You are on page 1of 23

‫الفصــد في كتاب القانون في الطب‬

‫للشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد اهلل بن الحسن بن علي بن سينا‬

‫‪ ‬عالم مسلم اشتهر بالطب والفلسفة واشتغل بهما‪.‬‬


‫‪370‬هـ ‪427 -‬هـ‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫الفصد هو اســـتفراغ كلي يســـتفرغ الكـ ــثرة والكـ ــثرة هي‬


‫تزايد األخالط على تسـ ــاويها في العـ ــروق وإنما ينبغي أن‬
‫يفصد أحد نفســـين‪ :‬المتهيء ألمـــراض إذا كـــثر دمه وقع‬
‫فيها واآلخر الواقع فيها وكل واحد منهما إما أن يفصد‬
‫لك ـ ــثرة ال ـ ــدم وإما أن يفصد ل ـ ــرداءة ال ـ ــدم وإما أن يفصد‬
‫لكليهما‪.‬‬

‫والمته ــيئ له ــذه األم ــراض هو مثل المس ــتعد لع ــرق النسا‬
‫والنقـ ـ ــرس الـ ـ ــدموي وأوجـ ـ ــاع المفاصل الدموية والـ ـ ــذي‬
‫يعتريه نفث ال ــدم من ص ــدع ع ــرق في رثته رقيق الملتحم وكلما أك ــثر‬
‫دمه انص ـ ــدع والمس ـ ــتعدون للص ـ ــرع والس ـ ــكتة والمالنخوليا مع ف ـ ــور‬
‫للخوانيق وألورام األحشـــاء والرمد الحـــار والمنقطع عنهم دم بواس ــير‬
‫كـ ـ ــانت تسـ ـ ــيل في العـ ـ ــادة والمحتبس عنهن من النسـ ـ ــاء دم حيضـ ـ ــهن‬
‫وهـ ـ ـ ــذان ال تـ ـ ـ ــدل ألوانهما على وجـ ـ ـ ــوب الفصد لكمودتها وبياضـ ـ ـ ــها‬
‫وخضــرتها والــذين بهم ضــعف في األعضــاء الباطنة مع مــزاج حــار فــإن‬
‫هــؤالء األصــوب لهم أن يفتصــدوا في الربيع وإن لم يكونــوا قد وقعــوا‬
‫في هذه األمراض‪.‬‬

‫والذين تصيبهم ضربة أو سقطة فقد يفصدون احتياطاً لثآل يحدث بهم‬
‫ورم ومن يك ــون به ورم ويخ ــاف انفج ــاره قبل النضج فإنه يفتصد وإن‬
‫لم يحتج إليه ولم تكن كثرة‪.‬‬
‫ويجب أن تعلم أن هــذه األمــراض ما دامت مخوفة ولم يوقع فيها فــإن‬
‫إباحة الفصد فيها أوسع فإن وقع فيها فليــترك في أوائلها الفصد أصـالً‬
‫فإنه يرقّق الفضــول ويجريها في البــدن ويخلطها بالــدم الصــحيح وربما‬
‫لم يستفرغ من المحتــاج إليه شــيئاً وأحــوج إلى معــاودات مجحفة فــإذا‬
‫ظهر النضج وجاوز المرض االبتداء واالنتهاء فحينئذ إن وجب الفصد‬
‫ولم يمنع مانع فصد‪.‬‬

‫وال يفصــدن وال يســتفرغن في يــوم حركة المــرض فإنه يــوم راحة ويــوم‬
‫النــوم والثــوران للعلة وإذا كــان المــرض ذا بحرانــات في م ّدته طــول ما‬
‫فليس يجـوز أن يســتفرغ دمـاً كثـيراً أصـالً بل إن أمكن أن يسـكن فعل‬
‫وإن لم يمكن فصد وأخ ـ ـ ــرج دمـ ـ ـ ـاً قليالً وخلف في الب ـ ـ ــدن ع ـ ـ ــدة دم‬
‫لفصدات إن سنحت ولحفظ القوة في مقاومة البحرانـات وإذا اشـتكى‬
‫في الشتاء بعيد العهد بالفصد تكسيراً فليفصد وليخلف دماً للعدة‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫والفصد يجذبه إلى الخالف تحبس الطبيعة كثـــيراً وإذا ضـــعفت الق ــوة‬
‫من الفصد الكث ـ ـ ــير تول ـ ـ ــدت أخالط كث ـ ـ ــيرة والغشي يع ـ ـ ــرض في أول‬
‫الفصد لمفاجـ ــأة غـ ــير المعتـ ــاد وتقـ ــدم القيء مما يمنعه وكـ ــذلك القيء‬
‫وقت وقوعه‪.‬‬

‫واعلم أن الفصد مثـ ـ ـ ـ ـ ــير إلى أن يسـ ـ ـ ـ ـ ــكن ‪ ،‬والفصد والقـ ـ ـ ـ ـ ــولنج قلما‬
‫يجتمع ـ ـ ــان والحبلى والط ـ ـ ــامث ال تفص ـ ـ ــدان إال لض ـ ـ ــرورة عظيمة مثل‬
‫الحاجة إلى حبس نفث الـ ــدم القـ ــوي إن كـ ــانت القـ ــوة متواتية واألولى‬
‫واألوجب أن ال تفصد بتة إذ يموت الجنين‪.‬‬

‫ويجب أن تعلم أنه ليس كلما ظه ـ ـ ــرت عالم ـ ـ ــات االمتالء الم ـ ـ ــذكورة‬
‫وجب الفصد بل ربما كـ ـ ـ ـ ـ ــان االمتالء من أخالط نيئة وكـ ـ ـ ـ ـ ــان الفصد‬
‫ض ـ ــاراً ج ـ ــداً فإنك إن فص ـ ــدت لم ينضج وخيف أن يهلك العليل وأما‬
‫من يغلب عليه الســوداء فال بــأس بــأن يفصد إذا لم يســتفرغ باإلســهال‬
‫بعد مراعاة حال اللون على الشرط الذي سنذكره واعتبار التمــدد فــإن‬
‫فشو التم ّدد في البدن يفيد الحدس وحده بوجوب الفصد‪.‬‬
‫وأما من يكــون ِ‬
‫دمه المحمــود قليالً وفي بدنه أخالط رديئة كثــيرة فــإن‬
‫الفصد يسلبه الطيب ويختلف فيه الــرديء ومن كــان دمه رديئـاً وقليالً‬
‫أو كـ ـ ــان مـ ـ ــائالً إلى عضو يعظم ضـ ـ ــرر ميله إليه ولم يكن بد من فصد‬
‫فيجب أن يؤخذ دمه قليالً ثم يغـ ـ ــذى بغـ ـ ــذاء محمـ ـ ــود ثم يفصد كـ ـ ــرة‬
‫أخــرى ثم يفصد في أيــام ليخــرج عنه الــدم الــرديء ويخلف الجيّد فــإن‬
‫كـانت األخالط الرديئة فيه مرارية احتيل في اســتفراغها أوالً باالســهال‬
‫اللطيف أو القيء أو تسكينها واجتهد في تسكين المريض وتوديعه‪.‬‬

‫وإن كانت غليظة فقد كان القــدماء يكلفــونهم االســتحمام والمشي في‬
‫ح ـ ــوائجهم وربما س ـ ــقوهم قبل الفصد وبع ـ ــده قبل التثنية الس ـ ــكنجبين‬
‫الملطف المطبوخ بالزوفا والحاشا‪.‬‬
‫وإذا اضـ ــطر إلى فصد مع ضـ ــعف قـ ــوة لحمى أو ألخالط أخـ ــرى ردية‬
‫فليفرق الفصد كما قلنا‪.‬‬

‫والفصد الضـــيّق أحفظ للقـــوة لكنه ربما أســـال اللطيف‬


‫الصافي وحبس الكثيف الكدر‪.‬‬

‫وأما الواسع فهو أس ـ ـ ـ ــرع إلى الغشي وأعمل في التنقية‬


‫وأبطأ انـ ـ ـ ــدماالً وهو أولى لمن يفصد لالسـ ـ ـ ــتظهار وفي‬
‫السمان بل التوسيع في الشتاء أولى لئال يجمد الدم‪.‬‬
‫َ‬
‫والتض ـ ـ ــييق في الص ـ ـ ــيف أولى إن اح ـ ـ ــتيج إليه وليفصد‬
‫قوته وال يجلب إليه‬
‫المفصـود وهو مسـتلق فـإن ذلك أحـرى أن يحفظ ّ‬
‫الغشي‪.‬‬

‫الحميـ ـ ــات فيجب أن يجتنب الفصد في الحميـ ـ ــات الشـ ـ ــديدة‬


‫وأما في ّ‬
‫االلته ــاب وجميع الحمي ــات غ ــير الح ــادة في ابت ــدائها وفي أي ــام ال ــدور‬
‫ويقلل الفصد في الحميات التي يصحبها تشتج‪.‬‬

‫وإن كـ ـ ــانت الحاجة إلى الفصد واقعة ألن التشـ ـ ــنج إذا عـ ـ ــرض أسـ ـ ــهر‬
‫وأعـ ــرق عرق ـ ـاً كثـ ــيراً وأسـ ــقط القـ ــوة فيجب أن يبقى لـ ــذلك عـ ــدة دم‬
‫وك ــذلك من فصد محموم ـاً ليس ح ــده عن عفن فيجب أن يقل فص ــده‬
‫ليبقى لتحليل الحمى عــدة فــإن لم تكن شــديدة االلتهــاب وكــانت عفنة‬
‫فانظر إلى القوانين العشرةـ ثم تأمل القارورة فإن كــان المــاء غليظـاً إلى‬
‫الحمـــرة ة وكـــان أيض ــاً النبض عظيم ــاً والســـحنة منتفخة وليس‬
‫الحمى في حركتها فافصد على وقت خالء من المعـ ـ ــدة‬
‫يبـ ـ ــادر ّ‬
‫عن الطعام‪.‬‬

‫وأما إن كان الماء رقيقاً أو نارياً أو كانت السحنة منخرطة منذ ابتــداء‬
‫المرض فإياك والفصد‪.‬‬

‫للحمى فليكن الفصد واعتـبر حـال النـافض فـإذا‬


‫وإن كان هناك فترات ّ‬
‫ك ــان الن ــافض قوي ـاً فإي ــاك والفصد وتأمل ل ــون ال ــدم ال ــذي يخ ــرج ف ــإن‬
‫ك ـ ــان رقيقـ ـ ـاً إلى البي ـ ــاض ف ـ ــاحبس في ال ـ ــوقت وت ـ ــوق في الجملة لئال‬
‫يجلب على المـ ـ ــريض أحد أمـ ـ ــرين‪ :‬تهـ ـ ــييج األخالط المرارية وتهـ ـ ــييج‬
‫األخالط الباردة‪.‬‬

‫وإذا وجب أن يفصد في الحمى فال يلتفت إلى ما يقـ ـ ــال أنه ال سـ ـ ــبيل‬
‫إليه بعد الرابع فسبيل إليه إن وجب ولو بعد األربعين‪.‬‬

‫ه ـ ــذا رأي " ج ـ ــالينوس " على أن التق ـ ــديم والتعجيل أولى إذا ص ـ ــحت‬
‫ال ـ ـ ــدالئل ف ـ ـ ــإن قصر في ذلك ف ـ ـ ــأي وقت أدركته ووجب فافصد بعد‬
‫مراع ــاة األم ــور العش ــرةـ وكث ــيراً ما يك ــون الفصد في الحمي ــات وأن لم‬
‫يكن يحت ـ ــاج إليه مقويـ ـ ـاً للطبيعة على الم ـ ــادة بتقليلها ه ـ ــذا إذا ك ـ ــانت‬
‫والقوة وغير ذلك تر ّخص فيه‪.‬‬
‫السحنة والسن ّ‬
‫وأما الحمى الدموية فال بد فيها من اسـ ــتفراغ بالفصد غـ ــير مفـ ــرط في‬
‫االبتــداء ومفــرط عند النضج وكثــيراً ما أقلعت في حــال الفصد ويجب‬
‫أن يحذر الفصد في المزاج الشديد البرد والبالد الشديدة الــبرد وعند‬
‫الوجع الشـ ــديد وبعد االسـ ــتحمام المحلل وبعقب الجمـ ــاع وفي السن‬
‫القاصر عن الرابع عشر ما أمكن وفي سن الشـ ـ ـ ــيخوخة ما أمكن اللهم‬
‫إال أن تثق بالس ــحنة واكتن ــاز العضل وس ــعة الع ــروق وامتالئها وحم ــرة‬
‫األلوان فهؤالء من المشايخ واألحداث نتجرأ على فصدهم‪.‬‬

‫واألح ــداث ي ــدرجون قليالً قليالً بفصد يس ــير ويجب أن يح ــذر الفصد‬
‫في األبــدان الشــديدة القضــافة والشــديدة الســمن والمتخلخلة والــبيض‬
‫المترهلة والصفر العديمة الدم ما أمكن وتتوقاه في أبــدان طــالت عليها‬
‫األمـ ــراض إال أن يكـ ــون فسـ ــاد دمها يسـ ــتدير ذلك فافصد وتأمل الـ ــدم‬
‫فــإن كــان أســود ثخين ـاً فــاخرج وإن رأيته أبيض رقيق ـاً فسد في الحــال‬
‫فــإن في ذلك خطــراً عظيم ـاً ويجب أن تحــذر الفصد على االمتالء من‬
‫الطعــام كي ال تنجــذب مــا ّدة غــير نضــيجة إلى العــروق بــدل ما تســتفرغ‬
‫وأن تتوقّى ذلك أيضاً على امتالء المعــدة والمعي من الثقل المـدرك أو‬
‫المقارب بل تجتهد في استفراغه أما من المعدة وما يليها فبالقيء وأما‬
‫من األمعـ ـ ــاء السـ ـ ــفلى فيما يمكن ولو بالحقنة وتتـ ـ ــوقى فصد صـ ـ ــاحب‬
‫التخمة بل تمهله إلى أن تنهضم تخمته‪.‬‬
‫وصـ ـ ــاحب ذكـ ـ ــاء حس فم المعـ ـ ــدة أو ضـ ـ ــعف فمها أو الممن و يتولد‬
‫المرار فيها فإن مثله يجب أن يتوقى التهور في فصده وخصوصـاً على‬
‫الريق‪.‬‬

‫أما صـ ـ ــاحب ذكـ ـ ــاء حس فم المعـ ـ ــدة فتعرفه بتأذّيه من بلع اللـ ـ ــذاعات‬
‫وصاحب ضعف فم المعدة تعرفه من ضعف شهوته وأوجــاع فم معدته‬
‫وصــاحب قبــول فم معدته للمــرار والكثــير تولــدها فيها تعرفه من دوام‬
‫غثيانه ومن قيئه الم ــرار كل وقت ومن م ــرارة فمه فه ــؤالء إذا فص ــدوا‬
‫من غـ ـ ــير سـ ـ ــبق تعهد لفم معـ ـ ــدتهم عـ ـ ــرض من ذلك خطر عظيم وربما‬
‫هلك منهم بعض ـ ــهم فيجب أن يلقم ص ـ ــاحب ذك ـ ــاء الحس وص ـ ــاحب‬
‫ب حــامض طيب الرائحة وإن‬
‫الضعف لقماً من خــبز نقي مغموسة في ُر ّ‬
‫كان الضعف من مزاج بارد فمغموسة في مثل مــاء الســكر باإلفاويه أو‬
‫شراب النعناع الممسك أو الميعة الممسكة ثم يفصد‪.‬‬

‫وأما صـ ــاحب تولد المـ ــرار فيجب أن يتقيأ بسـ ــقي مـ ــاء حـ ــار كثـ ــير مع‬
‫الســكنجبين ثم يطعم لقمـاً ويــراح يســيراً ثم يفصد ويحتــاج أن يتــدارك‬
‫بــدل ما يتحآل من الــدم الجيد إن كــان قويـاً بالكبــاب على نقله فإنه إن‬
‫انهضم غ ــذى غ ــذاء كث ــيراً جي ــداً ولكن يجب أن يك ــون أقل ما يك ــون‬
‫فــإن المعــدة ضــعيفة بســبب الفصد وقد يفصد العــرق لمنع نــزف الــدم‬
‫من الرعــاف أو الــرحم أو المقعــدة أو الصــدر أو بعض الخراجــات بــأن‬
‫يجذب الدم إلى خالف تلك الجهة‪.‬‬
‫وهذا عالج قــوي نــافع ويجب أن يكــون البضع ضــيقاً جــداً وأن تكــون‬
‫المرات كثيرة ال في يوم واحد إال أن تضطر الضــرورة بل في يــوم بعد‬
‫يوم وكل مرة يقلّل ما أمكن‪.‬‬

‫وبالجملة فـ ــإن تكثـ ــير أعـ ــداد الفصد أوفق من تكثـ ــير مقـ ــداره والفصد‬
‫ال ــذي لم تكن إليه حاجة يهيج الم ــرار ويعقب جف ــاف اللس ــان ونح ــوه‬
‫فليت ـ ــدارك بم ـ ــاء الش ـ ــعير والس ـ ــكر ومن أراد التثنية ولم يع ـ ــرض له من‬
‫الفصـ ــدة األولى مضـــرة فـــالج ونحـ ــوه فيجب أن يفصد العـــرق من إليه‬
‫ط ـ ـ ــوالً ليمنع حركة العضل عن التحامه وأن يوسع وإن خيف مع ذلك‬
‫االلتح ـ ــام بس ـ ــرعة وضع عليه خرقة مبلولة ب ـ ــزيت وقليل ملح وعصب‬
‫فوقها وأن دهن مبضـ ــعه عند الفصد منع سـ ــرعة االلتحـ ــام وقلل الوجع‬
‫وذلك هو أن يمسح عليه ال ــزيت ونح ــوه مس ــحاً خفيفـ ـاً أو يغمس في‬
‫الزيت ثم يمسح بخرقة‪.‬‬

‫والنـ ــوم بين الفصد والتئنية يسـ ــرع التحـ ــام البضع وتـ ــذكر ما قلنـ ــاه من‬
‫االسـ ـ ــتفراغ في الشـ ـ ــتاء بالـ ـ ــدواء أنه يجب أن يرصد له يـ ـ ــوم جنـ ـ ــوبي‬
‫فكذلك الفصد‪.‬‬

‫واعلم أن فصد الموسوسين والمجانين والذين يحتاجون إلى فصد في‬


‫الليل في زم ــان النـــوم يجب أن يك ــون ض ــيقاً لئالّ يح ــدث نـــزف ال ــدم‬
‫وكذلك كل من ال يحتاج إلى التثنية‪.‬‬
‫واعلم أن التثنية تؤخر بمقدار الضعف فإن لم يكن هنــاك ضــعف فغايته‬
‫ساعة والمراد من إرسال دمه الجذب يوماً واحداً‪.‬‬

‫والفصد المــورب أوفق لمن يريد التثنية في اليــوم والمعــرض لمن يريد‬
‫التثنية في الـ ــوقت والمطـ ــول لمن ال يريد االقتصـ ــار على تثنية واحـ ــدة‬
‫ومن عزمه أن يتر ّشح عدة أيام كل يوم وكلما كـان الفصد أكــثر وجعـاً‬
‫كان أبطأ التحاماً‪.‬‬

‫واالس ـ ــتفراغ الكث ـ ــير في التثنية يجلب الغشي إال أن يك ـ ــون قد تن ـ ــاول‬
‫المثني شيئاً‪.‬‬

‫والنـ ـ ــوم بين الفصد والتثنية يمنع أن ينـ ـ ــدفع في الـ ـ ــدم من الفضـ ـ ــول ما‬
‫ينجذب النجذاب األخالط بالنوم إلى غور البدن‪.‬‬

‫ومن منافع التثنية حفظ قوة المفصود مع اسـتكمال اسـتفراغه الــواجب‬


‫له وخير التثنيه ما أخر يومين وثالثة‪.‬‬

‫والنوم بقرب الفصد ربما أحدث انكساراً في األعضاء‪.‬‬

‫س ـ ـر الفصد بما يغلظ من الجلد ويلينه‬


‫واالسـ ــتحمام قبل الفصد ربما ع َ‬
‫ويهيئه للزلق إال أن يكون المفتصد شديد غلظ الدم‪.‬‬

‫والمفتصد ينبغي له أن ال يقــدم على امتالء بعــده بل يتــدرج فى الغــذاء‬


‫ويس ـ ـ ـ ــتلطفه أوالً وك ـ ـ ـ ــذلك يجب أن ال يرت ـ ـ ـ ــاض بع ـ ـ ـ ــده بل يميل إلى‬
‫االس ــتلقاء وأن ال يس ــتحم بع ــده اســـتحماماً محلالً ومن افتصد وت ــورم‬
‫عليه اليد افتصد من اليد اآلخــرى مقــدار االحتمــال ووضع عليه مــرهم‬
‫االسـ ـ ــفيداج وطلى حواليه بـ ـ ــالمبردات القوية وإذا افتصد من الغـ ـ ــالب‬
‫على بدنه األخالط ص ـ ـ ــار الفصد علة لث ـ ـ ــوران تلك األخالط وجريانها‬
‫واختالطها فيحوج إلى فصد متواتر والدم السوداوي يحـوج إلى فصد‬
‫متــواتر فيخف الحــال في الحــال ويعقب عند الشــيخوخة أمراض ـاً منها‬
‫السـ ــكتة والفصد كثـ ــيراً ما يهيج الحميّـ ــات وتلك الحميـ ــات كثـ ــيرًأ ما‬
‫تتحلل العفونـ ــات وكل صـ ــحيح افتصد فيجب أن يتنـ ــاول ما قلنـ ــاه في‬
‫باب الشراب‪.‬‬

‫واعلم أن العروق المفصودة بعضها أوردة وبعضــها شــرايين والشــرايين‬


‫ـل‬
‫تفصد في األقل ويتـ ــوقى ما يقع فيها من الخطر من نـ ــزف الـ ــدم وأقـ ـ ّ‬
‫أحواله أن يح ــدث أنورس ــما وذلك إذا ك ــان الشق ض ــيقاً ج ــداً إال أنها‬
‫إذا أمن ن ــزف ال ــدم منها ك ــانت عظيمة النفع في أم ــراض خاصة تفصد‬
‫هي ألجلها وأكـ ــثر نفع فصد الشـ ــريان إنما يكـ ــون إذا كـ ــان في العضو‬
‫المج ــاور له أع ــراض رديئة س ــببها دم لطيف ح ــاد ف ــإذا فصد الش ــريان‬
‫المجـ ـ ـ ـ ــاور له ولم يكن مما فيه خطر كـ ـ ـ ـ ــان عظيم المنفعة والعـ ـ ـ ـ ــروق‬
‫المفص ـ ــودة من اليد أما األوردة فس ـ ــتة‪ :‬القيف ـ ــال واألكحل والباس ـ ــليق‬
‫وحبل ال ـ ــذراع واألس ـ ــيلم وال ـ ــذي يخص باسم اإلبطي وهو ش ـ ــعبة من‬
‫الباسليق وأصلها القيفال‪.‬‬
‫ويجب في جميع الثالثة أن يفتح فـ ـ ـ ــوق المـ ـ ـ ــأبض ال تحته وال بحذائه‬
‫ليخرج الدم خروجاً جيداً كما يتروق ويؤمن أفــات العصب والشــريان‬
‫وكــذلك القيفــال وفصــده الطويل أبطأ اللتحامه ألنه مفصــلي وفي غــير‬
‫المفص ـ ــلي األمر ب ـ ــالخالف وع ـ ــرق النسا واألس ـ ــيلم وع ـ ــروق أخ ـ ــرى‬
‫يتنحى في القيفـ ــال‬
‫األصـ ــوب أن يفصد فيها طـ ــوالً ومع ذلك ينبغي أن ّ‬
‫عن رأس العضـــلة إلى موضع اللين ويوسع بضـــعه وال يتبع بضع بضـ ــعاً‬
‫ف ـ ـ ـ ــيرم وأك ـ ـ ـ ــثر من وقع عليه الخطأ في موضع فصد القيف ـ ـ ـ ــال لم يقع‬
‫بضـ ــربة واحـ ــدة وأن عظمت بل إنما تحـ ــدث النكاية بتكرير الضـ ــربات‬
‫وإبطــاء فصــده التحامـاً هو الــذي في الطــول ويوسع فصــده إن أريد أن‬
‫يثـ ـ ــني وإذا لم يوجد هو طلب بعض شـ ـ ــعبه الـ ـ ــتي في وحشي السـ ـ ــاعد‬
‫واألكحل فيه خطر للعص ــبة ال ــتي تحته وربما وقع بين عص ــبتين فيجب‬
‫أن يجتهد ليفصد ط ـ ــوالً ويعلق فص ـ ــده وربما ك ـ ــان فوقه عص ـ ــبة رقيقة‬
‫مممـ ـ ــدودة كـ ـ ــالوتر فيجب أن يتعـ ـ ــرف ذلك ويحتـ ـ ــاط من أن تصـ ـ ــيبها‬
‫الضربة فيحدث خدر مزمن‪.‬‬

‫ومن كان عرقه أغلظ فهذه الشعبة فيه أبين والخطأ فيه أشد نكاية فإن‬
‫وقع الغلط فأصــيبت تلك العصــبة فال تلحم الفصد وضع عليه ما يمنع‬
‫التحامه وعالجه بعالج جراحـ ـ ـ ــات العصب وقد قلنا فيها في الكتـ ـ ـ ــاب‬
‫الرابع‪.‬‬
‫مبرداً من أمثال عصارة عنب الثعلب والصندل بل‬
‫وإياك أن تقرب منه ً‬
‫مرخ نواحيه والبدن كله بالدهن المسخن‪.‬‬

‫وحبل الذراع أيضاً األصوب فيه أن يفصد مورباً إال أن يكــون مراوغـاً‬
‫من الجانبين فيفصد طوالً‪.‬‬

‫والباس ــليق عظيم الخطر لوق ــوع الش ــريان تحته فاحتط في فص ــده ف ــإن‬
‫الشريان إذا انفتح لم يرقأ الدم أو عسر رقوه‪.‬‬

‫ومن الناس من يكتنف باسليقه شريانان فإذا أعلم على أحدهما ظن أنه‬
‫قد أمن فربما أصـ ــاب الثـ ــاني فعليك أن تتعـ ــرف هـ ــذا وإذا عصب ففي‬
‫أكــثر األمر يعــرض هنــاك انتفــاخ تــارة من الشــريان وتــارة من الباســليق‬
‫فكيف كان فيجب أن تحل الرباط ويمسح النفخ مسحاً برفق ثم يعــاد‬
‫العصب فإن عاد أعيد إليك فــإن لم يغن فما عليك لو تــركت الباســليق‬
‫وفص ــدت الش ــعبة المس ــماة باإلبطية وهي ال ــتي على أنسي الس ــاعد إلى‬
‫أســفل وكثــيراً ما يغلط النفخ وكثــيراً ما يســكن الربط والنفخ من نبض‬
‫الشريان ويعليه ويشهقه فيظن وريداً فيفصد‪.‬‬

‫وإذا ربطت أي عـ ـ ــرق كـ ـ ــان فحـ ـ ــدث من الربط عليه أشـ ـ ــباه العـ ـ ــدس‬
‫والحمص فافعل به ما قلنا في الباس ـ ـ ـ ـ ــليق والباس ـ ـ ـ ـ ــليق كلما انحططت‬
‫فيفصده إلى الذراع فهو أسلم‪.‬‬
‫وليكن مسـ ـ ـ ــلك المبضع في خالف جهة الشـ ـ ـ ــريان من العـ ـ ـ ــرق وليس‬
‫الخطأ في الباسليق من جهة الشــريان فقط بل تحته عضــلة وعصــبة يقع‬
‫الخطأ بسببهما‪.‬‬

‫أيضاً قد خبرنــاك بهــذا وعالمة الخطأ في الباســليق وإصــابة الشــريان أن‬


‫يخــرج دم رقيق أشــقر يثب وثب ـاً ويلين تحت المجسة وينخفض فبــادر‬
‫حينئذ وألقم فم المبضع شـ ـ ـ ــيئاً من وبر األرنب مع شـ ـ ـ ــيء من دقـ ـ ـ ــاق‬
‫الكنـ ـ ــدر ودم األخـ ـ ــوين والصـ ـ ــبر والمر وتضع على الموضع شـ ـ ــيئاً من‬
‫القلقطـ ــار الـ ــزاج وتـ ــرش عليه المـ ــاء البـ ــارد ما أمكن وتشـ ــقه من فـ ــوق‬
‫الفصد وتربطه ربطـاً بشد حـابس فـإذا احتبس فال تحل الشد ثالثة أيـام‬
‫وبعد الثالثة يجب عليك أن تحتـ ـ ـ ــاط أيض ـ ـ ـ ـاً ما أمكن وضـ ـ ـ ــمد ِ‬
‫الناحية‬
‫بــالموابض وكثــير من النــاس يبــتر شــريانه وذلك ليتقلص العــرق وينطبق‬
‫عليه الدم فيِحبسه وكثير من النــاس مــات بســبب نــزف الــدم ومنهم من‬
‫مــات بســبب ربط العضو وشــدة وجع الربط الــذي أريد بشــده منع دم‬
‫الشريان حتى صار العضو إلى طريق الموت‪.‬‬

‫واعلم أن ن ـ ـ ــزف ال ـ ـ ــدم قد يقع من األوردة أيضـ ـ ـ ـاً واعلم أن القيق ـ ـ ــال‬
‫يس ــتفرغ ال ــدم أك ــثر من الرقبة وما فوقها وش ــيئاً قليالً مما دون الرقبة‬
‫وال يجــاوز حد ناحية الكبد والشراســيف وال تنقي األســافل تنقية يعت ـ ّد‬
‫بها واألكحل متو ّسـ ـ ـ ـ ـط الحكم بين القيف ـ ـ ـ ــال والباس ـ ـ ـ ــليق والباس ـ ـ ـ ــليق‬
‫يستفرغ من نواحي تنور البدن إلى أسفل التنور وجعل الذراع مشاكل‬
‫للقيفـال واألسـيلم يـذكر أنه ينفع األيمن منه من أوجـاع الكبد واأليسر‬
‫ّ‬
‫وجف وانقط ع بع د‬ ‫س َكن‬ ‫من أوجــاع الطحــال وأنه يفصد حــتى يرقأ الــدم بنفســه(‬
‫جريانه) ويحتـ ــاج أن توضع اليد من مفصـ ــوده في م ـ ــاء حـ ــار لئال يحتبس‬
‫الـ ــدم وليخـ ــرج بسـ ــهولة إن كـ ــان الـ ــدم ضـ ــعيف االنحـ ــدار كما هو في‬
‫األكثر من مفصودي األسيلم‪.‬‬

‫وأفضل فصد األسيلم ما كان طوالً‪.‬‬

‫واإلبطي حكمه حكم الباسليق‪.‬‬

‫وأما الشــريان الــذي يفصد من اليد اليمــنى فهو الــذي على ظهر الكف‬
‫ما ين السـبابة واإلبهـام وهو عجيب النفع من أوجــاع الكبد والحجــاب‬
‫المزمنة وقد رأى جــالينوس هــذا في الرؤيا إذ الرؤيا الصــادقة جــزء من‬
‫النبوة كـأن امــراً أمــره به لوجع كـان في كبـده ففعل فعـوفي وقد‬
‫أجزاء ّ‬
‫الكف مقارب المنفعه لمنقعته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يفصد شريان اخر أميل منه إلى باطن‬

‫ومن أحب فصد العـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرق من اليد فلم يتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأت فال يلحف في الكي‬
‫والعصب الش ــديد وتكرير البضع بل يتركه يومـ ـاً أو ي ــومين ف ــإن دعت‬
‫ضرورة إلى تكرير البضع ارتفع عن البضعة األولى وال ينخفض عنها‪.‬‬

‫والربط الش ــديد يجلب ال ــورم وتبريد الرف ــادة وترطيبها بم ــاء ال ــورد أو‬
‫بماء مبرد صالح موافق‪.‬‬

‫ويجب أن ال يزيل الرباط الجلد عن موضعه قبل الفصد وبعده‪.‬‬


‫واألب ـ ـ ــدان القض ـ ـ ــيفة يص ـ ـ ــير شذ الرب ـ ـ ــاط عليها س ـ ـ ــبباً لخالء الع ـ ـ ــروق‬
‫واحتبــاس الــدم عنها واألبــدان الســمينة بــاإلفراط فــإن اإلرخــاء ال يكــاد‬
‫يظهر العـ ـ ــرق فيها ما لم يشـ ـ ــتد وقد يتلطف بعض الفصـ ـ ــاد في إخفـ ـ ــاء‬
‫الوجع فيح ــدر اليد لش ــدة الربط وتركه س ــاعة ومنه من يمسح الش ــعرة‬
‫اللينة بالدهن‪.‬‬

‫يخف وجعه ويبطىء التحامه‪.‬‬


‫وهذا كما قلنا ّ‬

‫وإذا لم تظهر الع ــروق الم ــذكورة في اليد وظه ــرت ش ــعبها فلتغمز اليد‬
‫على الشـ ــعبة مسـ ــحاً فـ ــإن كـ ــان الـ ــدم عند مفارقة المسح ينصب إليها‬
‫بســرعة فينفخها فصــدت وإال لم تفصد وإذا أريد الغسل جــذب الجلد‬
‫ليسـ ـ ــتر البضع وغسل ثم رد إلى موضـ ـ ــعه وهنـ ـ ــدمت الرفـ ـ ــادة وخيرها‬
‫الكرية وعصـ ـ ــبت وإذا مـ ـ ــال على وجه البضع شـ ـ ــحم فيجب أن ينحى‬
‫ب ــالرفق وال يج ــوز أن يقطع وه ــؤالء ال يجب أن يطمع في تث ــنيتهم من‬
‫غــير بضع واعلم أن لحبس الــدم وشد البضع وقت ـاً محــدوداً وإن كــان‬
‫مختلفـ ـ ـ ـاً فمن الن ـ ـ ــاس من يحتمل ولو في حم ـ ـ ــاه أخذ خمسة أو س ـ ـ ــتة‬
‫أرطــال من الــدم ومنهم من ال يحتمل في الصــحة أخذ رطل لكن يجب‬
‫أن تراعي في ذلك أحواأل ثالثاً‪ :‬إحداها حقن الدم واســترخاؤه والثانية‬
‫لــون الــدم وربما غلط كثــيراً بــأن يخــرج أوالً ما خــرج منه رقيقـاً أبيض‬
‫وإذا كـ ــان هنـ ــاك عالمـ ــات اإلمتالء وأوجب الحـ ــال الفصد فال يغـ ــترن‬
‫بذلك وقد يغلظ لون الدم في صـاحب األورام ألن الــورم يجـذب الـدم‬
‫إلى نفسه والثالثة النبض يجب أن ال تفارقه فــإذا خــاف الحقن أن يغــير‬
‫لــون الــدم أو صــغر النبض وخصوص ـاً إلى ضــعف فــاحبس وكــذلك إن‬
‫عــرض عــارض تثــاؤب وتمط وفــواق وغثيــان فــإن أســرع تغيّر اللــون بل‬
‫الحقن فاعتمد فيه النبض وأسرع الناس صادرة إليه الغشي هم الحــارو‬
‫الم ـ ــزاج النح ـ ــاف المتخلخلو األب ـ ــدان وأبط ـ ــؤهم وقوعـ ـ ـاً في األب ـ ــدان‬
‫المعتدلة المكتنزة اللحم‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬يجب أن يكون مع الفصاد مباضع كثيرة ذات شعرة وغير ذات‬
‫ش ــعرة وذات الش ــعرة أولى ب ــالعروق الزوالة ك ــالوداج وأن تك ــون معه‬
‫كبة من خز وحرير ومقيأ من خشب أو ريش وأن يك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون معه وبر‬
‫األرنب ودواء الصــبر والكنــدر ونافجة مسك ودواء المسك وأقــراض‬
‫المسك حتى إذا عرض غشي وهو أحد ما يخــاف في الفصد وربما لم‬
‫يفلح صاحبه بادر فألقمه الكبة وقيأه باآللة وشــممه النافجة وجرعه من‬
‫دواء المسك أو أقراصه ش ـ ــيئاً فتنتعش قوته وإن ح ـ ــدث بثق دم ب ـ ــادر‬
‫ـل ما يع ــرض الغشي وال ــدم‬
‫فحس ــبه ب ــوبر األرنب ودواء الكن ــدر وما أق ـ ّ‬
‫بعد في طريق الخــروج بل إنما يعــرض أكــثره بعد الحبس إال أن يفــرط‬
‫على أنّه ال يب ـ ـ ــالي من مقاربة الغشي في الحمي ـ ـ ــات المطبقة ومب ـ ـ ــادىء‬
‫السـ ـ ـ ـ ــكتة والخوانيق واألرام الغليظة العظيمة المهلكة وفي األوجـ ـ ـ ـ ــاع‬
‫الش ــديدة وال نعمل ب ــذلك إال إذا ك ــانت الق ــوة قوية فقد اتفق علينا أن‬
‫بسطنا القول بعد القــول في عــروق اليد بســطاً في معــان أخــرى ونســينا‬
‫عروق الرجل وعروقاً أخرى فيجب علينا أن نصل كالمنا بها فنقول‪:‬‬
‫‪ ‬أما عروق الرجل فمن ذلك عــرق النسا ويفصد من الجــانب الوحشي‬
‫عند الكعب إما تحته وإما فوقه من ال ــورك إلى الكعب ويلف بلفافة أو‬
‫بعصــابة قوية فــاألولى أن يســتحم قبله واألصــوب أن يفصد طــوالً وإن‬
‫خفي فصد من شــعبة ما بين الخنصر والبنصر ومنفعة فصد عــرق النسا‬
‫في وجع عرق النسا عظيمة‪.‬‬

‫وكذلك في النقرس وفي الدوالي ودواء الفيل‪.‬‬

‫وتثنية عرق النسا صعبة‪.‬‬

‫ومن ذلك أيضـ ـ ـاً الص ـ ــافن وهو على الج ـ ــانب اإلنسي من الكعب وهو‬
‫أظهر من عــرق النسا ويفصد الســتفراغ الــدم من األعض ــاء الــتي تحت‬
‫الكبد وإلمالة الدم من النواحي العالية إلى السافلة ولذلك يدر الطمث‬
‫بقوة ويفتح أفواه البواسير‪.‬‬

‫والقياس يوجب أن يكون عرق النسا والصافن متشابهي المنفعة ولكن‬


‫التجربة ترجح تأثير الفصد في عــرق النسا في وجع عــرق النسا بشــيء‬
‫كثير وكان ذلك للمحاذاة !!! ‪.‬‬

‫وأفضل فصد الصـ ــافن أن يكـ ــون مورب ـ ـاً إلى العـ ــرض ومن ذلك عـ ــرق‬
‫مـ ــأبض الركبة يـ ــذهب مـ ــذهب الصـ ــافن إال أنه أقـ ــوى من الصـ ــافن في‬
‫إدرار الطمث وفي أوجـ ـ ــاع المقعـ ـ ــدة والبواسـ ـ ــير‪...‬ومن ذلك العـ ـ ــرق‬
‫الذي خلف العرقوب وكأنه شعبة من الصافن ويذهب مذهبه‪.‬‬
‫وفصد عــروق الرجل بالجملة نــافع من األمــراض الــتي تكــون عن مــواد‬
‫مائلة إلى ال ــرأس ومن األم ــراض الس ــوداوية وتض ــعيفها للق ــوة أش ـ ّد من‬
‫تضعيف فصد عروق اليد‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وأما العـ ــروق المفصـ ــودة الـ ــتي في الـ ــرأس وهـ ــذه العـ ــروق منها أوردة‬
‫ومنها شرايين‪:‬‬

‫فـــاألوردة مثل عـــرق الجبهة وهو المنتصب ما بين الحـ ــاجبين وفص ــده‬
‫ينفع من ثقل الـ ــرأس وخصوص ـ ـاً في مـ ــؤخره وثقل العيـ ــنين والصـ ــداع‬
‫الدائم المزمن والعرق الذي على الهامة يفصد للشقيقة وقــروح الــرأس‬
‫وعرقا الصدغين الملتويان على الصــدغين وعرقا المــأقين وفي األغلب‬
‫ال يظه ـ ــران إال ب ـ ــالخنق‪ .‬ويجب أن ال تغ ـ ــور البضع فيهما فربما ص ـ ــار‬
‫ناص ـ ــوراً وإنما يس ـ ــيل منها دم يس ـ ــير‪ .‬ومنفعة فص ـ ــدهما في الص ـ ــداع‬
‫والشــقيقةـ والرمد المــزمن والدمعة والغشــاوة وجــرب األجفــان وبثورها‬
‫والعشا ‪.‬‬

‫وثالثة عــروق صــغار موضــعها وراء ما يــدق طــرف األذن عند اإللصــاق‬
‫بشـ ــعره‪.‬ـ وأحد الثالثة أظهر ويفصد من ابتـ ــداء الم ـ ــأق وقبـ ــول ال ـ ــرأس‬
‫لبخارات المعدة وبنفع كذلك من قــروح األذن والقفا ومــرض الــرأس‪.‬‬
‫وينكر " ج ـ ـ ــالينوس " ما يق ـ ـ ــال‪ :‬أن ع ـ ـ ــرقين خلف األذنين يفص ـ ـ ــدهما‬
‫المتبتلون ليبطل النسل ‪.‬‬
‫ومن ه ــذه األوردة الوداج ــان وهما إثن ــان يفص ــدان عند ابت ــداء الج ــذام‬
‫والخنــاق الشــديد وضــيق النفس والربو الحــاد وبحة الصــوت في ذات‬
‫الرئة والبهق الكـ ـ ــائن من كـ ـ ــثرة دم حـ ـ ــار وعلل الطحـ ـ ــال والجنـ ـ ــبين ‪،‬‬
‫ويجب على ما خبرنا عنه قبل أن يك ــون فص ــدهما بمبضع ذي ش ــعرة‪.‬‬
‫وأما كيفية تقييـ ــده فيجب أن يميل فيه الـ ــرأس إلى ض ـ ـ ّد جـ ــانب الفصد‬
‫ليث ـ ــور الع ـ ــرق ويتأمل الجهة ال ـ ــتي هي أشد زواالً فيؤخذ من ضذ تلك‬
‫الجهة ويجب أن يك ـ ــون الفصد عرضـ ـ ـاً ال ط ـ ــوالً كما يفعل بالص ـ ــافن‬
‫وعرق النسا ومع ذلك فيجب أن يقع فصده طوالً‪.‬‬

‫ومنها العــرق الــذي في األرنبة وموضع فصــده هو المتشــقق من طرفها‬


‫الــذي إذا غمز عليه باألصــبع تفــرق بــاثنين وهنــاك يبضع والــدم الســائل‬
‫منه قليــل‪ .‬وينفع فصــده من الكلف وكــدورة اللــون والبواســير والبثــور‬
‫التي تكون في األنف والحكة فيه لكنه أحـدث حمـرة لـون مزمنة تشـبه‬
‫السعفة ويفشو في الوجه فتكون مضرته أعظم من منفعته كثيراً‪.‬‬

‫والعــروق الــتي تحت الخششا مما يلي النقــرة نــافع فصــدها من الس ـ َد ِر‬
‫الكـ ـ ـ ـ ــائن من ال ـ ـ ـ ــدم اللطيف واألوج ـ ـ ـ ــاع المتقادمة في الـ ـ ـ ـ ــرأس ومنها‬
‫الجهـــاررك وهي عـــروق أربعة على كل شـــقة منها زوج فينفع فص ــدها‬
‫من ق ـ ـ ـ ـ ــروح الفم والقالع وأوج ـ ـ ـ ـ ــاع اللثة وأورأمها واس ـ ـ ـ ـ ــترخائها أو‬
‫قروحها والبواسـ ــير والشـ ــقوق فيها ومنها العـ ــرق الـ ــذي تحت اللسـ ــان‬
‫على بـ ــاطن الـ ــذقن ويفصد في الخوانيق وأورام اللـ ــوزتين ومنها عـ ــرق‬
‫تحت اللس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان نفسه يفصد لثقل‬
‫اللسان الذي يكون من الــدم ويجب‬
‫أن يفصد طـ ـ ــوالً فـ ـ ــإن فصد عرض ـ ـ ـاً‬
‫صعب رقاء دمه ومنها عرق عند العنفقة يفصد للبخر ومنها عــرق اللثة‬
‫يفصد في معالجات فم المعدة‪.‬‬

‫وأما الشـ ــرايين الـ ــتي في الـ ــرأس فمنها شـ ــريان الصـ ــداغ قد يفصد وقد‬
‫يبــتر وقد يسل وقد يكــوى ويفعل ذلك لحبس النــوازل الحــادة اللطيفة‬
‫المنصبة إلى العينين والبتداء االنتشار‪.‬‬

‫والشريانان اللذان خلف األذنين ويفصدان ألنواع الرمد وابتــداء المــاء‬


‫والغشـ ـ ــاوة والعشا والصـ ـ ــداع المـ ـ ــزمن وال يخلو فصـ ـ ــدهما عن خطر‬
‫ويبطؤ معه االلتحام‪.‬‬

‫وقد ذكر " جالينوس " أن مجروحاً في حلفه أصيب شريانه وسال منه‬
‫دم بمق ــدار ص ــالح فتداركه " ج ــالينوس " ب ــدواء الكن ــدر والص ــبر ودم‬
‫األخـ ــوين والمر فـ ــاحتبس الـ ــدم وزال عنه وجع مـ ــزمن كـ ــان في ناحية‬
‫وركه‪.‬‬

‫ومن الع ـ ـ ــروق ال ـ ـ ــتي تفصد في الب ـ ـ ــدن عرق ـ ـ ــان على البطن‪ :‬أح ـ ـ ــدهما‬
‫موضــوع على الكبد واآلخر موضــوع على الطحــال ويفصد األيمن في‬
‫االستسقاء واأليسر في علل الطحال‪.‬‬
‫واعلم أن الفصد له وقتان‪ :‬وقت اختيار ووقت ضرورة‪.‬ـ‬

‫ف ـ ــالوقت المخت ـ ــار فيه ض ـ ــحوة النه ـ ــار بعد تم ـ ــام الهضم والنفض وأما‬
‫وقت االضـ ــطرار فهو الـ ــوقت المـ ــوجب الـ ــذي ال يسـ ــوغ تـ ــأخيره وال‬
‫يلتفت فيه إلى سبب مانع‪.‬‬

‫واعلم أن المبضع الك ــال كث ــير المض ـ ّـرة فإنه يخطىء فال يلحق وي ــورم‬
‫ويوجع فإذا أعملت المبضع فال تدفعه باليد غمزاً بل برفق باالختالس‬
‫لتوصل ط ـ ــرف المبضع حشو الع ـ ــروق وإذا أعنفت فكث ـ ــيراً ما ينكسر‬
‫رأس المبضع انكســاراً خفيـاً فيصــير زآلق ـاً يجــرح العــرق فــإن ألححت‬
‫بفصدك زدت شراً‪.‬‬

‫ولـ ــذلك يجب أن يجـ ــرب كيفية علـ ــوق المبضع بالجلد قبل الفصد به‬
‫وعند معـ ــاودة ضـ ــربه إن أردتها واجتهد أن تمأل العـ ــرق وتنفخه بالـ ــدم‬
‫فحينئذ يكون الزلق والزوال أقل‪.‬‬

‫فـإذا استعصى العــرق ولم يظهر امتالؤه تحت الشد فحله وشـ ّده مــراراً‬
‫وامسـحه وانـزل في الضــغط واصــعد حـتى تنبهه وتظهـره وتجــرب ذلك‬
‫بين قبض أصــبعين على موضع من المواضع الــتي تعلم امتــداد العــروق‬
‫تحس‬
‫فبهما تحبس وت ــارة تحبس بأح ــدهما وتس ــيل ال ــدم ب ــاآلخر ح ــتى ّ‬
‫ب ـ ــالواقف فشـ ـ ـ ّده عند اإلش ـ ــالة وج ـ ــوزه عند التخلية ويجب أن يك ـ ــون‬
‫لـ ــرأس المبضع مس ـ ــافة ينفذ فيها غـ ــير بعيـ ــدة فيتعـ ــداها إلى ش ـ ــريان أو‬
‫عصب وأشد ما يجب أن يمأل حيث يكون العرق أد ّق‪.‬‬
‫وأما أخذ المبضع فينبغي أن يك ــون باإلبه ــام والوس ــطى وت ــترك الس ــبابة‬
‫للجس وأن يقع األخذ على نصف الحديـ ـ ـ ــدة وال يأخـ ـ ـ ــذه فـ ـ ـ ــوق ذلك‬
‫فيكــون التمكن منه مضــطرباً وإذا كــان العــرق يــزول إلى جــانب واحد‬
‫فقابله بالربط والض ــبط من ضـ ـ ّد الج ــانب وإن ك ــان ي ــزول إلى ج ــانبين‬
‫سواء فاجتنب فصده طوالً‪.‬‬

‫واعلم أن الشد والغمز يجب أن يكون بقدر أحـوال الجلد في صــالبته‬


‫وغلظه وبحسب كثرة اللحم ووفوره‪.‬‬

‫والتقييد يجب أن يك ـ ـ ــون قريبـ ـ ـ ـاً وإذا أخفى التقييد الع ـ ـ ــرق فعلم عليه‬
‫واحذر أن يزول عن محاذاة العالمة عرقك في التقييد ومع ذلك فعلق‬
‫الفصد وإذا استعصى عليك العـ ـ ـ ــرق وإشـ ـ ـ ــهاقه فشق عنه في األبـ ـ ـ ــدان‬
‫القض ــيفة خاصة واس ــتعمل الس ــنارة ووق ــوع التقييد والشد عند الفصد‬
‫يمنع امتالء العرق‪.‬‬

‫واعلم أن من يعـ ـ ــرق كثـ ـ ــيراً بسـ ـ ــبب االمتالء فهو محتـ ـ ــاج إلى الفصد‬
‫وكثـ ــيراً ما وقع للمحمـ ــوم المصـ ــدوع المـ ــدبر في بابه بالفصد إسـ ــهال‬
‫طبيعي فاستغنى عن الفصد قطعاً‪.‬‬

You might also like