You are on page 1of 173

‫َر َسائِلُُم ِهمَّةُ ُ‬

‫الخامسةُ) ُ‬
‫َ‬ ‫(ال ِّر َسالَةُُ‬
‫فيما نَ ْعلَ ُم‬ ‫ه ِذهِ ِرسالَةمل ي ؤلَّ ْ ِ‬
‫ف مثْ لُها َ‬ ‫َ َ َُ‬
‫(ع ِقْي َدة)‬
‫َ‬

‫ص َرةُ األَتْ ِقيَ ِاء بِتَْب ِرئَ ِة األَنْبِيَ ِاء‬


‫تَ ْب ِ‬
‫الم‬
‫الس ُ‬ ‫الصالةُ َو َّ‬ ‫علي ِه ُم َّ‬
‫ِ‬
‫األنبياء عليهم الصالةُ والسالمُ‬ ‫بحث في ِع ِ‬
‫صمة‬
‫ِ‬
‫الكتاب‬ ‫ور ِّد افتر ِ‬
‫اءات ِ‬
‫أهل‬ ‫َ‬

‫ِ‬
‫الرسالة بحث‬ ‫أصل هذهِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإلسالمية‬ ‫ِ‬
‫الدراسات‬ ‫ِ‬
‫مرحلة الماجستي ِر في‬ ‫في‬

‫ِ‬
‫الرؤوف ال ُمنَا ِوي‬ ‫دار ا ِإلم ِام ع ِ‬
‫بد‬ ‫َُ َ َ‬
‫بن َع ْدنَا َن ال ُمنا ِوي‬
‫ف ُ‬‫وس ُ‬ ‫أَبُو الطيِّ ِ‬
‫ب يُ ُ‬
‫ات ا ِإلس ِ‬
‫الميَّ ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّراس ِ ْ‬ ‫يج ُكلِّيَة ا ِإل َم ِام األَوزاع ِّي في الد َ‬
‫خر ُ‬

‫‪1‬‬
‫الطَّْب َعةُ األُولَى‬
‫‪1436‬ه ‪2015 -‬‬

‫الشر ِع اإلس ِ‬
‫الم ِّي‬ ‫ْ‬ ‫َح ِ‬
‫كام َّ ْ‬ ‫َع َمالا بِأ ْ‬
‫ف وال النّ ِ‬
‫اش ِر‬ ‫ت مقصوراة على الم َؤلِّ ِ‬
‫س ْ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ُح ُقو ُق الط ْب ِع لَْي َ‬

‫اعتِها وتوزيعها‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫صويْ ِرها وطبَ َ‬ ‫ال ُيُْنَ ُع أحد م ْن إعادة نَ ْش ِر َهذه الر َسالَةَ وتَ ْ‬
‫اض ِِتا ِريٍَّة َش ْر َط اِل ََمانَِة يف النَّ ْق ِل‬
‫ولَ ْو ِِلَ ْغر ٍ‬

‫اد مراسلَةَ الم َؤلِّ ِ‬ ‫ِ‬


‫ف‬ ‫ل َم ْن أَر َ ُ َ ُ‬
‫‪almunawi@hotmail.com‬‬

‫يمكن تحميل هذا الكتاب وغيره من كتب المؤلف من موقع اإلمام المناوي‬

‫‪www.almunawi.com‬‬

‫‪2‬‬
‫الديْن الن ِ‬
‫َّص ْي َحةُ‪﴾1‬‬ ‫﴿ ِّ ُ‬
‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‪:‬‬ ‫قال رس ُ ِ‬
‫ول اهلل َ‬ ‫َ ُ‬
‫‪2‬‬
‫اعةَ»‬ ‫«إِ َذا ُو ِّس َد األَ ْم ُر إِلَى غَْي ِر أ َْهلِ ِه فَانْ تَ ِظ ِر َّ‬
‫الس َ‬

‫َّصيحةُ هللِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ‪ -‬رِِحه اهلل ‪ -‬يف ِ ِ ِ‬ ‫‪َ 1‬ح ِديث َش ِريْف‪ ،‬قَ َ‬
‫ين الن َ‬ ‫باب قول النَِِّب صلَّى اهللُ عليه وسلَّ َم‪« :‬الد ُ‬ ‫صحْيحه‪ُ :‬‬ ‫َ‬ ‫ال البُ َخا ِر ُّ َ َ ُ ُ‬
‫لتوبة‪ :‬اآلية ‪ .91‬انظُر كتاب ا ِإل ِ‬
‫ُيان‬ ‫وعامتِ ِهم»‪ ،‬وقَولِِه تَعاىل‪﴿ :‬إِ َذا نَصحوا هللِ ورسولِِه﴾ سورةَ ا ِ‬ ‫ني َّ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ولر ُسوله وِلَئ َّمة املسلم َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يحةُ»‬ ‫ين النَّص َ‬ ‫ال‪« :‬الد ُ‬ ‫صلى اهللُ َعلَْيه َو َسل َم‪ ،‬قَ َ‬ ‫َن النِ َّ‬
‫َِّب َ‬ ‫عن ََتيم الدَّاري أ َّ‬ ‫يح ُم ْسلم (‪ْ )74/1‬‬ ‫صح ِ‬ ‫باب ‪ 42‬ج‪ .20/1‬ويف َ‬
‫َّسائِ ُّ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫قُ ْلنَا‪ :‬لِمن؟ قَ َ ِ ِ ِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ‬
‫مذي والن َ‬‫داود والِّ ُّ‬ ‫أِحد وأبو َ‬ ‫مام ُ‬ ‫ني َو َع َّامت ِه ْم»‪ .‬ورواه أيضاً اإل ُ‬ ‫ال‪« :‬هلل َولكتَابِه َولَر ُسوله َوِِلَئ َّمة الْ ُم ْسلم َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫ك‪.‬‬ ‫بِنَح ِو ذَل َ‬
‫يحةُ»‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫العالََّمةُ ابْن َح َج ٍر َ ِ‬
‫ين النَّص َ‬ ‫الع ْس َقالِنُّ يف َشرِح َحديث «الد ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال َ‬ ‫قَ َ‬
‫س ِيف الْ َك َالِم كِْل َمة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫َّصيحةُ كِْلمة ج ِامعة معناها ِحيازةُ ْ ِ‬ ‫اْلطَّ ِ ُّ ِ‬
‫وح لَهُ‪َ ،‬وه َ ُّ م ْن َوجيز الْ َك َالم‪ ،‬بَ ْل لَْي َ‬ ‫صِ‬ ‫اْلَظ ل ْل َمْن ُ‬ ‫اِب‪ :‬الن َ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫ال َْ‬ ‫قَ َ‬
‫َح ُد أ َْربَ ِاع الدي ِن‪َ ،‬وِِم َّْن‬ ‫يث الَِِّت قِ ِ ِ‬
‫يل ف َيها إن ََّها أ َ‬ ‫َ‬
‫يث ِمن ْاِلَح ِاد ِ‬
‫اْلَد ُ َ َ‬
‫م ْفردة تُست و ََف ِِبا الْعِبارةُ عن معَن ه ِذهِ الْ َكلِم ِة‪ .‬وه َذا ْ ِ‬
‫َ ََ‬ ‫ُ ََ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض الدي ِن ُكله‪ِ ،‬لَنَّهُ ُمْن َحصر ِيف ْاِلُُموِر‬ ‫ِ‬
‫ي‪ :‬بَ ْل ُه َو َو ْح َدهُ ُُمَصل لغََر ِ‬ ‫ال الن ََّوِو ُّ‬ ‫ِ‬
‫َسلَ َم الطُّوس ُّ ُّ‪َ .‬وقَ َ‬ ‫َعدَّهُ فِ َيها ِْ‬
‫اإل َم ُام ُُمَ َّم ُد بْ ُن أ ْ‬
‫الرْهبَةُ ِم ْن‬ ‫اعتِ ِه‪َ ،‬و َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اهراً وب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ُفهُ ِِبَا ُه َو لَهُ أ َْهل‪َ ،‬و ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْغبَةُ ِيف َُمَابه بِف ْع ِل طَ َ‬ ‫اطناً‪َ ،‬و َّ‬ ‫وع لَهُ ظَ َ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫اْلُ ُ‬ ‫يحةُ لل َو ْ‬ ‫الَِِّت ذَ َكَرَها‪ ،‬فَالنَّص َ‬
‫ني إِلَْي ِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اد ِيف َرد الْ َعاص َ‬
‫صيتِ ِه‪ ،‬و ِْ‬
‫اْل َه ُ‬
‫ِ ِِ ِ ِ ِ‬
‫َم َساخطه بتَ ْرك َم ْع َ َ‬
‫الس َالم‪ :‬يا روح اهللِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ْ ِ ِ ِ‬ ‫ب َعلِ ٍّ ُّ قَ َ‬ ‫اح ِ‬ ‫ي عن عب ِد الْع ِزي ِز ب ِن رفَي ٍع عن أَِِب ُُثَامةَ ص ِ‬
‫يسى َعلَْيه َّ ُ َ ُ َ‬ ‫اْلََواريُّو َن لع َ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َوَرَوى الث َّْوِر ُّ َ ْ َْ َ ْ ُ ْ َ ْ‬
‫ال‪ :‬الَّ ِذي يُ َقد ُم َح َّق اهللِ َعلَى َحق الن ِ‬
‫َّاس‪.‬‬ ‫َّاص ِح هللِ؟ قَ َ‬ ‫م ِن الن ِ‬
‫َ‬
‫وده‪ِ،‬‬ ‫ظ حد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يمهُ‪َ ،‬وإِقَ َامةُ ُحُروف ِه ِيف الت َال َوة‪َ ،‬وََْت ِريُُرَها ِيف الْ ِكتَابَِة‪َ ،‬وتَ َف ُّه ُم َم َعانِ ِيه‪َ ،‬و ِح ْف ُ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يحةُ لكتَاب الل تَ َعلُّ ُمهُ‪َ ،‬وتَ ْعل ُ‬ ‫َوالنَّص َ‬
‫َّصيحةُ لِرسولِ ِه تَع ِظيمه‪ ،‬ونَصره حياً وميتاً‪ ،‬وإِحياء سنَّتِ ِه بِتَعلُّ ِمها وتَعلِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ََت ِر ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوالْ َع َم ُل ِِبَا ف ِيه‪َ ،‬وذَ ُّ ْ‬
‫يم َها‪،‬‬ ‫ني َعْنهُ‪َ .‬والن َ َ ُ ْ ُ ُ َ ْ ُُ َ ا َ َ َ ْ َ ُ ُ َ َ َ ْ‬ ‫يف الْ ُمْبطل َ‬
‫ين إِ َعانَتُ ُه ْم َعلَى َما ِحلُوا الْ ِقيَ َام بِِه‪َ ،‬وتَْنبِ ُيه ُه ْم‬ ‫ِِ‬ ‫َّص ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫يحةُ ألَئ َّمة الْ ُم ْسلم َ‬ ‫َواالقْت َداءُ بِه ِيف أَقْ َواله َوأَفْ َعاله‪َ ،‬وَُمَبَّتُهُ َوَُمَبَّةُ أَتْ بَاعه‪َ .‬والن َ‬
‫يحتِ ِه ْم َدفْ ُع ُه ْم َع ِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عْن َد الْغَ ْفلَة‪َ ،‬و َس ُّد َخلَّته ْم عْن َد ا ْْلَْف َوة‪َ ،‬وَجَْ ُع الْ َكل َمة َعلَْيه ْم‪َ ،‬وَرُّد الْ ُقلُوب النَّافَرةِ إلَْيه ْم‪َ ،‬وم ْن أ َْعظَ ِم نَص َ‬
‫وم ِه ْم‪َ ،‬ونَ ْش ِر َمنَاقِبِ ِه ْم‪،‬‬ ‫َّصيحةُ َْلم بِبث علُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني أَئ َّمةُ اال ْجت َهاد‪َ ،‬وتَ َق ُع الن َ ُ ْ َ ُ‬
‫الظُّْل ِم بِالَِِّت ِه ُّ أَحسن‪ .‬وِمن َجلَ ِة أَئِ َّم ِة الْمسلِ ِم ِ ِ ِ ِ‬
‫ُْ َ‬ ‫َ ْ َ ُ َ ْ ُْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫وََْت ِس ِ‬
‫يم ُه ْم َما يَْن َف ُع ُه ْم‪،‬‬‫ود نَ ْفعُهُ َعلَْيه ْم‪َ ،‬وتَ ْعل ُ‬ ‫يما يَعُ ُ‬ ‫الس ْع ُ ُّ ف َ‬
‫الش َف َقةُ َعلَْيه ْم‪َ ،‬و َّ‬ ‫ين َّ‬ ‫يحةُ ل َع َّامة ال ُْم ْسلم َ‬ ‫ني الظَّن ِب ْم‪َ .‬والن َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب لنَ ْفسه‪َ ،‬ويَكَْرَه َْلُ ْم َما يَكَْرهُ لنَ ْفسه‪ .‬اه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َْلُ ْم َما ُُي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ُو ُجوه ْاِلَ َذى َعْن ُه ْم‪َ ،‬وأَ ْن ُُي َّ‬ ‫َوَك ُّ‬
‫ث ال َق ْوَم‪َ ،‬جاءَهُ‬ ‫س ُُيَد ُ‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ِيف ََْملِ ٍ‬ ‫َِّب َ‬‫ال‪ :‬بَْي نَ َما النِ ُّ‬ ‫حيح ِه (‪َ )21/1‬ع ْن أَِِب ُهَريْ َرةَ قَ َ‬ ‫اري يف ص ِ‬
‫َرَوى البُ َخ ُّ َ‬
‫‪2‬‬

‫ال‪،‬‬ ‫ال فَ َك ِرهَ َما قَ َ‬‫ُ ال َق ْوِم‪َ ََِ :‬ع َما قَ َ‬ ‫ال بَ ْع ُ‬ ‫ث‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ُُيَد ُ‬ ‫الساعةُ؟ فَمضى رس ُ ِ‬
‫ول اهلل َ‬ ‫ال‪َ :‬م ََت َّ َ َ َ َ ُ‬ ‫أ َْعَرِاِبٌّ فَ َق َ‬
‫ول اهللِ‪،‬‬ ‫اع ِة» قَ َ‬ ‫ال‪« :‬أَين ‪ -‬أُراه ‪ِ َّ -‬‬ ‫ِ‬
‫ال‪َ :‬ها أَنَا يَا َر ُس َ‬ ‫السائ ُل َع ِن ال َّس َ‬ ‫ضى َحديثَهُ قَ َ ْ َ َ ُ‬ ‫ض ُه ْم‪ :‬بَ ْل َملْ يَ ْس َم ْع‪َ ،‬ح ََّت إِ َذا قَ َ‬ ‫ال بَ ْع ُ‬‫َوقَ َ‬
‫اعةَ»‬ ‫ال‪« :‬إِ َذا ُوس َد اِل َْمُر إِ َىل َغ ِْْ أ َْهلِ ِه فَانْتَ ِظ ِر َّ‬
‫الس َ‬ ‫اعتُ َها؟ قَ َ‬ ‫ضَ‬ ‫ف إِ َ‬ ‫ال‪َ :‬كْي َ‬ ‫اعةَ»‪ ،‬قَ َ‬ ‫الس َ‬ ‫ت اِل ََمانَةُ فَانْتَ ِظ ِر َّ‬ ‫ال‪« :‬فَِإ َذا ضي ع ِ‬
‫َُ‬ ‫قَ َ‬
‫‪3‬‬
‫وقال أَيضاً‪:‬‬‫َ‬
‫ُ العُلَ َم ِاء‪َ ،‬ح ََّت إِ َذا لَ ْم يُْب ِق‬
‫ُ العِْل َم بَِقْب ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫«إِ َّن اهلل الَ ي ْقبِ ِ ِ‬
‫ُ الع ْل َم انْتَزاعاً يَْنتَ ِزعُهُ م َن العبَاد‪َ ،‬ولَك ْن يَ ْقبِ ُ‬
‫َ َ ُ‬
‫َضلوا»‬
‫ضلوا َوأ َ‬ ‫سئِلُوا فَأَفْ تَ ْوا بِغَْي ِر ِعل ٍْم‪ ،‬فَ َ‬
‫َّاس رؤوسا ُج َّهاالً‪ ،‬فَ ُ‬
‫ِ َّ‬
‫‪3‬‬
‫َعالماً اَّتَ َذ الن ُ‬
‫وحنن يف زمن كثر فيه من يتكلم يف أنبياء اهلل عليهم الصالة والسالم ِبا هم بريئون منه‪ ،‬استنادا إىل روايات‬
‫باطلة يف بعُ كتب التفسْ وغْها‪ ،‬أو استنادا إىل ما جيده من اإلسرائليات يف كتب قصص اِلنبياء‪،‬‬
‫حَت وصل اِلمر ببعضهم إىل نسبة الكفر إىل بعُ أنبياء اهلل‪ ،‬إىل غْ ذلك من الفظائع‪ ،‬فكان واجبا‬
‫تبيني بطالن هذه اِلقوال‪ ،‬وأرجو اهلل أن جيعل هذه الرسالة نافعة لكثْ من الناس يف هذا الباب‪.‬‬

‫ُسنِ َد َو ُجعِ َل ِيف َغ ِْ أَهلِ ِه‪ .‬ويف‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬


‫َي أ ْ‬
‫فأْ‬ ‫َمر بِ َ‬
‫ضم أ ََّوله َوالتَّ ْشديد ويُ َخ َّف ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال ُ ٍ‬
‫ابن َح َجر يف فَْت ِح البَاري‪ :‬قَ ْولُهُ إذا ُوس َد ْاِل ُ‬ ‫اه َ‬
‫يح البخاري (‪ :)7/2‬قَولُه (إِذَا وس َد ْاِلَمر) ال مراد بِِه ِجْنس ْاِلُموِر الَِِّت تت علَّق بِالدي ِن كاْلِالفَةِ‬ ‫عم َدةِ ال َقا ِري َشرِح ِ‬
‫ََ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُْ َُ ُ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫صح ِ ُ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‪ .‬اه‬ ‫ضاء وا ِإلفْ تَاء َوَْحن ِو ذَل َ‬‫َوالْ َق َ‬
‫بض ِه َرقَم ‪.2673‬‬ ‫اري يف ص ِحي ِح ِه (‪ )31/1‬وأَخرجه مسلِم يف العِل ِم‪ ،‬باب رف ِع العِل ِم وقَ ِ‬ ‫‪3‬‬
‫َْ َ ُ ُ‬ ‫َرواهُ البُ َخ ُّ َ ْ‬
‫‪4‬‬
‫تنبيه ُم ِهم‬
‫يل ِعل ِم ِّ‬
‫الدي ِن‪ ،‬بَ ْل ال بُ َّد ِم َن التَّلَق ُّ‬ ‫صِ‬ ‫ب لِتَ ْح ِ‬ ‫ئ أَنَّهُ ال يُ ْكتَ َفى بِ ُمطالَ َع ِة ال ُكتُ ِ‬ ‫أخ ُّ ال َقا ِر َ‬
‫اعلَ ْم ْ‬
‫َّعلُّ ِم َوالْ ِف ْقهُ بِالتَّ َفق ُِّه َوَم ْن يُِرِد اللَّهُ بِِه َخْي ًرا يُ َفق ْههُ ِيف الدي ِن» َك َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع ْن أَ ْه ِل الع ْل ِم‪ ،‬فَ «إََِّّنَا الْع ْل ُم بِالت َ‬
‫يف الذي َرَواهُ الطَّبَ َراِنُّ َو َغْي ُرهُ‪.4‬‬ ‫الشر ِ‬ ‫يث َّ‬ ‫ك يف اْل ِد ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَرَد َذل َ‬
‫َ‬

‫الع َّال َمةُ أبُو َحيَّا َن األَنْ َدلُ ِسي‪:‬‬


‫ال َ‬‫قَ َ‬

‫أَخا فَهم ِإلدر ِاك الع ِ‬


‫لوم‬ ‫تب ََت ِدي‬ ‫يَظُ ُّن الغُ ْم ُر أ َّ‬
‫َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َن ال ُك َ‬
‫ُ َح َّْت َع ْق َل ال َفهي ِم‬ ‫ِ‬ ‫هول بِأ َّ‬
‫َغوام َ‬ ‫فيها‬
‫َن َ‬ ‫َوما يَدري اْلَ ُ‬
‫ضلَلت ع ِن الصر ِ‬ ‫لوم بِغَ ِْ َش ٍ‬
‫اط املستَقي ِم‬ ‫َ َ َ‬ ‫يخ‬ ‫ت العُ َ‬ ‫إِذَا ُرْم َ‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ضا أَْوَرَدهُ بن أَِِب‬ ‫َّعلُّ ِم ُه َو َحديث َم ْرفُوع أَيْ ً‬ ‫الع ْس َقالِن (‪" :)161 /1‬قَ ْولُهُ َوإََِّّنَا الْع ْل ُم بالت َ‬ ‫تح البَا ِري البْ ِن َح َج ٍر َ‬ ‫‪ 4‬فف ُّ فَ ِ‬
‫ِ‬
‫َّعل ِم َوالْف ْقهُ بِالتَّ َفق ِه َوَم ْن يُ ِرِد اللَّهُ‬
‫ْم بِالت َ‬
‫َّ ِ ِ‬
‫َّاس تَ َعل ُموا إنَّ َما الْعل ُ‬
‫يث معا ِويةَ أَي ِ ِ‬
‫ضا بلَ ْفظ‪« :‬يَا أَي َها الن ُ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫َعاص ٍم َوالطَّبَ َرِاِنُّ م ْن َحد ُ َ َ ْ ً‬
‫ِ‬
‫ض َد ِِبَ ِجيئِ ِه ِمن وج ٍه آخر‪ ،‬وروى الْب َّزار َحنوه من ح ِد ِ‬ ‫َن فِ ِيه مب هما ْاعتُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يث‬ ‫ْ َ ْ َ َََ َ ُ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫ادهُ َح َسن إَّال أ َّ ُ ْ َ ً‬ ‫بِه َخ ْي ارا يُ َف ِّق ْههُ في الدِّي ِن» إِ ْسنَ ُ‬
‫ول َم ْن َج َعلَهُ ِم ْن‬ ‫اب َعن أَِِب الدَّرَد ِاء و َغ ِْْهِ‪ ،‬فَ َال يغتَر بَِق ِ‬ ‫وعا‪ ،‬وِيف الْب ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ ا‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َصبَ َه ِاِنُّ َم ْرفُ ً َ َ‬ ‫اب ِن َم ْس ُعود َم ْوقُوفًا‪َ ،‬وَرَواهُ أَبُو نُ َعْي ٍم ْاِل ْ‬
‫يل التَّ َعل ِم"‪ .‬انتهى َك ُ‬
‫الم ابْ ِن‬ ‫ْخوذَ ِم َن ْاألَنْبِيَ ِاء َوَوَرثَتِ ِه ْم َعلَى َسبِ ِ‬ ‫ْم ال ُْم ْعتَبَ ُر إَِّال ال َْمأ ُ‬ ‫ِ‬
‫س الْعل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َك َالم الْبُ َخاري‪َ ،‬وال َْم ْعنَى ل َْي َ‬
‫َح َج ٍر‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫أهمية هذه الرسالة‬
‫ِما جيب على كل مكلف أن يعتقد عصمة اِلنبياء عليهم الصالة والسالم‪ ،‬وصدقهم وأمانتهم‪ ،‬وهو من‬
‫اإلُيان املأمور به يف نصوص الشرع‪ ،‬أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله‪ ،‬عليهم الصالة والسالم هذه‬
‫الرسالة تشرح بأسلوب واضح الصفات الِت جيب اعتقادها يف حق أنبياء اهلل عليهم الصالة والسالم‪.‬‬

‫اطلعت عليه من‬


‫ُ‬ ‫وليست هذه الرسالة َّأو َل من كتب يف عصمة اِلنبياء‪ ،‬ولكنها امتازت عن َجيع ما‬
‫املؤلفات يف عصمة اِلنبياء جبمعها عدة أمور منها‪:‬‬
‫‪ ‬بيان عقيدة أهل اْلق يف عصمة اِلنبياء‪،‬‬
‫‪ُّ ‬‬
‫رد الشبه الِت أوردت يف حق بعُ أنبياء اهلل دون الوقوع يف شبه أخرى كما هو شأن بعُ من‬
‫رد بعُ ما افِّي على اِلنبياء مث تورط يف إثبات افِّاءات أخرى‪،‬‬
‫‪ ‬عدم املبالغة يف نف ُّ ما يتوهم أنه نقص يف حق أنبياء وهو يف اْلقيقة ليس كذلك‪،‬‬
‫‪ ‬اشتمال هذه الرسالة على نف ُّ التهم املروية يف بعُ كتب التفسْ والتهم املروية عند أهل الكتاب‪،‬‬
‫‪ ‬االختصار ووضوح العبارة‪.‬‬

‫ومل أستقص كل ما نسب إىل أنبياء اهلل ِما ال يليق ِبم‪ ،‬ولكن اقتصرت على أكثرها انتشارا وأشدها اشتباها‬
‫على من مل ينور اهلل بصْته‪ ،‬فتكون الردود الِت أوردَتا مثاال ُُيتذى يف نف ُّ ما ال يليق بأنبياء اهلل ِما مل‬
‫أتعرض له يف هذه الرسالة‪.‬‬
‫وقد كتبت هذه الرسالة منذ أكثر من عشرين سنة‪ ،‬كبحث يف مرحلة املاجستْ يف كلية اإلمام اِلوزاع ُّ‪،‬‬
‫مث رأيت أن أنشرها لعل اهلل ينفعين ِبا وينفع كثْا من الناس ِبطالعتها‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫اض ِ‬
‫أنبياء الل‬ ‫إِلى ُك ِّل من ِع ْن َدهُ غَْي رة َعلى ِديْ ِن ِ‬
‫الل وعلى أعر ِ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫الم‬
‫والس ُ‬ ‫علي ِهم َّ‬
‫الصالةُ َّ‬
‫اءات على ِ‬ ‫الرسالَ ِة التي فيها دفع االفتر ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫أنبياء الل‬ ‫ُ‬ ‫لنَ ْس َع في نَ ْش ِر َهذه ِّ َ‬
‫ور ِْحَتِ ِه‪،‬‬ ‫‪ ‬طَلَباً لِمر ِ ِ‬
‫ضاة اهلل َ‬ ‫َْ َ‬
‫اْل ِْ ويأْمرو َن بِالْمعر ِ‬
‫وف َويَْن َه ْو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪ ‬وطَمعاً يف الد ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫﴿ولْتَ ُكن من ُك ْم أ َُّمة يَ ْدعُو َن إ َىل َْْ َ َ ُ ُ‬‫ت قَول اهلل تَ َعاىل‪َ :‬‬ ‫ُّخول ََْت َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت لِلن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع ِن الْ ُمن َك ِر َوأُولَئِ َ‬
‫َّاس‬ ‫ك ُه ُم الْ ُم ْفل ُحو َن﴾ [املائ َدة‪ :‬اآلية ‪َ ]104‬وقَ ْوله تَ َعاىل‪ُ ﴿ :‬كنتُ ْم َخْي َر أ َُّمة أُ ْخ ِر َج ْ‬
‫وف َوتَْن َه ْو َن َع ِن الْ ُمن َك ِر﴾ [املائِ َدة‪ :‬اآلية ‪،]110‬‬ ‫تَأْمرو َن بِالْمعر ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ُُ‬
‫ِِ‬ ‫‪ ‬ولِ َك ْ ُّ ال نَ ُكو َن‬
‫س َما َكانُواْ يَ ْف َعلُو َن﴾‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ص َف ُه ُم اهللُ بَِقوله‪َ ﴿ :‬كانُواْ الَ يَتَ نَ َ‬
‫اه ْو َن َعن ُّمن َكر فَ َعلُوهُ لَبْئ َ‬ ‫كالذين َو َ‬
‫َ‬
‫[املائِ َدة‪ :‬اآلية ‪،]79‬‬
‫َّاس إِ َذا َرأ َُوا الْ ُمْن َكَر فَلَ ْم يُغَي ُروهُ‪،‬‬ ‫الس ُ ِ‬ ‫ارد يف ح ِد ِ‬
‫يث النَِّب َعلَْي ِه َّ‬ ‫عيد الو ِ‬ ‫‪ ‬وح َذراً ِمن الو ِ‬
‫الم‪« :‬إ َّن الن َ‬ ‫الصالةُ و َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫اب»‪.5‬‬ ‫ك أَ ْن ي ع َّمهم اهلل بِعِ َق ٍ‬ ‫ِ‬
‫يُوش ُ َ ُ ُ ُ ُ‬

‫يث أَِِب ب ْك ٍر الصد ِيق ََِع رس َ ِ‬ ‫صه‪ِ :‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ِ 5‬‬
‫صلَّى‬ ‫ول اهلل َ‬ ‫َ َُ‬ ‫"حد ُ َ‬ ‫صحْيح اب ِن حبَّا َن (‪ .)540/1‬ويف فَ ْت ِح البَا ِري البْ ِن َح َج ٍر ما نَ ُّ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم يَ ُق ُ‬
‫ص َّح َحهُ ابْ ُن‬
‫َخَر َجهُ ْاِل َْربَ َعةُ َو َ‬
‫ك أَ ْن يَ ُع َّم ُه ُم اهللُ بع َقاب» أ ْ‬ ‫ول‪« :‬إ َّن الن َ‬
‫َّاس إ َذا َرأ َُوا الْ ُمْن َكَر فَلَ ْم يُغَي ُروهُ أ َْو َش َ‬
‫ِحبَّا َن"‪ .‬اه‬
‫‪7‬‬
‫قبل البدء بمطالعة هذا البحث‬
‫ال َّ‬
‫بد من التنبه إىل أنين يف عدة مواضع أوردت ما ذكره بعُ املفسرين من اِلقوال الباطلة‬
‫املردودة مث أتبعت ذلك ببيان وجه الصواب‪ ،‬لذلك ال ينبغ ُّ للقارئ أن يبادر إىل اعتقاد ما‬
‫أنقله ِما ينايف عصمة اِلنبياء عليهم الصالة والسالم‪ ،‬وليكن يف بال القارئ دوما تعظيم اِلنبياء‬
‫عليهم الصالة والسالم‪ ،‬واستحضار عصمتهم من كل ما يزري ِبم‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ِّمة‬
‫ُم َقد َ‬

‫تبصرةُاألتقياء‬
‫بتبرئةُاألنبياء‬

‫حبث يف عص مة اِلنبياء عليهم الص الة والس الم ونف ُّ التهم الِت نس بت إليهم وهم منها براء من خالل‬
‫آيات القرآن الكرمي‪ ،‬ويشتمل على رد افِّاءات أهل الكتاب عليهم أيضا‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫بسم الل الرحمن الرحيم‬
‫ومن علينا بالعقل الس ليم * وهدانا الص راط‬
‫اْلمد هلل العل ُّ العظيم * الذي خلقنا يف أحس ن تقومي * َّ‬
‫املستقيم * وأنعم علينا بإرسال الصفوة اِلخيار * اِلمناء اِلبرار * املنزهني عما نَ َسب إليهم أراذل اليهود‬
‫وحثالة اِلغمار *‬
‫وأش هد أن ال إله إال اهلل الواحد القهار * العزيز اْلبار * وأش هد أن س يدنا ُممداً عبده ورس وله خا‬
‫كل وص حب‬
‫املص طََف ْني اِلخيار * ص لى اهلل عليه وعلى إخوانه النبيني اِلبرار * وآل ا‬
‫اِلنبياء اِلطهار * و ْ‬
‫ِمر الدهور واِلعصار *‬
‫كل على ا‬
‫ا‬
‫أما بعد‪ 6‬فهذا كتاب يف تربئة اِلنبياء عليهم السالم وتن زيههم عما نسب إليهم أراذل اليهود والنصارى‬
‫ومقلدة املؤرخني اجملازفني اْلاهلني حبقيقة النبوة وما جيوز على أنبياء اهلل تعاىل وما يستحيل وما جيب على‬
‫الكافة من تعزي ِرهم وتوقْهم‪ ،‬فِّاهم يذكرون أقواال وأفعاالً ص درت عن اِلنبياء‪ ،‬يؤولو ا تأويل من حل‬
‫من عنقه ربقة الش ريعة‪ ،‬لكو م يتخيلو ا مثالب يف حقهم‪ ،‬مث ينس بون بعُ هذه اِلقوال إىل كبار‬
‫الص ح اب ة والت ابعني‪ ،‬ليموهوا ِب ا على العوام لئال يردوه ا عليهم ويق دحوا فيه ا‪ ،‬فيَهلِكون ويُهلكون‪ .‬مث‬
‫تراهم ينقلون تلك اْلرافات بالتكرار على أوجه خمتلفة‪ ،‬تورعاً يف نقل الرواية تورع الكلب الذي يرفع رجله‬
‫عند البول وفمه يف أعماق اْليفة‪.‬‬
‫وقد قيُ اهلل لتلك اْلكايات ش رذمة من املقلدة اِلغمار‪ ،‬فِّاهم وض ون يف أحوال اِلنبياء عليهم‬
‫الس الم‪ ،‬ويتمندلون‪ 7‬بأعراض هم على رؤوس العوام والطَّغام‪ ،8‬وال مش فق على دين اهلل تعاىل‪ ،‬وال زاجر ذا‬
‫سلطان‪ ،‬حَت كأ م ملة أخرى‪ ،‬ال يرقبون فيهم ذمة وال إَّال‪.‬‬
‫ومن املؤس ف أن ثد كثْاً من كتب التفس ْ املتداولة بني املس لمني‪ ،‬تنقل تلك الروايات الباطلة من غْ‬
‫َتحيص‪ ،‬بل جعلها بعُ املفس رين موض حة للمراد بكالم اهلل تعاىل‪ ،‬ففتحوا بذلك الباب على مص راعيه‬
‫ِلولئك اِلراذل حيث وجدوا لتلك اْلرافات مستنداً بزعمهم‪.‬‬
‫وغرض أولئك اِلوغاد من أهل الكتاب الذين اَتموا كثْاً من اِلنبياء بالفواحش واحملرمات كالزنا باحملارم‬

‫‪ 6‬بعُ ألفاظ وعبارات هذه املقدمة مأخوذة من مقدمة كتاب تربئة اِلنبياء لعل ُّ بن أِحد اِلموي ص‪،26-23‬‬
‫بتصرف‪.‬‬
‫‪َ 7‬تندلت باملنديل‪ ،‬وتن ادلت‪َ :‬تسحت به‪ .‬كذا يف املصباح املنْ ص‪ ،228‬للفيوم ُّ‪.‬‬
‫‪ 8‬الطَّغام‪ :‬أوغاد الناس‪ ،‬الواحد واْلمع فيه سواء‪ ،‬كذا يف خمتار الصحاح ص‪ 165‬حملمد بن أِب بكر الرازي‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫وغْهن‪ ،‬إباحة الفواحش والتهوين من شأ ا ال سيما وهم يرتكبون ذلك يف بيوَتم‪ ،‬فْون يف ذلك تأسياً‬
‫باِلنبياء‪ ،‬وتابعهم يف بعُ ذلك طائفة من القص اص الفس قة‪ ،‬فس ردوا بعُ اْلكايات املوقعة قائلها يف‬
‫سخط اهلل تعاىل وغرضهم ان يهونوا الفسوق واملعاص ُّ على بُْله العوام‪ ،‬وأن يتسللوا إىل الفجور بالنساء‪،‬‬
‫وال يزالون يهونون على العوام م ا ك ان يعظم عليهم من قب ل‪ ،‬ويقولون ه ذا أمر م ا س لم من ه عظم اء‬
‫املرس لني فكيف حنن؟! فوقعوا يف الكفر الش نيع بطعنهم يف أنبياء اهلل تعاىل‪ ،‬وانتقاص هم ونس بة الفواحش‬
‫إليهم‪ ،‬الِت ال تليق نسبتها ملن يف قلبه أدىن خشية هلل تعاىل‪.‬‬
‫﴿إناا هلل وإناا إليه راجعون﴾ [البقرة‪ ،‬اآلية‪﴿ ،]156 :‬وس يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون﴾‬ ‫ف‬
‫[الشعراء‪ ،‬اآلية‪.]227 :‬‬

‫وقد جعلت هذا الكتاب جزأين‪ ،‬اْلزء اِلول يف إثبات عص مة اِلنبياء بالنص وص الش رعية والنقول من‬
‫كتب التفسْ وأقوال اِلئمة‪ .‬مث إبطال التهم املروية يف كتب التفسْ ِما يقدح يف عصمتهم‪.‬‬
‫واْلزء الثاِن يف دفع التهم امللص قة بأنبياء اهلل تعاىل‪ ،‬املوجودة يف كتب اليهود والنص ارى املس ماة بالعهد‬
‫القدمي والعهد اْلديد‪.‬‬

‫وقد قس مت اْلزء اِلول إىل قس مني‪ :‬القس م اِلول يف املقدمات‪ ،‬والقس م الثاِن يف إبطال التهم امللص قة‬
‫باِلنبياء‪ ،‬املروية يف كتب التفسْ‪.‬‬
‫وقد اشتمل القسم اِلول على أربعة أبواب‪:‬‬
‫الباب اِلول يف النبوات‪ ،‬ذكرت فيه معَن النِب والرسول وشرائط االتصاف بالنبوة وكون النبوة‬ ‫‪-1‬‬
‫غْ مكتس بة‪ ،‬وجواز بعثة اِلنبياء‪ ،‬والس بيل إىل معرفة النِب‪ ،‬ومعَن املعجزة ووجه كو ا دليالً‬
‫على صدق من ظهرت على يديه‪.‬‬
‫الباب الثاِن يف عص مة اِلنبياء ذكرت فيه مقتض يات االتص اف بالنبوة والرس الة‪ ،‬ومعَن‬ ‫‪-2‬‬
‫العص مة لغة وش رعا‪ ،‬والدليل على عص مة اِلنبياء من القرآن مث كالم بعُ اِلئمة يف عص مة‬
‫اِلنبياء‪.‬‬
‫الباب الثالث يف التفسْ ذكرت فيه شروط التفسْ وشروط املفسر‪ ،‬واالختالف يف التفسْ‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫والتفسْ باملأثور والتفسْ ِبقتضى اللغة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الباب الرابع تكلمت فيه على القصص القرآِن واإلسرائيليات‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫ت هذا القسم ما يكف ُّ لدفع أي نقص ينسب إىل أنبياء اهلل تعاىل زوراً وِبتانا‪،‬‬
‫وضمْن ُ‬
‫ا‬
‫واش تمل القس م الثاِن على دفع الش به الواردة يف التفاس ْ املتعلقة بتس عة من اِلنبياء وهم‪ :‬آدم‪ ،‬إبراهيم‪،‬‬
‫لوط‪ ،‬يوس ف‪ ،‬أيوب‪ ،‬يونس‪ ،‬داود‪ ،‬س ليمان‪ُ ،‬ممد عليهم الص الة والس الم‪ .‬فذكرت ما أورده بعُ‬
‫املفس رين من اِلقوال والروايات الس اقطة‪ ،‬وبينت فس ادها بالنص وص الش رعية واالس تدالالت العقلية‪ ،‬عدا‬
‫ما س بق بيانه يف القس م اِلول‪ ،‬وينبغ ُّ ملن طالع هذا القس م أن يكون مس تحض راً ملا مر بيانه يف القس م‬
‫كل من هؤالء اِلنبياء اكتفاء ِبا أوردته يف‬
‫اِلول‪ ،‬وذلك أنين مل أكرر ذكر اِلدلة عند الكالم على تربئة ا‬
‫القسم اِلول‪ ،‬وإَّنا ذكرت اِلدلة الِت فيها تربئة لكل نِب خبصوصه‪ .‬وأما ما فيه بيان عصمتهم عموما فال‬
‫ضرورة إىل تكراره‪.‬‬

‫وقس مت اللثء ال اني من هذا الكتاب إلى قس مين‪ :‬القس م اِلول يف املقدمات‪ ،‬والقس م الثاِن يف‬
‫تفنيد افِّاءاَتم على أنبياء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وقد اشتمل القسم اِلول على املواضيع التالية‪:‬‬
‫إثبات َتريف التوراة واإلثيل‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ذكر كتب العهدين القدمي واْلديد‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫بيان أن أهل الكتاب ال يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتبهم‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ذكر افِّاق اليهود‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫اعتقاد اليهود أ م شعب اهلل املختار‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫ظاهرة التقليد والتعصب عند اليهود‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫عقيدة اليهود يف اهلل‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫ذكر افِّاق النصارى‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫التثليث عند النصارى‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫ظاهرة التقليد اِلعمى عند النصارى‪.‬‬ ‫‪-10‬‬
‫عقيدة اليهود والنصارى يف اِلنبياء‪.‬‬ ‫‪-11‬‬
‫وإَّنا أحوجين إىل الكالم على هذه اِلمور أن إبطال افِّائهم على اِلنبياء ال يتم إال بإثبات َتريف كتبهم‬
‫‪12‬‬
‫أثبت يف هذا القس م ِبا ال يدع َماالً للش ك أن كتب اليهود والنص ارى ُمرفة‪ ،‬وذكرت‬
‫وما يتبع ذلك وقد ُّ‬
‫معتقد اليهود يف اهلل تعاىل ومعتقد النص ارى يف التثليث‪ ،‬حبيث يعلم من يطلع على ذلك أنه ال ثقة يف‬
‫كتبهم وال اعتماد على نقلهم‪ ،‬وأ م أعماهم التقليد عن إبص ار اْلق‪ ،‬وأض لهم اْلوى عن س بيل الرش اد‪،‬‬
‫فال ُيتاج العاقل بعد ذلك إىل اِلدلة على بطالن ما افِّوه على أنبياء اهلل ورس له ص لوات اهلل عليهم‬
‫أَجعني‪.‬‬

‫واش تمل القس م الثاِن على ذكر بعُ نص وص العهدين القدمي واْلديد الِت فيها نس بة أمور عظام إىل‬
‫اِلنبياء ِما ال يليق ِبم‪ ،‬ودفعت تلك االفِّاءات الباطلة بنقل نص وص من كتبهم تقض ُّ ببطالن تلك‬
‫التهم‪ ،‬وباالس تدالل العقل ُّ واحملاورة املنطقية‪ ،‬ومل أورد اِلدلة على ذلك من القرآن وال اْلديث لس ببني‪:‬‬
‫اِل ول أ م ال يعِّفون بالقرآن وال الس نة‪ ،‬فلذلك نقيم اْلجة عليهم ِبا يعِّفون به‪ ،‬وباجملادلة بالرباهني‬
‫العقلية‪ .‬وذلك أن مقص ودنا ِبذا الكتاب إقامة اْلجة على عص مة اِلنبياء‪ ،‬على من ينتس ب إىل‬
‫اإلسالم‪ ،‬وعلى من ال ينتسب أيضاً‪ ،‬بدعوى اتباع التوراة واإلثيل‪.‬‬
‫السبب الثاِن أنه ذكر يف اْلزء اِلول من هذا الكتاب ما يغين عن اإلعادة‪.‬‬
‫وما نقلته من نص وص كتبهم ورددت عليه‪ ،‬فذلك على س بيل اإلجياز واالختص ار‪ ،‬وليكون عنوانا على‬
‫ومثَالً يقاس عليه غْه من البهتان املذكور يف كتبهم‪ .‬ومل أبسط القول يف ذلك ومل استقص َجيع‬
‫املقصود‪َ ،‬‬
‫ما أوردوه من املثالب يف حق اِلنبياء اكتفاء ِبا ذكرته إذ أن حصر ذلك يطول‪.‬‬

‫وهنا ال بد من ذكر تنبيهات تتعلق باللثء ال اني بقسميه‬


‫أوال‪ :‬إن كثْاً من النص وص الواردة يف ه ذا اْلزء املنقول ة من العه دين‪ ،‬نقلته ا من كت اب إظه ار اْلق‬
‫للش يخ رِحةُ اهلل وهو نقلها من الَِّجة املطبوعة عام ‪1844‬م للعهدين‪ ،9‬ويوجد بعُ االختالف يف‬
‫العبارات بينها وبني بعُ النس خ اِلخرى املطبوعة‪ ،‬وذلك يرجع إىل االختالف يف الَِّجة‪ ،‬وحيث وقع‬
‫خالف نبهت عليه غالباً ال س يما إن كان يؤدي إىل اختالف يف املعَن مع مالحظة أن عبارات هذه‬
‫الَِّجة ركيكة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬كتاب إظهار اْلق للش يخ رِحة اهلل الكْانوي ترَجه من كتب ألافت بلس ان الفرس وكتب ألافت‬

‫‪ 9‬وه ُّ مطبوعة باللسان العرِب طبعها وليم واطس‪ .‬وذلك باإلضافة إىل تفاسْ وتراجم أخرى‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫بلس ان مس لم ُّ اْلند‪ ،‬وقد وقع يف الَِّجة أخطاء لغوية ِلن لغة املؤلف اِلص لية ليس ت العربية كما وقع‬
‫فيها أخطاء مطبعية وسقط وغْ ذلك‪ ،‬فأصلحت ما وقع من اِلخطاء يف املواضيع الِت نقلها‪ ،‬وتصرفت‬
‫يف أكثرها ومل ألتزم عبارات املؤلف بعينها يف كثْ من املواضع‪ ،‬وقد أشرت إىل ذلك يف موضعه‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬وقع يف الكتاب املذكور بعُ العبارات املخالفة للنص وص الش رعية‪ ،‬فحيث كان يص ح ِحلها على‬
‫أ ا أ ُْوِرَدت على وجه اإللزام لليهود والنص ارى‪ ،‬وأ ا حكاية ملقتض ى مذهبهم ِحلناها عليه َتس يناً للظن‬
‫باملؤلف‪.‬‬
‫وأما ما ال يص ح ِحله على ذلك وكان ال ُيتمل التأويل‪ ،‬فذلك يرجع إما إىل خطأ أو َتريف من بعُ‬
‫النساخ‪ ،‬أو س ْق ِط أداة حكاية وحنو ذلك‪ ،‬وال ثزم بنسبة ذلك إىل املؤلف فليتنبه من أراد مطالعة الكتاب‬
‫املذكور‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬هناك اختالف يف أَاء بعُ اِلس فار وغْ ذلك بني ما هو مذكور يف كتاب إظهار اْلق وبني‬
‫النسخة الِت بيدي من العهدين القدمي واْلديد‪ ،‬وقد أشرت إىل ذلك يف موضعه‪.‬‬
‫خامس ا‪ :‬من أراد مقارنة ما نقلناه يف هذا الكتاب عن كتب وتفاس ْ اليهود والنص ارى‪ ،‬باِلص ل املنقول‬
‫عنه فلْجع إىل الطبعة نفس ها‪ ،‬وذلك أن علماءهم ‪ -‬وخص وص اً الربوتس تانت ‪ -‬إذا طبعوا كتابا من‬
‫كتبهم مرة ثانية يقع فيه التغيْ‪ ،‬واْلذف والزيادة ليتحاش وا بعُ امل زق الِت أوقعوا أنفس هم فيها‪ ،‬فليتنبه‬
‫لذلك وإال فقد يُظن عدم الصدق يف الناقل‪.‬‬
‫س ادس اً‪ :‬كتاب الرد اْلميل املنس وب للغزايف يف رد دعوى النص ارى أن عيس ى إله‪ ،‬ال ثزم بنس بته له‪ ،‬ملا‬
‫فيه من الكالم الباطل املخالف لنص وص القرآن‪ ،‬وذلك ِما جيل مقام الغزايف حجة اإلس الم رِحه اهلل عن‬
‫الوقوع يف مثله‪ ،‬فإما أن يكون الكتاب ليس من تأليفه ‪ -‬وهو اِلرجح ملا فيه من العبارات الفاس دة الِت‬
‫س عليه‪ ،‬وذلك غْ بعيد‪ ،‬ملا نعلمه من وقوع الدس قدُيا‬
‫ود َّ‬
‫تكررت فيه كثْا ‪ -‬وإما أن يكون قد ُحرف ُ‬
‫وحديثا يف كتب العلماء‪.‬‬
‫س ابعاً‪ :‬ما ذكرناه من الردود على افِّاءاَتم على أنبياء اهلل تعاىل اش تمل على كالم أوردناه على س بيل‬
‫اإللزام ْلم وإظهار تناقض هم‪ ،‬وليس كل ما أوردناه ِما نعتقده وندين به‪ ،‬وإَّنا هو ُممول على أنه حكاية‬
‫ملقتض ى ما ذهبوا إليه‪ ،‬ويقدَّر فيه أداة حكاية‪ ،‬وذلك معروف عند أهل العلم وال فى على املتأمل‪،‬‬
‫لكن أوردنا هذا البيان للتنبيه والتأكيد على هذا اِلمر‪ ،‬إذ أنه قد يش تبه ذلك يف بعُ املواض ع‪ .‬ومع‬
‫ذلك فقد كررنا أداة اْلكاية عند نقل أقواْلم وعند تفنيدها واس تعملنا كلمة "على زعمهم" وحنوها‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫وذلك لك ُّ ال يس بق إىل الذهن ش ُّء ِما أوردوه من الكفر‪ ،‬ولك ُّ ال يس بق إىل الذهن أيض ا أن ما‬
‫أوردناه على وجه اإللزام حق نعتقده‪ ،‬فليُتنباه‪.‬‬
‫ثامناً‪ :‬هناك ضالل وكفر كثْ يف كتب اليهود والنصارى‪ ،‬مل نتعرض له يف هذا الكتاب إذ إنه ليس داخالً‬
‫يف موض وعنا‪ .‬ولكننا ذكرنا قول النص ارى بالفداء لتعلق ذلك بأكل آدم من الش جرة‪ ،‬وِلن ذلك من‬
‫أصول عقيدة النصارى‪.‬‬
‫وذكرنا أيضا عقيدة اليهود يف اهلل ليتبني للعاقل سخافة عقوْلم وافِّاؤهم على رِبم‪ ،‬فال يستبعد افِّاءاَتم‬
‫على اِلنبياء‪ ،‬وليظهر ِبا ال يدع َماال للش ك واالرتياب يف َتريف كتبهم‪ ،‬فال يص ح الوثوق ِبا أو‬
‫االعتماد عليها ملا اش تملت عليه من اْلذيان املض حك لس خافة عقوْلم‪ .‬وإذا تبني هذا تبني أيض اً بطالن‬
‫معتقد النصارى إذ أ م يعتمدون هذه الكتب ويعتقدون صحة ما فيها‪.‬‬

‫وأس أل الل الكريم أن يلعل عملي هذا خالص ا لوجهه‪ ،‬دفاعا عن ص فوة اليلق عليهم الص الة‬
‫والسالم‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫اللثء األول‬
‫إثبات عصمة األنبياء بالنصوص الشرعية‬
‫وبراءتهم من التهم التي نسبت إليهم في كتب التفسير‬

‫ويشتمل على قسمني‪:‬‬


‫القسم اِلول يف املقدمات‪.‬‬
‫القسم الثاِن إبطال التهم امللصقة باِلنبياء املروية يف بعُ التفاسْ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫القسم األول‬
‫المقدمات‬

‫ويشتمل على مخسة أبواب‪:‬‬


‫النبوة‪.‬‬
‫الباب اِلول‪ :‬ا‬
‫الباب الثاِن‪ :‬عصمة اِلنبياء‪.‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬التفسْ‪.‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬قصص القرآن‪.‬‬
‫الباب اْلامس‪ :‬اإلسرائيليات‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الباب األول‬
‫النبوة‬
‫ّ‬

‫ويشتمل على سبعة فصول‪:‬‬


‫الفصل اِلول‪ :‬معَن النِب والرسول‪.‬‬
‫الفصل الثاِن‪ :‬شرائط االتصاف بالنبوة‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬كون النبوة غْ مكتسبة‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬جواز بعثة اِلنبياء‪.‬‬
‫الفصل اْلامس‪ :‬السبيل إىل معرفة النِب‪.‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬املعجزة‪.‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬وجه داللة املعجزة على صدق النِب‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الفصل األول‪ :‬معنى النبي والرسول‬
‫"النِب يف اللغ ة مهموز وغْ مهموز ف املهموز م أخوذ من النب أ ال ذي هو اْلرب"‪ 10‬فهو فعي ل ِبعَن ف اع ل‬
‫خمرب عن اهلل ِبا يوحى إليه‪" .‬وغْ املهموز ُيتمل‬
‫"ِلنه أنبأ عن اهلل أي أخرب" أو فعيل ِبعَن مفعول أي َ‬
‫‪11‬‬

‫وجهني أحدمها التخفيف بإس قاط مهزته والثاِن أن يكون من النَّْب َوة وه ُّ الرفعة فالنِب على هذا هو الرفيع‬
‫املن زلة عند اهلل تعاىل"‪" 12‬فله عند ربه رتبة شريفة ومكانة منيفة"‪.13‬‬
‫والرس ول يف اللغة واملرس ل ِبعَن واحد‪ ،‬تقول "أرس لت رس والً‪ :‬بعثته لرس الة يؤديها فهو فعول ِبعَن‬
‫مفعول"‪.14‬‬
‫"وكل رسول هلل عز وجل نِب وليس كل نِب رسوال والفرق بينهما أن النِب من أتاه الوح ُّ من اهلل عز وجل‬
‫ونزل عليه امللك بالوح ُّ والرسول من يأيت بشرع على االبتداء أو بنسخ بعُ أحكام شريعة قبله"‪.15‬‬
‫وهناك فرق آخر وهو أن النبوة ال تكون إال يف البش ر وأما الرس الة فتكون يف البش ر ويف املالئكة قال اهلل‬
‫تعاىل‪﴿ :‬اهلل يصطف ُّ من املالئكة رسالً ومن الناس﴾ [اْلج‪ ،‬اآلية‪]75 :‬‬

‫‪ 10‬أصول الدين ص ‪ 153‬للبغدادي‪.‬‬


‫‪ 11‬املصباح املنْ ص‪ 591‬للفيوم ُّ‪.‬‬
‫‪ 12‬أصول الدين ص‪ 153‬للبغدادي‪.‬‬
‫‪ 13‬شرح العقيدة الطحاوية ص‪ 65‬للغنيم ُّ‪.‬‬
‫‪ 14‬املصباح املنْ ص‪ 226‬للفيوم ُّ‪.‬‬
‫‪ 15‬أصول الدين ص‪ 154‬للبغدادي‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫الفصل ال اني‪ :‬شرائط االتصاف بالنبوة‬
‫"وش رائط النبوة‪ :‬الذكورة‪ ،‬وكمال العقل‪ ،‬وجودة الفطنة‪ ،‬وقوة الرأي ولو يف الص با‪ ،‬والس المة من كل ما‬
‫تنفر منه الطباع من العيوب كالربص‪ ،‬واْلذام‪ ،‬ومن س وء اِلخالق كاْلس ة والدناءة‪ ،‬ومن قبح اِلفعال‬
‫واْلَِرف كاِلكل يف الطريق واْلجامة‪ ،‬واْلبث يف النسب كخساسة اآلباء وفجور اِلمهات"‪.16‬‬
‫وِبذا يتبني أنه ال نبوة يف النساء ‪-‬إذ ليس ْلن من كمال العقل ما للرجال ‪ -‬فضالً عن الرسالة‪ ،‬أما عدم‬
‫وجود امرأة رسول‪ ،‬فبنص القرآن قال اهلل تعاىل ﴿وما أرسلنا من قبلك إال رجاالً نوح ُّ إليهم﴾ [اِلنبياء‪،‬‬
‫اآلية‪ .]7 :‬وقد اس تدل البعُ ِبذه اآلية أيض ا على عدم وجود امرأة نبية كما نُقل ذلك يف خ بة‬
‫الآليف‪ .17‬ويف بدء اِلمايف "وما كانت نبياً قط أنثى"‪.18‬‬

‫الفصل ال الث‪ :‬كون النبوة غير مكتسبة‬


‫وال تكون النبوة مكتسبة باْلد واالجتهاد يف التقرب اىل اهلل تعاىل والتحلا ُّ بالفضائل واجتناب الرذائل بل‬
‫ه ُّ بفضل اهلل تعاىل يؤتيه من يشاء كما قال اللقاِن يف جوهرته‪:‬‬
‫ولو رقى يف اْلْ أعلى عقبة‬ ‫ومل تكن نب وة مكتسبة‬
‫ِ ‪19‬‬
‫اهب املنَ ْن‬
‫يشاء جل اهلل و ُ‬ ‫بل ذاك فضل اهلل يؤتيه لِ َم ْن‬

‫‪ 16‬القول الفصل ص‪.33‬‬


‫‪ 17‬خبة الآليف ص‪65‬‬
‫‪ 18‬خبة الآليف ص‪.64‬‬
‫‪ْ 19‬لوهرة (ضمن اجملموع الكبْ من املتون) ص‪ 18‬للقاِن‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬جواز بع ة األنبياء وحاجة العباد إليهم‬
‫ليعلم أن العباد ال يس تقلون ِبعرفة العقائد اإلُيانية‪ ،‬وما فيه ص الح معيش تهم بعقوْلم َمردة‪ ،‬إذ لو ُوكلوا‬
‫إىل عقوْلم ِلدى إىل اْلالفات واْلص ومات‪ ،‬فض ال عن تباين اآلراء فيما يتعلق باِلمور الغيبية وغْ‬
‫ذل ك‪ ،‬وافِّاق الن اس ملالً وم ذاه ب ش اَت دلي ل على م ا نقول‪ ،‬فتبني احتي اجهم إىل بعث ة نِب يعلمهم‪،‬‬
‫ويوض ح ْلم س بيل اْلق ويزيل عنهم الش به‪ ،‬ويرش دهم إىل ما فيه ص الح الدين واملعا‪ ،،‬فثبت جواز بعثة‬
‫اِلنبياء والرسل عقال‪.‬‬
‫" واْلالف يف هذا مع الربامهة الذين جحدوا الرس ل وأثبتوا التكليف من جهة العقول واْلواطر وأبطلوا‬
‫الفرائُ السمعية"‪ ،20‬وقد بيناا ِبا ذكرنا آنفا فساد معتقدهم‪.‬‬

‫الفصل اليامس‪ :‬السبيل إلى معرفة النبي‬


‫ليعلم أن الس بيل إىل معرفة النِب ال يص ح أن يكون أمراً معتاداً إذ لو كان كذلك مل يكن دليال الس تواء‬
‫الرب والفاجر فيه فوجب أن يكون غْ مقدور للبش ر بل هو من اهلل تعاىل يظهر به تص ديق نبيه بتأييده‬
‫بذلك ويكون ذلك اِلمر نازالً منزلة التصديق بالقول وذلك ما نسميه باملعجزة‪.‬‬

‫‪ 20‬أصول الدين ص‪ 154‬للبغدادي‪.‬‬


‫‪21‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬المعلثة معناها لغة وشرع ا وتقسيمها‬
‫"املعجزة يف اللغة مأخوذة من العجز الذي هو نقيُ القدرة وال ُم ْع ِجز يف اْلقيقة فاعل العجز يف غْه‬
‫وهو اهلل تعاىل‪ ...‬وإَّنا قيل ِلعالم الرس ل عليهم الس الم معجزات لظهور عجز املرس ل إليهم عن‬
‫معارض تهم بأمثاْلا وزيدت اْلاء فيها فقيل معجزة للمبالغة‪ ...‬كما وقعت املبالغة باْلاء يف قوْلم َّ‬
‫عالمة‬
‫ونسابة"‪.21‬‬
‫ا‬
‫واملعجزة عن د علم اء التوحي د ه ُّ‪" :‬أمر خ ارق للع ادة يف دار التكليف مقرون ب التح دي موافق لل دعوى‬
‫سامل عن املعارضة باملثل يظهر على يد ذي نُبُوة تصديقا له"‪.22‬‬
‫وقد نظم مؤلف العقيدة الصالحية تعريف املعجزة بقوله‪:‬‬
‫ِ‬
‫املعارضات‬ ‫وبان عن وهن‬ ‫ِ‬
‫العادات‬ ‫خر َق‬ ‫كل ٍ‬
‫فعل َ‬ ‫"و ُّ‬
‫مع َتديه ب ه يف ال ق وْة‬ ‫جاء به من َّ‬
‫يدع ُّ النبوْة‬
‫ذكره‬
‫معجزة تثبت ما قد ْ‬ ‫أظهره‬
‫فذلك الفعل الذي قد ْ‬
‫كل ٍ‬
‫أحد عن فَنها‬ ‫تُ ِ‬
‫عجز َّ‬ ‫وَيت معجزًة لكو ا‬
‫‪23‬‬
‫ِتوزوا يف اللفظ"‬
‫وإَّنا َّ‬ ‫ويف اْلفظ‬ ‫وال م ِ‬
‫عجز اهلل ُّ‬ ‫ُ‬
‫واملعجزة أقس ام‪ ،‬منها ما يقع بعد اقِّاح من الناس ومنها ما يقع من غْ اقِّاح‪ ،‬ومنها دائمة باقية وذلك‬
‫القرآن الكرمي ومنها غْ دائمة وه ُّ اْلوارق الفعلية‪.‬‬

‫‪ 21‬أصول الدين ص‪ 170‬للبغدادي‪.‬‬


‫‪ 22‬ذكر حنو ذلك البغدادي يف أصول الدين ص‪.171-170‬‬
‫‪ 23‬العقيدة الصالحية ص‪( 53‬مطبوعة ضمن النفائس)‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الفصل السابع‪ :‬وجه كون المعلثة دليال على صدق النبي‬
‫ل اما أياد اهلل صاحب املعجزة ِبا عند دعواه النبوة‪ ،‬وأعجز‪ 24‬املعارضني عن اإلتيان ِبثلها علمنا أنه صادق‬
‫إذ لو مل يكن ص ادقا ملا أيده اهلل باملعجزة‪ِ ،‬لنه حكيم‪ ،‬وتص ديق الكاذب يُنايف اْلكمة‪ .‬ولو كانت‬
‫املعجزة تظهر على يد الكاذب ِلدى ذلك إىل تكليف العباد ِبا ال يطاق إذ ال يتمكنون من التمييز بني‬
‫النِب واملتنِب‪.‬‬
‫وقد ذكر مؤلف الصالحية مثاال يوضح به ذلك فقال‪:‬‬
‫فاَع مثال ذاك من إيرادي‬ ‫"هذا هو املختار يف اإلرشاد‬
‫مشهور‬
‫ُ‬ ‫وَمده‬
‫ذو سطوة ُ‬ ‫إذا تصدى م لك كبي ُر‬
‫واجتمعوا عليه حَت قعدوا‬ ‫للخلق يف َملسه فاحتشدوا‬
‫وازدحم ال ُقيا ُام واْلُاالس‬ ‫الناس‬
‫وجاء من أقصى البالد ُ‬
‫منتصباً شاهده السلطان‬ ‫فقام من أصحاب ه إنسا ُن‬
‫ِ‬
‫اِلشهاد‬ ‫معاشر‬ ‫أال اَعوا‬ ‫صاح بأعلى صوته يف النادي‬
‫َ‬
‫فاستمعوا من قبله بُرهاِن‬ ‫قد جاءكم أمر عظيم ِ‬
‫الشان‬ ‫ُ‬
‫إليكم وف ع لُهُ دليل ُّ‬ ‫اْلليل‬ ‫رسول ِ‬
‫امللك ِ‬ ‫أنا ُ‬
‫ك‬
‫يا أيها السلطان فانقُ عادتك وقُم إذاً واقع ْد وخالف ُسنَّتَ ْ‬
‫يرونَه من ال دالل ة‬
‫ِبا ْ‬ ‫ليعلموا حقيقة الرسالة‬
‫قلت ترتضيه‬
‫عنك ومهما ُ‬ ‫وأن حقاً كل ما أحكيه‬
‫‪25‬‬
‫فصح ما قد نقله"‬
‫صاحبُهُ ا‬ ‫سأله‬
‫فامتثل السلطا ُن ما قد ْ‬
‫َ‬

‫‪ 24‬فاعل "أعجز" ضمْ مستِّ يعود على لفظ اْلاللة‪.‬‬


‫‪ 25‬العقيدة الصالحية ص ‪( 53‬النفائس)‪.‬‬
‫‪23‬‬
‫الباب ال اني‬
‫عصمة األنبياء‬

‫ويشتمل على مقدمة وثالثة فصول‬


‫مقدمة يف بيان مقتضيات االتصاف بالنبوة والرسالة‪.‬‬
‫الفصل اِلول‪ :‬العصمة لغة واصطالحا‪.‬‬
‫الفصل الثاِن‪ :‬الدليل على عصمة اِلنبياء من القرآن‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬كالم اِلئمة يف عصمة اِلنبياء‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫مقدمة في بيان مقتضيات االتصاف بالنبوة والرسالة‬
‫ليعلم أن اهلل تعاىل ال تار ْلذا املنص ب إال من كان فيه اِلهلية لذلك‪ ،‬يقول اهلل عز وجل‪﴿ :‬اهلل أعلم‬
‫حيث جيعل رس الته﴾ [اِلنعام‪ ،‬اآلية‪ ]124 :‬ويقول تعاىل ﴿وكالً فض لنا على العاملني﴾ [اِلنعام‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫‪ ]86‬فلم ا فض لهم على الع املني جعلهم أكم ل عب اده وَجالهم بص ف ات الكم ال ومك ارم اِلخالق‬
‫وعص مهم من القبائح والفواحش‪ ،‬ونقتص ر يف هذا الباب على الكالم على عص مة اِلنبياء ِلنه املقص ود‬
‫يف هذا الكتاب‪.‬‬

‫الفصل اِلول‪ :‬العصمة لغة واصطالحاً‬


‫يعصمه من باب ضرب‪َ ،‬ح ِفظه ووقاه"‪ .26‬ويف‬
‫العصمة يف اللغة ه ُّ اْلفظ يقال "عصمه اهلل من املكروه ِ‬
‫االص طالح عص مه اِلنبياء ه ُّ حفظ اهلل ْلم من الكفر والكبائر والص غائر الِت فيها خس ة‪ ،‬وقبائح‬
‫اِلفعال والرذائل قبل النبوة وبعدها‪.‬‬
‫خس ة فيه وال دناءَة منهم‪ ،‬فمن العلماء من أجاز‬
‫وقد اختلف العلماء يف جواز ص دور ذنب ص غْ ال ا‬
‫ذلك عليهم ومنهم من منع‪ ،‬إال أنه ال خالف يف اطالق اسم املعصية كما ورد ذلك يف القرآن الكرمي يف‬
‫حق آدم بقوله تعاىل ﴿وعصى آدم ربه﴾ [طه‪ ،‬اآلية‪.]121 :‬‬
‫واختلف العلماء يف كيفية العص مة والذي ختاره أ ا "فض ل من اهلل ولُطف منه لكن على وجه يبقى‬
‫اختيارهم بعد العصمة يف اإلقدام على الطاعة واالمتناع عن املعصية"‪.27‬‬

‫‪ 26‬املصباح املنْ ص ‪ 414‬للفيوم ُّ‪.‬‬


‫‪ 27‬شرح الفقه اِلكرب ص ‪ 53‬ا‬
‫ملال عل ُّ القاري‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫الفصل ال اني‪ :‬الدليل على عصمة األنبياء من القرآن‬
‫قال اهلل تعاىل ﴿إن عبادي ليس لك عليهم س لطان إال من اتبعك من الغاوين﴾ [اْلجر‪ ،‬اآلية‪،]42 :‬‬
‫وقال تعاىل ﴿إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيال﴾ [اإلسراء‪ ،‬اآلية‪ ،]65 :‬وقال تعاىل‬
‫﴿إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى رِبم يتوكلون﴾ [النحل‪ ،‬اآلية‪.]99 :‬‬
‫وآيات كثْة غْ ما ذكرنا‪ ،‬ومل نرد االس تقص اء يف هذا الباب ولكنا س نورد إن ش اء اهلل آيات غْها عند‬
‫الكالم على اِلخبار املختلقة الِت نسبت إىل اِلنبياء ما ال يليق ِبم‪.‬‬

‫الفصل ال الث‪ :‬كالم األئمة في عصمة األنبياء‬


‫نقتص ر يف هذا الفص ل على نقل نبذة يس ْة من كالم اِلئمة يف عص مة اِلنبياء على اختالف مذاهبهم‬
‫وعصورهم‪.‬‬
‫‪ -1‬يف كتاب اإلرش اد إلمام اْلرمني عبد امللك اْلويين يقول "فص ل يف عص مة اِلنبياء ِتب عص متهم‬
‫عما يناقُ مدلول املعجزة وهذا ِما نعلمه عقالً‪ ،‬ومدلول املعجزة ص دقهم فيما يبلغاون‪ .‬فإن قيل هل‬
‫ِتب عص متهم عن املعاص ُّ قلنا أما الفواحش املؤذنة بالس قوط وقلة الديانة فتجب عص مة اِلنبياء عنها‬
‫إَجاعا‪ ...‬وأما الذنوب املعدودة من الص غائر ‪-‬على تفص يل س يأيت الش رح عليه‪ -‬فال تنفيها العقول ومل‬
‫يقم عن دي دلي ل ق اطع َع ُّ على نفيه ا وال على إثب اَت ا‪ ،‬إذ القواطع نص وص أو إَج اع وال إَج اع إذ‬
‫العلماء خمتلفون يف ِتويز الص غائر على اِلنبياء‪[ ...‬و] اِلغلب على الظن عندنا جوازها وقد ش هدت‬
‫أقاصيص اِلنبياء يف آي من كتاب اهلل تعاىل على ذلك"‪.28‬‬
‫‪ -2‬ويف أص ول الدين ِلِب منص ور البغدادي يقول‪" :‬أَجع اص حابنا على وجوب كون اِلنبياء معص ومني‬
‫بعد النبوة عن الذنوب كلها وأما الس هو واْلطأ فليس ا من الذنوب فلذلك س اغا عليهم‪ ،‬وقد س ها نبينا‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم يف ص الته حَت س لم عن ركعتني مث بَن عليها وس جد س جديت الس هو‪ .‬وأجازوا‬
‫عليهم الذنوب قبل النبوة وتأولوا على ذلك كل ما حكى يف القرآن من ذنوِبم"‪.29‬‬
‫‪ -3‬ويف كتاب عصمة اِلنبياء لإلمام الرازي يقول "إن اِلنبياء عليهم الصالة والسالم معصومون يف زمان‬

‫‪ 28‬اإلرشاد ص‪ 299-298‬للجويين‪.‬‬
‫‪ 29‬أصول الدين ص ‪ 168-167‬للبغدادي‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫النبوة عن الكبائر والصغائر بالعمد"‪.30‬‬
‫‪ -4‬ويف كتاب الشفا بتعريف حقوق نبينا املصطفى للقاض ُّ عياض يقول "والصواب أ م معصومون قبل‬
‫النبوة من اْلهل باهلل وص فاته والتش كك يف ش ُّء من ذلك وقد تعاض دت اِلخبار واآلثار عن اِلنبياء‬
‫زيههم عن هذه النقيص ة منذ ولدوا ونش أَتم على التوحيد واإلُيان بل على إش راق أنوار املعارف‬ ‫بتن‬
‫ونفحات ألطاف الس عادة كما نبهنا عليه يف الباب الثاِن من القس م اِلول من كتابنا هذا ومل ينقل أحد‬
‫من أهل اِلخبار أن أحداً نبئ واص طف ُّ ِمن عرف بكفر وإش راك قبل ذلك"‪،31‬وقال "واعلم أن اِلمة‬
‫َممعة على عص مة النِب ص لى اهلل عليه وس لم من الش يطان وكفايته منه ال يف جس مه بأنواع اِلذى وال‬
‫على خاطره بالوساوس"‪.32‬‬
‫وقال‪" :‬وأَجعت اِلمة فيما كان طريقه البالغ أنه معص وم فيه من اإلخبار عن ش ُّء منها خبالف ما هو‬
‫به ال قصداً وال عمداً وال سهواً وال غلطاً"‪.33‬‬
‫‪ -5‬ويف سراج السالك لعثمان بن حسنني املالك ُّ يقول عند قول املؤلف‪:‬‬
‫الصدق والتبليغ والفطانة"‬ ‫" وأثْبِ َ ْ‬
‫َت لألنبياء اِلمان ْة و َ‬
‫نص ه‪" :‬واِلمانة ه ُّ حفظ جوارحهم الظاهرة والباطنة من الوقوع يف ُمرم أو مكروه مطلقاً‪ ،‬فاْليانة‬
‫ما ا‬
‫‪34‬‬
‫الِت ه ُّ فعل منه ُّ عنه مستحيلة يف حقهم لعصمتهم"‬
‫‪6-‬ويف مَت ابن عاشر املسمى باملرشد املعني لعبد الواحد بن عاشر املالك ُّ يقول‪:‬‬
‫ُيق‬
‫تبليغهم ُّ‬
‫"جيب للرسل الكرام الصدق * امانة ُ‬
‫‪35‬‬
‫ُمال الكذب واملنه ُّ * كعدم التبليغ يا ذك ُّ"‬
‫‪ -7‬ويف شرح العقيدة الطحاوية لعبد الغين الغنيم ُّ اْلنف ُّ يقول عن اِلنبياء‪:‬‬

‫‪ 30‬عصمة اِلنبياء ص‪ 28‬للرازي‪.‬‬


‫‪ 31‬الشفا ج‪ 2‬ص‪ 109‬للقاض ُّ عياض‪.‬‬
‫‪ 32‬الشفا ج‪ 2‬ص‪ 117‬للقاض ُّ عياض‪ ،‬هكذا نص عبارته بإثبات كلمة "ال" يف املوضعني‪ ،‬وحبذفها تكون العبارة‬
‫أوضح‪.‬‬
‫‪ 33‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.123‬‬
‫‪ 34‬سراج السالك ص‪ 18‬لعثمان بن حسنني‪.‬‬
‫‪ 35‬املرشد املعني ص‪ 8‬لعبد الواحد بن عاشر‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫"وبأ م معص ومون من الص غائر والكبائر قبل النبوة وبعدها على املختار بل هو الص واب وما وقع يف‬
‫قص ص ي ذكره ا املفس رون ِم ا الف ذل ك ال يعتم د علي ه وال يلتف ت إلي ه وإن ج ال ن اقلوه ك البغوي‬
‫‪36‬‬
‫والواحدي"‬
‫‪ -8‬ويف ش رح الفقه اِلكرب ملال عل ُّ القاري عند قول أِب حنيفة رِحه اهلل "واِلنبياء عليهم الص الة‬
‫والس الم كلهم منزهون عن الص غائر والكبائر والكفر والقبائح وقد كانت منهم زالت وخطيئات"‪" .‬مث‬
‫هذه العص مة ثابتة لألنبياء قبل النبوة وبعدها على اِلص ح"‪ 37‬مث قال‪" :‬مث الزلة ال َّتلو عن القران ببيان‬
‫أ ا زلة إما من الفاعل نفس ه كقول موس ى حني قتل القبط ُّ بوكزته ﴿ هذا من عمل الش يطان﴾‬
‫[القص ص‪ ،‬اآلية‪ ،]15 :‬وإما من اهلل س بحانه كما قال اهلل تعاىل يف حق آدم عليه الس الم ﴿وعص ى آدم‬
‫ربه فغوى﴾ [طه‪ ،‬اآلية‪ ]121 :‬مع أنه قيل زلته كانت قبل نبوته لقوله تعاىل ﴿مث اجتباه ربه فتاب عليه‬
‫وهدى﴾"‪[ 38‬طه‪ ،‬اآلية‪]122 :‬‬
‫‪ -9‬وقال اإلمام ُممد بن يوس ف الس نوس ُّ يف عقيدته‪" :‬وأما الرس ل عليهم الص الة والس الم فيجب يف‬
‫حقهم الص دق واِلمانة وتبليغ ما أُمروا بتبليغه للخلق ويس تحيل يف حقهم أض داد هذه الص فات وه ُّ‬
‫‪39‬‬
‫الكذب واْليانة بفعل ش ُّء ِما وا عنه ُّ َترمي أو كراهة أو كتمان ش ُّء ما أمروا بتبليغه للخلق"‬
‫‪ -10‬ويف مَت الباجوري يقول "وجيب يف حقهم عليهم الص الة والس الم اِلمانة‪ ،‬وض دها اْليانة والدليل‬
‫على ذل ك أ م لو خ انوا بفع ل ُمرم أو مكروه لكن ا م أمورين ِبث ل ذل ك وال يص ح أن نؤمر ِبحرم أو‬
‫مكروه"‪.40‬‬
‫‪-11‬ويف اْلوهرة لإلمام إبراهيم اللقاِن‪:‬‬
‫"وواجب يف حقهم اِلمانة * وصدقهم ِ‬
‫وضف له الفطانة‬
‫‪41‬‬
‫ضدها كما َرَووا"‬
‫ومثل ذا تبليغُهم ملا أتَوا * ويستحيل ُ‬

‫‪ 36‬شرح العقيدة الطحاوية ص‪ 105‬لعبد الغين الغنيم ُّ‪.‬‬


‫‪ 37‬شرح الفقه اِلكرب ص‪ 51‬ملال عل ُّ القاري‪.‬‬
‫‪ 38‬شرح الفقه اِلكرب ص‪ 52‬ملال عل ُّ القاري‪.‬‬
‫‪ 39‬العقيدة السنوسية ص‪ 8‬حملمد بن يوسف السنوس ُّ‪.‬‬
‫‪ 40‬مَت الباجوري ص‪ 30‬إلبراهيم الباجوري‪( .‬السنوسية ومَت الباجوري واْلوهرة ضمن اجملموع الكبْ من املتون)‬
‫‪ 41‬مَت اْلوهرة ص‪ 17‬إلبراهيم اللقاِن‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ -12‬ويف كتاب خبة الآليف لشرح بدء اِلمايف حملمد بن سليمان عند قول صاحب املَت‪:‬‬
‫عن العصيان عمداً وانعز ِال‬ ‫"وإن اِلنبيا لف ُّ ٍ‬
‫أمان *‬
‫يقول الش ارح‪ :‬العص يان إتيان الذنب عمداً والزلة إتيان الذنب س هواً والعاص ُّ من أتى الكبائر عمداً‬
‫طائعاً واملس ُّء من أتى الص غائر كذلك ما مل يص ار عليها‪ ،‬واِلنبياء عليهم الس الم معص ومون عن الكبائر‬
‫باالتفاق وعن الص غائر عمداً قبل النبوة وبعدها على الص حيح وكذا عن االنعزال أي االخالع عن النبوة‬
‫ِلنه يكون نقصا يف حقهم وهم مربؤون عنه"‪.42‬‬

‫‪ 42‬خبة الآليف ص‪ 62‬حملمد بن سليمان‪.‬‬


‫‪29‬‬
‫الباب ال الث‬
‫التفسير‬

‫ويشتمل على مقدمة وأربعة فصول وخالصة‬


‫مقدمة يف شروط التفسْ‪.‬‬
‫الفصل اِلول يف شروط املفسر‪.‬‬
‫الفصل الثاِن يف االختالف يف التفسْ‪.‬‬
‫الفصل الثالث يف التفسْ باملأثور‪.‬‬
‫الفصل الرابع يف التفسْ ِبقتضى اللغة‪.‬‬
‫خالصة ما مضى‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫مقدمة في شروط التفسير‬
‫"كتاب اهلل حبره عميق وفهمه دقيق ال يص ل إىل فهمه إاال من تبحر يف العلوم وعامل اهلل بتقواه يف الس ر‬
‫والعالنية"‪[ ...43‬و] "لطالب التفسْ م خذ كثْة أمهاَتا أربعة‪:‬‬
‫اِلول‪ :‬النقل عن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم وهذا هو الطراز اِلول لكن جيب اْلذر من الض عيف‬
‫فيه واملوضوع فإنه كثْ"‪.44‬‬
‫"الثاِن‪ :‬اِلخذ بقول الصحاِب فإن تفسْه عندهم ِبنزلة املرفوع اىل النِب كما قاله اْلاكم يف تفسْه"‪.45‬‬
‫"الثالث‪ :‬اِلخذ ِبطلق اللغة فإن القرآن نزل بلسان عرِب مبني"‪.46‬‬
‫"الرابع‪ :‬التفس ْ باملقتض ى من معَن الكالم واملقتض ب من قوة الش رع وهذا هو الذي دعا به البن عباس‬
‫يف قوله‪" 47‬اللهم فقهه يف الدين وعلمه التأويل"‪.48‬‬
‫وعلى هذا قال بعُ أهل الذوق‪" :‬للقرآن نزول وتنزل فالنزول قد مضى والتن زل باق إىل قيام الساعة"…‬
‫ف ما ليس لك به‬
‫وال جيوز تفس ْ القرآن ِبجرد الرأي واالجتهاد من غْ أص ل لقوله تعاىل‪﴿ :‬وال تَ ْق ُ‬
‫علم﴾ ‪ …49‬وعليه ِحلوا قوله ص لى اهلل عليه وس لم‪" :‬من قال يف القرآن بغْ علم فليتبوأ مقعده من‬
‫النار‪.51"50‬‬

‫‪ 43‬الربهان ج‪ 2‬ص‪ 170‬للزركش ُّ بدر الدين‪.‬‬


‫‪ 44‬الربهان ج‪ 2‬ص‪ 173‬للزركش ُّ‪.‬‬
‫‪ 45‬الربهان ج‪ 2‬ص‪ 174‬للزركش ُّ‪.‬‬
‫‪ 46‬الربهان ج‪ 2‬ص‪ 177‬للزركش ُّ‪.‬‬
‫‪ 47‬صحيح مسلم ج‪ 16‬ص‪.37‬‬
‫‪ 48‬الربهان ج‪ 2‬ص ‪177‬للزركش ُّ‪.‬‬
‫‪ 49‬الربهان ج‪ 2‬ص‪ 178‬للزركش ُّ‪.‬‬
‫‪ 50‬رواه البيهق ُّ من طرق من حديث ابن عباس‬
‫‪ 51‬الربهان ج‪ 2‬ص‪ 178‬للزركش ُّ‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫المفسر‬
‫ِّ‬ ‫فصل في شروط‬
‫"اعلم أن من شرطه صحة االعتقاد أوالً‪ ،‬ولزوم ُسناة الدين‪ ،‬فإن كان مغموصا عليه يف دينه ال يؤَتن على‬
‫الدنيا فكيف على الدين‪ ...‬وجيب أن يكون اعتماده على النقل عن النِب وعن أص حابه ومن عاص رهم‪،‬‬
‫ويتجنب احملدثات"‪.52‬‬

‫فصل في االختالف في التفسير‬


‫وهو "على نوعني منه ما مس تنده النقل فقط ومنه ما يعلم بغْ ذلك واملنقول إما عن املعص وم أو غْه‪،‬‬
‫ومنه ما ُيكن معرفة الص حيح منه من غْه‪ ،‬ومنه ما ال ُيكن ذلك‪ ،‬وهذا القس م الذي ال ُيكن معرفة‬
‫ص حيحه من ض عيفه‪ ،‬عامته ِما ال فائدة فيه‪ ،‬وال حاجة بنا اىل معرفته‪ ،‬وذلك كاختالفهم يف لون كلب‬
‫أصحاب الكهف واَه‪ ،‬ويف البعُ الذي ضرب به القتيل من البقرة‪ ،‬ويف قدر سفينة نوح وخشبها‪ ،‬ويف‬
‫اس م الغالم الذي قتله اْلض ر‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬فهذه اِلمور طريق العلم ِبا النقل‪ ،‬فما كان منه منقوالً نقال‬
‫ص حيحاً عن النِب قُبِ َل‪ ،‬وما ال ‪-‬بأن نقل عن أهل الكتاب ككعب ووهب‪ -‬وقف عن تص ديقه وتكذيبه‬
‫لقوله عليه الصالة والسالم "إذا حدثكم أهل الكتاب فال تصدقوهم وال تكذبوهم"‪.53‬‬

‫فصل في التفسير بالمأثور‬


‫بعد أن بينا أن م خذ التفس ْ أمهاَتا أربعة نتكلم يف هذا الفص ل عن ش روط املأخذ اِلول والثاِن أي‬
‫التفسْ باملأثور عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وعن الصحابة‪.‬‬
‫‪ ‬املأخذ اِلول‪ :‬النقل عن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ .‬وش رطه ثبوت ذلك عنه على الطريق‬
‫املعروف عند احملدثني‪ ،‬بأن يكون متص ل اإلس ناد بنقل العدل الض ابط عن مثله من غْ ش ذوذ‬
‫وال علة قادحة‪ ،‬كما قال العراق ُّ يف ألفيته يف املصطلح‪:‬‬

‫وحسن‬
‫ْ‬ ‫إىل صحيح وضعيف‬ ‫السنَ ْن *‬
‫قسموا ُ‬
‫" وأهل هذا الشأن ا‬
‫املتصل اإلسناد * بنقل عدل ضابط الفؤاد‬
‫ُ‬ ‫فاِلول‬

‫‪ 52‬اإلتقان للسيوط ُّ ج‪ 2‬ص‪" 176‬نقال عن الطربي"‪.‬‬


‫‪ 53‬اإلتقان للسيوط ُّ ج‪ 2‬ص‪.177‬‬
‫‪32‬‬
‫‪54‬‬ ‫ِ‬
‫قادحة ف تُوذي"‬ ‫عن مثله من غْ ما ِ‬
‫شذوذ * وعلا ٍة‬
‫وكذلك قال البيقوِن‪:‬‬
‫إسنادهُ ومل يَ ُش َّذ أو يُ َعل‬
‫أوْلا الصحيح وهو ما اتصل * ُ‬
‫‪55‬‬
‫يرويه عدل ضابط عن مثله *معتمد يف ضبطه ونقله"‬

‫عرفه‬
‫وأما اْلس ن فهو ملحق بالص حيح يف اْلجية عند أكثر العلماء وإن كان نازال عنه يف الرتبة‪ .‬وقد ا‬
‫ف خمرجه‪ ،‬واش تهر رجاله‪ ،‬وعليه مدار أكثر اْلديث‪،‬‬ ‫اإلمام أبو س ليمان اْلطاِب بقوله‪" :‬اْلس ن ما عُ ِر َ‬
‫وهو الذي يقبله أكثر العلماء‪ ،‬ويستعمله عامة الفقهاء"‪.56‬‬
‫تنبيه‪ :‬إن كان اْلديث يتعلق بأص ول العقيدة كإثبات ص فة هلل ال يكتف ُّ فيه ِبجرد كونه ص حيحا‪ ،‬بل‬
‫هناك شروط أخرى على خالف فيها‪ ،‬وذلك مقرر عند علماء العقيدة‪.‬‬
‫‪ ‬املأخذ الثاِن‪ :‬اِلخذ بقول الص حاِب‪ ،‬ويش ِّط فيه ثبوت ذلك عنه‪ ،‬كما بينا يف املأخذ اِلول‪،‬‬
‫مث إن مل يكن فيه َمال للرأي واالجتهاد‪ُ ،‬يكم له بالرفع اىل النِب ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬وإال‬
‫فهو موقوف علي ه‪ ،‬وال ُيكم ل ه ب الرفع مطلق اً كم ا ق د يُتَوهم ذل ك من كالم اْل اكم‪ ،‬فق د نق ل‬
‫العراق ُّ عنه‪ ،‬أنه قال يف املس تدرك‪" :‬ليعلم طالب العلم أن تفس ْ الص حاِب الذي ش هد الوح ُّ‬
‫والتنزيل عند الشيخني حديث مسند" قال ابن الصالح "إَّنا ذلك يف تفسْ يتعلق بسبب نزول‬
‫آية رب به الص حاِب‪ ،‬أو حنو ذلك‪ ...‬فأما تفاس ْ الص حابة الِت ال تش تمل على إض افة ش ُّء‬
‫إىل النِب فمعدودات يف املوقوفات"‪.57‬‬

‫مس ألة مهمة‪ :‬يض اف ش رط آخر للحكم بالرفع على قول الص حاِب‪ ،‬وهو أن ال يكون ِمن عُرف عنه‬
‫اِلخذ عن أهل الكتاب فيما ُيتمل ذلك‪.‬‬

‫‪ 54‬فتح املغيث ص‪14-13‬للعراق ُّ عبد الرحيم‪.‬‬


‫‪ 55‬شرح الزرقاِن على البيقونية ص‪.99‬‬
‫‪ 56‬فتح املغيث ص‪ 50‬ومقدمة ابن الصالح ص‪.15‬‬
‫‪ 57‬فتح املغيث ص‪ 76‬للعراق ُّ‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫فصل في التفسير بمقتضى اللغة‬
‫وهو املأخذ الثالث من أص ول مص ادر التفس ْ‪ ،‬وهو يش مل النحو والص رف واملفردات اللغوية وعلوم‬
‫البالغة وغْ ذلك‪ ،‬ونقتص ر هنا على الكالم على مراعاة الس ياق ِلن باق ُّ علوم اللغة أمرها ظاهر وقد‬
‫وقع كثْ من املفس رين يف أغالط عديدة‪ ،‬بس بب إمهاْلم ملراعاة الس ياق كما س نبني يف قص ة داود عليه‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬وغْها‪.‬‬
‫وِمن تنبه ملراعاة الس ياق اإلمام الرازي يف كتابه عص مة اِلنبياء‪ ،‬فإنه ذكر أنه ال يص ح ما ذكره بعُ‬
‫املفس رين يف ش أن قص ة داود وزوجة أوريا‪ِ" ،‬لن قبل قوله تعاىل ﴿وظن داود﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪ ]24 :‬من‬
‫أجل‬
‫املمادح وما بعده وهو قوله تعاىل ﴿ يا داود إنا جعلناك خليفة يف اِلرض﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪ ]26 :‬من ا‬
‫املمادح‪ ،‬فلو توسطها ما يدل على أفحش املقابح‪ْ ،‬لرى ذلك َمرى قول من يقول‪" :‬فالن عظيم الدرجة‬
‫عل ُّ الرتبة يف طاعة اهلل يقتل ويزِن ويلوط وقد جعله اهلل تعاىل خليفة لنفس ه وص وبه يف أحكامه‬
‫يف الدين ا‬
‫‪58‬‬
‫وأمر أكابر اِلنبياء باالقتداء به"‪ ،‬فكما أن هذا الكالم ال يليق بعاقل‪ ،‬فكذا ههنا"‬

‫خالصة ما مضى‬
‫يتلخص ِما مر أن لتفسْ القرآن شروطاً منها‪:‬‬
‫أن ال الف ما ثبت عن رسول اهلل أو عن الصحابة ِما له حكم الرفع‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أن يوافق اللغة العربية‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫أن يناسب السياق‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أن ال يكون فيه مصادمة نص صريح ثابت وال برهان عقل ُّ قاطع‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫أن ال يكون ِبجرد الرأي من غْ أصل‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫أن ال يكون منقوالً عن أهل الكتاب فقط‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫‪ 58‬عصمة اِلنبياء ص‪ 99‬للرازي بتصرف‪.‬‬


‫‪34‬‬
‫الباب الرابع‬
‫قصص القرآن‬

‫‪35‬‬
‫قصص القرآن‬
‫" القصة يف اللغة تتبع اِلثر يقال قصصت الش ُّء إذا تتبعت أثره شيئا بعد ش ُّء‪ ،‬وترد ِبعَن البيان واْلرب‪،‬‬
‫‪59‬‬
‫ولذا يقال‪ :‬القصص‪ :‬اِلخبار املتتابعة"‬
‫"أما القص ة يف املفهوم القرآِن‪ ،‬فلها من اْلص ائص و ِ‬
‫الس مات العامة ما تتميز به عن القص ص الِت ه ُّ‬
‫من وضع البشر"‪ 60‬قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬حنن نقص عليك أحسن القصص﴾ [يوسف‪ ،‬اآلية‪.]3 :‬‬
‫ومن أهداف القصص القرآِن‪:‬‬
‫الدعوة إىل اهلل تعاىل لإلُيان به واتباع رسوله‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫"الداللة على صدق رسوله وأن ما جاء به كالم اهلل وال سيما الغيبية منها"‪.61‬‬ ‫‪-2‬‬
‫" التثبيت وما أحوج الدعاة إليه‪ ،‬قال اهلل تعاىل ﴿وكالً نقص عليك من أنباء الرس ل ما نثبت به‬ ‫‪-3‬‬
‫فؤادك﴾ [هود‪ ،‬اآلي ة‪ ]120 :‬أي نقوي ونثب ت الفؤاد‪ ،‬هو ِب ا جرى لألنبي اء عليهم الس الم‬
‫وِلتباعهم املؤمنني وما لقوا من مكذبيهم من اِلذى‪ ،‬فف ُّ هذا كله أس وة ِبم‪ ،‬إذ املش اركة يف‬
‫َتون ما يلقى اإلنسان من اِلذى"‪.62‬‬
‫اِلمور الصعبة ا‬
‫"العربة وه ُّ تستلزم‪:‬‬ ‫‪-4‬‬
‫اْلذر من الوقوع فيما وقع فيه املكذبون‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫استنباط اْلِكم واِلساليب الواردة يف القصة‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫‪63‬‬
‫إقامة اجملتمع املسلم"‬ ‫ت‪-‬‬

‫ونقتص ر يف هذا البحث على الكالم على قص ص اِلنبياء ودفع التهم الِت ألص قت ِبم فقد‬
‫"قص اهلل تعاىل يف كتابه الكرمي املنزل على خاَتهم وإمامهم ُممد ص لى اهلل عليه وس لم من نبأ‬
‫الذب عن دين‬
‫أولئك اِلنبياء ما أبان عن جليل قدرهم وس ام ُّ مكانتهم وش ريف مواقفهم يف ا‬
‫اهلل اْلق‪ ،‬والص رب على ما لقوا من قومهم من أذى ال يص رب عليه وال يطيقه إال أولئك املرس لون‬

‫‪ 59‬الدعوة إىل اهلل ص‪ 145‬د‪ .‬عبد الرب آل انواب‪.‬‬


‫‪ 60‬الدعوة إىل اهلل ص‪ 145‬د‪ .‬عبد الرب آل نواب‪.‬‬
‫‪ 61‬الدعوة اىل اهلل ص ‪158‬د‪ .‬عبد الرب آل نواب بتصرف‪.‬‬
‫‪ 62‬الدعوة اىل اهلل ص‪ 158‬د‪ .‬عبد الرب آل نواب بتصرف‪.‬‬
‫‪ 63‬الدعوة اىل اهلل ص‪ 159‬د‪ .‬عبد الرب آل نواب بتصرف‪.‬‬
‫‪36‬‬
‫‪64‬‬
‫الصادقون"‬

‫‪ 64‬عصمة اِلنبياء ص‪15-14‬للرازي (من مقدمة احملقق)‪.‬‬


‫‪37‬‬
‫الباب اليامس‬
‫اإلسرائيليات‬

‫‪38‬‬
‫اإلسرائيليات‬
‫َتهيد‪ :‬نقلت كتب التفس ْ عن بين إس رائيل الكثْ من الروايات‪ ،‬ال س يما فيما يتعلق باِلنبياء واِلمم‬
‫السابقة‪.‬‬
‫وقد تس اهل بعُ املفس رين بأن أودعوا تلك الروايات يف كتبهم من غْ تبيني ْلقيقتها‪ ،‬بل جعلها‬
‫البعُ مفسرة لكثْ من آيات القرآن الكرمي وموضحة ملراد اهلل ِبا‪ ،‬وهذا خطأ جسيم‪.‬‬
‫وال يغِّ جباللة ناقل ُّ تلك الروايات كالبغوي‪ ،‬وال جباللة املنقول عنهم‪ ،‬وإن كان من الص حابة أو التابعني‬
‫كوهب بن منبه وكعب وغْمها‪ ،‬فإن اْلق أحق أن يتبع‪ ،‬ونس بة تلك الفظائع إىل اِلنبياء أعظم من أن‬
‫تَُراد تلك الروايات‪ ،‬فكان اِلجدر باملفس رين تقدمي تن زيه اِلنبياء على قبول تلك الروايات مراعاة لقدر‬
‫ناقليها‪.‬‬

‫أقسام تلك الروايات‬


‫وه ُّ ثالثة أقسام‪:‬‬
‫اِلول‪ :‬ما يعلم صحته من القرآن أو اْلديث ملوافقته ْلما فنصدقه‪ ،‬ونستغين ِبما عنه‪.‬‬
‫الثاِن‪ :‬ما يعلم بطالنه ملخالفته نص اً قرآنيا أو حديثياً ثابتاً أو قواعد الش رع أو الرباهني العقلية القاطعة‪،‬‬
‫فْد قطعاً‪ ،‬وُيرم روايته من غْ تبيني ْلاله‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ما ال نعلم ص حته وال بطالنه‪ ،‬فهذا نتوقف فيه‪ ،‬وال يص ح اعتباره ِبنزلة اْلديث الثابت عن‬
‫رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ .‬وقد أخطأ من أنزل هذا القس م منزلة اْلديث املفس ر لكتاب اهلل تعاىل‪،‬‬
‫وقد َوِهم من جعل هذا القسم مشاِبا للعمل باْلديث الضعيف يف الفضائل‪ ،‬فإن بني اِلمرين فرقاًكبْاً‪،‬‬
‫يعلمه من له أدىن ِمارسة لعلم اْلديث‪.‬‬

‫وخالص ة اِلمر أنه مل يكن ينبغ ُّ للمفس رين أن يرووا تلك اإلس رائيليات إال إن رووها مع بيان حاْلا‬
‫ليحذر منها‪ ،‬فإن النِب عليه الص الة والس الم أغنانا عنها ِبا بيانه للناس‪ ،‬قال تعاىل ﴿لتبني للناس ما انزل‬
‫إليهم من رِبم﴾ [النحل‪ ،‬اآلية‪]44 :‬‬

‫‪39‬‬
‫القسم ال اني‬
‫إبطال التهم الملصقة باألنبياء المروية في‬
‫بعض التفاسير‬

‫ويشتمل على‪:‬‬
‫دفع الشبه املتعلقة بقصة آدم عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وإبراهيم عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ولوط عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ويوسف عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫وأيوب عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫ويونس عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫وداود عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫وسليمان عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫ونبينا ُممد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪-9‬‬

‫‪40‬‬
‫دفع الشبه المتعلقة بآدم عليه السالم وهي قسمان‬
‫‪ -1‬قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬وقلنا يا آدم اس كن أنت وزوجك اْلنة وكال منها رغداً حيث ش ئتما وال تقربا هذه‬
‫الش جرة فتكونا من الظاملني فأزْلما الش يطان عنها فأخرجهما ِما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعض كم لبعُ‬
‫ع دو ولكم يف اِلرض مس تقر ومت اع إىل حني فتلقى آدم من رب ه كلم ات فت اب علي ه إن ه هو التواب‬
‫الرحيم﴾ [البقرة‪ ،‬اآلية‪.]37-35 :‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬ولقد عهدنا إىل آدم من قبل فنس ُّ ومل ثد له عزما‪ .‬وإذ قلنا للمالئكة اس جدوا آلدم‬
‫فس جدوا إال إبليس أ ‪ .‬فقلنا يا آدم أن هذا عدو لك ولزوجك فال رجنكما من اْلنة فتش قى‪ .‬إن لك‬
‫إن ال ِتوع فيها وال تعرى‪ .‬وأنك ال تظمأ فيها وال تض حى‪ .‬فوس وس إليه الش يطان قال يا آدم هل أدلك‬
‫على ش جرة اْللد وملك ال يبلى‪ .‬فأكال منها فبدت ْلما س وآَتما وطفقا ْص فان عليهما من ورق اْلنة‬
‫وعصى آدم ربه فغوى‪ .‬مث اجتباه ربه فتاب عليه وهدى﴾‪[ .‬طه‪ ،‬اآلية‪.]122-115 :‬‬

‫‪ -2‬وقال تعاىل أيض ا‪﴿ :‬هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليس كن إليها فلما‬
‫تغش اها ِحلت ِحال خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا اهلل رِبما لئن آتيتنا ص اْلاً لنكونن من الش اكرين‪.‬‬
‫فلما آتامها ص اْلا جعال له ش ركاء فيما آتامها فتعاىل اهلل عما يش ركون﴾ [اِلعراف‪ ،‬اآلية‪-189 :‬‬
‫‪.]190‬‬

‫‪41‬‬
‫القسم األول فيما يتعلق باألكل من الشلرة‬
‫اختلفت أقاويل أهل التفس ْ يف تعيني الش جرة الِت حرمها اهلل على آدم‪ ،‬وكان اِلوىل ِبم ترك اْلوض يف‬
‫ذلك‪ ،‬إذ مل يرد يف القرآن وال يف اْلديث الصحيح تعيينها‪ ،‬وال يتوقف على ذلك مصلحة دينية‪.‬‬
‫وأما حكم أكل آدم من الش جرة فقد ذكره اهلل تعاىل بقوله‪﴿ :‬وعص ى آدم ربه﴾ [طه‪ ،‬اآلية‪]121 :‬‬
‫فسماه معصية ولكن ال يليق جعلها كبْة ِلن اِلنبياء ال يقعون يف الكبائر كما بينا‪.‬‬

‫وقد ذكر بعُ املفس رين يف حق آدم ما ال يليق كما روى البغوي "عن س عيد ابن املس ياب أنه كان ُيلف‬
‫باهلل ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل‪ ،‬ولكن حواء سقته اْلمر حَت سكر قادته إليها فأكل"‪.65‬‬
‫ويف زاد املس ْ البن اْلوزي روى "عن ابن عباس أنه قال وأمر اهلل تعاىل جربيل بإخراج آدم فقبُ على‬
‫ناص يته وخلص ه من الش جرة الِت قبض ت عليه فقال‪ :‬أيها امللك ارفق ِب‪ ،‬قال جربيل‪ :‬إِن ال أرفق ِبن‬
‫عصى اهلل‪ ،‬فارتعد آدم واضطرب وذهب كالمه‪ ،‬وجربيل يعاتبه يف معصيته‪ ،‬ويع اد ُد نعم اهلل عليه"‪.66‬‬

‫ويف هذا الكالم من البطالن ما ال فى‪ ،‬فإنه ‪-‬فض ال عن كونه مل يرد يف القرآن ومل يثبت يف حديث‬
‫ت ش عري هل يعتذر عن‬
‫ص حيح‪ ،-‬خمالف ملا عليه اِلئمة من أن اِلنبياء ال يش ربون اْلمر املس كر‪ ،‬ولَْي َ‬
‫أكل آدم من الشجرة بأن يقال‪ :‬كان سكران حينئذ؟‬
‫ومن املعلوم أن مخَْر اْلنة غْ مسكر‪.‬‬
‫وأم ا م ا قي ل من خط اب جربي ل ل ه ب ذل ك الكالم فهو ظ اهر البطالن إذ ان ه ال يليق ب أمني الوح ُّ أن‬
‫يوجه عادة إال إىل أش د الناس َماهرة هلل‬
‫اطب النِب املكلم آدم عليه الس الم بذلك الكالم‪ ،‬الذي ال َّ‬
‫باملعصية‪.‬‬

‫وق د اختلف العلم اء يف كون ذل ك من آدم قب ل النبوة أو بع ده ا‪ ،‬وِمن اخت ار القول بكو ا قب ل النبوة‬
‫اإلمام الرازي يف كتابه عص مة اِلنبياء‪ .67‬وض اعف ذلك الش يخ احملدث عبد اهلل الغماري حيث قال‪:‬‬

‫‪ 65‬تفسْ البغوي ج‪ 1‬ص‪ 64‬للبغوي‪.‬‬


‫‪ 66‬زاد املسْ ج‪ 1‬ص‪ 68‬البن اْلوزي‪.‬‬
‫‪ 67‬عصمة اِلنبياء ص‪ 37‬للرازي‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫"وقيل أكل قبل النبوة وهذا ض عيف‪ِ ،‬لن اهلل نبأه حني علمه اِلَاء‪ ،‬وقيل‪ :‬أكل ناس ياً بدليل قوله‬
‫تعاىل‪﴿ :‬ولقد عهدنا اىل آدم من قبل فنس ُّ ومل ثد له عزما﴾ [طه‪ ،‬اآلية‪.68"]115 :‬‬
‫مث نقل عن القاض ُّ أِب بكر بن العرِب املعافري أن البارئ س بحانه حبُكمه النافذ وقض ائه الس ابق أس لم‬
‫آدم إىل املخالفة فوقع فيها متعمداً ناس ياً فقيل يف تعمده ﴿وعص ى آدم ربه﴾ [طه‪ ،‬اآلية‪ .]121 :‬وقيل‬
‫يف بيان عذره ﴿ولقد عهدنا إىل آدم من قبل فنس ُّ﴾ [طه‪ ،‬اآلية‪ ]115 :‬ونظْه أن ُيلف الرجل ال‬
‫يدخل داراً أبداً فيدخلها متعمداً ناس ياً ليمينه أو خمطئاً يف تأويله فهو عامد ٍ‬
‫ناس"‪" .69‬وقيل بل أكلها‬
‫متأوالً وهو ال يعلم أ ا الش جرة الِت ُ ُّ عنها ِلنه تأول ُّ اهلل عن ش جرة خمص وص ة ال على اْلنس‬
‫وْلذا قيل إَّنا كانت التوبة من ترك التحفظ"‪.70‬‬

‫والص واب أنه أخطأ بأكله من تلك الش جرة وكان ذلك منه معص ية ص غْة ليس فيها خس ة مث تاب فقبل‬
‫اهلل توبته كما قال تعاىل ﴿فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه﴾ [البقرة‪ ،‬اآلية‪ .]37 :‬وقال تعاىل ﴿مث‬
‫اجتباه ربه فتاب عليه وهدى﴾ [طه‪ ،‬اآلية‪.]122 :‬‬
‫"وأما إخراج آدم عليه الس الم من اْلنة فال يدل على أنه كان على س بيل التنكيل واالس تخفاف‪ ،‬وكيف‬
‫واهلل تعاىل إَّنا خلق آدم ليكون خليفة يف اِلرض"‪.71‬‬
‫ومن هنا يعلم حرمة قول إن اهلل طرد آدم من اْلنة ِلن ذلك مشعر بنوع من االستخفاف‪.‬‬

‫‪ 68‬قصة آدم ص‪ 47‬عبد اهلل الغماري‪.‬‬


‫‪ 69‬قصة آدم ص‪.49-48‬‬
‫‪ 70‬الشفا ج‪ 2‬ص‪ 162‬للقاض ُّ عياض‪.‬‬
‫‪ 71‬عصمة اِلنبياء ص‪ 41‬بتصرف‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫القسم ال اني فيما يتعلق بقوله تعالى‪﴿ :‬فلما آتاها صالحا﴾‬

‫قال بعض هم‪" :‬ذكر أهل التفس ْ أن إبليس جاء حواء فقال ما يدريك ما يف بطنك لعله كلب أو خنزير‬
‫أو ِحار وما يدريك من أين رج‪ ،‬أيش ق بطنك أم رج من ِ‬
‫فيك أو من منخريك‪ .‬فأحز ا ذلك‪ ،‬فدعوا‬
‫اهلل حينئذ‪ ،‬فجاء إبليس فقال كيف ِتدينك قالت ما أس تطيع القيام إذا قعدت قال أفرأيت إن دعوت‬
‫اهلل فجعله إنس اناً مثلك ومثل آدم أتس مينه باَ ُّ قالت نعم فلما ولدته س وياً‪ ،‬جاءها إبليس فقال مل ال‬
‫تس مينه ِب كما وعدتين فقالت وما اَك قال اْلارث وكان اس م إبليس يف املالئكة اْلارث‪ ،‬فس مته عبد‬
‫اْلارث وقيل عبد مشس‪ ،‬برضى آدم فذلك قوله‪﴿ :‬فلما آتاها صاْلاً جعال له شركاء﴾ [اِلعراف‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫‪ ]190‬واملراد بالش ريك إبليس ِل ما أطاعاه يف االس م فكان الش رك يف الطاعة ال يف العبادة ومل يقص دا‬
‫أن اْلارث رِبما لكن قصدا انه سبب ثاة ولدمها وقد يطلق العبد على من ليس ِبملوك‪"...‬‬
‫وقال َماهد‪" :‬كان ال يعيش آلدم ولد فقال الش يطان إذا ولد لكما ولد فس مياه عبد اْلارث فأطاعاه يف‬
‫االسم فذلك قوله ﴿جعال له شركاء فيما آتامها﴾" [اِلعراف‪ ،‬اآلية‪.72"]190 :‬‬
‫"وقيل كانت حواء تلد آلدم فيس ميه عبد اهلل وعبيد اهلل وعبد الرِحن فيص يبهم املوت فأتامها إبليس وقال‬
‫إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد اْلارث فولدت فسماه عبد اْلارث فعا‪ ،،‬وجاء يف اْلديث‬
‫َخ َد َعهما إبليس مرتني مرة يف اْلنة ومرة يف اِلرض‪ ،‬وقال ابن زيد ُولد آلدم ولد فس ماه عبد اهلل فأتامها‬
‫ابليس فقال ما َيتما ابنكما قال عبد اهلل وكان قد ولد ْلما قبل ذلك ولد فس مياه عبد اهلل فمات فقال‬
‫ابليس أتظنان أن اهلل تارك عبده عندكما؟ واهلل ليذهنب به كما ذهب باآلخرين‪ ،‬ولكن أدلكما على اس م‬
‫يبقى لكما ما بقيتما فسمياه عبد مشس"‪.73‬‬
‫ويف تفس ْ اْلازن روى "عن ابن عباس أنه قال ملا ولد له أول ولد أتاه إبليس فقال إِن س أنص ح لك يف‬
‫ش أن ولدك هذا تس ميه عبد اْلارث وكان اَه يف الس ماء اْلارث فقال آدم أعوذ باهلل من طاعتك إِن‬
‫أطعتك يف أكل الش جرة فأخرجتين من اْلنة فلن أطيعك فمات ولده مث ولد له بعد ذلك ولد آخر فقال‬
‫أطعين وإال مات كما مات اِلول فعص اه فمات ولده فقال ال أزال اقتلهم حَت تس ميه عبد اْلارث فلم‬

‫‪ 72‬زاد املسْ ج‪ 3‬ص‪ 303-302-301‬البن اْلوزي وذكر حنو ذلك اْلازن يف تفسْه ج‪ 2‬ص‪.158‬‬
‫‪ 73‬زاد املسْ ج‪ 2‬ص‪ ،221‬وذُكر يف تفسْ اْلاللني حنو ذلك باختصار ص‪.231‬‬
‫‪44‬‬
‫يزل به حَت َاه عبد اْلارث"‪.74‬‬

‫بيان فساد تلك الروايات‬


‫وقد اشتملت هذه اِلقاويل على أوجه من الفساد ننبه عليها‬
‫ال جيوز على نِب من أنبياء اهلل أن يس م ُّ ابنه ِبا فيه إش راك فإن هذه التس مية لو ص درت من‬ ‫‪-1‬‬
‫أقل الناس إُياناً لكانت جرماً عظيماً من أشنع اِلفعال فكيف يليق بنِب اهلل آدم؟‬
‫ال فى على حواء أن ال ذي يف بطنه ا ال يص ح أن يكون كلب ا أو خنزيرا‪ ،‬فكيف يُتَوهم أن‬ ‫‪-2‬‬
‫تصدقه؟ مث لو كانت صدقته لنبهها زوجها نِب اهلل آدم الذي علمه اهلل اِلَاء كلها‪.‬‬
‫ال يليق بنِب اهلل آدم عليه الص الة والس الم أن يكون أطاع إبليس فس امى ابنه كذلك ِلن إبليس‬ ‫‪-3‬‬
‫ق ال أتظن ان أن اهلل ت ارك عب ده عن دكم ا؟ ف إن أكثر الن اس جهالً ي درك بطالن ه ذا القول‪ ،‬فال‬
‫جيوز أن يص دقه آدم وقد قال اهلل فيه ﴿مث اجتباه ربه فتاب عليه وهدى﴾ [طه‪ ،‬اآلية‪،]116 :‬‬
‫فمن اجتباه اهلل وتاب عليه وهداه ال يقع يف شرك الشيطان‪.‬‬
‫قيل‪ :‬مل يس لط اهلل تعاىل إبليس على نِب ال يف جس ده وال يف عقله وال ولده فكيف يقال كان‬ ‫‪-4‬‬
‫يقتل أبناء آدم عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫ما ذكروه من اْلوار بني آدم وإبليس وقوْلم إنه قال أطعتك يف اِلكل من الشجرة فأخرجتين من‬ ‫‪-5‬‬
‫اْلنة مث أطاعه على زعمهم طاعة ال يَليق صدورها من أدىن مؤمن فكيف بنِب مكلم؟‬
‫لو كان ما قالوه ص حيحاً لذكر اهلل توبته فإنه ملا ذكر أنه أكل من الش جرة ذكر توبته واجتبائه‬ ‫‪-6‬‬
‫وهدايته يف عدة مواض ع من القرآن الكرمي‪ ،‬وهذا يدل على فس اد ما ذكروه حيث مل جي ُّء يف‬
‫القرآن الكرمي ذكر توبت ه من ه ذا الفع ل‪ ،‬ب ل ج اء عق ب ذل ك قول ه تع اىل ﴿فتع اىل اهلل عم ا‬
‫يشركون﴾ [اِلعراف‪ ،‬اآلية‪.]190 :‬‬
‫ما ذكروه ال يناس ب الس ياق فإن الكالم قبل هاتني اآليتني يف جدال املش ركني وس ؤاْلم عن‬ ‫‪-7‬‬
‫الس اعة وبعدها كذلك‪ ،‬فال يص ح يف مقام االحتجاج على املش ركني وإقامة اْلجة عليهم ذكر‬
‫أن نِب اهلل آدم وقع يف الش رك بل لو كان كذلك لكان كاالعتذار عنهم بأن أباهم آدم أش رك‬
‫فال جرم أشركوا‪.‬‬

‫‪ 74‬تفسْ اْلازن ج‪ 2‬ص‪.158‬‬


‫‪45‬‬
‫وبذلك تبني فساد تلك الروايات الِت فيها حط من قدر اِلنبياء وطعن يف عصمتهم‪ ،‬أضف اىل ذلك أنه‬
‫مل يثبت حديث عن النِب صلى اهلل عليه وسلم يؤيد ما قالوه‪.‬‬

‫ذكر بعُ املفسرين يف هاتني اآليتني أقواال أخرى‬


‫فقيل "الضمْ راجع اىل الولد الصاحل وهو السليم اْللق فاملعَن جعل له ذلك الولد شركاء‪ ،‬واَّنا‬ ‫‪-1‬‬
‫‪75‬‬
‫قيل جعال ِلن حواء كانت تلد يف كل بطن ذكراً وأنثى" وهذا ض عيف ِلنه مل يثبت أن أحداً‬
‫من أوالد آدم لصلبه وقع يف الشرك‪ ،‬مث إن السياق ال يساعده‪.‬‬
‫"قال ابن اِلنباري‪ :‬الذين جعلوا له ش ركاء اليهود والنص ارى وغْهم من الكفار الذين هم أوالد‬ ‫‪-2‬‬
‫آدم وحواء فتأويل اآلية فلما آتامها ص اْلاً جعل أوالدمها له ش ركاء فحذف اِلوالد وأقامهما‬
‫مقامهم كما قال ﴿واسأل القرية﴾ [يوسف‪ ،‬اآلية‪.76"]82 :‬‬
‫قال النس ف ُّ‪" :‬أو يكون اْلطاب لقريش الذين كانوا يف عهد رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‬ ‫‪-3‬‬
‫وهم آل قص ُّ أي هو خلقكم من نفس واحدة "قص ُّ" وجعل من جنس ها زوجها "عربية‬
‫قرش ية" ليس كن إليها فلما آتامها ما طلبا من الولد الص احل الس وي جعال له ش ركاء فيما آتامها‬
‫حيث َيا أوالدمها اِلربعة بعبد مناف وعبد العزى وعبد قص ُّ وعبد الدار‪ ،‬فالض مْ يف‬
‫أيشركون ْلما وِلعقاِبما الذين اقتدوا ِبما يف الشرك"‪ 77‬وقد ذكر البيضاوي مثل ذلك‪ 78‬وليس‬
‫يف هذه التفاس ْ نس بة ما فيه غُ من مرتبة النبوة‪ ،‬والتفس ْ اِلخْ أقرِبا ملوافقة الس ياق الذي‬
‫هو مقام مناظرة املشركني من قريش‪.‬‬
‫وقد رد الش يخ زاده يف حاش يته على تفس ْ البيض اوي القول بأن آدم وحواء َيا ابنهما عبد اْلارث ولو‬
‫مل يكن ش ركاً فقال "قوله [أي قول البيض اوي] وأمثال ذلك ال يليق باِلنبياء فإن تس ميته بعبد اْلارث‬
‫ولو مل يكن ش ركاً يف اْلقيقة ِلن أَاء اِلعالم ال تفيد معانيها اللغوية إال أن اتباع آدم ِلمر الش يطان‬

‫‪ 75‬زاد املسْ ج‪ 3‬ص‪.304-303‬‬


‫‪ 76‬زاد املسْ ج‪ 3‬ص‪.304‬‬
‫‪ 77‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 2‬ص‪.159‬‬
‫‪ 78‬تفسْ البيضاوي ح‪ 2‬ص‪( 289‬مع حاشية الشيخ زاده)‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫مع نبوته وعلمه الكثْ املدلول عليه بقوله تعاىل ﴿وعلم آدم اِلَاء كلها﴾ [البقرة‪ ،‬اآلية‪ ]31 :‬وِتاريبه‬
‫الكثْة الِت حص لت له بس بب الزلة الِت وقع فيها ِلجل وس وس ة الش يطان بعيد ِمن جعله اهلل تعاىل‬
‫مس جود املالئكة وفض ل عليهم لعلم ما مل تعلمه املالئكة فإنه مع كثرة علومه كيف ال يتنبه ِلن اس م‬
‫الش يطان هو اْلارث وكيف َى ولد نفس ه بعبد اْلارث؟ أفض اقت اِلَاء عليه حَت أنه مل جيد س وى‬
‫هذا االس م؟ مع أ م ال ُْلون اِلعالم املض افة عن اإلُياء اىل املعاِن اِلص لية ومالحظتها وهذا القدر من‬
‫اْلاجة كاف"‪.79‬‬

‫‪ 79‬حاشية الشيخ زاده ج‪ 2‬ص‪.389‬‬


‫‪47‬‬
‫دفع الشبه المتعلقة بقصة إبراهيم عليه السالم‬
‫وه ُّ ثالثة أقسام‬
‫‪1-‬قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬وكذلك نري إبراهيم ملكوت الس موات واِلرض وليكون من املوقنني‪ .‬فلما جن‬
‫عليه الليل رأى كوكبا قال هذا رِب فلما أفل قال ال أحب اآلفلني‪ .‬فلما رأى القمر بازغاً قال هذا رِب‬
‫فلما أفل قال لئن مل يهدِن رِب ِلكونن من القوم الض الني‪ .‬فلما رأى الش مس بازغة قال هذا رِب هذا‬
‫أكرب فلما أفلت قال يا قوم إِن بريء ِما تش ركون‪ .‬إِن وجهت وجه ُّ للذي فطر الس موات واِلرض‬
‫حنيفا وما أنا من املش ركني وحاجه قومه قال أَتاجوِن يف اهلل وقد هدان وال أخاف ما تش ركون به اال أن‬
‫يش اء رِب ش يئا وس ع رِب كل ش ُّء علما أفال تتذكرون وكيف أخاف ما أش ركتم وال َّتافون انكم اش ركتم‬
‫باهلل ما مل ينزل به عليكم س لطانا فأي الفريقني أحق باِلمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ومل يلبس وا‬
‫إُي ا م بظلم أولئ ك ْلم اِلمن وهم مهت دون‪ .‬وتل ك حجتن ا آتين اه ا ابراهيم على قوم ه نرفع درج ات من‬
‫نشاء إن ربك حكيم عليم﴾‪[ .‬اِلنعام‪ ،‬اآلية‪.]83-75 :‬‬
‫‪2-‬وقال تعاىل‪﴿ :‬ولقد آتينا ابراهيم رش ده من قبل وكنا به عاملني‪ .‬إذ قال ِلبيه وقومه ما هذه التماثيل‬
‫الِت أنتم ْلا عاكفون‪ .‬قالوا وجدنا آباءنا ْلا عابدين‪ .‬قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم يف ض الل مبني قالوا‬
‫أجئتنا باْلق أم أنت من الالعبني‪ .‬قال بل ربكم رب الس موات واِلرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم‬
‫من الش اهدين‪ .‬وتاهلل ِلكيدن أص نامكم بعد أن تولوا مدبرين‪ .‬فجعلهم جذاذاً إال كبْاً ْلم لعلهم إليه‬
‫يرجعون قالوا من فعل هذا ب ْلتنا إنه ملن الظاملني‪ .‬قالوا َعنا فَت يذكرهم يقال له إبراهيم‪ .‬قالوا فائتوا به‬
‫على أعني الناس لعلهم يش هدون‪ .‬قالوا أأنت فعلت هذا ب ْلتنا يا إبراهيم‪ .‬قال بل فعله كبْهم هذا‬
‫فاسألوهم إن كانوا ينطقون﴾ [اِلنبياء‪ ،‬اآلية‪.]63-51 :‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬وإن من ش يعته إلبراهيم إذ جاء ربه بقلب س ليم‪ .‬إذ قال ِلبيه وقومه ماذا تعبدون أئفكاً‬
‫آْل ة دون اهلل تري دون‪ .‬فم ا ظنكم برب الع املني‪ .‬فنظر نظرة يف النجوم‪ .‬فق ال إِن س قيم‪ .‬فتولوا عن ه‬
‫مدبرين﴾‪[ .‬الصافات‪ ،‬اآلية‪.]90-83 :‬‬
‫‪3-‬وق ال تع اىل‪﴿ :‬وإذ ق ال إبراهيم رب أرِن كيف َتي ُّ املوتى ق ال أومل تؤمن ق ال بلى ولكن ليطمئن‬
‫قلِب‪ .‬قال فخذ أربعة من الطْ فص رهن اليك مث اجعل على كل جبل منهن جزءاً مث ادعهن يأتينك س عيا‬
‫واعلم أن اهلل عزيز حكيم﴾ [البقرة‪ ،‬اآلية‪.]260 :‬‬
‫القسم األول فيما يتعلق بقوله ﴿هذا ربي﴾‬

‫‪48‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا رِب فلما أفل قال ال أحب اآلفلني‪ .‬فلما رأى‬
‫القمر بازغاً قال هذا رِب فلما أفل قال لئن مل يهدِن رِب ِلكونن من القوم الض الني‪ .‬فلما رأى الش مس‬
‫بازغة قال هذا رِب هذا أكرب فلما أفلت قال يا قوم اِن بريء ِما تشركون﴾‪[ .‬اِلنعام‪ ،‬اآلية‪-77-76 :‬‬
‫‪.]78‬‬
‫أورد بعُ املفسرين يف تفسْ هذه اآليات أقواالً غْ مرضية فأجراه بعضهم على الظاهر وقالوا‪:‬‬
‫كان إبراهيم مس ِّش داً طالباً للتوحيد حَت وفقه اهلل"‪ ،80‬وقيل عبد الكوكب حَت غاب‬ ‫‪-1‬‬
‫وعبد القمر حَت غاب وعبد الش مس حَت غابت واحتج أرباب هذا القول بقوله ﴿لئن مل‬
‫َتْ‪ .‬قالوا وإَّنا قال هذا يف طفولته‬
‫يهدِن رِب﴾ [اِلنعام‪ ،‬اآلية‪ ]77 :‬وهذا يدل على نوع ُّ‬
‫على ما سبق اىل ومهه قبل أن يثبت عنده دليل‪.81‬‬
‫وقيل إنه قال ذلك اس تدراجاً للحجة ليعيب آْلتهم ويريهم بغض ها عند أفوْلا وال بد أن‬ ‫‪-2‬‬
‫يضمر يف نفسه إما على زعمهم أو فيما تظنون‪ ...‬وإما أن يضمر يقولون‪.82‬‬
‫وقي ل إن ه ق ال ه على وج ه االس تفه ام تق ديره "أه ذا رِب" كقول ه تع اىل ﴿أف إن م ت فهم‬ ‫‪-3‬‬
‫اْل ال دون﴾ [اِلنبي اء‪ ،‬اآلي ة‪ ]34 :‬أي "أفَ ُه ُم اْل ال دون"‪ ،‬وذكره على وج ه التوبيخ منكراً‬
‫لفعلهم يعين "أمثل هذا يكون رباً؟"‪.83‬‬
‫وقيل‪ :‬أي قال ْلم هذا رِب يف زعمكم أو املراد "أهذا؟" اس تهزاء ِبم وانكاراً عليهم والعرب‬ ‫‪-4‬‬
‫تكتف ُّ عن حرف االستفهام بنغمة الصوت"‪.84‬‬
‫وقيل قوله هذا رِب على س بيل الوض ع فإن املس تدل على فس اد قول ُيكيه على ما يقوله‬ ‫‪-5‬‬
‫يكر عليه باإلفساد"‪.85‬‬
‫اْلصم مث ُّ‬

‫‪ 80‬تفسْ البغوي ج‪ 2‬ص‪.110‬‬


‫‪ 81‬زاد املسْ ج‪ 3‬ص‪.74‬‬
‫‪ 82‬زاد املسْ ج‪ 3‬ص‪.74‬‬
‫‪ 83‬؟ تفسْ البغوي ج‪ 2‬ص‪.110‬‬
‫‪ 84‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 2‬ص‪.28-27‬‬
‫‪ 85‬تفسْ البيضاوي ج‪ 2‬ص‪( 281‬مطبوع مع حاشية الشيخ زاده)‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫وال فى أن القول بإجرائه على الظاهر وانه عبد الكوكب مث القمر مث الش مس‪ ،‬قول مردود باطل‪ ،‬لِما‬
‫رد كثْ من العلماء واملفس رين هذا‬ ‫ِ‬
‫عُلم من عص مة اِلنبياء من الش رك قبل النبوة وبعدها كما ق ادمنا‪ .‬وقد ا‬
‫القول‪.‬‬
‫‪1-‬فقد قال اْلازن‪" :‬وهذا القول ليس بس ديد وال مرض ُّ ِلن اِلنبياء معص ومون يف كل ٍ‬
‫حال من‬
‫اِلحوال‪ ،‬وإنه ال جيوز أن يكون هلل عز وجل رس ول يأيت عليه وقت من اِلوقات إال وهو عارف باهلل وله‬
‫موحد وله من كل منقصة منزه ومن كل معبود سواه بريء‪ ،‬وكيف يتوهم هذا على ابراهيم وقد عصمه اهلل‬
‫وطهره وآتاه رشده من قبل وأراه ملكوت السموات واِلرض"‪.86‬‬
‫‪2-‬وقال ابن اْلوزي‪" :‬فأما قوله ﴿لئن مل يهدِن رِب﴾ فما زال اِلنبياء يس ألون اْلدى ويتض رعون يف‬
‫وبين أن نعبد اِلصنام﴾ [إبراهيم‪ ،‬اآلية‪.87"]35 :‬‬
‫اجنُْبين ا‬
‫دفع الضالل عنهم كقوله ﴿و ْ‬
‫وِما يؤيد هذا القول أن املؤمنني ومنهم س يدنا ُممد عليه الص الة والس الم يقرؤون كل يوم وليلة يف‬
‫الص لوات ﴿اهدنا الص راط املس تقيم﴾ [الفاَتة‪ ،‬اآلية‪ ]6 :‬فلم يلزم من ذلك نف ُّ اْلداية عنهم حالة‬
‫الدعاء وال قبلها‪.‬‬
‫فتبني أن تفس ْ قوله ﴿هذا رِب﴾ [اِلنعام‪ ،‬اآلية‪ ]78-77-76 :‬على ظاهره "ال يرتض ى فإن املتأهلني‬
‫للنبوة ُمفوظون من مثل هذا على كل حال"‪" 88‬وال جيوز الكفر على اِلنبياء باإلَجاع"‪.89‬‬
‫وأرجح اِلقوال يف ذلك أنه قاله على تقدير االس تفهام توبيخاً ْلم‪ ،‬ومن خالف فنس ب إليه الكفر فقد‬
‫أبْ َع َد وغفل عن سياق اآليات فإن اهلل تعاىل ذكر قبل هذه اآليات أنه أنكر على أبيه وقومه اَّتاذ اِلصنام‬
‫آْل ة [اِلنع ام‪ ،‬اآلي ة‪ ،]74 :‬أفِّاه بع د ذل ك يعب د كوكب اً‪ ،‬كم ا أن اهلل تع اىل ذكر قب ل ه ذه اآلي ات قول ه‬
‫﴿وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات واِلرض وليكون من املوقنني﴾ [اِلنعام‪ ،‬اآلية‪ .]75 :‬فمن أراه‬
‫اهلل ملكوت الس موات واِلرض ليكون من املوقنني ال يليق به أن يقع يف الش رك‪ ،‬واهلل تعاىل مل يقل‬
‫"ليكون من املش ركني"‪ ،‬مث إن اهلل تعاىل ذكر بعد ذلك قوله ﴿وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه﴾‬
‫[اِلنعام‪ ،‬اآلية‪ ]83 :‬فال يليق أن تكون اْلجة اعِّافه بألوهية الكوكب والقمر والش مس‪ِ ،‬لن اهلل تعاىل‬

‫‪ 86‬تفسْ اْلازن ح‪ 2‬ص‪.29‬‬


‫‪ 87‬زاد املسْ ج‪ 3‬ص‪.74‬‬
‫‪ 88‬زاد املسْ ج‪ 3‬ص‪ 74‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 89‬حاشية الشيخ زاده ج‪ 2‬ص‪.281‬‬
‫‪50‬‬
‫ذكر اْلجة يف معرض االمتنان والتمدح وأضافها إىل نفسه فبان بذلك وجه الصواب‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫القسم ال اني‬
‫فيما يتعلق ب الث كذبات المذكورة في الحديث‬
‫وقال نبينا عليه الص الة والس الم "مل يكذب إبراهيم النِب عليه الس الم قط إال ثالث كذبات اثنتني يف‬
‫ذات اهلل قوله إِن سقيم وقوله بل فعله كبْهم هذا وواحدة يف شأن سارة فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة‬
‫وكانت أحس ن الناس فقال ْلا إن هذا اْلبار إن يعلم أنك امرأيت يغلبين عليك فإن س ألك فأخربيه أنك‬
‫أخِت فانك أخِت يف اإلسالم فإِن ال أعلم يف اِلرض مسلماً غْي وغْك"‪.90‬‬
‫قال النووي‪" :‬معناه أن الكذبات املذكورة إَّنا ه ُّ بالنسبة إىل فهم املخاطب والسامع وأما يف نفس اِلمر‬
‫فليست كذباً مذموماً" مث ذكر أوجهاً من التأويل‪.91‬‬
‫وقال القاض ُّ عياض‪" :‬وأما قص ة كلمات إبراهيم املذكورة أ ا كذباته الثالث املنص وص ة يف القرآن منها‬
‫اثنتان قوله "إِن س قيم"‪[ ،‬و] "بل فعله كبْهم هذا" وقوله للملك عن زوجته إ ا اخِت‪ ،‬فاعلم أكرمك‬
‫اهلل أن هذه كلها خارجة عن الكذب ال يف القص د وال يف غْه وه ُّ داخلة يف باب املعاريُ الِت فيها‬
‫مندوحة‪ 92‬عن الكذب"‪.93‬‬

‫األولى‬
‫أما قوله تعاىل‪﴿ :‬قال بل فعله كبْهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون﴾ [اِلنبياء‪ ،‬اآلية‪.]63 :‬‬
‫فقد قال البغوي يف تفس ْه‪" :‬أراد بذلك إبراهيم إقامة اْلجة عليهم" مث قال "قال القتِب معناه بل فعله‬
‫كبْهم إن كانوا ينطقون على س بيل الش رط‪ ،‬فجعل النطق ش رطاً للفعل‪ ،‬أي إن قدروا على النطق قدروا‬
‫على الفعل"‪ 94‬وذكر حنو ذلك اْلازن يف تفس ْه‪ 95‬والنووي يف ش رح ص حيح مس لم‪ 96‬وذكر ابن اْلوزي‬

‫‪ 90‬صحيح مسلم بشرح النووي ج‪ 15‬ص‪.124-123‬‬


‫‪ 91‬صحيح مسلم بشرح النووي ج‪ 15‬ص‪.125-124‬‬
‫‪ 92‬مندوحة أي َس َعة وفُسحة‪ ،‬املصباح املنْ ص ‪.597‬‬
‫‪ 93‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.140‬‬
‫‪ 94‬تفسْ البغوي ج‪ 3‬ص‪.249‬‬
‫‪ 95‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪.263‬‬
‫‪ 96‬صحيح مسلم بشرح النووي ج‪ 15‬ص‪.125‬‬
‫‪52‬‬
‫قول القتِب‪.97‬‬
‫التبكيت‬
‫وقال القاض ُّ عياض‪" :‬علاق خربه بش رط نطقه كأنه قال إن كان ينطق فهو فعله على طريقة ْ‬
‫لقومه"‪.98‬‬
‫وقال البيضاوي‪" :‬أسند الفعل إليه ِتوزاً ِلن غيظه ملا رأى من زيادة تعظيمهم له تسباب ملباشرته إياه‪ ،‬أو‬
‫تقريراً لنفسه مع االستهزاء والتبكيت على أسلوب تعريض ُّ كما لو قال لك من ال ُيسن اْلط فيما كتَْبتَه‬
‫فقلت بل كتبتَه [أنت]"‪.99‬‬
‫خبط رشيق‪ :‬أنت كتبته؟ َ‬

‫ال انية‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬فنظر نطرة يف النجوم فقال إِن س قيم﴾ [الص افات‪ ،‬اآلية‪ .]89-88 :‬ذكر املفس رون‬
‫أقواالً يف املراد بقوله س قيم فقيل‪" :‬مريُ"‪ 100‬أو "مش ارف للس قم [لئال رجوه إىل معبدهم] وقيل‬
‫س قيم النفس لكفركم كما تقول أنا مريُ القلب من كذا"‪" .101‬وقيل معناه س أس قم وقيل بل كانت‬
‫اْلمى تأخذه عند طلوع ثم معلوم فلما رآه اعتذر بعادته"‪.102‬‬

‫ال ال ة‬
‫مر بيان املراد به يف اْلديث الصحيح الذي رواه مسلم وقد ذكرناه آنفا‪.‬‬
‫قوله عن زوجته "إ ا اخِت" ا‬
‫وبذلك تبني براءةُ نِب اهلل إبراهيم من الوقوع يف الكذب اْلقيق ُّ‪.‬‬

‫‪ 97‬زاد املسْ ج‪ 5‬ص‪.360‬‬


‫‪ 98‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.141‬‬
‫‪ 99‬تفسْ البيضاوي ج‪ 3‬ص‪( 355‬مع حاشية الشيخ زاده)‪.‬‬
‫‪ 100‬تفسْ البغوي ج‪ 4‬ص‪.31‬‬
‫‪ 101‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 4‬ص‪ 20‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 102‬الشفا ج‪ 2‬ص‪ 141-140‬بتصرف‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫القسم ال الث‬
‫فيما يتعلق بقوله‪﴿ :‬رب أرني كيف تحيي الموتى﴾‬
‫ب أرِن كيف َتي ُّ املوتى قال أومل تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلِب﴾‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬وإذ قال إبراهيم َر ا‬
‫[البقرة‪ ،‬اآلية‪.]260 :‬‬
‫وقال رس ول اهلل عليه الص الة والس الم "حنن أحق بالش ك من إبراهيم ص لى اهلل عليه وس لم إذ قال رب‬
‫أرِن كيف َتي ُّ املوتى قال أومل تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلِب"‪.103‬‬
‫اختلف املفس رون يف س بب طلبه عليه الص الة والس الم‪ ،‬فذكروا عدة أقاويل ال نض طر اىل ذكرها إذ ال‬
‫يتوقف فهم املقصود عليها‪.‬‬
‫وليعلم أنه جيب تنزيه نِب اهلل إبراهيم عليه الس الم عما قد يتومهه بعُ أص حاب اِلذهان الفاس دة من‬
‫الش ك يف قدرة اهلل تعاىل على إحياء املوتى‪ ،‬وِما يثبت ذلك قوله "بلى" ِلن اإلُيان ال الطه ش ك‪،‬‬
‫ويدل على ذلك أيض اً "أنه قال ﴿رب أرِن كيف َتي ُّ املوتى﴾ [البقرة‪ ،‬اآلية‪ ]260 :‬وما قال هل َتي ُّ‬
‫املوتى؟ أو هل تستطيع إحياء املوتى"‪.104‬‬
‫وأما قوله ليطمئن قلِب "[فقيل] ليزداد قلِب يقينا [وقيل] ليطمئن قلبه بالنظر"‪" 105‬وقيل ليس كن قلِب إىل‬
‫عني اليقني ِلن اْلرب ليس كاملعاينة"‪.106‬‬
‫علم اليقني َ‬
‫املعاينة واملشاهدة [أي] أراد أن يصْ له ُ‬
‫وقال النس ف ُّ "معناه بلى آمنت ولكن ِلزيد س كوناً وطمأنينة ِبض امة علم الض رورة علم االس تدالل‬
‫وتظاهر اِلدلة أسكن للقلوب وأزيد للبصْة"‪.107‬‬
‫وقد قال اْلازن "مل يكن إبراهيم عليه الس الم ش اكاً يف إحياء اهلل املوتى‪ ...‬ولكنه أحب أن يرى ذلك‬
‫عياناً كما أن املؤمنني ُيبون أن يروا نبيهم ُممداً ص لى اهلل عليه وس لم وُيبون رؤية اهلل يف اْلنة ويطلبو ا‬
‫ويسألونه يف دعائهم مع اإلُيان بصحة ذلك وزوال الشك عنهم"‪.108‬‬
‫وأما اْلديث فقد قال النووي نقال عن بعض هم "أنه ملا نزل قول اهلل تعاىل أومل تؤمن قالت طائفة ش ك‬

‫‪ 103‬صحيح مسلم بشرح النووي ج‪ 2‬ص‪.183‬‬


‫‪ 104‬زاد املسْ ج‪ 1‬ص‪.313‬‬
‫‪ 105‬زاد املسْ ج‪ 1‬ص‪.313‬‬
‫‪ 106‬تفسْ البغوي ج‪ 1‬ص‪ 247‬وتفسْ اْلازن ج‪ 1‬ص‪.191‬‬
‫‪ 107‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 1‬ص‪.191‬‬
‫‪ 108‬تفسْ اْلازن ج‪ 1‬ص‪.191‬‬
‫‪54‬‬
‫إبراهيم ومل يشك نبينا فقال النِب حنن أحق بالشك منه‪ ...‬قال ويقع يف منه معنيان أحدمها أنه خرج خمرج‬
‫العادة يف اْلطاب فإن من أراد املدافعة عن انس ان قال للمتكلم فيه ما كنت قائال لفالن أو فاعال معه‬
‫من مكروه فقله يف وافعله مع ُّ ومقص وده ال تقل ذلك فيه‪ ،‬والثاِن أن معناه أن هذا الذي تظنونه ش كاً‬
‫أنا أوىل به فإنه ليس بش ك وإَّنا هو طلب ملزيد اليقني"‪ 109‬وقيل "إَّنا ش كا يف انه هل جييبهما إىل ما‬
‫س أال وقال أبو س ليمان اْلطاِب ليس يف قوله حنن أحق بالش ك من إبراهيم اعِّاف بالش ك على نفس ه‬
‫وال على إبراهيم لكن فيه نف ُّ الش ك عنهما بقول اذا مل أش ك أنا يف قدرة اهلل تعاىل على إحياء املوتى‬
‫فإن إبراهيم أوىل بأن ال يش ك وقال ذلك على س بيل التواض ع واْلض م من النفس"‪ 110‬فوض ح وجه‬
‫الصواب بذلك‪.‬‬

‫‪ 109‬صحيح مسلم بشرح النووي ج‪ 2‬ص‪.183‬‬


‫‪ 110‬تفسْ البغوي ج‪ 1‬ص‪.248‬‬
‫‪55‬‬
‫دفع الشبه المتعلقة بقصة لوط عليه السالم‬

‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬وملا جاءت رس لنا لوطاً س ُّء ِبم وض اق ِبم ذرعاً وقال هذا يوم عص يب‪ .‬وجاءه قومه‬
‫يُهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون الس يئات قال يا قوم هؤالء بنايت هن أطهر لكم فاتقوا اهلل وال َّتزون‬
‫يف ض يف ُّ أليس منكم رجل رش يد‪ .‬قالوا لقد علمت ما لنا يف بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد‪ .‬قال‬
‫لو أن يف بكم قوة أو آوي إىل ركن شديد﴾ [هود‪ ،‬اآلية‪.]80-77 :‬‬
‫اِلمر أن دابر هؤالء مقطوع مص بحني‪ .‬وجاء أهل املدينة يس تبش رون‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬وقض ينا إليه ذلك َ‬
‫قال إن هؤالء ض يف ُّ فال تفض حون‪ .‬واتقوا اهلل وال َّتزون‪ .‬قالوا أومل ننهك عن العاملني‪ .‬قال هؤالء بنايت‬
‫إن كنتم فاعلني﴾ [اْلجر‪ ،‬اآلية‪.]71-66 :‬‬
‫قال اهلل تعاىل إخباراً عن نبيه لوط ﴿ قال يا قوم هؤالء بنايت هن أطهر لكم﴾ [هود‪ ،‬اآلية‪ ]78 :‬وقوله‬
‫﴿هؤالء بنايت إن كنتم فاعلني﴾ [اْلجر‪ ،‬اآلية‪.]71 :‬‬
‫عرض بالفاحشة مع بناته"‪.111‬‬
‫"قيل ا‬
‫يعرض بالفاحش ة فإن الزنا ال يقال عنه أطهر وقد اختُلف يف املراد بقوله بنايت "فقيل بناته‬
‫واْلواب أنه مل ا‬
‫لص لبه واملراد أزوجكم بش رط أن تس لموا وقيل ِلن زواج الكافر باملس لمة مل يكن حراماً وقيل أراد ببناته‬
‫نس اءهم وأض افهن إىل نفس ه ِلن النِب ِبنزلة الوالد ِلمته"‪ 112‬وقيل "إن لوطاً قال ذلك على س بيل الدفع‬
‫لقومه ال على سبيل التحقيق"‪.113‬‬
‫فإن قلت فما هو الراجح من هذه اِلقوال فاْلواب ما قاله اْلازن بعد أن قال "ِلن كل نِب أبو أمته وهو‬
‫كالوالد ْلم وهذا القول هو الصحيح وأشبه بالصواب إن شاء اهلل تعاىل والدليل عليه أن بنات لوط كانتا‬
‫اثنتني وليس تا بكافيتني للجماعة وليس من املروءة أن يعرض الرجل بناته على أعدائه ليزوجهن إ ياهم‬
‫فكيف يليق ذلك ِبنصب اِلنبياء"‪.114‬‬

‫‪ 111‬عصمة اِلنبياء ص‪.116‬‬


‫‪ 112‬تفسْ البغوي ج‪ 2‬ص‪ /395‬ج‪ 3‬ص‪ *55‬زاد املسْ ج‪ 4‬ص‪ *138-137‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪ /100‬ج‪2‬‬
‫ص‪.342‬‬
‫‪ 113‬تفسْ اْلازن ج‪ 2‬ص‪ *343‬تفسْ البغوي ج‪ 2‬ص‪.395‬‬
‫‪ 114‬تفسْ اْلازن ج‪ 2‬ص‪.342‬‬
‫‪56‬‬
‫دفع الشبه المتعلقة بقصة يوسف عليه السالم‬

‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬وراودته الِت هو يف بيتها عن نفس ه وغلقت اِلبواب وقالت هيت لك قال معاذ اهلل إنه‬
‫وهم ِبا لوال أن رأى برهان ربه كذلك لنص رف‬
‫رِب أحس ن مثواي إنه ال يفلح الظاملون‪ .‬ولقد مهات به ا‬
‫عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا املخلصني‪ .‬واستبقا الباب وق ادت قميصه من ُدبر وألفيا سيدها لدى‬
‫الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك س وءاً إال أن يس جن أو عذاب أليم‪ .‬قال ه ُّ راودتين عن نفس ُّ‬
‫وش هد ش اهد من أهلها إن كان قميص ه قُد من قُبل فص دقت وهو من الكاذبني وإن كان قميص ه قُد من‬
‫ُدبر فكذبت وهو من الص ادقني‪ .‬فلما رأى قميص ه قُد من ُدبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم‬
‫يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من اْلاطئني‪ .‬وقال نسوة يف املدينة امرأة العزيز تراود‬
‫فتاها عن نفس ه قد ش غفها حبا إنا لنراها يف ض الل مبني‪ .‬فلما َعت ِبكرهن أرس لت إليهن وأعتدت‬
‫ْلن متكئاً وآتت كل واحدة منهن س كينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكربنه وقطعن أيديهن وقلن‬
‫حا‪ ،‬هلل ما هذا بش راً إن هذا إال ملك كرمي‪ .‬قالت فذلكن الذي ملتنين فيه ولقد راودته عن نفس ه‬
‫فاستعصم‪ .‬ولئن مل يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين‪ .‬قال رب السجن أحب إيف ِما يدعونين‬
‫إليه وإال تص رف عين كيدهن أص ب اليهن وأكن من اْلاهلني فاس تجاب له ربه فص رف عنه كيدهن إنه‬
‫هو السميع العليم﴾ [يوسف‪ ،‬اآلية‪.]34-23 :‬‬
‫﴿وقال امللك ائتوِن به فلما جاءه الرس ول قال ارجع إىل ربك فاس أله ما بال النس وة الاليت قطعن أيديهن‬
‫إن رِب بكيدهن عليم‪ .‬قال ما خطبكن إذ راودتُ ان يوس ف عن نفس ه قلن حا‪ ،‬هلل ما علمنا عليه من‬
‫س وء قالت امرأة العزيز اآلن حص حص اْلق أنا راودته عن نفس ه وإنه ملن الص ادقني‪ .‬ذلك ليعلم أِن مل‬
‫أخنه بالغيب وأن اهلل ال يهدي كيد اْلائنني وما أبرئ نفس ُّ إن النفس ِلمارة بالس وء إال ما رحم رِب إن‬
‫رِب غفور رحيم﴾ [يوسف‪ ،‬اآلية‪.]53-50 :‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ولقد مهت به وهم ِبا لوال أن رأى برهان ربه﴾ [يوسف‪ ،‬اآلية‪.]24 :‬‬
‫اختلفت اِلقاويل يف تفس ْ قص ة يوس ف عليه الص الة والس الم وخبط كثْ من الناس خبط عش واء فيها‬
‫وقد قال ابن كثْ يف كتابه قص ص اِلنبياء‪" :‬وأكثر أقوال املفس رين ههنا متلقى من كتب أهل الكتاب‬
‫وبرأه ونزهه عن الفاحش ة وِحاه عنها‬
‫فاإلعراض عنه أوىل بنا‪ ،‬والذي جيب أن يعتقد أن اهلل تعاىل عص مه ا‬
‫وصانه منها وْلذا قال تعاىل ﴿كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا املخلَصني﴾ [يوسف‪،‬‬

‫‪57‬‬
‫اآلية‪[ ]24 :‬قصص اِلنبياء ص‪ 239‬البن كثْ]‪.‬‬
‫وهم ِبا﴾ بعد اتفاقهم على أن هم زليخا دعوَتا له إىل‬
‫ونورد اآلن خالص ة اختالفهم يف تفس ْ ﴿ ا‬
‫نفسها‪.‬‬
‫ص َمهُ لََف َع َل"‪.115‬‬
‫فقيل "كان من جنس مهها فلوال أن اهلل َع َ‬ ‫‪-1‬‬
‫وقيل "هم ِبا أي َتناها أن تكون له زوجه"‪.116‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وقي ل "إن يف الكالم تق دُي ا وت أخْاً تق ديره ولق د مه ت ب ه ولوال أن رأى بره ان رب ه ْل ام‬ ‫‪-3‬‬
‫ِبا"‪.117‬‬
‫وقيل "هم أن يضرِبا ويدفعها عن نفسه"‪.118‬‬ ‫‪-4‬‬
‫"هم ب الفرار منه ا‪ ،‬حك اه الثعلِب وهو قول مرذول‪ ،‬أفِّاه اراد الفرار منه ا فلم ا رأى‬
‫وقي ل ا‬ ‫‪-5‬‬
‫الربهان أقام عندها"‪.119‬‬
‫"حل اْلميان‪ 120‬وجلس منها َملس اْلائن‪ ،‬وهو مروي عن ابن عباس"‪.121‬‬
‫وقيل ا‬ ‫‪-6‬‬
‫ُروي عن َماهد أنه قال "حل سراويله وجعل يعاجل ثيابه"‪.122‬‬ ‫‪-7‬‬
‫وقيل "جرى الش يطان فيما بينهما فض رب بإحدى يديه إىل جيد يوس ف وباليد اِلخرى‬ ‫‪-8‬‬
‫اىل جيد املرأة حَت َجع بينهما" وهو مروي عن الضحاك‪.123‬‬
‫وقيل "جعلت تذكر له ُماس ن نفس ه وتش وقه إىل نفس ها حَت الن ْلا ملا يرى من كلفها‬ ‫‪-9‬‬
‫وهم ِبا مث إن اهلل تعاىل تدارك عبده ونبيه بالربهان"‪.124‬‬
‫‪ -10‬وقيل "فُ ِس َر هم يوس ف بأنه حل تكة س راويله وقعد بني ش عبها اِلربع وه ُّ مس تلقية على‬

‫‪ 115‬زاد املسْ ج‪ 4‬ص‪.203‬‬


‫‪ 116‬زاد املسْ ج‪ 4‬ص‪.205‬‬
‫‪ 117‬زاد املسْ ج‪ 4‬ص‪.205‬‬
‫‪ 118‬زاد املسْ ج‪ 4‬ص‪.205‬‬
‫‪ 119‬زاد املسْ ج‪ 4‬ص‪.207‬‬
‫‪ 120‬اْلِميان‪ :‬كيس جيعل فيه النفقة ويشد على الوسط‪ ،‬املصباح املنْ ص‪.641‬‬
‫‪ 121‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪ ،12‬تفسْ البغوي ج‪ 2‬ص‪.418‬‬
‫‪ 122‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪ ،12‬تفسْ البغوي ج‪ 2‬ص‪.418‬‬
‫‪ 123‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪ ،12‬تفسْ البغوي ج‪ 2‬ص‪.418‬‬
‫‪ 124‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪ ،12‬تفسْ البغوي ج‪ 2‬ص‪.418‬‬
‫‪58‬‬
‫قفاها"‪.125‬‬
‫وقيل "املراد ِبمه عليه السالم ميل الطبع ومنازعة الشهوة ال القصد االختياري"‪.126‬‬ ‫‪-11‬‬
‫وقيل "إن القدر الذي فعله يوسف عليه السالم من الصغائر"‪.127‬‬ ‫‪-12‬‬

‫وقد اختلفت أقاويلهم أيضا يف الربهان الذي رآه‪.‬‬


‫فقيل "رأى ص ورة أبيه يعقوب يف وس ط البيت عاض اً على أنامله فأدبر هارباً وقيل رأى‬ ‫‪-1‬‬
‫مثال أبيه يف اْلائط عاضاً على شفتيه وقيل غْ ذلك"‪.128‬‬
‫وقيل "مثل له يعقوب فلم يزدجر حَت ركضه جربيل يف ظهره فوثب"‪.129‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وقيل "قامت إىل صنم يف زاوية البيت فسِّته بثوب استحياء منه فاستحىي من اهلل"‪.130‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وقيل " إن اهلل بعث إليه ملكاً فكتب يف وجه املرأة بالدم ﴿وال تقربوا الزنا إنه كان فاحش ة‬ ‫‪-4‬‬
‫وس اء س بيال﴾ [اإلس راء‪ ،‬اآلية‪ ]32 :‬وقيل رأى هذه اآلية مكتوبة بني عينيها وقيل رآها‬
‫مكتوبة يف اْلائط"‪.131‬‬
‫وقيل "إنه العزيز دنا من الباب وقيل خيال سيده رآه عند الباب فهرب"‪.132‬‬ ‫‪-5‬‬
‫وقيل "إن الربهان أنه علم ما أحل اهلل ِما حرم فرأى َترمي الزنا وقال ابن قتيبة رأى حجة اهلل‬ ‫‪-6‬‬
‫عليه"‪.133‬‬
‫حل س راويله وقعد منها مقعد الرجل من امرأته فإذا بكف قد بدت بينهما بال‬
‫وقيل "ملا َّ‬ ‫‪-7‬‬
‫معص م وال عض د مكتوب عليه ﴿وإن عليكم ْلافظني كراما كاتبني﴾ [االنفطار‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫‪ ،]11-10‬مث ع اد فع ادت مكتوب ا عليه ا آي ة أخرى مث ع اد فع ادت عليه ا آي ة أخرى‬

‫‪ 125‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 3‬ص‪.12‬‬


‫‪ 126‬تفسْ البيضاوي ج‪ 3‬ص‪( 80‬مع حاشية الشيخ زاده)‪.‬‬
‫‪ 127‬تفسْ البغوي ج‪ 2‬ص‪.419‬‬
‫‪ 128‬زاد املسْ ج‪ 4‬ص‪ 208‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 129‬زاد املسْ ج‪ 4‬ص‪ 208‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 130‬زاد املسْ ج‪ 4‬ص‪ 208‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 131‬زاد املسْ ج‪ 4‬ص‪ 209-208‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 132‬زاد املسْ ج‪ 4‬ص‪ 209‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 133‬زاد املسْ ج‪ 4‬ص‪ 209‬بتصرف‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫اخل"‪.134‬‬
‫وقي ل "الربه ان النبوة الِت أودعه ا اهلل يف ص دره ح ال ت بين ه وبني م ا يس خط اهلل عز‬ ‫‪-8‬‬
‫وجل"‪.135‬‬
‫وقيل "قصدت خمالطته وقصد خمالطتها"‪.136‬‬ ‫‪-9‬‬
‫وهم ِبا﴾ قصد ذلك"‪.137‬‬
‫‪ -10‬وقيل "قصدت منه اْلماع ﴿ ا‬
‫ويكف ُّ يف دحُ ما نس بوه إىل نِب اهلل يوس ف عليه الس الم من التهم الباطلة‪ ،‬ما ذكرناه يف عص مة‬
‫اِلنبياء من اآليات وأقوال اِلئمة‪.‬‬
‫وأما فيما ص قصة نِب اهلل يوسف مع زليخا‪:‬‬
‫فقد برأه اهلل تعاىل بقوله‪ ﴿ :‬كذلك لنص رف عنه الس وء والفحش اء إنه من عبادنا‬ ‫‪-1‬‬
‫املخلصني﴾ [يوسف‪ ،‬اآلية‪.]24 :‬‬
‫وهو نفسه قال ﴿معاذ اهلل﴾ فكيف يقع فيما قالوه بعد أن استعاذ باهلل مث وىل مدبراً واستبقا‬ ‫‪-2‬‬
‫الباب فقدت قميص ه من ُدبر فقال ﴿ه ُّ راودتين عن نفس ُّ﴾ [يوس ف‪ ،‬اآلية‪ ]26 :‬فربأ‬
‫نفسه ومل يكن ليقع يف الكذب لدفع التهمة عن نفسه وهو نِب معصوم‪.‬‬
‫وش هد ش اهد من أهلها برباءته فقال‪﴿ :‬إن كان قميص ه ق اد من قبل فص دقت وهو من‬ ‫‪-3‬‬
‫الكاذبني وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقني﴾ [يوسف‪ ،‬اآلية‪-26 :‬‬
‫‪.]27‬‬
‫وق ال العزيز ﴿يوس ف أعرض عن ه ذا واس تغفري ل ذنب ك إن ك كن ت من اْل اطئني﴾‬ ‫‪-4‬‬
‫[يوس ف‪ ،‬اآلية‪ .]29 :‬ولو كان ثبت عنده ما اَتم به يوس ف عليه الص الة والس الم لعاقبه‬
‫أو قال له استغفر لذنبك كما قال المرأته لكنه مل يفعل‪.‬‬
‫مث ه ُّ نفسها اعِّفت فيما بعد بقوْلا ﴿اآلن حصحص اْلق أنا راودته عن نفسه وإنه ملن‬ ‫‪-5‬‬
‫الصادقني﴾ [يوسف‪ ،‬اآلية‪.]51 :‬‬

‫‪ 134‬تفسْ البغوي ج‪ 2‬ص‪ 420‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ 135‬تفسْ البغوي ج‪ 2‬ص‪.420‬‬
‫‪ 136‬تفسْ البيضاوي ج‪ 3‬ص‪.80‬‬
‫‪ 137‬تفسْ اْلاللني ص‪.312‬‬
‫‪60‬‬
‫ولو كان يوس ف عليه الص الة والس الم وقع يف فعل ُمرم أو قاربه لِّاجع وندم واس تغفر‪ ،‬ولَ َذ َكر اهلل لنا‬
‫فلما مل يذكر اهلل ما يُش عر بذلك علمنا بطالن ما‬
‫توبته كما ذكر لنا يف حق غْه من اِلنبياء ك دم‪ .‬ا‬
‫نسب اليه ِما ال يليق ِبنصبه‪.‬‬
‫وقد نقل الرازي عن القاض ُّ أِب طاهر الطوس ُّ أنه قال‪:‬‬
‫وملِك وادعى‬
‫"ش هد برباءة يوس ف من الذنب كل من له تعلق بتلك الواقعة من زوج وحاكم ونس وة َ‬
‫يوس ف ذلك واعِّف له خص مه بص دق ما قاله مرتني‪ ،‬وش هد بذلك رب العاملني الذي هو أص دق‬
‫القائلني واعِّف إبليس فكيف يلتفت إىل قول هؤالء اْلشوية؟ أما شهادة الزوج فقوله‪﴿ :‬إنه من كيدكن‬
‫إن كيدكن عظيم يوس ف أعرض عن هذا واس تغفري لذنبك إنك كنت من اْلاطئني﴾" [يوس ف‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫‪.]29-28‬‬
‫وأما ش هادة اْلاكم فقوله ﴿وش هد ش اهد من أهلها إن كان قميص ه قد من قبل﴾ [يوس ف‪ ،‬اآلية‪]26 :‬‬
‫وأما شهادة النسوة فقوْلن ﴿حا‪ ،‬هلل ما علمنا عليه من سوء﴾ [يوسف‪ ،‬اآلية‪ ]51 :‬وأما شهادة امللك‬
‫فقوله ﴿إنك اليوم لدينا مكني أمني﴾ [يوس ف‪ ،‬اآلية‪ ]54 :‬وأما دعاء يوس ف عليه الس الم ذلك فقوله‬
‫﴿ه ُّ راودتين عن نفس ُّ﴾ [يوس ف‪ ،‬اآلية‪ ]26 :‬وقوله ﴿رب الس جن أحب إيف ِما يدعونين إليه﴾‬
‫[يوسف‪ ،‬اآلية‪ ]33 :‬وقوله ﴿ذلك ليعلم أِن مل أخنه بالغيب﴾ [يوسف‪ ،‬اآلية‪.]52 :‬‬
‫وأما اعِّاف اْلص م فقوْلا للنس وة ﴿ولقد راودته عن نفس ه فاس تعص م﴾ [يوس ف‪ ،‬اآلية‪ ]32 :‬وقوْلا‬
‫﴿اآلن حصحص اْلق أنا راودته عن نفسه﴾ [يوسف‪ ،‬اآلية‪.]51 :‬‬
‫وأما شهادة رب العاملني فقوله ﴿كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء﴾ [يوسف‪ ،‬اآلية‪.]24 :‬‬
‫وأما اعِّاف إبليس بذلك فقوله تعاىل حكاية عنه ﴿ِلغوينهم أَجعني إال عبادك منهم املخلصني﴾ [ص‪،‬‬
‫اآلية‪ ]83-82 :‬فبني أنه يغوي الكل إال املخلص ني‪ ،‬ويوس ف من املخلص ني لقوله تعاىل‪﴿ :‬إنه من‬
‫عبادنا املخلصني﴾‪ ،‬فأية شبهة تبقى مع هذه الشهادات يف براءة يوسف عن الذنوب‪.‬‬
‫مث قال القاض ُّ‪" :‬وهؤالء الطاعنون يف يوس ف إن كانوا من حزب اهلل فليقبلوا قوله وإن كانوا من حزب‬
‫الش يطان فيجب أن ال يِّكوا قوله ﴿ِلغوينهم اَجعني إال عبادك منهم املخلص ني﴾" [ص‪ ،‬اآلية‪-82 :‬‬
‫‪.138]83‬‬

‫‪ 138‬عصمة اِلنبياء ص‪.76-75‬‬


‫‪61‬‬
‫فإن قلت فما وجه الصواب يف تفسْ قوله تعاىل‪﴿ :‬ولقد مهت به وهم ِبا لوال أن رأى برهان ربه﴾؟‬
‫فاْلواب أن الصواب هو القول الثالث أو الرابع من اِلقوال الِت ذكرناها يف تفسْ اْلم‪.‬‬
‫القول اِلول منهما‪" :‬إن يف الكالم تقدُيا وتأخْا‪ ،‬تقديره "ولقد مهت به ولوال أن رأى برهان ربه ْلم ِبا‬
‫‪139‬‬
‫"وإىل هذا القول‬ ‫فقدم جواب لوال عليها كما يقال قد كنت من اْلالكني لوال أن فالناً خلص ك"‬
‫ذهب قطرب‪ ،‬وأنكره قوم منهم ابن اِلنباري وقالوا تقدمي جواب لوال عليها ش اذ مس تكره ال يوجد يف‬
‫فصيح كالم العرب"‪.140‬‬
‫وِمن أنكره أيض ا النس ف ُّ فإنه قال "جواب لوال ال يتقدم عليها ِلنه يف حكم الش رط وله ص در‬
‫الكالم"‪ 141‬وكذلك البيضاوي يف تفسْه‪.142‬‬
‫الزجاج كما ذكر الش يخ زاده يف‬
‫وقد اش ِّط بعض هم ْلواز تقدمي جواب لوال عليها أن يقِّن بالالم منهم ا‬
‫حاش يته على تفس ْ البيض اوي مث رده بقوله "مَت كان جواب "لو" و "لوال" مثبتاً جاز فيه اِلمران الالم‬
‫وعدمها وإن كان اإلتيان بالالم هو اِلكثر"‪.143‬‬
‫وقد أجاد اإلمام الرازي يف إثبات جواز التقدمي واحتج بقوله تعاىل ﴿إن كادت لتبدي به لوال أن ربطنا‬
‫على قلبها﴾ [القص ص‪ ،‬اآلية‪ ]10 :‬مث قال وايض ا فلو مل جيعل التقدمي على لوال جوابا ْلا لكان جواِبا‬
‫ُم ذوف اً‪ ،‬وإذا دار اِلمر بني أن يكون جواب اً ُم ذوف اً وبني أن يكون متق دم ا عليه ا ال ش ك أن التق دمي‬
‫أوىل"‪.144‬‬
‫هم أن يض رِبا ويدفعها عن نفس ه فكان الربهان الذي رآه من ربه أن اهلل أعلمه أنه إن‬
‫والقول الثاِن أنه ا‬
‫ضرِبا كانت اَّتذت ذلك حجة عليه فقالت راودِن فمنعتُه فضربين‪.‬‬
‫وِبذا تنتف ُّ عنه عليه الصالة والسالم تلك اِلباطيل‪.‬‬

‫‪ 139‬زاد املسْ ج‪ 4‬ص‪.205‬‬


‫‪ 140‬زاد املسْ ج‪ 4‬ص‪.206‬‬
‫‪ 141‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 3‬ص‪.12‬‬
‫‪ 142‬تفسْ البيضاوي ج‪ 3‬ص‪( 80‬مع حاشية الشيخ زاده)‪.‬‬
‫‪ 143‬حاشية الشيخ زاده ج‪ 3‬ص‪.80‬‬
‫‪ 144‬عصمة اِلنبياء ص‪.79‬‬
‫‪62‬‬
‫دفع الشبه المتعلقة بقصة أيوب عليه السالم‬

‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أِن مسين الشيطان بنصب وعذاب‪ .‬اركُ برجلك هذا‬
‫مغتس ل بارد وش راب‪ .‬ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رِحة منا وذكرى ِلويف اِللباب‪ .‬وخذ بيدك ض غثاً‬
‫فاضرب به وال َتنث إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪.]44-41 :‬‬

‫‪63‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أِن مس ين الش يطان بنص ب وعذاب﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫‪.]41‬‬
‫ذكر املفس رون أقواال يف س بب بالء أيوب عليه الص الة والس الم فقال النس ف ُّ‪" :‬ذُكر يف س بب بالئه أنه‬
‫ذبح شاة فأكلها وجاره جائع أو رأى منكراً فسكت عنه أو ابتاله اهلل لرفع الدرجات بال زله سبقت منه"‬
‫[تفسْ النسف ُّ ج‪ 4‬ص‪.]43‬‬
‫وأما قص ة البالء فقد ذكر يف تفس ْ اْلازن قص ة مفِّاة من اإلس رائيليات ال فى ش أ ا على مؤمن‬
‫وحاص لها يتض من "القول بأن إبليس قد طلب من اهلل أن يس لطه على مال أيوب فس لطه مث على أهله‬
‫فس لطه حَت ش ق بطو م فتناثرت أمعاؤهم‪ ،‬وأخرب أيوب بذلك فرق قلبه وبكى وقبُ قبض ة من الِّاب‬
‫فوضعها على رأسه وقال يا ليت أم ُّ مل تلدِن مث استغفر‪ .‬مث طلب إبليس من اهلل أن يسلطه على جسده‬
‫فأتاه وهو س اجد فنفخ يف منخريه نفخة اش تعل منها جس ده فخرج من قرنه اىل قدميه ث ليل مثل أليات‬
‫الغنم ووقعت فيه حكة فحك بأظفاره حَت سقطت كلها مث حكها باملسوح اْلشنة حَت قطعها مث حكها‬
‫بالفخار واْلجارة اْلش نة فلم يزل ُيك حَت قرح ْلمة وتقطع وتغْ وأنَت فأخرجه أهل القرية فجعلوه‬
‫على كناسة ْلم وجعلوا له عريشة ورفضه خلق اهلل كلهم غْ امرأته اىل أن ذكر أنه قال ليتين إذ كرهتين مل‬
‫َّتلقين وأن ه نودي ي ا أيوب ه ا أن ا ق د دنوت من ك ومل أزل من ك قريب اً قم ف ِ‬
‫أدل بع ذرك وقم مق ام جب ار‬
‫اص م جباراً‪ 145"...‬اىل غْ ذلك من الس فاهات الِت ينبغ ُّ أن تص ان كتب التفس ْ عن روايتها‬
‫والتلطيخ بذكرها‪.‬‬
‫وقد ذكر هذه الراوية أيض ا البغوي يف تفس ْه [تفس ْ البغوي ج‪ 3‬ص‪ ،]257-256‬وذكرت أيض اً يف‬
‫حاش ية الش يخ زاده‪ 146‬باختص ار وذكر ابن كثْ القول بأنه مرض مرض اً حَت عافه اْلليس وألقى على‬
‫مزبلة‪" 147‬ونقل عن ابن جرير أنه روى حديثاً عن النِب أنه قال إن نِب اهلل أيوب لبث بالؤه ُثاِن عش رة‬
‫س نة فرفض ه القريب والبعيد إال رجلني‪ ...‬مث قال هذا لفظ ابن جرير وهكذا رواه بتمامه ابن حبان يف‬
‫صحيحه عن ابن وهب به وهذا غريب رفعه جداً وأشبه أن يكون موقوفاً"‪.148‬‬

‫‪ 145‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪.269-268‬‬


‫‪ 146‬حاشية الشيخ زاده ج‪ 4‬ص‪.88‬‬
‫‪ 147‬قصص اِلنبياء ص‪ 269‬البن كثْ‪.‬‬
‫‪ 148‬قصص اِلنبياء ص‪.271‬‬
‫‪64‬‬
‫وقد قيل إنه َتزق جسده وهجره َجيع الناس إال زوجته‪.149‬‬

‫ويُقال في بيان وجه الصواب‪:‬‬


‫‪1-‬ال يليق بنِب اهلل أيوب أن يبتليه اهلل ِبا ينفر الناس منهم ِلن ذلك معوق للدعوة ويؤدي اىل احتقاره‬
‫واإلزراء به‪.‬‬
‫‪2-‬ال يص ح أن اطب إبليس ربه كما اطبه الرس ل فيس تجيب له طلبه بتس ليطه على مال أيوب مث‬
‫أهله مث جس ده فهذا ينايف قوله تعاىل ﴿إن عبادي ليس لك عليهم س لطان﴾ [اْلجر‪ ،‬اآلية‪ ]42 :‬فلو‬
‫طلب ابليس من اهلل أن يسلطه على نبيه أيوب لكان هذا جوابه‪.‬‬
‫‪3-‬ويقول تعاىل ﴿إنه ليس له س لطان على الذين آمنوا وعلى رِبم يتوكلون﴾ [النحل‪ ،‬اآلية‪ ]99 :‬وال‬
‫ش ك أن أيوب عليه الص الة والس الم من الذين آمنوا وعلى رِبم يتوكلون فبطل أن يكون إلبليس س لطان‬
‫عليه‪.‬‬
‫وج ْع ُل ذل ك من أعظم‬
‫ومن العج ب أن ي ذكر بعُ املفس رين تل ك اِلب اطي ل يف معرض امل دح ِليوب َ‬
‫الفضائل واحتج بعضهم لذلك باْلديث "أشد الناس بالء اِلنبياء مث الصاْلون مث اِلمثل فاِلمثل"‪.150‬‬
‫‪4-‬فلو كان ما قالوه صحيحاً لكان نبينا أوىل بذلك البالء من أيوب عليهما الصالة والسالم‪.‬‬
‫وكل ما ذكروه ِما ُيس مقام نِب اهلل أيوب عليه الص الة والس الم ال يس اوي ش يئاً أمام اآليتني اللتني‬
‫ذكرنامها‪.‬‬

‫فإن قيل ما سبب ابتالء أيوب وكيف كان بالؤه؟‬


‫فاْلواب أن يقال إ َّن اِلوىل أن يقتص ر على ذكر أنه ابتل ُّ بالء غْ من افر وذلك البالء رفع ملنزلته عند اهلل‬
‫تعاىل فإن أش د الناس بالء اِلنبياء‪ ،‬وال يص ح تفس ْ اآليات الواردة يف حقه بتلك اإلس رائيليات الِت ال‬
‫يثبت ِبا ما ال يعارض القرآن فكيف إذا عارضته‪.‬‬

‫‪ 149‬تفسْ اْلاللني‪.‬‬
‫‪ 150‬أورده ابن كثْ يف كتابه قصص اِلنبياء ص‪.269‬‬
‫‪65‬‬
‫دفع الشبه المتعلقة بقصة يونس عليه السالم‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬فلوال كانت قرية آمنت فنفعها إُيا ا إال قوم يونس ملا آمنوا كش فنا عنهم عذاب اْلزي‬
‫يف اْلياة الدنيا ومتعناهم اىل حني﴾ [يونس‪ ،‬اآلية‪.]98 :‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬وذا النون إذ ذهب مغاض با فظن أن لن نقدر عليه فنادى يف الظلمات أن ال إله إال انت‬
‫س بحانك إِن كنت من الظاملني فاس تجبنا له وثيناه من الغم وكذلك ننج ُّ املؤمنني﴾ [اِلنبياء‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫‪.]88-87‬‬
‫وقال تعاىل أيض اً‪﴿ :‬وإن يونس ملن املرس لني إذ أبق إىل الفلك املش حون فس اهم فكان من املدحض ني‬
‫فالتقمه اْلوت وهو ُمليم فلوال أنه كان من املس بحني للبث يف بطنه إىل يوم يبعثون فنبذناه بالعراء وهو‬
‫س قيم وأنبتنا عليه ش جرة من يقطني وأرس لناه اىل مائة ألف أو يزيدون ف منوا فمتعناهم إىل حني﴾‬
‫[الصافات‪ ،‬اآلية‪.]140-139 :‬‬

‫‪66‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬وذا النون إذ ذهب مغاض باً فظن أن لن نقدر عليه فنادى يف الظلمات أن ال إله إال‬
‫أنت سبحانك إِن كنت من الظاملني﴾ [اِلنبياء‪ ،‬اآلية‪.]87 :‬‬
‫تتلخص الشبه الِت أوردها املفسرون فيما يل ُّ‪:‬‬
‫‪1-‬تفسْ مغاضباً ب مغاضباً لربه "إذ كشف عن قومه العذاب بعدما أوعدهم وكره أن يكون بني قوم قد‬
‫جربوا عليه اْلُلف‪.‬‬
‫‪2-‬قالوا وكان يف خلقه ض يق فلما ِحل عليه أثقال النبوة تفس خ الربع َتت اْلمل الثقيل فقذفها بني‬
‫يديه وخرج هارباً منها"‪.151‬‬
‫‪3-‬وقيل "كان يونس وقومه يس كنون فلس طني فغزاهم ملك فس أ منهم تس عة أس باط ونص ف وبق ُّ‬
‫سبطان ونصف فأوحى اهلل إىل شعياء النِب أن سر إىل حزقيل امللك وقل له حَت يوجه نبياً قوياً فإِن ألق ُّ‬
‫معه يف قلوب أولئك حَت يرس لوا معه بين إس رائيل فقال له امللك‪ :‬فمن ترى؟ وكان يف ِملكته مخس ة من‬
‫اِلنبي اء فق ال‪ :‬يونس ان ه قوي أمني ف َدع ا املل ك بيونس ف أمره أن رج فق ال ل ه يونس ه ل اهلل أمرك‬
‫بإخراج ُّ قال ال قال فهل َاِن لك قال ال قال فههنا غْي أنبياء أقوياء فأْلوا عليه فخرج من بينهم‬
‫مغاضباً للنِب وللملك ولقومه فأتى حبر الروم فركبه"‪.152‬‬
‫هكذا ذكر اْلازن وغْه من املفس رين وأما ابن كثْ فقد ذكر هذه القص ة من غْ أن يعرج على القول‬
‫ِبغاض بته للنِب وللملك ولقومه‪ ،‬ومن غْ ذكر القول ِبغاض بته ربه بل اقتص ر على القول "بأنه ذهب‬
‫مغاضباً بسبب قومه فركب سفينة يف البحر"‪.153‬‬
‫وقد ذكر الش يخ زاده يف حاش يته على تفس ْ البيض اوي تلك القص ة واقتص ر على القول فخرج مغاض باً‬
‫للملك ولقومه ومل يقل مغاضباً للنِب أو لربه"‪.154‬‬

‫والص واب يف هذه القص ة أن يونس عليه الص الة والس الم مل يكن مغاض باً لربه بل لقومه لكفرهم وكان‬
‫علي ه أن ينتظر اإلذن من اهلل تع اىل يف امله اجرة عنهم ف ابتل ُّ ببطن اْلوت كم ا ذكر ذل ك النس ف ُّ يف‬

‫‪ 151‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪ ،274‬تفسْ البغوي ج‪ 3‬ص‪.265‬‬


‫‪ 152‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪ ،274‬تفسْ البغوي ج‪ 3‬ص‪.265‬‬
‫‪ 153‬قصص اِلنبياء ص‪.288‬‬
‫‪ 154‬حاشية الشيخ زاده ج‪ 3‬ص‪.365‬‬
‫‪67‬‬
‫تفسْه‪.155‬‬
‫وقال القاض ُّ عياض‪" :‬قوله "إذ ذهب مغاض باً" الص حيح مغاض باً لقومه لكفرهم وهو قول ابن عباس‬
‫والض حاك وغْمها ال لربه عز وجل إذ مغاض بته اهلل معاداة له ومعاداة اهلل كفر ال تليق باملؤمنني فكيف‬
‫باِلنبياء"‪ .156‬وذكر حنو ذلك الرازي يف عصمة اِلنبياء‪.157‬‬
‫وأما ما قيل من أنه كان يف خلقه ض يق فثقلت عليه أعباء النبوة فقذفها فباطل أيض اً وقد رد ذلك‬
‫الرازي‪.158‬‬
‫وأما قوله تعاىل ﴿فظن أن لن نقدر عليه﴾ فمعناه فظن أن لن نض يق عليه [ومل يكن ش كاً منه يف قدرة‬
‫اهلل] كما ذكر ذلك املفس رون كالنس ف ُّ‪ 159‬واْلازن‪ 160‬والبيض اوي‪ 161‬والش يخ زاده‪ 162‬والبغوي‪ 163‬وابن‬
‫كثْ‪ ،164‬وقد ذكر ايض اً القاض ُّ عياض يف كتابه الش فا وقال "وال يليق أن يظن بنِب أن جيهل ص فة من‬
‫صفات ربه"‪.165‬‬

‫وِما يؤيد ما ذكرناه يف تربئة يونس عليه الص الة والس الم أن اهلل تعاىل ذكره يف اِلنبياء الكرام يف س ورة‬
‫النساء [النساء‪ ،‬اآلية‪ ]163 :‬وسورة اِلنعام [اِلنعام‪ ،‬اآلية‪.]86 :‬‬

‫وقد ورد يف فضله ما رواه ابن كثْ يف قصصه "عن النِب قال‪" :‬ما ينبغ ُّ لعبد أن يقول انا خْ من يونس‬
‫‪166‬‬
‫"كما قد ورد يف بعُ اِلحاديث ال تفض لوِن على اِلنبياء وال على‬ ‫مَت" رواه البخاري وأِحد‬
‫بن َّ‬

‫‪ 155‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 3‬ص‪.274‬‬


‫‪ 156‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.105‬‬
‫‪ 157‬عصمة اِلنبياء ص‪.114‬‬
‫‪ 158‬عصمة اِلنبياء ص‪.115‬‬
‫‪ 159‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 3‬ص‪.274‬‬
‫‪ 160‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪.274‬‬
‫‪ 161‬تفسْ البيضاوي ج‪ 3‬ص‪( 365‬مع حاشية الشيخ زاده)‪.‬‬
‫‪ 162‬حاشية الشيخ زاده ج‪ 3‬ص‪.365‬‬
‫‪ 163‬تفسْ البغوي ج‪ 3‬ص‪.266‬‬
‫‪ 164‬قصص اِلنبياء ص‪.290‬‬
‫‪ 165‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.105‬‬
‫‪ 166‬قصص اِلنبياء ص‪ 295-294‬بتصرف‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫يونس بن مَت وهذا من باب اْلضم والتواضع منه صلى اهلل عليه وسلم"‪.167‬‬

‫‪167‬‬
‫قصص اِلنبياء ص‪.296‬‬
‫‪69‬‬
‫دفع الشبه المتعلقة بقصة داود عليه السالم‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬اص رب على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا اِليد إنه أواب ‪ .‬إنا س خرنا اْلبال معه‬
‫يس بحن بالعش ُّ واإلش راق ‪ .‬والطْ ُمش ورة كل له أواب ‪ .‬وش ددنا ملكه وآتيناه اْلكمة وفص ل اْلطاب‬
‫‪ .‬وهل أتاك نبأ اْلص م إذ تس وروا احملراب ‪ .‬اذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا ال َّتف خص مان بغى‬
‫بعض نا على بعُ فاحكم بيننا باْلق وال تش طط واهدنا إىل س واء الص راط ‪ .‬إن هذا أخ ُّ له تس ع‬
‫وتس عون نعجة ويف نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزِن يف اْلطاب ‪ .‬قال لقد ظلمك بس ؤال نعجتك إىل‬
‫نعاجه وإن كثْاً من اْللطاء ليبغ ُّ بعض هم على بعُ إال الذين آمنوا وعملوا الص اْلات وقليل ما هم‬
‫وخر راكعاً وأناب ‪ .‬فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحس ن م ب ‪.‬‬
‫وظن داود أَّنا فتناه فاس تغفر ربه ا‬
‫يا داود إنا جعلناك خليفة يف اِلرض فاحكم بني الناس باْلق وال تتبع اْلوى فيض لك عن س بيل اهلل إن‬
‫الذين يضلون عن سبيل اهلل ْلم عذاب شديد ِبا نسوا يوم اْلساب﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪.]26-17 :‬‬

‫‪70‬‬
‫قصة اليصم‬
‫قال اهلل تعاىل ﴿وهل أتاك نبأ اْلصم إذ تسوروا احملراب﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪.]21 :‬‬
‫أورد كثْ من املفسرين ههنا قصصاً وأخباراً أكثرها مأخوذ عن أهل الكتاب‪ .‬وأما سبب امتحانه‬
‫" ‪1-‬فقيل إن داود عليه الصالة والسالم َتَن يوماً من اِليام منزلة آبائه إبراهيم وإسحق ويعقوب وذلك‬
‫أنه كان قد قسم الدهر ثالثة أيام‪ ،‬يوم يقض ُّ فيه بني الناس ويوم لو فيه لعبادة ربه عز وجل ويوم لنسائه‪،‬‬
‫وكان جيد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحق ويعقوب فقال يا رب أرى اْلْ كله قد ذهب به‬
‫آبائ ُّ الذين كانوا قبل ُّ فأوحى اهلل إليه إ م ابتلوا بباليا مل تبتل ِبا فصربوا عليها‪ ...‬فقال رب لو ابتليتين‬
‫ِبثل ما ابتليتهم صربت أيضاً فأوحى اهلل إليه انك مبتلى يف شهر كذا يف يوم كذا فاحِّس‪ ،‬فلما كان اليوم‬
‫الذي وعده اهلل به دخل داود ُمرابه واغلق بابه وجعل يصل ُّ ويقرأ الزبور فبينما هو كذلك إذ جاءه الشيطان‬
‫وقد َتثل له يف صورة ِحامة من ذهب فيها من كل لون حسن‪ ،‬وجناحاها من الدر والزبرجد‪ ،‬فوقعت بني‬
‫رجليه فأعجبه حسنها فمد يده ليأخذها ويريها بين إسرائيل لينظروا إىل قدرة اهلل تعاىل فلما قصد أخذها‬
‫طارت غْ بعيد من غْ أن تؤيسه من نفسها فامتد إليها ليأخذها فتنحت فتبعها فطارت حَت وقعت يف‬
‫كوة فذهب ليأخذها فطارت من الكوة فنظر داود أين تقع فيبعث من يصيدها له فأبصر امرأة يف بستان‬
‫على شاطئ بركة تغتسل وقيل رآها تغتسل على سطح ْلا فرآها من أَجل النساء خلقاً فتعجب داود من‬
‫حسنها وحانت منها التفاتة فأبصرت ظله‪ ،‬فنفضت شعرها فغطى بد ا فزاده ذلك إعجاباً فسأل عنها‬
‫بنت شايع امرأة ْأوِريا بن حنانا وزوجها يف غزاة بالبلقاء مع أيوب بن صوريا ابن أخت‬ ‫ِ‬
‫فقيل ه ُّ تشايع ُ‬
‫داود فكتب داود إىل ابن أخته أن ابعث أوريا إىل موضع كذا وقدمه قبل التابوت وكان من قدم على‬
‫التابوت ال ُيل له أن يرجع وراءه حَت يفتح اهلل على يديه أو يستشهد فبعثه ففتح له فكتب إىل داود‬
‫بذلك فكتب إليه أن ابعثه إىل عدو كذا وكذا أشد منه بأساً فبعثه ففتح له فكتب اىل داود بذلك فكتب‬
‫اليه أن ابعثه اىل عدو كذا وكذا أشد منه بأساً فبعثه فقتل يف املرة الثالثة فلما انقضت عدة املرأة تزوجها‬
‫داود فه ُّ أم سليمان‪ .‬وقيل إن داود أحب أن يقتل أوريا فيتزوج امرأته فهذا كان ذنبه‪.‬‬
‫وروي عن ابن مسعود أنه قال كان ذنب داود أنه التمس من الرجل أن ينزل له عن امرأته وقيل كان ذلك‬
‫مباحا ْلم غْ أن اهلل عز وجل مل يرض لداود ذلك ِلنه َرغبة يف الدنيا وازدياد من النس اء وقد أغناه اهلل‬
‫تعاىل عنها ِبا أعطاه من غْها‪.‬‬
‫‪2-‬وقيل أن بين اس رائيل تذاكروا يوماً فقالوا هل يأيت على اإلنس ان يوم ال يص يب فيه ذنباً فأض مر داود‬

‫‪71‬‬
‫أنه سيطيق ذلك‪.‬‬
‫‪3-‬وقيل ذكروا فتنة النساء فأضمر داود يف نفسه أنه إن ابتل ُّ عصم مث ذكروا حنو ما سبق"‪.168‬‬
‫" ‪4-‬وقيل إن داود مل يزل جيتهد يف العبادة حَت برز له حافظاه من املالئكة فكانوا‪ 169‬يص لون معه فلما‬
‫اس تأنس ِبم قال خربوِن بأي ش ُّء أنتم موكلون قالوا نكتب ص احل أعمالك ونوافقك ونص رف عنك‬
‫الس وء فقال يف نفس ه ليت ش عري كيف أكون لو خلوِن ونفس ُّ وَتَن ذلك‪ ...‬فأوحى اهلل تعاىل إىل‬
‫امللكني أن يعتزاله ليعلم أنه ال غَن له عن اهلل تعاىل فل ما فقدهم جد واجتهد يف العبادة إىل أن ظن أنه‬
‫قد غلب نفسه فأراد اهلل تعاىل أن يعرفه ضعفه فأرسل طائراً من طيور اْلنة وذكروا حنو ما تقدم‪.‬‬
‫‪5-‬وقيل إنه قال لبين اسرائيل ِلعدلَ ان بينكم ومل يستثن فابتل ُّ‪.‬‬
‫‪6-‬وقيل إنه أعجبه عمله فابتل ُّ‪.‬‬
‫قالوا فبعث اهلل إليه ملكني يف ص ورة رجلني وذلك يف يوم عبادته فطلبا أن يدخال عليه فمنعهما اْلرس‬
‫فتس ورا عليه احملراب فما ش عر إال ومها بني يديه جالس ان وهو يص ل ُّ يقال كانا جربيل وميكائيل فذلك‬
‫قوله عز وجل ﴿وهل أتاك نبأ اْلص م اذ تس وروا احملراب﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪ ]21 :‬وهذا كله َتثيل ِلمر داود‬
‫مع أوريا زوج املرأة الِت تزوجها داود حيث كان لداود تس ع وتس عون امرأة وِلوريا امرأة واحدة فض مها‬
‫داود إىل نسائه‪...‬‬
‫‪..‬فلما قض ى داود بينهما نظر أحدمها إىل ص احبه وض حك وص عدا إىل الس ماء فعلم داود أن اهلل تعاىل‬
‫ابتاله‪ ...‬فس جد فمكث أربعني ليلة س اجداً حَت نبت الزرع من دموعه على رأس ه وأكلت اِلرض من‬
‫جبهت ه‪ ...‬مث ذكروا أن داود ق ال يف س جوده الوي ل ل داود يوم يكش ف عن ه الغط اء فيق ال ه ذا داود‬
‫اْلاطئ‪ ...‬الويل لداود من الذنب العظيم الذي أص ابه‪ ...‬اغفر يف ذنوِب وال تباعدِن من رِحتك ْلواِن‬
‫مث ق الوا إن داود ذه ب إىل قرب أوري ا وطل ب من ه أن جيعل ه يف ح ال ِلن ه تزوج امرأت ه فلم جيب ه فق ام وجع ل‬
‫الِّاب على رأس ه مث نادى الويل الطويل لداود حني يس حب على وجهه مع اْلاطئني إىل النار‪...‬‬
‫إخل"‪.170‬‬
‫وقد جاء يف تفسْ النسف ُّ ما نصه‪" :‬روي أن أهل زمان داود عليه السالم كان يسأل بعضهم بعضا أن‬

‫‪ 168‬تفسْ اْلازن ج‪ 4‬ص‪ 34-33‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ 169‬هكذا يف اِلصل بضمْ اْلمع‪.‬‬
‫‪ 170‬تفسْ اْلازن ج‪ 4‬ص‪ 34‬بتصرف واختصار‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫ينزل له عن امرأته فتزوجها إذا أعجبته وكان ْلم عادة يف املواس اة بذلك وكان اِلنص ار يواس ون املهاجرين‬
‫ِبثل ذلك فاتفق أن داود وقعت عينه على امرأة أوريا فأحبها فس أله النزول عنها فاس تحى أن يرده ففعل‬
‫فتزوجها وه ُّ أم س ليمان"‪ 171‬مث "ذكر روايتني حنو ما ذكر يف تفس ْ اْلازن من أنه أحب أن يقتل وأنه‬
‫خطب على خطبته"‪ 172‬مث قال "ويروى انه قال أنا أريد أن آخذها منه وأكمل نعاج ُّ مائة فقال داود‬
‫ان ُرمت ذلك ض ربنا منك هذا وهذا وأش ار إىل طرف اِلنف واْلبهة فقال يا داود أنت أحق أن يض رب‬
‫منك هذا وهذا وأنت فعلت كيت وكيت مث نظر داود فلم ير أحداً فعرف ما وقع فيه"‪.173‬‬
‫وجاء يف تفسْ البيضاوي "أنه إن ثبت إنه وقع بصره على امرأة فعشقها فلعله خطب خمطوبته"‪.174‬‬
‫وأما تفس ْ زاد املس ْ‪ 175‬فقد ذكر روايات كتلك الروايات الِت جاءت يف تفس ْ اْلازن يف س بب الفتنة‬
‫وشب"‪.176‬‬
‫والذنب الذي عوتب عليه وزاد عليها أنه "قيل مل يأته امللكان حَت جاء منها سليمان ا‬
‫وكذلك ذكر البغوي‪ 177‬معظم الروايات املذكورة يف تفسْ اْلازن وأضاف عليها من القصص املختلقة ما‬
‫يعج ب من ه املت أم ل من ذل ك أن ه ذكر "أن ه ك ان جي ُّء أربع ة آالف راه ب عليهم الربانس ويف أي ديهم‬
‫العص ُّ فيجلس ون يف احملاريب الِت عنده مث يرفع داود ص وته بالبكاء والنوح على نفس ه ويرفع الرهبان‬
‫أص واَتم حَت يقع داود يف دموعه مثل الفرخ ويض طرب فيها [لكثرَتا] مث يروي عن وهب أنه مكث‬
‫حياته ال يش رب ماء إال مزجه بدموعه وال يأكل طعاماً إال بله بدموعه‪ ...‬وقال إن اهلل وس م خطيئته يف‬
‫يده اليمَن فما رفع فيها طعاماً وال ش راباً إال بكى إذا رآها وما كان خطيباً للناس إال بس ط راح ته‬
‫فاستقبل الناس لْوا وسم خطيئته‪"...‬‬
‫رت فيه النعاج بأ ا كناية عن النساء‪.178‬‬
‫وأما تفسْ اْلاللني فقد ذكرت فيه تلك القصة باختصار وفُس ْ‬

‫‪ 171‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 4‬ص‪.34‬‬


‫‪ 172‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 4‬ص‪.34‬‬
‫‪ 173‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 4‬ص‪.35‬‬
‫‪ 174‬تفسْ البيضاوي ج‪ 4‬ص‪.84‬‬
‫‪ 175‬تفسْ زاد املسْ ج‪ 7‬ص‪.116-113‬‬
‫‪ 176‬زاد املسْ ج‪ 7‬ص‪.115‬‬
‫‪ 177‬تفسْ البغوي ج‪ 4‬ص‪ 52‬إىل ‪ 58‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 178‬تفسْ اْلاللني ص‪.601‬‬
‫‪73‬‬
‫أصل تلك الروايات عند أهل الكتاب‬

‫قال عبد الوهاب النجار‪" :‬وأما أهل الكتاب فإ م يقولون أن داود نظر وهو ُيش ُّ على س طح داره إىل‬
‫امرأة تس تحم فأعجبته وأغرم ِبا وأتى ِبا واض طجع معها فحملت منه وأعلمته وكان زوجها أوريا يف‬
‫اْلرب فأتى به ليس أله عن أمر اْلرب يف الظاهر وليحدث الرجل بامرأته عهداً حَت ال يرتاب بأمرها إذا‬
‫علم فيما بعد أ ا حامل ولكن الرجل كان تقياً جداً فبات بباب داود ومل يزر امرأته ِلنه رأى من عدم‬
‫التقوى أن يتمتع بزوجته وإخوانه يف اْلرب بعيدون عن أزواجهم فلما علم داود بأمره مل ير وس يلة لعدم‬
‫افتضاح أمره إال تعريُ أوريا ْلبهة القتال‪ ...‬وِبذه الوسيلة قتل الرجل‪.179"...‬‬

‫وقد اشتملت تلك الروايات على وجوه من البطالن والفساد نلخصها فيما يأيت‪:180‬‬
‫‪ 1-‬قالوا بأن داود َتَن منزلة آبائه‪ ...‬إىل أن قالوا أنه ابتل ُّ بتلك البلية‪ .‬فدلت أول حكايتهم على أنه‬
‫سيبتلى بالبالء الذي يرفع درجته فكان العشق والقتل وغْ ذلك‪.‬‬
‫‪2-‬تض اربت أقواْلم يف الطائر فقيل هو من طيور اْلنة وقيل هو إبليس فعلى هذا القول اس تطاع‬
‫الش يطان أن يوقع داود يف تلك الفتنة القبيحة واهلل يقول‪﴿ :‬إن عبادي ليس لك عليهم س لطان﴾‬
‫[اْلجر‪ ،‬اآلية‪ ]42 :‬اآلية‪.‬‬
‫‪3-‬اش تملت تلك الروايات على نس بة تكرار النظر احملرم إىل داود مث الس ع ُّ للزواج بتلك املرأة بعد قتل‬
‫زوجها‪ ،‬وقالوا إ ا أم سليمان‪ .‬فلو كان اِلمر كما ذكروا مل يكن املولود نبياً مكرما كسليمان بل كان أوىل‬
‫بأن يأتيه شق إنسان من سليمان عليه السالم مع أن سليمان ما حصل معه ذلك إال ِلنه مل يستثن كما‬
‫سيأيت بيان ذلك‪ ،‬فكيف ِبا نسبوه إىل نِب اهلل داود عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫فمن كان زواجه ِبذه الطريقة وأتاه مولود ال يقول‪﴿ :‬ووهبنا لداود س ليمان نعم العبد إنه أواب﴾ [ص‪،‬‬
‫اآلية‪ ]30 :‬عوضاً عن معاقبته‪.‬‬
‫‪4-‬اش تملت ايض اً على نس بة اْلرص على الدنيا واالزدياد من النس اء إىل نِب اهلل داود عليه الص الة‬

‫‪ 179‬قصص اِلنبياء ص‪.313‬‬


‫‪ 180‬بعُ كالمنا مأخوذ من كالم الشيخ عبد اهلل الغماري يف كتابه قصة داود ص‪ 17‬إىل ص‪ ،35‬وقد أضفنا‬
‫اضافات كثْة قيامة‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫والسالم حَت أدى ذلك على زعمهم إىل أن ال يسلم منه املسلم يف عرضه وال يف دمه‪.‬‬
‫‪5-‬قيل أ م تذاكروا الذنوب وفتنة النس اء فاض مر أنه إن ابتل ُّ عص م مث حص ل ما حص ل فلو كان نِب‬
‫اهلل داود ‪-‬الذي قال اهلل فيه ﴿ذا اِليد﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪ ]17 :‬أي القوة يف الدين‪ -‬ال ص رب له على فتنة‬
‫النس اء ملا كان وص ف اهلل له بذلك ص دقاً‪ ،‬مث لو كان داود عليه الس الم ال طاقة له على اجتناب فتنة‬
‫النساء فكيف بسائر املؤمنني‪.‬‬
‫‪6-‬روي أن ه برز ل ه ح افظ اه‪ ...‬إىل أن ق الوا ف أوحى اهلل اىل امللكني أن يعتزاله ليعلم أن ه ال غَن ل ه عن‬
‫اهلل‪ .‬من العجب أن يقال هذا الكالم عن نِب اهلل داود‪ ،‬وهل يليق باهلل أن يبعث نبياً ال يعرف أنه ال غَن‬
‫له عن ربه حَت يوقعه يف فتنة النساء‪.‬‬
‫‪7-‬تلك الروايات فيها إس ناد الكذب إىل املالئكة حيث قالوا مل يكن مث خص ومه وال نعاج‪ .‬وإن حاولوا‬
‫اْلروب من ذلك بقوْلم كان على وجه التمثيل أو الفرض‪.‬‬
‫‪8-‬توصلوا بإسناد الكذب إىل املالئكة إىل اسناد القبائح إىل نِب من أكابر اِلنبياء‪.‬‬
‫‪9-‬نس بوا إىل داود أنه قال الويل الطويل لداود حني يس حب على وجهه مع اْلاطئني إىل النار وغْ‬
‫ذلك ِما جيعل هيبة داود عليه الس الم تس قط من قلب كل من يص دق تلك الروايات فيقع يف الض الل‬
‫وهو ال يشعر‪.‬‬
‫‪10-‬إن تلك الروايات ِتعل ش أن املعاص ُّ بالنس بة ِلفراد املؤمنني ش يئاً هيناً حيث مل يس لم داود ‪-‬‬
‫بزعمهم‪ -‬من تلك اِلفاعيل اْلسيسة من حسد ونظر ُمرم وغْ ذلك‪.‬‬
‫‪11-‬يف تل ك الرواي ات مب الغ ات يعج ب منه ا الن اظر كقوْلم ك ان جيتمع عن ده اربع ة آالف راه ب‬
‫فيجلس ون يف احملاريب الِت ه ُّ أربعة آالف ُمراب‪ ،‬وقوْلم إنه كان يقع يف دموعه مثل الفرخ يض طرب‬
‫وإنه مكث ساجداً أربعني يوماً حَت نبت الزرع من دموعه وأكلت اِلرض من جبهته‪.‬‬
‫‪12-‬قالوا إن اهلل رس م خطيئته يف كفه وكان يري ذلك للناس‪ ،‬فلو كان ص حيحاً كيف ُيكن لقومه أن‬
‫يتبعوه؟ وماذا يكون جواِبم عندما ينهاهم عن معص ية اهلل؟ بل لو كان ص حيحاً لكان اف منه كل من‬
‫له امرأة حسناء أن تقع عينه عليها فيعجب ِبا‪.‬‬
‫" ‪13-‬من املعلوم أن الدخول يف دم أوريا أعظم من التزوج بامرأته [فلو كان ما قالوه ص حيحاً] فكيف‬
‫ترك اهلل الذنب اِلعظم واقتصر على ذكر اِلخف"‪.181‬‬

‫‪ 181‬عصمة اِلنبياء ص‪.97‬‬


‫‪75‬‬
‫‪14-‬قوْلم إن امللك قال له أنت أحق أن يض رب منك هذا وهذا (أي على طرف اِلنف واْلبهة)‪.‬‬
‫وهذا ِما ال يليق أن ِ‬
‫اطب به ملك نبياً من اِلنبياء‪.‬‬

‫إبطال تلك الروايات‬


‫قال ابن كثْ‪" :‬وقد ذكر كثْ من املفس رين من الس لف واْللف ههنا قص ص اً وأخباراً أكثرها إس رائيليات‬
‫ومنها ما هو مكذوب ال ُمالة‪ ،‬تركنا ايرادها يف كتابنا قص داً واقتص اراً على َمرد تالوة القص ة من القرآن‬
‫العظيم"‪ 182‬مث قال‪" :‬وقد ذكر بعُ املفس رين أنه عليه الس الم مكث س اجداً أربعني يوماً وقاله َماهد‬
‫واْلسن وغْمها وورد ذلك يف حديث مرفوع لكنه من رواية يزيد الرقاش ُّ وهو ضعيف مِّوك الرواية"‪.183‬‬
‫وقال اإلمام الرازي‪" :‬الذي حكاه املفس رون عن داود وهو أنه عش ق امرأة أوريا فاحتال حَت قتل زوجها‬
‫فتزوجها ال يليق باِلنبياء بل لو وصف به أفسق امللوك لكان منكراً"‪.184‬‬
‫وقال اْلازن‪" :‬اعلم أن من خصه اهلل تعاىل بنبوته وأكرمه برسالته وشرفه على كثْ من خلقه وائتمنه على‬
‫وحيه وجعله واس طة بينه وبني خلقه ال يليق أن ينس ب إليه ما لو نس ب إىل آحاد الناس الس تنكف أن‬
‫ُيدث به عنه فكيف جيوز أن ينسب إىل بعُ أعالم اِلنبياء والصفوة اِلمناء"‪.185‬‬
‫وقال القاض ُّ عياض‪" :‬ال جيوز‪ 186‬أن يلتفت إىل ما س طره اِلخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا‬
‫وغْوا ونقله بعُ املفس رين ومل ينص اهلل تعاىل على ش ُّء من ذلك وال ورد يف حديث ص حيح والذي‬
‫نص عليه اهلل يف قص ة داود ﴿وظن داود أَّنا فتناه﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪" 187"]24 :‬وإىل نف ُّ ما أض يف يف‬
‫الداودي‪:‬‬
‫اِلخبار إىل داود عليه الصالة والسالم ذهب أِحد بن نصر وأبو َتام وغْمها من احملققني‪ ،‬قال ُ‬
‫ليس يف قصة داود وأوريا خرب ثابت وال يظن بنِب ُمبة قتل مسلم"‪.188‬‬
‫فتبني بذلك بطالن تلك الروايات من حيث اإلسناد ومن حيث املعَن‪.‬‬

‫‪ 182‬قصص اِلنبياء ص‪.486‬‬


‫‪ 183‬قصص اِلنبياء ص‪.487‬‬
‫‪ 184‬عصمة اِلنبياء ص‪.97‬‬
‫‪ 185‬تفسْ اْلازن ج‪ 4‬ص‪.35‬‬
‫‪ 186‬يف اِلصل‪" :‬ال جيب" والذي اثبتناه من اْلازن ج‪ 4‬ص‪ 35‬وهو الصواب‪.‬‬
‫‪ 187‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.163‬‬
‫‪ 188‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.164‬‬
‫‪76‬‬
‫وقد نص علماء اْلديث على أن من أدلة وضع اْلديث أن يكون معناه ركيكاً كما قال العراق ُّ‪:‬‬
‫الوضع باالقرا ِر وما * نُ زَل منزلتَهُ وربَّم ا‬
‫ُ‬ ‫"ويُعرف‬
‫عرف بال رَّك ة‪"...‬‬
‫‪189‬‬
‫يُ ُ‬
‫"وقال ابن اْلوزي‪ :‬واعلم إن اْلديث املنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم وينفر منه قلبه يف الغالب"‪.190‬‬
‫وقال الربيع بن خيثم‪" :‬إن للحديث ضوءاً كضوء النهار تعرفه وظلمة كظلمة الليل تنكره"‪.191‬‬

‫‪ 189‬ألفية العراق ُّ يف املصطلح ص‪( 18‬ضمن النفائس)‪.‬‬


‫‪ 190‬فتح املغيث ص‪ /142‬فتح الباق ُّ ج‪ 1‬ص‪.281‬‬
‫‪ 191‬فتح املغيث ص‪ /142‬فتح الباق ُّ ج‪ 1‬ص‪.280‬‬
‫‪77‬‬
‫داللة السياق على براءة داود عليه السالم‬
‫ليعلم‪ 192‬أن الذين فسروا قصة داود بتلك الروايات ِبا ذكر غفلوا عن السياق‪ ،‬فإن هذه السورة اشتملت‬
‫على أربع خصومات‪:‬‬
‫خصومة املشركني للنِب يف أول السورة‪﴿ .‬بل الذين كفروا يف عزة وشقاق" [ص‪ ،‬اآلية‪]2 :‬‬ ‫‪-1‬‬
‫﴿نبأ اْلصم اذ تسوروا احملراب﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪.]21 :‬‬ ‫‪-2‬‬
‫﴿إن ذلك ْلق َّتاصم أهل النار﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪.]64 :‬‬ ‫‪-3‬‬
‫﴿ما كان يف من علم باملأل اِلعلى اذ تصمون﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪.]69 :‬‬ ‫‪-4‬‬

‫واِلنبياء املذكورون يف هذه السورة كلهم ابتلوا وامتحنوا وصربوا حَت ثاهم اهلل ونصرهم فذكروا هنا تسلية‬
‫عجل لنا قطانا قبل‬
‫للنِب وتسرية عنه وتثبيتاً لفؤاده‪ .‬وقد جاء يف أول السورة عن املشركني أ م قالوا ﴿ربنا ا‬
‫فبني اهلل تعاىل أنه يبتل ُّ‬
‫يوم اْلس اب﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪ ]16 :‬فس ألوا تعجيل العذاب اس تهزاء ومعاندة‪ ،‬ا‬
‫الص اْلني لرفع درجاَتم فذكر له بعُ من َّ‬
‫تقدمه من اِلنبياء وما قاس وا من الش دائد فص ربوا ليكون ذلك‬
‫عزاءً ومواس اة وحثاً له على التأس ُّ والتؤدة فقال تعاىل‪﴿ :‬اص رب على ما يقولون واذكر﴾ على س بيل‬
‫التأس ُّ ﴿عبدنا داود ذا اِليد﴾ أي القوة يف الطاعة والص رب والتحمل ﴿إنه أواب﴾ كثْ الرجوع إىل اهلل‪.‬‬
‫فلم جيز أن يأمر اهلل نبيه بالتأس ُّ ِبن كان يسعى يف قتل مسلم طمعاً يف زوجته إرضاء لشهوته‪.‬‬

‫وقد جاء وصف داود يف ابتداء القصة بأوصاف ِحيدة منها‪:‬‬


‫﴿ذا اِليد ‪ -‬إنه أواب ‪ -‬إنا سخرنا اْلبال معه يسبحن بالعش ُّ واإلشراق ‪ -‬والطْ ُمشورة كل له أواب‬
‫‪ -‬وشددنا ملكه ‪ -‬وآتيناه اْلكمة ‪ -‬وفصل اْلطاب﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪.]20-17 :‬‬
‫مث جاء قوله تعاىل‪﴿ :‬وهل أتاك نبأ اْلصم اذ تسوروا احملراب﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪.]21 :‬‬
‫مث بعد ذكر القص ة قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬يا داود انا جعلناك خليفة يف اِلرض﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪ ]26 :‬وهذا من‬
‫أجل املمادح "وترتيب اْلكم على الوص ف مش عر بكون الوص ف علة لذلك اْلكم‪ .‬فعلى ما ذكروه يلزم‬
‫أن يكون تفويُ خالفة اِلرض اليه بس بب اقدامه على القتل والفس ق"‪ 193‬وهذا ِما ال يقوله عاقل فإنه‬

‫‪ 192‬بعُ ما أوردناه هنا مأخوذ من كالم الغماري بتصرف من قصة داود ص‪ 38‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 193‬عصمة اِلنبياء ص‪.99‬‬
‫‪78‬‬
‫من احملال يف كالم اهلل أن يتوس ط تلك املمادح ما يش عر ِبا قالوه‪ ،‬فإنه "لو كان كذلك ْلرى َمرى قول‬
‫من يقول فالن عظيم الرتبة يف طاعة اهلل يقتل ويزِن وقد جعله اهلل تعاىل خليفة وص وبه يف أحكامه وأمر‬
‫أفضل اِلنبياء باالقتداء به"‪.194‬‬
‫وِما يزيد اِلمر وض وحاً أن اهلل تعاىل قال يف حق داود‪﴿ :‬وآتيناه اْلكمة﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪" ]20 :‬واْلكمة‬
‫اس م جامع لكل ما ينبغ ُّ علما وعمال فكيف جيوز أن يقول اهلل وآتيناه اْلكمة مع إص راره على ما‬
‫يستنكفه أخبث الشياطني من مزاِحة أفضل أصحابه وأحبائه يف الزوج واملنكوح"‪.195‬‬
‫وكذلك "قوله تعاىل يف حق بعُ الرسل‪﴿ :‬إنا أخلصناهم خبالصة ذكرى الدار وإ م عندنا ملن املصطفني‬
‫اِلخيار﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪ ]47-46 :‬وكل ذلك ينايف وصفهم باإلقدام على الكبْة والفاحشة"‪.196‬‬

‫‪ 194‬عصمة اِلنبياء ص‪ 99‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ 195‬عصمة اِلنبياء ص‪.99-98‬‬
‫‪ 196‬عصمة اِلنبياء ص‪.99‬‬
‫‪79‬‬
‫بيان وجه الصواب‬
‫بعد تنزيه داود عليه الص الة والس الم ِما نس ب اليه ِما ال يليق به هناك مس لكان يف ش رح قص ة داود‪:‬‬
‫املس لك اِلول أن يُقتص ر على تالوة اآليات وش رح ألفاظها من غْ تعرض لبيان املقص ود بقوله تعاىل‪:‬‬
‫﴿وظن داود أَّنا فتناه﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪.]24 :‬‬
‫عني املقصود بذلك على ما يليق بنِب اهلل داود‪.‬‬
‫واملسلك الثاِن أن يُ َّ‬
‫اْلص مني لقد ظلمك‬
‫‪1-‬وقد اختلفت أقاويل املفس رين "فقيل أن ذنبه الذي اس تغفر منه قوله ِلحد ْ‬
‫فظلامه بقول خصمه"‪ 197‬قبل أن يسمع جوابه‪.‬‬
‫وقد رد ذلك كثْون ِلنه من البدهيات يف القض اء أ ْن ال ُيكم اْلاكم يف اْلص ومة إال بعد َاع الطرفني‬
‫فكيف ِبن آتاه اهلل اْلكمة وفص ل اْلطاب‪ .‬وِمن رد هذا التفس ْ القاض ُّ أبو بكر بن العرِب فيما نقله‬
‫عنه احملدث عبد اهلل الغماري‪ .198‬وقال البغوي يف تفس ْه‪" :‬قيل معناه إن كان اِلمر كما تقول فقد‬
‫ظلمك وقيل قال ذلك بعد اعِّاف ص احبه ِبا يقول"‪ ،199‬وذكر اْلازن مثل ذلك‪ ،200‬وقال البيض اوي‪:‬‬
‫"ولعله قال ذلك بعد اعِّافه أو على تقدير ص دق املدع ُّ"‪ ،201‬وقال النس ف ُّ‪" :‬وإَّنا ظلام اآلخر بعدما‬
‫اعِّف به خصمه ولكنه مل ُيك يف القرآن ِلنه معلوم"‪.202‬‬

‫‪2-‬وقيل إن َجاعة من اِلعداء طمعوا يف أن يقتلوا نِب اهلل داود عليه الس الم‪ ،‬وكان له يوم لو فيه‬
‫بنفس ه ويش تغل بطاعة ربه‪ ،‬فانتهزوا الفرص ة يف ذلك اليوم وتس وروا احملراب‪ ،‬فلما دخلوا عليه وجدوا عنده‬
‫أقواماً ُينعونه منهم‪ ،‬فخافوا فوض عوا كذباً فقالوا خص مان بغى بعض نا على بعُ إىل آخر القص ة‪ ،‬فلما‬
‫دخلوا عليه بطلب قتله وعلم داود ذلك‪ ،‬دعاه الغض ب اىل أن يش تغل باالنتقام منهم‪ ،‬إال أنه مال اىل‬
‫الص فح والتج اوز عنهم طلب اً ملرض اة اهلل وك ان ت ه ذه الواقع ة ه ُّ الفتن ة‪ِ ،‬ل ا ج اري ة َمرى االبتالء‬
‫واالمتحان‪ ،‬مث انه استغفر ربه ِما هم به من االنتقام منهم وتاب عن ذلك اْلم وأناب"‪.203‬‬

‫‪ 197‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.164‬‬
‫‪ 198‬قصة داود ص‪.20‬‬
‫‪ 199‬تفسْ البغوي ج‪ 4‬ص‪.54‬‬
‫‪ 200‬تفسْ اْلازن ج‪ 4‬ص‪.35‬‬
‫‪ 201‬تفسْ البيضاوي ج‪ 4‬ص‪.83‬‬
‫‪ 202‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 4‬ص‪.35‬‬
‫‪ 203‬قصة داود ص‪.33‬‬
‫‪80‬‬
‫وهذا التفسْ ِما ال يقدح يف عصمة اِلنبياء‪ ،‬وان كان ُُيتاج إىل إثباته حبديث صحيح‪.‬‬

‫‪3-‬قال بعض هم‪" :‬إن داود عليه الس الم مل يرتكب معص ية أص الً وإن اس تغفاره إَّنا كان من الفزع الذي‬
‫حصل منه وهو يف تلك اْللوة يعبد اهلل‪ِ ،‬لن اِلنبياء يطالبون أنفسهم بأرقى الكماالت"‪.204‬‬

‫فإن قيل‪ :‬فما هو وجه التأسي الذي أمر الل به نبيه في هذه القصة؟‬
‫فاْلواب على ما قاله بعُ العلماء‪" :‬إن اْلص مني قد أس اءا إىل داود عليه الس الم فص رب وَتمل‪،‬‬
‫وخطأمها من وجوه أوْلا نزوْلما من الس ور وهذا غْ جائز عرفاً وش رعاً‪ .‬ثانيها أ ما مل يعتذرا ملا رأيا فزعه‬
‫منهما بأن يقوال مثال ال تؤاخذنا فموس ى عليه الس الم ملا س أل اْلض ر أول مرة قال له ﴿ال تؤاخذِن ِبا‬
‫نسيت﴾ [الكهف‪ ،‬اآلية‪.]73 :‬‬
‫وأما اْلصمان فقاال "ال َّتف" عبارة جافة ِتاوز عنها داود‪.‬‬
‫ثالثها قوْلما "وال تشطط" وهذه إساءة منها إذ خاطبا نبياً معصوما بذلك مع أ ما من أفراد أمته‪.‬‬
‫فكان بإمكان داود أن يعاقبهما على إس اءة اِلدب لكنه فض ل الص رب والتحمل ومل ينتقم لنفس ه فكان‬
‫ذلك وجه التأس ُّ املأمور به يف تلك القصة"‪.205‬‬

‫فائدة‪" :‬ذكر كثْ من املفسرين عن عل ُّ أنه قال من حدثكم حبديث داود على ما يرويه القصاص جلدته‬
‫مائة وستني وهو حد الفرية على اِلنبياء"‪.206‬‬
‫"وهذا ِما مل يصح عن عل ُّ فإن حكم من نسب اىل نِب الزنا القتل"‪ 207‬وكذا لو نسب إليه ما دون الزنا‬
‫من مقدماته فإنه يقتل إن مل يرجع إىل اإلسالم‪.‬‬

‫فائدة طريفة‪" :‬روي أن عمر بن عبد العزيز حدث بتلك القصة الباطلة وعنده رجل من أهل اْلق فكذب‬
‫أع ِظم بأن يقال‬
‫احملدث وقال "إن كانت القص ة على ما يف كتاب اهلل فما ينبغ ُّ أن يلتمس خالفها‪ ،‬و ْ‬

‫‪ 204‬قصة داود ص‪ 41‬و‪ 43‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ 205‬قصة داود‪ ،‬نقال عن البقاع ُّ ص‪ 41-40‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 206‬تفسْ اْلازن ج‪ 4‬ص‪ .35‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 4‬ص‪.34‬‬
‫‪ 207‬قصة داود ص‪.21‬‬
‫‪81‬‬
‫كف اهلل عنها س ِّاً على نبيه فما ينبغ ُّ إظهارها عليه" فقال عمر‪:‬‬
‫غْ ذلك وإن كانت على ما ذكرت و ا‬
‫أحب ايف ِما طلعت عليه الشمس"‪.208‬‬
‫لَ َسماع ُّ هذا الكالم ُّ‬

‫‪ 208‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 4‬ص‪ 43‬بتصرف‪.‬‬


‫‪82‬‬
‫دفع الشبه المتعلقة بقصة سليمان عليه السالم‬
‫وه ُّ قسمان‪:‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ووهبنا لداود س ليمان نعم العبد إنه أواب‪ .‬إذ عرض عليه بالعش ُّ الص افنات‬ ‫‪-1‬‬
‫عل ُّ فطفق‬
‫اْلي اد‪ .‬فق ال إِن أحبب ت ح ب اْلْ عن ذكر رِب حَت توارت ب اْلج اب‪ .‬ردوه ا ا‬
‫مس حاً بالس وق واِلعناق‪ .‬ولقد فتنا س ليمان وألقينا على كرس يه جس داً مث أناب‪ .‬قال رب اغفر‬
‫يف وهب يف ملكاً ال ينبغ ُّ ِلحد من بعدي إنك أنت الوهاب‪ .‬فس خرنا له الريح ِتري بأمره‬
‫وغواص‪ .‬وآخرين مقرنني يف اِلص فاد‪ .‬هذا عطاؤنا‬
‫رخاء حيث أص اب‪ .‬والش ياطني كل بناء ا‬
‫فامنن أو امسك بغْ حساب‪ .‬وإن له عندنا لزلفى وحسن م ب﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪.]40-31 :‬‬
‫‪-‬وقال تعاىل‪﴿ :‬قال يا أيها املأل أيكم يأتيين بعرش ها قبل أن يأتوِن مس لمني‪ .‬قال عفريت من‬ ‫‪-2‬‬
‫اْلن أن ا آتي ك ب ه قب ل أن تقوم من مق ام ك وإِن علي ه لقوي أمني‪ .‬ق ال ال ذي عن ده علم من‬
‫الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك‪ .‬فلما رآه مس تقراً عنده قال هذا من فض ل رِب‬
‫ليبلوِن أأش كر أم أكفر ومن ش كر فإَّنا ش كر لنفس ه ومن كفر فإن رِب غين كرمي‪ .‬قال نكروا ْلا‬
‫عرشها ننظر أَتتدي أم تكون من الذي ال يهتدون‪ .‬فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه‬
‫هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مس لمني‪ .‬وص دها ما كانت تعبد من دون اهلل إ ا كانت من قوم‬
‫كافرين‪ .‬قيل ْلا ادخل ُّ الصرح فلما رأته حسبته ْلة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ِمرد من‬
‫قوارير قالت رب إِن ظلمت نفس ُّ وأس لمت مع س ليمان هلل رب العاملني﴾ [النمل‪ ،‬اآلية‪:‬‬
‫‪.]44-38‬‬

‫‪83‬‬
‫القسم األول‬
‫فيما يتعلق بقصة فتنة سليمان وإلقاء اللسد على كرسيه‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ولقد فتنا س ليمان وألقينا على كرس يه جس داً مث أناب‪ .‬قال رب اغفر يف وهب يف ملكاً‬
‫ال ينبغ ُّ ِلحد من بعدي إنك أنت الوهاب﴾ [ص‪ ،‬اآلية‪.]35-34 :‬‬

‫ذكر كثْ من املفس رين عند الكالم على هذه اآليات قص ص اً مأخوذة عن أهل الكتاب اش تملت على ما‬
‫جيب تنزيه اِلنبياء عنه‪ ،‬وكنا قد ق ادمنا أن س ورة ص جاءت يف ُماجة منكري النبوة‪ ،‬وحُ النِب ُممد‬
‫عليه الصالة والسالم على التأس ُّ بأولئك اِلنبياء الذي ذكروا يف السورة‪ ،‬فكيف يليق أن يأيت يف سياقها‬
‫ما هو طعن يف اِلنبياء عليهم الصالة والسالم‪.‬‬
‫وتتلخص الشبه الِت ذكروها فيما يل ُّ‪:‬‬
‫تفسْ (فتنا) ابتليناه وامتحناه بسلب ملكه"‪.209‬‬ ‫‪-1‬‬
‫"تفس ْ املراد باْلس د بش يطان اَه ص خر أو آص ف أو حبقيق‪ .‬وأن املعَن أجلس نا على كرس يه‬ ‫‪-2‬‬
‫يف ملكه ش يطانا‪ ،‬وزعموا أن هذا الش يطان تس لط على ملك س ليمان بأن حص ل على خاَته‬
‫وتش كل بص ورته فص ار ُيكم بأقض ية فاس دة‪ .‬وقيل إنه كان يأيت نس اء س ليمان يف اْليُ‬
‫فأنكرن ذلك منه‪ .‬وأما سليمان فقالوا إنه مل يعد يعرفه أحد وإنه كان يستطعم الناس فال يطعمه‬
‫أحد حَت حصل على خاَته فطرد الشيطان‪ .‬وقيل غْ ذلك"‪.210‬‬
‫"قيل يف سبب ابتالئه بذلك ‪-‬فيما زعموا‪ -‬أنه كان له زوجة اَها جرادة عبدت صورة أبيها يف‬ ‫‪-3‬‬
‫منزل س ليمان أربعني ص باحاً ه ُّ ووالئدها فلما علم س ليمان كس ر تلك الص ورة وعاقبها‬
‫ووالئدها"‪.211‬‬
‫"وقيل سبب ابتالئه أنه قارب امرأة من نسائه يف اْليُ"‪.212‬‬ ‫‪-4‬‬

‫‪ 209‬زاد املسْ ج‪ 7‬ص‪ /132‬تفسْ البغوي ج‪ 4‬ص‪.61‬‬


‫‪ 210‬زاد املسْ ج‪ 7‬ص‪ 137-136-135-132‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 211‬زاد املسْ ج‪ 7‬ص‪ /133‬تفسْ البغوي ج‪ 4‬ص‪.62-61‬‬
‫‪ 212‬زاد املسْ ج‪ 7‬ص‪.134‬‬
‫‪84‬‬
‫‪215‬‬ ‫‪214‬‬
‫وذكر‬ ‫واْل ازن‬ ‫وق د ذكر تل ك اِلق اوي ل ابن اْلوزي يف زاد املس ْ‪ 213‬والبغوي يف تفس ْه‬
‫البيضاوي‪ 216‬واحملل ُّ‪ 217‬يف تفسْ اْلاللني بعُ تلك اِلقاويل‪.‬‬

‫إبطال تلك الروايات‬


‫قال ابن كثْ‪" :‬ذكر ابن جرير وابن أِب حا وغْمها من املفس رين ههنا آثاراً كثْة عن َجاعة من الس لف‬
‫وأكثرها أو كلها متلقاة من اإلس رائيليات ويف كثْ منها نكارة ش ديدة وقد نبهنا على ذلك يف كتابنا‬
‫التفسْ"‪.218‬‬
‫وقال القاض ُّ عياض‪" :‬وال يص ح ما نقله اِلخباريون من تش به الش يطان به وتس لطه على ملكه وتص رفه‬
‫يف أمته باْلور يف حكمه ِلن الشياطني ال يسلطون على مثل هذا وقد عصم اِلنبياء من مثله"‪.219‬‬
‫بيان وجه الصواب‬
‫روى مس لم "عن أِب هريرة قال‪ :‬كان لس ليمان س تون امرأة فقال ِلطوفن عليهن الليلة فتحمل كل واحدة‬
‫منهن فتلد كل واحدة منهن غالماً فارس اً يقاتل يف س بيل اهلل فلم َتمل منهن إال واحدة فولدت نص ف‬
‫إنس ان فقال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم لو كان اس تثَن لولدت كل واحدة منهن غالماً فارس اً يقاتل‬
‫يف سبيل اهلل"‪.220‬‬
‫ويف رواية قال عليه الص الة والس الم‪" :‬ولو قال إن ش اء اهلل مل ُينث وكان دركا له يف حاجته"‪ 221‬وكان‬
‫تركه لالستثناء نسياناً كما روى مسلم عن النِب أنه قال "فلم يَ ُقل ونُس َ ُّ"‪.222‬‬

‫‪ 213‬زاد املسْ ج‪ 7‬ص‪ 132‬اىل ص‪.137‬‬


‫‪ 214‬تفسْ البغوي ج‪ 4‬ص‪ 61‬اىل ص‪.64‬‬
‫‪ 215‬تفسْ اْلازن ج‪ 4‬ص‪ 40‬اىل ص‪.42‬‬
‫‪ 216‬تفسْ البيضاوي ج‪ 4‬ص‪.86‬‬
‫‪ 217‬تفسْ اْلاللني ص‪ 602‬ذكر القصة باختصار‪.‬‬
‫‪ 218‬قصص اِلنبياء ص‪.506‬‬
‫‪ 219‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.167‬‬
‫‪ 220‬صحيح مسلم بشرح النووي ج‪ 11‬ص‪.119-118‬‬
‫‪ 221‬صحيح مسلم بشرح النووي ج‪ 11‬ص‪.121‬‬
‫‪ 222‬صحيح مسلم بشرح النووي ج‪ 11‬ص‪.120‬‬
‫‪85‬‬
‫القسم ال اني‬
‫قصة سليمان عليه السالم مع بلقيس‬
‫نتكلم يف هذه القصة على أمرين‪ :‬اِلول فيما يتعلق بعر‪ ،‬بلقيس والثاِن فيما يتعلق بالصرح‪.‬‬
‫قال اهلل تعاىل إخباراً عن س ليمان‪ ﴿ :‬قال يا أيها املأل أيكم يأتيين بعرش ها قبل أن يأتوِن‬ ‫‪-1‬‬
‫مسلمني﴾ [النمل‪ ،‬اآلية‪.]38 :‬‬

‫ذكر بعُ املفس رين أن س بب طلب س ليمان ذلك أنه علم أ ا إن أس لمت ُيرم عليه ماْلا فأراد أخذ‬
‫عرشها قبل أن ُيرم عليه أخذه بإسالمها‪.223‬‬
‫والص واب أنه ال يليق بنِب اهلل س ليمان أن يكون به حرص على أخذ عر‪ ،‬بلقيس ِلن ذلك ليس من‬
‫ش يم الص اْلني فض الً عن اِلنبياء‪ ،‬وكيف يكون ذلك وقد آتاه اهلل ذلك امللك العظيم‪ .‬وقد ذكر اهلل‬
‫تع اىل عن ه قب ل ذل ك أن ه ق ال ﴿أَت دونن ِب ال فم ا آت اِن اهلل خْ ِم ا آت اكم ب ل أنتم ِب ديتكم تفرحون﴾‬
‫[النمل‪ ،‬اآلية‪.]36 :‬‬
‫مث لو كان يريد عرشها ملا نكره ْلا وأراها اياه‪.‬‬
‫فسبب طلبه إحضار عرشها هو إرادة اختبار عقلها كما قال النسف ُّ‪ 224‬وغْه‪ ،‬أو لْيها قدرة اهلل وعظم‬
‫س لطانه كما قال البغوي‪ 225‬واْلازن‪ .226‬والقول الثاِن أقرب‪ِ ،‬لنه على القول اِلول "قيل إن الش ياطني‬
‫خافت أن يتزوجها سليمان فتفش ُّ إليه أسرار اْلن ِلن أمها كانت جنية وإذا ولدت ولداً ال ينفكون من‬
‫تس خْ س ليمان وذريته من بعده فأس اؤوا الثناء عليها ليزهدوه فيها وقالوا إن يف عقلها ش يئاً وإن رجلها‬
‫كحافر اْلمار وإ ا ش عراء الس اقني فأراد س ليمان أن ترب عقلها بتنكْ عرش ها وينظر اىل قدميها ببناء‬
‫الصرح"‪.227‬‬
‫وهذا باطل ِلن اهلل قد سخر لسليمان اْلن فال ُيتاج إىل أن تفش ُّ إليه بلقيس أسرار اْلن‪ ،‬وِلن بلقيس‬
‫لو كانت كما قالوا لكانت ه ُّ سخرت اْلن لنفسها‪.‬‬

‫‪ 223‬تفسْ البغوي ج‪ 3‬ص‪ /419‬اْلازن ج‪ 3‬ص‪.385‬‬


‫‪ 224‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 3‬ص‪.385‬‬
‫‪ 225‬تفسْ البغوي ج‪ 3‬ص‪.419‬‬
‫‪ 226‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪.385‬‬
‫‪ 227‬تفسْ اْلازن ج‪/3‬ص‪ ،386‬تفسْ البغوي ج‪ 3‬ص‪ ،421‬قصص اِلنبياء ص‪.503‬‬
‫‪86‬‬
‫ومن أوضح دليل على بطالن ما قالوه أن اهلل تعاىل ذكر قبل قصة بلقيس قوله‪﴿ :‬وحشر لسليمان جنوده‬
‫من اْلن واإلنس والطْ فهم يوزعون﴾ [النم ل‪ ،‬اآلي ة‪ ]17 :‬مث ذكر تفق ده الطْ ﴿فق ال م ايف ال أرى‬
‫اْلدهد أم كان من الغائبني﴾ [النمل‪ ،‬اآلية‪ ]20 :‬وبعد ذلك جاء ذكر قصة بلقيس وقول العفريت ﴿أنا‬
‫آتيك به قبل أن تقوم من مقامك﴾ [النمل‪ ،‬اآلية‪ ]39 :‬فدل ذلك على أن اْلن كانوا مس خرين له قبل‬
‫أن يرى بلقيس‪.‬‬
‫‪2-‬فيما يتعلق ببناء الص رح قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬قيل ْلا ادخل ُّ الص رح فلما رأته حس بته ْلة وكش فت عن‬
‫س اقيها‪ .‬قال إنه ص رح ِمرد من قوارير قالت رب إِن ظلمت نفس ُّ وأس لمت مع س ليمان هلل رب‬
‫العاملني﴾ [النمل‪ ،‬اآلية‪.]44 :‬‬
‫قال بعُ املفس رين إن س ليمان أراد أن ينظر إىل س اقيها من غْ أن يطلب منها‪ ،‬لْى إن كانت ش عراء‬
‫الس اقني‪ ،‬أو إن كانت رجلها كحافر اْلمار‪ .228‬وقد ق ادمنا ذكر القص ة القائلة بأن الش ياطني قالوا له‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وهذا بعيد عن نِب اهلل سليمان فإنه ال يليق به أن يصدق الشياطني يف ذلك أو أن يشك كما ال يليق به‬
‫املمرد من القوارير لينظر اىل س اقيها‪ .‬والدليل على ذلك أ ا اعِّفت‬
‫أن يبين ذلك الص رح العظيم املنيف ا‬
‫بظلمها لنفس ها وأس لمت‪ ،‬فإس المها واعِّافها بظلمها لنفس ها مل يكن بس بب نظره اىل س اقيها كما‬
‫زعموا‪ .‬والص واب أن س ليمان عليه الس الم "أراد أن يريها ملكاً هو أعز من ملكها"‪" 229‬وفعل ذلك‬
‫لنبوته"‪" .230‬فلما رأت الس رير والص رح علمت أن ملك س ليمان من‬
‫ليزيدها اس تعظاماً ِلمره وَتقيقاً ا‬
‫اهلل"‪ ،231‬وأن ه نِب كرمي وانق ادت ِلمر اهلل وأس لم ت هلل عز وج ل و﴿ق ال ت رب إِن ظلم ت نفس ُّ‬
‫وأسلمت مع سليمان هلل رب العاملني﴾‪[ .‬النمل‪ ،‬اآلية‪.]44 :‬‬

‫‪ 228‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪ .386‬تفسْ البغوي ج‪ 3‬ص‪ .421‬قصص اِلنبياء ص‪.503‬‬


‫‪ 229‬زاد املسْ ج‪ 6‬ص‪.178‬‬
‫‪ 230‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 3‬ص‪.387‬‬
‫‪ 231‬تفسْ البغوي ج‪ 3‬ص‪.422‬‬
‫‪87‬‬
‫دفع الشبه المتعلقة بشأن نبينا محمد صلى الل عليه وسلم‬
‫وهي قسمان‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬وإذ تقول للذي أنعم اهلل عليه وأنعمت عليه أمس ك عليك زوجك واتق اهلل‬ ‫‪-1‬‬
‫وَّتف ُّ ما يف نفس ك ما اهلل مبديه وَّتش ى الناس واهلل أحق أن َّتش اه فلما قض ى زيد منها وطراً‬
‫زوجناكها لك ُّ ال يكون على املؤمنني حرج يف أزواج أدعيائهم إذا قض وا منهن وطراً وكان أمر‬
‫اهلل مفعوالً‪ .‬ما كان على النِب من حرج فيما فرض اهلل له‪ .‬س نة اهلل يف الذين خلوا من قبل وكان‬
‫أمر اهلل قدراً مقدوراً﴾ [اِلحزاب‪ ،‬اآلية‪.]38-37 :‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬وما أرس لنا من قبلك من رس ول وال نِب إال إذا َتَن ألقى الش يطان يف أمنيته‬ ‫‪-2‬‬
‫فينسخ اهلل ما يلق ُّ الشيطان مث ُيكم اهلل آياته واهلل عليم حكيم‪ .‬ليجعل ما يلق ُّ الشيطان فتنة‬
‫للذين يف قلوِبم مرض والقاس ية قلوِبم وان الظاملني لف ُّ ش قاق بعيد﴾ [اْلج‪ ،‬اآلية‪-52 :‬‬
‫‪.]53‬‬

‫‪88‬‬
‫القسم األول‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬وإذ تقول للذي أنعم اهلل عليه وأنعمت عليه أمس ك عليك زوجك واتق اهلل وَّتف ُّ ما‬
‫يف نفسك ما اهلل مبديه وَّتشى الناس واهلل أحق أن َّتشاه﴾ [اِلحزاب‪ ،‬اآلية‪.]37 :‬‬
‫ذكر بعُ املفس رين يف تفس ْ هذه اآلية ما جيب تنزيه النِب عنه‪ ،‬فاَّتذ ذلك بعُ امللحدين وس يلة‬
‫للطعن يف نبينا واالنتقاص منه‪.‬‬
‫وهذه اآليات وردت يف قص ة زيد بن حارثة وزوجه زينب بنت جحش‪ .‬وزيد هو موىل رس ول اهلل‪ ،‬وأما‬
‫زين ب فه ُّ ابن ة عم ة النِب‪ ،‬أمه ا أميم ة بن ت عب د املطل ب‪ .‬وك ان رس ول اهلل ق د أراد أن يزوجه ا زي داً‬
‫فكرهت ذلك مث رض يت ِبا ص نع رس ول اهلل‪ .‬ونورد اآلن الش به الِت أوردوها مث نتبعها ببيان نزاهة النِب‬
‫عما قالوه‪.‬‬
‫قيل "إن رس ول اهلل ملا زوج زينب من زيد مكثت عنده حيناً مث إن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم أتى‬
‫زيداً ذات يوم ْلاجة فأبص ر زينب قائمة يف درع ومخار وكانت بيض اء َجيلة ذات خلق‪ ،‬من أ نس اء‬
‫قريش فوقعت يف نفسه وأعجبه حسنها‪ ،‬فقال سبحان اهلل مقلب القلوب وانصرف‪ ،‬فلما جاء زيد ذكرت‬
‫ذل ك ل ه ففطن زي د وألق ُّ يف نفس زي د كراهيته ا يف الوق ت‪ .‬ف أتى رس ول اهلل فق ال إِن أري د أن أف ارق‬
‫ك أرابَك منها ش ُّء قال ال يا رس ول اهلل ما رأيت منها إال خْاً ولكنها تتعظم عل ُّ‬
‫ص احبِت‪ .‬قال ما لَ َ‬
‫لش رفها وتؤذيين بلس ا ا فقال له النِب ﴿أمس ك عليك زوجك﴾ يعين زينب بنت جحش ﴿واتق اهلل﴾‬
‫فيها وال تفارقها ﴿وَّتف ُّ يف نفس ك ما اهلل مبديه﴾ أي تس ر يف نفس ك ما اهلل مظهره أي كان يف قلبه‪:‬‬
‫لو فارقها لتزوجها‪ .‬وقال ابن عباس‪ُ :‬حبها‪ .‬وقال قتادة‪َ :‬وَّد أنه طلَّقها"‪ 232‬ذكر ذلك البغوي يف تفس ْه‪،‬‬
‫وذكر البيضاوي‪ 233‬حنو ذلك‪ ،‬وكذلك ابن اْلوزي‪ 234‬واْلازن‪ 235‬والنسف ُّ‪.236‬‬
‫"وقيل الذي أخفى يف نفسه تعلق قلبه ِبا ومودة مفارقة زيد إياها"‪.237‬‬

‫‪ 232‬تفسْ البغوي ج‪ 3‬ص‪.531‬‬


‫‪ 233‬تفسْ البيضاوي ج‪ 3‬ص‪.586‬‬
‫‪ 234‬زاد املسْ ج‪ 6‬ص‪.387-386‬‬
‫‪ 235‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪.468‬‬
‫‪ 236‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 3‬ص‪.468‬‬
‫‪ 237‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 3‬ص‪.468‬‬
‫‪89‬‬
‫رد تلك الشبه‬
‫واْلواب على ما رووه "أن اهلل تعاىل ذكر يف [هذه] القص ة أنه ليس على النِب من حرج فيما فرض اهلل له‬
‫وهذا تصريح بأنه مل يصدر منه ذنب البتة"‪" 238‬ولو كان ما قالوه من ُمبته ْلا وُمبته طالق زيد ْلا لكان‬
‫فيه حرج عظيم‪ ،‬وما ال يليق به من م اد عينيه ملا ُّ عنه من َزهرة اْلياة الدنيا‪ ،‬ولكان هذا نفس اْلس د‬
‫املذموم الذي ال يرضاه وال يتسم به اِلتقياء فكيف بسيد اِلنبياء"‪.239‬‬
‫مث إن اهلل تعاىل ابني لنا أنه "إَّنا زوجه إياها كيال يكون على املؤمنني حرج يف أزواج أدعيائهم إذا قض وا‬
‫منهن وطراً‪ ،‬ومل يقل اهلل تعاىل إِن فعلت ذلك ِلجل عشقك"‪.240‬‬
‫"ويؤيد ما قلناه‪ ،‬أن اهلل تعاىل مل يُْب ِد من أمره معها غْ زواجه ْلا‪ ،‬فدل أنه الذي أخفاه ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم ِما كان أعلمه به تعاىل‪ ،‬وقوله تعاىل يف القص ة‪﴿ :‬ما كان على النِب من حرج فيما فرض اهلل له‬
‫سنة اهلل﴾ [اِلحزاب‪ ،‬اآلية‪ ]38 :‬اآلية‪ ،‬فدل أنه مل يكن عليه حرج يف اِلمر"‪.241‬‬
‫قال البيض اوي‪" :‬وليس ت املعاتبة على اإلخفاء وحده فإنه وحده حس ن بل على اإلخفاء خمافة قالة‬
‫الناس"‪.242‬‬
‫وق ال اْل ازن‪" :‬وكيف يق ال رآه ا ف أعجبت ه وه ُّ بن ت عمت ه ومل يزل يراه ا من ذ ول دت وال ك ان النس اء‬
‫ُيتجنب منه وهو َزَّوجها لزيد"‪.243‬‬

‫وقال اْلافظ ابن حجر‪" :‬بلغنا أن هذه اآلية نزلت يف زينب بنت جحش وكانت أمها أميمة بنت عبد‬
‫املطلب عمة رسول اهلل‪ ،‬وكان رسول اهلل أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مواله فكرهت ذلك مث إ ا رضيت‬
‫بعد أ ا من أزواجه فكان يس تح ُّ أن يأمره‬
‫ِبا ص نع رس ول اهلل فزوجها إياه مث أعلم اهلل عز وجل نبيه ُ‬
‫بطالقها وكان ال يزال يكون بني زيد وزينب ما يكون من الناس‪ ،‬فأمره رس ول اهلل أن ُيس ك زوجه وأن‬
‫يتق ُّ اهلل وكان ش ى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا تزوج امرأة ابنه وكان قد تبَن زيداً‪ .‬مث قال والذي كان‬

‫‪ 238‬عصمة اِلنبياء ص‪.129‬‬


‫‪ 239‬الشفا ج‪ 2‬ص‪ 189‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 240‬عصمة اِلنبياء ص‪.129‬‬
‫‪ 241‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.189‬‬
‫‪ 242‬تفسْ البيضاوي ج‪ 3‬ص‪.587‬‬
‫‪ 243‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪.468‬‬
‫‪90‬‬
‫ُيمله على إخفاء ذلك خش ية قول الناس تزوج امرأة ابنه وأراد اهلل إبطال ما كان أهل اْلاهلية عليه من‬
‫أحك ام التبين ب أمر ال أبلغ يف اإلبط ال من ه وهو تزوج امرأة ال ذي ي دعى ابنً ا‪ .‬ق ال ووقوع ذل ك من إم ام‬
‫املسلمني ليكون أدعى لقبوْلم"‪.244‬‬

‫‪ 244‬فتح الباري ج‪ 8‬ص‪.524-523‬‬


‫‪91‬‬
‫القسم ال اني‬

‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬وما أرس لنا من قبلك من رس ول وال نِب إال إذا َتَن ألقى الش يطان يف أمنيته فينس خ اهلل‬
‫ما يلق ُّ الشيطان مث ُيكم اهلل آياته واهلل عليم حكيم﴾‪[ .‬اْلج‪ ،‬اآلية‪.]52 :‬‬

‫ذكر كثْ من املفس رين عند الكالم على هذه اآلية أقاويل غْ س ديدة ِما ُيس منص ب النبوة وينايف‬
‫العصمة‪.‬‬
‫"فقيل َتَن ْلرص ه على إُيان قومه أن ينزل عليه ما يقرِبم إليه‪ ،‬واس تمر به ذلك حَت كان يف ناديهم‪،‬‬
‫فنزلت عليه س ورة والنجم‪ ،‬فأخذ يقرؤها فلما بلغ ومناة الثالثة اِلخرى‪ ،‬وس وس إليه الش يطان حَت س بق‬
‫لس انه س هوا إىل أن قال‪" :‬تلك الغرانيق العلى وإن ش فاعتهن لِِّتى"‪ ،‬ففرح به املش ركون حَت ش ايعوه‬
‫بالس جود ملا س جد يف آخرها‪ ،‬حبيث مل يبق يف املس جد مؤمن وال مش رك إال س جد‪ ،‬مث نبهه جربائيل‬
‫فعزاه اهلل ِبذه اآلية‪ ،‬وهو مردود عند احملققني"‪.245‬‬
‫فاغتم به‪ ،‬ا‬
‫هكذا ذكر البيضاوي يف تفسْه‪ ،‬وذكر حنو ذلك اْلازن‪ 246‬والبغوي‪ 247‬وابن اْلوزي‪ 248‬والنسف ُّ‪.249‬‬
‫وقد رد هذه القص ة العلماء احملققون كالقاض ُّ عياض وغْه‪ ،‬كما أعقبها كثْ من املفس رين بالنقد والرد‬
‫كاْلازن والنسف ُّ وابن اْلوزي‪ .‬وها حنن نورد بعُ ما قالوه يف إبطاْلا‪.‬‬
‫إبطال تلك الرواية‬
‫قال النس ف ُّ‪" :‬وهذا القول غْ مرض ُّ ِلنه ال لو اما أن يتكلم النِب عليه الس الم ِبا عمداً‪ ،‬وإنه ال‬
‫جيوز‪ِ ،‬لنه كفر‪ِ ،‬لنه بعث طاعناً لألص نام ال مادحاً ْلا‪ ،‬أو أجرى الش يطان ذلك على لس ان النِب عليه‬
‫الس الم جرباً حبيث ال يقدر على االمتناع منه وهو ِمتنع‪ِ ،‬لن الش يطان ال يقدر على ذلك يف حق غْه‬
‫لقوله تعاىل‪﴿ :‬إن عبادي ليس لك عليهم س لطان﴾ [اْلجر‪ ،‬اآلية‪ ]42 :‬فف ُّ حقه أوىل‪ ،‬أو جرى‬
‫ذلك على لسانه سهواً وغفلة وهو مردود أيضاً‪ِ ،‬لنه ال جيوز مثل هذه الغفلة عليه يف حال تبليغ الوح ُّ‪،‬‬

‫‪ 245‬تفسْ البيضاوي ج‪ 3‬ص‪.389‬‬


‫‪ 246‬تفسْ اْلازن ج‪ 3‬ص‪.294-293‬‬
‫‪ 247‬تفسْ البغوي ج‪ 3‬ص‪.293-292‬‬
‫‪ 248‬تفسْ زاد املسْ ج‪ 5‬ص‪.441‬‬
‫‪ 249‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 3‬ص‪.393‬‬
‫‪92‬‬
‫ولو جاز ذلك لبطل االعتماد على قوله وِلنه تعاىل قال يف ص فة املنزل عليه‪﴿ :‬ال يأتيه الباطل من بني‬
‫يديه وال من خلفه﴾ [فص لت‪ ،‬اآلية‪ ]42 :‬وقال‪﴿ :‬إنا حنن نزلنا الذكر وإنا له ْلافظون﴾ [اْلجر‪،‬‬
‫اآلية‪.250"]9 :‬‬
‫وقال الشيخ زاده عند تعليقه على قول البيضاوي‪" :‬وهو مردود عند احملققني"‪:‬‬
‫يعين أن َجاعة من املفس رين وإن قالوا إن هذه اآلية نزلت تس لية له عليه الص الة والس الم يف اغتمامه ِبا‬
‫سبق به لسانه سهواً من حديث الغرانيق إال رؤساء أهل السنة‪.‬‬
‫السنة واملعقول‪.‬‬
‫واْلماعة ردوا هذا القول وقالوا هذه الرواية باطلة موضوعة واحتجوا عليه بالقرآن العظيم و ُ‬
‫تقول علينا بعُ اِلقاويل ِلخذنا منه باليمني مث لقطعنا منه الوتني﴾‬
‫أما القرآن فمنه قوله تعاىل‪﴿ :‬ولو ا‬
‫اتبع‬
‫[اْلاقة‪ ،‬اآليات‪ ]46-44 :‬ومنه أيض اً قوله تعاىل‪﴿ :‬قل ما يكون يف أن أُب ادلَهُ من تلقاء نفس ُّ إ ْن ُ‬
‫إيف﴾ [يونس‪ ،‬اآلية‪ ]15 :‬ومنه قوله تعاىل‪﴿ :‬وما ينطق عن اْلوى إن هو إال وح ُّ يوحى﴾‬ ‫إال ما يوحى ا‬
‫[النجم‪ ،‬اآلية‪ ]54-53 :‬فلو أنه عليه الص الة والس الم قرأ عقيب هذه اآلية قوله تلك الغرانيق العلى‪،‬‬
‫لكان قد ظهر كذب اهلل تعاىل يف َجيع ذلك وذلك ال يقول به مسلم‪.‬‬
‫وأما السنة فهو أنه روى عن ُممد بن خزُية انه سئل عن هذه القصة فقال هذا من وضع الزنادقة وصنف‬
‫فيه كتاباً‪ .‬وقال اإلمام أبو بكر أِحد بن اْلس ني البيهق ُّ‪ :‬هذه القص ة غْ ثابتة من جهة النقل‪ ،‬وإن رواة‬
‫هذه القص ة مطعونون‪ ،‬وأيض اً فقد روى البخاري يف ص حيحه أنه ص لى اهلل عليه وس لم قرأ س ورة النجم‬
‫وس جد‪ ،‬وس جد املس لمون واملش ركون واإلنس واْلن ومل يذكر حديث الغرانيق‪ ،‬وأما املعقول فما ذكره‬
‫النسف ُّ يف تفسْه"‪ 251‬ونقل عنه الكالم الذي قدمناه‪.‬‬

‫قال القاض ُّ عياض‪ :‬اعلم أكرمك اهلل أن لنا يف الكالم على مش كل هذا اْلديث مأخذين أحدمها يف‬
‫توهني أصله والثاِن على تسليمه‪.‬‬

‫‪ 250‬تفسْ النسف ُّ ج‪ 3‬ص‪.293‬‬


‫‪ 251‬حاشية الشيخ زاده ج‪ 3‬ص‪.389‬‬
‫‪93‬‬
‫المأخذ األول‬
‫أما املأخذ اِلول فيكفيك أن هذا حديث مل رجه أحد من أهل الص حة وال رواة ثقة بس ند س ليم‬
‫متص ل‪ ،‬وإَّنا أولع به وِبثله املفس رون واملؤرخون املولعون بكل غريب‪ ،‬املتلقفون من الص حف كل ص حيح‬
‫وس قيم‪ ،‬وص دق القاض ُّ بكر بن العالء املالك ُّ حيث قال‪ :‬لقد بُل ُّ الناس ببعُ أهل اِلهواء والتفس ْ‬
‫وتعلق بذلك امللحدون مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع اسناده واختالف كلماته‪ ،‬فقائل يقول‬
‫إنه يف الص الة وآخر يقول قاْلا وقد أص ابته س نة وآخر يقول بل حدث نفس ه منها‪ ،‬وآخر يقول إن‬
‫الش يطان قاْلا على لس انه‪ ،‬وإن النِب ص لى اهلل عليه وس لم ملا عرض ها على جربيل قال ما هكذا أقرأتك‬
‫وآخر يقول بل أعلمهم الشيطان أن النِب صلى اهلل عليه وسلم قرأها فلما بلغ النِب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ومن حكي ت ه ذه اْلك اي ة عن ه من‬
‫ذل ك ق ال واهلل م ا هك ذا نزل ت إىل غْ ذل ك من اختالف الرواة‪َ ،‬‬
‫املفسرين والتابعني مل يسندها أحد منهم وال رفعها إىل صاحب‪ ،‬وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة‪ ،‬واملرفوع‬
‫فيه حديث ش عبة"‪ 252‬مث ذكر عن أِب بكر البزار ما حاص له أنه ليس ْلذا اْلديث طريق يثبت به‪ .‬مث‬
‫قال‪" :‬والذي منه يف الص حيح أن النِب ص لى اهلل عليه وس لم قرأ والنجم وهو ِبكة فس جد معه املس لمون‬
‫واملشركون واْلن واإلنس‪ .‬هذا توهينه من طريق النقل‪.‬‬
‫فأما من جهة املعَن فقد قامت اْلجة وأَجعت اِلمة على عص مته ص لى اهلل عليه وس لم ونزاهته عن مثل‬
‫هذه الرذيلة‪ .‬أما من َتنيه أن ينزل عليه مثل هذا من مدح آْلة غْ اهلل وهو كفر‪ ،‬أو أن يتس ور عليه‬
‫الش يطان ويش به عليه القرآن حَت جيعل فيه ما ليس منه ويعتقد النِب ص لى اهلل عليه وس لم أن من القرآن‬
‫ما ليس منه حَت ينبهه جربيل عليه الس الم وذلك كله ِمتنع يف حقه ص لى اهلل عليه وس لم أو يقول ذلك‬
‫النِب ص لى اهلل عليه وس لم من قبل نفس ه عمداً وذلك كفر أو س هواً وهو معص وم من هذا كله وقد قررنا‬
‫بالرباهني واإلَجاع عص مته من جريان الكفر على قلبه أو لس انه ال عمداً وال س هواً‪ ،‬أو أن يتش به عليه ما‬
‫يلقيه امللك ِما يلق ُّ الش يطان أو يكون للش يطان عليه س بيل أو أن يتقول على اهلل ال عمداً وال س هواً ما‬
‫تقول علينا بعُ اِلقاويل﴾ [اْلاقة‪ ،‬اآلية‪ ،]44 :‬اآلية وقال‬
‫مل ينزل عليه‪ .‬وقد قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬ولو َّ‬
‫تعاىل‪﴿ :‬إذاً ِلذقناك ضعف اْلياة وضعف املمات﴾ [اإلسراء‪ ،‬اآلية‪ ]75 :‬اآلية‪.‬‬
‫ووجه ٍ‬
‫ثان وهو اس تحالة هذه القص ة نظراً وعرفاً وذلك أن هذا الكالم لو كان كما روي لكان بعيد‬
‫االلتئام متناقُ اِلقس ام ِمتزج املدح بالذم‪ ،‬متخاذل التأليف والنظم‪ ،‬وملا كان النِب ص لى اهلل عليه وس لم‬

‫‪ 252‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.126-125‬‬
‫‪94‬‬
‫وال من حبض رته من املس لمني وص ناديد املش ركني ِمن فى عليه ذلك وهذا ال فى على أدىن متأمل‬
‫فكيف ِبن رجح حلمه واتسع يف باب البيان ومعرفة فصيح الكالم علمه‪.‬‬
‫ووجه ثالث‪ :‬أنه قد عُلم من عادة املنافقني ومعاندي املش ركني وض عفة القلوب واْلهلة من املس لمني‬
‫نفورهم ِلول وهلة وَّتليط العدو على النِب ص لى اهلل عليه وس لم ِلقل فتنة وتعيْهم املس لمني والش ماتة‬
‫ِبم الفينة بعد الفينة وارتداد من يف قلبه مرض ِمن أظهر اإلس الم ِلدىن ش بهة‪ ،‬ومل َُْيك أحد يف هذه‬
‫القص ة ش يئا س وى هذه الرواية الض عيفة اِلص ل‪ ،‬ولو كان ذلك لوجدت قريش ِبا على املس لمني الص ولة‬
‫وِلقامت ِبا اليهود عليهم اْلجة كما فعلوا مكابرة يف قص ة اإلس راء حَت كانت يف ذلك لبعُ الض عفاء‬
‫ردة‪ .‬وكذلك ما روي يف قص ة القض ية‪ ،‬وال فتنة أعظم من هذه البلية لو ُوجدت‪ ،‬وال تش غيب للمعادي‬
‫بنت شفة‪،‬‬
‫حينئذ أشد من هذه اْلادثة لو أمكنت‪ ،‬فما ُروي عن معاند فيها كلمة وال عن مسلم بسببها ُ‬
‫فدل على بُطْلها واجتثاث أص لها‪ ،‬وال ش ك يف إدخال بعُ ش ياطني اإلنس واْلن هذا اْلديث على‬
‫بعُ مغفل ُّ احملدثني ليلبس به على ضعفاء املسلمني‪.‬‬
‫ووجه رابع‪ :‬ذكر الرواة ْلذه القض ية أن فيها نزلت ﴿وإن كادوا ليفتنونك﴾ [اإلس راء‪ ،‬اآلية‪ ]73 :‬اآليتني‬
‫وهاتان اآليتان تردان اْلرب الذي رووه ِلن اهلل تعاىل ذكر أ م كادوا يفتنونه حَت يفِّى وأنه لوال أن ثبته‬
‫لكاد يركن إليهم فمض مون هذا ومفهومه أن اهلل تعاىل عص مه من أن يفِّي وثبته حَت مل يركن إليهم‬
‫قليالً‪ ،‬فكيف كثْاً؟ وهم يروون يف أخب ارهم الواهي ة أن ه زاد على الركون واالفِّاء ِب دح آْلتهم وأن ه ق ال‬
‫يت على اهلل وقلت ما مل يقل" وهذا ضد مفهوم اآلية وه ُّ تضعف اْلديث لو‬
‫صلى اهلل عليه وسلم "افِّ ُ‬
‫‪253‬‬
‫امَت على رس وله بعص مته وتثبيته ِبا كاده به الكفار وراموا من‬
‫ص ح فكيف وال ص حة له" فاهلل تعاىل ا‬
‫فتنته"‪.254‬‬

‫‪ 253‬الشفا ج‪ 2‬ص‪ 128-126‬باختصار‪.‬‬


‫‪ 254‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.129‬‬
‫‪95‬‬
‫المأخذ ال اني‬
‫قال القاض ُّ "وأما املأخذ الثاِن فهو مبين على تسليم اْلديث لو صح وقد أعاذنا اهلل من صحته"‪ 255‬مث‬
‫ذكر عدة أوجه ورد بعضها لكو ا ال تليق بالنِب وال ِتوز عليه‪ 256‬مث نقل عن موسى بن عقبة أنه قال يف‬
‫اْلواب "إن املس لمني مل يس معوها وإَّنا ألقى الش يطان ذلك يف أَاع املش ركني وقلوِبم ويكون ما روي‬
‫من حزن النِب صلى اهلل عليه وسلم ْلذه اإلشاعة والشبهة وسبب هذه الفتنة"‪.257‬‬
‫"وقيل إن النِب ص لى اهلل عليه وس لم ملا قرأ هذه الس ورة وبلغ ذكر الالت والعزى ومناة الثالثة اِلخرى‪،‬‬
‫خاف الكفار أن يأيت بش ُّء من ذمها‪ ،‬فسبقوا إىل مدحها بتينك الكلمتني ليخلطوا يف تالوة النِب صلى‬
‫اهلل عليه وس لم‪ ،‬ويش نعوا عليه على عادَتم‪ ،‬وقوْلم ﴿ال تس معوا ْلذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون﴾‬
‫[فص لت‪ ،‬اآلية‪ ]26 :‬ونس ب هذا الفعل إىل ش يطان ْلمله ْلم عليه‪ ،‬وأش اعوا ذلك وأذاعوه وأن النِب‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم قاله‪ ،‬فحزن لذلك من كذِبم وافِّائهم عليه‪ ،‬فس َّاله اهلل تعاىل بقوله‪﴿ :‬وما أرس لنا‬
‫وبني للن اس اْلق من ذل ك من‬
‫من قبل ك من رس ول وال نِب إال إذا َتَن﴾ [اْلج‪ ،‬اآلي ة‪ ]52 :‬اآلي ة‪َ َّ ،‬‬
‫الباطل‪ ،‬وحفظ القرآن وأحكم آياته ودفع ما لباس به العدو‪ ،‬كما ض منه تعاىل بقوله‪﴿ :‬إ نا حنن نزلنا‬
‫الذكر وإنا له ْلافظون﴾ [اْلجر‪ ،‬اآلية‪.258"]9 :‬‬

‫‪ 255‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.129‬‬
‫‪ 256‬الشفا ج ‪ 2‬ص‪.129‬‬
‫‪ 257‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.130‬‬
‫‪ 258‬الشفا ج‪ 2‬ص‪.132-131‬‬
‫‪96‬‬
‫خاتمة اللثء األول‬
‫إىل هنا مقص ودنا من اْلزء اِلول من هذا الكتاب‪ ،‬وأثبتنا بفض ل اهلل وعونه عص مة اِلنبياء وبراءََتم‬
‫عما نس ب إليهم يف بعُ التفاس ْ ِما ال يليق ِبم‪ ،‬وقد أيادنا ما أوردناه بالنص وص القرآنية القاض ية‬
‫بعص متهم‪ ،‬وبكالم اِلئمة اِلعالم على اختالف مذاهبهم وعص ورهم‪ ،‬فال يُلتفت بعد ذلك إىل تلك‬
‫اِلساطْ الِت وضعها من ال شى اهلل تعاىل ِما فيه تنقيصهم وذمهم‪ ،‬وال يغِّ بورودها يف بعُ التفاسْ‬
‫املنتش رة الذائعة الص يت‪ ،‬وإن جلا ناقلوها‪ ،‬فإ م رووا الص حيح والس قيم‪ ،‬ويف كثْ من املواض ع ردوا تلك‬
‫الروايات وفنادوها‪ ،‬فظهر أن مرادهم من روايتها بيان بطال ا‪ ،‬وأما ما مل يعقبوه بالنقد والردا فإما أن حنمل‬
‫ذلك على أ م اكتفوا ببيان بطالن ذلك وأش باهه يف مواض ع أخرى من التفس ْ‪ ،‬فلم يروا ض رورة إعادة‬
‫البيان والتنبيه وإما أ م رووا ذلك بإس ناده غْ معتقدين له فيعلم من يقف على اإلس ناد ‪-‬إن كان من‬
‫أهل ذاك الفن‪ -‬أن هذه الروايات باطلة‪ ،‬وإن كنا نرى ض رورة التنبيه على ذلك يف كل موض ع حذراً من‬
‫وقوع القارئ يف اعتقاد نقيص ة يف نِب من أنبياء اهلل فيهلك وهو ال يدري‪ ،‬ومعلوم أنه ِبجرد ذكر اإلس ناد‬
‫يبني ذلك‪ .‬وعلى من أراد املطالعة يف كتب التفس ْ‬
‫ال تربأ عهدة الراوي إن كانت الرواية موض وعة إال أن ا‬
‫أن يكون من أهل التمييز‪ ،‬وأن جيعل ما بيناه يف عص مة اِلنبياء نُص ب عينيه‪ ،‬وأن ال يغفل عن ذلك‬
‫فينساق خلف ما جيده ِما ال جيوز اعتقاده‪ ،‬فإن اْلهل يف مثل هذه اِلمور قد يودي بصاحبه إىل اْلالك‪،‬‬
‫ِلن اْلهل ليس عذراً‪.‬‬
‫ويتلخص ِما مض ى أن اِلنبياء معص ومون من الكفر وَجيع أنواع الكبائر ومن الص غائر الِت فيها خسا ة‬
‫كس رقة لقمة‪ ،‬وهم كذلك معص ومون من الكذب واْليانة والرذائل‪ ،‬وال ِتوز عليهم اِلمراض املنفرة وال‬
‫البالدة وحنو ذلك‪.‬‬
‫وجيوز عليهم وقوع معص ية ص غْة ليس فيها خس ة وال دناءة‪ ،‬كما حص ل من س يدنا آدم عليه الس الم ملا‬
‫أكل من الشجرة‪.‬‬
‫وما ورد يف كتب التفس ْ وغْها ِما ينايف عص متهم فلْد وال ينظر إىل علو قدر من نس ب إليه ذلك‬
‫التفسْ‪.‬‬
‫وعلم ِما تقدم أن كثْاً من التفاس ْ تروي يف هذا الباب ما ال جيوز اعتقاده إما مع البيان وإما بدون بيان‬
‫فليتنبه لذلك‪ ،‬وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫اللثء ال اني‬
‫تنثيه األنبياء عما نُسب إليهم في كتب اليهود والنصارى مما ال يليق بهم‪.‬‬

‫ويشتمل على قسمني‪:‬‬


‫القسم اِلول يف املق ادمات‪.‬‬
‫القسم الثاِن يف تفنيد تلك االفِّاءات‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫القسم األول‬
‫المقدمات‬

‫ويشتمل على املواضيع التالية‪:‬‬


‫‪1-‬إثبات َتريف التوراة واإلثيل‪.‬‬
‫‪2-‬ذكر كتب العهدين القدمي واْلديد‪.‬‬
‫‪3-‬بيان أن أهل الكتاب ال يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتبهم‪.‬‬
‫‪4-‬ذكر افِّاق اليهود‪.‬‬
‫‪5-‬اعتقاد اليهود أ م شعب اهلل املختار‪.‬‬
‫‪6-‬ظاهرة التقليد والتعصب عند اليهود‪.‬‬
‫‪7-‬عقيدة اليهود يف اهلل‪.‬‬
‫‪8-‬ذكر افِّاق النصارى‪.‬‬
‫‪9-‬التثليث عند النصارى‪.‬‬
‫‪10-‬ظاهرة التقليد اِلعمى عند النصارى‪.‬‬
‫‪11-‬عقيدة اليهود والنصارى يف اِلنبياء‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫‪ -‬تمهيد ‪-‬‬
‫بعد أن بعون اهلل تعاىل إثبات عص مة اِلنبياء على الوجه الذي يليق ِبم من غْ إفراط وال تفريط‪،‬‬
‫وتبني بطالن التهم الِت نُس بت إليهم يف كتب التفس ْ‪ ،‬من غْ إطناب ِمل وال إجياز ُخم ال‪ ،‬حبيث كان ما‬
‫ذكرناه من اِلدلة واِلمثلة كافياً ملن أراد الوقوف على الص واب يف هذا الباب‪ ،‬ومل نزد يف التوس ع‪ ،‬إذ أن‬
‫فيم ا أوردن اه َم ْقنَع‪ ،‬ننتق ل إىل اْلزء الث اِن من ه ذا الكت اب‪ ،‬تكميالً للف ائ دة‪ ،‬وذل ك أن ه مل ا نفين ا م ا يف‬
‫ب أن نبني ما يف كتب اليهود والنصارى من هذا القبيل‪،‬‬
‫ناس َ‬
‫تفاسْ القرآن من الدسائس على أنبياء اهلل‪َ ،‬‬
‫وأن ننبه على ذلك ك ُّ ال يغِّ أحد بورود أخبار يف كتبهم تؤيد اإلس رائيليات الِت أقحمت يف كتب‬
‫التفس ْ إقحاماً‪ ،‬فيتض ح ملن يقف على ما أوردناه يف اْلزء اِلول وما س نورده يف اْلزء الثاِن‪ ،‬أنه ال‬
‫مس تند ملن يروي تلك اِلباطيل الِت تنتقص اِلنبياء‪ ،‬وِتعل معتقدها يظن يف نفس ه أنه رِبا يكون أفض ل‬
‫منهم إذ مل يرتكب الفواحش الِت نس بها إليهم‪ .‬نعوذ باهلل من هذا الض الل والكفر املبني‪ ،‬ونس أل اهلل أن‬
‫ال جيعلنا من الرِحة ُمرومني وال من العقل مسلوبني‪.‬‬
‫فنبدأ ببيان َتريف كتب اليهود والنص ارى وننبه باختص ار إىل‬
‫وها حنن نش رع يف املقص ود على ما ق ادمنا‪ْ ،‬‬
‫بعُ ما اش تملت عليه عقائدهم من الس خافات والتناقض ات الِت ال يس تس يغها من له أدىن معقول‪ ،‬مث‬
‫ننتقل إىل ذكر َجلة من افِّاءاَتم على أنبياء اهلل تعاىل وبيان ما فيها من اْلذيان الذي تض حك منه‬
‫الثكلى ويُنس ُّ املهموم أحزانه‪ -‬لفرط بالدة قائليه وسخافة عقوْلم‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫إثبات تحريف التوراة واإلنليل‬
‫مقدمة‬
‫ليعلم أن التوراة واإلثيل اللذين بأيدي اليهود والنص ارى ُمرفان‪ ،‬ال ريب لعاقل يف ذلك وقد أعلمنا اهلل‬
‫تعاىل بذلك يف القرآن الكرمي قال تعاىل‪ُ﴿ :‬يرفون الكلم عن مواض عه﴾ [املائدة‪ ،‬اآلية‪ ،]13 :‬وقال‬
‫تعاىل‪﴿ :‬وإن منهم لفريقاً يلوون ألس نتهم بالكتاب لتحس بوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون‬
‫هو من عند اهلل وما هو من عند اهلل﴾ [آل عمران‪ ،‬اآلية‪ ،]78 :‬وقال تعاىل أيض اً‪﴿ :‬يا أهل الكتاب مل‬
‫تلبسون اْلق بالباطل وتكتمون اْلق وأنتم تعلمون﴾ [آل عمران‪ ،‬اآلية‪ .]71 :‬وغْ ذلك من اآليات‪.‬‬
‫فتبني بذلك أنه ال ريب يف وقوع التحريف يف التوراة واالثيل وأن ألفاظهما بُ ادلت‪ ،‬ال كما يدع ُّ بعُ‬
‫أدعياء العلم أنه حرفت معانيهما فقط‪ ،‬وِما يزيد اِلمر وض وحاً وبياناً أن اهلل تعاىل قال يف القرآن الكرمي‪:‬‬
‫﴿ُممد رس ول اهلل والذين معه أش داء على الكفار رِحاء بينهم تراهم ركعاً ُس اجداً يبتغون فض الً من اهلل‬
‫ورضواناً سيماهم يف وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم يف التوراة ومثلهم يف اإلثيل كزرع أخرج شطأه‬
‫الزاراع ليغيظ ِبم الكفار﴾ [الفتح‪ ،‬اآلية‪ ]29 :‬وليس ش ُّء‬
‫ف زره فاس تغلظ فاس توى على س وقه يعجب ُ‬
‫من هذا فيما بأيدي اليهود والنصارى ِما يدعون أنه التوراة واإلثيل‪.‬‬

‫اتفق علم اء املس لمني على ثبوت التحريف يف التوراة واالثي ل واعِّف ب ذل ك كثْ من علم اء‬
‫املسيحيني‪ ،259‬ومن شاء فلْجع إىل كتاب الفصل يف امللل واِلهواء والنِ َحل البن حزم‪" ،‬فإنه قد ذكر ما‬
‫يف التوراة واالثيل من املناقضات الكثْة الِت ال َتتمل التأويل حبيث يظهر لكل من قرأها بفهم وإنصاف‬
‫وقوع التحريف والتبديل فيها ويعتقد يقيناً أ ما غْ املنزلَني على موس ى وعيس ى عليهما الس الم‪ ،‬إذ ذكر‬
‫يف إثبات التحريف والتبديل س بعة ومخس ني فص الً يف أكثر من مائة ص حيفة‪ ،‬فمن أراد الوقوف عليها‬
‫فلْاجع كتابه املذكور"‪. 260‬‬
‫ومن العلماء الذين بينوا ذلك أيض اً اإلمام القرطِب يف كتاب "االعالم" ومنهم املقريزي فقد ذكر يف تار ه‬
‫ما يدل على ذلك ومنهم اإلمام العيين يف ش رحه على البخاري عند حديث نس خ القبلة من اْلزء اِلول‬

‫‪ 259‬منهم هورن وموشم والردز وجْوم وآدم كالرك‪ ،‬انظر ما سيأيت يف هذا البحث‪.‬‬
‫صل البن حزم من ص‪ 141‬ج‪ ،1‬إىل ص‪ 63‬ج‪.2‬‬ ‫‪ِ 260‬‬
‫الف َ‬
‫‪101‬‬
‫ومنهم اإلمام م اال كاتب جلأ‪ 261‬يف كتابه كش ف الظنون‪ ،‬ومنهم عبد الس الم الذي كان من أحبار‬
‫اليهود وأس لم يف زمن الس لطان بايزيد يف رس الته اْلداية الِت ألافها بعد إس المه ومنهم الش يخ "رِحة اهلل"‬
‫يف كتابه إظهار اْلق فقد ذكر فيه يف الباب اِلول والثاِن يف مائة وس بعني ص حيفة‪ 262‬الدالئل والرباهني‬
‫على وقوع التحريف والتبديل يف التوراة واإلثيل بتفص يل مل يُس بق إليه‪ ،‬وال ُيكن أن يتوقف أحد عنده‬
‫أدىن فهم وإنص اف يف ذلك‪ ،‬فمما قاله رِحةُ اهلل‪ :‬اعلم أن التوراة اِلص لية واإلثيل [اِلص ل ُّ] فُِقدا قبل‬
‫بعثة رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬واملوجودان اآلن ِبنزلة كتابني من الس ْ َمموعني من الروايات‬
‫الصحيحة والكاذبة‪ ...‬وأما هذه التواريخ والرسائل املوجودة اآلن فه ُّ ليست التوراة واإلثيل املذكورين يف‬
‫اجِب التس ليم بل حكمهما وحكم س ائر الكتب من العهد العتيق أن كل رواية من رواياَتا‬
‫القرآن فليس ا و َ ْ‬
‫إن ص دقها القرآن فه ُّ مقبولة يقيناً وإن كذِبا القرآن فه ُّ مردودة يقيناً وإن كان القرآن س اكتاً عن‬
‫التصديق والتكذيب فنسكت عنها فال نص ادق وال نكذب"‪.263‬‬

‫‪ 261‬هو مصطفى بن عبد اهلل املعروف حباج ُّ خليفة املتويف سنة ‪ 1067‬ه ‪.‬‬
‫‪ 262‬إظهار اْلق ج‪ 1‬ص‪ .508-335‬للشيخ رِحة اهلل الكْانوي‪.‬‬
‫‪ 263‬القول الثبت ص‪ ،15-14‬عبد القادر اإلسكندراِن‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫ذكر كتب العهدين القديم واللديد‬
‫"ليعلم أن النصارى يقسمون هذه الكتب اىل قسمني‪ ،‬قسم منها يدعون أنه وصل إليهم بواسطة اِلنبياء‬
‫الذين كانوا قبل عيس ى عليه الس الم‪ ،‬وقس م منها يدعون أنه كتب باإلْلام بعد عيس ى عليه الس الم‪،‬‬
‫فمجموع الكتب من القس م اِلول يس مى بالعهد العتيق‪ ،‬ومن القس م الثاِن [يس امى] بالعهد اْلديد‪،‬‬
‫وَمموع العهدين يس مى "بَْيبِل" وهذا لفظ يوناِن ِبعَن الكتاب‪ ،‬مث ينقس م كل من العهدين إىل قس مني‬
‫قسم اتفق على صحته َجهور القدماء من املسيحني وقسم اختلفوا فيه‪.‬‬
‫أما القسم اِلول من العهد العتيق فثمانية وثالثون كتاباً‪:‬‬
‫‪ِ 1-‬س ْفر التكوين ويس مى ِس فر اْلليقة أيض اً‪ -2 ،‬س فر اْلروج‪ -3 ،‬س فر اِلحبار [‪-29 -5 -3‬‬
‫‪( ]38 -35‬يف النس خة املطبوعة من العهد القدمي هذه اِلَاء مذكورة هكذا على الِّتيب‪ :‬الالوين‪،‬‬
‫ص َفْنيا‪ ،‬مالخ ُّ]) ‪ -4‬س فر العدد‪ -5 ،‬س فر االس تثناء‪ .‬وَمموع هذه الكتب اْلمس ة‬
‫التثنية‪ ،‬عاموس‪َ ،‬‬
‫يسمى بالتوراة وهو لفظ عرباِن ِبعَن التعليم والشريعة‪ ،‬وقد يطلق على َمموع كتب العهد العتيق َمازاً‪.‬‬
‫‪6-‬كتاب يوش ع بن نون‪ -7 ،‬كتاب القض اة‪ -8 ،‬كتاب راعوث‪ -9 ،‬س فر ص موئيل اِلول‪-10 ،‬‬
‫س فر ص موئيل الثاِن‪ -11 ،‬س فر امللوك اِلول‪ -12 ،‬س فر امللوك الثاِن‪ -13 ،‬الس فر اِلول من أخبار‬
‫اِليام‪ -14 ،‬الس فر الثاِن من أخبار اِليام‪ -15 ،‬الس فر اِلول لعزرا‪ -16 ،‬الس فر الثاِن لعزرا ويس مى‬
‫س فر حنميا‪ -17 ،‬كتاب أيوب‪ -18 ،‬زبور‪ -19 ،‬أمثال س ليمان‪ -20 ،‬كتاب اْلامعة‪ -21 ،‬كتاب‬
‫إش َعيَاء‪ -23 ،‬كتاب ْإرِمياء‪ -24 ،‬مراث ُّ ْإرمياء‪ -25 ،‬كتاب حزقيال‪،‬‬
‫نش يد اإلنش اد‪ -22 ،‬كتاب ْ‬
‫‪ -26‬كتاب دانيال‪ -27 ،‬كتاب هوش ع‪ -28 ،‬كتاب يوئيل‪ -29 ،‬كتاب عاموص‪ -30 ،‬كتاب‬
‫عوب دي ا‪ -31 ،‬كت اب يون ان‪ -32 ،‬كت اب ميخ ا‪ -33 ،‬كت اب ن احوم‪ -34 ،‬كت اب َحبَ قُّوق‪-35 ،‬‬
‫حجى‪ -37 ،‬كتاب زكريا‪ -38 ،‬كتاب مالخيا‪ .‬وهذه الكتب الثمانية‬
‫كتاب ص فونيا‪ -36 ،‬كتاب ا‬
‫والثالثون كانت مسلامة عند َجهور القدماء من املسيحيني‪ .‬والسامريون ال يسلمون منها إال سبعة كتب‪:‬‬
‫الكتب اْلمس ة املنس وبة اىل موس ى عليه الس الم‪ ،‬وكتاب يوش ع بن نون‪ ،‬وكتاب القض اة وَّتالف نس خة‬
‫توراَتم نس خ ة توراة اليهود"‪ ،264‬ويقولون إن التوراة الِت ب أي دي اليهود ُمرف ة مب دل ة ويقطعون ب ذل ك‪،‬‬
‫وسائر اليهود يقولون إن الِت بأيدي السامرية أيضاً ُمرفة مبدلة‪.‬‬
‫"وأما القسم الثاِن من العهد العتيق فتسعة كتب‪:‬‬

‫‪ 264‬إظهار اْلق ج‪ 1‬ص‪ ،96-95‬للشيخ رِحة اهلل‪.‬‬


‫‪103‬‬
‫‪ -1‬كت اب أس تْ‪ -2 ،‬كت اب ب اروخ‪ -3 ،‬جزء من كت اب داني ال‪ -4 ،‬كت اب طوبي ا‪ -5 ،‬كت اب‬
‫يهوديت‪ -6 ،‬كتاب وزدم‪ -7 ،‬كتاب ايكليزيا ستيكس‪ -8 ،‬كتاب املقابيني اِلول‪ -9 ،‬كتاب املقابيني‬
‫الثاِن"‪.265‬‬
‫"وأما القسم اِلول من العهد اْلديد فعشرون كتاباً‪:‬‬
‫‪1-‬إثيل مَت‪ -2 ،‬إثيل مرقس‪ -3 ،‬إثيل لوقا‪ -4 ،‬إثيل يوحنا‪ ،‬ويقال ْلذه اِلربعة اِلناجيل‪ ،‬ولفظ‬
‫اإلثيل خمتص بكتب هؤالء اِلربعة وقد يطلق َمازاً على َمموع كتب العهد اْلديد‪ ،‬وهذا اللفظ معارب‬
‫كان يف اِلصل اليوناِن "انكليون" ِبعَن البشارة والتعليم‪.‬‬
‫‪ -5‬كتاب أعمال اْلواريني ([‪ 5‬يف القس م اِلول إىل ‪ 7‬يف القس م الثاِن‪ -‬بدل هذه اِللفاظ مذكورة يف‬
‫النس خة املطبوعة للعهد اْلديد هكذا "على الِّتيب"‪ -1 :‬أعمال الرس ل‪ -2 ،‬كورنثو‪ -3 ،،‬فيلِب‪،‬‬
‫‪ -4‬كولوس ُّ‪ -5 ،‬تس الونيك ُّ‪ -6 ،‬تيطس‪ -7 ،‬فليمون‪ -8 ،‬يهوذا‪ -9 ،‬رؤيا يوحنا]) ‪ -6‬رس الة‬
‫بولس إىل أهل رومية‪ -7 ،‬رس الته إىل أهل قورنيثيون‪ -8 ،‬رس الته الثانية إليهم‪ -9 ،‬رس الته إىل أهل‬
‫غالطية‪ -10 ،‬رس الته إىل أهل إفس س‪ -11 ،‬رس الته إىل أهل فيلبس‪ -12 ،‬رس الته إىل أهل قوال‬
‫س ائس‪ -13 ،‬رس الته اِلوىل إىل أهل تس الونيق ُّ‪ -14 ،‬رس الته الثانية إليهم‪ -15 ،‬رس الته اِلوىل إىل‬
‫تيموثاوس‪ -16 ،‬رس الته الثانية إليه‪ -17 ،‬رس الته إىل تيطوس‪ -18 ،‬رس الته إىل فيليمون‪-19 ،‬‬
‫الرسالة اِلوىل لبطرس‪ -20 ،‬الرسالة اِلوىل ليوحنا سوى بعُ الفقرات‪.‬‬
‫وأما القسم الثاِن من العهد اْلديد فسبعة كتب وبعُ الفقرات من الرسالة اِلوىل ليوحنا‪:‬‬
‫‪ -1‬رسالة بولس إىل العربانيني‪ -2 ،‬الرسالة الثانية لبطرس‪ -3 ،‬الرسالة الثانية ليوحنا‪ -4 ،‬الرسالة الثالثة‬
‫ليوحنا‪ -5 ،‬رسالة يعقوب‪ -6 ،‬رسالة يهودا‪ -7 ،‬مشاهدات يوحنا"‪.266‬‬

‫‪ 265‬إظهار اْلق ج‪ 1‬ص‪.97-96‬‬


‫‪ 266266‬إظهار اْلق ج‪ 1‬ص‪.98-97‬‬
‫‪104‬‬
‫بيان أن أهل الكتاب‬
‫ال يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتبهم‬
‫"ليعلم أن أهل الكتاب ال يوجد عندهم س ند متص ل لكتاب من كتب العهد العتيق واْلديد‪ ،‬وأما‬
‫اإلس ناد إىل ش خص ذي إْلام ِبجرد الظن والوهم فال يكف ُّ‪ ،‬فال نعتقد ِبجرد نس بَة كتاب من الكتب‬
‫إىل نِب أو حواري‪ ،‬أنه إْلام ُّ أو واجب التس ليم‪ ،‬وكذلك ال نعتقد ذلك ِبجرد ادعائهم بل حنتاج إىل‬
‫دليل يثبت ص حة نس بة أي كتاب بالس ند املتص ل الذي يرويه الثقة عن الثقة من ابتداء الس ند إىل انتهائه‬
‫بالشروط املتقررة لدى أهل هذا الشأن‪.‬‬
‫أما التوراة هذه فتواترها منقطع قبل زمان يوش يا بن آمون‪ ،‬والنس خة الِت وجدت بعد ُثاِن عش رة س نة من‬
‫جلوس ه على س رير الس لطنة ال اعتماد عليها يقيناً‪ ،‬ومع كو ا غْ معتمدة ض اعت هذه النس خة أيض اً‬
‫خبتنص ر‪ ،‬ويف حادثته انعدمت التوراة وس ائر كتب العهد العتيق عن ص فحة العامل رأس اً‪،‬‬
‫غالباً قبل حادثة ا‬
‫وملا كتب عزرا هذه الكتب على زعمهم ض اعت نس خها وأكثر نقوْلا يف حادثة أنتيكوس‪ .267‬ومن أراد‬
‫التوسع يف االستدالل على ذلك فلْاجع كتاب إظهار اْلق فإنه جيد بغيته"‪.268‬‬
‫وأما هذه اِلناجيل اِلربعة فقد اعِّف بعُ علمائهم بعدم وجود سند كهذا عندهم "بل اعتذر القسيس‬
‫"فرنج" عن ذلك بوقوع حوادث عظيمة يف القرون اِلوىل من القرون املس يحية اىل ثالُثائة وثالث عش رة‬
‫س نة‪ ،‬وال ننكر الظن والتخمني‪ ،‬وال نقول إ م ال ينس بون كتبهم اىل مص نفيها بالظن والقرائن‪ ،‬بل نقول‬
‫إن الظن والقرائن ال تس مى س نداً على أ ان كثْاً من علمائهم املعتربين عندهم من طائفة الربوتس تانت‬
‫والكاثوليك ص رحوا بوقوع التحريف بأقس امه والتبديل والتغيْ يف كتبهم‪ ،‬وجيدر بنا أن نذكر بعُ أَاء‬
‫علمائهم املعِّفني بذلك"‪ 269‬إَتاماً إلقامة اْلجة عليهم بأقوال مقدَّميهم‪ ،‬فمنهم‪:‬‬
‫هورن فقد "قال يف الباب الثاِن من القس م الثاِن من اجمللد الرابع من تفس ْه املطبوع س نة‬ ‫‪-1‬‬
‫‪ :1812‬اْلاالت الِت وص لت الينا يف باب زمان تأليف اِلناجيل من قدماء مؤرخ ُّ الكنيس ة‬
‫معني‪ ،‬واملشايخ القدماء اِلولون‬
‫معني‪ ،‬ال توصلنا إىل أمر ا‬
‫ناقصة وغْ معينة‪ ،‬ال توصلنا إىل أمر ا‬

‫‪ 267‬املراد هنا أنتيكوس الرابع حكم سوريا من ‪ 174‬إىل ‪ 164‬ق م‪ ،‬واضطهد اليهود وذحبهم‪" .‬من حاشية إظهار‬
‫اْلق ص‪ 104‬ج‪.1‬‬
‫‪ 268‬هذه الفقرة أغلب عباراَتا منقولة من إظهار اْلق ج‪ 1‬ص‪ 104-101‬مع بعُ التصرف والزيادة‪.‬‬
‫‪ 269‬القول الثبت ص‪ 16‬بتصرف‪.‬‬
‫‪105‬‬
‫ص دقوا الرواي ات الواهي ة وكتبوه ا وقَبِ َل ال ذين ج اؤوا من بع دهم مكتوِبم تعظيم اً ْلم‪ ،‬وه ذه‬
‫الروايات الصادقة والكاذبة وصلت من كاتب إىل كاتب آخر وتعذر انتقادها بعد انقضاء املدة‪.‬‬

‫مث قال يف اجمللد املذكور‪:‬‬


‫ألف اإلثيل اِلول س نة ‪ 37‬أو ‪ 38‬أو ‪ 41‬أو ‪ 43‬أو ‪ 48‬أو ‪ 61‬أو ‪ 62‬أو ‪ 63‬أو ‪ 64‬من‬
‫امليالد‪.‬‬
‫وألف اإلثيل الثاِن سنة ‪ 56‬أو ما بعدها اىل سنة ‪.65‬‬
‫وألف اإلثيل الثالث سنة ‪ 53‬أو ‪ 63‬أو ‪.64‬‬
‫وألف اإلثيل الرابع سنة ‪ 68‬أو ‪ 69‬أو ‪ 70‬أو ‪ 97‬أو ‪ 98‬من امليالد"‪.270‬‬
‫وقد صرح هورن بوقوع التحريف يف كتبهم يف اجمللد الثاِن من تفسْه‪.‬‬
‫موشم يف الصحيفة ‪ 65‬من اجمللد اِلول من تار ه املطبوع سنة ‪.1332‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الردز‪ ،‬قال يف الصحيفة الرابعة والعشرين بعد املائة من اجمللد اْلامس من تفسْه‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫حكم على اِلناجيل املقدسة ِلجل جهالة مصنفيها بأ ا ليست حسنة فأمر السلطان "أناصطيوث"‬
‫يف اِليام الِت كان فيها حاكماً يف القسطنطينية فصححت مرة أخرى‪.‬‬
‫جْوم‪ ،‬قال إنه ملا اراد ترَجة العهد اْلديد قابل نسخه الِت كانت عنده فوجد اختالفاً عظيماً‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫آدم كالرك‪ ،‬قال يف املقدمة من اجمللد اِلول من تفسْه‪ :‬كانت الَِّجات الكثْة باللسان الالتيين‬ ‫‪-5‬‬
‫من املَِّجني املختلفني موجودة قبل جْوم وكان بعض ها ُمرفاً يف غاية درجة التحريف وبعُ‬
‫مواضعها مناقضاً للمواضع اِلخرى"‪.271‬‬

‫وغيرهم ِمن ال نطيل بسرد أقواْلم اكتفاء ِبا أوردناه نقالً عن هؤالء املشهورين عندهم‪.‬‬
‫فتبني أن دعوى عدم َتريف التوراة واإلثيل اِلص ليني دعوى باطلة‪ ،‬وان حاول البعُ االس تدالل على‬
‫ذلك ببعُ اآليات القرآنية مؤولني ْلا على وفق ما َتل ُّ عليهم شياطينهم وأهواؤهم فإن يف ذلك مغالطة‬
‫واضحة‪ ،‬وبطالن ذلك من وجوه‪:‬‬
‫" اِلول‪ :‬قد ثبت بنص القرآن الص ريح كما قدمنا ما يدل على َتريف تلك الكتب الِت بأيدي أهل‬

‫‪ 270‬إظهار اْلق ج‪ 1‬ص‪.135-134‬‬


‫‪ 271‬القول الثبت ص‪ 17-16‬بتصرف‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫الكتاب‪.‬‬
‫مر‬
‫الثاِن‪ :‬ثبت باعِّاف الكثْين من مش اهْ علمائهم املعتمدين عندهم ما يدل على ذلك أيض اً كما ا‬
‫آنفا‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬يف تلك الكتب مئات الش واهد على ما ْلقها من َتريف وتبديل وزيادة ونقص ان وقد ذكر‬
‫الش يخ رِحة اهلل يف كتابه إظهار اْلق مائة ش اهد من نص وص هم على وقوع ذلك‪ ،‬وكذا الش يخ عز الدين‬
‫احملمدي ذكر يف كتابه الفاص ل بني اْلق والباطل عدة من التناقض ات الواقعة يف العهد اْلديد الدالة على‬
‫التغيْ والتبديل وعدم الوثوق به‪ ،‬وهو ِمكن مراجعته لكل ش خص وكذلك كتاب َتفة اِلريب لعبد اهلل‬
‫ترَجاِن‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬يعِّف علماء النص ارى أن عيس ى عليه الس الم مل يأخذ قلماً بنفس ه مطلقاً ومل يِّك ش يئاً مس طراً‬
‫من أقواله ومل يكلف أحداً جبمع مقاالته‪ ،‬وإَّنا أحاديثه ومواعظه كانت كلها ش فاهاً مل تس طرها اِلقالم‪،‬‬
‫ال يف زمنه وال يف زمن قريب منه‪ ،‬وبعد رفعه عليه الس الم اش تغل تابعوه باملنازعات واملدافعات عن دينهم‬
‫واملقاومات الدموية الِت أهرقت دماء كثْ من أتباعه‪ ،‬فبقوا س نني كثْة على ذلك ومل يتفكروا يف تدوين‬
‫ذلك حَت آل اِلمر إىل اختالف املذاهب وتعدد الطوائف‪ ،‬وص ار أكثر من مخس ني إثيالً‪ ،‬مث يف اْليل‬
‫السادس بعد رفع عيسى عليه السالم اتفقوا على أربعة أناجيل‪:‬‬
‫اِلول‪ :‬إثيل مَت وهو من اْلواريني االثين عشر‪ ،‬وبشر بإثيله باللغة السريانية بأرض فلسطني بعد صعود‬
‫املس يح بثماِن س نني وقد ض اعت النس خة اِلص لية ومل يبق على قوْلم إال ترَجتها اليونانية املوجودة اآلن‬
‫ويستحيل صحة َتقيق الَِّجة لعدم وجود اِلصل‪.‬‬
‫الثاِن‪ :‬إثيل مرقس‪ ،‬وهو من الس بعني ومل جيتمع باملس يح وبش ر بإثيله باللغة اليونانية ِبدينة رومة بعد‬
‫صعود املسيح بثالثني سنة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إثيل لوقا وهو من الس بعني ومل ير املس يح وبش ر بإثيله باللغة اليونانية بإس كندرية بعد ص عوده‬
‫بثمان وعشرين سنة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬إثيل يوحنا وهو من اْلواريني االثين عش ر وبش ر بإثيله يف مدينة أفس يس باللغة اليونانية الِت‬
‫تعلمها يف س ن الش يخوخة بعد أن كان ال يعرف الكتابة والقراءة يف لغته وذلك بعد ص عود عيس ى عليه‬
‫السالم بثمان وثالثني سنة‪.‬‬
‫مث يف هذه اِلناجيل اِلربعة من التناقُ والتعارض أمر عظيم حَت إن من وقف عليها يش هد بص ريح‬

‫‪107‬‬
‫عقله أ ا ليست اإلثيل املنزل من عند اهلل تعاىل‪ ،‬وأ ان أكثرها أقو ُال الرواة وقصصهم و َّ‬
‫أن نقلَتَها أفسدوها‬
‫ِبا أْلقوا فيها من حكايات وأمور غْ مس موعة من املس يح وال من أص حابه‪ ،‬وذلك مثل حكاية ص ورة‬
‫الص لب الِت يزعمو ا واس وداد الش مس وتغْ لون القمر وانش قاق اْليكل‪ ،‬وهذه اِلمور إَّنا جرت على‬
‫زعمهم بعد املسيح بسبب قتله فكيف ُِتعل من كالمه‪.‬‬
‫فاإلثيل اْلق واحد وهذه أربعة أمليت يف أقطار متباعدة بلغات خمتلفة وأقالم متباينة وإن كل واحد منها‬
‫ذكر فيه من القص ص واْلكايات ما مل يذكر يف اآلخر‪ ،‬مث إن لوقا ومرقس ليس ا من اْلواريني ومل جيتمعا‬
‫باملسيح‪ ،‬وقد اعِّف لوقا يف صدر إثيله أنه مل يلق املسيح ومل دمه‪.‬‬
‫مث إن هؤالء اِلربعة مل يدعوا أن ما كتبوه هو اإلثيل املنزل من عند اهلل‪ ،‬ومل يس موا ما كتبوه إثيالً واَّنا‬
‫َوها تواريخ كما يظهر من أقواْلم الِت يف أوائل كتبهم‪ ،‬قال مَت‪ :‬كتاب ميالد عيس ى املس يح بن داود‬
‫بن إبراهيم مث َتها النصارى بعدهم أناجيل‪.‬‬
‫اْلامس‪ :‬ال يوجد للعهدين سند متصل‪ ،‬وال توجد شروط التواتر يف نقلهما‪.‬‬
‫الس ادس‪ :‬إن اليهود ض يعوا كتباً من الكتب اإلْلية ِلجل غفلتهم بل ِلجل عدم ديانتهم‪ ،‬ومزقوا بعض ها‬
‫وأحرقوا بعضها‪ ،‬كما قال ذلك "كربزاستم" من علماء الربوتستانت وكذا كثْ من علماء الكاثوليك‪ .‬وقد‬
‫"مرآة الصدق" الذي طبع بلسان اْلند‬ ‫قال "طامس انكاس" من علماء الكاثوليك يف كتابه املسمى ب‬
‫س نة ‪" :1851‬اتفق العامل على أن الكتب املفقودة من الكتب املقدس ة ليس ت أقل من عش رين‬
‫كتاباً"‪.272‬‬
‫مر‬
‫وال نطيل الكالم بسرد اِلدلة ونقل العبارات الِت تدل على التناقُ والتحريف يف العهدين‪ ،‬اكتفاء ِبا ا‬
‫وِبا سنورده من بيان فساد معتقد أهل الكتاب يف اهلل تعاىل ويف أنبيائه‪ ،‬ومن أراد مزيد توسع فليطلع على‬
‫ما يف كتاب إظهار اْلق‪.‬‬

‫ذكر افتراق اليهود‬


‫"ذكر َجهور املفس رين أن قوماً من بين إس رائيل ملا طالت عليهم املدة وقس ت قلوِبم تكلفوا ووض عوا كتباً‬
‫كما كانوا يش تهونه‪ ،‬وكانوا يدعون أن تلك الكتب من عند اهلل‪ ،‬وكانوا يقولون إن من خالفنا يف هذا‬
‫قتلناه‪ ،‬مث تفكروا فقالوا َجيع بين اس رائيل ال ُيكن قتلهم‪ ،‬ولكن لبين إس رائيل عامل هو حربهم فيما بينهم‬

‫‪ 272‬القول الثبت ص‪ ،23-22-21-20-19-18‬باختصار وتصرف وزيادة‪.‬‬


‫‪108‬‬
‫كبْ نعرض عليه ما وض عناه فإن قبله ص ار من أتباعنا‪ ،‬وإن مل يقبله قتلناه حَت يص ْ َجيع بين إس رائيل‬
‫تبعاً لنا‪ ،‬فراس لوه فعلم الرجل ما يف أنفس هم فكتب كتاب اهلل يف رق رقيق خبط دقيق‪ ،‬ووض ع ذلك يف‬
‫قرن‪ ،‬مث تقلد ذلك القرن‪ ،‬ولبس فوقه الثياب‪ ،‬مث جاء إليهم فعرض وا عليه ما كان عندهم‪ ،‬ودعوه إىل‬
‫اإلُيان به‪ .‬فأش ار إىل ص دره حيث كان ذلك القرن وقال نعم آمنت ِبذا ومايف ال أؤمن به‪ .‬وكان له‬
‫أصحاب يراعون حاله حَت مات فوجدوا معه ذلك القرن‪ ،‬فقالوا إنه إَّنا قال ْلذا القرن آمنت به واختلفوا‬
‫فيه‪ ،‬ووقع اْلالف بسببه يف بين إسرائيل حَت صاروا إحدى وسبعني فرقة‪.‬‬
‫وعلى اإلَجال ِتمعهم مخْس فرق وه ُّ‪:‬‬
‫الس امرية‪ :‬وهم يقولون إن مدينة القدس ه ُّ نابلس‪ ،‬وه ُّ من بيت املقدس على ُثانية عش ر ميالً‪ ،‬وال‬
‫يعرفون حرمة لبيت املقدس وال يعظمونه‪ ،‬وْلم توراة غْ التوراة الِت بأيدي سائر اليهود‪ ،‬ويبطلون كل نبوة‬
‫كانت يف بين إس رائيل بعد موس ى ويوش ع عليهما الس الم‪ ...‬وال يقرون بالبعث البتة وهم بالش ام ال‬
‫يستحلون اْلروج عنها‪.‬‬
‫والص دوقية‪ :‬ونس بوا إىل رجل يقال له ص دوق‪ ،‬وهم يقولون من بني س ائر اليهود إن العزير هو ابن اهلل‪،‬‬
‫تعاىل اهلل عن ذلك‪ ،‬وهم جبهة اليمن‪.‬‬
‫والعنانية‪ :‬وهم أص حاب عنان الداودي اليهودي‪ ،‬وتس ميهم اليهود العراس واملس‪ ،‬وقوْلم إ م ال يتعدون‬
‫شرائع التوراة وما جاء يف كتب اِلنبياء عليهم السالم‪ ،‬ويتربؤون من قول اِلحبار ويكذبو م‪ ،‬وهذه الفرقة‬
‫بالعراق ومصر والشام وهم من اِلندلس بطليطلة وطليربة‪.‬‬
‫والربانية‪ :‬وهم اِلشعنية وهم القائلون بأقوال اِلحبار ومذاهبهم وهم َجهور اليهود‪.‬‬
‫والعيس وية‪ :‬وهم أص حاب أِب عيس ى اِلص بهاِن رجل من اليهود كان بأص بهان‪ ،‬اَه ُممد بن عيس ى‬
‫وهم يقولون بنبوة عيس ى ابن مرمي وُممد ص لى اهلل عليهما وس لم‪ ،‬ويقولون إن عيس ى بعثه اهلل عز وجل‬
‫اىل بين إس رائيل على ما جاء يف اإلثيل‪ ،‬وإنه أحد أنبياء بين إس رائيل‪ ،‬ويقولون إن ُممداً ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم نِب أرسله اهلل تعاىل بشرائع القرآن إىل بين إَاعيل وإىل سائر العرب‪.‬‬
‫فاليهود إذاً يف أصل الدين فريقان‪:‬‬
‫قوم ينكرون نبوة ُممد عليه الص الة والس الم وقوم ال ينكرون لكن يقولون إنه كان مبعوثاً إىل العرب دون‬
‫العجم‪" .‬وهم العيسويون"‪.‬‬
‫واعلم أن اليهود يف أصول التوحيد فريقان‪:‬‬

‫‪109‬‬
‫فريق منهم القدرية ويقولون إن اْليوانات َّتلق أفعاْلا‪ ،‬وكثْ من اِلمم كان فيما بينهم َجاعة من القدرية‬
‫وقد روي عن النِب صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬لُعنت القدرية على لسان سبعني نبياً‪.273‬‬
‫والفريق اآلخر املش بهة‪ ،‬وهم اِلص ل يف التش بيه‪ ،‬وكل من قال قوالً يف دولة اإلس الم بش ُّء من التش بيه‬
‫فقد نسج على منواْلم‪ ،‬وقد أخذ ببعُ مقاالَتم اْلشامية من الروافُ وغْهم"‪.274‬‬
‫وإن من ينظر يف الكتب الِت بأيدي اليهود لعنهم اهلل تعاىل جيد فيها أ م قد جعلوا اهلل عز وجل إنس اناً‬
‫كس ائر البش ر حيث وص فوه باملكان واالنتقال والش كل والص ورة والرأس والش عر والوجه والقفا والعني‬
‫واِلذن والفم والش فة واللس ان واِلجفان واليد والعض د واِلص ابع والقدم والظهر والبطن والفرج والقلب‬
‫واملش ُّ والتعب واالسِّاحة والندم وغْ ذلك ِما يَِق ُّ‬
‫ف منه شعر املؤمن‪.‬‬

‫‪ 273‬أخرجه الطرباِن يف اِلوسط بإسناد فيه ُ‬


‫مِّوك اْلديث‪( ،‬من حاشية الكوثري على التبصْ)‪.‬‬
‫‪ 274‬التبصْ يف الدين ِلِب املظفر اإلسفرايين ص‪ 136-135‬بتصرف‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫‪275‬‬
‫اعتقاد اليهود أنهم شعب الل الميتار‬
‫لليهود مش كلة نفس ية قائمة على اعتقادهم أ م ش عب اهلل املختار‪ ،‬وأ م أبناء اهلل وأحباؤه‪ ،‬وأ م جبلاة‬
‫خاص ة َتتاز على س ائر أمم اِلرض‪ ،‬وأن س ائر اِلمم بالنس بة إليهم ِبنزلة البهائم الِت ينبغ ُّ أن تكون‬
‫مس خرة ْلم‪ ،‬لذلك فال حرج عندهم أن يس لبوا "اِلمياني" أمواْلم بأية وس يلة غْ مش روعة‪ ،‬وال حرج‬
‫عندهم أن يفتكوا بالش عوب ويفس دوا أخالقها وأوض اعها االجتماعية‪ ،‬فدماء اِلمم مهدرة يف نظرهم‪،‬‬
‫وهم ُيقدون على س ائر اِلمم والش عوب‪ِ ،‬ل ا ال تعِّف ْلم ِبذا اْلق الذي يرونه ِلنفس هم من دون‬
‫الناس زوراً وِبتاناً‪ ،‬وظلماً وعدواناً وِل ا ال َتنحهم مقام الس يادة املطلقة‪ ،‬مع أن اهلل قد ض رب عليهم‬
‫الذلة واملسكنة بذنوِبم الكثْة وجرائمهم الشنيعة‪.‬‬
‫إ م يرون أنفس هم ذرية النبيني الذين تتص ل أص وْلم بإبراهيم عليه الس الم ويعتربون هذه النس بة وحدها‬
‫كافية يف تفض يلهم على الناس مهما تنكروا بعقائدهم وأعماْلم ِلنبيائهم ورس لهم‪ ،‬ويُزهون بأن اهلل‬
‫اص طفى موس ى عليه الس الم من بين إس رائيل‪ ،‬فأنزل عليه التوراة‪ ،‬وِحاله رس الة كبْة ذات ش أن يف تاريخ‬
‫الرس االت الس ماوية‪ ،‬ويعتربون هذا كافياً ِلن لد لبين إس رائيل َمداً دينياً تدعمه الص لة النَ َس بية فقط‪،‬‬
‫حرفوا فيها وبدلوا‪ ،‬ومها تنكروا‬
‫مهما ابتعدوا عن جوهر الرس الة الِت أمرهم اهلل باالس تمس اك ِبا ومهما ا‬
‫لرساالت اهلل الالحقة‪ ،‬الِت أمرهم اهلل باتباعها‪ ،‬وأخذ عليهم العهد بذلك على ألسنة أنبيائهم‪.‬‬

‫وما زال اليهود قدُياً وحديثاً يقس مون الناس إىل قس مني‪ :‬يهود‪ ،‬وجوييم "أي أمم" واِلمم غْ اليهودية‬
‫عندهم ِبائم وأثاس وكفرة‪ ،‬وهم يعتقدون أن اهلل منحهم الص ورة البش رية على س بيل االس تحقاق الذايت‬
‫طينة أخرى حيوانية‪ ،‬ونفوس هم ثس ة ش يطانية‪ ،‬وأن اهلل‬ ‫ْلا‪ ،‬والتكرمي ْلم‪ ،‬أما اْلوييم فقد خلقوا من ٍ‬
‫ومنحهم الص ورة البش رية ال على س بيل االس تحقاق الذايت‪ ،‬ولكن ليأنس بذلك‬
‫خلقهم ليخدموا اليهود‪ُ ،‬‬
‫أسيادهم‪ ،‬ويسهل عليهم تسخْهم‪.‬‬
‫فإذا كان هذا معتقدهم فال حرج عندهم أن يس تحلوا الس رقة والكذب واْلداع والظلم والغش والربا‪،‬‬
‫والقتل وهتك العرض‪ ،‬وكل وسيلة قبيحة خبيثة يف معاملة اِلمم غْ اليهودية‪.‬‬
‫كيف ال وهم يعتقدون أ م أبناء اهلل وأحباؤه‪ ،‬أما اِلمم اِلخرى فهم أعداء اهلل‪ ،‬وِبا أ م أعداء اهلل فإن‬
‫اهلل ال يعاقب أبناءه وأحباءه على اْلرائم الِت يرتكبو ا يف معاملة أعدائه من اِلمم مهما كان ش أ ا‪ ،‬بل‬

‫‪275‬‬
‫مكائد يهودية ص‪ ،17-11‬عبد الرِحن حبنكة امليداِن بتصرف‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫يسجلها ْلم يف صحائف قرباَتم وحسناَتم ويثيبهم عليها‪.‬‬
‫ويف مقدمة ما ُيتجون به ما فعله موس ى عليه الس الم حينما وكز املص ري الفرعوِن منتص راً لإلس رائيل ُّ‬
‫الذي تص م معه فقض ى عليه‪ ،‬ومعلوم أن موس ى مل يكن يقص د قتل الرجل وإَّنا أراد دفع أذاه‪ ،‬وفعل‬
‫ذلك بغْ وح ُّ‪ ،‬فليس فيه حجة لليهود حبال من اِلحوال‪.‬‬
‫وِما يس تندون إليه نص وص مفِّاه على ش ريعة اهلل موجودة يف كتبهم الِت يعتمدون عليها‪ .‬فف ُّ تلمودهم‬
‫أكاذيب ومفِّيات كثْة وض عها أحبارهم‪ ،‬والتلمود هو عبارة عن ش روح وتفس ْات ومنقوالت وض عها‬
‫أحبار اليهود يف عصور شَت‪ ،‬وكانوا يتبعون يف وضعها اِلهواء‪.‬‬
‫وِما جاء يف الت لمود قوْلم‪ :‬تتميز أرواح اليهود عن باق ُّ أرواح البش ر بأ ا جزء من اهلل تعاىل‪ ،‬كما أن‬
‫االبن جزء من أبيه‪ ،‬وإنه جيب على كل يهودي أن يبذل جهده ملنع تس لط باق ُّ اِلمم يف اِلرض‪ ،‬وأن‬
‫"أم ُّ" إس رائيلياً فكأنه‬
‫اليهودي معترب عند اهلل أكثر من املالئكة‪ ،‬وأن اليهود جزء من اهلل فإذا ض رب ٌّ‬
‫ضرب العزة اإلْلية‪.‬‬
‫ومش كلتهم النفس ية هذه كانت س بباً لظاهرة التقليد ملا عليه آباؤهم وأجدادهم ولو كان باطالً ظاهراً‬
‫وضالالً مبيناً‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫‪276‬‬
‫ظاهرة التقليد والتعصب عند اليهود‬
‫تبدو عند اليهود ظاهرة التقليد اِلعمى أو التقليد املبص ر يف اتباع الش ر‪ -‬خبثاً أو تعص باً ملا كان عليه‬
‫اآلباء واِلجداد‪ -‬أكثر ِما تبدو عند أية أمة من اِلمم‪ ،‬حَت الوثنيني منهم‪ ،‬لكنهم يس تطيعون يف كثْ‬
‫من اِلحيان التالعب باْلجة حَت يص وروا هذه الظاهرة عندهم كأ ا بعيدة عن معَن التقليد والتعص ب‪،‬‬
‫يف حال أ م أش د ما يكونون غارقني يف التعص ب والتقليد اِلعمى‪ ،‬وقد ال نس ميه تقليداً أعمى بكل ما‬
‫يف هذه الكلمة من معان‪ ،‬بل نس ميه تقليداً مبص راً يف اتباع س بل الش ر‪ ،‬وهذا ش ر وأخبث من التقليد‬
‫اِلعمى‪ِ ،‬لنه تالعب ش يطاِن بقض ايا اْلق َتت س تار التقليد لتحقيق ش هوات النفوس الش ريرة وغاياَتا‬
‫الدنيئة‪.‬‬
‫وضمن هذا التالعب الشيطاِن يف إطار االحتجاج حبجة اتباع ما كان عليه اآلباء واِلجداد‪ ،‬احتج بعُ‬
‫اليهود على الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم حينما دعا يهود املدينة إىل اإلس الم‪ ،‬ورغبهم فيه وحذرهم من‬
‫عذاب اهلل ونقمته‪ ،‬إذ قال له رافع بن خارجة‪ ،‬ومالك بن عوف ‪-‬ومها من أحبار يهود بين قينقاع‪ :-‬بل‬
‫نتبع يا ُممد ما وجدنا عليه آباءنا فهم كانوا أعلم وخْاً منا فأنزل اهلل تعاىل يف سورة البقرة قوله‪:‬‬
‫﴿وإذ قيل ْلم اتبعوا ما أنزل اهلل قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا َأولَو كان آباؤهم ال يعقلون ش يئاً وال‬
‫يهتدون﴾ [البقرة‪ ،‬اآلية‪.]170 :‬‬
‫أي أ م يتبعون آباءهم ويقلدو م ويص رون على رأيهم هذا إذا كان آباؤهم ال يهتدون إىل س بيل النجاة‬
‫مهما جاءَتم املبش رات واملنذرات‪ِ ،‬لن نفوس هم مردت على الش ر وِلن قلوِبم مرت عليها عوامل‬
‫التحجر فقست‪ ،‬فه ُّ ال تلني للمواعظ وال تنتفع باملذكرات‪.‬‬
‫وِبذا تض ع اآلية الكرُية التقليد يف اِلمور الِت يلتزم ِبا املقلدون دون أن يكون ْلم فيها حجة إال التقليد‬
‫بني سببني‪:‬‬
‫الس بب اِلول‪ :‬العمى الفكري عن البحث والتأمل الذايت‪ ،‬الذي جيعل س لطان هوى التعص ب لألنانية‬
‫القومية أقوى من س لطان العقل‪ِ ،‬لن العقل لديهم قد تبلاد عن اْلركة‪ ،‬وأص ابه اْلمود عن البحث يف‬
‫املعارف‪ ،‬وَتييز اْلق من الباطل‪ ،‬وتعطل عما خلق ِلجله‪.‬‬
‫فال بد واْلالة هذه أن يكون اْلاكم يف اإلنس ان أهواؤه‪ ،‬ومن اِلهواء ذات الس لطان على النفس هوى‬

‫‪ 276‬مكائد يهودية ص‪ ،20-17‬عبد الرِحن حبنكة امليداِن‪ ،‬بتصرف‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫التعص ب ملا كان عليه اآلباء واِلجداد‪ِ ،‬لن اْلمود الفكري يرافقه دائماً إلف للواقع واس تحس ان له‪،‬‬
‫وعدم الرغبة بالتغيْ‪ ،‬وهذا الس بب هو ما أش ارت إليه اآلية بقوله تعاىل‪﴿ :‬أََولَو كان آباؤهم ال يعقلون‬
‫شيئاً﴾‪.‬‬
‫الس بب الثاِن‪َ :‬تكم س لطان اِلهواء والش هوات عند مدع ُّ التقليد‪ ،‬مث التس ِّ حبجة اتباع اآلباء‬
‫واِلس الف‪ ،‬والتعام ُّ عن إظهار تفهم منطق اْلق‪ ،‬لئال تلزمهم اْلجة ‪-‬بزعمهم‪ -‬وهؤالء يف اْلقيقة‬
‫يعلمون اْلق‪ ،‬وليس لديهم ذلك العمى الفكري عن معرفته‪ ،‬ولكن أعمتهم أهواؤهم اْلاص ة‪ ،‬وأض لتهم‬
‫ش هواَتم عن س لوك س بل اْلدى‪ ،‬مث أخذوا يتعللون حبجة التقليد‪ ،‬ويكون ذلك إذا كان ما عليه آباؤهم‬
‫وأجدادهم موافقاً ِلهوائهم وشهواَتم اْلاصة‪ ،‬وهذا السبب هو الذي دفع أحبار اليهود إىل إنكار رسالة‬
‫عيس ى عليه الس الم‪ ،‬مث إىل إنكار رس الة ُممد ص لوات اهلل وس المه عليه‪ ،‬وجحود اْلق الذي جاء به‪،‬‬
‫وما احتجاجهم حبجة تقليد أس الفهم إال َترب من س لطان اْلجة العقلية امللزمة‪ ،‬وهذا الس بب هو ما‬
‫أشارت إليه اآلية يف قوله تعاىل‪﴿ :‬وال يهتدون﴾ أي أولوا كان آباؤهم َتردوا على اْلق بعد معرفته وأصروا‬
‫على س لوك س بل الض اللة‪ ،‬بتأثْ دوافع غرائزهم وأهوائهم وش هواَتم ورفض وا أن يس لكوا مس الك اْلداية‪،‬‬
‫أفهم يقلدو م يف خطتهم هذه؟ فإذا قلدوهم يف خطتهم هذه مع معرفتهم بدوافعهم لس لوك س بل‬
‫الض اللة‪ ،‬فهم مثلهم يف التزام طرق الش ر والض الل بدوافع الغرائز واِلهواء والش هوات مض افاً إليها هوى‬
‫التعصب املذموم‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫عقيدة اليهود في الل‬
‫جاء يف مواضع كثْة جداً من العهد القدمي نسبة اْلسمية والشكل واِلعضاء هلل تعاىل ونذكر هنا أمثلة‬
‫ال على سبيل اْلصر‪:277‬‬
‫إثبات الشكل والصورة هلل‪ :‬يف العدد ‪ 26‬و ‪ 27‬من الباب اِلول من سفر التكوين‬ ‫‪-1‬‬

‫يف العدد السادس من الباب التاسع من السفر نفسه‬


‫إثبات الرأس‪ :‬العدد ‪ ،17‬الباب‪ ،‬كتاب أشعياء‬ ‫‪-2‬‬
‫إثبات الرأس والشعر‪ :‬العدد ‪ ،9‬الباب ‪ ،7‬كتاب دانيال‬ ‫‪-3‬‬
‫إثبات الوجه واليد والعضد‪ :‬العدد ‪ ،3‬الزبور الثالث واِلربعني‬ ‫‪-4‬‬
‫إثبات الوجه والقفا‪ :‬العدد ‪ ،23-22‬الباب ‪ ،33‬كتاب اْلروج‬ ‫‪-5‬‬
‫إثبات العني واِلذن‪ :‬العدد ‪ ،18‬الباب ‪ ،9‬كتاب دانيال‬ ‫‪-6‬‬
‫إثبات العني‪ :‬العدد ‪ 29‬و ‪ ،52‬الباب ‪ 8‬سفر امللوك اِلول‬ ‫‪-7‬‬

‫العدد ‪ ،17‬الباب ‪ 16‬كتاب أرمياء "وفيه نسبة الوجه أيضاً"‬


‫العدد ‪ ،19‬الباب ‪ 32‬كتاب أرمياء‬
‫العدد ‪ ،21‬الباب ‪ 34‬كتاب أيوب‬
‫العدد ‪ ،21‬الباب ‪ 5‬كتاب اِلمثال‬
‫العدد ‪ ،3‬الباب ‪ 15‬كتاب اِلمثال‬
‫إثبات العني واِلجفان‪ :‬العدد ‪ ،4‬الزبور العاشر‬ ‫‪-8‬‬
‫إثبات اِلذن والرجل واِلنف والنفس والفم‪ :‬العدد ‪ ،15-9-8-6‬الزبور السابع عشر‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬إثبات الشفة واللسان‪ :‬العدد ‪ ،27‬الباب ‪ 30‬كتاب أشعياء‬
‫‪ -11‬إثبات اليد والقدم‪ :‬العدد ‪ ،3‬الباب ‪ 33‬سفر االستثناء‬
‫‪ -12‬إثبات اِلصابع‪ :‬العدد ‪ ،18‬الباب ‪ 31‬سفر اْلروج‬
‫‪ -13‬إثبات البطن والقلب‪ :‬العدد ‪ ،19‬الباب ‪ 4‬كتاب أرمياء‬

‫‪ 277‬إظهار اْلق ج‪ ،1‬ص‪ 545 - 544‬بتصرف‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫‪ -14‬إثبات الظهر‪ :‬العدد ‪ ،3‬الباب ‪ 21‬كتاب أشعياء‬
‫‪ -15‬إثبات الفرج‪ :‬العدد ‪ ،7‬الزبور‪.‬‬

‫هذا باإلضافة إىل وصفهم اهلل عز وجل باملكان واالنتقال واملش ُّ والندم والتعب‪.‬‬
‫ومن وجدت فيه هذا اِلعضاء الِت أثبتها اليهود هلل عز وجل‪ ،‬مل يكن إال من قبيل البشر‪ ،‬ومن كان كذلك‬
‫كان ُمتاجاً خملوقاً ومل يكن خالقاً‪ ،‬ومب جييبون فرعون لعنه اهلل يف ادعائه الربوبية؟!‬
‫على أنه يف بعُ املواضع من كتبهم توجد عبارات فيها أن اهلل عز وجل ال شبيه له‪ ،‬فثبت التناقُ‪.‬‬
‫هذا وقد قام الربهان العقل ُّ القاطع املؤيد باِلدلة النقلية الثابتة على أن اهلل عز وجل ليس كمثله ش ُّء‪،‬‬
‫أىن يشبه املخلوق خالقه واملقدور مقدره‪.‬‬
‫وأنه خالق كل ش ُّء فال مثيل له وال شبيه و ا‬

‫‪116‬‬
‫ذكر افتراق النصارى‬
‫"ذكر بعُ العلماء أنه كان يف اليهود رجل اَه بولس قتل من النص ارى مقتلة عظيمة مث قال لليهود إن‬
‫كان قوم عيس ى على اْلق وحنن قد كفرنا ِبم يكون علينا غنب عظيم فإ م يدخلون اْلنة وحنن ندخل‬
‫النار‪ ،‬ولكين احتال حيلة حَت أفس د عليهم دينهم‪ ،‬وكان له فرس اَه عقاب‪ ،‬وكان يقاتل عليه‪ ،‬فقام‬
‫وعقر ذلك الفرس وأظهر الندم على ما كان منه ونثر الِّاب على رأس ه مث جاء اىل النص ارى متندما‬
‫بظاهره فقالوا له من أنت؟ فقال أنا بولس كنت أشد عدو لكم ولكين َعت من السماء نداء أن توبتك‬
‫ال تقبل إال أن تتنص ر‪ .‬اآلن تبت ورجعت إىل دينكم‪ .‬فأكرموه وأدخلوه كنيس تهم فالزم بيتاً من بيوَتا مل‬
‫رج من ه ليالً وال اراً حَت تعلم اإلثي ل مث خرج وق ال َع ت من الس م اء إن توبت ك ق د قُبل ت‪ ،‬وإن‬
‫ص دقك قد عرف‪ ،‬وإنك قد أحببت وقبلت‪ .‬مث خرج إىل بيت املقدس واس تخلف رجالً من نس طور‬
‫وعلامه أن عيس ى ومرمي واإلله كانوا ثالثة‪ ،‬مث خرج إىل الروم وعلمهم الالهوت والناس وت وقال ْلم إن‬
‫عيس ى مل يكن ناس اً مث ص ار ناس اً‪ ،‬ومل يكن جس ماً مث ص ار جس ماً‪ ،‬وكان ابن اهلل وعلم يعقوب هذا‬
‫القول‪ ،‬مث دعا رجالً كان اَه ملكاء وقال له إن اإلله الذي مل يزل وال يزال هو عيسى‪ .‬مث دعا كل واحد‬
‫تِّك‬
‫من هؤالء الثالثة منفرداً وقال له أنت ص احِب خالص اً فإِن أريد أن أفض ُّ إليك س راً‪ ،‬ينبغ ُّ أن ال َ‬
‫ِ ْحنلتك هذه وتدعو اْللق إليها‪ ،‬فقد رأيت عيس ى عليه الس الم البارحة يف املنام وكان راض ياً عين‪ ،‬فينبغ ُّ‬
‫أن ال ترجع عن ِحنلتك حبال‪ ،‬فإِن أريد أن أتقرب إىل اهلل تعاىل بقربان لرض اه عين أذبح نفس ُّ قرباناً‪ ،‬مث‬
‫قام ودخل املذبح وذبح نفسه‪.‬‬
‫فلما كان اليوم الثالث من وفاته قام كل واحد من أولئك الثالثة ودعا الناس إىل حنلته‪ .‬وتبع كل واحد‬
‫منهم َجاعة من الناس وكانوا يتقاتلون فيما بينهم‪ ،‬وبق ُّ بينهم ذلك اْلالف‪ ،‬ومل يزالوا تلفون حَت بلغ‬
‫عدد فرقهم مثل ما نطق به اْلرب املروي عن النِب ص لى اهلل عليه وس لم‪" :‬افِّقت النص ارى على اثنتني‬
‫وسبعني فرقة"‪.278‬‬

‫‪ 278‬التبصْ يف الدين ِلِب املظفر اإلسفرايين ص‪ 138 - 137‬بتصرف‪.‬‬


‫‪117‬‬
‫الت ليث عند النصارى‬
‫"ليعلم أن النص ارى قائلون إن اهلل تعاىل جوهر واحد وثالثة أقانيم‪ ،‬أُقنوم اِلب‪ ،‬وأقنوم االبن وأقنوم روح‬
‫القدس‪ ،‬وإن الثالثة واحد يف اْلوهر خمتلفة اِلقانيم‪ ،‬وقال بعض هم إ ا أش خاص وذوات‪ ،‬وقال بعض هم‬
‫إ ا خواص‪ ،‬وقال بعض هم إ ا ص فات‪ ،‬وقال بعض هم إن أقنوم اِلب هو الذات وأقنوم االبن هو الكلمة‬
‫وه ُّ العلم وإ ا مل تزل متولدة من اِلب ال على سبيل التناسل بل كتولد ضياء الشمس عنها‪ ،‬وإن أقنوم‬
‫روح القدس ه ُّ اْلياة وإ ا مل تزل فائضة بني اِلب واالبن‪.‬‬
‫والنصارى ثالثة مذاهب‪ :‬اليعقوبية‪ ،‬وامللكية‪ ،‬والنسطورية‪.‬‬
‫فأما اليعقوبية فهم فرق كثْة وهم قائلو بأن املس يح عليه الس الم طبيعة واحدة من طبيعتني‪ ،‬أحدمها‬
‫طبيع ة الالهوت واِلخرى طبيع ة الن اس وت‪ ،‬وإن ه اتني الطبيعتني تركبت ا كم ا تركب ت النفس مع الب دن‬
‫واَتدتا فص ارتا إنس اناً واحداً وجوهراً واحداً وإْلاً واحداً‪ ،‬وإن هذه الطبيعة الواحدة والش خص الواحد هو‬
‫املس يح‪ ،‬وهو بزعمهم إله كلاه وإنس ان كله‪ ،‬ومنهم من يقول باملمازجة بني أقنوم اِلب وأقنوم روح القدس‬
‫وانه ص ار منهما ش ُّء ثالث كما َتتزج النار بالفحمة فيص ْ منها َجرة‪ ،‬واْلمرة ليس ت ناراً خالص ة وال‬
‫فحمة خالص ة‪ ،‬وهذا موافق ملا يذكرونه فيما يس مونه بتس بيحة إُيا م من قوْلم نزل من الس ماء وِتس د‬
‫من روح القدس وص ار إنس اناً‪ ،‬ولذلك قالوا املس يح جوهر من جوهرين‪ ،‬وأقنوم من أقنومني‪ ،‬ويقولون إن‬
‫مرمي ولدت اهلل تعاىل‪ ،‬وإن اهلل تعاىل تأمل وص لب متجس داً ودقت املس امْ يف يديه ومات ودفن وقام من‬
‫بني اِلموات بعد ثالثة أيام وصعد إىل السماء‪.‬‬
‫وأما النس طورية فهم فرقة واحدة وظاهر قوْلم أن االَتاد على معَن املس اكبة وأن الكلمة جعلته ُمالً‬
‫اادرعته اادراعاً‪ ،‬وقالوا إن املس يح جوهران أقنومان‪ ،‬وقال بعض هم إن االَتاد وقع به كما اَتد نقش الفص‬
‫بالش مع وص ورة الوجه باملرآة من غْ أن يكون قد انتقل نقش من الفص إىل الش مع أو من الوجه اىل‬
‫املرآة‪ ،‬وقال بعضهم اَتاد الكلمة هو ظهورها وظهور املعجزات عليها‪ ،‬وقال بعضهم إن املسيح شخصان‬
‫وطبيعتان‪ ،‬وإن طبيعة الالهوت الِت للمس يح غْ طبيعية ناس وته‪ ،‬وإن املس يح ص ار بذلك إْلاً وإنس اناً‪،‬‬
‫فهو إله جبوهر الالهوت الذي ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وإنسان جبوهر الناسوت القابل للزيادة والنقصان‪ ،‬وقالوا‬
‫إن مرمي ولدت املسيح بناسوته وإن الالهوت مل يفارقه قط منذ اَتد بناسوته‪.‬‬
‫وأما امللكية وهم الروم فيقولون إن االبن اِلزيف الذي هو الكلمة ِتس د من مرمي ِتس داًكامالً‪ ،‬وإنه ص ار‬
‫إنس اناً بالنفس واْلس د اللذين مها من جوهر الناس وت وإْلاً جبوهر الالهوت كمثل أبيه‪ ،‬وهو ش خص‬

‫‪118‬‬
‫واحد‪ ،‬وقالوا إن مرمي ولدت إْلا‪ ،‬وإن املس يح وهو اس م جيمع الالهوت والناس وت قد مات وقالوا إن اهلل‬
‫مل ُيت وإن الذي ولدته مرمي مات جبوهر ناسوته"‪.279‬‬

‫ظاهرة التقليد األعمى عند النصارى‬


‫"النص ارى أمة عمياء وطائفة جهالء‪ ،‬قد غلب عليهم التقليد‪ ،‬وِتنبوا ُمجة النظر الس ديد‪ ،‬حَت إ م ال‬
‫يبحثون عن ص حة ما يلقيه إليهم أس اقفتهم‪ ،‬وال يتأملون ما يعتمده يف دينهم أكابرهم وطغاَتم‪ ،‬ولوال‬
‫ذلك مل يبق لدين النص رانية وجود لظهور فس اده‪ ،‬وناهيك من قوم يعتقدون أن إْلهم خلق أمه‪ ،‬وأن أمه‬
‫قد ولدت خالقها"‪.280‬‬
‫" فهم يف مب اح ث عق ائ دهم ال يعولون إال على التقلي د احملُ ع اض ني ب النواج ذ على ظواهر أطلقه ا‬
‫اِلولون ومل ينهُ بإيض اح ُمش كلها ‪-‬لقص ورهم‪ -‬اآلخرون‪ ،‬ظانني بأن ذلك هو الش رع الذي ش رعه ْلم‬
‫عيس ى عليه الص الة والس الم‪ ،‬معتذرين عن اعتقادها ِبا ورد من نص وص يعتقدون أ ا قاهرة للفكر غْ‬
‫قابلة للتأويل وأن صرفها عن ظاهرها عسْ‪ .‬وهم يف ذلك طائفتان‪:‬‬
‫طائفة ‪ -‬وهم اِلكثر‪ -‬ل م ُيارسوا شيئاً من العلوم الِت يقف ِبا الناظر على استحالة املستحيل فيجزم‬
‫باس تحالة وجوده وإجياب الواجب‪ ،‬فينف ُّ إمكان عدمه‪ ،‬وإمكان املمكن‪ .‬بل ارتس مت يف أذها م ص ور‬
‫منذ صغرهم‪ ،‬واستمرت ِبم الغباوة إىل أن صار ذلك فيهم ملكة‪ ،‬فهذه الطائفة برؤها من دائها عسْ‪.‬‬
‫وطائفة ْلم أدىن معقول‪ ،‬قد أملوا بيس ْ من العلوم فتجدهم ناكص ني عن هذا املعتقد‪ ،‬ال يس اُمون‬
‫ا‬
‫أفكارهم ِبقاربته‪ ،‬يعولون تارة على تقليد الفيلس وف يف مس ألة االَتاد إلعظامهم ما يؤدي إليه من هدم‬
‫فارين من هذه املعض لة إىل التقليد احملُ‪ ،‬معتقدين أن‬
‫قواعد تظافرت على ثبوَتا ص رائح العقول‪ ،‬ا‬
‫الفيلس وف قد حاول العلوم اْلفية فأبا ا جلية مربهنة‪ ،‬ظانني أن من هذا ش أنه جدير بأن يعول على‬
‫أقواله ويقلد يف املعتقدات"‪.281‬‬
‫"مث إن النص ارى ال يلتفتون إىل أن التناقُ واملخالفة يف الكالم يس لب الوثوق به واالعتماد عليه‪ ،‬بل‬
‫مطمح نظرهم التقليد ملعلميهم‪ ،‬وإن ص در منهم كالم مناقُ آلخر‪ .‬وكتبهم املوجودة يف أيديهم الِت‬

‫‪ 279‬الصراط املستقيم ص‪ 37-36‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ 280‬اِلجوبة الفاخرة ص‪ ،5‬شهاب الدين القرايف‪.‬‬
‫‪ 281‬الرد اْلميل ص‪ ،3-1‬بتصرف (منسوب للغزايف)‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫تلقوها عن متقدم ُّ املعلمني املش تملة على املخالفات واْلرافات دليل على س قم أذهان معلميهم وعدم‬
‫فهمهم"‪.282‬‬
‫" وِما يبني ض الْلم ما حكى أحدهم يف تار ه وغْه‪ ،‬أن أكابرهم اجتمعوا على تعيني ما يعتقدونه يف‬
‫دينهم عش ر مرات بالقس طنطينية‪ ،‬واإلس كندرية‪ ،‬ومَت اجتمعوا على أن هذا املعتقد هو اْلق أنكروه بعد‬
‫مدة‪ ،‬وك افروا من يعتقده‪ ،‬وأثبتوا غْه‪ ،‬فهم حينئذ متبعون لوس اوس أس اقفتهم‪ ،‬ال لرس االت رِبم‪ ،‬ومنها‬
‫أ م يف بالد الروم بأس رها كربش لونة‪ ،‬وبركونة‪ ،‬ومرس يلية‪ ،‬وفرنس ا‪ ،‬وس ائر مدن الفرنج ْلم ثالثة أيام يف‬
‫الس نة معلومة يقول فيها اِلس اقفة للعامة‪" :‬س رقت اليهود دينكم"‪ ،‬واليهود س اكنون معهم يف البالد‬
‫فتنط لق الع ام ة وأه ل الب د جبملتهم يطلبون اليهود‪ ،‬فمن وج دوه قتلوه‪ ،‬وأي دار ق دروا عليه ا بوه ا‪،‬‬
‫واليهود تعلم تلك اِليام فتتحص ن وتس تعد ْلا‪ ،‬فإذا فرغت تلك اِليام خرج اِلس قف الكبْ إىل ظاهر‬
‫املدينة‪ ،‬فدخل إىل س رداب هناك فقعد س اعة‪ ،‬مث خرج حبق عظيم ُماط باْلل ُّ والطيب‪ ،‬يزعم أن الدين‬
‫فيه‪ ،‬ويقول ْلم قد وجدت دينكم فيِّكون اليهود‪ ،‬ويعاش رو م باملعروف إىل تلك اِليام بعينها‪ ،‬مث يعود‬
‫اْلال كذلك‪ ،‬وهذا ِما أطبق عليه الفرنج ال ينكرونه أبداً‪.‬‬
‫حرم عليه ومعَن حرم عليه ‪-‬‬
‫وِما أطبق عليه النص ارى أن اِلس قف إذا مل يوافقه ش خص على هواه ا‬
‫عندهم‪ -‬أن الرب تعاىل غض ب عليه‪ ،‬وأن اْلالئق ُيتنع عليهم بعد ذلك معاش رته ومؤالفته‪ ،‬بل يتعني‬
‫عليهم هجران ه وترك ه‪ ،‬و طُر ْلم أن تل ك اْل ال ة إذا دام ت علي ه تنتزع من ه الربك ة‪ ،‬وَتوت دواب ه ويهل ك‬
‫رزقه‪ ،‬وإن مات فيها ذهب إىل الس خط الدائم والعذاب املقيم‪ ،‬ويتخيلون أن اِلس اقفة قد ص اروا يف‬
‫اِلرض يتصرفون يف العباد تصرف رب العباد‪ ،‬وأن بيدهم السعادة والشقاء‪ ،‬مع أ م أقل من قليل وأحقر‬
‫من ذليل‪ ،‬يبيت الواحد من اِلس اقفة وعذرته على فخذيه‪ ،‬طول عمره يأكل الرش ا يف اِلحكام‪ ،‬ويتغذى‬
‫باْلرام‪ ،‬وهو يف اْلهالة أش د من اِلنعام‪ ،‬ألكن اللس ان‪ ،‬مش كل الرأي‪ِ ،‬بعزل عن االش تغال بالفض ائل‪،‬‬
‫ناء عن رياض ات العلوم‪ ،‬فهم وأتباعهم ال يزالون يف هذه الغفلة مس تمرين على هذه النوبة‪ ،‬حَت يأيت‬ ‫ٍ‬

‫أحدهم املوت فيجد نفس ه ال مع بين آدم الص اْلني يف اتباع اْلق وال مع البهائم يف الراحة من التكليف‬
‫فتذوب نفسه أسفاً ويندم حيث ال تنفع الندامة‪.‬‬
‫وملا علم حذاقهم أن دينهم ليس له قاعدة تبَن عليه‪ ،‬وال أص ل يرجع إليه‪َ ،‬جعوا عقول العامة بتخييالت‬
‫مومهة‪ ،‬وأباطيل مزخرفة‪ ،‬وض عوها يف الكنائس واملزارات‪ ،‬فمن ذلك أ م وض عوا ص وراً من اْلجارة إذا‬

‫‪ 282‬الصراط املستقيم ص‪ ،9‬إبراهيم اْليدري‪.‬‬


‫‪120‬‬
‫قرئ عليها اإلثيل تبك ُّ وِتري دموعها يش اهدها اْلاص والعام‪ ،‬فيعتقدون أن ذلك من أمر اإلثيل‪،‬‬
‫ويكون ْلا َما ٍر رقاق يف أجوافها من ورائها متص لة بزق ِملوء من املاء يعص ره بعُ الش مامس ة‪ ،‬وكذلك‬
‫يصنعون أصناماً رج اللنب من ثديها عند قراءة اإلثيل وذلك بصقلية وغْها‪.‬‬
‫ومن ذلك أن ْلم كنيس ة كانوا يزعمون أن يد اهلل تعاىل تظهر من اْليكل ِبا يوماً معلوماً من الس نة‬
‫يص افحه الناس‪ ،‬فدخل إليها بعُ ملوكهم فص افح اليد وأمس كها مس كاً ش ديداً‪ ،‬وقال "واهلل ال تركت‬
‫هذه اليد حَت أرى وجه ص احبها‪ ،‬فقال له اِلس اقفة‪" :‬أما َّتش ى الرب‪ ،‬أخرجت من دين النص رانية"؟‬
‫فأ أن يِّكها بكثرة َتويلهم‪ ،‬حَت يرى ص احب ال يد‪ ،‬فلما أعياهم أمره‪ ،‬أخربوه أ ا يد راهب منهم‬
‫فقتله ومنعهم من العود لذلك فلم يعودوا‪.‬‬
‫وباْلملة اإلسهاب يف هذا الباب يطول زمانه لكثرته‪ ،‬وإَّنا أردنا التنبيه على أ م ُيشون على ما هم عليه‬
‫من الض الل بنوع من الش عبذة وأص ناف من اْليال ملا عدموا من اْلق الذي يص دع القلوب وتقبله‬
‫العقول‪ ،‬وننباه على أن القوم ليس ْلم حظ من النظر القومي وال العقل املس تقيم‪ ،‬بل وجدوا آباءهم على‬
‫الض الل فهم على آثارهم يهرعون‪ ،‬قد غمرهم اْلهل وعمهم العمى‪ ،‬فلذلك ال بط العزُية إىل بس ط‬
‫القول يف اْلديث معهم"‪ ،283‬فإن خماطبة أمثاْلم ال ِتدي‪ ،‬فنقتص ر على بيان بعُ ض الالَتم يف هذا‬
‫البحث‪ ،‬ونعارض معتقداَتم باِلسئلة وبالنصوص من كتبهم‪.‬‬

‫‪ 283‬اِلجوبة الفاخرة‪ ،‬ص‪ ،8-5‬بتصرف واختصار‪ .‬شهاب الدين القرايف‪.‬‬


‫‪121‬‬
‫عقيدة اليهود والنصارى في األنبياء‬
‫ليعلم أن اليهود والنص ارى ال يعتقدون يف اِلنبياء العص مة‪ ،‬فيص در عنهم على مقتض ى أص وْلم َجيع‬
‫الذنوب قص داً فض الً عن اْلطأ والنس يان‪ ،‬ومن ينظر يف التوراة املوجودة يف أيدي اليهود اآلن جيد فيها‬
‫"دس ها‬
‫من الطعن يف اِلنبياء ورميهم بالفواحش ما تكاد َّتر اْلبال منه‪ ،‬وذلك من مفِّيات بين إس رائيل ا‬
‫من ال ش ى اهلل تعاىل يف الكتب الس ماوية حس داً منهم لألنبياء الكرام ليجعلوا منهم أبناء زنا‪ ،‬وليس‬
‫ذل ك ببعي د على قوم عب دوا العج ل بع د أن رأوا اآلي ات البين ات واملعجزات الب اهرات‪ ،‬وقتلوا َجل ة من‬
‫اِلنبياء الكرام‪ ،‬وقذفوا السيد املسيح وأمه الطاهرة البتول"‪.284‬‬
‫ومن العجيب أن النص ارى يعتمدون هذه التوراة وال يتدبرون ما فيها من اْلذيان الذي ال فى على‬
‫اِلطفال‪ .‬ومثل ذلك يقال يف اإلثيل املوجود عندهم الذي حوى من الس فاهات والتناقض ات ما يأ‬
‫العاقل أن يتفوه به فضالً عن أن يعتقده أو جيعله وحياً منزالً‪.‬‬
‫وأن َمموع الكتب الِت بأيدي اليهود والنص ارى‪" ،‬ال يذكر فيها نِب من نوح إىل املس يح عليهما الس الم‬
‫إال ويكون ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬فاس قاً أو كافراً أو كاذباً أو زانياً أو من أوالد الزنا‪ ،‬أعاذنا اهلل من أمثال هذه‬
‫العقائد الفاسدة يف حق اِلنبياء عليهم السالم"‪.285‬‬
‫وإن ا ننق ل َجل ة من االفِّاءات على أنبي اء اهلل تع اىل الِت س طرَت ا أقالمهم وادعوا أ ا كالم اهلل تع اىل‪،‬‬
‫وذلك على سبيل االختصار‪ ،‬إذ أن حصر ذلك ُيتاج إىل َملد كبْ‪.‬‬

‫‪ 284‬السيف الصقيل ص‪ 18‬وص‪ 20‬بتصرف‪ ،‬للشيخ بكر بن عمر التميم ُّ‪.‬‬


‫‪ 285‬السيف الصقيل ص‪.5‬‬
‫‪122‬‬
‫القسم ال اني‬
‫تفنيد افتراءات اليهود والنصارى على األنبياء‬

‫ويشتمل على املواضيع التالية‬


‫افِّاء اليهود والنصارى على آدم عليه السالم‪ ،‬وإبطال قول النصارى بالفداء‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫افِّاؤهم على نوح عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫افِّاؤهم على إبراهيم عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫افِّاؤهم على إسحق عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫افِّاؤهم على لوط عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫افِّاؤهم على يعقوب عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫افِّاؤهم على هارون عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫افِّاؤهم على موسى وهارون عليهما السالم‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫افِّاؤهم يف شأن مششون‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬افِّاؤهم على داود عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -11‬افِّاؤهم على سليمان عليه السالم‪.‬‬
‫شاول‪.‬‬
‫‪ -12‬افِّاؤهم يف شأن ُ‬

‫‪123‬‬
‫افتراء اليهود والنصارى على آدم عليه السالم‬
‫"يف الباب الثالث من السفر اِلول من التوراة احملرفة مذكور أن اهلل تعاىل نزل من السماء إىل اْلنة ومشى‬
‫فيها فلما رأى آدم عليه الس الم ربه ُيش ُّ يف اْلنة‪ ،‬وكان آدم حينئذ عرياناً ِلكله من الش جرة‪ ،‬اختفى‬
‫آدم حياء من ربه وتس ِّ بالنبات‪ ،‬نادى اهلل تعاىل‪ :‬يف أي مكان أنت يا آدم فقال آدم‪ :‬أنا هنا‪ ،‬فذهب‬
‫اهلل تعاىل إىل آدم فرآه متس ِّاً باْلش يش فقال من أخربك أنك عريان حَت تس ِّت باْلش يش؟ هل أكلت‬
‫من الشجرة الِت يتك عنها؟ إىل آخر القصة حَت عفا اهلل تعاىل عن آدم‪.‬‬
‫فلينظر العاقل إىل هذا اْلذيان ال ُمزري ِبقام الربوبية‪ ،‬وكيف يُعقل أن تكون هذه املهزلة كالم اهلل تعاىل‪،‬‬
‫وكيف نس ب من يدع ُّ العقل هذا اْلذيان واْللط واللعب إىل اهلل تعاىل ورس له‪ ،‬فإن نس بة املش ُّ إىل اهلل‬
‫تعاىل يف اْلنة تس تلزم إحاطة املكان به وعروض اْلوادث عليه وأنه مركب كاإلنس ان فيلزم حدوثه تعاىل‬
‫عن ذلك علواًكبْاً‪ .‬وكيف ينس بون إىل آدم أنه اختفى عن اهلل الذي ال َّتفى عليه خافية‪ ،‬أم يظنون أن‬
‫آدم عليه الس الم الذي علمه اِلَاء كلها وأس جد له مالئكته‪ ،‬كان يعتقد أن اهلل تعاىل ال يراه إذا اختبأ‪،‬‬
‫فيلزم أن يكون آدم عليه الس الم جاهالً ِبا يليق باهلل تعاىل‪ ،‬وقوْلم إن اهلل قال له‪" :‬يف أي مكان أنت"‬
‫ص ريح يف نس بة اْلهل إىل اهلل تعاىل‪ ،‬وأنه عز وجل مل يره إذ تس ِّ باْلش يش‪ ،‬وقوْلم إنه عز وجل قال له‬
‫"من أخربك أنك عريان" من باب اْلذيان وكيف جيهل اإلنس ان كونه عرياناً ولو كان أعمى أو عينه فوق‬
‫رأسه حَت يُسأل عن علمه بذلك‪.286‬‬

‫‪ 286‬الصراط املستقيم ص‪ 16-15‬بتصرف‪.‬‬


‫‪124‬‬
‫استطراد في إبطال قول النصارى بالفداء‬
‫قد مر آنفاً أنه ذكر يف التوراة يف السفر اِلول أن اهلل تعاىل تاب على آدم عليه الصالة والسالم وعفا عنه‬
‫تكون عيس ى ووجوده‪ ،‬ومع ذلك فإن النص ارى يقولون بأن املس يح عليه الس الم نزل من الس ماء‪،‬‬
‫قبل ُّ‬
‫وِتس د من روح القدس‪ ،‬وص ار إنس اناً‪ ،‬وولد من مرمي البتول وتأمل وص لب من أجل خالص البش رية‬
‫وليكون ف داء عن العص اة آدم فمن بع ده‪ ،‬وهو مع ذل ك كل ه إل ه يف معتق دهم‪ .‬وقوْلم ب أن ه ف داء عن‬
‫العص اة من أركان معتقدهم كما يعلم من تس بيحتِهم‪ .‬فليت ش عري "أي معَن لتجس د كلمة اهلل تعاىل‬
‫وص ْورَتا جس ماً وإْلاً‪ ،‬وأي معَن لس ر الفداء‪ ،‬فإن اهلل تعاىل إذا ثبت أنه فاعل خمتار يفعل ما يش اء‪،‬‬
‫كما هو مس لام لدى َجيع أهل الش رائع‪ ،‬فلم ال يعفو عمن يش اء من العص اة من دون فداء كما هو‬
‫مقتضى عفوه وكرمه ورِحته‪ ،‬واْلق حقه وليس حق الغْ‪.‬‬
‫وال ينفعهم أن يقولوا العفو من غْ فداء خالف العدالة ِلنا نقول إَّنا يكون خالف العدالة لو كان اْلق‬
‫للغْ ومل يأذن بذلك‪ ،‬وأما إذا كان اْلق له تعاىل فالعفو من غْ فداء هو الالئق برِحته الواسعة‪ .‬فإن قيل‬
‫لِ َم ل ْم يعف عن ذبح ولد إبراهيم من دون فداء كبش؟ قلنا جعل الكبش فداءً عنه ليكون سنة متبعة يف‬
‫اِلضحية ونفوز باِلجر والثواب وهذا تكرمي من اهلل تعاىل‪ .‬بل يلزمهم أن يكون هذا الفداء منافياً للعدالة‪،‬‬
‫ِلن اْلاِن يس تحق العقاب‪ ،‬فالفداء عنه بأحد يكون ظلما ملا فُدي به‪ ،‬فما وجه رعاية اْلاِن وعدم‬
‫فدي به؟!‬
‫رعاية ما َ‬
‫ويلزمهم أن يكون كل من عص ى أفض ل من عيس ى عليه الس الم وأحب عند اهلل تعاىل ِلن املتقرر أن‬
‫املفدى عنه ال بد أن يكون أفض ل وإال ملا فدى عنه‪ ،‬وكيف وقد فدى اهلل ‪-‬على زعمهم‪ -‬بولده عن‬
‫العصاة والفسقة‪.‬‬
‫كما يلزمهم أن يكون هذا الفداء باهلل عن خلقه‪ ،‬إذ زعموا أن اهلل جعل عيس ى إْلا وهذا مع كونه من‬
‫اْلذيان‪ ،‬خارج عن طريقة الفداء‪ِ ،‬لن ص احب اْلق هو اهلل تعاىل وهو املفدى به وهو الذي أفدى على‬
‫اْلاِن أيض اً على مقتض ى اعتقادهم‪ ،‬وال يتص ور عاقل ْلذا معَن‪ ،‬بل هو مس تحيل بالبداهة والض رورة‪،‬‬
‫على أن الالئق بشفقة اِلبوة أن يفدي اِلب عن ابنه ب خر‪ ،‬ال أن جيعله فداءً عن اْلُناة‪.‬‬
‫وليت ش عري كيف جعل ولده ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬فداءً عن عامة النص ارى من الفس قة العص اة وجعل لولد‬
‫إبراهيم اْلليل عليهما الس الم الكبش فداءً‪ ،‬فهل يليق بعدالة البارئ عندهم أن يفدي عن نِب كبش اً‪،‬‬
‫وعن فاسق فاجر من العامة بولده الوحيد بزعمهم؟! تعاىل اهلل عن ذلك علواً كبْاً‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫وال يقال إن آدم عص ى وكذا العص اة فكان عيس ى فداء عنهم‪ ،‬وولد إبراهيم مل يعص فكان الكبش فداء‬
‫عنه ِلنا نقول بل املناس ب على مقتض ى مذهبهم أن يفدي اهلل بولده عن ولد إبراهيم‪ِ ،‬لن اهلل تعاىل‬
‫قادر على إحياء ولده وإبراهيم غْ قادر على إحياء ولده‪ ،‬والولد يناس ب الولد‪ ،‬وليفد عن كل عاص‬
‫بكبش أو بعْ مثالً‪ ،‬على أن الفداء بالولد مل ير له نظْ‪ ،‬بل املعقول الفداء بش ُّء عن الولد‪ ،‬ال الفداء‬
‫بالولد عن الغْ‪.‬‬
‫هذا ومل جاز أن يكون فداء عمن عصاه ِمن هو قبله وبعده من أمته على زعمهم وال جيوز أن يكون فداء‬
‫عن عص اتنا معاش ر املس لمني‪ ،‬وعن عص اة اليهود الذين ص لبوه ‪ -‬حبس ب معتقدهم ‪ -‬وعمن بعدهم من‬
‫العصاة؟!‬
‫على أن اهلل تعاىل هو خالق اْلْ والش ر وال يص در يف ملكه ش ُّء إال بإرادته‪ ،‬كما هو الالئق بش أن‬
‫الربوبية فإذا َتقق ذلك فما معَن خلقه للعصاة وإقدارهم على املعصية مث صلب ابنه بزعمهم وجعله فداء‬
‫عنهم؟! وهل هذا إال تالعب وهذيان والقول به يس تلزم اإلخالل ِبقام الربوبية‪ ،‬وتنقيص الرب الواحد‬
‫الذي مل يلد ومل يولد بأفعال ال تص در عن َمانني اْللق فض الً عن اْلالق‪ ،‬تعاىل اهلل عن ذلك علواًكبْاً‪.‬‬
‫وهذا مثل رجل له ولد فجَن عبده جناية ه ُّ حق ملواله‪ ،‬مث فدى الرجل ولده عن عبده بأن س لمه إىل‬
‫العبد وأمره بصلبه ليكون فداء عنه ليعفو عن جنايته فانظر أيها العاقل اىل هذا اْلذيان‪.‬‬
‫فإن قالوا إن عيسى عليه السالم إَّنا يكون فداء بشرط اإلُيان به‪ ،‬واليهود الذين صلبوه ‪-‬بزعمهم ‪ -‬ل م‬
‫يؤمنوا به فال يكون فداء عنهم‪.‬‬
‫قلنا مردود بوجهني‪:‬‬
‫‪ ‬اِلول ما سبق من أن القول بالفداء ِما ال يُتصور على ما بياناه بالشواهد‬
‫‪ ‬الثاِن أن عيسى عليه السالم مل يكن متجسداً يف عهد آدم عليه السالم ملا أكل من الشجرة بل‬
‫ا‬
‫كان حينئذ ُمُ كلمة اهلل على زعمهم‪ ،‬فلم يتحقق ‪-‬على مقتض ى ما ذهبوا إليه ‪ -‬إُيان آدم‬
‫بعيسى‪ ،‬فال يصح أن يكون فداء عن آدم وعمن عصى قبل عيسى أيضاً وال يسعفهم أن يقولوا‬
‫إن آدم وأمثاله كانوا مؤمنني بكلمة اهلل تعاىل‪ِ ،‬لن اإلُيان الذي يس تحق ص احبه الفداء عندهم‬
‫إَّنا هو بعيس ى الذي هو عبارة عن الالهوت والناس وت وال ناس وت إذ ذاك إذ مل يتجس د ومل‬
‫يتكون‪.‬‬
‫ا‬
‫فكما ال يكون فداء عنا معاش ر املس لمني ِلنا ال نؤمن إال بكونه مرس الً من عباد اهلل تعاىل‪ ،‬أي بناس وته‬
‫‪126‬‬
‫فقط ال يكون فداء عن آدم ِلن إُيانه حينئذ على زعمهم إَّنا هو بالهوته فقط‪.‬‬
‫على أنه يلزم ِما ذكروه من ِتس د كلمة اهلل تعاىل أن يكون اهلل تعاىل ُمالً للحوادث‪ ،‬تعاىل اهلل عن ذلك‬
‫علواًكبْاً"‪.287‬‬
‫"فدعوى النص ارى هذه خمالفة لبداهة العقل‪ ،‬وكأ م ال يعلمون التناقُ واملخالفة يف الكالم واس تلزام‬
‫احملال‪ ،‬ومل يتفكروا أن َمثَل عيس ى عند اهلل كمثل آدم‪ ،‬وخمالفة أيض اً ْلميع الكتب الس ماوية والش رائع‬
‫املتقدمة‪ِ ،‬لن التوراة وغْها ليس فيها ذلك‪ ،‬ومل ينقل عن أحد من اِلنبياء من عهد آدم إىل ُممد ص لى‬
‫اهلل عليهما وسلم‪ ،‬فإن كان اِلنبياء يعلمون ذلك فلم أخفوه عن الناس مع كو م مأمورين بتبليغ الشرائع‪،‬‬
‫اِلمور االعتقادية من أعظم اِلمور‪ ،‬بل ه ُّ أس اس الدين‪ ،‬وإن كانوا غْ عاملني بذلك فيلزم اْلهل‬
‫و ُ‬
‫بأحكام الدين على اِلنبياء صلوات اهلل وسالمه عليهم حاشاهم عن ذلك"‪.288‬‬
‫وقوْلم بالفداء ينايف ما هو مذكور يف التوراة من توبة آدم عليه الس الم وقبوْلا عند اهلل فال حاجة اىل‬
‫الفداء‪ .‬على أن من النصارى من صرح بأن آدم عصى عمداً ومل يعِّف بذنبه‪ ،‬ومل تثبت توبته عندهم إىل‬
‫آخر حياته فقد "قال مؤلف كتاب طريق اِلولياء‪ :289‬يا أس ف ُّ على أنه مل تثبت توبته وعلى أنه ما‬
‫اس تغفر اهلل لذنبه مرة واحدة أيض اً‪ .‬وذلك يف الص حيفة الثالثة والعش رين من الكتاب املذكور"‪ ،290‬فإن‬
‫كان هذا معتقدهم يف أول اِلنبياء فال عجب أن افِّوا على س ائر اِلنبياء من بعده‪ ،‬بل عندهم هذا هو‬
‫ابه أبَهُ فما‬
‫اِلمر الطبيع ُّ فاِلنبياء اآلخرون اقتدوا بأبيهم يف املعاص ُّ واآلثام وكما قال القائل‪ :‬ومن يش ْ‬
‫ظَلَم‪.‬‬

‫‪ 287‬الصراط املستقيم ص‪.8-7-6-5‬‬


‫‪ 288‬الصراط املستقيم ص‪.8‬‬
‫‪ 289‬اَه وليم اَث‪.‬‬
‫‪ 290‬إظهار اْلق ج‪ 2‬ص‪.449‬‬
‫‪127‬‬
‫افتراؤهم على نوح عليه السالم‬
‫"يف الباب التاس ع من س فر التكوين مذكور هذا النص‪ 18 :‬فكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك س ام‬
‫وحام ويافث‪ ،‬وحام أبو كنعان‪ 20 ،‬وبدا نوح فالح ُيرث يف اِلرض‪ ،‬وغرس كرما‪ 21 ،‬وش رب مخراً‪،‬‬
‫فس كر وتكش ف يف خبا‪ 22 ،‬فلما نظر حام ابو كنعان ذلك أي عورة أبيه أ ا مكش وفة أخرب إخوته‬
‫خارجاً‪ 24 ،‬فلما اس تيقظ نوح من اْلمر وعلم ِبا عمل به ابنه اِلص غر ‪ 25‬فقال ملعون كنعان‪ ،‬فيكون‬
‫عبد العبيد إلخوته اه ‪.291‬‬
‫ففيه تصريح بأن نوحاً شرب اْلمر وسكر وصار عرياناً‪ ،‬وهذا فيه من البطالن ما ال فى‪ ،‬إذ أن اِلنبياء‬
‫مربؤون من مثل ذلك‪ ،‬والعجب أن املذنب بالنظر إىل عورة أبيه على ما قالوه هو حام أبو كنعان‪ ،‬والذي‬
‫عوقب باللعنة ابنه كنعان‪ ،‬مع أن أخذ االبن بذنب اِلب خالف العدل‪.‬‬
‫ويف كتاب حزقيال يف الباب الثامن عش ر‪ ،‬العدد العش رون ما نص ه‪ :‬النفس الِت َّتطئ فه ُّ َتوت واالبن‬
‫ال ُيمل إمث اِلب واِلب ال ُيمل إمث االبن وعدل العادل يكون عليه ونفاق املنافق يكون عليه اه ‪.‬‬
‫ولو فرض نا أن االبن ُيمل إمث اِلب فما وجه َّتص يص كنعان؟ ِلن أبناء حام كانوا أربعة‪ :‬كو‪ ،‬ومص رامي‬
‫وفوط وكنعان كما هو مصرح به يف العدد السادس من الباب العاشر من سفر التكوين"‪.292‬‬
‫"على أنه ما َع أن كنعان وال بنوه كانوا عبيداً يف وقت من اِلوقات‪ ،‬بل كانوا س ادات وملوكاً وجبابرة‬
‫فلسطني وغْها كما يعلم ذلك من سفر التكوين"‪.293‬‬

‫‪294‬‬
‫افتراؤهم على إبراهيم عليه السالم‬
‫"يف الصحيفة الرابعة والسبعون من الكتاب املسمى طريق اِلولياء يف حال إبراهيم ما نصه‪:‬‬
‫ال يعلم حاله إىل س بعني س نة من عمره‪ ،‬وهو تر يف الوثنيني‪ ،‬ومض ى أكثر عمره فيهم‪ ...‬وُيتمل أن‬
‫إبراهيم أيضاً كان يعبد اِلصنام ما مل يظهر اهلل عليه‪ ،‬مث ظهر وانتخبه من أبناء العامل وجعله عبداً خاصاً‪.‬‬
‫اه‬

‫‪ 291‬إظهار اْلق ج‪ 2‬ص‪ 449‬بتصرف‪ .‬هناك اختالف قليل يف بعُ اِللفاظ بني ما نقلناه وبني الَِّجة املطبوعة‪.‬‬
‫منها نصب سام وحام بالتنوين‪.‬‬
‫‪ 292‬إظهار اْلق ج‪ 2‬ص‪.450-449‬‬
‫‪ 293‬السيف الصقيل ص‪.7‬‬
‫‪ 294‬إظهار اْلق ج‪ ،2‬ص‪ 453-452-451-450‬بتصرف‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫فظهر أن املظنون عند النص ارى بل اِلقرب اىل اليقني على أص وْلم أن إبراهيم عليه الص الة والس الم كان‬
‫عابداً لألص نام إىل أن بلغ س بعني س نة‪ِ ،‬لن أهل وقته ‪-‬عندهم‪ -‬كانوا وثنيني وهو َتر فيهم وأبواه منهم‬
‫أيض اً‪ ،‬ومل يظهر عليه الرب ‪-‬على زعمهم‪ -‬إىل ذلك الوقت‪ ،‬والعص مة عن عبادة اِلوثان ليس ت بش رط‬
‫عندهم بعد النبوة فض الً عن أن تكون ش رطاً قبل النبوة‪ ،‬فإن كان حال أِب اِلنبياء هكذا عندهم إىل‬
‫سبعني سنة من عمره قبل النبوة‪ ،‬فلننتقل إىل حاله عندهم بعد النبوة‪.‬‬
‫يف الباب الثاِن عش ر من س فر التكوين مذكور ما نص ه هكذا‪ :‬فلما قرب أن يدخل إىل مص ر قال لس ارة‬
‫زوجته إِن علمت أنك امرأة حسنة ويكون إذا رآك املصريون أ م يقولون هذه امرأته فيقتلوِن ويستبقونك‬
‫واآلن أرغب منك فقويف إنك أخِت ليكون يف خْ بس ببك وَتيا نفس ُّ من أجلك‪ ،‬فلما دخل إبرام إىل‬
‫مص ر رأى املص ريون املرأة أ ا حس نة جداً ورآها رؤس اء فرعون ومدحوها لدى فرعون‪ ،‬فأخذت املرأة إىل‬
‫فص نع إىل إبرام خْ بس ببها وص ار له غنم وبقر وِحْ وعبيد وإماء وأتن وَجال‪ ،‬فض رب‬ ‫بيت فرعون‪ُ ،‬‬
‫الرب فرعون وبيته ض ربات عظيمة بس بب س ارة امرأة إبرام‪ ،‬فدعا إبرام وقال ما هذا الذي ص نعته ِب ملاذا‬
‫مل َّتربِن ا ا امرأت ك‪ ،‬مل اذا قل ت ه ُّ أخِت حَت أخ ذَت ا يف لتكون زوجِت واآلن هو ذا امرأت ك خ ذه ا‬
‫واذهب‪ .‬اه‬
‫فظهر من هذه اْلكاية أنه لو مل يقل عن زوجته إ ا أخته ما كان أخذها فرعون وأن الكذب بقوله ه ُّ‬
‫أخِت ما كان جملرد اْلوف بل كان لرجاء حص ول املنفعة واْلْ أيض اً‪ ،‬بل رجاء حص ول اْلْ واملنفعة كان‬
‫أقوى ولذلك قدمه يف كالمه‪ ،‬على أن خوفه من القتل َمرد وهم ال س يما إذا كان راض ياً بِّكها فإنه ال‬
‫وجه ْلوفه بعد ذلك أص الً‪ ،‬وكيف جيوز العقل أيها العاقل ص دور مثل هذا عن إبراهيم عليه الس الم‬
‫وكيف يرض ى بِّك زوجته وتس ليمها للغْ ومل يدافع دو ا؟ حاش ا جنابه الش ريف أن يرض ى بذلك بل ال‬
‫يرضى ِبثله من له أدىن غْة فكيف إبراهيم خليل اهلل أبو اِلنبياء وصفوة اِلمناء؟!‬
‫ويف الباب العش رين من س فر التكوين مذكور ما نص ه‪ :‬وانتقل ابراهيم من هناك إىل أرض اْلنوب وس كن‬
‫بني قاد‪ ،‬وش ور‪ ،‬وتغرب يف جرار‪ .‬وقال إبراهيم عن س ارة امرأته ه ُّ أخِت‪ .‬فأرس ل أبيمالك ملك جرار‬
‫وأخذ س ارة‪ .‬فجاء اهلل إىل أبيمالك يف حلم الليل وقال له ها أنت ميت من أجل املرأة الِت أخذَتا فإ ا‬
‫أأمةً بارةً تقتُ ُل‪ .‬أل م يقل هو يف إ ا‬
‫متزوجة ببعل‪ .‬ولكن مل يكن أبيمالك قد اقِّب إليها‪ .‬فقال يا سيد ا‬
‫أخِت وه ُّ أيضاً نفسها قالت هو أخ ُّ‪ .‬اه (عدد ‪ )5-1‬فعلى زعمهم كذب هناك إبراهيم وسارة مرة‬
‫أخرى‪ ،‬ولعل الس بب هنا كان حص ول املنفعة مع اْلوف أيض اً‪ ،‬وقد حص لت املنفعة كما هو مص رح به‬

‫‪129‬‬
‫يف العدد الرابع عش ر من الباب نفس ه على أنه ال وجه للخوف إن كان راض ياً بتس ليمها بدون مقاتلة وال‬
‫ِمانعة‪.‬‬
‫ويف الكتاب املسمى بطريق اِلولياء يقول مؤلفه يف الصحيفة التاسعة والتسعني‪ :‬لعل إبراهيم ملا أنكر كون‬
‫سارة زوجة له يف املرة اِلوىل عزم يف قلبه أنه ال يصدر عنه مثل هذا الذنب‪ ،‬لكنه وقع يف شبكة الشيطان‬
‫السابقة مرة أخرى بسبب الغفلة‪ .‬اه‬
‫ويقول املؤلف نفسه يف الصحيفة الثانية والتسعني والثالثة والتسعني‪ :‬ال ُيكن أن يكون إبراهيم غْ مذنب‬
‫يف نكاح هاجر‪ِ ،‬لنه كان يعلم جيداً قول املس يح املكتوب يف اإلثيل إن الذي خلق من البدء خلقهما‬
‫ذكراً وأنثى‪ ،‬وقال من أجل هذا يِّك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون االثنان جسداً واحداً‪ .‬اه‬
‫ويلزمهم أنه كما أنه ال ُيكن أن يكون غْ مذنب يف نكاح هاجر‪ ،‬ال ُيكن أيض اً أن يكون غْ مذنب‬
‫يف نكاح س ارة ِلنه كان يعلم جيداً قول موس ى املكتوب يف التوراة‪" :‬أي رجل تزوج أخته ابنة أبيه أو‬
‫أخته ابنة أمه ورأى عورَتا ورأت عورته‪ ،‬فهذا عار ش ديد فيقتالن أمام ش عبهما وذلك ِلنه كش ف عورة‬
‫أخته فيكون إُثهما يف رأسهما"‪ .‬وكذا قوله‪" :‬يكون ملعونا من يضاجع أخته من أبيه أو أمه"‪ .‬اه ‪.295‬‬
‫وس ارة زوجة إبراهيم عليه الس الم كانت ‪-‬على حس ب ما هو مذكور يف التوراة احملرفة‪ -‬أخت إبراهيم‪،‬‬
‫فف ُّ العدد الثاِن عشر من الباب العشرين من سفر التكوين ما نصه‪" :‬إ ا أخِت باْلقيقة ابنة أِب وليست‬
‫ابنة أم ُّ وقد تزوجت ِبا"‪.296‬‬
‫ومثل هذا النكاح عندهم على ما بينا حرام ومس ا ٍو للزنا‪ ،‬فيلزمهم القول بأن ابراهيم عليه الس الم كان‬
‫زانياً قبل النبوة وبعدها‪ ،‬فيكون أوالده كلهم من س ارة أوالد زنا‪ ،‬فعلى أص لهم الفاس د يلزم أن هذا النِب‬
‫أب ا اِلنبي اء كم ا ك ان ك اذب اً‪ ،‬فك ذا ك ان زاني اً طيل ة عمره ومع ه ذا ك ان خلي ل اهلل !! أيكون خلي ل اهلل‬
‫هكذا؟!"‬
‫فإن كان حال خليل اهلل عندهم هكذا فلننظر كيف يكون حال ابنه النِب إس حق عندهم الذي جاء من‬
‫ذريته كل من بعده من اِلنبياء باستثناء سيدنا ُممد عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫‪ 295‬القول اِلول موجود يف العدد السابع عشر من الباب العشرين من سفر اِلحبار‪ ،‬والقول الثاِن يف العدد الثاِن‬
‫والعشرين من الباب السابع والعشرين من كتاب االستثناء‪.‬‬
‫‪ 296‬وذلك يف الَِّجة العربية سنة ‪ 1625‬وسنة ‪.1648‬‬
‫‪130‬‬
‫‪297‬‬
‫افتراؤهم على إسحق عليه السالم‬
‫"جاء يف الباب السادس والعشرين من سفر التكوين من التوراة احملرفة ما نصه‪:‬‬
‫‪6‬فمكث إس حق يف َجرار‪ 7 .‬وس أله رجال ذلك املوض ع عن زوجته فقال ه ُّ أخِت ِلنه خاف أن يقول‬
‫إ ا زوجته لئال يقتلوه من أجل حسنها‪ .‬اه‬
‫فعلى زعمهم كذب إس حق عمداً أيض اً مثل أبيه وقال عن زوجته إ ا أخته‪ ،‬ولننظر ماذا يقول مؤلف‬
‫الكتاب املسمى بطريق اِلولياء يف حق هذا النِب الكرمي ابن النِب الكرمي عليهما الصالة والسالم‪.‬‬
‫يف الصحيفة التاسعة والستني بعد املائة من الكتاب املذكور يقول‪" :‬يا أسف ُّ يا أسف ُّ إنه ال يوجد كمال‬
‫يف أحد من بين آدم غْ الواحد العدمي النظْ‪ ،‬والعجب أن ش بكة الش يطان الِت وقع فيها إبراهيم‪ ،‬وقع‬
‫فيها إس حق أيض اً وقال عن زوجته إ ا أخته‪ ،‬فيا أس ف ُّ إن امثال هؤالء املقربني عند اهلل ُمتاجون إىل‬
‫وعظ" اه كالم القسيس بلفظه وقال قبل ذلك‪" :‬زل إُيان إسحق ِلنه قال عنها إ ا أخته"‪ ،‬يف صحيفة‬
‫‪.298168‬‬
‫"وملا تأس ف هذا القس يس تأس فاً ش ديداً على عدم وجود كمال يف أحد من الناس غْ املس يح الواحد‬
‫العدمي النظْ‪ ،‬وعلى أن هؤالء املقربني ُمتاجون اىل واعظ يعظهم وعلى مزلة إُيان إسحق فال نطيل الكرم‬
‫يف رده‪ ،‬ولكين أتأس ف تأس فاً ش ديداً على عدم وجود هذا القس يس يف تلك اِليام لك ُّ يكون واعظاً‬
‫ْلؤالء املقربني واِلنبياء الصاْلني! ربنا ال ِتعلنا من القوم الضالني‪ ،‬وال من العقول مسلوبني"‪.299‬‬

‫افتراؤهم على لوط عليه السالم‬


‫يف الباب التاس ع عش ر من س فر التكوين مذكور ما نص ه‪ 30 :‬وص عد لوط من ص و َغر وس كن يف اْلبل‬
‫وابنتاه معه ِلنه خاف أن يسكن يف صوغر فسكن يف املغارة هو وابنتاه‪ 31 .‬وقالت البكر للصغْة أبونا‬
‫قد ش اخ وليس يف اِلرض رجل ليدخل علينا كعادة كل اِلرض‪ 32 .‬هلم نس ق ُّ أبانا مخراً ونض طجع‬
‫معه فنجين من أبينا نسالً‪ 33 .‬فسقتا أبامها مخراً يف تلك الليلة‪ ،‬ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها ومل‬
‫يعلم باض طجاعها وال بقيامها‪ 34 .‬وحدث يف الغد أن البكر قالت للص غْة إِن قد اض طجعت البارحة‬

‫‪ 297‬إظهار اْلق ج‪ ،2‬ص‪ ،458-457‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ 298‬إظهار اْلق ج‪ ،2‬ص‪ ،458-457‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ 299‬السيف الصقيل ص‪.9-8‬‬
‫‪131‬‬
‫مع أِب‪ ،‬نس قيه مخراً الليلة أيض اً فادخل ُّ اض طجع ُّ معه فنجين من أبينا نس الً‪ 35 .‬فس قتا أبامها مخراً يف‬
‫تلك الليلة أيض اً‪ ،‬وقامت الص غْة واض طجعت معه ومل يعلم باض طجاعها وال بقيامها‪ 36 .‬فحبلت ابنتا‬
‫لوط من أبيهما‪ 37 .‬فولدت البكر ابناً ودعت اَه ُمواب‪ .‬وهو أبو املوابيني إىل اليوم‪ 38 .‬والص غْة‬
‫أيضاً ولدت ابنا ودعت اَه عمان وهو أبو العمانيني إىل اليوم‪ .‬اه ‪.300‬‬

‫"أقول لو فرض نا ص دق هذه القص ة احملال وقوعها‪ ،‬وأ ا ِما أخرب به موس ى عليه الس الم‪ ،‬فما اْلامل له‬
‫على ذكرها؟ وما الغرض والفائدة من بثها مع أنه مل يلحقها بوعيد عذاب وال شديد عقاب‪ ،‬فما ه ُّ إال‬
‫دس يس ة دس ها من ال ش ى اهلل يف الكتب الس ماوية"‪ ،301‬وهذا اإلثيل املتداول يش هد بأن لوطاً عليه‬
‫الس الم بار قديس مل يقع الوهن يف بِاره بعد نس بة هذه اْلركة الش نيعة له فف ُّ العدد الس ابع من الباب‬
‫الثاِن من رسالة بطرس الثانية هكذا‪ :‬وأنقذ لوطاً البار مغلوباً من سْة اِلردياء يف الدعارة‪ .‬اه‬
‫على أنه ما َُع أن الس كر يوص ل إىل هذه اْلركة الش نيعة‪ ،‬فإن الس كران ال لو إما أن يكون س كره‬
‫متوس طاً أو يف أعلى طبقة‪ ،‬فإن كان متوس طاً يبقى له َتييز‪ ،‬فيميز بناته عن اِلجنبيات‪ ،‬وإن كان س كره‬
‫يف أعلى طبقة يس قط حينئذ َتييزه لكن ال يبقى يف هذا الوقت قابالً للجماع كما ش هد بذلك اِلطباء‬
‫واملولعون بش رب اْلمر‪ ،‬وإىل هذا اْلني ما َعنا أن يف الدنيا بأس رها رذيالً من اِلرذال الذين يكونون يف‬
‫أغلب أوقاَتم خممورين أنه فعل مثل هذا الفعل الشنيع‪.‬‬
‫وإن كان اْلمر موص الً إىل هذه الرتبة الس افلة فوا أس فا على حال املولعني بش رب اْلمر كيف يرجى ثاة‬
‫بناَتم وأمهاَتم من أيدي اآلباء واِلبناء واإلخوة‪.‬‬
‫والعجب كل العجب من أنه كما ابتل ُّ يف الليلة اِلوىل ابتل ُّ يف الليلة الثانية وما انتبه فيها ملا فعلته معه‬
‫ابنته الكربى يف الليلة اِلوىل وهو البار القديس حبكم هذا اإلثيل‪.‬‬
‫وكيف جيوز وقوع ذلك الفعل الش نيع من ابنِت لوط عليه الس الم بعد أن رأتا وقوع اْلس ف والعذاب يف‬
‫قوم أبيها بس بب فعل الفاحش ة الِت كانوا يفعلو ا باِلجانب فض الً عن اِلقارب‪ ،‬ولو فرض نا وقوع ذلك‬
‫لِ َم لَ ْم َّتسف ِبم اِلرض كما خسفت بأقوامهم بل كان جيب أن يعذبوا بعذاب أشد حيث رأوا العقاب‬

‫‪ 300300300‬إظهار اْلق ج‪ 2‬ص‪-453‬إىل ص‪ 457‬بتصرف كثْ وتقدمي وتأخْ وحذف وزيادة بعُ العبارات‪ .‬ويف‬
‫بعُ النسخ مذكور هكذا ودعت اَه بَن َع ام ُّ وهو أبو بين َع ُّمون إىل اليوم‪.‬‬
‫‪ 301‬السيف الصقيل ص‪.11‬‬
‫‪132‬‬
‫على مثل ذلك الفعل الشنيع بأعينهم وقد ثاهم اهلل منه ومل شوه فيما بعد وما اتعظوا‪.‬‬
‫مث لو كان ذلك ص حيحاً فلم مل يقتل الرب ولدي الزنا هذين كما قتل على ما زعموا الولد الذي تولد‬
‫من زنا داود عليه السالم بامرأة أوريا؟! لعلهم يقولون إن الزنا بامرأة الغْ أشد من الزنا بالبنات‪.‬‬
‫ولعل قس يس يهم يقولون إن فعل هذا اِلمر كان مقض ياً مرض ياً ليتولد داود وس ليمان وعيس ى أبناء اهلل من‬
‫نس ل هذين الولدين الس عيدين‪ِ ،‬لن عوبيد جد لداود واس م أمه راعوث كما هو مص رح به يف العدد‬
‫اْل امس من الب اب اِلول من إثي ل مَت‪ ،‬وراعوث ه ذه ك ان ت موابي ة من أوالد مواب بن لوط كم ا هو‬
‫مصرح به يف سفر راعوث‪.‬‬
‫وِلن رحبعام بن سليمان عليه السالم من أجداد عيسى عليه السالم كما هو مصرح به يف العدد السابع‬
‫من الباب اِلول من إثيل مَت‪ ،‬واس م أمه نعمة‪ ،‬ونعمة هذه الِت ه ُّ أم رحبعام الذي هو جد للمس يح‬
‫كانت عمانية من أوالد عمان بن لوط كما هو مصرح به يف العدد الثاِن والعشرين من الباب الرابع عشر‬
‫من سفر امللوك اِلول‪.‬‬
‫فهذه نعمة من جدات ابن اهلل الوحيد بل اهلل ‪ -‬على زعمهم ‪ ،-‬فأي شرف ل ُمواب وعمان ولدي الزنا‬
‫أزيد من أن بعُ بنات اِلول صارت جدة معظمة ِلبناء اهلل على زعمهم‪ ،‬وبعُ بنات الثاِن الذي هو‬
‫عمان ص ارت جدة خاص ة البن اهلل الوحيد بل اهلل على زعمهم‪ ،‬وحيث ثبت لك أيها اللبيب أن نس ب‬
‫املس يح عليه الس الم قد وص ل إىل مواب وعمان باعتبار تولده من هاتني اْلدتني‪ ،‬فقد ص ار املس يح عليه‬
‫الس الم موابياً وعمانياً وما كان للموابيني والعمانيني أن يدخلوا يف َجاعة الرب إىل اِلبد على ما هو‬
‫مص رح به يف العدد الثالث من اإلص حاح الثالث والعش رين من س فر التثنية ونص تلك العبارة هو‪:‬‬
‫"والعمانيون واملوبيون بعد عش رة أحقاب أيض اً ال يدخلون َجاعة الرب اىل اِلبد" ويف بعُ النس خ‬
‫مذكور ِبذا النص‪" :‬ال يدخل عموِن وال ُمواِب يف َجاعة الرب‪ .‬حَت اْليل العاش ر ال يدخل أحد منهم‬
‫يف َجاعة الرب إىل اِلبد"‪ .‬وإن حاولوا االنفص ال عن ذلك بأن املس يح عليه الس الم ولد بعد اْليل‬
‫العاشر مل ُيكنهم ذلك يف حق داود عليه السالم‪.‬‬
‫فكيف دخل املسيح عليه السالم يف َجاعة الرب بل صار رئيسهم على زعمهم؟! وال يصح ْلم أن يقولوا‬
‫إن اعتبار النسب باآلباء ال باِلمهات فال يكون املسيح عليه السالم عمانياً وال موابياً‪ِ ،‬لنا نقول لو كان‬
‫اِلمر كذلك يلزم أن ال يكون املس يح أيض اً إس رايلياً يهوذاوياً أو داودياً س ليمانياً أيض اً إذ حص ول هذه‬
‫اِلوصاف له من جانب اِلم أيضاً فال يكون حينئذ مسيحاً موعوداً به‪ ،‬واعتبارهم هذه اِلوصاف باعتبار‬

‫‪133‬‬
‫اِلم وعدم اعتبارهم كونه عمانياً أو موابياً من جهة اْلدات ترجيح بال مرجح‪.‬‬
‫وهذا وارد على نبوة داود وس ليمان عليهما الس الم أيض اً باعتبار راعوث‪ .‬لكن ال نطيل الكالم يف هذا‬
‫فليتأمل العاقل‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫افتراؤهم على يعقوب عليه السالم‬
‫يف الباب اْلامس والعش رين من س فر التكوين موجود ما نص ه‪" :‬فطبخ يعقوب طبيخاً‪ ،‬وملا جاء عيس و‬
‫إليه تعباً من اْلقل‪ 30 .‬فقال له أطعمين من هذا الطبيخ اِلِحر فإِن تعب جداً وْلذا الس بب دعى اَه‬
‫أدوم‪ 31 .‬فق ال ل ه يعقوب بع يف بكوريت ك‪ 32 .‬ف أج اب وق ال هوذا أن ا أموت فم اذا تنفعين البكوري ة‪.‬‬
‫‪ 33‬فقال له يعقوب احلف يف فحلف له عيس و وباع البكورية‪ 34 .‬فقدم يعقوب لعيس و خبزاً ومأكوالً‬
‫من العدس فأكل وشرب ومضى وَتاون يف أنه باع البكورية‪ .‬اه‬
‫فلينظر العاقل املنص ف إىل ما يزعمونه‪ ،‬وإىل ديانة عيس و عندهم الذي هو الولد اِلكرب إلس حق عليه‬
‫الس الم‪ ،‬أنه باع البكورية الِت كان ِبا اس تحقاق منص ب النبوة والربكة‪ ،‬وما كان ذلك عنده يف رتبة هذا‬
‫اْلبز واإلدام من العدس‪ ،‬وانظروا إىل ُمبة يعقوب عليه الس الم وجوده وأنه ما أعطى لألخ اِلكرب اْلائع‬
‫التعب هذا املأكول إال بالبيع وما راعى احملبة اِلخوية واإلحسان بال عوض‪.‬‬
‫ومن يطالع الباب الس ابع والعش رين من س فر التكوين‪ 303‬جيد فيه نس بة الكذب إىل نِب اهلل يعقوب عليه‬
‫السالم ثالث مرات‪ ،‬وأنه خادع أباه‪ ،‬حاشا جنابه الشريف أن يصدر عنه ذلك‪.‬‬
‫أما اْلداع الذي نسب إليه يف اإلصحاح املذكور فهو أن أباه إسحق عليه السالم ملا شاخ وكرب طلب من‬
‫ولده عيس و طعاماً لك ُّ يدعو له بالربكة الِت يكون ِبا مس تحقاً وأهالً ملنص ب النبوة‪ ،‬فلما َع بذلك‬
‫يعقوب عليه الس الم ذهب وجاء إىل والده بالطعام املطلوب وقال له ها أنا ولدك عيس و قد فعلت لك‬
‫الطعام كما أمرتين‪ ،‬قم يا والدي وُكل لك ُّ تباركين نفسك فلما أكل إسحق عليه السالم من ذلك الطعام‬
‫دعا لولده يعقوب عليه الس الم بدعاء كثْ وباركه لكن بنيته أنه عيس و ال أنه يعقوب‪ ،‬ومع ذلك فقد‬
‫صار يعقوب عليه السالم بسبب ذلك الدعاء مستحقاً ملنصب النبوة ولذلك حصلت له خبالف عيسو‪،‬‬
‫فكما أثر ذلك اْلداع عند إس حق عليه الس الم أثر عند اهلل تعاىل أيض اً فإن إس حق عليه الس الم كان‬

‫‪ 302‬إظهار اْلق ج‪ 2‬ص‪ 458‬إىل ص‪ 471‬بتصرف كثْ واختصار وزيادة بعُ العبارات‪.‬‬
‫‪ 303‬سفر التكوين‪ ،‬العدد "‪ "1‬إىل "‪ "40‬ص ‪ 44-43-42‬من العهد القدمي‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫بص ميم قلبه واعتقاده داعياً لولده عيس و ال لولده يعقوب عليه الس الم‪ِ ،‬لن يعقوب جاء بص ورة أخيه‬
‫عيس و‪ ،‬وكما مل ُييز إس حق عليه الس الم بني اِلخوين يف حال الدعاء فكذلك مل ُييز اهلل عز وجل ‪-‬‬
‫على زعمهم‪ -‬بينهما عند إجابة الدعاء‪ ،‬تعاىل اهلل عن ذلك علواًكبْاً‪.‬‬
‫والعجب أن والية اهلل والنبوة والص الح َتص ل باحملال على أص ول كتبهم الِت يقدس و ا‪ ،‬فلو كان حال‬
‫جيوز أن يكون مبَن معامالت‬
‫ُمنكر ُ‬ ‫علم اهلل هكذا‪ ،‬لقال ال‬
‫ديانة أِب اِلنبياء اإلس رائيليني هكذا‪ ،‬أو ُ‬
‫اِلنبياء اإلسرائيليني مع اهلل تعاىل على اْلداع واملكر كأبيهم اِلعلى‪ ،‬وجيوز أن يكون عيسى عليه السالم‬
‫وعد اهلل أنه إن أعطاه املعجزات فإنه س يدعو اْللق إىل توحيده وعبادته وحده عزو جل‪ ،‬لكن اهلل ما ميز‬
‫الص دق من الكذب فأعطاه تلك املعجزات من إحياء املوتى وغْ ذلك‪ ،‬فدعا إىل ربوبية نفس ه وبغى‬
‫وتقشعر من ذكرها جلود أهل اإلُيان‪.‬‬
‫ا‬ ‫وطغى‪ ،‬نعوذ باهلل من هذه اِلمور الواهية الِت يكذِبا الربهان‪،‬‬
‫قال وليم اَث يف كتابه‪ :‬هذا مقام غاية اْلوف أن مثل هذا الش خص تفوه بكذب بعد كذب‪ ،‬وأش رك‬
‫وجدت الص يد‬
‫ُ‬ ‫اس م اهلل يف خداعه‪ ،‬مث قال ثانياً‪ :‬قال يعقوب قوالً هو اية الكفر إن إرادة اهلل كانت أِن‬
‫ليفر عن‬ ‫ٍ‬
‫ليتنفر كل ص احل و ا‬
‫س ريعاً‪ ،‬مث قال ثالثاً‪ :‬حنن ال نعتذر من جانب يعقوب يف هذا اِلمر بعذر ما و ا‬
‫مثل هذا اِلمر‪ ،‬مث قال رابعاً‪ :‬خالص ة الكالم أنه أس اء ليحص ل اْلْ‪ ،‬ويف اإلثيل جيب اْلزاء ِبثله‪ ،‬مث‬
‫قال خامس اً كما أذنب يعقوب أذنبت أمه أزيد منه ِل ا كانت بانيةَ هذا الفس اد وه ُّ أمرت يعقوب‬
‫بفعل هذه اِلمور اْلادعة اه ‪.304‬‬

‫ويف الباب التاس ع والعش رين من س فر التكوين‪ 305‬مذكور ما نص ه‪ 17 :‬وكان بعيين ليا اس ِّخاء‪ ،‬وراحيل‬
‫َجيلة الوجه وحس نة املنظر‪ 18 .‬فأحب يعقوب راحيل وقال أنا أتعبد لك براحيل ابنتك الص غرى س بع‬
‫س نني‪ 19 .‬فقال له البان أنت أحق ِبا من غْك فأقم عندي‪ 20 .‬وتعبد يعقوب براحيل س بع س نني‬
‫وكانت عنده مثل أيام قليلة لِ َما دخله من ُمبتها‪ 21 .‬فقال لالبان أعطين امرأيت ِلِن قد أكملت اِليام‬
‫ِلدخل إليها‪ 22 .‬فجمع البان كثْاً من احملبني وص نع عرس ا‪ 23 .‬وملا كان املس اء أدخل ابنته ليا على‬
‫يعقوب‪ 24 .‬وأعطى البان َأمةً اَها ِزلفا البنته ودخل عليها يعقوب كالعادة وملا كان الص بح رآها ليا‪.‬‬
‫‪ 25‬فقال لالبان ما هذا الذي صنعت ِب أل م أتعبد لك براحيل فلم خدعتين‪ 26 .‬أجاب البان ليس يف‬

‫‪ 304‬عباراته هذه يف كتابه املسمى طريق اِلولياء يف صحيفة ‪181-179‬‬


‫‪305‬‬
‫مثل‪" :‬وكانت عينا لَْيئَة ضعيفتني"‪.‬‬
‫سفر التكوين ص‪ ،47-46‬مع بعُ االختالف‪ُ ،‬‬
‫‪135‬‬
‫أرضنا عادة أن تزوج الصغرى قبل الكربى‪ 27 .‬فأكمل اِلسبوع هذا فأعطيك اِلخرى عوضاً عن العمل‬
‫الذي تعمل يف بس بع س نني أخرى‪ 28 .‬ففعل يعقوب هكذا وبعدما دخل اِلس بوع تزوج براحيل‪29 .‬‬
‫ودفع البان إىل ابنته راحيل اَها بِلها‪ 30 .‬فدخل على راحيل وأحبها أكثر من ليا وخدمه س بع س نني‬
‫أخرى‪ .‬اه‬
‫ويَِرد عليهم أمور‪:‬‬
‫اِلول‪ :‬ان يعقوب عليه الس الم كان يقيم يف بيت البان ويرى بنتيه ويعرفهما معرفة جيدة باعتبار الوجه‬
‫واْلس م والص وت وكان يف ليا عالمة بيانة ه ُّ اس ِّخاء العينني‪ ،‬فالعجب كل العجب ِما زعموه من أن‬
‫تكون ليا يف فراشه َجيع الليل ويراها ويضاجعها ويلمسها وال يعرفها‪ ،‬إال أن يقولوا إنه كان سكران كلوط‬
‫عليه السالم‪ ،‬فكما مل ُييز لوط فكذا هو‪.‬‬
‫الثاِن‪ :‬أنه أحب راحيل وخدم ِلجلها أباها أوالً س بع س نني‪ ،‬وكانت عنده مثل أيام قليلة ِلجل عش قها‬
‫وزوجه بنته الكربى ‪ -‬بزعمهم ‪ -‬خاص مه يعقوب‪ ،‬وأخذ راحيل خبدمة‬
‫وفرط ُمبتها مث ملا خادع البان‪ ،‬ا‬
‫سبع سنني أخرى‪ ،‬فكما خادع أباه خودع من صهره‪ ،‬فاعجب ْلذا اْلذيان‪ .‬مث إنه على مقتضى كالمهم‬
‫كان أحد النكاحني باطالً من أكثر من وجه‪ ،‬فإنه مل يكن يريد الزواج بليا فال تكون زوجته‪ ،‬واليهود ال‬
‫يقرون بالنس خ‪ ،‬واْلمع بني اِلختني حرام قطعاً يف الش ريعة املوس وية‪ ،‬ويَِرد على ذلك الطاعن يف إبراهيم‬
‫عليه الصالة والسالم أن يقال له يلزمك أن يعقوب عليه السالم كان يعلم جيداً قول املسيح املكتوب يف‬
‫اإلثيل‪ :‬إن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى اخل‪ .‬وكذا كان يعلم جيداً قول موس ى عليه الس الم‬
‫إن اْلمع بني اِلختني حرام قطعاً كما مر‪ ،‬فأحد النكاحني باطل‪ِ ،‬لن ليا وراحيل أختان‪ ،‬واالمرأة الِت‬
‫نكاحها باطل يكون أوالدها أوالد زنا فيلزمهم كون كثْ من اِلنبياء اإلس رائيليني كذلك والعياذ باهلل‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫وقال وليم اَث معتذراً يف كتابه (املس مى طريق اِلولياء) يف الص حيفة التاس عة والثمانني بعد املائة‪:‬‬
‫الظاهر أن يعقوب إن مل ادعه البان مل يتزوج غْ راحيل‪ ،‬وال يس تدل به على جواز تعدد الزوجات‬
‫ِلنه ما كان حبكم اهلل وال برضا يعقوب اه‬
‫وهذا االعتذار بارد َسخيف وال ُيصل النجاة ليعقوب ِما نسبوه إليه من اْلرمة ِلنه ما كان مكرهاً وَمرباً‬
‫على النكاح الثاِن‪ ،‬وكان بإمكانه أن يكتف ُّ بزوجة واحدة‪ ،‬فانظروا إىل ديانة النص ارى كيف يتهمون‬
‫اِلنبياء ِلجل ص يانة أص وْلم الفاس دة‪ ،‬على أن هذا االعتذار اِلعرج ال ُيش ُّ يف زلفا وبلها اللتني‬

‫‪136‬‬
‫تزوجهما يعقوب بإش ارة ليا وراحيل على ما هو مذكور يف الباب الثالثني من س فر التكوين‪ ،‬فأوالدمها‬
‫يكونون كافة أوالد زنا على أصوْلم‪.‬‬

‫ومن يطالع الباب اْلادي والثالثني من س فر التكوين كما س يأيت نقل ذلك‪ ،‬يرى فيه أن راحيل س رقت‬
‫أص نام أبيها‪ ،‬وكذبت عليه وظاهر كالمهم أ ا س رقت تلك اِلص نام لعبادَتا كما يدل عليه ظاهر عبارة‬
‫الباب اْلامس والثالثني من سفر التكوين‪ ،‬وِل ا كانت من بيت الوثنيني‪ ،‬وأبوها كان وثنياً يعبد اِلصنام‬
‫كما تدل عبارة العدد الثالثني والثاِن والثالثني‪ ،‬والظاهر أ ا كانت على دين أبيها‪ ،‬فهذه الزوجة احملبوبة‬
‫ليعقوب عليه السالم كانت ‪ -‬على مقتضى ذلك ‪ -‬سارقة كاذبة وعابدة لألصنام‪.‬‬
‫بل ذُكر يف الباب اْلامس والثالثني من س فر التكوين ما نص ه‪ 3 :‬وقال يعقوب ِلهله وَجيع من معه‬
‫اعزلوا اآلْل ة الغرب اء من بينكم وتطهروا وأب دلوا ثي ابكم‪ 4 .‬ف دفعوا ل ه َجيع اآلْل ة الغرب اء الِت ك ان ت يف‬
‫أيديهم اخل‪ .‬والظاهر من هذه العبارة أن أهل بيت يعقوب عليه الس الم‪ ،‬ومن معه إىل هذا اْلني كانوا‬
‫يعبدون اِلصنام‪ ،‬وهذا اِلمر بالنسبة إىل بيته شنيع جداً‪ ،‬أما اهم قبل هذا عن عبادة اِلوثان؟!‬
‫ويف الباب اْلادي والثالثني من س فر التكوين مذكور ما نص ه‪ 19 :‬وقد كان البان ذهب ليجز غنمه‬
‫ِحيه ومل يعلمه أنه هارب‪ 21 .‬وهرب هو وَجيع‬
‫وراحيل سرقت أصنام أبيها‪ 20 .‬فكتم يعقوب أمره عن ْ‬
‫ما كان له وعرب النهر وتوجه حنو جبل جلعاد‪ 22 .‬وبلغ البان يف اليوم الثالث أن يعقوب قد هرب‪23 .‬‬
‫فأخذ إخوته وتبعه مس ْة س بعة أيام وْلقه يف جبل جلعاد‪ 29 .‬وقال ليعقوب ملاذا فعلت هكذا وس قت‬
‫بنايت خفيةً عين مثل من قد س ِب بالس يف‪ 30 .‬واآلن قد انطلقت وإَّنا ِحلك على ذلك الش هوة أن‬
‫َتض ُّ إىل بيت أبيك فلم سرقت آْلِت‪.‬‬
‫ليجز‬
‫انظروا إىل هذا اْلذيان‪ ،‬وكيف ينسبون إىل نِب اهلل يعقوب اْلرب مع البنتني مغتنما كون ِحيه ذهب ا‬
‫غنمه! نعوذ باهلل من هذه اْلماقات‪.‬‬
‫وإذا كان هذا حال نِب اهلل يعقوب عليه الس الم عندهم وكذلك حال ليا وراحيل‪ ،‬فلننظر كيف يكون‬
‫حال أوالده الذكور واإلناث على مقتضى كتبهم‪.‬‬
‫ويف الباب الرابع والثالثني من س فر التكوين مذكور ما نص ه‪ 1 :‬وخرجت دينا ابنة ليا لتنظر إىل بنات‬
‫ذلك البلد‪ 2 .‬فنظرها ش خيم بن َِحور اْلاوي رئيس اِلرض فأحبها فأخذها وض اجعها وأذْلا‪3 .‬‬
‫وتعلقت نفس ه ِبا وأحبها وكلمها ِبا وافقها ووقع بقلبها‪ 4 .‬فقال ش خيم ْلمور أبيه خذ هذه اْلارية يف‬

‫‪137‬‬
‫زوجة‪ 8 .‬فكلمهم ِحور اخل‪ 13 .‬فأجاب بنو يعقوب اخل‪ 14 .‬ال نس تطيع أن نص نع ما تطلبان وال أن‬
‫نعط ُّ أختنا لرجل أغلف فإن ذلك عار علينا‪ِ 15 .‬بذا نش بهكم إذا ما ص ر مثلنا لك ُّ َّتتنوا كل‬
‫ذكوركم‪ 24 .‬فارتضى َجيعهم واختَت كل من كان منهم ذكراً‪ 25 .‬فلما كان اليوم الثالث وقد بلغ منهم‬
‫الوجع جداً أخذ ابنا يعقوب مشعون والوي أخوا دينا كل واحد منهما س يفه ودخال املدينة على طمأنينة‬
‫وقتال كل ذكر‪ 26 .‬وِحور وش خيم ابنه وأخذا دينا أختهما من بيت ش خيم‪ 27 .‬وخرجا ودخل يعقوب‬
‫على القتلى و بوا املدينة الِت فض حت فيها دينا أختهم‪ 28 .‬وأخذوا غنمهم وبقرهم وِحْهم وكل ما يف‬
‫البيوت وكل ما يف اْلقل وسبوا صبيا م ونساءهم‪ .‬اه‬
‫فانظروا إىل ديانة دينا بنت يعقوب عندهم كيف أ ا زنت وتعلق قلبها بش خيم ‪-‬الذي اغتص بها‪ -‬كما‬
‫ي دل علي ه قوْلم ووقع بقلبه ا‪ ،‬وانظروا إىل ظلم أبن اء يعقوب أ م قتلوا ذكورا أه ل البل دة كلهم وس بوا‬
‫نس اءهم وص بيا م‪ ،‬و بوا َجيع أمواْلم على ما هو مذكور يف الس فر املذكور فخطؤهم وظلمهم ظاهر‬
‫وخطأ يعقوب عليه السالم ‪-‬على مقتضى كالمهم‪ -‬أنه مل ُينعهم من هذه اِلفعال الشنيعة قبل وقوعها‪،‬‬
‫وما أجرى القص اص عليهم‪ ،‬وما رد النس اء والص بيان واِلموال املس لوبة‪ ،‬وإن كان غْ قادر على منعهم‬
‫ورد هذه اِلش ياء وأخذ القص اص فكان عليه أن يِّك هؤالء الظَلَمة‪ .‬على أنه يبعد كل البعد أن يقتل‬
‫رجالن ذكور أهل البلدة كلهم‪ ،‬ولو فرضنا أ م كانوا يف وجع اْلتان‪.‬‬
‫ويف الباب اْلامس والثالثني من سفر التكوين‪ 306‬جاء ما نصه‪ 22 :‬ومضى روبيل وضاجع بلها سرية أبيه‬
‫وَع أبوه بذلك‪ .‬اه‬
‫فانظر أيها اللبيب إىل ما نس بوه إىل روبيل الولد اِلكرب ليعقوب عليه الس الم أنه زىن بزوجة أبيه وأبوه قد‬
‫َع بذلك ومل ُجي ِر اْلد وال التعزير عليه وال على هذه الزوجة والظاهر أن حد الزنا يف ذلك الوقت كان‬
‫إحراق الزاِن والزانية بالنار على ما هو مذكور يف العدد الرابع والعش رين من الباب الثامن والثالثني من‬
‫سفر التكوين وسيأيت نقل ذلك‪.‬‬
‫ولقد جاء مثل هذا الفعل الش نيع يف حق يهوذا ابن يعقوب اآلخر‪ ،‬فف ُّ الباب الثامن والثالثني من س فر‬
‫التكوين‪ 307‬مذكور ما نص ه‪ 6 :‬وان يهوذا زوج ابنه بكره عْ امرأة اَها ثامار‪ 7 .‬وكان عْ بكر يهوذا‬

‫‪ 306‬يف النسخة املطبوعة من العهد القدمي مذكور ما نصه‪ :‬وحدث إذ كان إسرائيل ساكناً يف تلك اِلرض أن رأوبني‬
‫ذهب واضطجع مع بِلهة ُسرياة أبيه وَع إسرائيل‪ .‬اه ص‪ ،58‬واسرائيل هو يعقوب‪.‬‬
‫‪ 307‬ما ذكر هنا تلف قليالً عن النسخة املطبوعة من العهد القدمي‪ ،‬انظر العهد القدمي ص‪.64-63‬‬
‫‪138‬‬
‫رديئاً بني أيدي الرب فقتله الرب‪ .‬وقال يهوذا البنه أونان ادخل على امرأة أخيك وكن معها وأقم زرعاً‬
‫ف لغْه كان إذا دخل إىل امرأة أخيه‪ ،‬يفس د على اِلرض لئال يكون‬
‫ِلخيك‪ .‬فلما علم أونان أن اْلَلَ َ‬
‫زرعاً ِلخيه‪ .‬فظهر ذلك منه س وء أمام الرب لفعله ذلك وقتله الرب‪ .‬فقال يهوذا لثامار كناته اجلس ُّ‬
‫ليجز‬ ‫ِ‬
‫أرملة يف بيت أبيك حَت يكرب ش يال ابين إخل‪ .‬فاعلموا ثامار قائلني هوذا ِحوك ص اعداً إىل َتنة ا‬
‫غنمه‪ .‬فطرحت عنها ثامار ثياب الِّمل وأخذت رداءً وتزينت وجلس ت يف قارعة الطريق إخل‪ .‬فلما رآها‬
‫يهوذا ظن أ ا زاني ة ِل ا ك ان ت ق د غط ت وجهه ا لئال تعرف‪ .‬ودخ ل عن ده ا وق ال ْل ا‪ :‬دعيين أدخ ل‬
‫ايف؟ فقال ْلا‪ :‬أنا أعطيك جدياً ماعزاً من‬
‫إليك‪ِ ،‬لنه مل يعلم أ ا كنته‪ ،‬فقالت له‪ :‬تعطيين حَت تدخل ا‬
‫القطعان‪ ،‬وه ُّ قالت له‪ :‬أعطين رهنا حَت ترس له‪ .‬فقال يهوذا‪ :‬أي ش ُّء أعطيك رهنا؟ فقال‪ :‬خاَتك‬
‫وعمامتك وعص اك الِت بيدك‪ ،‬فأعطاها ْلا‪ ،‬ودخل عليها فحبلت منه‪ .‬وقامت فمض ت وطرحت عنها‬
‫لبس ها ورداءها‪ ،‬ولبس ت ثياب ترملها‪ .‬فلما كان بعد ثالثة أش هر أخربوا يهوذا قائلني‪ :‬زنت كنتك‪ ،‬وهو‬
‫ذا قد حبلت من الزنا‪ ،‬فقال يهوذا أخرجوها لتحرق‪ .‬وإذا هم أخرجوها أرس لت إىل ِحيها قائلة‪ِ :‬م َن‬
‫الرجل الذي هذه له حبلت أنا‪ ،‬فاعرف ملن هو اْلا والعمامة والعص ا‪ .‬فعرفها يهوذا وقال‪ :‬تربرت ه ُّ‬
‫أكثر مين ملوض ع أِن مل أعطها لش يال ابين‪ ،‬ولكنه مل يعد يعرفها بعد ذلك‪ .‬وكان ملا دنا وقت الوالدة وإذا‬
‫توأم يف بطنها فعند طلقها الواحد س بق وأخرج يده فأخذت القابلة قرمزاً وربطته يف يده قائلة هذا رج‬
‫أوال‪ .‬فها ض َم يده إليه للوقت وخرج أخوه فقالت ه ُّ ملاذا من أجلك انقطع الس ياح‪ ،308‬ولذلك دعت‬
‫اَه فا ِرص وبعد ذلك خرج أخوه الذي على يده القرمز فدعت اَهُ َز َارح‪ .‬اه "من العدد ‪ 6‬إىل العدد‬
‫‪."30‬‬
‫ونقول ال عجب وال اس تغراب من نس بة هذا الفعل الش نيع ليهوذا على حس ب أص وْلم‪ ،‬ولكن نعجب‬
‫من نظم وتركيب هذه القص ة اْلرافية‪ ،‬ومن قوْلم إن يهوذا أعطى خاَته وعص اه وعمامته لكناته رهنا على‬
‫أجرة ذلك الفعل الش نيع‪ ،‬وكيف يتص ورون أيها العاقل اللبيب أن يهوذا يذهب من ذلك املكان يف رابعة‬
‫النهار إىل ُملاه بال عمامة مكشوف الرأس مع أنه كان رئيساً يف قومه؟! وإىل هذا اْلني ما َعنا يف الدنيا‬
‫بأس رها أن رذيالً من اِلرذال ‪ -‬الذين يكونون يف أغلب أوقاَتم يف ُمالت الفواحش ‪ -‬أعطى عمامته‬
‫رهناً على أجرة مثل هذا الفعل الشنيع!‬
‫واِلغرب من ه قوْلم إن يهوذا أمر ب إحراق كنت ه مل ا أخربوه أ ا حبلى من الزن ا‪ ،‬ومل ا أعلمت ه أن ه هو ال ذي‬

‫‪308‬‬
‫ت‪ .‬عليك اقتحام‪ .‬ص‪.64‬‬
‫هكذا يف اِلصل‪ ،‬ويف النسخة املطبوعة من العهد القدمي فقال ملاذا اقتَ َح ْم َ‬
‫‪139‬‬
‫البارة الفائقة يف‬
‫البار ونعمت َّ‬
‫كان قد زىن ِبا وأحبلها أمر بِّكها وش هد ْلا بش دة الرب وأ ا أبر منه فنعم ُّ‬
‫ِ‬
‫الرب! كيف ال وه ُّ مل تكش ف عورَتا إال ِلِب زوجها ومل تزن إال به وقد حص لت منه بس بب هذا الزنا‬
‫الواحد على ابنني كاملني‪ ،‬تولد من أحدمها الذي هو فارص أنبياء كرام داود وس ليمان وعيس ى عليهم‬
‫السالم على ما هو مصرح به يف الباب اِلول من إثيل مَت‪ ،‬فأي شرف لثامار أعظم من أن ابنها فارص‬
‫املولود ْلا من ِحيها ص ار جداً ِلبناء اهلل داود وس ليمان وعيس ى ابن اهلل الوحيد بل اهلل على زعمهم‪.‬‬
‫ويلزم على قوْلم أن ال يدخل داود يف َجاعة الرب ِلنه البطن التاس ع من فارص ِلنه عندهم ال يدخل‬
‫ابن زنا يف َجاعة الرب حَت اْليل العاشر‪.‬‬
‫واعجب لقوْلم إن الرب قتل عْ زوج ثامار‪ .‬لكونه رديئاً‪ ،‬ورداءته مل تتبني من أي جهة كانت‪ ،‬أكانت‬
‫ه ذه الرداءَة أعظم من رادءَة أبي ه حي ث زعموا أن ه زىن بزوجت ه بع د موت ه؟ أو من رادة عم ه الكبْ حي ث‬
‫عميه اآلخرين مشعون والوي حيث زعموا أ ما قتال ذكورا أهل‬
‫زعموا انه زىن بس ارية أبيه‪ ،‬أو من رداءَة ا‬
‫البلدة كلهم‪ ،‬أو من رداءَة أبيه وَجيع أعمامه حيث زعموا أ م بوا أموال تلك البلدة وس بوا نس اءها‬
‫وأطفاْلا‪ ،‬أو من رداءة لوط وابنتيه على زعمهم حيث نسبوا إليهم تلك الفاحشة بعد أن ثاهم اهلل تعاىل‬
‫من عذاب قومهم‪ .‬أهؤالء كانوا قابلني للرأفة وعدم القتل وكان عْ الذي مل تُعلم خطيئته مس تحقاً للقتل‬
‫فقتله الرب‪.‬‬
‫ومن العج ب أيض اً زعمهم أن الرب قت ل أون ان على خطيئ ة عزل املين‪ ،‬وم ا قت ل أعم ام ه وأب اه على‬
‫اْلطيئات املذكورة‪ ،‬أهذا العزل أشد ذنباً من تلك اْلطيئات؟!‬
‫وكيف مل ُْجي ِر يعقوب اْلد وال التعزير على هذا الولد العزيز وال على هذه املرأة الفاجرة‪ ،‬بل مل يثبت من‬
‫هذا الباب وال من باب آخر من كتبهم أنه تنغص ِلجل هذا اِلمر من يهوذا‪ ،‬بل إن الباب التاس ع‬
‫واِلربعني‪ 309‬من س فر التكوين يش هد على عدم تكدره‪ ،‬حيث ذم روبيل ومشعون وال ِوي على ما ص در‬

‫منهم‪ ،‬ومل يذم يهوذا على ما ص در منه‪ ،‬بل س كت عما ص در منه ومدحه مدحاً بليغاً‪ ،‬ودعا له دعاءً‬
‫كامالً ورجحه على إخوته ِبا فيهم روبيل الذي زىن ‪-‬على زعمهم ‪ -‬بسريته بلها!‬
‫واعجب من تناقض هم بزعمهم أن اهلل ما قتل فارص وزارح مع كو ما ولدي زنا‪ ،‬بل أبقامها كما أبقى‬
‫ابين لوط‪ ،‬ومل يقتلهما كما قتل ولد داود الذي ولد بزناه بامرأة أوريا على ما زعموا‪ .‬فلعل الزنا بامرأة الغْ‬

‫‪ 309‬يف العدد الثامن من الباب املذكور جاء أن يعقوب قال‪ :‬يهوذا إياك ُيمد إخوتك‪ .‬يدك على قفا أعدائك‪ .‬يسجد‬
‫لك بنو أبيك‪ .‬اه ص‪ 84‬من العهد القدمي‪.‬‬
‫‪140‬‬
‫أشد عندهم من الزنا بالبنت أو بزوجة االبن‪.‬‬
‫‪310‬‬
‫افتراؤهم على هارون عليه السالم‬
‫يف الباب الثاِن والثالثني من س فر اْلروج‪ 311‬جاء ما نص ه‪ 1 :‬ورأى الش عب أن موس ى قد تأخر أن‬
‫يهبط من اْلبل فاجتمع الش عب إىل هارون وقالوا له قم فاجعل لنا آْلة يس ْون أمامنا من أجل أن‬
‫موس ى هذا الرجل الذي أص عدنا من أرض مص ر ال ندري ماذا أص ابه‪ 2 .‬فقال ْلم هارون انزعوا أقراط‬
‫الذهب الِت يف آذان نس ائكم وأبنائكم وبناتكم وائتوِن ِبا‪ 3 .‬فنزع كل الش عب أقراط الذهب الِت يف‬
‫آذا م وأتوا ِبا إىل هارون‪ 4 .‬فأخذ ذلك من أيديهم وص وره باإلزميل وص نعه عجالً مس بوكاً‪ .‬فقالوا هذه‬
‫آْلتك يا إس رائيل الِت اص عدتك من أرض مص ر‪ 5 .‬فلما نظر هارون ذلك بَن مذحباً أمامه‪ ،‬ونادى‬ ‫َ‬
‫المة‪ ،‬وجلس الش عب‬ ‫فبكروا يف الغد وأص عدوا ُُْمرقات وقدموا ذبائح س ٍ‬
‫هارون وقال غداً عيد للرب‪َّ 6 .‬‬
‫َ‬
‫لألكل والشرب مث قاموا للعب‪ .‬اه‬
‫فف ُّ هذه العبارات أن هارون صنع عجالً وبَن مذحباً أمامه ونادى قائالً غداً عيد للرب فعبد العجل وأمر‬
‫بين إس رائيل بعبادته فقربوا الذبائح‪ .‬وال ش ك أن هارون نِب رس ول‪ ،‬وإنكار ص احب الكتاب املس مى‬
‫ميزان اْلق نبوته يف الص حيفة اْلامس ة بعد املائة من كتابه املس مى حبل اإلش كال املطبوع س نة ‪1847‬‬
‫ليس بش ُّء‪.‬‬
‫فف ُّ العدد الس ابع والعش رين من الباب الرابع من س فر اْلروج مذكور ما نص ه‪ :‬فقال الرب ْلارون اذهب‬
‫وخذ موسى إىل الربية فمضى وأخذه إىل جبل اهلل وقباله‪.‬‬
‫ويف الباب الثامن عش ر من س فر العدد جاء ما نص ه‪ 1 :‬وقال الرب ْلارون اخل‪ 8 .‬مث كلم الرب هارون‬
‫وقال له إخل‪ 20 .‬مث قال الرب ْلارون‪ .‬فف ُّ هذا الباب من اِلول اىل اآلخر هو املخاطب حقيقة‪.‬‬
‫ويف الباب الثاِن عش ر والرابع عش ر والس ادس عش ر والتاس ع عش ر من س فر اْلروج توجد هذه العبارة‪:‬‬
‫"وكلم الرب موسى وهارون وقال ْلما" يف ستة مواضع‪.‬‬
‫ويف العدد الثالث عش ر من الباب الس ادس من س فر اْلروج مذكور ما نص ه‪ :‬فكلم الرب موس ى وهارون‬
‫وأوصامها وأرسلهما إىل بين إسرائيل وإىل فرعون ملك مصر ليخرجا بين إسرائيل من مصر‪.‬‬
‫فظهر من هذه العبارات أن اهلل أوحى إىل هارون عليه السالم منفرداً وبشركة موسى عليه السالم‪ ،‬وأرسله‬

‫‪ 310‬إظهار اْلق ج‪ ،2‬ص‪ 473-472-471‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ 311311‬سفر اْلروج ص‪ ،140-139‬من العهد القدمي‪.‬‬
‫‪141‬‬
‫إىل بين إس رائيل وإىل فرعون كما أرس ل موس ى عليه الس الم‪ ،‬ومن يطالع كتاب اْلروج جيد فيه أن‬
‫املعجزات الِت صدرت يف مقابلة فرعون ظهر أكثرها على يد هارون عليه السالم‪.‬‬
‫‪312‬‬
‫افتراؤهم على موسى وهارون عليهما السالم‬
‫يف الباب الرابع من س فر اْلروج‪ 313‬مذكور ما نص ه‪ 10 :‬فقال موس ى للرب اس تمع أيها الس يد‪ ،‬لس ت‬
‫أنا ص احب كالم منذ أمس وال ِ‬
‫أول من أمس وال من حني كلمت عبدك‪ ،‬بل أنا ثقيل الفم واللس ان‪.‬‬
‫‪ 11‬فقال له الرب من ص نع لإلنس ان فماً أو من يص نع أخرس أو أص م أو بص ْاً أو أعمى‪ ،‬أما هو أنا‬
‫الرب‪ 12 .‬فاآلن اذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به‪ 13 .‬فقال اس تمع أيها الس يد أرس ل‬
‫بِيَ ِد َمن ترسل‪14 .‬فحم ُّ غضب الرب على موسى إخل‪.‬‬
‫فانظر أيها اللبيب إىل ما زعموه يف حق موس ى من انه اس تعفى واس تقال من منص ب النبوة والرس الة وقد‬
‫كان الرب وعده أن يكون معه وأن جيعله مطمئناً‪ ،‬فاشتد غضب اهلل تعاىل عليه‪.‬‬
‫فكيف يتص ور أيها العاقل أن يش تَ اد غض ب الرب على موس ى عليه الس الم مع أنه من أنبيائه وأص فيائه‪،‬‬
‫وغضبه إَّنا يكون على أعدائه وعلى الذي فسقوا عن أمره‪.‬‬

‫الع َدد‪ 314‬مذكور ما نص ه‪ :‬وقال الرب ملوس ى وهارون‬


‫ويف العدد الثاِن عش ر من الباب العش رين من س فر َ‬
‫من أجل أنكما مل تص دقاِن وتقدس اِن قدام بين إس رائيل من أجل ذلك ال تدخالن أنتما ِبذه اْلماعة‬
‫إىل اِلرض الِت وهبت ْلم‪ .‬اه‬
‫ويف الباب الثاِن والثالثني من سفر االستثناء مذكور ما نصه‪ 48 :‬وكلم الرب موسى يف ذلك اليوم وقال‬
‫له‪ 49 .‬ارق هذا اْلبل َعربمي وهو جبل اجملازاة إىل جبل نابو الذي يف أرض موآب تلقاء أرُياء‪ ،‬مث انظر‬
‫إىل أرض كنعان الِت أنا أعطيها لبين إس رائيل لْثوها مث مت يف اْلبل‪ 50 .‬الذي تص عد إليه وِتتمع إىل‬
‫ش عوبك‪ ،‬كما مات أخوك هارون يف ُهور الطور واجتمع إىل ش عبه‪ 51 .‬على أنكما عص يتماِن يف بين‬
‫إس رائيل عند ماء اْلص ام يف قَ ِادس برية ِص ْني ومل تطهراِن يف بين إس رائيل‪ 52 .‬فإنك س تنظر إىل اِلرض‬

‫‪ 312‬إظهار اْلق ج‪ ،2‬ص‪ 476-474‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ 313‬سفر اْلروج ص‪ ،93-92‬من العهد القدمي‪.‬‬
‫‪ 314‬سفر العدد ص‪ 246‬مع اختالف قليل‪ ،‬وفيه مذكور‪ِ :‬‬
‫"من أجل أنكما مل تؤمنا ِب حَت تقدساِن أمام أعني بين‬
‫إسرائيل" اخل‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫الِت أنا أعطيها بين إسرائيل من تلقائها‪ ،‬وأما أنت فال تدخلها اه ‪.‬‬
‫فف ُّ ذلك تص ريح بأن اهلل تعاىل حرمه وأخاه هارون عليهما الس الم من دخول اِلرض املقدس ة لكو ما‬
‫عص ياه ومل يقدس اه ومل يص دقاه أمام بين إس رائيل‪ ،‬فلعلهم يرون أن ش عبهما املوعود بدخول اِلرض‬
‫املقدسة أعز مكاناً وأرفع شأناً عند اهلل تعاىل حبيث استحقوا ما حرم منه هذان النبياان الرسوالن اْلليالن!‬
‫واعجب أيها العاقل ِما نس بوه إليهما أيض اً من أن آخر حياَتما ختمت بإعراض اهلل عنهما جزاءً ْلما ‪-‬‬
‫على زعمهم‪ -‬على عص يا ما الرب وتركهما تقديس ه وتص ديقه أمام بين إس رائيل كما هو مص رح به يف‬
‫العبارات الِت نقلناها آنفاً وفيها أن الرب قال ْلما زاجراً "إنكما مل تص دقاِن وتقدس اِن" "وإنكما‬
‫عصيتماِن"‪.‬‬
‫فإن كان حال نِب اهلل موس ى ونِب اهلل هارون عندمها هكذا من إعراض اهلل عنهما واْلكم عليهما بس وء‬
‫اْلاَتة فلمن يص ح حس ن اْلاَتة؟! نعوذ باهلل تعاىل من مثل هذا الكفر والض الل املبني‪ ،‬ونس أله حس ن‬
‫اْلاَتة بتنزيهنا أنبياءه الكرام عن كل ما يشينهم‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫افتراؤهم في شأن شمشون‬
‫"يف الباب السادس عشر من سفر القضاة‪ 316‬مذكور أن مششون زىن بامرأة زانية كانت يف غزة‪ ،‬مث عشق‬
‫امرأة اَها دليلة من أهل وادي ش وراق وكان يدخل إليها‪ ،‬فأمرها كفار فلس طني أن تس أله كيف يقدر‬
‫الفلس طينيون عليه ويوثقونه وال يقدر هو على كس ر الوثاق ووعدوها عطية جزيلة فس ألته فكذب ثالث‬
‫مرات‪ ،‬فق ال ت ل ه ه ذه الف اجرة كيف تقول ان ك َتبين وقلب ك ليس مع ُّ‪ ،‬وق د ك ذبتين ثالث مرات‬
‫وضيقت عليه بكالمها أياماً كثْة فأطلعها على ذلك وقال إن حلقوا شعر رأس ُّ زالت عين قويت وصرت‬
‫كواحد من الناس‪ .‬فلما رأت أنه قد أظهر ما يف قلبه دعت رؤس اء أهل فلس طني‪ ،‬وأنامته على ركبتها‪،‬‬
‫ودعت اْلالق فحلق س بع خص ال من ش عر رأس ه‪ ،‬فزالت عنه قوته فأس روه وقلعوا عينيه وحبس وه يف‬
‫السجن مث مات هناك‪.‬‬
‫ومشش ون عندهم نِب على ما هو مذكور يف العدد اْلامس والعدد اْلامس والعش رين من الباب الثالث‬

‫‪ 315‬إظهار اْلق ج‪ 2‬ص‪ 476‬بتصرف‪.‬‬


‫‪ 316‬سفر القضاة ص‪ ،409-408-407‬من العهد القدمي‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫عش ر من الس فر نفس ه‪ 317‬وكذلك العدد الس ادس والعدد التاس ع عش ر من الباب الرابع عش ر‪ 318‬والعدد‬
‫الرابع عش ر والثامن عش ر والتاس ع عش ر من الباب اْلامس عش ر من الس فر املذكور‪ .‬والعدد الثاِن‬
‫والثالثون من الباب اْلادي عشر من الرسالة العربانية"‪.‬‬

‫فيا للعجب كيف يعتقدون هذه الفواحش يف نِب من اِلنبياء وأنه أدمن عليها إىل أن كان س بب هالكه‬
‫امرأة فاجرة تعلق قلبه ِبحبتها وصار يِّدد إليها ِلجل الفاحشة حَت أوقعت به وعرفت سر اقوته فمكنت‬
‫الكفار منه إىل أن مات يف الس جن فكيف يكون حال من س ْته وخاَتته كذلك؟! أيكون ‪ -‬عندهم ‪-‬‬
‫نبياً مقرباً عند اهلل؟!‬

‫‪319‬‬
‫افتراؤهم على داود عليه السالم‬
‫يف الباب اْلادي والعش رين من س فر ص موئيل اِلول‪ 320‬يف حال داود عليه الس الم ملا افر على زعمهم‬
‫ا‬
‫خوفاً من شاوول ملك إسرائيل ووصل إىل نوبا عند أخيملك الكاهن مذكور ما نصه‪ :‬وأتى داود إىل نوبا‬
‫أخيملك اْلرب فتعجب أخيملك من إتيان داود وقال له ملاذا جئت وحدك وليس معك أحد‪ .‬فقال داود‬
‫يعلم أحد ِبذا فيما أبعثك وأمرتك‪ ،‬فأما الفتيان‬
‫ِلخيملك الكاهن إن امللك أمرِن بش ُّء وقال يف ال ْ‬
‫فقد فرض ت ْلم ذلك املوض ع وذلك‪ .‬واآلن إن كان ش ُّء َتت يدك أو مخس ة من اْلبز فادفع إيف مهما‬
‫وجدت‪ .‬وأعطاه اْلبز خبز القدس إخل‪ .‬وقال داود ِلخيملك أهنا َتت يدك س يف أو حربة ِلن س يف ُّ‬
‫أمر امللك مسرعاً‪ .‬اه‬
‫وحربِت مل آخذ مع ُّ ِلنه كان ُ‬
‫فعلى زعمهم كذب داود عليه السالم كذباً بعد كذب‪ ،‬وصارت ُثرة هذا الكذب املزعوم أن شاوول ملك‬
‫بين إسرائيل قتل أهل نوبا كلهم ذكورهم ونساءهم وأطفاْلم ودواِبم من البقر والغنم واْلُ ُمر وقتل يف هذه‬
‫اْلادثة مخس ة وُثانني كاهناً‪ ،‬وثا ابن ِلخيملك اَه أبينار وفر ووص ل إىل داود عليه الس الم وأقر داود‬
‫بأنه سبب لقتل أهل بيته كلهم كما هو مصرح به يف الباب الثاِن والعشرين من السفر املذكور‪.321‬‬

‫‪ 317‬سفر القضاة ص‪ 403‬و ‪ 404‬من العهد القدمي‪.‬‬


‫‪ 318‬سفر القضاة ص‪ 407‬من العهد القدمي‪.‬‬
‫‪ 319‬إظهار اْلق ج‪ ،2‬ص‪ 477‬إىل ‪ 482‬بتصرف‪.‬‬
‫ك"‪.‬‬ ‫‪ 320‬سفر صموئيل اِلول ص‪ 464-463‬من العهد القدمي‪ .‬واالسم فيه مذكور هكذا‪ِ ِ :‬‬
‫"أخيمال ُ‬
‫‪ 321‬سفر صموئيل اِلول ص‪ 466-465‬من العهد القدمي‪.‬‬
‫‪144‬‬
‫ويف الباب اْلادي عش ر من س فر ص موئيل الثاِن‪ 322‬مذكور ما نص ه‪ 2 :‬قام داود من فراش ه بعد الظهر‬
‫يتمش ى على س طح َملس ملكه‪ ،‬فأبص ر امرأة تغتس ل على س طحها وكانت َجيلة جداً فأرس ل داود‬
‫وسأل عن االمرأة وقالوا له إ ا بنت شباع امرأة أوريا فأرسل داود رسالً وأخذها ونام معها‪ ،‬مث رجعت إىل‬
‫بيتها فحبلت وأخربته وقالت إِن قد حبلت‪ .‬فأرس ل داود إىل يواب قائال له أرس ل إىل أوريا فأرس ل يواب‬
‫أوريا وس أل داود عن س المة يواب وعن س المة الش عب وعن اْلرب مث قال انزل إىل بيتك‪ .‬فخرج أوريا‬
‫فرقد بباب بيت امللك ومل ينحدر إىل بيته وأخربوا داود عليه الس الم أن أوريا مل ينزل إىل بيته فقال داود‬
‫ملاذا مل تنحدر إىل بيتك فقال أوريا تابوت اهلل وإس رائيل ويهوذا يف اْليام وس يدي يواب وعبيد س يدي يف‬
‫القفر وأنا أنطلق إىل بيِت وآكل وأشرب وأنام مع امرأيت ال وحياتك وحياة نفسك إِن ال أفعل هذا‪ .‬وقال‬
‫داود أقم اليوم أيض اً ههنا‪ ،‬وإذا كان الغد أرس لك‪ .‬وبق ُّ أوريا يف أورش ليم ذلك اليوم‪ ،‬ويف اليوم اآلخر‬
‫وقت املس اء فنام مكانه على جانب عبيد س يده ومل‬ ‫دعاه داود ليأكل قدامه ويش رب فأس كره‪ ،‬وخرج َ‬
‫ينحدر اىل بيته‪ ،‬فلما كان الص باح كتب داود ص حيفة إىل يواب وأرس لها بيد أوريا وقال ص ْوا أوريا يف‬
‫أول اْلرب‪ ،‬وإذا اش تبك اْلرب ارجعوا واتركوه وحده ليقتل‪ ،‬فلما نزل يواب حول القرية أقام أوريا يف‬
‫املكان الذي يعلم أن الرجال الش جعان هناك فخرج أهل القرية فقاتلوا يواب فس قط من الش عب قوم من‬
‫عبيد داود عليه الس الم‪ ،‬وأوريا فمات‪ ،‬وأرس ل يُواب إىل داود عليه الس الم وأخربه‪ ،‬وَعت امرأة أوريا أن‬
‫زوجها قد مات فناحت عليه‪ 27 ،‬فلما انقض ت أيام مناحتها‪ ،‬أرس ل داود عليه الس الم فأدخلها بيته‬
‫وصارت له امرأة وولدت له ابنا وساء هذا الفعل داود أمام الرب انتهى ملخصاً‪.‬‬
‫ويف الباب الثاِن عش ر من س فر ص موئيل الثاِن‪ 323‬مذكور ان حكم الرب لداود على لس ان ناثان النِب‬
‫هكذا‪ 9 :‬وملاذا أزريت بوص ية الرب وارتكبت القبيح أمام عني الرب وقتلت أوريا اْلث ُّ يف اْلرب وامرأته‬
‫أخذَتا لك امرأة وقتلته بس يف بين عمون ‪ 14‬ولكن ِلنك أمشت بك أعداء الرب ِبذه الفعلة فاالبن‬
‫الذي ُولِ َد لك موتا ُيوت‪.‬‬
‫فقد صدر من داود على زعمهم خطيئات‪:‬‬
‫اِلوىل‪ :‬أنه نظر إىل امرأة أجنبية بشهوة‪ ،‬ومذكور عندهم أن عيسى عليه السالم قال إن كل من ينظر إىل‬
‫امرأة ليشتهيها فقد زىن ِبا يف قلبه كما هو مذكور يف العدد الثامن والعشرين من الباب اْلامس من إثيل‬

‫‪ 322‬سفر صموئيل الثاِن ص‪ 498‬من العهد القدمي‪.‬‬


‫‪ 323‬سفر صموئيل الثاِن ص‪ ،500‬من العهد القدمي‪.‬‬
‫‪145‬‬
‫مَت‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬أنه ما اكتفى بنظر الش هوة بل طلبها وزىن ِبا‪ ،‬وحرمة الزنا قطعية من الكبائر وذلك من اِلحكام‬
‫العشرة املشهورة املذكورة عندهم يف التوراة‪" :‬ال تَ ْزِن"‪.324‬‬
‫والثالثة‪ :‬أن هذا الزنا كان بزوجة اْلار وهذا أشد أنواع الزنا وذنب آخر على ما هو مصرح به يف اِلحكام‬
‫العشرة املشهورة يف الباب العشرين من سفر اْلروج‪.‬‬
‫وج ال غرض ه أن يلق ُّ على عيبه س ِّاً‬
‫والرابعة‪ :‬أن داود طلب أوريا من العس كر وأمره أن يذهب إىل بيته ُ‬
‫ويكون هذا اْلَبَل منس وباً إىل أوريا وملا مل يذهب ِلجل ديانته وحلف أنه ال يروح‪ ،‬أقامه داود اليوم الثاِن‬
‫وجعله يشرب اْلمر الكثْ لْوح اىل بيته يف حالة السكر لكنه مل يرح يف هذه اْلالة أيضاً مراعيا لديانته‪،‬‬
‫ومل يلتفت إىل زوجته الباهرة اْلمال الِت كانت جائزة له ش رعاً‪ .‬لعل الس كر ال يؤثر على عوام الناس كما‬
‫أثر على زعمهم على نِب اهلل لوط علي ه الس الم‪ .‬وانظر أيه ا اللبي ب إىل ح ال دي ان ة العوام عن د أه ل‬
‫الكتاب يف التورع عن املباح ِلجل الديانة هكذا وانظر إىل حال ديانة اِلنبياء اإلس رائيليني عندهم كيف‬
‫يس عون الرتكاب الفواحش ويص رون عليها‪[ .‬فليت ش عري من اِلجدر ِبنص ب النبوة عندهم أهو أوريا‬
‫الورع أم داود مرتكب الفواحش ‪-‬على زعمهم‪ -‬الذي مل يأمن منه جاره على نفس ه ِ‬
‫وعرض ه‪ ،‬ومل يش غله‬
‫التفكْ بأمر اْليش الذي وجهه ْلوض املعارك عن الس ع ُّ يف طلب الش هوات الدنيئة الِت يأنف أراذل‬
‫امللوك عن مقارفتها]‪.‬‬
‫واْلامس ة‪ :‬أنه ملا مل َتص ل ُثرة مقص وده على ما ذكروه من إس كار أوريا عزم على قتله‪ ،‬فقتله بس يف بين‬
‫عمون‪ ،‬وقتل املس لم من أعظم الذنوب‪ ،‬ويف العدد الس ابع من الباب الثالث والعش رين من س فر اْلروج‪:‬‬
‫البار الزك ُّ"‪.325‬‬
‫"ال تقتل َّ‬
‫والسادسة‪ :‬أنه مل يتنبه إىل خطئه‪ ،‬ومل يتب لو مل يعاتبه ناثان املوصوف عندهم بالنبوة‪.‬‬
‫والس ابعة‪ :‬أنه قد وص ل إليه حكم اهلل بأن هذا الولد الذي تولد بالزنا ُيوت‪ ،‬ومع هذا دعا ِلجل‬
‫عافيته‪.326‬‬

‫‪ 324‬سفر اْلروج‪ ،‬الباب العشرون عدد ‪ ،14‬ص‪ 119‬من العهد القدمي‪.‬‬


‫‪325‬‬
‫البار" يف النسخة املطبوعة من العهد‬
‫سفر اْلروج‪ ،‬باب ‪ ،23‬عدد ‪ ،7‬ص‪ ،123‬مذكور بلفظ "ال تقتل الربيء و َّ‬
‫القدمي‪.‬‬
‫‪ 326‬سفر صموئيل الثاِن ص‪ 500‬من العهد القدمي‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫والثامنة‪ :‬أنه ما أجرى حد الزنا على نفس ه وال على هذه املرأة‪ ،‬مع أنه مذكور يف العدد العاش ر من الباب‬
‫العشرين من سفر اِلخبار ما نصه‪ :‬ومن زىن بامرأة ْلا رجل فليقتل الزاِن والزانية‪.‬‬
‫ويف العدد الثاِن والعش رين من الباب الثاِن والعش رين من س فر االس تثناء ما نص ه‪ :‬إن اض طجع رجل مع‬
‫امرأةِ غْه فكالمها ُيوتان الزاِن والزانية وارفع الش ر من إس رائيل‪ .‬اه ‪ .‬فلعل اْلدود املذكورة يف التوراة‬
‫فرض ها الرب لإلجراء على الفقراء واملس اكني املغلوبني ال على امللوك والس الطني‪ ،‬نعوذ باهلل أن نكون من‬
‫القوم الكافرين الذي ُيرفون الكلم عن مواضعه ويقولون على اهلل ما ال يعلمون‪.‬‬
‫واِلغرب من هذا ما زعموه من أن الرب قد حكم عليه أيض اً على لس ان النِب ناثان ِبذا اْلكم ونص ه‪:‬‬
‫"‪ 11‬ق ال الرب ه ا أن ا ذا أقيم علي ك الش ر من بيت ك وآخ ذ نس اءك أم ام عين ك وأعطيهن لقريب ك‬
‫فيض طجع مع نس ائك يف عني هذا الش مس‪ِ 12 .‬لنك أنت فعلت بالس ر وأنا أفعل هذا اِلمر قدام‬
‫َجيع إسرائيل وقدام الشمس" اه وذلك يف الباب الثاِن عشر من سفر صموئيل الثاِن‪.‬‬
‫وقد زعموا أنه وَف ِبا وعد وهيج والعياذ باهلل تعاىل ولداً من أوالده اَه أبيش الوم فنص ب خيمة على‬
‫الس طح ودخل على َجيع س راري أبيه فاض طجع معهن ِتاه َجيع بين إس رائيل وقدام الش مس كما هو‬
‫مذكور يف العدد الثاِن والعش رين من الباب الس ادس عش ر من الس فر املذكور‪ .‬مث حارب أبيش الوم أباه‬
‫داود عليه الس الم حَت قتل يف تلك احملاربة عش رون ألفاً من بين إس رائيل كما هو مذكور يف الباب الثامن‬
‫عشر من السفر املذكور‪.‬‬
‫فهذا الولد السعيد الذي لداود عليه السالم ‪-‬على مقتضى كتبهم ‪ -‬قد فاق روبيل الولد اِلكرب ليعقوب‬
‫عليه السالم بثالثة أوجه‪:‬‬
‫اِلول‪ :‬أنه زنا جبميع سراري أبيه خبالف روبيل فإنه زنا بسرية واحدة‪.‬‬
‫والثاِن‪ :‬أنه زنا ِبن ِتاه بين إسرائيل عالنية وأمام الشمس خبالف روبيل فإنه زنا خفية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه حارب أباه حَت قتل عشرون ألفاً من بين إسرائيل‪.‬‬
‫وداود عليه الس الم مع ص دور هذه اِلمور عن هذا اْللف الس ُّء‪ ،‬كان قد أوص ى رؤس اء العس كر أن ال‬
‫يقتله أحد لكن يواب خالف أمره وقتله وملا َع داود عليه السالم بكى بكاء شديداً وحزن عليه‪.‬‬
‫لكن ال عجب وال اس تغراب من هذه اِلمور ِلن أمثاْلا لو ص درت عن أوالد اِلنبياء بل اِلنبياء ليس ت‬
‫عجيبة على حكم كتبهم‪ ،‬وإَّنا العجب واالس تغراب من زعمهم أن زنا أبيش الوم بس راري أبيه كان حبكم‬
‫الرب ورض اه وأنه هو الذي هيجه على هذا الفعل الش نيع َمازاة لداود عليه الس الم على ما فعله‪ ،‬تعاىل‬

‫‪147‬‬
‫اهلل عن ذلك علواًكبْاً‪ ،‬فهل يعقل أيها اللبيب أن اهلل ُيكم على من زنا‪ ،‬بأن يزِن ابنه بنس ائه جهاراً‬
‫أمام الناس؟ نعوذ باهلل من سلب العقول‪.‬‬
‫وقبل أن ننتقل إىل نقل افِّاءاَتم على نِب اهلل س ليمان بن داود عليهما الس الم‪ ،‬ننقل ما نس بوه إىل‬
‫ِحنون‪ ،‬الولد اِلكرب لداود عليه الس الم‪ .‬فف ُّ الباب الثالث عش ر من س فر ص موئيل الثاِن مذكور أن‬
‫ِحنون الولد اِلكرب لداود زىن بثامار قهراً مث قال ْلا اخرج ُّ‪ ،‬وملا امتنعت عن اْلروج أمر خادمه فأخرجها‬
‫وأغلق الباب خلفها فخرجت ص ارخة‪ ،‬وَع داود عليه الس الم ِبذه اِلمور وش قت عليه لكن مل يقل‬
‫ْلمنون ش يئاً حملبته له وال لثامار‪ ،‬وكانت ثامار هذه أختاً ِلبيش الوم بن داود عليه الس الم يقيناً‪ ،‬ولذلك‬
‫أبغُ أبيشالوم ِحنون وعزم على قتله‪ ،‬وملا قدر عليه قتله‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫‪327‬‬
‫افتراؤهم على سليمان عليه السالم‬
‫يف الباب اْلادي عشر من سفر امللوك اِلول‪ 328‬مذكور ما نصه‪ 1 :‬وكان سليمان امللك قد أحب نساء‬
‫كثْات غريبات‪ ،‬وابنة غريبات‪ ،‬وابنة فرعون‪ ،‬ونس اء من نس اء املوابيني ومن بنات عمون‪ ،‬ومن بنات‬
‫أدوم‪ ،‬ومن بنات الص يدانيني ومن بنات اْليثانيني‪ 2 .‬ومن الش عوب الذي قال الرب لبين إس رائيل ال‬
‫تدخلوا إليهم‪ ،‬وال يدخلوا إليكم لئال ُييلوا قلوبكم إىل آْلتهم‪ ،‬وهؤالء التص ق ِبم س ليمان حبب ش ديد‪.‬‬
‫‪ 3‬وصار له سبعمائة امرأة حرة وثالُثائة سرية‪ ،‬وأغوت نساؤه قلبه‪ 4 .‬فلما كان عند كرب سليمان أغوت‬
‫نس اؤه قلبه إىل آْلة أخر‪ ،‬ومل يكن قلبه س ليماً هلل ربه مثل قلب داود أبيه‪ 5 .‬وتبع س ليمان عش ِّوت إله‬
‫الص يدانيني وملكوم ص نم بين عمون‪ 6 .‬وارتكب س ليمان القبح أمام الرب ومل يتم أن يتبع الرب مثل‬
‫داود أبيه‪ 7 .‬مث نص ب س ليمان نص بة لكامو‪ ،‬ص نم مواب يف اْلبل الذي قدام أورش ليم‪ ،‬ومللكوم وثن‬
‫بين عمون‪ 8 .‬وكذلك ص نع ْلميع نس ائه الغريبات وهن يبخرن ويذحبن آلْلتهن‪ 9 .‬فغض ب الرب على‬
‫س ليمان حيث مال قلبه عن الرب إىل إس رائيل الذي ظهر له مرتني‪ 10 .‬و اه عن هذا الكالم‪ ،‬أن ال‬
‫يتبع آْل ة الغرب اء‪ ،‬ومل ُيفظ م ا أمره ب ه الرب!! فق ال الرب لس ليم ان إن ك فعل ت ه ذا الفع ل ومل َتفظ‬
‫أصْه إىل عبدك‪ .‬اه‬
‫أشق شقاً ملكك‪ ،‬و ا‬
‫عهدي ووصاياي الِت أمرتك ِبن‪ ،‬ا‬
‫فقد صدر من سليمان على زعمهم أمور فاحشة‬
‫اِلول‪ :‬وهو أعظمها أنه ارتد يف آخر عمره الذي هو حني التوجه إىل اهلل‪ ،‬وجزاء املرتد عندهم الرجم ولو‬
‫كان نبياً ذا معجزات على ما هو مذكور يف الباب الثالث عش ر والس ابع عش ر من س فر االس تثناء‪،329‬‬
‫وال يُعلم من أي موض ع من مواض ع هذه التوراة أنه تقبل توبة املرتد‪ ،‬ولو كانت تقبل ملا أمر موس ى عليه‬
‫السالم بقتل عبدة العجل حَت قتل ثالثة وعشرين ألف رجل على هذا الفعل‪.‬‬
‫والثاِن‪ :‬أنه بَن املعابد العالية لألص نام يف اْلبل قدام أورش ليم‪ ،‬وهذه املعابد كانت باقية مائِت س نة حَت‬
‫وش ياا بن آمون ملك يهوذا يف عهده بعد موت س ليمان عليه الس الم بأزيد من‬ ‫ثس ها‪ ،‬وكس ر اِلص نام ي ِ‬
‫ُ‬
‫ثالُثائة وثالثني سنة كما هو مصرح به يف الباب الثالث والعشرين من سفر امللوك الثاِن‪.330‬‬

‫‪ 327‬إظهار اْلق ج‪ ،2‬ص ‪.486-483‬‬


‫‪ 328‬سفر امللوك اِلول ص‪ 553‬من العهد القدمي مع بعُ االختالف يف اِللفاظ‪.‬‬
‫‪ 329‬سفر االستثناء "وهو سفر التثنية" ص‪ ،301-300‬وص‪ .306‬من العهد القدمي‪.‬‬
‫‪ 330‬سفر امللوك الثاِن ص‪ 727-626‬من العهد القدمي‪.‬‬
‫‪149‬‬
‫والثالث‪ :‬أنه تزوج نس اء من س فر الش عوب الِت كان اهلل منع من االلتص اق ِبن كما هو مذكور يف الباب‬
‫السابع من االستثناء‪ِ 331‬با نصه‪ 3 :‬وال ِتعل معهم زجية فال تعط ابنتك البنه وال تتخذ ابنته البنك‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬تزوج بألف امرأة وقد كانت كثرة اِلزواج ُمرمة على ما يكون س لطان بين إس رائيل فف ُّ العدد‬
‫السابع عشر من الباب السابع عشر من سفر االستثناء‪ 332‬مذكور ما نصه‪ :‬وال تكثر نساؤه لئال دعن‬
‫نفسه‪.‬‬
‫‪333‬‬
‫واْلامس‪ :‬أن نساؤه كن يُبَ اخ ْرن ويذحبن لألوثان‪ ،‬وقد ذكر يف الباب الثاِن والعشرين من سفر اْلروج‬
‫ما نصه‪ :‬من يذبح لألوثان فليقتل‪ .‬فكان قتلهن إذاً واجباً‪.‬‬
‫والس ادس‪ :‬أ ن أغوين قلبه‪ ،‬فكان رَجهن واجباً على ما هو مذكور يف الباب الثالث عش ر من س فر‬
‫االستثناء‪ .334‬ولكنه مل يفعل إىل آخر حياته‪.‬‬

‫فالعجب كل العجب أن داود وس ليمان عليهما الس الم ‪-‬على زعم أهل الكتاب ‪ -‬ما أجريا حدود‬
‫التوراة على نفس يهما‪ ،‬وال على أهل بيتهما‪ ،‬فأية مداهنة أكرب من هذا‪ ،‬أم أن هذه اْلدود فرض ها اهلل‬
‫لإلجراء على املساكني املغلوبني الذي ال حول ْلم وال قوة!‬
‫ومل تثبت توبة س ليمان عليه الس الم يف موض ع من املواض ع يف العهد القدمي‪ ،‬بل الظاهر ‪-‬عندهم ‪ -‬عدم‬
‫توبته ِلنه لو تاب ْلدم املعاهد الِت بناها وكسر اِلصنام الِت وضعها يف تلك املعابد‪ ،‬ورجم أولئك النساء‬
‫املغويات‪ ،‬على أنه لو تاب ملا سلم من إجراء اْلد عليه ِلن حكم املرتد يف التوراة ليس إال الرجم‪.‬‬
‫وأما ما ادعاه ص احب الكتاب املس مى ميزان اْلق يف الص حيفة اْلامس ة واْلمس ني من طريق اْلياة‬
‫املطبوع سنة ‪ ،1847‬من توبة آدم وسليمان عليهما السالم‪ ،‬فادعاء حبت وكذب صرف على ما بأيديهم‬
‫من أسفار العهد القدمي‪.‬‬

‫فانظر أيها اللبيب إىل جراءة بين إس رائيل على اِلنبياء العظام كيف أ م مل يكتفوا بنس بة املعاص ُّ‬

‫‪ 331‬سفر االستثناء ص‪ 290‬من العهد القدمي‪ ،‬العدد الثالث‪.‬‬


‫‪ 332‬سفر االستثناء ص‪ ،307‬من العهد القدمي‪.‬‬
‫ك‪" .‬العدد العشرون"‪.‬‬
‫وحده يُ ْهلَ ُ‬ ‫‪ 333‬سفر اْلروج ص‪ ،123‬من العهد القدمي مذكور بلفظ من ذبح آلْلة غ ِْ ِ‬
‫الرب َ‬
‫‪ 334‬سفر االستثناء ص‪" 301‬العدد العاشر" من العهد القدمي‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫والكبائر إليهم بل ِتاوزوا اْلد حَت أخرجوا بعض اً منهم عن الدين بالكلية‪ ،‬ويا عجباً من بين إس رائيل‬
‫كيف س اغ ْلم أن يدخلوا يف التوراة هذا البهتان املبني‪ ،‬وإذا ِحلهم اْلس د ِلنبيائهم الذي هم من‬
‫جنس هم فافِّوا عليهم هذه اِلمور الِت يكذِبا الربهان وتقش عر من ذكرها جلود أهل اإلُيان‪ ،‬فال عجب‬
‫وال استغراب من إنكارهم اسم نبينا وحذفه وهو من غْ جنسهم‪ ،‬وال يستبعد ذلك من قوم قذفوا السيد‬
‫املس يح وأم ه الط اهرة البتول‪ ،‬وق د قتلوا َجل ة من اِلنبي اء الكرام بع د أن رأوا منهم اآلي ات البين ات‬
‫واملعجزات الباهرات وحيث ظهر لك أيها اللبيب أ م يكفرون نِب اهلل س ليمان عليه الس الم تعرف س ر‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬وما كفر س ليمان ولكن الش ياطني كفروا﴾ [البقرة‪ ،‬اآلية‪ ]102 :‬وأنه وارد للرد على من‬
‫افِّى ذلك وتكذيبه‪ ،‬وليس وارداً مورد املدح وإال مل يكن فيه كبْ فائدة‪ ،‬اال ترى أنه لو قيل عن واحد‬
‫ب من قيل فيه ذلك‪ِ ،‬لن‬
‫من آحاد الناس يف مقام املدح إنه ليس بكافر مل يُ َع اد كبْ مدح‪ ،‬ورِبا أغض َ‬
‫الكفر أقبح أنواع العيوب‪ ،‬واس تدعاء نفيه قد يش عر بإمكان ثبوته‪ ،‬وال يلزم من نفيه غْه من العيوب‪،‬‬
‫خبالف ما إذا أريد بذلك الرد على املفِّين فتأمل أرشدك اهلل‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫افتراؤهم في شأن شاوول‬
‫يف الباب العاش ر من س فر ص موئيل اِلول‪ 336‬يف حق ش اوول ملك إس رائيل الس فاك املش هور مذكور ما‬
‫نص ه‪ 10 :‬وأتوا إىل الرابية وإذا ص ف من اِلنبياء اس تقبله‪ ،‬وحل عليه روح الرب فتنبأ بينهم‪ 11 .‬وحينما‬
‫نظره الذين يعرفونه من أمس وقبل اِلمس فإذا هو مع اِلنبياء متبين قال كل امرئ منهم لص احبه ما هذا‬
‫الذي أص اب ابن قيس ش اوول يف اِلنبياء‪ 12 .‬فأجاب بعض هم البعُ وقالوا َم ْن أبوهم‪ .‬من أجل هذا‬
‫صار َمثَالً هل أيضاً شاوول يف اِلنبياء‪ .‬وفرغ ِما تنبأ فأتى إىل اْلضْة‪.‬‬
‫‪337‬‬
‫فحل روح اهلل‬
‫ويف العدد الس ادس من الباب اْلادي عش ر من س فر ص موئيل اِلول مذكور ما نص ه‪َّ :‬‬
‫على شاوول عندما َع هذا القول وِح ُّ غضبه جداً‪.‬‬

‫‪ 335‬إظهار اْلق ج‪ 2‬ص‪.487-486‬‬


‫تنبيه‪ :‬مل أقف على ش ُّء يف املراجع الِت بني يدي على ما يثبت كون شاوول نبياً‪ ،‬فما أوردته هنا لبيان أ م ينسبون‬
‫إىل أنبياء اهلل تلك القبائح‪ ،‬وشاوول يف اعتقادهم من اِلنبياء ومع ذلك نسبوا إليه ما نسبوا‪.‬‬
‫‪336‬‬
‫"شاول" بواو‬
‫سفر صموئيل اِلول ص‪ 441‬من العهد القدمي‪ ،‬مع بعُ االختالف يف اِللفاظ‪ ،‬وقد ذكر اَه ُ‬
‫واحدة‪.‬‬
‫‪ 337‬سفر صموئيل اِلول ص‪ 442‬من العهد القدمي‪.‬‬
‫‪151‬‬
‫فهذه العبارات تقض ُّ أن ش اوول كان مس تفيض اً بروح القدس‪ ،‬وكان رب عن اْلاالت املس تقبلة ويف‬
‫الباب الس ادس عش ر من الس فر املذكور‪ 338‬جاء ما نص ه‪ 14 :‬وابتعد روح اهلل من ش اوول وص ار روح‬
‫رديء يعذبه بأمر الرب‪.‬‬
‫وذلك يقتض ُّ أن هذا النِب سقط عن درجة النبوة فابتعد عنه روح اهلل وتسلط عليه روح الشيطان‪.‬‬
‫ويف الباب التاس ع عش ر من هذا الس فر‪ 339‬مذكور ما نص ه‪ :‬فانطلق ش اوول إىل نويت الِت يف الرامة‬
‫وحلت عليه أيض اً روح الرب‪ ،‬فجعل يس ْ وتنبأ حَت انتهى اِلمر إىل نويت يف الرامة‪ .‬وخلع هو ثيابه‬
‫وتَنباأ هو أيض اً أمام ص موئيل‪ ،‬وس قط عريان اره ذلك كله وليلته تلك كلها‪ ،‬فص ار مثالً ش اوول يف‬
‫اِلنبياء‪.‬‬
‫فحص ل على زعمهم ْلذا النِب الس اقط عن درجة النبوة هذه الدرجة العليا مرة أخرى ونزل عليه روح‬
‫القدس نزوالً قوياً حبيث رمى ثيابه وص ار عرياناً‪ ،‬وكان على هذه اْلالة يوماً بليلته‪ ،‬فهذا النِب اْلامع بني‬
‫الروح الش يطاِن والرباِن ‪-‬على ما هو مذكور عندهم ‪ -‬كان َممع العجائب‪ ،‬فمن ش اء فلينظر حال‬
‫ظلمه وعتوه يف السفر املذكور‪.‬‬
‫وبعد أن بعون اهلل مرادنا من اْلزء الثاِن من هذا الكتاب‪ ،‬ببيان بطالن التهم الِت نس بت إىل اِلنبياء‬
‫يف كتب اليهود والنص ارى‪ ،‬نذكر تتمة يف رد قول من نس ب إىل اهلل االبن‪ ،‬وحيث أن اليهود والنص ارى‬
‫وقعوا يف هذا الض الل املبني‪ ،‬ووافقهم بعُ من يدع ُّ اإلس الم‪ ،‬بدعوى أن إطالق ذلك على املس يح ‪-‬‬
‫وغْه ‪ -‬إَّنا كان مأذونا فيه على وجه اجملاز‪ ،‬ثعل ردنا مش تمالً على آيات قرآنية وبراهني عقليه‪ ،‬حبيث‬
‫تقوم اْلجة على اْلميع‪ ،‬ونسأل اهلل الرشاد والتوفيق‪.‬‬

‫‪ 338‬سفر صموئيل اِلول ص‪ 453‬من العهد القدمي‪.‬‬


‫‪ 339‬سفر صموئيل اِلول ص‪ 460‬من العهد القدمي‪ ،‬وما ذكر هنا فهو خمتصر‪ ،‬باملعَن‪.‬‬
‫‪152‬‬
‫تتمة‬
‫وتشتمل على‪:‬‬

‫بيان أن اهلل من زه عن الولد‪.‬‬


‫بيان منع قول‪" :‬املسيح ابن اهلل" ولو بقصد اجملاز‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫بيان أن الل من ثه عن الولد‬
‫[قصص اِلنبياء ص‪ ،586-581‬باختصار وتصرف]‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬وقالوا اَّتذ الرِحن ولدا‪ .‬لقد جئتم ش يئاً إدا﴾ [مرمي‪ ،‬آية‪ ]89-88 :‬ش يئاً عظيماً‬
‫ومنكراً من القول وزورا ﴿تكاد الس موات يتفطرن منه وتنش ق اِلرض و َِّتر اْلبال هذا‪ .‬أن دعوا للرِحن‬
‫ول دا‪ .‬وم ا ينبغ ُّ للرِحن أن يتخ ذ ول دا‪ .‬إن ك ل من يف الس موات واِلرض إال آيت الرِحن عب داً‪ .‬لق د‬
‫أحصاهم وعدهم عداً‪ .‬وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً﴾ [مرمي‪.]95-90 ،‬‬
‫فبني أنه تعاىل ال ينبغ ُّ له الولد ِلنه خالق كل ش ُّء ومالكه‪ ،‬وكل ش ُّء فقْ إليه‪ ،‬خاض ع ذليل لديه‪،‬‬
‫ا‬
‫وَجيع س كان الس موات واِلرض عبيده‪ ،‬هو رِبم ال إله إال هو‪ ،‬وال رب س واه كما قال تعاىل‪﴿ :‬وجعلوا‬
‫وبنات بغْ علم س بحانه وتعاىل عما يص فون بديع الس موات‬ ‫اْلن وخلَ َقهم وخرقوا له بنني ٍ‬
‫هلل ش ركاءَ َّ َ ُ َ َ‬
‫واِلرض أىن يكون له ولد ومل تكن له ص احبة وخلق كل ش ُّء وهو بكل ش ُّء عليم‪ .‬ذلكم اهلل ربكم ال‬
‫إله إال هو خالق كل ش ُّء فاعبدوه وهو على كل ش ُّء وكيل﴾ [اِلنعام‪ ،‬اآلية‪.]102-100 :‬‬
‫فبني أنه خالق كل ش ُّء فكيف يكون له ولد‪ ،‬والولد ال يكون إال بني ش يئ ُّ متناس بني‪ ،‬واهلل تعاىل ال‬
‫نظْ له وال ش بيه وال عديل له‪ ،‬فال ص احبة له‪ ،‬فال يكون له ولد كما قال تعاىل‪﴿ :‬قل هو اهلل أحد اهلل‬
‫الصمد مل يلد ومل يولد ومل يكن له كفواً أحد﴾ [سورة اإلخالص]‪.‬‬
‫يقرر أنه اِلحد الذي ال نظْ له يف ذاته وال يف ص فاته وال يف أفعاله "الص مد" وهو الس يد الكامل يف‬
‫علمه وحكمته ورِحته‪.‬‬
‫"مل يلد" أي ال يوجد منه ولد "ومل يولد" أو مل يتولد عن ش ُّء قبله‪" ،‬ومل يكن له كفواً أحد" أي وليس‬
‫له عدل وال مكافئ وال مس ا ٍو‪ ،‬فنفى النظْ املداِن واِلعلى واملس اوي‪ ،‬فانتفى أن يكون له ولد إذ ال‬
‫يكون الولد إال متولداً بني شيئني متعادلني أو متقاربني تعاىل اهلل عن ذلك علواًكبْاً‪.‬‬
‫وقال تبارك وتعاىل‪﴿ :‬يا أهل الكتاب ال تغلوا يف دينكم وال تقولوا على اهلل إال اْلق إَّنا املس يح عيس ى‬
‫ابن مرمي رسول اهلل وكلمته ألقاها إىل مرمي وروح منه ف منوا باهلل ورسله وال تقولوا ثالثة انتهوا خْاً لكم إَّنا‬
‫اهلل إله واحد س بحانه أن يكون له ولد له ما يف الس موات وما يف اِلرض وكفى باهلل وكيال‪ .‬لن يس تنكف‬
‫املسيح أن يكون عبداً هلل وال املالئكة املقربون﴾ [النساء‪ ،‬اآلية‪.]172-171 :‬‬
‫ينهى اهلل تعاىل أهل الكتاب ومن شاِبهم عن الغلو واإلطراء يف الدين وهو َماوزة اْلد‪ ،‬فالنصارى لعنهم‬
‫اهلل‪ ،‬غلوا وأطروا املس يح حَت جاوزوا اْلد‪ .‬فكان الواجب عليهم أن يعتقدوا أنه عبد اهلل ورس وله وابن‬

‫‪154‬‬
‫أمته العذراء البتول‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬وقالت اليهود عزير ابن اهلل وقالت النصارى املسيح ابن اهلل ذلك قوْلم بأفواههم يضاهئون‬
‫أىن يؤفكون﴾ [التوبة‪ ،‬اآلية‪.]30 :‬‬
‫قول الذين كفروا من قبل قاتلهم اهلل ا‬
‫فأخرب تعاىل أن اليهود والنص ارى عليهم لعائن اهلل كل من الفريقني ادعوا على اهلل ش ططا وزعموا أن له‬
‫ولداً‪ ،‬تعاىل اهلل عما يقولون علواًكبْاً‪ ،‬وأخرب أ م ليس ْلم مس تند فيما زعموه وال فيما ائتفكوه إال َمرد‬
‫القول ومش اِبة من س بقهم وقال تعاىل‪﴿ :‬وينذر الذي قالوا اَّتذ اهلل ولداً‪ .‬ما ْلم به من علم وال آلبائهم‬
‫كربت كلمة َّترج من أفواههم إن يقولون إال كذبا﴾ [الكهف‪ ،‬اآلية‪.]5-4 :‬‬
‫وقال تعاىل‪﴿ :‬لقد كفر الذين قالوا إن اهلل هو املس يح ابن مرمي قل فمن ُيلك من اهلل ش يئاً إن أراد أن‬
‫يهلك املس يح ابن مرمي وأمه ومن يف اِلرض َجيعاً وهلل ملك الس موات واِلرض وما بينهما لق ما يش اء‬
‫واهلل على كل ش ُّء قدير﴾ [املائدة‪ ،‬اآلية‪.]17 :‬‬
‫وقال تعاىل أيض اً‪﴿ :‬لقد كفر الذين قالوا إن اهلل هو املس يح ابن مرمي وقال املس يح يا بين إس رائيل اعبدوا‬
‫حرم اهلل عليه اْلنة ومأواه النار وما للظاملني من أنص ار لقد كفر‬
‫اهلل رِب وربكم إنه من يش رك باهلل فقد ا‬
‫ليمس ن الذين كفروا‬
‫الذين قالوا إن اهلل ثالث ثالثة وما من إله إال إله واحد وإن مل ينتهوا عما يقولون ا‬
‫منهم عذاب أليم‪ .‬أفال يتوبون إىل اهلل ويس تغفرونه واهلل غفور رحيم‪ .‬ما املس يح ابن مرمي إال رس ول قد‬
‫أىن يؤفكون﴾‬
‫خلت من قبله الرسل وأمه ص اديقة كانا يأكالن الطعام انظر كيف نبني ْلم اآليات مث انظر ا‬
‫[املائدة‪ ،‬اآلية‪.]75-72 :‬‬
‫حكم اهلل تعاىل بكفرهم‪ ،‬وبني ْلم أن املس يح عبد مربوب خملوق مص ور يف الرحم داع إىل عبادة اهلل‬
‫وحده ال ش ريك له‪ ،‬وتوعدهم على خالف ذلك بالنار واْلزي يف الدار اآلخرة والعار مث قال لقد كفر‬
‫الذي قالوا إن اهلل ثالث ثالثة وما من إله إال إله واحد‪ .‬قال ابن جرير وغْه املراد بذلك قوْلم باِلقانيم‬
‫الثالثة‪ :‬أقنوم اِلب وأقنوم االبن وأقنوم الكلمة املنبثقة من اِلب إىل االبن على اختالفهم يف ذلك ما بني‬
‫امللكية واليعقوبية والنسطورية‪ ،‬عليهم لعائن اهلل‪.‬‬
‫مث ابني حال املس يح وأمه وأنه عبد رس ول وأمه ص ديقة‪ ،‬أي ليس ت بفاجرة كما يقول اليهود لعنهم اهلل‪.‬‬
‫وفيه دليل على أ ا ليس ت نبية كما زعم ذلك طائفة من العلماء‪ .‬وقوله‪﴿ :‬كانا يأكالن الطعام﴾ كناية‬
‫عن خروج ه منهم ا كم ا رج من غْمه ا‪ ،‬أي ومن ك ان ِب ذه املث اب ة كيف يكون إْل ا تع اىل اهلل عن قوْلم‬
‫وجهلهم علواًكبْاً‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫ث ثََالثٍَة ﴾ [املائدة‪ ،‬اآلية‪ ]73:‬زعمهم‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين قَالُوا إِ َّن اللَّهَ ثَال ُ‬ ‫َّ‬
‫ي وغْه املراد بقوله‪ ﴿ :‬ل َق ْد َك َفَر الذ َ‬
‫وقال الس اد ا‬
‫يف عيسى وأمه أ ما اإلْلان مع اهلل‪ ،‬يعين كما ابني تعاىل كفرهم يف ذلك بقوله يف آخر هذه السورة الكرُية‬
‫ون اللَّ ِه قَ َ‬
‫ني ِمن د ِ‬ ‫ه‬ ‫ال اللَّه يا ِعيسى ابن مرَمي أَأَنت قُ ْلت لِلن ِ ِ‬
‫ك َما‬
‫ال ُسْب َحانَ َ‬ ‫َّاس َّاَّت ُذ ِوِن َوأُم َ ُّ إِ َْلَْ ِ ُ‬ ‫﴿ َوإِ ْذ قَ َ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ‬
‫س ِيف ِحبَ ٍّق ﴾ [املائدة‪ ،‬اآلية‪.]116 :‬‬ ‫يَ ُكو ُن ِيف أَ ْن أَقُ َ‬
‫ول َما لَْي َ‬

‫بيان منع قول‪" :‬المسيح ابن الل" ولو بقصد الملاز‬


‫ليعلم أنه قد وقع بعُ من يدع ُّ العلم يف خطأ شنيع‪ ،‬يف مسألة إطالق لفظ ابن اهلل على املسيح وعلى‬
‫بعُ اِلنبياء سواه‪ ،‬وكذلك يف مسألة إطالق لفظ أبناء اهلل على أتباع املسيح وعلى اليهود فقال بعضهم‬
‫إن إطالق ذلك كان جائزاً يف ش رائعهم‪ ،‬وإنه ُيمل على املعَن اجملازي‪ ،‬وكذلك قالوا يف إطالق لفظ‬
‫اِلب عليه تعاىل‪ ،‬وقالوا هو ِبعَن متويف املسيح ‪-‬وغْه‪ -‬بالرِحة والعناية ال ِبعَن اِلبوة اْلقيقية‪.‬‬
‫وهذه اِلقوال فاس دة باطلة ال جيوز اِلخذ ِبا وال جيوز اعتقادها‪ ،‬وقائلوها ال مس تند ْلم إال هذه الكتب‬
‫احملرفة الِت ال جيوز اعتمادها ملا فيها من الكفر والضالل كما بينا ذلك‪ .‬بل اْلق الذي ال ُميد عنه أنه مل‬
‫يرد يف كتاب َاوي وال على لسان نِب من اِلنبياء إطالق هذه اِللفاظ‪.‬‬
‫ولو كان ذلك سائغاً كما ادعوه لورد بيان ذلك عن النِب املعصوم صلى اهلل عليه وسلم ولكان ابني لنا أن‬
‫اهلل ذم الذين نس بوا إىل اهلل الولد باملعَن اْلقيق ُّ ال باملعَن اجملازي ولكنا ثد نص وص القرآن ناطقة بض د‬
‫ك قَ ْوُْلُم بِأَفْ َو ِاه ِه ْم﴾‬ ‫ِ‬
‫ما يزعمون كقوله تعاىل رداً على اليهود والنص ارى الذين نس بوا له الولد‪ ﴿ :‬هذَل َ‬
‫َىن يُ ْؤفَ ُكو َن﴾ [التوبة‪ ،‬اآلية‪.]30:‬‬ ‫[التوبة‪ ،‬اآلية‪ ]30:‬فقوْلم ادعاء ُمُ وافِّاء مبني ﴿ قَاتَلَ ُه ُم اللَّهُ أ َّه‬
‫ومن يتتبع ما ورد يف القرآن الكرمي يف شأن املسيح عليه السالم ال جيد شيئاً يؤيد ما قالوه‪ ،‬بل جيد فيه أن‬
‫أول ما نطق به املس يح يف املهد أن قال ﴿إِن عبد اهلل﴾ [مرمي‪ ،‬اآلية‪ ]30:‬ومعلوم أن البُنُ َّوة والعبودية ال‬
‫ِحَ ُن َولَ ًدا ُس ْب َحانَهُ بَ ْل ِعبَاد ُّمكَْرُمو َن﴾ [اِلنبياء‪،‬‬ ‫جيتمعان‪ .‬كما يفهم من قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وقَالُوا َّاَّتَ َذ َّ‬
‫الر ْ ه‬
‫اآلية‪ ]26:‬رداً على من زعم أن له ولداً من املالئكة‪ .‬فأفهمنا بذلك أن املالئكة ليس وا بنات اهلل كما‬
‫زعم ذلك بعُ املشركني بدليل أ م عباد هلل‪ ،‬فلو كان هلل ولد مل يكن عبداً له‪.‬‬
‫َّص َار هى َْحن ُن أَبْنَاءُ اللَّ ِه َوأ َِحبَّ ُاؤهُ قُ ْل فَلِ َم يُ َعذبُ ُكم بِ ُذنُوبِ ُكم بَ ْل أَنتُم‬
‫ود َوالن َ‬
‫ِ‬
‫وكذلك قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وقَالَت الْيَ ُه ُ‬
‫بَ َش ر ِم َّْن َخلَ َق﴾ [املائدة‪ ،‬اآلية‪ ]18:‬فقد وخبهم اهلل تعاىل ورد عليهم قوْلم مع أ م يقص دون ذلك َمازاً‬
‫‪-‬بزعمهم‪ ،-‬وفيه رد لقول النص ارى يف املس يح إنه ابن اهلل‪ ،‬وذلك أن اِلب ال يعذب االبن فكيف تركه‬

‫‪156‬‬
‫‪-‬على زعمهم‪ -‬يتعذب بالصلب على أيدي اليهود؟!‬
‫ئ الغزايف وأمثاله عن الوقوع‬
‫فال جيوز اِلخذ ِبا خالف ذلك وإن كان منس وباً اىل الغزايف وغْه‪ِ ،‬لننا نُبَ ار ُ‬
‫يف هذه الض اللة‪ ،‬مث ماذا يكون اْلواب ملن يقول من النص ارى‪" :‬املس يح ابن اهلل باملعَن اجملازي" لو كان‬
‫كالم أدعياء العلم أولئك ص حيحاً؟! بل ماذا يقال ملن يقول من النص ارى‪" :‬كيف تض للون من يقول‬
‫عن املس يح ابن اهلل باملعَن اجملازي وأنتم تعِّفون أنه كان مأذوناً له يف إطالق هذا اللفظ؟!" بل ماذا يقال‬
‫ملن يقول منهم "كيف يذم اهلل من قال املس يح ابن اهلل ويتوعد قائله‪ ،‬وهو قد أذن له بإطالق هذا اللفظ‬
‫على نفسه؟!"‬
‫وليت ش عري‪ ،‬إن جاز إطالق اِلب على اهلل ونس بة االبن إليه باملعَن اجملازي فلم ال جيوز إطالق اْلد‬
‫والعم واْلال عليه؟! ومل ال جيوز نسبة البنات واِلحفاد وأوالد اِلخ والصهر والكنَّة إليه؟! سبحانك اللهم‬
‫هذا ِبتان مبني ومروق من الدين‪.‬‬
‫فاتض ح لكل ذي عقل س ليم فس اد ذلك‪ ،‬فال جيوز خمالفة ما قررناه من اْلق‪ ،‬بدعوى أخرق ينتس ب إىل‬
‫العلم‪ ،‬فإن اْلق أحق أن يتبع‪ ،‬وليس اْلق يعرف بالرجال‪ ،‬وإَّنا الرجال يعرفون باْلق‪ ،‬وعلى العاقل أن‬
‫يزين حبكم الشرع هذه القضايا‪ ،‬وأن يكون يف غاية التنباه فإن اْلطأ يف أصول العقيدة أعظم من اْلطأ يف‬
‫فروع الشريعة‪ ،‬نسأل اهلل اْلداية إىل سبيل اْلق والتوفيق إىل ما فيه اْلْ والرشاد‪ ،‬وباهلل العصمة والتوفيق‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫خاتمة اللثء ال اني‬
‫إىل هنا مرادنا بعون اهلل تعاىل من اْلزء الثاِن من هذا الكتاب‪ ،‬فأثبتنا بطالن دين اليهود والنص ارى‬
‫وَتريف كتبهم‪ ،‬وذكرنا طائفة من نص وص هم الِت اش تملت على الطعن يف أنبياء اهلل ِبا ال مزيد عليه‪،‬‬
‫وبين ا أ م ينس بون لألنبي اء الكب ائر والفواحش والكفر‪ ،‬ف اعج ب لقوم يعتق دون يف أنبي ائهم ذل ك مث‬
‫يعتقدون أ م ش عب اهلل املختار ‪-‬كما يقول اليهود ‪ -‬أو يعتقدون أ م أبناء اهلل وأحباؤه ‪-‬كما تقول‬
‫الطائفتان منهم‪ ،‬وليت شعري كيف يرفعون أنفسهم فوق رتبة النبيني واملرسلني؟!‬
‫واعجب أيض اً لزعمهم أن الكتب الِت بأيديهم ه ُّ كالم اهلل ووحيه إىل أنبيائه ورس له‪ ،‬مع اش تماْلا على‬
‫ذكر تلك الفواحش الِت يس تحى من ذكرها وَاعها‪ ،‬حَت إن من يطالع تلك املواض ع يش عر وكأنه يقرأ‬
‫قص ص اً من قص ص املاجنني املولعني بالزنا واْلمر‪ ،‬ال س يما وأن فيها وص فاً دقيقاً لبعُ النس اء وذكر‬
‫‪340‬‬
‫مين بعُ الرجال وكثرته‪ِ ،‬ما يأنف العاقل أن يتفوه به‪ ،‬ولوال ض رورة بيان ض الْلم‬
‫ثديهن ‪ ،‬وذكر ا‬
‫وافِّاءاَتم على اهلل وعلى رس له ملا تطرقنا إىل ذلك‪ ،‬ومن رام التأكد من كالمنا فليطالع املواض ع الِت‬
‫نقلناها يف هذا الكتاب ِما فيه ذكر الفواحش‪ ،‬وليطالع أيض اً نش يد اإلنش اد وس فر حزقيال من العهد‬
‫القدمي جيد من الغزل واجملون والدعارة ما ال جيده يف أشعار املاجنني الفسقة‪.‬‬
‫فال عجب إذاً من ارتكاِبم الفواحش باِلجنبيات وباحملارم‪ ،‬إذا كانوا يعتقدون أن ذلك س ْة اِلنبياء‬
‫الكرام‪ ،‬بل رِبا يكون ‪-‬على زعمهم ‪ -‬مرض ياً هلل‪ ،‬فيتولد منه أوالد زنا ذوي ش أن عظيم‪ ،‬كما زعموا أن‬
‫يف نسب بعُ اِلنبياء أوالد زنا‪.‬‬
‫وإنا نربأ إىل اهلل تعاىل من هذا الض الل‪ ،‬ونس أل اهلل الس المة‪ ،‬فأي خزي أكرب من أن يعتقد أن يف فعل‬
‫الفواحش أُسوة باِلنبياء؟!‬

‫‪ 340‬وجاء أيضاً فيها وصف الفخذين والسرة والبطن وغْ ذلك‪ .‬انظر سفر حزقيال ص‪ 1211‬من العهد القدمي‪،‬‬
‫ونشيد اإلنشاد ص‪ 990-989‬من العهد القدمي‪.‬‬
‫‪158‬‬
‫فائدة مهمة‬
‫‪341‬‬
‫في ذكر آيات تدل على أن دين جميع األنبياء هو اإلسالم‬
‫﴿إن الدين عند اهلل اإلسالم﴾ [آل عمران‪ ،‬اآلية‪.]19 :‬‬
‫﴿ومن يبتغ غْ اإلسالم ديناً فلن يقبل منه وهو يف اآلخرة من اْلاسرين﴾ [آل عمران‪ ،‬اآلية‪.]85 :‬‬
‫﴿ما كان إبراهيم يهودياً وال نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً﴾ [آل عمران‪ ،‬اآلية‪.]67 :‬‬
‫مسلم ْني‬
‫﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإَاعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم‪ .‬ربنا واجعلنا َ‬
‫لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم﴾ [البقرة‪ ،‬اآلية‪-127 :‬‬
‫‪.]128‬‬
‫بين إن اهلل اصطفى لكم الدين فال َتوتن إال وأنت مسلمون‪ .‬أم كنتم‬ ‫﴿ووصى ِبا إبراهيم ِ‬
‫ويعقوب يا َّ‬
‫ُ‬ ‫بنيه‬ ‫ُ‬
‫يعقوب املوت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إْلك وإله آبائك إبراهيم‬
‫َ‬ ‫شهداء إذ حضر‬
‫وإَاعيل وإسحق إْلاً واحداً وحنن له مسلمون﴾ [البقرة‪ ،‬اآلية‪.]133-132 :‬‬
‫﴿قولوا آمنا باهلل وما أنزل إلينا وما أنزل إىل إبراهيم وإَاعيل وإسحق ويعقوب واِلسباط وما أويت موسى‬
‫وعيسى وما أويت النبيون من رِبم ال نفرق بني أحد منهم وحنن له مسلمون﴾ [البقرة‪ ،‬اآلية‪.]136 :‬‬
‫﴿إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ُيكم ِبا النبيون الذين أسلموا للذين هادوا﴾ [املائدة‪ ،‬اآلية‪.]44 :‬‬
‫﴿قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إ ان هذا ملكر مكرَتوه يف املدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون‬
‫ِلقطاعن أيديكم وأرجلكم من ِخالف مث ِلصلبنكم أَجعني‪ .‬قالوا إنا إىل ربنا منقلبون‪ .‬وما ِ‬
‫تنق ُم منا إال أن‬ ‫َ‬
‫آمنا ب يات ربنا ملا جاءتنا ربنا أفرغ علينا صرباً وتوفانا مسلِمني﴾ [اِلعراف‪ ،‬اآلية‪ 123 :‬إىل ‪.]126‬‬
‫﴿ رب قد آتيتين من امللك وعلمتين من تأويل اِلحاديث‪ .‬فاطر السموات واِلرض أنت ولي ُّ يف الدنيا‬
‫واآلخرة توفين مسلما وأْلقين بالصاْلني﴾ [يوسف‪ ،‬اآلية‪.]101 :‬‬
‫﴿وإذ أوحيت إىل اْلواريني أن آمنوا ِب وبرسويف قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون﴾ [املائدة‪ ،‬اآلية‪.]111 :‬‬
‫﴿فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إىل اهلل قال اْلوارياون حنن أنصار اهلل آمنا باهلل واشهد‬
‫بأنا مسلمون﴾ [آل عمران‪ ،‬اآلية‪.]52 :‬‬
‫كلت‬ ‫ِ‬
‫﴿واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إ ْن كان َك ُرب عليكم مقام ُّ وتذكْي ب يات اهلل فعلى اهلل تو ُ‬
‫اقضوا إيف وال تُْن ِظ ِ‬
‫رون‪ .‬فإن توليتم فما سألتكم‬ ‫ِ‬
‫فأَجعُوا أمركم وشركاءكم مث ال ي ُك ْن أمركم عليكم غُمة مث ُ ا‬
‫‪341‬‬
‫من أراد االستزادة فلينظر رسالة‪ :‬داللة القرآن املبني على أن اإلسالم دين َجيع النبيني‪ ،‬للمؤلف‪.‬‬
‫‪159‬‬
‫من أجر إن أجري إال على اهلل وأمرت أن أكون من املسلمني﴾ [يونس‪ ،‬اآلية‪.]72-71 :‬‬
‫وع ْدواً حَت إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه ال إله‬
‫﴿وجاوزنا ببين إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغياً َ‬
‫إال الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من املسلمني‪ .‬آآلن وقد عصيت قبل وكنت من املفسدين﴾ [يونس‪،‬‬
‫اآلية‪.342]91-90 :‬‬
‫عل ُّ‬
‫إيف كتاب كرمي‪ .‬إنه من سليمان وإنه بسم اهلل الرِحن الرحيم إال تعلوا ا‬
‫﴿قالت يا أيها املأل إنه ألق ُّ ا‬
‫وأْتوِن مسلمني﴾ [النمل‪ ،‬اآلية‪.]31-30-29 :‬‬
‫رب إِن ظلمت نفس ُّ وأسلمت مع سليمان هلل رب العاملني﴾ [النمل‪ ،‬اآلية‪.]44 :‬‬
‫﴿قالت ا‬
‫﴿فأخرجنا من كان فيها من املؤمنني‪ .‬فما وجدنا فيها غْ بيت من املسلمني﴾ [الذاريات‪ ،‬اآلية‪-35 :‬‬
‫‪.]36‬‬

‫‪ 342‬تنبيه‪ :‬مل يقبل إُيان فرعون ِلنه قال ذلك عند حضور املوت واليأس من اْلياة‪ ،‬حيث ال تقبل التوبة‪.‬‬
‫‪160‬‬
‫الياتمة‬
‫بعون اهلل تعاىل إثبات عص مة اِلنبياء ‪-‬عليهم الص الة والس الم ‪ -‬وبراءَتم من كل ما يزري ِبم‪ ،‬وتبني‬
‫أن كل نُ ِس ب إليهم ‪ِ -‬ما يقدح يف عص متهم ‪ -‬يف كتب اليهود والنص ارى‪ ،‬ويف بعُ التفاس ْ‪ ،‬إَّنا هو‬
‫افِّاء وِبتان مبني‪ ،‬وتبني أيض اً أن ُج ال ما اش تملت عليه تلك التفاس ْ من تلك االفِّاءات ما هو إال‬
‫إس رائيليات مأخوذة عن أهل الكتاب وخص وص اً اليهود‪ ،‬حيث إ م عادوا أنبياء اهلل فافِّوا عليهم‪ ،‬بل‬
‫أدى ِبم ذلك إىل أن قتلوا عدداً من اِلنبياء‪.‬‬
‫وكل تلك الروايات جيب ردها ِل ا خالفت املنقول واملعقول كما س بق بيان ذلك‪ .‬وإن من ينس ب إىل‬
‫اِلنبياء ما ورد يف تلك الروايات من النقائص قد احتمل إُثاً وِبتاناً مبيناً‪ ،‬كيف ال والش ريعة تنص على‬
‫أن االس تطالة يف عرض املس لم من أعظم الذنوب فكيف ِبن يس تطيل يف أعراض اِلنبياء الكرام‪ ،‬الذين‬
‫فض لهم اهلل على العاملني‪ ،‬وعلم أوْلم وهو آدم عليه الص الة والس الم اِلَاء كلها وأس جد له مالئكته‬
‫اِلبرار‪ ،‬وفض ل أخرهم عليه الص الة والس الم على َجيع اْللق فجعله س يد اِلولني واآلخرين‪ ،‬وص احب‬
‫املقام احملمود يوم القيامة‪.‬‬
‫وإن من ُيوت على اعتقاد تلك النقائص يف اِلنبياء عليهم الصالة والسالم‪ ،‬لن تناله شفاعة أحد منهم‪،‬‬
‫ِلنه مل يؤمن ِبا جاء يف الذكر اْلكيم من بيان فضلهم وشرف مرتبتهم‪.‬‬
‫وليعلم ك ل من يفِّي تل ك االفِّاءات عليهم ب أن ه ق د ع اداهم فلي أذن حبرب من اهلل‪ ،‬ذل ك أن ه ورد يف‬
‫اْلديث القدس ُّ‪﴿ :‬من عادى يف ولياً فقد آذنته باْلرب﴾ [رواه البخاري] فكيف ِبن حارب نبياً؟!‬
‫نسأل اهلل اْلداية والتوفيق‪.‬‬
‫وإلى هنا تم مقص ودنا بهذا الكتابة فلاء تبص رة وتذكرة ألولي األلبابة جامع ا من البراهين‬
‫للعلب العلابة بما أوردنا تقريره من أوجه الص وابة فس طع كالش مس ما دونها س حابة فلم‬
‫تنهض لمناهض ته بدعة ُم ّد ٍع وال ش بهة مرتابة فلله الحمد أوالا وآخرا وإليه المرجع والمآبة‬
‫وصلى الل على سيّدنا محمد المصطفى وسلم واآلل ثم الصحابة‬
‫املوافق ‪-7-2‬‬ ‫الفراغ من تبييض ه يوم اْلميس اْلامس عش ر من ش هر رمض ان املبارك ‪ 1436‬ه‬
‫‪2015‬‬
‫الل و َع ْف ِوهِ ال َف ِق ْي ر إِلى ِ‬
‫الل‬ ‫ِ ِ‬ ‫الصالِ ِح ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ين َراجي َر ْح َمة َ‬ ‫َكتَبه ُمحب َّ َ‬
‫ف ال ُمنَا ِوي‬
‫وس ُ‬ ‫أَبُو الطَّيِّ ِ‬
‫ب يُ ُ‬

‫‪161‬‬
‫المراجع والمصادر‬
‫القرآن الكرمي‬ ‫‪-1‬‬
‫األلف‬
‫اإلتقان يف علوم القرآن‪ ،‬جالل الدين السيوط ُّ (ت ‪ 911‬ه ) ط ‪ 1399‬ه ‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫بْوت‪.‬‬
‫اِلجوبة الفاخرة عن اِلسئلة الفاجرة‪ ،‬شهاب الدين أِحد القرايف (ت ) ط ‪1406‬ه ‪ ،‬دار‬ ‫‪-3‬‬
‫الكتب العلمية بْوت‪.‬‬
‫) َتقيق‬ ‫اإلرش اد إىل قواطع اِلدلة يف أص ول االعتقاد‪ ،‬عبد امللك اْلويين (ت ‪ 478‬ه‬ ‫‪-4‬‬
‫أسعد َتيم ط‪1405 ،1‬ه مؤسسة الكتب الثقافية‪ ،‬بْوت‪.‬‬
‫أصول الدين‪ ،‬عبد القاهر البغدادي (ت ‪429‬ه )‪ ،‬ط‪1400 ،2‬ه ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪-5‬‬
‫بْوت‪.‬‬
‫) ط املكتبة‬ ‫إظهار اْلق‪ ،‬رِحةُ اهلل بن خليل الرِحن العثماِن الكْانوي‪( ،‬ت ‪1308‬ه‬ ‫‪-6‬‬
‫العصرية‪ ،‬صيدا‪-‬بْوت‪.‬‬
‫) ط‪1406 ،1‬ه‬ ‫ألفية العراق ُّ يف مص طلح اْلديث‪ ،‬عبد الرحيم العراق ُّ (ت ‪806‬ه‬ ‫‪-7‬‬
‫[مطبوعة ض من َمموعة متون َتت اس م النفائس]‪ ،‬مركز اْلدمات واِلحباث الثقافية‬
‫بْوت‪.‬‬
‫الباء‬
‫) َتقيق‬ ‫الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬بدر الدين ُممد بن عبد اهلل الزركش ُّ (ت ‪794‬ه‬ ‫‪-8‬‬
‫مصطفى عطا‪ ،‬ط‪1408 ،1‬ه دار الكتب العلمية بْوت‪.‬‬

‫التاء‬
‫تربئة اِلنبياء‪ ،‬عل ُّ بن أِحد اِلموي (ت ) ط‪1411 ،1‬ه َتقيق ُممد رضوان الداية‪ ،‬دار‬ ‫‪-9‬‬
‫الفكر املعاصر بْوت‪.‬‬
‫‪ -10‬التبصْ يف الدين‪ ،‬أبو املظفر اإلسفراييين‪( ،‬ت ‪471‬ه ) ط‪1408 ،2‬ه ‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بْوت‪.‬‬
‫‪ -11‬تفسْ البغوي "معامل التنزيل"‪ ،‬اْلسني بن مسعود البغوي (ت ‪516‬ه ) َتقيق خالد العك‬

‫‪162‬‬
‫ومروان سوار ط‪1413 ،3‬ه ‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بْوت‪.‬‬
‫‪ -12‬تفسْ البيضاوي "أنوار التنزيل" ناصر الدين البيضاوي (ت ‪691‬ه ) ط‪1411‬ه مكتبة‬
‫اْلقيقة‪ ،‬استانبول‪ ،‬تركيا‪.‬‬
‫‪ -13‬تفسْ اْلاللني‪ ،‬جالل الدين احملل ُّ (ت ‪864‬ه ) وجالل الدين السيوط ُّ (ت ‪911‬ه )‬
‫ط دار اِلندلس بْوت‪.‬‬
‫‪ -14‬تفس ْ اْل ازن "لب اب الت أوي ل" عالء ال دين عل ُّ بن ُمم د (ت )‪[ ،‬فرغ من ت أليف ه ع ام‬
‫‪725‬ه )‪ ،‬ط ‪1317‬ه ‪ ،‬املطبعة امليمنية مصر‪ ،‬ودار املعرفة بْوت‪.‬‬
‫‪ -15‬تفسْ النسف ُّ "مدارك التنزيل"‪ ،‬عبد اهلل بن أِحد بن ُممود (ت ‪701‬ه ) ط ‪1317‬ه ‪،‬‬
‫[على هامش تفسْ اْلازن]‪ ،‬املطبعة امليمنية مصر‪ ،‬ودار املعرفة بْوت‪.‬‬
‫الليم‬
‫‪ -16‬جوهرة التوحيد‪ ،‬إبراهيم اللقاِن (ت ‪1041‬ه ) ط‪1354 ،2‬ه ‪[ ،‬ضمن اجملموع الكبْ‬
‫من املتون] دار الفكر بْوت‪.‬‬
‫الحاء‬
‫)‬ ‫‪ -17‬حاش ية ش يخ زاده على تفس ْ البيض اوي‪ُ ،‬ممد بن مص لح الدين (ت ‪951‬ه‬
‫ط‪1411‬ه ‪ ،‬مكتبة اْلقيقة‪ ،‬استانبول تركيا‪.‬‬
‫‪ -18‬حدائق الفصول وجواهر اِلصول‪" ،‬العقيدة الصالحية"‪ُ ،‬ممد بن هبة اهلل (ت ‪599‬ه )‬
‫[فرغ من تأليفها ‪ 570‬ه ]‪[ ،‬مطبوعة ضمن النفائس]‪ ،‬ط‪1407 ،2‬ه ‪ ،‬مركز اْلدمات‬
‫واِلحباث الثقافية‪ ،‬بْوت‪.‬‬
‫الدال‬
‫‪ -19‬الدعوة إىل اهلل‪ ،‬د‪ .‬عبد الرب انواب الدين آل انواب‪ ،‬ط‪1410 ،1‬ه ‪ ،‬دار القلم بْوت‪.‬‬
‫الراء‬
‫‪ -20‬الرد اْلميل‪[ ،‬منس وب للغزايف وهو إما مفِّى عليه أو مدس وس فيه]‪ ،‬أبو حامد ُممد‬
‫الغزايف (ت ‪505‬ه ) ط‪1412‬ه ‪ ،‬مكتبة اْلقيقة‪ ،‬استانبول‪ ،‬تركيا‪.‬‬
‫الثاي‬
‫‪ -21‬زاد املسْ يف علم التفسْ‪ ،‬عبد الرِحن بن اْلوزي‪( ،‬ت ‪596‬ه أو ‪597‬ه ) ط‪ ،1‬املكتب‬

‫‪163‬‬
‫اإلسالم ُّ‪ ،‬بْوت‪.‬‬
‫السين‬
‫‪ -22‬سراج السالك‪ ،‬عثمان بن حسنني املالك ُّ (ت ) ط‪1408‬ه املكتبة الثقافية‪ ،‬بْوت‪.‬‬
‫مطبعة‬ ‫‪ -23‬الس يف الص قيل‪ ،‬بكر بن عمر التميم ُّ الداري النابلس ُّ‪( ،‬ت ) ط‪1313‬ه‬
‫احملروسة‪ ،‬مصر‪ ،‬ومكتبة اْلقيقة استانبول تركيا عام ‪1412‬ه ‪.‬‬
‫الشني‬
‫‪ -24‬شرح الزرقاِن على البيقونية‪ُ ،‬ممد الزرقاِن (ت ‪1122‬ه ) ط‪1405 ،1‬ه ‪ ،‬مؤسسة‬
‫الكتب الثقافية بْوت‪.‬‬
‫) َتقيق ُممد اْلافظ وُممد‬ ‫‪ -25‬ش رح العقيدة الطحاوية‪ ،‬عبد الغين الغنيم ُّ‪( ،‬ت‪1298‬ه‬
‫املاحل‪ ،‬ط‪1412 ،2‬ه دار الفكر‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -26‬شرح الفقه اِلكرب‪ ،‬م اال عل ُّ القاري (ت ) ط ‪1399‬ه دار الكتب العلمية‪ ،‬بْوت‪.‬‬
‫‪ -27‬الشفا بتعريف حقوق املصطفى‪ ،‬عياض اليَ ْحصِب (ت ‪544‬ه ) ط‪1405‬ه دار الفكر‪،‬‬
‫بْوت‪.‬‬
‫الصاد‬
‫‪ -28‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬مسلم بن اْلجاج (ت ‪261‬ه )‪ُ ،‬يىي النووي (ت ‪676‬ه )‬
‫ط‪1411 ،1‬ه دار الكتب العلمية بْوت‪.‬‬
‫‪ -29‬الصراط املستقيم يف الدين احملمدي القومي‪ ،‬ابراهيم فصيح ابن السيد صبغة اهلل اْليدري (ت‬
‫‪1299‬ه ) ط‪1412 ،1‬ه ‪ ،‬مكتبة اْلقيقة استانبول تركيا‪.‬‬
‫العين‬
‫‪ -30‬عصمة اِلنبياء‪ ،‬فخر الدين ُممد بن عمر الرازي (ت ‪606‬ه ) ط‪1409 ،2‬ه ‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية بْوت‪.‬‬
‫‪ -31‬العهد اْلديد‪ ،‬ط ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ -32‬العهد القدمي‪ ،‬ط ‪1987‬م‪.‬‬
‫الفاء‬
‫‪ -33‬فتح الباق ُّ على ألفية العراق ُّ‪ ،‬زكريا اِلنصاري (ت‪925‬ه ) ط دار الكتب العلمية بْوت‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫‪ -34‬فتح املغيث شرح ألفية اْلديث‪ ،‬عبد الرحيم العراق ُّ (ت ‪806‬ه ) َتقيق صالح عويضة‬
‫ط‪1413 ،1‬ه ‪ ،‬دار الكتب العلمية بْوت‪.‬‬
‫‪ -35‬فتح الباري ش رح ص حيح البخاري‪ُ ،‬ممد بن إَاعيل البخاري (ت ‪256‬ه )‪ ،‬أِحد بن‬
‫حجر العسقالِن (ت ‪852‬ه )‪ ،‬ط دار الكتب العلمية بْوت‪.‬‬
‫‪ -36‬الفص ل يف امللل واِلهواء والنِ َحل‪ ،‬ابو ُممد عل ُّ بن أِحد بن س عيد بن حزم‪( ،‬ت‪456‬‬
‫ه )‪ ،‬ط مكتبة السالم العاملية‪.‬‬
‫القاف‬
‫‪ -37‬قصص اِلنبياء‪ ،‬إَاعيل بن كثْ‪ ،‬أبو الفداء (ت ‪774‬ه ) ط‪1411 ،8‬ه ‪ ،‬دار القلم‪،‬‬
‫بْوت‪.‬‬
‫‪ -38‬قصص اِلنبياء‪ ،‬عبد الوهاب النجار ط‪ ،3‬دار إحياء الِّاث العرِب‪ ،‬بْوت‪.‬‬
‫‪ -39‬قصص اِلنبياء‪ :‬قصة آدم‪ ،‬عبد اهلل الغماري‪( ،‬ت‪1993‬م) ط‪1405 ،2‬ه عامل الكتب‬
‫بْوت‪.‬‬
‫‪ -40‬قص ة داود عليه الس الم‪" ،‬القول احملمود بش رح قص ة داود‪ ،‬عبد اهلل الغماري (ت‪1993‬م)‬
‫ط‪1406 ،2‬ه ‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬بْوت‪.‬‬
‫‪ -41‬القول الثبت يف الرد على دعاوى الربوتستانت‪ ،‬عبد القادر بن ُممد سليم الكيالِن‪( ،‬ت )‬
‫ط‪1412 ،1‬ه مكتبة اْلقيقة‪ ،‬استانبول‪ ،‬تركيا‪.‬‬
‫مكتبة‬ ‫‪ -42‬القول الفص ل ش رح الفقه اِلكرب‪ُ ،‬ممد ِباء الدين (ت ‪956‬هت) ط‪1410‬ه‬
‫اْلقيقة‪ ،‬استانبول‪ ،‬تركيا‪.‬‬
‫الميم‬
‫‪ -43‬مَت الباجوري‪ ،‬إبراهيم الباجوري (ت ) ط‪1354 ،2‬ه ‪[ ،‬ضمن اجملموع الكبْ من املتون]‬
‫دار الفكر‪ ،‬بْوت‪.‬‬
‫‪ -44‬مَت السنوسية‪ُ ،‬ممد بن يوسف (ت ) ط‪1354 ،2‬ه [ضمن اجملموع الكبْ من املتون]‬
‫دار الفكر‪ ،‬بْوت‪.‬‬
‫‪ -45‬املرشد املعني‪ ،‬عبد الواحد بن عاشر (ت ‪1040‬ه ) ط‪1414 ،1‬ه دار الفكر بْوت‪.‬‬
‫‪ -46‬املصباح املنْ‪ ،‬اِحد بن ُممد الفيوم ُّ (ت ‪770‬ه ) ط املكتبة العلمية بْوت‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫‪ -47‬املعجم املفهرس ِللفاظ القرآن الكرمي‪ ،‬اعداد ُممد فؤاد عبد الباق ُّ‪.‬‬
‫‪ -48‬مقدمة ابن الصالح‪ ،‬عثمان بن عبد الرِحن‪ ،‬أبو عمرو‪( ،‬ت ‪642‬ه ) ط ‪1398‬ه ‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بْوت‪.‬‬
‫‪ -49‬مكائد يهودية‪ ،‬عبد الرِحن حسن حبنكة امليداِن‪ ،‬ط‪1405 ،5‬ه دار القلم دمشق‪.‬‬
‫النون‬
‫مكتبة‬ ‫‪ -50‬خبة الآليف لش رح بدء اِلمايف‪ُ ،‬ممد بن س ليمان (ت ‪1228‬ه ) ط‪1413‬ه‬
‫اْلقيقة استانبول تركيا‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫فهرس الكتاب‬
‫مقدمة‬
‫اللثء األول‪ :‬إثبات عصمة األنبياء بالنصوص‬
‫الشرعية وبراءتهم من التهم التي نسبت إليهم في كتب التفسير‬

‫القسم األول‪ :‬المقدمات‬


‫الباب اِلول‪ :‬النبوة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الباب الثاِن‪ :‬عصمة اِلنبياء‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬التفسْ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬قصص القرآن‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫الباب اْلامس‪ :‬اإلسرائيليات‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫القسم ال اني‪ :‬إبطال التهم الملصقة‬


‫باألنبياء‪ ،‬المروية في بعض التفاسير‬
‫دفع الشبه املتعلقة بقصة آدم عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫دفع الشبه املتعلقة بقصة ابراهيم عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫دفع الشبه املتعلقة بقصة لوط عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫دفع الشبه املتعلقة بقصة يوسف عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫دفع الشبه املتعلقة بقصة أيوب عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫دفع الشبه املتعلقة بقصة يونس عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫دفع الشبه املتعلقة بقصة داود عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫دفع الشبه املتعلقة بقصة سليمان عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫دفع الشبه املتعلقة بنبينا ُممد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬ ‫‪-9‬‬

‫خاتمة اللثء األول‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫اللثء ال اني‪:‬‬
‫تنثيه األنبياء عما نسب إليهم في كتب‬
‫اليهود والنصارى مما ال يليق بهم‬

‫القسم األول‪ :‬المقدمات‬


‫إثبات َّتريف التوراة واإلثيل‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫ذكر كتب العهدين القدمي واْلديد‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫بيان أن أهل الكتاب ال يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتبهم‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ذكر افِّاق اليهود‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫اعتقاد اليهود أ م شعب اهلل املختار‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫ظاهرة التقليد والتعصب عند اليهود‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫عقيدة اليهود يف اهلل‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫ذكر افِّاق النصارى‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫التثليث عند النصارى‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬ظاهرة التقليد اِلعمى عند النصارى‪.‬‬
‫‪ -11‬عقيدة اليهود والنصارى يف اِلنبياء‪.‬‬

‫القسم ال اني‪ :‬تفنيد افتراءات‬


‫اليهود والنصارى على األنبياء‬
‫افِّاء اليهود والنصارى على آدم عليه السالم‪،‬‬ ‫‪-1‬‬
‫وإبطال قول النصارى بالفداء‪.‬‬
‫افِّاؤهم على نوح عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫افِّاؤهم على إبراهيم عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫‪168‬‬
‫افِّاؤهم على إسحق عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫افِّاؤهم على لوط عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫افِّاؤهم على يعقوب عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫افِّاؤهم على هارون عليه السالم‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫افِّاؤهم على موسى وهارون عليهما السالم‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫افِّاؤهم يف شأن مششون‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬افِّاؤهم على داود عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -11‬افِّاؤهم على سليمان عليه السالم‪.‬‬
‫شاول‪.‬‬
‫‪ -12‬افِّاؤهم يف شأن ُ‬

‫تتمة‬
‫بيان أن الل منثه عن الولد‪.‬‬
‫بيان منع قول "المسيح ابن الل" ولو بقصد الملاز‪.‬‬

‫خاتمة اللثء ال اني‬


‫فائدة مهمة‬
‫الياتمة‬
‫المراجع والمصادر‬
‫فهرس الكتاب‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫الم َؤلِّ ُ‬
‫ف في ُسطُوٍر‬ ‫ُ‬
‫َصل اللُّبناِنُّ املولِ ِد‪.‬‬
‫يين اِل ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫المنا ِوي‪ ،‬الفلَ ْسط ُّ‬
‫بن عدنا َن ُ‬
‫ف ُ‬‫يوس ُ‬
‫ب ُ‬ ‫أبو الطيِّ ِ‬
‫شهاداتُه ومؤهالتُه العلمية‬
‫حصل على شهادة جامعية يف الدراسات اإلسالمية من كلية اإلمام اِلوزاع ُّ يف بْوت عام ‪1991‬‬
‫حصل على ماجستْ يف الرياضيات من جامعة مدينة أورهوس يف الداَّنارك‪ ،‬عام ‪2004‬‬
‫حصل على شهادة يف الفيزياء من جامعة أورهوس عام ‪2006‬‬
‫حصل على شهادة تعليمية يف الرياضيات والفيزياء عام ‪ 2007‬وه ُّ مرحلة تستغرق عامني‪.‬‬
‫عمل مديرا ملدرسة إسالمية خاصة يف الفِّة ‪ 2000-1998‬يف الداَّنارك وكان من املؤسسني لتلك املدرسة‬
‫عمل يف تدريس الرياضيات والفيزياء يف الثانويات عشر سنني‪.‬‬
‫حصل على إجازات يف علوم اْلديث والفقه وعلوم العربية وغْ ذلك من كبار علماء العصر‬
‫لم‪:‬‬ ‫ِ‬
‫طلبُهُ الع َ‬
‫بن الصد ِيق‬ ‫ِ‬ ‫الوه ِ‬
‫اب البُوتا ِر ُّ‬ ‫تلقى العلم على كثْين منهم الشيخ ُممد بن ِ‬ ‫َّ‬
‫حسن ُ‬
‫الشيخ ُ‬‫علم املواريث‪ ،‬و ُ‬ ‫ي‪ ،‬أخ َذ عنهُ َ‬ ‫عبد َّ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ني‬ ‫الفقهية الب ِن جزي‪ ،‬وشيئًا من ِ‬
‫كتاب التَّلق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العبادات من القوان ِ‬
‫ني‬ ‫وقسم‬ ‫ِ‬ ‫عليه ِمفتاح الو ِ ِ‬
‫املالك ُّ قرأَ ِ‬
‫َُ‬ ‫صول يف علم اِلُصول َ‬ ‫َ ُُ‬ ‫ُّ‬
‫رمي‪ ،‬وتلقَّى عنهُ الكافيةَ يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اْلنف ُّ أخ َذ عنهُ يف قراءة القرآن الك ِ‬ ‫ي‬‫دد ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُممد صفوةُ اهلل ال ُم َج ا‬
‫الشيخ َّ‬
‫يف الفقه املالك ُّ‪ ،‬و ُ‬
‫ات عديد ًة يف بيتِ ِه يف‬‫اللبنانية‪ ،‬الت َقى به مر ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العالية يف الديا ِر‬ ‫ِ‬
‫اِلسانيد‬ ‫صاحب‬
‫ُ‬ ‫افع ُّ‬ ‫النَّح ِو‪ ،‬و ُ‬
‫الشيخ ُحسني ُع َسْان الش ُّ‬
‫رف ِ‬
‫وعلوم‬ ‫الص ِ‬
‫هاب الدي ِن أبو َع ْمرٍو‪ ،‬أخ َذ عنهُ يف النح ِو و َّ‬ ‫كذلك التقى ِبه يف تركيا وأخ َذ عنه‪ ،‬والشيخ َّ ِ‬
‫العالمةُ ش ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بْوت و َ‬ ‫َ‬
‫ذلك‪ ،‬والشيخ أسامة سعيد منس ُّ‪ ،‬قرأ عليه عدة متون يف الفقه املالك ُّ ووسائل الوصول للنبهاِن وغْ ذلك‪،‬‬ ‫اللغَ ِة وغ ِْ َ‬
‫والشيخ خالد مرغوب‪ ،‬قرأ عليه موطأ اإلمام مالك وخمتصر البخاري للزبيدي والشمائل للِّمذي وغْ ذلك‪.‬‬

‫إجازاته بالمرويات‪:‬‬
‫من أشهر من أجازه برواية كتب العلوم الشرعية من حديث وفقه وتفسْ وعلوم اللغة‪:‬‬
‫‪ .1‬الشيخ عبد العزيز بن الصديق أجازه أكثر من مرة جبميع مروياته‬
‫‪ .2‬الشيخ احملدث الفقه الشريف ُممد الشاذيف النيفر عالمة تونس أجازه جبميع مروياته‬
‫‪ .3‬الشيخ العالمة اِلصويف كمال الدين اْلعيط مفِت تونس أجازه جبميع مروياته‬
‫‪ .4‬الشيخ العالمة حسن بن الصديق املغرِب أجازه جبميع مروياته‪ ،‬وأخذ عنه يف الفقه املقارن وأصول الفقه املالك ُّ‬
‫‪ .5‬الشيخ العالمة املقرئ حسني عسْان اللبناِن‪ ،‬أجازه مشافهة وكذلك أجازه إجازة خطية أكثر من مرة ِبا يف‬
‫ثبته ِمنَّة الرِحن‬
‫‪ .6‬الشيخ العالمة اْلنف ُّ ُممد سعيد كحيل اْلمص ُّ‪ ،‬أجازه بكل ما أجيز به أكثر من مرة يف بيته يف ِحص‬
‫‪ .7‬الشيخ احملدث ُممد إبراهيم عبد الباعث الكتاِن‪ ،‬قرأ عليه مقدمات الكتب الستة‪ ،‬وَع منه حديث الرِحة‬
‫املسلسل باِلوليه‪ ،‬وأجازه إجازة عامة جبميع مروياته شفهيا مث خطيا‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫‪ .8‬الشيخ العالمة الصاحل الشيخ أبو عل ُّ يعقوب البلوش ُّ القادري اجملاور ِبكة املشرفة‪ ،‬أجازه بكل ما عنده من‬
‫مرويات وغْ ذلك‪.‬‬
‫‪ .9‬الشيخ حسني غازي آغا اْلمص ُّ إجازة خطية‬
‫‪ .10‬الشيخ عبد الفتاح بن قديش اليافع ُّ أجازه إجازة عامة جبميع مروياته‪.‬‬
‫‪ .11‬الشيخ يوسف خطار ُممد أجازه إجازة عامة جبميع مروياته‪ ،‬وَع منه حديث الرِحة املسلسل باِلولية‬
‫واْلديث املسلسل بالتحديث يف العيد‪ ،‬يوم عيد الفطر ‪ 1435‬ه ‪.‬‬
‫‪ .12‬الشيخ ُممد صفوة اهلل اجملددي‪ ،‬أجازه ِبرويات الشيخ ُممد بن علوي املالك ُّ‪.‬‬
‫‪ .13‬الشيخ فواز الطباع اْلسيين الرفاع ُّ‪ ،‬أجازه حبديث الرِحة املسلسل باِلولية وباِلربعني حديثا املسلسلة‬
‫باِلشراف‪ ،‬وجبميع مروياته إجازة عامة وَع منه حديث الرِحة املسلسل باِلولية يوم عيد الفطر عام ‪1435‬ه ‪.‬‬
‫‪ .14‬الشيخ العالمة املعمر معوض عوض‪ ،‬قرأ عليه وَع منه حديث الرِحة املسلسل باِلولية عن الشيخ عل ُّ‬
‫الزنكلوِن بتاريخ ‪ ،2014-7-17‬وأجازه إجازة عامة شفهية مث خطية جبميع مروياته‪.‬‬
‫‪ .15‬الشيخ يوسف متاال يف ليلة ‪َ 2014-8-7‬ع منه حديث الرِحة املسلسل باِلولية بلفظ الراِحون يرِحهم‬
‫الرِحن‪ ،‬ارِحوا من يف اِلرض يرِحكم من يف السماء‪ ،‬ويف رواية ارِحوا تُ ْر َِحُوا‪َ ،‬عه من الشيخ ُممد زكريا‬
‫املهاجري‪ ،‬وأجاز الشيخ يوسف متاال جبميع مروياته‪ ،‬وقد أجاز الشيخ يوسف متاال يوسف املناوي ِبا َعه‬
‫من الشيخ ُممد زكريا ومن سائر احملدثني‪.‬‬
‫‪ .16‬الشيخ خالد بن مرغوب‪َ ،‬ع منه حديث الرِحة املسلسل باِلولية‪ ،‬واْلديث املسلسل باحملبَّة‪ ،‬وقرأ عليه‬
‫بعني النووية‪ ،‬وأوائل الكتب اْلديثية يف االوائل السنبلية‪ ،‬والبيقونية‪ ،‬والشمائل احملمدية‪ ،‬ومسلسالت‬
‫اِلر َ‬
‫الدهلوي‪ ،‬وموطأ اإلمام مالك برواية ُيىي بن ُيىي‪ ،‬خمتصر البخاري للزبيدي‪ ،‬وأجازه إجازة عامة شفهية وخطية‬
‫عامة جبميع مروياته‬
‫‪ .17‬الشيخ عبد اْلميد شانوحة‪َ ،‬ع منه حديث الرِحة املسلسل باِلولية وأجازه به‪ ،‬وقرأ عليه اِلربعني النووية‬
‫وأجازه ِبا‪ ،‬وقرأ عليه اِلربعني العجلونية‪ ،‬وأجازه ِبا وأجازه بكتب اْلديث السبعة‪ ،‬مث أجازه جبميع مروياته‬
‫إجازة عامة‪.‬‬
‫‪ .18‬مفِت السند العالمة الشيخ عبد الرحيم سكندري السندي أجازه إجازة عامة جبميع مروياته‪.‬‬
‫‪ .19‬الشيخ أبو الربكات حق النِب السندي اْلنف ُّ‪َ ،‬ع منه حديث الرِحة املسلسل باِلولية وأجازه إجازة عامة‬
‫جبميع مروياته‬
‫‪ .20‬الشيخ ثاح صيام‪ ،‬وَع منه اْلديث املسلسل باِلولية‪ ،‬وأجازه إجازة عامة ِبروياته ومسموعاته‪.‬‬
‫‪ .21‬الشيخ عبد القادر ُممد اْلسني إجاز جبميع مروياته‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫‪ .22‬الشيخ ُممد تق ُّ العثماِن‪َ ،‬ع منه ال مسلسل باِلولية بأولية نسبية يف أول َملس التقى به فيه‪ ،‬وال مسلسل‬
‫بال مصافحة‪ ،‬وَع أول خمتصر شعب اإلُيان للبيهق ُّ وآخره‪ ،‬قراءة عليه‪ ،‬وأجازه إجازة عامة ِبروياته عن مشا ه‬
‫يف اْلند وباكستان والبالد العربية‪.‬‬
‫‪ .23‬الشيخ سلمان عبد الفتاح أبو غدة‪َ ،‬ع منه املسلسل باِلولية‪ ،‬وأجازه ِبروياته عن َجيع مشا ه‪.‬‬
‫‪ .24‬الشيخ سعيد الرِحن اْلندي أجازه إجازة عامة‬
‫‪ .25‬الشيخ ُممد عبد الرب اِلزهري‪ ،‬أجازه ببعُ الكتب يف العقيدة خصوصا وجبميع مروياته عموما‬
‫‪ .26‬الشيخ نظر الفرياِب اِلفغاِن أجازه إجازة عامة‬
‫‪ .27‬الشيخ عصام أنس الزفتاوي أجازه إجازة عامة‪ ،‬وَع منه املسلسل باِلولية‪ ،‬وقسما من سنن أِب داود‪ ،‬وقرأ‬
‫عليه معظم كتاب اإلملاع للقاض ُّ عياض‬
‫‪ .28‬الشيخ ُيىي الغوثاِن‪َ ،‬ع منه اْلديث املسلسل باِلولية‪ ،‬وأجازه إجازة عامة ِبروياته‪ ،‬يف ‪ 2014-8-18‬مث‬
‫إجازة خطية‬
‫‪ .29‬الشيخ حبيب اهلل قربان املظاهري اْلندي‪َ ،‬ع منه املسلسل باِلولية من طريق املهاجرين املدفونني يف البقيع‪،‬‬
‫وأجازه إجازة عامة بشرطه‪ ،‬يف ‪2014-9-30‬‬
‫‪ .30‬الشيخ ُممد أِحد عاموه اْلنف ُّ اليمين‪ ،‬أجازه إجازة عامة باملنقول واملعقول وكل ما ِتوز له روايته‪.‬‬
‫‪ .31‬الشيخ عبد الكرمي ِحزة‪ ،‬إجازة عامة باملنقول واملعقول وبكتب السنة‪ ،‬وِبا قرأه على مشا ه من كتب الفقه‬
‫وبسائر ما ِتوز له روايته من كتب العلم‬
‫‪ .32‬الشيخ أبو النصر عطار إجازة عامة شاملة لكل ما ِتوز له روايته وكل ما أجازه به مشا ه‪.‬‬
‫‪ .33‬الشيخ عبد الوكيل اْلوخدار أجازه ِبا يف كتابه الزاد الوافر إجازة خطية‬
‫‪ .34‬الشيخ عبد املعني إكرام املدِن إجازة عامة شفهية مث خطية‬
‫‪ .35‬العالمة الشيخ عل ُّ َجعة مفِت الديار املصرية سابقا‪ ،‬أجازه إجازة عامة‪ ،‬شفهيا وخطيا يف بيته يوم اْلمعة‬
‫‪ ،2015-1-9‬بعد أن أَعه املسلسل باِلولية‪ ،‬وقرأ عليه مَت اْلوهرة كامال‪.‬‬
‫‪ .36‬الشيخ فتح ُّ حجازي‪ ،‬قرأ عليه شيئا من تلخيص املفتاح يف البالغة وألفية ابن مالك‪ ،‬وأجازه إجازة عامة‪.‬‬
‫‪ .37‬الشيخ عل ُّ صاحل (تلميذ الشيخ ُمي ُّ الدين عبد اْلميد) قرأ عليه مَت قطر الندى مع شرٍح خمتص ٍر‪ ،‬وحضر‬
‫عليه َملسا يف التفسْ وعدة َمالس يف شرح قطر الندى ويف شرح شذور الذهب‪ ،‬وأجازه إجازة عامة بكل‬
‫مروياته شفهيا وخطيا‪.‬‬
‫‪ .38‬الشيخ صالح الدين التيجاِن أجازه إجازة عامة جبميع مروياته‬
‫‪ .39‬الشيخ أِحد اْلجني َع منه املسلسل باِلولية وحضر عليه يف رياض الصاْلني للنووي‪ ،‬وأجازه إجازة عامة‬
‫جبميع مروياته‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫‪ .40‬الشيخ ُممد عبد الرحيم جاد بدر الدين‪ ،‬حدثه باملسلسل باِلولية واملسلسل باحملبة‪ ،‬واملسلسل باملشابكة‬
‫واملسلسل باملصافحة واملسلسل باإلضافة على اِلسودين التمر واملاء واملسلسل باإلضافة على اْلبز واملاء‪،‬‬
‫وأجازه إجازة عامة جبميع مروياته شفهيا وخطيا‪ ،‬وَع منه بعُ القصائد الِت نظمها يف مدح الرسول عليه‬
‫الصالة والسالم‪ ،‬وقرأ عليه قسما من اْلكم العطائية‪.‬‬
‫‪ .41‬الشيخ يسري جرب حضر له َملس ختم صحيح مسلم مع الشرح‪ ،‬وَمالس متعددة يف سنن الِّمذي مع الشرح‬
‫وأجازه إجازة عامة‪.‬‬
‫‪ .42‬الشيخ أسامة التيدي‪َ ،‬ع منه املسلسل باِلولية واملسلسل باحملبة واملسلسل باملصريني وأجازه إجازة عامة جبميع‬
‫مروياته‬
‫‪ .43‬اْلبيب عل ُّ عيديد أجازه إجازة عامة جبميع مروياته‬
‫‪ .44‬الشيخ أبو اْلدى اليعقوِب أجازه إجازة عامة بعد أن َع منه حديث الرِحة املسلسل باِلولية‪.‬‬
‫‪ .45‬الشيخ عبد املالك سلطان من مكة أجازه بكل مروياته‬
‫‪ .46‬الشيخ حسن حسني باسندوه يروي عن والده وعن الشيخ عمر ِحدان احملرس ُّ وعن السيد ُممد نور سيف‬
‫وعن السيد علوي مالك ُّ وعن حسن املشاط وعن ُممد العرِب التباِن وعن اْلبيب عبد القادر السقاف وعن‬
‫اْلبيب أِحد املشهور اْلداد واْلبيب عمر بن َيط وعن الشيخ راجح العبديف وغْهم الكثْ وهو من املعمرين‬
‫أجازه جبميع مروياته وعن َجيع مشا ه إجازة عامة تامة‬
‫‪ .47‬الشيخ إلياس اْلزائري اْلسين َع منه حديث الرِحة املسلسل باِلولية‪ ،‬وأجازه جبميع مروياته إجازة عامة‬
‫‪ .48‬الش يخ أس امة س عيد عمر منس ُّ قرأ عليه وس ائل الوص ول وقطعة من س نن ابن ماجه‪ ،‬ومنظومة ابن عاش ر‪،‬‬
‫وخمتص ر اِلخض ري‪ ،‬ومَت الرس الة يف فقه مالك‪ ،‬والعزية‪ ،‬والعش ماوية‪ ،‬وقس ما من الش رح الص غْ للدردير‪،‬‬
‫واِلوائل الس نبلية‪ ،‬وأجازه باِلوائل الس نبلية وباملوطأ وبكل ما تص ح له روايته من منقول ومعقول عن َجيع‬
‫شيوخه‬

‫‪173‬‬

You might also like