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ٱَّلل َل َج َع َل ُك ۡم أ ام اة َ َٰو ِح َد اة َو َل َٰ‬ ‫﴿و َل ۡو َش ٓا َء َّ ُ‬ ‫(البقرة)؛ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ىل‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َٰ‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫ل‬ ‫ٱ‬ ‫وا‬ ‫ق‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ٱس‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ى‬ ‫ات‬ ‫ء‬ ‫ا‬‫م‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ل‬‫ب‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ِ‬
‫ون‪( ﴾٤٨‬المائدة)‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ۡ َ‬
‫يه تخت ِلف‬ ‫ُ ُۡ‬
‫كنتم ِف ِ‬
‫ه الصفات‬ ‫الن ي‬ ‫الفرض األساس الذي ننطلق منه فيما يتعلق بالروح هو أنها كائن معنوي انبثق من التفاعل ربي مكوناته ي‬
‫الج‪ ،‬تحركت قواه السببية الكامنة فيه من القوة إىل الفعل‪،‬‬ ‫الطين ي‬ ‫ي‬ ‫الن بنفخها يف الجسد‬ ‫وه (الروح) ي‬ ‫اللهية المذكورة آنفا‪ ،‬ي‬
‫الطين‪،‬‬ ‫ي‬ ‫للجسد‬ ‫المادية‬ ‫الكثافة‬ ‫إن‬ ‫‪.‬‬ ‫والتفضيل‬ ‫التكريم‬ ‫استحق‬ ‫ها‬ ‫وب‬ ‫هللا‪،‬‬ ‫خلق‬ ‫باف‬ ‫ي‬ ‫عن‬ ‫نوعه‬ ‫يختلف‬ ‫وصار النسان خلقا آخر‬
‫الن يقتفها النسان بسبب حب هذه الشهوات‬ ‫المعاص ي‬ ‫ي‬ ‫الن تنبعث من ِقبل حاجات بقائه المادية‪ ،‬وكثافة‬ ‫وكثافة الشهوات ي‬
‫الن حملها النسان بنفخ الروح فيه‪ ،‬ولوال ذلك لكان من الممكن‬ ‫تحد من الفاعلية السببية الكونية للصفات اللهية ي‬ ‫الن ِ‬ ‫ه ي‬ ‫ي‬
‫ويمس يف الماء‪ ،‬ويسمع دبيب النملة يف الصخرة الصماء‪ ،‬ويرى أبعد مما تراه أقمار التجسس‬ ‫ر‬ ‫الهواء‪،‬‬ ‫ف‬ ‫يطت‬‫ر‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫بإيمانه‬ ‫لإلنسان‬
‫َ ُ ُ َْ‬ ‫َ َ ْ َ ُ ُ ُُ ُ ُ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫وبك ْم كما تكون ِعند‬ ‫المصنوعة‪ ،‬ولصافحته المالئكة يف الطرقات‪ ،‬كما ورد يف صحيح مسلم‪( :‬ولو كانت تكون قل‬
‫ُّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ا ُ ِّ‬ ‫ِّ ْ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ َ ُ‬
‫حن ت َسل َم عل ْيكم يف الط ُر ِق)‪ ،‬ولتسع قلبه لحب هللا فكان سمعه الذي يسمع به‪ ،‬وبرصه الذي‬ ‫المَّل ِئكة‪،‬‬ ‫الذك ِر‪ ،‬لصافحتكم‬
‫إله محكم‬ ‫تدبت‬ ‫ذلك‬ ‫وكل‬ ‫‪.‬‬ ‫ه‬ ‫ليعطين‬ ‫سأله‬ ‫ولي‬ ‫ئ‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ليعيذن‬ ‫استعاذه‬ ‫ولن‬ ‫‪،‬‬ ‫بها‬ ‫يمس‬ ‫ر‬ ‫الن‬ ‫ورجله‬ ‫بها‪،‬‬ ‫يبطش‬ ‫الن‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫يبرص به‪ ،‬ويده ي‬
‫اقتضته طبيعة االبتالء الذي جعله هللا تعاىل قدرا لإلنسان يف هذه الحياة الدنيا‪.‬‬
‫وه نظام جامع للصفات اللهية يف نسبيتها النسانية‪ ،‬وألن‬ ‫غت قابل للفناء والفساد‪ ،‬ي‬ ‫ه كائن ر‬ ‫الروح بهذا التعريف ي‬
‫فأبي أن‬ ‫ر‬ ‫والجبال‬ ‫واألرض‬ ‫السماوات‬ ‫عىل‬ ‫تعاىل‬ ‫هللا‬ ‫عرضها‬ ‫فقد‬ ‫يحملها‪،‬‬ ‫حامل‬ ‫من‬ ‫لها‬ ‫البد‬ ‫بل‬ ‫الصفات ال قوام لها بذاتها‬
‫يحملنها‪ ،‬وأشفقن منها‪ ،‬وحملها النسان ألنه هو ذلك الكائن المقصود بتلك الصفات الجليلة‪ ،‬المخلوق خلقا ال صالح له إال‬
‫بحمل تلك الصفات‪ .‬وقد وصفه هللا تعاىل يف ذلك الحمل بأنه كان ظلوما جهوال‪ ،‬فقد ظلم عىل الدوام حق تلك القوى السببية‬
‫وف الكون عامة‪،‬‬ ‫العظيمة بعدم تفعيلها يف الكون بالوجه الذي يحقق الصالح لإلنسان يف نفسه‪ ،‬والصالح يف األرض خاصة‪ ،‬ي‬
‫الن يؤدي إليها ظلمه‬ ‫والشكر هلل عىل نعمته‪ ،‬بل كان ديدنه هو توظيفها لإلفساد ُ ي َف األرض‪ ،‬وهو جهول بالمآالت والعواقب ي‬
‫غته‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إىل‬ ‫ه كت تحر ِره من سجن نفسه‪ ،‬ومن سجن ر‬ ‫وإفساده هذا‪ .‬لكن تظل التكيبة الروحية يف النسان ي‬
‫سعة الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫ه نظام واحد يوجد يف جميع الناس ألنه أساس تكريم النسان‪ ،‬وأساس التفاضل ربي‬ ‫والروح بهذا التعريف والتكييف ي‬
‫ّ‬ ‫ر‬
‫وحقتها‪ ،‬إنما تأ يب من النفس البرسية بمقدار تخلقها بالصفات‬ ‫ر‬ ‫الناس يف مواقف اليمان والكفر‪ .‬واألخالق واألعمال‪ ،‬جليلها‬
‫ه العنارص المكونة له‪ ،‬وبمقدار جعلها أساسا للفعل والتفاعل‬ ‫روح تكون هذه الصفات ي‬ ‫ي‬ ‫اللهية يف نسبيتها النسانية كنظام‬
‫االجتماع يف البيئة الخارجية‪ .‬ودراسة الروح إنما تتم من خالل دراسة مكوناتها‪ ،‬أي الصفات الربانية يف نسبيتها النسانية‪،‬‬ ‫ي‬
‫الن يمثلها النسان يف كليته‪ ،‬ودراسة تفاعلها مع البيئة الكونية‬ ‫ودراسة نسيجها (التوحيد)‪ ،‬ودراسة عالقتها ببيئتها الداخلية ي‬
‫ينبع أن يفعلها المؤمن يف‬ ‫ي‬ ‫لن‬‫الخارجية‪ ،‬السيما زينة الحياة الدنيا (المال‪ ،‬البنون)‪ ،‬ودراسة كيفيات عمل (مكتمات) التكية ا ي‬

‫المحور من قول هللا تعالى (قل سيروا في‬


‫ّ‬ ‫‪ - 5‬سوف نستخدم من اآلن فصاعدا مصطلح (كيفية العمل) المستخلص من قول هللا تعاىل (كيف تعملون)‪ ،‬أو مصطلح (مسار العمل)‬
‫األرض) بدال عن المصطلحين اإلنجليزيين (‪ ،)social mechanism‬و(‪ ،)social pathway‬وهما بمعنى واحد‪ ،‬في دراستنا للنظم االجتماعية‪ ،‬أيا كان‬
‫نوع ومستوى الدراسة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫كل خاصية من الخواص اللهية الثاوية يف الروح‪ ،‬مثال العلم‪ ،‬اليمان‪ ،‬الرحمة‪ ،‬العدل‪ ،‬الحسان‪ ،‬الصت‪ ،‬الشكر‪...‬إلخ حن‬
‫ه خواصه النفسية العملية‪.‬‬ ‫تصبح ي‬
‫الله الذي جاءت منه‪ ،‬فكل صفة‬ ‫ي‬ ‫الن تهيأت لإلنسان بنفخة الروح فيه تربطه ربطا وثيقا بعالم األمر‬ ‫إن الصفات الربانية ي‬
‫من هذه الصفات طرفها األدب عند النسان وطرفها األعىل عند هللا تعاىل‪ ،‬وهو تعاىل الذي يقبض ويبسط منها لكل إنسان‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ٱص ِ ۡت َو ََما ََص ۡ ُتك‬ ‫﴿و ۡ‬ ‫التخلق بها طلبا لها من مظانها‪ ،‬وبمقدار التحقق بها ف الحياة العملية صالحا ف األرض‪َ :‬‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بمقدار سعيه يف‬
‫ىل َ َٰو ل َد اي َوأ ۡن أ ۡع َملَ‬ ‫َ َ َ ا َ َ ٗ ِّ َ ۡ َ َ َ َ َ ِّ ۡ ۡ ا ۡ ۡ ُ َ ۡ َ َ َ َّ ا ۡ َ ۡ َ َ َ ا َ َ َ‬ ‫َّ ِۚ‬ ‫ا‬
‫َٰ‬ ‫احكا من قو ِلها وقال رب أوزعن أن أشكر نعمتك ٱلن أنعمت عىل وع‬ ‫(النحل)؛ ﴿فتبسم ض ِ‬ ‫ٱَّلل ‪﴾١٢٧‬‬ ‫ِإَل ِب ِ‬
‫ِ ِ ي َ َ َ ۡ َ ِ ِّ َ َّ ِ ي َ َ ُ ۡ ۖۡ َ َ ي ۡ ُ َ َ ًّ ِ َ َ ۡ َ ۡ‬ ‫ٱلص َٰ لح َ‬ ‫َص َٰ ل احا ت ۡر َض َٰى ُه َوأ ۡدخلن ب َر ۡح َمت َك ف ع َباد َك ا‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٱَّلل ِلنت لهم ولو كنت ۖۡفظا غ ِليظ ٱلقل ِب‬ ‫ي‪(﴾١٩‬النمل)؛ ﴿ف ِبما رحمة من‬
‫ُُ‬ ‫َ َ َ َ َۡ‬ ‫ٖ َ ۡ ِ َ ۡ َ َ َ َ َ ۡ َ َٰ ُ ۡ‬ ‫ُ ُ َ َ َ ا َۡ‬ ‫ِ ِ ي ِ ِ ُ ا َ ا ۡ َ ِ ِ َ رَ اَٰ َ ََٰ‬ ‫َ ٱ َ ِ ُّ ْ ۡ َ ۡ ِ ِ ي ِ‬
‫وب‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫يل‬ ‫نج‬ ‫ٱل‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ات‬ ‫ء‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ن‬‫ٱب‬ ‫يس‬ ‫ع‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫اث‬ ‫ء‬ ‫ىل‬ ‫ع‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫﴿ث‬ ‫ان)؛‬ ‫ر‬ ‫عم‬ ‫﴾(آل‬ ‫لنفضوا من حولك‪١٥٩‬‬
‫ِي َ َ ُ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ُ َ ۡ َِ ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ َ َٰ َ ُِ ۡ َ َِ ا َٰ ُ ۡ َ َ َ ۡ َ ِ ُ ُ َ ُ ۡ َ َِٰ َ اۖۡ‬ ‫َ َ َۡ‬ ‫َّ َ ا َ ُِ ُ َ ۡ َ ِ ا َ َ ۡ َ اِۚ‬
‫اض ِع ِهۦونسوا‬ ‫سية َّيحرفون ۡٱلك ِلم عن مو ِ‬ ‫﴿ف ٓ ِبما نق ِض ِه ام م َيث اقهم لع ۖۡن َهم وجعلنا قلوب هم ق ِ‬ ‫ٱل ِ ٗذين ٱتبعوه رأفة ِۚورحمة﴾(الحديد)؛‬
‫ي‪(﴾١٣‬المائدة)؛‬ ‫ب ٱل ُم ۡحسن َ‬ ‫ٱَّلل ُيح ُّ‬ ‫ٱص َف ۡ ِۚح إ ان َ‬ ‫ف َع ۡن ُه ۡم َو ۡ‬ ‫ٱع ُ‬ ‫ىل َخائ َنة ِّم ۡن ُه ۡم إَل قليَّل ِّم ۡن ُه ۡم ف ۡ‬ ‫ال َت اط ِل ُع َع َ َٰ‬ ‫َح ّظا ِّم اما ُذ ِّك ُر ْوا بهۦ َو ََل َت َز ُ‬
‫ِ ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون‪(﴾٧‬الحجرات)‪.‬‬ ‫ُ ُ ُ ۡ َ َ ا َ َ ۡ ُ ُ ۡ ُ ۡ َ َ ۡ ُ ُ َ َ ۡ ۡ َ َِۚ ُ ْ َ َٰا َ ُ ُ ا َٰ ُ َ‬ ‫َ َ َٰ ا َّ َ َ ا ِ َ َ ۡ ُ ُ ۡ َ َٰ َ َ َ ا َ ُ‬
‫وبكم وكره ِإليكم ٱلكفر وٱلفسوق وٱل ِعصيان أول ِئك هم ٱلر ِشد‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ِي‬ ‫ۥ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫يم‬ ‫ٱل‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬‫﴿ول ِكن ٱَّلل حب ِ‬
‫ب‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُِ‬
‫الن ال تنفد ﴿و ِإن من‬ ‫‪:‬‬ ‫الن كرم بها النسان مفتوحة عىل ما يناسبها من خزائن هللا‬ ‫الربانية ا ُ ي‬ ‫وكل صفة من هذه الصفات‬
‫َ ۡ َ ۡ ُۗ َ َّ ُ َ َ َٰ ُ ي ِّ رَ ۡ َ‬ ‫ٱلس َم َٰ َ‬‫َّلل ُم ۡل ُك ا‬ ‫َ َّ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ َ َ ٓ ُ ُ َ َ ُ َ ِّ ُ ُ ا ا َ َ‬ ‫رَ ۡ ا‬
‫ش ٖء ق ِد رير‪﴾١٨٩‬‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ىل‬ ‫ع‬ ‫ٱَّلل‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ٱأل‬‫و‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫َٰ‬
‫و‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿و‬ ‫؛‬ ‫(الحجر)‬ ‫﴾‬ ‫‪٢١‬‬ ‫وم‬ ‫ٖ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫َل‬‫إ‬‫ِ‬ ‫ۥ‬ ‫ه‬‫ل‬‫ت‬ ‫ن‬ ‫ا‬‫م‬ ‫و‬ ‫ۥ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ئ‬‫ِ‬ ‫ا‬
‫ز‬ ‫خ‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ند‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫َل‬ ‫ش ٍء ِإ‬‫ي‬
‫ا‬ ‫ُ َّ ۡ َ ُ ۡ َ ۡ ُ َ َ َ ٓ َ َ ۡ َ َ ِّ ا ا ا َ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ ۡ َ َ ۡ َ ِۚ َ َ َ ۡ َ َٰ ُ َ ُ‬
‫﴾ (الش َاء)‪ ،‬وهو تعاىل‬ ‫‪١٠٠‬‬ ‫ا‬
‫ور‬ ‫ت‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫نس‬ ‫ٱل‬ ‫ان‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫اق‬ ‫نف‬ ‫ٱل‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ش‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫أل‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ة‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫ئ‬
‫ِ‬ ‫ا‬‫ز‬ ‫خ‬ ‫ون‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫نت‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫﴿ق‬ ‫؛‬ ‫ان)‬ ‫ر‬ ‫عم‬ ‫(آل‬
‫ُ ُ ْ‬ ‫ۡ َِ ُ ُ َ ُ َّ ۡ ُ َ رِۚ ُ َّ ۡ‬ ‫ِ َِ َ َ‬ ‫ي ِ‬
‫ٱَّلل َمغلولة غلت أ ۡي ِد ِيه ۡم َول ِعنوا‬ ‫ِ‬ ‫﴿وقال ِت ٱليهود يد‬ ‫بصتا‪:‬‬ ‫ر‬ ‫خبتا‬ ‫ر‬ ‫يشاء‪ ،‬إنه كان بعباده‬ ‫ينفق ْۘمنها عىل من يشاء من عباده كيف‬
‫ۡ ََ‬ ‫َ َ ۖۡ‬
‫اس ِمن ار ِۚ ۡح َم ٖة فَّل ُم ۡم ِسك ل َها َو َما ُي ۡم ِسك فَّل‬
‫ََ‬ ‫َّ ُ ا‬
‫لن‬ ‫ل‬ ‫ٱَّلل‬ ‫ح‬
‫ا ََۡ‬
‫ت‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫﴿م‬ ‫؛‬ ‫)‬‫(المائدة‬ ‫﴾‬ ‫‪٦٤‬‬ ‫ف َي َش ٓا ِۚ ُ‬
‫ء‬ ‫وط َتان ُينف ُق َك ۡي َ‬ ‫َ َ ُ ْ َ ۡ ََ ُ َۡ ُ َ‬
‫بما قالوا بل يداه مبس‬
‫َّ ُ َ ۡ ُ ُ ِّ ۡ َ َ َ َ ٓ ُ َ َ ۡ ُ َ َ ُ ْ ۡ َ َ َٰ ُّ ۡ َ َ َ ۡ َ َ َٰ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ ُ ۡ َ َ ُ ۢ َ ۡ ِۚ َ ُ َ ۡ َ ُ ۡ‬
‫مر ِسل لهۥ ا ِمن بع ِد ِهۦ وهو ٱلع ِزيز ٱلح ِكيم‪( ﴾٢‬فاطر)؛ ﴿ٱَّلل يبسط ٱلرزق ِلم ِۚن يشاء ويق ِدر وف ِرحوا ِبٱلحيو ِة ٱلدنيا وما ٱلحيوة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وف‬ ‫َ َۢ َ ا‬ ‫ٱلد ۡن َيا ف ۡٱألخ َرة إ اَل َم َت َٰ ع‪( ﴾٢٦‬الرعد)؛ ﴿إ ان َراب َك َي ۡب ُس ُط ِّ ۡ َ َ َ َ ٓ ُ َ َ ۡ ُ ا ُ َ َ َ‬ ‫ُّ‬
‫ٱلر َزق ِلم َن يشاء َويق ِ َدر ِإنه َۥكان ِب ِ َعب ِاد ِهۦ خ ِب رتا َب ِص ْ رتا‪( ﴾٣٠‬الشاء)‪ ،‬ي‬ ‫ا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِي ِ‬
‫فبها‬ ‫رحمة أنزل منها رحمة واحدة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الصحيحي عن رسول هللا‪ ،‬صىل هللا عليه وسلم‪( :‬إن اَّلل خلق االرحمة يوم خلقها مائة‬ ‫ر‬
‫القيامة‬
‫ِ‬ ‫يوم‬
‫َ‬
‫كان ُ‬ ‫َ‬
‫وتسعي رحمة فإذا‬
‫ر‬ ‫تسعا‬
‫َ َ‬
‫عند ُه ً‬ ‫َ‬
‫ولدها من تلك االر ِ‬
‫حمة واحتبس‬ ‫حن اإن االد اابَة لت ُفع َ‬
‫حافرها عن ِ‬
‫ُ‬
‫الخلق ا‬ ‫يت ُ‬
‫احم‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هذ ِه إىل تلك فر ِحم ِبها عباده)‪ .‬فتأمل كيف تحولت الرحمة‪ ،‬ي‬
‫وه صفة ربانية‪ ،‬إىل خلق من خلق هللا‪ ،‬وخزنة من خزائنه‬ ‫جمع ِ‬
‫ينفق منها عىل مخلوقاته‪ ،‬وقس عىل ذلك بقية الصفات‪.‬‬
‫فمن‬
‫عليه‪ِۚٓ َ ۡ ،‬‬ ‫رسل هللا لتقام بذلك الحجة‬ ‫الن بها تهيأ الستقبال رسالة السماء عت‬ ‫وهذه الصفات الربانية لدى النسان ه‬
‫ۡ َ َ ۡ ُ َ ِّ ُ ۡ ۖۡ َ ُ ْ َ َ َٰ َ‬ ‫ۡ ُ ِّ ا َ ُ ۡ َ َ ۡ َ َ ُ ۡ َ َ َٰا َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪ ۢ َ ُّ َ َ َ َ ۡ َ :‬ي َ ا يَ َ‬
‫ور ِهم ذريتهم وأشهدهم عىل أنف ِس ِهم ألست ِبربكم قالوا بىل ش ِهدنا‬ ‫﴿و ِإذ َأخذ َ ربَك َ ِمن ب ِ ين ءادم ِمن ظه ِ‬ ‫َشاء آمن ومن شاء كفر‬
‫الن استقرت يف فطرة النسان‬ ‫اللهية‬ ‫السببية‬ ‫القوى‬ ‫وهذه‬ ‫‪.‬‬‫اف)‬ ‫ر‬ ‫(األع‬ ‫﴾‬ ‫‪١٧٢‬‬ ‫وا َي ۡو َم ۡٱلق َي َٰ َمة إ انا ُك انا ع ۡن ه َٰ ذا غ َٰ فل َ‬
‫ي‬
‫َُ ُ ْ‬
‫أن تقول‬
‫ي‬ ‫ِِر‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫تهن النسان المؤمن بأسباب ال محدودة للعمل الصالح‬ ‫ئ‬ ‫السالكي إىل هللا تعاىل‪ ،‬ولكل درجات مما عملوا‪ .‬وه‬ ‫ر‬ ‫ه مدارج‬
‫ٱَّلل َو ۡٱب َت ُغ او ْا إ َل ۡيه ۡٱل َوس َيل َة َو َج َٰ ه ُد ْوا ف َسبيلهۦ َل َع َّل ُكمۡ‬ ‫َ َٰا َ ُّ َ َّ َ َ َ ي ُ ْ ر ا ُ ْ‬
‫وا َّ َ‬ ‫ي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ٱت‬ ‫وا‬‫ن‬ ‫ام‬ ‫ء‬ ‫ين‬ ‫ذ‬
‫ِ‬ ‫ٱل‬ ‫ا‬‫ه‬‫ي‬ ‫أ‬ ‫﴿ي‬ ‫‪:‬‬ ‫تعاىل‬ ‫هللا‬ ‫إىل‬ ‫الوسيلة‬ ‫به‬ ‫يبتع‬
‫ي‬ ‫الكون‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫المبدع‬
‫اب‬ ‫ون َع َذ َاب ُِه ا ِۚۥإ ان َع َذ َ‬‫ُ ْ َ َٰا َ َّ َ َ ۡ ُ َ َ ۡ َ ُ َ َ َٰ َ ِّ ُ ۡ َ َ َ َ ُّ ُ ۡ َ ۡ َ ُ َ َ ۡ ُ َ َ ۡ َ َ ُ َ َ َ ُ َ‬
‫تف ِل ُحون‪( ﴾٣٥‬المائدة)؛ ﴿أول ِئك ٱل ِذين يدعون يبتغون ِإىل رب ِهم ٱلو ِسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمتهۥويخاف‬
‫َ‬ ‫ُۡ‬
‫ِ‬
‫ََ ْ َُُْ ْ‬ ‫ا َّ َ َ‬
‫اَّلل ق َال َم ْن َع ُ َادى ِ يىل َو ِل ًّي َا فقد آذنته بِال َح ْر ِب‬ ‫وف الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان‪ِ ( :‬إن‬ ‫ورا‪( ﴾٥٧‬ال َشاء)‪،‬‬ ‫ان َم ۡح ُذ ا‬ ‫َ ِّ َ َ َ‬
‫ربك ك‬
‫ُ َ َ ْ ُْ ُ ْ ُ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َََ ُ َ‬ ‫َْ ْ ُ ََ َ َ ََ ُ َ‬ ‫ي‬ ‫َ ا َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ َ َ َ‬
‫ل حن أ ِح ابه ف ِإذا أح َببته َ ُكنت س ْم َعه‬ ‫َ ا‬ ‫النو ِاف‬ ‫اَ‬ ‫س ٍء أحب ِإ ا يىل ِم اما اف َتضت عل ْي ِه وما يزال ع ْب ِدي يتق ارب ِإ ا يىل ب‬ ‫وما تق ارب إ اىل ع ْب ِدي ب ر ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬ ‫َ ْ ُِ ي َ َ َ ُ ِ‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اُ‬ ‫ْ‬
‫س ِبَها َوإِن َسأل ِ ين أل ْع ِط َينه َول ئ ِ ْي ْاست َعاذ ِ يب أل ِعيذنه َو َما‬
‫َ‬
‫ش بَها َورْجل ُه ال ِن َي ْم ِر‬ ‫َ‬
‫رص ب ِه َ َويد ُه الن َي ْب ِط ُ‬
‫ُ‬ ‫ب‬ ‫رصه َّال ِذي ُي ْ‬ ‫َّال ِذي يس َمع ب ِه وب َ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ا ْ ُ َ ْ َر ِ ْ َ َ َ ُ‬
‫‪.‬‬ ‫َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ََ ُ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫اعل ُه َ ت َ ُّ‬
‫والمؤمن الذي يكون هذا حاله يمكن أن‬ ‫)‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫اء‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ر‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ه‬‫ر‬‫ك‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫س‬ ‫ف‬‫ن‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫د‬‫ر‬ ‫ش ٍء َأنا ف َّ ِ‬
‫ترددت عن ي‬
‫َ ُ َ َ َ َ‬ ‫َ ۡ َ َ َ َ ا َ ۡ َ َ ُ َ ِۚ َ َ ا َ َ ُ ُ ۡ َ‬ ‫َ ُ ۡ ِّ َ ِۡ َ ِ َ َِ ۠ َ َ‬ ‫َ‬
‫ال ٱل ِذ َي ِ َعندهۥ ِعلم من ٱل ِكت َٰ ِب أنا ءا ِتيك ِب ِهۦ ۖۡقبل أن ي ۡرتد ِإليك ط ۡرفك فلما رءاه مست ِق ًّرا ِعندهۥ قال ه َٰ ذا ِمن‬ ‫يأب بالخوارق‪﴿ :‬ق‬
‫َ‬
‫﴿ف َو َج َدا َع ۡب ادا ِّمنۡ‬ ‫َ َ َ َ َ َ ا َ ِّ َ َ‬ ‫َ ۡي َ ِّ َ ۡ ُ َ ا َ َ ۡ ُ ُ ۡ ۡ ُ ُ ۖۡ َ َ َ َ َ َ ا َ َ ۡ ُ ُ َ ۡ‬
‫فض ِل ر يب ِليبلو ِ يب ءأشكر أم أ كفر ومن شكر ف ِإنما يشكر ِلنف ِس ِهۦ ومن كفر ف ِإن ر يب غ ِ ين ك ِريم‪( ﴾٤٠‬النمل)؛‬
‫َّ ا ۡ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ٓ َ َ ۡ َ ُ َ ۡ ا ِّ ۡ‬
‫ندنا َو َعل ۡم َن َٰ ُه ِمن ل ُدنا ِعل اما‪( ﴾٦٥‬الكهف)‪.‬‬
‫ِع َب ِادنا ءاتين َٰ ه رح َمة من ِع ِ‬
‫االجتماع‪،‬‬
‫ي‬ ‫المعايت األخالقية والقانونية لإلنسان يف إطار فعله وتفاعله‬ ‫ر‬ ‫ه مصدر‬ ‫الصفات اللهية يف نسبيتها النسانية ي‬
‫سواء كان ذلك يف مجتمع ُيعبد فيه هللا تعاىل‪ ،‬ويقام فيه الدين‪ ،‬أو يف مجتمع دنيوي يرتبط سعيه بتحقيق المنافع الدنيوية ال‬
‫تعاىل‪ ،‬وما ينتج عنه من آثار يكون‬ ‫ً‬ ‫المعايت األخالقية عبادة هلل‬
‫ر‬ ‫االجتماع المؤطر بهذه‬‫ي‬ ‫غت‪ .‬المجتمع األول يكون فيه الفعل‬ ‫ر‬
‫للمعايت األخالقية والقانونية‬ ‫ر‬ ‫تصت فيه هذه الصفات اللهية منشأ‬ ‫وف المجتمع الدنيوي ر‬ ‫عمال صالحا يعمر األرض بالصالح‪ ،‬ي‬
‫المعايت مثل الرحمة‪ ،‬العدل‪،‬‬ ‫ر‬ ‫النفعية‪ ،‬ألن النفع الدنيوي ال يتحقق يف المجتمع عىل الجملة إال بالتام حد أدب من هذه‬
‫غت مادي‪،‬‬ ‫الطين المادي أن يكون مصدرا لما هو ر‬ ‫برسية بامتياز‪ ،‬وال يمكن للجسم‬ ‫الحسان‪ ،‬الصت‪...‬إلخ‪ .‬إن المعيارية ظاهرة ر‬
‫ي‬
‫ه مصدرها‪.‬‬ ‫الموضوع أن تكون الروح ي‬ ‫ي‬ ‫فصار من‬
‫والنسان قد ينس وجود هذه القوى السببية لديه‪ ،‬وما تقتضيه من عالقة باهلل تعاىل‪ ،‬وال يؤسس عليها فعله وتفاعله‬
‫َ َ َ‬
‫مع الحياة‪ ،‬أو يوظفها للدنيا فقط جلبا للمصالح ودرءا للمفاسد اآلنية‪ ،‬أو يسع بها يف األرض فسادا‪َ ﴿(:‬ي ۡعل ُمون ظ َٰ ِه ارا ِّم َن‬

‫‪16‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُ ْ ا‬ ‫ُ ْ َ ُ ْ ا َ َ َ ْ َ َ‬ ‫وا َّٱلذ َ‬‫َ َ َُ ْ‬ ‫ُ َ ُ َ‬ ‫ۡا‬ ‫ُ‬ ‫ُّ ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ين َء َامنوا َقال اوا َء َامنا َو ِإذا َخل ۡوا ِإ َٰىل ش َي َٰ ِط ِين ِه ۡم قال اوا ِإنا َم َعك ۡم‬ ‫ِ‬ ‫ٱل َح َي َٰو ِة ٱلدن َيا َوه ۡم َع ِن ٱأل ِخ َر ِة ه ۡم غ َٰ ِفلون‪(﴾٧‬الروم)؛ ﴿و ِإذا ل َق‬
‫َ َ َ‬
‫﴿من كان‬
‫ُ‬
‫ض َوتقط ُع اوا أ ۡر َح َامك ۡم‪(﴾٢٢‬محمد)؛‬
‫ُ َ ِّ ْ‬ ‫ۡ ۡ‬ ‫ُۡ ُ ْ‬ ‫َ َ َّ ۡ ُ ۡ‬ ‫ون‪(﴾١٤‬البقرة)؛ َ َ ۡ َ َ ۡ ُ ۡ‬ ‫اَ َ ۡ ُ ُ ۡ َۡ ُ َ‬
‫﴿ف ۡهل َ ُعسيت َم ِإ َن ُتوليت َم أ َن ُتف َ ِسدوا َ ِ يف ٱألر ِ‬ ‫َ‬ ‫إنما نحن مستهزء‬
‫ِ ُ ُ ۡ َ َ َٰ َ ُّ ۡ ِ َ َ َ َ َ ُ َ ِّ َ‬
‫‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬
‫ي ِريد ٱلحيوة ٱلدنيا و ِزينتها نوف ِإلي ِهم أعم لهم ِفيها وهم ِفيها َل يبخسون‪(﴾١٥‬هود) والذي يفعل ذلك يكون قد ظلم نفسه‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ينس ۡهللا ينساه هللا‪ ،‬وينسيه نفسه‪ ،‬أي ينسيه حقيقة‬ ‫نس هللا الذي أمده بأسباب صالحه ف هذه الحياة الدنيا‪ ،‬ومن‬ ‫ألنه ي‬
‫ََۡ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ ُ َ َٰ ُ َ ي َ ۡ ُ َ َٰ َ َٰ ُ َ ۡ ُ ُ ِّ ۢ َ ۡ ِۚ َ ُ ُ َ ۡ ُ َ َ َ ۡ َ ۡ َ َ ۡ‬
‫وف ُ ويق ِبضون‬ ‫ون ِبٱل َمنك ِر ْ وي َّنه َو َن عن ٱلمعر ِ‬ ‫ض يأمر‬ ‫وجوده يف هذه الحياة ِۚالدنيا‪﴿ :‬ٱلمن ِفقون وٱلمن ِفق ت بعضهم من بع‬
‫نس َٰى ُ ِه ۡم َأ ُنف َس ُه ۡ ِۚم أ ْو َل َٰا ئ َك ُهمُ‬ ‫ين ن ُسوا َ‬
‫ٱَّلل فأ َ‬ ‫َ َ َنُ ُ ْ‬
‫وا َك َّٱلذ َ‬ ‫َ ۡ َ ُ ۡ ِۚ َ ُ ْ َّ َ َ َ َ ُ ۡ ا ۡ ُ َ َٰ َ ُ ُ ۡ َ َٰ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫َل‬‫﴿و‬ ‫)؛‬ ‫﴾(التوبة‬ ‫‪٦٧‬‬ ‫ون‬ ‫أي ِديهم نسوا ٱَّلل فن ِسيهم ِإن ٱلمن ِف ِق ري هم ٱلف ِسق‬
‫ٱَّلل َغ ِ ٌّ‬ ‫ۡ َ ِّ َ َٰ َ َ ُ ا ْ َ َ رَ َ ۡ ُ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ َ َّ ۖۡ ْ ا ۡ َ ۡ َ َّ ُِۚ‬
‫ٱَّلل َو َّ ُ‬ ‫﴿ذ َٰ ل َك ب َأ ان ُهۥ َك َانت ات ۡأتيه ۡم ُر ُس ُل ُ‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫ۡ َ َٰ ُ َ‬
‫ن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫ٱس‬‫و‬ ‫وا‬‫ل‬‫و‬ ‫ت‬‫و‬ ‫وا‬‫ر‬ ‫ف‬‫ك‬ ‫ف‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ون‬‫د‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫رس‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ال‬‫ق‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ب‬ ‫ٱل‬ ‫ب‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٱلف ِسقون‪(﴾١٩‬الحرس)؛ ِ ِ‬
‫َح ِميد‪(﴾٦‬التغابن)‪.‬‬

‫‪ -3.1.4‬انبثاق النفس‬
‫اإلسالم‬ ‫ر‬
‫‪ -1.3.1.4‬النفس يف التاث‬
‫ي‬
‫طرح ابن القيم ف المسألة التاسعة ر‬
‫عشة يف كتابه "الروح" األسئلة اآلتية‪:‬‬ ‫ي‬
‫"ملا حقيقلة النفس هل ي جء م أجءا الفلين‪ ،‬أو عرم م أعراضل ل ل ل ل ل ‪ ،‬أو جسل ل ل ل ل للم مسل ل ل ل ل للا لل منفوخ ييل ‪ ،‬أو جوهر‬
‫واللوامة والمطمئنة نفس واحية لها هذه الصفات‪ ،‬أم ي ثالثة أنفس "‪.‬‬ ‫الروح أو غتها وه األ ّمارة ّ‬
‫ر‬ ‫مجرد وه ي‬
‫ه‪:‬‬
‫انترص ابن القيم للرأي القائل بأن النفس ي‬
‫ح متحرك ينفذ يف جوهر األعض اء‪،‬‬
‫اب علوي خفيف ي‬
‫" جس م مخالف بالماهية لهذا الجس م المحس وس‪ ،‬وهو جس م نور ي‬
‫ويرس ي فيها شيان الماء يف الورد‪ ،‬وشيان الدهن يف الزيتون‪ ،‬والنار يف الفحم‪ .‬فما دامت هذه األعض اء ص الحة لقبول اآلثار‬
‫بف ذلك ا لجس م اللطيف مش ابكا لهذه األعض اء‪ ،‬وأفادها هذه اآلثار من الحس‬ ‫الفائض ة عليها من هذا الجس م اللطيف‪ ،‬ي‬
‫والحركة الرادية‪ .‬وإذا فس دت هذه األعض اء بس بب اس تيالء األخالط الغليظة عليها‪ ،‬وخرجت عن قبول تلك اآلثار‪ ،‬فارق‬
‫الروح البدن‪ ،‬وانفصل إىل عالم األرواح "‪.‬‬
‫ّ‬
‫علق ابن القيم عىل التعريف أعاله بقوله‪" :‬وهذا القول هو الص واب يف المس ألة‪ ،‬وهو الذي ال يص ح ر‬
‫غته‪ ،‬وكل األقوال‬
‫س واه باطلة‪ ،‬وعليه دل الكتاب والس نة وإجماع الص حابة‪ ،‬وأدلة العقل والفطرة"‪ .‬وقد أورد مائة وس تة ر‬
‫عرسة دليال من القرآن‬
‫والسنة والعقل يايد بها هذا االختيار لمفهوم النفس‪ ،‬ويمكن للقارئ الرجوع إليها يف كتابه المذكور‪.‬‬

‫ش واحي أو شيئان متغايران‬ ‫ر‬ ‫ر‬


‫اآلب ه النفس والروح ي‬ ‫المسألة عشون يف كتاب الروح احتوت عىل السؤال ي‬
‫باآلب‪:‬‬
‫ي‬ ‫يجيب ابن القيم‬
‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪:‬‬
‫"النفس تطلق عىل أمور‪ :‬أحدها الروح قال الجوهري النفس الروح؛ يقال خرجت نفس ه‪ .‬والنفس الدم‪ ،‬يقال س الت‬
‫عي‪ .‬قلت‪ :‬ليس كما قال‪ ،‬بل النفس هاهنا الروح‪،‬‬ ‫العي‪ .‬يقال‪ :‬أص ابت فالنا نفس‪ ،‬أي ر‬ ‫نفس ه‪ .‬والنفس الجس د‪ .‬والنفس ر‬
‫العي توسع؛ ألنها تكون بواسطة النظر المصيب‪ .‬والذي أصابه إنما هو نفس العائن كما تقدم‪.‬‬ ‫ونسبة الصابة إىل ر‬
‫قلت‪ :‬والنفس يف القرآن تطلق عىل الذات بجملتها‪ ،‬كقوله تعاىل‪( :‬فس لموا عىل أنفس كم) (النور‪)61،‬؛ وقوله (وال تقتلوا‬
‫‪:‬‬
‫أب كل نفس تجادل عن نفس ها) (النحل‪)111،‬؛ وقوله‪( :‬كل نفس بما كس بت رهينة)‬ ‫أنفس كم) (النس اء‪)29 ،‬؛ وقوله‪( :‬يوم ت ي‬
‫(المدثر‪.)38 ،‬‬
‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬
‫وتطلق عىل الروح وح ده ا‪ ،‬كقول ه تع اىل (ي ا أيته ا النفس المطمئن ة) (الفجر‪)27 ،‬؛ وكقول ه (أخرجوا أنفس كم) (األنع ام‪،‬‬
‫‪)93‬؛ وكقوله‪( :‬ونه النفس عن الهوى) (النازعات‪)40 ،‬؛ وقوله‪( :‬إن النفس ألمارة بالس وء) (يوس ف‪ .)53 ،‬وأما الروح فال‬
‫تطلق عىل البدن‪ ،‬ال بانفراده‪ ،‬وال مع النفس‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫السء إذا خرج فلكتة خروجها ودخولها يف البدن‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫السء النفيس لنفاستها وشفها‪ ،‬وإما من تنفس ي‬ ‫وسميت نفسا إماَ َمن ي‬
‫س ميت نفس ا‪ .‬ومنه النفس ‪ -‬بالتحريك ‪ -‬فإن العبد كلما نام خرجت منه‪ ،‬فإذا اس تيقظ رجعت إليه‪ ،‬فإذا مات خرجت خروجا‬
‫كلي ا‪ ،‬ف إذا دفن ع ادت إلي ه‪ ،‬ف إذا س ئ ل خرج ت‪ ،‬ف إذا بع ث رجع ت إلي ه‪ .‬ف الفرق ربي النفس والروح فرق ب الص ف ات‪ ،‬ال فرق‬
‫م الدم نفس ا ألن خروجه الذي يكون معه الموت يالزم خروج النفس‪ ،‬وأن الحياة ال تتم إال به‪ ،‬كما ال تتم إال‬ ‫بالذات‪ .‬وإنما س ي‬
‫بالنفس‪.‬‬
‫غت النفس‪ .‬قال مقاتل بن س ليمان‪ :‬لإلنس ان حياة وروح‬ ‫وقالت فرقة أخرى من أهل ا لحديث والفقه والتص وف‪ :‬الروح ر‬
‫الن يعقل بها األشياء‪ ،‬ولم تفارق الجسد‪ ،‬بل تخرج كحبل ممتد له شعاع‪ ،‬رفتى الرؤيا بالنفس‬ ‫ونفس‪ ،‬فإذا نام خرجت نفسه ي‬
‫عي‪ ،‬فإذا أراد‬‫ر‬ ‫طرفة‬ ‫من‬ ‫ع‬ ‫ش‬ ‫أ‬ ‫ليه‬ ‫إ‬ ‫رجعت‬ ‫ك‬‫حر‬ ‫ذا‬ ‫إ‬‫ف‬ ‫‪.‬‬‫ويتنفس‬ ‫يتقلب‬ ‫فبه‬ ‫د‪،‬‬ ‫الجس‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫ح‬ ‫والرو‬ ‫الن خرجت منه‪ ،‬وتبف الحياة‬ ‫ي‬
‫‪17‬‬
‫الن خرجت‪ .‬وقال أيض ا‪ :‬إذا نام خرجت نفس ه‪ ،‬فص عدت إىل فوق‪ ،‬فإذا‬ ‫هللا عز وجل أن يميته يف المنام أمس ك تلك النفس ي‬
‫رأت الرؤيا رجعت‪ ،‬فأختت الروح‪ ،‬ويخت الروح القلب‪ ،‬فيص بح يعلم أنه قد رأى كيت وكيت‪ .‬قال أبو عبد هللا بن منده‪ :‬ثم‬
‫اختلفوا يف معرفة الروح والنفس‪ ،‬فقال بعض هم‪ :‬النفس طينية نارية‪ ،‬والروح نورية روحانية‪ .‬وقال بعض هم‪ :‬الروح الهوتية‪،‬‬
‫غت الروح‪ ،‬وقوام النفس‬ ‫غت النفس‪ ،‬والنفس ر‬ ‫ابتىل‪ .‬وقالت طائفة‪ ،‬وهم أهل األثر‪ :‬إن الروح ر‬ ‫والنفس ناسوتية‪ ،‬وإن الخلق بها ي‬
‫بالروح‪ .‬والنفس ص ورة العبد‪ ،‬والهوى والش هوة والبالء معجون فيها‪ ،‬وال عدو أعدى البن آدم من نفس ه‪ ،‬فالنفس ال تريد إال‬
‫وجعل الهوى تبعا للنفس‪ ،‬والش يطان مع النفس والهوى‪ ،‬والملك‬ ‫الدنيا‪ ،‬وال تحب إال إياها‪ .‬والروح تدعو إىل اآلخرة‪ ،‬وتؤثرها‪ُ .‬‬
‫مع العق ل‪ .‬وق ال بعض هم‪ :‬األرواح من أمر هللا أخف حقيقته ا وعلمه ا عن الخلق‪ .‬وق ال بعض هم‪ :‬األرواح نور من نور هللا‪،‬‬
‫وحياة من حياة هللا‪ ،‬ثم اختلفوا يف األرواح‪ :‬هل تموت بموت األبدان واألنفس‪ ،‬أو ال تموت؟ فقالت طائفة‪ :‬األرواح ال تموت‬
‫وعي وسمع وبرص ولسان‪.‬‬ ‫وال تبىل‪ .‬وقالت جماعة‪ :‬األرواح عىل صور الخلق‪ ،‬لها أيد وأرجل ر‬
‫فه روح أخرى‬ ‫وه النفس‪ .‬وأم ا م ا ياي د هللا ب ه أولي اءه من الروح ي‬ ‫فه روح واح دة‪ ،‬ي‬ ‫الن تتوف وتقبض‪ ،‬ي‬ ‫قل ت‪ :‬أم ا الروح ي‬
‫غت هذه الروح‪ ،‬كما قال تعاىل‪( :‬أولئ ك كت ب يف قلوب هم اليمان وأيدهم بروح منه) (المجادلة‪ .)22،‬وكذل ك الروح ال ين أيد بها‬ ‫ر‬
‫الن أنعمت عليك وعىل والدتك إذ أيدتك‬ ‫نعمن ي‬
‫ي‬ ‫‪:‬‬
‫روحه المس يح ابن مريم كما قال تعاىل (إذ قال هللا يا عيس ابن مريم اذكر‬
‫الن‬
‫ي‬ ‫القوى‬ ‫وأما‬ ‫‪.‬‬‫البدن‬ ‫ف‬ ‫الن‬
‫ي ي‬ ‫الروح‬ ‫غت‬‫ي ر‬‫ه‬ ‫عباده‬ ‫الن يلقيها عىل من يش اء من‬ ‫بروح القدس) (المائدة‪ .)110 ،‬وكذلك الروح ي‬
‫يف البدن فإنها أيض ا تس م أرواحا فيقال‪ :‬الروح البارص‪ ،‬والروح الس امع‪ ،‬والروح الش ام‪ .‬فهذه األرواح قوى مودعة يف األبدان‬
‫لن ال تموت بموت البدن‪ ،‬وال تبىل كما يبىل‪.‬‬ ‫غت الروح ا ي‬ ‫تموت بموت األبدان‪ .‬ي‬
‫وه ر‬
‫وتطلق الروح عىل أخص من ه ذا كل ه‪ ،‬وهو قوة المعرف ة ب اهلل‪ ،‬والن اب ة إلي ه‪ ،‬ومحبت ه‪ ،‬وانبع اث الهم ة إىل طلب ه وإرادت ه‪.‬‬
‫الن يايد‬
‫ه الروح ي‬ ‫ونس بة هذه الروح إىل الروح كنس بة الروح إىل البدن‪ .‬فإذا فقدتها الروح كانت بمتلة َ ْالبدن إذا فقد روحه‪ .‬و ي‬
‫بها أهل واليته وطاعته‪ .‬ولهذا يقول الناس‪ :‬فالن فيه روح‪ ،‬وفالن ما فيه روح‪ ،‬وهو بو‪ ،‬وهو قصبة فارغة‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فللعلم‬
‫روح‪ ،‬ولإلحس ان روح‪ ،‬ولإلخالص روح‪ ،‬وللمحبة والنابة روح‪ ،‬وللتوكل والص دق روح‪ .‬والناس متفاوتون يف هذه األرواح‬
‫أعظم تفاوت‪ ،‬فمنهم من تغلب عليه هذه األرواح‪ ،‬فيص رت روحانيا‪ .‬ومنهم من يفقدها أو أكتها‪ ،‬فيص رت أرض يا بهيميا‪ .‬وهللا‬
‫المستعان"‪.‬‬

‫اآلن ه النفس واحية أم ثالثة ثم أجاب‪:‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬


‫أورد ابن القيم يف المسألة الواحي والعشي السؤال ي‬
‫كثت من الن اس أن البن آدم ثالث ة أنفس؛ نفس مطمئن ة‪ ،‬ونفس لوام ة‪ ،‬ونفس أم ارة‪ ،‬وأن منهم من‬ ‫"فق د وقع يف كالم ر‬
‫تغلب عليه هذه‪ ،‬ومنهم من تغلب عليه األخرى‪ .‬ويحتجون عىل ذلك بقوله تعاىل‪( :‬يا أيتها النفس المطمئنة) (الفجر‪،)27 ،‬‬
‫وبقوله‪( :‬ال أقس م بيوم القيامة ‪ 1‬وال أقس م بالنفس اللوامة) (القيامة‪ ،)2-1 ،‬وبقوله‪( :‬إن النفس ألمارة بالس وء) (يوس ف‪،‬‬
‫‪.)53‬‬
‫والتحقيق أنها نفس واحدة‪ ،‬ولكن لها ص فات فتس م باعتبار كل ص فة باس م‪ .‬فتس م "مطمئنة " باعتبار طمأنينتها إىل‬
‫رب ها بعبوديته‪ ،‬ومحبته‪ ،‬والنابة إليه‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬والرضا به‪ ،‬والسكون إليه‪.‬‬
‫َ‬
‫غته وخوفه ورجائه‪ .‬فتفن بمحبته عن حب ما س واه‪ ،‬وبذكره عن‬ ‫وإن س مة محبته وخوفه ورجائه فناؤها عن محبة ر‬
‫ذكر ما س واه‪ ،‬وبالش وق إليه وإىل لقائه عن الش وق إىل ما س واه‪ .‬فالطمأنينة إىل هللا س بحانه كيفية ترد منه س بحانه عىل قلب‬
‫عبده‪ ،‬تجمعه عليه‪ ،‬وترد قلبه الش ارد إليه‪ ،‬حن كأنه جالس ربي يديه‪ ،‬يس مع به‪ ،‬ويبرص به‪ ،‬ويتحرك به‪ ،‬ويبطش به‪ .‬فترسي‬
‫ويلي جلده وقلبه ومفاص له إىل‬ ‫تلك الطمأنينة يف نفس ه وقلبه ومفاص له وقواه الظاهرة والباطنة‪ ،‬فتنجذب روحه إىل هللا‪ ،‬ر‬
‫خدمته والتقرب إليه‪ .‬وال يمكن حص ول الطمأنينة الحقيقية إال باهلل وبذكره‪ ،‬وهو كالمه الذي أنزله عىل رس وله‪ ،‬كما قال‬
‫تطمي القلوب) (الرع د‪ .)28 ،‬ف إن طم أنين ة القل ب س كون ه‬ ‫ئ‬ ‫ئ‬
‫وتطمي قلوب هم ب ذكر هللا‪ ،‬أال ب ذكر هللا‬ ‫تع اىل‪( :‬ال ذين آمنوا‬
‫بس ء س وى هللا وذكره البتة‪ .‬وأما ما عداه‪ ،‬فالطمأنينة إليه‬ ‫ر‬
‫واس تقراره بزوال القلق واالنزعاج واالض طراب عنه‪ ،‬وهذا ال يتأب ي‬
‫وبه غرور‪ ،‬والثقة به عجز‪.‬‬
‫شء س واه أتاه القلق واالنزعاج واالض طراب من جهته‪ ،‬كائنا‬ ‫ر‬ ‫‪:‬‬
‫قض هللا س بحانه وتعاىل قض اء ال مرد له أن من اطمأن إىل ي‬
‫المطمئني إىل س واه أغراض ا‬
‫ر‬ ‫نفوس‬ ‫بحانه‬ ‫س‬ ‫هللا‬ ‫جعل‬ ‫د‬ ‫ما كان؛ بل لو اطمأن العبد إىل علمه وحاله وعمله س لبه وزايله‪ .‬وق‬
‫ئ‬
‫بغته مقطوع‪ ،‬والمطمي إىل س واه عن مص الحه ومقاص ده مص دود وممنوع‪.‬‬ ‫لس هام البالء‪ِ ،‬ل ُيعلم عباده وأولياءه أن المتعلق ر‬
‫ئ‬
‫الن تص رت بها النفس مطمئنة‪ :‬أن تطمي يف باب معرفة أس مائه وص فاته ونعوت كماله إىل خته الذي أخت‬
‫وانرساح الصدر له‪ ،‬وفرح القلب به؛ فإنه َتعر ر‬ ‫وحقيقة الطمأنينة ي‬
‫ف من‬ ‫به عن نفسه‪ ،‬وأختت به عنه رس له؛ فتتلقاه بالقبول والتسليم والذعان‪ ،‬ر‬
‫تعرفات الرب س بحانه إىل عبده عىل لس ان رس وله‪ .‬فال يزال القلب يف أعظم القلق واالض طراب يف هذا الباب حن يخالط‬
‫َ ّ‬
‫بالوح بش اش ة قلبه‪ .‬فيتل ذلك عليه نزول الماء‬ ‫ي‬ ‫اليمان بأس ماء الرب تعاىل‪ ،‬وص فاته‪ ،‬وتوحيده‪ ،‬وعلوه عىل عرش ه‪ ،‬وتكلمه‬

‫‪18‬‬
‫ويلي إليه قلبه ومفاص له‪ ،‬حن كأنه ش اهد األمر‬ ‫ئ‬
‫الزالل عىل القلب الملتهب بالعطش‪ ،‬فيطمي إليه‪ ،‬ويس كن إليه‪ ،‬ويفرح به‪ ،‬ر‬
‫الظهتة لعينه فلو خالفه يف ذلك من ربي رشق األرض‬ ‫ر‬ ‫كما أختت به الرس ل‪ .‬بل يص رت ذلك لقلبه بمتلة رؤية الش مس يف‬
‫وغرب ها لم يلتفت إىل خالفهم‪ ،‬وقال إذا اس توحش من الغربة‪ :‬قد كان الص ديق األكت مطمئنا باليمان وحده‪ ،‬وجميع أهل‬
‫األرض يخالفه‪ ،‬وما نقص ذلك من طمأنينته ش يئا‪ .‬فهذا أول درجات الطمأنينة‪ ،‬ثم ال يزال يقوى كلما س مع بآية متض منة‬
‫لصفة من صفات ربه‪ .‬وهذا أمر ال نهاية له‪.‬‬
‫ئ‬
‫الن عليها قام بناؤه ثم يطمي إىل خته عما بعد الموت من أمور التزخ وما بعدها‬ ‫‪.‬‬ ‫فهذه الطمأنينة أص ل أص ول اليمان ي‬
‫اليقي الذي وص ف به س بحانه أهل اليمان حيث قال‪:‬‬ ‫ر‬ ‫حقيقة‬ ‫وهذا‬ ‫‪.‬‬‫عيانا‬ ‫كله‬ ‫من أحوال القيامة‪ ،‬حن كأنه يش اهد ذلك‬
‫(وباآلخرة هم يوقنون) (البقرة‪.)4 ،‬‬
‫‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪:‬‬
‫الن أقس م بها س بحانه يف قوله (وال أقس م بالنفس اللوامة) (القيامة‪ )2 ،‬فاختلف فيها فقالت طائفة‬ ‫وه ي‬‫وأما اللوامة‪ ،‬ي‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫وه من أعظم آيات هللا‪،‬‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬‫ن‬ ‫والتلو‬ ‫ب‬ ‫التقل‬ ‫ة‬‫كثت‬
‫ي ر‬ ‫فه‬ ‫دد‪،‬‬ ‫الت‬ ‫وهو‬ ‫م‪،‬‬ ‫و‬ ‫التل‬ ‫من‬ ‫ة‬‫ظ‬ ‫اللف‬ ‫خذوا‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫واحدة‬ ‫حال‬ ‫الن ال تثبت عىل‬ ‫ه ي‬ ‫ي‬
‫فإنها مخلوق من مخلوقاته تتقلب وتتلون يف الس اعة الواحدة ‪ -‬فض ال عن اليوم والش هر والعام والعمر ‪ -‬ألوانا متلونة‪ ،‬فتذكر‬
‫وتعض ‪،‬‬
‫ي‬ ‫وتغفل‪ ،‬وتقبل وتعرض‪ ،‬وتلطف وتكثف‪ ،‬وتنيب وتجفو‪ ،‬وتحب وتبغض‪ ،‬وتفرح وتحزن‪ ،‬وترص وتغض ب‪ ،‬وتطيع‬
‫كثتة‪ .‬فهذا قول‪.‬‬‫فه تتلون كل وقت ألوانا ر‬ ‫حاالتها وتلونها‪ ،‬ي‬ ‫وتتف وتفجر‪ ،‬إىل أضعاف ذلك من‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫ه نفس المؤمن‪ ،‬وهذا من ص فاتها المحمودة‪ .‬قال‬ ‫ي‬ ‫فرقة‬ ‫فقالت‬ ‫اختلفوا‪،‬‬ ‫ثم‬ ‫‪.‬‬‫وم‬ ‫الل‬ ‫من‬ ‫مأخوذة‬ ‫اللفظة‬ ‫‪:‬‬ ‫طائفة‬ ‫وقالت‬
‫غت هذا أوىل‪ ،‬ونحو هذا‬ ‫الحس ن البرص ي‪ :‬إن المؤمن ال تراه إال يلوم نفس ه دائما‪ ،‬يقول‪ :‬ما أردت بهذا؟ لم فعلت هذا؟ كان ر‬
‫من الكالم‪.‬‬
‫ه نفس المؤمن توقعه يف الذنب‪ ،‬ثم تلومه عليه فهذا اللوم من اليمان‪ ،‬بخالف الش يف فإنه ال يلوم نفس ه‬ ‫غته‪ :‬ي‬‫وقال ر‬
‫عىل ذنب‪ ،‬بل يلومها‪ ،‬وتلومه عىل فواته‪.‬‬
‫للنوعي‪ ،‬فإن كل أحد يلوم نفس ه‪ ،‬برا كان أو فاجرا‪ .‬فالس عيد يلومها عىل ارتكاب معص ية هللا‬ ‫ر‬ ‫وقالت طائفة‪ :‬بل هذا اللوم‬
‫والشف ال يلومها إال عىل فوات حظها وهواها‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وترك طاعته‪،‬‬
‫وقالت فرقة أخرى هذا اللوم يوم القيامة‪ ،‬فإن كل أحد يلوم نفس ه إن كان مس يئا عىل إس اءته‪ ،‬وإن كان محس نا عىل‬ ‫‪:‬‬
‫تقصته‪.‬‬
‫ر‬
‫اف بينها‪ ،‬فإن النفس موص وفة بهذا كله‪ ،‬وباعتباره س ميت لوامة‪ ،‬ولكن اللوامة نوعان‪:‬‬ ‫وهذه األقوال كلها حق‪ ،‬وال تن ي‬
‫الن ال تزال تلوم ص احبها عىل‬ ‫وه ي‬ ‫‪:‬‬
‫غت ملومة ي‬ ‫‪.‬‬
‫الن يلومها هللا ومالئكته ولوامة ر‬ ‫وه النفس الجاهلة الظالمة ي‬ ‫لوامة ملومة‪ :‬ي‬
‫غت ملوم ة‪ .‬وأشف النفوس من الم ت نفس ه ا يف ط اع ة هللا‪ ،‬واحتمل ت مالم‬ ‫ر‬ ‫تقص رته يف ط اع ة هللا مع ب ذل ه جه ده‪ ،‬فه ذه ر‬
‫الالئمي يف مرض اته‪ ،‬فال تأخذها فيه لومة الئم‪ ،‬فهذه قد تخلص ت من لوم هللا لها‪ .‬وأما من رض يت بأعمالها‪ ،‬ولم تلم نفس ها‬ ‫ر‬
‫الن يلومها هللا عز وجل‪.‬‬ ‫فه ي‬ ‫عليها‪ ،‬ولم تحتمل يف هللا مالم اللوام‪ ،‬ي‬
‫الن تأمر بكل س وء‪ .‬وهذا من طبيعتها إال ما وفقها هللا‪ ،‬وثبتها‪ ،‬وأعانها‪ .‬فما‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫نه‬ ‫إ‬ ‫ف‬ ‫فه المذمومة‪،‬‬ ‫وأما النفس األمارة‪ ،‬ي‬
‫نفس إن النفس ألمارة بالس وء‬ ‫ي‬ ‫تخلص أحد من رش نفس ه إال بتوفيق هللا له‪ ،‬كما قال تعاىل حاكيا عن امرأة العزيز‪( :‬وما أبرئ‬
‫رب غفور رحيم) (يوس ف‪ .)53 ،‬وقال تعاىل‪( :‬ولوال فض ل هللا عليكم ورحمته ما زىك منكم من أحد أبدا)‬ ‫رب‪ ،‬إن ي‬ ‫إال ما رحم ي‬
‫(النور‪ .)21 ،‬وقال تعاىل أل كرم خلقه عليه‪ ،‬وأحبهم إليه‪( :‬ولوال أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليال) (الشاء‪.)74 ،‬‬
‫النن‪ ،‬ص ىل هللا عليه وس لم‪ ،‬يعلمهم خطبة الحاجة‪" :‬إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونس تعينه‪ ،‬ونس تغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل‬ ‫وكان ي‬
‫من رشور أنفس نا ومن س يئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال مض ل له‪ ،‬ومن يض لل فال هادي له " فالرس كامن يف النفس‪ ،‬وهو‬
‫ر‬ ‫‪.‬‬
‫وبي نفس ه هلك ربي رشها وما تقتض يه من س يئات األعمال‪ ،‬وإن وفقه‬ ‫موجب س يئات األعمال‪ .‬فإن خىل هللا ربي العبد ر‬
‫ر‬
‫وأعانه نجاه من ذلك كله‪ .‬فنس أل هللا العظيم أن يعيذنا من شور أنفس نا وس يئات أعمالنا‪ .‬وقد امتحن هللا س بحانه النس ان‬
‫وه‬
‫فه نفس واح دة تكون أم ارة‪ ،‬ثم لوام ة‪ ،‬ثم مطمئن ة‪ ،‬ي‬ ‫اتي النفس ري‪ :‬األم ارة‪ ،‬واللوام ة؛ كم ا أكرم ه ب المطمئن ة‪ .‬ي‬ ‫به ر‬
‫غ اي ة ك م ال ه ا وص الح ه ا‪ .‬وأي د ال م ط م ئ ن ة ب ج ن ود ع دي دة‪ ،‬ف ج ع ل ال م ل ك ق ري ن ه ا وص اح ب ه ا ال ذي ي ل ي ه ا‬
‫ويس ددها‪ ،‬ويقذف فيها الحق‪ ،‬ويرغبها فيه‪ ،‬ويري ها حس ن ص ورته‪ ،‬ويزجرها عن الباطل‪ ،‬ويزهدها فيه‪ ،‬ويري ها قبح ص ورته‪.‬‬
‫ّ‬
‫وأم ده ا ب م ا ع ل م ه ا م ن ال ق رآن واألذك ار وأع م ال ال ت‪ ،‬وج ع ل وف ود ال خ رتات وأ م داد ال ت وف ي ق ت ن ت اب ه ا‬
‫وتص ل إليها من كل ناحية‪ .‬وكلما تلقتها بالقبول‪ ،‬والش كر‪ ،‬والحمد هلل‪ ،‬ورؤية أوليته يف ذلك كله‪ ،‬ازداد مددها‪ ،‬فتقوى عىل‬
‫َ ُ‬
‫واليقي‪ .‬فالجيوش الس المية كلها تحت لوائه ناظرة‬ ‫ر‬ ‫وم ِلكها‪ -‬اليمان‬ ‫محاربة األمارة‪ .‬فمن جندها ‪ -‬وهو س لطان عس اكرها‬
‫ّ‬
‫إليه‪ ،‬إن ثبت ثبتت‪ ،‬وإن انهزم ولت عىل أدبارها‪.‬‬
‫ثم أمراء هذا ا لجيش ومقدمو عس اكره‪ :‬ش عب اليمان المتعلقة بالجوارح عىل اختالف أنواعها‪ ،‬كالص الة والزكاة والص يام‬
‫والنه عن المنكر‪ ،‬ونص يحة الخلق‪ ،‬والحس ان إليهم بأنواع الحس ان؛ وش عبه الباطنة‬ ‫ي‬ ‫والحج والجهاد‪ ،‬واألمر بالمعروف‬

‫‪19‬‬
‫المتعلقة بالقلب‪ ،‬كالخالص والتوكل والنابة والتوبة والمراقبة والص ت والحلم والتواض ع والمس كنة‪ ،‬وامتالء القلب من محبة‬
‫وف هللا‪ ،‬والشجاعة والعفة والصدق والشفقة والرحمة‪.‬‬ ‫والغتة هلل ي‬
‫ر‬ ‫هللا ورسوله‪ ،‬وتعظيم أوامر هللا وحقوقه‪،‬‬
‫ومالك ذلك كله الخالص والص دق‪ .‬فال يتعن الص ادق المخلص‪ ،‬فقد أقيم عىل الرصاط المستقيم‪ ،‬فيسار به وهو راقد‪.‬‬
‫حتان‪ ،‬فإن ش اء فليعمل‪،‬‬ ‫ياطي يف األرض ر‬‫ر‬ ‫وال يتهن من حرم الص دق والخالص‪ ،‬فقد قطعت عليه الطريق‪ ،‬واس تهوته الش‬
‫وإن شاء فليتك‪ ،‬فال يزيده عمله من هللا إال بعدا‪ .‬وبالجملة فما كان هلل وباهلل‪ ،‬فهو من جند النفس المطمئنة‪.‬‬
‫وأم ا النفس األم ارة فجع ل الش يط ان قرينه ا وص احبه ا ال ذي يليه ا‪ ،‬فهو يع ده ا ويمنيه ا‪ ،‬ويق ذف فيه ا الب اط ل‪ ،‬وي أمرها‬
‫ماب‬
‫بالس وء ويزينه لها‪ ،‬ويطيلها يف األمل‪ ،‬ويري ها الباطل يف ص ورة تقبلها وتس تحس نها‪ ،‬ويمدها بأنواع المداد الباطل من األ ي‬
‫تعي عليها بهواها وإرادتها‪ ،‬فمنه يدخل عليها‪ ،‬ويدخل عليها كل مكروه‪ .‬فما اس تعان‬ ‫ر‬ ‫الكاذبة والش هوات المهلكة‪ .‬ويس‬
‫بسء هو أبلغ من هواها وإرادتها البتة"‪.‬‬‫ر‬
‫عىل النفوس ي‬

‫‪ -2.3.1.4‬مفهوم النفس يف نظرية النظم االجتماعية يف رؤية القرآن للعالم‬


‫ه يف انبثاق "النفس" من التفاعل ربي الجسم الحيوي والروح حاملة الخواص السببية‬ ‫المرحلة الثالثة من انبثاق النسان ي‬
‫الن نفخها يف النسان لم يفصح‬ ‫غت الروح‪ ،‬فعندما تكلم هللا تعاىل يف القرآن عن "الروح" ي‬ ‫اللهية إليه‪ .‬والنفس يف القرآن الكريم ر‬
‫عن حقيقتها‪ ،‬وإن ثبت فيما نقلناه عن ابن القيم أنها كائن مخلوق‪ ،‬بينما تكلم عن خواص "النفس" وأوصافها وأحوالها يف‬
‫ُ ّ‬
‫ه المحاسبة يف َ الدار اآلخرة‪ ،‬وأنها حقيقة‬ ‫المكلفة يف هذه الحياة الدنيا‪ ُ ،‬وأنها‬ ‫وف المنام‪ ،‬وف الممات‪ ،‬وأنها ه‬ ‫الحياة‪،‬‬
‫َ َ ٓ َ ِّ ُ َ ۡ ا ِۚ ا ا ۡ َ َ ا َ ُ ۢ ُّ ا ا َ َ َ َ ِّ ا ِۚ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ي َ ا َٰ َ َ َ ۡ َ َ َ ُ ُ ي َ َ َ ۡ‬ ‫يََۡ‬
‫ألمارة ِبٱلسو ِ ِۚء ِإَل ما ر ِحم ر يب‬
‫وت إ ان َّ َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ٱلنف َ‬ ‫س ِإن‬ ‫س وما سوىها‪ ٧‬فألهمها فجورها َتقوىها‪(﴾٨‬الشمس)؛ ﴿وما أبرئ نف‬
‫ا َ َ ۡ ُ َ ا ۖۡ َ َ َ ۡ ِ ي َ ۡ‬ ‫َۡ‬ ‫َ َ َۡ‬ ‫النسان‪﴿ُ َ :‬ونف ا ن‬ ‫ا‬
‫ٱَّلل َعليمر‬ ‫ۡ‬ ‫ِّ‬ ‫ۢ‬ ‫ُ‬
‫﴾(يوسف)؛ ﴿وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تم‬ ‫ِإن َر ِّ يب غفور ر ِحيم‪٥٣‬‬
‫َ َ ِ ۡ َ َ َّ َ ۡ َ ُ ۡ ِ َ َ َ ۖۡ َ ُ ۡ ُ ِ َّ َ َ ِ َ َ ۡ َ ۡ َ ن ۡ َ َ ُ ۡ ِ ُ ۡ ُ ۡ َ اَٰ ِ َٰاَ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫﴿ٱَّلل َي َت َوف ٱأل ُنف َ‬ ‫ا‬ ‫ت‪(﴾٣٤‬لقمان)؛ َّ ُ‬ ‫َخب ر ُ ۢ‬
‫ض عليها ٱلموت وير ِسل ٱألخ َرى ِإىل‬ ‫س ِح ري مو ِتها وٱل ِ ين لم تمت ِ يف من ِامها فيم ِسك ٱل ِ ين ق َٰ‬ ‫ِ‬
‫اسط اوا أ ۡي ِد ِيه ۡم‬
‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫َ ۡ َ َ ا‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫س ىم ِإن ۖۡ ِ يف ذ َٰ ِلك أل َي َٰ ٖت لق ۡو ٖم َيتفك ُرون‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ِۚ‬ ‫َأ َجل ُّم َ‬
‫‪(﴾٤٢‬الزمر)؛ ر﴿ولو ت َر َٰى ِإ ِذ ٱلظ َٰ ِلمون ِ يف غم َ َٰر ِت ٱلمو ِت وٱلمل َٰ ِئكة ب ِ‬ ‫ٖ‬
‫ت َر ِه َينة‪(﴾٣٨‬المدثر)‪.‬‬ ‫َ َ َ َ ۡ‬
‫س ِبما كسب‬
‫ُ ُّ َ ۡ‬
‫ف‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫﴿ك‬ ‫األنعام)؛‬ ‫﴾‬ ‫‪٩٣‬‬ ‫م‬ ‫َأ ۡخر ُج او ْا َأ ُنف َس ُك ُ‬
‫ِۢ‬ ‫ِ‬
‫مرحلتي‬ ‫ر‬ ‫الطين‪ ،‬بل ذكر‬ ‫ي‬ ‫هللا تعاىل عندما تكلم عن خلق النسان لم يفرد النفس بالخلق كما فعل فيما يتعلق بالجسم‬
‫َ َ َ اُۡ ُ َََ ۡ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ق َب رَ ا‬ ‫ال َرُّب َك ل ۡل َم َل َٰا ئ َكة إ ِّب َخ َٰ ل ُ ۢ‬ ‫﴿وإ ۡذ َق َ‬
‫يه ِمن‬ ‫ون َ‪ ٢٨‬ف ِإذا س َويَت ۡهۥ ونفخت ِف ِ‬ ‫ٖ‬ ‫رسا ِّمن َصل َص َٰ ٖل ِّم ۡن َح َم ٖإ ام ۡسن‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫تكوين َالنسان‪ِ َ :‬‬ ‫فقط ف‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ اُۡ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ۡ َ َ َ ُّ َ ۡ َ َ َٰا َ ِّ َ َٰ ُ ۢ َ ر اَ‬ ‫يَ َ ُ ْ َ ُ‬
‫وح‬ ‫يه ِمن ر ِ ي‬ ‫ي‪ ٧١‬ف ِإذا سويتهۥونفخت ِف ِ‬ ‫﴿إذ قال ربك ِللمل ِئك ِة ِإ يب خ ِلق برسا من ِط ر ن‬ ‫وحْ َف ُقعوا لهۥ س ِج ِدين‪( ﴾٢٩‬الحجر)؛ ِ‬
‫َٰ‬
‫ي‬ ‫ُّ َر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫المرحلتي‪ ،‬إما يف المرحلة‬ ‫ر‬ ‫هاتي‬ ‫فق ُعوا لهۥ س َٰ ِج ِدين‪( ﴾٧٢‬ص)‪ .‬أستنتج من ذلك أن النفس تكونت وتمت تسويتها داخل ر‬
‫فه منبثقة من‬ ‫وإما ُ يف المرحلة الثانية بعد نفخ الروح فيه‪ ،‬ومن ثم ي‬ ‫فه جزء منه‪،‬‬ ‫الطين‪ ،‬ومن ثم ي‬ ‫ي‬ ‫األوىل أثناء تسوية الجسم‬
‫‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ئ‬
‫اثني‪،‬‬ ‫لسببي ر‬ ‫ر‬ ‫م لالنبثاق والذي رجح يىل هو خيار االنبثاق‬ ‫الثناب ربي الجسم والروح‪ ،‬بحسب المفهوم النظ ي‬ ‫ي‬ ‫هذا التفاعل‬
‫الطين‪ ،‬وثانيهما ذكر القرآن‬ ‫م‬ ‫الجس‬ ‫عن‬ ‫تماما‬ ‫مختلفة‬ ‫تجعلها‬ ‫الن‬ ‫النفس‬ ‫خواص‬ ‫من‬ ‫القيم‬ ‫ابن‬ ‫ذكره‬ ‫وما‬ ‫‪،‬‬ ‫أعاله‬ ‫ذكرت‬ ‫أولهما ما‬
‫ت ِع ۡم َ َٰر َن َّٱل ِنا‬ ‫‪َ َ :‬ي ۡ َ َ ۡ َ َ‬ ‫ي‬
‫مريم َعليها السالم ﴿وم َري َّم ٱب َن ۡ َ َ ۡ َ َ َ ي‬ ‫َأن سيدنا عيس عليه السالم صار جسما ونفسا بعد نفخ الروح ف السيدة‬
‫ُّ َ َ َ ا َ ۡ َ َ َٰ َ ِّ َ َ ُ ُ ي َ َ َ ۡ َ ۡ َ‬ ‫ۡ َ َ ۡ َ َ َ َََ ۡ َ‬
‫ۡ‬ ‫ا‬
‫وحنا وصدقت ِبك ِلم ِت رب ها وكت ِب ِهۦوكانت ِمن ٱلق ِن ِت ري‪(﴾١٢‬التحريم)؛ ﴿وٱل ِ ين أحصنت فرجها‬ ‫َٰ‬ ‫يه ۡ ِمن ر ِ‬ ‫صنت ف ۡرجها فنفخنا ِف ِ‬ ‫أح‬
‫ي‪(﴾٩١‬مريم)‪.‬‬ ‫َف َن َف ۡخ َنا ف َيها من ُّروح َنا َو َج َعل َن َٰ َها َو ۡٱب َن َها َء َاية لل َع َٰ لم َ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ِّ‬ ‫ا‬ ‫ٓ‬
‫ِر‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وه نظام يستمد وجوده من مكوناته (الروح‪ ،‬الجسد)‪ ،‬ومن التفاعل‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫ومدرك‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫كىل‬ ‫ي‬ ‫كائن‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫االنبثاق‬ ‫بهذا‬ ‫"‬ ‫"النفس‬
‫الن ال توجد‬ ‫الدائم ربي هذه المكونات داخل قلب النسان‪ ،‬ولكن النفس تختلف عنهما من حيث خواصها السببية المنبثقة ي‬
‫الطين والخواص السببية‬ ‫ي‬ ‫يف أي من هذه المكونات منفردة‪ ،‬وإن كانت لها أيضا خواص مكتسبة من الخواص السببية للجسم‬
‫ه خواص توجد يف مكوناته ومنها‬ ‫التميت ربي الخواص المكتسبة والخواص المنبثقة يف أي كائن‪ ،‬فاألوىل ي‬ ‫ر‬ ‫ينبع‬ ‫ي‬ ‫للروح‪ .‬لذلك‬
‫غته من الكائنات‪ ،‬وال توجد هذه الخواص المنبثقة‬ ‫وتمته عن ر‬ ‫ه خواص جديدة وجدت مع انبثاق الكائن ر‬ ‫يكتسبها‪ ،‬والثانية ي‬
‫باف الكائنات‪ .‬من الخواص المنبثقة يف النفس‬ ‫ي‬ ‫عن‬ ‫فعله‬ ‫أثر‬ ‫ويتمت‬
‫ر‬ ‫الكون‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫يفعل‬ ‫ها‬ ‫وب‬ ‫‪،‬‬‫منفردا‬ ‫له‬ ‫المكونة‬ ‫يف أي من أجزائه‬
‫الن تكون نقيضا للصفات اللهية المكتسبة من الروح‪ ،‬وتصبح منافسا إقصائيا لتلك الصفات الربانية‪ ،‬بل وتسود‬ ‫ر‬
‫البرسية تلك ي‬
‫وكثت ما‬ ‫المؤمني ممن ضعف كسبهم يف التكية‪ ،‬ر‬ ‫ر‬ ‫وف معظم األحوال عند‬ ‫النفس يف كل األحوال عند من ال يؤمن باهلل تعاىل‪ ،‬ي‬
‫بالختات‪ ،‬فالرحمة نقيضها القسوة‪ ،‬والعدل نقيضه الظلم‪ ،‬والصت نقيضه الجزع‪ ،‬والت‬ ‫ر‬ ‫السابقي‬
‫ر‬ ‫وف بعض األحوال عند‬ ‫هم‪ ،‬ي‬
‫نقيضه الفجور‪...‬إلخ‪ .‬وأصل ذلك ما ذكره القرآن الكريم عن تسوية النفس‪ ،‬من حيث إلهامها فجورها وتقواها‪ ،‬بخواص تؤهلها‬
‫الن تقودها إىل الفجور "الشح"‪" ،‬الهلع"‪" ،‬الضعف"‪" ،‬العجلة"‪" ،‬الكت"‪،‬‬ ‫البتالء زينة الحياة الدنيا؛ فمن الخواص ي‬
‫"الحسد"‪...‬إلخ‪.‬‬
‫ونفتض مرة أخرى أن النسيج الذي يربط ربي الروح والجسم يف تفاعلهما الذي تنبثق منه نفس النسان هو (ال إله إال‬
‫غت الممكن‪ ،‬عىل األقل يف الحال الراهن للعلم‪ ،‬الدراسة‬ ‫هللا)‪ ،‬أو بمعن آخر (كن فيكون)‪ ،‬فالطبيعة الغيبية للروح تجعل من ر‬

‫‪20‬‬
‫التنظت يف حال تعذر الوصول‬
‫ر‬ ‫البرسي‪ .‬وهو افتاض آمن‪ ،‬بل مسلمة إيمانية غيبية يحتملها‬ ‫التجريبية لكيفية ارتباطها بالجسم ر‬
‫ُ‬ ‫ُ ْ‬
‫ه النفس المنبثقة القابلة للدراسة‬‫إىل افتاض أقرب رحما إىل التجريب‪ .‬وقد ال يكون ذلك م ِهما ما دام هذا التفاعل ثمرته ي‬
‫التجريبية‪ .‬وقد ذكر ابن القيم فيما نقلناه عنه أن القرآن الكريم يتكلم عن النفس فقط ويريد بذلك الروح‪ ،‬وذلك حسب تحليلنا‬
‫عائد إىل أن الروح بعد نفخها يف الجسم صارت مكونا من مكونات النفس‪ ،‬ولم يعد لها وجود مستقل داخل الجسم‪ .‬هذا‬
‫مفهومي‪ ،‬مما سوف نفصله يف‬ ‫آب لل‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫التفاعل المنتج للنفس البرسية مكانه ابتداء هو "القلب" الذي يف "الصدر"‪ ،‬بالمعن القر ي‬
‫بحوث الحقة إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬
‫األلباب‪ ،‬له داللة عىل الطبيعة الوجودية للنفس‬
‫ي‬ ‫رص هللا عنه‪ ،‬وصححه‬ ‫هناك حديث نبوي صحيح رواه التاء بن عازب‪ ،‬ي‬
‫المنبثقة من هذا التفاعل ربي الروح والجسم نورد ما يلينا منه يف هذا المقام‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رؤوسنا االط ر َت‪ ،‬وهو ُي َلحد له‪ ،‬فقال‪ :‬أعوذ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ ا َ‬
‫وقعدنا حوله‪ ،‬كأن عىل‬
‫َ‬
‫فقعد َ‬ ‫" اكنا ف جنازة ف بقيع الغرقد‪َ ،‬فأتانا ُّ‬
‫النن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫كان ف إقبال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‪ :‬ا‬ ‫ٍ ي َ ِ‬ ‫ي‬ ‫َّ‬
‫من الدنيا‪ ،‬نزلت ْإلي ِه المال ِئكة‪،‬‬ ‫وانقطاع‬
‫ن‬ ‫اآلخرة‬
‫ِ‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫إذا‬ ‫المؤمن‬ ‫العبد‬ ‫إن‬ ‫قال‬ ‫ثم‬ ‫‪،‬‬ ‫ات‬
‫ٍ‬ ‫مر‬‫ا‬ ‫ثالث‬ ‫‪،‬‬‫القت‬
‫ِ‬ ‫عذاب‬
‫ِ‬ ‫باَّلل من‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُْ ا‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ُ ا‬ ‫ا َ‬
‫يج ُء مل ُك‬ ‫ا‬
‫البرص ثم ي‬ ‫ِ‬ ‫نوط الجن ِة‪ ،‬فجلسوا منه مد‬ ‫َ‬ ‫َ ر‬
‫أكفان الجنة‪ ،‬وحنوط من ح ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫كفن من‬‫مس‪َ ،‬معهم ر‬ ‫الش ُ‬ ‫وجوههم‬
‫ِ‬ ‫كأن عىل‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫فس ا‬‫فيقول‪ :‬يا اأيُتها االن ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الموت ا‬
‫قال‪:‬‬ ‫ضوان‪،‬‬
‫ور ٍ‬ ‫اَّلل ِ‬‫رة من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مغف‬
‫ح إىل َ ِ‬ ‫ي‬
‫ُ‬
‫اخر‬ ‫الط ِّيبة‬ ‫س عند ر ِأس ِه‬ ‫حن يج ِل َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫عي حن يأخذوها فيجعلوها يف‬ ‫يد ِه طرفة ر ن‬ ‫فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من ِ يف السق ِاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها يف ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫األرض"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وجه‬
‫نفحة ِمس ٍك و ِجدت عىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫كأطيب‬
‫ِ‬ ‫ويخرج منها‬ ‫الحنوط‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ذ ِل َك الكف ِن وذ ِل َك‬
‫ماب فيها إذ أنها تخرج "تسيل كما تسيل‬ ‫ئ‬ ‫الحديث النبوي ر‬
‫يشت إىل حقيقة وجودية للنفس تتعلق ببعد مادي ي‬ ‫الرسيف ر‬
‫السبن للجسم‬ ‫ي‬ ‫القطرة من ِ يف السقاء"‪ ،‬وأنها توضع يف كفن وحنوط‪ ،‬ولها ري ح طيب كرائحة المسك‪ ،‬فماذا لو كان هذا هو األثر‬
‫ّ‬ ‫ف تفاعله مع الروح الذي انبثقت منه النفس‪ ،‬السيما وأن معظم الجسم ر‬
‫البرسي يتكون من الماء مع قليل من أخالط األرض‪.‬‬
‫﴿و ُه َو َّٱلذي َخ َلقَ‬ ‫يولنتذكر أن هللا تعاىل يختنا ف القرآن الكريم ف آيات كثتة أن النسان ُخلق من الماء‪ ،‬كما هو حال كل دابة‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫َ ۡ َ ٓ َ رَ ا َ َ َ َ ُ َ َ ا َ ي ۡ اُۗ َ َ َ‬
‫ان َرُّب َك َق ِد ا‬
‫ه "الرحمة"‪،‬‬ ‫ي‬ ‫إلهية‬ ‫صفة‬ ‫حقيقته‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫هو‬ ‫الماء‬ ‫فإن‬ ‫كذلك‬ ‫‪.‬‬‫(الفرقان)‬ ‫﴾‬ ‫‪٥٤‬‬ ‫ا‬
‫ير‬ ‫ِمن ٱلما ِء برسا فجعلهۥ نسبا و ِصهرا وك‬
‫وغته من مخلوقات هللا تعاىل‪ ،‬لذلك فهو يمت بوشيجة قوية‬ ‫ر‬ ‫النسان‬ ‫حاجات‬ ‫يناسب‬ ‫ولكنها متجسدة يف كائن مخلوق‬
‫الله‪ .‬وللماء خواص منبثقة تناسب الطبيعة الوجودية للنفس‬ ‫ي‬ ‫الن جاءت بها الروح من عالم األمر‬ ‫للصفات اللهية المعنوية ي‬
‫ويست مع الهواء‪ ،‬وهو يهبط‬ ‫ر‬ ‫بالعي المجردة‪ ،‬وهو يصعد يف الجو‬ ‫ر‬ ‫البرسية‪ ،‬فهو قد يكون سائال‪ ،‬أو جامدا‪ ،‬أو بخارا ال يرى‬ ‫ر‬
‫يتحت‬ ‫ر‬ ‫الج‪ ،‬وهو يأخذ شكل الوعاء الذي‬ ‫وينسلك ينابيع يف األرض‪ ،‬أو يصبح غورا يف باطنها‪ ،‬وهو يتغلغل يف تركيبة الكائن ي‬
‫البرسية فيما نقلناه عنه من كتابه "الروح"‪ .‬إذن من مسلمات هذا البحث‬ ‫فيه‪ .‬وكل هذه الخواص قد أثبتها ابن القيم للنفس ر‬
‫مكون وجودي ف النفس ر‬ ‫ّ‬
‫البرسية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫أن الماء‬
‫َ َ ا ۡ َ َ ا َ ٓ َ ٓ ا ُّ َ َٰ َ ٗ‬ ‫َ ْ‬
‫خلق هللا تعاىل‪﴿ :‬ونزلنا ِمن ٱلسما ِء ماء مب ركا‬ ‫َ لعل من المفيد يف هذا المقام كذلك أن نثبت للماء أنه خلق مبارك من‬
‫ُ‬ ‫َ ۡ َ ا ا ۡ ا ِۚ َ َ َٰ َ ۡ ُ‬ ‫ِّ ۡ ا ِّ ۡ َ ۖۡ َ َ ۡ َ ۡ َ‬ ‫َّ َ ۡ ا‬ ‫َ ا ۡ َ َ َ‬ ‫َ ا َٰ َ َ ا ۡ‬ ‫َ ۢ َۡ‬
‫اسق َٰ ٖت ل َها طلع ن ِضيد‪ ١٠‬رزقا لل ِعب ِاد وأحيينا ِب ِهۦبلد َة ميتا كذ ِلك ٱل َخروج‪(﴾١١‬ق)‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫يد‪ ٩‬وٱلنخل ب‬ ‫ِ‬ ‫ب ٱل َح ِص‬ ‫فأن َبتنا ِب ِهۦجن ٖت وح‬
‫ُ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ا‬ ‫ۡ‬ ‫﴿و ُه َو َّٱلذي َخ َل َق ا‬
‫ض ِ يف ِست ِة أ اي ٖام َوكان َع ۡرشهۥ‬ ‫ٱلس َم َٰ َ َٰو ت َوٱأل ۡر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأن هذا الماء المبارك كان عليه عرش الرحمن‪ ،‬تبارك وتعاىل‪َ :‬‬
‫ُ ُ َ ُ َ‬
‫ا ُۗ‬ ‫َ ۡ ٓ‬
‫َعىل ٱل َما ِء ِل َي ۡبل َوك ۡم أ ُّيك ۡم أ ۡح َس ُن َع َمَّل ‪(﴾٧‬هود)‪ .‬إذن الروح خلق من أمر هللا يف عالم الغيب‪ ،‬والماء المبارك خلق بقدر هللا يف‬
‫بخواصها السببية‬ ‫جسم النسان ف عالم الشهادة‪ ،‬فالتف الماء والروح عىل أمر قد ُق ِدر فكان االنبثاق العظيم للنفس ر‬
‫البرسية‬
‫ُ ا َ َ ۡ َ َٰ ُ َ ۡ ً َ َ َ ِۚ‬ ‫ي‬
‫يشت إليه قول هللا تعاىل‪﴿ :‬ثم أنشأن ه خلقا ءاخر‬ ‫ر‬ ‫روح خالص‪ ،‬وربما هذا ما‬ ‫ي‬ ‫ه كائن‬ ‫ي‬ ‫ه كائن مادي خالص‪ ،‬وال‬ ‫فال َ ۡ ي‬ ‫الممتة‪،‬‬
‫ر‬
‫فه ملهمات التقوى فيها‪،‬‬ ‫العلوية‬ ‫ها‬ ‫قات‬
‫َ ًّ‬
‫عل‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫أ‬‫ت‬ ‫للنفس‬ ‫الروحية‬ ‫الخواص‬ ‫من‬ ‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫(المؤمنون‬ ‫﴾‬ ‫‪١٤‬‬ ‫ي‬‫ح َس ُن ۡٱل َخ َٰ لق َ‬ ‫أ‬ ‫َف َت َب َار َك َّ ُ‬
‫ٱَّلل‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ُّ‬ ‫ر‬ ‫ِِ‬
‫االثني معا يتأسس ابتالء زينة الحياة‬ ‫ر‬ ‫فه ملهمات الفجور فيها‪ ،‬وعىل‬ ‫ي‬ ‫الدنيوية‬ ‫قاتها‬ ‫تعل‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫أ‬‫ت‬ ‫للنفس‬ ‫ومن الخواص المادية‬
‫الدنيا (المال والبنون)‪.‬‬
‫واأليدروجي تقرب إىل الذهن طبيعة العالقة‬
‫ر‬ ‫األوكسجي‬
‫ر‬ ‫وبي مكوناته من‬‫لعل مثال العالقة ربي "الماء" ككائن منبثق ر‬
‫األيدروجي‪ ،‬كما ال نرى التفاعل‬
‫ر‬ ‫األوكسجي وال‬
‫ر‬ ‫وبي مكوناتها من "الماء" و"الروح"‪ ،‬فنحن ال نرى‬
‫ربي "النفس" ككائن منبثق ر‬
‫الن يف إطارها يتم هذا التفاعل الذي ينبثق منه "الماء"‪ ،‬ولكنا نرى فقط جزيء الماء (‪)molecule‬‬ ‫بينهما‪ ،‬وال نرى "البنية" ي‬
‫الذي هو كائن مادي ال توجد خواصه السببية المنبثقة (‪ )emergent properties‬يف مكوناته منفردة‪ ،‬مثال خاصية أن الماء‬
‫تصت بعض خواص هذه المكونات خواص مكتسبة‬ ‫واأليدروجي‪ .‬يف المقابل ر‬
‫ر‬ ‫األوكسجي‬
‫ر‬ ‫فه ال توجد يف أي من‬ ‫ئ‬
‫يطف النار ي‬
‫(‪ )resultant properties‬لجزيء الماء بحكم وجودها يف مكوناته (أجزائه)‪ .‬كذلك فإن بقاء الماء كماء‪ ،‬واستدامة هذا البقاء‬

‫‪21‬‬
‫ّ‬
‫واأليدروجي متحدين يف إطار التكيبة الكيميائية المعروفة (‪ ،)H2O‬فإذا اختلت هذه المعادلة لم يبق‬
‫ر‬ ‫األوكسجي‬
‫ر‬ ‫رهي ببقاء‬
‫ر‬
‫هناك ماء‪.‬‬
‫ح خلق من الماء‪ ،‬ومن ثم فإن الروح اللهية المنفوخة فيه إنما تتفاعل‬ ‫ر‬
‫اآلن نقدم األدلة الرسعية عىل أن النسان ككائن ي‬
‫ونتيجة لذلك فإن النفس النسانية تنبثق من‬ ‫مع هذا الماء الساري يف الجسد وما يحمله من أخالط الجسم المادية المختلفة‪،‬‬
‫ا‬ ‫ُ‬ ‫َ ۡ‬ ‫‪ ُ َ َ َ ُ َّ َ :‬ا َ ٓ ا ِّ ا ٓ ۖۡ َ ۡ ُ ا َ ۡ ر َ َ َٰ َ ۡ‬
‫س عىل بط ِن ِهۦ و ِمنهم من‬ ‫ٱَّلل ِۚ ُخلاق َّك َل َد َاب ٖة ُ م ِّن َ ما ٖء َف ِمنهم من يم ِ ي‬ ‫هذا التفاعل كما أسلفنا‪ .‬يقول تعاىل ف محكم التتيل (﴿و‬
‫ۡ‬ ‫ر‬ ‫َٰ‬ ‫َ ۡ ر َ َ َٰ ۡ َ ۡ َ ۡ ُ ا َ ۡ ر َ ي َ َٰا َ ۡ َ ِۚ َ ۡ ُ ُ َّ ُ َ َ َ ٓ‬
‫ش ٖء ق ِدير‪( ﴾َ٤٥‬النور)‪ ،‬والنسان دابة لقوله‬ ‫ٱَّلل ُم ۡا ي ُشا َء ِإن ٱَّلل عىل كل ي‬ ‫ي و ِمنهم من يمس عىل أرب ع يخلق‬ ‫س عىل رجل ر‬ ‫يم ِ ي‬
‫قكم ِّمن ام ٓاء ا‬ ‫َ ۡ َ ۡ ُ ُّ‬ ‫َ ِ َّ ي َّ َ َ َ ن ُ ْ َ ُ ۡ َ‬ ‫ا ِ رَ ا ِ ا‬
‫ٱلد َو ٓا ِّ‬
‫ي‪﴾٢٠‬‬ ‫ه‬ ‫م‬
‫ٖ ِر‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ل‬ ‫﴿أ‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬‫ويقول‬ ‫‪،‬‬ ‫(األنفال)‬ ‫﴾‬‫‪٥٥‬‬ ‫ون‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ؤ‬‫ي‬ ‫َل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ف‬ ‫وا‬‫ر‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ين‬ ‫ذ‬ ‫ٱل‬ ‫ٱَّلل‬
‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫ند‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫﴿إ‬
‫ِ‬ ‫(‬ ‫‪:‬‬ ‫تعاىل‬
‫ان َرُّب َك َقد ايرا‪( ﴾٥٤‬الفرقان) ؛ ويقول‪ :‬ن َ‬
‫﴿و َم ۡر َي َم‬
‫َ َ َ َ ۡ َ ٓ َ رَ ا َ َ ِ َ َ ُ َ َ ا َ ۡ اُۗ َ َ َ‬
‫﴿وه َو ٱل ِذي خلق ِمن ٱلما ِء برسا فجعلهۥ نسبا و ِصهرا وك‬
‫‪ُ َ :‬‬
‫ويقول (‬ ‫؛‬‫(المرسالت)‬
‫ِ‬
‫ت م َن ۡٱل َق َٰ نت َ‬ ‫ََ َ ۡ‬ ‫َ ِّ َ َ ُ ُ‬ ‫ت َف ۡر َج َها َف َن َف ۡخ َنا فيه من ُّر َ َ َ ا َ ۡ َ َ‬ ‫ۡ َ َ ۡ َ َٰ َ َّ ا َ ۡ َ َ ۡ‬
‫ي‪( ﴾١٢‬التحريم)‪،‬‬ ‫ِِر‬ ‫وحنا وصدقت ِبك ِلم َٰ ِت رب ها وكت ِب ِهۦ وكان ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ٱبنت ِعمرن ٱل ِ ين أحصن‬
‫رص هللا عنها‪ ،‬وبذلك صار‬ ‫ي‬ ‫البتول‪،‬‬ ‫مريم‬ ‫ماء‬ ‫مع‬ ‫اللهية‬ ‫الروح‬ ‫نفخة‬ ‫اتحاد‬ ‫من‬ ‫خلق‬ ‫وسلم‪،‬‬ ‫عليه‬ ‫هللا‬ ‫فالمسيح عيس‪ ،‬صىل‬
‫ر‬
‫عيس‪ ،‬عليه السالم‪ ،‬برسا يأكل الطعام‪.‬‬
‫النفس‪ ،‬إذن‪ ،‬تنبثق يف قلب النسان الذي يف صدره من التفاعل ربي القوى السببية الروحية والقوى السببية المادية بعد‬
‫المعي‪ ،‬وتأخذ صورته‬ ‫ر‬ ‫لتتحت داخل الجسم‬ ‫ر‬ ‫نفخ الروح فيه‪ ،‬وتتغلغل يف سائر جسمه عن طريق الدم الذي يجري يف عروقه‬
‫بحكم الخواص المائية فيها‪ .‬وربما لهذا السبب عندما يفقد النسان معظم دمه دفعة واحدة يفقد أيضا نفسه ويموت‪ .‬هذا‬
‫غته‪ ،‬ألن لكل‬ ‫متمتة عن ر‬ ‫ر‬ ‫الن تجعل ابتداء نفس كل شخص‬ ‫ه ي‬ ‫وصورته ي‬ ‫تحتها يف الجسم‬ ‫الجسماب يف النفس مع ر‬ ‫ي‬ ‫المكون‬
‫ُ‬
‫تمتها عن‬ ‫ر‬ ‫خواص‬ ‫النفس‬ ‫ية‬‫م‬ ‫الجس‬ ‫اثية‬ ‫ر‬‫الو‬ ‫الخواص‬ ‫هذه‬ ‫كسب‬ ‫وت‬ ‫‪.‬‬‫ان‬ ‫م‬ ‫جس‬ ‫يتطابق‬ ‫فال‬ ‫به‬ ‫الخاصة‬ ‫اثية‬ ‫ر‬ ‫الو‬ ‫بصمته‬ ‫جسم‬
‫غتها يف مجال الخواص الحسية من سمع‪ ،‬وبرص‪ ،‬وشم‪ ،‬ولمس‪ ،‬وذوق‪ ،‬وكالم‪ ،‬وذكاء‪...‬إلخ‪ .‬ويؤثر هذا التمايز ربي األنفس‪،‬‬ ‫ر‬
‫وه تخوض ابتالء زينة الحياة الدنيا‪ ،‬مما يؤثر بدوره عىل كسبها من ملهمات‬ ‫المكتسب وراثيا‪ ،‬عىل تجربة النفس الحياتية ي‬
‫الفجور وملهمات التقوى‪ ،‬ومن ثم عىل جملة كسبها من الفعل والعمل‪.‬‬
‫فف‬‫م‪ ،‬الضامن لبقاء النفس يف تقلبها‪ ،‬مدى حياة النسان عىل ُهذه األرض‪ .‬ي‬ ‫يستمر هذا التفاعل ربي الروح والماء الجس ي‬
‫الن زين حبها للناس‪،‬‬ ‫البنون) َ ي‬ ‫القلب يفور ويمور حب الشهوات المادية كاللذة والفرح المنبعثة من زينة الحياة الدنيا (المال‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ب َعل ۡي ِهم ِبخ ۡي ِلك َو َر ِج ِلك‬‫ت م ۡن ُهم ب َص ۡوت َك َو َأ ۡجل ۡ‬ ‫ۡ ََ ۡ َ‬ ‫َ ۡ َۡ ۡ‬
‫ٱستف ِزز َم ِن ٱستطع‬ ‫ويمدها الشيطان‪ ،‬عدو النسان‪ ،‬بأسباب من عنده‪﴿:‬و‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ َ ۡ َ َ ۡ َ ۡ َ َٰ َ ۡ ُ ۡ ِۚ َ َ َ ُ ُ ُ ا ۡ َ َٰ ُ ا ُ‬ ‫َ ۡ‬
‫فريسة سهلة لها‪ ،‬وتؤثر الركون‬ ‫َ‬ ‫َوش ِارك ُه ۡم ِ يف ٱألم َٰو ِل وٱألول ِد و ِعدهم وما ي ِعدهم ٱلشيط ن ِإَل غرورا‪(﴾٦٤‬الشاء)‪ ،‬فتقع النفس‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫َۡ‬ ‫َ َ َ ا َٰ َ َ ۡ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ۡ‬ ‫ََۡ‬ ‫َ ۡ ُ ۡ ُ َ ۡ َ َ َٰ َ ُّ ۡ َ‬
‫ورها َوتق َو َٰى َها‪ ٨‬قد‬ ‫س وما سوىها‪ ٧‬فألهمها فج‬ ‫تعاىل ا‪﴿َ :‬بل تؤ ِثرون ٱلحيوة ٱلدنيا‪(﴾١٦‬األعىل)؛﴿ونف ن‬ ‫َإليها‪ ،‬وهذا معن قول هللا‬
‫اب َمن دس َٰىها‪(﴾١٠‬الشمس)‪ .‬وحب الشهوات هو قوى منبثقة يف النفس وليست مكتسبة من الجسم‪،‬‬
‫َ‬ ‫أ ۡف َل َح َمن َز َّك َٰى َها‪َ ٩‬و َق ۡد َخ َ‬
‫فالجسم ال حظ له يف الشهوات بل مطلوبه هو الغذاء الالزم لحفظه من بروتينات ونشويات وسكريات وفيتمينات‪...‬إلخ‪ .‬ولكن‬
‫الن تقود النفس إىل التعرف‬ ‫ه جزء من كيفيات عمل(مكتمات) االبتالء يف زينة الحياة الدنيا ي‬ ‫رصورات الجسم المادية هذه ي‬
‫الن أنعم هللا بها عىل النسان يف هذه الحياة الدنيا‪ ،‬وذلك من خالل النظام المعقد‬ ‫ي‬ ‫المختلفة‬ ‫األطعمة‬ ‫عىل اللذات المودعة يف‬
‫للفم‪ ،‬ال سيما اللسان‪ ،‬عندما تبدأ عمليات المعالجة األوىل للغذاء قبل انتقاله للمعدة‪ .‬وحظ الجسم من هذه األطعمة ال يبدأ‬
‫غالبا إال بعد أن تجتاز هذه األطعمة الفم وتستقر يف معمل المعدة لتبدأ عملية الفرز للمكونات الغذائية المختلفة مما يحتاجه‬
‫الجسم لبقائه‪.‬‬
‫ولكن يف القلب أيضا توجد ملهمات التقوى كالعلم واليمان والعدل والحسان والرحمة‪ ،‬وبالجملة كل القوى السببية‬
‫َ‬
‫الن جاءت بها الروح وصارت قوى مكتسبة للنفس‪ ،‬فإن هدى هللا العبد إىل اليمان أكسبها هذا اليمان من خالل‬ ‫اللهية ي‬
‫الرباب فجاشت يف القلب متدافعة مع ملهمات الفجور‪ ،‬ويرح أن تكون الغلبة لها يف ابتالء زينة الحياة‬ ‫ي‬ ‫الغين‬
‫ي‬ ‫بعدها‬ ‫التكية‬
‫الدنيا‪ .‬هكذا تتدافع كل هذه القوى السببية يف قلب النسان الذي آمن فيعيش تجربة االبتالء يف تقلبات النفس ربي أمارة‬
‫ينته به منهج التكية الذي يتبعه‪ ،‬إن وفقه هللا تعاىل‪ ،‬إىل نفس مطمئنة ليبدأ مشوارا‬ ‫ي‬ ‫بالسوء تارة‪ ،‬ولوامة تارة أخرى‪ ،‬إىل أن‬
‫ينته إال بالموت‪ ،‬ولكل درجات مما عملوا‪ ،‬ولآلخرة أكت درجات وأكت‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫مشوار‬ ‫وهو‬ ‫‪،‬‬ ‫العالمي‬
‫ر‬ ‫السالكي إىل رب‬
‫ر‬ ‫آخر يف مدارج‬
‫تفضيال‪.‬‬
‫وبي‬ ‫ر‬
‫ح منبثق‪ ،‬مستقل يجمع ربي الخواص السببية اللهية للروح يف نسبيتها البرسية‪ ،‬ر‬
‫ُ ُ‬ ‫ه كائن ي‬ ‫إذن "النفس" يف النسان ي‬
‫تمته‬ ‫وه ما يسميه علم النظم بالخواص المكتسبة‪ ،‬ويزيد عليها بخواص سببية منبثقة ر‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫م‬ ‫الخواص السببية المادية للجس‬
‫عن كليهما‪ ،‬ذكر معظمها ابن القيم فيما نقلناه عنه سابقا‪ ،‬وذكرنا بعضها مما أثبتناه أعاله للماء من خواص‪ .‬لكن بينما معظم‬
‫الخواص السببية الروحية المعنوية توجد ابتداء بالقوة يف النفس المنبثقة‪ ،‬وال توجد فيها بالفعل إال إذا تم تفعيلها اختيارا من‬
‫قبل النسان‪ ،‬فإن المالئم من الخواص المادية للحكمة من خلق النفس‪ ،‬مثال حب الشهوات‪ ،‬أسبق بالفعل من الخواص‬

‫‪22‬‬
‫الروحية فيها ألن الجسم المادي لإلنسان يحتاج إىل الوفاء بمقومات بقائه المادية حن والطفل يف بطن أمه‪ ،‬السيما بعد نفخ‬
‫الروح فيه وانبثاق نفسه ومسؤوليتها عن نموه كإنسان‪ ،‬ثم بعد خروجه إىل الحياة الدنيا أول عهده بها وهو أحوج إىل غذاء‬
‫َ ّ‬ ‫َ ّ‬
‫البدن منه إىل غذاء الروح‪ .‬لذلك تسبق بأمد بعيد تعلقات النفس الدنيوية‪ ،‬ال سيما حب الشهوات‪ ،‬تعلقاتها األخروية‪ ،‬وما لم‬
‫البرسية بعد ذلك‪ ،‬ولعل‬ ‫يتم تدارك النفس بالتبية وبالتكية باكرا فإنه يعرس عىل الخواص الروحية إيجاد سبيل لها إىل النفس ر‬
‫تقديم ملهمات الفجور يف النفس َعىل ملهمات التقوى يف القرآن الكريم‪ ،‬وربط فالح النسان بالتكية لنفسه‪:‬‬ ‫هذا هو السبب ف‬
‫اب َمن َد اس َٰى َها‪( ﴾١٠‬الشمس)‪.‬‬ ‫﴿و َن ۡفس َو َما َس او ي َٰى َها‪َ ٧‬ف َأ ۡل َه َم َها ُف ُج َ‬
‫ور َها َو َت ۡق َو َٰى َها‪َ ٨‬ق ۡد أ ۡف َل َح َمن َز َّك َٰى َها‪َ ٩‬و َق ۡد َخ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫هكذا يخرج النسان من بطن أمه‪ ،‬وقد خلق يف أحسن تقويم من حيث استعداداته الفطرية لخوض ابتالء زينة الحياة‬
‫الله‪ :‬يا أيها النسان‪ .‬ويمكن تلخيص هذه‬ ‫ي‬ ‫واألخت الذي يؤهله للنداء‬ ‫ر‬ ‫الدنيا‪ ،‬وليبدأ مرحلة جديدة تؤدي إىل االنبثاق الرابع‬
‫ه معنية‬ ‫ه معنية بكسب العلم؛ الخواص الوجدانية‪ ،‬و ي‬ ‫ه‪ :‬الخواص العقلية‪ ،‬و ي‬ ‫االستعدادات الفطرية يف ثالث خواص كلية‪ ،‬ي‬
‫وه المعنية بتحويل ما كسبته الخاصيتان قبلها إىل فعل إرادي يف الكون‪ ،‬أي فقه‬ ‫بتحويل العلم إىل إيمان؛ والخواص الرادية‪ ،‬ي‬
‫ََ َ‬ ‫ُ َ َّ‬
‫الوح من هللا الذي خلق النسان مخاطبا هذه الخواص تحديدا فقال‪﴿ :‬هو ٱل ِذي بعث ِ يف‬ ‫العمل وإحكامه (إتقانه)‪ .‬لهذا جاء‬
‫وا من َق ۡب ُل َلف َض َل َٰ ل مبُّ‬ ‫ۡ ُ ِّ ِّ َ َ ُ ا ِّ ۡ ُ ۡ َ ۡ ُ ْ َ َ ۡ ۡ َ َ َٰ ي َ ُ َ ِّ ۡ َ ُ َ ِّ ُ ُ ُ ۡ َ َٰ َ َ ۡ ۡ َ َ َ َ ُ ْ‬
‫ي‪( ﴾٢‬الجمعة)‪.‬‬ ‫ٖ ِر ن‬ ‫ِي‬ ‫يهم ويعلمهم ٱل ِكت ب وٱل ِحكمة و ِإن كان ِ‬ ‫ٱألمي ن رسوَل منهم يتلوا علي ِهم ءاي ِت ِهۦ ويزك ِ‬
‫الن فطر الناس عليها‪ ،‬وال تبديل لخلق هللا‪ ،‬وقد جاء يف الحديث الصحيح الذي رواه‬ ‫ه فطرة هللا‬ ‫هذه‪ ،‬يف رأى الباحث‪،‬‬
‫هل َت َرى فيهاَ‬‫يم َة ْ‬ ‫البه َ‬ ‫يمة ُت ْن َت ُج َ‬ ‫رصانه‪ْ ،‬أو ُي َم ِّج َسانه‪َ ،‬ك َم َثل َ‬
‫البه َ‬ ‫َ‬ ‫عىل الف ْط َرة‪ ،‬ي َ‬
‫فأب َو ُاه ُي َه ِّو َدانه‪ْ ،‬أو ُي َن ِّ‬ ‫ُ ُّ َ ْ ُ ُ َ ي ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ود يولد‬ ‫البخاري‪" :‬كل مول ٍ‬ ‫ْ‬
‫َجد َع َاء"‪.‬‬

‫البشي‬ ‫ر‬ ‫‪ -4.1.4‬انبثاق الكائ‬


‫ّ‬ ‫ر‬
‫يشت إليها كل‬ ‫ر‬ ‫الن‬ ‫ي‬ ‫الكلية‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫النسان"‪،‬‬ ‫أيها‬ ‫"يا‬ ‫ب‬ ‫تعاىل‬ ‫هللا‬ ‫قبل‬ ‫من‬ ‫المخاطب‬ ‫يته‪،‬‬ ‫كل‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫النسان‬ ‫ي‬ ‫البرس‬ ‫نقصد بالكائن‬
‫ّ‬
‫الن عرفناها أعاله‪ ،‬ولكن النسان يف كليته أكت من نفسه المنبثقة من تفاعل الروح وماء‬ ‫إنسان ب"أنا"‪ ،‬وجوهرها النفس ي‬
‫الجسم‪ ،‬والدليل عىل ذلك أنه مخاطب يف القرآن الكريم بتكية نفسه (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)؛ وكذلك يف‬ ‫‪:‬‬
‫ّ‬
‫الن تفيد أن النسان يف كليته‬ ‫كثت من اآليات ي‬ ‫وغتها ر‬ ‫بصتة)‪ ،‬ر‬ ‫وف قوله (بل النسان عىل نفسه ّ ر‬ ‫قوله تعاىل‪( :‬أخرجوا ّأنفسكم)؛ ي‬
‫مهيمن عىل نفسه يف كليتها‪ ،‬ومسؤول عن إدارتها‪ .‬هذا النسان يف كليته هذه كائن منبثق من مكوناته الداخلية (النفس‪ +‬الجسم)‬
‫والتفاعل بينها‪ ،‬ثم من تفاعلها مع مكونات بيئتها الخارجية‪ .‬هذه البيئة الخارجية منها ما هو من عالم الشهادة‪ ،‬ومنها ما هو‬
‫من عالم الغيب‪ .‬فضاء عالم الشهادة يتكون بصورة أساسية من زينة الحياة الدنيا (المال والبنون)‪ ،‬حيث االبتالء واالمتحان‪،‬‬
‫ومرسب‪ ،‬وملبس‪ ،‬ومسكن‪،‬‬ ‫برسية وطبيعية‪ ،‬حيث يحتاج الجسم إىل الوفاء برصوراته الحيوية من مأكل‪ ،‬ر‬ ‫فهنا الموارد المادية‪ ،‬ر‬
‫ووقاع‪ ،‬وحيث تتعرف النفس إىل ما تحبه من الشهوات المودعة يف تلك الموارد‪ ،‬ثم من األرض والسماء إجماال‪ .‬التفاعل الذي‬ ‫ِ‬
‫البرسية والطبيعية‪،‬‬ ‫يتم ربي مكونات النسان الداخلية ممثلة ف نفسه وجسمه‪ ،‬والمكونات الخارجية المادية ممثلة ف الموارد ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫االجتماع‪ ،‬كما فصلناه من‬ ‫ي‬ ‫وما عملته يد النسان فيها‪ ،‬هو المسؤول ابتداء عن نشأة المجتمعات من خالل الفعل والتفاعل‬
‫قبل يف بحثنا عن رؤية القرآن للعالم (خطة الخلق العامة)‪.‬‬
‫وه وإن كانت ال يراها النسان إال أن القرآن‬ ‫الشياطي‪ ،‬والمالئكة‪ ،‬ي‬ ‫ر‬ ‫مكونات فضاء عالم الغيب تتمثل يف الجن‪ ،‬ومنهم‬
‫سبن يف الفعل‬ ‫الشياطي‪ ،‬ومن ثم لها دور ي‬ ‫ر‬ ‫تأثت‬
‫الكريم يختنا بأنها مؤثرة يف التفاعل الذي يتم يف فضاء عالم الشهادة‪ ،‬ال سيما ر‬
‫السبن ربي مكونات‬ ‫ي‬ ‫االجتماع‪ ،‬وما يؤدي إليه من ظواهر اجتماعية‪ .‬ثم من وراء هذا التفاعل الذي يجري‪ ،‬والتداخل‬ ‫ي‬ ‫والتفاعل‬
‫ر‬ ‫َ‬
‫عالم الغيب والشهادة‪ ،‬المصدق والمهيمن عىل هذا التفاعل‪ ،‬إحاطة مباشة ومن‬ ‫ِ‬ ‫‪،‬‬ ‫تعاىل‬ ‫هللا‬ ‫هناك‬ ‫الغيب‬ ‫عالم‬ ‫و‬ ‫الشهادة‬ ‫عالم‬
‫شء‬ ‫ر‬
‫الن فصلناها يف مواضع شن من بحوثنا المنشورة‪ ،‬فليس من ي‬ ‫النساب الواردة يف القرآن الكريم‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫خالل سي االجتماع‬
‫شء وكيل‪:‬‬ ‫يحدث ف هذه الفضاءات إال بعلمه‪ ،‬أو إذنه‪ ،‬أو أمره‪ ،‬أو فعله‪ ،‬فهو سبحانه وتعاىل خالق كل رشء‪ ،‬وهو عىل كل ر‬
‫ي َۡ‬ ‫ۡ َ ۡ ا َ َي َ اِۚ‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫َ ٓ َ‬ ‫ُ َّ ُِۚ ُ َ َ ا َ ۡ ُ‬ ‫َ َۡ‬ ‫ي‬
‫رصا ُق ۡل َه ۡل َي ۡس َت ِوي ٱأل ۡع َ َٰ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م‬ ‫ون ِه اۦأ ۡو ِل َيا َء َل َي ۡم ِلكون ِألنف ِس ِهم نفعا وَِۚل‬
‫ِ‬ ‫ٱَّلل َق ۡل أفٱتخذتم ِّمن د‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ض‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ٱأل ۡ‬‫و‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫﴿ق ۡل َمن ار ُّب ا‬
‫ٱلس َم َٰ َ َٰ‬
‫ُ‬ ‫ٱَّلل َخ َٰ ِل ُق ُك ِّل رَ ۡ‬‫وا َك َخ ۡلقهۦ َف َت َش َٰ َب َه ۡٱل َخ ۡل ُق َع َل ۡيه ۡم ُقل َّ ُ‬ ‫ُّ ُ َ َٰ ُ َ ُّ ُ ُۗ ۡ َ َ ُ ْ َّ رُ َ َ ٓ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َۡ َ َ َ‬ ‫َ ۡ‬
‫ش ٖء َوه َو‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّلل شكاء خلق‬ ‫ۡوٱل َب ِص ر ُت ۡ أم ه ۡل ت ۡست ِوي ٱلظلم ت وٱلن َور أم جعلوا ِ ُ ِ‬
‫َ َّ ُ َ َ ُ ۡ َ َ َ ۡ َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫ون‪( ﴾٩٦‬الصافات)‪.‬‬ ‫ٱل َ َٰو ِحد ٱلق اه َٰ ُر‪( ﴾١٦‬الرعد)؛ ﴿وٱَّلل خلقكم وما تعمل‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫والتأثت‬
‫ر‬ ‫الن فطر عليها يف أحسن تقويم مع بيئته الخارجية ليبدأ التفاعل‬ ‫هكذا ينبثق النسان يف كليته من تفاعل فطرته ي‬
‫ّ‬
‫الن ينشأ‬ ‫بحسب ظروف البيئة ي‬ ‫ويمض كل إنسان يف التشكل‬ ‫ي‬ ‫وبي فضاء ابتالئها يف زينة الحياة الدنيا‪،‬‬ ‫والتأثر ربي هذه الفطرة ر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الن يتقلب فيها‪ ،‬وفعله وتفاعله معها‪ ،‬فكل إنسان يف كليته هو يف حقيقة األمر ابن‬ ‫فيها‪ ،‬وابتالءات الحياة وتصاريفها اللحظية ي‬
‫هناك من‬ ‫للعالم‪،‬‬ ‫آن‬‫ر‬ ‫لق‬ ‫ا‬ ‫رؤية‬ ‫وبمعايت‬ ‫الجملة‪،‬‬ ‫وعىل‬ ‫‪.‬‬ ‫وحي‬ ‫لحظة‬ ‫كل‬ ‫ف‬ ‫الحياة‬ ‫لحظته‪ ،‬أي يجسمه موقفه مما يجابهه يف‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ر ََ ۡ َ ََۡ ۡ‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫سافلي‪﴿ :‬لقد خلقنا ِٱلنس ن ِ يف أحس ِن‬ ‫ر‬ ‫الصالحي‪ ،‬وهناك من يخلط عمال صالحا وآخر سيئا‪ ،‬وهناك من هو أسفل‬ ‫ر‬ ‫هو ف‬
‫‪.‬‬ ‫َ ۡ ي ُ ا َ َ ۡ َ َٰ ُ َ ۡ َ َ َ َٰ َ ا َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ُ ْ ا َٰ َ َٰ َ َ ُ ۡ َ ۡ ر َ ۡ ُ َ ۡ ُ‬
‫وف كل هذه الترصفات‬ ‫التي) ي‬ ‫ون‪ ( ﴾٦‬ر‬ ‫تق ِو ٖيم‪ ٤‬ثم رددن ه أسفل س ِف ِل ري‪ِ ٥‬إَل ٱل ِذين ءامنوا وع ِملوا ٱلص ِلح ِت فلهم أجر غ رت ممن ٖ‬

‫‪23‬‬
‫ّ‬
‫ه جوهر النسان‪ ،‬لكن النسان يف كليته هو نظام له خواص منبثقة ال توجد يف أي من‬ ‫تظل النفس‪ ،‬بفجورها وتقواها‪ ،‬ي‬
‫يبك‪ ،‬وهو يضحك‪ ،‬وهو عجول‪،‬‬ ‫ر‬
‫يمس برجليه‪ ،‬وهو يبطش بيديه‪ ،‬وهو ي‬ ‫ي‬ ‫مكوناته (النفس‪ ،‬الجسم)‪ ،‬فهو يتكلم بلسانه‪ ،‬وهو‬
‫وهو هلوع‪...‬إلخ‪ .‬كذلك لإلنسان يف كليته خواص اكتسبها من مكوناته الجسمية والروحية‪ ،‬فهو يجوع ويشبع‪ ،‬ويظمأ ويروى‪،‬‬
‫ر‬ ‫ّ‬
‫ويخس ويطع‪ ،‬ويعدل ويظلم‪ ،‬ويرحم ويقسو‪ ،‬ويشكر‬ ‫ويعرى ويضج‪ ،‬ويعنت‪ ،‬ويمرض ويصح‪ ،‬ويتألم‪ ،‬ويتفكر ويتدبر‪،‬‬
‫تأثتات بيئته الخارجية قد تتعزز فيه صفاته الروحية الربانية‪ ،‬أو صفاته الحيوانية‪،‬‬ ‫ويكفر‪ ،‬ويغضب ويرص‪...‬إلخ‪ .‬ومن ر‬
‫الشهوانية والغضبية‪.‬‬
‫ّ‬
‫ه‪ :‬الخواص العقلية؛ الخواص الوجدانية‬ ‫هذا النسان يف كليته هو نظام يتمتع بثالثة نظم من الخواص السببية المعنوية‪ ،‬ي‬
‫والخواص الرادية‪ ،‬ويقابل كال منها ما يناسبها من الخواص البدنية‪ ،‬بحيث يؤدي تفاعلها فيما بينها إىل أن يتمتع النسان بقوة‬
‫الوع (‪ ،)Consciousness‬وقوة الرادة (‪ .)Agency‬هكذا يصبح النسان فاعال‪ ،‬ومتفاعال ُمع بيئته الخارجية‪ ،‬ومستعدا‬ ‫ي‬
‫ُۡ ْ َ‬ ‫ا ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬
‫الوح من السماء‪ ،‬ومن ثم القيام بواجب االستخالف إن شاء‪﴿ :‬ه َو ٱل ِذي َب َعث ِ يف ٱأل ِّم ِّي َن َر ُسوَل ِّمن ُه ۡم َيتلوا َعل ۡي ِه ۡم‬ ‫ي‬ ‫الستقبال‬
‫َ َ َٰ ُّ‬ ‫َۡ ُ َ‬ ‫َ ُ َ ِّ ۡ َ ُ َ ِّ ُ ُ ُ ۡ َ َٰ َ َ ۡ ۡ َ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َ َ َٰ‬
‫ه‬ ‫ي‪( ﴾٢‬الجمعة)‪ .‬فاآليات المتلوة يف هذه اآلية ي‬ ‫يهم ويعلمهم ٱل ِكت ب وٱل ِحكمة و ِإن كانوا ِمن قبل ل ِ يف ضل ٖل م ِب ر ن‬ ‫ءاي ِت ِهۦ ويزك ِ‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وهو علم هللا تعاىل الوجودي الذي يخاطب الخواص العقلية الدراكية يف النسان ليعلم أنه ال إاله إال هللا‪،‬‬
‫ه الخواص‬ ‫والتكية المتتبة عىل هذا العلم المتلو المقصود منها التحقق باليمان بشعابه المختلفة‪ ،‬والمستهدف بها ي‬
‫ّ‬
‫الوجدانية يف النسان‪ ،‬وأما تعليم الكتاب والحكمة‪ ،‬بعد العلم واليمان‪ ،‬فالمقصود به هو فقه العمل الصالح ومهاراته‪( :‬صلوا‬
‫عن مناسككم‪...‬إلخ)‪ ،‬والمستهدف به هو الخواص الرادية يف النسان‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫أصىل؛ فارجع فصل فإنك لم تصل؛ خذوا ي‬ ‫ي‬ ‫أيتموب‬
‫ي‬ ‫كما ر‬
‫حيث إيقاع العمل عىل وجهه الصحيح‪ ،‬من حيث الفقه ومن حيث التقان يف البيئة الخارجية‪.‬‬

‫‪ -2.4‬اإلنسان كنظام‬
‫يقتض البحث الذي تحتويه هذه الورقة التعرف بإيجاز عىل النظم االجتماعية المستنبطة من رؤية القرآن للعالم من أرب ع‬‫ي‬
‫وه‪ :‬مكونات النظام؛ بيئة النظام؛ بنية النظام؛ كيفيات عمل (مكتمات) النظام‪ .‬ننطلق من‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫النظم‬
‫ي‬ ‫المنهج‬ ‫يقتضيها‬ ‫زوايا‬
‫هذه التقسيمات المنهجية للنظم لنتعرف من خاللها عىل النسان‪ ،‬الذي شخصناه أعاله‪ ،‬كنظام يؤدي فعله وتفاعله‬
‫ّ‬
‫الن ابتدرنا بها هذه الورقة‪.‬‬
‫االجتماع إىل النظم االجتماعية الكلية المختلفة ي‬
‫ي‬

‫‪ -1.2.4‬مكونات نظام اإلنسان‬


‫أساسيي كما أسلفنا‪ ،‬هما "النفس" و"الجسم"‪ ،‬بينما "الروح" صارت‪ ،‬بحسب مفهوم‬ ‫ر‬ ‫مكوني‬
‫ر‬ ‫يتكون النسان كنظام من‬
‫"االنبثاق"‪ ،‬مكونا من مكونات النفس‪ ،‬لذلك لم يعد لها وجود مستقل يف نظام النسان‪ .‬وربما لهذا السبب ال يوجد ذكر للروح‬
‫يف القرآن الكريم ككائن فاعل مستقل يف النسان‪ ،‬بل الحديث كله عن النفس‪ ،‬وقد يرفع هذا التحليل الشكال والخلط الذي‬
‫وقع فيه علماء السلف يف حديثهم عن الروح والنفس‪ ،‬والفرق بينهما‪ ،‬وقد أشار إىل ذلك المام ابن القيم فيما نقلناه عنه أعاله‪.‬‬

‫‪ -2.2.4‬بيئة نظام اإلنسان‬


‫النساب بمكوناته المختلفة مما ذكرت سابقا يف هذا‬ ‫ي‬ ‫االجتماع‬ ‫فضاء‬ ‫كل‬ ‫ل‬ ‫معها‬ ‫يتفاعل‬ ‫الن‬
‫ي‬ ‫بيئته‬ ‫النسان كنظام تتسع‬
‫وح هداية لإلنسان‪ ،‬وهناك‬ ‫االجتماع والمادي‪ ،‬وهناك ال ي‬ ‫ي‬ ‫البحث‪ ،‬فمن عالم الشهادة هناك بيئة زينة الحياة الدنيا‪ ،‬بشقيها‬
‫الخالق‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫يوجد ُ هللا ُ َ ِۚ‬ ‫األرض والسماء‪ ،‬ومن عالم الغيب هناك ۡ الشيطان عدو النسان‪ ،‬وهناك الجن والمالئكة وفوق كل ذلك‬
‫َُۡ ََ َۡ َُ َ ۡ َ َ ا ُا ََُۡۡ ُ ُ ً ۡ‬ ‫َُۡ ْ ۡ ُ‬ ‫َ‬ ‫‪ُ ُ َ َ :‬‬
‫يه‬ ‫ف‬
‫ِ ِ‬ ‫ون‬‫يض‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫ِ ِ‬‫ذ‬‫إ‬ ‫ا‬‫ود‬‫ه‬ ‫﴿و َما تكون ِ يف َشأ ٖن َو َما تتلوا ِمنه ِمن َقرء ٖان وَل تعملون ِم َن عم ٍل ِإَل كنا عليكم ش‬ ‫عالم الغيب والشهادة‬
‫ُّ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫َ َٰ َ َ َ ا ۡ َ َ ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ا‬ ‫ا َٓ ََ‬ ‫ََ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ا‬ ‫ِّ ۡ َ َ‬ ‫َ َ َ ۡ ُ ُ َ ا ِّ َ‬
‫ي‪( ﴾٦١‬يونس)‪.‬‬ ‫ض وَل ِ يف ٱلسما ِء ول أصغر ِمن ذ ِلك ول أ كت ِإَل ِ يف ِكت ٖب م ِب ر ن‬ ‫ال ذر ٖة ِ يف ٱألر ِ‬ ‫وما يعزب عن ربك ِمن مثق ِ‬

‫‪ -3.2.4‬بنية نظام اإلنسان‬


‫وبي عنارص بيئتها‬ ‫الن ربي هذه المكونات ر‬
‫الن ربي مكوناته‪ ،‬مضافا إليها تلك ي‬
‫نعرف بنية النظام بأنها مجموع العالقات ي‬
‫نوعي من‬‫ر‬ ‫التميت ربي‬
‫ر‬ ‫ينبع‬
‫ي‬ ‫‪.‬‬‫الخارجية‪ ،‬وتسم األوىل بالبنية الداخلية للنظام‪ ،‬وتسم األخرى بالبنية الخارجية للنظام‬
‫ه روابط ُيحدث وجودها‪ ،‬أو عدمه فرقا لمكونات النظام‪ ،‬بينما‬ ‫و"غت الرابطة"‪ ،‬فاألوىل ي‬
‫ر‬ ‫العالقات‪ ،‬تلك "الرابطة" لمكوناته‪،‬‬
‫األخرى ليست كذلك‪ .‬فقط العالقات الروابط تسهم يف إمساك مكونات النظام مع بعضها‪ ،‬لذلك تعتت جزءا من بنيته‪.‬‬
‫‪ -1.3.2.4‬البنية الياخلية‬
‫تتكون البنية الداخلية لنظام النسان من ثالثة أنواع من الروابط تربط ربي النفس والجسد‪ ،‬أوالها روابط حسية تتمثل‬
‫ف عالقات الحس من سمع‪ ،‬وبرص‪ ،‬ولمس‪ ،‬وشم‪ ،‬وذوق‪ ،‬وبطش باأليدي‪ ،‬ر‬
‫ه رصورية للنفس‬ ‫ومس باألرجل‪ .‬فهذه القوى ي‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫‪24‬‬
‫الن البد منها لإلنسان ألنها‪ ،‬أوال؛ مصدر رصوراته الحيوية‪ ،‬ثم‪ ،‬ثانيا؛ مجال ابتالئه‬ ‫حن تتمكن من التعرف عىل البيئة الخارجية ي‬
‫يأب الربط البنيوي‪.‬‬ ‫ه أعضاء يف الجسد‪ ،‬ومن هنا ي‬ ‫الن تجعل ذلك ممكنا ي‬ ‫الذي من أجله خلق‪ ،‬ولكن األدوات ي‬
‫أب إىل النفس‬ ‫الن ت ي‬
‫ه روابط نفسية تتمثل يف روابط اللذات واألفراح‪ ،‬واآلالم والغموم ي‬ ‫الثاب من الروابط الداخلية ي‬ ‫النوع ي‬
‫وه روابط رصورية تضمن للجسد سع النفس يف تحصيل مصالحه الحيوية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الخارجية‪،‬‬ ‫البيئة‬ ‫مع‬ ‫تفاعله‬ ‫عند‬ ‫الجسد‬ ‫من قبل‬
‫ودفع المفاسد عنه‪ ،‬فكأنها حوافز موجبة وسالبة يقدمها الجسد لتكون النفس يف خدمته‪ .‬وكل ذلك ضمان لدخول جميع‬
‫تدبت الخالق سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫الناس يف ابتالء زينة الحياة الدنيا حيث ِمضمار السباق‪ ،‬ودليل عىل عظيم ر‬
‫ه الروابط الروحية‪ ،‬أو القيمية‬ ‫ي‬ ‫هللا‬ ‫خلق‬ ‫من‬ ‫ه‬‫غت‬
‫وه األهم ويختص بها النسان دون ر‬ ‫النوع الثالث من الروابط الداخلية‪ ،‬ي‬
‫الن اكتسبتها النفس من الروح‪ ،‬مثل العلم‪ ،‬اليمان‪ ،‬الرحمة‪ ،‬العدل‪ ،‬الحسان‪...‬إلخ‪ ،‬وكذلك‬ ‫المتعلقة بالخواص السببية اللهية ي‬
‫ه خواص نفسية منبثقة ال مكتسبة‪.‬‬ ‫األختة ي‬
‫ر‬ ‫‪...‬‬
‫نقيضها مثل الجهل‪ ،‬الكفر‪ ،‬القسوة‪ ،‬الظلم‪ ،‬البخل‪ ،‬الكت‪ ،‬الهلع إلخ‪ ،‬وهذه‬
‫كىل هو الروح‪ ،‬وهو نظام يختص‬ ‫ي‬ ‫لنظام‬ ‫مكونات‬ ‫النسن لإلنسان من هذه الصفات اللهية باعتبارها‬ ‫ي‬ ‫نحن نتعامل هنا مع الحظ‬
‫الروح كليا‪ ،‬أو جزئيا يف‬
‫ي‬ ‫به النسان وحده‪ ،‬وتصبح هذه الصفات ملهمات للتقوى فقط يف إطار هذا النظام‪ ،‬فإذا انهدم النظام‬
‫نفس أي إنسان انفرط النسيج الرابط ربي هذه الصفات وفقدت كل‪ ،‬أو بعض فاعليتها السببية‪ .‬هذه الخواص السببية اللهية‬
‫ه إمكانات موجودة بالقوة يف النفس‪ ،‬ومفتوحة عىل ما يناسبها من الخزائن اللهية‪ ،‬والنسان بإرادته يفعلها‪ ،‬ويوظفها إن شاء‬ ‫ي‬
‫وه معنية أساسا بابتالء النسان يف زينة الحياة الدنيا‪ ،‬من حيث شكره‪ ،‬أو كفره‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫األرضية‬ ‫االستخالفية‬ ‫مهمته‬ ‫ف‬ ‫ي‬
‫ْ‬
‫تحقيق مغزى َخلق النسان لعبادة هللا تعاىل‪.‬‬
‫الخواص السببية‪ ،‬موجبها وسالبها‪ ،‬تحكم تفاعل النفس‪ ،‬ومن ثم النسان‪ ،‬مع البيئة الخارجية‪ ،‬ولكن النفس تحتاج غالبا‬
‫للتعبت عن تدافع هذه القوى المعنوية فيها‪ ،‬ولتوظيفها يف سعيها الدنيوي‪ ،‬فمثال اكتساب العلم من مظانه‪،‬‬ ‫ر‬ ‫إىل قوى الجسد‬
‫وه قوى سببية موجبة تتبع لمنظومة الصفات اللهية‪،‬‬ ‫قبل توظيفه‪ ،‬تحتاج النفس فيه إىل قوى السمع والبرص والفؤاد‪ ،‬ي‬
‫والعي‪ ،‬والدماغ والقلب‪ .‬فإن كان العلم الذي تم اكتسابه يقترص عىل ظاهر من‬ ‫ر‬ ‫وهذه بدورها تحتاج إىل قوى جسدية كاألذن‪،‬‬
‫للمس‪ ،‬واألنف للشم‪،‬‬ ‫ر‬ ‫الحياة الدنيا فإن توظيفه يف الحياة تحتاج النفس فيه إىل قوى جسدية كاأليدي للبطش‪ ،‬واألرجل‬
‫ي‬
‫واللسان للذوق وللكالم‪...‬إلخ‪ .‬وإن كان العلم يراد به الدار اآلخرة فتحتاج النفس أيضا يف توظيفه لهذا الغرض‪ ،‬إضافة إىل ما‬
‫ّ‬
‫وح هللا‪ ،‬والتفكر يف خلق السماوات واألرض‪ ،‬وتحويل ذلك إىل إيمان‬ ‫الن تمكن من التدبر يف ي‬ ‫سبق‪ ،‬إىل القوى الجسدية ي‬
‫ر‬
‫يستقر يف القلب‪ ،‬وعمل صالح يستقر يف األرض مما يحتاج إىل توظيف كل أعضاء الجسد البرسي‪.‬‬

‫‪ -2.3.2.4‬البنية الةارجية‬
‫الن تربط النسان بمجال ابتالئه‬ ‫يقابل الثالثة أنواع من الروابط الداخلية المذكورة أعاله ثالثة أنواع من الروابط الخارجية ي‬
‫ر‬
‫يف عالم الشهادة (المال‪ ،‬البنون)‪ ،‬األول؛ روابط مادية حيوية رصورية تتعلق بحاجات الجسد من مأكل‪ ،‬ومرسب‪ ،‬وملبس‪،‬‬
‫‪ َ ِّ ُ :‬ا‬
‫اس‬ ‫﴿زي ُن ِۡل َلن َٰ ِ‬ ‫وبي متاع زينة الحياة الدنيا‬ ‫الثاب من ۡالروابط؛ ه روابط الحب الشهواب ربي النفس ر‬ ‫ومسكن‪ ،‬ومنكح‪ .‬النوع‬
‫ۡ ُ ي َ َ َ َ ا َ َ ۡ ا ي َ ۡ َ ۡ ۡ ُ َ ا َ َ ۡ َ ۡ َ َٰ َ ۡ َ ۡ ُۗ َ َٰ َ َ َ‬ ‫َ ِّ َ ٓ َ ۡ َ ي َ َ َ َ‬ ‫ُ ُّ ا‬
‫ب ٱلش َه َ َٰو ِت ِمن ٱلنسا ِء وٱلب ِن ري وٱلقن ِط ر ِت ٱلمقنطر ِة ِمن ٱلذه ِب وٱل ِفض ِة وٱلخي ِل ٱلمسوم ِة وٱألنع ِم وٱلحر ِث ذ ِلك مت ع ٱلحيو ِة‬
‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َٰ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫ُّ ۡ َ ۖۡ َ َّ ُ َ ُ ُ ۡ ُ ۡ‬
‫ه روابط معرفية‪ ،‬علمية رصورية تربط النفس‬ ‫‪.‬‬
‫اب‪( ﴾١٤‬آل عمران) النوع الثالث من الروابط؛ ي‬ ‫ٱلدنيا وٱَّلل ِعندهۥ حسن ٱلم ِ‬
‫بالبيئة الخارجية األرضية من حيث رصورة التعرف عىل مفردات تلك البيئة األرضية وعالقتها النفعية بالنسان‪ ،‬حن يستطيع‬
‫المس يف مناكبها‪ ،‬وتحصيل حظوظه من متاعها‪.‬‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫بالوح من حيث مدها بالرؤية الكلية للوجود‪ ،‬وإعالمها بحقيقة نفسها ودورها فيه‪ ،‬وطبيعة‬ ‫ي‬ ‫النفس لها عالقة رابطة‬
‫االستخالف القائم عىل االبتالء يف زينة الحياة الدنيا‪ ،‬ورؤية العالم التوحيدية ورؤية العالم الدنيوية المهيمنتان عىل هذا االبتالء‪،‬‬
‫ومآالت هذا االبتالء يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وواجب النفس يف القيام باالختيار الراشد المؤسس عىل الرؤية التوحيدية‪ ،‬وتفصيل ما‬
‫بتذكت‬ ‫ر‬ ‫الوح‬
‫ي‬ ‫ه آمنت برب ها‪ ،‬وصدقت بكتبه ورسله‪ .‬هكذا يقوم‬ ‫الحياة الدنيا إن‬ ‫ينبع عىل النفس فعله ف هذه‬ ‫ينبع وما ال ي‬
‫ي َّ ۡ َ‬
‫ت َع َل ۡيهم ب ُم َص ۡ‬ ‫ي َ َ ِّ ۡ ا َ ٓ َ َ ُ َ ِّ‬ ‫ي‬
‫الروح‬‫ي‬ ‫النظام‬ ‫ويخرج‬ ‫‪،‬‬ ‫(الغاشية)‬ ‫﴾‬ ‫‪٢٢‬‬ ‫ر‬ ‫ط‬
‫ِ ن‬ ‫ي‬ ‫ِ ِ‬ ‫س‬ ‫ل‬ ‫‪٢١‬‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ذ‬ ‫م‬ ‫نت‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫م‬‫ن‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ك‬‫ذ‬‫﴿ف‬ ‫‪:‬‬‫فيها‬ ‫الن‬
‫ي‬ ‫التقوى‬ ‫بملهمات‬ ‫النفس‬
‫الن سبقت بأمد بعيد إىل النفس‬ ‫ي‬ ‫الفجور‬ ‫ملهمات‬ ‫مع‬ ‫التدافع‬ ‫دأ‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫والتأثت‬
‫ر‬ ‫والفعل‬ ‫شاط‬ ‫الن‬ ‫حالة‬ ‫إىل‬ ‫من حالة الكمون والخمول‬
‫البرسية قبل أن يبلغ الطفل الحلم‪ ،‬إذ تتفاعل النفس مع زينة الحياة الدنيا منذ والدة الطفل بمقتض الرصورات‬ ‫بمقتض الفطرة ر‬
‫الحيوية والشهوات النفسية‪ ،‬ويمدها بأسباب من عنده الشيطان الحارص عىل الدوام منذ عطسة الطفل األوىل‪ .‬هذا التفاعل‬
‫وف‬ ‫ر‬ ‫مباشا من خالل وسائط ر‬ ‫ربي النفس ووح هللا قد يكون ر‬
‫غت مباش عن طريق العلماء والدعاة‪ ،‬ي‬ ‫النرس المختلفة‪ ،‬وقد يكون ر‬ ‫ي‬
‫كثت من الخواص اللهية السببية فاعلة يف‬ ‫كليهما التكليف قائم واالستجابة مطلوبة‪ .‬ومن أعرض عن ذكر هللا تعاىل تظل ر‬
‫نفسه‪ ،‬وإن كانت نفسا فاجرة‪ ،‬كالعلم بظاهر من الحياة الدنيا‪ ،‬والسمع‪ ،‬والبرص‪ ،‬والعدل‪ ،‬والرحمة‪...‬إلخ‪ ،‬فضال من هللا ونعمة‪،‬‬
‫البرس عىل األرض يف حدها األدب إال بها‪.‬‬ ‫إذ ال تستقيم حياة ر‬

‫‪25‬‬
‫االبتالب‪ ،‬ولكن الروابط البنيوية‬ ‫ئ‬ ‫الروابط البنيوية الخارجية أعاله تربط النسان كنظام بعالم الشهادة حيث االستخالف‬
‫ي‬
‫الن تربطه بعالم الغيب‪ ،‬فهناك الغيب المطلق وهو هللا تعاىل‪ ،‬وهناك الغيب المقيد وهو الشيطان‪.‬‬ ‫ه تلك ي‬ ‫الخارجية األهم ي‬
‫الن تأسست عليها عالقة النسان األوىل ببيئته الخارجية عند خلق آدم وزوجه‪ ،‬عليهما السالم‪،‬‬ ‫ه ذاتها ي‬ ‫هذه الروابط البنيوية ي‬
‫ودخولهما الجنة‪ ،‬ثم خروجهما منها‪ ،‬وهبوطهما والشيطان إىل األرض‪.‬‬
‫ه روابط رصورية خفية‪ ،‬صدق بها من صدق وكذب بها من كذب؛ َع ِلمها من‬ ‫البنيوية ربي النفس والشيطان ي‬ ‫الروابط‬
‫‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وه عالقة عداوة مستحكمة ربي النسان والشيطان منذ الخلق‬ ‫ع ِلم وج ِهلها من ُجّ ِهل‪ ،‬والتكذيب والجهل بها ال يبطل أثرها ي‬
‫األخت عىل األول يف أصل فتنته يف هذه الحياة الدنيا‪ ،‬وهو حب الشهوات المودعة يف زينة الحياة‬ ‫ر‬ ‫األول لإلنسان‪ ،‬سلط فيها‬
‫﴿قالَ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫يثت ملهمات الفجور يف نفسه حن يضله إن استطاع‪ ،‬وقد استطاع إال قليال‪:‬‬ ‫هواه فيها‪ ،‬و ر‬ ‫َالدنيا‪ ،‬فهو ال ينفك يزين له‬
‫ب َف َمن َتب َع َك م ۡن ُه ۡم َفإ ان َج َه انمَ‬ ‫ال ۡٱذ َه ۡ‬ ‫ي َأ اخ ۡرَتن إ َ َٰىل َي ۡوم ۡٱلق َي َٰ َمة َ َأل ۡح َتن َك ان ُذ ِّراي َت ُه اۥ إ اَل َقل ايَّل‪َ ٦٢‬ق َ‬ ‫ىل َل ئ ۡ‬ ‫ا‬ ‫َا ۡ َ ََ‬ ‫َ َ َ َ َّ‬
‫أ َر َء ۡيتك ه َٰ ذا ٱل ِذي كرمت ع‬
‫ِ ۡ َ ۡ َ ِ َ ۡ َ ۡ ََٰ‬ ‫َ َ َ ُِۡ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ت م ۡن ُهم ب َص ۡوت َك َوأ ۡجل ۡ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ۡ ََ ۡ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ۡ َ ۡ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬
‫َ َٓ ُ ُ ۡ َ َٓ ا ا ۡ ا‬
‫ب َعل ۡي ِهم ِبخ ۡي ِلك َو َر ِج ِلك وش ِاركه ۡم ِ يف ٱألم َٰو ِل وٱألول ِد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جزاؤك ِۚم جزاء موفورا‪ ٦٣‬وٱست اف ِزز ُ م ِن ٱستطع ِ‬
‫ٱلش ۡي َط َٰ ُن إَل غ ُر ً‬ ‫َ ۡ ُ ۡ َ َ َ ُ ُ ُ ا‬
‫النهاب للشيطان من هذه العالقة أن ُي نؤ ِثر النسان الحياة الدنيا‬ ‫ئ‬ ‫ورا‪( ﴾٦٤‬الشاء)‪ .‬والهدف‬ ‫و ِعدهم وما يعدهم‬
‫َي‬
‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ِ ۡ َ ا َ َ ُ َ ُّ ۡ َ َ ُ ُ َ َ ۡ َ َ َ َ‬ ‫ِ‬
‫وه الرؤية الدنيوية المقابلة للرؤية‬ ‫وث ري‪( ﴾٣٧‬المؤمنون)‪ ،‬ي‬ ‫ه ِإَل حياتنا ٱلدنيا نموت ونحيا وما نحن ِبمبع ِ‬ ‫﴿إن ِ ي‬‫حن يقول‪ِ :‬‬
‫الوح حقيقتيهما للنفس يف تبيانه للرؤية الوجودية الكلية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫التوحيدية‪ ،‬وقد ربي‬
‫بنوعي من الروابط الرصورية المعلومة للباحث من القرآن الكريم‪ ،‬روابط‬ ‫ر‬ ‫ترتبط النفس البرسية باهلل تعاىل الذي خلقها‬ ‫ر‬
‫َ ا ُ ْ ۡ َ ا ا ُ َ ا َّ َ َ َ ُ ْ ُ ۡ َ ٓ ا اۖۡ‬
‫‪:‬‬
‫كلية يف إطار فعل وتفاعل النسان مع البيئة الخارجية‪ ،‬كقوله تعاىل ﴿وٱتقوا ِفتنة َل ت ِصيي ٱل ِذين ظلموا ِمنكم خاصة‬ ‫سننية‬
‫مباش يربط َكل عبد بخالقه‪ ،‬حن وإن جهل‪ ،‬أو أنكر العبد‬ ‫ٱَّلل َش ِد ُيد ۡٱل ِع َقاب‪( ﴾٢٥‬األنفال)‪ .‬والرابط الثاب هو رابط ر‬ ‫ٱع َل ُم او ْا َأ ان َّ َ‬
‫َو ۡ‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ٱستغ َ َٰان‪( ﴾٧‬العلق)‪ .‬وهذا الرابط هو‬ ‫ع‪ ٦‬أن ار َءاه ۡ‬ ‫نس َٰ َن ل َيط َٰا‬ ‫هذا الرابط وظن بطغيانه أنه مستغن عن هللا تعاىل‪﴿ :‬كَّل إن ٱل َ‬
‫ِ ِ‬
‫الرابط المصدق والمهيمن عىل جميع الروابط األخرى لإلنسان‪ ،‬ألنه يقوم عىل عالقة خالق ومخلوق؛ رب ومربوب؛ عابد‬
‫ومعبود‪...‬إلخ‪ ،‬فمن يتخذ الشيطان وليا من دون هللا فقد خرس خرسانا مبينا‪ ،‬ومن نه عن القرآن ونأى عنه أهلك نفسه وهو‬
‫ا‬
‫ال يشعر‪ ،‬ومن جعل عالقته بالمال والولد ُمقدمة عىل عالقته باهلل مكر هللا به يف ماله وولده فلم يزده ماله وولده إال خسارا‪،‬‬
‫ويحرسه يوم القيامة أعم‪ ،‬وأن من اتخذ‬ ‫ر‬ ‫فقد قض هللا تعاىل أال ُيعبد إال َإياه‪ ،‬وأن من أعرض عن ذكره َفإن له معيشة ضنكا‪،‬‬
‫رصهۦ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ىل َس ۡمعهۦ َوقلبهۦ َو َج َع َل َع َٰ َ َ‬ ‫ىل ِع ۡل ٖم َو َخ َت َم َع َٰ‬
‫َ‬ ‫ٱَّلل َع َ َٰ‬‫ت َمن اٱت َخ َذ إ َل َٰ َه ُهۥ َه َو َٰى ُه َوأ َض َّل ُه َّ ُ‬ ‫‪َ َََۡ :‬‬
‫ىل ب ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿أ َف َرء َي َ َّ َِ‬
‫عىل ۡعلم َّ ِۚ َ‬ ‫إلهه هواه أضله هللا‬
‫َۡ‬ ‫َ ا َ‬
‫َ‬ ‫ۢ‬
‫ٱَّلل أفَّل تذكرون‪( ﴾٢٣‬الجاثية)‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ِغش َٰ َوة ف َمن يه ِد ِيه ِمن بع ِد ِ‬

‫‪ -4.2.4‬كيفيات عم نظام اإلنسان‬


‫نبي َكيف يعمل هذا النظام‬ ‫النظم‪ ،‬يف مكوناته وبيئته ونسيجه‪ ،‬وتبف أن‬ ‫لقد وصفنا نظام النسان‪ ،‬يف إطار المنهج‬
‫َّل َو ُه َو ۡٱل َعزيزُ‬‫َ َ َ ۡ َ ۡ َ َ ۡ َ َ َٰ َ َ ۡ ُ َ ُ ۡ َ ُّ ُ ر ۡ ۡ َ ُ َ َ ا ِۚ‬ ‫َّ‬ ‫ي‬
‫تعاىل ﴿ٱل ِذي خ َلق ٱلموت وٱلحيوة ِليبلوكم أيكم أ َحسن َ عم‬ ‫‪:‬‬
‫ا ُۗ َ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ ُ َ ۡ ٓ‬ ‫َ َ‬ ‫ا‬ ‫حدد َه َقوله َ ۡ َ‬ ‫ليحقق القصد منه‪ ،‬وهذا القصد قد‬
‫﴿و ُه َو َّٱلذي َخ َل َق ا‬ ‫ۡٱل َغ ُف ُ‬
‫ض ِ يف ِست ِة أ اي ٖام َوكان َع ۡرشهۥ َعىل ٱل َما ِء ِل َي ۡبل َوك ۡم أ ُّيك ۡم أ ۡح َس ُن َع َمَّل َول ِ ئي‬ ‫ٱأل ۡر َ‬ ‫ٱلسم َٰ َٰو ِت و‬ ‫ِ‬
‫ور‪( ﴾٢‬الملك)؛ َ‬
‫ُ ۡ َ ا ُ ا ۡ ُ ُ َ ۢ َ ۡ ۡ َ ۡ َ َ ُ َ ا َّ َ َ َ ْ ۡ َ َ ٓ ا‬
‫ين كف ُر اوا ِإن ه َٰ ذا ِإَل ِس ۡحر ُّم ِب ري‪( ﴾٧‬هود)‪ .‬وهذا المقصد من خلق الموت‬ ‫قلت ِإنكم مبعوثون ِمن بع ِد ٱلمو ِت ليقولن ٱل ِذ‬
‫والحياة‪ ،‬وخلق السماوات واألرض‪ ،‬والبعث من بعد الموت هو ابتالء محله زينة الحياة الدنيا (المال‪ ،‬البنون)‪﴿ :‬إ انا َج َع ۡل َنا ماَ‬
‫َ‬ ‫ُِ َ‬ ‫ۡ َ ُ َ ۡ َ ُ َ َ ُ ۡ َ َ َٰ ُّ ۡ َ ۖۡ َ ۡ َ َٰ َ َٰ ُ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ ا َّ َ ُ ُ َ‬ ‫َ َۡ‬
‫ٱلص َٰ ِل َح َٰ ت خ ر ۡ رت ِعند‬ ‫ت ا‬ ‫ض ِزينة َل َها ِلن ۡبل َوه ۡم أ ُّي ُه ۡم أ ۡح َس ُن َع َمَّل‪( ﴾٧‬الكهف)؛ ﴿ٱلمال وٱلبنون ِزينة ٱلحيو ِة ٱلدنيا وٱلب ِقي‬ ‫ِ‬ ‫َعىل ٱأل ۡر‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫الختات يف هذا االمتحان للفوز بالدرجات العال يف الدار‬ ‫ر‬ ‫استباق‬
‫ۡ‬ ‫من الناس‬ ‫َ‬ ‫ِۚ‬ ‫َرِّبك ث َو اابا َوخ ر ۡ رت أ َمَّل‪( ﴾٤٦‬الكهف)‪ .‬والمطلوب‬
‫ُ ُ َّ ُ َ ً ا َّ َ َ َ َٰ ُ ِّ رَ ۡ َ‬ ‫ِۚ‬ ‫َ ُ ُ ْ‬ ‫ْ ۡ‬ ‫ۖۡ‬
‫﴿ول ُكل و ۡج َه رة ُه َو ُم َو ِّل َيها َف ۡ‬
‫ش ٖء ق ِدير‪( ﴾١٤٨‬البقرة) ِۚ؛‬ ‫ي‬ ‫ت ِت أ ۡي َن َما تكونوا َيأ ِت ِبكم ٱَّلل ج ِميعا ِإن ٱَّلل عىل كل‬ ‫ٱس َت ِب ُقوا ٱل َخ ر ۡ َ َٰ‬ ‫ِ‬ ‫ٖ‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة‪َ :‬‬
‫َ ُ‬ ‫ۡ‬
‫ا ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ ۡ ۡ‬ ‫َ‬
‫ۡ ۡ َ ا‬ ‫َ‬ ‫ۡ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا َۡ‬
‫وم‪ِ ٢٥‬خت َٰ ُمهۥ ِم ۡسك‬ ‫يق مخت ٍ‬
‫ا‬
‫وه ِهم نرصة ٱلن ِع ِيم‪ ٢٤‬يسقون ِمن ر ِح ٖ‬
‫ُ ُ‬
‫‪ ٢٢‬عىل ٱألرا ِئ ِك ينظ ُرون‪ ٢٣‬تع ِرف ِ يف وج ِ‬
‫َ‬ ‫﴿إن ٱأل ۡب َر َار ل ِ يف ن ِع ٍيم‬
‫َ‬ ‫ۡ ََ‬ ‫َ ِ َ َٰ َ َ ۡ َ َ َ َ‬
‫الختات والتنافس عليها يف زينة‬ ‫ر‬ ‫(المطففي)‪ .‬ومقصد أيكم أحسن عمال‪ ،‬أو استباق‬ ‫ر‬ ‫س ٱل ُمتن َٰ ِف ُسون‪﴾٢٦‬‬ ‫و ِ يف ذ ِلك فليتن ِ‬
‫اف‬
‫توح الوسائل أيهم أقرب إىل تحقيق تلك المقاصد‬ ‫يقتض من النسان االجتهاد ف‬ ‫الحياة الدنيا عمال صالحا‪ ،‬وحياة طيبة‬
‫ُ ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ اَٰ َ ُّ َ َّ َ يَ َ ُ ْ ي ا ُ ْ َّ َ َ ُ ْ َ ۡ‬ ‫ي‬
‫ٱَّلل َ َو ۡٱبتغ اوا ِإل ۡي ِه ٱل َو ِسيلة َو َج َٰ ِهدوا ِ يف َس ِبي ِل ِهۦ‬ ‫وا‬‫ق‬‫ٱت‬ ‫وا‬ ‫ن‬ ‫ام‬ ‫ء‬ ‫ين‬ ‫ذ‬‫ٱل‬ ‫ا‬‫ه‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫﴿ي‬ ‫‪:‬‬ ‫اآلخرة‬ ‫الحياة‬ ‫ف‬ ‫الحياتية‪ ،‬ومن ثم الفوز بالدرجات العال‬
‫ُ ْ َ َٰا َ ي َّ َ َ ۡ ُ َ َ ۡ َ ُ َ َ َٰ ِ َ ِّ ُ ۡ َ َ َ َ ُّ ُ ۡ ۡ َ ُ َ َ ۡ ُ َ َ ۡ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َ ُ ا ِۚ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ ُ ۡ‬
‫ل َعلك ۡم تف ِل ُحون‪( ﴾٣٥‬المائدة)؛ ﴿أول ِئك ٱل ِذين يدعون يبتغون ِإىل رب ِهم ٱلو ِسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمتهۥ ويخافون عذابهۥ‬
‫ا َ َ َ َ ِّ َ َ َ َ ۡ ا‬
‫ُ‬
‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫ه أحسن "كيفيات العمل"‪ ،‬و"مسارات الفعل"‬ ‫ِإن عذاب ربك كان محذ َورا‪( ﴾٥٧‬الشاء)‪ .‬وهذه الوسائل المبتغاة ي‬
‫وه ما يطلق عليه يف‬ ‫اجتماع محدد‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫الن تربط األسباب بمسب َباتها‪ ،‬وتؤدي غالبا إىل تحقيق النتائج المبتغاة يف إطار نظام‬ ‫ي‬
‫الغرب والطريقة النظمية كمنهج لدراسة هذه النظم‪ ،‬سواء كانت طبيعية أم اجتماعية‪ ،‬بالمكتمات‬ ‫ي‬ ‫النظم‬ ‫علم‬
‫الن وضعها هللا تعاىل يف نظام النسان بحيث يعمل‬ ‫(‪ .)mechanisms‬إذن نحن نريد أن نقف عىل طبيعة "كيفيات العمل" ي‬
‫هذا النظام بأعىل درجات الكفاءة محققا مغزى خلق النسان‪ ،‬وضامنا لدخول جميع الناس يف ابتالء زينة الحياة الدنيا‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫كيفيات "الفقا "‪ ،‬وتبدأ من حاجة َالجسم إىل الوفاء برصوراته الحيوية من الغذاء؛‬ ‫كيفيات العمل الرصورية للنظام ه‬
‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫َ ا َ َ َ ۡ َ ُْ َ ََ َ ۡ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ي ا َ َ َا َ ُ َ َ َ َ َ‬
‫﴿إن لك أَل تجوع ِفيها وَل تعرى‪ ١١٨‬وأنك َل تظمؤا ِفيها وَل تضج‪( ﴾١١٩‬طه)‪ ،‬ومن‬ ‫الكساء؛ الماء والغطاء حن ال يهلك‪ِ :‬‬
‫البرسي‪ .‬وهذه الرصورات الحيوية ال يمكن الوفاء بها إال من مكونات زينة الحياة الدنيا (المال‪،‬‬ ‫الجماع حن ال ينقرض النوع ر‬
‫ُ َ‬ ‫ِ‬
‫البنون)‪ ،‬لذلك عندما يفتقر الجسم إىل رصورياته الحيوية تطلق عمليات رفتيائية وكيميائية وحيوية داخل الجسم تعت عن‬
‫مرسب‪ ،‬ملبس‪ ،‬مسكن‪ ،‬أو جماع‪ .‬يقوم الجسم من جانبه بجعل النفس‬ ‫حاجته إىل الوفاء بالرصورة المعينة‪ ،‬سواء كانت مأكل‪ ،‬ر‬
‫الن تحتاج يف توظيفها‬ ‫تحس بأهمية الوفاء بهذه الرصورة من خالل عمليات "التشويش" الحيوية عىل قوى النفس األساسية ي‬
‫التفكت‪...‬إلخ حيث تضعف هذه القوى‪ ،‬بحسب مستوى حدة الرصورة الحيوية‪ ،‬إىل أن‬ ‫ر‬ ‫إىل الجسم‪ ،‬مثل قوى السمع‪ ،‬البرص‪،‬‬
‫تتوقف تماما عن العمل‪ .‬تلجأ النفس‪ ،‬للوصول إىل الوفاء برصورات الجسم‪ ،‬إىل إطالق عمليات نفسية تضطر النسان يف كليته‬
‫العري"‪ ،‬عملية "الظمأ"‪ ،‬عملية "اإلضثا "‪ ،‬وعملية‬ ‫إىل الشاع ف الوفاء بتلك الرصوريات‪ ،‬مثل عملية "الجوع"‪ ،‬عملية " ُ‬
‫ُ‬ ‫ي‬
‫الجنس‪ .‬كيفيات العمل النفسية هذه بالغة الفعالية‪ ،‬إذ تحدث كل منها ألما معينا يناسب نوع الرصورة الحيوية‬ ‫ي‬ ‫"العنم"‬
‫وه "الفع‬ ‫ُ‬
‫طلق من جانبه كيفيات العمل األعظم‪ ،‬أال ي‬ ‫الواجب الوفاء بها حن إن النسان ليعجز عن احتمالها‪ ،‬ومن ثم ي ِ‬
‫االجتماع هو الذي يضمن تفاعل النسان مع بيئته‬ ‫ي‬ ‫االجتماع" الجالب لما هو مطلوب من رصوريات الجسم‪ .‬هذا الفعل‬ ‫ي‬
‫الفتيائية والكيميائية والحيوية والنفسية‪.‬‬ ‫الخارجية‪ ،‬وهو المراد من عمل كل هذه الكيفيات ر‬
‫يستوف حاجاته الرصورية من خالل عمل الكيفيات الصاعدة منه ومن النفس إىل البيئة الخارجية تبدأ‬ ‫ي‬ ‫الجسم عندما‬
‫كيفيات عمل معاكسة‪ ،‬جسدية ونفسية‪ ،‬يف العمل حن يتوقف الجسم عن تناول المزيد من مصادر تلك الرصوريات الحيوية‪،‬‬
‫فتنطلق عمليات رفتيائية وكيميائية وحيوية تناسب هذه الحال‪ ،‬وبدوره ينقل الجسم هذه المعلومات إىل النفس حن تقوم‬
‫ه بدورها يف إطالق العمليات المناسبة المنذرة لإلنسان بالتوقف عن الفعل الذي كان‪ .‬لكن النفس عند هذه المرحلة تكون‬ ‫ي‬
‫الن سع إليها النسان ابتداء للوفاء برصورات الجسم الحيوية‪ ،‬ويبدأ نوع‬ ‫ي‬ ‫الدنيا‬ ‫الحياة‬ ‫ينة‬ ‫ز‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫الكامنة‬ ‫الشهوات‬ ‫ة‬ ‫لذ‬ ‫ذاقت‬ ‫قد‬
‫ّ‬
‫و"البني" مركب فوق طلب الرصورات الحيوية‪ ،‬ويتأسس عىل إشباع شهوات النفس من متاع‬ ‫ر‬ ‫جديد من الطلب عىل "المال"‬
‫زينة الحياة الدنيا‪ .‬أهم كيفيات العمل لهذا النوع من الطلب تلك المتعلقة بحب الشهوات‪ ،‬ويجمعها مفهوم "الهوى" الفطري‬
‫ف النفس ر‬
‫البرسية‪.‬‬
‫ئ‬ ‫ي‬
‫االبتداب الذي يبتدره النسان للوفاء برصورات الجسم الحيوية يصله بجميع مكونات بيئته الخارجية‪:‬‬ ‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫الفعل‬
‫مباشة ومن خالل السي‬ ‫ر‬ ‫الوح‪ ،‬الشيطان‪ ،‬ومن وراء ذلك يصله باهلل الذي خلقه‪ ،‬صلة‬ ‫السماء‪،‬‬ ‫األرض‪،‬‬ ‫المال‪ ،‬البنون‪،‬‬
‫ي‬
‫االجتماعية‪ .‬هكذا يدخل النسان يف أتون االبتالء قهرا ال اختيارا‪ ،‬ليحقق من بعد ذلك باختياره مسارات حياته فيه‪ ،‬ومآالتها يف‬
‫السعت‪ .‬هذه المرحلة تشهد أيضا‪ ،‬بسبب‬ ‫ر‬ ‫الدنيا‪ :‬حياة طيبة‪ ،‬أو معيشة ضنكا؛ ومآالتها يف اآلخرة‪ :‬فريق يف الجنة وفريق يف‬
‫الن‬
‫االجتماع برؤية العالم ي‬
‫ي‬ ‫تأطت الفعل‬
‫تفاعل النسان مع مكونات بيئته الخارجية ومع البنية الرابطة ربي هذه المكونات‪ ،‬ر‬
‫وف‬
‫يستبطنها النسان ونظمها المعيارية والقيمية‪ ،‬وكذلك تكتسب النفس قوى عالقاتية جديدة تناسب حالها يف االبتالء ي‬
‫عالقتها بمكونات بيئتها الخارجية‪ ،‬منها ما هو من ملهمات التقوى‪ ،‬ومنها ما هو من ملهمات الفجور‪ ،‬وتنبثق فيها أحوال تعت‬
‫عن طبيعة ومستوى تلك العالقات‪ ،‬فالمؤمن باهلل تعاىل تنبثق يف نفسه أحوال الخوف والرجاء‪ ،‬والرغبة والرهبة‪ ،‬والخشية‬
‫والنابة‪ ،‬وعىل الجملة يمكن أن نعت عن هذه األحوال بأنها ثمرات ملهمات التقوى المنسوبة إىل الصفات اللهية الفاعلة‬
‫والمتفاعلة يف نفس المؤمن‪ .‬ولكن بسبب عالقة المؤمن بزينة الحياة الدنيا وبالشيطان تنبثق أيضا يف نفسه أحوال تناسب‬
‫هذه العالقة‪ ،‬مثل الغضب‪ ،‬الكت‪ ،‬الطمع‪ ،‬الحسد‪...‬إلخ‪ ،‬ويمكن إجمال هذه األحوال بأنها تعت عن مدى فاعلية ملهمات‬
‫الفجور يف نفس المؤمن‪ .‬يتدافع هذان النوعان من القوى العالقاتية يف نفس المؤمن‪ ،‬ويحكم هذا التدافع تجربته االبتالئية‪،‬‬
‫وف عالقته بربه‪ ،‬وتعت أحواله‬ ‫غت المؤمن فتهيمن "ملهمات الفجور" عىل نفسه يف عالقته بمكونات بيئته الخارجية‪ ،‬ي‬ ‫أما ر‬
‫النفسية عن ذلك يف مجمل حياته‪.‬‬
‫االجتماع من خالل الفعل‬
‫ي‬ ‫الن يتفاعل فيها النسان مع مكونات بيئته الخارجية تشهد عمليات التدافع‬ ‫هذه المرحلة ي‬
‫المتحتة‬
‫ر‬ ‫االجتماع مما يؤدي إىل نشأة المجتمعات بنظمها االجتماعية‪ ،‬والمعرفية‪ ،‬واالتصالية‪ ،‬والثقافية المختلفة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫والتفاعل‬
‫الن تعمل من خالل هذه النظم‪ ،‬إما بالمحافظة عليها‪ ،‬أو‬ ‫يف الزمان والمكان‪ ،‬وانطالق كيفيات عمل (مكتمات) االبتالء ي‬
‫بتدمتها‪ ،‬وهلل عاقبة األمور‪ .‬الشكل رقم (‪ )6‬أدناه يجسد انبثاق النسان كنظام معقد من خالل تفاعل مكوناته‬ ‫ر‬ ‫بتغيتها‪ ،‬أو‬ ‫ر‬
‫وح‪ ،‬األرض‪ ،‬السماوات)‪ ،‬ثم مع بيئة عالم الغيب‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫البنون‪،‬‬ ‫(المال‪،‬‬ ‫الشهادة‬ ‫عالم‬ ‫بيئة‬ ‫مع‬ ‫م‬‫والجس‬ ‫النفس‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫المتمثلة‬
‫(الشياطي‪ ،‬الجن‪ ،‬المالئكة)‪ ،‬ثم من وراء ذلك هللا تعاىل‪ ،‬عالم الغيب والشهادة‪.‬‬ ‫ر‬

‫‪27‬‬
‫شكل رقم (‪)6‬‬
‫نموذج نظام النسان‬

‫النظم‬
‫ي‬ ‫‪ -3.4‬ميخ إىل النظم االجتماعية الكلية م خالل المنهج‬
‫البحن بينا فيه أصول النظم االجتماعية يف رؤية القرآن‬ ‫وع‬ ‫البحث األول الذي اشتملت عليه الورقة األوىل من هذا ر‬
‫المرس‬
‫ي‬
‫االجتماع العام يف الشكل رقم (‪،)2‬‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫استخلصنا‬ ‫للعالم‪ ،‬وقد قمنا بإعادة إنتاجه يف الشكل رقم (‪ )1‬بهذا البحث‪ ،‬ومنه‬
‫وأختا نظام الواقع‬
‫ر‬ ‫االجتماع التوحيدي يف الشكل رقم (‪،)4‬‬ ‫ي‬ ‫االجتماع الدنيوي يف الشكل رقم (‪ ،)3‬ثم النظام‬ ‫ي‬ ‫وكذلك النظام‬
‫االجتماع ف الشكل رقم (‪ .)5‬نود ف نهاية هذا البحث أن نسقط المنهج النظم الذي رشحته الورقة الثانية ف هذا ر‬
‫المرسوع‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬
‫البحن عىل هذه النظم االجتماعية المثالية (‪ ،)Ideal Type‬بالمعن "الفيتي" للمثالية‪ ،‬لنتعرف بإيجاز عليها من خالل‪:‬‬ ‫ي‬
‫االجتماع العام يف الشكل رقم (‪ .)2‬الفائدة الحقيقية‬
‫ي‬ ‫بالنظام‬ ‫مبتدئي‬
‫ر‬ ‫‪،‬‬‫مات)‬‫مكت‬ ‫ال‬ ‫(‬ ‫عملها‬ ‫كيفيات‬ ‫نسيجها؛‬ ‫بيئتها‪،‬‬ ‫مكوناتها؛‬
‫تنظت يتعلق بنظم جزئية تنشأ من‬ ‫ر‬ ‫ه الضابط ألي‬ ‫ه فائدة منهجية‪ ،‬إذ تصبح هذه النظم الكلية ي‬ ‫من هذا التمرين النظري ي‬
‫الن يؤدي‬‫االجتماع‪ ،‬والنظم االجتماعية الجزئية الوسيطة ي‬ ‫ي‬ ‫النفس لإلنسان‪ ،‬مرورا بالفعل والتفاعل‬ ‫ي‬ ‫داخلها‪ ،‬ابتداء من النظام‬
‫ر‬
‫إليها‪ ،‬سواء كانت مؤسسات كاألشة‪ ،‬أو منظمات كالمدرسة والرسكة‪ ،‬وانتهاء بالنظم الجزئية األعم كالنظام التبوي‪ ،‬النظام‬
‫ينبع أن يناقض أي معىط‬ ‫ي‬ ‫التنظت للنظام االقتصادي التوحيدي‪ ،‬مثال‪ ،‬ال‬ ‫ر‬ ‫السياش‪...‬إلخ‪.‬‬
‫ي‬ ‫الثقاف‪ ،‬النظام‬
‫ي‬ ‫االقتصادي‪ ،‬النظام‬
‫الن‬
‫وه ي‬‫الثاب‪ .‬الفائدة المنهجية الثانية‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫الكىل‪ ،‬ألن األول جزء من‬ ‫االجتماع التوحيدي ي‬
‫ي‬ ‫الن ثبتت للنظام‬ ‫من معطياته تلك ي‬
‫ه أن البناء والتحليل النظري لهذه النظم االجتماعية الكلية‪ ،‬ألنها نظم مستوحاة من رؤية القرآن للعالم‪،‬‬ ‫قصدها ماكس فيت‪ ،‬ي‬
‫والمتغتات األساسية‬
‫ر‬ ‫المعرف الحق للوجود‪ ،‬يعطينا فهما حقيقيا لكيفية عمل النظم االجتماعية يف الواقع‪،‬‬ ‫ي‬ ‫والقرآن هو المعادل‬
‫الفاعلة والمتفاعلة يف هذه النظم‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫االجتماع الفطري العام‬
‫ي‬ ‫‪ -1.3.4‬النظام‬
‫اص كما أسلفنا عند تعريفنا له يف الشكل رقم (‪ )2‬أعاله‪ ،‬والغرض من التحليل‬‫االجتماع الفطري العام هو نظام افت ي‬
‫ي‬ ‫النظام‬
‫التغيت فيه‪ ،‬وأهم العمليات الفاعلة يف‬
‫ر‬ ‫هو أن نقف عىل كيفية عمل النظام لتحقيق وظائفه المفتضة‪ ،‬ولمعرفة اتجاهات‬
‫الوح بالهدى‪.‬‬
‫ي‬ ‫ونزول‬ ‫الرسل‪،‬‬ ‫إرسال‬ ‫ة‬‫ور‬‫رص‬ ‫يتبي معه‬
‫الله من السماء لهداية الناس‪ ،‬مما ر‬
‫ي‬ ‫الوح‬
‫ي‬ ‫ضي عدم نزول‬ ‫النظام مفت ر‬
‫تمكي الناس الذين يكونونه من إشباع حاجاتهم الحيوية‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ه‬‫الوح‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫الوظيفة األساسية لهذا النظام‪ ،‬يف غياب هداية‬
‫األختة ناجمة عن وجود الصفات اللهية يف نسبيتها النسانية يف النفس‪ ،‬فطرة تربط النسان‬ ‫ر‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬والروحية‪ .‬وهذه‬
‫وف بيئته الداخلية والخارجية‪ ،‬أيا كان الغيب الذي يؤمن به ويأوي إىل أمانه‪.‬‬
‫بعالم الغيب‪ ،‬وتدعوه إىل الوفاء بحقها يف نفسه‪ ،‬ي‬

‫‪ -1.1.3.4‬مكونات النظام‬
‫أيديهم يف موارد‬ ‫عملته‬ ‫ومما‬ ‫‪،‬‬ ‫أعاله‬ ‫النسان‬ ‫نظام‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫الفطرية‬ ‫خواصهم‬ ‫عىل‬ ‫تعرفنا‬ ‫الذين‬ ‫‪،‬‬‫يتكون النظام من الناس‬
‫ُ ا َ َٰ ُ ۡ َ َ ۡ َ ُ َ‬ ‫‪ُ ُ ۢ ِّ ُ َ َ ۡ َ ُ َّ َ :‬‬
‫ون أمه ِتكم َل تعلمون‬ ‫مؤمني وال كافرين ﴿وٱَّلل أخرجكم من بط ِ‬ ‫ر‬ ‫مولودون عىل الفطرة‪ ،‬أي ال‬ ‫الطبيعة‪ ،‬ونفتض أنهم جميعا‬
‫َ ۡ ا َ َ َ َ َ ُ ُ ا ۡ َ َ ۡ َ ۡ َ َٰ َ َ ۡ َ ۡ َ َ َ َ َّ ُ ۡ َ ۡ ُ ُ َ‬
‫شي ا وجعل لكم ٱلسمع وٱألبص ر وٱألف ِ دة لعلكم تشكرون‪( ﴾٧٨‬النحل)‪ ،‬ولكن لديهم إمكان أي من الخيارين‪ ،‬كما نفتض‬
‫يعن اقتصار علمهم عىل مكونات بيئة عالم الشهادة فقط‬ ‫وح من السماء للتأ رثت عىل خياراتهم الحياتية‪ .‬هذا ي‬ ‫عدم نزول أي ي‬
‫وتأثته عليهم‪.‬‬ ‫رغم وجود عالم الغيب ر‬

‫‪ -2.1.3.4‬بيئة النظام‬
‫الشياطي‬
‫ر‬ ‫بيئتي‪ ،‬بيئة من عالم الشهادة تتمثل يف األرض والسماء‪ ،‬وبيئة من عالم الغيب تتمثل يف‬
‫تتكون بيئة النظام من ر‬
‫‪.‬‬
‫خاصة‪ ،‬والجن عموما‪ ،‬والمالئكة‪ ،‬ثم هللا تعاىل من ورائهم محيط الشكل رقم (‪ )6‬أعاله يجسد هذا البناء الوجودي يف عالم‬
‫االجتماع بعد أن كانا جزءا من مكونات بيئة عالم الشهادة‬
‫ي‬ ‫النسان‪ ،‬علما بأن "المال" و"البنون" أصبحا يف صلب تركيبة النظام‬
‫مكوني فقط لهذا النظام‬
‫ر‬ ‫يف نظام النسان الذي سبق هذا النظام‪ ،‬وتعرفنا عليه أعاله‪ .‬لذلك اقترصت بيئة عالم الشهادة عىل‬
‫متغتا "المال" و"البنون" إىل نظم اجتماعية جزئية بما عملته يد النسان فيهما –‬ ‫ر‬ ‫االجتماع هما األرض والسماء‪ ،‬وتحول‬
‫ي‬
‫والثقاف‪.‬‬
‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫السياش‬
‫ي‬ ‫‪،‬‬‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫االقتصادي‪،‬‬ ‫بوي‪،‬‬
‫االجتماع‪ -‬كالنظام الت‬
‫ي‬ ‫الفعل والتفاعل‬

‫‪ -3.1.3.4‬نسيج النظام‬
‫الن تربط مكونات النظام مع بعضها‪ ،‬وكذلك جملة الروابط‬ ‫ي‬ ‫الداخلية‬ ‫العالقات‬ ‫جملة‬ ‫من‬ ‫(بنيته)‬ ‫يتكون نسيج النظام‬
‫المكوني للنظام تحددها طبيعة‬
‫ر‬ ‫الن تربط مكونات النظام مع مكونات بيئته الخارجية‪ .‬الروابط الداخلية ربي األفراد‬ ‫الخارجية ي‬
‫االجتماع مع زينة الحياة الدنيا (المال‪ ،‬البنون)‪،‬‬
‫ي‬ ‫الن تؤطر وتحدد نوع الروابط يف إطار الفعل والتفاعل‬ ‫العالقة االجتماعية ي‬
‫"البني" المعت عن العالقات البيولوجية ربي الرجال والنساء‪ ،‬وما يتتب عليها من عالقات رحمية هناك‬ ‫ر‬ ‫متغت‬
‫ر‬ ‫فف إطار‬
‫ي‬
‫الروابط العاطفية من مودة ورحمة ربي المرء وزوجه مثال‪ ،‬وكذلك عالقات حب وكراهية تتسم بها العالقات الرحمية‪...‬إلخ‪.‬‬
‫متغت "المال" المعت عن عالقات النتاج والتوزي ع واالستهالك هناك روابط الفعل‬ ‫ر‬ ‫النسيج الذي يربط مكونات النظام مع‬
‫اص والكراه‪ ،‬الخضوع والثورة‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الت‬ ‫والعالم‪،‬‬ ‫التبادل‬ ‫اع‪،‬‬‫رص‬ ‫وال‬ ‫التنافس‬ ‫والتشاور‪،‬‬ ‫االجتماع مثل المشاركة والتعاون‬ ‫ي‬
‫الن تربط ربي أصحاب المعتقد الواحد‪ ،‬وهناك الروابط المعيارية (أخالقية‪ ،‬قانونية) تضبط العالقات‬ ‫ي‬ ‫العقدية‬ ‫الروابط‬ ‫وهناك‬
‫شخصي‪ ،‬أو أكت‪ ،‬يف إطار النظم االجتماعية الجزئية‬ ‫ر‬ ‫ه روابط من حيث إنها تجمع ربي‬ ‫االجتماع ي‬
‫ي‬ ‫‪.‬‬
‫ربي الناس روابط الفعل‬
‫النساب‪ ،‬كما بينا ذلك يف رؤية القرآن للعالم‪،‬‬
‫ي‬ ‫لالجتماع‬ ‫المنتجة‬ ‫الكونية‬ ‫العنارص‬ ‫بي‬‫ر‬ ‫التفاعل‬ ‫عة‬ ‫طبي‬ ‫الن تحتمها‬ ‫الرصورية ي‬
‫ه‪ :‬النفس (النسان)؛ المال؛ البنون؛ العلم؛ الهوى‪ .‬هذه الروابط بطبيعتها ديناميكية تؤدي إىل إحداث ر‬
‫تغيت‬ ‫وهذه العنارص ي‬
‫الن تؤطرهم‪.‬‬‫وف البنية االجتماعية ي‬ ‫يف الذين تربطهم‪ ،‬ي‬
‫وبي مكونات بيئة عالم الشهادة‪،‬‬ ‫االجتماع الفطري من جهة ر‬
‫ي‬ ‫لنظام‬ ‫ا‬ ‫لهذا‬ ‫المكوني‬
‫ر‬ ‫الناس‬ ‫بي‬‫ر‬ ‫روابط‬ ‫ه‬‫ي‬ ‫الخارجية‬ ‫الروابط‬
‫وبي موارد األرض‬ ‫ه روابط ربي الناس ر‬ ‫وبيئة عالم الغيب‪ ،‬ثم هللا تعاىل من جهة أخرى‪ .‬الروابط الفاعلة يف بيئة عالم الشهادة ي‬
‫وه عالقة نفعية يتم فيها توظيف العلم بظاهر من الحياة الدنيا الذي يكتسبه المجتمع من خالل الفعل والتفاعل‬ ‫الطبيعية‪ ،‬ي‬
‫وبي بيئتهم الخارجية‪ ،‬لشباع حاجاتهم الفطرية‪ .‬والعلم بظاهر من الحياة الدنيا يظل دوره وظيفيا فقط‪،‬‬ ‫ربي أفراده‪ ،‬وبينهم ر‬
‫وع المجتمع ليأخذ بعدا عقالنيا يف عالقاته االجتماعية‪.‬‬ ‫وخاضع لله الهوى مهما تطور ي‬
‫وه أساسا عالقة خضوع لقوى‬ ‫لوح افتاضا‪ ،‬تحتمل كل أنواع االعتقاد‪ ،‬ي‬ ‫الروابط األخرى مع البيئة الخارجية‪ ،‬يف غياب ا ي‬
‫ه الله الواحد‪ ،‬وقد تكون الجن‪ ،‬وقد تكون الشمس‬ ‫ي‬ ‫الغيبية‬ ‫القوة‬ ‫تكون‬ ‫غيبية ُيعتقد وجودها‪ ،‬تتسم بالخوف والرجاء‪ ،‬فقد‬
‫األولي‪ .‬ذلك أن الضعف الذي يالزم النسان فطرة يلجئه إىل البحث عن ر‬
‫ظهت‬ ‫ر‬ ‫أساطت‬
‫ر‬ ‫والقمر‪ ،‬وقد تكون النار‪ ،‬وقد تكون‬

‫‪29‬‬
‫الن‬
‫الن يفتقدها‪ ،‬وغالبا ما تكون هذه القوة غيبية يمنحها خيال النسان كل ما يريده من صفات الكمال ي‬
‫تتجسد فيه القوة ي‬
‫يفتقدها‪.‬‬

‫‪ -4.1.3.4‬كيفيات عم النظام‬
‫الن تنقل النسان إىل قلب االبتالء يف زينة الحياة الدنيا‪،‬‬ ‫لقد ذكرنا يف القسم السابق المتعلق بنظام النسان العمليات ي‬
‫فه كيفيات عمل‬ ‫االجتماع ي‬ ‫ي‬ ‫وه كيفيات عمل رفتيائية‪ ،‬كيميائية‪ ،‬حيوية ونفسية تتم داخل جسم النسان‪ ،‬أما يف النظام‬ ‫ي‬
‫والخارح‪ .‬لنتذكر أن‬ ‫ي‬ ‫الداخىل‬
‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫االجتماع‪ ،‬يف إطار النسيج‬ ‫ي‬ ‫اجتماعية وروحية من خالل عمليات الفعل والتفاعل‬
‫الن تتم داخل النظام وتجعله يعمل بالطريقة‬ ‫كيفيات العمل (المكتمات) مقصود بها العمليات الجوهرية‪ ،‬أو مسارات الفعل ي‬
‫تعىط المدرسة هويتها‪ ،‬وعمليات‬ ‫ي‬ ‫الن‬
‫ه ي‬ ‫تعىط النظام هويته‪ ،‬فعمليات التدريس ي‬ ‫ي‬ ‫الن‬
‫وه ي‬ ‫الن تمكنه من أداء وظيفته‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫العلم هويتها‪...‬إلخ‪ .‬وهذه‬ ‫ي‬ ‫البحث‬ ‫اكز‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫تعىط‬
‫ي‬ ‫الن‬ ‫ه‬
‫ي ي ي‬ ‫العلم‬ ‫البحث‬ ‫وعمليات‬ ‫هويته‪،‬‬ ‫المستشف‬ ‫تعىط‬
‫ُي‬ ‫الن‬
‫ه ي‬ ‫التطبيب ي‬
‫الكيفيات يف العادة ال ترى بل يقوم الباحث‪ ،‬كما يفعل يف إنتاج الفرضيات العلمية‪ ،‬من خالل الخيال المبدع‪ ،‬محفزا ومقيدا‬
‫الوح‪ ،‬أو الواقع‪ ،‬بتقديم نظريات تتعلق بكيفيات العمل موضوع‬ ‫ي‬ ‫بالبيانات المتوفرة له عن الموضوع سواء كان مصدرها‬
‫البحث‪ ،‬ويمكن اختبار هذه النظريات تجريبيا فتتأكد‪ ،‬أو تدحض‪.‬‬
‫(البني) يف زينة الحياة الدنيا‪ ،‬النوع األول‬ ‫ر‬ ‫متغت‬
‫ر‬ ‫الن تنجم عن تفاعل النسان مع‬ ‫نوعان من كيفيات العمل االبتدائية ي‬
‫الن تؤدي إىل إقامة المؤسسات الرحمية‬ ‫ّ‬
‫يتمثل يف كيفيات عمل "حب الشهوات"‪ ،‬ال سيما شهوة "الجنس" وشهوة "البنوة"‪ ،‬ي‬
‫الثاب من كيفيات العمل يمكن تسميتها بالكيفيات العاطفية‪ ،‬مثل "المودة" و"الرحمة"‪،‬‬ ‫كاألشة‪ ،‬والرهط والقبيلة‪...‬إلخ‪ .‬النوع ي‬
‫الن منها المحمود ومنها المذموم‪ .‬إن افتاض عدم وجود‬ ‫الغتة" ي‬ ‫الزوجي‪ ،‬و" ر‬ ‫ر‬ ‫الن تعمل عىل استدامة العالقة الزوجية ربي‬ ‫ي‬
‫االجتماع أساسه‬ ‫ي‬ ‫التغيت‬
‫ر‬ ‫من‬ ‫شن‬ ‫ا‬‫أنواع‬ ‫تحدث‬ ‫الشهوات‪،‬‬ ‫حب‬ ‫سيما‬ ‫ال‬ ‫‪،‬‬ ‫هذه‬ ‫العمل‬ ‫كيفيات‬ ‫يجعل‬ ‫السماء‬ ‫من‬ ‫الهداية‬ ‫وح‬ ‫ي‬
‫الن‬‫االجتماع ي‬‫ي‬ ‫وه كيفيات الرصاع‬ ‫مثل " اإلثم" و"العيوان"‪ ،‬ي‬ ‫التكاثر يف األموال واألوالد‪ ،‬مما ينتج عنه كيفيات عمل أخرى‬
‫ُ‬
‫ظم دراسة كيف تنشأ كيفيات العمل من هذا النوع داخل‬ ‫العلم الن ي‬ ‫ي‬ ‫تؤدي إىل نقض عرى المجتمع‪ .‬والمطلوب من البحث‬
‫االجتماع الذي تحدثه يف‬ ‫ي‬ ‫التغيت‬
‫ر‬ ‫تفست عميق للظواهر االجتماعية المعتة عن‬ ‫ر‬ ‫النظم االجتماعية‪ ،‬وكيف تعمل بما يؤدي إىل‬
‫مكونات ونسيج وبيئة المجتمع محل الدراسة‪.‬‬
‫كيفيات عمل "حب الشهوات" يف مجال (المال) تؤدي إىل التكاثر يف النتاج‪ ،‬واالستهالك‪ ،‬ومن ثم قيام نظم الملكية‬
‫والجمع يف القطاع‬ ‫ي‬ ‫السلع كاألسواق‪ ،‬ونظم االستهالك الفردي‬ ‫ي‬ ‫المختلفة لعنارص النتاج ولوسائله ولعالقاته‪ ،‬ونظم التبادل‬
‫الوح‪ ،‬يغلب أن تكون كيفيات "الرصاع"‪" ،‬التنايس"‪،‬‬ ‫ي‬ ‫غياب‬ ‫وه‪ ،‬يف‬ ‫االستهالك‪ .‬كل هذه النظم لها كيفيات عملها‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫وه يف جملتها عمليات‬ ‫ي‬ ‫"‪،‬‬ ‫األرم‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫العلو‬ ‫"‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫والعيوان‬ ‫اإلثم‬ ‫عىل‬ ‫التعاون‬ ‫"‬ ‫كيفيات‬ ‫الكريم‬ ‫آن‬ ‫القر‬ ‫بلغة‬ ‫أو‬ ‫"‪،‬‬ ‫"الطغيان‬
‫تنته بهدم المجتمع طبعا ال يمنع هذا أن‬ ‫‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الطبف الذي يؤدي بدوره إىل كيفيات عمل جديدة‬ ‫ي‬ ‫اجتماعية تؤدي إىل التمايز‬
‫تكون هناك كيفيات عمل حافظة للمجتمع تعمل يف االتجاه المعاكس يف ذات الوقت مثل كيفيات "التعاون"‪" ،‬المشاركة"‪،‬‬
‫االجتماع المدمر لكيفيات العمل‬ ‫ي‬ ‫"الصلح"‪...‬إلخ‪ ،‬مما يقلل من أثر الكيفيات الهادمة له‪ ،‬لكنها كيفيات ال تصمد أمام األثر‬
‫وه كما بينا كيفيات "حب الشهوات"‪ ،‬و"التكاثر" يف األموال واألوالد‪.‬‬ ‫الجوهرية المحددة لهوية هذا النوع من النظم‪ ،‬ي‬
‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫تفاعل‬ ‫من‬ ‫تنتج‬ ‫خارجية‬ ‫عمل‬ ‫كيفيات‬ ‫وإيجابا‪،‬‬ ‫سلبا‬ ‫معها‪،‬‬ ‫كيفيات العمل الداخلية أعاله تتداخل‬
‫الن عليها النظام‬ ‫المتعاىل سبحانه‪ ،‬وهو تداخل يحدد الحال (‪ )State‬ي‬ ‫ي‬ ‫الفطري العام مع مكونات بيئته الخارجية‪ ،‬ومع الخالق‬
‫الوح افتاضا‪ ،‬هو‬ ‫ي‬ ‫تأثتا ف عالقته بالنسان‪ ،‬ف غياب‬ ‫االجتماع يف لحظة زمانية ومكانية محددة‪ .‬الكائن الخارح األكت ر‬
‫َ ُ ۡ َ َ َٰا َ ُ ا َ َٰ ي َ َ ُ َّ َ َ َ ۡ ي َ َ َ ُ ۡ َ ا ُ َ َ ۡ ي َ ا َ َ ۡ ََٰ‬
‫ا‬
‫ي‬
‫الشيطان‪ ،‬عدو النسان منذ الخلق األول‪﴿ :‬فقلنا ي ادم ِإن ه ذا عدو لك و ِلزو ِجك فَّل يخ ِرجنكما ِمن ٱلجن ِة فتشف‪( ﴾١١٧‬طه)‪ ،‬وهو‬
‫َ‬ ‫‪ۡ َ ََ ۡ َ ۡ َۡ ۡ َ :‬‬ ‫ّ‬
‫ٱستط ۡعت ِمن ُهم ِب َص ۡو ِتك‬ ‫مشاركتهم حن يِۚف األموال واألوالد ﴿وٱستف ِزز م ِن‬ ‫بن آدم إىل قيام الساعة‪ ،‬ومأذون َله يف‬ ‫ي‬ ‫مسلط عىل‬
‫ا‬
‫ٱلش ۡي َط َٰ ُن إَل ُغ ُر ً‬ ‫ۡ َ َٰ َ ۡ َٰ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ ُ ُ ُ ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ ۡ ۡ َ‬
‫ورا‪( ﴾٦٤‬الشاء)‪ .‬هذه اآلية‬ ‫ِ‬ ‫ب َعل ۡي ِهم ِبخ ۡي ِلك َو َر ِج ِلك َوش ِارك ُه ۡم ِ يف ٱألمو ِل وٱألول ِد و ِعدهم وما ي ِعدهم‬ ‫وأج ِل‬
‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫إطار‬ ‫ف‬‫ي ي‬ ‫وه‬ ‫النسان‪،‬‬ ‫ضد‬ ‫الشيطان‬ ‫يستخدمها‬ ‫الن‬
‫ي‬ ‫الفعالة‬ ‫العمل‬ ‫كيفيات‬ ‫من‬ ‫أنواع‬ ‫أربعة‬ ‫تذكر‬ ‫وحدها‬
‫وه‪" :‬االستفء َاز بالصوت"؛ "الجلب بالةي‬ ‫ي‬ ‫أحد‪،‬‬ ‫المدمر‬ ‫ها‬ ‫تأثت‬ ‫ر‬ ‫من‬ ‫الفطري العام الذي نستعرض مالمحه هنا ال يكاد ينجو‬
‫ٱَّلل َو َع َد ُك ۡم َو ۡع َد ۡٱل َحقِّ‬ ‫ض ۡٱأل ۡم ُر إ ان َّ َ‬ ‫ٱلش ۡي َط َٰ ُن َل اما ُق ِ َ‬ ‫‪ َ َ َ :‬ا‬
‫والرج "؛ "المشاركة ف األموال واألوالد"؛ "الوعي المةلوف" ﴿وقال‬
‫ٓ‬ ‫َ ي ُ ُ ا ْ َ ِ ُ َ ُ ۖۡ ا ٓ َ َ ۠ ُ ۡ ُ‬ ‫ىل َف ََّل َت ُل ُ‬‫َ َ َ ِ ُّ ُ ۡ َ َ ۡ َ ۡ ُ ُ ۡ ۖۡ َ َ ي َ َ َ َ َ ۡ ُ ِّ ُ ۡ َ َٰ ا ا َ َ َ ۡ ُ ُ ۡ َ ۡ َ َ ۡ ُ ۡ ۖۡ‬
‫رص ِخك ۡم َو َما‬ ‫ِ ِ‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ك‬‫س‬ ‫نف‬ ‫أ‬ ‫ا‬‫و‬ ‫وم‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫وب‬
‫ِي‬ ‫وم‬ ‫ان َ ِ يۡىل ۡع ُليكم من َسل ُُۗط ن ان ِإلا أن د َع َو ُتكم َف َٱس رتجَبت ِ ي‬
‫م‬ ‫ووعدتكم فأخلفتكم وما ك‬
‫ۡ‬ ‫َٰ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ ُ ُ ۡ ا ِّ َ َ ۡ ُ َ ٓ‬
‫ه كيفيات عمل تعمل عىل‬ ‫ون ِمن قبل ِإن ٱلظ ِل ِم ري لهم عذاب أ ِليم‪( ﴾٢٢‬إبراهيم)‪ .‬لذلك ي‬ ‫ح ِإ يب كفرت ِبما أشكتم ِ‬ ‫رصِ ي‬
‫أنتم ِبم ِ‬
‫التجرين‪ ،‬ولكن‬ ‫العلم‬ ‫ر‬
‫دعم الكيفيات الهادمة للمجتمع مما ذكرنا أعاله‪ ،‬وإن كان ال يمكن رصدها مباشة من خالل البحث‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫بتأثتها عىل مستوى الفرد والمجتمع أكت من ثقتنا يف تلك‬ ‫الوح تسمح لنا باعتماد هذه الكيفيات علميا‪ ،‬والثقة ر‬ ‫ي‬ ‫مرجعية‬
‫الكيفيات المؤسسة عىل تخميناتنا الظنية وإن كانت علمية‪ .‬وهذه الكيفيات الشيطانية تعمل من خالل هوى النسان وحب‬

‫‪30‬‬
‫ه أعمال فاسدة يرتد أثرها عىل نفس النسان‬ ‫الشهوات حيث يزين الشيطان للناس أعمالهم‪ .‬وهذه األعمال المزينة شيطانيا ي‬
‫االجتماع‪ ،‬ويمهد الطريق إىل هدم‬ ‫ي‬ ‫فتقوى فيها ملهمات الفجور‪ ،‬ويقسو القلب‪ ،‬وتضعف الكيفيات الموجبة مما يعزز التفكك‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫االجتماع الفطري العام من‬ ‫وبي النظام‬ ‫ر‬
‫كيفيات العمل الجوهرية الفاعلة يف العالقة المباشة ربي الخالق سبحانه وتعاىل ر‬
‫ي‬
‫وه كيفيات "الرحمة" و"الرأية"‪ ،‬فما‬ ‫ه مسارات فعل يف اتجاه واحد من الرب إىل العباد‪ ،‬ي‬ ‫خالل مكوناته ونسيجه وبيئته ي‬
‫‪.‬‬
‫كان هللا ليعذبهم رغم ضاللهم حن يبعث رسوال‪ ،‬وقد افتضنا عدم إرسال الرسول يف هذا النظام الفطري وقد قال هللا تعاىل‬
‫وه رحمة عامة يف هذه الدنيا لكل الناس ُۗال تتتب عليها هداية الطريق‪ .‬وكيفيات الرحمة اللهية ال‬ ‫إنه بالناس رؤوف رحيم‪ ،‬ي‬
‫ا‬ ‫َ َ ُ ُّ ْ ۡ َ َ َّ َ ُ ۡ ُ َ ٓ ا َّ َ َ َ ُ‬
‫ٱَّلل َل تحصوها ِإن ٱَّلل لغفور ر ِحيم‪( ﴾١٨‬النحل)‪ .‬ومن كيفيات عمل‬ ‫يحصيها إال هللا‪ ،‬وقد قال تعاىل‪﴿ :‬و ِإن تعدوا ِنع َّمة ِ‬
‫ا َٓ َ ۡ َ َ َ ُٓ ََ ۡ َُ ُ َ ا‬ ‫ُ ۡ ُ ِّ ََٰ َ َ ُ ُ َ َ ا َ َ ۡ ُ ُ ُ‬ ‫الرحمة كيفية "التسةت"‪ ،‬فقد قال تعاىل‪ُ َّ :‬‬
‫﴿ٱَّلل ٱل ِذي ير ِسل ٱلري ح فت ِث رت سحابا فيبسطهۥ ِ يف ٱلسما ِء كيف ي َشاء ويجعلهۥ ِكسفا‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫رسون‪َ ٤٨‬و ِإن كانوا ِمن ق ۡب ِل أن ُي ات َل َعل ۡي ِهم ِّمن‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ۡ َ ۡ َۡ ر ُ َ‬
‫ب‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ا‬
‫َ‬
‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ا‬
‫ۦ‬ ‫ه‬ ‫اد‬‫ب‬
‫ٓ‬
‫اب بهۦ َمن َي َشا ُء م ۡن ع َ‬ ‫َف َ َتى ۡٱل َو ۡد َق َي ۡخ ُر ُج م ۡن خ َل َٰ له ۖۡۦ َفإ َذ ٓا َأ َص َ‬
‫َ ِ ُ ِۡ َ ِ اَٰ ِ َ َ ِ َٰ َ ۡ َ ِ ِ َّ َ ۡ َ ُ ۡ ِ ۡ َ ِۡ َ ِ ِ َ ۡ ِ َ َ ۡ َ ِٓۚ ا َ ِ َٰ َ َ ُ ۡ ۡ َ ۡ َ َٰ ۖۡ َ ُ َ َ َ َٰ ُ ِّ رَ ۡ َ‬ ‫َق ۡبلهۦ َل ُم ۡبلس َ‬
‫‪٥٠‬‬ ‫ير‬ ‫د‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ش ٖء‬ ‫ج ٱلموب وهو عىل ك َل‬ ‫ج ٱألرض بعد مو ِتها ِإن ذ ِلك لم‬ ‫ٱَّلل كيف ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‪ ٤٩‬فَٱنظر ِإىل ءاث ِر رحم ِت‬ ‫ر‬
‫ۡ ُِۚ‬
‫ِّ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫َ َ ا َ َُ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫َ ُُۡ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۢ‬ ‫َ َ ئِ ِ ۡ َ ۡ َ ۡ ِ َ ِ ا َ َ ۡ ُ ُ ۡ َ ا َّ َ ُّ ْ‬
‫ض ج ِميعا منه‬ ‫َٰ‬
‫ول ِي أرسلنا ِر ايحا فرأوه مصفرا لظلوا ِمن بع ِد ِهۦ يكفرون‪( ﴾٥١‬الروم)؛ ﴿وسخر لكم ما ِ يف ٱلسم و ِت وم َا ِ يف ٱألر‬
‫ِ َۡ َ ُ‬ ‫ۡ ۡ‬ ‫َ َ َ ۡ َ َّ ا َٰ ُ ۡ‬ ‫َ َ َّ َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ا‬
‫ض َو َج َعلنا لك ۡم ِف َيها‬ ‫التمكي"‪﴿ :‬ولقد مكن كم ِ يف ٱألر ِ‬ ‫ر‬ ‫ِإن ِ يف ُۗذ َٰ ِلك أل َي َٰ ٖت لق ۡو ٖم َيتفك ُرون‪( ﴾١٣‬الجاثية)‪ .‬هناك أيضا كيفية "‬
‫َ‬ ‫َ َ َٰ َ َ ا ا َ ۡ ُُ‬
‫مع ِيش ق ِليَّل ما تشكرون‪( ﴾١٠‬األعراف)‪.‬‬
‫ه السي االجتماعية الحاكمة لجميع النظم‬ ‫ر‬
‫ا‬ ‫ۡ ۡ‬ ‫وبي رب هم‪ ،‬وكيفيات العمل فيها ي‬ ‫المباشة ربي الناس ر‬ ‫غت‬‫هناك العالقة ر‬
‫َ‬
‫وه سي ال تتبدل‪ ،‬وال تتحول‪﴿ :‬ٱس ِتكبارا ِ يف‬ ‫اآلن‪،‬‬ ‫عليه‬ ‫نتعرف‬ ‫الذي‬ ‫العام‬ ‫الفطري‬ ‫االجتماع‬ ‫النظام‬ ‫االجتماعية بما فيها‬
‫َّ َ ۡ ا ۖۡ َ َ َ َ ُ ا‬ ‫َ َ ۡ َ ا ِّ ِۚ َ َ َ ُ ۡ َ ۡ ُ ي ا ِّ ئُ ا َ ۡ ِۚ َ َ ۡ َ ُ ُ َ ا ُ ا َ ۡ َ ا َ ِۚ ي َ َ َ َ ُ ا‬ ‫ۡ َۡ‬
‫ٱَّلل تب ِديَّل ولن ت ِجد ِلسن ِت‬ ‫ض ومكر ٱلس ر ين وَل ي ِحيق ٱلمكر ٱلس رن ِإَل ِبأه ِل ِهۦفهل ينظرون ِإَل سنت ٱألو ِل ري فلن ت ِجد ِلسن ِت ِ‬ ‫ٱألر َ ِۡ‬
‫يىل‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ٱَّلل تح ِويَّل‪( ﴾٤٣‬فاطر)‪ .‬وقد قمنا بتعريف سنة هللا االجتماعية يف بحوث لنا سابقة كما ي‬ ‫ِ‬

‫لينته به‪ ،‬بأسباب طبيعية‪،‬‬


‫ي‬ ‫إله مناسب له‬
‫يأب به الفرد‪ ،‬أو الجماعة‪ ،‬فيهيمن عليه ويصدقه فعل ي‬
‫" كل فعل إرادي راتب ي‬
‫أو اجتماعية‪ ،‬أو بكليهما‪ ،‬إىل نتائج يقدرها هللا تعاىل قد تكون مطابقة‪ ،‬أو مخالفة‪ ،‬لما قصده الفرد‪ ،‬أو الجماعة من فعلهم‪،‬‬
‫غت‬
‫الفاعلي‪ ،‬وقد يكون ر‬
‫ر‬ ‫التأثت ر‬
‫مباشا ينحرص يف‬ ‫ر‬ ‫تأثتها الفرد الفاعل‪ ،‬أو يعم كل‪ ،‬أو بعض الجماعة‪ ،‬وقد يكون‬ ‫وقد يخص ر‬
‫والطبيع"‪.‬‬ ‫االجتماع‬ ‫مباش يتجاوزهم إىل محيطهم‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫االجتماع الفطري العام إىل أنه نظام‪ ،‬إذا ترك دون تدخل من خارجه إال من‬
‫ي‬ ‫ينته استعراضنا ألهم سمات النظام‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫تنته تطبيقاته العملية يف الزمان والمكان إىل نظم اجتماعية دنيوية بحكم الفطرة البرسية‪ ،‬وبحكم البنية االجتماعية‬ ‫الشيطان‪،‬‬
‫ي‬
‫الن‬‫للنظام‪ ،‬سواء يف عالقاتها الداخلية‪ ،‬أو يف عالقة مكونات النظام مع مكونات البيئة الخارجية‪ ،‬وبمقتض كيفيات العمل ي‬
‫النساب‬
‫ي‬ ‫ع‪ .‬وقد أكد القرآن الكريم هذه الحقيقة يف آيات ر‬
‫كثتة‪ ،‬كما يقف تاري خ االجتماع‬ ‫التغيت االجتما ي‬
‫ر‬ ‫تتحكم يف عمليات‬
‫شاهدا عىل ذلك‪ .‬إذن قضاء هللا تعاىل أال يعبد الناس إال إياه يقتض إنزال الوح من السماء‪ ،‬وإرسال الرسل ر‬
‫مبرسين ومنذرين‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫االجتماع الينيوي‬
‫ي‬ ‫‪ -2.3.4‬النظام‬
‫االجتماع الفطري العام‪ ،‬ويتأسس عىل فرض‬ ‫ي‬ ‫هذا النظام يمثله الشكل رقم (‪ )3‬يف هذا البحث‪ ،‬وهو أحد نهايات النظام‬
‫الوح‪ ،‬وإرسال الرسل‪ ،‬واستحباب الناس الذين يكونون هذا النظام الكفر عىل اليمان‪ ،‬وإرادتهم الحياة الدنيا وزينتها‪،‬‬ ‫ي‬ ‫نزول‬
‫اجتماع مصنوع‪ ،‬وليس فطري‪ ،‬بل تم تصميمه ليحقق مقاصد حياتية محددة‪ .‬األوفق‬ ‫ي‬ ‫وإيثارهم لها عىل اآلخرة‪ ،‬فهو إذن نظام‬
‫الن أثبتها القرآن الكريم لهذا النظام‪ ،‬ثم توظيف هذه الخواص يف‬ ‫أن نبدأ برصد الخواص الوجودية والمعرفية والمنهجية ي‬
‫‪:‬‬ ‫اآلتية‬ ‫الحقائق‬ ‫الدنيوي‬ ‫االجتماع‬ ‫النظام‬ ‫التعرف عىل سماته النظمية‪ .‬لقد أثبت القرآن الكريم لهذا‬
‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ َ ۡ ۡ َ ا َ َ َّ‬ ‫َ ۡ ا َ ُ َ ي ۡ َ َ ۡ ََٰ‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ ُ ۡ ُ َ ۡ َ َ َٰ َ ُّ ۡ‬
‫‪ -1‬إيثار الثياة الينيا عىل اآلخرة ﴿بل تؤ ِثرون ٱلحيوة ٱلدنيا‪ ١٦‬وٱأل ِخرة خ رت وأبف‪( ﴾١٧‬األعىل)؛ َ﴿فأع ِرض عن من توىل عن‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ُ ۡ َ َ َٰ َ ُّ ۡ َ َ َ َ َ ُ َ ِّ َ‬ ‫َ ُّ ۡ‬ ‫ۡ ا ۡ‬ ‫ۡ َ َ‬
‫ف ِإل ۡي ِه ۡم أ ۡع َم َٰ ل ُه ۡم ِف َيها َوه ۡم ِف َيها َل‬ ‫ِذك ِرنا َول ۡم ُي ِرد ِإَل ٱل َح َي َٰوة ٱلدن َيا‪( ﴾٢٩‬النجم)؛ ﴿من كان ي ِريد ٱلحيوة ٱلدنيا و ِزينتها نو‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُي ۡبخ ُسون‪( ﴾١٥‬هود)؛‬
‫ََۡ َ َ‬ ‫ۡ َ ُ ا ْ َ ا َ ۡ َ َ َٰ ُ ُّ ۡ َ َ‬ ‫‪ -2‬تعظيم متاع الثياة الينيا كمقصد ئ‬
‫نهاب للناس الذين َ يتكون منهم النظام‪﴿ :‬ٱعلموا أنما ٱلحيوة ٱلدنيا ل ِعب ولهو و ِزينة‬
‫ۡ َ َ ۡ ُ ا َ َ َ ُ ُ ُ ا َ ُ َ َ َ َٰ ُ ُ ۡ َ ا ُ ا َ ُ ُ ُ َ َٰ ا ۖۡ‬ ‫َۡ‬ ‫ۡ َ ۡ َ َ ۡ َ ۡ َ َٰ ي ۖۡ َ َ َ‬ ‫َُ ََ ُ‬ ‫ََ ُ‬
‫َو اتفاخ ُ ۢر َب ۡينك ۡم َوتكاثر ِ يف ٱألم َٰو ِل وٱألول ِد كمث ِل غي ٍث أعجب ٱلكفار نباتهۥ ثم ي ِهيج فتىه مصفرا ثم يكون حط ما و ِ يف‬
‫َ‬
‫َ ا َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ۡ‬
‫ٱلدن َيا إَل َم َت َٰ ُع ٱل ُغ ُرور‪( ﴾٢٠‬الحديد)؛ َ‬‫ا‬ ‫ٓ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ِۚ‬
‫َ َ ۡ َ ِّ َ َّ َ ۡ َ َٰ َ َ َ َ َٰ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡٱألخ َرة َ‬
‫ين كف ُروا َيت َمت ُعون‬ ‫﴿وٱل ِذ‬ ‫ٱَّلل و ِرضو ن وما ٱلحيوة‬ ‫ِ‬ ‫يد ومغ ِفرة من‬ ‫د‬‫ِ‬ ‫ش‬ ‫اب‬ ‫ذ‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ا ۡ‬ ‫ِۡ ُ ُ ِ َ َ َ ۡ ُ ۡ َ ۡ‬
‫َو َيأ كلون ك َما تأ ك ُل ٱألن َع َٰ ُم َوٱلن ُار َمث اوى ل ُه ۡم‪( ﴾١٢‬محمد)؛‬

‫‪31‬‬
‫ُ َ ُ َ‬ ‫ۡا‬ ‫ُ‬ ‫ُّ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫﴿ي ۡعل ُمون ظ َٰ ِه ارا ِّم َن ٱل َح َي َٰو ِة ٱلدن َيا َوه ۡم ِۚ َع ِن ٱأل ِخ َر ِة َه ۡم غ َٰ ِفلون‪﴾٧‬‬ ‫المعرف‪:‬‬ ‫ي‬ ‫التجريب هو أساس النظام‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫الثس‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫‪ -3‬العلم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ض َعن امن ت َو َٰىل َعن ذكرنا َول ۡم ُيرد إَل ٱل َح َي َٰوة ٱلدن َيا‪ ٢٩‬ذ َٰ لك َم ۡبلغ ُهم ِّم َن ٱلعلم إن َرابك ه َو أ ۡعل ُم ب َمن ضلا‬ ‫ا‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫(الروم)؛ ﴿فأعر‬
‫ََۡ‬ ‫َ ُ َِ َ ۡ َ‬
‫َ‬ ‫َعن َس ِبي ِل ِهۦ وهو أعلم ِبم ِن ٱهتدى‪( ﴾٣٠‬النجم)؛‬
‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٓ‬ ‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ين ك َف ُر اوا أ ۡع َم َٰ ل ُه ۡم ك َ َ‬‫َ‬ ‫َّ‬
‫يع ٖة َي ۡح َس ُبه ٱلظ ۡم ان َماء َح ا َٰان ِإذا َجا َء ُهۥ‬ ‫رساب بق َ‬
‫ِ‬
‫﴿وٱلذ َ‬
‫ِ‬
‫‪ -4‬جميع أعمالهم سيئة‪ ،‬بالتصنيف القرآب للعمل‪َ :‬‬
‫ِۢ ِ َ َ ۡ َ ٓ َ َٰ َ َ ُ ْ ۡ َ َ َ َ َ ۡ َ َٰ ُ‬ ‫ۡ‬
‫ٱَّلل َشي ُع ٱلح َ‬ ‫ند ُهۥ َف َو اف َٰى ُه يح َس َاب ُه ُۗۥ َو َّ ُ‬
‫َ ۡ َ ۡ ُ َ ۡ ا َ َ َ َ َّ َ َ‬
‫اب‪( ﴾٣٩‬النور)؛ ﴿وق ِدمنا ِإىل ما ع ِملوا ِمن عم ٖل فجعلن ه‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لم ي ِجده شي ا ووجد ٱَّلل ِع‬
‫ورا‪( ﴾٢٣‬الفرقان)؛‬ ‫َه َب ٓا اء ام ُنث ً‬
‫ۡ َۡ‬ ‫َ َ َّ ۡ ُ ۡ َ ُ ۡ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫ِ‬ ‫‪ -5‬اإليساد يف َ األرم‪ ،‬وتقطيع األرحام هو المحصلة النهائية للنظام‪﴿ :‬ف َه ۡل َ َع َس ۡيت ۡم ِإن توليتم أن تف ِسدوا ِ يف ٱألر‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ۡ َ ِّ َ ۡ َ ۡ َ َ َ َ ۡ‬ ‫َۡ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ِّ ْ‬
‫ض ٱل ِذي ع ِملوا ل َعل ُه ۡم‬ ‫ت أ ۡي ِدي ٱلناس ل ُي ِذيق ُهم َب ۡع َ‬
‫ِ ِ‬ ‫َوتقط ُع اوا أ ۡر َح َامك ۡم‪( ﴾٢٢‬محمد)؛ ﴿ظ َه َر ٱلف َساد ِ يف ٱلت وٱلبح ِر ِبما كسب‬
‫َۡ ُ َ‬
‫ون‪( ﴾٤١‬الروم)‪.‬‬ ‫ير ِجع‬

‫‪ -1.2.3.4‬مكونات النظام‬
‫االجتماع الدنيوي المثال (‪ )Ideal Type‬من ناس تنطبق عليهم الخواص الخمسة أعاله‪ ،‬فعالم الشهادة‬
‫ي‬ ‫يتكون النظام‬
‫هو وحده المحدد لرؤيتهم للعالم‪ ،‬وتعظيم متاع الحياة الدنيا هو وحده مقصدهم‪ ،‬والعلم بظاهر من الحياة الدنيا هو‬
‫االجتماع‪.‬‬
‫ي‬ ‫ه هاديهم إىل الفعل والتفاعل‬
‫وسيلتهم‪ ،‬وملهمات الفجور يف النفس ي‬

‫‪ -2.2.3.4‬بيئة النظام‬
‫(الشياطي‪ ،‬الجن‪ ،‬المالئكة)‪،‬‬
‫ر‬ ‫الوح)‪ ،‬ومكونات عالم الغيب‬ ‫ي‬ ‫تشمل بيئة النظام مكونات عالم الشهادة (األرض‪ ،‬السماء‪،‬‬
‫ينبع التنبيه إىل أن "المال" و"البنون" يظهران يف الشكل رقم (‪)6‬‬
‫ي‬ ‫عالم الغيب والشهادة‪ ،‬القاهر فوق عباده‪.‬‬ ‫المتعاىل‪ِ ،‬‬
‫ي‬ ‫ثم هللا‬
‫االجتماع‪ ،‬لذلك ال يشكالن‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫كيبة‬
‫تر‬ ‫صلب‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫ان‬ ‫يصت‬
‫ر‬ ‫هنا‬ ‫لكنهما‬ ‫النسان‪،‬‬ ‫نظام‬ ‫ل‬ ‫الشهادة‬ ‫عالم‬ ‫بيئة‬ ‫مكونات‬ ‫من‬ ‫كمكوني‬
‫ر‬
‫مكوني من مكونات بيئته الخارجية‪ ،‬بل يظهرا يف شكل نظم اجتماعية جزئية بما عملته يد النسان فيهما‪ .‬ونالحظ هنا دخول‬
‫ر ّ‬
‫الوح‪ ،‬وإرسال الرسل مما أدى إىل‬
‫ي‬ ‫الوح كمكون من مكونات عالم الشهادة‪ ،‬ألن من االفتاضات القبلية لهذا النظام هو نزول‬ ‫ي‬
‫يصت‬
‫والوح بعد نزوله من عالم الغيب عن طريق الرسل‪ ،‬صلوات هللا وسالمه عليهم‪ ،‬ر‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬‫اليمان‬ ‫عىل‬ ‫الكفر‬ ‫الناس‬ ‫يختار‬ ‫أن‬
‫ر‬
‫من مكونات عالم الشهادة‪ ،‬إما من حيث هو علم يحمله برس‪ ،‬رسال كانوا‪ ،‬أم علماء رباني ري يخلفونهم يف هذا العلم عت الزمان‬
‫وح يف كتاب مكنون كالقرآن الكريم‪ ،‬محفوظ من التحريف إىل قيام الساعة بحفظ هللا تعاىل له‪،‬‬ ‫والمكان‪ ،‬ويبلغونه للناس‪ ،‬أو ي‬
‫ومتاح االطالع عليه من كل الناس‪.‬‬

‫‪ -3.2.3.4‬نسيج النظام‬
‫ّ‬
‫الن تربط مكونات النظام مع بعضها‪ ،‬وكذلك جملة الروابط‬ ‫ي‬ ‫الداخلية‬ ‫العالقات‬ ‫جملة‬ ‫من‬ ‫(بنيته)‬ ‫النظام‬ ‫يتكون نسيج‬
‫خارح‪ .‬البيئة الخارجية‬ ‫ي‬ ‫داخىل‪ ،‬وآخر‬
‫ي‬ ‫يعن أن لدينا نسيج‬ ‫الن تربط مكونات النظام مع مكونات بيئته الخارجية‪ ،‬مما ي‬ ‫الخارجية ي‬
‫والوح‪ ،‬وبيئة عالم الغيب المكونة من‬ ‫ي‬ ‫تأب عىل ثالثة مستويات‪ ،‬بيئة عالم الشهادة المكونة من األرض‪ ،‬السماوات‬ ‫للنظام ي‬
‫الن تربط الناس بخالقهم تبارك وتعاىل‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الروابط‬ ‫ثم‬ ‫والمالئكة‪،‬‬ ‫الجن‬ ‫‪،‬‬ ‫الشياطي‬
‫ر‬
‫االجتماع‪،‬‬
‫ي‬ ‫الوح‪ ،‬وإرسال الرسل بالبالغ‪ ،‬ودعوة الناس لعبادة هللا وحده‪ ،‬وإقامة دين التوحيد يف الواقع‬ ‫ي‬ ‫إن افتاض نزول‬
‫مقرونا بافتاض تكذيب الناس للرسل‪ ،‬واستحباب الكفر عىل اليمان‪ ،‬وإيثار الحياة الدنيا عىل اآلخرة‪ ،‬ومن ثم إقامة نظام‬
‫االجتماع الفطري العام‪.‬‬
‫ي‬ ‫اجتماع يحكمه هوى الناس الذين يكونونه ُيحدث فرقا جوهريا يف التحليل عما فعلناه يف النظام‬ ‫ي‬
‫يرسكوا به شيئا‪ ،‬وأن يقيموا الدين الذي يجسد هذه العبادة يف واقعهم‬ ‫الوح يقيم الحجة عىل الناس بأن يعبدوا هللا وال ر‬
‫ي‬
‫االجتماع‪ ،‬ومن ثم يحدد نظاما عقديا‪ ،‬وآخر معياريا‪ ،‬أخالقيا وقانونيا‪ ،‬بمقتضاه تنشأ أحكام طبيعتها "أفعل" وال "تفعل"‬ ‫ي‬
‫اجتماع جوهره‬ ‫ي‬ ‫المفض إىل نظام‬
‫ي‬ ‫االجتماع‪ ،‬وتصاغ مؤسسات وتنظيمات تيرس هذا الفعل والتفاعل‬ ‫ي‬ ‫تحكم الفعل والتفاعل‬
‫االجتماع وأقامه فهو مؤمن‪ ،‬ومن رده فهو كافر‪ ،‬وخيار الكفر هو ما افتضناه يف هذا‬ ‫ي‬ ‫رص بهذا النظام‬ ‫توحيد هللا تعاىل‪ ،‬فمن ي‬
‫شء‬ ‫ر‬ ‫‪.‬‬
‫وبي عباده تصبغ كل ي‬ ‫تنبن عليه عالقة ربي هللا تعاىل ر‬ ‫الموقفي ي‬
‫ر‬ ‫االجتماع الدنيوي الذي نحن بصدد تحليله وكال‬ ‫ي‬ ‫النظام‬
‫الن‬ ‫االجتماعية‬
‫ُۡ َ ََۡ َ َ ي‬ ‫العالقات‬ ‫معادلة‬ ‫الكريم‬ ‫آن‬
‫ر‬ ‫الق‬ ‫حدد‬ ‫لقد‬ ‫‪.‬‬ ‫آالت‬ ‫والم‬ ‫؛‬‫العمل‬ ‫كيفيات‬ ‫النسيج؛‬ ‫البيئة؛‬ ‫نات؛‬ ‫المكو‬ ‫‪:‬‬ ‫النظامي‬
‫ر‬ ‫يف‬
‫َٰ‬ ‫َٰ‬ ‫ۡ‬ ‫ا َّ َ َ ۡ ُ ُ ۡ َ ۡ َ ۡ ۡ َ َٰ َ َ ٓ‬
‫ي ِذي ٱلقرب وينه ع ِن‬ ‫﴿إن ٱَّلل يأمر ِبٱلعد ِل و ِٱلحس ِن و ِإيتا ي‬ ‫االجتماع‪ ،‬فقال‪ِ :‬‬
‫النظام َّ َ ي‬ ‫ينبع أن يقام عىل أساسها نسيج‬
‫ۡ َ ۡ ي َ ٓ َ ۡ ُ َ َ ۡ َ ۡ ِۚ َ ُ ُ ۡ َ َ َّ ُ ۡ َ َ‬
‫ُ‬
‫االجتماع الدنيوي المعرض‪ ،‬افتاضا‪ ،‬عن أمر هللا ال‬ ‫ُ‬
‫ٱلفحشا ِء وٱلمنك ِر وٱلب ِيع ي ِعظكم لعلكم تذكرون‪( ﴾٩٠‬النحل)‪ ،‬فالنظام‬
‫ي‬
‫والبع‪.‬‬
‫ي‬ ‫شك أن عالقاته االجتماعية تقوم عىل الفحشاء‪ ،‬والمنكر‪،‬‬

‫‪32‬‬
‫يل‬‫َّلل َو َم َل َٰا ئ َكتهۦ َو ُر ُسلهۦ َوج ۡت َ‬ ‫‪ ُ َ َ َ َ :‬ا ِّ َّ‬
‫ِِ ِ ِ‬ ‫ان عدوا ُ َ ِ ْ َ ِ ِ ُِ‬ ‫﴿من ك ۡ َ‬ ‫بمضامي آيات مثل‬
‫َ َ َّ ۡ ُ ۡ َ ُ ۡ ُ ْ‬
‫ر‬ ‫االجتماع الدنيوي المثال يصبح محكوما‬
‫َ َ َٰ َ َ ا َّ َ َ ُ ي ِّ ۡ َ‬
‫النظام‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ََ ۡ َ َ ُۡ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬
‫ض وتقطعوا أرحامكم‪( ﴾٢٢‬محمد)؛‬ ‫ٱَّلل عدو للك ِف َ ِرين‪( ﴾ِۚ ٩٨‬البقرة)؛ ﴿فهل عسيتم ِإن توليتم أن تفسدوا ف ٱألر‬ ‫وميكىل فإن‬
‫ُّ ِ ۡ َ َ َ ِ ي ۡ َ َ َ ُِ ُ ُ ۡ َ ُ ۡ َ َٰ ُ َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َ ُ ۡ ِ ۡ َ َ ۡ َ ُ ُ ۡ َ َ ا ۡ َ َٰ ُ ُ ۡ ا َ ُ ُ َّ ُ ُ َ ِّ‬
‫َٰ‬
‫﴿فَّل تع ِجب َك أمو لهم ول أول دهم ِإنما ي ِريد ٱَّلل ِليعذبهم ِبها ِ يف ِۚٱلحيو ِة ٱلدنيا وتزهق أنفسهم وهم ك ِفرون‪( ﴾٥٥‬التوبة)؛‬
‫َ َّ َ َ َ ْ َ ا َ‬ ‫َ‬ ‫ا ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ي‪ ٥٥‬ن َس ِار ُع ل ُه ۡم ِ يف ٱل َخ ر ۡ َ َٰ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ون أ ان َما ُنم ُّد ُهم بهۦمن امال َو َبن َ‬ ‫ََ ۡ َ ُ َ‬
‫ين كف ُروا َيت َِۚمت ُعون‬ ‫ت ِت َبل َل َيش ُع ُ َرون‪( ﴾٥٦‬المؤمنون)؛ ﴿وٱل ِذ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ٖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿أيحسب‬
‫ٱَّللُ‬ ‫ُ ۡ َ َ َ ُ ۡ َ ۡ َ ۡ َ َ ا ۡ َ َ َّ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َّ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ۡ ُ ُ َ َ َ َ ۡ ُ ُ ۡ َ ۡ َ َٰ ُ َ ا ُ َ ۡ ا َّ‬
‫ض ِليف ِسد ِفيها وي َه ِلك ٱلحرث وٱلنسل و‬ ‫َٰ‬ ‫َٰ‬
‫ويأ كلون كما تأ كل ٱألنع م وٱلنار مثوى له َم‪( ﴾١٢‬محمد)؛ ﴿وإذا توىل سع ف ٱألر‬
‫َ َّ‬ ‫َ ا ِ َ ُ َ َ ا َ ِ ي ٗ َ َ ۡ ِ رُ ُ ُ َ ۡ َ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ب ۡٱل َف َس َاد‪( ﴾٢٠٥‬البقرة)؛ َ‬ ‫ََل ُيح ُّ‬
‫ض َع َن ِذك ِري ف ِإن لهۥم ِعيشة ضنكا ونحرسهۥ َيوم ٱل ِقي م ِة أعم‪﴾١٢٤‬‬
‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫﴿و َم ۡن أ ۡع َر َ‬
‫ٱَّلل‬
‫(طه)؛ ﴿ت ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ۡ َ‬
‫اب أ ِليم‪(َ ﴾٦٣‬النحل)؛ َ ﴿لقد كان ِل َس َب ٖإ ِ يف‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ٱلش ۡي َط َٰ ُن أ ۡع َم َٰ ل ُه ۡم ف ُه َو َول ُّي ُه ُم ٱل َي ۡو َم َول ُه ۡم َعذ ر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َ َا َ ُ ُ ا‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ي‬‫ز‬ ‫ف‬
‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ق‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬‫َل َق ۡد َأ ۡر َسل َنا إ َٰاىل أ َمم ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫ۡ‬
‫ِ‬ ‫ٖ‬
‫ُ ْ َ َۡ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ۡ ُ ِ ْ َ ُ ِۚ ۡ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ ۖۡ ُ ُ ْ‬ ‫َم ۡس َكنه ۡم َء ِ َاي ۖۡة َج ان َتان َعن َ‬
‫ال ك ُلوا ِمن ِّرز ِق َ َرِّبك ۡم َوٱشك ُروا لهۥ َبلدة ط ِّي َبة َو َر ٌّب غفور‪ ١٥‬فأ ۡع َرضوا ف ۖۡأ ۡر َسلنا َعل ۡي ِه ۡم َس ۡي َل‬ ‫م‬ ‫ش‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ ُ ْ َ َ ۡ ُ َ َٰ ا ا‬ ‫ُ‬ ‫َٰ‬ ‫َ َٰ َ َ َ ۡ َ‬ ‫ۡ َ‬ ‫ِّ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ِ ا َ ۡ ۡ َ ا ن َ ۡ َ َ َٖ ۡ ُ َ ۡ َ ۡ َ ر َ‬ ‫ُ‬ ‫َٰ‬ ‫ۡ َ َِ َ ا ۡ َ‬
‫يل‪ ١٦‬ذ ِلك جزين هم ِب َما كفروا وهل نج ِزي ِإَل‬ ‫ٱلع ِ ِرم وبدلن هم بجنتيهم جنتي ذواب أ كل خمط وأثل وشء من سدر قل‬
‫ََ ُ ْ َ‬ ‫َ َ َ ۡ َ ِ َ ۡ َ ُ ِ ۡ َ َ ۡ َ ر ِۡ ُ َ ي َّ َ ٍ َٰ َ ۡ َ ٖ َ ُ ا ٖ َ َٰ ي َ ٖ ا َ َ ا ۡ ِ َ ن َ ِ ٖ ا ۡ َ ۖۡ ُ ْ َ َ‬ ‫ۡٱل َك ُف َ‬
‫ي‪ ١٨‬فقالوا َرابنا‬ ‫اىل َوأ اي ًاما َءامن َ‬
‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫يه‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫وا‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ٱلس‬ ‫ا‬ ‫يه‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ر‬ ‫د‬ ‫ق‬‫و‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ظ‬ ‫ى‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫ا‬‫يه‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ٱل‬ ‫ى‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫ٱل‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫‪١٧‬‬ ‫ور‬
‫ََ ۡ ا َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫َ َ َا‬ ‫ِۚ ا‬ ‫ُ‬ ‫َۡ‬ ‫َ‬ ‫َ َۡ‬ ‫َ َٰ ۡ َ ۡ َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ‬
‫ور‪َ ١٩‬ولقد َصدق‬ ‫ي أ ۡسف ِارنا َوظل ُم اوا أنف َس ُه ۡم ف َج َعلن َٰ ُه ۡم أ َح ِاديث َو َم ازقن َٰ ُه ۡم َك ال ُم َم از ٍق ِإن ِ يف ذ َٰ ِلك أل َي َٰ ٖت لك َ ِّل َص اب نار شك‬ ‫ب عد ب ر‬
‫ىل ِع ۡل ٖم َو َخ َت َم َع َىلَٰ‬
‫ن‬
‫ٱَّلل َع َ َٰ‬ ‫ت َمن اٱت َخ َذ إ َل َٰ َه ُهۥ َه َو َٰى ُه َوأ َض َّل ُه َّ ُ‬ ‫َََۡ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِ ۡ ۡ ۡ ُ َ ا ُ َ ا َ ُ ُ ا َ ا ِّ َ ۡ ُ ۡ‬
‫َ َ َ َ َ َ َ َٰ َ‬ ‫﴿أ ِۚف َر َء َي َ َ َّ ِ َ ِ‬ ‫علي ِهم ِإب ِليس ظنهۥ فٱتبعوه ِإَل ف ِريقا من ٱلمؤ ِم ِن ري‪( ﴾٢٠‬سبأ)؛‬
‫َ ا َ‬
‫ىل َب ِّين ٖة ِّمن ارِّب ِهۦ‬ ‫ٱَّلل أفَّل تذك ُرون‪( ﴾٢٣‬الجاثية)؛ ﴿أفمن كان ع‬ ‫ِ‬
‫ۢ َ ۡ َّ‬
‫رصِهۦ ِغش َٰ َوة ف َمن َي ۡه ِد ِيه ِمن بع ِد‬ ‫ِ‬
‫ىل َب َ‬ ‫َس ۡم ِع ِهۦ َو َق ۡل ِب ِهۦ َو َج َع َل َع َ َٰ‬
‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫ا َّ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ُ ْ َ ۡ َ ُ َّ ُ ۡ َ‬ ‫ا َْۡ ٓ ُ‬ ‫َ ُ َُ‬
‫ٱَّلل ِل َيغ ِف َر ل ُه ۡم َوَل ِل َي ۡه ِد َي ُه ۡم ط ِريقا‪١٦٨‬‬ ‫﴿إن ٱل ِذين كفروا وظلموا لم ي َك ِن‬ ‫ِ‬ ‫ك َمن ِّزي َن لهۥ ُس او ُء َع َم ِل ِهۦ َوٱت َب ُع َ اوا ِۚأه َوا َءهم‪( ﴾١٤‬محمد)؛‬
‫َ ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُّ ۡ َ‬ ‫َۡ ْ ا ۡ‬ ‫َ َ ٓ َ ا َ َ َ َ َ َ َ َّ‬ ‫ا َ َ َ َ اَ َ‬
‫﴿ٱعل ُم اوا أن َما ٱل َح َي َٰوة ٱلدن َيا ل ِعب َ اول ۡهو َو ِزينة َوتفاخ ُ ۢر‬ ‫ٱَّلل َي ِس ر اتا‪( ﴾١٦٩‬النساء)؛‬ ‫خ َٰ ِل ِدين ِ ۡف َيه َا أب ۖۡد َا وكان َذ َٰ ِلك َ عىل ِ‬ ‫َ‬ ‫ِإَل ط ِريق جهنم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۖۡ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َب ۡي َن ُك ۡم َو َت َك ُاثر ف ۡٱأل ۡم َ َٰو ل َوٱأل ۡول َٰ د ك َمثل غ ۡيث أ ۡع َج َ‬
‫َ‬
‫ب ٱلكف َار ن َباتهۥث ام َي ِهيج ف َتَٰىه ُم ۡصفرا ث ام َيكون ُحط َٰ اما َو ِ يف ٱأل ِخ َر ِة َعذاب ش ِديد‬ ‫ُ ِ ُّ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور‪( ﴾٢٠‬الحديد)‪.‬‬ ‫ٱلد ۡن َي ٓا إ اَل َم َت َٰ ُع ۡٱل ُغ ُ‬ ‫ٱَّلل َور ۡض َ َٰو ِۚن َو َما ۡٱل َح َي َٰ‬ ‫َ َ ۡ َ ِّ َ ِ يَّ‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومغ ِفرة من‬
‫والخارح النسيج‬ ‫‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الداخىل‬
‫ي‬ ‫النسيجي‬ ‫ر‬ ‫االجتماع الدنيوي‪ ،‬عىل مستوى‬ ‫ي‬ ‫مضامي اآليات أعاله تحكم تحليلنا لنسيج النظام‬ ‫ر‬
‫المبن عىل التنافس‬ ‫ي‬ ‫جتماع‬ ‫ي‬ ‫اال‬ ‫والتفاعل‬ ‫الفعل‬ ‫إطار‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫أي‬ ‫)‪،‬‬ ‫(البني‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫(المال)‬ ‫محوري‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫الناس‬ ‫عالقات‬ ‫تحكمه‬ ‫للنظام‬ ‫الداخىل‬
‫ي‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫عىل زينة الحياة الدنيا‪ ،‬وتعظيم الحظوظ الفردية والجمعية من متاعها‪ ،‬وما ينشأ من نظم اجتماعية وسيطة ميرسة ومؤكدة‬
‫ه الفساد يف َاألرض وإهالك‬
‫َ ُ ُّ ُ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫االجتماع‪ .‬السمة الجوهرية الغالبة عىل هذه العالقات االجتماعية ي‬ ‫ي‬ ‫لهذا النوع من التفاعل‬
‫ْ‬
‫الحرث والنسل‪ ،‬وقد أكد ذلك الحديث النبوي الذي أورده البخاري يف صحيحه‪( :‬فأب ِرسوا وأملوا ما يرسكم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َََ َ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ُ ْ ُ َ َ ُ ُّ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ ْ َ‬ ‫َ َ َّ‬
‫اَّلل ما الفق َر أخ رس عل ْيكم‪ ،‬ول ِك ْن أخ رس عل ْيكم أن ت ْب َسط َعل ْيك ُم الدن َيا‪ ،‬كما ُب ِسطت عىل َمن كان ق ْبلك ْم‪ ،‬فتناف ُسوها كما‬ ‫ِ‬ ‫فو‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ ُ َ ُْ ُ‬
‫تنافسوها‪ ،‬وتلهيكم كما ألهتهم(‪.‬‬
‫اع الدنيوي جوهرها أكل أموال الناس بالباطل عن طريق الربا‪،‬‬ ‫ي‬ ‫االجتم‬ ‫النظام‬ ‫هذا‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫المال‬ ‫مجال‬ ‫العالقات الرابطة يف‬
‫والمتان‪ ،‬وكل أنواع الغرر‪ ،‬وعدم الوفاء بالعقود يف مجال النتاج والتوزي ع‪ ،‬والتمتع واألكل كما‬ ‫ر‬ ‫والكت‪ ،‬والتطفيف يف المكيال‬
‫تأكل األنعام يف مجال االستهالك‪ ،‬وتوظيف المال يف المسافحة واتخاذ األخدان‪ ،‬وإكراه النساء عىل البغاء‪ ،‬وكل أنواع تجارة‬
‫الجنس الجالبة للمال الحرام‪ ،‬المؤدية إىل الفساد يف األرض وتقطيع األرحام مما ذكر القرآن الكريم‪ .‬هناك أيضا عالقات مالية‬
‫تقوم عىل بطش الجبارين وما تؤدي إليه من حروب فيها الغالب والمغلوب‪ ،‬والناهب والمنهوب‪ ،‬والقوي والمستضعف‪ ،‬وقد‬
‫للبرسية‪.‬‬ ‫رصب لنا القرآن الكريم أمثلة عديدة لهذا النوع من العالقات المالية ف النظم االجتماعية التاريخية ر‬
‫ي‬
‫وه يف هذا النظام‬ ‫ي‬ ‫بالنساء‪،‬‬ ‫الرجال‬ ‫تربط‬ ‫جنسية‬ ‫بيولوجية‬ ‫ه ابتداء عالقات‬ ‫البني ي‬ ‫العالقات الجوهرية الرابطة يف مجال ر‬
‫غت طبيعية‬ ‫االجتماع الدنيوي طابعها الغالب هو الفحشاء والمنكر‪ ،‬سواء كانت عالقات طبيعية ربي الرجال والنساء‪ ،‬أم ر‬ ‫ي‬
‫قه القرآن منها‪ ،‬وما‬ ‫وث‬ ‫ما‬ ‫؛‬ ‫ذلك‬ ‫كل‬ ‫‪،‬‬ ‫ها‬ ‫من‬ ‫أيدينا‬ ‫بي‬ ‫ر‬ ‫ما‬ ‫سيما‬ ‫ال‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫البرس‬ ‫كالمثلية‪ ،‬وزنا المحارم‪ ،‬وقد صدق تاري خ المجتمعات ر‬
‫ُُ‬ ‫َ ُُ ََ ُُ‬ ‫ۡ َ ُ ُ ُُ‬
‫﴿ح ِّر َمت َعل ُ ۡيك ۡم أ ام َه َٰ تك ۡم َو َبناتك ۡم َوأخ َ َٰو تك ۡم َو َع ام َٰ تك ۡم‬ ‫دونته األقالم‪ ،‬حن إن هللا تعاىل أنزل قرآنا يحرم زنا المحارم‪ ،‬فقال‪ُ :‬‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫َ َ َٰ َ َٰ ُ ُ ۡ َ َ َ ُ ۡ َ َ َ َ ُ ۡ ُ ۡ َ ُ ا َ َٰ ُ ُ ُ ا َٰ ا َ ۡ َ ۡ َ ُ ۡ َ َ َ َ ُ ُ ِّ َ ا َ َٰ َ َ ا َ َٰ ُ َ ٓ ُ ۡ َ َ َ َٰا ُ ُ ُ َٰا‬
‫وركم‬ ‫ف حج ْ ِ‬ ‫سا ِئك ۡم َو ۡرب َ ِئب ُكم َٱل َ ِ ين َ ِ ي‬ ‫وخ ل تكم وبنات ٱأل ِخ وبنات ٱألخ ِت وأمه تكم ٱل ِ ين أرضعنكم وأخ َٰو تكم من ٱلرض ع ِةَ وأمه ت ِن‬
‫وا َب ۡيَ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ا َ َ ُ َ َ َ َ ُ َ َ َ ا ُ ۡ َ ٓ ُ َّ‬ ‫ا َ َّ َ ُ ُ ْ َ َ ۡ ُ‬ ‫َ َ ُۡ‬ ‫ِّ ِّ ٓ ُ ا‬
‫ۡم ُن ن َسا ِئ اك ُم ٱل َٰ َ ِ ين د َخل ُۗتم ِب ِهن َف ِإن ل َ ۡم تكونوا دخلتم ِب ِهن فَّل جناح عل ۡيك ۡم وحل َٰ ِئل أبنا ِئك ُم ٱل ِذين ِمن أصل ِبكم وأن تجمع ر‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َٰ‬
‫يما‪( ﴾٢٣‬النساء)‪ .‬الروابط الرحمية المتتبة عىل الروابط الجنسية طابعها العصبية‬ ‫ورا ارح ا‬ ‫ان غ ُف ا‬ ‫َ ۡ َ َ ا َّ َ َ‬
‫ي ِإَل ما قد سلف ِإن ٱَّلل ك‬ ‫ۡ َۡ‬
‫ِ‬ ‫ٱألخت ر ِ‬
‫والبع‪ ،‬والثم والعدوان‪...‬إلخ‪ .‬وهناك الروابط‬ ‫ي‬ ‫وف إطارها نجد عالقات الحب‪ ،‬والوالء والتاء‪ ،‬والنرصة‪ ،‬والبغضاء‪،‬‬ ‫الجاهلية‪ ،‬ي‬
‫وه معتقدات وثنية‪ ،‬كفرية وشكيه وهناك الروابط المعيارية (أخالقية‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪َ ََ :‬‬ ‫الن تربط ربي أصحاب المعتقد الواحد‪ ،‬ي‬ ‫العقدية ي‬
‫﴿وناد َٰى ِف ۡر َع ۡون ِ يف ق ۡو ِم ِهۦ‬ ‫وتحدد َالعالقات ربي الناس‬ ‫مصالحه‪،‬‬ ‫حماية‬ ‫تضمن‬ ‫المجتمع‪،‬‬ ‫ف‬ ‫النافذ‬ ‫المأل‬ ‫أسسها‬ ‫يضع‬ ‫قانونية)‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ََ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ۡ َ ۠ َ ۡ ِّ ۡ َ َٰ َ َّ‬ ‫َ ۡ ا ِۚ َ َ َ ُ ۡ ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ ۡ ُ ۡ َ َ َ َٰ ي ۡ َ ۡ َ َٰ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ َ َٰ َ ۡ َ َ‬
‫قال ي ُقو ِم أليس ِ َ يىل ملك ِمرص وه ِذ َ ِه ٱألنه ر تج ِري ِمن تح ِ ين أفَّل تب ِرصون‪ ٥١‬أم أنا خ رت م َن ه ذا ِۚ ٱل ِذي هو م ِه ري وَل يكاد ي ِب ري‪٥٢‬‬
‫ي‪﴾٥٤‬‬ ‫وا َق ۡو اما َف َٰ سق َ‬
‫ِ ِر‬
‫َ ۡ َ َ ا َ ۡ َ ُ َ َ ُ ُ اُ ۡ َ ُ ْ‬
‫ي‪ ٥٣‬فٱستخف قومهۥ فأطاعوه ِإنهم كان‬ ‫ف َع َل ۡيه أ ۡسو َرة ِّمن َذ َهب أ ۡو َج ٓا َء َم َع ُه ۡٱل َم َل َٰا ئ َك ُة ُم ۡق َتن َ‬
‫ِِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َف َل ۡو َ ال أ ۡل ِ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫االجتماع يف النظم الجزئية (اقتصادية‪ ،‬سياسية‪ ،‬تربوية‪ ،‬معرفية‪ ،‬ثقافية) مثل‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫الفع‬ ‫روابط‬ ‫هناك‬ ‫ذلك‬ ‫كل‬ ‫وفوق‬ ‫‪.‬‬ ‫(الزخرف)‬
‫اص والكراه‪ ،‬الخضوع والثورة‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الت‬ ‫والعالم‪،‬‬ ‫المشاركة والتعاون والتشاور‪ ،‬التنافس والرصاع‪ ،‬التبادل‬

‫‪33‬‬
‫ينبن عىل عالقات ثالث‪ ،‬إحداها ربي مكونات النظام ومكونات‬ ‫الخارح للنظام الدنيوي ي‬ ‫ي‬ ‫يبي أن النسيج‬ ‫الشكل رقم (‪ )6‬ر‬
‫ه عالقة‬ ‫مكوب النظام‪ ،‬فعالقتهم به ي‬ ‫ي‬ ‫الوح قد تم الدبار عنه من ِقبل‬ ‫ي‬ ‫عالم الشهادة‪ ،‬السيما األرض والسماوات‪ ،‬ألن مكون‬
‫األختة‬ ‫ر‬ ‫والشياطي والمالئكة‪ ،‬ثم‬ ‫ر‬ ‫وىل"؛ والثانية مع مكونات عالم الغيب من الجن‬ ‫"إدبار"‪ ،‬وعالقة "إعرام"‪ ،‬وعالقة "ت ي‬
‫عالقة مع هللا تعاىل‪ ،‬عالم الغيب والشهادة‪ .‬روابط النسان الدنيوي باألرض والسموات طبيعتها "اإليساد" فيهما بسبب‬
‫ظيم المتاع الدنيوي‪ ،‬الذي من أهم كيفيات عمله "اتفاع الهوى"‪،‬‬ ‫النظر إليهما فقط كمصدر للموارد المادية الن ه أساس تع‬
‫َ َُ ۡ َ ُ ۡ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ا ُ َ ي َ َ ۡ ي ُ ُ َ َ َ َ ۡ ُ ُ ۡ َ ۡ َ َٰ ُ َ ا ُ َ ۡ ا َّ‬
‫َل تف ِسدوا‬ ‫حب الشهوات"‪﴿ :‬وٱل ِذين كفروا يتمت َعون ويأ كلون كما تأ كل ٱألنع م وٱلنار مثوى لهم‪( ﴾١٢‬محمد)؛ ﴿وإذا ِقيل لهم‬ ‫و" ۡ َ‬
‫﴿و َل ِو اٱت َب َع ۡٱل َح ُّق َأ ۡه َو ٓا َء ُهمۡ‬ ‫ون‪( ﴾١٢‬البقرة)؛ َ‬ ‫ا َ ۡ ُُ َ‬
‫ر‬ ‫ع‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫َل‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ون َو َل َِٰ‬ ‫َا اُ ۡ ُ ُ ۡ ُ ۡ ُ َ‬
‫د‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ٱل‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫أ‬ ‫‪١١‬‬ ‫ون‬
‫َ ُاْ ا َ َ ۡ ُ ُ ۡ ُ َ‬
‫ح‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ح‬ ‫ٱأل ۡ‬
‫اد ف ۡٱل َتِّ‬ ‫ِ َ َ َ َۡ َ ُ‬ ‫ُّ ۡ ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ ِۡ َ‬ ‫ُ‬ ‫ا ِۚ َ ۡ َ ِ َ ۡ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َِ ي َف َ َ ِ ا َ َ ِ ُ َ ۡ َ‬
‫ن‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ا‬‫و‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ض‬ ‫ر‬
‫يهن بل أتين هم ِب ِذك ِر ِهم فهم عن ِذك ِر ِهم مع ِرضون‪( ﴾٧١‬المؤمنون)؛ ﴿ظهر ٱلفس‬ ‫َٰ‬ ‫لفسد ِت ٱلسم َٰ َٰو ت َ وٱألرض ومن ف‬
‫َ َ َّ ۡ ُ ۡ َ ُ ۡ ِ ي ُ ْ‬ ‫ۡ‬ ‫ََ ۡ َ َ ُۡ‬ ‫َ ُ ْ َ َ َّ ُ ۡ َ ۡ ُ َ‬ ‫ُ ِ َ ِ ُ َ ۡ َ َّ‬ ‫ا‬ ‫َو ۡٱل َب ۡحر ب َما َك َس َب ۡ ۡ‬
‫اس ِلي ِذيقهم بعض ٱل ِذي ع ِملوا لعلهم ير ِجعون‪( ﴾٤١‬الروم)؛ ﴿فهل عسيتم ِإن توليتم أن تف ِسدوا‬ ‫ت ْ أ َي ۡ ِدَي َ ُٱلن ِ‬ ‫ۡ َِۡ ِ ُ َ‬
‫ض َوتق ِّط ُع اوا أرحامك ۡم‪( ﴾٢٢‬محمد)‪.‬‬ ‫ِ يف ٱألر ِ‬
‫وه عالقات‬ ‫النسان‪ ،‬ي‬ ‫الن تربط مكونات النظام االجتماع الدنيوي بالشيطان‪ ،‬عدو‬ ‫الروابط مع عالم الغيب أهمها تلك ي‬
‫ن َء َاد َم ََل َي ۡفت َن ان ُكمُ‬ ‫ا‬ ‫﴿ي َٰ بَ‬‫استثواذ" من قبل الشيطان‪ ،‬ويجمعهم يا عالقة "القري " بالقرين‪َ :‬‬ ‫"والية" من ِقبل النسان‪ ،‬وعالقة "‬
‫ُ َ ِ ي َ َ ُۗ ا ِ‬ ‫ِ‬
‫َۡ‬
‫اس ُه َما ِل رُ ِتَي ُه َما َس ۡو َء َٰ ِت ِه َما ِإنهۥ َي َرَٰىك ۡم ه َو َوق ِبيلهۥ ِم ۡن َح ۡيث َل ت َر ۡون ُه ۡم ِإنا َج َعلنا‬
‫ُ ُ َ ُُ‬ ‫ِٓۚ ا ُ‬ ‫ٱلش ۡي َط َٰ ُن َك َم ٓا َأ ۡخ َر َج َأ َب َو ۡي ُكم ِّم َن ۡٱل َج انة َيت ُع َع ۡن ُه َما ل َب َ‬ ‫ا‬
‫ِ‬ ‫َ َ ۡ َ ٓ َ َّ َ َ ُ ۡ ُ َ ِ ِ‬
‫َّ َ َ ُ َّ ُْۘ‬ ‫ُ ا ا ا َ َٰ ا َ َ ۡ ُ َ ا َ ۡ َ َٰ ا ا ا‬ ‫َۡ ُ َ‬ ‫ا‬
‫ٱلش َي َٰ‬
‫ون ِإَل شي اط نا م ِريدا‪ ١١٧‬لعنه ٱَّلل‬ ‫َ‬ ‫ون ِهۦ ِإل ِإن ثا و ِإن يدع‬ ‫ِ‬ ‫﴿إن ي ُدعون ِمن اد‬ ‫ِ‬ ‫اف)؛‬ ‫ُ‬ ‫ط ري أو ِلياء ِلل ِذين َل يؤ ِمنون‪( ﴾٢٧‬األعر‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َّ ا ُ ۡ َ َ َ ِّ َ ا ُ ۡ َ َ ُ َ ا ُ ۡ َ َ ُ َ ِّ ُ ا َ َ َ ۡ ۡ َ َٰ َ َ ُ َ ا ُ ۡ َ َ ُ َ ِّ ُ ا َ ۡ َ َّ ِۚ‬ ‫ۡ ا‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ ا َ ا ۡ‬
‫ٱَّلل‬ ‫تن خلق ِ‬ ‫وقال ألت ِخذن ِمن ِع َب ِادك ن ِص ايبا امف ُروضا َ‪ ١١٨‬وأل ِضلنهم اوألمنينهم وألمرنهم فليبتكن ۖۡءاذان ٱألنع ِم وألمرنهم فل ايغ ر‬
‫ُ‬
‫ٱلش ۡي َط َٰ ُن إَل غ ُر ً‬ ‫َ ُ ُ ۡ َ ُ َ ِّ ۡ َ َ َ ُ ُ ُ ا‬ ‫ا‬ ‫رس ُخ ۡ َ‬ ‫ٱَّلل فق ۡد َخ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ا َ َ َ ا‬ ‫َا‬ ‫َ‬
‫ورا‪﴾١٢٠‬‬ ‫رسانا ُّمبينا‪ ١١٩‬يعدهم ويمنيهم وما يعدهم‬ ‫و َمن يت ِخ ِذ ٱلش ۡيط َٰ ن وليا ِّمن دون ِ‬
‫ۡ َ ۡ َ َ َ ِ َ ۡ ُ ا ۡ َِ َٰ ُ َ َ َ َٰ ُ ۡ ِ ۡ َ َّ ِۚ ُ ْ َ َٰا ِ َ ۡ ُ ِ ا ۡ َ َٰ ِۚ َ َ ِ ا ا ۡ ِ َ ا ۡ َ َٰ ُ ُ ِ ۡ َ َٰ ُ َ‬
‫ٱَّلل أول ِئك ِحزب ٱلشيط ِن أل ِإن ِحزب ٱلشيط ِن هم ٱلخ ِرسون َ‪﴾١٩‬‬ ‫(النساء)؛ ﴿ٱستحوذ علي ِهم ٱلشيط ن فأنسىهم ذكر‬
‫ََ ۡ َ ُ َ ا‬ ‫َ ا ُ ۡ َ َ ُ ُّ َ‬ ‫ۡ ا ۡ َ َٰ ُ َ ِّ ِ ۡ َ ُ َ ِ ۡ َ َٰ ا َ ُ َ َ ُ َ‬
‫ش َعن ِذك ِر ٱلرحم ِن نقيض لهۥ شيط نا فهو لهۥ ق ِرين‪ ٣٦‬و ِإنهم َليصدونهم ع ِن ٱلس ِب‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫﴿و َمن َي ۡع ُ‬ ‫(المجادلة)؛ َ‬
‫يل ويحسبون أنهم‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫‪َ ُ َ :‬‬ ‫ا‬ ‫َُ َ‬
‫ال‬ ‫وذ ُون َ ِب ِرج ٖ‬ ‫﴿وأنهۥكان ر َجال ِّم َن ٱلنس َي ُع‬ ‫ُّم ۡهتدون‪( ﴾٣٧‬الزخرف)‪ .‬هناك أيضا روابط مع الجن َعموما ذكرها القرآن الكريم‬
‫ۖۡ َ ۡ َ ُ ْ َ ۡ ُ ُ َ ِ ۡ ا ۖۡ َ ۡ َ ُ ُ ِ ِ ُّ ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُّ َ‬ ‫َ ُ ْ ُ ۡ َ َٰ َ َ‬ ‫ِّ َ ۡ ِّ َ َ ُ ُ ۡ َ َ ا‬
‫ون ِهم ب َل كانوا يعبدون ٱل ِجن أ كتهم ِب ِهم مؤ ِمنون‪﴾٤١‬‬ ‫من ٱلجن فزادوهم رهقا‪( ﴾٦‬الجن)؛ ﴿قالوا سبح نك أنت ولينا من د‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َاَ ۡ َ َۡ َ َ ۡ ُ َ‬ ‫ِ َ َ ۡ َ َ ۡ ر ُ ُ ُ ۡ َ ا َ َٰ َ ۡ رَ َ ۡ ِّ َ ۡ َ ۡ َ ۡ ُ ِِّ َ ِۡ ۖۡ ِ َ َ َ ۡ َ ٓ ُ ُ ِّ َ ۡ‬
‫ض‬ ‫نس ربنا ٱستمتع بعضنا ِببع‬ ‫نس وقال أو ِلياؤهم من ٱل‬ ‫(سبأ)؛ ﴿ويوم يحرسهم جميعا ي معرس ٱلجن قد ٱستكتتم من ٱل‬
‫ٱلظ َٰ لم ن َ‬ ‫ِ ِ َ َ َ َٰ َ ُ َ ِّ َ ۡ َ ا‬ ‫يم َ‬ ‫ر‬ ‫ٱَّلل إ ان َراب َك َ‬ ‫َ َ َ ۡ َ ٓ َ َ َ َ َّ ا َ ا ۡ َ َ َ ِۚ ِ َ َ ا ُ َ ۡ َ َٰ ُ ۡ ِ َ َٰ ِ َ َ ٓ ا َ َ ٓ َِ َّ ِ ُُۗ‬
‫ي‬ ‫ِِر‬ ‫ض‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ىل‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫‪١٢٨‬‬ ‫يم‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ِ‬ ‫وبلغنا أجلنا ٱل ِذي أجلت لنا قال ٱلنار مثوىكم خ ِل ِدين ِفيها ِإَل ما شاء‬
‫َ ۡ َۢ َ َ ُ ْ َ ۡ ُ َ‬
‫ون‪( ﴾١٢٩‬األنعام)‪.‬‬ ‫بعضا ِبما كانوا يك ِسب‬
‫‪ ُ َ َ َ َ :‬ا ِّ َّ‬
‫َّلل‬ ‫ه يف جوهرها عالقة "عيا " ﴿من كان عدوا ِ‬ ‫االجتماع الدنيوي ي‬ ‫وبي الناس المكو رني للنظام‬ ‫العالقة ربي هللا تعاىل‬
‫َ ۡ َ ۡ ُ ُ َ َّ َ َ َ ْ‬ ‫ي‬ ‫ٱَّلل َع ُدو ِّل ۡل َك َٰ فر َ‬ ‫يك َٰى َل َفإ ان َّ َ‬ ‫َ ۡ َ َ ر َ‬ ‫َو َم َل َٰا ئ َكتهۦ َو ُر ُ‬
‫ين كف ُروا‬ ‫ه عالقة "مكر َ"‪﴿ :‬و ِإذ يمكر ِبك ٱل ِذ‬ ‫و‬ ‫(البقرة)؛‬ ‫﴾‬ ‫‪٩٨‬‬ ‫ين‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫يل‬ ‫ت‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ۦ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫س‬
‫َ َ ٓ َ ۡ َ ا َ َ ۡ َ ا ِّ ۢ َ ۡ َ ا ٓ‬ ‫ي‬ ‫ٱَّلل َخ ۡ ُت ۡٱل َم َٰ كر َ‬ ‫ِ‬ ‫ٱَّلل َو َّ ُ‬ ‫ُ ۡ ُ ِ َ ِ ِ َ ۡ َ ۡ ُ ُ َ َ ۡ ُ ۡ ُ َ ِۚ َ َ ۡ ُ ُ َ َ َ ۡ ُ ُ َّ ُۖۡ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رصا َء‬ ‫ين‪( ﴾٣٠‬األنفال)؛ ﴿و ِإذا أذقنا ٱلناس رحمة من بع ِد‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ِليث ِبتوك أو يقتلوك أو يخ ِرجوك ويمكرون ويمكر‬
‫ٱلس ِّي ات َل ُهمۡ‬ ‫ون ا‬ ‫َ َّ َ َ ۡ ُ ُ َ‬ ‫َّ ُ َ ۡ َ ُ َ ۡ ًِۚ ا ُ ُ َ َ َ ۡ ُ ُ َ َ ِ َ ۡ ُ ُ َ‬ ‫َ ا ۡ ُ ۡ َ َ ُ ا ۡ ا َ َ َ ِۚ ُ‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ين‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫ٱل‬ ‫﴿و‬ ‫(يونس)؛‬ ‫﴾‬ ‫‪٢١‬‬ ‫ون‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ون‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ن‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ش‬ ‫أ‬ ‫ٱَّلل‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ق‬ ‫مستهم ِإذا لهم مكر ِف ءاي ِاتنا‬
‫ن ِإَل ِبأه ِل ِهۦ ف َه ۡل‬
‫َ َ ۡ َ ا ِّ ِۚ َ َ َ ُ ۡ َ ۡ ُ ا ِّ ئُ ا َ ۡ ِۚ َ‬
‫ٱلس‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ٱل‬ ‫يق‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫َل‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ٱلس‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ر‬
‫َۡ‬
‫ٱأل ۡ‬ ‫ف‬ ‫ا‬
‫ار‬ ‫﴿ٱست ۡك َب ا‬ ‫ور‪( ﴾١٠‬فاطر)؛ ۡ‬ ‫يد َو َم ۡك ُر ُأ ْ يو َل َٰا ئ َك ُه َو َي ُب ُ‬ ‫َ ۖۡ‬
‫د‬ ‫ش‬ ‫اب‬ ‫ذ‬
‫ََ‬
‫ع‬
‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ري‬ ‫َّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ ۡ ا ۖۡ َ َ َ‬ ‫َ ُ ُ َ ا ُ ا َ ۡ َ ا َ ِۚ َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ۡ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ٱَّلل تح ِويَّل‪( ﴾٤٣‬فاطر)‪ .‬هناك أيضا عالقة "الكيي"‬ ‫ٱَّلل تب ِديَّل ولن ت ِجد ِلسنت‬ ‫ينظرون ِإَل سنت ٱألو ِل ري فلن ت ِج َد ِلسن ِت ِ‬
‫ِ َ ِ َّ َ َ ا ُ ْ َ َٰ َ َ َ ۡ َ ۡ ُ ُ ِّ ۡ َ ۡ ُ َ‬ ‫ََ ُ َۡا‬ ‫ا‬ ‫ُ َ‬ ‫ا‬
‫﴿إن ُه ِۚ ۡم َي ِكيدون ك ۡيدا‪ ١٥‬وأ ِكيد كيدا‪( ﴾َ ١٦‬الطارق)؛ ۖۡ﴿وٱل ِذين كذبوا ِب اي ِتنا سنستد ِرجهم من حيث َل‬ ‫و"االستيراج"‪:‬‬
‫ۡ ُ ُ َ َ ۡ ا َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ ُ ۡ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ۡ َِ‬ ‫َ َ‬
‫َي ۡعل ُمون‪ ١٨٢‬وأم ِ يىل لهم ِإن كي ِدي م ِت ري‪( ﴾١٨٣‬األعراف)؛ ﴿أم ي ِريدون كيدا فٱل ِذين كفروا هم ٱلم ِكيدون‪( ﴾٤٢‬الطور)؛ ثم هناك‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ا َ‬ ‫َ ُ ْ ا‬ ‫ُ ْ َ ُ ْ ا َ َ َ ْ َ َ‬ ‫وا َّٱلذ َ‬ ‫َ َ َُ ْ‬
‫ٱَّلل‬‫‪ِۚ ۡ ١٤‬‬ ‫ين َء َامنوا قال اوا َء َامنا َو ِإذا خل ۡوا ِإ َٰىل ش َي َٰ ِط ِين ِه ۡم قال اوا ِإنا َم َعك ۡم ِإن َما ن ۡح ُن ُم ۡست ۡه ِز ُءون‬ ‫ِ‬ ‫عالقة "االستهءا "‪﴿ :‬وإذا لق‬
‫َ‬ ‫ۢ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫‪ُ ۡ َ ُ َٰ َ َٰ َ ُ ۡ َ َ ُ َٰ َ ُ ۡ :‬‬ ‫َ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ َ ُ ُّ ُ ۡ ِ ُ ۡ َ َٰ ۡ َ ۡ َ ُ َ‬
‫ض‬ ‫ت بعضهم من بع َ َ ن‬ ‫ي ۡسته ِزئ ِب ِهم ويمدهم ِ يف طغي ِن ِهم يعمهون‪( ﴾١٥‬البقرة)‪ ،‬وعالقة "النسيان" ﴿ٱلمن فقون وٱلمن فق‬
‫َ َ ۡ ُ َ َ ۡ َ ُ ۡ ِۚ َ ُ ْ َّ َ َ َ َ ُ ۡ ِۚ ا ۡ ُ َ َٰ ِ َ ُ ۡ َ ِ ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ َ‬ ‫َ ۡ َ‬
‫﴿وَل‬ ‫ي ه ُم ٱلف َٰ ِسقون‪(﴾٦٧‬التوبة)؛‬ ‫وف ِۚوي ُق ِب َضون أي ِدي ۡهم نسوا ٱَّلل فن ِسيهم ِإن ٱلمن ِف ِق ر‬ ‫ِ‬ ‫َيأ ُم ُرون ِبٱل ُمنك ِر َو َين َه ۡون ََع ِن ٱل َم ۡع َُر‬
‫(الحرس)‪.‬‬ ‫ر‬ ‫َ ُ َ‬
‫نس َٰى ُه ۡم أنف َس ُه ۡم أ ْول َٰ ِئك ه ُم ٱلف َٰ ِسقون‪﴾١٩‬‬
‫ا َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٱَّلل َفأ َ‬ ‫وا َّ َ‬ ‫َ ُ ُ ْ َ َّ َ َ ُ ْ‬
‫تكونوا كٱل ِذين نس‬
‫الن تشمل جميع‬ ‫والكفار لكنهم يدخلون أيضا ف عالقة "الرأية"‪ ،‬و"الرحمة" اللهية‬ ‫رغم عالقة العداء ربي هللا تعاىل‬
‫ا ي ۡ َ َِۚ َ َ ۡ َ َ ا ُ ۡ َ َٰ َ ۡ ۡ َ َٰ َ َ َ ۡ َ ي ِۚ َّ َ َ ُ ْ‬ ‫َ ۡ َ ۡ ۖۡ ُ ِّ َّ ِۚ َ َ َ َ َ َٰ َ ۡ‬ ‫﴿قل ِّل َمن اما ف ا‬ ‫ُ‬
‫رس اوا‬ ‫ِ‬ ‫خ‬ ‫ين‬ ‫ذ‬ ‫ٱل‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫يه‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫َل‬ ‫ة‬ ‫م‬
‫ِ ِ َِ‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫ٱل‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ىل‬ ‫إ‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ٱلر‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ىل‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫َّلل‬
‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ض‬‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ٱأل‬ ‫ٱلس َم َٰ َ َٰو ِت و‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫العباد‪:‬‬
‫ا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ا َّ َ ا‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ُ َ ُ ُ ۢ ۡ‬ ‫َ ُ َ ُ ۡ َُ ۡ َ ُۡ ُ َ‬
‫اس لرءوف ر ِحيم‪( ﴾٦٥‬الحج)‪،‬‬ ‫﴿إن ٱَّلل ِبٱلن ِ‬ ‫أنفسهم فهم َل يؤ ِمنون‪( ﴾١٢‬األنعام)؛ ﴿وٱَّلل رءوف ِبٱل ِعب ِاد‪( ﴾٣٠‬آل عمران)؛ ِ‬
‫العالقتي‪ ،‬يف الزمان والمكان‪.‬‬ ‫ر‬ ‫وهللا تعاىل يقدر من ينفذ قدره يف عباده بإحدى‬
‫مستويي كما أسلفنا‪ ،‬مستوى العالقة المباشة الفورية ربي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫هذا النظام تأخذ‬ ‫وبي الناس ف‬ ‫هذه العالقة َ ربي َ َهللا تعاىل ر‬
‫َ َ َ ۖۡ َ ۡ َ ۡ َ ُ ْ َ ۡ ُ ۡ ُ ْ َ َ َّ ُ ۡ َ ۡ ُ ُ َ‬ ‫َ ِّ َ ِّ َ ي ر ۖۡ ُ ُ َ ۡ َ َ ا‬ ‫َ‬ ‫العبد وخالقه‪َ :‬‬
‫ان فليست ِجيبوا ِ يىل وليؤ ِمنوا ِ يب لعلهم يرش َدون‪﴾١٨٦‬‬ ‫ِ‬ ‫﴿و ِإذا َسألك ِع َبَ ِادي ع ين ف ِإ ِۚ يب ق ِريب أ ِجيب دعوة ٱلد ِاع ِإذا دع‬
‫ين‪( ﴾٦٠‬غافر)؛ ﴿أ امن ُيجيبُ‬ ‫ون َج َه ان َم َداخر َ‬ ‫َ َ ۡ َ ۡ ُ َ َ ۡ َ َ َ َۡ ُ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ َ ُّ ُ ُ ۡ ُ ا ۡ َ ۡ ُ ۡ ا‬
‫َ ِۡ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وب أست ِجب لكم ِإن ٱل ِذين ي َست ُۗك ِ َتون عن ِعباد ِ يب سيدخل‬ ‫(البقرة)؛ َ﴿و َق َال ُرب َكَ ۡم ٱدع ُ ي‬
‫﴿و َما تكون ِ يف َشأ ٖن َو َما‬
‫َ َ ُ ُ‬
‫ٱَّلل ق ِليَّل ِۚ اما تذك ُرون‪( ﴾٦٢‬النمل)؛‬
‫َ َ َّ َ‬ ‫َ َٰ ا َ َّ ِۚ َ ا‬
‫ِ‬ ‫ض أ ِءل ه مع‬ ‫ر‬ ‫ٱلس او َء َو َي ۡج َع ُل ُك ۡم ُخ َل َف ٓا َء ۡٱأل ۡ‬ ‫ف ِ ُّ‬ ‫ٱل ُمضط ار ِإذا دعاه ويك ِش‬
‫ۡ ۡ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ض َوَل‬ ‫ۡ ۡ‬ ‫ون فيه َو َما َي ۡع ُز ُب َعن ارِّب َك من ِّم ۡث َق َ ا‬ ‫ُ َ ََ َ ۡ َُ َ ۡ َ َ ا ُا ََُۡۡ ُ ُ ً ۡ ُ ُ َ‬ ‫َُۡ ْ ۡ ُ‬
‫ال ذر ٖة ِ يف ٱألر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تتلوا ِمنه ِمن ق ۡرء ٖان وَل تعملون ِمن عم ٍل ِإَل كنا عليكم شهودا ِإذ ت ِفيض ِ ِ‬

‫‪34‬‬
‫َ َ ا ا ُ َ ۡ ُ َ ُ ُ ُ َ َ ۡ ُ ْ ِۚ‬
‫وا م ۡن ُه َأ ََل ح َ‬ ‫َ ۡ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ََ ا َ َۡ ا‬ ‫ا ٓ ََا َ ۡ َ‬
‫ي‬ ‫ِ ر‬ ‫ي‪( ﴾٦١‬يونس)؛ ﴿أل ِإنهم يثنون صدورهم ِليستخف ِ‬ ‫ن‬ ‫ٱلس َما ِء ول أصغ َر َ ِمن ذ َٰ ِلك ول أ ك َت ِإَل ِۚ ِ يف ا ِكت َٰ ٖب م ِب َر‬ ‫ِ يف‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ۢ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ‬
‫ور‪( ﴾٥‬هود)‪ .‬وهناك مستوى العالقة السننية المتاخية يف‬ ‫ات ٱلصد ِ‬ ‫يستغشون ِثيابهم يعلم ما ي ِرسون وما يع ِلنون ِإنهۥع ِليم ِبذ ِ‬
‫َ اُ ْ َۡا ا‬
‫الن أدخلتهم يف دائرة السنة المعنية‪﴿ :‬وٱتقوا ِفت َنة َل‬ ‫تكبوا األفعال ي‬ ‫إطار الجماعة من الناس‪ ،‬حن وإن لم يكن العبد ممن ار‬
‫ت من َق ۡبل ُك ۡم ُس َي َفس ر ُت ْوا ف ۡٱأل ۡ‬ ‫َ ۡ َ َ ۡ‬ ‫ُ َ ا َّ َ َ َ ُ ْ ُ ۡ َ ٓ ا اۖۡ َ ۡ َ ُ ا ْ َ ا َّ َ َ ُ ۡ َ‬
‫ض‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫﴿ق‬ ‫؛‬ ‫(األنفال)‬ ‫﴾‬ ‫‪٢٥‬‬ ‫اب‬ ‫ق‬ ‫ع‬ ‫ٱل‬ ‫ت ِصيي ٱل ِذين ظلموا ِمنكم خاصة وٱعلموا أن ٱَّلل ش ِديد‬
‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫ِ َ ا ِ‬
‫ۡ‬ ‫َ ۡ ُۖۡ َ َ َ َ ُ ا َّ‬ ‫ِ َّ ِ َ َ َ ۡ ْ‬ ‫ُ ا َ َّ‬ ‫ان َع َٰ ق َب ُة ۡٱل ُم َك ِّذب َ‬ ‫َ ُ ُ ْ َۡ َ َ َ‬
‫ٱَّلل تب ِديَّل‪( ﴾٦٢‬األحزاب)؛‬ ‫ِ‬ ‫ٱَّلل ِ يف ٱل ِ َذين ِۚخلوا ِمن قبل ولن ت ِجد ِل َسن ِة‬ ‫ِ‬ ‫ي‪﴾١٣٧‬؛ ﴿سنة‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وا اكيف ۡك َ‬ ‫فٱنظر‬
‫َّ َ ۡ ا ۖۡ‬ ‫َ َ ۡ َ ُ ُ َ ا ُ ا َ ۡ ا َ ِۚ َ َ َ َ ُ ا‬ ‫َ َ ۡ َ ا ِّ ِۚ َ َ َ ُ ۡ َ ۡ ُ ا ِّ ئُ ا ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ ۡ‬
‫ٱَّلل تب ِديَّل‬ ‫ض ومكر ٱلس ر ين وَل ي ِحيق ٱلمكر ٱلس رن ِإَل ِبأه ِل ِهۦ فهل ينظرون ِإَل سنت ٱألو ِل ري فلن ت ِجد ِلسن ِت ِ‬ ‫﴿ٱس ِتكبارا ِ يف ٱألر‬
‫َّ ِ َ‬ ‫ا‬ ‫ََ َ َ‬
‫ٱَّلل ت ۡح ِويَّل‪( ﴾٤٣‬فاطر)‪.‬‬ ‫ولن ت ِجد ِل ُسن ِت ِ‬

‫‪ -4.2.3.4‬كيفية عم النظام‬
‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫النسيج‬ ‫عىل‬ ‫فقط‬ ‫يقترص‬ ‫ال‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫النسيج‬ ‫أو‬ ‫البنية‪،‬‬ ‫أن‬ ‫ه‬
‫ي‬ ‫السابق‬ ‫التحليل‬ ‫النتيجة الجوهرية من‬
‫تدع الفلسفة المادية‪ ،‬بل يتمدد هذا النسيج يف عالم الغيب‬ ‫ي‬ ‫االجتماع ربي الناس كما‬ ‫ي‬ ‫المبن عىل روابط الفعل والتفاعل‬ ‫ي‬
‫اجتماع برسي‪،‬‬‫ر‬ ‫نظام‬ ‫هناك‬ ‫ليس‬ ‫إذن‬ ‫‪.‬‬‫يعلمون‬ ‫ال‬ ‫الناس‬ ‫أكت‬ ‫ولكن‬ ‫الناس‪،‬‬ ‫بي‬ ‫ر‬ ‫ربط‬ ‫ت‬ ‫الن‬ ‫تلك‬ ‫من‬ ‫بكثت‬‫ر‬ ‫أقوى‬ ‫ه‬ ‫روابط‬ ‫فيشمل‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫غين هو جزء من نسيجه‪ ،‬وجزء من كيفيات عمله‪ ،‬ومن ثم يؤثر سببيا يف‬ ‫يف الرؤية القرآنية للعالم‪ ،‬إال وله مكون وجودي ي‬
‫وغت المقصودة‪ .‬إذن ال‬ ‫وف نتائجه المقصودة ر‬ ‫والتغيت الذي يجري فيه‪ ،‬ي‬ ‫ر‬ ‫الن تكتنفه‪،‬‬ ‫وف األحداث ي‬ ‫طريقة عمل النظام‪ ،‬ي‬
‫يثت تحديات منهجية حقيقية ال‬ ‫االجتماع إال بأخذ هذه األبعاد الغيبية يف االعتبار‪ ،‬وهو أمر ر‬ ‫ي‬ ‫تستقيم الدراسة العلمية للنظام‬
‫طبيع‪ ،‬كما‬ ‫ي‬ ‫نظام‬ ‫أي‬ ‫مثل‬ ‫مثله‬ ‫‪،‬‬ ‫بحت‬ ‫مادي‬ ‫نظام‬ ‫هو‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫أن‬ ‫ض‬ ‫تفت‬ ‫الن‬
‫ي‬ ‫المناهج‬ ‫يمكن التعامل معها من خالل‬
‫ُ‬
‫يعن عدم االستفادة من هذه‬ ‫ظم الذي استعرضناه يف بحثنا السابق لهذا البحث‪ .‬وهذا ال ي‬ ‫يؤكد ذلك "ماريو بنج" يف منهجه الن ي‬
‫الن منها تم استنباط‬ ‫المناهج بل المطلوب تطويرها يف إطار نظريات وجودية ومعرفية ومنهجية تؤسس عىل رؤية القرآن للعالم ي‬
‫الن نعكف يف هذا البحث عىل دراستها‪.‬‬ ‫النظم االجتماعية ي‬
‫تأب عىل أربعة مستويات‪ ،‬المستوى األول هو كيفيات العمل االجتماعية‬ ‫االجتماع الدنيوي ي‬ ‫ي‬ ‫كيفيات العمل يف هذا النظام‬
‫الثاب يف إطار الروابط مع بيئة عالم الشهادة‬ ‫االجتماع ربي مكونات النظام‪ ،‬والمستوى ي‬ ‫ي‬ ‫الداخلية الناتجة عن الفعل والتفاعل‬
‫الشياطي‪ ،‬الجن والمالئكة‪ ،‬والمستوى الرابع هو‬ ‫ر‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫ممثلة‬ ‫الغيبية‬ ‫يئة‬ ‫الب‬ ‫مع‬ ‫الثالث‬ ‫والمستوى‬ ‫ممثلة يف األرض والسماء‪،‬‬
‫مستوى الروابط ربي الناس والخالق تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫جزب) ويتعلق‬ ‫ئ‬ ‫(جزب‪-‬‬ ‫ئ‬ ‫تأب عىل ثالثة مستويات؛ مستوى‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫الن تنشأ يف إطار العالقات الداخلية للنظام ئ ي‬ ‫كيفيات العمل ي‬
‫الن تؤطر الفرد وفعله‪،‬‬ ‫ي‬ ‫االجتماعية‬ ‫كيفيات‬ ‫بال‬ ‫ويتعلق‬ ‫)‬ ‫جزب‬‫ي‬ ‫‪-‬‬ ‫(كىل‬
‫ي‬ ‫مستوى‬ ‫الفردي؛‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫الفعل‬ ‫الن تنتج‬
‫بالكيفيات ي‬
‫المعي يف‬ ‫ر‬ ‫االجتماع أمام الفعل‬ ‫ي‬ ‫الن يتيحها الواقع‬ ‫الثقاف‪ ،‬أو الفرص ي‬ ‫ي‬ ‫والقانوب‪ ،‬أو المستوى‬ ‫ي‬ ‫األخالف‬
‫ي‬ ‫سواء عىل المستوى‬
‫االجتماع َ يف‬ ‫التغيت‬ ‫االجتماع إىل إحداث‬ ‫كىل) ويتعلق بكيفيات العمل الن تؤدي بالفعل‬ ‫ئ‬
‫ي ا‬ ‫َ ُ‬
‫ر‬
‫َ ْ‬ ‫َ َٰ َ َ ا َّ َ َ ۡ ي َ ُ ُ َ ِّ ا ِّ ۡ َ َ ۡ َ َ َ َ َ ي َٰ َ‬ ‫(جزب‪ -‬ي‬‫ي‬ ‫الزمان والمكان؛ مستوى‬
‫ىل ق ۡو ٍم َح ا َٰن ُيغ رِّ ُتوا َما ِبأنف ِس ِه ۡم َوأن‬ ‫االجتماع ككل‪﴿ :‬ذ ِلك ِبأن ٱَّلل لم يك مغ رتا نعمة أنعمها َع‬ ‫النظام‬ ‫بنية النظام‪ ،‬ومن ثم يف‬
‫َ ۡ َ ُ َ ُ ۡ ۡ َّ ُۗ ا َّ َ َ‬ ‫َ ُ ُ ي َ ِّ َ َٰ ِّ ۢ َ ۡ َ َ ۡ َ ۡ َ ۡ‬
‫ٱَّلل َل ُي َغ رِّ ُت َما ِب َق ۡو ٍم َح انَٰ‬ ‫ٱَّلل ِإن‬
‫ي ي َدي ِه و ِمن خل ِف ِهۦ يحفظونهۥ ِمن أم ِر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن ب ِۚر‬ ‫يع َ َع ِليم ُۗ‪(َ ﴾٥٣‬األنفال)؛ ﴿لهۥ معقب ت م‬ ‫ِ‬
‫َّ َ‬
‫ٱَّلل َسم ر‬
‫َ‬
‫ۡ َ َ ٓ َ َ َّ ُ َ ۡ ُ ا ا َ َ َ ا َ ُ َ َ ُ ِّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ِّ ُ ْ َ‬
‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫التغيت‬‫ر‬ ‫ون ِهۦ ِمن َو ٍال‪( ﴾١١‬الرعد)‪ .‬كيفيات عمل‬ ‫يغ رتوا ما ِبأنف ِس ِهم و ِإذا أراد ٱَّلل ِبقو ٖم سوءا فَّل مرد لهۥوما لهم من د ِ‬
‫التغتات المناخية‪ ،‬أو تكون نتيجة تطور‬ ‫قد تأخذ طابع العشوائية إن جاءت من عوامل استثنائية مثل الكوارث الطبيعية و ر‬
‫االجتماع‪ ،‬وقد تأخذ طابع "الثورة"‪ ،‬ولكن يف كل األحوال فإن النظام‬ ‫ي‬ ‫طبيع متاكم يف المجتمع فتأخذ طابع "اإلصالح"‬ ‫ي‬
‫الدنيوي‪ ،‬الذي استحب الناس فيه الكفر عىل اليمان‪ ،‬سوف يظل يعيد إنتاج نفسه وإن اختلفت َصورته يف الزمان والمكان‪،‬‬
‫ين د اي ًارا‪٢٦‬‬
‫َ ۡ َ َٰ َ َ‬ ‫َ َ َ ُ ا ِّ َ َ َ ۡ َ َ ۡ ۡ‬
‫ض ِمن ٱلك ِف ِر‬ ‫سيدنا نوح‪ ،‬عليه السالم‪﴿ :‬وقال نوح رب َل تذر عىل ٱألر ِ‬ ‫وربما لهذا السبب كان ذلك الدعاء الخالد من‬
‫َ َ ۡ ُ ۡ ُ ُّ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ا ْ ا َ ا َ ا‬ ‫ا َ‬
‫اجرا كفارا‪( ﴾٢٧‬نوح)‪.‬‬ ‫ا‬
‫ِإنك ِإن تذرهم ي ِضلوا ِعبادك وَل ي ِلدوا ِإَل ف ِ‬
‫مسم كيفيات‬ ‫ي‬ ‫االجتماع الدنيوي يمكن أن نجملها تحت‬ ‫ي‬ ‫الن تنشأ يف إطار العالقات الداخلية للنظام‬ ‫كيفيات العمل ي‬
‫لتيست هذا المقصد الدنيوي الجوهري المحدد لهوية‬ ‫ر‬ ‫"حب الشهوات"‪ ،‬وأي كيفيات عمل أخرى مكملة لها ينشئها المجتمع‬
‫وه كيفيات تنشأ ابتداء عىل‬ ‫النظام‪ ،‬والمتمدد يف كل النظم االجتماعية الجزئية (تربية‪ ،‬اقتصاد‪ ،‬سياسة‪ ،‬ثقافة‪...‬إلخ)‪ .‬ي‬
‫االجتماع‬‫ي‬ ‫الن تدفع النسان إىل ابتداء الفعل‬ ‫النفس‪ ،‬وقد ذكرنا سابقا يف هذا البحث تلك الكيفيات الفطرية ي‬ ‫ي‬ ‫المستوى‬
‫البرسي‪ ،‬وأن ذلك يؤدي بالرصورة إىل إقحام‬ ‫الموصل إىل زينة الحياة الدنيا (المال‪ ،‬البنون) تلبية للحاجات الفطرية للجسم ر‬
‫االجتماع‪ ،‬أوىل الخطوات نحو‬ ‫ي‬ ‫النسان يف ابتالء حب الشهوات الثاوي يف هذه الزينة‪ ،‬لتبدأ من بعد ذلك‪ ،‬من خالل التفاعل‬
‫البرسية بكل تعقيداتها‪.‬‬ ‫ظهور المجتمعات ر‬
‫ممثلة يف األرض‬ ‫الشهادة َ ۡ َ‬ ‫الثاب من كيفيات العمل تعمل عىل مستوى الروابط ربي مكونات النظام وبيئة عالم‬ ‫ي‬ ‫المستوى‬
‫ا‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َ ِّ َ ۡ‬ ‫‪ُ َ َۡ َ َ َ :‬‬
‫اس‬ ‫والسماوات‪ ،‬ويمكن إجمالها تحت مسم كيفيات عمل "الفساد" ﴿ظهر ٱلفساد ِ يف ٱلت وٱلبح ِر ِبما كسبت أي ِدي ٱلن ِ‬
‫‪35‬‬
‫َ‬ ‫ُ ْ َ َّ‬ ‫ُ َ ُ َ ۡ َ َّ‬
‫االجتماع يف هذا النظام‬ ‫ي‬ ‫ض ٱل ِذي َع ِملوا ل َعل ُه ۡم َي ۡر ِج ُعون‪( ﴾٤١‬الروم)‪ .‬هذا الفساد سببه هو أن الفعل والتفاعل‬ ‫ِلي ِذيقهم بع‬
‫الدنيوي يتأسس عىل اتباع الهوى‪ ،‬وإشباع النفس من شهوات المتاع الدنيوي‪ ،‬سواء كان هذا المتاع مصدره موارد األرض‪ ،‬أو‬
‫موارد السماء وما عملته يد النسان يف هذه الموارد من قيمة مضافة‪ .‬وهذا الفساد الذي ظهر ي َف الت والبحر يمكن أن يتمدد‬
‫ُ‬
‫ٱلس َم َٰ َ َٰو ت‬ ‫﴿و َلو اٱت َب َع ۡٱل َح ُّق أ ۡه َو ٓا َء ُه ۡم َل َف َس َدت ا‬ ‫إىل إفساد السماوات واألرض ومن فيهن لوال أن الحق ال يتبع أهواء الناس‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِۚ‬
‫ُّ ۡ ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ ۡ َۡ ُ َ َ‬
‫ون‪( ﴾٧١‬المؤمنون)‪.‬‬ ‫يه ان َب ۡل أت ۡين َٰ ُهم ِب ِذك ِر ِه ۡم ف ُه ۡم َعن ِذك ِر ِهم مع ِرض‬ ‫وٱألرض ومن ِف ِ‬
‫وه كيفيات تتأب‬ ‫المستوى الثالث من كيفيات العمل هو المستوى الذي ينشأ من تفاعل النسان الدنيوي مع الشيطان‪ ،‬ي‬
‫وبي مكونات النظام الدنيوي كما بيناها أعاله‪ ،‬ومن خالل هذه الكيفيات يؤثر الشيطان‬ ‫من الروابط البنيوية ربي الشيطان ر‬
‫الن يقوم بها الناس‪ ،‬ومن ثم يف أفعالهم ونتائجها‪ .‬لقد ذكر القرآن الكريم‬ ‫االجتماع المختلفة ي‬ ‫ي‬ ‫بصورة فعالة يف خيارات الفعل‬
‫از"‬ ‫الن يوظفها الشيطان لإليقاع بالنسان؛ منها "األمر" المباش‪ ،‬ومنها "الت ريي" يف األرض‪ ،‬ومنها "االستفء‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ََ َ َآ‬ ‫كيفيات العمل ي‬
‫والرجل‪ ،‬ومنها "المشاركة" يف األموال واألوالد‪ ،‬ومنها "الوعي"‪ ،‬ومنها "األز"‪﴿ :‬أل ۡم ت َر أنا‬ ‫ومنها " َ َ ۡ َ َٰ َ َ ُ ُّ ُ ۡ َِ ا‬
‫بالخيل‬ ‫"‬ ‫الجلب‬ ‫َبالصوت‪،‬‬
‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َ َۡ ا‬
‫الن ال يراها النسان‪ ،‬تعمل‬ ‫أرسلنا ٱلشي ِط ري عىل ٱلك ِف ِرين تؤزهم أزا‪( ﴾٨٣‬مريم)‪...‬إلخ‪ .‬هذه الكيفيات الشيطانية الفعالة‪ ،‬ي‬
‫وتنته‬ ‫ي‬ ‫الن‪ ،‬بحكم هوية هذا النظام‪ ،‬تعمل عىل عدم استقراره‪،‬‬ ‫داعمة لكيفيات العمل االجتماعية المتولدة يف النظام الدنيوي ي‬
‫الفغ"‪ .‬كل كيفيات العمل االجتماعية‬ ‫ي‬ ‫"‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫المنكر‬ ‫"‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫الفثشا‬ ‫بهدمه مثل كيفيات "التعاون عىل اإلثم والعيوان"‪ ،‬وكيفيات "‬
‫االجتماع الدنيوي‪ ،‬ويمكن تفصيلها إىل كيفيات محددة تعمل يف مختلف النظم الجزئية‬ ‫ي‬ ‫هذه أثبتها القرآن الكريم لهذا النظام‬
‫وتنته بالنظام إىل الفساد يف األرض‪ ،‬وتقطيع األرحام‪.‬‬ ‫ي‬ ‫(تربوية‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬رحمية‪ ،‬سياسية‪ ،‬ثقافية)‪،‬‬
‫تأب يف إطار الروابط ربي هللا تعاىل‬ ‫ي ي‬ ‫الن‬ ‫تلك‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫الدنيوي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫الفاعلة‬ ‫المستوى الرابع من كيفيات العمل‬
‫وبي البرس الذين يكونون هذا النظام‪ ،‬والحركة‬ ‫ر‬ ‫وه كيفيات يسخرها هللا تعاىل يف إطار عالقة العداء بينه ر‬ ‫وبي مكونات النظام‪ ،‬ي‬ ‫ر‬
‫النظام الدنيوي‬ ‫الفاعلي يف َ َ‬ ‫ر‬ ‫االجتماع الصادر عن‬ ‫ي‬ ‫الكونية كلها داخلة يف منظومة هذه الكيفيات‪ ،‬بما يف ذلك الفعل والتفاعل‬
‫﴿وأ اما ُ َم ۢن َ َب ِخ َل‬ ‫الحتمية لهذا النظام‪ ،‬ولمكوناته من الناس‪:‬‬ ‫ذاته‪ ،‬هللف جنود السموات واألرض‪ ،‬وكلها تعمل لتتأكد النهايات‬
‫ين‪َ ٤٢‬ما َت ۡسب ُق م ۡن أ امة أ َج َلهاَ‬ ‫اخر َ‬ ‫ُ ا َ َ َۡ ۢ َ ۡ ۡ ُ ُ ً َ َ‬ ‫رس ُهۥ ِل ۡل ُع ۡ َ‬ ‫ٱس َت ۡغ َ َٰن‪َ ٨‬و َك اذ َب ب ۡٱل ُح ۡس َ َٰن‪َ ٩‬ف َس ُن َي ِّ ُ‬ ‫َو ۡ‬
‫نش ۡأنَا ۡ ِ َمن َ ۡبع َ ِد ُ ِهم َق ۡر اونا َء َ َ ِ ۡ َ ُ ۡ ََ‬ ‫﴿ث ُم ۖۡأُ َ َ‬ ‫‪( ﴾١٠‬الليل)؛‬ ‫رس َٰى‬
‫ِ َ ِۚ َ ِ ُ ۡ ا ِّ ٍ َ ۡ ا‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ٓ‬ ‫ُ‬ ‫ۖۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َو َما يست ِخ ُرون‪ ٤٣‬ثم أرسلنا رسلنا ت َتا َكل ما جاء ُأمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم ب َعضا وجعلن َٰ هم أح ِاديث فبعدا لقو ٖم َل‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ا‬ ‫ۡ‬
‫اب‬ ‫ٱلش ۡي َط َٰ ُن أ ۡع َم َٰ َل ُه ۡم َف ُه َو َول ُّي ُه ُم ۡٱل َي ۡو َم َو َل ُه ۡم َع َذ ر‬ ‫َ َّ َ َ ۡ ۡ َ ۡ َ ٓ َ َٰا َ ِّ َ ۡ َ َ َ ا َ َ ُ ُ ا‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ز‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ىل‬ ‫إ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ٱَّلل‬ ‫﴿ت‬ ‫(المؤمنون)؛‬ ‫﴾‬ ‫‪٤٤‬‬
‫ُۡ ُ َ‬
‫ون‬ ‫َيؤ ِمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٱس َت ۡع َج ۡل ُتم به ۖۡۦ ري ح ف َيها َع َذابر‬ ‫وا َه َٰ َذا َعارض ُّم ۡمط ُرَن ِۚا َب ۡل ُه َو َما ۡ‬ ‫َ َ ا َ َ ۡ ُ َ ا ُّ ۡ َ ۡ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫َأ ِليم‪( ﴾٦٣‬النحل)؛ ﴿فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قال‬
‫﴿و ۡٱت ُل َع َل ۡيهمۡ‬ ‫(األحقاف)؛ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ َِ ۡ َ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ َ ِّ ُ ُ ا رَ ۡ َ ۡ َ ِّ َ َ َ ِ ۡ َ ُ ْ َ ِ ُ َ َٰا اِ ِ َ ِ َ َٰ ُ ُ ۡ ِۚ َ َ َٰ َ ِ َ‬
‫اِ‬ ‫ج َِر ِم رُي َ‪ ﴾َ َ ٢٥‬ا ُ ا َ ۡ َ َ َ ۡ َ‬ ‫ش ِۢء ِبأم ِر رب ها فأص َبحوا َل يرى ِإَل مس ِكنهم كذ ِلك نج ِزي ٱلقوم ٱلم‬
‫َ َ َ َّ ا َ َ ۡ َ َٰ ُ َ َ َٰ ي َ َ َ َ َ ۡ َ َ ۡ َ َ ُ ا ۡ َ َٰ ُ َ َ َ‬
‫أ ِليم‪ ٢٤‬تدمر كل‬
‫ض َوٱت َب َع‬ ‫ر‬ ‫ٱأل ۡ‬ ‫ىل‬ ‫إ‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫أ‬ ‫ۥ‬‫ه‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ين‪َ ١٧٥‬و َل ۡو ِش ۡئ َنا َل َر َف ۡعن َٰ ه بها ول َِٰ‬ ‫ان م َن ۡٱل َغاو َ‬ ‫ك‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫ٱلش‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫ا‬‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫خ‬ ‫ل‬ ‫ٱنس‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫اي‬ ‫ء‬ ‫نبأ ٱلذي ءاتين ه‬
‫ص َل َع َّل ُهمۡ‬
‫ِ َۡ َ ِ‬
‫وا ب َاي َٰ ت َن ِۚا َف ۡٱق ُصص ٱلقص َ‬
‫َ ۡ ِ ۡ َ َ َ ۡ َ ۡ َ ۡ َ ۡ ۡ ُ َ ۡ َ ِ ِۚ ا َٰ ِ َ َ َ ُ ۡ َ ۡ َّ َ َ ا ُ ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ َٰ ُِۚ ِ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ِۡ َ ۡ‬
‫هوىه فمثلهۥكمث ِل ٱلكل ِب ِإن تح ِمل علي ِه يلهث أو تتكه يلهث ذ لك مثل ٱلقوم ٱل ِذين كذب‬
‫ِ َ ۡ ُ ْ َ َ ۡ َ ِ ا َ ُ َ َٰ َ ِ ۡ َ ِۡ َ ۡ َ ِّ ِ َ ۡ ُ ۡ ُ َ ا‬ ‫ۡ‬ ‫ت ۡٱل ِك َت َٰ‬ ‫ا ا ۡ َ َ َ َٰ ُ‬ ‫َ َ َّ َ‬
‫ي‪ ٢‬نتل َوا عليك ِمن نب ِإ موش و ِف ِۚرعون ِبٱلحق ِلقو ٖم يؤ ِمنون‪ِ ٣‬إن‬ ‫ِ‬ ‫ب ٱل ُم ِب ر‬ ‫ِ‬ ‫َيتفك ُرون‪(َ ﴾١٧٦‬األعراف)؛ َ﴿طسم‪ِ ١‬تلك ءاي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ان م َن ٱل ُمفسد َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫َ َ ُ ۡ ُ َ‬ ‫ا‬ ‫ٓ‬ ‫ٓ‬
‫ف َطائفة ِّم ۡن ُه ۡم ُيذ ِّب ُح أ ۡب َنا َء ُه ۡم َو َي ۡس َت ۡ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫ف ۡر َع ۡو َن َعَّل ف ٱأل ۡر َ َ َ َ ۡ َ َ ا َ ۡ َ ۡ ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ين‪َ ٤‬ون ِريد‬ ‫ِ ِ‬ ‫جۦ ِنَساءهم ِإ ۡن َهۥك ِ‬ ‫ي‬ ‫ض وجعل ُأه ْلها ِش ۡي َعا يست َض ِع َ ِ‬ ‫َِ ا ا َ َ ِ ي‬
‫َ‬
‫ض َون ِر َي ِف ۡرع ۡون َوه َٰ َم َٰ َن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ر‬ ‫ي‪َ ٥‬ون َمك َن له ۡم ف ٱأل ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٱس ُت ۡضعفوا ف ٱأل ۡرض َون ۡج َعله ۡم أئ امة َون ۡج َعله ُم ٱل َ َٰو رث َ‬
‫ُ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ين ِ ۡ‬ ‫ىل َّٱلذ َ‬ ‫أ ُ‬
‫َ َ َ ۡ َ ا ۖۡ ا‬ ‫َ َ ۡ َ َ ۡ ِ ي ۡ َ ِّ ِ َ َ َ َ‬
‫ر‬
‫ۖۡ َ َ ِ ِ ۡ‬ ‫ن ُنم َن ُ َع ۡ ُ ا َ ُ ْ َ ۡ َ ُ ِ َ ي َ َ ۡ َ ِ ۡ َ ٓ َ ا ُ ِّ ُ َ ا َ ۡ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اف وَل تحز ِ يب ِإنا‬ ‫ي‬ ‫يهَ ِ يف َٱليم ُوَل َت ُخ ِ‬ ‫ت اعلي ِه فأ َل ِق ِ‬ ‫يه ُف ِإ اذا ِخف ً ِ‬ ‫ض ِع ِ‬
‫ۡ‬
‫وش أ ُن أ َر ِ‬ ‫َو ُجنودهما ِمنهم ما كانوا يحذرون‪ ٦‬وأوحينا ِإ َٰىل أم م َٰ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ال ف ۡر َع ۡو َن ل َيكون ل ُه ۡم َعدوا َو َح َزنا إن ف ۡر َع ۡون َوه َٰ َم َٰ ن َو ُجنوده َما كانوا خ َٰ ط َ‬
‫َ‬ ‫ُۗ‬ ‫َ‬ ‫ي‪َ ٧‬ف ۡٱل َت َق َط ُه اۥ َء ُ‬ ‫وه م َن ۡٱل ُم ۡر َسل َ‬ ‫وه إ َل ۡيك َو َجاع ُل ُ‬ ‫َ ٓرا ُّد ُ‬
‫ي‪٨‬‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ۖۡ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َ َ ٓ ۡ َ ا َ ُ َ َ ا َ ُ ۡ َ َ ۡ ُ ُ َ َ ۡ َ َ ُ َ ُ ِّ ُ َ َ ً ۖۡ‬ ‫وه َع َ َٰا‬ ‫َو َق َالت ۡٱم َرأ ُت ف ۡر َع ۡو َن ُق ار ُت َع ۡي ِّىل َو َل َك ََل َت ۡق ُت ُل ُ‬
‫وش ف َٰ ِرغا‬ ‫س أن ينفعنا أو نت ِخذهۥولدا وهم َل يشعرون‪ ٩‬وأصبح فؤاد أم م َٰ‬ ‫ر‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ ۡ َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ََ ُ َ ۡ‬ ‫ۖۡ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َ َ َ ۡ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ َ ا َ ا ن َ ۡ ي َ َ َ َٰ َ ۡ َ َ ُ َ َ ۡ ُ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ ۡ ُ‬
‫يه فبرصت ِب ِهۦ عن جن ٖب وهم َل‬ ‫‪ ١٠‬وقالت ِألختهۦ قص‬ ‫ِإن كادت لتب ِدي ِب ِهۦ لول أن ربطنا عىل قلبها ِلتكون ِمن ٱلمؤم ِن ري‬
‫َ َ َۡ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ ُ ُِ َِ ُ َ ُ ِ ُ َ ُ َ‬ ‫َ ۡ ِ ُ َ َ َ ۡ َ ۡ َ ُ ُّ ُ ۡ ِ َ َ َٰا َ ۡ‬ ‫َ َ ۡ‬ ‫َ ۡ ُُ َ‬
‫ىل أه ِل َب ۡي ٖت َيكفلونهۥ لك ۡم َوه ۡم لهۥ ن َٰ ِص ُحون‪ ١٢‬ف َرددن َٰ ه ِإ َٰاىل‬ ‫اض َ َع ِمن قبل فقالت هل أ َدلكم ع‬ ‫ِ‬ ‫۞و َح ار ۡمنا َعل ۡي ِه ٱل َم َر‬ ‫ون‪َ ١١‬‬ ‫يشعر‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِّ َ ۡ َ َ ا َ ۡ ُ َ َ َ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َ َ ا َ ۡ َ َّ َ َ َ َٰ ا ۡ َ َ ُ ۡ َ َ ۡ َ‬
‫ٱَّلل حق ول ِكن أ كتهم َل يعلمون‪( ﴾١٣‬القصص)‪.‬‬ ‫أم ِهۦ يىك تقر عينها وَل تحزن و ِلتعلم أن وعد ِ‬
‫ه من صنف كيفيات عمل البرس االجتماعية‪ ،‬ولكنه تعاىل‬ ‫ر‬
‫‪َ ُ ۡ ْ َ َ َ َّ َ ُ ُ ۡ َ ۡ َ :‬‬ ‫الن ي‬ ‫وقد ذكر هللا تعاىل يف القرآن الكريم بعض كيفيات العمل ي‬
‫ين كف ُروا ِل ُيث ِبتوك‬ ‫البرسي ومآالته‪ ،‬منها كيفيات "المكر" ﴿و ِإذ يمكر ِبك ٱل ِذ‬ ‫يستخدم مثلها ليهيمن بها عىل ذات نوع الفعل ر‬
‫َ َ َ ُ ْ َ ۡا َ َ َ َۡ َ ۡا َ ُ ۡ َ َ ۡ ُ ُ َ‬ ‫ٱَّلل َخ ۡ ُت ٱل َم َٰ كر َ‬ ‫ۡ‬ ‫ٱَّلل َو َّ ُ‬ ‫َ ۡ َ ۡ ُ ُ َ َ ۡ ُ ۡ ُ َ ِۚ َ َ ۡ ُ ُ َ َ َ ۡ ُ ُ َّ ُۖۡ‬
‫﴿ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم َل يشعرون‪٥٠‬‬ ‫؛‬ ‫(األنفال)‬ ‫﴾‬ ‫‪٣٠‬‬ ‫ين‬ ‫َِ‬ ‫ِ‬ ‫ون ا وي َ ام ۡك َر ُ ۡ َ َ ۡ َ ُ ۡ َ‬
‫ر‬ ‫وك َوي ۡمكر ۡ َ‬ ‫أو يقتلوك أو يخرج‬
‫َ َ ٓ َ َ ۡ َ ا َ َ ۡ َ ا ِّ ۢ َ ۡ َ ا ٓ َ َ ا ۡ ُ ۡ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َٰ‬ ‫َ ُ ۡ َ ۡ َ َ َ ِ َ َٰ َ ُ‬
‫فٱنظر كيف كان ع ِقبة م َك ِر ِهم أنا ِۚدمرن هم وقومهم أجم ِع ري‪( ﴾٥١‬النمل)؛ ﴿و ِإذا أذقنا ٱلناس رحمة من بع ِد رصاء مستهم ِإذا‬
‫ُ َ َ ا‬ ‫ا‬ ‫َ ُ ا ۡ ا َ َ َ ِۚ ُ َّ ُ ۡ َ ُ ۡ ا َ َ ۡ ُ َ َ ُ َ‬
‫﴿إن ُه ۡم َي ِكيدون ك ۡيدا‪١٥‬‬ ‫ِ‬ ‫الكيي"‪:‬‬ ‫َ‬ ‫(يونس) َ‪ .‬هناك كيفيات "‬ ‫َ‬ ‫شع ُ َمك ًرا ِإن ِۚ ُر ُسلنا َيكت ُبون َما ت ۡمك ُرون‪﴾٢١‬‬ ‫ل َهم مكر ِ يف ءايا ِتنا ق ِل ٱَّلل أ‬
‫َٓ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُا ۡ َ ۡ‬ ‫َََ ۡ َ ۡ َۡ َ َٓ‬ ‫َ ۡ َُ ۡ ا َ‬ ‫ُ َ ا‬
‫يه ثم ٱستخرجها ِمن ِوعا ِء‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫(الطارق)؛ ﴿وأم ِ يىلۡ لهم َ ِإن كي ِدي م ِت ري‪(َ ﴾٤٥‬القلم)؛ ﴿فبدأ ِبأو ِعي ِت ِهم قبل ِوعا ِ ُۗء أ ِخ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ۖۡ‬ ‫َ َوأ ِك ِۚيد ك ۡيدا‪﴾١٦‬‬
‫ۡ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ا َ ٓ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِۚ‬
‫ا َ َ ٓ َ َّ ُ َ‬ ‫ا‬ ‫ۡ‬ ‫ان ل َيأ ُخذ أ َخ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َٰ َ ۡ َ ُ ُ َ َ َ َ‬
‫ٱَّلل ن ۡرف ُع د َر َج َٰ ٖت امن نشا ُء َوف ۡوق ك ِّل ِذي ِعل ٍم َع ِليم‪﴾٧٦‬‬ ‫ين ٱل َم ِل ِك ِإل أن يشاء‬ ‫د‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫اه‬ ‫ِ‬ ‫يه كذ ِلك ِكدنا ِليوسف ما ك‬ ‫أ ِخ ِ‬
‫‪ َ ِ َ َّ َ :‬ا ُ ْ َ َٰ َ َ َ ۡ َ ۡ ُ ُ ِّ ۡ َ ۡ ُ َ َ ۡ َ ُ َ‬
‫ون‪( ﴾١٨٢‬األعراف)‪.‬‬ ‫(يوسف)‪ .‬وهناك كيفيات "االستيراج" ﴿وٱل ِذين كذبوا ِب اي ِتنا سنستد ِرجهم من حيث َل يعلم‬

‫‪36‬‬
‫االجتماع التوحييي‬
‫ي‬ ‫‪ -3.3.4‬النظام‬
‫البياب رقم (‪ )4‬يف هذا البحث‪ ،‬وهو الحد اآلخر المقابل للنظام‬
‫ي‬ ‫جتماع التوحيدي المثال يلخصه الرسم‬‫ي‬ ‫النظام اال‬
‫الوح‪ ،‬وإرسال الرسل‪ ،‬وإيمان‬
‫ي‬ ‫االجتماع الفطري العام‪ ،‬ونفتض فيه نزول‬
‫ي‬ ‫ينته إليه النظام‬
‫ي‬ ‫االجتماع الدنيوي المثال الذي‬
‫ي‬
‫جميع مكونات هذا النظام من الناس باهلل وبما أرسل به رسله‪.‬‬

‫‪ -1.3.3.4‬مكونات النظام‬
‫المؤمنون الذين يشكلون مكونات هذا النظام نتعرف عىل صفاتهم من خالل اآليات اآلتية‪:‬‬

‫ون‪َ ٤‬و َّٱلذ َ‬ ‫َّ ۡ ُ ۡ ُ َ َ َّ َ ُ ۡ ا َ َٰ َ َٰ ُ َ‬ ‫َ َ ۡ َ َٰ ُ َ َ َّ َ ُ‬ ‫َ ۡ َ ۡ َ َ ۡ ُ ۡ ُ َ َّ َ ُ‬


‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ين ه ۡم َع ِن ٱللغ ِو مع ِرضون‪ ٣‬وٱل ِذين هم ِللز ُكو ِة ف ِعل‬ ‫ين ه ۡم ِ َ يف صَّل ِت ِه َم خ ِشعون َ‪ ٢‬وٱل ِذ‬ ‫* ﴿قد أفلح ٱلمؤمنون‪ ١‬ٱل ِذ‬
‫ۡ َ ِ َٰ ُ َ ا َ َ َٰا ۡ َ َٰ ۡ ۡ َ َ َ َ ۡ ۡ َ َٰ ُ ُ ۡ َ ا ُ ۡ َ ۡ ُ َ ُ َ َ َ ۡ َ َ َٰ َ َ ٓ َ َ َٰ َ َ ْ َ َٰا َ ُ ُ ۡ َ ُ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫وم ري‪ ٦‬فم ِن ٱبتع وراء ذ ِلك فأول ِئك هم ٱلعادون‪٧‬‬ ‫ت َأيم َن َه َم ف ِإنه ُم َغ رت ُ مل َ ِ‬ ‫وج ِه َم ح ِفظون‪ِ ٥‬إَل عىل أزو ِج ِهم أو ما ملك‬ ‫ِ‬ ‫ه ۡم ِلف ُر‬
‫ىل صل َٰو ِت ِه ۡم ا يح ِافظون‪( ﴾٩‬المؤمنون)؛‬ ‫ين ُه ۡم َع َٰ‬ ‫ون‪َ ٨‬و َّٱلذ َ‬ ‫َ َّ َ ُ ۡ َ َٰ َ َٰ ۡ َ َ ۡ ۡ َ َٰ ُ َ‬
‫وٱل ِذين هم ِألم ن ِتهم وعه ِد ِهم رع‬
‫ِ‬
‫َ َ َٰ ُ َ ُ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫اهو َن َعن ٱل ُ‬ ‫َ ا ُ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬
‫ون بٱل َم ۡ‬ ‫ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ا َٰا ُ َ ۡ َ َٰ ُ ِ َ ۡ َ َٰ ُ َ ا َٰا ُ َ ا َٰ ُ َ ا َٰ ُ َ‬
‫ود‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫ظ‬ ‫ف‬‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ٱل‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫نك‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ٱلن‬ ‫و‬ ‫وف‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ٱأل‬ ‫ون‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ِ‬ ‫ٱلس‬ ‫ون‬ ‫ع‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ٱلر‬ ‫ون‬ ‫ح‬ ‫ئ‬ ‫ِ‬ ‫ٱلس‬ ‫* ﴿ٱلت ِئبون ٱلع ِبدون ٱلح ِمدون‬
‫ي‪( ﴾١١٢‬التوبة)؛‬ ‫ٱَّلل َو َب رِّرس ۡٱل ُم ۡؤمن َ‬ ‫َّ ُۗ‬
‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ َ ا َٰ َ‬ ‫َٰ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ ۡ َ َٰ َ َ ۡ َ َٰ َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ ُۡ ۡ َ َ ُۡ ۡ َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ۡ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ۡ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ِا ۡ‬
‫َٰ‬
‫﴿إن ٱلمس ِل ِم ري وٱلمس ِلم ِت وٱلمؤ ِم ِن ري وٱلمؤ ِمن ِت وٱلق ِن ِت ري وٱلق ِنت ِت وٱلص ِد ِق ري وٱلص ِدق ِت وٱلص ِ ِتين وٱلص ِت ِت‬ ‫* ِ‬
‫ٱلذكر َ‬ ‫َ ُ ُ َ ُ ۡ َ ۡ َ َٰ َ َٰ َ ا َٰ‬ ‫َٰ‬ ‫ٱلص َٰا ئ َم َٰ ت َوٱ ۡل َ‬ ‫ي َو ا‬ ‫ٱلص َٰا ئم َ‬ ‫ي َو ۡٱل ُم َت َص ِّد َق َٰ ت َو ا‬ ‫ي َو ۡٱل َخ َٰ ش َع َٰ ت َو ۡٱل ُم َت َص ِّدق َ‬ ‫َو ۡٱل َخ َٰ شع َ‬
‫ين‬ ‫ِ ِ‬ ‫و‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ظ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ٱل‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫وج‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ظ‬
‫ِ ِ ر‬ ‫ف‬ ‫ح‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِر‬ ‫ِ‬ ‫ِر‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِر‬
‫يما‪( ﴾٣٥‬األحزاب)؛‬ ‫ٱَّلل َل ُهم ام ۡغف َر اة َو َأ ۡج ًرا َعظ ا‬ ‫ٱلذك َ َٰرت َأ َع اد َّ ُ‬ ‫َّ َ َ ا َ ا َٰ‬
‫ٱَّلل ك ِث رتا و‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون‪َ ٥٩‬و َّٱلذ َ‬ ‫َ َّ َ ُ َ ِّ ۡ َ ُ ر ۡ ُ َ‬ ‫ۡ ُ َ‬ ‫َ َّ َ ُ‬ ‫ۡ ُ َ‬ ‫َ ۡ‬ ‫ا َّ َ ُ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫رسك‬‫ين ه َ َم ِب َرب ِه ُم َل َ ي ِ‬ ‫ين هم ُ ِب َاي َٰ ِت َرِّب ِه ۡم ُيؤ ِمنون‪ ٥٨‬وٱل ِذ‬ ‫ين هم ِّم ۡن خش َي ِة َرِّب ِه َم ُّمش ِفقون‪ ٥٧‬وٱل ِذ‬ ‫* ﴿إن ٱلذ‬
‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِۡ ُ َ َِ ٓ َ َ ْ‬
‫ت ِت َوه ۡم لها س َٰ ِبقون‪( ﴾٦١‬المؤمنون)؛‬
‫ُ‬ ‫ون ِ يف ٱل َخ ر ۡ َ َٰ‬ ‫ْ َٰا َ ُ َ َٰ ُ َ‬ ‫َ‬
‫وب ُه ۡم َو ِجلة أن ُه ۡم ِإ َٰىل َ ِّرب ِه ۡم َ َٰر ِج ُعون‪ ٦٠‬أول ِئك يس ِرع‬ ‫وا اوقل ُ‬ ‫يؤتون ما ءات‬
‫ي َو ۡٱل ُم ۡس َت ۡغفر َ‬ ‫ي َو ۡٱل ُمنفق َ‬ ‫ي َو ۡٱل َق َٰ نت َ‬ ‫ٱلص َٰ دق َ‬ ‫ين َو ا‬ ‫ٱلص َٰ ت َ‬ ‫ٱلنار‪ ١٦‬ا‬ ‫َّ َ َ ُ ُ َ َ ا َ ٓ ا َ ٓ َ َ ا َ ۡ ۡ َ َ ُ ُ َ َ َ َ َ َ َ ا‬
‫ين‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِر‬ ‫ِِر‬ ‫ِ ِر‬ ‫ِِ‬ ‫﴿ َٱل ِذ َين يقولون ربنا ِإننا ءامنا فٱغ ِفر لنا ذنوبنا و ِقنا عذاب ِ‬ ‫*‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫بٱألسحار‪( ﴾١٧‬آل عمران)؛‬
‫ُُ ُ َ َ ُ‬ ‫ِّ َ ۡ َ ۡ َ َ ُّ ۡ َ َ َٰ ا َّ َ َ ا َ َ ۡ ُ ُ ۡ َ َٰ َ َ َ ا َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ۡ َ ُ ا ِ ْ َ ا ُ ۡ َ ُ َ َّ ِۚ َ ۡ ُ ُ ُ‬
‫وبك ۡم َوك ار َه ِإل ۡيك ُم‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ۥ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ز‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫يم‬ ‫ٱل‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫ٱَّلل‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫و‬ ‫م‬‫ت‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ٱأل‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ث‬ ‫ك‬
‫ِ ي ُ ِ رَ ن‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ۡ‬ ‫ك‬ ‫يع‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ٱَّلل‬ ‫* ﴿وٱعلموا أن فيكم رسول‬
‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫َٰ‬ ‫ۡ ُ ۡ َ َ ۡ ُ ُ ِ َ َ ۡ ۡ َ َِۚ ُ ْ ِ َ‬
‫ٱلرشدون‪( ﴾٧‬الحجرات)؛‬ ‫ٱلكفر وٱلفسوق وٱلعصيان أول ئك هم َٰ‬
‫َ ُ َ ِّ ُ َ ۡ َ َ َ ِّ ُّ ُ ِۚ َ َ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫َ َ َ ا ُ ُ َ ٓ ِ ُ َ َ ۡ ِ ا ِّ َ ۡ ُ ِ ۡ ُ َِۚ ُ ٌّ َ َ َ َّ َ َ َ َٰا َ‬
‫ٱَّلل ومل ِئك ِت ِهۦ وكت ِب ِهۦ ورس ِل ِهۦ َل نفرق ب ري أح ٖد من رس ِل ِهۦ وقالوا‬ ‫ول ُ ِبما َأ ِنزل ِإلي ِه َ ِمن رب ۡ ِهۦ وٱلمؤ ِمنون كل ءامن ِب ِ‬ ‫* ﴿ءامن ٱلرس‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ ۖۡ ۡ َ َ‬
‫َس ِم ۡعنا َوأط ۡعنا غف َرانك َرابنا َو ِإل ۡيك ٱل َم ِص ر ُت‪( ﴾٢٨٥‬البقرة)؛‬
‫ا َ ۡ ُ ۡ ُ َ َّ َ َ ُ َ َّ ُ َ َ ۡ ُ ُ ُ ُ ۡ َ َ ُ َ ۡ َ َ ۡ ۡ َ َ َٰ ُ ُ َ َ ۡ ُ ۡ َ َٰ ا َ َ َ َٰ َ ِّ ۡ َ َ َ َّ ُ َ َّ َ ُ ُ َ‬
‫يمون‬ ‫ٱَّلل و ِجلت قلوب هم و ِإذا ت ِلايت علي ِهم ءاي تهۥ زادتهم ِإيم نا وعىل رب ِهم يتوكلون‪ ٢‬ٱل ِذين ي ِق‬ ‫* ﴿إنما ٱلمؤمنون ٱل ِذين إذا ذ ِكر‬
‫َ َ ِّ ۡ َ َ ۡ َ َ ۡ َ‬ ‫ِ ا َ َٰ َ َ ِ ا َ َ ۡ َ َٰ ُ ۡ ُ ِ ُ َ ُ ْ َ َٰا َ ُ ُ ۡ ُ ۡ ُ َ َ ِۚ َّ ُ ۡ َ َ َ َٰ ر‬
‫ٱلصلوة و ِمما رزقن هم ي َ ِنفقون‪ ٣‬أول ِئ َك هم ِۚ ٱلمؤ ِمنون حقا لهم درج ت ِعند رب ِهم ومغ ِفرة و ِرزق ك ِريم‪( ﴾٤‬االنفال)؛‬
‫ا َ ۡ ُ ۡ ُ َ ۡ َ َ ۡ ُ ْ َ ۡ َ َ َ ۡ ُ ۡ َ ا ُ ْ َّ َ َ َ َّ ُ ۡ ُ ۡ َ ُ َ‬
‫ات)؛‬ ‫ر‬ ‫(الحج‬ ‫﴾‬ ‫‪١٠‬‬ ‫ون‬ ‫﴿إنما ٱلمؤ ِمنون ِإخوة فأص ِلحوا ب ري أخويكم وٱتقوا ٱَّلل لعلكم ترحم‬ ‫*‬
‫َ ۡ ُ َ َ ۡ َ ُ ۡ َ َ ُ ُ ْ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َ ِۚ َ ُ ْ َ َٰا َ ُ ُ ۡ ُ ۡ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ا َ َ َ َ ۡ َ ۡ ُ ۡ َ َ ُ ُ ا ْ َ َّ‬
‫ول ِهۦ ِليحكم بينهم أن يقولوا س ِمعنا وأطعنا وأول ِئك هم ٱلمف ِلحون‪( ﴾٥١‬النور)؛‬ ‫* ﴿إنما كان قول ٱلمؤمني إذا دعوا إىل ٱَّلل ورس‬
‫َ َ ۡ َ ۡ َ َ ۡ ُ َ َ ُ ُ َ ا َ َٰ َ َ ُ ۡ ُ َ ا َ َٰ َ َ ُ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ۡ ُ ۡ ُ َ َ ۡ ُ ۡ ِ َ ِ َٰ ر ُ ِ َ ۡ ُ ُ ۡ ِ َ ۡ َ ٓ ُ ِ َ ۡ ِۚ َ ِ ۡ ُ ُ َ ۡ‬
‫وف وينهون ع ِن ٱلمنك ِر وي ِقيمون ٱلصلوة ويؤتون ٱلزكوة وي ِطيعون‬ ‫ض يأمرون ِبٱلمعر ِ‬ ‫* ﴿وٱلمؤ ِمنون ُوٱلمؤ ِمن ت بعضهم أولياء بع‬
‫(التوبة)؛‬ ‫﴾‬ ‫‪٧١‬‬ ‫يم‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ٱَّلل ن َعز ريز َ‬ ‫ٱَّلل ِ إ ان َّ َ‬ ‫َّ َ َ َ ُ َ ُ ا ِۚ ْ َ َٰا َ َ َ ۡ َ ُ ُ ُ َّ ُُۗ‬
‫ٱَّلل ورسولهۥ أول ِئك س رتحمهم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ۡ‬ ‫ُّ َ ا ا ُ ُ َّ ِۚ َ َّ َ َ َ ُ ا َ ا ٓ ُ َ َ ۡ ُ ا ُ َ َ ٓ ُ َ ۡ َ ُ ۡ ۖۡ َ َ َٰ ُ ۡ ُ َّ ا ُ ا ا َ ۡ َ ُ َ َ ۡ ا ِّ َ َّ َ ۡ َ َٰ ا ۖۡ َ ُ‬
‫ٱَّلل و ِرضو نا ِسيماهم ِ يف‬ ‫ٱَّلل وٱل ِذين معهۥأ ِشداء عىل ٱلكف ِار رحماء بينهم ترىهم ركعا سجدا يبتغون فضَّل من‬ ‫* ﴿محمد رسول‬
‫َ َ ۡ َ ۡ َ َ َ ۡ ُ َ َ َ ُ َ ۡ َ ۡ َ َ ِ َ ۡ َ َ َٰ َ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ا ۡ َ َٰ ِۚ َ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ ۡ َ َ ِ ُّ ُ ِۚ َ َٰ َ َ َ ُ‬
‫وق ِهۦ‬ ‫ُ‬ ‫َٰ‬
‫ط هۥ اف َ َازۡرهۥفَٱستغلظ فٱستوى عىل س ِ‬ ‫يل كزر نع أخرج ش‬ ‫ِ‬ ‫نج‬‫ِ‬
‫ۡ‬
‫ود ذ ِلك ُۗمثلهم ِ يف ٱلتورى ِة ومثلهم ِ يف ِٱل‬ ‫ۡ‬
‫ِ‬ ‫وه ِهم من أث ِر ٱلسج‬ ‫ِ‬ ‫ُو ُج‬
‫ٱلص َٰ ِل َح َٰ ِت ِم ۡن ُهم ام ۡغ ِف َرة وأج ًرا ع ِظ َ ۢ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ين َء َام ُنوا َو َعملوا ا‬ ‫ْ‬ ‫ٱَّلل ٱلذ َ‬ ‫َّ‬ ‫اع ل َيغيظ به ُم ٱلكف َار َو َع َد َّ ُ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ ۡ ُ ُّ ا َ‬
‫يما‪( ﴾٢٩‬الفتح)؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ْٱلزر ِ ِ‬ ‫يعج‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِۚ‬ ‫ا‬
‫ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ِۡ َ ُ‬
‫ر‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ۡ‬ ‫(سبأ) َ؛ َ َّ ُ ُ ُ َ ُ ۡ ا ۡ َ َِٰۚ َ ُ ا ۡ َ َ َ‬ ‫* ﴿ٱعملوا ءال داوۥد َشكرا وق ِليل من ِعب ِادي ٱلشكور‪﴾١٣‬‬
‫َّ ُ ْ َ َٰا َ َّ َ ۡ َ‬ ‫* ا َّ َ َ ُ ُّ َ ۡ َ َ ُ ۡ َ َ ُ‬
‫ٱَّلل أول ِئك ٱل ِذين ٱمتحن ٱَّلل قلوب هم ِللتقوى لهم مغ ِفرة وأجر ع ِظيم‪﴾٣‬‬ ‫ول ِ‬ ‫﴿إن ٱل ِذين يغضون أص َٰو تهم ِعند رس ِ‬ ‫ِ‬
‫‪0‬الحجرات)‪.‬‬

‫المؤمني الذين يكونون النظام‬


‫ر‬ ‫ه وحدها الحاكم عىل نفوس‬ ‫اآليات السابقة ت ربي لنا أن الصفات اللهية الملهمة للتقوى ي‬
‫الختات‪ ،‬وأنهم راشدون‪ ،‬وأنهم شاكرون‪.‬‬
‫ر‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫يسارعون‬ ‫وأنهم‬ ‫االجتماع التوحيدي‪ ،‬وأن جميع أفعالهم وأعمالهم صالحة‪،‬‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫المؤمني من تحقيق معن العبودية هلل تعاىل‪ ،‬وجوهرها شكره عىل نعمه‪،‬‬
‫ر‬ ‫االجتماع التوحيدي أن يمكن‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫من‬ ‫المقصد‬
‫الن تعمر األرض بالصالح‪ ،‬رفتدادون‬
‫الظاهرة والباطنة‪ ،‬ال سيما فيما عىل األرض من زينة‪ ،‬من خالل المسارعة يف األعمال ي‬
‫إيمانا مع إيمانهم‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ -2.3.3.4‬بيئة النظام‬
‫ويبي الشكل رقم (‪ )6‬أن مكونات بيئة عالم‬ ‫البيئة الخارجية للنظام تتكون من بيئة عالم الشهادة‪ ،‬وبيئة عالم الغيب‪ ،‬ر‬
‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫مكوب "المال" و"البنون" يدخالن يف تركيبة النظام‬ ‫ي‬ ‫الوح‪ ،‬بينما‬ ‫ي‬ ‫ه‪ :‬األرض؛ السماوات؛‬ ‫الشهادة بالنسبة للنظام ي‬
‫موضوع الدراسة من خالل ما عملته يد النسان فيهما‪ ،‬ويظهران يف شكل نظم اجتماعية جزئية‪ .‬البيئة الغيبية توجد عىل‬
‫عالم‬ ‫ي‬ ‫الشياطي؛ الجن؛ المالئكة‪ ،‬ثم من وراء ذلك الخالق تبارك وتعاىل‪ ،‬وهو من وراء خلقه يف‬ ‫ر‬ ‫مستوى الخلق ويتكون من‬
‫الوح من هللا تعاىل إىل الناس يف األرض وقد آمنوا به‪ ،‬ليظل بينهم‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫الغيب والشهادة محيط‪ .‬سمة بارزة يف عالم الشهادة ي‬ ‫ِّ‬
‫ُمذكرا إىل قيام الساعة‪ ،‬وهو يظل باقيا ربي أهل األرض‪ ،‬إما يف شكل كتاب متل محفوظ بحفظ هللا له‪ ،‬وهو القرآن الكريم‪،‬‬
‫وح به إىل الرسل واألنبياء‪ ،‬ويأخذه عنهم العلماء‪ ،‬يتوارثونه‪ ،‬ويبينونه للناس بما استحفظوا من كتاب‬ ‫وإما ف شكل علم ُي َ‬
‫ي‬
‫هللا‪ ،‬وكانوا عليه شهداء‪.‬‬
‫‪ -3.3.3.4‬بنية النظام‬
‫الن تربط ربي مكونات‬ ‫الن تربط ربي مكونات النظام‪ ،‬والروابط الخارجية ي‬ ‫تتكون بنية النظام من مجموع الروابط الداخلية َ ي‬
‫الوح بعلم هللا تعاىل‪ ،‬وإرسال الرسل‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬
‫وبي مكونات بيئته الخارجية‪ ،‬يف عالم الغيب وعالم الشهادة إن نزول‬ ‫النظام من جهة ر‬
‫االجتماع‪ ،‬وقد افتضناه نظاما اجتماعيا مثاال جميع َمن‬ ‫الواقع‬ ‫ف‬ ‫الدين‬ ‫إقامة‬ ‫عليه‬ ‫تب‬ ‫يت‬ ‫ذلك‬ ‫بكل‬ ‫الناس‬ ‫للبالغ‪ ،‬وإيمان‬
‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ ۡ ُ َ ََۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ :‬ي ا َ َ َ َ ۡ َ ۡ ُ ي ۡ َ َ ُ ُ ا ْ َ َّ‬
‫ول ِهۦ ِليحكم بينهم أن‬ ‫ٱَّلل ورس ِ‬ ‫﴿إنما كان قول ٱلمؤ ِم ِن ري ِإذا دعوا ِإىل ِ‬ ‫عليهم َقول هللا تعاىل ِ‬ ‫يكونونه مؤمنون راشدون‪ ،‬ينطبق‬
‫ُ‬ ‫َ ُ ُ ْ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َ ِۚ َ ُ ْ َ َٰا َ ُ ُ ۡ ُ ۡ‬
‫الن عىل‬ ‫المعايت األخالقية والقانونية‪ ،‬وكل القيم ي‬ ‫ر‬ ‫الوح يحدد‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬
‫يقولوا س ِمعنا وأطعنا وأول ِئك هم ٱلمف ِلحون‪( ﴾٥١‬النور) علم‬
‫التغيت فيه‪.‬‬ ‫ر‬ ‫أساسها يقام الدين‪ ،‬وب ها تنضبط ديناميات‬
‫المؤمني‬ ‫ر‬ ‫الن بدأنا بها هذا النظام تعريفا بخواص‬ ‫ذات طبيعة عامة أثبتتها اآليات ي‬ ‫المؤمني‬
‫ر‬ ‫هناك روابط داخلية ربي‬
‫‪.‬‬ ‫ر‬
‫النه ع المنكر"؛ "الشورى" وهناك روابط من‬ ‫المكوني له‪ ،‬منها‪" :‬الوالية"؛ "األخوة"‪" ،‬التاحم"؛ "األمر بالمعروف"؛ " ي‬ ‫ر‬
‫جنسها ذكرتها السنة النبوية‪ ،‬منها‪" :‬الثب"؛ "النصيثة"‪" ،‬التواد"؛ "شي األزر"‪...‬إلخ‪ .‬وهناك روابط تتأ كد أهميتها يف إطار‬
‫القرن"‪" ،‬إقامة الوزن بالقسط"‪" ،‬النظرة إىل ميشة"‪" ،‬التصيق"‪،‬‬ ‫الماىل مثال‪ ،‬منها "إيتا ذي‬ ‫جزب كالنظام‬ ‫نظام اجتماع ئ‬
‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫م تتحدد فيه العالقات الرابطة ربي الرجال والنساء األجنبيات من خالل‬ ‫ح‬ ‫"اإلحسان"‪" ،‬اإلطعام"‪...‬إلخ‪ .‬النظام البيولوح َ‬
‫والر‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫الن جوهرها "أيع " و "ال تفع "‪ ،‬مثل "غض الفرص"‪" ،‬حفظ الفرج"‪" ،‬عيم المواعية رسا"‪...‬إلخ‪ ،‬بينما‬ ‫الوح ي‬ ‫ي‬ ‫توجيهات‬
‫الت"‪" ،‬المعروف"‪" ،‬اإليثار"‪" ،‬الةلة"‪" ،‬الشفاعة"‪" ،‬اإلخا "‪،‬‬ ‫الروابط الرحمية تقوم عىل "المودة"‪" ،‬الرحمة"‪" ،‬الثب"‪ " ،‬ر‬
‫النه ع‬ ‫السياش نذكر فيه روابط "العيل"‪" ،‬الشورى"‪" ،‬النرصة"‪" ،‬األمر بالمعروف"‪ " ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫"الصياقة"‪...‬إلخ‪ .‬النظام‬
‫المنكر"‪" ،‬الطاعة"‪" ،‬النصيثة"‪...‬إلخ‪.‬‬
‫الن تربط مكونات النظام وبيئته الخارجية عىل ثالثة أرصب‪ ،‬روابط مع مكونات عالم الشهادة متمثلة‬ ‫الروابط الخارجية ي‬
‫المؤمني‬ ‫ر‬ ‫أختا ما يربط‬ ‫الشياطي؛ الجن؛ ثم ر‬ ‫ر‬ ‫الوح؛ األرض؛ السماء؛ وروابط مع مكونات عالم الغيب متمثلة يف المالئكة؛‬ ‫ي‬ ‫يف‪:‬‬
‫الوح من السماء‪ ،‬واستقراره يف األرض كتابا يقرأه الناس‪ ،‬ويتفاعلون معه‪ ،‬إيجابا وسلبا‪ ،‬يمثل‬ ‫ي‬ ‫بالخالق‪ ،‬تبارك وتعاىل‪ .‬إن نزول‬
‫ينته‬ ‫ي‬ ‫االجتماع الفطري إىل واحد من حديه‪ ،‬نظام االجتماع الدنيوي‪ ،‬أو نظام االجتماع التوحيدي‪ ،‬أو‬ ‫ي‬ ‫تنته بالنظام‬ ‫ي‬ ‫دينامية‬
‫المؤمني للعالم‪ ،‬وحبل هللا‬ ‫ر‬ ‫الوح رؤية‬ ‫ي‬ ‫‪.‬‬
‫النظامي الحدين يشكل‬ ‫ر‬ ‫إىل نظام اجتماع حدودي ربي الحدين تتداخل فيه سمات‬
‫المتي الذي يحدد روابطهم بالبيئة الخارجية للنظام‪ ،‬فمثال‪ ،‬يف العالقة مع مكونات عالم الشهادة يرتبط المؤمنون يف النظام‬ ‫ر‬
‫بالوح بأوثق الروابط منها رابط "الهياية"‪ ،‬رابط "الشفا "‪ ،‬رابط "التيبر"‪ ،‬رابط "السكينة"‪ ،‬رابط‬ ‫ي‬ ‫االجتماع التوحيدي‬
‫التكية"‪ ،‬رابط "االعتصام"‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫"التعلم ي"‪ ،‬رابط " ر‬
‫عالقة‬ ‫التسةت"‪ ،‬ثم هناك َ‬ ‫ر‬ ‫ه عالقة "االستةالف" المقتضية لعالقة "‬ ‫المؤمني باألرض ي‬ ‫ر‬ ‫الن تربط‬ ‫العالقة الجوهرية ي‬
‫﴿أ َلمۡ‬ ‫األرض من َآيات هللا الدالة عليه‪ ،‬ثم هناك عالقة "الثياة"‪ ،‬وهناك عالقة "الموت" لقول هللا تعاىل‪:‬‬ ‫"االعتفار" بما ف‬
‫َ ۡ َٓ ا َ ۡ َ ا‬ ‫َ ۡ َ ۡ َ ۡ َ َي ً‬
‫تسةت"‪ ،‬وعالقة‬ ‫الجوهرية بالسماء نوعان؛ عالقة "‬ ‫‪.‬‬ ‫َٰ‬
‫ُ ْ‬ ‫ر ُ‬ ‫َ َ َّ َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫عالقتهم َ َ ا‬
‫َ‬
‫(المرسالت) المؤمنون‬
‫َ ا ۡ ُِۚ ا‬ ‫َۡ‬ ‫نجع ِل ٱألرض ِكفاتا‪ ٢٥‬أحياء وأمو تا‪﴾٢٦‬‬
‫﴿و َس اخ َر َل ُكم اما ف ا‬
‫يعا ِّمنه ِإن ِ يف ذ َٰ ِلك أل َي َٰ ٖت لق ۡو ٖم َيتفك ُرون‪( ﴾١٣‬الجاثية)؛ ﴿ق ِل ٱنظ ُروا‬ ‫ض ج ِم‬ ‫ر‬ ‫ٱأل ۡ‬ ‫ف‬ ‫ا‬‫م‬‫ٱلس َم َٰ َ َٰو ت َو َ‬
‫ِ‬
‫"اعتفار"‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ۡ َ ۡ ِۚ ِ ي َ َ ُ ۡ ۡ ا َ َٰ ُ َ ُّ ُ ُ َ َ ۡ ا ُ ۡ‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫ا َ َٰ َ‬ ‫َ َ‬
‫ض وما تغ ِ ين ٱألي ت وٱلنذر عن قو ٖم َل يؤ ِمنون‪( ﴾١٠١‬يونس)‪.‬‬ ‫ماذا ِ يف ٱلسم َٰو ِت وٱألر ِ‬
‫المؤمني بالشيطان‪ ،‬أحد مكونات هذه‬ ‫ر‬ ‫الن تربط مكونات النظام التوحيدي من‬ ‫ه تلك ي‬ ‫أهم الروابط مع البيئة الغيبية ي‬
‫المؤمني بأن الشيطان لهم عدو‪ ،‬وأمرهم أن يتخذوه عدوا‪ .‬وعداوة‬ ‫ر‬ ‫الوح‬
‫ي‬ ‫أخت‬ ‫فقد‬ ‫البيئة‪ ،‬وهو رباط جوهره "العيا "‪،‬‬
‫المؤمني‪ .‬وقد بينا يف تحليلنا‬ ‫ر‬ ‫ه لكل الناس‪ ،‬مؤمنهم وكافرهم‪ ،‬ولكن الكافر كفاه بكفره المهمة‪ ،‬وفرغ جهده لضالل‬ ‫الشيطان ي‬
‫غت أن‬ ‫فنكتف يف هذا بذاك‪ ،‬ر‬ ‫الن تربط الشيطان بمطلق إنسان‬ ‫لهذه العالقة يف إطار نظام االجتماع الدنيوي كل أنواع الروابط ي‬
‫ٱلش ۡي َط َٰ ن ل َي ۡح ُز َن َّٱلذ َ‬ ‫‪ :‬ا َ ا ۡ َ َٰ َ ي ا‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ى‬ ‫و‬‫ج‬ ‫ٱلن‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫﴿إ‬
‫ِ‬ ‫"‬ ‫التثزي‬ ‫"‬ ‫عالقة‬ ‫بالمؤمني مثل‬ ‫ر‬ ‫الوح يفيد بأن هناك عالقات للشيطان خاصة‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ِۚ َ َ َ َّ َ ۡ َ َ َ َّ ۡ ُ ۡ‬ ‫َ َ ُ ي ْ َ َ ۡ َ َ ٓ ِّ ۡ َ ۡ ا ۡ‬
‫المؤمني بكيفيات‬ ‫ر‬ ‫الوح‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫يزو‬ ‫كذلك‬ ‫‪.‬‬ ‫(المجادلة)‬ ‫﴾‬ ‫‪١٠‬‬ ‫ون‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ؤ‬ ‫م‬ ‫ٱل‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ك‬‫و‬ ‫ت‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫ٱَّلل‬
‫ِ‬ ‫ىل‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ٱَّلل‬
‫ِ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ءامنوا وليس ِبضار ِهم شي ا ِإَل ِب ِإ‬

‫‪38‬‬
‫وه كيفيات فعالة بدليل أن الشيطان لم يجد له سلطانا عىل من يكونون‬ ‫عمل لمدافعة الشيطان نذكرها ف موقعها أدناه‪،‬‬
‫وا َو َع َىلَٰ‬ ‫ا ُ َ ۡ َ َ ُ ُ ۡ َ َٰ ر َ َ َّ َ َ َ ُ ْ‬ ‫ا‬ ‫َٰ‬ ‫‪ ۡ َ َ َ َ :‬ي َ ۡ ُ ۡ َ َ َ ۡ َ ۡ ي َّ َ ا ۡ َ‬
‫ٱَّلل ِمن ٱلشيط ِن ٱلر ِج ِيم‪ِ ٩٨‬إنهۥ ليس لهۥ سلط ن عىل ٱل ِذين ءامن‬ ‫النظام التوحيدي ﴿فإذا قرأت ٱلقرءان فٱست ِعذ ب ِ‬ ‫هذا‬
‫‪.‬‬ ‫ُ رۡ ُ َ‬ ‫ا َ ُ ۡ َ ِ َٰ ُ ُ َ َ َّ َ َ َ َ َّ ۡ َ ُ َ َّ ِ َ ُ‬ ‫َ ِّ ۡ َ َ َ َّ ُ َ‬
‫رسكون‪( ﴾١٠٠‬النحل) بالنسبة للجن عموما فقد رأيت أن‬ ‫رب ِهم يتوكلون‪ِ ٩٩‬إنما سلط نهۥ عىل ٱل ِذين يتولونهۥ وٱل ِذين هم ِب ِهۦ م ِ‬
‫التوحيدي‪.‬‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫إطار‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫جوهرية‬ ‫بالمؤمني ألنها ال تبدو يف رؤية القرآن للعالم‬ ‫ر‬ ‫أتجاهل عالقتهم‬
‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ۡ ُ َۡ َٓ ُ ُ‬
‫الثاب للبيئة الغيبية‪ ،‬هو رابط "الوالية"‪﴿ :‬نحن أو ِلياؤكم ِ يف ٱلحيو ِة‬ ‫المؤمني والمالئكة‪ ،‬المكون‬ ‫ر‬ ‫الرابط الجوهري ربي‬
‫َ ُّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ُّ ۡ َ َ ۡ ا َ ۖۡ َ َ ُ ۡ َ َ َ ۡ َ ا َ ُ ُ ُ ۡ َ َ ُ ۡ َ َ َ ا ي ُ َ‬
‫وح ربك ِإىل‬ ‫‪:‬‬
‫سكم ولك ُ ُم ِفيها ما تدعون‪( ﴾٣١‬فصلت)‪ ،‬وهناك رابط "التثبيم" ﴿إذ ي ِ‬ ‫ٱلدنيا وف ٱألخرة ولكم فيها ما تشته أنف‬
‫َّ َ َ َ ُ ْ ُّ ۡ َ َ ۡ ُ ْ َ ۡ َ ۡ َ ۡ َ َ ۡ ُ ْ ۡ ُ ِ ۡ ُ ا ي َ َ‬ ‫ۡ َ َ َٰا َ ِ ي َ ِّ ِ َ َ ِ ُ ۡ َ َ ِّ ُ ِ ْ َّ َ َ َِ يُ ِۚ ْ َ ُ ۡ‬
‫ان‪﴾١٢‬‬ ‫ٖ‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ ِ‬ ‫وا‬ ‫ب‬
‫ٱرص‬ ‫و‬ ‫اق‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ٱأل‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫وا‬ ‫ب‬
‫ٱرص‬
‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ب‬ ‫ع‬‫ٱلر‬ ‫وا‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ين‬ ‫ذ‬ ‫ٱل‬
‫ِ ِ‬ ‫وب‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ف‬‫ٱلمل ِئك ِة أ يب معكم فثبتوا ٱل ِذين ءامنوا ِ ي ِ ي‬
‫ف‬‫ل‬ ‫أ‬‫س‬
‫وع بهما‪ ،‬بينما الكافرون عنهما غافلون‪،‬‬ ‫المؤمني عىل‬ ‫ر‬ ‫غت أن‬ ‫(األنفال)‪ .‬وهناك رابطان عامان يربطان كل الناس بالمالئكة ر‬
‫‪ َ َ ُ َ ۡ َ ۡ َ :‬ا َ َ ۡ َ ُ ا ُ ۡ َ َ ۡ َ َٰ ُ ِۚ َ َ َٰ َ ُ ُ ُ َ َ َ ۡ ۡ َ ۡ ُ ي ُ َ‬
‫ون‪( ﴾٨٠‬الزخرف)‪ ،‬ورابط "الرقابة"‪:‬‬ ‫وهما رابط "الكتابة" ﴿أم يحسبون أنا َل نسمع ِشهم ونجوىهم بىل ورسلنا لدي ِهم يكتب‬
‫يب َع ِتيد‪( ﴾١٨‬ق)‪.‬‬ ‫﴿ما َي ۡلف ُظ من َق ۡول إ اَل َل َد ۡيه َرق ر‬ ‫ا‬
‫ۡ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ين َء َامنوا ُي ۖۡخ ِر ُج ُهم ِّم َن‬ ‫﴿ٱَّلل َو ُّىل ٱلذ َ‬
‫ِ‬ ‫روابط متينة ال حرص لها نذكر أعمها‪ ،‬مثل رابط "الوالية"‪:‬‬ ‫المؤمني باهلل تعاىل‬ ‫ر‬ ‫تربط‬
‫ٱلنار ُه ۡم فيهاَ‬ ‫ُّ ُ َ َٰ ُۗ ُ ْ َ َٰا ِ ي َ َ ۡ َ َٰ ُ ا‬ ‫َ‬ ‫ُّ ۖۡ َ َّ َ َ َ ُ ا ْ َ ۡ َ ٓ ُ ُ ُ ا َٰ ُ ُ ُ ۡ ُ َ ُ ِّ َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ور ِإىل ٱلظلم ِت أول ِئك أصح ب‬ ‫ِ‬ ‫ور وٱل ِذين ك َفروا أو ِلياؤهم ٱلط غوت َيخ ِرجونهم من ٱلن‬ ‫ِ‬ ‫ٱلظل َم َٰ ِت ِإىل ٱلن‬
‫َ َ ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫اُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬ ‫ٓ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ُ َ‬
‫اس‬ ‫الثب"‪﴿ُ :‬و ِمَن ٱلن ِ‬ ‫(األنفال)‪ .‬هناك رابط "‬ ‫َ‬ ‫﴿إن أ ۡو ِل َياؤ ُه اۥ ِإَل ٱل ُمتقون َول َٰ ِك ان أ ك َته ۡم ََل َي ۡعل ُمون‪﴾٣٤‬‬ ‫ِ‬ ‫(البقرة)؛‬
‫َ‬ ‫خ َٰ ِلدون‪﴾٢٥٧‬‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ا‬
‫﴿ي َٰ أ ُّي َها ٱلذ َ‬ ‫ُۗ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ا‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ۖۡ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َمن َي اتخذ من دون ٱَّلل أندادا ُيح ُّبون ُه ۡم ك ُح ِّب ٱَّلل َوٱلذ َ‬
‫ا‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ين َء َامنوا َمن َي ۡرتد ِمنك ۡم عن ِد ِين ِهۦ‬ ‫ِ‬
‫ين َء َامن اوا أشد ُحبا َّلل﴾؛ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِۡ‬
‫َّ ُ ِ َ ۡ ُ ُّ ُ ۡ َ ُ ُّ َ ُ‬ ‫َف َس ۡو َ‬
‫بالمؤمني‪ ،‬من دون‬ ‫ر‬ ‫ف َيأ ِ يب ٱَّلل ِبقو ٖم ي ِحبهم وي ِحبونهۥ﴾ (المائدة)‪ ،‬وهناك رابط "الصالة"‪ ،‬ورابط "الرحمة" ِۚالخاص‬ ‫ا‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫ٱلن َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ا ُُ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫يما‪﴾٤٣‬‬ ‫ي َرح ا‬ ‫َ‬
‫ور وكان ِبٱلمؤ ِم ِن ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الن تعم جميع العباد‪﴿ :‬ه َو ٱل ِذي ُي َص يىل َعل ۡيك ۡم َو َمل َٰ ِئكتهۥ ِل ُيخ ِر َجكم ِّم َن ٱلظل َم َٰ ِت ِإىل‬ ‫الرحمة ي‬
‫المؤمني باهلل تبارك‬ ‫ر‬ ‫الن حملتها الروح إىل النسان تمثل روابط تربط‬ ‫(األحزاب)‪ .‬وعىل الجملة فإن جميع الصفات اللهية ي‬
‫وتعاىل‪.‬‬

‫االجتماع التوحييي‬‫ي‬ ‫‪ -4.3.3.4‬كيفيات عم النظام‬


‫االجتماع من‬ ‫ي‬ ‫الن يتخذها الفعل‬ ‫ه المسارات (‪ )Pathways‬ي‬ ‫فلسفة االعلم المادية ي‬ ‫كيفيات العمل االجتماعية يف إطار‬
‫الكيف (المكت يم) لكيف‬ ‫التفست‬ ‫هو‬ ‫وهذا‬ ‫‪،‬‬‫االجتماع‬ ‫النظام‬ ‫إطار‬ ‫ف‬ ‫باتها‬‫سب‬ ‫م‬‫بي األسباب و ُ‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫االجتماع للربط ر‬ ‫ي‬ ‫خالل النسيج‬
‫الكيف‬
‫ي‬ ‫التفست‬
‫ر‬ ‫االجتماع المستمر‪ .‬ويعتت‬‫ي‬ ‫التغيت‬
‫ر‬ ‫الن تقع يف إطار‬ ‫االجتماع المحدد ليؤدي وظائفه‪ ،‬أو لألحداث ي‬ ‫ي‬ ‫يعمل النظام‬
‫‪.‬‬
‫يبي كيف يؤدي السبب إىل المسبب إذن‬ ‫السبن المتعارف عليه يف العلوم الطبيعية واالجتماعية ألنه ر‬ ‫ي‬ ‫التفست‬
‫ر‬ ‫أعمق من‬
‫َ‬
‫السبن بل تعميقا له‪ ،‬ولكن السببية ذاتها تأخذ أبعادا غيبية يف رؤية القرآن للعالم كما ت ربي‬ ‫ي‬ ‫للتفست‬
‫ر‬ ‫ال‬ ‫بدي‬ ‫ليس‬ ‫كيف‬
‫ي‬ ‫ال‬ ‫التفست‬
‫ر‬
‫الحقيف الذي يواجه البحث‬ ‫ي‬ ‫والمنهج‬
‫ي‬ ‫المعرف‬
‫ي‬ ‫التحدي‬ ‫هو‬ ‫وهذا‬ ‫‪،‬‬‫هذا‬ ‫بحثنا‬ ‫محل‬ ‫االجتماعية‬ ‫للنظم‬ ‫الغيبية‬ ‫بعاد‬ ‫األ‬ ‫خالل‬ ‫من‬
‫ر‬
‫االجتماع من ِقبل البرس‬ ‫‪.‬‬
‫االجتماع المؤسس عىل رؤية القرآن للعالم هنا المسارات السببية ال تقترص عىل الفعل‬ ‫العلم‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫البرسي وفعله‪،‬‬ ‫المكوني للنظام االجتماع‪ ،‬بل هناك مسارات موازية‪ ،‬ومعاكسة يتخذها الفعل الشيطاب مثال‪ ،‬وتؤثر ف الفاعل ر‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫كيف للنظم االجتماعية؟‬ ‫التفست ال ي‬
‫ر‬ ‫ومن ثم نتائجه‪ ،‬بحكم تسليط الشيطان عىل النسان‪ ،‬فكيف يتأب إدماج ذلك منهجيا يف‬
‫الغين مع الفعل‬ ‫ي‬ ‫السبن‬
‫ي‬ ‫كما أسلفنا فإن هلل تعاىل جنود السماوات واألرض‪ ،‬وأمره ربي الكاف والنون‪ ،‬ولذلك فإن تداخل فعله‬
‫كيف وحده‪ ،‬فعندما أراد هللا تعاىل‬ ‫النساب ال يمكن التعويل يف دراسته عىل المنهج ال ي‬ ‫ي‬ ‫والشيطاب يف فضاء االجتماع‬ ‫ي‬ ‫النساب‪،‬‬
‫ُ ي‬
‫منهج آخر يضاف إىل ما ذكرناه أعاله‪،‬‬ ‫ي‬ ‫تحد‬ ‫هذا‬ ‫‪.‬‬‫األرض‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫يبحث‬ ‫ابا‬‫ر‬ ‫غ‬ ‫بعث‬ ‫أخيه‬ ‫سوءة‬ ‫يواري‬ ‫كيف‬ ‫آدم‬ ‫ابن‬
‫ي‬ ‫أحد‬ ‫ري‬ ‫أن ي‬
‫وربما يكون مفيدا النظر يف أدبيات التعقيد (‪ )complexity theories‬وما تطرحه من منهجيات ومناهج بحثية‪.‬‬
‫المؤمني بعضها عام مثل كيفيات (مكتمات)‬ ‫ر‬ ‫االجتماع الرابط ربي‬
‫ي‬ ‫الن تعمل يف إطار النسيج‬ ‫كيفيات العمل الداخلية ي‬
‫والنه ع المنكر"؛ "النصيثة"؛ "الثب"؛ "حس الظ "؛ "الشورى"؛ "المساواة"؛‬ ‫ي‬ ‫"اإلخا يف ي"؛ "األمر بالمعروف‬
‫"الوالية"؛ "اإلصالح"؛ "تقوى ي" إلخ هذه الكيفيات العامة تتولد منها كيفيات عمل متخصصة يف كل النظم االجتماعية‬ ‫‪.‬‬ ‫‪...‬‬
‫الثقاف والنظام‬ ‫ي‬ ‫الماىل‪ ،‬النظام التبوي‪ ،‬النظام‬ ‫ي‬ ‫الرحم‪ ،‬النظام‬
‫ي‬ ‫االجتماع التوحيدي‪ ،‬كالنظام الحيوي‬ ‫ي‬ ‫المتخصصة يف النظام‬
‫السياش‪.‬‬
‫ي‬
‫الن تعمل يف إطار عالقة مكونات المجتمع التوحيدي مع األرض‪ ،‬أحد مكونات بيئة عالم الشهادة‪،‬‬ ‫كيفيات العمل ي‬
‫تحددها طبيعة رابط "االستخالف" الذي ذكرناه من قبل‪ ،‬وأعمها عىل الطالق كيفية "اإلصالح"؛ كيفية "االستعمار"؛ كيفية‬
‫الن‬
‫ه ذاتها ي‬ ‫"إقامة الوزن بالقسط"؛ كيفية "الشكر"؛ كيفية "التفكر"؛ كيفية "االعتفار"‪...‬إلخ‪ .‬معظم كيفيات العمل هذه ي‬
‫الثاب لبيئة عالم الشهادة‪ ،‬فاهلل تعاىل الذي سخر ما يف السماوات وما يف‬ ‫ي‬ ‫المؤمني بالسموات‪ ،‬المكون‬ ‫ر‬ ‫تعمل يف إطار عالقة‬
‫َ ا ٓ َ‬
‫ٱلس َما َء َرف َع َها‬ ‫تفض إليه بفعل النسان‪﴿ :‬و‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫يمكن‬ ‫وما‬ ‫بينهما؛‬ ‫العالقة‬ ‫عليه‬ ‫تتأسس‬ ‫أن‬ ‫ينبع‬
‫ي‬ ‫ما‬ ‫ذكر‬ ‫لإلنسان‪،‬‬ ‫األرض جميعا‬

‫‪39‬‬
‫َۡ ٓ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ََ ا‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ ۡ ُ ْ ۡ‬ ‫ََ ُ ْ ۡ ۡ َ ۡ‬ ‫ان‪َ ٧‬أ اَل َت ۡط َغ ۡو ْا ف ۡٱلم َ‬ ‫ََ َ َ ۡ َ َ‬
‫﴿ول ِو ٱت َب َع ٱل َح ُّق أه َوا َءه ۡم‬ ‫رسوا ٱل ِم ر َتان‪( ﴾٩‬الرحمن)؛‬ ‫ِ‬ ‫يموا ٱل َوزن ِبٱل ِق ۡس ِط وَل تخ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫‪٨‬‬ ‫ِۚ‬ ‫ان‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫َو َو َضَع ٱل ِم ر ات َ َ ُ َ ۡ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ُّ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ ۡ َ‬ ‫ُ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ا َ ۡ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َٰ‬
‫يهن بل أتين هم ِب ِذك ِر ِهم فهم عن ِذك ِر ِهم مع ِرضون‪( ﴾٧١‬المؤمنون)‪.‬‬ ‫لفسد ِت ٱلسم َٰو ت ْوٱألرض ومن ِف ِ‬
‫االجتماع‬ ‫للمؤمني الذين يكونون النظام‬ ‫ر‬ ‫الوح الكريم‪ِ ،‬علم هللا تعاىل‪ ،‬هو أحد مكونات البيئة الخارجية يف عالم الشهادة‬ ‫ُ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫التوحيدي‪ ،‬وهو أهم مكونات فضاء االجتماع التوحيدي ألنه منه نال المؤمنون إيمانهم‪ ،‬ورؤيتهم للعالم‪ .‬لذلك فإن هناك‬
‫االجتماع التوحيدي‪ ،‬وتطويره‬ ‫ي‬ ‫المؤمني بالكتاب‪ ،‬لحفظ النظام‬ ‫ر‬ ‫كيفيات عمل تعمل عىل الدوام‪ ،‬من خالل النسيج الذي يربط‬
‫للمؤمني رفتتقوا يف أسباب صالح القلوب‪ ،‬وصالح األعمال رفتدادوا علما‪ ،‬وإيمانا‪،‬‬ ‫ر‬ ‫النفس‬ ‫ي‬ ‫نحو كماله من خالل تطوير النظام‬
‫ّ‬
‫ه‪" :‬التيبر"؛ "القرا ة"؛ "اإلدكار"؛ "التعلم"؛ "االستماع"؛‬ ‫ي‬ ‫العالقة‬ ‫هذه‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫تعمل‬ ‫الن‬
‫ي‬ ‫العمل‬ ‫وعمال صالحا‪ .‬أهم كيفيات‬
‫"اإلنصات"؛ "حق التالوة"؛ "القول ب َ "؛ "العم ب "‪" ،‬االستشفا "؛ "الهياية"؛ "الرحمة"؛ "قشعريرة الجلود"؛ " رلي‬
‫ي‬ ‫ين َي ۡخ َش ۡو َن َراب ُه ۡم ُث ام َتل ُ‬ ‫ود َّٱلذ َ‬ ‫َ َٰ ا ُّ َ َ َٰ ا ا َ َ َ ۡ َ ُّ ۡ ُ ُ ُ ُ‬
‫اب تقش ِعر ِمنه جل‬ ‫ش ِبها مث‬ ‫يث ِكت با مت‬ ‫َّ ُ َ ا َ ۡ َ َ ۡ َ‬ ‫الجلود"؛ "لي القلوب"‪:‬‬
‫ِر‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِۚ‬ ‫ٓ‬ ‫﴿ٱَّلل نزل َأحسن ٱلح ِد ِ‬ ‫ُ ُ ُ ُ ۡ َ ُ ُ ر ُ ُ ۡ َ َٰ ۡ َّ ِۚ َ‬
‫ٱَّلل يه ِدي ِب ِهۦ من يشاء ومن يض ِل ِل ٱَّلل فما لهۥ ِمن ه ٍاد‪( ﴾٢٣‬الزمر)؛ "اإلخفات"‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬
‫ٱَّلل ۡ ذ ِلك هدى ِ‬ ‫جلود َهم َّوقلوب ُهم ِإىلۡ ِذ ۡك ِر َ ِ‬
‫َ ُ ۡ َ َ ُ ُ ُ ُ ُ ۡ ُۗ َ ا َّ َ َ َ َّ َ َ َ ُ ا ْ َ َٰ َ َٰ ُّ ۡ َ‬ ‫ا ِّ َ َ ُ ۡ ُ ْ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫اُ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ين أوتوا ٱل ِعل َم أنه ٱلحق ِمن ربك فيؤ ِمنوا ِبِۚ ِهۦفتخ ِبت لهۥقلوب هم و ِإن ٱَّلل له ِاد ٱل ِذين ءامنوا ِإىل ِرص ٖط مست ِق ٖيم‪﴾٥٤‬؛‬ ‫﴿و ِل َي ۡعل َم ٱل ِذ‬
‫َ ۡ َ ُ ْ َ ۡ َّ َ ا َ َ َ َ ا ُ ْ‬
‫ٱَّلل ج ِميعا وَل تفرقوا﴾ (آل عمران)‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫"االعتصام"‪﴿ :‬وٱعت ِصموا ِبحب ِل ِ‬
‫الوح‪ ،‬ويعود األثر‬ ‫ي‬ ‫تأب المبادرة باألفعال نحو‬ ‫المؤمني ي‬ ‫ر‬ ‫االتجاهي‪ ،‬فمن‬ ‫ر‬ ‫هذه المسارات الكيفية (المكتمية) تعمل يف‬
‫االجتماع‬
‫َ ي‬ ‫فيغت َهللا النظام‬ ‫المؤمني‪ ،‬ر‬ ‫ر‬ ‫تغيت ما بأنفس‬ ‫الطيب يف ۡ ر‬ ‫الوح عىل المؤمن‪ ،‬جسدا ونفسا‪ ،‬فيتحقق األثر‬ ‫ي‬ ‫الراجع من‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ٓ ُ َ َ ۡ ِّ ا ِّ ۡ َ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ۡ َ ا ُ ۡ َ َ ُ ْ ا ۡ َ َٰ َ‬
‫نجيل وما أ ِنزل ِإلي ِهم من رب ِهم أل كلوا ِمن فو ِق ِهم و ِمن‬ ‫الجزئية ﴿ولٓو أنهم أقُام َوا ٱلتورىة و ِٱل ِ‬ ‫‪:‬‬ ‫التوحيدي نحو كماله ف كل نظمه‬
‫ۡ‬ ‫ِۚ ۡ ُ ي ۡ َ َ ۖۡ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ون‪( ﴾٦٦‬المائدة)‪.‬‬ ‫ت ۡح ِت أ ۡر ُج ِل ِهم ِّمن ُه ۡم أ امة ُّمقت ِصدة َوك ِث رت ِّمن ُه ۡم َسا َء َما َي ۡع َمل‬
‫والشياطي‪ ،‬وقد ذكرت‪ ،‬يف إطار‬ ‫ر‬ ‫المؤمني‬ ‫ر‬ ‫االجتماع التوحيدي تكون الروابط الفاعلة فيها ربي‬ ‫ي‬ ‫البيئة الغيبية للنظام‬
‫وه كيفيات ناجعة جعلت‬ ‫الن من خاللها يعمل الشيطان لالستحواذ عىل النسان‪ ،‬ي‬ ‫االجتماع الدنيوي‪ ،‬كيفيات العمل ي‬ ‫ي‬ ‫النظام‬
‫للمؤمني يف النظام التوحيدي من كيفيات عمل تعمل‬ ‫ر‬ ‫البد‬ ‫كان‬ ‫لذلك‬ ‫‪.‬‬‫اليمان‬ ‫عىل‬ ‫الكفر‬ ‫يستحبون‬ ‫النظام‬ ‫ذلك‬ ‫ف‬‫الناس ي‬
‫المؤمني‪ .‬أهم‬ ‫ر‬ ‫الشيطاب‪ ،‬ألن الشيطان لن يألو جهدا يف توظيف ذات كيفيات عمله لضالل‬ ‫كالتياق المضاد للرس واالستحواذ‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫الشياطي؛ كيفيات "اإليمان‬ ‫ر‬ ‫ه "االستعاذة" باهلل من همزات‬ ‫كيفيات العمل الفاعلة ضد الوسواس الشيطاب الخناس‬
‫ُ ْ‬ ‫س َل ُهۥ ُس ۡل َط َٰ رن َع َىل َّٱلذ َ‬ ‫ٱلرجيم‪ ٩٨‬إ ان ُهۥ َل ۡ‬ ‫‪ َ َ ۡ ُ ۡ َ ۡ َ َ َ َ :‬ي َ ۡ َ ۡ َّ ي َ ا ۡ َ‬
‫ين َء َامنوا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫َٰ‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫ٱلش‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ٱَّلل‬
‫ِ‬ ‫والتوك " لقول هللا تعاىل ﴿فإذا قرأت ٱلقرءان فٱستعذ ب‬
‫ِ‬ ‫ۡ ُِ َ ِ ِ‬ ‫ا َ ُ ۡ ِ َ َٰ ُ ُ َ َ َّ َ َ َ َ َّ ۡ َ ِ ُ َ ِ َّ‬ ‫َ َّ ُ َ‬
‫الذكر" لقوله تعاىل‪:‬‬ ‫كيفيات " ِ‬ ‫رسكون‪( ﴾١٠٠‬النحل)؛‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫ىل َرِّب ِه ۡم َيت َوكلون‪ِ ٩٩‬إنما س َلط نهۥعىل ٱل ِذين ُيتولونهۥوٱل ِذين هم ِب ِه ِۚۦ َم‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َو َع َ َٰ‬
‫ۡ َ ۡ َ َ َ َ ۡ ُ ا ۡ َ َٰ ُ َ َ َٰ ُ ۡ ۡ َ َّ ِۚ ْ َ َٰا َ ۡ ُ ا ۡ َ َٰ َ ا ا ۡ َ ا ۡ َ َٰ ُ ُ ۡ َ َٰ ُ َ‬
‫رسون‪( ﴾١٩‬المجادلة)‪،‬‬ ‫ٱَّلل أول ِئك ِحزب ٱلشيط ِن أل ِإن ِحزب ٱلشيط ِن هم ٱلخ ِ‬ ‫﴿ٱستحوذ علي ِهم ٱلشيط ن فأنسىهم ِذكر ِ‬ ‫ْ‬
‫فذكر هللا والشيطان ال يجتمعان‪ ،‬وأهم أنواع الذكر الصالة‪ ،‬وقرا ة القرآن الكريم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫االتجاه الواحد‪ ،‬من‬ ‫عليها‬ ‫يغلب‬ ‫كيفيات‬ ‫ه‬ ‫بالمالئكة‬ ‫المؤمني‬ ‫ر‬ ‫تربط‬ ‫الن‬ ‫الروابط‬ ‫إطار‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫تعمل‬ ‫الن‬ ‫العمل‬ ‫كيفيات‬
‫ۡ ا ۖۡ َ ُ‬ ‫ُّ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ٓ ُ يُ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫المؤمني ممثلة بصورة جوهرية يف كيفيات "الوالية"‪﴿ :‬ن ۡح ُن أ ۡو ِل َياؤك ۡم ِ يف ٱل َح َي َٰو ِة ٱلدن َيا َو ِ يف ٱأل ِخ َرِة َولك ۡم ِف َيها َما‬ ‫ر‬ ‫المالئكة إىل‬
‫َ ۡ َ ا َ ُ ُ ُ ۡ ََُۡ َ َ َا ُ َ‬
‫منهج لصعوبة رصد كيفية عمل هذه المكتمات‪ ،‬وهو من‬ ‫ي‬ ‫تحد‬ ‫أيضا‬ ‫هنا‬ ‫‪.‬‬‫(فصلت)‬ ‫﴾‬ ‫‪٣١‬‬ ‫ون‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ا‬‫يه‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫و‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫ه أنف‬ ‫تشت ِ ي‬
‫تحد إال إنه فرصة أيضا لتطوير‬ ‫السبن ربي عالم الغيب وعالم الشهادة‪ ،‬ورغم أنه ٍ‬ ‫ي‬ ‫المنهج المتعلق بالتداخل‬ ‫ي‬ ‫جنس الشكال‬
‫النساب‪.‬‬ ‫ي‬ ‫المنهجية السالمية التجريبية يف هذا المجال الحيوي من االجتماع‬
‫الن تعمل‬ ‫ي‬ ‫العمل‬ ‫كيفيات‬ ‫فإن‬ ‫ثم‬ ‫ومن‬ ‫أعاله‪،‬‬ ‫أوضحت‬ ‫كما‬ ‫ومتي‬ ‫المؤمني باهلل تعاىل نسيج كثيف‪ ،‬ر‬ ‫ر‬ ‫النسيج الذي يربط‬
‫اتجاهي متعاضدين‪ ،‬يقوي بعضهما بعضا‪ ،‬منه تعاىل‬ ‫ر‬ ‫وه تعمل يف‬ ‫ه بذات الكثافة والفعالية‪ ،‬ي‬ ‫لحفظ هذا النسيج وتطويره ي‬
‫المؤمني‬‫ر‬ ‫ابتداء بإرسال الرسل وإنزال الكتاب الذي جعلناه مكونا من مكونات عالم الشهادة بعد تكامل نزوله إىل األرض‪ ،‬ثم من‬
‫االجتماع التوحيدي‪ ،‬بشقيه‬ ‫ي‬ ‫تأثتها يف كل نسيج النظام‬ ‫الن يتمدد ر‬ ‫إىل هللا تعاىل ومنه إليهم‪ .‬أهم كيفيات العمل العامة ي‬
‫وا َو َلمۡ‬ ‫َّ َ َ َ ُ ْ‬
‫المؤمني‪ ،‬تقابلها كيفية "األم "‪ ،‬وكيفية "الهياية" من هللا تعاىل‪﴿ :‬ٱل ِذين ءامن‬ ‫ر‬ ‫الداخىل والخارح‪ ،‬ه "اإليمان" من‬
‫َ ۡ ُ ا ْ ي َ َٰ َ ُ ي ُ ۡ ُ ي ْ َ َٰا َ َ ُ ُ ۡ َ ۡ ُ َ ُ ُّ ۡ َ ُ َ‬
‫ه "التقوى" هلل‬ ‫يل ِبسوا ِإيم نهم ِبظل ٍم أول ِئك لهم ٱألمن وهم مهتدون‪( ﴾٨٢‬األنعام) هناك أيضا كيفية عمل عامة وجوهرية‪،‬‬ ‫‪.‬‬
‫َ َ ا ا َ ۡ َ ٓ َ َّ ي َ َ ۡ ر َ‬
‫ف َعل ۡي ِه ۡم‬ ‫ٱَّلل َل خو‬ ‫ِ‬ ‫البشى"‪﴿ :‬أل ِإن أو ِلياء‬ ‫المؤمني تقابلها من هللا تعاىل كيفية عمل ال حدود ألثرها االيجاب‪ ،‬ه " ر‬
‫ۡ َ َ َٰ ُّ ي ۡ َ َ ي ۡ ا‬ ‫َتعاىل من ُ ر‬
‫َّ ِۚ َ َٰ َ ُ َ ۡ َ ۡ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِۚ‬ ‫َ ُ ُ ۡ ُ رۡ‬ ‫َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ُ ْ َ ا ُ َ‬ ‫َ ُ َ ۡ َ َ‬
‫ٱَّلل ذ ِلك هو ٱلفوز‬ ‫ۡوَل ه ۡم يحزنون‪ ٦٢‬ٱل ِذين ءامنوا وكانوا يتقون‪ ٦٣‬لهم ٱلبرسى ِ يف ٱلحيو ِة ٱلدنيا و ِ يف ٱأل ِخر ِة َل تب ِديل ِلك ِلم ِت ِ‬
‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬
‫المؤمني تقابلها كيفية‬ ‫ر‬ ‫كيفية عمل " ِۚالوالية"‪ .‬هناك أيضا كيفية "اليعا " من‬ ‫تشت أيضا إىل‬ ‫اآلية ر‬ ‫يم‪( ﴾٦٤‬يونس)‪ .‬وهذه‬ ‫ٱل َعظ ُ‬
‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ين َي ۡس َتك ُتون َع ۡن ع َب َادب َس َيدخلون َج َه ان َم َداخر َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ب لك ۡم إن ٱلذ َ‬ ‫ا‬ ‫وب أ ۡس َتج ۡ‬ ‫ا‬ ‫ال َرُّبك ُم ۡٱد ُ‬ ‫﴿وق َ‬ ‫"االستجابة" من هللا تعاىل‪َ :‬‬
‫ين‪﴾٦٠‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِي‬ ‫ع‬
‫المؤمني‪ ،‬وأن المسارات‪ ،‬أو كيفيات‬ ‫ر‬ ‫وبي عباده‬ ‫يكف للتدليل عىل هذه الروابط الجليلة ربي هللا تعاىل ر‬ ‫(غافر)‪ .‬لعل يف هذا ما ي‬
‫الن تعمل صعودا ونزوال لتمتينها من التعدد والتنوع بما ال يحصيه إال هللا تعاىل‪ ،‬ولعل نظرة إىل اآليات‬ ‫العمل (المكتمات) ي‬
‫المؤمني تعطينا فكرة عن‬ ‫ر‬ ‫االجتماع التوحيدي من‬ ‫ي‬ ‫النظام‬ ‫بمكونات‬ ‫للتعريف‬ ‫النظام‬ ‫هذا‬ ‫عن‬ ‫حديثنا‬ ‫الن أوردناها يف بداية‬ ‫ي‬

‫‪40‬‬
‫الن يمكن أن‬
‫الن يمكن أن تنشأ بمقتض هذه العالقات‪ ،‬والكفاءة ي‬
‫وبي هللا تعاىل‪ ،‬وكيفيات العمل ي‬
‫طبيعة العالقات بينهم ر‬
‫االجتماع التوحيدي لتحقيق وظائفه االجتماعية‪.‬‬
‫ي‬ ‫يعمل بها النظام‬

‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫‪ -4.3.4‬نظام الواقع‬
‫النظامي الدنيوي‬
‫ر‬ ‫االجتماع‪ ،‬وهو يقع يف المنطقة الحدودية ربي‬
‫ي‬ ‫الشكل رقم (‪ )5‬أدناه يضم نموذج نظام الواقع‬
‫ه نظم مفتوحة‪ ،‬بمعن أن حدودها قابلة لالختاق‬ ‫والتوحيدي‪ ،‬حيث يتقاطع النظامان‪ ،‬وذلك بسبب أن النظم االجتماعية ي‬
‫االجتماع هو دائما محصلة التفاعل‬
‫ي‬ ‫الن تتأثر بها وتؤثر فيها‪ .‬لذلك فإن نظام الواقع‬
‫من قبل النظم المجاورة لها‪ ،‬وتمثل بيئتها ي‬
‫التأثت لعوامل المد والجزر‬
‫ر‬ ‫النظامي بحسب قوة‬
‫ر‬ ‫النظامي الدنيوي والتوحيدي‪ ،‬وقد تغلب عليه سمات أحد‬ ‫ر‬ ‫الحدودي ربي‬
‫المتبادل بينهما عىل الدوام‪ .‬وقد يتمايز النظامان التوحيدي والدنيوي وال يتقاطعا‪ ،‬بل يتماسا عند الحدود‪ ،‬وذلك عندما تكون‬
‫الحدود جغرافية‪ ،‬يف الزمان والمكان‪ ،‬مما يسمح بدراسة قضايا العالقات الدولية بحسب السناريوهات المختارة (أنظر الشكل‬
‫رقم ‪ 7‬أدناه)‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ -1.4.3.4‬مكونات النظام‬
‫الن‬ ‫النظامي الدنيوي والتوحيدي‪ ،‬وما بينهما‪ ،‬فهناك المؤمنون بتصنيفاتهم ي‬ ‫ر‬ ‫االجتماع من مكونات‬ ‫ي‬ ‫يتكون نظام الواقع‬
‫الن ذكرها القرآن الكريم‪:‬‬ ‫بالختات‪ ،‬وهناك الدنيويون بتصنيفاتهم ي‬ ‫ر‬ ‫ذكرها القرآن الكريم‪ :‬الظالم لنفسه؛ المقتصد؛ السابق‬
‫المرسك؛ الكافر‪ .‬لكل صنف من هذه األصناف خواصه النفسية‪ ،‬ومقاصده الحياتية‪ ،‬ولكنهم جميعا يتشاركون ذات‬ ‫المنافق؛ ر‬
‫الن ذكرناها أعاله‪ ،‬وهم يفعلون ويتفاعلون فيؤثر بعضهم عىل بعض‪ .‬هذا النظام بهذه‬ ‫النساب ببيئاته ي‬ ‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫الفضاء‬
‫ُ‬
‫النساب المنطلق من رؤية القرآن للعالم بسبب التعقيد‬ ‫ي‬ ‫ظم يف مجال االجتماع‬ ‫العلم الن ي‬ ‫ي‬ ‫الخواص هو التحدي األكت للبحث‬
‫نساب‬
‫العلم يف مختلف قضايا االجتماع ال ي‬ ‫ي‬ ‫يأب من تنوع مكونات النظام‪ ،‬ولكنه أيضا منجم ال ينضب للبحث‬ ‫البالغ الذي ي‬
‫الوح الكريم‪ ،‬بما يف ذلك ما يسم بالقضايا االجتماعية الحدودية (‪ )boundary issues‬الناجمة عن‬ ‫ي‬ ‫من‬ ‫انطالقا‬ ‫المعارصة‬
‫طبف‪ ،‬عنرصي‪،‬‬ ‫ي‬ ‫إثن‪،‬‬
‫ثقاف؛ ي‬ ‫ي‬ ‫دين؛‬
‫ي‬ ‫التعدد‪ ،‬والتنوع بمختلف أشكاله يف المجتمع الواحد‪ ،‬أو المجتمعات المجاورة‪:‬‬
‫االجتماع التوحيدي‪ ،‬الذي هو أصل االجتماع‬ ‫جندري‪...‬إلخ‪ .‬والسبب ف هذا التاء المنهج المفتض هو أن اختاق النظام‬
‫﴿و َل َق ۡد َعه ۡد َن ٓا إ َ َٰاىل َء َادمَ‬‫النساب ف رؤية القرآن يللعالم‪ ،‬وقد تأسس يعليه االجتماع النساب األول‪ ،‬وكان إبليس يأول من اختقه‪َ :‬‬
‫َ ُ ۡ َ ا َ ا َ ِ َ ِ ُ َّ َ‬ ‫َ ۡ ُ ۡ َ ۡ َ َ ا َ ۡ ُ ُ ْ اي َ َ َ َ َ ُ ا ْ ا ا ۡ َ َ‬ ‫َ ۡ يُ َ ي َ َ َ َ ۡ َ ُ‬
‫يس أ َ َٰب‪ ١١٦‬فقلنا َي َٰ اد ُم ِإن ه َٰ ذا َعدو لك‬ ‫س َول ۡم ن ِجد لهۥ َع ۡز اما‪ ١١٥‬و ِإذ قلنا ِللمل َٰ ِئك َ ِة ٱسجدوا ِألدم فسجدوا ِإل ِإب َ ِل‬ ‫من قبل فن‬
‫ج‪َ ١١٩‬ف َو ۡس َوسَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وع ِف َيها َوَل َت ۡع َر َٰى‪َ ١١٨‬وأ ان َك َل َت ۡظ َم ُؤ ْا ِف َيها َوَل َت ۡض َ َٰ‬
‫َ‬ ‫ا َ َ ا َ ُ َ‬ ‫ا‬ ‫َٰ‬ ‫َِ َ ۡ َ َ َ ِ ي ُ ۡ َ ا ُ َ َ ۡ َ ا َ َ ۡ َ‬
‫ولزوجك فَّل يخرجنكما من ٱلجنة فتشف‪ ١١٧‬إن لك أَل تج‬
‫ََََ َۡ ََ َ ۡ َُ َ َ ۡ َ ُُ َ َ َ َ َ ۡ َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ ِ ۡ ِ ا ۡ َ َٰ ُ َ ِ َ َ اَٰ َ ِ ُ َ ۡ َ ُ ِ ُّ َ َ َ َٰ َ َ َِ ۡ ُ ۡ َ ُ ۡ ا َ ۡ َ‬
‫ان‬ ‫ف‬‫ص‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫َٰ‬ ‫ء‬ ‫و‬ ‫س‬ ‫ا‬‫م‬‫ه‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫َّل‬ ‫ك‬ ‫أ‬ ‫ف‬ ‫‪١٢٠‬‬ ‫ىل‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫َل‬ ‫ك‬‫ال ي ِۚادم هل أدلك عىل َ َشجر ِة ٱلخل ِد وم ٖ‬
‫ل‬ ‫ِإلي ِه ٱلشيط ن ق‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ُّ‬ ‫َ َ ۡ َ ا َ َ َ اَٰ َ َ ُ َ ا ُ‬ ‫َ‬
‫بيئة له‪،‬‬ ‫َعل ۡي ِه َما ِمن ور ِق ٱلجن ِة وعض ءادم ربهۥ فغوى‪( ﴾١٢١‬طه)‪ ،‬يفتح الباب واسعا لتشكل َنظم اجتماعية أخرى تصبح‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬
‫ُ ۡ َ ا َ ا ُ ۖۡ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ط مست ِقيما فٱت ِبعوه وَل‬ ‫﴿وأ ان َه َٰ ذا ِ َ َٰ‬
‫رص ِ‬
‫تتفاعل معه عىل أسس وهويات مجانبة للتوحيد‪ ،‬وذلك ما حذر منه القرآن الكريم‪َ :‬‬
‫يُ‬ ‫َ َّ ُ َ ا ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِۚ َ ُ‬ ‫َََ َ ُ‬ ‫َا ُ ْ‬
‫ٱلس ُب َل فتف ارق ِبك ۡم َعن َس ِبي ِل ِهۦذ َٰ ِلك ۡم َو اص َٰىكم ِب ِهۦل َعلك ۡم تتقون‪( ﴾١٥٣‬األنعام)‪ .‬واالختاق‪ ،‬ومن بعد االختالف ثم التفرق‬ ‫وا ُّ‬ ‫تت ِبع‬
‫وه تتقلب يف ابتالء زينة الحياة‬ ‫ر‬
‫يأب من الشيطان كما أخرج أبوي البرسية من الجنة‪ ،‬وقد يأب من طبيعة النفس البرسية‬ ‫ر‬
‫‪َ َ ُّ َ َ ٓ َ ۡ َ َ :‬ي َ َ َ ا َ ُ ا ا َ َٰ َ ۖۡ ا َ َ َ َ ُ ي َ‬ ‫قد ي‬
‫ي‪ ١١٨‬إ اَل َمن ارحمَ‬ ‫ون ُم ۡخ َتلف َ‬
‫ِِر‬ ‫خلقهم ﴿ولو شاء ربك لجعل َ ٱلناس أمة و ِحدة وَل يزال‬ ‫االثني معا‪ ،‬ولذلك‬ ‫ر‬ ‫الدنيا‪ ،‬أو غالبا من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي‪( ﴾١١٩‬هود)‪.‬‬ ‫ٱلناس أ ۡج َمع َ‬ ‫َ ُّ َ ِۚ َ َ َٰ َ َ َ َ ُ ۡ ُۗ َ َ ا ۡ َ َ ُ َ ِّ َ َ َ ۡ َ َ ا َ َ ا َ َ ۡ ا َ ا‬
‫ِر‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ن‬‫ج‬
‫ِ ِ‬ ‫ٱل‬ ‫ن‬‫م‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫أل‬ ‫م‬ ‫أل‬ ‫ك‬ ‫ب‬
‫ر‬ ‫ة‬‫م‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ت‬‫و‬ ‫م‬ ‫ربك و ِلذ ِلك خلقه‬

‫‪42‬‬
‫بالنظامي الدنيوي‪ ،‬والتوحيدي‪،‬‬ ‫ر‬ ‫كبتا يف هذا النظام مقارنة‬ ‫الوح‪ ،‬وإرسال الرسل يحدث فرقا تحليليا ر‬ ‫ي‬ ‫إن افتاض نزول‬
‫مؤمني جميع‬ ‫ر‬ ‫فبينما تكون النظام الدنيوي افتاضا من كافرين جميع أعمالهم سيئة‪ ،‬وتكون النظام التوحيدي افتاضا من‬
‫الفرد‪،‬‬ ‫برس منهم مؤمن‪ ،‬ومنهم كافر‪ .‬فالمؤمنون‪ ،‬عىل مستوى‬ ‫أعمالهم صالحة وراشدة‪ ،‬يتكون نظام الواقع االجتماع من ر‬
‫َّ ُ َ َ ُ َ َ َ ۡ ۡ ِۚ ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ َ َ ُ ْ َ َ ا َ َٰ ا َ َ َ َ َ ِّ ً‬ ‫ئ َ َ َ ُ َ ۡ َ َ ُ ْ ُي ُ‬
‫وب ِهم خلطوا عمَّل ص ِلحا وءاخر سيئا عس ٱَّلل أن يتوب علي ِهم ِإن‬ ‫وسن‪﴿ :‬وءاخرون ٱعتفوا ِبذن ِ‬ ‫اوح ُأعمالهم ربي صالح‪ ،‬ر‬
‫ر‬ ‫ا‬
‫تت‬
‫َّ َ َ‬
‫ٱَّلل غفور ر ِحيم‪( ﴾١٠٢‬التوبة)‪ ،‬والعمل الصالح ذاته درجات فمنه ما هو واجب‪ ،‬ومنه ما هو مندوب‪ ،‬ومنه مباح بالجزء‬
‫ر‬
‫السء أنواع ودرجات بالنسبة‬ ‫الشاطن‪ ،‬إىل آخر التصنيفات الرسعية لألعمال‪ .‬كذلك العمل ي‬ ‫ي‬ ‫بمعايت‬
‫ر‬ ‫واجب‪ ،‬أو مندوب بالكل‬
‫بع‪ ،‬ومن حيث‬ ‫ي‬ ‫هو‬ ‫ما‬ ‫ومنه‬ ‫منكر‪،‬‬ ‫هو‬ ‫ما‬ ‫ومنه‬ ‫ومقتا‪،‬‬ ‫فاحشة‬ ‫هو‬ ‫ما‬ ‫ومنه‬ ‫فاحشة‪،‬‬ ‫هو‬ ‫ما‬ ‫النوع‪،‬‬ ‫حيث‬ ‫للمؤمني‪ ،‬فمنه‪ ،‬من‬ ‫ر‬
‫الشاطن‪...‬إلخ‪ .‬لذلك‬ ‫ي‬ ‫بمعايت‬
‫ر‬ ‫بالكل‬ ‫مكروه‬ ‫أو‬ ‫ام‪،‬‬‫ر‬ ‫ح‬ ‫بالجزء‬ ‫مباح‬ ‫هو‬ ‫ما‬ ‫ومنه‬ ‫مكروه‪،‬‬ ‫هو‬ ‫ما‬ ‫ومنه‬ ‫ام‪،‬‬‫ر‬ ‫ح‬ ‫هو‬ ‫ما‬ ‫فمنه‬ ‫الدرجة‬
‫بالختات بإذن‬ ‫ر‬ ‫االجتماع هذا‪ ،‬فمنهم ظالم لنفسه‪ ،‬ومنهم مقتصد‪ ،‬ومنهم سابق‬ ‫المؤمنون درجات عند هللا يف نظام الواقع‬
‫ۡ‬ ‫َۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ِّ َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ ۖۡ َ ۡ‬ ‫‪ ُ :‬ا َ ۡ َ ۡ َ ۡ َ َٰ ي َ َّ َ ۡ َ َ َ‬
‫ٱصطف ۡينا ِم ۡن ِع َب ِادنا ف ِمن ُه ۡم ظ ِال َم لنف ِس ِهۦ َو ِمن ُهم ُّمقت ۖۡ ِصد َو ِمن ُه ۡم‬ ‫هللا‪ ،‬وجميعهم موعودون بالمغفرة ﴿ثم أورثنا ٱل ِكت ب ٱل ِذين‬
‫اس ُه ۡم‬‫ون َها ُي َح َّل ۡو َن في َها م ۡن أ َساو َر من َذ َهب َو ُل ۡؤ ُل اؤا َول َب ُ‬
‫َ ا َٰ ُ َ ۡ َ ۡ ُ ُ َ‬ ‫َۡ‬ ‫َّ ِۚ َ َ ُ ۡ َ ۡ‬
‫ٱَّلل ذ َٰ ِلك ه َو ٱلفض ُل ٱلك ِب ر ُت‪ ٣٢‬جن ت عد ٖن يدخل‬
‫ۡ‬ ‫َ ُۢ ۡ‬
‫ق ِبٱل َخ ر ۡ َ َٰ‬
‫ِ‬ ‫ٖ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت ِت ِب ِإذ ِن ِ‬ ‫س ِاب‬
‫ِف َيها َح ِرير‪( ﴾٣٣‬فاطر)‪.‬‬
‫الكافرون يف هذا النظام أيضا أنواع‪ ،‬وإن كانت جميع أعمالهم سيئة‪ ،‬فمنهم منافقون هم أقرب للكفر منهم لإليمان‪ ،‬ومنهم‬
‫مرسكون‪ ،‬ومنهم كافرون‪ .‬ولكل من هذه األصناف خواص شخصية مختلفة مما ينعكس‬ ‫منافقون مردوا عىل النفاق‪ ،‬ومنهم ر‬
‫االجتماع‪،‬‬
‫ي‬ ‫غتهم يف إطار نظام الواقع‬
‫االجتماع مع ر‬
‫ي‬ ‫االجتماع الذي يصدر عنهم‪ ،‬ومن ثم طبيعة تفاعلهم‬
‫ي‬ ‫عىل نوع الفعل‬
‫مما ينعكس عىل مآالت النظام ككل‪.‬‬
‫فالتغيت يف‬
‫ر‬ ‫االجتماع هذا ال حرص لها‪،‬‬
‫ي‬ ‫الن يمكن تصورها ودراستها من خالل نظام الواقع‬ ‫سناريوهات النظم االجتماعية ي‬
‫تغيت يف جميع معطيات النظام‪ ،‬يف مكوناته‪،‬‬ ‫‪...‬‬
‫النسب الديمغرافية‪ ،‬أو يف االنتماءات الدينية‪ ،‬أو الثنية‪ ،‬أو الثقافية إلخ يؤدي إىل ر‬
‫كثتة‬
‫ر‬ ‫نماذج‬ ‫يعطينا‬ ‫الكريم‬ ‫آن‬ ‫القر‬ ‫‪.‬‬‫التغيت‬
‫ر‬ ‫وف مآالت هذا‬‫التغيت فيه‪ ،‬ي‬
‫ر‬ ‫يف بيئته‪ ،‬يف نسيجه‪ ،‬يف كيفيات عمله‪ ،‬يف دينامية‬
‫وباف التكيبة المجتمعية من جهة‬ ‫والمؤمني من أتباعهم من جهة‪ ،‬ي‬
‫ر‬ ‫النساب ممثلة يف الرسل‬
‫ي‬ ‫لتمظهرات هذا النظام عت التاري خ‬
‫المدب خ رت شاهد عىل ذلك‪ ،‬وليس أدل عىل حقيقة هذا النظام من‬ ‫ي‬ ‫المك‪ ،‬والعهد النبوي‬
‫ي‬ ‫أخرى‪ ،‬ولعل العهد النبوي‬
‫المجتمعات النسانية المعارصة‪ ،‬وما يمور فيها من أحداث‪.‬‬
‫‪ -2.4.3.4‬بيئة النظام‬
‫االجتماع ينضاف إىل ما كان فيها من مكونات يف النظم السابقة‬
‫ي‬ ‫ُيظهر الشكل رقم (‪ )5‬أن البيئة الخارجية لنظام الواقع‬
‫مفهوميي‪،‬‬
‫ر‬ ‫كنظامي‬
‫ر‬ ‫االجتماع التوحيدي‪ .‬هذان النظامان يردان هنا‬
‫ي‬ ‫االجتماع الدنيوي‪ ،‬والنظام‬
‫ي‬ ‫مكونان جديدان هما‪ :‬النظام‬
‫النفس لإلنسان الذي‬ ‫ر‬
‫متباينتي للعالم ويجعالن من النفس البرسية مستقرا ومستودعا‪ ،‬فهما جزء من النظام‬ ‫ر‬ ‫رؤيتي‬
‫ر‬ ‫يشكالن‬
‫ي‬
‫‪.‬‬
‫االجتماع والغرض من هذا‬
‫ي‬ ‫استعرضناه سابقا يف هذا البحث‪ ،‬ويشكالن وعيه‪ ،‬ومن خاللهما يفعل ويتفاعل‪ ،‬ويؤثر يف الواقع‬
‫عىط مقاربة‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ثم‬ ‫ومن‬ ‫‪،‬‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫الن تجري يف نظام الواقع‬
‫منهج يفيد يف دراسة التفاعالت االجتماعية ي‬ ‫ي‬ ‫التجريد النظري‬
‫نظرية لما يجري فعال يف الواقع‪.‬‬
‫االجتماع‪ ،‬ويشكالن عىل الدوام بيئة متفاعلة معه‪ ،‬وقد يكون‬
‫ي‬ ‫هذان النظامان خرج من تفاعلهما الحدودي نظام الواقع‬
‫االجتماع كما‬
‫ي‬ ‫التغيت‬
‫ر‬ ‫وهذا‬ ‫‪.‬‬‫الغالب‬ ‫النظام‬ ‫معطيات‬ ‫نحو‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫التغيت يف نظام الواقع‬
‫ر‬ ‫تأثت أحدهما أكت من اآلخر فيتجه‬
‫ر‬
‫غت منظور‪ ،‬وقد يكون إصالحيا رفيقا‪ ،‬وقد يكون ثوريا عنيفا‪ .‬هناك بيئة عالم الشهادة‬ ‫أسلفنا قد يكون تطوريا (‪ )Evolutionary‬ر‬
‫"الشياطي"؛ "الجن" و"المالئكة"‪ ،‬وهناك‬
‫ر‬ ‫"الوح"؛ "األرض" و"السماوات"‪ ،‬وبيئة عالم الغيب المكونة من‬‫ي‬ ‫المكونة من‬
‫شء‬ ‫فاطر السماوات واألرض‪ ،‬عالم الغيب والشهادة‪ ،‬المصدق والمهيمن عىل هذا التفاعل الكوب ومآالته‪ ،‬وهو عىل كل ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫شء قدير‪.‬‬ ‫ر‬
‫شهيد‪ ،‬وهو عىل كل ي‬
‫‪ -3.4.3.4‬نسيج النظام‬
‫االجتماع تعتمد عىل السناريو الذي يعتمده الباحث‪ ،‬لكن إجماال‬
‫ي‬ ‫تبن نسيج‪ ،‬أو بنية نظام الواقع‬
‫الن ُ ي‬
‫العالقات الرابطة ي‬
‫مؤمني تربطهم روابط‬
‫ر‬ ‫المؤمني أنفسهم‪ ،‬باعتبارين‪ ،‬األول باعتبارهم‬
‫ر‬ ‫بن من روابط فيما ربي‬‫الداخىل للنظام ي ي‬
‫ي‬ ‫فإن النسيج‬
‫المؤمني‪ ،‬وتؤثر طبيعة المخالطة عىل هذه الروابط‪ ،‬فمخالطة‬ ‫ر‬ ‫لغت‬
‫مخالطي ر‬
‫ر‬ ‫مؤمني‬
‫ر‬ ‫والثاب باعتبارهم‬
‫ي‬ ‫أخوة اليمان‪،‬‬
‫وغتهم يف هذا النظام‬
‫المؤمني ر‬
‫ر‬ ‫غت مخالطة الكافرين‪ .‬نذكر من العالقات العامة الرابطة ربي‬‫كي‪ ،‬ر‬ ‫غت مخالطة ر‬
‫المرس ر‬ ‫المنافقي ر‬
‫ر‬

‫‪43‬‬
‫ُ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ۡ‬ ‫ِّ‬ ‫ا َ ۡ َ َٰ ُ ُ َّ ُ َ َّ َ َ َ ُ ُ‬
‫ين َول َ ۡم ُيخ ِر ُجوكم ِّمن ِد َي َٰ ِرك ۡم أن ت َ ُّتوه ۡم‬ ‫ين ل ۡم ُيق َٰ ِتلوك ۡم ِ يف ٱلد‬ ‫الت" ورابط "القسط"‪َ﴿ :‬ل ينهىكم ٱَّلل ع ِن ٱل ِذ‬ ‫االجتماع رابط " ر‬
‫‪َٰ َ :‬ا ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ ُ ْ َ ا َٰ َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ۡ ُ ا ي ْ َ ۡ ۡ ِۚ ا َّ َ ُ ُّ ۡ ُ ۡ‬
‫َّلل‬‫العيل" ﴿ي أيها ِۚ ٱل ِذين ءامنوا كونوا قو ِ ُم ري ِ ِ‬ ‫وتقسطوا إليهم إن ٱَّلل يحب ٱلمقسط ري‪( ﴾٨‬الممتحنة)‪ .‬هناك أيضا رابط "‬
‫ُ َ َ ِ ٓ َ ۡ ِ ۡ ِ ۖۡ ِ َ َ َ ۡ َ ِ ا ُ ۡ َ َ ِ ُ ِ َ ۡ َ َ َٰا َ ا َ ۡ ُ ِۚ ْ ۡ ُ ْ ُ َ َ ۡ َ ُ ا ۡ َ َٰۖۡ َ ا ُ ْ َّ َ ا َّ َ َ ُ ۢ َ َ ۡ َ َ‬
‫شهداء ِبٱل ِقس ِط وَل يج ِرمنكم شن ان قو ٍم عىل أَل تع ِدلوا ٱع ِدلوا هو أقرب ِللتقوى وٱتقوا ٱَّلل ِإن ٱَّلل خ ِب رت ِبما تعملون‪﴾٨‬‬
‫األحوال العادية‪ .‬ولكن‬ ‫(المائدة)‪ .‬وهناك رابط "اإلحسان"‪ ،‬ألن هللا تعاىل يأمر َبالعدل والحسان مما ينطبق عىل هذا النظام ف‬
‫ف َي ۡأب َّ ُ‬
‫ٱَّلل ب َق ۡوم ُيح ُّب ُهمۡ‬ ‫نك ۡم َعن دينهۦ َف َس ۡو ي َ‬‫َ َٰا ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ۡ َ ا ُ‬
‫هناك أيضا رابط "العزة" إذا اقتضت العالقة ذلك‪:‬‬
‫﴿ي أي َها ٱل ِذ َين ءامن َّوا َم َن َي َرتدُ ِم َ َ ۡ َ َ َ اِ ِِۚ ِ َ َٰ َ َ ۡ ُ ِ ي َّ ُ ۡ ِ ٖ َ ِ َ َ ٓ ُِۚ‬‫َ ُ ُّ َ ُ ا َ َّ َ َ ۡ ُ ۡ َ َ ا َ َ ۡ َ َٰ َ ُ َ َٰ ُ‬
‫يه من يشاء‬ ‫ٱَّلل يؤ ِت ِ‬
‫ٱَّلل وَل يخافون لومة ل ِئ ٖم ذ ِلك فضل ِ‬ ‫يل ِ‬ ‫َوي َِّحُب َونهۥ رأ ِذل َ ٍة عىل ٱلمؤ ِم ِن ري أ ِعز ٍة عىل ٱلك ِف ِرين يج ِهدون ِ يف س ِب ِ‬
‫يم‪( ﴾٥٤‬المائدة)‪.‬‬ ‫وٱَّلل َٰو سع عل ر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومرسك‪ ،‬وكافر‪.‬‬ ‫كذلك هناك الروابط فيما ربي الكافرين أنفسهم‪ ،‬بذات االعتبارين أعاله‪ ،‬وباعتبار اختالفهم ربي منافق‪ ،‬ر‬
‫بالمؤمني وتعت عن مكنونات أنفسهم‪ .‬وال نخوض يف تفصيل هذه الروابط الداخلية‪ ،‬فقد ذكرنا‬ ‫ر‬ ‫الن تربطهم‬ ‫وهناك الروابط ي‬
‫وه تجري عىل منوال تحليلنا‬ ‫ي‬ ‫تطول‪،‬‬ ‫القصة‬ ‫و‬ ‫التوحيدي‪،‬‬ ‫االجتماع‬ ‫ونظام‬ ‫الدنيوي‪،‬‬ ‫االجتماع‬ ‫نظام‬ ‫عن‬ ‫حديثنا‬ ‫بعضها عند‬
‫العلم الذي يمثل هذا البحث والذي‬ ‫ي‬ ‫ه من مكونات برنامج البحث‬ ‫للنظم السابقة‪ ،‬ومكانها بحوث الحقة‪ ،‬إن شاء هللا تعاىل‪ ،‬ي‬
‫سبقه إطاره النظري العام‪.‬‬
‫(الوح‪،‬‬
‫ي‬ ‫وبي مكونات البيئة الخارجية يف عالم الشهادة‬ ‫االجتماع ر‬
‫ي‬ ‫هناك العالقات الرابطة ربي مكونات نظام الواقع‬
‫األرض‪ ،‬السماوات)‪ ،‬وتعتمد طبيعة هذه الروابط عىل نوع مكونات النظام‪ ،‬إن كانت من المؤمن ري‪ ،‬أم من الكافرين‪ .‬سبق أن‬
‫المؤمني تربطهم روابط‬
‫ر‬ ‫يأب من كون‬ ‫بالوح يف إطار النظام التوحيدي‪ ،‬لكن ههنا جديد يف هذه العالقة ي‬ ‫ي‬ ‫المؤمني‬
‫ر‬ ‫بينا ما يربط‬
‫الوح تناسب هذه الروابط‪ ،‬منها مثال عالقة‬ ‫مع‬ ‫لهم‬ ‫عالقة‬ ‫يستدع‬ ‫مما‬ ‫االجتماع‬ ‫الفضاء‬ ‫ذات‬ ‫ف‬ ‫المؤمني‬
‫ر ي‬ ‫غت‬‫معينة مع ر‬
‫ا‬ ‫َ ا َ‬ ‫ۡ َ َٰ َ َ ي َ َٰ ۡ ُ‬ ‫ي ََ ُ‬ ‫ي‬
‫(الفرقان)؛‬ ‫المؤمني‪﴿ :‬فَّل ت ِط ِع ٱلك ِف ِرين وج ِهدهم ِب ِهۦ ِجهادا ك ِب رتا‪﴾٥٢‬‬
‫ر‬ ‫"الجهاد بالقرآن" دعوة لآلخرين بالدخول يف زمرة‬
‫َََ‬
‫‪:‬‬
‫االجتماع يف الزمان والمكان ﴿أفَّل‬
‫ي‬ ‫ومنها "جيلية ِۚاألص والعرص" لجعل رؤية القرآن للعالم تواكب تحديات الفعل والتفاعل‬
‫ۡ َ ا َ‬ ‫َ ۡ َّ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َََ ا َ ُۡ َ َ ََۡ َ َ ۡ‬
‫المؤمني درجات يف‬
‫ر‬ ‫تفاوت‬ ‫فإن‬ ‫كذلك‬ ‫ٱخ ِتل َٰ فا ك ِث ر اتا‪( ﴾٨٢‬النساء)‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫يه‬
‫ٱَّلل لوجدوا ِف ِ‬ ‫يتدب ُرون ٱلق ۡرءان ولو كان ِمن ِع ِ‬
‫ند غ ر ِت ِ‬
‫الوح‪ ،‬فالظالم لنفسه قد‬ ‫ي‬ ‫بالختات يؤسس لعالقات متفاوتة مع‬ ‫ر‬ ‫إيمانهم يف هذا النظام ربي ظالم لنفسه‪ ،‬ومقتصد‪ ،‬وسابق‬
‫بالختات قد تكون عالقتهم به "حق‬ ‫ر‬ ‫تكون عالقته "الهجر"‪ ،‬والمقتصد قد تكون عالقته "ما تيش م القرآن"‪ ،‬والسابقون‬
‫تالوت "‪.‬‬
‫بالوح بينا حقيقتها يف مناقشتنا لنظام االجتماع الدنيوي‪ ،‬لكن ههنا أيضا جديد بسبب‬ ‫ي‬ ‫المؤمني‬
‫ر‬ ‫لغت‬
‫العالقة العامة ر‬
‫الوح يقتضيها جدال‬ ‫ي‬ ‫وبي‬ ‫اجتماع واحد مما قد يؤسس لعالقة "جيلية" بينهم ر‬ ‫ي‬ ‫المؤمني يف فضاء‬
‫ر‬ ‫وبي‬‫التفاعل بينهم ر‬
‫﴿ٱد ُع إ َ َٰىل َسبيل َرِّب َك ب ۡٱل ِح ۡك َم ِة َو ۡٱل َم ۡو ِع َظ ِة ۡٱل َح َس َن ِۖۡة َو َج َٰ ِد ۡل ُهم ب َّٱل ِن ِ َ‬
‫ه‬
‫‪ۡ :‬‬
‫الحسنة‬ ‫والموعظة‬ ‫وبالحكمة‬ ‫‪،‬‬‫بالحسن‬ ‫المؤمني لهم‬
‫ر‬
‫ِ ي ي‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ َ ۡ َ ۡ ۡ َِ َ ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ َ ُ ِۚ ا َ ا َ ُ َ َ ۡ َ ُ َ َ‬
‫أحسن ِإن ربك هو أعلم ِبمن ضل عن س ِبي ِل ِهۦ وهو أعلم ِبٱلمهت ِدين‪( ﴾١٢٥‬النحل)‪ ،‬وقد تكون عالقة "لغو" طلبا للغلبة عىل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫َ َّ ُ َ ۡ َ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ َ ْ َ َ ۡ َ ُ ْ َ َ ۡ ُ َ َ ۡ َ ۡ ْ‬
‫يه ل َعلك ۡم تغ ِل ُبون‪﴾٢٦‬‬ ‫المؤمني اقتضتها عالقات رصاعية معهم‪﴿ :‬وقال ٱل ِذين كف ُروا َل تسمعوا ِله َٰ ذا ٱلق ۡرء ِان وٱلغوا ِف ِ‬ ‫ر‬
‫(فصلت)‪.‬‬
‫االجتماع التوحيدي‪ ،‬وأهمها عالقة‬ ‫ي‬ ‫الن أكدناها يف إطار النظام‬ ‫المؤمني باألرض تتفق مع تلك ي‬ ‫ر‬ ‫الن تربط‬ ‫الروابط ي‬
‫التمكي" ولكن‬ ‫‪.‬‬ ‫ر‬ ‫التسةت"‪ ،‬وعالقة "‬ ‫ر‬ ‫"االستةالف"؛ عالقة "االستعمار"؛ عالقة "اإلصالح"؛ عالقة "االعتفار"؛ عالقة "‬
‫المؤمني يف‬ ‫ر‬ ‫بغت‬‫ر‬ ‫عالقتهم‬ ‫إليه‬ ‫مضافا‬ ‫بالختات‪،‬‬ ‫ر‬ ‫المؤمني درجات يف هذا النظام‪ ،‬ربي ظالم لنفسه‪ ،‬ومقتصد‪ ،‬وسابق‬ ‫ر‬ ‫كون‬
‫ه يف‬ ‫المؤمني باألرض ي‬ ‫ر‬ ‫غت‬ ‫الن تربط ر‬ ‫االجتماع‪ ،‬قد يدخل عالقات جديدة مع األرض مثل "اإليساد"‪ .‬الروابط ي‬ ‫ي‬ ‫ذات الفضاء‬
‫جوهرها عالقة "استغالل" وعالقة "إيساد"‪.‬‬
‫ٱلس َم َٰ َ َٰو ِت َو َ َما ِ يف‬ ‫﴿و َس اخ َر َل ُكم اما ف ا‬ ‫عالقة المؤمني بالسموات ه عالقتان إيجابيتان‪ ،‬وأخرى سالبة؛ عالقة "تسةت"‪َ :‬‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ۡ‬ ‫ي‬ ‫َ ۡ ِ‬ ‫ا‬ ‫َ َٰ َ َ ا َ َٰ ي ِّ َ ۡ َ َ َ َّ ُ َ‬ ‫َ ا ِّ ۡ ُِۚ ا‬ ‫َۡ‬
‫ض‬ ‫ر‬ ‫ۡ‬ ‫ٱأل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َٰ‬
‫و‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫ٱلس‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫﴿إ‬ ‫‪:‬‬ ‫بآياتها‬ ‫"‬ ‫اعتفار‬ ‫"‬ ‫وعالقة‬ ‫(الجاثية)‪،‬‬ ‫﴾‬ ‫‪١٣‬‬ ‫ون‬‫ر‬ ‫ك‬ ‫ف‬ ‫ت‬‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬‫ق‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ي‬‫أل‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ذ‬ ‫ف‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫ض ج ِميعا منه‬ ‫ٱأل ۡر‬
‫َِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫ٓ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ۡ َ ۡ َ َ َ ُ ا َ َ َ ٓ َ َ َّ ُ َ ا ٓ‬ ‫ٖ‬ ‫ٖ‬
‫ۡ ُ ۡ َّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ َ‬
‫ۡ َ َ‬ ‫ا‬
‫ض َب ۡعد َم ۡو ِتها‬ ‫ٱلس َما ِء ِمن اما ٖء فأ ۡح َيا ِب ِه ٱألر‬ ‫َوٱخ ِتل َٰ ِف ٱل ۡي ِل َوٱلن َه ِار َوٱلفل ِك ٱل ِ ين ت ۡج ِري ِ يف ٱلبحر بما ينفع ٱلناس وما أنزل ٱَّلل من‬
‫َ‬ ‫ِ ۡ ُ ِ َ ا َ ۡ َ ا َ ٓ َ ۡ َ ۡ َ ا َ َِٰ ِّ َ ۡ َ ۡ ُ‬ ‫ٱلر َي ح َو ا‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫ُ‬
‫ث ِف َيها ِمن ك ِّل َدا اب ٖة َوت ۡرصيف ِّ‬ ‫ََ ا‬
‫ض ألي ٖت لقو ٖم يع ِقلون‪( ﴾١٦٤‬البقرة)‪ .‬وأما العالقة‬ ‫ِ‬ ‫اب ٱلمسخ ِر ب ري ٱلسما ِء َ وٱألر‬ ‫ِ‬ ‫ٱلس َح‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وب‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ُ ُّ َ َ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ََ‬
‫ض يمرون عليها وهم عنها مع ِرضون‪( ﴾١٠٥‬يوسف)‪.‬‬ ‫فه عالقة "اإلعرام"‪﴿ :‬وكأين من ءاي ٖة ِ يف ٱلسم َٰو ِت وٱألر ِ‬ ‫السالبة ي‬
‫ينبع أن‬ ‫ي‬ ‫الن‬ ‫المؤمني يف هذا النظام درجات‪ ،‬فمنهم الغافل المعرض عن عالقة "التفكر" ي‬ ‫ر‬ ‫األختة متأتية من أن‬ ‫ر‬ ‫والعالقة‬
‫بالختات"‪.‬‬ ‫ر‬ ‫تربطه بخلق هللا يف عالم الشهادة حن يخرج من حال "الظالم لنفسه"‪ ،‬ومن حال "المقتصد" إىل حال "السابق‬
‫ه عالقة "استغالل"‪ ،‬تؤدي إىل عالقة‬ ‫الن تربطهم بالسموات تماثل عالقتهم باألرض‪ ،‬ي‬ ‫المؤمني فعالقتهم الجوهرية ي‬ ‫ر‬ ‫غت‬ ‫أما ر‬

‫‪44‬‬
‫"إيساد"‪ ،‬كما أوضحنا ذلك يف إطار النظام الدنيوي‪ ،‬ولكن هناك من تربطهم عالقة "تقييس" ببعض مكونات السماء كعبادة‬
‫َ ََ‬ ‫َ ۡ َ َ َٰ َّ ۡ ُ َ ا َ ُ َ ا ۡ ُ َ ۡ َ َ ُ ِۚ َ َ ۡ ُ ُ ْ ا ۡ َ َ ۡ َ َ َ ۡ ُ ُ ْ َّ ِۤ َّ‬
‫َّلل ٱل ِذي خلق ُه ان‬ ‫الكواكب‪﴿ :‬و ِمن ءاي ِت ِه ٱليل وٱلنهار وٱلشمس وٱلقمر َل تسجدوا ِللشم ِ‬
‫س وَل ِللقم ِر وٱسجدوا ِ ِ‬ ‫الشمس‪ ،‬وعبادة‬
‫ُ ُۡ ا ُ َُُۡ َ‬
‫ون‪( ﴾٣٧‬فصلت)‪.‬‬ ‫ِإن كنتم ِإياه تعبد‬
‫"الشياطي"‪" ،‬الجن" "والمالئكة" عالقات‬ ‫ر‬ ‫االجتماع بمكونات عالم الغيب من‬ ‫ي‬ ‫الن تربط مكونات نظام الواقع‬ ‫العالقة ي‬
‫يوح بعضهم ِۚ إىل بعض‬ ‫والجن َ ي‬ ‫شياطي النس‬ ‫ر‬ ‫شياطي الجن فقط‪ ،‬بل‬ ‫ر‬ ‫بالغة التعقيد والتشابك‪ ،‬إذ لم يعد لدينا يف هذا النظام‬
‫ورا َو َل ۡو َش ٓاءَ‬
‫ف ۡٱل َق ۡول ُغ ُر ا‬‫وح َب ۡع ُض ُه ۡم إ َ َٰىل َب ۡعض ُز ۡخرُ‬ ‫ي ۡٱلنس َو ۡٱلج ِّن يُ‬ ‫﴿و َك َ َٰذ ِل َك َج َع ۡل َنا ِل ُك ِّل َن ٍّ‬
‫ن َع ُد اوا َش َي َٰ ط َ‬ ‫زخرف القول غرورا‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ئ ِ‬ ‫ِ ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ر ِ ِ‬ ‫ِي‬ ‫َ ُّ َ َ َ َ ُ ۖۡ ُ َ َ ۡ ُ ۡ َ َ َ َ ُ َ‬
‫ۡ‬
‫الشيطاب تتضافر جهوده ليجعل هذا‬ ‫ي‬ ‫الثناب‬
‫ي‬ ‫هذا‬ ‫بل‬ ‫فحسب‪،‬‬ ‫هذا‬ ‫ليس‬ ‫‪.‬‬‫(األنعام)‬ ‫﴾‬ ‫‪١١٢‬‬ ‫ون‬ ‫ربك ما فعلوه فذرهم وما يفت‬
‫تأثتا بالغا يف خياراتهم الحياتية‪،‬‬ ‫الن تربطه بالناس يف هذا النظام‪ ،‬فيؤثر بذلك ر‬ ‫الزخرف من القول أساسا لعالقة "الوسوسة" ي‬
‫االجتماع لذلك أعرض هنا عن الخوض يف تفاصيل هذه‬ ‫‪.‬‬ ‫ي‬ ‫وغت المقصودة من الفعل والتفاعل‬ ‫ومن ثم يف النتائج المقصودة‪ ،‬ر‬
‫الروابط‪ ،‬ونرجئها إىل بحوث الحقة‪ ،‬ولكن القارئ الحريص يمكنه أن يأخذ فكرة عامة عن طبيعتها مما سبق ذكره يف إطار‬
‫النظامي الدنيوي والتوحيدي أعاله‪.‬‬ ‫ر‬
‫(الشياطي‪ ،‬الجن‪،‬‬
‫ر‬ ‫االجتماع هذا أكت تعقيدا من عالقة مكونات عالم الغيب‬ ‫ي‬ ‫هللا تعاىل عالقته بالناس يف نظام الواقع‬
‫الكوب‪ ،‬بداية ونهاية وما‬
‫ي‬ ‫الخلق‬ ‫وعظمة‬ ‫تعاىل‪،‬‬‫و‬ ‫تبارك‬ ‫الخالق‬ ‫عظمة‬ ‫مع‬ ‫يتناسب‬ ‫الن ذكرتها آنفا‪ ،‬وهذا‬‫المالئكة) بالناس ي‬
‫ئ‬
‫السعت‪ .‬نرح أيضا الخوض يف هذا األمر العظيم إىل بحوث الحقة‬ ‫ر‬ ‫بينهما‪ ،‬وما يؤول إليه األمر كله‪ :‬فريق يف الجنة وفريق يف‬
‫ه أن كل هذه الشبكة الكثيفة من العالقات‬ ‫نفصل فيها هذا المجمل من القول إن شاء هللا تعاىل‪ ،‬لكن الخالصة المهمة هنا ي‬
‫وبي الخالق‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ذلك‬ ‫كل‬ ‫وبي‬
‫ر‬ ‫والشهادة‪،‬‬ ‫الغيب‬ ‫وبي بيئته يف عالم‬
‫النساب يف تفاصيله اليومية‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫والروابط ربي الواقع‬
‫ه ما يصنع هذه النظم االجتماعية العادية‪ ،‬ومآالتها من األحداث األرضية‪ ،‬االجتماعية والطبيعية‪ .‬إن أي‬ ‫تبارك وتعاىل‪ ،‬ي‬
‫ر‬
‫الن تقع فيها‪ ،‬أو دراسة كيف تعمل النظم االجتماعية البرسية سوف‬ ‫العلم لهذه األحداث يف إطار النظم ي‬ ‫ي‬ ‫للتفست‬
‫ر‬ ‫محاولة‬
‫يكون معيبا يف منطلقاته الوجودية‪ ،‬والمعرفية‪ ،‬والمنهجية‪ ،‬ومن ثم يف نتائجه العلمية ما لم تتم صياغة هذه النظم يف كامل‬
‫أبعاد نسيجها الوجودي الذي بينا ما وسعه جهدنا منه يف هذا البحث‪ .‬وهذا تحد للفلسفة السالمية للعلوم ال تحسد عليه‪،‬‬
‫النساب يف حاجة ماسة إليه وهو يتخبط يف‬‫ي‬ ‫العلم يف مجال االجتماع‬
‫ي‬ ‫ولكن ال مهرب من التجرد له‪ ،‬وإنجازه ألن البحث‬
‫متاهات الفلسفات العلمية الدنيوية‪.‬‬
‫‪ -4.4.3.4‬كيفيات عم النظام‬
‫أسلفنا القول إن كيفيات العمل (المكتمات) يف الطريقة النظمية لدراسة النظم االجتماعية يقصد بها مسارات الفعل‬
‫الن تفرس‬‫وه ي‬ ‫المعي‪ ،‬ي‬‫ر‬ ‫االجتماع الذي يربط مكونات النظام‬
‫ي‬ ‫الن تربط ربي األسباب ومسبباتها من خالل النسيج‬ ‫االجتماع ي‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫تفستا ألحداث حدثت يف النظام مما أثار‬ ‫ر‬ ‫االجتماع المحدد بما يمكنه من تحقيق وظائفه‪ ،‬أو تعطينا‬ ‫ي‬ ‫النظام‬ ‫يعمل‬ ‫كيف‬
‫‪.‬‬
‫الباحثي‪ ،‬ويرغبون يف معرفة كيف حدث ما حدث ذلك يف الفلسفة العلمية المادية‪ ،‬ولكن الرؤية الوجودية القرآنية‬ ‫ر‬ ‫فضول‬
‫ع‪.‬‬ ‫ي‬ ‫االجتما‬ ‫النظام‬ ‫معطيات‬ ‫كل‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫بالغ‬ ‫تعقيد‬ ‫إىل‬ ‫يؤدي‬ ‫مما‬ ‫‪،‬‬‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫مع‬ ‫سببيا‬ ‫تتداخل‬ ‫غيبية‬ ‫أبعادا‬ ‫تضيف‬ ‫أينا‬‫كما ر‬
‫ّ‬
‫تنظتية تمكن من تطوير نظرية‬ ‫ر‬ ‫جىل‪ ،‬تحتاج إىل خيال مبدع من الباحث‪ ،‬وقدرات‬ ‫خف‪ ،‬وليس ي‬ ‫كيفيات العمل بطبيعتها أمر ي‬
‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫الوح الكريم‪ ،‬أو من النظام‬
‫ي‬ ‫عن كيفية العمل المقتحة يمكن اختبارها تجريبيا‪ ،‬سواء تم استلهام الكيفية المعنية من‬
‫التجرين موضوع البحث‪ .‬كيفيات العمل الحقيقية تؤدي عملها‪ ،‬وتحدث أثرها المرتبط بها‪ ،‬سواء يف عمل النظام‪ ،‬أو يف وقوع‬ ‫ي‬
‫تأثتا‪ ،‬وتعمل يف اتجاه مساوق‪ ،‬أو‬ ‫األحداث‪ ،‬ولكن يمكن لألثر أال يكون ملحوظا إذا طغت عليه آثار كيفيات عمل أخري أقوى ر‬
‫معاكس‪ .‬كذلك يمكن أن تكون هناك عدة كيفيات عمل تنتج ذات األثر‪ ،‬وبعضها أفعل من بعض يف إنتاجه‪ .‬هذه الحقائق‬
‫تأثت متنافرة‪ ،‬سواء يف مكوناته‪ ،‬أو يف نسيجه‪ ،‬أو مسارات‬ ‫االجتماع الذي تتجاذبه قوى ر‬
‫ي‬ ‫الوجودية أكت ما تكون يف نظام الواقع‬
‫الفعل فيه‪.‬‬
‫االجتماع‪ ،‬تعمل باعتبارين‪:‬‬
‫ي‬ ‫المؤمني‪ ،‬أحد مكونات نظام الواقع‬
‫ر‬ ‫الن تعمل يف إطار العالقات الداخلية ربي‬
‫كيفيات العمل ي‬
‫والثاب باعتبار‬
‫ي‬ ‫؛‬‫المنكر‬ ‫عن‬ ‫وينهون‬ ‫روف‬ ‫بالمع‬ ‫يأمرون‬ ‫بعض‬ ‫أولياء‬ ‫بعضهم‬ ‫باعتبار‬ ‫بينهم‬ ‫ذات‬ ‫ف‬ ‫المؤمني‬
‫ر ي‬ ‫األول عالقات‬
‫االجتماع الذي يختاره الباحث لدراسته‪.‬‬
‫ي‬ ‫المؤمني‪ ،‬وطبيعة كيفيات العمل هذه تعتمد عىل سناريو الواقع‬
‫ر‬ ‫لغت‬
‫مخالطتهم ر‬
‫التحليىل يرسي‬
‫ي‬ ‫‪.‬‬
‫للمؤمني هذا المنطق‬
‫ر‬ ‫بغتهم من المنطلقات القيمية‬‫المؤمني ر‬
‫ر‬ ‫الن تربط‬
‫وينطبق ذلك عىل الروابط الداخلية ي‬
‫المؤمني‪.‬‬
‫ر‬ ‫وبي‬
‫للمؤمني‪ ،‬وفيما بينهم ر‬
‫ر‬ ‫المؤمني يف ذات بينهم‪ ،‬ومن منطلق مخالطتهم‬
‫ر‬ ‫غت‬
‫أيضا عىل عالقات ر‬

‫‪45‬‬
‫الن يبدأ بها الباحث بحثه فال معن للخوض يف تفاصيل كيفيات العمل‬ ‫إذن‪ ،‬ما دام األمر كله يعتمد عىل السناريوهات ي‬
‫وف عالم الغيب‪ ،‬وكذلك يف العالقة مع هللا تعاىل‪ ،‬وما مض من‬
‫الفاعلة يف عالقات النظام ببيئته الخارجية يف عالم الشهادة‪ ،‬ي‬
‫ينبع أن يجري هنا أيضا‪.‬‬
‫عىط صورة واضحة لما ي‬ ‫تفصيل لألمر يف النظم السابقة أعاله ي ي‬

‫تم بثمي ي تعاىل‬

‫‪46‬‬

You might also like